نهاية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 297

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫قال تعالى‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ه(‬
‫سن َ ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫عو َ‬ ‫ل‪َ ،‬‬
‫في َت ّب ِ ُ‬ ‫و َ‬
‫ق ْ‬ ‫عو َ‬‫م ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫عَباِد ‪ ،‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫) َ‬
‫فب َ ّ‬
‫) الزمر (‬

‫كتاب‬

‫نهاية إسرائيل والوليات‬


‫المتحدة المريكية‬
‫من ومتى وكيف‬
‫دراسة تحليلية في القران والسنة والتوراة والنجيل‬

‫حقوق النشر متاحة للجميع‬

‫خالد عبد الواحد‬

‫‪1‬‬
‫الجزء الول‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫البداية‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫صلناه تفصيل‬
‫وكل شيء ف ّ‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫فلسطين عبر التاريخ‬

‫‪2‬‬
‫البداية‬
‫قبل عدة سنوات ‪ ،‬كنت قد قرأت كتاب ) أحجار على رقعيية الشييطرنج ( للدميييرال الكنييدي ) وليييام كييار ( حيييث‬
‫يؤكد المؤلف في هذا الكتاب بالشواهد والدلة سيطرة اليهود على واقعنا المعاصيير ‪ .‬بعييد قراءتييي لهييذا الكتيياب ‪،‬‬
‫وبالنظر لما يجري على أرض الواقع ‪ ،‬تملكتني حالة من اليأس والقنوط ‪ .‬فأحلمنا وأمانينا إذا ما سار النيياس ميين‬
‫ططه وينفذه اليهود – وهم سائرون وما زالوا – أصبحت هبيياًء منثييورا ‪ ،‬وستسييير المييور‬ ‫حولنا على هدي ما ُيخ ّ‬
‫إلى السوأ يوما بعد يوم حتى يرث ال الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫لم أكن أعلم آنذاك أن بعد كل هذا الكفر والظلم والفساد الذي استفحل في الرض ‪ ،‬وأخذ ينتشر في أرض السييلم‬
‫والعروبة انتشار النار في الهشيم ‪ ،‬بعد أن ُمحيت آثار العيب والحرام ميين مفييردات قيياموس أهلهييا ‪ ،‬سييتظهر فييي‬
‫آخر الزمان خلفة راشدة على منهاج النبوة ُتعيد هذه المة للحياة من جديد ‪ ،‬فأحاديث الفتن ومييا يكييون بييين يييد ّ‬
‫ي‬
‫الساعة لم تكن معروفة للعامة قبل سنوات قليلة ‪ ،‬ولم تلق أي اهتمام كييون السيياعة بعيييدة عنييا – حسييبما نحييب أن‬
‫تكون – كل البعد ‪ .‬ومؤخرا بدأ كثير من الدارسين والباحثين ‪ ،‬يخوضون غمار ما جاء فيها من أحاديث ‪ ،‬منّبهين‬
‫لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ومحّذرين من قرب أشراطها الكبرى ‪.‬‬
‫معرفتي بوجود تلك الخلفة ‪ ،‬التي ستقطع الطريق على أصييحاب المييؤامرة اليهودييية العالمييية ‪ ،‬وتلغييي أحلمهييم‬
‫بسيادة العالم من القدس ‪ ،‬كانت لي بمثابة الضوء في آخر النفق ‪ ،‬تلك المعرفة الجديدة أعادت لي المييل ‪ ،‬بعييد أن‬
‫تملكني الكثير من اليأس والقنوط من أحوال أمتي العجيبة ‪ .‬اعترتني حالة ميين الفضييول فييأردت معرفيية المزيييد ‪،‬‬
‫ي من كتب علييى مختلييف مواضيييعها ‪ ،‬ميين‬ ‫حيث ساعدني حبي القديم للمطالعة ‪ ،‬فعّدت لمطالعة كل ما يقع بين يد ّ‬
‫عقيدة وفقه وسيرة وتاريخ فضل عن القرآن العظيم وتفسيييره ‪ ،‬فتيبين ليي أن العلييم والمعرفية يهتكييان الكيثير ميين‬
‫أستار الجهل بأمور الحياة الخرى ‪ ،‬ويزداد المرء بهما إيمانا ويقينا وصيلة بربيه وثباتيا عليى دينيه فيازددت حبيا‬
‫للمعرفة والمتابعة ‪.‬‬
‫شملت مطالعاتي في تلك الثناء ‪ ،‬بعض الكتب التي تناولت سيرة المهدي ‪ ،‬وأكثر ما حاز على اهتمامي ميين هييذه‬
‫الحاديث ‪ ،‬ما يتعلق بالمهدي وظهوره والمعارك التي سيخوضها ‪ .‬وبعد تحليلي لتلك الحيياديث ومحاوليية الربييط‬
‫فيما بينها ‪ ،‬تبين لي بأن دولة إسرائيل الحالية لن تكون موجودة عنييد ظهيور أميره ‪ ،‬وأن المهييدي سييدخل القيدس‬
‫وبلد الشام ككل بل حرب ‪ ،‬فتبادر إلى ذهني بعض التسيياؤلت ‪ ،‬الييتي كييان ل بييد لييي ميين الجابيية عليهييا بييدافع‬
‫الفضول في البداية ‪ ،‬وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا في اختفائها ؟‬
‫كنت سابقا أعتقد – كما كييان ومييا زال – يعتقييد عامية المسييلمين الييوم ‪ ،‬أن الطرييق إليى تحريير القييدس سييتكون‬
‫بالوحدة العربية ‪ ،‬وهذا بل شك ضرب من الخيال ‪ ،‬أو بالعودة إلى السلم وقيام الخلفيية السييلمية وهييذا أيضييا‬
‫أمر بعيد المنال ‪ ،‬والواقع ل ينبئ بذلك فاليهود الن يسيطرون علييى مجريييات المييور ‪ ،‬أكييثر ممييا نسيييطر علييى‬
‫زوجاتنا وأولدنا ‪ ،‬فهم يراقبون وُيحاربون أي جسم مسلم أو عربي ‪ ،‬تحول من حالة السكون إلى الحركة ‪ ،‬وكييل‬
‫المحاولت السلمية والقومية العربييية النهضييوية ‪ُ ،‬وئدت واشيُتريت وبيعييت فييي سييوق النخاسيية ‪ ،‬فل أمييل فييي‬
‫المنظور القريب حسب ما نراه على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وأما إسرائيل فعلى ما يبدو أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ‪ ،‬تمتييص دميياء قلوبنييا وتعيّد عليهييا نبضيياتها ‪ ،‬لتثبييت‬
‫للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم يأتي وينظر ويهّز رأسه موافقا ويمضي مطمئنييا ‪ ،‬نعييم إنهييم مييا زالييوا أحييياء !‬
‫وكأن العالم ينتظر منا أن نموت أو نفنى ‪ ،‬فيستيقظ يوما ما فل فلسطين ول فلسطينيون ‪ ،‬ليرتاح ميين تلييك المهميية‬
‫الثقيلة والمضنية ‪ ،‬التي ُرميت على كاهله – وكأنه بل خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة لعملييية‬
‫احتضار شعب ُأدخل إلى قسم العناية الحثيثة منذ أكثر من ‪ 50‬عاما وما زال حيا ‪.‬‬
‫وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلث سنوات – ولغاييية هييذه اللحظيية ‪ ،‬فإنييك تييراه يقييول بييأن إسييرائيل سييتبقى ‪ .‬ولكيين‬
‫الحاديث النبوية الشريفة ترفض ما يقوله الواقع ‪ ،‬وتؤكد زوالها قبل ظهور المهدي والخلفيية السييلمية ‪ ،‬ولكيين‬
‫كيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ وللجابة على هذه السئلة كان ل بد من البحث ومن هناك وقبل ثلث سنوات تقريبا كانت‬
‫البداية ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ما يملكه عاّمة المسلمين في بلدنا من معتقدات فيما يتعّلق بتحرير فلسطين ‪ ،‬يتمحور حول ثلثة عبارات تقريبا ‪،‬‬
‫هي ‪ :‬أول ؛ عبارة " شرقي النهر وهم غربيه " المشهورة لدينا بين فلسطينيي الشتات ‪ ،‬وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا‬
‫" ‪ ،‬وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " ‪ .‬والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات فيي مجملهيا ‪ ،‬حصيرت التحريير‬
‫بقيام الخلفة السلمية ‪ ،‬حتى أصييبحت مين المييور العقائدييية ‪ ،‬ويييؤمن بصييحتها الكييثير مين النيياس إن لييم يكين‬
‫الغلبية العظمى ‪.‬‬
‫أما حديث ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ويا مسلم يا عبد ال الذي غالبا ما نتدواله ‪ ،‬فهو يتحدث عيين مسييلمين‬
‫حقيقيين لن يتوفروا في ظل هذه الجواء على المدى القريب ‪ ،‬أو يتحيّدث عيين خلفيية إسييلمية ‪ ،‬وممييا أعلمييه أن‬
‫الخلفة السلمية لن تكون إل بظهور المهدي ‪ ،‬وخلف ذلك لم أجد في السنة النبوية من الحاديث ما يشييير إلييى‬
‫هذه الفترة ‪ ،‬فهي مغيبة تقريبا إل من حديث هنا أو هناك ‪.‬‬
‫في النصف الثاني من عام ‪1998‬م ‪ ،‬ومن خلل البحث الولي في العديد من المصادر أمسكت ببعض الخيييوط ‪،‬‬
‫التي قادتني بدورها إلى اليات التي تحكي قصة العلو والفساد اليهودي في سورة السراء ‪ ،‬فطفقت أسبر معيياني‬
‫ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬فتحصّلت على فهم جديد ليات هذه السورة ‪ ،‬يختلف تماما عيين معظييم مييا‬
‫تم طرحه سابقا ‪ ،‬ومن خلل هذا الفهم استطعت الجابة على معظم تساؤلتي ‪ ،‬وتساؤلت أخرى كييانت تييرد فييي‬
‫ذهني ‪ ،‬بين حين وآخر أثناء كتابتي لهذا البحث ‪.‬‬
‫عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه شفاها أمام الخرين ‪ ،‬وغالبا ما كانت أفكاري ُتجابه بالمعارضيية أحيانييا بعلييم‬
‫وأحيانا من غير علم ‪ ،‬وغالبا ما كان النقاش يأخذ وقتا طويل ‪ ،‬وكان هناك الكثير مميين يرغبييون بالمعرفيية ‪ ،‬كييل‬
‫حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ‪ ،‬وكانت الغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ‪ ،‬فالقناعات الراسخة لدى الغلبييية ‪،‬‬
‫مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ‪ ،‬والواقع الذي يرونييه بييأم أعينهييم يخييالف بصييريح العبييارة مييا أذهييب‬
‫إليه ‪.‬‬
‫والمشكلة أن المر جّد خطير ‪ ،‬فالواقع الجديد والمفاجئ الذي سيفرض نفسه خلل سنين قليلة ‪ ،‬عنييدما يييأتي أميير‬
‫ال ول ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما كانوا يعتقدون سيوقع الناس فييي الحيييرة والرتبيياك ‪ ،‬لتتلطييم الفكييار‬
‫والتساؤلت في الذهان تلطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟‬
‫صلت عليه ‪ ،‬وعلى نطاق أوسع من دائرة القارب والييزملء ‪.‬‬ ‫لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلع الناس على ما تح ّ‬
‫وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها إل أني حاولت جاهدا ‪ ،‬أن أصهر كل ما توصلت إليه مميا عّلمنيي ربيي‬
‫في بوتقة واحدة ‪ .‬تمّثلت في هذا الكتاب الذي بين أييديكم فييي أول محاولية لييي للكتابيية ‪ ،‬كمسيياهمة متواضييعة فيي‬
‫الدعوة إلى ال ونصرة لكتابه الكريم قبل أن يوضع على المحك ‪ ،‬عندما يتحّقق أحد أعظم النباء المستقبلية بشكل‬
‫مخالف ‪ ،‬لما اعتادوا أن من آراء وتفسيرات كثرت في الونة الخيرة ‪ ،‬تتناول ما ُتخبر عنه سييورة السييراء ميين‬
‫ي بني إسرائيل ‪.‬‬‫إفساد ّ‬
‫كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب في أسرع وقت ممكن ‪ ،‬بعد أن تأخرت سنتين وأكثر شغلتني فيهييا مشيياكل‬
‫الحياة الدنيا ومصائبها ‪ ،‬عن إخراج هذا الكتاب إلى حّيز الوجود ‪ ،‬ومن ثم لسعى ليصاله إلى أكبر عدد من أميية‬
‫السلم ‪ ،‬لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ‪.‬‬
‫فإن أصبت فمن ال وإن أخطأت فمن نفسي ول حول ول قوة إل بال‬
‫هذا الكتاب سيكون بإذن ال متوافرا باستمرار ‪ ،‬ضمن موقع خاص به على شبكة النييترنت ‪ ،‬وإن تع يّذر الييدخول‬
‫إليه لسبب أو لخر ‪ ،‬فبالمكان الوصييول إليييه عيين طريييق محييرك بحييث جوجييل ) ‪ ( www.google.com‬بكتابيية‬
‫عنوان الكتاب كامل أو أحد العبارات الموجودة على صفحة الغلف ‪ ،‬حيث تستطيع من خلل هذا الموقع ‪:‬‬
‫‪ .1‬الحصول على أحدث نسخة من الكتاب ‪.‬‬
‫‪ .2‬إبداء أي ملحظة أو استفسار ‪.‬‬
‫‪ .3‬متابعة أطروحات جديدة قد تصدر للمؤلف مستقبل ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪2001 / 7 / 20‬م _ ‪1422 / 4 / 29‬هي‬
‫المؤلف‬

‫‪5‬‬
‫تعقيب‬
‫من خلل ردود الفعال الولية لبعض الخوة ‪ ،‬سواء من قرأ أو من لم يقرأ الكتاب ‪ ،‬وجدنا أن الكثير ميين النيياس‬
‫تخلط ما بين أمرين ؛ المر الول ‪ :‬هو كشف الغيب الذي ل يعلمه إل ال ‪ ،‬وهو ما ل ندعيه في كتابنا هذا ونعوذ‬
‫بال من أن ندعيه ؛ والمر الثاني ‪ :‬هو قراءة وبيان وتفصيل ما هو مكشوف أصل في القرآن والسيينة ‪ ،‬ميين علييم‬
‫الغيب مما أوحى سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫ن ِفففي‬
‫ب َل َيْعَلُمَها ِإّل ُهَو ‪ 59 ) ... ،‬النعييام ( ‪ ،‬ويقيول ) ُقفْل َل َيْعَلفُم َمف ْ‬
‫ح اْلَغْي ِ‬
‫عْنَدُه َمَفاِت ُ‬
‫يقول سبحانه وتعالى ) َو ِ‬
‫ن )‪ 65‬النمل ( وقد جاء أسلوب النفي وميين ثييم الثبييات‬ ‫ن ُيْبَعُثو َ‬
‫ن َأّيا َ‬
‫شُعُرو َ‬
‫ل َوَما َي ْ‬ ‫ب ِإّل ا ُّ‬
‫ض اْلَغْي َ‬
‫ت َواَْلْر ِ‬
‫سَمَوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫في هذين الموضعين ليفيد الحصر ‪ ،‬أي حصر علم الغيب بال دون غيره ممن في السييموات والرض ‪ ،‬وهييذا مييا‬
‫يعلمه عامة الناس ويرددونه عن ظهر قلب ‪ ،‬وهذا مما ل خلف فيه ولكن السييؤال اليذي يطيرح نفسيه ‪ ،‬هيل هييذا‬
‫الحصر مطلق ؟‬
‫ب‪،‬‬ ‫عَلففى اْلَغْيف ِ‬‫طِلَعُكفْم َ‬
‫لف ِلُي ْ‬‫ن ا ُّ‬
‫فإن كانت الجابة بنعم ‪ ،‬فما القول في الستثناء الذي جاء في قوله تعالى ) َوَمففا َكففا َ‬
‫حفًدا )‬‫غْيِبفِه َأ َ‬
‫عَلففى َ‬
‫ظِهفُر َ‬ ‫ل ُي ْ‬
‫ب َف َ‬
‫عففاِلُم اْلَغْيف ِ‬
‫شاُء ) ‪ 179‬آل عمران ( وفي قوله ) َ‬ ‫ن َي َ‬
‫سِلِه َم ْ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫جَتِبي ِم ْ‬
‫ل َي ْ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫َوَلِك ّ‬
‫سوٍل ‪ 27) … ،‬الجن ( حيث استثنى سييبحانه وتعييالى الرسييل عليهييم السييلم ميين تلييك‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ضى ِم ْ‬ ‫ن اْرَت َ‬‫‪ِ (26‬إّل َم ِ‬
‫صفِبْر ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫ن َقْبفِل َهفَذا ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫ك ِمف ْ‬‫ت َوَل َقْوُمف َ‬ ‫ت َتْعَلُمَها َأْنف َ‬
‫ك ‪َ ،‬ما ُكْن َ‬ ‫حيَها ِإَلْي َ‬‫ب ُنو ِ‬ ‫ن َأْنَباِء اْلَغْي ِ‬
‫ك ِم ْ‬‫القاعدة ‪ ،‬إذ يقول ) ِتْل َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ب َوَل اِْليَمففا ُ‬‫ت َتْدِري َما اْلِكَتففا ُ‬ ‫ن أَْمِرَنا ‪َ ،‬ما ُكْن َ‬ ‫حا ِم ْ‬‫ك ُرو ً‬ ‫حْيَنا ِإَلْي َ‬‫ك َأْو َ‬
‫ن )‪ 49‬هود ( ويقول ) َوَكَذِل َ‬ ‫اْلَعاِقَبَة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫سَتِقيٍم )‪ 52‬الشورى ( ليتييبين لنييا أن‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫صَرا ٍ‬‫ك َلَتْهِدي ِإَلى ِ‬ ‫عَباِدَنا ‪َ ،‬وِإّن َ‬ ‫ن ِ‬‫شاُء ِم ْ‬ ‫ن َن َ‬‫جَعْلَناُه ُنوًرا َنْهِدي ِبِه َم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َوَلِك ْ‬
‫ال سبحانه وتعالى أطلع على غيبه من شاء من رسله ‪ ،‬وبذلك لم يحجب علم الغيب بالكلية عيين البشيير ‪ ،‬والتيييان‬
‫بالحصر ثم الستثناء يفيد بأن مرد العلم بالغيب أول وأخيرا هييو علم الغيييوب ‪ ،‬وخيياب وخسيير ميين اسييتقى علييم‬
‫الغيب من غيره ‪.‬‬
‫أما ما ُكشف للرسل فهو بعض من علم ال ‪ ،‬بما كان وما هو كائن وما سيكون ‪ ،‬مما اقتضت الحكمة اللهية كشفه‬
‫للناس عن طريق الوحي ‪ ،‬وكثير من هذا الغيب مخطوط فيما ورثته البشرية من كتب النبياء ‪ ،‬وفضل عما جيياء‬
‫به القرآن من أنباء الغيب ‪ ،‬فقد أخبر عليه الصلة والسلم بالكثير من أنبيياء الغيييب ماضيييا وحاضييرا ومسييتقبل ‪،‬‬
‫وأفاضت الحاديث النبوية في ذكر مييا سيييقع فييي مسييتقبل الميية ميين فتوحييات وفتيين وابتلءات ومحيين وأشييراط‬
‫وأمارات للساعة ‪.‬‬
‫ب ‪َ ،‬وَل َأُقوُل َلُكْم ِإّنففي‬‫عَلُم اْلَغْي َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَل َأ ْ‬ ‫ن ا ِّ‬‫خَزاِئ ُ‬‫عْنِدي َ‬ ‫وأما قوله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ) ُقْل َل َأُقوُل َلُكْم ِ‬
‫ن )‪ 50‬النعام ( ‪ ،‬وقيوله ‪ُ ) :‬قفْل َل‬ ‫ل َتَتَفّكُرو َ‬‫صيُر َأَف َ‬
‫عَمى َواْلَب ِ‬ ‫سَتِوي اَْل ْ‬‫ي ‪ُ ،‬قْل َهْل َي ْ‬
‫حى ِإَل ّ‬‫ن َأّتِبُع ِإّل َما ُيو َ‬
‫ك ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫َمَل ٌ‬
‫سففوُء ‪،‬‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سِن َ‬
‫خْيِر ‪َ ،‬وَما َم ّ‬ ‫ن اْل َ‬
‫ت ِم َ‬ ‫سَتْكَثْر ُ‬
‫عَلُم اْلَغْيبَ ‪َ ،‬ل ْ‬ ‫ت َأ ْ‬
‫ل ‪َ ،‬وَلْو ُكْن ُ‬
‫شاَء ا ُّ‬‫ضّرا ‪ِ ،‬إّل َما َ‬ ‫سي َنْفًعا َوَل َ‬ ‫ك لَِنْف ِ‬
‫َأْمِل ُ‬
‫ن )‪ 188‬العراف ( ل ينفي علمه عليه الصييلة والسييلم لبعييض الغيييب ‪ ،‬ومييا‬ ‫شيٌر ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن َأَنا ِإّل َنِذيٌر َوَب ِ‬
‫ِإ ْ‬
‫قيل له ذلك إل ليجيب من يسأله عما لم يعلم من أنباء الغيب ‪ ،‬أو ما ل حكمة في الخبار عنه مما علم ‪.‬‬
‫تمّيزت النصوص النبوية التي تتحدث عن أحداث المستقبل ‪ ،‬سيواء فيي القيرآن والسينة أو فيي التيوراة والنجييل‬
‫بالتلميح ل بالتصريح ‪ ،‬فهي غالبا ما تصف الشخوص والزمان والميياكن والظييروف والنتييائج ‪ ،‬باسييتخدام عييدة‬
‫أساليب لغوية ‪ ،‬كالستعارة والتشبيه واللتفات والعتراض وما إلى ذلك ‪ ،‬مما هو غير مألوف لناس هذا الزمان‬
‫‪ ،‬وخير مثال على ذلك هو ذكر اسم رسولنا الكريم عليه الصلة والسلم في التوراة والنجيييل ) أحمييد ( بييالمعنى‬
‫ل باللفظ ‪ ،‬وأحمد لغة هي اسم التفضيل من ) حمد ( ومعناها أحمد النيياس أو أكيثر النياس حميدا ‪ ،‬مييع أن اسيمه ‪-‬‬
‫محمد ‪ -‬في الواقع جاء بنفس المعنى مع اختلف اللفظ ‪.‬‬
‫والحكمة التي قد ل يدركها الكثير من الناس ‪ ،‬من عدم وضيوح النصيوص النبويية ‪ ،‬هيو بقياء نسييبة ضييئيلة مين‬
‫الشك ‪ ،‬لحرمان الناس ذوي العلقة من الدافع لتعطيل مجرييات المييور ‪ ،‬إذ ل بييد للسييباب والمسيببات أن تأخيذ‬
‫مجراها ‪ ،‬من حيث الزمان والمكان والشخوص ‪ ،‬حتى تتحقق النبوءات كما تم الخبار عنها ‪.‬‬
‫ولنا في قصة فرعون مع موسى عليه السلم خير مثال على ما قد يفعله المجرمون لتعطيل أمر ال ‪ ،‬عنييدما أميير‬
‫بذبح مواليد بني إسرائيل كافة ‪ ،‬لمجرد رؤيا منام علم ميين تأويلهييا ‪ ،‬بييأن واحييدا منهييم سيييكون سييببا فييي تقييويض‬
‫‪6‬‬
‫أركان ملكه ‪ ،‬ورغم ما اتخذه من إجراءات وتدبيرات احترازية لحرمان هذا الطفييل ميين الحييياة ‪ ،‬إل أن مكيير الي‬
‫كان أعظم وأكبر ‪ ،‬وبالرغم من قدرته سبحانه على منع فرعون من إيذائه دون تدخل بشييري ‪ ،‬إل أنييه أوحييى لم‬
‫موسى بأن تتخذ من السباب ‪ ،‬ما هو كفيل بتحقيق المراد اللهي ‪.‬‬
‫هذا ما كان من أحد المجرمين والعتاة لمجرد رؤيا منام ‪ ،‬فماذا لو أتاه نص صريح بأن الذي سيقوض أركان ملكه‬
‫‪ ،‬هو ذلك الطفل الذي سيأتي به اليم إلى قصره ‪ ،‬فهل كان فرعون سيتخذه ربيبا ‪ ،‬أم ماذا سيفعل به ؟‬
‫وللناس من أمر النبوءات الواردة في القرآن والسنة مواقف شتى ‪ ،‬فمنهم من ل يرغييب بييالفهم ‪ ،‬ومنهييم ميين ليييس‬
‫لديه القدرة على الفهم ‪ ،‬ومنهم من يعتقد بأن ل جدوى من البحث في أمرها ‪ ،‬ومنهم من يحاكمها بناء على أهواءه‬
‫وأحلمه ‪ ،‬فيأخذ ما اتفق وينكر ما اختلف ‪ .‬ولذلك تجد بعض الناس ‪ ،‬عند الحديث عن المستقبل ‪ ،‬يقييول مسييتنكرا‬
‫ل يعلم الغيب إل ال ‪.‬‬
‫ب لَ‬ ‫ك اْلِكَتا ُ‬
‫ونحن كمسلمين مطلوب منا أن نؤمن بالغيب المخبر عنه في القرآن والسنة ‪ ،‬لقوله تعالى ) الم )‪َ (1‬ذِل َ‬
‫ن )‪ 3‬البقييرة ( وأعظييم‬ ‫لَة َوِمّمففا َرَزْقَنففاُهْم ُيْنِفُقففو َ‬
‫صَ‬‫ن ال ّ‬
‫ب َوُيِقيُمو َ‬
‫ن ِباْلَغْي ِ‬
‫ن ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن )‪ (2‬اّلِذي َ‬
‫ب ِفيِه ُهًدى ِلْلُمّتِقي َ‬
‫َرْي َ‬
‫الغيب هو وجود ال ‪ ،‬ونحن وآباؤنا لم نعلم بوجييود الي ولييم نعرفييه حييق المعرفيية ‪ ،‬ولييم نعلييم بيياليوم الخيير ومييا‬
‫سيجري فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ‪ ،‬إل من خلل القرآن الموحى به من عند ال جل وعل إلييى محمييد‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وما دمنا آمنا بال وباليوم الخر من خلل كتابه ‪ ،‬فما لنييا ل نييؤمن بمييا سييواها ميين أخبييار‬
‫الغيب مما حواه هذا القرآن العظيم بين جنباته ‪.‬‬
‫حْكَم فَة ‪،‬‬
‫ب َواْل ِ‬
‫عَلْيُكْم َءاَياِتَنا ‪َ ،‬وُيَزّكيُكْم ‪َ ،‬وُيَعّلُمُك فُم اْلِكَتففا َ‬
‫سوًل ِمْنُكْم َيْتُلو َ‬
‫سْلَنا ِفيُكْم َر ُ‬
‫يقول سبحانه وتعالى ) َكَما َأْر َ‬
‫ن )‪ 151‬البقرة ( لم ُيبعث عليه الصلة والسييلم فقييط ليتلييو علينييا القييرآن ‪ ،‬بييل ُبعييث‬ ‫َوُيَعّلُمكُْم َما َلْم َتُكوُنوا َتْعَلُمو َ‬
‫أيضا لُيزكينا وليعلمنا الكتاب والحكمة ‪ ،‬وليعلمنا ما لم نكن نعلم ميين قبييل ‪ ،‬لنخلييص ميين هييذه الييية وغيرهييا ميين‬
‫اليات التي جاءت بنفس النص ‪ ،‬أن هناك شيء اسمه الحكمة ‪ ،‬يراد لنا أن نتعلمييه ميين القييرآن والسيينة ‪ ،‬لكييل مييا‬
‫ورد فيها من تشريعات وحدود وأوامر ونواهي وأخبار الماضي والمستقبل ‪ ،‬قررهييا سييبحانه فييي أواخيير اليييات‬
‫وفي نهاية القصص كل حسب موضوعه ‪.‬‬
‫حكمييا إلهيية‬
‫ومن مجمل اليات التي ورد فيها نبوءات مستقبلية ‪ ،‬تبين لنا وحسب ما تقرره تلييك اليييات أن هنيياك ِ‬
‫حكم اللهية عموما في أمرين ‪:‬‬‫حصرت هذه ال ِ‬ ‫من الخبار عنها ‪ ،‬وقد ُ‬
‫أول ‪ :‬أن معرفة الخبر قبل تحققه من القرآن أو السنة ‪ ،‬هي بمثابة زف البشرى للذين آمنوا ونذير للييذين كفييروا ‪،‬‬
‫من الذين يعايشون ظروف الحدث المخبر عنه ‪ .‬وهذا مما يمل نفوس المؤمنين بالمل ‪ ،‬ويعطيهم الييدافع للعمييل ‪،‬‬
‫دون كلل أو ملل ‪ ،‬ويلهمهم الصبر على ما أصابهم من السقام والعلل ‪ ،‬ويمل نفييوس الكفييرة والمنكرييين الخييوف‬
‫والترقب والحذر ‪ ،‬ويزيدهم تحديا وطغيانا وكفرا ‪ ،‬لدرجة أن يتحّدوا ال لينزل بهم مييا يعييدهم ميين العييذاب ‪ ،‬كمييا‬
‫هي عادة الجبابرة والظلمة والمفسدين في الرض ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن معاينة الحدث عند تحققه على أرض الواقع تمامييا كمييا ورد فييي القييرآن أو السيينة ‪ ،‬سيييكون بالضييرورة‬
‫سبب لزيادة إيمان المؤمنين بربهم وكتبه ‪ ،‬وزيادة في اجتهادهم بعبادته ‪ ،‬وأما للذين كفروا فهو زيييادة فييي قهرهييم‬
‫وإذللهم ‪ ،‬رغم كل ما أخذوه من إجراءات احترازية درءا ومنعا لمر ال ‪.‬‬
‫أما من يّدعي بأن ل حكمة ول فائدة من الخبار عنها ‪ ،‬وأن معرفتها على حقيقتها يبعث في النفس اليأس والقنوط‬
‫والتواكل ‪ ،‬فأولئك يقولون على الي ميا ل يعلميون ‪ ،‬لمخيالفتهم لميا اقتضيته الحكمية اللهيية مين الخبيار عنهيا ‪،‬‬
‫ويّدعون بأنهم أكثر حكمة وعلما من أحكم الحاكمين وأعلم العالمين ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أننا لم نكشف شيئا من الغيب ‪ ،‬وما قمنا به لم يتعدى حدود القراءة والتفكر والتدبر ‪ ،‬فيمييا أنييزل‬
‫رب العزة على رسله وأنبيائه من أخبار الغيب ‪ ،‬وبذلنا ما وفقنيا الي إليى بيذله ‪ ،‬مين جهيد فيي فهمهيا واسيتيعابها‬
‫وتفصيلها وتبسيطها وتقديمها للناس بلغة يفهمونا ‪ ،‬وما لنا في ذلك من فضل ‪ ،‬إن الفضل إل ل ‪.‬‬
‫وفي نهاية المر ‪ ،‬وبعد مخاض عسير كان هذا الكتاب ‪ ،‬الذي نعرضه مجانا ونحيياول جهييدنا إيصيياله للنيياس فييي‬
‫شتى بقاع الرض ‪ ،‬ونشكر كل من ساهم في نشره ‪ ،‬وغايتنا سيواء أصيبنا أو أخطانيا هيي نفيع النياس فيي دينهيم‬
‫ودنياهم ‪ ،‬وإنما العمال بالنّيات ولكل امرئ ما نوى ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وبضاعتنا في هذا الكتاب مستقاة من كتاب ال وسنة رسوله ‪ ،‬والناس أحرار في شييرائها أو العييراض فصييانعها‬
‫بشري متهم ‪ ،‬حيث ل وحي يوحى بعد وفاة المصطفى عليه الصييلة والسييلم ‪ ،‬ول نفرضييها علييى أحييد ولكيين ل‬
‫عليك إن اطلعت عليها ‪ ،‬فهي إن لم تنفعك فلن تضرك في شيء ‪ ،‬مع يقيننا الشخصي بأنهييا ل تخلييو ميين الفييائدة ‪،‬‬
‫بل فيها الكثير كما أجمع معظم من حظي بقراءة هذا الكتاب ‪ ،‬وتذكر أنك حر فيما اعتقدت بشأن هذه البضاعة ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمسألة تحديد موعد من خلل العد ‪ ،‬فهو نتيجة لعملية عّد في كلم ال ومن كتاب ال ‪ ،‬وما هو بقييراءة‬
‫في فنجان أو نظر في النجوم ‪ ،‬وما طرحنا الفصل الخاص بهذه المسألة ‪ ،‬والتي قد تصيييب وقييد تخطييئ ‪ ،‬إل بعييد‬
‫أن تولدت لدينا قناعة ‪ ،‬بصرف النظر عن المواعيد المطروحة في ذلك الفصل ‪ ،‬تقول بأن نهاية كل من إسييرائيل‬
‫وأمريكا قريبة جدا جدا ‪ ،‬ومجريات المور سيتأخذ منحى مغايرا لما عليييه الحييال الن ‪ ،‬وسيييكون التغييير سييريعا‬
‫ومفاجئا ومضطردا ‪ ،‬بحيث تأخذ الناس حالة مستمرة من الخوف والترقب ربما تدوم لعدة سنين ‪.‬‬
‫أما ما نود قوله لقّراء هذا الكتاب ‪ ،‬هو أن يأخذوا بأحسن ما في هذا الكتاب ‪ ،‬وأن يتركوا ما هو دونه ‪ ،‬تماشيا مييع‬
‫ن‬
‫سفَتِمُعو َ‬
‫ن َي ْ‬
‫عَبففاِد ‪ ،‬اّلفِذي َ‬
‫شفْر ِ‬
‫ما أخبر به أتباع رسله الكرام ‪ ،‬في حق ما أنزله عليهم من الهدي ‪ ،‬قيال تعيالى ) َفَب ّ‬
‫ب )‪ 18‬الزمر ( ‪.‬‬ ‫ك ُهْم ُأْوُلوا اَْلْلَبا ِ‬
‫ل ‪ ،‬وُأْوَلِئ َ‬
‫ن َهَداُهُم ا ُ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫سَنُه ‪ُ ،‬أْوَلِئ َ‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫اْلَقْوَل ‪َ ،‬فَيّتِبُعو َ‬
‫هذا ما قاله رب العزة في حق كتبه وما أنزل فيها من الهدي على رسله ‪ ،‬فما بالك بقولنا في حق كتاب أنجزه عبد‬
‫من عباد ال ‪ ،‬ل ولن يصل إلى حد الكمال مهما بذل من جهد ‪ ،‬والعقل البشري له حييدود وطاقييات مهمييا بلييغ ميين‬
‫إبداع ‪ ،‬فإن أصاب في شيء أخطأ في أشياء ‪ ،‬وكل إنسان في نهاية المطاف لدية قدر ميين الحكميية ‪ ،‬ليميييز الغييث‬
‫من السمين فيما قرأ أو سمع ‪.‬‬
‫ونسأل ال أن يهدينا وإياكم سواء السبيل‬

‫ُأضيف هذا التعقيب بتاريخ‬


‫‪2002 / 3 / 15‬م – ‪1423 / 1 / 1‬هي‬
‫المؤلف‬

‫‪8‬‬
‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬
‫استفاضت كثير من المؤلفات لكبار العلماء والئمة ‪ ،‬في ذكر المهدي وسيرته ‪ ،‬وأكدت على حتمية خروجه آخيير‬
‫الزمان ‪ ،‬ومن هؤلء على سبيل المثييال ل الحصيير ‪ ،‬ابيين حجيير والشييوكاني والسيييوطي والصييابوني وغيرهييم ‪،‬‬
‫وهناك من أفرد له بابا أو كان له مقال في كتاب كالذهبي وابن تيميه وابن القيم والقرطبي والييبرزنجي وغيرهييم ‪.‬‬
‫وهناك الكثير من الكتب المتخصصة الحديثة ‪ ،‬جمعييت أقييوال أولئك العلميياء والئميية فييي المهييدي وأحييداث آخيير‬
‫الزمان ‪ ،‬فمن رغب بالستزادة فليرجييع إليهييا فهييي متييوافرة بكييثرة فييي المكتبييات هييذه اليييام ‪ ،‬واللمييام المسييبق‬
‫بالحاديث الواردة في المهدي ‪ ،‬سيساعد كثيرا في فهم ما استخلصته من أفكار في هذا الفصل ‪.‬‬
‫وأما من ينكر أحاديث المهدي فل التفات لقوله ‪ ،‬فالحاديث الصريحة وغير الصريحة التي أتت على ذكر أخبييار‬
‫المهدي ‪ ،‬بلغت حد التواتر المعنوي وقد ورد فيها ما ُيقارب الربعين حييديثا ‪ .‬ومييا سيينتناوله منهييا هييو مييا يخييص‬
‫موضوع هذا الكتاب فقط ‪ .‬وأود أن أشير إلى أن ذكر المهييدي قييد جيياء فييي التييوراة ‪ ،‬حيييث أن الترجميية العربييية‬
‫للنص التييوراتي ‪ُ ،‬تسيّميه ) بالقيّدوس ( فييي موضييع ) وبالغصيين ( فييي موضييع آخيير ‪ ،‬وهييذا النييص موجيود مييع‬
‫سيير النبييوءات التوراتييية ‪ ،‬وأشييار‬‫التعليق ‪ ،‬في فصل النبوءات التوراتية ‪ .‬وقد تنبأ بظهوره ) نوسييتراداموس ( مف ّ‬
‫إليه بألفاظ صريحة سنوردها في فصل لحق ‪.‬‬
‫وللحقيقة ‪ ،‬ومن خلل اطلعي علييى الكييثير ميين دراسيات وأبحياث الغربييين ‪ ،‬الييتي تتنيياول النبيوءات التوراتيية‬
‫والنجيلية ‪ ،‬الخاصة بأحداث النهاية ‪ ،‬تبّين لي بأن اليهود والنصارى أكثر إيمانا ويقينا من عامة المسلمين بحتمية‬
‫ظهييور المهييدي ‪ ،‬وانتصيياره فييي كافيية حروبييه واتخيياذه للقييدس عاصييمة لملكييه وامتييداده لمسيياحات شاسييعة ميين‬
‫الراضي ‪ .‬ولنهم يعلمون بأن النهاية قد اقتربت ‪ ،‬ويعتقدون بأنه سيقود تحالفييا عسييكريا ضييد الغييرب ينجييم عنييه‬
‫دمار الحضارة الغربية برمتها ‪ ،‬فهم يتوقعون ظهوره في أي لحظة ويخشون أن يظهر وأن تقوى شوكته وهم في‬
‫غفلة من أمرهم ‪ ،‬فلذلك تجدهم ُيحاولون تجنيد العالم بأسره ضد ما ُيسّمونه بالرهاب السلمي ‪ ،‬خوفييا ميين ذلييك‬
‫المصير المشؤوم الذي ينتظرهم عند ظهور أمره ‪.‬‬

‫غربة السلم ‪:‬‬

‫عى اَْلَكَلفُة ِإَلففى‬ ‫عَلْيُكْم ‪َ ،‬كَمففا َتفَدا َ‬


‫عى َ‬ ‫ن َتَدا َ‬ ‫ك اُْلَمُم َأ ْ‬
‫شُ‬‫سّلَم ‪ُ ) :‬يو ِ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن ‪َ ،‬قا َ‬‫ن َثْوَبا َ‬‫عْ‬‫َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫ل‬ ‫عّ‬ ‫سْيِل ‪َ ،‬وَلَيْنَز َ‬‫غَثاٌء َكُغَثاِء ال ّ‬‫ل ‪َ :‬بْل َأْنُتْم َيْوَمِئٍذ َكِثيٌر ‪َ ،‬وَلِكّنُكْم ُ‬‫ن َيْوَمِئٍذ ‪َ ،‬قا َ‬ ‫حُ‬
‫ن ِقّلٍة َن ْ‬
‫ل ‪َ :‬وِم ْ‬‫ل َقاِئ ٌ‬
‫صَعِتَها ‪َ ،‬فَقا َ‬‫َق ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن ؟ َقييا َ‬ ‫لي َوَمييا اْليَوْه ُ‬‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ل َقاِئ ٌ‬ ‫ن ‪َ ،‬فَقا َ‬‫ل ِفي ُقُلوِبُكْم اْلَوْه َ‬ ‫ن ا ُّ‬‫عُدّوُكْم اْلَمَهاَبَة ِمْنُكْم ‪َ ،‬وَلَيْقِذَف ّ‬‫صُدوِر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ِم ْ‬
‫ححه اللباني ‪.‬‬ ‫ت ( رواه أبو داود وأخرجه أحمد ‪ ،‬وص ّ‬ ‫ب الّدْنَيا َوَكَراِهَيُة اْلَمْو ِ‬ ‫ح ّ‬‫ُ‬
‫غِريًبا َكَما َب فَدَأ ‪َ ،‬وُه فَو َي فْأِرُز‬
‫سَيُعوُد َ‬
‫غِريًبا ‪َ ،‬و َ‬
‫لَم َبَدأَ َ‬
‫سَ‬‫ن اِْل ْ‬
‫ل ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ي َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬‫عْ‬‫عَمَر َ‬ ‫ن اْبنِ ُ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫حِرَها ( رواه مسلم ‪ ،‬وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫جْ‬‫حّيُة ِفي ُ‬‫ن َكَما َتْأِرُز اْل َ‬
‫جَدْي ِ‬
‫سِ‬‫ن اْلمَ ْ‬
‫َبْي َ‬
‫قبل ظهور المهدي ستشهد المة السلمية عصرا حالك السواد من كثرة الظلم والجييور والفسيياد ‪ ،‬يتميييز بوجييود‬
‫قلة مؤمنة صابرة متمسكة بدينها ل حول لها ول قوة تنتظر حتى يأتي ال بأمر ميين عنييده ‪ ،‬وكييثرة طاغييية فاسييدة‬
‫ومفسدة متمسكة بدنياها هم غثاء كغثاء السيل ‪.‬‬

‫جيش يغزو الكعبة بداية ظهور أمر المهدي ‪:‬‬

‫ش اْلَكْعَب فةَ‬
‫جْي ٌ‬‫سّلَم ‪َ :‬يْغُزو َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫سولُ ا ِّ‬‫ل َر ُ‬‫ت ‪َ :‬قا َ‬‫عْنَها ‪َ ) ،‬قاَل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬‫ضَ‬ ‫شُة َر ِ‬ ‫عاِئ َ‬
‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫رواية البخاري _ َ‬
‫خِرِه يْم ‪،‬‬ ‫ف ِب يَأّوِلِهْم َوآ ِ‬
‫سي ُ‬
‫خَ‬‫ف ُي ْ‬
‫ل َكْي َ‬‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬‫خِرِهْم ‪ُ : ،‬قْل ُ‬ ‫ف ِبَأّوِلِهْم َوآ ِ‬
‫س ُ‬ ‫خ َ‬‫ض ‪ُ ،‬ي ْ‬ ‫ن اَْلْر ِ‬ ‫‪َ ،‬فِإَذا َكاُنوا ِبَبْيَداَء ِم ْ‬
‫عَلففى ِنّيففاِتِهْم ( رواه الشيييخان ‪،‬‬ ‫ن َ‬
‫خِرِهفْم ‪ُ ،‬ثفّم ُيْبَعُثففو َ‬‫ف ِبفَأّوِلِهْم َوآ ِ‬
‫سف ُ‬‫خ َ‬‫ل ‪ُ :‬ي ْ‬ ‫س ِمْنُهْم ‪َ ،‬قييا َ‬‫ن َلْي َ‬
‫سَواُقُهْم ‪َ ،‬وَم ْ‬‫َوِفيِهْم َأ ْ‬
‫وأخرجه والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫سّلَم ِفييي َمَنيياِمِه ‪َ ) ،‬فُقْلَنييا ‪َ :‬يييا‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫لِ َ‬ ‫لا ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫عَب َ‬
‫ت‪َ :‬‬ ‫عْنَها ‪َ ،‬قاَل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫يا ُ‬ ‫ضَ‬ ‫شَة َر ِ‬ ‫عاِئ َ‬
‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫رواية مسلم _ َ‬
‫جفٍل ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫ت ‪ِ ،‬بَر ُ‬‫ن اْلَبْيف ِ‬ ‫ن ُأّمِتففي َيُؤّمففو َ‬‫سففا ِمف ْ‬
‫ن َنا ً‬‫ب ِإ ّ‬
‫جف ُ‬ ‫ل ‪ :‬اْلَع َ‬
‫ن َتْفَعُلُه ‪َ ،‬فَقييا َ‬
‫ك َلْم َتُك ْ‬
‫شْيًئا ِفي َمَناِم َ‬
‫ت َ‬ ‫صَنْع َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬
‫َر ُ‬
‫س‪،‬‬ ‫جَميُع الّنييا َ‬ ‫طِرييقَ َقيدْ َي ْ‬ ‫ن ال ّ‬‫لي ِإ ّ‬
‫ل ا ِّ‬‫سييو َ‬‫ف ِبِهفْم ‪َ ،‬فُقْلَنا ‪َ :‬يييا َر ُ‬‫س َ‬ ‫خ ِ‬‫حّتى ِإَذا َكاُنوا ِباْلَبْيَداِء ُ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫جَأ ِباْلَبْي ِ‬
‫ش َقْد َل َ‬
‫ُقَرْي ٍ‬
‫شفّتى ‪َ ،‬يْبَعُثُهفْم‬ ‫صففاِدَر َ‬ ‫ن َم َ‬ ‫صفُدُرو َ‬ ‫حفًدا ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫ن َمْهَلًكا َوا ِ‬ ‫سِبيِل ‪َ ،‬يْهِلُكو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫جُبوُر َواْب ُ‬ ‫صُر َواْلَم ْ‬
‫سَتْب ِ‬‫ل ‪َ :‬نَعْم ِفيِهْم اْلُم ْ‬‫َقا َ‬
‫عَلى ِنّياِتِهْم ( ‪ ،‬رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫ل َ‬
‫ا ُّ‬
‫ن ِقَبفلِ‬‫ن ِمف ْ‬‫جيُئو َ‬‫ن ُأّمِتففي َي ِ‬
‫ش ِمف ْ‬
‫جْيف ٌ‬ ‫سيّلَم ‪َ ) :‬‬ ‫عَلْييهِ َو َ‬
‫لي َ‬ ‫صيّلى ا ُّ‬‫لي َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫ت ‪َ :‬قا َ‬
‫سَلَمَة َقاَل ْ‬
‫ن ُأّم َ‬‫عْ‬ ‫رواية أحمد _ َ‬
‫صففاِدُرُهْم‬
‫ف ِبِهفْم ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫سف َ‬‫خ ِ‬‫حَلْيَف فِة ُ‬
‫ن ِذي اْل ُ‬ ‫حّتى ِإَذا َكاُنوا ِباْلَبْيَداِء ِم ْ‬‫ل ِمْنُهْم ‪َ ،‬‬
‫جٍل َيْمَنُعُه ا ُّ‬‫ت ِلَر ُ‬
‫ن اْلَبْي َ‬
‫شاِم ‪َ ،‬يُؤّمو َ‬
‫ال ّ‬
‫جِبَر‬
‫ن ُ‬‫ن ِمْنُهْم َم ْ‬
‫جِبَر إِ ّ‬
‫ن ُ‬‫ن ِمْنُهْم َم ْ‬ ‫ل ‪ِ :‬إ ّ‬
‫شّتى ‪َ ،‬فَقا َ‬‫صاِدُرُهْم َ‬ ‫جِميًعا َوَم َ‬ ‫ف ِبِهْم َ‬
‫س ُ‬ ‫خَ‬‫ف ُي ْ‬
‫ل َكْي َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬‫شّتى ‪َ ،‬فُقل ُ‬‫َ‬
‫لًثا ( رواه أحمد بهذا النص ‪ ،‬ورواته ثقات ‪ ،‬إل واحدا وثقه البعض وضعفه آخرون ‪.‬‬ ‫َث َ‬
‫بداية ظهور المهدي ستكون في مكة بإذن ال ‪ ،‬وفور معرفته تسارع قليية ميين تلييك القليية لمبييايعته علييى المييارة ‪،‬‬
‫فيلجأ إلى الحرم تهّربا ويعتصم به فيظهر أمره شيئا فشيييئا ‪ ،‬فُيبعييث إليييه بجيييش يغييزو الكعبيية ‪ ،‬فيخسييف بييه فييي‬
‫الصحراء ما بين المدينة ومكة ‪.‬‬
‫هذه الحاديث الثلثة متوافقة من حيث النص والمضمون ‪ ،‬غير أن الحديث الثالث وهو من رواية أحمد ‪ ،‬أضاف‬
‫ضح مخرج ذلك الجيش ومكان الخسف ‪ .‬ومع أن أحد الرواة ضعفه البعض ‪ ،‬إل أن تلك الضييافة ) ميين‬ ‫عبارة تو ّ‬
‫قبل الشام ( تتفق والتفسير المنطقي ‪ ،‬للحداث الموصوفة في جملة أحاديث هذا الفصل ‪.‬‬
‫لنخلص إلى ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن جيشا سيغزو مكة ‪.‬‬
‫‪ .2‬وهذا الجيش من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويعجب رسول ال ويحق له العجب ‪ ،‬فما آل إليه أمر‬
‫أمة السلم هذه اليام ‪ ،‬يثير ما هو أكثر من العجب والشفقة حتى في نفوس أعدائنا ‪.‬‬
‫‪ .3‬ومقصد هذا الجيش رجل من قريش يلجأ إلى الحرم ‪ ،‬وغايته وأد بؤرة الخلفيية السييلمية فييي مهييدها ‪،‬‬
‫خوفا من أن تزلزل أركان عبدة الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫‪ُ .4‬يخسف بهذا الجيش في الصحراء قبل وصوله إلى مكة ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومخرج هذا الجيش من قبل الشام ؟!‬

‫عمران بيت المقدس يعقبه خراب المدينة المنورة ‪:‬‬

‫خففُروجُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب َيْثِر َ‬
‫خَرا ُ‬‫ب ‪َ ،‬و َ‬
‫ب َيْثِر َ‬
‫خَرا ُ‬
‫س َ‬ ‫ت الَمْقِد ِ‬ ‫ن َبْي ِ‬‫عْمَرا ُ‬ ‫سّلَم ‪ُ ) :‬‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن ُمَعاٍذ َقا َ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫خيِذ‬
‫عَلييى َف ِ‬
‫ب ِبَييِدهِ َ‬
‫ضيَر َ‬ ‫جاِل ‪ُ ،‬ثيّم َ‬
‫ج الفّد ّ‬‫خُرو ُ‬ ‫طيِنّيةِ ُ‬ ‫طْن ِ‬
‫سَ‬ ‫ح اْلُق ْ‬‫طيِنّيِة ‪َ ،‬وَفْت ُ‬ ‫طْن ِ‬
‫سَ‬ ‫ح اْلُق ْ‬‫حَمِة َفْت ُ‬‫ج اْلَمْل َ‬
‫خُرو ُ‬ ‫حمَِة ‪َ ،‬و ُ‬ ‫اْلَمْل َ‬
‫عيٌد َيْعِنييي ُمَعيياًذا ( ‪ .‬رواه أبييو داود ‪،‬‬ ‫ك َقا ِ‬‫ك َهاُهَنييا ‪َ ،‬أْو َكَمييا َأّني َ‬ ‫ق َكَمييا َأّني َ‬‫حي ّ‬‫ن َهيَذا َل َ‬‫ل ِإ ّ‬‫اّلِذي حَّدَثُه َأْو َمْنِكِبِه ‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫وأخرجه أحمد ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫تعمر بيت المقدس في آخر الزمان برجوعها إلى الحكم العربي واتخاذها عاصمة للملييك ‪ ،‬فيرسييل حاكمهييا جيييش‬
‫إلى الكعبة عند ظهور أمر المهدي ‪ ،‬فيخرب المدينة المنّورة في طريقه إلى مكة ‪ ،‬ومن ثم ُيخسف بجيشييه قبييل أن‬
‫يصلها بالقرب من ذي الحليفة وهي ميقات إحرام أهل المدينة وبينها وبييين المدينيية سييتة أميييال أو سييبعة ‪ ،‬وبينهييا‬
‫وبين مكة مسيرة عشرة أيام ‪.‬‬

‫المهدي ل يغزو العراق وبلد الشام ‪:‬‬

‫لف ‪ُ ،‬ثفّم َفففاِرسَ‬


‫حَهففا ا ُّ‬
‫ب َفَيْفَت ُ‬
‫جِزيَرَة اْلَعَر ِ‬ ‫ن َ‬‫سّلَم ‪َ ) :‬تْغُزو َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬ ‫ل َر ُ‬‫عْتَبَة ‪ ،‬قال ‪َ :‬قا َ‬‫ن ُ‬ ‫ن َناِفِع ْب ِ‬
‫عْ‬ ‫َ‬
‫ل َنيَرى‬
‫جيياِبُر َ‬
‫ل َنيياِفٌع ‪َ :‬يييا َ‬‫ل ‪َ :‬فَقييا َ‬
‫ل ‪َ ،‬قا َ‬
‫حُه ا ُّ‬
‫جاَل َفَيفَْت ُ‬
‫ن الّد ّ‬‫ل ‪ُ ،‬ثّم َتْغُزو َ‬
‫حَها ا ُّ‬
‫ن الّروَم َفَيْفَت ُ‬‫ل ‪ُ ،‬ثّم َتْغُزو َ‬
‫حَها ا ُّ‬ ‫َفَيْفَت ُ‬
‫ح الّروُم ( رواه مسلم ‪ ،‬وأخرجه ابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫حّتى ُتْفَت َ‬
‫ج َ‬‫خُر ُ‬‫ل َي ْ‬‫جا َ‬‫الّد ّ‬

‫‪10‬‬
‫وتجمع جزيرة العرب لقتال المهدي وصييحبه فيغزونهيا فيفتحهييا الي فتيدين لهيم ‪ ،‬ومين ثييم يخرجييون إليى إييران‬
‫فيفتحها ال فتدين لهم ‪ ،‬ومن ثم يغزون الروم فيفتحها ال ‪ ،‬ومين ثيم يخيرج اليدجال فيغزونيه بمعيية عيسيى علييه‬
‫السلم فيفتحه ال ‪.‬‬
‫ولو تدبرت هذا الحديث ستجد أن البلدان التي سيييغزوها المهييدي عنييدما يمسييك بزمييام المييور ‪ ،‬هييي بييالترتيب ؛‬
‫جاَل ‪،‬‬
‫س أي إيييران ‪ ،‬ثالثييا ‪ :‬الفّروَم أي روسيييا وأوروبييا الشييرقية ‪ ،‬رابعييا ‪ :‬الفّد ّ‬
‫ب ثانيا ‪َ :‬فففاِر َ‬
‫جِزيفَرَة اْلَعفَر ِ‬
‫أول ‪َ :‬‬
‫والملحظ في هذا الحديث ‪ ،‬عدم ورود ذكر فتح بلد الشام والعييراق ‪ ،‬الييتي ل بييد للمهييدي ميين المييرور بهييا عنييد‬
‫خروجه لفتح فارس ‪ ،‬ولفتح الروم الذين سُيلقونه بالقرب من مدينة دمشق ‪.‬‬
‫فلو كانت دولة إسرائيل قائمة في فلسطين ‪ ،‬أليس من الحرى بالمهدي وميين معييه تحريرهييا ‪ ،‬فييور خروجييه ميين‬
‫جزيرة العرب ؟!‬
‫يظهر بوضوح في هذا الحديث ‪ ،‬أن كل واحد من هذه المور إشارة لوقوع ما بعده ‪ ،‬كما هيو الحييال فيي الحييديث‬
‫السابق ‪ ،‬وكل منهما يتقاطع مع الخر في نقطتين ‪ ،‬هما ؛ أول ‪ :‬غزو الييروم ويقابلهييا خييروج الملحميية ‪ ،‬وثانيييا ‪:‬‬
‫غزو الدجال ويقابلها خروج الدجال ‪ ،‬ويضيف الحييديث الول ثلثية أحييداث هيي عمييران بييت المقيدس وخيراب‬
‫يثرب وفتح القسطنطينية ‪.‬‬

‫حتمية نزول الخلفة في بيت المقدس ‪:‬‬

‫ت اَْلْرضَ‬ ‫لَففَة َقفْد َنَزَلف ْ‬


‫خَ‬‫ت اْل ِ‬
‫حَواَلفَة ِإَذا َرَأْيف َ‬
‫ن َ‬ ‫ل ‪َ ) :‬يففا اْبف َ‬‫سيّلَم َقييا َ‬
‫عَلْييِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫حَواَلَة عن َر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عن اْب ُ‬
‫سَ‬
‫ك‬ ‫ن َرْأ ِ‬
‫ن َيَديّ َهِذِه ِم ْ‬ ‫س ‪ِ ،‬م ْ‬‫ب ِإَلى الّنا ِ‬ ‫عُة َيْوَمِئٍذ َأْقَر ُ‬‫سا َ‬‫ظاُم ‪َ ،‬وال ّ‬ ‫لَيا َواُْلُموُر اْلِع َ‬
‫ت الّزَلِزُل َواْلَب َ‬
‫سَة ‪َ ،‬فَقْد َدَن ْ‬‫اْلُمَقّد َ‬
‫ححه اللباني ‪.‬‬ ‫( رواه أحمد ‪ ،‬وأخرجه أبو داود والحاكم وص ّ‬
‫عند خروج المهدي إلى بلد الشام سيتخذ القيدس عاصييمة لخلفتيه ‪ ،‬تنعييم المية السييلمية خلل سيينوات حكمييه‬
‫بإقامة الحق والعدل ورفع الظلم والجور عن أمة السلم ‪.‬‬
‫نستخلص من هذا الحديث ما يلي ‪:‬‬
‫ل بد للخلفة من النزول في بيت المقدس آخر الزمان ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ونزولها هناك يعني بيدء ظهييور الفتين والكيوارث الطبيعييية ‪ ،‬ومين ثيم علمييات السياعة الكييبرى ‪ ،‬بداييية‬ ‫‪.2‬‬
‫بظهور الدجال ومن ثم ونزول عيسى عليه السلم في نهاية حكم المهدي ‪.‬‬
‫وهنا ل بد لنا من أن نشير إلى أن عبارة ) نزول الخلفة ( ‪ ،‬ربما تشمل الحكم العربي للقدس ‪ ،‬الذي تكثر‬ ‫‪.3‬‬
‫فيه الفتن والحروب والقتتال والموصوف بالظلم والجور قبل ظهور المهدي ‪.‬‬

‫نطق الحجر والشجر ‪:‬‬

‫حّتففى ُيَقاِتفلَ‬
‫عُة َ‬
‫سففا َ‬ ‫ل ‪َ ) :‬ل َتُقففوُم ال ّ‬ ‫سيّلَم ‪َ ،‬قييا َ‬
‫عَلْييِه َو َ‬
‫لي َ‬ ‫صيّلى ا ُّ‬ ‫لي َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سييو َ‬
‫ن َر ُ‬‫ن َأِبييي ُهَرْييَرَة ‪َ ،‬أ ّ‬ ‫عي ْ‬
‫رواية مسلم _ َ‬
‫جفُر أَْو‬
‫حَ‬‫جِر ‪ ،‬فََيُقفوُل اْل َ‬‫شف َ‬
‫جفِر َوال ّ‬ ‫حَ‬ ‫ن َوَراِء اْل َ‬ ‫ي ِمف ْ‬
‫ئ اْلَيُهفوِد ّ‬ ‫خَتِبف َ‬
‫حّتفى َي ْ‬‫ن‪َ ،‬‬ ‫سفِلُمو َ‬‫ن اْلَيُهوَد ‪َ ،‬فَيْقُتُلُهْم اْلُم ْ‬
‫سِلُمو َ‬
‫اْلُم ْ‬
‫جِر اْلَيُهففوِد ( ‪ .‬رواه‬ ‫شف َ‬
‫ن َ‬ ‫خْلِفففي َفَتَعففاَل َفففاْقُتْلهُ ‪ِ ،‬إّل اْلَغْرَقفَد َففِإّنُه ِمف ْ‬‫ي َ‬‫لف ‪َ ،‬هفَذا َيُهففوِد ّ‬‫عْبفَد ا ِّ‬ ‫سِلُم َيففا َ‬
‫جرُ ‪َ :‬يا ُم ْ‬‫شَ‬‫ال ّ‬
‫الشيخان ‪ ،‬وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه بنصوص أخرى ‪.‬‬
‫هذا الحديث روي بعدة نصوص ‪ ،‬وهذا النص أشهرها وأكثرها تداول بين العامة ‪ ،‬أما نطق الحجر والشجر فهييو‬
‫أمر خارج عن المألوف والعادة ‪ ،‬ول ُيعقل أن تحصل تلك المعجيزة فيي آخير الزميان ‪ ،‬قبيل بيدء ظهيور أشيراط‬
‫الساعة الكبرى على القل حتى بظهور المهدي ‪ .‬فنطق الحجر والشجر أكثر إعجازا من نطق عيسى عليه السلم‬
‫في المهد صبيا ‪ .‬فمن المنطقي أل يحدث هذا المر ‪ ،‬قبل ظهور الحييداث غيير المألوفية للنيياس كأشيراط السياعة‬
‫الكبرى ‪ .‬ومن الرجح أن يتزامن هذا الحدث مع وجود عيسى عليه السلم لكي يستقيم المر ‪ ،‬فييالمعجزات غالبييا‬
‫ما تأتي على أيدي الرسل وهذا ما تؤيده سورة السراء كما سيتبين لنا لحقا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ي النهر وهم غربيه ( ‪ ،‬فقد وردت في حديث آخر وهذا نصه ) عن نهيك بيين صييريم السييكوني ‪،‬‬ ‫أما عبارة ) شرق ّ‬
‫ن المشركين حتى ُيقاتل بقّيتكم الّدجاَل على نهِر الردن ‪ ،‬أنتففم‬‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬لتقاتل ّ‬
‫شرقّيه وهم غربّيه ‪ ،‬ول أدري أين الردن يومئٍذ ( رواه الطبراني والبزار ‪ ،‬وقيييل رجييال الييبزار ثقييات وضييعّفه‬
‫اللباني ‪.‬‬
‫ولم ترد هذه العبارة بأي من نصوص الحديث السابق على اختلفها ‪ ،‬وعلى ما يبدو لنا أن كل من الحييديثين آنفييّ‬
‫الذكر ‪ ،‬يصفان حدثا واحدا هو مقاتلة المسلمين للدجال ومن تبعه من اليهود آخر الزمان ‪ ،‬عند نزول عيسى عليييه‬
‫السلم ‪ ،‬حيث ُيقتل الدجال على أبواب القدس ‪ ،‬وهو حدث سيقع بعد نفاذ وعد الخرة ‪ ،‬بزوال العلو اليهييودي فييي‬
‫فلسطين والرض عموما بسنوات عديدة ‪.‬‬

‫خلصة القول ‪:‬‬

‫وبناءا على ما تقدم ‪ ،‬نقول أن زوال دولة إسيرائيل أمير حتميي يتبعيه زوال حلفائهيا مين الغيرب بالضيرورة قبيل‬
‫ظهور خلفة المهدي ‪ ،‬وأن من سيقوم بتحريرها هو جيش عربي ‪ ،‬وأن صاحب هذا الجيش سيتخذ مدينيية القييدس‬
‫عاصمة لملكه ‪ ،‬ومن ثم تدين له بلد الشام والعراق ‪ ،‬وأن فترة حكمييه أو حكييم ميين يخلفييه سييتكون حافليية بييالظلم‬
‫والجور ‪ ،‬وعند ظهور أمر المهدي في مكة يبعث حاكم مدينة القدس جيشا إلى الجزيرة ل قبل للمهييدي وجميياعته‬
‫به ‪ ،‬فُيخرب المدينة المنورة لدى مروره بها متجها إلى مكة فيخسف ال بهم الرض ‪.‬‬
‫وآنذاك يظهر أمر المهدي ‪ ،‬فيهب إلى قتاله من رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ‪ ،‬ميين أميية محمييد عليييه الصييلة‬
‫والسلم ‪ ،‬خوفا من عودة دين أكل الزمان عليه وشرب ‪ ،‬يدعوا إلى إخراجهييم ميين غّيهييم وضييللهم ‪ ،‬وحرمييانهم‬
‫مما يتلّذذون به من الشهوات والحرمات ‪ ،‬التي استحّلوها واستباحوها في هذا العصر ‪ ،‬فاسيتعبدتهم فل فكياك لهيم‬
‫منها ول يرضون عنها بديل ‪.‬‬
‫فتكون أولى مواجهات المهدي مع جيش آخر ‪ُ ،‬يجمع له من جزيرة العرب فينتصر عليهم حربا ‪ ،‬وبعد أن يستتب‬
‫له أمر الجزيرة يخرج إلى أهل الشام ‪ .‬فيتسلم مقاليييد الحكييم فيهييا تسييليما عيين طيييب خيياطر ‪ ،‬أو استسييلما خوفييا‬
‫خذ مدينة القدس عاصمة لخلفته ‪ ،‬ومن ثم يخرج إلى إيران فيفتحها ويعود إلى بلد الشام ‪.‬‬ ‫ورهبة ‪ ،‬ويت ّ‬
‫ومن ثم تكون الروم ) نصارى الشرق ( قد جمعت له جيشا قوامه قرابة المليون نفر ‪ ،‬فيخييرج لملقاتههييا ‪ ،‬فتقييع‬
‫الملحمة الكبرى الفاصلة بين الحق والباطل بالقرب من دمشق ‪ ،‬فيكون النصر في النهاية حليف المهدي ومن معه‬
‫من المسلمين ‪ .‬ومن ثم يخرج إلى القسطنطينية ) استنبول ( فيفتحها بالتهليل والتكبير من غير قتييال ‪ ،‬وقريبييا ميين‬
‫نهاية حكمه يخرج الدجال فيعيث في الرض فتنة وفسادا ‪ ،‬وُيحصر المهدي وصييحبه فييي الشييام ‪ ،‬فينييزل عيسييى‬
‫عليه السلم فيهرب الدجال ومن تبعه من اليهود إلييى القييدس ‪ ،‬وهنيياك يلحقييون بييه فيقتلييه عليييه السييلم ‪ ،‬ويتييولى‬
‫المسلمون أمر البقية الباقية من اليهود ‪ ،‬فينطق الحجر والشجر فيبيدوهم عن بكرة أبيهم بإذن ال ‪ ،‬ول الميير ميين‬
‫قبل ومن بعد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫هذا ما سيكون من أمر المهدي بإذن ال ‪ ،‬قّدمناه بشكل مختصر وموجز ‪ ،‬تناولنا فيييه بعضييا مين سيييرة المهييدي ‪،‬‬
‫التي تعرضت لفتوحاته آخر الزمان ‪ ،‬مسييتندين إلييى مييا أوردنيياه ميين أحيياديث صييحيحة ‪ ،‬آخييذين بعييين العتبييار‬
‫أحاديث صحيحة أخرى لم يتسع المقام ليرادها ‪.‬‬
‫أما موضوع هذا الكتاب فهو يبحث إجمال في حدثين عظيمين مفاجئين قبل ظهور المهدي وفي وقييت قريييب جييدا‬
‫جييدا ‪ ،‬وهمييا ؛ أول ‪ :‬نهاييية الدوليية اليهودييية واختفائهييا إلييى البييد ‪ ،‬ثانيييا ‪ :‬انهيييار الحضييارة الغربييية العملقيية‬
‫ومظاهرها المختلفة واختفائها إلى البد ‪.‬‬
‫ما ستجده في ثنايا هذا الكتاب ‪:‬‬
‫ي الجابة على التساؤلت المطروحة علييى صييفحة الغلف ‪ ،‬فيمييا يتعلييق بالدوليية اليهودييية ‪ ،‬ومصيييرها ومصييير‬
‫اليهود ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ي الجابة على كثير من التساؤلت التي تدور في أذهان الناس ‪ ،‬وتوضيييح كييثير ميين القضييايا الخلفييية التاريخييية‬
‫فيما يخص تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل ‪ ،‬منذ نشأتهم الولى حتى قيام الساعة وخاصة فيما يتعلق بتواجييدهم فييي‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫ي استقراء وتحليل ما جرى ويجري على أرض الواقع في منطقتنا والعالم من حولنا ‪.‬‬
‫ي فهم حقيقة الصراع الدائر بين الغرب والشرق ‪ ،‬وحقيقة العداء الغربي للمتين العربية والسلمية ‪ ،‬والييذي بلييغ‬
‫أشّده في العقود الخيرة ‪.‬‬
‫عمة بالشواهد والدلة من القرآن والسنة والتوراة والنجيييل والواقييع ‪،‬‬
‫ي تفسيرات منطقية للحداث المستقبلية ‪ ،‬مد ّ‬
‫ووضعها ضمن سياق زمني منطقي ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬
‫سييرين‬
‫قبل أن نبدأ في البحار في معاني ومقاصد آيات سورة السراء ‪ ،‬سنتجول قليل في بعض كتييب قييدماء المف ّ‬
‫لنستعرض مجمل تفسيراتهم لهذه اليات ‪ ،‬ومجمل ما أوروده من روايات وآثار عن الفسيياد والعلييو فييي الرض‬
‫ووعديّ الولى والخرة ‪ ،‬ومن هؤلء المفسرين ‪ :‬القرطبي وابن كثير والطبري والبيضاوي ‪ ،‬والبغوي والنحاس‬
‫والثعالبي ‪ ،‬وأبي السعود والشوكاني وابن الجوزي ‪ ،‬والسيوطي والنسفي واللوسي ‪.‬‬

‫تعريف بسورة السراء ‪:‬‬

‫قال اللوسي في تفسيره ‪ " :‬سورة بني إسرائيل ‪ - ،‬وهو السم التوقيفي لها ‪ -‬وتسييمى السييراء وسييبحان أيضييا ‪،‬‬
‫وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير ‪ ،‬رضي ال تعيالى عنهيم مكيية ‪ ،‬وكونهيا كيذلك بتمامهيا‬
‫قول الجمهور ‪ .‬وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ‪ ،‬أنييه قييال ‪ )) :‬إن التييوراة كلهييا فييي‬
‫خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل ‪ ،‬وذكر تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم ‪ ،‬وتخريب مسجدهم واسييتفزازهم‬
‫النبي وإرادتهم إخراجه من المدينة ‪ ،‬وسؤالهم إياه عن الروح ‪ ،‬ثييم ختمهييا جييل شييأنه بآيييات موسييى عليييه السييلم‬
‫التسع وخطابه مع فرعون ‪ ،‬وأخبر تعالى أن فرعون أراد أن يستفزهم من الرض ‪ ،‬فأهلييك وورث بنييو إسييرائيل‬
‫من بعده ‪ ،‬وفي ذلك تعريض بهم أنهم سينالهم ما نال فرعون ‪ ،‬حيث أرادوا بالنبي ما أراد فرعييون بموسييى عليييه‬
‫السلم وأصيحابه ‪ ،‬ولميا كيانت هييذه السيورة مصيّدرة بقصيية تخرييب المسيجد القصييى ‪ ،‬افتتحيت بييذكر إسيراء‬
‫المصطفى تشريفا له – أي المسجد القصى ‪ -‬بحلول ركابه الشريف فيه ‪ ،‬جبرا لما وقع من تخريبه (( " ‪.‬‬

‫اليات ‪:‬‬

‫جففاءَ‬ ‫عُلفّوا َكِبيفًرا )‪َ (4‬ففِإَذا َ‬ ‫ن ُ‬‫ن َوَلَتْعُل ّ‬‫ض َمّرَتْي ِ‬‫ن ِفي اَْلرْ ِ‬ ‫سُد ّ‬‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتففا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫قال تعالى ) َوَق َ‬
‫عفًدا َمْفُعفوًل )‪ُ (5‬ثفّم َرَدْدَنفا َلُكفْم‬ ‫ن َو ْ‬ ‫لَل الّدَياِر َوَكفا َ‬ ‫خَ‬‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫شِديٍد َف َ‬
‫س َ‬ ‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬ ‫عَلْيُكْم ِ‬
‫عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ‬ ‫َو ْ‬
‫سْأُتْم َفَلَهففا َف فِإَذا‬‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬ ‫سنُتْم َِلنُف ِ‬ ‫ح َ‬‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪ِ (6‬إ ْ‬‫ن َو َ‬ ‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬‫اْلَكّرَة َ‬
‫سففى‬ ‫ع َ‬ ‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪َ ( 7‬‬ ‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬ ‫لِ‬‫عُد ا ْ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫َ‬
‫شُر‬
‫ي َأْقَوُم َوُيَب ّ‬ ‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬ ‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬ ‫صيًرا )‪ِ ( 8‬إ ّ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬ ‫عْدَنا َو َ‬ ‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬ ‫حَمُكْم َوِإ ْ‬ ‫َرّبُكْم َأنْ َيْر َ‬
‫عَذاًبا َأِليًمففا‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬ ‫خَرِة َأ ْ‬‫لِ‬
‫ن ِبا ْ‬ ‫ن َل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬
‫جًرا َكِبيًرا )‪َ (9‬وَأ ّ‬ ‫ن َلُهْم َأ ْ‬‫ت َأ ّ‬
‫حا ِ‬ ‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َيْعَمُلو َ‬‫ن اّلِذي َ‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ب َوُكّل‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َواْل ِ‬‫سِني َ‬‫عَدَد ال ّ‬ ‫جوًل )‪َ … (11‬وِلَتْعَلُموا َ‬ ‫عُ‬‫ن َ‬‫سا ُ‬ ‫ن اِْلن َ‬‫خْيِر َوَكا َ‬ ‫عاَءُه ِباْل َ‬ ‫شّر ُد َ‬
‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬‫ع اِْلن َ‬ ‫)‪َ (10‬وَيْد ُ‬
‫ل )‪ 12‬السراء (‬ ‫صي ً‬ ‫صْلَناُه َتْف ِ‬‫يٍء َف ّ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫ْ َ‬
‫عل ُل ّ‬
‫ن‬ ‫ول َت َ ْ‬
‫ن َ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬
‫ض َ‬
‫في الْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫سد ُ ّ‬ ‫ب ل َت ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫في ال ْك َِتا ِ‬
‫ل ِ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ْ‬
‫سراِئي َ‬ ‫و َ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫وا ك َِبيًرا )‪(4‬‬ ‫ُ‬
‫ُ ّ‬ ‫ل‬‫ع‬

‫ب ‪ :‬وأوحينا إليهم في التوراة وحيا مقضيا مبتوتا ‪.‬‬


‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫َوَق َ‬
‫ن ‪ :‬لتفسييدن فييي الرض ‪ ،‬جيواب قسييم محييذوف ‪ ،‬والمييراد بييالرض الجنييس أو أرض‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫سُدنّ ِفي اَْلْر ِ‬
‫َلُتْف ِ‬
‫الشام وبيت المقدس ‪ ،‬ومرتين إفسادتين ‪.‬‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ‪ :‬ولتستكبرن عن طاعة ال ‪ ،‬من قوله أن فرعون عل في الرض ‪ ،‬والمراد به البغييي والظلييم‬ ‫َوَلَتْعُلنّ ُ‬
‫والغلبة ‪ ،‬لتستكبرن عن طاعة ال تعالى ‪ ،‬أو لتغلبن النيياس بييالظلم والعييدوان وتفرطيين فييي ذلييك إفراطييا مجيياوزا‬
‫للحد ‪ ،‬وأصل معنى العلو الرتفاع وهو ضد السفل وتجّوز به عن التكبر والستيلء على وجه الظلم ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عب َللا ً َ‬ ‫عدُ ُأوَل ُ‬
‫سللوا‬
‫جا ُ‬ ‫د َ‬
‫ف َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫س َ‬
‫شل ِ‬ ‫دا لن َللا أول ِللي ب َلأ ٍ‬ ‫عل َي ْك ُل ْ‬
‫م ِ‬ ‫عث َْنا َ‬
‫ما ب َ َ‬‫ه َ‬ ‫و ْ‬
‫جاءَ َ‬‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫عوًل )‪(5‬‬ ‫ف ُ‬‫م ْ‬ ‫دا َ‬
‫ع ً‬‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬‫ر َ‬
‫ل الدَّيا ِ‬‫خَل َ‬‫ِ‬
‫عُد ُأوَلُهَما ‪ :‬والوعد بمعنى الموعود مراد بيه العقياب وفيي الكلم تقيدير ‪ ،‬أي فيإذا حيان وقيت حليول‬
‫جاَء َو ْ‬
‫َفِإَذا َ‬
‫العقاب الموعود ‪ ،‬وقيل الوعد بمعنى الوعيد وفيه تقدير أيضا ‪ ،‬وقيل بمعنى الوعد الييذي يييراد بيه اليوقت أي فيإذا‬
‫حان موعد عقاب أولى الفسادتين ‪.‬‬
‫عَباًدا َلَنا ‪ :‬البعث بالتخلية وعدم المنييع ) البيضيياوي ( ‪ ،‬وقييال الزمخشييري ‪ " :‬خلينييا بينهييم وبييين مييا‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫َبَعْثَنا َ‬
‫فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال " ‪ ،‬وقال ابن عطية ‪ " :‬يحتمل أن يكون ال تعالى ‪ ،‬أرسييل إلييى ملييك أولئك‬
‫العباد رسول ‪ ،‬يأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر منه تعالى " ‪.‬‬
‫شِديٍد ‪ :‬ذوي قوة وبطش في الحروب ‪ ،‬والبأس والبأساء في النكاية ‪ ،‬ومن هنييا قيييل إن وصييف البييأس‬
‫س َ‬
‫ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫بالشديد مبالغة ‪.‬‬
‫لَل الّدَياِر ‪ :‬قال الجوهري " الجوس مصدر ‪ ،‬وقولييك جاسييوا خلل الييديار ‪ ،‬أى تخّللوهييا كمييا يجييوس‬‫خَ‬‫سوا ِ‬
‫جا ُ‬
‫َف َ‬
‫الرجل للخبار أي يطلبها " ‪ ،‬أي عاثوا وافسدوا وقتلوا وتخللوا الزقة بلغة جذام بمعنييى الغلبيية والييدخول قهييرا ‪،‬‬
‫وقال الزجاج ‪ " :‬طافوا خلل الديار ينظرون هل بقي احد لم يقتلوه " والجييوس طلييب الشيييء باستقصيياء ‪ ،‬وقييال‬
‫اللوسي ‪ " :‬والجمهور على أن في هذه البعثة ‪ ،‬خّرب هؤلء العباد بيييت المقييدس ‪ ،‬ووقييع القتييل الييذريع والجلء‬
‫والسر في بني إسرائيل وحرقت التوراة " ‪.‬‬
‫عًدا َمْفُعوًل ‪ :‬قضاء كائنا ل خلف فيه ‪ ،‬وكان وعد عقابهم ل بد أن يفعل ‪ ،‬أي ل بييد ميين كييونه مقضيييا أي‬
‫ن وَ ْ‬
‫َوَكا َ‬
‫مفروغ منه ‪.‬‬

‫م أ َك ْث ََر ن َ ِ‬
‫فيللًرا‬ ‫عل َْناك ُ ْ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬
‫ن َ‬
‫وب َِني َ‬
‫ل َ‬
‫وا ٍ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫مدَدَْناك ُ ْ‬
‫م ب ِأ ْ‬
‫عل َيهم َ‬
‫م ال ْك َّرةَ َ ْ ِ ْ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫م َردَدَْنا ل َك ُ ْ‬
‫ثُ ّ‬
‫)‪(6‬‬

‫عَلْيِهْم ‪ :‬ثم للعطف وتفيد التراخي في الزمن ‪ ،‬يقول اللوسي " جعل َرَدَدنا موضع َنُرّد ‪ ،‬فعّبر‬ ‫ُثّم َرَددَْنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫ن ( ‪ ،‬أي رددنا النسييان أسييفل‬ ‫ساِفِلي َ‬
‫سَفَل َ‬
‫عن المستقبل بالماضي " ‪ ،‬وُيضيف في تفسير قوله تعالى ) ُثّم َرَددَْناُه َأ ْ‬
‫سافلين من النار ‪ ،‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ ،‬فلهم أجر غير ممنون بعد البعث والجييزاء " ‪ ،‬وهييذه الكيرة‬
‫بعد الجلوة الولى ‪ ،‬أي الرجعة والدولة والغلبة على الذين ُبعثوا عليكم ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬أعطاهم ال الموال والولد ‪.‬‬
‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا ‪ :‬والنفير أي القوم الذين يجتمعيون ‪ ،‬ليصييروا إلييى أعييدائهم فيحياربوهم ‪ ،‬وهيم المجتمعيون‬
‫َو َ‬
‫للذهاب إلى العدو ‪ ،‬أي أكثر رجال من عدوكم ‪ ،‬والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته ‪.‬‬

‫علدُ اْل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حسللنت ُم ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ة‬
‫خ لَر ِ‬ ‫و ْ‬‫جللاءَ َ‬
‫ذا َ‬‫ف لإ ِ َ‬ ‫فل َ َ‬
‫هللا َ‬ ‫م َ‬‫س لأت ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫س لك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫ْ‬ ‫مأ ْ َ‬ ‫سنت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬‫إِ ْ‬
‫مللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ول ِي ُت َب ُّروا َ‬‫ة َ‬‫مّر ٍ‬
‫ول َ‬ ‫خلوهُ أ ّ‬ ‫ما دَ َ‬
‫جد َ ك َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫خلوا ال َ‬ ‫ول ِي َدْ ُ‬
‫م َ‬ ‫هك ْ‬ ‫جو َ‬
‫و ُ‬‫ءوا ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫وا ت َت ِْبيًرا )‪(7‬‬ ‫عل َ ْ‬
‫َ‬

‫سْأُتْم َفَلَها ‪ :‬وهذا الخطاب قيل أنيه لبنييي إسيرائيل الملبييثين لميا ذكير فييى هييذه‬
‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫سنُتْم َِلنُف ِ‬
‫ح َ‬
‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ِإ ْ‬
‫اليات ‪ ،‬وقيل لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ،‬ومعنيياه إعلمهييم مييا حييل بسييلفهم‬
‫فليرتقبوا مثييل ذلييك ‪ ،‬وأن إحسييان العمييال وإسيياءتها مختييص بهييم والييية تضييمنت ذلييك ‪ ،‬وفيهييا ميين الييترغيب‬
‫بالحسان والترهيب من الساءة ما ل يخفى فتأمل ‪.‬‬
‫خَرِة ‪ :‬أي حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الخرة ‪ ،‬وجواب إذا محييذوف تقييديره بعثنيياهم‬ ‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫َفِإَذا َ‬
‫لدللة جواب إذا الولى عليه ‪ ،‬فالظاهر فإذا جاء ‪ ،‬وإذا جاء للدللة على أن مجيء وعد عقاب المرة الخييرة ‪ ،‬لييم‬
‫يتراخ عن كثرتهم واجتماعهم دللة على شدة شكيمتهم في كفييران النعييم ‪ ،‬وأنهييم كلمييا ازدادوا عييددا وعييدة زادوا‬

‫‪15‬‬
‫عدوانا وعزة ‪ ،‬إلى أن تكاملت أسباب الثروة والكثرة فاجأهم ال عز وجييل علييى الغيّرة ‪ ،‬نعييوذ بييال سييبحانه ميين‬
‫مباغتة عذابه ‪.‬‬
‫حييذف لدلليية مييا سييبق عليييه ‪ ،‬وهييو جييواب إذا ‪ ،‬أي‬
‫جوَهُكْم ‪ :‬اللم لم كي ‪ ،‬وليسوءوا متعلق بفعييل ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫ِلَي ُ‬
‫بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ‪ ،‬أي ليجعل العباد المبعوثون ‪ ،‬آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم ‪ ،‬إشارة إلى أنييه‬
‫جمع عليهم ألم النفس والبدن ‪.‬‬
‫جَد ‪ :‬اللم لم كي ‪ ،‬والضمير للعبيياد أولييى البييأس الشييديد ‪ ،‬والمسييجد مسييجد بيييت المقييدس ‪ ،‬قييال‬
‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫َوِلَيْد ُ‬
‫اللوسي ‪ " :‬فإن المراد به بيت المقدس ‪ ،‬وداود عليه السلم ابتدأ بنيانه بعد قتل جالوت وإيتائه النبييوة ولييم يتّمييه ‪،‬‬
‫وأتّمه سليمان عليه السلم ‪ ،‬فلم يكن قبل داود عليه السلم مسجد حتى يدخلوه أول مرة ‪ ،‬ودفع بأن حقيقة المسييجد‬
‫الرض ل البناء ‪ ،‬أو يحمل قوله تعالى دخلوه على الستخدام ‪ ،‬والحق أن المسييجد كييان موجييودا قبييل داود عليييه‬
‫السلم كما قدمنا " ‪.‬‬
‫َكَما َدخَُلوُه َأّوَل َمّرٍة ‪ :‬كما دخلوه أي دخول كائنا كدخولهم إياه أول مييرة ‪ ،‬قييال اللوسييي‪ " :‬والمييراد ميين التشييبيه‬
‫أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والذلل ‪ ،‬وفيه أيضا أن هذا يبعد قول ‪ ،‬من ذهب إلييى أن أولييى المرتييين لييم‬
‫يكن فيها قتال ول قتل ول نهب " ‪.‬‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا ‪ :‬أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلك ‪ ،‬وليتبروا أي يدّمروا ويهلكوا ما غلبييوا عليييه ميين‬
‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫بلدكم ‪ ،‬أو مدة علوهم ‪ ،‬أي ما علوا عليه من القطار وملكوه من البلد ‪ ،‬وقيل مييا ظرفييية والمعنييى مييدة علييوهم‬
‫وغلبتهم على البلد ‪ ،‬تتبيرا أي تدميرا ‪ُ ،‬ذكَر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخييبر ‪ ،‬مييا علييوا مفعييول لتييبروا ‪ ،‬أي‬
‫لُيهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم ‪.‬‬

‫م ل ِل ْك َللا ِ‬ ‫عسى ربك ُ َ‬


‫صلليًرا )‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫عل َْنا َ‬
‫ج َ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬
‫عدَْنا َ‬
‫م ُ‬
‫عدْت ُ ْ‬
‫ن ُ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪(8‬‬

‫حَمُكْم ‪ :‬لبقية بني إسييرائيل عسييى ربكييم ‪ ،‬إن أطعتييم فيي أنفسيكم واسيتقمتم أن يرحمكيم ‪ ،‬وهيذه‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬‫ع َ‬
‫َ‬
‫العودة ليست برجوع دولة وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم ‪ ،‬وكان مين الطاعية اتبياعهم لعيسيى ومحميد عليهميا‬
‫السلم ‪.‬‬
‫صل المرتين كان قبل بعثهما عليهما السلم ‪.‬‬
‫* ذلك لن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تح ّ‬
‫عْدَنا ‪ :‬وإن عدتم للفساد بعد الذي تقدم ‪ ،‬عدنا عليكم بالعقوبة فعاقبناكم في الدنيا ‪ ،‬بمثل ما عاقبناكم بييه‬‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫َوِإ ْ‬
‫في المرتين ‪.‬‬
‫صيًرا ‪ :‬أي محبوسون في جهنم ل يتخلصون منها ‪.‬‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬
‫َو َ‬

‫مل ُللو َ‬
‫ن‬ ‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ش لُر ال ْ ُ‬
‫مل ْ‬ ‫وي ُب َ ّ‬
‫م َ‬
‫و ُ‬ ‫ي أَ ْ‬
‫قل َ‬ ‫هل َ‬ ‫دي ل ِل ّت ِللي ِ‬ ‫ه ِ‬
‫ن يَ ْ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ه َ‬
‫ن َ‬
‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫جًرا كِبيًرا )‪(9‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫نل ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ي َأْقَوُم ‪ :‬أي إلى الطريقة التي هي أصوب وقيل الكلمة التي هي أعدل ‪.‬‬
‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬
‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬
‫ِإ ّ‬
‫شر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير ‪ ،‬آجل‬ ‫جًرا َكِبيًرا ‪ :‬أي ُيب ّ‬
‫ن َلُهْم َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫شُر اْلُمْؤِمِني َ‬
‫َوُيَب ّ‬
‫وعاجل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ‪ ،‬ويراد بالتبشير مطلق الخبار ‪ ،‬أو يكون المراد منه معناه الحقيقييي ‪،‬‬
‫ويكون الكلم مشتمل على تبشير المؤمنين ببشارتين ‪ ،‬الولى ما لهم من الثواب والثانية ما لعدائهم من العقاب ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما )‪(10‬‬ ‫ع َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م َ‬ ‫عت َدَْنا ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن ِباْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وأ ّ‬‫َ‬
‫وهو عذاب جهنم ‪ ،‬أي أعددنا وهيأنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجييوده ميين الخييرة عييذابا مؤلمييا وهييو أبلييغ ميين‬
‫الزجر ‪ ،‬لما أن إتيان العذاب من حيث ل يحتسب أفظع وأفجع ‪ ،‬ولعل أهل الكتاب داخلون في هيذا الحكيم ‪ ،‬لنهيم‬
‫ل يقولون بالجزاء الجسماني ويعتقدون في الخرة أشياء ل أصل لها ‪ ،‬فلم يؤمنوا بييالخرة وأحكامهييا المشييروحة‬
‫‪16‬‬
‫في هذا القرآن حقيقة اليمان ‪ ،‬والعطف على أن لهم أجرا كبيرا ‪ ،‬فيكييون إعييداد العييذاب الليييم للييذين ل يؤمنييون‬
‫شيير بييه ‪،‬‬
‫بالخرة مبشرا به ‪ ،‬كثبوت الجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ‪ ،‬ومصيييبة العييدو سييرور ُيب ّ‬
‫فكأنه قيل يبشر المييؤمنين بثييوابهم وعقيياب أعييدائهم ‪ ،‬ويجييوز أن تكييون البشييارة مجييازا مرسييل ‪ ،‬بمعنييى مطلييق‬
‫الخبار الشامل للخبار بما فيه سرور للمؤمنين ‪.‬‬

‫جوًل )‪(11‬‬
‫ع ُ‬
‫ن َ‬
‫سا ُ‬ ‫نا ِْ‬
‫لن َ‬ ‫و َ‬
‫كا َ‬ ‫ر َ‬ ‫عاءَهُ ِبال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ن ِبال ّ‬
‫شّر دُ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫عا ِْ‬
‫لن َ‬ ‫وي َدْ ُ‬
‫َ‬
‫شّر ‪ :‬ويدعو النسان على ماله وولده ونفسه بالشر ‪ ،‬فيقول عند الغضييب ‪ :‬اللهييم العنييه وأهلكييه‬
‫ن ِبال ّ‬
‫سا ُ‬
‫ع اِْلن َ‬
‫َوَيْد ُ‬
‫ونحوهما ‪.‬‬
‫خْيِر ‪ :‬أي كدعائه ربه بالخير ‪ ،‬أن يهب له النعمة والعافية ‪ ،‬ولو استجاب ال دعيياءه عليى نفسيه لهلييك ‪،‬‬
‫عاَءهُ ِباْل َ‬
‫ُد َ‬
‫ولكن ال ل يستجيب بفضله ‪.‬‬
‫جوًل ‪ :‬بالدعاء على ما يكييره أن ُيسييتجاب لييه فيييه ‪ ،‬قيياله جماعيية ميين أهييل التفسييير ‪ ،‬وقييال ابيين‬
‫عُ‬
‫ن َ‬
‫سا ُ‬
‫ن اِْلن َ‬
‫َوَكا َ‬
‫عباس ‪ :‬ضجرا ل صبر له على السراء والضراء ‪.‬‬

‫صيًل )‪: (12‬‬ ‫صل َْناهُ ت َ ْ‬


‫ف ِ‬ ‫ء َ‬
‫ف ّ‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫وك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫أي كل ما تفتقرون إليه في أمر دينكم ودنياكم ‪ ،‬فصلناه تفصيل ‪ :‬بيناه تبينييا ل يلتبييس معييه بغيييره ‪ ،‬أي بينيياه بيانييا‬
‫غير ملتبس ‪ ،‬فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا ‪.‬‬

‫أقوال المفسرين في المبعوثين أول وثانيا‬

‫من تفسير القرطبي ‪:‬‬

‫بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ‪ ،‬هم أهل بابل ‪ ،‬وكان عليهم بختنصر في المرة الولى ‪ ،‬حين كذبوا إرمياء‬
‫وجرحوه وحبسوه ‪ ،‬قاله ابن عباس وغيره ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬أرسل عليهييم جييالوت فقتلهييم ‪ ،‬فهييو وقييومه أولييوا بييأس‬
‫شديد ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر ‪ ،‬فوعى حديثهم من بين أصحابه‬
‫‪ ،‬ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال ‪ ،‬وهذا في المرة الولى فكان منهم جوس خلل الديار ل قتل ذكره القشيييري‬
‫أبو نصر ‪ .‬وذكر المهدوي ‪ :‬عين مجاهييد أنيه جياءهم بختنصير ‪ ،‬فهزمييه بنيو إسييرائيل ثيم جياءهم ثانييية ‪ ،‬فقتلهيم‬
‫ودمرهم تدميرا ‪ ،‬ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ذكره النحاس ‪ .‬وقال محمد بن إسحاق في خييبر فييه طييول ‪ :‬إن‬
‫المهزوم سنحاريب ملك بابل ‪ ،‬جاء ومعه ستمائة ألف راية تحت كل راية ألف فارس ‪ ،‬فنزل حييول بيييت المقييدس‬
‫فهزمه ال تعالى فرجعوا إلى بابل ‪ ،‬ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين ‪ ،‬واستخلف بختنصر وعظمت الحداث في‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا ‪ ،‬فجاءهم بختنصر ودخل هييو وجنييوده بيييت المقييدس ‪ ،‬وقتييل‬
‫بني إسرائيل حتى أفناهم ‪ .‬وقال ابن عباس وابن مسعود ‪ :‬أول الفساد قتل زكريا ‪ ،‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬فسييادهم فيي‬
‫المرة الولى قتل شعيا نبي ال في الشجرة ‪ ،‬وذكر ابن إسحاق ‪ :‬أن بعض العلميياء ‪ ،‬أخييبره أن زكريييا مييات موتييا‬
‫ولم يقتل وإنما المقتول شعيا ‪ ،‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬في قوله تعالى ) ثم بعثنييا عليكييم عبييادا لنييا أولييي بييأس شييديد‬
‫فجاسوا خلل الديار ( هو سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك بابل ‪ ،‬وهذا خلف ما قال ابيين إسييحاق ‪ ،‬فييال‬
‫أعلم وقيل ‪ :‬إنهم العمالقة وكانوا كفارا قاله الحسن ‪.‬‬

‫من تفسير ابن كثير ‪:‬‬

‫وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلء المسلطين عليهم من هم ‪ ،‬فعن ابن عباس وقتادة ‪ :‬أنه جالوت‬
‫الجزري وجنوده ‪ ،‬سلط عليهم أول ثم أديلوا عليه بعد ذلك وقتل داود جالوت ‪ ،‬ولهيذا قيال ) ثييم رددنييا لكييم الكييرة‬
‫عليهم ( الية ‪ ،‬وعن سييعيد بين جيبير ‪ :‬أنيه ملييك الموصيل سينحاريب وجنيوده ‪ ،‬وعنيه أيضيا وعين غيييره ‪ :‬أنيه‬
‫بختنصر ملك بابل ‪ ،‬وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية ‪ ،‬لييم أر تطويييل الكتيياب بييذكرها ‪ ،‬لن منهييا مييا هييو‬

‫‪17‬‬
‫موضوع من وضع بعض زنادقتهم ‪ ،‬ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا ‪ ،‬ونحين فيي غنيية عنهيا ولي الحميد ‪،‬‬
‫وفيما قص ال علينا في كتابه غنية ‪ ،‬عما سواه من بقية الكتب قبله ‪ ،‬ولم يحوجنا ال ول رسوله إليهم ‪ ،‬وقد أخييبر‬
‫ال عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط ال عليهم عيدوهم ‪ ،‬فاسيتباح بيضيتهم وسيلك خلل بييوتهم ‪ ،‬وأذلهيم وقهرهيم‬
‫جزاء وفاقا ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد ‪ ،‬فإنهم كانوا قد تمييردوا وقتلييوا خلقييا ميين النبييياء والعلميياء ‪ ،‬وقييد روى ابيين‬
‫جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني سليمان بن بلل ‪ ،‬عن يحيى بيين سييعيد ‪ ،‬قييال ‪:‬‬
‫سمعت سعيد بن المسيب ‪ ،‬يقول ‪ :‬ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ‪ ،‬ثم أتى دمشق فوجد بهييا‬
‫دما يغلي على كبا ‪ ،‬فسألهم ما هذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ‪ ،‬وكلما ظهر عليه الكبا ظهيير ‪ ،‬قييال ‪ :‬فقتييل‬
‫على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فسكن وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ‪ ،‬وهييذا هييو المشييهور‬
‫وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ‪ ،‬حتى أنه لم يبق من يحفظ التوراة ‪ ،‬وأخييذ معييه منهيم خلقيا كيثيرا أسيرى مين أبنياء‬
‫النبياء وغيرهم ‪ ،‬وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ‪ ،‬ولو وجييدنا مييا هيو صييحيح أو مييا يقيياربه ‪ ،‬لجيياز كتييابته‬
‫وروايته وال أعلم ‪.‬‬

‫من تفسير الطبري ‪:‬‬

‫فكان أول الفسادين قتل زكريا ‪ ،‬فبعث ال عليهم ملك النبط ‪ ،‬فخرج بختنصر حييين سييمع ذلييك منهييم ‪ ،‬ثييم إن بنييي‬
‫إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ‪ ،‬فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬كان إفسادهم الييذي يفسييدون‬
‫في الرض مرتين ‪ ،‬قتل زكريا ويحيى بن زكريا ‪ ،‬سلط ال عليهم سابور ذا الكتاف ‪ ،‬ملكا من ملييوك النبييط فييي‬
‫الولى ‪ ،‬وسلط عليهم بختنصر في الثانية ‪.‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال ‪ :‬إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا وقتلوا النبياء ‪ ،‬بعث ال ي عليهييم‬
‫ملك فارس بختنصر ‪ ،‬وكان ال قد مّلكه سبع مائة سنة فسار إليهم حتى دخييل بيييت المقييدس ‪ ،‬فحاصييرها وفتحهييا‬
‫ي بيت المقدس ‪ ،‬واستخرج منهيا سييبعين‬ ‫وقتل علي دم زكريا سبعين ألفا ‪ ،‬ثم سبى أهلها وبني النبياء ‪ ،‬وسلب حل ّ‬
‫ي حتى أورده بابل ‪ ،‬قال حذيفة ‪ :‬فقلت يا رسول ال لقد كان بيت المقدس عظيما عنييد‬ ‫ألفا ومائة ألف عجلة من حل ّ‬
‫ال ‪ ،‬قال ‪ :‬أجل بناه سليمان بن داود ‪،‬ن ذهب ودر وياقوت وزبرجد ‪ ،‬وكان بلطه ميين ذهييب وبلطيية ميين فضيية‬
‫وعمده ذهبا ‪ ،‬أعطاه ال ذلك وسخر له الشياطين ‪ ،‬يييأتونه بهييذه الشييياء فييي طرفيية عيين ‪ ،‬فسييار بختنصيير بهييذه‬
‫الشياء حتى نزل بها بابل ‪ ،‬فأقام بنييوا إسييرائيل فييي يييديه مييائة سيينة ‪ ،‬تعييذبهم المجييوس وأبنيياء المجيوس ‪ ،‬فيهييم‬
‫النبياء وأبناء النبياء ‪ ،‬ثم إن ال رحمهم ‪ ،‬فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورش وكان مؤمنا ‪ ،‬أن سر‬
‫إلى بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ‪ ،‬فسار كورش ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس ‪ ،‬حتى رده إليييه فأقييام بنييوا‬
‫إسرائيل مطيعين ل مائة سنة ‪ ،‬ثم إنهم عادوا في المعاصي ‪ ،‬فسلط ال عليهم ابطيانحوس ‪ ،‬فغزا بأبنيياء ميين غييزا‬
‫مع بختنصر ‪ ،‬فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس ‪ ،‬فسبى أهلها وأحرق بيت المقييدس ‪ ،‬وقييال لهييم يييا بنييي‬
‫إسرائيل ‪ ،‬إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء ‪ ،‬فعادوا في المعاصي فسيّير الي عليهييم السييباء الثييالث ملييك‬
‫رومية ‪ ،‬يقال له قاقس بن إسبايوس فغزاهم فييي الييبر والبحيير ‪ ،‬فسييباهم وسييبى حلييي بيييت المقييدس وأحييرق بيييت‬
‫المقدس بالنيران ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ :‬هذا من صنعة حلي بيت المقدس ‪ ،‬وييرده المهيدي إلييى بييت المقييدس ‪ ،‬وهيو‬
‫ألف سفينة وسبع مائة سفينة يرسى بها على يافا ‪ ،‬حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع ال الولين والخرين ‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل ‪ ،‬في الذين عنى ال بقوله أولي بأس شديد ‪ ،‬فيما كان من فعلهم ‪ ،‬في المرة الولى فييي بنييي‬
‫إسرائيل ‪ ،‬حين بعثوا عليهم ‪ ،‬ومن الذين بعث عليهم في المرة الخرة ‪ ،‬وما كان من صنعهم بهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬
‫كان الذي بعث ال عليهم في المرة الولى جالوت ‪ ،‬وهو من أهل الجزيرة ‪ ،‬وفيمييا روي عيين ابيين عبيياس قييوله ‪:‬‬
‫بعث ال عليهم جالوت فجاس خلل ديارهم ‪ ،‬وضرب عليهم الخراج والذل ‪ ،‬فسألوا ال أن يبعث لهم ملكا يقاتلون‬
‫في سبيل ال فبعث ال طالوت ‪ ،‬فقاتلوا جالوت فنصر ال بني إسرائيل ‪ ،‬وقتل جالوت بيدي داود ورجييع ال ي إلييى‬
‫بني إسرائيل ُملكهم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بل بعييث عليهييم فييي المييرة الولييى سيينحاريب ‪ ،‬وفيمييا روي عيين سييعيد بيين‬
‫المسيب يقول ‪ :‬ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬يعني بييذلك قومييا ميين أهييل‬
‫فارس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولم يكن في المرة الولى قتال ‪ ) ،‬ثم رددنا لكم … ( وفي قول ابن عباس ‪ ،‬الذي رواه عطية عنه‬
‫‪ ،‬هي إدالة ال إياهم من عدوهم جالوت حتى قتلوه ‪ ،‬وكان مجيء وعد المرة الخرة عند قتلهم يحيى بعييث عليهييم‬

‫‪18‬‬
‫بختنصر ‪ ،‬وخّرب بيت المقدس وأمر به أن تطرح فيه الجيف وأعانه على خرابه الروم ‪ ،‬فلمييا خربييه ذهييب معييه‬
‫بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم ‪ ،‬وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل ‪ ،‬وهؤلء كلهم من أولد النبياء ‪.‬‬
‫وفيما روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث ال عليهم في المرة الولى سنحاريب ‪ ،‬قال ‪ :‬فرّد ال لهم الكرة عليهم‬
‫كما أخبر ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم عصوا ربهم وعادوا لما نهوا عنه ‪ ،‬فبعييث عليهييم فييي المييرة الخييرة بختنصيير فقتييل المقاتليية‬
‫وسبى الذرية وأخذ ما وجد من الموال ودخلوا بيت المقدس ‪ ،‬كما قال الي عيز وجيل ‪ ،‬ودخليوه فتّبيروه وخّربيوه‬
‫فرحمهم فرّد إليهم ملكهم وخّلص من كان في أيديهم من ذرية بني إسييرائيل ‪ ،‬وعيين مجاهييد قييال ‪ :‬بعييث الي ملييك‬
‫فارس ببابل جيشا ‪ ،‬وأمر عليهم بختنصر ‪ ،‬فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الخرة ووعدها ‪ .‬وعن قتييادة‬
‫قوله ‪ :‬فبعث ال عليهم في الخرة بختنصيير المجوسييي البييابلي أبغييض خلييق الي إلييه ‪ ،‬فسييبا وقتييل وخيّرب بيييت‬
‫المقدس وسامهم سوء العذاب ‪ ،‬وفيما روي عن ابن عباس قال ‪ :‬فلما أفسدوا ‪ ،‬بعث ال عليهم في المييرة الخييرة ‪،‬‬
‫بختنصر فخرب المساجد ‪.‬‬

‫من تفسير البغوي ‪:‬‬

‫قال قتادة ‪ :‬إفسادهم في المرة الولى ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا المحارم ‪ ،‬وقييال ابيين إسييحاق ‪ :‬إفسييادهم‬
‫في المرة الولى قتل إشعياء في الشجرة وارتكابهم المعاصي ‪ ) ،‬بعثنا عليكم عبادا لنا ( قال قتادة ‪ :‬يعنييي جييالوت‬
‫الجزري وجنوده وهو الييذي قتلييه داود ‪ ،‬وقييال سييعيد بيين جييبير ‪ :‬يعنييي سيينحاريب ميين أهييل نينييوى ‪ ،‬وقييال ابيين‬
‫إسحاق ‪ :‬بختنصر البابلي وأصحابه وهو الظهر ‪ ) ،‬فييإذا جيياء وعييد الخييرة ( وذلييك قصييدهم قتييل عيسييى عليييه‬
‫السلم حين رفع ‪ ،‬وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلم ‪ ،‬فسلط عليهم الفرس والروم خييردوش وطيطييوس حييتى‬
‫قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ‪.‬‬

‫من تفسير الشوكاني ‪:‬‬

‫والمرة الولى قتل شعياء أو حبس أرمياء أو مخالفة أحكام التوراة ‪ ،‬والثانية قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل‬
‫عيسى ‪ ) ،‬عبادا لنا ( قيل هو بختنصر وجنوده وقيل جالوت وقيل جند من فييارس وقيييل جنييد ميين بابييل ‪ ،‬والمييرة‬
‫الخرة هى قتلهم يحيى ابن زكريا ) وإن عدتم ( قال أهل السيير ‪ ،‬ثيم إنهيم عيادوا إليى ميا ل ينبغيي وهيو تكيذيب‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ،‬وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة والنجيل ‪ ،‬فعاد ال إلى عقوبتهم على أيدي‬
‫العرب ‪ ،‬فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ‪ ،‬مييا جييرى مين القتييل والسييبي والجلء وضييرب‬
‫الجزية ‪ ،‬على من بقي منهم وضرب الذلة والمسكنة ‪.‬‬

‫من تفسير اللوسي ‪:‬‬

‫واختلف في تعيين هؤلء العباد في إفسادهم الول ‪ ،‬فعن ابن عباس وقتادة هييم جييالوت الجييزري وجنيوده ‪ ،‬وقيال‬
‫ابن جبير وابن إسحاق هم سنحاريب ملك بابل وجنوده ‪ ،‬وقيل هم العمالقيية ‪ ،‬وفييي العلم للسييهيلي هييم بختنصيير‬
‫عامل لهراسف أحد ملوك الفرس الكيانية ‪ ،‬على بابل والروم وجنوده ‪ ،‬بعثوا عليهييم حييين كييذبوا أرميييا وجرحييوه‬
‫وحبسوه قيل وهو الحق ‪.‬‬
‫واختلف في تعيين هؤلء العباد المبعوثين ‪ ،‬بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه السلم في إفسادهم الخير ‪ ،‬فقييال غييير‬
‫واحد إنهم بختنصر وجنوده ‪ ،‬وتعقبه السهيلي وقال بأنه ل يصح ‪ ،‬لن قتل يحيى بعد رفع عيسى عليهما السييلم ‪،‬‬
‫وبختنصر كان قبل عيسى عليه السلم بزمن طوييل ‪ ،‬وقييل السيكندر وجنيوده ‪ ،‬وتعقبيه أيضيا وقيال ‪ :‬بيأن بيين‬
‫السكندر وعيسى عليه السلم نحوا من ثلثمائة سنة ‪ ،‬ثم قال لكنييه إذا قيييل إن إفسييادهم فييي المييرة الخيييرة بقتييل‬
‫شعيا جاز أن يكون المبعوث عليهم بختنصر ومن معه لنه كان حينئذ حيا ‪ ،‬والذي ذهب إليه اليهييود أن المبعييوث‬
‫أول بختنصر وكان في زمن آرميا عليه السلم ‪ ،‬وقيد أنييذرهم مجيئه صييريحا بعييد أن نهياهم عين الفسيياد وعبيادة‬
‫الصنام كما نطق به كتابه ‪ ،‬فحبسوه في بئر وجرحوه ‪ ،‬وكان تخريبه لبيت المقدس في السيينة التاسييعة عشيير ميين‬
‫حكمه ‪ ،‬وبين ذلك وهبوط آدم ثلثة آلف وثلثمائة وثماني وثلثين سنة وبقي خرابا سبعين سنة ‪ ،‬ثم إن أسبيانوس‬

‫‪19‬‬
‫جه وزيره طيطوس إلى خرابه فخربه سنة ثلثة آلف وثمانمييائة وثمانييية وعشييرين ‪ ،‬فيكييون بييين‬
‫قيصر الروم و ّ‬
‫البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة ‪ ،‬وتفصيل الكلم في ذلك في كتبهم ‪ ،‬وال تعالى أعلم بحقيقة الحال ‪.‬‬
‫وقال اللوسي ‪ " :‬ونعم ما قيل إن معرفة القوام المبعوثين ‪ ،‬بأعيانهم وتاريخ البعييث ونحييوه ‪ ،‬ممييا ل يتعلييق بييه‬
‫كبير غرض ‪ ،‬إذ المقصود أنه لما كثرت معاصيهم ‪ ،‬سييلط الي تعييالى عليهييم ميين ينتقييم منهييم مييرة بعييد أخييرى ‪،‬‬
‫وظاهر اليات يقتضي اتحاد المبعوثين أول وثانيا "‬
‫ونقول ‪ :‬نتفق مع اللوسي في بعض ما ذهب إليه ‪ ،‬ونختلف معه في التقليل من شأن المبعوثين ‪ ،‬التي ما أخبر بييه‬
‫لم الغيييوب ‪ ،‬لميين هييم فييي شييك‬ ‫ل لكبير غرض ‪ ،‬وهو إثبات أن هذا القران من لييدن ع ّ‬ ‫سبحانه في كتابه العزيز إ ّ‬
‫ص فْلَناُه‬
‫يٍء َف ّ‬
‫شف ْ‬
‫يلعبون من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فهذه النبييوءة تحكييي واقعييا نعاصييره الن ‪ ،‬بكييل تفاصيييله ) َوُك فّل َ‬
‫صيلً ( ومعرفة وتحديد المرتيين أمير فيي غايية الهميية ‪ .‬مييع أن عبييارته الخيييرة – رحمييه الي ‪ -‬فييي النيص‬ ‫َتْف ِ‬
‫سر الوحيد من القدماء ‪ ،‬الييذي أشييار صييراحة‬ ‫السابق ‪ ،‬التي أكد فيها " اتحاد المبعوثين أول وثانيا " ‪ ،‬وهو المف ّ‬
‫إلى هذا المر ‪ ،‬أعطتني دفعة كبيرة للمضي قدما في هذا البحييث ‪ ،‬حيييث كنييت قييد تتبعييت الضييمائر الييواردة فييي‬
‫اليات ‪ ،‬وتأكدت من هذا المر في بداية البحث ‪ ،‬فقد أّيدت هذه العبارة جانبا من الفكييار الييتي كنييت أحملهيا فيمييا‬
‫ن فنيياء دوليية‬ ‫يتعلق بهذه النبوءة ‪ ،‬بعدما تبّين لييي ميين خلل الحيياديث النبوييية الييتي ذكرتهييا فييي بداييية البحييث ‪ ،‬أ ّ‬
‫إسرائيل سيكون قبل قيام الخلفة السلمية ‪ ،‬التي ما زال عامة المسلمين ينتظرون ويأملون قيامها للقضاء عليهم‬
‫وإنهاء وجودهم ‪ .‬وبما أن المبعوثين عليهم أول وثانيا متحدين ‪ ،‬فييذلك يعنييي أن معرفتنييا لميين ُبعييث عليهييم أول ‪،‬‬
‫ستقودنا بالضرورة لمعرفة من سيبعث عليهم ثانيا ‪ ،‬ومن ثم الكشف عن الكثير مما أحاط هذه النبوءة من غموض‬
‫‪ ،‬كان سببا في كثير من التفسيرات المغلوطة ‪ ،‬التي حّيرت ُأناس هذا العصر وأربكتهم ‪.‬‬
‫كان هذا عرضا لمجمل ما قاله المفسرين أجّلهم ال ورحمهم جميعا ‪ ،‬مع الخييذ بعييين العتبييار أن أحييدا منهييم لييم‬
‫يعاصر قيام دولية اليهيود للمييرة الثانيية ‪ ،‬وكيان أكييثرهم حداثية هيو اللوسيي الييذي تيوفي سيينة ‪ 1227‬هجيري ‪،‬‬
‫والملحظ من أقوالهم أنهم أجمعوا على أن تحّقق المرتين كان قبل السلم ‪ ،‬وأنهم نيبوا نسبة إحدى المرتييين إلييى‬
‫البابليين وبقيادة بختنصر ) نبوخذ نصر ( على الغلب ‪ ،‬وهو الحدث المشهور تاريخيا بما ُيسّمى ) السبي البييابلي‬
‫(‪.‬‬
‫ومعظم ما تقّدم من روايات هي أخبار موقوفة على أصحابها ‪ ،‬وأصلها أهل التييوراة حيييث أنهييا المصييدر الوحيييد‬
‫لمثل هذه الروايات ‪ ،‬والتي امتلت التفاسير منها ‪ ،‬وهي ليست مما ُيرجع إليه من الحكام الييتي يجييب بهييا العمييل‬
‫فُتتحرى في صحتها أو كذبها ‪ ،‬لذلك تساهل أغليب المفسيرين فيي نقلهييا عنهيم وهييي فييي بعييض منهييا أقييرب إلييى‬
‫الخرافة ‪.‬‬
‫سرين فقد أعاد أغلبهم نسخ أقوال القدماء بشكل مختصر وأضافوها إلى كتبهم ‪ ،‬وليم يييأتوا‬ ‫أّما المعاصرين من المف ّ‬
‫بجديد إل واحدا هو الشيخ سعيد حوى رحمه ال ‪ ،‬حيث أعلمني أحد الزملء بذلك ‪ ،‬عندما عرضييت عليييه بعييض‬
‫طلعييت‬ ‫نتائج هذا البحث ‪ ،‬فقال لي بأن إحدى النتائج التي خرجت بها ‪ ،‬كان الشيخ قد أوردهييا فييي تفسيييره ‪ ،‬وقييد ا ّ‬
‫على تفسيره لهذه اليات مؤخرا فوجدت بأن الشيخ ‪ ،‬قّدمها كاحتمال موسوم بالشييك ‪ ،‬ولكنييا نطرحهييا علييى وجييه‬
‫اليقين الذي ل ُيخالطه شك ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أما أناس هذه اليام ممن علم أو لم يعلييم ‪ ،‬فقييد جيياءوا بتفسيييرات وأقيوال شييتى فيي هييذه اليييات ‪ ،‬منهيا ميا وافييق‬
‫تفسيرات القدماء وأقوالهم من جانب وخالفها في جوانب أخرى ومنها ما خالفها جملة وتفصيل ‪.‬‬

‫بعض من أسباب الضطراب والرتباك ‪ ،‬في تفسير آيات سورة السراء ؟‬

‫هجر القرآن‬

‫القرآن في العادة ل ُيقرأ من قبل عاّمة المسلمين هذه اليام ‪ -‬إل ما رحم ربي ‪ -‬وإن ُقييرء فهييي قييراءة بل تفّكيير أو‬
‫ل )‪َ (27‬يفَوْيَلِتي َلْيَتِنفي َلفْم‬
‫سِبي ً‬
‫سوِل َ‬ ‫ت َمَع الّر ُ‬ ‫خذْ ُ‬
‫عَلى َيَدْيِه َيُقوُل َياَلْيَتِني اّت َ‬‫ظاِلُم َ‬‫ض ال ّ‬‫تدّبر ‪ ،‬قال تعالى ) َوَيْوَم َيَع ّ‬
‫سففوُل‬
‫خفُذوًل )‪َ (29‬وَقفاَل الّر ُ‬ ‫ن َ‬‫سففا ِ‬
‫لن َ‬
‫ن ِل ِْ‬
‫طا ُ‬
‫شفْي َ‬
‫ن ال ّ‬‫جاَءِني َوَكا َ‬ ‫ن الّذْكِر َبْعَد ِإْذ َ‬
‫عْ‬ ‫ضّلِني َ‬ ‫ل )‪َ (28‬لَقْد َأ َ‬ ‫خِلي ً‬
‫لًنا َ‬
‫خْذ ُف َ‬
‫َأّت ِ‬
‫جوًرا )‪ 30‬الفرقان ( ‪ .‬وهجر القرآن نبوءة وقد تحققت في زماننا هذا ‪.‬‬ ‫ن َمْه ُ‬‫خُذوا َهَذا اْلُقْرآ َ‬
‫ب ِإنّ َقْوِمي اّت َ‬
‫َيَر ّ‬
‫‪20‬‬
‫تجميد القرآن وتعطيله وفصله عن الواقع ‪ ،‬ماضيا وحاضرا ومستقبل‬

‫يذهب كثير من الناس من علماء وعاّمة ‪ ،‬إلى أن فهم القرآن واكتشاف مكنوناته مقصور على فئة معينة من الناس‬
‫دون غيرهم ‪ ،‬أو في زمان أو مكان دون آخر ‪ .‬بالرغم من أن هناك الكثير من التفسيييرات الخيياطئة ‪ ،‬والروايييات‬
‫حح لغاية الن ‪ .‬ونحن باعتمادنا بشييكل كّلييي علييى تفسيييرات‬
‫المضّللة أحيانا في كتب التفسير القديمة والتي لم تص ّ‬
‫القدماء ‪ ،‬حرمنا أنفسنا من فهم كثير من اليات ‪ ،‬ذات الصلة بواقعنا المعاصر ‪ ،‬والتي ما كان لحد من المفسرين‬
‫قديما القدرة على تفسيرها في زمن يسبق زماننا هذا ‪ ،‬ول نقصد هنا التعريض بأي حال مين الحيوال ‪ ،‬بيأي مين‬
‫المفسرين أجّلهم ال فكل له عذره وأسبابه ‪ ،‬ولكن نريد أن نؤكد من خلل هذا الكتاب أن القرآن ما زال حّيا ‪ ،‬وما‬
‫زالت لديه القدرة على التيان بجديد حتى قيام الساعة ‪ ،‬ولم يكن فهم القرآن يوما ولن يكييون محصييورا بزمييان أو‬
‫مكان أو أشخاص دون غيرهم ‪.‬‬

‫الغموض والبهام في نصوص النبوءات المستقبلية‬

‫عادة ل ُتستخدم النصوص الصريحة في الكتب السييماوية وفييي السيينة النبوييية ‪ ،‬كأسييلوب للخبييار عيين مضييامين‬
‫النبوءات ‪ ،‬فعادة ما ُيستعمل الوصف والتشبيه والتمثيل ‪ .‬وهذا هو حال مجمل النبوءات المسييتقبلية ‪ ،‬تبقييى بعييض‬
‫سيير نفسييها بنفسييها ‪ .‬فلكتمييال‬
‫نصوصها عصية على الفهم ‪ ،‬حتى تتمكن من تجسيد نفسها علييى أرض الواقييع لتف ّ‬
‫معالمها أسباب ومسببات ل بد لها من أخيذ مجراهيا الطيبيعي ‪ ،‬وعيادة ميا تكيون فيي جيانب منهيا مبهمية خاصية‬
‫للطرف صاحب الدور الكبر بترجمة أحداثها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وفي المقابل تبقى بعض نصوصها سهلة للهضم والفهم ‪ ،‬لمن جاءت في كتبهم إذا عاصروها ‪ ،‬ولكن بالَقْدِر الييذي‬
‫ل يسمح لهم ‪ ،‬بالتدخل في مجرياتها أو تعطيل السباب والمسببات المؤدية لتحّققها ‪ .‬ولتبقى قدرتهم علييى التييدخل‬
‫مقّيدة ‪ ،‬بما لم يعرفوه يقينا مما ُأبهم عليهم من نصوص النبوءة ‪ .‬ومثال ذلك ما جاء في كتب اليهييود والنصييارى ‪،‬‬
‫شر بنبوة سيدنا محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬وبالرغم من كثرة النصوص الييتي أخييبرت عنيه ‪ ،‬لييم‬ ‫من نصوص تب ّ‬
‫يستطع اليهود الستدلل عليه يقينا قبييل ظهييور أمييره وإل لقتلييوه ‪ .‬وصيياحب النبييوة لييم يكيين يعلييم بييأنه المقصييود‬
‫بنبوءات أهل الكتاب قبل أن يتنّزل عليه الييوحي ‪ ،‬وحييتى اسييمه ) محمييد ( عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬جيياء مغييايرا‬
‫لسمه ) أحمد ( الموجود في كتبهم ‪ ،‬حيث جاء بالمعنى وليس باللفظ ‪ .‬وبعدما ُبعث ومع مرور الزمين بيدأ الواقيع‬
‫سر جميع النصوص التي كانت بحوزتهم شيئا فشيئا ‪ ،‬أمييا قريييش فمييا كييانت ُتصيّدق ميين نبيوءات أهييل الكتيياب‬ ‫ُيف ّ‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وحتى لو ُكشفت مضامين النبوءات عند اكتمال معالم القدر ‪ ،‬وقبل تحقق الفصيل الخيير منهيا كيان مين الصيعب‬
‫على ذوي العلقة ‪ ،‬إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ‪ ،‬من أجل التييأثير علييى مجريييات أحييداثها أو منييع تحّققهييا ‪،‬‬
‫وخاصة أن معظم النبوءات إذا ُفسّرت وكان واقع الحال ل يتطابق مع التفسير وهذا أمر طييبيعي جييدا ‪ ،‬فعييادة مييا‬
‫ُيجابه التفسير بالنكار والتكذيب أو التشكيك حتى ممن يعنيهم المر ‪ ،‬أو الظن أن بالمكان منعها كمييا هييو الحييال‬
‫عند بني إسرائيل ‪ ،‬الذين يعلمون هذه النبييوءة علييم اليقييين وُيحيياولون جهييدهم منييع تحّققهييا ‪ ،‬كمييا حيياولوا جهييدهم‬
‫البحث عن نبينا عليه الصلة والسلم لمنع بعثه وظهور أمره ‪ .‬وكمييا سيييكون الحييال مييع كييثير ميين النيياس الييذين‬
‫سيطالعون هذا الكتاب ‪ ،‬الذي نكشف فيه ملبسات تحّقييق وعييد الخييرة كمييا لييم تكيين ميين قبييل ‪ ،‬بعييد أن تشييابكت‬
‫خيوطها واتصلت بإحكام منذ سنين عدة ولكن الناس كانوا عنها غافلين ‪.‬‬

‫فهم اللفاظ ومدلولتها‬

‫في كثير من الحيان نفهييم ألفيياظ القييرآن بييالمعنى الييذي نسييتخدمه بييه فييي حياتنييا المعاصييرة ‪ ،‬وربمييا يكيون هييذا‬
‫الستخدام مختلف أو مخالف تماما ‪ ،‬لستخدام العييرب القييدماء ‪ -‬الييذين نييزل القييرآن بلغتهييم ‪ -‬لنفييس اللفييظ ‪ ،‬ممييا‬
‫ل ( ‪ ،‬فنحن نستخدم هذا اللفظ تقريبا بمعنييى‬ ‫صَ‬‫يتسّبب في سوء التفسير أو الفهم ‪ .‬فعلى سبيل المثال لنأخذ كلمة ) َف َ‬
‫واحييد ؛ َقطيَع التيييار ‪َ ،‬فيّرق مييا بييين شيييئين بشيييء ثييالث ‪ ،‬طييرده ميين الوظيفية ‪ .‬أمييا العييرب القييدماء فقييد كييانوا‬
‫ج ‪ ،‬ومين هيذه المعياني تسيتطيع تفسيير‬ ‫خَر َ‬
‫قوَ‬ ‫يستخدمونها بمعان شتى ‪ ،‬تفهم عادة من السياق ‪ ،‬منها ؛ َقطَع وَفّر َ‬
‫جُنوِد )‪ 249‬البقرة ( على أن طالوت خرج بالجنود ‪.‬‬ ‫ت ِباْل ُ‬
‫طاُلو ُ‬
‫صَل َ‬
‫قوله تعالى ) َفَلّما َف َ‬
‫‪21‬‬
‫وفي كثير من الحيان يحمل اللفظ الواحد في القرآن مفهوما عاما عريضا ‪ ،‬وينيدرج تحتيه عيدة مفياهيم خاصية ‪،‬‬
‫صلها القرآن فيي مواضيع عدييدة ‪ .‬ومين هيذه اللفيياظ عليى سيبيل المثيال ؛ الفسيياد والعليو والفاحشيية‬‫ُيعّرفها وُيف ّ‬
‫والظلم ‪ ،‬وهذه كلها مفاهيم عامة يختلف تحديد مواصفاتها ومقاييسيها بياختلف فهيم الشيخص عليى سيبيل المثيال‬
‫ل حسب رأيه ‪ ،‬ستجد أن هناك تعاريف عديييدة ومتباينيية أمييا القييرآن فلييه‬
‫لماهّية اللفظ ‪ .‬وإذا تركنا الجابة للناس ك ٌ‬
‫تعريفه الخاص ‪.‬‬
‫ن )‪ 59‬القصييص ( ‪ ،‬فمييا هييي‬ ‫ظففاِلُمو َ‬
‫فلنأخذ لفظ الظلم ‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى ) َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَهففا َ‬
‫ماهية هذا الظلم الذي يتحتم عليه إهلك القرى ؟ وكيف تسييتطيع القييرى أن تسييلم ميين الهلك ‪ ،‬بمييا أن الظلييم هييو‬
‫المقياس لذلك كما أخبر رب العزة ؟ ولفهم دللة هذا اللفظ ‪ ،‬يتحتم عليك أن ُتليّم بكييل ُمتعّلقيياته فييي جميييع اليييات‬
‫القرآنية التي ورد فيها ذكره ‪ ،‬لتخرج في النهاية بما ُيشبه المقياس الذي من خللييه تسييتطيع تعريييف هييذا المفهييوم‬
‫بالمقياس اللهي له ‪ ،‬وليس بالمقاييس الشخصية للناس ‪.‬‬

‫اليجاز الشديد‬

‫مثل قوله تعالى ) فجاسوا خلل الديار ( حيث وصف سبحانه كل مييا فعلييه أولئك العبيياد فييي المييرة الولييى بثلث‬
‫كلمات فقط ‪ ،‬أو بالحرى كلمة واحدة هي ) فجاسوا ( ‪ ،‬وبالرغم من ذلك فإن هذه الكلميية وعنييد الطلع معانيهييا‬
‫في المعجم ‪ ،‬ستجد أنها تصّور مشهدا سينمائيا كامل ‪ ،‬وبدون الطلع على تلك المعيياني ليين تمتلييك القييدرة علييى‬
‫تخّيل ذلك المشهد ‪.‬‬

‫الحذف وتقدير المحذوف‬

‫حذف كلمة أو عبارة من السياق لسبق الدللة عليها فيما تقدم من نصوص ‪ ،‬مثل حذف جواب شييرط إذا الخيياص‬
‫بوعد الخرة ‪ ،‬وتقديره ) بعثناهم عليكم ( في الية )‪ ، (7‬لدللة قوله تعالى ) فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكييم (‬
‫في الية ) ‪. (5‬‬

‫اللتفات‬

‫الحديث عن الغائب ومن ثم النتقال لتييوجيه الخطيياب إلييى الحاضيير ‪ ،‬والعكييس بييالعكس بييين حييين وآخيير ‪ ،‬مثييل‬
‫ن فيي – الخطياب هنيا إليى‬ ‫) وقضينا إلى – الحيديث هنيا عين الغيائب ) السيابقين مين بنيي إسيرائيل ( …لتفسيد ّ‬
‫الحاضر ) المعاصرين من بني إسرائيل ( ‪ . ( ..‬عادة ما يستخدم هذا السلوب ‪ ،‬في إخبار المستمع الحاضيير عيين‬
‫حدث وقع في الماضي ‪ .‬والهدف من إنزال هذه النبوءة في كتاب موسى ‪ ،‬وإعييادة نسييخها فييي القييرآن هييو كشييف‬
‫للغيب الذي ل يعلمه إل من أخبر عنه ‪ ،‬فيما أنزله من كتب على ُرسله ‪ ،‬لعل الناس المعاصرين بربهييم يؤمنييون ‪،‬‬
‫عند تحقق هذه النبوءة بكل تفاصيلها ‪ ،‬كما جاءت في الكتب السماوية ‪ .‬لذلك جاء الخبار في القرآن للناس كافيية ‪،‬‬
‫صة ‪ ،‬لن المر يعنيهم أكثر من غيرهم فلعّلهم إلى ربهم يرجعون ‪.‬‬ ‫وجاء الخطاب لبي إسرائيل خا ّ‬
‫لقد أخبر سبحانه في الية )‪ (2‬أنه آتى موسى الكتاب ‪ ،‬وفي الية )‪ (4‬أخبر بأنه أنزل في ذلييك الكتيياب نييص هييذه‬
‫النبوءة ‪ ،‬التي سيشرع فيما يلي بالخبار عنها بكل تفاصيلها كما جاءت في كتاب موسى ‪ ،‬حيث جاء النص آنييذاك‬
‫مخاطبا لبني إسرائيل ‪ .‬وإتيان النص بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في القييرآن ‪ ،‬يفيييد أن هنيياك جييزء ميين هييذه‬
‫النبوءة سيتحقق مستقبل بعد نزول هذه اليات ‪ ،‬وأعيد النص لتذكير بني إسرائيل وتنبيههم وتحذيرهم ‪ ،‬من مغبيية‬
‫الفساد في الرض في المرة لثانية ‪ ،‬مما يترتب عليه نفاذ الوعد الثاني كما نفذ الوعد الول ‪.‬‬
‫طب في هذه اليات هم بنييوا إسييرائيل ) المعاصييرين ( ‪ ،‬ولكيين يجييب أل ننسييى أن هنيياك ميين يقييرأ‬ ‫ومع أن المخا َ‬
‫ويسمع خطابه تعالى – لبني إسرائيل – من خلل القرآن ‪ ،‬ممن هم من غييير بنييي إسييرائيل ول يعلمييون ميين أميير‬
‫هذه النبوءة شيئا ‪ ،‬فيما إذا كانت قد أنزلت عليهم في كتابهم أم ل ‪ ،‬فابتدأ عز وجل القصيية بالخبييار عين وجودهييا‬
‫في كتابهم لمن ل يعلم من الجمهور بذلك ‪ ،‬من مستمع وقييارئ لهييذه القصيية ‪ .‬لُيعيييد الجمهييور إلييى الجييواء الييتي‬
‫ُأنزلت فيها هذه النبوءة ليسُهل فهمها من قبلهم ‪ .‬وليصبحوا مساوين لبني إسرائيل في معايشة تلك الجييواء ‪ ،‬الييتي‬
‫يعرفونها كما يعرفون أبنييائهم ميين خلل مييا لييديهم ميين كتييب ‪ .‬لييذلك تجييده سييبحانه أحيانييا يتييوجه بالخطيياب إلييى‬
‫‪22‬‬
‫الجمهور ‪ ،‬تاركا ) خطاب بني إسرائيل ( ليضيف للقارئ خبرا أو تعقيبا عليى جيزء معيين مين هيذه النبيوءة ‪ ،‬أو‬
‫إيضاحا أو تفصيل لم يرد في النص الصلي للنبوءة ‪ ،‬التي سبق أن ُأنزلت عليهم أو تحقق بعد نزولها لييزم إخبييار‬
‫صييل اليمييان‬‫الجمهور عنه في هذه اليات ‪ .‬فالحكمة مين الخبييار بهييذه النبييوءة والكشييف عنهييا للبشيير ‪ ،‬هييي تح ّ‬
‫بالقرآن ومن أنزله ومن ُأرسل به ‪ ،‬كما عّقب سبحانه بقوله في نهاية السورة ) ُقْل َءاِمُنوا ِبِه َأْو لَ ُتْؤِمُنففوا )‪107‬‬
‫السراء ( ‪ .‬وسنبين إن شاء ال كل موضع حصل فيه التفات ‪ ،‬لتصييبح نصييوص النبييوءة أكييثر وضييوحا وأسييهل‬
‫للفهم ‪ .‬وعدم معرفة ماهية اللتفات ومواضعه ‪ -‬أحد أوجه البلغة في لغيية العييرب – سيييجعل ميين الصييعوبة بمييا‬
‫كان ‪ ،‬أن يفهم الناس النصوص القرآنية بشكل صحيح وربما يقلب المعنى بشكل مخالف تماما ‪.‬‬

‫الضمائر‬

‫طب والغائب ‪ ،‬وتحديد على من يعييود كيل منهييا ‪.‬‬ ‫متابعة الضمائر في هذه اليات بأنواعها الثلثة ‪ ،‬المتكّلم والمخا َ‬
‫ن كل الضمائر الواردة في اليات ) ‪ ( 8-4‬ما عدا ضييمائر المتكّلييم الييتي تعييود‬ ‫وهنا ل بد أن نوضح ونؤكد على أ ّ‬
‫عليه سبحانه ‪ ،‬تعود على أولئك العباد أولي البأس الشديد أنفسهم في مواضع ‪ ،‬وعلييى بنييي إسييرائيل فييي مواضييع‬
‫أخرى ‪ ،‬وهي محصورة فيهم على الطلق إذ لم يضف النص طرفا ثالثا ‪.‬‬

‫العتراض‬

‫وهو إضافة جملة إلى السياق ‪ ،‬زيادة في اليضيياح والبانيية ‪ ،‬وهييو أحييد أوجييه البلغيية أيضييا ‪ .‬وغالبييا مييا يييأتي‬
‫كتعقيب على خبر قد سبق ذكره ‪ ،‬وعييدم وجييود هييذا التعقيييب ربمييا ُيييثير التسيياؤل فييي ذهيين المسييتمع ‪ ،‬فُيضيييف‬
‫الراوي من تلقاء نفسه خبرا جديدا منعا لتوارد الجتهييادات والتفسيييرات الخياطئة فييي مخيلتيه ‪ ،‬ولُيغنيي المسيتمع‬
‫الحاجة إلى السؤال ‪ .‬فعادة ما تأتي الجملة المعترضة كإضافة لزالة الغموض واللبس ‪ ،‬الذي قييد ينجييم عيين سييوء‬
‫تقدير المستمع ولزوم هذا التعقيب يعود لتقدير الراوي ‪.‬‬
‫وقد وقع العتراض في نصوص النبوءة في موضعين ‪ ،‬في قوله تعالى " وكان وعييدا مفعييول " ‪ ،‬للتعقيييب علييى‬
‫الوعد الول ‪ ،‬لبيان أن هذا كان قد ُأنجز أم لم ُينجز ‪ .‬وفي قوله تعالى " وليتّبروا ما علييوا تتييبيرا " للتعقيييب علييى‬
‫العلو الكبير الخاص ببني إسرائيل ‪ ،‬لبيان وتأكيد أن هذا العلو ستتم إزالته مستقبل ل محالة ‪.‬‬

‫الهوى والعاطفة‬

‫نحيين كمسييلمين مرتبطييون عاطفيييا بالمسييجد القصييى ‪ ،‬ومرتبطييون عاطفيييا بييالبطولت السييلمية وأبطالهييا ‪،‬‬
‫ومرتبطون عاطفيا بالخلفة السلمية وخلفائها ‪ ،‬لنها توّفر لنا شعورا بييالعزة والكراميية طالمييا افتقييدناه ‪ ،‬ونحيين‬
‫بأمس الحاجة إليه هذه اليام ‪ .‬وفي المقابل نحن أبعد ما نكون عيين السييلم فييي حياتنييا العملييية ‪ ،‬ولييو نظرنييا فييي‬
‫أعماق أعماقنا لوجدنا أننا نرفض السلم كأسلوب للحياة ‪ ،‬لن السلم بكييل بسيياطة يرفييض كييل مظيياهر الحييياة‬
‫سك بها الن معظم المسلمين ويسعون لبقائها ويحرصون على إدامتها والستزادة منها ما أمكنهم‬ ‫الدنيا ‪ ،‬التي يتم ّ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫نص هذه النبوءة موجود في كتب اليهود ‪ ،‬فما الذي قييام بييه زعميياؤهم العلمييانيون والمتييدينون ‪ ،‬عنييدما أرادوا أن‬
‫سييروها علييى أن ال ي أراد‬‫يقيموا لهم دولة ؟ أخذوا من النبوءة الجزء الخاص بالعودة من الشتات ورد السييبي ‪ ،‬وف ّ‬
‫لهم ذلك بغض النظر عن فسادهم وإفسادهم ‪ ،‬وأخفوا النصوص التي ُتحّذر من العقوبيية الييتي تنتظرهييم ‪ ،‬لُيضييفوا‬
‫على عودتهم إلى فلسطين بعدا دينيا توراتيا ‪ ،‬وبالتالي استطاعوا كسب التأييييد والييدعم المييادي والمعنييوي سياسيييا‬
‫واقتصاديا وعسكريا ‪ ،‬من اليهود والنصارى على حد سواء ‪.‬‬
‫نحن أيضا نملك نص النبييوءة نفسييها وملزمييون بتحرييير القصييى ‪ ،‬ولننييا نشييعر بييالعجز وقصيير ذات اليييد قمنييا‬
‫بإضفاء البعد الديني على عملية التحرير بحصرها بخلفة إسلمية غير منظورة على المدى القريييب ‪ ،‬واسييتبعدنا‬
‫سيير المعطيييات‬ ‫احتمالية أن يتم هذا المر خارج هذا الطار العاطفي ‪ .‬وبعد أن تقوقعنا داخل هييذا الطييار بييدأنا ُنف ّ‬
‫جه حتى بلغ بنا المر ‪ ،‬إلى أن ُنحّمل النصوص القرآنية ما ل تحتمله لتوافق رغباتنييا‬ ‫حسب ما يتوافق مع هذا التو ّ‬
‫وأهوائنا وتطّلعاتنا كمنتسبين للسلم ‪ .‬فأخذنا عبارة ) عبييادا لنييا ( وعبييارة ) وليييدخلوا المسييجد ( وعبييارة ) كمييا‬
‫‪23‬‬
‫دخلوه أول مييرة ( وسييلخناها ميين جلييدها ‪ ،‬وقمنييا بالسييهاب فييي تفسييير وتفصيييل هييذه العبييارات وأهملنييا بعييض‬
‫سرنا بعضها الخر بشكل ُيناقض فحواها ‪ ،‬فعزلنا العبارات عن آياتها وعزلنا اليييات عيين‬ ‫العبارات الخرى ‪ ،‬وف ّ‬
‫بعضها وعزلنا مجموعة اليات عن السورة ‪ ،‬وعزلنا السورة عن بيياقي القييرآن وعزلنييا القييرآن عين كييل شيييء ‪.‬‬
‫فخرجنا باستنتاجات وتحليلت وأصيدرنا أحكيام ‪ ،‬حرميت الكيثير مين النياس مين المعرفية الحقيقية اليتي تكتنفهيا‬
‫نصوص هذه النبوءة ‪ ،‬التي تم تفسيرها بتغليب من الهوى والعاطفة على النصوص القرآنية والسنة ‪ ،‬وعلى العقل‬
‫والمنطق والواقع والتاريخ والجغرافيا ‪.‬‬
‫وبذلك أزاحت بعض التفسيرات التي حصرت تحرير القصى بقيام الخلفة السلمية عن غير قصد ‪ ،‬عن كاهييل‬
‫هذا الجيل عبء فكرة التحرير ‪ ،‬وأبعدت عن أذهان الناس شبح حرب قادمة ‪ ،‬مما سيياهم بشييكل غييير مباشيير فييي‬
‫تخدير أمة السلم لسنين طويليية ‪ ،‬لينُعييم النيياس بحييياة آمنيية مطمئنيية ولكيين للسييف بعيييدا عيين الييدين ‪ .‬فالخلفيية‬
‫السلمية على المدى القريب صيعبة التحقييق ‪ ،‬لن مقومييات قيامهيا ضيمن الظييروف الراهنية معدوميية ‪ .‬والمية‬
‫بحاجة لمن ُينّبهها ل لمن ُيخّدرها … وقبل طرح هذه الفكرة الخطرة عن تحرير المسجد القصى … ونسبها إلى‬
‫كتاب ال … وأن ال أراد ذلك … كان على رّواد هذه الفكرة … أن يتجّردوا من عييواطفهم وأهييوائهم كليييا عنييد‬
‫تفسير آيات ال … فالقرآن يطلب العقل سبيل للفهيم ل العاطفية والهيوى … لدرجيية أنيه جعييل ) القلييب ( موطنييا‬
‫للعقل بدل من العاطفة … وأن ُيفّكروا ملّيا قبل أن ُيقّدموها للناس … فنحن بحاجة لبناء مساجد في نفييوس النيياس‬
‫… فإن استطعنا القيام بذلك … فلن نحّرر المسجد القصى فقط … بل سنحّرر العالم بأسييره … وإن لييم نسييتطع‬
‫فالحرى بنا … أن نعتزل ونفّر إلى رؤوس الجبال … بأطلل المساجد المتبقييية فييي نفوسيينا … حييتى يييأتي الي‬
‫بأمره … !!!‬
‫طر والبعيد جدا عما جاء في النصوص القرآنية ‪ ،‬سيؤدي بالناس ل محالة إلى الوقوع فييي الحيييرة‬ ‫هذا الطرح الخ ِ‬
‫والرتباك ‪ ،‬ونشوء كثير من علمات الستفهام حول من قّدم هذه التفسيرات ‪ ،‬وحييول مصييداقية كتيياب الي نفسييه‬
‫من قبل ضعاف اليمان والعقل والقلب ‪ ،‬عندما تتحّقق النبوءة بشكل مغاير لتلك التفسيرات ‪.‬‬
‫ربما ُيصّر الكثير من الواقعيون على أن الواقع ُينيياقض ممييا يطرحييه هييذا الكتيياب ‪ ،‬غييير أن هييذا الواقييع سيييتغير‬
‫بالتدريج ‪ ،‬أو بين عشية وضحاها ليتوافق مع أمر ال ‪ ،‬وإن لم يتوافق فأمر ال فوق الواقع وكثيرا ما يأتي بغتيية ‪،‬‬
‫وبالرغم من ذلك أعتقد بأن كثير من المتغيرات على المستوى القليمي والعالمي ‪ ،‬ستلوح فييي الفييق قبييل مجيييء‬
‫أمر ال وسيلحظها كل ذي بصيرة ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫صلناه تفصيل‬
‫وكل شيء ف ّ‬
‫ن )‪ 76‬النمل ( ‪ ،‬تؤكييد هييذه الييية‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫سَراِئيَل َأْكَثَر اّلِذي ُهْم ِفيِه َي ْ‬
‫ص عَلى َبِني ِإ ْ‬
‫ن َيُق ّ‬
‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬
‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ضح لهييم‬‫الكريمة أن هذا القرآن فضل عن مخاطبته لكافة البشر ‪ ،‬جاء ليقصّ على بني إسرائيل أي لُيخاطبهم ويو ّ‬
‫بشكل خاص ‪ ،‬كثيرا مما اختلفوا فيه من أمور الدين والدنيا والخرة ‪ .‬فهو يحكي تاريخهم ويعييرض مييواقفهم ميين‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬ومشاهد من كفرهم وعصيانهم وعدوانهم ‪ ،‬والعذابات التي أنزلها ال بهييم ‪ ،‬ويكشييف طبييائعهم ويفضييح‬
‫سرائرهم وُيفّند أقوالهم ‪ ،‬وُيحّذرهم وُيحّذر منهم ‪ ،‬وُيبّين لهم حقيقة ما جاء به رسلهم وأنبيائهم من وحييي ‪ ،‬بعييد أن‬
‫طمسته وشّوهت معالمه أقلم أحبارهم ‪.‬‬
‫ل شييّ ممييا سييبق هييذا‬ ‫ل ( أي أن كي ّ‬ ‫صففي ً‬
‫صفْلَناُه َتْف ِ‬
‫يٍء َف ّ‬
‫ش ْ‬
‫ويقول سبحانه في الية )‪ (12‬من سورة السراء ) َوُكّل َ‬
‫القول من آيات ‪ ،‬قّد بّينه سبحانه بيانا واضحا ل ُلبس فيه ‪ .‬وهذا القول البليغ عندما تقرأه مرارا وتكرارا ‪ ،‬تجد أن‬
‫له وقعا خاصا في نفسك ‪ ،‬واليات التي تسييبق هييذا القييول ‪ ،‬تخبرنييا عيين أميير يتعلييق ببنييي إسييرائيل ‪ ،‬ميين حيييث‬
‫إفسادهم وعلوهم وعقابهم ‪ .‬وقد جاء هذا القول ) بالفعل ومفعييوله المطلييق للمبالغية فييي التأكييد ( ميرة واحيدة فييي‬
‫ت عاّما كما في قييوله تعييالى )‬ ‫القرآن في هذا الموضع بالذات ‪ ،‬تعقيبا على ما مجمل ما جاء قبله من آيات ‪ ،‬ولم يأ ِ‬
‫صفْلَناُه‬
‫ب َف ّ‬
‫جْئَنففاُهْم ِبِكَتففا ٍ‬
‫ن )‪ 3‬فصلت ( ‪ ،‬أو في قييوله تعييالى ) َوَلَقفْد ِ‬ ‫عَرِبّيا ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ‬
‫ت َءاَياُتُه ُقْرَءاًنا َ‬
‫صَل ْ‬
‫ب ُف ّ‬
‫ِكَتا ٌ‬
‫ن )‪ 52‬العراف ( ‪.‬‬ ‫حَمًة ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ‬
‫عْلٍم ُهًدى َوَر ْ‬‫عَلى ِ‬ ‫َ‬
‫صيله‬
‫ل هذا على شيء ‪ ،‬فإنما يّدل على أن ميا تتحيّدث عنيه هيذه الييات أمير غايية فيي الهميية ‪ ،‬وليذلك ف ّ‬ ‫وإن د ّ‬
‫ك أو تقّول ‪ ،‬وأن هيذا التفصييل جياء لِعظيم هيذا المير وأن معرفتيه بكيل‬ ‫سبحانه تفصيل وأبانه بيانا ل يختمره ش ّ‬
‫دقائقه وتفاصيله ‪ ،‬ل بد إل أن يكون فيه الكثير من النفع والفائدة لمن ُيخاطبهم القييرآن ‪ ،‬ومييا كييان بيييانه وتفصيييله‬
‫عبثا ‪ .‬وما كان هذا الفصل إل للتعريف بهذه الييدقائق والتفاصييل ‪ ،‬ومييا جياء هييذا الكتيياب إل لتعميييم الفييائدة عليى‬
‫الناس ‪ ،‬وال من وراء القصد ‪.‬‬
‫لو أمعنت النظر في مجمل سورة السراء ‪ ،‬لوجدت أنها تناوبت ما بين أسلوبي الخبار والمخاطبة ‪ ،‬ولييو أمعنييت‬
‫طبيية لبنييي‬
‫طبة للمسلمين بصفة عاّمة ‪ ،‬وإخبارييية وُمخا ِ‬
‫النظر في مقدمة السورة ‪ ،‬ستجد أنها جاءت إخبارية وُمخا ِ‬
‫صة ‪.‬‬
‫إسرائيل بصفة خا ّ‬
‫والسؤال الول ‪ :‬لماذا ُأعيد نص النبوءة بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في عصر أمة السلم ؟‬
‫مقدمة السورة ) اليات ‪ ( 3-1‬جاءت كتمهيد ‪ ،‬فهي تذكر المسجد القصى وتييبين قدسيّيته عنييد الي وبالتييالي عنييد‬
‫المسلمين ‪ ،‬وتذُكر كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬وتّذكر بني إسرائيل بما جاء فيه ‪ ،‬وبالذات عدم الشرك بال واّتخيياذ‬
‫ل عليهم ويذكرهم بنجاة أسلفهم من الطوفان ‪ ،‬وبنفس الييوقت يح يّذرهم ميين الهلك ميين‬ ‫نا ّ‬‫وكلء من دونه ‪ ،‬ويم ّ‬
‫ل ‪ ،‬وقيامه‬ ‫خلل ذكر نوح عليه السلم ‪ ،‬وأّنه ما كان لنوح ومن معه النجاة ‪ ،‬لول إقراره بالعبودية ل ) عبدًا ( أو ً‬
‫بالعبادة ل ) وشكورًا ثانيًا ( ‪.‬‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬لماذا التمهيد وبهذا الشكل المرعب لبني إسرائيل ؟‬
‫هناك قول بأن كلتا المرتين وقعتا قبل السلم ‪ ،‬فلو كان هذا المر صحيحا لتوجب أن يكييون نييص النبييوءة كييامل‬
‫بأسلوب الخبار ‪ ،‬ولما كان هناك داعي لوجوده أصل ‪ ،‬فقد أخبرنا سبحانه في مواضع أخرى فييي القييرآن ‪ ،‬بييأنه‬
‫غضب عليهم ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ‪ ،‬وتوعدهم بأن يبعث عليهم ميين يسييومهم سييوء العييذاب إلييى‬
‫طعهم في الرض أمما ‪.‬‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬وق ّ‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬ما هو المر الذي خرج عن كل ما تقّدم ‪ ،‬فأراد سبحانه لفت أنظارنا إليه مبينا أهميته ومنبها إليها‬
‫؟‬
‫وبما أن المرتين متشابهتين تماما ‪ ،‬فلو فرضنا جدل أن القول السابق صحيح ‪ ،‬لكان من الحييرى أن يييأتي النييص‬
‫في الحديث عن المرتين مجمل ‪ ،‬على سبيل المثال على النحو التالي ) … لتفسدن … مرتين ولتعلن عليوا كيبيرا‬

‫‪25‬‬
‫… فإذا جاء وعد كل منهما ‪ ،‬بعثنا عليكم عبادا لنا أولييي بييأس شييديد … فأسيياءوا وجييوهكم ودخلييوا المسييجد …‬
‫ل من الوعدين مفعول … وتّبروا ما علوا تتبيرا ( ‪.‬‬ ‫وكان ك ّ‬
‫ل مرة على حدة ؟‬
‫صلت اليات ك ّ‬
‫صلت وَف ّ‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬لماذا َف َ‬
‫أجملت الية الرابعة ثلثيية شييروط ميين شييروط المرتييين ‪ ،‬وهييي الرض ) المقّدسيية ( والعلييو والفسيياد ‪ ،‬والييية‬
‫الخامسة أفردت وأوجزت الحديث عن الوعد ) العقاب ( الول ‪ ،‬فذكرت البعث والجوس وصفة العبيياد ‪ ،‬وجياءت‬
‫صييلت مظياهر العليو الثيياني ‪ ،‬ميين لحظية النشييوء حيتى اكتميال‬
‫الفعال كلها بصيغة الماضي ‪ .‬واليية السادسيية ف ّ‬
‫مقوماته ‪ ،‬من حيث القدرة العسكرية والبشرية والقتصادية ‪ ،‬وجاءت الفعال كلها بصيغة الماضييي ‪ ،‬مييع حملهييا‬
‫لصفة الستقبال ‪.‬‬
‫السؤال الخامس ‪ :‬لماذا جاءت أفعال وعد الوليى بصييغة الماضيي ‪ ،‬ولمياذا جياءت أفعيال وعيد الخيرة بصييغة‬
‫الستقبال ؟‬
‫السؤال السادس ‪ :‬لماذا جاء التخيير ما بين الحسان أو الساءة ‪ ،‬بعد اكتمال مظيياهر العلييو الثيياني وقبييل الحييديث‬
‫ت عند الحديث عن وعد الولى ؟‬‫عن عقاب وعد الخرة ‪ ،‬ولم يأ ِ‬
‫السؤال السابع ‪ :‬لماذا ُأخرجت كيفية مجيئهم ‪ ،‬عند مجيء وعد الخرة من نص النبوءة ‪ ،‬ولماذا ُأفردت فييي نهاييية‬
‫السورة ؟‬
‫صتهم مع فرعييون فييي نهاييية السييورة ‪ ،‬وذكيير وعييد الخييرة مييرة‬
‫السؤال الثامن ‪ :‬لماذا ُأعيد ذكر بني إسرائيل وق ّ‬
‫أخرى في اليات ) ‪ ( 104 – 101‬؟‬
‫د اْل َ ْ‬ ‫َ‬
‫صى‬
‫ق َ‬ ‫ج ِ‬
‫س ِ‬ ‫حَرام ِ إ َِلى ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫د ال ْ َ‬
‫ج ِ‬‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل َي ًْل ِ‬
‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬
‫بِ َ‬ ‫سَرى‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫) ُ‬
‫صيُر )‪(1‬‬ ‫ْ‬
‫ع الب َ ِ‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬
‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ن آَيات َِنا إ ِّنه ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ري َ ُ‬
‫ل ِن ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ول ُ‬‫ح ْ‬‫ذي َباَرك َْنا َ‬ ‫ّ‬
‫ال ِ‬
‫ُتشير هذه الية بذكر المسجد الحرام ‪ ،‬إلى نقطة البداية لنتشار رسالة السلم ‪ ،‬التي أنعييم الي وأكييرم بهييا نييبيه ‪،‬‬
‫محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬وبذكر المسجد القصى ُتشير من طرف خفي إلييى مييا ورد فييي الحييديث الصييحيح ‪،‬‬
‫إلى أن مسك الختام لهذه الرسالة آخر الزمان ‪ ،‬سيكون بنزول الخلفة الراشدة وأميرها المهدي في بيت المقدس ‪،‬‬
‫بإذن ال ‪ .‬وهذا مما يوحي بأن قيام دوليية إسييرائيل هييو أحييد أشييراط السيياعة ‪ ،‬وأن نهايتهييا علميية لقييرب ظهييور‬
‫المهدي ونزول الخلفة فيها ‪ ،‬وال أعليم ‪ .‬وأهيم ميا جياءت بيه اليية هيو تعرييف المسيجد بوصيفه بالقصيى أي‬
‫البعد ‪ ،‬وبالذي باركنا حوله وهو المسجد الذي سيكون موضوع ما يلي هذه الية من آيات ‪.‬‬

‫دوِنلي‬
‫ن ُ‬
‫مل ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ل أ َّل ت َت ّ ِ‬
‫خل ُ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫دى ل ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫عل َْناهُ ُ‬
‫ه ً‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب َ‬ ‫مو َ‬‫وآتي َْنا ُ‬
‫) َ‬
‫كيًل )‪(2‬‬
‫و ِ‬‫َ‬
‫ن ُدونِ‬‫ن َأْوِلَيففاَء ِمف ْ‬
‫ن اْلَكففاِفِري َ‬
‫خفْذ اْلُمْؤِمُنففو َ‬
‫في هذه الية ‪ ،‬يحّذر ال بني إسرائيل ‪ ،‬من الّتكيال عليى غييره ) َل َيّت ِ‬
‫ن الفّذّل ‪..‬‬‫ي ِم ْ‬
‫ن َلُه َوِل ّ‬‫سُه )‪ 28‬آل عمران ( ويختم سبحانه السورة ‪ ،‬بقوله ) ‪َ ..‬وَلْم َيُك ْ‬ ‫ل َنْف َ‬
‫حّذُرُكْم ا ُّ‬
‫ن ‪َ ..‬وُي َ‬
‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫لء مضييطهدين‬ ‫( أي لم يتخذ له حليفا لضعف أو لذّلة ‪ ،‬وهذا تعريض بالعلو الحالي لبني إسرائيل ‪ ،‬حيث كييانوا أذ ّ‬
‫وبموالة الغرب أصبحوا سادة ‪.‬‬
‫ويذّكرهم فيها بما أنزله عليهم من الهدى ليكون لهم نورا يهتدون به ‪ ،‬ومن ضيمنه هيذه النبيوءة اليتي أعادهييا إلييى‬
‫أذهانهم مخاطبا إياهم بمضمونها ‪ ،‬وكما وردت في الكتاب الذي ُأنزل على موسييى عليييه السييلم ‪ ،‬ويحيّذرهم ميين‬
‫ن على حّد سواء ‪.‬‬
‫اّتخاذ أولياء من دونه من النس والج ّ‬
‫ططيوا ليه بمكرهيم ودهييائهم ونفيّذه‬ ‫فاختاروا الولء لغير ال ‪ ،‬وحّققوا مآربهم منذ البداية بالفساد والفساد ‪ ،‬بميا خ ّ‬
‫غيرهم ‪ ،‬من فتن وحروب سبقت وهّيأت الظروف وتسّببت في قيييام دولتهييم فييي فلسييطين ‪ .‬ولمييا تمكنييوا اسييتعلوا‬
‫واستكبروا فيها واستمروا بالفساد والفساد وساموا أهلها سوء العذاب ‪ ،‬فاستحّقوا غضب ال واستوجبوا العقاب ‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫فتوافق أمرهم مع ذهب إليه النص القرآني ‪ ،‬بِذكر إفسادهم في الرض بمجملها أول ‪ ،‬ومن ثييم جيياء ِذكيير علييوهم‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ( ‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫الكبير الذي نشهده هذه اليام في قوله تعالى ) َلُتْف ِ‬
‫ش ُ‬
‫كوًرا )‪(3‬‬ ‫دا َ‬
‫عب ْ ً‬
‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬
‫ع ُنو ٍ‬ ‫مل َْنا َ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫) ذُّري ّ َ‬
‫ة َ‬
‫جه لبنييي‬ ‫يقول ابن كثير ‪ " :‬تقديره يا ذرّية من حملنا مع نييوح ‪ ،‬فيييه تهييييج وتنييبيه علييى المنيية " وهييذا النييداء مييو ّ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وبالضافة لما قاله ابن كثير ‪ ،‬نلمس تهديدا وتحييذيرا خفييا لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬مين وراء ذكير نيوح علييه‬
‫ن عليهم بتييذكيرهم بنعميية النجيياة مين فرعيون وقيومه ) َوِإْذ َفَرْقَنففا ِبكفْم‬ ‫السلم ‪ ،‬فعادة ما كان سبحانه وتعالى ‪ ،‬يم ّ‬
‫ن )‪ 50‬البقرة ( إل في هذا الموضع ‪ ،‬وهييي المييرة الوحيييدة فييي‬ ‫ظُرو َ‬ ‫ن َوَأْنُتْم َتن ُ‬
‫عْو َ‬
‫غَرْقَنا آَل ِفْر َ‬
‫جْيَناُكْم َوَأ ْ‬
‫حَر َفَأْن َ‬
‫اْلَب ْ‬
‫ن عليهم فيها ‪ ،‬بأنهم سللة من حمل مع نوح عليه السلم ‪ ،‬أي من الذين أنجاهم ال ميين الطوفييان ‪،‬‬ ‫القرآن التي يم ّ‬
‫ن ِفعيل هيؤلء هيو اليذي‬ ‫حثا لهم على اليمان به والعبادة والشكر له كما كان يفعل نيوح واليذين حملهيم معيه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل بقيوم نيوح ‪ .‬وِذْكيُر نيوح فييي هييذا الموضيع وتكييرار‬ ‫ل بهم ميا حي ّ‬ ‫أنجاهم من الهلك ‪ ،‬فإن لم يفعلوا كما فعلوا ح ّ‬
‫صفيًرا (‬ ‫خِبيًرا َب ِ‬ ‫عَباِدِه َ‬
‫ب ِ‬
‫ك ِبُذُنو ِ‬
‫ح َوَكَفى ِبَرّب َ‬
‫ن َبْعِد ُنو ٍ‬
‫ن ِم ْ‬‫ن اْلُقُرو ِ‬
‫ذكره ‪ ،‬في الية )‪ 17‬السراء ( ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم ْ‬
‫دفعني إلى إلقاء نظرة على سورة نوح ‪.‬‬
‫خُر ‪) ...‬‬ ‫جففاَء َل ُيفَؤ ّ‬‫لف ِإَذا َ‬‫جفَل ا ِّ‬ ‫ن َأ َ‬
‫ب َأِليفٌم )‪ِ ... (1‬إ ّ‬ ‫عفَذا ٌ‬ ‫ن َيفْأِتَيُهْم َ‬‫ن َقْبِل َأ ْ‬‫ك ِم ْ‬‫ن َأنِذْر َقْوَم َ‬‫ومنها قوله تعالى ) ‪َ ...‬أ ْ‬
‫سفَتْكَبُروا‬
‫صفّروا َوا ْ‬ ‫شفْوا ِثَيففاَبُهْم َوَأ َ‬‫سَتْغ َ‬
‫صففاِبَعُهْم ِفففي آَذاِنِهفْم َوا ْ‬ ‫جَعُلوا َأ َ‬ ‫عاِئي ِإّل ِفَراًرا )‪َ … (6‬‬ ‫‪َ ... (4‬فَلْم َيِزْدُهْم ُد َ‬
‫ل َوَقاًرا )‬ ‫ن ِّ‬ ‫جو َ‬ ‫جَعْل َلُكْم َأْنَهاًرا )‪َ (12‬ما َلُكْم َل َتْر ُ‬ ‫ت َوَي ْ‬‫جّنا ٍ‬‫جَعْل َلُكْم َ‬ ‫ن َوَي ْ‬‫سِتْكَباًرا )‪َ … (7‬وُيْمِدْدُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬ ‫ا ْ‬
‫سففاًرا )‪َ (21‬وَمَكفُروا َمْكفًرا ُكّبففاًرا )‬ ‫خ َ‬ ‫ن َلفْم َيفِزْدُه َمففاُلُه َوَوَلفُدُه ِإّل َ‬‫صْوِني َواّتَبُعوا َم ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ب ِإّنُهْم َ‬ ‫ح َر ّ‬‫‪َ … (13‬قاَل ُنو ٌ‬
‫ن ِإّل‬
‫ظففاِلِمي َ‬‫ن َدّياًرا )‪َ ... (26‬وَل َتفِزْد ال ّ‬ ‫ن اْلَكاِفِري َ‬‫ض ِم ْ‬ ‫عَلى اَْلْر ِ‬ ‫ب َل َتَذْر َ‬ ‫ضّلوا َكِثيًرا ‪َ … (24) ...‬ر ّ‬ ‫‪َ .. (22‬وَقْد َأ َ‬
‫َتَباًرا )‪ 28‬نوح (‬
‫اقرأ هذه اليات وتفّكر وتدّبر ) ‪ ..‬أول إنذار ‪ ..‬ول تأخير ‪ ..‬فرار ‪ ..‬إصرار واسييتكبار ‪ ..‬إمييداد بييأموال وأولد ‪..‬‬
‫وجنات وأنهار ‪ ..‬اسيتهزاء وسيخرية ‪ ..‬عصييان ‪ ..‬عبيادة القيوة والميال ‪ ..‬المكير الكيبير ‪ ..‬الضيلل ‪ ..‬الكفير ‪..‬‬
‫وأخيرا تبار ‪( ..‬‬
‫وهذا هو حال بني إسرائيل ‪ ..‬وهذا هو الفساد في الرض ‪ ..‬ورّد ال عليه أوله إنذار ‪ ..‬فإن كييان هنيياك اسييتكبار‬
‫عَلْيَهففا ‪َ ،‬وَل‬
‫ضفّل َ‬
‫ضفّل َفِإّنَمففا َي ِ‬
‫ن َ‬
‫سِه ‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ن اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ِلَنْف ِ‬ ‫وإصرار ‪ ..‬كان هناك تبار ‪ .‬يقول سبحانه ) َم ْ‬
‫سوًل )‪ 15‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ث َر ُ‬
‫حّتى َنْبَع َ‬
‫ن َ‬‫خَرى ‪َ ،‬وَما ُكّنا ُمَعّذِبي َ‬
‫َتِزُر َواِزَرٌة ِوْزَر ُأ ْ‬
‫والرسول قد ُبعث منذ ألف وأربعمائة وإحدى وثلثون عاما ‪ ،‬وقد أتاهم بالنذار في كتاب ربه ) وصحيفة النففذار‬
‫( الموجهة لتلك الفيياعي فييي الجحيير البيييض ‪ ،‬وتلييك الفئران المستأسييدة فييي قييدس القييداس هييي ) سففورة بنففي‬
‫ك َقْرَيًة َأَمرَْنا ُمْتَرِفيَهففا ‪( ..‬‬ ‫ن ُنْهِل َ‬
‫إسرائيل ( ومن أول حرف فيها وحتى آخر حرف ‪ ،‬حيث قال فيها ) َوِإَذا َأَرْدَنا َأ ْ‬
‫سُقوا ِفيَهففا ‪ ( ..‬فاغتييالوا‬ ‫وقد ساد دولة الكفر ويسودها ‪ ،‬قطاع الطرق واللصوص والقتلة وأسافل مجرميها ) ‪َ ..‬فَف َ‬
‫أصالتها وقدسّية أرضها ‪ ،‬ووقار شيخوختها وسكينة عّبادها ‪ ،‬وحييياء حرائرهيا وأحلم طفولتهييا ‪ ،‬وحيتى طهيارة‬
‫جوَهُكْم … ( وهذا هو ) فعلففه‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫عَلْيَها اْلَقْوُل ‪ ( ..‬وهذا هو ) قول ( رب العزة ) … ِلَي ُ‬ ‫ق َ‬
‫ح ّ‬ ‫مساجدها ) ‪َ ..‬ف َ‬
‫صففيًرا )‪17‬‬ ‫خِبي فًرا َب ِ‬‫عَبففاِدِه َ‬
‫ب ِ‬ ‫ك ِب فُذُنو ِ‬‫( ) ‪َ ..‬فَدّمْرَناَها َتْدِميًرا )‪ 16‬السراء ( وهذا هو ) تعقيبه ( ) … َوَكَفى ِبَرّب ف َ‬
‫ن َل فُه‬
‫ك ‪َ ،‬وَل فْم َيُك ف ْ‬
‫ك ِفي اْلُمْل ِ‬‫شِري ٌ‬ ‫ن َلُه َ‬ ‫خْذ َوَلًدا ‪َ ،‬وَلْم َيُك ْ‬
‫ل اّلِذي َلْم َيّت ِ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫السراء ( وهذه هي ) خاتمته ( ) َوُقْل اْل َ‬
‫ن الّذّل ‪َ ،‬وَكّبْرُه َتْكِبيًرا ) ‪ 111‬السراء ( ‪.‬‬‫ي ِم ْ‬
‫َوِل ّ‬
‫اقتصرت مقدمة السورة على ثلث آيات فقط ‪ ،‬حملت من المعاني ما يشحذ الفكر والوجدان ‪ ،‬ويعمل علييى تهييييج‬
‫العقل وتنبيهه من غفلته ‪ ،‬لستقبال واستيعاب ما سيأتي من عييرض ‪ ،‬لنبييوءة سييتغير مجييرى التاريييخ فييي ييوم أو‬
‫سهم في صميم معتقييداتهم ‪ ،‬وأكييثرهم تييأّثرا هييم‬ ‫بضعة أيام ‪ .‬وهذه النبوءة تعني كل من سمع برسالت السماء وتم ّ‬
‫ص عييودة اليهييود إلييى الرض‬ ‫أصييحاب الييديانات الثلث ‪ ،‬والييذي يمتلييك كييل منهييم مخزونييا عقائديييا ‪ ،‬فيمييا يخي ّ‬
‫المقدسة ‪ ،‬يلتقي مع أحدها ويتعارض مع الخر في التفاصيل والحداث ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ْ َ‬ ‫ب ‪ ،‬ل َت ُ ْ‬
‫ن‬
‫مّرت َي ْل ِ‬
‫ض َ‬
‫فللي الْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫س لد ُ ّ‬
‫ف ِ‬ ‫فللي ال ْك َِتلللا ِ‬
‫ل ِ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ْ‬
‫سللراِئي َ‬ ‫وق َ‬
‫) َ‬
‫َ‬
‫وا كِبيًرا )‪(4‬‬
‫عل ّ‬‫ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ُ‬
‫عل ّ‬ ‫َ‬
‫ولت َ ْ‬ ‫َ‬

‫ل ِفي ال ْك َِتـا ِ‬
‫ب‪:‬‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ْ‬
‫سراِئي َ‬ ‫َوق َ‬
‫ورد جذر الفعل قضى في القرآن )‪ (63‬مرة ‪ ،‬ومشتقات هذا الفعل حملت عدة معاني ‪ ،‬وعادة ما يأتي هذا الفعيل ‪،‬‬
‫س فَكُكْم )‪200‬‬ ‫ض فْيُتْم َمَنا ِ‬
‫ليفيد تمام العمل الوارد نصا في السياق أو المفهوم ضييمنا ‪ ،‬كمييا فييي قييوله تعييالى ) َففِإَذا َق َ‬
‫ك اَْلْمفَر ‪َ ،‬أ ّ‬
‫ن‬ ‫ضفْيَنا ِإَلْيفِه َذِلف َ‬
‫البقرة ( بمعنى أنجزتم مناسككم وانتهيتم منها ‪ ،‬وقوله تعالى في شأن لوط وقومه ) َوَق َ‬
‫ن )‪ 66‬الحجر ( أي أخبرنيياه بييالمر علييى وجييه النتهيياء منييه ‪ ،‬إذ ل رجعيية عنييه فل‬ ‫حي َ‬‫صِب ِ‬
‫ع ُم ْ‬
‫طو ٌ‬‫َداِبَر هَُؤَلِء َمْق ُ‬
‫حُيفُه )‪ 114‬طييه ( ‪ ،‬أي ميين قبيل أن ُتخييبر‬ ‫ك َو ْ‬
‫ضففى ِإَلْيف َ‬
‫ن ُيْق َ‬
‫ن َقْبفِل َأ ْ‬
‫ن ‪ِ ،‬م ْ‬
‫جْل ِباْلُقْرَءا ِ‬
‫نقاش ول جدال فيه ) َوَل َتْع َ‬
‫بوحيه على وجه التمام ‪.‬‬
‫ب ( أي أّنيا كّنيا قيد أخبرنيا بنييي إسيرائيل فييي كتييابهم ‪ -‬أي أن‬‫سففراِئيَل ِفففي اْلِكَتففا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫وقوله تعالى ) َوق َ‬
‫مضمون هذا الخبر موجود في كتابهم نصا حتى هذه اللحظيية ‪ -‬بمييا سيييأتي تفصيييله فيمييا يلييي ميين شييأن إفسييادهم‬
‫جه في الحقيقة لمين هييم مين غييير بنييي إسييرائيل ‪ ،‬مميين ليييس‬ ‫وعلوهم في الرض ‪ ،‬والخطاب في هذه العبارة مو ّ‬
‫لديهم علم أو اطلع على هذا المر ‪ ،‬وما كان ال لُيخبر عنه إل لعظيم شأن ‪ ،‬وذلك من سييابق علييم علم الغيييوب‬
‫بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬وليس ما قضاه عليهم بمعنى المر أو الحكم ‪ ،‬فحاشا ل أن يأمر بالفسيياد فييي الرض‬
‫أو أن يقضي به ‪.‬‬
‫والكتاب المقصود هنا هو كتاب موسى عليه السييلم ‪ ،‬المنصيوص علييه فييي اليية الثانيية أعله وليييس التيوراة ‪،‬‬
‫فكتاب موسى شيء والتوراة شيء آخر ‪ .‬والذي قادني إلى معرفة تلك الحقيقة هو تسيياؤلي أول ‪ :‬عيين سييبب عييدم‬
‫ذكر التوراة بدل من الكتاب ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬رغبتي بالطلع على نص النبوءة في التوراة نفسها فيما لو وجد ‪ .‬وبعد أن‬
‫استخرجت كافة اليات القرآنية التي ُذكر فيها موسى والييتي ُذكييرت فيهييا التييوراة ‪ ،‬تييبين لييي أن ذكيير التييوراة لييم‬
‫يرتبط بذكر موسى على الطلق ‪ ،‬وعدم الربط بينهما ل بد له من سبب ‪ ،‬وبيييان ذلييك والنييص التييوراتي للنبييوءة‬
‫في الترجمات العربية للتوراة اللتينية ‪ ،‬سيأتي في فصل قادم إن شاء ال ‪.‬‬
‫َْ‬
‫ن عُل ُ ّ‬
‫وا ك َِبيًرا ‪:‬‬ ‫ن وَل َت َعْل ُ ّ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬
‫ض َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬
‫سد ُ ّ‬ ‫ل َت ُ ْ‬
‫ف ِ‬
‫سراِئيَل ِفففي‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫هنا حصل التفات من الحديث عن الغائب وهم بني إسرائيل ككل ‪ ،‬في قوله تعالى ) َوَق َ‬
‫طب وهم بني إسرائيل ) المعاصييرين ( لرسييالة السييلم ‪ ،‬وذلييك بسييرد‬ ‫ب ( إلى الحديث إلى الحاضر الُمخا َ‬
‫اْلِكَتففا ِ‬
‫النبوءة بنفس السلوب والعبارات التي أنزلت عليهم في كتييابهم ‪ ،‬وكمييا خييوطب بهييا أسييلفهم قييديما قبييل ‪ 3‬آلف‬
‫زمن موسى عليه السلم ‪ .‬فجاءت نصوصييها مخاطبية لبنيي إسيرائيل ولكين بألفيياظ عربييية جزلية ميوجزة ‪ ،‬كمييا‬
‫وأضيف إليها تعقيبات لتبين وتؤكد بعض ما تحّقق منها ‪ ،‬قبل إنزالها في سورة السراء مييرة أخييرى علييى محمييد‬
‫ن ‪. ( ...‬‬
‫ن ‪َ ...‬وَلَتْعُل ّ‬
‫سُد ّ‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ .‬فبدأت بقوله تعالى ) َلُتْف ِ‬
‫ن‬
‫ن َوَلَتْعُل ف ّ‬
‫ض َمّرَتْي ف ِ‬
‫ن ِفففي اَْلْر ِ‬
‫س فُد ّ‬
‫ن سبحانه ما بين الفساد والعلو في المرتين فييي قييوله ) َلُتْف ِ‬ ‫في هذا الموضع َقَر َ‬
‫عُلّوا كَِبيًرا )‪ 4‬السراء ( ولم يوضح التفاصيل ‪ ،‬ولتكون لدينا القدرة على معرفة شكل هذا الفساد وهييذا العلييو ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫دعنا نمعن النظر في اليات التالية ‪ ،‬حيث اقترن فيها المرين معيا في مواضع أخرى من القران الكريييم ‪ ،‬كقييوله‬
‫سفَتْيَقَنْتَها‬
‫حفُدوا ِبَهففا َوا ْ‬‫جَ‬
‫ن )‪ 4‬القصص ( وقييوله ) َو َ‬ ‫سِدي َ‬
‫ن اْلُمْف ِ‬
‫ن ِم ْ‬‫ض … ِإّنُه َكا َ‬ ‫ل ِفي اَْلْر ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬ ‫عْو َ‬
‫ن ِفْر َ‬
‫تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 14‬النمل حيث جاءت هييذه الييية ‪ ،‬تعقيبييا علييى فرعييون‬ ‫سِدي َ‬‫عاِقَبُة اْلُمْف ِ‬
‫ن َ‬
‫ف َكا َ‬
‫ظْر َكْي َ‬
‫عُلّوا َفان ُ‬
‫ظْلًما َو ُ‬
‫سُهْم ُ‬
‫َأْنُف ُ‬
‫وقومه لما علو وأفسدوا وجحدوا بآيات ال ‪ ،‬فكان جزاءهم الهلك غرقا ‪.‬‬
‫ن )‪ 83‬القصييص (‬ ‫ساًدا َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي ف َ‬
‫ض َوَل َف َ‬ ‫عُلّوا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َل ُيِريُدو َ‬ ‫جَعُلَها ِلّلِذي َ‬
‫خَرُة َن ْ‬
‫لِ‬
‫ك الّداُر ا ْ‬
‫وقوله ) ِتْل َ‬
‫ن جزاء من لم ُيرد العلو والفساد ‪ ،‬سواء كان قادرا على ذليك أم ليم يكين ‪ ،‬هيو أن يكيون لهيم‬ ‫توضح هذه الية بأ ّ‬
‫ل بييه وبكنييوزه ‪،‬‬ ‫حسن ثواب الدنيا والخرة ‪ ،‬والعاقبة للمتقين بإذن ال ‪ ،‬وذلك تعقيبا على قارون وصنيعه وما ح ي ّ‬
‫صفَبِة ُأوِلفي اْلُقفّوِة )‪(76‬‬ ‫حُه َلَتُنفوُء ِباْلُع ْ‬ ‫ن َمَففاِت َ‬ ‫ن اْلُكُنوِز َمففا إِ ّ‬
‫حيث قال تعالى فيما آتاه من المال والقوة ) َوآَتْيَناُه ِم ْ‬
‫ن الُق فُرو ِ‬
‫ن‬ ‫ن َقْبِل فِه ِم ف ْ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ل َقْد َأْهَل َ‬‫ن ا َّ‬‫عنِدي َأَوَلْم َيْعَلْم َأ ّ‬ ‫عْلٍم ِ‬‫عَلى ِ‬ ‫فجحد نعم ال ونسبها إلى نفسه ) َقاَل ِإّنَما ُأوِتيُتُه َ‬
‫‪28‬‬
‫سْفَنا ِبِه‬
‫خ َ‬
‫عَلى َقْوِمِه ِفي ِزيَنِتِه )‪ (79‬فأهلكه ال )َف َ‬
‫ج َ‬
‫خَر َ‬
‫جْمًعا )‪ (78‬فعل واستكبر ) َف َ‬‫شّد ِمْنُه ُقّوًة َوَأْكَثُر َ‬
‫ن ُهَو َأ َ‬
‫َم ْ‬
‫ض )‪ 81‬القصص ( ليجعله عبرة لغيره ‪.‬‬ ‫َوِبَداِرهِ اَْلْر َ‬
‫والملفت للنظر أن اقتران العلو بالفساد ‪ ،‬جيياء فييي أربييع آيييات فقييط ميين مجمييل القييرآن وكلهييا ذات علقيية ببنييي‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وقد تقدم ذكرها أعله ‪.‬‬
‫والقرآن كما نعلم ُأنزل للناس كافة ‪ ،‬منذ اليوم الول لبعثة نبينا عليه أفضل الصلة وأتم التسليم ‪ ،‬وحتى يييرث الي‬
‫الرض ومن عليها ‪ ،‬ومن ضمن هؤلء بني إسرائيل الذين عاصروا هذه الرسالة وهذا القرآن ‪ ،‬وقييد ذّكرهييم ال ي‬
‫وما زال ُيّذكرهم في معجزته الخاليدة بميا حصل لفرعون وقارون ‪ ،‬وهم أشّد الناس قربا لهييم لمييا علييوا وأفسييدوا‬
‫سّنَة اَْلّوِلي ف َ‬
‫ن‬ ‫ن ِإّل ُ‬ ‫ظُرو َ‬
‫في الرض ‪ ،‬وأّنهم إن أصّروا على الفساد في الرض مضت فيهم سنة الولين ) َفَهْل َيْن ُ‬
‫سفلَْنا‬
‫ن َقفْد َأْر َ‬‫سفّنَة َمف ْ‬
‫ل )‪ 43‬فاطر ( وقال في سورة السيراء ) ُ‬ ‫حِوي ً‬‫لت ْ‬
‫سّنِة ا ِّ‬
‫جَد ِل ُ‬
‫ن َت ِ‬‫ل َوَل ْ‬‫ل َتْبِدي ً‬
‫سّنِة ا ِّ‬
‫جَد ِل ُ‬‫ن َت ِ‬‫َفَل ْ‬
‫ن ل مناص‬ ‫ل )‪ (77‬لينالهم ما نال سابقيهم من العذاب في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫حِوي ً‬‫سّنِتَنا َت ْ‬
‫جُد ِل ُ‬
‫سِلَنا َوَل َت ِ‬
‫ن ُر ُ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫َقْبَل َ‬
‫ت ُقُلففوُبُكْم‬
‫سف ْ‬‫ل بالعودة إليه والنابة له ولكن هيهات لمن قيل في أسييلفهم ) ُثفّم َق َ‬ ‫لهم للنجاة من سخطه وغضبة ‪ ،‬إ ّ‬
‫ن )‪ 74‬البقرة ( ‪.‬‬‫عّما َتْعَمُلو َ‬
‫ل ِبَغاِفٍل َ‬
‫سَوًة … َوَما ا ُّ‬ ‫شّد َق ْ‬‫جاَرِة َأْو َأ َ‬‫حَ‬‫ي َكاْل ِ‬‫ك َفِه َ‬
‫ن َبْعِد َذِل َ‬‫ِم ْ‬
‫علّو بني إسرائيل في المرة الولى ‪ ،‬لم تتضح تفاصيييله فييي سييورة السييراء ‪ ،‬لكنهييا جلّييية واضييحة فييي مواضييع‬
‫أخرى من القران ‪ ،‬وسيأتي الحديث عنها في حينه ‪ ،‬أما ما نحن بصييدده الن هييو توضيييح مفهييوم العليّو ‪ ،‬ولييدينا‬
‫ن العلّو المقصود هنا هو علّوهم كأّمة وليس كييأفراد ‪ ،‬فالخيييار‬ ‫مثالين هما فرعون وقومه وقارون وكنوزه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫يقع على علّو فرعون وقومه ‪ ،‬وهذه آيات تعرضت لبعض من مظاهر هذا العلو ومقوماته ‪ ،‬قييال تعييالى ) َوَنففاَدى‬
‫ن )‪ 51‬الزخييرف (‬ ‫ص فُرو َ‬ ‫ل ُتْب ِ‬
‫حِتففي َأَف َ‬
‫ن َت ْ‬
‫جِري ِم ْ‬
‫صَر َوَهِذِه اَْلْنَهاُر َت ْ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫س ِلي ُمْل ُ‬‫عْونُ ِفي َقْوِمِه َقاَل َيا َقْوِم َأَلْي َ‬ ‫ِفْر َ‬
‫سى‬ ‫ض )‪ 29‬غافر ( وقال ) َوَقاَل ُمو َ‬ ‫ظاِهِرينَ ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ك اْلَيْوَم َ‬ ‫وقال على لسان مؤمن آل فرعون ) َيا َقْوِم َلُكْم اْلُمْل ُ‬
‫جنفٌد‬
‫حفَر َرْهفًوا ِإّنُهفْم ُ‬ ‫ك اْلَب ْ‬
‫حَياِة الّدْنَيا )‪ 88‬يونس ( وقييال ) َواْتفُر ْ‬ ‫لُه ِزيَنًة َوَأْمَواًل ِفي اْل َ‬ ‫ن َوَم َ‬‫عْو َ‬ ‫ت ِفْر َ‬
‫ك آَتْي َ‬
‫َرّبَنا ِإّن َ‬
‫ن )‪27‬‬ ‫ع َوَمَقففاٍم َكِريفٍم )‪َ (26‬وَنْعَمفٍة َكففاُنوا ِفيَهففا َفففاِكِهي َ‬ ‫ن )‪َ (25‬وُزُرو ٍ‬ ‫عُيففو ٍ‬‫ت َو ُ‬
‫جّنففا ٍ‬
‫ن َ‬ ‫ن )‪َ(24‬كْم َتَرُكوا ِم ْ‬ ‫ُمْغَرُقو َ‬
‫الدخان ( وبالقليل من التدبر في اليات السابقة ‪.‬‬
‫ن مقومات علو فرعون ومله ‪ ،‬وهم علية القوم ‪ ،‬ويمثلهم فييي زماننييا ‪ ،‬رجييال الحكييم والقضيياء والدوليية ‪،‬‬ ‫نجد أ ّ‬
‫ورجال السياسة والمال والقتصيياد ‪ ،‬والوجهيياء ورؤوس النيياس ‪ ،‬تتمثييل فيمييا يلييي ‪ :‬ملييك مصيير والسيييادة علييى‬
‫أهلها ‪ ،‬والقوة والمنعة والظهور في الرض ‪ ،‬وامتلك الزينة والموال ‪ ،‬والجنات والعيون ‪ ،‬والنهار الجارييية ‪،‬‬
‫والزرع والمقام الكريم ‪ ،‬والنعم المختلفة ‪.‬‬
‫ي مفهوم العلو ‪ :‬هو مظهر من مظاهر الحياة ‪ ،‬بمعنى السييتعلء والرتفيياع والتكّبيير والتجّبيير ‪ ،‬ميين خلل امتلك‬
‫مقومات مادية ‪ ،‬كالرض والمال والقوة ‪ ،‬مما ُيمّكن الظلمة والمفسدون من سيادة الناس وسياستهم ‪ ،‬والتحكم فييي‬
‫تصريف شؤونهم ‪ ،‬على وجه من الظلم والبغي ‪.‬‬
‫ن َلَعففاٍل ِفففي‬ ‫عفْو َ‬ ‫ن ِفرْ َ‬‫أما مفهوم الفساد ؛ فهو يتمّثل في بعض ما قيل من آيات في فرعون وملئه ‪ ،‬قال تعييالى ) َوِإ ّ‬
‫ف‬‫ضفِع ُ‬ ‫سَت ْ‬‫جَعفَل َأْهَلَهففا شِفَيًعا َي ْ‬‫ض َو َ‬‫ل ِفففي اَْلْر ِ‬ ‫ن عَ َ‬‫عفْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫ن )‪ 83‬يونس ( ‪ ،‬وقييال ) ِإ ّ‬ ‫سِرِفي َ‬‫ن اْلُم ْ‬
‫ض َوِإّنُه َلِم ْ‬‫اَْلْر ِ‬
‫ن َوَمَلِئِه‬ ‫ع فْو َ‬
‫ن )‪ 4‬القصييص ( ‪ ،‬وقييال ) ِإَلففى ِفْر َ‬ ‫سِدي َ‬‫ن اْلُمْف ِ‬‫ن ِم ْ‬ ‫ساَءُهْم ِإّنُه َكا َ‬‫ي ِن َ‬
‫حِ‬ ‫سَت ْ‬
‫ح َأْبَناَءُهْم َوَي ْ‬
‫طاِئَفًة ِمْنُهْم ُيَذّب ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪ 12‬النمييل‬ ‫سِقي َ‬ ‫ن َوَقْوِمِه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬‫عْو َ‬‫ن )‪ 46‬المؤمنون ( ‪ ،‬وقال ) ِإَلى ِفْر َ‬ ‫عاِلي َ‬‫سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما َ‬ ‫َفا ْ‬
‫شَر َفَناَدى )‪َ (23‬فَقاَل َأَنا َرّبُكفْم‬ ‫ح َ‬‫سَعى )‪َ (22‬ف َ‬ ‫صى )‪ُ (21‬ثّم َأْدَبَر َي ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َو َ‬ ‫لَيَة اْلُكْبَرى )‪َ (20‬فَكّذ َ‬ ‫( ‪ ،‬وقال ) َفَأَراُه ا ْ‬
‫شففاِد )‪ 29‬غيافر (‬ ‫سفِبيَل الّر َ‬‫ن َمففا ُأِريُكفْم ِإّل َمففا َأَرى َوَمففا َأْهفِديُكْم ِإّل َ‬ ‫عْو ُ‬ ‫عَلى )‪ 24‬النازعات ( ‪ ،‬وقال ) َقاَل ِفْر َ‬ ‫اَْل ْ‬
‫عوُه ِإّنُهفْم‬‫طففا ُ‬
‫ف َقفْوَمهُ َفَأ َ‬‫خ ّ‬‫سفَت َ‬
‫غْيِري )‪ 38‬القصص ( ) َفا ْ‬ ‫ن ِإَلٍه َ‬‫ت َلُكْم ِم ْ‬‫عِلْم ُ‬‫ل َما َ‬‫ن َيا َأّيَها اْلَم َُ‬
‫عْو ُ‬
‫وقال ) َوَقاَل ِفْر َ‬
‫ن َقْوَمُه َوَما َهَدى )‪ 79‬طه ( ‪.‬‬ ‫عْو ُ‬‫ضّل ِفْر َ‬ ‫ن )‪ 54‬الزخرف ( ) َوَأ َ‬ ‫سِقي َ‬
‫َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬
‫ل أهييل مصير فرقييا وطيوائف متنابييذة ‪ ،‬واستضييعاف طائفية منهييم ) بنيي‬
‫ومظاهر إفسياده تتمثييل فيمييا يليي ‪ :‬جْعي ُ‬
‫إسرائيل ( ‪ ،‬بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ‪ ،‬والسراف في كييل أمييره ‪ ،‬والسييتكبار والفسييق ‪ ،‬وتكييذيب الرسييل ‪،‬‬
‫ومعصية ال وجحود آياته ‪ ،‬واّدعاء الربوبية واللوهية ‪ ،‬والستخفاف بعقول الناس وإضللهم ) من خلل وسائل‬
‫العلم المتاحة لفرعون في ذلك الوقت ( ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ي مفهوم الفساد ‪ :‬استضعاف الناس وتفريقهم وتصنيفهم ‪ ،‬وإثارة الفتن فيما بينهم ‪ ،‬والقتل وسفك الدماء ‪ ،‬وتكذيب‬
‫الرسل ‪ ،‬وتكذيب آيات ال وجحودها ‪ ،‬ومعصية ال ورسله ومحاربته لدين ال وأتباعه ‪ ،‬واستخفاف عقول النيياس‬
‫وتضليلهم وإضللهم ‪ ،‬وإنكار ربوبية ال ‪ ،‬وإنكار أحقيته في العبادة دون غيره ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬هذا هو مفهوم العلو وهذا هو مفهوم الفساد ‪ ،‬الذي تتحدث عنهما سورة السراء ‪ ،‬لذلك عند أي‬
‫ي من المرتين الوارد ذكرهما في اليات أعله ‪ ،‬يجب أن تكون الحالة موضوع البحث ‪ ،‬مطابقة‬ ‫محاولة لتعيين أ ّ‬
‫ن علو وإفساد بني إسرائيل ‪ ،‬صورة في مرآة لعلو وإفساد فرعون وَمَلِئه ‪،‬‬ ‫تماما لما كان عليه فرعون وَمَلئه ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫ي حالة ترافق فيهييا مثييل هييذا العلييو ومثييل هييذا‬
‫ل أن نبحث في ماضي بني إسرائيل وحاضرهم ‪ ،‬عن أ ّ‬ ‫وما علينا إ ّ‬
‫الفسيياد ‪ ،‬كمييا هييو الحييال بالنسييبة لفرعييون وقييومه ‪ .‬وليين نييذهب بعيييدا فإحييداهما موصييوفة فييي القييران الكريييم‬
‫وبالتفصيل أيضا ‪ ،‬والخرى نشاهدها بأم أعيننا على أرض الواقع منذ أكثر من خمسين عاما ‪.‬‬

‫ض‪:‬‬ ‫َْ‬
‫ِفي الْر ِ‬
‫قرن سبحانه وتعالى بين الفساد والعلّو لكلتا المرتين بييالرض ‪ ،‬ولفييظ الرض هنييا اسييم جنييس ‪ ،‬وجيياءت كييذلك‬
‫عُلّوا َكِبيًرا (‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلَتعُْل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫لتشمل الجزء والكل والخاص والعام ‪ ،‬حيث قال في الية )‪َ ) (4‬لُتْف ِ‬
‫سففوُءوا‬‫ولم يحّدد مكانا بعينه ‪ ،‬وعاد سييبحانه وحيّدد موقييع العقيياب فييي المرتييين ‪ ،‬حييين قييال فييي الييية )‪ِ ) (7‬لَي ُ‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة ( حيييث ربييط ميا بييين العقياب والمسيجد ‪ ،‬لنفهيم مين ذليك أن‬ ‫جَد ‪َ ،‬كَما َد َ‬
‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم ‪َ ،‬وِلَيْد ُ‬‫ُو ُ‬
‫العقاب الموعود به بنو إسرائيل والمقصود هنا ‪ ،‬سينفذ فيهم فييي المرتييين خلل تواجييدهم فييي فلسييطين ) الرض‬
‫المقدسة ( وُذكر المسجد للشارة إلى المكان ‪ .‬وهذا المسجد تم تعريفه في بداية سورة السييراء فييي قييوله تعييالى )‬
‫حْوَلُه )‪ (1‬وقوله الذي باركنا حوله أي ما يليه من الرض ‪ ،‬ولم يقل باركنييا فيييه أي‬ ‫صى اّلِذي َباَرْكَنا َ‬ ‫جِد اَْلْق َ‬‫سِ‬‫اْلَم ْ‬
‫لم ُتحصر البركة في المسجد فقط ‪ ،‬بل شملت ما حوله من الرض ‪.‬‬
‫حصر فيي المرتيين ‪ ،‬وأن ذكير الفسياد سيبق ذكيير العليّو ‪ ،‬وأن العليو ليم ُيحصير فييي‬ ‫والملحظ أن ذكر الفساد ُ‬
‫المرتين ‪ ،‬بل ُأفرد ووصف بالكبير ‪ .‬وبما أن التركيز هنا على المرة الثانية ‪ ،‬فذلك يوحي بأن الفساد في المرتييين‬
‫متطابق ‪ ،‬وبأن تحصيلهم للعلو على القل في المرة الثانية سيتأتى عن طريق الفساد ‪ ،‬وأن العلو الثاني أكبر ميين‬
‫الول لذلك تأخر ذكر العلو وصفته عن كلمة مرتين للختلف ‪ .‬ذلك لن إفساد بني إسرائيل الُمتأّتي عيين العل يّو ‪،‬‬
‫اقتصر على حدود دولتهم في فلسطين في المرة الولى ‪ ،‬وهذا ما ُيثبته القرآن والتييوراة ‪ .‬وأّمييا إفسييادهم وعليّوهم‬
‫الخير في فلسطين ‪ -‬والذي نعاصره الن ‪ -‬سبقه ورافقه إفساد وعلو شمل مشارق الرض ومغاربها ‪ .‬وال أعلييم‬
‫‪.‬‬
‫وبما أنّ العقاب سيحل بهم في الرض المقدسة ‪ ،‬يترتب على ذلك حتمية سبق وقوع الفسيياد والعليّو فيهييا ‪ ،‬حييتى‬
‫ولو سبق منهم الفساد والعلو في الرض على عمومها ‪ ،‬أو تزامن مع إفسييادهم وعلييوهم فييي الرض المقدسيية ‪،‬‬
‫لذلك جاء الحديث مجمل في الية )‪ ، (4‬وهي الية الولى من قصة الفسادتين ‪ ،‬فُذكَر الفسيياد والعلييو لشييتراط‬
‫ي من المرتين فيها ‪.‬‬
‫وقوعهما في المرتين ‪ ،‬ولم يأتي بأي تفاصيل ل ّ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن الرض التي سيتم فيها علو بني إسرائيل وإفسادهم ‪ ،‬هييي الرض علييى عمومهييا فييي المييرة‬
‫الثانية ‪ ،‬وفلسطين بشكل خياص فيي المرتيين ‪ .‬وأن عقيابهم فيي المرتيين سييكون فيي الرض المقدسية خاصية ‪،‬‬
‫وزوال علوهم في المرة الثانية من الرض على عمومها بشكل عام ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ن‪:‬‬
‫مّرت َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫المرة هي الفعلة الواحدة من شيء ُيمكن تكراره ‪ ،‬والجمع ِمرار ‪ ،‬واعتدنا أن نجمعهييا علييى ميّرات ‪ .‬وقييد أوضييح‬
‫ح أن ُنضيف ثالثة ‪ ،‬ومن أفتى بثالثة فقد أفييتى‬
‫سبحانه بما ل يدع مجال للشك أنهما مّرتان بصريح اللفظ ‪ ،‬ول يص ّ‬
‫بغير علم ‪.‬‬
‫وعندما تقول ‪ :‬مرة ومرتييان وثلث مييرات ‪ ،‬فييأنت فييي الواقييع َتعيّد فعليية واحييدة تتكيّرر ولهييا صييفة السييتمرار‬
‫كالعمرة والحج مثل ‪ ،‬لتقول اعتمرت مرة ومرتان وثلث مييرات ‪ ،‬والعمييرة لهييا شييروط ومناسييك خاصيية بهييا ‪،‬‬
‫ح أن َتعّد أفعال مختلفة على أنها ميّرات ‪ ،‬كييأن تقييول مثل عنييدما تعتميير‬ ‫تمّيزها عن غيرها كالحج مثل ‪ ،‬ول يص ّ‬
‫‪30‬‬
‫ح أن ُتسّمي فعلة غير مكتملة الشروط والمواصفات‬
‫ج مرة ‪ ،‬اعتمرت مرتين أو حججت مرتين ‪ .‬ول يص ّ‬
‫مرة وتح ّ‬
‫‪ ،‬على أنها مرة كعمرة بل طواف أو سعي ‪.‬‬
‫ن المرتييين تكييرار لفعليية واحييدة ‪ ،‬تمتلييك نفييس الشييروط والمواصييفات ‪ ،‬وبمييا أن إفسيياد بنييي‬
‫وخلصة القييول ‪ :‬أ ّ‬
‫إسرائيل في الرض ‪ ،‬بدأ منذ نشأتهم قبل حوالي )‪ (3‬آلف سنة واستمر لغاية هذه اللحظة ‪ ،‬كان ميين الضييروري‬
‫لنا أن نستنبط من هذه اليات شروطا ومواصفات ‪ ،‬تجعل ميين السييهولة بمييا كييان تحديييد المرتييين وبدقيية متناهييية‬
‫وتحديد موقعهما من حيث الزمان والمكان ‪ ،‬وأول شرط من الشروط هو الفساد المقترن بالعلو ‪ ،‬والشرط الثيياني‬
‫أن يكون في الرض المقّدسة أي فلسطين دون غيرها ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عَبا ً َ‬ ‫عدُ ُأوَل ُ‬
‫سللوا‬
‫جا ُ‬ ‫د َ‬
‫ف َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫س َ‬
‫شل ِ‬ ‫دا لَنا أول ِللي ب َلأ ٍ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫عث َْنا َ‬‫ما ب َ َ‬‫ه َ‬ ‫و ْ‬ ‫جاءَ َ‬‫ذا َ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫عوًل )‪(5‬‬ ‫ف ُ‬‫م ْ‬
‫دا َ‬ ‫ع ً‬ ‫و ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬
‫ر َ‬‫ل الدَّيا ِ‬‫خَل َ‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫جاَء وَعْد ُ أوَلهُ َ‬
‫ما ‪:‬‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫جاء أي مجيء الوقت المعين أو الموعد المحّدد ‪ ،‬والوعد أي الموعودين به من العقاب والهلك ‪ ،‬والمعنى إجمال‬
‫هو مجيء زمن الستحقاق لنفاذ الوعد بالعقاب والهلك ‪ ،‬ومجيء الوعد متعّلق بتحقق الشروط الثلثيية فييي الييية‬
‫عفًدا )‪ 59‬الكهييف ( أي ربييط الهلك بموعييد‬ ‫جَعْلَنففا ِلَمْهِلِكِهفْم مَْو ِ‬
‫ضح هذا المعنى في قوله تعالى ) َو َ‬ ‫السابقة ‪ ،‬ويتو ّ‬
‫عًة وََل‬ ‫سففا َ‬
‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬
‫سفَتْأ ِ‬
‫جُلُهفْم َل َي ْ‬ ‫جففاَء َأ َ‬
‫جفٌل َففِإَذا َ‬‫معييين ل يتييأخر ول يتقيّدم ‪ ،‬كمييا فييي قييوله تعييالى ) َوِلُكفّل ُأّمفٍة َأ َ‬
‫ن)‪ 34‬العراف ( وسرعة مجيء موعد الهلك وإبطاءه تعتمد على درجة الظليم ‪ ،‬وتجيد ذليك فيي قيوله‬ ‫سَتْقِدُمو َ‬
‫َي ْ‬
‫ظَلُمففوا … ) ‪ 59‬الكهف ( وقييوله ) … َوَمففا ُكّنففا ُمْهِلِكففي اْلُقفَرى ِإّل َوَأْهُلَهففا‬ ‫ك اْلُقفَرى َأْهَلْكَنففاُهْم َلّمففا َ‬
‫تعالى ) َوِتْلف َ‬
‫ظاِلُمونَ )‪ 59‬القصص ( والظلم المقصود هنا هو الظلم الممي مع توافر الصرار ‪ .‬إذ كلمييا زادت درجيية الظلييم‬ ‫َ‬
‫وزادت وتيرة اقترافه ‪ ،‬كلما أسرع إلى المم قدرها المحتوم ‪ ،‬لتمضي فيها سنن ال التي ل تتحول ول تتبدل ‪.‬‬

‫ب َعَث َْنا عَل َي ْك ُ ْ‬


‫م‪:‬‬

‫شُكُرونَ‬ ‫ن َبْعِد َمْوِتُكْم َلَعّلُكْم َت ْ‬


‫سوًل ِمْنُهْم )‪ 2‬الجمعة ( وقال ) ُثّم َبَعْثَناُكْم ِم ْ‬‫ن َر ُ‬‫ث ِفي اُْلّمّيي َ‬‫قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َبَع َ‬
‫عَلْيُك فْم‬
‫ع فُد ُأوَلهَُمففا َبَعْثَنففا َ‬‫جففاَء َو ْ‬
‫ض )‪ 31‬المائدة ( ‪َ ) ،‬فِإَذا َ‬ ‫ث ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ح ُ‬
‫غَراًبا َيْب َ‬
‫ل ُ‬ ‫ث ا ُّ‬
‫)‪ 56‬البقرة ( ‪ ،‬وقال ) َفَبَع َ‬
‫عَباًدا َلَنا )‪ 5‬السراء ( ومن خلل التدبر في اليات السابقة ‪ ،‬نجد أن المبعوث من قبله سبحانه ‪ ،‬ليييس لييه القييدرة‬ ‫ِ‬
‫على بعث نفسه ‪ ،‬وذلك على حالين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هي وجود الرادة اللهية وانعييدام الرادة البشييرية ‪ ،‬فالرسييل عليهييم السييلم بتلقييي الرسييالة عيين طريييق‬
‫الوحي ‪ ،‬ينتقلون من حال الغفلة والسكون إلى حال الهداية والدعوة ‪ ،‬والموتى ينتقلون بنفخ الروح فيهييم ميين حييال‬
‫الموت إلى حال الحياة ‪ .‬وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي ظاهرا ‪ ،‬بإحداث البعث عيين طريييق إرسييال الييروح‬
‫والوحي ‪ ،‬سواء كانت وسيلة البعث مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬هي وجود كلتا الرادتين ‪ ،‬مع تعليق الرادة الثانية بالولى ‪ ،‬فالحياء يملكون الرادة في بعث أنفسهم ‪،‬‬
‫لتصريف أمورهم الدنيوية ‪ ،‬ولكّنها إرادة معلقة بالمشيئة أو الرادة اللهية ‪ ،‬فما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكيين ‪،‬‬
‫فإن توافقت الرادة البشرية للقيام بأمر ما مع الرادة اللهية ‪ ،‬وقع ذلك المر وإن لم تتوافق لم يقع ‪ ،‬قال تعييالى )‬
‫حِكيًما )‪ 30‬النسان ( ‪ .‬وفي هذه الحالة يكون التييدخل اللهييي‬ ‫عِليًما َ‬
‫ن َ‬
‫ل َكا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ن َي َ‬
‫ن ‪ِ ،‬إّل َأ ْ‬
‫شاُءو َ‬
‫َوَما َت َ‬
‫غير ظاهر ‪ ،‬حيث أنه يتم عن طريييق التمكييين ‪ ،‬بإزاليية المعوقييات والمثّبطييات وإيجيياد التسييهيلت والمحّفييزات ‪،‬‬
‫سواء كانت الوسائل مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالين يكون البعث من عند ال ‪ ،‬ولذلك نسب سبحانه بعث أولئك العباد إلى نفسه ‪ ،‬لن ال سُيمّكن لهييم‬
‫السباب والسبل عند خروجهم ‪ ،‬لتحقيق وعده في بني إسرائيل ‪ .‬وأما هؤلء العباد فسيخرجون من تلقاء أنفسهم ‪،‬‬
‫ورغبة منهم في ذلك بدفع من أسبابهم الخاصة ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫طُه فْم ‪َ ،‬وِقي فَل اْقُع فُدوا‬
‫ل اْنِبَعففاَثُهْم َفَثّب َ‬
‫ن َكِرَه ا ُّ‬
‫عّدًة ‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫عّدوا َلُه ُ‬
‫ج َل َ‬
‫خُرو َ‬
‫ونجد ذلك في قوله تعالى ) َوَلْو َأَراُدوا ال ُ‬
‫ن )‪ 46‬التوبة (‬
‫عِدي َ‬
‫َمَع اْلَقا ِ‬
‫أي لو أرادوا الخروج لعّدوا عدة الخروج ‪ ،‬ولكنهم لم ُيعّدوا العّدة لن رغبة الخروج لديهم معدومة أصل ‪ .‬وبما‬
‫أن إرادتهم معدومة كره ال انبعاثهم ‪ ،‬فثّبطهم كي ل يخرجوا مكرهين حياًء أو رياًء ‪ ،‬خشية تأثيرهم السلبي علييى‬
‫ن من ُوجد لديه الرادة والرغبة في الخروج ‪ ،‬كان الولى بإزاليية الُمثّبطييات وإحيياطته‬
‫الخارجين ‪ .‬وفي المقابل فإ ّ‬
‫بالُمحّفزات لتمكينه من النبعاث والخروج ‪.‬‬
‫ي مفهوم البعث ‪ :‬هو انتقال أو انقلب أو تحول ‪ ،‬أو تغير من حالة إلييى أخييرى ‪ ،‬نتيجيية ُمسيّبب خييارجي مييادي أو‬
‫معنوي ‪.‬‬
‫ن عملية البعث هنا جاءت بمعنى النتقييال المكيياني ‪ ،‬أي أن هييؤلء العبيياد سيييأتون ميين خييارج‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أ ّ‬
‫فلسطين ومن مكان بعيد نسبيا ‪ ،‬وعملية البعث معّلقة بالمشيئة اللهية ‪ ،‬وموعد البعث منييوط بهييذه المشيييئة ‪ ،‬وأن‬
‫هؤلء المبعوثين ولو تولدت فيهم الرادة ‪ ،‬ومهما حاولوا النقضاض ‪ ،‬مرارا وتكرارا على بني إسرائيل للقضاء‬
‫عليهم وإفنائهم ‪ ،‬فلن يتمكنوا من ذلك حتى مجيء الموعد الذي حّدده رب العزة ‪.‬‬

‫دا ل ََنا ‪:‬‬


‫عَبا ً‬
‫ِ‬
‫معظم الناس هذه اليام ‪ ،‬يعتقدون اعتقادا جازما ل شك فيه ‪ ،‬بأن هؤلء العباد الُمشار إليهييم فييي هييذه العبييارة هييم‬
‫عباد مؤمنين ‪ ،‬بل من أولياء ال المخلصين ‪ .‬ولبيان خطأ هذا المعتقد سنناقش هذا المر من عدة وجوه ‪ ،‬وبمييا أن‬
‫هذه العبارة أحد أهم مرتكزات الفهم الخاطئ للنبوءة التي جيياءت بهييا آيييات سييورة السييراء ‪ ،‬سيينتاولها بالشييرح‬
‫والتفصيل بما يتناسب مع حجم المساحة التي احتلتها في أذهان الناس ‪.‬‬

‫أول ‪ :‬رأي المفسرين القدماء‬

‫لم يكن فهم هذه العبارة مشكلة للمفسرين القدماء ‪ ،‬وهم الكثر قربا وفهما للفاظ العربية وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬ولييو‬
‫رجعت إلى تفسيراتهم للعبارة وآرائهم في أصييحاب البعييث الول والثيياني ‪ ،‬الييتي أجملناهييا فييي الفصييل السييابق ‪،‬‬
‫ن تحقق الوعدين قد تّم قبل السييلم ‪ ،‬فهييم‬ ‫ن أّنهم جزموا بأ ّ‬
‫لوجدت أّنهم بل استثناء لم يعيروها أدنى انتباه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫على القل لم يثبتوا لهم صفة اليمان ‪ ،‬حيث أن بني إسرائيل آنذاك ‪ ،‬كييانوا ميين أهييل الكتيياب ‪ ،‬وكييل ميين حييولهم‬
‫كانوا عبدة أوثان ‪ .‬بل على العكس من ذلك نجد أنهم بل استثناء كانوا قد أثبتوا لهم صفة الكفر ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬وإضــافتها للجــار والمجــرور لــم تعّرفهــا ‪ ،‬وبالتــالي لــم توضــح‬
‫ماهية المعتقد‬

‫وردت هذه عبارة ) عبادا لنا ( في القرآن مرة واحدة فقط ‪ ،‬ولو أمعّنا النظر في تركيبتها لوجدنا أّنه سبحانه نّكيير‬
‫هؤلء العباد ‪ ،‬ولم ينسبهم إلى نفسه حتى بضمير متصل كأن يقول عبادنا ‪ ،‬وإنما ُأضييفت إليى الجياّر والمجيرور‬
‫ن تنكيرهم كان غاية بحّد ذاته ‪ ،‬والضافة للجاّر والمجرور جياءت هنيا لتفييد ملكيية الي لهيم فقيط ‪،‬‬ ‫) لنا ( لنفهم أ ّ‬
‫وليس لها علقة ببيان ماهية المعتقد ‪ .‬وذلك ليعلم بني إسرائيل أن هذا البعث من عند الي وبتمكييين منييه سييبحانه ‪،‬‬
‫فكل ما يجري على الرض بخيره وشّره ‪ ،‬ل يكون إل بمشيئة ال جل وعل وتقدير منه ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الفرق بين العبودية والعبادة‬

‫لنعلم أن أصل العبودية الخضوع والذل كرها أكثر منها طواعية ‪ ،‬وأصل العبادة الطاعة والولء طواعية ورغبيية‬
‫ل كراهية فيها ‪.‬‬
‫والعبودية ل تجب على الخلئق ‪ ،‬بدافع الربوبية أي الُملكية بأحقية الخلق واليجاد ‪ ،‬واقرأ سورة الملييك إن شييئت‬
‫يٍء )‪ 164‬النعيام ( أي‬‫شف ْ‬
‫ب ُكفّل َ‬
‫لف َأْبِغففي َرّبففا َوُهفَو َر ّ‬
‫غْيفَر ا ِّ‬
‫فهبي تفصل المر ‪ ،‬ونجدها في قوله تعالى ) ُقفْل َأ َ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما )‪ 17‬المائدة ( أي مالك للسموات والرض ‪،‬‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬
‫ك ال ّ‬
‫ل ُمْل ُ‬
‫صاحب كل شيء ‪ ،‬وقوله ) َو ِّ‬
‫‪32‬‬
‫يٍء )‪ 102‬النعام ( مما يعقل ول يعقييل ‪ ،‬والخلييق هييو المييوجب لحقييوق الربوبييية والملكييية ‪،‬‬ ‫ش ْ‬
‫ق ُكّل َ‬
‫خاِل ُ‬
‫وقوله ) َ‬
‫عْبفًدا )‪ 93‬مرييم ( مين الملئكية حيتى‬ ‫ن َ‬‫حَمف ِ‬
‫ض ِإّل آِتففي الّر ْ‬
‫ت َواَْلْر ِ‬
‫سفَمَوا ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫ن ُكّل َم ْ‬
‫ولذلك قال جل شأنه ) ِإ ْ‬
‫الذّرة من التراب ‪ ،‬رغما عن أنوفهم ل خيار لهم بأحقية ما سبق من خلقه إياهم ‪.‬‬
‫ق بدافع الشراء أو ما شابه ‪ ،‬التي توجب الملكية وحق التصرف بكييل شييؤون‬ ‫ويندرج تحت العبودية ‪ ،‬عبودية الر ّ‬
‫سففوُل َقفاَل‬
‫جاَءُه الّر ُ‬
‫ك اْئُتوِني ِبِه َفَلّما َ‬
‫العبد ‪ ،‬ومن هنا جاءت تسمية الرقيق بالعبد ‪ ،‬كما في قوله تعالى ) َوَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫عِليٌم )‪ 50‬يوسيف ( والملييك هيو ملييك‬ ‫ن َ‬ ‫ن َرّبي ِبَكْيِدِه ّ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫ن َأْيِدَيُه ّ‬
‫طْع َ‬
‫لِتي َق ّ‬
‫سَوِة ال ّ‬
‫سَأْلُه َما َباُل الّن ْ‬
‫ك َفا ْ‬
‫جْع ِإَلى َرّب َ‬
‫اْر ِ‬
‫خْم فًرا (‬
‫ص فُر َ‬
‫ع ِ‬‫ب الرسول أي صاحبه وسّيده ‪ ،‬والرسول هو نفس الفتى الييذي قييال ‪ِ ) :‬إّنففي َأَراِنففي َأ ْ‬ ‫مصر وهو ر ّ‬
‫وربوبية الَمِلك لهذا الفتى جاءت بدافع ملكيته للفتى ‪.‬‬
‫أما العبادة فهي تقديم فروض الطاعة والتقديس والولء لله أو للهة ‪ ،‬ول جبرية فيها فالخيار للمخلوق فهو يعبد‬
‫حَبففاَرُهْم َوُرْهَبففاَنُهْم َأْرَباًبففا ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫خُذوا َأ ْ‬ ‫ما يشاء ‪ ،‬واللهة التي اتخذها الناس للعبادة كثيرة ومتنوعة ‪ ،‬قال تعالى ) اّت َ‬
‫ن )‪31‬‬ ‫شفِرُكو َ‬ ‫عّمفا ُي ْ‬ ‫حاَنُه َ‬‫سفْب َ‬
‫حفًدا ‪َ ،‬ل ِإَلفَه ِإّل ُهفَو ‪ُ ،‬‬
‫ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإّل ‪ِ ،‬لَيْعُبفُدوا ِإَلًهففا َوا ِ‬
‫ح اْب َ‬
‫سي َ‬
‫ل َواْلَم ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ُدو ِ‬
‫ن )‪56‬‬ ‫س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ‬ ‫ن َواِْلن َ‬ ‫جّ‬ ‫ت اْل ِ‬‫خَلْق ُ‬
‫ن والنس فهي عبادة ال ‪ ،‬لقوله تعالى ) َوَما َ‬ ‫التوبة ( أما الغاية من خلق الج ّ‬
‫الذاريات ( ‪.‬‬
‫ل الناس يمارسون طقوسا العبادة ‪ ،‬سواء كانوا من أهل الكتب السماوية أو وثنيون أو ملحدون ‪ ،‬أما المؤمنون‬ ‫وك ّ‬
‫ص فْبَغًة‬
‫ل ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِم َ‬
‫سُ‬‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل َوَم ْ‬
‫صْبَغَة ا ِّ‬
‫بال فهم من ُنسبت عبادتهم ل ‪ ،‬وليس من ُنسبوا بذواتهم فقط ‪ ،‬قال تعالى ) ِ‬
‫ن )‪ 138‬البقرة ( ‪.‬‬
‫عاِبُدو َ‬
‫ن َلُه َ‬
‫حُ‬‫َوَن ْ‬

‫ونجد أنه سبحانه يدعو إلى القرار بالربوبية ووحدانية اللوهية ‪ ،‬بأحقية الخلييق لكييل شيييء أول ‪ ،‬وميين ثييم يييأمر‬
‫شيٍْء‬‫ق ُكّل َ‬ ‫خاِل ُ‬‫ل َرّبُكْم ‪َ ،‬ل ِإَلَه ِإّل ُهَو ‪َ ،‬‬ ‫بالخضوع له ‪ ،‬وإفراده سبحانه بالعبادة والتكال عليه ‪ ،‬في قوله ) َذِلُكْم ا ُّ‬
‫يٍء َوِكيٌل )‪ 102‬النعام ( ‪ .‬فل تستقيم العبادة إل بإقرار الربوبية ل أول ‪ ،‬ول يستقيم‬ ‫ش ْ‬
‫عَلى ُكّل َ‬
‫عُبُدوُه ‪َ ،‬وُهَو َ‬
‫‪َ ،‬فا ْ‬
‫الحال بإقرار الربوبية ل وحدها دون القيام بمقتضيات العبادة ‪ .‬وهذا ما كان عليه كفار قريش ‪ ،‬حيث أنهييم أق يّروا‬
‫ن )‪87‬‬ ‫ل ف َففَأّنى ُيْؤَفُكففو َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫خَلَقُهفْم َلَيُقففوُل ّ‬ ‫ن َ‬
‫سفَأْلَتُهْم َمف ْ‬
‫ن َ‬ ‫بربوبية ال لهم ولكنهم أشركوا بالعبادة ‪ ،‬قال تعالى ) َوَلِئ ْ‬
‫ل ُزْلَفى … )‪ 3‬الزمر ( ‪.‬‬ ‫الزخرف ( بينما عبادتهم للصنام قالوا فيها ) … َما َنْعُبُدُهْم ِإّل ِلُيقَّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫ن )‪11‬‬ ‫طففاِئِعي َ‬
‫عففا َأْو َكْرًهففا َقاَلَتففا َأَتْيَنففا َ‬
‫طْو ً‬
‫ض ِاْئِتَيففا َ‬
‫لْر ِ‬ ‫ن َفَقاَل َلَها َوِل َْ‬
‫خا ٌ‬ ‫ي ُد َ‬
‫سَماِء َوِه َ‬‫سَتَوى ِإَلى ال ّ‬‫قال تعالى ) ُثّم ا ْ‬
‫سففّب ُ‬
‫ح‬ ‫صلت ( طوعا من قبيل العبادة ‪ ،‬ولو لم تأتيا طوعا لكان ذلك كرها من قبيل العبودية ‪ ،‬حيث قال تعييالى ) ُت َ‬ ‫ُف ّ‬
‫حُهْم ‪ِ ،‬إّنُه َكففا َ‬
‫ن‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ن َل َتْفَقُهو َ‬ ‫حْمِدِه ‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫ح ِب َ‬ ‫سّب ُ‬
‫يٍء ِإّل ُي َ‬‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫ن ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫ن ِفيِه ّ‬
‫ض َوَم ْ‬‫سْبُع َواَْلْر ُ‬
‫ت ال ّ‬‫سَمَوا ُ‬
‫َلُه ال ّ‬
‫غُفوًرا )‪ 44‬السراء ( ‪.‬‬ ‫حِليًما َ‬
‫َ‬
‫ومن ذلك ُيسّمى من يرزح تحت العبودية كرهييا عبييدا ‪ ،‬فل خيييار فييي أل يكييون فهييو مرغييم ‪ ،‬وُيسييمى ميين يقييوم‬
‫بواجبات العبادة طواعية عابدا ‪ ،‬فالخيار في أن يكون أو ل يكون عائد إليه ‪ ،‬وأشّد الكفر هو ما ُأنكر فيه العبودييية‬
‫عَبَد ( ‪.‬‬
‫والعبادة ل معا ‪ ،‬وشتان ما بين المسّميين مع أن جذرهما واحد وهو كلمة ) َ‬

‫رابعا ‪ :‬الفراد والجمع‬

‫ي ) عبيياد ( و ) عبيييد ( هييي‬ ‫عْبد ( ‪ ،‬والعبييد لغيية نقيييض اُلحيّر ‪ ،‬فكلمييت ّ‬‫عباد وعبيد كلمتان مترادفتان ومفردهما ) َ‬
‫عَباِدَنففا َءاَتْيَنففاُه‬
‫ن ِ‬
‫عْبفًدا ِمف ْ‬
‫جفَدا َ‬
‫عْبد ( ‪ ،‬وذلك بدللة النص القرآنيي فيي قيوله تعيالى ) َفَو َ‬ ‫صيغة الجمع من كلمة ) َ‬
‫عْلًما )‪ 65‬الكهف ( ‪ ،‬ولو قال ) عابدا من عبادا ( لختلف المر ‪ ،‬وتييدبّر قييوله‬ ‫ن َلُدّنا ِ‬ ‫عّلْمَناُه ِم ْ‬
‫عْنِدَنا َو َ‬
‫ن ِ‬‫حَمًة ِم ْ‬
‫َر ْ‬
‫شفُكوًرا )‪ 3‬السراء ( ‪ ،‬نجييد أنييه سييبحانه ُيخييبر أن نييوح عليييه‬ ‫عْبفًدا َ‬
‫ن َ‬‫ح ِإّنفُه َكففا َ‬
‫حَمْلَنا َمفَع ُنففو ٍ‬‫ن َ‬‫تعالى ) ُذّرّيَة َم ْ‬
‫السلم ‪ ،‬كان عبدا أول من العبودية ‪ ،‬وعابدا بالشكر ل ثانيا من العبادة ‪.‬‬
‫أما كلمة ) عابد ( وهو القائم بالعبادة ‪ ،‬فصيغة الجمع منها هيي ) عابيدون ( ‪ ،‬وذليك بدللية قيوله تعيالى ) َوَل َأَنففا‬
‫عُبُد )‪ 5‬الكافرون (‬
‫ن َما َأ ْ‬
‫عاِبُدو َ‬
‫عَبْدُتْم )‪َ (4‬وَل َأْنُتْم َ‬
‫عاِبٌد َما َ‬
‫َ‬

‫‪33‬‬
‫خامسا ‪ :‬ترادف كلمتي عباد وعبيد في المعنى والستخدام ‪.‬‬

‫حففوا اَْلَيففاَمى ِمْنُكفمْ‬


‫وقد أطلق سيبحانه لفيظ عبياد عليى العبييد بمعنيى رقييق ‪ ،‬ونجيد ذليك فيي قيوله تعيالى ) َوَأنِك ُ‬
‫عَباِدُكْم َوِإَماِئُكْم )‪ 32‬النور ( نجد أن الضمير المتصل ) كييم ( فييي كلميية ) عبييادكم ( يعييود علييى‬ ‫ن ِ‬‫ن ِم ْ‬
‫حي َ‬
‫صاِل ِ‬
‫َوال ّ‬
‫المؤمنين المخاطبين بالنص ‪ ،‬ومما ل ُيعقل أو من المستحيل أن نقول بأن كلمة ) عباد ( جاءت لغيية مين العبييادة ‪،‬‬
‫فهي ل تحمل هذا المعنى على الطلق ‪ ،‬ولو بدللة هذه الية فقط ‪.‬‬
‫لمٍ‬
‫ظّ‬‫ك ِب َ‬
‫ظْلًما ِلْلِعَباِد )‪ 31‬غييافر ( وقييوله ) َوَمففا َرّبف َ‬‫ل ُيِريُد ُ‬ ‫وأما الترادف في الستخدام ‪ ،‬فقد جاء في قوله ) َوَما ا ُّ‬
‫ن اْلِعَبففاِد )‪ 48‬غييافر ( نجييد أن‬ ‫حَكفَم َبْيف َ‬
‫لف َقفْد َ‬
‫ن ا َّ‬
‫سَتْكَبُروا ِإّنا ُكفّل ِفيَهففا ِإ ّ‬
‫نا ْ‬
‫ِلْلَعِبيِد )‪ 46‬فصلت ( وقوله ) َقاَل اّلِذي َ‬
‫المعنى المستفاد من عباد وعبيد ‪ ،‬هو جملة خلق ال مؤمنهم وكافرهم على السواء ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬ول ُيعّرفها إل ما يأتي بعدها من سياق ‪.‬‬

‫تشمل العبودية كل من فييي السييماوات والرض ومييا بينهمييا ميين الخلئق ‪ ،‬وتشييمل العبييادة كييل ميين يملييك العقييل‬
‫والرادة من خلقه ‪ ،‬ومنهم على سبيل المثال الملئكة والنييس والجيين ‪ ،‬وهييم المطييالبون والمكلفييون بييإفراده جييل‬
‫وعل باللوهييية والعبييادة والمحاسييبون عليهييا ‪ ،‬فييإن جيياءت كلمييتي عبيياد أو عبيييد معّرفيية ‪ ،‬أو غييير معّرفيية بييأل‬
‫ن اْلِعَبففاِد )‪ 48‬غافر ( ول تفيييد أي‬‫حَك فَم َبْي ف َ‬
‫ن الَّ َقْد َ‬
‫التعريف أو بالضافة ‪ ،‬فهي تفيد جملة الخلق كقوله تعالى ) ِإ ّ‬
‫ل إذا ُأضيف إليها ما يفيد ذلك ‪:‬‬
‫معنى آخر على الطلق ‪ ،‬إ ّ‬
‫ن )‪ 81‬الصافات ( لُيبرز فيهييم سييبحانه صييفة اليمييان فهييم عبيياده المييؤمنين‬ ‫عَباِدَنا اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن ِ‬‫كقوله تعالى ) ِإّنُه ِم ْ‬
‫ث على اليمان به ‪ .‬أو دل السياق على غير ذلك من نفي أو إثبات لصفة دون غيرهييا لتناسييب الموقييف ‪،‬‬ ‫وفيها ح ّ‬
‫عَباِدِه اْلُعَلَمففاُء )‪ 28‬فيياطر ( لُيييبرز فيهييم صييفة العلييم وحصيير خشييية الي بميين‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ِم ْ‬‫شى ا َّ‬ ‫خ َ‬
‫كقوله تعالى ) ِإّنَما َي ْ‬
‫ض فّلوا‬‫عَبففاِدي َهفُؤَلِء َأْم ُه فْم َ‬
‫ضَلْلُتْم ِ‬
‫ث على طلب العلم ‪ ،‬وقوله ) َأَأْنُتْم َأ ْ‬
‫يتصف بالعلم فهم عباده العلماء ‪ ،‬وفيها ح ّ‬
‫سِبيلَ )‪ 17‬الفرقان ( دل السياق على ضللهم فهم عباده الضييالين وفيهييا تحييذير ميين الضييلل ‪ ،‬وقييوله ) ُقفْل َيففا‬ ‫ال ّ‬
‫سِهْم )‪ 53‬الزمر ( دل السياق على إسرافهم فهم عبيياده المسييرفين وفيهييا تنفييير ميين‬ ‫عَلى َأْنُف ِ‬ ‫سَرُفوا َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫عَباِدي اّلِذي َ‬
‫ِ‬
‫السراف ‪ ،‬وكّلهم نسبهم ال إلى نفسه بإضافة ضمير متصل يعود عليه سبحانه ‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬التركيب اللغوي للعبارة ‪ ،‬جيء به لتخصيص جزء مــن كــل بصــفة معينــة وهــي‬
‫المراد إبرازها أصل ‪.‬‬

‫ت لنا ( يفهم المسييتمع ميين العبييارة الولييى ؛ أنّ‬


‫ولتوضيح ذلك ‪ ،‬لحظ الفرق بين أن تقول ) هذا بيتنا ( وذاك ) بي ٌ‬
‫ن ذلك البيت ُملك لكم ولكّنكييم‬ ‫هذا البيت ُملك لكم وخاصُتكم وأّنكم ُمقيمون فيه ‪ ،‬وأّما الثانية ؛ فيفهم منها المستمع أ ّ‬
‫ن بيتكم هذا هو واحييد‬ ‫جرا ‪ .‬ومن هنا نجد أن عبارة ) بيت لنا ( تعني أ ّ‬ ‫غير مقيمين فيه ‪ ،‬وربما يكون فارغا أو مؤ ّ‬
‫من جملة بيوت تملكونها ‪ ،‬ول تعني شيئا أخر على الطلق ‪ ،‬وأّنك زدته تنكيرا بمثل هذا اللفييظ ‪ .‬وأنييك لييو قلييت‬
‫) ذاك بيت لنا ذو غييرف كييثيرة ( نفهييم أنييك أبييرزت فيييه صييفة معينيية اختييص بهييا دون غيييره ميين الييبيوت الييتي‬
‫تملكونها ‪ ،‬وهي احتوائه على غرف كثيرة ‪ ،‬ومّيزته عن باقي بيوتكم التي في معظمها ذات غرف قليليية ‪ .‬وكييذلك‬
‫المر بالنسبة لعبارة ) عبادا لنا ( التي جاءت منّكرة أيضا لبراز صفة ) البأس الشييديد ( الييتي يتميييزون بهييا عين‬
‫غيرهم من جملة عباد ال مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬ولم يأتي السياق بتصريح أو تلميح عن ماهية معتقدهم ‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك أكثر فأكثر ‪ ،‬نطرح هذا المثال ‪ ،‬فيه أربعة أقوال لرجل ُيجيب رجل آخرا يريد عمال لمزرعته ‪:‬‬
‫سأرسل لك ) أولدنا ( غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫سأرسل لك ) أولدا لنا ( غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫سأرسل لك ) أولدنا ‪ ،‬أولي المهارة والخبرة في الفلحة ( غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫سأرسل لك ) أولدا لنا ‪ ،‬أولي مهارة وخبرة في الفلحة ( غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فما المعنى الذي أفادته كل عبارة أعله ؟‬
‫‪34‬‬
‫أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم أيضا ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬وأن جميع أولده لديهم مهارة وخبرة في الفلحة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬وأن هذا البعض من أولده فقط ‪ ،‬هو الذي يملك المهارة والخبرة في الفلحة ‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أما البقية فل ‪.‬‬

‫وأخيرا تدبّر هذه اليات ‪:‬‬

‫ضففا )‪ 118‬النساء ( ) أي أن ميين جمليية العبيياد المنسييوبين إلييى الي هنيياك‬


‫صيًبا َمْفُرو ً‬
‫ك َن ِ‬
‫عَباِد َ‬
‫ن ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫خَذ ّ‬
‫) َوَقاَل َلّت ِ‬
‫نصيب لبليس (‬
‫ن )‪ 42‬الحجر ( ) أي أن سلطان إبليس محصور فقط‬
‫ن اْلَغاِوي َ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن اّتَبَع َ‬
‫ن ِإّل َم ِ‬
‫طا ٌ‬
‫سْل َ‬
‫عَلْيِهْم ُ‬
‫ك َ‬
‫س َل َ‬
‫ن عَِباِدي َلْي َ‬
‫) ِإ ّ‬
‫على أتباعه من الغاوين ‪ ،‬الذين هم من جملة العباد المنسوبين إلى ال (‬
‫ن )‪ 194‬العييراف ( ) أي‬
‫صاِدِقي َ‬
‫ن ُكْنُتْم َ‬
‫جيُبوا َلُكْم ِإ ْ‬
‫سَت ِ‬
‫عوُهْم َفْلَي ْ‬
‫عَباٌد َأْمَثاُلُكْم َفاْد ُ‬
‫ل ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫عو َ‬
‫ن َتْد ُ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫) ِإ ّ‬
‫أنتم وهم ‪ ،‬أي العابد والمعبود ‪ ،‬سواء في كونكم عباد (‬
‫ن َءاَمُنوا )‪ 31‬إبراهيم ( ) أي أن الخطاب لعبادي الذين آمنوا ‪ ،‬دون عبادي الذين كفروا (‬
‫ي اّلِذي َ‬
‫) ُقْل ِلِعَباِد َ‬
‫ن َتِقّيا )‪ 63‬مريم ( ) أي وأن النار لمن لم يكن تقيا من عبادنا (‬
‫ن َكا َ‬
‫عَباِدَنا َم ْ‬
‫ن ِ‬
‫ث ِم ْ‬
‫جّنُة اّلِتي ُنوِر ُ‬
‫ك اْل َ‬
‫) ِتْل َ‬
‫ن )‪ 109‬المؤمنيون ( ) أي‬
‫حِميف َ‬
‫خْيُر الّرا ِ‬
‫ت َ‬
‫حْمَنا َوَأْن َ‬
‫غِفْر َلَنا َواْر َ‬
‫ن َرّبَنا َءاَمّنا َفا ْ‬
‫عَباِدي َيُقوُلو َ‬
‫ن ِ‬
‫ق ِم ْ‬
‫ن َفِري ٌ‬
‫) ِإّنُه َكا َ‬
‫وكان هناك فريق من عبادي ‪ ،‬يقولون غير ذلك (‬
‫ن )‪ 85‬غافر (‬
‫ك اْلَكففاِفُرو َ‬
‫س فَر ُهَناِل ف َ‬
‫خ ِ‬
‫عَبففاِدِه َو َ‬
‫ت ِفي ِ‬
‫خَل ْ‬
‫سّنَة الّلِه اّلِتي َقْد َ‬
‫سَنا ُ‬
‫ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َلّما َرَأْوا َبْأ َ‬
‫) َفَلْم َي ُ‬
‫) أي سبقت في مجمل عباده ‪ ،‬والخاسرون منهم هم الكافرون دون المؤمنين (‬
‫سَتِقيٍم )‪ 52‬الشورى ( ) أي وهناك ميين لييم نهييدي ميين‬
‫ط ُم ْ‬
‫صَرا ٍ‬
‫ك َلَتْهِدي ِإَلى ِ‬
‫عَباِدَنا َوِإّن َ‬
‫ن ِ‬
‫شاُء ِم ْ‬
‫ن َن َ‬
‫) َنْهِدي ِبِه َم ْ‬
‫عبادنا (‬
‫عْبًدا )‪ 93‬مريم ( ) مؤمنهم وكافرهم بل استثناء (‬
‫ن َ‬
‫حَم ِ‬
‫ض ِإّل َءاِتي الّر ْ‬
‫ت َواَْلْر ِ‬
‫سَمَوا ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫ن ُكّل َم ْ‬
‫) ِإ ْ‬
‫وفي الحديث الصحيح الطويل ‪ ،‬الذي رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ‪ ،‬جاء ما نصييه "‬
‫طوِر ) جبييال‬ ‫عَباِدي ِإَلى ال ّ‬ ‫حّرْز ِ‬ ‫حٍد ِبِقَتاِلِهْم ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ن َِل َ‬‫عَباًدا ِلي ‪َ ،‬ل َيَدا ِ‬
‫ت ِ‬ ‫ج ُ‬‫خَر ْ‬‫سى ‪ِ ،‬إّني َقْد َأ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِإَلى ِ‬ ‫حى ا ُّ‬ ‫… ِإْذ َأْو َ‬
‫ن … " حيث يرد نفس التركيب اللغوي لعبييارة‬ ‫سُلو َ‬
‫ب َيْن ِ‬‫حَد ٍ‬
‫ن ُكّل َ‬‫ج ‪َ ،‬وُهْم ِم ْ‬ ‫جو َ‬ ‫ج َوَمْأ ُ‬
‫جو َ‬‫ل َيْأ ُ‬
‫ث ا ُّ‬
‫القدس ( ‪َ ،‬وَيْبَع ُ‬
‫جوجَ‬‫ن َي فْأ ُ‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ّ‬‫) عبادا لنا ( ‪ ،‬وهو ) عبادا لي ( في وصف يأجوج ومأجوج ‪ ،‬الذين ِقيل فيهم ) َقففاُلوا َيففاَذا اْلَقْرَنْي ف ِ‬
‫سّدا )‪ 94‬الكهف ( ‪.‬‬ ‫جَعَل َبْيَنَنا َوَبْيَنُهْم َ‬‫ن َت ْ‬
‫عَلى َأ ْ‬ ‫جا ‪َ ،‬‬‫خْر ً‬‫ك َ‬‫جَعُل َل َ‬
‫ض ‪َ ،‬فَهْل َن ْ‬ ‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سُدو َ‬ ‫ج ‪ُ ،‬مْف ِ‬‫جو َ‬ ‫َوَمْأ ُ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن كلمة ) عبادا ( جاءت نكرة وأن كلمة ) لنا ( لم تعّرفها وإنما جاءت هنا لتأكيد الملكييية فقييط ‪،‬‬
‫وكل الخلق ملك ل ‪ ،‬ليؤكد سبحانه لبني إسرائيل أن هذا البعث سيكون من عنده ‪ ،‬وبما أن هؤلء العباد ملكه فهييم‬
‫رهن إشارته وطوع بنانه ‪ ،‬ويملك حق التصرف بشؤونهم ‪ ،‬فإن شاء بعث وإن شاء أمسييك ‪ .‬وأكييثر المعيياني دقيية‬
‫لهذه العبارة ) عبادا لنا ( هو أنهم ) طائفة من خلقنا ( ل أكثر من ذلك ول أقل ‪ ،‬وأهم ما يمّيز هؤلء الخليق عين‬
‫غيرهم أنهم ) أولي بأس شديد ( فقط ل غير ‪.‬‬
‫وأن ورود لفظ ) عباد ( في القرآن ‪ ،‬لم يقتصر على أولياء ال وأحباؤه ‪ ،‬وإنما جاء هذا اللفظ في الخطاب القرآني‬
‫‪ ،‬مّنا على العباد بنعمة خلقه إياهم ورفقه ولطفه بهم مطيعهم وعاصيهم ‪ ،‬والكلمات ) عبادي ‪ ،‬عبادنييا ‪ ،‬وعبيياده (‬
‫عادة ما تأتي كتهيئة لما سيأتي بعدها من صفة مميزة أو سياق يدل على صفة وهي المييراد إبرازهييا أصييل ‪ ،‬فييإن‬
‫كانت صفة محمودة كاليمان والعلم فقد ُأبرزت تحببا بهييا ‪ ،‬وإن كييانت صييفة مذموميية كالضييلل والسييراف فقييد‬
‫ُأبرزت تنفيرا منها ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وأما صفة البأس الشديد ‪ ،‬فقد ُأبرزت تهديدا وتحذيرا وتخويفا لبني إسرائيل ‪ ،‬من سوء عاقبتهم بوقوعهم بين أيدي‬
‫ل ول ذمة ‪ ،‬لعلهم ينتهون ويرجعون ويرتدعون عّما هم عليه ميين فسيياد‬
‫مثل أولئك الخلق ‪ ،‬الذين لن يرقبوا فيهم إ ّ‬
‫وإفساد واستعلء في الرض ‪.‬‬

‫ديدٍ ‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫ش ِ‬ ‫أوِلي ب َأ ٍ‬
‫وصف ال هؤلء العباد بأولي البأس الشديد ‪ ،‬والبأس كما قدمه معظم المفسرون هو القوة والبطش في الحروب ‪،‬‬
‫س )‪ 25‬الحديد ( فييانظر‬
‫شِديٌد َوَمَناِفُع ِللّنا ِ‬
‫س َ‬
‫حِديَد ِفيِه َبْأ ٌ‬
‫والشّدة جاءت زيادة في المبالغة ‪ ،‬قال تعالى ) َوَأْنَزْلَنا اْل َ‬
‫وتفكر في معدن الحديد ‪ ،‬فهو يحمل في جوهره صفتان قلما تجدهما في معدن أخر ‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬أّنه يحافظ على طبيعته ‪ ،‬مهما عظم عليه الطرق واشتّد ‪ ،‬ول يحيترق أي يتحيول إليى ميادة أخيرى ‪ ،‬مهميا‬ ‫أو ّ‬
‫ازدادت شدة النيران عليه ‪ ،‬وإن انصهر عاد إلى سابق عهده عند البرودة ‪ ،‬وهذه الصييفة إن وجييدت فييي البشيير ‪،‬‬
‫فهي الجلد والصبر عند وقوع البلء ‪.‬‬
‫ل الحدييد " وهيذه الصيفة إن‬
‫وثانيا ‪ :‬أّنه عند تشكيله وشحذه فهو قوي قاتل وقياطع ‪ ،‬ليذلك قييل " ل يفيل الحدييد إ ّ‬
‫وجدت في البشر ‪ ،‬فهي القوة والبطش عند مواجهة العداء ‪.‬‬
‫ل )‪ 84‬النساء ( نجد أّنه سبحانه قد وصف نفسه بييذات الصييفة ‪ ،‬وبمييا‬ ‫شّد َتنِكي ً‬
‫سا َوَأ َ‬
‫شّد َبْأ ً‬
‫ل َأ َ‬
‫وفي قوله تعالى ) َوا ُّ‬
‫ن البأس الشديد تعني القوة والبطش ‪ ،‬فأين تستعمل هذه القوة وهذا البطييش ميين قبلييه سييبحانه ؟ وفييي أي المواقييع‬ ‫أّ‬
‫والمواقف يصف رب العزة نفسه بهاتين الصفتين ؛ القوة والبطش ؟ دعنا نتتبع هذه الصفات والعلقة مييا بينهييا ‪،‬‬
‫ن )‪ 16‬الييدخان (‬ ‫شَة اْلُكْبَرى ِإّنا ُمنَتِقُمو َ‬
‫ط َ‬
‫ش اْلَب ْ‬
‫ط ُ‬
‫شِديٌد )‪ 12‬البروج ( ) َيْوَم َنْب ِ‬ ‫ك َل َ‬‫ش َرّب َ‬
‫ط َ‬ ‫ن َب ْ‬‫في اليات التالية ) ِإ ّ‬
‫ن الشدة ارتبطت بالبطش ‪ ،‬والبطش بالنتقام ‪.‬‬ ‫نجد أ ّ‬
‫عِزيفٍز ُمْقَتفِدٍر )‪42‬‬
‫خفَذ َ‬
‫خْذَناُهْم َأ ْ‬
‫عِزيٌز )‪ 40‬الحج ( ) َفَأ َ‬ ‫ي َ‬‫ل َلَقِو ّ‬‫ن ا َّ‬‫ب )‪ 52‬النفال ( ) ِإ ّ‬ ‫شِديُد اْلِعَقا ِ‬‫ي َ‬‫ل َقِو ّ‬ ‫ن ا َّ‬
‫) ِإ ّ‬
‫لف‬
‫ش فِديٌد َوا ُّ‬
‫ب َ‬
‫عفَذا ٌ‬
‫شِديٌد )‪ 102‬هييود ( ) َلُهفْم َ‬ ‫خَذُه َأِليٌم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ظاِلَمٌة ِإ ّ‬
‫ي َ‬‫خَذ اْلُقَرى َوِه َ‬
‫ك ِإَذا َأ َ‬
‫خُذ َرّب َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫القمر ( ) َوَكَذِل َ‬
‫ن الشييدة ارتبطييت بييالقوة ‪ ،‬والقييوة بييالعزة ‪ ،‬والعييزة بالخييذ ‪ ،‬والخييذ‬ ‫عِزيٌز ُذو اْنِتَقففاٍم )‪ 4‬آل عمييران ( ‪ ،‬ونجييد أ ّ‬ ‫َ‬
‫بالشدة ‪ ،‬والشدة بالعزة ‪ ،‬والعزة بالنتقام ‪.‬‬
‫ومما تقدم نجد أن الموقف ‪ ،‬الذي يستدعيه جل وعل لظهار بأسه الشييديد ‪ ،‬هييو موقييف النتقييام ‪ ،‬وأن النتقييام ل‬
‫يتأتى إل ممن هو قوي وعزيز ‪.‬‬
‫ن هؤلء العباد المبعوثين من قبله سبحانه على بني إسرائيل ‪ ،‬اختارهم ال لتنفيذ مهمة ‪ ،‬وهييي‬ ‫وخلصة القول ‪ :‬أ ّ‬
‫إنزال أبشع انتقام إلهي ممكن في بني إسرائيل ‪ ،‬لذلك تطلب المر أن يكونوا أولي بأس شييديد ‪ ،‬ويتمتعييون بييالقوة‬
‫والعزة ‪ ،‬ذوي صبر وجلد عند وقوع البلء ‪ ،‬وقوة وبطش عند اللقاء ‪ ،‬بغض النظر عن إيمانهم أو كفرهم ‪ ،‬زيادة‬
‫في التنكيل وإمعانا في الذلل لبني إسرائيل ‪ ،‬وما عييدا ذلييك ميين صييفات العبيياد ‪ ،‬ل تصييلح لتنفيييذ هييذه المهميية ‪.‬‬
‫والفتوحات التي اتخذت الطابع السلمي قديما وحديثا ‪ ،‬لم تحمل الطابع النتقامي بإهلك الحرث والنسل ‪ ،‬الييذي‬
‫سيكون عليه المر الذي تصفه اليات ‪.‬‬
‫خَل َ‬
‫ل الد َّيارِ ‪:‬‬ ‫سوا ِ‬ ‫فَ َ‬
‫جا ُ‬
‫ل مييرة واحييدة فقييط فييي هييذا‬
‫لم ترد كلمة ) جاسوا ( أو أي من مشتقات مصدرها ) جوس ( في مجمييل القييرآن ‪ ،‬إ ّ‬
‫الموضع ‪ ،‬لذلك لجأت إلى معجم لسان العرب ‪ ،‬وهذا مما قيل فيها ‪ " :‬الجوس هو مصدر جاس جوسا ‪ ،‬وجوسان‬
‫ترّدد ‪ ،‬فجاسوا خلل الديار ‪ :‬ترّددوا بينها للغارة والجوسان ؛ أي قتلوكم بين بيوتكم ؛ بمعنييى يييذهبون ويجيئون ؛‬
‫فطافوا خلل الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلييوه ؛ تخللوهييا فطلبييوا مييا فيهييا ‪ ،‬والجوسييان ‪ :‬الطوفييان بالليييل ‪،‬‬
‫ورجل جّواس أي يجوس كل شيء يدوسه ‪ ،‬والجوس ‪ :‬طلب الشيء باستقصيياء ‪ ،‬وكييل موضييع خييالطته ووطئتييه‬
‫فقد جسته " ‪.‬‬
‫ولو جمعنا كل ما قيل فيها من معاني ‪ ،‬وأعدنا تشكيل هذه المعاني وصياغتها ‪ ،‬لخرجنا بالمشهد التالي ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫) أغاروا عليكم – ليل على الرجح – ودخلوا دييياركم ‪ ،‬ووطئوا أرضييكم ليقتلييوكم وينّكلييوا بكييم ‪ ،‬وتييرّددوا فيهييا‬
‫ذهابا وإيابا ‪ ،‬وطافوا خللها شرقا وغربا ‪ ،‬وتخّللوا أزقتكم واقتحموا بيوتكم بحثا وتقصّيا ‪ ،‬لعّلهم يجدوا منهييم ميين‬
‫بقي حيا ليقتلوه ( ‪.‬‬
‫ن ال جّلت قدرته ‪ ،‬أوجز في وصف فعل هؤلء العباد في بني إسرائيل أّيما إيجيياز ‪ ،‬ليصييف كييل مييا‬ ‫نلحظ هنا أ ّ‬
‫فعلوه في كلمة واحدة فقط ‪ ،‬هي كلمة ) جاسوا ( لتصييف مشييهدا كييامل ‪ ،‬ولييم تكيين الضييافة ) خلل الييديار ( إ ّ‬
‫ل‬
‫جيج بالسيلح‬ ‫لتوضيح ما كان قد جيس ‪ .‬وهذا ُيشبه مشهد الغارات الوحشية ‪ ،‬اليتي كيان يقيوم بهيا المريكيي المد ّ‬
‫الناري ‪ ،‬على قرى الهنود الحمر شبه الُعّزل ‪ ،‬وما ُيخلفه وراءه من دمار ومآسيي ‪ ،‬مشيهد طالميا حفليت بيه أفلم‬
‫الغرب المريكي ‪.‬‬
‫والعبارة جاءت لتصف ما قام به عباد البعث الول عند بعثهم ‪ ،‬قال تعالى ) فجاسييوا ( بصيييغة الماضييي ‪ ،‬أي أن‬
‫هذا الجوس قد وقع في الماضي ‪ ،‬ولم يقل ) ليجوسوا ( بصيغة الستقبال ‪ ،‬كما هو الحال في أفعال البعييث الثيياني‬
‫التي ستقع في المستقبل ‪.‬‬
‫حُرماتهم‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذا الجوس قد وقع في الماضي ‪ ،‬وكان غاية في البشاعة واستباح فيه هؤلء العباد ُ‬
‫جميعها ‪ ،‬من أرض ومال وعرض ‪ ،‬فوقع فيهم القتل والنهب والسبي ‪.‬‬

‫فُعوًل ‪:‬‬
‫م ْ‬
‫دا َ‬
‫ن وَعْ ً‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫هذا الخبر جاء كتعقيب على الوعد الول ‪ ،‬ليؤكد سبحانه تحقق المرة الولى بعلوها وإفسادها وبعثهييا ‪ ،‬قييد تحقييق‬
‫ل ( ‪ ،‬للدللة على تمام الفعييل ‪،‬‬‫قبل نزول هذه اليات ‪ ،‬حيث جاءت صيغة اسم المفعول ) َمْفُعول ( من الفعل ) َفَع َ‬
‫ل ( فيما مضى من الزمان ‪ .‬ولم تأتي بأي حال من الحوال بمعنى ) مقضيا ( كما قّدمه‬ ‫بمعنى وكان وعدا ) قد ُفِع ْ‬
‫معظم المفسرين القدماء ‪ ،‬ومنهم القرطبي أجّله ال ‪ ،‬حيث قال فيها " وكان وعدا مفعول أي قضاء كائنييا ل خلييف‬
‫فيه " على اعتبار أن نفاذ الوعدين كان قبل السلم ‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه العبارة كجملة معترضة ‪ ،‬بحيث لو قمت بإسقاطها من السياق ‪ ،‬ومن ثم قرأت اليتين ) ‪4‬و ‪، ( 5‬‬
‫كما يلي ‪ … ) :‬بعثنيا عليكيم عبيادا لنيا أوليي بيأس شيديد ‪ ،‬فجاسيوا خلل اليديار ‪ .‬ثيم رددنيا لكيم الكيرة عليهيم ‪،‬‬
‫وأمددناكم … ( لوجدت أن السياق لم يتأثر بحييذفها ‪ ،‬فخييبر نفيياذ الوعييد الول انتهييى عنييد ذكيير الجييوس ‪ ،‬أي أن‬
‫الجوس قد وقع بعد البعث ‪ .‬وجاء التعقيب على الوعد بالجملة المعترضة ) وكان وعدا مفعيول ( لبييان وتأكييد أن‬
‫الوعد بالبعث الذي تقّدم ِذكره قد تحّقق فعل ‪ ،‬وكانت نتيجته هي الجوس ومن ثم يبدأ النييص بالخبييار عيين الوعييد‬
‫الثاني ‪.‬‬
‫س فْبِتِهمْ‬
‫حيَتففاُنُهْم َي فْوَم َ‬
‫ت ِإْذ َتْأِتيِهْم ِ‬‫سْب ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫حِر ‪ِ ،‬إْذ َيْعُدو َ‬‫ضَرَة اْلَب ْ‬
‫حا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْ‬ ‫عْ‬ ‫سَأْلُهْم َ‬
‫قال تعالى ) َوا ْ‬
‫عْن فُه ‪،‬‬‫ن َما ُنُهففوا َ‬ ‫عْ‬ ‫عَتْوا َ‬ ‫ن )‪َ … (163‬فَلّما َ‬ ‫سُقو َ‬ ‫ك َنْبُلوُهْم ِبَما َكاُنوا َيْف ُ‬‫ن َل َتْأِتيِهْم ‪َ ،‬كَذِل َ‬ ‫سِبُتو َ‬‫عا ‪َ ،‬وَيْوَم َل َي ْ‬‫شّر ً‬
‫ُ‬
‫ن )‪ 166‬العراف ( وهذه الحادثة كما نعلم وقعت في بني إسرائيل قبل مئات السنين ‪،‬‬ ‫سِئي َ‬ ‫خا ِ‬‫ُقْلَنا َلهُْم ُكوُنوا ِقَرَدًة َ‬
‫جوًهففا‬ ‫س ُو ُ‬‫طِم ف َ‬ ‫ن َن ْ‬‫ن َقْب فِل َأ ْ‬
‫صّدًقا ِلَما َمَعُكْم ِم ْ‬
‫ب َءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنا ُم َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫والن انظر قوله تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ك ِبِه‬
‫شَر َ‬‫ن ُي ْ‬
‫ل َل َيغِْفُر َأ ْ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ل َمْفُعوًل )‪ِ (47‬إ ّ‬ ‫ن َأْمُر ا ِّ‬
‫ت ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫سْب ِ‬‫ب ال ّ‬
‫حا َ‬ ‫صَ‬ ‫عَلى َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما َلَعّنا َأ ْ‬
‫َفَنُرّدَها َ‬
‫‪ 48) ..‬النساء (‬
‫جاءت الجملة المعترضة ) وكان أمر ال مفعول ( زيادة لليضاح ‪ ،‬ولتؤكييد بمييا ل يييدع مجييال للشييك أو الظيين ‪،‬‬
‫لبني إسرائيل المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬والمتشّككين منهم والذين خانتهم ذاكرتهم ‪ ،‬وغييير المص يّدقين بصييحة‬
‫هذا المر ‪ ،‬الذي كان ال قد أجراه في أسلفهم ‪ ،‬أن هذا المر وهو المسخ قد مضييى فييي أسييلفهم حقيقيية ‪ ،‬فجيياء‬
‫ن اليي‬
‫تعقيبه تعالى على ما تقدم من لعن ومسخ لسلفهم ‪ ،‬بقوله ) وكان أمر ال مفعول ( لزالة الشك ‪ ،‬ولتأكيد أ ّ‬
‫قادر على تكرار ذلك المر ‪ ،‬إن لم يؤمنوا بما ُأنزل من القرآن على وجه التهديد والتحذير ‪.‬‬
‫ن تعقيبييه عييز وجييل‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن الوعد الول بالبعث كان قد مضى وانقضى قبل نزول هييذه اليييات ‪ ،‬وأ ّ‬
‫بقوله ) وكان وعدا مفعول ( جاء لتذكير اليهود الحاليين وتحذيرهم ‪ ،‬وإنباء المسلمين غير العالمين ‪ ،‬بوقوع ذلييك‬
‫في بني إسرائيل بأنه قد وقع فعل ‪ ،‬وبشرى لهم بأن الوعد الثيياني ‪ ،‬سيييتحقق كمييا تحّقييق الوعييد الول وأن الي ل‬

‫‪37‬‬
‫يخلف الميعاد ‪ ،‬وما عليهم إل الصبر والستمرار في كفيياحهم ضييد اليهييود ‪ ،‬وحسيين الظيين بييال وبوعييده – وعييد‬
‫حّتففى َيفْأِت َ‬
‫ي‬ ‫ن َداِرِهفْم ‪َ ،‬‬
‫حّل َقِريًبففا ِمف ْ‬
‫عٌة ‪َ ،‬أْو َت ُ‬
‫صَنُعوا َقاِر َ‬
‫صيُبُهْم ِبَما َ‬
‫ن َكَفُروا ُت ِ‬
‫الخرة – قال تعالى ) َوَل َيَزاُل اّلِذي َ‬
‫ف اْلِميَعاَد )‪ 31‬الرعد ( ‪.‬‬ ‫خِل ُ‬
‫ل َل ُي ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫عُد ا ِّ‬
‫َو ْ‬

‫م أ َك ْث َلَر‬
‫عل ْن َللاك ُ ْ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬
‫ن َ‬
‫وب َِني ل َ‬
‫ل َ‬
‫وا ٍ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫م لدَدَْناك ُ ْ‬
‫م ب ِلأ ْ‬
‫عل َيه لم َ‬
‫م ال ْك َّرةَ َ ْ ِ ْ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫م َردَدَْنا ل َك ُ ْ‬ ‫) ثُ ّ‬
‫فيًرا )‪(6‬‬ ‫نَ ِ‬

‫م ال ْك َّرةَ عَل َي ْهِ ْ‬


‫م‪:‬‬ ‫م َرد َد َْنا ل َك ُ ْ‬
‫ثُ ّ‬
‫ن ( أي ثم رددنيا النسييان أسييفل سيافلين مين النييار ‪ ،‬وهيذا ل يتحصيل إل بعييد‬ ‫ساِفِلي َ‬
‫سَفَل َ‬
‫قال تعالى ) ُثّم َرَدْدَناُه َأ ْ‬
‫ت َفَلُهفْم‬
‫حا ِ‬
‫صففاِل َ‬
‫عِمُلففوا ال ّ‬
‫ن آَمُنففوا َو َ‬
‫البعث والحساب ‪ ،‬بدللة الستثناء في تكملة السياق ‪ ،‬في قوله تعالى ) ِإّل اّلفِذي َ‬
‫ن )‪ 6‬التين ( وبالتالي تكون ) ثم رددناه ( بالماضي ‪ ،‬جاءت بمعنى أيضا ) ثم نرّده ( بالمستقبل ‪.‬‬ ‫جٌر غَْيُر َمْمُنو ٍ‬
‫َأ ْ‬
‫وجاءت كلمة ) رددنا ( بمعنييى أعييدنا ميين إعييادة ‪ ) ،‬والَكيّرة ( مصييدرها َكيَرَر وفعلهييا َكيّر ‪ ،‬والَكيّر والفيّر تقنييية‬
‫عسكرية ‪ ،‬ويقولون " الحرب كّر وفّر " وهي تعني الفعل المضاد للفعل السابق ‪ ،‬فالغلبيية كييانت للعبيياد والهزيميية‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬ورّد الكيرة لهييم هيو العكييس تمامييا ‪ ،‬كالصييورة فييي المييرآة ‪ ،‬أي الغلبية والتفيوق العسييكري لبنييي‬
‫لسرائيل ‪ .‬وليس المقصود بالكّرة العودة إلى فلسطين ‪ ،‬وانتصار اليهود في حروبهم ضد الدول العربية ‪ ،‬لقوله )‬
‫الكّرة عليهم ( أي الغلبة العسكرية على العباد أنفسهم دون غيرهم ‪ .‬فضمير الغائب المتصل ) هم ( في )عليهم ( ‪،‬‬
‫يعود على العباد المبعوثين عليهم الذين سبق ذكرهم ‪ ،‬وجميع ضمائر المخاطب المتصلة ) كييم ( فييي هييذه الييية ‪،‬‬
‫تعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫ن )‪ 58‬الزمر ( ‪ ،‬فالفعييل الييذي‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ن ِلي َكّرًة َفَأُكو َ‬
‫قال تعالى على لسان الكافر حين يرى العذاب ) َلْو َأ ّ‬
‫سبق هو مجيئه من الدنيا إلى الخرة ‪ ،‬فتمنى الكرة أي العودة من الخرة إلى الحياة الدنيا ليكون من المحسنين ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن المقصود هو أن ُيوقع اليهود بأولئك العباد ‪ ،‬ما كان أولئك العباد قد أوقعوه فييي أسييلفهم ميين‬
‫قبل ‪ ،‬من استباحة للرض والمال والعرض ‪ ،‬وذلييك بعييد اسييتكمال مظيياهر العلييو الثيياني بالسييتقواء علييى أولئك‬
‫العباد والعدوان عليهم ‪.‬‬

‫م أ َك ْث ََر َنفيًرا ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ل وَب َِني َ‬
‫وا ٍ‬
‫م َ‬ ‫مد َد َْناك ُ ْ‬
‫م ب ِأ ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫وأمددنا في ) لسان العرب ( " مصدرها مدد ؛ ومّده غيره وأمّده ؛ وأمددناهم بغيرنييا ؛ والمييدد هييم العسيياكر الييتي‬
‫تلحق بالمغازي ‪ ،‬والمداد أن يرسل الرجل للرجل مددا ‪ ،‬تقول أمددنا فلنييا بجيييش ‪ ،‬قييال تعييالى ) ُيْمفِدْدُكْم َرّبُكفْم‬
‫ف )‪ 125‬آل عمران ( " وفي المجمل تعني الزيادة والكثرة ‪ ،‬في المساعدة العسكرية المقدميية ميين قبييل‬ ‫سِة آَل ٍ‬
‫خْم َ‬
‫ِب َ‬
‫الغير ‪ ،‬من مال وأفراد وعتاد أثناء الحرب ‪ .‬عندما يكون الجيش أقرب للهزيمة منه إلى النصر ‪.‬‬
‫جاِهفُدوا ِبفَأْمَواِلُكْم‬
‫خَفاًفففا َوِثَقففاًل َو َ‬
‫والنفير هم القوم ينفرون معك ويتنافرون في القتال ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ) انِففُروا ِ‬
‫َوَأنُفِسُكْم ِفي َسِبيِل اِّل َذِلُكْم َخْيٌر َلُكْم ِإْن ُكنُتْم َتْعَلُموَن )‪ 41‬التوبة ( ‪.‬‬
‫جاء في ) كتاب النبوءة والسياسة ( ‪ ،‬للكاتبيية المريكييية ) غريييس هالسييل ( ‪ " :‬لقييد أغرقنييا إسييرائيل بالسييلحة ‪:‬‬
‫جعلنا من دولة الثلثية ملييين يهيودي ‪ ،‬مياردا عسيكريا أكيبر مين أي دولية منفيردة ‪ ،‬مثيل ألمانييا أو إنكليترا أو‬
‫فرنسا ‪ ،‬وأقوى من ‪ 21‬دولة عربية مجتمعة ‪ ،‬عدد سكانها ‪ 150‬مليون نسمة "‬
‫" أن إسرائيل ‪ ..‬هي المستفيد الول بل منييازع مين برناميج مسيياعداتنا ‪ ..‬تحصيل علييى ثلييث مجميل المسياعدات‬
‫المريكية الخارجية "‬
‫ط أحييد أي فضييل للوليييات المتحييدة ‪ ،‬لنهييا‬
‫وتقول الكاتبة تعقيبا على انتصار إسرائيل في حرب ‪ " ، 1967‬لم يع ِ‬
‫زودت إسييرائيل بالسييلحة والتكنولوجيييا والييدولرات ‪ ،‬وحييتى بالعناصيير العسييكرية المريكييية الييتي سيياعدت‬
‫السرائيليين في تلك الحرب ‪ .‬لقد ربحت إسرائيل لن الوليات المتحدة كانت تؤيدها بل حدود "‬
‫‪38‬‬
‫وتقول أيضا " أن نسبة العسكريين إلى المدنيين في إسرائيل ‪ ،‬هي ) ‪ 1‬عسكري من كل ‪ 22‬مييدني ( وهييي أعلييى‬
‫نسبة في العالم "‬
‫وتقول أيضا على لسان الستاذ في الجامعة العبرية ) إسرائيل شاهاك ( " إن دافع الضرائب المريكي أرسل إليى‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في عام ‪ 1985‬خمسة مليارات دولر " واستمرت أمريكا بدفع هذه القيميية سيينويا لغاييية الن ‪ ،‬فضييل‬
‫عن المساعدات المادية والعينية الخرى " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى ) ثم رددنا لكم الكرة عليهيم ‪ ،‬وأميددناكم بيأموال وبنيين ‪ ،‬وجعلنياكم أكيثر نفييرا ( ثلثية أفعيال ‪،‬‬
‫حّملييت جميعهييا أيضييا صييفة‬ ‫جيياءت جميعهييا بصيييغة الماضييي ‪ ،‬وهييي ) رددنييا لكييم ‪ ،‬أمييددناكم ‪ ،‬جعلنيياكم ( و ُ‬
‫الستقبال ‪ ،‬بمعنى ) ونرّد لكم ‪ ،‬ونمّدكم ‪ ،‬ونجعلكم ( ولكن باختلف الزمان ‪ ،‬فهييذه الفعييال جيياءت لتأخييذ صييفة‬
‫الستقبال ‪ ،‬قبل قيام دولية إسييرائيل ‪ ،‬فتفيييد معنيى ) ونييرّد لكييم ‪ ،‬ونميّدكم ‪ ،‬ونجعلكييم ( ‪ ،‬ولتأخييذ بعيد قييام دولية‬
‫إسرائيل صفة الماضي ‪ ) ،‬رددنا لكم ‪ ،‬وأمددناكم ‪ ،‬وجعلناكم ( ‪.‬‬
‫كان المفسرين القدماء أكثر قربا منا وأكثر فهما لمفردات اللغة العربية ‪ ،‬ومع ذلك لم يعطوا هذه اليات حقهييا ميين‬
‫التفسير والتفصيل ‪ ،‬مما ساهم في إخفاء هذا المر العظيم حتى هذه اليام ‪ ،‬ومرّد ذلييك أنهييم لييم يعاصييروا الدوليية‬
‫سرت هذه اليات تفسيرا دقيقا كما الن لكشفت هذه النبييوءة للمسييلمين الكييثير ميين الوقييائع ‪،‬‬ ‫الحالية لليهود ‪ .‬ولو ُف ّ‬
‫ولربما كان ضّر هذا الكشف عنها للمسلمين أكثر من نفعه ‪ ،‬ولكيين لييم يشييأ الي ذلييك رحميية بالمسييلمين ‪ ،‬حييتى ل‬
‫ن ال قد أخبر بذلك وهو الحقّ وقوله حقّ ‪.‬‬ ‫يتملكهم اليأس والقنوط والتسليم بالمر الواقع ‪ ،‬بما أ ّ‬
‫ولو حصل أن علم المسلمون بتفاصيل هذه النبوءة مسبقا ‪ ،‬فربما ترك معظم الفلسطينيون بلدهم ‪ ،‬مع إطلق أول‬
‫حِرَم المسلمون شييرف الشييهادة ونيييل‬ ‫حَم ربي ‪ ،‬وَل ُ‬ ‫رصاصة من قبل برابرة هذا العصر ‪ ،‬إل من أوتي الحكمة وَر ِ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫س‬ ‫ك اَْلّياُم ُنَداِوُلَها َبْي َ‬
‫ح ِمْثُلُه ‪َ ،‬وِتْل َ‬ ‫س اْلَقْوَم َقْر ٌ‬ ‫ح ‪َ ،‬فَقْد َم ّ‬ ‫سُكْم َقْر ٌ‬
‫س ْ‬ ‫ن َيْم َ‬‫الذى في سبيل ال ‪ ،‬لقوله تعالى ) ِإ ْ‬
‫ن َِلْهففِل‬‫ن )‪140‬آل عمران ( ولقوله ) َما َكا َ‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ب ال ّ‬‫ح ّ‬ ‫ل َل ُي ِ‬‫شَهَداَء ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫خَذ ِمْنُكْم ُ‬‫ن آَمُنوا ‪َ ،‬وَيّت ِ‬ ‫ل اّلِذي َ‬
‫‪َ ،‬وِلَيْعلََم ا ُّ‬
‫ك ِبفَأّنُهْم ‪،‬‬
‫سهِ ‪َ ،‬ذِلف َ‬ ‫ن َنْف ِ‬ ‫عْ‬ ‫سِهْم َ‬ ‫غُبوا ِبَأنُف ِ‬‫ل ‪َ ،‬وَل َيْر َ‬ ‫سوِل ا ِّ‬ ‫ن َر ُ‬‫عْ‬‫خّلُفوا َ‬ ‫ن َيَت َ‬
‫ب ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫عَرا ِ‬
‫ن اَْل ْ‬ ‫حْوَلُهْم ِم َ‬‫ن َ‬ ‫اْلَمِديَنةِ ‪َ ،‬وَم ْ‬
‫عُدّو‬
‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ظ اْلُكّفاَر ‪َ ،‬وَل َيَناُلو َ‬ ‫طًئا َيِغي ُ‬
‫ن َمْو ِ‬ ‫طُئو َ‬‫ل ‪َ ،‬وَل َي َ‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬‫صٌة ِفي َ‬ ‫خَم َ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَل َم ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ظَمٌأ ‪َ ،‬وَل َن َ‬ ‫صيُبُهْم ‪َ ،‬‬ ‫َل ُي ِ‬
‫ن )‪120‬التوبيية ( ‪ .‬ولكيين عييدم معرفيية‬ ‫س فِني َ‬
‫ح ِ‬‫ج فَر اْلُم ْ‬
‫ضففيُع َأ ْ‬‫ل ف َل ُي ِ‬‫ن ا َّ‬ ‫ح ‪ِ ،‬إ ّ‬‫صففاِل ٌ‬
‫عَم فٌل َ‬ ‫ب َلُه فْم ِب فِه ‪َ ،‬‬
‫ل ‪ِ ،‬إّل ُكِت ف َ‬ ‫َنْي ً‬
‫الفلسطينيون آنذاك بحتمية قيام الدولة اليهودية ‪ ،‬أبقى المل بإمكانية منع إقامتها حّيا في نفوس أهلها ‪ ،‬فبقي الكثير‬
‫منهم فيها ‪ ،‬واستمر باب الجهاد في سبيل ال مشرعا على مصراعيه ‪ ،‬وبقي سجل شيرف الشييهادة فييي سيبيل الي‬
‫مفتوحا إلى يوم القيامة ‪ ،‬لمن يرغب منهم في تدوين اسمه ‪ ،‬ولتكون منهم بإذن ال تلييك الطائفيية الييتي أخييبر عنهييا‬
‫رسول الحق عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫سراِئيلَ‬ ‫ضْيَنا إَِلى َبِني إ ْ‬ ‫أما بالنسبة لليهود ‪ ،‬فهل ُكشفت لهم هذه النبوءة ؟ أقول ‪ :‬نعم بل شك ‪ ،‬ألم يقل سبحانه ) َوَق َ‬
‫ب ( وكشفت لهم أيضا نبوءات أخرى ‪ ،‬ويعرفون تفاصيلها كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬قييال تعييالى ) ُثفّم آَتْيَنففا‬ ‫ِفي اْلِكَتفا ِ‬
‫ن )‪154‬‬ ‫حَمًة ‪َ ،‬لَعّلُهفْم ِبِلَقففاِء َرّبِهفمْ ُيْؤِمُنففو َ‬‫يٍء َوُهًدى َوَر ْ‬‫ش ْ‬
‫ل ِلُكّل َ‬
‫صي ً‬
‫ن ‪َ ،‬وَتْف ِ‬
‫سَ‬‫ح َ‬‫عَلى اّلِذي َأ ْ‬ ‫ب َتَماًما َ‬ ‫سى اْلِكَتا َ‬ ‫ُمو َ‬
‫خ فُذوا‬ ‫ك َيْأ ُ‬
‫خْذَها ِبُق فّوٍة َوْأُم فرْ َقْوَم ف َ‬
‫يٍء ‪َ ،‬ف ُ‬ ‫ش ْ‬‫ل لُِكّل َ‬
‫صي ً‬
‫ظًة ‪َ ،‬وَتْف ِ‬
‫عَ‬‫يٍء َمْو ِ‬
‫ش ْ‬‫ن ُكّل َ‬
‫ح ِم ْ‬ ‫النعام ( ) َوَكَتْبَنا َلُه ِفي اَْلْلَوا ِ‬
‫ن )‪ 145‬العييراف ( وقيد كشيفها الي لهيم ليعليم ميا سييكون منهيم ‪ ،‬فعليم العقلء‬ ‫سفِقي َ‬‫سُأِريُكْم َداَر اْلَفا ِ‬‫سِنَها ‪َ ،‬‬ ‫ح َ‬‫ِبَأ ْ‬
‫يزيدهم تواضعا وخضوعا وامتثال ‪ ،‬وعلم الذين ل يعقلون ) اليهود ( زادهم جهل واسييتكبارا وطغيانييا وعصيييانا‬
‫وعدوانا ‪ ،‬وسنوضح لحقا ما كان منهم ‪ ،‬بناءا على معرفتهم لما جاء في كتبهم من نبوءات ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أما لماذا ُكشفت الن ‪ ،‬نقول ‪ :‬أن ل جدوى من إخفاءها الن ‪ ،‬فقد اكتملت معالم القييدر ميين ظييروف وملبسييات ‪،‬‬
‫عْدًل )‪115‬‬ ‫صْدًقا َو َ‬
‫ك ِ‬ ‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬
‫سر الواقع جزءا كبيرا من نصوصها ‪ ،‬وكل شيء أصبح واضحا للعيان ) َوَتّم ْ‬ ‫وف ّ‬
‫النعام ( وعلم سبحانه ما أراد أن يعلم مما كان من المسلمين ‪ ،‬واتخذ وسيتخذ منهييم مييا أراد أن يتخييذ ‪ ،‬ومييا كييان‬
‫صففيًرا )‪8‬‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫جَهّنفَم ِلْلَكففاِفِري َ‬
‫جَعْلَنففا َ‬
‫من اليهود وسيأخذ منهم ما شاء أن يأخذ حطبا لنييار جهنييم وبئس المصييير ) َو َ‬
‫السراء ( ‪ .‬والكشف عن أسئلة المتحان والبلء لن ُيغّير شيئا ‪ ،‬فقوائم النتائج والشهادات ُتعلن من علييى شاشييات‬
‫التلفاز ‪ ،‬فقد نجح الكثير من طلب الخرة في امتحان ربهييم علييى ) درجففة شففهيد بامتيففاز مففع مرتبففة الشففرف (‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ونحن الن بانتظار أن ُيصدر رب العزة ‪ ،‬نتييائج أولئك الوغيياد السييفلة ‪ ،‬وكييأّني أتخّيييل الملئكيية ُيعيّدونها ‪ ،‬فييي‬
‫صاَرُهمْ ‪َ ،‬كَما َلْم ُيْؤِمُنوا‬‫ب َأْفِئَدَتُهْم َوَأْب َ‬
‫عجلة من أمر ربهم لتكون جاهزة عند موعد التسليم ‪ ،‬فتدّبر في قوله ) َوُنَقّل ُ‬
‫ضْوُه‬
‫لخَِرِة ‪َ ،‬وِلَيْر َ‬ ‫ن ِبا ْ‬‫ن َل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫صَغى ِإَلْيِه َأْفِئَدُة اّلِذي َ‬
‫ن )‪َ … 110‬وِلَت ْ‬ ‫طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ‬
‫ِبِه َأّولَ َمّرٍة ‪َ ،‬وَنَذُرُهْم ِفي ُ‬
‫سِميُع اْلَعِلي فُم )‬‫عْدًل ‪َ ،‬ل ُمَبّدَل ِلَكِلَماِتِه َوُهَو ال ّ‬ ‫صْدًقا َو َ‬‫ك ِ‬ ‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬
‫ن ‪َ … 113) ،‬وَتّم ْ‬ ‫‪َ ،‬وِلَيْقَتِرُفوا َما ُهْم ُمْقَتِرُفو َ‬
‫‪ 115‬النعام ( ‪ ،‬وموعدهم قريب وعند مجيئه سيكون الباب مشييرعا لولئك العبياد بيأمر ربهييم ‪ ،‬لينقضييوا عليهيم‬
‫ويزلزلوا أركانهم ‪ ،‬ويكسروا شوكتهم ويقتلعوها مين جييذورها ‪ ،‬والبعبييع المريكييي يغيطّ فييي سييبات عميييق ولين‬
‫يمنعهم من أمر ال أحد كان ‪.‬‬
‫ق ‪ ،‬بعييد أن‬ ‫ن إخراج أهلها منها حي ّ‬ ‫ق ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ق ‪ ،‬فالذي أخبر عن ذلك هو الح ّ‬ ‫ن عودة اليهود إلى فلسطين ح ّ‬ ‫ونقول ‪ :‬أ ّ‬
‫ن ال عليهم بالستضعاف بالرض ‪ ،‬كما استضعف الذين من قبلهم فُأورثوا الرض من بعد ‪ ،‬فقد َأخرج رسوله‬ ‫مّ‬
‫ن )‪ 5‬النفييال ( وفيي إحييدى‬ ‫ن َلَكففاِرُهو َ‬ ‫ن اْلُمفْؤِمِني َ‬
‫ن َفِريًقففا ِمف ْ‬
‫ق َوِإ ّ‬
‫ح ّ‬
‫ك ِباْل َ‬
‫ن َبْيِت َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ك َرّب َ‬ ‫جَ‬ ‫خَر َ‬‫ق ) َكَما َأ ْ‬
‫من قبل بالح ّ‬
‫ن‬
‫ضَنا َأْو َلَتُعوُد ّ‬
‫ن أَْر ِ‬
‫جّنُكْم ِم ْ‬
‫خِر َ‬
‫سِلِهْم َلُن ْ‬
‫ن َكَفُروا ِلُر ُ‬‫ق ) َوَقاَل اّلِذي َ‬ ‫سننه الكونية لمن ُيخرج الناس من ديارهم قال الح ّ‬
‫ن )‪ 13‬إبراهيم ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬‫حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ‬
‫ِفي ِمّلِتَنا َفَأْو َ‬
‫عوا ِإَلففى‬
‫ل َتِهُنففوا ‪َ ،‬وَتفْد ُ‬
‫وهذه رسالة رب العزة إلى أمة محمد عليه الصلة والسيلم ومين سيورة ) محميد ( ‪َ ) :‬ف َ‬
‫غْيَرُكْم ُثّم َل َيُكوُنوا‬
‫سَتْبِدْل َقْوًما َ‬
‫ن َتَتَوّلْوا َي ْ‬
‫عَماَلُكْم )‪َ … (35‬وِإ ْ‬
‫ن َيِتَرُكْم َأ ْ‬
‫ل َمَعُكْم ‪َ ،‬وَل ْ‬
‫ن ‪َ ،‬وا ُّ‬
‫عَلْو َ‬
‫سْلِم ‪َ ،‬وَأْنُتْم اَْل ْ‬
‫ال ّ‬
‫َأْمَثاَلُكمْ )‪ ، (38‬وإن لم نكن نستحق النتساب لّمة ) محمييد ( عليييه أفضييل الصييلة والتسييليم قييول وعمل ‪ ،‬فسيّنة‬
‫الستبدال واقعة بنا ل محالة ومن المؤسف أنها على وشك ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أنه وبعد نفاذ الوعد الول فيكييم – والخطيياب لبنييي إسييرائيل ‪ -‬ميين قبييل هييؤلء العبيياد ‪ ،‬وقتِلهييم‬
‫وقهِرهم لكم وزوال دولتكم ‪ ،‬وتشتتكم في الرض بميدة مين الزمين طيالت أو قصيرت ‪ -‬تفييدها ثيّم ‪ -‬سينأذن لكيم‬
‫بالعودة إلى الرض المقدسة ‪ ،‬وتهزموهم كما هزموا أسلفكم ‪ ،‬وتعود لكم السطوة عليهم وتلحقوا بهييم مييا ألحقييوه‬
‫بأسلفكم ‪ ،‬وُنمّدكم بالفراد المدربين على القتال وبالمساعدات المالية والعسييكرية ونجعلكييم أكييثر عييددا وعتييادا ‪.‬‬
‫س ( بإجراء القضاء والقدر ‪ ،‬وليس من قبيييل المكافييأة لبنيي إسيرائيل‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫ك اَْلّياُم ُنَداِوُلَها بْي َ‬
‫وهذا من قبيل ) َوِتْل َ‬
‫سرين ‪.‬‬
‫على إحسانهم ونيلهم رضاه سبحانه ‪ ،‬كما يّدعون في توراتهم وكما ذهب إلى ذلك بعض المف ّ‬

‫علدُ اْل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حسنت ُم ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ة‬
‫خلَر ِ‬ ‫و ْ‬‫جللاءَ َ‬
‫ذا َ‬‫ف لإ ِ َ‬ ‫فل َ َ‬
‫هللا َ‬ ‫م َ‬‫سلأت ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ف ِ‬‫لن ُ‬ ‫ْ‬ ‫مأ ْ َ‬ ‫سنت ُ ْ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫) إِ ْ‬
‫مللا‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ول ِي ُت َب ُّروا َ‬‫ة َ‬‫مّر ٍ‬
‫ل َ‬ ‫خلوهُ أ ّ‬ ‫ما دَ َ‬
‫جد َ ك َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫خلوا ال َ‬ ‫ول ِي َدْ ُ‬‫م َ‬‫هك ْ‬ ‫جو َ‬‫و ُ‬
‫ءوا ُ‬ ‫سو ُ‬‫ل ِي َ ُ‬
‫وا ت َت ِْبيًرا )‪( 7‬‬‫عل َ ْ‬ ‫َ‬

‫م فَل ََها ‪:‬‬ ‫فسك ُم وإن أ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫إن أ َحسنت َ‬


‫س أت ُ ْ‬
‫م ِلن ُ ِ ْ َ ِ ْ َ‬
‫سنت ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ْ ْ َ ُ ْ‬
‫ل وعل ‪ ،‬حيييث‬ ‫وهذا على سبيل التخيير ولنفي الجبرية على من يملك العقل والرادة ‪ ،‬ولدفع الظلم عيين نفسييه ج ي ّ‬
‫لٍم ِلْلَعِبيِد )‪ 46‬فصلت ( وجاءت في ظاهرها تحمييل‬ ‫ظّ‬‫ك ِب َ‬
‫ساَء َفَعَلْيَها َوَما َرّب َ‬
‫ن َأ َ‬
‫سِه َوَم ْ‬ ‫حا َفِلَنْف ِ‬
‫صاِل ً‬
‫عِمَل َ‬ ‫ن َ‬
‫قال ) َم ْ‬
‫الكثير من الترغيب والكثير من الترهيب ‪ ،‬وفي باطنها التهديد والتحذير مما يليها ‪ ،‬لكيل يكون لهم على ال حجيية‬
‫‪ ،‬بأنه لم يحّذرهم وينذرهم قبل إنزال عقاب وعد الخرة فيهم ‪ .‬أما دفع تهمة الفساد عيين النفييس فليسييت بالميياني‬
‫ي َأْه فِل اْلِكَتففا ِ‬
‫ب‬ ‫س ِبَأَمففاِنّيُكْم َوَل َأَمففاِن ّ‬
‫ومعسول الكلم ولكن بالنظر إلى ما اقترفته اليادي ‪ ،‬حيث قال سبحانه ) َلْي ف َ‬
‫صيًرا )‪ 123‬النساء ( ‪.‬‬ ‫ل َوِلّيا َوَل َن ِ‬
‫ن ا ِّ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫جْد َلُه ِم ْ‬
‫جَز ِبِه َوَل َي ِ‬ ‫سوًءا ُي ْ‬
‫ن َيْعَمْل ُ‬
‫َم ْ‬
‫والتغيير من الفساد إلى الصلح ومن الساءة إلييى الحسييان ‪ ،‬ل يييأتي عبثييا بييل يحتيياج إلييى الكييثير ميين الجهييد‬
‫والعمل ‪ ،‬فالبداية تكون بتحصيل العلم والمعرفة بال ‪ ،‬بالتفّكر والتدّبر في ملكوت السييماوات والرض ‪ ،‬وميين ثييم‬
‫اليمان بوجوده وقدرته على الخلييق واليجيياد ‪ ،‬وميين ثييم رّد الجميييل لصيياحب الفضييل والمّنيية ‪ ،‬بييإقرار ربييوبيته‬
‫وملكيته لنا ‪ ،‬ومن ثم الطاعة والتسليم والنصياع ‪ ،‬ومن ثم تحصيييل المعرفية بميراده مين الخلييق ‪ ،‬كميا جياء فييي‬
‫ن )‪ 56‬الذاريات ( وبالتالي البحث الحثيث لمعرفة مييا ُينييال بييه الرضييا‬ ‫س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ‬
‫ن َواِْلن َ‬
‫جّ‬‫ت اْل ِ‬
‫خَلْق ُ‬
‫كتابه ) َوَما َ‬
‫وُيدفع به الغضب ‪ ،‬ومن ثم العمل بما تعلم ‪ ،‬فإن لم يكن حبا في ملييك الملييوك ليكيين ولًء لسييبق الفضييل ‪ ،‬وإن لييم‬
‫يكن طمعا في الجنة فخوفا من النار ‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫فانظر بربك إلى ربك ما أعدله ‪ ،‬أنعم عليك وأوجدك أول ‪ ،‬وسيدخلك الجنة إلى البد ثانيييا ‪ ،‬لتكييون مميين قييالوا )‬
‫ن )‪ 74‬الزميير (‬ ‫جُر اْلَعففاِمِلي َ‬
‫شاُء َفِنْعَم َأ ْ‬
‫ث َن َ‬
‫حْي ُ‬
‫جّنةِ َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ض َنَتَبّوُأ ِم َ‬
‫عَدُه َوَأْوَرَثَنا اَْلْر َ‬
‫صَدَقَنا َو ْ‬
‫ل اّلِذي َ‬ ‫حْمُد ِّ‬
‫َوَقاُلوا اْل َ‬
‫ن )‪ 97‬النبياء ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن َهَذا َبْل ُكّنا َ‬
‫غْفَلٍة ِم ْ‬
‫ل من الذين قالوا ) َيَوْيَلَنا َقْد ُكّنا ِفي َ‬
‫ل َمفَرّد َلفُه َوَمففا َلُهفْم ِمفنْ‬ ‫سففوًءا َف َ‬ ‫ل ِبَقْوٍم ُ‬
‫سِهْم َوِإَذا َأَراَد ا ُّ‬
‫حّتى ُيَغّيُروا َما ِبَأنُف ِ‬ ‫ل َل ُيَغّيُر َما ِبَقْوٍم َ‬
‫ن ا َّ‬ ‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫سففى ِلَقفْوِمِه َيَقفْوِم ِلفَم‬‫ن َواٍل )‪ 11‬الرعد ( فالتغيير يبدأ من العبد وينتهي عنييده ‪ ،‬قييال تعييالى ) َوِإْذ َقففاَل ُمو َ‬ ‫ُدوِنِه مِ ْ‬
‫ن )‪5‬‬ ‫سفِقي َ‬‫لف َل َيْهفِدي اْلَقفْوَم اْلَفا ِ‬ ‫غ الُّف ُقُلفوَبُهْم َوا ُّ‬
‫غفوا َأَزا َ‬ ‫لف ِإَلْيُكفْم َفَلّمفا َزا ُ‬
‫سفوُل ا ِّ‬ ‫ن َأّنفي َر ُ‬ ‫ُتْؤُذوَنِني َوَقْد َتْعَلُمفو َ‬
‫الصف ( حيث سبق الزيغ منهم فأزاغ الي قلييوبهم ‪ ،‬أفل يسييتحق الميير شيييئا مين العنيياء … ؟! فلنسييارع بتغيييير‬
‫أنفسنا قبل أن تتغير جلودنا مرارا وتكرارا في جحيم جهنم ‪.‬‬

‫جاءَ وَعْد ُ اْل ِ‬


‫خَرةِ ‪:‬‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫فيما روي عنه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مما قال في دعاءه " أنت الول فليس قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك‬
‫خر بكسر الخيياء بعييد الول‬
‫خرة نقيض المتقدم والمتقدمة ‪ ،‬ومن معجم مختار الصحاح ‪ :‬ال ِ‬ ‫خر وال ِ‬
‫شيء " ‪ ،‬وال ِ‬
‫خرة والجمع أواخر ‪.‬‬
‫خرا أي أخيرا وتقديره فاعل والنثى آ ِ‬
‫وهو صفة ‪ ،‬تقول جاء آ ِ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أنها المرة الثانية في الترتيب والخيرة في عدد المرات ‪ ،‬ول ثالثة بعدها ‪ ،‬وإنما هناك أخييرى ‪،‬‬
‫ح أن نسميها مرة ثالثة فهي ل تمتلك شروط المرتين السابقتين ‪.‬‬
‫ولكنها تختلف في أنها ليست مرة ‪ ،‬ول يص ّ‬

‫بعثناهم عليكم ‪:‬‬

‫حييذفت لدلليية‬‫هذه العبارة غير موجودة أصل في نص الية ‪ ،‬وهي جواب شرط إذا الخاص بوعد الخييرة ‪ ،‬وقييد ُ‬
‫جواب شرط إذا الخاص بوعد أولهما ‪ .‬ولتوضيح عمل ) إذا ( وما يعنيه شرطها وجوابها ‪ ،‬نقول نستعمل ) إذا (‬
‫عادة ‪ ،‬إذا أردنيا تعلييق فعيل معيين ) ويسيمى جيواب شيرط إذا ( بفعيل آخير ) ويسيمى شيرط إذا ( ‪ ،‬كيأن تقيول‬
‫لزوجتك على سبيل المثال ‪ " :‬إذا حصلت على ترقية في نهاية الشهر ‪ ،‬اشتريت لك ذلك الخاتم " ‪ ،‬فالييذي ذهبييت‬
‫إليه في الواقع ‪ ،‬هو أنك عّلقت عملييية شييراء الخيياتم الييذي رغبييت فيييه زوجتييك ‪ ،‬بعملييية حصييولك علييى الترقييية‬
‫الموعود بها آخر الشهر ‪ ،‬فإن لم تكن هناك ترقية فلن تحصل زوجتك المسكينة علييى الخيياتم ‪ .‬فشييرط ) إذا ( هييو‬
‫) الحصول على الترقية ( وجواب الشرط هو ) شراء الخاتم ( ‪ .‬وبعبارة أخييرى نقييول أن حصييول زوجتييك علييى‬
‫الخاتم متعّلق بالحصول على الترقية ‪.‬‬
‫خ فَرِة – بعثناهم عليكييم –‬
‫لِ‬‫ع فُد ا ْ‬
‫جففاَء َو ْ‬
‫وبإعادة عبارة ) بعثناهم عليكم ( المحذوفة ‪ ،‬يصبح النص كما يلي ) َف فِإَذا َ‬
‫جَد ( ‪ .‬وعبارة ) وليسوءوا وجوهكم ( ليست جوابا للشرط لرتباطها بلم كي ‪،‬‬ ‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫ِلَي ُ‬
‫حيث جاءت العبارة لتعليل البعث وتوضيح الغاية من البعث ‪ .‬وضييمير الغييائب المتصييل ) هييم ( فييي ) بعثنيياهم (‬
‫يعود على العباد أنفسهم ‪ ،‬وضمير المخاطب المتصل ) كم ( في ) عليكم ( يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذه المرة هي الخيرة من المرتين ‪ ،‬وأن تحّقق البعث متعّلق بمجيء الموعد المحيّدد ‪ ،‬وبمييا‬
‫أن الضمير في كلمة ) بعثناهم ( يعود على نفس العباد ‪ ،‬فإن عباد البعث الثاني هم عباد البعث الول ‪.‬‬

‫جوهَك ُ ْ‬
‫م‪:‬‬ ‫سوُءوا وُ ُ‬
‫ل ِي َ ُ‬
‫سّره ‪ .‬وفييي الواقييع سييتظهر معييالم الييذل والهييوان علييى‬
‫ل ِبالنسان ما َيْكَره ‪ ،‬وأساءه نقيض َ‬ ‫إساءة الوجه ‪ ،‬أن ُيفِع َ‬
‫وجوه اليهود ‪ ،‬من جراء سييلب أولئك العبيياد للمكتسييبات والمقومييات المادييية الييتي مّكنتهييم مين العلييو والسييتكبار‬
‫والسييتعلء علييى النيياس ‪ ،‬لُيحرمييوا هييذه الميييزة بتبييادل الدوار مييع أولئك العبيياد ‪ .‬ويكسييبوا ميييزة جديييدة هييي‬
‫الستضعاف والذل والنخفاض ‪ ،‬بتبادل الدوار مع الفلسطينيين أيضا ‪ ،‬ومن ثم ليقع فيهم ما أنزلوه بالفلسييطينيين‬
‫طيلة مدة علوهم ‪ ،‬من قتل وأسر وتعذيب وسلب للراضي والممتلكات وإتلف وهدم ‪ ،‬وعلى قاعييدة الجييزاء ميين‬
‫ن )‪ 14‬التوبيية ( ‪ .‬وضييمير الغييائب المتصييل ) واو الجماعيية ( فييي‬ ‫صفُدوَر َقفْوٍم ُمفْؤِمِني َ‬
‫ف ُ‬
‫شف ِ‬
‫جنييس العمييل ‪َ ) ،‬وَي ْ‬
‫) ليسوءوا ( يعود على نفس العباد ‪ ،‬وضمير المخاطب المتصل )كم ( في ) وجوهكم ( يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫والذي سيظهر على الوجه هو تعابير الستياء التي تنتج فييي الغييالب ‪ ،‬عين مشيياعر تجيييش بهييا النفييس البشييرية ‪،‬‬
‫كاللم والحسرة والغيظ والخزي والذل ‪ ،‬عندما تتعرض للذى النفسي ‪ ،‬الذي غالبا ما يكون ناتج عن فقدان مادي‬
‫لما هو جيد أو كسب ما هو سيئ أو كلهما معا ‪ ،‬وتعتمييد درجيية السييتياء علييى درجيية الفقييد أو الكسييب ‪ ،‬والييذي‬
‫سيفقده اليهود هو السيادة والغنى والقوة ‪.‬‬
‫جُهفهُ‬
‫ظفّل َو ْ‬‫حفُدُهْم ِبففالُْْنَثى َ‬‫شفَر َأ َ‬
‫ونجد وصف لتعابير وجه ‪ ،‬يشعر صاحبه بسوء ألّم بييه فييي قييوله تعييالى ) َوِإَذا ُب ّ‬
‫شَر ِبِه … )‪ 59‬النحييل ( ‪ ،‬ونجييد وصييف آخيير لتعييابير‬ ‫سوِء َما ُب ّ‬ ‫ن ُ‬‫ن اْلَقْوِم ِم ْ‬
‫ظيٌم )‪َ (58‬يَتَواَرى ِم َ‬ ‫سَوّدا َوُهَو َك ِ‬‫ُم ْ‬
‫وجوه الذين اقترفوا السيئات ‪ ،‬عندما استيقنوا أن ل مفر ول عاصم من أمر ال ‪ ،‬وأنهم سينالون جييزاء سيييئاتهم ‪،‬‬
‫سّيَئٍة ِبِمْثِلَها َوَتْرَهُقُهْم‬
‫جَزاُء َ‬‫ت َ‬ ‫سّيَئا ِ‬
‫سُبوا ال ّ‬ ‫ن َك َ‬‫فتملّكتهم مشاعر اليأس والقنوط من النجاة ‪ ،‬في قوله تعالى ) َواّلِذي َ‬
‫خاِلفُدو َ‬
‫ن‬ ‫ب الّناِر هُْم ِفيَها َ‬ ‫حا ُ‬‫صَ‬ ‫ك َأ ْ‬
‫ظِلًما ُأوَلِئ َ‬
‫ن الّلْيِل ُم ْ‬
‫طًعا ِم َ‬
‫جوُهُهْم ِق َ‬
‫ت ُو ُ‬‫شَي ْ‬‫غ ِ‬‫صٍم َكَأّنَما ُأ ْ‬
‫عا ِ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ِذّلٌة َما َلُهْم ِم َ‬
‫)‪ 27‬يونس (‬
‫توحي عبارة ) ليسوءوا وجوهكم ( أن ما سينزل بهم من عقاب على أيدي هؤلء العباد ‪ ،‬شيء شديد الوقييع وبييالغ‬
‫الثر والتأثير في نفوسهم ‪ ،‬مما سيعكس بالضرورة آثار المساءة على وجوههم ‪ ،‬لدرجيية أنييه سييبحانه أورد نفييس‬
‫جففوُه اّل فِذي َ‬
‫ن‬ ‫ت ُو ُ‬
‫سففيَئ ْ‬
‫التعبير ‪ ،‬في وصفه لحال الكفار عند رؤيتهم لعذاب جهنم ‪ ،‬في قوله تعالى ) َفَلّما َرَأْوُه ُزْلَفًة ِ‬
‫ل باليهود قريبا ليس له نظييير ‪ ،‬ول ُيمكيين‬ ‫ن )‪ 27‬الملك ( ‪ .‬فالعقاب الذي سيح ّ‬
‫عو َ‬
‫َكَفُروا َوِقيَل َهَذا اّلِذي ُكْنُتْم ِبِه َتّد ُ‬
‫أن يتأتى هذا العقاب ‪ ،‬إل من قبل أناس يملؤهم الحقد والكراهية ‪ ،‬ولييديهم رغبيية شييديدة وملحيية للنتقييام ميين بنييي‬
‫إسرائيل لسبب أو لخر ‪.‬‬
‫ض َفَكَأّنَمففا َقَتفلَ‬‫سففاٍد ِفففي اَْلْر ِ‬‫س َأْو َف َ‬‫سا ِبَغْيفِر َنْفف ٍ‬ ‫ن َقَتَل َنْف ً‬
‫سَراِئيَل َأّنُه َم ْ‬
‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫ك َكَتْبَنا َ‬ ‫جِل َذِل َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫قال تعالى ) ِم ْ‬
‫ك ِفففي‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهفْم َبْعفَد َذِلف َ‬
‫ت ُثّم ِإ ّ‬
‫سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫جاَءْتُهْم رُ ُ‬‫جِميًعا َوَلَقْد َ‬‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫حَياَها َفَكَأّنَما َأ ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫جِميًعا َوَم ْ‬‫س َ‬‫الّنا َ‬
‫ن ُيَقّتُلففوا ‪َ ،‬أْو‬ ‫سفاًدا ‪َ ،‬أ ْ‬
‫ض َف َ‬‫ن ِففي اَْلْر ِ‬ ‫سفَعْو َ‬ ‫سوَلُه ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ن ا َّ‬
‫حاِرُبو َ‬ ‫ن ُي َ‬‫جَزاُء اّلِذي َ‬‫ن )‪ِ (32‬إّنَما َ‬ ‫سِرُفو َ‬‫ض َلُم ْ‬
‫اَْلْر ِ‬
‫خ فرَِة‬‫لِ‬ ‫ي ِفي ال فّدنَيا َوَلُه فْم ِفففي ا ْ‬ ‫خْز ٌ‬ ‫ك َلُهْم ِ‬ ‫ض َذِل َ‬‫ن اَْلْر ِ‬ ‫ف ‪َ ،‬أْو ُينَفْوا ِم ْ‬ ‫ل ٍ‬ ‫خَ‬ ‫ن ِ‬‫جُلُهْم ِم ْ‬ ‫طَع َأْيِديِهْم َوَأْر ُ‬ ‫صّلُبوا ‪َ ،‬أْو ُتَق ّ‬
‫ُي َ‬
‫ظيٌم )‪ 33‬المائدة (‬ ‫عِ‬‫ب َ‬‫عَذا ٌ‬‫َ‬
‫تبين الية الولى عظم مكانة النفس البشرية عند ال ‪ ،‬إذ ليس لحد كان إزهيياق أرواح النيياس سييوى خالقهييا فهييو‬
‫الذي يحيي ويميت ‪ ،‬ومن أزهق روحا بغير نفس أي قصاصا أو لمنع الفساد في الرض ‪ ،‬كإقامة الحدود الموجبة‬
‫للقتل فكأنما قتل الناس جميعا ‪ ،‬ومن قام بهذا المر خارج نطاق ما تقّدم من موجبات القتل فقييد أعليين حربييه علييى‬
‫حصر جزاءه من قبل رب العزة بأربعة خيارات تنّفذ فيييه فييي‬ ‫ال ‪ .‬وأن من أعلن حربه على ال في الية الثانية ‪ُ ،‬‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬من قبل من أوكله ال بذلك حسبما يرتأيه منفذ الحكم ‪ ،‬إذ ل جناح عليه فيما ُأنزل به من عقوبة ‪.‬‬
‫والملحظ أن هذا البيان جاء عاّما ‪ ،‬ولكنه ارتبط ببني إسرائيل بشكل خاص ‪ ،‬مما يوحي أن عقابهم في المرتين ‪،‬‬
‫شمل وسيشمل على ما يبدو هذه الخيارات مجتمعه ‪ ،‬بالقتل والصلب والتنكيل والسبي ‪ ،‬وبمييا أن النتيجيية النهائييية‬
‫لهذا العقاب هي زوال علوهم في فلسطين ‪ ،‬فهذا يعني رحيل من بقي حّيا فرارا عيين فلسييطين نهائيييا يجيّر أذيييال‬
‫الخيبة والهزيمة ‪ .‬وستفيض قلوب كل اليهود في كافة أرجاء العالم ‪ ،‬بمشاعر الييذل والخييزي والعييار والهييوان ‪، ،‬‬
‫مما يدعو القاصي والداني للشماتة بهم وبمن يشيّد علييى أيييديهم ‪ .‬وهييذا مييا تؤكييده اليييات الكريميية بييأن جزاءهييم‬
‫سيكون من جنس عملهم ‪.‬‬

‫جد َ ‪:‬‬
‫س ِ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ِي َد ْ ُ‬

‫يعتقد الكثير من المسييلمين هييذه اليييام ‪ ،‬أن ذكيير المسييجد فييي هييذا الموضييع ‪ ،‬يييترتب علييه أن دخييوله وتحريييره‬
‫مقصورا على حملة لواء السلم ‪ ،‬أو بتعبير أدق أولياء ال وخاصته ‪ ،‬يوحييدهم ويقييودهم خليفيية يفييوقهم ولًء لي‬
‫ولدينه ‪ ،‬وفي الذهان صورة ابن الخطاب ‪ ،‬رضي ال وأرضاه عنه وصلح الدين رحمه ال ‪ ،‬ومن منا ل يتمنى‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ولكن يحضرني هنا قول الشاعر ‪ " :‬ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما ل تشتهي السفن " فلو عييدنا‬
‫ي عمر وصلح الدين سنجد أنهما ل يتفّقان مع ما جاء فييي سييورة السييراء لسييببين ‪ ،‬الول ؛‬
‫بالذاكرة ‪ ،‬إلى دخول ّ‬

‫‪42‬‬
‫كان الدخول على النصارى فيي المرتيين ‪ ،‬والثيياني ؛ أن الجيوس لليديار لييم يقييع فيهميا ‪ ،‬وكيذلك السيياءة لوجييوه‬
‫اليهود ‪ .‬بالضافة إلى أن الدخول في المرتين كان فتحا وليس عقابا لحد ‪.‬‬
‫ن المسألة هي لفظ المسجد ‪ ،‬الذي أورده سييبحانه للتعريييف والتأكيييد علييى أن الرض الييتي ُذكييرت فييي‬
‫ويبدو وكأ ّ‬
‫الية )‪ (4‬هي الرض التي تحوي المسجد أي مدينة القدس ‪.‬‬
‫والسؤال هنا هل المساجد خاصة بالمسلمين فقط ؟ بكل تأكيد نعييم ‪ ،‬ولكيين لفييظ المسييجد ل ! نحيين نعلييم أن حادثيية‬
‫السراء كانت في مكية ‪ ،‬وأن سيورة السيراء ُأنزليت فيهيا أيضيا ‪ ،‬وأن الي سيبحانه وتعيالى لّميا سيّماه بالمسيجد‬
‫القصى ‪ ،‬لم يكن للمسلمين فيه ناقة ول بعير ولم يكن قائما كبناء أصل ‪ .‬وعبادة السجود ل كييانت قييد سييبقت منييذ‬
‫ن ُذّرّي فِة آَدَم َوِمّم ف ْ‬
‫ن‬ ‫ن ِم ف ْ‬‫ن الّنِبّيي ف َ‬
‫عَلْيِهْم ِم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َأْنَعَم ا ُّ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫آدم عليه السلم إلى يومنا هذا ‪ ،‬فاقرأ قوله تعالى ) ُأْوَلِئ َ‬
‫جًدا‬
‫سف ّ‬‫خفّروا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَمففا ِ‬ ‫ت الّر ْ‬
‫عَلْيِهفْم آَيففا ُ‬ ‫جَتَبْيَنا ِإَذا ُتْتَلففى َ‬
‫ن َهَدْيَنا َوا ْ‬‫سَراِئيَل َوِمّم ْ‬
‫ن ُذّرّيِة ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫ح َوِم ْ‬
‫حَمْلنا َمَع ُنو ٍ‬
‫َ‬
‫لف آَنففاَء الّلْيفِل َوُهفْم‬‫ت ا ِّ‬‫ن آَيففا ِ‬ ‫ب ُأّمفٌة َقاِئَمفٌة َيْتُلففو َ‬
‫ن َأْهفِل اْلِكَتففا ِ‬ ‫سفَواًء ِمف ْ‬
‫سففوا َ‬ ‫َوُبِكّيا )‪ 58‬مريم ( وقوله تعيالى ) َلْي ُ‬
‫ن )‪ 113‬آل عمران ( وكل مكان اتخذوه للسجود سّماه ال في القرآن مسجدا والمقصود هنا المكييان وليييس‬ ‫جُدو َ‬
‫سُ‬ ‫َي ْ‬
‫البناء ‪.‬‬
‫جًدا )‬
‫سفف ِ‬
‫عَلْيِهْم َم ْ‬
‫ن َ‬
‫خَذ ّ‬
‫عَلى َأْمِرِهْم َلَنّت ِ‬
‫غَلُبوا َ‬
‫ن َ‬
‫عَلُم ِبِهْم َقاَل اّلِذي َ‬
‫عَلْيِهْم ُبْنَياًنا َرّبُهْم َأ ْ‬
‫انظر قوله تعالى ) َفَقاُلوا اْبُنوا َ‬
‫‪ 21‬الكهف ( ‪ .‬ومع أن أصحاب الكهف كانوا من أتباع عيسى عليييه السييلم ‪ ،‬فييإن الييذين غلبييوا علييى أمرهييم فييي‬
‫الواقع ‪ ،‬أقاموا عليهم مكانا للعبادة ‪ .‬وجاءت تسمية القرآن له بالمسجد ‪ ،‬على اعتبارهم له والقصد من بنييائه ‪ ،‬أمييا‬
‫سييماه‬
‫ي عنها ‪ ،‬وبالرغم من ذلييك ّ‬ ‫أنه مسجد خاص بالمسلمين فل ‪ ،‬والصلة بالنسبة للمسلمين في هذا المسجد منه ٌ‬
‫خذوه مكانا للعبادة ‪ ،‬التي أحد أركانها السجود وضمير الغائب المتصل ) واو الجماعة ( في‬ ‫القرآن مسجدا لنهم ات ّ‬
‫) وليدخلوا ( يعود على المبعوثين أنفسهم ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هؤلء المبعوثين لم يتييبين بنييص صيريح ول بتلمييح بييأنهم مين خاصيية عبياد الي ‪ ،‬وأن الي‬
‫نّكرهم وقصد تنكيرهم ‪ ،‬لمر اقتضته الحكمة اللهييية الييتي وضييحنا جانبييا منهييا فيمييا سييبق ‪ ،‬وأن معتقييدهم غييير‬
‫واضح من حيث اليمان أو الكفر ‪ ،‬وما زالت كل الحتمالت قائمة ‪ ،‬فربما يكونوا مؤمنين أو مسييلمين أو وثنيييين‬
‫أو ملحدين ‪ .‬ومن قال بعكس ذلك فقد جانبه الصواب بل أدنى شك ‪ .‬والمر الكثر وضوحا هييو اتحيياد المبعييوثين‬
‫أول وثانيا ‪ ،‬أي خروجهم من نفس الرض في المرتين ‪ ،‬مهما طييال الزميين أو قصيير وتعيياقبت عليهييا الجيييال ‪،‬‬
‫بمعنى أن أصيحاب البعيث الثياني هيم ورثية الرض مين أصيحاب البعيث الول ‪ ،‬وأنهيم أوليي قيوة وبطيش فيي‬
‫الحروب ‪ ،‬وأن عبارة ) وليدخلوا المسجد ( جاءت لتؤكد دخولهم لقلب الرض المقدسيية ) فلسييطين ( وسيييطرتهم‬
‫عليها بالكامل ‪.‬‬

‫مّرةٍ ‪:‬‬ ‫خُلوهُ أ َوّ َ‬


‫ل َ‬ ‫كَ َ‬
‫ما د َ َ‬

‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة ( هو تشبيه للدخول الثاني بالول ‪ ،‬وفي العادة عندما يروي شخص لخر قصة‬ ‫قوله تعالى ) َكَما َد َ‬
‫ث يحتياج إليى وصييف سييواء كييان هيذا الحيدث ‪ ،‬قيد وقييع ولييم يشييهده المسيتمع أو سييقع فيي‬
‫‪ ،‬وقع فيها ِذكُر حيد ٍ‬
‫المستقبل ‪ ،‬فبدل من أن يستغرق الراوي في وصف هذا الحدث وسرد حيثياته على حساب مجمل أحداث القصة ‪،‬‬
‫يعمد الراوي إلى تشبيه الحدث المراد وصييفه بحييدث آخيير مييألوف ومعييروف ميين الماضييي أو الحاضيير ‪ ،‬وذلييك‬
‫لتقريب صفة الحدث موضوع الخطاب لذهن المستمع ‪ ،‬ومن ثم يكمل سرد بقية الحداث ‪.‬‬
‫س )‪ 275‬البقيرة (‬ ‫ن اْلَمف ّ‬
‫ن ِمف ْ‬
‫طا ُ‬
‫شفْي َ‬
‫طفُه ال ّ‬
‫خّب ُ‬
‫ن ِإّل ‪َ ،‬كَمففا ‪َ ،‬يُقففوُم اّلفِذي َيَت َ‬
‫ن الّرَبا َل َيُقوُمو َ‬
‫ن َيْأُكُلو َ‬
‫قال تعالى ) اّلِذي َ‬
‫حيث شبه سبحانه قيام آكل الربا يوم القيامة مجهول الصفة بالنسبة لنا ‪ ،‬وهو حدث سيقع مستقبل بقيييام الممسييوس‬
‫أي المجنون ‪ ،‬وهو حدث ومشهد قد رأيناه ونراه فييي الماضييي والحاضيير مييرارا وتكييرارا ‪ ،‬ومعييروف ومييألوف‬
‫لذهن المستمع ‪ ،‬ونستطيع استرجاع ذلك المشهد من الذاكرة ‪ ،‬لنرى مشهدا مؤلما ومخزيييا لكييل الربييا عنييد بعثييه‬
‫يتميز به عن غيره ‪ ،‬فيقوم مفزوعا متحفزا مشوشا متخبطا ‪ ،‬ل يهدأ له بال ول تستكين له حال ‪.‬‬
‫ولتوضيح المر أكييثر ‪ ،‬فلييو أن زوج مييدح زوجتييه ‪ -‬علييى سييبيل المثييال ‪ُ -‬مبييديا إعجييابه بجمييال وجههييا قييائل ‪:‬‬
‫) وجهك كالمريخ ( فهل ستكون الزوجة قادرة على معرفة مدى حبه لها ‪ ،‬في حال لم تكن عالميية بماهييية المريييخ‬
‫وصفته من حيث الجمال والقبح ‪ .‬وهل أبان هذا التشبيه بغير المييألوف والمعييروف للزوجيية ‪ ،‬وظيفتييه فييي تعييبير‬
‫‪43‬‬
‫الزوج عن مدى إعجابه بها أم أنه زادها حيييرة واضييطرابا ‪ ،‬لييذلك إذا أريييد المييدح ُتشيّبه جمييال النسيياء بييالقول ‪:‬‬
‫) وجهك كالبدر ليلة تمامه ( وهي صورة معروفة ومألوفة لكل البشر ‪ ،‬تسييتطيع النسيياء اسييترجاعها ميين الييذاكرة‬
‫وتخّيلها واستيعابها ‪ ،‬ومعرفة مدى إعجاب زوجها بها ‪.‬‬
‫واستخدام التشبيه في الية )‪ (7‬أفاد أمرين ‪:‬‬
‫ي مين‬
‫ن دخول المسجد أي بيييت المقييدس حاصيل فييي المرتييين ‪ ،‬وهييذا يييدحض قييول ميين ذهيب إلييى أن أ ّ‬
‫أول ؛ أ ّ‬
‫المرتين ‪ ،‬كانت أو ستكون في غير بيت المقدس ‪.‬‬
‫وثانيا ؛ تشابه صفة الدخول في المرتين الولى والخرة بالدخول عنوة ‪ ،‬لقوله تعييالى فييي وصييف الييدخول الول‬
‫) فجاسوا خلل الديار ( وهذا يدحض قول من ذهب ‪ ،‬إلى أن المرة الولى كانت للمسلمين كون دخيولهم إليهيا ليم‬
‫يحمل صفة الجوس ‪.‬‬
‫ولكي يستقيم فهم هذه العبارة ‪ ،‬نود أن ُنشير إلى أن الخطاب لبني إسيرائيل لييم ينقطييع بييل ميا زال مّوجهيا إليهيم ‪،‬‬
‫عففُد‬
‫جاَء َو ْ‬‫طب في قوله تعالى ) كما دخلوه أول مرة ( هم بنو إسرائيل ‪ ،‬واقرأ هذه الصياغة للنص ‪َ ) ،‬فِإَذا َ‬ ‫فالُمخا َ‬
‫خُلوُه – عليكم – َأّوَل َمففّرٍة ‪/‬‬
‫جَد ‪َ ،‬كَما َد َ‬
‫سِ‬
‫خُلوا – عليكم – اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم ‪َ ،‬وِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫خَرةِ – بعثناهم عليكم – ِلَي ُ‬
‫لِ‬
‫اْ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا ( ‪.‬‬
‫انقطاع الخطاب والعودة إلى الجمهور ‪َ /‬وِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫وهذا يعني أن المعرفة بصفة الدخول الول محصورة ببنييي إسييرائيل فقييط ‪ ،‬وهييذا يقودنييا إلييى أن معرفيية اليهييود‬
‫صييلت لهييم ممييا لييديهم مين كتيب تحكيي تياريخهم ‪،‬‬ ‫المعاصرين المخاطبين ‪ ،‬لصفة هذا اليدخول بالضييرورة ‪ ،‬تح ّ‬
‫ومجمل تاريخهم القديم موثق في التوراة ‪ ،‬ويعلم سبحانه أن آباءهم القييدماء ‪ ،‬قييد وّثقييوا صييفة الييدخول فييي كتبهييم‬
‫فلذلك شبه الدخول الثاني لهم بما يعرفون ‪ .‬وإن أردت معرفة صفته كمسلم ‪ ،‬ل بد لييك ميين الرجييوع إلييى كتبهييم ‪،‬‬
‫وهذا الفهم يقودنا إلى مراجعة تاريخهم كامل ‪ ،‬لنتعّرف على صيفة اليدخول الول ‪ ،‬كميا وردت فيي اليية ) ‪( 5‬‬
‫وهذا ما سنفعله في الفصول القادمة ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا الحدث المفجع والرهيب الذي نزل بهم ‪ ،‬كان له بالغ الثر في نفوسييهم ‪ ،‬حيييث شيّكل لهييم الكييثير‬
‫من العقد ‪ ،‬فضل عما كان لديهم في السابق ‪ .‬جعلت منهم شعبا مجرما حاقدا على البشرية جمعيياء ‪ ،‬وعلييى أولئك‬
‫العباد الذين ساموهم سوء العييذاب فيي المييرة الولييى بشييكل خيياص ‪ .‬وميا جيياء التشيبيه هنيا إل لتيذكيرهم بحيدث‬
‫يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ‪ ،‬ومن لم يعرفه منهم أو خانته ذاكرته ‪ ،‬يستطيع الرجوع إلييى تييوراتهم ‪ ،‬قييال تعييالى‬
‫ن )‪ 146‬البقرة (‬ ‫ق َوُهْم َيْعَلُمو َ‬
‫ح ّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ن َفِريًقا ِمْنُهْم َلَيْكُتُمو َ‬
‫ن َأْبَناَءُهْم َوِإ ّ‬
‫ب َيْعِرُفوَنُه َكَما َيْعِرُفو َ‬
‫ن آَتْيَناُهْم اْلِكَتا َ‬
‫) اّلِذي َ‬
‫وجاء هذا التشبيه والتذكير لنذارهم وتحذيرهم من مغبة العييودة إلييى العلييو والفسيياد ‪ ،‬ومييا ينتظرهييم ميين خييزي‬
‫عذاب الدنيا وهول عذاب الخرة ‪.‬‬
‫ن الباحثين في هذا الموضوع حديثا من المسلمين ‪ ،‬كانوا قد أهملوا أكييبر وأعظييم موسييوعة‬ ‫والعجيب في المر ‪ ،‬أ ّ‬
‫خْلِففِه‬
‫ن َ‬
‫ن َيفَدْيِه َوَل ِمف ْ‬
‫ن بْيف ِ‬
‫طفُل ِمف ْ‬
‫تاريخية سماوية ‪ ،‬موجودة بين أيدينا ‪ ،‬أقصد القرآن الكريم الذي ) َل َيفْأِتيِه اْلَبا ِ‬
‫حِميٍد )‪ 42‬فصلت ( ولم يرجع إليها أحد ‪ ،‬مع أنه كاد أل يترك سورة مين سيورِه ‪ ،‬إل وأّرخ فيهيا‬ ‫حِكيٍم َ‬
‫ن َ‬
‫َتنِزيٌل ِم ْ‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬فعلوهم الول ونشأته وإفسييادهم فييي الرض المقدسيية ‪ ،‬ظيياهر ماثييل للعيييان بمييا ل يييترك مجييال‬
‫للتقّول أو الجتهاد ‪ .‬وأما فيما يخص عقاب الوعد الول ‪ ،‬فقد وردت إشارات كافية في هذه اليات وفي مواضييع‬
‫ل على تحّققه قبل السلم ‪.‬‬ ‫أخرى في القرآن تد ّ‬

‫ما عَل َ ْ‬
‫وا ت َت ِْبيًرا ‪:‬‬ ‫وَل ِي ُت َب ُّروا َ‬
‫جياج ‪ :‬والتبييار‬ ‫في الُمعجم ‪ " :‬قال ابن جني ‪ :‬ل يقال له ِتْبر حييتى يكيون فييي تيراب معيدنه أو مكسيورا ‪ ،‬قيال الز ّ‬
‫ن ِإّل‬ ‫ظففاِلِمي َ‬
‫سره وأذهبه ‪ ،‬وفييي التنزيييل العزييز ) َوَل َتفِزْد ال ّ‬ ‫سره وأهلكه ‪ ،‬وتّبره أي ك ّ‬ ‫الهلك ‪ ،‬وتّبره تتبيرا أي ك ّ‬
‫عففاًدا‬
‫سيٍر ِتييبرا ‪ ،‬وفييي قييوله عييز وجييل ) َو َ‬ ‫َتَباًرا )‪ 28‬نوح ( قال الزجاج ‪ :‬معناه إل هلكا ‪ ،‬وليذلك سيمي كييل ُمك ّ‬
‫ل َتّبْرَنففا َتْتِبيفًرا )‪ 39‬الفرقييان (‬ ‫ضفَرْبَنا َلفُه اَْلْمَثففاَل َوُك ّ‬
‫ل َ‬
‫ك َكِثيًرا )‪َ (38‬وُك ّ‬
‫ن َذِل َ‬
‫س َوُقُروًنا َبْي َ‬
‫ب الّر ّ‬
‫حا َ‬
‫صَ‬
‫َوَثُموَد َوَأ ْ‬
‫سرته وفّتته فقد تّبرته " ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬التتبير التدمير وكل شيء ك ّ‬

‫‪44‬‬
‫والمعنى العام للعبارة ‪ ،‬هو ) ولُيدّمروا ما علوا تدميرا ( ‪ .‬وقد جاءت صيغة المفعول المطلق ) تتبيرا ( زيادة فييي‬
‫المبالغة وتأكيدا للفعل ) وليتبروا ( ‪ ،‬وسواء كانت ) مييا ( ظرفييية أو اسييم موصييول بمعنييى ) الييذي ( فهييي تشييمل‬
‫المكان والزمان والكم ‪.‬‬
‫وكما أشرنا في تفسير العبارة السابقة ‪ ،‬فقد حصل انقطاع في الخطيياب المييوجه لبنييي إسييرائيل ‪ ،‬ليصييبح الحييديث‬
‫موجها للجمهور ‪ ،‬مضيفا تعقيبا حول مصير علو بني إسرائيل بدلليية ضييمير الغييائب المتصييل واو الجماعية فييي‬
‫كلمتي ) وليتبروا ( و ) علوا ( العائد على بني إسييرائيل أنفسييهم ‪ .‬والعبييارة ) وليتّبييروا مييا علييوا تتييبيرا ( جيياءت‬
‫للتعقيب على ما فعله بني إسرائيل أنفسهم بمقومات هذا العلو ‪ ،‬مما كان سييببا فييي زواليه ‪ .‬لُيصييبح المييراد هييو أن‬
‫علو بني إسرائيل ‪ ،‬حمل في أحشيائه بيذرة دميياره منييذ نشيأته ‪ ،‬بعييدم اليولء لي وعيدم اكييتراثهم ِبحّثييه لهيم علييى‬
‫الحسان وتحذيره لهم من الساءة ‪ .‬بل اعتمدوا على غير ال ‪ ،‬في تحصيل هذا العلو وإدامته وحمايته من الزوال‬
‫‪ ،‬بالفساد والفساد والثم والعدوان ‪.‬‬
‫ليتبّين لنا أن الحديث عن الوعد الثاني ‪ ،‬انتهى بقييوله ) كمييا دخلييوه أول مييرة ( ‪ .‬وأن عبييارة ) وليتّبييروا مييا علييوا‬
‫ن عليوا كيبيرا ( فيي الييية )‪ ، (4‬ليؤكيد بميا ل ييدع‬ ‫تتبيرا ( جاءت تعقيبا على قوله تعالى في بداية القصة ) ولتعل ّ‬
‫صل عليه بنيي إسييرائيل ببعيدهم عين الي ‪،‬‬ ‫مجال للشك ‪ ،‬أن هذا العلو الموصوف بالكبير في الرض ‪ ،‬والذي تح ّ‬
‫سيصبح هباًء منثورا بما كسبته أيديهم ‪.‬‬
‫صييل بيامتلك‬‫ومن تعريفنا السابق لمفهوم العلو ‪ ،‬نجد أن العلو مظهر مين مظيياهر الحيياة ‪ ،‬كميا الغنيى الييذي يتح ّ‬
‫صل بامتلك المال القليل ‪ ،‬ويتم تحصيييله ميين خلل امتلك مقومييات مادييية ‪،‬‬ ‫المال الوفير ‪ ،‬وكما الفقر الذي يتح ّ‬
‫تتمّثل في السيادة على الرض وأهلها ‪ ،‬وسياستهم والتحّكم في مختلف شؤونهم ‪ ،‬والقدرة بامتلك القيوة ‪ ،‬والغنيى‬
‫بامتلك المال والموارد المادية الخرى ‪ .‬والحقيقة أن اليهود في هذا العصيير ‪ ،‬لييم يقتصيير عليوهم علييى فلسييطين‬
‫فحسب ‪ ،‬بل شمل أمريكا وبريطانيييا والكيثير مين الييدول الغربيية ‪َ .‬فُهمييا شيكل مين أشييكال الفسيياد اليهيودي فييي‬
‫الرض ‪ ،‬وأداة للعدوان على الشعوب بأيدي اليهودية العالمية ‪.‬‬
‫وبما أن العلو مظهر ‪ ،‬والمظاهر ل ُتدّمر تدميرا ‪ ،‬وإنما تزول زوال بفقدان أسيبابها ومقوماتهيا ‪ ،‬كميا ُأزييل عليو‬
‫ن َوقَفْوُمُه َوَمففا َكففاُنوا‬
‫عفْو ُ‬
‫صفَنُع ِفْر َ‬
‫ن َي ْ‬
‫فرعون بتدمير ما امتلك من مقومات علوه ‪ ،‬في قوله تعالى ) َوَدّمْرَنا َما َكففا َ‬
‫ن )‪ 137‬العراف ( ‪ .‬ونلحظ أن ال تبارك وتعالى لم يأت بالمصدر ) علوهم ( ليقول ) وليتييبروا علييوهم‬ ‫شو َ‬
‫َيْعِر ُ‬
‫تتبيرا ( ‪ ،‬وإنما قال ) وليتبروا ما (لن المقصود تدميره هنا ليس العلو بحّد ذاته ‪ ،‬وإنما تدمير ) ما ( عل عليه أو‬
‫به أو فيه بنوا إسرائيل بامتلكه والسيطرة عليه ‪ ،‬مما مّكنهم من الفساد في الرض ‪ ،‬أي تدمير كل ما يقييع تحييت‬
‫كلمة ) ما ( مما يمتلكونه من مقومات لعلوهم ‪ ،‬لتشمل المكان والزمان والكم لهذا العلو ‪ ،‬الموصوفة بالتفصيل في‬
‫اليتين ) ‪4‬و ‪ ، (6‬والتي تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫• استلب أو تدمير القوة العسييكرية المتطييورة ‪ ،‬والييتي مكنتهييم ميين العليو واسييتمراريته ‪ ،‬ورد الكييرة علييى‬
‫أعدائهم ‪.‬‬
‫• ذهاب الموال والبنين والمداد ‪ ،‬الذي كان يتوفر لهم في حروبهم السابقة ‪.‬‬
‫• استلب أو تدمير المكنة التي تمتعوا بالعلو فيها وكانت منطلقا لفسادهم في الرض ‪.‬‬
‫لذلك جاءت عبارة ) وليتّبروا ما علوا تتبيرا ( في نهاية قصة المرتين ووعديهما ‪ ،‬كتعقيب لتوضيح مآل علو بنييي‬
‫ت للتعقيب على وعد الخرة بالرغم ميين ورودهييا بعييد‬ ‫إسرائيل الذي ورد ذكره في الية الرابعة في بداية ‪ ،‬ولم تأ ِ‬
‫النتهاء من وصف أحداثه ‪ .‬وقد جاء هييذا التعقيييب ُمتييأخرا ‪ ،‬لن زوال العلييو بشييكل نهييائي ‪ ،‬سيييكون كعاقبيية أو‬
‫نتيجة لنفاذ وعد الخرة فيهم ‪ ،‬ويبدوا لي أن زوال العلو اليهودي في العالم سيأتي على مراحل ‪ ،‬ليبدأ في فلسطين‬
‫ومن ثم يمتد لمريكا وبريطانيا وفرنسا والغرب إجمال ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫وربما يذهب البعض إلى أن هذه العبارة ‪ ،‬جاءت للتعقيب على ما فعله هؤلء العباد ‪ ،‬بعلو بني إسرائيل فييي وعييد‬
‫الخرة ‪ ،‬على اعتبار أن الضمير واو الجماعة في ) وليتّبروا ( عيائد عليى العبياد ‪ ،‬وهيذا غيير صيحيح لن ذليك‬
‫يعني استمرارية الخطاب ‪ ،‬فلو أن الخطاب لبني إسرائيل استمر لجاءت العبارة على النحو التالي ) وليتّبروا ي مييا‬
‫علوتم ي تتبيرا ( هذا من جانب ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫ومن جانب آخر لم ُيذكر في التعقيب شيء يخص وعد الخرة بذكر كلمة وعد مثل ‪ ،‬كما جيياء فييي التعقيييب علييى‬
‫الوعد الولى ‪ ،‬بقوله ) وكان وعدا مفعول ( وإنما جاء التعقيب الخير على بني إسيرائيل المييذكورين بالسيم فييي‬
‫الية الرابعة ‪ ،‬لعود ضمير الغائب ) واو الجماعة ( عليهم فييي كلميية ) وليتييبروا ( ‪ ،‬وكييذلك علييى علييوهم الكييبير‬
‫الموصوف في الية الرابعة أيضا ‪ ،‬لتصال ضمير الغائب العائد عليهم ) واو ( في كلمة ) علوا ( ‪.‬‬
‫صييلوا عليييه ميين مقومييات العلييو‬
‫ولو فرضنا جدل استمرارية الخطيياب ‪ ،‬فهييل ُيعقييل أن ُيييدّمر المسييلمون ‪ ،‬مييا تح ّ‬
‫الصهيوني ‪ ،‬بعد أن يكونوا قد أوقعوا فيهييم القتييل والتنكيييل والسييبي والنفييي ‪ ،‬وتّمييت لهييم السيييطرة الكامليية علييى‬
‫صييلوا عليييه سييالما ميين‬
‫الرض بدخول القدس ؟! طبعا ل ‪ .‬بل على العكس تماماسيكونون بأمس الحاجة ‪ ،‬لمييا تح ّ‬
‫مال وعتاد لستخدامه في المواجهة الحقيقة المقبلة مع الغرب ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن كل ما عل بنو إسرائيل عليه أو به أو فيه سيصييله الييدمار ل محاليية لعمييوم لفييظ العلييو حييتى‬
‫علوهم في الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقى علوهم قائما ومستمرا في فلسطين هييو علييوهم فييي الغييرب ‪ ،‬ولييذلك يصييبح‬
‫دمار الدول الغربية أمر محتما ‪ ،‬ليزول علو بني إسرائيل فيها أيضييا بشييكل نهييائي ‪ ،‬وبييذلك تنتفييي تمامييا قييدرتهم‬
‫على العلو مرة أخرى ‪ ،‬إذ أن هذا العلو هو علوهم الخير في الرض وأن أفعالهم ستكون سببا فييي زوال علييوهم‬
‫هذا ‪ ،‬وستجد مزيد من تفصيل هذه العبارة في الجزء الثالث من الكتاب ‪.‬‬

‫خاتمة السورة ‪:‬‬

‫والن لننتقل إلى خاتمة سورة السراء ‪ ،‬حيث ُذكر وعد الخرة مرة أخرى ‪ .‬أما سبب مجيء هذه اليات في آخر‬
‫السورة فهو لسببين ‪ :‬أول ؛ إظهار العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬الذي سنظهره بيإذن الي لحقيا ‪ ،‬ثانييا ؛ للتعقييب‬
‫على الوعد الثاني في بني إسرائيل بعد نفاذه ‪ ،‬وما سيكون ممن علموا بتفاصيل هذا الوعد قبل نفاذه ‪ ،‬وما سيييكون‬
‫منهم بعد نفاذه تماما كما جاء به القرآن ‪.‬‬
‫ق َأنَزْلَنفاهُ‬
‫ح ّ‬
‫جْئَنفا ِبكفْم َلِفيًففا )‪َ (104‬وِبفاْل َ‬ ‫خفَرِة ِ‬ ‫لِ‬‫عفُد ا ْ‬ ‫جفاَء َو ْ‬ ‫ض َفِإَذا َ‬
‫سُكُنوا اَْلْر َ‬ ‫سَراِئيَل ا ْ‬‫ن َبْعِدِه ِلَبِني ِإ ْ‬
‫) َوُقْلَنا ِم ْ‬
‫ل)‬ ‫ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً‬ ‫عَلى ُمْك ٍ‬ ‫س َ‬
‫عَلى الّنا ِ‬ ‫شًرا َوَنِذيًرا )‪َ (105‬وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ‬ ‫ك ِإّل ُمَب ّ‬‫سْلَنا َ‬
‫ق َنَزَل َوَما َأْر َ‬ ‫ح ّ‬‫َوِباْل َ‬
‫جًدا )‪(107‬‬ ‫سف ّ‬‫ن ُ‬ ‫لْذَقففا ِ‬
‫ن ِل َْ‬
‫خفّرو َ‬
‫عَلْيِهفْم َي ِ‬
‫ن َقبِلفِه ِإَذا ُيْتَلففى َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِمف ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫‪ُ (106‬قْل آِمُنوا ِبِه َأْو َل ُتْؤِمُنوا ِإ ّ‬
‫عا )‪(109‬‬ ‫شو ً‬ ‫خُ‬ ‫ن َوَيِزيُدُهْم ُ‬
‫ن َيْبُكو َ‬‫لْذَقا ِ‬
‫ن لِ َْ‬‫خّرو َ‬ ‫عُد َرّبَنا َلَمْفُعوًل )‪َ (108‬وَي ِ‬ ‫ن َو ْ‬‫ن َكا َ‬‫ن َرّبَنا ِإ ْ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬‫ن ُ‬ ‫َوَيُقوُلو َ‬

‫مختصر ما قيل في هذه اليات ‪ ،‬في تفسير اللوسي ‪:‬‬

‫" ) جئنا بكم لفيفا ( أي مختلطين ‪ ،‬وفسره ابن عبيياس جميعييا ‪ ،‬وبكييم جيياءت لتغليييب المخيياطبين علييى الغييائبين ‪،‬‬
‫) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( ؛ عود إلى شرح حال القييرآن الكريييم ‪ ،‬فهييو مرتبييط بقييوله تعييالى ) لئن اجتمعييت‬
‫النس والجن ( وهكذا طريقة العرب في كلمها تأخذ في شيء ‪ ،‬وتستطرد منه إلى آخر ثم إلى آخر ثم إلى آخر ‪،‬‬
‫ثم تعود إلى ما ذكرته أول والحديث شجون ‪ ،‬فضمير الغائب للقييرآن ‪ ،‬وقييد حملييه بعضييهم علييى هييذا ‪ ،‬أو للوعييد‬
‫المذكور آنفا ‪ ،‬أي وعد الخرة الذي ُذكر في الية السابقة ‪.‬‬
‫والمراد بالحق الول ؛ على ميا قييل الحكمية اللهييية المقتضيية لنزاليه ‪ ،‬وبالثيياني ميا اشيتمل علييه ميين العقيائد‬
‫والحكام ونحوها ‪ ،‬أي ما أنزلناه إل ملتبسا بالحق المقتضى لنزاله ‪ ،‬وما نزل إل ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه‬
‫‪ ،‬وقيل الحق في الموضعين المر المحفوظ الثابت ‪ ) ،‬وما أرسلناك إل مبشييرا ( ؛ للمطيييع بييالثواب ) ونييذيرا ( ؛‬
‫وللعاصي من العقاب ‪ ،‬فل عليك إل التبشير والنذار ل هداية الكفرة المقترحين ‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم‬ ‫) وقرءانا فرقناه ( ؛ أي أنزلناه منجما مفّرقا ) على مكث ( ؛ أي تؤدة وتأ ّ‬
‫‪ ) ،‬ونزلناه تنزيل ( ؛ على حسب الحوادث والمصالح ‪ ،‬قل للذين كفروا ) آمنوا به ( أي بيالقرآن ‪ ) ،‬أو ل تؤمنيوا‬
‫إن الذين أوتوا العلم من قبله ( ؛ أي العلماء الذين قييرءوا الكتييب السييالفة ‪ ،‬ميين قبييل َتنيّزل القييرآن وعرفييوا حقيقيية‬
‫الوحي ‪ ،‬وأمارات النبوة ‪ ،‬وتمكنوا من تمييز الحق والباطل ‪ ،‬واُلمحقّ والُمبطييل ‪ ،‬أو رأوا نعتييك ونعييت مييا أنييزل‬
‫إليك ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫) إذا يتلى ( أي القرآن ) عليهم يخرون للذقان ( ؛ يسقطون بسرعة علييى وجييوههم ) سييجدا ( تعظيمييا لميير الي‬
‫تعالى ‪ ،‬أو شكرا لنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثتك ‪ ،‬وقال صاحب الفرائد ‪ ،‬المراد المبالغة في التحامييل‬
‫على الجبهة والنف ‪ ،‬حتى كأنهم يلصقون الذقان بالرض ‪ ،‬وهو وجه حسن جدا ‪ ،‬أي يقعون على الرض عنييد‬
‫التحقيق والمراد تصوير تلك الحالة ‪.‬‬
‫) ويقولون ( ؛ أي في سجودهم أو مطلقا ‪ ) :‬سبحان ربنا ( عن خلف وعده ‪ ،‬أو عما يفعل الكفرة من التكذيب ‪) ،‬‬
‫إن كان وعد ربنا لمفعول ( ‪ ) ،‬ويخرون للذقان يبكون ( ؛ كّرَر الخييرور للذقييان لختلف السييبب ‪ ،‬فييإن الول‬
‫لتعظيم أمر ال تعالى أو الشكر لنجاز الوعد ‪ ،‬والثاني لما أّثر فيهم من ميواعظ القيرآن ‪ ،‬أي سيياجدين بيياكين مين‬
‫خشية ال تعالى ‪ ،‬ولمييا كييان البكيياء ناشييئا ميين الخشييية الناشييئة ميين التفّكيير الييذي يتجيّدد ‪ ،‬جيييء بالجمليية الفعلييية‬
‫) يبكون ( المفيدة للتجدد ) ويزيدهم ( ؛ القرآن بسماعهم له ) خشوعا ( لما يزيدهم علما ويقينييا بييأمر الي تعييالى ‪،‬‬
‫على ما حصل عندهم من الدلة " ‪ .‬من تفسير اللوسي ‪.‬‬

‫فا ‪:‬‬ ‫م لَ ِ‬
‫في ً‬ ‫جئ َْنا ِبك ْ‬
‫ِ‬
‫قيل في ) لسان العرب ( في كلمة لفيف ) ُمجَتِمع ملتف من كل مكان ( ‪ ،‬واللفيف ) القوم يجتمعون من قبائل شييتى‬
‫جْمع العظيم من أخلط شتى فيهم‬ ‫ليس أصلهم واحدا ( واللفيف ) ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ( واللفيف ) ال َ‬
‫جْميع ل‬‫الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضييعيف ( ‪ .‬والملحيظ أن معياني الكلميية جياءت بمعنييى َ‬
‫جميع ‪ ،‬والحقيقة أن الذي تم على أرض الواقع ‪ ،‬هو المجيء والجمييع مين أميياكن شيتى ‪ .‬وأن مجيئهييم جميعيا لين‬
‫يتحقق لنهم يتمّتعون بصفات طفيلية ‪ ،‬ل تمّكنهم من ترك الدول الغربية الغنية والعودة إلى فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليات )‪ (109-104‬وكما عقب سبحانه بعد ِذكره لوعد الخرة فييي بداييية السييورة ‪ .‬جيياءت بعييد ِذكييره تعييالى‬
‫لوعد الخرة ‪ ،‬في نهاية السورة تعقيبا على إنزاله هذا الوعد بنصه في القران ‪ ،‬كما ُأنزل في كتيياب موسييى عليييه‬
‫شفًرا َوَنفِذيًرا )‪َ (105‬وُقْرآًنففا‬
‫ك ِإّل ُمَب ّ‬
‫سْلَنا َ‬
‫ق َنَزَل َوَما َأْر َ‬
‫ح ّ‬
‫ق َأنَزْلَناُه َوِباْل َ‬
‫ح ّ‬
‫السلم من قبل ‪ ،‬حيث قال سبحانه ) َوِباْل َ‬
‫ل )‪ (106‬أي وبالحق الذي أوجبته الحكمة اللهية ‪ ،‬أنزلنييا خييبر‬ ‫ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً‬
‫عَلى ُمْك ٍ‬
‫س َ‬
‫عَلى الّنا ِ‬
‫َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ‬
‫ق والصيدق‬ ‫هذا الوعد في القران ‪ ،‬الذي نّزله على عبيده تنيزيل ‪ ،‬وفّرقيه لُيقيرأ عليى النياس عليى مكيث ‪ ،‬وبيالح ّ‬
‫والخبر اليقين جاء هذا القران ‪ ،‬بهذا الوعد ‪ -‬مما سيكون من شأن بني إسرائيل – بكل تفاصيله وملبساته ‪ ،‬بما ل‬
‫يدع مجال للشك أو التقّول ‪.‬‬
‫والحكمة اللهية التي اقتضت إنزاله ‪ ،‬كما جاء من نص اليات ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫ن‬
‫ن اّلفِذي َ‬‫شفُر اْلُم فْؤِمِني َ‬ ‫ف البشرى للمؤمنين الصابرين المرابطين المتمسييكين بييدينهم المخلصييين لييه ) َوُيب ّ‬ ‫أول ‪ :‬ز ّ‬
‫جًرا َكِبيًرا )‪ 9‬السراء ( ‪ ،‬بأن ال لن يخلف وعده الذي وعد ‪ ،‬وأن مييا وعييدهم ال ي ل‬ ‫ن َلُهْم َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫َيْعَمُلونَ ال ّ‬
‫محالة واقع ولو بعد حين ‪ ،‬ليحثهم على التمسك بدينهم والتحلي بالصييبر ‪ ،‬وعييدم السييتعجال لميير الي والركييون‬
‫لليأس ‪ ،‬فكلما ادلهمت الخطوب بالمؤمنين وضاقت السبل – كما هذه اليام – كان الفرج ‪ ،‬قاب قوسييين أو أدنييى )‬
‫ن اْلَقفْوِم‬
‫عف ْ‬
‫سفَنا َ‬ ‫شففاُء ‪َ ،‬وَل ُيفَرّد َبْأ ُ‬
‫ن َن َ‬
‫ي َمف ْ‬
‫جَ‬‫صُرَنا ‪َ ،‬فُن ّ‬
‫جاَءُهْم َن ْ‬
‫ظّنوا َأّنُهْم َقْد ُكِذُبوا ‪َ ،‬‬
‫سُل ‪َ ،‬و َ‬ ‫س الّر ُ‬‫سَتْيَئ َ‬
‫حّتى ِإَذا ا ْ‬‫َ‬
‫ن )‪ 110‬يوسف ( ‪.‬‬ ‫جِرِمي َ‬‫اْلُم ْ‬
‫وثانيا ‪ :‬إنذار بني إسرائيل ) الذين ل يؤمنون بالخرة ( والمكييذبين والمتشيّككين مميين غرتهييم الحييياة وآمنييوا بمييا‬
‫يقوله الواقع ‪ ،‬مع عدم قراءتهم له بشكل صحيح ‪ ،‬أكثر من إيمانهم بال وما جاء فيي كتيابه اليذي أنيزل ‪ ،‬وتحيذير‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 10‬السراء ( ‪.‬‬
‫خَرِة َأعَْتْدَنا َلُهْم َ‬
‫لِ‬
‫ن ِبا ْ‬
‫ن َل ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫لهم من عقابه في الدنيا والخرة ) َوَأ ّ‬
‫صل اليمان لمن لم يؤمن بعد وتجّدد إيمان المؤمنين وزيادًة في اطمئنان قلوبهم ‪ ،‬عند نفيياذ هييذا الوعييد‬ ‫وثالثا ‪ :‬تح ّ‬
‫كما جاءت صفته في القرآن ‪ .‬حيث قال سبحانه للناس كافة على وجه التبكيت والتهديد شديد اللهجة ‪ُ ) ،‬ق فْل آِمُنففوا‬
‫ن هييذا الوعييد ل محاليية واقييع ‪ ،‬وإيمييانكم بييه وبييالقرآن‬ ‫ِبِه َأْو َل ُتْؤِمُنوا … ( من أمر هذا الوعييد وهييذا القييرآن ‪ ،‬أ ّ‬
‫ن ُأوُتففوا اْلِعْلفَم‬
‫ن اّلفِذي َ‬
‫وعدمه سواء ‪ .‬وأن من كانوا قد علموه وسبق لهم اليمان به وتصديقهم له قبل تحققه ) … ِإ ّ‬
‫صدق ما جاء في كتابه ‪ ،‬سيييكون هييذا حييالهم عنييد تحققييه وبعييد تحققييه ) ِإَذا‬ ‫ن َقبلِِه … ( ‪ ،‬ليمانهم بمن أنزله و ِ‬ ‫ِم ْ‬
‫عُد َرّبَنففا َلَمْفُعففوًل )‪ (108‬أي أنهييم إذا‬
‫ن َو ْ‬
‫ن َكا َ‬
‫ن َرّبَنا ِإ ْ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ن ُ‬
‫جًدا )‪َ (107‬وَيُقوُلو َ‬‫سّ‬
‫ن ُ‬
‫لْذَقا ِ‬
‫ن ِل َْ‬
‫خّرو َ‬
‫ُيْتَلى عََلْيِهْم َي ِ‬
‫ي عليهم ِذكر هذا الوعييد عنييد وبعييد تحققييه خيّروا للذقييان سييجدا ‪ ،‬قييائلين ‪ ) :‬سييبحان ربنييا إن كييان وعييد ربنييا‬ ‫ُتل َ‬
‫‪47‬‬
‫ن َوَيِزيُدُهمْ‬
‫ن َيْبُكو َ‬
‫لْذَقا ِ‬
‫ن ِل َْ‬
‫خّرو َ‬
‫لمفعول ( وسيكون هذا حالهم مرة تلو مرة ‪ ،‬كلما ُتليت عليهم آيات هذا الوعد ) َوَي ِ‬
‫عا )‪ (109‬وما أن يقوموا حتى ل تكاد تحملهم أرجلهم ‪ ،‬وتغلب عليهم مشيياعرهم ميين شيّدة التصييديق وش يّدة‬ ‫شو ً‬
‫خُ‬
‫ُ‬
‫اليمان ‪ ،‬فيعودوا ليقعوا ساجدين خاشعين لمن ل ُيخلف وعده ‪.‬‬
‫م ل ِل ْ َ‬ ‫عسى ربك ُ َ‬
‫صلليًرا‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬
‫كا ِ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫عل َْنا َ‬
‫ج َ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬
‫عدَْنا َ‬
‫م ُ‬
‫عدْت ُ ْ‬
‫ن ُ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫) َ َ‬
‫)‪( 8‬‬

‫عَسى ربك ُ َ‬
‫مك ُ ْ‬
‫م ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫بعد نفاذ الوعد الثاني ‪ ،‬يوجه سبحانه الخطاب للبقية الباقية من بنييي إسييرائيل ‪ ،‬الييذين نجيوا ميين هييذا العييذاب ولييم‬
‫ل فييي بنييي قييومهم لمييا علييوا‬ ‫يطلهم عقاب وعد الخرة ‪ ،‬لعّلهم يعتبرون مما حصييل بعييد أن رأوا مييا رأوا ممييا حي ّ‬
‫وأفسدوا في الرض ‪ .‬فلعلهم يعودون إلى ال ويصلحون أمرهييم فيتييوب الي عليهييم ويرحمهييم ‪ .‬قييال تعييالى ) َوَل‬
‫ن )‪ 56‬العييراف ( ‪،‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ن اْلُم ْ‬
‫ب ِم ْ‬ ‫ل َقِري ٌ‬ ‫حمََة ا ِّ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫طَمًعا ‪ِ ،‬إ ّ‬‫خْوًفا َو َ‬ ‫عوُه َ‬ ‫حَها ‪َ ،‬واْد ُ‬ ‫لِ‬ ‫صَ‬ ‫ض َبْعَد ِإ ْ‬
‫سُدوا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ُتْف ِ‬
‫حْكَمٍة ُثّم‬‫ب َو ِ‬‫ن ِكَتا ٍ‬‫ن َلَما آَتْيُتُكْم ِم ْ‬‫ق الّنِبّيي َ‬‫ل ِميَثا َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬‫وعودتهم إلى ال تعني اعتناقهم للسلم ‪ ،‬لقوله تعالى ) َوِإْذ َأ َ‬
‫صفِري َقفاُلوا َأْقَرْرَنفا َقفاَل‬ ‫عَلفى َذِلُكفْم ِإ ْ‬ ‫خفْذُتْم َ‬‫صُرّنُه َقاَل َأَأْقَرْرُتفْم َوَأ َ‬
‫ن ِبِه َوَلَتْن ُ‬‫ق ِلَما َمَعُكْم َلُتْؤِمُن ّ‬
‫صّد ٌ‬‫سوٌل ُم َ‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬‫َ‬
‫ن‬
‫خفَرِة ِمف ْ‬‫لِ‬‫ن ُيْقَبَل ِمْنُه َوُهفَو ِفففي ا ْ‬ ‫لِم ِديًنا َفَل ْ‬‫سَ‬ ‫غْيَر اِْل ْ‬‫ن َيْبَتِغ َ‬‫ن )‪َ ) … (81‬وَم ْ‬ ‫شاِهِدي َ‬ ‫ن ال ّ‬‫شَهُدوا َوَأَنا َمَعُكْم ِم ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫حيٌم )‪ 89‬آل عمران ( ‪ .‬وهذا ما لم‬ ‫غُفوٌر َر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫حوا َفِإ ّ‬ ‫صَل ُ‬‫ك َوَأ ْ‬‫ن َبْعِد َذِل َ‬
‫ن َتاُبوا ِم ْ‬ ‫ن )‪ِ ) … (85‬إّل اّلِذي َ‬ ‫سِري َ‬
‫خا ِ‬ ‫اْل َ‬
‫يفعلوه سابقا ولن يفعلوه مستقبل ‪ ،‬فهم أعلنوا حربهم على ال قبل أن يعلنوهييا علييى أي شيييء آخيير ‪ ،‬وهيهييات أن‬
‫سَوًة … )‪ 74‬البقرة ( …‬ ‫شّد َق ْ‬‫يتوبوا فقلوبهم كالحجارة ) … َأْو َأ َ‬

‫م عُد َْنا ‪:‬‬


‫ن عُد ْت ُ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫لذلك سيستمرون بالفساد وسيعودون إليه مرة تلو أخرى ‪ ،‬وهييذا محمييول علييى الشييرط فييإن عييادوا للفسيياد بعييد‬
‫تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬عاد ال عليهم بالعقاب ‪ ،‬وستكون هذه العييودة باتبيياعهم للييدجال أكييبر المفسييدين فييي الرض‬
‫وهي العودة النهائية لهم ‪ ،‬ول تتفق من حيث المواصفات والشروط مع كونها مرة من المرتين ‪ ،‬وستكون نهايتهم‬
‫ي عيسى عليه السلم ومن معه من المسلمين ‪ ،‬عند هروب الييدجال‬ ‫على مشارف بيت المقدس بباب ) ُلّد ( على يد ّ‬
‫إليها ‪ ،‬كما روي في نفس الحديث الصحيح الطويل من رواية مسلم ‪ ،‬الذي أوردنا بعضييا منييه فييي شييرحنا لعبييارة‬
‫حّتففى‬
‫طُلُبفُه َ‬
‫ن َمْرَي فَم … َفَي ْ‬
‫ح اْبف َ‬
‫سففي َ‬ ‫ل ف اْلَم ِ‬
‫ث ا ُّ‬‫ك ) أي الدجال ( ِإْذ َبَعف َ‬
‫عبادا لنا ‪ ،‬جاء ما نصه " … َفَبْيَنَما ُهَو َكفَذِل َ‬
‫صففيًرا )‪ (8‬ول أسييف‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫جَهّنَم ِلْلَكففاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬‫ب ُلّد َفَيْقُتُلُه … " ‪ .‬ليعّقب سبحانه على ذلك بقوله ) … َو َ‬ ‫ُيْدِرَكُه ِبَبا ِ‬
‫ول رحمة …‬

‫س(‪:‬‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬
‫حب ْ ٍ‬
‫و َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه… َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫) إ ِّل ب ِ َ‬
‫حب ْ ٍ‬
‫ك ِبفَأّنُهْم َكفاُنوا‬‫لف ‪َ ،‬ذِلف َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ب ِمف ْ‬
‫ضف ٍ‬
‫سفَكَنُة ‪َ ،‬وَبفاُءوا ِبَغ َ‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة َواْلَم ْ‬
‫ت َ‬‫ضِرَب ْ‬ ‫قال تعالى في سورة البقرة ) … َو ُ‬
‫ن )‪ (61‬هذه الييية توضييح حكمييا‬ ‫صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ‬
‫ع َ‬
‫ك ِبَما َ‬ ‫ق ‪َ ،‬ذِل َ‬‫ح ّ‬‫ن ِبَغْيِر اْل َ‬
‫ن الّنِبّيي َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَيْقُتُلو َ‬
‫ت ا ِّ‬
‫َيْكُفُرونَ ِبآَيا ِ‬
‫إلهيا ُملزما لبني إسرائيل ‪ ،‬كان فيما سبق قييد صييدر بحقهييم عنييد كفرهييم وقتلهييم النبييياء ‪ ،‬ونلحييظ أن المسييكنة‬
‫عَلْيِه فْم الّذّل فُة‬
‫ت َ‬‫ض فِرَب ْ‬
‫عطفت على الذلة مباشرة ‪ ،‬وأنهما تلزما في الوقوع تحت الضييرب ‪ ،‬فييي قييوله تعييالى ) َو ُ‬ ‫ُ‬
‫سَكَنُة ( ‪.‬‬‫َواْلَم ْ‬
‫حْبفلٍ‬
‫ن َمففا ُثِقُفففوا ‪ِ ،‬إّل ِب َ‬ ‫عَلْيِهْم الّذّلُة َأْي َ‬‫ت َ‬‫ضِرَب ْ‬ ‫وفي سورة آل عمران ‪ُ ،‬أعيد نفس النص السابق ‪ ،‬في قوله تعالى ) ُ‬
‫ت‬
‫ن ِبآَيففا ِ‬‫ك ِبفَأّنُهْم َكففاُنوا َيْكُففُرو َ‬ ‫سَكَنُة ‪َ ،‬ذِلف َ‬ ‫عَلْيِهْم اْلَم ْ‬
‫ت َ‬
‫ضِرَب ْ‬‫ل ‪َ ،‬و ُ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ض ٍ‬‫س ‪َ ،‬وَباُءوا ِبَغ َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل َو َ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ِم ْ‬
‫ن )‪ ، (112‬ولكن بفصل الذّلة عن المسييكنة ‪ ،‬مييع‬ ‫صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ‬
‫ع َ‬‫ك ِبَما َ‬
‫ق ‪َ ،‬ذِل َ‬
‫ح ّ‬
‫ن اَْلنِبَياَء ِبَغْيِر َ‬
‫ل ‪ ،‬وََيْقُتُلو َ‬‫ا ِّ‬
‫س ( ميين‬ ‫ن الّنففا ِ‬‫حْب فٍل ِم ف ْ‬
‫ل ف ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫حْب فٍل ِم ف ْ‬‫ضرب كل منهما على حدة أول ‪ ،‬ومن ثم إضافة الستثناء التالي ) ِإّل ِب َ‬
‫ضرب الذّلة دون المسكنة ثانيا ‪ .‬ومن هنا نستطيع القول ‪ ،‬بأن الذّلة سُترفع عنهم في حالتين ‪ :‬الحالة الولى بحبل‬

‫‪48‬‬
‫من ال ‪ ،‬والحالة الثانية بحبل من الناس ‪ ،‬وأن المسكنة ستبقى ملزمة لهم ‪ ،‬في حال رفعت الذّلة عنهم أم لم ُترفع‬
‫‪.‬‬
‫ل ( ‪ ،‬بمعنى سويت عناقيييدها‬
‫طوُفَها َتْذِلي ًَ‬
‫ت ُق ُ‬
‫جاء في معجم لسان العرب ‪ ،‬الّذل نقيض العّزة ‪ ،‬وقوله تعالى ) وُذّلَل ْ‬
‫ضع له ‪ ،‬وأن المعنى الُمستفاد من الّذل هو الصغار والخضوع والنخفيياض ‪،‬‬ ‫خ َ‬
‫ل له أي َ‬ ‫خّفضت ‪ ،‬وتذّل َ‬
‫وُدّليت أي ُ‬
‫والنقيض لهذة الصفات هو الستكبار والسطوة والرتفاع ‪.‬‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة ‪ :‬أي ُألزموا الّذلة والصغار فل منعة لهم ‪ ،‬بمعنى ل قوة لهم لمنع الغير من اسيتباحة دميائهم‬
‫ت َ‬
‫ضِرَب ْ‬
‫َو ُ‬
‫وأموالهم وأهليهم ‪ .‬وثبتت فيهييم هييذه الصييفة ولزمتهييم علييى ميّر العصييور ول خلص لهييم منهييا ‪ ،‬والسييبب فييي‬
‫ضربها عليهم هو استحقاقهم لغضب ال عليهم ‪ ،‬لكفرهم بآياته وقتلهم النبياء ‪ ،‬بالضافة لمييا كييان ميين عصيييانهم‬
‫لوامره واعتدائهم على حدوده ‪.‬‬

‫جدوا ‪.‬‬ ‫ق ُ‬
‫ما ث ُ ِ‬ ‫َ‬
‫فوا ‪ :‬أينما وُ ِ‬ ‫ن َ‬
‫أي ْ َ‬
‫حْبفٍل ِمفنْ‬
‫ن َما ُثِقُفففوا ‪ِ ،‬إّل ِب َ‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة ‪َ ،‬أْي َ‬
‫ت َ‬
‫ضِربَ ْ‬
‫هنا ل بد لنا من وقفة مع هذه العبارة ‪ ،‬حيث يقول سبحانه ‪ُ ) ،‬‬
‫س ( ‪ ،‬فالذلة ملزمة لهم أينميا أقياموا أو ارتحلييوا ‪ ،‬وهييذه الذليية سيُترفع عنهييم مرتييين لُتسييتبدل‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل َو َ‬
‫ا ِّ‬
‫بالعلو ‪ ،‬أينما أقاموا أو ارتحلوا ‪ ،‬على امتداد سطح كوكب الرض ‪ ،‬فالعلو اليهييودي لمرتييين حييدث عييارض فييي‬
‫تاريخهم ومصيره إلى الزوال ‪ ،‬أو حالة استثنائية سيعيشها عامة الشعب اليهييودي لمرتييين أينمييا ُوجييد ‪ ،‬وسييتزول‬
‫هذه الحالة عن عامة الشعب اليهودي كذلك ‪ ،‬عندما يأذن رب العزة بزوال علوهم في المرة الثانييية ‪ ،‬وليعييود كييل‬
‫يهود العالم أفرادا وجماعات ‪ ،‬في شتى بقاع الرض إلى حالة الذلة ‪ ،‬التي هي في الصل الحاليية الييتي يسييتحقون‬
‫بمنظور رب العزة ‪.‬‬
‫والسؤال الن ‪ ،‬لماذا كان هذا الفصل وهذا الستثناء ؟‬
‫س ‪ :‬الستثناء هنا يفيييد رفييع حاليية الّذليية ‪ ،‬لتصييبح حييالهم ميين ) الييذل والصييغار‬
‫ن الّنا ِ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل ‪َ ،‬و َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ِإّل ِب َ‬
‫والخضوع والنخفاض ( إلى العكس تماما ‪ ،‬أي ) العز والستكبار والسطوة والرتفاع ( ‪ ،‬وهذا ممييا يفيييد معنييى‬
‫العلو ‪ ،‬وهذا الستثناء يوضح أن العلو سيكون على حالين ‪ ،‬فالعلو الول كان بحبل ال ‪ ،‬أي باتكالهم على ال فييي‬
‫نشأته وتمكينه من خلل الوحي والنبوة ‪ ،‬وأن العلو الثاني سيكون بحبل الناس ‪ ،‬أي باتكالهم على الناس في نشأته‬
‫وتمكينه من خلل المساعدات المالية والعسكرية ‪.‬‬
‫ن في جمال ودقة التعبير القرآني ‪ ،‬واستخدام كلمة ) حبل ( في هذا المقام ‪ ،‬فالحبل ُيرفع به دلييو الميياء ‪ ،‬ميين‬
‫وتمع ّ‬
‫قعر البئر إلى قمته ‪ ،‬فهو وسيلة لنتشال الشيء ‪ ،‬من أدنى حالته وإيصاله إلى أعلها ‪ ،‬ومن قوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم ‪ ،‬لصاحب الناقة " اعقل وتوكل " ‪ ،‬نجد أنه وسيلة ربط لحكام الشيء وإبقاءه على حاله ‪.‬‬
‫وهذا ما تحقق في الواقع ‪ ،‬فقد استطاع اليهيود بعيد أن كييانوا فيي القياع ‪ ،‬ميين تسيلق الحبييل المريكيي البريطياني‬
‫ي التمثييال ‪ ،‬وأخييذوا طرفييه الخيير ولّفييوه‬ ‫ليصعدوا إلى قمة تمثال الحرية ‪ ،‬ومن ثم تناولوا الحبل وربطوه في قرن ّ‬
‫سياجا منعيا حول دولتهم في فلسطين ‪ ،‬حتى أصبح عاّمة المريكييين عبيييدا لليهيود ‪ ،‬يقيّدمون لهييم القرابييين اليتي‬
‫نعلمها ‪ ،‬خشية أن يسحب اليهود طرف الحبل الذي يمسكونه بإحكام ‪ ،‬فيهيوي رأس التمثيال فيي البحير ‪ .‬وطيرف‬
‫الحبل الخر ليس ببعيد عن أولئك العباد ‪ ،‬فما زال ينتظرهم ليسحبوه ليغرق التمثال وأهله ‪.‬‬
‫ل )‪ . (2‬فييي‬ ‫ن ُدوِنففي َوِكي ً‬ ‫خ فُذوا ِم ف ْ‬
‫نعلم أنّ ال قد حّذرهم من اتخاذ وكلء غيره ‪ ،‬في افتتاحية السورة قائل ) َأّل َتّت ِ‬
‫العلو الول لهم كانوا قد طلبوا العون من ال ‪ ،‬لقامة الدولة في الرض المقدسة ‪ ،‬وكان اتكالهم على الي لداميية‬
‫سِبيِل )‪ 246‬البقرة ( فآتاهم ال ما طلبييوا ) َوَلَقفْد آَتْيَنففا َبِنففي‬ ‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬
‫ي َلُهْم اْبَع ْ‬‫وجودها ‪ِ ) ،‬إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫ن )‪ 16‬الجاثية ( فجمييع لهييم الملييك‬ ‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬
‫ضْلَناُهْم َ‬
‫ت َوَف ّ‬
‫طّيَبا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫حْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهْم ِم ْ‬ ‫ب َواْل ُ‬
‫سَراِئيَل اْلِكَتا َ‬‫ِإ ْ‬
‫والنبوة في داود وسليمان عليهما السلم ‪ .‬وأما في العلو الثاني كانوا قد طلبوا العون من ) بلفور ( لقامة الدوليية ‪،‬‬
‫عَلْيِه فْم‬
‫والتكال على بريطانيا ليجادها وعلى أمريكا لدامة وجودها فكان لهم مييا أرادوا ) ُث فّم َرَدْدَنففا َلُك فْم اْلَك فّرَة َ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪ 6‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ن َو َ‬‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬

‫‪49‬‬
‫ولو لم يأتي هذا الستثناء في سورة آل عمران ‪ ،‬وبقي على حاله كما هو في سورة البقرة ‪ ،‬لتناقض ذلك مع قييوله‬
‫عُلّوًا َكِبيَرًا ( ‪ ،‬سبحانه وتعالى عن ذلك علييوا‬
‫ن ُ‬
‫ن ‪ ،‬وَلَتْعُل ّ‬
‫ض ‪َ ،‬مّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫تعالى في سورة السراء ‪َ ) ،‬لُتْف ِ‬
‫كبيرا ‪.‬‬
‫سَكَنُة ‪ :‬أي الحاجة للغيير والتسييول بل خجيل ‪ ،‬فل كرامية ول عييزة ول إبيياء لهيم ‪ ،‬فل يوجيد‬
‫عَلْيِهْم اْلَم ْ‬
‫ت َ‬
‫ضِرَب ْ‬
‫َو ُ‬
‫يهودي ‪ -‬وإن كان غنيا ‪ -‬خاليا من زي الفقر والخضوع والمهانة ) وهكذا تكون الطفيليات ( بارعون فييي التسييلق‬
‫على ظهور غيرهم بمكرهم ودهائهم ‪ ،‬لقضاء حاجاتهم الدنيوية الدنيئة ‪.‬‬

‫مجيء اليهود من الشتات ‪:‬‬

‫ن البعض ‪ ،‬بناءا على عبارة ) جئنا بكم لفيفا ( أن وعد الخييرة مييا زال بعيييدا عيين التحقييق ‪ ،‬كييون تجّمييع بنييي‬ ‫يظ ّ‬
‫ن فييي‬‫إسرائيل في فلسطين لم يكتمل بعد ‪ ،‬فالكثير منهم – تقريبا النصف – ما زال في الدول الغربية ‪ ،‬وهييذا الظ ي ّ‬
‫غير محّله وينّم عن عدم معرفة بحقيقة الشخصية اليهودية ‪ ،‬فاليهود المنتشرون كالجراد في شرق العالم وغربه ‪،‬‬
‫لن يهاجروا إلى فلسطين إل في حالة واحدة إذا ُأجييبروا عليى ذلييك ُمكرهييين ‪ ،‬أو ُدّمير العيالم بأسييره وليم يبييق إل‬
‫فلسطين ليهاجروا إليها ‪ ،‬وهذا غير وارد في المنظييور القريييب ‪ ،‬ودمييار إسييرائيل القييادم سيييكون سييابقا بييل سييببا‬
‫لنهيار العالم الغربي ودماره ‪.‬‬
‫فاليهود كائنات طفيلية ‪ ،‬ل تستطيع العيش بمعزل عن الخرين من غير اليهود ‪ ،‬وحييتى الدوليية اليهودييية تتصييف‬
‫بنفس الصفة ‪ ،‬فهي ل تستطيع البقاء والمحافظة علييى وجودهييا وكيانهييا ‪ ،‬بييدون المسيياعدة الخارجييية ميين الييدول‬
‫الغربية ‪ ،‬والتسّول الدائم والمستمر ‪ .‬وهذه هي المسكنة الييتي ضييربها الي عليهييم ‪ ،‬ولزمتهييم علييى ميّر تيياريخهم‬
‫ل والمخزي والمستمر ‪ ،‬للمحرقة‬ ‫ل على ذلك التسويق المذ ّ‬ ‫الطويل ‪ ،‬في غناهم وفقرهم وفي ذّلهم وعلوهم ‪ .‬ول أد ّ‬
‫النازية والتي جعلوا منها ومن تهمة معاداة السامية ‪ ،‬مسييمار جحييا فييي حلييق الشييعوب الغربييية لبتزازهييا ونهييب‬
‫خيراتها وخاصة ألمانيا ‪ ،‬فهم عالة على كل من آواهم ‪ ،‬وهذا ما يشهد به تاريخهم ‪ ،‬وكييان سييببا – بالضييافة إلييى‬
‫غدرهم ومكرهم ومؤامراتهم ‪ -‬في اضطهادهم ‪.‬‬
‫واليهود هم أول من ابتكر الربا ويعيشون به وعليه ‪ ،‬والن هييم يملكييون معظييم بيييوت المييال العالمييية إن لييم تكيين‬
‫كلها ‪ ،‬حتى البنوك المركزية المريكية والبريطانية ‪ ،‬وحق إصدار النقد فيها ‪ ،‬فهل من المعقول أن يتركوا العجل‬
‫الذهبي ‪ ،‬ويغادروا جّنة إلههم بمحض إرادتهم ؟! طبعا ل ‪ ،‬فهذا ضرب من الخيال ‪ ،‬لييذلك أسييتطيع الجييزم – لمييا‬
‫ن تجّمعهم في فلسطين بكّلهم وكليلهم لن يكون ‪ ،‬وللعلم فإن معظم المهيياجرين اليهييود ‪ ،‬كييانوا ميين بلييدان‬ ‫تقدم – بأ ّ‬
‫أوروبا الشرقية المعروفة بفقرها ‪ ،‬وأما الغربيون فأعدادهم قليلة جدا ‪.‬‬
‫ت في مجمل معاني لفيفا ما ُيفيد تجّمع كل اليهود في فلسطين كشرط لتحّقييق وعييد الخييرة ‪،‬‬
‫فضل عن ذلك ‪ ،‬لم يأ ِ‬
‫صل ‪ ،‬فالدول التي هاجروا‬ ‫والمعنى المستفاد منها هو الختلط في الصول والجمع من أماكن مختلفة وهذا قد تح ّ‬
‫منها شملت معظم أرجاء المعمورة وهي غنّية عن التعريف وهذا هو المراد ‪.‬‬
‫ضييحها ‪ ،‬فل‬ ‫أما فيما يخص السنن اللهية في القرى الظالمة ‪ ،‬فقد وردت في هذا البحث الكثير من اليات التي تو ّ‬
‫أسرع من النتقام اللهي ليحل بها ‪ .‬وظلم اليهود وعلوهم واستكبارهم وعنجهّيتهم وعنصييرّيتهم ‪ ،‬ومحيياربتهم لي‬
‫ورسوله وأولياؤه وقتل البرياء العّزل ‪ ،‬وهدم البيوت واستلب الراضي واقتلع أشجارها واستيطانها ‪ ،‬ومنعهم‬
‫مساجد ال أن ُيذكر فيها اسمه وتدنيسها فاق كل تصّور ‪ ،‬وأوجب عقييابه سييبحانه لهييم منييذ زميين بعيييد ‪ .‬ولييول أن‬
‫ظم شأنه ضرب لهم موعد لن ُيخلفوه ‪ ،‬وأن أرضه المقدسة تزخر بأوليائه الصالحين‬ ‫عُ‬ ‫الحكيم العليم جّلت قدرته و َ‬
‫‪ ،‬لنزل الن عليهم رجزا من السماء ‪ ،‬كما أنزله على أسلفهم ‪ ،‬لمجرد تبديلهم للقول والهيئة عند دخول القرية ‪،‬‬
‫ن عقابهم سيكون مختلفا رحمية مين ربيك بعبيياده الصييالحين هنيياك ‪ ،‬لكيل‬ ‫لعنهم ال بكفرهم قليل ما يؤمنون ‪ .‬ولك ّ‬
‫ج فَل‬
‫ن َأ َ‬
‫ت ( ‪ ،‬و ) ِإ ّ‬
‫ل ٍ‬
‫لف َ‬
‫ج فَل ا ِّ‬
‫ن َأ َ‬
‫يسوءهم العذاب فضل عّما أساء لهم أولئك الوغاد ‪ ،‬فليرتقبوا إّنا مرتقبون ) َف فِإ ّ‬
‫ن )‪ 4‬نوح ( ‪.‬‬
‫خُر َلْو ُكنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫جاَء َل ُيَؤ ّ‬
‫ل ِإَذا َ‬
‫ا ِّ‬
‫تعني عملية ربط نفاذ وعد الخرة بتجّمع كل اليهود في فلسطين ‪ ،‬أن وعد الخرة لن يتحقيق حيتى قييام السياعة ‪،‬‬
‫وهذا مخالف لما نراه على أرض الواقع ‪ ،‬حيث وصل الظلم اليهييودي أقصييى مييداه ‪ ،‬ومخييالف أيضييا لمييا تحكيييه‬

‫‪50‬‬
‫النصوص ‪ ،‬إذ أن هناك عودة أخرى للفساد ‪ ،‬وهناك عقاب آخر سينطق فيه الحجر والشجر قبييل قيييام السيياعة ‪،‬‬
‫التي أصبحت أشراطها الكبرى على البواب والناس عنها غافلون ‪.‬‬

‫ما ُتخبر عنه اليات في السورة ‪ ،‬ليس وعدا بنصر للمؤمنين ‪ ،‬وإنمللا وعللد‬
‫استثنائي بعقاب بني إسرائيل ‪:‬‬

‫ب )‪ 167‬العراف ( تقيّرر هييذه‬ ‫سوَء اْلَعَذا ِ‬


‫سوُمُهْم ُ‬
‫ن َي ُ‬
‫عَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ‬
‫ن َ‬
‫ك َلَيْبَعَث ّ‬
‫ن َرّب َ‬
‫قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ‬
‫الية الكريميية ‪ ،‬بيأن الي سييبعث عليى بنييي إسيرائيل ‪ ،‬مين يسييومهم سييوء العييذاب إلييى قييام السياعة ‪ .‬إذًا هنياك‬
‫استمرارية للبعث وهناك استمرارية للعذاب ‪ .‬وقد وقع العذاب فيهم على أيدي وثنيون ونصييارى ومسييلمون علييى‬
‫مّر تاريخهم الطويل ‪ ،‬مما يؤكد أن العذاب الخاص بوعدي المرتين ‪ ،‬هو حالة استثنائية خاصة مختلفة عّما تقّرره‬
‫الية أعله ‪ ،‬وأن الذين سُيوقعونه بهم أناس استثنائيون أيضا ‪ ،‬وهذا الستثناء جاء لما يملكييونه ميين صييفات علييى‬
‫رأسها صفة البأس الشديد ‪ ،‬ذلك أن إفساد بني إسرائيل المقترن بالعلو في كلتا المرتين ‪ ،‬أعظم من أي إفساد سابق‬
‫أو لحق ‪ ،‬مما يتطّلب بعث أناس هم أهل لما يريده ال لبني إسرائيل من العذاب الشديد ‪.‬‬
‫كييانت نصييوص هيذه النبيوءة قييد ُأنزليت علييى موسيى عليييه السيلم ‪ ،‬قبييل ‪ 3‬آلف سينة تقريبييا مين الن ‪ ،‬وقبييل‬
‫‪1600‬سنة من مجيء السلم تقريبا ‪ ،‬وُكشفت نصوصها لبني إسرائيل بعد نكوصهم عن الدخول إلييى فلسييطين ‪،‬‬
‫صييل لهييم‬
‫وقبل سنوات التحريم والتيه ‪ .‬وهي في الواقع تحكي حالتين اسييتثنائيتين ميين تاريييخ بنييي إسييرائيل ‪ ،‬يتح ّ‬
‫ي في فلسطين ‪ ،‬يشترط فيهما سبحانه الحسان وتجّنب السيياءة ‪ ،‬فييإن أحسيينوا أحسيين إليهييم ‪ ،‬وإن‬ ‫فيهما علو أمم ّ‬
‫أساءوا أزال علوهم وعّذبهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬وقد وعييدهم بإطاليية أمييد هييذا العلييو إليهييم طالمييا هييم محسيينون ‪،‬‬
‫والساءة إليهم بعقابهم وبإزالة هذا العلو طالما هم ُيسيئون وُيصّرون على الساءة ‪.‬‬
‫ولعلمه المسبق بإفسادهم بعد التمكن من العلو فيها في المرتين ‪ ،‬أخبرهم سبحانه بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬مؤكدا‬
‫سم تستشعر من خلله التحّدي اللهي لهم ‪ ،‬كونهم دائبون على تحّديه بمحاربيية رسييله وأولييياءه وشييرائعه ‪.‬‬‫ذلك ِبَق َ‬
‫وأنهم كلّما علوا في الرض سيفسدون فيها بالرغم من تحذيرهم هذا ‪ ،‬معلنين حربهم عليه سبحانه ‪ ،‬لينالوا غضبه‬
‫صل ذلك منهم ‪ ،‬وعييدهم ربهيم بييأن يبعيث عليهييم فييي كيل مييرة‬
‫وسخطه عليهم مما يستوجب انتقامه ‪ .‬وعندما يتح ّ‬
‫عبادا له أولي بأس شديد ‪ ،‬ليعيدونهم إلى موقعهم الحقيقي من العراب بين المم ‪.‬‬
‫لنؤكييد هنييا علييى أن مييا ُتخييبر عنييه سييورة السييراء حصييرا ‪ ،‬هييو وعييد إلهييي بعقيياب وعييذاب لليهييود لفسييادهم‬
‫واستعلئهم في الرض ‪ ،‬ل وعدا إلهيا بتحرير فلسطين ‪ ،‬بغض النظر عن أي اعتبارات أخييرى ‪ ،‬وفييي التعقيييب‬
‫ف البشرى للمييؤمنين ‪ .‬أمييا نصيير المييؤمنين ميين‬
‫على هذا الخبر ‪ ،‬كانت إحدى الحكم اللهية للخبار عنه ‪ ،‬هي ز ّ‬
‫أهل فلسطين ‪ ،‬الذين نصروا ال بصبرهم ورباطهم وثباتهم ‪ ،‬فالخبار عنه والوعد به جاء فييي سيينن إلهييية عاميية‬
‫بنصر المؤمنين والمستضعفين من عباده في مواضع أخرى من القرآن ‪ ،‬فل نخلط بين المرين ‪.‬‬

‫من هم هؤلء العباد ‪ ،‬ولماذا هم ‪ ،‬وما الذي يجري في الحقيقة ؟‬

‫ل بهيم‬‫يؤكد النص القرآني ‪ ،‬في اليات من ) ‪ ( 7-5‬من سورة السيراء ‪ ،‬أن العقياب اللهيي لبنيي إسيرائيل سييح ّ‬
‫خرهم ال جّلت قدرته ‪ ،‬من أجل القيام بهذه المهمة العظيميية ‪ ،‬واختييارهم لهييذه‬ ‫على أيدي بشر ‪ ،‬طائفة من خلقه س ّ‬
‫المهمة لتصافهم بالبأس الشديد ‪ ،‬وغاية هذه المهمة هي النتقام ‪ ،‬وهذا النتقام إلهي الطابع ‪ ،‬وصفته شديد الوقييع‬
‫والتيأثير ‪ .‬وبالتييالي ميين الضيرورة بمييا كييان أن يمتلييك أولئك العبيياد ‪ ،‬مخزونييا هييائل وكّمييا ضيخما ‪ ،‬مين الحقييد‬
‫جه لبني إسرائيل لسبب أو لخر ‪ ،‬مما أوجد لديهم رغبية شييديدة وملحيية فييي النتقييام منهييم ‪ ،‬حييتى‬ ‫والكراهية المو ّ‬
‫يتوافق ذلك مع مقتضى الرادة اللهية في النتقام ‪ ،‬وليتجلى ذلك العييذاب فييي أبشييع صييوره ‪ ،‬كمييا لييو أنييه ُأنييزل‬
‫عليهم من السماء ‪ .‬وتوحي اليات بأن هناك علقة عدائية ما بين اليهود وأولئك العباد ‪ ،‬نشأت منييذ نهاييية علييوهم‬
‫الول وتجّددت مع بداية علييوهم الثيياني ‪ ،‬واسييتمرت وتزايييدت مييع مييرور الزميين ‪ ،‬وأن سييبق العييداء والعتييداء‬
‫اليهودي على أولئك العباد ‪ ،‬سيكون السبب في خروج أولئك العباد عليهم ‪ ،‬ولتوضيح ما خفييي بييين السييطور فييي‬
‫هذا النص القرآني الكريم ‪ ،‬سنقوم بطرح مثال قريب إلى أذهاننا ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫صل لسببين ‪ :‬الشعور بالجوع أو‬ ‫لنأخذ مثل الرادة أو الرغبة في الكل وهي عادة ل تأتي عبثا ‪ ،‬وفي الغالب تتح ّ‬
‫شِره يأكل في العادة دون الحاجة للشعور بيالجوع ذليك لنهييا طبيع‬ ‫لوجود صفة الشراهة في النسان ‪ ،‬والنسان ال َ‬
‫ملزم له ‪ ،‬فتخّيل أن إنسانا كهذا كان جائعا فضل عن شراهته ‪ ،‬وعند نزوله من إلى الشارع مّر بمطعم ‪ ،‬فشيياهد‬
‫من خلل الواجهة الزجاجية دجاجة مشوية ‪ ،‬بالتأكيد ستتوّلد لديه رغبة شديدة في التهام تلك الدجاجة الشهية علييى‬
‫الفور ‪ ،‬للشعور باللذة والمتعة ولطفاء تلك الرغبة ‪ ،‬وعندما هّم بالدخول تبّين لييه أن المطعييم مغلييق للسييتراحة ‪،‬‬
‫وحسب اللفتة الموجودة على الباب ‪ ،‬تبين له أن المطعم لن ُيفتح قبل عشر دقائق ‪ .‬والييذي حصييل مييع صيياحبنا ‪،‬‬
‫أنه لم يترك المر ويمضي في حال سبيله ‪ ،‬بل أخذ المر على أنه موضوع شخصي كونه ذو طبع شييره ‪ ،‬وكييأن‬
‫الدجاجة اعتدت عليه بتعّرضها له في الطريق وطعنته في مقتييل ‪ ،‬فاتخييذ قييرارا بالنتقييام منهييا ‪ ،‬لكييي ُيزيييح عيين‬
‫كاهله عبء ذلك الوضع وذلك الشعور المييزري ‪ ،‬اليذي فرضيته علييه تليك الدجاجية بميا سيّببته ليه ميين اسيتثارة‬
‫ل النتظييار ‪،‬‬‫واستفزاز ‪ .‬ولكن هل يستطيع تنفيذ رغبته في النتقييام ميين الدجاجيية ؟ كل ! … إذن ل منيياص لييه إ ّ‬
‫لحين مجيء الموعد المنتظر ‪ ،‬فقّرر النتظار ريثما يفتح المطعم … والن تخيل سلوك ذلك النسان ‪ ،‬لحظة فتح‬
‫الباب وحتى لحظة وقوع الدجاجة بين يديه … ! وتخيل ما الييذي سيييفعله بتلييك الدجاجيية حييتى ينتهييي ميين أمرهييا‬
‫… ! وتخيل ما بقي من حطامها … ! وتخيل منظر الطاولة لحظة النتهاء منها … ! وتخيل منظره لحظة تركه‬
‫لساحة المعركة … وهو يشعر بنشوة النتصار … الذي حققه وباقتدار … على تلك الدجاجة المزعجة … !‬
‫أخبر سبحانه بأن عقابه لبني إسرائيل ‪ ،‬سيكون من فعل البشر ‪ ،‬والسييلوك البشيري فييي بعيض ميين جيوانبه ‪ ،‬هيو‬
‫مجموعة من الحوادث المتكررة ‪ .‬وما نحن بصدده فييي هييذا المقييام ‪ ،‬هييو القييانون الفيزيييائي ) لكييل فعييل رد فعييل‬
‫معاكس له بالتجاه ( ولكن ليس مساو له بالمقدار ‪ ،‬فرد الفعل في السلوك البشري تتدخل فيه عوامييل كييثيرة تغييير‬
‫من مقدار رد الفعل ‪ ،‬ومن قراءتنا للنص القرآني وفهمنا له ‪ ،‬نجد أن هذا العقاب اللهي ‪ ،‬سينفذ في بنييي إسييرائيل‬
‫على أيدي بشر ‪ ،‬وسيكون غاية في البطش والتنكيل والذلل ‪.‬‬
‫وهذا السلوك البشري ل يقوم به إل من كان يعتمل في صدورهم رغبة شديدة فييي النتقييام ‪ .‬ورغبيية النتقييام لييدى‬
‫البشر ل تنشأ عبثا ‪ ،‬فغالبا ما تكون رّد فعل لفعل سابق ‪ .‬بمعنى أن الرغبة في النتقام لدى شخص ما ‪ ،‬تنتج عادة‬
‫لسبق العتداء من قبل شخص آخر ‪ ،‬فغالبا ما يتسبب الشخص المعتِدي ‪ ،‬في إيقاع الذى بالشخص المعتَدى عليه‬
‫‪ ،‬سواء كان هذا العدوان جسديا أو نفسيا ‪ ،‬مما ُيشكل خطرا وتهديدا على كيان المعتيَدى علييه برّمتيه ‪ ،‬مين حييث‬
‫المن والسلمة النفسية والجسدية ‪ ،‬فُيشّكل هذا العدوان استفزازا واستثارة ‪ ،‬تجعل المعتدى عليه يعيش حاليية ميين‬
‫التوتر والقلق ‪ ،‬تؤدي به أخيرا إلى القيام برد العييدوان بعييدوان أشييد قسييوة وأكييثر إيلمييا وتنكيل ‪ ،‬حييتى يتخّلييص‬
‫المعتَدى عليه من تلك الحالة ‪ ،‬بالضافة إلى رد اعتباره أمام نفسه وأمام الخرين ‪ ،‬ولدرء خطيير تكييرار العييدوان‬
‫من قبل المعتِدي نفسه أو من قبل غيره ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان ‪ ،‬يتكرر نفس السلوك البشري لشخص ما ‪ ،‬عند تعرضه لنفس المثير فييي أوقييات مختلفيية ‪.‬‬
‫وفي أحيان كثيرة يتشابه سلوك شخص ما لدرجة التطابق مع سييلوك شييخص آخيير تعييرض لنفييس الموقييف ‪ ،‬وإن‬
‫اختلف فالختلف إما أن يكون ‪:‬‬
‫أول ؛ في درجة الشدة ‪ ،‬للفعل نفسه من ) شتم ‪ ،‬أو ضرب ‪ ،‬أو إيذاء بليغ أو قتل ( ‪.‬‬
‫ثانيا ؛ في درجة الشدة لرد الفعل من ) اكتئاب ‪ ،‬أو امتعاض ‪ ،‬أو شتم أو ضرب أو إيذاء بليغ أو قتل ( ‪.‬‬
‫ثالثا ؛ في طبيعة الشخص المعتدى عليه ) فإن كان ذليل ربما يكتئب ‪ ،‬وإن كييان جبانييا ربمييا يمتعييض ‪ ،‬وإن كييان‬
‫قويا فيه لين ربما يشتم أو يضرب ‪ ،‬وإن كان عزيزا وقويا ربما يقتل وينكل ( ‪.‬‬
‫وبما أن السلوك البشري حدث متكرر فهو قابل للدراسة والمقارنة ‪ ،‬وسورة السييراء أعطييت صييورة ميين صييور‬
‫هذا السلوك ‪ ،‬لولئك العباد في التعامل مع بني إسرائيل ‪ .‬وتصوير السلوك البشري يظهر في مواضع كثيرة أثناء‬
‫السرد القرآني للقصة ‪ ،‬الذي يعتمد التصوير بإيجاز شديد ‪ ،‬ليلقي على كاهيل القيارئ تخييل بقيية تفاصييل القصية‬
‫التي اختفت بسبب اليجاز ‪ ،‬وما كان المثال السابق إل ليضاح الجانب الخفي ‪ ،‬مما تحكيه النصوص من أحييداث‬
‫غير ظاهرة ‪ ،‬تغيب في العادة عن ذهن القارئ أثناء التلوة العادية لليات ‪.‬‬
‫ما تحصل لدينا من ملمح لسلوك هؤلء العباد ‪ ،‬ومن أحداث من خلل اليات ‪ ،‬هو ما يلي ‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ .1‬صفة البأس الشديد ‪ :‬اتصاف هؤلء العباد بالصبر والجلد عند البلء وبالقوة والبطش عند اللقاء ‪.‬‬
‫صلهم على العلو الكبير ‪.‬‬
‫‪ :‬قيام بنو إسرائيل بالعتداء على هؤلء العباد ‪ ،‬بعد تح ّ‬ ‫‪ .2‬رّد الكّرة‬
‫ظم الظلم والفساد في الرض ‪ ،‬فكلما ازدادت وتيرته كلما اقترب ‪.‬‬
‫‪ :‬متعّلق بِع َ‬ ‫‪ .3‬مجيء الوعد‬
‫‪ :‬الخروج للغزو والغارة ‪ ،‬يقيترب كلميا ازدادت وتيييرة السيتفزاز والتهدييد ‪ ،‬وتناقصيت‬ ‫‪ .4‬البعث‬
‫الُمعيقات والموانع ‪.‬‬
‫‪ :‬سلب مقومات العلو اليهودي في فلسطين ‪.‬‬ ‫‪ .5‬دخول المسجد‬
‫ظم النتقام وبشاعته ‪ ،‬باليذاء والقتل والتنكيل والتهجير والسبي ‪.‬‬
‫عَ‬
‫‪ِ :‬‬ ‫‪ .6‬إساءة الوجه‬
‫تتبع وقارن ما بين معطيات السلوكين ‪:‬‬
‫)‪ (1‬توافر صفة الشراهة ‪ ( (2‬استفزاز وإثارة من قبل الدجاجة ‪ ( (3‬توّلد الرادة والرغبة في الكفل‬
‫‪ ( (4‬الستعداد والتهيئة وانتظار الظروف المواتية ‪ ( (5‬مجيء الموعييد الييذي حيّدده صيياحب المطعييم‬
‫بانتهاء فترة السييتراحة ‪ ( (6‬النطلق نحييو الدجاجيية ‪ :‬بعييد فتييح البيياب وتمكييين الوصييول ‪ ( (7‬دخييول‬
‫المطعم ‪ ( (8‬التلذذ والستمتاع بالتهام الدجاجة )‪ (9‬ل وجود للدجاجة ‪.‬‬
‫)‪ (1‬توافر صفة البأس الشديد ‪ ( (2‬استفزاز وإثييارة بسييبق الييذاء والعتيداء مين قبيل بنيي إسييرائيل علييى‬
‫أصييحاب البعييث ‪ ( (3‬توّلييد الرادة والرغبيية فييي النتقييام ‪ ( (4‬السييتعداد والتهيئة وانتظييار الظييروف‬
‫المواتية ‪ ( (5‬مجيء الوعد ‪ :‬مع ازدياد وتيرة الظلم والفساد اليهودي في الرض وازديففاد خطففر العففدوان‬
‫اليهودي على المراد بعثهم ‪ ( (6‬النطلق نحو بني إسرائيل ‪ :‬بعد زوال الموانع وتوفر السباب ‪( (7‬‬
‫دخول المسجد ‪ ( (8‬النتقام بالتلذذ والستمتاع بالتنكيل ببني إسرائيل )‪ (9‬ل وجود لسرائيل ‪.‬‬
‫الملمح الخفية التي ظهرت من خلل المقارنة هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرورة سبق الستفزاز اليهودي لولئك العباد ‪ ،‬بإضرارهم وإيذائهم بشييكل بييالغ الثيير ‪ ،‬والتهدييد الييدائم‬
‫بإبادتهم واستئصال شأفتهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬توّلد حالة من التوتر والقلق والقهر ‪ ،‬لدى أولئك العباد ُيخّلفها ذلك التهديد بالعدوان ‪.‬‬
‫‪ .3‬تولد الرادة والرغبة بالنتقام لدى أولئك العباد ‪ ،‬برّد الصاع صاعين لدفع الذى والضرر ورّد العتبار ‪.‬‬
‫‪ .4‬العمل والستعداد والنتظار ‪ ،‬ريثما تأتي اللحظة المناسبة التي ُتمّكنهم من النقضاض ‪.‬‬
‫والن لنطرح السئلة التالية ‪:‬‬
‫من الشعب الذي يمتلك صفة الصييبر والجلييد عنييد وقييوع البلء ‪ ،‬والقييوة والبطييش عنييد مواجهيية‬ ‫‪.1‬‬
‫العداء ؟‬
‫من الشعب الذي ُهزم من قبل اليهود عند نشوء دولتهم ‪ ،‬والوحيد الذي استمر اليهود ‪ ،‬في إيذاءه‬ ‫‪.2‬‬
‫والعتداء عليه ‪ ،‬بشكل مباشر وغير مباشر ‪ ،‬وما زالوا حتى يومنا هذا ‪ ،‬وسيسييتمرون فييي إيييذاءه حييتى‬
‫ُيجبروه على الخروج عليهم ؟‬
‫من الشعب الذي ُيظهر رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ‪ ،‬والقضاء عليهم وإنهاء وجييودهم ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وما بقي عليه إل أن ُيهيئ ال له ‪ ،‬أسباب الخروج والنبعاث ؟‬
‫من الشعب الذي ُبعث عليهم في المرة الولى ‪ ،‬ودّمر مملكتهم فييي فلسييطين بالييذات ؟ وأييين تقييع‬ ‫‪.4‬‬
‫الرض التي خرج منها الن ؟‬
‫من الشعب العزيييز والقيوي ‪ ،‬الييذي ل يقبييل الخضييوع والييذل والهيوان ‪ ،‬ولييديه القيوة والقييدرة ‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ل واقتدار ؟‬
‫ليفاجئهم ويكيل لهم الصاع صاعين ‪ ،‬وينزل بهم أبشع انتقام إلهي ‪ ،‬وبتج ّ‬

‫‪53‬‬
‫شروط ومواصفات المرة ‪:‬‬

‫والن لنحاول استنباط الشروط والمواصفات ‪ ،‬التي يجب توافرها في المرة الواحدة ‪ ،‬ليصييبح لييدينا مقييياس ينييأى‬
‫بنا عن التخبط والعشوائية والجتهاد الخاطئ ‪ ،‬نستطيع من خلله تقييييم كييل حاليية ميين الحييالت المعروضيية بييين‬
‫أيدينا ‪ ،‬لجل التحقق وبدقة متناهية من كونها إحدى المرتين أم ل ‪-:‬‬
‫أوجه التشابه بين المرتين ‪:‬‬
‫‪ .1‬المكان ‪ :‬الرض المقدسة ‪ -‬فلسطين ‪.‬‬
‫‪ .2‬صفة الفساد ‪ :‬أممي جماعي ‪ -‬القتل وسفك الدماء ‪ ،‬إخراج الناس من ديارهم ‪ ،‬محاربة الي ومييا جيياء بييه‬
‫رسله ‪.‬‬
‫‪ .3‬العلو ‪ :‬الستعلء ‪ -‬امتلك الرض والمال والقوة ‪.‬‬
‫‪ .4‬صفة المبعوثين ‪ :‬أقوياء وأعزاء ‪ -‬يفضلون الموت على الذل والمهانة ‪ ،‬ول يقبلييون بأقييل ميين رّد الصيياع‬
‫صاعين ‪ ،‬ومخرجهم من نفس الرض في المرتين ‪.‬‬
‫‪ .5‬صفة العقاب ‪ :‬انتقام إلهي ‪ -‬الدخول بالغلبة قسرا وقهرا ‪ ،‬وهدم مقومات الدولة ‪ ،‬وإفناء شعبها ‪ ،‬والشييتات‬
‫لمن ينجو منهم ‪.‬‬
‫علمات فارقة تميز كل مرة عن الخرى ‪:‬‬
‫النشأة والستمرارية ‪ :‬تواكلية ‪ -‬إحداهما بالتواكل على ال ‪ ،‬والخرى بالتواكل على الناس ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫المجيء ‪ :‬مختلف ‪ -‬دخول فلسطين كأمة في الولييى ‪ ،‬دخولهييا كجماعييات متفرقيية ميين الشييتات فييي‬ ‫‪.2‬‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫الوعد ‪ :‬الول ‪ -‬تحقق قبل نزول سورة السراء ‪ ،‬والثاني ‪ -‬سيتحقق في مستقبل المة السلمية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫هل من المكن أن يبعث الله الكفرة وُيسّلطهم على من شاء من عباده ؟‬

‫هذا السؤال كان قد أورده الزمخشري في الكشاف ‪ ،‬حيث قال ‪ ) " :‬عبادا لنا ( ‪ ،‬وُقرئ عبيدا لنا ‪ ،‬وأكثر ما ُيقال‬
‫عباد ال ‪ ،‬وعبيد الناس ‪ ،‬سنحاريب وجنوده وقيل بختنصر … فإن قلت كيف جاز أن يبعث ال الكفييرة وُيس يّلطهم‬
‫عليهم ؟ قلت ‪ :‬معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ‪ ،‬على أن ال أسند بعث الكفرة إلييى نفسييه ‪ ،‬فهييو كقييوله‬
‫ن )‪ 129‬النعام ( " انتهى ‪.‬‬‫سُبو َ‬
‫ضا ‪ِ ،‬بَما َكاُنوا َيْك ِ‬
‫ن َبْع ً‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ض ال ّ‬
‫ك ُنَوّلي َبْع َ‬
‫تعالى ) َوَكَذِل َ‬
‫ي ‪ُ ،‬يييوجب علييى الي تعييالى‬ ‫أما المام أحمد فقد قال ردا على نفس السؤال ‪ " :‬هذا السؤال إنمييا يتييوجه علييى قييدر ّ‬
‫عّما َيْفَعُل‬
‫سَأُل َ‬
‫سئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله ‪ ) :‬لَ ُي ْ‬ ‫ي إذا ُ‬
‫سن ّ‬
‫بزعمه ‪ ،‬رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة ‪ ،‬وأما ال ُ‬
‫ن )‪ 23‬النبياء ( " انتهى ‪.‬‬
‫سَأُلو َ‬
‫َوُهْم ُي ْ‬
‫صل قبل نزول اليات ‪ ،‬حيييث أجمعييت كييل‬ ‫ول ننسى أن الكلم في المسألة أعله ‪ ،‬محمول على أن البعثين قد تح ّ‬
‫الروايات على كفر المبعوثين ‪ ،‬فجاء الكلم رّدا على من قد ينكر على ال بعث الكفرة علييى فسييقة أهييل الكتيياب ‪،‬‬
‫ب العيزة‬
‫ويحصر ذلك بالمؤمنين وهما وظنا واتباعا للهوى ُمقّدرا بأن فيي ذليك كيل المصيلحة والمنفعية ُملزميا ر ّ‬
‫برأيه ‪.‬‬
‫وبالضافة لما تقّدم ‪ ،‬نسوق بعض الدلة من القرآن والسنة ‪ ،‬على تسليط ال النيياس بعضييهم علييى البعييض ‪ ،‬دون‬
‫بيان ماهية المعتقد من حيث اليمان أو الكفر ‪ ،‬وحتى نصرة الدين بالفجار ‪:‬‬
‫ن )‪ 251‬البقرة (‬
‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬
‫ضٍل َ‬
‫ل ُذو َف ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫ض َوَلِك ّ‬
‫ت اَْلْر ُ‬
‫سَد ِ‬
‫ض َلَف َ‬
‫ضُهْم ِبَبْع ٍ‬
‫س َبْع َ‬
‫ل الّنا َ‬
‫قال تعالى ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ‬
‫لف‬
‫س فُم ا ِّ‬
‫جُد ُي فْذَكرُ ِفيَهففا ا ْ‬
‫سففا ِ‬
‫ت َوَم َ‬
‫صَلَوا ٌ‬
‫صَواِمُع َوِبَيٌع َو َ‬
‫ت َ‬
‫ض َلُهّدَم ْ‬
‫ضُهْم ِبَبْع ٍ‬
‫س َبْع َ‬
‫ل الّنا َ‬ ‫وقال أيضا ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ‬
‫عِزيٌز )‪ 40‬الحج (‬ ‫ي َ‬‫ل َلَقِو ّ‬‫ن ا َّ‬
‫صُرُه ِإ ّ‬
‫ن َيْن ُ‬
‫ل َم ْ‬‫ن ا ُّ‬
‫صَر ّ‬‫َكِثيًرا َوَلَيْن ُ‬

‫‪54‬‬
‫ل فييي معييرض‬
‫سّلَم ‪ ،‬أنه َقييا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫عْنُه ‪ ،‬عن َر ُ‬
‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬‫ضَ‬‫ومما روى البخاري عن َأِبي ُهَرْيَرَة َر ِ‬
‫جِر ( ‪ ،‬وأخرجه مسلم وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫جِل اْلَفا ِ‬‫ن ِبالّر ُ‬
‫ل َلُيَؤّيُد َهَذا الّدي َ‬
‫ن ا َّ‬
‫حديثه ‪َ … ) :‬وِإ ّ‬
‫فإذا كان الحكيم العليم ينصر دينه بالفجار ‪ ،‬أفل ُيعّذب الكفار بالكفار ؟!!‬
‫أولم ُيسّلط ال التتار على فسقة المسلمين قديما ‪ ،‬وُيسّلط التراك والنصارى واليهود على فسقة المسييلمين حييديثا ‪،‬‬
‫أم أن هذا التسليط كان من عند غير ال ؟!!‬
‫والسؤال هل هناك منفعة أو مصييلحة ‪ُ ،‬ترتجييى ميين بعييث الريييح والحجييارة ‪ ،‬أو بعييث الطييير والضييفادع ‪ ،‬علييى‬
‫القوام السابقة ‪ ،‬طالما أن الغاية هي عقاب الظلمة والمفسدين ؟!!‬

‫الخلصة ‪:‬‬

‫‪ .1‬أن إفساد بنو إسرائيل وعلوهم سيكون كأّمة ‪ ،‬وبقيام دولة لهم في فلسطين لمرتين فقط ‪ ،‬ل ثالث لهما ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن البعث من عند ال ‪ ،‬وأنه عقاب وعذاب لبني إسرائيل لفسادهم في الرض بالدرجية الوليى ‪ ،‬بييالرغم‬
‫من كونه نصرا للمستضعفين من أهل فلسطين الذين انتصروا لربهم ودينهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن هذا البعث متعّلق بموعد ‪ ،‬والمؤشر على قرب أجله ‪ ،‬هو ازدييياد وتيييرة الظلييم والفسيياد اليهييودي فييي‬
‫الرض ‪ ،‬وازدياد حدة التهديد اليهودي لصحاب البعث ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن غاية هذا البعث ‪ ،‬هي النتقام من بني إسرائيل في الدرجة الولى ‪ ،‬وليس مكافأة لصلح المبعوثين أّيييا‬
‫كانوا ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن الوعد الول كان قد ُأنجز فيما مضى قبل مجيء السلم ‪ ،‬بل قبل عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬اشُترط فيه قبل تحقّقه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مجيئهم من الشتات ؛‬
‫ثانيا ‪ :‬هزيمة اليهود للمبعوثين وإلحاق الذى بهم ؛‬
‫ثالثا ‪ :‬اعتماد اليهود على المساعدات المادية والبشرية ؛‬
‫رابعا ‪ :‬تفّوق اليهود عسكريا على أعدائهم ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن للبعث الثاني سبب ‪ ،‬وهو سييبق العتييداء اليهييودي علييى المبعييوثين ‪ ،‬وأن خييروج المبعييوثين عليهييم ‪،‬‬
‫سيكون لرفع الضرر والنتقام لنفسهم ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ‪ ،‬هم نفس المبعوثين عليهم في المرة الولى ‪.‬‬
‫‪ .9‬أن هذا البعث سيكون ُمفاجئا لهم ‪ ،‬وهم في قمة علوهم وتجبرهم ‪ ،‬وسيأتيهم من حيث ل يحتسبوا ‪ ،‬وسيييتم‬
‫قتل اليهود والتنكيييل بهييم ‪ ،‬وميين ثييم دخييول فلسييطين والسيييطرة عليهييا ‪ ،‬مييع انعييدام قييدرة اليهييود علييى صيّد‬
‫المبعوثين ‪.‬‬
‫‪ .10‬أن الدخول الول يعرفه اليهود كمعرفتهم لولدهم ‪ ،‬وليس للمسلمين معرفة بصفته كونهم لم ُيعاصرونه ‪،‬‬
‫ول يمكن معرفته إل من خلل الطلع على كتب اليهود ‪.‬‬
‫‪ .11‬أن تدمير مقومات علوهم في مشارق الرض ومغاربها أمر حتمي ولو بعد حين ‪.‬‬
‫‪ .12‬أن ماهية المعتقد للمبعوثين ُمبهمة ‪ ،‬فمن الجائز أن يكونوا كفرة أو مسلمين أو مييؤمنين أو ميين أولييياء ال ي‬
‫المخلصين ‪ ،‬في كل المرتين أو في مرة دون الخرى ‪ ،‬وأن أهيّم مييا ُيمّيزهييم فييي كل المرتييين هييو اّتصييافهم‬
‫بالبأس الشديد ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬
‫بعد مراجعتي لمعظم اليات القرآنية ‪ ،‬التي تحكي سيرة بني إسرائيل ‪ ،‬تيبّين ليي الكيثير مين الوقيائع المبهمية فيي‬
‫تاريخهم ‪ ،‬والكثير من المفاهيم المغلوطة ‪ ،‬التي كنت أحملها ويحملها عامة المسلمين ‪ ،‬والتي سيييرد تفصيييلها فييي‬
‫هذا الفصل إن شاء ال ‪ .‬كنت سأقتصر بحثي في تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬لثبات تحقق وعد المييرة الولييى ميين علييو‬
‫وإفساد وعقاب ‪ ،‬ولكن تبين لي من خلل الحاديث العامة ‪ ،‬وعند طرحي لموضييوع هيذا البحييث ‪ ،‬أن كييثيرا مين‬
‫الناس يجهلون تاريخ بني إسييرائيل ‪ ،‬وخاصيية ماهّييية الحييداث الييتي حصييلت معهييم وموقعهييا ميين حيييث الزمييان‬
‫والمكان ‪ ،‬والتي ُذكرت متفرقة في القرآن وبل ترتيب في أغلب الحيان ‪ ،‬ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بنييي‬
‫إسرائيل وتعاقبهم ‪ ،‬لذلك كان ل بد لنا من تعقب تاريخهم منذ البداية ‪.‬‬

‫إبراهيم عليه السلم‬


‫ج فَوابَ‬
‫ن َ‬
‫حسبما ورد عن أهل الكتاب فإن إبراهيم عليه السلم كان مقيما في بلدة أور في جنوب العراق ) َفَمففا َكففا َ‬
‫ن )‪ 24‬العنكبييوت ( ‪) ،‬‬ ‫ت ِلَق فْوٍم ُيْؤِمُنففو َ‬
‫لَيففا ٍ‬
‫ك َ‬
‫ن ِفففي َذِلف َ‬
‫ن الّنففاِر ِإ ّ‬
‫ل ِم ْ‬‫جاُه ا ُّ‬
‫حّرُقوُه َفَأن َ‬
‫ن َقاُلوا اْقُتُلوُه َأْو َ‬‫َقْوِمِه إِّل َأ ْ‬
‫طففا ِإَلففى اَْلْرضِ‬‫جْيَنففاُه َوُلو ً‬
‫حِكيُم )‪ 26‬العنكبيوت ( ‪َ ) ،‬وَن ّ‬ ‫جٌر ِإَلى َرّبي ِإّنُه ُهَو اْلَعِزيُز اْل َ‬‫ط َوَقاَل ِإّني ُمَها ِ‬ ‫ن لَُه ُلو ٌ‬‫َفآَم َ‬
‫ن )‪ 71‬النبياء ( ومن ثم انتقل إبراهيم ولوط عليهما السلم إلى فلسطين ‪.‬‬ ‫اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ِلْلَعاَلِمي َ‬
‫وسكن لوط عليه السلم قريتي ) سدوم وعمورة ( حسب تسمية التوراة ‪ ،‬في موضع البحر الميت حاليا ‪ ،‬واسييتمر‬
‫إبراهيم عليه السلم على الرجح ‪ ،‬حتى وصييل إلييى المدينيية المسيّماة باسييمه لغاييية الن – وهييي الخليييل جنييوبي‬
‫القدس ‪ -‬وسكن فيها ‪ ،‬وظاهر النص القرآني يفيد بأنهما لم يكونييا مييتزوجين ‪ ،‬ولييو كانييا كييذلك ليُذِكَر أهلهمييا عنييد‬
‫النجاة ‪ ،‬كما اقترن ِذْكر الهل مع النبياء ‪ ،‬في كل من حالت النجاة والهجرة الييتي وردت فييي القييران ‪ ،‬كمييا فييي‬
‫ظيفِم )‪ 76‬النبييياء ( ‪ ،‬والييية ) َقففاَل ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫ب اْلَع ِ‬
‫ن اْلَكفْر ِ‬
‫جْيَناُه َوَأْهَلُه ِمف ْ‬
‫جْبَنا َلُه َفَن ّ‬
‫سَت َ‬
‫ن َقْبُل َفا ْ‬
‫حا ِإْذ َناَدى ِم ْ‬ ‫الية ) َوُنو ً‬
‫ج فَل‬
‫سففى اَْل َ‬‫ضففى ُمو َ‬
‫ن )‪ 32‬العنكبوت ( ‪ ،‬والية ) َفَلّما َق َ‬ ‫ن اْلَغاِبِري َ‬‫ت ِم ْ‬ ‫جَيّنُه َوَأْهَلُه ِإّل اْمَرَأَتُه َكاَن ْ‬
‫طا … َلُنَن ّ‬ ‫ِفيَها ُلو ً‬
‫ساَر ِبَأْهِلِه )‪ 29‬القصص ( ليفيد ذلك أنهما هاجرا منفردين وفي مقتبل العمر ‪ ،‬وأن الزواج حصل بعد القاميية ‪،‬‬ ‫َو َ‬
‫وعلى الرجح ‪ ،‬من نفس القوام التي دخلوا عليها وعايشوها كأفراد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫سفِميعُ‬
‫ن َرّبفي َل َ‬ ‫ق ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫حا َ‬ ‫سف َ‬‫عيَل َوِإ ْ‬
‫سفَما ِ‬‫عَلفى اْلِكَبفِر ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫ب لففي َ‬‫لف اّلفِذي َوَهف َ‬ ‫حْمفُد ِّ‬‫قال تعالى على لسان إبراهيم ) اْل َ‬
‫ل وعل‬ ‫عاِء )‪ 39‬إبراهيم ( ومرت سنون طويلة ‪ ،‬وبعد أن تقدم إبراهيم عليه السلم فييي العميير ‪ ،‬وهبييه الي جي ّ‬ ‫الّد َ‬
‫ق بإسييحاق فييي شييخوخته ‪ ،‬مين سيارة اليتي كيانت‬ ‫إسماعيل أول من هاجر ‪ ،‬فأسكنه وأمه في مكة ‪ ،‬ومن ثييم ُرِز َ‬
‫ق‬
‫حا َ‬‫سف َ‬
‫ت َفَبشّفْرَناَها ِبِإ ْ‬‫حَك ْ‬ ‫ضف ِ‬
‫عجوزا ‪ ،‬ومن ثم ُوِلَد يعقوب لسحاق عليهما السلم ‪ ،‬قال تعالى ) َواْمَرَأُتفُه َقاِئَمفٌة َف َ‬
‫ب )‪72‬‬ ‫جيف ٌ‬ ‫عِ‬ ‫يٌء َ‬ ‫شف ْ‬‫ن َهفَذا َل َ‬‫خا ِإ ّ‬
‫شفْي ً‬
‫جفوٌز َوَهفَذا َبْعِلفي َ‬ ‫عُ‬‫ت َيَوْيَلَتفا َأَأِلفُد َوَأَنفا َ‬
‫ب )‪َ (71‬قفاَل ْ‬ ‫ق َيْعُقفو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬
‫ن َوَراِء ِإ ْ‬
‫َوِم ْ‬
‫هود ( ‪.‬‬

‫مسألة بناء البيت الحرام والمسجد القصى ‪:‬‬

‫ن )‪ 96‬آل عمران ( ‪.‬‬


‫س َلّلِذي ِبَبّكَة ُمَباَرًكا َوُهًدى ِلْلَعاَلِمي َ‬
‫ضَع ِللّنا ِ‬
‫ت ُو ِ‬
‫ن َأّوَل َبْي ٍ‬
‫قال تعالى ) ِإ ّ‬

‫‪56‬‬
‫ل؟‬ ‫ع أ َوّ َ‬
‫ضـ َ‬
‫جدٍ وُ ِ‬ ‫سـ ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ل الل ّـهِ أيّ َ‬ ‫ســو َ‬ ‫ت ‪ :‬ي َــا َر ُ‬ ‫ل ‪ ) :‬قُل ْـ ُ‬ ‫ه ‪ ،‬قَــا َ‬‫ه عَن ْ ُ‬‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي ذ َّر َر ِ‬
‫وع َ َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صى ‪ ،‬قُل ُ‬
‫ت‬ ‫جدُ الق َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ال َ‬‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫م أيّ ؟ َقا َ‬ ‫ت ‪ :‬ثُ ّ‬‫م ‪ ،‬قُل ُ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫جدُ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ :‬ال َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫صل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صلةُ َ‬ ‫َ‬
‫ما أدَْركت ْك ال ّ‬ ‫حي ْث ُ َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ‪ ،‬ثُ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ل ‪ :‬أْرب َ ُ‬ ‫ما ؟ َقا َ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ َ‬‫م كا َ‬ ‫‪ :‬كَ ْ‬
‫ض لَ َ‬ ‫َ‬
‫جدٌ ( رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه النسائي وابــن ماجــة وأحمــد ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫واْلْر ُ‬ ‫َ‬
‫ضـعَ‬‫جاء في شرح السندي ‪ ،‬لنفس المتن عند ابن ماجة ‪ ،‬مــا نصــه ‪ " :‬قــوله ) وُ ِ‬
‫أول ( بالبناء على الضمة ‪ ) ،‬قال أربعون عاما ( قالوا ‪ :‬ليس المراد بناء إبراهيــم‬
‫للمسجد الحرام ‪ ،‬وبناء سليمان للمسجد القصــى ‪ ،‬فــإن بينهمــا مــدة طويلــة بل‬
‫ريب ‪ ،‬بل المراد بناؤها قبل هذين البناءين ‪ ،‬والله أعلم " ‪.‬‬

‫ومين معيياني ) الوضيع ( ‪ ،‬فيي لسييان العيرب " والمواضييع معروفيية ‪ ،‬وواحييدها موضييع ‪ ،‬والموضييع هيو اسييم‬
‫ضُع الجزية " ‪ ،‬فتوضع الجزييية وتسييقط ‪ ،‬وفييي الحييديث ‪ " :‬و‬
‫المكان ‪ ،‬وفي الحديث ‪ " :‬ينزل عيسى بن مريم فَي َ‬
‫ضَعًا أي اختلقه وأوجده ‪ ،‬ووضع الشيء فييي المكييان‬‫ضَع الشيء َو ْ‬‫ضُع العلم " أي يهدمه ويلصقه بالرض ‪ ،‬وَو َ‬‫َي َ‬
‫أثبته فيه " ‪.‬‬
‫ي ( ‪ ،‬وذلــك يفيــد بـأن الوضـع كـان‬‫ضعَ ( بأي حال من الحوال بمعنى ) ب ُِنـ َ‬ ‫ت ) وُ ِ‬
‫ولم تأ ِ‬
‫للقواعــد فقــط ‪ .‬وقــد ُروي أن آدم عليــه الســلم ‪ ،‬هــو أول مــن بنــى الكعبــة ‪،‬‬
‫واتخذت مكانا ً لعبادة اللـه ‪ ،‬ومـن ثــم تحــول الموضــع لعبــادة الصــنام ‪ ،‬وأزيلـت‬
‫معالم ذلك البناء ‪ ،‬بفعل الطوفان زمن نوح عليه السلم ‪ ،‬واختفت هذه القواعــد‬
‫ضعَ ( في كل الموضعين ‪ ،‬هو‬ ‫نتيجة تراكم التربة ‪ ،‬على مّر السنين ‪ .‬وإعراب ) وُ ِ‬
‫ض مبني للمجهول ‪ ،‬أي أن فاعل الوضع غير معلوم في النــص ‪ ،‬وجــاءت‬ ‫فعل ما ٍ‬
‫بمعنى تعيين وتحديد مكان البيت ‪ ،‬وهناك روايات بأن الملئكة كشفت لدم عــن‬
‫سـاحي الراضـي نسـتطيع القـول أن‬ ‫موضعه ‪ ،‬عنـدما بنـاه لول مـرة ‪ .‬وبلغـة م ّ‬
‫) ُوضع ( ‪ ،‬جاءت بمعنى تحديد وإســقاط إحــداثيات الموقـع علـى الرض وتثــبيت‬
‫حدوده ‪.‬‬

‫ول يختلف اثنان على أن من أعاد بناء البيت الحرام ‪ ،‬همــا إبراهيــم وإســماعيل عليهمــا‬
‫ن َل ت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫السلم ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) وإذْ ب ْ‬
‫ر ْ‬
‫ك‬ ‫ش ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬‫وأَنا ِل ِب َْرا ِ‬‫َ ِ َ ّ‬
‫جوِد )‪26‬‬ ‫سل ُ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه لْر ب َي ْت ِللي ِللطّللائ ِ ِ‬
‫وط َ ّ‬ ‫ش لي ًْئا َ‬ ‫ِبي َ‬
‫والّرك ل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫والقللائ ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬
‫وأنا أي كشفنا وأظهرنا له موضعه ومكّناه منه وأذنا له في بنائه ‪ ،‬ومن‬ ‫الحج ( ‪ ،‬ب ّ‬
‫ع لدَ‬ ‫وا ِ‬
‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫هي ل ُ‬
‫ع إ ِب َْرا ِ‬ ‫ف ُ‬‫وإ ِذْ ي َْر َ‬‫ثم كان البناء برفعه فوق القواعد ‪ ،‬في قــوله ) َ‬
‫ل )‪ 127‬البقــرة ( ‪ ،‬والغايــة مــن بنــاءه هــو جعلــه مكانــا‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬‫وإ ِ ْ‬
‫ت َ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫للعبادة ‪ ،‬بما تشمله من طواف وقيام وركوع وســجود ‪ ،‬لمــن يســتجيبوا لرســالة‬
‫السلم ‪ ،‬كما ورد فــي اليــة أعله ‪ ،‬الــتي كــان يحملهــا إســماعيل عليــه الســلم‬
‫ق‬
‫صللاِد َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ك َللا َ‬‫ل إ ِّنلل ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫ب إِ ْ‬ ‫في ال ْك َِتا ِ‬ ‫واذْك ُْر ِ‬‫والمقيم في ذلك المكان ) َ‬
‫سوًل ن َب ِّيا )‪ 54‬مريم ( ‪.‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬
‫و ْ‬‫ال ْ َ‬

‫يعقوب ويوسف عليهما السلم‬


‫جًدا َوُبِكّيففا‬ ‫سّ‬‫خّروا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَما ِ‬
‫ت الّر ْ‬‫عَلْيِهْم آَيا ُ‬
‫جَتَبْيَنا ِإَذا ُتْتَلى َ‬
‫ن َهَدْيَنا َوا ْ‬‫سَراِئيَل َوِمّم ْ‬
‫ن ُذّرّيِة ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫قال تعالى ) َوِم ْ‬
‫)‪ 58‬مريم ( ويعقوب عليه السلم هو إسرائيل ‪ ،‬والمقصود ببني إسرائيل هم نسل يعقوب عليييه السييلم ‪ ،‬وحسييب‬
‫ما ترويه التوراة ‪ ،‬أنه ترك مقام أبيه إسحاق في فلسطين ‪ ،‬وهياجر إليى خياله فيي العيراق ) وهيذا مميا نشيك فيي‬
‫صحته ( ورعى عنده الغنم عدة سنين ‪ ،‬وتزوج اثنتين من بناته ‪ ،‬وعاد إلى فلسطين مرة أخرى ‪ ،‬وقد ُرزق عليييه‬
‫حففَد‬
‫ت َأ َ‬‫ت ِإّني َرَأْي ُ‬
‫ف َِلِبيِه َيَأَب ِ‬
‫س ُ‬‫السلم باثني عشر ابنا ‪ ،‬وأبرزهم يوسف عليه السلم ‪ ،‬في قوله تعالى ) ِإْذ َقاَل ُيو ُ‬
‫خّروا َل فُه‬ ‫ش َو َ‬ ‫عَلى اْلعَْر ِ‬ ‫ن )‪ 4‬يوسف ( ‪ ،‬وقوله ) َوَرَفَع َأَبَوْيِه َ‬ ‫جِدي َ‬ ‫سا ِ‬‫س َواْلَقَمَر ‪َ ،‬رَأْيُتُهْم ِلي َ‬‫شْم َ‬ ‫شَر َكْوَكًبا ‪َ ،‬وال ّ‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫‪57‬‬
‫جًدا )‪ 100‬يوسف ( أي أجلس أبوه وأمه إلى جواره ‪ ،‬احتراما وتقديرا وتوقيرا ‪ ،‬ومن ثم سجد ليه أخييوته الحييد‬ ‫سّ‬‫ُ‬
‫عشر دون أبويه ‪ ،‬ففي الية )‪ (4‬كانت الرؤيا الولى ‪ ،‬للحد عشر كوكبا والشمس والقمر ‪ ،‬ومن ثم كانت الرؤيييا‬
‫الثانية ‪ ،‬لسجود الحد عشر كوكبا دون الشمس والقمر ‪ ،‬وهذا مييا تؤكييده الييية ) ‪ ( 100‬حيييث ُرفييع البييوين إلييى‬
‫العرش ‪ ،‬ومن ثم وقع السجود من الخوة ‪.‬‬
‫ن اْلَبْدِو )‪ 100‬يوسييف ( ‪،‬‬ ‫جاَء ِبُكْم ِم ْ‬
‫أما مكان سكنى يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومن قوله تعالى على لسان يوسف ) َو َ‬
‫يتبين لنا أنهم كانوا قيد سيكنوا الصيحراء ‪ ،‬وعاشيوا حيياة البيداوة ‪ ،‬ومين المعيروف أن مهنية البيدو ‪ ،‬هيي تربيية‬
‫سفَأْل اْلَقْرَيفَة اّلِتففي ُكّنففا‬
‫المواشي وتبادل منتجاتها مع أهل الحضر ‪ ،‬ومن قوله على لسان أخيوة يوسيف أيضيا ) َوا ْ‬
‫ن )‪ 82‬يوسيف ( والقريية هيي مكيان تواجيد يوسيف علييه السيلم فيي‬ ‫صففاِدُقو َ‬
‫ِفيَها َواْلِعيَر اّلِتي َأْقَبْلَنا ِفيَهففا َوِإّنففا َل َ‬
‫مصر ‪ ،‬حيث تركوا الخ الشقيق ليوسف ‪ ،‬وقولهم هذا وترّددهم لكثر من مرة على مصر ‪ ،‬يدل على قربهم منها‬
‫‪ ،‬وقولهم ) َواْلِعيَر اّلِتي َأْقَبْلَنا ِفيَها ( يدل أنهم ذهبوا إلى مصيير ورجعييوا فييي قافليية ‪ ،‬وأفرادهييا يقطنييون معهييم أو‬
‫بالقرب منهم ‪ ،‬والرجيح أن تكيون هيذه الصيحراء ‪ ،‬اليتي كيانوا يقيميون فيهيا قريبية إليى مصير ‪ ،‬وربميا تكيون‬
‫صحراء النقب جنوب فلسطين ‪ ،‬وفي منطقة بئر السييبع بالييذات حيييث سييكنى بييدو فلسييطين ‪ ،‬وهييو الرجييح والي‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫النتقال إلى مصر ‪:‬‬

‫وبعد أن تبّوأ يوسف عليه السلم في مصر منصبا ‪ ،‬يوازي منصب وزير الخزينة أو المالية في عصرنا الحالي ‪،‬‬
‫ف آَوى ِإَلْيِه‬ ‫س َ‬
‫عَلى ُيو ُ‬ ‫خُلوا َ‬ ‫لدى فرعون مصر ‪ .‬انتقل يعقوب وبنوه للحاق بيوسف في مصر ‪ ،‬قال تعالى ) َفَلّما َد َ‬
‫ن َتْأِويفِل‬
‫عّلمَْتنفي ِمف ْ‬
‫ك َو َ‬
‫ن اْلُمْلف ِ‬
‫ب َقفْد آَتْيَتِنفي ِمف ْ‬
‫ن )‪َ (100) … (99‬ر ّ‬
‫ل آِمِني َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ن َ‬
‫صَر ِإ ْ‬
‫خُلوا ِم ْ‬
‫َأَبَوْيِه وََقاَل اْد ُ‬
‫ث … )‪ 101‬يوسف ( ‪ ،‬ودخلوها معّززين مكّرمين آمنين ‪ ،‬وقوله ) آمنين ( يوحي بأن ليس كل ميين دخييل‬ ‫حاِدي ِ‬‫اَْل َ‬
‫مصر آنذاك ليقيم فيه من الغرباء والدخلء ‪ ،‬سيكون آمنا على نفسه من الضطهاد والستعباد ‪.‬‬

‫بعض مظاهر الحكم المصري ‪:‬‬

‫قصة يوسف عليه السلم أشهر من أن تعّرف لذلك سنوردها باختصار ‪ ،‬ونرّكز على بعض ما خفي منهييا ‪ .‬حيييث‬
‫سففي‬‫ص فُه ِلَنْف ِ‬
‫خِل ْ‬
‫ك اْئُتوِني ِب فِه َأسَْت ْ‬
‫كانت مصر آنذاك إحدى ُكبريات الممالك القديمة ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫ض )‪ 29‬غييافر ( ‪،‬‬ ‫ن ِفففي اَْلْر ِ‬ ‫ظففاِهِري َ‬ ‫ك اْلَيفْوَم َ‬
‫… )‪ 54‬يوسف ( ‪ ،‬وعلى لسان مؤمن آل فرعون ) َيا َقْوِم َلُكْم اْلُمْل ُ‬
‫وكان نظام الحكم فيها ملكي وراثي ‪ ،‬وكلمة فرعون ربما تكون اسم أو لقب للملك ‪ ،‬ويقال أن الفراعنة لييم يكونييوا‬
‫ملوك مصر في زمن يوسف عليه السلم ‪ ،‬فسواء كان هذا أو ذاك ‪ ،‬فنحن نتحدث عن الوضاع في مصيير آنييذاك‬
‫بشكل عام ‪ ،‬حيث يبدو لنا أن المجتمع المصري كان يتأّلف من أربع طبقات ‪-:‬‬
‫الطبقة الولى ‪ :‬العائلة الملكية ‪ ،‬التي هي في مصاف اللهة من حيث الحقوق والمتيازات ‪.‬‬
‫الطبقة الثانية ‪ :‬الشراف من المصريين ‪ ،‬وهييم الموكييل إليهييم العمييال التنفيذييية ميين وزراء وكهنيية ومييا شييابه ‪،‬‬
‫سففى َرّبَنففا‬ ‫والذين يتمتعون بامتيازات استثنائية ‪ ،‬وهم علية القوم وسماهم سبحانه مل فرعون في قييوله ) َوَقففاَل ُمو َ‬
‫حَيففاِة الفّدْنَيا )‪ 88‬يونس ( ‪ .‬ومنهييم العزيييز صيياحب يوسييف عليييه‬ ‫لُه ِزيَنفًة َوَأْمفَواًل ِفففي اْل َ‬ ‫ن َوَم َ‬
‫عفْو َ‬
‫ت ِفْر َ‬
‫ك آَتْيف َ‬
‫ِإّن َ‬
‫ع فْو ُ‬
‫ن‬ ‫السلم ‪ ،‬وهامان الذي كان يشغل ما يشبه ‪ ،‬منصب رئيس الوزراء في عصرنا هذا ‪ ،‬قال تعييالى ) َوَقففاَل ِفْر َ‬
‫ب )‪ 36‬غافر ( ‪.‬‬ ‫سَبا َ‬ ‫حا َلَعّلي َأْبُلُغ اَْل ْ‬
‫صْر ً‬‫ن ِلي َ‬ ‫ن اْب ِ‬
‫َيا َهاَما ُ‬
‫س الحاجيية لعلمييه‬ ‫وانضوى يوسف عليه السلم ضمن هذه الطبقة ‪ ،‬مع أنييه كييان ميين الغربيياء ‪ ،‬كييونهم كييانوا بييأم ّ‬
‫وحكمته ‪ ،‬لدارة شيؤون البلد القتصيادية فيي سينين الجفياف ل لشييء آخير ‪ .‬بعيد أن أصيبح علييه السيلم مين‬
‫ن )‪ 54‬يوسف‬ ‫ن َأِمي ٌ‬
‫ك اْلَيْوَم َلَدْيَنا َمِكي ٌ‬
‫سي َفَلّما َكّلَمُه َقاَل ِإّن َ‬
‫صُه ِلَنْف ِ‬
‫خِل ْ‬
‫سَت ْ‬
‫ك اْئُتوِني ِبِه َأ ْ‬
‫المقربين للملك ‪َ ) ،‬وَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫ي ِإّنُه َل ُيْفِل ُ‬
‫ح‬ ‫ن َمْثَوا َ‬
‫سَ‬ ‫ح َ‬‫( بعد أن كان عبدا مملوكا لذلك العزيز ‪ ،‬الذي قال عنه يوسف عليه السلم ‪ِ ) :‬إّنُه َرّبي َأ ْ‬
‫ب في الية السابقة جاء بمعنى صاحب أو ماليك ‪ ،‬ولفيظ العزييز هيو لقيب ُيطليق‬ ‫ن )‪ 23‬يوسف ( ولفظ ر ّ‬ ‫ظاِلُمو َ‬
‫ال ّ‬
‫خوطب به يوسف عليه السييلم ‪ ،‬ميين ِقَبييل أخييوته فييي الييية )‪. (88‬‬ ‫على الشراف ذوي المناصب الرفيعة ‪ ،‬وقد ُ‬

‫‪58‬‬
‫ويبدو أن المجتمع المصري كان منغلقا على نفسه ‪ ،‬ول يخالط الغرباء من منظور الفوقييية والسييتعلء ‪ ،‬ويخيياف‬
‫الغرباء ويخشاهم وبالتالي كان ينبذهم ‪.‬‬
‫والطبقة الثالثة ‪ :‬عامة المصريين وهم يعملون بالوظائف العامة والخاصة بامتيازات عادية ‪ ،‬وشملت هييذه الطبقية‬
‫نسبيا بني إسرائيل في زمن يوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫والطبقة الرابعة ‪ :‬العبيد وأغلبهم من غير المصييريين بل حقييوق وبل امتيييازات ‪ ،‬بييل علييى العكييس ليييس لهييم إل‬
‫ي السييجن ‪،‬‬‫المهانة والزدراء ‪ ،‬ويعملون بقييوتهم اليييومي فييي الزراعيية والبنيياء والخدميية ‪ ،‬وميين ضييمنها صيياحب ّ‬
‫وشملت هذه الطبقة بني إسرائيل بعد موت يوسف عليه السلم وحتى بعيث موسيى علييه السيلم ‪ .‬والمخطيئ مين‬
‫هييؤلء العبيييد فييي حييق المصييريين ‪ ،‬كييان مصيييره السييجن أو العييذاب الشييديد أو القتييل ‪ ،‬وبييدون محاكميية علييى‬
‫الرجح ‪ ،‬وخاصة إذا كان خصمه مصريا حتى لو ُأتهم زورا وبهتانا ‪.‬‬
‫س ِلففي ُمْل فكُ‬
‫ن ِفي َقْوِمِه َقاَل َيا َقْوِم َأَلْي ف َ‬ ‫عْو ُ‬‫وأما الموقع الجغرافي لعاصمة الملك ‪ ،‬وبدللة هذه اليات ) َوَناَدى ِفْر َ‬
‫ن)‬
‫جنفٌد ُمْغَرُقفو َ‬ ‫حَر َرْهًوا ِإّنُهفْم ُ‬ ‫ك اْلَب ْ‬
‫ن )‪ 51‬الزخرف ( ‪َ ) ،‬واْتُر ْ‬ ‫صُرو َ‬‫ل ُتْب ِ‬
‫حِتي َأَف َ‬
‫ن َت ْ‬
‫جِري ِم ْ‬ ‫صَر َوَهِذِه اَْلْنَهاُر َت ْ‬
‫ِم ْ‬
‫ن )‪ 27‬الدخان ( ‪ ،‬فهو‬ ‫ع َوَمَقاٍم َكِريٍم )‪َ (26‬وَنْعَمٍة َكاُنوا ِفيَها َفاِكِهي َ‬
‫ن )‪َ (25‬وُزُرو ٍ‬ ‫عُيو ٍ‬ ‫ت َو ُ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ن َ‬‫‪َ(24‬كمْ َتَرُكوا ِم ْ‬
‫يقع على مجرى نهر النيل ‪ ،‬في أخصب الراضي المصرية ‪ ،‬أما سكنى فرعون وآله ) أي عائلته ( كانت خييارج‬
‫المدينة بمعزل عن الشعب ‪ ،‬وقصره مقام على ضفاف النيل ‪.‬‬
‫ي السييجن )‬ ‫هل كان يوسف داعية إلى ال في مصر ؟ نقول نعم ‪ ،‬وقد بدأ الدعوة في السجن ‪ ،‬عنييدما قييال لصيياحب ّ‬
‫سّمْيُتُموَها َأْنُتْم‬ ‫ن ُدوِنِه ِإّل َأسَماًء َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫حُد اْلَقّهاُر )‪َ (39‬ما َتْعُبُدو َ‬ ‫ل اْلَوا ِ‬
‫خْيٌر َأْم ا ُّ‬
‫ن َ‬‫ب ُمَتَفّرُقو َ‬ ‫ن َأَأْرَبا ٌ‬
‫جِ‬ ‫سْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫حَب ِ‬
‫صا ِ‬
‫َي َ‬
‫ن َأْكَثفَر‬ ‫ن اْلَقّيفُم ‪َ ،‬وَلِكف ّ‬
‫ك الفّدي ُ‬‫ل َأَمَر َأّل َتْعبُفُدوا ِإّل ِإّيففاُه ‪َ ،‬ذِلف َ‬
‫حْكُم ِإّل ِّ‬
‫ن اْل ُ‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ْ‬‫طا ٍ‬‫سْل َ‬
‫ن ُ‬‫ل ِبَها ِم ْ‬ ‫َوآَباُؤكُْم ‪َ ،‬ما َأنَزَل ا ُّ‬
‫ن )‪ 40‬يوسف ( ‪ ،‬واستمرت دعوته حتى مماته ‪ ،‬قال تعالى على لسان مييؤمن آل فرعييون ) َوَلَق فْد‬ ‫س َل َيْعَلُمو َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ن َبْعفِدِه‬ ‫ل ف ِمف ْ‬‫ث ا ُّ‬
‫ن َيْبَعف َ‬‫ك ُقْلُتفْم َلف ْ‬
‫حّتففى ِإَذا َهَلف َ‬
‫جاَءُكْم ِبِه ‪َ ،‬‬ ‫ك ِمّما َ‬ ‫شّ‬‫ت ‪َ ،‬فَما ِزْلُتْم ِفي َ‬ ‫ن َقْبُل ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫ف ِم ْ‬‫س ُ‬ ‫جاَءُكمْ ُيو ُ‬‫َ‬
‫ب )‪ 34‬غافر ( وهو يعني أهل مصيير ‪ ،‬وكييان يوسييف عليييه السييلم‬ ‫ف ُمْرَتا ٌ‬‫سِر ٌ‬ ‫ن ُهَو ُم ْ‬ ‫ل َم ْ‬ ‫ضّل ا ُّ‬‫ك ُي ِ‬‫سوًل ‪َ ،‬كَذِل َ‬ ‫َر ُ‬
‫يدعوا إلى ال تعالى بالقسط ‪ ،‬فما أطاعوه تلك الطاعة إل بمجرد الوزارة والجيياه الييدنيوي ‪ ،‬ولهييذا قييال مييؤمن آل‬
‫فرعون ‪ ) :‬فما زلتم في شك مما جاءكم به ‪ ،‬حتى إذا هلك ‪ ،‬قلتم لن يبعث الي ميين بعييده رسييول ( ‪ ،‬وطييال المييد‬
‫بقوم فرعون وببني إسرائيل فضّلوا إل قليل ‪ ،‬وكان منهم مؤمن آل فرعون الذي كان يكتييم إيمييانه ‪ ،‬وعلييى لسييانه‬
‫جاءت هذه الية ومنهم أيضا أهل موسى عليه السلم ‪.‬‬

‫أحوال بني إسللرائيل فللي مصللر بعللد وفللاة يوسللف عليلله السلللم وحللتى‬
‫خروجهم منها ‪:‬‬

‫بعد زوال سندهم لدى فرعون أصبح حالهم حال العبيد ‪ .‬وربما يكييون ذلييك فييي زميين فرعييون نفسييه أو ميين َمَلييك‬
‫بعده ‪ ،‬بعد وفاة يوسف عليه السلم ‪ ،‬لييزوال المصييلحة والنفييع الييذي تييأّتى ميين علييم يوسييف وحكمتييه فييي الدارة‬
‫والقتصاد ‪ .‬واستمر حالهم كذلك حتى خروجهم مع موسى عليه السييلم ‪ ،‬وحسييب مييا ُيييروى أن المييدة ‪ ،‬مييا بييين‬
‫دخولهم إلى مصر وخروجهم منها هي أربعمائة سنة ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬وحالهم في تلك الفترة الزمنية ‪ ،‬يصييفه القييرآن‬
‫ساَءُهْم‬
‫ي ِن َ‬ ‫حِ‬‫سَت ْ‬
‫ح َأْبَناَءُهْم َوَي ْ‬ ‫طاِئَفًة ِمْنُهْم ُيَذّب ُ‬‫ف َ‬ ‫ضِع ُ‬
‫سَت ْ‬‫شَيًعا َي ْ‬
‫جَعَل َأْهَلَها ِ‬ ‫ض َو َ‬
‫ل ِفي اَْلْر ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬
‫عْو َ‬‫ن ِفْر َ‬‫بما يلي ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫ن َأْبَنففاَءُكْم‬
‫حو َ‬‫ب ُي فَذّب ُ‬
‫سففوَء اْلَع فَذا ِ‬ ‫سوُموَنُكْم ُ‬ ‫ن َي ُ‬ ‫عْو َ‬
‫ن آِل ِفْر َ‬
‫جْيَناُكْم ِم ْ‬
‫ن )‪ 4‬القصص ( ‪َ ) ،‬وِإْذ َن ّ‬ ‫سِدي َ‬‫ن اْلُمْف ِ‬
‫ِإّنُه َكانَ ِم ْ‬
‫ب اْلُمِهيفف ِ‬
‫ن‬ ‫ن اْلَعَذا ِ‬
‫سَراِئيَل ِم ْ‬ ‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬ ‫ظيٌم )‪ 49‬البقرة ( ‪َ ) ،‬وَلَقْد َن ّ‬ ‫عِ‬‫ن َرّبُكْم َ‬ ‫لٌء ِم ْ‬
‫ساَءُكْم َوِفي َذِلُكْم َب َ‬‫ن ِن َ‬‫حُيو َ‬
‫سَت ْ‬
‫َوَي ْ‬
‫)‪ 30‬الدخان ( وازداد العذاب والضطهاد لهم ‪ ،‬ببعث موسى عليه السلم إلى فرعون وقومه ‪.‬‬

‫موسى عليه السلم‬


‫والحكمة اللهية التي أرادها ال من بعث موسى عليه السلم ‪ ،‬هي ما ابتدر به رب العزة سورة القصص ‪ ،‬بقييوله‬
‫ن َلُهفْم ِفففي‬
‫ن )‪َ (5‬وُنَمّكف َ‬
‫جَعَلُهفْم اْلفَواِرِثي َ‬
‫جَعَلُهفْم َأِئّمفًة ‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ض ‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ضِعُفوا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سُت ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ن عَلى اّلِذي َ‬ ‫ن َنُم ّ‬
‫) َوُنِريُد َأ ْ‬
‫ن )‪ 6‬القصييص ( والقصيية بتمامهييا ‪ ،‬مفصييلة‬ ‫حَذُرو َ‬ ‫جُنوَدُهَما ِمْنُهْم ‪َ ،‬ما َكاُنوا َي ْ‬
‫ن َو ُ‬
‫ن َوَهاَما َ‬‫عْو َ‬‫ض ‪َ ،‬وُنِري ِفْر َ‬ ‫اَْلْر ِ‬
‫في سورة القصص وسورة طه ‪ ،‬وقصة موسى معروفة ومألوفة لدينا ‪ ،‬حيث ُولد عليه السلم وألقته أمه في النيييل‬
‫‪59‬‬
‫خوفا من ذبحه ‪ ،‬فالتقطه آل فرعون واعتنوا به ‪ ،‬حتى إذا بلغ أشّده قتل مصريا ‪ ،‬فييأتمر بييه مل فرعييون ‪ ،‬فغييادر‬
‫مصر متجها إلى مدين ‪ ،‬ولم يكن قد لقي بلء قبل ذلك ‪ ،‬فقييد كييان ربيبييا منعّمييا فييي آل فرعييون ‪ ،‬ولييم يكيين عليييه‬
‫ي إليه بعد ‪ ،‬وإنما كان مسلما على دين آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬ ‫السلم قد ُأوح َ‬

‫مدَْين ‪:‬‬
‫الموقع الجغرافي ل َ‬
‫قيل فيها في المعاجم ‪ :‬أنها تقع " قرب بحر القلزم ) البحر الحمر ( محاذية لتبوك ‪ ،‬وتقع بين وادي القرى والشام‬
‫‪ ،‬وقيل اتجاه تبوك بين المدينة والشام ‪ ،‬وقيل هي كفر سندة من أعمال طبرية ‪ ،‬وقيل بلد بالشام معلوم تلقاء غزة ‪،‬‬
‫وفي ) البداية والنهاية ( قال ابن كثير ‪ " :‬كيان أهيل ميدين قوميا عربيا ‪ ،‬وميدين هيي قريية مين أرض معيان مين‬
‫أطراف الشام ‪ ،‬مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط ‪ ،‬وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة " ‪.‬‬
‫ي نهر الردن ‪ ،‬في السفح المطل على فلسطين‬ ‫والقول الخير هو أفضل ما قيل فيها ‪ ،‬وهو الرجح فهي تقع شرق ّ‬
‫قبالة أريحا ‪ ،‬حيث المكان المسمى بوادي شعيب حاليا ‪ ،‬والذي يقع فيه مقام النبي شعيب عليه السيلم ‪ ،‬فيي جبيال‬
‫محافظة البلقاء الردنية ‪ ،‬وهي أرض خصبة تصلح لزراعة القثائّيات ‪ ،‬وفيها الشييجار المثمييرة وعيييون الميياء ‪،‬‬
‫ط ِمْنُكفْم ِبَبِعيفٍد )‪ 89‬هيود ( ‪،‬‬
‫ويؤيد ما ذهبنا إليه قييوله تعييالى ‪ ،‬علييى لسييان شييعيب مخاطبييا قييومه ) َوَمففا َقفْوُم ُلففو ٍ‬
‫والمقصود هنا البعد المكاني ‪ ،‬حيث المسافة بين قرية شعيب والبحر الميت ) بحيرة لوط ( ل تتجيياوز )‪ (20‬كييم ‪،‬‬
‫أما البعد الزماني بين لوط وشعيب فُيقّدر بمئات السنين ‪ ،‬حيث أن لوط عاصر إبراهيم وأن شعيب عاصر موسييى‬
‫عليهم السلم ‪.‬‬
‫وكما ورد في الروايات ‪ ،‬كان أهل مدين يقطعيون السيبيل ويخيفيون الميارة ‪ ،‬وهيم أصيحاب اليكية أي الشيجار‬
‫الملتفة والمتشابكة ‪ -‬وهي صفة موجيودة أيضيا فيي تليك المنطقية ‪ -‬وكيانوا مين أسيوء النياس معاملية ‪ ،‬يبخسيون‬
‫المكيال والميزان ويطففون فيهما ‪ ،‬يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص ‪ ،‬فييآمن بشييعيب بعضييهم وكفيير أكييثرهم ‪) ،‬‬
‫حوا ِفففي‬
‫ص فَب ُ‬
‫جَف فُة َفَأ ْ‬
‫خ فَذْتُهْم الّر ْ‬
‫ظي فٍم )‪ 189‬الشعراء ( ) َفَأ َ‬
‫عِ‬
‫ب َي فْوٍم َ‬
‫عفَذا َ‬
‫ن َ‬
‫ظّلِة ِإّنُه َكا َ‬
‫ب َيْوِم ال ّ‬
‫عَذا ُ‬
‫خَذُهْم َ‬
‫َفَكّذُبوهُ َفَأ َ‬
‫ن )‪ 91‬العراف ( ‪ ،‬ولم تدمر ديارهم بل بقيت على حالها ‪ ،‬ويقال أن ذلك كان في يوم شديد الحيير ‪،‬‬ ‫جاِثِمي َ‬‫َداِرِهْم َ‬
‫فبعث ال ظلل من الغمام في بقعة قريبة من مكان سكناهم ‪ ،‬فذهبوا ليسيتظلوا بهيا فنيزل بهيم العيذاب ‪ ،‬وبقيي فيي‬
‫القرية من آمن لشعيب عليه السلم من قومه وهم قلة ‪.‬‬

‫مقام موسى في مدين ‪:‬‬

‫سفِبيِل )‪22‬‬ ‫سفَواَء ال ّ‬‫ن َيْهفِدَيِني َ‬ ‫سى َرّبي َأ ْ‬ ‫ع َ‬


‫ن … ( خرج موسى من مصر وحيدا ) َقاَل َ‬ ‫جَه ِتْلَقاَء َمْدَي َ‬‫) َوَلّما َتَو ّ‬
‫القصص ( ولم يكن يملك من أمره ‪ ،‬إل حسن ظّنه بربه عز وجل حتى صار إلى مدين ‪ .‬فلبث موسى عليه السلم‬
‫حفَدى اْبَنَتف ّ‬
‫ي‬ ‫ك ِإ ْ‬
‫حف َ‬
‫ن ُأْنِك َ‬
‫) ‪ ( 10-8‬سنين في أهلها ‪ ،‬لقوله تعالى على لسان شعيب علييه السييلم ) َقففاَل ِإّنففي ُأِريفُد َأ ْ‬
‫ك … )‪ 27‬القصص ( وتزوج فيها ورعييى الغنييم‬ ‫عْنِد َ‬
‫ن ِ‬
‫شًرا َفِم ْ‬
‫ع ْ‬
‫ت َ‬
‫ن َأْتَمْم َ‬
‫ج َفِإ ْ‬
‫جٍ‬
‫حَ‬
‫ي ِ‬
‫جَرِني َثَماِن َ‬‫ن َتْأ ُ‬‫عَلى َأ ْ‬‫ن َ‬ ‫َهاَتْي ِ‬
‫ن…(‪.‬‬ ‫ن ِفي َأْهِل َمْدَي َ‬ ‫سِني َ‬
‫ت ِ‬ ‫) َفَلِبْث َ‬

‫العودة إلى مصر ‪:‬‬

‫سارَ ِبَأْهِلِه )‪ 29‬القصص ( غادرهيا ميع أهليه ومييا‬ ‫جَل َو َ‬


‫سى اَْل َ‬
‫ضى ُمو َ‬
‫وبعد أن قضى المدة المطلوبة منه ) َفَلّما َق َ‬
‫صل عليه من أغنام باتجاه مصر ‪ ،‬وكان خط مسيره وال أعلم ‪ ،‬باتجاه الجنييوب شييرقي البحيير الميييت ‪ ،‬حيييث‬ ‫تح ّ‬
‫ل الطريق ‪ ،‬وهناك أتاه هاتف السماء ‪ ،‬قييال تعييالى ) … ُثفّم‬ ‫انحدر بأهله إلى وادي عربة جنوب البحر الميت فض ّ‬
‫سى )‪ 40‬طه ( إلى موضع الوحي في الوقت المقّدر ‪ .‬فأوكله ال بحمل الرسالة إلييى فرعييون ‪،‬‬ ‫ت عََلى َقَدٍر َيُمو َ‬
‫جْئ َ‬
‫ِ‬
‫وأمره بالذهاب إلى فرعون ‪ ،‬ومن هناك سار – بخييط شييبه مسييتقيم ‪ -‬مجتييازا صييحراء النقييب جنييوب فلسييطين ‪،‬‬
‫وصحراء سيناء باتجاه بوابة مصر البرية من الشرق ‪ ،‬ومن ثم سييار جنوبييا باتجيياه القيياهرة حيييث إقاميية فرعييون‬
‫وقومه ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫تحديد الموقع الجغرافي ‪ ،‬للمكان الللذي أوحللي فيلله ‪ ،‬إلللى موسللى عليلله‬
‫السلم ‪:‬‬

‫نزل الوحي إلى موسى مرتين ؛ الوحي الول ‪ :‬هو الذي ُكلف به موسى بحمل الرسالة ‪ ،‬وما بعث به إلى فرعون‬
‫وبني إسرائيل ‪ ،‬أثناء عودته إلى مصر بعد خروجه من مدين ‪ ،‬والوحي الثاني ‪ :‬هو الشريعة الجديييدة الييتي ُكتبييت‬
‫في اللواح لبني إسرائيل ‪ ،‬بعد خروجهم من مصر في الطريق إلى الرض المقدسة ‪ ،‬ويعتقد الكثيرون أن الوحي‬
‫نزل على موسى ‪ ،‬على جبل سيناء الواقع في صحراء سيناء المصيرية وهييذا غيير صيحيح ‪ ،‬حيييث لييم يوجيد أي‬
‫نص في القرآن يفيد ذلك ‪ .‬والواقع أن هذه تسمية الصحراء المصرية بصحراء سيناء ‪ ،‬استندت إلييى مييا جيياء فييي‬
‫التوراة مع أن التوراة لم ُتحّدد موقع الصحراء أو الجبل ‪.‬‬
‫وتذكر التوراة في سفر الخروج ‪ ،‬أن بني إسرائيل مروا على التوالي ‪ ،‬بثلثة صحارى ‪ ،‬هي الييواردة فييي النييص‬
‫جهوا نحو صحراء شييور ‪:27 ،‬‬ ‫التالي بالترتيب ‪ :22 :15 " :‬ثم ارتحل موسى بإسرائيل من البحر الحمر ‪ ،‬وتو ّ‬
‫ثم بلغوا إيليم … ‪ :1 :16‬ثّم انتقلوا من إيليم حتى أقبلوا على صحراء سين ‪ ،‬الواقعة بين إيليم وسيناء " ‪.‬‬
‫وجاء في نص آخر ‪ :1 :17 " :‬وتنقل بنوا إسرائيل على مراحل ‪ ،‬من صحراء سين … إلى أن خّيموا في رفيديم‬
‫…‪ :2 :19‬فقد ارتحل السرائيليون من رفيديم إلى أن جاءوا إلى برية سيناء ‪ ،‬فنزلوا مقابل الجبل فصعد موسييى‬
‫للمثول أمام ال ‪ ،‬فناداه الرب من الجبل … ‪ : 20‬ونزل الرب على قمة جبل سيناء … "‬
‫وهذه النصوص ُتشير إلى أن جبل سيناء ‪ ،‬هو اسم الجبل الذي ُأوحي بجانبه إلييى موسييى ‪ ،‬وأن برييية سيييناء هييي‬
‫تسمية للمكان الواقع مقابل جبل سيناء ‪ .‬وأن برية سيناء هي البعد عن مصر ‪ ،‬كونها كانت آخر الصحارى الييتي‬
‫مّروا بها أثناء مسيرهم ‪ ،‬باتجاه بوابة الرض المقّدسة شرقي نهر الردن ‪ ،‬والترجمات العربييية للتييوراة ل ُتمّيييز‬
‫بين القفر ‪ ،‬أي الخلء غير المأهول بالسّكان وبين الصحارى الرملية القاحلة ‪.‬‬
‫ن طوال أربعين سنة ‪ ،‬حتى جاءوا إلى تخوم أرض كنعان‬ ‫وجاء في التوراة " ‪ :35 :16‬واقتات السرائيليون بالم ّ‬
‫ن والسلوى كانت تنّزل عليهم طيلة أربعين سنة ‪،‬‬
‫العامرة بالسكان " ‪ .‬وهذا النص الكاذب والمضّلل ‪ ،‬يقول أن الم ّ‬
‫قبل وصولهم إلى مشارف فلسطين ‪ ،‬أي قبل أن ُيطلب منهم الدخول إلى الرض المقدسة ‪ ،‬وقبل أن يحكييم عليهييم‬
‫ن والسلوى كانت تنّزل عليهم خلل مسيرهم فييي الصييحراء ‪،‬‬ ‫بسنوات التحريم والتيه الربعين ‪ .‬والصحيح أن الم ّ‬
‫وهي مدة قصيرة ‪ ،‬أما سنوات التحريم والتيه الربعين ‪ -‬سنوات الغضب اللهي ‪ -‬فلم يكن يتنّزل عليهم شيء ‪.‬‬
‫وتسمية الصحراء المصرية بسيناء ‪ ،‬وذكر التوراة أن بني إسرائيل عاشوا فيها أربعين سنة يأكلون المن والسلوى‬
‫‪ ،‬ضّللت حتى اليهود أنفسهم ‪ ،‬الذين بحثوا ونقبوا فيها طويل عن أي أثيير لمقييامهم فيهييا ولكيين دون جييدوى ‪ ،‬ممييا‬
‫اضطر بعض الباحثين اليهود مييؤخرا ‪ ،‬إلييى تكييذيب معظييم روايييات التييوراة ‪ ،‬ونشيير الكييثير ميين آرائهييم ونتييائج‬
‫أبحاثهم في الصحف ‪.‬‬
‫أما كلمة الطور فقد وردت في القرآن )‪ (10‬مرات ‪ (8) ،‬منها بلفظ ) الطور ( معّرفة بأل التعريف ‪ ،‬بمعنى الجبل‬
‫ن )‪ 20‬المؤمنييون ( ‪،‬‬ ‫لِكِلي ف َ‬
‫صْبٍغ ِل ْ‬
‫ن َو ِ‬
‫ت ِبالّدْه ِ‬
‫سْيَناَء َتْنُب ُ‬
‫طوِر َ‬ ‫ن ُ‬
‫ج ِم ْ‬
‫خُر ُ‬
‫جَرًة َت ْ‬
‫شَ‬
‫‪ ،‬وواحدة بلفظ ) طور سيناء ( ) َو َ‬
‫ن )‪ 2‬الييتين ( ‪ .‬وسيييناء‬
‫سففيِني َ‬‫طوِر ِ‬ ‫ن )‪َ (1‬و ُ‬ ‫ن َوالّزْيُتو ِ‬ ‫وواحدة بلفظ ) طور سينين ( بنفس المعنى السابق ‪َ ) ،‬والّتي ِ‬
‫وسنين لغة إذا لم تمنع من الصرف ‪ ،‬أي لحقها التنيوين جيّرا ونصيبًا فإنهيا تعنيي كيثرة الشيجر ‪ ،‬وإذا ُمنعيت مين‬
‫الصرف كما هو الحال هنا فهي اسم ‪ ،‬والكلمات ) طيور وسييناء وسييينين ( ألفيياظ أعجميية ‪ ،‬ومميا تقييدم نسييتطيع‬
‫القول بأن ) طور سيناء ( اسم لجبل معروف لبني إسرائيل ‪ ،‬بمعنى ) جبل الغابة ( وهو في الحقيقة ‪ ،‬اسييم الجبييل‬
‫عّرف هذا الجبل من خلل القرآن ‪ ،‬بأنه ُينبت التين‬ ‫ي بجانبه إلى موسى ‪ ،‬حسب تسمية التوراة له ‪ ،‬وقد ُ‬ ‫الذي أوح َ‬
‫والزيتون ‪ .‬والمقصود بكلمة ) الطور ( المعّرفة بألف ولم ‪ ،‬أينما جاءت في القرآن هييو طييور سيييناء أو سييينين ‪،‬‬
‫والطور هو سلسلة جبال فلسطين ‪ ،‬التي تربض على تللها مدينة القدس ‪ ،‬والتي هي في الصل جبل واحد ‪ ،‬يمتد‬
‫من مدينة نابلس شمال إلى مدينة الخليل جنوبا ‪.‬‬
‫ت‬
‫سف ُ‬‫طوِر َناًرا ‪َ ،‬قاَل َِلْهِل فِه اْمُكُثففوا ‪ِ ،‬إّنففي آَن ْ‬
‫جاِنبِ ال ّ‬
‫ن َ‬‫س ِم ْ‬
‫ساَر ِبَأْهِلِه ‪ ،‬آَن َ‬ ‫جَل َو َ‬‫سى اَْل َ‬
‫ضى مو َ‬ ‫قال تعالى ) َفَلّما َق َ‬
‫ن )‪ 29‬القصص ( قلنا أن موسى عليييه السييلم ‪،‬‬ ‫طُلو َ‬
‫صَ‬
‫ن الّناِر ‪َ ،‬لَعّلُكْم َت ْ‬
‫جْذَوٍة ِم ْ‬
‫خَبٍر ‪َ ،‬أْو َ‬
‫َناًرا ‪َ ،‬لَعّلي آِتيُكْم ِمْنَها ِب َ‬
‫خَبفٍر ( فوجييد‬ ‫ل طريقه بعد خروجه من مدين باتجاه مصر ‪ ، ،‬لقوله عليييه السييلم ) َلَعّلففي آِتيُكفْم ِمْنَهففا ِب َ‬ ‫كان قد ض ّ‬
‫‪61‬‬
‫نفسه في أحد الودية ‪ .‬ودخوله إلى الوادي كان عن طريق انحداره بواد فرعي جنوب البحر الميييت ‪ ،‬وكييان ذلييك‬
‫ليل وفي طقس بارد جدا ‪ .‬وأثناء التخييم هناك ‪ ،‬كان يلتفت يمنة ويسرة بحثا عن الدفء والهداية ‪ ،‬فآنس نارا ميين‬
‫جانب الجبل ‪ ،‬فاتجه إليها بعد أن استأذن أهله ‪ ،‬ليأتيهم بجذوة منها لجل الدفء ‪ ،‬أو يجد من يرشده إلى طريقييه ‪،‬‬
‫ولكنه لم يجد نارا ولم يجد في المكان أحد ‪.‬‬

‫نور ل نار ‪:‬‬

‫جَرِة )‪ 30‬القصص ( وفي الواقع لم تكن نارا‬ ‫شَ‬


‫ن ال ّ‬
‫) َفَلّما َأَتاَها … ( أي النار وقف تحتها ) ِفي اْلُبْقَعِة اْلُمَباَرَكِة ِم ْ‬
‫جَرٍة ‪ُ ،‬مَباَرَكفٍة ‪َ ،‬زْيُتوِنفٍة ‪َ ،‬ل‬
‫شف َ‬
‫‪ ،‬بل كانت نور في شجرة ‪ ،‬ونعتقد بأنها الشجرة الموصيوفة فيي قيوله سيبحانه ) َ‬
‫سفُه َنففاٌر )‪ 35‬النيور ( ‪ ،‬وهييي ) شيجرة ( ) وزيتونيية (‬ ‫س ْ‬ ‫ضففيُء ‪َ ،‬وَلفْو َلفْم َتْم َ‬‫غْرِبّيفٍة ‪َ ،‬يَكففاُد َزْيُتَهففا ُي ِ‬
‫شفْرِقّيةٍ َوَل َ‬
‫َ‬
‫) ومباركة ( ‪ ،‬أي تقع في بقعة من أرض مباركة ينبت فيها شجر الزيتون ‪ ،‬وقوله ) ل شييرقية ول غربييية ( ‪ ،‬أي‬
‫ل في الجانب الشرقي من وادي عربة ‪ ،‬ول في الجانب الغربي منه ‪ ،‬فهييي فييي منتصييف الييوادي تقريبييا ‪ ،‬وقيوله‬
‫) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( ‪ ،‬أي لها وهج من نور ‪ ،‬وليس ذلك من اشتعال نار فيهييا ‪ ،‬فهييي مضيييئة‬
‫من تلقاء نفسها ‪ ،‬وقوله ) يكاد زيتها يضيء ( ‪ ،‬أي أن الضاءة ناتجة عن زيت الشجرة ‪ ،‬فل يكون ذلك إل وهي‬
‫مثمرة ‪ ،‬فالزيت يوجد في الثمر ‪ ،‬وتشكل الزيت في الثمر ‪ ،‬ل يكون إل في بداية فصل الشتاء ‪ ،‬ويؤيد ذلييك طلييب‬
‫موسى عليه السلم للدفء ‪ ،‬ليتأكد لنا أن دخوله إلى بطن وادي عربة كان في فصييل الشييتاء ‪ ،‬وأن الشييجرة الييتي‬
‫ي من تحتها في الوادي المقدس ‪ ،‬هي نفيس الشيجرة الموصيوفة فيي سيورة النيور ‪ ،‬ول أدري لمياذا يتملكنيي‬ ‫نود َ‬
‫شعور قوي ‪ ،‬بأن هذه الشجرة قائمة في ذلك المكان إلى اليوم ‪ ،‬في منطقة موحشة ومقفرة وغير مأهولة ‪ ،‬تضيء‬
‫كلما أثمرت في فصل الشتاء ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫) َفَلّما َأَتاَها ( وقف حائرا أمامها يتفّكر فييي أمرهييا ‪ ،‬حيييث أنيه لييم يجييد مييا جيياء يسييعى إلييه ‪ ،‬فل نييار ول نيياس‬
‫ن )‪30‬‬‫ئ اْلفَواِدي اَْلْيَمف ِ‬
‫طِ‬‫شففا ِ‬
‫ن َ‬
‫سففى )‪ 11‬طييه ( ) ِمف ْ‬ ‫ُيشعلونها ‪ ،‬وأثناء شييروده وفييي سييكون الليييل ‪ُ ) ،‬نففوِدي َيُمو َ‬
‫ن )‪ 52‬مريم ( ‪ ،‬أي من الجييانب اليميين‬ ‫طوِر اَْلْيَم ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫جان ِ‬‫ن َ‬
‫القصص ( ‪ ،‬أي من الجانب اليمن من الوادي ‪ِ ) ،‬م ْ‬
‫ي وهذا تحديد جغرافي بالغ الدقة لمكان‬ ‫ي )‪ 44‬القصص ( ‪ ،‬أي الجبل الغرب ّ‬ ‫ب اْلَغْرِب ّ‬
‫جاِن ِ‬
‫للجبل وليس اليسر ‪ِ ) ،‬ب َ‬
‫الوحي ‪.‬‬
‫أتاه النداء باسمه ممن يعرفه ‪ ،‬وذلك مما آنس موسى ‪ ،‬ليبيّدد سيكون ذليك اللييل المييوحش ‪ ،‬ويقطيع عليييه شيروده‬
‫وتأمله ‪ ،‬ول أخاله إل قد أجفل عليه السلم ‪ ،‬ولما التفت إلى مصدر النداء ‪ ،‬خاطبه رب العزة قائل ) ِإّني َأنا َرّب َ‬
‫ك‬
‫طًوى )‪12‬طه ( فأمره بخلييع نعليييه – إذ هييو فييي‬ ‫س ُ‬
‫ك ِباْلَواِدي اْلُمَقّد ِ‬
‫ك ِإّن َ‬
‫خَلْع َنْعَلْي َ‬
‫( مطمئنا إياه ومعّرفا بنفسه ) َفا ْ‬
‫حضرة ملك الملوك – ليتجه حافي القدمين ‪ ،‬سائرا في الجانب المقدس من الييوادي ‪ ،‬صييوب الجبييل ‪ ،‬قييال تعييالى‬
‫جّيا)‪ 52‬مريم ( أي كان الكلم مناجاة ‪ ،‬والمناجاة عادة تستدعي القرب ‪.‬‬ ‫) َوَقّرْبَناُه َن ِ‬
‫نحن نعلم أن الرض المباركة والمقّدسة هي أرض فلسطين ‪ ،‬وبما أن الوادي الذي نزل فيييه موسييى واد مقيّدس ‪،‬‬
‫فل بد له من يكون واقعا في الرض المقّدسة ‪ ،‬وبما أن الشجرة نبتت في بقعة مباركة ‪ ،‬فل بييد لهييا ميين أن تكييون‬
‫قائمة في الرض المباركة ‪ ،‬وبما أن شجرة سورة النور زيتونة مباركة ومضيييئة ‪ ،‬فلبييد لهييا ميين أن تكييون هييي‬
‫الشجرة ‪ ،‬التي رآها موسى في بطن وادي عربة فظن نورها نارا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫حى )‪(13‬‬ ‫س فَتِمْع ِلَمففا ُيففو َ‬
‫ك ‪َ ،‬فا ْ‬
‫خَتْرُت ف َ‬
‫وعندما اقترب موسى بما فيه الكفاية لبدء المناجاة ‪ ،‬ناجاه ربه قييائل ) َوَأنففا ا ْ‬
‫لَة ِلفِذْكِري )‪ 14‬طيه ( فيأمره بتوحييده وإفيراده بالعبييادة وإقامية‬ ‫صف َ‬
‫عُبفْدِني ‪َ ،‬وَأِقفْم ال ّ‬
‫ل ‪َ ،‬ل ِإَلَه ِإّل َأَنا َفا ْ‬
‫ِإّنِني َأَنا ا ُّ‬
‫ي العصا واليد وكّلفه بحمل الرسالة ‪ ،‬والذهاب لدعوة فرعون ودعوة بني إسرائيل إلييى‬ ‫الصلة ‪ ،‬ومن ثم منحه آيت ّ‬
‫طَغى )‪ 24‬طه( ‪ .‬وفي الصباح عاين موسى عليه السلم المكان ‪ ،‬وحفظه عن ظهيير‬ ‫ن ِإّنُه َ‬‫عْو َ‬ ‫ب ِإَلى ِفْر َ‬‫ال ‪ ) ،‬اْذَه ْ‬
‫قلب فهو المكان الذي تغّير فيه مجرى حياته عليه السلم ‪ ،‬ولم كان يعلم عليه السلم ما يدّبره رب العزة من أقدار‬
‫‪ ،‬ستأتي به إلى هذا المكان في قادم اليام ‪ ،‬عند خروجيه بقيومه مين مصيير ‪ ،‬متجهييا إليى بوابية الرض المقدسية‬
‫حيث كان في أرض مدين ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫موسى في مصر ‪:‬‬

‫كنت أعتقد وربما يشاركني كثيرون أيضا ‪ ،‬أن ُمقام موسى في مصر ‪ ،‬ل يتجيياوز عييدة أيييام أو عييدة أشييهر علييى‬
‫أبعد تقدير ‪ ،‬ولكن تبين لي أني كنييت مخطئا ‪ ،‬فالحييداث والوقييائع الييتي مييرت مييع موسييى عليييه السييلم كييثيرة ‪،‬‬
‫وتحتاج إلى سنوات عديدة ‪ ،‬وأظنه مكث هناك ما ل يقيل عين ‪ 30‬عاميا ‪ ،‬ييدعوا فرعيون وقيومه وبنيي إسيرائيل‬
‫ش فْر‬‫لَة َوَب ّ‬
‫صف َ‬
‫جَعُلوا ُبُيوَتُكْم ِقْبَلًة َوَأِقيُمففوا ال ّ‬
‫صَر ُبُيوًتا َوا ْ‬
‫ن َتَبّوَأا ِلَقْوِمُكَما ِبِم ْ‬‫خيِه َأ ْ‬‫سى َوَأ ِ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬ ‫أيضا ‪َ ) ،‬وَأْو َ‬
‫ن )‪ 87‬يونس ( فلو تفكرت في الية الكريمة ‪ ،‬لتبينت أن طلبه سبحانه ببناء البيوت ‪ ،‬وجعلها باتجيياه بيييت‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫المقدس ‪ ،‬وَأْمِره إياهم بإقامة الصلة فيها ‪ ،‬ما كان إل لطييول ُمقييام ‪ ،‬ولييو كييان ُمقييامهم قصيييرا أو عارضييا ‪ ،‬لمييا‬
‫أمرهم بذلك ‪ .‬والجدل بين موسى عليه السلم وفرعون أخذ زمنييا طييويل ‪ ،‬بييدءا باللقيياء الول الييذي عييرض فيييه‬
‫موسى رسالته ‪ ،‬وما أّيدها به من آيات – العصا واليد – ولقاء يييوم الزينيية حيييث التقييى موسييى بالسييحرة ‪ ،‬وبنيياء‬
‫حا‬‫صفْر ً‬‫جَعل ِلففي َ‬‫ن َفا ْ‬‫طي ِ‬‫عَلى ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫غْيِري َفَأْوِقْد ِلي َياَهاَما ُ‬‫ن ِإَلٍه َ‬
‫ت َلُكْم ِم ْ‬‫عِلْم ُ‬ ‫ل َما َ‬ ‫ن َياَأّيَها اْلَم َُ‬
‫عْو ُ‬
‫الصرح ) َوَقاَل ِفْر َ‬
‫ن )‪ 38‬القصص ( ‪.‬‬ ‫ن اْلَكاِذِبي َ‬‫ظّنُه ِم ْ‬ ‫سى َوِإّني َل ُ‬ ‫َلَعّلي َأطِّلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ‬

‫بناء الهرامات ‪:‬‬

‫الصرح هو البناء الضخم والمرتفع ‪ ،‬وأعتقد أن الهرامات الثلثة هييي مييا ُأميير هامييان ببنائهييا ميين قبييل فرعييون‬
‫لينظر إلى إله موسى ‪ ،‬وفيما بعد اّتخذت تلك الصروح مقابر ومدافن ‪.‬‬
‫عَلففى‬
‫ن َ‬
‫حصت مادة بناء الهرامات ‪ ،‬لتبين أنها من الطين المشوي ‪ ،‬لدللة قوله تعييالى ) َفَأْوِقفْد ِلففي َيَهاَمففا ُ‬ ‫إذ لو ُف ِ‬
‫ن ( ‪ ،‬إذ يخبر سبحانه – وما إعلمه لنا بذلك عبثا ‪ -‬بأنهم كانوا يستخدمون الطين في البناء ‪ ،‬وليس الحجييارة‬ ‫طي ِ‬
‫ال ّ‬
‫كما يعتقد علماء الثار ‪ ،‬الذين حاولوا جاهدين لتفسير اللييية المعقييدة والمسييتحيلة ‪ ،‬فييي رفييع تلييك الصييخور ذات‬
‫القطع الكبير ‪ ،‬إلى قمة الهرم حيث لم يكن لديهم رافعات عملقة ‪ .‬وهذا الخبر يكشف حقيقة ‪ ،‬ربما لم تخطر ببييال‬
‫علماء الثار من قبل ‪ ،‬ويجعل كيفية البناء غاية السهولة ‪ ،‬حيث كان عبيد فرعون ومنهييم بنييي إسييرائيل ‪ ،‬ينقلييون‬
‫الطين – وليس الصييخور والحجييارة ‪ -‬ويضييعوه فييي قييوالب مثبتيية علييى الهييرم نفسييه ‪ ،‬وكييل لبنيية فييي موقعهييا ‪،‬‬
‫وينتظرون الَلِبن حتى يتماسك ‪ ،‬لينزعوا القوالب ‪ ،‬وكلما أنجزوا مرحلة ‪ ،‬قاموا بتثبيت القوالب مرة أخرى ‪ ،‬على‬
‫ما تّم إنجازه ‪ ،‬وبدءوا بنقل الطين ليفرغوه فيها ‪ ،‬وهكذا دواليك حتى يكتمل بنيياء الهييرم ‪ .‬وميين الييداخل سييتجد أن‬
‫قلب الهرم مفرغ ‪ ،‬وستجد أن هناك سراديب طويلة غير نافذة ‪ ،‬تتييوّزع بكافيية التجاهييات ‪ ،‬والغاييية منهييا توزيييع‬
‫ي الطين الجاف ‪ ،‬وهي عملية تحتاج إلى وقت طويل نظرييا ‪ ،‬ولكين‬ ‫الحرارة ‪ ،‬عند إشعال النار في قلب الهرم لش ّ‬
‫مع كثرة العبيد فالمر مختلف ‪ ،‬واللية بسيطة وليست معقّدة ‪ ،‬ول تييوحي بييأن الفراعنية كييانوا جبيابرة وأشييداء ‪،‬‬
‫ي الطين قد تم على مراحل ‪ ،‬ولييس دفعية واحييدة ‪.‬‬ ‫فبناة الهرام هم العبيد وليس الفراعنة أنفسهم ‪ ،‬وربما يكون ش ّ‬
‫صين لنفيها أو إثباتها ‪ ،‬وبذلك تكون الهرامات ‪ ،‬رمزا مين رميوز الكفير والعصييان‬ ‫وهذه الفكرة مطروحة للمخت ّ‬
‫والتمرد والتحدي الفرعوني ل ورسوله ‪ ،‬وربما يكون أبو الهول هو إله المصريين القدماء ‪ ،‬قبل أن ُيعلن فرعون‬
‫ربوبيته تحديا لموسى عليه السلم وربه ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى تلك الحداث ‪ ،‬التي وقعت أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬ما وقع في قوم فرعون ميين البلء الييذي‬
‫ضفَفاِد َ‬
‫ع‬ ‫جفَراَد َواْلُقّمفَل َوال ّ‬
‫ن َواْل َ‬
‫طوَفففا َ‬
‫عَلْيِهفُم ال ّ‬
‫سفْلَنا َ‬
‫أنزله ال ‪ ،‬وكلما كشف عنهم بلء أرسل عليهييم آخيير ‪َ ) ،‬فَأْر َ‬
‫ن )‪ 133‬العراف ( ‪ .‬وستجد ما مّر بقوم فرعون من وقائع‬ ‫جِرِمي َ‬
‫سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ‬
‫ت َفا ْ‬
‫ل ٍ‬
‫صَ‬‫ت ُمَف ّ‬
‫َوالّدَم َءاَيا ٍ‬
‫سردت بإيجاز في اليات ) ‪ (136 – 103‬من سورة العراف ‪ ،‬واليات )‪85‬‬ ‫‪ ،‬أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬قد ُ‬
‫– ‪ (90‬من سورة النمل ‪ ،‬ومواضع أخرى متفرقة في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ن‬
‫عف ْ‬‫ضفّلوا َ‬ ‫حَياِة الفّدْنَيا َرّبَنففا ِلُي ِ‬
‫لُه ِزيَنًة َوَأْمَواًل ِفي اْل َ‬
‫ن َوَم َ‬‫عْو َ‬‫ت ِفْر َ‬‫ك آَتْي َ‬
‫سى َرّبَنا ِإّن َ‬‫وفي نهاية المطاف ) َوَقاَل ُمو َ‬
‫ب اَْلِليفَم )‪ 88‬يونس ( أي‬ ‫حّتففى َيفَرْوا اْلَعفَذا َ‬
‫ل ُيْؤِمُنففوا َ‬‫عَلففى ُقُلففوِبِهْم َف َ‬
‫شفُدْد َ‬ ‫عَلففى َأْمفَواِلِهْم َوا ْ‬
‫س َ‬ ‫طِمف ْ‬ ‫ك َرّبَنا ا ْ‬
‫سِبيِل َ‬
‫َ‬
‫ت َأّن فُه َل‬
‫ق َقففاَل آَمْن ف ُ‬‫حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغ فَر ُ‬
‫الغرق ‪ ،‬فاستجيبت دعوة موسى ‪ ،‬وهذا بالضبط ما حصل مع فرعون ) َ‬
‫ن )‪ 90‬يونس ( ولو تمعنييت فييي قييول فرعييون لتييبينت أنييه لييم‬ ‫سِلِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬‫سَراِئيَل َوَأَنا ِم ْ‬‫ت ِبِه َبُنو ِإ ْ‬
‫ِإَلَه ِإّل اّلِذي آَمَن ْ‬
‫يؤمن ‪ ،‬لقوله ) الذي آمنت به بنو إسرائيل ( ‪ ،‬وأغلبية بني إسرائيل لم تكن تؤمن بال ‪ ،‬ولم يقل ال أو إلييه موسييى‬
‫تكبرا وعلوا ‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫ن َيْغِففُر الفّذُنوبَ‬ ‫سَتْغَفُروا ِلُذُنوِبِهْم ‪َ ،‬وَمف ْ‬‫ل ‪َ ،‬فا ْ‬
‫سُهْم ‪َ ،‬ذَكُروا ا َّ‬‫ظَلُموا َأْنُف َ‬‫شًة ‪َ ،‬أْو َ‬ ‫ح َ‬‫ن ِإَذا َفَعُلوا َفا ِ‬
‫قال تعالى ) َواّلِذي َ‬
‫ت الّتْوَبفُة ‪ِ ،‬لّلفِذي َ‬
‫ن‬ ‫سف ْ‬‫ن )‪ 135‬آل عمييران ( ‪ ،‬وقييال أيضييا ) َوَلْي َ‬ ‫عَلى َما َفَعُلوا ‪َ ،‬وُهفْم َيْعَلُمففو َ‬ ‫صّروا َ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَلْم ُي ِ‬ ‫ِإّل ا ُّ‬
‫ن َوُهفْم ُكّففاٌر ‪ُ ،‬أْوَلِئ َ‬
‫ك‬ ‫ن َيُموُتفو َ‬‫ن ‪َ ،‬وَل اّلفِذي َ‬ ‫لَ‬‫تا ْ‬‫ت ‪َ ،‬قفاَل ِإّنفي ُتْبف ُ‬‫حفَدُهْم اْلَمفْو ُ‬‫ضَر َأ َ‬
‫ح َ‬ ‫حّتى ِإَذا َ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫سّيَئا ِ‬‫ن ال ّ‬‫َيْعَمُلو َ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 18‬النساء ( ‪.‬‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬
‫َأ ْ‬

‫خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ‪:‬‬

‫ف َدَرًكففا َولَ‬ ‫خففا ُ‬ ‫سففا ‪َ ،‬ل َت َ‬


‫حفِر َيَب ً‬‫طِريًقففا ِفففي اْلَب ْ‬
‫ب َلُهْم َ‬
‫ضِر ْ‬
‫سِر بِعَباِدي ‪َ ،‬فا ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫سى َأ ْ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬
‫قال تعالى ) َوَلَقْد َأْو َ‬
‫شى )‪ 77‬طه ( ‪ ،‬نتبين من ذلك أن خروج موسى بقومه إلى البحر كان بوحي من ربه ‪ ،‬وإن لم يخب ظني فقييد‬ ‫خ َ‬‫َت ْ‬
‫اتجه صوب البحر الحمر مباشرة ‪ ،‬أقصى الشمال من خليج السويس ‪ ،‬وبعد أن خييرج بقييومه ميين البحيير ‪ ،‬اتجييه‬
‫شرقا وشمال بخط شبه مستقيم ‪ ،‬متجاوزا صحراء سيناء وصحراء النقب ‪ ،‬حيث المدخل الجنوبي لوادي عربيية ‪،‬‬
‫وسار شمال في بطن الوادي ‪ ،‬حتى الجبييل المعهييود جنييوب البحيير الميييت ‪ ،‬ليسييتقبل الييوحي بنيياءا علييى الموعييد‬
‫جْيَناُكْم ِم ف ْ‬
‫ن‬ ‫سَراِئيَل َقْد َأن َ‬
‫المسبق ‪ ،‬الذي ضرب بينه وبين ربه ‪ ،‬بعد النجاة من فرعون وقومه ‪ ،‬قال تعالى ) َيَبِني ِإ ْ‬
‫ن )‪ 80‬طه ( ‪ ،‬وهذه الية تدل على عدم مكوثهم لفترة طويليية ‪ ،‬فييي أي ميين‬ ‫طوِر اَْلْيَم َ‬
‫ب ال ّ‬
‫جاِن َ‬ ‫عْدَناُكْم َ‬ ‫عُدّوُكمْ َوَوا َ‬
‫َ‬
‫صييحراء سيييناء أو النقييب ‪ ،‬وأن وجهتهييم كييانت حيييث المكييان الموعييود ‪ ،‬وكييان موسييى يسييتعجل المسييير وهييم‬
‫يبطئون ‪ ،‬وبعد تلقيه الوحي ‪ ،‬صعد بقومه إلى المرتفعات الشرقية ‪ ،‬ودخل الردن عن طريق الييوادي الييذي نييزل‬
‫به في المرة السابقة ‪ ،‬ملتفا حول مملكة الدوميين ومملكة الموآبيين شرقي البحر الميت ‪ ،‬ليصل إلى مكان إقييامته‬
‫السابق ‪ ،‬حيث كان سفيرا لبني إسرائيل – ولم يكن يعلم بذلك آنذاك ‪ -‬في مدين قرية شييعيب عليييه السييلم ‪ ،‬لُيَمّهييد‬
‫لهم طيب القامة فيها مستقبل ‪.‬‬

‫ترتيب الحداث التي مرت بموسى وبنللي إسللرائيل خلل تلللك‬


‫الرحلة الطويلة‬

‫الصاعقة والبعث بعد الموت ‪:‬‬

‫في رحلته مع بني إسرائيل ‪ ،‬في طريق العودة من مصر إلى مدين ‪ ،‬كانت ترافق موسى عليه السلم أّمة بأسييرها‬
‫بما لها وما عليها ‪ ،‬وأكثرها من غير المؤمنين وغير المطيعين ل تعالى وله عليه السلم ‪ ،‬مما جعل المسييير فيهييا‬
‫ن َيْفِتَنُه فْم‬‫ن َومََلِئِهْم َأ ْ‬ ‫عْو َ‬‫ن ِفْر َ‬‫ف ِم ْ‬ ‫خْو ٍ‬‫عَلى َ‬ ‫ن َقْوِمِه َ‬‫سى ِإّل ُذّرّيٌة ِم ْ‬ ‫ن ِلُمو َ‬ ‫بطيئا وشاقا وطويل ‪ ،‬قال تعالى ) َفَما آَم َ‬
‫عَقُة ‪َ ،‬وَأْنُتففْم‬ ‫صا ِ‬‫خَذْتُكْم ال ّ‬ ‫جْهَرًة ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫ل َ‬‫حّتى َنَرى ا َّ‬ ‫ك‪َ ،‬‬ ‫ن َل َ‬ ‫ن ُنْؤِم َ‬‫سى ‪َ ،‬ل ْ‬ ‫)‪ 83‬يونس ( ‪ ،‬وقال أيضا ) َوِإْذ ُقْلُتْم َياُمو َ‬
‫ن )‪ 56‬البقرة ( ‪ ،‬وكان قولهم هذا فور نجيياتهم وخروجهييم‬ ‫شُكُرو َ‬ ‫ن َبْعِد َمْوِتُكْم َلَعّلُكْم َت ْ‬
‫ن )‪ُ (55‬ثّم َبَعْثَناُكْم ِم ْ‬ ‫ظُرو َ‬‫َتن ُ‬
‫من البحر ‪ ،‬بعدما رأوا كل ما أجراه ال على يد موسى من معجزات ‪ ،‬تلين لها قلييوب الجبييال وعقولهييا ‪ ،‬فأميياتهم‬
‫ال ثم أحياهم ‪ ،‬ولو نظرت إلى قولهم في الية السابقة واستخدام أداة الجزم والتأبيد ) لن ( ‪ ،‬تجد أن لديهم إصرار‬
‫سهم ‪ ،‬رغم مشاهدتهم لليات والثييار الداليية علييى وجييوده ‪،‬‬ ‫ي ومحجوب عن حوا ّ‬ ‫عجيب على الكفر ‪ ،‬بما هو غيب ّ‬
‫وأنهم ل يؤمنون إل بما تدركه الحواس من أشياء مادية ‪ ،‬وهذا ما جعلهم يقعون في فتنة العجييل الييذهبي بعييد هييذه‬
‫خفَذْتهُْم‬‫جْهفَرًة َفَأ َ‬‫لف َ‬ ‫الحادثة ‪ ،‬وفي فتنة الدجال مستقبل بما لييديه ميين فتيين مادييية ظيياهرة للعيييان ‪َ ) ،‬فَقففاُلوا َأِرَنففا ا َّ‬
‫طاًنا ُمِبيًنا )‬ ‫سْل َ‬
‫سى ُ‬ ‫ك َوآَتْيَنا ُمو َ‬ ‫ن َذِل َ‬‫عْ‬‫ت ‪َ ،‬فَعَفْوَنا َ‬
‫جاَءْتُهْم اْلَبّيَنا ُ‬‫ن َبْعِد َما َ‬ ‫جَل ِم ْ‬ ‫خُذوا اْلِع ْ‬‫ظْلِمِهْم ‪ُ ،‬ثّم ‪ ،‬اّت َ‬
‫عَقُة ِب ُ‬
‫صا ِ‬
‫ال ّ‬
‫‪ 153‬النساء ( وقد وقع هذا منهم قبل اتخاذهم للعجل ‪.‬‬

‫ن والسلوى والتظليل بالسحاب أثناء المسير ‪:‬‬


‫تفجير الماء ونزول الم ّ‬
‫وبناًء على ما سبق ‪ ،‬كان خط مسير الرحلة في معظمه في صحاري قاحلة ‪ ،‬وكييل مييا كييان بحييوزتهم ميين طعييام‬
‫طا ُأَمًمففا ‪،‬‬
‫سفَبا ً‬
‫شفَرَة َأ ْ‬
‫ع ْ‬‫ي َ‬ ‫طْعَنففاُهْم اْثَنَتف ْ‬
‫وماء أثناء الخروج ‪ ،‬كانوا قد استنفدوه في أيامهم الولى ‪ ،‬قال تعييالى ) َوَق ّ‬
‫عِلفَم ُكفّل‬
‫عْيًنففا ‪َ ،‬قفْد َ‬
‫شَرَة َ‬‫ع ْ‬‫ت ِمْنُه اْثَنَتا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ج َ‬‫جَر ‪َ ،‬فاْنَب َ‬
‫حَ‬‫ك اْل َ‬
‫صا َ‬‫ضِرب ِبَع َ‬ ‫نا ْ‬ ‫سَقاُه َقْوُمُه َأ ْ‬
‫سَت ْ‬‫سى ِإْذ ا ْ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬
‫َوَأْو َ‬
‫ظَلُموَنففا‬
‫ت َما َرَزْقَناُكْم ‪َ ،‬وَمففا َ‬ ‫طّيَبا ِ‬‫ن َ‬ ‫سْلَوى ُكُلوا ِم ْ‬ ‫ن َوال ّ‬‫عَلْيِهْم اْلَم ّ‬
‫عَلْيِهْم اْلَغَماَم ‪َ ،‬وَأنَزْلَنا َ‬‫ظّلْلَنا َ‬
‫شَرَبُهْم ‪َ ،‬و َ‬
‫س مَ ْ‬‫ُأَنا ٍ‬

‫‪64‬‬
‫سموا إلييى )‪ (12‬جماعيية لتيسييير‬ ‫ن )‪160‬العراف ( ومن هذه الية الكريمة نجد أنهم ُق ّ‬ ‫ظِلُمو َ‬ ‫سُهْم َي ْ‬‫ن َكاُنوا َأنُف َ‬‫َوَلِك ْ‬
‫ن عليهم ربهم سبحانه عما يصفون ‪ ،‬بأن وّفر لهم كل أسباب الراحة من ماء وغذاء ‪ ،‬وحتى أنه‬ ‫عملّيه القيادة ‪ ،‬وم ّ‬
‫وقاهم من حيير الشييمس بييأن جعييل السييحاب يظللهييم ‪ ،‬أينمييا حليوا وأينمييا ارتحلييوا أثنيياء مسيييرهم باتجيياه الرض‬
‫الُمقّدسة ‪ ،‬وفي تلك الثناء مّروا على عبدة الصينام ‪ ،‬فطلبييوا مين موسييى أن يجعيل لهيم إليه كميا لهيؤلء آلهية )‬
‫جَعْل َلَنففا ِإَلًهففا َكَمففا َلُه فْم‬
‫سى ا ْ‬
‫صَناٍم َلُهْم ‪َ ،‬قاُلوا َياُمو َ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫عَلى َقْوٍم َيْعُكُفو َ‬
‫حَر ‪َ ،‬فَأَتْوا َ‬
‫سَراِئيَل اْلَب ْ‬‫جاَوزَْنا ِبَبِني ِإ ْ‬‫َو َ‬
‫ن )‪ 138‬العراف ( ‪.‬‬ ‫جَهُلو َ‬ ‫َءاِلَهٌة ‪َ ،‬قاَل ِإّنُكْم َقْوٌم َت ْ‬
‫ول يغب عن بالنا أن رحلة كهذه كانت تستوجب ما بين فترة وأخرى التخييييم والقاميية لبعييض الييوقت ‪ ،‬وميين ثييم‬
‫متابعة المسير وهكذا دواليك ‪ ،‬ولم تتعدى مدد القامة في أي من مراحل المسير ‪ ،‬سوى أيام أو أسييابيع معييدودة ‪،‬‬
‫فهم لم يركنوا إلى مكان معين ‪ ،‬إذ كان هناك مواعدة للقاء في جانب الطور اليمن في وادي عربة ‪ ،‬وكييانت هييذه‬
‫ن موسى عليه السلم وبعد أن قطع شييوطا كييبيرا فييي وادي عربيية‬ ‫المواعدة جماعية لموسى ولبني إسرائيل ‪ ،‬ولك ّ‬
‫استعجل اللقاء ‪ ،‬وعندما اقترب من المكان المحدد ‪ ،‬اسييتخلف أخيييه هييارون فييي قييومه وتركهييم ومضييى مسييرعا‬
‫رغبًة منه في إرضاء ربه ‪ ،‬واعتذارا عن التأخير الذي تسّبب به قومه من جّراء مماطلتهم وتّذمرهم ‪.‬‬

‫اللقاء الول لموسى بربه بعد الخروج من مصر ‪ ،‬واتخاذ العجل في بطللن‬
‫وادي عربة ‪:‬‬

‫ضففى )‪(84‬‬ ‫ب ِلَتْر َ‬ ‫ك َر ّ‬‫ت ِإَلْيف َ‬


‫جْلف ُ‬ ‫عِ‬ ‫عَلففى َأَثفِري َو َ‬ ‫سففى )‪َ (83‬قففاَل ُهفْم ُأوَلِء َ‬ ‫ك َيُمو َ‬ ‫ن َقْوِم َ‬‫عْ‬ ‫ك َ‬ ‫جَل َ‬
‫عَ‬‫قال تعالى ) َوَما َأ ْ‬
‫وهناك كان موسى عليه السلم ‪ ،‬مشتاقا ومندفعا فطلب رؤية ربه ‪ ،‬وكأنه نسي ما كان من قومه ‪ ،‬فطلب من ربييه‬
‫ظْر‬‫ن ان ُ‬ ‫ن َتَراِني ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ك ‪َ ،‬قاَل َل ْ‬ ‫ظْر ِإَلْي َ‬
‫ب َأِرِني َأن ُ‬
‫سى ِلِميَقاِتَنا َوَكّلَمُه َرّبُه ‪َ ،‬قاَل َر ّ‬ ‫جاَء ُمو َ‬ ‫ما طلبه قومه منه ) َوَلّما َ‬
‫صفِعًقا ‪َ ،‬فَلّمففا َأَفففا َ‬
‫ق‬ ‫سففى َ‬ ‫خّر ُمو َ‬ ‫جَعَلُه َدّكا ‪َ ،‬و َ‬ ‫جَبِل َ‬ ‫جّلى َرّبُه ِلْل َ‬
‫ف َتَراِني ‪َ ،‬فَلّما َت َ‬ ‫سْو َ‬ ‫سَتَقّر َمَكاَنُه َف َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِإَلى اْلجََبِل ‪َ ،‬فِإ ْ‬
‫صييعق قييومه ميين قبييل ‪ ،‬وبعييدما‬ ‫صعق موسى كما ُ‬ ‫ن )‪ 143‬العراف ( ف ُ‬ ‫ك َوَأَنا َأّوُل اْلُمْؤِمِني َ‬‫ت ِإَلْي َ‬
‫ك ُتْب ُ‬‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫َقاَل ُ‬
‫ن ُك فّل‬
‫ح ِم ف ْ‬ ‫أفاق ُأعطيت له اللواح التي تحمل في ثناياها الشريعة الجديدة لبني إسرائيل ‪َ ) ،‬وَكَتْبَنففا َل فُه ِفففي اَْلْل فَوا ِ‬
‫ن )‪145‬‬ ‫سفِقي َ‬ ‫سفُأِريُكْم َداَر اْلَفا ِ‬‫سفِنَها َ‬ ‫ح َ‬
‫خفُذوا ِبَأ ْ‬
‫ك َيأْ ُ‬‫خفْذَها ِبُقفّوٍة َوْأُمفْر َقْوَمف َ‬
‫يٍء َف ُ‬‫شف ْ‬‫ل ِلُكفّل َ‬ ‫صفي ً‬ ‫ظفًة َوَتْف ِ‬ ‫عَ‬ ‫يٍء َمْو ِ‬
‫شف ْ‬
‫َ‬
‫العراف ( ‪.‬‬
‫ي ) َقففاَل َفِإّنففا َقفْد َفَتّنففا‬‫ومن ثم أخبره ربه بأن قومه ُفتنوا من بعده ‪ ،‬بعبادتهم للعجل الييذهبي الييذي ابتييدعه السييامر ّ‬
‫سففى‬ ‫ي )‪ 85‬طه ( ‪ ،‬وكانت عقوبة الشرك بال غاييية فييي القسييوة ‪َ ) ،‬وِإْذ َقففاَل ُمو َ‬ ‫ساِمِر ّ‬‫ضّلُهْم ال ّ‬ ‫ك َوَأ َ‬
‫ن َبْعِد َ‬ ‫ك ِم ْ‬
‫َقْوَم َ‬
‫عْنفَد‬ ‫خْيفٌر َلُكفْم ِ‬ ‫سفُكْم ‪َ ،‬ذِلُكفْم َ‬
‫جفَل ‪َ ،‬فُتوُبففوا ِإَلفى َبففاِرِئُكْم َففاْقُتُلوا َأنُف َ‬
‫خففاِذُكْم اْلِع ْ‬
‫سفُكْم ِباّت َ‬
‫ظَلْمُتْم َأنُف َ‬
‫ِلَقْوِمِه ‪َ ،‬يَقْوِم ِإّنُكْم َ‬
‫حيُم )‪ 54‬البقرة ( ‪ ،‬وتوحي هذه الييية بييأن الميير كييان ُملزمييا ‪ ،‬وقبييول‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫عَلْيُكْم ‪ِ ،‬إّنُه ُهَو الّتّوا ُ‬ ‫ب َ‬ ‫َباِرِئُكْم ‪َ ،‬فَتا َ‬
‫التوبة كان مشروطا بقتل النفس ‪ ،‬فمن رغب في التوبة آنذاك ممن عبدوا العجل ‪ ،‬قتل نفسه حقيقة وُقبلييت تييوبته ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫حّرَقّن فهُ‬
‫عاِكًفففا َلُن َ‬
‫عَلْيِه َ‬
‫ت َ‬
‫ظْل َ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫ظْر ِإَلى ِإَلِه َ‬
‫ي ) َوانْ ُ‬
‫وبالنظر في قوله تعالى ‪ ،‬على لسان موسى مخاطبا السامر ّ‬
‫حّرق وُرمي في البحر ‪ ،‬وأقييرب بحيير لمقييام بنييي‬ ‫سًفا )‪ 97‬طه ( ‪ ،‬نجد أن العجل الذهبي قد ُ‬
‫سَفّنُه ِفي اْلَيّم َن ْ‬
‫ُثّم َلَنْن ِ‬
‫إسرائيل في وادي عربة هو البحر الميت ‪.‬‬

‫اللقاء الثاني والرجفة ونتق الجبل ‪:‬‬

‫خَتففارَ‬‫وبناًء على ما كان منهم ‪ ،‬اختار موسى )‪ (70‬رجل من أفضلهم ‪ ،‬للعتذار عما فعله السفهاء من قييومه ) َوا ْ‬
‫ي ‪َ ،‬أُتْهِلُكَنا ِبَما‬‫ن َقْبُل َوِإّيا َ‬
‫ت َأْهَلْكَتُهْم ِم ْ‬‫شْئ َ‬
‫جَفُة ‪َ ،‬قاَل َربّ َلْو ِ‬‫خَذْتُهْم الّر ْ‬
‫ل ِلِميَقاِتَنا ‪َ ،‬فَلّما َأ َ‬‫جً‬‫ن َر ُ‬‫سْبِعي َ‬
‫سى َقْوَمُه َ‬ ‫ُمو َ‬
‫حْمَنففا َوَأْن ف َ‬
‫ت‬ ‫غِفْر َلَنففا َواْر َ‬
‫ت َوِلّيَنا َفا ْ‬
‫شاُء ‪َ ،‬أْن َ‬
‫ن َت َ‬‫شاُء َوَتْهِدي َم ْ‬‫ن َت َ‬
‫ضّل ِبَها َم ْ‬ ‫ك ُت ِ‬ ‫ي ِإّل ِفْتَنُت َ‬
‫ن ِه َ‬‫َفَعَل السَّفَهاُء ِمّنا ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫ن )‪ 155‬العراف ( فشهدوا الوحي بمعية موسى عليه السلم دون سماعه ‪ ،‬وشعروا بوجييود خييالقهم‬ ‫خْيُر اْلَغاِفِري َ‬
‫َ‬
‫وعظمة قدرته بأن زلزل الرض من تحت أرجلهم ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ي عشر بالسهر على تطللبيقه ‪ ،‬والحكللم‬
‫أخذ الميثاق ‪ ،‬وإلزام النقباء الثن ّ‬
‫بما جاء فيه ‪:‬‬

‫عرض عليهم الميثاق ليلتزموا به ويلزمييوا أتبيياعهم علييى القيييام بييه ‪ ،‬ويتحملييوا مسييؤولية نقضييه فييترّددوا‬ ‫وهناك ُ‬
‫وأَبْوا ‪ ،‬فرفع سبحانه فوقهم الجبل وأجبرهم على أخذه بالقوة ‪ ،‬ولو أصّروا على الرفض لطبقه عليهم فقبلوه على‬
‫خْذَنا ميَثففاَقُكْم َوَرَفْعَنففا‬ ‫مضض ‪ ،‬وكان ال أعلم بما يعتمل في صدورهم ولكنه غفور رحيم ‪ ،‬حيث قال فيهم ) َوِإْذ َأ َ‬
‫ج فَل ِبُكْفِرِه فْم ‪ُ ،‬ق فْل‬ ‫شِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهْم اْلِع ْ‬ ‫صْيَنا ‪َ ،‬وُأ ْ‬‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫سَمُعوا ‪َ ،‬قاُلوا َ‬ ‫خُذوا َما آَتْيَناُكْم ِبُقّوٍة َوا ْ‬ ‫طوَر ُ‬ ‫َفْوَقُكْم ال ّ‬
‫ن )‪ 93‬البقرة ( ‪ .‬فاختير ميين السييبعين رجل )‪ (12‬نقيبييا ‪ ،‬بعييدد السييباط‬ ‫ن ُكنُتْم ُمْؤِمِني َ‬ ‫سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإ ْ‬
‫ِبْئ َ‬
‫) أي قبائل بني إسرائيل ( وهم الذين ُتسميهم التوراة بالقضاة ‪ .‬وهذا نص الميثاق الذي ُألزموا بالعمل على تطيبيقه‬
‫شفَر‬‫عَ‬ ‫ي َ‬ ‫سَراِئيَل ‪َ ،‬وَبَعْثَنففا ِمْنُهفْم اْثَنف ْ‬ ‫ق َبِني ِإ ْ‬‫ل ِميَثا َ‬‫خَذ ا ُّ‬‫‪ ،‬بالضافة إلى الوصايا الواردة في سورة النعام ) َوَلَقْد َأ َ‬
‫ضففا‬‫ل َقْر ً‬ ‫ضُتْم ا َّ‬‫عّزْرُتُموُهْم ‪َ ،‬وَأْقَر ْ‬ ‫سِلي َو َ‬‫لَة ‪َ ،‬وآَتْيُتْم الّزَكاَة َوآَمنُْتْم ِبُر ُ‬‫صَ‬‫ن َأَقْمُتْم ال ّ‬ ‫ل ِإّني َمَعُكْم ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫َنِقيًبا ‪َ ،‬وَقاَل ا ُّ‬
‫ض فّل‬
‫ك ِمْنُك فْم ‪َ ،‬فَق فْد َ‬ ‫ن َكَفَر َبْعَد َذِل ف َ‬
‫حِتَها اَْلْنَهاُر ‪َ ،‬فَم ْ‬‫ن َت ْ‬
‫جِري ِم ْ‬ ‫ت َت ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫خَلّنُكْم َ‬
‫سّيَئاِتُكْم ‪َ ،‬وَُلْد ِ‬‫عْنُكْم َ‬ ‫ن َ‬ ‫سًنا ‪َُ ،‬لَكّفَر ّ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫سِبيِل )‪ 12‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫سَواَء ال ّ‬ ‫َ‬

‫رفض المن والسلللوى وطلللب القثائيللات ‪ ،‬والحكللم عليهللم بللالنزول فللي‬


‫موطن زراعتها ‪:‬‬

‫كانت مدة المكث بادئ المر في الصحراء بسيطة ‪ ،‬وذلك لتذّمرهم وعييدم صييبرهم علييى طعييام واحييد ‪ ،‬أي المينّ‬
‫سففى َلف ْ‬
‫ن‬ ‫والسلوى ‪ ،‬فحكم عليهم سبحانه بإكمال المسير المقّدر مسييبقا ‪ ،‬بقييوله علييى لسييان موسييى ) َوِإْذ ُقْلُتفْم َيُمو َ‬
‫صِلَها َقاَل‬
‫عَدسَِها َوَب َ‬ ‫ن َبْقِلَها َوِقّثاِئَها َوُفوِمَها َو َ‬
‫ض مِ ْ‬
‫ت اَْلْر ُ‬ ‫ج َلَنا ِمّما ُتْنِب ُ‬
‫خِر ْ‬
‫ك ُي ْ‬
‫ع َلَنا َرّب َ‬
‫حٍد َفاْد ُ‬
‫طَعاٍم َوا ِ‬
‫عَلى َ‬
‫صِبَر َ‬ ‫َن ْ‬
‫سفَأْلُتْم )‪ 61‬البقرة ( وحيييث أنييه قييال‬ ‫ن َلُكفْم َمففا َ‬ ‫صفًرا ‪َ ،‬ففِإ ّ‬
‫طففوا ِم ْ‬ ‫خْيفٌر اْهِب ُ‬
‫ن اّلِذي ُهفَو َأْدَنففى ِباّلفِذي ُهفَو َ‬‫سَتْبدُِلو َ‬
‫َأَت ْ‬
‫صَر ( بدون تنوين ‪ ،‬فهي غير مصر التي خرجوا منها ‪ ،‬وإنما جاءت هنا بمعنى )‬ ‫صرًا ( منونًة ‪ ،‬ولم يقل ) ِم ْ‬ ‫) ِم ْ‬
‫ن لكم ما سألتم ( تعني أن هذا البلد يتمّيز ‪ ،‬بأن فيه ما سأله بني إسرائيل ميين‬ ‫بلدًا ( نكرة وغير معّرفة ‪ ،‬وقوله ) فإ ّ‬
‫نبيهم من عدس وبصل وغيره ‪ ،‬ولو تساءلنا عيين موقييع هييذا البلييد ‪ ،‬القريييب ميين الرض المقدسيية ‪ ،‬الييذي يتميييز‬
‫بخصوبة أراضيه ووفرة مياهه ميين ينييابيع وآبييار ويصييلح لزراعيية القّثائيييات ‪ ،‬بالتأكيييد سييتكون الجابيية الرض‬
‫الواقعة شرق نهر الردن ‪ ،‬وفي السفوح الغربية للجبال المطلة على فلسطين ‪ ،‬وبالتحديد قرية مدين الييتي يعرفهييا‬
‫موسى ‪ ،‬ويعرف مّيزاتها وخصائصها ‪ ،‬والتي كان أهلها قد هلكوا بعذاب يوم الظّلة ‪ ،‬قبل أو بعييد خييروج موسييى‬
‫منها ‪ ،‬ليرثها بنوا إسرائيل مع القلة المؤمنة ‪ ،‬من قوم شعيب التي نجت من العذاب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫مقام فيها ‪:‬‬


‫دخول مدين وال ُ‬
‫طٌة َنْغِف فْر َلُك فمْ‬
‫حّ‬ ‫جًدا َوُقوُلوا ِ‬ ‫سّ‬
‫ب ُ‬ ‫خُلوا اْلَبا َ‬‫غًدا َواْد ُ‬‫شْئُتْم َر َ‬
‫ث ِ‬‫حْي ُ‬‫خُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َفُكُلوا ِمْنَها َ‬ ‫قال تعالى ) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ‬
‫سفُكُنوا َهفِذِه اْلَقرَْيفَة َوُكُلففوا ِمْنهَففا‬
‫ن )‪ 58‬البقرة ( ‪ ،‬وقال في آية أخرى ) َوِإْذ ِقيَل َلُه فْم ا ْ‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫سَنِزيُد اْلُم ْ‬ ‫طاَياكُْم َو َ‬
‫خَ‬‫َ‬
‫ظَلُمففوا‬‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (161‬فَبفّدَل اّلفِذي َ‬ ‫سفِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫سفَنِزيُد اْلُم ْ‬
‫طيَئاِتُكْم َ‬ ‫خِ‬‫جًدا َنْغِفْر َلُكْم َ‬
‫سّ‬‫ب ُ‬ ‫خُلوا اْلَبا َ‬‫طٌة َواْد ُ‬‫حّ‬ ‫ث شِْئُتْم َوُقوُلوا ِ‬ ‫حْي ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪ 162‬العييراف ( ‪ ،‬ولييم يكيين‬ ‫ظِلُمففو َ‬‫سَماِء ِبَما َكاُنوا َي ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫جًزا ِم ْ‬ ‫عَلْيِهْم ِر ْ‬
‫سْلَنا َ‬
‫غْيَر اّلِذي ِقيَل َلُهْم َفَأْر َ‬ ‫ِمْنُهْم َقْوًل َ‬
‫المقصود بهذه القرية الرض المقدسة ‪ ،‬كونهم دخلوها حربا ‪ ،‬بعد موسى عليه السلم بأربعين عاما على القييل ‪،‬‬
‫سكنت حقيقة بدخولها بل قتال بمعية موسى عليه السلم ‪ ،‬وقد بّدل الذين ظلموا منهم –أي الُعصاة –‬ ‫وهذه القرية ُ‬
‫القول والهيئة عند الدخول ‪ ،‬فأرسل عليهم سبحانه رجزا من السماء ‪.‬‬
‫غ فًدا ( يييوحي‬
‫شْئُتمْ َر َ‬
‫ث ِ‬
‫حْي ُ‬
‫شْئُتْم ( وقوله لهم في النص الخر ) َفُكُلوا ِمْنَها َ‬
‫ث ِ‬
‫حْي ُ‬
‫وقوله قبل الدخول ) َوُكُلوا ِمْنها َ‬
‫بأنها سكنى مؤقتة ‪ ،‬ولم يكن لديهم علم بأنه سيييكون هنيياك مييا بعييدها ‪ ،‬وهييو السييتعداد والتهيئة لييدخول الرض‬
‫المقدسة ‪ ،‬فأفشلوا أنفسهم في الدخول الول لتلك القريية ‪ ،‬فاسيتحقوا غضيب الي عليهيم ‪ ،‬وأفشيلوا أنفسيهم عنيدما‬
‫ُأمروا بالدخول الثاني بل حرب ‪ ،‬فأفشلهم ال وأذهب ريحهم ‪ .‬وقد قيلت هذه العبارة لدم عليييه السييلم وزوجييه )‬
‫شْئُتَما )‪ 35‬البقرة ( قبل دخوله الجنة ولييم يكيين لييديهما علييم بييأن القاميية فيهييا مؤقتيية ‪ ،‬وأن‬ ‫ث ِ‬ ‫حْي ُ‬
‫غًدا َ‬
‫ل مِْنَها َر َ‬
‫َوُك َ‬
‫هناك ما بعدها ‪ ،‬وسيحاطون به علما عند وقوعه ‪ ،‬وفي موعده المقدر المضمر فييي علييم ال ي ‪ ،‬ولكيين بعييد فييوات‬
‫‪66‬‬
‫الوان ‪ .‬وإن لم تكن مدين هي القرية التي دخلها بنوا إسرائيل وأقاموا فيها ‪ ،‬فهييي قرييية تقييع فييي نفييس المنطقيية ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫الخسف بقارون ‪ ،‬ورحلة موسى والفتى ‪ ،‬وذبح البقرة ‪:‬‬

‫أقام بنو إسرائيل في مدين بمعية موسى ‪ -‬على ما يبدو ‪ -‬سيينين عديييدة ‪ ،‬واطمييأنوا بهييا وإليهييا وطيياب لهييم المقييام‬
‫فيها ‪ ،‬حيث الزراعة وتربية المواشي والتجارة ‪ ،‬ومن الحداث التي نعتقد أنها وقعت فيها قصة البقييرة ) َوِإْذ َقففاَل‬
‫ن )‪67‬‬ ‫جفاِهِلي َ‬ ‫ن اْل َ‬
‫ن ِمف ْ‬‫ن َأُكففو َ‬
‫ل َأ ْ‬‫عفوُذ ِبففا ِّ‬
‫خفُذَنا ُهفُزًوا َقفاَل َأ ُ‬‫حوا َبَقَرًة َقفاُلوا َأَتّت ِ‬
‫ن َتْذَب ُ‬
‫ل َيْأُمُرُكْم َأ ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫سى ِلقْوِمِه ِإ ّ‬ ‫ُمو َ‬
‫حّتفى َأْبُلفَغ‬ ‫ح َ‬ ‫سففى ِلَفَتفاُه َل أَْبفَر ُ‬‫البقرة ( ‪ ،‬وقصة سفر موسى حيث مجمع البحرين ‪ ،‬لللتقاء بالعالم ‪َ ) ،‬وِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫سففى َفَبَغففى‬ ‫ن َقفْوِم ُمو َ‬ ‫ن ِمف ْ‬ ‫ن َكففا َ‬
‫ن َقففاُرو َ‬ ‫حقًبا )‪ 60‬الكهف ( وقصة قارون المعروفيية ) ِإ ّ‬ ‫ي ُ‬ ‫ضَ‬ ‫ن َأْو َأْم ِ‬‫حَرْي ِ‬‫جَمَع اْلَب ْ‬‫َم ْ‬
‫حف ّ‬
‫ب‬ ‫ل ف َل ُي ِ‬ ‫ن ا َّ‬‫صفَبِة ُأوِلففي اْلُقفّوِة ِإْذ َقففاَل َلفُه َقفْوُمُه َل َتْففَرحْ ِإ ّ‬
‫حُه َلَتُنففوُء ِباْلُع ْ‬
‫ن َمَفاِت َ‬‫ن اْلُكُنوِز َما ِإ ّ‬‫علْيِهْم َوآَتْيَناُه ِم ْ‬‫َ‬
‫ن )‪ 76‬القصص ( ‪.‬‬ ‫حي َ‬‫اْلَفِر ِ‬

‫دسة وتحريمها عليهم وتيههم شرقي النهر ‪:‬‬


‫المر بدخول الرض المق ّ‬
‫وبعد مدة من مكثهم في مدين ‪ ،‬أمرهم موسى بدخول الرض المقدسة ) فلسطين ( ‪ ،‬ولم تكن هنيياك حاجيية للقتييال‬
‫آنذاك فرفضوا وعصوا لقلة إيمانهم ‪ ،‬وأخلدوا إلى الرض وتذّرعوا بحجج واهييية ليييبّرروا اتكيياليتهم وعجزهييم ‪،‬‬
‫ن ِفي اَْلْرضِ‬‫سَنًة َيِتيُهو َ‬
‫ن َ‬
‫عَلْيِهْم َأْرَبِعي َ‬
‫حّرَمٌة َ‬
‫فدعا موسى ربه ليحكم بينه وبينهم ‪ ،‬فاستجاب له ربه ) َقاَل َفِإّنَها مُ َ‬
‫ن )‪ 26‬المائدة ( فكان تحريم الدخول لمدة أربعين سنة ومن ثم التيه في الرض ‪.‬‬ ‫سِقي َ‬
‫عَلى اْلَقْوِم اْلَفا ِ‬
‫َفل َتْأسَ َ‬
‫والتيه لغة الحيرة والضلل ‪ ،‬ورجل تائه وتّياه إذا كان جسورا يركييب رأسييه فييي المييور ‪ ،‬وفييي الحييديث ‪ :‬إنييك‬
‫حرموا من قيييادة النبييياء ‪،‬‬ ‫امرؤ تائه ‪ ،‬أي متكبر أو ضال متحّير ‪ .‬والمراد من ذلك أنهم ُتركوا على رؤوسهم ‪ ،‬و ُ‬
‫بأن ال تخلى عنهم وحرمهم من رعايته لهم ‪ ،‬ورفييع عنهييم اليوحي وتركهييم بل هداييية ‪ ،‬بعييد مييوت موسييى عليييه‬
‫السلم ‪ ،‬على مدى ‪ 40‬سنة ‪ ،‬ولم ُيقصد بالتيه الضياع والتشّرد المكاني في صحراء سيناء كما كنييا نعتقييد سييابقا ‪.‬‬
‫والصحيح أنهم حافظوا عليى تواجيدهم ‪ ،‬كأمية مكونية مين ‪ 12‬جماعية شيرقي نهير الردن ‪ ،‬وُأوكليت قييادة كيل‬
‫جماعة إلى أحد النقباء الثني عشر ‪ ،‬كل حسب السبط الذي ينتمي إليه بعد انقطاع قيادة الوحي ‪ ،‬وهييذا ممييا ينفييي‬
‫نبوة فتى موسى المسمى بيوشع بن نون ‪ .‬وهنا تتضح الحكمة مين جيراء إلقياء مسيؤولية حفيظ الميثياق وإقيامته ‪،‬‬
‫على النقباء الثني عشر بعد وفاة موسى وانقطاع الوحي والعناية اللهية ‪ .‬وهذا ميا حياول مؤّلفيو التيوراة إخفياءه‬
‫بتبديل مواضع الكلم ‪ ،‬فجعلوا المن والسلوى تتنيّزل عليهييم لمييدة أربعيين سينة فييي الصيحراء ‪ ،‬وهييي عيدد سيينين‬
‫التحريم والتيه التي كانوا يأكلون فيها البصل والعدس ‪.‬‬
‫ويّدعي كتبة التوراة أن بني إسرائيل ‪ ،‬أثناء قدومهم إلى الرض المقدسة بمعييية موسييى عليييه السييلم ‪ ،‬قييد قيياتلوا‬
‫أقواما كثيرة شرق نهر الردن وانتصروا عليها ‪ ،‬ويّدعون أيضا أنهييم هيياجموا الكنعييانيين بعييد موسييى ‪ ،‬وهييدموا‬
‫أسوار مدينة أريحا بمعية يوشع بيين نيون ‪ ،‬وأنهييم أقيياموا زميين القضيياة غييرب النهيير ‪ .‬وهييذا كلييه محييض افييتراء‬
‫وتلفيق ‪ ،‬فكيف يقاتل من طلب منه مجرد الدخول ولم يييدخل ‪ ،‬ولفييظ الييدخول فييي القييرآن يييوحي بانتفيياء القتييال ‪،‬‬
‫ونص الحوار الذي دار بين موسى وقومه لدخولها تجده كامل في اليات )‪ (27 – 20‬المائدة ‪.‬‬

‫زمن الخبار بنص نبوءة الفساد والعلو في الرض ‪:‬‬

‫وبعد مدة يسيره من الزمن من ذلك الحكم ‪ ،‬كشف موسى عليه السلم النقاب عن النبيوءة موضييوع هييذا الكتيياب ‪،‬‬
‫وأخبر عنها قبل أن ينتقل إلى جوار ربه ‪ .‬وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون ‪ ،‬كما حكييم عليهييم ربهييم ‪ ،‬وُأوكييل‬
‫المر من بعده إلى النقباء الثني عشر أصحاب الميثاق ‪ ،‬ليحفظوا التوراة وليحكمييوا بييين النيياس بمييا جيياء فيهييا ‪،‬‬
‫ومن ذلك اليوم انتقلت مسؤولية حفظ التوراة والشريعة إلى أناس عاديين ‪ ،‬فبدأ ظهور الحبار ‪ ،‬قييال تعييالى ) ِإّنففا‬
‫حَبففاُر ِبمَففا‬
‫ن َواَْل ْ‬
‫ن َهففاُدوا ‪َ ،‬والّرّبففاِنّيو َ‬
‫سفَلُموا ‪ِ ،‬لّلفِذي َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن اّلفِذي َ‬
‫حُكفُم ِبَهففا الّنِبّيففو َ‬
‫َأْنَزْلَنا الّتْوَراَة ِفيَها ُهًدى َوُنففوٌر ‪َ ،‬ي ْ‬
‫شَهَداَء )‪ 44‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫عَلْيِه ُ‬‫ل ‪َ ،‬وَكاُنوا َ‬ ‫ب ا ِّ‬
‫ن ِكَتا ِ‬
‫ظوا ِم ْ‬ ‫حِف ُ‬
‫سُت ْ‬‫ا ْ‬

‫‪67‬‬
‫دسة بعد نهاية سنوات التيه ‪:‬‬
‫ملك لدخول الرض المق ّ‬
‫طلب ال ُ‬
‫عَلْيُكُم اْلِقَتاُل َأّل ُتَقاِتُلوا َقاُلوا َوَما لََنا‬
‫ب َ‬‫ن ُكِت َ‬ ‫سْيتُْم ِإ ْ‬
‫ع َ‬‫ل َقاَل َهْل َ‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬ ‫ي َلُهُم اْبَع ْ‬
‫) ِإْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫عِليفٌم‬
‫لف َ‬ ‫ل مِْنُهفْم َوا ُّ‬
‫ب عََلْيِهفُم اْلِقَتففاُل َتَوّلفْوا ِإّل َقِلي ً‬ ‫ن ِدَياِرَنا َوَأْبَناِئَنا َفَلّمففا ُكِتف َ‬
‫جَنا ِم ْ‬
‫خِر ْ‬
‫ل َوَقْد ُأ ْ‬
‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫َأّل ُنَقاِتَل ِفي َ‬
‫ن )‪(246‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ِبال ّ‬
‫وبعد انقضاء سنون التيه الربعون ‪ ،‬التي عاشوا خللها شرقي نهر الردن ‪ُ .‬بعث فيهم نبيا ‪ ،‬يّدعون فييي التييوراة‬
‫أن اسمه ) صمويل ( ‪ .‬وربما لتعرضهم لضيق العيش والضطهاد والغيزو ‪ ،‬مين قبيل المماليك المجياورة شيرقي‬
‫ن َبْع فِد‬
‫س فَراِئيَل ِم ف ْ‬
‫ن َبِني ِإ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫النهر ‪ ،‬طلبوا من هذا النبي أن يسأل ال ليبعث لهم ملكا ‪ ،‬قال تعالى ) َأَلْم َتَر ِإَلى اْلَم َِ‬
‫ل ف )‪ 246‬البقرة ( بغييية دخييول الرض المقدسيية الييتي‬ ‫س فِبيِل ا ِّ‬
‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬
‫ي َلُهْم اْبَع ْ‬
‫سى ‪ِ ،‬إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫ُمو َ‬
‫كتب ال لهم ‪ ،‬فُبعث لهم طالوت ملكا وأنزل ال لهم التابوت تحمله الملئكة آية لملكه ‪ ،‬كييونهم ل يؤمنييون إل بمييا‬
‫ل يشربوا منه فشربوا منه إل قليل ‪.‬‬ ‫ظم صفوفهم واجتاز بهم نهر الردن على أ ّ‬ ‫هو محسوس ‪ ،‬فأعّدهم ون ّ‬
‫ت(‬ ‫جففاُلو َ‬
‫لف َوَقَتفَل َداُووُد َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫وكانت المواجهة مع الكنعانين ‪ -‬على الرجح فييي سيهول أريحيا ‪َ ) -‬فَهَزُمففوُهْم ِبفِإْذ ِ‬
‫وقتل داود ‪ -‬الذي كان من جنود طالوت ‪ -‬جالوت قائد الكنعانيين فدخلوا القدس ‪ .‬ومن ثم انتقل الُملييك لييداود عليييه‬
‫شاُء )‪ 251‬البقرة ( ونص هذه الحداث‬ ‫عّلَمُه ِمّما َي َ‬
‫حْكَمَة ‪َ ،‬و َ‬
‫ل اْلُمْلكَ َواْل ِ‬
‫السلم بغض النظر عن الكيفية ) َوآَتاُه ا ُّ‬
‫كامل تجده في اليات )‪ (251 – 246‬البقرة ‪ ،‬وكانت هذه أول معركة يقاتل فيهييا بنييو إسييرائيل ‪ ،‬وكييان جيشييهم‬
‫يتألف من القلة المؤمنة ‪ ،‬التي لم تكن قد شربت من النهيير ) نهيير الردن ( ‪ ،‬وكييان هييذا هييو الييدخول الول لبنييي‬
‫إسرائيل إلى الرض المقدسة ‪.‬‬

‫داود عليه السلم يؤسس أول دولة لليهود في القدس ‪:‬‬


‫ن )‪16‬‬ ‫عَلى اْلَعففاَلِمي َ‬
‫ضْلَناُهْم َ‬
‫ت َوَف ّ‬
‫طّيَبا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫حْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهْم ِم ْ‬
‫ب َواْل ُ‬
‫سَراِئيَل اْلِكَتا َ‬
‫قال تعالى ) َوَلَقْد آَتيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫الجاثية ( هذه الية تشير إلى أن هناك خمسة أمور اجتمعت لبني إسرائيل ‪ ،‬وهي الكتاب أي الشريعة الييتي تركهييا‬
‫لهم موسى عليه السلم ‪ ،‬والحكم أي الملك ‪ ،‬والنبوة أي الوحي ‪ ،‬والسعة في الرزق ‪ ،‬والتفضيل باختيارهم لحمييل‬
‫الرسالة السماوية في ذلك الزمييان ‪ ،‬وقييد اجتمعييت هييذه المييور الخمسيية فييي زميين مملكتهييم الولييى فييي الرض‬
‫المقدسة ‪ ،‬حيث كان داود عليه السلم أول ملوكها ‪.‬‬

‫ملك داود عليه السلم ‪:‬‬

‫معظم اليات التي أخبرت عن داود وملكه ‪ ،‬كانت ترّكز على شخص داود ‪ ،‬حيييث اّتصييف عليييه السييلم بييالورع‬
‫والتقوى وكثرة العبادة ‪ ،‬والعلم والقوة مع شيء من اللين في المعاملة ‪ ،‬وتوحي بيأن شييغله الشياغل ‪ ،‬كيان توطيييد‬
‫طابِ )‪ 20‬ص ( وإعداد ما استطاع من قوة للييدفاع‬ ‫خَ‬‫صَل اْل ِ‬
‫حْكَمَة َوَف ْ‬
‫شَدْدَنا ُمْلَكُه َوآَتْيَناُه اْل ِ‬
‫أركان دولته الحديثة ) َو َ‬
‫عن دولته الصغيرة ‪ ،‬التي كانت محصورة في بيت المقدس وما حولها ‪ ،‬مين هجمييات القييوام المجيياورة لهيا ميين‬
‫الكنعانيين ‪ ،‬ولم يكن يسعى لتوسيع رقعة الدولة ‪ ،‬كون المة السرائيلية آنذاك كانت قليلة ‪ -‬وهي لم تكييثر إل فييي‬
‫العصر الحديث ‪ ،‬وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬حيث ُرفع عنهم القتل ‪ -‬ولم تكن تستدعي امتلك مسيياحة‬
‫كبيرة من أرض فلسطين ‪.‬‬

‫صفة الجبن الملزمة لليهود ومعالجتها بابتكار داود للدروع الحربية ‪:‬‬

‫ن )‪ 80‬النبياء ( ‪ ،‬والضييمير ) كييم (‬ ‫شاِكُرو َ‬


‫سُكْم َفَهْل َأْنتُْم َ‬‫ن َبْأ ِ‬‫صَنُكْم ِم ْ‬
‫ح ِ‬ ‫س َلُكْم ِلُت ْ‬
‫صْنَعَة َلُبو ٍ‬ ‫عّلْمَناُه َ‬
‫قال تعالى ) َو َ‬
‫في كلمتي ) لكم ( و ) بأسكم ( يعود على المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬وهذا خبر يفيد أن داود عليه السلم ‪ ،‬هييو أول ميين‬
‫ابتكر الدروع الحربية الحديدية ‪ ،‬وأول من استعملها هم بنو إسرائيل ‪ ،‬وهذا يكشف طبيعة الجبن فيهم ‪ ،‬والحرص‬
‫شفَرُكوا )‪96‬‬ ‫ن َأ ْ‬‫ن اّلفِذي َ‬ ‫حَيففاٍة َوِمف ْ‬
‫عَلففى َ‬
‫س َ‬
‫ص الّنا ِ‬‫حَر َ‬ ‫جَدّنُهْم َأ ْ‬
‫على الحياة والخوف من الموت وكرههم للقتال ) َوَلَت ِ‬
‫خَلَها َأَب فًدا مَففا‬
‫ن َن فْد ُ‬
‫البقرة ( وصناعة داود لها يدل على معرفته بطبيعتهم تلك ‪ ،‬فقد قالوا لموسييى ميين قبييل ) ِإّنففا َل ف ْ‬
‫صلة‬ ‫ن )‪ 24‬المائدة ( ‪ ،‬فالجبن والتواكل على الغير طبيعة متأ ّ‬ ‫عُدو َ‬ ‫ل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ‬ ‫ك َفَقاِت َ‬
‫ت َوَرّب َ‬
‫ب َأْن َ‬
‫َداُموا ِفيَها َفاْذَه ْ‬
‫‪68‬‬
‫في نفوسهم ‪ ،‬وانظر إلى قولهم ) وربك ( وليس ) وربنا ( ‪ ،‬فهييو رب موسييى وليييس بربهييم فمييا كييانوا مييؤمنين ‪،‬‬
‫ن )‪ 25‬المييائدة ( ‪ ،‬وكييان أغلبهييم فاسييقين‬ ‫س فِقي َ‬
‫ن اْلَقفْوِم اْلَفا ِ‬ ‫ق َبْيَنَنففا َوَبْي ف َ‬
‫لذلك قال فيهم موسى عليه السييلم ) َفففاْفُر ْ‬
‫ن اّل فِذي َ‬
‫ن‬ ‫وعصاة ومعتدين ‪ ،‬حتى في زمن طالوت وداود وسليمان وعلييى ميير العصييور ‪ ،‬حيييث قييال تعييالى ) ُلِع ف َ‬
‫ن )‪ 78‬المائدة ( فكمييا‬ ‫صْوا َوَكففاُنوا َيْعَت فُدو َ‬
‫ع َ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫ن َمْرَيَم َذِل َ‬‫سى اْب ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداُووَد َو ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫عَلى ِل َ‬
‫سَراِئيَل َ‬‫ن َبِني ِإ ْ‬‫َكَفُروا ِم ْ‬
‫غوا‬ ‫ل ِإَلْيُكْم َفَلّما َزا ُ‬
‫سوُل ا ِّ‬‫ن َأّني َر ُ‬ ‫سى ِلَقْوِمِه َياَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني َوَقْد َتْعَلُمو َ‬ ‫تأّذى موسى عليه السلم ) َوِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫ن )‪ 5‬الصف ( تييأّذى منهييم داود عليييه السييلم وهييو أول ملييوكهم ‪،‬‬ ‫س فِقي َ‬ ‫ل َل َيْهِدي اْلَق فْوَم اْلَفا ِ‬
‫ل ُقُلوَبُهْم َوا ُّ‬‫غ ا ُّ‬
‫َأَزا َ‬
‫وتأّذى منهم عيسى عليه السلم وهو آخر أنبيائهم ‪ ،‬ومن وقع بينهما من النبياء ‪.‬‬
‫شرب أغلبهم من النهر ‪ ،‬عند عبورهم مييع طييالوت إلييى فلسييطين عطشييا ‪ ،‬وإنمييا ليسييتثنيهم طييالوت ميين‬ ‫ولم يكن ُ‬
‫الخروج في الجيش للقتال ‪ ،‬وما زالوا يفتعلون الحجج للتهرب من القتال حتى فييي دولتهييم الحالييية ‪ ،‬فهييم يييدفعون‬
‫بأبنائهم إلى المدارس الدينييية لتجنيبهييم الخدميية العسييكرية ‪ .‬فييابتكر عليييه السييلم الييدروع الحديدييية ليلبسييوها فييي‬
‫حروبهم مع الشعوب المجاورة ‪ ،‬التي على ما يبدو كانت تغزوهم باستمرار ‪ ،‬لعلها تدخل شيئا من الطمئنان إلييى‬
‫تلك القلوب الوجلة ‪ ،‬وتدفعهم إلى الذود عن حمى مملكتهم ‪ .‬ولو نظرت إلى واقعهم المعاصر ‪ ،‬لوجييدتهم يلبسييون‬
‫صيينون وراء السيييارات المصييفحة ‪ ،‬أو‬ ‫الدروع الواقية من الرصاص حتى فييي مواجهيية الحجييارة ‪ ،‬وتجييدهم يتح ّ‬
‫جِميًعففا‬
‫يقاتلون من وراء جدر من السمنت المسلح ‪ ،‬وهذا ما يفضحهم به القرآن في مواضع كثيرة ) َل ُيَقاِتُلوَنُكْم َ‬
‫ك ِبفَأّنُهْم َقفْوٌم َل‬
‫شفّتى َذِلف َ‬
‫جِميًعففا َوُقُلففوُبُهْم َ‬
‫سفُبُهْم َ‬
‫ح َ‬
‫شفِديٌد َت ْ‬
‫سفُهْم َبْيَنُهفْم َ‬
‫جفُدٍر َبْأ ُ‬
‫ن َوَراِء ُ‬
‫صَنٍة َأْو ِم ْ‬
‫ح ّ‬
‫ِإّل ِفي ُقًرى ُم َ‬
‫َيْعِقُلونَ )‪ 14‬الحشر ( ‪.‬‬
‫سليمان عليه السلم يو ّ‬
‫طد أركان الدولة ‪:‬‬

‫نظام الحكم ملكي وراثي ‪:‬‬

‫ن َداُووَد )‪ 16‬النمييل ( ‪ ،‬نتييبين ميين اليييتين السييابقتين ‪ ،‬أن‬


‫سَلْيَما ُ‬
‫ث ُ‬
‫ن )‪ 30‬ص ( ‪َ ) ،‬وَوِر َ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫) َوَوهَْبَنا ِلَداُووَد ُ‬
‫نظام الحكم في مملكة بني إسرائيل الولى كان ملكيا وراثيا في نسل داود عليه السلم ‪ .‬وفييي سيينين حكييم سييليمان‬
‫عليه السلم ‪ ،‬سعى إلى توسيع رقعة مملكته نسبيا ‪ ،‬لتغطي مساحة أكبر من مدينة القدس ‪ ،‬لتشمل مييا حولهييا ميين‬
‫المدن والقرى ‪ ،‬من النهر شرقا إلى البحيير غربييا ‪ ،‬ولكنهييا علييى كييل الحييوال لييم تشييمل فلسييطين كامليية ‪ ،‬فأهييل‬
‫فلسطين الصليين لم يخرجوا منها ولم ّيبادوا ‪ ،‬ولكنهم تقهقروا إلييى ميا بعيد حيدود مملكية سييليمان ‪ ،‬حييث كييانت‬
‫الممالك فييي تلييك العصييور ‪ ،‬تقتصيير علييى مدينيية – بحجييم قرييية فييي العصيير الحييالي – ومييا حولهييا ميين سييهول‬
‫ومراعي ‪ ،‬ول أظنهم استكانوا وسلّموا لبني إسرائيل بالمر الواقع ‪ ،‬وإنما كان هنيياك حييروب ومناوشييات ‪ ،‬وال ي‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫حقيقة ملك سليمان ‪:‬‬

‫ب )‪ 35‬ص‬ ‫ت اْلَوّها ُ‬ ‫ك َأْن َ‬


‫ن َبْعِدي ِإّن َ‬
‫حٍد ِم ْ‬ ‫ب ِلي ُمْلًكا َل َيْنَبِغي َِل َ‬
‫غِفْر ِلي َوَه ْ‬
‫با ْ‬
‫أما قول سليمان عليه السلم ) َقاَل َر ّ‬
‫( فكان ملكا شخصيا خاصا به ‪ ،‬ولم يكن لبني إسرائيل فيه ناقة ول بعير ‪ ،‬ولم يقصد به امتلك مسيياحات شاسييعة‬
‫من الراضي ‪ ،‬ومظاهر ملكه اقتصرت على ما وهبه سبحانه إياه ‪ ،‬من الممتلكات والقييوة والحكييم ‪ ،‬والييتي تمّيييز‬
‫ن ‪ ،‬واسييتعمالهم فييي البنيياء‬ ‫بها عن كافة ملوك الرض ممن أتوا بعده ‪ ،‬ومنها ؛ جريان الريح بأمره ‪ ،‬وحكمه للجي ّ‬
‫والغوص والقتال والصناعة ‪ ،‬والقدرة على إذابة النحاس وتشييكيله ‪ ،‬وكييثرة جنيوده مين الجين والنيس والطييير ‪،‬‬
‫شّدة ‪ ،‬وكان بنييوا إسييرائيل يرهبييونه ويخييافونه ‪،‬‬ ‫وكان عليه السلم قويا ورعا تقيا عالما حكيما ‪ ،‬وفيه شيء من ال ِ‬
‫ولذلك نال قسطا كبيرا من اتهماتهم المشينة ‪ ،‬بعكس أبيه داود الذي كان لينا معهم ‪ ،‬فقال فيهييم سييبحانه ) َواّتَبُعففوا‬
‫ن … )‪102‬البقرة ( ‪ ،‬وعلى ميا يبيدو أن الشيياطين بعيد وفياته علييه السيلم ‪،‬‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬‫عَلى ُمْل ِ‬
‫ن َ‬
‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬
‫َما َتْتُلوا ال ّ‬
‫ط عليهم ‪ ،‬وإنما كييان تابعييا لهييم يعبييدهم ويسييتعين بهييم لقضيياء مصييالحه ‪ .‬فأشييركوا بييال‬ ‫اّدعت أن سليمان لم يسل ّ‬
‫ت ِبَغْيفِر‬‫ن َوَبَنففا ٍ‬
‫خَرُقففوا َلفُه َبِنيف َ‬
‫خَلَقُهفْم َو َ‬
‫ن َو َ‬ ‫جّ‬
‫شَرَكاَء اْل ِ‬‫ل ُ‬ ‫جَعُلوا ِّ‬
‫وعبدوا الشياطين وأباحوا السحر والشعوذة ‪َ ) ،‬و َ‬
‫ن )‪ 100‬النعام ( ‪.‬‬ ‫صُفو َ‬ ‫عّما َي ِ‬
‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬
‫عْلٍم سُْب َ‬
‫ِ‬

‫‪69‬‬
‫أكثر ما حّيرني في أمر ملك سليمان هو الغاية من تسخير الريح ‪ ،‬فالروايات في كتب التفسير غير منطقية ‪ ،‬حيث‬
‫تقول أنها كانت تحمل سليمان ومله وجنوده ‪ ،‬على بساط خشبي عظيم ‪ ،‬وتنقلهم من بلد إلى آخر للقتييال والييترفيه‬
‫وغيره ‪ ،‬ولم يرد في تواريخ المم التي عاصرت ملك سليمان ‪ ،‬أنهم شاهدوا يوما بساطا خشييبيا طييائرا ‪ ،‬وسييورة‬
‫النمل تؤكد أن سليمان وجنوده ‪ ،‬كانوا يسيرون على القدام أثناء تنقلهم ‪.‬‬
‫ن وتدّبر في اليات ‪ ،‬التي تتحدث عن الريح وعن ملكييه عليييه السييلم ‪ ،‬تييبين لييي أنييه كييان‬ ‫وبعد طول تفكير وتمع ّ‬
‫يركب البحر ‪ ،‬منطلقا من الرض المقدسة ‪ ،‬فتجري الريح بمركبه إلى حيث أراد برفق ولين في الذهاب ‪ ،‬لتسهل‬
‫ب )‪(36‬‬ ‫صففا َ‬
‫ث َأ َ‬
‫حْيف ُ‬
‫خففاًء َ‬ ‫جفِري ِبفَأْمِرِه ُر َ‬‫ح َت ْ‬‫خْرَنا َلفُه الّريف َ‬‫سف ّ‬
‫عليه عملية البحث والتقصي ‪ ،‬بدللة قييوله تعييالى ) َف َ‬
‫ص )‪ 37‬ص ( ‪ ،‬وبعد انتهاء المهمة ‪ ،‬يستعجل العودة إلى وطنه ‪ ،‬فيأمر الريح لتجييري‬ ‫غّوا ٍ‬ ‫ن ُكّل َبّناٍء َو َ‬
‫طي َ‬
‫شَيا ِ‬
‫َوال ّ‬
‫ض اّلِتي‬
‫جِري ِبَأْمِرِه ِإَلى اَْلْر ِ‬ ‫صَفًة َت ْ‬‫عا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫بقوة وسرعة إلى الرض المباركة ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوِل ُ‬
‫ن )‪ 82‬النبييياء ( ‪،‬‬ ‫ظي َ‬‫حففاِف ِ‬
‫ك َوُكّنا َلُهفْم َ‬‫ن َذِل َ‬
‫عَملً ُدو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َلُه َوَيْعَمُلو َ‬
‫صو َ‬
‫ن َيُغو ُ‬‫ن َم ْ‬
‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َباَرْكَنا ِفيَها )‪َ (81‬وِم َ‬
‫وأما الغاية من القيام بالرحلت البحرية ‪ ،‬فهي السياحة واستخراج كنوز البحر وجلبها لمملكته ‪ ،‬ويؤيد مييا ذهبييت‬
‫إليه ذكر الغوص ‪ ،‬الذي كانت تقوم به الشياطين ‪ ،‬مباشرة بعد ذكر الريح في اليات السييابقة ‪ ،‬والغييوص عييادة ل‬
‫يكون إل في المياه العميقة ‪ ،‬وكانت مدة كل رحلة من رحلتييه شييهرين ‪ ،‬شييهر فييي الييذهاب وشييهر فييي العييودة ‪،‬‬
‫شْهٌر )‪12‬سبأ ( ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫حَها َ‬ ‫شْهٌر َوَرَوا ُ‬‫غُدّوَها َ‬
‫ح ُ‬‫ن الّري َ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫بدللة قوله تعالى ) َوِل ُ‬

‫سليمان هو أول من بنى المسجد القصى ‪:‬‬

‫سفّلَم ‪َ ،‬لّمففا‬ ‫عَلْيفِه َو َ‬


‫لف َ‬ ‫صفّلى ا ُّ‬‫ن َداُوَد َ‬ ‫ن ْبف َ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫ن ُ‬
‫سّلَم ‪َ ) :‬أ ّ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عْ‬ ‫عْمٍرو َ‬ ‫ن َ‬‫ل ْب ِ‬
‫عْبِد ا ِّ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬ ‫َ‬
‫لف‬‫س فَأَل ا َّ‬‫حْكَم فُه َف فُأوِتَيُه ‪َ ،‬و َ‬
‫ف ُ‬ ‫صاِد ُ‬ ‫حْكًما ُي َ‬
‫عّز َوجَّل ُ‬ ‫ل َ‬‫سَأَل ا َّ‬‫لَثًة ‪َ ،‬‬ ‫لًل َث َ‬
‫خَ‬‫جّل ِ‬ ‫عّز َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَأَل ا َّ‬
‫س‪َ ،‬‬ ‫َبَنى َبْيتَ اْلَمْقِد ِ‬
‫ح فٌد‬
‫ن َل َي فْأِتَيُه َأ َ‬
‫جِد ‪َ ،‬أ ْ‬‫سِ‬‫ن ِبَناِء اْلَم ْ‬
‫غ ِم ْ‬
‫ن َفَر َ‬
‫حي َ‬‫جّل ِ‬‫عّز َو َ‬‫ل َ‬‫سَأَل ا َّ‬‫ن َبْعِدِه َفُأوِتَيُه ‪َ ،‬و َ‬‫حٍد ِم ْ‬ ‫عّز َوجَّل ُمْلًكا َل َيْنَبِغي َِل َ‬‫َ‬
‫طيَئِتِه َكَيْوِم َوَلَدْتُه ُأّمُه ( رواه النسائي وأحمد وابن ماجه وابين خزيمية‬ ‫خِ‬‫ن َ‬‫جُه ِم ْ‬ ‫خِر َ‬ ‫ن ُي ْ‬
‫لُة ِفيِه ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫صَ‬ ‫َل َيْنَهُزُه ِإّل ال ّ‬
‫وابن حبان والحاكم بأسانيدهم ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫هذا الحديث يؤكد ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن مملكة داود وسليمان أي مملكة بني إسرائيل الولى كانت في فلسييطين ‪ ،‬بدلليية هييذا الحييديث والييية )‬
‫‪ (81‬من سورة النبياء المذكورة أعله ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن سليمان عليه السلم بنى مدينة بيت المقدس ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن سليمان عليه السلم هو أول من بنى المسجد القصى ‪.‬‬
‫وأما التسمية بالمسجد فهي التسمية السييلمية لييه ‪ ،‬وجيياءت بعييد حادثيية السييراء ‪ ،‬وأمييا فييي عهييد سييليمان عليييه‬
‫ح ( وأما الترجمة العربية للتوراة فأعطته‬ ‫صْر َ‬
‫خِلي ال ّ‬‫السلم ‪ ،‬فقد جاءت تسميته في القرآن بالصرح ‪ِ ) ،‬قيَل َلَها اْد ُ‬
‫اسم الهيكل ‪ ،‬والمعنى لكلتييا التسييميتين واحييد ‪ ،‬وهيو البنيياء الضييخم المرتفييع ‪ .‬وعلييى كييل الحييوال فييإن المسييجد‬
‫القصى القائم حاليا ‪ ،‬يجثم في نفس المكان الذي أقيم فيه صرح سليمان ‪ ،‬والغريب أن الكثير ميين أئميية المسييلمين‬
‫وعامتهم ينكرون هذه الحقيقة ‪ ،‬ربما لظنهم أن اعترافهم بهذا المر ‪ ،‬يعطي الصهاينة حقا في هدم المسييجد وبنيياء‬
‫هيكلهم مكانه ‪ ،‬وُيسقط أحقّية المسلمين فيه وُيضعف موقفهم فييي الييدفاع عنييه ‪ ،‬حييتى وصييل الميير ببعضييهم إلييى‬
‫مخالفة النص القرآني ‪ ،‬وإنكار حتى تواجدهم في الرض المقدسة جملة وتفصيل ‪.‬‬

‫قبلة اليهود هي الصخرة المشّرفة ‪:‬‬

‫صه قال المام أحمد ‪ ) :‬أن عمر بن الخطاب كان بالجابية فذكر فتح بيييت‬ ‫جاء في البداية والنهاية لبن كثير ‪ ،‬ما ن ّ‬
‫المقدس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابن سيلمة فحيدثني أبيو سينان عين عبييد بين آدم ‪ :‬سيمعت عمير يقيول لكعيب ‪ :‬أيين تيرى أن‬
‫أصلي ؟ قال ‪ :‬إن أخذت عني صييليت خلييف الصييخرة ‪ ،‬وكييانت القييدس كلهييا بييين يييديك ‪ ،‬فقييال عميير ‪ :‬ضيياهيت‬
‫اليهودية ! ل ‪ ،‬ولكن أصلي حيث صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فتقدم إلييى القبليية فصييلى ثييم جيياء فبسييط‬
‫ردائه ‪ ،‬وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس ( ‪ .‬وهذا إسناد جيد ‪ ،‬اختيياره الحييافظ ضييياء الييدين المقدسييي ‪ ،‬فييي‬
‫‪70‬‬
‫كتابه المستخرج ‪ .‬وجاء في تاريييخ الطييبري فييي رواييية أخييرى ‪ ،‬أن عميير أجيياب كعييب بقييوله ‪ ) :‬فإنييا لييم نييؤمر‬
‫بالصخرة ولكّنا ُأمرنا بالكعبة ( ‪.‬‬
‫ونقول أن مفاد الرواية أن كعب ‪ ،‬لما أشار على عمر بالصلة خلييف الصييخرة ‪ ،‬أراد منييه أن يجمييع القبلييتين فييي‬
‫صلته ‪ ،‬فأبى عمر وصلى جاعل وجه تلقاء الكعبة والصخرة من وراء ظهره ‪.‬‬

‫الصلة في الشريعة الموسوية ‪:‬‬

‫لتوضيح المر نحتاج إلى معرفة طبيعة العبادة في شريعة موسى عليه السلم ‪ ،‬فالصلة لديهم كانت تؤّدى بشييكل‬
‫ن َتَبّوآ‬
‫خيِه ‪َ ،‬أ ْ‬
‫سى َوَأ ِ‬
‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬
‫فردي في البيت أو فيما ُيسّمى بالمحراب في المعبد المقدس ) أي الهيكل ( ) َوَأْو َ‬
‫ن )‪ 87‬يونس ( ‪ ،‬والمحييراب‬ ‫شفِر اْلُم فْؤِمِني َ‬
‫لَة ‪َ ،‬وَب ّ‬‫صف َ‬‫جَعُلففوا ُبُيففوَتُكْم ِقْبَل فًة ‪َ ،‬وَأِقيُمففوا ال ّ‬‫صَر ُبُيوًتا ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ِلَقْوِمُكَما ِبِم ْ‬
‫صصة للصلة والييدعاء والييذكر ‪ ،‬والغلييب أنهييا كييانت تقييام مرتفعيية عيين‬ ‫عبارة عن غرفة صغيرة منعزلة ‪ ،‬مخ ّ‬
‫الرض ‪ ،‬وهي أشبه ما يكون بالعلّيية أو السيّدة ‪ ،‬وقييد ارتبييط ذكير المحييراب فييي القييرآن ‪ ،‬بأنبييياء بنيي إسيرائيل‬
‫ب )‪ 21‬ص ( ‪ ،‬وبآخر أنبيييائهم‬ ‫ح فَرا َ‬‫س فّوُروا اْلِم ْ‬
‫ص فِم ِإْذ َت َ‬
‫خ ْ‬‫ك َنَب فُأ اْل َ‬
‫الوائل في فلسطين داود وسليمان ‪َ ) ،‬وَهْل َأَتففا َ‬
‫ب )‪ 39‬آل عمران ( ‪.‬‬ ‫حَرا ِ‬‫صّلي ِفي اْلِم ْ‬ ‫لِئَكُة َوُهَو َقاِئٌم ُي َ‬
‫زكريا ويحيى ) َفَناَدْتُه اْلَم َ‬

‫الصرح أو الهيكل ‪ ،‬كيفية بناءه وصفته وموقعه ‪:‬‬

‫أما الصرح فعلى ما يبدو أنه كان أعجوبة من أعاجيب الزمان ‪ ،‬وأن من قام ببنيائه وصيناعة محتويياته هييم الجين‬
‫والشياطين ‪ ،‬وأن مادة البناء كييانت ميين النحيياس والزجيياج ومييواد أخييرى مييا عييدا الحجييارة ‪ ،‬وأنييه اشييتمل علييى‬
‫المحيياريب والتماثيييل والوانييي النحاسييية الصييغيرة ‪ ،‬والحييواض أو الييبرك المائييية الضييخمة المصيينوعة ميين‬
‫النحاس ‪ ،‬والجواهر والكنوز من لؤلؤ ومرجان وغيرها ‪ ،‬مما كانت تستخرجه الشياطين من أعماق البحييار ‪ .‬قييال‬
‫جِري‬ ‫ح َت ْ‬ ‫خْرَنا َلُه الّري َ‬ ‫سّ‬‫ب )‪َ (35‬ف َ‬ ‫ت اْلَوّها ُ‬‫ك َأْن َ‬
‫ن َبْعِدي ِإنّ َ‬‫حٍد ِم ْ‬‫ب ِلي ُمْلًكا َل َيْنَبِغي َِل َ‬ ‫غِفْر ِلي َوَه ْ‬ ‫با ْ‬ ‫تعالى ) َقاَل َر ّ‬
‫طفِر ‪،‬‬ ‫ن اْلِق ْ‬‫عْيف َ‬‫سفْلَنا َلفُه َ‬‫ص )‪ 37‬ص ( وقال أيضا ) َوَأ َ‬ ‫غّوا ٍ‬ ‫ن ُكّل َبّناٍء َو َ‬‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬
‫ب )‪َ (36‬وال ّ‬ ‫صا َ‬ ‫ث َأ َ‬
‫حْي ُ‬‫خاًء َ‬ ‫ِبَأْمِرِه ُر َ‬
‫ن َل فُه مَففا‬‫سِعيِر )‪َ (12‬يْعَمُلففو َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫عَذا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن َأْمِرَنا ُنِذْقُه ِم ْ‬
‫عْ‬‫غ ِمْنُهْم َ‬ ‫ن َيِز ْ‬
‫ن َرّبِه َوَم ْ‬ ‫ن َيَدْيِه ِبِإْذ ِ‬
‫ن َيْعَمُل َبْي َ‬
‫ن َم ْ‬‫جّ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫َوِم ْ‬
‫عَبففاِدي‬ ‫ن ِ‬ ‫ش فْكًرا َوَقِلي فٌل ِم ف ْ‬
‫عَمُلففوا آَل َداُووَد ُ‬
‫ت‪،‬ا ْ‬ ‫سَيا ٍ‬‫ب ‪َ ،‬وُقُدوٍر َرا ِ‬ ‫جَوا ِ‬ ‫ن َكاْل َ‬
‫جَفا ٍ‬‫ب ‪َ ،‬وَتَماِثيَل ‪َ ،‬و ِ‬ ‫حاِري َ‬ ‫ن َم َ‬‫شاُء مِ ْ‬‫َي َ‬
‫شُكوُر )‪ 13‬سبأ ( ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وأستطيع وصف هذا الصرح بأنه بناء ضخم ومرتفع ‪ ،‬كانت الصخرة تقع في مركزه ‪ ،‬تحيط بها ساحة واسييعة ‪،‬‬
‫أرضيتها من الزجاج المصقول ‪ُ ،‬يرى من خللها ماء يجري أسفل منها ‪ ،‬أو ماء راكد في أحواض مائية ‪ ،‬وضع‬
‫فيها ما استجلبه سليمان من المناظر والمشاهد البحرية ‪ ،‬مما استخرجته له الشييياطين ميين أعميياق البحيير ‪ ،‬وعلييى‬
‫أطراف تلك الساحة أقيمت المحاريب العديدة للعبادة من كل جانب ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقد سمعت من زميل لي زار المسجد وتجّول فيه ‪ ،‬أن هناك آبارا وأحواضا مائية ‪ ،‬تحت ساحة المسجد القصييى‬
‫مباشرة ‪ ،‬فإذا كان ذلك صحيحا ‪ ،‬ومع علمنييا بييأن المسييجد القصيى ُبنيي فييي نفييس موقييع المسييجد السيابق ‪ ،‬وأن‬
‫الصخرة هي القبلة الفعلية لليهود ‪ ،‬فهذا المر ُيؤكد أن الصرح الذي كان قد ُبني في عهد سييليمان عليييه السييلم ‪،‬‬
‫هو المسجد الذي دخله أولئك المبعوثين أول مرة ‪ ،‬وخّربوه ونهبوا محتوياته ولم يبقوا له أثر ُيذكر ‪ ،‬وعييدم وجييود‬
‫آثار له ُيؤكد أن هذا الصرح لم يتم بناءه بالطرق المألوفة ‪ ،‬سواء بهندسة البناء أو بالمواد المستخدمة ‪ ،‬فُبناته هييم‬
‫الجن والشياطين ‪ ،‬وبالتأكيد فإن طريقتهم في البناء تختلف عن طريقة البشر ‪ ،‬وطبيعة المواد المسييتخدمة تختلييف‬
‫عما يستخدمه البشر ‪ ،‬وربما يكون هذا الصرح الخرافي هو ما دفع نبوخذ نصيير صيياحب حييدائق بابييل المعّلقيية ‪،‬‬
‫للغارة على بني إسرائيل في المرة الولى لنهب محتوياته ‪.‬‬

‫حكمة سليمان عليه السلم وخرافات ألف ليلة وليلة ‪:‬‬

‫الروايات الموجودة في كتب التفسير ‪ ،‬عن قصة سليمان وحبه لملكة سبأ ورغبته في الزواج منها ‪ ،‬وإدخالها إلييى‬
‫الصرح لرؤية ساقيها ‪ ،‬فيما إذا كان عليهما شعر أو أن قدميها كحوافر الحمار ‪ ،‬لن أبوها أو أمهيا مين الجين …‬

‫‪71‬‬
‫إلى آخره ‪ .‬مما ليس له أصل حتى في التوراة ‪ ،‬جيرّدت سيليمان علييه السيلم مين حكمتيه فيي اليدعوة إليى الي ‪،‬‬
‫وجعلت منه رجل مزواجا شهوانيا كما أراد له أعداء ال وأعداء أنبياؤه أن يكون ‪.‬‬

‫حكمة الهدهد ‪:‬‬

‫جفْدُتَها‬
‫ولكي نفهم ما جرى من حوار وأحداث بييين سييليمان وملكيية سييبأ ‪ ،‬دعنييا نتمعيين قليل فييي قييول الهدهييد ) َو َ‬
‫ن)‬ ‫سِبيِل ‪َ ،‬فُهْم َل َيْهَتففُدو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫عْ‬
‫صّدُهْم َ‬
‫عَماَلُهْم ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫ن َلُهْم ال ّ‬
‫ل ‪َ ،‬وَزّي َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫س ِم ْ‬
‫شْم ِ‬
‫ن ِلل ّ‬
‫جُدو َ‬
‫سُ‬
‫َوَقْوَمَها َي ْ‬
‫‪ 24‬النمل ( يقول الهدهد أنه وجدها هي وقومها ‪ ،‬يعبدون الشمس ميين دون ال ي ‪ ،‬ويعّلييل ذلييك بقييوله أن الشيييطان‬
‫زّين لهيم أعميالهم ‪ ،‬بمعنيى أن الشييطان فتنهيم وأوهمهيم ‪ ،‬وزّيين لهيم الباطيل عليى أنيه الحيق ‪ ،‬وعّميى سيمعهم‬
‫طل عقولهم عن تمييز الحقيقة من الوهم ‪ ،‬فحرمهم القدرة على الحكم على معتقييداهم ‪ ،‬أهييي خطييا‬ ‫وأبصارهم ‪ ،‬فع ّ‬
‫أم صواب ‪ ،‬فعبدوا الشمس على أنها ربهم ‪ ،‬وبذلك صّدهم عين السيبيل ‪ ،‬أي منعهيم مين الوصيول إليى الحقيقية ‪،‬‬
‫وهي أن ال هو ربهم ‪ ،‬فما دامت أبصارهم قد عميت ‪ ،‬ويعتقدون بصوابية عبادة الشمس ‪ ،‬فمن أين لهم الهداييية ‪،‬‬
‫جهها الهدهد لسليمان من خلل هذا القول ‪ ،‬هي أنهم بحاجيية لميين يهييديهم ‪،‬‬ ‫وهم على حالهم تلك ‪ .‬والرسالة التي و ّ‬
‫وُيزيل الغشاوة عن أبصارهم ‪ .‬فتكّفل سليمان عليه السلم بهدايتهم ‪ ،‬وبإزالة هذه الغشاوة ‪ ،‬لعلهم ُيبصييرون وميين‬
‫صها وأعطييى سييليمان مفاتيييح‬ ‫خ َ‬
‫ح الهدهد حالتهم المرضية وش ّ‬ ‫ثم يهتدون ‪ ،‬بما أوتي من علم وحكمة ‪ ،‬بعد أن شّر َ‬
‫الحل ‪ ،‬والن دعنا نتعلم منه عليه السلم ‪ ،‬هذا الدرس العملي في الدعوة إلى ال ‪.‬‬

‫الدعوة إلى الله ‪:‬‬

‫ن )‪ (31‬خطابا حازمييا‬ ‫سِلِمي َ‬‫ي َوْأُتوِني ُم ْ‬ ‫عَل ّ‬


‫كان أول خطاب وجهه سليمان لملكة سبأ وقومها ‪ ،‬هو قوله ) َأّل َتْعُلوا َ‬
‫واثقا قويا ومزلزل ‪ ،‬وكانت هذه هي الضربة الولى ‪ ،‬في جييدار معتقييداتهم الوثنييية المتأصييلة فييي نفوسييهم ‪ ،‬فقييد‬
‫كانت هي وقومها يعبدون الشمس ‪ ،‬ولم يكن لديهم علم بوجود إله آخر أولى بالعبادة من غيره ‪ ،‬ولكن هل أطاعت‬
‫؟ بالطبع ل ‪ ،‬فتغيير معتقدات البشر عملية صعبة جدا ‪ ،‬وتحتاج إلى علم وحكمة وصبر ‪ -‬وانظيير فييي سيييرة نييبي‬
‫الهدى عليه الصلة والسلم مع كفار قريش لتحويلهم من عبادة إلى الصيينام إلييى عبييادة الي ‪ -‬ولكيين هييل تييأثرت‬
‫بذلك العرض القوي ؟ بالطبع نعم ‪ ،‬فردت بالهدية ‪ -‬وكان بإمكانها عدم الرد ‪ -‬وذلك لتتأكد من جدّية سليمان عليييه‬
‫السلم ‪ ،‬ولَتعِرف مع من تتعامل فهي ذكية وحكيمة أيضا وتعي موقعها وعظييم المسييؤولية الملقيياة علييى عاتقهييا ‪،‬‬
‫جَعُلففوا‬‫سفُدوَها َو َ‬ ‫خُلففوا َقْرَيفًة َأْف َ‬‫ك ِإَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلففو َ‬
‫ت ِإ ّ‬‫بعكس ملها ذوي القوة والبأس الشديد ‪ ،‬ودللة ذلك قولها ) َقففاَل ْ‬
‫ن )‪ (35‬فأعيياد الهدييية‬ ‫سُلو َ‬ ‫جُع اْلُمْر َ‬ ‫ظَرٌة ِبَم َيْر ِ‬
‫سَلٌة ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة َفَنا ِ‬ ‫ن )‪َ (34‬وِإّني ُمْر ِ‬
‫ك َيْفَعُلو َ‬
‫عّزَة َأْهِلَها َأِذّلًة َوَكَذِل َ‬
‫َأ ِ‬
‫جّنُه فْم ِمْنَهففا َأِذّل فًة‬
‫خِر َ‬ ‫جُنوٍد َل ِقَبَل َلُهْم ِبَهففا َوَلُن ْ‬‫جْع ِإَلْيِهْم َفَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ‬
‫ووجه لها تهديدا صارما وحازما وأخيرا ‪ ) ،‬اْر ِ‬
‫ن )‪ (37‬فاستوعبت الرسالة وهي أن ما لدى سليمان خير مما لديها ‪ ،‬وأن هييذا التهديييد ل يصييدر إل‬ ‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬‫َوُهْم َ‬
‫عّمن يعلم حجم قوتها ولديه من القوة أضعاف ما تملك وأن ما يريده لجلها شيئا آخر ‪.‬‬

‫التيان بالعرش وتنكيره ‪:‬‬

‫لذلك حملت قومها وأتته على جناح السرعة ‪ ،‬وفي طريقها إليه كان عليه السلم ُيعّد لها الضييربة الثانييية ‪ ،‬فطلييب‬
‫ن )‪ (41‬لختبييار مييدى‬ ‫ن َل َيْهَتفُدو َ‬
‫ن اّلفِذي َ‬
‫ن ِمف ْ‬
‫ظفْر َأَتْهَتفِدي َأْم َتُكففو ُ‬
‫عرشها وأمر بتنكيييره ‪ ،‬وعّلية ذلييك كييانت ) َنن ُ‬
‫استعدادها للهداية للدين الجديد ‪ ،‬وليس المقصود هو اهتدائها إلى العرش ‪ .‬كان هّمه عليه السلم هدايتها وقومها ‪،‬‬
‫وليس الزواج منها كما صّورته بعض الروايات في كتب التفسير ‪.‬‬
‫طم بداخلها فعل عندما رأته‬ ‫وكان جلب العرش بحّد ذاته ‪ ،‬كفيل بتحطيم ذلك الجدار الذي تمترست خلفه ‪ .‬وقد تح ّ‬
‫ف ‪ ،‬وكيان بمقيدورها أن تعيترف‬ ‫سئلت عنه لم ُتثِبيت وليم َتني ِ‬
‫وعرفته ‪ ،‬لكنها أضمرت ذلك وتمالكت نفسها ‪ .‬ولما ُ‬
‫ت َتْعُب فُد ِم ف ْ‬
‫ن‬ ‫صّدَها َما َكاَن ْ‬
‫جلت ذلك ‪ .‬والسبب هو ذلك الجدار نفسه ) َو َ‬ ‫بأّنه عرشها ‪ ،‬وأن ُتسلم على الفور ولكنها أ ّ‬
‫ل ( ‪ ،‬أي الغشاوة التي أعمت بصرها وبصيرتها ‪ ،‬وخوفها من قومها أيضا ‪ ،‬فقالت ) َكَأّنُه ُهَو ( وحتى لييو‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ُدو ِ‬
‫ي على متاعك الكثير من التعديلت ‪ ،‬فستبقى فيه أشياء كثيرة تدلك عليه ‪ ،‬فكانت إجابتهييا حكيميية وغاييية فييي‬ ‫ُأجر َ‬
‫التعقل ‪ ،‬فلم تثبت وتسلم أسلحتها الواهية من الوهلة الولى ‪ ،‬محافظة منها على كبريائها كملكة ‪ ،‬ولييم تنييف لنهييا‬

‫‪72‬‬
‫تعلم وقومها ويعلم سليمان وقومه علم اليقين أنه هو بعينه ‪ ،‬فتدل على كبرياء أجوف وعن بلهة وغباء ‪ ،‬فإجابتها‬
‫ك كانت هي السلم ‪.‬‬
‫الموسومة بالش ّ‬
‫كانت تعلم بحكمتها أن هناك شيئا آخيير ينتظرهييا ‪ ،‬سيييأتي أوانيه بعييد حيين ‪ ،‬فكشيفت بهيذه الجابيية لسيليمان عين‬
‫استعدادها للهداية ‪ ،‬فيما لو عييرض عليهييا برهانييا دامغييا وقاطعييا ‪ .‬ولكيين مييا الييذي فعلييه سييليمان حقيقيية فييي هييذا‬
‫الموقف ؟ كان إحضار عرشها لظهار مدى عظم ملكه الموهوب له من قبييل ربييه ‪ ،‬وكييان تنكييير العيرش ليقيياظ‬
‫حاسة البصر ودقة الملحظة لديها وتحفيزا لعقلها وقلبها ‪ ،‬ولكنها لما اهتدت إلى إنه عرشها أخييذتها العييزة بييالثم‬
‫شيئا قليل فكابرت حتى حين ‪.‬‬

‫دخول الصرح ‪:‬‬

‫خِلففي‬
‫فكانت الضربة الثالثة والخيرة ‪ ،‬أي القاضية التي سّوت ذلك الجدار بالرض ولم تترك له أثرا ) ِقيَل َلَها اْد ُ‬
‫ح ( فما الذي كان في الصرح ؟ كانت أرضية الصرح من زجاج مصقول ومن تحت الزجاج ماء ‪ ،‬وعنييدما‬ ‫صْر َ‬
‫ال ّ‬
‫عْ‬
‫ن‬ ‫ت َ‬ ‫شَف ْ‬
‫جًة َوَك َ‬ ‫سَبْتُه ُل ّ‬
‫ح ِ‬
‫همت بالدخول شاهدت الماء فرفعت ثوبها خوفا من البلل وهّمت بالمشي فيه ) َفَلّما َرَأْتُه َ‬
‫ساَقْيَها ( فتبسم سليمان وكأنه خاطبها ضاحكا ‪ :‬لقد كنت واهمة فلن يصل الماء إلى ثوبك فأنزليه وتقدمي ‪ ،‬فهذا )‬ ‫َ‬
‫ن َقَواِريَر ( فأنزلته ودخلت ولما لمست قدميها الزجاج تبين لهييا بطلن ميا اعتقيدت ‪ .‬وهنيا مربيط‬ ‫ح ُمَمّرٌد ِم ْ‬‫صْر ٌ‬
‫َ‬
‫الفرس فما كان منها إل أن خجلت ‪ ،‬من وهمها وانعييدام بصيييرتها ‪ ،‬وذهيياب عقلهييا وحكمتهييا وضييللها فييي تلييك‬
‫اللحظة ‪ ،‬إذ لم تستطع تمييز الزجاج من الماء ‪ ،‬فاستوعبت على الفور مضمون الرسالة التي وجهها لها سليمان ‪.‬‬

‫العبرة ‪:‬‬

‫ق ‪ ،‬بينما يكون في الحقيقة على باطل ‪ ،‬وهذا هو حالها وقومها بعبييادة الشييمس‬ ‫ن النسان بجهله أنه على ح ّ‬ ‫فقد يظ ّ‬
‫سيكت بالباطيل عين جهيل ‪ ،‬فتيبينت بالتجربية والبرهيان بطلن‬ ‫من دون ال ‪ ،‬وأنه دعاها إلى الحق عن علم ‪ ،‬فتم ّ‬
‫سففي (‬
‫ت َنْف ِ‬
‫ظَلْم ف ُ‬
‫ب ِإّنففي َ‬
‫ق مع سليمان ‪ ،‬فاستجابت على الفور لدعوة سليمان الولى ‪ ،‬قائليية ) َر ّ‬ ‫معتقدها ‪ ،‬وأن الح ّ‬
‫ن )‪ 44‬النمييل ( فميا كيان ميين قومهيا إل أن‬ ‫ب اْلَعففاَلِمي َ‬
‫لف َر ّ‬
‫ن ِّ‬
‫سفَلْيَما َ‬
‫ت َمفَع ُ‬
‫سفَلْم ُ‬
‫باتباع الباطل عن غيير علييم ) َوَأ ْ‬
‫جح أن سليمان لم يتزوجها ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ودانت بعد ذلك مملكتها‬ ‫تبعوها ‪ ،‬وعادت إلى مملكتها لهداية قومها ‪ ،‬وُأر ّ‬
‫لسليمان دينيا ل عسكريا ‪ ،‬وبقيت العلقات والمصييالح التجارييية وغيرهييا قائميية بييين الييدولتين ‪ ،‬مييرورا بجزيييرة‬
‫العرب لفترة طويلة ‪ ،‬حسبما تثبته سورة سبأ )‪ ، (20 – 15‬حتى كفر قوم سبأ بأنعم ال إل قليل منهم ‪ ،‬ومع تقادم‬
‫الزمن انقطعت تلك العلقة ‪.‬‬

‫بنو إسرائيل في عصر سليمان ‪:‬‬

‫أما بني إسرائيل في عصر سليمان ‪ ،‬فلم يختلفوا كثيرا عما كانوا عليه في عصر موسى وداود ‪ ،‬حيث كانوا علييى‬
‫الييدوام فاسييدين كييأفراد إل ميين رحييم الي ‪ ،‬ومييا اختلييف عليهييم فييي عصيير سييليمان ‪ ،‬أن سييليمان ساسييهم بييالقوة‬
‫ن‬
‫جف ّ‬
‫ن اْل ِ‬
‫جُنفوُدُه ِمف ْ‬
‫ن ُ‬
‫سفَلْيَما َ‬
‫شفَر ِل ُ‬
‫ح ِ‬
‫والسلطان ‪ ،‬وكان يأخذهم إلى القتال وهم بطبيعتهم له كارهون ‪ ،‬قال تعالى ) َو ُ‬
‫جمع ‪ ،‬ويوزعون أي يساقون بانضباط ول يتقدم آخرهييم‬ ‫ن )‪ 17‬النمل ( ‪ ،‬وحشر أي ُ‬ ‫عو َ‬
‫طْيِر َفُهْم ُيوَز ُ‬
‫س َوال ّ‬
‫َواِْلْن ِ‬
‫على أولهم ‪.‬‬
‫هل تح ّ‬
‫قق العلو الول لبني إسرائيل في فلسطين ؟‬

‫خُلففوا اَْلْرضَ‬ ‫وأما سبق دخولهم للرض المقدسة ‪ ،‬فقد قال فيه سبحانه على لسان موسييى عليييه السييلم ) َيَق فْوِم اْد ُ‬
‫ل َلُكْم )‪ 21‬المائدة ( أي ُكتب لبني إسرائيل دخولهييا ‪ ،‬وقييال سييبحانه ) َوَأْوَرْثَنففا اْلَقفْوَم اّلفِذي َ‬
‫ن‬ ‫ب ا ُّ‬‫سَة اّلِتي َكَت َ‬
‫اْلُمَقّد َ‬
‫ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها )‪ 137‬العراف ( أي ملكوها وسكنوها ‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫ق اَْلْر ِ‬
‫شاِر َ‬ ‫ن َم َ‬
‫ضَعُفو َ‬
‫سَت ْ‬ ‫َكاُنوا ُي ْ‬
‫انقضاء سنوات التحريم والتيه الربعين ‪ .‬والرض المبارك فيها هي فلسطين ‪ ،‬ومشارقها ومغاربها أي كلهييا ميين‬
‫النهر إلى البحر ‪ ،‬وهذه هي حيدود الرض المقّدسية والمباركية وحيدود مملكية اليهيود القديمية ‪ .‬لنخليص إليى أن‬
‫الرض المقّدسة والمباركة هي فلسطين فقط وليس بلد الشام عامة ‪ .‬إذ أن موسى عليه السلم كان يتواجد وقومه‬
‫‪73‬‬
‫شرقي نهر الردن ‪ ،‬ولو كان شرق النهر أرضا مقّدسية لمييا قيال ادخليوا الرض المقدسية وهيو بيداخلها أصييل ‪.‬‬
‫وشرق النهر لم يوّرث لبني إسرائيل وإنما أقاموا فيه فترة الغضب اللهي عليهم وميين ثييم تركوهييا وارتحلييوا إلييى‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫وصلنا إلى مرحلة تحقق العلو ‪ ،‬بوحي من ال وقيادة أنبياؤه وملوكه ‪ ،‬وكان هذا هو العلييو الول لبنييي إسييرائيل ‪،‬‬
‫وأما الفساد فلم يكن قد وقع منهم لقتران الملك بالنبوة ‪ ،‬وما كان للنبياء عليهم السلم أن يفسييدوا فييي الرض ‪،‬‬
‫ونجد أن النبي التالي لسليمان في الذكر ‪ ،‬من أنبياء بني إسرائيل في القرآن هو زكريييا وميين بعييده يحيييى ‪ ،‬وكييان‬
‫آخرهم عيسى عليهم السلم جميعا ‪ .‬وقد بعث النبياء الثلثة بالتتابع وعاصر بعضهم بعضا ‪ ،‬وكان ذلك بعد فترة‬
‫طويلة من وفاة سليمان ‪ ،‬وبعد عيسى لم ُيبعث فيهم أنبياء ‪ ،‬ويقّدر المؤرخون بأن المييدة مييا بييين سييليمان وعيسييى‬
‫بأكثر من ‪ 900‬سنة ‪.‬‬
‫وما كان بعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬إل لتجديد الشريعة التي جاء بها موسى ‪ ،‬بعد أن أضاع بنو إسييرائيل‬
‫ض اّل فِذي‬
‫ن َلُكْم َبْع َ‬
‫حْكَمِة َوُِلَبّي َ‬
‫جْئُتُكْم ِباْل ِ‬
‫ت َقاَل َقْد ِ‬
‫سى ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫عي َ‬
‫جاَء ِ‬
‫التوراة واختلفوا في أمرها ‪ .‬قال تعالى ) َوَلّما َ‬
‫ن )‪ 63‬الزخرف ( ‪ .‬وُيثبت التاريخ أن بعث عيسى عليه السييلم ‪ ،‬كييان فييي زميين‬ ‫طيُعو ِ‬
‫ل َوَأ ِ‬
‫ن ِفيِه َفاّتُقوا ا َّ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫َت ْ‬
‫صل عليه بنو إسرائيل قد زال واندثر ‪ .‬مما يترتب عليه‬ ‫الحكم الروماني للمنطقة ‪ ،‬مما يعني أن هذا العلو الذي تح ّ‬
‫أن الفساد قد وقع ‪ ،‬وأن البعث قد تحقق في الفترة الممتدة ما بين سليمان وعيسى عليهما السلم ‪ ،‬في زمن أقييرب‬
‫إلى حكم سليمان منه إلى بعث عيسى ‪.‬‬
‫المملكة اليهودية بعد سليمان ‪:‬‬

‫وليس من المعقول أن نجزم بأن مملكة سليمان انهارت بموته ‪ .‬وبما أن نظام الحكييم كييان ملكيييا وراثيييا كمييا أقيّره‬
‫القرآن ‪ ،‬فل بد أن يكون الملك قد انتقل إلى أحد أبناء سليمان الذين لم يكونوا أنبياء في واقع الحال ‪ ،‬فالنبوة آنييذاك‬
‫خرجت من الملك وأصبحت في عاميية الشييعب ‪ ،‬وهنييا تحيّرر العصيياة والمعتييدين ميين اليهييود ‪ ،‬ميين عبييدة المييال‬
‫والسلطة تجارا ومرابين من حكم وملك النبياء ‪ ،‬حيث كان الوحي يقف سّدا منيعا أمام طموحاتهم وأحلمهم ‪ ،‬في‬
‫ت َلَنا ِمْثَل َما ُأوِت َ‬
‫ي‬ ‫حَياَة الّدْنَيا َيَلْي َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ن ُيِريُدو َ‬
‫نهب ثروات البلد والعباد ‪ ،‬فهم أبناء الذين قال فيهم تعال ) َقاَل اّلِذي َ‬
‫ظيٍم )‪ 79‬القصص ( ‪.‬‬ ‫عِ‬‫ظ َ‬
‫حّ‬‫َقاُرونُ ِإّنُه َلُذو َ‬
‫وعلى مر السنين تغّييرت الحيوال وتغلغيل المرابيين والتجيار فيي أوسياط الحكيم وتبيادلوا المصيالح والمنيافع ‪،‬‬
‫وأصبحوا من علية القوم ليفرضوا على الملوك ما شيياءوا ميين سياسييات تخييدم مصييالحهم ‪ .‬ولييو راجعييت التييوراة‬
‫المؤرخ الوحيد لتلك الفترة ‪ ،‬لوجدت أن عدد الملوك الذين تعاقبوا على الحكم ‪ ،‬على مدى ‪ 300‬سنة تقريبييا ‪ ،‬هييو‬
‫‪ 22‬ملكا ‪ ،‬وهو عدد كبير نسيبيا ‪ ،‬بمعيدل ‪ 14‬سينة حكيم لكيل مليك ‪ .‬وذليك لكيثرة الغتييالت اليتي كيان ييدّبرها‬
‫ويوقعها فيهم علية القوم ‪ ،‬ومن والهم من الكهنة والحبار ‪ ،‬فيمن صلح أو فسييد مين هيؤلء المليوك ‪ .‬والملحيظ‬
‫أيضا أن معظم ملوكهم كانوا صغارا في السن ‪ ،‬وربما كان ذلك هو الغاية مين قتيل آبيائهم ‪ ،‬فوجيود مليك صيغير‬
‫السن يسهل عليهم السيطرة على شؤون الحكم ليكونوا هم خبرائه ومستشاريه ‪ ،‬وهييذه هييي سياسييتهم فييي العصيير‬
‫الحالي في شتى بقاع الرض ‪ .‬وعلى الجانب الخر كان هناك النبياء الذين لم ينقطع بعثهييم فييي بنييي إسييرائيل ‪،‬‬
‫ليعيدوا أولئك العصاة عن غّيهم وبغيهم بدعوتهم إلى العودة إلى شرع الي ‪ ،‬وتيذكيرهم وتحيذيرهم بميا قضياه الي‬
‫عليهم إن أفسدوا في الرض ‪.‬‬
‫تخبرنا كثير من اليات القرآنية عن إفساد بني إسرائيل ‪ ،‬حيث الشييرك بييال ‪ ،‬وتكييذيب فريييق ميين النبييياء وقتييل‬
‫فريق آخر ‪ ،‬وقتل أوليياء الي مين النياس ‪ ،‬وسيفك دمياء بنيي قيومهم وإخراجهيم مين دييارهم ‪ ،‬وتحرييف الكهنية‬
‫والحبار لكتاب ال ليوافق أهواء علية القوم ‪ ،‬والعتداء على حدود ال وعصيان أوامره ‪ ،‬وأكلهييم الربييا وأمييوال‬
‫الناس بالباطل … إلى آخره ‪ .‬ومجمل هذه اليات تخاطب بني إسرائيل كأمة ‪ ،‬فأين ومتى وقع منهيم هيذا الفسياد‬
‫الممي … ؟!‬

‫‪74‬‬
‫وهل تح ّ‬
‫قق الفساد الول ؟‬

‫ن )‪ 87‬البقيرة (‬ ‫سفَتْكَبْرتُْم َفَفِريًقففا َكفّذْبُتْم َوَفِريًقففا َتْقُتُلففو َ‬


‫سفُكْم ا ْ‬
‫سففوٌل ِبَمففا َل َتْهفَوى َأنُف ُ‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬‫قال تعالى ) َأَفُكّلَما َ‬
‫والخطاب هنا موجه لمن يملك سلطة القتل وهم سادة الحكم وعلييية القييوم ‪ ،‬فتييارة كييانوا يكيّذبون النبييياء وأولييياء‬
‫ال ‪ ،‬الذين ُبعثوا من قبله سبحانه للصلح وتارة يقتلونهم ‪ ،‬بدفع من الكهنة والحبار والتجار لتعييارض ذلييك مييع‬
‫ط ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫سف ِ‬
‫ن ِباْلِق ْ‬
‫ن َيفْأُمُرو َ‬ ‫ن اّلفِذي َ‬ ‫ق َوَيْقُتُلو َ‬‫ح ّ‬ ‫ن ِبَغْيِر َ‬ ‫ن الّنِبّيي َ‬
‫ل َوَيْقُتُلو َ‬
‫ت ا ِّ‬
‫ن ِبآَيا ِ‬
‫ن َيْكُفُرو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬‫رغباتهم وأهوائهم ) ِإ ّ‬
‫ب َأِليٍم )‪ 21‬آل عمران ( فل أشّد وأعظم إفسادا في الرض عند ال ‪ ،‬ميين قتييل النيياس وسييفك‬ ‫شْرُهْم ِبَعَذا ٍ‬‫س َفَب ّ‬
‫الّنا ِ‬
‫دمائهم بغير حق ‪ ،‬فما بالك إذا كان القتل في أنبياء الي وأولييياءه الصييالحين ‪ ،‬فهييذا قّميية فييي الجييرام والسييراف‬
‫ن أن هنيياك إفسيياد فييي الرض ُيقييارن بهييذا الفسيياد ‪ ،‬فلييم يسييبق لقييوم ميين‬ ‫والعصيان والتمرد والعدوان ‪ ،‬ول أظ ّ‬
‫القوام السابقين واللحقين من غير بني إسرائيل أن قتلوا أنبياءهم ‪ ،‬وما إفسادهم الحالي فييي دولتهييم الحالييية ‪ ،‬إل‬
‫صورة طبق الصل عن الفساد الول في دولتهم الولى ‪ ،‬ولو ُبعث فيهم أنبياء في هذا العصر لقتلوهم بل شييك ‪،‬‬
‫فقد قتلوا رئيس وزرائهم ) رابين ( بدفع وتحريض من الحاخامات ‪ ،‬كونه أظهر شيئا من اللين مييع الفلسييطينين ل‬
‫لنه ُمصلح ‪.‬‬
‫ن)‬ ‫شفَهُدو َ‬‫ن ِدَياِرُكْم ُثفّم َأْقَرْرُتفْم َوَأْنُتفْم َت ْ‬‫سُكْم ِم ْ‬
‫ن َأنفُ َ‬‫جو َ‬ ‫خِر ُ‬‫ن ِدَماَءُكْم َوَل ُت ْ‬ ‫سِفُكو َ‬‫خْذَنا ِميَثاَقُكْم َل َت ْ‬
‫قال تعالى ) َوِإْذ َأ َ‬
‫ن‬
‫ن َوِإ ْ‬
‫عَلْيِهفْم ِبفاِْلْثِم َواْلُعفْدَوا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ظَهفُرو َ‬ ‫ن دَِيفاِرِهْم َت َ‬
‫ن َفِريًقففا ِمْنُكفْم ِمف ْ‬
‫جففو َ‬‫خِر ُ‬‫سُكْم َوُت ْ‬
‫ن َأنُف َ‬
‫‪ُ (84‬ثّم َأْنُتْم َهُؤَلء َتْقُتُلو َ‬
‫ض )‪ 85‬البقييرة (‬ ‫ن ِبَبْعف ٍ‬ ‫ب َوَتْكُففُرو َ‬ ‫ض اْلِكَتففا ِ‬
‫ن ِببَْعف ِ‬ ‫جُهفْم َأَفُتْؤِمُنففو َ‬
‫خَرا ُ‬
‫عَلْيُكفْم ِإ ْ‬
‫حّرٌم َ‬
‫ساَرى ُتَفاُدوُهْم َوُهَو ُم َ‬ ‫َيْأُتوُكمْ ُأ َ‬
‫توحي هاتين اليتين أن سادة الحكم كانوا يستضعفون طائفة من قومهم ‪ ،‬ظلما وعلوا بغير وجه حق ‪ -‬وهييذا نفييس‬
‫فعل فرعون ‪ -‬فأوقعوا فيهم القتل والنهييب والسييلب ‪ ،‬وأخرجييوهم ميين ديييارهم واسييتولوا عليهييا ‪ .‬فاضييطروا إلييى‬
‫اللجوء إلى أرض أعدائهم ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنهم كانوا ُيجبرون على خوض المعارك ‪ ،‬إلى جانب أعداء مملكة بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وعند وقوع المعركة كان هؤلء المستضعفين ُيحجمون عن قتال بني جلدتهم ‪ ،‬ويقومون بتسليم أنفسييهم‬
‫ظّنا منهم بأن أبناء جلدتهم ‪ ،‬سيتركونهم ليعودوا إلى أهليهم بعد انتهاء المعركة ‪ ،‬فما كان من أولئك الظلميية إل أن‬
‫عاملوهم كأسرى العدو فحبسوهم وطالبوا ذويهم بالفدية ‪.‬‬

‫وأما مظاهر الفساد الخرى فمنها ‪:‬‬

‫‪ .1‬الشرك بال ‪:‬‬


‫ت )‪ 51‬النساء (‬
‫غو ِ‬
‫طا ُ‬
‫ت َوال ّ‬
‫جْب ِ‬
‫ن ِباْل ِ‬
‫ب ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن اْلِكَتا ِ‬
‫صيًبا ِم َ‬
‫ن ُأوُتوا َن ِ‬
‫) َأَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫عَبفَد‬
‫خَنففاِزيَر َو َ‬
‫جَعفَل ِمْنُهفُم اْلِقفَرَدَة َواْل َ‬
‫عَلْيفِه َو َ‬
‫ضفبَ َ‬‫غ ِ‬
‫ل َو َ‬
‫ن َلَعَنُه ا ُّ‬
‫ل َم ْ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ك َمُثوَبًة ِ‬
‫ن َذِل َ‬
‫شّر ِم ْ‬‫) ُقْل َهْل ُأَنّبُئُكْم ِب َ‬
‫سِبيِل )‪ 60‬المائدة (‬ ‫سَواِء ال ّ‬‫ن َ‬ ‫عْ‬‫ضّل َ‬ ‫شّر َمَكاًنا َوَأ َ‬‫ك َ‬ ‫ت ُأوَلِئ َ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫ال ّ‬
‫حفًدا َل ِإَلفَه إِّل‬
‫ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإّل ِلَيْعُبفُدوا ِإَلًهففا َوا ِ‬
‫ح اْب َ‬
‫سي َ‬
‫ل َواْلَم ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ‬
‫خُذوا َأ ْ‬‫) اّت َ‬
‫ن )‪ 31‬التوبة (‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫عّما ُي ْ‬
‫حاَنُه َ‬‫سْب َ‬
‫ُهَو ُ‬
‫‪ .2‬نقض الميثاق وكتمان كلم ال وإخفائه وتحريفه ‪:‬‬
‫ظا ِمّمفا ُذّكفُروا ِبفِه َوَل‬
‫حّ‬
‫سوا َ‬
‫ضِعِه َوَن ُ‬‫ن َمَوا ِ‬‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬‫حّرُفو َ‬
‫سَيًة ُي َ‬
‫جَعْلَنا ُقُلوَبُهْم َقا ِ‬
‫ضِهْم ِميَثاَقُهْم َلَعّناُهْم َو َ‬
‫) َفِبَما َنْق ِ‬
‫ن )‪ 13‬المائدة (‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫ب اْلُم ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫ح ِإنّ ا َّ‬ ‫صَف ْ‬
‫عْنُهْم َوا ْ‬‫ف َ‬ ‫ع ُ‬‫ل ِمْنُهْم َفا ْ‬ ‫خاِئَنٍة ِمْنُهْم ِإّل َقِلي ً‬
‫عَلى َ‬ ‫َتَزاُل َتطِّلُع َ‬
‫شَتَرْوا ِبِه َثَمًنا َقِلي ً‬
‫ل‬ ‫ظُهوِرِهْم َوا ْ‬
‫س َوَل َتْكُتُموَنُه َفَنَبُذوُه َوَراَء ُ‬
‫ب َلُتَبّيُنّنُه ِللّنا ِ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬
‫ق اّلِذي َ‬
‫ل ِميَثا َ‬
‫خَذ ا ُّ‬
‫) َوِإْذ َأ َ‬
‫ن )‪ 187‬آل عمران (‬ ‫شَتُرو َ‬‫س َما َي ْ‬
‫َفِبْئ َ‬
‫‪ .3‬عبادة الجن والشياطين وتعلم السحر وممارسته ‪:‬‬
‫ن )‪100‬‬
‫صفُفو َ‬
‫عّمفا َي ِ‬
‫حاَنُه َوَتَعفاَلى َ‬
‫سفْب َ‬
‫عْلفٍم ُ‬
‫ت ِبَغْيفِر ِ‬
‫ن َوَبَنفا ٍ‬
‫خَرُقفوا َلفُه َبِنيف َ‬
‫خَلَقُهفْم َو َ‬
‫ن َو َ‬
‫جف ّ‬
‫شَرَكاَء اْل ِ‬
‫ل ُ‬
‫جعَُلوا ِّ‬
‫) َو َ‬
‫النعام (‬

‫‪75‬‬
‫حَر )‬
‫سف ْ‬
‫س ال ّ‬
‫ن الّنففا َ‬
‫ن َكَفُروا ُيَعّلُمو َ‬
‫طي َ‬
‫شَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َوَلِك ّ‬
‫سَلْيَما ُ‬
‫ن َوَما َكَفَر ُ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬
‫عَلى ُمْل ِ‬
‫ن َ‬
‫طي ُ‬
‫شَيا ِ‬
‫) َواّتَبُعوا َما َتْتُلو ال ّ‬
‫‪ 102‬البقرة (‬
‫‪ .4‬الربا والسرقة والحتيال ‪:‬‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 161‬النساء (‬
‫ن ِمْنُهْم َ‬
‫عَتْدَنا ِلْلَكاِفِري َ‬
‫طِل َوَأ ْ‬
‫س ِباْلَبا ِ‬
‫عْنُه َوَأْكِلِهْم َأْمَواَل الّنا ِ‬
‫خِذِهُم الّرَبا َوَقْد ُنُهوا َ‬
‫) َوَأ ْ‬
‫ن )‪ 62‬المائدة (‬
‫س َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬
‫ت َلِبْئ َ‬
‫ح َ‬
‫سْ‬
‫ن َوَأْكِلِهُم ال ّ‬
‫ن ِفي اِْلْثِم َواْلُعْدَوا ِ‬
‫عو َ‬
‫ساِر ُ‬
‫) َوَتَرى َكِثيًرا ِمْنُهْم ُي َ‬
‫‪ .5‬ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬
‫ن )‪ 79‬المائدة (‬
‫س َما َكاُنوا َيْفَعُلو َ‬
‫ن ُمْنَكٍر َفَعُلوُه َلِبْئ َ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫) َكاُنوا َل َيَتَناَهْو َ‬
‫‪ .6‬نقض العهود والمواثيق ‪:‬‬
‫ن )‪(100‬‬
‫ق ِمْنُهْم َبْل َأْكَثُرُهْم َل ُيْؤِمُنو َ‬
‫عْهًدا َنَبَذُه َفِري ٌ‬
‫عاَهُدوا َ‬
‫) َأَوُكّلَما َ‬
‫وهكذا نستطيع القول بأن العلو الول والفسيياد الول لبنييي إسييرائيل قييد تحّققييا فييي الرض المقّدسيية ‪ ،‬وأن بداييية‬
‫علوهم كانت بملك داود ‪ ،‬ووصل إلى أقصى مداه في عصر سليمان عليه السلم ‪ ،‬وأما الفساد فكانت بييدايته بعييد‬
‫خر هذا الملييك وهييذه المملكيية فييي الهييواء … ؟! وهييل ميّر ذلييك‬ ‫وفاة سليمان عليه السلم … والسؤال الن هل تب ّ‬
‫الفساد دون عقاب … ؟!‬

‫وهل تحقق البعث الول ؟‬

‫ض (( ‪،‬‬ ‫سفاٍد ِففي اَْلْر ِ‬ ‫س )) َأْو َف َ‬ ‫سفا ِبَغْيفِر َنْفف ٍ‬


‫ن َقَتفَل َنْف ً‬
‫سَراِئيَل ‪َ ،‬أّنُه َم ْ‬ ‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫ك َكَتْبَنا َ‬‫جِل َذِل َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫قال تعالى ) ِم ْ‬
‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم‬
‫ت ‪ُ ،‬ثّم ِإ ّ‬‫سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫جاَءْتُهْم ُر ُ‬‫جِميًعا ‪َ ،‬ولََقْد َ‬ ‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫حَياَها َفَكَأّنَما َأ ْ‬
‫ن َأ ْ‬‫جِميًعا َوَم ْ‬ ‫س َ‬‫َفَكَأّنَما َقَتَل الّنا َ‬
‫سفاًدا‬‫ض َف َ‬
‫ن ِففي اَْلْر ِ‬ ‫سفَعْو َ‬ ‫سفوَلُه ‪َ )) ،‬وَي ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬‫ن ا َّ‬‫حاِرُبو َ‬ ‫ن ُي َ‬‫جَزاُء اّلِذي َ‬ ‫ن )‪ِ (32‬إّنَما َ‬ ‫سِرُفو َ‬ ‫ض َلُم ْ‬‫َبْعَد َذِلكَ ِفي اَْلْر ِ‬
‫ي ِفففي ال فّدنَيا ‪،‬‬‫خ فْز ٌ‬‫ك َلُهْم ِ‬‫ض َذِل َ‬ ‫ن اَْلْر ِ‬ ‫ف ‪َ ،‬أْو ُينَفْوا ِم ْ‬
‫ل ٍ‬ ‫خَ‬ ‫ن ِ‬ ‫جُلُهْم ِم ْ‬
‫طَع َأْيِديِهْم َوَأْر ُ‬‫صّلُبوا َأْو ُتَق ّ‬‫ن ُيَقّتُلوا َأْو ُي َ‬
‫(( ‪َ ،‬أ ْ‬
‫لف َمْغُلوَلفٌة …‬ ‫ت اْلَيُهففوُد َيفُد ا ِّ‬ ‫ظيٌم )‪ 33‬المائدة ( وقييال أيضيا فييي نفييس السيورة ) َوَقففاَل ِ‬ ‫عِ‬ ‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫خَرِة َ‬ ‫لِ‬‫َوَلُهْم ِفي ا ْ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة (‬ ‫سِدي َ‬‫ب اْلُمْف ِ‬‫ح ّ‬ ‫ل َل ُي ِ‬‫ساًدا (( ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ض َف َ‬‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬ ‫)) َوَي ْ‬
‫وانظر ما كتبه ال عليهم في الية الولى وما عقب به في الية الثانية ‪ ،‬حيث أعطى أربييع خيييارات لمجييازاة ميين‬
‫يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا ‪ .‬والذين لهم دأب على محاربة ال ورسوله بييأقوالهم وأفعييالهم ‪،‬‬
‫والذين يسعون في الرض فسادا هم اليهييود ل غيرهيم ‪ ،‬وهييذا ميا ُتقيّرره اليية الثالثية ‪ .‬وهيذا نفيس الحكييم الييذي‬
‫أصدره أحكم الحاكمين ‪ ،‬وأوكل أصحاب البعث الول لتنفيذ خياراته الربعة مجتمعة فيهم ‪.‬‬
‫ب َفِريًقففا َتْقُتُلففونَ‬
‫عف َ‬
‫ف ِفففي ُقُلففوِبِهُم الّر ْ‬
‫صففيِهْم َوَقفَذ َ‬
‫صَيا ِ‬
‫ن َ‬
‫ب ِمف ْ‬
‫ن َأْهِل اْلِكَتففا ِ‬
‫ظاَهُروُهْم ِم ْ‬
‫ن َ‬
‫وقال تعالى ) َوَأْنَزَل اّلِذي َ‬
‫حكم به علييى يهييود بنييي قريظيية بعييد هزيميية الحييزاب ‪ ،‬بقتييل الرجييال‬ ‫ن َفِريًقا )‪ 26‬الحزاب ( وهذا ما ُ‬ ‫سُرو َ‬
‫َوَتْأ ِ‬
‫وسبي النساء والطفال ‪.‬‬
‫صل ومن ثم زال ‪ ،‬فل بد أن يكييون أولئك العبيياد قييد ُبعثييوا عليهييم ‪ ،‬فجاسييوا‬ ‫وبما أن الفساد المقترن بالعلو قد تح ّ‬
‫خلل ديارهم وخربوها ‪ ،‬وأوقعوا في حكامهم ورؤسائهم وكهنتهييم وأحبييارهم القتييل والتنكيييل ‪ ،‬وهييدموا المسييجد‬
‫) الهيكل ( ونهبوا محتوياته من كنوز وأموال وسبوا نسائهم وأطفالهم ‪ ،‬وأصبحت بيت المقدس أطلل تعوي فيهييا‬
‫ل والعار ‪ ،‬بعييد أن رفعيه الي عنهييم بمّنييه وكرمييه ‪ ،‬فخيانوا ميثياق ربهييم ونقضييوا‬ ‫الثعالب ‪ ،‬فحل بهم الخزي والذ ّ‬
‫عهده ‪ ،‬استكبارا وعلوا في الرض بغير الحق ‪ .‬حيث كان ذلك حكم الي الييذي أنجييزه فييي أسييلفهم ‪ ،‬علييى أيييدي‬
‫أولئك العباد ‪ ،‬فيما ُيسمى بالسبي البابلي الموصوف بالتوراة بإسهاب ‪ ،‬والذي يؤكد نفاذ هذا الحكم فيهم ‪ ،‬كما جاء‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪ 5‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ن َو ْ‬
‫في الية الكريمة أعله ‪ .‬لذلك عّقب سبحانه بعد ذكر الوعد الول بقوله ) َوَكا َ‬

‫‪76‬‬
‫بعض الحكام التي صدرت في حقهم فيما سبق نزول القرآن ‪:‬‬

‫ب َوِإّن فهُ‬‫سِريُع اْلِعَقففا ِ‬‫ك َل َ‬ ‫ن َرّب َ‬‫ب ِإ ّ‬


‫سوَء اْلَعَذا ِ‬ ‫سومُُهْم ُ‬ ‫ن َي ُ‬ ‫عَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ‬
‫ن َ‬‫ك َلَيْبَعَث ّ‬
‫ن َرّب َ‬‫قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ‬
‫ت‬
‫سّيَئا ِ‬ ‫ت َوال ّ‬‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬‫ك َوَبَلْوَناُهْم ِباْل َ‬‫ن َذِل َ‬‫ن َوِمْنُهْم ُدو َ‬
‫حو َ‬ ‫صاِل ُ‬
‫ض ُأَمًما ِمْنُهْم ال ّ‬ ‫طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ‬ ‫حيٌم )‪َ (167‬وَق ّ‬ ‫َلَغُفوٌر َر ِ‬
‫ن‬
‫سُيْغَفُر َلَنا َوِإ ْ‬‫ن َ‬ ‫ض َهَذا اَْلْدَنى َوَيُقوُلو َ‬ ‫عَر َ‬ ‫ن َ‬‫خُذو َ‬‫ب َيْأ ُ‬‫ف َوِرُثوا اْلِكَتا َ‬ ‫خْل ٌ‬
‫ن َبْعِدِهْم َ‬ ‫ف ِم ْ‬ ‫خَل َ‬ ‫ن )‪َ (168‬ف َ‬ ‫جُعو َ‬‫َلَعّلُهْم َيْر ِ‬
‫سوا َمففا ِفي فِه َوال فّداُر‬ ‫ق َوَدَر ُ‬ ‫ح ّ‬‫ل ِإّل اْل َ‬‫عَلى ا ِّ‬‫ن َل َيُقوُلوا َ‬ ‫ب َأ ْ‬
‫ق اْلِكَتا ِ‬
‫عَلْيِهْم ِميَثا ُ‬‫خْذ َ‬‫خُذوُه َأَلْم ُيْؤ َ‬ ‫ض ِمْثُلُه َيْأ ُ‬‫عَر ٌ‬ ‫َيْأِتِهْم َ‬
‫ن )‪ 169‬العراف ( ‪.‬‬ ‫ل َتْعِقُلو َ‬‫ن َأَف َ‬ ‫ن َيّتُقو َ‬ ‫خْيٌر ِلّلِذي َ‬
‫خَرُة َ‬‫لِ‬ ‫اْ‬
‫شففاءُ‬‫ف َي َ‬‫ق َكْيف َ‬ ‫ن ُينِفف ُ‬ ‫طَتا ِ‬‫سففو َ‬‫ت َأْيِديِهْم َوُلِعُنوا ِبَمففا َقففاُلوا َبفْل َيفَداُه َمب ُ‬ ‫غّل ْ‬
‫ل َمْغُلوَلٌة ُ‬‫ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ‬ ‫وقال أيضا ) َوَقاَل ْ‬
‫ضففاَء ِإَلففى َي فْوِم اْلِقَياَم فِة ُكّلمَففا‬
‫طْغَياًنا َوُكْفًرا َوَأْلَقْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬
‫ك ُ‬
‫ن َرّب َ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َما ُأنِزَل ِإَلْي َ‬ ‫َوَلَيِزيَد ّ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫سِدي َ‬ ‫ب اْلُمْف ِ‬‫ح ّ‬‫ل َل ُي ِ‬ ‫ساًدا َوا ُّ‬ ‫ض َف َ‬ ‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬ ‫ل َوَي ْ‬ ‫طَفَأَها ا ُّ‬‫ب َأ ْ‬
‫حْر ِ‬ ‫َأْوَقُدوا َناًرا ِلْل َ‬
‫وهذه الحكام هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬استضعافهم واضطهادهم وتعذيبهم من قبل الخرين ‪ ،‬أينما حلوا وأينما ارتحلوا إلى يوم القياميية ‪ ،‬وهييذا حكييم‬
‫عاّم وأما عقابهم عند مجيء الوعدين ‪ ،‬فهو حكم خاص مستثنى من هذا الحكم ‪.‬‬
‫‪ .2‬نفيهم من فلسطين وشتاتهم في كافة أرجاء الرض ‪ ،‬مما يؤكد تحقييق الوعييد الول بييزوال مملكتهييم الولييى ‪،‬‬
‫ومجيئهم من الشتات لقامة دولتهم الثانية مستقبل ‪.‬‬
‫‪ .3‬إلقاء العداوة والبغضاء فيميا بينهييم إليى يييوم القيامية ‪ ،‬وإطفيياء الحيروب الييتي ُيشييعلونها وإفشييال مخططيياتهم‬
‫الساعية إلى الفساد في الرض ‪.‬‬

‫دسة ؟‬
‫وهل دخلوا الرض المق ّ‬
‫لو عدنا إلى زمن موسى عليه السلم ‪ ،‬بعد أن وصل وقومه إلى مشارف الرض والمقدسة ‪ ،‬حيييث قييال لقييومه )‬
‫ن )‪ 21‬المييائدة (‬ ‫سفِري َ‬
‫خا ِ‬
‫عَلففى َأْدَبففاِرُكْم َفَتْنَقِلُبففوا َ‬
‫لف َلُكفْم َوَل َتْرَتفّدوا َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫سفَة اّلِتففي َكَتف َ‬
‫ض اْلُمَقّد َ‬
‫خُلففوا اَْلْر َ‬
‫َيَقفْوِم اْد ُ‬
‫والرض المقدسة هي فلسطين ولم تقّدس في القرآن أرض غيرها ‪ .‬وقد وردت هذه العبارة في القرآن مرة واحييدة‬
‫حرموا ميين دخولهييا أربعييين سيينة ‪ ،‬ولييم‬ ‫فقط ‪ ،‬وكان بنو إسرائيل آنذاك أمة واحدة ‪ ،‬فامتنعوا عن الدخول إليها ‪ ،‬ف ُ‬
‫يكن التيه بضياعهم وتشرذمهم في الرض كما قد يتوهم البعض ‪ ،‬وإنما بحرمانهم من الهداية والقيادة برفع النبييوة‬
‫والوحي ‪ ،‬وهذا يؤكد أن موسى عليه السلم ‪ ،‬انتقل إلى جوار ربه قبل أو بداييية سيينوات التحريييم ‪ ،‬ولييذلك تجّلييت‬
‫الحكمة اللهية باختيار النقباء الثني عشر وأخذ الميثاق منهم مسبقا ‪ ،‬لعلمه المسبق بما سيكون منهم ‪ .‬وُترك أميير‬
‫ل حسب السييبط الييذي ينتميي إلييه ‪ ،‬لقييادتهم والفصيل بينهيم فييي الحييوال المدنيية‬ ‫بني إسرائيل لولئك النقباء ‪ ،‬ك ٌ‬
‫والشرعية ‪.‬‬
‫ن َبْعِد‬
‫سَراِئيَل ِم ْ‬
‫ن َبِني ِإ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫وفي نهاية الربعين سنة ‪ ،‬وصل ال ما كان قد قطعه فبعث فيهم نبيا ‪َ ) ،‬أَلْم َتَر ِإَلى اْلَم َِ‬
‫لف )‪ 246‬البقييرة ( وكلميية ) المل ( تعنييي علييية القيوم ‪،‬‬ ‫سفِبيِل ا ِّ‬
‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفففي َ‬
‫ي َلُهُم اْبَع ْ‬
‫سى ِإْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫ُمو َ‬
‫وطلب القتال كان لدخول الرض المقدسة التي كان قد ُكتب لهييم دخولهييا علييى لسييان موسييى فييي الييية السييابقة ‪.‬‬
‫وعندما أذن ال لهم بدخولها بعد قتال جالوت وجنوده والنتصار عليهم بقتل داود عليه السيلم لجييالوت ‪ ،‬دخلوهيا‬
‫مجتمعين كأمة أيضا ‪ ،‬فأقام لهم داود عليه السلم دولتهم الولى وعلوهم الول ‪.‬‬

‫مذكور في القرآن ‪:‬‬


‫حصر الفترة الزمنية للفساد ال ُ‬
‫سى‬ ‫عي َ‬‫سِل (( ‪َ ،‬وَءاَتْيَنا ِ‬ ‫ن َبْعِدِه ِبالّر ُ‬
‫ب ‪َ )) ،‬وَقّفْيَنا ِم ْ‬
‫سى اْلِكَتا َ‬
‫والن لننتقل إلى الكريمة التي تقول ) َوَلَقْد َءاَتْيَنا ُمو َ‬
‫سفَتْكَبْرُتْم ‪َ ،‬فَفِريًقفا‬
‫سفُكُم ‪ ،‬ا ْ‬
‫سفوٌل ‪ِ ،‬بَمفا َل َتْهفَوى َأْنُف ُ‬ ‫جفاَءُكْم َر ُ‬
‫س ‪َ .‬أَفُكّلَما َ‬ ‫ح اْلُقُد ِ‬
‫ت ‪َ ،‬وَأّيْدَناُه ِبُرو ِ‬‫ن َمرَْيَم اْلَبّيَنا ِ‬‫اْب َ‬
‫ن )‪ 87‬البقرة ( قلنا أن قمة الفساد هي قتل النفس بغير حق وأعظمها قتل الرسييل والنبييياء ‪،‬‬ ‫َكّذْبُتْم وََفِريًقا َتْقُتُلو َ‬
‫ولحظ قوله سبحانه ) تقتلون ( حيث تفيد صيغة المضارع الستمرارية والكثرة في القتل ‪ ،‬وقد ُذكر قتلهم للرسييل‬
‫حصر وقوع هذا القتل منهم في هذه الية ‪ ،‬بين موسى‬ ‫والنبياء ) ‪ ( 7‬مرات في مواضع متفرقة من القرآن ‪ ،‬وقد ُ‬

‫‪77‬‬
‫وعيسى عليهما السلم ‪ .‬وإذا علمنا أن بني إسرائيل كانوا بحاجة إلى النبياء ) حبل ال ( لدخول الرض المقدسيية‬
‫لقامة دولتهم فيها ‪ ،‬ولم يكن فيهم أنبياء في سنوات التحريم ‪ ،‬غير ذلك النبي الييذي ُبعييث عنييد انقضييائها ‪ ،‬والييذي‬
‫صل منهم قبييل بعييث عيسييى عليييه‬ ‫توجهوا إليه لطلب المساعدة والنصرة من ال ‪ ،‬لتبين لنا أن قتل النبياء ‪ ،‬قد تح ّ‬
‫السلم ‪ ،‬وهو آخر أنبيائهم ‪ ،‬وبعد وفاة سليمان عليه السلم آخر النبياء الملوك ‪ ،‬حيث لم تعد بهييم حاجيية للنبييياء‬
‫ليذّكروهم بشرع ال واللتزام به ‪ ،‬بعد أن أمسى لهم الملك والعلو في الرض ‪ ،‬فييأهواء ورغبييات وأطميياع الييذين‬
‫) أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ( والذين ) قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد قسوة ( ل تتفق وشرع ال ‪.‬‬

‫نهاية المملكة وخروجهم من فلسطين ‪:‬‬

‫ض ُأَمًما ( أي فرّقناهم ‪ ،‬نجد أنه سبحانه أثبت خروجهم ونفيهم من‬ ‫طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ‬
‫ولو نظرنا في قوله تعالى ) َوَق ّ‬
‫الرض المقدسة ‪ ،‬وشتاتهم في الرض على عمومها ‪ ،‬على القل قبل بعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ‪،‬‬
‫فهل ُيعقل أن أمة بأسرها ‪ ،‬تقوم بالتخلي عن ُملكها وترك أرضها من تلقاء نفسييها ورغبيية عنهييا ؟!!! أم أن هنيياك‬
‫أمر عظيم نزل بها ‪ ،‬فتركت أرضها قسرا وقهرا ‪ ،‬بعد أن ُأزيل ملكها وأفل نجمها ؟!!! وقد ورد ذكر هذا الحييدث‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪ 5‬السراء ( ‪ .‬وبما أن تلك‬ ‫ن َو ْ‬‫لَل الّدَياِر ‪َ ،‬وَكا َ‬
‫خَ‬‫سوا ِ‬
‫جا ُ‬
‫في القرآن بصيغة الماضي ‪ ،‬بقوله تعالى ) َف َ‬
‫جْئَنففا ِبُكفْم َلِفيًفففا )‪104‬السييراء (‬
‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫العبارة أثبتت شتاتهم بعد أن كانوا أمة واحدة ‪ ،‬والعبارة ) َفِإَذا َ‬
‫تشترط مجيئهم من الشتات والتجّمع في فلسطين ‪ ،‬ولم يرد نص في القرآن ُيثبت مجيئهم وتجّمعهم من الشتات قبل‬
‫السلم لقامة علوهم الثاني ‪ .‬نستطيع الجزم بأن وعد الولى بقيام المملكة الولى وزوالها قد تحقييق ‪ ،‬وأن المييرة‬
‫الثانية قد تحّققت بمجيئهم وتجّمعهم من الشتات لقامة دولتهم الحالية ‪.‬‬

‫إثبات تواجد اليهود في بابل ‪:‬‬

‫ب الِّ‬ ‫ب ‪ِ ،‬كَتا َ‬‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬


‫ق ِم َ‬ ‫ق ِلَما َمَعُهْم ‪َ (1) ،‬نَبَذ َفِري ٌ‬ ‫صّد ٌ‬ ‫ل ‪ُ ،‬م َ‬ ‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬‫سوٌل ِم ْ‬ ‫جاَءُهْم َر ُ‬ ‫قال تعالى ) َوَلّما َ‬
‫)‪(2‬‬
‫س فَلْيَما ُ‬
‫ن‬ ‫ن ف ف ) َومَففا َكَف فَر ُ‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬‫عَلى ُمْل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬
‫ن )‪َ (101‬واّتَبُعوا َما َتْتُلو ال ّ‬ ‫ظُهوِرِهْم ‪َ ،‬كَأّنُهْم َل َيْعَلُمو َ‬ ‫َوَراَء ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫ت ف ف ) َومَففا‬‫ت َوَمففاُرو َ‬ ‫ن ) ِبَباِبَل ( َهاُرو َ‬ ‫عَلى اْلَمَلَكْي ِ‬‫حَر ‪َ ،‬وَما ُأْنِزَل َ‬ ‫سْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬‫ن َكَفُروا ( ف ُيَعّلُمو َ‬ ‫طي َ‬‫شَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬‫َوَلِك ّ‬
‫ج فِه ‪،‬‬ ‫ن اْلَم فْرِء َوَزْو ِ‬‫ن ِب فِه َبْي ف َ‬
‫ن ِمْنُهَما ‪َ ،‬ما ُيَفّرُقو َ‬ ‫ل َتْكُفْر ‪َ ،‬فَيَتَعّلُمو َ‬‫ن ِفْتَنٌة ‪َ ،‬ف َ‬
‫حُ‬‫حّتى َيُقوَل ِإّنَما َن ْ‬ ‫حٍد ‪َ ،‬‬ ‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ُيَعّلَما ِ‬
‫)‪(4‬‬
‫شَتَراُه ‪ ،‬مَففا‬ ‫نا ْ‬ ‫عِلُموا َلَم ِ‬ ‫ضّرُهْم ‪َ ،‬وَل َيْنَفُعُهْم ‪َ ،‬وَلَقْد َ‬ ‫ن َما َي ُ‬ ‫ل ( ف َوَيَتَعّلُمو َ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫حٍد ِإّل ِبِإْذ ِ‬
‫ن َأ َ‬‫ن ِبِه ِم ْ‬
‫ضاّري َ‬ ‫َوَما ُهمْ ِب َ‬
‫ن )‪ 102‬البقرة (‬ ‫سُهْم ‪َ ،‬لْو َكاُنوا َيْعَلُمو َ‬ ‫شَرْوا ِبِه َأْنُف َ‬ ‫س َما َ‬‫ق ‪َ ،‬وَلِبْئ َ‬ ‫ل ٍ‬‫خَ‬ ‫ن َ‬ ‫خَرِة ِم ْ‬‫لِ‬‫َلُه ِفي ا ْ‬
‫موضوع الحديث ما قبل هاتين اليتين وما بعدهما هم اليهود إجمييال ‪ .‬بينمييا تتعييرض اليتييان أعله ‪ ،‬لموقييف فئة‬
‫من اليهود المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬من بعث نبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث قام هييؤلء ومييا زالييوا‬
‫يقومون بأربعة أفعال ‪:‬‬
‫‪ .1‬عند مجيء رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بصفة مطابقة لما كان بين يديهم ميين التييوراة ‪ ،‬ومجيئه بمييا‬
‫يتفق مع ما جاء به أنبياؤهم ‪ ،‬أزاحوا التوراة من عقولهم وقلوبهم وأنكروا ما فيها ‪ ،‬وكتمييوا مييا أخييبرت عنييه‬
‫وجاءت به عن الناس ‪ ،‬وأظهروا عدم معرفتهم وعلمهم بأمر هذا النبي ‪ ،‬وعوضا عن اتباعهم لهذا النبي عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬كما تأمرهم التوراة ‪:‬‬
‫‪ .2‬قاموا باتباع ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ‪ ،‬وحقيقة ما اتبعوه ُيبّينه سبحانه بالجملة المعترضة ) َوَما‬
‫ن َكَففُروا ( أي الكفرّيات الييتي مييا زالييت تتلوهييا الشييياطين علييى ملييك سييليمان ‪،‬‬
‫طي َ‬
‫ش فَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َوَلِك ف ّ‬
‫سَلْيَما ُ‬
‫َكفََر ُ‬
‫ومجيء الفعل ) تتلوا ( بصيغة المضارع ‪ُ ،‬يفيد بأنهم على اّتصال دائم بالشياطين ‪ ،‬وأن الشييياطين مييا زالييت‬
‫تتحّدث إليهم بكفرّيات تنسبها إلى سليمان عليه السلم ‪ُ ،‬يبرأه سييبحانه منهييا بقييوله ) ومييا كفيير سييليمان ولكيين‬
‫الشياطين كفروا ( وعوضا عن تعليم الناس تعاليم التوراة ‪:‬‬
‫‪ .3‬كانوا وما زالوا ُيعلمون الناس السحر ‪ ،‬ويعّلمونهم أيضا نوعا آخيرا مين السييحر ‪ ،‬كييانوا قيد تعّلمييوه أثنيياء‬
‫تواجدهم في بابل ‪ ،‬هو ما ُأنزل على الملكين هاروت وماروت ‪ ،‬اللذان لم ُيعّلما أحدا من الناس إل وقيال ليه )‬
‫ل َتْكُففْر ( وحقيقية ميا كيان يتعّلميه النياس مين الملكيين فيي بابيل ‪ُ ،‬ييبّينه سيبحانه بالجملية‬
‫ن ِفْتَنفٌة ‪َ ،‬ف َ‬
‫حف ُ‬
‫ِإّنَما َن ْ‬

‫‪78‬‬
‫لفف‬
‫ن ا ِّ‬
‫حٍد ِإّل ِبِإْذ ِ‬
‫ن أَ َ‬
‫ن ِبِه ِم ْ‬
‫ضاّري َ‬
‫ن اْلَمْرِء َوَزْوجِِه ‪َ ،‬وَما ُهْم ِب َ‬
‫ن ِبِه َبْي َ‬
‫ن ِمْنُهَما ‪َ ،‬ما ُيَفّرُقو َ‬
‫المعترضة ) َفَيَتَعّلُمو َ‬
‫(‪.‬‬
‫ضّرُهْم ‪َ ،‬وَل َيْنَفُعُه فْم … إلييى آخيير الييية‬
‫‪ .4‬وُيعّقب سبحانه على ما قامت به تلك الفئة بقوله ) َوَيَتَعّلُمونَ َما َي ُ‬
‫( ‪ .‬وهذا ما يقومون به لغاييية الن ‪ ،‬فييي محييافلهم الماسييونية ومدارسييهم الدينييية ‪ ،‬حيييث ُيمارسييون وُيعّلمييون‬
‫منتسبيهم وتلميذهم طقوس عبادة الشياطين وفنون السحر والشعوذة ‪.‬‬

‫عقوبتهم في الجزيرة العربية كانت جلءً وليس عذابا ‪:‬‬

‫وأما عند مجيء السلم ‪ ،‬كان جزء منهم متواجد في الجزيرة العربية ‪ ،‬وأخرجوا منها زمن عمر رضي ال عنه‬
‫ش فِر )‪ 2‬الحشر ( والحشيير معنيياه‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِدَيففارِِهْم َِلّوِل اْل َ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ن َأْهِل اْلِكَتا ِ‬
‫ن َكَفُروا ِم ْ‬
‫ج الِذي َ‬
‫خَر َ‬
‫‪ ،‬قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َأ ْ‬
‫الجمع ‪ ،‬والجمع يختلف عن الجميع ‪ ،‬وقوله ) لول الحشر ( أي بداية الجمييع ‪ ،‬والجمييع يكييون عييادة بعييد التشيّرد‬
‫والشتات ‪ ،‬والمقصود هنا الجمع في الدنيا ‪ ،‬وليس الحشر بعد الموت والبعث ‪ ،‬حيث كانت وجهتهم عنييد الخييروج‬
‫إلى بلد الشام ‪ ،‬وأما الجلء الذي حكم ال به عليهم ‪ ،‬في زمن الرسييول عليييه السييلم وصييحبه الكييرام ‪ ،‬لييم يكيين‬
‫عذابا كالموصوف في سورة السراء ‪ ،‬ل فييي الوعييد الول ول فييي الوعييد الثيياني ‪ ،‬فكيفييية العقيياب فييي المرتييين‬
‫لَء ‪َ ،‬لَع فّذَبهُْم‬
‫جَ‬‫عَلْيِه فُم اْل َ‬
‫لف َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫ن َكَت َ‬‫متطابقة كما أوضحنا سابقا ‪ ،‬وهذا ما يقرره سبحانه في الية التالية ) َوَلْوَل َأ ْ‬
‫ب الّناِر )‪ 3‬الحشر ( وقوله تعالى ) لعّذبهم ( يفيد بأن الجلء لم ُيعتبر عييذابا بمعنييى‬ ‫عَذا ُ‬
‫خَرِة َ‬‫لِ‬‫ِفي الدّْنَيا َوَلُهْم ِفي ا ْ‬
‫الكلمة ‪ ،‬أما قتل وسبي يهود بني قريظة ‪ ،‬فهو استثناء حصل لخطورة ما قاموا به من خيانة في أحرج لحظيية ميين‬
‫تاريخ المة السلمية ‪.‬‬
‫خُلففوُه َأّوَل َمفرّةٍ‬
‫جَد َكَمففا َد َ‬‫سف ِ‬
‫خُلوا اْلَم ْ‬‫وإن لم يكن ما تقّدم مقنعييا بمييا فيييه الكفاييية ‪ ،‬فييانظر إلييى قييوله تعييالى ) َوِلَيفْد ُ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪ 7‬السراء ( فأي مسجد الييذي دخلييه المسييلمون علييى اليهييود آنييذاك ‪ ،‬ومييا هييو المسييجد‬ ‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫المقصود أصل في هذه الية ؟! وما صفة العلو الذي كييان لهييم آنييذاك ؟! ‪ ،‬وأمييا فسييادهم وإفسييادهم فييي الجزيييرة‬
‫ن ِفففي اَْلْرضِ‬ ‫سفعَْو َ‬ ‫لف َوَي ْ‬ ‫طَفَأَها ا ُّ‬
‫ب َأ ْ‬
‫حْر ِ‬ ‫وغيرها من الماكن ‪ ،‬فهو مشمول في الية الكريمة ) ُكّلَما َأْوَقُدوا َناًرا ِلْل َ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة ( ولحظ قوله تعالى ) ويسعون ( بصيغة المضارع لتفيد السييتمرارية‬ ‫سِدي َ‬
‫ب اْلُمْف ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل َل ُي ِ‬
‫ساًدا َوا ُّ‬
‫َف َ‬
‫والمثابرة على الفساد في الرض على عمومها ‪ ،‬وهذا هو ديدنهم على مر العصور ‪ ،‬لذلك كييانوا عرضيية للقتييل‬
‫والتنكيل والنهييب والسييلب والطييرد والنفييي ‪ ،‬أينمييا حلييوا وأينمييا ارتحلييوا ‪ ،‬فطييافوا معظييم أرجيياء ميين المعمييورة‬
‫وتواجدوا في كل قاراتها على مدى ما يزيد عن ‪ 3‬آلف سنة ‪ ،‬واستمر حالهم هذا على مر العصور ‪ ،‬وهذا ما لييم‬
‫يقع في أي شعب من شعوب الرض ‪ ،‬وكان الستثناء الوحيد هو حصولهم على الدولة فييي القييدس مرتييين فقييط ‪.‬‬
‫وبعد شتاتهم في المرة الولى لم يكن لهم علو ولم يكن لهم جمع من الشتات ‪ ،‬الييذي هيو أحييد شييروط ومواصييفات‬
‫تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬إل ما ُنشاهده الن على أرض الواقع ‪ ،‬من علو ظاهر مقترن بالفساد والفساد ‪ ،‬فييي الرض‬
‫على عمومها والُمقّدسة فلسطين على وجه الخصوص ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬

‫ماهية التوراة ‪:‬‬

‫ي ‪ ،‬والييوراء هييو ولييد الولييد ‪،‬‬


‫التوراة في ) لسان العرب ( ‪ :‬نجد أن هذه الكلمة ذات أصل عربييي ومصييدرها َوِر َ‬
‫ت النييار تورييًة إذا اسييتخرجتها ‪ ،‬واسييتوريت‬ ‫والواري هو السمين من كل شيء ‪ ،‬وناقة وارية أي سمينة ‪ ،‬ووَرْيي ُ‬
‫فلنا رأيًا أي سألته أن يستخرج لي رأيا ‪ ،‬ووريت الشيء وواريته أخفيته ‪ ،‬ووريت الخبر ُأوِريه توريًة إذا سترته‬
‫وأظهرت غيره وكأنه مأخوذ من وراء النسان ‪ ،‬لنه إذا قال َوَرْيته فكأنه يجعله وراءه حيث ل يظهر ‪ ،‬والتورية‬
‫هي السَْتر ‪.‬‬
‫ولو تدبّرنا كل المعاني السابقة ‪ ،‬لوجدنا أن هذ التسمية ) التييوارة أو التورييية حسييب الرسييم القرآنييي لهييا ( جيياءت‬
‫لتصف بدقة وبشمولية ‪ ،‬حال الكتاب الموجود بين أيدي اليهود ‪ ،‬ولتصف الكيفية التي يتعامل بها اليهييود مييع هييذا‬
‫الكتاب ‪ ،‬فالتوراة في الواقع كتاب ضخم يحوي بين دفتيه ) ‪ ( 39‬سفرا ‪ ،‬وإحييدى نسييخه المترجميية فيهييا مييا يزيييد‬
‫عن ‪ 1128‬صفحة بمعدل ‪ 380‬كلمة لكل صفحة ‪ ،‬أي ما يفوق القرآن من حيث عدد الكلمات بستة مرات تقريبا ‪،‬‬
‫جمع فيه كل ما ُأنزل على أنبيياء بنيي إسيرائيل المتعيياقبين تباعيا ‪ ،‬مين شييرائع وأخبييار ونبييوءات غيبيية وتارييخ‬ ‫ُ‬
‫وأساطير وخرافات ‪ ،‬وعلى فترات متباعدة ومتتالية ‪ ،‬ولمدة ل تقل عن ألف وخمسمائة سنة ‪.‬‬

‫التوراة لم تنّزل على موسى وكتابه جزء منها ‪:‬‬

‫ن َبْع فِدهِ‬
‫جيُل ِإّل ِم ْ‬ ‫ت الّتْوَراُة َواِْلن ِ‬ ‫ن ِفي ِإْبَراِهيَم َوَما ُأْنِزَل ْ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬
‫ب ِلَم ُت َ‬
‫وحسب النص القرآني ‪ ،‬في الية ) َيَأْهَل اْلِكَتا ِ‬
‫ن الّتففْوَراِة )‬ ‫ن َيَدْيِه ِم ْ‬ ‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬‫ن َمْرَيَم ُم َ‬ ‫سى اْب ِ‬ ‫عَلى آَثاِرِهْم ِبِعي َ‬ ‫ن )‪ 65‬آل عمران ( ‪ ،‬والية ) َوَقّفْيَنا َ‬ ‫ل َتْعِقُلو َ‬ ‫َأَف َ‬
‫حصر في الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة إبراهيم ونبّوة عيسى عليهما السلم ‪،‬‬ ‫‪ 46‬المائدة ( نجد أن نزول التوراة ُ‬
‫ن َهففاُدوا َوالّرّبففاِنّيو َ‬
‫ن‬ ‫سفَلُموا ِلّلفِذي َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ن اّلفِذي َ‬ ‫حُكُم ِبَهففا الّنِبّيففو َ‬
‫ومن قوله تعالى ) ِإّنا َأنَزْلَنا الّتْوَراَة ِفيَها ُهًدى َوُنوٌر َي ْ‬
‫شَهَداءَ )‪ 44‬المائدة ( نجد أنهيا أنزليت كمرجيع لبنيي إسيرائيل‬ ‫عَلْيِه ُ‬
‫ل َوَكاُنوا َ‬ ‫ب ا ِّ‬‫ن ِكَتا ِ‬
‫ظوا ِم ْ‬ ‫حِف ُ‬
‫سُت ْ‬‫حَباُر ِبَما ا ْ‬ ‫َواَْل ْ‬
‫ب َقفْد‬‫) بني يعقوب عليه السلم ( لستنباط واستخراج الحكييام الشييرعية منهييا ‪ ،‬وفييي قييوله تعييالى ) َيَأْه فَل اْلِكَتففا ِ‬
‫ن ُأوُتففوا‬‫ق اّلفِذي َ‬ ‫ل ِميَثففا َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬‫ب )‪15‬المائدة ( وقوله ) َوِإْذ َأ َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬
‫ن ِم ْ‬‫خُفو َ‬ ‫ن َلُكْم َكِثيًرا ِمّما ُكْنُتْم ُت ْ‬
‫سوُلَنا ُيَبّي ُ‬
‫جاَءُكمْ َر ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ 187‬آل‬ ‫شفَتُرو َ‬ ‫س َمففا َي ْ‬‫ل َفِبْئ َ‬ ‫شفَتَرْوا ِبفِه َثَمًنففا َقِلي ً‬‫ظُهففوِرِهْم َوا ْ‬ ‫س َوَل َتْكُتُموَنُه َفَنَبفُذوُه َوَراَء ُ‬ ‫اْلِكَتابَ َلُتَبّيُنّنُه ِللّنا ِ‬
‫عمران ( نجد وصفا لحال اليهود معها وما كان منهم ‪ ،‬في إخفائها وكتمانها وتحريفها وإظهار غير ما جاء فيها ‪،‬‬
‫وكل ما قيل فيها من معاني في المعجم ينسجم مع واقع التوراة الحالي ‪ ،‬وليس على كتاب موسى فقييط والييذي هييو‬
‫في الصل جزء منها ‪ ،‬وما كان الفصل بينها وبين موسى عليه السلم في القران إل ليؤكد هذه الحقيقة ‪.‬‬
‫ن ُتَن فّزلَ‬
‫ن َقْب فِل َأ ْ‬
‫سِه ‪ِ -‬م ف ْ‬
‫عَلى َنْف ِ‬ ‫سَراِئيُل َ‬ ‫حّرَم ِإ ْ‬‫سَراِئيَل ‪ِ -‬إّل َما َ‬
‫ل ِلَبِني ِإ ْ‬
‫حّ‬‫ن ِ‬ ‫طَعاِم َكا َ‬‫ولو تمعّنا في هذه الية ) ُكّل ال ّ‬
‫ل(‪،‬‬ ‫ن )‪ 93‬آل عميران ( ونظيرت فيي قيوله تعيالى ) ُتَنيّز َ‬ ‫صفاِدِقي َ‬
‫ن ُكْنُتفْم َ‬‫الّتْوَراُة ‪ُ -‬قْل َففْأُتوا ِبففالّتْوَراِة َفاْتُلوَهففا ِإ ْ‬
‫لوجدت أن التنزيل غير النزال ‪ ،‬فالول على مراحل والثاني لمرة واحدة ‪ ،‬ومن ثييم انتقلنييا إلييى سييورة النعييام ‪،‬‬
‫سففى‬‫عَلْيُكْم … )‪ُ = (153) … (152) … (151‬ثفّم = آَتْيَنففا ُمو َ‬ ‫حّرَم َرّبُكْم َ‬ ‫وتدبرنا اليات ) ُقْل َتَعاَلْوا َأْتُل َما َ‬
‫ن )‪ 154‬النعييام (‬ ‫حَمفًة َلَعّلُهفْم ِبِلَقففاِء َرّبِهفْم ُيْؤِمُنففو َ‬
‫يٍء َوُهفًدى َوَر ْ‬‫ش ْ‬
‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬‫ن َوَتْف ِ‬ ‫سَ‬ ‫ح َ‬‫عَلى اّلِذي َأ ْ‬ ‫ب َتَماًما َ‬ ‫اْلِكَتا َ‬
‫حّرم عليهم في التوراة ‪ ،‬وأن مجيء أداة العطف ) ُثّم ( بعد ذكيير مييا جيياء‬ ‫لوجدنا أن هذه اليات توضح ما كان قد ُ‬
‫ب ( بعييدها‬ ‫سى اْلِكَتا َ‬ ‫في التوراة مباشرة ‪ ،‬والتي تفيد لغًة الترتيب والتراخي في الزمن ‪ ،‬ومجيء العبارة ) آَتْيَنا ُمو َ‬
‫‪ ،‬يؤكد بما ل يدع مجال للشك أمرين ؛ الول ‪ :‬أن التوراة شيء يختلف عن كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬والثيياني ‪:‬‬
‫أنها سبقت كتاب موسى عليه السلم في النزول ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫م بين دفتيه جميع ما ُأنزل على أنبياء بني إسرائيل ‪:‬‬
‫التوراة كتاب يض ّ‬
‫والرجح أن التوراة ُأنزلت مفّرقة بدءًا من يعقوب أو إسحاق وانتهاًء بزكريا عليهم السلم ‪ ،‬وأنها مجمل ما ُأنييزل‬
‫على يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وبقية أنبيائهم ممن لم تذكر أسمائهم في القرآن ‪ ،‬قال تعييالى‬
‫ن ِمفف ْ‬
‫ن‬ ‫ي الّنِبّيو َ‬
‫سى َوَما ُأوِت َ‬
‫عي َ‬
‫سى َو ِ‬
‫ي ُمو َ‬
‫ط َوَما ُأوِت َ‬
‫سَبا ِ‬
‫ب َواَْل ْ‬
‫ق َوَيْعُقو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬ ‫عيَل َوِإ ْ‬
‫سَما ِ‬‫) َوَما ُأنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫ن )‪ 136‬البقرة ( ولحظ أن ترتيب أسماء النبييياء ‪ ،‬فييي هييذه الييية‬ ‫سِلُمو َ‬
‫ن َلُه ُم ْ‬‫حُ‬‫حٍد ِمْنُهْم َوَن ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫ق َبْي َ‬
‫َرّبِهْم َل ُنَفّر ُ‬
‫ن النزال شمل كل من إبراهيم وإسيماعيل وإسييحاق ويعقيوب‬ ‫جاء متعاقبا حسب الترتيب الزمني ‪ ،‬ولحظ أيضا أ ّ‬
‫صهما باليتاء ‪ ،‬وأفييرد النييبيين ميين غييير ذرييية‬ ‫والسباط وتوقف ‪ .‬وأفرد موسى وعيسى مع أنهم من السباط وخ ّ‬
‫إبراهيم باليتاء أيضا ‪ ،‬والظاهر أن هناك فرق بين النييزال واليتيياء ‪ ،‬وأمييا ماهييية السييباط فسيينبّينها فييي فصييل‬
‫آخر ‪.‬‬
‫ولو اطلعت على مجمل النصوص القرآنية ‪ ،‬لوجدت أن ما ُنسب إلى موسييى عليييه السييلم باليتيياء ‪ ،‬هييو الكتيياب‬
‫صا إلى موسى عليه السلم ‪ ،‬فييي أي‬ ‫والفرقان والهدى وضياء وذكر واللواح والصحف ‪ ،‬وأن التوراة لم تنسب ن ّ‬
‫موضع من المواضع ال )‪ (18‬في القرآن ‪ ،‬وهي ) ‪ 6‬مرات في آل عمران ‪ ،‬و ‪ 7‬مرات في المائدة ‪ ،‬ومرة واحدة‬
‫في كلٍ من العراف والتوبة والفتح والصف والجمعية ( وخلصية القيول أن ذكير التيوراة فيي القيران ُيقصيد بيه‬
‫الكتاب الذي كان بأيدي اليهود زمن نزول القرآن وحتى عصرنا هييذا ‪ ،‬والييذي مجمييل مييا ُأنييزل علييى أنبييياء بنييي‬
‫إسرائيل عليهم السلم ‪ ،‬وأن المقصود بذكر الكتاب المذكور في سورة السراء هو ما ُأنزل علييى موسييى وحييده ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪ .‬وأما ما ُينسب إلى موسى عليه السلم في التوراة الحالية ‪ ،‬فهي السفار الخمسيية الولييى ميين مجمييوع‬
‫أسفارها ‪ ،‬وهي أسفار التكوين والخروج واللويين والعدد والتثنية ‪ ،‬وعلى الرجح أن بعض هذه السييفار كسييفر‬
‫التكوين ‪ ،‬كان موجودا قبل موسى عليه السلم ‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون هذا السفر هييو مجمييوع صييحف إبراهيييم‬
‫وإسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬

‫حقيقة التوراة على لسان المقدسي ‪:‬‬

‫ي ‪ ،‬ميا نصييه ‪:‬‬‫ي ‪ ،‬ما نصه ‪ " :‬جاء في كتاب ) البيدء والتارييخ ( للمقدسي ّ‬ ‫جاء في كتاب ) البدء والتاريخ ( للمقدس ّ‬
‫وذلك أن ) بختنصر ( لما خرب بيت المقدس وأحرق التورية وساق بني إسرائيل إلى أرض بابل ‪ ،‬ذهبت التييوراة‬
‫من أيديهم حتى جّددها لهم عزير فيمييا يحكييون ‪ ،‬والمحفييوظ عيين أهييل المعرفيية بالتواريييخ والقصييص أن عزيييرا‬
‫) عزرا الكاتب ( أملى التوراة في آخر عمره ‪ ،‬ولم يلبث بعدها أن مات ودفعها إلى تلميذ من تلمذته ‪ ،‬وأمره بأن‬
‫يقرأها على الناس بعد وفاته ‪ ،‬فعن ذلك التلميذ أخذوها ودونوها ‪ ،‬وزعموا أن التلميذ هو الييذي أفسييدها وزاد فيهييا‬
‫وحرفها ‪ ،‬فمن ثم وقع التحريف والفساد في الكتاب وُبّدلت ألفاظ التوراة ‪ ،‬لنها من تأليف إنسان بعييد موسييى لنييه‬
‫يخبر فيها عما كان من أمر موسى عليه السلم ‪ ،‬وكيف كييان ميوته ووصيييته إلييى يوشييع بين نييون ‪ ،‬وحييزن بنييي‬
‫إسرائيل وبكاؤهم عليه ‪ ،‬وغير ذلك مما ل يشكل على عاقل أنه ليس من كلم ال عز وجل ول من كلم موسييى ‪،‬‬
‫وفي أيدي السامرة توراة مخالفة للتوراة التي في أيدي سائر اليهود ‪ ،‬في التواريخ والعياد وذكر النبيياء ‪ ،‬وعنيد‬
‫النصارى توراة منسوبة إلى اليونانية ‪ ،‬فيها زيادة في تواريخ السنين على التورية العبرانييية ‪ ،‬بييألف وأربييع مييائة‬
‫سنة ونيف ‪ ،‬وهذا كله يدل على تحريفهم وتبديلهم ‪ ،‬إذ ليس يجوز وجود التضاد فيها من عند ال " انتهى ‪.‬‬
‫أما ما دفعني للبحث في أمر التوراة في البداية ‪ ،‬هو رغبتي في استخراج نص النبوءة منها ‪ ،‬ومقييارنته مييع نييص‬
‫سورة السراء ‪ ،‬واستقراء تاريخهم حسب ما يروونه هم بأنفسهم ‪ ،‬فيما إذا كان هناك ما يفيد تحقق الوعد الول ‪،‬‬
‫من خلل البحث في التوراة الحالية ‪ ،‬والموجودة تحت اسم العهد القديم ‪ ،‬في الكتاب المقدس الخاص بالنصارى ‪،‬‬
‫ي نسختين عنه واحدة باسم )كتاب الحياة ‪ /‬ترجمة تفسيرية ‪ /‬ط ‪ / 1988 2‬جي سي سنتر القاهرة‬ ‫حيث توفرت لد ّ‬
‫( وتقع في )‪ (1128‬صفحة ‪ ،‬وأخرى باسم ) الكتاب المقدس ‪ /‬دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط ( وتقع فييي‬
‫) ‪ ( 1358‬صفحة مترجمة عن التوراة اليونانية ‪ ،‬وبما أن عدد الصفحات كبير جدا ‪ ،‬ومن المؤكييد أن هييذا النييص‬
‫قد اعتراه الكثير من التحريف والتزوير من إضافة ونقص ‪ ،‬فهو يحتاج إلى قراءة مركزة ومتأنية من اللييف إلييى‬
‫الياء ‪ ،‬مما يتطلب الكثير من الوقت والجهد ‪ ،‬فضل عما ُتصاب به من دوار كلما حاولت أن تستجمع ما ورد فيها‬
‫‪ ،‬من أفكار مشتتة ومضّللة ‪ ،‬ولما فيها من إسهاب وإطالة وتكرار ‪ ،‬لذلك كان ل بد لي من تحديد على من ُأنزلييت‬

‫‪81‬‬
‫هذه النبوة ‪ ،‬وما هو المقصود بقوله سبحانه ) في الكتاب ( على وجه الدقة وفييي أي فييترة زمنييية ُأنزلييت ‪ ،‬لتكييون‬
‫عملية البحث فيها أقل جهدا ‪ ،‬وعند بحثي عنها فيما ُنسب إلى موسييى عليييه السييلم ميين أسييفار وجييدتها فييي سييفر‬
‫التثنية ‪ ،‬وقد اعتراها الكثير من التشويه من حذف وإضافة ‪ ،‬وفيما يلي بعض ميين بقايييا نصوصييها الييتي تييوزعت‬
‫على مدى ) ‪ 18‬صفحة ( ‪:‬‬

‫سللفر التثنيللة آخللر السللفار المنسللوبة لموسللى ‪ ،‬ويضللم فللي‬


‫ثناياه نصوص نبوءة السراء ‪:‬‬
‫ملحظة ‪ :‬النص مأخوذ من نسخة ) كتاب الحييياة ( حيييث أن الييتركيب اللغييوي فيهييا أكييثر قييوة وتعييبيرا ‪ ،‬إل فييي‬
‫مواضع نادرة نلجأ فيها للخذ من النسخة الخرى ) الكتاب المقدس ( وهييو مييا يييرد بييين ] … [ ‪ ،‬ومييا يييرد بييين‬
‫) … ( فهو تعقيب من المؤلف ‪.‬‬

‫دوِنللي‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل أ َّل ت َت ّ ِ‬
‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫دى ل ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫عل َْناهُ ُ‬
‫ه ً‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب َ‬ ‫مو َ‬
‫ءات َي َْنا ُ‬
‫و َ‬
‫) َ‬
‫كيًل )‪ 2‬السراء (‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫" إصحاح ‪ :26‬آية ‪ :16‬لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ‪ ،‬أن تعملوا بهذه الفرائض والحكيام ‪ ،‬فييأطيعوا واعمليوا‬
‫بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪ … :17 ،‬وأن عليكم طاعة جميع وصاياه ‪ :19،‬فيجعلكم أسمى من كل المييم‬
‫] مستعليا على جميع القبائل [ التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ‪ ) ،‬العلو ( ‪. " … ،‬‬

‫إخبار موسى عليه السلم بنص النبوءة كان قبل دخولهم إلى الرض المقدسة ‪:‬‬

‫‪ " :1-9 :27‬وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلين ‪ :‬أطيعوا جميع الوصايا التي أنييا أمركييم بهييا اليييوم ‪.‬‬
‫فعندما تجتازون نهر الردن ‪ ،‬إلى الرض التي يهبهييا الييرب إلهكييم لكييم ‪ ،‬تنصييبوا لنفسييكم حجييارة كييبيرة ‪… ،‬‬
‫وتكتبون عليها جميع كلمات هذه الشريعة ‪ … ،‬ثم قال موسى والكهنة واللويون لجميع شعب إسرائيل " ‪:‬‬
‫سفر الخروج ‪ :2 : 20 " :‬أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ديار عبوديتك ‪ :3 ،‬ل يكن لك آلهيية‬
‫أخرى سواي ‪ :4 ،‬ل تنحت لك تمثال ول صورة ‪ :5 ، … ،‬ل تسجد لهن ول تعبييدهن ‪ :7 ، … ،‬ل تنطييق باسييم‬
‫الرب باطل ‪ :12 ، … ،‬أكرم أباك وأمك ‪ :13 ، … ،‬ل تقتل ‪ :14 ،‬ل تزن ‪ :15 ،‬ل تسرق ‪ :16 ،‬ل تشهد على‬
‫قريبك شهادة زور ‪ :17 ،‬ل تشته بيت جارك ‪ ، … ،‬ول شيئا مما له " ‪.‬‬
‫وهذا ما ُيسّمونه بالوصايا العشر ‪ ،‬واخترت النص من سفر الخروج ‪ ،‬كونه أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ‪ ،‬حيث‬
‫ورد نص الميثاق والوصايا في والبقرة ) ‪ ( 84 – 83‬والنعام ) ‪ ( 153 – 151‬والسراء ) ‪. ( 39 – 22‬‬
‫ْ َ‬ ‫ب ل َت ُ ْ‬
‫ن‬
‫مّرت َي ْل ِ‬
‫ض َ‬
‫فللي الْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫س لد ُ ّ‬
‫ف ِ‬ ‫فللي ال ْك ِت َللا ِ‬‫ل ِ‬ ‫ضي َْنا إ ِل َللى ب َن ِللي إ ْ‬
‫سللراِئي َ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬
‫) َ‬
‫َ‬
‫وا كِبيًرا )‪ 4‬السراء (‬ ‫ُ‬
‫عل ّ‬‫ن ُ‬ ‫ُ‬
‫عل ّ‬ ‫َ‬
‫ولت َ ْ‬‫َ‬
‫" ‪ :16-21 :31‬و قال الرب لموسى ‪ :‬ما إن تموت وتلحق بآبائك ) مستقبل ( … حالما أدخلهم إلى الرض التي‬
‫تفيض لبنا وعسل ‪ ، … ،‬فيأكلون ويشبعون ويسمنون ‪ ،‬فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ويعبدونها ويزدرون بييي‬
‫وينكثون عهدي ‪ .‬فيحتدم غضبي عليهم في ذلك اليوم ‪ ،‬وأنبذهم وأحجب وجهييي عنهييم ‪ ،‬فيكونييوا فريسيية ‪:، … ،‬‬
‫فمتى حّلت بهم شرور كثيرة ومصائب جّمة ‪ ،‬يشهد هذا النشيد عليهم ‪ ،‬لنه سيظل يترّدد علييى أفييواه ذرّيتهييم ‪ ،‬إذ‬
‫أنني عالم بخواطرهم التي تدور بخلدهم الن ‪ ،‬قبل أن ُأدخلهم إلى الرض كما ] أقسمت [ " ‪ ) .‬وهذا يعني أن ال‬
‫أخبرهم من سابق علمه بما سيكون منهم بعد دخولهم للرض المقّدسة (‬
‫م ِل َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م )‪ 7‬السراء (‬ ‫ف ِ‬ ‫سن ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫سن ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫) إِ ْ‬
‫" ‪ :1-13 :28‬وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ‪،‬حرصا منكم على تنفيذ جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم‬
‫أسييمى ميين جميييع أمييم الرض ‪ .‬وإذا سييمعتم لصييوت الييرب إلهكييم ‪ ،‬فييإن جميييع هييذه البركييات تنسييكب عليكييم‬
‫‪82‬‬
‫لت أرضكم ‪ ،‬ونتاج بهائمكم ‪ ،‬ويهزم الرب أمييامكم أعييدائكم القييائمين‬ ‫وتلزمكم ‪ ، … ،‬كما تتبارك ُذّرّيتكم ‪ ،‬وغ ّ‬
‫طيرق ‪ ،‬فيفتيح اليرب كنيوز سيمائه‬ ‫عليكم ‪ ،‬فيقبلون عليكم فيي طرييق واحيدة ‪ ،‬ولكّنهيم ُيوّليون الدبيار فيي سيبع ُ‬
‫الصالحة ‪ ،‬فيمطر على أرضكم في مواسمها ‪ ،‬وُيبارك كل ما تنتجه أيديكم ‪ ، … ،‬فإّنه يجعلكم رؤوسيا ل أذنابيا ‪،‬‬
‫متسامين دائما ) علو ( ‪ ،‬ول ُيدرككم انحطاط أبدا ) ذّلة ( … " ‪ ) .‬مثوبة الصلح (‬
‫) وإ ن أ َ ْ‬
‫فل َ َ‬
‫ها )‪ 7‬السراء (‬ ‫م َ‬
‫سأت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫" ‪ 15 :28‬ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكم ‪ ،‬ولم تحرصوا على العمل بجميع وصاياه وفرائضيه ‪ ،‬اليتي أنيا‬
‫لت أرضييكم ‪،‬‬ ‫ل اللعنيية بأبنييائكم ‪ ،‬وغ ّ‬
‫آمركم اليوم بها ‪ ،‬فإن جميع هذه اللعنات تحييل بكييم وتلزمكييم ‪ ، … ،‬وتحي ّ‬
‫ب عليكييم اللعنيية والفوضييى والفشييل ‪ ،‬حييتى تهلكييوا وتفنييوا سييريعا لسييوء أفعييالكم إذ‬
‫ب اليير ّ‬
‫ونتاج بهائمكم ‪ ،‬ويص ّ‬
‫تركتموني ‪ ،‬ويتفشى بينكم الوباء حتى ُيبيدكم ‪ ،‬وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ‪ ،‬والرض من تحتكم كالحديييد‬
‫ب أمام أعدائكم ‪ ،‬فتقبلون عليهم في طريق واحدة ‪ ،‬وتولون الدبار أمامهم متفرقين فييي سييبع‬ ‫‪ :25 ،‬ويهزمكم الر ّ‬
‫طرق ‪ ،‬وتصبحون عبرة لجميييع ممالييك الرض ‪ :26 ،‬وتكييون جثتكييم طعامييا ‪ ،‬لجميييع طيييور السييماء ووحيوش‬
‫الرض ‪ ،‬ول يطردها أحد ] وليس من يزعجها [ ‪ :28 ،‬ويبتليكم الرب بالجنون والعمى وارتباك الفكير ] وحييرة‬
‫سس العمييى فييي الظلم ‪ ،‬وتبييوء طرقكييم بالخفيياق ‪ ،‬ول‬ ‫سسون طرقكم في الظهر ‪ ،‬كما يتح ّ‬ ‫القلب [ ‪ :29 ،‬فتتح ّ‬
‫تكونون إل مظلومين مغصوبين كل اليام ‪ :32 ،‬يساق أولدكم وبناتكم إلى أمة أخرى … وما في أيييديكم حيليية ‪،‬‬
‫… ‪ :36 ،‬ينفيكم الرب أنتم وَمِلككم إلى أمة أخرى ‪ ،‬ل تعرفونها أنتييم ول آبيياؤكم ‪ :37 ، … ،‬وتصييبحون مثييار‬
‫دهشيية وسييخرية وعييبرة فييي نظيير جميييع الشييعوب ‪ ] :43 ، … ،‬الغريييب الييذي فييي وسييطك ‪ ،‬يسييتعلي عليييك‬
‫متصاعدا ‪ ،‬وأنت تنحط متنازل [ ) عودة الذل وزوال العلو ( ‪ ، … :44 ،‬وهم يكونون رؤوسًا وأنتم تكونون ذنبا‬
‫" ‪ ) .‬عقوبة الفساد (‬

‫النصوص الخاصة بالمرة الولى ‪:‬‬

‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عَبا ً َ‬ ‫عدُ ُأوَل ُ‬


‫سللوا‬
‫جا ُ‬ ‫د َ‬
‫ف َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫س َ‬
‫شل ِ‬ ‫دا لَنا أول ِللي ب َلأ ٍ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫عث َْنا َ‬
‫ما ب َ َ‬
‫ه َ‬ ‫و ْ‬ ‫جاءَ َ‬‫ذا َ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫ر … )‪ 5‬السراء (‬ ‫ل الدَّيا ِ‬‫خَل َ‬‫ِ‬
‫ض عليكييم كالنسيير ‪ :50 ،‬أّميية ] جافييية‬
‫" ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ‪ ،‬من أقصى الرض ‪ ،‬فتنقي ّ‬
‫الوجه [ يثير منظرها الرعب ‪ ،‬ل تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل ‪ ) ،‬صفة البأس الشديد ( ‪ :51‬فتستولي على نتاج‬
‫ق لييك قمحييا ول خمييرا ول زيتييا ‪ … ،‬حييتى تفنيييك ‪:52 ،‬‬ ‫بهييائمكم ‪ ،‬وتلتهييم غلت أرضييكم حييتى تفنييوا ‪ ،‬ول ُتبي ِ‬
‫وتحاصركم في جميع مدنكم ‪ ،‬حتى تتهدم أسيواركم الشييامخة الحصييينة ‪ ،‬الييتي وثقتييم بمناعتهييا ‪ ) ، … ،‬الجييوس‬
‫خلل الديار ( ‪ :58‬فإن لم تحرصوا على العمل بجميع كلمات هذا الشريعة المكتوبة في هييذا الكتيياب ‪:59 ، … ،‬‬
‫س يّر‬
‫فإن الرب يجعل الضربات النازلة بكم وبذّريتكم ‪ ،‬ضربات مخيفة وكوارث رهيبيية دائميية ‪ :63 ، … ،‬وكمييا ُ‬
‫الرب بكم ‪ ،‬فأحسن إليكم وكّثركم ‪ ،‬فإنه سُيسّر بأن يفنيكم ويهلككم فتنقرضييون ] فتستأصييلون [ ميين الرض الييتي‬
‫أنتم ماضون إلى امتلكها ‪ :64 ،‬ويشّتتكم ] ويبددكم [ الرب بين جميع المم ‪ ،‬من أقصييى الرض الييى أقصيياها ‪،‬‬
‫… ) الشتات في كافة أرجاء الرض ( ‪ :65‬ول تجدون بين تلك المم اطمئنانا ول مقّرا لقدم ‪ ،‬بل يعطيكييم الييرب‬
‫قلبا هلعا ‪ ،‬وعيونا أوهنها الترقب ‪ ،‬ونفوسا يائسيية ) الذليية والمسييكنة بييين المييم ( ‪ :66 ،‬و تعيشييون حييياة مفعميية‬
‫بالتوتر ‪ ،‬مليئة بالرعب ليل و نهارا " ‪.‬‬

‫سم ولمرتين ) تكرار للنص السابق مع السهاب ( ‪:‬‬


‫ق َ‬
‫النبوءة جاءت ب ِ َ‬

‫‪ 1 :29‬وهذه هي نصوص العهد ‪ ،‬الذي أمر الرب موسى ‪ ،‬أن يقطعه مع بني إسرائيل في سهول موآب ‪ ،‬فضييل‬
‫عن العهد الذي قطعه معهم في حوريب ‪ :2 ،‬ودعا موسى جميع إسرائيل ‪ 4 :29 ، … ،‬و لكن اليرب ليم يعطكيم‬
‫حتى الن ‪ ،‬قلوبا لتعوا ] لتفهمييوا [ وعيونييا لتبصييروا و أذانييا لتسييمعوا ‪ :9 ، … ،‬فييأطيعوا نصييوص هييذا العهييد‬
‫واعملوا بها ‪ ] ،‬لكي تفلحوا في كل ما تفعلون [ ‪ :14 ، … ،‬ولست أقطع هذا العهييد وهييذا القسييم معكييم وحييدكم ‪،‬‬
‫‪ :15‬بل … ُأبرمه أيضا مع الجيال القادمة ) حيث سيقع منهم الفساد مّرتين مسييتقبل ( ‪ :18 ، … ،‬فاحرصييوا‬
‫‪83‬‬
‫صل فيه الشّر ‪ ،‬فيحمل ثمرا علقما ساّما ‪ :19 ،‬فإن سمَع كلم هذا الَقسييم يسييتمطر بركيية‬
‫أن ل يكون بينكم ‪ ،‬من تأ ّ‬
‫على نفسه ) أي يزّكيي نفسييه ( قييائل ‪ :‬سيأكون آمنيا ‪ ،‬حيتى وليو أصييررت علييى السييتمرار فييي سيلوك طريقييي‬
‫) الصرار على المعصية ( ‪ ،‬إن هذا ُيفضي إلى فناء الخضر واليابس ‪ ،‬على حد سواء ‪ :20 ،‬إن الرب ل يشيياء‬
‫الرفق بمثل هذا النسان ‪ ،‬بل يحتدم غضبه وغيرته عليه ‪ ،‬فتنزل به كل اللعنات المدّونة في هذا الكتاب ‪ ،‬ويمحييو‬
‫اسمه من تحت السماء ‪ :22 ،‬فيشاهد أبناؤكم من الجيال القادمة ‪ ،‬والغرباء الوافدون من أرض بعيدة ‪ ،‬بليا تلك‬
‫الرض ‪ :23 ، … ،‬إذ تصبح جميع الرض كبريتا محترقة ل زرع فيها ‪ ، … ،‬كانقلب سدوم ) قييوم لييوط ( ‪،‬‬
‫ظ عظيييم ‪،‬‬
‫ط وغيي ٍ‬ ‫ب وسييخ ٍ‬‫التي قلبها الرب من جراء غضبه وسخطه ‪ :28 ، … ،‬واجتّثهم ميين أرضييهم ‪ ،‬بغضي ٍ‬
‫وطّوح بهم إلى أرض أخرى ) السبي والشتات ( ‪. " … ،‬‬

‫النصوص الخاصة بالمرة الثانية ‪:‬‬

‫فا )‪ 104‬السراء (‬ ‫م لَ ِ‬
‫في ً‬ ‫جئ َْنا ب ِك ُ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫عدُ اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫و ْ‬
‫جاءَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ َ‬

‫ل بكم هذه البركات واللعنات ) تحقق الوعد الول من علو وإفساد وعقاب ( كلها التي وضعتها‬ ‫‪ 1 :30‬وعندما تح ّ‬
‫ُنصب أعينكم ‪ ،‬ورّددتموها في قلوبكم بين المم ‪ ،‬حيث شّتتكم الييرب إلهكييم ‪ :2 ،‬ورجعتييم إلييى الييرب إلهكييم أنتييم‬
‫وبنوكم ‪ :3 … ،‬فإن الرب إلهكم يرّد سبيكم ويرحمكم ‪ ،‬ويّلم شتاتكم من بين جميع الشييعوب ‪ ،‬الييتي نفيياكم الييرب‬
‫إلهكم إليها ‪… ،‬‬

‫م أ َك ْث َلَر‬
‫عل ْن َللاك ُ ْ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬
‫ن َ‬
‫وب َِني ل َ‬
‫ل َ‬
‫وا ٍ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫م لدَدَْناك ُ ْ‬
‫م ب ِلأ ْ‬
‫عل َيه لم َ‬
‫م ال ْك َّرةَ َ ْ ِ ْ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫م َردَدَْنا ل َك ُ ُ‬ ‫) ثُ ّ‬
‫فيًرا )‪ 6‬السراء (‬ ‫نَ ِ‬
‫‪ :5 :30‬ويعيدكم إلى الرض التي امتلكها آباؤكم فتمتلكونها ‪ ،‬ويحسن إليكم ويكّثركم أكثر من آبائكم ‪ :7 :30 ،‬و‬
‫ُيحّول الرب إلهكم كل هذه اللعنات ) العقاب الذي سيكون قد نزل بهم فييي المييرة الولييى ( علييى أعييدائكم ‪ ،‬وعلييى‬
‫مبغضيكم الذين طردوكم ) الذين أنزلوا بهم العقاب اللهي في المرة الولى ( ‪ 8 :30 ،‬و أما أنتم فتطيعون صوت‬
‫الرب من جديد ) في المرة الثانية ( ‪ ،‬وتعملون بجميع وصاياه التي أنا أوصيكم بها اليوم ‪ :9 ،‬فيفيض الرب عليكم‬
‫خيرا ‪ ،‬في كل عمل ميا تنتجيه أييدكم ‪ ،‬ويكّثير ثميرة أحشيائكم ‪ ،‬ونتياج بهيائمكم ‪ ،‬أرضيكم ‪ ) … ،‬وكيل ميا تقيدم‬
‫مشروط بالحسان (‬
‫فسك ُم وإن أ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فل َ َ‬
‫ها ) ‪ 7‬السراء ( ) تكرار (‬ ‫م َ‬
‫سأت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫م ِل َن ْ ُ ِ ْ َ ِ ْ‬
‫سن ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫سن ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫) إِ ْ‬
‫‪ :10 :30‬هذا إن سمعتم لصوت الرب إلهكم ‪ ،‬وحفظتم وصاياه وفرائضه المدّونة في كتاب الشييريعة هييذا ‪ ) ،‬أي‬
‫طهييا أحبييارهم وكهنتهييم ( ‪ ،‬وإن رجعتييم إلييى الييرب‬ ‫تعاليم شريعة موسى في التوراة ‪ ،‬وليس تعاليم التلمود التي خ ّ‬
‫إلهكم ‪ ،‬من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪ :11 ،‬إن ما أوصييكم بيه اليييوم مين وصييايا ‪ ،‬ليسيت متعيّذرة عليكييم ول‬
‫بعيدة المنال ‪ :15 ، … ،‬انظروا ‪ :‬ها أنا قد وضييعت أمييامكم اليييوم ‪ ،‬الحييياة والخييير والمييوت والشيير ‪… :16 ،‬‬
‫أوصيتكم اليوم أن ُتحّبوا الرب إلهكم ‪ ،‬وأن تسلكوا في طرقه ‪ ،‬وتطيعوا وصاياه وفرائضه وأحكامه ‪ ،‬لكييي تحيييوا‬
‫وتنمو ‪ ،‬فيبارككم الرب ‪ ،‬في الرض التي أنتم ماضون إليها لمتلكها ‪ :17 ،‬ولكن إن تحّولت قلوبكم ولم تطيعوا‬
‫‪ ،‬بل غويتم وسجدتم للهة أخرى وعبييدتموها ‪ :18 ،‬فييإني أنييذركم ] ُأنّبئكييم [ اليييوم أنكييم ل محاليية هييالكون ‪ ،‬ول‬
‫تطول اليام على الرض ) أي مقامكم ( التي أنت عابر ) نهر ( الردن لتدخلها وتمتلكها …‬
‫‪ :19‬ها أنا ُأشهد عليكم اليوم السماء والرض ‪ ،‬قد وضييعت أمييامكم الحييياة والمييوت ) أي وضييحت لكييم طريييق‬
‫النجاة وطريق الهلك ‪ ،‬واستبدالها بكلمتي الحياة والموت من خلل النقل أو التحريف ‪ ،‬ترّتب عليييه إنكييار الحييياة‬
‫الخرة ‪ ،‬واليوم الخر من بعث وحساب ‪ ،‬فالجزاء عندهم دنيوي فقط ‪ ،‬فالثواب هو إطاليية الحييياة ‪ ،‬والعقيياب هييو‬
‫قصرها ( ‪ ،‬البركة واللعنة ) أي الجزاء في الدنيا ( ‪ ،‬فاختاروا الحياة ) أي الشريعة ( لتحيوا ) لتنجييوا ميين عييذاب‬
‫سكون به لنه هو حييياتكم ) أي‬ ‫الدنيا والخرة ( أنتم ونسلكم ‪ :20 ،‬إذ تحّبون الرب إلهكم و تطيعون صوته ‪ ،‬وتتم ّ‬

‫‪84‬‬
‫نجاتكم ( والذي ُيطيل أيامكم لتسييتوطنوا ] لكييي تسييكنوا [ الرض الييتي حلييف الييرب لبييائك ‪ ،‬إبراهيييم وإسييحاق‬
‫ويعقوب أن يعطيها لكم ‪.‬‬

‫الدخول أول مرة كان بحبل من الله ‪:‬‬

‫‪ :1 :31‬ومضى موسى يقول لبني إسرائيل ‪ … :2 :‬وقد قال لي الرب ‪ :‬ليين تعييبر هييذا الردن ) المقصييود نهيير‬
‫الردن ( ‪ :3‬ولكن الرب إلهكم هو عابر أمامكم ‪ ،‬وهو يبيد تلك المم من قّدامكم فييترثونهم ‪ ] :6 ، … ،‬تش يّددوا [‬
‫جعوا ‪ ،‬ل تخشونهم ول تجزعوا منهم ‪ ،‬لن الرب إلهكم سائر معكم ‪ ،‬ل يهملكم ول يترككم ‪.‬‬ ‫وتش ّ‬

‫حتمية إفسادهم وعقابهم في المرة الثانية ‪:‬‬

‫ي جميع شيوخ أسباطكم و عرفاءكم ) النقباء ( ‪ ،‬لتلو على مسييامعهم هييذه الكلمييات ‪ ،‬وأشييهد‬‫‪ 28 :31‬اجمعوا إل ّ‬
‫عليهم السماء والرض ‪ :29 ،‬لنني واثق أنكم بعد موتي ‪ ،‬تفسدون وتضلون عن الطريق الييذي أوصيييتكم بهييا ‪،‬‬
‫فيصيبكم الشّر في آخر اليام ) المرة الثانية تكون آخر الزمان ( ‪ ،‬لنكم تقترفون الشر أميام اليرب ‪ ،‬حيتى تيثيروا‬
‫غيظه بما تجنيه أيديكم ‪ :30 ،‬فتل موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل ] بكلمات [ هذا النشيد ‪… ،‬‬

‫كيًل )‪ 2‬السراء (‬
‫و ِ‬
‫دوِني َ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫) أ َّل ت َت ّ ِ‬
‫خ ُ‬

‫جدوا عظمة إلهنا ‪ :4 ،‬هو الصخر ) الوكيل ( ] الكامل صنيعه [ ‪ ،‬سبله جميعها عدل‬ ‫‪ :3 :32‬باسم الرب أدعو فم ّ‬
‫‪ ،‬هو إله أمانة ل يرتكب جورا ‪ ،‬صديق وعادل هو ‪ :5 ،‬لقد اقترفوا الفساد أمامه ‪ ،‬ولم يعودوا له أبناء ‪ ،‬بل لطخة‬
‫ي ‪ ،‬أليييس هييو أبيياكم وخييالقكم ‪،‬‬‫عار ‪ ،‬إنهم جيل أعوج وملتو ‪ :6 ،‬أبهذا تكافئون الرب ‪ ،‬أيها الشعب الحمق الغييب ّ‬
‫الذي عملكم وخلقكم ‪ :7 ،‬اذكروا اليام الغابرة ‪ ،‬وتأملوا في سنوات الجيال الماضية ‪ ،‬اسييألوا آبييائكم فينييبئوكم ‪،‬‬
‫ش ‪ ،‬فأحياط بهيم ورعياهم وصيانهم ‪… :12 ،‬‬ ‫جَدهم في أرض قفٍر وفي خلء موح ٍ‬ ‫وشيوخكم فيخبروكم ‪َ :10 ،‬و َ‬
‫وحده قاد شعبه ‪ ،‬وليس معه إله غريب ) أي آخر ( ‪ :13 ،‬أصعدهم على هضاب الرض ‪ ،‬فأكلوا ثمار الصحراء‬
‫‪ ،‬وغّذاهم بعسل من حجر ‪ ،‬وزيتا من حجر الصّوان ‪ ،‬و … و …‬

‫الدخول الثاني كان بحبل من الناس ‪ ،‬إذ ل حاجة بهم إلى الله ‪:‬‬

‫‪ :15‬فسمن بنو إسرائيل ورفسوا ‪ ،‬سمنوا وغلظوا واكتسوا شحما ) كناية عن الترف ( ‪ ،‬فرفضييوا اللييه صييانعهم‬
‫وتنّكروا لصخرة خلصهم ‪ :16 ،‬أثاروا غيرته بآلهتهم الغريبة ‪ ،‬وأغاظوه بأصنامهم الرجسة ‪ :17 ،‬للهة غريبة‬
‫لم يعرفوها بل ظهرت حديثا ) المال والقوة والناس ( ‪ ،‬آلهة لم يرهبها آبيياؤهم ميين قبييل ‪ :18 ،‬لقييد نبييذتم الصييخر‬
‫الذي أنجبكم ونسيتم ال الذي أنشأكم ) وهذا حالهم وحال دولتهم الحالية ( ‪.‬‬
‫َ‬
‫ة … )‪7‬‬
‫مللّر ٍ‬ ‫خُلللوهُ أ ّ‬
‫و َ‬
‫ل َ‬ ‫جد َ ك َ َ‬
‫مللا دَ َ‬ ‫سلل ِ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ول َِيللدْ ُ‬ ‫هك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جللو َ‬
‫و ُ‬
‫ءوا ُ‬‫سللو ُ‬
‫) ل ِي َ ُ‬
‫السراء (‬

‫‪ :19‬فرأى الرب ذلك ورذلهم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه ‪ :20 ،‬وقال ‪ :‬سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون‬
‫مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولُد خونة ‪ ، … :21 ،‬لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ) أولي بييأس شييديد ( ‪،‬‬
‫وأغيظهم بأمة حمقاء ] أمة ل تفهمون لغتها [ ‪ :22‬فها قييد أضييرم غضييبي نييارا ‪ُ ،‬تحييرق حييتى الهاوييية السييفلى ‪،‬‬
‫لتها ‪ ،‬وتحرق أسس الجبييال ‪ :23 ،‬أجمييع عليهييم شييرورا ‪ ،‬وُأنفييذ سييهامي فيهييم ‪ :24 ،‬أجعييل‬ ‫وتأكل الرض وغ ّ‬
‫أنياب الوحوش ‪ ،‬مع حّمة زواحف الرض تنشب فيهم ‪ :25 ،‬يثكلهم سيف العدو فييي الطريييق ‪ ،‬ويسييتولي عليهييم‬
‫الرعب داخل الخدور ‪ ،‬فيهلك الفتى مع الفتاة ‪ ،‬والرضيييع مييع الشيييخ ) الجييوس الثيياني ( ‪ :26‬قلييت ‪ :‬أشيّتتهم فييي‬
‫زوايا الرض ‪ ،‬وأمحو من بين الناس ذكرهم ) أي في المييرة الولييى ( ‪ :27 ،‬لييول خييوفي ميين تبجييح العييدو ‪ ،‬إذ‬
‫ظمت ) أعداء بني إسرائيل ( وليس ما جرى من ِفعل الرب ‪.‬‬ ‫عُ‬
‫يظنون قائلين ‪ :‬إن يدنا قد َ‬

‫‪85‬‬
‫ة )‪ 7‬السراء (‬ ‫عدُ اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫و ْ‬
‫جاءَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ َ‬

‫‪ 28 :32‬إن بني إسرائيل أمة غبية ول بصيييرة فيهييم ) ل يعقلييون ول يفقهييون ( ‪ :29 ،‬لييو عقلييوا لفطنييوا لمييآلهم‬
‫وتأملوا في مصيرهم ‪ :32 ،‬إذ أن كرمتهم من كرمة سدوم ‪ ،‬ومن حقول عمورة ‪ ) ،‬تشيه إفسييادهم وإصييرارهم ‪،‬‬
‫بإفساد قوم لوط وإصرارهم ( وعنبهم ينضح سّما ‪ ،‬وعناقيدهم تفيض مرارة ‪ :33 ،‬خمرهم حّمة الفيياعي ‪ ،‬وسيمُ‬
‫الثعابين المميت ‪ 34 :32‬أليس ذلك مدخرا عندي ‪ ،‬مختوما عليه في خزائني ‪ :35 ،‬لي النقمة وأنا ُأجازي ‪ ،‬فييي‬
‫ل أقدامهم ‪ ،‬فيوم هلكهم بات وشيكا ‪ ،‬ومصيرهم المحتوم ُيسرع إليهم ‪ ) ،‬كلما‬ ‫الوقت المعين ) مجيء الوعد ( تز ّ‬
‫أمعنوا في الفساد كلما اقترب موعد هلكهم ( ‪.‬‬
‫عسى ربك ُ َ‬
‫مك ُ ْ‬
‫م … ) ‪ 8‬السراء (‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫) َ َ‬
‫" ‪ :36‬لن الرب يدين شعبه ) بني إسرائيل ( ويرأف بعبيده ‪ ،‬عندما يييرى أن قيّوتهم قييد اضييمحلت ) زالييت بعييد‬
‫المرة الثانية ( … " ‪.‬‬

‫وَل‬ ‫عن ْك ُل ْ‬
‫م َ‬ ‫ضلّر َ‬
‫ف ال ّ‬ ‫ن كَ ْ‬
‫شل َ‬ ‫فَل ي َ ْ‬
‫مل ِك ُللو َ‬ ‫ه َ‬
‫دون ِل ِ‬
‫ن ُ‬
‫مل ْ‬
‫م ِ‬
‫مت ُل ْ‬
‫ع ْ‬
‫ن َز َ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫) ُ‬
‫ق ِ‬
‫ويل )‪ 56‬السراء (‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬‫تَ ْ‬
‫ب لمساعدتكم وتبسط عليكم‬‫" ‪ 37 :32‬عندئذ يسأل الرب ‪ :‬أين آلهتهم ؟ أين الصخرة التي التجأوا إليها ؟ ‪ :38‬لته ّ‬
‫حمايتها ‪ :39‬انظروا الن ‪ :‬إني أنا هو وليس إله معي ‪ ،‬أنا أميت وأحيي ‪ ،‬أسحق وأشفي ول منقذ ميين يييدي ‪… ،‬‬
‫ي ‪ُ :42 ،‬أسييكر‬
‫ت به يدي للقضاء ‪ ،‬فإني أنتقم من أعييدائي وأجييازي مبغضي ّ‬
‫‪ :41‬إذا سننت سيفي البارق ‪ ،‬وأمسك ْ‬
‫سهامي بالدم ويلتهم سيفي لحما بدم القتلى والسبايا ‪ ،‬ومن رؤوس قواد العدو ) قادة إسرائيل ( … " ‪.‬‬

‫موسى عليه السلم ُيخبر بنص النبوءة قبل موته ‪:‬‬

‫" ‪ 45 :32‬وعندما انتهى موسى ‪ ،‬من تلوة جميع كلمات هذا النشيد على السييرائيليين ‪ :46 ،‬قييال لهييم ‪ :‬تييأّملوا‬
‫بقلوبكم في جميع الكلمات ‪ ،‬التي أنا أشهد عليكم بهيا الييوم ‪ ،‬لكيي توصييوا بهيا أولدكييم ‪ ،‬ليحرصييوا علييى العمييل‬
‫بكلمات هذه التوراة كلها ‪ :47 ،‬لنها ليست كلمات ل جدوى لكم منهيا ‪ ،‬إنهيا حيياتكم وبهيا تعيشيون طيويل ‪ ،‬فيي‬
‫الرض التي أنتم عابرون نهر الردن إليهييا لترثوهييا … ‪ :5 :34‬فمييات موسييى عبييد الييرب ‪ ،‬فييي أرض مييوآب‬
‫]حسب [ قول الرب " ‪.‬‬
‫نلحظ هنا أن النبوءة ‪ ،‬اعتراها بعض التشويه مين حيذف أو إضيافة أو تبيديل ‪ ،‬ولكنهيا حيافظت عليى خطوطهيا‬
‫العريضة ‪ ،‬ونلحظ أيضا أنها فصلت المرتين كل منهما على حدة ‪.‬‬

‫حيثيات نفاذ الوعد الول في السفار الخرى‬

‫التوراة كمرجع تاريخي غير موثوق به ‪:‬‬

‫جح كثير من الناقدين والباحثين الغربيون ‪ ،‬من الذين وضعوا التييوراة تحييت المجهيير ‪ ،‬كونهييا العهييد القييديم ميين‬
‫رّ‬
‫كتابهم المقدس ‪ ،‬أنها كتبت بأيدي بشر ‪ ،‬وذلك لما تحفل به من خرافات وأساطير ‪ ،‬ولتناقضييها مييع العهييد الجديييد‬
‫) النجيل ( ‪ ،‬وتناقضها مييع المنطييق والواقييع ‪ ،‬وتناقضييها أيضييا مييع المصييادر التاريخييية الخييرى فييي مواضييع‬
‫عديدة ‪ ،‬وُيجمع الكثير منهم أن كتابتها وجمعها قد تم بعد السبي البابلي ‪ ،‬وجاء القرآن ليكشف الكثير ميين أكاذيبهييا‬
‫طلعي عليها تبين لي أن من قام بإعادة كتابة التوراة ‪ ،‬هم أشخاص مشييبعون بمشيياعر‬ ‫وافتراءاتها ‪ ،‬ومن خلل ا ّ‬
‫الحقد والقهر والنقمة والرغبة في النتقام ‪ ،‬وكل هذه المشاعر موجهة بالترتيب نحو ‪:‬‬
‫ض‬
‫ل وعل ‪ ) ،‬يقولون أن يعقوب عليه السلم صرع ال في البرية ‪ ،‬واستطاع ال النجاة بع ّ‬ ‫‪ .1‬رب العزة ج ّ‬
‫يعقوب في فخذه ‪ ،‬فسبب له عرق النساء ‪ ،‬ومن أجل ذلك ل يأكل اليهود عرق النساء الييذي فييي الفخييذ ‪ ،‬سييفر‬
‫التكوين ‪ ، 32-24 :32‬ويقولون عنه سبحانه أنه كثير البكيياء وكييثير النييدم علييى مييا أنزلييه بشييعبه المقييدس ‪،‬‬
‫‪86‬‬
‫طييردوا منييه بل‬
‫ولذلك كانوا وما زالوا يعتقدون ‪ ،‬أن ال سيصلح خطأه معهم ‪ ،‬بإعادتهم إلييى وطنهييم ‪ ،‬الييذي ُ‬
‫ذنب أو خطيئة ‪ ،‬فالخطأ منسوب إلى ال ورسله وملئكته والشعوب المجاورة ‪ ،‬أما شعب ال المقّدس ‪ ،‬فليس‬
‫له خطيئة فهو حمل وديع ‪ ،‬وهذا نوع من السقاط النفسي ‪ ،‬لعظم الخطيئة ‪ ،‬وفداحة العقيياب الييذي وقييع منهييم‬
‫وبهم ( ‪.‬‬
‫‪ .2‬الرسل والنبياء ‪ ) ،‬يقولون أن موسى وهارون خانا الرب وسط الشعب التثنية ؛ ‪ ، 51-50 :32‬وهارون‬
‫هو الذي صنع العجل الذهبي ‪ ،‬الخروج ‪ ، 6-1 :32‬وداود ارتكب خطيئة الزنا مع زوجة الجندي ؛ صموئيل‬
‫الثاني ‪ ، 27-1 :11 ،‬وسليمان عبد آلهة أخرى ‪ ،‬وفعل الشّر في عينييي الييرب ‪ ،‬كمييا فعييل أبييوه ؛ ملييوك أول‬
‫‪. ( 8-1 :11‬‬
‫‪ .3‬الكنعانيون القدماء وورثتهم الجدد ) الفلسطينيون ( ‪ ) ،‬سفر التكوين ‪ :27-20 :9‬واشتغل نييوح بالفلحيية‬
‫ي أبيييه ‪ ،‬فخييرج‬‫عر ّ‬‫وغرس كرما ‪ ،‬وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته ‪ ،‬فشاهد حام أبو الكنعانيين ُ‬
‫وأخبر أخويه اللذين كانا في الخارج ‪ ،‬فأخذ سام ويافث ‪ ،‬رداءً ووضعاه على أكتافهما ‪ ،‬ومشيييا القهقييرى إلييى‬
‫داخل الخيمة ‪ ،‬وسترا عورة أبيهما من غير أن يستديرا بوجهيهما نحوه فُيبصييرا عييورته ‪ .‬وعنييدم أفيياق نييوح‬
‫من سكره ‪ ،‬وعلم ما فعله ابنه الصغير ‪ ،‬قال ‪ :‬ليكيين كنعييان ملعونييا ‪ ،‬وليكيين عبييد العبيييد لخييوته ‪ ،‬ثييم قييال ‪:‬‬
‫تبارك ال إله سام ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ‪ ،‬ليوسع ال ليافث ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ( ‪.‬‬
‫‪ .4‬الكلدانيون في بابل ‪ ،‬وورثتهم الجدد ) العراقيون ( ‪ ) ،‬وأحقادهم على بابل وأهلهييا ‪ُ ،‬أفييرد الحييديث عنهييا‬
‫في موضع آخر ( ‪.‬‬
‫‪ .5‬جميع شعوب الرض مييا عييدا اليهييودي الصييرف ‪ ) .‬والمثليية علييى ذلييك موجييودة فييي أسييفار موسييى ‪،‬‬
‫ونصوص التلمود ( ‪.‬‬
‫‪ .6‬سبط بنيامين الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫وكل مشاعر الحقد والرغبة في النتقام ممن ُذكروا أعله ‪ ،‬أفرغها الكتبة ) الكهنة والحكماء ( في كتابهم المقييدس‬
‫) التوراة ( ‪ ،‬فأعادوا جمعها ونسخها تحت وطأة انفعالت نفسية رهيبة ‪ ،‬وتمت فبركة جميع أسفارها بما يتناسييب‬
‫مع تلك المشاعر التي خلفها السبي البابلي في عقولهم وقلوبهم ‪ ،‬والتي كانت أكبر فاجعة ُأصيب بها بنو إسييرائيل‬
‫والكثر إيلما على مّر التاريخ ‪.‬‬
‫وقد تبين لي أن هناك تطويل وتكرار غير مبرر لنفس الحدث أو الموضييوع ‪ ،‬وأحيانييا يكييون هييذا التكييرار لنفييس‬
‫السفر كامل تحت مسميين ‪ ،‬مثل أسفار أخبار اليام وأخبار الملوك مع اختلف بسيط ‪ ،‬وأحيانا لنفييس الفقييرة فييي‬
‫جمعييت علييى القييل ميين مصييدرين مختلفييين ‪ ،‬وُأخييذت‬ ‫نفس السفر ‪ ،‬وهذا التكرار يدل على أن نصوص التييوراة ُ‬
‫جمعت في كتاب واحيد دون تفضييل نيص عليى آخير ‪ ،‬فالحيدث الواحيد أحيانيا يتكيّرر مرتيين‬ ‫النصوص منهما و ُ‬
‫وثلثة دون وجود فارق جوهري في المضمون ‪.‬‬
‫وبعد أن قمت بمطالعة التوراة بشكل ُمتكّرر تأكدت من هذه الحقيقة ‪ ،‬التي لم يكن قد تنّبه لهييا البيياحثون والناقييدون‬
‫حّرفت أكثر ميين الخييرى ‪،‬‬ ‫من قبل ‪ ،‬وهي أن التوراة قد جمعت فعل من نسختين ُمختلفين ‪ ،‬وأن إحدى النسختين ُ‬
‫وأن لغة كل منهما تختلف عن الخرى ‪ ،‬فغالبا ميا يكيون هنياك ُمسيّمين لنفيس الشيخص أو المكيان ‪ ،‬حيتى يخيال‬
‫للقارئ أنها أسماء لشخوص أو أماكن مختلفة ‪ ،‬وكمثال على ذلك إبرام وإبراهيييم ‪ ،‬وسيياراي وسييارة ‪ ،‬وصييحراء‬
‫سين وصحراء سيناء ‪ ،‬ومملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ‪ ،‬والسبي البابلي والسبي الشوري ‪ .‬وهييذا الرتبيياك الييذي‬
‫وقع فيه مؤلفو التوراة المتأخرون ‪ ،‬أثناء محاولة التوفيق بجمع ما جيياء فييي النسييختين ‪ ،‬تسييبب فييي هييذا العييرض‬
‫التأريخي المشّوه للوقائع ‪ ،‬مما أفقد التوراة مصداقيتها حتى للكثير من الباحثين اليهييود أنفسييهم ‪ ،‬ولكييل ميين بحييث‬
‫من علماء التنقيب والثار ‪ .‬ولكنها بقيت المرجع التاريخي الوحيد لتاريخ بني إسرائيل ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان تشعر بسخافة كتابها من سخافة أفكارها وأخبارها وسخافة تبريرها وتعليلها ‪ ،‬كقصة عرق‬
‫النساء وصراع يعقوب مع ال ‪ ،‬وفبركة قصة نوح وأولده أعله ‪ ،‬ناهيك عن ألفاظها البييذيئة الييتي أحيانييا تييترفع‬
‫عن كتابتها حتى الروايات الهابطة ‪ ،‬ورائحة اللحوم والدماء والخمور والمشاوي والهش والنييش … إلييى آخييره ‪،‬‬
‫وما يربط التوراة بالوحي هو ما يظهر في ثناياها من خطوط عريضة ‪ ،‬هي البقية الباقية اليتي سيلمت ميين أييديهم‬
‫‪87‬‬
‫رغما عن أنوفهم ‪ ،‬وهذا ل يعني أل نقرأ هييذا الكتيياب ‪ -‬بييل علييى العكييس تمامييا ‪-‬تيّوجب علييى المسييلمين قراءتييه‬
‫وقراءة التلمود أيضا منذ أمد بعيد وقراءة ما ُكتب فيهما من مؤلفات ناقدة ‪ ،‬لمعرفة العقلييية الييتي يفكيير بهييا هييؤلء‬
‫ولمعرفة ما يطمحون إليه ‪ ،‬والحقيقة أني ما كنت لقرأها وأقرأ ما ُكتب فيها من مؤلفات عديدة لول هذا البحث ‪.‬‬

‫مملكة شمالية ومملكة جنوبية ‪:‬‬

‫تقول السفار التاريخية في التوراة ‪ ،‬بيأن مملكية سيليمان انقسيمت بعيد ميوته إليى مملكيتين ‪ ،‬جنوبيية فيي القيدس‬
‫واسمها يهوذا ) القدس ( وهي الصل ‪ ،‬وشمالية واسمها إسرائيل ) نابلس ( وهي المنشقة ‪.‬‬

‫وصف فساد المملكة الشمالية ‪:‬‬

‫صيين يربعييام ) ملييك‬


‫يذكر كتبة التوراة أن المملكة الشمالية فسدت وأفسييدت ‪ ) ،‬ملييوك أول ‪ " ( 33-25: 12:‬وح ّ‬
‫ي ذهييب ‪،‬‬‫الشمالية ( مدينة شكيم ) نابلس ( ‪ ،‬في جبل أفرايم وأقام فيها ‪ ، … ،‬وبعييد المشيياورة سييبك الملييك عجلي ّ‬
‫ضييكم لمشييقة عظيميية ‪ ،‬فهييا هييي آلهتييك يييا إسييرائيل ‪ ،‬الييتي‬
‫وقال للشعب ‪ :‬إن الذهاب إلى أورشييليم للعبييادة ‪ ،‬يعر ّ‬
‫أخرجتك من ديار مصر " ‪.‬‬
‫وأما إفسادهم حسب ما يروونه هم عن أنفسهم ‪ ،‬فقد جاء في سفر الملوك الثاني ما نصييه ‪ :9 :17 ،‬وارتكييب بنييو‬
‫ق الييرب إلههييم ‪ :11 … ،‬واقييترفوا الموبقييات لغاظيية الييرب ‪ ،‬عابييدين‬ ‫إسرائيل فييي الخفيياء المعاصييي ‪ ،‬فييي حي ّ‬
‫ب عنهييا ‪ :13 … ،‬قييائل ‪ :‬ارجعييوا عيين طرقكييم الثيميية ‪ ،‬وأطيعييوا وصيياياي‬ ‫الصنام التي حّذرهم ونهيياهم اليير ّ‬
‫وفرائضي بمقتضى ‪ ،‬التي أوصيت آبائكم بتطبيقها ‪ … ،‬على لسان عبيدي النبياء ‪ :14 ،‬لكنهم أص يّموا آذانهييم ‪،‬‬
‫وأغلظوا قلوبهم كآبييائهم ‪ :16 … ،‬ونبييذوا جميييع وصييايا الييرب ‪ ، … :17 ،‬وتعيياطوا العرافيية والفييأل ) السييحر‬
‫والكهانة ( ‪ :22 … ،‬ولم يعدل السرائيليون عن ارتكاب جميييع خطايييا يربعييام ‪ ،‬بييل أمعنييوا فييي اقترافهييا ‪:23 ،‬‬
‫فنفى الرب إسرائيل من حضرته ‪ ،‬كما نطق على لسان جميع النبياء ‪ ،‬فسييبي السييرائيليون إلييى أشييور إلييى هييذا‬
‫اليوم ) أي اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ( ‪.‬‬

‫وصف فساد المملكة الجنوبية ‪:‬‬

‫وأما ما ُينسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ‪ ،‬فقد جاء في نفس السفر ما نصه ‪ :2 :21 " ،‬وارتكب الش يرّ‬
‫ب ‪ ،‬مقترفا رجاسات المم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ‪ ، … :3 ،‬وأقام مذابح البعييل ‪،‬‬ ‫ي الر ّ‬‫في عين ّ‬
‫ونصب تماثيييل عشييتاروت ) مدينيية بابلييية ( ‪ ،‬وسييجد لكييواكب السييماء وعبييدها ‪ :6 ،‬ولجييأ إلييى أصييحاب الجييانّ‬
‫والعّرافين ‪ ،‬وأوغل في ارتكاب الشّر ‪ :10 … ،‬ثم قال الرب على لسان عبيييده النبييياء ‪ :‬لن منسّييى ملييك يهييوذا‬
‫ل يهوذا … ‪ ، … :12 ،‬ها أنا أجلب شرا على أورشليم ويهييوذا ‪:13 ،‬ي …ي ‪،‬‬ ‫اقترف جميع هذه الموبقات ‪ ،‬وأض ّ‬
‫وأمسح أورشليم كما ّيمسح الطبق من بقايا الطعام ‪ :14 ،‬وأنبييذ شييعبي وأسييلمهم إلييى أيييدي أعييدائهم ‪ ،‬فيصييبحون‬
‫سى فسفك دم أبرياء كثيرين ‪ ،‬حتى مل‬ ‫غنيمة وأسرى لهم ‪ :15 ،‬لنهم ارتكبوا الشّر في عيني ‪ :16 … ،‬وزاد من ّ‬
‫أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ‪ ،‬فضل عن خطيئته التي استغوى بها يهوذا ‪. " … ،‬‬
‫وتخبر التوراة أن الحروب استمرت بين المملكتين ‪ ،‬واستعانة المغلوب بالقوام المجيياورة علييى الخيير ‪ ،‬إلييى أن‬
‫جاء الغزو الشوري وسبى المملكة الشمالية ‪ 721‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫ي الرب ) حسب قيولهم ( ‪ ،‬وفيي عهيد المليك يهويياقيم ‪ ،‬هياجم‬ ‫وتتابَع الملوك الجنوبيون في ارتكاب الشّر في عين ّ‬
‫نبوخذ نصر ) بختنصر ( مملكة يهوذا وخضعت له ثلث سنوات ‪ ،‬ثم تمرّد عليه ) يهوياقيم ( ‪ :2 :24 " ،‬فأرسل‬
‫الرب غزاة من كلدانيين وأراميين وموآبيين وعّمونيين ) سكان العراق والردن القدماء ( ‪ ،‬للغييارة علييى مملكيية‬
‫يهوذا وإبادتها ‪ ،‬بموجب ما قضى به اليرب ‪ ،‬عليى لسيان عبييده النبيياء ‪ :4 ،‬وانتقاميا لليدم اليبريء اليذي سيفكه‬
‫سى ( ‪ ،‬إذ أنه مل أورشليم بدم البرياء ‪. " … ،‬‬‫) من ّ‬
‫وفي عهد الملك ) يهوياكين ( " ‪ … :10 :24‬زحييف قييادة نبوخييذ نصيير ملييك بابييل علييى أورشييليم ‪ ،‬وحاصييروا‬
‫المدينة ‪ ،‬ثم جاء نبوخذ نصر بنفسه وتسّلم زمام القيادة ‪ ،‬فاستسلم ) يهويياكين ( … واسيتولى عليى جمييع ميا فيي‬

‫‪88‬‬
‫خزائن الهيكل والقصر ‪ ، … ،‬تماما كما قضى الرب ‪ :14 ،‬وسبى نبوخذ نصر أهل أورشليم ‪ ) " ،‬وكما يقولييون‬
‫أنه وّلى ابن عم الملك خلفا له ‪ ،‬وسّماه صدقّيا ‪ ،‬وبعد سنوات ارتكب صدقّيا الشر في عيني الرب كالعادة ‪ ،‬وتمّرد‬
‫على ملك بابل ‪ ،‬وآنذاك ( ‪ :1 :25 " ،‬زحف نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬بكامل جيشه على أورشليم وحاصرها ‪… ،‬‬
‫‪ :3 ،‬تفاقمت المجاعة في المدينة ‪ ،‬حتى لم يجد أهلها خبزا يأكلونه ‪ :6 ،‬فأسروا الملك ) الذي كان ينوي الهييرب (‬
‫واقتادوه إلى ملك بابل ‪ ، … ،‬ثّم قتلوا أبناء صدقّيا على مرأى منه ‪ ،‬وقلعوا عينيه ‪ ،‬وسياقوه إليى بابيل ‪:9 ، … ،‬‬
‫وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ‪ ،‬وسبى نبوزرادان ) قائد الحرس الملكي ( بقية الشييعب … ‪،‬‬
‫‪ ، 121‬ولكنه ترك فيها فقراء الرض المساكين ‪ :13 .‬وحطم الكلدانيون أعمدة النحيياس وبركيية النحيياس … إلييى‬
‫آخره ‪ ) ،‬كل محتويات الهيكل ونقلوها إلييى بابييل ( ‪ :18 ،‬وسييبى رئيييس الحييرس الملكييي ) سييرايا رئيييس الكهنيية‬
‫وأعوانه وقادة الجيش وندماء الملك ‪ ،‬وفي المجمل هم علية القييوم وزمييرة الفسيياد والفسيياد فييي الرض ( فقتلهييم‬
‫سبي شعب يهوذا من أرضه " ‪.‬‬ ‫ملك بابل في المعسكر في أرض حماة ) المدينة السورية ( ‪ ،‬وهكذا ُ‬
‫فما أطول باله هذا النبوخذ نصر ‪ ،‬حتى يزحف عليهم مرارا وتكرارا ‪ .‬والحقيقة أنييه زحييف عليهييم مييرة واحييدة ‪،‬‬
‫وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ‪ ،‬وما هذا التطويل والتطويل والتكرار ‪ ،‬إل من صنع أيدي الكتبة ‪ ،‬وما ) يهوييياقيم (‬
‫و) يهوياكين ( إل تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي البابلي ‪.‬‬

‫مملكة واحدة وبعث واحد ‪:‬‬

‫خيت لعصير المليوك ابتيداًء مين‬ ‫ما تقدم من نصوص كان من السفار التي ُيسّمونها السفار التاريخية ‪ ،‬واليتي أر ّ‬
‫طالوت وداود وسليمان ‪ ،‬وانتهاءً بيهوياكين الذي وقييع السييبي البييابلي فييي عصييره ‪ .‬والحقيقيية أنييه لييم يكيين هنيياك‬
‫مملكتين ولم يكين هنياك سيبيين ‪ ،‬وإنمييا مملكيية واحييدة وسييبي واحيد ‪ .‬ولكين نتيجيية كتابيية التيوراة بتليك الطريقية‬
‫المزدوجة أصبحت المملكة مملكتين وأصبح الزحف البابلي زحفين ‪ ،‬ولحل الشكال قولبوه في زمانين مختلفين ‪.‬‬
‫أما ادعيياء انقسيام المملكيية ‪ ،‬فييالقرآن أثبييت بطلنيه فيي موضيعين ‪ ،‬أول ؛ ُذكير العليو مرتييين كأميية فيي زميانين‬
‫مختلفين ‪ ،‬ثانيا ؛ الية التي تتحدث عن سفكهم دمائهم وإخراجهم أنفسهم ‪ ،‬تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة‬
‫‪ ،‬بل كان ذلك قتل وإخراج وسلب ‪ ،‬لطائفة مستضعفة من قييومهم ‪ ،‬وفييي الحقيقيية وقييع هييذا الفعييل فييي سييبط الخ‬
‫الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬الذي ُتسميه التوراة ) ببنيامين ( ‪ ،‬وما كان بإمكان هؤلء ‪ ،‬إقامة دولية فيي أراضيي‬
‫الكنعانيين المجاورة التي لجيأوا إليهيا ‪ ،‬وميا كيانت حروبهيم ميع المملكية الم إل ضيمن جييوش الكنعيانيين وهيو‬
‫الرجح ‪ ،‬أو كثّوار لسترداد أسلبهم وديارهم ‪.‬‬
‫وربما أن بعضيهم اسيتنجد بالبيابليين كنيوع مين النتقيام ) بأسيهم بينهيم شيديد ‪ ،‬تحسيبهم جميعيا وقليوبهم شيّتى (‬
‫فاستجابوا لهم ‪ ،‬وربما كان ذلك طمعا في كنوز هيكل سليمان ‪ ،‬والي أعليم ‪ .‬حييث ليم ييأتي أي ذكير فيي التارييخ‬
‫للسبي الشوري لعشرة أسباط ) قبائل ( من المملكة الشمالية ‪ ،‬حسب مييا ييّدعي مؤلفييو التييوراة ‪ ،‬حييتى أن بعييض‬
‫سييبيت إلييى مدينيية أشييور برمتهييا ‪،‬‬
‫الباحثون الذين صّدقوا التوراة ‪ ،‬يتساءلون عن كيفية اختفاء تلك القبائل ‪ ،‬التي ُ‬
‫جح أن اختراع قصة المملكة الثانية وسبيها ‪ ،‬هو أحد مظاهر السقاط النفسي لمن عوقبوا ‪ ،‬على من لييم‬ ‫ومن المر ّ‬
‫ُيعاقبوا من الذين ُأخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم تجنبييا وتخفيفييا للشييعور بيياللم ‪ ،‬كلمييا طييرأ علييى مخيلتهييم تلييك‬
‫الذكرى الليمة ‪ ،‬ويحصل هذا عادة عليى المسيتوى الشخصيي ‪ ،‬فيور تعيرض الشيخص لحادثية مؤلمية ‪ ،‬فيعيزو‬
‫الخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الخرين ‪.‬‬

‫تحذيرات النبياء من الفساد‬


‫جاء التحذير من الستهانة بنص النبوءة ‪ ،‬ومغبة الفساد عند العلو ‪ ،‬والتخويف من العقيياب ‪ ،‬الييتي كييانت بييدايتها‬
‫نصا في كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬وعلى لسان كل النبيياء المتعياقبين ‪ ،‬داعيين إلييى اللييتزام بشيريعة موسيى ‪،‬‬
‫ومحّذرين من تركها ومخالفتها على مدى عمر مملكتهم ‪ ،‬بدءا من سليمان عليه السلم ‪ ،‬وانتهاًء بإشعياء وإرمياء‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬إن كانوا أنبياء ‪.‬‬
‫وهذا هو التحذير الذي جاء على لسان سليمان ‪ ،‬بعد انتهاءه من بناء الهيكل ‪ ،‬اليييام الثيياني ‪ :19 :7 " :‬ولكيين إن‬
‫انحرفتم ونبذتم فرائضييي الييتي شييرعتها لكييم ‪ ،‬وضييللتم وراء آلهيية أخييرى وعبييدتموها وسييجدتم لهييا ‪ :20 ،‬فييإني‬
‫‪89‬‬
‫أستأصلكم من أرضي التي وهبتها لكم ‪ ،‬وأنبذ هذا الهيكل الذي قّدسته لسييمي ) جعلتييه قائمييا لييذكري ( ‪ ،‬وأجعلييه‬
‫مثل ومثار ُهزٍء لجميع المم ‪ :21 ،‬ويغدو هذا الهيكل الذي كان شامخا ‪ ،‬عبرة ُيثير عجب كل من يمّر به " ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ما تقدم ‪ ،‬هذا عرض لجزء يسير من النصوص الكثيرة والمطّولة والمكّررة ‪ ،‬لما جيياء فييي أسييفار‬
‫بعض أنبيائهم ) الكبار ( ‪ ،‬اخترناها لتكتمل معالم الصورة من الجانب الخر ‪.‬‬

‫تحذيرات إشعياء ‪:‬‬

‫إشعياء هو أول النبياء الكبار وهم أربعة ‪ ،‬وُيقال أنه ُبعث في فترة ‪ ،‬بلغ فيه إفساد بني إسرائيل الذروة قبل وقوع‬
‫سفره جاء حافل بالتقريع والتوبيخ والتحذير والنذار ‪ ،‬والتذكير بنص النبوءة الييذي جيياء‬‫السبي البابلي ‪ ،‬حيث أن ِ‬
‫به موسى ‪ ،‬ويروى أنه من النبياء اليذين ُقتليوا ) التعرييف بأصيحاب السيفار مين النبيياء ‪ ،‬مسيتقاة مين مقدمية‬
‫المترجم لكل سفر ( ‪:‬‬
‫" ‪ :4 :1‬ويل للمة الخاطئة ‪ ،‬الشعب المثقل بالثم ‪ ،‬ذرية مرتكبي الشّر ‪ ،‬أبناء الفساد ‪ :10 .‬اسمعوا كلمة الرب‬
‫يا حكام سدوم ) قرية لوط ( ‪ :15 … ،‬عندما تبسطون نحوي أيديكم أحجب وجهي عنكم ‪ ،‬وإن أكثرتم الصييلة ل‬
‫أستجيب ‪ ،‬لن أيديكم مملوءة دميا ‪ :16 ،‬اغتسيلوا ‪ ،‬تطّهيروا ‪ ،‬أزيليوا شيّر أعمييالكم مين أميام عينيي ‪ ،‬كفيوا عين‬
‫ق ‪ ،‬انصفوا المظلوم ‪ ،‬اقضوا لليييتيم ‪ ،‬ودافعييوا عيين الرمليية ‪،‬‬
‫اقتراف الثم ‪ :17 ،‬وتعّلموا الحسان ‪ ،‬اْنشدوا الح ّ‬
‫ب قد تكّلم‬
‫ن فم الر ّ‬
‫… ‪ :19‬إن شئتم وأطعتم ‪ ،‬تتمتعون بخيرات الرض ‪ ،‬وإن أبيتم وتمّردتم فالسيف يلتهمكم ‪ ،‬ل ّ‬
‫" ) ويستطرد واصفا حال المدينة آنذاك ( ‪ … :21 " ،‬كانت تفيض حّقا ‪ ،‬ويأوي إليهييا العييدل ‪ ،‬فأصييبحت وكييرا‬
‫ضييتك مزّيفية ‪ ،‬وخميرك مغشوشيية بمياء ‪ :23 ،‬أصييبح رؤسياءك عصياة ‪ ،‬وشيركاء‬ ‫للمجرمييين ‪ :22 ،‬صيارت ف ّ‬
‫لصوص ‪ُ ،‬يولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ‪ ،‬ل يدافعون عن اليتيم ‪ ،‬ول ُترفع إليهم دعوى الرملة " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :3‬قد َكَبت ) وقعت ( أورشليم ‪ ،‬انهارت يهييوذا ) المملكيية ( ‪ ،‬لنهمييا أسيياءتا بييالقول والفعييل إلييى الييرب ‪،‬‬
‫وتمّردتا على سلطانه ‪ :9 ،‬ملمح وجوههم تشهد عليهييم ‪ ،‬إذ يجيياهرون بخطيئتهييم كسييدوم ول يسييترونها ‪ ،‬فويييل‬
‫شروا الصّديقين بالخير ‪ ،‬لنهم سيييتمتعون بثييواب أعمييالهم ‪ :11 ،‬أّمييا‬ ‫للذين جلبوا على أنفسهم شّرا ‪ :10 ،‬ولكن ب ّ‬
‫الشّرير فويل له وبئس المصير ‪ … :12 ،‬إن قادتكم ُيضّلونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … " ‪.‬‬
‫سِكر … ‪ :12 ،‬يتلّهون في مآدبهم بالعود والرباب والدف والناي والخمر‬ ‫" ‪ :11 :4‬ويل لمن … يسعون وراء الُم ْ‬
‫عظميياؤهم جوعييا ‪ ،‬وتهلييك‬
‫ب ‪ :13 … ،‬لذلك ُيسبى شعبي لنهم ل يعرفون ‪ ،‬ويموت ُ‬ ‫‪ ،‬غير مكترثين بأعمال الر ّ‬
‫ط كل متشامخ فيها ‪ ) ،‬الذل بعد العلييو ( … ‪ :18‬ويييل‬ ‫ل النسان وُيخفض الناس وُيح ّ‬ ‫العامة عطشا ‪ :15 … ،‬وُيذ ّ‬
‫جييل بعقييابه حييتى نييراه ) انظيير اليييات ‪92،99‬‬
‫لمن يجّرون الثم بحبال الباطييل ‪ :19 … ،‬ويقولييون لُيسييرع وُيع ّ‬
‫السراء و ‪ 58،59‬الكهف ( ‪ ،‬لُينفذ مقّدس إسرائيل مآربه فينا ‪ ،‬فندرك حقيقة ما يفعله بنا ‪ :21 ،‬ويل للحكمياء فيي‬
‫أعين أنفسهم ‪ ،‬والذكياء في نظر ذواتهم ‪ ) … ،‬الصرار على المعصية وتحدي ال (‬
‫" ‪ :25 :4‬لذلك احتدم غضب الرب ضّد شعبه ‪ ،‬فمّد يده عليهم وضربهم ‪ ،‬فارتعشيت الجبيال ‪ ،‬وأصيبحت جثيث‬
‫موتاهم كالقاذورات في الشوارع ‪ ،‬ومع ذلك لم يرتّد غضبه ‪ ،‬ولم تبرح يييده ممييدودة بالعقيياب ‪ :26 ،‬فيرفييع راييية‬
‫لمم بعيدة ‪ ،‬ويصفر لمن فييي أطييراف الرض ‪ ،‬فيقبلييون ُمسييرعين ‪ :27 ،‬دون أن يكّليوا أو يتعييثروا أو يعييتريهم‬
‫ُنعاس أو نوم ‪ :28 … ،‬سهامهم مسيينونة ‪ ،‬وقسيّيهم مشييدودة ‪ ،‬حييوافر خيلهييم كأنهييا صيّوان ‪ ،‬عجلت مركبيياتهم‬
‫مندفعة كالعصار ‪ :29 ،‬زئيرهم كأنه زئير أسد ‪ ،‬يزمجر وينقض على فريسته ‪ ،‬ويحملها وليس من منقييذ ‪:30 ،‬‬
‫ُيزمجرون … كهدير البحر ‪ ،‬وإن جاس أحدهم في البلد متفرسا ‪ ،‬ل يرى سوى الظلمة والضيق ‪ ،‬حتى الضييوء‬
‫قد احتجب وراء سحبه ‪ ) . ..‬صفات جيش البعث (‬
‫جلون أحكام جور ‪ :2 ،‬ليصيّدوا البائسييين عيين العييدل ‪،‬‬ ‫"‪ :1 :10‬ويل للذين يسّنون شرائع ظلم ‪ ،‬وللكتبة الذين يس ّ‬
‫ويسلبوا مساكين شعبي حّقهم ‪ ،‬لتكون الرامل مغنما لهم ‪ ،‬وينهبوا اليتامى ‪ :3 ،‬فماذا تصنعون فييي يييوم العقيياب ‪،‬‬
‫عندما تقبل الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم يبقى شيء سوى أن تجثييوا‬
‫بين السرى ‪ ،‬وتسقطوا بين القتلييى ‪ :21 … ،‬وترجييع بقييية ذرييية يعقيوب إلييى الييرب القييدير ‪ ،‬مييع أن شييعبك يييا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فإن بقية فقط ترجع ‪ ،‬لن ال قضى بفنائهم ‪ ،‬وقضاؤه عادل " ‪ ) .‬البعث من خارج فلسطين (‬

‫‪90‬‬
‫" ‪ :8 :46‬اذكروا هذا واتعظوا ‪ ،‬انقشوه في آذانكم أيها العصاة ‪ ،‬تذّكروا المور الغابرة القديمة ‪ ،‬لنييي أنيا الي‬
‫وليس إله آخر ‪ :10 ،‬وقد أنبأت بالنهاية منذ البداية ‪ ،‬وأخبرت منذ القدم ‪ ،‬بأمور لم تكيين قييد حييدثت بعييد ‪ ،‬قييائل ‪:‬‬
‫مقاصدي ل بد أن تتم ‪ ،‬ومشيئتي ل بد أن تتحقق ‪ :11 ،‬أدعوا من المشرق الطائر الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيييدة‬
‫ي ييا غلظ القليوب ‪ ،‬أيهيا البعييدون‬ ‫برجل مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضائي ‪ ،‬ول بد أن ُأجريه ‪ :12 … ،‬أصيغوا إلي ّ‬
‫عن البّر ‪ :13 ،‬لقد جعلت أوان بّري قريبا ‪ ،‬لم يعد بعيدا ‪ ،‬وخلصي ل ُيبطئ … ) الشرق هي جهة البعث (‬
‫ي ‪ ،‬وقيّوتكم فييي‬
‫ن خلصكم مرهون بالتوبيية والركييون إلي ّ‬ ‫‪ :15-17 :30‬لنه هكذا قال الرب ‪ ،‬قّدوس إسرائيل ‪ :‬إ ّ‬
‫الطمأنينة والثقة بي ‪ ،‬لكنكم أبيتم ذلك ‪ ،‬وقلتم ‪ :‬ل بل نهرب على الخيل ‪ ،‬أنتم حّقا تهربييون ‪ ،‬لهييذا فييإن مطييارديكم‬
‫ُيسرعون في تعّقبكم ‪ ،‬يهرب منكم ألف ميين زجييرة واحييد ‪ ،‬وتتشيّتتون جميعييا ميين زجييرة خمسيية ‪ ،‬حييتى ُتييتركوا‬
‫كسارية على رأس جبل …‬
‫نلحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والصلح ‪ ،‬ويصف ما وصل ببني إسرائيل من إفسيياد ‪ ،‬وييّذكرهم ويحيّذرهم‬
‫ويعيد إلى أذهانهم مضمون تلك النبوءة ‪ ،‬التي جاءت في أسفار موسى ‪ ،‬ونصوص إشعياء لييم تحمييل فييي طياتهييا‬
‫تصريح عن ماهية المبعوثين ‪ ،‬سوى أن الفقرة الخيرة ‪ ،‬ذكرت جهة مخرج البعث ‪ ،‬وربما يكون ذلك إضافة من‬
‫مؤلفي التوراة ‪.‬‬

‫تحذيرات ارميا ‪:‬‬

‫ارميا هو ثاني النبياء الكبار ‪ ،‬وُيقال أن هذا النبي عاش في الفترة ما قبل وما بعيد السيبي البيابلي ‪ ،‬وكيان فحيوى‬
‫ق قدره فل ملجأ منه إل إليه ‪،‬‬
‫رسالته ‪ :‬دعوة قومه إلى التوبة والعودة إلى ال والتخلي عن الوهام ‪ ،‬وتقدير ال ح ّ‬
‫ول يرّد غضبه قوة أو مال أو جاه ‪ .‬وقد ُوصف هذا النبي ) بالنبي البّكاء ( من كثرة بكاءه على قومه ‪ ،‬بعد وقييوع‬
‫الكارثة التي طالما حّذرهم منها فلم يستجيبوا له ‪.‬‬
‫" ‪ :2 :7‬اسمعوا كلم الرب … ‪ :3‬قّوموا طرقكم وأعمالكم فُأسكنكم في هذا الموضع ‪ :4 ،‬ل تتكّلوا علييى أقييوال‬
‫الكذب ) النفاق ( ‪ :5 ،‬لكن إن قّومتم حّقا طرقكم وأعمالكم ‪ ،‬وأجريتم قضاًء عادل فيما بينكييم ‪ :6 ،‬إن لييم تجييوروا‬
‫على الغريب واليتيم والرملة ‪ ،‬ولم تسفكوا دما بريئا … وإن لم تضّلوا وراء الوثان ‪ :7 ،‬عندئذ ُأسكنكم في هييذا‬
‫الموضع … إلى البد ‪ :8‬ها أنتم قد اتكلتم على أقوال الكييذب ) نيافقتم ( ‪ ،‬ولكين ميين غييير جييدوى ‪ :9 ،‬أتسيرقون‬
‫خرون للبعل ) الصنم ( ‪ :10‬ثم تمثلون في حضرتي …هل أصبح هذا الهيكل‬ ‫وتقتلون وتزنون وتحلفون زورا وتب ّ‬
‫) الذي ُأقيم لذكري ( مغييارة لصييوص ؟! … ‪ :20‬لييذلك ُيعليين اليرب ‪ :‬هييا غضيبي وسيخطي ينصيّبان علييى هيذا‬
‫الموضع …‬
‫" ‪ :7 :8‬إن اللقلق في السماء يعرف ميعاد هجرته ‪ ،‬وكذلك … ‪ ،‬أّما شعبي فل يعرف قضيياء الييرب ! ‪ :8‬كيييف‬
‫تّدعون أنكم حكميياء ‪ ،‬ولييديكم شييريعة الييرب ‪ ،‬بينمييا حولهييا قلييم الكتبيية المخييادع إلييى ُأكذوبيية ؟! سيييلحق الخييزي‬
‫بالحكماء ‪ ،‬ويعتريهم الفزع والييذهول ‪ ،‬لنهييم رفضييوا كلميية الييرب ‪ ،‬إذ أي حكميية فيهييم ؟! لييذلك ُأعطييي نسييائهم‬
‫لخرين ‪ ،‬وحقولهم للوارثين القاهرين ‪ ،‬لنهم جميعهم من صييغيرهم إلييى كييبيرهم مولعييون بالربييح ‪ ،‬حييتى النييبي‬
‫والكاهن يرتكبان الزور في أعمالهما ‪ ،‬ويعالجون جراح شعبي باستخفاف ‪ ،‬قييائلين ‪ :‬سييلٌم ‪ ،‬سييلٌم ‪ ،‬فييي حييين ل‬
‫ط ‪ ،‬ولم يعرفوا الخجل ‪ ،‬لذلك سيسقطون بييين‬ ‫ل ! لم يخزوا ق ّ‬ ‫يوجد سلم ‪ ،‬هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! ك ّ‬
‫الساقطين ‪ ،‬وحين ُأعاقبهم ُيطّوح بهم ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :22 :10‬اسمعوا ‪ ،‬ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ‪ ،‬مقبل من الشييمال ‪ ،‬ليحيّول مييدن يهييوذا ‪ ،‬إلييى خييرائب‬
‫ومأوى لبنات آوى " ‪.‬‬
‫ت بييالقوس‬‫ب ميين أقاصييي الرض ‪ ،‬تسيّلح ْ‬ ‫ب زاحف من الشمال ‪ ،‬وأّميية عظيميية تهي ّ‬
‫" ‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬ها شع ٌ‬
‫والرمح ‪ ،‬وهي قاسية ل ترحم ‪ ،‬جلبتها كهدير البحر ‪ ،‬وهي مقبليية علييى صييهوات الخيييل ‪ ،‬قييد اصييطّفت كإنسييان‬
‫ب الوهن في أيدينا ‪ ،‬وتّولنييا كييرب وألييم ‪ ،‬كييألم امييرأة‬‫واحد ‪ ،‬لمحاربتك يا أورشليم ‪ ،‬سمعنا أخبارهم المرعبة فد ّ‬
‫تعاني المخاض ‪ ،‬ل تخرجوا إلى الحقل ‪ ،‬ول تمشوا في الطريق ‪ ،‬فللعدّو سيف ‪ ،‬والهول ُمحّدق من كل جهة ‪ ،‬فيا‬
‫أورشليم ارتدي المسوح ‪ ،‬وتمّرغي فييي الرميياد ‪ ،‬ونييوحي كميين ينييوح علييى وحيييده ‪ ،‬وانتحييبي نحيبييا مييرا ‪ ،‬لن‬

‫‪91‬‬
‫الُمدّمر ينقض علينا فجأة ‪ ،‬إني أقمتك ُممَتحنا للمعدن ) إقامة مملكتهم كان لمتحانهم ( ‪ ،‬وجعلت شعبي مادًة خام ‪،‬‬
‫لكي تعرف طرقهم وتفحصها ‪ ،‬فكّلهم عصاة متمّردون ساعون في النميمة ‪ ،‬هم نحاس وحديد ‪ ،‬كلهم فاسدون " ‪.‬‬
‫" ‪ :3 :23‬وأجمع شتات غنمي من جميع الراضي ‪ ،‬التي أجليتها إليها ‪ ،‬وأرّدها إلى مراعيها ‪ ،‬فتنموا وتتكاثر ‪،‬‬
‫وُأقيم عليها رعاة يتعّهدونها ‪ ،‬فل يعتريها خوف من بعد ‪ ،‬ول ترتعد ول تضل ‪ ،‬ها أيام مقبلة ُأقيم فيها لداود ذرّية‬
‫ِبّر ‪ ،‬ملكا يسود بحكمة ‪ ،‬ويجري في الرض عدل وحّقييا ‪ ،‬فييي عهييده يتيّم خلص شييعب يهييوذا ‪ ،‬ويسييكن شييعب‬
‫إسرائيل آمنا " ‪.‬‬
‫" ‪ :3 :30‬ها أيام مقبلة أرّد فيها سبي شعبي … ‪ ،‬وأعيدهم إلى الرض الييتي أعطيتهييا لبييائهم فيرثونهييا ‪ ) ،‬ثييم‬
‫يقول ( ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلك اليوم ‪ ،‬إذ ل مثيل له ‪ ،‬هو زميين‬
‫طهم‬‫طم أنيار أعناقهم وأقطع ُرب َ‬ ‫ضيق على ذرية يعقوب ‪ ،‬ولكنها ستنجوا ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ُ :‬أح ّ‬
‫) أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ( فل يستعبدهم غريب فيما بعد ‪ ،‬بل يعبدون الرب إلههم ‪ ،‬وداود ملكهم الذي‬
‫ن ويستريح ‪ ،‬من غير أن ُيضايقه أحد ‪ ، … ،‬فُأبيُد‬ ‫ُأقيمه عليهم ) شرك بال ( ‪ … ،‬فيرجع نسل إسرائيل ‪ ،‬ويطمئ ّ‬
‫جه‬ ‫ك بينها ‪ ،‬أّم أنت فل ُأفنيك ُأوّدبك بالحق ‪ ،‬ول ُأبيّرئك تييبرئة كامليية ‪ ) ، … ،‬الخطيياب مييو ّ‬
‫جميع المم التي شّتت َ‬
‫لورشليم ( إن جرحك ل شفاء له ‪ ،‬وضربتك ل علج لها ‪ ،‬إذ ل يوجد من يييدافع عيين دعييواك ‪ ، … ،‬قييد نسيييك‬
‫س ‪ ،‬لن إثمييك عظييٌم‬ ‫ض قييا ٍ‬‫ب مبغي ٍ‬ ‫ك عقييا َ‬
‫ب عييدّو ‪ ،‬وعاقبتي ِ‬
‫محّبوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لني ضربتك كما َيضر ُ‬
‫وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا أوقعتك بالمحن ‪ ،‬ولكن سيأتي يييوم ُيفييترس فيييه جميييع ُمفترسيييك ‪ ،‬ويييذهب جميييع‬
‫مضايقيك إلى السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أرّد لك عافيتك وُأبرئ جراحك " ‪.‬‬
‫النصوص الخيرة أعله من النصوص المضّللة ‪ ،‬التي شّكلت قناعات ومعتقدات عاّمة اليهيود حكميياًء ومغفليين ‪،‬‬
‫وملخصها أنهم في المرة الثانية ‪ ،‬سيقيمون لهم دوليية فييي أرض الميعيياد ‪ ،‬وُيبعييث لهييم ملكييا ميين نسييل داود عليييه‬
‫السييلم ‪ ،‬يحكييم الرض كلهييا بييالحق والعييدل ‪ ،‬وليييس فلسييطين فقييط ‪ ،‬ففلسييطين ل تتسييع لحلمهييم وأوهييامهم‬
‫وهلوسهم وأمانّيهم ‪ ،‬وينعم اليهود تحت حكمه بالسلم والمن إلييى البييد ) فل بعثييا ول نشييورا ( ‪ ،‬ويكييون فيهييا‬
‫اليهود أسيادا ‪ ،‬وباقي خلق ال عبيدا تحت لهم ‪.‬‬
‫لقد أضاع كتبة التوراة الحقيقة ‪ ،‬وظلموا أجيالهم القادمة من حيييث ل يعلمييون ‪ ،‬فكييذبوا الكذبيية وصيّدقها أبنييائهم ‪،‬‬
‫وأصبحت من صميم معتقداتهم ‪ ،‬فالمعاصرين من اليهود والنصارى ‪ ،‬يتعاملون مع كييل نصييوص التييوراة بغثهييا‬
‫وسمينها ‪ ،‬على أنها من عند ال ‪.‬‬
‫يقولون أن النص التالي ‪ ،‬هو رسالة من إرمياء إلى المسبيين فييي بابييل ‪ُ ،‬يخييبرهم فيهييا أن مقييامهم هنيياك سيييكون‬
‫طويل ‪ ،‬وينصحهم فيها بأن ُيقيموا فيها ويبنوا بيوتا ويتزوجوا ويتكاثروا ‪ ،‬وهذا جزء من نصها ‪:‬‬
‫ت إليكم وأفي لكم بوعودي الصالحة ‪ ،‬برّدكم إلييى‬ ‫" ‪ :10 :29‬ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ‪ ،‬ألتف ُ‬
‫هذا الموضع ‪ ،‬لني عرفت ما رسمته لكم ‪ ،‬إنهييا خطييط سييلم ل شيّر ‪ ،‬لمنحكييم مسييتقبل ورجيياء ‪ ، … ،‬وحييين‬
‫تجدونني ‪ ،‬أرّد سبيكم ‪ ،‬وأجمعكم من بين جميع المم ‪ ،‬ومن جميع الماكن التي شّتتكم إليها ‪. " … ،‬‬
‫في الحقيقة أن كتبة التوراة ‪ ،‬كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية في عهد كورش الفارسي من بابل إليى أورشييليم ‪،‬‬
‫بعد )‪ (70‬سنة من السبي ‪ ،‬هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها النصف الثاني من نبوءة موسى وإشعياء وارميا ‪،‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ‪ ،‬أن ُيبعث فيهم ) الملك الله ( لُيقيم لهم دولة في القدس فلم يكن لهم ذلك ‪ ،‬ويييروى‬
‫ي)‬‫أن الذين رجعوا من بابل أعادوا بنيياء الهيكييل بييالرغم ميين معارضيية المقيمييين ‪ .‬وطييال انتظييارهم وبييين عييام ّ‬
‫‪37‬ق‪.‬م – ‪70‬م ( أي مائة سنة تقريبا ‪ ،‬حصلوا على حكييم ذاتييي محييدود ) المملكيية الهيرودييية ‪ ،‬وكييان الملييك ميين‬
‫أصل يهودي آرامي ( تحت التاج الروماني ‪ ،‬وفي زمانهم تواجد زكريا ويحيى وُبعث إليهم عيسى علييه السييلم ‪،‬‬
‫فتآمروا عليه ودفعوه إلى الرومان لقتله وصلبه ‪ ،‬حيث كانت سلطة القتل في أيدي الرومان ‪.‬‬
‫وبعد زوال مملكتهم على يد ) نبوخذ نصير ( البيابلي عيام ‪586‬م ‪ ،‬وحييتى تشيّتتهم النهييائي علييى يييد ) هادرييان (‬
‫الروماني عام ‪135‬م ‪ُ ،‬أخرج أغلبية اليهود منهييا ‪ ،‬ولييم تقييم لليهييود فييي فلسييطين قائميية ‪ ،‬وأقصييى مييا اسييتطاعوا‬
‫الحصول عليه ‪ ،‬هو ذلك الحكم الذاتي في بداية الحكم الروماني لبلد الشام ‪ ،‬حيث قضييى هييذا المييبراطور علييى‬
‫أي أمل لهم في إعادة إقامة دولتهم الثانية ‪ ،‬فكان انتشارهم في كافة أرجاء العالم ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫) ولنكمل النصوص من سفر ارميا ( ‪ :8 :31 " ،‬ها أنا آتي بهم من بلد الشمال ‪ ،‬وأجمعهم من أقصى أطييراف‬
‫الرض ‪ ،‬وفيهم العمى والعرج ‪ ،‬الحبلى والماخض ‪ ،‬فيرجع حشد عظيم إلى هنا "‬
‫" ‪ :27 :31‬ها أيام مقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ُ ،‬أكّثر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ‪ ،‬وُأضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ‪ ،‬وكما‬
‫ترّبصت بهم لستأصل ‪ ،‬وأهدم وأنُقض وُأهلك وُأسيء ‪ ،‬كذلك أسهر عليكم لبنيكم وأغرسكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :33 :31‬سأجعل شريعتي في دواخلهم ‪ ، … ،‬وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا ‪ ،‬لني سأصفح عن إثمهييم ‪،‬‬
‫ولن أذكر خطاياهم من بعد " ‪.‬‬
‫) وهذا محض افتراء وتحريف ‪ ،‬وتتبع هذه الكذوبة عبارات مبهمة ‪ ،‬ومن ثم ُتفاجأ بهذه العبارة التي تقييول ( ‪" :‬‬
‫عندئذ َأنبذ ذرية إسرائبل من أجييل كيل ميا ارتكبييوه " ‪ ) ،‬لتفهييم أن العبيارات المبهمية ‪ ،‬كييانت بييدل مين عبييارات‬
‫حذفوها ‪ ،‬وهي عبارات مفادها اشتراط الحسان للثواب والفساد للعقاب ( ‪.‬‬
‫"‪ :38 :31‬ها أيام مقبلة ‪ُ ،‬يعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ‪ ، … ،‬ولن تستأصل أو ُتهدم إلى البد " ‪.‬‬
‫بالنظر في قولهم هذا وخاصة العبارة الخيرة ‪ ،‬نجد أن مؤلفي التوراة قضوا علييى أي أمييل لليهييود فييي الصييلح‬
‫ي في استمرار وجودهم ‪ ،‬فمؤّدى هذه العبارة أنهييم سيييقيمون‬ ‫والصلح في دولتهم الحالية ‪ ،‬حيث أنه شرط أساس ّ‬
‫فيها إلى البد ‪ ،‬بغض النظر عن إصلحهم أو إفسادهم فيها ‪ ،‬لتصبح نهاية دولتهم حتمية في الموعد المحّدد ‪ ،‬وقد‬
‫لحظت من خلل تتبعي لما جاء في المرة الثانية ‪ ،‬أنهم بعد كل عقاب مأساوي يحل بهييم ‪ ،‬يبييدءون بييذكر العييودة‬
‫والجمع من الشتات والبركة والكثرة ‪ ،‬ويفيضون فيها وصفا وشرحا ‪ ،‬والنتيجيية تكييون علييى الييدوام هييي انتصييار‬
‫ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة أبيهم ‪ ،‬وجعل أرضهم صحراء قاحلة ‪ ،‬أما هم فيعشون جنة ونعيما ‪ ،‬ويكون‬
‫ي عنهم ربهم ورضوا عنه ‪.‬‬‫لهم الملك في الرض إلى البد ‪ ،‬بعد أن رض َ‬
‫) وانظر إلى هذه النبوءة في المرة الثانية على لسان الرب ( ‪ :10 :42‬إن أقمتم في هذه الرض ‪ ،‬فإني أبنيكم ول‬
‫أهدمكم ‪ ،‬وأغرسكم ول أستأصلكم ‪ ،‬لني أسفت على الشّر الذي ألحقته بكم ) ربهم يأسف ( ‪ ،‬ل تخشوا ملك بابييل‬
‫الذي أنتم منه خائفون ‪ ،‬فإني معكيم لخلصيكم وأنجيكيم مين ييده ) بل قييد أو شيرط ( ‪ ،‬وُأنعيم عليكيم ‪ ،‬فيرحمكيم‬
‫ضهم على عدم الخشية من ملك بابل وكأن ملك بابل سُيبعث من تلقيياء‬ ‫ويرّدكم إلى أرضكم ‪ ) ،‬فربهم يأسف ‪ ،‬ويح ّ‬
‫نفسه ( ‪.‬‬

‫السبي البابلي ‪:‬‬

‫هذا الحدث المشهور تاريخيا هو أول وأقسى وأفظع حدث ‪ ،‬وقع في تاريخ اليهود كأمة من حيييث مييا ترتييب عليييه‬
‫من أذى مادي ومعنوي ‪ ،‬مما كان له أبلغ الثر في تشكيل وجدان وفكر الشييعب اليهييودي ‪ ،‬وليييس أدل علييى ذلييك‬
‫صله من جميع جوانبه يييتراوح مييا بييين )‬ ‫من أن عدد الصفحات ‪ ،‬التي تتطّرق إلى ذكر متعّلقات هذا الحدث ‪ ،‬وتف ّ‬
‫‪ (400 – 350‬صفحة أي ما ُيعادل ثلث التوراة ‪ .‬وقد جاء في كتيياب ) الخييتراق الصييهيوني للمسيييحية ( للقييس‬
‫إكرام لمعي ‪ ،‬ونقل عن كتاب ) تاريخ اليهود ( للكاتب ) بول جونسون ( ما نصييه ‪ :‬وفييي بابييل لييم يعامييل اليهييود‬
‫معاملة سيئة ‪ ،‬فقد وجدت مخطوطات بجوار عشتاروت – أقييدم مييدن بابييل – وجييد فيهييا قائميية بأسييماء المسييبيين‬
‫ونشاطهم في بابل ‪ ،‬وكان بها اسم ) يهوياكين ( ملك يهييوذا وبعييض السييماء الخييرى ‪ ،‬وموضييح بهييا أن اليهييود‬
‫عملوا بالتجارة واكتسبوا أموال كثيرة ‪ ،‬وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حّد ما ‪ .‬وأما أشور فيشير نفس الكاتب‬
‫‪ ،‬إلى عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ‪ ،‬يؤكد رواية سبيهم إليها ‪.‬‬

‫رواية التلمود عن تدمير الهيكل ‪:‬‬

‫نص منقول عن كتاب ) التلمود تاريخه وتعاليمه ( لظفر السلم خان ‪:‬‬
‫" عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ‪ ،‬وفاقت حدود ما ُيطيقه الله العظيم ‪ ،‬وعنييدما رفضييوا أن ُينصييتوا لكلمييات‬
‫وتحذيرات ارميا ‪ ،‬ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد بنيييامين ) الخ الشيقيق ليوسيف ( ‪ ،‬وطالمييا كييان النيبي ل‬
‫يزال في المدينة المقّدسة كان يدعو لها بالرحمة فنجت ‪ ،‬ولكنه عندما هجرها إلى بلد بنيامين ‪ ،‬دّمر نبوخذ نصيير‬

‫‪93‬‬
‫طم الهيكل المقّدس ‪ ،‬ونهب مجوهراته وتركه فريسة للنيران الملتهبة ‪ ،‬وكان نبورذدان الذي آثيير‬
‫بلد إسرائيل وح ّ‬
‫البقاء في ريبله ) منطقة سورية بالقرب من حماة ( قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم " ‪.‬‬
‫" وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ‪ ،‬سعى لمعرفة نتائج الحملة بواسطة الشارات نظرا لذهوله ‪ ،‬فرمى‬
‫من قوسه نحو المغرب فسارت باتجاه أورشليم ‪ ،‬ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق لكن السهم اتجهت نحو أورشليم‬
‫‪ ،‬ثم رمى مرة أخرى ليتأكد من محل وقييوع المدينيية الُمذنبيية الييتي وجييب تطهيرهييا ميين الرض ‪ ،‬وللمييرة الثالثيية‬
‫جه مييع ُأمييرائه وضييباط جيشييه إلييى‬
‫اتجهت سهمه نحو أورشليم ‪ ،‬وبعد أن استولى نبوخذ نصر على المدينة ‪ ،‬تييو ّ‬
‫داخل الهيكل ‪ ،‬وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل ‪ :‬وهل أنت الله العظيم الذي يرتعد أمامه العالم ؟ ها نحيين فييي‬
‫مدينتك ومعبدك ! " ‪.‬‬
‫" ووجد نبوخذ علمة لرأس سهم على أحد جدران الهيكل ‪ ،‬كأن أحدا ُقتل أو ُأصيب بها ‪ ،‬فسأل ‪ :‬ميين ُقتييل هنييا ؟‬
‫فأجاب الشعب ‪ ) :‬زكريا بن يهوياداه ( كبير الكهنة ‪ ،‬لقد كان ُيحّذرنا في كل سيياعة ميين حسيياب اعتييداءاتنا ‪ ،‬وقييد‬
‫سئمنا من كلماته فانتهينا منه ‪ .‬فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم كهنتها وشييعبها ‪ ،‬كهولهييا وشييبابها ونسييائها‬
‫وأطفالها ‪ ،‬وعندما شاهد كبير الكهنة هذا المنظر ألقى بنفسه بالنار ‪ ،‬التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكييل ‪ ،‬وتبعييه‬
‫بقية الكهنة مع عودهم وآلتهم الموسيقية الخرى ‪ ،‬ثم ضرب جنود نبوخذ نصر السلسل الحديدية في أيدي بيياقي‬
‫السرائيليين " ‪.‬‬
‫" ورجع ارميا النبي إلى أورشليم وصحب إخوانه البؤساء الذين خرجوا عرايا ‪ ،‬وعند وصولهم إلى مدينة ُتسمى‬
‫بيت كورو هّيأ لهم ملبس جيدة ‪ ،‬وتكّلم مييع نبوخييذ نصيير والكلييدانيين ‪ ،‬قييائل لهييم ‪ :‬ل تظيين أنييك بقوتييك وحييدها‬
‫استطعت أن تتغّلب على شعب الرب الُمختار ‪ ،‬إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب " ‪.‬‬
‫نجد أن رواية التلمود أكثر وضييوحا ميين رواييية التييوراة حيييث أنهييا لييم تييذكر مملكييتين ‪ ،‬وتؤكييد أن اسييم المملكيية‬
‫الجنوبية المقام فيها الهيكل هو إسرائيل وليس يهوذا كما ُذكر في التوراة ‪ .‬وأن ميين أسييقطوا عليهييم اسييم إسييرائيل‬
‫والمملكة الشمالية ‪ ،‬هم الذين ُأخرجوا من ديارهم ‪ ،‬ولم يقع فيهم السيبي الشيوري المزعيوم ‪ ،‬وبقيوا عليى حيالهم‬
‫خارج حدود المملكة ‪ ،‬حيث يذكر النص التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم " ترك النبي أورشليم وسافر إلييى بلد‬
‫بنيامين " ‪ .‬وبنيامين حسب التوراة هو الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬وهذا يوحي أن الحقد القديم بين الخييوة‬
‫الباء ‪ ،‬توارثه البناء على مّر العصور ‪ ،‬وبيأن السييباط الخيرى القويية ‪ ،‬أخرجييت سيبط بنييامين المستضييعف‬
‫عندما سيطرت على مقاليد الحكم بعد سليمان عليه السلم ‪ .‬وبالتالي ُيثبت هذا النص وقوع السبي البابلي ‪ ،‬وينفييي‬
‫وقوع السبي المسمى بالشوري ‪ .‬وأن أشور وبابل آنييذاك تسييميتان لمملكيية واحييدة عنييد كتبيية التييوراة ‪ ،‬وأن أحييد‬
‫مصادر التوراة ذكر على أنه بابلي ‪ ،‬والخر ذكره على أنه آشوري ‪ ،‬وأما نبوخذ نصر فتجده أحيانا ملكا وأحيانييا‬
‫وزيرا أو قائدا للجيش أو قائدا للحرس ‪.‬‬

‫مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولورشيلم بعد السبي البابلي ‪:‬‬

‫) من كتاب مراثي ارميا في نهاية سفره ( ‪ :1 " :‬كيف أصبحت المدينة الهلة بالسييكان مهجييورة وحيييدة ؟! هييذه‬
‫التي كانت عظيمة بين المم ‪ ،‬صارت كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ‪،‬‬
‫سيبيت‬ ‫لنهيا ‪ ،‬وأصيبحوا أعيداًء لهيا ‪ُ ،‬‬ ‫وتنهمر دموعها على خّديها ‪ ،‬ل ُمعّزي لها بين ُمحبيها ‪ ،‬غدر بها جمييع خ ّ‬
‫يهوذا إلى المنفى ‪ ، … ،‬فأقامت شقية بين المييم ‪ ، … ،‬تهيّدمت جميييع أبوابهييا ‪ ، … ،‬ارتكبييت أورشييليم خطيئة‬
‫ب جميييع جبييابرتي فييي‬ ‫نكراء فأصبحت نجسة ‪ ، … ،‬لم تذكر آخرتها لهذا كييان سييقوطها رهيبييا ‪ ، … ،‬بيّدد اليير ّ‬
‫ب العذراء بنت صهيون ‪ ،‬كما ُيييداس العنييب فييي‬ ‫شّباني ‪ ،‬داس الر ّ‬‫ي حشدا من أعدائي ليسحقوا ُ‬ ‫وسطي ‪ ،‬وأّلب عل ّ‬
‫ب عادل حقا ‪ ،‬وقد تمّردت على أمره ‪ ،‬فاستمعوا يا جميع الشييعوب ‪ ،‬واشييهدوا وجعييي ‪ ،‬قييد‬ ‫المعصرة ‪ ، … ،‬الر ّ‬
‫ي كهنتي وشيوخي في المدينة ‪ ، … ،‬ها السيييف يثكييل فييي الخييارج ‪،‬‬ ‫ي وشّباني إلى السبي ‪َ ، … ،‬فِن َ‬
‫ذهب عذارا َ‬
‫ويسود الموت في البيت … " ‪.‬‬
‫ب بل رحميية ‪ ،‬جميييع مسيياكن يعقييوب ‪ ، … ،‬وألحييق العييار بالمملكيية وحّكامهييا ‪ ،‬إذ س يّواها‬
‫" ‪ :2‬قييد هييدم اليير ّ‬
‫ل عزيز في عيوننييا ‪ ، … ،‬وهييدم جميييع‬ ‫بالرض ‪ ، … ،‬وّتر قوسه كعدّو ‪ ،‬نصب يمينه كُمْبِغض ‪ ،‬ذبح بقسوة ك ّ‬
‫قصورها ودّمر حصونها ‪ ، … ،‬جلس شيوخ ابنة صهيون علييى الرض صييامتين ‪ ،‬عّفييروا رؤوسييهم بالرميياد ‪،‬‬
‫‪94‬‬
‫وارتدوا المسوح ‪ ،‬وطأطأت عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الرض ‪ ،‬كّلت عينيياي ميين البكيياء ‪ ، … ،‬نّفييذ الييرب‬
‫ظييم قييوة‬
‫قضاءه ‪ ،‬وحقق وعيده الذي حكم به منذ الحقب السييالفة ‪ ،‬هييدم ولييم يييرأف ‪ ،‬فأشييمت بييك الخصييوم ‪ ،‬وع ّ‬
‫ب وتأّميل ‪ ، … ،‬قيد انطيرح الصيبيان والشييوخ فيي غبيار الطرقيات ‪ ،‬سيقط عيذارا َ‬
‫ي‬ ‫عدوك ‪ ، … ،‬انظر ييا ر ّ‬
‫شّباني بالسيف ‪ ،‬قد قتلتهم في يوم غضبك ‪ ،‬ونحرتهم من غير رحمة … "‬ ‫وُ‬
‫" ‪ :3‬أنا هو الرجل الذي شهد البلية ‪ ،‬التي أنزلها قضيب سيخطه ‪ ، … ،‬ولكين هيذا ميا ُأنياجي بيه نفسيي ‪ ،‬ليذلك‬
‫ن ‪ ،‬لن مراحمييه ل تييزول ‪ ، … ،‬فلميياذا يشييتكي النسييان حييين‬ ‫يغمرني الرجاء ‪ ،‬من إحسانات الرب ‪ ،‬أننا لم نفي َ‬
‫ُيعاقب على خطاياه ؟ … ‪ ،‬لنفحص طرقنييا ونختبرهييا ‪ ،‬ونرجييع إلييى الييرب ‪ ،‬لنرفييع أيييدينا وقلوبنييا إلييى الي فييي‬
‫السماوات ‪" … ،‬‬
‫" ‪ ، … :4‬لن عقاب إثم ابنة شعبي ‪ ،‬أعظم من عقاب خطيئة سدوم ‪ ،‬التي انقلبت في لحظة ‪ ،‬من غييير أن تمت يدّ‬
‫إليها يد إنسان ‪ ،‬كان ُنبلؤها ‪ ،‬أنقى من الثلج ‪ ،‬وأنصع من اللبن ‪ ،‬أجسادهم أكثر حميرة مين المرجيان ‪ ،‬وقامياتهم‬
‫ب كامييل‬‫كالياقوت الزرق ‪ ،‬فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ‪ ،‬فلم ُيعرفوا في الشوارع ‪ ، … ،‬نفث اليير ّ‬
‫ب حمّو غضبه ‪ ،‬وأضرم نارا في صهيون ‪ ،‬فالتهمت ُأسسها ‪ ، … ،‬عقابا لها على خطايا أنبيائهييا ‪،‬‬ ‫سخطه ‪ ،‬وص ّ‬
‫وآثام كهنتها ‪ ،‬الذين سفكوا في وسطها دماء الصّديقين ‪ ، … ،‬آذنت نهايتنا ‪ ،‬وتّمت أيامنا ‪ ،‬وأِزفت خاتمتنا ‪ ،‬كييان‬
‫ُمطاردونا أسرع من نسور السماء ‪ ،‬تعّقبونا على الجبال ‪ ،‬وترّبصوا بنا في الصحراء ‪" … ،‬‬
‫ب ما أصابنا ‪ ،‬انظر وعاين عارنا ‪ ،‬قد تحّول ميراثنا إلى الغرباء ‪ ،‬وبيوتنا إلى الجانب ‪ ،‬أصبحنا‬ ‫" ‪ :5‬اذكر يا ر ّ‬
‫أيتاما ل أب لنا ‪ ،‬وأمهاتنا كالرامل ‪ ، … ،‬داس ُمضطهدونا أعناقنا ‪ُ ،‬أعيينا ولييم نجييد راحيية ‪ ،‬خضييعنا باسييطين‬
‫أيدينا إلى أشور ومصر ‪ ،‬لنشبع خبزا ‪ ، … ،‬تسّلط علينا عبيييد ‪ ،‬وليييس ميين ُينقييذنا ميين أيييديهم ‪ ، … ،‬اغتصييبوا‬
‫عّلق النبلء ميين أيييديهم ‪ ،‬ولييم يييوّقروا الشيييوخ ) كبييار القييوم ( ‪.‬‬
‫النساء في صهيون ‪ ،‬والعذارى في ُمدن يهوذا ‪ُ ،‬‬
‫ف‬
‫شّبان للطحن ‪ ،‬وهوى الصبيان تحت الحطييب ‪ ،‬هجيير الشيييوخ ) كبييار السيين ( بّوابييات المدينيية ‪ ،‬وكي ّ‬ ‫خروا ال ُ‬
‫سّ‬
‫الشّبان عن غنائهم ‪ ،‬انقطع فرح قلوبنا ‪ ،‬وتحّول رقصنا إليى نيوح ‪ ،‬تهياوت أكالييل رؤوسينا ‪ ،‬فوييل لنيا لننيا قيد‬
‫شي على قلوبنا ‪ ،‬وأظلمت عيوننا ‪ ،‬لن جبل صهيون أصبح أطلل ‪ ،‬ترتع فيه الثعالب " ‪.‬‬ ‫غِ‬‫أخطأنا ‪ ،‬لهذا ُ‬

‫‪95‬‬
‫فلسطين عبر التاريخ‬

‫منذ نشأة مملكة اليهود الولى وحتى نشأة دولتهم الثانية‬

‫تاريخ ما قبل الميلد ‪:‬‬

‫طالوت ) شاول ( ملكًا على اليهود ‪ 1020 .‬ق‪.‬م‬


‫‪ 928 – 965‬ق‪.‬م‬ ‫عصر الملك سليمان وبناء الهيكل في القدس ‪.‬‬
‫‪ 928‬ق‪.‬م‬ ‫تقسيم دولة إسرائيل إلى مملكة إسرائيل ) شمالية ( ويهودا ) جنوبية ( ‪.‬‬
‫‪ 732‬ق‪.‬م‬ ‫فلسطين تحت الحكم الشوري ‪.‬‬
‫فتح الشوريون لمملكة إسرائيل ونهاية مملكة إسرائيل ) الشمالية ( ‪ 721 .‬ق‪.‬م‬
‫انتصار البابليين بقيادة " نبوخذ نصر" على مملكة يهودا ) في القدس ( وتدمير الهيكل وترحيل سكانها إلى بابل ‪.‬‬
‫‪ 586‬ق‪.‬م‬
‫‪ 333‬ق‪.‬م‬ ‫السكندر يهزم الفرس وتصبح فلسطين تحت الحكم اليوناني ‪.‬‬
‫‪ 323‬ق‪.‬م‬ ‫موت السكندر يؤدي لتغيير الحكم إلى البطالسة ) في مصر ( والسالوقيين ) في سوريا ( ‪.‬‬
‫‪ 301‬ق‪.‬م‬ ‫بداية حكم البطالسة ‪.‬‬
‫‪ 165‬ق‪.‬م‬ ‫تمّرد المكابيين ) اليهود ( ضد الحكم السالوقي ‪ ،‬للعمل على إنشاء دولة يهودية مستقلة ‪.‬‬
‫فلسطين ضمن المبراطورية الرومانية ) بعد استيلء الرومان عليها ( ‪ 63 .‬ق‪.‬م‬
‫استيلء الفرس على فلسطين ‪ 40 .‬ق‪.‬م‬
‫عودة الحكم الروماني الوثني للمنطقة ‪ 38 .‬ق‪.‬م‬
‫القضاء على المكابيين وابتداء حكم الهرادسة في فلسطين ‪ 37 .‬ق‪.‬م‬

‫تاريخ ما بعد الميلد ‪:‬‬

‫‪70‬م‬ ‫تدمير الهيكل الثاني على يد المبراطور الروماني ) تيطس أو تايتوس ( ‪.‬‬
‫إخماد ثورة ) باركوبا ( اليهودي ضد الرومان ‪ ،‬وإبعاد بقية اليهود عن القدس على يد المبراطور ) هادريييان ( ‪.‬‬
‫‪135 -132‬م‬
‫‪638 – 313‬م‬ ‫فلسطين تحت الحكم البيزنطي ) نسبة إلى بيزنطة ( ‪.‬‬
‫سس المبراطور قسيطنطين ‪ ،‬اليذي جعيل المسييحية اليدين الرسيمي للمبراطوريية ‪ ،‬عاصيمة‬ ‫) في عام ‪330‬م أ ّ‬
‫عرفت بالقسطنطينية ‪ .‬وفييي عييام ‪395‬م انقسييمت المبراطورييية الرومانييية ‪،‬‬ ‫جديدة للنصف الشرقي في بيزنطة ُ‬
‫إلى قسمين ‪ :‬شرقية عاصمتها بيزنطة ) القسطنطينية ( وغربية وعاصمتها روما ‪ ،‬ومييع اتخيياذ المسيييحية كديانيية‬
‫رسييمية للمبراطورييية الرومانييية ‪ ،‬بييدأ عصيير الضييطهاد المسيييحي لليهييود ‪ ،‬واسييتمّر حييتى منتصييف القييرن‬
‫الماضي (‬
‫‪638‬م‬ ‫العرب المسلمون يفتحون فلسطين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪1099 - 638‬م‬ ‫فلسطين تحت الحكم السلمي ) المويون ‪ ،‬العباسيون ‪ ،‬الفاطميون ‪ ،‬السلجقة ( ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الصليبيون يقيمون المملكة اللتينية في القدس ‪1187 - 1099 .‬م‬
‫صلح الدين اليوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين ‪1187 .‬م‬
‫‪1220‬م‬ ‫فلسطين تحت حكم المماليك بعد هزيمة المغول في موقعة عين جالوت ‪.‬‬
‫‪1917 - 1516‬م‬ ‫فلسطين جزء من المبراطورية العثمانية وعاصمتها استنبول ) القسطنطينية ( ‪.‬‬

‫تاريخ فلسطين الحديث ‪:‬‬

‫إنشاء أول مستوطنة زراعية صهيونية ) بتاح تكفا ( في فلسطين ‪1878 .‬م‬
‫البارون ) ادموند دورتشلد ( يبدأ دعمه المالي للمستوطنات اليهودية ‪1882 .‬م‬
‫أول موجة من ‪ 25‬ألف مهاجر صهيوني تدخل فلسطين ‪ ،‬وغالبيتهم من أوروبا الشرقية ‪1903 – 1882 .‬م‬
‫ينعقد المؤتمر الصهيوني الول " في بال بسويسرا " ويصدر " برنامج بال " الذي يدعو إلى إقامة وطن للشييعب‬
‫اليهودي في فلسييطين ‪ ،‬ويقييرر إنشيياء المنظميية الصييهيونية العالمييية ) ‪ ( WZO‬للعمييل ميين أجييل هييذا الهييدف ‪.‬‬
‫‪1897‬م‬
‫إنشاء أول كيبوتز على قاعدة العمل اليهودي ‪ ،‬إنشاء قاعدة تل أبيب شمالي يافا ‪1909 .‬م‬
‫* بداية الحرب العالمية الولى ‪1914 .‬م‬
‫المراسلت بين الشريف حسين )شريف مكة وقائد الثورة العربية ضد العثمانيون ( ‪ ،‬وبين سير هنري مكميياهون‬
‫) المندوب السامي في مصر ( تنتهي إلى اتفاق استقلل ووحدة البلد العربييية ‪ ،‬تحييت الحكييم العربييي بعييد انتهيياء‬
‫الحرب ‪3/1/1916 .‬م‬
‫اتفاقية ) سايكس بيكو ( السرية لتقسيم البلد العربية ‪ ،‬التي كيانت تحيت الحكييم العثميياني بييين بريطانييا وفرنسيا ‪.‬‬
‫‪16/5/1916‬م‬
‫) وقد كشف البلشفة ) الروس ( النقاب عنها في تشرين أول ‪1917‬م (‬
‫الشريف حسين يعلن استقلل العرب عن الحكم العثماني وبداية الثورة العربية ‪1916 .‬م‬
‫وزير الخارجية البريطاني ) بلفور ( يتعهد بالدعم البريطاني لوطن قومي لليهود في فلسطين ‪2/11/1917 .‬م‬
‫قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي البريطاني تحتل فلسطين ‪9/1917/- .‬م‬
‫* نهاية الحرب العالمية الولى ‪30/10/1918 .‬م‬
‫المجلس العلى لمؤتمر السلم سان ريمو يعطي بريطانيا النتداب على فلسطين ‪25/4/1920 .‬م‬
‫المندوب السامي سييير هربييرت صييموئيل السياسييي اليهييودي النجليييزي يدشيين " الدارة المدنييية البريطانييية " ‪.‬‬
‫‪1/7/1920‬م‬
‫عصبة المم تقّر النتداب على فلسطين ‪24/7/1921 .‬م‬
‫* بداية الحرب العالمية الثانية ‪1/9/1938 .‬م‬
‫اللجنة المريكية – النجليزية لتقصي الحقائق تصل إلى فلسطين ‪6/3/1946 .‬م‬
‫تقرير اللجنة المريكية النجليزية يقدر حجم القوات المسلحة اليهودية ) ‪ ( 69 - 61‬ألف فرد ‪ ،‬ويوصييي بقبييول‬
‫‪ 100.000‬يهودي في فلسطين ‪ ،‬وفلسطين تضرب احتجاجا ‪ ) .‬هنا تدخل العناية المريكية ( ‪5/1946/- .‬م‬
‫لجنة المم المتحدة الخاصة تقترح خطة للتقسيم ‪ ،‬والجامعة العربية ترفضها ‪ 8/9/1947 .‬م‬
‫بريطانيا تعلن أنها ستغادر فلسطين خلل ستة شهور إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ‪29/10/1947 .‬م‬

‫‪97‬‬
‫الجمعييية العامية للمييم المتحيدة ‪ ،‬توصيي بتقسييم فلسييطين بنسيبة ‪ %56.5‬لدولية يهودييية ‪ ،‬ونسييبة ‪ %43‬للدولية‬
‫الفلسطينية ‪ ،‬ومنطقة دولية حول القدس ‪29/11/1947 .‬م‬
‫الجامعة العربية تنظم جيش النقيياذ العربييي ) قييوة متطييوعين بقيييادة فييوزي القيياوقجي لمسيياعدة الفلسييطينيين فييي‬
‫مقاومة التقسيم ( ‪12/1947/- .‬م‬
‫بريطانيييا توصييي المييم المتحييدة بإنشيياء دولييتين يهودييية وفلسييطينية بعييد أسييبوعين ميين انتهيياء النتييداب ‪.‬‬
‫‪8/12/1947‬م‬
‫جيش النقاذ العربي يشن هجمات ناجحة على المستعمرات السرائيلية شمالي بيسان ‪16/2/1948 .‬م‬
‫القاوقجي يدخل فلسطين ويقود وحدات جيش النقاذ في مثلث جنين ‪ -‬نابلس‪ -‬طولكرم ‪7/3/1948-5 .‬م‬
‫الرئيس المريكي ) ترومان ( يدعو إلى هدنة فورية للقتال ‪25/3/1948 .‬م‬
‫عصابة ) شتيرن ( ترتكب مذبحة في دير ياسين بييالقرب ميين القييدس تسييفر عيين مقتييل أكييثر ميين ‪ 250‬شخصيًا ‪.‬‬
‫‪9/4/1948‬م‬
‫قرار لمجلس المن يدعو إلى هدنة ‪17/4/1948 .‬م‬

‫نهايللة النتللداب البريطللاني وإعلن الدولللة السللرائيلية مللن تللل أبيللب ‪.‬‬
‫‪15/5/1948‬م‬

‫القوات اللبنانية تعبر الحدود وتستعيد مؤقتا قرى المالكية وقدس من الهاجاناة ‪17/5/1948 -15 .‬م‬
‫القوات الردنية تعبر نهر الردن وتتحرك صوب القدس ‪ ،‬وتسيطر على الشيخ جراح والحي اليهودي في المدينة‬
‫القديمة ‪28/5/1948 -15 .‬م‬
‫الوحدات العراقية تعبر نهر الردن وتتحرك نحو مثلث نابلس ‪ -‬جنين ‪ -‬طولكرم ‪4/6/1948 – 15/5 .‬م‬
‫القوات المصرية تعبر الحدود وتتحرك عبر الساحل إلى اسدود ‪7/6/19489 – 15/5 .‬م‬
‫تقدم الطوابير السورية عبر الشمال ‪10/6/1948 -16/5 .‬م‬
‫مجلس المن الدولي يعين الكونت ) فولك برنادوت ( كوسيط دولي في فلسطين ‪20/5/1948 .‬م‬
‫قرار مجلس المن الدولي بوقف إطلق النار ‪1948 /22/5 .‬م‬
‫الهدنة الولى ‪8/7/1948 -11/6 .‬م‬
‫الهدنة الثانية ‪15/10/1948 -18/7 .‬م‬
‫تقرير الوسيط الدولي ) برنادوت ( يقترح تقسيم فلسطين الى دولتين ؛ عربية وإسرائيلية ‪ ،‬مع بقاء القييدس منطقيية‬
‫دولية وُترفض من العرب وإسرائيل ‪16/9/1948 .‬م‬
‫اغتيال الوسيط الدولي ) برنادوت ( في القدس بواسييطة عصييابة ) شييتيرن ( ‪ ،‬ويخلفييه نييائبه المريكييي ) رالييف‬
‫باتش ( ‪.‬‬

‫عام ‪1949‬م ‪:‬‬

‫توقيع اتفاقيات الهدنة من قبل الدول العربية التي شاركت في حرب ‪ 48‬باستثناء العراق ‪:‬‬
‫‪ 24/2‬الهدنة المصرية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 23/3‬الهدنة اللبنانية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 3/4‬الهدنة الردنية ‪ -‬السرائيلية ‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ 20/5‬الهدنة السورية – السرائيلية ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫المراحل الزمنية في تاريخ اليهود حسب ما جاءت فللي سللورة‬
‫السراء‬
‫بعد كل ما تقدم وبالنظر مليا في اليات من ) ‪ ( 8 – 4‬من سورة السراء ‪ ،‬نجد أن هناك خمس مراحل زمنية في‬
‫تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬توضحت على النحو التالي ‪:‬‬
‫عُلّوا َكِبي فًرا‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتففا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫♦ المرحلة الولى ‪َ ) :‬وَق َ‬
‫)‪(4‬‬
‫) زمن موسى عليه السلم حيث أوحى إليه ربه عز وجل ‪ ،‬فيما أنزل إليه من الكتاب نص هذه النبوءة ‪ ،‬والرجح‬
‫أنها أنزلت في بداية فترة التيه قبل أربعين عاما ‪ ،‬من دخولهم الول للرض المقدسة ( ‪.‬‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪(5‬‬
‫ن َو ْ‬
‫عُد ُأوَلُهَما ………………… …… …… َوَكا َ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫♦ المرحلة الثانية ‪َ ) :‬فِإَذا َ‬
‫) منذ نهاية فترة التيه … بدء حرب الملك طالوت لدخول الرض المقدسة …ُملييك ونبيّوة داود وسييليمان عليهمييا‬
‫السلم … ُملك ُمتوارث بدون نبّوة ‪ :‬فساد وإفساد … حتى السبي البابلي سنة ‪ 586‬قبل الميلد ( ‪.‬‬
‫♦ المرحلة الثالثة ‪ُ … ) :‬ثّم … )‪(6‬‬
‫) منذ السبي البابلي … بعث عيسى عليه السلم … نزول سورة السراء بنص هذه النبوءة سيينة ‪621‬م … إلييى‬
‫ما قبل حرب ‪1948‬م ( ‪.‬‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪(7‬‬
‫عَلْيِهْم … … … … … َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫♦ المرحلة الرابعة ‪َ ) :‬رَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫) منذ قيام دولة إسرائيل ) ‪15/5/1948‬م ( … وانتصار الجيش إسرائيلي فييي حروبييه … ووصييول الدوليية إلييى‬
‫قمة مجدها … حتى نهايتها ( ‪.‬‬
‫عْدَنا … ) ‪(8‬‬
‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫حَمُكْم َوِإ ْ‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬
‫ع َ‬
‫♦ المرحلة الخامسة ‪َ ) :‬‬
‫) منذ نهاية إسرائيل … قيام الدولة العربية المتحدة في بلد الشام والعراق … الحرب العالمية النووية الثالثة …‬
‫ظهور المهدي … معارك المهدي … قيام المبراطورية السلمية وعاصييمتها القييدس … خييروج الييدجال …‬
‫نزول عيسى عليه السلم … هروب الدجال وأتباعه إلى فلسطين … قتل اليدجال … نطيق الحجيير والشييجر …‬
‫حتى الذبح النهائي لبني إسرائيل على أرض فلسطين ( ‪.‬‬

‫] نهاية الجزء الول [‬

‫‪100‬‬
‫الجزء الثاني‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫المؤامرة اليهودية على العالم‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫دسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬


‫الكتب المق ّ‬

‫‪101‬‬
‫المؤامرة اليهودية على العالم‬
‫ططففوا لففه عنففد طلففوع‬
‫" ويل للُمتآمرين بالسوء ‪ ،‬الذين يحيكون الشّر وهم في مضاجعهم ‪ ،‬الذين ُينّفذون مففا خ ّ‬
‫الفجر ‪ ،‬لن ذلك في ُمتناول أيديهم ‪ ،‬يشتهون حقول فيغتصففبونها ‪ ،‬وبيوتففا فيسففتولون عليهففا ‪ ،‬يجففورون علففى‬
‫الرجل وعلى بيته ‪ ،‬وعلى النسان وميراثه " ) التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪. ( 2-1 :2 ،‬‬
‫" قد باد الصالح من الرض ‪ ،‬واختفى الُمستقيم من الناس ‪ ،‬جميعهم يكمنون لسفك الدماء ‪ ،‬وكففل واحففد منهففم‬
‫جّد أيديهم في ارتكاب الشّر ‪ ،‬ويسعى الرئيس والقاضففي وراء الرشففوة ‪ ،‬ويملففي العظيففم عليهففم‬ ‫يقتنص أخاه ‪َ .‬ت ِ‬
‫ق ‪ .‬أفضففلهم مثففل العوسففج ‪ ،‬وأكففثرهم اسففتقامة مثففل سففياج الشففوك "‬
‫أهواء نفسه ‪ ،‬فيتآمرون جميعا على الحف ّ‬
‫) التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪. ( 3-2 :7 ،‬‬
‫طها قلم كاتب عربييي أو غربييي حاقييد علييى‬ ‫هذه النصوص التي تكشف حقيقة اليهود والعقلية التي يفّكرون ‪ ،‬لم تخ ّ‬
‫اليهود واليهودية ‪ ،‬من المعادين للسامية اليهودية ‪ ،‬وإنما جاءت في التوراة ‪ ،‬كتيياب اليهييود والنصييارى المقيّدس ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك ما زال الكثير ‪ ،‬من مفكري وكتاب العرب في هذا العصر الغبر ‪ ،‬ينكر أن هناك مؤامرة ُتحاك‬
‫ضد كل ما هو مسلم وضد كل ما هو عربي ‪ ،‬بل ضد كل ما هو غير يهودي ‪ ،‬ويتهمون كل من يقول بذلك ‪ ،‬بييأنه‬
‫من مؤيدي نظرية المؤامرة التي ل أصل لها من الصحة ‪ .‬أما ما نقوله نحن في هؤلء أحد أمرين ‪ ،‬إما أن يكونوا‬
‫شركاء في المؤامرة ‪ ،‬ويعملون ما بوسعهم لتجهيل الناس بعلم ‪ ،‬حتى ل يتنّبهوا لسيلحتها ورموزهييا فُيقاوموهيا ‪،‬‬
‫ب غير الذي نعيش فيه ‪ُ ،‬يدلون بدلوهم لُيضّلوا الناس بغير علم ‪.‬‬‫وإما أن يكونوا ُأناس يعيشون على سطح كوك ٍ‬

‫الديانة اليهودية ‪:‬‬

‫ك )‪ 156‬العراف ( ‪ ،‬وذلييك بعييد‬ ‫لنعلم أن تسمية القرآن لبني إسرائيل باليهود ‪ُ ،‬أطلقت عليهم لقولهم ) ِإّنا ُهْدَنا ِإَلْي َ‬
‫اتخاذهم العجل ‪ ،‬بمعنى أنهم أعلنوا التوبة عن فعلهم والرجوع إلى ال ‪ ،‬وفي الحقيقة كييان ذلييك قييولهم بألسيينتهم ‪،‬‬
‫شِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهُم اْلِعجَْل‬ ‫صْيَنا َوُأ ْ‬
‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫شغفت بعبادة العجل ‪ ،‬حيث قال سبحانه ) َقاُلوا َ‬ ‫وأما قلوبهم فُأشربت و ُ‬
‫ن )‪ 93‬البقرة ( ‪ ،‬وكان هيذا حيالهم بمعيية نيبيهم موسيى علييه‬ ‫ن ُكْنُتْم ُمْؤِمِني َ‬
‫سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإ ْ‬
‫ِبُكْفِرِهْم ُقْل ِبْئ َ‬
‫ن َهففاُدوا‬ ‫ن اّلفِذي َ‬‫السلم ‪ .‬ولم يختلف حالهم مع نبينيا محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬حييث قيال فيهيم سيبحانه ) ِمف َ‬
‫طْعًنففا ِفففي‬
‫س فَنِتِهْم َو َ‬
‫عَنا َلّيا ِبَأْل ِ‬
‫سَمٍع ‪َ ،‬وَرا ِ‬ ‫غْيَر ُم ْ‬ ‫سَمْع َ‬
‫صْيَنا ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬‫ن َ‬ ‫ضِعِه ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫ن َمَوا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬
‫حّرُفو َ‬ ‫ُي َ‬
‫لف ِبُكْفِرِهفْم َف َ‬
‫ل‬ ‫ن َلَعَنُهفُم ا ُّ‬‫خْيفًرا َلُهفْم َوَأْقفَوَم َوَلِكف ْ‬ ‫ن َ‬‫ظْرَنفا ‪َ ،‬لَكفا َ‬‫سفَمْع َواْن ُ‬‫طْعَنفا َوا ْ‬‫سفِمْعَنا َوَأ َ‬‫ن ‪َ ،‬وَلْو َأّنُهْم َقاُلوا َ‬ ‫الّدي ِ‬
‫ل )‪ 46‬النساء ( ‪.‬‬ ‫ن ِإّل َقِلي ً‬
‫ُيْؤِمُنو َ‬
‫وأما الديانة اليهودية ‪ :‬فهي معتقد ‪ ،‬اختلط فيه شيء من بقايا مشّوهة لكتب أنبيائهم ‪ ،‬مع آراء وتفسيرات أحبييارهم‬
‫ومعتقدات وأساطير وخرافات القوام ‪ ،‬التي عاشوا فيما بينها على مّر العصور ‪ ،‬ومصدر هذه العقيدة في الصل‬
‫هو التوراة ‪ ،‬والتي سبق أن قلنا أنها ُكتبت بشكلها النهائي في القرن الول الميلدي ‪ ،‬قبييل خروجهييم النهييائي ميين‬
‫فلسطين وتشّتتهم في كافة أرجاء الرض ‪.‬‬
‫وفيما بعييد السييبي البييابلي ‪ ،‬قييام كهنتهييم وأحبييارهم ) حكمييائهم ( بتييأليف ُكتييب جمعييوا فيهييا ‪ ،‬معتقييداتهم وآرائهييم‬
‫ت به موسى عليه السلم مكتوبا ‪ ،‬والذي تنيياقلوه شييفاها‬ ‫وشروحهم للتوراة ‪ ،‬وقالوا أنها القانون الشفوي الذي لم يأ ِ‬
‫سيّمي بييالتلمود ‪ ،‬والييذي يعتييبرونه أكيثر ُقدسييية ميين التيوراة نفسيها ‪،‬‬
‫جمعت هذه المؤلفيات فيمييا ُ‬ ‫عبر الجيال ‪ ،‬و ُ‬
‫جمع في بابييل عييام ‪ 500‬م‬ ‫ي تلمود أورشليم ‪ ،‬والخر ُ‬ ‫سم َ‬ ‫جمع في فلسطين عام ‪ 400‬م و ُ‬ ‫ولديهما تلمودان أحدهما ُ‬
‫ي تلمود بابل وهو الشهر ويقع في ‪ُ 36‬مجّلدا ‪ .‬وقد كان التلمود ُيعامل بسرية فيما بين اليهود ‪ ،‬وقد تم طبعييه‬ ‫سم َ‬‫وُ‬
‫في أوروبا في القرون الوسطى ‪ ،‬وكّلما ُأكتشف أمره في الدول الوربية ‪ ،‬كييان ُيصيادر وُيجميع وُيحييرق ‪ ،‬وكيان‬
‫اكتشافه سببا في كثير من حالت الضطهاد والتعذيب والقتييل والنفييي لليهيود ‪ .‬وميين هييذا نخلييص إلييى أن الديانيية‬
‫اليهودية ‪ ،‬هي ما جاء من معتقدات في التلمود أول وثانيا وثالثا … ‪ ،‬والتوراة على ما بقي فيها من وحي أخيرا ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ماهية التلمود ومعتقدات اليهود ‪:‬‬
‫ل ) ُمبالغ فيه ( وبعضها كريه ‪،‬‬
‫قال د‪ ) .‬جوزيف باركلي ( أحد الباحثين في التلمود ‪ " :‬وبعض أقوال التلمود مغا ٍ‬
‫وبعضها الخر كفر ‪ ،‬ولكنها تشّكل في صورتها المخلوطة أثرًا غير عادي ‪ ،‬للجهد النساني ‪ ،‬وللعقل النساني ‪،‬‬
‫وللحماقة النسانية " ‪.‬‬
‫ي ) تعيياليم التلمييود ( لظفيير السييلم‬
‫ومما جاء في التلمود من تعاليم ‪ ،‬نعرض بعييض المقتطفييات التالييية ميين كتيياب ّ‬
‫خان ‪ ،‬و) بروتوكولت حكماء صهيون ( لعجاج نويهض ‪:‬‬
‫يقول عجاج نويهض ‪ :‬هذه الكلمات للعلمة ) بولس حنا مسعد ( صاحب كتيياب ) همجييية التعيياليم الصييهيونية ( ‪،‬‬
‫شر به العالم ‪ ،‬وللمسلم قرآنه ينشره بين جميع الشييعوب ‪ ،‬أمييا‬ ‫ومما قاله المؤلف في مقدمته ‪ " :‬للمسيحي إنجيله يب ّ‬
‫السرائيلي فله كتابان ؛ كتاب معروف وهو التييوراة ل يعمييل بييه ‪ ،‬والخيير مجهييول ل يعرفييه العييالم ) التلمييود (‬
‫ضله على الول ويدرسه خفية وهو أساس كل مصيبة ‪ .‬والنصارى يؤمنون بأن ال هو أبو الجميع ‪ ،‬والمسلمين‬ ‫يف ّ‬
‫يعترفون بأن ال رب العالمين ‪ .‬أما الصهيونيون يريدون أن يكيون الليه لهيم وحيدهم ‪ ،‬زد عليى ذليك أن التلميود‬
‫ص على أن جميع خيرات الرض ملك لبني إسرائيل ‪ ،‬وأن النصارى والمسيلمين وعبيدة الوثيان خلقيوا عبييدا‬ ‫ين ّ‬
‫لهم ‪ .‬هم منحدرون من ال كما ينحدر البن من أبيه ‪ ،‬وشعوب الرض مشّتقة من الرواح النجسيية ‪ ،‬ولييم ُيعطييوا‬
‫صورة النسانية إل إكراما لبني إسرائيل " ‪.‬‬
‫نظرة التلمود لكافة البشر ‪:‬‬

‫" المخلوقات نوعان ؛ علوي وسيفلي ‪ .‬العييالم يسييكنه سييبعون شييعبا بسييبعين لغيية ‪ .‬إسييرائيل صييفوة المخلوقييات ‪،‬‬
‫جن ‪ .‬إن نفييوس‬ ‫واختاره ال لكي تكون له السيادة العليا على بني البشر جميعا سيييادة النسييان علييى الحيييوان الُمييد ّ‬
‫اليهود منّعم عليها بأن تكون جزءا من ال ‪ ،‬فهي تنبثق من جييوهر الي كمييا ينبثييق الولييد ميين جييوهر أبيييه ‪ ،‬وهييذا‬
‫السبب يجعل نفس اليهودي أكثر قبول عند ال وأعظم شأنا عند ال من نفوس سائر الشييعوب ‪ ،‬لن هييؤلء ُتشييت ّ‬
‫ق‬
‫نفوسهم من الشيطان وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد " ‪.‬‬
‫ولهيذا يقيول التلميود ‪ " :‬أن زرع ) نطفية ( الرجيل غيير اليهيودي هيي زرع حييواني ‪ .‬وزرع الغيراب كيزرع‬
‫الحصان ‪ .‬وإن غير اليهود كلب عنيد اليهيود ‪ .‬وإن غيير اليهيودي ل يختليف بشييء عين الخنزيير اليبري ‪ .‬وإن‬
‫بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات ‪ ،‬وقد ُكتب على شعوب الرض ‪ :‬لحومكم ميين لحييوم الحمييير وزرعكييم ميين‬
‫زرع الحيوانات ‪ .‬وكما أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها ‪ ،‬هكذا أبناء إسرائيل يجب أن يعيشوا من خيييرات‬
‫المم دون أن يتحّملوا عناء العمل " ‪.‬‬

‫نظرة التلمود إلى العرب ) القدماء ( ‪:‬‬

‫أمة ُمحتقرة ‪ ،‬من العار الزواج بعربية ‪ ،‬يعبيدون الصينام ‪ ،‬مرتكبيو تسيعة أعشيار الجيرائم فيي العيالم ‪ ،‬صيفتهم‬
‫الغدر وكراهية اليهود ‪ ،‬كانوا قادة تخريب الهيكل مع نبوخذ نصر ‪.‬‬

‫التعامل مع الملل الخرى ‪:‬‬

‫" إن عبدة الوثان الذين ل يعتنقون الدين اليهودي والمسيحيين والمسلمين ‪ ،‬هم في نظر اليهود أعداء ال وأعييداء‬
‫اليهود " ‪ .‬و" يسمح التلمود لصدقاء ال وأقاربه في أن ُيضّلوا الشرار " ‪ .‬و" ممنوع السييلم علييى الكفييار " ‪،‬‬
‫ش الغريييب وتييدينه بالربييا الفيياحش " ‪ .‬و" يجييب انييتزاع قلييب‬
‫ن " الرييياء مسييموح بييه " ‪ .‬و" ُيمكنييك أن تغي ّ‬
‫ولكي ّ‬
‫النصراني من جسده وإهلك علية القوم منهم " ‪ .‬و" إذا رّد أحد اليهود إلى الغريب ما أضاعه فالرب ل يغفيير لييه‬
‫أبدا " ‪ .‬و" ُأقتل عبدة الوثان ولو كان أكثر الناس كمال " ‪ .‬و" إذا وقع وثني في حفرة فاسييددها عليييه بحجيير " ‪.‬‬
‫و" من يسفك دم الكفار ) غير اليهييود ( بيييده يقيّدم قربانييا ُمرضيييا لي " ‪ .‬وإجمييال يقيول التلمييود ‪ :‬أن مين ينتهييك‬
‫الوصايا العشر مع غير اليهود فهو جائز بل واجب ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫التجديف على الله ‪:‬‬

‫" اليهود يضعون التلمود فوق التوراة والحاخام فوق ال ‪ ،‬وال يقرأ وهو واقف على قييدميه ‪ ،‬ومييا يقييوله الحاخييام‬
‫يفعله ال ‪ ،‬إن تعاليم اللهوتيين في التلمود لهي أطيب ميين كلم الشييريعة ) كلم الي ( ‪ ،‬والخطايييا الُمقترفيية ضييد‬
‫التلمود لهي أعظم من المقترفة ضد التوراة " ‪ .‬و" إن الرباني مناحيم ُيطلعنا بالتفاق مع كثير من العلميياء ‪ ،‬علييى‬
‫أن ال يأخذ رأي الربانيين على الرض ‪ ،‬فييي المشيياكل الييتي تنشييأ فييي السييماء " ‪ .‬و" إن كلمييات الربييانيين أشيدّ‬
‫عذوبة من كلمات النبياء … وذلك لن كلماتهم هي كلمات ال " ‪.‬‬
‫و" إن ال قد تاب عن تركه بني إسرائيل يرتطمون في الشقاء كمن يتييوب عيين إثييم شخصييي ‪ . " … ،‬و" أن الي‬
‫ل قسمه بقسم آخيير نظيييره ‪ . " … ،‬و" أن الي قييد‬ ‫عندما ُيقسم في كل مرة بدون ُمبّرر معقول ‪ ،‬فمن اللزم أن يح ّ‬
‫ب إلييى‬
‫أقسم بغير عدل ‪ ،‬وارتكب خطيئة الكذب لكي يلقي السلم والوئام بين سارة وإبراهيم " ‪ .‬و" أن اليهود أح ي ّ‬
‫ال من الملئكة ‪ ،‬فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العناية اللهية سواء بسواء ‪ ،‬وهذا ُيفسر لنييا اسيتحقاق اليوثني‬
‫وغير اليهودي الموت إذا ضرب يهوديا " ‪ .‬و" وإذا أراد الرجل أن يقترف ذنبا فعليه أن يييذهب إلييى مكييان ‪ ،‬هييو‬
‫مجهول فيه ‪ ،‬لئل ُيهين ال علنية " ‪.‬‬

‫الملئكة ‪:‬‬

‫" إن عمل الملئكة الرئيسي سكب النوم على عيون البشر وحراستهم في الليل ‪ ،‬أما في النهار فإنهم ُيصيّلون عيين‬
‫البشر ‪ ،‬ولذلك يجب أن نلتجئ إليهم " ‪.‬‬

‫النبياء ‪:‬‬

‫" أن إبراهيم أكل ‪ 74‬رجل ‪ ،‬وشرب دمائهم دفعة واحدة ‪ ،‬ولذلك كان له قوة ‪ 74‬رجل " ‪ .‬وصييفوا عيسييى عليييه‬
‫السلم بالحمق والمجييذوم و" غشيياش بنييي إسييرائيل " ‪ ،‬واتهمييوا أمييه بالزنييا ‪ ،‬وتلميييذه بالملحييدين ‪ ،‬والنجيييل‬
‫بالكتاب المملوء بالثم ‪.‬‬

‫التنجيم ‪:‬‬

‫يعتقد التلمود اعتقادا جازما ‪ ،‬بأن التنجيم علم يتحكم بحياة الناس ‪ ،‬ومن أقوالهم ‪ " :‬إن تأثير النجوم تجعييل الرجييل‬
‫ذكيا ‪ ،‬وبنو إسرائيل تحت تأثير النجوم " ‪ " ،‬إن كسوف الشمس آية سوء للشعوب ‪ ،‬وخسوف القمر آية سوء لبني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لن إسرائيل تعتمد في بقائها على القمر " ‪.‬‬

‫السحر ‪:‬‬

‫ن ‪ ،‬وفيييه أن الرواح الشييريرة‬


‫والتلمييود مليييء بطقييوس السييحر والشييعوذة والعرافيية ‪ ،‬وطييرق التصييال بييالج ّ‬
‫والشياطين والجنيات من ذرية آدم ‪ .‬وأنهم يطيرون في كل اتجاه ‪ ،‬وهم يعرفون أحوال المستقبل باستراق السمع ‪،‬‬
‫وهم يأكلون ويشربون ويتكاثرون مثل النسان ‪ ،‬ويجوز للناس استشارة الشيطان في آخر أيام السبوع ‪.‬‬

‫الروح والبعث والجزاء ‪:‬‬

‫لهم فيها أقوال شتى ‪ " ،‬تنتقل نفس اليهودي بعد موته إلى جسييد آخيير ‪ ،‬وعنييدما يلفييظ المتقييدم فييي السيين أنفاسييه ‪،‬‬
‫تسرع نفسه إلى جنين في بطن أمه " ‪ .‬ومنهييا ؛ أن اليهييودي الييذين يقتييل يهوديييا " تييدخل روحييه فييي الحيوانييات‬
‫ي عشر شهرا ‪ ،‬ثم تعود ثانية لتدخل في الجمادات ‪ ،‬ثييم‬ ‫والنباتات ‪ ،‬ثم تذهب إلى الجحيم وتعّذب عذابا أليما مدة اثن ّ‬
‫في الحيوانات ‪ ،‬ثم في الوثنيين ‪ ،‬حتى ترجع إلى جسد يهودي بعد تطهيرها " ‪ .‬ويقولون أن الجنة ليييس فيهييا أكييل‬
‫أو شرب ‪ ،‬أو زواج أو تناسل … ‪ ،‬وإنما يجلس الصالح فيها بوقار وسكينة ‪ ،‬ويقولون أن نار جهنم ل سلطان لها‬
‫على ُمذنبي بني إسرائيل ‪ ،‬ول سلطان لها على تلمذة الحكماء ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ويقولون أنه ل حساب بعد انفصال الروح عن الجسد ‪ .‬ويقولون " المشييروبات السييماوية هييي الخمييور الفيياخرة ‪،‬‬
‫المعّتقة المحفوظة من يوم الخليقية السيادس ‪ ،‬وهيذه الجّنية اللذييذة ل ييدخلها إل اليهيود الصيالحون ‪ ،‬أميا البياقون‬
‫جون في نييار جهنييم " ‪ .‬و" … ‪ ،‬ويييأتي المسييلمون بعييد النصييارى لنهييم ل يغسييلون سييوى أيييديهم وأرجلهييم‬
‫فُيز ّ‬
‫وأفخاذهم وعوراتهم ‪ ،‬كل هؤلء ُيحشرون حشرا في جهنم ول يغادرونها أبدا " ‪.‬‬

‫التطلع الدائم للملك ‪:‬‬

‫" إن المسيح ) الذي ينتظرون ظهوره ( ُيعيد قضيب الُملك إلى إسرائيل ‪ ،‬فتخدمه الشعوب وتخضع لييه الممالييك ‪،‬‬
‫ول يأتي ما لم ينقرض ُملك الشعوب غير اليهودية ‪ ،‬ذلك أن إسرائيل إذا كان صالحا ‪ ،‬يجب علييه أن يعميل بغيير‬
‫هوادة ‪ ،‬في العمل على أن ينبذ المتسّلطين ) الحكام ( على الشعوب نبذ النييواة ‪ ،‬لن السييلطة علييى الشييعوب غييير‬
‫اليهودية هي من نصيب اليهود فقط ‪ ،‬وفي كل مكان يدخله اليهود يجييب أن يكونييوا هييم المتسيّلطين ‪ ،‬وطالمييا هييم‬
‫بعيدون عن تحقيق هذه الفكرة فيعتبرون أنفسهم منفيين وغرباء " ‪.‬‬
‫صل لدينا لما جاء في التلمود من أفكار وأقوال لحاخامات اليهود ( ‪.‬‬
‫) وهذا المقتطفات جزء يسير مما تح ّ‬
‫عَنففا‬ ‫سفَمٍع َوَرا ِ‬ ‫غْيفَر ُم ْ‬ ‫سفَمْع َ‬ ‫صْيَنا َوا ْ‬
‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضِعِه َوَيُقوُلو َ‬ ‫ن َمَوا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬‫حّرُفو َ‬ ‫ن َهاُدوا ُي َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬
‫قال تعالى ) ِم َ‬
‫ن َلَعَنُهفُم‬‫خْيفًرا َلُهفْم َوَأْقفَوَم َوَلِكف ْ‬‫ن َ‬ ‫ظْرَنا َلَكا َ‬‫سَمْع َواْن ُ‬ ‫طْعَنا َوا ْ‬ ‫سِمْعَنا َوَأ َ‬
‫ن َوَلْو َأّنُهْم َقاُلوا َ‬ ‫طْعًنا ِفي الّدي ِ‬ ‫سَنِتِهْم َو َ‬ ‫َلّيا ِبَأْل ِ‬
‫ن َقْبفِل َأ ْ‬
‫ن‬ ‫صفّدًقا ِلَمففا َمَعُكفْم ِمف ْ‬‫ب َءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنففا ُم َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ل )‪ (46‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ن ِإّل َقِلي ً‬‫ل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ل ِبُكْفِرِهْم َف َ‬ ‫ا ُّ‬
‫ل ف َل‬ ‫ن ا َّ‬‫ل ف َمْفُعففولً )‪ِ (47‬إ ّ‬ ‫ن َأْمفُر ا ِّ‬‫ت َوَكففا َ‬‫سفْب ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫صف َ‬‫عَلى َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما َلَعّنا َأ ْ‬ ‫جوًها َفَنُرّدَها َ‬ ‫طِمسَ ُو ُ‬ ‫َن ْ‬
‫ظيًما )‪َ (48‬أَلْم َتَر ِإَلففى اّل فِذي َ‬
‫ن‬ ‫عِ‬‫ل فََقِد اْفَتَرى ِإْثًما َ‬ ‫ك ِبا ِّ‬‫شِر ْ‬‫ن ُي ْ‬ ‫شاُء َوَم ْ‬ ‫ن َي َ‬ ‫ك ِلَم ْ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُي ْ‬ ‫َيْغِفُر َأ ْ‬
‫ب َوَكَفى ِبفِه ِإْثمًففا‬ ‫ل اْلَكِذ َ‬ ‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َيْفَتُرو َ‬ ‫ل )‪ (49‬اْنظُْر َكْي َ‬ ‫ن َفِتي ً‬‫ظَلُمو َ‬ ‫شاُء َوَل ُي ْ‬ ‫ن َي َ‬
‫ل ُيَزّكي َم ْ‬ ‫سُهْم َبِل ا ُّ‬ ‫ن َأْنُف َ‬
‫ُيَزّكو َ‬
‫ن َكَف فُروا َه فُؤلَِء‬ ‫ن ِلّل فِذي َ‬
‫ت َوَيُقوُلففو َ‬‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫جبْ ِ‬‫ن ِباْل ِ‬
‫ب ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬ ‫صيًبا ِم َ‬‫ن ُأوُتوا َن ِ‬ ‫ُمِبيًنا )‪َ (50‬أَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫صيًرا )‪ 52‬النساء ( ‪.‬‬ ‫جَد َلُه َن ِ‬
‫ن َت ِ‬‫ل َفَل ْ‬
‫ن ا ُّ‬‫ن َيلَْع ِ‬‫ل َوَم ْ‬ ‫ن َلَعَنُهُم ا ُّ‬‫ك اّلِذي َ‬ ‫ل )‪ُ (51‬أوَلِئ َ‬ ‫سِبي ً‬
‫ن َءاَمُنوا َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫َأْهَدى ِم َ‬

‫المؤامرة اليهودية ‪:‬‬


‫هي شجرة شيطانية ل تراها فوق أنفك ‪ ،‬ول ترى رسييمها فييوق السييطور ‪ ،‬بييذورها التييوراة وجييذورها التلمييود ‪،‬‬
‫وجذعها بروتوكولت الحكماء ‪ ،‬وفروعهييا الهيئات والمنظميات الدوليية ‪ ،‬وأوراقهيا كيل وسييائل العلم المرئييية‬
‫والمسموعة والمكتوبة ‪ ،‬وثمارها اللحاد والنحلل ‪ُ .‬أنتجييت بييذورها فييي ألمانيييا ونقلييت وُزرعييت فييي بريطانيييا‬
‫غرست في أمريكا ‪ ،‬ذات الراضي‬ ‫سقيت بماء الذهب ‪ ،‬وأضيف إليها سماد الشهوة ‪ ،‬ولما استقام عودها ُنقلت و ُ‬ ‫وُ‬
‫الخصبة لمثل هذا النوع من الشجار ‪ ،‬فاشتّد عودها وارتفع حتى بلغ عنان السماء ‪ ،‬وامتييدت جييذورها إلييى شييتى‬
‫بقاع الرض ‪ ،‬وبدأنا نقطف شيئا من بواكير ثمارها ‪ ،‬وعندما ينضييب ميياء الييذهب ميين الرض ‪ ،‬سييتعلن حربهييا‬
‫المدّمرة علييى العييالم ‪ ،‬لنقطييف الفييوج الثيياني ميين ثمييار الفقيير والمجاعيية والمييرض ول علج ‪ .‬آنييذاك يييأتي يييوم‬
‫صييب‬ ‫الحصاد ‪ ،‬قيام مملكة داود الدكتاتورية العالمية البدية ‪ ،‬على أطلل المسجد القصى في قدس القداس ‪ ،‬لُين ّ‬
‫العجل الذهبي إله أوحدا لكل البشر ‪.‬‬

‫المؤامرة الولى في تاريخ بني إسرائيل‬

‫ن )‪(7‬‬
‫سائ ِِلي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫خوَت ِهِ َءاَيا ٌ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ُيو ُ‬
‫كا َ‬ ‫قال تعالى ) ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬

‫سورة يوسف وبالرغم من تسميتها باسيمه علييه السييلم ‪ ،‬فهييي تحكيي فييي الواقيع قصية ُأخيوة يوسييف ‪ ،‬وتيروي‬
‫تفاصيل أول مؤامرة حاكها ونفذها بنوا إسرائيل ) يعقوب ( بدم بارد ‪ ،‬ضد أبيهم وأخيهم يوسف عليهمييا السييلم ‪،‬‬
‫أحّبهم إلى قلب أبيييه وبوحشييية منقطعيية النظييير ‪ ،‬وقيوله تعييالى ) فييي يوسييف وأخييوته آيييات للسييائلين ( يؤكييد أن‬
‫ل على عدم إيمانهم بال وما جيياء بييه أنبييياءه ‪ ،‬ميين علييم‬
‫موضوع السورة هو ما قام به أخوة يوسف من أفعال ‪ ،‬تد ّ‬
‫وموعظة وحكمة ‪ ،‬وأنهم لما كادوا ليوسف ما كادوه ‪ ،‬كانوا قد أغفلوا كليا وجيود الي سييبحانه وتعييالى ‪ ،‬وأنكييروا‬

‫‪105‬‬
‫ططون له رأسا عليى عقيب ‪ ،‬وأنكيروا أيضيا نبيوة أبيهيم‬
‫قدرته على التدخل بمجريات المور ‪ ،‬وقلب نتائج ما ُيخ ّ‬
‫يعقوب عليه السلم ‪.‬‬

‫أخوة يوسف ليسوا أنبياء ‪:‬‬

‫ن‬
‫ك َكْيفًدا ِإ ّ‬
‫ك َفَيِكيفُدوا َلف َ‬
‫خَوِتف َ‬
‫عَلففى ِإ ْ‬
‫ك َ‬
‫ص ُرْؤَيففا َ‬
‫صف ْ‬
‫ي َل َتْق ُ‬
‫جاء في تفسير القرطبي رحمه ال للية التالية ) َقاَل َيُبَنف ّ‬
‫ن )‪ (5‬ما نصه ‪ " :‬ودل أيضا على أن يعقوب عليه السلم ‪ ،‬كان أحس ميين بنيييه حسييد‬ ‫عُدّو ُمِبي ٌ‬
‫ن َ‬
‫سا ِ‬
‫لْن َ‬
‫ن ِل ِْ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫ل بييذلك صييدورهم ‪ ،‬فيعملييوا الحيليية فييي هلكييه ‪،‬‬ ‫يوسف وبغضه ‪ ،‬فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم ‪ ،‬خوف أن تغ ّ‬
‫ومن هذا ومن فعلهم بيوسف ‪ ،‬يدل على أنهم كانوا غير أنبياء ‪ ،‬في ذلك الوقت ) ولم يكونوا أنبييياء فييي غييير ذلييك‬
‫الوقت أيضا ( ‪ ،‬ووقع في كتاب الطبري لبن زيد ‪ ،‬أنهم كييانوا أنبييياء ‪ ،‬وهييذا يييرّده القطييع بعصييمة النبييياء عيين‬
‫الحسد الدنيوي ‪ ،‬وعن عقوق الباء ‪ ،‬وتعريض مؤمن للهلك ‪ ،‬والتآمر في قتله ‪ ،‬ول التفات لقييول ميين قييال إنهييم‬
‫كانوا أنبياء ‪ ،‬ول يستحيل في العقل زلة نبي ‪ ،‬إل أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر ‪ ،‬وقد أجمع المسلمون‬
‫على عصمتهم منها وإنما اختلفوا في الصغائر " ‪.‬‬

‫لفظ سبط ُيطلق على الحفاد وليس على البناء ‪:‬‬

‫وفي لسان العرب " قيل السبط واحد السباط وهو ولد الولد ‪ ،‬وقال ابن سيييده ‪ :‬السييبط ولييد البيين والبنيية ‪ ،‬وفييي‬
‫الحديث الحسن والحسين سبطا رسول ال صلى ال عليه وسلم ورضي عنهما ‪ ،‬ومعناه طائفتييان وقطعتييان منييه ‪،‬‬
‫ومنه حديث الضباب ‪ ،‬إن ال غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب ‪ ،‬والسبط من اليهود كالقبيلة ميين‬
‫سّمي سبطا ‪ ،‬ليفرق بين ولد إسييماعيل وولييد إسيحاق وجمعيه أسييباط ‪.‬‬ ‫العرب ‪ ،‬وهم الذين يرجعون إلى أب واحد ُ‬
‫قالوا والصحيح أن السباط في ولد إسحاق بن إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهم السلم ‪ ،‬وإنما سييمي‬
‫هؤلء بالسباط ‪ ،‬وهؤلء بالقبائل ليفصل بين ولد إسماعيل ‪ ،‬وولد إسحاق عليهما السلم ‪ .‬وجاء أيضييا أن السييبط‬
‫لغة ‪ ،‬هو نبات ذو ساق طويلة مفردة عليها أوراق دقيقة تعلفه البل " ‪.‬‬
‫وبالتالي نستطيع القول بأن لفظ السباط ‪ُ ،‬أطلق على أحفاد يعقوب عليهم السلم وليس على أبنائه الثنييي عشيير ‪،‬‬
‫عيَل‬ ‫سفَما ِ‬ ‫بل يتعدى ذلك إلى كل نسل بني إسرائيل حتى يومنا هذا ‪ ،‬وأّما قوله تعييالى ) َوَمففا ُأنفِزَل ِإَلففى ِإْبَراِهيفَم َوِإ ْ‬
‫ط )‪ 136‬البقرة ( المقصود هنا النبياء من الحفاد على مّر العصييور ‪ ،‬ومنهييم يوسييف‬ ‫سَبا ِ‬
‫ب َواَْل ْ‬ ‫ق َوَيْعُقو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬ ‫َوِإ ْ‬
‫وموسى وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ‪ ،‬ومن ُكّذب وُقتل من أنبياء بني إسرائيل وهم كثير ممن لم ُتذكر‬
‫ص القرآن على نبّوته هيو يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬بدللية‬ ‫أسمائهم ‪ .‬والوحيد من أبناء يعقوب الثني عشر ‪ ،‬الذي ن ّ‬
‫ن َوَأّيففو َ‬
‫ب‬ ‫سفَلْيَما َ‬‫ن ُذّرّيِتفِه َداُوَد َو ُ‬‫ن َقْبفُل َوِمف ْ‬
‫حففا َهفَدْيَنا ِمف ْ‬
‫ل َهفَدْيَنا َوُنو ً‬ ‫ب ُك ّ‬‫ق َوَيْعُقففو َ‬‫حا َ‬ ‫سَ‬
‫قوله تعالى ) َوَوَهْبَنا َلُه ِإ ْ‬
‫ن َقْب فُل ِباْلَبّيَنففا ِ‬
‫ت‬ ‫ف مِ ْ‬
‫س ُ‬ ‫جاَءُكْم ُيو ُ‬ ‫ن )‪ 84‬النعام ( وقوله ) َوَلَقْد َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جِزي اْلُم ْ‬ ‫ك َن ْ‬
‫ن َوَكَذِل َ‬
‫سى َوَهاُرو َ‬ ‫سفَ َوُمو َ‬ ‫َوُيو ُ‬
‫سففوًل )‪ 34‬غييافر ( بالضييافة إلييى مييا‬ ‫ل ِمنْ َبْع فِدِه َر ُ‬
‫ث ا ُّ‬
‫ن َيْبَع َ‬
‫ك ُقْلُتْم َل ْ‬‫حّتى ِإَذا َهَل َ‬‫جاَءُكْم ِبِه َ‬ ‫ك ِمّما َ‬ ‫شّ‬ ‫َفَما ِزْلُتْم ِفي َ‬
‫جاء من آيات في سورة يوسف ‪.‬‬
‫طا ُأَمًما )‪ 160‬العراف ( وقوله تعييالى ) أسييباطا أممييا ( أي‬
‫سَبا ً‬
‫شَرَة َأ ْ‬
‫ع ْ‬
‫ي َ‬
‫طْعَناُهُم اْثَنَت ْ‬
‫وانظر في قوله تعالى ) َوَق ّ‬
‫تم فرزهم حسب انتساب كل فرد منهم ‪ ،‬إلى أحد أبناء يعقوب عليه السلم فنتج بالتالي اثنتي عشرة أمة ‪ ،‬وكل أمة‬
‫سمي كل سبط باسم أحد أبناء يعقوب ‪ ،‬وعلى ذلك ُيطلييق لفييظ سييبط علييى مجموعيية ميين‬ ‫ُأطلق عليها لفظ سبط ‪ ،‬و ُ‬
‫الفراد ‪ ،‬يجمعهم انتسابهم إلى أب واحد ‪ ،‬فيقال سبط يوسف أي قبيلة يوسف ‪.‬‬

‫فصول المؤامرة الولى ‪:‬‬

‫ةإ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬


‫ن)‬
‫مِبي ـ ٍ‬ ‫ض ـَل ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬
‫فــي َ‬ ‫صب َ ٌ ِ ّ‬
‫ن عُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬
‫مّنا ‪ ،‬وَن َ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫خوهُ أ َ‬ ‫) إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬
‫س ُ‬
‫‪(8‬‬

‫قام أبناء يعقوب بعقد اجتماع سري ‪ ،‬بعيدا عن المعنيين بالمر ) يعقوب ويوسف وأخيه (‬ ‫‪.1‬‬
‫كانت المشكلة مدار البحث حب أبيهم ليوسف وأخيه ‪ ،‬والدافع هو الحسد وحب التمّلك ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪106‬‬
‫ل ‪ ،‬وضلله واضح ل ُلبس فيه ‪.‬‬
‫ي ال ضا ّ‬
‫ن أبيهم يعقوب نب ّ‬
‫كان هناك إقرار بالجماع ‪ ،‬أ ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫صلة من الكثرة ) فهم عشرة أشّقاء كبار مقابل اثنان صغار ( ‪.‬‬
‫كانوا يؤمنون بالقوة المتح ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫جمعتهم وحدة الغاية والمصلحة ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ل ل َك ُـم وجـ َ‬ ‫َ‬ ‫) اقْتُلوا يوس َ َ‬
‫ن ب َعْـدِهِ قَوْ ً‬
‫مــا‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَت َ ُ‬
‫كون ُــوا ِ‬ ‫ه أِبيك ُـ ْ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خـ ُ‬
‫ضا ‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫ف ‪ ،‬أوِ اط َْر ُ‬
‫حوهُ أْر ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(9‬‬‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫َ‬
‫الطرح الول كان القتل أي حتمية الهلك ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الطرح الثاني كان النفي إلى أرض بعيدة مع احتمالية الهلك ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ب أبيهم ‪.‬‬
‫كانت الغاية الستفراد بح ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫القرار بعدم مشروعية عملهم وفساده ‪ ،‬وذلك قبل شروعهم بالتنفيذ ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ب ول عبد ‪.‬‬
‫تبييت نية التوبة والصلح قبل ارتكاب الجريمة ‪ ،‬وهذا منطق أعوج ل يقبله ر ّ‬ ‫‪.5‬‬
‫إغفالهم للعناية اللهية الُمّدخرة في علم الغيب ‪ ،‬والتي تتدخل في الوقت المناسب لتسيير المور ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫س ـّياَرةِ ‪،‬‬
‫ض ال ّ‬ ‫قط ْ ُ‬
‫ه ب َعْـ ُ‬ ‫ب ‪ ،‬ي َل ْت َ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫ف ‪ ،‬وَأ َل ْ ُ‬
‫قوهُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫قت ُُلوا ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫م ‪َ ،‬ل ت َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬
‫) َقا َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫م َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫كان أصلحهم فاسدا ‪ ،‬حيث وافقهم على فعل المنكر مع تخفيف الضرر ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫كان هناك إصرار لدى الغلبية ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫كان القرار النهائي أخف الضرر ‪ :‬إلقاء يوسف فييي بئر مييع تييوافر احتمالييية الهلك ‪ ،‬فيمييا لييو لييم يلتقطييه‬ ‫‪.3‬‬
‫أحد ‪.‬‬
‫عدم الكتراث بنبوة أبيهم ‪ ،‬وما كان يتنّزل عليه من الوحي ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫غفلة وعمى بصر وبصيرة واتباع للهوى ‪ ،‬فليس فيهم ذو رأي سديد ول حتى شيطان أخرس ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫جهل بعواقب المور ‪ ،‬كالثر النفسي والمعنوي البالغ ‪ ،‬علييى ميين يطمحييون بالسييتفراد بحبييه ‪ ،‬وبالتييالي‬ ‫‪.6‬‬
‫عدم تحقق مرادهم ‪.‬‬
‫تبييت النية للقيام بالفعل عندما تحين الفرصة ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دا ي َْرت َـعْ‬ ‫معَن َــا غَـ ً‬‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬‫ن )‪ (11‬أْر ِ‬ ‫حو َ‬‫ص ُ‬ ‫ه ل ََنا ِ‬ ‫ف ‪ ،‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مّنا عََلى ُيو ُ‬ ‫ك َل ت َأ َ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫) َقاُلوا ي َأَباَنا َ‬
‫خـا ُ َ‬ ‫ن َتـذ ْهَُبوا ِبـهِ ‪ ،‬وَأ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫فأ ْ‬ ‫حُزن ُِنـي أ ْ‬ ‫ل إ ِّنـي ل َي َ ْ‬ ‫ن )‪َ (12‬قـا َ‬ ‫ظو َ‬ ‫حـافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ب ‪ ،‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫وَي َل ْعَ ْ‬
‫غافُلون )‪َ (13‬قاُلوا ل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة ‪ ،‬إ ِّنا إ ِ ً‬
‫ذا‬ ‫صب َ ٌ‬
‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ب وَن َ ْ‬ ‫ن أك َل َ ُ‬
‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ِ‬ ‫م عَن ْ ُ‬‫ب ‪ ،‬وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ي َأك ُل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ْن َــا‬
‫ب ‪ ،‬وَأوْ َ‬ ‫جـ ّ‬‫جعَُلوهُ فِــي غََياب َـةِ ال ْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ذ َهَُبوا ب ِهِ ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫ن )‪ (14‬فَل َ ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫لَ َ‬
‫م َل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫لم يكن يعقوب في العادة يأمنهم على يوسف وأخوه لمعرفته بعدم صلحهم ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫لم ينتظروا الفرصة للتنفيذ بل سعوا إلى خلقها وإيجادها باستخدام الحيلة والمكر والدهاء ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تجاهلوا تأكيد أبيهم لهم بأن غيبة يوسف عن وجهه ‪ ،‬ولو لفترة بسيطة تسييبب لييه الحييزن ‪ .‬فكيييف إذا كييان‬ ‫‪.3‬‬
‫ذلك أبديا ؟! وكانت تلك محاولة منه عليه السلم لحياء ضمائرهم لعّلهم يرجعون ‪ ،‬ولكنهم لم يشعروا بذلك فكييان‬
‫كما أخبره سبحانه ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ططييوه مسييبقا بشييأن‬
‫ططهم قبل التنفيذ ‪ ،‬وقد أخبرهم بمييا كييانوا قييد خ ّ‬
‫كان أبوهم عليه السلم على علم بمخ ّ‬ ‫‪.4‬‬
‫الذئب ‪ ،‬لكن ذلك لم ُيثنهم عن عزمهم ‪.‬‬
‫قرار التنفيذ اُتخذ بالجماع ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫تييم إخفيياء النوايييا الجرامييية اتجيياه يوسييف ‪ ،‬تحييت غطيياء ميين الحييرص علييى مصييلحته ‪ ،‬لقنيياع أبيهييم‬ ‫‪.6‬‬
‫بالستجابة لمطلبهم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عْنـد َ‬ ‫ف ِ‬ ‫سـت َب ِقُ ‪ ،‬وَت ََرك َْنـا ُيو ُ‬
‫سـ َ‬ ‫ن )‪َ (16‬قـاُلوا ي َأَباَنـا إ ِّنـا ذ َهَب َْنـا ن َ ْ‬ ‫كو َ‬‫شاًء ي َب ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬‫جاُءوا أَباهُ ْ‬ ‫) وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جــاُءوا عَلــى‬ ‫ن )‪ (17‬وَ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن لَنا ‪ ،‬وَلوْ كّنا َ‬ ‫م ٍ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫ب ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫عَنا ‪ ،‬فَأكل ُ‬ ‫مَتا ِ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ميـ ٌ‬
‫ل ‪َ ،‬واللـ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫صـب ٌْر َ‬ ‫مـًرا ‪ ،‬فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سـك ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬
‫ت لكـ ْ‬ ‫سـوّل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ‪َ ،‬قا َ‬
‫ل ب َـ ْ‬ ‫صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ‬ ‫مي ِ‬ ‫قَ ِ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ست ََعا ُ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الستخفاف بأبيهم واستضعافه لكبر سّنه ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫التضليل واختلق وفبركة الشواهد والدلة لتبرئة أنفسهم وإدانة الذئب ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ي ال مع علمهم بذلك ‪.‬‬
‫الجرأة في الكذب على نب ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫يقين يعقوب عليه السلم من كذبهم وتجّنيهم على الذئب ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومما أحزنه عليه السلم هو ما كان عليه أبناءه من قليية إيمييانهم وعقييوقهم لييه ‪ ،‬وظلييم لخيهييم ‪ ،‬وفسييادهم‬ ‫‪.5‬‬
‫وإفسادهم ‪ ،‬وصفات وطبائع غاية في السوء ‪ ،‬ل تليق بالنبياء أو بأبناء أنبياء يتنّزل الوحي بين ظهرانيهم ‪ ،‬وفييي‬
‫المقابل لم يملك عليه السلم إل الصبر والرجاء وطلب العون من ال لمجابهتم ‪.‬‬

‫مــا ك َــاُنوا‬ ‫ك ‪ ،‬فََل ت َب ْت َئ ِ َ ْ‬


‫س بِ َ‬ ‫خــو َ‬ ‫ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ‬
‫خاهُ ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ف ‪َ ،‬ءاَوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ‬ ‫س َ‬ ‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫) وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫س ُ‬ ‫ها ُيو ُ‬ ‫سّر َ‬‫ل ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خ لَ ُ‬ ‫سَرقَ أ ٌ‬ ‫سرِقْ ‪َ ،‬فقد ْ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن )‪َ ) … (69‬قاُلوا إ ِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫كاًنا ‪َ ،‬والل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫شّر َ‬ ‫م َ‬‫ل ‪ :‬أن ْت ُ ْ‬ ‫م ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ها ل َهُ ْ‬
‫م ي ُب ْدِ َ‬‫سهِ ‪ ،‬وَل َ ْ‬
‫ف ِ‬‫ِفي ن َ ْ‬

‫بعد أن مّرت سنين على تلك الحادثة ‪ ،‬وأصبح يوسف وزيرا لمالية فرعون ‪ ،‬وقِدَم أخوته إليه في مصيير ‪ ،‬احتييال‬
‫عليهم ليأمن منهم على أخيه ‪ ،‬ويرفع عنه ما كان قد وقع عليه من ظلم وكيد ‪.‬‬
‫كان يوسف عليه السلم على علم ‪ ،‬بما كانوا يكيدون لخيه ‪ ،‬عن طريق الوحي أو القياس ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫عدم توبتهم عما فعلوه سابقا ‪ ،‬وبقائهم على نفس الحال ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫خيانيية يوسييف بييالغيب بعييد كييل هييذه السيينين ‪ ،‬واتهييامه زورا وبهتانييا بالسييرقة ‪ ،‬فيوسييف ميين عبيياد الي‬ ‫‪.3‬‬
‫المخلصين ‪ ،‬وما كان له أن يسرق ‪.‬‬
‫تأكيد يوسف على فسادهم وإفسادهم بما حّدث به نفسه ‪ ،‬حيث لم يجهر نبي ال بقوله ) أو بحكمييه عليهييم (‬ ‫‪.4‬‬
‫شّر َمَكاًنا ( فما فعلوه معه ل ُيقارن بخطيئة السرقة التي اتهموه بها ‪ ،‬والتي‬ ‫أنهم أسوء حال ممن يسرق ) َقاَل َأْنُتْم َ‬
‫ن )‪73‬‬ ‫ساِرِقي َ‬
‫ض َوَما كُّنا َ‬
‫سَد ِفي اَْلْر ِ‬
‫جْئَنا ِلُنْف ِ‬
‫عِلْمُتْم َما ِ‬
‫ل َلَقْد َ‬
‫أقّروا بأنها أحد أشكال الفساد في الرض ) َقاُلوا َتا ِّ‬
‫يوسف ( ‪.‬‬
‫) وتوّلى عَنهم وَقا َ َ‬
‫م )‪(84‬‬ ‫ن فَهُ ـوَ ك َ ِ‬
‫ظي ـ ٌ‬ ‫ح ـْز ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَي َْناهُ ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َواب ْي َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل ي َأ َ‬ ‫ُْ ْ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ن )‪َ (85‬قــا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫َقالوا َتاللهِ ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫كي َ‬
‫ن الَهــال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضا أوْ ت َكو َ‬ ‫حَر ً‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ت َكو َ‬ ‫ف َ‬
‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذ ْكُر ُيو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ي اذ ْهَب ُــوا‬‫ن )‪ (86‬ي َب َن ِـ ّ‬ ‫مــو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حْزِني إ ِلى اللهِ وَأعْل ُ‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َروِْح الل ـهِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫س ِ‬‫ه ل ي َي ْئ َ ُ‬ ‫ن َروِْح اللهِ إ ِن ّـ ُ‬ ‫م ْ‬‫سوا ِ‬ ‫خيهِ وَل ت َي ْئ َ ُ‬ ‫ف وَأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫َ‬
‫م الكافُِرو َ‬ ‫ْ‬ ‫قوْ ُ‬‫إ ِّل ال َ‬
‫ْ‬

‫عدم اكتراثهم بسوء حال يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومدى ما نزل به من أذى نفسي وجسدي ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪108‬‬
‫قسوة قلوبهم باستنكارهم حزن أبيهم على يوسف ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫يعقوب يقطع الرجاء من أبنائه ‪ ،‬ويشكو قسوة أبنائه وضعفه وقلة حيلته في مواجهة أفعالهم إلى ال ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫لم يعترفوا لبيهم بحقيقة فعلتهم مع يوسف ‪ ،‬مع علمهم ومعرفتهيم ومعايشيتهم لحيال أبيهييم ‪ ،‬ومييا وصيلت‬ ‫‪.4‬‬
‫إليه من سوء ‪.‬‬
‫كان يعقوب على يقين من نجاة يوسف وكذب أبنائه عليه ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫هنا تتضح مفارقة عجيبة ‪ ،‬توضح الكثير من معالم الشخصية اليهودية السرائيلية القديمة الحديثيية ‪ ،‬فهييم يعلمييون‬
‫علم اليقين أن يوسف ذهب إلى غير رجعة وأنه ُقتل على الرجح ‪ ،‬ولكنهم لم يعييترفوا لبيهييم بحقيقيية مييا فعلييوا ‪،‬‬
‫وظّلوا مصّرين على حكاية الذئب ‪ ،‬فل ضمير يؤنبهم ول قلب يشعر مع أبيهم ‪ .‬وأبيهم يعلم علم اليقين ميين ربييه ‪،‬‬
‫أن يوسف على قيد الحياة ‪ ،‬وأنه نبي وسيكون له شأن كبير مستقبل ‪ ،‬إذ كان عالما بتأويل رؤيا يوسييف السييابقة ‪،‬‬
‫وأن أخوته سيسجدون له لعلو منزلته ‪ ،‬وهذا ما كان ُيصّبره عليه السلم حين قال ) فصييبر جميييل ( أمييا مييا كييان‬
‫يؤلمه عليه السلم ‪ ،‬هو إصرار أبنائه على ما هم عليه واستمرارهم ‪ ،‬وعدم التوبة والرجوع إلى ال ‪.‬‬

‫م‬ ‫م ال ْي َـوْ َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُـ ُ‬ ‫ري ـ َ‬ ‫ل َل ت َث ْ ِ‬ ‫ن )‪ (91‬قَــا َ‬ ‫خــاط ِِئي َ‬ ‫ن ك ُّنا ل َ َ‬‫ه عَل َي َْنا وَإ ِ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َءاث ََر َ‬ ‫) َقاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬‫ل ُرؤْي َــايَ ِ‬ ‫ذا ت َأِوي ـ ُ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ل ي َأب َ ِ‬ ‫ن )‪ ) … (92‬وََقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَهُوَ أْر َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فُر الل ّ ُ‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫م ِ‬ ‫جــاَء ب ِك ُـ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سـ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مـ َ‬
‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ِبي إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫قا وَقَد ْ أ ْ‬ ‫ح ّ‬‫جعَلَها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ه هُ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ف لِ َ‬‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبي ل ِ‬ ‫خوَِتي إ ِ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ن ََزغَ ال ّ‬ ‫ن ب َعْدِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْب َد ْوِ ِ‬
‫كم َ‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫ت ل َـد َي ْهِ ْ‬ ‫مــا ك ُن ْـ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْـ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬ ‫م )‪ ) … (100‬ذ َل ِ َ ِ ْ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مـؤْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َـوْ َ‬ ‫مــا أك ْث َـُر الن ّــا ِ‬ ‫ن )‪ (102‬وَ َ‬ ‫مك ُـُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫‪(103‬‬

‫ل السيييئة بالحسيينة ونسييب خطيئة أخييوته‬


‫هنا يتضح خلق النبياء وأدبهم في يوسف عليه السلم ‪ ،‬حيث قاب َ‬ ‫‪.1‬‬
‫إلى الشيطان ‪.‬‬
‫معطيات المعادلة كانت ‪ :‬جمع واجتماع في الخفاء ‪ +‬قرار بالجماع ‪ +‬تنفيذ بمكر ودهاء = مؤامرة ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أخوة يوسف لم يكونوا أنبياء بأي حال من الحوال ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫انظر إلى اليتين )‪ (103-102‬التي جاءت تعقيبا على قصة يوسف عليه السلم وأخوته ‪ ،‬لتقول أن هذا هييو حييال‬
‫نبي ال يوسف مع أخوته ‪ ،‬وحال نبي ال يعقوب مع أبنائه ‪ ،‬الذين لم يكونوا على القل مييؤمنين بنبييوة أبيهييم ‪ ،‬إن‬
‫لم يكونوا أصل غير مؤمنين بال ‪ ،‬فما بالك في عدم إيمان قومك بنبوتك ودعوتك ‪ ،‬وهم ليسوا بأبنييائك ‪ ،‬فل تكيين‬
‫ع الناس وفّوض أميير هييدايتهم إلييى الي ‪ ،‬كمييا‬
‫شديد الحرص على من ل أمل في هدايته بعدما أضّله ال ‪ ،‬ولكن ُأد ُ‬
‫فّوض يعقوب عليه السلم أمره إلى ال فيما كان من شأن أبنائه ‪ .‬أما من يستنكر فكرة أنهم غير أنبياء ‪ ،‬وال أعلم‬
‫بحالهم ‪ ،‬فليرجع إلى القرآن وليقرأ قصة نوح عليه السلم مع ابنه ‪ ،‬وقصة إبراهيم عليه السلم مع أبيييه ‪ ،‬وقصيية‬
‫أبو لهب عم رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولحظ أنه سبحانه نسبهم بالخوة إلييى يوسييف عليييه السييلم ‪ ،‬فييي‬
‫قوله ‪ ) :‬لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين ( ولم ينسبهم إلى يعقوب عليه السلم مع أنهم أبنائه ‪.‬‬
‫ما تقّدم من أمر أخوة يوسف عليه السلم ‪ ،‬ليس بحاجة لزيادة أو توضيح أو تعليق ‪ ،‬فهذا ما جاء به القرآن الكريم‬
‫جها ضد أخيهم وأبيهم ‪ .‬ومنيذ ذليك الييوم ‪ ،‬احيترف‬ ‫‪ ،‬وكان هذا أول فسادهم وإفسادهم في الرض ‪ ،‬الذي كان مو ّ‬
‫بنو إسرائيل فنون التآمر ومارسوه أول فيما بينهم ‪ ،‬منذ نشأتهم وحتى نهاية مملكتهم الولييى فييي فلسييطين ‪ .‬وبعييد‬
‫السبي البابلي وشتاتهم في شتى بقاع الرض ‪ ،‬أصبح بعضا من تييآمرهم ُيحيياك ضييد الشييعوب الييتي يقيمييون فيمييا‬
‫بينها ‪ .‬وكان تطّلعهم دائما وأبدا إلى الملك والقوة والغنى والفضلية ‪ ،‬وكان سيبيلهم إليى ذلييك جمييع المييال بطيرق‬
‫غير مشروعة من ربا ونصب واحتيال ‪ ،‬والتقرب من أصحاب السلطة والنفوذ بالغواء والغراء ‪ ،‬للتلعب بهم‬
‫وتحريكهييم ميين وراء السييتار ‪ ،‬ليقيياع الفتيين والحييروب بييين الشييعوب ‪ ،‬لضييمان السيييطرة لتلبييية مصييالحهم‬
‫ططييون فييي السيير والعليين ‪ ،‬ويعملييون باسييتمرار بل كلييل أو ملييل ‪،‬‬‫واحتياجيياتهم ‪ ،‬ولييذلك تجييدهم يجتمعييون وُيخ ّ‬
‫وتاريخهم قديما وحديثا غني بالمثلة والشواهد ‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫ملك المادي‬
‫اليهود وال ُ‬
‫ملك يوسف عليه السلم ‪:‬‬

‫كانت نشأة بني إسرائيل كقبيلة بدوية ‪ ،‬تعيش ضمن قبائل البدو في صحراء النقب ‪ ،‬وكان أول عهد لهييم بالُملييك ‪،‬‬
‫في زمن يوسف عليه السلم ‪ ،‬تحت التاج الفرعوني في مصر ‪ ،‬حيث وّفر لهم اُلملك آنييذاك حييياة هييانئة رغيييدة ‪،‬‬
‫وأزال عنهم بؤس وشقاء حياة البدواة ‪ ،‬ولما زال ملك يوسف عليه السلم بوفاته ‪ ،‬انقلب حالهم رأسا على عقييب ‪،‬‬
‫خت لييديهم قناعيية بييأن الملييك والغنييى يعنييي السييعادة‬
‫فقاسوا شتى أنواع العذاب والمهانيية ‪ ،‬ومنييذ ذلييك اليييوم ترسي ّ‬
‫وزوالهما يعني الشقاء ‪.‬‬

‫رفض نبوة موسى عليه السلم ‪:‬‬

‫وعندما بعث سبحانه لهم موسى عليه السلم لم يستجيبوا له ‪ ،‬فهم ل ينتظرون من يدعوهم إلى ال ي ‪ ،‬ول يؤمنييون‬
‫بما هو غيبي وغير محسوس ‪ ،‬دين فيه إله غير مرئي يمنح جنة غير مرئية ‪ ،‬والحصول عليها مشروط بالصلح‬
‫والصلح بعد عمر طويل ‪ ،‬وبعد موت وبعث وحساب ‪ ،‬وإنميا يؤمنيون بمين يمنحهيم ملكيا مجانييا دنيوييا مادييا‬
‫عاجل ل آجل ‪ ،‬يكون في متناول اليد بل جهد أو عناء منهم لتحصيله ‪ ،‬ول مانع لديهم بعد ذلك أن يكون لهم إله ‪،‬‬
‫ي فسيارعوا لعبيادته ‪ ،‬لييذلك‬ ‫بشرط أن يكون محسوسا ويوافق أهوائهم ‪ ،‬كالعجل الذهبي الذي صيينعه لهيم السيامر ّ‬
‫عانى منهم عليه السلم ما عاناه ‪ ،‬في رحلته معهم من مصر إلى الرض المقّدسة ‪.‬‬

‫ملك بدعوى الرغبة في القتال ‪:‬‬


‫طلب ال ُ‬
‫وبعد موته عليه السلم ‪ ،‬وبعد انقضاء سيينوات التحريييم الربعييين ‪ ،‬لييم يطلبييوا ميين نييبيهم قيييادتهم للقتييال لييدخول‬
‫الرض المقدسة ‪ ،‬وإنما طلبوا منه أن يبعث ال لهم َمِلكا وذلك طمعا في الُمْلك ‪ ،‬وليس للقتييال فييي سييبيل الي كمييا‬
‫ن الي عليهييم بالملييك ‪ ،‬فكييانت‬ ‫زعموا ‪ ،‬إذ أنهم بعد أن ُكتب عليهم القتال تولوا إل قليل منهم ‪ ،‬وبالرغم من ذلك مي ّ‬
‫مملكتهم الولى في الرض المقدسة بقيادة داود وسليمان ‪ ،‬الذين لم يكن لبني إسرائيل معهما حول ول قوة ‪ ،‬إذ لم‬
‫يستطع مترفوهم وفسقتهم ‪ ،‬من الوصييول والتغلغييل والتييدخل فييي شييؤون الحكييم ‪ ،‬لجتميياع الملييك والنبييوة فيهمييا‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬بل لعنهم داود آنذاك كما لعنهم عيسى عليه السلم من بعد ‪.‬‬

‫ملكا ً ل نبوة فيه ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ل–‬ ‫وبعد أن توّفى ال سليمان وخرجت النبوة من الملك ‪ ،‬كان لهم ما أرادوا – امتحانييا لهييم وابتلء منييه عيّز وجي ّ‬
‫فأفسدوا فيها أّيما إفساد ‪ ،‬فوقيع منهيم القتييل فيي النبيياء والصيالحين والمستضييعفين ‪ ،‬وإخيراج بنيي جليدتهم ميين‬
‫أرضهم وسلب ونهب ممتلكاتهم ‪ ،‬وعصيان أوامر ال والعتداء على حدوده ‪ ،‬بمخالفتهم الوصايا العشر برمتها ‪،‬‬
‫بما فيها الشرك بال باتخاذ الصنام والشياطين والملئكة أولياء من دونه ‪ ،‬فأزال ال عنهم الُملك عقابييا لهييم علييى‬
‫يد نبوخذ نصر البابلي وجيوشه ‪ ،‬وكان فيهم السبي والخراج من الرض المقّدسة لقسم كبير منهم ‪ ،‬ومييع علمهييم‬
‫بفسادهم وعقاب ال لهم ببعث البابليين عليهم ‪ ،‬إل أنهم عاتبون وغاضبون على ال لنه أخطأ فييي حقهييم ‪ -‬حسييب‬
‫اعتقادهم – بإنزال عقاب أولى المرتين فيهم ‪ ،‬ويعتييبرون وعييده لهييم برجييوعهم ميين الشييتات للفسيياد الثيياني هييو‬
‫تصحيح للخطأ الول ‪ .‬بالضافة إلى ذلك تجدهم يصّبون جام غضبهم على بابل والبابليين ‪ ،‬وكيأن بعيث البيابليين‬
‫على شعب ال المختار كان من تلقاء أنفسهم ودون وجه حق ‪ ،‬وأن هذا البعث لم يكن من قبله سبحانه ‪.‬‬
‫جانا من غير فضة ُتفَدْون ) أي ُيعادون إلى فلسطين ( ‪،‬‬
‫جانا ‪ ،‬وم ّ‬
‫فقد جاء في سفر إشعياء " ‪ :3 :52‬قد تّم بيعكم م ّ‬
‫قد نزل شعبي أول إلى مصر ليتغّرب هناك ‪ ،‬ثم جار عليه الشوريون بل سبب " ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫عيسى عليه السلم لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬

‫ومع بقاء بعضهم في الرض المقدسة من الذين كانوا قد أخرجوا من المملكيية ميين المستضييعفين ‪ ،‬وعييودة بعييض‬
‫المسبيين من بابل إليها بعد مدة من الزمن ‪ ،‬كانت أعينهييم تتطلييع إلييى الُملييك ميين جديييد ‪ ،‬حيييث كييانوا يظّنييون أن‬
‫علوهم الثاني ‪ ،‬سيكون بعد عودتهم من بابل مباشرة ‪ ،‬إذ كانت لديهم عدة نبييوءات ‪ ،‬الولييى بعيسييى عليييه السييلم‬
‫الذي سُيبعث من جبال ساعير ) القدس ( فييانتظروه ليقيييم لهييم ملكهييم الثيياني ‪ ،‬وفييي فييترة انتظييارهم تنيياوب علييى‬
‫حكمهم عدة شعوب ‪ ،‬إلى أن ُبعث عيسى في زمن الحكم الروميياني لفلسييطين ‪ ،‬فييدعاهم للعييودة إلييى الي والمحبيية‬
‫والسلم ‪ ،‬وعندما جاءهم بما لم يوافق أهواءهم ‪ ،‬بالرغم ميين توافييق صييفته مييع مييا جيياءت بييه التييوراة ‪ ،‬حيياربوه‬
‫ضوا الرومان الوثنيون على قتله وصلبه ‪.‬‬ ‫وعادوه وكادوا له وتآمروا عليه ‪ ،‬وحر ّ‬

‫وملك البّر لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬

‫وقبل بعث عيسى وبعده تعّرضوا للكثير من الذل والهوان ‪ ،‬من قبل الشعوب التي حكمتهم ‪ ،‬وفي كل مييرة قيياموا‬
‫فيها بالتمرد والعصيان للستقلل وإقامة الملك ساموهم سوء العذاب ‪ ،‬وكان آخرها على يد ) هدريان ( الروماني‬
‫‪ ،‬الذي فّرق ال شملهم في شتى بقاع الرض ‪ ،‬فاتجه قسم كبير منهم إلى الجزيرة العربية ‪ ،‬وسييكنوا بييالقرب ميين‬
‫المدينة المنورة مكان هجرة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬صاحب النبوءة الثانية لديهم ‪ ،‬ملك البّر الذي س يُيبعث‬
‫من جبال فاران ) مكة ( ‪ ،‬ويكون له ولخلفائه ملكا يشمل مشارق الرض ومغاربها ‪.‬‬
‫وكان اليهود يترّقبون أخباره ويحسبون لزمان مولييده ومبعثييه ‪ ،‬مييع كرههييم وعييدائهم المسييبق لييه كييونه ميين ولييد‬
‫إسماعيل وليس منهم ‪ ،‬وعندما ُبعث عليه السلم ‪ ،‬عاينوا صفته وامتحنوه بأسئلتهم بما علموا وما لم يعلموا ‪ ،‬ولما‬
‫تبّينوا صدق نبوته حاولوا استمالته لجانبهم بالغواء والغراء ‪ ،‬مستغلين رغبته عليه السلم في اتباعهم له كونهم‬
‫أهل كتاب وهم القرب لتصديقه ومؤازرته ومناصييرته ‪ ،‬وكييان مرادهييم منييه هييو اتبيياع ملتهييم لتحقيييق رغبيياتهم‬
‫وأهوائهم ‪ ،‬لخراجه من الجزيرة إلى فلسييطين لقاميية ملكييه عليهييم هنيياك ‪ ،‬ففضييحهم رب العييزة وحيّذر رسييوله‬
‫الكريم من الوقوع في حبائلهم وشراكهم ‪ ،‬ولّما تيّقنوا من عدم رضوخه لهم ‪ ،‬أنكروا نبييوته وناصييروا المشييركين‬
‫خروا في ذلييك جهييدا ‪ ،‬وحيياولوا‬ ‫عليه ‪ ،‬وكادوا له بكل ما ُأتوا من مكر ودهاء وحيلة ‪ ،‬فآذوه وآذوا أصحابه ولم يد ّ‬
‫فتنته وقتله عدة مّرات ‪ ،‬إلى أن تّم جلئهم وإخراجهم من جزيرة العرب ‪.‬‬

‫ملك الله ‪ ،‬على النمط الفرعوني‬


‫ملك القاروني ‪ ،‬وانتظار ال َ‬‫البحث عن ال ُ‬
‫آخر الزمان ‪:‬‬

‫ومع ظهور السلم ومعرفتهم بما سيكون من أمره ‪ ،‬من سرعة انتشاره واتساع دولته لتشمل مناطق شاسييعة ميين‬
‫العالم ‪ ،‬ومن ضمنها سيطرته على الرض المقّدسة ‪ ،‬تلشت أحلمهم في عييودتهم إليهييا ‪ ،‬لقاميية ملكهييم الممييي‬
‫الثاني فيها على المستوى الفرعوني ‪ ،‬فتخّلوا عن ذلك الطموح مؤقتا ‪ ،‬وشييرعوا فييي تحقيييق الملييك الفييردي علييى‬
‫المستوى القاروني ‪ ،‬بجمع المييال بييالطرق المشييروعة وغييير المشييروعة ‪ ،‬ميين ربييا واحتيييال وسييرقة والتهريييب‬
‫وتجارة الرقيق والدعارة ‪ ،‬والتمتع بزينة الحياة الدنيا من جّراء هذا الكسب ‪ ،‬واسييتمروا علييى تلييك الحييال إلييى أن‬
‫تمكّنوا من إقامة دولتهم الحالية في فلسطين ‪ ،‬منتظرين حكم العالم أجمع من خلل النبوءة الخيييرة ‪ ،‬بالييذي يييأتي‬
‫من ربوات القدس ) مسيحهم المنتظر ( ‪.‬‬
‫وبعد ذلك اتجه أغلبهم إلى الشمال ‪ ،‬وتفرقوا في البلد العربية الخرى ‪ ،‬فتواجدوا في العراق وبلد الشام ومصر‬
‫والندلس ‪ ،‬وبالرغم من تعامل السلم السمح مع أهل الكتاب ‪ ،‬إل أنهم كانوا مقّيدين بما وضعه السلم من قيييود‬
‫على أهوائهم ومطامعهم المادية ‪ ،‬ووجود القرآن عييدوهم اللييدود وثيقيية أبدييية ‪ ،‬تكشييف طبييائعهم وحقيقيية نواييياهم‬
‫وتحذر منهم ‪ .‬ولكي يستطيع أحدهم من العيش في ظل الحكم السلمي ‪ ،‬كييان يعمييد إلييى إظهييار إسييلمه وإخفيياء‬
‫يهوديته ‪ ،‬أو أن ُيرغم نفسه كارها على التخلي عين طبييائعه وأهيوائه فيي الفسياد والفسيياد ‪ ،‬وهيذا ممييا ل يوافييق‬
‫طبعهم ول ما ييأمرهم بيه تلميودهم ‪ ،‬وليذلك آثير الكيثير منهيم الهجيرة مين كيل البلد اليتي كيانت تخضيع للحكيم‬
‫السلمي تباعا على مّر العصور ‪ ،‬ومن ثم استقر بهم المقام في القارة الوروبية ‪ ،‬حيث وجدوا فيهييا متنفسييا فييي‬
‫البداية لجهل الوربيين بطبيعتهم البشعة ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫ملك القاروني ‪:‬‬
‫الضطهاد الوروبي لليهود وفشلهم في تحصيل ال ُ‬
‫وعنييدما تييبين للوربيييين مييع مييرور الييوقت ‪ ،‬أن الكييثير ميين المشيياكل والمصييائب والكييوارث الجتماعييية‬
‫والقتصادية ‪ ،‬من فقر ومجاعات وانهيارات اقتصادية ‪ ،‬وانتشار للفساد والرذيليية ‪ ،‬كييان سييببه اليهييود ‪ ،‬وضييعوا‬
‫الكثير من الحلول لمواجهة مشكلتهم ‪ ،‬مثل سن القوانين التي تقيد حركتهم وتعاملتهم ‪ ،‬فلم تكن تجدي نفعا مع مييا‬
‫يملكون من مكر ودهاء ‪ .‬وتم عزلهم في أحياء سكنية خاصة بهم فلم يجدي ذلك نفعا ‪ ،‬فكان ل بد من الحل الخير‬
‫وهو طردهم ونفيهم من معظم بلدان أوروبا الغربية ‪ ،‬وكان رجالت الكنيسة آنييذاك يعملييون كمستشييارين للملييوك‬
‫في العصور الوسطى ‪ ،‬وكانوا يؤيدون تلك الجراءات ضد اليهود لتحريم المسيحية للزنا والربا ‪ ،‬بالضييافة إلييى‬
‫ض وعداءٍ للمسيحيين في تلمودهم السييري ‪ ،‬اليذي جليب لهييم‬ ‫ما اكتشف من تجديف على المسيح والدته وكرٍه وبغ ٍ‬
‫المذابح الجماعية في بعض البلدان الوربية كإسبانيا والبرتغال ‪ ،‬وفي النهاية تم طردهييم بالتعيياقب وعلييى فييترات‬
‫متباعدة ‪ ،‬من فرنسا وسكسونيا وهنغاريا ‪ ،‬وبلجيكا وسلوفاكيا والنمسييا ‪ ،‬وهولنييدا وإسييبانيا وليتوانيييا ‪ ،‬والبرتغييال‬
‫وإيطاليا وألمانيا ‪ ،‬بدءا مين عييام ‪1253‬م وحييتى عييام ‪1551‬م ‪ ،‬فاضييطر اليهيود للهجييرة ‪ ،‬إليى روسييا وأوروبيا‬
‫الشرقية والمبراطورية العثمانية ‪.‬‬

‫إذن ل بدّ من التآمر ‪:‬‬

‫آنذاك أصبح لليهود كشعب مشتت هّما مشتركا ‪ ،‬من جّراء الضييطهاد والتعييذيب والطييرد ميين قبييل الوروبيييين ‪.‬‬
‫وأبواب الجّنة الوربية قد أغلقت من دونهم ‪ ،‬حيث بدأ هناك بعد رحيل أغلب اليهود ما ُيسمى بالنهضة الوروبية‬
‫‪ ،‬فحيل بينهم وبين تحقيق أحلمهم ‪ ،‬سواء على مستوى الملك المميي ‪ ،‬أو مسيتوى المليك الفيردي ‪ ،‬وهيذا ميا ل‬
‫يستطيعون احتماله أو تقّبله ‪ ،‬وهذه الجييواء تييذّكرنا بييأجواء المييؤامرة الولييى فييي تيياريخهم ‪ ،‬حيييث واجييه أخييوة‬
‫يوسف هّما مشتركا ‪ ،‬تمّثل في شعورهم بالدونية بالمقارنة مع يوسف وأخيه ‪ ،‬وكان دافعهم الحسد فيياجتمعوا سييرا‬
‫وتآمروا وأجمعوا فنّفذوا ‪.‬‬
‫ويحضيرني فييي هييذا المقييام قييول لبيين القييم ‪ ،‬إذ يقيول فييي كتياب الفيوائد أن أصييول المعاصيي ‪ ،‬ثلثيية ‪ :‬الكيبر‬
‫والحرص والحسد ‪ ،‬فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر ربه ‪ ،‬والحرص أخرج آدم من الجنة ‪ ،‬والحسييد جعييل أحييد‬
‫ي آدم يقتل أخاه ‪ ،‬وبعد التدبر في هذا القول ‪ ،‬ستجد أن الطريق إلى الوقوع في المعصية ‪ ،‬هييو الوقييوع فريسيية‬ ‫ابن ّ‬
‫للمقارنة والمفاضلة ‪ ،‬من خلل العتماد على الحواس فقط وبتغييب العقل والفيؤاد ‪ ،‬وبالتييالي فقييدان القييدرة علييى‬
‫الستبصار والحكم على المور ‪ ،‬وقد نهى سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن عن المقارنة والمفاضلة ‪ ،‬وحسم‬
‫المر بأن الفضل من لدنه يؤتيه من يشاء من عباده ‪ ،‬أما اليهود وبعد إطلعي على ما جاء في توراتهم وتلمييودهم‬
‫ضلون‬‫‪ ،‬فإنهم جمعوا فيها أصول المعاصي كلها ‪ ،‬فالكبر جعلهم أفضل الناس على الطلق ‪ ،‬والحرص جعلهم يف ّ‬
‫الدنيا على الخرة ‪ ،‬والحسد جعلهم يستبيحون ممتلكات الخرين ويستحّلونها لنفسهم ‪.‬‬
‫) لوثر ( بإصلحاته الكنسية في القرن السادس عشر ‪ُ ،‬يم ّ‬
‫كن اليهود من احتلل أوروبــا‬
‫اقتصاديا ‪:‬‬

‫ضّمت التوراة‬ ‫وعندما تم تدمير السلطة الكنسية ‪ ،‬التي قام بها الصلحيون في أوروبا ) بفعل اليهود أنفسهم ( ‪ ،‬و ُ‬
‫إلى النجيل في كتب النصارى المقدسة ‪ ،‬وجييد اليهييود بعييض القبييول فييي الييدول الوروبييية ‪ ،‬فعييادوا إليهييا شيييئا‬
‫فشيئا ‪ ،‬ونتيجة للضطهاد والطرد الجماعي ‪ ،‬الذي تعرض له اليهود في هذه الدول فيما مضى ‪ ،‬اجتمع قارونييات‬
‫المال اليهود ‪ ،‬وبدءوا يعقدون اجتماعاتهم السرية في نهايات القييرن الثييامن عشيير ) قبييل أكييثر ميين مييائتي سيينة (‬
‫للنتقام وتجنب ذليك المصيير المرعيب ميرة أخيرى ‪ .‬وبوجيود الميال اليهيودي ‪ ،‬تشيكل ليديهم مخططيا شييطانيا‬
‫للسيطرة على العالم كله وحكمه فوضعوا مخططا مبييدئيا ‪ ،‬كييان موجهييا فييي الدرجيية الولييى ضييد ملييوك أوروبييا‬
‫ورجالت الدين المسيحي ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫أكبر وأخطر مؤامرة في تاريخ اليهود‬

‫المخطط في أطواره الولى ‪:‬‬

‫ويتلخص مخططهم المبدئي مما ُكشف من محاضر اجتماعاتهم في كتاب ) أحجار على رقعة الشييطرنج ( لمييؤلفه‬
‫) وليام كار ( ضابط الستخبارات في البحرية الكندية ‪ ،‬بما يلي ‪:‬‬
‫الهدف العام ‪ :‬تأليه المادة ونشر المييذاهب اللحادييية ‪ ،‬لتمهيييد سيييطرة اليهييود علييى العييالم ‪ ،‬وميين ثييم تتويييج‬
‫أنفسهم ملوكا وأسيادا على الشعوب ‪ ) .‬ونتيجة لذلك برز الكثيرين من الُمفّكرين اليهود كفرويد وماركس وغيرهم‬
‫‪ ،‬ومن غير اليهود ميين الميأجورين كييداروين وغيييره ‪ ،‬حيييث بيدأت الطروحيات والنظريييات اللحادييية المنكيرة‬
‫ل ‪ ،‬فظهرت الشيوعية ) ل إله ( والرأسمالية ) المييال هيو الليه ( وظهيرت الشيتراكية ) اليتي‬ ‫لوجود ال عّز وج ّ‬
‫جمعت ما بين المبدأين من حيث الكفر ( ‪.‬‬
‫فلسفة المخطط ‪ :‬يتم تقسيم الشعوب إلى معسكرات متنابذة ‪ ،‬تتصارع إلى البد دونمييا توقييف ‪ ،‬حييول عييدد‬
‫من المشاكل القتصادية والسياسية والجتماعية والعرقييية وغيرهييا ‪ ،‬وميين ثييم يتييم تسييليح هييذه المعسييكرات ‪ ،‬ثييم‬
‫طييم بعضييها بعضييا ‪،‬‬
‫يجري تدبير حادث ما ) فتنة ( تتسبب في إشعال الحروب بين هذه المعسكرات ‪ ،‬لُتْنِهك وتح ّ‬
‫وبالتالي تتساقط الحكومات الوطنية والمؤسسات الدينية تباعا ‪.‬‬

‫برنامج العمل ‪:‬‬

‫السيييطرة علييى رجييالت الحكييم علييى مختلييف المسييتويات والمسييؤوليات ‪ ،‬بييالغواء المييالي ) الرشييوة (‬ ‫‪.1‬‬
‫والغراء الجنسي ‪ ،‬وعند وقوعهم يتم استغللهم لغايات تنفيذ المخطط ‪ ،‬وعنييد تفكييير أي منهييم بالنسييحاب ‪ ،‬يتييم‬
‫تهديييده بالنطفيياء السياسييي أو الخييراب المييالي ‪ ،‬أو تعريضييه لفضيييحة عاميية كييبرى تقضييي علييى مسييتقبله ‪ ،‬أو‬
‫تعريضه لليذاء الجسدي أو بالتخلص منه بالقتل ‪.‬‬
‫دفع معتنقي المذهب اللحادي المادي ‪ ،‬للعمل كأساتذة والجامعات والمعاهد العلمييية وكمفكرييين ‪ ،‬لترويييج‬ ‫‪.2‬‬
‫فكييرة الممييية العالمييية بييين الطلب المتفييوقين ‪ ،‬لقاميية حكوميية عالمييية واحييدة ‪ ،‬وإقنيياعهم أن الشييخاص ذوي‬
‫المواهب والملكات العقلية الخاصة ‪ ،‬لهم الحق في السيطرة على من هم أقييل منهييم كفيياءًة وذكيياًء ) وذلييك كغطيياء‬
‫لجرهم لعتناق المذهب اللحادي ( ‪.‬‬
‫يتم استخدام الساسة والطلب ) من غير اليهود ( الذين اعتنقيوا هييذا الميذهب كعملء خلييف السييتار ‪ ،‬بعييد‬ ‫‪.3‬‬
‫إحللهم لدى جميع الحكومات بصفة خبراء أو اختصاصيين ‪ ،‬لدفع كبيار رجييال الدولية إلييى نهيج سياسييات ‪ ،‬مين‬
‫شييأنها فييي المييدى البعيييد خدميية المخططييات السييرية لليهييود ‪ ،‬والتوصييل إلييى التييدمير النهييائي لجميييع الديييان‬
‫والحكومات التي يعملون لجلها ‪.‬‬
‫السيطرة على الصحافة وكل وسائل العلم ‪ ،‬لترويج الخبار والمعلومييات الييتي تخييدم مصييالح اليهييود ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وتساهم في تحقيق هدفها النهائي ‪.‬‬
‫أما القائمون على المؤامرة فهم مجموعة كبيرة منظمة من جنود إبليس ‪ ،‬تضم حفنة ميين كبييار أثرييياء اليهييود فييي‬
‫العالم ‪ ،‬بالضافة إلى حفنة من كبار حاخامات الشرق والغرب ‪ ،‬ومن السماء الييتي أطلقهييا عليهييم البيياحثون فييي‬
‫مؤلفاتهم ‪ ،‬جماعة النورانيون ‪ ،‬وحكومة العالم الخفية ‪ ،‬واليهود العالمّيون ‪ .‬يعملون بل كلييل أو ملييل علييى تييدمير‬
‫الخلق والديان ‪ ،‬وإشعال الحروب القليمية والعالمية ‪ ،‬ويسيطرون على كثير من المنظمييات السييرية والعلنييية‬
‫اليهودية وغير اليهودية تحت مسميات عديدة ‪ ،‬ولهم عملء ذوي مراكز رفيعيية ومرموقيية فييي معظييم الحكومييات‬
‫الوطنية لدول العالم ‪ ،‬من الذين باعوا شييعوبهم وأوطييانهم بييأبخس الثمييان ‪ ،‬وتمّيييزوا بييولئهم المطلييق للمييؤامرة‬
‫وأصحابها ‪ ،‬وفيما يلي سنعرض أهدافهم وسياساتهم ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫بروتوكولت حكماء صهيون‬
‫يقول ) ويليام كار ( أن هذه البروتوكولت ‪ ،‬عرضها ) ماير روتشيلد ( أحد كبار أثرياء اليهود ‪ ،‬أمام اثني عشيير‬
‫من كبار أثرياء اليهود الغربيون ‪ ،‬في فرانكفورت بألمانيا عام ‪1773‬م ‪ ،‬أما كشفها فقد تييم بالصييدفة عييام ‪1784‬م‬
‫في ألمانيا نفسها من قبل الحكومة البافارية ‪ ،‬وتمت محاربتها ومحاربة كل رموزهييا الظيياهرة فييي ألمانيييا آنييذاك ‪.‬‬
‫ولذلك انتقلت إلى السرية التامة ‪ ،‬وسارع معظم يهود العالم إلى التنصل منها ‪ ،‬واستطاعوا بما لديهم من نفوذ ميين‬
‫إرغام الناس والحكومات عليى تجاهلهيا ‪ ،‬ومنيذ ذليك الييوم اليذي ُكشيفت فييه وحيتى منتصيف القيرن الماضيي ‪،‬‬
‫والكّتاب والباحثون الغربيون يتناولونها بالبحث والتقصي ‪ ،‬ويؤكدون مطابقة ما جاء فيها ‪ ،‬مع ما جييرى ويجييري‬
‫على أرض الواقع ‪ ،‬ويحّذرون حكوماتهم من الخطيير اليهييودي المحيّدق بييأممهم ‪ ،‬ولكيين ل حييياة لميين تنييادي فييي‬
‫حكومات تغلغل فيها اليهود ‪ ،‬كما تتغلغل بكتيريا التسوس في السنان ‪ ،‬ومعظم الكتب التي حّذرت ‪ -‬وما زالييت ‪-‬‬
‫تحّذر من الخطر اليهودي على شعوب العالم كان مصيرها الختفاء من السييواق ‪ ،‬أو اللقيياء فييي زوايييا النسيييان‬
‫والهمال ‪.‬‬
‫أما من ُيفّكر اليوم بمناهضة اليهود ومعاداتهم في الغرب فقد ثكلته أمه ‪ ،‬فخذ ) هايدر ( مثل زعيييم أحييد الحييزاب‬
‫النمساوية الذي أطلق يوما عبارات مناهضة لليهود ‪ ،‬عندما فيياز حزبييه ديموقراطيييا بأغلبيية فييي مقاعييد البرلمييان‬
‫جة إعلمية كبرى في إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا والمم المتحدة ‪ ،‬حييتى ُأرغييم‬ ‫قامت الدنيا ولم تقعد ‪ ،‬ض ّ‬
‫التحاد الوروبي على مقاطعة النمسا لمنع ) هايدر ( من ترشيح نفسه لمنصب في الحكومة النمساوية ‪.‬‬

‫الصيغة النهائية لمبادئ المخطط الشيطاني ‪:‬‬

‫ق هو القوة ‪ ) .‬بمعنى أن الذي يملك القوة هييو الييذي ُيحيّدد مفيياهيم الحييق‬
‫أن قوانين الطبيعة تقضي بأن الح ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫ويفرضها على الخرين ( ‪.‬‬
‫أن الحرية السياسية ليست إل فكرة مجردة ولن تكون حقيقة واقعة ‪ ) .‬بمعنى أنك تستطيع الدعاء ظاهرييا‬ ‫‪.2‬‬
‫بأنك ديموقراطي وتسمح بحرية الرأي ولكن في المقابل يجب قمع الرأي الخر سرا ( ‪.‬‬
‫سلطة الذهب ) المال ( فوق كل السلطات حتى سلطة الدين ‪ ) .‬محاربة الدين وإسييقاط أنظميية الحكييم غييير‬ ‫‪.3‬‬
‫الموالية ‪ ،‬من خلل تمويل الحركات الثورية ذات الفكار التحررية وتمويل المنتصر منها بالقروض ( ‪.‬‬
‫الغاية تبّرر الوسيلة ‪ ) .‬فالسياسي الماهر ‪ :‬هو الذي يلجأ إلى الكذب والخداع والتلفيق فييي سييبيل الوصييول‬ ‫‪.4‬‬
‫إلى سدة الحكم ( ‪.‬‬
‫ميين العييدل أن تكييون السيييادة للقييوى ‪ ) .‬وبالتييالي تحطيييم المؤسسييات والعقييائد القائميية ‪ ،‬عنييدما يييترك‬ ‫‪.5‬‬
‫المستسلمون حقوقهم ومسؤولياتهم ‪ ،‬للركض وراء فكرة التحّرر الحمقاء ( ‪.‬‬
‫ضرورة المحافظة على السرية ‪ ) .‬يجب أن تبقى سيلطتنا الناجميية عين سييطرتنا عليى المييال مخفّيية عين‬ ‫‪.6‬‬
‫أعين الجميع ‪ ،‬لغاية الوصول إلى درجة من القوة ل تستطيع أي قوة منعنا من التقدم ( ‪.‬‬
‫ضرورة العمل على إيجاد حكام طغاة فاسدين ‪ ) .‬لن الحرية المطلقة تتحول إلى فوضى وتحتاج إلى قمييع‬ ‫‪.7‬‬
‫‪ ،‬لكي يتسنى لولئك الحكام سرقة شعوبهم ‪ ،‬وتكبيل بلدانهم بالديون ولتصبح الشعوب برسم البيع ( ‪.‬‬
‫إفسيياد الجيييال الناشييئة لييدى المييم المختلفيية ‪ ) .‬ترويييج ونشيير جميييع أشييكال النحلل الخلقييي لفسيياد‬ ‫‪.8‬‬
‫الشبيبة ‪ ،‬وتسخير النساء للعمل في دور الدعارة ‪ ،‬وبالتالي تنتشر الرذيلة حتى بين سيدات المجتمع الراقي إقتييداًء‬
‫بفتيات الهوى وتقليدا لهن ( ‪.‬‬
‫الغزو السلمي التسللي هييو الطريييق السييلم ‪ ،‬لكسييب المعييارك مييع المييم الخييرى ‪ ) .‬الغييزو القتصييادي‬ ‫‪.9‬‬
‫لغتصاب ممتلكات وأموال الخرين ‪ ،‬لتجنب وقوع الخسائر البشرية في الحروب العسكرية المكشوفة ( ‪.‬‬
‫إحلل نظام مبني على أرستقراطية المال بدل من أرسييتقراطية النسييب ‪ ) .‬لييذلك يجييب إطلق شييعارات ‪:‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الحرية والمساواة والخاء ‪ ،‬بين الشعوب بغية تحطيم النظام السابق ‪ ،‬وكان هذا موجها إلى السر الوروبية ذات‬
‫‪114‬‬
‫الجذور العريقة ‪ ،‬ومن ضمنها السيير الملكييية والمبراطورييية ‪ ،‬ليلقييى لصييوص هييذه المييؤامرة بعييدها شيييئا ميين‬
‫التقدير والحترام ( ‪.‬‬
‫إثارة الحروب وخلق الثغرات في كل معاهدات السيلم اليتي تعقيد بعيدها لجعلهيا ميدخل لشيعال حيروب‬ ‫‪.11‬‬
‫جديدة ‪ ) .‬وذلك لحاجة المتحاربين إلى القروض ‪ ،‬وحاجة كيل مين المنتصير والمغليوب لهيا بعيد الحيرب لعيادة‬
‫العمار والبناء ‪ ،‬وبالتالي وقوعهم تحت وطأة الديون ومسك الحكومييات الوطنييية ميين خّناقهييا ‪ ،‬وتسيييير أمورهييا‬
‫حسب ما يقتضيه المخطط من سياسات هدامة ( ‪.‬‬
‫خلق قادة للشعوب من ضعاف الشخصية الذين يتميزون بالخضوع والخنييوع ‪ ) .‬وذلييك بييإبرازهم وتلميييع‬ ‫‪.12‬‬
‫صورهم من خلل الترويج العلمي لهم ‪ ،‬لترشيحهم للمناصب العامة في الحكومات الوطنية ‪ ،‬ومن ثم التلعيب‬
‫صصين لتنفيذ سياساتنا ( ‪.‬‬
‫بهم من وراء الستار بواسطة عملء متخ ّ‬
‫امتلك وسائل العلم والسيطرة عليهييا ‪ ) .‬لتروييج الكياذيب والشياعات والفضيائح الملّفقية الييتي تخييدم‬ ‫‪.13‬‬
‫المؤامرة ( ‪.‬‬
‫قلب أنظمة الحكم الوطنييية المسييتقلة بقراراتهييا ‪ ،‬والييتي تعمييل ميين أجييل شييعوبها ول تسييتجيب لمتطلبييات‬ ‫‪.14‬‬
‫المؤامرة ‪ ) .‬وذلك بإثارة الفتن وخلق ثورات داخلية فيهيا لتيؤدي إليى حالية مين الفوضيى ‪ ،‬وبالتيالي سيقوط هيذه‬
‫النظمة الحاكمة وإلقاء اللوم عليها ‪ ،‬وتنصيب العملء قادة في نهاية كل ثورة وإعدام من ُيلصق بهم تهمة الخيانة‬
‫من النظام السابق ( ‪.‬‬
‫استخدام الزمات القتصادية للسيطرة على توجهات الشييعوب ‪ ) .‬التسييبب فييي خلييق حييالت ميين البطاليية‬ ‫‪.15‬‬
‫والفقر والجوع ‪ ،‬لتوجيه الشعوب إلى تقديس المال وعبادة أصحابه ‪ ،‬لتصبح لهم الحقية والولوية فييي السيييادة ‪،‬‬
‫واتخاذهم قدوة والسير على هديهم ‪ ،‬وبالتالي سقوط أحقية الدين وأنظمة الحكم الوطنية ‪ ،‬والتمرد على كل مييا هييو‬
‫مقّدس من أجل لقمة العيش ( ‪.‬‬
‫نشر العقائد اللحادية المادية ‪ ) .‬من خلل تنظيم محافل الشييرق الكييبرى ‪ ،‬تحييت سييتار العمييال الخيرييية‬ ‫‪.16‬‬
‫والنسانية ‪ ،‬كالماسونية ونوادي الروتاري والليونز ‪ ،‬والتي تحارب في الحقيقة كل مييا تمثلييه الديييان السييماوية ‪،‬‬
‫وتساهم أيضا في تحقيق أهداف المخطط الخرى داخل البلدان التي تتواجد فيها ( ‪.‬‬
‫خداع الجماهير المستمر باستعمال الشعارات والخطابات الرّنانة والوعود بالحرية والتحرر ‪ ) .‬التي تلهب‬ ‫‪.17‬‬
‫حماس ومشاعر الجماهير لدرجة يمكن معها ‪ ،‬أن تتصرف بما يخالف حييتى الواميير اللهييية وقييوانين الطبيعيية ‪،‬‬
‫وبالتالي بعد الحصول على السيطرة المطلقة على الشعوب ‪ ،‬سنمحو حتى اسم ال من معجم الحياة ( ‪.‬‬
‫ضرورة إظهار القوة لرهاب الجماهير ‪ ) .‬وذلك من خلل افتعال حركات تمرد وهمية على أنظمة الحكم‬ ‫‪.18‬‬
‫‪ ،‬وقمع عناصرها بالقوة على علم أو مرأى من الجماهير ‪ ،‬بالعتقال والسيجن والتعيذيب والقتيل إذا ليزم المير ‪،‬‬
‫لنشر الذعر في قلوب الجماهير ‪ ،‬وتجّنب أي عصيان مسلح قد ُيفّكرون فيه عند مخالفة الحكام لمصالح أممهم ( ‪.‬‬
‫استعمال الدبلوماسية السرّية من خلل العملء ‪ ) .‬للتييدخل فييي أي اتفاقييات أو مفاوضييات ‪ ،‬وخاصيية بعييد‬ ‫‪.19‬‬
‫الحروب لتحوير بنودها بما يتفق مع مخططات المؤامرة ( ‪.‬‬
‫الهدف النهائي لهذا البرنامج هو الحكومة العالمية الييتي تسيييطر عليى العيالم بأسيره ‪ ) .‬ليذلك سييكون مين‬ ‫‪.20‬‬
‫الضروري إنشاء احتكارات عالمية ضخمة ‪ ،‬من جّراء اتحاد ثروات اليهود جميعها ‪ ،‬بحيييث ل يمكيين لي ثييروة‬
‫ظمت من الصمود أمامها ‪ ،‬مما يؤدي إلى انهيييار هييذه الييثروات والحكومييات ‪ ،‬عنييدما‬ ‫من ثروات الغرباء مهما ع ُ‬
‫جه اليهود العالميون ضربتهم الكبرى في يوم ما ( ‪.‬‬
‫يو ّ‬
‫الستيلء والسيطرة على الممتلكات العقارية والتجارية والصييناعية للغربيياء ‪ ) .‬وذلييك ميين خلل ؛ أول ‪:‬‬ ‫‪.21‬‬
‫فرض ضرائب مرتفعة ومنافسة غير عادلة للتجار الوطنيين ‪ ،‬وبالتييالي تحطيييم الييثروات والمييدخرات الوطنييية ‪،‬‬
‫وحصول النهيارات القتصادية بالمم ‪ .‬ثانيا ‪ :‬السييطرة عليى الميواد الخيام وإثيارة العميال ‪ ،‬للمطالبية بسياعات‬
‫عمل أقل وأجور أعلى ‪ ،‬وهكذا تضطر الشركات الوطنية لرفع السعار ‪ ،‬فيييؤدي ذلييك إلييى انهيارهييا وإفلسييها ‪،‬‬
‫ويجب أل يتمكن العمال بأي حال من الحوال من الستفادة من زيادة الجور ( ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫إطالة أمد الحروب لستنزاف طاقات المم المتنازعة ماديا ومعنويا وبشييريا ‪ ) .‬لكييي ل يبقييى فييي النهاييية‬ ‫‪.22‬‬
‫سوى مجموعات من العمال ‪ ،‬تسيطر عليها وتسوسها حفنية مين أصيحاب المليييين العملء ‪ ،‬ميع عييدد قلييل مين‬
‫أفراد الشرطة والمن لحماية الستثمارات اليهودية المختلفة ‪ ،‬بمعنى آخر إلغاء الجيوش النظامية الضييخمة حربييا‬
‫أو سلما في كافة البلدان ( ‪.‬‬
‫الحكومة العالمية المستقبلية تعتمد الدكتاتورية المطلقية كنظييام للحكييم ‪ ) .‬فييرض النظييام العييالمي الجديييد ‪،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫الذي يقوم فيه الدكتاتور بتعيين أفراد الحكومة العالمية ‪ ،‬من بين العلماء والقتصاديين وأصحاب المليين ( ‪.‬‬
‫تسلل العملء إلى كافة المستويات الجتماعييية والحكومييية ‪ ) .‬ميين أجييل تضييليل الشييباب وإفسيياد عقييولهم‬ ‫‪.24‬‬
‫بالنظريات الخاطئة ‪ ،‬حتى تسهل عملية السيطرة عليهم مستقبل ( ‪.‬‬
‫ترك القوانين الداخلية والدولية اليتي سينتها الحكوميات واليدول كميا هيي ‪ ،‬وإسياءة اسيتعمالها وتطبيقهيا ‪.‬‬ ‫‪.25‬‬
‫) عن طريق تفسير القوانين بشكل مناقض لروحها ‪ ،‬يستعمل أول قناعا لتغطيتهييا ومين ثيم يتيم طمسيها بعيد ذليك‬
‫نهائيا ( ‪.‬‬
‫ثم يختم المتحّدث عرضه بالقول ‪ " :‬لعلكم تعتقدون أن الغرباء ) غير اليهود ( لن يسكتوا بعد هذا ‪ ،‬وأنهم سيهّبون‬
‫للقضاء علينا ‪ ،‬كل هذا اعتقاد خاطئ ‪ .‬سيكون لنا في الغرب منظمة على درجة من القوة والرهاب ‪ ،‬تجعل أكثر‬
‫القلوب شجاعة ترتجف أمامها ‪ ،‬تلك هي منظمة الشبكات الخفية تحت الرض ‪ ،‬وسنعمل علييى تأسيييس منظمييات‬
‫من هذا النوع ‪ ،‬في كل عاصمة ومدينة نتوّقع صدور الخطر منها " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫* بتصّرف من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( ‪.‬‬
‫ن هذا المخطط ‪ُ ،‬وضع قبل أكثر من ‪ 200‬سنة تقريبا ‪ ،‬وأن العمل على تنفيذه بقي جاريييا علييى‬ ‫نود أن ُنشير إلى أ ّ‬
‫قدم وساق ‪ ،‬وكان دائم التجيّدد والتطيّور ميين حيييث القييائمين عليييه ‪ ،‬وميين حيييث برامجييه وأدواتييه ‪ ،‬ليتوافييق مييع‬
‫التطورات المتسارعة التي ظهرت في القرنين الماضيين ‪ ،‬من ُمخترعات واكتشافات كوسيائل التصيال ووسيائل‬
‫طته أيدي أبالسة اليهود على‬ ‫طط الشيطاني ‪ ،‬الذي خ ّ‬ ‫سخّرت كلها لخدمة هذا الُمخ ّ‬ ‫الحروب على مختلف أنواعها ‪ُ ،‬‬
‫مّر العصور ‪ ،‬وما كان لبشر من غير اليهود ‪ ،‬أن يجمعييوا كيل هييذا الشيّر فييي جعبتهيم ‪ ،‬ويصيهروه بهييذا الشييكل‬
‫الُمذهل المتعّمق ‪ ،‬في معرفته بدواخل النفس البشرية وأهوائها ‪ ،‬ومكامن ضعفها وقوتها ‪ ،‬اتقانا ربما يعجز إبليس‬
‫نفسه عن التيان بمثله ‪ ،‬حتى استطاعوا من خلله ‪ ،‬التحكم بالبشر بدءا من الرئيييس المريكييي بعظمتييه ‪ ،‬وحييتى‬
‫إنسان الغياهب الفريقية بفقره وقلة حيلته ‪ ،‬الذي ل يدري ما الذي ُيحاربه أول ‪ ،‬الجوع أم اليييدز ‪ .‬وهييا هيم الن‬
‫بدءوا ُيزيلون أقنعتهم شيئا فشيئا ‪ ،‬فتصريحاتهم من مواقع السياسة المريكية ومواقفهم ‪ ،‬تكشف عيين مييدى قباحيية‬
‫ق النسانية ‪.‬‬‫وجوههم وأفعالهم في ح ّ‬

‫إسقاط جميع أنظمة الحكم الوراثية العريقة في أوروبا من خلل الثورات التحررية ‪:‬‬

‫وقد استطاع اليهود من خلل مواظبتهم على تنفيذ هذه البروتوكولت ‪ ،‬من إسقاط نظام الحكم الملكي في بريطانيا‬
‫لفترة ليست بالقصيرة ‪ ،‬ومن ثم عاد النظام الملكي ‪ ،‬بشكل صوري ل يتمتع بأي سلطة كما هو الحييال الن ‪ ،‬كمييا‬
‫وقاموا بإسقاط النظام الملكي في فرنسا ‪ ،‬ومن ثم تم تحويلها إلى النظام الجمهوري ‪ .‬وبعد إثارتهم للحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬استطاعوا إسقاط الحكم القيصري في روسيا ‪ ،‬الذي عاملهم كما عوملوا في أوروبا ‪ ،‬ولكيين بييدون طييرد‬
‫وإدخال الحكم الشيوعي إليها ‪ ،‬واستطاعوا إسقاط الحكييم القيصييري فييي ألمانيييا أيضييا ‪ ،‬وأسييقطوا المبراطورييية‬
‫العثمانية ‪ ،‬وكان آخر الحصاد هو وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ‪.‬‬

‫المخطط في مراحله النهائية تحت حماية أمريكا ‪:‬‬

‫ولو أنك نظرت إلى البروتوكول رقم )‪ ، (23‬ستجد أن النظام الذي كان ُينادي به الرئيس المريكي ) بييوش ( فييي‬
‫بداية التسعينيات بعد انهيار التحاد السوفييتي ‪ ،‬موجود تحت نفس السم ) النظام العالمي الجديييد ( وهييذه العبييارة‬
‫طيط أصييبح فييي مراحلييه الخيييرة ‪،‬‬ ‫نفسها مكتوبة أيضا على الدولر باللغة اللتينية ‪ ،‬وهييذا مؤشيير علييى أن المخ ّ‬

‫‪116‬‬
‫حيث أن هذا البرتوكول هييو الثييالث قبييل الخييير ‪ ،‬ومييا بقييي عليهييم للوصييول إلييى هييدفهم النهييائي ‪ ،‬سييوى تنفيييذ‬
‫البرتوكولين )‪ (24‬و )‪ ، (25‬وهما المتعلقّين بالعولمة بجانبيها الثقافي والقتصادي ‪ ،‬والتي سنوضحها لحقا ‪.‬‬
‫الرؤساء المريكيون الوائل ُيح ّ‬
‫ذرون من الخطر اليهودي‬

‫ترجمة النص الكامل للجزء الخاص باليهود من خطاب بنيامين فرانكلين أمام الكونغرس ‪:‬‬
‫" أيها السادة ‪ :‬هنالك خطر كبير يتهدد الوليات المتحدة المريكية … وهذا الخطر هو اليهود … ففييي أي أرض‬
‫ل بها اليهود … يعملون على تدني المستوى الخلقي والتجياري فيهيا … وعليى ميدى تياريخهم الطوييل …‬ ‫يح ّ‬
‫ظّلوا متقوقعين على أنفسهم في معزل عن المم التي يعيشون فيها … ولم يندمجوا فيي حضيياراتها … بييل كييانوا‬
‫يعملون دوما على إثارة الزمات المالية وخنق اقتصادياتها … كما حصل في البرتغال وإسبانيا ‪.‬‬
‫لكثر من ‪ 1700‬سنة … وهم يبكون على قدرهم ومصيرهم المحزن … أعني طردهييم ونفيهييم ميين وطنهييم الم‬
‫) فلسطين ( … ولو أن العالم المتحضر ) الغرب ( أعاد لهم فلسطين الن … فإنهم على الفور سيختلقون الكييثير‬
‫من السباب والعذار والحجج الواهية … ليبرروا عدم رغبتهم فييي العييودة إليهييا … لميياذا ؟ … لنهييم كائنييات‬
‫طفيلية … والطفيليات ل تستطيع أن تتطفل على طفيليات أخرى … فهم ل يستطيعون العيش مع بعضهم البعض‬
‫… مما يستدعي ضرورة تواجدهم بين المسيحيين … أو بين أناس من غير جنسهم ‪.‬‬
‫وإن لييم ُيطييردوا ميين الوليييات المتحييدة بمييوجب الدسييتور … فييإنهم وخلل مييائة عييام علييى القييل ميين الن …‬
‫سيتوافدون إلى هذا البلد بأعداد كبيرة … وبتلك العييداد سييوف يحكمونييا ويييدّمرونا … ميين خلل تغيييير أنظميية‬
‫الحكم لدينا … والتي بذلنا نحن المريكيين من أجييل توطيييدها علييى ميير السيينين … الغييالي والنفيييس ميين دمائنييا‬
‫وأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا … وإن لم يتم طردهم … وبعد مائتي سنة من الن …فييإن أحفادنييا سيييعملون فييي‬
‫الحقول ليل نهار … من أجل إشباع بطونهم وجيوبهم … بينما يجلسون هم في قصييورهم يفركييون أيييديهم فرحييا‬
‫واغتباطا … بما حصدوه من غلل وأرباح ‪.‬‬
‫وها أنا أحذركم أيها السادة … إن لم تطردوا اليهود من هذا البلد إلى البد … فيإن أولدكيم وأحفيادكم سييلعنونكم‬
‫في قبوركم … ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمُثلهم العليا ما زالت تختلف كليا ‪ ،‬عما يتحلى به الشعب‬
‫المريكييي ميين ُمُثييل … فالفهييد الرقييط ل يمكنييه تغيييير لييون جلييده … سييوف ُيعّرضييون مؤسسيياتنا ومقوماتنييا‬
‫الجتماعية للخطر … لذلك يجب طردهم بنص من الدستور " ‪.‬‬
‫وكان فرانكلين من الرؤساء الوائل في أمريكا ‪ ،‬والذي استشييعر الخطيير اليهييودي قبييل تغلغلييه فييي أمريكييا ‪ ،‬ميين‬
‫خلل دراسته لتوراتهم ولتاريخهم في أوروبا وما أحدثوه من خراب فيها ‪.‬‬

‫وهذا قسم من خطاب الرئيس المريكي ) لنكولن ( للمة ‪ ،‬فــي نهايــة مــدته الرئاســية‬
‫الولى ‪:‬‬

‫" إنني أرى في الفق ُنذر أزمة تقترب شيئا فشيئا … وهي أزمة تثيرني وتجعلني أرتجف على سلمة بلييدي …‬
‫فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … وسيترتب على ذلك وصول الفساد إلى أعلى المناصب … إذ‬
‫أن أصحاب رؤوس الموال سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة … مسييتخدمين فييي ذلييك مشيياعر الشييعب‬
‫وتحّزباته … وستصبح ثروة البلد بأكملها تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية "‬
‫‪.‬‬
‫وكان هذا الخطاب قبل أكثر من ‪ 130‬سنة بعد أن تغلغل اليهود في أمريكا ‪ ،‬وقد اغتيل هذا الرئيس في بداية فييترة‬
‫الرئاسية الثانية ‪ ،‬لن كل أصييحاب رؤوس المييال المريكييي أصييبحوا ميين اليهييود ‪ .‬كمييا اغتيييل الرئيييس ) جييون‬
‫كندي ( عندما أعلن عن برامجه الصلحية ‪ ،‬ورغبته ببناء أمريكا من الداخل ونهج التعايش السلمي مع الخييارج‬
‫كروسيا والبلدان الخرى ‪ ،‬وهذا مما يتعارض كليا مع بروتوكولت أرباب المال اليهود وحكمائهم ‪.‬‬
‫بعد اغتيال ) كندي ( استوعب رؤساء أمريكا الدرس وحفظوه عن ظهير قليب ‪ ،‬فليم يجيرؤ أحيدهم عليى نهيج أي‬
‫سياسة تتعارض مع طموحات اليهود وتطلعاتهم على كافة الصعدة ‪ ،‬بييل كييانوا فييور انتخييابهم يسييارعون لتقييديم‬
‫‪117‬‬
‫فييروض الطاعيية والييولء لسيييادهم اليهييود ‪ .‬وخييدماتهم لليهييود خلل الربعييين سيينة الماضييية ظيياهرة للعيييان ‪،‬‬
‫وأصبحت مهمة الرئيس المريكي ل تتعدى مهمة ) كلب الصيد المييدّرب جيييدا ( ‪ ،‬لصييطياد الشييعوب وثرواتهييا‬
‫وجلبها لليهود في الداخل والخارج ‪ ،‬وفي نهاية ولية كل كلب جيد منهم ُيعّلق في رقبته وساما رفيعييا ميين المديييح‬
‫اليهودي ‪ ،‬فيهّز ذنبه فرحا ويمضي خارجا من البيت البيض ‪ ،‬بعد حصوله علييى شييرف عضييوية ) نييادي كلب‬
‫جروا في بيتييه‬‫الصيد ( اليهودي ‪ ،‬وكلنا يذكر قصة ) كلينتون ( عندما نسي نفسه وحاول الضغط على نتنياهو ‪ ،‬فف ّ‬
‫البيض القنبلة ) لوينسكي ( ‪ ،‬التي كانت ُمعّدة منذ لحظة انتخابه فأعادته إلى صوابه ‪ ،‬وإلى موقعه الحقيقي ككلب‬
‫صيد ل أكثر ‪ ،‬فأصبح في نهاية مدة رئاسته صهيونيا أكثر من الصييهاينة أنفسييهم ‪ ،‬يمسييح بفييروه البيييض النيياعم‬
‫نعال أحذيتهم ‪ ،‬عسى أن يقتات هييو وزوجتييه علييى فتييات مييوائدهم ‪ ،‬فييي قاعييات مجلييس الشيييوخ المريكييي بعييد‬
‫خروجهم من البيت البيض ‪.‬‬

‫الحرب العالمية الثانية درس من دروس التآمر اليهودي العالمي‬

‫الظروف التي سبقت الحرب ‪ ،‬من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( بتصّرف ‪:‬‬
‫ي معاهدة فرساي المجحفة بحق ألمانيا ‪ :‬التي كان لليهود وعملئهم اليد الطولى فييي صييياغتها ميين وراء السييتار ‪،‬‬
‫لتكون بؤرة لتوريط ألمانيا في حرب أخرى ‪ ،‬إذا تطلييب الميير مسييتقبل ‪ .‬حيييث أن بنييود هييذه المعاهييدة اقتطعييت‬
‫جزءا من الراضي اللمانية وضمتها إلى بولندا ‪ ،‬وأرغمت ألمانيا على دفييع التعويضييات للخسييائر الناجميية عيين‬
‫الحرب العالمية الولى ‪ ،‬وأبقت ألمانيا تحت طائلة الديون إلى ما ل نهاية ‪.‬‬
‫ي وجود الحركة النازية في ألمانيا ‪ :‬والسبب في بلورة أفكارهيا هيو معرفية اللميان بفصيول الميؤامرة اليهوديية ‪،‬‬
‫حيث أن الصيغة النهائية لبرتوكولت حكماء المؤامرة التي تدعو لتفييوق العييرق اليهييودي ‪ ،‬والييتي ُكشييفت أصييل‬
‫فيما سبق في ألمانيا نفسها ‪ ،‬دفعييت المفكيير اللميياني ) كييارل ريييتر ( إلييى طييرح أفكييار تييدعو إلييى تفييوق العييرق‬
‫الجرماني ‪ ،‬ردا على ما طرحته برتوكولت حكماء اليهود ‪ .‬وميين أقييوال مؤسييس الفكيير النييازي ) كييارل ريييتر (‬
‫الذي نشر أفكيياره عييام ‪1849‬م ‪ :‬لكييي يعييود السييلم والحرييية القتصييادية إلييى العييالم ‪ ،‬يجييب أول القضيياء علييى‬
‫جهييون الشيييوعية ويسيييطرون عليهييا ‪.‬‬ ‫الممولين اليهود ‪ ،‬وعلى جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية ‪ ،‬الييذين ُيو ّ‬
‫ومضييمون المعتقييدات النازييية يقضييي بتفييوق العييرق الجرميياني ‪ ،‬والييذي يتييوجب عليييه إخضيياع العييالم بييالقوة‬
‫العسكرية ‪ ،‬ويجب أن تكون الطاعة فيه لرئيس الدولة الجرمانية طاعة عمياء وبييدون نقيياش ‪ .‬وعلييى مييا يبييدو أن‬
‫رجالت الحرب اللمان بعد الحرب العالمية الولى ‪ ،‬وما لحق بألمانيا من إجحاف من خلل المؤامرات اليهودية‬
‫قبل وبعد الحرب ‪ ،‬اقتنعوا بالمييذهب النييازي واعتنقييوا مبييادئه ‪ ،‬فوضييعوا مخططهييم العسييكري لكتسيياح أوروبييا‬
‫وأمريكا للقضاء على الممولين اليهود والستيلء على ثرواتهم الطائلة ‪.‬‬
‫ي مرتكزات السياسة اللمانيية ‪ :‬كيانت تقيوم علييى وجيوب تحريير ألمانييا مين التفاقيييات القتصيادية المفروضيية‬
‫عليها ‪ ،‬من قبل الممولين والمرابين الدوليين ‪ ،‬بعد أن أدرك الزعماء اللمان خطر هيذه التفاقييات عليى اسيتقلل‬
‫البلد ‪ ،‬لن الفوائد المفروضة على القروض المالية بموجب هذه التفاقيات ‪ ،‬ستؤدي حتميا إليى وقيوع البلد فيي‬
‫براثن دائنيها ) بمعنى ارتهان القرار والموقف السياسي والقتصادي بمصلحة الدائنين بغض النظر عيين مصييلحة‬
‫المة ( تماما كما وقعت بريطانيا عام ‪1694‬م ‪ ،‬وفرنسا عام ‪1790‬م ‪ ،‬وأمريكييا عييام ‪1791‬م ‪ .‬وبالتييالي سييتكون‬
‫هذه القروض دينا واستعبادا لكل فرد من أفراد الشعب ‪ ،‬لن تسديدها ليين يكييون إل بفييرض مزيييد ميين الضييرائب‬
‫يدفعها المواطنون جميعا ‪ ،‬ويكون المستفيد الذي ل يخسر أبدا هو الييدائن ‪ ،‬أي الممييول المرابييي العييالمي ‪ .‬عنييدئذ‬
‫صمم القادة اللمان على خلق عملة ألمانية ‪ ،‬ل تستند إلييى القييروض بييل تعتمييد علييى الييدخل القييومي والممتلكييات‬
‫الوطنية ‪ ،‬وعلى موارد الصناعة والزراعة والثروات الطبيعية وعلى الطاقة النتاجية للمة ‪.‬‬
‫ي وصول هتلر إلى سدة الحكم ‪ :‬يذهب مؤلف الكتيياب إلييى أن شخصييية هييذا الرجييل اعتراهييا الكييثير مين التشييويه‬
‫العلمي اليهودي الغربي ‪ ،‬وفي الحقيقة لم يكن هتلر داعية حييرب ولييم يكيين معتنقييا للمييذهب النييازي ‪ ،‬بييل كييان‬
‫رجل قوميا يسعى لرفع الظلم والجحاف الذي لحق بأمته من جراء معاهدة فرساي ‪ ،‬وكان عييدًوا لييدودا للنييازيين‬
‫والممولين اليهود على حد سواء ‪ ،‬وقد جاء في الصفحة الخيرة من كتابه ) كفاحي ( الذي كتبييه فييي السييجن عييام‬
‫‪1934‬م ‪ ،‬قبل أن يتسّلم الزعامة ما نصه ‪ " :‬وبهذا يقف الحزب الشتراكي الوطني موقفا إيجابيا ميين المسيييحية ‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫ولكنه ل يترك أمييور العقيييدة لجماعيية ميين المنحرفييين ) النييازيين ( ‪ ،‬وميين جهيية أخييرى يحييارب الييروح المادييية‬
‫اليهودية المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الخرين " ‪ .‬أما عيين معاهييدة فرسيياي فقييد كتييب يقييول ‪ " :‬إنهييا لييم تكيين‬
‫لمصلحة بريطانيييا ولكنهييا كييانت أول وأخيييرا فييي صييالح اليهييود لتييدمير ألمانيييا " ‪ .‬ونيود أن نضيييف أن السييبب‬
‫الرئيسي في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الولى وهي في قمة انتصاراتها العسييكرية ‪ ،‬هييو الثييورات والفتيين‬
‫التي أحدثها الممولون اليهود بإحياء الثورات الشيوعية داخل ألمانيا ‪ ،‬والييتي أضييعفت الجبهيية الداخلييية وأضييعفت‬
‫الروح المعنوية لدى الجيش اللماني ‪ ،‬والتي تسببت في تنازل القيصر عيين عرشييه وتوقيييع الهدنيية لللتفييات إلييى‬
‫الشأن الداخلي ‪ ،‬خوفا من سيطرة الشيوعية على ألمانيا كما حصل في روسيا ‪.‬‬
‫ي نشوء دول المحور ‪ :‬وجد الشعب اللماني بصورة عامة أنه يشيارك شيعوب اليابيان وإيطالييا وإسيبانيا ‪ ،‬آميالهم‬
‫وأمانيهم في المستقبل السياسي والقتصادي فظهر حلف المحور ‪ ،‬ونظرا لديناميكية زعماء تلك الدول وما بييذلوه‬
‫من جهود ضخمة ‪ ،‬تمكّنوا من إعادة بناء بلدانهم على كافة المستويات الصناعية والزراعية والعسكرية بمييا يشييبه‬
‫المعجزات ‪.‬‬

‫سيناريو الحرب ‪:‬‬

‫بدأ هتلر عييام ‪1936‬م محيياولت التحييالف مييع بريطانيييا ‪ ،‬وجييرت عييدة محادثييات غييير رسييمية بييين دبلوماسيييي‬
‫البلدين ‪ ،‬وكانت الغاية من هذا التحالف ‪ ،‬هو رغبة اللمان في احتلل جميع الدول الشيييوعية ‪ ،‬وتحرييير شييعوبها‬
‫جهييون حركتهييا‬ ‫وإعدام جميع الخونة فيها ‪ ،‬وذلك لقناعة اللمان بارتباط الشيوعية بكبار أغنياء اليهود ‪ ،‬الييذين يو ّ‬
‫ويمّولونها ‪ ،‬كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت الحركيية الصييهيونية السياسييية ‪ ،‬وكييان الييرد البريطيياني علييى‬
‫مقترحات اللمان سلبيا ‪ ،‬معبرا عن عدم موافقته على هذه المقترحات ‪ ،‬فيياقتنع هتليير بييأنه يسييتحيل علييى أي أميية‬
‫بمفردها ‪ ،‬أن تحطم نفوذ المرابين العالميين وخاصة في الييدول المسيّماة بالديموقراطييية ‪ ،‬وذلييك لتحّكمهييم المييالي‬
‫بهذه الدول وإيقاعهم إياها تحت طائلة الديون ‪.‬‬
‫ولّما رفض هتلر أوامر لوردات الحرب النازيين ‪ ،‬لردع الشيوعية وستالين منفردا حيياولوا اغتييياله ‪ ،‬ولمييا فشييلوا‬
‫حاولوا إضعاف شعبيته التي حققها بين اللمان ‪ ،‬فبدأ النازيون بنشر الفكار النازية اللحادية بين الشعب اللماني‬
‫‪ ،‬واستغلت الصحافة المعادية ذلك وألصقت هذه التهمة بهتلر ‪ ،‬وبدأت وسائل العلم حملتها ضد هتليير ‪ ،‬وانقسييم‬
‫الشعب اللماني إلى قسمين ووقع هتليير بييين فكييي كماشيية ‪ ،‬رجييال الكنيسيية ميين جهيية ورجييال النازييية ميين جهيية‬
‫أخرى ‪ ،‬أما في بريطانيا فكانت وسائل العلم اليهودية ‪ ،‬ماضية في تشويه صورة هتلر وألمانيا لتمنع أي فرصة‬
‫لي تقارب ألماني بريطاني ‪.‬‬
‫وعندما عرضت ألمانيا مشروعا مقبول لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ المدينيية اللمانييية ‪ ،‬الييتي سييببتها معاهييدة‬
‫فرساي الجائرة ‪ ،‬سارع أقطاب المؤامرة ليجاد تحالف بريطاني بولندي من خلل فبركتهم لنذار مييزّور ‪ ،‬تنييذر‬
‫خض عن معاهييدة بريطانييية لحماييية البولنييديين ميين أي‬ ‫فيه ألمانيا البولنديين بالستسلم خلل ‪ 48‬ساعة فقط ‪ ،‬تم ّ‬
‫عدوان ألماني عام ‪1939‬م ‪ .‬ومن ثم عملوا على إقناع البولنديين بصييلحية معاهييدة الحماييية البريطانييية ‪ ،‬وهكييذا‬
‫ن عليييه الحملت‬ ‫أهمل البولنديون المذكرة اللمانية أشهرا عديدة ‪ ،‬فييي حييين كييانت الصييحافة المعادييية لهتليير تشي ّ‬
‫العنيفة المضادة ‪ ،‬وذلك لسبب واحد هو معيياداته لصييحاب المييؤامرة العالمييية ‪ ،‬واعتميياده سياسيية مسييتقلة داخييل‬
‫المبراطورييية اللمانييية ‪ ،‬بعيييدا عيين قروضييهم وخططهييم القتصييادية المييدمرة ‪ ،‬وبشييكل عييام كييانت الصييحافة‬
‫سير‬ ‫الغربية ‪ ،‬قد هّيأت الشعوب هناك لتقف موقفا معاديا لللمان ‪ ،‬ولجميع الدول اليتي تؤييد سياسيتهم ‪ ،‬وبيدأت تف ّ‬
‫وتحّلل أقواله وأفعاله وتقلب الحقائق وتفبرك الخبار وتحذر من أطماعه التوسعية ‪.‬‬
‫وهكذا بعد التعنت البولندي وتجاهله للمذكرة اللمانية ‪ ،‬ضجر هتلر من انتظار الرد ‪ ،‬ومن الحيرب المشيينة اليتي‬
‫وجهتها ضده صحافة الحلفاء ‪ ،‬فييأمر جيوشييه بييالتحرك نحييو بولنييدا لسييترجاع مييا اسييتقطع ميين أراضييي ألمانيييا‬
‫بالقوة ‪ ،‬ولم يتعّد إلى ما وراءها بل توقف عند ذلك الحيّد ‪ .‬عنييدئذ أعلنييت بريطانيييا الحييرب علييى ألمانيييا بمييوجب‬
‫التفاقية السابقة ‪ ،‬مع علم الذين أوجدوا هذه التفاقية عدم قدرة بريطانيا ‪ ،‬على حماية نفسها في مواجهة القييدرات‬
‫العسكرية اللمانية ‪ .‬وعندما تأكد لهم أن رئيس اليوزراء البريطيياني ) تشييامبرلين ( ‪ ،‬غييير ُمتحمييس للييدخول فييي‬
‫حرب فعلية مع ألمانيا ‪ ،‬أسقطوه وجاءوا ) بتشرشل ( الذي قام بقصف المدن اللمانية بالطائرات ‪ .‬وهكذا اضيطر‬

‫‪119‬‬
‫هتلر مرغما لتكملة تلك الحرب المدمرة ‪ُ ،‬مستجيبا للوردات الحرب النازيون التي دامت قرابة الخمييس سيينوات ‪،‬‬
‫وانتهت بخروج معظم الدول الييتي شيياركت فيهييا ‪ ،‬مثقليية بالييديون والخسييائر المادييية والبشييرية ‪ .‬وكييان المسييتفيد‬
‫الوحيد هم المرابون اليهود ‪ ،‬الذين مّولوا هذه الحييرب فييي سيينواتها الخمييس ‪ ،‬ومّولييوا عمليييات العمييار بعييدها ‪،‬‬
‫بقروض لم تستطع البلدان الوربية تسديدها إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫وأما ألمانيا ومن أجل عدائها المعلن لليهود سواء من هتلر أو من قبل النازيون ‪ ،‬فقد لقت مصيييرها المحتييوم ميين‬
‫تقسيم أراضيها وتحجيمها قدراتها ونهب مقّدراتها وثرواتها ‪ ،‬حيييث اسييتطاع اليهييود العييالميون بمييا يملكييونه ميين‬
‫أموال ‪ ،‬ومن خلل سييطرتهم عليى اقتصياديات اليدول الغربيية برمتهيا ‪ ،‬ومصيادرة قرارهيا السياسيي وتجيييره‬
‫لخدمة مخططاتهم الشيطانية ‪ ،‬وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ‪ ،‬من التخلص من الخطر اللماني الييذي كييان ُيهيّدد‬
‫ططاتهم لتدمير البشرية ‪.‬‬
‫ض مضجعهم ويتقاطع مع مخ ّ‬ ‫وجودهم ويق ّ‬
‫ويخلص صاحب كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( المسيحي الكندي ‪ ،‬في نهاية حييديثه عيين الحييرب العالمييية‬
‫الثانية ‪ ،‬يوجهه لمن انساق وساهم من ساسة الغرب ‪ ،‬في نجاح المخطييط الجهنمييي للمرابييين اليهييود ‪ ،‬طمعييا بمييا‬
‫يلقونه لهم من فتات وحطام هذه الدنيا الزائلة ‪ ،‬إلى القول ‪:‬‬
‫" أما الحقيقة الولى ‪ :‬فهي أن النسان لن يصحب معه إلى القبر شلليئا مللن‬
‫كنوز الدنيا ‪ ،‬أو شيئا من أكاليل المجد والثناء …‬
‫والحقيقة الثانية ‪ :‬هي أن القبر ليس النهاية ‪ ،‬بل إنه الطريق الذي ل منللاص‬
‫منه ول مفّر بعد القبر ‪ ،‬من تقديم الحساب أخيرا ‪ ،‬حيللث ليللس للمرابيللن‬
‫العالميين من حول ول قوة " ‪.‬‬

‫تأخر موسم الحصاد اليهودي للمحصول العالمي ‪:‬‬

‫كان مخطط المؤامرة يقتضي تنفيذ ما جاء في البروتوكولت بحرفتيه ‪ ،‬والغاية من ذلك السيطرة على اقتصاديات‬
‫دول العالم بأسرها ‪ ،‬وحصر رؤوس الموال العالمية كلها في أيدي اليهود ‪ ،‬وعندما يحين الموعد المناسييب يعمييد‬
‫اليهود إلى شراء الذهب من السواق العالمية وتكديسه ‪ ،‬ومن ثم ُيشعلون نيييران الحييرب العالمييية الثالثيية ‪ ،‬والييتي‬
‫حسب تصورهم ستكون كارثية بكل معنى الكلمة علييى العييالم بأسييره ‪ ،‬وتخلييف وراءهييا قطعانييا بشييرية جائعيية ‪،‬‬
‫ملحدة ل تؤمن إل بما هو مادي ‪ ،‬ومنحلة ل تبحث إل عن كل مييا ُيشييبع غرائزهييا الجسييدية ‪ ،‬آنييذاك ُيعليين ملييوك‬
‫الذهب عن أنفسهم ‪ ،‬ويشييترطون لنقيياذ تلييك القطعييان البشييرية ميين المييوت جوعييا ‪ ،‬بمييا أنهييم يملكييون الييذهب ‪،‬‬
‫تنصيبهم ملوكا على الرض لُيقيموا دولتهم العالمية الدكتاتورية وعاصمتها القدس ‪ ،‬فل تملك تلك القطعييان إل أن‬
‫تدين بالعبودية المطلقة لليهود ‪ ،‬بعد أن جاءها نور الذهب لُيبدد ظلمة الديان الموحشة ‪.‬‬
‫إذ كان من المفروض أن تقوم الحرب العالمية الثالثة حسب ُمخططيياتهم ‪ ،‬بعييد ) ‪ ( 25 – 20‬عامييا ميين الحييرب‬
‫العالمية الثانية ‪ ،‬ولكن ما لم يكن في الحسبان هو موت لينين نتاج المييؤامرة اليهودييية ‪ ،‬وانقلب ) سييتالين ( علييى‬
‫ططيها ‪ ،‬وتخّلصه من جميع القادة اليهود في الحيزب الشييوعي ‪ ،‬وإقييامته لتحيياد سيوفييتي قييوي‬ ‫ططاتها ومخ ّ‬
‫مخ ّ‬
‫جييم اليهييود‬
‫وامتلكه للسلح النووي ‪ ،‬ومقاسمته لمريكييا حكييم العييالم ودخييول عصيير الحييرب البيياردة ‪ ،‬الييذي ح ّ‬
‫وطموحاتهم بوقوفه نّدا قويا في وجه أمريكا وطموحاتها ‪ ،‬فكان ل بد من تدميره وتفكيكه أول ‪ ،‬عن طريق الغزو‬
‫السلمي التسلي المطروح في البروتوكول رقم ) ‪. ( 9‬‬
‫فوجدوا في ) غورباتشوف ( ضالتهم ‪ ،‬ولما أوشك التحاد على النهيار أجهزوا عليه بعميلهم الخر ) يلتسين ( ‪،‬‬
‫فسيطر على مقاليد الحكم بالقوة ‪ ،‬وأنهى ما ُيسمى بحلف وارسو ‪ ،‬وأزاح الحكم الشيوعي المناهض لمريكييا عيين‬
‫روسيييا ‪ ،‬وأخييذ بنصييائح صييندوق النقييد الييدولي للصييلح القتصييادي ميين خصخصيية وغيرهييا ‪ ،‬فاسييتطاع‬
‫المليييارديرات اليهييود كيي ) بيريزوفسييكي ( ميين شييراء معظييم المشيياريع السييتثمارية الروسييية ‪ ،‬وشييراء القييرار‬
‫السياسي والقتصادي الروسي ‪ ،‬وبالضافة إلى ما كانت تواجهه روسيا من أوضاع اقتصادية مترّدية ‪ ،‬أدخلوهييا‬
‫في حرب استنزافية مع الشيشان في أوساط التسعينيات ‪ ،‬وكل ذلك حتى يتسنى لليهود أن يصولوا ويجولييوا ‪ ،‬فييي‬
‫كافة أرجاء العالم لُيحققوا طموحاتهم ‪ ،‬وخاصة في منطقة الشييرق الوسييط ‪ ،‬وعنييدما خلييت لهييم السيياحة بانهيييار‬
‫التحاد السوفييتي ‪ ،‬وتجيييير قييرارات روسيييا بييالموال اليهودييية أشييعلوا حييرب الخليييج الثانييية ‪ ،‬باسييتخدام نفييس‬
‫‪120‬‬
‫السيناريو المستخدم في الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وخرجوا بنفس النتائج ‪ ،‬وشيياركت روسيييا فييي الحمليية الثلثينييية‬
‫على العراق ‪ ،‬على استحياء من حليفها السابق ‪ ،‬غير أن الحصار العراقي شمل كل منيياحي الحييياة ‪ ،‬ولييم يقتصيير‬
‫على التصنيع العسكري كما هو الحال مع ألمانيا واليابان ‪.‬‬
‫ططيي ومفكييري اليهيود التوراتييون فييي الغيرب ‪،‬‬ ‫وكان مؤتمر مدريد للسلم ‪ ،‬الذي كان في الصييل ‪ ،‬غايية لمخ ّ‬
‫والذي لم يكن يوافق عليه حكام إسرائيل العلمانيون ‪ ،‬وذلك لخلق درع من معاهدات السلم ‪ ،‬لحماية إسرائيل ميين‬
‫الخطار الخارجية ‪ ،‬من دول ما وراء دول الطوق ‪ ،‬ولتحييد طول الطوق نفسها ‪ ،‬ودفعها لخوض الحروب نيابيية‬
‫عن الدولية اليهوديية ‪ ،‬فيي حيال فكيرت أي دولية بعييدة كروسييا والعيراق ‪ ،‬العيدوين الليدودين حسيب النبيوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬بالضافة إلى مصر والسودان وليبيا ‪ ،‬والردن وسوريا وإيران وأفغانستان ‪ ،‬وكل هذه الدول مذكورة‬
‫في التوراة بأسمائها القديمة ‪ .‬ولذلك كييانت هنيياك معاهييدة السييلم المصييرية ‪ ،‬لقطييع الطريييق علييى مصيير نفسييها‬
‫والسودان وليبيا ‪ ،‬وكييانت المعاهييدة الردنييية لقطييع الطريييق علييى الييدول الشييرقية ‪ ،‬ولييم تتحقييق معاهييدة السييلم‬
‫السورية ‪ ،‬نتيجة التعنت السوري لسترجاع هضبة الجولن ‪ ،‬التي ل تستطيع إسرائيل التخلي عنها بأي حال ميين‬
‫الحوال ‪ ،‬فكانت هناك معاهدة أمنية بين إسرائيل وتركيا بديل عن المعاهدة السييورية مؤقتييا لقطييع الطريييق علييى‬
‫روسيا ‪ ،‬أما هذه اليام فالموقف من سوريا قد اختلف باختلف الموقف السوري من إسرائيل ومين العييراق ‪ ،‬مميا‬
‫يستدعي أفكارا جديدة وأسلوبا جديدا للتعامل مع سوريا ‪.‬‬

‫ميكانيكيات وأدوات العمل المستخدمة لتنفيذ برامج المخطللط‬


‫الشيطاني‬

‫مجلس المن ‪:‬‬

‫بغض النظر عما ُيمّثله من أنظمة وقوانين وقرارات تأخذ طابع العدالة والنصاف ‪ ،‬فيالتطبيق فيي الواقيع يختليف‬
‫كليا ويأخذ طابع الجور والظلم ‪ ،‬كما هو الحال مييع فلسييطين والعييراق مين جييانب ‪ ،‬وإسييرائيل ميين جييانب آخيير ‪.‬‬
‫فالقرارات ملزمة للجانب الول وغييير ملزميية للجييانب الثيياني ‪ .‬وخييذ إسييرائيل وجنييوب إفريقيييا ميين جييانب آخيير‬
‫كنظاميين عنصريين ‪ ،‬فالنظام الول زالت عنه صفة العنصرية بقرار من مجلس المن مع بقاء النظام العنصري‬
‫‪ ،‬والثاني زالت عنه هذه الصفة بزوال النظام ‪ ،‬وهذا ل ُيسّمى كما يحلو لبعض الغافلين ازدواجية فييي التعامييل أو‬
‫الكيل بمكيالين ‪ ،‬فالحقيقة هي أن مجلس المن الخاص بالمم المتحدة هو مجلييس أميين يهييودي عييالمي ‪ ،‬وبالتييالي‬
‫ليس هناك ما ُيسّمى بمعيارين أو مكيالين ‪ ،‬بيل هيو معييار واحيد ومكييال واحيد يقييس كيل الشيياء وفيق اليرؤى‬
‫اليهودية السرائيلية ‪ ،‬فهو الذي أوجد دولة إسرائيل وهو الذي حافظ على بقائها وإدامتها ‪.‬‬
‫لنطرح هذه التساؤلت ‪ :‬كم كان عدد الدول التي كانت قلقة بمصير اليهود ؟ وما الداعي لوجييود دوليية لليهييود بمييا‬
‫أن اليهودية ديانة وليست قومية ؟ ومن قال بأن القومية تعطييي الشيرعية لقاميية دولية ؟ فهنيياك الكيراد والرمين‬
‫وألبان كوسوفو وغيرهم الكثير ممن هم متواجدين على أراضيهم ! فلماذا لم ُيوجد لهم مجلس المن دول ؟! وبدل‬
‫من ذلك يتغاضى عن إبادتهم وقمعهم ‪ ،‬خاصة إذا كانوا مسلمين كالبوسيينة وكوسييفو والشيشييان ‪ ،‬أو أعييداًء لدوليية‬
‫حليفة لليهود كأكراد تركيا ‪ ،‬وعندما يتعّلق المر بالعراق ُيصبح الكراد في الشييمال مسييألة إنسييانية ُتقلييق مجلييس‬
‫المن ‪ .‬فما مصلحة أمم العالم قاطبة ومجلس أمنها في إنشاء دولة لليهود ! مع وجود النظمة العلمانية فييي معظييم‬
‫دول العالم حتى في معظم الدول السلمية والعربية ! إل أن يكون هذا المجلس هييو مجلييس أميين يهييودي بحييت ‪،‬‬
‫صل اليهود على ذلك ؟‬ ‫ولكن كيف تح ّ‬
‫الجواب بسيط جدا ‪ ،‬فهم قادرون على ضمان الغلبية لصدار أي قرار يرغبون بتمريره ‪ ،‬من خلل العمييل ميين‬
‫خلف الستار بالترغيب والترهيب القتصادي والسياسي لعضاء مجلس المن ‪ .‬بالضافة إلى إيجاد حييق النقييض‬
‫) الفيتو ( للدول دائمة العضوية ‪ ،‬منها ثلث دول مؤيدة لسرائيل بالسيطرة القتصييادية ‪ ،‬مييع أن واحييدة تكفييي ‪،‬‬
‫ج منهما خيرا وهما روسيا والصين ‪ ،‬اللتان غالبا مييا‬ ‫لتعطيل أي قرار ل يخدم المصالح اليهودية ‪ ،‬ودولتان ل ُيرت َ‬
‫كانتا تتماشيان مع الرغبة المريكية نتيجة السترضاء السياسي ‪ ،‬كغض الطرف عن ممارسات هاتين الييدولتين ‪،‬‬
‫فيما يخص مثل حقوق النسان فييي الصييين ‪ ،‬أو اضييطهاد الشييعوب الُمجيياورة والقلّيييات العرقييية أو الدينييية فييي‬
‫‪121‬‬
‫روسيا ‪ ،‬بالضافة إلى الغراء القتصادي متعدد الوجه ‪ .‬وفي حال فّكرت إحداهما في استعمال أي منهما ‪ ،‬حق‬
‫النقض على قرار يخدم إسرائيل تصبح دولة نازية ول سيامية ‪ ،‬وتبييدأ اللية العلميية اليهودييية العالميية بالطبييل‬
‫والزمر ‪ ،‬فالمور تصبح محسومة مسبقا ‪ ،‬ومؤخرا ُكشف النقاب عن هذه السياسيية علنييا ‪ ،‬عنييدما ه يّددت أمريكييا‬
‫دوليية كولومبيييا المستضييعفة بفييرض مقاطعيية اقتصييادية ‪ ،‬عنييدما صييّوتت لصييالح إرسييال قييوة حماييية دولييية‬
‫للفلسطينيين ‪.‬‬
‫ولنأخذ على سبيل المثال القييرارات الخاصيية بييالعراق ‪ ،‬فمعظييم هييذه القييرارات اُتخييذت بالجميياع بحجيية مخالفيية‬
‫العراق للقانون الدولي آنذاك ‪ ،‬وطريقة تأمين الجماع تمت كما هي العادة بطريقة آلية من خلل النشاط الملحوظ‬
‫للديبلوماسية اليهودية المريكية من وراء الستار ‪ ،‬ومن أمام الستار أحيانا بجولت مكوكية ‪ .‬فمعظييم دول مجلييس‬
‫المن إّما أن تكيون حليفية أو صيديقة أو مديونية أو منهيارة اقتصياديا ‪ .‬وعنيدما ُوضيع أول قيرار بيدأت الماكينية‬
‫اليهودية ‪ ،‬بالدوران بأقصى سيرعتها وطاقتهيا مدفوعية بأحقادهيا ومخاوفهيا التوراتيية ‪ ،‬لفيرض قيرارات جدييدة‬
‫ولتأمين تطبيق القرارات وتنفيذها ‪ ،‬والعالم كليه ل يعليم لغايية الن حقيقية النواييا اليهوديية المريكيية البريطانيية‬
‫الفرنسية ‪ ،‬من وراء تلك الحرب وهذا الحصار ‪ .‬وفي الحقيقة ما ُوضع بقرار ل ُيرفع إل بقرار وهذا ينطبق على‬
‫الحصار ‪ ،‬ولن ُيرفع هذا الحصار اليهودي التوراتي ما دامت أمريكييا تملييك حييق النقييض ‪ ،‬إل أن يتييم خييرق هييذا‬
‫الحصيار بيدون قيرار رفيع مين جيانب دولية عظميى كروسييا أو الصيين ‪ ،‬ل يسيتطيع القيانون اليدولي اليهيودي‬
‫المريكي معاقبتها ‪ ،‬كونها تمتلك سلحا نوويا قادرا علييى أن يمحييو أمريكييا وحلفائهييا عيين الوجيود بمييا فيهييا ميين‬
‫يهود ‪ ،‬وهذا الحتمال ُيعّد نوع من الُمغامرة في الظروف الراهنيية ‪ ،‬ومييع ذلييك بييدأ التمييرد الروسييي علييى أواميير‬
‫أسياد العالم يلوح في الفق ‪.‬‬

‫المنظمات النسانية في المم المتحدة ‪:‬‬

‫ما الذي تنادي به هذه المنظمات ؟ تنادي بحرية المرأة وحقوق النسان وحقيوق الطفيل وتنظييم النسيل وتحديييده ‪،‬‬
‫وغيرها من الحريات والحقوق ‪ ،‬وكل هذه الحريات والحقوق عند المناداة بها ‪ ،‬غالبا ما تأخييذ الطييابع السياسييي ‪،‬‬
‫فانظر إلى الدول المتهميية بانتهيياك هييذه الحريييات وهييذه الحقيوق ‪ ،‬هييي الييدول العربييية السييلمية أول ‪ ،‬والييدول‬
‫السلمية غير العربية ثانيا ‪ ،‬والدول الشيوعية ثالثا ‪ ،‬وما عدا ذلك إذا كان موجودا فهو لذّر الرماد فييي العيييون ‪،‬‬
‫فما الذي يريدون من وراء ذلك ؟ انظر إلى الحياة الجتماعييية فييي الغييرب ‪ ،‬الييذي سييمح ويسييمح بهييذه الحريييات‬
‫والحقوق ‪ ،‬تجد أن الجابة هي ما يلي ‪:‬‬
‫تحّرر الفكر فنتج الكفر واللحياد وعبيادة الميادة وتقديسيها ‪ ،‬تحيررت النسياء فتنيازلن عين دورهين الفطيري فيي‬
‫المومة والتربيية ‪ ،‬فنتجيت كافية أنيواع الباحيية والفجيور واليدعارة ‪ ،‬وأصيبحت لحيوم النسياء عرضية للكلب‬
‫الضاّلة ‪ ،‬وتحّررت الطفولة فتطاولت على الباء والمهات والمعّلمين والمعّلمات ‪ ،‬وتميّردت عنييد البلييوغ لتييترك‬
‫السرة ‪ ،‬وطفقت تبحث عن إشباع الغرائز والشهوات ‪ .‬لنخلص ميين ذلييك إلييى أن المطالبيية بحماييية هييذه الحقييوق‬
‫والحريات ‪ ،‬هي في الصل دعوة للتمرد على الطبيعة البشرية وأبجدياتها ‪ ،‬وعلى القيم الروحية والخلقية الييتي‬
‫قّدمتها الديان السماوية كمنهج للحياة ‪ .‬وتهدف إلى ضرب السرة التي هي اللبنة الساسية في بناء المجتمعييات ‪،‬‬
‫وذلك بحرمان الب من دوره القيادي مما يؤدي إلى تفكيك العلقات ما بين أفرادهيا ‪ ،‬وضيياع اليرؤى المشيتركة‬
‫للبقاء والستمرار ‪ .‬ولو قمت بإحصائية لعدد الغربيون ذوي الولدات الشرعية ! ربما لوجدت أن معظمهييم أولد‬
‫زنا ‪ ،‬شّر الخلق عند ال !! أما نحن … فماضييون علييى الييدرب لنييواكب ُمتطلبييات العصيير اليهييودي … بجهييود‬
‫الجهابذة من مفكرين وخبراء واختصاصيين … من دعاة التحّرر والتحرير والصلح القتصييادي والثقييافي …‬
‫وسنصل … عّما قريب … إن لم يّداركنا ال برحمته ‪.‬‬

‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ‪:‬‬

‫مهمة هذه المؤسسة تقديم النصائح ‪ ،‬بما ُيسمى ببرامج التصحيح القتصادي ‪ ،‬ومن ثم تقديم القييروض والحصييول‬
‫على ضمانات للسداد ‪ ،‬ولكن هيل تكييترث هيذه المؤسسية بمصييير الميوال المقّدميية ‪ ،‬وهيل تتييابع تنفيييذ برامجهييا‬
‫التصحيحية ؟ وما هي طبيعة هذه البرامج وماذا تحمل في طياتها ؟ في الحقيقة تذهب معظم الموال المقّدميية إلييى‬
‫جيوب المتنّفذين في الحكم وكنفقات للجهزة الحكومييية ‪ ،‬ول تظهيير المتابعيية إل عنييدما تقييع الييدول المديونيية فييي‬
‫‪122‬‬
‫أزمات اقتصادية تعجز بسببها من سداد اسيتحقاقات اليدين ‪ ،‬فييأتي الصيندوق بمجموعية اقتراحيات جدييدة كرفيع‬
‫الضرائب والسعار والرسوم على كل شيء لتحصيييل أقسيياط ديييونه ‪ ،‬وربمييا يقييترح بييأن يضييعوا فييي بيييت كييل‬
‫مواطن مستقبل موظفييا حكوميييا ‪ ،‬ليحصييي عليييه عييدد لقمييات الطعييام الييتي يأكلهييا أفييراد عيائلته ‪ ،‬أو مييا تحرقييه‬
‫عضلتهم من سّكر أثناء الحركة بما أنه أحد مصادر الطاقة ‪ ،‬ولُتجبى منه نسبة الضريبة على كييل لقميية أو غييرام‬
‫سّكر ‪ ،‬والنتيجة هي رفع السييعار والرسييوم والضييرائب باسييتمرار ‪ ،‬والضييحية أول وأخيييرا هييو المييواطن‬ ‫من ال ُ‬
‫المسحوق ‪ .‬وُيضاف دين جديد للخروج من الزمة القتصادية ‪ ،‬وُتعيياد جييدولته مييع الييديون القديميية مييرة أخييرى‬
‫ومن ثم تقع أزمة جديدة ‪ ،‬نتيجة النسييياب المسييتمر لييرأس المييال اليوطني ‪ ،‬فييي المجتمعييات السييتهلكية وغييير‬
‫المنتجة إلى الخارج ‪ ،‬فضل عن السرقات والختلسات ‪ ،‬ومن ثم ديون جديدة وهكذا دواليك … ‪ ،‬فيتضخم أصل‬
‫الدين القومي ليصل إلى أرقام فلكية ‪ ،‬ل تستطيع الشعوب حتى تسديد قيمة فوائدها السنوية …‬
‫وبالتالي تصادر أو بالحرى ُتشترى القرارات السياسية ‪ ،‬كما اشُتريت قييرارات التحيياد السييوفييتي ‪ ،‬فييي حييرب‬
‫الخليج وما بعدها بعد أن اختلييس ) غورباتشييوف ( وحاشيييته ‪ ،‬مييا مجمييوعه أربعيية مليييارات دولر ثمنييا لتييدمير‬
‫التحاد السوفييتي ‪ ،‬لكي يتمكن اليهود من التفّرد بحكم العييالم مين خلل نظييامهم العييالمي الجديييد ‪ .‬وبعييد أن أزاح‬
‫الرئيس الروسي ) يلتسين ( غريمه من الكرملين بقوة المدرعات أكميل صيفقة اليبيع ‪ ،‬فياختلس عليى ميدى سينين‬
‫حكمه ما مجموعه سبعة مليارات دولر من مساعدات صندوق النقد لدولي ‪ .‬ولما اُكتشف المر مين قبييل الييروس‬
‫وصار ) يلتسين ( قاب قوسين أو أدنى من الملحقة القضائية ‪ ،‬اشتعلت بقدرة قادر أحداث داغسييتان والتفجيييرات‬
‫شّنت حرب غير مييبررة للقضيياء علييى الرهيياب فييي الشيشييان‬ ‫جل أي ضحية ‪ ،‬و ُ‬ ‫الوهمية في موسكو والتي لم ُتس ّ‬
‫وانشغل الشعب الروسي فيها ‪ ،‬ونسي اختلسات ) يلتسين ( الذي قّدم استقالته واشترط علنا على خليفته ) بوتين (‬
‫‪ ،‬عدم ملحقته قضائيا عند تسلمه للسلطة ‪ ،‬فمن الييذي مّكيين ) يلتسييين ( ميين ذلييك ؟ وكيييف صييعد ) بييوتين ( ميين‬
‫المجهول ليصبح رئيسا لروسيا ؟!‬
‫ُيص يّرح الملييياردير اليهييودي ) سييوروس ( بييأن المسييؤول عيين تييدبير ذلييك ‪ ،‬هييو الملييياردير اليهييودي الخيير‬
‫) بيريزوفسكي ( الذي قّدم التمويل لثييوار داغسييتان السييلميين ‪ ،‬وبعييد اشييتعال النيييران وغييزو الشيشييان انقطييع‬
‫التمويل ‪ ،‬وبالتالي ذهبت الشعب الشيشيياني المسييلم ضييحية لمييؤامرة ) يلتسييين ‪ ،‬بيريزوفسييكي ‪ ،‬بييوتين ( ‪ .‬وكمييا‬
‫غييدر بييه ‪ ،‬فكييانت نتيجتهييا السييتعمار‬
‫حصل مع الشريف حسين في الثورة العربية فييي الحييرب العالمييية بعييد أن ُ‬
‫والنتداب وضياع فلسطين وتشرذم المة العربية ‪ ،‬وكما حصل مع هتلر في الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ومع صييدام‬
‫حسين في حربي العييراق الُمييدّمرتين ‪ .‬هييل المشييكلة فييي أن العييرب ل يقييرءون التاريييخ أو القييرآن أو التييوراة أو‬
‫النجيل ؟! أم أن العرب ل يقرءون شيئا ‪ ،‬وإن قرءوا ل يفهمون ‪ ،‬وإن فهموا ل يعمليون ‪ .‬فيي الحقيقية هيذا لييس‬
‫من قولي ‪ ،‬وإنما سمعته يوما من أحدهم ‪ ،‬منسوبا إلييى أحييد زعميياء اليهييود ربمييا يكييون ) بيغيين ( ‪ ،‬والغريييب أن‬
‫سيناريو المؤامرة هو نفسه بكل حيثياته يتكّرر في كل مرة !!!‬
‫والسؤال هنا ‪ ،‬من هم أصحاب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحقيقيون ؟! وإن كانت تملكهمييا الييدول ‪ ،‬فمييا‬
‫معنى أن تكون بلدان كأمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان مثل ‪ ،‬من أكثر دول العالم أرقاما للدين القومي ؟! فالدين‬
‫القومي المريكي المعلن لعام ‪2000‬م كما ُنشر في إحدى الصحف ‪ ،‬يصل إليى ‪ 300‬أليف ملييار دولر ‪ ،‬واليدين‬
‫القومي الياباني يصل إلى ‪ 280‬ألف مليار دولر ‪ ،‬وهما أكبر اقتصادين في العالم ‪ .‬ولم يكفهم كل ذلك وكما أخوة‬
‫يوسف ‪ ،‬لم ينتظروا الفرصة ولم يتقاعسوا ‪ ،‬بل سارعوا لخلق الفرصة بالمكر والحيلة للظفر بأخيهم ‪ ،‬لييم تسييتكن‬
‫أبالسة الشر ولم يهدأ لهم بال ‪ ،‬فهم دائمو الحركة والبحث في مطابخ السياسة والقتصاد هناك في الغييرب ‪ ،‬وكييل‬
‫جيل ُيكمل ما بدأه الخر ويضيف عليه تعديلته ‪ ،‬ويستعجل تنفيذ خطوات المخطط الشيييطاني ‪ ،‬ويحلييم كييل جيييل‬
‫خر التنفيذ يعني تأخر المجيء ‪ ،‬وآخر ما تفّتقت عنه أذهانهم فييي‬ ‫بأن يكون مجيء مليكهم المنتظر في زمانه ‪ ،‬وتأ ّ‬
‫حلقات هذا المسلسل الطويل ‪ ،‬هو فكييرة العولمية الييتي ل تعييدو أكييثر ميين كونهييا وحيييا شيييطانيا ‪ ،‬لنشيير المييذهب‬
‫الشيطاني وفرضه على شعوب العالم ‪.‬‬

‫العولمة ‪:‬‬
‫العولمة ‪ :‬كلفظ ُمجّرد مصطلح ُمبهم ‪ ،‬ويصبح مفهوما وتضح ماهيته عندما ُتضاف إليه كلمة أخرى ‪ ،‬كييأن نقييول‬
‫عولمة الثقافة وعولمة القتصاد ‪ .‬وبما أننا نعلم أن من ُينادي بالعولمة ويدعوا إليها هي أمريكا ‪ ،‬فذلك يعني أول ‪:‬‬
‫‪123‬‬
‫تعميم الثقافة المريكية ‪ ،‬وثانيييا ‪ :‬تعميييم النظييام القتصييادي المريكييي الرأسييمالي ‪ .‬وبشييكل شييمولي هييو فييرض‬
‫الحضارة المريكية الغربية بكافة جوانبها ‪ ،‬كأسلوب جديد للحياة على كافة شعوب العالم ‪ ،‬ولو قمنا بتقييييم بسيييط‬
‫للحضارة المريكية ‪ ،‬لوجدنا أن من رسم وشّكل معالم وأبعيياد هييذه الحضييارة ‪ ،‬منييذ بييدايات القييرن الماضييي هييم‬
‫السياد الجدد لمريكا ‪ ،‬أعني أرباب المال اليهود من خلل سيطرتهم المطلقة على كافة أدوات النتاج المريكييي‬
‫القتصادي والثقافي ‪.‬‬
‫أما ملمح الحضارة المريكية ‪ ،‬فهي في الواقع ترجمة حّية لما يحمله اليهود من عقائد كفرية إلحادييية ‪ ،‬ل تييؤمن‬
‫إل بكل مييا هييو محسييوس ‪ ،‬تييدعوا إلييى تييأليه رأس المييال والقتصيياد وعبييادة أصييحابه ‪ .‬وتييدعوا إلييى أخلقيييات‬
‫سمتها النحلل والباحية والدعوة لممارسة كل رذيلة والتحلل من كل فضيييلة ‪ .‬لنخلييص إلييى‬ ‫اجتماعية تلمودية ‪ِ ،‬‬
‫القول إلى أن الغاية من العولمة ‪ ،‬هو نشر العقيدة اليهودييية المادييية الدنيوييية ‪ ،‬الخاصيية بأصييحاب الييبروتوكولت‬
‫اليهود تمهيدا لضربتهم النهائية ‪.‬‬
‫في أواخر القرن الماضي ‪ ،‬تمكن اليهود من نشر هذه العقيييدة فييي أمريكييا والييدول الغربييية ‪ ،‬وبعييد أن اسييتحكمت‬
‫قبضتهم على مواقع صنع القرار فيها ‪ ،‬من خلل امتلكهم لرؤوس المييوال المحّركيية لقتصيياديات هييذه الييدول ‪.‬‬
‫ومع انتهاء الحرب الباردة وتفّرد أمريكا بحكم العييالم ‪ ،‬امتلييك هييؤلء القييوة العظمييى والوحيييدة فييي العييالم ‪ ،‬الييتي‬
‫أصبحت كالمعّلم الشرس بعصاه الطويلة ‪ ،‬الذي يسعى كل التلميذ لنيل رضاه ‪ ،‬بالنصياع لوامره وترك نواهيه‬
‫‪ ،‬وينفذون ما يفرضه عليهم رغبة ورهبة ‪ ،‬حتى لو أوردهم موارد الهلك ‪ .‬فأصبح لدى هيؤلء القيدرة أكيثر مين‬
‫أي وقت مضى ‪ -‬حسب تصورهم ‪ -‬على تنفيذ ما تبقى من خطوات مخططهم الشيطاني ‪.‬‬
‫في الجانب الخر من العالم تقف بشموخ المجتمعات الشرقية ‪ ،‬ميين المييؤمنين بييال وحييتى الملحييدين والوثنيييون ‪،‬‬
‫ذوي المعتقدات والقيم الراسخة ‪ ،‬والتي غرسها وحافظ عليهيا النبيياء والمفّكريين ورجيال اليدين قيديما وحيديثا ‪،‬‬
‫لتشّكل حواجز منيعة أمام طموحات اليهودية العالمية ‪ ،‬فكانت آخر القلع التي يتطّلعون إلى تحطيمها ‪ ،‬وما تبقييى‬
‫من أسوارها في طريقه للنهيار ‪.‬‬
‫ولما أصبحت الرياح مواتية لهم ‪ ،‬جلس أسياد العالم وائتمروا فتفّتقت أذهانهم ‪ ،‬عن هذه الفكار الجهنمية الخاصة‬
‫بمنظمة التجارة العالمية وقوانينها ‪ ،‬ومتطلبات النتساب إليها لختراق جميع الحواجز القتصادية ‪ ،‬الييتي أقامتهييا‬
‫الحكومات لحماية ثرواتهييا الوطنييية ‪ ،‬ميين النسييياب التلقييائي إلييى جيييوب أربيياب المييال اليهييود ‪ ،‬والييتي سيييكون‬
‫بمقدورهم من خللها إصابة عدة عصافير بحجر واحد ‪.‬‬
‫وسييائلها الثقافييية ‪ :‬بييالترتيب هييي المطبوعييات والراديييو والسييينما والتلفيياز والفيييديو والطبيياق اللقطيية وأخيييرا‬
‫النترنت ‪ .‬وكان ابتكار النترنت بُمشاركة الطباق اللقطة ‪ ،‬التي ُأجبرت الدول العربييية علييى السييماح بييدخولها‬
‫واقتناها قبل ‪ 4‬إلى ‪ 5‬سنوات ‪ ،‬أكييبر ضييربة لمييا أقييامه هييؤلء ميين حييواجز لحماييية شييعوبهم ميين الغييزو الثقييافي‬
‫الغربي ‪ .‬وجاءت العولمة القتصادية لترفع الرسوم الجمركية عنها ‪ ،‬لتصبح في متناول من ل يملك ثميين رغيييف‬
‫الخبز ‪ ،‬ولتكون بمثابة حصان طروادة ولكن بحّلة جديدة ‪ ،‬لتصل إلى البيدوي فيي خيمتيه ‪ ،‬والمشيّرد فيي كهفيه ‪،‬‬
‫والموظف في مكان عمله ‪ ،‬والطالب في جامعته ومدرسته ‪ ،‬وحتى الطفل في مهده ‪.‬‬
‫التحذير من خطر العقائد والخلقيات اليهودية ‪ ،‬والتي يسعون الن لنشرها تحت ُمسميات عولمة الثقافة وعولمة‬
‫القتصاد ‪ ،‬جاء في بعض أقوال رؤساء الغرب ‪:‬‬
‫) لنكولن ( ‪ … " :‬فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … إذ أن أصحاب رؤوس الموال سيييعملون‬
‫على إبقاء سيطرتهم على الدولة … وستصبح ثروة البلد بأكملها ‪ ،‬تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي‬
‫إلى تحطم الجمهورية " ‪.‬‬
‫) فرانكلين ( ‪ " :‬ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فييإن ُمُثلهييم العليييا مييا زالييت تختلييف كليييا عمييا يتحلييى بييه‬
‫الشعب المريكي من ُمُثل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ) عبارة مقتبسة من التوراة ( " ‪.‬‬
‫) هتلر ( ‪ " :‬ومن جهة أخرى يحارب ‪ ،‬الروح المادية اليهودية ‪ ،‬المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الخرين " ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض نستطيع تعريف لفظ العولمة على أنها ‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫مصطلح مضلل استعمل كغطاء للتعبير عن برنامييج يهييودي أمريكييي لتهويييد العييالم بأسييره ‪ .‬أدواتيه الثقافييية هييي‬
‫وسائل التصال والعلم المختلفيية ‪ ،‬وأدواتييه القتصييادية صييندوق النقييد والبنييك الييدولي والخصخصيية ومنظميية‬
‫ضيير ‪ ،‬وثانيييا ‪ :‬نهييب ثييروات‬‫التجارة العالمية ‪ .‬وغايته أول ‪ :‬خلق ديانة مادية جديييدة تحييت عنييوان الثقافيية والتح ّ‬
‫الشعوب تحت عنوان تحرير التجارة ‪ ،‬وذلك لتهيئة الجواء لظهييور اليهييود كأسييياد للعييالم بأسييره ‪ ،‬عنييدما يحييين‬
‫الوقت المناسب لذلك ‪.‬‬

‫أخطار العولمة على أرض الواقع ‪:‬‬

‫الخطر الجتماعي ؛ يتمّثل في ضرب منظومة العقائد والقيم والخلق ‪ ،‬لدى الشعوب المختلفة في العالم ‪ ،‬والييتي‬
‫بدورها تشكل الضمير النساني للفرد ‪ ،‬الذي ُيحاول السمو بالنسان إلييى مرتبيية الملئكيية ‪ .‬وأمييا الهييدف النهييائي‬
‫المرتجى من بعدها الجتماعي فهيو تشييكيل أجييال جدييدة ‪ ،‬تبحييث بشيتى الوسيائل والسيبل عمييا ُيشيبع غرائزهييا‬
‫ورغباتها ونزواتها ‪ ،‬لتهبط بالنسان إلى ما دون مرتبة الحيوان ‪ ،‬وبذلك يسييهل علييى مخططييي المييؤامرة اليهييود‬
‫حكمييوا ميين قبييل سييادة العييالم‬
‫سياسة هذه الجيال وتذليلها ‪ .‬وبالتالي لن تكون هناك معارضة لمثل هؤلء فيما لييو ُ‬
‫الجدد ملوك اللحاد والباحية ‪ ،‬وهذا ما تصبوا إليه الجيال التي هي في طور التشّكل الن ‪.‬‬
‫وقد بدأنا في السنوات الخيرة ‪ ،‬نرى نماذج من المسوخ البشرية في العديد من بيوت المسلمين ‪ ،‬فتيان وفتيييات ل‬
‫يرغبون في التعلم أو العمل ‪ ،‬والفشل هو السمة البييارزة فييي أعمييالهم وتوجهيياتهم ونتييائجهم ‪ ،‬يجوبييون الشييوارع‬
‫ويرتادون الماكن العامة ويذهبون إلى الجامعات بحثا عن الحب والمجون والخلعة ‪ ،‬بعد أن أصييبحت جامعاتنييا‬
‫وشوارعنا معارض لدور الزياء العالمية ‪ ،‬ول أحد يريد العفاف والطهر ‪ ،‬لذلك تجدهم يعزفون عن الزواج ‪.‬‬
‫والثر الكبر في تشكيل هذه النماذج ‪ ،‬يكمن في القنوات الفضائية العربية – فضل عن قنوات الباحة الجنبية –‬
‫وخاصية اليتي تضيم فيي طاقمهييا مقيّدمي ومقيّدمات البراميج اللبنيانيون ‪ ،‬بعيرض الكاسييات العارييات الميائلت‬
‫المميلت ‪ ،‬اللواتي يتحدثن بلسان عربي مبين ‪ ،‬مما أعطى المبرر لفتياتنا وكسر الحاجز النفسي لييديهن ‪ ،‬ليّتخييذن‬
‫منهن قدوة ُتحتذى بمباركة من الباء الذين ينظرون إلييى تلييك الغييواني وأولئك المخّنييثين ‪ ،‬بعييين الرضييا والقبييول‬
‫والعجاب والستحسان والستمتاع ‪.‬‬
‫صد ‪ ،‬وهم يدفعون فتياتهم‬‫حرماته عن سبق إصرار وتر ّ‬ ‫ما تراه اليوم أن رجال أمة السلم يتحّدون ال وحدوده و ُ‬
‫بشكل مباشر لممارسة مهنة عرض الزياء ‪ ،‬في الشوارع والماكن العامية والجامعيات وأمياكن العمييل ‪ .‬هيدفهن‬
‫دائما وأبدا الغواء والفتنة بحركات وأصوات ‪ ،‬ل تقوم بها إل إناث القطط في شهر شباط ولمرة واحدة في السيينة‬
‫‪ ،‬أّما رجال بلد العرب أوطاني شيوخا وشبابا ‪ ،‬أصبحوا كذكورها ولكن على مدار السنة ‪ .‬لينتهي بهيين المطيياف‬
‫في أحضان الرذيلة فل أحد معصوم ‪ ،‬واليذباب البشيري الجيائع يمل الجيواء بحثيا عين قطعية الحليوى أو كييس‬
‫للقمامة فل فرق عنده ‪.‬‬
‫أما أطفال أمة السلم ‪ ،‬فهم بين أيدي أمهات صفتهن قد تقّدمت أعله ل يفقهن من الزواج شيييئا ‪ ،‬ول يملكيين ميين‬
‫عاطفة المومة واحد بالمليون مما تمتلكه وحوش القفر ‪ .‬وتربية الطفال لديهن تقوم على مبييادئ تربييية الييدواجن‬
‫وتسمين الخراف ‪ .‬أطفال مهملون في زوايا الغرف يحملقون في برامج المسوخ المتحركة ‪ ،‬وأغيياني ومسلسييلت‬
‫عِمَد إلى تغيير المناهج المدرسية ‪ ،‬لسلخ الطفل عن هويته‬ ‫وأفلم الدعارة العربية والجنبية ‪ .‬أما في المدرسة فقد ُ‬
‫حذفت أمجاد البطال والبطولت السلمية ‪ ،‬وبدل منها تم تصميم بطولت وهمييية لبطييال‬ ‫السلمية العربية ‪ ،‬ف ُ‬
‫من ورق ‪ .‬وربما يضيفون غدا مناهج التربية الجنسية لتثقيييف الجيييال الناشييئة فييالغرائز تحتيياج إلييى تعلييم ‪ .‬وتييم‬
‫تغيير أساليب التربية والتدريس بإلغاء عقوبة الضييرب وإلغيياء عقوبيية الرسييوب ‪ ،‬وإدخييال لغيية العولميية كمبحييث‬
‫أساسي في المناهج الدراسية ‪.‬‬
‫وخلصة القول بأنهم سُيهّودون العالم ‪ ،‬تحت غطاء أمريكييي مييدموغ بِيي ) ‪ ( made in USA‬لدرجيية أنهييم ربمييا‬
‫ُيجبروك على الذهاب لصلة الجمعة‬
‫في يوم السبت أو الحد بعد إحدى ندوات حوار الديان ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أما الخطر القتصادي ؛ فيتمّثل في ضرب قوانين الحماية التي ُوضييعت للمحافظيية علييى الييثروة الوطنييية ‪ .‬وذلييك‬
‫لتسهيل عملية سلب ثروات الشعوب ‪ ،‬وتكديسها في المصارف العالمية وإفقارها وتجويعها ‪ .‬إذ لم يكفهم مييا يقييوم‬
‫به البنك الدولي وصندوق النقد والخصخصة من نهب لثروات الشعوب ‪ ،‬من خلل تغلغل السييتثمارات اليهودييية‬
‫في شتى أقطار العالم ‪ ،‬بعد كل هزة أو أزمة اقتصادية مفتعلة بشكل مباشر أو غير مباشيير ‪ .‬فموجيية الخصخصيية‬
‫التي هي أحد برامج صيندوق النقيد اليدولي ‪ ،‬أتياحت ليرؤوس الميوال اليهوديية اليدخول لليدول العربيية ‪ ،‬تحيت‬
‫ُمسميات شركات أجنبية عالمية كبرى ‪ ،‬أو عن طريق شيركات محلييية بأسيماء عربيية صييورية مقابيل حفنية ميين‬
‫الدولرات ‪.‬‬
‫بل ابتكروا ما هو أخطر بكيثير ‪ ،‬الشيق الخير اليذي كيان ) كلينتيون ( ُييرّوج للنضيمام ليه ‪ ،‬أل وهيو ) منظمية‬
‫التجارة العالمية ( والتي تدعو لتحرير التجارة وتحرير رأس المال ‪ .‬والملحظ أن كييل مبييادئهم الهداّميية عييادة مييا‬
‫تحمييل صييفة التحرييير أو التحيرر ‪ ،‬وانظير إلييى هيذا القيول العييرج العيوج ‪ ،‬فالشييعوب عنيدما تحميي سييلعتها‬
‫وصنعتها تصبح ُمستعِمرة لتجارتها لذلك فهي بحاجة إلى التحرير ‪ .‬أما المراد ميين وراء ذلييك فييي الحقيقيية ‪ ،‬فهييو‬
‫طياة بيأوراق التغلييف البراّقية الملّونية ‪،‬‬ ‫السطو على مكتسبات الدول الغنية والفقييرة بطيرق شيرعية ملتويية ‪ ،‬مغ ّ‬
‫لتسحر أعين الشعوب المسحوقة بما ُيشبه عملية التنويم المغناطيسي ‪ .‬ولنوضح مييا نقصييده بييذلك ‪ ،‬بأنييك تسييتطيع‬
‫في البداية على سبيل المثال ‪ ،‬الحصول على سيارة جيدة بثمن زهيد نتيجيية تخفيييض الجمييارك والرسييوم ‪ ،‬ولكيين‬
‫هذا التخفيض سيترتب عليه عجز كبير في الموازنة العامة للدولة ‪ ،‬فمن أين ستغطي الدوليية هييذا العجييز برأيييك ‪،‬‬
‫إن لم تعتمد على فرض رسوم وضرائب بديلة تحت مسميات أخيرى ‪ ،‬لتصيل فيي النهايية إليى عيدم القيدرة عليى‬
‫شراء الوقود لتلك السيارة ‪ ،‬لعدم قدرة الراتب على تأمين متطلبات الحياة الساسية ‪.‬‬
‫وبعد أن تمّكنوا من خلق قطعان من المستهلكين ‪ ،‬تنظر بعين القداسة لكل ما هو غربي ومسييتورد ‪ ،‬ميين منتجييات‬
‫ثقافية وتكنولوجية استهلكية الطابع ‪ ،‬جاءوا باتفاقيات هذه المنظمة لرفييع القيييود ميين قييوانين جمركييية وضييريبية‬
‫على السلع المستوردة ‪ ،‬وذلك بغية فتح السواق الوطنية للسلع الجنبية ‪ ،‬وبالتالي تتهافت المجتمعات الستهلكية‬
‫على تلك السلع ‪ ،‬فتتسّرب العملة الوطنية إلى الخارج بل توقف ‪ ،‬ويترّتب على ذلك عجز كبير في ميزانيات دول‬
‫العالم الثالث ‪ ،‬التي ل تملك صناعات منافسة تعّوض وتعيد جزء من العملة المفقودة ‪ .‬لييذلك ستضييطر الحكومييات‬
‫إلى اتخاذ إجراءات علجية عديدة لسّد عجز الموازنة ‪ ،‬الييتي غالبييا مييا يتكفييل بهييا صييندوق النقييد الييدولي بزيييادة‬
‫الضرائب بكافة الشكال والُمسّميات ‪ ،‬بمبررات ومن غير مييبررات أحيانييا ‪ ،‬بالضييافة إلييى تراكييم ديييون جديييدة‬
‫وزيادة الضرائب تعني رفع السعار تلقائيا ‪ ،‬وهكذا دواليك … ‪ ،‬وسيظهر التأثير المدّمر على شعوب الدول التي‬
‫انضّمت لهذه المنظمة ‪ ،‬خلل فترة ربما ل تزيد عيين سيينة أو سيينتان ‪ .‬وذلييك عنييدما تبييدأ المؤسسييات والشييركات‬
‫الوطنية بالفلس والنهيار تباعا ‪ ،‬ومن ثم انتشار البطالة والفقر والجوع بين مواطنيها انتشار النار في الهشيم ‪.‬‬
‫هناك فرق شاسع بين فلسفة القتصاد وفلسفة الدمار والخراب ‪ .‬تقضي فلسفة القتصاد بأن تنفيق أقيل مميا ُتنتيج ‪،‬‬
‫وتّدخر الفائض لتقلبات الزمن ‪ ،‬وأما فلسفة الدمار والخراب تقضي بأن تنفق أضعاف أضعاف مييا تنتييج ‪ ،‬لتنتهييي‬
‫في أحضان صندوق النقد الدولي ‪ ،‬ول أظن من قال ‪ :‬على قّد لحافك مّد رجلييك كيان حاصيل عليى دكتيوراه فيي‬
‫القتصاد ليصل إلى هذه النتيجة ‪ .‬وأتساءل كيف عاشت البشرية ما ُيقارب الستة آلف سنة ‪ ،‬بدون صندوق النقييد‬
‫الدولي وبرامجه الصلحية ‪.‬‬
‫أما الن … فأمعن النظر والفكر والوجدان ‪ ،‬في كل ما يدور من حولك ‪ ،‬في بيتك ‪ ،‬في الشارع ‪ ،‬في المدرسيية ‪،‬‬
‫ي هدي يسير هذا الواقع الذي‬
‫في الجامعة ‪ ،‬في وطنك ‪ ،‬بل في العالم أجمع … وأجب هن هذا التساؤل … على أ ّ‬
‫نحن عليه الن … ؟! على هدي القرآن … أم على هدي أسياد هذا الزمان !‬

‫نبذة بسيطة عن يهود العالم‬

‫ينقسم الشعب اليهودي من حيث المنشأ إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫ي اليهود الغربيون ‪ :‬وأغلبهم أثرياء ‪ ،‬استطاعوا التغلغل في أوروبا الغربية في نهاية القييرون الوسييطى ‪ ،‬وبييدايات‬
‫عصر النهضة ) ‪ (17-16‬فازدادوا ثراء فوق ثراء بمييا لييديهم ميين وسييائل وإمكانيييات وأخلقيييات ‪ ،‬لجمييع المييال‬
‫‪126‬‬
‫بطرق مشروعة وغالبا غير مشروعة ‪ ،‬لم يكن الوروبيون والمريكيون ُيمارسونها أو يتنّبهوا إليهييا ‪ ،‬رغييم كييل‬
‫تحذيرات الرؤساء والساسة والخبراء المخلصين لممهم ‪ ،‬حتى " وقع الفأس في الرأس " ‪ ،‬فتربعوا علييى عييرش‬
‫القتصاد العالمي حاليا ‪.‬‬
‫ي اليهود الشرقيون الشكناز ‪ :‬وأغلبهم فقراء ‪ ،‬وقد بقي حالهم كذلك في بلدان أوروبييا الشييرقية وروسيييا الفقيييرة ‪،‬‬
‫وكانوا مضطهدين ومنبوذين في أغلب الحيان ‪ ،‬ويعيشون فيما ُيسّمى بالغيتوهات أو الكيبوتس ‪.‬‬
‫ي اليهود الشرقيون العرب ‪ :‬وهم الذين عاشوا فييي البلييدان العربييية كييأفراد وجماعييات ‪ ،‬يتمتعييون بحييق المواطنيية‬
‫مثلهم مثل غيرهم ‪ ،‬وكثير منهييم ُأجييبر علييى الهجييرة إسييرائيل مين خلل دّبييره الموسيياد السييرائيلي ميين أزمييات‬
‫لرغامهم على المغادرة ‪ ،‬وبقي جزء منهم في البلدان العربية لغاية الن ‪.‬‬

‫أما من حيث التوجه فينقسموا إلى ثلث أقسام ‪:‬‬

‫ي المتحّررون ‪ :‬وأغلبهم من يهييود الغييرب ‪ ،‬ومهمتهييم تنفيييذ مييا جيياء فييي بروتوكييولت الحكميياء ‪ ،‬وحكييم العييالم‬
‫صييبون َمِلكييا ميين‬
‫اقتصاديا وسياسيا ‪ ،‬يكونون فيه شيوخ المة ‪ ،‬ويضييعون الدسييتور ‪ ،‬ويرسييمون السياسييية ‪ ،‬وُين ّ‬
‫أنفسهم ‪ ،‬دكتاتورا ُمطلقا على العالم ‪ ،‬ييؤمر فُيطيياع ‪ ،‬ويكيون بمثابيية الليه عليى الرض ‪ ،‬ول إليه فييي السييماء ‪،‬‬
‫فُيصبح اليهود أسيادا وبقية خلق ال ‪ ،‬بل استثناء عبيدا لهم ‪.‬‬
‫ي العلمانيون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الشرق الوروبي ‪ ،‬ومهمتهم هي تنفيذ أهداف الحركة الصهيونية السياسية ‪ ،‬التي‬
‫تلّفعت بالدين اليهودي ‪ ،‬من أجل تحقيق أهدافها السياسييية ‪ ،‬بإيجيياد " غيتييو " قييومي لليهييود فييي فلسييطين ‪ ،‬لرفييع‬
‫الضطهاد والذل الذي لزمهم طيلة ‪ ،‬وليجاد موطئ قييدم لهيم ‪ ،‬فنييوائب اليدهر الغربييية غيير مضيمونه ‪ ،‬فربميا‬
‫ينقلبون عليهم يوما ما ويطردونهم ‪ ،‬وهم الذين يشّكلون الحزاب العلمانية في الدولة اليهودية ‪.‬‬
‫ي المتدينون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الشييرق بمييا فيهييم يهييود البلد العربييية ‪ ،‬وظهييرت منهييم حركييات دينييية متطرفيية‬
‫طها أحبارهم القييدماء علييى شييكل نبييوءات ‪ ،‬وتتلخييص فييي‬ ‫كثيرة ‪ ،‬ومهمتهم هي تنفيذ الوصايا التوراتية ‪ ،‬التي خ ّ‬
‫استلب الراضي ‪ ،‬وتهجير السكان الوثنيين ‪ ،‬والستيطان ‪ ،‬وهدم المسجد القصى وبناء الهيكل ‪ ،‬تمهيييدا للملييك‬
‫اليهودي الداودي القادم ‪ ،‬الذي سيأتي من ربوات القدس ‪ ،‬ليحكم العالم إلى البد ‪ ،‬فينتشيير الحييق والعييدل والسييلم‬
‫اليهودي في الرض ‪ ،‬وهم الذين يشّكلون الحزاب الدينية المتطّرفة ‪.‬‬
‫وكل هذه الصناف اليهودية في المحصلة ‪ ،‬وجوه عديدة لعملة واحدة هي التوراة والتلمود ‪ ،‬أخطر وثيقييتين علييى‬
‫مستقبل البشرية والعالم ‪ ،‬لذلك احتل التحذير من اليهود واليهودية ‪ ،‬مساحة شاسعة من قرآننا العظيم ‪ .‬بينما احتييل‬
‫الفكر اليهودي المادي مساحة شاسعة ميين عقييول أميية السييلم ‪ ،‬فنسيييت إلههييا ‪ ،‬وطفقييت تركييض وراء العجييول‬
‫الذهبية المادية للسامرّيون الجدد ‪.‬‬
‫آخر ما نود قوله ‪ ،‬أن اليهود قطعوا شيوطا كييبيرا ‪ ،‬فيي تنفييذ مخططهييم الشيييطاني للسيييطرة علييى العيالم ‪ ،‬حيتى‬
‫صاروا ) نظريا ( قاب قوسين أو أدنى ‪ ،‬من الوصول إلى هدفهم النهائي في ظرف سنين قليلة ‪ ،‬ونجيياحهم اعتمييد‬
‫في الدرجة الولى ‪ ،‬ليس على ذكائهم ومكرهييم ودهييائهم فحسييب ‪ ،‬بييل فييي العييزف علييى وتيير يطييرب لييه جميييع‬
‫الناس ‪ ،‬بل استثناء إل من رحم وهدى ربي ‪ ،‬أل وهو سهولة وقوع النفس البشييرية أسيييرة لهوائهييا وأطماعهييا ‪،‬‬
‫ن بها ‪ ،‬عندما تنعدم لييديها القيييم الروحييية‬
‫ومن ثم إرغامها على الخلود إلى الرض ‪ ،‬لترضى بالحياة الدنيا وتطمئ ّ‬
‫صلة من فهم حقيقة العلقة ما بين السماء والرض ‪ ،‬والتي توضحها سورة السراء بكل فصولها‬ ‫اليمانية ‪ ،‬الُمتح ّ‬
‫‪ ،‬فاقرأها إن رغبت في الفهم ‪ ،‬فهي تحكي واقعنا المعاصر بكل فصوله ‪ ،‬ومن أجل أن تفهييم فصييولها ‪ ،‬كييان هييذا‬
‫الفصل في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫سفبُ‬ ‫جِميًعففا ‪َ ،‬يْعَل فُم َمففا َتْك ِ‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬فِلّلِه اْلَمْكُر َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫وقد يسأل سائل ‪ :‬ثم ماذا ؟ ُنجيب بقوله تعالى ‪َ ) :‬وَقْد َمَكَر اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫ل ُبْنَياَنُهْم ِم َ‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬فَأَتى ا ُّ‬
‫ن ِم ْ‬‫عْقَبى الّداِر )‪ 42‬الرعد ( وقوله ‪َ ) :‬قْد َمَكَر اّلِذي َ‬ ‫ن ُ‬‫سَيْعَلُم اْلُكّفاُر ِلَم ْ‬
‫س ‪َ ،‬و َ‬‫ُكّل َنْف ٍ‬
‫ن )‪ 26‬النحل ( ‪.‬‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫حْيثُ َل َي ْ‬‫ن َ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ن َفْوِقِهْم ‪َ ،‬وَأَتاُهُم اْلَعَذا ُ‬
‫ف ِم ْ‬
‫سْق ُ‬ ‫عَلْيِهُم ال ّ‬‫خّر َ‬ ‫اْلَقَواعِِد ‪َ ،‬ف َ‬
‫والعلو اليهودي قائم على قاعدتين ‪ ،‬هما إسرائيل كميوطن بميا فيهيا القيدس ‪ ،‬كعاصيمة مسيتقبلية للدولية اليهوديية‬
‫العالمية البدية ‪ ،‬وأمريكا كقوة اقتصادية عسكرية ‪ ،‬لتمكين هذا الحلم اليهودي ‪ .‬فل غرابة ول عجب إن أتييى ال ي‬
‫‪127‬‬
‫هذا البنيان من القواعد ‪ ،‬فخّر على رؤوسهم وعلى رؤوس ميين يشيّد علييى أيييديهم سييقف أحلمهييم وطموحيياتهم ‪،‬‬
‫فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ‪.‬‬
‫ونختم هذا الفصل بنص من التوراة ‪ ،‬يؤكد لليهود أن عاقبة أفعييالهم سييتكون مييدمرة ل محاليية ‪ ،‬وأن الكييأس الييتي‬
‫جّرعوها للشعوب ل بد أن يتجّرعوها في النهاية ‪ ،‬حتى لو تخندقوا في الحصن المريكي البريطاني المنيييع فييذلك‬
‫لن ُيجدي نفعا ‪ ،‬ومهما ُكبرت أمريكا وعظمت وتعالت فال أكبر وأعظم وأعلييى ‪ ،‬وليييت عبييدة أمريكييا ميين أمييتي‬
‫يفقهون ذلك ‪ ،‬لعلهم يرجعون قبل فوات الوان ‪.‬‬
‫" ويل لمن يكّوم لنفسه السلب ‪ ،‬ويثرى على حساب ما نهب ‪ ،‬إنما إلى متى ؟ أل يقففوم عليففك دائنففوك بغتففة ‪،‬‬
‫أول يثورون عليك وُيملونك ُرعبا ‪ .‬فتصبح لهم غنيمة لنك سلبت أمما كثيرة ‪ ،‬فإن بقية الشعوب ينهبونك ثأرا‬
‫‪ ،‬لما سفكت من دماء ‪ ،‬وارتكبت من جور في الرض ‪ ،‬فدّمرت ُمدنا ‪ ،‬وأهلكت الساكنين فيها ‪ .‬ويل لمففن ي فّدخر‬
‫ت مؤامرتففك بيتففك‬‫طخف ْ‬‫لبنيه مكسب ظلم ‪ ،‬وُيشيد مسكنه في مقام حصين ‪ ،‬ليكون فففي مففأمن مففن الخطففر ‪ .‬لقففد ل ّ‬
‫بالعار ‪ ،‬حين استأصلت أمما عديدة ‪ ،‬وجلبت الففدمار علفى نفسففك ‪ ،‬حففتى حجفارة الجففدران تصفرخ مفن شفّرك ‪،‬‬
‫فترّدد الدعائم الخشبية أصداءها ‪ .‬ويل لمففن يبنففي مدينففة بالففدماء ‪ ،‬وُيؤسففس قريففة بففالثم " ‪ ) .‬التيوراة ‪ :‬سييفر‬
‫حبقوق ‪( 12-6 :2‬‬
‫قال تعالى‬
‫شفاُء ‪،‬‬‫ف َي َ‬ ‫ق َكْيف َ‬‫ن ‪ُ ،‬يْنِفف ُ‬
‫طَتا ِ‬
‫سفو َ‬ ‫ت َأْيفِديِهْم ‪َ ،‬وُلِعُنفوا ِبَمفا َقفاُلوا ‪َ ،‬بفْل َيفَداُه َمْب ُ‬ ‫غّلف ْ‬
‫ل َمْغُلوَلٌة ‪ُ ،‬‬ ‫ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ‬
‫) َوَقالَ ِ‬
‫ضاَء ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمففِة ‪،‬‬‫طْغَياًنا َوُكْفًرا ‪َ ،‬وَأْلَقْيَنا َبْيَنُهُم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬
‫ك‪ُ ،‬‬ ‫ن َرّب َ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم ‪َ ،‬ما ُأْنِزَل ِإَلْي َ‬‫َوَلَيِزيَد ّ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة (‬ ‫سِدي َ‬‫ب اْلُمْف ِ‬‫ح ّ‬‫ل َل ُي ِ‬ ‫ساًدا ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ض َف َ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫طَفَأَها ا ُّ‬ ‫ب َأ ْ‬ ‫حْر ِ‬
‫ُكّلَما َأوَْقُدوا َناًرا ِلْل َ‬

‫‪128‬‬
‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬
‫بالرغم من تحريف التوراة ونسخها وتأليفها عدة مرات ‪ ،‬وضعف الترجمة إلييى العربييية وانحيازهييا ‪ .‬إل أنهييا مييا‬
‫ل وعل ‪ ،‬تستطيع الستدلل عليها من خلل مقابلتها ومقارنتها مييع مييا لييدينا ميين‬ ‫زالت تحوي بقية من كلم ال ج ّ‬
‫وحي ‪ ،‬وتسيتطيع أحيانيا ملحظية السياليب اليتي تيم بهيا كتابية التيوراة ‪ ،‬مين إضيافة وحيذف وتبيديل لمواضيع‬
‫العبارات كما أخبر عنها القرآن الكريم ‪ .‬وهذه البقية هي ما كان يستدل اليهود من خللها وما زالوا ‪ ،‬علييى بعييض‬
‫الحداث المستقبلية ‪ ،‬كبعث عيسى ومحمد عليهما السلم قديما ‪ ،‬وما سيقع من أحداث النهاية مستقبل ‪.‬‬
‫وكما قلنا في الفصل السابق ‪ ،‬أن معرفتهم بما وجد لديهم من نبوءات ‪ ،‬كانت بمثابيية القييوة الدافعيية فييي تحركيياتهم‬
‫لستباق تحّقق هذه النبوءات على أرض الواقع ‪ ،‬ولم وليين يييألوا جهييدا فييي اسييتعجالها إن وافقييت أهييوائهم أو فييي‬
‫تعطيلها إن خالفتها ‪.‬‬
‫في هذا الفصل سنتتبع في البداييية ‪ ،‬بعييض الخبييار الييتي وردت فييي التييوراة بشييكل مقتضييب وسييريع ‪ ،‬وميين ثييم‬
‫سنعرض جانبا من النبوءات التوراتية ‪ ،‬التي تحققت في الماضي ‪ ،‬وجانبا من النبوءات التي لم تتحقق بعييد ‪ ،‬ممييا‬
‫ُيساعد على استقراء بعض النبوءات المستقبلية لييديهم ‪ ،‬لنتعيّرف علييى المخيياوف اليهودييية وتطلعيياتهم وأحلمهييم‬
‫وأمانّيهم المتعّلقة بعودتهم إلى فلسطين للمرة الثانية ‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الكشف تستطيع التعرف على حقيقة العقلية التي ُيفّكر بها يهود ‪ ،‬ومن ثم قراءة مواقفهم وسياسييتهم‬
‫على الساحتين العالمية والقليمية ‪ ،‬وتستطيع أيضا قراءة سياسات ومواقف أمريكييا ‪ ،‬الييتي يحكمهييا ويييديرها فييي‬
‫الخفاء زعماء المؤامرة العالمية من الثرياء والحاخامات اليهود ‪ ،‬لتجد أن التوراة ونبوءاتها هي مييا س يّير اليهييود‬
‫في الماضي ‪ ،‬وهي ما ُيسّيرهم في الحاضر والمستقبل ‪.‬‬
‫ل ‪َ ،‬فَوْيٌل َلُهْم‬
‫شَتُروا ِبِه َثَمًنا َقِلي ً‬
‫ل ‪ِ ،‬لَي ْ‬
‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬
‫ن َهَذا ِم ْ‬
‫ب ِبَأْيِديِهْم ‪ُ ،‬ثّم َيُقوُلو َ‬
‫ن اْلِكَتا َ‬
‫ن َيْكُتُبو َ‬
‫قال تعالى ) َفَوْيٌل ِلّلِذي َ‬
‫ن )‪ 79‬البقرة (‬ ‫سُبو َ‬‫ت َأْيِديِهْم ‪َ ،‬وَوْيٌل َلُهْم ِمّما َيْك ِ‬
‫ِمّما َكَتَب ْ‬
‫ن َكَف فُروا‬
‫عَلففى اّل فِذي َ‬
‫ن َ‬
‫حو َ‬
‫س فَتْفِت ُ‬
‫ن َقْبُل َي ْ‬
‫ق ِلَما َمَعُهْم ‪َ ،‬وَكاُنوا ِم ْ‬
‫صّد ٌ‬ ‫ل ‪ُ ،‬م َ‬
‫عْنِد ا ِّ‬‫ن ِ‬ ‫ب ِم ْ‬
‫جاَءُهْم ِكَتا ٌ‬
‫وقال أيضا ) َوَلّما َ‬
‫ن )‪ 89‬البقرة (‬ ‫عَلى اْلَكاِفِري َ‬
‫ل َ‬ ‫عَرُفوا َكَفُروا ِبِه ‪َ ،‬فَلْعَنُة ا ِّ‬
‫جاَءُهْم َما َ‬
‫َفَلّما َ‬
‫ب ‪َ ،‬وَيُقوُلففو َ‬
‫ن‬ ‫ن اْلِكَتفا ِ‬
‫ب ‪َ ،‬وَما ُهَو ِم َ‬
‫ن اْلِكَتا ِ‬
‫سُبوُه ِم َ‬
‫ح َ‬‫ب ‪ِ ،‬لَت ْ‬‫سَنَتُهْم ِباْلِكَتا ِ‬
‫ن َأْل ِ‬
‫ن ِمْنُهْم َلَفِريًقا ‪َ ،‬يْلُوو َ‬
‫وقال أيضا ) َوِإ ّ‬
‫ن )‪ 78‬آل عمران (‬ ‫ب َوُهْم َيْعَلُمو َ‬
‫ل اْلَكِذ َ‬‫عَلى ا ِّ‬‫ن َ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬
‫ل ‪َ ،‬وَما ُهَو ِم ْ‬ ‫عْنِد ا ِّ‬
‫ُهَو ِمنْ ِ‬

‫خبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم في سفر التكوين‬

‫وعد الله لنسل إبراهيم بامتلك الرض ‪:‬‬

‫" تكوين ‪ :18 :15 :‬في ذلك اليوم ‪ ،‬عقد الرب ميثاقا مع إبراهيم ‪ ،‬قائل ‪ :‬سأعطي نسلك هذه الرض ‪ ،‬من نهيير‬
‫مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ‪.‬‬
‫" تكوين ‪ :8-4 :17 :‬ها أنا أقطع لك عهدي ‪ ،‬فتكون أبا لمم كثيرة ‪ ،‬وُأصيّيرك ُمثمييرا جييدا ‪ ،‬يخييرج ميين نسييلك‬
‫ملوك ‪ ،‬فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك ‪ .‬وأهبك أنت وذرّيتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ‪ُ ،‬ملكًا أبديا " ‪.‬‬
‫جمعييت ميين مصيدرين ُمختلفييين كميا سيبق‬ ‫ي تكرار الوعد لبراهيم بأرضين مختلفييتين ‪ ،‬ناتييج عين كيون التييوراة ُ‬
‫وأوضحنا ‪ ،‬وأحد المصدرين أقل تطّرفا وُمغالة ‪ ،‬في التحريف والكييذب مين الخيير ‪ ،‬وهييذا الوعييد بمييا أنيه كييان‬
‫لبراهيم ونسله ‪ ،‬فهو ليس حكرا على نسل إسحاق ‪ ،‬بل يشمل نسل إسماعيل أيضا ‪ ،‬ونجد أن النص الثاني يكذب‬
‫النص الول ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫وعد الله لهاجر في إسماعيل ‪:‬‬

‫ن نسلك فل ُيعّد من الكثرة ‪ ،‬هو ذا أنييت حامييل ‪ ،‬وسييتلدين ابنييا‬


‫لكّثر ّ‬
‫" تكوين ‪ 10 :16 :‬وقال لها ملك الرب ‪ُ :‬‬
‫وتدعينه إسماعيل ‪ ،‬ويكون إنسانا وحشّيا ُيعادي الجميع والجميع ُيعادونه ‪ ] ،‬وأمام جميع أخوته يسكن [ " ‪.‬‬
‫ي متّوحش وإرهابي ومعاد للبشرية ‪ ،‬هذه هي صورة إسماعيل عليه السلم نبي ال جد العرب ‪ ،‬وهي ذاتها‬ ‫ي همج ّ‬
‫لت ‪ ،‬ومصييدر هييذه‬ ‫صورة النسان العربييي فييي وسييائل العلم الغربييية ‪ ،‬ميين سييينما وتلفزيييون وصييحف ومج ّ‬
‫الصورة هو التوراة والُمنتج الُمنفّذ هم اليهود الُمسيطرون على كافة وسائل العلم الغربية ‪ .‬فالرب يقيول ذلييك ل‬
‫كذبة التوراة ‪ ،‬وإذا كان العرب مستاءون من هذه النظرة لهم ‪ ،‬فليجرؤ أحدهم علييى مطالبيية اليهييود والنصييارى ‪،‬‬
‫ض علييى قتييالهم ميين الكتييب‬
‫بحذف كلمات الرب هذه من كتابهم المقّدس ‪ ،‬كما ُيطالبوننييا بحييذف اليييات الييتي تحي ّ‬
‫المدرسية ‪.‬‬

‫وعد الله لبراهيم في سارة ونسلها ‪:‬‬

‫" تكوين ‪ :19-15 :17 :‬وقال الرب لبراهيم ‪ :‬أما ساراي زوجتيك ‪ ،‬وُأباركهيا وُأعطييك منهيا ابنيا ‪ ،‬سيأباركها‬
‫ن سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا ‪ ،‬وتدعو اسمه اسيحق وُأقييم‬ ‫وأجعلها أّما لشعوب ‪ ،‬ومنها يتحّدر ملوك أمم ‪ ،‬إ ّ‬
‫عهدي معه ‪ ،‬ومع ذرّيته من بعده إلى البد " ‪.‬‬

‫وعد الله لبراهيم في إسماعيل ونسله ‪:‬‬

‫" تكوين ‪ :20 :17 :‬وأّما إسماعيل فقد استجبت لطلبتك من أجله ‪ ،‬سُأباركه حقا ‪ ،‬وأجعله ُمثمرا ‪ ،‬وأكّثيير ذرّيتييه‬
‫جدا ‪ ،‬فيكون أبا لثني عشر رئيسا يلد ‪ ،‬وُيصبح أّمة كبيرة " ‪.‬‬

‫هجرة هاجر وإسماعيل إلى صحراء فاران ‪:‬‬

‫" تكوين ‪ :21-14 :21 :‬فنهض إبراهيم في الصييباح البيياكر ‪ ،‬وأخييذ خييبزا وقربيية ميياء ‪ ،‬ودفعهمييا إلييى هيياجر ‪،‬‬
‫ووضعهما على كتفيها ‪ ،‬ثم صرفها مع الصبي ‪ ،‬فهامت على وجهها في برية بئر سبع ‪ .‬وعنييدما فييرغ الميياء ميين‬
‫القربة ‪ ،‬طرحت الصبي تحت إحدى الشجار ‪ ،‬ومضت وجلست قبالته ‪ ،‬على ُبعد مائة مييتر ‪ ) ،‬تييبريرهم ‪ :‬حييتى‬
‫ل تشهد ميوت الصيبي ( ‪ ،‬ورفعيت صيوتها وبكيت ‪ ) .‬ناداهيا ملك اليرب قيائل ( ‪ " :‬قيومي واحمليي الصيبي ‪،‬‬
‫وتشّبثي به لّني سأجعله أّمة عظيمة " ‪ ،‬ثييم فتحييت عينيهييا ‪ ،‬فأبصييرت بئر ميياء ‪ ،‬فييذهبت وملت القربيية وسييقت‬
‫الصبي ‪ .‬وكان ال مع الصبي فكُبر ‪ ،‬وسكن في صحراء فاران ‪ ،‬وبرع في رمي القوس ‪ ،‬واّتخذت له ُأّمه زوجيية‬
‫من مصر " ‪.‬‬
‫ي في هذا النص ُيوحي كتبة التوراة ‪ ،‬أن إبراهيم تخّلى عيين هيياجر وابنهييا وطردهمييا طييردا ‪ ،‬ويقولييون فييي بداييية‬
‫جرت فيها ‪ ،‬وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران ‪،‬‬ ‫النص أنه سكن بئر السبع ‪ ،‬وأن بئر زمزم تف ّ‬
‫وهذا يعني أن التسمية العبرية القديمة لصحراء الجزيرة العربية هو صحراء فاران ‪ ،‬وجبال فاران هي جبال مكة‬
‫أو الجزيرة العربية ‪ ،‬ولذلك كان اليهود يعلمون على وجه التحديد ‪ ،‬أن نبيًا من نسل إسماعيل سُيبعث فييي جزيييرة‬
‫العرب ‪ ،‬مما دفعهم للرحيل إليها والقامة فيها ‪.‬‬

‫التبشير بمحمد عليه الصلة والسلللم فللي سللفر التثنيللة علللى‬


‫لسان موسى عليه السلم‬
‫" تثنية ‪ :18 :18 :‬فقال لي الرب ‪ :‬لهذا ُأقيم لهم نبيا من بين ُأخوتهم مثلك ‪ ،‬وأضع كلمييي فييي فمييه ‪ ،‬فُيخيياطبهم‬
‫ل من يعصي كلمي ‪ ،‬الذي يتكلم به باسمي ‪ ،‬فإني ُأحاسبه " ‪.‬‬ ‫بكل ما آمره به ‪ ،‬وك ّ‬
‫ي وقول موسى عليه السلم نبيا من بين ُأخوتهم ‪ ،‬يعني أنه من غير بني إسرائيل بييل مين أخييوتهم ‪ ،‬وأخيوتهم كمييا‬
‫نعلم هم نسل إسماعيل عليه السييلم ‪ ،‬بدلليية التيوراة نفسيها فيي النييص اليوارد أعله ) ‪ ، ( 12 :16‬وهييذا القيول‬
‫‪130‬‬
‫بطبيعة الحال ل ُيشير إلى عيسى عليه السلم كون ُأمه من بني إسرائيل ‪ .‬وقوله نبيييا مثلييك يعنييي يميياثله فييي كييل‬
‫شيء تقريبا ‪ ،‬من لحظة ولدته بميا شيمله الي مين رعايية وعنايية وبعثيه ورسيالته ومعانياته وحيتى ممياته علييه‬
‫السلم ‪.‬‬
‫" تثنية ‪ ] 2 :33 :‬فقال ) موسى عليه السلم ( ‪ :‬جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق لهم من سعير ‪ ،‬وتلل من جبييال‬
‫فاران ‪ ،‬وأتى من ربوات القدس ‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة لهم [ " ‪.‬‬
‫ي وهذا النص يحمل في ثناياه أربع نبوءات هي ‪:‬‬
‫جاء الرب من سيناء ‪ .‬وسيناء هو ) طور سيناء ( في وادي عربة ‪ ،‬مكان الوحي الذي ُأنزلت فيييه اللييواح‬ ‫‪.1‬‬
‫على موسى عليه السلم ‪.‬‬
‫ب َمْرَي فَم إِذِ‬
‫وأشرق لهم من سعير ‪ ، .‬حيث ُبعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬قال تعالى ) َواْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ‬ ‫‪.2‬‬
‫ت َقفَراٍر‬ ‫ن َمْرَيَم َوُأّمُه َءاَيفًة َوَءاَوْيَنُهَمففا ِإَلفى َرْبفَوٍة َذا ِ‬
‫جَعْلَنا اْب َ‬
‫شْرِقّيا )‪ 16‬مريم ( وقال ) َو َ‬
‫ن َأْهِلَها َمَكاًنا َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫اْنَتَبَذ ْ‬
‫َوَمِعينٍ )‪ 50‬المؤمنون ( وسعير على ما يبدو من اليات الكريمة ‪ ،‬هي منطقيية شييرقي القييدس تقييع علييى تليية ذات‬
‫أشجار مثمرة وفيها عين ماء جارية ‪.‬‬
‫سييكنى إسييماعيل‬ ‫وتلل من جبال فاران ‪ .‬جبال فاران هي جبال الجزيرة العربية حيييث تقييع مكيية ‪ ،‬مكييان ُ‬ ‫‪.3‬‬
‫بدللة التوراة نفسها ‪ ،‬حيث ُبعث محمد عليه الصلة والسييلم بييالقرآن ) لحييظ هنييا الفعييل تلل ( دلليية علييى مييا‬
‫سففوًل ِمْنُه فْم‬
‫ث ِفيِه فْم َر ُ‬
‫سيكون للسلم من شأن عظيم ‪ .‬وهذا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ) َرّبَنففا َواْبَع ف ْ‬
‫حِكيفُم )‪129‬إبراهيم ( وهييذه اسييتجابة‬ ‫ت اْلَعِزيفُز اْل َ‬ ‫ك َأْنف َ‬
‫حْكَم فَة َوُيَزّكيِهفْم ِإّن ف َ‬
‫ب َواْل ِ‬
‫ك َوُيَعّلُمُهُم اْلِكَتففا َ‬
‫َيْتُلو عََلْيِهْم َءاَيِت َ‬
‫حْكَمفَة َوِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ب َواْل ِ‬
‫عَلْيِهفْم َءاَيففاِتِه َوُيَزّكيِهفْم َوُيَعّلُمُهفُم اْلِكَتفا َ‬
‫سوًل ِمْنُهفْم َيْتُلففو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ث ِفي اُْلّمّيي َ‬ ‫دعائهما ) ُهَو اّلِذي َبَع َ‬
‫ن )‪ 2‬الجمعة (‬ ‫لٍل ُمِبي ٍ‬‫ضَ‬ ‫ن َقْبُل َلِفي َ‬ ‫َكاُنوا مِ ْ‬
‫وأتى من ربوات القدس ‪ .‬وهي النبوءة التي لم تتحقق لغاية الن حيث ل شريعة جديدة بييل تجديييد لشييريعة‬ ‫‪.4‬‬
‫قائمة ‪.‬‬
‫ي والنبوءة الخيرة ُفسّرت على ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫المسلمون ‪ :‬ظهور المهدي وعودة الخلفة السلمية واّتخاذ القدس عاصمة لها ‪.‬‬ ‫•‬
‫اليهود ‪ :‬ظهور َمِلك اليهود المنتظر الذي سينتصر على أعداء إسرائيل في حرب العالمية النووية الثالثة‬ ‫•‬
‫‪ ،‬ومن ثم يحكم العالم إلى البد ‪.‬‬
‫النصارى ‪ :‬عودة عيسى عليه السلم ليخّلص أتباعه برفعهم فوق السحاب عند نشوب تلك الحييرب ‪ ،‬وميين‬ ‫•‬
‫ثم يحكم العالم مدة ألف عام ‪.‬‬

‫سفر إشعياء ُيخبر عن نبينا عليه الصلة والسلم وعن أمته‬


‫ي الُّي‬ ‫ضي َ‬‫ص َر ِ‬ ‫ن اْلَعييا ِ‬ ‫عْميِرو ْبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫لي ْبي َ‬‫عْبيَد ا ِّ‬‫ت َ‬
‫ل ‪َ :‬لِقي ُ‬‫ساٍر ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن َي َ‬‫طاِء ْب ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬‫مما روى البخاري في صحيحه " َ‬
‫صييو ٌ‬
‫ف‬ ‫ل ِإّن يُه َلَمْو ُ‬
‫ل ‪َ ،‬وا ِّ‬ ‫جْ‬‫ل ‪َ :‬أ َ‬ ‫سّلَم ِفي الّتْوَراِة ‪َ ،‬قا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ِ‬‫صَفِة َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عْ‬‫خِبْرِني َ‬ ‫ت ‪َ :‬أ ْ‬
‫عْنُهَما ‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫َ‬
‫ن َأْني َ‬
‫ت‬ ‫لّمّييي َ‬
‫حْرًزا ِل ُْ‬‫شًرا َوَنِذيًرا ( ‪َ ،‬و ِ‬ ‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬‫ك َ‬ ‫سْلَنا َ‬
‫ي ِإّنا َأْر َ‬
‫ن ) َيا َأّيَها الّنِب ّ‬ ‫صَفِتِه ِفي اْلُقْرآ ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ِفي الّتْوَراِة ‪ِ ،‬بَبْع ِ‬
‫سّيَئَة ‪َ ،‬وَلِكيينْ‬ ‫سّيَئِة ال ّ‬
‫ل َيْدَفُع ِبال ّ‬ ‫ق ‪َ ،‬و َ‬ ‫سَوا ِ‬ ‫لْ‬‫ب ِفي ا َْ‬
‫خا ٍ‬ ‫سّ‬‫ل َ‬ ‫ظ ‪َ ،‬و َ‬ ‫غِلي ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ظ َو َ‬ ‫س ِبَف ّ‬
‫ل ‪َ ،‬لْي َ‬ ‫ك المَتَوّك َ‬‫سّمْيُت َ‬
‫سوِلي َ‬ ‫عْبِدي َوَر ُ‬ ‫َ‬
‫عْمًيا ‪َ ،‬وآَذاًنييا‬ ‫عُيًنا ُ‬‫ح ِبَها َأ ْ‬
‫ل ‪َ ،‬وَيْفَت ُ‬ ‫ل ا ُّ‬
‫ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ن َيُقوُلوا َ‬
‫جاءَ ‪ِ ،‬بَأ ْ‬‫حّتى ُيِقيَم ِبِه اْلِمّلَة اْلَعْو َ‬‫ل َ‬‫ضُه ا ُّ‬
‫ن َيْقِب َ‬‫َيْعُفو َوَيْغِفُر ‪َ ،‬وَل ْ‬
‫غْلًفا " ‪ .‬وأخرجه أحمد في مسنده ‪.‬‬ ‫صّما ‪َ ،‬وُقُلوًبا ُ‬‫ُ‬
‫ت َأْهَلْكَتُه فْم ِم فنْ‬
‫ش فْئ َ‬
‫ب َل فْو ِ‬
‫جَفُة ‪َ ،‬قاَل َر ّ‬ ‫خذَْتُهُم الّر ْ‬ ‫ل ِلِميَقاِتَنا ‪َ ،‬فَلّما َأ َ‬‫جً‬‫ن َر ُ‬ ‫سْبِعي َ‬
‫سى َقْوَمُه َ‬ ‫خَتاَر ُمو َ‬ ‫وقال تعالى ) َوا ْ‬
‫ت‬
‫شفاُء ‪َ ،‬أْنف َ‬ ‫ن َت َ‬
‫شففاُء َوَتْهفِدي َمف ْ‬‫ن َت َ‬‫ضفّل ِبَهففا َمف ْ‬‫ك ‪ُ ،‬ت ِ‬ ‫ي ِإّل ِفْتَنُتف َ‬
‫ن ِهف َ‬ ‫سَفَهاُء ِمّنفا ‪ِ ،‬إ ْ‬‫ي ‪َ ،‬أُتْهِلُكَنا ِبَما َفَعَل ال ّ‬‫َقْبُل َوِإّيا َ‬
‫خ فَرِة ‪ِ ،‬إّنففا ُه فْدَنا‬
‫لِ‬ ‫سَنًة َوِفي ا ْ‬‫ح َ‬‫ب َلَنا ِفي َهِذِه الّدْنَيا َ‬ ‫ن )‪َ (155‬واْكُت ْ‬ ‫خْيُر اْلَغاِفِري َ‬
‫ت َ‬‫حْمَنا ‪َ ،‬وَأْن َ‬‫غِفْر َلَنا َواْر َ‬‫َوِلّيَنا ‪َ ،‬فا ْ‬
‫ن الّزَكففاَة ‪،‬‬ ‫ن ‪َ ،‬وُيْؤُتو َ‬‫ن َيّتُقو َ‬
‫سَأْكُتُبَها ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬
‫يٍء ‪َ ،‬ف َ‬‫ش ْ‬ ‫ت ُكّل َ‬ ‫سَع ْ‬‫حَمِتي َو ِ‬ ‫شاُء ‪َ ،‬وَر ْ‬ ‫ن َأ َ‬
‫ب ِبِه َم ْ‬‫صي ُ‬‫عَذاِبي ُأ ِ‬ ‫ك ‪َ ،‬قاَل َ‬ ‫ِإَلْي َ‬
‫عْنَدُهْم ِفففي الّتفْوَراِة‬ ‫جُدوَنُه َمْكُتوًبا ِ‬ ‫ي ‪ ،‬اّلِذي َي ِ‬ ‫ي اُْلّم ّ‬‫سوَل الّنِب ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن َيّتِبُعو َ‬‫ن )‪ (156‬اّلِذي َ‬ ‫ن ُهْم ِبآَياِتَنا ُيْؤِمُنو َ‬‫َواّلِذي َ‬
‫‪131‬‬
‫ضفعُ‬ ‫ث ‪َ ،‬وَي َ‬ ‫عَلْيِهفُم اْلخََبفاِئ َ‬
‫حفّرُم َ‬ ‫ت ‪َ ،‬وُي َ‬‫طّيَبفا ِ‬‫حفّل َلُهفُم ال ّ‬‫ن اْلُمْنَكفِر ‪َ ،‬وُي ِ‬
‫عِ‬ ‫ف ‪َ ،‬وَيْنَهاُهْم َ‬ ‫جيِل ‪َ ،‬يْأُمُرُهْم ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫َواِْلْن ِ‬
‫صُروُه َواّتَبُعوا الّنوَر اّلِذي ُأْنفِزَل َمَعفُه‬ ‫عّزُروُه َوَن َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ِبِه َو َ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬فاّلِذي َ‬‫ت َ‬ ‫لَل اّلِتي َكاَن ْ‬‫غَ‬ ‫صَرُهْم ‪َ ،‬واَْل ْ‬ ‫عْنُهْم إِ ْ‬ ‫َ‬
‫ض َل ِإَل فَه‬
‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫س فَمَوا ِ‬ ‫ك ال ّ‬‫ل ِإَلْيُكْم جَِميًعا اّلِذي َل فُه ُمْل ف ُ‬
‫سوُل ا ِّ‬ ‫س ِإّني َر ُ‬ ‫ن )‪ُ (157‬قْل َيَأّيَها الّنا ُ‬ ‫حو َ‬ ‫ك ُهُم اْلُمْفِل ُ‬‫ُأوَلِئ َ‬
‫ن )‪(158‬‬ ‫ل َوَكِلَمفاِتِه َواّتِبُعفوُه َلَعّلُكفْم َتْهَتفُدو َ‬
‫ن ِبفا ِّ‬
‫ي اّلِذي ُيْؤِم ُ‬ ‫ي اُْلّم ّ‬ ‫سوِلِه الّنِب ّ‬ ‫ل َوَر ُ‬‫ت َفآِمُنوا ِبا ِّ‬ ‫حِيي َوُيِمي ُ‬ ‫ِإّل ُهَو ُي ْ‬
‫ن )‪ 159‬العراف (‬ ‫ق َوِبِه َيْعِدُلو َ‬‫ح ّ‬‫ن ِباْل َ‬
‫سى ُأّمٌة َيْهُدو َ‬ ‫ن َقْوِم ُمو َ‬ ‫َوِم ْ‬

‫خاتم النبوة على كتفه واسمه أحمد ‪:‬‬

‫من كتاب ) المنتظم في تاريخ الملوك والمم ( لبي الفرج " عن حسان بن ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬إني لغلٍم يفعة ابيين سييبع‬
‫ي بيثرب ‪ ،‬يصرخ ذات غداة ‪ :‬يا معشر يهود ‪ ،‬فلما قييالوا ‪ :‬مييا لييك ‪ ،‬ويلييك ! قييال ‪ :‬طلييع نجييم‬ ‫أو ثمان ‪ ،‬إذا يهود ٌ‬
‫أحمد الذي ولد هذه الليلة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأدركه اليهودي ولم يؤمن به " ‪.‬‬
‫من كتاب ) المنتظم ( " أخبرنا أبو الحسن بن البراء قالت آمنة ‪ … :‬وكان بمكة رجل من اليهود حييين ولييد ‪ ،‬فلمييا‬
‫أصبح قال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬هل ولد فيكم مولود ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلمه ‪ ،‬قال ‪ :‬ولد الليلة نبي العرب ‪ ،‬بييه شييامة بييين‬
‫منكبيه سوداء فيها شعرات ‪ ،‬فرجع القوم فسألوا أهليهم فقيل ‪ :‬ولد الليلة لعبد المطلب غلم فلقوه فأخبروه ‪ ،‬فنظيير‬
‫ن بكييم سييطوة ‪،‬‬ ‫إليه فقال ‪ :‬ذهبت النبوة من بني إسرائيل ‪ ،‬هذا الذي سّره أحبارهم ‪ ،‬يا معشر قريش وال ي ليسييطو ّ‬
‫يخرج نبأها من المشرق إلى المغرب " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :2 :9 :‬الشعب السالك في الظلمة أبصيير نيورا عظيمييا ‪ ،‬والمقيمييون فييي أرض ظلل الميوت ‪ ،‬أضياء‬
‫عليهم نور عظيم … ‪ :7-6 :9‬لنه ُيولد لنا ولد ‪ ،‬وُيعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه ‪ ،‬وُيدعى اسمه عجيبا ‪،‬‬
‫ُمشيرا ‪ ،‬إلها قديرا ‪ ،‬أبا أبديا ‪ ،‬رئيس السلم ‪ ،‬ول تكون نهاية لنمو رياسته وللسلم ‪ ،‬اللَذْين يسييودان عييرش داود‬
‫ومملكته ‪ ،‬لُيثبتها بالحق والبّر ‪ ،‬من الن وإلى البد ‪ ،‬إن غيرة الرب ُتتم هذا " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :13 :9 :‬إن الشعب لم يرجع تائبا إلى من عيياقبه ‪ ،‬ول طلييب الييرب القييدير ‪ .‬لييذلك سيييقطع الييرب ميين‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في يوم واحد الرأس والذنب ‪ ،‬النخل والسل " ‪.‬‬
‫ي علم اليهود من خلل النص الول ‪:‬‬
‫أن نجما عظيما سيظهر عند مولد أحمد ‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وأن علمة النبوة ستكون على كتفه ‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أما اسمه العجيب في هذا الموضع فوصفته أقلم الكهنة ‪ ،‬بمشير وإله وأب ورئيس سلم ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أما رسالته فتشمل مشارق الرض ومغاربها حتى قيام الساعة ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أما إضافة عرش داود ومملكته فهي من أمانيهم وأحلمهم ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أما النص الثاني فيؤكد انقطاع النبوة وخروجها من بني إسرائيل بمولد هذا النبي ومبعثه‬ ‫‪.6‬‬

‫هو ملك البّر ورؤساءه يحكمون بالعدل ‪:‬‬

‫" إشعياء ‪ :1 :32 :‬ها إن ملكا يملك بالبّر ) محمد ( ‪ ،‬ورؤساء يحكمون بالعدل ) الخلفاء ( ‪ ] :2 ،‬ويكون إنسان [‬
‫) أي ليييس إلهييا كمييا صيّوره النييص السييابق ( كملذ ميين الريييح ‪ ،‬وكملجييأ ميين العاصييفة ‪ ،‬أو كجييداول مييياه فييي‬
‫صحراء ‪ ،‬أو كظل صخرة عظيمة في أرض جدباء ‪ :3 ،‬عندئذ تنفتح عيون النيياظرين وتصييغي آذان السييامعين ‪،‬‬
‫لمّيون ( ‪ ، … .‬حتى تنسكب علينييا روح ميين‬ ‫‪ :4‬فتفهم وتعلم العقول المتهّورة ‪ ،‬وتنطق بطلقة اللسنة الثقيلة ) ا ُ‬
‫السييماء ‪ ،‬فتتحيّول البرييية ) الصييحراء ( إلييى مييرج خصيييب ‪ ،‬وُيحسييب المييرج غابيية ‪ ،‬عنييدئذ يسييكن العييدل فييي‬
‫الصحراء ‪ ،‬وٌيقيم البّر في المرج الخصيب ‪ ،‬فيكون ثمر البّر سلما ‪ ،‬وفعل البّر سكينة وطمأنينة إلى البد " ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫صفة المصطفى عليه الصلة والسلم ‪:‬‬

‫" إشعياء ‪ :1 :42 :‬هو ذا عبدي الذي أعضده ‪ ،‬مختاري الذي ابتهجت به نفسي ‪ ،‬وضعت روحي عليه ليسييوس‬
‫المم بالعدل ‪ :2 ،‬ل يصيح ول يصرخ ‪ ،‬ول يرفيع صييوته فييي الطرييق ‪ :3 ،‬ل يكسير قصييبة مرضوضية ) أي‬
‫ُيقيمها ( ‪ ،‬ول يطفئ فتيلة ] خامدة [ ) أي ُيشعلها ( ‪ ،‬إنما بأمانة ُيجري عدل ‪ ) ،‬أي أنه ل يسيء إلى الناس ‪ ،‬بييل‬
‫سخ العدل فييي الرض ‪ ،‬وتنتظيير الجييزائر شييريعته ‪ :6 ،‬أنييا‬ ‫ل ول ُتثّبط له هّمة ‪ ،‬حتى ير ّ‬‫ُيحسن إليهم ( ‪ 4 ،‬ل يك ّ‬
‫الرب قد دعوتك بالّبر ‪ ،‬أمسكت بيدك وحييافظت عليييك ‪ ،‬وجعلتييك عهييدا للشييعب ونييورا للمييم ‪ :7 ،‬لتفتييح عييون‬
‫العمي ‪ ،‬وتطلق سراح المأسييورين فييي السييجن ‪ ،‬وتحيّرر الجالسييين فييي ظلميية الحبييس ‪ :9 ،‬هييا النبيّوات السييالفة‬
‫ئ بها قبل أن تحدث ‪" … ،‬‬ ‫ن عنها ‪ ،‬وُأنب ُ‬‫تتحقق ‪ ،‬وأخرى جديدة ُأعل ُ‬

‫رسالة السلم وصفة حملتها ‪:‬‬

‫شر المساكين ‪ ،‬أرسلني لضّمد جراح‬ ‫لب ّ‬


‫ي ) الوحي ( لن الرب مسحني ُ‬ ‫" إشعياء ‪ :1 :61 :‬روح السيد الرب عل ّ‬
‫عْن فَد‬
‫ن ِ‬
‫ن ال فّدي َ‬
‫منكسري القلوب ‪ ،‬لنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالحرية ‪ :2 ،‬لعلن سّنة الرب المقبوليية ) ِإ ّ‬
‫جاَءُهُم الِْعْلُم َبْغًيا َبْيَنُهْم )‪ 19‬آل عمران ( ‪… ،‬‬
‫ن َبْعِد َما َ‬
‫ب ِإّل ِم ْ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬
‫ف اّلِذي َ‬
‫خَتَل َ‬
‫لُم َوَما ا ْ‬
‫سَ‬‫ل اِْل ْ‬
‫ا ِّ‬
‫جَرُهفْم‬
‫ن َأ ْ‬
‫ك ُيْؤَتفْو َ‬
‫ن )‪ُ (53‬أوَلِئ َ‬
‫سفِلِمي َ‬
‫ن َقْبِلفِه ُم ْ‬
‫‪ :7‬وعوضا عن عاركم تنالون ضعفين من الميييراث ) ِإّنففا ُكّنففا ِمف ْ‬
‫َمّرَتْينِ … )‪ 54‬القصص ( …‬
‫ن َما َكاُنوا‬
‫سِ‬‫ح َ‬
‫جَرُهْم ِبَأ ْ‬
‫جِزَيّنُهْم َأ ْ‬
‫ب العدل ‪ ،‬وأمقت الختلس والظلم ‪ ،‬وُأكافئهم بأمانة ) َوَلَن ْ‬ ‫‪ :8‬لني أنا الرب ُأح ّ‬
‫ن )‪ 97‬النحل ( ‪ ،‬وأقطع معهم عهدا أبديا ‪… ،‬‬‫َيْعَمُلو َ‬
‫ن َأَث فِر‬
‫جوِهِهْم ِم ف ْ‬
‫سيَماُهْم ِفي ُو ُ‬
‫‪ :9‬وتشتهر ذريتهم بين المم ‪ ،‬ونسلهم وسط الشعوب ‪ ،‬وكل من يراهم يعرفهم ) ِ‬
‫ك َمَثُلُهْم ِفي الّتْوَراِة ( ‪ ،‬وُيقّر أنهم شعب باركه الرب ‪… ،‬‬
‫جوِد َذِل َ‬
‫سُ‬
‫ال ّ‬
‫‪ :11‬كما تنبت الرض مزروعاتها ‪ ،‬والحديقة تخرج نباتاتها ‪ ،‬هكذا السيد الرب ينبت البّر والتسبيح ‪ ،‬ينبتان أمييام‬
‫ظ ِبِهُم اْلُكّفاَر (‬
‫ع ِلَيِغي َ‬
‫ب الّزّرا َ‬
‫ج ُ‬
‫سوِقهِ ُيْع ِ‬
‫عَلى ُ‬
‫سَتَوى َ‬
‫ظ َفا ْ‬
‫سَتْغَل َ‬
‫طَأُه َفآَزَرُه َفا ْ‬
‫شْ‬
‫ج َ‬
‫خَر َ‬
‫ع َأ ْ‬
‫كل المم ) َكَزْر ٍ‬
‫‪ :1 :62‬إكراما لصهيون ) هذه إحدى تحريفاتهم ‪ ،‬والصل إكراما لخير أمة ُأخرجت للناس ( ‪ ،‬ل أصمت ‪ ،‬و…‬
‫ل الملوك مجييدك ‪،‬‬
‫ك وك ّ‬
‫ل أستكين ‪ ] ،‬حتى يخرج بّرها كضياء ‪ ،‬وخلصها كمصباح ُمتقد [ ‪ :2 ،‬فترى المم ِبّر ِ‬
‫ن َقْبُل )‪ 78‬الحج ( ‪.‬‬
‫ن ِم ْ‬
‫سِلِمي َ‬
‫سّماُكُم اْلُم ْ‬
‫وتدعين باسم جديد يطلقه عليك فم الرب ) ُهَو َ‬

‫وهب بن منبه ُيجمل ما تفّرق من نصوص التوراة ‪:‬‬

‫وقارن كل ما تقّدم مع ما قاله وهب بن منبه أحد ُمسلمي اليهود ‪ ،‬حيث أجمل كل هذه النبوءات في هذا النييص ميين‬
‫كتاب ) المنتظم ( لبي الفرج " قال وهب بن منبه ‪ :‬أوحى ال تعالى إلى إشعياء ‪ ،‬إني ُمبعث نبيييا أمّيييا ‪ ،‬أفتييح بييه‬
‫آذانا صما ‪ ،‬وقلوبا غلفا ‪ ،‬وأعينا عميا ‪ ،‬مولده بمكة ومهاجره طيبة ) المدينيية المنيورة ( ‪ ،‬وملكيه بالشييام ‪ ،‬عبييدي‬
‫المتوكل المرفوع الحبيب المجيب ‪ ،‬ل يجزي بالسيئة السيئة ‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح ‪ ،‬ويغفر بالمؤمنين ‪ ،‬وليس بفييظ‬
‫ول غليظ ‪ ،‬ول صخاب في السواق ‪ ،‬ول متزّين بييالفحش ول قيّوال ‪ُ ،‬أسيّدده لكييل جميييل ‪ ،‬وأهييب لييه كييل خلييق‬
‫كريم ‪ ،‬وأجعل السكينة لباسه ‪ ،‬والييبّر شييعاره ‪ ،‬والتقييوى والحكميية مقييولته ‪ ،‬والصييدق والوفيياء طييبيعته ‪ ،‬والعفييو‬
‫والمغفرة والمعروف خلقه ‪ ،‬والعدل والحق شريعته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪ ،‬والسلم ملته ‪ ،‬وأحمد اسمه ‪ ،‬أهدي به بعد‬
‫الضللة ‪ … ،‬به بعد الجهالة ‪ ،‬وُأكثر به بعيد القلية ‪ ،‬وأغنييي بييه بعيد العيلية ‪ ،‬وأجمييع بيه بعييد الفرقيية بيين قلييوب‬
‫مختلفة ‪ ،‬وأهواء متشتتة ‪ ،‬وأمم متفرقة ‪ ،‬أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‬
‫‪ ،‬توحيدا لي ‪ ،‬وإيمانا بي ‪ ،‬وإخلصا لي ‪ ،‬وتصديقا لما جاء به رسلي ‪ ،‬وهم دعاة الشمس ) النور ( ‪ ،‬طوبى لتلك‬
‫القلوب " ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫وة أحمد عليه الصلة والسلم حسدا وبغيا ‪:‬‬
‫اليهود ينكرون نب ّ‬
‫من كتاب ) المنتظم ( لبي الفرج " عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر ‪ ،‬يجدون صفة‬
‫النبي قبيل أن ُيبعث ‪ ،‬وأن دار مهاجره المدينة ‪ ،‬فلما ُولد رسول ال ‪ ،‬قالت أحبييار اليهييود ولييد أحمييد الليليية ‪ ،‬هييذا‬
‫الكوكب طلع ‪ ،‬فلما تنّبأ ‪ ،‬قالوا تنبأ أحمد ‪ ،‬قد طلع الكييوكب ‪ ،‬كييانوا يعرفييون ذلييك وُيقيّرون بييه ‪ ،‬ومييا منعهييم ميين‬
‫اّتباعه إل الحسد والبغي " ‪.‬‬
‫كان هذا عرضا لبعض من نبوءات التوراة التي تحّققت في الماضي ‪ ،‬وعرضا لكيفية فهمهم لشاراتها ورموزهييا‬
‫وتفسيرهم لها ‪ .‬وفيمييا يلييي سيينبدأ بعييرض أغلييب نبييوءاتهم المسييتقبلية ‪ ،‬والتفسيييرات المعاصييرة لهييا مين الييرواد‬
‫الغربيون من اليهود والنصارى ‪ ،‬مع التعقيب عليها أحيانا ‪.‬‬

‫نبوءات سفر ارميا‬

‫المرة الولى وما بعدها ‪:‬‬

‫ي بكلمته ‪ ،‬فخاطبتكم بها ‪ ،‬ولكنكم لم تسمعوا ‪،‬‬ ‫ب يوحي إل ّ‬ ‫" ارميا ‪ :3 :25 :‬على مدى ثلث وعشرين سنة ‪ ،‬والر ّ‬
‫طرِقه الش يّريرة ‪ ،‬وممارسيياته الثيميية ‪،‬‬ ‫… ‪ :5‬وقد قالوا لكم ) النبياء ( ‪ :‬توبوا الن ليرجع كل واحد منكم ‪ ،‬عن ُ‬
‫ى ‪ :7 ،‬غير أنكم لم تسمعوا لييي ‪ ،‬بييل أثرتييم غيظييي‬ ‫… ‪ :6‬ول تضلوا وراء آلهة أخرى … عندئذ ل ُأنزل بكم أذ ً‬
‫بما جنته أيديكم ‪ ،‬فاستجلبتم على أنفسكم الشّر ‪ :8 ،‬لذلك يقول الرب القدير ‪ :‬لنكييم عصيييتم كلمييي ‪ :9 ،‬فهييا أنييا‬
‫ُأجّند جميع قبائل الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخذ نصر عبدي ‪ ،‬وآتي بهييا إلييى هييذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونهييا ويهلكييون جميييع‬
‫سّكانها ‪ ،‬مع سائر المم المحيطة بهييا ‪ ،‬وأجعلهييم مثييار دهشيية وصييفير ‪ ،‬وخييرائب أبدييية ‪ :10 ،‬وُأبيييد ميين بينهييم‬
‫أهازيج الفرح والطرب ‪ … ،‬وضجيج الرحى ونور السييراج ‪ :11 ،‬فتصييبح هييذه الرض بأسييرها قفييرا خرابييا ‪،‬‬
‫وُتستعبد هذه المم لملك بابل ‪ ،‬طوال سبعين سنة ‪ :12 ،‬وفي ختام السبعين سنة ُأعاقب ملك بابل وأّمته ‪ ،‬وأرض‬
‫ي ‪ ،‬يقول الرب ‪ :13 ،‬وُأنّفذ فييي تلييك الرض ‪ ،‬كييل القضيياء الييذي‬ ‫الكلدانيين على إثمهم ‪ ،‬وُأحولها إلى خراب أبد ّ‬
‫ن أممييا كييثيرة وملوكييا‬‫ل ما دّون في هذا الكتاب ‪ ،‬وتنبأ به إرميييا علييى جميييع المييم ‪ :14 ،‬إذ أ ّ‬
‫نطقت به عليها ‪ ،‬ك ّ‬
‫عظماء يستعبدونهم أيضا ‪ ،‬وهكذا ُأجازيهم بمقتضى أفعالهم ‪ ،‬وما جنته أيديهم من أعمال أثيمة " ‪.‬‬
‫ي نص النبوءة في هذه الفقرة ‪ ،‬بالمقارنة مع نص النبوءة الصلي في سفر التثنية ‪ ،‬هييو محييض افييتراء وتزوييير ‪،‬‬
‫فالكاتب في الواقع يسرد تاريخا لحداث بعد وقوعها ‪ ،‬يحّدد فيه أسماء وأمكنة وأزمنيية ‪ ،‬مييع أنييه يحكيهييا بصيييغة‬
‫المستقبل ‪ ،‬وفي النهاية يسكب بعضا من حقده الدفين على بابل وأهلها ‪ ،‬فاضحا الثيير النفسييي الييذي كييان يعييتريه‬
‫ن هذا النص ُأعيدت كتابته بالضافات من قبل مؤلفي التوراة بعد السييبي البييابلي ‪ ،‬فمثل‬ ‫عند كتابتها ‪ ،‬وهذا يؤكد أ ّ‬
‫سفر إشعياء يقول بأن الطائر الجارح سيأتي من المشرق ‪ ،‬وسفر إرمياء يقول أن نبوخذ نصر يأتي من الشييمال ‪،‬‬
‫وفي الحقيقة ربما يكون كل المرين بناًء على نصوص التوراة صحيح ‪ ،‬ليكون خروج نبوخذ نصر من الشرق )‬
‫بابل ( ‪ ،‬وغزوه لمملكتهم من الشمال ) حماة ( ‪ ،‬أما جهة المخرج في المرة الولى لم تكن معروفة إل بعييد تحقييق‬
‫البعث ‪ ،‬فلذلك كانت الفقرة السابقة سردا تاريخيا ‪.‬‬

‫المرة الثانية وما بعدها ‪:‬‬

‫" ارميا ‪ :3 :30 :‬ها أيام مقبلة أرّد فيها سبي شعبي … ‪ ،‬وأعيدهم إلى الرض التي أعطيتها لبائهم فيرثونها ‪) ،‬‬
‫ثم يقول ( ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلييك اليييوم ‪ ،‬إذ ل مثيييل لييه ‪ ،‬هييو‬
‫زمن ضيق على ذرية يعقوب ‪ ،‬ولكنها ستنجو ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ُ :‬أحطّييم أنيييار أعنيياقهم وأقطييع‬
‫طهم ) أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ( فل يستعبدهم غريب فيمييا بعييد ‪ ،‬بييل يعبييدون الييرب إلههييم ‪ ،‬وداود‬ ‫ُرب َ‬
‫ن ويستريح ‪ ،‬من غييير أن ُيضييايقه أحييد ‪ ، … ،‬فُأبييُد‬ ‫ملكهم الذي ُأقيمه عليهم ‪ … ،‬فيرجع نسل إسرائيل ‪ ،‬ويطمئ ّ‬
‫جه‬‫ك بينها ‪ ،‬أّم أنت فل ُأفنيك ُأوّدبك بالحق ‪ ،‬ول ُأبيّرئك تييبرئة كامليية ‪ ) ، … ،‬الخطيياب ميو ّ‬
‫جميع المم التي شّتت َ‬
‫لورشليم ( إن جرحك ل شفاء له ‪ ،‬وضربتك ل علج لها ‪ ،‬إذ ل يوجد من يييدافع عيين دعييواك ‪ ، … ،‬قييد نسيييك‬
‫س ‪ ،‬لن إثمييك عظييٌم‬ ‫ض قييا ٍ‬ ‫ب مبغي ٍ‬ ‫ك عقييا َ‬
‫ب عييدّو ‪ ،‬وعاقبتي ِ‬
‫محّبوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لني ضربتك كما ُيضر ُ‬
‫‪134‬‬
‫وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا أوقعتك بالمحن ‪ ،‬ولكن سيأتي يييوم ُيفييترس فيييه جميييع ُمفترسيييك ‪ ،‬ويييذهب جميييع‬
‫مضايقيك إلى السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أرّد لك عافيتك وُأبرئ جراحك " ‪.‬‬
‫ي هذه الفقرة تتحدث عن المرة الثانية وعقابهم الثاني ‪ ،‬وهذا النص منقول كامل مع حذف بعض العبييارات الييزائدة‬
‫كعبارة يقول الرب أو ما شابه ‪ ،‬فانظر ماذا أضافوا إليها ‪ ،‬لقد أضاعوا الحقيقة وظلموا أجيالهم القادميية ميين حيييث‬
‫ل يعلمون ‪ ،‬فكذبوا الكذبة وصّدقها أبنائهم ‪ ،‬وأصبحت من صميم معتقداتهم ‪ ،‬فالمعاصرين من اليهود والنصييارى‬
‫يتعاملون مع كل نصوص التوراة بغثها وسمينها ‪ ،‬على أنها من عند ال ‪ ،‬وأن ل مجال لتكذيبها ‪ .‬وما ُأضيف إلى‬
‫هذه النبوءة المستقبلية ‪ ،‬كما يعتبرونها هيم هيو كييل مييا تحتيه خييط ‪ .‬وأخطير مييا فييي هيذه الضيافة هيو تفسيييرهم‬
‫المعاصر لها ‪.‬‬

‫نبوءات حزقيال المستقبلية‬


‫سبوا إلى بابييل ‪ ،‬ويحتييوي كتييابه علييى كييثير ميين النبييوءات‬
‫حزقيال هو ثالث النبياء الكبار ‪ ،‬ويقال أنه أحد الذين ُ‬
‫المستقبلية ‪ ،‬فيما يخص عودة اليهود الثانية ‪ ،‬وأحداث آخر الزمان وما سيقع فيها من حروب ‪ ،‬وهييذا الكتيياب ومييا‬
‫يأتي بعده في الترتيب من كتب أنبياء التوراة ‪ ،‬أصبح مادة دسمة للباحثين في القرن الماضي ‪ ،‬فيما يتعّلق بأحداث‬
‫آخر الزمان ‪ ،‬كنهاية اليهود والحرب والعالمية الثالثة وظروفها ونتائجها ‪ ،‬وعييودة المسيييح الثانييية إلييى الرض ‪،‬‬
‫وفيما يلي عرض لنبوءاته حسب تسلسلها في التوراة ‪ ،‬الذي كما يبدو حافظ عليه كتبة التوراة ‪.‬‬

‫تأكيد الوعد بالعقاب وتبيان أسبابه وغاياته ‪:‬‬

‫" حزقيال ‪ :5 :5 :‬هذه هي أورشليم التي أقمتها في وسط الشعوب … ‪ ،‬فخالفت أحكامي بأشّر مما خالفتها المييم‬
‫… لذلك من حيث أنكم تمّردتم أكثر من المم المحيطة بكم ‪ ، … ،‬ها أنا أنقلب عليك يا أورشليم ‪ ،‬وأجري عليييك‬
‫قضاء على مشهد من المم ‪ ،‬فأصنع بك ما لم أصنعه من قبل ‪ ،‬وما لم أصنع مثله من بعد ‪ ،‬عقابا لك علييى جميييع‬
‫سّكانك يموتون بالوبأ والجوع في‬‫أرجاسك ‪ ، … ،‬فأنا أيضا أستأصل ‪ ،‬ول تترأف عليك عيني ول أعفو … ُثلث ُ‬
‫ن ُيقتل حولك بالسيف ‪ ،‬وُثلث أخير ُأشّتته بين المم ‪ ،‬وأتعقبه بسيف مسلول ‪ ،‬وهكذا ُأنّفييس عيين‬
‫وسطك ‪ ،‬وُثلث ثا ٍ‬
‫غضبي ‪ ،‬ويخمد سخطي ‪ ،‬إذ أكون قد انتقمت … وأجعلك خرابا وعارا بين المم … أنا الرب قد قضيت " ‪.‬‬
‫ي هذا النص يؤكد مقتل ثلثي اليهود ‪ ،‬وشتات ثلث سيكون عرضة للقتل والتنكيل والضطهاد ‪.‬‬

‫نزول العقاب ببني إسرائيل في جميع مواطن إقامتهم ‪:‬‬

‫" حزقيال ‪ :3 :6 :‬ها أنا أجلب عليكم سيفا وأهدم مرتفعاتكم ‪ ،‬فتصبح مذابحكم أطلل ‪ ، … ،‬وأطرح قتلكم أمام‬
‫أصنامكم ‪ ،‬وُألقي جثث أبناء إسرائيل أمام أوثانهم ‪ ،‬وأذري عظامهم حول مذابحكم ‪ ،‬وحيثما ُتقيمون تتحول ُمدنكم‬
‫إلييى أطلل ‪ … ،‬يمييوت البعيييد بالوبييأ ‪ ،‬والقريييب يصييرعه السيييف ‪ ،‬والبيياقي منهييم والُمحاصيير تقضييي عليهييم‬
‫المجاعة ‪ ، … ،‬وأمّد يدي عليهم في جميع مواطن إقامتهم " ‪.‬‬
‫ي هنا يؤكد نزول العقاب بهم على اختلف أمكنة إقامتهم ‪ ،‬ويؤكد بأن مدنهم التي يتواجدون فيها ستصبح خرابا ‪.‬‬

‫شدة العقاب وآثاره النفسية على البقية الناجية ‪:‬‬

‫" حزقيال ‪ :15 :7 :‬السيف ُمسّلط من الخييارج ‪ ،‬والوبييأ والجييوع ميين الييداخل … أمييا النيياجون منهييم ‪ ،‬فيلييوذون‬
‫ل الركييب مائعيية كالمييياه ‪،‬‬
‫بالجبال كحمام الودية ‪ ،‬يبكي كل واحد منهم على إثمه ‪ ،‬جميع اليدي مسترخية ‪ ،‬وك ي ّ‬
‫يتلفعييون بالمسييوح ) الملبييس الخشيينة ( ‪ ،‬ويغشيياهم الرعييب ‪ ،‬ويكسييو العييار وجييوههم جميعييا ‪ ،‬ويطغييى القيَرع‬
‫ضتهم في الشوارع ‪ ،‬ويضييحي ذهبهيم نجاسيية ‪ ،‬وتعجييز فضييتهم وذهبهييم‬ ‫) الصلع ( على رؤوسهم ‪ .‬ويطرحون ف ّ‬
‫عن إنقاذهم في يوم غضب الرب " ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات ‪:‬‬

‫ي بكلمتيه ‪ ،‬قيائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ،‬قيل لخوتيك وأقربيائك وسيائر شيعب‬ ‫" حزقييال ‪ 14 :11 :‬ثيم أوحيى اليرب إلي ّ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في الشتات معك ‪ ،‬الذين قال لهم سكان أورشليم ‪ :‬ابتعدوا عن الرب ‪ ،‬لنا قد وهبت هذه الرض ميراثييا‬
‫‪ .‬ولكن إن كنت ‪ ،‬قد فّرقتهم بين المم ‪ ،‬وشّتتهم بين البلد ‪ ،‬فإني أكون لهم َمقِدسييا صييغيرا ‪ ،‬فييي الراضييي الييتي‬
‫تبّددوا فيها ‪ .‬لذلك قل لهم ‪ :‬سأجمعكم من بين الشعوب ‪ ،‬وأحشدكم من الراضي التي شّتتكم فيهييا ‪ ،‬وأهبكييم أرض‬
‫إسرائيل ‪ .‬وعندما ُيقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ) أي الحسييان والصييلح بييترك‬
‫أوثانهم وأرجاسهم ‪ ،‬ولكنهم عملوا ويعملون على انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ( ‪ ،‬أعطيهم جميعا قلبا‬
‫واحدا ‪ ،‬وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ‪ ،‬وأنزع قلب الحجر من لحمهم ‪ ،‬وأستبدله بقلب من لحييم ‪ ،‬لكييي يسييلكوا‬
‫في فرائضي ‪ ،‬ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ‪ ،‬ويكونون لي شعبا وأنييا أكييون لهييم إلهييا ‪ .‬يقيول السيّيد الييرب ‪ :‬أّمييا‬
‫طُرقهم على رؤوسهم ) فإن أحسنوا فلهييا‬ ‫الذين ضّلت قلوبهم وراء أوثانهم ورجاساتهم ‪ ،‬فإني أجعلهم يلَقْون عقاب ُ‬
‫وإن أساءوا فعليها ( " ‪.‬‬

‫الحث على الحسان والتوبلة والرجللوع إللى الللله ‪ ،‬لنهللا السلبيل الوحيللد‬
‫للنجاة ‪:‬‬

‫ن طريق الرب غير عادلة ‪ ،‬أطرقييي‬ ‫" حزقيال ‪ :32-29 :18 :‬يقول السيد الرب ‪ :‬ومع ذلك يقول بيت إسرائيل إ ّ‬
‫جة ؟! لذلك ُأدينكم يا شعب إسرائيل ‪ ،‬كييل واحييد بُمقتضييى‬ ‫غير عادلة يا بيت إسرائيل ؟! أليست طرقكم هي المعو ّ‬
‫طُرقه ‪ .‬يقول السيد الرب ‪ :‬توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كّلها ‪ ،‬فل يكون لكم الثم معثرة هلك ‪ .‬اطرحوا عنكم كييل‬ ‫ُ‬
‫ذنوبكم ‪ ،‬واحصلوا لنفسكم على قلب جديد وروح جديدة ‪ ،‬فلماذا تموتون يا شييعب إسييرائيل ؟! إذ ل ُأس يّر بمييوت‬
‫أحد ‪ ،‬فتوبوا واحيوا " ‪.‬‬
‫ي يؤكد النص على فسادهم على الدوام ‪ ،‬وأنهم ل يعترفون بذلك ‪ ،‬بل يّدعون بأن الرب غييير عييادل بعقييابهم علييى‬
‫ضهم النص على التوبة والعودة ‪ ،‬وُيحّذرهم من الهلك إن لم يفعلوا ‪.‬‬
‫فسادهم ‪ ،‬كما ويح ّ‬

‫مسبق من الغترار بالقوة ‪ ،‬ومللن السللتهانة بمللا أنللذرهم الللله‬


‫التحذير ال ُ‬
‫به ‪:‬‬

‫" حزقيال ‪ :16-6 :21 :‬يقول السيد الرب ‪ :‬أّما أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فتنّهد بقلب ُمنكسر وحزن ومرارة ‪ ،‬فإن سألوك‬
‫على ماذا تتنّهد ؟ تجيبهم ‪ :‬على الخبيار اليواردة اليتي ُتيذيب كيل قليب ‪ ،‬فتسيترخي الييدي ويعيتري القنيوط كيل‬
‫ي بكلمته قائل ‪ :‬يييا ابيين آدم ‪ ،‬تنّبييأ‬
‫روح ‪ ،‬وتصبح الركب كالماء ‪ ،‬ها هي الخبار واردة ول بد أن تتم ‪ .‬وأوحى إل ّ‬
‫ن للذبح الُمبرم ‪ ،‬وصقل ليومض بالبريق ‪ ،‬فهل‬ ‫سّ‬
‫ف قد تم سّنه وصقله ‪ ،‬قد ٌ‬
‫ف ‪ ،‬سي ٌ‬
‫وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬سي ٌ‬
‫نبتهج قائلين ‪ :‬عصا ابني ) البن إسرائيل الدولة ‪ ،‬والعصا كناية عن القوة ( تحتقر كييل قضيييب ؟! ) بمعنييى فهييل‬
‫نسخر من هذا السيف ونستهزئ بجبروته مغتّرين بقوتنا ( ‪ ،‬وقد ُأعطي السيف ليصقل ويجيّرد بييالكف ‪ ،‬وهييا هييو‬
‫بعد سّنه وصيقله ُيسيّلم لييد القاتيل ‪ ،‬اصيرخ واعيول ييا ابين آدم ‪ ،‬لنيه يتسيّلط عليى شيعبي ‪ ،‬وعليى كيل رؤسياء‬
‫إسرائيل ‪ ،‬يتعّرض شعبي لهوال من جراء هذا السيف ‪ ،‬لذلك اضرب على صدرك فزعا ) نييدبا ( ‪ .‬يقييول السيييد‬
‫الرب ‪ :‬لنه امتحان ) وجود إسرائيل في فلسطين ( ‪ ،‬وماذا يحدث إن لم ُتقبل العصا الُمحتقِرة ) اُلمزدِرييية ‪ ،‬غييير‬
‫البهة بالعقاب ( ؟! ) بمعنى ماذا ستكون عاقبتها ‪ ،‬إذا رسبت بالمتحان اللهي ( ‪ .‬أنا الرب قد تكّلمت ) قضيت (‬
‫‪ :‬فتنبأ يا ابن آدم ‪ ،‬واصفق كفا على كف ‪ ،‬وليضرب السيف مرتّين ‪ ،‬بل ثلث مّرات ‪ ،‬إنييه سيييف القتلييى ‪ ،‬سيييف‬
‫المجزرة العظيمة الُمحّدقة بهم ‪ ،‬لكي تذوب القلوب ‪ ،‬ليتهاوى كثيرون عند كل بواباتهم ‪ ،‬لهذا جّردت سيييفا متقلبييا‬
‫جه حّدك ‪ ،‬وأنا أيضييا ُأص يّفق بكفييي ‪،‬‬ ‫بّراقا مصقول للذبح ‪ .‬فيا سيف اجرح يمينا ‪ ،‬اجرح شمال ‪ ،‬اجرح حيثما تو ّ‬
‫وُأسكن غضبي " ‪.‬‬
‫ي هذا النص يصف الجبن اليهودي وحالة الرعب التي ستصيبهم ‪ ،‬عندما يدخل عليهم هييذا السيييف الييذي يعرفييونه‬
‫جيدا ‪ ،‬والذي مّزق أجسادهم شّر ُممزق ذات مّرة ‪ .‬ويحّذر النص من الستهزاء بهذا السيف ‪ ،‬والغترار بييالقوة ‪،‬‬

‫‪136‬‬
‫لنه سيف من صنع ال ‪ ،‬وسيسّلم ليد القاتل في الموعد الُمحّدد ‪ ،‬ويؤكييد أن الرسييوب فييي المتحييان أي الفسيياد ‪،‬‬
‫معناه نفاذ القضاء بوقوع المجزرة ‪.‬‬

‫من أرض واحدة يخرج البعثان ‪:‬‬

‫طط طريقين لزحف ملك بابل ‪ .‬من‬ ‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أّما أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فخ ّ‬ ‫ي الر ّ‬‫" حزقيال ‪ :19 :21 :‬وأوحى إل ّ‬
‫أرض واحدة تخرج الطريقان ] وأنت يا ابن آدم ‪ ،‬عّييين لنفسييك طريقييين ‪ ،‬لمجيييء سيييف ملييك بابييل ‪ ،‬ميين أرض‬
‫واحدة تخرج الثنتان [ ) النص الثاني من النسخة الخييرى ( ‪ ، ... ،‬لنكييم ذّكرتييم بييإثمكم ‪ ،‬إذ انكشييف تمردكييم ‪،‬‬
‫فتجّلت خطاياكم في كييل مييا ارتكبتمييوه ميين أعمييال ‪ ،‬لهييذا إذ ذّكرتييم بأنفسييكم ‪ُ ،‬يقبييض عليكييم باليييد ‪ ،‬وأنييت أّيهييا‬
‫المطعون الثيم ‪ ،‬ملك إسرائيل ‪ ،‬يا من أِزف يومه في ساعة العقاب النهييائي ‪ ،‬اخلييع العماميية وانييزع التياج ‪ ،‬فلين‬
‫يبقى الحال كسالف العهد به ‪ ،‬ارفع الوضيع ‪ ،‬وضع الرفيع ) اجعل الوضيييع عاليييا ‪ ،‬والعييالي وضيييعا ( ‪ ،‬هييا أنييا‬
‫أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬حتى ل يبقى منه أثر ) تاج الملك ( إلى أن يأتي صاحب الحكم ‪ ،‬فأعطيه إياه ) للذي يأتي من‬
‫ربوات القدس ( " ‪.‬‬
‫ي هذه النبوءة توضح لهم أن أرض الخروج الثاني هيي بابيل ‪ ،‬بمييا ل يييدع مجيال للشيك ‪ ،‬وأن البعييث عقياب لهيم‬
‫لفسادهم ‪ ،‬وأن ملكهم سيزول ل محالة ‪ ،‬وأن تاج الُملك سُيعطى لصاحبه عندما يأتي من ربييوات القييدس ‪ ،‬وهييي‬
‫النبوءة الرابعة والخيرة التي أخييبر عنهييا موسييى عليييه السييلم قبييل مييوته ‪ .‬وبمييا أنهييم ل يفقهييون ول يعلمييون ‪،‬‬
‫وعقولهم وقلوبهم كالحجارة أو أشّد قسييوة ‪ ،‬فهييم ل يتقّبلييون فكييرة زوال ملكهييم ‪ ،‬وذهيياب الملييك لغييير شييعب الي‬
‫الُمختار وأبناء ال وأحبائه ‪ ،‬حسب ما عّلمهم كهنتهم وأحبارهم ‪ ،‬لييذلك فهييم سيييعملون المسييتحيل للمحافظيية علييى‬
‫بقائهم في فلسطين ‪ ،‬بغض النظر عن إفسادهم فيها ‪ ،‬ليخرج هذا الملك التييوراتي الُمنتظيير فيهييم ‪ ،‬ليحكمييوا العييالم‬
‫من خلله إلى البد ‪.‬‬

‫وصف الفساد والعقاب في المرة الثانية ‪:‬‬

‫ب بكلمته قائل ‪ :‬وأنت يا ابين آدم ‪ ،‬أُتييدين المدينيية السييافكة الييدماء ؟! إذاً‬
‫ي الر ّ‬
‫" حزقيال ‪ :17-2 :22 :‬وأوحى إل ّ‬
‫عرّفها بكل رجاساتها ) أي بّين صفة إفسادها ( ‪ ،‬وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه السيد الرب ‪ :‬أّيتها المدينة التي تسييفك الييدماء‬
‫جست بما عملت من أصنامك‬ ‫في وسطها ‪ ،‬لتستجلب العقاب على نفسها ‪ ، … ،‬قد أثمت بما سفكت من دماء ‪ ،‬وتن ّ‬
‫ت منتهى أيامك ‪ ،‬لذلك جعلتك عييارا عنييد المييم ‪ ،‬ومثييار سييخرية لجميييع البلييدان ‪،‬‬ ‫‪ .‬قد قّربت يوم دينونتك ‪ ،‬وبلغ ِ‬
‫… ‪ ،‬أنت يا نجسة ‪ ،‬يا كثيرة الشغب ‪ ،‬هو ذا كل واحد من رؤساء إسرائيل ‪ ،‬ممن كانوا فيييك ‪ ،‬انهمييك فييي سييفك‬
‫جسييت أيييام‬‫ت ُمقّدسيياتي ون ّ‬
‫الدماء على قدر طاقته ‪ .‬فيك استخّفوا بأب وأم ‪ ،‬واضييطهدوا اليييتيم والرمليية ‪ ،‬احتقيير ِ‬
‫سييبوتي ‪ .‬أقييام فيييك وشيياة عمليوا علييى سييفك الييدم ‪ ،‬وأكلييوا أمييام الصيينام علييى الجبييال ‪ ،‬وارتكبييوا فييي وسييطك‬
‫ظلما ونسيتني " ‪.‬‬ ‫الموبقات ‪ ، … ،‬أخذت الربا ومال الحرام ‪ ،‬وسلبت أقربائك ُ‬
‫سيفك مين دم‬ ‫" حزقيال ‪ :16-13 :22 :‬ها أنا قد صّفقت بكفي من جّراء ‪ ،‬ما حصلت عليه من ربح حيرام ‪ ،‬وميا ُ‬
‫في وسطك ‪ .‬فهل يصمد قلبك أو تحتفظ يداك بقوتهما ‪ ،‬في اليام التي أتعامل معك فيها ؟! أنييا الييرب قييد تكّلمييت ‪،‬‬
‫وُأتمم ما أنطق به ‪ .‬سُأشتتك بين المم وُأبعثرك بين البلدان ‪ ،‬وأزيل نجاستك منك ‪ ،‬وتتدّنسين بنفسييك عليى ميرأى‬
‫من المم ‪ ،‬وتدركين أّني أنا الرب " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنبأ وقل لها أنت أرض ‪ ،‬لم تتطّهري ولييم‬ ‫" حزقيال ‪ :31-23 :22 :‬وأوحى إل ّ‬
‫جسوا مقادسي ‪ ،‬لم ُيمّيزوا بين الُمقّدس والرجس ‪،‬‬ ‫ُيمطر عليها في يوم الغضب ‪ ، ... ،‬خالف كهنتها شريعتي ‪ ،‬ون ّ‬
‫ولم يعلموا الفرق بين الطاهر والّنجس ‪ ،‬رؤساؤها فيها كذئاب خاطفة ‪ُ ،‬تمّزق فرائسها ‪ ،‬إذ يسفكون دماء النيياس ‪،‬‬
‫في سبيل الربح الحرام ‪ ،‬وأنبياؤها ) أي المتنبئون الجدد كعوفاديا يوسف ( يَرْون لها رؤى باطلة ‪ ، … ،‬قييائلين ‪:‬‬
‫هييذا مييا يعلنييه الييرب ‪ -‬مييع أن الييرب لييم يعليين شيييئا ‪َ : -‬أِفرطييوا فييي ظلييم شييعب الرض ‪ ،‬فاغتصييبوا سييالبين ‪،‬‬
‫واضطهدوا الفقير والمسكين ‪ ،‬وظلموا الغريييب جييورا ‪ .‬فالتمسييت ميين بينهييم رجل واحييدا ‪ ،‬يبنييي جييدارا ) رجل‬
‫ُمصلحًا ( ‪ ،‬ويقف في الثغرة أمامي ‪ ،‬حتى ل ُأخربها فلم أجد ‪ .‬فصببت سخطي عليهم ‪ ،‬والتهمتهم بنييار غضييبي ‪،‬‬
‫جازيتهم بحسب طرقهم ‪ ،‬يقول السيد الرب " ‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫جل وقييائع عاينهييا الييراوي ‪ ،‬وتؤكييد أن‬
‫ي هذه النصوص تصف إفساد دولة اليهود الحالية بدقة متناهية ‪ ،‬وكأنها ُتس ّ‬
‫الهلك والخراب واقع بهم ل محالة ‪ ،‬عندما تبلغ هذه الدولة منتهى أيامها ‪.‬‬

‫خراب أمريكا بعد زوال إسرائيل ‪:‬‬

‫في الصحاحات ) ‪، 26‬ي ‪، 27‬ي ‪ ، ( 28‬تجد وصفا تفصيليا لمدينة سّماها كتبة التوراة ) صييور ‪ :‬مدينيية سيياحلية‬
‫خص صفات هذه المدينة ومميزاتها بما يلي ‪:‬‬
‫لبنانية ( نل ّ‬
‫سّكانها على البحر ‪.‬‬
‫ُمسيطرة هي و ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫ُترعب جميع جيرانها ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تاجرة الشعوب وكاملة الجمال ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تقبع في قلب البحار ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫تأتيها السفن التجارية من كل مكان ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫شعبها وجيشها خليط من أمم أخرى ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫تتمتع بكونها مركز للتجارة العالمية ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ي وهذه الوصاف ل تنطبق إل على أمريكا كدولة أو على ) نيويورك ( كمدينة ‪ ،‬وأما صفة عقابها فهي كما يلي ‪:‬‬
‫دمارها سيتحصل بريح شرقية ) أي من الشرق ( ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫اندلع النيران في وسطها ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تحّولها إلى رماد ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫مصيرها الغرق ولن يبقى منها أثر ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫القائمون على خرابها غرباء من أعتى المم ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ي وأما أسباب الغضب اللهي عليها وعلى ملكها فهي ‪:‬‬
‫تنصيب ملكها لنفسه كإله للبشر ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تربعه في مجلس اللهة في قلب البحار ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الدعاء بامتلكه حكمة اللهة ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الستحواذ على الذهب والفضة واّدخارها ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مضاعفة الثروة بمهارتها في التجارة ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫التجارة الظالمة ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫البهاء والجلل والتكبر والستعلء لفرط الغنى ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ي وفي النص التالي تسمية أخرى لها هي مصر ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :16-3 :29 :‬ها أن أنقلب عليك يا فرعون ملك مصر ‪ ،‬أيها التمسياح الكيامن فييي وسيط أنهيياره ‪… ،‬‬
‫وُأخرجك قسرا من أنهارك ‪ ،‬وأسماكها ما برحت عالقة بحراشفك ‪ ،‬وأهجرك في البرية ‪ ،‬مع جميع سمك أنهييارك‬
‫‪ ،‬فتتهاوى على سطح أرض الصحراء ‪ ،‬فل ُتجمع ول ُتلّم ‪ ،‬بل تكون قوتا لوحوش البّر وطيييور السييماء ‪ .‬فُيييدرك‬
‫ب هشًة لبني إسرائيل ‪ ،‬ما أن اعتمييدوا عليييك بييأكفهم ‪ ،‬حييتى‬‫عّكاز قص ٍ‬‫كل أهل مصر أني أنا الرب ‪ ،‬لّنهم كانوا ُ‬
‫ل متيونهم ‪ .‬ليذلك هيا أنيا أجليب سييفا ‪،‬‬‫طميت وقصيفت كي ّ‬ ‫انكسرت ومّزقت أكتافهم ‪ ،‬وعنيدما توّكيأوا علييك ‪ ،‬تح ّ‬
‫ل مييدنها‬
‫وأستأصل منك النسان والحيوان ‪ ،‬وأجعل ديييار مصيير ‪ ،‬الكييثر وحشيية بييين الراضييي المقفييرة ‪ ،‬وتظي ّ‬

‫‪138‬‬
‫الكثر خرابا بين المدن الخربة … وأجعلهم أقلية لئل يتسلطوا علييى الشييعوب ‪ ،‬فل تكييون بعييد ‪ ،‬موضييع اعتميياد‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬بل ُتذّكرهم بإثمهم حين ضّلوا وراءهم … "‬
‫ي قد يظن القارئ للوهلة الولى أن هذا النص يتنبأ بخراب مصر ‪ ،‬ولكن بعد إمعان النظر في العلقة مييا بييين هييذا‬
‫ضحة بما تحته خط ‪ ،‬ستجد أن المقصود بهذا النص هم فراعنيية هييذا العصيير أمريكييا‬ ‫الفرعون وبين اليهود ‪ ،‬المو ّ‬
‫ومن شايعها ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن المقصود بالتمساح هييو السييطول ‪ ،‬والمقصييود بالسييماك هييو السييفن الحربييية ‪،‬‬
‫والمقصييود بالنهييار هييي البحييار الييتي تنشيير فيهييا القييوات البحرييية المريكييية ‪ ،‬وعلييى مييا يبييدو أن السيياطيل‬
‫المريكية ‪ ،‬ستخرج وتجتمع في مكان ما ) ربما البحر المتوسييط ( ‪ ،‬بعييد إنهيياء الوجييود اليهييودي فييي فلسييطين ‪،‬‬
‫لتلقي مصيرها المحتوم الذي ُيخبر عنه هذا النص ‪.‬‬
‫ي وفي نصوص أخرى ربما نوردها لحقا ‪ ،‬ستجد أن هناك تسييميات أخييرى ‪ ،‬اسييتخدمها كتبيية التييوراة والنجيييل‬
‫لنفس المدينة ‪ ،‬كبابل الجديدة وبابل الُعظمى كناية عن دولة عظمى ‪ ،‬سيتزامن وجودها مع ظهور الدولة اليهودييية‬
‫في فلسطين ‪.‬‬

‫تحالف أعداء الله ضد اليهود والنصارى ‪:‬‬

‫خر جيشا أشّد تسخير ‪ ،‬ضّد صور فأصبحت‬ ‫صر ملك بابل ‪ ،‬قد س ّ‬‫ن نبوخذ ن ّ‬
‫" حزقيال ‪ : -18 :29 :‬يا ابن آدم ‪ :‬إ ّ‬
‫كل رأس من رؤوس جنوده صلعاء ‪ ،‬وكل كتف ُمجّردة من الثياب ‪ ،‬ولكن لم يغنم هو ول جيشه شيئا من صور ‪،‬‬
‫رغم ما كابده من جهد للستيلء عليها ‪ .‬لذلك … ‪ ،‬ها أنا أبذل ديار مصر لنبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬فيستولي على‬
‫ثروتها ‪ ،‬ويسلبها غنائمها وينهبها ‪ ،‬فتكون هذه ُأجرًة لجيشه " ‪.‬‬
‫ب بات وشيييكا ‪،‬‬ ‫ن يوم الر ّ‬‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم تنّبأ ‪ ،‬وقل ‪ ، … :‬إ ّ‬
‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحى إل ّ‬
‫… ‪ ،‬إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ‪ ،‬ساعة دينونة ) نهاية ( للميم ‪ ،‬إذ ُيجيّرد سييف عليى مصير ‪ ،‬فيُعيّم اليذعر الشيديد‬
‫إثيوبيا ‪ ،‬عندما يتهاوى قتلى مصر ‪ ،‬ويستولي على ثروتها ‪ ،‬وُتنقض ُأسسييها ‪ .‬ثييم تسييقط معهييم بالسيييف ‪ ،‬إثيوبيييا‬
‫سّكانها من مجييدل إلييى‬ ‫وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيا ‪ ،‬وشعوب الرض الُمتحالفة معهم … فيتهاوى ُ‬
‫أسوان ‪ ...‬فُتصبح أكثر الراضي الُمقفرة وحشة ‪ ،‬وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يوم هلك مصر الذي‬
‫ل بد أن يتحّقق ‪.‬‬
‫صر ملك بابل ‪ ،‬إذ ُيقبل بجيشه ‪ ،‬أعتى جيوش المم لخراب ديييار مصيير ‪،‬‬ ‫لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن ّ‬
‫فُيجّردون عليها سيوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضها بالقتلى ‪ ،‬وُأجّفييف مجيياري نهيير النيييل ‪ ،‬وأبيييع الرض لقيوم أشييرار ‪،‬‬
‫طم الصنام ‪ ،‬وُأزيل الوثان ميين ممفيييس ‪ ،‬ول يبقييى‬ ‫ب قد قضيت ‪ .‬ثّم ُأح ّ‬ ‫وُأخّرب البلد فيها بيد الغرباء ‪ ،‬أنا الر ّ‬
‫بعد ‪ ،‬رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وُألقي فيها الرعب " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬ولول علييى جنييد مصيير ‪ ، … ،‬يسييقطون صييرعى‬ ‫" ‪ :18-30 :32‬وأوحى إل ّ‬
‫وسط قتلى السيف ‪ .‬قد أسلمت مصر للسيف ‪ ،‬وأسروها مع كل حلفائهيا ‪ ،‬وهنياك أشيور ) سيوريا ( وقيومه ‪… ،‬‬
‫وحلفاؤه ‪ .… ،‬وهناك أيضا عيلم ) أفغانستان ( وحلفاؤهييا … وهنيياك أيضييا ماشييك وتوبييال ) مييدن روسييية ( ‪،‬‬
‫ل حلفائهمييا ‪ … ،‬وهنيياك أيضييا أدوم ) الردن ( وملوكهييا ورؤسييائها ‪ … ،‬وهنيياك ُأمييراء الشييمال ‪ ،‬وكييل‬
‫وك ي ّ‬
‫الصيدونيين ) اللبنانيين ( ‪ … ،‬أولئك الييذين أشيياعوا الرعييب فييي أرض الحييياء ‪ ، … ،‬كلهييم قتلييى ‪ ،‬وصييرعى‬
‫السيف " ‪.‬‬
‫ي هذه الفقرات الثلثة ‪ ،‬مقتطعة من الصحاحات ) ‪ ( 32 ، 31 ، 30‬التي كّررت بإسهاب ما جاء في الصحاح )‬
‫‪ ، ( 29‬وعلى ما يبدو أن محتوى هذه الصحاحات الثلثة ‪ ،‬قد تنيياولته أقلم الكتبيية بكييثير ميين التبييديل والتحييوير‬
‫والضافة ‪ ،‬وقد أوردنا هذه الفقرات لتعيينها بعض الشعوب والدول ‪ ،‬التي يعتبرها الغرب أعييداًء ل ي ‪ ،‬الييذي هييو‬
‫سرين الجدد للتوراة ‪ ،‬أن الييدول الميذكورة فييي هييذه النصيوص ‪،‬‬ ‫المسيح عند النصارى ‪ .‬ويفترض الكثير من المف ّ‬
‫ستقوم بالتحالف مستقبل ‪ ،‬ومن ثم ستغزو إسرائيل وتنهي وجودها ‪ ،‬بقيادة مصر أو العراق أو روسيييا منفييردة أو‬
‫مجتمعة ‪ ،‬مما يتسبب في مواجهة مصيرية كييبرى بييين الشييرق والغييرب ‪ ،‬يطلقييون عليهييا تسييمية ) هرمجييدون (‬
‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬ويجزمون بأن النصر سيكون فيها حليف أحباء ال من اليهود والنصارى ‪ ،‬علييى أعييداءه‬
‫من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬وحتمية وقوع هذه الحرب المستقبلية ‪ ،‬أصييبحت فييي السيينوات الخيييرة ‪ ،‬حقيقيية وعقيييدة‬
‫‪139‬‬
‫راسخة لدى عامة نصارى الغرب وساسييتهم المهووسييون بييالنبوءات التوراتييية ‪ ،‬وهييذا ممييا سيياهم فيييه واسييتغلته‬
‫اليهود في أمريكا ‪ ،‬لدفع أمريكا لخوض هذه الحرب الوهمية ‪ ،‬التي فيها كل المصلحة ليهود الشرق والغرب ضييد‬
‫العرب والمسلمين ‪ ،‬من قبل أن تبدأ ‪.‬‬
‫وقد تكيون هييذه النصيوص فييي الحقيقية ‪ُ ،‬تخيبر عين السييتعمار الغربييي لكيل البلييدان العربيية والبلييدان الخيرى‬
‫المذكورة فيها ‪ ،‬أو ُتخبر عن توحيد البلدان المذكورة بالقوة ‪ ،‬من قبل ورثة نبوخذ نصر الجدد ‪ ،‬بعد قيامهم بإنهاء‬
‫الوجود اليهودي في فلسطين ‪.‬‬

‫خراب الرض بعد خراب إسرائيل ‪:‬‬

‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬إن المقيمين في خرائب أرض إسييرائيل ‪،‬‬ ‫" حزقيال ‪ :29-24 :33 :‬فأوحى إل ّ‬
‫يقولون ‪ :‬إن إبراهيم كان فردا واحدا ‪ ،‬ومع ذلك ورث الرض ‪ ،‬وهكييذا نحيين كيثيرون ‪ ،‬وقيد ُوهبييت لنيا الرض‬
‫ميراثا ‪ .‬لذلك قل لهم أتأكلون اللحم بالدم ‪ ،‬وتتعّلق عييونكم بأصينامكم ‪ ،‬وتسيفكون اليّدم ‪ ،‬فهيل ترثيون الرض ؟!‬
‫اعتمدتم على سيوفكم ‪ ،‬وارتكبتم الموبقات ‪ ، … ،‬فهل ترثون الرض ؟! قل لهم ‪ :‬هذا ما ُيعلنه الييرب ‪ :‬إن الييذين‬
‫ُيقيمون في الخرائب ‪ُ ،‬يقتليون بالسيييف ‪ .‬والييذين يسييكنون فييي العييراء ‪ ،‬أبييذلهم قوتييا للوحييوش ‪ .‬والمتمّنعييون فييي‬
‫سرونه على أنه السلح النووي والكيماوي ( ‪ .‬فأجعل الرض أطلل ُمقفرة‬ ‫الحصون والمغاور يموتون بالوبأ ) ُيف ّ‬
‫ل كبريائها وعّزتها … فُيدركون أّني أنا الرب ‪ ،‬حين أجعل الرض خربة ُمقفرة ) وهذا ما س يُتحدثه أسييلحة‬ ‫‪ ،‬وُيذ ّ‬
‫الدمار الشامل التي يرتعبون منها لتوافقها مع ما جاءت به التوراة ( من جّراء ما ارتكبوه من رجاسات " ‪.‬‬
‫ي وهذه النبوءة تؤكد زوال الدولة اليهودية بعد قيامها ‪ ،‬وذبح اليهود وتشريدهم وفنائهم ) بالنووي والكيميياوي كمييا‬
‫يعتقدون ( ‪ ،‬وبالضافة إلى ذلك تؤكد خراب الرض إجميال ؟ ولكنهيم يرفضيون هيذه النبيوءة جملية وتفصييل ‪،‬‬
‫ويصّرون على مخالفة مييا جيياء فيهييا ‪ ،‬ويبييذلون قصييارى جهييدهم لمنييع تحّققهييا ‪ .‬وليو طييالعت نصييوص التيوراة‬
‫بمجملها ‪ ،‬ستجد أنه بعد كل مرة ‪ُ ،‬تخبر التوراة بحتمية نفاذ قضاء ) الرب ( في إسييرائيل وشييعبها عنييد الفسيياد ‪،‬‬
‫شييتتوا‬
‫ُيضيف ) كتبة التوراة ( نصوصا تفيد بأن ربهم دائما وأبدا يعود ويعفوا عنهم ‪ ،‬فيجمعهم مين الرض الييتي ُ‬
‫فيها ‪ ،‬ويعيدهم إلى أرض الميعاد التي ُوهبت لهم ‪ ،‬فّيفسدون فيها ‪ ،‬فُيعّذبون وُيشتتون ‪ ،‬فيجمعهم ويعيييدهم إليهييا ‪،‬‬
‫وهكذا دواليك ‪ ) … ،‬حسب ما يشتهيه كتبة التوراة ( ‪ ،‬واليهود حييتى بعييد زوال دولتهييم الحالييية ليين يسييتكينوا أو‬
‫يهدءوا ‪ ،‬طمعًا في تحصيل ذلك الملك البدي الذي يحلمون به ‪ ،‬وهو ما رسم معالمه أقلمهييم الكهنيية والحبييار ‪،‬‬
‫في النص التالي ‪:‬‬
‫مِلك القدس المنتظر من نسل إسماعيل ل من نسل داود ‪:‬‬
‫َ‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ، … ،‬وها أنا أحشد أبناء إسرائيل من بييين‬ ‫" حزقيال ‪ :28-21 :37 :‬وأوحى إل ّ‬
‫المم ‪ ،‬التي تفّرقوا فيها ‪ ،‬وأجمعهم من كل جهة ‪ ،‬وُأحضرهم إلييى أرضييهم ‪ ،‬وأجعلهييم أميية واحييدة ‪ ، … ،‬تحييت‬
‫ي ميين‬‫رئاسة ملك واحد ‪ ، … ،‬ول ينقسييمون إلييى مملكييتين ‪ .‬ول يتدّنسييون بعييد بأصيينامهم ورجاسيياتهم ‪ ،‬ول بييأ ّ‬
‫معاصيهم ‪ ،‬بل ُأخّلصهم من مواطن إثمهم ‪ ،‬وُأطّهرهم فيكونون لي شعبا ‪ ،‬وأكون لهم إلهييا ‪ .‬وُيصييبح داود عبييدي‬
‫ملكا عليهم ‪ ، … ،‬فيمارسون أحكامي وُيطيعون فرائضي ويعملون بمقتضاها ‪ .‬وُيقيمون في الرض التي وهبتها‬
‫لعبدي يعقوب ‪ ،‬التي سكن فيها آباؤهم ‪ ،‬فيستوطنون فيها ‪ ،‬هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البد ‪ ،‬ويكييون عبييدي داود‬
‫رئيسا عليهم مدى الدهر ‪ .‬وُأبرم معهم ميثاق سلم ‪ ،‬فيكون معهم عهدا أبديا ‪ ، … ،‬فتييدرك المييم أّنييي أنييا الييرب‬
‫سرونها بإقامة الهيكل ( إلى البد " ‪.‬‬ ‫ُمقّدس إسرائيل ‪ ،‬حين يكون مقِدسي قائما فيهم ) أي العبادة ل ‪ ،‬ولكنهم ُيف ّ‬
‫ي هذه النبوءة الُمحّرفة هي ما يسير عليه اليهود منذ أجيال وما زالوا ‪ ،‬حيييث أن كتبيية هييذا النييص استخلصييوا مييا‬
‫ُيوافق أهوائهم وأطماعهم ‪ ،‬من ُمجمل النبوءات السابقة واللحقة وصهروها فييي بوتقيية واحييدة ‪ ،‬وبييات ميين جيياء‬
‫بعدهم من اليهود ليحملها ويعتقد بها كحقيقة غير قابلة للنقض أو المناقشة ‪ ،‬فهي ُنسبت إلييى الييرب ‪ .‬ومييؤدى هييذه‬
‫النبوءة يقول ‪ :‬أنه وعند مجيئهم من الشتات ) نبوءة العلو والفساد الثاني مع استثناء العقاب ‪ ،‬الذي طالما تح يّدثت‬
‫عنه النصوص السابقة ( ‪ ،‬سيبعث ال لهم ملكا ) وجاءت شخصية هذا الملك من خلل تجميييع النبييوءات الخاصيية‬
‫جال ( ‪ ،‬وجعلوه من نسل داود ) َمِلَكهم الول ( ‪ ،‬ويكون ُملكه البييدي هييذا فييي فلسييطين‬ ‫برسولنا ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬والد ّ‬
‫‪140‬‬
‫ق والعدل ) اليهوديين طبعا ( في أرجاء المعمورة ‪ .‬وعلى هذا‬ ‫) يأتي من ربوات القدس ( ‪ ،‬وفي زمانه ينتشر الح ّ‬
‫يعتقد عامة اليهود أن عودتهم الحالية هي العودة الخيرة والنهائية ‪ ،‬والتي ورد ذكرها في سورة السراء ‪ ،‬تحييت‬
‫عّدتم عدنا ( وليست المرة الثانية ‪ ،‬التي سيتحّقق فيها وعد الخرة ‪ ،‬ولكن هذا العتقاد ليس يقينيا بيل‬
‫عبارة ) وإن ُ‬
‫ك توّلد نتيجة التناقض في النصوص التوراتية ‪ ،‬فهم يعملون على الحتمال الول‬ ‫هناك نسبة من الشك ‪ ،‬وهذا الش ّ‬
‫مع عدم إغفالهم للحتمال الثاني ‪ .‬وحقيقة النص أعله ُتخبر عن ُملك المهدي في القدس ‪ ،‬وهو من نسل إسماعيل‬
‫عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫روسيا وحلفاؤها من نصارى الشلرق ُيهلاجمون دوللة السللم فلي زملن‬


‫المهدي ‪:‬‬

‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬التفت بوجهك نحيو جيوج أرض ميياجوج ‪،‬‬ ‫" حزقيال ‪ :12-1 :38 :‬وأوحى إل ّ‬
‫رئيس روش ) روسيا ( ماشك ) موسكو ( وتوبال ‪ ،‬وتنّبأ عليه ‪ ،‬وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه الس يّيد الييرب ‪ :‬هييا أنييا أنقلييب‬
‫عليك ‪ ،‬يا جوج رئيس روش وماشك وتوبال ‪ ،‬وأقهرك … ‪ ،‬وأطردك أنت وكل جيشك خيل وفرسانا ‪ ،‬وجميعهم‬
‫ن ‪ .‬ومن جملتهم ‪ ،‬رجال فارس )‬ ‫ُمرتدون أفخر ثياب ‪ ،‬جمهورا غفيرا ‪ ،‬كلهم قابض سيف ‪ ،‬وحامل أتراس ومجا ّ‬
‫إيران ( ‪ ،‬وإثيوبيا ) السودان ( وفوط ‪ ، … ،‬وأيضا جييومر ) اليميين ‪ /‬أوروبييا الشييرقية ( وكييل جيوشييه ‪ ،‬وبيييت‬
‫توجرمة ) بلد القوقاز الروسية ‪ /‬الشيشان ( من أقاصي الشمال مع كييل جيوشييه ‪ ،‬جيييوش غفيييرة اجتمعييت إليييك‬
‫) أي لرئيس روش ( ‪ .‬إذ بعد أيام كثيرة ُتستدعى للقتال ‪ ،‬فتقبل في السنين الخيرة ) آخر الزمان ( ‪ ،‬إلييى الرض‬
‫الناجية من السيف ) فلسطين ( ‪ ،‬التي تم جمع أهلها من بييين شييعوب كييثيرة ‪ ،‬فتييأتي ُمنييدفعا كزوبعيية ‪ … ،‬أفكييار‬
‫سييوء تييراودك ‪ ، … ،‬للسييتيلء علييى السييلب ‪ ،‬ونهييب الغنييائم ‪ ،‬ومهاجميية الخييرائب الييتي أصييبحت آهليية ‪،‬‬
‫ولمحاربة الشعب المجتمع من بين المم ‪ ، … ،‬الُمستوطن في مركز الرض " ‪.‬‬
‫ي هذا النص النبوي وقع فيه خلط كبير بين نبوءتين ‪ ،‬وحقيقة هذا النص تحكي وقائع الملحمة الكبرى ‪ ،‬التي سييتقع‬
‫مستقبل بين الروس والعرب ‪ ،‬والتي سنتطرق لذكرها لحقا ‪ ،‬ولنكمل النص …‬

‫خروج يأجوج ومأجوج ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪:‬‬

‫"حزقيال ‪ :23-14 :38 :‬لذلك تنّبأ يا ابن آدم وقل لجوج ‪ ،‬هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬في ذلك اليوم عندما يسكن شعبي‬
‫إسرائيل آمنا … وُتقبل أنت من مقّرك في أقاصي الشمال ‪ ،‬مع جيوش غفيرة ‪ ،‬تغشى الرض ‪ ،‬كّلهم راكبو خيييل‬
‫‪ … ،‬وتزحف على شعبي إسرائيل ‪ ،‬كسحابة تغطي الرض ‪ ،‬في اليام الخيرة ‪ ،‬أني آتي بك إلى أرضي ‪ ،‬لكي‬
‫تعرفني الشعوب ‪ ،‬عندما تتجّلى قداستي ‪ ،‬حين ُأدّمرك يا جوج أمام عيونهم ‪ .‬هذا مييا يقييوله السيييد الييرب ‪ :‬ألسييت‬
‫أنت الذي ‪ ،‬تحّدثت عنه في اليام الغابرة ‪ ،‬على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل ‪ ،‬الذين تنّبأوا فييي تلييك اليييام لسيينين‬
‫ل رجييل ضيّد أخيييه ‪ .‬وُأدينييه بالوبيياء وبالييدم ‪،‬‬
‫كثيرة ؟! … ‪ ،‬وُأسّلط عليه السيف في كل جبالي ‪ ،‬فيكون سيييف كي ّ‬
‫وُأمطير علييه وجيوشييه ‪ ،‬وعلييى جمييوع حلفيائه الغفييرة ‪ ،‬مطييرا جارفيا ‪ ،‬وبيردا عظيمييا ‪ ،‬ونييارا وكبريتييا ‪… ،‬‬
‫فيدركون أني أنا الرب … فيخرج سكان ُمدن إسرائيل ) بعد أن يكونوا قيد اعتصيموا منهيم فيي جبيال القيدس ( ‪،‬‬
‫ي والسهام ‪ ،‬والحراب والرماح ‪ ،‬ويوقدون بهييا النييار سييبع سيينين ‪،‬‬ ‫ن ‪ ،‬والترسة والقس ّ‬ ‫ويحرقون السلحة والمجا ّ‬
‫وينهبون ناهبيهم ‪ ،‬ويسلبون سالبيهم " ‪.‬‬
‫سره وُيأوّله الباحثون الجدد حديثا ميين اليهييود والنصييارى ‪ ،‬أن روسيييا‬ ‫ي مفاد هذه النبوءة والنبوءة السابقة ‪ ،‬كما ُيف ّ‬
‫) جوج وماجوج ( وحلفائها ‪ ،‬ستقوم بغزو أرض إسرائيل ‪ ،‬عندئٍذ سيقف الرب بجانب إسييرائيل وحلفائهييا فيكييون‬
‫النصر حليفهم ‪ .‬والخلط الذي أوجده مؤلفيو التييوارة ‪ ،‬بتكييرار ذكيير يييأجوج ومييأجوج فيي نصيين مختلفيين ‪ ،‬دفيع‬
‫سري التوراة في الغرب للعتقاد بأن الروس هم يأجوج ومييأجوج ‪ ،‬والحقيقيية الييتي نعلمهييا نحيين كمسييلمون أن‬ ‫مف ّ‬
‫خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬سيقع بعد زوال دولة إسرائيل ‪ ،‬بييل بعييد ذبييح اليهييود النهييائي ‪ ،‬وبعييد خييروج الييدجال ‪،‬‬
‫ونزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وأما غيزو اليروس لبلد الشيام ‪ ،‬فسييكون لقتيال المسيلمين فيي زمين المهيدي وقبيل‬
‫خروج الدجال ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫الطار العام للحداث المستقبلية حسب الترتيب الزمني لحزقيال ‪:‬‬

‫غزو الجيش العراقي لسرائيل وإنهاء وجود اليهود فيها ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫توحيد البلدان العربية تحت لواء واحد ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫خراب الرض في حرب عالمية نووية ُمدّمرة بين معسكرين شرقي وغربي ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫نزول الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يغزون دولة السلم في زمن المهدي ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫خروج يأجوج ومأجوج ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫ي هذه هي قراءتنا لنبوءات حزقيال ‪ ،‬من خلل معرفتنا بأحداث آخر الزمان مما ورد في القرآن والسنة ‪ ،‬أمييا فهييم‬
‫النصارى الجدد لهذه النبوءات فهو فهييم مرتبيك ومضيطرب ‪ ،‬إذ أنهييم عنييد تفسييرها ل ُيعييرون انتباهييا لترتيبهيا‬
‫الزمني كما جاءت في سفر حزقيال ‪ ،‬فمعظم تفسيراتهم على اختلفها تذهب إلى أن كل هييذه الحييداث ‪ ،‬سييتتحقق‬
‫في زمن واحد متمثلة في حرب عالمية ثالثة ‪.‬‬

‫رؤى دانيال ونبوءاته‬


‫سبوا إلى بابل طفل ‪ ،‬وكتييابه فييي ُمعظمييه يشييتمل علييى رؤى نبوييية ‪،‬‬
‫دانيال هو آخر النبياء الكبار ‪ ،‬وأحد الذين ُ‬
‫صة فيما يتعّلق بقيام دولة اليهود الثانية وزوالها ‪ ،‬وعودة المسيح‬
‫تصف ما سيقع من أحداث في آخر الزمان ‪ ،‬وخا ّ‬
‫عليه السلم ‪.‬‬

‫غزو العراق لسرائيل سُيشعل الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬

‫تفسير جبريل لحدى رؤى النبي دانيال ‪ " :‬دانيال ‪ :19 :8 :‬وقال ‪ :‬هيا أن ُأطلعيك عليى ميا سييحدث ‪ ،‬فيي آخير‬
‫ن الرؤيا ترتبط بميعاد النتهاء ] وقت الُمنتهى [ ‪ ،‬أن الكبش ذو القرنين الذي رأيتييه هييو ملييوك‬ ‫حقبة الغضب ‪ ،‬ل ّ‬
‫مادي وفارس ) إيران والعراق ( ‪ ،‬والييتيس الشييعر هييو ملييك اليونييان ) الغييرب ( ‪ ،‬والقييرن العظيييم النييابت بييين‬
‫عينيه ‪ ،‬هو الملك الول وما أن انكسر ‪ ،‬حتى خلفه أربعة عوضا عنيه ‪ ،‬تقاسيموا مملكتييه ‪ ،‬ولكين لييم ُيميياثلوه فييي‬
‫قوته ‪ .‬وفي أواخر ملكهم ‪ ،‬عندما تبلغ المعاصي أقصى مداها ) عند اكتمال الظلم ( ‪ ،‬يقوم ملك فظ حيياذق وداهييية‬
‫سرون يرون بأنه الرئيس العراقي ( ‪ ،‬فُيعظييم شييأنه ‪ ،‬إنمييا ليييس بفضييل‬ ‫] جافي الوجه وفاهم الحيل [ ) بعض المف ّ‬
‫قّوته ) أي بقدرة ال ( ‪ .‬وُيسّبب دمارا رهيبا ) نتيجة استخدام أسلحة الييدمار الشييامل ( ‪ ،‬ويفلييح فييي القضيياء علييى‬
‫القوياء ) أمريكا والغرب ( ‪ ،‬ويقهر شعب ال ) اليهود ( ‪ .‬وبدهائه ومكره ُيحّقق مآربه ‪ ،‬ويتكّبر في قلبه ‪ ،‬وُيهلك‬
‫طم بغير يد النسان ) أي يموت موتا طبيعيا (‬ ‫الكثيرين وهم في طمأنينة ‪ ،‬ويتمّرد على رئيس الرؤساء ‪ ،‬لكنه يتح ّ‬
‫"‪.‬‬
‫ي يرى نوستراداموس ) المتنبئ الشهير ( قديما من خلل هذا النص ‪ ،‬أن نقطة البداية ) الشرارة ( للحرب العالمية‬
‫النهائية المدّمرة ‪ ،‬ستكون محصورة في ثلثة بلدان هي ) إيران والعراق وفلسطين ( أما أتباعه الجييدد فيييرون أن‬
‫هذه النبوءة تتحدث عن صدام حسين ‪ ،‬وغزوه لسرائيل وتدميرها وإشعاله لنييار الحييرب العالمييية الثالثيية ‪ ،‬فتييارة‬
‫يصفونه بنبوخذ نصر جديد ‪ ،‬وتارة يصفونه بصلح الدين الجديد ‪ ،‬وتييارة بييدجال آخيير الزمييان الييذي يظهيير فييي‬
‫ي المزمن ‪ ،‬للعييراق‬ ‫إيران أو العراق ‪ ،‬وهذه النبوءة وتفسيراتها الحديثة مما ُيفسر جانبا من العداء الغربي المرض ّ‬
‫وللعراقيين ولشخص الرئيس العراقي ‪.‬‬

‫فساد إسرائيل وإفسادها يؤكد حتمية زوالها ‪:‬‬

‫ل شعب إسرائيل على شريعتك ‪ ،‬وانحرفوا فلم يسمعوا صوتك ‪ ،‬فسكبت علينا اللعنة‬ ‫" دانيال ‪ :11 :9 :‬قد تعّدى ك ّ‬
‫صت عليه شريعة موسى عبد ال ‪ ،‬لننا أخطأنا إليك ‪ .‬وقييد نف يّذت قضيياءك الييذي‬
‫وما أقسمت أن توقعه بنا ‪ ،‬كما ن ّ‬

‫‪142‬‬
‫قضيت به علينا ‪ ،‬وعلى قضاتنا الذين توّلوا أمرنا ‪ ،‬جالبا علينا عليى أورشييليم شيرا عظيمييا ‪ ،‬ليم يحيدث ليه مثييل‬
‫تحت السماء ‪ ، … .‬ولم ] نتضّرع إلى [ وجهك أيها الرب إلهنا ‪ ،‬تائبين عن آثامنا وُمتنّبهين لحقك ‪ ،‬فأضمرت لنا‬
‫العقاب ‪ ،‬وأوقعته بنا لنك إلهنا الباّر في كل أعمالك ‪ ،‬التي صنعتها لننا لم نستمع إليك "‪.‬‬
‫ي هنا ُيخبر دانيال عن العقاب على اعتبار ما سيكون ‪ ،‬وبأنه قضاء كان موسى عليه السلم قد أخبر عنه في كتابه‬
‫‪ ،‬وموضحا السباب التي أوجبت العقاب ‪ ،‬وأن العقاب سُيرفع لو سبقته التوبة ‪ ،‬ويقيّرر دانيييال أن الي عييادل فييي‬
‫عقابه لشعبه المختار ‪.‬‬

‫قيام دولة اليهود الثانية ‪:‬‬

‫ص متداخل ‪ ،‬على ما يبدو أنه تكرار لنفس نص الرؤيا الولى أعله ‪ ،‬لييم أسييتطع تتّبييع‬ ‫ي النص التالي هو تكملة لن ّ‬
‫بداياته بدقة ‪ ،‬يتحّدث عن حروب وعن ملك ما ‪ ،‬لم أسييتطع تحديييد ميياهيته أو مخرجييه ‪ ،‬ولكيين مين قييراءة النييص‬
‫اللحق ‪ ،‬يتبين أنه الذي تسبب في زوال الحكم السلمي وقيام دولة إسرائيل فييي فلسييطين ‪ .‬ويصييف هييذا النييص‬
‫بدقة الواقع الحالي لهل فلسطين وللعرب والمسلمين إجمال ‪ ،‬ويحمل بشرى لهم بالنصر والفييرج ميين عنييد ال ي ‪،‬‬
‫عندما يحين موعد نهاية الدولة اليهودية ‪ ،‬وما كان عودة اليهود لفلسطين إل امتحانيا ‪ ،‬ليمييز الطييب مين الخيبيث‬
‫والمؤمن من المنافق ‪.‬‬
‫جسييه ‪ ،‬وتزيييل المحرقيية الدائميية ) أي الحكييم‬ ‫" دانيييال ‪ :31 :11 :‬فُتهيياجم بعييض قييّواته حصيين الهيكييل وتن ّ‬
‫السلمي ( ‪ ،‬وتنصب الرجييس الُمخيّرب ) أي دوليية إسييرائيل ( ‪ .‬وُيغييوي بالُمداهنيية المعتييدين علييى عهييد الييرب‬
‫) اليهود ( ‪ ،‬أّما الشعب ) الفلسطينيون ( الذين يعرفون إلههم فإّنهم يصمدون وُيقاومون ‪ .‬والعارفون منهم ُيعّلمييون‬
‫كثيرين ‪ ،‬مع أّنهم ُيقتلون بالسيف والنار ‪ ،‬ويتعّرضون للسر والنهيب أّياميا ) سينين معيدودة ( ‪ ،‬ول يتلقيون عنيد‬
‫سقوطهم ) قتلى وجرحى ( إل عونا قليل ‪ ،‬وينضّم إليهم كثيرون نفاقييا ) حييال العييرب ( ‪ ،‬ويعييثر بعييض الحكميياء‬
‫تمحيصا لهم وتنقية ‪ ،‬حتى يأزف وقت النهاية ) نهاية إسرائيل ( ‪ ،‬في ميقييات الي المعّييين ) أي عنييد مجيييء وعييد‬
‫الخرة ( " ‪.‬‬

‫حتمية نهاية إسرائيل على يد العراقيين ‪:‬‬

‫ظم على كل إله وُيجّدف بالعظائم على إله‬ ‫" دانيال ‪ :36 :11 :‬ويصنع الملك ) ملك إسرائيل ( ما يطيب له ‪ ،‬ويتع ّ‬
‫اللهة ‪ ،‬وُيفلح إلى أن يحين اكتمال الغضب ‪ ،‬إذ ل بّد أن يتم ما قضى ال به ‪ ،‬ولن يبالي هيذا المليك بآلهية آبيائه ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬إّنما يكرم إله الحصييون بييدل منهييم ) أي يّتكييل علييى القييوة ( ‪ . … ،‬وعنييدما تييأزف النهاييية ‪ُ ،‬يحيياربه ملييك‬
‫ض عليه ملك الشمال ‪ ،‬كالزوبعة بمركبات وفرسان وسفن كثيرة ‪ ،‬ويقتحم دياره كالطوفان الجارف‬ ‫الجنوب ‪ ،‬فينق ّ‬
‫‪ .‬ويغزو أرض إسرائيل ‪ ،‬فيسقط عشرات اللوف صرعى ‪ ،‬ول ينجيو منيه سيوى ‪ ،‬أرض أدوم وأرض ميوآب ‪،‬‬
‫والجزء الكبر من أرض عمون ) ممالك الردن القديمة ( ‪ ،‬يبسط يده على الراضي ‪ ،‬فل تفلت منه حييتى أرض‬
‫مصر ‪ .‬ويستولي على كنوز الذهب والفضة ‪ ،‬وعلى كل ذخائر مصر ‪ ،‬ويسييير الليييبيون والثيوبيييون فييي ركييابه‬
‫) ليبيا والسودان ( ‪ ،‬وتبلغه أخبار من الشرق ومن الشمال ‪ ،‬فيرجع بغضب شديد ‪ ،‬لُيدّمر ويقضي على كييثيرين ‪،‬‬
‫وينصب خيمته الملكية ‪ ،‬بين البحر وأورشليم ‪ ،‬ويبلغ نهاية مصيره ) الوفاة ( ‪ ،‬وليس له من نصير " ‪.‬‬
‫ل إل عليهييا ‪ ،‬والنييص‬ ‫ي يبدو أن هذا النص يتحّدث عن آخر رئيس لسرائيل ‪ ،‬وهو ملك ل يؤمن إل بالقوة ول يتك ّ‬
‫يصف الغزو العراقي القادم لسرائيل ‪ ،‬وسيطرة رئيس العراق على معظم بلدان المنطقيية وحكمييه لهييا ‪ ،‬واتخيياذه‬
‫القدس عاصمة لملكه ‪ ،‬ومن ثم موته موتا ل قتل ‪ .‬وأما ذكر ملكين من الشمال والجنوب ‪ ،‬فهو ناتييج عيين ارتبيياك‬
‫كتبة التوراة ‪ ،‬في تحديد هوية هذا الملك ‪ ،‬والذي تبين لدينا من النبوءات السابقة ‪ ،‬أن هناك ملكين سيقومان بغييزو‬
‫إسرائيل ‪ ،‬الول هو ملك بابل وكان مخرجه حسب إشعياء من الشرق ‪ ،‬وكان غزوه لسييرائيل حسييب ارميييا ميين‬
‫الشمال ‪ ،‬وهذا يفيد بأنه خرج من الشرق ‪ ،‬وغزاهم من الشمال عن طريق سوريا حيث كان ُمعسييكرا فييي منطقيية‬
‫حماة ‪ .‬والملك الثاني هو جوج رئيس ماجوج أي الرئيس الروسي ‪ ،‬الذي سيغزوهم من أقصى الشييمال ‪ ،‬ومييع أن‬
‫كل منهما حادث منفصل عن الخر إل أنهم جمعوهما في نص واحد بطريقة مربكة للقارئ ‪ ،‬مما أدى إلى حيييرة‬

‫‪143‬‬
‫الدارسين والباحثين الجدد لهذه النصوص ‪ ،‬في محاولتهم لمعرفة ظروف الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬ولتحديد شييق ّ‬
‫ي‬
‫النزاع فيها وأحلف كل منهم ‪ ،‬وهذا النص تكرار لنص تفسير جبريل للرؤيا الذي تقّدم أعله ‪.‬‬
‫" ‪ :9 :12‬اذهب يا دانييال ‪ ،‬لن الكلمييات مكتومية ومختومية إلييى وقيت النهاييية ‪ .‬كييثيرون يتطّهيرون ويتنّقيون‬
‫حصييون بالتجييارب ) ُيمتحنييون ( ‪ ،‬أمييا الشييرار فيرتكبييون شييرا ول يفهمييون ‪ ،‬ولكيين ذوو الفطنيية ُيييدركون‬
‫وُيم ّ‬
‫] يفهمون [ " ‪.‬‬
‫ي يؤكد هذا النص أن الحداث التي أخبر عنهييا سييتأخذ مكانهييا فييي زمييان النهاييية ‪ ،‬وسيُيمتحن ميين خللهييا أنيياس‬
‫كثيرون ‪ ،‬فمنهم من يقع بشّر أعماله ‪ ،‬ومنهم من ينجو بجميل صنعه وفهمه ‪ ،‬واختياره للطريييق الصييوب ‪ ،‬بنيياًء‬
‫على ما جاء في هذه النبوءات ‪.‬‬

‫بعض رؤى ونبوءات النبياء الصغار‬

‫وهم اثنا عشر نبيا ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنهم ُبعثوا في الفترة ‪ ،‬الييتي كييان لليهيود فيهييا تواجييد فييي جيزئي فييي القييدس ‪،‬‬
‫وتمتعوا فيها بحكم شبه ذاتي ‪ ،‬للقلة التي بقيت فيها ولمن عادوا من السييبي البييابلي ‪ ،‬وامتييدت هييذه الفييترة مييا بعييد‬
‫سّموا بالنبياء الصغار كون أسفارهم صغيرة الحجم ‪ ،‬حيث‬ ‫السبي البابلي إلى ما قبل بعث عيسى عليه السلم ‪ ،‬و ُ‬
‫يتراوح عدد صفحات كل منها ما بييين ) ‪ ( 12-2‬صييفحة ‪ ،‬ومعظييم رؤاهييم ونبييوءاتهم تتحييدث عيين أحييداث آخيير‬
‫الزمان ‪ ،‬المرتبطة بعودتهم الثانية إلى فلسطين ‪:‬‬

‫سفر يوئيل‬

‫وصف أصحاب البعث الثاني ‪:‬‬

‫" هذا ما أوحى به الرب ‪ ،‬إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا هذا أّيها الشيوخ ‪ ،‬وأصغوا يا جميع أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيييب ‪ ،‬لن ييوم الييرب قرييب ‪ ،‬حيامل معيه الييدمار مين عنيد القييدير ‪ … ،‬اصييحوا أيهييا‬
‫السكارى ‪ ،‬وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمًة قوية قد زحفت على أرضي ‪ُ ،‬أمة قوية ل ُتحصى لكثرتها ‪،‬‬
‫لها أسنان ليث وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجّهم ‪ ،‬يوم غيوم ُمكفهّرة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحييف الظلم‬
‫على الجبال ‪ ،‬أّمة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬وُيحرق اللهيييب مييا خلفهييا ‪ ،‬الرض‬
‫أمامها جنة عدن ‪ ،‬وخلفها صحراء موحشة ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبييال ‪ ،‬فييي جلبيية كجلبيية المركبييات ‪ ،‬كفرقعيية‬
‫ف للقتال ‪ .‬تنتاب الرعدة منهم كل الشييعوب ‪ ،‬وتشييحب كييل الوجييوه ‪،‬‬ ‫ش ‪ ،‬وكجيش عات ُمصط ّ‬ ‫لهيب نار يلتهم الق ّ‬
‫ضييون علييى المدينيية ‪،‬‬
‫يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسّلون بين السلحة من غييير أن يتوقفييوا ‪ ،‬ينق ّ‬
‫ويتواثبون فوق السوار ‪ ،‬يتسّلقون البيوت ‪ ،‬ويتسّللون من الكوى كاللصييوص ‪ ،‬ترتعييد الرض أمييامهم وترجييف‬
‫جنده ل ُيحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن ُينّفذ أمره يكون ُمقتييدرا‬ ‫السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب بصوته في ُمقّدمة جيشه ‪ ،‬لن ُ‬
‫‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬
‫ض فيه تلك المة القوية ‪ ،‬لتنفيذ وعد الخرة فييي شييعب الي‬
‫ي يوم الغضب الذي يصفه يوئيل ‪ ،‬هو اليوم الذي ستنق ّ‬
‫المختار ‪.‬‬

‫الشارة إلى موعد زوال دولة إسرائيل فلكيا ‪:‬‬

‫" يوئيل ‪ :30 :2 :‬وأجري آيات في السماء ‪ ،‬وعلى الرض ‪ ،‬دما ونييارا وأعمييدة دخييان ‪ .‬وتتحييول الشييمس إلييى‬
‫ظلم ) كسوف الشمس ( ‪ ،‬والقمر إلى دم ) وخسوف القمر ( ‪ ،‬قبل مجيء يوم اليرب العظييم الُمخييف ‪ .‬إّنميا كيل‬
‫من يدعو باسم الرب يخلص ‪ ،‬لن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …‬

‫‪144‬‬
‫ي ُيشير هييذا النييص إلييى أن نهاييية إسييرائيل سيسييبقها بعييض الشييارات والييدلئل فييي السييماء وفييي الرض ‪ ،‬أمييا‬
‫الشارات الرضية فهي قتل وسفك دماء ‪ ،‬ودمار ونار وحرائق ودخان ‪ ،‬وأما الشارات السييماوية فهييي كسييوف‬
‫كّلي للشمس يليه خسوف كّلي للقمر ‪ ،‬تتم مشاهدتهما من فلسييطين علييى التييوالي ‪ ،‬والملفييت للنظيير أن الشييارات‬
‫السماوية قد وقعت بالفعل في المنطقة ‪ ،‬فالكسوف الكلي للشمس حدث بتاريخ ‪1999 / 8 / 11‬م ‪ ،‬وتبعه خسوف‬
‫صل هذا الحدث على هذا النحيو ‪،‬‬ ‫كلي للقمر بتاريخ ‪ ، 2001 / 1 / 9‬ولول مرة بعد قيام الدولة اليهودية ‪ ،‬يتح ّ‬
‫وهو ما لن يتكّرر قبل ‪ 180‬سنة على القل ‪.‬‬

‫فلسطين مسرح الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬

‫‪ :1 :3‬لّنه في تلك اليام ‪ ،‬وفي ذلك الحين ‪ ،‬عندما أرّد سبي يهوذا وأورشليم ‪ ،‬أجمع المم كّلها ‪ ،‬وأحضرهم إلى‬
‫وادي يهوشافاط ‪ ،‬وأحاكمهم هناك ‪ ،‬من أجل شييعبي وميراثييي إسييرائيل ‪ ، … ،‬نييادوا بهييذا بييين المييم ‪ ،‬وتييأهبوا‬
‫للحرب ‪ ، … ،‬أسرعوا وتعييالوا ميين كييل ناحييية ‪ ، … ،‬لتنهييض المييم وتقبييل إلييى وادي القضيياء ‪ ، … ،‬تعييالوا‬
‫ودوسوا ‪ ،‬فإن المعصرة الخمر قد امتلت ‪ ،‬والحياض فاضت بكثرة شّرهم …‬
‫ي يوم الغضب يشمل أيضا ‪ ،‬ما سيقع من غضب إلهي لحق ‪ ،‬على بقية شعوب الرض ‪.‬‬

‫عودة المن والطمأنينة لفلسطين بعد الحرب ‪:‬‬

‫وتقطر الجبال في ذلك اليوم خمرة عذبة ‪ ،‬وتفيض التلل باللبن ‪ ،‬وجميع ينابيع يهوذا تتدفق ماء ‪ ،‬ويخرج ينبوعييا‬
‫من هيكل الرب ‪ ،‬يروي واد السنط ‪ ،‬وتصبح مصر خرابا ‪ ،‬وأدوم قفرا موحشا ‪ ،‬لفرط ما أنزلوه من ظلم ‪، … ،‬‬
‫ولنهم سفكوا دما بريئا في ديارهم ‪ .‬أما يهوذا فيإّنه يسيكن الرض إليى البيد ‪ ،‬وتعمير أورشيليم مييدى الجييال ‪،‬‬
‫وُأزّكي دمهم الذي لم ُأبّرئه ‪ ،‬لن الرب يسكن في صهيون ) كناية عن الدين ( " ‪.‬‬

‫رؤيا حبقوق‬

‫وصف الفساد وأصحاب البعث الثاني ‪:‬‬

‫" ‪ :3-11 :1‬أينما تلّفت أشهد أمييامي جيورا واغتصييابا ‪ ،‬ويثييور حييولي خصييام ونييزاع ‪ ،‬لييذلك بطلييت الشييريعة‬
‫) تعطّلت ( وباد العدل ‪ ،‬لن الشرار ُيحاصرون الصّديق ‪ ،‬فيصدر الحكم ُمنحرفا عن الحقّ ‪.‬‬
‫جبييوا وتحّييروا ‪ ،‬لنيي ُمقبييل علييى إنجيياز أعمييال ‪ ،‬فييي عهيدكم ‪ ،‬إذا ُأخيبرتم بهييا ل‬ ‫تييأّملوا الميم وأبصييروا ‪ ،‬تع ّ‬
‫تصّدقونها ‪ .‬فها أنا ُأثير الكلدانيين ‪ ،‬هيذه المية الحانقية الُمندفعية ‪ ،‬الزاحفية فيي رحياب الرض ‪ ،‬لتسيتولي عليى‬
‫حكمها وعظمتهييا ميين ذاتهييا ‪ .‬خيولهييا أسييرع ميين النمييور ‪ ،‬وأكييثر‬ ‫مساكن ليست لها ‪ ،‬أّمة ُمخيفة ُمرعبة ‪ ،‬تستمّد ُ‬
‫ضراوة من ذئاب المساء ‪ ،‬فرسانها يندفعون بكبرييياء ‪ ،‬قييادمين ميين أميياكن بعيييدة ‪ُ ،‬متسييابقين كالنسيير الُمسييرع ‪،‬‬
‫للنقضاض على فريسته ‪ُ ،‬يقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبييل وصيولهم ‪،‬‬
‫فيجمعون أسرى كالرمل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ‪ ،‬ويسيخرون مين الحصيون ‪ ،‬يجعليون حولهيا تلل‬
‫من التراب ‪ ،‬ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤيا ل تتحّقق إل في ميعادها ‪ ،‬وتسرع إلى نهايتها ‪ ،‬إنها ل تكذب وإن توانت فانتظرها ‪ ،‬لنها ل‬
‫بّد أن تتحّقق ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬

‫عودة السلم بخروج المهدي من مكة وانتصاره في جميع حروبه ‪:‬‬

‫" ‪ :3-13 :3‬قد أقبل ال من أدوم ) الردن ( ‪ ،‬وجاء القّدوس من جبل فاران ) مكة ( ‪ ،‬غمر جلله السماوات ‪،‬‬
‫وامتلت الرض من تسبيحه ‪ ،‬إن بهاؤه كالنور ‪ ،‬وميين يييده يييومض شييعاع ‪ ،‬وهنيياك يحجييب قيّوته ‪ .‬يتقيّدمه وبييأ‬
‫والموت يقتفي خطاه ‪ .‬وقف وزلزل الرض ‪ ،‬تفيّرس فييأرعب المييم ‪ ،‬انييدّكت الجبييال البدييية ‪ ،‬وانهييارت التلل‬

‫‪145‬‬
‫شقق أخبية ديار مديان ترجييف رعبييا‬
‫القديمة ‪ ،‬أما مسالكه فهي منذ الزل ‪ ،‬لقد رأيت خيام كوشان تنوء بالبلية ‪ ،‬و ُ‬
‫"‪.‬‬
‫ي هذا النص مشابه للنص النبوي الذي ورد في سفر التثنية بداية هذا الفصل ‪ ،‬فعبارة ) جيياء القيّدوس ( ُتشييير إلييى‬
‫عودة الدين ‪ ،‬وعبارة ) من جبل فاران ( ‪ُ ،‬تحّدد مكان ظهور القائم على أمره وهي جبيال الجزييرة العربيية ‪ ،‬أميا‬
‫عبارة ) قد أقبل ال ( ‪ ،‬فتعني قدوم شيء من أمر ال ‪ ،‬كالبعث أو الملك المنتظيير ‪ ،‬وعبييارة ) ميين أدوم ( أي ميين‬
‫الردن ‪ُ ،‬تشير إلى الجهة التي سيأتي منها البعث ‪ ،‬أو التي سيأتي منها المهدي لدخول القدس ‪ ،‬وعلى ما يبييدو أن‬
‫صل النبوءة ‪ ،‬التي جاءت على لسان موسى عليه السلم ) وأتى ميين ربييوات القييدس ‪،‬‬ ‫سر وُيف ّ‬
‫هذا النص ‪ ،‬جاء لُيف ّ‬
‫وعن يمينه نار شريعة لهم ( ‪ ،‬وتؤكد أن المهدي سيظهر في مكة ‪ ،‬ومن ثم سينتقل إلى القدس لُيعيد للسلم مجييده‬
‫وبهاءه ‪ ،‬ولُييدد بنوره عصورا من ظلم القلوب والعقول ‪.‬‬

‫رؤيا صفنيا‬

‫وصف إفساد إسرائيل والوعد بعقابها ‪:‬‬

‫ل على الرب‬ ‫‪ :1-4 :3‬ويل للمدينة الظالمة الُمتمّردة الدنسة ‪ ،‬التي ل ُتصغي لصوت أحد ‪ ،‬وتأبى التقويم ‪ ،‬ول تتك ّ‬
‫‪ ،‬ول تتقّرب من إلهها ‪ ،‬رؤساؤها في داخلها ُأسود زائرة ‪ ،‬وقضاتها كذئاب المساء الجائعة ‪ ،‬التي ل تبقيي شييئا ‪،‬‬
‫من فرائسها إلى الصباح ‪ ،‬أنبياؤها مغرورون وخونة ‪ ،‬وكهنتها ُيدّنسون المقدس ‪ ،‬ويتعّدون على الشريعة …‬
‫لعاقب يهوذا وكل أهل أورشليم‬ ‫" ‪ :2 :1‬يقول الرب ‪ :‬سأمحو محوا كل شيء عن وجه الرض ‪ . … ،‬أمّد يدي ُ‬
‫‪ ،‬وُأفني من هذا الموضع بقية عبدة البعل ‪ ،‬وكل كهنة الوثن ‪ ، … .‬فتصبح ثروتهم غنيمة ‪ ،‬وبيتهم خرابا " ‪.‬‬

‫مباغتة وسريعة ‪:‬‬


‫الحرب القادمة ُ‬
‫ي يوم الرب ُمخيف ‪ ،‬فيه يصرخ الجبار مرتعبا‬ ‫‪ :14-18 :1‬إن يوم الرب العظيم قريب ‪ ،‬وشيك وسريع جدا ‪ .‬دو ّ‬
‫‪ ،‬يوم غضب هو ذلك اليوم ‪ ،‬يوم ضيق وعذاب ‪ ،‬يوم خيراب ودميار ‪ ،‬ييوم ظلمية واكيتئاب ‪ ،‬ييوم غييوم وقتيام ‪.‬‬
‫ق الييرب ‪ ،‬فتنسييكب دميياؤهم كييالتراب ‪ ،‬ويتنيياثر‬ ‫… ‪ ،‬فيه ُأضايق الناس فيمشون كالعمي ‪ ،‬لنهم أخطئوا فييي حي ّ‬
‫ل الرض ‪ ،‬وفييه‬ ‫لحمهم كالجّلة ‪ .‬ل ُينقذهم ذهبهم ول فضتهم ‪ ،‬في ييوم غضييب الييرب ‪ ،‬إذ بنييار غيرتييه ُتلتهييم كي ّ‬
‫ل سكان المعمورة " ‪.‬‬
‫يضع نهاية ‪ُ ،‬مباغتة كاملة سريعة ‪ ،‬لك ّ‬
‫سرون الغربيون ‪ ،‬بأن الحرب العالمية القادمة سييتكون مباغتيية وسييريعة‬ ‫ي اعتمادا على هذا النص يعتقد معظم المف ّ‬
‫جدا ‪ ،‬وستحسم في فترة زمنية قصيرة جدا ُتعّد باليييام ‪ .‬وقصير المييدة ُيشيير إلييى حتمييية اسيتخدام أسييلحة اليدمار‬
‫الشامل بكافة أشكالها ‪.‬‬

‫جي‬
‫سفر ح ّ‬

‫إعادة بناء الهيكل طمعا في الذهب والفضة ‪:‬‬

‫" ‪ :7-8 :1‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬تأملوا فيما فعلتم ‪ ،‬اصعدوا الجبل ‪ ،‬واجلبوا خشبا وشّيدوا الهيكل ‪ ،‬فأرضى‬
‫جد …‬‫عنه وأتم ّ‬
‫‪ :5-9 :2‬بمقتضى عهدي الذي أبرمتيه معكيم ‪ ،‬عنيدما خرجتيم مين دييار مصير ‪ ،‬إن روحيي مياكث معكيم ‪ ،‬فل‬
‫تفزعوا ‪ .‬لنييه هكييذا يقييول الييرب ‪ :‬هييا أنييا ُمزمييع ميّرة أخييرى ‪ ،‬عّمييا قليييل أن ُأزلييزل السييماء والرض والبحيير‬
‫واليابسة ‪ ،‬وأن ُأزعزع أركان جميع المييم ‪ ،‬فُتجلييب نفائسييهم إلييى هيذا المكيان ‪ ،‬وأمل الهيكيل بالمجيد ‪ ،‬فاليذهب‬
‫والفضة لي يقول الرب القدير ‪ ،‬ويكون مجد هذا الهيكل الخير ‪ ،‬أعظم من مجد الهيكل السييابق ‪ ،‬وأجعييل السييلم‬
‫يسود هذا الموضع ‪ ،‬يقول الرب القدير " ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫ي هذا النص الُمحّرف ‪ ،‬مما يّتخيذه اليهيود كييدعوة لعييادة بنياء الهيكيل ‪ ،‬والحقيقية أن الي أمرهيم بعبييادته وإقامية‬
‫شريعته ‪ ،‬ولكنهم يعبدون الذهب والفضة ‪ ،‬ومسييتودعها هييو الهيكييل ‪ ،‬ويسييعون لبنيياءه لجعلييه مصييرف دولييي أو‬
‫بورصة عالمية ‪ ،‬وهذا كان حالهم عند مجيء المسيح عليه السلم ‪ ،‬وكما هييو موصييوف بالنجيييل ‪ ،‬وأمييا النييص‬
‫غير الُمحّرف الذي يخبرهم فيه ربهم ‪ ،‬بأنه ل يريد منهم هيكل وإنما يريد منهم صلحا وإصييلحا ‪ ،‬فهييو موجييود‬
‫أيضا في نفس السفر ‪ ،‬بعد أسطر قليلة وهذا نصه ‪:‬‬
‫ل أعمال أيديهم ‪ ،‬وما ُيقيّدمونه نجييس ‪ .‬والن تييأملوا فيمييا صيينعتم‬
‫" ‪ :14-15 :2‬هذا هو حال الشعب ‪ ، … ،‬فك ّ‬
‫اليوم ‪ ،‬وفيما صنعتم في اليام السالفة ‪ ،‬قبل أن تضعوا حجرا فوق حجر ‪ ،‬لبناء هيكل الرب !!! " ‪.‬‬

‫سفر زكريا‬

‫تحذير يهود هذا الزمان على لسان زكريا عليه السلم ‪:‬‬

‫ي فأرجع‬ ‫ب أشّد الغضب على آبائكم ‪ ،‬ولكن ُقل لهم هذا ما ُيعلنه الرب القدير ‪ :‬ارجعوا إل ّ‬ ‫‪ :2-6 :1‬لقد غضب الر ّ‬
‫طرقكييم الباطليية ‪ ،‬وأعمييالكم‬
‫إليكم ‪ .‬ول تكونوا كآبائكم ‪ ،‬الذين حّذرهم النبييياء السييابقون ‪ ،‬قييائلين ‪ :‬ارجعييوا عين ُ‬
‫ي ‪ … ،‬ألم تدركوا أقوالي وفرائضيي ‪ ،‬اليتي أمير بهيا عبييدي النبيياء‬ ‫الشّريرة ‪ ،‬ولكّنهم لم يسمعوا ولم ُيصغوا إل ّ‬
‫آباءكم ‪ ،‬قائلين ‪ :‬لقد نّفذ الرب القدير ‪ ،‬ما عزم أن ُيعاقبنا به ) فييي المييرة الولييى ( ‪ ،‬بمقتضييى مييا ارتكبنيياه ‪ ،‬ميين‬
‫أعمال باطلة " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :7‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬اقضوا بالعدل ‪ ،‬ولُيبِد كل منكييم إحسييانا ورحميية لخيييه ‪ .‬ول تجييوروا علييى‬
‫الرملة واليتيم ‪ ،‬والغريب والمسكين ‪ .‬ولكنهم أَبْوا أن ُيصغوا ‪ ،‬واعتصموا بعنادهم غير عابئين ‪ ،‬وأصموا آذانهيم‬
‫ب غضييب عظيييم ميين لييدن الييرب القييدير ‪… ،‬‬
‫سوا قلوبهم كالصيّوان لئل يسييمعوا ‪ ، … ،‬فانصي ّ‬ ‫لئل يسمعوا ‪ .‬وق ّ‬
‫وأضحت الرض المبهجة قفرا " ‪.‬‬

‫مصير الشعب اليهودي في إسرائيل ‪:‬‬

‫ي ورجل رفقييتي ‪ ،‬اضييرب الراعييي فتتبيّدد‬ ‫" ‪ :7-9 :13‬ويقول الرب القدير ‪ :‬استيقظ أيها السيف ‪ ،‬وهاجم راع ّ‬
‫صغار ) أي المستضعفين ( ‪ .‬يقول الرب ‪ :‬فيفنى ُثلثا شعب أرضي ‪ ،‬ويبقى ُثلثهم‬ ‫الخراف ‪ ،‬ولكّني أرّد يدي عن ال ّ‬
‫حص الذهب " ‪.‬‬ ‫حصه كما ُيم ّ‬‫لنقيه تنقية الفضة ‪ ،‬وأُم ّ‬
‫حيا فقط ‪ .‬فُأجيز هذا الثلث في النار ‪ُ ،‬‬
‫ي هذا النص ُيشير إلى الوعد الثاني وعقابه ‪ ،‬حيث يفنى ثلثان وينجييو ثلييث ‪ ،‬وهييذا الثلييث ُيمتحيين بمجيييء الييدجال‬
‫فيفنى من تبعه منهم ‪ ،‬وينجو منهم من يعتنق السلم ‪.‬‬
‫سلب منكييم فييي وسييطكم ‪ .‬لنييي أجمييع المييم علييى أورشييليم‬
‫" ‪ :1 :14‬انظروا ها يوم ُمقبل للرب ‪ُ ،‬يقسم فيه ما ُ‬
‫لتحاربها ‪ ،‬فُتؤخذ المدينة وُتنهب البيوت ‪ ،‬وُتغتصب النساء ‪ ،‬وُيسبى نصف أهلهييا إلييى المنفييى ‪ ،‬إّنمييا ل ينقييرض‬
‫بقية الشعب من المدينة " ‪.‬‬

‫الحرب العالمية النووية الثالثة ‪:‬‬

‫سييري النصييوص التوراتييية ‪ ،‬أن حربييا نووييية سييتقع فييي‬


‫ي يعتقد ُمجمل الغربيييون ميين يهييود ومسيييحيين ‪ ،‬ميين مف ّ‬
‫المستقبل القريب تبدأ بهجوم على إسرائيل ‪ ،‬من قبييل روسيييا وحلفائهييا ميين الشييرقيين المييذكورين فييي النصييوص‬
‫السابقة ‪ .‬وستكون نتيجة هذه الحرب هي انتصار إسرائيل وحلفائها الغربّيون ‪ ،‬وفيما يلي بعض النصييوص الييتي‬
‫ُتخبر عن ظروف هذه الحرب ‪:‬‬
‫" ‪ :1-6 :12‬ها أنا ُمزمع ‪ ،‬أن أجعل أورشليم كأس خمر ‪ ،‬تترّنح منها جميع الشعوب الُمحيطيية بهييا ‪ ، … ،‬فييي‬
‫ق شيّقا ‪،‬‬
‫ذلك اليوم أجعل أورشليم كصخرة ثقيلة ‪ ،‬تعجز عن حملها جميع الشعوب ‪ .‬وكل ميين ُيحيياول حملهييا ينشي ّ‬
‫ويتيأّلب عليهيا جمييع شيعوب الرض ‪ ،‬فيي ذليك الييوم ‪ ،‬يقيول اليرب ‪ُ :‬أصييب كيل فيرس مين جييوش العيداء‬

‫‪147‬‬
‫ب بييين أكييداس الحنطيية ‪ ،‬فيلتهمييون‬
‫ل ملتهي ٍ‬
‫بالرعب ‪ ،‬وفارسه بالجنون ‪ ، … ،‬أجعل عشائر يهوذا ‪ ، … ،‬كمشييع ٍ‬
‫ل أورشليم ‪ ،‬آمنة آهلة في موضعها " ‪.‬‬ ‫الشعوب من حولهم ‪ ،‬ممن عن يمينهم وعن يسارهم ‪ ،‬بينما تظ ّ‬
‫ن هذا النص ُيشير إلى أن إسرائيل ‪ ،‬سُتهاجم من قبل أمم كثيرة فينتصر الرب لورشييليم وعشييائرها وتبقييى‬ ‫ي مع أ ّ‬
‫آمنة مطمئنة ‪ ،‬لكن في النصوص التي تلي هذا النص ‪ ،‬تجد نواحا ونحيبا من قبل ذرييية داود ‪ ،‬والنييواح والنحيييب‬
‫ل يكون عادة من شدة الفرح وإنما من شدة اللم ‪ ،‬لوقوع فاجعيية مييا حّلييت بهييم ‪ ،‬وفييي النييص التييالي وصييفا لهييذا‬
‫النواح ‪:‬‬
‫" ‪ :11 :12‬في ذلك اليوم يكون النواح في أورشليم ‪ ،‬مميياثل للنييواح فييي هييدد رّمييون فييي سييهل مجيّدو ‪ ،‬فيشيييع‬
‫النحيب بين أهل البلد " ‪.‬‬
‫ي وحسب ما يعتقد اليهود والنصارى ‪ ،‬فإن هذا النص ُيحّدد ساحة المعركيية البرييية ‪ ،‬فيي الحيرب القادمية الُمسيّماة‬
‫) هرمجدون ( بين إسرائيل وأعدائها ‪ ،‬في سهل مجّدو شمال فلسطين ‪.‬‬
‫" ‪ :12 :14‬وهذا هو البلء الذي ُيعاقب به الرب ‪ ،‬جميع الشعوب الذين اجتمعوا على أورشليم ‪ :‬تته يّرأ لحييومهم‬
‫وهم واقفون على أرجلهم ‪ ،‬وتتآكل عيونهم في أوقابها ‪ ،‬وتتلف ألسيينتهم فييي أفييواههم ‪ :13 .‬فييي ذلييك اليييوم ُيلقييي‬
‫الرب ‪ ،‬الرعب في قلوبهم ‪ ،‬حتى ترتفع يد الرجل ضد رفيقه فيهلكان معا ‪ :14 .‬وُيحارب أبناء يهوذا أيضا دفاعييا‬
‫عن أورشليم ‪ ،‬ويغنمون ثروات من المم الُمحيطة " ‪.‬‬
‫ي ُيشّكل هذا النص توليفة غريبة ‪ ،‬من صنع الكتبة ‪ .‬فالفقرة )‪ (12‬تصف مييا ُيشييبه تييأثير تعيّرض الجسييم لحييرارة‬
‫شديدة جدا ‪ .‬والية )‪ (13‬تصف ما ُيشبه قيام الساعة ‪ .‬والفقرة )‪ (14‬وكأنها نص مأخوذ مما يلي الفقرة )‪ (16‬فييي‬
‫النص اللحق ‪ ،‬إذ كيف يقوم أبناء يهوذا بمحاربة الجثث المحترقة !!!‬
‫" ‪ :13 :9‬ها أنا ُأتر يهوذا كقوس ‪ ،‬وأجعل أفرايم كسهم ‪ ،‬وُأثير رجييال صييهيون علييى أبنيياء اليونييان ‪ ،‬فتكييونين‬
‫كسيف جّبار ‪ :15 ، … .‬يقيهم الرب القدير حجارة المقلع ‪ ،‬بل تقصر عنهم ويطئونهييا ‪ ،‬ويشييربون ويصييخبون‬
‫ب إلههييم لنهييم شييعبه وقطيعييه ‪،‬‬ ‫كالسكارى من الخمر ) من نشوة النصر ( ‪ :16 .‬في ذلييك اليييوم ‪ُ ،‬يخّلصييهم اليير ّ‬
‫صعة في تاج ‪ ،‬فما أجملهم وأبهاهم ! " ‪.‬‬ ‫ويتألقون في أرضه كحجارة كريمة مر ّ‬
‫ي هذا النييص يصييف رجييال ُيقيياتلون أبنيياء اليونييان أي ليييس آبيياءهم ‪ ،‬واليونييان هييم الغييرب وُيمّثلهييم الن أمريكييا‬
‫حلفائهم من أبناء اليونان ؟‬
‫وبريطانيا وحلف الناتو ‪ ،‬وهم كما نعلم حلفاء لسرائيل ‪ ،‬فكيف سيقاتل رجال صهيون ُ‬
‫ي ملخص ما ُتفصح عنه هذه النصوص ‪:‬‬
‫بربط هذه النصوص مع النصوص السابقة ‪ ،‬نجد أن النصوص السييابقة ُتحيّذر اليهييود ميين الفسيياد فييي الرض ‪،‬‬
‫ومن ثم ُتخبر بأن الفساد سيقع منهم ل محالة ‪ ،‬ممييا ُيحتييم انسيكاب الغضيب اللهيي عليهييم ‪ ،‬والنتيجية هييي وفيياة‬
‫ثلثيهم ونجاة ثلث وخراب أرضهم ‪ ،‬بمعنى نهاية دولتهم فييي فلسيطين ‪ ،‬وهييذا يعنييي أن القيدس سيتكون فيي أيييدي‬
‫أناس من غير اليهود ‪ ،‬وهم الذين أنهوا الوجود اليهودي فيها ‪.‬‬
‫ومن ثم تبدأ بالخبار بأن أورشليم أي القدس ‪ ،‬ستكون محط أنظار جميع شعوب العالم ‪ ،‬وبأن شعوبا كثيرة ستأتي‬
‫لقتال أهلها والستيلء عليها ‪ ،‬فيهلكوا جميعا وتبقى القدس آمنيية عييامرة بسييكانها ‪ .‬وهلك هييذه الشييعوب سيييكون‬
‫باحتراقها بالسلحة النووية ‪ ،‬وُيحارب أهل فلسطين آنذاك في معركة برية فُينصرون ويغنمون ويسلمون ‪.‬‬
‫والخصم ُيحّدده النص الخير بأبناء اليونان ‪ ،‬أي حلف الناتو بقيادة أمريكا ‪ ،‬وُيخييبر النييص بييأن الي سيييقي شييعبه‬
‫المتواجد في فلسطين ‪ ،‬من صورايخ أعداءهم وقنابلهم ‪ ،‬ويكون النصر حليفهم ‪ ،‬وميين ثيم ُيخيبر عين صيفة القيوم‬
‫الذين ُيحاربون أبناء اليونان ‪ ،‬وهي صفة ل تليق إل بالمسلمين ‪.‬‬

‫بناء الهيكل تعبير مجازي والمراد منه إقامة الدين وليس إقامة البناء ‪:‬‬

‫" ‪ :14-17 :1‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬إّني قد غرت على أورشليم ‪ ،‬وعلى صيهيون ) جبيل المسيجد ( غييرة‬
‫ن غضبي ُمتأجج على المم المتنعمة ) وهم على رأسها ( ‪ .‬لقد اغتظييت‬ ‫عظيمة ‪ ) ،‬من أجل ما فعلوه فيها ( ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ح كثيرا ( من شعبي ‪ ،‬إل أّنهم زادوا من فواجعهم ‪ .‬لذلك يقول الرب ‪ :‬سأرجع إلى أورشييليم بفيييض‬‫قليل ) والص ّ‬
‫‪148‬‬
‫مين المراحيم ) بعودتهيا إليى أهلهيا ( ‪ ،‬فُيبنيى هيكليي ) فُيقيام اليدين ( ‪ ،‬وتعمير أورشيليم ) ُتّتخيذ عاصيمة للحكيم‬
‫السلمي ( ‪ ،‬واهتف قائل ‪ :‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬ستفيض ُمدني خيرا ثانية ويرجع الرب ‪ ،‬فُيعّزي صهيون‬
‫ويصطفي أورشليم " ‪.‬‬
‫ي وفيما يلي تكرار لنفس النص ‪ ،‬ولكن بدون التشويهات التي أضافها الكهنة إلى النص أعله ‪:‬‬
‫" ‪ :2-3 :8‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬إّنني أغار على صهيون غيرة عظيمة ‪ُ ،‬مفعمة بغضب شديد على أعدائها‬
‫لقيم في أورشليم ‪ ،‬فُتييدعى آنئذ‬
‫) وأعداءها هم اليهود أنفسهم ( ‪ .‬لهذا يقول الرب القدير ‪ :‬ها أنا عائد إلى صهيون ُ‬
‫ق ‪ ،‬كما ُيدعى جبل الرب القدير بالجبل الُمقّدس " ‪.‬‬‫مدينة الح ّ‬
‫ي وهذا سيكون عند ظهور ملك القدس المنتظر ‪ ،‬الذي تتحّدث عنه النصوص التالية ‪:‬‬

‫ماه وصفة ملكه ‪:‬‬


‫المهدي ومس ّ‬
‫" ‪ :8 :3‬فأصغ يا يهوشع رئيييس الكهنيية ‪ ،‬أنييت وسييائر رفاقييك الكهنيية الجالسييين أمامييك ‪ ،‬أنتييم رجييال آيية ) أي‬
‫شهود ( ‪ :‬وها أنا آتي بعبدي الذي ُيدعى الغصن " ‪.‬‬
‫" ‪ :12-15 :6‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬ها هو الرجل الذي اسمه الغصن ‪ ،‬ينبت من ذاته ] وفي الترجمة الثانية ‪/‬‬
‫ومن مكانه ينبت [ ‪ ،‬ويبني هيكل الرب ) أي يقيم الدين ( ‪ .‬هو الذي يبنيي هيكيل اليرب ويتجّليل بالمجيد ‪ ،‬ويكيون‬
‫ملكا وكاهنا في آن واحد ) أي خليفة قائم بأمر الدين والدنيا ( ‪ ،‬فيجلس ويحكم على عرشه ‪ ،‬فيعمل بفضل مشورة‬
‫رتبتيه ) أي الملك والكهانة ( ‪ ،‬على إشاعة السلم بين قومه ‪ .‬ويتوافد قوم من بعيد ليبنوا هيكل الرب ‪.‬‬
‫ي وهذا الرجل غصن من شجرة إسماعيل عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وينبت في نفس المكان أي من جزيييرة العييرب ‪،‬‬
‫التي ُيسّمونها في التوراة جبال فاران ‪.‬‬
‫ق والسييلم ‪،‬‬
‫" ‪ :19-22 :8‬ستكون مواسم ابتهاج وفرح وأعياد سعيدة ‪ ،‬يتمتع بها شعب يهوذا ‪ ،‬لهذا أحّبييوا الحي ّ‬
‫… ‪ .‬فتتوافد أمم كثيرة وشعوب قوّية ‪ ،‬ليلتمسوا وجه الرب القدير في ُأورشليم وليحظوا برضاه ‪.‬‬
‫ي قارن ما بين النصين لتكتشف التحريف والتبديل ‪ ،‬حيث وضيعوا شيعب يهيوذا فيي النيص ) ‪ (22-19‬بيدل مين‬
‫قومه في النص ) ‪ (15-12‬أعله ‪ ،‬وأضافوا إلى النص الثاني ابنة صهيون وابنة أورشليم ‪.‬‬

‫ملك القدس المنتظر الذي ُتخبر عنه توراة اليهود هو المهدي ‪:‬‬

‫" ‪ :9-10 :9‬ابتهجي جدا يا ابنة صهيون ‪ ،‬واهتفي يا ابنة أورشليم ‪ ،‬لن هو ذا ملكك ُمقبل إليك ‪ .‬هو عادل ظافر‬
‫‪ ،‬ولكّنه وديع راكب على أتان ‪ .‬وأستأصل المركبات الحربية مين أفرايييم ‪ ،‬والخييل ميين أورشييليم ‪ ،‬وتبيييد أقييواس‬
‫القتال ‪ ،‬ويشيع السلم بين المم ‪ ،‬ويمتّد ملكه من البحر إلى البحر ‪ ،‬ومن نهر الفرات إلى أقاصي الرض " ‪.‬‬
‫ي يقول اليهود أنه الملك الرب ‪ ،‬ويقول النصارى أنه عيسى عليه السلم وقد تحقق ذلك ‪ ،‬والحقيقة أن هذه النبييوءة‬
‫مستقبلية ولم تتحقق لغاية الن ‪ ،‬فصاحبها هو المهدي الذي سيقهر كل خصومه ‪ ،‬ومن ثم يشيييع السييلم والميين ‪،‬‬
‫ب الرعب في قلوبهم الفزعة ‪.‬‬ ‫على امتداد ملكه الموصوف بالنص ‪ ،‬وهذا مما يجعل أي صحوة إسلمية ‪ ،‬تد ّ‬

‫النبللوءات التوراتيللة وأثرهللا فللي تشللكيل القناعللات والعقللائد اليهوديللة‬


‫وهة ‪:‬‬
‫المش ّ‬
‫هذه النبوءات التوراتية الواعدة ‪ ،‬شكّلت أحد أبرز العقد في الشخصية اليهودييية ‪ ،‬وهييي التطلييع الييدائم إلييى الملييك‬
‫والسيادة في أرض الميعاد ‪ .‬وهذه النبوءات كانت ُتسّير اليهود على مدى تاريخهم الطويل وما زالييت ‪ ،‬فييي حّلهييم‬
‫وترحالهم في أرجاء الرض ‪ ،‬بحثا عن هذا الُملك التوراتي الموعود الذي نسييجته أقلم الكهنيية ‪ ،‬فظلمييوا أنفسييهم‬
‫عميييان البصيير والبصيييرة ميين أبنييائهم هييذه اليييام‬
‫وظلموا من جاء بعدهم ممن آمن بأن هذا من عند ال ‪ ،‬لُيلقييي ُ‬
‫مصيرهم المظلم والمحتوم ‪ ،‬والذي تقشعّر من وصفه في التوراة أبدان الذين يعقلون من الناس ‪ .‬ولكن اليهييود …‬
‫ل يسمعون … ول ُيبصرون … ول يعقلون … ول يفقهون … إل أكاذيب أربابهم من الكهنة والحبار ‪ .‬ولييذلك‬
‫‪149‬‬
‫جال عند ظهوره بملكه المادي ‪ ،‬الذي هييو القييرب‬ ‫سيكون من ينجو منهم من عقاب وعد الخرة ‪ ،‬صيدا سهل للد ّ‬
‫للوصف الذي خطه الكهنة ‪ ،‬وهو القرب لهوائهم وأطمياعهم ‪ ،‬اليتي ليم تختليف قييد أنملية عين أهيواء وأطمياع‬
‫أسلفهم ‪.‬‬

‫قراءة في العقائد اليهودية ‪:‬‬

‫اليهود أقرب إلى القرار بوجود ال من إنكاره ‪ ،‬ولكن معرفة الُمِقّر منهم بال محصورة ‪ ،‬في إطييار مييا جيياء فييي‬
‫التوراة والتلمود ‪ ،‬التي تصف ال بصفات ‪ ،‬أقرب مييا يكييون إلييى صييفات الب البشييري ‪ ،‬الييذي يعطييي ويعطييف‬
‫ويعفو ويصفح ‪ ،‬ول يغضب على أبنائه مهما بلغوا من السييوء ‪ ،‬وُيخطييئ ولكنييه يعييود ويعييترف بخطئه فييي حييق‬
‫أبنائه ويرجع عنه ‪ ،‬وكأنهم البن البكر صاحب الحظوة عند الب كما هي العادة ‪ ،‬ويتعيياملون مييع الي علييى هييذا‬
‫الساس لفهمهم الخاطئ لمسألة التفضيل ‪ ،‬باختيارهم لحمل الرسييالة السييماوية ورعاييية الي لهييم فيمييا مضييى ميين‬
‫الزمان ‪ ،‬وتستطيع تصّور العقلية التي يتعاملون بها مع ال ‪ ،‬بعقلييية البيين الُمييدّلل النيياني الفاسييد والمفسييد عييديم‬
‫البصر والبصيرة ‪ ،‬والذي ل يتوقع من أبيه الذى مهما ارتكب من أخطاء ‪ .‬حتى ولو حّذره والده مرارا وتكييرارا‬
‫من استمراره على نفس الحال ‪ ،‬فهو ل يريد أن ُيصّدق أن هذا الب المعطاء الحاني ‪ ،‬من الممكن يوما من اليييام‬
‫أن ُيعاقب ابنه المدّلل مهما كانت السباب ‪ .‬وتستطيع تصّور الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع بيياقي البشيير ‪ ،‬ميين‬
‫خلل الكيفية التي يتعامل بها ذلك البن مع باقي أخوته ‪ ،‬وهذه الكيفية هي ما تجده في تعاليم التلمود ‪.‬‬
‫خر هو نكران للبعث بعيد الميوت ‪،‬‬ ‫خر ‪ ،‬فمؤدى نكران اليوم ال ِ‬ ‫وأخطر معتقدات اليهود هو عدم اليمان باليوم ال ِ‬
‫ونكران للحساب ونكران للجزاء الخروي والبديل لييديهم إن ُوجييد فهييو الجييزاء الييدنيوي ‪ .‬وهييذا ممييا يييؤدي إلييى‬
‫العتقاد بعبثية الخلق ‪ ،‬وعبثية اليمان بال أصل ‪ ،‬فل جدوى من الصلح والصلح إن لييم يكيين هنيياك ثييواب ‪،‬‬
‫ول ضير من الفساد والفساد إن لم يكن هناك عقاب ‪ ،‬وبعض من هذه الفكار اللحادية ‪ ،‬تجدها فييي التييوراة فييي‬
‫سفر الجامعة سفر العبث والعبثية ‪ .‬ولذلك أخذ اليهود على عاتقهم ‪ ،‬مسؤولية الفساد فييي الرض دونمييا وازع أو‬
‫رادع ‪ ،‬بما أخفاه مؤلفو التوراة من ذكر لليوم الخر ومتعّلقاته ‪ ،‬فالثواب حسب اعتقادهم هو مقدار ما ينالونه ميين‬
‫كسب دنيوي بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬والعقاب هو مقدار ما يخسرونه من هذا الكسييب ‪ .‬وحييتى ُيجّنييب رب العييزة‬
‫أّمة السلم خطر هذا العتقاد ‪ ،‬اقترن ذكر اليمان بال بذكر اليمان باليوم الخر والخرة ‪ ،‬بصييريح اللفييظ ‪26‬‬
‫مرة في القرآن ‪ ،‬وتكاد ل تخلو سورة من ذكر متعّلقاته أو التذكير بها ‪ ،‬من بعييث وحسيياب وجييزاء ومييا يليييه ميين‬
‫عقاب وثواب ‪ .‬وانعدام إيمانهم باليوم الخر ‪ ،‬أوجد لديهم الصفات السلبية الييتي تمتعييوا بهيا علييى ميّر العصييور ‪،‬‬
‫مثل الحرص على الحياة والجبن والبخل والسعي وراء الكسب المادي وانعدام المبادئ والقيييم والصييفات البشييرية‬
‫المحمودة ‪.‬‬
‫وللتعويض عما حذفوه من الصول العقائدييية الصييحيحة ‪ ،‬وللتوفيييق مييا بييين المعتقييدين السييابقين ‪ ،‬طييرح مؤلفييو‬
‫التوراة والتلمود الكثير من الفكار اللحادية ‪ ،‬كفكرة الملك الله الرب من نسل داود ‪ ،‬الذي سيظهر بلحميه ودميه‬
‫ليسكن جبل صهيون في القدس ويحكم العالم إلى البد ‪ ،‬لينفوا بعبارة ) إلى البد ( أي أمل لليهود ليعتقدوا بنهاييية‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬وبوجود حياة أخرى هي التي تتصف بالبدية ‪ ،‬مما أبهم على العاميية مصييير الييروح بعييد المييوت ‪،‬‬
‫فطرحوا حول مصيرها أفكار متضاربة هي أقرب إلى المعتقدات الوثنية منها إلى أي شيء آخر ‪.‬‬

‫أثر هذه المعتقدات في الشخصية اليهودية ‪:‬‬

‫كان السبي البابلي بما أحدثه من دمار وتنكيل وأسر ‪ ،‬أكييبر صييدمة يتعييرض لهييا الشييعب اليهييودي ‪ ،‬حيييث قلبييت‬
‫كيانهم رأسا على عقب ‪ ،‬ولم تقم لهم قائمة منذ ذلك اليوم ‪ ،‬حتى تمكنوا ميين تحقيييق علييوهم الثيياني فييي فلسييطين ‪،‬‬
‫ولول مشيئة ال التي ينكرونها ما كان ‪ .‬والييذي لييم يكيين يتخيلييه أو يتصييوره اليهييود آنييذاك وهييم فييي قميية علييوهم‬
‫الول ‪ ،‬أن يتخلى عنهم رب الجنود ‪ ،‬وأن يبعث عليهم أمة جافية الوجه لتعمل فيهم سيف انتقامه ‪ ،‬وأن ُينزل بهييم‬
‫ل وخزيا ‪ ،‬بعد عزة وقوة وعلو ‪ ،‬بالرغم من كل ذلك الدلل ‪ -‬الموّثق فييي التيوراة ‪ -‬الييذي أحيياطهم بيه ‪،‬‬ ‫ضعة وذ ّ‬
‫منذ خروجهم من مصر ‪ -‬وما أجراه سبحانه لهم من معجزات ‪ ،‬وعفوه عنهم رغم كفرهييم وعصيييانهم وعييدوانهم‬
‫مرارا وتكرارا ‪ -‬حتى أدخلهم إلى الرض المقّدسة وأقام لهم مملكة بل جهد أو عناء ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫وبالرغم من وضع نبوءة الفسادين وما يليهما من عقاب ‪ ،‬سيفا إلهيا مسلطا على رقييابهم ‪ ،‬لييم وليين يرجعييوا عيين‬
‫غيهم وطغيانهم ‪ ،‬فهم مسكونون بما تقّوله كهنتهم وأحبارهم وحاخاماتهم ) الحكماء ( على ال وعلى رسله وعلييى‬
‫كل ما هو مقّدس ‪ ،‬مما أدى إلى إصابتهم كأّمة بحالة معقيّدة ميين الفصييام العقلييي ‪ ،‬ميين جييراء اعتنيياقهم لمعتقييدات‬
‫خاطئة ‪ ،‬نتيجة ما زرعه حكماؤهم في التوراة والتلمود ‪ ،‬من خرافات وأساطير وآراء وتفسيرات ‪ ،‬هي أقييرب مييا‬
‫يكون إلى الوهام والهلوس ‪ ،‬فأنبتت تلك المسييوخ الشيييطانية عديميية البصيير والبصيييرة ‪ ،‬الييتي اّتحييدت وآمنييت‬
‫بشييكل جميياعي بمعتقييدات خاصيية بهييا ‪ ،‬تتنييافى مييع الطبيعيية البشييرية السييليمة ‪ ،‬فُرفضييت واضييطهدت ميين كييل‬
‫المجتمعات البشرية ‪ ،‬التي ساءها ذلك السلوك الجماعي الشاذ والمنحرف لتلك المسوخ ‪ ،‬وبالتالي لم تجد الشعوب‬
‫حل لمشكلتهم إل الطرد والنفي ‪ ،‬أو إجبارهم بمراسيم ملكية على التقوقع والعيييش كالبهييائم فييي حظييائر المواشييي‬
‫ن الغرب أنه بإيجاد غيتو كبير لهم فلسيطين ‪،‬‬ ‫المسماة بالغيتوهات أو الكيبوتس ‪ ،‬ومع ذلك لم ينجح هذا الحل ‪ .‬وظ ّ‬
‫ونفيهم إليه وحشرهم فيه ‪ ،‬سيتخلصون من مشكلتهم إلى البد ‪ ،‬ولكن تبين لهم بعد فوات الوان ‪ ،‬أنهم كانوا علييى‬
‫خطأ ‪ ،‬إذ أنهم بعد تمّكنهم من إقامة وطن قومي لهم ‪ ،‬أصّر معظمهم وخاصة الغنياء منهم على البقاء في الغرب‬
‫‪ ،‬فأصيب نصارى الغرب مؤخرا بعدوى الفصام اليهييودي ‪ ،‬لنهييم يملكييون اسييتعدادا وراثيييا توراتيييا لييذلك ‪ ،‬لمييا‬
‫يحملونه بدورهم من معتقدات خاطئة ‪ ،‬بناءً على ما أورده كتبة النجيل ميين أوهييام وهلوس مشييابهة ‪ .‬لييذلك ميين‬
‫الطبيعي جدا ‪ ،‬أن ترى زعماء اليهود يصافحون العرب ‪ ،‬راسمين على شييفاهم تلييك البتسييامة العريضيية ‪ ،‬بينمييا‬
‫أيديهم تقطر من دم أبنائهم وأخوانهم وكأن شيئا لم يكن ‪.‬‬
‫ما يعتقده اليهود بالنسبة لوجودهم الحالي في فلسطين ‪:‬‬

‫خلصة ما يعتقده اليهود هذه اليام ‪ ،‬وهم القرب والكثر فهما لنبوءات التوراة ‪ ،‬لمعرفتهم بالطرق السيرية اليتي‬
‫ُكتبت فيها نصوص التوراة ‪ ،‬وما تضمنته من أسرار ورموز ‪ ،‬مفاتيح حلها موجييودة ‪ ،‬فييي كتييب خاصيية لييديهم ‪،‬‬
‫بناًء على ما تقّدم ‪:‬‬
‫ُتخبرهم بعض نصوص التوراة بأنهم ‪ ،‬بعد العودة من الشتات ‪ ،‬ل محالة سُيفسدون ‪ ،‬وأن ال سيييبعث‬ ‫‪.1‬‬
‫عليهم من ُيعاقبهم ‪ ،‬من العراق أو إيران أو كليهما ‪.‬‬
‫ن ُملكهم بعد العودة من الشتات ‪ ،‬سينضوي مستقبل تحت لواء ملييك ميين‬ ‫وُتخبرهم نصوص أخرى ‪ ،‬أ ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫نسل داود أو الملك الرب القدير ‪ ،‬يظهر آخر الزمان يقود اليهود وينتصر على أعداء إسرائيل ‪ ،‬ويحكم العييالم‬
‫أجمع من القدس ملكا أبديا ‪ ،‬يتصف بالحق والعدل والسلم وأن أوانه قد اقترب ‪ ،‬ولتعجيل ظهييوره ل بييد لهييم‬
‫من الستيلء على أرض فلسطين كاملة ‪ ،‬وتفريغ شعبها منهييا وهييدم المسييجد القصييى وبنيياء الهيكييل ‪ ،‬لكييي‬
‫يتسنى لهذا الملك تقديم القربان الُمقّدس على مذبحه ‪ ،‬وهو أول عمل سيقوم به فور ظهييوره ‪ ،‬ويعتقييدون بييأن‬
‫جل بظهور هذا الملك ‪.‬‬ ‫سرعة إنجاز هذه المور ‪ ،‬سُتع ّ‬
‫وُتخبرهم نصييوص أخييرى ‪ ،‬أن هنيياك كييم هييائل ميين العييداء الييذين سيُيهاجمون إسييرائيل مسييتقبل ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وسيكون النصر حلييف إسيرائيل وحلفائهيا ‪ .‬ليذلك فهيم يعمليون بل كليل أو مليل ‪ ،‬مين وراء السيتار الغربيي‬
‫المريكي البريطاني لتأمين هذا النصر الموعود ‪.‬‬
‫ي لذلك كان ل بد ليهود أمريكا على وجه الخصوص ‪ ،‬من أجل تعطيل النبوءة التي تخبر عن دمار دولتهييم ‪ ،‬ومين‬
‫أجل تحقق النبوءة التي تنسب إليهم الملك البدي ‪ ،‬الذي سيقوم في القدس في نهاية المر ‪ ،‬أن يعملوا ‪:‬‬
‫على تقوية إسرائيل بإمدادها بالموال والتكنولوجيا العسكرية الُمتطّورة التقليدية والنووية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫على إجبار دول هؤلء العداء التوراتيون علييى المييوالة للغييرب ‪ ،‬وميين ثييم المييوالة لسييرائيل عيين‬ ‫‪.2‬‬
‫طريق الترغيب والترهيب ‪.‬‬
‫على حرمان اليدول المعاديية لسيرائيل ميين هيذه القيدرات ‪ ،‬وإضيعاف هيذه القيدرات حيين امتلكهييا‬ ‫‪.3‬‬
‫وتدميرها ‪.‬‬
‫على تدمير الستقرار الداخلي لتلك الدول ‪ ،‬سياسيا واقتصاديا واجتماعيا إن تعّذر ذلك عسكريا ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ي ويعتقدون أن الخطر القادم يتمّثل بشكل أساسي في ‪:‬‬
‫‪151‬‬
‫البلدان العربية والسلمية وعلى رأسها العراق ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫البلدان الشيوعية المناهضة للديموقراطية الرأسمالية وعلى رأسها روسيا والصين ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫شخص المير الُمسلم الذي أخبرت عنييه التييوراة ‪ ،‬بييأنه سيييخرج ميين جزيييرة العييرب ليملييك مشييارق‬ ‫‪.3‬‬
‫الرض ومغاربها ‪.‬‬
‫وللسباب الثلثة مجتمعة ‪ ،‬عمل اليهود وما زالوا يعملون على تواجييد السيياطيل والقواعييد العسييكرية المريكييية‬
‫البريطانية ‪ ،‬بشكل مكثف في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية ‪ ،‬وتركيا والبحيير الحميير والبحيير البيييض‬
‫المتوسط سابقا ولحقا ‪ ،‬لكي تمنع العراق من مهاجمة إسرائيل ‪ ،‬ولكي تمنع هذا المير المسييلم ميين الخييروج ميين‬
‫أرض الجزيرة ‪ ،‬وظهور أمره وأمر السلم من جديد ‪ .‬فكما أنهييم أي اليهييود سييكنوا جزيييرة العييرب ‪ ،‬ليحيياربوا‬
‫محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬فهم الن متواجدون فيها تحت القناع المريكي ‪ ،‬في انتظار خروجييه ليحيياربونه بل‬
‫أدنى شك ‪ .‬ولقطع الطريق على الجيش الروسي عند هجييومه علييى إسييرائيل ‪ ،‬أمييا اّدعييائهم بالتواجييد فييي منطقيية‬
‫الخليج ‪ ،‬للحفاظ على مصالح الوليات الُمتحدة فذلك لذّر الرماد في العيييون ‪ ،‬فمصيالحهم محمّييية بسيواعد عربييية‬
‫وأوامرهم مطاعة حتى في غرف النوم ‪.‬‬
‫وغزو العراق لسرائيل الذي هو أول مشهد في الحلقة الخيرة ‪ ،‬من مسلسل اليهود التاريخي الطويل ‪ ،‬قد اقترب‬
‫أوانه وأشرف زمانه ‪ ،‬وهم يعلمون ذلك من خلل الحساب ومن خلل الظييواهر الفلكييية ‪ ،‬كمييا علمييوا قييديما عيين‬
‫طريق الفلك بموعد مولده عليه السلم وموعد بعثه ‪.‬‬

‫مياتها القديمللة والحديثللة حسللب‬


‫أعللداء دولللة إسللرائيل التوراتيللون بمس ل ّ‬
‫تفسيرهم ‪:‬‬

‫بابل وآشور وبلد الكلدانيين ي العراق ‪ ) .‬درجة أولى فييي العييداء التييوراتي لسييرائيل ‪ ،‬وبامتييياز مييع‬ ‫‪.1‬‬
‫ي الخليج الولى والثانية ‪ ،‬وضرب المفاعل النووي ‪ ،‬وفييرض حصييار‬ ‫مرتبة الشرف ( ‪ .‬تم توريطه في حرب ّ‬
‫أبدي ‪ ،‬ويطمحون إلى إبادة شعبه بالسلحة النووية ‪ ،‬فييي أقييرب فرصيية ممكنيية ‪ .‬ومشييمول فييي قائميية الييدول‬
‫الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫ل حلفائهما ‪ ،‬وبيت توجرمة ميين أقاصييي الشييمال يي دول التحيياد السييوفييتي‬
‫روش وماشك وتوبال وك ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫السابق ‪ ) .‬درجة ثانية ( ‪ .‬تييم تفكيييك التحيياد السييوفييتي ‪ ،‬وإضييعاف الحييزب الشيييوعي المنيياهض للغييرب ‪،‬‬
‫وتدمير اقتصاد روسيا وتوريطها مع صندوق النقد الدولي ‪ .‬وتوريطها في حربين استنزافيتين فييي جمهورييية‬
‫الشيشان ‪.‬‬
‫مادي ‪ ،‬ورجال فارس ي إيران ‪ ) .‬درجة ثانية ( ‪ .‬تم توريطهييا فييي حييرب الخليييج الولييى ‪ ،‬ومقاطعيية‬ ‫‪.3‬‬
‫اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ‪ ،‬تشجيع الحركات الصييلحية الهداميية ‪ ،‬وإثييارة الفتيين والثييورات الداخلييية ‪،‬‬
‫لشعال حروب أهلية ‪ ،‬طمعا في قلب نظام الحكم السلمي فيها ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكييية للييدول‬
‫الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫إثيوبيا ي السودان ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ‪ .‬ما زالييت الحييروب الهلييية الييتي يييدعمها الغييرب مشييتعلة فيهييا ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومقاطعة اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ‪ُ ،‬وقصفت بالصواريخ المريكييية فييي زمين ) كلينتيون ( ‪ ،‬لتهامهييا‬
‫بالتعاون مع ابن لدن ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫ليبيا ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ٌقصفت من قبل الطائرات المريكية في زمن الرئيس المريكي ) ريغان ( ‪ ،‬تييم‬ ‫‪.5‬‬
‫فبركة حادثة تفجير الطائرة ) لوكربي ( واُتهمت بتدبيرها ‪ ،‬ومن ثم ُفرض عليهييا ‪ ،‬حظيير دولييي ميين مجلييس‬
‫المن ‪ ،‬ومقاطعة اقتصادية أمريكية ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫أشور وحلفائها ي سوريا ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ‪ .‬موضوعة على جدول مؤامراتهم القادميية ‪ ،‬وهييي مشييمولة‬ ‫‪.6‬‬
‫في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫عيلم وحلفاؤها ‪ ،‬ملوك الشرق ي أفغانستان وباكسيتان ‪ ) .‬درجية ثالثية ( ‪ .‬حظير ومقاطعية اقتصيادية‬ ‫‪.7‬‬
‫على كلتا الدولتين ‪ ،‬تم قصف معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان ‪ .‬وأفغانسييتان غيير مشيمولة فيي القائمية‬
‫المريكية للدول الراعية للرهاب ‪ ،‬كونهم ل يعترفون بنظام الحكم فيها ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬
‫النجيل في الصل كتاب سماوي ُأنزل على عيسييى عليييه السييلم ‪ ،‬بنييص واحييد مصييدقا لمييا جيياء فييي التييوراة ‪،‬‬
‫ويحمل في طياته شريعة جديدة لليهود ‪ ،‬وناسخة لبعض مييا جياء فييي شيريعة موسيى ‪ ،‬لتخّفييف عنهييم الكييثير مين‬
‫العباء والكثير من القيود والغلل ‪ ،‬التي كانوا قد ألزموا بها في التوراة نتيجة فسقهم وعصيانهم وظلمهم ‪.‬‬
‫ومن أهم ما جاء به عيسى عليه السلم ‪ ،‬هي البشرى بنبي الهدى ) أحمد ( عليه الصلة والسلم ‪ .‬وكلمة النجيييل‬
‫في اليونانية تعني البشرى أو البشارة ‪ ،‬ويّدعي النصارى أن هذه البشرى هي بشييرى الخلص ‪ ،‬أّميا فيميين كييانت‬
‫ن‬
‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬
‫ل ِإَلْيُكْم ُم َ‬
‫سوُل ا ِّ‬‫سَراِئيَل ِإّني َر ُ‬ ‫ن َمْرَيَم َيَبِني ِإ ْ‬‫سى اْب ُ‬‫عي َ‬
‫البشارة حقيقة فنجده في قوله تعالى ) َوِإْذ َقاَل ِ‬
‫ن )‪6‬‬ ‫حٌر ُمِبيف ٌ‬ ‫سف ْ‬
‫ت َقفاُلوا َهفَذا ِ‬ ‫جففاَءُهْم ِباْلَبّيَنففا ِ‬
‫حَمفُد َفَلّمفا َ‬‫سفُمُه َأ ْ‬
‫ن َبْعفِدي ا ْ‬
‫سوٍل َيْأِتي ِم ْ‬‫شًرا ِبَر ُ‬
‫ن الّتْوَراِة َوُمَب ّ‬
‫ي مِ َ‬
‫َيَد ّ‬
‫الصييف ( ‪ .‬ونيص البشييارة بنبينييا محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬موجييود فيي النجيييل الرابييع المنسييوب ليحييى‬
‫) يوحّنا ( عليه السلم ‪ ،‬في الصحاحات ) ‪ ، ( 16-14‬وُمسّمياته هي " المؤّيد" و " المؤّيد الييروح الُقييدس " و "‬
‫روح الحق " و" سّيد هذا العالم " في الترجمة التي اقتبست منها هييذا النييص ‪ ،‬وفييي ترجمييات أخييرى ‪ " :‬الييروح‬
‫الُقدس الُمِعين " و" الُمَعّزي " ‪.‬‬
‫أما ما هو موجود هذه اليام في الناجيل ‪ ،‬هو ُمجّرد بقايا من الوحي اللهي ‪ .‬وهذا مييا يؤكيّده حييتى المييؤمنين بييه‬
‫من النصارى أنفسهم فقد جاء في مقّدمة نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ‪ ،‬دار المشرق ط ‪ ، 13‬ميا نصيه "‬
‫ك يبحث عن الحداث التي تم إثباتهييا والتحّقييق منهييا ‪ ،‬يقييع‬ ‫إن القارئ في عصرنا وهو حريص على الّدقة ‪ ،‬ل ينف ّ‬
‫في حيرة أمام تلك المؤلفات ) الناجيل الربعة وملحقاتها ( ‪ ،‬التي تبدو له مفّككيية يخلييو تصييميمها ميين التنسيييق ‪،‬‬
‫ويستحيل التغلب على تناقضاتها ‪ ،‬ول ُيمكنها أن ترّد على السئلة التي ُتطرح عليها " انتهى ‪.‬‬
‫وهكذا يعترف رجالت الدين المسيحي أن محتويات كتابهم المقّدس ُمتناقضة ‪ ،‬وأنهييا مؤلفييات ُكتبييت بأيييدي بشيير‬
‫بعد المسيح بما يزيد على ‪ 300‬سنة ‪ ،‬وأقدم النسخ المتوافرة ذات أصل يوناني وتعود إلى القرن الرابع الميلدي ‪.‬‬
‫وأما النصوص الصلية للنجيل بلغته العبرية أو الرامية فهي غير موجييودة ‪ .‬وللحقيقيية يسييتحيل أن يكييون ذلييك‬
‫صحيحا ‪ ،‬فقد سمعت يوما أن الكثير من المخطوطات الصلية ‪ ،‬موجود على شكل لفائف وقراطيس فييي قييوارير‬
‫زجاجييية عليى رفيوف فييي أقبييية الكنييائس الكييبرى ‪ ،‬ول ُيسييمح لي كيان مين الوصيول إليهييا إل كبييار رجيالت‬
‫الكنيسة ‪ ،‬الحريصون على إضلل الناس بكتم ما في تلك المخطوطات من حقائق ‪ ،‬تنفييي ألوهييية عيسييى وتييدعوا‬
‫إلى وحدانية ال ‪.‬‬
‫ي النصارى ‪ ،‬فهو ل يعدو أكثر من كونه كتاب يحكي سيرة المسيح عليييه السييلم‬ ‫أما الكتاب الموجود حاليا بين يد ّ‬
‫‪ -‬كما التوراة تحكي سيرة موسى ‪ -‬بشكل حائر وُمضطرب ‪ ،‬تغلب عليه ِذكر أفعاله أكثر ميين أقييواله ‪ ،‬حييتى أنييك‬
‫تشعر عند قراءته أن المسيح شخصية خيالية أسطورية ساذجة غبية وبليدة ‪ ،‬خالية من الحكمة والمنطق ‪ ،‬وحاشييا‬
‫ل أو لبنه كما يّدعون أو حتى لرسول أن يكون كذلك ‪ .‬غير أن إنجيل يوحّنييا ) يحيييى ( وسييفر الرؤيييا المنسييوب‬
‫ليوحّنا ‪ ،‬يبدو أنهما أكثر قربا إلى السفار الُمتأخرة من التوراة ‪ ،‬حيث أنهما يتفقييان مييع أسييلوب كتابيية النصييوص‬
‫التوراتية إلى درجة التطيابق ‪ ،‬ميين حييث النشيياء واللفياظ الُمسيتخدمة والُمسيمّيات ‪ ،‬وحييتى تكييرار وازدواجييية‬
‫جمعا ونسخا من مصدرين ُمختلفين ‪.‬‬ ‫النصوص التي تؤكد أنهما ُ‬
‫وقد جاء في مقّدمة سفر الرؤيا من نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ‪ ،‬دار المشييرق ط ‪ ، 13‬مييا نصييه ‪ " :‬ل‬
‫يأتينا سفر رؤيا يوحّنا ‪ ،‬بشيء من اليضاح عن كاتبه ‪ .‬لقد أطلق على نفسه اسم يوحّنا واسم نبي ‪ ،‬وليم ييذكر قيط‬
‫عثر على بعض آثاره منذ القرن الثيياني‬ ‫ي عشر ) التلميذ ( ‪ .‬هناك تقليد على شيء من الثبوت ‪ ،‬وقد ُ‬ ‫أنه أحد الثن ّ‬
‫) الميلدي ( ‪ ،‬وورد فيه أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحّنا ‪ ،‬وقد ُنسب إليه أيضا النجيل الرابييع ‪ .‬بيييد أنييه ليييس‬
‫في التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع ‪ .‬وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك مّدة طويلة في‬
‫سيرين فيي عصيرنا ُمتشييعبة كييثيرا ‪ ،‬ففيهييم مين يؤكيد أن الختلف فييي‬ ‫بعض الجماعات المسيحية ‪ .‬إن آراء الُمف ّ‬
‫النشاء والبيئة والتفكير اللهوتي ‪ ،‬يجعل نسبة سيفر الرؤييا والنجيييل الرابييع ‪ ،‬إليى كياتب واحييد أمييرا عسيييرا ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫سرون يرون أن ظروف إنشاء سفر الرؤيا ‪ ،‬أشّد تشعبا من ذلييك بكييثير ‪ ،‬فهييو ليييس ُمؤّلفييا ُمتجانسييا بييل‬
‫وهناك ُمف ّ‬
‫محاولة غير ُمحكمة لجمع أجزاء ُمختلفة ‪ُ ،‬أنشئت ثم ُنّقحت في العقود الخيرة من القرن الول " انتهى ‪.‬‬
‫وللحق نستطيع الجزم بأن التوراة تم تنقيحها وجمعها بشكل نهائي ‪ ،‬في هذه الحقبة ميين الزميين بعييد وفيياة عيسييى‬
‫وموت يحيى عليهما السلم ‪.‬‬
‫نجد من خلل ما تقّدم أن النصارى أنفسهم ‪ ،‬كان لييديهم الكييثير ميين الشييكوك حييول سييفر الرؤيييا ‪ ،‬وبعييد قراءتييي‬
‫لمحتوى هذا السفر تبين لي ‪ ،‬أن أسلوب إنشاءه هيو نفيس السييلوب ‪ ،‬الييذي ُأنشييئت بيه أسييفار التييوراة مين حييث‬
‫اللفاظ والعبارات ‪ ،‬وحتى تكرار الفكار والنصوص وتحويرها وتحريفها ‪ ،‬وتبديل مواضعها من تقديم وتأخير ‪،‬‬
‫سفر يحتوي على نبيوءات ُمشيابه ‪ ،‬لميا جياء فيي‬ ‫لتشويه الرؤى النبوية التي تأتي عادة في غير صالح اليهود ‪ .‬وال ِ‬
‫سفر زكريا في التوراة ينتهي عند ذكر الدجال ‪ ،‬وُيغفل ما سيأتي بعده من‬ ‫السفار الُمتأخرة من التوراة ‪ ،‬حيث أن ِ‬
‫أحداث ‪ ،‬وتجد أن سفر الرؤيا ُيعيد بعض ما جاء في السفار الُمتييأخرة ميين التييوراة وميين ضييمنها سييفر زكريييا ‪،‬‬
‫ويكمل الحداث حتى دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار ‪.‬‬
‫وما تقّدم يدفعني إلى العتقاد أن كتبة هذين السفرين ‪ ،‬هم كهنيية اليهييود الييذين ألفييوا التييوراة ‪ ،‬إذ أن آثييار أقلمهييم‬
‫واضحة للعيان ‪ ،‬مما فيه من تناقض أحيانا وتكرار أحيانا أخرى ‪ ،‬لمحاولتهم فهم هذه النبوءات وتفسييرها حسيبما‬
‫يتناسب مع زمانهم ‪ ،‬أي مع بداية التقويم الميلدي ‪ ،‬حيث كانت مقومات ذلك العصر ورموزه ‪ ،‬تختلف كليا عّمييا‬
‫لدينا في العصر الحالي ‪ ،‬حيث بدأت هذه النبوءات هذه اليام ‪ ،‬تأخذ مكانها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫ويبدو أن الُمتأخرين من الكهنة اليهود ‪ ،‬كانوا عاقدي العزم على ضّم سفر الرؤيا والنجيييل المنسييوب إلييى يوحّنييا‬
‫إلى التوراة ‪ ،‬فيأعملوا أقلمهم فيهما ‪ ،‬ويبدوا أنهم تراجعوا عن ذلك في اللحظة الخيرة فقيّرروا إسييقاطهما ‪ ،‬بعييد‬
‫أن تنكّروا لنبوة يحيى وعيسى عليهما السييلم ‪ .‬فسييفر الرؤيييا كمييا الحييال بالنسييبة لنجيييل يوحنييا ‪ُ ،‬يهيياجم اليهييود‬
‫جمعات كهنتهم ) الُمسّماة بالسنهدرين ( التي كانوا يتدارسون فيها التوراة ) والحقيقيية أنهييم كييانوا‬ ‫أنفسهم ويهاجم م ّ‬
‫يدرسون التوراة كما ندرس الزيتون ( والتي وصفها هذا السفر بُمجمعات الشيطان ‪ .‬حيث جاء فيه " رؤيا ‪:9 :2‬‬
‫وأعلم افتراء الذين يقولون أنهم يهود وليسوا بيهود ‪ ،‬بل هم َمجَمع للشياطين " ‪ .‬رؤيا ‪ :9 :3‬ها إني أعطيك ُأناسا‬
‫من َمجَمع للشيطان ‪ ،‬يقولون أنهيم يهيود ‪ ،‬وميا هيم إل كيّذابون " ‪ ،‬وهياتين العبيارتين مثيال عليى التكيرار لنفيس‬
‫المعنى وبنفس اللفاظ تقريبا ‪.‬‬
‫طييه الكهنية‬
‫بالضافة إلييى ذلييك جيياء سيفر الرؤييا بنبيوءات ُتخيالف أهيواء الكهنية ‪ ،‬وتتنياقض ميع ميا كييان قيد خ ّ‬
‫الُمتقّدمين ‪ ،‬ومنها أّنه ُيثبت البعث والحساب والجزاء ‪ ،‬وهذا مما ُينكره اليهود ويجحدونه ‪ .‬فالتوراة على امتييدادها‬
‫ضح مصير الروح بعد الموت ‪ ،‬وما يملكونه ميين معتقييدات فيييا يتعلييق بييالروح‬ ‫الشاسع ‪ ،‬ل تجد فيها حتى كلمة تو ّ‬
‫والبعث والجزاء ‪ ،‬تعتمد في الدرجة الولى على أقوال متناقضيية ومرتبكيية لحكمييائهم ‪ ،‬وهييذه القييوال مثبتيية فييي‬
‫التلمود ‪ ،‬وهي أقرب ما تكون إلى معتقدات الوثنيين كتناسخ الرواح والحلولية ‪.‬‬
‫وربما تكون نسبة هذا السفر إلى ) يوحّنا ( ‪ ،‬وهو يحيى بن زكريا عليهما السلم صحيحه ‪ ،‬حيث أن يحيييى كييان‬
‫قد سبق عيسى عليه السلم في البعث لليهود ‪ ،‬وحال سفر الرؤيا يشبه حال السفار المتييأخرة ميين التييوراة ‪ ،‬الييتي‬
‫امتازت بالطابع الدعوي النبوي في معظمها ‪ .‬وبعد أن أسقط اليهود النجيل وسفر الرؤيا ‪ ،‬المنسوبين إلييى يوحنييا‬
‫من التوراة ‪ ،‬تلّقفته كهنة النصارى ‪ ،‬ومن ثم قاموا بتحريفه بالحذف والضيافة والتبيديل ‪ ،‬لثبيات ُألوهيية عيسييى‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وأضافوه إلى كتابهم الُمقّدس ‪ ،‬على ما هو عليه من ازدواجية وتكرار باللفاظ والفكار ‪.‬‬
‫أّما الكلم في النجيل المنسوب إلى يوحّنا ‪ ،‬هو أقرب ما يكون إلى كلم عيسى عليه السلم ‪ ،‬حيييث جيياءت علييى‬
‫لسانه البشارة بنبّينييا عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬كمييا نييص عليهييا القييرآن الكريييم ‪ ،‬وهييذا النجيييل يتمّيييز عيين بيياقي‬
‫الناجيل ‪ ،‬بأنه ُيرّكز على القوال التي جاء بها عيسى عليه السيلم ‪ ،‬أكيثر مين طييابع السييرد القصصيي للفعييال‬
‫التي قام بها ‪ ،‬الذي غلب على الناجيل الخرى ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫إنجيل يوحنا‬

‫نص البشارة بنبي السلم عليه الصلة والسلم ‪:‬‬

‫ن الّتفْوَراِة ‪،‬‬
‫ن َيفَديّ ِمف َ‬
‫صّدًقا ِلَما َبْيف َ‬
‫سوُل الِّ ِإَلْيُكْم ‪ُ ،‬م َ‬ ‫سَراِئيَل ِإّني َر ُ‬ ‫ن َمْرَيَم ‪َ ،‬يَبِني ِإ ْ‬
‫سى اْب ُ‬
‫عي َ‬‫قال تعالى ) َوِإْذ َقاَل ِ‬
‫ن )‪ 6‬الصف (‬ ‫حٌر ُمِبي ٌ‬ ‫سْ‬ ‫ت ‪َ ،‬قاُلوا َهَذا ِ‬ ‫جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫حَمُد ‪َ ،‬فَلّما َ‬
‫سُمُه َأ ْ‬
‫ن َبْعِدي ا ْ‬
‫سوٍل َيْأِتي ِم ْ‬ ‫شًرا ِبَر ُ‬
‫َوُمَب ّ‬
‫ق ‪ ،‬الذي ل يسييتطيع‬ ‫" ‪ :16-18 :14‬وأنا سأسأل الب ‪ ،‬فيهب لكم مؤّيدًا آخر ‪ ،‬يكون معكم إلى البد ‪ ،‬روح الح ّ‬
‫العالم أن يتلّقاه لّنه ل يراه ول يعرفه ‪ ،‬أّما أنتم فتعلمون ‪ ،‬أّنه ُيقيم عنييدكم ويكييون فيكييم ‪ ،‬ليين أدعكييم يتييامى فييإني‬
‫أرجع إليكم " ‪.‬‬
‫ي ُيخبر عيسى أتباعه في هذا النص أن الب سيرسل لهم مؤيدا آخر ‪ ،‬غير عيسى عليه السلم ‪ ،‬فييإن كييان عيسييى‬
‫هو ال ‪ ،‬فإن ال سيبعث للنصارى إلها غير عيسى ‪ ،‬وإن كان ابن ال فإن ال سيييبعث لهييم ابنييا لييه غييير عيسييى ‪،‬‬
‫وإن كان عيسى رسول الي فييإن الي سيييبعث لهييم رسييول آخيير غيييره ‪ .‬وُيخييبر أيضييا أن رسييالته سييتكون خاتميية‬
‫ق ويعدل به ‪ ،‬وُيخبرهم بأنهم امتازوا على الخرين من سكان العالم ‪ ،‬بيأن ليديهم‬ ‫الرسالت السماوية ‪ ،‬ويأتي بالح ّ‬
‫علم بهذا الرسول ‪ ،‬وبإخبارهم أيضا أن الوحي من بعده لن ينقطع ‪.‬‬
‫" ‪ : 24-25 :14‬ومن ل ُيحبني ل يحفظ كلمي ‪ ،‬والكلمة التي تسييمعونها ليسييت كلمييتي ‪ ،‬بييل كلميية الب الييذي‬
‫أرسلني ‪ .‬قلت لكم هذه الشياء وأنا ُمقيم عندكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :26-31 :14‬ولكن المؤّيد الروح القدس ‪ ،‬الذي ُيرسله الب باسمي ‪ ،‬هييو ُيعلمكييم جميييع الشييياء ‪ ،‬وُيييذّكركم‬
‫بجميع ما قلته ‪ … .‬لقد أنبأتكم ُمنذ الن بالمر قبل حدوثه ‪ ،‬حتى إذا حدث تؤمنون ‪ ،‬ليين ُأطيييل عليكييم الكلم بعييد‬
‫ب الب وأّنيي أعمييل كميا‬ ‫ي ‪ ،‬وميا ذليك إل ليعيرف العييالم أّنيي ُأحي ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬لن سيد هذا العالم آت وليس ليه يييد علي ّ‬
‫أوصاني " ‪.‬‬
‫ي يخبرهم بأن هذا المؤّيد ‪ ،‬سُيذّكرهم ميين خلل الييوحي بمييا سييبقه ‪ ،‬وُيعّلمهييم أشييياء جديييدة ‪ ،‬وسييبب إخبيياره لهييم‬
‫بذلك ‪ ،‬هو وجوب اليمان به واّتباعه عند ظهوره ‪ .‬يصفه عيسى بأنه س يّيد هييذا العييالم ‪ ،‬ويؤكييد مجيئه ‪ ،‬وأنييه ذو‬
‫أفضلية على من قبله ‪ ،‬وُيخبرهم في نهاية النص أّنه بّلغهم البشارة بأمانة كما أخبره ربه ‪.‬‬
‫ق الُمنبثق ميين الب ‪ ،‬فهييو يشييهد لييي وأنتييم أيضييا‬
‫" ‪ :26-27 :15‬ومتى جاء الُمؤّيد ‪ ،‬الذي أرسله لكم روح الح ّ‬
‫تشهدون ‪ ،‬لنكم معي منذ البدء " ‪.‬‬
‫ي هذا النص تكرار لجزاء مما تقدم من نصوص ‪.‬‬
‫ل من يقتلكم‬
‫ن فيها ك ّ‬
‫‪ُ :1-14 :16‬قلت لكم هذه الشياء لئل تعثروا ‪ .‬سيفصلونكم عن المجامع ‪ ،‬بل تأتي ساعة يظ ّ‬
‫بأنه يؤدي عبادة ل ‪ … .‬وقد قلت هذه الشياء لكم لتذكروا إذا أتت الساعة أّني ُقلتها لكم ‪ ،‬ولم أقلها منذ البدء لّني‬
‫كنت معكم ‪ ،‬أّما الن فإّني ذاهب إلى الذي أرسلني ‪ ،‬وما من أحد يسألني إلى أين أذهب ؟ ل بل مل الحزن قلوبكم‬
‫ض ل يأتكم المؤّيد ‪ ،‬أّما إذا ذهبت فأرسله إليكم " ‪.‬‬
‫‪ ،‬لّني قلت لكم هذه الشياء ‪ .‬فإن لم أم ِ‬
‫_ ُيثبت هذا النص بما ل يدع مجال للشك ‪ ،‬أن هذا المؤّيد سُيرسل ل محالة ‪ ،‬وأن بعثه مرتبط بذهاب عيسى عليه‬
‫السلم ‪.‬‬
‫" ‪ :8-11 :16‬وهو متى جاء ‪ ،‬أخزى العالم على الخطيئة والبّر والدينونة ‪ :‬أما على الخطيئة ‪ ،‬فلنهم ل يؤمنون‬
‫بي ‪ .‬وأّما على البّر ‪ ،‬فلني ذاهب إلى أبي ‪ ،‬وأما على الدينونة ‪ ،‬فلن سّيد هذا العالم قد ِدين ‪. ".‬‬
‫ي هذا النص فيه فلسفة تفسيرية من الكاتب ‪ ،‬محاول ترميم ما أفسييده ميين تغيييير لللفيياظ والعبييارات ومواضييعها ‪،‬‬
‫شييرا‬ ‫شرا ونذيرا ‪ ،‬يييدعوا إلييى الييبّر وُيييدين الخطيئة ‪ُ ،‬مب ّ‬ ‫والمعنى المراد من وراء هذا النص ‪ ،‬أنه يأتي شاهدا وُمب ّ‬
‫ي ِإّنففا‬
‫بالثواب وُمنذرا بالعقاب وشاهد على الخلق يوم الدينونة أي يوم القيامة وال أعليم ‪ ،‬قييال تعييالى ) َيَأّيَهففا الّنِبف ّ‬
‫شًرا َوَنِذيًرا )‪ 45‬الحزاب ( ‪.‬‬
‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬
‫ك َ‬
‫سْلَنا َ‬
‫َأْر َ‬

‫‪156‬‬
‫ق ‪ ،‬أرشدكم إلى الحقّ كله ‪ ،‬لّنه لن يتكّلم من عنده ‪ ،‬بل يتكّلييم بمييا‬
‫" ‪ :13-14 :16‬فمتى جاء هو ‪ ،‬أي روح الح ّ‬
‫جدني لنه يأخذ مما لي وُيخبركم " ‪.‬‬‫يسمع ‪ ،‬ويخبركم بما سيحدث ‪ ،‬سُيم ّ‬
‫طف ُ‬
‫ق‬ ‫ق ‪ ،‬وُيبّلغ رسالة ربه علييى أكمييل وجييه ‪َ ) ،‬وَمففا َيْن ِ‬
‫ق " ‪ ،‬سيرشدهم إلى الح ّ‬
‫ي هذا النص ُيخبر بأن " روح الح ّ‬
‫حى )‪ 4‬النجم ( ‪ ،‬وُينبئهم بأمور غيبية ستحدث لحقا ‪.‬‬ ‫ي ُيو َ‬
‫حٌ‬‫ن ُهَو ِإّل َو ْ‬
‫ن اْلهََوى )‪ِ (3‬إ ْ‬
‫عِ‬‫َ‬
‫ولو أمعنت النظر أخي القارئ ‪ ،‬في النصوص أعله أو رجعت إلى الكتاب نفسييه ‪ ،‬ستكتشييف بسييهولة محيياولت‬
‫التضليل والتمويه ‪ ،‬من خلل تتّبع النصوص ومقارنتها مع بعضها البعض ‪ ،‬فاللفاظ والُمسّميات تتكّرر بصييورة‬
‫ُمزدوجة ‪ ،‬وتتقّدم أحيانا وتتأخر أحيانا أخرى ) ُيحّرفييون الكلييم عيين مواضييعه ( ‪،‬كمييا هييو الحييال فييي النصييوص‬
‫التوراتية تماما ‪ .‬وغالبا ما يكشف أحد النصوص المزدوجة كذب وتضليل النص الخر ‪.‬‬

‫إنجيل متى‬

‫النجيل يكشف حقيقة اليهود وُيح ّ‬


‫ذر الناس من اّتباعهم ‪:‬‬

‫" متى ‪ :13 :23 :‬ولكن الويل لكم أّيها الكتبة والفّريسّيون المراءون ‪ ،‬فإنكم ُتغلقون ملكوت السماوات فييي وجييوه‬
‫الناس ‪ ،‬فل أنتم تدخلون ‪ ،‬ول تدعون الناس يدخلون ‪ ، … ،‬فإنكم تطوفون البّر والبحر ‪ ،‬لتكسبوا ُمتهّودا واحدا ‪،‬‬
‫فإذا تهّود جعلتموه أهل لجهّنم ‪ ،‬ضعف ما أنتم عليه ‪ .‬الويل لكم أيها القادة العميان ‪ ،‬تقولون ‪ :‬من أقسييم بالهيكييل ‪،‬‬
‫فقسمه غير ُملزم ‪ ،‬أّما من أقسم بذهب الهيكل ‪ ،‬فقسمه ُملزم " ‪.‬‬
‫" ‪ :27 :23‬الويل لكم … فإنكم كالقبور المطلية بالكلس ‪ ،‬تبدو جميلة من الخارج ‪ ،‬ولكّنهييا ميين الييداخل ‪ ،‬ممتلئة‬
‫بعظام الموتى وكل نجاسة ‪ .‬كذلك أنتم أيضا تبدون للناس أبرارا ‪ ،‬ولكّنكم ميين الييداخل ممتلئون بالرييياء والفسييق ‪.‬‬
‫… الويل لكم … فإنكم تبنون قبور النبياء وُتزّينون مدافن البرار ‪ ،‬وتقولييون ‪ :‬لييو عشيينا فييي زميين آبائنييا ‪ ،‬لمييا‬
‫شاركناهم في سفك دماء النبياء ‪ .‬فبهذا تشهدون على أنفسكم ‪ ،‬بأنكم أبناء قاتلي النبياء ‪ ،‬فأكملوا ما بدأه آبيياؤكم ‪،‬‬
‫ليطفح الكيل " ‪.‬‬

‫الجريمة وعقابها ‪:‬‬

‫" ‪ :33 :23‬أيها الحّيات ‪ ،‬أولد الفاعي ‪ ،‬كيف ُتفلتون من عقياب جهّنيم ؟ ليذلك هيا أنيا ذا ُأرسيل إليكيم ‪ ،‬أنبيياء‬
‫وحكماء ومعّلمين ‪ ،‬فبعضهم تقتلون وتصلبون ‪ ،‬وبعضهم في مجامعكم تجلدون ‪ ،‬ومن مدينة إلى ُأخرى ُتطاردون‬
‫سفك في الرض ‪ ،‬من دم هابيل الّبار إلى دم زكرّيا بن برخيا ‪ ،‬الذي قتلتموه بيين الهيكيل‬ ‫‪ ،‬حتى يقع عليكم كل دٍم ُ‬
‫والمذبح ‪ .‬الحق أقول لكم ‪ :‬أن عقاب ذلك كله سينزل بهذا الجيل " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :23‬أورشليم ‪ ،‬يا قاتلة النبياء وراجمة المرسييلين إليهييا ‪ .‬كييم ميّرة أردت أن أجمييع أولدك ‪ ،‬كمييا تجمييع‬
‫الدجاجة فراخها تحت جناحيها ‪ ،‬فأَبْيتم ‪ .‬ها إن بيتكم ُيترك لكم خرابا ‪ ،‬فإني أقول لكم ‪ :‬أّنكم لن تروني ميين الن ‪،‬‬
‫حتى تقولوا ‪ُ :‬مبارك التي باسم الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :1 :24 :‬ثم خرج يسوع من الهيكل ‪ ، … ،‬فقال لهم ‪ :‬أما ترون هذه المباني كلها ؟ الحقّ أقول لكم ‪ :‬لن ُيترك‬
‫هنا حجر فوق حجر إل وُيهدم " ‪.‬‬

‫المسيح ُينبئ بأحداث آخر الزمان ‪:‬‬

‫" ‪ :3 :24‬وبينما كان جالسا على جبل الزيتون ‪ ،‬تقّدم إليه التلميذ على انفراد ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬أخبرنا متى يحدث هذا‬
‫) أي خراب أورشليم ( ‪ ،‬وما هي علمة رجوعك ‪ ،‬وانتهاء الزمان ؟ فأجاب يسوع ‪ :‬انتبهييوا ‪ ،‬إّييياكم أن ُيض يّلكم‬
‫أحد ‪ ،‬فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي ‪ ،‬ويضيّلون ُأناسييا كييثيرين ‪ .‬وستسييمعون بييالحروب وبإشيياعات‬
‫عن الحروب ‪ ،‬فإياكم أن تفزعوا ‪ ،‬فل بّد من حدوثها ‪ ،‬ولكن ليين تكييون النهاييية عنييدئذ ‪ .‬فسييتقوم أميية علييى أميية ‪،‬‬
‫ومملكة على مملكة ‪ ،‬وتحدث مجاعات وزلل في أماكن كثيرة ‪ ،‬وهذا ليس إل بدء المخاض " ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫اضطهاد المؤمنين بالله وفساد الدنيا ُيب ّ‬
‫شر بقرب النهاية ‪:‬‬

‫" ‪ :9 :24‬وستسلمون عندئذ إلييى الضيييق وتقتلييون ‪ ،‬وُيبغضييكم جميييع الييوثنيين ميين أجييل اسييمي ‪ .‬فيعييثر أنيياس‬
‫كثيرون ‪ ،‬وُيسلم بعضهم بعضا ويتباغضون …‪ .‬ويزداد الثم ‪ ،‬فتفتر المحبة في أكثر النيياس ‪ ،‬والييذي يثبييت إلييى‬
‫النهاية فذاك الذي يخلص ‪ .‬وسُتعلن بشارة الملكوت هييذه ‪ ،‬فييي المعمييورة كّلهييا ‪ ،‬شييهادة لييدى الييوثنيين أجمعييين ‪،‬‬
‫وحينئذ تأتي النهاية " ‪.‬‬

‫قيام دولة إسرائيل ودمارها ُيبشر بقرب النهاية ‪:‬‬

‫" متى ‪ :15 :24 :‬فإذا رأيتم الُمخّرب الشنيع ‪ ،‬الذي تكّلم عليه النبي دانيال ‪ ،‬قائمييا فييي المكييان الُمقيّدس – ليفهييم‬
‫القارئ – فليهرب إلى الجبال من كان عندئذ في اليهودية ‪ ،‬ومن كان على السييطح فل ينييزل ليأخييذ مييا فييي بيتييه ‪،‬‬
‫ومن كان في الحقل فل يرجع ليأخذ رداءه ‪ ،‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ‪ ،‬صّلوا لئل يكون هربكييم‬
‫في الشتاء أو في يوم سبت " ‪.‬‬
‫" لوقا ‪ :24-20 :21 :‬فإذا رأيتم أورشليم قد حاصرتها الجيوش ‪ ،‬فاعلموا أن خرابها قد اقترب ‪ ،‬فمن كان يومئذ‬
‫في اليهودية فليهرب إلى الجبال ‪ ،‬ومن كان في وسييط المدينيية فليخييرج منهييا ‪ ،‬وميين كييان فييي الحقييول فل يييدخل‬
‫إليها ‪ ،‬لن هذه اليام أيام نقمة يتم فيها جميع ما ُكتب ‪ ،‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ‪ ،‬فستنزل الشّدة‬
‫على هذا البلد وينزل الغضب على هذا الشعب ‪ ،‬فيسقطون قتلى بحّد السيف ويؤخذون أسرى إلى جميع المم " ‪.‬‬
‫ي المقصود بالُمخّرب الشنيع ‪ ،‬في النص الول المييأخوذ ميين إنجيييل مييتى هييي دوليية الفسيياد إسييرائيل ‪ ،‬وهييذا مييا‬
‫ضحه النص الثاني من إنجيل لوقا بنص صريح بعبارة )فإذا رأيتم أورشليم ( ‪ .‬ولو تمّعنت في النصائح الُمقّدمة‬ ‫يو ّ‬
‫للشعب اليهودي لتجّنب القتل والسر ‪ .‬ستجد أن دخول الجيوش على أورشييليم ‪ ،‬سيييكون ُمفيياجئا وسييريعا وبييدون‬
‫ضجة ‪ ،‬لدرجة أن من على سطح المنييزل ل يشييعر بيدخولهم إلييى بيتيه ‪ .‬وأن ميين فيي الرييياف ل يسييمع بهييم إل‬
‫ُمتأخرا ‪ ،‬وأما النصارى الجدد في الغرب ‪ ،‬فيرون أن المقصود بالُمخّرب الشيينيع ‪ -‬أو رجسيية الخييراب فييي سييفر‬
‫دانيال ‪ -‬هو الدجال عدو المسيح ‪ ،‬الذي سيظهر في القدس وأما اليهود فيرون أنه المسجد القصى ‪.‬‬

‫الحرب الكونية النووية ‪:‬‬

‫صيير‬
‫" ‪ :21 :24‬فستحدث عندئذ شّدة عظيمة لم يحدث مثلها ‪ ،‬منذ بدء الخليقة إلى اليوم ولن يحيدث ‪ ،‬وليو ليم تق ّ‬
‫تلك اليام ‪ ،‬لما نجا أحد من البشر ‪ ،‬ولكن من أجل الُمختارين ستقصر تلك اليام " ‪.‬‬
‫ي وهذا أحد النصوص التي يستند إليها نصارى الغرب في تحليلتهم ‪ ،‬بالقول بأن الحرب العالمييية الثالثيية سييتكون‬
‫نووية ل محالة ‪ ،‬لسرعة هذه السلحة في حسم المعركة ‪.‬‬

‫جال ‪:‬‬ ‫المسيح ُيح ّ‬


‫ذر من أتباعه الد ّ‬
‫" ‪ :23 :24‬فإذا قال عندئذ أحد من الناس ‪ :‬هييا هييو ذا المسيييح هنييا ‪ ،‬بييل هنييا ‪ ،‬فل ُتصيّدقوه ‪ .‬فسيييظهر ُمسييحاء‬
‫جالون وأنبياء كّذابون ‪ ،‬يأتون بآيات عظيمة وأعاجيب ‪ ،‬لُيضّلوا حتى الُمختارين ) التقياء ( لو استطاعوا ‪ .‬فهييا‬ ‫دّ‬
‫أنا قد أنبأتكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :26 :24‬فإن قيل لكم ها هو في البرية ‪ ،‬فل تخرجوا إليها ‪ ،‬أو ها هو ذا في المخابئ ‪ ،‬فل ُتصّدقوا ‪ .‬وكما أن‬
‫البرق يخرج مين المشيرف ‪ ،‬ويلميع حيتى المغيرب ‪ ،‬فكيذلك يكيون مجييء ابين النسيان ‪ ،‬وحييث تكيون الجيفية‬
‫) الدجال ( تتجّمع النسور ) اليهود ( " ‪.‬‬

‫ظواهر فلكية تسبق بداية النهاية ‪:‬‬

‫" ‪ :29 :24‬وعلى أثر الشّدة في تلك اليام ‪ُ ،‬تظلم الشيمس ) كسييوف ( ‪ ،‬والقميير ل ُيرسييل ضيوءه )خسيوف ( ‪،‬‬
‫وتتساقط النجوم من السماء ) الصواريخ ( ‪ ،‬وتتزعزع قوات السييماء ) دوي النفجييارات ( ‪ .‬وتظهيير عنييدئذ فييي‬
‫‪158‬‬
‫السماء آية ابن النسان ‪ .‬فتنتحب جميع قلئل الرض ‪ ،‬وترى ابن النسان آتيا على غمام السماء ‪ ،‬في تمام العييزة‬
‫والجلل " ‪.‬‬
‫ي وهذا النص جعل الصوليون النجيليون ‪ ،‬يعتقدون بأن مجيء عيسى عليه السلم ‪ ،‬يسبقه حييرب كونييية نووييية‬
‫شاملة ‪ ،‬تحرق الخضر واليابس ‪ ،‬وهم يعملون على دفع القادة السياسيين فييي أمريكييا إلييى التحضييير لهييا ‪ ،‬بغييية‬
‫النتصار فيها والنجاة من أهوالها ‪ ،‬فهي ل محالة قادمة ‪ ،‬ومن ضمن التحضيرات ‪ -‬فضل عن التسييلح النييووي ‪-‬‬
‫إصرار أمريكا مؤخرا ‪ ،‬على إنشاء الدرع المضاّد للصورايخ البالستية ‪.‬‬

‫أحداث النهاية ستكون مباغتة ‪:‬‬

‫" ‪ :32 :24‬من التينة خذوا العبرة ‪ ،‬فمتى لنت أغصانها ونبتت أوراقها ‪ ،‬علمتم أن الصيف قريب ‪ ،‬وكذلك أنتم‬
‫ل هذه المور ‪ ،‬فاعلموا أن ابن النسان قريب بل على البواب … السماء والرض تييزولن وكلمييي‬ ‫إذا رأيتم ك ّ‬
‫ل يزول … " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :24‬وكما كانت الحال في زمن نوح ‪ ،‬كذلك ستكون عند رجوع ابن النسان ‪ ،‬فقد كان الناس قبل الطوفان‬
‫‪ ،‬يأكلون ويشربون ويتزّوجون وُيزّوجون ‪ ،‬وما كانوا يتوقعون شيئا ‪ ،‬حتى جاء الطوفان فجرفهم أجمعين " ‪.‬‬

‫رؤيا يوحّنا‬

‫خروج أصحاب البعث الثاني من أرض الفرات ‪:‬‬

‫" ‪ :14 :9‬فقال للملك السادس ‪ " :‬أطلق الملئكة الربعة الُمقّيدين على النهيير الكييبير ‪ ،‬نهيير الفييرات " ‪ ،‬وكييان‬
‫هؤلء الملئكة الربعة ‪ُ ،‬مجّهزين استعدادا لهذه السيياعة والييوم والشييهر والسيينة ‪ ،‬فيُأطلقوا ليقتليوا ثلييث البشيير ‪.‬‬
‫وسمعت أن جيشهم يبلغ مائتي مليون ُمحارب ‪ ،‬ورأيت في الرؤيا الخيييول وعليهييا فرسييان يلبسييون دروعييا … ‪.‬‬
‫وكانت رؤوس الخيل مثل رؤوس السود ‪ ،‬تلفظ من أفواهها نارا ودخانا وكبريتا ‪ ،‬فُقتل ثلييث النيياس بهييذه البليييا‬
‫الثلث … ‪ .‬وكانت قوة الخيل القاتلة تكمن في أفواهها وفي أذنابها أيضا ‪ ،‬أما سائر النيياس الييذين لييم يموتييوا ميين‬
‫هذه النكبات لم يتوبوا عن أعمالهم … " ‪.‬‬
‫ي هذا النص ُيبين أن هنالك جيش كبير العدد ‪ ،‬مقّييد عليى نهير الفيرات أي فيي العيراق ‪ ،‬وسيُيفكّ قييده فيي موعيد‬
‫ُمعين ‪ .‬ويصف هذا النص ما يملكه هذا الجيش من آلّيات حربية حديثة ‪ ،‬وأن هناك ُأناس سينجون من هذا الجيييش‬
‫‪ ،‬ولكنهم بالرغم من ذلك لن يتوبوا ‪.‬‬

‫جفاف نهر الفرات والحرب العالمية النهائية ‪:‬‬

‫ف مياؤه ‪ ،‬ليصيير مميرا للمليوك‬ ‫" ‪ :12-14 :16‬وسكب الملك السادس ‪ ،‬كأسيه عليى نهير الفيرات الكيبير فجي ّ‬
‫القييادمين ميين الشييرق ‪ ،‬وعنييد هييذا رأيييت ثلثيية أرواح نجسيية ‪ ، … ،‬وهييي أرواح شيييطانية قييادرة علييى صيينع‬
‫الُمعجزات ‪ ،‬تذهب إلى ملوك الرض جميعا ‪ ،‬وتجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬يوم ال ي القييادر علييى كييل‬
‫شيء " ‪.‬‬
‫ف نهر الفرات ميين جييراء ذلييك ‪ ،‬إمييا قبييل أو بعييد نشييوب‬ ‫ي هذا النص ُيخبر بأن العراق قد ُيضرب بالنووي ‪ ،‬فيج ّ‬
‫الحرب العالمية ‪ ،‬ليصير ممرا للدول الشرقية لتشارك في الحييرب القادميية ‪ ،‬والييدول الواقعيية شييرق الفييرات تبييدأ‬
‫بإيران وتنتهي بالصين ‪ ،‬ومن ثم يجتمع ملوك العالم لتبدأ الحرب البرية ‪ ،‬التي ُيحّدد مكانها في النص اللحق ‪.‬‬
‫" ‪ :16-21 :16‬وجمعت الرواح الشيطانية جيوش العالم كلها ‪ ،‬في مكان ُيسيّمى بالعبرييية " هرمجييدون " ‪ .‬ثييم‬
‫ي الميير " ‪ .‬فحييدثت بيروق‬ ‫سكب الملك السابع كأسه على الهواء فدوى صوت من العرش ‪ ، … ،‬يقول ‪ُ " :‬قض َ‬
‫وأصوات ورعود وزلزال عنيف ‪ ،‬لم تشهد الرض لييه مييثيل ‪ ،‬منييذ أن ُوجييد النسييان علييى الرض ‪ ،‬لنييه كييان‬
‫ل الدمار بُمدن المم ‪ ،‬فقد ذكر ال بابل الُعظمى‬ ‫زلزال عنيفا جّدا ‪ ،‬فانقسمت المدينة الُعظمى إلى ثلثة أقسام ‪ ،‬وح ّ‬

‫‪159‬‬
‫جزر كلهيا واختفيت الجبيال ‪ ،‬وتسياقط مين السيماء عليى النياس َبيَردٌ‬
‫ليسقيها كأسا تفور بخمر غضبه ‪ ،‬وهربت ال ُ‬
‫ل حّبة بقدار وزنة واحدة ‪ ،‬فجّدف الناس على ال ‪ ،‬بسبب هذه البلية الشديدة جدا " ‪.‬‬
‫كبير ‪ ،‬ك ّ‬
‫ي هذا النص يصف هذه الحرب ‪ ،‬فهناك صواريخ تسقط من السماء ‪ ،‬وأصوات انفجاراتها ُمدّوييية كالرعييد محدثيية‬
‫خيير‬
‫جييزر تحييت الميياء لييذوبان الكتييل الجليدييية ‪ ،‬وتب ّ‬
‫زلزل عنيفة ‪ ،‬واختفاء الجبال من شدة الزلزل ‪ ،‬وهروب ال ُ‬
‫طحات المائية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة التي ستحدثها السلحة النووية ‪.‬‬ ‫المس ّ‬
‫أّميا المدينية الُعظميى اليتي ستنقسيم إليى ثلثية أقسيام فهيي بل شيك أمريكيا ‪ ،‬وإن كيان هنياك مدينية بعينهيا فهيي‬
‫نيويورك ‪ ،‬بالرغم من أن كتبة التوراة ‪ ،‬أضافوا عبارة ) فقد ذكر ال بابل الُعظمى ( ‪ .‬فلفظ مدينية بالعبرييية يعنيي‬
‫عظمييى فييي العصيير الحييالي ‪ ،‬فهييم أضييافوا هييذه العبييارة لكييون بابييل فييي‬ ‫دولة ‪ ،‬وبما أن النبوءة تحكي عن دولة ُ‬
‫ُمخّيلتهم ‪ُ ،‬تمّثل الدولة العظمى والقوية في العصور القديمة ‪ ،‬أما بابل الحالية أي العراق ‪ ،‬فهييي ليسييت بييأي حييال‬
‫من الحوال بالدولة العظمى ‪ ،‬وهذه الصفة تتمّيز بها أمريكا ‪.‬‬
‫سري النبوءات التوراتية والنجيلية ُمؤخرا اكتشفوا هيذا المير ‪ ،‬ومنهيم مين قيام بتيأليف كتيب‬ ‫ويبدو أن بعض مف ّ‬
‫تنبأوا فيها بدمار إسرائيل ومن ثم أمريكا ‪ ،‬وبالتالي تستطيع قراءة النصوص ‪ ،‬التي ُتخبر عن دمار بابل العظمييى‬
‫ل بأمريكا نتيجة هذه الحييرب وليييس العييراق ‪ .‬ولكيين اليهييود يريييدونها بابييل‬
‫أو الجديدة ‪ ،‬على أنها ُتخبر عّما سيح ّ‬
‫سفنهم ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬‫القديمة ‪ ،‬ولكن ستجري الرياح بما ل تشتهيه ُ‬

‫عرس الحمل ‪:‬‬

‫" ‪ :6-10 :19‬ثّم سمعت صوتا ‪ ، … ،‬يقول ‪ " :‬هّللويا ! فإن الرب الله القادر على كل شيء ‪ ،‬قد َمَلك ‪ ،‬لنفرح‬
‫جده ‪ ،‬فإن عرس الحمل ‪ ،‬قد حان موعده ‪ ،‬وعروسيه قيد هّييأت نفسيها ‪ ،‬ووهيب لهيا أن تلبيس الكتيان‬ ‫ونبتهج ونم ّ‬
‫البيض الناصع ‪ ،‬والكتان يرمز إلى أعمال الصلح التي قام بها القّديسون " ‪.‬‬
‫" ‪ :11 :19‬ثم رأيت السييماء مفتوحية ‪ ،‬وإذا حصييان أبيييض ُيسيّمى راكبييه " المييين الصيادق " ‪ ،‬الييذي يقضييي‬
‫ويحارب بالعدل ‪ … .‬وكان الجناد الذين في السماء ‪ ،‬يتبعونه راكبين خيول بيضاء ‪ ، … ،‬وكان يخرج من فمييه‬
‫سيف حاّد ‪ ،‬ليضرب به المم ‪ ،‬ويحكمهم بعصا من حديد ‪. " … ،‬‬
‫ي ل أجد تفسيرا لهذه النبوءة ‪ ،‬إل أنها ُتخبر عن المهدي ) الحمل ( وعروسه ) القييدس ( ‪ ،‬وجيوشييه ) الجنيياد ( ‪،‬‬
‫وانتصاراته في الحروب التي سيخوضها ‪.‬‬

‫عودة المسيح ‪:‬‬

‫" ‪ :4 :20‬ثّم رأيت عروشا ُمنح الجالسون عليهييا حييق القضيياء ‪ .‬ورأيييت نفيوس الييذين ُقتليوا فيي سيبيل الشييهادة‬
‫ليسوع ‪ ،‬وفي سبيل كلمة ال ‪ ،‬والذين … ‪ ،‬وقد عادوا إلى الحياة ‪ ،‬وملكوا مع المسيح ألف سنة ‪ .‬هذه هي القياميية‬
‫الولى ‪ .‬أما بقية الموات فل يعودون إلى الحياة حتى تنقضي اللف سنة " ‪.‬‬
‫ي ظاهر هذا النص ُيبشر بعودة المسيح ‪ ،‬وبأنه سيحكم من انتسب إلييى الديانيية المسيييحية بعييد بعثهييم ميين المييوت ‪،‬‬
‫بغض النظر عن فساد من انتسب إليه أو صلحه ‪ ،‬مدة ألف عام يعيشون فيها بسييلم ‪ ،‬أمييا بقييية البشيير ميين غييير‬
‫المسيحين ‪ ،‬فسيقومون بعد ألف سنة فيما ُيسّمونه بالقيامة الثانية ‪ .‬وسُيخّلدون في نار جهنم ول في خلقه شؤون ‪.‬‬

‫جال ويأجوج ومأجوج ‪:‬‬


‫الد ّ‬
‫" ‪ :7-10 :20‬فحين تنقضي اللف سنة ‪ُ ،‬يطلق الشيطان من سييجنه ‪ ،‬فيخييرج لُيضيّلل المييم فييي زوايييا الرض‬
‫الربع ‪ ،‬جوج وماجوج ويجمعهم للقتيال ‪ ،‬وعيددهم كيثير جيّدا كرميل البحير ‪ ،‬فيصيعدون عليى سيهول الرض‬
‫العريضة ‪ ،‬ويحاصرون من كل جانب ُمعسكر القّديسين ) عيسييى وميين معييه ميين المسييلمين ( والمدينيية المحبوبيية‬
‫) القدس ( ‪ ،‬ولكن نارا من السماء تنزل عليهم وتلتهمهم ‪ .‬ثيم ُيطيرح إبليييس الييذي كييان ُيضيّللهم فييي ُبحييرة النييار‬
‫والكبريت ‪ ،‬حيث الوحش ) أمريكا ( والنبي الدجال ) إسرائيل ( ‪ ،‬هناك سوف ُيعّذبون نهارا وليل إلى أبد البدين‬
‫"‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫) في هذا النص ُيذكر الشيطان ) الدجال ( الذي سُيطلق ‪ ،‬بعد أن كان مقيدا مدة ألف سنة ‪ .‬وهو في الصييل سييابق‬
‫لمجيء عيسى عليه السلم ‪ ،‬ويذكر خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬حيث أنهم يحصرون عيسى ومن معه من المؤمنين‬
‫في جبال القدس ‪ ،‬هربا منهم حيث ل ِقبل لحد بهم ‪ ،‬فيتم القضاء عليهم والتخّلص من جثثهم بأمر ميين عنييد ال ي ‪،‬‬
‫سره العهد القديم أي التوراة ‪ ،‬حيث أخبرت أن جوج وميياجوج هييم‬ ‫سرون هذا النص على ما ف ّ‬‫أّما النصارى فُهم ُيف ّ‬
‫الروس ‪.‬‬

‫البعث والحساب ‪:‬‬

‫" ‪ :11-12 :20‬ثم رأيت عرشا عظيما أبيض ‪ ،‬هربت السماء والرض من أمام الجييالس عليييه ‪ ،‬فلييم يبييق لهمييا‬
‫ل الحييياة‬
‫مكان ‪ .‬ورأيت الموات كبارا وصغارا ‪ ،‬واقفين أمام العرش ‪ .‬وُفتحت الكتب ‪ ،‬ثم ُفتح كتاب آخر هو سج ّ‬
‫طرح الموت … وكل من لم‬ ‫‪ ،‬وِدين الموات بحسب ما هو ُمدّون في تلك الكتب ‪ ،‬كل واحد حسب أعماله ‪ … .‬و ُ‬
‫طرح في ُبحيرة النار " ‪.‬‬
‫ُيوجد اسمه في سجل الحياة ‪ُ ،‬‬

‫السماء الجديدة والرض الجديدة‬

‫"‪ :1 :12‬ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة ‪ ،‬ل بحر فيها ‪ ،‬لن السماء والرض القييديمتين قييد زالتييا ‪ .‬ورأيييت‬
‫المدينة الُمقّدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند ال ‪ . … ،‬وسمعت صييوتا هاتفييا ميين العييرش ‪ " :‬الن‬
‫صار مسكن ال مع الناس هو يسكن بينهم ‪ ،‬وال نفسه يكون معهم إلها لهم ‪ ،‬وسيمسح كل دمعة عيين عيييونهم ‪ ،‬إذ‬
‫يزول الموت والحزن … ‪ ،‬لن المور القديمة كلها زالت " ‪.‬‬
‫ي في الحقيقة يصف هذا النيص ييوم الحشير والحسياب ‪ ،‬حييث أن أورشيليم هيي أرض المحشير ‪ ،‬وهيذا الموقيف‬
‫العظيم الوارد في هذا النص ‪ ،‬موصوف بالتفصيل في مواضع كثيرة من القرآن ‪ .‬ولكن النصارى يفهمون النييص‬
‫على أن إلههم ) المسيح ( سينزل ليسكن معهم في أورشليم الجديدة ‪ ،‬التي يصييفونها فييي نهاييية السييفر ‪ ،‬وهييو فييي‬
‫الحقيقة وصف ُيشبه وصف الجّنة في القرآن ‪ ،‬والموت ل يزول إل عندما يدخل أهل الجنة إلى الجنة وأهييل النييار‬
‫إلى النار ‪.‬‬
‫ي يفهم عامة النصارى وخاصتهم من ُمجمل النصوص أعله ‪ ،‬أنه عندما تبدأ الحداث الُمدّمرة التي سيتعّرض لها‬
‫كوكب الرض ‪ ،‬بأن المسيح سيعود وسيرتفع بهم فوق السحاب ‪ ،‬وبعد نهاية الحييداث الييتي ليين تسييتمّر طييويل ‪،‬‬
‫سينزل بهم ويحكمهم مدة ألف عام ‪ ،‬تحت أرض وسماء جديدتين ‪ .‬وهنا وقع خلط ما بين استعادة الرض لبركتها‬
‫غْيفَر اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫ض َ‬
‫بعد الخراب ‪ ،‬وبين تبّدل السماء والرض يوم القيامة ‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى ) َيفْوَم ُتَبفّدُل اَْلْر ُ‬
‫حِد اْلَقّهاِر )‪ 48‬إبراهيم ( ‪.‬‬
‫ل اْلَوا ِ‬
‫ت َوَبَرُزوا ِّ‬
‫سَمَوا ُ‬
‫َوال ّ‬
‫ولذلك ظهرت جماعة التدبيريين ‪ ،‬التي تدعوا إلى تييدمير كييوكب الرض بالسييلحة النووييية ‪ ،‬لقناعيياتهم الجديييدة‬
‫نتيجة تفسيرهم الجديد ‪ ،‬بأن هناك أرض جديدة وسماء جديدة ستأتي بعييد الييدمار ‪ .‬والمصيييبة الكييبرى أن رؤسيياء‬
‫وساسة ‪ ،‬أكبر دولة عظمى في العالم يؤمنون بذلك ‪ ،‬ويسيييرون بالعييالم نحييو الهاوييية ) فجييورج بييوش البيين ( ل‬
‫يكترث بظاهرة النحباس الحراري ‪ ،‬وارتفاع درجة حرارة الرض ‪ ،‬وهو غير معني بتوقيييع اتفاقييية ) كيوتييو (‬
‫للحد من هذه الظاهرة ‪ ،‬بما أن هذه الرض ستؤول إلى الزوال ‪ ،‬وما يعنيييه فييي الدرجيية الولييى ‪ ،‬هييو السييتعداد‬
‫للحرب النووية القادمة هجوما ودفاعا ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬
‫يعتقد اليهود ونصارى الغرب ‪ ،‬أن قيام دولة إسرائيل للمرة الثانية في فلسطين ‪ ،‬هو علميية لقييرب ظهييور الملييك‬
‫المنتظر بالنسبة لليهود ‪ ،‬وللمجيء الثاني للمسيح بالنسبة للنصارى ‪ ،‬ولذلك يعكف الكثير من النصارى واليهييود ‪،‬‬
‫على اختلف تخصصاتهم العلمية والمهنية في السنوات الخيرة ‪ ،‬على دراسة وتحليل وتفسير النبوءات التوراتية‬
‫والنجيلية ‪ ،‬التي ُتخبر عن أحداث آخيير الزمييان ‪ .‬وخاصيية فيمييا يتعّلييق بنهاييية إسييرائيل ودمييار العييالم الغربييي ‪،‬‬
‫وعودة السلم في نهاية المطاف لواجهة الصدارة ‪ .‬ونطاق هذه البحييوث فييي الغييالب ‪ ،‬يييدور حيول مييا جيياء فييي‬
‫سيير هييذه النصيوص ‪ ،‬والكتيياب‬ ‫التوراة والنجيل من نصوص نبوية ‪ ،‬وما ُقّدم فيها من كتييب ومؤلفييات ميؤخرا تف ّ‬
‫الكثر شهرة في هذا المجال ‪ ،‬هو كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( الغامض ‪ ،‬والسوق الرائجة لطروحيياتهم فييي‬
‫هذا المجال هي شبكة النترنت ‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مقدار ما تشغله هذه النبوءات المستقبلية ‪ ،‬ميين فكيير كبييار رجييالت السياسيية والييدين والعلييم‬
‫وعامة الشعوب الغربية ‪ ،‬وفي مقّدمتها المريكية والبريطانيية والفرنسيية ‪ ،‬وحيتى عامية النصيارى واليهيود فيي‬
‫شتى بقاع الرض ‪ ،‬فما عليك إل أن تزور شبكة النترنت ‪ ،‬وأن تقوم بالبحث – على سبيل المثييال – عيين إحييدى‬
‫الكلمات التالية ‪World War III ) ، (WW III ) ، (WW3 ) ، ( Armegeddon ) ، ( Nostradamus ) ، ( Prophecy ) :‬‬
‫‪ ، ( ) ، ( Miracle) ، ( Piple ) ، ( Torah‬لتجد أن هناك مئات اللف من المواقع التي تعرض البحاث والكتب‬
‫والدراسات ‪ ،‬التي تبحث في تفسير النصوص التوراتية والنجيلية ‪.‬‬
‫ي وفيما يلي بعض المثلة على مثل هذه المواقع ‪:‬‬
‫•‪(NOSTRADAMUS, CATHOLIC PROPHECY ON WORLD WAR III (1999-2030‬‬
‫‪A Catholic Prophecy Nostradamus prophesied that World War III would be initiated‬‬ ‫‪...‬‬
‫‪... .by Russia and Iran on July 4th of 1999 with nuclear and chemical weapons‬‬
‫‪[http://web.tusco.net/newone/nostradamus.htm‬‬ ‫‪[More Results From: web.tusco.net‬‬

‫نبوءة الكاثوليكي نوستراداموس بالحرب العالمية الثالثة ) ‪1999‬م – ‪2030‬م (‬


‫ل من روسيييا وإيييران ‪،‬‬
‫… الكاثوليكي نوستراداموس ‪ ،‬كان قد تنبأ بأن الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬ستبدأ باستخدام ك ٍ‬
‫للسلحة النووية … والكيميائية ‪ ،‬في الرابع من حزيران عام ‪1999‬م …‬
‫•‪... Armageddon, World War III, Antichrist, and the second coming‬‬
‫‪Armageddon, World War III, Antichrist, and the second‬‬
‫‪... coming of Jesus‬‬
‫هرمجدون ‪ ،‬الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬عدو المسيح ) الدجال ( ‪ ،‬العودة الثانية للمسيح …‬
‫‪Web Directory: Resources for Nostradamus Research‬‬
‫مصادر لبحاث نوستراداموس ‪.‬‬
‫‪.Nostradamus Society of America‬‬
‫مجتمع نوستراداموس في أمريكا ‪.‬‬
‫‪International Center for Nostradamian Studies – description of Nostradamus, his prophecies, and Prof.‬‬
‫‪.Vlaicu Ionescu’s interpertations‬‬
‫المركز العالمي لدارسات نوستراداموس …‬
‫وصف لنوستراداموس ‪ ،‬نبوءاته ‪ ،‬وتفسيرات البروفيسور ) ‪. ( Vlaicu Ionescu‬‬
‫‪162‬‬
‫‪.Nostradamus, Saddam Hussein, Armegeddon – by Storm Ministries‬‬
‫نوستراداموس ‪ ،‬صدام حسين ‪ ،‬هرمجدون‬
‫كتاب لكاتب البريطاني ) ستورم مينيسييتريز ( ‪ ،‬يبحييث فييي النصييوص النبوييية التوراتييية ‪ ،‬يجيييب فيييه عيين عيّدة‬
‫جال آخيير الزمييان الييذي تنبييأ بييه‬
‫تساؤلت يطرحها في بداية كتابه ‪ ،‬وأحد هذه التساؤلت ‪ :‬هل صدام حسين هو د ّ‬
‫) نوستراداموس ( ؟! ‪.‬‬

‫من هو ) نوستراداموس ( ‪ ...‬؟‬

‫ي من كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( للطبيب الفرنسيي د‪ ) .‬دو فونيبرون ( ‪ ،‬ترجمية أسيامة الحياج ‪ ،‬دار مكتبية‬
‫التربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬طبعة ‪1996‬م ‪.‬‬
‫هو مسيحي كاثوليكي فرنسي ذو أصل يهيودي ‪ ،‬عياش فيي الفيترة ) ‪1566 – 1503‬م ( أّليف أحيد أشيهر كتيب‬
‫النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ .‬يقول هذا المتنبئ في مقدمة كتابه أن مصييدر نبييوءاته ‪ ،‬هييو مجموعيية ميين الكتييب‬
‫والمجلدات القديمة ‪ ،‬التي كان قد ورثها عن أجداده اليهود ‪ ،‬كانت مخبأة منييذ قييرون عديييدة ‪ ،‬وعلييى مييا يبييدو أنيه‬
‫استطاع من خللها ‪ ،‬الكشف عن الرموز التوراتية اللفظية والعددية ‪ ،‬اليتي اسيتخدمها مؤلفيو التيوراة مين الكهنية‬
‫والحبار ‪ ،‬ومن ثم قام بقراءة الحداث الواردة في النبوءات ‪ .‬ووضعها في كتاب على شكل رسائل نثرية وأبيات‬
‫شعرية سّماها الرباعيييات ‪ ،‬اسييتخدم فيهييا الكييثير ميين السييتعارات والرمييوز الواضييحة الدلليية أحيانييا والمضيّللة‬
‫والُمحّيرة أغلب الحيان ‪.‬‬
‫وقد اجتهد كثير من الباحثين الغربيين وخاصة فييي العصيير الحييديث ‪ ،‬وأجهييدوا أنفسييهم بمحيياولت مضيينية لحييل‬
‫رموزه وطلسمه ‪ ،‬ومحاولت مضنية لمطابقتها لما جرى ويجري وسيجري على أرض الواقع ‪ ،‬لدرجة أنيك ليو‬
‫بحثت عن لفظ ) ‪ ( Nostradamus‬في أحد محّركات البحث على شييبكة النييترنت ‪ ،‬سييتجد آلف المواقييع لمراكييز‬
‫وجمعيات وكتب ودراسات ‪ ،‬تبحث فيي أمير نبيوءاته وتجتهييد فيي مطابقتهييا ميع الواقيع ‪ ،‬فيي محاولية لسيتقراء‬
‫المسييتقبل ‪ ،‬وخاصيية فيمييا يتعلييق بأحييداث النهاييية ‪ ،‬وخاصيية الحييرب العالمييية الثالثيية ونهاييية الحضييارة الغربييية‬
‫المرتبطيية بعييودة الخلفيية السييلمية ‪ ،‬والملفييت للنظيير أن هييذا المتنييبئ يحمييل حقييدا وكراهييية شييديدة للعييرب‬
‫والمسلمين ‪ ،‬حيث يصفهم بأبشع الصفات بأسلوب على ل يخلو من التحريض ‪.‬‬
‫ومن أشهر الكتب في تفسير نبوءاته وفك رموزه وطلسمه ‪ ،‬هييو كتيياب ) نبييوءات نوسييتراداموس ( ‪ ،‬الييذي أّلفييه‬
‫طبع هذا الكتاب عدة مييرات ‪ ،‬أعييوام ‪ 38‬و ‪ 39‬و‬ ‫الطبيب الفرنسي ) دو فونبرون ( ‪ ،‬المتوفى عام ‪1959‬م ‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪1940‬م ‪ ،‬ومن ثم ُأعيد طبعه بعد عدة سنوات من خلل ابن المؤلف ‪ ،‬ومما أضافه البن إلى الطبعة الجديييدة ميين‬
‫الكتاب نص مخطوط بقلم أبيه الطبيب ‪ ،‬كتبه قبل وفاته بأربعة أشهر بعنوان ) بحث في الحداث القادمة ( ‪.‬‬
‫وهذا نصه ‪:‬‬
‫" يجب النظر بصورة منفصلة إلى الحداث وتتابعها الزمني ‪ ،‬إن ترتيبها من حيث الزمان ل يمكن تص يّوره ‪ ،‬إل‬
‫ضمن عملية افتراضية ‪ ،‬إذ أن المعطيات المتعلقة بها شديدة التشييذر ‪ ،‬بحيييث ل يمكيين أن تييؤدي إلييى اسييتنتاجات‬
‫أكيدة كليا …‬
‫إن جميع النبوءات القّيمة مترّكزة على الحقبة ‪ ،‬التي سييتغدو فيهييا الحضييارة الغربييية ‪ ،‬مهيّددة بالييدمار ‪ .‬والوقييائع‬
‫الساسية لهذه الزمة العالمية ‪ ،‬هي كالتالي ‪ :‬الحرب والثييورة العامتييان ‪ ،‬تييدمير بيياريس الكلييي بالنييار ‪ ،‬وتييدمير‬
‫جزء من مرسيليا ‪ ،‬بتلطم لمواج البحر ‪ ،‬هزات أرضية مخيفة ‪ ،‬وباء طاعون يقضي على ثلثي البشرية ‪ ،‬البابييا‬
‫المطرود من روما ‪ ،‬انشقاق كنسي …‬
‫يبدو أن هذه الحداث ستبدأ بالحرب بين الشرق والغرب ‪ ،‬أما ذريعتها فسييتكون فييي الشييرق الوسييط ) العييراق ‪،‬‬
‫إيران ‪ ،‬أو فلسطين ( ‪ ،‬ومن المرجح أن تجري على مرحلتين ‪ ،‬على غرار حرب ‪1945– 39‬م …‬

‫‪163‬‬
‫في تلك اللحظة يظهيير نجييم مييذّنب سييوف يميّر علييى مقربيية ميين الرض ‪ ،‬لدرجيية أنهييا سييتجتاز شييعره الُمحّمييل‬
‫بالحصى ‪ ،‬هذه النيازك الجوية التي ستكون بمثابة انتقام السماء العجائبي ‪ ،‬سوف تسقط على أمكنة محّددة ‪ ،‬حيث‬
‫ستكون محتشدة قوات الثورة الحمراء ‪ ،‬والسطول الروسي في البحر المتوسط …‬
‫من المرجح أن تدمير باريس ‪ ،‬سيتم في المرحلة الثانية من النزاع ‪ ،‬قبل وقت قصير من طرد البابا من روما …‬
‫" ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وجاء في نفس المقدمة ما مفاده أن المحنة الكبرى ‪ ،‬التي ستشهد بداية تدمير الحضارة اليهودية المسيحية ‪ ،‬كييان )‬
‫نوستراداموس ( قد حّدد نقطة انطلقها في الشهر السابع من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫نصوص من نبوءات ) نوستراداموس ( من كتاب الطبيب الفرنسي ‪:‬‬
‫صه ‪:‬‬
‫في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما ن ّ‬
‫" وسوف تتم حملة جديدة ‪ ،‬ما وراء البحر المتوسط لنقاذ النييدلس ‪ ،‬الييتي ُيهيّددها النهييوض الول للمحمييديين ‪.‬‬
‫) إشارة للستعمار الغربي للبلد العربية ( ‪.‬‬
‫والمكان الذي كان به مسكن إبراهيييم فييي الماضييي البعيييد ) أي العييراق ( سييوف ُتهيياجمه رسييل المسيييح ) إشييارة‬
‫للعدوان الصليبي على العراق ( ‪.‬‬
‫ومدينة ) سيشم ( أي فلسطين ‪ ،‬سوف ُتحيط بها وتهاجمها من كل الجهات ‪ ،‬جيوش غربييية قوييية جييدا سييتحد ميين‬
‫قوة أساطيلهم ‪ .‬وفي هذا الملك سوف يحدث حزن عظيم تقفر مدنه الكبرى ‪ ) .‬إشارة لستلب فلسطين (‬
‫والذين يعودون إليها أولئك الذين سُيمارس ال غضبه ضدهم ) أي اليهود في فلسييطين ( ‪ ،‬والمكييان الُمقيّدس ليين‬
‫يؤوي بعد ذلك ‪ ،‬سوى عدد صغير جدا من الكفار ) يقصد المسلمين ( ‪ ،‬أوه ! في أي حزن فاجع ‪ ،‬سييتكون عنييدئذ‬
‫النساء الحبالى ‪ ،‬اللواتي ستمنعهن ثمرة أحشائهن من الهرب …‬
‫وخلل كل هييذا التقييدير الكرونولييوجي ) الممتييد طوليييا عييبر الزميين ( ‪ ،‬الُمعيياد إلييى الكتابييات المقّدسيية ‪ ،‬سيييتولد‬
‫اضطهاد رجال الكنيسة ‪ ،‬من خلل تحالف قادة الشييمال العسييكريين )ميين قبييل دول التحيياد السييوفييتي السييابق ‪،‬‬
‫يأجوج ومأجوج ( ‪ ،‬وهذا الضطهاد سيدوم ‪ 11‬عاما غييير مكتمليية ‪ ،‬وستسييقط خللهييا الدوليية الشييمالية الرئيسييية‬
‫) روسيا ( ‪ ،‬بعد أن ُتنجز تلك السنوات ميين الضييطهاد ‪ ،‬سيييأتي حليفهييا الجنييوبي ) العييرب ( ‪ ،‬الييذي سيضييطهد‬
‫رجال الكنيسة على مدى ثلثة أعوام وبقسوة أشّد … إلى حّد أن دم رجال الدين الحقيقيين سيسييبح فييي كييل مكييان‬
‫…‬
‫وللمرة الخيرة أيضا سترتجف كل الممالك المسيحية ‪ ،‬وكذلك ممالك الكفييار خلل ‪ 25‬عامييا ‪ ،‬سييتكون الحييروب‬
‫والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى ‪ ،‬وسوف ُتحرق المدن والقصور وكل المباني الخرى ‪ ،‬وسيتم هجرها‬
‫وتدميرها ‪ ،‬مع إهراق عظيم لدماء العذارى والمهات والرامل المغتصبات ‪ ،‬والطفييال الُرضييع الييذين س يُيرمى‬
‫طم عظامهم ) وصف لعقاب اليهود في فلسطين ( ‪ ،‬الكثير من الشرور سيييتم ارتكابهييا‬ ‫بهم على جدران المدن وتح ّ‬
‫بفعل الشيطان المير الجهنمي ‪ ،‬بحيث كل العالم الكاثوليكي تقريبا ‪ ،‬سيييتعّرض للخييراب والبييادة ‪ ،‬وقبييل أن تتييم‬
‫هذه الحداث ‪ ،‬ستدوي في الفضيياء طيييور غريبيية ) هييي الطيائرات ( … ‪ ،‬وسيتختفي بعيد قلييل ‪ ،‬بفعييل الكارثية‬
‫النهائية للعالم ) الحرب العالمية النووية الثالثة ( … ومن ثم ستقوم حقبة جديدة ‪ ،‬عهد ذهييبي سيييأمر بييه الخييالق ‪،‬‬
‫وعندئذ سيبدأ بين ال والبشر سلم شامل ) زمن عيسى عليه السلم ( … "‬
‫وفي نهاية الفصيل )‪ (11‬مين الكتيياب يخليص المؤلييف إلييى القيول ‪ " :‬كييل الشيرق إذن سييينتفض مين جديييد ضيد‬
‫الغرب ‪ ،‬وحبره العظم الخير بطرس الروماني ) أمريكا ( … "‬
‫ي نجد أن المؤلف من خلل فهمه لمجمل نصوص ) نوستراداموس ( ‪ ،‬يخلص إلى أن الشعوب الشييرقية بمييا فيهييا‬
‫من إثنيات متنوعة ‪ ،‬ستتحد ضد الغرب في مواجهة مصيرية نهائية ‪.‬‬
‫وفي بدايات الفصل )‪ (14‬على لسان المتنبئ ‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ " 1-9‬من الشرق سيأتي العمل الغادر ‪ .‬الذي سُيصيب إيطاليا وورثيية روموليوس ‪ .‬بصييحبة السييطول الليييبي ‪.‬‬
‫ارتجفوا يا سكان مالطا والجزر القريبة المقفرة " ‪.‬‬
‫ي نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق بالعمل الغادر ‪ ،‬الذي سيطيح بإيطاليا وورثيية المبراطورييية الرومانييية ‪،‬‬
‫ونجده يذكر ليبيا بالسم مؤكدا انضمامها للتحالف الشرقي ‪ ،‬مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر ‪.‬‬
‫وفي الفصل ) ‪ (27‬يقول المؤلف ‪:‬‬
‫" بمقدار ما نبتعد في المستقبل ‪ ،‬يغدو من الصعوبة بما كان ‪ ،‬أن نربط بين الحداث ‪ ،‬التي ستعيشها البشييرية فييي‬
‫انحدارها القصى ‪ .‬إل أن التكرار المتواصل للتاريخ متشابه ‪ ،‬وعلى شبكته الُمتجّددة باستمرار ‪ُ ،‬يمكن أن ُتطّرز‬
‫سلفا المعركة الخيرة والُمخيفة ‪ ،‬التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب المسيحي ‪.‬‬
‫ي هنا يلصق المؤلف صيفة البربريية بالشيرق ‪ ،‬ويؤكيد انتصيار هيذا الشيرق المتيوحش ‪ ،‬عليى الغيرب المسييحي‬
‫المسالم والمتحضر ‪.‬‬
‫مستفيدين من النقسامات التي سُيثيرها المسيح الدجال ‪ ،‬وميين الضييعف والفوضييى الناتجيية عين مييذاهبه ‪ ،‬ينجييح‬
‫العرب والسيوّيون والمغول في اجتياح أوروبا ‪ ،‬بعضهم عبر إيطاليا وإسبانيا كما هي العييادة ‪ ،‬والخييرون عييبر‬
‫القارة والجو ‪ ،‬في حين تنهار فرنسا والكنيسة ‪ ،‬ويتعرض البابا بالذات إلى الغتيييال وسييط الفسيياد العييام ‪ ،‬تظهيير‬
‫ظواهر مرعبة في السماء ‪.‬‬
‫ي نجد أن المتنبئ ‪ُ ،‬يحّدد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها ‪ ،‬ويضع العرب على رأس القائميية ‪،‬‬
‫ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول أوروبا برا وبحرا وجوا ‪.‬‬
‫في عام الكسوفين الكاملين ‪ ،‬من طرف لخر طرف في العالم القديم ‪ ،‬تحصل أمور غريبة ‪ :‬تظلييم الشييمس ويفقييد‬
‫القمر نوره ‪ ،‬وضجيج البحر والموج ‪ ،‬سيييجعل النيياس ييبسييون رعبييا ‪ ،‬لنييه سيصييل الطوفييان التكفيييري الجديييد‬
‫) عودة الخلفة السلمية ( ‪ ،‬ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح " ‪.‬‬
‫ي في هذا النص ُيحّدد المتنبئ فلكيا نقطة البداية ‪ ،‬لحداث مسلسل الرعب الخير الذي يصفه في كتييابه ‪ ،‬بكسييوف‬
‫كلي كبير للشمس ) ‪1999‬م ( ‪ ،‬متبوعا بخسوف كلي للقمر ‪.‬‬
‫يؤكد المؤلف على حتمية وقوع مواجهيية أخيييرة بييين الغييرب والشييرق ‪ ،‬ويؤكييد علييى حتمييية ظفيير الشييرق بهييا ‪،‬‬
‫وكنتيجة لهذه المواجهة ستنهار فرنسا ) التي كانت ُتمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك ‪ ،‬في العصيير الييذي عيياش‬
‫فيه المتنبئ ‪ ،‬أما الن فأمريكا هي الدولة العظمى ‪ ،‬وراعية الحملت الصييليبية الجديييدة علييى الشييرق ( وسييتنهار‬
‫الكنيسة ) بمعنى انهيار الييدين بظهييور الييدين السييلمي ميين جديييد ( ‪ .‬ويعييزو المؤلييف نجيياح الشييرق فييي غييزوه‬
‫أوروبا ‪ ،‬إلى ما أثاره المسيح الدجال من ضعف وفوضى وانقسام ‪ ،‬وليس غضبا إلهيا لكفرهييم وضييللهم ورغبيية‬
‫إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل ‪ ،‬والحقيقة أن الذي سيتسبب في ظهور الضعف والنقسييام الوروبييي ‪ ،‬بييين‬
‫مؤيد ومعارض هو إسرائيل ) المسيح الدجال الحقيقي ( والشعب اليهودي بشكل عام ‪.‬‬
‫سييرو النبييوءات التوراتييية علييى شييخص مفسييد ومخيّرب سيييظهر فييي المكييان‬ ‫والمسيح الدجال هو لفظ ‪ ،‬يطلقه مف ّ‬
‫المقّدس ‪ ،‬وهو معاٍد للمسيحية وللمسيح وأتبيياعه ‪ ،‬سيييقود الشييرق فييي معركتييه الخيييرة مييع إسييرائيل والغييرب ‪،‬‬
‫وينسبون إليه كل ما ُيوصف في التوراة من إفسيياد ‪ ،‬حييتى إفسيياد الدوليية اليهودييية الحالييية الموصييوف بييالتوراة ‪،‬‬
‫وبذلك أصبح الفساد اليهودي السرائيلي ‪ ،‬الذي حّذرت منه التوراة ووصفته بدقة متناهية ‪ ،‬منسوبا إلييى شييخص‬
‫المسيح الدجال الذي لم يظهر بعد ‪ ،‬لتكون إسرائيل وحلفائها بمنأى عن الغضب والعقاب اللهي ‪ ،‬الييذي سينسييكب‬
‫على الدجال وأتباعه ‪ ،‬وأتباعه هم من العرب والروس والمغول حسب اعتقادهم ‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض النصوص ‪ ،‬التي استقى منها المؤلف هذه الفكار ‪:‬‬

‫مشاهد من الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬

‫‪ " 2-70‬سيف السماء يمتد فوق العالم … يجري إعدام عظيم لمن سيموتون وهم يتخاطبون "‬

‫‪165‬‬
‫‪ " 2-18‬مطر جديد مفاجئ وعنيف … تتساقط من السماء على البحر ‪ ،‬الحجارة والنار … تموت بغتيية الجيييوش‬
‫السبعة البرية والبحرية " ‪.‬‬
‫‪ " 2-56‬من لم ينجح الطاعون والسلح في الجهاز عليهم … سُيضربون من أعالي السماء ‪" ..‬‬
‫‪ " 2-86‬خلل الغرق الذي سيتم قرب البحر الدرياتيكي … ستهتز الرض لُتميت من كانوا يحومون في الهييواء‬
‫…"‬
‫‪ " 3-83‬الجو والسماء والرض سُتظلم وتضطرب … حينئذ سيتضرع الكافر ل وقّديسيه "‬

‫أمريكا ‪:‬‬

‫‪ " 9-44‬اهربوا ‪ ،‬اهربوا يا سكان جنيف أجمعين … عهدكم الذهبي سيغدو عهدا حديديا … "‬
‫ي هذه الدعوة للهرب من جنيف ‪ ،‬هي في الصل دعوة للهرب من بابل في النصوص التوراتية ‪ ،‬ليتبين لنا أن لفظ‬
‫بابل استخدمه كتبة التوراة ‪ ،‬للتعبير عن دولة أو مدينة ذات مييال وجمييال وسييطوة سييتظهر مسييتقبل ‪ ،‬كمييا كييانت‬
‫جنيف في عصر نوستراداموس ‪ ،‬الذي لم ُيعاصر العصر الذهبي لمريكا وعاصمتها التجارية ) نيويورك ( ‪.‬‬
‫‪ " 1-26‬الصاعقة العظيمة ستسقط في وضح النهار "‬
‫‪ " 1-87‬النار المركزية التي تجعل الرض تهتز … ستتجلى حول المدينة الجديدة ) نيويورك ( "‬
‫طس في البحيرة الغالية "‬
‫‪ " 10-49‬بستان العالم قرب المدينة الجديدة … سُيؤخذ وُيغ ّ‬
‫‪ " 6-97‬سماء خط التوازي ‪ ، 45‬ستحترق تقترب النار من المدينة الجديدة العظيمة … "‬

‫بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا ‪:‬‬

‫‪ " 9-55‬أية حرب مخيفة ستتهيأ في الغرب … وفي العام التييالي سيييأتي الطيياعون … رهيبييا إلييى حيّد أنييه علييى‬
‫شّبان والعجزة والقطعان … سيكون للدم والنار سلطة في فرنسا …‬ ‫ال ُ‬
‫‪ " 4-67‬في العام الذي سيشتعل فيه الزمن والحرب معا … سيكون ثمة مسار كبير للمقييذوف فيي الهيواء الجيياف‬
‫) الصواريخ النووية ( … يحترق المكان الكبير بنيران آتية من بعيد … يرى الناس القحييط والعاصييفة ‪ ،‬تحصييل‬
‫حروب وغزوات " ‪.‬‬
‫‪ " 8-16‬في روما ‪ ،‬حيث كلي القدرة بنى هيكله … سيكون طوفان كبير ومفاجئ … بحيث ما من مكيان ‪ ،‬وميا‬
‫من أرض ستسمح باتقائه … ستمر المياه من فوق الولمب فيزول " ‪.‬‬
‫‪ " 3-32‬القبر الكبير للشعب البريطاني … سيكون على وشيك النفتيياح … حييين تزمجير الحيرب قييرب حيدود‬
‫ألمانيا … وفي بلد مانتو ) إيطاليا ( " ‪.‬‬
‫‪ " 3-70‬بريطانيا العظمى ‪ ،‬أي إنكلترا … تتعرض لثورة عنيفة ) تغمرها المياه ( … " ‪.‬‬
‫‪ " 8-15‬نحو الشمال تعزيزات كبرى من الحشود البشرية ) روسيا ( … تضرب أوروبا والعالم أجمع تقريبا …‬
‫خلل الكسوفين ‪ ،‬تقوم بمطاردة مهمة … وتدخل هنغاريا في الحياة والموت " ‪.‬‬
‫خلصة ما يتنبأ به ) نوستراداموس ( ‪ ،‬هو دمار الدول الغربية ) أمريكا وبريطانيا وفرنسييا ( بهجييوم صيياروخي‬
‫نووي مفاجئ ‪ ،‬يصفه بكل دقة ) مطر جديد مفاجئ وعنيف …( وُيعّرف هذا المطر الجديد ) تتساقط ميين السييماء‬
‫على البحر ‪ ،‬الحجارة والنار ( وُيعّرفه أكثر بقوله ) للمقذوف في الهواء الجيياف ( وُيحيّدد مصييدره ) بنيييران آتييية‬
‫من بعيد ( ويصف تأثيره ) يرى الناس القحط والعاصفة ( ويصييف مييا يعقبييه ) سيييكون طوفييان كييبير ومفيياجئ (‬
‫خر مييياه البحييار والمحيطييات ‪،‬‬ ‫نتيجة ارتفاع درجة حرارة الرض ‪ ،‬التي ستعمل على ذوبان الكتل الجليدية ‪ ،‬وتب ّ‬
‫ومن ثم لتعود وتسقط على شكل مطر غزير مسببة طوفانا ‪ ،‬تغرق في مياهه أمريكا وبريطانيا إلى غير رجعة ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وما يعطي مصداقية لنبوءات هذا المتنبئ ‪ ،‬واهتماما منقطع النظييير بهييا لييدى الغربيييين ‪ ،‬هييو تحّقييق الكييثير منهييا‬
‫حسب اعتقادهم ‪ ،‬بالرغم من إبهامها وعموميتها ‪ ،‬ووصفه الدقيق ‪ -‬قبييل )‪ (450‬سيينة تقريبييا ‪ -‬للسييلحة ووسييائل‬
‫النقل ‪ ،‬التي استخدمت في الحروب العالمية ‪ ،‬والتي لم تكن موجودة أصل في عصره ‪ .‬وهذا مما ُيع يّزز مخيياوف‬
‫هؤلء من صدق نبوءاته ‪ ،‬بشأن دمار الحضارة الغربية برمتها من قبل الشرقيين ‪ ،‬كما ُيعلن عن ذلك بصراحة ‪.‬‬
‫من خلل هذه النصيوص والنصيوص التوراتيية الصيلية ‪ ،‬تيبين للكيثير مين البياحثين المريكييين والبريطيانيين‬
‫والفرنسيييين ‪ ،‬المشييغولين بنبييوءات ) نوسييتراداموس ( ‪ ،‬أن المقصييود بالمدينيية الجديييدة ‪ ،‬الييتي سيييلحقها الييدمار‬
‫والخراب ‪ ،‬هي ) نيويورك ( بشكل خاص وأمريكا بشكل عام ‪ .‬وخوفا من صدق هذه النبييوءات المرعبيية ‪ُ ،‬تجهييد‬
‫ث الخطييى ‪ ،‬سيعيا لمتلك اليدرع النيووي‬ ‫أمريكا نفسها – بقيادة الحيزب الجمهيوري التيوراتي النجيلييي ‪ -‬وتحي ّ‬
‫المضاد ‪ ،‬للنبوءات التوراتية بصواريخها النووية الروسية والصينية ‪ ،‬ل الصواريخ النووية العراقية أو اليرانييية‬
‫أو الكورية الشمالية كما تّدعي ‪.‬‬
‫في تقرير لوكالة ) أ ف ب ( من واشنطن ‪ ،‬نقل عيين صييحيفة الدسييتور الردنييية ‪ ،‬الصييادرة بتاريييخ ‪- 7 - 12‬‬
‫‪2001‬م ‪ ،‬جاء ما نصه ‪ " :‬أعلنت وزارة الدفاع المريكية أمس ‪ ،‬تسريع برنامجهييا للييدرع المضيياد للصييواريخ ‪،‬‬
‫الذي قد يصطدم بالقيود التي تفرضها معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ " :‬وذلك في غضون بضعة أشهر عوضييا عين بضييع‬
‫سنين " ‪ .‬وصّرح مساعد وزير الدفاع المريكي ) بول وولفييوفيتس ( فييي كلميية أمييام لجنيية القييوات المسييلحة فييي‬
‫مجلس الشيوخ ‪ " :‬لقد بدأنا متأخرين سباقا ضد الزمن " ‪ .‬وبحسب المسؤول المريكي ‪ ،‬فإن عمليييات التجييارب‬
‫وتطوير نظام الدرع المضاد للصواريخ ‪ ،‬سيصطدم بل شك ‪ ،‬بقيود نصت عليها معاهييدة ) إيييه بييي أم ( ‪ ،‬وأشييار‬
‫إلى " أن هناك فرصا عديدة ليتم ذلك في غضون بضعة أشففهر بففدل مففن بضففع سففنين " ‪ ،‬وأكد أنييه " ينبغييي أن‬
‫نتجاوز قيودا تفرضها علينا معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ ،‬وقال أن الوليات المتحدة ‪ ،‬ستحاول العمل علييى إبييرام اتفيياق‬
‫مع روسيا ‪ ،‬يتضّمن ترتيبات جديدة ‪ ،‬بهدف تجاوز معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ ،‬وأشار مع ذلك إلى أنه ‪ " :‬سيكون ميين‬
‫ضل التوصل لذلك من خلل التعاون ) مع‬ ‫الصعب التأكد من تأمين ذلك خلل السنة المقبلة " ‪ .‬وأضاف ‪ " :‬كنا ُنف ّ‬
‫روسيا ( ‪ ،‬ول نزال متفائلين بأن مثل هذا الخيار أمر ممكن " ‪ .‬وذكييرت صييحيفة واشيينطن بوسييت ( فييي عييددها‬
‫أمس أن وزارة الخارجية ‪ ،‬أن وزارة الخارجية المريكية أمرت السبوع الماضيي ‪ ،‬سيفارات الوليييات المتحييدة‬
‫في العالم ‪ ،‬باطلع الحكومات الجنبييية علييى النييية المريكييية ‪ ،‬بتطييوير مشييروع الييدرع المضييادة للصييواريخ "‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫لماذا بدءوا هذا السباق المحموم مع الزمن لنتاج هذا الدرع ؟‬

‫الذريعة المريكية بتخّوفها من مهاجمتها بصواريخ باليستية ‪ ،‬ميين قبييل العييراق وإيييران وكوريييا الشييمالية ‪ ،‬غييير‬
‫مقنعة لكل دول العالم ‪ ،‬وحتى حلفاء أمريكا من الوروبيين ‪ ،‬أما السباب الحقيقية لنتاج هذا الدرع ‪ ،‬فمرّدها هو‬
‫مخاوف توراتية وإنجيلية بحتة ‪ ،‬وهي على أربعة احتمالت ‪:‬‬
‫وقاية نفسها من أي هجوم روسي ‪ ،‬أثناء المواجهة القادمة بين الشييرق والغييرب ‪ ،‬فيمييا لييو فكييرت روسيييا‬ ‫‪.1‬‬
‫ببدء هجوم مباغت ‪ ،‬بعد تحالفها مع الدول العربية والسلمية ‪ ،‬وهو الحتمال الضعف ‪.‬‬
‫التفكير بالمبادرة بالهجوم على روسيا ‪ ،‬استعجال للمواجهة الحتمية التي فرضتها عليهم النبوءات ‪ ،‬فكسب‬ ‫‪.2‬‬
‫شييرين‬
‫جه الضربة الولى للطرف الخر ‪ ،‬وقييد يكييون اسييتجابة لييدعوات الُمب ّ‬
‫المعركة سيكون من نصيب ‪ ،‬من ُيو ّ‬
‫النجيلين ‪ ،‬استعجال للمجيء الثاني للمسيح ‪.‬‬
‫تنفيذ نواياها المعلنة اتجاه العراق ‪ ،‬بالقيام بعمل إجرامي جديد ‪ُ ،‬يريح أعصاب اليهود في الشرق والغرب‬ ‫‪.3‬‬
‫إلى البد ‪ ،‬من خطر زوال إسرائيل على أيدي العراقيين ‪ ،‬بشن حرب أو بتوجيه ضربة نووية واسييعة النطيياق أو‬
‫محدودة ‪ ،‬وهو الحتمال القوى ‪.‬‬
‫منع إمكانية ظهور ذلك القائد المسلم ‪ ،‬الذي سيتسبب في دمار الحضارة الغربييية ‪ ،‬بضييرب بييؤر القيييادات‬ ‫‪.4‬‬
‫السلمية الحالية ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫وعلى ما يبدو أن صفة الستعجال ‪ ،‬جاءت من فهييم حاخامييات اليهييود للنصييوص النبويية ‪ ،‬ومعرفتهييم ميين خلل‬
‫الشارات الفلكية ‪ ،‬والحسابات الموجودة في التوراة ‪ ،‬بقرب تحقق هذه الحداث على أرض الواقع ‪.‬‬

‫العدوان على العراق ‪:‬‬

‫‪ " 10-86‬سيأتي ملك أوروبا مثل غريفون … ُترافقه جماعة الشمال … سيقود حشدا كبيرا من الحمر والبيض‬
‫… ويسيرون ضد ملك بابل " ‪.‬‬
‫‪ " 1-55‬في ظل المناخ الذي سيواجه بابل … سيكون الدم المراق غزيرا … والرض والبحر والجيو والسيماء‬
‫جائرات … بفعل البدع والمجاعة والحكومات والطاعون والفوضى " ‪.‬‬

‫خروج المهدي من مكة ‪ ،‬وحتمية ظهور الدين السلمي من جديد ‪:‬‬

‫ض مضاجعهم ‪ ،‬وهو المبّرر الوحيييد لحربهييم الشييعواء ‪ ،‬الييتي‬ ‫وهو المر الذي ُيرعب نصارى ويهود الغرب ويق ّ‬
‫يشّنوها ضد السلم ومن ُيمّثلييه ‪ ،‬دون كلييل أو ملييل ‪ ،‬بييدفع ميين أحبييار اليهييود وكهنتهييم ‪ ،‬فييي كييواليس ودهيياليز‬
‫السياسة الغربية ‪ ،‬كما كانوا ُيزّينون لكفار قريش سوء أفعالهم ‪ ،‬في كواليس ودهاليز السياسة في مكة ‪ ،‬خوفييا ميين‬
‫ظهور أمر الدولة المحمدية الولى ‪ ،‬وكنا قد أشرنا سابقا إلى بعض النصوص التوراتية الصلية ‪ ،‬الييتي اسييتطاع‬
‫) نوستراداموس ( من خللها التنبؤ بهذا المر بنصوص صريحة ل ُلبس فيها ‪:‬‬
‫‪ " 5-55‬من الجزيرة العربية السعيدة … سييولد قيائد مسيلم كيبير … يهيزم إسيبانيا ويحتيل غرناطية … يصيد‬
‫المسلمون الصليب … يخون البلد واحد من قرطبة " ‪.‬‬
‫‪ " 5-25‬أمام المير العربي ‪ ،‬بعد الحرب الملكية الفرنسية … تسقط مملكة الكنيسة في البحر … يأتون من جهة‬
‫فارس مليونا … حين يستولي الشيطان على مصر واستنبول ‪.‬‬
‫‪ " 2-29‬سُيغادر الشرقي مقّره … يجتاز جبال البينين ويدخل فرنسا … يعبر الثلوج الخالدة ) جبال اللب ( …‬
‫ويضرب كل واحد بعصاه " ‪.‬‬
‫‪ " 9-100‬سيجري كسب المعركة البحرية ليل … يكون ذلك خراب الغرب … سيكون ثمة ميثاق أحمر ‪ ،‬تتلطخ‬
‫الكنيسة بالدم … يشهد المهزوم إفلت النصر منه ويستشيط غضبا " ‪.‬‬
‫‪ " 2-93‬قريبا من نهر التيبر ‪ُ ،‬تهّدد آلهة الموت … بعد فيضان عظيم بقليل … يقع البابا في السر … يحرقييون‬
‫القصر والفاتيكان " ‪.‬‬
‫ي إذن يعلم الغربيون يهودا ونصارى مما جاء في كتبهييم ‪ ،‬أن هنيياك قييائد مسييلم كييبير ‪ ،‬هييو نفييس المييير العربييي‬
‫والشرقي ‪ ،‬الذي سيولد في الجزيرة العربية ‪ ،‬وأن هذا القائد سينتصر في حروبه ‪ ،‬موحدا بذلك جميييع دول العييالم‬
‫السلمي ‪ ،‬ومن ثم سيجتاح أوروبا كاملة ‪ ،‬بجيوشه الجرارة البالغية فيي نيص ) ‪ ( 1‬ملييون ‪ ،‬وفيي نيص آخير )‬
‫‪ ( 200‬مليون مقاتل ‪ ،‬مسببا سقوط الحضارة المسيحية اليهودية واندثارها ‪ ،‬لذلك تجد الغرب يسعى حثيثييا ‪ ،‬لييوأد‬
‫أية بادرة تلوح في الفق لحياء الخلفة السلمية ‪.‬‬

‫الصحوة السلمية ‪:‬‬

‫يقول مؤلف الكتاب ‪ :‬إذا كانت أوروبا وفرنسا بوجه خاص ‪ ،‬بقيت بمنأى عن أي غزو ميين جييانب العييالم العربييي‬
‫منذ أيام ) شارلمان ( ‪ ،‬فالحرب الكبرى ستشهد عودتهم المؤذية ‪ ،‬هذا ما سماه ) نوستراداموس ( في الرسالة إلييى‬
‫هنري الثاني " بالعودة المحمدية الولى " ‪ .‬حيث يقول ) نوستراداموس ( ‪:‬‬
‫‪ " 3-4‬حين سيقترب تمّرد المسلمين ‪ ،‬لن نكون بعيدين جدا عن هذا وذاك … البرد والقحط والخطر على الحدود‬
‫… حتى حيث بدأ الوحي اللهي " ‪.‬‬
‫‪ … " 4-39‬لن إمبراطورية الهلل ستخرج من سباتها … "‬

‫‪168‬‬
‫‪ " 6-42‬سيجري التخلي عن السلطة للكلم الفتان … لمبراطورية الهلل التي ستفرض نفسها … وتم يّد رايتهييا‬
‫إلى ما فوق اليطاليين … ستكون في يد شخص يتظاهر بالحكمة " ‪.‬‬
‫‪ " 5-73‬سيتم اضطهاد كنيسة ال … وتصادر البنييية الدينييية … سيُيعري الولييد أمييه … وسيييتفق العييرب مييع‬
‫البولنديين " ‪.‬‬
‫‪ " 10-33‬الجماعة القاسية ذات الرداء الطويل ) المسلمون ( … ستأتي مخبئة خناجرها … يستولي قائدها على‬
‫فلورنسا ومكان اللهبة المزدوجة ) روما ( … قائما بفتحه مع القتلة والحالمين " ‪.‬‬
‫ي تؤكد هذه النصوص ‪ ،‬أن المة السلمية ستنهض من سباتها ‪ ،‬وستفرض نفسها كدولة عظمى ‪ ،‬وعليى مسياحة‬
‫واسعة من الرض ‪ ،‬تشمل أجزاء من أوروبا الغربية ‪ ،‬وُيخبر ) نوستراداموس ( بخبث ودهيياء يهييوديين ‪ ،‬بييأنهم‬
‫أي المسلمون الغادرون القساة القتلة ‪ ،‬سيضطهدون كنيسة ال ‪ ،‬ويستولون على إيطاليا كلها ‪ .‬وهذه إحدى الصور‬
‫التي شكلتها النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ ،‬عن السلم والمسيلمين بشيكل عيام ‪ ،‬وبيدون اسيتثناء لي عربيي أو‬
‫سرو هييذه‬ ‫صر ‪ .‬وهذه الصور أجاد في تشويهها والتخويف منها ‪ ،‬والتحريض على محاربتها ‪ ،‬مف ّ‬ ‫مسلم حتى لو تن ّ‬
‫النبوءات قديما وحديثا ‪ ،‬حتى أصبحت من المسلمات العقدية لييدى عاميية الغربيييين ‪ ،‬فل عجييب ول غرابيية ‪ ،‬ميين‬
‫سرو الكتاب المقدس ‪ ،‬الييذي‬ ‫حمل الغربيين لهذا العداء العقائدي المزمن للعرب والمسلمين ‪ ،‬فهذا ما ُيخبرهم به مف ّ‬
‫ل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ‪ ،‬حسب اعتقادهم ‪.‬‬

‫نزول عيسى عليه السلم وتسّلمه لمقاليد الحكم ‪:‬‬

‫حكمييان ‪ ،‬علييى يييد‬


‫‪ " 4-77‬إمبراطورية الهلل ) المسلمون ( ‪ ،‬وإيطاليا المسالمة ) النصارى ( … يتحّد فيهمييا ال ُ‬
‫ملك العالم المسيحي ) المسيح عليه السلم ( … " ‪.‬‬
‫ي هذا النص ‪ ،‬يؤكد عملية تسّلم عيسى عليه السلم للحكم من المهدي ‪ ،‬أما النصارى فليس لديهم استعداد ‪ ،‬لطييرح‬
‫أي تساؤل عن سبب اتحاد المسلمين ) الكفار غير المؤمنين بألوهية المسيح ( والنصييارى ؟ ولميياذا يتنييازل خليفيية‬
‫المسلمين ‪ ،‬عن مقاليد الحكم للمسيح عليه السلم ‪ ،‬بعد أن يكون قد فرض سيطرته على العييالم بأسييره ؟ ولميياذا ل‬
‫يصييلبه المسييلمون ‪ ،‬وهييم المتوحشييون والغييادرون والقتليية والقسيياة والرهييابيون ‪ ،‬كمييا صييلبه اليهييود المسيياكين‬
‫الضعفاء ؟‬
‫نحن نعلم أن الناس قديما وحديثا كانوا وما زالوا يلجئون للعرافين والكهان ‪ ،‬لكشف الطييالع ومعرفيية أنبيياء الغيييب‬
‫كل حسب مآربه وغاياته ‪ ،‬ومنها الفضول وحب المعرفة ‪ ،‬ومنهم العوام وأكثرهم الملوك والرؤسياء ‪ ،‬ول غرابية‬
‫عندما أقرأ يوما ‪ ،‬أن زوجة أحد رؤساء أمريكا المعاصرين ‪ ،‬وأظنه بوش الب كانت تلجأ إليهم ‪.‬‬
‫إن أخطر ما فعلته هذه الكتب ‪ ،‬هو أنها خلقت لدى نصارى الغرب ‪ ،‬عقائد جديدة مرتبكة ومشييوهة ‪ ،‬فيمييا يتعّلييق‬
‫بشكل خاص بالمسلمين والعرب ‪ ،‬ودورهم القادم في دمار الحضارة الغربية المسيييحية ‪ ،‬الييتي صيينعتها اليهودييية‬
‫العالمية ‪ ،‬حتى أنستهم تعاليم المسيح نفسه ‪ ،‬تلك التعاليم التي مييا زالييت تييدعوا إلييى التسييامح والتعييايش السييلمي ‪،‬‬
‫بالرغم من إعادة صياغتها من قبل اليهوديين بولس وبطرس ‪ .‬مما خلق لديهم حالة من الرعيب والقليق ‪ ،‬مين كيل‬
‫ما هو إسلمي وعربي ‪ ،‬بمساعدة حثيثة من خبثاء اليهود ‪ ،‬الذين يؤمنون بأن استمرارية وجودهم وبقائهم ونجياح‬
‫مخططاتهم الشيطانية ‪ ،‬تعتمد في الساس علييى القضيياء علييى الديييان الييتي ُيحيياربهم الي بهييا ‪ ،‬ويعلمييون أن أليدّ‬
‫أعدائهم هو القرآن العظيم ‪ ،‬الذي ل بد له في يوم من اليام ‪ ،‬إن بقي المر على حاله ‪ ،‬ولم يتم مسييحه ميين قلييوب‬
‫وعقول حملته ‪ ،‬ومسخ تعاليمه وتشويها كما شّوه آباءهم وأجييدادهم التييوراة والنجيييل ‪ ،‬سيييبعث فيهييم الحييياة ميين‬
‫جديد ‪.‬‬

‫الحرب الشاملة ‪2006‬‬


‫هو عنوان لكتيياب صييدر فييي بريطانيييا عييام ‪1999‬م ‪ ،‬وعنيوانه بالنجليزييية هيو ) ‪ ، ( Total War 2006‬للكيياتب‬
‫البريطاني ) سيمون بيرسون ( ‪ ،‬الذي كان قد شغل منصيب ‪ ،‬مسيياعد رئيييس أركيان الحييرب البريطيياني لشيؤون‬
‫السياسة ‪ ،‬وهذا الكتاب واحد من آلف الكتب والبحاث ‪ ،‬التي كادت أن ُتصيب كبد الحقيقة ‪ ،‬لول تضييليل مييؤلفي‬
‫‪169‬‬
‫نصوص التوراة بتحريف الكلم عن مواضعه ‪ ،‬مما أدى إلى الخلط بين الحداث ‪ ،‬ميين حيييث شخوصييها وزمانهييا‬
‫ومكانها ‪.‬‬
‫* من مقال للكاتب محمد عارف ‪ ،‬من صحيفة الحياة اللندنية ‪ ،‬في النصف الثاني من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫ل الفصل الخييير‬ ‫يقول الكاتب الصحفي ‪ " :‬كل فصل من فصول الكتاب تقريبا ‪ُ ،‬يستهل بقول للنبي ارميا ‪ ،‬ويسته ّ‬
‫منه ‪ ،‬بأربع فقرات من سفر ارميا ‪ ،‬أخفها وقعًا ‪ " :‬أرضهم أضحت قفرا يبابا ‪ ،‬شارة للزدراء السرمدي ‪ ،‬ويُه يّز‬
‫كل عابر فيها رأسه فزعا " ‪ .‬هذا ما سُتخّلفه الحرب الشاملة عام ‪ ، 2006‬بين التحالف السلمي العظيم وروسيا‬
‫من جانب ‪ ،‬والوليات المتحّدة من جانب آخر ‪ ،‬حيث تبدأ الحداث بنشييوب حييرب البلقييان ُمجيّددا عييام ‪2002‬م ‪،‬‬
‫حيدها عيام ‪2004‬م تحييت رايية‬ ‫واندلع الحرب الكورية الثانية ‪ ،‬وثورات إسييلمية تكتسيح البليدان العربييية ‪ ،‬وتو ّ‬
‫صلح دين جديد ‪ ،‬نصفه كردي ونصفه الخر ألماني ‪.‬‬
‫ويبلغ الباحث الستراتيجي البريطاني الذروة ‪ ،‬عندما يتوقع الحداث السياسية ‪ ،‬التي ستشمل قيام مملكة فلسييطين‬
‫السلمية وتضم الردن ويقودها العاهل الردني ‪ ،‬وثيورة جدييدة فيي روسييا تيأتي بحكومية عسيكرية ‪ُ ،‬يسييطر‬
‫شّنها متطرفييون‬‫عليها صلح الدين من مقّره في مدينة قم اليرانية ‪ ،‬وانتفاضات ُمتعاطفة مع الحلف السلمي ‪ ،‬ي ُ‬
‫في مدن فرنسا وإيطاليا وبريطانيا ‪ .‬ول يخلو الكتاب من صييور فوتوغرافييية لحييرب عييام ‪ ، 2006‬بينهييا صييورة‬
‫لخر البطال السرائيليين الحياء ‪ ،‬يقف تحت ُملصق جداري لحركة حماس ‪.‬‬
‫وعندما ُتقّرر السيدة رئيسة الوليات المتحّدة المريكية ‪ ،‬اللجييوء إلييى السييلح النييووي الشييامل ‪ ،‬تجييد أن صييلح‬
‫الدين استبق تفكيرها مرة أخرى ‪ ،‬إّنه انفجار السييلح الكهرومغناطيسييي ‪ ،‬الييذي طيّوره ألمييع علميياء المسييلمين ‪،‬‬
‫لُيضيييء السييماء ليل علييى امتييداد المسييافة ميين قييبرص والسييكندرية ‪ ،‬حييتى حييدود الردن والحييدود السييورية‬
‫العراقية ‪ ،‬حيث ُيطلق هذا السلح السلمي نبضا إلكترونيا جبارا ينفذ من خلل كل شيء معييدني ‪ ،‬فييي البنايييات‬
‫والجهزة والعربات والدبابات والسلحة ‪ ،‬وتكمن قوته في قدرته على تدمير ‪ ،‬الدارات الكهربائية المستخدمة في‬
‫كيل شييء ‪ ،‬مين الترانزيسييتور والكميبيوتر والتلفزييون ‪ ،‬إليى أجهيزة الهياتف والتصيالت ‪ ،‬وأنظمية المصيانع‬
‫جهيية ‪ .‬خلل لحظيية تحييّولت دوليية‬ ‫والمختييبرات ‪ ،‬وحييتى الطييائرات والقمييار الصييطناعية والصييواريخ المو ّ‬
‫التكنولوجيا الرفيعة ) إسرائيل ( إلى مجتمع العصر الحجري ‪ ،‬من دون معدات حرارة وإنارة وضخ مياه ونقييل ‪،‬‬
‫ُمحاطة بجبل من الدوات المعدنية واللكترونية ‪ ،‬لعصر أصبح فجأة غابرا ‪.‬‬
‫ن الحرب النووية الشاملة ‪ُ ،‬يجيبها صلح الدين ‪ " :‬بأن كّل شفيء قفد انتهفى ‪،‬‬ ‫وعندما ُتهّدد الرئيسة المريكية بش ّ‬
‫سّكانها قد مفاتوا ‪ ،‬مخزونهفا النفووي قفد ُدّمفر ‪ ،‬ولفن يشفكر التاريفخ الرئيسفة ‪،‬‬
‫إسرائيل انتهت كشعب ‪ ،‬معظم ُ‬
‫لتسّببها في قتل مئات اللوف ‪ ،‬وربما المليين لجل بلد خاٍو " ‪ .‬كما ويبدي صييلح الييدين اسييتعداده ‪ ،‬فييي حييال‬
‫تراجع قوات حلف الناتو ‪ ،‬التي تستعد للتحرك ضّده من تركيا لوقف العمليات العسكرية ‪ ،‬لمشاهدة إسرائيل وهي‬
‫تموت " ‪.‬‬

‫تعقيب على الكتاب ‪:‬‬

‫الملفت للنظر أن كثير مين البيياحثين ‪ ،‬فييي نصييوص النبييوءات التوراتييية والنجيلييية ‪ ،‬هييم مميين يشييغلون مراكييز‬
‫حساسيية ومرموقية ‪ ،‬فييي السيلك السياسيي والعسيكري والييديني ‪ ،‬وهيذا الكياتب هيو أحييدهم ‪ ،‬ول ُيعقييل أل تتيأثر‬
‫القرارات السياسية والعسكرية لهؤلء ‪ ،‬بما يحملونه من أفكار ومعتقدات ‪ُ ،‬تشّكل خطرا علييى الميين والسييتقرار‬
‫العالمي ‪ ،‬ول ُيعقل أل تؤثر أفكارهم ومعتقداتهم في قرارات رؤساء دولهم ‪ ،‬هذا إن لم يكن رؤساء الدول أنفسييهم‬
‫) كريغان وبوش ( يحملون هذه الفكار والمعتقدات ‪.‬‬
‫ي تفصيل الحداث بشخوصها ومكانها وزمانها ‪ ،‬سنعرضه لحقا في الفصول الخيرة ‪ ،‬ولكيين سيينتوقف قليل مييع‬
‫حح بعضا من أحداثه وشخوصه ‪:‬‬ ‫هذا الكتاب ‪ ،‬لنوضح ونص ّ‬
‫صلح الدين الجديد ي كناية عن القائد الذي سُينهي العلو اليهودي الثاني في فلسطين ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫مملكة فلسطين السلمية ي كناية عن الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪170‬‬
‫العاهل الردني ي كناية عن ملك القدس المنتظر ‪ ،‬أي المهدي الذي يعود بنسبه ‪ ،‬إلى الرسول عليه الصلة‬ ‫‪.3‬‬
‫والسلم كما هو معتقد ‪.‬‬
‫ثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ي حروب المهدي لتوحيد البلدان العربية والسلمية ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫السلح الكهرومغناطيسي ‪ ،‬لُيضيء السماء ليل ي شريعة السلم التي ستبعث من جديد بخلفة المهدي ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫من قبرص والسكندرية ‪ ،‬حتى حدود الردن والحدود السورية العراقية ي امتداد الدولة السلمية ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫إنتاج السلح الكهرومغناطيسي ي ربما تكون صحيحة ‪ ،‬ولكيين ميين الرجييح أنهييا فكييرة ابتييدعها الكتيياب ‪،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫لتفسير النتصار المقبل للعرب على إسرائيل وتيدميرها ‪ ،‬رغييم امتلكهيا للتكنولوجييا العسيكرية وأسيلحة الييدمار‬
‫الشامل وتحالفها مع الغرب ‪ ،‬حسب رأيه ‪ .‬والحقيقة أن فلسطين لن يتم تييدميرها ‪ ،‬لتصييبح قفييرا ل تصييلح للسييكن‬
‫للبد ‪ ،‬كما ُتخبر النصوص التوراتية ‪.‬‬
‫الدمار الموصوف ي هو دمار لمريكا ل فلسطين ‪ ،‬أما فلسطين فسيتم استعادتها بدون تييدمير ‪ ،‬وهييي الييتي‬ ‫‪.8‬‬
‫ستكون أكثر البلدان ‪ ،‬أمانا وطمأنينة خلل الحداث القادمة ‪ ،‬وستكون بمنأى عن ضربات أسلحة الييدمار الشييامل‬
‫بإذن ال ‪ ،‬حيث ُقدر لها بعد تلك الحداث ‪ ،‬أن تكون عاصمة الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫حقيقة ما وقع فيه هذا الكاتب ‪ ،‬أنه قام ببناء هرم نبوءاته على أساس صحة النصوص التوراتية ‪ ،‬إذ أنه ل يعلم أن‬
‫كتبة التوراة قاموا ببعثرة وجمع ثلثة أخبار نبوية ‪ ،‬متباعدة ومتتابعة فييي نصييوص مرتبكيية ومضييطربة ‪ ،‬ليظينّ‬
‫الكيياتب أنهييا تحكييي حييدثا نبويييا واحييدا ‪ .‬وهييذه الخبييار النبوييية الثلثيية بييالترتيب هييي ؛ أول ‪ :‬الغييزو العراقييي‬
‫لسرائيل ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬تحالف الروس والعرب ضد الغرب في الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬بعد سقوط الدوليية اليهودييية ‪،‬‬
‫وثالثا ‪ :‬خروج المهدي من مكة واتخاذ القدس عاصمة لخلفته الممتدة ‪ ،‬ميين النيييل إلييى الفييرات وميين تركيييا إلييى‬
‫اليمن ‪.‬‬
‫ونلحظ هنا أن مؤلف هذا الكتيياب ‪ ،‬كييان قييد شييغل منصييب مسيياعد رئيييس أركييان الحييرب البريطيياني ولشييؤون‬
‫السياسة أيضا ‪ ،‬ونحن هنا ل نطرح تكهنات أو تخّرصات ‪ ،‬حول معتقداتهم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب ‪ ،‬فهذا ما‬
‫يعتقدون ويؤمنون به ويطرحونه في كتبهم ‪ ،‬والتي هي من أكثر الكتب مبيعا في بلدانهم ‪ ،‬وأن هذا المؤلف وغيره‬
‫الكثير من الذين يحملون هذه الفكييار ‪ ،‬كييانوا فييي المييس القريييب جييدا يشييتركون فييي صيينع القييرارات الخاصيية‬
‫ك أنييك ستصيياب بالييذهول ممييا يطرحييونه ميين‬ ‫بالمنطقة ‪ ،‬ولو اطلعت على غزارة إنتاجهم في هذا المجال ‪ ،‬ل شي ّ‬
‫أفكار وقناعات جنونية ومرعبة ‪ُ ،‬يقّدمونها لشييعوبهم علييى أنهييا مسييلمات ‪ ،‬وستصيياب بالييذهول لغفليية أمتنييا عمييا‬
‫يحملونه من عقائد وقناعات ‪ ،‬وما يقترفونه بناءً عليها ميين سياسييات ُيحيكونهييا تحييت سييتر الظلم ‪ ،‬فييي كييواليس‬
‫السياسة الغربية وينفذونها على أرض واقع أمتنا ‪ ،‬ونشاركهم نحيين أيضييا فييي تنفيييذها ‪ ،‬بعييد أن ُيقيّدموها لنييا فييي‬
‫غلف من ورق السولفان الملون ‪ ،‬الذي يكشف ميين خلل شييفافيته وسييخافته حقيقيية أهييدافهم البشييعة ‪ ،‬والمشييبعة‬
‫بالحقد على أمة القرآن التي تخّلت عنه طوعا ل كرها منذ أمد ليس بالقصير ‪ .‬ولكن ذلك ل ولن يرضيييهم ‪ ،‬حييتى‬
‫ُيحّققوا كامل أحلمهم وأمانيهم ‪ ،‬وُيتخّلصوا من كامل مخاوفهم وهواجسهم ‪ ،‬التي لن تزول إل بييزوال هييذه الميية‬
‫عن وجه الرض ‪ ،‬والتي وعيدها ربهيا بالبقياء حيتى تقيوم السياعة ‪ ،‬وليذلك عياجل أم آجل ‪ ،‬سيتقودهم أوهيامهم‬
‫وهواجسهم إلى تدمير أنفسهم ‪ ،‬بكسب مزيد من العداء والحقاد من جيراء تخبطهيم العميى ‪ ،‬وسييرحلوا قريبيا‬
‫ل ف ُيوِرُثهَففا‬
‫ض ِّ‬
‫ن اَْلْر َ‬
‫جدا إلى غير رجعة ‪ ،‬وسيرث الصالحون من هذه المة الرض بأسرها ‪ ،‬بإذن ال ي ) … ِإ ّ‬
‫ن )‪ 128‬العراف ( ‪.‬‬ ‫عَباِدِه َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫ن ِ‬
‫شاُء ِم ْ‬
‫ن َي َ‬
‫َم ْ‬

‫قال تعالى‬

‫ت َأْهَواَءُهْم ‪،‬‬
‫ن اّتَبْع َ‬
‫ل ُهَو اْلُهَدى ‪َ ،‬وَلِئ ِ‬
‫ن ُهَدى ا ِّ‬ ‫حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ‪ُ ،‬قْل ِإ ّ‬
‫صاَرى ‪َ ،‬‬ ‫ك اْلَيُهوُد َوَل الّن َ‬
‫عْن َ‬
‫ضى َ‬
‫ن َتْر َ‬
‫) َوَل ْ‬
‫صيٍر )‪(120‬‬ ‫ي َوَل َن ِ‬
‫ل ِمنْ َوِل ّ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ك ِم َ‬ ‫ن اْلِعْلِم ‪َ ،‬ما َل َ‬
‫ك ِم َ‬
‫جاَء َ‬
‫َبْعَد اّلِذي َ‬
‫) البقرة (‬
‫‪171‬‬
‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬
‫ستناول في هذا الفصل ‪ ،‬مسألة تأثير نبوءات التوراة والنجيل ‪ ،‬على القرارات السياسة المريكية ‪ ،‬وخاصيية مييا‬
‫يتعلق بمنطقة الشرق الوسط ‪ ،‬لنفهم أبجديات هييذه السياسيية المنحييازة لسييرائيل ‪ ،‬والمعادييية للعييرب والمسييلمين‬
‫بشكل عام ‪ ،‬والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسييرها وتحليييل دوافعهيا ‪ .‬وخيير مين تعيّرض لهييذه المسيألة ‪،‬‬
‫وأفاض في بحثها هي الكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( في كتاب ) النبوءة والسياسيية ( ‪ ،‬وهييو ميين منشييورات‬
‫) الناشر للطباعة ( ‪ ،‬ط ‪1990 3‬م ‪ ،‬ترجمة محمد السّماك ‪.‬‬

‫دمة المترجم ) بتصرف ( ‪:‬‬


‫ملخص مق ّ‬
‫يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ‪ ،‬في عملية صنع القرار السياسييي المريكييي ‪ ،‬فبالضييافة إلييى‬
‫أهمية موقعه الجغرافي ‪ ،‬وكونه سوقا تجارية اسيتهلكية ‪ ،‬ويمليك أكيبر احتيياطي مين النفيط ‪ ،‬فيإن هنياك عاميل‬
‫آخر ‪ ،‬يتقدم على كل هذه العوامل ‪ ،‬وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ‪ ،‬على صياغة القييرار المريكييي ‪ ،‬المتعلييق‬
‫بالصييراع العربييي السييرائيلي ‪ .‬حيييث نشييأ فييي نهاييية القييرن التاسييع عشيير وبداييية القييرن الماضييي ‪ ،‬مييا يسييمى‬
‫بالصهيونية المسيحية النجيلية القائمة على اعتناق ثلثة مبادئ ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬اليمان بعودة المسيح ‪،‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ‪،‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وبالتالي تجّمع اليهود في فلسطين ‪.‬‬
‫وقد لعب هذا المر دورا أساسيا ‪ ،‬في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ‪ ،‬وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمهييا‬
‫ومساعدتها ‪ ،‬وإعفاءها من النصياع للقوانين والمواثيق الدولية ‪ .‬وأن شييريعة الي وحيدها ‪ -‬التيوراة – هييي اليتي‬
‫يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين ‪ ،‬بما أنهم شعب ال المختار ‪.‬‬
‫ونتيجة لهذه المعتقدات ظهر الكثير من الحركات الدينييية المسيييحية النجيلييية الصييولية فييي بريطانيييا والوليييات‬
‫المتحدة ‪ ،‬وأهم وأخطر هذه الحركات هي ) الحركة التدبيرية ( ‪ ،‬التي نشأت في الوليات المتحدة بعييد قيييام دوليية‬
‫إسرائيل ‪ .‬وتضّم في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ‪ ،‬لحظة تأليف هذا الكتاب في أواسط الثمانينيات ‪،‬‬
‫ومن بين أعضائها الرئيس المريكي آنذاك ) رونالد ريغان ( وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر العلمية‬
‫المريكية ‪ ،‬وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ‪ ،‬ويشيارك قادتهييا كبييار المسيؤولين فييي اليبيت البيييض ‪ ،‬ومجلييس‬
‫المن القومي المريكي ‪ ،‬ووزارة الخارجية بصناعة القرارات السياسية والعسكرية ‪ ،‬المتعلقة بالصييراع العربييي‬
‫السرائيلي ‪.‬‬
‫ن ال قد وضع في الكتياب المقيدس نبيوءات واضيحة ‪ ،‬حيول كيفيية تيدبيره لشيؤون الكيون‬
‫ي وتعتقد هذه الحركة أ ّ‬
‫ونهايته ‪ ،‬كما يلي ‪:‬‬
‫قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫هجوم أعداء ال على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ) وأعداء إسرائيل هم الروس والعييرب ‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وعلى مدى أوسع هم أهل الشرق على اختلف معتقداتهم ( ‪.‬‬
‫انتشار الخراب والدمار ومقتل المليين ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ظهور المسيح المخلص وتخليصه لتباعه ) أي المؤمنين به ( من هذه المحرقة ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫انتشار السلم في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪172‬‬
‫ن ال قد أوصاهم بذلك ‪ -‬كل المييور الييتي ميين‬
‫ي وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ‪ ،‬هي تدبير وتهيئة ‪ -‬وكأ ّ‬
‫جل في عودة المسيح إلى الرض ‪ ،‬ومن ضمن تلك المور ‪:‬‬ ‫الممكن ‪ ،‬أن تع ّ‬
‫أول ‪ :‬ضرورة إضعاف العرب عسكريا ‪،‬‬
‫وثانيا ‪ :‬تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ‪،‬‬
‫وثالثا ‪ :‬تعزيز ترسانتها النووية ‪.‬‬

‫مقتطفات من مقدمة الكاتبة ‪:‬‬

‫تؤكد الكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( أن بذور هذه الُمعتقدات الُمدّمرة ‪ ،‬نشأت في نهاية القرن التاسييع عشيير ‪.‬‬
‫طبع أول مرجع إنجيليي ليه عييام‬ ‫وكان رائد هذا التجاه في تفسير الكتاب الُمقّدس هو ) سايروس سكوفيلد ( ‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪1909‬م ‪ ،‬زرع فيه آراءه الشخصية في النجيييل ‪ ،‬وصييار أكييثر الكتييب المتداوليية حييول المسيييحية ‪ .‬وبييدأت هييذه‬
‫الُمعتقدات في الظهور وتعّززت ‪ ،‬عندما تتابعت انتصارات إسرائيل على دول الجوار العربييية ‪ ،‬وبلغييت ذروتهييا‬
‫بعد الجتياح السرائيلي لجنوب لبنان ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ :‬وفي إحدى المناسبات كان ) سكوفيلد ( يذّكر ُمستمعيه بأنه ‪ " :‬عام بعد عام كان ُيرّدد التحذير بأن‬
‫عالمنا ‪ ،‬سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية " ‪ .‬ولكنه يقول أيضا ‪ " :‬أن المسيحيين الُمخّلصين‬
‫حبوا بهذه الحادثة ‪ ،‬لنه ُمجّرد ما أن تبدأ المعركة النهائية ‪ ،‬فإن المسيح سوف يرفعهييم فييوق السييحاب‬
‫يجب أن ُير ّ‬
‫وسُينقذون ‪ ،‬وأنهم لن ُيواجهوا شيئا من المعاناة التي تجري تحتهم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬بالرغم من أن بعض الصوليين لم يتقّبلوا هذه الفكرة ‪ ،‬إل أنها تسّببت في انقسام كييبير ‪ .‬فهنيياك مؤشيير‬
‫إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعّلقون بنظرية ) هرمجدون ( في تزايد ُمضطرد ‪ ،‬فُهم مثل سييكوفيلد يعتقييدون أن‬
‫المسيح وعد المسيحيين الُمخّلصين بسماء جديدة وأرض جديييدة ‪ ،‬وبمييا أن الميير كييذلك ‪ ،‬فليييس عليهييم أن يقلقييوا‬
‫حول مصير الرض ‪ ،‬فليذهب العالم كّله إلى الجحيم ‪ ،‬لُيحّقق المسيح للقّلة الُمختارة سماًء وأرضا جديدتين " ‪.‬‬
‫" إن استقصاء عام ‪1984‬م ‪ ،‬الذي أجرته مؤسسة ) باتكيلو فيتش ( أظهر أن ‪ 39‬بالمائة من الشييعب المريكييي ‪،‬‬
‫يقولون ‪ ،‬أنه عندما يتحّدث عن تدمير الرض بالنار ‪ ،‬فإن ذلك يعني ‪ ،‬أننييا نحيين أنفسيينا سييوف ُنييدّمر الرض ب‬
‫) هرمجدون ( نووية ‪ .‬وأظهرت دراسة لمؤسسة ) نلسن ( ُنشييرت فييي ُأكتييوبر ‪1985‬م ‪ ،‬أن ‪ 61‬مليييون أمريكييي‬
‫شرين ‪ ،‬يقولون أننا ل نستطيع أن نفعل شيئا ‪ ،‬لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا " ‪.‬‬‫يستمعون بانتظام إلى ُمب ّ‬
‫ي ومن أكثر الصوليين النجيليين شهرة ‪ ،‬من الذين ُيبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية ) هرمجدون ( ‪:‬‬
‫بات روبرتسون ‪ :‬يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ‪ ،‬مكونة من ثلث محطات ‪ ،‬عائداته السيينوية تصييل إلييى‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ 200‬مليون دولر ‪ ،‬ومساهم في محطة تلفزيون الشرق الوسط في جنوب لبنان ‪ ،‬يشياهد برامجيه أكيثر مين ‪16‬‬
‫مليون عائلة أمريكية ‪.‬‬
‫جيمي سواغرت ‪ :‬يملك ثاني أكبر المحطات النجيلية شهرة ‪ُ ،‬يشاهد برامجييه مييا مجمييوعه ‪ 9,25‬مليييون‬ ‫‪.2‬‬
‫منزل ‪.‬‬
‫جيم بيكر ‪ :‬يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ‪ ،‬عائداته السنوية تصل إلى ‪ 100-50‬مليييون دولر ‪ُ ،‬يشيياهد‬ ‫‪.3‬‬
‫برامجه حوالي ‪ 6‬مليين منزل ‪ ،‬يعتقييد أن علينييا أن نخييوض حربييا رهيبيية ‪ ،‬لفتييح الطريييق أمييام المجيييء الثيياني‬
‫للمسيح ‪.‬‬
‫أورال روبرتس ‪ :‬تصل برامجه التلفزيونية إلى ‪ 5,77‬مليون منزل ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫جيري فولويل ‪ :‬تصل دروسه التبشيرية إلى ‪ 5,6‬مليون منزل ‪ ،‬يملك محطة الحرييية للبييث بالكابييل ‪ ،‬أقييام‬ ‫‪.5‬‬
‫بعد شرائها بأسبوع ‪ ،‬حفل عشاء على شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك ‪ .‬وقييد أخييبر فولويييل يومهييا‬
‫بأن جورج بوش ‪ ،‬سيكون أفضل رئيس في عام ‪1988‬م ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫كينين كوبلند ‪ُ :‬يشاهد برامجه ‪ 4,9‬مليون منزل ‪ .‬يقول ‪ " :‬أن ال أقام إسرائيل ‪ .‬إّننييا ُنشيياهد الي يتحييرك‬ ‫‪.6‬‬
‫من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا ‪ ،‬طالما أّنها تييدعم إسييرائيل … إنييه لييوقت رائع أن‬
‫ُنشعر ال ‪ ،‬مدى تقديرنا لجذور إبراهيم " ‪.‬‬
‫ريتشارد دي هان ‪ :‬يصل في برنامجه إلى ‪ 4,75‬مليون منزل ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫شر بتعاليم سكوفيلد التي تقول ‪ " :‬أن ال كان يعييرف‬
‫ريكس همبرد ‪ :‬يصل إلى ‪ 3,7‬مليون منزل ‪ ،‬وهو ُيب ّ‬ ‫‪.8‬‬
‫منذ البداية الولى ‪ ،‬أننا نحن الذين نعيش اليوم ‪ ،‬سوف ُندّمر الكرة الرضية " ‪.‬‬
‫شرون بنظرية هرمجدون نووييية‬ ‫وتعّقب الكاتبة بقولها ‪ " :‬لقد ذكرت ثمانية من الذين ٌيقّدمون البرامج الدينية ‪ ،‬وُيب ّ‬
‫في الذاعة والتلفزيون ‪ ،‬ومن بين ‪ 4‬آلف أصولي إنجيلي ‪ … ،‬هناك ‪ 3‬آلف من التدبيريين ‪ ،‬يعتقدون أن كارثة‬
‫نووية فقط ‪ ،‬يمكن أن ُتعيد المسيح إلى الرض ‪ .‬إن هذه الرسالة ُتبث عبر ‪ 1400‬محطة دينية في أمريكييا ‪ .‬وميين‬
‫سيس إنجيلي يييذيعون يوميييا برامييج ميين خلل ‪ 400‬محطيية راديييو ‪ ،‬فييإن الكثرييية السيياحقة منهييم ميين‬ ‫بين ألف ق ّ‬
‫التدبيريين ‪ .‬وتقول ‪ :‬أن بعض هؤلء القساوسة ورؤساء الكنييائس ‪ ،‬هييم مين القيوة بحييث يظهييرون كييالملوك فيي‬
‫مناطقهم " ‪.‬‬
‫والرسالة التي ُيرسلها هؤلء على الدوام هي ‪ " :‬لن يكون هناك سلم حتى يعود المسيح ‪ ،‬وأن أي تبشير بالسييلم‬
‫قبل هذه العودة هو هرطقة ) تخريف وكفر ( إنه ضد كلمة ال ) ضد ما جاء في الُكتب المقدسة ( إنه ضد المسيييح‬
‫" ‪ .‬وهذا ما يقوله أيضا ) جيم روبرتسون ( التلفزيوني النجيلي الذي دعاه الرئيس ) ريغان ( للقاء صلة افتتاح‬
‫المؤتمر الحزب الجمهوري عام ‪1984‬م ‪.‬‬

‫كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( ومؤلفه ) هال لندسي ( ‪:‬‬

‫تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ‪ ،‬أصبح الكثر مبيعا خلل السبعينات ‪ ،‬حيث بيع منه حوالي ‪ 18‬مليون نسخة ‪ ،‬وفييي‬
‫سيير كييل التاريييخ ‪ ،‬قييائل أن دوليية إسييرائيل هييي الخييط‬
‫تعليقها على هييذا الكتيياب ومييؤلفه ‪ ،‬تقييول " أن المؤلييف يف ّ‬
‫التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل " ‪.‬‬
‫) ومن ذلك يأتي تقديس النصارى المريكان لسرائيل ‪ ،‬ولحظ أن هييذا الكتيياب قييرأه مييا ل يقييل عيين ‪ 18‬مليييون‬
‫أمريكي عند صدوره ‪ ،‬أما الن فربما قد قيرأه معظيم الشيعب المريكيي ‪ ،‬وخطيورة هيذا الكتياب تنبيع مين كيون‬
‫الفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف منسوبة إلى ال ‪ ،‬كما أوضح في كتابه المقّدس لديهم ( ‪.‬‬
‫" ويقول لندسي ‪ :‬أن الجيل الذي ُولد عام ‪1948‬م ‪ ،‬سوف يشهد العودة الثانية للمسييح ‪ .‬ولكين قبيل هيذا الحيدث ‪،‬‬
‫علينا أن نخوض حربين ‪ ،‬الولى ضد يأجوح ومأجوج ) أي الروس ( ‪ ،‬والثانية في هرمجدون ‪ .‬والمأسيياة سييتبدأ‬
‫هكذا ‪ :‬كل العرب بالتحالف مع السوفييت ) الروس ( ‪ ،‬سوف ُيهاجمون إسرائيل " ‪.‬‬
‫) وهذا تحذير وتحريض للغرب النصراني ‪ ،‬لمعاداة العرب المسلمين والروس الشيوعيين (‬
‫وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف ‪ " :‬أن لندسي ل يبدو عليه الحزن ‪ ،‬عندما ُيعلن ‪ :‬أن كل مدينة في العييالم سيييتم‬
‫تدميرها في الحرب النووية الخيرة ‪ ،‬وتعّقب الكاتبة ‪ :‬تصّوروا أن ُمدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ‪ ،‬ونيويييورك‬
‫ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد ُأبيدت " ‪.‬‬
‫ويقول لندسي ‪ " :‬إن القوة الشرقية سوف ُتزيل ثلث العالم … عندما تصل الحييرب الكييبرى إلييى هييذا المسييتوى ‪،‬‬
‫بحيث يكون كل شخص تقريبا قد ُقتل ‪ ،‬ستحين ساعة اللحظة العظيمة ‪ ،‬فُينقذ المسيح النسانية من الندثار الكامل‬
‫) الفناء ( " ‪.‬‬
‫وُيتابع لندسي ‪ " :‬وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ‪ ،‬الذين نجييوا مين الذبيح إلييى المسيييحية … سيييبقى ‪ 144‬أليف‬
‫يهودي فقط ‪ ،‬على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون " ‪.‬‬
‫) إذن يجب أل يكترث نصارى الغرب ‪ ،‬بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة مدمرة ‪ ،‬ما دامت مجمييل ضييحايا هييذه‬
‫الحرب ‪ ،‬ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنيين في الشرق ‪ ،‬غير المؤمنين بألوهية المسييح ‪ ،‬بييل عليهييم أن‬

‫‪174‬‬
‫يستعجلوا نشوبها بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ‪ ،‬حتى يعود المسيح للرض مييرة ثانييية لُينقييذ‬
‫البشرية النصرانية فقط من الندثار الكامل ( ‪.‬‬
‫مب ّ‬
‫شر النجيلي ) جيري فولويل ( ‪:‬‬ ‫وقفة مع ال ُ‬
‫بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الدلة التوراتييية والنجيلييية ‪ .‬تقييول الكاتبيية بعييد حضييورها للعييرض ‪" :‬‬
‫رسم فولويل صورة ُمرعبة عن نهاية العالم ‪ ،‬ولكنه لم يبُد حزينا أو حتى مهتّما ‪ .‬في الواقع أنهى عظتييه بابتسييامه‬
‫كبيرة ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا ُمستقبل رائعا " ‪.‬‬
‫وفي إحدى تسجيلته يقول ‪:‬‬
‫" وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ‪ ،‬إنها حقيقة ُمرّكبة ‪ .‬ولكن نشكر ال لنهييا سييتكون نهاييية العاميية ‪ ،‬لنييه بعييد‬
‫شييرين بالكتياب الُمقيّدس ‪،‬‬ ‫ن كيل الُمب ّ‬
‫ذلك سيكون المسرح ُمعّدا ‪ ،‬لتقديم الملك الرب المسييح ‪ ،‬بقيوة وعظمية … إ ّ‬
‫يتوّقعون العودة الحتمية للله … وأنا نفسي ُأصّدق ‪ ،‬بأننا جزء من جيييل النهاييية ‪ ،‬اليذي لين ُيغيادر قبييل أن يييأتي‬
‫المسيح " ‪.‬‬
‫" ومنذ ‪ 2600‬سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ‪ ،‬أن أمة ستقوم إلى الشمال ميين فلسييطين ‪ ،‬قبييل وقييت قصييير ميين‬
‫العودة الثانية للمسيح … في الفصلين ‪ 38‬و ‪ 39‬من حزقيال ‪ ،‬نقرأ أن اسم هذه الرض هو روش ‪ .‬ويذكر أيضا‬
‫اسم مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه السماء تبدو ُمشابهة بشييكل ُمييثير ‪ ،‬لموسييكو وتيبولسييك ‪ ،‬العاصييمتين‬
‫الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب حزقيال أن هذه الرض ستكون ُمعادية لسرائيل ‪ ،‬وأنه من أجل ذلييك‬
‫حلفاء ُمختلفين فييي اليييام الخيييرة … وقييد‬ ‫سيكون ضدها ‪ .‬وقال أيضا أن روسيا سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة ُ‬
‫سّمى هؤلء الحلفاء ‪ :‬إيران ) التي كنا ُنسميها فييارس ( ‪ ،‬وجنييوب إفريقيييا أو إثيوبيييا ‪ ،‬وشييمال إفريقيييا أو ليبيييا ‪،‬‬
‫وأوروبا الشرقية ) جومر ( ‪ ،‬والقوقاز جنوب روسيا ) توجرمة ( " ‪.‬‬
‫" بالرغم من المال الوردية وغير الواقعية تمامييا الييتي أبييدتها حكومتنييا ‪ ،‬حييول اتفاقييية كييامب ديفيييد بييين مصيير‬
‫وإسرائيل ‪ ،‬إل أن هذه التفاقية لن تدوم ‪ .‬إننا نصييلي بالفعييل ميين أجييل السييلم فييي القييدس … إننييا نحييترم كييثيرا‬
‫ي إسيرائيل ومصير … ولكين أنيت وأنيا نعيرف أنيه ‪ ،‬لين يكيون هنياك سيلم حقيقيي فيي الشيرق‬ ‫ي حكومت ّ‬
‫رئيس ّ‬
‫الوسط ‪ ،‬إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الله المسيح على عرش داود في القدس " ‪.‬‬
‫وفي كتابه ) الحرب النووية والمجيء الثاني … ( ‪ ،‬في فصل الحرب القادمة مع روسيا ‪ ،‬يتنبأ ) فولويل ( بغييزو‬
‫سوفييتي لسرائيل ‪ ...‬وفي نهاييية المعركيية سيسييقط خمييس أسييداس الجنييود السييوفييت ‪ ،‬وبييذلك يبييدأ أول احتفييال‬
‫للرب ‪ .‬ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلييى البييد ‪ ،‬وسيسييتغرق دفيين‬
‫الموتى مدة ‪ 7‬أشهر ‪.‬‬

‫الرئيس المريكي ) ريغان ( كان أحد فرسان هرمجدون النووية ‪:‬‬

‫تقول الكاتبة ‪ " :‬كان ) رونالد ريغان ( واحدا ‪ ،‬من الذين قرءوا كتاب ) آخر أعظم كييرة أرضييية ( … فييي وقييت‬
‫مبكر من عام ‪1986‬م ‪ ،‬أصبحت ليبيا العدو الول ) لريغان ( … واستنادا إلى ) جيمس ميلز ( ‪ ،‬الرئيس السييابق‬
‫لمجلس الشيوخ في ولية كاليفورنيا ‪ ،‬فإن ) ريغان ( كره ليبيا لنه رأى أنها واحييدة ميين أعييداء إسييرائيل ‪ ،‬الييذين‬
‫ذكرتهم النبوءات وبالتالي فإنها عدو ال " ‪.‬‬
‫" وعندما كان ) ريغان ( مرشحا للرئاسة عام ‪1980‬م ‪ ،‬كان ُيواصل الحديث عن هرمجدون ‪ ،‬ومن أقواله ‪ " :‬إن‬
‫نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون " ‪.‬‬
‫" إن معظييم المييؤمنين ) بالتدبيرييية ( ‪ ،‬ينظييرون إلييى روسيييا علييى أنهييا شيييطانية ‪ ،‬وأنهييا ُتمّثييل إمبراطورييية‬
‫الشيطان ‪ .‬ولقد جاهر ) ريغان ( بذلك فيي ‪1983 / 3 / 8‬م ‪ ،‬عنيدما قيال ‪ " :‬إن التحياد السيوفييتي هيو حجير‬
‫الزاوية في العالم المعاصر " ‪ " .‬إنني أؤمن أن الشيوعية فصل حزين وسيئ في التاريخ النسيياني ‪ ،‬الييذي يكتييب‬
‫الن صفحاته الخيرة " ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ :‬يقول )جيمس ميلز ( في مقال صحفي ‪ " :‬إن اسييتعمال ) ريغييان ( لعبييارة إمبراطورييية الشيييطان‬
‫… كان إعلنا انطلق من اليمان الذي أعرب لي عنيه ‪ ،‬فييي تليك الليلية عيام ‪1971‬م … إن ) ريغيان ( كرئييس‬
‫أظهر بصورة دائمة ‪ ،‬التزامه القيام بواجباته ‪ ،‬تمشيييا مييع ارادة الي … إن ) ريغييان ( كييان يشييعر بهييذا اللييتزام‬
‫صيصا ‪ ،‬وهو يعمل على بناء ‪ ،‬القدرة العسكرية للوليات المتحدة وحلفائها …‬ ‫خ ّ‬
‫… صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ‪ ،‬في المعركة الرهيبة ضد قوى الظلم ‪ ،‬إل أن المسيحيين‬
‫المحافظين مثل رئيسنا ‪ ،‬ل يسمح لهم التطرف الروحي ‪ ،‬بأن يأخييذوا هييذا النتصييار كُمسيّلمات ‪ .‬إن تقوييية قييوى‬
‫ق لتربح هذا الصراع المهم ‪ ،‬هو في عيون مثل هؤلء الرجال ‪ ،‬عمييل ُيحّقييق نبييوءة الي انسييجاما مييع إرادتييه‬‫الح ّ‬
‫السامية ‪ ،‬وذلك حتى يعود المسيح مّرة ثانية …‬
‫… وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للنفاق العسكري ‪ ،‬وبرودته اتجاه ُمقترحييات نييزع السييلح النييووي ‪ ،‬متفقيية مييع‬
‫وجهة نظره هذه ‪ ،‬التي يستمّدها من سفر الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ‪ ،‬ل ُيمكيين أن تحييدث فييي‬
‫عالم منزوع السلح ‪ .‬إن كل من يؤمن بحتمية وقوعهيا ‪ ،‬ل ُيمكين توقيع تحقيقيه لنيزع السيلح ‪ .‬إن ذليك ُينياقض‬
‫مشيئة ال كما وردت على لسانه …‬
‫… إن سياسات الرئيس ) ريغان ( الداخلية والمالية ‪ُ ،‬منسجمة مع التفسير اللفظي ‪ ،‬للنبوءات التوراتية والنجيلية‬
‫‪ .‬فل يوجد أي سبب للغضب من مسألة الَدْين القومي المريكي ‪ ،‬إذا كان ال سيطوي العالم كّله قريبا " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬وبناء على ذلك ‪ ،‬فإن جميع البرامج المحلية ‪ ،‬التي تتطلب إنفاقا كبيرا ‪ ،‬يمكن بل يجب أن ُتعّلق‬
‫من أجل توفير المال ‪ ،‬لتمويل برامج تطوير السلحة النووية ‪ ،‬من أجل إطلق الحمييم الُمييدّمرة علييى الشييياطين ‪،‬‬
‫أعداء ال وأعداء شعبه ‪ ،‬وأضاف ميلز ‪:‬‬
‫" لقد كان ) ريغان ( على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصيية أكييبر ‪ ،‬لينفييق المليييارات ميين الييدولرات ‪ ،‬اسييتعدادا‬
‫لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ‪ ،‬لو كان معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ‪ ،‬يؤمن كما أخبرني ‪ ،‬بمييا يييؤمن هييو‬
‫به ‪ ،‬بالنسبة ) لهرمجدون ( والعودة الثانية للمسيح " ‪.‬‬

‫النجيليون الصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم ‪:‬‬

‫في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ‪ ،‬يعمل في القدس ‪ ،‬بعد أن عاد ميين أمريكييا ليعيييش‬
‫ظمهم الُمبشّيير ) فولويييل (‬
‫جاج المريكيين ‪ ،‬الذين ُين ّ‬
‫في فلسطين ‪ ،‬في معرض رّده على سؤال ‪ ،‬عن رأيه في الح ّ‬
‫لزيارة أرض المسيح ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" بالنسبة للنجيليين الصوليين مثل ) فولويل ( ‪ ،‬فإن اليمان بإسرائيل يتقدم على تعيياليم المسيييح ‪ .‬إن الصييهاينة‬
‫ُيفسدون تعاليم المسيح ‪ .‬إن صهيونية ) فولويل ( سياسية ل علقيية لهييا ‪ ،‬بييالقيم أو الخلق أو بمواجهيية المشيياكل‬
‫الحقيقية ‪ .‬إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ‪ ،‬ويطلب من دافع الضرائب المريكي ‪ ،‬أن ُيقيّدم لسييرائيل ‪ 5‬مليييار‬
‫دولر كل سنة ‪ .‬إذ أنه يؤكد لتباعه وبما أنهم مؤيدون للصهيونية ‪ ،‬فهييم علييى الطريييق الصييحيح ‪ ،‬وفييي الجييانب‬
‫الرابح دوما …‬
‫وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ) فولويل ( ‪ُ ،‬يوّفرون للسرائيليين الدافع للتوسع ومصادرة المزيد من الراضييي ‪،‬‬
‫ولضطهاد مزيد من الشعوب ‪ ،‬لنهم يّدعون أن ال إلى جانب إسرائيل ‪ ،‬وأن العم سام راغييب فييي التوقيييع علييى‬
‫الفاتورة …‬
‫إن السرائيليين ‪ ،‬يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ) فولويل ( ‪ ،‬يقفون معهم على الدوام ‪ ،‬بغض النظر‬
‫عما يفعلون أخلقيا ومعنويييا ‪ .‬ومهمييا بلغييوا ميين القمييع ‪ ،‬فييإن السييرائيليين يعرفييون أن الصييهيونيين المسيييحيين‬
‫المريكيين معهم ‪ ،‬ويرغبون في إعطائهم السييلحة ومليييارات الييدولرات ‪ ،‬وسُيصيّوتون إلييى جييانبهم فييي المييم‬
‫المتحّدة " ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مبشر ) فولويل ( والترويج لسرائيل سياسيا ‪:‬‬
‫ال ُ‬
‫في بحث قام به اثنان من الساتذة الجامعيين عن حياة ) فولويل ( ‪ ،‬يؤكد د‪ ) .‬غودمان ( أن ) فولويل ( تحّول ميين‬
‫الوعظ الديني ‪ ،‬إلى الوعظ السياسييي المؤييد للدولية الصييهيونية ‪ ،‬بعيد النتصيار العسيكري السيرائيلي فيي عيام‬
‫‪1967‬م ‪ .‬حيث أن هذا النتصار الُمذهل ‪ ،‬كان له تأثير كبير على العديد من المريكييين ‪ ،‬فيي اليوقت اليذي كيان‬
‫فيه شعور الهزيمة والخيبة ‪ُ ،‬يخّيم على الكثير من المريكيين ميين جيّراء الحييرب الفيتنامييية ‪ ،‬وميين هييؤلء كييان‬
‫) فولويل ( الذي نظر إلى المر بطريقة مختلفة ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬أن السييرائيليين ‪ ،‬مييا كييانوا لينتصييروا لييو لييم يكيين‬
‫خل من ال ‪.‬‬
‫هناك تد ّ‬
‫ونتيجيية لييذلك بييدأ السييرائيليون باسييتخدام ) فولويييل ( فييي السييبعينيات ‪ ،‬لتحقيييق أغراضييهم ومطييالبهم ‪ ،‬وتأييييد‬
‫سياساتهم لدي الشعب والساسة المريكييان ‪ ،‬وفييي خطيياب لييه عييام ‪1978‬م فييي إسييرائيل ‪ ،‬قييال ‪ " :‬إن الي ُيحييب‬
‫أمريكا ‪ ،‬لن أمريكا ُتحب اليهود " ‪ .‬وفي مناسبات عديدة كان يقيول للمريكيييين ‪ " :‬إن قييدر المية يتوقييف علييى‬
‫التجاه ‪ ،‬الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لييم ُيظهيير المريكيييون ‪ ،‬رغبية جازميية فييي تزويييد إسييرائيل بالمييال‬
‫والسلح ‪ ،‬فإن أمريكا ستخسر الكثير " ‪ .‬وقد قامت وسائل العلم الصهيونية بإبرازه وتلميييع صييورته ‪ ،‬ليصييبح‬
‫شخصية سياسية وإعلمية مرموقيية علييى السيياحة المريكييية ‪ ،‬لدرجيية أن الرئيييس ) ريغييان ( رتييب لييه حضييور‬
‫اجتماع مجلس المن القومي ) البنتاغون ( ‪ ،‬ليستمع وُيناقش كبار المسؤولين فيييه ‪ ،‬حييول احتمييال نشييوب حييرب‬
‫نووية مع روسيا ‪.‬‬
‫ُيتابع د‪ ) .‬غودمان ( ‪ " :‬في عام ‪1981‬م ‪ ،‬عندما قصفت إسرائيل المفاعل النووي قرب بغداد ‪ ،‬تخّوف ) بيغيين (‬
‫يء في الوليات الُمتحّدة ‪ .‬ومن أجل الحصول على الدعم ‪ ،‬لم يتصييل بسيييناتور أو كيياهن يهييودي ‪،‬‬‫من رد فعل س ّ‬
‫إنما اتصل ) بفولويل ( … وقبل أن ُيغلق سماعة الهاتف ‪ ،‬قال ) فولويل ( ) لبيغن ( ‪ " :‬السيييد رئيييس الييوزراء ‪،‬‬
‫أريد أن أهنئك على المهمة ‪ ،‬التي جعلتنا فخورين جدا بإنتاج طائرات ف ‪. " 16‬‬
‫وقال د‪ ) .‬برايس ( ‪ " :‬إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ‪ ،‬تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين‬
‫المسيحي " ‪.‬‬

‫هدم المسجد القصى وبناء الهيكللل ‪ ،‬مطلللب إلهللي منصللوص عليلله فيلله‬
‫التللوراة ‪ ،‬كمللا يعتقللد مسلليحيو الغللرب ‪ ،‬فضللل عللن يهللود الشللرق‬
‫والغرب ‪:‬‬

‫أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ‪ ،‬وفي لقاء مع أحد مستوطني ُمستعمرة ) غوش أمونيم ( ‪ُ -‬معقبة على قوله ‪ -‬قالت‬
‫له ‪ :‬إن بناء هيكل للعبادة شيء ‪ ،‬وتدمير المسجد شيء آخر ‪ ،‬فمن الممكن أن ُيؤدي ذلك إلى حييرب بييين إسييرائيل‬
‫والعرب ‪ ،‬فرّد قائل ‪ " :‬تماما هذا ما ُنريده أن يحدث لننا سوف نربحها ‪ ،‬ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وسُنعيد بناء الهيكل وننتظر مسيحنا " ‪.‬‬
‫تقول الكاتبة ‪ " :‬لقد زرت قبة الصخرة ‪ ،‬وهي واحدة من أجمل الصروح فيي العيالم – واليتي ُتقيارن بجميال تياج‬
‫محل – وقد تم بناؤها عام ‪685‬م ‪ ،‬بيأمر مين الخليفية الميوي عبيد المليك بين ميروان ‪ ،‬وهيو البنياء الجميل فيي‬
‫القدس ‪ .‬وتقول ‪ :‬على الرغم من أن المسيح دعا إلى إقامة المعابد في النفس ‪ ،‬فإن الصوليين المسيحيين ُيصّرون‬
‫على أن ال ُيريد أكثر من بناء معبد روحي ‪ ،‬إنه ُيريد معبدا حقيقيا من السمنت والحجارة ‪ُ ،‬يقام تماما في الموقييع‬
‫الذي توجد فيه الصروح السلمية " ‪.‬‬
‫ويقول ) لندسي ( في كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( ‪ " :‬لم يبق سوى حدث واحييد ليكتمييل المسييرح تمامييا أمييام‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لتقوم بدورها في المشهد العظيم الخير من مأساتها التاريخييية ‪ ،‬وهييو إعييادة بنيياء الهيكييل القييديم ‪ ،‬فييي‬
‫موقعه القديم ‪ .‬ول يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه ‪ ،‬استنادا إلى قانون موسى في جبل موريا حيث‬
‫الهيكلن السابقان " ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫نشأة المسيحية الصهيونية ‪:‬‬
‫تقييول الكاتبيية ‪ " :‬أواخيير أغسييطس ‪1985‬م سييافرت ميين واشيينطن إلييى سويسييرا ‪ ،‬لحضييور المييؤتمر المسيييحي‬
‫الصهيوني الول في بازل ‪ ،‬برعاييية السييفارة المسيييحية العالمييية فييي القييدس ‪ ،‬لتعيّرف علييى خلفييية الصييهيونية‬
‫ث المسييحيون إسييرائيل علييى ضيّم الضيفة الغربيية ‪ ،‬بسييكانها المليييون‬ ‫السياسية … في أحد مقررات المؤتمر حي ّ‬
‫فلسطيني … فاعترض يهودي إسرائيلي ‪ :‬بأن ثلث السرائيليين ُيفضلون مقايضة الراضي المحتلة بالسييلم مييع‬
‫الفلسطينيين … فرّد عليه مقرر المؤتمر ‪ :‬إننا ل نهتم بما ُيصّوت عليه السييرائيليون وإنمييا بمييا يقييوله الي ‪،‬والي‬
‫أعطى هذه الرض لليهود " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬كان تقديري أنه من بين ‪ 36‬ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا على المؤتمر ‪ ،‬خصصوا ‪ %1‬من‬
‫الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ‪ ،‬وأكثر من ‪ %99‬من الوقت للسياسة ‪ .‬ول ُيوجد في المر ما ُيييثير السييتغراب ‪،‬‬
‫ذلك أن المشرفين على المؤتمر ‪ ،‬برغم أنهم مسيحيون فهم أول وقبل كل شيء صهاينة ‪ ،‬وبالتييالي فييإن اهتمييامهم‬
‫الول هو الهداف الصهيونية السياسية " ‪.‬‬
‫وفي بحثها عن أصل الصهيونية السياسية ‪ ،‬الداعية إلى عييودة اليهييود إلييى فلسييطين ‪ ،‬تؤكييد الكاتبيية أن ) ثيييودور‬
‫هرتزل ( لم يكن أصل صاحب هذه الفكرة ‪ ،‬وإنما كان ُدعاتها هيم المسييحيون البروتسيتانت ) ذوي الغلبيية فيي‬
‫أمريكا وبريطانيا الن ( قبل ثلث قرون من المؤتمر الصهيوني الول ‪ .‬حيث ضّم لوثر زعيييم حركيية الصييلح‬
‫الكنسي في القرن السادس عشر ‪ ،‬توراة اليهود إلى الكتاب المقّدس تحت اسييم العهييد القييديم ‪ .‬فأصييبح المسيييحيون‬
‫الوربيون ُيبدون اهتماما أكبر باليهود ‪ ،‬وبتغيير التجاه السائد الُمعادي لهم في أوروبا ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬توجه البروتستانت إلى العهد القديم ليس فقط لنه أكثر الكتب شهرة ‪ ،‬ولكن لنه المرجع الوحيد‬
‫لمعرفة التاريخ العام ‪ .‬وبذلك قّلصوا تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية إلى تلك المراحل التي تتضيّمن فقييط الوجييود‬
‫ضعوا فيي إطييار العتقيياد ‪ ،‬أنيه ليم يحيدث شييء فيي فلسيطين‬ ‫العبراني فيها ‪ .‬إن أعدادا ضخمة من المسيحيين ُو ِ‬
‫القديمة ‪ ،‬سوى تلك الخرافات غير الموثقة من الروايات التاريخية المدّونة في العهد القديم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬في منتصف عام ‪1600‬م بييدأ البروتسييتانت بكتابيية معاهييدات ‪ُ ،‬تعليين بييأن علييى جميييع اليهييود ُمغييادرة‬
‫أوروبا إلى فلسطين ‪ .‬حيث أعلن ) أوليفر كرمويل ( بصفته راعي الكومنولث البريطاني الييذي ُأنشييئ حييديثا ‪ ،‬أن‬
‫الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي سُيمّهد للمجيء الثاني للمسيح ‪ .‬ومن هناك في بريطانيييا بييدأت بييذرة الدوليية‬
‫الصهيونية الحديثة في التخّلق " ‪.‬‬
‫وفي خطاب لمندوب إسرائيل في المم المتحّدة ) بنيامين نتنييياهو ( عييام ‪1985‬م ‪ -‬الييذي أصييبح فيمييا بعييد رئيسييا‬
‫لسرائيل ‪ -‬أمام المسيحيين الصهاينة ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن كتابات المسيحيين الصييهاينة ميين النجليييز والمريكييان أّثييرت‬
‫بصورة ُمباشرة على تفكير قادة تاريخيين ‪ ،‬مثييل ) لويييد جييورج ( و ) آرثيير بلفييور ( و ) ودرو ويلسييون ( ‪ ،‬فييي‬
‫مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ‪ ،‬في إرساء القواعد السياسية والدولية لحياء الدولة اليهودية " ‪.‬‬
‫حلما بييالرض والقييوة ‪ ،‬وعلييى ذلييك فييإن السياسيية‬
‫وتقول ‪ " :‬لم يكن حلم هرتزل روحانيا بل كان جغرافيا ‪ ،‬كان ُ‬
‫الصهيونية ضّللت الكثير من اليهود … وقد اّدعى الصهاينة السياسيون أنه لم يكن هناك فلسطينيون يعيشييون فييي‬
‫فلسطين … ويقول ) موش مانوحين ( ‪ :‬أنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة ‪ ،‬على أمييل أن يجييد جّنيية روحييية ‪،‬‬
‫ولكّنه اكتشف أن الصهاينة " ل يعبدون ال ‪ ،‬ولكنهم يعبدون قوتهم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬لن يهود أمريكا – مثل ) آندي غرين ( – يعرفون أنه يمكنهم العتماد ‪ ،‬على دعم ‪ 40‬مليون مسيييحي‬
‫إنجيلي أصولي ‪ ،‬فهم ُيصادرون الرض من الفلسطينيين بقوة السلح ‪ .‬ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل عام‬
‫‪1975‬م ‪ ،‬ول يييزال يحتفييظ بجييواز سييفره المريكييي ‪ " :‬ليييس للعييرب أي حييق فييي الرض إنهييا أرضيينا علييى‬
‫الطلق ‪ ،‬هكذا يقول الكتاب المقّدس إنه أمر ل نقاش فيه ‪ .‬من أجييل ذلييك ل أجييد أي ُمييبرر للتحيّدث مييع العييرب‬
‫حول ادعاءاتهم المنافسة لنا ‪ ،‬إن القوى هو الذي يحصل على الرض " ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫غاية إسرائيل من التحالف مع اليمين المسيحي في أمريكا ‪:‬‬

‫يوضح ) ناتان بيرلمتر ( يهودي أمريكي ‪ ،‬ميين حركية ) بنياي بييرث ( – منظمية يهودييية ‪ -‬فييي أمريكيا ‪ ،‬أسييباب‬
‫تحالف يهود الوليات المتحدة مع الصوليين المسيحيين ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬أن الصوليين النجيليييين ُيفسّييرون نصييوص‬
‫الكتاب الُمقّدس بالقول ‪ " :‬أن على جميع اليهود ‪ ،‬أن يؤمنوا بالمسيح أو أن ُيقتلوا في معركيية هرمجييدون ‪ .‬ولكنييه‬
‫يقول في الوقت نفسه ‪ " :‬نحن نحتاج إلى كل الصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيييح فسييوف نفكيير فييي‬
‫خياراتنا آنذاك ‪ .‬أما الن دعونا ُنصّلي ونرسل السلحة " ‪.‬‬
‫تشير الكاتبة إلى كتاب ) مصير اليهود ( للمؤلفة اليهودية ) فيييورليخت ( الييذي تصييفه بييالرائع ‪ ،‬حيييث تقييول فيييه‬
‫الكاتبة اليهودية ‪ " :‬أن أول مساهمة لليهودية كانت القانون الخلقي ‪ ،‬وأن عظميية اليهودييية لييم تكيين فييي ملوكهييا‬
‫وإنما في أنبيائها ‪ .‬وأن ال لم يأمر اليهود بالموت ولكّنه أمرهم بالحياة ‪ .‬وُتدّلل على قولها بنص من التييوراة " لقييد‬
‫وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم أن تختاروا الحياة " ‪ .‬وُتضيف ‪ :‬مع ذلك فإن السرائيليين بوضع‬
‫مصيرهم بيد الجيوش والسلحة ‪ ،‬وبتشريفهم الجنرالت أكثر ميين النبييياء ‪ .‬ل يختييارون الحييياة وإنمييا يختييارون‬
‫ن أولئك الذين يجعلون من إسرائيل إلها ُيعبد يدفعوننا في هذا التجاه " ‪.‬‬ ‫الموت "‪ .‬وُتحّذر من أ ّ‬
‫ي وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ‪ ،‬مع اليمين المسيحي في الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫الحصول على المال ‪.‬‬ ‫•‬
‫أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية ‪.‬‬ ‫•‬
‫تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس ‪.‬‬ ‫•‬
‫وتقول على لسان ) إسرائيل شاهاك ( ‪ " :‬إن طبيعة الصهيونية هي البحييث الييدائم عيين حيياٍم ومعيييل ‪ .‬فييي البداييية‬
‫جهون ويعتمدون كلّيا على الوليات المتحدة ‪ .‬وقييد أقيياموا هييذا‬ ‫جه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ‪ ،‬والن يتو ّ‬
‫تو ّ‬
‫الحلف مع اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬لكي ُيبّرر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬إن للقادة الصوليين النجيليين اليوم قوة سياسية ضففخمة ‪ .‬إن اليميففن المسففيحي الجديففد هففو‬
‫النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ‪ ،‬وتحصد إسرائيل مكاسب سياسففية جمففة داخففل الففبيت البيففض مففن خلل‬
‫تحالفها معه " ‪.‬‬
‫وتنقل الكاتبة ‪ :‬إن ) مارفن ( – أحد زملئها في رحلة الحج ‪ -‬كغيره من اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬يشييعر بالنشييوة‬
‫لنه مع الحليف الرابح ‪ .‬وقد نقل إلي ميرة المقطيع ‪ 110‬اليذي يتحيّدث عين يهيوه وهيو يسيحق اليرؤوس ‪ ،‬ويمل‬
‫الرض بجثث غير المؤمنين ‪ ،‬والمقطع ‪ 137‬الذي ُيعرب فيه عن الرغبة من النتقام ‪ ،‬من أطفال بابليين وإلقائهم‬
‫فوق الصخور ‪ .‬ثم قال ) مارفن ( ‪ :‬وهكذا يتوجب على السرائيليين أن ُيعاملوا العرب بهذه الطريقيية ‪ .‬ورغييم أن‬
‫) مارفن ( كان معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ‪ ،‬إل أنه كان جاهل فيمييا يتعلييق بالصييراع العربييي‬
‫السرائيلي ‪ .‬لنه يعرف مسبقا كل ما يعتقييد أن الي يريييد منييه أن يعرفييه ‪ .‬وقييال لييي ‪ " :‬إن علييى المريكيييين أن‬
‫يتعلموا من السرائيليين كيف ُيحاربون " ‪ .‬ويشارك ) مييارفن ( كييذلك هييؤلء بالعتقيياد " بأننييا نحيين المسيييحيين‬
‫نؤخر وصول المسيح من خلل عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الرض من الفلسطينيين " ‪.‬‬
‫وتخُلص الكاتبة إلى القول ‪ " :‬بأن عدة مليين من المسيحيين المريكيين ‪ ،‬يعتقييدون أن القييوانين الوضييعية يجييب‬
‫أل ُتطبق على مصادرة اليهود واسترجاعهم لكل أرض فلسطين ‪ ،‬وإذا تسّبب ذلك في حييرب عالمييية نووييية ثالثيية‬
‫فإنهم يعتقدون بأنهم تصّرفوا بمشيئة ال " ‪.‬‬
‫وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة بأسماء ‪ 250‬منظمة إنجيلية أصولية موالية لسرائيل ‪ ،‬من مختلف الحجام والعمييق‬
‫في أمريكا ‪ ،‬ومعظم هذه المنظمات ننشأت وترعرت خلل السنوات الخمس الخيرة ‪ ،‬أي منذ عام ‪1980‬م ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة ‪ :‬أن السرائيليون ُيطالبون بفييرض سيييادتهم وحييدهم ‪ ،‬علييى المدينيية‬
‫التي ُيقّدسها مليار مسيحي ومليار مسلم ‪ ،‬وحوالي ‪ 14‬مليون يهودي ‪ .‬وللدفاع عن اّدعائهم هذا فييإن السييرائيليين‬
‫– ومعظمهم ل يؤمن بال – يقولون ‪ :‬بأن ال أراد للعبرانيون أن يأخذوا القدس إلى البد ‪ .‬ومن أجييل ترويييج هييذه‬
‫صيير‬‫س تن ّ‬‫جه السرائيليون إلى ) مايك ايفنز ( اليهودي المريكي ‪ ،‬الذي ُقّدم في أحد المعابد على أنه ق ّ‬
‫الرسالة تو ّ‬
‫‪179‬‬
‫ليساعد شعبه ‪ ،‬وأنه صديق لجورج بوش ويحتل مكانة مرموقيية فييي الحييزب الجمهييوري ‪ ،‬وميين حييديثه فييي هييذا‬
‫المعبد قوله ‪ " :‬إن ال يريد من المريكيين ‪ ،‬نقل سييفارتهم ميين تييل أبيييب إلييى القييدس ‪ ،‬لن القييدس هييي عاصييمة‬
‫داود ‪ .‬ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود ‪ ،‬من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم ‪ .‬إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية‬
‫يهودية ‪ ،‬فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا ‪ ،‬إن ال ‪ ،‬سُيبارك الذين ُيباركون إسرائيل ‪ ،‬وسيلعن لعنيها‬
‫"‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫وفي الخاتمة تقول الكاتبة ‪ " :‬فكرت في خيارنا للحياة أو المييوت طييوال السيينين العديييدة الماضييية ‪ ،‬مسييتمعة إلييى‬
‫) جيري فولويل ( وغيره من النجيليين ‪ ،‬الذين يطّلون علينا عبر الهاتف والكتاب المقّدس باليد الخرى ‪ ،‬نيياقلين‬
‫عن كتاب دانيال من العهد القديم ‪ ،‬وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديييد ‪ ،‬قييائلين ‪ :‬أن الي قييد قضييى علينييا أن‬
‫نخوض حربا نووية مع روسيا ‪...‬‬
‫اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية ل مفيير منهييا بمقتضييى الخطيية اللهييية ‪ ،‬فييإن العديييد ميين النجيليييين المييؤمنين‬
‫بالتدبيرية ‪ ،‬ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل ‪ ،‬يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشييّد‬
‫وحشية وأوسع انتشارا ‪ ،‬من أي مجزرة ُيمكن أن يتصورها عقل ) أدولف هتلر ( الجرامي …‬
‫لقد وجدت فكرهم الوعظي تحريضيا تصادميا في حّثهم على الستعداد لنهاية العالم ‪ ،‬إنهم يدفعونني إلى العتقيياد‬
‫بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن بداياتنا كبشر ‪ .‬إن معظمنييا يتمسييك باعتبييار حسيين الجييوار كعلقيية رائعيية فييي‬
‫حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الخرين كما نحب أن ُيعاملونا ‪ ،‬وفوق ذلييك عيياش الكييثيرين بهييدف أكييثر نبل ؛ وهييو‬
‫مغادرة هذه الدنيا في حاله ‪ ،‬أفضل من تلك التي وجدوها عليها " ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض لبعييض مييا جيياء فييي هييذا الكتيياب ‪ ،‬نسييتطيع القييول أن الحلييف المنعقييد بييين إسييرائيل والوليييات‬
‫المتحّدة ‪ ،‬هو حلف عقائدي عسكري ُتغذيه النبوءات التوراتية والنجيلييية ‪ .‬لدرجيية أن الكييثير مين أفييراد الشييعب‬
‫ل يتمنى لو أنه ولد يهوديا ‪ ،‬لينعم بالنتساب إلى شعب ال المختار ‪ ،‬الذي يقاتل ال عنهم في جميع‬ ‫المريكي الضا ّ‬
‫حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين ‪ .‬ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود وبمقاومتنييا للحتلل‬
‫الصهيوني ‪ ،‬نمنع ال من تحقيق إرادته بإعطاء أرض فلسطين لليهود ‪ .‬فالشعب المريكي ينظيير علييى أن اليهييود‬
‫شرفاء أمريكييا يعتقييدون بعكييس‬ ‫هم جنود ال ‪ ،‬وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود الشيطان ‪ ،‬وأن قلة قليلة من ُ‬
‫ذلك ‪ ،‬من الذين سبروا أغوار الحقيقة ودرسوا التاريييخ والجغرافيييا والواقييع بعييين العداليية والنصيياف ‪ ،‬حييتى أن‬
‫بعضهم طعن في مصداقية كتبهم الُمقّدسة ‪ ،‬ولكن كل جهود الشرفاء من مواقييف ومحاضييرات وبرامييج ومؤلفييات‬
‫ذهبت أدراج الرياح ‪ ،‬ذلك لنهم قلة ول يملكون ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة والمييال ‪ ،‬فكييانوا كميين ُيجيّدف‬
‫بالرمال ‪.‬‬
‫ي ونستطيع تلخيص العلقة ما بين إسرائيل وأمريكا ) اليهود والنصارى ( كما يلي ‪:‬‬
‫أن التحالف بين الدولتين ‪ ،‬فضل عن كل شيء ‪ ،‬هو حلف ديني عقائدي ‪ ،‬أقوى من أي معاهييدة أو اتفاقييية‬ ‫•‬
‫مكتوبة على الورق ‪.‬‬
‫كل من المريكان والسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم ‪.‬‬ ‫•‬
‫يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه ‪.‬‬ ‫•‬
‫ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود على فلسطين كاملة ‪ ،‬واتخاذ القدس عاصمة للدولة اليهودييية ‪،‬‬ ‫•‬
‫ومن ثم يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسييجد القصييى ‪ ،‬وأن هييذه المييور مييا لييم تأخييذ مجراهييا علييى أرض‬
‫الواقع فإنها ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين ‪.‬‬
‫وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا بحييرب ُمييدمرة سييتقع بييين إسييرائيل وأعييدائها ‪ ،‬تحصييد مييا ل ُيعيّد ول‬ ‫•‬
‫ُيحصى من أرواح البشر وتنتهي بخييراب الرض ‪ ،‬ورّواد الميؤامرة اليهودييية العالمييية يبييذلون قصييارى جهييدهم‬
‫لشعالها ‪ ،‬لقطف ثمار مخططهم الشيطاني بإثارة الفتن وافتعال الزمات ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫وبناء على ذلك ‪ ،‬تجد أمريكا نفسها ملزميية عقائديييا بتسييليح إسييرائيل مييا أمكنهييا ذلييك ‪ ،‬وبييدعمها فييي كييل‬ ‫•‬
‫مخططاتها داخل فلسطين وخارجها ‪ ،‬استعدادا لوقوع هذه الحرب المدمرة لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها ضد‬
‫أعداء ال ‪.‬‬
‫هكذا هي المعادلة بكل بساطة ‪ ،‬فساسة الشعب المريكي جملة وتفصيل صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ‪،‬‬
‫وما عبادة المريكيين لسرائيل إل لتقّربهم إليى الي زلفيى ‪ ،‬وليذلك يسيعى المريكييون قبيل السيرائيليون لتلبيية‬
‫متطلبات مجيء المسيح ‪ ،‬وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة الغرب رفع ظلم صهاينة الشرق ‪.‬‬
‫ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء وبدأنا بتتّبييع الرؤسيياء المريكيييين المتيأخرين ‪ ،‬لتيبين لنييا أن الرؤسياء ميين الحيزب‬
‫الديموقراطي كانوا أكثر اعتدال وأكثر ميل إلى السلم مع العرب وروسيا ‪ ،‬بغض النظر عن مفهومهم له ‪ ،‬وأقل‬
‫تجاوبا مع متطلبات كل من الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية الصولية الُمتطّرفة ‪ ،‬كما هو حال الرئيس‬
‫) كيارتر ( – الييذي انتهييت وليتيه عيام ‪1980‬م – حييث ُأنجييزت فييي عهييده اتفاقيية ) كييامب ديفييد ( بيين مصير‬
‫وإسييرائيل ‪ ،‬والرئيييس ) كلينتييون ( ‪200-1992 ،‬م ‪ ،‬الييذي ُأنجييزت فييي عهييده اتفاقييية وادي عربية بييين الردن‬
‫وإسرائيل ‪ ،‬وحاول جاهدا صنع ) كامب ديفيد ( أخييرى مييع الفلسيطينيين ‪ ،‬رغييم خروجيه عين النيص بمحيياولته‬
‫الخجولة لرضاء هؤلء بقصف مصانع الدوية السودانية وقصف العراق بين حين وأخر ‪.‬‬
‫ولتبين لنا أيضا ‪ ،‬أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي النجيلي التوراتي الصييولي المتط يّرف ‪،‬‬
‫كانوا أكثر تطرفا وعدوانية وأقييل اهتمامييا بالسييلم ‪ ،‬ويتجيياوبون مييع متطلبييات اليهييود بييل ُينّفييذونها بحييذافيرها ‪.‬‬
‫ن الحرب على ليبيا ‪ ،‬وتييم فييي عصيره ضييرب المفاعيل العراقييي واجتيياح‬ ‫فالرئيس ) ريغان ( ‪1988-1980‬م ش ّ‬
‫بيروت ‪ ،‬واشتعلت في عصره نيران الحرب اليرانية وتم إطالة أمدها وانتهت بنهايية وليتيه ‪ .‬والرئييس ) بيوش‬
‫ن الحرب على العراق وفرض عليه الحصار ‪ ،‬وتم إسقاط الشيوعية وتفكيك التحاد‬ ‫الب ( ‪1992-1988 ،‬م ‪ ،‬ش ّ‬
‫السوفييتي ‪ ،‬وأعلن عن نظامه العالمي الجديد المذكور في بروتوكولت اليهود ‪.‬‬
‫ومؤخرا جاء دور ) بوش البن ( ‪ ،‬لُيكمل سلسلة جرائم أسلفه مين الجمهيوريين ‪ ،‬وُينفيذ ميا ُأعيّد ليه هيؤلء مين‬
‫ط أجدادهم أسفار التوراة والنجيل‬ ‫طوها ‪ ،‬قبل وصوله لسدة الحكم ‪ ،‬كما خ ّ‬‫برامج مسبقة ‪ ،‬كان أبالسة اليهود قد خ ّ‬
‫‪ ،‬وبروتوكولت الحكماء ‪ ،‬فيما ُيسّمى ) بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الدنى ‪ ، ( 2001‬حيث بدأ بتنفيذ‬
‫ما جاء فيه من أوامر ‪ ،‬فور تسّلمه للسلطة ‪:‬‬
‫ضرب بغداد دون سابق إنذار ‪ ،‬وبدأت إدارته بالترويج " للعقوبات الذكية " ‪ ،‬التي طالب بها خبثاء معهييد‬ ‫‪.1‬‬
‫واشنطن ‪.‬‬
‫وأظهر عداءه لروسيا والصين ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وطلب الرئيس المصيري لمعاقبية مصير علييى موقفهيا المتشيّدد مييع إسيرائيل فييي قمية القيياهرة ‪ ،‬بخفييض‬ ‫‪.3‬‬
‫المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة فيما لو أصّرت على ذلك ‪.‬‬
‫وصّرح عن رغبته في نقل السفارة المريكية إلى القدس ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ودعم إسرائيل في قمعها لنتفاضة الرهابيين الفلسطينيين ‪ ،‬وبّرر وما زال ُيبّرر جرائمها ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ‪ ،‬من اللبنانيين المدعومين بالموال اليهودية‬ ‫‪.6‬‬
‫تحت غطاء الدين ‪.‬‬
‫وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ‪ ،‬لشرح السياسة الجديدة التي جيياء بهييا هييذا التقرييير ‪ ،‬الييذي‬ ‫‪.7‬‬
‫تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ‪ ،‬بناء على المخاوف النبوية التوراتية ‪.‬‬

‫تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى لعام ‪2001‬م‬


‫موقع هذا التقرير باللغة النجليزية على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪http://www.washingtoninstitute.org/pubs/psg/psg2000.htm‬‬

‫‪181‬‬
‫ُيؤكد هذا التقرير الذي تّم إنجازه بتاريخ ‪2000 – 12 – 12‬م أن مصير هذه المنطقيية ‪ ،‬مرهييون بمييا جيياء ميين‬
‫طلعيت عليى هيذا التقريير ‪،‬‬ ‫نبوءات في الكتب المقّدسة ‪ ،‬ومرهون أيضيا بكيفيية تفسييرهم لهيذه النبيوءات ‪ .‬وإذا ا ّ‬
‫فستجد أنه يوضح السياسات التي يتوجب على الرئيس المريكي نهجهيا ‪ ،‬للسييطرة عليى هيذه المنطقية واسيتعباد‬
‫س السييم فييي العسييل ‪ ،‬بنيياًء علييى المخيياوف اليهودييية‬
‫شعوبها ‪ ،‬ستجد أنها قد ُرسمت بدهاء ومكر ‪ ،‬على طريقة د ّ‬
‫المنبثقة من النبوءات التوراتية ‪ .‬حيث أن ُمجمل بنود هذا التقرير ‪ ،‬جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط‬
‫ل غير ‪ .‬وفيما يلي سنعرض من فصول هذا التقرييير الخمسيية ‪ ،‬بعييض المقتطفييات شييديدة التعلييق بموضييوع هييذا‬
‫الكتاب ‪ .‬وقد ُنشر هذا التقرير مترجما على حلقات ‪ ،‬في جريدة العييرب اليييوم الردنييية ‪ ،‬فييي النصييف الول ميين‬
‫شهر آذار ‪2001‬م ‪.‬‬
‫تأسس معهد واشنطن الذي قدم هذه التقرير عام ‪1985‬م ‪ ،‬وهو يعمل كوحدة للبحوث تابعة للجنة للعلقات العاّميية‬
‫ب ) ايباك ( ‪ ،‬وهي الُمنظّمة الصهيونية الولى في الوليات الُمتحدة ‪ ،‬التي ُتعتبر‬ ‫المريكية السرائيلية ‪ ،‬المسماة ِ‬
‫" خط الدفاع الول عن إسرائيل " ‪ ،‬ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا ومسيحيين‬
‫صهاينة في الفكر والمعتقد ‪ .‬وقد تطّور هذا المعهد ليصبح مصدر التأثير العظم ‪ ،‬في صيينع القييرارات السياسييية‬
‫الخاصة بالمنطقة ‪ ،‬التي تتخذها الدارات المريكية المتعاقبة ‪ .‬ويصدر هذا التقرير فييي بداييية كييل ولييية رئاسييية‬
‫جديدة ‪ ،‬ليكون نورا يهتدي به الرئيس المريكي الجديد ‪ ،‬ونجاح هذا الرئيييس وفشييله لييدى سييادته اليهييود ‪ ،‬يعتمييد‬
‫ظميية علييى علقيية وثيقيية مييع‬‫على مدى التزامه ‪ ،‬ومقدار ما أنجزه من الهداف الييواردة فييي التقرييير ‪ ،‬وهييذه المن ّ‬
‫الرؤساء والساسة المريكان ‪.‬‬

‫الفصل الول ‪:‬‬

‫دبلوماسية عربية إسرائيلية ‪ -‬اردع الحرب القليمية بين إسرائيل والدول العربية ‪ ،‬واستطلع مسالك جديدة ‪.‬‬

‫تقويم دروس تجربة أوسلو ‪ ،‬واستطلع مسارات بديلة للسلم ‪:‬‬

‫التأكيد على أن الوليات المتحدة حليفة لسرائيل ‪ ،‬وأنها ل ترتبط معها بأحكام ومعاهدات مكتوبة ‪ ،‬وإنما بروابييط‬
‫أقوى من القيم والمصالح المشتركة ‪ .‬المضي قدما في نقل سفارة الوليات المتحدة إلى الموقع المقييرر فييي القييدس‬
‫الغربية ‪.‬‬

‫تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر القليمي ‪:‬‬

‫التركيز على الدول الموالية للغرب ‪ :‬تحتاج الوليات المتحدة إلى التواصل مع الزعمياء العييرب والمسيلمين ومييع‬
‫ن دور اليدول‬‫شعوبهم ‪ ،‬في السعي إلى إشراكهم في حوار صيادق وصيريح حيول آراء ومصيالح كيل منهيم ‪ .‬إذ أ ّ‬
‫الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ‪ ،‬في وضع الجندة السياسية الجتماعية الثقافية للشييرق الوسييط ‪ ،‬ويصييدق‬
‫ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ‪ ،‬والعربية السعودية والمغرب والردن ‪ .‬وقد اتضيح ذليك أثنياء قمية كيامب‬
‫ديفيد ‪2000‬م وبعدها ‪ ،‬عندما أدى غياب التشاور مع الدول العربية الرئيسية ‪ ،‬حول قضية القدس خصوصييا إلييى‬
‫طرحت في الجتماع ‪.‬‬‫تقليص فرصة قبول عرفات ‪ ،‬بأي من الحلول المختلفة التي ُ‬
‫تتحمل مصر من بين جميع الدول المسؤولية الكبر بصفتها الدولة العربية القوى ‪ ،‬والدولة التي تحمل إجراءاتها‬
‫الثر الكثر أهمية في المنطقة ‪ .‬إذ ُتعتبر تصريحات الرئيس المصييري حسييني مبييارك ‪ ،‬ضييد أي توسيييع للنييزاع‬
‫الفلسييطيني السييرائيلي ‪ ،‬وضييد تحييويله إلييى حييرب عربييية إسييرائيلية جييدارا واقيييا ‪ ،‬بييوجه انتشييار المزيييد ميين‬
‫الراديكالية ) أي التوجه المعادي لسرائيل وأمريكا ( ‪.‬‬
‫المثلث السرائيلي اللبناني السوري ‪ :‬ينبغي على الدارة المريكية الجديدة ‪ ،‬أن ُتعّزز قوة الردع السرائيلية ضد‬
‫احتمالت تعرضها لهجمات برية أو صاروخية ‪ ،‬تقوم بها قوات حييزب الي المييدعوم ميين سييوريا وإيييران ‪ .‬علييى‬
‫الدارة المريكية أن تدعم الحركة الناشيئة فيي لبنيان ‪ ،‬والداعيية إليى الضيغط مين أجيل المزييد مين الحريية فيي‬
‫الداخل ‪ ،‬وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على الشؤون اللبنانية ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫أسلحة الدمار الشامل ‪ -‬امنع النتشار واردع الستخدام ‪.‬‬


‫من الممكن أن تشهد السنوات الربع المقبلة ‪ ،‬تحقق تقديرات الستخبارات المريكية ‪ ،‬بييأن إيييران سييوف تطييور‬
‫نظاما صاروخيا متعدد المراحل ‪ُ ،‬يمّكنها من تطوير صاروخ عابر للقارات ‪ .‬ومن الممكن خلل الفترة نفسييها أن‬
‫ُيطور العراق أو إيران سلحا نوويا ‪ ،‬خصوصا فييي حاليية حصييولها علييى الوقييود النييووي ‪ ،‬بصييورة سييرية ميين‬
‫التحاد السوفييتي السابق مثل ‪ .‬والحصول عليها من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات ‪.‬‬
‫الكثيرون في المنطقة يتهمون الوليات المتحدة بازدواجية المواقييف ‪ ،‬فيمييا يتعّلييق بقييدرة العييراق النووييية ‪ .‬فعلييى‬
‫الرغم من القلق الذي توّلده السلحة النووية ‪ ،‬من وجهة النظر الداعية إلى عدم النتشار ‪ .‬فإن هذه السيلحة تييوفر‬
‫لسرائيل هامشا من المن ‪ ،‬يمكنها من المجازفة بعقد السلم مع جارات معينة ‪ .‬في الوقت اليذي تطيور فييه دول‬
‫أخرى في المنطقة ‪ -‬ما زالت تهدد بتدمير إسرائيل ) أي العراق ( ‪ -‬الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات ‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫الرهاب ‪ -‬اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة ‪.‬‬

‫اعزل جهــود مكافحــة الرهــاب عــن ديناميكيــات العمليــة الســلمية ‪ ،‬وعــزز الــرد علــى‬
‫التحديات المستمرة ‪:‬‬

‫ينبغي على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تتبع سياسية ل تسيامح فيهيا ‪ :‬ففيي اليوقت اليذي يحيق للسيلطة الفلسيطينية ‪ ،‬أن‬
‫تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ‪ ،‬فإن العلقة المريكييية الفلسييطينية يجييب أن تييدفع ثميين التهيياون ‪،‬‬
‫الذي ُتبديه السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الرهاب ‪.‬‬
‫ينبغي على الوليات المتحدة أن ُتعزز جهودها الرامية للرتقاء بالتعاون الدولي ‪ ،‬ضد شييبكات العنييف السييلمية‬
‫الُمتطّرفة ‪ .‬وينبغي أن تعمل مع دول أوروبا والشرق الوسط ‪ ،‬لممارسة ضغط جمياعي عليى تليك اليدول القليلية‬
‫التي ما زالت تقدم الملذ للرهابيين ‪ ،‬أو تغض النظر عنهم وهي إيران وباكستان واليمن وأفغانستان ‪.‬‬
‫* وقفة قصيرة مع مقال ‪ ،‬في جريدة الدستور الردنية الصادرة ‪ ،‬بتاريخ ‪2001 – 7 – 5‬م ‪ ،‬نقل عن رويترز ‪:‬‬
‫) تصدير المقال ‪ :‬في حال هاجم ابن لدن مصالح أمريكية ‪ -‬واشنطن ُتهّدد طالبان بانتقام عسكري (‬
‫" واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية المريكية ) ريتشارد أرميتاج ( ‪ :‬أن الوليات المتحّدة قييد تشينّ‬
‫ن أسامة بن لدن على هجمات مصالح أمريكية ‪ .‬وكان‬ ‫انتقاما عسكريا على حركة طالبان ‪ ،‬إذا ش ّ‬
‫) أرميتاج ( ُيعّقب على تحذير قّدمه إلى طالبان ‪ ،‬سييفير الوليييات المتحييدة لييدى باكسييتان ) ويليييام‬
‫عقد في إسلم أباد يوم الجمعة الماضي ‪ .‬وقال مسؤول في طالبيان لروييترز أن‬ ‫ملم ( في اجتماع ُ‬
‫طالبان التي توفر المأوى لبن لدن ‪ ،‬تم إبلغها بأنها سييتتحمل المسيؤولية عين أي هجمييات عليى‬
‫مصالح أمريكية … " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬

‫طور الستخدام الفّعال لدوات السياسة المريكية المتوفرة ‪:‬‬

‫لخضاع الرهابيين للدانة الجنائية ‪ ،‬يتحتم على الولييات المتحيدة متابعية الليتزام بملحقية أولئك المجرميين ‪،‬‬
‫حيتى وإن واجيه المير عقبيات دبلوماسيية ‪ .‬عليى الحكومية التحاديية العميل عليى إيقياف المناصيرين المحلييين‬
‫المؤيدين للجماعات الرهابية ‪ ) ،‬المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات الجهادية في فلسطين ( ‪.‬‬
‫لقد تقلص عدد الدول الداعمة للرهاب إلى سبع دول ‪ ،‬وآخر الييدول الييتي ُرفييع اسييمها هييي العييراق عييام ‪1982‬م‬
‫وأعيد عام ‪1991‬م أما آخر اسم ُأضيف للقائمة هو السودان عام ‪1993‬م ‪ .‬على الرئيس كجزء ميين عملييية إعييادة‬
‫النظر ‪ ،‬أن ُيفكر بتحديد الطيرق اليتي تسيتطيع مين خللهيا تليك اليدول مين رفيع اسيمها مين القائمية ) أي وضيع‬
‫متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك المريكية ( ‪ .‬وخصوصا تلييك الييتي أظهييرت اهتمامييا بييذلك مثييل‬
‫‪183‬‬
‫ليبيا والسودان وسوريا ‪ ،‬بعد ذلك يجب ربط درجة الدعم المقّدم للرهاب بدرجة العقوبات التي تفرضها الوليات‬
‫المتحدة ‪ ،‬وكذلك بمستوى التعامل الذي يقوم بين الحكومة المعنية وحكومة الوليات المتحدة ‪.‬‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫العراق وإيران ‪ -‬اعمل من أجل التغيير ‪.‬‬


‫ل ميين‬
‫إن الموقف من العراق وإيران ‪ُ ،‬يعتبر من أهم القضايا السياسية التي تواجه الدارة المريكية الجديييدة ‪ .‬فكي ٌ‬
‫الييدولتين ُيعتييبر لعبييا ُمهّمييا فييي الخطرييين الرئيسييين ‪ ،‬اللييذين يتهييددان مصييالح الوليييات المتحييدة فييي المنطقيية‬
‫) والمصالح هي وجود إسرائيل فقط ( ‪ .‬واللذين حّددهما هذا التقرير بزعزعة العملية السلمية – لدرجيية النييزلق‬
‫نحو الحرب – وبامتلك أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫في إيران يبدو التغيير يلوح في الفق ‪ ،‬وأنه سيكون ثمرة للديناميكيات السياسية الداخلية ‪ .‬أما بالنسبة للعراق فييإن‬
‫القصة مختلفة ومن المور الُمحزنة ‪ ،‬كوننا مقتنعين بأن التغيير في العييراق يكيياد يكييون مرتبطييا بصييورة حتمييية‬
‫بالعنف ‪ ،‬أي بانقلب أو بانتفاضة داخلية ‪ ، … ،‬ينبغييي علييى الرئيييس المريكييي أن ُيطييور اسييتراتيجية شيياملة ‪،‬‬
‫تنطوي على خطوات فّعالة تهدف إلى الضغط على صدام حسين في عدة جبهات ‪.‬‬
‫وحتى يحين موعد التغيير في العراق وإيران ‪ ،‬فإن علييى الوليييات المتحييدة أن تييواجه التحييدي لحتييواء الضييرر‬
‫الذي تسببه هاتان الدولتان ‪ ،‬بالضافة للعقوبات والقيود المفروضة على الصييادرات ميين أجييل تقليييص المييوارد ‪،‬‬
‫صصها الدولتان للتحديث العسكري ونشر السلحة ‪ ،‬والحصول على التكنولوجيا اللزمة لذلك ‪.‬‬ ‫التي يمكن أن ُتخ ّ‬

‫ضح التهديد الذي ُيمّثله صدام حسين لمصالح الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫و ّ‬
‫نعتقد أن من المهم تحديد تلك المصالح المريكية الحيوية التي يمكن لصدام أن ُيهيّددها ‪ ،‬ووضييع خطييوط حمييراء‬
‫ُتشّكل عند تجاوزها تحّديا غير مقبول ‪ ،‬يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق ‪.‬‬
‫ما أن يتم النتهاء من هذه المراجعة ‪ ،‬يتوجب على الرئيس ‪ ،‬أن يطرح مقرراتها علييى الشييعب ‪ ،‬كتهيئة لحتمييال‬
‫وقوع مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع صدام إذا ما اقتضييى الميير … فييي حاليية العييدوان خييارج أراضيييه أو‬
‫استخدامه لسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬أو حتى نشرها في حالت معينة أو عدوانه على الكراد ‪.‬‬
‫ي ُيقصد بالقوة واسعة النطاق ‪:‬‬
‫أول ؛ حملت القصف المتواصلة ضد الهداف التي تحمي النظام ‪،‬‬
‫ثانيا ؛ إذا كانت النتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي يعني إرسال قوات أرضية ‪ ،‬بقدرات كافية بمشاركة الحلفيياء‬
‫لغرض إحلل التغيير في النظام العراقي ‪،‬‬
‫ثالثا ؛ في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬يتوجب استخدام جميع الوسائل الُمتاحيية ضييد نظييام صييدام حسييين‬
‫) أي استخدام السلح النووي ( ‪.‬‬
‫على الوليات المتحدة أن تكون مستعدة ‪ ،‬للعمل بالتنسييق ميع الحلفيياء الرئيسييين وبييالخص السيعودية والكيويت‬
‫وبريطانيا ‪ .‬وبذل مزيد من الجهد لقناع تركيا ‪ ،‬بلعب دور أكثر فاعلية في الرد على التح يّدي الييذي ُيمّثلييه صييدام‬
‫حسين ‪.‬‬
‫أحد الخطوط الصفراء التي تجاوزها صييدام بالفعييل ‪ ،‬هييو التوقييف عيين التعيياون مييع مفتشييي السييلحة ‪ .‬أظهييرت‬
‫دروس التاريخ الليمة ‪ ،‬أن صييدام ل يسيمح بعملييات تفيتيش ‪ ،‬تكشييف ميا تبقيى مين برامجيه لنتياج الصيواريخ‬
‫وأسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬كما أن السرة الدولية غير مستعدة لتأييد استخدام القوة لرغام صدام على التعاون ‪.‬‬
‫إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصّر الوليات المتحدة عليه ‪ .‬يوجد عنصر مهم آخر ‪ ،‬هييو الييدعم‬
‫الذي يجب أن توفره واشنطن لجماعات المعارضة العراقية كعنصر إضافي لحتواء صدام ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫ضمن عملها مع المعارضة العراقية ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة أن تضع رؤية أوضح لعراق ما بعد صييدام ‪ ،‬علييى‬
‫واشنطن أن توضح أنه كلما ازداد العراق مسالمة وانفتاحا وديموقراطية كلما ازداد دعمها له ‪.‬‬

‫ول العقوبات إلى أداةٍ لنفتاح العراق ‪:‬‬


‫ح ّ‬
‫نعتقد بأن على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تقيوم بمجهييود عاجيل لييتركيز العقوبيات عليى نحيو أكييثر حيّدة علييى صييدام‬
‫ونظامه العسكري ‪ .‬من أجل ذلك ينبغي لواشنطن ‪ ،‬أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ‪ ،‬بييدل ميين‬
‫أن توافق مرغمة على خطوات يفرضها الخرون ‪.‬‬
‫في الوقت نفسه ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة التوجه للمنظمات النسانية ‪ ،‬لتحسين طرق إيصال المسيياعدات للشييعب‬
‫العراقي ‪ .‬بدل من أن تكّرس هذه المنظمييات ‪ ،‬الكييثير مين جهيدها لنتقيياد السياسيية المريكييية إزاء العيراق ‪ .‬وأن‬
‫ُتظهر لهذه المنظمات أنها تشاركها همومها النسانية ‪ ،‬مؤكدة بأن السبب في معاناة الشييعب العراقييي هييو حكوميية‬
‫العراق الستبدادية ) أي استخدام النفاق السياسي ( ‪.‬‬
‫ينبغي للقيود التي ُفرضت على السفر من تلك الدولة أن ُتعكس بشيكل تيام ‪ .‬سييكون مين الفضييل تشيجيع التبييادل‬
‫الفردي ‪ ،‬وسفر العراقيين العيياديين ومنييع سييفر المسييؤولين العراقيييين وأفييراد أسييرهم ‪ ،‬ميين الييذين ُيعيقييون تنفيييذ‬
‫قرارات مجلس المن ‪ ،‬أو الذين ُيشتبه بارتكابهم جرائم حرب ‪ ،‬أو انتهاكات فظيعة لحقوق النسييان ‪ .‬لقييد حصييل‬
‫طبق على يوغسلفيا ‪.‬‬ ‫هذا النوع من " العقوبات الذكية " على التأييد في المم المتحدة عندما ُ‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫الستراتيجية القليمية ‪ :‬استثمر في العلقات الحاسمة ‪.‬‬


‫على الدارة المريكية الجديدة أن تأخذ زمام المبادرة ‪ ،‬في توسيع التواصل الثقافي والتربوي مييع الييدول العربييية‬
‫والمسلمة ‪ ،‬لغرض تطوير المعرفة المحلية ‪ ،‬بثقافة ومجتمع وسياسة الوليات المتحييدة وتفّهمهييا ‪ .‬وإيجيياد وسييائل‬
‫شي في الشرق الوسط حول معاداة أمريكا للسلم والمسلمين ‪.‬‬ ‫لمحاربة النطباع الخاطئ ‪ ،‬المتف ّ‬
‫في الطرف الخر من الطيف ‪ ،‬ينبغي للدبلوماسية المريكية أن ُتبرز العيوب الفاضحة لدول المنطقة التي تمارس‬
‫أقصى حد من انتهاكات حقوق النسان ‪ ،‬وبالخص العراق والسودان وليبيا وسوريا ‪.‬‬

‫تقوية العلقات الثنائية المهمة ‪:‬‬

‫إسرائيل ‪ :‬أكد على التحالف غير المكتوب ‪ ،‬فهو يعكيس عميق ينيابيع اليدعم والتيآخي اليذي يشيعر بيه الشيعب‬
‫المريكي إزاء إسرائيل ‪ ،‬والذي يشمل كافيية الطييياف السياسييية المريكييية ‪ .‬ينبغييي علييى الدارة أن تأخييذ زمييام‬
‫المبادرة في الرتقاء بشراكتها لسرائيل ‪ ،‬إلى مستوى مواجهة التهديدات الستراتيجية المشييتركة … وسييط جييو‬
‫التهديدات الجديدة ومع اضطراد تقّدم السلحة الحديثة ‪ .‬فإن على الدارة أن تواجه التحدي السياسييي المتمثييل فييي‬
‫التوضيح لجارات إسرائيل ‪ ،‬بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ‪ ،‬للتوصل إلى مستوى الندية الستراتيجية مع‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫دول مجلس التعاون الخليجي ‪ :‬تقوية المن النفطي والعسييكري والقتصييادي ‪ ،‬لضييمان اسييتمرار تييدفق‬
‫النفط بأسعار مناسبة ‪ .‬على الوليييات المتحيّدة تعميييق دعمهييا للصييلحات القتصييادية فييي تلييك الييدول ‪ ،‬بسييبب‬
‫مصلحتها في استقرار النظمة الملكية الخليجية ‪.‬‬
‫مصر ‪ :‬لدى مصر قدرة على لعب دور إيجابي ‪ ،‬فييي تعزيييز العتييدال والسييتقرار فييي المنطقيية ‪ ،‬أو لعييب دور‬
‫سلبي في تعقيد وإعاقة مبادرات الوليات المتحدة القليمية ‪ .‬ولو حافظت مصر على وضييعها المقبييول فييإن علييى‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تكون مستعدة للمضي قدما في مبادراتها القتصادية ‪.‬‬
‫الردن ‪ :‬ادعم السلم مع إسرائيل ‪ ،‬واحذر من العودة إلى احتضان عييراق صييدام ‪ .‬أمييا علييى الجييانب العسييكري‬
‫فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع المن الحدودي ‪ ،‬ومكافحة الرهاب ‪ ،‬والخطر العراقي المحتمل ‪ .‬أحييد‬
‫‪185‬‬
‫السباب المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ‪ ،‬لجذب الردن بتقديم مساعدة نفطية‬
‫‪ 900-600‬مليون دولر ‪ .‬ولحباط الغراء العراقي ‪ ،‬بوسع دول الخليج تقديم النفييط بشييروط ملئميية ‪ ،‬وتوسيييع‬
‫دائرة التجارة ‪ ،‬واستخدام العمالة الردنية ‪.‬‬
‫تركيا ‪ُ :‬يعتبر بقاؤها ‪ ،‬كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ‪ ،‬مصلحة حيوية للوليات المتحدة ‪ .‬حيث تلعييب‬
‫تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء العراق ‪.‬‬
‫ادعم التعاون ما بين شركاء أمريكا القليميييين ‪ ،‬وميين ضييمنها إسييرائيل وتركيييا ودول مجلييس التعيياون الخليجييي‬
‫ن التعاون بين تركيا وإسرائيل ‪ُ ،‬يعتبر الفضل بين جميع حالت التعاون المني القليمي فييي‬ ‫والردن ومصر ‪ .‬إ ّ‬
‫المنطقة ‪.‬‬

‫الطار الستراتيجي ‪:‬‬

‫لدى الوليات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الوسط ‪ ،‬من بينها ؛ منع وقييوع الحييرب ‪ ،‬وتسييهيل التقييدم باتجيياه‬
‫سلم عربي إسرائيلي ‪ ،‬وضمان أمن وسلمة إسرائيل ‪ ،‬وتوطيد الستقرار والمن والرفاهية والتنمية ‪ ،‬في تركيا‬
‫والدول العربية المعتدلة ‪ ،‬والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة ‪ .‬بعد النتصار في الحرب الباردة ‪،‬‬
‫وحرب الخليج في مطلع التسعينيات ‪ ،‬تمكنت الوليات المتحدة من ممارسة الزعامة فييي مجيالين مهمييين ‪ ،‬هميا ؛‬
‫بناء السلم العربي السرائيلي وتعزيز المن في الخليج ‪.‬‬

‫العولمة ‪:‬‬

‫على مدى العقد الخير ‪ ،‬كان سجل المنطقة مشوشا بالنسبة للعولميية ‪ ،‬فميين جييانب لييم تسييتطع الحييواجز الوطنييية‬
‫القوييية ‪ ،‬أن تمنييع انتشييار وسييائل العلم الحديثيية ‪ ،‬مثييل القنييوات الفضييائية العربييية ‪ ،‬الييتي أنهييت – بمصيياحبة‬
‫النترنت – سيطرة الدولة على المعلومات ‪ ،‬كما تم العتراف على مستوى المنطقة باقتصيياد السييوق ‪ ،‬والنفتيياح‬
‫على التجارة والستثمار الدوليين ‪ ،‬بصفتها أفضل الطرق لتحقيق التنمية … إل أن الشرق الوسط ُيعتبر خاسييرا‬
‫صته في التجارة العالمية في تدهور مستمر ‪.‬‬ ‫نسبيا في سباق العولمة ‪ ،‬فح ّ‬
‫طييات الفضييائية والنيترنت ‪ ،‬وأخيييرا وليييس آخيرا ‪ .‬فمين المحتميل جيدا ‪ ،‬أن يرتيدي‬
‫بفضل أجهزة الفيديو والمح ّ‬
‫المتظاهرون في رام ال أو طهران بنطلونات وأحذية من إنتاج أمريكي ‪.‬‬
‫* بقولهم هذا ‪ ،‬يكشف رواد العولمة ودعاتها ‪ ،‬عن الييوجه القييذر لهييا ولغاياتهييا ‪ ،‬بشييقّيها الثقييافي والقتصييادي ‪،‬‬
‫فغايات العولمة هي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مسخ الهوية العربية والسلمية بشكل خاص والشرقية بشكل عام ‪ ،‬باستهلك الثقافة المريكية عن طريييق‬
‫وسائل العلم المختلفة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ومن ثم جعل جميع دول العالم سوقا مفتوحة ‪ ،‬للمنتجات المريكييية بمختلييف أنواعهييا ‪ ،‬بإجبييار الحكومييات‬
‫على رفع القيود ‪ ،‬التي ُوضعت لحماية ودعم الصناعات الوطنية ‪.‬‬
‫إذ ليس هناك أي أهمية ُتيذكر ليدى رواد العولمية ‪ ،‬بالنسيبة لتظياهرك ضيد إسيرائيل وأمريكيا ‪ ،‬وحيرق أعلمهيا‬
‫وصور زعمائها ‪ ،‬بما أنك تدعم في نفس الوقت اقتصاد الدولتين باستهلك منتجاتهميا ‪ ،‬مميا ُيسياهم بزييادة النميو‬
‫القتصادي فيهما ‪ ،‬وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ‪ ،‬وبذلك تمّكنت من السيطرة عليه عسكريا ‪.‬‬

‫انهيار تحالف حرب الخليج ‪:‬‬

‫على المستوى الدولي ‪ ،‬ما زالت هيمنة أمريكا القليمية على مييا كييانت عليييه ‪ ،‬إل أن هنيياك تصيياعدا ‪ ،‬فييي عييزم‬
‫القوى الخرى وقدرتها ‪ ،‬على التأثير في مجرى الحداث في الشرق الوسط ‪ ،‬خصوصييا باتجيياه إعاقيية السياسيية‬
‫المريكية في المنطقة ‪ .‬ويبرز في هذا المجال ثلثة لعبين مهمين ‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫روسيا ‪ :‬أصبحت روسيا أكثر قومية خلل العقد الماضي ‪ ،‬وازدادت شكوكها فيما يتعلق بعلقاتها مييع الوليييات‬
‫المتحدة … لكنها أصبحت من جديد لعبا ُمثيرا للمشاكل … دأبت روسيييا علييى تقيويض جهيود المييم المتحيدة ‪،‬‬
‫الرامية إلى السيطرة على التسلح وفرض العقوبات ‪ ،‬حتى أن الرئيس الروسي مؤخرا أثنييى بنفسييه علييى التعيياون‬
‫التام بين موسكو وبغداد ‪ .‬لم ُتبِد روسيا تعاونا ُيذكر مع مساعي الوليات المتحدة المدعومة بدولرات المساعدات‬
‫‪ ،‬للحيلولة دون انتشار أسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا الصواريخ ‪ ،‬من روسيا إلى الشرق الوسط وخصوصييا‬
‫إلى إيران ‪.‬‬
‫الصين ‪ :‬فالصييين ‪ ،‬تمتلييك القييدرة علييى تغيييير ميييزان القييوى القليمييية ‪ ،‬بتزويييد دول فييي المنطقيية بتكنولوجيييا‬
‫الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل ‪ .‬في الوقت الذي تستطيع الصين فيه أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو اقتصاد‬
‫العولمة ‪ ،‬إذا ما واصلت فتح أسواقها وخصخصة اقتصادها ‪.‬‬
‫أوروبا ‪ :‬على سبيل المثال لعبييت الييدول الوروبييية ‪ ،‬دورا مهمييا فييي تسييهيل الدبلوماسييية الهييادئة بييين إسييرائيل‬
‫والفلسطينيين ‪ .‬وفييي تييأمين التمويييل السييخي للسييلطة الفلسييطينية بعييد عييام ‪1993‬م ‪ .‬وفييي فييرض منيياطق حظيير‬
‫الطيران شمال وجنوب العراق ‪ .‬إن ممييا ُيؤسيف ليه أن فرنسييا قييد أصيبحت العقبية الكيبرى ‪ ،‬فييي طرييق تحقييق‬
‫التنسيق المريكي الوروبي ‪ ،‬حول الكثير من قضايا الشرق الوسط ‪ ،‬خصوصا تلييك المتعلقيية بالعملييية السييلمية‬
‫والسياسة الُمتبعة إزاء العراق ‪.‬‬
‫على خلفية هذا الطار الستراتيجي ‪ ،‬نعتقد بأن الشرق الوسط مرشح لن يكون منطقة مضييطربة ‪ ،‬خلل فييترة‬
‫ولية الرئيس المريكي الجديد ‪ .‬سيتغذى بعض ذلك الضطراب ‪ ،‬على مشاعر عدم الرضا والرغبة فييي تحقيييق‬
‫الوحدة ‪ ،‬والمور غير المنجزة في النزاع العربي السرائيلي ‪ .‬كما أن بعضا منه ‪ ،‬سوف يتولد نتيجيية التغييييرات‬
‫البركانية التي تنتظر إيران ‪ .‬وسوف ينتج بعضيه الخير عين ردود الفعيل المترتبية ‪ ،‬عليى عيودة انبعياث صيدام‬
‫حسين ‪.‬‬
‫يحتاج الرئيس المريكي الجديد وكبار مساعديه ‪ ،‬لدراك أن الشييرق الوسييط يييدخل القييرن الواحييد والعشييرين ‪،‬‬
‫بقيادة زعماء جدد بل خبرة ‪ ،‬يتولون الزعامة من المحيييط الطلسييي إلييى الخليييج الفارسييي ‪ ،‬باقتصيياديات راكييدة‬
‫وبأسلحة مرعبة عالية التقنية ‪ ،‬لها القدرة على نقل النزاعات إلى شيواطئ أمريكيا ‪ .‬إن لجنية الدراسية الرئيسيية ‪،‬‬
‫في معهد واشنطن لسياسيية الشييرق الوسييط الدنييى قييد وضييعت هييذا التقرييير ‪ ،‬ميين أجييل تقييديم النصييح للرئيييس‬
‫المريكي الجديد ‪ ،‬حول الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظة العاصفة ‪ ،‬على نحو يحمييي مصييالح الوليييات المتحييدة‬
‫وحلفائها … انتهى القتباس ‪.‬‬
‫بنود هذا التقرييير اليهييودي المقيّدم للرئيييس المريكييي واضييحة وربمييا ل تحتيياج لتعليييق ‪ ،‬فالمخيياوف والهييداف‬
‫التوراتية واضحة ‪ ،‬خلف ما يّدعي اليهود بأنه مصالح للوليات المتحيّدة ‪ ،‬تقضييي بتحجيييم وتييدمير ثلثيية قييوى ‪،‬‬
‫ذات الخطر الكبر على مسييتقبل الدولية اليهوديية فييي المنطقية ‪ ،‬حسيبما أوضيحته التفسيييرات الجدييدة للنبيوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬وهي روسيا ) يأجوج ومأجوج ( ‪ ،‬والعراق وإيران ) مادي وفارس وبابل وأشور ( ‪ ،‬كافة الدول ذات‬
‫التوجه السلمي ‪ ،‬التي يسمونها بالراعية للرهاب ) خوفا من إحياء الخلفة السلمية ( ‪.‬‬
‫والسؤال المطروح بعد الطلع على هذا التقرير ‪ :‬لماذا يشغل العففراق المسففاحة الكففبر ‪ ،‬فففي مفففردات صففحيفة‬
‫برتوكولت حكماء صهيون الجديدة ‪ ،‬المسّماة بتقرير معهد واشنطن ؟!‬
‫ونختم هذا الفصل ‪ ،‬بقول لظفر السلم خان صاحب كتاب ) تعاليم التلمييود ( ‪ " :‬وقييد سيياعدت كراهييية بريطانيييا‬
‫العمياء ‪ ،‬وغدرها بالعرب والمسلمين ‪ ،‬ووجود النزعة الصليبية الخاطئة لييدى البلييدان الوربييية وأمريكييا ‪ ،‬علييى‬
‫نجاح المخططات الصهيونية وغزو البلدان العربية في الحرب العالمية الولى ‪ ،‬فنرى القائد الفرنسييي ) غييورو (‬
‫عففدنا يففا صففلح الففدين ! " ‪،‬‬
‫الذي فتح دمشق يقول ‪ ،‬وقد وضع قيدمه علييى قيبر صييلح الييدين ‪ " :‬هففا نحففن قففد ُ‬
‫والجنرال النجليزي ) اللنبي ( عند دخوله القدس ‪ ،‬يقول أمام كنيسة القيامة ‪ " :‬اليوم ‪ ،‬انتهت الحروب الصففليبية‬
‫"‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫شَرُكوا ‪ 82)… ،‬المائدة (‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن َءاَمُنوا ‪ ،‬اْلَيُهوَد ‪َ ،‬واّلِذي َ‬
‫عَداَوًة ِلّلِذي َ‬
‫س َ‬
‫شّد الّنا ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫جَد ّ‬
‫) َلَت ِ‬
‫‪187‬‬
‫دسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬
‫الكتب المق ّ‬
‫احتييل العييراق مسيياحة شاسييعة فييي التقرييير السييابق ‪ ،‬لن التييوراة ُتخييبر هييؤلء الصييهاينة ميين يهييود ونصييارى‬
‫صراحة ‪ ،‬وفي مواضع عديدة بأن العراقيون هم أصحاب البعييث الثيياني ‪ ،‬وتييأمرهم بالعمييل علييى تييدمير العييراق‬
‫ل يّدخروا جهيدا ‪ ،‬مين أجيل‬ ‫والعراقيين ‪ ،‬عندما يتمكّنوا من العلو في الرض للمرة الثانية ‪ ،‬وُتحّرضهم وتحّثهم بأ ّ‬
‫إعادته إلى العصر الحجري ‪ ،‬حتى ل يتمّكن أحفاد البابليين من النبعاث عليهم مرة أخرى عندما يأذن ال بييذلك ‪،‬‬
‫وفي هذا الفصل سنعرض جانبا من النصوص التوراتية ‪ ،‬التي تصرح بحتمية بعث العراقيين عليهم مرة أخرى ‪،‬‬
‫والتي يأمر فيها كتبة التوراة يهود هذا العصر بالنتقام من أهل بابل ‪ ،‬كونهم أحفاد نبوخذ نصيير ‪ ،‬وللقضيياء علييى‬
‫فرص انبعاثهم مرة أخرى لزالة العلو الثاني لهم في فلسطين ‪.‬‬

‫صللر البعللث‬
‫بعض مقتطفات من النصوص التوراتيللة ‪ ،‬الللتي تح ُ‬
‫بالعراقيين ‪:‬‬

‫موسى ‪:‬‬

‫ض عليكم كالنسر ‪ :50 ،‬أّمة‬‫سفر التثنية " ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ‪ ،‬من أقصى الرض ‪ ،‬فتنق ّ‬
‫] جافية الوجه [ يثير منظرها الرعب ‪ ،‬ل تهاب الشيييخ ول تييرأف بالطفييل ) أولييي بييأس شييديد ( ‪ :51 ،‬فتسييتولي‬
‫ق لك قمحييا ول خمييرا ول زيتييا ‪ … ،‬حييتى تفنييك ‪،‬‬ ‫على نتاج بهائمكم ‪ ،‬وتلتهم غلت أرضكم حتى تفنوا ‪ ،‬ول ُتب ِ‬
‫‪ :52‬وتحاصركم في جميع مدنكم ‪ ،‬حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ‪ ،‬التي وثقتم بمناعتها ‪" … ،‬‬
‫‪ :29 :31‬لنني واثق أنكم بعد موتي ‪ ،‬تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ‪ ،‬فيصيبكم الشّر في آخر‬
‫اليام ) المرة الثانية تكون في آخر اليام ( ‪ ،‬لنكم تقترفون الشر أمام الرب ‪ ،‬حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيييديكم‬
‫…"‪.‬‬
‫‪ :19 :32‬فرأى الرب ذلك ورذلهم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه ‪ :20 ،‬وقال ‪ :‬سأحجب وجهيي عنهييم فييأرى ميياذا‬
‫سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولُد خونة ‪:21 ،‬ي …ي ‪ ،‬ي لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ) أولي بييأس‬
‫شديد ( ‪ ،‬وأغيظهم بأمة حمقاء ] أمة ل تفهمون لغتها [ ‪.‬‬

‫إشعياء ‪:‬‬

‫‪ :3 :10‬فماذا تصنعون في يوم العقاب ‪ ،‬عندما تقبل الكارثة من بعيد !‬


‫ل فلسطين ) إسرائيل ( ‪ ،‬لن القضيب الذي ضربك قيد انكسير ‪ .‬فيانه مين أصيل تليك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحي يا ك ّ‬
‫الفعى يخرج ُأفعوان ‪ ،‬وذرّيته تكون ثعبانا ساّما طّيارا … ولول أّيها الباب ‪ ،‬ونوحي أّيتها المدينة ‪ ،‬ذوبييي خوفييا‬
‫يا فلسطين قاطبة ‪ ،‬لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫‪ :11 :46‬أدعو من المشرق الطائر الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيدة برجل مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضييائي ‪ ،‬ول بييد‬
‫أن ُأجريه ‪.‬‬

‫ارميا ‪:‬‬

‫‪ :9 :25‬فها أنا ُأجّند جميع قبائل الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخذ نصر عبدي* ‪ ،‬وآتي بها إلى هييذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونهييا‬
‫ويهلكون جميع سّكانها ‪ ،‬مع سائر المم المحيطة بها ‪ ،‬وأجعلهم مثار دهشة وصفير ‪ ،‬وخرائب أبدية ‪.‬‬
‫* ) عبدي ( جاءت صفة لنبوخذ نصر في التوراة ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ :22 :10‬اسمعوا ‪ ،‬ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ‪ ،‬مقبل من الشمال ‪ ،‬ليحّول مدن يهوذا ‪ ،‬إلى خرائب ومأوى‬
‫لبنات آوى ‪.‬‬
‫ب مين أقاصييي الرض ‪ ، … ،‬لمحاربتيك ييا‬
‫ب زاحف من الشييمال ‪ ،‬وأّمية عظيمية تهي ّ‬
‫‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬ها شع ٌ‬
‫أورشليم ‪.‬‬

‫حزقيال ‪:‬‬

‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أّما أنت يييا ابيين آدم ‪ ،‬فخطّييط طريقييين لزحييف ملييك بابييل ‪ .‬ميين أرض‬
‫ي الر ّ‬
‫‪ :19 :21‬وأوحى إل ّ‬
‫واحدة تخرج الطريقان ‪ ،‬وفي ترجمة أخرى ] وأنت يا ابن آدم ‪ ،‬عّين لنفسك طريقين ‪ ،‬لمجيء سيف ملييك بابييل ‪،‬‬
‫من أرض واحدة تخرج الثنتان [‬
‫‪ :22-23 :23‬وآتي بهم عليك من كل ناحية ‪ ،‬أبناء البابليين ‪ ،‬وسائر الكلدانيين ‪ ،‬ومعهم جميع أبناء أشور ‪.‬‬
‫ي يعلم اليهود علم اليقين أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ‪ ،‬سيييخرجون ميين أرض بابييل وأشييور ‪ ،‬فالكلييدانيون‬
‫بابليين وآشوريون هم سكان العراق القدماء ‪ .‬وبابل مدينة عراقية تقع في وسط العراق إلييى الجنييوب ميين بغييداد ‪،‬‬
‫وأشور مدينة عراقية تقع في شماله ‪ .‬ورغم معرفتهييم هييذه فهييم مسييتمّرون فييي غيهييم وطغيييانهم ‪ ،‬ذلييك لنهييم لييم‬
‫يؤمنوا بال ول بأنبيائه سابقا ولحقا ‪ ،‬فمعرفتهم به سبحانه جاءت من خلل آراء كهنتهم وأحبارهم ‪ .‬فهم يأخييذون‬
‫من التوراة ما يوافق أهوائهم ويتركون ما سواه ‪ ،‬أما ما يؤمنون به حقا فهو المال والقوة ‪ ،‬وبما أنهم يملكون القوة‬
‫والمال ‪ ،‬وبما أن ال قد كشف لهم عن ُمخططاته ‪ ،‬بالنسبة لحتمييية القضيياء علييى وجييودهم فييي فلسييطين ‪ ،‬فالحييل‬
‫لديهم ليس التوبة والرجوع إلى ال ) الذي ل يقيمون له قدرا نتيجة افتراءات زنادقة التلمود عليه سييبحانه وتعييالى‬
‫ططات ال وإبطالها ‪ ،‬معتمدين على ما أّلفه الكهنة من نبوءات خاطئة عيين الملييك‬ ‫عّما يصفون ( وإنما بمخالفة ُمخ ّ‬
‫ططيات الكهنيية والحبييار القديمية الجديييدة ‪ ،‬اليتي ُوضييعت كحيلّ‬ ‫الموعود ‪ ،‬وذلك بكل بساطة من خلل تنفييذ مخ ّ‬
‫لمعضلتهم المستعصية مع ال وهي إبادة الكلدانيين ومحو بابل الجديدة عن الوجود ‪ ،‬وتحويلها إلى صحراء قاحليية‬
‫ل تسكنها إل الثعالب ‪ ،‬وما كان تصييريح أحييد كلبهييم ) بييوش الب ( ‪ ،‬عنييدما قييال ‪ ) :‬بييأنه سيُيعيد العييراق إلييى‬
‫العصر الحجري ( إل من خلفية توراتية حاقدة ‪.‬‬

‫نبوءة عن دمار بابل في سفر إشعياء‬


‫" ‪ :1-8 :13‬رؤيا إشعياء بن آموص بشأن بابل ‪ " :‬انصبوا راية فوق جبل أجرد ‪ ،‬اصرخوا فيهم لوحوا بأيديكم ‪،‬‬
‫ليدخلوا أبواب ] العتاة [ … لن الرب القدير يسييتعرض جنيود القتييال ‪ .‬يقبليون ميين أرض ] بعيييدة [ ميين أقصييى‬
‫السماوات ‪ ،‬هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير الرض كلها ] ولولوا [ فإن يوم الرب بات وشيكا ‪ ،‬قادمييا ميين‬
‫عند الرب ُمحّمل بالدمار ‪ .‬لذلك ترتخي كل يد ويذوب قلب كل إنسييان ‪ ،‬ينتييابهم الفييزع وتأخييذهم أوجيياع يتلييوون‬
‫كوالدة ُتقاسي من الم المخاض …‬
‫" ‪ :9-16 :13‬ها هو يوم الرب قادم ‪ ،‬مفعما بالقسوة والسخط والغضب الشديد ‪ ،‬ليجعل الرض خرابا ويبيد منها‬
‫الخطاة … والشمس تظلم عند بزوغها ) كسوف ( والقمر ل يلمع بضوئه ) خسوف ( ‪ ،‬وأعاقب العالم على شييّره‬
‫ل كبريياء العتياة … وُأزليزل السيماوات فتيتزعزع‬ ‫والمنافقين على آثامهم ‪ ،‬وأضع حّدا لصيلف الُمتغطرسييين وُأذ ّ‬
‫الرض في موضعها ‪ ،‬من غضب الرب القدير فييي يييوم احتييدام سييخطه ‪ ،‬وتييوّلي جيييوش بابييل ) عبييارة جيييوش‬
‫بابل ‪ ،‬غير موجودة في الترجمة الخرى ( حتى ُينهكها التعب ‪ ،‬عائدين إلى أرضهم كأنهم غزال ُمطييارد أو غنييم‬
‫ل راعي لها ‪ ،‬كل من ُيؤسر ُيطعن ‪ ،‬وكل من ُيقبض عليه ُيصرع بالسيف ‪ ،‬وُيمّزق أطفييالهم علييى مييرأى منهييم ‪،‬‬
‫وُتنهب بيوتهم وُتغتصب نسائهم " ‪.‬‬
‫" ‪ :17-22 :13‬ها أنا ُأثير عليهم الماديين ) اليرانيين ( الذين ل يكترثون للفضة ول ُيسّرون بالذهب ] فتحطم [‬
‫قسّيهم الفتيان ‪ ،‬ول يرحمون الولد أو الرضع … أما بابل مجد الممالك وبهاء وفخر الكلدانيين ‪ ،‬فُتصبح كسدوم‬
‫وعمورة اللتين قلبهما ال ‪ .‬ل ُيسكن فيها ‪ ،‬ول تعميير ميين جيييل إلييى جيييل ‪ ،‬ول ينصييب فيهييا بييدوي خيمتييه ‪ ،‬ول‬
‫ج البوم خرائبها ‪ ،‬وتلجأ إليهيا بنيات النعيام ‪ ،‬وتتيواثب‬
‫ُيربض فيها راع ُقطعانه ‪ .‬إنما تأوي إليها وحوش القفر وتع ّ‬

‫‪189‬‬
‫ضباع بين أبراجها ‪ ،‬وبنييات آوى فييي قصييورها الفخميية ‪ .‬إن وقييت عقابهييا بييات‬
‫فيها ] معز الوحش [ ‪ ،‬وتعوي ال ّ‬
‫وشيكا ‪ ،‬وأيامها لن تطول " ‪.‬‬
‫ن الرب ] سيرحم [ ذرّية يعقوب ‪ ،‬ويصطفي شعب إسرائيل ثانية ‪ُ ،‬ويحّلهم فييي أرضييهم ‪ ،‬فينضييم‬ ‫" ‪ 1 :14‬ولك ّ‬
‫الغرباء إليهم ويلحقون ببيت يعقوب ‪ .‬وتُمّد شعوب الرض إليهم يد العون ‪ ،‬ويصيرون عبيدا لبني إسييرائيل ‪ ،‬فييي‬
‫أرض الرب ‪ ،‬ويتسّلطون على آسريهم وظالميهم ‪ .‬في ذلك اليوم ُيريحكم الرب ‪ ،‬من عنائكم وشييقائكم وعبييوديتكم‬
‫القاسية " ‪.‬‬
‫طم‬
‫" ‪ :4-23 :14‬فتسخرون من ملك بابل قائلين ‪ " :‬كيف استكان الظالم وكيف خمدت غضبته الُمتعجرفة ؟ قد ح ّ‬
‫الرب عصا المنافق وصولجان الُمتسلطين … حييتى شييجر السييرو وأرز لبنييان عّمهييا الفييرح ‪ ،‬فقييالت ‪ " :‬منييذ أن‬
‫انكسرت شوكتك ‪ ،‬لم يصيعد إلينيا قياطع حطيب " … واليذين يرونيك ‪ ،‬يحملقيون فييك ويتسياءلون ‪ " :‬أهيذا هيو‬
‫النسان الذي زعزع الرض وهّز الممالك ‪ ،‬الذي حّول المسكونة إلى مثل القفر ‪ ،‬وقلب ُمدنها ‪ ،‬ولم ُيطلق أسييراه‬
‫طرحييت بعيييدا عيين قييبرك ‪ ،‬كغصيين مكسييور … لنييك خّربييت أرضييك‬ ‫ليرجعوا إلى بيوتهم ؟ " … أما أنت فقد ُ‬
‫وذبحت شعبك ‪ ،‬فذرّية فاعلي الثم يبيد ذكرها إلييى البييد ‪ .‬أعيّدوا مذبحيية لبنييائه جييزاء إثييم آبييائهم ‪ ،‬لئل يقومييوا‬
‫ب ضدهم ‪ ،‬وأمحو من بابل ‪ ،‬اسمًا وبقيًة‬ ‫ويرثوا الرض فيملئوا وجه البسيطة ُمدنًا ‪ .‬يقول الرب القدير ‪ " :‬إني أه ّ‬
‫ت للمياه ‪ ،‬وأكنسها بمكنسة الدمار " ‪.‬‬ ‫ل وذريًة ‪ ،‬وأجعلها ميراثًا للقنافذ ومستنقعا ٍ‬
‫ونس ً‬
‫ي دعوة للشماتة والسخرية من بابل بعد سقوطها ‪ .‬ودعوة لعييداد مذبحيية لبنائهييا ؛ أول ‪ :‬للنتقييام منهييم لمييا فعلييه‬
‫آبائهم سابقا ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لمنع البناء من تكرار فعل الباء لحقا ‪ ،‬وتلك هي ُمبّرراتهم لتدمير العراق ‪.‬‬
‫ل فلسطين ) إسرائيل ( ‪ ،‬لن القضيب الذي ضربك قد انكسر ‪ .‬فانه ميين أصييل تلييك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحي يا ك ّ‬
‫الفعى يخرج ُأفعوان ‪ ،‬وذرّيته تكون ثعبانا ساّما طّيارا … ولول أّيها الباب ‪ ،‬ونوحي أّيتها المدينة ‪ ،‬ذوبييي خوفييا‬
‫يا فلسطين قاطبة ‪ ،‬لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫ي وهذا النص ُيحذر اليهود من الفرح ‪ ،‬بانكسار قضيييب بابييل ) أي بانكسييار العييراق فييي بييادئ الميير ( لنييه فييي‬
‫لفعوان ل محاليية خييارج ميين أصييل تلييك الفعييى طييال‬ ‫النهاية سينهض من جديد ‪ ،‬لُينجز ما قضاه ال عليهييم ‪ .‬فييا ُ‬
‫الزمان أو قصر ‪ ،‬وسينفث سّمه في أجسادهم عند مجيء الموعد ‪ ،‬وذريته ستكون أشد بأسا وأشد تنكيل ‪.‬‬

‫نبوءة عن دمار بابل من سفر ارميا‬


‫جاء هذا النص تحت ) ُمسمى النبوءة التي قضى بهييا الييرب ( والحقيقيية أنييه وثيقيية للثييأر وتسييديد للحسيياب القييديم‬
‫لمملكة بابل ‪ ،‬كتبه كهنتهم وأحبارهم بعد أن سامهم أهل بابل في المرة الولى ‪ ،‬أشكال وألوانا ميين الييذل والهييوان‬
‫والعذاب ‪ ،‬ولم يستطع أولئك الكهنة تقّبل فكييرة أن إلههييم ‪ -‬الييذي أرادوه حسييب أهييوائهم ‪ ،‬فجعلييوه كالعجينيية بييين‬
‫أيديهم ُيشّكلونها كما شياءوا ‪ -‬يتخلييى عنهييم ويسييمح لولئك البيابلّيون الوثنيييون ‪ ،‬بالقضيياء عليى حيبيبته أورشيليم‬
‫وأبنائه وأحباؤه من شعب ال الُمختار ‪ .‬فكان وقع الصدمة شديد عليهم ‪ ،‬حيث أتاهم العذاب من حيث لييم يحتسييبوا‬
‫وكان غاية في البشاعة ‪ ،‬حتى أّنهم شّبهوه في توراتهم بعذاب قوم لوط ‪ ،‬مما أشعل نيران الحقييد والكراهييية اتجيياه‬
‫البابليين ‪ ،‬التي ما زالت مشتعلة في قلوبهم إلى الن ‪ ،‬بعد أن توارثوها جيل بعد جيل ‪.‬‬
‫حفظة التوراة من الحبار والكهنة هم أنفسهم من كان سببا في دمار دولتهييم الولييى ‪ ،‬بفسييادهم وإفسييادهم وحثهييم‬
‫الناس على الفساد والفساد من حّكام وُمترفين وعامة ‪ ،‬وهم الذين كذبوا وحاربوا أنبياء ال والصالحين من الناس‬
‫‪ ،‬وتآمروا عليهم وأمروا بقتلهم ‪ ،‬لّما كانوا يأتونهم من عند ال بما ُيخالف أهواءهم ‪ .‬وعندما وقييع مييا لييم يكيين فييي‬
‫حسبانهم ‪ ،‬أنكروا ذلك وأنكروا أنه جاء في ُكتبهم ‪ ،‬وأنكروا أنه جاء من عنييد الي ‪ ،‬وأنكيروا أنيه عقابييا لهييم عليى‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ 14‬الحشيير ( ‪ .‬فخييروج البييابليين‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َقفْوٌم َل َيْعِقُلففو َ‬
‫ن )‪َ … (13‬ذِل َ‬
‫ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم َل َيْفَقُهو َ‬
‫إفسادهم ) … َذِل َ‬
‫كان حسدا من عند أنفسهم ‪ ،‬ورغبة منهم للستيلء على كنوزهم ‪ ،‬لذلك كان ل بد لهم ميين النتقيام منهيم ‪ ،‬عنيدما‬
‫طوا بأقلمهم ما ستقرأه لحقا ‪.‬‬ ‫ُترّد لهم الكّرة مرة أخرى ‪ ،‬فخ ّ‬
‫أخبر سبحانه بأنه سيكون لليهود كّرة على أولئك العباد ) الكلدانيين ( ‪ ،‬وذلك بهزيمتهم عسكريا في حروبهم معهييا‬
‫صل ذلك في كافة حروبها مع العرب ومن ضمنها العراق ‪ ،‬في بدايات نشييوء الدوليية اليهودييية ‪ ،‬ونسييب‬ ‫‪ ،‬وقد تح ّ‬
‫‪190‬‬
‫ن ما تّم لهم ذلك ‪ ،‬إل بإذنه ومشيئته مّنا وكرمًا ‪ ،‬وعقابا للعييرب‬‫سبحانه رّد الكرة إلى نفسه ‪ ،‬لُيذّكرهم وُيؤكّد لهم أ ّ‬
‫على نكوصهم عن دينهم ‪ ،‬وتخليهم عن حمل رسالتهم ‪ ،‬فما من مصيبة تقع في الناس إل من كسييب أيييديهم ‪ ،‬كمييا‬
‫أخبر سبحانه في غير موضع من كتابه العزيز ‪ ،‬بالضافة إلى ما أوردناه سابقا من حكم إلهييية لعييودة اليهييود إلييى‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫أّما أن ال قد أمرهم بتدمير العراق وإبادة أهله ‪ ،‬وتحويل العراق إلى صحراء قاحلة تسييكنها الثعييالب ‪ ،‬فحاشييا لي‬
‫أن يأمر أو ُيحّرض الناس على الفساد في الرض ‪ ،‬وهو الذي سيمحو ذكرهم عن فلسطين على أيدي العراقيييين‬
‫أنفسهم ‪ ،‬لعظم ما أفسدوه في أرضه ولجل الفساد ذاته ‪ ،‬ولجل سفك دماء البرياء الذي هو أعظييم الفسيياد فييي‬
‫الرض ‪ .‬إذ أنهييم فييور امتلكهييم للقييوة والسييلطة ‪ ،‬أسييرفوا فييي القتييل والتنكيييل أّيمييا إسييراف فييي الرض علييى‬
‫عمومها ‪ ،‬فأصابعهم ملوثة بدماء ضحايا كافة الحروب علييى ميّر العصييور ‪ .‬ففييي مملكتهييم الولييى أوقعييوا القتييل‬
‫والنهب والنفي في أبناء جلدتهم ‪ ،‬وفي دولتهم الثانية كّرروا فعلتهم في شعب فلسطين ‪.‬‬
‫ول يغب عن البال أن هذه النص التحريضي ‪ ،‬بما يحفل به من مبالغة وتهويل وتكرار وتطويل ‪ُ ،‬كتب بعد السييبي‬
‫البابلي قبل ‪ 2500‬عام تقريبا ‪ ،‬كدعوة للنتقام من بابل القديمة ‪ ،‬عند عودتهم من السبي والشييتات إلييى فلسييطين ‪،‬‬
‫وإن كانت بابل قد وقعت في أيدي الفرس قديما كما جاء فييي التيوراة ‪ ،‬فمملكية فيارس تقييع إليى الشييرق مين بابييل‬
‫وأشور ‪ ،‬والنبوءة تقول أن من سُيدّمرها جمع من الملوك يجتمعون عليها من الشمال ‪ .‬حتى جاءت دولتهم الحالية‬
‫وأخذ يهود هذا العصر بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات ووسائل ‪ ،‬على عاتقهم تنفيذ هذا البرنامج الذي وضييعه‬
‫لهم أربابهم من الحبار والكهنة ) الحكماء ( ‪ .‬ولو أنك أمعنت النظر في الواقع وما مّر بالعراق من أحييداث خلل‬
‫عشرين سنة ماضية ‪ ،‬تجد أن مرجعية كل تلك الحداث موجودة في هذا النص التوراتي وبالتفصيل ‪.‬‬
‫ي وفي ما يلي النص الكامل لوثيقة الثأر ‪ ،‬والدعوة لتسديد الحساب القديم لبابل الجديدة ‪ ،‬كما جاء فييي الصييحاح )‬
‫‪ ( 51 – 50‬من سفر ارميا ‪ ،‬بما فيها من تكرار وتطويل ‪:‬‬

‫التحريض العلمي ‪:‬‬

‫" النبوءة التي قضى بها الرب ‪ ،‬على بابل وعلى بلد الكلدانيين ‪ ،‬على لسان ارميا النييبي ‪ :‬أخِبييروا فييي الشييعوب‬
‫طييم مييردوخ‬ ‫وأسِمعوا وارفعوا راية ‪ ،‬أسِمعوا ل تخفوا ‪ ،‬قولوا ‪ :‬قد تم الستيلء على بابل ‪ ،‬ولحق ببيل العار وتح ّ‬
‫) أسماء لصنام بابل ( ‪ ،‬خربت أصنامها وانسحقت أوثانهييا ‪ ،‬لن أمية ميين الشييمال ‪ ،‬قييد زحفييت عليهييا ‪ ،‬لتجعييل‬
‫أرضها مهجورة ‪ ،‬شرد منها الناس والبهائم جميعا " ‪.‬‬
‫التنفيذ مرتبط بعودتهم إلى فلسطين ‪:‬‬

‫" وفي تلك اليام ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬يتوافد بنو إسرائيل وبنو يهوذا معا ‪ ،‬يبكون في سيرهم ويلتمسون الييرب إلههييم ‪،‬‬
‫ن شعبي كغنم‬ ‫جهون إليها قائلين ‪ :‬هلم ننضّم إلى الرب ‪ ،‬بعهد أبدي ل ُينسى ‪ ،‬إ ّ‬
‫يسألون عن الطريق صهيون ويتو ّ‬
‫ضاّلة قد أضّلهم رعاتهم ‪ ،‬وشّردوهم على الجبال ‪ ،‬فتاهوا ما بين الجبل والتل ‪ ،‬ونسوا مربضهم ‪ ،‬كل من وجدهم‬
‫ق ‪ ،‬ورجيياء‬‫افترسهم ‪ ،‬وقال أعدائهم ‪ :‬ل ذنب علينا لنهم ‪ ،‬هم الذين أخطأوا في حقّ الرب ‪ ،‬الذي هو ملذهم الح ّ‬
‫آبائهم "‬

‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ‪:‬‬

‫" اهربوا من وسط بابل ‪ ،‬واخرجوا من ديار الكلدانيين ‪ ،‬وكونوا كالتيوس أمام قطيع الغنييم ‪ ) ،‬الطلييب ميين جميييع‬
‫الغربيين ُمغادرة العراق قبل القصف ( فها أنا ُأثير وأجلب على بابل ‪ ،‬حشود ُأمييم عظيميية ‪ ،‬ميين أرض الشييمال ‪،‬‬
‫فيتأّلبون عليها ‪ ،‬ويستولون عليها من الشمال ‪ ،‬وتكون سهامهم كجّبار متميّرس ل يرجييع فارغييا ) ميين الصيييد ( ‪،‬‬
‫فتصبح أرض الكلدانيين غنيمة ‪ ،‬وكل من يسلبها ُيتخم ) عوائد النفط ( ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬لنكييم تبتهجييون وتطفييرون‬
‫ن أّمكيم قيد لحقهيا الخيزي الشيديد ‪،‬‬‫غبطة يا ناهبي شعبي ‪ ،‬وتمرحون كِعجلٍة فوق العشب وتصهلون كالخيل ‪ ،‬فيإ ّ‬
‫ل بأسييرها مهجييورة‬ ‫ل الشعوب ‪ ،‬وأرضها تصير قفييرا جافييا وصييحراء ‪ ،‬وتظي ّ‬ ‫وانتابها الخجل ‪ ،‬ها هي ُتضحي أق ّ‬
‫وخربة ‪ ،‬كل من يمّر ببابل ‪ُ ،‬يصيبه الذعر ويصفر دهشة ‪ ،‬لما ابتليت به من نكبات " ‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫تحريض على تدمير بابل ‪:‬‬

‫" اصطّفوا على بابل من كل ناحية ‪ ،‬يا جميع موتري القواس ‪ ،‬ارموا السهام ول تبقييوا سييهما واحييدا ‪ ،‬لنهييا قييد‬
‫ق الرب ) لنها أنزلت بهم العقاب اللهي في المرة الولى ( ‪ ،‬أطلقوا هتاف الحرب عليهييا ميين كييل‬ ‫أخطأت في ح ّ‬
‫جانب ) طبل وزمر العلم الغربي قبل بدء الحرب ( ‪ ،‬فقد استسلمت ) لقرارات مجلس المن ( وانهارت أسسها‬
‫وتقوضت أسوارها ) البنية التحتية ( ‪ ،‬لن هذا هو انتقام الرب ) بل هو انتقامهم ( ‪ ،‬فاثييأروا منهييا ) تحريييض ( ‪،‬‬
‫وعاملوها بمثل ما عاملتكم ‪ ،‬استأصلوا الّزارع من بابل ‪ ،‬والحاصد بالمنجل في يوم الحصاد ‪ ،‬إذ يرجع كل واحييد‬
‫إلى قومه ‪ ،‬ويهرب إلى أرضه فرارا من سيف العاتي " ‪.‬‬

‫دوافع النتقام ‪:‬‬

‫شييم‬
‫خيير ميين ه ّ‬‫ل ميين افترسييه ‪ ،‬ونبوخييذ نصيير آ ِ‬
‫" إسرائيل قطيع غنم مشّتت ‪ ،‬طردته السود ‪ ،‬كان ملك أشور أو ّ‬
‫عظامه ) كان هذا واقع حال الكهنة ‪ ،‬عند كتابة هذه الوثيقة ‪ ،‬موضييحين دوافييع هييذا التحريييض ( ‪ ،‬لييذلك هييذا مييا‬
‫ُيعلنه الرب القدير إله إسرائيل ‪ :‬ها أنا ُأعاقب ملك بابل وأرضه ‪ ،‬كما عاقبت ملك أشور من قبييل ‪ ،‬وأرّد إسييرائيل‬
‫إلى مرتعه ‪ ،‬فيرعى فييي الكرمييل وباشييان ‪ ،‬وتشييبع نفسييه فييي جبييل أفرايييم وجلعيياد ‪ .‬وفييي ذلييك الزمييان والوان‬
‫) المستقبل ( ‪ ،‬يقول الرب ) وما هو بقوله ( ‪ُ :‬يلتمييس إثييم إسييرائيل فل يوجييد ‪ ،‬وخطيئة يهييوذا فل تكييون ‪ ،‬لنييي‬
‫أعفو عمن أبقيته منهما ) في المرة الثانية بعد السبي البابلي ( " ‪.‬‬

‫تحريض مستمر‪:‬‬

‫" ازحف على أرض ميراثايم ) الجّبار المتمّرد ‪ ،‬أي ملك بابل ( ‪ ،‬وعلى المقيمين في فقود ) أرض العقاب ‪ ،‬بابل‬
‫ت جلبية القتيال فييي‬
‫عَلي ْ‬
‫خّرب ودّمر وراءهم ) أثناء فرارهم ( ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬وافعل حسب كل ما آمرك به ‪ .‬قد َ‬ ‫( َ‬
‫ي وُمباشر ( ‪ ،‬صييوت تحطيييم عظيييم ) دوي القنابييل ( ‪ ،‬كيييف تكسيّرت‬‫الرض ) على مرآى من العالم في بث ح ّ‬
‫ت فيه يا بابل ) تورطت في الحرب نتيجة مييؤامرة‬ ‫ت الشرك فوقع ِ‬
‫طمت بابل ‪ ،‬مطرقة الرض كلها ؟ قد نصب ُ‬ ‫وتح ّ‬
‫ب ‪ ،‬قد فتح الرب ) أمريكا الييتي‬ ‫ض عليك ‪ ،‬لّنك خاصمت الر ّ‬‫ت ( وُقب َ‬
‫( ‪ ،‬من غير أن تشعري ‪ ،‬قد ُوجّدت ) ُأخذ ِ‬
‫يعبدون ( مخزن سلحه ‪ ،‬وأخرج آلت سخطه ) التعبير هنا أكثر دقة وبمصطلحات حديثة ( ‪ ،‬لنه ما برح للسيد‬
‫الرب القدير ‪ ،‬عمل ُينجزه في ديار الكلدانيين ) حربين مدّمرتين وحصار وما زال فييي جعبتهييم أكييثر ‪ ،‬لحقييا ( ‪،‬‬
‫ازحفوا عليها من أقاصي الرض ‪ ،‬وافتحوا أهراءها ‪ ،‬وكّوموها أعراما واقضوا عليها قاطبة ‪ ،‬ول تييتركوا منهييا‬
‫بقية ‪ ) ،‬نهب ثرواتها وخيراتها ( ‪ ،‬اذبحوا جميع ثيرانها ‪ ،‬أحضروها للذبح ‪ ،‬ويل لهم لن يييوم موعييد عقييابهم قييد‬
‫حان " ‪.‬‬

‫استخدام وسائل العلم في الطبل والزمر ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" اسمعوا ها جلبة الفاّرين الناجين ‪ ،‬من ديار بابل ليذيعوا في صهيون ‪ ،‬أنبيياء انتقييام الييرب إلهنييا والثييأر لهيكلييه ‪،‬‬
‫خري السيلح ( ‪ ،‬عسييكروا حولهييا فل ُيفليت منهييا أحييد‬ ‫استدعوا إلى بابل رماة السهام ‪ ،‬جميع موتري القسي )ُمييذ ّ‬
‫) الحصار ( ‪ ،‬جازوها بُمقتضى أعمالها ‪ ،‬واصنعوا بها كما صنعت بكم ‪ ،‬لنها بغت على الرب قّدوس إسرائيل ‪،‬‬
‫ك أيتهيا‬‫ليذلك ُيصيرع شيّبانها فيي سياحاتها ‪ ،‬ويبييد فيي ذليك الييوم جمييع جنودهيا ‪ ،‬يقيول اليرب ‪ .‬هيا أنيا ُأقاومي ِ‬
‫المتغطرسة ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ ،‬لن يوم إدانتك ‪ ،‬وتنفيذ العقاب فيك قد حييان ‪ ،‬فيتعّثيير الُمتغطييرس ويكبييو ‪ ،‬ول‬
‫يجد من ُينهضه ‪ ،‬وُأضرم نارا في ُمدنه فتلتهم ما حوله " ‪.‬‬

‫دوافع النتقام ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" وهذا ما يعلنه الرب القدير ‪ :‬قد وقع الظلم على شعب إسرائيل ) عقابهم من قبل بابل كييان ظلم يًا لهييم ( ‪ ،‬وعلييى‬
‫شعب يهوذا ‪ ،‬وجميع الذين سبوهم وتشّبثوا بهم ولم يطلقوهم ‪ ،‬غير أن فاديهم قييوي ‪ ،‬الييرب القييدير اسييمه ‪ ،‬وهييو‬
‫حتما ُيدافع عن قضيتهم ‪ ،‬لكي ُيشيع راحة في الرض ‪ ،‬وُيقلق أهل بابل ‪ .‬ها سيف على الكلييدانيين ‪ ،‬يقييول الييرب‬
‫وعلى أهل بابل ‪ ،‬وعلى أشرافها وعلى حكامها " ‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫طبيعة العقاب الذي يأمل اليهود أن يوقعوه في بابل وأهلها ‪:‬‬

‫" ها سيف على عّرافيها فيصبحون حمقى ‪ ،‬وها سيف على ُمحاربيها فيمتلئون رعبا ‪ .‬ها سيف على خيلها وعلى‬
‫مركباتها ‪ ،‬وعلى ِفرق ُمرتزقتها فيصيييرون كالنسيياء ‪ ،‬هييا سيييف علييى كنوزهييا فُتنهييب ‪ ،‬هييا الحَيّر علييى مياههييا‬
‫فُيصيبها الجفاف ) ربما بسبب ضربة نووية قادمة ( لنها أرض أصنام ‪ ،‬وقد ُأولع أهلها بالوثيان ‪ .‬لييذلك يسييكنها‬
‫ل مهجورة إلى البييد ‪ .‬غييير آهلية بالسييكان إلييى مييدى‬ ‫وحش القفر مع بنات آوى ‪ ،‬وتأوي إليها رعال النعام ‪ ،‬وتظ ّ‬
‫الدهر ‪ .‬وكما قلب ال سدوم وعمورة وما جاورهما ‪ ،‬هكذا لين يسيكن فيهيا أحيد ‪ ،‬أو يقييم فيهيا إنسيان ) وهيذا ميا‬
‫يصبون إليه ‪ ،‬ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه ( " ‪.‬‬

‫الدعوة لتدمير بابل وإسقاط نظام الحكم فيها ‪:‬‬

‫ف من الملوك ‪ ،‬قييد هّبييوا ميين أقاصييي الرض ‪ ،‬يمسييكون بالقسييّ‬ ‫" ها شعب ُمقبل من الشمال ‪ ،‬أّمة عظيمٌة ولفي ٌ‬
‫ويتقّلدون بالرماح ‪ُ ،‬قساة ل يعرفون الرحمة ‪ ،‬جلبتهم كهدير البحر ‪ ،‬يمتطون الخيل وقد اصطفوا كرجييل واحييد ‪،‬‬
‫لمحاربتك يا بنت بابل ) بابل الجديدة هي بنت بابل القديمة ‪ ،‬أي العراق ( ‪ ،‬قد بلغ خبرهم ملييك بابييل ‪ ،‬فاسييترخت‬
‫ض أسييد ميين أجمييات نهيير‬
‫ض عليها ‪ ،‬كما ينق ي ّ‬
‫يده وانتابته الضيقة ‪ ،‬ووجع امرأة في مخاضها ‪ .‬انظر ‪ ،‬ها هو ينق ّ‬
‫الردن ‪ ،‬هكذا وفي لحظة أطردهم منها ‪ ،‬وُأولي عليها من أختاره ) قلب نظام الحكم ‪ ،‬وإسييقاط الرئيييس ‪ ،‬وتولييية‬
‫من يرضون عنه ( ‪ .‬لنه من هو نظييري ؟ ومين ُيحياكمني ؟ وأي راع يقيوى عليى مواجهيتي ؟ " ) مين منطليق‬
‫العنجهية والقوة العمياء ( ‪.‬‬

‫قصف بابل بالقنابل التوراتية ‪:‬‬

‫ططه ودّبره عميان القلب والبصييرة ‪ ،‬مين كهنتهيم وأحبيارهم‬ ‫ب ضّد بابل ) بل ما خ ّ‬ ‫ططه الر ّ‬
‫" لذلك اسمعوا ما خ ّ‬
‫الحاقدين ( ‪ ،‬وما دّبره ضد ديار الكلييدانيين ‪ ،‬هييا صييغارهم ُيجيّرون جيّرا ‪ ،‬وُيخيّرب مسيياكنهم عليهييم ‪ .‬ميين دوي‬
‫سقوط ) القنابل التوراتية على ( بابل ترجف الرض ‪ ،‬ويترّدد صراخها بين المم " ‪.‬‬ ‫أصداء ُ‬
‫" وهذا ما ُيعلنه الرب ) أربابهم ( ‪ :‬ها أنا ُأثيير عليى بابيل ‪ ،‬وعليى الُمقيميين فيي دييار الكليدانيين ريحيا ُمهلكية ‪،‬‬
‫وأبعث إلى بابل ُمذّرين ُيذّرونها ‪ ،‬ويجعلون أرضييها قفييرا ‪ ،‬وُيهاجمونهييا ميين كييل جييانب فييي يييوم بلّيتهييا ‪ .‬ليييوتر‬
‫شيّبانها ‪ ،‬بيل‬‫جج بسلحه ) لتلقي طائراتهم كل حمولتها فييوق بابييل ( ‪ ،‬ل تعفيوا عين ُ‬ ‫خر ( الرامي قوسه وليتد ّ‬
‫) ُيذ ّ‬
‫أبيدوا كل جيشييها إبيادة كاملية ‪ ،‬يتسياقط القتليى فيي أرض الكلييدانيين ‪ ،‬والجرحييى فيي شييوارعها ) مين الميدنيين‬
‫ض بييالثم ضيّد قيّدوس إسييرائيل‬ ‫ب القييدير ‪ ،‬وإن تكيين أرضييهما تفيي ُ‬ ‫طبعا ( ‪ ،‬لن إسرائيل ويهوذا لم ُيهملهما اليير ّ‬
‫) ربهم معهم دائما حتى لو وصل إفسادهم عنان السماء ( " ‪.‬‬

‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( ‪:‬‬

‫ج كل واحد بحياته ‪ ،‬ل تبيدوا ميين جيراء إثمهيا ) دعيوة للجالييات الغربيية لمغيادرة‬ ‫" اهربوا من وسط بابل ‪ ،‬ولين ُ‬
‫العراق ( ‪ ،‬لن هذا هو وقت انتقام الرب ) الوقت الذي حدده جورج بوش ( ‪ ،‬وموعد ُمجازاتها ) تصفية الحساب‬
‫القديم قبل ‪ 2500‬عام تقريبا ( ‪ ،‬كانت بابل كأس ذهب في يييد الي ) الييثروة والقييوة ( ‪ ،‬فسييكرت الرض قاطبيية ‪،‬‬
‫طمييت ‪ ،‬فولولييوا عليهييا ‪ ،‬خييذوا بلسييما‬
‫جّنت الشييعوب ‪ .‬فجييأة سييقطت بابييل وتح ّ‬
‫تجّرعت المم من خمرها ‪ ،‬لذلك ُ‬
‫لجرحها لعلها تبرأ ‪ُ .‬قمنا بمداواة بابل ) حرب الخليج الولى ‪ ،‬وضرب المفاعل النييووي ( ‪ ،‬ولكيين لييم ينجييع فيهييا‬
‫ض كل واحييد منييا إلييى‬ ‫علج ) إذ قامت بالتهديد بحرق نصفها حال اعتدائها على أي بلد عربي ( ‪ .‬اهجروها وليم ِ‬
‫أرضه ‪ ،‬لن قضاءها قد بلغ عنان السيماء ‪ ،‬وتصياعد حيتى ارتفييع إليى الغييوم ) تهدييدها لدولية الفيياعي ميرارا‬
‫وتكرارا ( " ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫تحريض اليرانيين على تدمير بابل ‪:‬‬

‫" قد أظهر الرب بّرنا ‪ ،‬فتعالوا لُنذيع في صهيون ‪ ،‬ما صنعه الييرب إلهنييا ‪ .‬سيّنوا السييهام وتقّلييدوا الييتروس ‪ ،‬لن‬
‫طد العزم علييى إهلك بابييل ‪ ،‬لن هييذا هييو انتقييام الييرب ‪،‬‬ ‫الرب قد أثار روح ملوك الماديين ) اليرانيين ( ‪ ،‬إذ و ّ‬
‫والثأر لهيكله ‪ .‬انصبوا راية على أسوار بابل ‪ ،‬شّددوا الحراسة ‪ ،‬أقيموا الرصاد ) الجواسيييس والعملء ( أعييدوا‬
‫طط وأنجز ما قضى به على أهل بابل ‪ ،‬أيتها السيياكنة إلييى جييوار المييياه الغزيييرة ‪ ،‬ذات‬ ‫الكمائن ‪ ،‬لن الرب قد خ ّ‬
‫الكنوز الوفيرة ‪ ،‬إن نهايتك قد أزفت ‪ ،‬وحان موعد اقتلعك ‪ ،‬قد أقسم الرب القدير بذاته ‪ ،‬قييائل ‪ :‬لملّنييك ُأناسييا‬
‫كالغوغاء فتعلوا جلبتهم عليك " ‪.‬‬

‫بقدرة الرب القدير سيتم تدمير بابل ‪:‬‬

‫سس الدنيا بحكمته ‪ ،‬ومّد السييماوات بفطنتييه ‪ ،‬مييا إن ينطييق بصييوته ‪ ،‬حييتى‬ ‫" هو الذي صنع الرض بقدرته ‪ ،‬وأ ّ‬
‫تتجمع غمار المياه في السماوات ‪ ،‬وتصعد السحب من أقاصي الرض ‪ ،‬ويجعييل للمطيير بروقييا ‪ ،‬وُيطلييق الريييح‬
‫ي من تمثاله ‪ ،‬لن صنمه المسبوك كاذب ول حياة‬ ‫ئ خامل وعديم المعرفة ‪ ،‬وكل صائغ خز َ‬ ‫من خزائنه ‪ ،‬كل امر ٍ‬
‫فيه ‪ ،‬جميع الصنام باطلة وصنعة ضلل ‪ ،‬وفي زمن عقابها تبيد ‪ .‬أما نصيب يعقوب فليييس مثييل هييذه الوثييان ‪،‬‬
‫بل جابل كل الشياء ‪ .‬وشعب إسرائيل ميراثه ‪ ،‬واسمه الرب القدير ‪ ،‬أنت فأس معركتي وآلة حربي ‪ ،‬بييك ُأم يّزق‬
‫طيم الرجييل‬‫شييم المركبيية وراكبهييا ‪ ،‬بييك ُأح ّ‬
‫طييم مماليك ‪ ،‬بييك أجعييل الفيرس وفارسيها أشييلء ‪ ،‬وأه ّ‬
‫المم إربا وُأح ّ‬
‫والمرأة ‪ ،‬والشيخ والفتى والشاب والعذراء ‪ ،‬بك أسحق الراعي وقطيعه ‪ ،‬والحارث وفّدانه والحّكام والولة " ‪.‬‬

‫خطيئة بابل في حق صهيون ‪:‬‬

‫" سُأجازي بابل وسائر الكلدانيين على شّرهم ‪ ،‬الذي ارتكبوه في حق صهيون ‪ ،‬على مرأى منكم ‪ ،‬يقول الييرب ‪.‬‬
‫ها أنا أنقلب عليك أيها الجبييل المخيّرب ‪ ،‬أنييت ُتفسييد كييل الرض ‪ ،‬لييذلك أميّد يييدي عليييك ‪ ،‬وأدحرجييك ميين بييين‬
‫الصخور ‪ ،‬وأجعلك جبل محترقا ‪ ،‬فل ُيقطع منييك حجيير لزاوييية ‪ ،‬ول حجيير ُيوضييع لسيياس ‪ ،‬بييل تكييون خرابييا‬
‫أبديا ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬

‫تحريض المم والممالك على تدمير بابل ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" انصبوا رايًة في الرض ‪ ،‬انفخوا في البوق بين المم ) وسائل العلم الغربية ( ‪ ،‬أثيروا عليها الم يَم لقتالهييا ‪،‬‬
‫ك أراراط ومّنيي وأشيكناز ) تركييا وميا حولهيا ( ‪ ،‬أقيميوا عليهيا قيائدًا ‪ ،‬اجعليوا الخييل تزحيف‬ ‫وأّلبوا عليها ممال َ‬
‫ك الميياديين ) اليرانيييين ( ‪ ،‬وكييل حّكييامهم وولتهييم‬
‫ب الشرسة ‪ .‬أثيروا عليها المَم وملييو َ‬‫ل الجناد ِ‬
‫عليها ‪ ،‬كجحاف ِ‬
‫ض ترتجف وتقشييعّر ‪ ،‬لن قضيياء الييرب علييى‬ ‫وسائر الديار التي يحكمونها ) إمبراطورية فارس القديمة ( ‪ .‬الر ُ‬
‫بابل يتّم ‪ ،‬ليجعل أرض بابل خرابا وقفرا " ‪.‬‬

‫أهل بابل بيدر ‪ ،‬أزف موعد حصاده في ‪:‬‬

‫" قد أحجم ُمحاربو بابل الجبابرة عين القتيال ‪ ،‬واعتصييموا فييي معياقلهم ‪ ،‬خييارت شييجاعتهم وصياروا كالنسيياء ‪،‬‬
‫طمت مزاليجها ‪ ،‬يركض عّداء لملقاة عّداء آخير ‪ ،‬وُيسيرع ُمخيبر للقياء ُمخيبر ‪ ،‬لُيبليغ‬ ‫احترقت مساكن بابل وتح ّ‬
‫ملك بابل أن مدينته ‪ ،‬قد تم الستيلء عليهييا ‪ ،‬ميين كييل جييانب ‪ ،‬قييد سييقطت المعييابر ‪ ،‬وُأحرقييت أجمييات القصييب‬
‫ن أهل بابل كالبيدر ‪ ،‬وقييد حييان‬ ‫بالنار ‪ ،‬واعترى المحاربين الذعر ‪ ،‬لن هذا ما ُيعلنه الرب القدير إله إسرائيل ‪ :‬أ ّ‬
‫أوان درس حنطته ‪ ،‬وبعد قليل يأزف موعد حصادهم " ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫دوافع النتقام ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" يقول المسبيون ‪ " :‬قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬وسحقنا وجعلنا إناًء فارغا ‪ ،‬ابتلعنييا كتّنييين ‪ ،‬ومل جييوفه‬
‫ل ببابل ما أصابنا ‪ ،‬وما أصاب لحومنييا ميين ظلييم " ‪،‬‬ ‫حّ‬
‫من أطايبنا ‪ ،‬ثم لفظنا من فمه " ‪ .‬يقول أهل أورشليم ‪ " :‬لي ُ‬
‫وتقول أورشليم ‪ " :‬دمي على أهل أرض الكلدانيين " ) مطالبة بالثأر مستقبل من الجيال القادمة ( ‪.‬‬

‫الكيفية التي تم بها إشعال حرب الخليج الثانية ‪:‬‬

‫" لذلك هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬ها أنا ُأدافع عن دعواك وانتقم لك ‪ ،‬فأجفف بحر بابل وينابيعها ‪ ،‬فتصير بابل ركاما ‪،‬‬
‫صل لهم ذلك في حييال ضييرب العييراق نوويييا ‪،‬‬ ‫ومأوى لبنات آوى ‪ ،‬ومثار دهشة وصفير وأرضا موحشة ) سيتح ّ‬
‫وهو ما ُيفّكرون به حاليا ( ‪ ،‬إنهم يزأرون كالسود ‪ ،‬وُيزمجرون كالشبال ‪ ) ،‬أي العراقيون ‪ ،‬وهذا ما ُيغيظ تلييك‬
‫الفئران ‪ ،‬التي ترتعد فرائسها ‪ ،‬وتصطك أسنانها هلعا وجزعا ‪ ،‬عند سماعها للتهديدات العراقية ( ‪ ،‬عند شييبعهم ‪،‬‬
‫ُأعّد لهم مأدبة ) دولة الكويت ‪ ،‬وحكامها باستجابتهم لبالسة المكر والدهاء جعلوا منها مأدبة ( ‪ ،‬وُأسييكرهم حييتى‬
‫تأخذهم نشوة ) الغراء والمديح لحكام العراق ‪ ،‬باستجابتهم للفريق الثاني ميين البالسيية ( ‪ ،‬فينيياموا نومييا أبييديا ل‬
‫يقظة منه ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬وُأحضرهم ) العراقيين ( كالحملن للذبح ‪ ،‬وكالكباش والتيوس " ‪.‬‬
‫ي وكل الفريقين وبقية الدول العربية بعلم ومن غييير علييم ‪ ،‬وقعييوا فييي الفييخ الييذي ُنصييب لهييم وكلهييم ملييومين بل‬
‫استثناء ‪ ،‬ومن يضع اللوم على فريق دون الخر فقد جانبه الصواب ‪ ،‬فكل عربي كان له دور في المؤامرة ونف يّذه‬
‫ل أخذ نصيبه في تأجيج نار الفتنة ‪ .‬وفي المحصلة ُنهبت ثييروات الميية واسييتخدمت لشييباع‬ ‫على أكمل وجه ‪ ،‬وك ٌ‬
‫ل يييتركوا العييراق ‪ ،‬حييتى يعييود‬
‫بعضا من الرغبة اليهودية في النتقام من بابل ولديهم مزيد ‪ ،‬فتوراتهم تأمرهم بأ ّ‬
‫إلى العصر الحجري ‪ ،‬كما صرح الرئيس المريكي آنذاك ‪ ،‬وأقصى أمانّيهم هييي اختفيياء أي مظهيير ميين مظيياهر‬
‫ض مضيياجعهم ‪ ،‬مييا‬ ‫الحياة في العراق ‪ ،‬خوفا من تكرار كابوس السبي البابلي ‪ ،‬الذي ما زال يييؤرق أجفييانهم ويقي ّ‬
‫دام هناك عراق قوي ُيهّدد وجودهم وقادر على الوصول إليهم ‪.‬‬

‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ‪:‬‬

‫ي على بابل ! كيف سقطت فخر كل الرض ! كيف صارت بابل مثار دهشة بييين المييم ! قييد طغييى‬ ‫" كيف اسُتول َ‬
‫البحر على بابل ‪ ،‬فغمرها بأمواجه الهائجة ‪ ،‬وأصبحت ُمدنها موحشة ‪ ،‬وأرض قفيير وصييحراء ‪ ،‬أرض ل يييأوي‬
‫ب الصنم بيل في بابل ‪ ،‬وأستخرج ميين فمييه مييا ابتلعييه ‪ ) ،‬نهييب ثييروات‬
‫إليها أحد ‪ ،‬ول يجتاز بها إنسان ‪ ،‬وأعاق ُ‬
‫ف المم من التوافد إليه ‪ ،‬وينهدم أيضا سور بابل " ‪.‬‬‫العراق تعويضا عن كنوز الهيكل ( ‪ ،‬فتك ّ‬
‫ي ل بد لهم من ضرب العراق بالنووي عاجل أم آجل ‪ ،‬حتى يتمكنوا من تحقيييق هييذا الحلييم التييوراتي ‪ ،‬فالسييلحة‬
‫ي اليهودي من اسم بابل وأشور ‪ ،‬كما هو واضييح ميين هييذه النصييوص ‪،‬‬ ‫ضّ‬‫التقليدية لم ُتجدي نفعا ‪ ،‬والرعب المَر ِ‬
‫ليس له علج إل محو هذا البلد بأهله عن الوجود وإلى البد ‪ ،‬وهذا ما ُيصّرحون بييه فييي هييذه النصييوص ‪ ،‬وميين‬
‫معرفتك بطبيعة العلج الذي يصفونه لنفسهم ‪ ،‬تستطيع التعرف على خطورة الحالة المرضّية المستعصية ‪ ،‬التي‬
‫ُيعانون منها وخطورة ما قد ُيقدمون عليه مستقبل في حق العراق ‪.‬‬

‫دعوة أخرى لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" اخرجوا من وسطها يا شعبي ) لذلك لم يبدأ العدوان إل بعد خروج رعايا الدول المعتديية ‪ ،‬والنيية كييانت تيدمير‬
‫ج كل واحد بحياته ‪ ،‬هربا من احتدام غضب الرب ‪ ،‬ل تخّر قلييوبكم‬ ‫العراق عن بكرة أبيه لو ُأتيح لهم ذلك ( ‪ ،‬ولين ُ‬
‫ول تفزعوا ‪ ،‬مما يشيع في الديار من أنباء ‪ ،‬إذ تروج شائعة في هذه السينة ‪ ،‬وُأخيرى فيي السينة التاليية ‪ ،‬ويسيود‬
‫العنف الرض ‪ ،‬ويقوم ُمتسّلط على ُمتسّلط ‪ .‬لذلك ها أيام ُمقبلة ‪ُ ،‬أعاقب فيها أصنام بابل ‪ ،‬ويلحق العييار بأرضييها‬
‫كلها ‪ ،‬ويتساقط قتلها في وسطها ‪ ،‬عندئذ تتغنى بسقوط بابل ‪ ،‬السماوات والرض وكل ما فيهييا ‪ ،‬لن الُمييدّمرين‬
‫يتقاطرون عليها من الشمال ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫المستهدف هو شعب بابل ‪:‬‬

‫" كما صرعت بابل قتلى إسرائيل ‪ ،‬هكذا ُيصرع قتلى بابل في كل الرض ) السن بالسيين والعييين بييالعين ( ‪ ،‬يييا‬
‫أّيها الناجون من السيف ‪ ،‬اهربوا ل تقفوا ‪ ،‬اذكروا الرب في مكانكم البعيد ‪ ،‬ول تبرح أورشليم من خواطركم ‪ .‬قد‬
‫ي لننا استمعنا للهانة ‪ ،‬فكسا الخجل وجوهنييا ) إسيياءة الييوجه ( ‪ ،‬إذ انتهييك الغربيياء ) أي البييابليون (‬
‫لحقنا الخز َ‬
‫مقادس هيكل الرب ) بعدما حّوله الكهنة إلى بورصة ‪ ،‬للتبادلت التجارية الربوّية ‪ ،‬حسبما ذكر أنبياؤهم ( " ‪.‬‬
‫ن جرحاها في كل ديارها ‪ ،‬وحييتى لييو‬
‫" لذلك ها أيام ُمقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ُ ،‬أنّفذ فيها قضائي على أصنام بابل ‪ ،‬ويئ ّ‬
‫ن الُمدّمرين ينقضون عليها من عندي ‪،‬‬‫صنت معاقلها الشامخة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ارتفعت بابل فبلغت عنان السماء ‪ ،‬وحتى لو ح ّ‬
‫يقول الرب " ‪.‬‬

‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ) تكرار ( ‪:‬‬

‫" ها صوت صراخ يترّدد في بابل ‪ ،‬صوت جلبة دمار عظيم من أرض الكلدانيين ‪ ،‬لن الييرب قييد خ يّرب بابييل ‪،‬‬
‫جاجة ‪ ،‬وعل ضييجيج أصييواتهم ‪ ،‬لن الُمييدّمر‬ ‫وأخرس جلبتها العظيمة ‪ ،‬إذ طغت عليها جحافل أعدائها ‪ ،‬كمياه ع ّ‬
‫قد انقض على بابل ‪ ،‬وأسَر ُمحاربيها ‪ ،‬وتكسرت كييل قسيّيها ) أسييلحتها ( ‪ ،‬لن الييرب إلييه ُمجييازاة ‪ ،‬وهييو حتمييا‬
‫ُيحاسبها ‪ ،‬إني ُأسكُر رؤساءها وحكماءها ومحاربيهيا ‪ ،‬فينيامون نوميا أبيديا ل يقظية منيه ‪ ، … ،‬وهيذا ميا ُيعلنيه‬
‫الرب القدير ‪ :‬إن سور بابل العريض ‪ُ ،‬يقّوض وُيسّوى بالرض ‪ ،‬وبّواباتها العالية تحترق بالنار ‪ ،‬ويييذهب تعييب‬
‫الشعوب باطل ‪ ،‬ويكون مصير جهد المم للنار " ‪.‬‬
‫" وكان ارميا قد دّون في كتاب واحد ‪ ،‬جميع الكوارث التي سُتبتلى بها بابييل ‪ ،‬أي جميييع النبييوءات المدّونيية عيين‬
‫بابل ‪ ) ،‬وأرسله ارميا إلى بابل وقال لحامله ( ‪ " :‬حالما تصل إلى بابل ‪ ،‬اعمل على تلوة جميع هييذه النبييوءات ‪،‬‬
‫وقل ‪ :‬أيها الرب ‪ ،‬قد قضيت على هذا الموضع بالنقراض ‪ ،‬فل يسكن فيه أحد ميين النيياس والبهييائم ‪ ،‬بييل ُيصييبح‬
‫خرابا أبديا " ‪ ،‬ومتى فرغت من تلوة هذا الكتاب ‪ ،‬اربط به حجرا واطرحه فيي وسيط الفيرات ‪ ،‬وقيل ‪ " :‬كيذلك‬
‫تغرق بابل ‪ ،‬ول تطفو بعد ‪ ،‬لما ُأوقعه عليها من عقاب ‪ ،‬فيعيا كل أهلها " ‪.‬‬
‫طها مؤلفو التوراة ‪ ،‬علييى أنهييا عقوبيية الي لبابييل ‪ ،‬مييا هييي إل العقوبيية الييتي تنتظيير‬
‫ي هذه الوثيقة المرعبة التي خ ّ‬
‫إسرائيل وأمريكا مستقبل ‪ ،‬ولكنهم أرادوها لبابل ‪ ،‬ونفّذوا فصولها في العراق ‪ ،‬فصل تلو الخيير ‪ ،‬وهييم يسييعون‬
‫الن من وراء الكواليس لتنفيذ بقية فصولها ‪.‬‬

‫صفة العقاب اللهي لمريكا ‪:‬‬

‫سبب العقاب اللهي هو استعلئها وإضللها لشعوب الرض ‪ ،‬وما أوقعتييه ميين ظلييم بهييم ‪ ،‬ودمارهييا سيييأتي مين‬
‫الشمال ‪ ،‬من خلل تحالف عدة دول ‪ ،‬وبضربات نووية كثيفة ومفاجئة ‪ .‬تتسبب بدمار عظيييم وحييرائق وجفيياف ‪،‬‬
‫ومن ثم طوفان عظيم يجتاح أراضيها ‪ ،‬ليتركها قفرا أجرد ل يصلح للسكن أبد الييدهر ‪ .‬وجيوشييها الييتي كييانت قييد‬
‫خرجت منها سيتم ذبحها كالحملن والتيوس ‪.‬‬

‫نبوءة عن سقوط بابل من سفر الرؤيا ليوحنا‬


‫قلنا في السابق أن إنجيل يوحنا ورؤياه ‪ ،‬ل بد أن تكون أسييفار توراتييية ‪ ،‬وكييان ميين المفييروض أن تكييون ُملحقيية‬
‫بالتوراة ‪ ،‬ولكّنها ُأسقطت في وقت ُمتأخر ‪ ،‬بعد أن تّم التلعب فيها من قبل اليهيود ‪ ،‬فتلقفهيا النصيارى وضيّموها‬
‫إلى النجيل ‪ ،‬أثناء جمعه وتحريفه ونسخه ‪ ،‬وليس أدل على ذلك ‪ -‬بالضافة لما تق يّدم وأشييرنا إليييه ‪ -‬ميين تكييرار‬
‫نصوص الوثيقة السابقة من سفر ارميا فييي التييوراة ‪ ،‬بنفييس الفكييار والعبييارات تقريبييا ‪ ،‬ولكيين بدرجيية أقييل ميين‬
‫المبالغة والتهويل والتطويل ‪ ،‬في سفر الرؤيا الملحق بأناجيل النصارى ‪.‬‬
‫" ‪ : -1 :18‬بعد هذا رأيت ملكا آخر ‪ ،‬نازل من السماء ‪ ، … ،‬وصاح بأعلى صوته ‪ " :‬سقطت بابل ‪ ،‬سيقطت‬
‫بابل العظمى ‪ ،‬وصارت وكرا للشياطين ‪ ،‬ومأوى لكييل روح نجييس ‪ ، … ،‬ثيم سيمعت صيوتا آخيير ‪ُ ،‬ينييادي مين‬
‫السماء ‪ " :‬اخرجوا منها يا شعبي ‪ ،‬لئل تشتركوا في خطاياها ‪ ،‬فتصييابوا ببلياهييا ‪ ،‬فقييد تراكمييت خطاياهييا حييتى‬
‫‪196‬‬
‫بلغت عنان السماء ‪ ،‬وتذّكر ال ما ارتكبته من آثام ‪ .‬افعلوا بها كما فعلت بكم ‪ ،‬وضاعفوا لها جييزاء مييا اقييترفت ‪،‬‬
‫ض عليها البليا في يوم واحد ‪ ،‬من موت وحزن وجوع ‪ ،‬وستحترق بالنار فإن ال ي الييذي ُيييدينها ‪ ،‬هييو‬ ‫… ‪ .‬ستنق ّ‬
‫ب قدير " ‪.‬‬
‫ر ّ‬
‫" ‪ :9-10 :18‬وسيبكي عليها ملوك الرض ‪ ،‬الذين زنوا وترّفهوا معها ‪ ،‬وسينوحون وهم ينظييرون إلييى دخييان‬
‫حريقها ‪ ،‬فيقفون على ُبعد منها ‪ ،‬خوفا من عذابها ‪ ،‬وهم يصرخون ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬أيتها المدينة العظمى ‪ ،‬بابييل‬
‫القوية ! في ساعة واحدة حل بك العقاب ! " ‪.‬‬
‫" ‪ :12-17 :18‬وسيبكي ُتجار الرض ويحزنون عليها ‪ ، … ،‬هؤلء التجار الذين اغتنيوا مين التجيارة معهيا ‪،‬‬
‫يقفون على بعد منها ‪ ،‬خوفا من عذابها ‪ ،‬يبكون عليها وينتحبون ‪ ،‬قائلين ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬على المدينة العظمى ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬وقد زال هذا كله في ساعة واحدة ! " ‪.‬‬
‫لحوها على بعد منها ‪ ،‬ينظرون إلى ُدخان حريقها ‪ ،‬أية مدينة مثل‬ ‫" ‪ :18-19 :18‬ويقف قادة السفن ورّكابها وم ّ‬
‫هذه المدينة العظمى ؟! ويذرون التراب على رؤوسهم ‪ ،‬وهم يصرخون بيياكين منتحييبين ‪ :‬الويييل ‪ ،‬الويييل ‪ ،‬علييى‬
‫المدينة العظمى ‪ ،‬التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها ! ها هي في ساعة واحدة قد زالت ! " ‪.‬‬
‫حكمييه عليهييا‬
‫" ‪ :20 :18‬اشمتي بها أيتها السماء ! واشمتوا بها أيها القّديسون والرسل والنبياء ‪ ،‬فقد أصدر ال ُ‬
‫بعد أن أصدرت أحكامها عليكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :21-24 :18‬وتناول ملك قوي ‪ ،‬حجرا كأّنه حجر طاحونة عظيم ‪ ،‬وألقاه في البحيير ‪ ،‬قييائل ‪ " :‬هكييذا ُتييدفع‬
‫وُتطرح بابل الدينة الُعظمى ‪ ،‬فتختفي إلى البد ! لن ُيسمع فيك عزف موسيقى بعد ‪ ، … ،‬ولن تقوم فييك صيناعة‬
‫جيارك سيادة الرض ‪،‬‬ ‫بعد الن ‪ ،‬ولن ُيسمع فيك صوت رحيى ‪ ،‬ولين ُيضييء فييك نيور مصيباح … فقيد كيان ُت ّ‬
‫وبسحرك ضّللت جميع أمم الرض ‪ .‬وفيها ُوجدت دماء أنبياء وقّديسين وجميع الذين ُقتلوا على الرض " ‪.‬‬
‫" ‪ :1-2 :19‬وبعد هذا سمعت صوتا عالييا ‪ … ،‬يقيول ‪ " :‬هّللوييا ! الخلص والمجييد والكراميية والقييدرة للير ّ‬
‫ب‬
‫إلهنا ! فإن أحكامه حق وعدل ‪ ،‬لّنه عاقب الزانية الكبرى ‪ ،‬التي أفسدت الرض ‪ ،‬وانتقم لدم عبيده منها " ‪.‬‬
‫ي الحقيقة أن هذه النبوءة تتحدث عن دولة عظمى في العصر الحديث ‪ُ ،‬تضاهي عظمة بابل القديمة وقوتها ‪ ،‬وهذه‬
‫النصوص في الواقع تصف حال أمريكا بقوتها القتصادية والعسييكرية ‪ ،‬وميا أحيدثته فييي هيذا العصيير مين فسيياد‬
‫صييبت‬ ‫وإفساد ‪ ،‬وسفك للدماء في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬فهي تحكم الكييرة الرضييية بأسييرها ميين خلل ‪ ،‬ون ّ‬
‫نفسها كإله ُيعبد وُيقّدس ‪ ،‬فهي تحّدد في تقارير وزارة خارجّيتها من أصلح ومن أفسد ‪ ،‬ومن حييافظ علييى الحقييوق‬
‫ومن هضمها ومن أرهب ومن لم يرهييب ‪ .‬وعلييى قائميية مقاطعاتهييا القتصييادية حييوالي ‪ 46‬دوليية ‪ ،‬فهييي الُمنِعييم‬
‫ل يخطييب وّد ورضييا هييذه اللهيية الجديييدة ‪ ،‬وهييي تسييعى الن لعولميية‬ ‫ضل على خلييق الي ‪ ،‬والكي ّ‬
‫والُمكِرم والُمتف ّ‬
‫اقتصادها وثقافتها ‪ ،‬وفرضها على شعوب تارة بالترهيب وتارة بالترغيب ‪ ،‬وأما كلمة بابل في هذه النص إمييا أن‬
‫تكون ُأضيفت عن قصد من قبل الكهنة ‪ ،‬بسبب الحقد والكراهية والرغبة في النتقام من بابل ‪ ،‬وإميا أن تكيون قيد‬
‫استخدمت لترمز إلى الدولة الُعظمى في هذا العصر ‪ .‬ولو حذفت كلمة بابل ووضعت كلميية أمريكييا ‪ ،‬لوجييدت أن‬
‫النص سُيصبح أكثر صدقا وتطابقا مع الواقع ‪.‬‬
‫سرين الجدد من النصارى بوجه خاص ‪ ،‬كما تشير الكاتبة المريكية في الفصل السابق ‪ ،‬يأخذون‬ ‫ولكن أغلب المف ّ‬
‫بالتفسير اللفظي للمسميات ‪ ،‬التي جاءت في النصوص التوراتييية والنجيلييية ‪ ،‬ويق يّدمون شييروحاتهم وتفسيييراتهم‬
‫لنصارى الغرب من ساسة وعامة ‪ ،‬على نحو مغاير لما ُتخبر عنه النصوص حقيقة ‪ ،‬فبابييل القديميية أينمييا جيياءت‬
‫في النصوص ‪ ،‬تعني بالنسبة لهم بابل الجديدة أي العراق ‪ ،‬بالرغم من أن النصوص تصييف دوليية عظمييى ‪ ،‬هييي‬
‫أقرب إلى أمريكا منها إلى العراق ‪ ،‬وتوحي بأن لفظ بابل استخدام كاستعارة لفظية ‪.‬‬
‫أما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما ُتخبر عنه النصوص ‪ ،‬وبأن الدمار القادم والذي ُتخييبر عنييه النصييوص ‪ ،‬سيييكون‬
‫لسييرائيل وأمريكييا وحلفائهمييا ‪ ،‬ولكنهييم يسييتغلون الفهييم الخيياطئ والمضييطرب للنصييارى ‪ ،‬لخدميية أغراضييهم‬
‫ومخططاتهم الشيطانية ‪ ،‬ولحماية دولتهم من الخطار المحّدقة بها ‪ .‬فهم مّتفقييون علييى أن هييذه النبييوءات تتحييدث‬
‫عن تدمير العراق ‪ ،‬وبما أنها جاءت تحريضية بصيغة المر ‪ ،‬فقد اّتحدوا لتنفيذ ما قضييى بييه الييرب علييى بابييل ‪،‬‬
‫ولن تستكين لهم حال أو تلين لهم عزيمة ‪ ،‬حتى يتحقق ما جياء فيي هيذه النصيوص ‪ ،‬بجعيل العيراق أرضيا قفيرا‬
‫‪197‬‬
‫صحراء قاحلة خاوية على عروشها ‪ ،‬لذلك هم ل يكييترثون بالشييرعية الدولييية ول بالقييانون الييدولي ‪ ،‬إذ ل يمتثييل‬
‫لهما إل الضعفاء والغبياء ‪ ،‬فالقوانين اللهية بشأن العراق هي ما ينصاعون إليييه ويلييتزمون بتطييبيقه ‪ ،‬فييالحرب‬
‫على العراق حرب ُمقّدسة لنهم موقنون تماما ‪:‬‬
‫ن بقاء إسرائيل يعني حتمية زوال العراق‬
‫ن بقاء العراق يعني حتمية زوال إسرائيل … وأ ّ‬
‫بأ ّ‬
‫وما داموا يمتلكون مقيّدرات الكيياوبوي المريكييي البريطيياني ‪ ،‬الُمشييترى بالرشييوة والشييهوة والرعييب والمييأخوذ‬
‫بجنون القوة ‪ ،‬فلن ُيثنيهم عن عزمهم إل أن ُيبادوا قبل أن ُيبيدوا الحرث والنسل ‪ .‬وبالتالي فإن بقاء العييراق يتحّتييم‬
‫عليه محو إسرائيل من قلب الوطن العربي ‪ ،‬وسحق تلك الفئران المتلّفعة بريش النسر المريكي القرع ‪.‬‬
‫وإن لم تكن الحرب العراقية اليرانية من صنع أيديهم ‪ ،‬فهم ساهموا فيها بشكل أو بآخر ‪ ،‬فإيران تأتي في الدرجة‬
‫الثانية في العداء التوراتي لسرائيل ‪ ،‬وكلنييا سييمع بفضيييحة ) إيييران غيييت ( فييي الثمانينيييات ‪ ،‬الييتي كييان بطلهييا‬
‫الرئيس المريكي ) ريغان ( حيث كانوا ُيؤيدون العراق علنا ‪ ،‬وُيزّودون إيران ‪ -‬الييتي كييانت تنظيير إلييى أمريكييا‬
‫على أنها الشيطان الكبر ‪ -‬بالسلحة سرا ‪ ،‬لطالة أمد هذه الحرب ولبقاء العراق وإيران منشغلين فيها ‪.‬‬
‫والسبب الهم لشعالها ‪ ،‬هو الرعب الذي دب في قلوبهم من المارد العراقي ‪ ،‬الذي أعيياد إلييى أذهييانهم النبييوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬وأيقظ في مخيلتهم شبح نبوخذ نصر وكابوس السبي البابلي ‪ ،‬ليقض مضاجعهم فلم ترقأ لهم عييين ولييم‬
‫يغمض لهم جفن ‪ ،‬ذلك المارد الذي بدأ يستيقظ من غفوته بامتلكه المفاعل النووي ‪ ،‬وسيييكون بعييد سيينوات قليليية‬
‫قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنابل النووية ‪ .‬وما أن انشغل العراق في الحييرب وأصييبح ظهييره مكشييوفا ‪ ،‬حييتى‬
‫ب حممها التوراتية الحاقدة على ذلك المفاعل ‪ ،‬في سيينين صييباه الولييى‬ ‫انسلت خفافيشهم تحت جنح الظلم ‪ ،‬لتص ّ‬
‫لُتبيده عن بكرة أبيه ‪.‬‬
‫وبعد أن خرج العراق من تلك الحرب محتفظا بقييوته وجييبروته ‪ ،‬ومييع أول تصييريح وتهديييد لييه " بحففرق نصففف‬
‫إسرائيل ‪ ،‬حال اعتدائها على أي قطر عربي " على لسان الرئيس العراقي ‪ ،‬جهارا نهارا فييي مييؤتمر قميية بغييداد‬
‫عام ‪1989‬م ‪ ،‬أقامت وسائل العلم المرئية والمسموعة والمقروءة ‪ -‬التي تمتليك معظمهيا تليك الفياعي ‪ -‬اليدنيا‬
‫جيه وتيوريطه فيي الييدخول إلييى الكيويت ‪ ،‬بالتييآمر والتواطيؤ وبمكرهييم ودهييائهم‬ ‫ولم تقعدها ‪ ،‬حتى اسيتطاعت ز ّ‬
‫ضت عليه من بأقطارها ‪ ،‬بحجة رفع الظلم عن دولة الكويت ‪ ،‬وتأمين منييابع النفييط الييتي‬ ‫المعهودين ‪ ،‬ومن ثم حر ّ‬
‫طوا بييأقلمهم سيييناريو الحييرب العالمييية الثانييية ‪ ،‬أعييادوا نفييس السيييناريو فييي‬
‫سيسطر عليها العراقيون ‪ .‬وكما خ ّ‬
‫حرب الخليج من ألفه إلى يائه ‪.‬‬
‫فها قد تحّررت الكويت وتأّمنت منابع النفط ‪ ،‬فلماذا هذا الحصار الظالم على أطفال العراق ؟! ييّدعون أن العييراق‬
‫يهدد جيرانه فانظر من يّدعي ! وانظيير إلييى جيرانييه ! ومييا علقيية الميّدعي بييالجيران ؟! الميّدعون هييم ) مييادلين‬
‫ُألبرايت وزيرة الخارجية المريكية ‪ ،‬ووليام كيوهين وزييير الييدفاع المريكييي ‪ ،‬وسيياندي بيرغيير مسييؤول المين‬
‫القومي المريكي ‪ ،‬وهلم جرا … ( وكلهم يهود ‪ .‬فما عليك إل استبدال كلمة المريكي في مناصبهم ومسؤولياتهم‬
‫بكلمة السرائيلي ‪ ،‬لتعرف من هم الجيران الذين سيهددهم وجود عراق قوي ‪.‬‬
‫أما الحصار فقد ُوجد ليبقى ‪ ،‬وغايته منع المارد العراقي من الصحوة ‪ .‬واستمّر الحصار ليبقييى المييارد محصييورا‬
‫في القمقم ‪ ،‬وعندما تّم لهم ذلك عمدوا إلى تقليم مخالبه واقتلع أنيابه ‪ ،‬فمنظرهييا ُيرعييب تلييك الفئران المسييكينة ‪،‬‬
‫ويجعل فرائصها ترتعد هلعا وجزعا ‪ .‬واستمّر الحصار لمنع أطفال العراق من الوصييول إلييى مرحليية الرجوليية ‪،‬‬
‫طر علييى أجسيياد تلييك الفئران أسيياطير البطوليية ‪ ،‬فهييم وحسييب رؤاهييم‬ ‫كي ل يكونيوا مسييتقبل أفييراد جيييش ‪ُ ،‬يسي ّ‬
‫التوراتييية ‪ ،‬يعرفييون ويعلمييون أن دولتهييم سييتزول ‪ ،‬وسيييكون فيهييم القتييل والنهييب والنفييي ‪ ،‬وأن المرشييح الول‬
‫والوحيد للقضاء عليهم هو غريمهم الزلي ‪ ،‬وأن دولتهم سيعيش فيها جيل واحد ل أكثر ‪ .‬لذلك بمييا أنهييم موقنييون‬
‫تماما بأن زوال دولتهم أمر حتمي ‪ ،‬كييان ل بييد لهييم ميين أن يعملييوا بكييل طاقيياتهم ‪ ،‬ميين أجييل حماييية هييذا المسييخ‬
‫الخداج ‪ ،‬الذي حملت به عروس المدائن غصبا واغتصابا ‪ ،‬من مرتزقة الغرب المأجورين في غفلة من الزمان ‪.‬‬
‫لذلك … فالحصار لن ُيرفع … ما دامت تلك الفئران … في القدس ترتع‬

‫‪198‬‬
‫الفعوان العراقي في سفر إشعياء‬

‫خطورة هذا الفعوان المرعب ‪ ،‬تتمثل في ما يحمله في أحشائه من سموم ُمميتة ‪ ،‬كان أسلفهم قد تجّرعوهييا ميين‬
‫قبل ‪ ،‬ووصفوا تأثيرها المؤلم على امتداد التوراة الشاسع ‪ ،‬فشغلت حّيييزا كييبيرا ميين فكرهييم ووجييدانهم ‪ ،‬فمج يّرد‬
‫ل بأسلفهم ‪ ،‬من جّراء تلييك الفعييى الييتي أنجبييت هييذا الفعييوان ‪،‬‬
‫التفكير بتكرار ذلك المصير المرعب ‪ ،‬الذي ح ّ‬
‫ُيصيبهم بحالة من الذعر والهلع ‪ ،‬لذلك كان وسيكون لهم ‪ ،‬محاولت عديدة للتخّلص من خطر هذا الفعوان علييى‬
‫وجودهم ‪:‬‬
‫الُمحاولة الولى ‪ :‬هي الحرب اليرانية العراقية ‪ ،‬لصابته بالشلل وقد ُأصيب ‪ ،‬فتسّنى لهم ضرب مفاعله‬ ‫•‬
‫النووي ‪ ،‬واجتياح بيروت ‪ ،‬وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ‪.‬‬
‫الُمحاولة الثانية ‪ :‬هي الحرب المريكية العراقييية ‪ ،‬لتغيييير رأس هييذا الفعييوان ‪ ،‬وزرع رأس جديييد لييه ‪،‬‬ ‫•‬
‫وتقطيع أوصاله وتفريق شملها ‪ ،‬وتوزيع دمه على جميع القبائل التي اجتمعت عليه ‪ ،‬ولم ُيكتب لها النجاح ‪.‬‬
‫الُمحاولة الثالثة ‪ :‬هي الحصار الممي ولجان التفتيش ‪ ،‬لنييزع النييياب الييتي تنفييث السيّم ‪ ،‬بتييدمير أسييلحة‬ ‫•‬
‫الدمار الشامل ‪ ،‬وحرمانه من امتلك أسلحة جديدة ‪ ،‬فاقتلعوا النياب واستخرجوا السّم ‪ ،‬ولكن النياب نبتييت ميين‬
‫جديد ‪ ،‬والسم يتجّدد ول ينقطع ‪.‬‬
‫الُمحاولة الرابعة ‪ :‬هي الحرب المريكية الشاملة ‪ ،‬مع احتمالية توجيه ضربات نووية محدودة إن أمكيين ‪،‬‬ ‫•‬
‫لقطع الرأس والوصال معا ‪ ،‬حيث لم يُعد هناك أهمية لتوزيع دمه علييى القبييائل ‪ .‬وستصييبح احتمالييية الضييربات‬
‫النووية قائمة وحتمية فور امتلك أمريكا ‪ ،‬للدرع الُمضاد للصواريخ الُمحّملة بييالرؤوس النوويية ‪ ،‬وهيذه الحييرب‬
‫ططييون لهييا ويسييتعجلونها ‪،‬‬
‫حسييبان أمريكييا وإسييرائيل ‪ ،‬فهييم ُيخ ّ‬
‫قائمة بل أدنى شك ‪ ،‬إن لم يقييع مييا لييم يكيين فييي ُ‬
‫ويطلبون من الرئيس المريكي ‪ ،‬تهيئة الشعب المريكي لتقّبلها ‪ ،‬وسيعملون جهدهم لشييعالها فييي أقييرب فرصيية‬
‫ممكنة ‪ ،‬ظنا من الذين ل يعقلون ول يفقهون ‪ ،‬بأنهم قادرين على منيع رب العيزة مين إنجياز وعيده فيهيم ‪ ،‬بإبيادة‬
‫العراقيين وتقسيم العراق وإسقاط قيادته ‪.‬‬
‫ونختم هذا الفصل بنص من المزمور ‪ 137‬من سفر المزامير ‪ ،‬الذي يترنم به اليهود والنصارى في صلواتهم ‪:‬‬
‫" يا ابنة بابل المحتم خرابها ‪ ،‬طوبى لمن ُيجازيك بما جازيتنا به ‪ ،‬طوبى‬
‫لمن ُيمسك صغارك ويلقي بهم إلى الصخر "‬

‫] نهاية الجزء الثاني [‬

‫‪199‬‬
‫الجزء الثالث‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫سرناه بلسانك لعّلهم يتذ ّ‬


‫كرون‬ ‫فإنما ي ّ‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫بل هم في شك يلعبون‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫معّلم مجنون‬
‫ثم تولوا عنه وقالوا ُ‬

‫الفصل الثامن ‪:‬‬

‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬

‫الفصل التاسع ‪:‬‬

‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬

‫‪200‬‬
‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬
‫تبين لنا من خلل هذه القراءة الجديدة لتاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬في القرآن والسّنة والتوراة والتلمود ‪ ،‬أن البابلّيون هم‬
‫أصحاب البعث الول ‪ ،‬وبناءً على ذلك ‪ ،‬يكون العراقيييون حصييرا وبل أدنييى شييك هييم أصييحاب البعييث الثيياني ‪.‬‬
‫وسيتبين لنا في هذا الفصل ‪ ،‬من خلل قراءة جديدة للواقع بأن اليهود على علم بهذا البعث وأصحابه ‪ ،‬وظّنا منهم‬
‫بأنهم قادرون على مخالفة أمر ال بمنع تحقق البعث الثاني ‪ ،‬خططوا ونّفذوا وما زالوا يخططون لدرء خطير هييذا‬
‫البعث الموعودين به ‪ ،‬بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬لقناعتهم بأن بقاء دولتهم يتحتم عليييه محييو العييراق‬
‫وشعبه عن خريطة العالم ‪.‬‬

‫حقيقة ما ُيضمره الغرب للعراق ‪:‬‬

‫دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ‪ ،‬على إعلن عدائها لقيادة العراق الحالية وإبداء الرغبة في إسقاطها ‪ ،‬وجعلييت‬
‫من بقاء القيادة العراقية على سييدة الحكيم فييي بغييداد وسيابقتها فيي غييزو الكيويت ‪ ،‬مثيال لعدوانيية هييذه الحكوميية‬
‫وخطورتها على جيرانها ‪ ،‬وذريعة لدامة الحصار ولتجريد العراق من مقومات وجوده ‪ .‬ليصييل العييالم والشييعب‬
‫العراقي إلى قناعة ‪ ،‬بأن المستهدف حقيقة ميين وراء الصييرار المريكييي ‪ ،‬علييى إبقيياء الحصييار مفروضييا علييى‬
‫العراق ‪ ،‬هي القيادة العراقية الحالية بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ‪ ،‬مما ُيهدد أمن منطقة الخليج الحيوية للعالم‬
‫‪ ،‬وبإسقاط هذه القيادة ستنعم منطقة الخليج بالمن مجّددا حسب الرؤى المريكية ‪.‬‬
‫ومع أن أمريكا ل ُتبِد أدنى اهتمام بمصير الشعب العراقييي ‪ ،‬بييل علييى العكييس ميين ذلييك ‪ ،‬كييان ومييا زال بعييض‬
‫مسؤوليها من اليهود ‪ُ ،‬يبدون سعادة عارمة بل خجل أو مواربة ‪ ،‬بوقوع المزيد من الضحايا في العييراق ‪ ،‬حيييث‬
‫الغالبية العظمى من الطفال ‪ ،‬الذين سقطوا من جييراء نقييص الدوييية والغييذاء ‪ ،‬حييين تصييرح وزيييرة الخارجييية‬
‫المريكية ) أولبرايت ( ‪ ،‬في حوار صحفي في محطة )‪ : ( CBS‬بييأن تسيّبب أمريكييا بمييوت نصييف مليييون طفييل‬
‫عراقي " أمر يستحق العناء " ‪ ،‬إل أن العالم أجمع ‪ ،‬والشعب العربييي وحييتى الشييعب العراقييي ‪ ،‬لييم يبحييث عيين‬
‫الدوافع الحقيقية لهذا العداء المريكي للعراق ‪.‬‬
‫" توراة ‪ -‬إشعياء ‪ :16 :13 :‬كل من ُيؤسر ُيطعن ‪ ،‬وكل من ُيقبض عليه ُيصرع بالسيف ‪ ،‬وُيمّزق أطفالهم على‬
‫مرأى منهم ‪ ،‬وُتنهب بيوتهم وُتغتصب نسائهم " ‪.‬‬
‫"توراة ‪ -‬إشعياء ‪ :23-20 :14 :‬فذرّية فاعلي الثم ‪ ،‬يبيييد ذكرهييا إلييى البييد ‪ .‬أعيّدوا مذبحيية لبنييائه جييزاء إثييم‬
‫ب ضييدهم ‪ ،‬وأمحييو‬ ‫آبائهم ‪ ،‬لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه البسيطة ُمدنًا ‪ .‬يقول الرب القدير ‪ " :‬إني أهي ّ‬
‫ت للميياه ‪ ،‬وأكنسيها بمكنسية اليدمار …‬ ‫ل وذريًة ‪ ،‬وأجعلها ميراثيًا للقنافيذ ‪ ،‬ومسيتنقعا ٍ‬‫من بابل ‪ ،‬اسمًا وبقيًة ونس ً‬
‫وهذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬ها أنا ُأثير على بابل ‪ ،‬وعلى الُمقيمين في ديار الكلييدانيين ريحييا ُمهلكيية ‪ ،‬وأبعييث إلييى بابييل‬
‫خر ( الرامييي‬ ‫ُمذّرين ُيذّرونها ‪ ،‬ويجعلون أرضها قفرا ‪ ،‬وُيهاجمونها من كييل جييانب فييي يييوم بلّيتهييا ‪ .‬ليييوتر ) ُيييذ ّ‬
‫شيّبانها ‪ ،‬بييل أبيييدوا كييل جيشييها إبييادة كامليية ‪ ،‬يتسيياقط القتلييى فييي أرض‬ ‫جج بسلحه ‪ ،‬ل تعفييوا عيين ُ‬ ‫قوسه وليتد ّ‬
‫الكلدانيين ‪ ،‬والجرحى في شوارعها ) من المدنيين طبعا ( " ‪.‬‬
‫" توراة ‪ -‬مزامير ‪ :8 :137‬يا ابنة بابل المحتم خرابها ‪ ،‬طوبى لمن ُيجازيك بما جازيتنا به ‪ ،‬طيوبى لمين ُيمسيك‬
‫صغارك ويلقي بهم إلى الصخر " ‪.‬‬
‫وباستجابة ) أولبرايت ( وكافة الجوقة اليهودية في الدارات المريكية المتعاقبة ‪ ،‬لوامر الرب القدير الواردة في‬
‫التوراة ‪ ،‬استطاع بنوا إسرائيل من رّد الصاع صاعين لهل بابل ‪ ،‬وهكذا يكون العراقيون حصرا من ُرّدت لبنييي‬
‫إسرائيل الكرة عليهم ‪ ،‬إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ما أنزله البابليون بهم في المرة الولى ‪.‬‬
‫ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ‪ ،‬ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على أرض الواقع ‪ ،‬لتبين لنا أن المستهدف‬
‫الحقيقي هو العراق لنه أرض البعث ‪ ،‬والشعب العراقي لنه يحمل صفة أهل البعث ‪ ،‬والقيادة العراقية لرسييالها‬
‫البعوث في كل الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬وعدم قبولها وتوقيعهييا علييى اتفاقيييات الهدنيية ‪ ،‬ولعلنهييا المتجيّدد‬

‫‪201‬‬
‫عن نية البعث بمناسبة وبدون مناسبة في السنوات الخيرة ‪ ،‬منذ انتهاء حرب الخليج الولى وحتى هذه اللحظيية ‪،‬‬
‫ورفضها لمعاهدات السلم والتطبيع ‪ ،‬ولصرارها على مقولة فلسطين عربية من البحر إلى النهر ‪ ،‬والدعوة إلييى‬
‫تحرير فلسطين بالقوة ‪.‬‬
‫وفي حال استطاع الغرب اليهودي إسقاط القيادة العراقية ‪ ،‬فسيكون البديل كما هييي العييادة قيييادة موالييية للغييرب ‪،‬‬
‫ومعادية للشعب العراقي وللميية العربيية ‪ ،‬المتخميية أصيل بالعييداء مين أبنياء جليدتنا ‪ ،‬لتزييد الميية ذل وهوانيا‬
‫أضعافا مضاعفة ‪ ،‬أما مصير العراق بين يدي هكذا قيادة ‪ ،‬فسيييكون بل شييك كمييا يتمّنييى يهييود الغييرب والشييرق‬
‫ججة بالسلحة المتطورة ‪ .‬وانظر إلى حييال ألمانيييا بعييد‬ ‫ويشتهون ‪ ،‬ليتحّقق لهم ما لم يحلموا بتحقيقه بجيوشهم المد ّ‬
‫الحرب ‪ ،‬وانظر إلى حال التحاد السوفييتي ‪ ،‬العدو الثاني للوجود اليهودي في فلسطين كما ُتخبر التوراة ‪ ،‬عندما‬
‫استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه – إلى سدة الحكم وما فعلوه به ‪ ،‬لنقول بأن مهمة القيادة المستقبلية للعييراق ‪،‬‬
‫فيما لو ُأسقطت القيادة الحالية هي ‪:‬‬
‫تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلت صغيرة ‪ ،‬كردية وسنية وشيعية في الشمال والوسط والجنوب ‪.‬‬ ‫•‬
‫إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلت لشغالها عن المهمة الساسية التي ُأنيطت بأصحاب البعث ‪.‬‬ ‫•‬
‫تدمير القتصاد وإفقار الشعب العراقي ليركض لهثا وراء قروض صندوق النقد الدولي ‪.‬‬ ‫•‬
‫حظر امتلك وتصنيع السلحة ‪.‬‬ ‫•‬
‫تقديم فروض الطاعة والولء ليهود الغرب والشرق ‪ ،‬وإنهاء حالة الحييرب مييع إسييرائيل ومباركيية عملييية‬ ‫•‬
‫السلم ‪.‬‬
‫فالمعضلة الساسية لدى الغرب المملوك من قبل اليهود ‪ ،‬هي وجود عراق قييوي وقييادر ‪ ،‬فكمييا صييدقت نبييوءات‬
‫التوراة في عودتهم من الشييتات إلييى فلسييطين ‪ ،‬فهييم يخشييون أيضييا صييدق النبييوءات الخييرى ‪ ،‬فيمييا تصييفه فييي‬
‫نصوص عديدة من عقاب حتمي ‪ ،‬غاية في البشاعة سينزل بهم بعد العودة إليها ‪ ،‬من قبل أصحاب البعث الول ‪،‬‬
‫بالرغم مما ُأضيف إليها من نصوص قليلة مضللة ُتخبر عن ملكهم البدي ‪ ،‬نصوص ل ُتسمن ول تغني من جوع‬
‫تبعث في تخّبطها وعدم منطقيتها ‪ ،‬في نفوسهم القلق أكثر مما تبعث على الطمأنينة ‪ .‬ليجد اليهود أنفسهم ملزمييون‬
‫بتسخير كل إمكانياتهم دون كلل أم ملل ‪ ،‬لدفع قادة الغرب إلى القضياء الميبرم عليى العيراق ‪ ،‬وكمييا هييي عيادتهم‬
‫دائما وأبدا يدفعون الخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ‪ ،‬مذ طلبوا من موسى وربه الذهاب للقتال عنهم ‪ ،‬وحييتى‬
‫حربهم الخيرة على العراق التي خاضتها ومازالت تخوضها أمريكييا وبريطانيييا فييي العليين وفرنسييا المنافقيية فييي‬
‫الخفاء ‪ ،‬والحرب الوحيدة التي كسبها اليهود منفردين في مواجهة جيش ‪ ،‬هي عند دخييولهم فلسييطين مييع طييالوت‬
‫في المرة الولى ‪ ،‬وكان ذلك بتأييد من ال للقلة المؤمنة ‪ ،‬وبشجاعة نيبي الي داود علييه السيلم ‪ ،‬فالمسيألة ليديهم‬
‫مسألة حياة أو موت ‪ ،‬وبقاء العراق يعني تبخر أحلم الشعب اليهودي بسيادة العالم من القدس ‪.‬‬
‫ومما يؤذي الذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ‪ ،‬لتصريحات هذه القيادة المتكررة ‪ ،‬بضرورة تحرير‬
‫ض مضييطجعهم فييي فلسييطين ‪ ،‬وُيعيييد إلييى أذهييانهم تلييك‬
‫فلسطين من البحر إلى النهر وطرد اليهود منها ‪ ،‬مما يق ّ‬
‫الذكريات الليمة للبعث الول ‪ ،‬التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيل ‪ ،‬لتتراءى لهم ‪ ،‬صورة نبوخييذ نصيير‬
‫وهتلر وصلح الدين ‪ ،‬دفعة واحدة في شخص الرئيس العراقي ‪.‬‬

‫الخيارات القائمة أمام اليهود لدرء الخطر العراقي ‪:‬‬

‫العمل على بقيياء الحصيار علييى ميا هيو عليييه ميا أمكنهييم ذليك ‪ ،‬ومنييع أي محاولية لتفكيكييه أو إضييعافه ‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫والستمرار في نهب ثروات العراق وحرمانه من تطوير أسلحته وتجديدها ‪.‬‬
‫محاولة إسقاط القيادة العراقية ‪ ،‬عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ‪ ،‬أو عن طريق مواجهيية عسييكرية‬ ‫‪.2‬‬
‫واسعة النطاق بعد خلق المبررات لها ‪ ،‬باستفزاز جديد للعييراق للقيييام بعمييل عييدواني داخلييي ‪ ،‬ضييد الكييراد فييي‬
‫الشمال أو الشيعة في الجنوب ‪ ،‬أو القيام بعمل عدواني خارجي ضد إحدى دول الجوار ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫ضرب العراق نوويا كخيار أخير ‪ ،‬وهذا الحتمال غير قائم حاليا حيث أنيه مرفيوض عالميييا ‪ ،‬فمثييل هييذا‬ ‫‪.3‬‬
‫المر سيؤلب العالم بأسره ضد أمريكا ومؤيديها ‪ .‬ولكن هذا الحتمال سيقوى في حال فشلت الخيييارات السييابقة ‪،‬‬
‫وخاصة عند امتلك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية ‪.‬‬
‫ي والسؤال الن ‪ :‬هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟‬
‫ف مياؤه ‪ ،‬ليصيير‬
‫جاء في سفر الرؤيا ما نصه ‪ " :‬وسكب الملك السادس ‪ ،‬كأسيه عليى نهير الفيرات الكيبير فجي ّ‬
‫ممرا لملوك القادمين من الشرق " ‪.‬‬
‫شفكُ‬ ‫سيّلَم ‪ُ " :‬يو ِ‬
‫عَلْييِه وَ َ‬
‫لي َ‬ ‫صيّلى ا ُّ‬
‫لي َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سيو ُ‬ ‫ل َر ُ‬
‫ل ‪َ :‬قا َ‬
‫ن َأِبي ُهَرْيَرَة ‪َ ،‬قا َ‬‫عْ‬
‫أما في السنة النبوية فقد جاء ما نصه ‪َ :‬‬
‫شْيًئا " ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬وأخرجه مسلم والترمييذي‬ ‫خْذ ِمْنُه َ‬‫ل َيْأ ُ‬
‫ضَرُه َف َ‬
‫ح َ‬‫ن َ‬‫ب َفَم ْ‬
‫ن َذَه ٍ‬
‫ن َكْنٍز ِم ْ‬
‫عْ‬
‫سَر َ‬
‫ح ِ‬
‫ن َي ْ‬
‫اْلُفَراتُ َأ ْ‬
‫جَب فٍل‬
‫ن َ‬
‫عف ْ‬
‫ت َ‬‫سَر اْلُفَرا ُ‬‫ح ِ‬ ‫حّتى َي ْ‬‫عُة َ‬‫سا َ‬
‫‪ ،‬وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪ .‬وفي نص آخر من رواية مسلم ‪َ " :‬ل َتُقوُم ال ّ‬
‫ب " ‪ ،‬يحسر أي ينكشف عن ‪.‬‬ ‫ن َذهَ ٍ‬‫ِم ْ‬
‫ُيخبر النص في سفر الرؤيا ‪ ،‬أن شيئا ما سيسكب على نهر الفرات فيجييف ميياؤه ‪ ،‬وُيخييبر الحييديث الصييحيح عيين‬
‫انحسار الفرات عن كنز من ذهب قبل قيام الساعة ‪ ،‬وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ‪ ،‬فهل سيكون جفافه نتيجة‬
‫لما تنتجه السلحة النووية من حرارة شديدة عند انفجارها ؟!‬
‫وبالضافة إلى ما ورد من مخططات لتدمير العراق والطاحة بقيادته ‪ ،‬كميا جياءت فيي تقريير واشينطن السيابق‬
‫يقول الصحفي فتحي خطاب من القاهرة ‪ ،‬في مقال له في جريدة العرب اليوم الردنييية ) لييم أنتبييه لتوثيييق تاريييخ‬
‫صدورها ‪ ،‬ولكنه على الرجح كان في بداية شهر ‪: ( 2001/ 3‬‬
‫" حّذر خبراء عسكريون من ُمخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ‪ ،‬يستهدف فرض السيطرة الُمطلقة على المنطقة‬
‫جه ) شييارون (‬ ‫‪ ،‬وتطبيق ما ُيعييرف فييي ) البنتيياغون ( بخطيية إعييادة دمييج المنطقيية عسييكريا وأمنيييا … وأن تييو ّ‬
‫لسيييتحداث وزارة تعنييى بتطييوير السيييلحة النووييية وأسييلحة اليييدمار الشييامل ‪ ،‬واسييتحداث وزارة للشييؤون‬
‫الستخباراتية في سابقة هي الولى من نوعها ‪ ،‬يأتي في إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية المنية الجديييد‬
‫… وكشف الخبراء العسكريون في مصر ‪ ،‬عن الترتيبات المريكية لنشيياء أكييبر شييبكة صيياروخية فييي منطقيية‬
‫الخليج العربي ‪ ،‬تتمتع بمدى قتالي واسع يشمل العراق وإيران ودول أخرى ‪ ،‬بالضافة إلى مناطق شمال إفريقيييا‬
‫والبحر الحمر ‪ ،‬لضمان أمن منطقة الخليج وملحقة الطائرات الُمغيرة والتدمير السريع لية أهداف ُمعادية ‪...‬‬
‫وأكد الخبراء أن وزير الخارجية المريكي ) كولن باول ( حصل على موافقة دول خليجية … على إنشاء الشبكة‬
‫‪ ،‬التي سيتم تزويدها بأحدث أجهزة التصالت الحديثة والنذار المبّكر ‪ ،‬الييتي سييتكون لهييا القييدرة علييى التعامييل‬
‫السريع مع العمليات الطارئة ‪ ،‬وقادرة على منع إصابة الشبكة بأي خلل أثناء العمليات العسكرية ‪ .‬وسوف تتحمل‬
‫دول الخليج النصيب الكييبر ‪ ،‬ميين تكلفيية مشييروع هييذه الشييبكة الصيياروخية ‪ ،‬وأن هنيياك مشيياورات واتصييالت‬
‫عسكرية ‪ ،‬للترتيب لنشاء هذه الشبكة ولعداد التفصيلت الفنييية المتعّلقيية بهييا … وحيّذر الخييبراء ميين الُمخطييط‬
‫العسكري السرائيلي لضرب العراق بالقنابل النيترونية ‪ ،‬والتي سييتم إطلقهيا عليى منطقية غيرب العيراق وفيق‬
‫إعلن ) شارون ( …‬
‫وأوضح العالم الفيزيائي الدكتور طييارق النميير بقييوله ‪ :‬أن القنابييل النيوترونييية النووييية هييي قنابييل إشييعاعية ذات‬
‫أحجام مختلفة ‪ ،‬منها أسطوانات إبرية في حجم القلم ‪ ،‬وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية في مساحة قطرها ُمحّدد‬
‫سلفا ‪ ،‬وتأثير كل قنبلة منها يتحدد حسب حجمهييا ‪،‬بحيييث يتييم زراعتهييا داخييل الراضييي العراقييية ‪ ،‬وفييي الييوقت‬
‫المحدد سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها الجديييدة علييى أرض‬
‫العراق ‪ ،‬بعدما نفذت عدة تجارب أسفل مياه خليج العقبة … ول أستبعد أن تعمل أمريكييا وبريطانيييا ‪ ،‬علييى زرع‬
‫قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ‪ ،‬بحيث تبقى بغداد تحت التهديد الدائم ‪ ،‬بتدمير حقييول القنابييل النيوترونييية‬
‫بواسطة أشعة الليزر في نطاق العقوبات الذكية " ‪.‬‬
‫ما لفت انتباهي في هذا التقرير الصحفي ‪ ،‬هو انسييجامه مييع المخيياوف اليهودييية التوراتييية ‪ ،‬حيييث ُيسيّمي الييدول‬
‫والمناطق التي تضم الدول المعادية لسرائيل توراتيا ‪ ،‬ومنها إيران والعراق وليبييا فيي شيمال إفريقييا والسيودان‬
‫وإثيوبيا بمحاذاة البحر الحمر ‪ ،‬واللتان كانتا قديما دولة واحدة ‪ ،‬وُيشير أيضا إلى ضرورة ضرب العراق حسييب‬
‫‪203‬‬
‫ما تدعو وُتحّرض عليه النصوص التوراتية ‪ .‬ولفت انتباهي أيضا التركيز على منطقة غيرب العيراق ‪ ،‬اليتي مين‬
‫المتوقع أن يتواجد فيها الجيش العراقي قبل تحّركه لغزو لسرائيل ‪.‬‬
‫وفي تقرير آخر من واشنطن للصفحي محمد دلبح ‪ُ ،‬نشيير فييي جرييدة الدسيتور الردنيية ) التارييخ غييير مّوثييق (‬
‫يقول فيه ‪:‬‬
‫" تبحث وزارة الدفاع المريكية ) البنتاغون ( إنتاج قنابييل نوويية مين نيوع جدييد ‪ ،‬قيادرة عليى اخييتراق مراكييز‬
‫القيادة ‪ ،‬والتحصينات التي يسييتخدمها الزعميياء والقييادة ‪ .‬ونقلييت صييحيفة ) واشيينطن بوسييت ( عيين مصييادر فييي‬
‫الحكومة المريكية والكونغرس قولها ‪ :‬أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ‪ ،‬هو تجّنب ما ُتس‍ّميه الحكوميية المريكييية‬
‫الضرار الجانبية ‪ ،‬التي ُتحدثها السلحة التدميرية بأنواعها ‪ .‬ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابييل النوويية‬
‫الصغيرة – مقارنة بغيرها – أنها قد تعمل على قيام الوليييات المتحييدة ‪ ،‬بتخفيييض مخزونهييا الحييالي ميين القنابييل‬
‫ي وزييير الييدفاع‬‫النووية ‪ ،‬دون أن تتعّرض مفاهيمها المنية لخطار أو تعديلت ‪ .‬ونسبت الصحيفة إلى مستشييار ّ‬
‫المريكي ) دونالد رامسفيلد ( قوله ‪ :‬أن السلحة النووية المريكية الحالية ‪ ،‬لفن تفردع الرئيففس العراقفي صففدام‬
‫حسين ‪ ،‬لنه يعلم بأن الرئيس المريكي ‪ ،‬لن يقوم بإلقاء قنبلفة نوويفة – بقفوة مفائة كيلفو طفن ‪ -‬علفى بغفداد ‪،‬‬
‫سّكانها ‪ ،‬بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية أخييرى‬ ‫لُيدّمر المدينة بأكملها ‪ ،‬ويقضي على ُ‬
‫يعتزم اتحاد العلماء المريكيين ‪ ،‬إصدار تقرير هذا السبوع يقول فيه " أن إضافة هذا النوع ميين القنابييل النووييية‬
‫إلى المخزون النووي في العالم ‪ ،‬سيجعل استخدام هذا النوع من السلح أكثر احتمال " ‪.‬‬
‫أستطيع القول بأن التفكير المريكي السرائيلي العسكري على المدى القريب ‪ ،‬بعد المعارضيية والدانيية العالمييية‬
‫لضربهم بغداد مؤخرا ‪ ،‬سيكون محصورا في الردع وليس في الهجوم ‪ ،‬لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليييا ‪،‬‬
‫) كذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ( منتظرين فبركة مؤامرة جديدة أو تحّرك عراقي خيياطئ ‪،‬‬
‫وأعتقد أنهم سُيحاولون استفزازه في المستقبل القريب بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬ليعلنوا عليييه حربهييم الشيياملة ‪ .‬أمييا‬
‫ن تلك الحرب ‪ -‬أستطيع القول ‪ ،‬أنهييم وفييور امتلكهييم للييدرع‬ ‫على المدى البعيد ‪ -‬إن لم ُيعطهم العراق الذريعة لش ّ‬
‫النووي ‪ -‬الذي سيكون جاهزا بعد خمس سنوات حسب تقديرهم ‪ -‬واليذي سيُيوفر لهيم الحمايية مين أي ردود فعيل‬
‫نووية ‪ ،‬سيشيّنون حربهيم الُمقّدسية عليى العيراق ‪ ،‬وسييقومون بضيربه بوابيل مين القنابيل النوويية ‪ ،‬حيتى يغيدو‬
‫صحراء قاحلة خاوية على عروشها ‪ .‬لكي يتخلص يهود العالم من هذا الرعييب التييوراتي الُمسيّلط علييى رقييابهم ‪،‬‬
‫لينتظروا بسلم ملكهم الذي سيظهر في القدس ‪ ،‬والذي سيعيشون معه أحلمهم الوردية إلى البد ‪ ،‬ومن المحتمييل‬
‫جدا أن تكون الضربة النووية للعراق ‪ ،‬كرد فعل أمريكي علييى الييدخول العراقييي لفلسييطين ‪ ،‬لتبييدأ بييذلك الحييرب‬
‫العالمية الثالثة ‪.‬‬
‫الموقف العالمي إزاء العراق ‪:‬‬

‫كانت غاية الغرب في السنوات الخيرة وما زالت ‪ ،‬هي تدمير العراق تحقيقا لرغبات اليهود في حماية إسرائيل ‪.‬‬
‫وما كان للغرب أن ُيحّقق هذا الهدف ‪ ،‬بالخروج على العراف والمواثيق الدولية بأي شكل ميين الشييكال ‪ ،‬للقيييام‬
‫بعدوان مباشر ومكشوف على العراق ‪ ،‬وما كان لمريكا بعظمتها أن تقوم منفردة بعمييل عييدواني ضييد العييراق ‪،‬‬
‫لنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره ‪ .‬وبما أن مآرب اليهود من خلل إشعال حرب الخليج الولى لم تتحّقق ‪،‬‬
‫بل على العكس من ذلك تماما ‪ ،‬خرج العراق ميين هييذه الحييرب محتفظييا بقييوته ‪ ،‬وقييامت قيييادته بتهديييد إسييرائيل‬
‫ك لليهييود علييى‬‫جهارا نهارا ‪ ،‬بحرق نصف إسرائيل حال اعتدائها على أي بلد عربي ‪ ،‬كانت هذه القيادة كميين ح ي ّ‬
‫جرب ‪.‬‬
‫آنذاك قامت الدنيا ولم تقعد ‪ ،‬طبل وزمر في الشرق والغرب لتأكيد عدوانية العراق ونييازيته ‪ ،‬فحييرق اليهييود هييو‬
‫ي ‪ ،‬وكان ذلك لتهيئة الرأي الغربي والعالمي ‪ ،‬لستقبال هتلر جديييد يسييعى لحييرق اليهييود ‪ .‬وفييي‬ ‫ي ناز ّ‬
‫فعل هتلر ّ‬
‫خضت عن غزو العراق للكويت ‪ ،‬وبذلك استطاعت أمريكا أن ُتوجد مبّررا‬ ‫الخفاء كانت ُتطبخ مؤامرة جديدة ‪ ،‬تم ّ‬
‫قانونيا لتدمير العراق ‪ ،‬فغزو العراق للكويت كان مخالفا للقوانين والعراف والمواثيق الدولية ‪ ،‬وبذلك استطاعوا‬
‫إضفاء الشرعية على عدوانيتهم ‪ ،‬لتحقيق مآربهم الحقيقية تحييت غطيياء الشييرعية الدولييية ‪ ،‬وبييدل ميين أن تييواجه‬
‫أمريكا المعتدية العالم بأسره ‪ ،‬أصبحت الضحية العراقية تواجه العالم بعد أن أصييبحت معتدييية ‪ ،‬كمييا حصييل مييع‬

‫‪204‬‬
‫ألمانيا بنفس السيناريو ما قبل الحرب العالمية الثانية وبكل حيثياته ‪ ،‬والسبب هو عداء قيادة البلدين لسياد العالم ‪،‬‬
‫وبذلك ُأجبرت دول العالم المختلفة ‪ ،‬على اتخاذ موقف معادي للعراق ‪ ،‬حتى من قبييل حلفيياءه التقليييديين فييي ذلييك‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫أما في الوقت الحالي ‪ ،‬فقد بدأت دول العالم مؤخرا تصحو من أكاذيب الدارات المريكية المتعاقبيية ‪ ،‬لتييبرير مييا‬
‫تنتهجييه مين سياسييات إزاء العييراق ‪ ،‬فكييل المييبّررات السييابقة لييم تعييد موجييودة ‪ ،‬وأصييبحت العمييال المريكييية‬
‫العدوانية ُتجابه بالمعارضة الشديدة من قبل أغلب دول العالم ‪ .‬وحتى قرارات الشرعية الدولييية ‪ ،‬تميييل كييثير ميين‬
‫الدول ومنها روسيا والصين إلى التغاضي عن البحث في مسألة التزام العراق بها من عدمه ‪ ،‬ومنها مسييألة فييرق‬
‫التفتيش عن السلحة ‪ .‬بل تعمد هذه الدول أحيانا إلى خرق هذه القرارات سرا ‪ ،‬حتى وصل المر بمجلس الييدوما‬
‫الروسي ‪ ،‬إلى المطالبة بالتصويت على عملية رفع الحصييار عيين العييراق ميين جييانب واحييد ‪ .‬أمييا الكييثر تمسييكا‬
‫بقرارات الشرعية الدولية ‪ ،‬فهم الذين يذرفون دموع التماسيييح علييى الشييعب العراقييي ‪ ،‬بييدعوى أنهييم حريصييون‬
‫على مصلحة هذا الشعب ‪ ،‬وأن قيادة هذا الشعب ليست حريصة عليه ‪ ،‬بما أنهييا عصييت وتميّردت علييى قييرارات‬
‫الشرعية الدولية ‪ ،‬التي جعلوا من يعصيها بمنزلة من عصى ال إن لم تكن أعظم ‪.‬‬
‫وأما دعوى المريكان بأن العراق ُيشكل تهديدا للمصالح المريكيية فيي منطقية الشيرق الوسيط ‪ ،‬وعليى رأسيها‬
‫تدفق النفط بأسعار معقولة واستمرارية فتييح السيواق الخليجيية للبضييائع المريكيية فهييي دعيوى باطلية ‪ ،‬فهييذان‬
‫المران هما تحصيل حاصل منذ اغتيال الزعيم العربي الوحيد ‪ ،‬الذي عارض الله المريكي بقطييع النفييط ليشي ّ‬
‫ل‬
‫بذلك العالم الغربي بأسره ‪ .‬وأما التذّرع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت فهو محض افتراء ‪ ،‬لن ميين‬
‫أجبر العراق على غزو الكويت هم المريكان بعلم وحلفائهم الكويتيون بغير علم ‪ ،‬وبتخطيط وتدبير وتشجيع ميين‬
‫المريكان أنفسهم لكل الطرفين ‪ ،‬وبمساعدة من العرب أنفسهم ‪ .‬لنخلص إلى القييول أن العييداء المريكييي للعييراق‬
‫أصبح غير مبّرر ‪ ،‬في نظر شعوب العالم كافة حتى من قبل الشعب المريكي نفسييه ‪ ،‬الييذي أصييبح ُيحييرج قييادته‬
‫بتفنيد كافة الحجج والذرائع ‪ ،‬التي ُيبّررون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق وإسرائيل ‪.‬‬
‫ولنخلص إلى القول ‪ ،‬أول ؛ بأن الموقف العالمي إزاء الصراع المريكي العراقي ‪ ،‬أصبح مختلفا بييل مغييايرا لمييا‬
‫كان عليه في السابق ‪ ،‬فهناك بعض الدول العظمى وحييتى الصييغرى منهييا ‪ ،‬بيياتت تتخييذ موقفييا مناهضييا لمريكييا‬
‫ولسرائيل ‪ ،‬ومتعاطفا مع العراق وفلسطين ‪ ،‬وخير مثال على ذلك موقف كولومبيييا فييي مجلييس الميين المؤيييد ‪،‬‬
‫لرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ‪ ،‬مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا القتصادية ‪ ،‬وموقفي كل من روسيا‬
‫والصين ‪ .‬وثانيا ؛ بأن الموقف المريكي المعادي للعراق ‪ ،‬عند عدم عزوه للمخاوف التوراتية اليهودييية ‪ُ ،‬يصييبح‬
‫أمرا ل ُيمكن فهمه من قبل الخرين ‪.‬‬
‫الموقف العربي من العراق ‪:‬‬

‫دأبت أمريكا على دفع المور ‪ ،‬باتجاه جعيل اليرأي العيالمي والعربيي والعراقيي ‪ ،‬يعتقيد بيأن السيبب فيي معانياة‬
‫الشعب العراقي هو القيادة العراقية بتوجهاتها العدوانية ‪ ،‬حتى بات كثير من العرب يعتقدون بأن هيذه القييادة هييي‬
‫السبب الحقيقي ‪ ،‬فيما وصل إليه العرب من ذل وهوان وفرقة ‪ ،‬وضياع لثرواتهم النفطية فضل عمييا كييانوا عليييه‬
‫في السابق ‪ .‬بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من ذلك ‪ ،‬فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ‪ ،‬ضد‬
‫العرب وضد الشعب العراقي ‪ ،‬ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ‪ ،‬وليبقى رفع المعانيياة‬
‫عن الشعب العراقي مرتبطا بإسقاط القيادة العراقية الحالية ‪ .‬وهذا مما جعل البعض يذهب إلييى القييول أيضييا ‪ ،‬أن‬
‫الغرب مستفيد من وجود القيادة العراقية على رأس السلطة لذلك ل يرغب بإسقاطها ‪ ،‬وأن الرئيس العراقي متآمر‬
‫ومتواطئ مع أمريكا للضرار بشعبه وأمته ‪ ،‬وحتى ضربه لسرائيل كان فقط ليذر الرمياد فيي العييون ‪ .‬وليو أن‬
‫أمريكا لم تكن مستفيدة من وجوده لعملت على إزاحته ‪ ،‬تأليها من أولئك لمريكا بغير علييم ‪ ،‬وكأّنهييا القييادر علييى‬
‫كل شيء ‪.‬‬
‫وكما أخطأ الشريف حسين بوضع ثقته في النكليز في الحرب العالمية الولى ‪ ،‬وسيياهم بتنفيييذ مخططييات اليهييود‬
‫من حيث ل يدري ‪ ،‬أخطأت القيادة العراقية عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب المتييآمرين فييي ظهيير‬
‫الغيب ‪ ،‬لينطلي عليها معسول الكلم ‪ ،‬فسيق العراق كما ُيساق الفهد إلى قفص الصياد ‪ ،‬فييدخل حربييين مييدمرتين‬

‫‪205‬‬
‫كان الهدف منهما تحطيم قدراته ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها فور دخولها للكويت ‪ ،‬وعنييد‬
‫انكشاف الوجه الحقيقي لمريكا ولكن بعد فوات الوان ‪ ،‬فانسحبت من حرب الخليج الثانية لنقاذ ما يمكن إنقاذه ‪،‬‬
‫ولكن المتآمرون على العراق من عرب وعجم ‪ ،‬لم ُيعطوها الفرصة للتقاط أنفاسها فتوالت قرارات مجلس المن‬
‫حصير الميارد‬ ‫تباعا ‪ ،‬وكان الحصار اليذي ليم يكين فيي الحسيبان وكيانت لجيان التفيتيش وكيانت التعويضيات ‪ ،‬ف ُ‬
‫العراقي في قمقم قرارات مجلس المن الدولي ‪ ،‬ريثما يجد المتآمرون عليه طريقة للجهاز عليه تماما ‪.‬‬
‫كان مقتل القيادة العراقية الول الذي استغله المتآمرون خير اسييتغلل ‪ ،‬هييو مييا يتمتييع بييه العراقيييون إجمييال مين‬
‫صفات العزة والنفة ‪ ،‬وعدم قبولهم للذل والهوان والتطاول عليهم مين قبييل الخرييين ‪ .‬فعنييدما ُأغييري الكويييتيون‬
‫بالتطاول على العراق كانت الحرب النتقامية ‪ .‬وكان المقتل الثاني وما زال هو أن العراقيين رجال حرب وليسوا‬
‫برجال مكر وكذب ومراء ‪ .‬لذلك كان من السهولة بما كان أن تنطلي عليهييم دسييائس المكييرة الفجييرة ميين الغييرب‬
‫والشرق ‪ .‬وأما رجم القيادة العراقية بالخيانيية والتواطييؤ مييع الغييرب ميين بعييض المحبطييين العييرب ‪ ،‬فييذلك أول ‪:‬‬
‫لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب والشرق ضد هذه المة بشكل عام وضد العراق بشكل خاص ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لخيبيية‬
‫أملهم فيما عقدوه من آمال على القيادة العراقية لرفع حالة الذل والهوان المزمنة التي ُيعانون منهييا ‪ ،‬وخاصيية بعييد‬
‫ك معاقل الصهاينة ‪ ،‬قبل أن تتحّقق أحلم الشعب العربي في العزة والكرامة ‪.‬‬ ‫أن توقفت الصواريخ العراقية عن د ّ‬

‫دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود ‪:‬‬

‫التخّلص من الشعور بعقدة الذنب ‪ ،‬حيث أن أفعال القيادة العراقية أضّرت حقيقة بالشعب العراقييي والميية‬ ‫‪.1‬‬
‫العربية حتى لو كانت عن غير قصد ‪.‬‬
‫تييبيض الصييفحة ونفييي تهميية الخيانيية والتواطييؤ ‪ ،‬حيييث أن القيييادة العراقييية ‪ ،‬أصييبحت متهميية ميين قبييل‬ ‫‪.2‬‬
‫الخرين ‪.‬‬
‫ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والمة العربية ‪ ،‬من ذل وهوان نتيجة النكسار العراقي ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إثبات القدرة العراقية على النهوض بالمة العربية ‪ ،‬وقيادتها لما تصبو إليه ميين منييازل العييز والكراميية ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫والتي طالما كانت تتحدث عنها فيما مضى ‪ ،‬ولكنها لم تفلح لغاية الن ‪ ،‬مما شيّكك فيي مصييداقية القييادة العراقييية‬
‫في تصديها لهموم المة العربية ‪.‬‬
‫إثبات صدق تبني القيادة العراقية ‪ ،‬لمقولة " عاشت فلسطين حرة عربية مين البحير إليى النهير " ‪ ،‬واليتي‬ ‫‪.5‬‬
‫ُتعتبر من أولويات الحزب الحاكم ‪.‬‬
‫الخروج من الوضع المأساوي والُمهين ‪ ،‬الذي نجم عن الحصار البدي ‪ ،‬المفروض على العراق منذ أحد‬ ‫‪.6‬‬
‫عشر عاما ‪.‬‬
‫قطع الطريق على المخططات اليهودية المريكية لتدمير العراق التي أصبح العراقيون يعونها تماما ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫النتقام من التطاول السرائيلي الجبان بضرب المفاعييل النييووي العراقييي أثنيياء انشييغاله فييي الحييرب مييع‬ ‫‪.8‬‬
‫إيران ‪.‬‬
‫النتقام من التطاول المريكي أثناء وما بعد حرب الخليج الثانية ‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫إظهار عدم مقدرة أمريكا على حماية مسخها الخداج في المنطقة في أي مواجهة عسكرية حقيقية ‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫سييلبية مواقيف القييادات العربيية غييير المييبّررة ميين العيراق ‪ ،‬وييأس القييادة العراقيية وقنوطهييا مين هيذه‬ ‫‪.11‬‬
‫القيادات ‪ ،‬خاصة بعد مؤتمري القمة الخيرين في القاهرة وعمان ‪.‬‬
‫تعّلق آمال الشعب الفلسطيني اليائس بصحوة المارد العراقي المحاصر ‪ ،‬وخروجه من القامة الجبرية في‬ ‫‪.12‬‬
‫القمقم ‪ ،‬وهذا ما ُيظهره الفلسطينيون أثناء مسيراتهم برفع صور الرئيس العراقي والعلم العراقية ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫حاجة الشعوب العربية إلى بطل حقيقي يعيد لها أمجادها ‪ ،‬في زمن عّزت فيه البطوليية ‪ ،‬إل ميين بطييولت‬ ‫‪.13‬‬
‫على نمط بطولت الدون كيشوت في معاركه مع طواحين الهواء ‪ ،‬اليتي ميا فيتئت تتغنيى بهيا وبأبطالهيا شاشيات‬
‫التلفزة العربية ليل ونهارا ‪.‬‬
‫العراق غريق لن يخشى البلل ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنييه سيييعمل علييى مبييدأ أنييا والطوفييان ميين بعييدي ‪ ،‬وإن لييم‬ ‫‪.14‬‬
‫يكسب فل شيء يخسره ‪.‬‬
‫الستفزاز أو العدوان المريكي القادم بناءً على التحريض اليهودي ‪ ،‬كما ورد في تقرييير واشيينطن بإثييارة‬ ‫‪.15‬‬
‫مسألة المفتشين ‪ ،‬مع نهاية شهر ‪11/2001‬م أو بإثارة فتنة جديدة ‪ ،‬تييدفع العييراق للقيييام بعمييل عييدواني داخييل أو‬
‫خارج أراضيه ‪.‬‬

‫دث عن علقة ثأرية بين طرفين ‪ ،‬ول اعتبار لي طرف‬


‫النص القرآني يتح ّ‬
‫آخر ‪:‬‬

‫يتحّدث النص القرآني في سورة السراء عن نزاع بين طرفين ‪ ،‬تربط ما بينهما علقة ثأرية متأصييلة فييي النفييس‬
‫ظم شأنه أو صُغر ‪ ،‬وكأنه ل يوجييد علييى‬ ‫اليهودية منذ آلف السنين ‪ ،‬ول يضع في حسبانه أي طرف آخر مهما ع ُ‬
‫الكرة الرضية سوى بني إسرائيل وأولئك العباد ‪ .‬وهذا ما نجده في الية السادسة والخمسين من سييورة السييراء‬
‫ضيّر ( ورد فييي‬‫ل )‪ (56‬ولفييظ ) ال ّ‬ ‫حِوي ً‬
‫عْنُكْم ‪َ ،‬وَل َت ْ‬
‫ضّر َ‬
‫ف ال ّ‬
‫ش َ‬
‫ن َك ْ‬
‫ل َيْمِلُكو َ‬
‫ن ُدوِنِه ‪َ ،‬ف َ‬
‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬
‫عوا اّلِذي َ‬
‫) ُقِل اْد ُ‬
‫القرآن )‪ (29‬مرة فقط ‪ ،‬وبمعنى واحد هو الذى أو العذاب في الحييياة الييدنيا ‪ ،‬والمعنييى الجمييالي للييية بييأن الي‬
‫سبحانه وتعالى ‪ُ ،‬يخاطب ُأناسا أثناء نزول العذاب بهم متحييديا إّييياهم ‪ ،‬بييدعوة ميين اّتكلييوا عليهييم ميين دونييه لرفييع‬
‫عذاب ال عنهم ‪ .‬ووعد الخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر ‪ -‬سيقع ل محالة ‪ ،‬والذين‬
‫نهاهم ال في نفس السورة عن اتخاذ وكلء من دونه هم بنوا إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬ولن يملك أحييد ميين الجيين والنييس‬
‫رفعه أو حتى تحويله عنهم ‪ ،‬ولكن كيف ؟‬
‫لنتفق أول على أن تحقق هذا الوعد بغزو العراق لسرائيل ‪ ،‬يعتمد أساسا علييى انفييراد العييراق بإسييرائيل ويمكيين‬
‫لهذا المر أن يتحّقق في حالتين ‪:‬‬
‫الحتمال الول ‪ :‬أن يكون هذا الغييزو مسييبوقا بييدمار جميييع القييوى العسييكرية الييتي يمتلكهييا الغييرب وإسييرائيل ‪،‬‬
‫كنتيجة لتدخل بشري بقيام حرب نووية عالمية بييين الغييرب والشييرق ‪ ،‬أو كنتيجيية لتييدخل إلهييي بإحييداث كييوارث‬
‫طبيعية هائلة في الغرب شبيهة بأحداث يوم القيامة ‪.‬‬
‫الحتمال الثاني ‪ :‬أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬مع بقاء جميع القوى العسكرية التي يمتلكهييا‬
‫الغرب وإسرائيل ‪ .‬باستخدام العراق لتقنيات وخطط عسكرية بسيطة ‪ ،‬تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ‪ ،‬لم‬
‫تألفه الشعوب ول تتيوقعه ضيمن المعطييات الحاليية ‪ ،‬يكيون مين شيأنه أثنياء الغيزو ‪ ،‬إلغياء أو تهمييش القيدرات‬
‫العسكرية السرائيلية والغربية كليا ‪.‬‬
‫والحتمال الول ضعيف جدا ‪ ،‬حيث أنه يتطلب أن تقوم القوى الغربية بفعل عييدواني ُيهيّدد السييتقرار العييالمي ‪،‬‬
‫مما ُيجبر القوى الشرقية المتمثلية بروسييا والصيين مثل ‪ ،‬عليى اليرد بشيكل عنييف وميدّمر لعيادة الميور إليى‬
‫نصابها ‪ .‬وضمن المنظور القريب ل يوجد من السباب ‪ ،‬ما يدفع القوى الغربية للقيام بمثل هذا الفعيل العيدواني ‪.‬‬
‫أما الفعل اللهي بتدمير القوى الغربية فهو أمر مستبعد كليا ‪ ،‬لن الحاديث النبوية فيما ُيخص الفترة الزمنية التي‬
‫يظهر فيها المهدي ‪ُ ،‬تشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ‪ ،‬سواء ما يمتلكه الشرق أو ما‬
‫يمتلكه الغرب ‪ ،‬ول ُتشير إلى فناء جميع الدول والشعوب التي تمتلك هذه التكنولوجيييا ‪ ،‬فكيييف فنيييت التكنولوجيييا‬
‫بكليتها ولم تفنى الشعوب … ؟!‬
‫وهذا مما يؤكد أمرين ‪ ،‬أول ‪ :‬بقاء بعض اليدول وفنياء البعيض الخير ‪ ،‬وثانييا ‪ :‬فنياء جمييع السيلحة المتطيورة‬
‫صييل ل محاليية ‪،‬‬
‫وعلى رأسها السلحة النووية من كل الطرفين ‪ .‬فالدمار القييادم للحضييارة الغربييية برمتهييا سيتح ّ‬
‫وعلى ما يبدو من جّراء حرب عالمية نووية مدمرة تستنفذ فيها كافة السلحة المتطورة من على وجييه البسيييطة ‪،‬‬
‫مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ‪ ،‬بعد أن تكون ألقت ما في جعبتها من أسلحة على خصومها المنكسرة ‪ ،‬وبيذلك‬
‫‪207‬‬
‫يغدو من الممكن قيام الخلفة السلمية في ظل غياب تلك القوى لتحكم الكون بأسره ‪ ،‬إذ ل بد للنصر من أسييباب‬
‫ومسببات مادية فضل عن العقائد الروحية ‪.‬‬
‫أما الحتمال الثاني فهو القوى ‪ ،‬إذ أن المؤشييرات عليى السياحة العالمييية والمحلييية ‪ ،‬تؤكييد عليى أن العييراق لين‬
‫يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ‪ ،‬فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ‪ ،‬والتحركات السياسية المتعييددة للخلص‬
‫من الحصار ‪ ،‬على المستوى القليمي والدولي باتت غير مجدية ‪ ،‬ورغم كل ذلك ل يبدو أن هناك ضوء في آخيير‬
‫النفق ‪ ،‬والضغوط والتهديدات المريكية في تزايد مستمر ‪ ،‬فل بد لهييا ميين القيييام بعمييل مييا لتحريييك المييور ‪ ،‬أو‬
‫قلبها رأسا على عقب ‪ .‬وكذلك المر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ‪ ،‬إذا ما استمر الحال على ما هو عليه‬
‫من الخذلن العربي والعالمي ‪ ،‬فهو أقرب إلى النهيار منه إلى الستمرار ‪ ،‬وستكون النتيجة مأساوية على المدى‬
‫البعيد ‪ ،‬وعلى عكس ما يتوقعه الناس منهم ‪ ،‬فللنسان طاقة محيدودة عليى الصيبر ‪ ،‬وسييبدأ الفلسيطينيون مجيّددا‬
‫بالنسياب إلى الخارج شيئا فشيئا ‪.‬‬

‫معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب ‪:‬‬

‫وسّر قابلية نفاذ هذا الوعد في الوقت الراهن تكمن في أربع معطيات ‪ ،‬أول ‪ :‬في القيييادة الحالييية للعييراق الييتي إن‬
‫زالت لن تتكّرر ‪ ،‬فهي التي تملك إرادة الغزو بعدما تولدت لديها نتيجة عملية مخاض عسيييرة ‪ ،‬تمثلييت بمييا لحييق‬
‫بالعراق من ظلم وإجحاف وإذلل في السنوات الخيرة على عهد هذه القيييادة ‪ ،‬وهييي الُمطالَبيية بإزاليية هييذا الظلييم‬
‫والهوان والثأر ممن تسّبب فيه ‪ ،‬وبعث أولئك العباد المشار إليهم في النص القرآني أساسا ‪ -‬وكما أوضحنا سابقا ‪-‬‬
‫قائم على علقة ثأرية بينهم وبين اليهود غايته النتقام ليس إل ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬في القيادة الحالية لسييرائيل ‪ ،‬بقيييادة أكييثر اليهييود إجرامييا ووحشييية ‪ ،‬ودورهييا فييي ازدييياد حيّدة ودموييية‬
‫النتفاضة الجديدة ‪ ،‬والتي ساهمت وستساهم في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الييداخلي ‪ ،‬وإهمييالهم‬
‫وعدم التفاتهم لمن يترّبص بهم الدوائر من الخارج ‪ ،‬مما يعطي فرصة أكبر لنجاح الغزو العراقي ‪.‬‬
‫وثالثا ‪ :‬في حالة المجتمع السيرائيلي الراهنية ‪ ،‬وخاصية بعييد اختييياره لقيييادة هيي الكيثر دمويية بييين سيابقاتها ‪،‬‬
‫وبأغلبية ساحقة مما ُيشير إلى أن الشعب بكليته ‪ ،‬أصبح أيضا شعبا دمويا فاسييدا ومفسييدا ‪ ،‬وعنييدما تصييبح الميية‬
‫بأسرها تمليك هيذه الصيفة ‪ ،‬وحسييب السيينن اللهيية ‪ ،‬نجيد أن هلكهييا بيات وشيييكا جييدا ‪ .‬وإذا علمنييا أن السيفاح‬
‫) شارون ( يحمل على عاتقه ‪ ،‬تنفيذ مجمل أحلم اليهود التوراتية الواردة في الفصول السابقة قبل نهاية وليتييه ‪،‬‬
‫وعلى رأسها هدم المسجد القصى ‪ ،‬نستطيع القول بأن هلك هييذه الميية ليين يتجيياوز الربييع سيينوات علييى أبعييد‬
‫الحتمالت ‪.‬‬
‫ورابعا ‪ :‬في القيادة الحالية المريكية غير المتزنة ‪ ،‬التي أعلنت عدائيتها غير المييبررة للعييراق ‪ ،‬وقييامت بضييربه‬
‫فور تسلمها للسلطة دون سابق إنذار ‪ ،‬بييالرغم ميين سياسيياته التصييالحية وتجيياوبه الكامييل مييع قييرارات الشييرعية‬
‫الدولية ‪ ،‬وانتهاجه لسلوب الحوار مع مجلس المن _ وكل ذلك لم ولن ُيجدي نفعا ‪ ،‬إذ أن المطلوب ميين العييراق‬
‫هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ‪ ،‬وتقديم فروض الطاعة والولء للسامرّيون الجدد في الغرب المتصهين _ والييتي‬
‫أظهرت أيضا في المقابل تغاضيا وصمتا ‪ ،‬علييى مييا تقييترفه القيييادة السييرائيلية بشييكل غييير مسييبوق ‪ ،‬ممييا أثييار‬
‫حفيظة حتى المنافقين من حلفاء أمريكا ‪ ،‬فتعاقبت التنديدات والنتقادات لهذا التصيرف الهيوج مين قبيل الُمهيّرج‬
‫المريكي بوش ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬فضل عما أثارته القيادة المريكية من اسييتياء عييالمي ودولييي ‪ ،‬لسياسييتها المعادييية لييدول الشييرق القصييى‬
‫والدنى من روسيا شمال وحتى اليمن جنوبا ‪ ،‬ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ‪ ،‬ولحلفائها الغربيين من الدول‬
‫غير المنحازة لسياساتها ‪ ،‬وللبشرية جمعاء بعدم توقيعها على اتفاقية الحد من النبعاث الحييراري ‪ ،‬حييتى انعكييس‬
‫ذلك على مشيياركة أمريكييا فييي اللجييان المنبثقيية عيين هيئة المييم المتحييدة ‪ ،‬فُأسييقطت ميين لجنييتي حقييوق النسييان‬
‫ومكافحة المخدرات ‪ ،‬خلل فترة قصيرة مما يعكس السخط الدولي على أمريكا وسياساتها ‪.‬‬
‫فضل عن ذلك ‪ ،‬يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ‪ ،‬والذي ترّوج له أمريكا على أنه مشييروع‬
‫دفاعي بحت ‪ ،‬تسعى لمتلكه متذّرعة بمخيياوف غييير منطقييية ميين هجييوم نييووي ‪ ،‬ربمييا تقيوم بيه إحييدى الييدول‬
‫المارقة كإيران وكوريا الشمالية ‪ ،‬أو جماعات إرهابية ميين الممكيين أن تحصييل يومييا مييا علييى السييلح النييووي ‪،‬‬
‫‪208‬‬
‫لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ‪ ،‬الذين أبدوا حوله الكثير من التحفظات ‪ ،‬لعدم قناعتهم بالمسوغات المريكية‬
‫لهذا المشروع ‪ .‬والذي ُيجابه أيضا بمعارضة شديدة من قبل روسيييا والصييين ‪ ،‬كييون هييذا المشييروع سيييلغي قييوة‬
‫الردع النووية ‪ ،‬لي دولة تمتلك السلح النووي ‪ .‬فالسلح النووي في الصل هو قوة ردع كفيلة ‪ ،‬بمنع أي دوليية‬
‫مارقة أو غير مارقة من مجرد التفكير بضرب أمريكا نووييا ‪ ،‬ليتيبين لنيا أن دوافيع أمريكيا المعلنية لمتلك هيذا‬
‫الدرع غير مبررة وغير منطقية ‪.‬‬
‫أما دوافعها غير المعلنة لمتلك هذا الدرع ‪ ،‬فهي نابعة من المخاوف التوراتية والنجيلية ‪ ،‬فيما يتعّلق بالمواجهة‬
‫المقبلة بين الشرق والغرب ‪ ،‬والتي تناولناها في فصل سابق ‪ ،‬ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي‬
‫‪ .‬وبامتلك أمريكا لهذا الدرع ‪ ،‬تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ‪ ،‬قادرة على ضييرب أي جماعيية ‪،‬‬
‫أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ‪ ،‬في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ‪ ،‬دون أن‬
‫تكترث بأي هجوم نووي مضاد حتى من قبل روسيا والصيين ‪ ،‬وبيذلك تسيتطيع أمريكيا فيرض إرادتهيا عليى أي‬
‫عرض الحائط ‪.‬‬ ‫دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ‪ ،‬ضاربة بهيئة المم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها ُ‬
‫ولو بحثت عمن يسعى بحمياس لتروييج فكيرة هيذا اليدرع ‪ ،‬فيي الدارة المريكيية ومجلسيي الشييوخ والنيواب ‪،‬‬
‫لوجدت أنهم في معظمهييم ميين اليهييود وميين المتصييهينين النصييارى مين عبييدة إسييرائيل ‪ ،‬المسييكونين بالمخيياوف‬
‫التوراتية والنجيلية ‪ .‬وأن الهدف المنشود من إقامة هذا الدرع ‪ ،‬هييو تمكييين النبييوءات التوراتييية المسييتقبلية الييتي‬
‫توافق أهوائهم وأمانيهم من التحقق ‪ ،‬وتعطيل جميع النبوءات التي تخالفها ‪ ،‬وبذلك تصبح قابلييية نفيياذ هييذا الوعييد‬
‫بالشكل الذي نتحدث عنه شبه معدومة بييل مسيتحيلة ‪ ،‬ففييور شييعور أمريكييا بيأي بيوادر تحركيات عراقييي باتجيياه‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لن تتردد الدارة المريكية التوراتية في أن تجعل أرض العراق صعيدا جييرزا ‪ ،‬دون خييوف أو وجييل‬
‫وليصبح اسم العراق نسيا منسيا ‪ .‬هذا إن لم تستبق المور كما هي العادة ‪ ،‬بضرب العراق والخلص من أمييره ‪،‬‬
‫حتى قبل أن ُيفكر بالتحرك فور امتلكها لهذا الدرع ‪ ،‬بعد خمس سنوات ميين البييدء فييي تنفيييذه حسييب تقييديراتها ‪،‬‬
‫ليصبح أمر نفاذ هذا الوعد بعد هذه المدة الزمنية ضربا من الخيال ‪ ،‬فل بد من تحقق هذا الوعييد قبييل مضييي هييذه‬
‫المدة ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل أن أمريكا ل تخشى أحدا ‪ ،‬ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ‪ ،‬ونقول بأن هذا القول غير صييحيح ‪،‬‬
‫فلتدمير القدرة العسكرية التقليدييية وأسييلحة الييدمار الشييامل العراقييية ‪ ،‬احتيياجت أمريكييا أول ‪ :‬مييبررا وهيو غييزو‬
‫الكويت ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لجماع أممي لستصدار قرار باستخدام القوة ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬لمشاركة ‪ 30‬دولة لتنفيذ الهجوم لتوزيع‬
‫دمه على القبائل ‪ ،‬ومن ثم ُفتح المجال لجراءاتها العدائية المستمرة اتجاه العراق ‪ .‬فلو كانت قادرة فما الداعي لما‬
‫قامت به من خطوات سبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكا لن تجييرؤ علييى ضييرب العييراق نوويييا ‪،‬‬
‫بداعي الخوف على مصالحها أو أمنها ‪ ،‬في ظيل امتلك نفيس السيلح ‪ ،‬مين قبيل دول مناهضية لهيا ولسياسياتها‬
‫كروسيا والصين ‪ ،‬لنها بالمقابل ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ‪ ،‬في حال قيام أمريكا بتهديد‬
‫مصالحهما وأمنهما ‪ .‬فالمخاوف المريكية من أسلحة الدمار الشامل تأتي من العراق ‪ ،‬وكما نعلم فإن العراق كان‬
‫على علقة طيبة مع أمريكا قبل حرب الخليج الثانية ‪ ،‬ولم ُيهيّدد يومييا ل أميين الوليييات المتحييدة ول مصييالحها ‪،‬‬
‫وحتى بعد احتلله للكويت لم يكن ذلك لُيغّير من طبيعة تلك العلقة ‪ ،‬والذين هيّدد العييراق أمنهييم قبييل جيّره لغييزو‬
‫الكويت وما زال ‪ ،‬وتستطيع صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ‪ ،‬هم يهود إسرائيل وهو ما كان قد أيقييظ‬
‫المخاوف التوراتية لسياد أمريكا من اليهود ‪ ،‬فكان ما كان ووقع ما لم يكن في الحسبان ‪.‬‬

‫الجللواء الن مغللايرة تمامللا ‪ ،‬للجللواء الللتي قللامت فللي ظلهللا الدولللة‬
‫اليهودية ‪:‬‬

‫منذ أكثر من مائتي سنة ‪ ،‬قام اليهود بوضع مخطط طويل المد ‪ ،‬جمعوا فيه ما بين مطييامع أربيياب المييال اليهييود‬
‫في السيييطرة القتصييادية ‪ ،‬وأحلم الحاخامييات التوراتييية فييي فلسييطين ‪ .‬وكييان الهييدف النهييائي للعمييل الجميياعي‬
‫اليهودي وما زال ‪ ،‬هو السيادة الكاملة على كوكب الرض من خلل حكييم ملكييي ديكتياتوري ‪ ،‬يتخييذ ميين القييدس‬
‫عاصمة له لتحقيق مطلب الطرفيين معيا ‪ .‬نظرييا وبإغفيال القيدرة اللهيية اليتي ل ييؤمن اليهيود بوجودهيا ‪ ،‬فيإن‬
‫مخططهم الفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع ‪ ،‬أما عمليا وبإدخال القدرة اللهية ُيصبح أمر تحقق مخططهم‬
‫هذا ضربا من الخيال ‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫وقد تمكين اليهيود مين خلل هييذا المخطيط ‪ ،‬مين تحقيييق السييطرة القتصيادية ‪ ،‬علييى العيالم الغربييي ‪ ،‬بييامتلك‬
‫الصناعة المصرفية ‪ ،‬وشراء الستثمارات بكافة أشكالها ‪ ،‬وأهمها الصناعات العسكرية والعلمية ‪ .‬ممييا مّكنهييم‬
‫من السيطرة على مجمل سياسيات تلك الدول الداخلية والخارجية ‪ ،‬ومن ثم تم تسييخيرها لخدميية أهييداف المخطييط‬
‫اليهودي آنف الذكر ‪.‬‬
‫ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ‪ ،‬التي سبقت الحربين العالميتين الولى والثانية ‪ ،‬لوجدت أنها تتقيياطع كليييا‬
‫مع المخططات اليهودية ‪ ،‬بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ‪ ،‬في ظييل موقييف السييلطان عبييد الحميييد ‪ ،‬الرافييض‬
‫حتى لقامة اليهود فيها كأفراد ‪ ،‬حتى استيئست رسل اليهود من المر ‪ .‬ولو أمعنييت النظيير فييي نتييائج الحربييين ‪،‬‬
‫ستجد أنها خيدمت المخطيط اليهييودي بشييكل ملفييت للنظير ‪ ،‬حييث تمخضييت الحيرب الولييى عين انهييار الدولية‬
‫العثمانية ‪ ،‬ومن ثم إصدار وعد بلفور ‪ ،‬ووضع فلسطين تحيت النتيداب البريطياني ‪ ،‬ومين ثيم فتيح بياب الهجيرة‬
‫خض عنها إنشاء المييم المتحييدة ميين خمييس دول حليفيية ومنتصييرة ‪،‬‬ ‫اليهودية ‪ .‬ومن ثم قامت الحرب الثانية ‪ ،‬فتم ّ‬
‫وفي تلك الجواء تم استصدار قرار أممي بتقسيم فلسييطين ‪ ،‬ميين خلل دعييم غربييي أمريكييي بريطيياني فرنسييي ‪،‬‬
‫وعدم معارضة شرقية روسية صينية ‪ ،‬حيث كان لكل دولة من تلك الدول والمييأخوذة بنشييوة النتصييار ‪ ،‬أطميياع‬
‫لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ‪ ،‬وكان أحد المطالب الغربية ‪ ،‬هو تقديم فلسطين لليهود عليى طبيق مين‬
‫ذهب ‪ .‬وفي المقابل ‪ ،‬ستجد أن نتائج هذه الحرب كييانت مأسيياوية علييى مجمييل الييدول ‪ ،‬اليتي شياركت فيهييا حيتى‬
‫جيار‬ ‫المنتصرة منها ‪ ،‬بما أنها تكّبليت بالييديون اليهوديية إليى ميا ل نهايية ‪ ،‬والمسيتفيد الوحيييد دائميا وأبييدا ‪ ،‬هيم ت ّ‬
‫الحروب من سادات اليهود ‪ ،‬أثرياء وحاخامات ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء ‪.‬‬
‫ي لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ‪ ،‬اعتمد على عدة أمور ‪:‬‬
‫تمكين بريطانيا من السيطرة علييى فلسييطين لستصييدار وعييد بلفييور ‪ ،‬الييذي لييم يكيين كافيييا لتحقيييق الحلييم‬ ‫‪.1‬‬
‫اليهودي ‪ ،‬بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ‪ .‬ومن ثم وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني لتمكييين بريطانيييا‬
‫من تنفيذ الوعد ‪ ،‬بفتح أبواب الهجرة وخلق واقع جديد يسمح لليهود بإقامة الدولة ‪.‬‬
‫التضليل العلمي المستمر للرأي العالمي ‪ ،‬بترويج مقولة أرض بل شعب وشييعب بل أرض ‪ .‬بالضييافة‬ ‫‪.2‬‬
‫إلى التضخيم العلمي لمسألة الضطهاد الممي لليهود ‪ ،‬وخاصة ترويج حكاية ضييحايا المحرقيية النازييية السييتة‬
‫مليين ‪ .‬لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي ‪ ،‬ومن ثم استغلل الحلفاء الخمسة المنتصييرين والمؤسسييين‬
‫للمم المتحدة ‪ ،‬لستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين تمخض عنه قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬بطلييب وتأييييد ميين الييدول‬
‫الغربية ‪ ،‬وقبول من الدول الشرقية ‪ ،‬حيث كانت حسبة المصالح للدول الخمسة الكييبرى آنييذاك تسييير فييي مركييب‬
‫واحد ‪ ،‬بينما كانت الدول العربية بأسرها مملوكة من قبل الغرب ‪.‬‬
‫الرعاية القتصييادية والسياسييية والعسييكرية المريكييية والوربييية المسييتمرة لسييرائيل فييي حييالتي السييلم‬ ‫‪.3‬‬
‫والحرب ‪.‬‬
‫ي والسؤال الن ‪ ،‬هل الظروف التي أوجدت دولة إسرائيل وحافظت على بقائها واستمراريتها ما زالت قائمة ؟‬
‫فور خروج الجيش البريطاني وفور العلن عن قيام الدولة اليهودية ‪ ،‬اسييتطاعت الجيييوش العربييية قهيير‬ ‫‪.1‬‬
‫الجيش السرائيلي والوصول إلى مشارف تل أبيب ‪ ،‬ولول استجابة العرب للوامر المريكية بوقف القتييال ‪ ،‬لمييا‬
‫استطاع الغرب من إمداد إسرائيل بالعدة والعتاد لما تمّكنت لحقا من النتصار ‪ ،‬ولما كان هناك مييا ُيسييمى بدوليية‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ولكن قّدر ال وما شاء فعل ‪.‬‬
‫بعد النفتاح العلمي وعالمية وسائل التصال وتعّدد مصادر المعلومات ‪ُ ،‬أتيح للييرأي العييالمي وخاصيية‬ ‫‪.2‬‬
‫المناهض لمريكا وسياساتها ‪ ،‬رؤية الجانب الخر من الصورة ‪ ،‬الذي عملت وسائل العلم الغربية على التعتيم‬
‫عليه فيما مضى ‪ ،‬فبات الكل يعلم أن فلسطين لم تكن يوما من اليام أرضا بل شعب ‪ ،‬بل فيهييا شييعب ل مثيييل لييه‬
‫بين الشعوب ‪ ،‬له إرادة تفل الحديد ويستحق التقدير والحترام ‪ ،‬وبات الكل يعلم أن الشعب الذي كييان يتبيياكى ميين‬
‫ط عليييه‬‫الضطهاد النازي له ‪ ،‬تبين أنه أكثر نازية ووحشية من النازيين أنفسهم ‪ ،‬فتبيّدل التعيياطف معييه إلييى سييخ ٍ‬
‫ي من أفعاله ‪ ،‬ولول الفيتو المريكي والدعم البريطاني والفرنسي والتخيياذل العربييي المسيّلط‬ ‫ل عالم ّ‬
‫واستياءٍ وخج ٍ‬

‫‪210‬‬
‫على رقاب الفلسطينيين ‪ ،‬واُلمحِبط حتى لنصار القضية الفلسطينية من الشعوب غير العربية ‪ ،‬لما استمرت هييذه‬
‫الدولة النازية الجديدة في الوجود ‪.‬‬
‫ولو تتبعنا كافة الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬لوجدنا أن إسرائيل لم تكن قادرة بأي حال من الحوال على‬ ‫‪.3‬‬
‫مجابهة الجيوش العربية ‪ ،‬بييل لييم تكيين قييادرة علييى حماييية نفسييها ‪ ،‬لييول الييدعم العسييكري المريكييي البريطيياني‬
‫الفرنسي المعلن والخفي بالسلح والفراد ‪ ،‬من خلل الجسور الجوية التي كانت توصل هييذا الييدعم ‪ ،‬فالمواجهيية‬
‫في كل الحروب لم تكن بين العرب وإسرائيل وإنما كانت بين العرب والغرب ‪ ،‬ولوجدنا أن مجمل نوايا القيييادات‬
‫العربية كانت معروفة باليوم والساعة ‪ ،‬وأن تحركات الجيوش العربية وإمداداتها كييانت معلنيية ومكشييوفة وبطيئة‬
‫وغير منسقة لتعدد القيادات ‪ ،‬ولوجدنا أن عامل اليوقت كييان حاسييما فيي مجمييل تلييك الحييروب ‪ ،‬ممييا كييان ُيمّكين‬
‫إسرائيل من الستعداد وطلب النصرة من الغرب ‪.‬‬
‫كانت هذه قراءتنا للواقع ‪ ،‬أما معطيات الواقع المنظور كما يقرأها عامة الناس ‪ ،‬والييتي ل تييوحي بيياقتراب تحّقييق‬
‫وعد الخرة وبإمكانية الدخول العراقي لفلسطين في ظل هذه المعطيات ‪ ،‬سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ‪،‬‬
‫من خلل رسم صورة للدخول القادم من خلل صور ومشاهد ‪ ،‬من القرآن والتاريخ والواقع ‪ ،‬لتقريب صييفة هييذا‬
‫الدخول لذهن القارئ ‪ ،‬وذلك أول ‪ :‬لتأكيد مصداقية ما جاء به كتاب ال من أميير هييذا الوعييد قبييل تحّققييه ‪ ،‬وعلييى‬
‫النحو الذي أراده رب العزة ل كما أرادته أهواء البشر ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬بيان مدى قابلية تحّقق هذا البعث في زمن قريييب‬
‫جدا ‪ ،‬وضمن معطيات الواقع الحالي الذي قد يراه الناس مخالفا لما نذهب إليه جملة وتفصيل ‪.‬‬
‫من صور الدخول في القرآن ‪:‬‬

‫نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول مما ورد ذكره في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫طٌة ‪َ ،‬نْغِفْر‬
‫حّ‬
‫جًدا ‪َ ،‬وُقوُلوا ِ‬
‫سّ‬
‫ب ُ‬
‫خُلوا اْلَبا َ‬
‫غًدا ‪َ ،‬واْد ُ‬
‫شْئُتْم َر َ‬
‫ث ِ‬
‫حْي ُ‬
‫خُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة ‪َ ،‬فُكُلوا ِمْنَها َ‬‫) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ‬ ‫•‬
‫ن )‪ 58‬البقرة (‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫سَنِزيُد اْلُم ْ‬
‫طاَياُكْم ‪َ ،‬و َ‬ ‫خَ‬
‫َلُكْم َ‬
‫كان هذا وصف للدخول ‪ ،‬الذي ُأمر به بنو إسرائيل على قرية مدين شبه الخاوية ‪ ،‬بعد هلك أغلبية أهلها بالعذاب‬
‫‪ ،‬وتركهم لرضهم ومساكنهم وممتلكاتهم من الزروع والمواشي ‪ ،‬وهذا ميا ُيشيير إلييه قييوله تعييالى ) فكلييوا منهيا‬
‫حيث شئتم رغدا ( أي أن ما فيها من خيرات وأنعام ‪ ،‬أصبح فييي متنيياول أيييديهم بمجييرد الييدخول ‪ ،‬وهييذه العبييارة‬
‫طلييب منهييم‬‫قيلت لدم وزوجه عند أمرهم بدخول الجنة ‪ ،‬وكان هذا من لطف ال بهم ومّنه وكرمه عليهم ‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫عند دخول باب القرية ‪ ،‬التعبير بالقول والهيئة عن شكرهم وطاعتهم ل على هييذه النعميية الييتي كييانوا قييد طلبوهييا‬
‫صييلوا عليهييا دون جهيد أو عنيياء ‪ ،‬إذ لييم ُيجييابهوا بأييية ممانعية أو مقاومية ‪ ،‬بييل عليى العكييس قوبليوا‬
‫سابقا ‪ ،‬وتح ّ‬
‫بالترحيب ‪ ،‬من قبل شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ‪ ،‬لمصاهرة موسى عليه السلم لهييم وإقييامته عنييدهم‬
‫فيما مضى ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ن)‬
‫غاِلُبو َ‬
‫خْلُتُموُه َفِإّنُكْم َ‬
‫ب ‪َ ،‬فِإَذا َد َ‬
‫عَلْيِهُم اْلَبا َ‬
‫خُلوا َ‬
‫عَلْيِهَما ‪ ،‬اْد ُ‬
‫ل َ‬
‫ن ‪َ ،‬أْنَعَم ا ُّ‬
‫خاُفو َ‬
‫ن َي َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ن ‪ِ ،‬م َ‬
‫لِ‬‫جَ‬
‫) َقاَل َر ُ‬ ‫•‬
‫‪ 23‬المائدة (‬
‫كان هذا وصف للدخول الذي ُأمر به بنو إسرائيل لييدخول الرض المقّدسيية المأهوليية بالسييكان ‪ ،‬فييي محاولية ميين‬
‫رجلين مؤمنين عالمين بواقع الحال ‪ ،‬لتشجيعهم وطمأنتهم ‪ ،‬لعلهم يرجعون عن موقفهم الرافييض لييدخولها وطييرد‬
‫سكانها الوثنيون والستيطان فيها بدل منهم ‪ ،‬حيث يؤكد لهما الرجلن ‪ ،‬بأنهم ليين يتعرضييوا للذى عنييد الييدخول‬
‫وفي حال كانت هناك مواجهة ‪ ،‬فلن ُيكّلفهم ذلك سوى كسر الباب بقتل الحراس المتواجييدين عليييه ومباغتيية أهلهييا‬
‫في الداخل ‪ .‬وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلم قبل أن يأمر بني إسرائيل بالدخول ‪ ،‬كان قد بعث هذين الرجلين‬
‫للتجسس على أهل المدينة المقّدسة ‪ ،‬فوجيدا أن أهلهيا عليى غيير اسيتعداد للحيرب وأنهيم ل يملكيون جيشيا ‪ ،‬وليم‬
‫يكونوا جبارين حقيقة كما ادعى بنوا إسرائيل لحقا ‪ ،‬وأنهييم ل يملكييون سييوى بضييعة حيّراس علييى بيياب المدينيية‬
‫فقط ‪ .‬وعندما أمر موسى قومه بالدخول رفضوا ُمتذرعين بجبروت أهلها تقاعسييا وخييذلنا وجبنييا ‪ ،‬فعّقييب هييذين‬
‫الرجلين على قول موسى ‪ ،‬بقولهم ذلك تفنيدا لّدعائهم وتوضيحا لحقيقة المر كما رأوها بُأّم أعينهييم ‪ ،‬ومييع ذلييك‬
‫أصّر بنو إسرائيل على موقفهم الرافض للييدخول بقليية إيمييانهم وفسييقهم وجبنهييم ‪ .‬ودخييول كهييذا يحتيياج للمباغتيية‬

‫‪211‬‬
‫كعنصر أساسي ‪ ،‬لمنيع الخصييم مين السييتعداد والجاهزييية للقتييال ‪ ،‬مميا ُيقّلييل أو يمنييع الخسييائر فييي المواجهييات‬
‫المكشوفة ‪ ،‬ويدفع الخصم إلى الستسلم والرضوخ للمر الواقع ‪ ،‬ومن ثم الرحيل عن الرض ‪.‬‬
‫ن )‪ 34‬النمل (‬
‫ك َيْفَعُلو َ‬
‫عزَّة َأْهِلَها َأِذّلًة ‪َ ،‬وَكَذِل َ‬
‫جَعُلوا َأ ِ‬
‫سُدوَها ‪َ ،‬و َ‬
‫خُلوا َقْرَيًة َأْف َ‬
‫ك ‪ِ ،‬إَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلو َ‬
‫ت ِإ ّ‬
‫) َقاَل ْ‬ ‫•‬
‫وكان هذا وصفا لدخول الملوك على القرى المتمّردة والمتطاولة على أمرهم ومكانتهم ‪ ،‬وجاء هذا الوصييف علييى‬
‫لسان ملكة سبأ ‪ ،‬تحذيرا لقومها من عصييان أمير المليك سيليمان علييه السيلم ‪ ،‬وهيذا اليدخول هيو السيوأ عليى‬
‫الطلق ‪ .‬وانظر في رّد سليمان عليه السلم عندما تمّردوا على أمره ولييم يييأتوه مسييلمين كمييا طلييب حييين قييال )‬
‫ن )‪ 37‬النميل ( فعصيييان أمير‬ ‫غُرو َ‬
‫صا ِ‬
‫جّنُهْم ِمْنَها َأِذّلًة َوُهْم َ‬
‫خِر َ‬
‫جُنوٍد َل ِقَبَل َلُهْم ِبَها ‪َ ،‬وَلُن ْ‬
‫جْع إَِلْيِهْم ‪َ ،‬فَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ‬
‫اْر ِ‬
‫الملوك ‪ -‬ذوي القوة والعزة والنفة ‪ -‬والتطاول عليهم بأي شكل من الشكال ‪ُ ،‬يحمل على أنييه تحقييير وتقليييل ميين‬
‫شأنهم وُيعتبر إهانة ل يستطيعون غفرانها ‪ ،‬والرد عليها عادة ما يكييون كمييا هييو ظيياهر فييي رد سييليمان عليهييم ‪،‬‬
‫بإرسال جيش ل قبل للخصم به ل من حيث العدد ول من حيث العدة ‪ ،‬ونتيجة فعلهم هي كما وصفته ملكة سبأ في‬
‫الية الولى ‪ ،‬وما أكّد عليه سليمان في الية الثانية أعله ‪.‬‬
‫وغاييية هييذا الييدخول فييي العييادة تكييون للنتقييام ورد العتبييار ‪ ،‬باسييتباحة الرض والمييال والعييرض وبتخريييب‬
‫الممتلكات والقتل والتنكيل في العاميية ‪ ،‬وأسيير عليية القييوم وإذللهييم وميين ثييم قتلهييم والتنكيييل بهييم وسييبي نسييائهم‬
‫وأطفالهم ‪ ،‬وتسخيرهم للعمل كجواري وخدام في القصور إمعانا فيي إذللهيم ‪ ،‬ودخيول كهيذا عيادة ميا ُتعلين فييه‬
‫الرغبة في النتقام ‪ ،‬ويتم فيه تهديد الخصم مسبقا لذلله وإدخييال الرعييب فييي قلبييه ‪ ،‬ممييا يكييون أدعييى لنهييياره‬
‫وسرعة تداعيه عند المواجهة ‪ ،‬في حال تجّرأ على ذلك ‪.‬‬
‫حّلِقي ف َ‬
‫ن‬ ‫ن ‪ُ ،‬م َ‬
‫ل ف َءاِمِني ف َ‬
‫شففاَء ا ُّ‬
‫ن َ‬
‫ح فَراَم ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫جَد اْل َ‬
‫سف ِ‬
‫ن اْلَم ْ‬
‫خُل ّ‬‫ق ‪َ ،‬لَت فْد ُ‬
‫ح ّ‬
‫سففوَلُه الّرْؤَيففا ِبففاْل َ‬
‫ل ف َر ُ‬
‫ق ا ُّ‬
‫ص فَد َ‬
‫) َلَق فْد َ‬ ‫•‬
‫حا َقِريًبا )‪ 27‬الفتح (‬ ‫ك َفْت ً‬
‫ن َذِل َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫جَعَل ِم ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬فَعِلَم َما َلْم َتْعَلُموا ‪َ ،‬ف َ‬ ‫خاُفو َ‬‫ن َل َت َ‬
‫صِري َ‬
‫سُكْم ‪َ ،‬وُمَق ّ‬
‫ُرُءو َ‬
‫هذه هي المرة الخرى والوحيدة في القرآن ‪ ،‬التي يرتبط فيها ذكر الدخول بالمسجد وهييو دخييول المسييجد الحييرام‬
‫في مكة ‪ ،‬ولو أمعنت النظر في نص الية ستجد أنها تصييف المسييلمين أثنيياء تأدييية العمييرة ‪ ،‬وقييد جيياء فييي كتييب‬
‫سّمي لحقا بعمرة القضاء ‪ ،‬في العام التالي لصلح الحديبية فأنزلت هذه الية‬ ‫التفسير أن هذه الرؤيا قد تحّققت فيما ُ‬
‫سّمي في القرآن فتحا وليس دخييول‬ ‫تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح ‪ ،‬وأما الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ‪ ،‬ف ُ‬
‫‪ ،‬والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة كانوا قد أعدوا عدة الحرب ‪ ،‬وقد روى المام مسلم عن جيابر‬
‫‪ " :‬أن رسول ال دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام " ‪ ،‬وقال ابن كييثير فييي تفسيييره للييية )‪ (24‬ميين‬
‫نفس السورة ‪ ،‬والتي سيرد نصها في الحديث عن فتح مكيية أن الرسييول علييه الصيلة والسيلم ‪ " :‬لييم يسييق عييام‬
‫الفتح هديا وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش عرمرم " ‪.‬‬

‫المقصود بدخول المسجد ‪:‬‬

‫الدخول القادم للمسجد القصى لن يكون لتخريبه كما وقع في المرة الولى ‪ ،‬ولن يكون بقصييد الزيييارة فقييط لداء‬
‫عبادة من العبادات ‪ ،‬كما هو الحال عند دخول المسجد الحرام الموصوف في الية أعله ‪ ،‬فالمقصود بقوله تعييالى‬
‫) وليدخلوا المسجد ( هو الدخول إلى الرض المباركة الييتي تحييوي هييذا المسييجد ‪ ،‬أي فلسييطين ككييل والسيييطرة‬
‫عليها ‪ ،‬وِذكر المسجد الذي هو بمثابة القلب من الجسد بالنسبة للرض المباركة والمقّدسة ‪ ،‬جاء للشارة وللتأكيد‬
‫على أن نفاذ الوعد بشكل كامل ‪ ،‬وسيتحصييل أخيييرا بييدخول القييدس لزاليية العلييو اليهييودي ميين فلسييطين وإنهيياء‬
‫الوجود اليهودي فيها ‪.‬‬
‫جَد )‪ (7‬سييتجد أن الغاييية‬‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم ‪َ ،‬وِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬‫خَرِة ‪ِ ،‬لَي ُ‬
‫لِ‬
‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫ولو تمعّنت في قوله تعالى ) َفِإَذا َ‬
‫صل هذه الساءة من جّراء ما سيقع فيهييم ميين قتييل وتنكيييل‬ ‫من البعث في الصل هي إساءة وجوه اليهود ‪ ،‬وستتح ّ‬
‫وسبي وفرار ‪ .‬ومن ثم جاء ذكر المسجد ليكون دخيول القيدس واسيتعادتها ‪ ،‬نتيجية تيأّتى مين جيّراء ميا وقيع فيي‬
‫اليهود من إساءة ‪ ،‬والنكى والكثر إيلما لمن بقي من اليهييود بعييد زوال دولتهييم ‪ ،‬هييو أن ُتّتخييذ القييدس عاصييمة‬
‫لدولة عربية كبرى ‪ ،‬لتصبح أحلم يهود الشرق والغرب المتعلقة بها هباًء منثورا ‪ ،‬بعد أن كانت قيياب قوسييين أو‬
‫أدنى من التحقق ‪ .‬وبالتالي يكون مجيء لفظ الدخول في هذه الحاليية ‪ ،‬تأكيييدا لتحرييير فلسييطين واسييتعادة المسييجد‬
‫والستيلء عليه من قبل المبعوثين ‪ ،‬وأن البعث لم يقتصيير علييى إسيياءة الوجييوه فقييط ‪ .‬والتشييبيه هنييا كييان لصييفة‬
‫‪212‬‬
‫الدخول منذ اجتيازهم لحدود الرض المقّدسة ‪ ،‬بما تخلله من قتل وتنكيل وأسيير وإذلل حييتى وصييولهم إلييى قلييب‬
‫مدينة القدس ‪ ،‬ليتأكد لنا زوال علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ‪ ،‬بالضبط كما حصل في المرة الولييى ‪ ،‬عنييد‬
‫صر ‪.‬‬
‫دخول البابليين بقيادة نبوخذ ن ّ‬
‫وعلى ما يبدو أن الدخول القادم ‪ ،‬سيييجمع بييين صييفتي الييدخول الثيياني والثييالث المشييار إليهمييا أعله ‪ ،‬لن غاييية‬
‫الدخول القادم تجمع ما بين غايتيهما ‪ ،‬وهما أول ‪ :‬طييرد اليهييود وإعييادة الرض لصييحابها الصييليين ‪ ،‬وثانيييا ‪:‬‬
‫إشباع الرغبة العراقية في النتقام من اليهود وإذللهم ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ‪ ،‬نجد أن قوله تعالى ) ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه … ( يصف ما سيجري على أرض‬
‫فلسطين لحظة الوصول إليها ‪ ،‬وحتى استعادة كامل أرضييها ‪ .‬والييذي سيييجري حقيقيية علييى أرض الواقييع حسييب‬
‫الوصف القرآني ليس بمعركة ‪ ،‬وإنما غزو من قبل أمة ل تعرف الرحمة لمة ضييعيفة وجبانيية مسييتباحة الرض‬
‫والمال والعرض ‪ ،‬ولو أنك فّكرت بهذا الحدث نظريا كما جاء به النص القرآني ‪ ،‬وحاولت مطابقته مييع معطيييات‬
‫الواقع الحالي ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ‪ ،‬ضمن الظروف الراهنة التي تؤكد رجحان كفة مييوازين‬
‫القوى العالمية ‪ ،‬لصالح اليهود وحلفائهم الغربيين ‪.‬‬

‫صور من الواقع ‪:‬‬

‫ل ميين‬
‫ي حال إسرائيل في المنطقة كحال ثري يملك منزل في منطقة معزولة عيين المدينيية ‪ ،‬يحتييوي علييى كيّم هييائ ٍ‬
‫الكنوز والمقتنيات الثمينة ‪ ،‬ويقتني عتاد جيش كامل من السلحة ‪ ،‬مين مسدسييات وأسييلحة رشاشية وقنابيل يدويية‬
‫وصواريخ ‪ ،‬لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص ‪.‬‬
‫فلو أن مجموعة كبيرة من اللصوص ل تملك سوى السلح البيض فّكرت بالسطو على مثييل هييذا المنييزل ‪ ،‬فهييل‬
‫ستنجح ؟!‬
‫إذا وقع هذا السطو وشعر صاحب المنزل باللصوص وهم خييارج السييوار ‪ ،‬فسيييكون بمقييدوره التصييال‬ ‫•‬
‫برجال المن ومشاغلتهم بما لديه من السلحة متنوعة وفتاكة ‪ ،‬حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ‪ ،‬هييذا إن‬
‫لم يكن قد فرق شملهم وأبادهم عن بكرة أبيهم قبل وصول المساعدة إليه ‪ ،‬لتكون إمكانييية صييدهم فييي هييذه الحاليية‬
‫كبيرة جدا ‪.‬‬
‫إذا وقع السطو ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ‪ ،‬إل بعد دخولهم إلى المنزل والنتشييار فييي أرجيياءه‬ ‫•‬
‫فهو خاسر ل محالة ‪ ،‬ولكن أمامه عدة خييارات أول ‪ :‬التصيال بالمسيياعدة الييتي لين تصييل فييي اليوقت المناسيب‬
‫وسيكون ضررها أكثر من نفعها في حال أحس اللصوص بذلك ‪ ،‬فقد ُيصبح قتله أمرا محتما وكذلك الحال فيما لو‬
‫حوصر اللصوص من قبل رجال المن داخل المنييزل الُمتخييم بالسييلحة ‪ ،‬ثانيييا ‪ :‬المواجهيية المسييلحة فيمييا لييو لييم‬
‫يتمكن من التصال ‪ ،‬والنتيجة مع كثرتهم محسومة لصالحهم بقتله ونهييب محتويييات المنييزل ‪ ،‬وثالثييا ‪ :‬الفييرار أو‬
‫الختفاء والتسليم بالمر الواقع لتنهب محتويات المنزل ‪.‬‬
‫إذا وقع السطو ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص إل وسكين أحدهم تضغط على حنجرتييه منبهييين إييياه‬ ‫•‬
‫من النوم ‪ ،‬هنا ستكون النتيجيية محسييومة فنهييب المنييزل أصييبح تحصيييل حاصييل ‪ ،‬وأمييا أميير نجيياته ميين عييدمها‬
‫فمرهون بأيدي اللصوص ‪.‬‬
‫ولغزو إسرائيل يتطليب المير تجّنيب الحالية الوليى ‪ ،‬وهيي ميا جيرت علييه العيادة فيي كافية الحيروب العربيية‬
‫السرائيلية ‪ ،‬والعمل على ما أمكن على تحقيق الحالة الثالثة أو الحالة الثانييية علييى القييل ‪ ،‬بهجييوم كييبير وشييامل‬
‫ق والمحافظة على السرية التامة ‪ ،‬مما يحرم إسييرائيل‬ ‫ومباغت وسريع ‪ ،‬تكفله وحدة القيادة من خلل العمل المنس ّ‬
‫من الستعداد ‪ ،‬ويلغي جميع قدراتها الدفاعية والهجومية ويحرمها حتى من القدرة علييى طلييب المسيياعدة كييذلك ‪،‬‬
‫ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة يتطّلب عدة عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إعداد جيش كبير العدد ‪ ،‬يفوق تعداد الجيش السرائيلي أضعافا مضاعفة ‪ ،‬يتم تدريبه على كافيية السيياليب‬
‫القتالية الحديثة ‪ ،‬ويكون لفراده القدرة على تحمل الجهد والجوع والعطيش ‪ ،‬والقيدرة عليى البقياء والسيتمرارية‬
‫في أقسى الظروف ‪ ،‬تملؤهم رغبة جامحة بالنتقام ‪ ،‬وُيسّيرهم حقد جارف ‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المحافظة على السرية التامة منذ لحظة النطلق حتى الوصول ‪ ،‬لتوفير عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬سرعة الوصول ‪ ،‬باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شمولية الهجوم ‪ ،‬من خلل تعدد الجبهات ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬سرعة النتشار ‪.‬‬
‫ي ولو نظرنا إلى واقع إسرائيل ستجد أنها أشبه بالطفل الخداج الذي يعيش فييي بيئة مصييطنعة ‪ ،‬ويحتيياج فيهييا إليى‬
‫من ٌيقّدم له الحماية والرعاية والعناية المستمرة والحثيثة والمداد بالغذاء والهواء فييي الظييروف الطبيعييية ‪ ،‬وإلييى‬
‫العلج المكثف في الزمات الصحية بسبب نقص المناعة وعدم القدرة على المقاومة ‪.‬‬
‫ومشكلة إسرائيل أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ‪ ،‬وهي عرضة لن ُيفتك بها في أي لحظة ‪ ،‬وأن أمريكا القائميية‬
‫على رعايتها والعناية بها تبعد عنها آلف الميال ‪ ،‬وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير لتقديم العون لها كلمييا أليّم بهييا‬
‫عارض مفاجئ ‪ ،‬وغالبا ما كانت أمريكا تلجأ إلى الحيلة والمماطلة ‪ ،‬في كييل ميّرة لكسييب الييوقت كييي تييؤمن لهييا‬
‫العلج المناسب وتنقذها من الهلك ‪.‬‬
‫وللتخلص من هذا المسخ ‪ ،‬يتطليب المير المباغتية بييالهجوم وسييرعة النجيياز وعيدم التيأخير أثنيياء عمليية القتيل‬
‫والستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ‪ ،‬لحرمان القائمة على الرعاية من كسب الوقت ‪ ،‬الذي تحتيياجه لتعطيييل‬
‫عملية قتل المسخ ومن ثم لتقوم بإنعاشه ‪ ،‬كما جرت العادة في كافة الحروب العربية السييرائيلية ‪ .‬ولنخلييص إلييى‬
‫القول بأن نجاح هذه المهمة يعتمد على ثلثة عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المباغتة بالهجوم ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬سرعة النجاز ‪.‬‬
‫وثالثا ‪ :‬الستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد إذ ليس بإمكان أمريكا أن تحيي الموتى ولو فّكرت بذلك فليين تجييد‬
‫من ُيؤّيدها ‪.‬‬

‫صور من التاريخ السلمي ‪:‬‬

‫في السنة السادسة للهجرة كان الرسول عليه الصلة السلم وألييف وأربعمييائة رجييل ميين المسييلمين ‪ ،‬قييد أحرمييوا‬
‫بالعمرة متوجهين إلى مكة ‪ ،‬فلما علم مشركي قريش بالمر خرجوا بخيلهم لصّدهم عن دخييول المسييجد الحييرام ‪.‬‬
‫فسلك عليه الصلة والسلم طريقا غير التي كان عليها ‪ ،‬حتى وصل إلى الحديبية بركت الناقة على غير عادتها ‪،‬‬
‫فعلم عليه الصلة والسلم أنها لن تعدو مكانها ‪ ،‬وبأن العمرة لم ُتكتب لهم ذلك العام فأقييام وميين معيه فيهييا ‪ .‬فكييان‬
‫فيها الصلح الذي كان من بنوده ‪ ،‬حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك العام على أن يعودوا لدائها في العييام‬
‫ق ذلك على المسلمين ‪ ،‬ومنهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬الذي أراد قتالهم والدخول قسرا ‪ ،‬ولييم‬ ‫شّ‬ ‫المقبل ف ُ‬
‫تهدأ سَْورة غضبه إل بعض أن ُأنزلت آيات سورة الفتح ‪ُ ،‬مبّينة الحكمة اللهية التي غفل عنها بعض من أّيد قتييال‬
‫أهل مكة من الصحابة رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫ل ف ِبمَففا‬
‫ن ا ُّ‬
‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَكففا َ‬
‫ظَفَرُكْم َ‬‫ن َأ ْ‬
‫ن َبْعِد َأ ْ‬
‫ن َمّكةَ ‪ِ ،‬م ْ‬ ‫طِ‬‫عْنُهْم ِبَب ْ‬
‫عْنُكْم ‪َ ،‬وَأْيِدَيُكْم َ‬‫ف َأْيِدَيُهْم َ‬ ‫قال تعالى ) َوُهَو اّلِذي َك ّ‬
‫حّلفُه ‪َ ،‬وَلفْوَل‬ ‫ن َيْبُلفغَ َم ِ‬
‫ي َمْعُكوًففا َأ ْ‬‫حَراِم ‪َ ،‬واْلَهْد َ‬ ‫جِد اْل َ‬
‫سِ‬‫ن اْلَم ْ‬ ‫عِ‬‫صّدوُكْم َ‬ ‫ن َكَفُروا ‪َ ،‬و َ‬ ‫صيًرا )‪ُ (24‬هُم اّلِذي َ‬ ‫ن َب ِ‬‫َتْعَمُلو َ‬
‫لف ِفففي‬ ‫خَل ا ُّ‬
‫عْلفٍم ‪ِ ،‬لُيفْد ِ‬
‫صففيَبُكْم ِمْنُهفْم َمَعفّرٌة ِبَغْيفِر ِ‬
‫طُئوُهْم ‪َ ،‬فُت ِ‬ ‫ن َت َ‬
‫ت ‪َ ،‬لْم َتْعَلُموُهْم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ساٌء ُمْؤِمَنا ٌ‬ ‫ن َوِن َ‬
‫جاٌل مُْؤِمُنو َ‬‫ِر َ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 25‬الفتح ( فبالرغم من توافر الرغبة اللهية‬ ‫ن َكَفُروا ِمْنُهْم َ‬ ‫شاُء ‪َ ،‬لْو َتَزّيُلوا ‪َ ،‬لَعّذْبَنا اّلِذي َ‬‫ن َي َ‬
‫حَمِتهِ َم ْ‬
‫َر ْ‬
‫في تعذيب الكفار وتوافر التأييد اللهي للمسلمين في مواجهاتهم للمشركين ‪ ،‬وأسيير المسييلمين لميين خييرج لصيّدهم‬
‫عن المسجد مين مشيركي قرييش ‪ُ ،‬منيع المسيلمين مين اليدخول لمكية قسيرا ‪ ،‬لئل ُيلحقيوا الذى بيالمؤمنين غيير‬
‫سمح للمسلمين بقتال المشركين ودخييول مكيية‬ ‫المعلومين من أهل مكة ‪ ،‬وأنه لو كان هؤلء ظاهرين ومعلومين ‪ ،‬ل ُ‬
‫قسرا ‪.‬‬
‫قلنا في فصل سابق أن صفة دخول المسجد القصى ‪ ،‬في المرة الثانية مشابهة لصفة دخييوله فييي المييرة الولييى ‪،‬‬
‫والدخول الول كما علمنا كان من قبل البييابليين ‪ .‬ولكيين ميا نيود أن نؤكييد علييه هنيا ‪ ،‬أن ظيروف الييدخول الول‬
‫‪214‬‬
‫مختلفة عن ظروف اليدخول الثيياني ‪ ،‬فالييدخول الول وقيع عليى كفيرة اليهيود وفسيقتهم ‪ ،‬بعيد أن قيياموا بييإخراج‬
‫المؤمنين المستضعفين من ديارهم ‪ ،‬وإبعادهم إلى خارج حدود المملكة ‪ .‬وما نييراه أمامنييا علييى أرض الواقييع فييي‬
‫فلسطين ككل ‪ ،‬هو تداخل المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ‪ ،‬واختلط السكان من عرب ويهود في‬
‫بعض المدن وخاصة في مدينة القييدس ‪ .‬وهييذا الواقيع مشيابه إلييى حييد مييا ظيروف مكيية قبيل الفتييح حييث اختلط‬
‫المؤمنين سّرا بالكفار ‪ ،‬وهذا مما ينفي ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬استخدام القوة بشكل مفرط أثناء الدخول العراقي لفلسييطين ‪،‬‬
‫ومما ينفي وقوع مواجهة شاملة في حرب معلنة ومكشيوفة ‪ ،‬ولنتعيرف عليى الفكير العسيكري لرسيول الي علييه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬في كيفية التعامل مع هذا الواقع وكيفية التدبير اللهي في تنفيذ وعده سنعرض فيمييا يلييي بعييض‬
‫الملمح من فتح مكة ‪.‬‬
‫لما كان صلح الحديبية دخل بنو بكر في عقد قريش ‪ ،‬ودخلت خزاعة في عقد رسول ال عليييه الصييلة والسييلم ‪،‬‬
‫فاغتنمت جماعة من بني بكر تحالفها مع قريش في السنة الثامنة للهجرة ‪ ،‬فأصابوا من خزاعيية ثييأرا قييديما لهييم ‪،‬‬
‫وكانت قريش قد رفدت بني بكر بالسلح والرجال ‪ ،‬فخرج نفر ميين خزاعيية حييتى قييدموا علييى رسييول الي عليييه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش لبنييي بكيير عليهييم ‪ ،‬فوعييدهم عليييه الصييلة والسييلم‬
‫بالنصر فانصرفوا راجعين ‪ ،‬فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة ليطلب الشفاعة ويشيّد فيي العقيد ويزييد فيي الميدة‬
‫فرجع خائبا ‪.‬‬
‫في تلك الثناء ُأمر المسلمون بالجهاد ‪ ،‬وُأخفيت عنهم جهة الخروج في بادئ المر كما ُأخفي موعد الخروج ‪ ،‬ثييم‬
‫إن رسول ال أخبر الناس قبيل خروجه بفترة قصيرة أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجيّد والتهيييؤ ‪ ،‬وقييال ‪ " :‬اللهففم‬
‫خذ العيون والخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها " ‪ .‬وكلنا يعلم قصة حاطب بن أبييي بلتعييه ‪ ،‬عنييدما حيياول‬ ‫ُ‬
‫إعلم قريش بما كان من أمر المسلمين ‪ ،‬فكشف ال أمره عن طريييق اليوحي فُعّمييت الخبيار عين قريييش ونييزل‬
‫جيش الفتح بالقرب من مكة دون أن يشعر به أهلها ‪.‬‬
‫كان العباس عم الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬قد أعلن إسلمه عند مقدم جيش المسلمين لغزو مكة ‪ ،‬وممييا قيياله‬
‫حين نزل رسول ال مّر الظهييران ‪ " :‬واصففباح قريففش ‪ ،‬والف لئن دخففل رسففول ال ف مكففة عنففوة قبففل أن يففأتوه‬
‫فيستأمنوه ‪ ،‬إنه لهلك قريش إلى آخر الدهر " ‪ .‬فخرج العباس رضي ال عنييه ليبحييث عيين رجييل ميين قريييش ‪،‬‬
‫ليطلب لها المان من رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬خوفا من أن ُيهلكها جيييش المسييلمين القييادم للنتقييام منهييا‬
‫لنقض العهد ‪ ،‬فوجد صاحبه أبي سفيان فاستجلبه ليطلب المان ‪ ،‬ولول ما ُأعطي أبو سفيان من المان لهل مكيية‬
‫وإطلق سراحه صباحا ‪ ،‬لُيخبرهم قبل دخول جيش المسلمين لهلكت قريش ‪.‬‬
‫ن معرفتهييا لييوقت‬ ‫كانت قريش ‪ -‬بعد أن نقضت العهد ‪ -‬تتوقع خروج الرسول عليه الصلة والسييلم عليهييا ‪ ،‬ولكي ّ‬
‫صلة لذلك لم تقم بالستعداد للمواجهة ‪ ،‬وكانت تعتميد عليى خيبر يأتيهيا مين‬ ‫خروجه على وجه الدقة ‪ ،‬لم تكن متح ّ‬
‫عمليات التجسس ‪ ،‬التي دأبت على القيام بها منذ نقضييها للعهييد للبييدء فييي السييتعداد ‪ .‬ولكيين ذلييك الخييبر لييم يييأت‬
‫بمشيئة ال حتى كان صباح يوم الفتح على لسان أبي سفيان ‪ ،‬الذي كان قد أسلم داعيا أهل مكيية إلييى الستسييلم ل‬
‫داعيا إياهم إلى النفير ‪.‬‬

‫مقومات وظروف فتح مكة ‪:‬‬

‫كان ُمحّرك الخروج على قريش ‪ ،‬هو الرغبة في النتقام منها لنقضها العهد والثأر لبني خزاعة بالضييافة ليدوافع‬
‫أخرى ‪ ،‬أما رسول ال عليه السلم فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم ‪.‬‬
‫توافر الوعد اللهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حاطة عملية الخروج بالسرية التامة لتوفير عنصر المباغتة ‪ ،‬مما حرم قريش ميين السييتعداد للمواجهيية ‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سواء بإعداد العدد والعدة أو بالستعانة بما حولها مين القبيائل ‪ ،‬ممين كيانوا عليى عيداء ميع المسيلمين ‪ ،‬وميع أن‬
‫المسافة ما بين المدينة ومكة تزيد على ‪ 400‬كم ‪ ،‬وأن وسائل النتقال كانت بدائية وبطيئة جدا ‪ ،‬تمّكيين المسييلمون‬
‫من الوصول ومباغتة أهل مكة من خلل الخذ بالسباب والعتماد على التأييد اللهي ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫تأمين الزيادة العددية لدب الرعب في قلوب المشركين ‪ ،‬وإجبيارهم علييى الستسييلم لنعييدام القييدرة عليى‬ ‫‪.3‬‬
‫المواجهة ‪ ،‬ولسحق أي مقاومة محتملة مهما كان حجمها ‪ ،‬حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلف رجل ‪ ،‬وهييو‬
‫حرمت قريييش ميين فعلييه‬ ‫نفس العدد الذي استطاعت قريش وحلفائها من القبائل ‪ ،‬جمعه في غزوة الخندق وهو ما ُ‬
‫عند فتح مكة ‪.‬‬
‫علم المسلمين التام بجغرافية مكة ومحيطها مما أفاد المسلمين قبل وأثناء الدخول ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫والهم من كل ما تقّدم هو التأييد والتمكين والتدبير اللهي ‪ ،‬من البداية إلى النهاية لنجاز ذلك الوعد ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ي والن لو طرحنا التساؤل التالي ‪ ،‬أليس من الممكيين أن تتييوفر ذات المقومييات للعراقيييين لُينجييز الي وعييده لبنييي‬
‫إسرائيل ؟!‬
‫توافر نفس الُمحّرك للخروج وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها أعله ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫توافر الوعد اللهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين حتى لو لم ُيذكروا بالسم في النص القرآني ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫توافر وحدة القيادة وقدرتها في هذه الحالة على إخفاء أميير الغييزو ميين حيييث تييوقيته وكيفّيتييه ممييا يضييمن‬ ‫‪.3‬‬
‫عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫القرب المكاني وتوافر آليات النقل الحديثة مما يضمن سرعة الوصول ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫توافر الكثرة والستعداد والتدريب المكثف ‪ ،‬فهذا هو ما ُيشيياهده القاصييي والييداني علييى شاشيية التلفزيييون‬ ‫‪.5‬‬
‫العراقي مؤخرا ‪ ،‬ول يأخذ هذا الميير علييى محمييل الجيّد ‪ ،‬إل يهييود أمريكييا وإسييرائيل ميين المييؤمنين بييالنبوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬لدرجة أن ) شارون ( سييافر مييؤخرا لمريكييا فقييط ‪ ،‬لبحييث أميير جيييش القصييى الييذي ُيعيّده الرئيييس‬
‫العراقي ‪ ،‬حيث وعَده المريكان بالتكفل بأمره ‪ ،‬وطلبوا منه الهتمام بالشأن الداخلي والعمل علييى تهييدئة المييور‬
‫ظاهريا ‪ ،‬ومربط الفرس أن العالم ل ُيعير أدنى اهتمييام للسييتعدادات العراقييية الجارييية حاليييا علييى قييدم وسيياق ‪،‬‬
‫وحتى أمريكا نفسها على ما يبدو تقلل من شأن هذا الجيش ‪ ،‬ول تتوقع أن يقوم العراق بغزو إسرائيل برا ‪.‬‬
‫توافر التجربية والخييبرة الميدانييية للقييادات العسيكرية العراقيية ‪ ،‬بمشياركتها فييي كافية الحييروب العربيية‬ ‫‪.6‬‬
‫السرائيلية والحرب اليرانية ودخولها المفاجئ للكويت ‪.‬‬
‫توافر التأييد والتمكين اللهي بتذليل السبل أمام العراقيين ‪ ،‬والتي من شأنها تحقيق هذا الوعد بالكيفية التي‬ ‫‪.7‬‬
‫جاءت بها النصوص القرآنية ‪.‬‬

‫صفة جيش البعث في التوراة ‪:‬‬

‫ي سفر يوئيل ‪ :1 :1 " :‬هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا هذا أّيها الشيوخ ‪ ،‬وأصغوا يا جميع‬
‫أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيييب ‪ ،‬لن ييوم الييرب قرييب ‪ ،‬حيامل معيه الييدمار مين عنيد القييدير ‪ … ،‬اصييحوا أيهييا‬
‫السكارى ‪ ،‬وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمًة قوية قد زحفت على أرضي ‪ُ ،‬أمة قوية ل ُتحصى لكثرتها ‪،‬‬
‫لها أسنان ليث وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجّهم ‪ ،‬يوم غيوم ُمكفهّرة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحييف الظلم‬
‫على الجبال ‪ ،‬أّمة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬وُيحرق اللهيييب مييا خلفهييا ‪ ،‬الرض‬
‫أمامها جنة عدن ‪ ،‬وخلفها صحراء موحشة ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبييال ‪ ،‬فييي جلبيية كجلبيية المركبييات ‪ ،‬كفرقعيية‬
‫ف للقتال ‪ .‬تنتاب الرعدة منهم كل الشييعوب ‪ ،‬وتشييحب كييل الوجييوه ‪،‬‬ ‫ش ‪ ،‬وكجيش عات ُمصط ّ‬ ‫لهيب نار يلتهم الق ّ‬
‫ضييون علييى المدينيية ‪،‬‬
‫يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسّلون بين السلحة من غييير أن يتوقفييوا ‪ ،‬ينق ّ‬
‫ويتواثبون فوق السوار ‪ ،‬يتسّلقون البيوت ‪ ،‬ويتسّللون من الكوى كاللصييوص ‪ ،‬ترتعييد الرض أمييامهم وترجييف‬
‫جنده ل ُيحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن ُينّفذ أمره يكون ُمقتييدرا‬ ‫السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب بصوته في ُمقّدمة جيشه ‪ ،‬لن ُ‬
‫‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ي سفر حبقوق ‪ :3 :1 " :‬أينما تلّفت أشهد أمامي جورا واغتصييابا ‪ ،‬ويثييور حييولي خصييام ونييزاع ‪ ،‬لييذلك بطلييت‬
‫ق‪.‬‬ ‫الشريعة ) تعطّلت ( وباد العدل ‪ ،‬لن الشرار ُيحاصرون الصّديق ‪ ،‬فيصدر الحكم ُمنحرفا عن الح ّ‬
‫جبوا وتحّيروا ‪ ،‬لني ُمقبل على إنجاز أعمال ‪ ،‬في عهدكم ‪ ،‬إذا ُأخبرتم بها ل‬ ‫" ‪ :5 :1‬تأّملوا المم وأبصروا ‪ ،‬تع ّ‬
‫تصّدقونها ‪ .‬فها أنا ُأثير الكلدانيين ‪ ،‬هيذه المية الحانقية الُمندفعية ‪ ،‬الزاحفية فيي رحياب الرض ‪ ،‬لتسيتولي عليى‬
‫حكمها وعظمتهييا ميين ذاتهييا ‪ .‬خيولهييا أسييرع ميين النمييور ‪ ،‬وأكييثر‬ ‫مساكن ليست لها ‪ ،‬أّمة ُمخيفة ُمرعبة ‪ ،‬تستمّد ُ‬
‫ضراوة من ذئاب المساء ‪ ،‬فرسانها يندفعون بكبرييياء ‪ ،‬قييادمين ميين أميياكن بعيييدة ‪ُ ،‬متسييابقين كالنسيير الُمسييرع ‪،‬‬
‫للنقضاض على فريسته ‪ُ ،‬يقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبييل وصيولهم ‪،‬‬
‫فيجمعون أسرى كالرمل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ‪ ،‬ويسيخرون مين الحصيون ‪ ،‬يجعليون حولهيا تلل‬
‫من التراب ‪ ،‬ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤيا ل تتحّقق إل في ميعادها ‪ ،‬وتسرع إلى نهايتها ‪ ،‬إنها ل تكذب ‪ ،‬وإن توانت فانتظرها ‪ ،‬لنها ل‬
‫بّد أن تتحّقق ‪ ،‬ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬

‫اليهودي وصفة الجبن الملزمة له عبر العصور ‪:‬‬

‫كلنا يعلم أن وجيود إسيرائيل وبقائهيا ‪ ،‬ل يعتميد فيي الدرجية الوليى عليى مقّوماتهيا الذاتيية ‪ ،‬مهميا بلغيت قوتهيا‬
‫العسكرية من عدة وعتاد ‪ ،‬فحصنهم المنيع هو أمريكا بقوتها وعظمتها ‪ ،‬والحصن الخر هو الطييوق المنييي ميين‬
‫معاهدات السلم والحلف العسكرية ‪ ،‬التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار ‪ .‬وهذين الحصيينين همييا‬
‫ما يتكل عليه اليهود ‪ ،‬كضمانة لستمرار وجودهم وشعورهم نسييبيا بالمييان ‪ ،‬الييذي ُيمّكنهييم ميين البييدء فييي تنفيييذ‬
‫مشاريعهم التوراتية على أرض فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليهود في الحقيقة فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ‪ ،‬ليبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عنها كما هي الحال عند غيرهم‬
‫من شعوب الرض ‪ .‬لذلك تجدهم أشّد الناس حرصا على الحياة ‪ ،‬فل ُيقاتلون إل مجييبري وفييي قيرى محصينة أو‬
‫من وراء جدر ‪ ،‬فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ‪ ،‬أما الخروج للقتل وسفك دماء غير المقاتلين فهذا أكثر ما‬
‫يستطيعون القيام به ‪ ،‬وعلى تخّوف من إصابتهم من قبل خصمهم العزل ‪ ،‬وهييذا مييا نشيياهده علييى أرض الواقييع‬
‫هذه اليام ‪.‬‬
‫جج بالسييلح ‪ ،‬هيو البحييث عين‬ ‫أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ‪ ،‬فأول ما ُيفّكر به الجندي السرائيلي المد ّ‬
‫صن خلفه ‪ ،‬هذا إن تجرأ على القتال ‪ ،‬وإن لم يجرؤ فأول ما ُيفّكر به هو أن ييولي الدبييار مطلقييا لسيياقيه‬ ‫ملجأ يتح ّ‬
‫العنان هاربا إلى حيث ل يدري ‪ ،‬فكيف إذا لم يكن هنياك مواجهية بيل غيزو مفياجئ ‪ ،‬أتخّييل هيذا الجنيدي وفيور‬
‫سماعه بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ‪ ،‬من بابل وقبل اجتيازهم للحدود العراقية باتجاه إسرائيل ‪ ،‬وقد تسيّمر فيي‬
‫مكانه وتجّمد الدم في عروقه وشّلت أطرافه ‪ .‬وخلصة القول أن دولتهم محكوم عليها بالفناء منييذ لحظيية قيامهييا ‪،‬‬
‫وهم يعلمون ذلك علم اليقين وأن الجندي السرائيلي ‪ ،‬مهزوم بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة ‪.‬‬

‫الكيفية المتوقعة لهذا الدخول ‪:‬‬

‫على ما يبدو ‪ ،‬وبعد هذه القراءة المطّولة ‪ ،‬أنه لن تكون هناك معركة معلنة ومكشوفة وطويلة المد ‪ ،‬تستخدم فيها‬
‫الليات الحربية من مدافع ودبابات وصواريخ وطائرات ‪ ،‬وإنما غزو سريع ومباغت لجيش كبير بعدد هييائل ميين‬
‫الجند الُمدّربين على سرعة النتقييال والنتشييار ومزودييين بأسييلحة خفيفيية ‪ ،‬هييم أشييبه ‪ -‬كمييا تصييورهم التييوراة ‪-‬‬
‫باللصوص في خفة حركتهم وانسيابهم وتسّللهم ‪ ،‬وبالنسور بسرعة انقضاضها ‪ ،‬وبالسييود فييي قوتهييا وجبروتهييا‬
‫وبطشها ‪ .‬وقد ل يخلو المر من مواجهات ولكنها ستكون محدودة وقصيرة ربما ل تتعييدى كسيير البيياب ‪ ،‬بمعنييى‬
‫أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه المهاجمين ‪ ،‬ل تعدو عن كونها مقاومة بسيطة على الحدود ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وكون هذا الهجوم مباغتا ‪ُ ،‬يفهم من تحذير النجيل لليهود بأن من سييمع بمحاصييرة أورشييليم بييالجيوش ‪ ،‬إذا كيان‬
‫في الحقل فل يرجع إلى المدينة ‪ ،‬وإذا كان على سقف المنزل فل ينزل إلى أسفل ليجلييب متاعييا أو مييا شييابه ‪ ،‬أي‬
‫أن هناك من سيسمع بهذا الغزو بعد خروجه إلى الحقل ‪ ،‬وأن هناك من سيسييمع بييالغزو بعييد صييعوده إلييى سييطح‬
‫منزله ‪ ،‬والخروج من المدينة إلى الحقل والعيودة ربمييا ل يتجياوز سيويعات معيدودة ‪ ،‬وأمييا الصيعود إليى سيطح‬
‫‪217‬‬
‫المنزل والنزول عنه فربما ل يتجاوز دقائق معدودة ‪ .‬فالفارق الزمني قصير جدا ما بيين الحييالتين ‪ ،‬فاليذي خيرج‬
‫إلى الحقل لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ‪ ،‬والذي صعد إلى سطح المنزل لم يكن قد سمع بالغزو قبل صعوده ‪.‬‬
‫ومن المحتمييل أن يكييون هييذا الغييزو ليل ‪ ،‬وميين المحتمييل أن يبييدأ الهجييوم ليييل الجمعيية لينتهييي ييوم السييبت قبييل‬
‫الظهيرة ‪ ،‬استغلل لنقطاع أغلب اليهود عن العمل بحجة التزامهم بشريعة حرمة السبت ‪ ،‬التي ما ألييزم ال ي بهييا‬
‫إل أصحاب تلك القرية ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وسينجم عن هذا الغزو تفريغ كامل لليهود من فلسطين سواء بالقتل أو الفرار‬
‫‪ ،‬وسيطرة كاملة على مساحة فلسطين كلها ‪ ،‬وبالتالي فرض واقع جديد ُيعيد المور إلى نقطة الصفر ‪ ،‬أي ما قبل‬
‫قيام إسرائيل بخمسين عاما أيام خلو فلسطين من اليهود ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ردود الفعل العالمية المتوقعة ‪:‬‬

‫هذا الحدث السريع والمباغت المرعب والعجيب ‪ ،‬عندما يقع سُيصاب العالم بأسره بالذهول والشلل ربما لشهر أو‬
‫لعدة أشهر ‪ ،‬وأول ما ُيجابه به سماع خبره هو عدم التصديق ‪ ،‬وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف لسرائيل ‪ ،‬إلييى‬
‫وقت طويل ليفيق من هول الصدمة ‪ ،‬وليجد الغرب نفسه عاجزا عن القيام بأي رد فعييل سييريع ومييؤثر للمسيياعدة‬
‫فل إسرائيل ول يهود ‪ ،‬أما من هم في الصف المناهض لسرائيل وأمريكا من الشرق فسيصابون بنفس الشعور ‪،‬‬
‫ولكن شعور ل يخلو من الشماتة باليهود إجمال وبأمريكا بشكل خاص ‪ ،‬أما اليهييود إجمييال ويهييود أمريكييا بشييكل‬
‫خاص ‪ ،‬فسيصابون بخيبة أمل كبيرة وهم يرون أحلهم التوراتية تتحول إلى سراب ‪.‬‬
‫وبعد امتصاص الصدمة الولى ‪ ،‬ستبدأ المواقف العالمية من هذا الحدث في التبلور ‪ ،‬لتجييد أمريكييا نفسييها عنييدما‬
‫تبدأ بالتحرك ‪ ،‬لعادة إحياء الدولة اليهودية بدفع من سادتها اليهود المتربعين على عروشها ‪ ،‬أنهييا تغنييي منفييردة‬
‫خييارج السييرب العييالمي ‪ ،‬الييذي أضييحى مؤيييدا ومعجبييا بمييا قيّدمه العراقيييون ‪ ،‬ميين حييل سييحري لتلييك المشييكلة‬
‫المستعصية ‪ ،‬التي أّرقت جفون العالم طوال قرن من الزمان ‪.‬‬
‫طلعة على أدق تفاصيل القضية الفلسطينية ‪ ،‬قد اسييتعادوا أرضييهم‬ ‫فالعرب من وجهة النظر العالمية ‪ ،‬التي باتت م ّ‬
‫وحقوقهم ‪ ،‬وإسرائيل بما قّدمته من أعمال وحشية وهمجية خلل سنين عمرها ‪ ،‬وعدم استجابتها لقيرارات الجهية‬
‫التي أوجدتها ل تستحق الوجود والبقاء ‪ ،‬فالحق هو عودة فلسطين إلى أهلها العرب ‪ ،‬والباطل هو وجود إسييرائيل‬
‫على أرض العرب ‪ ،‬فإذا جاء الحق وزهق الباطل فليس هنيياك مشييكلة بالنسييبة لمجمييل دول العييالم ‪ ،‬الييتي ل تقييع‬
‫تحت النتداب المريكي اليهودي المعاصر ‪ ،‬فالمشكلة ُوجدت بإقامة إسرائيل في قلب الوطن العربي وزالت هييذه‬
‫المشكلة بزوالها ‪.‬‬
‫الوعد والموعد والواقع ‪:‬‬

‫وبالعودة إلى الوراء قليل نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ‪ ،‬عندما ُمنعوا من أداء العمرة بصحبة رسول ال عليييه‬
‫الصلة السلم في السنة السادسة للهجرة ‪ ،‬وما زاد في قهرهم هو ذلك الصلح ‪ ،‬الذي منييع دميياء المشييركين منهييم‬
‫وأبقى المسجد الحرام في أيديهم لمدة عشر سنوات قادمة ‪ ،‬فعّقب سييبحانه وتعييالى علييى ذلييك قييائل ) َفَعِلفَم َمففا َلفْم‬
‫َتْعَلُموا … ( والذي كان يعلمه رب العزة مسبقا هو أنهم سيؤدون العمرة في العام التالي ‪ ،‬وأن هييذا الصييلح الييذي‬
‫استاءوا من عقده مع مشركي قريش ‪ ،‬وأضفى عليهم شعورا باليأس والحباط ‪ ،‬سيييكون هييو نفسييه سييببا ومييبررا‬
‫حا َقِريًبففا )‪27‬‬ ‫ك َفْت ً‬
‫ن َذِل َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫جَعَل ِم ْ‬
‫لفتح مكة عند نقضه من قبل قريش بعد سنتين من إبرامه ‪ ،‬فعّقب بقوله ) … َف َ‬
‫الفتح ( ‪.‬‬
‫حتى أكثر المسلمين إيمانا ويقينا وتفاؤل ‪ ،‬لم يكن يتصور لحظة منعهم من أداء العمرة وإبييرام الصيلح ‪ ،‬بييأن فتييح‬
‫مكة سيكون بعد سنتين فقط ‪ ،‬من تاريخ تلك اللحظة ‪ ،‬وبتلك الصورة الحتفالية والمشّرفة لتكييون تأدييية فريضييتي‬
‫الحج والعمرة متاحة لهم في أي وقت شاءوا ‪.‬‬
‫وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الحزاب وهم قلة ‪ ،‬وقريش وقبائل الجزيرة بمشركيها ويهودها يتربصون بهييم‬
‫ريب المنون من الداخل والخارج ‪ ،‬هل كان ممن المكن أن يتصور أن هذه الحيال سيتنقلب رأسيا عليى عقيب بعيد‬
‫ثلث سنوات ‪ ،‬فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلف مقاتل ؟!‬

‫‪218‬‬
‫وبالرغم من اختلف طبيعة الوعود اللهية من حيث الثواب والعقاب ‪ ،‬إل أننا نتحّدث هنا عن الوعييد بحييد ذاتييه ‪،‬‬
‫لنقول بأن الوعد اللهييي ل يحيّده زمييان ول مكييان ول واقييع ‪ ،‬ول ننسييى بييأن وعييد الخييرة المييذكور فييي سييورة‬
‫السراء هو وعد بعقاب اليهود في المقام الول ‪ ،‬ولكن هناك أسباب ومسببات ل بييد أن تأخييذ مجراهييا قبييل إتيييان‬
‫أمر ال ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن )‪ 53‬العنكبوت‬
‫شُعُرو َ‬
‫ب ‪َ ،‬وَلَيْأِتَيّنُهْم َبْغَتًة ‪َ ،‬وُهْم َل َي ْ‬
‫جاَءُهُم اْلَعَذا ُ‬
‫سّمى ‪َ ،‬ل َ‬
‫جٌل ُم َ‬
‫ب ‪َ ،‬وَلْوَل َأ َ‬
‫ك ِباْلَعَذا ِ‬
‫جُلوَن َ‬
‫سَتْع ِ‬
‫) َوَي ْ‬
‫(‬
‫وقال‬
‫ظّنوا َأّنُه فمْ‬‫جوا ‪َ ،‬و َ‬ ‫خُر ُ‬‫ن َي ْ‬
‫ظَنْنُتْم َأ ْ‬
‫شِر ‪َ ،‬ما َ‬‫ح ْ‬
‫ن ِدَياِرِهْم ‪َِ ،‬لّوِل اْل َ‬
‫ب ِم ْ‬‫ن َأْهِل اْلِكَتا ِ‬
‫ن َكَفُروا ‪ِ ،‬م ْ‬ ‫ج اّلِذي َ‬
‫خَر َ‬‫) ُهَو اّلِذي َأ ْ‬
‫ن ُبُيففوَتهُْم‬
‫خِرُبفو َ‬
‫ب ‪ُ ،‬ي ْ‬‫عف َ‬ ‫ف ِففي ُقُلففوِبِهُم الّر ْ‬
‫سفُبوا ‪َ ،‬وَقفَذ َ‬ ‫حَت ِ‬
‫ث َلفْم َي ْ‬
‫حْيف ُ‬‫ن َ‬ ‫ل ِمف ْ‬
‫ل ‪َ ،‬فَأَتاُهُم ا ُّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫صوُنُهْم ِم َ‬ ‫ح ُ‬‫َماِنَعُتُهْم ُ‬
‫صاِر )‪ 2‬الحشر (‬ ‫عَتِبُروا َيُأوِلي اَْلْب َ‬‫ن ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫ِبَأْيِديِهمْ َوَأْيِدي اْلُمْؤِمِني َ‬

‫‪219‬‬
‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬
‫قلنا في نهاية تفسيرنا لعبارة ) وليتبروا ما علوا تتبيرا ( ‪ :‬أن كل ما عل بنو إسييرائيل عليييه أو بييه أو فيييه سيصييله‬
‫الدمار ل محالة لعموم لفظ العلو ‪ ،‬حتى علوهم في الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقى علوهم قائمييا ومسييتمرا فييي فلسييطين‬
‫في الصل هو علوهم في الغرب ‪ .‬ولذلك يصبح دمار الدول الغربية أمر محتما ‪ ،‬ليزول علييو بنييي إسييرائيل فيهييا‬
‫أيضا بشكل نهائي ‪ ،‬وبذلك تنتفي تماما قدرتهم على العلو مييرة أخيرى ‪ ،‬إذ أن هيذا العليو هيو عليوهم الخيير فييي‬
‫الرض ‪.‬‬
‫ويؤكد سبحانه أن السبب في زوال هذا العلو هو ما قدمته أيدي اليهود أنفسهم ‪ ،‬حيث أن ال كان قد اشترط عليهييم‬
‫الحسان لدامة هذا العلو ‪ ،‬وحذرهم من زواله إن هم أساءوا ‪ ،‬وجاء هذا الشييرط مباشييرة قبييل إخبيياره عيين وعييد‬
‫الخرة في الية السابعة ‪ ،‬فاليهود حكموا على أنفسهم بالهلك وعلى علوهم بالزوال ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬وذلك لنهم لم ُيحسنوا ‪ ،‬بل على العكس من ذلك أساءوا ‪ ،‬ولييم يييألوا جهييدا بالفسيياد فييي الرض ضيياربين‬
‫بالتحذير اللهي عرض الحائط ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬والنكى من ذلك أنهم قاموا بتوجيه رسالة أخرى لرب العزة ‪ ،‬ومؤداهييا يقييول ‪ :‬بأننييا سيينفعل مييا يحلييو لنييا‬
‫وسنفسد في الرض وسنمنعك من بعث عبادك الشداء الذين ُتهّددنا بهم ‪ ،‬لننا س يُنبيدهم عيين بكييرة أبيهييم قبييل أن‬
‫ُتفكر في بعثهم ‪ ،‬مظهرين إصرارا عز نظيره في تحّديهم لرب العزة بأن ينزل بهم ما وعدهم ‪ ،‬مّتكلييين علييى مين‬
‫هم دونه لحمايتهم ووقايتهم من أمر ال ‪ ،‬منكرين ربوبية ال وألوهيته وقدرته على تصريف أمور الكون ‪ ،‬وكذلك‬
‫حقيقة البعث بعد الموت ‪ ،‬وهذه المور هي ما تتناوله سورة السراء على امتدادها ‪ ،‬ميين وجييوه متعييددة ‪ ،‬وبييذلك‬
‫تكون عداوتهم للعراق وعدوانهم عليه ‪ ،‬ورغبتهم في تدميره وإبادة أهلييه سييببا فييي خييروج أهييل العييراق عليهييم ‪،‬‬
‫انتقاما ودفعا لما ُيحيق بهم من أخطار ‪ ،‬في حيال اسيتمر تواجيد الدولية اليهوديية عليى أرض فلسيطين ‪ ،‬ليخربيوا‬
‫بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬هي حرب ال عليهم ل حرب أحد ‪ ،‬ذلك بأنهم تحدوا ال وأعلنوا حربهم عليه ‪ ،‬وعلى كل من يؤمن بيه ربييا‬
‫وإلها واحدا أوحدا ‪ ،‬خاب وخسر الذين من دونه ‪ ،‬وأن رب العييزة قِبييل التحيّدي وأعليين حربييه عليهييم ‪ ،‬وهييذا مييا‬
‫تستشعره من خلل مجمل آيات سورة السراء ‪ ،‬ولكن لم يتبّقى إل أن تحين سيياعة الصييفر ليييروا ميين الي مييا لييم‬
‫يكونوا يحتسبون ‪.‬‬
‫وفي الصل كما أوضحنا سابقا ‪ ،‬أن علوهم غير المسبوق في الغرب ‪ ،‬هو الذي أوجد علوهم في فلسطين لحقا ‪،‬‬
‫وإذا كانت النتيجة أي علوهم في فلسطين تستحق الزوال ‪ ،‬فالولى أن ُيزال المتسّبب فيها أي علوهم في الغييرب ‪،‬‬
‫حتى تنتفي فرصة ظهور تلك النتيجة ) أي العلو اليهودي ( مرة أخرى ‪ ،‬فكما أن زوال دولة إسرائيل أميير حتمييي‬
‫فزوال أمريكا أمر أكثر حتمية ‪.‬‬
‫فاليهود لهم من حيث المكان إفسادين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬فييي فلسييطين إفسيياد بسييفك الييدماء ‪ ،‬وإخييراج النيياس ميين ديارهييا ‪ ،‬والسييتيلء علييى ممتلكيياتهم ‪ ،‬وإتلف‬
‫الخضر واليابس ‪ ،‬ومنع مساجد ال أن ُيذكر فيها اسمه ‪ ،‬والسعي في خرابها … إلى آخره ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬في أمريكيا واليدول الغربيية إفسياد بنشير العقيائد الماديية اللحاديية ‪ ،‬وإشياعة الرذيلية والنحلل الخلقيي‬
‫والخلقي في شتى مناحي الحياة ‪ ،‬بالضافة إلى تفريق الناس وتصنيفهم واستضييعاف طييوائف منهييم ‪ ،‬وسيومهم‬
‫سوء العذاب ‪ ،‬لدرجة حرقهم وإبادتهم بالسلحة التقليدية والنووية ‪ ،‬وعلى قاعدة الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬ل شييك‬
‫لدي من أن كبرى المدن المريكية ‪ ،‬سُتضرب من السماء بصواريخ نووية ‪ ،‬أو بشهب من السييماء مسييببة دمييارا‬
‫كالدمار ‪ ،‬الذي أحدثته قنابلها المدن اليابانية ولكن على مدى أوسع بكثير ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫زوال العلو اليهودي في أمريكا لن يتوانى كثيرا عن زوال العلو اليهللودي‬
‫في فلسطين ‪:‬‬

‫ل‪،‬‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ض ٍ‬
‫س ‪َ ،‬وَباُءوا ِبَغ َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل َو َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ن َما ُثِقُفوا ف ِإّل ِب َ‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة ف َأْي َ‬
‫ت َ‬
‫ضِرَب ْ‬
‫قال تعالى ) ُ‬
‫… )‪ 112‬آل عمران ( الذلة هي الضعة والنخفاض وهي نقيض العزة والعلو ‪ ،‬وأين ما ثقفوا تعني أينمييا وجييدوا‬
‫في الرض على امتداد رقعتها ‪ ،‬وخلصة ما تقيوله هيذه الييية أن الشييعب اليهيودي كأمية وأفيراد سييمّر بخمسيية‬
‫مراحل ‪ ،‬هي ذات المراحل التي أشرنا إليها في نهاية الجزء الول ‪ ،‬وهي على التوالي ‪ ) :‬ذل ‪ ،‬علو ‪ ،‬ذل ‪ ،‬علييو‬
‫‪ ،‬ذل ( ‪ .‬ومن ذلك نفهم أن صفة العلو وهي المرحلة الرابعيية ‪ ،‬سييتزول عنهييم فييي شييتى بقيياع الرض سيواء فييي‬
‫إسرائيل أو في أمريكا ‪ ،‬أو فيما سواها من دول العالم ‪ ،‬ليدخل الشعب اليهودي بأسييره فييي المرحليية الييتي تليهييا ‪،‬‬
‫ولتعود إليه صفة الذل التي هي القاعدة أينما وجييد أيضييا وعلييى مسييتوى الفييراد والجماعييات ‪ ،‬حيييث كييان العليو‬
‫صل ذلك إل بانكسار وزوال كل الدول ‪ ،‬التي يوجييد بهييا علييو يهييودي ظيياهر وفييي‬ ‫استثناًء لمرتين فقط ‪ ،‬ولن يتح ّ‬
‫مقّدمتها أمريكا ‪.‬‬
‫صة وشاملة ‪ ،‬سنجد أنهيا فياقت فرعييون فييي عليوه‬
‫ولو أننا نظرنا إلى أمريكا كدولة وما تقوم به حاليا نظرة ُمتفح ّ‬
‫واستعلئه وفساده وإفساده ‪ ،‬باحتضانها للعقائد اليهودية الشيطانية ‪ ،‬والسهر على تطبيقها وترويجهييا فييي الرض‬
‫على عمومها بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى ‪.‬‬
‫والعقاب اللهي الموعود به بنو إسرائيل كان للفساد الناجم عن العلييو ‪ ،‬وعليوهم الن يتمثييل فييي مكييانين تحديييدا‬
‫هما فلسطين وأمريكا ‪ ،‬وفضل عن ذلك فإن أمريكا المتعالية على شعوب الرض ‪ ،‬وبصييرف النظيير عيين كونهييا‬
‫مكانا للعلو اليهودي ‪ ،‬سييتكون هييدفا مؤكييدا لنسييكاب الغضييب اللهييي عليهييا ‪ ،‬بمييا يفييوق الغضييب اللهييي علييى‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وذلك لن أمريكا تجمع ما بين علييوين وإفسييادين ‪ ،‬همييا ‪ :‬العليو والفسيياد اليهييودي ‪ ،‬والعلييو والفسيياد‬
‫الذاتي لها ‪ ،‬ليتأكد لنا أنها أولى من إسرائيل بالعقاب وبما هو أشد بأسا وأشد تنكيل ‪ ،‬وهذا بإذن ال ما سنشهده في‬
‫السنوات القليلة القادمة وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫وقد يستغرب ويستنكر كثير من أمة السلم ‪ ،‬والصح من المؤمنين بالله ) أمريكا ( مجرد التفكييير بييأن أمريكييا‬
‫ن َقْبِلِه فْم ‪،‬‬
‫ن ِم ف ْ‬‫عاِقَبُة اّلِذي َ‬
‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬
‫ظُروا َكْي َ‬
‫ض ‪َ ،‬فَيْن ُ‬
‫سيُروا ِفي اَْلْر ِ‬
‫ستزول ‪ ،‬وكأنهم ل يقرءون قوله تعالى ) َأَوَلْم َي ِ‬
‫عِليًمففا َق فِديًرا )‬‫ن َ‬ ‫ض ‪ِ ،‬إّن فُه َكففا َ‬‫ت َوَل ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬
‫يٍء ‪ِ ،‬في ال ّ‬
‫ش ْ‬
‫ن َ‬‫جَزُه ِم ْ‬ ‫ل ِلُيْع ِ‬
‫ن ا ُّ‬
‫شّد ِمْنُهْم ُقّوًة ‪َ ،‬وَما َكا َ‬
‫َوَكاُنوا َأ َ‬
‫‪ 44‬فاطر ( ‪.‬‬
‫شفّد ِمْنُهفْم ُقفّوًة‬
‫ن َقْبِلِهفْم ‪َ ،‬كففاُنوا ُهفْم َأ َ‬
‫ن َكاُنوا ِمف ْ‬
‫عاِقَبُة اّلِذي َ‬
‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬‫ظُروا َكْي َ‬‫ض ‪َ ،‬فَيْن ُ‬‫سيُروا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫وقوله ) َأَوَلْم َي ِ‬
‫ق )‪ 21‬غافر (‬ ‫ن َوا ٍ‬
‫ل مِ ْ‬
‫ن ا ِّ‬ ‫ن َلُهْم ِم َ‬‫ل ِبُذُنوِبِهْم ‪َ ،‬وَما َكا َ‬
‫خَذُهُم ا ُّ‬
‫ض ‪َ ،‬فَأ َ‬
‫َوَءاَثاًرا ِفي اَْلْر ِ‬

‫ما بعد الغزو العراقي لسرائيل ‪:‬‬

‫بعد امتصاص يهود أمريكا والغرب للصدمة ‪ ،‬من جّراء الكارثيية الييتي حّلييت ببنييي جلييدتهم فييي فلسييطين ‪ ،‬سييتبدأ‬
‫الماكينة اليهودية في الغرب في بذل أقصى طاقاتها ‪ ،‬وعمل ما بوسعها لعادة عقارب الساعة قبل فوات الوان ‪،‬‬
‫من خلل الدبلوماسية في مجلس المن ‪ ،‬لشن حرب دوليية تحييت غطيياء الشيرعية الدوليية لتحريير إسيرائيل ميين‬
‫العرب ‪ ،‬كما كان المر عند مطالبتهم بتحرير الكويت ‪ ،‬وسُتفاجأ هذه الماكينة اليهودية ببرود وجمود شديدين ‪ ،‬لم‬
‫يسبق لها أن واجهتهما من قبل معظييم دول العييالم لُتثبييت عييدم نجاعتهييا هييذه المييرة ‪ ،‬وسييتجد مشيياريع القييرارات‬
‫طرحت ‪ ،‬معارضة شييديدة ميين قبييل روسيييا والصييين ‪ ،‬حييتى لييو تطّلييب‬ ‫المريكية والبريطانية والفرنسية فيما لو ُ‬
‫المر استخدام حق النقض من قبلهمييا ‪ ،‬خوفييا ميين اليدخول فييي مواجهية ل ُتحميد عقباهييا مييع العيالم بيين الغييرب‬
‫المسيحي والشرق المسلم ‪.‬‬
‫وربما يأخذ المر قرابة السنتين بين مّد وجزر ‪ ،‬حتى يستطيع اليهود تحريض أمريكا ‪ ،‬وبعيض دول الغيرب مين‬
‫ن حرب مصيرية على العرب ‪،‬‬ ‫حلف الناتو ‪ ،‬وحملها على تحريك أساطيلها ‪ ،‬باتجاه شواطئ البحر المتوسط ‪ ،‬لش ّ‬
‫عرض الحائط ‪.‬‬ ‫ضاربة بمجلس المن وغطاءه الشرعي ‪ -‬بعد اليأس من الحصول عليه ‪ُ -‬‬

‫‪221‬‬
‫وعلى الجانب الخر ‪ ،‬سيضطر العرب والمسيلمون لتوحييد صيفوفهم كرهيا مين البعيض وطواعيية مين البعيض‬
‫الخر ‪ ،‬والنضواء تحت لواء واحد للدفاع عن القصى بعد عودته إلى حظيرة السلم ‪ ،‬وسيبدأ التقارب العربي‬
‫الروسي الصيني ‪ ،‬على ما يبدو في التشكل ‪ ،‬إلى ما ُيشبه الحلف العسكري وربما يكون باتفاقيات مكتوبيية ‪ ،‬وال ي‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬والسيناريو المحتمل ‪:‬‬

‫بوجود القيادة الحالية غير المتزنة لمريكا وبتأييد من صهاينة الحزب الجمهوري ‪ ،‬سيتمكن اليهود أخيرا من جيرّ‬
‫أمريكا للدخول في مواجهة غير محسوبة مع العالمين العربي والسلمي ‪ ،‬بدفع من العقائد الدينية المش يّوهة فيمييا‬
‫يخص وجود اليهود في فلسطين وعيودة المسييح الثانييية للنصيارى والولييى لليهيود ‪ ،‬بالضييافة إليى الرغبية فيي‬
‫النتقام للمكانة المريكية التي ُمّرغت في التراب أمام العالم أجمع ‪ ،‬بزوال مسييخها الخييداج بطرفيية عييين دون أن‬
‫ُيعير العرب عظمة أمريكا وجبروتها أدنى انتباه ‪.‬‬
‫في ظرف سنتين من استعادة العرب لفلسطين ‪ ،‬سيُتعلن أمريكييا حربهييا اليهودييية الصييليبية المقّدسيية علييى العييرب‬
‫والمسلمين ‪ ،‬مما ُيثير حالة من عدم الستقرار في سائر أرجاء العالم ‪ ،‬وستبدأ المواقف العالمية ميين هييذا العلن‬
‫شيئا فشيئا بالتباين والتمايز ‪ ،‬بشكل لم يسبق له مثيل لينقسم إلى العالم معسكرين شرقي وغربي ‪ ،‬يقف إلى جييانب‬
‫العرب معظم الدول المناهضة لمريكا في الشرق وفي مقدمتها روسيا ‪ ،‬ويقف إلى جانب أمريكا دول حلف الناتو‬
‫وملحقاته ‪.‬‬
‫وعندما تبدأ أمريكا بحشد قواتها وأساطيلها في البحر البييض ‪ ،‬وتبيوء كيل المحياولت والتحيذيرات والتهدييدات‬
‫العالمية ‪ ،‬لثني أمريكا عن عزمها بالفشل ‪ ،‬وتصبح المواجهة أمر ل مفر منييه ‪ ،‬سييتتطور المواقييف الدولييية فجييأة‬
‫وتتحول إلى أحلف عسكرية ‪ ،‬بحيث تضطر وتنجّر الكييثير ميين الييدول للمشيياركة الفعلييية فييي الحييرب الييدائرة ‪،‬‬
‫وعلى ما يبدو أن أمريكا نتيجة لذلك ستفقد زمام السيطرة مبكرا ‪ ،‬وربما تلجييأ إلييى اسييتخدام السييلح النييووي فييي‬
‫وقت ما بضرب بعض العواصم العربية ‪ ،‬كبغداد والقياهرة عليى سيبيل المثيال ‪ ،‬وربميا يكيون ذليك قبيل الحيرب‬
‫البرية ‪ ،‬ظنا منها أن ذلك سيحسم المعركة لصالحها في وقت مبكر ‪.‬‬
‫ولكن ما لن يكون في حسياب أمريكيا ‪ ،‬هيو رّد الفعيل الروسيي والصييني العنييف ‪ ،‬عليى اسيتخدام أمريكيا لهيذا‬
‫السلح ‪ ،‬لتبدأ الصواريخ النووية الروسية وربما الصينية ‪ ،‬تنهال على أمريكا تباعا دون سابق إنذار لتبيييدها عيين‬
‫بكرة أبيها ‪ ،‬هذا إن لم ُيسقط عليها رب العزة كسيفا مين السيماء ‪ .‬ومين ثيم تبيدأ الحيروب البينيية بيين دول العيالم‬
‫المختلفة المتخاصمة ‪ ،‬فيختلط الحابل بالنابل لتشمل هيذه الحيرب معظيم بقيياع العييالم ‪ .‬وليدخول السييلحة النوويية‬
‫دائرة الصراع ‪ ،‬ستكون هذه الحرب سريعة وقصيييرة وحاسييمة ‪ ،‬ولكيين حجييم الييدمار فيهييا سيييكون هييائل جييدا ‪،‬‬
‫وستنتهي بالمواجهة البرية البحرية على سواحل فلسطين بين الغرب والشرق ‪ ،‬بانتصار العرب والروس نصييرا‬
‫مؤزرا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫تحالف الروس والعرب ونصرهم على عدو مشترك ‪:‬‬

‫عُددْ‬‫ل‪":‬ا ْ‬ ‫ن َأَدٍم ‪َ ،‬فَقا َ‬


‫ك َوُهَو ِفي ُقّبٍة ِم ْ‬ ‫غْزَوِة َتُبو َ‬ ‫سّلَم ‪ِ ،‬في َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫ت الّنِب ّ‬‫ل ‪َ :‬أَتْي ُ‬‫ك ‪َ ،‬قا َ‬‫ن َماِل ٍ‬
‫ف ْب َ‬
‫عْو َ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫َ‬
‫ض فُة اْلَمففاِل ‪،‬‬‫ص اْلَغَنِم ‪ُ ،‬ثّم اسِْتَفا َ‬ ‫خُذ ِفيُكْم َكُقَعا ِ‬ ‫ن َيأْ ُ‬
‫س ‪ُ ،‬ثّم ُمْوَتا ٌ‬
‫ت اْلَمْقِد ِ‬ ‫ح َبْي ِ‬‫عِة ؛ َمْوِتي ‪ُ ،‬ثّم َفْت ُ‬ ‫سا َ‬
‫ي ال ّ‬ ‫ن َيَد ْ‬
‫سّتا َبْي َ‬‫ِ‬
‫ن َبْيَنُكفْم‬
‫خَلْتفُه ‪ُ ،‬ثفّم ُهْدَنفٌة َتُكفو ُ‬
‫ب ِإّل َد َ‬
‫ن اْلَعفَر ِ‬‫ت ِمف ْ‬ ‫طا ‪ُ ،‬ثّم ِفْتَنٌة َل َيْبَقى َبْي ٌ‬
‫خً‬ ‫سا ِ‬
‫ظّل َ‬ ‫جُل ِماَئَة ِديَناٍر َفَي َ‬‫طى الّر ُ‬ ‫حّتى ُيعْ َ‬ ‫َ‬
‫شفَر َأْلًفففا ( رواه البخياري ‪،‬‬ ‫ع َ‬
‫غاَيفٍة اْثَنففا َ‬
‫حفتَ ُكفّل َ‬ ‫غاَيفًة ‪َ ،‬ت ْ‬‫ن َ‬‫ت َثَمففاِني َ‬‫حف َ‬
‫ن َفَيْأُتوَنُكْم َت ْ‬‫صَفِر ‪َ ،‬فَيْغِدُرو َ‬ ‫ن َبِني اَْل ْ‬ ‫َوَبْي َ‬
‫وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫جاء في شرح هذا الحديث في فتح الباري ‪ " :‬قوله هدنة هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فييه ‪ ،‬قييوله بنييي‬
‫الصفر هم الروم ‪ ،‬قوله غاية أي راية " ‪.‬‬
‫يخبر هذا الحديث عن هدنة تكون بين المسلمين والروم ‪ ،‬والهدنة كما جيياء فييي الشييرح ‪ ،‬هييي صييلح علييى إيقيياف‬
‫القتال قبل اشتعال فتيله أو في بداياته ‪ ،‬ومن ثم يغييدر الييروم فيغييزون ديييار المسييلمين ‪ ،‬بجيييش قييوامه مييا ُيقييارب‬
‫المليون جندي ‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫أما الهدنة وما يسبقها فيوضحه الحديث التالي ‪:‬‬
‫جَبْييرِ‬‫ن ُ‬ ‫عي ْ‬‫ت َمَعُهْم ‪َ ،‬فحَّدَثَنا َ‬ ‫ن ‪َ ،‬وِمْل ُ‬‫ن َمْعَدا َ‬‫خاِلِد ْب ِ‬
‫ن َأِبي َزَكِرّيا ‪ِ ،‬إَلى َ‬ ‫ل َواْب ُ‬‫حو ٌ‬‫ل َمْك ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ما َ‬ ‫طّيَة ‪َ ،‬قا َ‬‫عِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ْب ِ‬
‫سا َ‬‫حّ‬‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫َ‬
‫سّلَم ‪،‬‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الّنِب ّ‬
‫حا ِ‬ ‫صَ‬‫ن َأ ْ‬ ‫ل ِم ْ‬
‫جٍ‬ ‫خَبٍر ‪َ ،‬ر ُ‬
‫ق ِبَنا ِإَلى ِذي ِم ْ‬ ‫طِل ْ‬‫جَبْيٌر ‪ :‬اْن َ‬
‫ل ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن اْلُهْدَنِة ‪َ ،‬قا َ‬
‫عْ‬ ‫ن ُنَفْيٍر ‪َ ،‬‬ ‫ْب ِ‬
‫ن ال فّروَم‬ ‫حو َ‬ ‫صففاِل ُ‬
‫سُت َ‬
‫ل‪َ ":‬‬ ‫سيّلَم ‪َ ،‬يُقييو ُ‬‫عَلْييِه َو َ‬
‫لُي َ‬‫صّلى ا ّ‬‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬‫ت َر ُ‬ ‫سِمْع ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن اْلُهْدَنِة ‪َ ،‬فَقا َ‬‫عْ‬ ‫جَبْيٌر َ‬‫سَأَلُه ُ‬
‫َفَأَتْيَناُه ‪َ ،‬ف َ‬
‫حّتى َتْنِزُلوا‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫جُعو َ‬‫ن ‪ُ ،‬ثّم َتْر ِ‬ ‫سَلُمو َ‬
‫ن ‪َ ،‬وَت ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬وَتْغَنُمو َ‬‫صُرو َ‬ ‫ن َوَراِئُكْم ‪َ ،‬فُتْن َ‬ ‫عُدّوا ِم ْ‬ ‫ن َأْنُتْم َوُهْم َ‬ ‫حا آِمًنا ‪َ ،‬فَتْغُزو َ‬ ‫صْل ً‬‫ُ‬
‫ج فٌل ِم ف ْ‬
‫ن‬ ‫ب َر ُ‬‫ضف ُ‬ ‫ب ‪َ ،‬فَيْغ َ‬ ‫ص فِلي ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫غَل ف َ‬
‫ب ‪َ ،‬فَيُقففوُل ‪َ :‬‬ ‫ص فِلي َ‬
‫ص فَراِنّيِة ال ّ‬ ‫ن َأْه فِل الّن ْ‬ ‫ج فٌل ِم ف ْ‬
‫ج ِذي ُتُلففوٍل ‪َ ،‬فَيْرَف فُع َر ُ‬ ‫ِبَم فْر ٍ‬
‫ححه اللباني وأخرجه ابن‬ ‫حَمِة " ‪ ،‬رواه أبو داود ‪ ،‬وص ّ‬ ‫جَمُع ِلْلَمْل َ‬
‫ك ‪َ ،‬تْغِدُر الّروُم ‪َ ،‬وَت ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬فَيُدّقُه ‪َ ،‬فِعْنَد َذِل َ‬‫سِلِمي َ‬
‫اْلُم ْ‬
‫ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي ‪.‬‬
‫ت َثَمففاِني َ‬
‫ن‬ ‫حف َ‬
‫حيَنِئٍذ ‪َ ،‬ت ْ‬
‫ن ِ‬
‫حَمفِة ‪َ ،‬فَيفْأُتو َ‬
‫ن ِلْلَمْل َ‬
‫جَتِمُعففو َ‬
‫وتكملة للحديث في رواية أخيرى بسييند آخيير لبين مياجه " َفَي ْ‬
‫شَر َأْلًفا " ‪.‬‬
‫ع َ‬
‫غاَيٍة اْثَنا َ‬
‫ت ُكّل َ‬
‫ح َ‬
‫غاَيٍة ‪َ ،‬ت ْ‬
‫َ‬
‫جاء في شرح هذا الحديث في ) عون المعبود ( ‪ " :‬الروم جيل معروف في بلد واسعة تضيياف إليهييم فيقييال بلد‬
‫الروم ‪ ،‬ومشارق بلدهم وشييمالهم الييترك والييروس والخييزر ‪ ،‬وجنيوبهم الشييام والسييكندرية ‪ ،‬ومغيياربهم البحيير‬
‫والندلس ‪ ،‬وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدودهم أيام الكاسرة ‪ ،‬وكانت أنطاكية دار ملكهم إلييى أن نفيياهم‬
‫المسلمون إلى أقصى بلدهم انتهى ‪ ...‬فسأله جبير عن الهدنة ‪ ،‬أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبييين الييروم ‪،‬‬
‫آمنا أي ذا أمن ‪ ،‬فتغزون أنتم أي فتقاتلون أيها المسلمون ‪ ،‬وهم أي الروم المصالحون معكم عدوا من ورائكييم أي‬
‫من خلفكم ‪ ،‬وقال السندي في حاشية ابن ماجه ‪ ،‬أي عدوا آخرين بالمشاركة والجتماع ‪ ،‬بسبب الصلح الذي بينكم‬
‫وبينهييم ‪ ،‬فُتنصييرون بصيييغة المجهييول ‪ ،‬وتغنمييون بصيييغة المعلييوم أي المييوال ‪ ،‬وتسييلمون ميين السييلمة ‪ ،‬أي‬
‫تسلمون من القتل والجرح في القتال ‪ ،‬ثم ترجعون أي من عدوكم ‪ ،‬حتى تنزلوا أي أنتم وأهييل الييروم بمييرج ‪ ،‬أي‬
‫الموضع الذي ترعى فيه الدواب قاله السندي ‪ ،‬وفي النهاية أرض واسعة ذات نبات كثيرة ‪ ،‬ذي تلييول بضييم التيياء‬
‫جمع تل وهو موضع مرتفع ‪ ،‬قاله القاري ‪ ،‬وقال السندي ‪ :‬كل ما اجتمع على الرض من تراب أو رمل انتهييى ‪.‬‬
‫فيقول أي الرجل منهم غلب الصليب أي دين النصارى ‪ ،‬فيدّقه أي فيكسر المسلم الصليب ‪ ،‬تغدر الروم أي تنقض‬
‫العهد ‪ ،‬وتجمع أي رجالهم ويجتمعون للملحمة أي للحرب " ‪.‬‬
‫هذا الحديث ُيخبر بأن هناك صلحا آمنا أي ل قتال فيه ‪ ،‬سيكون بين المسييلمين والنصييارى لمييدة ميين الزميين ‪ ،‬ثييم‬
‫ُيقاتلون جنبا إلى جنب عدوا مشتركا فينتصرون بل خسائر ‪ ،‬وبعييد النصيير يقييع الخلف بييين المنتص يَرْين بسييبب‬
‫ادعاء أحد النصارى أن النصر كان للصليب دون السييلم فيقتتييل الطرفييان ‪ ،‬وميين ثييم ُيفييض الشييتباك ‪ ،‬وتعليين‬
‫الهدنة ‪ ،‬ومن ثم يعود النصارى إلى ديارهم مضمرين الغدر ‪ ،‬ليعودوا في قادم في اليام في جيش عرمييرم لغييزو‬
‫المسلمين في أرضهم ‪ ،‬ونرى بأن ذلك سيكون زمن المهدي ‪.‬‬

‫الروم قديما وحديثا ‪:‬‬

‫نعلم أن المبراطورية الرومانية القديمة ‪ ،‬كانت قد انقسمت إلى قسييمين شييرقي وغربييي ‪ ،‬واّتخييذت القسييطنطينية‬
‫عاصمة للجزء الشرقي ‪ ،‬وروما عاصمة للجزء الغربي ‪ ،‬وذلك قبل ظهور السلم بحوالي مييائتي سيينة ‪ ،‬وبقيييت‬
‫القسطنطينية عاصمة لمملكة الروم الشرقية منذ ذلك الوقت ‪ ،‬حتى تم فتحها على يد محمد الفاتييح سييابع السييلطين‬
‫العثمانيين ‪ ،‬وبذلك اختفت مملكة الييروم الشييرقية إلييى البييد ‪ ،‬وأمييا سييكان تركيييا الحيياليين فمعظهييم ميين التييراك‬
‫المتأسلمون ‪ ،‬الذين يعودون في أصولهم إلى غرب الصين ‪ ،‬مع بقاء نسبة قليلة من النصارى فيهييا ذوي الصييول‬
‫الرومية ‪ ،‬أما النسبة الكبر من الروم فقد هاجرت وانتشرت فيما حولها من بلدان أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫ولنذكر هنا أن المسلمين حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة ‪ ،‬ولم يتمكنوا من فتحها إل بعد أن بييدأت شييمس‬
‫العثمانيون الترك بالظهور فيما ُيسمى بآسيا الصغرى ‪ ،‬وذلك بعد ضعف الدولة السلجوقية وانحللها عام ‪1300‬م‬
‫تقريبا ‪ ،‬فبدأت دولتهم بالتساع غربا على حساب مملكة الروم الشرقية شيئا فشيئا ‪ ،‬حتى اقتصيرت مملكية اليروم‬
‫الشرقية عليى القسيطنطينية وضيواحيها ‪ ،‬وعنيدما تسيّلم محميد الفاتيح لمقالييد الحكيم ليم يتيوانى عين فتحهيا سينة‬
‫‪1453‬م ‪ .‬ومن ثم استمرت فتوحات العثمانيين حتى شملت معظم بلدان منطقة البلقان في أوروبا الشرقية ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫والمتتبع للتاريخ الحديث ‪ ،‬سيجد أن روسيا القيصرية بعد بزوغ شمسها ‪ ،‬أصبحت الوريث الكييبر لمملكيية الييروم‬
‫الشرقية بعد زوالها ‪ ،‬حيييث كييانت ومييا زالييت فييي القييرون الخيييرة ‪ ،‬تحيياول تنصيييب نفسييها كراعييية وحامييية ‪،‬‬
‫لمصالح نصارى الشرق ذوي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬وأخذت على عاتقها بعييد أن اشييتد عودهييا ‪ ،‬مهميية اسييتعادة‬
‫القسطنطينية من التراك ومن ثم إعادتها كعاصمة دينية للكنيسة الرثوذكسييية كمييا كييانت فييي السييابق ‪ ،‬وهييو مييا‬
‫تحاول الستئثار به حاليا الكنيسة اليونانية الموالية للغرب ‪ .‬وفيما يلي بعض البنود التي جاءت في وصية بطييرس‬
‫الكبر ‪ ،‬المؤسس الحقيقي للملكة الروسية في أواخر القرن السابع عشر ‪ ،‬ميين كتيياب ) تاريييخ الدوليية العثمانييية (‬
‫لفريد بك المحامي ‪:‬‬
‫" البند التاسع ‪ :‬ينبغي التقرب بقدر المكان من استنبول والهند ‪ ،‬وحيث انه من القضايا المسلمة أن من يحكم على‬
‫استنبول ‪ ،‬يمكنه حقيقة أن يحكم على الدنيا بأسرها ‪… ،‬‬
‫البند الحادي عشر ‪ ، … :‬وحينما نستولي على استنبول ‪ ،‬علينا أن نسلط دول أوروبييا القديميية علييى دوليية النمسييا‬
‫حربا ‪ ،‬أو ُنسكن حسدها ومراقبتها لنا ‪ ،‬بإعطائها حصة صغيرة من الماكن ‪ ،‬التي نكييون قييد أخييذناها ميين قبييل ‪،‬‬
‫وبعدها نسعى إلى نزع هذه الحصة منها ‪.‬‬
‫البند الثاني عشر ‪ :‬ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين ‪ ،‬الذين هم من مذهب الروم المنكرييين لرياسيية البابييا‬
‫الروحية ‪ ،‬والمنتشرين في بلد المجر والممالك العثمانية ‪ ،‬ونجعلهم أن يتخذوا دولة روسيا مرجعييا ومعينييا لهييم ‪،‬‬
‫ومن اللزم قبل كل شيء ‪ ،‬إحداث رياسة مذهبية ‪ ،‬حتى نتمكن من إجراء نوع من السلطة الدينية عليهم … " ‪.‬‬

‫المذاهب النصرانية ‪:‬‬

‫ن عداوة للسلم والمسلمين ‪ ،‬ولكيين بييالنظر إلييى الطييوائف الثلثيية الكييبرى المهيمنيية‬ ‫كل النصارى بل استثناء تك ّ‬
‫على العالم المسيحي ‪ ،‬نجد أن معتنقي المذهب البروتستانتي والذي ُتمّثله أمريكييا وبريطانيييا وهولنييدا ‪ ،‬هييم الشيّد‬
‫عدواة وكراهية للمسلمين والعرب بشكل خاص ‪ ،‬والمعروفين بميلهم وتأييدهم لليهييود ‪ ،‬ويليهييم فييي ذلييك معتنقييي‬
‫المذهب الكاثوليكي ‪ ،‬والذي ُتمّثله فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وباقي الدول الغربية ‪ ،‬وأقّلهييم عييدواة وكراهييية‬
‫هم معتنقي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬والذي ُتمّثله روسيا ودول أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ القديم والحديث ‪ ،‬سيجد أن الطوائف المسيحية الثلثة علييى خلف دائم ‪ ،‬وأن العييداوة والبغضيياء‬
‫مستفحلة وذات جذور عميقة ‪ ،‬فنصارى الشرق الرثوذكس لم ينسوا ولم يغفروا لنصارى الغرب من الكاثوليك ‪،‬‬
‫ما أوقعوه بهم من مذابح في حملت الغرب الصليبية ‪ ،‬ولم يقبلوا مؤخرا اعتذار البابا عنها ‪ .‬والعييداوة والبغضيياء‬
‫مستفحلة حتى بين الكاثوليك والبروتستنت من جهة أخرى ‪ ،‬كما هو الحال في أيرلنييدا الشييمالية ‪ ،‬وهييذا مييا أخييبر‬
‫ظففا ِمّمفا ُذّكفُروا ِبفِه ‪،‬‬
‫حّ‬
‫سفوا َ‬ ‫خفْذَنا ِميَثفاَقُهْم ‪َ ،‬فَن ُ‬
‫صففاَرى ‪َ ،‬أ َ‬ ‫ن َقفاُلوا ِإّنفا َن َ‬
‫ن اّلفِذي َ‬
‫عنه سبحانه وتعالى في قوله ) َوِمف ْ‬
‫ن )‪ 14‬المييائدة ( وهييذه‬ ‫ص فَنُعو َ‬
‫ل ِبَما َكاُنوا َي ْ‬ ‫ف ُيَنّبُئُهْم ا ُّ‬
‫سْو َ‬‫ضاَء ‪ِ ،‬إَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ‪َ ،‬و َ‬
‫غَرْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬
‫َفَأ ْ‬
‫العداوة والبغضاء ل انقطاع لها مستمرة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهذا ما أكّده التاريخ الوروبي القديم والحديث ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ السلمي والعربي ‪ ،‬سيجد أن ما ُتخييبر عنيه هييذا الحيياديث النبوييية أعله ‪ ،‬مين شييأن مصييالحة‬
‫صييلهم معييا علييى النصيير والغنيميية‬
‫المسييلمين أو العييرب للنصييارى ‪ ،‬والتحييالف معهييم ضييد عييدو مشييترك ‪ ،‬وتح ّ‬
‫صل قييديما أو حييديثا ‪.‬‬
‫والسلمة ‪ ،‬ومن ثم الختلف وإضمار الغدر وعودة الروم لمقاتلة المسلمين ‪ ،‬لم يكن قد تح ّ‬
‫وبما أن الدنيا تعّد سنواتها الخيرة ‪ ،‬وأشراط الساعة الكبرى باتت على البواب ‪ ،‬فل شييك أن هييذه الحييرب الييتي‬
‫سيخوضها المسلمين والنصارى جنبا إلى جنبا ‪ ،‬ضد عيدوهم المشيترك للميرة الوليى والخييرة سيتقع فيي وقيت‬
‫قريب ‪ .‬والحاديث النبوية ُتخبر أن هناك ثلثة أطراف ؛ المسلمون والروم وعدو مشترك للمسلمين والروم ‪.‬‬
‫وبما أن هذا الحدث سيقع ضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬ومن خلل قييراءة الواقييع ‪ ،‬فييي ضييوء مييا أخييبرت عنييه‬
‫الحاديث ‪ ،‬سنجد أن الروم ما زالوا ينقسمون إلى قسمين ‪:‬‬
‫نصارى الشرق من معتنقي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬وهم الُمقيمييون إجمييال فييي أوروبييا الشييرقية ‪ ،‬أو دول‬ ‫•‬
‫حلف وارسو القديم الذي كانت فيه الزعامة وما زالت للدولة الروسية ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫نصارى الغرب من معتنقي المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي ‪ ،‬وهم المقيمون إجمال في أمريكييا‬ ‫•‬
‫وأوروبا الغربية ‪ ،‬أو دول حلف الناتو بزعامة أمريكا ‪.‬‬
‫ن عداوة مذهبية قل نظيرها للفريييق الخيير ‪ .‬ولييو نظرنييا إلييى الواقييع الحييالي لوجييدنا أن أمريكييا‬ ‫وكل الفريقين ُيك ّ‬
‫وبريطانيا وفرنسا ‪ ،‬هي الدول الشّد عداءً للعرب والمسلمين منذ حروبهم الصليبية الولييى ‪ ،‬الييتي كييانت تقودهييا‬
‫فرنسا بصفتها الراعيية للمييذهب الكيياثوليكي ‪ ،‬منضييويا تحييت لوائهييا كييل ميين ألمانيييا وإيطاليييا وإنكلييترا ‪ ،‬وحييتى‬
‫حروبهم الستعمارية في العصر الحديث بقيادة أمريكا ‪ ،‬وما موالة هذه الدول لبعض الدول العربييية إل مداهنيية ‪،‬‬
‫من قبيل الحرص على مصالحها فقييط ‪ ،‬بييل هييي أكييثر مقتييا واحتقييارا وامتهانييا لتلييك الييدول نفسييها ميين غيرهييا ‪،‬‬
‫ل عييداًء للعييرب‬‫ولوجدنا أيضا أن الروس ونصارى الشرق إجمال ‪ ،‬ممن يعتنقون المذهب الرثوذكسييي هييم القي ّ‬
‫والمسلمين من مجموع المذاهب النصرانية ‪.‬‬
‫لنخلص إلى القول ‪ ،‬بأن الفريييق الييذي سيييكون حليفنييا فييي المعركيية القادميية هييم الييروس ‪ ،‬ضييد عييدونا وعييدوهم‬
‫المشترك أمريكا ومين شييايعها مين دول حليف النيياتو ‪ .‬وأن هيذا التحييالف بيين الييروس والعييرب سيحصييل بيدافع‬
‫المصالح أول ‪ ،‬وعليى قاعيدة عيدو عيدوي صيديقي ثانييا ‪ ،‬ولييس حبيا بيالعرب أو بالمسيلمين ‪ ،‬ولكين لتعيارض‬
‫مصالحهم مع مصالح المريكان ‪ ،‬ولكراهية الروس المذهبية لمريكا واليهود ‪.‬‬
‫هذه الحرب البشع في تاريخ البشرية ‪ ،‬أجد أحداثها ونتائجها موصوفة في كييثير ميين اليييات ‪ ،‬فييي مطييالع سييور‬
‫كثيرة من سور القرآن ‪ ،‬والتي يعتقد معظم الناس ‪ ،‬أنهييا ُتخييبر عيين أحييداث ييوم القياميية ‪ ،‬ومنهييا اشييتعال البحييار‬
‫واضطراب السماء وزلزلة الجبييال وانهيييار بعضييها ‪ ،‬وحييتى السييلحة المسييتخدمة فييي الحييروب الحديثيية ‪ ،‬كييان‬
‫سبحانه قد أخبر عنها ‪ ،‬أيضا في مطالع السور فالطارق هو الصاروخ والعاديات هي الدبابات ‪ ،‬وربما نفرد لهييذا‬
‫المر بحثا خاصا ‪ ،‬إن شاء ال في وقت لحق ‪ ،‬وسيكون متوافرا على نفس موقع الكتيياب هييذا إن أسييعفنا الييوقت‬
‫وكان في العمر بقية ‪.‬‬

‫النتائج المتوقعة للحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬

‫تدمير عدد كبير من المدن الكبرى ‪ ،‬وخاصة في أمريكا ومن شايعها من الدول في الشرق والغرب ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ارتفاع هائل ومفاجئ ‪ ،‬في درجة حرارة الرض نتيجة التفجيرات النووية ‪ ،‬ذوبان الكتل الجليدية القريبيية‬ ‫‪.2‬‬
‫من القطب الشمالي للكرة الرضية ‪ ،‬وتبخر مياه المحيطات والبحار ‪ ،‬وعودتها على شييكل أمطييار غزييرة ‪ ،‬ممييا‬
‫يتسبب في طوفان كبير ‪ ،‬أشبه ما يكون بطوفان نوح عليه السلم ‪ ،‬وبالتالي اختفاء بعض البلدان والجزر غرقا ‪.‬‬
‫اختفاء معالم الحضارة الغربية ومظاهرها ‪ ،‬من خلل الموت البطيء للتكنولوجيييا المتبقييية ‪ ،‬لعييدم القييدرة‬ ‫‪.3‬‬
‫على تجديدها ‪ ،‬بكسر حلقة أو أكثر من حلقات سلسلة إنتاجها ‪ ) ،‬نفط _ كهرباء _ تقنية _ كهرباء _ نفط ( ‪.‬‬
‫عودة منطقة الشرق الوسط كبؤرة للنشاط والصراع العالمي ‪ ،‬كما كانت في العصور القديمة ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫عودة عصور الجاهلية الولى في أبشع صورها ‪ ،‬بما فيها من ظلم وجور وفساد وإفساد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫قال تعالى‬
‫ل َوَلًدا )‪(4‬‬
‫خَذ ا ُّ‬
‫ن َقاُلوا اّت َ‬
‫) َوُيْنِذَر اّلِذي َ‬
‫ن ِإّل َكِذًبا )‪(5‬‬
‫ن َيُقوُلو َ‬
‫ن َأْفَواِهِهْم ِإ ْ‬
‫ج ِم ْ‬
‫خُر ُ‬
‫ت َكِلَمًة َت ْ‬
‫لَباِئِهْم َكُبَر ْ‬
‫عْلٍم َوَل ِ‬
‫ن ِ‬
‫َما َلُهْم ِبِه ِم ْ‬
‫سًفا )‪(6‬‬
‫ث َأ َ‬
‫حِدي ِ‬
‫ن َلْم ُيْؤِمُنوا ِبَهَذا اْل َ‬
‫عَلى َءاَثاِرِهْم ِإ ْ‬
‫ك َ‬
‫سَ‬‫خٌع َنْف َ‬
‫ك َبا ِ‬
‫َفَلَعّل َ‬
‫ل )‪(7‬‬
‫عَم ً‬
‫ن َ‬
‫سُ‬‫ح َ‬
‫ض ِزيَنًة َلَها ِلَنْبُلَوُهْم َأّيُهْم َأ ْ‬
‫عَلى اَْلْر ِ‬
‫جَعْلَنا َما َ‬
‫ِإّنا َ‬
‫جُرًزا )‪(8‬‬
‫صِعيًدا ُ‬
‫عَلْيَها َ‬
‫ن َما َ‬
‫عُلو َ‬
‫جا ِ‬
‫َوِإّنا َل َ‬
‫) الكهف (‬

‫‪225‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬
‫ل اهتمامي في بداية المر محصورا في معرفة ماهية أولئك العباد ‪ ،‬الذين سيبعثهم ال علييى بنييي إسييرائيل‬‫كان ج ّ‬
‫في المرة الثانية ‪ ،‬وخلل هييذا البحييث اضييطررت لطييرق مواضيييع كييثيرة ذات علقيية بموضييوع البحييث ومنهييا‬
‫موضوع هذا الفصل ‪ ،‬الذي يبحث في مسألة العد في القرآن ومحاولة تقدير فترة زمنية لنهاية الدولة اليهودية فييي‬
‫فلسطين ‪ ،‬والذي دفعني للبحث في هذه المسألة هو عدم اقتناعي بنتائج ما اطلعت عليه من أبحاث قدمها آخرون ‪.‬‬

‫مسألة العدّ في القرآن ‪:‬‬

‫أغلب رجال الدين إل من رحم ربي ‪ُ ،‬ينّفرون من مسألة العّد في القرآن ‪ ،‬ومنهم من ُينكر ذلييك جمليية وتفصيييل ‪،‬‬
‫وربما يذهب البعض إلى اتهام من يبحث في هذا المر بالسحر والشعوذة والتنجيم ‪ .‬ويتذّرع البعض فييي معييرض‬
‫إنكاره واستنكاره لمسييألة العيّد فييي القييرآن ‪ ،‬بعييدم وجيود خييبر صييريح وصييحيح عين رسييول الي علييه الصييلة‬
‫والسلم ‪ ،‬أتى من قريب أو بعيد على ذكر هذه المسألة ‪ ،‬وذلك مع علمهيم بعيدم وجيود خيبر أو حيتى أثير ‪ُ ،‬ينكير‬
‫وجود العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬أو ينهى عن البحث في أمر إثباته وبيانه !!‬

‫دد فترة زمنية في سورة الروم ‪:‬‬


‫القرآن يح ّ‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫ن‬
‫ن َقْبُل َوِم ْ‬
‫ل الَْْمُر ِم ْ‬ ‫ن ‪ِّ ،‬‬‫سِني َ‬
‫ضِع ِ‬ ‫ن )‪ِ (3‬في ِب ْ‬ ‫سَيْغِلُبو َ‬
‫غَلِبِهْم َ‬
‫ن َبْعِد َ‬‫ض ‪َ ،‬وُهْم ِم ْ‬‫غِلَبتِ الّروُم )‪ِ (2‬في َأْدَنى اَْلْر ِ‬ ‫) ُ‬
‫خِل ف ُ‬
‫ف‬ ‫ل ف ‪َ ،‬ل ُي ْ‬
‫عَد ا ِّ‬‫حيُم )‪َ (5‬و ْ‬ ‫شاُء ‪َ ،‬وُهَو اْلَعِزيُز الّر ِ‬ ‫ن َي َ‬
‫صُر َم ْ‬‫ل ‪َ ،‬يْن ُ‬ ‫صِر ا ِّ‬
‫ن )‪ِ (4‬بَن ْ‬ ‫ح اْلُمْؤِمُنو َ‬
‫َبْعُد ‪َ ،‬وَيْوَمِئٍذ َيْفَر ُ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫خَرِة هُْم َ‬ ‫لِ‬
‫نا ْ‬‫عِ‬
‫ن اْلحََياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وُهْم َ‬‫ظاِهًرا ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (6‬يْعَلُمو َ‬ ‫س َل َيْعَلُمو َ‬‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬
‫عَدُه ‪َ ،‬وَلِك ّ‬ ‫ل َو ْ‬‫ا ُّ‬
‫جاء النص القرآني بفعل ماض مبني للمجهول فأظهر المغلوب ) الروم ( ولم يظهر الغالب ) الُفرس ( ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وأضاف نبأ جديدا وهو غلبة الروم مستقبل لمن غلبهم في الماضي ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وحّدد فترة زمنية لتحّقق ذلك ببضع سنين ‪ ،‬والبضع لغًة يقّدر بي ] ‪ [ 9 – 3‬سنوات ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وأفاد بأن المؤمنين سيفرحون عند تحّقق هذا المر ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وأكّد على أنه وعد من ال وأن ال ل ُيخلف وعده ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون ( مما يكون من أمر ال ‪.‬‬
‫وعّقب بقوله ) ولك ّ‬ ‫‪.6‬‬
‫وأما ما يعلمه الناس فهو ظاهر الحياة الدنيا أي الواقع الذي يستشعرونه بحواسهم فقط ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫أما أمر الغيبيات التي أخبر عنها سبحانه في كتابه ومنها الحياة الخرة فهم عنها غافلون ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫فلو قلنا بأن هذه النبوءة تقول ‪ :‬بأن الروم سيهزمون الفرس في فترة زمنية ‪ ،‬تتراوح ما بين ] ‪ [ 9 – 3‬سنوات ‪،‬‬
‫سيقول من لم يعلم بظروف هذه النبوءة ‪ ،‬ولم يعلم أن البضع في لغة العرب يساوي ) ‪ ( 9 – 3‬أن هذا الذي نقول‬
‫غير موجود في القرآن نصًا ‪ ،‬فكيف عرفت أن الذين سُيهزمون هم الفرس ؟ وأن ذلك سيتم في فترة ل تقل عن ‪3‬‬
‫سنوات ول تزيد عن ‪ 9‬سنوات ؟‬
‫نلحظ أن هذه النبوءة كييانت واضييحة بالنسييبة للمسييلمين ميين حيييث ميين سيييغلب مين ‪ ،‬ولكين زميين التحّقييق جيياء‬
‫فضفاضا إذ لم يشأ سبحانه مع علمه ‪ ،‬الكشف عن الزمن بشكل دقيييق ‪ ،‬ولكنييه أعطييى فييترة زمنييية علييى مييدى ‪6‬‬
‫سنوات تقريبا ‪ ،‬لُيترك المجال لجريان السباب والمسّببات ‪ ،‬التي من شأنها أن تترجم النبوءة على أرض الواقع ‪،‬‬
‫دون تعطيل من البشر من جّراء العلم المسبق بحيثياتها ‪.‬‬
‫ولو تمعّنا في التعقيب الخير في الية )‪ (7‬على مجمل ما أخبر عنه سييبحانه فييي اليييات السييابقة لهييا ‪ ،‬سييتجد أن‬
‫ف البشييرى للمييؤمنين بحتمييية النصيير‬ ‫هناك حكمة إلهية من الخبار عن شأن هذا الحدث المسييتقبلي ‪ ،‬أل وهييي ز ّ‬
‫‪226‬‬
‫مستقبل ‪ ،‬فكما تحّققت هذه النبوءة وهذا الوعد على أرض الواقع ‪ ،‬فسُينجز ال كل ما وعد به فييي كتييابه الكريييم ‪،‬‬
‫ليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بصدق كل ما حواه هذا الكتاب من شأن الدنيا والخرة ماضيا وحاضييرا ومسييتقبل ‪،‬‬
‫وصدق من أنزله وصدق وأمانة من ُأرسل به هدى ورحمة للعالمين ‪.‬‬

‫الحكمة اللهية من كشف بعض الغيب للناس في الكتب السماوية ‪:‬‬

‫تراوحت غايات الخبار عن أنباء المستقبل ما بين البشارة والنذارة ‪ ،‬وأهم النباء المستقبلية التي يريد رب العييزة‬
‫أن يتيقن منها الناس هي اليوم الخر ‪ ،‬بما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ‪ ،‬وهذه الحقيقيية تكيياد ل تخلييو أي‬
‫من سور القرآن من ذكرها والتذكير بها ‪ ،‬إذ أن مؤدى إنكار اليوم الخر حتى ولو ُقرن مع اليمان بال هو عبييث‬
‫صل عليه مين مكاسيب دنيويية فقيط ‪ ،‬وبيذلك يفسيد النياس وتفسيد‬ ‫وعبثية ‪ ،‬لُيصبح إحسان النسان مرتبط بما يتح ّ‬
‫س َل‬
‫ن َأْكَث فَر الّنففا ِ‬
‫الرض فيحل بهم الهلك ‪ ،‬ولذلك عّقب سبحانه بعد الخبار عيين هييذه النبييوءة بقييوله ) … َوَلِك ف ّ‬
‫ن )‪ 7‬الروم ( ‪.‬‬
‫غاِفُلو َ‬
‫خَرِة ُهْم َ‬
‫لِ‬
‫نا ْ‬
‫عِ‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وُهْم َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ظاِهًرا ِم َ‬
‫ن َ‬
‫ن )‪َ (6‬يْعَلُمو َ‬
‫َيْعَلُمو َ‬
‫وقد جاءت أخبار النبوءات المستقبلية في القرآن والسّنة مسبقا ‪ ،‬لتتحّقق في أزمييان يكييون الميؤمنين فيهييا ‪ ،‬بييأمس‬
‫الحاجة لما يقوي إيمانهم وُيثّبتهم على دينهم ويشّد من أزرهم ‪ ،‬في مواجهة أهل الكفر والفسيوق والعصييان ‪ ،‬كميا‬
‫هو الحال مع النبوءة السابقة ‪ .‬وجاءت أيضا لتتحّقق في أزمان يكاد فيها اليمان أن يلفظ أنفاسه الخيييرة لُتعيييد لييه‬
‫الحياة في قلوب أصحابه ‪ ،‬ولينفضوا ما علق بأرواحهم وما أغشى أبصييارهم وبصييائرهم ميين رميياد هييذه الييدنيا ‪،‬‬
‫التي أوشكت على الفناء ‪ .‬فإذا ما عاصر الناس تحّقق نبوءة على أرض الواقيع مميا أخيبر بيه القيرآن ‪ ،‬أثبيت هيذا‬
‫القرآن للناس بشكل قاطع وملموس محسوس بأنه من لدن حكيم عليم عالم للغيب والشهادة ‪ ،‬وأن ل بييد للنيياس مين‬
‫المثول بين يديه فالموت ليس نهاية المطاف ‪ ،‬بل هو بداية رحلة ل نهاية لها من الشقاء أو السعادة ‪.‬‬

‫سورة الكهف ‪:‬‬


‫كنت قد قرأت فيما سبق بعضا من كتب العجاز العييددي فييي القييرآن ‪ ،‬وميين ضييمنها كتيياب بسييام جييرار بعنييوان‬
‫) إعجاز الرقم ‪ ( 19‬حيث قال بسام جرار فيه ‪:‬‬
‫ف‬
‫ب اْلَكْهف ِ‬
‫حا َ‬
‫صف َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬
‫سْب َ‬
‫ح ِ‬
‫" كنت أقرأ سورة الكهف فخطر ببالي أن أحصي الكلمات من بداية قصة الكهف ) َأْم َ‬
‫َوالّرِقيِم ( وعندما وصلت إلى الية )‪َ ) : (25‬وَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم ( وإذا بالكلمة التي تأتي بعد هذه العبارة مباشييرة‬
‫هي الكلمة رقم )‪ (309‬ونحن نعلم أنهم لبثوا في كهفهم )‪ (309‬سنوات كما نص القرآن الكريم " ‪.‬‬
‫* كان هذا نقل حرفيا لما جاء في الكتاب ‪ ،‬وكان هذا الكتاب سابقا لكتاب ) زوال إسرائيل ( بعدة سنوات ‪.‬‬
‫عندما قرأت هذه المعلومة أحببت أن أتأكد من صحتها ‪ ،‬فقمت بإجراء نفس عملية الحصاء آنذاك فتبّين لي صحة‬
‫الخبر ‪ .‬ظننت في بادئ المر أن المقصود هو إظهار التوافق العييددي اللغييوي ‪ ،‬مييا بييين عييدد السيينين الييتي لبثهييا‬
‫هؤلء الفتية في الكهف ‪ ،‬وعدد كلمات القصة التي تروي خبرهم ‪ ،‬وهو بحّد ذاتييه شيييء جميييل وعجيييب ‪ .‬ولكيين‬
‫عندما رغبت في البحث في مسألة زوال إسرائيل فيما بعد حيث لم أقتنع بحسابات بسام جرار ‪ ،‬أصبح لهذا المثال‬
‫ى أخرا ‪.‬‬
‫المطروح في سورة الكهف معن ً‬
‫تصّفحت سورة السراء مرارا وتكرارا ‪ ،‬ولفت انتباهي أن موضوع السورة بشكل عام هم بني إسرائيل أنفسهم "‬
‫وبني إسرائيل " هو السم التوقيفي للسورة ‪ ،‬كما ورد في جميع الحاديث والروايات التي جيياءت علييى ذكرهييا ‪،‬‬
‫وأما ما ُترّكز عليه السورة بشكل خيياص هييو قصيية المرتييين ‪ ،‬ومييا فيهمييا ميين إفسيياد وعلييو ووعييد لكييل منهمييا ‪،‬‬
‫والملحظ أن القصة لها بداية ولها نهاية ‪ .‬قمت بالمقارنة بييين القصييتين وفييي مخيلييتي تسيياؤل مفيياده ‪ ،‬أليييس ميين‬
‫الممكن أن يكون سبحانه قد طرح هذا المثال الموجود في سورة الكهف ‪ ،‬لكي نقييوم بتطييبيقه فييي سييورة السييراء‬
‫لستخراج موعد هلك بني إسرائيل في المرة الثانية ؟!‬

‫‪227‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا ‪:‬‬

‫ُترّكز سورة السراء بشكل كبير على ذكر وعد الخرة ‪ ،‬وهو وعييد بهلك بنييي إسييرائيل وزوال دولتهييم ‪ ،‬وهييذا‬
‫عْمُت فْم َأّل ف ْ‬
‫ن‬ ‫الوعد له موعد ويقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف ‪ ،‬التي تلي سورة السراء مباشييرة ) … َب فْل َز َ‬
‫عًدا )‬ ‫جَعْلَنا ِلَمْهِلِكِهْم َمْو ِ‬
‫ظَلُموا ‪َ ،‬و َ‬
‫ك اْلُقَرى َأْهَلْكَناُهْم َلّما َ‬
‫عٌد … )‪َ (58‬وِتْل َ‬
‫عًدا )‪َ … (48‬بْل َلُهْم َمْو ِ‬
‫جَعَل َلُكْم َمْو ِ‬
‫َن ْ‬
‫‪ (59‬هذا التكرار لكلمة موعد والتأكيد على أن هناك موعد أمر ملفت للنظر ‪ .‬حاولت في البداية إيجاد أوجه الشبه‬
‫عّدت إلى سورة الكهف وقمت بدارسة وتحليل المثال المطروح فيها ‪ ،‬فخرجت منه بعييدة‬ ‫بين السورتين ‪ ،‬ومن ثم ُ‬
‫قواعد رياضية فتملكني شعور آنذاك ‪ ،‬أن هذا المثال إنما ُوضع ليكون بمثابيية مفتيياح ‪ ،‬للكشييف عيين موعييد هلك‬
‫بني إسرائيل في سورة السراء ‪.‬‬

‫قصة أصحاب الكهف ‪:‬‬

‫بعد إطلعي على قصة أصحاب الكهف ‪ ،‬من خلل كتاب ) أهل الكهف ( لحدى دور النشر الردنييية ‪ -‬ل أذكيير‬
‫اسم المؤلف ‪ -‬الذي يؤكد فيه المؤلف ‪ ،‬أن الكهف المعني هو الكهييف الموجييود بييالقرب ميين العاصييمة الردنييية ‪،‬‬
‫وأن أحداث القصة وقعت بعد وفاة عيسى عليه السلم ‪ ،‬وقبييل بعييث محمييد عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬حيييث كييانت‬
‫المبراطورية الرومانية الوثنية آنذاك مسيطرة على المنطقة ‪ ،‬وأن القضية التي كانت مطروحة آنذاك هي مسييألة‬
‫البعث بعد الموت ‪ ،‬التي كان ينكرها الوثنّيون الرومانيون واليهود الخاضعين لسيطرتهم كذلك ‪.‬‬
‫والحكمة من جّراء تنويمهم ومن ثم بعثهم ‪ ،‬ومن ثم العثور عليهم من قبل أهل المدينة ‪ ،‬كانت لثبييات البعييث بعييد‬
‫الموت لدى ُأناس ذلك العصر من وثنيون ويهود ‪ ،‬وهذا ما ُيخبر عنه سبحانه وتعالى صراحة فييي قييوله ) َوَك فَذِل َ‬
‫ك‬
‫ن َبْيَنُهفْم َأْمَرُهفْم … )‪ (21‬أي‬ ‫عو َ‬‫ب ِفيَهففا ‪ِ ،‬إْذ َيَتَنففاَز ُ‬
‫عَة َل َرْي َ‬
‫سا َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ق ‪َ ،‬وَأ ّ‬ ‫حّ‬ ‫ل َ‬ ‫عَد ا ِّ‬‫ن َو ْ‬
‫عَلْيِهْم ‪ِ ،‬لَيْعَلُموا َأ ّ‬
‫عَثْرَنا َ‬
‫َأ ْ‬
‫ق _ بييالبعث بعييد المييوت‬ ‫حّ‬‫ل َ‬ ‫عَد ا ِّ‬
‫ن َو ْ‬ ‫أن ال أعثر ُأناس تلك المدينة المجاورة للكهف لكي يعلم أولئك الناس بي ) َأ ّ‬
‫ب ِفيَها ( ‪ .‬ومجيء قصة أصحاب الكهف في القرآن لييم يكيين فييي الصييل لطييرح التسيياؤلت‬ ‫عَة َل َرْي َ‬ ‫سا َ‬‫ن ال ّ‬‫_ َوَأ ّ‬
‫ل ُتَماِر ِفيِهففْم‬ ‫عن عددهم وعن مدة لبثهم ‪ ،‬فهذا أمر ل طائل منه ول فائدة فيه فهو سبحانه ينهى عن ذلك بقوله ) َف َ‬
‫سفْبَعٌة‬‫ن َ‬‫حفَدًا )‪ 22‬الكهف ( وقييد قيّرر سييبحانه عييددهم بقييوله ) َوَيُقوُلففو َ‬ ‫ت ِفيِهفْم ِمْنُهفْم َأ َ‬
‫سَتْف ِ‬
‫ظاِهَرًا َوَل َت ْ‬ ‫ِإّل ِمَراًء َ‬
‫عَلُم ِبِعّدِتِهْم َما َيْعَلُمُهْم ِإّل َقِليٌل ) ‪ 22‬الكهف ( إذ اسييتثنى هييذه العبييارة ميين قييوله ) رجمييا‬ ‫َوَثاِمُنُهْم َكْلُبُهْم ُقْل َرّبي َأ ْ‬
‫ث ِمففاَئٍة‬‫ل َ‬
‫بالغيب ( واقتصرها على القوال السابقة فقط ‪ .‬وأما مدة لبثهم فقد قّررها في قوله ) َوَلِبُثوا ِفي َكْهِفِه فْم َث َ‬
‫ض )‪ 26‬الكهف ( تأكيد على‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫غْيبُ ال ّ‬ ‫عَلُم ِبَما َلِبُثوا ‪َ ،‬لُه َ‬
‫ل َأ ْ‬‫سًعا )‪ (25‬وقوله ) ُقِل ا ُ‬ ‫ن َواْزَداُدوا ِت ْ‬ ‫سِني َ‬
‫ِ‬
‫أن ما أخبر عنه من مدة لبثهم هو الحق ‪ ،‬فهو أعلم بغيب الماضي والمستقبل كما أكّد على إخباره عن عّدتهم فيمييا‬
‫سبق ‪.‬‬

‫ل ُيمكن إحصاء السنين ‪:‬‬

‫نخلص من ذلك ‪ ،‬إلى أن المسألة المراد التركيز عليها هي شيء آخيير غييير إحصيياء عييددهم أو مييدة لبثهييم ‪ ،‬هييي‬
‫خييص سيبحانه‬ ‫إشارات لدرس رائع في الرياضيات اللهية ‪ ،‬ولتوضيح هذا الدرس سنبدأ مع بدايية القصية حيييث ل ّ‬
‫جًبا )‪ِ (9‬إْذ َأَوى‬ ‫عَ‬‫ن َءاَياِتَنا َ‬‫ف َوالّرِقيِم َكاُنوا ِم ْ‬
‫ب اْلَكْه ِ‬ ‫حا َ‬‫صَ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ت َأ ّ‬
‫سْب َ‬‫ح ِ‬‫القصة كاملة في أربع آيات ‪ ،‬في قوله ) َأْم َ‬
‫عَلففى َءاَذاِنِهفْم ِفففي‬
‫ضفَرْبَنا َ‬ ‫شفًدا )‪َ (10‬ف َ‬ ‫ن َأْمِرَنفا َر َ‬
‫ئ َلَنا ِم ْ‬‫حَمًة َوَهّي ْ‬ ‫ك َر ْ‬
‫ن َلُدْن َ‬‫ف َفَقاُلوا َرّبَنا َءاِتَنا ِم ْ‬
‫اْلِفْتَيُة ِإَلى اْلَكْه ِ‬
‫خيص يقيول ‪ :‬أن‬ ‫صففى ِلمَففا َلِبُثففوا َأَمفًدا )‪ (12‬هيذا المل ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫حْزَبْيف ِ‬
‫ي اْل ِ‬
‫عَدًدا )‪ُ (11‬ثّم َبَعْثَناُهْم ِلَنْعَلفَم َأ ّ‬ ‫ن َ‬‫سِني َ‬
‫اْلَكْهفِ ِ‬
‫أصحاب الكهف فتية لجأوا إلى الكهف ‪ ،‬وطلبوا من ربهم أن يرحمهييم وأن ُيهيييئ لهييم سييبيل للنجيياة ميين قييومهم ‪،‬‬
‫فأسلمهم سبحانه للنوم في الكهف عددا من السنين ثم بعثهم ‪ ،‬ثم عّلل أمر نومهم ثييم بعثهييم بييأنه يريييد أن يعلييم ميين‬
‫ص مدة لبثهم في الكهف من عدد السنين ‪.‬‬ ‫أحصى ممن لم ُيح ِ‬
‫وتعليل النوم والبعث حقيقة كنا قد أوضحناه سابقا ‪ ،‬ولكن الملفت للنظر هنا هو تعليل البعث في بداية القصة علييى‬
‫غير الوجه الحقيقي له ‪ ،‬بقوله تعالى ) لنعليم أي الحزبيين أحصيى لميا لبثيوا أميدا ( إذ ل ُيعقيل أن يكيون المقصيد‬
‫صها ‪ .‬وفي الواقع فإن المد ) أي الفترة الزمنية ( ل ُيحصييى‬ ‫الحقيقي هو معرفة من أحصى مدة اللبث ممن لم ُيح ِ‬
‫صل بالحساب ‪ .‬ولو فّكرت في معنى الحصاء رياضيا لوجييدت أن هييذا الييذي جيياء فييي اليييتين‬ ‫إحصاًء وإنما يتح ّ‬
‫‪228‬‬
‫غير منطقي من الناحية الرياضية العملية ‪ ،‬فعملية الحصاء والعّد ل يمكن القيام بها إل إذا كييان المييراد إحصيياءه‬
‫أو عّده ماثل أمامك عيانا ‪ ،‬كأن تحصي مجموعة من الشياء ‪ .‬أما أن تحصي شيئا ل تلمسه بيديك أو تراه بعينيييك‬
‫فهذا أمر مستحيل ‪ .‬وأما بالنسبة للسنين فل ُيمكن بأي حال من الحوال إحصائها أيضا ‪ ،‬لنها ليسييت أشييياء قابليية‬
‫للعّد وإنما تتحصل معرفتها بالحساب ‪ ،‬فهي نتيجة لجمع عدد من الشهور ‪ ،‬والشهور نتيجة لجمع عدد من اليييام ‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال ‪ ،‬إذا أردت معرفة عمر شخص ما أو عمر ُأّمة ما ‪ ،‬فما ستقوم بييه هيو عمليية طييرح للتواريييخ‬
‫لتحصيل عدد السنين ‪ ،‬التي ُتمّثل عمر ذلك الشخص أو عمر تلك المة ‪.‬‬

‫الحصاء لمدة اللبث ‪:‬‬

‫وبالتالي نستطيع القول بأن هذا التركيب اللغوي ‪ ،‬جاء ليلفت انتباهنا إلى ما جاء في هذه القصة من إعجاز عييددي‬
‫لغوي ‪ ،‬ولحصاء أشياء ماثلة أمام أعيننا أل وهي كلمات القصة ‪ ،‬التي توافييق عييدد السيينين الييتي لبثهييا أصييحاب‬
‫الكهف في كهفهم ‪ ،‬والتي إن قمت بإحصاءها ستكون في الحقيقة قمت بعّد مدة اللبث بالسنين ‪ ،‬لن عييدد الكلمييات‬
‫سفَمَوا ِ‬
‫ت‬ ‫ب اْل ّ‬‫غْيف ُ‬‫يوافق عدد السنين ‪ ،‬ويقول سبحانه تعقيبييا علييى هييذا العجيياز فيمييا يلييي القصيية مين آيييات ) َلفُه َ‬
‫ث عليى إمعيان‬ ‫سِمْع )‪ (26‬وكأنه ح ّ‬ ‫صْر ِبِه َوَأ ْ‬ ‫ض ( أي ما كشفه من شأن هؤلء الفتية من غيب الماضي ) أَْب ِ‬ ‫َواَْلْر ِ‬
‫النظر فيما بين يديك من إعجاز وكشفه والخبار عنه ‪ ،‬ويؤكد سبحانه ميين خلل هييذا التوافييق العييددي فييي نهاييية‬
‫ت ا ِّ‬
‫ل‬ ‫القصة أن ) ل ُمَبّدَل ِلَكِلَماِته ) ‪ 27‬الكهف ( كما أكّد أيضا في سورتي النعام ويونس بقوله ) َوَل ُمَبّدَل ِلَكِلَما ِ‬
‫ل )‪ (64‬ليتبين لك أن ل تبديل لمواقع الكلمات فيه ول زيادة فيه ول نقص ‪ ،‬وهييذا مييا‬ ‫ت ا ِّ‬
‫)‪َ ) (34‬ل َتْبِديَل ِلَكِلَما ِ‬
‫ن )‪ 9‬الحجر (‬ ‫ظو َ‬ ‫حففاِف ُ‬
‫ن َنّزْلَنا اْلّذْكَر َوِإّنا َلُه َل َ‬
‫حُ‬‫تثبته هذه السورة وسورة السراء أيضا مصداقا لقوله تعالى ) ِإّنا َن ْ‬
‫لًفا َكِثيًرا )‪ 82‬النساء ( ‪.‬‬ ‫خِت َ‬
‫جُدوا ِفيِه ا ْ‬
‫ل َلَو َ‬
‫غْيِر ا ِّ‬
‫عْنِد َ‬
‫ن ِ‬‫ن ِم ْ‬ ‫وقوله ) َوَلْو َكا َ‬
‫يقول سبحانه ) أحصى لما لبثوا أمدا ( نتبين من ذلك ‪ ،‬أن المراد هو إجييراء عملييية إحصيياء أو عيّد ‪ ،‬وأن المييراد‬
‫إحصاؤه _ حسب ظاهر النص القرآني ‪ -‬هو مدة اللبث ‪ ،‬وبما أن إحصيياء مييدة اللبييث ُمتعيّذر فالحصيياء سيييكون‬
‫لشياء ُتمّثل هذه المّدة ‪ ،‬أل وهي الكلمات الماثلة أمامنا والتي ُتشكل أحداث القصة ‪ ،‬لنستطيع من خلل إحصييائها‬
‫معرفية عيدد سينين ميدة اللبيث ‪ ،‬وكيأنه سيبحانه أراد أن ُيعلمنيا درسيا رياضييا نسيتطيع مين خلل القواعيد اليتي‬
‫سنستنبطها منه ‪ ،‬من استخراج عدد السنين لمدة لبث ُأناس ‪ ،‬كان قد سبق ذكرهم فييي السييورة الييتي سييبقت سييورة‬
‫الكهف ‪ ،‬وهذا يعني أن مدة لبثهم لها نهاية بهلكهم والمشار إليها بوعد الخرة ‪.‬‬

‫طريقة العدّ في سورة الكهف ‪:‬‬

‫سًعا (‬
‫ن َواْزَداُدوا ِت ْ‬
‫سِني َ‬
‫ث ِماَئٍة ِ‬ ‫ب‪ 4‬اْلَكْهفِ‪َ … … 5‬وَلِبُثوا ‪ِ 306‬ففي ‪َ 307‬كْهِففِهْم‪َ ) 308‬ث َ‬
‫ل َ‬ ‫حا َ‬‫ن‪َ 3‬أ ْ‬
‫صَ‬ ‫ت‪َ 2‬أ ّ‬
‫سْب َ‬ ‫) َأْم‪َ 1‬‬
‫ح ِ‬
‫‪(25)309‬‬
‫تبدأ القصة من الية )‪ (9‬بعبارة ) أم حسبت ( وتنتهي في الية )‪ (25‬بعبارة ) ثلثمائة سففنين وازدادوا تسففعا ( ‪.‬‬
‫نلحظ أن كلمة ) كهفهم ( تحمل العدد ) ‪ ( 308‬وأن العدد الذي يلي العدد )‪ (308‬هو )‪ (309‬وبدل من أن ينتهييي‬
‫العّد عند الكلمة التي تلي كلمة ) كهفهم ( مباشرة بقولنا ‪ :‬ثلثمائة وتسعة جاء سبحانه بعبارة ‪ ،‬تحكييي العييدد نفسييه‬
‫بالكلمات ) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( لتحمل العبارة كاملة العدد ) ‪. ( 309‬‬
‫وقوله سبحانه ) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( وعدم قوله ) تسع وثلثمائة (جاءت لُيعّلمنا قاعدة حسابية لحسيياب‬
‫الفرق بين السينين الشمسيية والسينين القمريية ‪ ،‬بإضيافة ‪ 3‬سينوات لكيل ‪ 100‬شمسيية لنحصيل عليى ميا ُيعادلهيا‬
‫بالقمرية ‪ ،‬حيث أن كل )‪ (100‬سنة شمسية تعادل )‪ (103‬سنوات قمرية تقريبا ‪ .‬ومفاد هييذه العبييارة أنهييم لبثييوا )‬
‫‪ (300‬سنة شمسية و)‪ (309‬سنة قمرية ‪ ،‬والهم من ذلك أن عدد الكلمات جاء متفقا مع مدة لبثهم بالسنين القمرية‬
‫‪ ،‬أي أن كل كلمة مّثلت سنة قمرية ل شمسية ‪ .‬وبناء على ذلك وعنييد اسييتخدام هييذه الطريقيية فييي سييورة السييراء‬
‫سنتعامل مع السنين القمرية ‪.‬‬

‫قواعد الحصاء في سورة الكهف ‪:‬‬

‫الحصاء للكلمات إذ ل ُيمكن إحصاء السنين ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫‪229‬‬
‫الكلمة لغة هي التي تتكون من حرفين فما فوق ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بداية العّد كانت من بداية قصة أصحاب الكهف ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫قصة أصحاب الكهف سبقتها مقدمة تكّونت من ‪ 8‬آيات ولم تشملها عملية العّد ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أن بعض اليات التي وردت ضمن القصة دخلت كلماتها في العّد مييع أن علقتهييا بالقصيية ليسييت ظيياهرة‬ ‫‪.5‬‬
‫كاليات ) ‪. ( 24 ، 23‬‬
‫أن نهاية العّد كان بانتهاء القصة ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أن عدد الكلمات توافق مع عدد السنين التي لبثوها في الكهف إذ أن كل كلمة تمثل سنة ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫أن كل كلمة تمّثل سنة قمرية ‪ ،‬ذلك لن نتيجة العّد كانت ‪ 309‬كلميات قيد تيوافقت ميع ميدة لبثهيم بالسينين‬ ‫‪.8‬‬
‫القمرية ‪.‬‬

‫قابلية هذا المثال للتطبيق على سورة السراء ‪:‬‬

‫صففى ِلَمففا َلِبُثففوا‬


‫ن َأحْ َ‬
‫حْزَبْي ف ِ‬
‫ي اْل ِ‬
‫عَدًدا )‪ُ (11‬ثّم َبَعْثَناُهْم ِلَنْعَلَم َأ ّ‬
‫ن َ‬
‫سِني َ‬
‫ف ِ‬
‫عَلى َءاَذاِنِهْم ِفي اْلَكْه ِ‬
‫ضَرْبَنا َ‬
‫قال تعالى ) َف َ‬
‫َأَمًدا )‪ (12‬لو أمعنت النظر فيما تحته ‪ ،‬لوجدت أن الظاهر يقول أن بعثهم كان لن الي سييبحانه وتعييالى ‪ ،‬أراد أن‬
‫يعلم أي الحزبين أحصى ! ‪ ...‬أحصى ماذا ؟ أحصى مدة ما لبثوا في الكهف من عيدد السينين ‪ .‬أي أن الميراد مين‬
‫الحصاء هو معرفة عدد السنين ‪ ،‬في المقابل نجد في الية )‪ (12‬من سورة السراء عبارة تقول ) ولتعلموا عييدد‬
‫ص‬
‫السنين والحساب ( للشارة إلى أن السورة ‪ ،‬تحمل بين ثناياها معرفة لعدد سنين تتحصل بالعّد والحساب ‪ ،‬تخ ّ‬
‫ُأناس سبق ذكرهم فيما ورد من آيات سبقت هذه العبارة ‪.‬‬
‫وللفت النتباه إلى أن الحصاء متعلق بمدة اللبث ‪ ،‬تكّرر ِذكر مشتقات هذه الكلمة )‪ (6‬مرات في سييورة الكهييف ‪،‬‬
‫وهي ) َلِبُثوا ‪َ ،‬لِبْثُتْم ‪َ ،‬لِبْثَنا ‪َ ،‬لِبْثُتْم ‪َ ،‬وَلِبُثوا ‪َ ،‬لِبُثوا ( في اليات ) ‪ . ( 12،19،25،26‬وفي المقابل نجد أن مشييتقات‬
‫ل )‪ (52‬وقوله ) َوِإًذا َل‬
‫ن َلِبْثُتْم ِإّل َقِلي ً‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ظّنو َ‬
‫هذه الكلمة تكّررت مرتين في سورة السراء ‪ ،‬في قوله سبحانه ) َوَت ُ‬
‫ل )‪ُ (76‬يقال أن المقصودين في هاتين اليتين هم مشركي قريش حصرا ‪ ،‬وهذا القييول غييير‬ ‫ك ِإّل َقِلي ً‬ ‫لَف َ‬
‫خَ‬‫َيْلَبُثونَ ِ‬
‫صريح ‪ .‬ولو أنك تتبعت النص منذ البداية ‪ ،‬لوجدت أن القول الول قيل لمنكري البعييث وعلييى رأس القائميية فييي‬
‫إنكار البعث هم اليهود ‪.‬‬
‫ك ِمففنَ‬
‫سَتِفّزوَن َ‬
‫ن َكاُدوا َلَي ْ‬
‫ك … َوِإ ْ‬
‫حْيَنا ِإَلْي َ‬
‫ن اّلِذي َأْو َ‬
‫عِ‬
‫ك َ‬
‫ن َكاُدوا َلَيْفِتُنوَن َ‬
‫ولو أنك تتبعت النص من قوله تعالى ) َوِإ ْ‬
‫ل )‪ (76‬لوجدت أن القول الثاني قيل في اليهييود حصييرا ‪،‬‬ ‫ك ِإّل َقِلي ً‬ ‫لَف َ‬
‫خَ‬‫ن ِ‬‫ك ِمْنَها ‪َ ،‬وِإًذا َل َيْلَبُثو َ‬
‫جو َ‬
‫خِر ُ‬
‫ض ‪ِ ،‬لُي ْ‬
‫اَْلْر ِ‬
‫حيث تؤكد معظم الروايات أن هذه اليات مدنية ‪ ،‬ولو تمعّنت في قييوله تعييالى ) وإن كييادوا ليفتنونييك ( وتسيياءلت‬
‫عمن له القدرة على فتنة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أهم أهل الكتاب أم عبدة الصنام ! ولو تمعّنيت فيي قيوله‬
‫تعالى ) وإن كييادوا ليسييتفّزونك مين الرض لُيخرجييوك منهييا ( وتسيياءلت عميين حيياولوا اسييتفزاز الرسييول علييه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬لخراجه ولم ُيكتب لهم النجاح ! لو قلت أنهم اليهييود عنييدما أرادوا منييه أن يخييرج معهييم ‪ ،‬ميين‬
‫أرض الجزيرة ككل إلى الرض المقّدسة لُيعيد لهييم ملكهييم المنقييرض ‪ ،‬لكييان ذلييك أقييرب إلييى العقييل والمنطييق ‪،‬‬
‫وهناك روايات تؤكد ذلك ‪ .‬ولو قلت أنهم مشركي قريش فقد جانبت الصواب ‪ ،‬لنهم قد استفّزوه بالفعل وأخرجوه‬
‫من بلدته حقيقة ‪.‬‬

‫أوجه التشابه ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬ذكر أحد مشتقات لفظ اللبث في السورتين ‪ ،‬وهو لفظ يأتي أينما ورد في القرآن ‪ ،‬للشارة إلى مدة زمنييية ‪،‬‬
‫ن ِفففي َأْه فِل‬
‫سِني َ‬
‫ت ِ‬
‫ن )‪ 42‬يوسف ( ‪َ ) ،‬فَلِبْث َ‬ ‫ضَع سِِني َ‬
‫ن ِب ْ‬ ‫جِ‬ ‫سْ‬‫ث ِفي ال ّ‬
‫عاٍم )‪ 259‬البقرة ( ‪َ ) ،‬فَلِب َ‬ ‫ت ِماَئَة َ‬
‫) َقاَل َبْل َلِبْث َ‬
‫ن )‪ 112‬المؤمنييون ( ‪) ،‬‬ ‫سفِني َ‬
‫عَدَد ِ‬
‫ض َ‬
‫شًرا )‪ 103‬طه ( ) َقاَل َكْم َلِبْثُتْم ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ع ْ‬
‫ن َلِبْثُتْم ِإّل َ‬
‫ن )‪ 40‬طه ( ‪ِ ) ،‬إ ْ‬ ‫َمْدَي َ‬
‫عاًما )‪ 14‬العنكبوت ( ‪.‬‬ ‫ن َ‬‫سي َ‬‫خْم ِ‬ ‫سَنٍة ِإّل َ‬
‫ف َ‬ ‫ث ِفيِهْم َأْل َ‬‫َفَلِب َ‬

‫‪230‬‬
‫صى ِلَما َلِبُثففوا َأَم فًدا ( في الكهييف )‬
‫ح َ‬
‫عَدًدا … َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫سِني َ‬
‫ثانيا ‪ :‬ذكر لفظ ُيشير إلى الحصاء أو العّد في السورتين ) ِ‬
‫ب ( في السراء بإضافة لفظ الحساب ‪.‬‬ ‫سا َ‬
‫ح َ‬
‫ن َواْل ِ‬
‫سِني َ‬
‫عَدَد ال ّ‬
‫َوِلَتْعَلُموا َ‬

‫سورة السراء ‪:‬‬


‫عُد ُأوَلُهَما‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫عُلّوا َكِبيًرا )‪َ (4‬فِإَذا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ض َمّرَتْينِ َوَلَتْعُل ّ‬ ‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتففا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫) َوَق َ‬
‫عَلْيِهفْم‬
‫عفًدا َمْفُعفوًل)‪ُ (5‬ثفّم َرَدْدَنفا َلُكفْم اْلَكفّرَة َ‬ ‫ن َو ْ‬‫لَل الّدَياِر َوَكا َ‬‫خَ‬ ‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬‫شِديٍد َف َ‬‫س َ‬ ‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬ ‫َبَعْثَنا عََلْيُكْم ِ‬
‫عفُد‬‫جفاَء َو ْ‬ ‫سفْأُتْم َفَلَهفا َففِإَذا َ‬
‫ن َأ َ‬
‫سفُكْم َوِإ ْ‬‫سفنُتْم َِلنُف ِ‬ ‫ح َ‬
‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا)‪ِ (6‬إ ْ‬ ‫ن َو َ‬
‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫سفى َرّبُكفْم َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ع َ‬‫عَلفْوا َتْتِبيفًرا)‪َ (7‬‬ ‫خُلوُه َأّوَل َمفّرٍة َوِلُيَتّبفُروا َمففا َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬
‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫خَرةِ ِلَي ُ‬
‫لِ‬ ‫اْ‬
‫صيًرا)‪(8‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬‫عْدَنا ‪َ ،‬و َ‬‫عْدُتْم ُ‬‫ن ُ‬‫حَمُكْم َوِإ ْ‬ ‫َيْر َ‬
‫في المثال الوارد في سورة الكهف والذي أشرنا إليه آنفا ‪ ،‬نجد أن عملية العّد بدأت من حيث بدأت قصة أصييحاب‬
‫الكهف وانتهت مع نهايتها ‪ ،‬وحيث أن عدد الكلمات في القصة جاء ليوافق مييدة لبثهييم بالسيينين القمرييية ‪ ،‬نجييد أن‬
‫عملية العّد توقفت عند قوله تعالى ) ولبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا ( وهي العبييارة الييتي أوحييت‬
‫بتمام القصة ‪.‬‬
‫عند النظر في مقدمة سورة السراء نجد أن هناك قصة تروى هي قصة مرتي الفساد السرائيلي فييي الرض ‪،‬‬
‫ونلحظ هنا أن الفساد السرائيلي سيتحصل لثلث مرات اثنتان منهما مقترنة بالعلو وأخرى غير مقترنيية ‪ ،‬وأن‬
‫هناك ثلث وعود بالعقاب لكل منها ‪ ،‬وكنا قد أوضييحنا فييي الفصييول السييابقة أن وعييد المييرة الولييى قييد نفييذ فييي‬
‫الماضي ‪ ،‬ونحن الن بصدد نفاذ وعد المرة الثانية ‪.‬‬
‫عند تأمل مقدمة السورة نجد أن البداية الحقيقية لقصة المرتين هي قوله تعييالى ) وقضففينا إلففى بنففي إسففرائيل فففي‬
‫الكتاب … ( وأن ما سبقها من آيات كانت مجرد مقدمة للدخول في أجواء القصيية ‪ ،‬كمييا كييانت هنيياك مقدميية فييي‬
‫سورة الكهف سبقت قصة أصحاب الكهف للدخول في أجواء القصة أيضا ‪ ،‬في السابق كان لدينا احتمالن للعبارة‬
‫التي ُتشير إلى تمام الحديث عن وعد الخرة ‪ ،‬وهما قوله تعيالى ) وليسففوءوا وجففوهكم وليففدخلوا المسففجد … (‬
‫وقوله تعالى ) كما دخلوه أول مرة … ( ‪ ،‬والخيار وقع على الحتمال الول في إصييداراتنا السييابقة وعليييه بنينييا‬
‫بعضا من استنتاجاتنا وهو ما ثبت خطأه لحقا ‪ ،‬والن لم يبقى لدينا إل الحتمييال الثياني ‪ ،‬وهيو أن يبيدأ العيّد مين‬
‫سراِئيَل‪ ( …4‬في الية الرابعة من بداية السورة وأن ينتهي عند قوله تعييالى )‬ ‫ضْيَنا ‪ِ 1‬إَلى ‪َ 2‬بِني ‪ 3‬إ ْ‬
‫قوله تعالى ) َوَق َ‬
‫خُلوُه‪َ 58‬أّوَل َمّرٍة … ( في الية السابعة ‪ ،‬ليكون عمر الدولة السرائيلية المحتمل هو ستون سنة قمرية‬
‫‪60‬‬ ‫‪59‬‬
‫َكَما ‪َ 57‬د َ‬
‫‪ ،‬وقد تكون نهاية هذه الدولة ‪ -‬إن صح هذا التقدير ‪ -‬في السنة الستون من عمرها أو عند تمامها أو بعد تمامها ‪.‬‬

‫الموعد المحتمل لنهاية إسرائيل ‪:‬‬

‫ولتحديد الموعد المحتمل لنهايتها ‪ -‬أي نفيياذ وعييد الخييرة ‪ -‬بييالتقويمين الهجييري والميلدي سُنضيييف سييتين سيينة‬
‫قمرية إلى تاريخ إعلن قيامها بالتقويم الهجري ‪ ،‬مع العلم أن تاريخ إعلن قيام الدولة السرائيلية هو ‪/ 5 / 15‬‬
‫‪1948‬م ‪ ،‬ويقابل هذا التاريييخ بييالتقويم الهجييري ‪ / 6‬رجييب ‪ 1367 /‬هيي ‪ ،‬ورجييب هييو الشييهر السييابع فييي السيينة‬
‫الهجرية ‪.‬‬
‫‪ 60‬سنة قمرية ‪1367 / 7 / 6 +‬هي = ‪ 1427 / 7 / 6‬هي‬
‫وبذلك تكون إسرائيل قد أتمييت السيينة السييتون ميين عمرهييا بتاريييخ ‪ / 5‬رجييب ‪1427 /‬هيي والييذي ُيقييابله بييالتقويم‬
‫الميلدي ‪2006 / 7 / 30‬م ‪ ،‬وقد تكون نهاية إسرائيل في بحر السنة التي تسبق هذا التاريخ على أقرب تقدير أو‬
‫في بحر السنة التي تليها على أبعد تقدير وال أعلم ‪.‬‬

‫الموعد المحتمل لنهاية أمريكا ‪:‬‬

‫كنا قد أوضحنا بالفصل السابق إلى أن قوله تعييالى ) َوِلُيَتّبفُروا َمففا عََلفْوا َتْتِبيفًرا ( جيياء لتأكيييد حتمييية زوال العلييو‬
‫اليهودي من الرض على عمومها سواء كان في فلسطين أو في أمريكا ‪ ،‬وبما أن هذه العبارة تييوحي بتمييام زوال‬
‫‪231‬‬
‫العلو بشكل مطلق من كل أرجاء الرض ‪ ،‬فهذا يعني بالضرورة زوال الجبروت المريكي المسيطر عليه يهوديا‬
‫بدمار أمريكا وبريطانيا واندثارهما تماما حتى ل يبقى لليهود في شتى بقاع الرض من مقومات العلو والسيادة ما‬
‫يعينهم على إفسادهم في الرض ‪.‬‬
‫ولتحديد الموعد المحتمل لنهاية أمريكا سنضيف ‪ 64‬سنة قمرية هي عييدد الكلمييات منييذ بداييية القصيية حييتى نهاييية‬
‫عَلْوا ‪َ 63‬تْتِبيًرا ‪ ( … 64‬إلى تاريخ إعلن قيام إسرائيل ‪ ،‬أو ‪ 4‬سنوات قمرييية هييي عييدد‬‫عبارة ) َوِلُيَتّبُروا ‪َ 61‬ما ‪َ 62‬‬
‫كلمات هذه العبارة إلى أقصى موعد لنهاية إسرائيل ‪.‬‬
‫وبما أن ‪ / 5‬رجب ‪ 1427 /‬هي ‪ ،‬هو آخر أيام السنة الي ‪ 60‬من عمر إسرائيل فإن أقصى موعد لنهاية أمريكا هو ‪:‬‬
‫‪ 4‬سنوات قمرية ‪1427 / 7 / 5 +‬هي = ‪ 1431 / 7 / 5‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2010 / 6 / 16 :‬م‬
‫* بنيت الستنتاجات أعله على اعتبار أن عبارة ) كما دخلوه لول مرة ( هي تمييام الحييديث عين وعييد الخيرة ‪،‬‬
‫وأن عبارة ) وليتبروا ما علوا تتبيرا ( هي تمام الحديث عن زوال العلو اليهييودي الكييبير الييوارد ذكييره فييي الييية‬
‫الرابعة من بداية القصة ‪ ،‬وقد يكون هذا العتبار خاطئا لحتمال أن يكييون نفيياذ وعييد الخييرة يشييمل زوال العلييو‬
‫اليهودي في فلسطين وأمريكا ‪ ،‬فقد تتزامن النهايتان مييع نهاييية العبيارة الولييى أو ميع نهاييية العبيارة الثانيية والي‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫الموعلد المحتملل لعللودة عيسلى عليله السللم ‪ ،‬والقضلاء عللى الللدجال‬


‫وأتباعه اليهود ‪:‬‬

‫عْدَنا ( بأنها ُتخبر عن عودتهم للفساد وعودة الي عليهيم بالعقياب عليى ييد‬ ‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫قلنا في تفسير قوله تعالى ) َوِإ ْ‬
‫عيسى عليه السلم والمهدي ومن معهما من المؤمنين ‪ ،‬ولتحديد الموعد المحتمييل للعقيياب النهييائي لبنييي إسييرائيل‬
‫عفْدَنا ‪( … 71‬‬ ‫عفْدُتْم‪ُ 70‬‬
‫ن‪ُ 69‬‬‫سنضيف ‪ 71‬سنة قمرية هي عدد الكلمات منذ بداية القصة حتى نهاية عبارة ) … َوِإ ْ‬
‫إلى تاريخ إعلن قيام إسرائيل ‪ ،‬أو ‪ 11‬سنوات قمرية إلى أقصى موعد لنهاية إسرائيل حيث كلمة ) عدنا ( تحمل‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة‪. ( 60‬‬
‫العدد ) ‪ ( 11‬بعد نهاية الحديث عن وعد الخرة في قوله تعالى ) َكَما َد َ‬
‫‪ 11‬سنة قمرية ‪1427 / 7 / 5 +‬هي = ‪ 1438 / 7 / 5‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2017 / 4 / 1 :‬م‬

‫الموعد المحتمل لخروج المهدي ‪:‬‬

‫س فْبًعا‬
‫ش َ‬ ‫ي ‪َ ، … ،‬يِعي ُ‬ ‫خِر ُأّمِتي اْلَمْهِد ّ‬
‫ج ِفي آ ِ‬
‫خُر ُ‬‫ل ‪ُ ) :‬ثّم َي ْ‬
‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ي َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬
‫ي َأ ّ‬
‫خْدِر ّ‬‫سِعيٍد اْل ُ‬
‫ن َأِبي َ‬ ‫عْ‬‫َ‬
‫س فٌع (‬ ‫س فْبٌع َوِإّل َفِت ْ‬
‫صفَر َف َ‬
‫ن ُق ِ‬‫ححه اللبيياني وأخرجييه الترمييذي ) … ِإ ْ‬ ‫جًا ( رواه الحاكم وصي ّ‬ ‫جَ‬‫حَ‬‫َأْو َثَماِنَيًا ‪َ ،‬يْعِني ِ‬
‫ن(‬ ‫سفِني َ‬ ‫سفْبَع ِ‬ ‫ك َ‬‫سفًعا ( وأبييو داود ) … َيْمِلف ُ‬ ‫سفْبًعا َأْو ِت ْ‬
‫سففا َأْو َ‬
‫خْم ً‬‫سًعا … ( و ) … َ‬ ‫سْبًعا َأْو ِت ْ‬
‫ك َ‬‫وأحمد ) … َيْمِل ُ‬
‫ي‪.‬‬‫خْدِر ّ‬
‫سِعيٍد اْل ُ‬‫ن َأِبي َ‬
‫عْ‬ ‫سٌع … ( كّلهم َ‬ ‫سْبٌع َوِإّل َفِت ْ‬
‫صَر َف َ‬ ‫ن ُق ِ‬‫وابن ماجه ) ِإ ْ‬
‫جح لدينا أن خروج المهدي سيكون بعد زوال أمريكا وقبييل خييروج الييدجال ‪ ،‬وسييتنتهي خلفتييه بنييزول‬ ‫ومن المر ّ‬
‫عيسى عليه السلم وتسليمها له وال أعلم ‪ ،‬ومتوسط مدة خلفته إذا أخييذنا بعييين العتبييار اختلف الروايييات هييو‬
‫ح هذا التقدير نستطيع حساب موعييد خروجييه بطييرح ) ‪ ( 7‬سيينوات ‪ ،‬ميين الموعييد المتوقييع‬‫سبع سنوات ‪ ،‬فإن ص ّ‬
‫لنزول عيسى عليه السلم ) ‪: ( 1438‬‬
‫‪1438‬هي – ‪1431 = 7‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2010 :‬م‬

‫‪232‬‬
‫التأريخ لقيام دولة إسرائيل في سورة السراء ‪:‬‬

‫من الملفت للنظر أمر تكرار ذكر بني إسرائيل وتكرار ذكر وعد الخرة في بدايية السيورة وفيي نهايتهيا ‪ ،‬وأثنيياء‬
‫محاولتي المتكّررة للربط العددي بين ذكريهما في بداية السورة ونهايتها ‪ ،‬تبين لي ما يلي ‪:‬‬
‫سراِئيَل‪ (4) …4‬في بداية السورة ‪ ،‬حتى تصل‬ ‫ضْيَنا ‪ِ 1‬إَلى ‪َ 2‬بِني ‪ 3‬إ ْ‬
‫أنك إذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ) َوَق َ‬
‫‪1367‬‬ ‫‪1366‬‬
‫ت … )‪ (101‬في‬ ‫ت َبّيَنا ٍ‬
‫سَع آَيا ٍ‬
‫سى ِت ْ‬
‫)‪َ (100‬وَلَقْد آَتْيَنا ُمو َ‬ ‫ن‪َ 1365‬قُتوًرا‬ ‫ن‪ 1364‬اِْلْن َ‬
‫سا ُ‬ ‫إلى عبارة ) … َوَكا َ‬
‫نهاية السورة ‪ ،‬ستجد أن الكلمة الولى في بداية الذكر الثاني لبني إسييرائيل فييي السييورة ‪ ،‬جيياءت لتحمييل العييدد )‬
‫‪ ( 1367‬وهذا العييدد فييي الواقييع ‪ ،‬يمثييل السيينة الييتي قييامت فيهييا دوليية إسييرائيل بييالتقويم الهجييري ‪ ،‬وهييو موعييد‬
‫استيلئهم الفعلي على أرض فلسطين وبدء استيطانهم فيها وتجّمعهم من شتى بقاع الرض ‪.‬‬
‫سوءوا ‪ … 5‬في الية رقم )‪ (7‬بداية السورة‬ ‫خَرِة‪ِ 4‬لَي ُ‬‫عُد‪ 3‬ا ْ‬
‫لِ‬ ‫جاَء‪َ 2‬و ْ‬
‫وإذا قمت بعّد الكلمات من قوله تعالى ) َفِإَذا ‪َ 1‬‬
‫إلى ما قبل عبارة ) فإذا جاء وعد الخرة … في الية رقم )‪ (104‬نهاية السييورة وتييوقفت عنييد عبييارة ) اسففكنوا‬
‫ض‪ (104) … 1367‬لوجدت أنك قد توقفت عند نفس‬ ‫سُكُنوا ‪ 1366‬اَْلْر َ‬
‫سَراِئيَل ا ْ‬‫الرض ( في قوله ) َوُقْلَنا … ِلَبِني ِإ ْ‬
‫العدد )‪. (1367‬‬
‫وربما كان هذا الكشف عن موعد إعلن قيام دولة إسرائيل في سورة السراء من خلل عملييية العيّد باتبيياع نفييس‬
‫الطريقة التي استخلصناها في سورة الكهف هو ما أضفى على موضوع هذا الفصل بعضييا ميين المصييداقية ‪ ،‬أمييا‬
‫فيما يتعلق بإضافة هذا الفصل إلى الكتاب قبل نشره فكنا نراوح بين رأيين ‪ ،‬يقييول الول بييأن الطييرح المقيّدم فييي‬
‫الكتاب من القوة بحيث ل يحتاج إلى إضافة هذا الفصل إذ أنه سينعكس سلبا عليى الكتياب عنييد الكيثير ميين النياس‬
‫وخاصة عند من يعتبرون مسألة العّد في القرآن ضربا من الشعوذة ‪ ،‬وأميا اليرأي الثياني فيقيول بيأن إضيافة هيذا‬
‫ح مييا ورد فيييه ميين‬‫الفصل ستجلب قّراء للكتاب ما كانوا ليقرءوا هذا الكتيياب لييول وجييود هييذه المسييألة ‪ ،‬وإن صي ّ‬
‫مواعيد سيضاعف قوة الطرح أضعافا مضاعفة ‪ ،‬وغايتنا أول وأخيرا هي نصرة كتاب ال من خلل بيان ما جاء‬
‫فيه من أنباء تتحدث عن حاضرنا ومستقبلنا ‪ ،‬وفي النهاية حسمنا الميير بإضييافة هييذا الفصييل بعييد إبييداء كييل ميين‬
‫عارض الضافة ممن تمت استشارتهم عن رغبته في الطلع على محتوى هذا الفصل ‪.‬‬
‫تحذير‬
‫كل ما ورد في هذا الكتاب هو مجرد أفكار ورؤى وتصّورات شخصية للمؤلف داعبت مخيلة المؤلف منذ أواخر‬
‫تسعينيات القرن الماضي ‪ ،‬وخوفا من إثم الكتمان وحجب علم من كتاب ال عن الناس كان لزاما علينييا كشييف مييا‬
‫ن ال به علينا من علم ‪ ،‬وقمنا بتأليف الكتاب ونشره بمجهود فردي مع ضيق الييوقت وعييدم التفييرغ علييى نشييره‬ ‫مّ‬
‫على أوسع نطاق آملين أن ينتفع به الناس في دينهم ودنياهم مجانا بل مقابل وتحييت اسييم مسييتعار إذ ل مطمييع لنييا‬
‫في مكاسب دنيوية نجنيها من وراء هذا العمل وال من وراء القصد ‪.‬‬
‫نود أن نلفت انتباه الخوة القّراء إلى أن هذه القراءة العددية ناتجة عن تقييديرات شخصييية ميين الممكيين أن تخطييئ‬
‫كما أنها من الممكن أن تصيب ‪ ،‬وإصابتنا في أحد هذه المواعيييد ‪ -‬فيمييا لييو حصييلت ‪ -‬فييذلك ل يعنييي بالضييرورة‬
‫إصابتنا في المواعيد الخرى ‪ ،‬والتصديق بهذه مسألة من عدمها متروك لقناعة القارئ الشخصييية ‪ ،‬فييإن أخطأنييا‬
‫فمن أنفسنا وإن أصبنا فمن ال ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال وال ولي التوفيق ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن ‪َ ،‬ل‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ءا ِ‬
‫قْر َ‬ ‫ه َ‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫ن ي َأُتوا ب ِ ِ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ج ّ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫س َ‬ ‫ت اْل ِن ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬
‫جت َ َ‬
‫نا ْ‬
‫ِ‬ ‫ل ل َئ ِ‬ ‫) ُ‬
‫ق ْ‬
‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫هيًرا )‪(88‬‬ ‫ضظ ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬‫ه ْ‬
‫ض ُ‬‫ع ُ‬‫ن بَ ْ‬
‫كا َ‬ ‫ول ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫مث ْل ِ ِ‬
‫ن بِ ِ‬
‫ي َأُتو َ‬

‫فأ ََبى أ َك ْث َُر‬


‫ل‪َ ،‬‬
‫مث َ ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬
‫ن‪ِ ،‬‬
‫ءا ِ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْر َ‬ ‫ه َ‬
‫في َ‬‫س‪ِ ،‬‬ ‫صّر ْ‬
‫فَنا ِللّنا ِ‬ ‫ول َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫) َ‬
‫فوًرا )‪(89‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫س إ ِل ك ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫) السراء (‬

‫‪233‬‬
‫سرناه بلسانك لعّلهم يتذ ّ‬
‫كرون‬ ‫فإنما ي ّ‬
‫تبدأ سورة الدخان بتعظيم شأن القرآن الكريم ‪ ،‬وتعظيم شأن الليلة التي ُأنزل فيها ‪ ،‬وترّكييز السييورة علييى النييذار‬
‫شًرا‬
‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬
‫ك َ‬‫سْلَنا َ‬
‫ي ِإّنا َأْر َ‬
‫دون البشرى ‪ ،‬حيث قال سبحانه في إرسال محمد عليه الصلة والسلم ) َيَأّيَها الّنِب ّ‬
‫َوَنِذيًرا )‪ 45‬الحزاب ( ويؤكد سبحانه أنه أرسله منذرا للبشر من قبييل أن يحييل بهييم العقيياب رحميية منييه بعبيياده ‪.‬‬
‫والعقاب الذي تأتي على خبره اليات وتحّذر منه هييو البطشيية الكييبرى الييتي لييم ُتحيّدد ماهيتهييا هنييا ‪ ،‬ونييذير هييذه‬
‫البطشة هو الدخان الذي سيسبقها بقليل ‪ ،‬فليرتقبه الناس فإن ظهر وعاينوه ‪ ،‬فليعتبروا وليحذروا وليعودوا عما هم‬
‫عليهم من الشك والتشكيك في أمر ربهم ‪ ،‬واللعب في أمر دينهم ‪ ،‬والطعن فييي رسييولهم الكريييم الييذي ُبعييث إليهييم‬
‫بشيرا ونذيرا ‪ ،‬فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فليرتقبوا البطشة الكبرى ‪ .‬وقد ظهر الدخان الموصوف في هييذه السييورة‬
‫سييرت هييذه النبييوءة‬ ‫في عاصمة أحد القطار العربية ‪ ،‬فاقرأ معنا هذا الفصل والفصول التي تليه ‪ ،‬لتعرف كيييف ُف ّ‬
‫على أرض الواقع ‪ ،‬ولتعرف من هم الموعودين بالبطشة الكبرى قريبييا ‪ ،‬بعييد إصييرارهم علييى مييا هييم عليييه ميين‬
‫الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬بالرغم من غشيان الدخان لهم بنفس الصفة التي أخبرت عنها اليات ‪.‬‬

‫سرين في آيات سورة الدخان ‪:‬‬


‫أقوال بعض المف ّ‬
‫ن)‬‫ري َ‬‫ذ ِ‬ ‫ة إ ِّنا ك ُّنا ُ‬
‫من ْل ِ‬ ‫مَباَرك َ ٍ‬‫ة ُ‬ ‫في ل َي ْل َ ٍ‬‫ن )‪ (2‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬ ‫مِبي َ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬
‫) حم )‪َ (1‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(5‬‬‫سللِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫دَنا إ ِّنا ك ُّنللا ُ‬
‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫مًرا ِ‬‫كيم ٍ )‪ (4‬أ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ر َ‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ْ‬ ‫فَرقُ ك ُ ّ‬ ‫ها ي ُ ْ‬‫في َ‬‫‪ِ (3‬‬
‫م )‪(6‬‬‫عِلي ُ‬‫ع ال َ‬ ‫مي ُ‬‫س ِ‬ ‫و ال ّ‬‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫َر ْ‬
‫" يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القييدر ‪ ،‬أميير حكيييم أي محكييم ل ُيبيّدل‬
‫ول ُيغّير ‪ ،‬ولهذا قال جل جلله ) أمرا من عندنا ( أي جميع ما يكون وُيقّدره ال تعالى ومييا ييوحيه فبييأمره وإذنييه‬
‫وعلمه ‪ ) ،‬إنا كنا مرسلين ( أي إلى الناس رسول يتلوا عليهم آيات ال مبينات " ابن كثير ‪.‬‬

‫و‬ ‫ه إ ِّل ُ‬
‫هل َ‬ ‫ن )‪َ (7‬ل إ ِل َل َ‬
‫قِني َ‬
‫مللو ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُل ْ‬
‫م ُ‬ ‫مللا إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬
‫مللا ب َي ْن َ ُ‬
‫و َ‬
‫ض َ‬‫ِ‬ ‫واْل َْر‬
‫ت َ‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫) َر ّ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وِلي َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ءاَبائ ِك ُ‬ ‫ب َ‬‫وَر ّ‬‫م َ‬ ‫ت َرب ّك ْ‬ ‫مي ُ‬
‫وي ُ ِ‬‫حِيي َ‬‫يُ ْ‬
‫" أي إن كنتم من أهل اليقان ‪ ،‬علمتم كونه سبحانه رب السماوات والرض لنه من أظهر اليقينيات دليل ‪ ،‬وفييي‬
‫هذا الشرك تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلفه عليهم ‪ ،‬وهو مراد من قال ‪ :‬إنه من باب تنزيل العييالم منزليية‬
‫الجاهل لعدم جريه على موجب العلم ‪ ،‬قيل ‪ :‬ول يصح أن يقال ‪ :‬إنهم نزلوا منزلة الشاكين لما كييان قييوله سييبحانه‬
‫جل عليهم بالشييك لنهيم وأن أقيّروا‬ ‫بعد ‪ :‬بل هم في شك ‪ ،‬ول أدري بأسا في أن يقال ‪ :‬إنهم نزلوا أول كذلك ثم س ّ‬
‫ك للحييادهم فيي صيفاته وإشييراكهم بيه تعييالى شييأنه "‬‫بأنه عز وجل رب السماوات والرض ‪ ،‬لم ينفّكوا عن الشي ّ‬
‫اللوسي ‪.‬‬

‫ن )‪(9‬‬ ‫ك ي َل ْ َ‬
‫عُبو َ‬ ‫ش ّ‬
‫في َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬ ‫) بَ ْ‬
‫ل ُ‬
‫" ) بل هم في شك يلعبون ( أي ليسوا على يقين فيما يظهرونه من اليميان والقييرار فييي قيولهم إن الي خيالقهم ‪،‬‬
‫ك ‪ ،‬وإن توهمييوا أنهييم مؤمنييون فهييم يلعبييون فييي دينهييم ‪ ،‬وقيييل‬
‫وإنما يقولونه لتقليد آبائهم من غير علم فهم في ش ّ‬
‫يلعبون يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء والستهزاء ‪ ،‬ويقال أعرض عن المواعظ لعييب ‪ ،‬وهييو‬
‫كالصبي الذي يلعب فيفعل ما ل يدري عاقبته " القرطبي ‪.‬‬
‫" ل يقولون ما يقولون مما هو مطابق لنفي المر عن جدر وإذعان بل يقولونه مخلوطا بهزء ولعب وهذه الجمليية‬
‫خبر بعد خبر لهم ‪ ،‬واللتفات عن خطابهم لفرط عنادهم وعدم التفاتهم ‪ ،‬والفاء في قوله تعييالى ‪ :‬فييارتقب لييترتيب‬
‫الرتقاب أو المر به على ما قبلها ‪ ،‬فإن كونهم في شك يلعبون مما يوجب ذلك ‪ ،‬أي فانتظر لهم يوم تأتي السييماء‬
‫بدخان مبين " اللوسي ‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫ب‬ ‫عل َ‬ ‫هل َ‬ ‫غ َ‬ ‫ْ‬ ‫) َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫س َ‬
‫شللى الن ّللا َ‬ ‫ن )‪ (10‬ي َ ْ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫خا ٍ‬
‫ماءُ ب ِدُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬
‫و َ‬
‫ب يَ ْ‬
‫ق ْ‬ ‫فاْرت َ ِ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫" ارتقب معناه انتظر ‪ ،‬يا محمد بهؤلء الكفار ‪ ،‬يوم تأتي السييماء بييدخان مييبين ‪ ،‬قيياله قتييادة ‪ .‬وقيييل معنيياه احفييظ‬
‫قولهم هذا ‪ ،‬لتشهد عليهم " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" يعني تعييالى ذكييره بقييوله ) فييارتقب ( فييانتظر يييا محمييد بهييؤلء المشييركين ميين قومييك ‪ ،‬الييذين ) هييم فييي شييك‬
‫يلعبون ( ‪ ) ،‬يغشى الناس ( يغشى أبصارهم من الجهد الذي يصيبهم ‪ ) ،‬هذا عذاب أليم ( يعني أنهييم يقولييون ممييا‬
‫نالهم من ذلك الكرب والجهد ‪ ،‬هذا عذاب أليم ( " الطبري ‪.‬‬

‫سرين في الدخان ‪:‬‬


‫أقوال المف ّ‬
‫خيذُ‬ ‫ن َييْوَم اْلِقَياَميِة ‪َ ،‬فَيْأ ُ‬‫خييا ٌ‬
‫جيُء ُد َ‬ ‫ل ‪َ :‬ي ِ‬ ‫ث ِفي ِكْنَدَة ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫حّد ُ‬ ‫ل ُي َ‬‫جٌ‬ ‫ل ‪َ " :‬بْيَنَما َر ُ‬ ‫ق ‪َ ،‬قا َ‬ ‫سُرو ٍ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫عْ‬ ‫تفسير ابن مسعود ‪َ :‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫ضي َ‬ ‫ن ُمّتِكًئا ‪َ ،‬فَغ ِ‬ ‫س يُعوٍد ‪َ ،‬وَكييا َ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ت اْب َ‬
‫عَنا ‪َ .‬فَأَتْي ُ‬‫ن َكَهْيَئِة الّزَكاِم ‪َ ،‬فَفِز ْ‬ ‫خُذ اْلُمْؤِم َ‬ ‫صاِرِهْم ‪َ ،‬يْأ ُ‬ ‫ن َوَأْب َ‬ ‫ع اْلُمَناِفِقي َ‬
‫سَما ِ‬
‫ِبَأ ْ‬
‫ن الَّ‬‫عَلُم ‪َ ،‬فِإ ّ‬‫ل َأ ْ‬‫ل َيْعَلُم َ‬‫ل ِلَما َ‬ ‫ن َيُقو َ‬‫ن اْلِعْلِم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫عَلُم ‪َ ،‬فِإ ّ‬‫ل َأ ْ‬
‫ل ا ُّ‬ ‫ن َلْم َيْعَلْم ‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬‫ل ‪َ ،‬وَم ْ‬ ‫عِلَم َفْلَيُق ْ‬
‫ن َ‬ ‫ل ‪َ :‬م ْ‬ ‫س ‪َ ،‬فَقا َ‬‫جَل َ‬‫َف َ‬
‫عي ْ‬
‫ن‬ ‫طُئوا َ‬ ‫شييا َأْب َ‬‫ن ُقَرْي ً‬
‫ن ( َوِإ ّ‬ ‫ن اْلُمَتَكّلِفيف َ‬ ‫جفٍر َوَمففا َأَنففا ِمف ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫عَلْيفِه ِمف ْ‬ ‫سفَأُلُكْم َ‬ ‫سّلَم ) ُقْل َمففا َأ ْ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل ِلَنِبّيِه َ‬‫َقا َ‬
‫سيَنٌة‬ ‫خيَذْتُهْم َ‬ ‫ف ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫سي َ‬ ‫سيْبِع ُيو ُ‬ ‫سيْبٍع َك َ‬ ‫عَلْيِهيْم ِب َ‬
‫عّنييي َ‬ ‫ل ‪ :‬الّلُهّم َأ ِ‬ ‫سّلَم ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫عَلْيِهْم الّنِب ّ‬‫عا َ‬ ‫لِم ‪َ ،‬فَد َ‬ ‫سَ‬ ‫لْ‬ ‫ا ِْ‬
‫جيياَءُه َأُبييو‬‫ن ‪َ ،‬ف َ‬ ‫خا ِ‬‫ض ‪َ ،‬كَهْيَئِة اليّد َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫سيَماِء َوا َْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل َمييا َبْيي َ‬‫جي ُ‬‫ظاَم ‪َ ،‬وَييَرى الّر ُ‬ ‫حّتى هََلُكوا ِفيَها ‪َ ،‬وَأَكُلوا اْلَمْيَتَة َواْلِع َ‬ ‫َ‬
‫ب َيفْوَم َتفْأِتي‬ ‫لي ) َفَقفَرَأ َفففاْرَتِق ْ‬ ‫ع ا َّ‬‫ك َقيْد َهَلُكيوا ‪َ ،‬فياْد ُ‬ ‫ن َقْوَمي َ‬ ‫حيِم ‪َ ،‬وِإ ّ‬ ‫صَلِة الّر ِ‬ ‫ت َتْأُمُرَنا ِب ِ‬ ‫جْئ َ‬ ‫حّمُد ِ‬ ‫ل ‪َ :‬يا ُم َ‬ ‫ن ‪َ ،‬فَقا َ‬‫سْفَيا َ‬‫ُ‬
‫عيياُدوا ِإَلييى ُكْفِرِهيْم ‪َ ،‬فيَذِلكَ‬ ‫جاَء ُثّم َ‬ ‫خَرِة ‪ِ ،‬إَذا َ‬ ‫ب الْ ِ‬ ‫عَذا ُ‬ ‫عْنُهْم َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ( َأَفُيْك َ‬ ‫عاِئُدو َ‬ ‫ن ‪ِ -‬إَلى َقْوِلِه ‪َ -‬‬ ‫ن ُمِبي ٍ‬‫خا ٍ‬ ‫سَماءُ ِبُد َ‬‫ال ّ‬
‫ن(‬ ‫س يَيْغِلُبو َ‬
‫ت ال يّروُم ( ِإَلييى ) َ‬ ‫غِلَب ي ْ‬‫شَة اْلُكْبَرى ( َيْوَم َبْدٍر َو ) ِلَزاًما ( َيوَْم َبْدٍر ) الم ُ‬ ‫ط َ‬ ‫ش اْلَب ْ‬‫ط ُ‬ ‫َقْوُلُه َتَعاَلى ‪َ ) :‬يْوَم َنْب ِ‬
‫ضى " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫َوالّروُم َقْد َم َ‬
‫شييُة‬
‫طَ‬
‫ن َوالّروُم َواْلَقَمُر َواْلَب ْ‬
‫خا ُ‬
‫س الّد َ‬
‫خْم ٌ‬
‫ضى َ‬
‫ل ‪َ " :‬م َ‬
‫سُعوٍد ‪َ ،‬قا َ‬
‫ن َم ْ‬
‫لبَ‬
‫عْبِد ا ِّ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬
‫ق َ‬
‫سُرو ٍ‬
‫ن َم ْ‬
‫عْ‬
‫رواية لبن مسعود ‪َ :‬‬
‫َوالّلَزامُ " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬‫ن َنَتَذاَكُر ‪َ ،‬فَقييا َ‬
‫حُ‬‫عَلْيَنا ‪َ ،‬وَن ْ‬
‫سّلَم َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫طَلَع الّنِب ّ‬
‫ل‪:‬ا ّ‬ ‫ي ‪َ ،‬قا َ‬
‫سيٍد اْلِغَفاِر ّ‬ ‫ن َأ ِ‬‫حَذْيَفَة ْب ِ‬
‫ن ُ‬‫عْ‬‫حديث حذيفة ‪َ :‬‬
‫ن‪،‬‬‫خا َ‬‫ت ‪َ ،‬ففَذَكَر الفّد َ‬‫شفَر آَيففا ٍ‬‫ع ْ‬ ‫ن َقْبَلَهففا َ‬
‫حّتففى َتفَرْو َ‬‫ن َتُقففوَم َ‬‫ل ‪ِ ) :‬إّنَها َلف ْ‬ ‫عَة ‪َ ،‬قا َ‬‫سا َ‬ ‫ن ؟ ( َقاُلوا ‪َ :‬نْذُكُر ال ّ‬ ‫) َما َتَذاَكُرو َ‬
‫جوجَ‬‫سفّلَم ‪َ ،‬وَيفَأ ُ‬‫عَلْيفِه َو َ‬
‫لف َ‬‫صفّلى ا ُّ‬ ‫ن َمْرَيفَم َ‬ ‫سففى اْبف ِ‬
‫عي َ‬
‫ن َمْغِرِبَها ‪َ ،‬وُنُزوَل ِ‬ ‫س ِم ْ‬‫شْم ِ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫طُلو َ‬ ‫جاَل ‪َ ،‬والّداّبَة ‪َ ،‬و ُ‬ ‫َوالّد ّ‬
‫خ فُر ُ‬
‫ج‬ ‫ك َناٌر َت ْ‬
‫خرُ َذِل َ‬
‫ب ‪َ ،‬وآ ِ‬ ‫جِزيَرِة اْلَعَر ِ‬ ‫ف ِب َ‬
‫س ٌ‬ ‫خ ْ‬‫ب ‪َ ،‬و َ‬‫ف ِباْلَمْغِر ِ‬‫س ٌ‬‫خ ْ‬‫ق ‪َ ،‬و َ‬ ‫شِر ِ‬ ‫ف ِباْلَم ْ‬‫س ٌ‬‫خ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫خُ‬ ‫لَثَة ُ‬
‫ج ‪َ ،‬وَث َ‬
‫جو َ‬ ‫َوَمْأ ُ‬
‫شِرِهْم ( رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫ح َ‬‫س ِإَلى َم ْ‬ ‫طُرُد الّنا َ‬ ‫ن ‪َ ،‬ت ْ‬
‫ن اْلَيَم ِ‬‫ِم ْ‬
‫قال ابن كثير " وقد وافق ابن مسعود رضي ال عنه على تفسير الية بأن الدخان قد مضى جماعيية ميين السييلف ‪،‬‬
‫كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير ‪ .‬وروى ابيين جرييير عيين‬
‫ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسييلم ‪ ) :‬إن‬
‫أول اليات الدجال ‪ ،‬ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلة والسلم ‪ ،‬ونار تخيرج مين قعير عيدن أبيين ‪ ،‬تسيوق‬
‫الناس إلى المحشر ‪ ،‬تقيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬قال ‪ :‬حذيفة رضي ال عنه يا رسول ال ‪ :‬وما الدخان ؟ فتل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ ) :‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ‪ ،‬يغشى الناس هذا عذاب أليم (‬
‫يمل ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ‪ ،‬أمييا المييؤمن فيصيييبه منييه كهيئة الزكميية ‪ ،‬وأمييا الكييافر‬
‫ح هذا الحديث لكان فاصل ‪ ،‬وإنمييا‬ ‫فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ( قال ابن جرير لو ص ّ‬
‫لم أشهد له بالصحة ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ " :‬عن أبي مالك الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليييه وسييلم ‪:‬‬
‫) إن ربكم أنذركم ثلثا ؛ الدخان ‪ ،‬يأخذ المؤمن كالزكمة ‪ ،‬ويأخذ الكافر ‪ ،‬فينفخ حتى يخرج من كل مسييمع منييه ‪،‬‬
‫والثانية الدابة ‪ ،‬والثالثة الدجال ( ورواه الطبراني ‪ ،‬وهذا إسناد جيد " ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ " :‬عن عبد ال بن أبي مليكة ‪ ،‬قال ‪ ) :‬غدوت على ابيين عبيياس رضييي ال ي عنهمييا ذات يييوم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما نمت الليلة حتى أصبحت ! قلت ‪ِ :‬لَم ؟ قال ‪ :‬قالوا طلع الكوكب ذو الييذنب فخشيييت أن يكييون الييدخان قييد‬
‫‪235‬‬
‫طرق ‪ ،‬فما نمت حتى أصبحت ( وهكذا رواه ابن أبي حاتم فذكره وهذا إسناد صحيح إلى ابيين عبيياس رضييي الي‬
‫عنهما حبر المة وترجمان القرآن ‪ ،‬وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي ال عنهم ‪ ،‬مع الحيياديث‬
‫المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها ‪ ،‬مما فيه مقنع ودللة ظاهرة على أن الدخان من اليات‬
‫المنتظرة ‪ ،‬مع أنه ظاهر القرآن ‪ ،‬قال ال تبارك وتعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( أي بّييين واض يحٌ‬
‫سر به ابن مسعود رضي الي عنيه ‪ ،‬إنمييا هييو خيييال رأوه فييي أعينهييم ميين شييدة الجيوع‬ ‫يراه كل أحد ‪ ،‬وعلى ما ف ّ‬
‫ص أهييل مكية‬
‫والجهد ‪ ،‬وهكذا قوله تعالى ) يغشيى النيياس ( ‪ ،‬أي يتغشياهم ويعميهييم ‪ ،‬وليو كيان أمييرا خياليييا يخي ّ‬
‫المشركين ‪ ،‬لما قيل فيه يغشى الناس ‪ ،‬وقوله تعالى ) هذا عذاب أليم ( أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا " ‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ " :‬وفي الدخان أقوال ثلثة ؛ الول ‪ :‬أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد ‪ ،‬وأنه يمكث فييي الرض‬
‫أربعين يوما يمل ما بين السماء والرض ‪ ،‬فأما المؤمن فيصيبه مثييل الزكييام ‪ ،‬وأمييا الكييافر والفيياجر فيييدخل فييي‬
‫أنوفهم فيثقب مسامعهم ويضيق أنفاسهم وهو من آثار جهنم يوم القيامة ‪ ،‬وممن قال إن الدخان لم يأت بعييد ‪ ،‬علييي‬
‫وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي ملكية وغيرهم ؛ والثاني ‪ :‬أن الدخان هييو مييا‬
‫أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى كان الرجل يرى بييين السييماء والرض دخانييا ‪،‬‬
‫قاله ابن مسعود ؛ والثالث ‪ :‬إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ‪ ،‬قاله عبد الرحمن العرج " ‪.‬‬
‫سر أبو‬ ‫وقال اللوسي ‪ " :‬أي يوم تأتي بجدب ومجاعة ‪ ،‬فإن الجائع جدا يَر بينه وبين السماء كهيئة الدخان ‪ ،‬وقد ف ّ‬
‫عبيدة الدخان به ‪ ،‬والمراد باليوم مطلق الزمان أي ارتقب وعييد الي ذليك اليييوم ‪ ،‬وبالسييماء جهيية العليو مين قبيييل‬
‫السناد إلى السبب ‪ ،‬وتفسير الدخان بما فسرناه به ‪ ،‬مروي عن قتادة وأبيي العاليية والنخعيي والضيحاك ومجاهيد‬
‫جاج ‪ ،‬وقد روي بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي ال تعالى ‪ ،‬وظياهره ييدّلك‬ ‫ومقاتل ‪ ،‬وهو اختيار الفّراء والز ّ‬
‫ما في تاريخ ابن كثير على أن القصة كانت بمكة فالية مكية ‪ ،‬وفي بعض الروايييات أن قصيية أبييي سييفيان كييانت‬
‫بعد الهجرة ‪ ،‬فلعلها وقعت مرتين ‪ ،‬وقد تقّدم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين ‪ ،‬وقال علي كّرم ال تعالى وجهييه‬
‫وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن علي والحسن ‪ ،‬أنه دخان يأتي من السييماء قبييل يييوم القياميية ‪،‬‬
‫يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ‪ ،‬ويعتري المييؤمن كهيئة الزكييام ‪ ،‬فالييدخان علييى‬
‫ظاهره والمعنى فارتقب يوم ظهور الدخان ‪...‬‬
‫وحمل ما في الية على ما يعم الدخانين ل يخفى حاله ‪ .‬هذا والظهر حمل الدخان على ما روي عن ابيين مسييعود‬
‫أولى ‪ ،‬لنه أنسب بالسياق لما أنه في كفار قريش وبيان سوء حالهم ‪ ) .‬يغشى الناس ( أي يحيط بهم والمييراد بهييم‬
‫كفار قريش ‪ ،‬ومن جعل الدخان ما هو من أشراط الساعة حمل ) الناس ( على من أدركه ذلك الوقت ‪ ،‬ومن جعل‬
‫ذلك يوم القيامة حمل الناس على العموم ‪ ،‬والجملة ) يغشى الناس ( صفة أخرى للدخان ‪ ،‬وقوله تعالى هذا عييذاب‬
‫أليم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجوز أن يكون هذا عذاب أليم إخبارا منه عز وجل ‪ ،‬تهويل للميير ‪ ،‬كمييا قييال سييبحانه وتعييالى فييي‬
‫قصة الذبيح إن هذا لهو البلء المبين " ‪.‬‬

‫ن )‪(12‬‬
‫مُنو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ب إ ِّنا ُ‬
‫ذا َ‬ ‫عّنا ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫) َرب َّنا اك ْ ِ‬
‫ش ْ‬
‫" أي يقول الكافرون ‪ ،‬إذا عاينوا عذاب ال وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم ) ربنا اكشيف عنيا العييذاب ( " ابين‬
‫كثير ‪.‬‬
‫ضيرعون إليى ربهيم بمسيألتهم‬
‫" وقوله ) ربنا اكشف عنا العذاب ( يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد ‪ ،‬ي ّ‬
‫إياه كشف ذلك الجهد " الطبري ‪.‬‬
‫ل وعل عنهييم العييذاب ‪ ،‬فكييأنهم قييالوا ‪:‬‬
‫فجّ‬
‫" كما صرح به غير واحد من المفسرين ‪ ،‬وعُد منهم باليمان إن كش َ‬
‫ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا لكن عدلوا عنه " اللوسي ‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫قللاُلوا‬ ‫َ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫عن ْل ُ‬ ‫ول ّ ل ْ‬
‫وا َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُل ّ‬
‫م تَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ُ‬ ‫م َر ُ‬
‫ه ْ‬
‫جاءَ ُ‬
‫قد ْ َ‬ ‫م الذّك َْرى َ‬
‫و َ‬ ‫ه ُ‬‫) أّنى ل َ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫عل ّ ٌ‬‫م َ‬
‫ُ‬
‫" قال ابن عباس ‪ :‬أي يتعظون وال أبعدهم من التعاظ والتذكر ‪ ،‬بعييد تييوليهم عيين محمييد صييلى الي عليييه وسييلم‬
‫وتكذيبهم إياه ) وقالوا ُمعّلم مجنون ( أي عّلمه بشر أو عّلمه الكهنيية والشييياطين ثييم هييو مجنييون وليييس برسييول "‬
‫القرطبي ‪.‬‬
‫" ) أنييى لهييم الييذكرى ( نفييي صييدقهم فييي الوعيد ‪ ،‬وأن غرضييهم إنميا هيو كشيف العييذاب والخلص ‪ ،‬أي كيييف‬
‫يتذكرون أو من أين يتذكرون بذلك ‪ ،‬ويفون بما وعدوه من اليمان عند كشف العييذاب عنهييم وقييد جيياءهم رسييول‬
‫مبين ‪ ،‬أي والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات التعاظ ما هيو أعظيم مين ذلييك فييي إيجيابهم ‪ ،‬حيييث‬
‫جاءهم رسول عظيم الشأن ‪ ،‬ظاهر أمر رسالته باليات والمعجزات التي تخز لهييا صييم الجبييال ‪ ،‬أو مظهييرا لهييم‬
‫مناهج الحق ) ثيم توليوا عنيه ( أي عين ذليك الرسييول علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬ولييم يقييل ومجنييون بييالعطف لن‬
‫المقصود تعديد قبائحهم " اللوسي ‪.‬‬

‫ة ال ْك ُب َْرى‬ ‫ش ال ْب َطْ َ‬
‫ش َ‬ ‫م ن َب ْطِ ُ‬
‫و َ‬
‫ن )‪ (15‬ي َ ْ‬
‫دو َ‬
‫عائ ِ ُ‬ ‫قِليًل إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ب َ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ِ‬ ‫فوا ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫كا ِ‬‫) إ ِّنا َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬
‫من ْت َ ِ‬‫إ ِّنا ُ‬
‫" والحتمال الثاني أن يكون المراد إنا مييؤخرو العييذاب عنكييم قليل ‪ ،‬بعييد انعقيياد أسييبابه ووصييوله إليكييم ‪ ،‬وأنتييم‬
‫مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ‪ ،‬ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم " ابن كثير ‪.‬‬
‫" أي إن كشفنا عنكم العذاب كشفا قليل ‪ ،‬أو زمانا قليل عدتم ‪ ،‬والمراد على مييا قيييل عييائدون إلييى الكفيير ‪ ،‬وأنييت‬
‫عيُدهم ُمنييزل‬
‫تعلم أن عودهم إليه يقتضي إيمانهم وقد مر أنهم لم يؤمنييوا ‪ ،‬وإنميا وعييدوا اليمييان فإمييا أن يكيون و ْ‬
‫َمنزلة إيمانهم ‪ ،‬أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو على القرار والتصريح به ‪ ) .‬يوم نبطش ( يوم نسيّلط‬
‫القتل عليهم ونوسع الخذ منهم ‪ ،‬وفي القاموس بطش به ‪ ،‬أخذه بالعنف والسطوة كأبطشه ‪ ،‬والبطش الخذ الشديد‬
‫في كل شيء " اللوسي ‪.‬‬
‫" وروى ابن جرير عن عكرمة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابن عباس رضي ال عنهميا ‪ ) :‬قييال ابيين مسيعود رضيي الي عنيه ‪،‬‬
‫البطشة الكبرى يوم بدر ‪ ،‬وأنا أقول هييي يييوم القياميية ( وهييذا إسييناد صييحيح عنييه ‪ ،‬وبييه يقييول الحسيين البصييري‬
‫ح الروايتين عنه ‪ ،‬وال أعلم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬ ‫وعكرمة في أص ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا إ ِل َل ّ‬
‫ي‬ ‫نأ ّ‬ ‫م )‪ (17‬أ ْ‬ ‫ري ل ٌ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سللو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬
‫جللاءَ ُ‬
‫ل أ َميلن )‪َ (18‬‬
‫و َ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬
‫عل ْ‬ ‫فْر َ‬
‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬ ‫فت َّنا َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫َ‬
‫ه إ ِن ّللي‬‫عل َللى الل ّل ِ‬ ‫عل ُللوا َ‬ ‫ن َل ت َ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫لو‬‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬
‫ْ َ ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫علذْت بربللي وربك ُلم أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫ِ‬ ‫لو‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ ُ‬‫ج‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫لي‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪19‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بي‬‫م‬
‫ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ن‬ ‫طا‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫م بِ ُ‬ ‫ءاِتيك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ء َ‬ ‫َ‬ ‫هل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪َ (21‬‬ ‫ُ‬ ‫مُنلوا ِللي َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫َ‬
‫و ٌ‬
‫قل ْ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫هأ ّ‬ ‫عا َرّبل ُ‬ ‫فلدَ َ‬ ‫زلو ِ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫فلا ْ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن لل ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫‪َ (20‬‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫" يقول تعالى ‪ ،‬ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين قيوم فرعيون وهيم قبيط مصير ‪ ،‬وجياءهم رسيول كرييم يعنيي‬
‫موسى كليمه عليه الصلة والسلم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬
‫ظم عند ال عز وجل ‪ ،‬أو عنييد المييؤمنين أو عنييده تعييالى وعنييدهم ‪ ،‬أو كريييم فييي‬
‫" ) رسول كريم ( أي ُمكرم مع ّ‬
‫نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات الجليلة حسبا ونسبا " اللوسي ‪.‬‬
‫" ) وإنييي عييذت بربييي وربكييم ( أي التجييأت إليييه تعييالى ‪ ،‬وتييوكلت عليييه جييل شييأنه ) أن ترجمييون ( ميين أن‬
‫ترجموني ‪ ،‬أن تؤذوني ضربا أو شتما ‪ ،‬أو أن تقتلوني ) وإن لم تؤمنييوا لييي فيياعتزلون ( فكونييوا بمعييزل منييي ل‬
‫علي ول لي ول تتعرضوا لي بسوء ‪ ،‬فليس ذلك جزاء من يدعوكم إلى ما فيه فلحكم ‪ ،‬فدعا ربه بعييد أن أصيّروا‬
‫على تكذيبه عليه السلم ) أن هؤلء قوم مجرمون ( " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫" وفيه اختصار كأنه قيل ‪ :‬أن هؤلء مجرمون تناهى أمرهم في الكفر وأنت أعلم بهم ‪ ،‬فافعل بهم ما يسييتحقونه ‪،‬‬
‫جيل لهييم مييا يسييتحقون بييإجرامهم ‪ ،‬وقيييل ‪ :‬قيوله ربنيا ل تجعلنييا فتنية للقيوم‬
‫قيل ‪ :‬كان دعاؤه عليه السلم اللهم ع ّ‬
‫الظالمين إلى قوله فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم ‪ ،‬وإنما ذكر ال سييبحانه السييبب الييذي اسييتوجبوا بييه الهلك‬
‫لُيعلم منه دعاؤه والجابة معا ‪ ،‬وأن دعاءه على يأس مين أيمييانهم وهيذا ميين بلييغ اختصييارات الكتيياب المعجييز "‬
‫اللوسي ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫شلل ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬
‫و َ‬‫وت َت َُنا اْلوَلى َ‬ ‫م ْ‬‫ي إ ِّل َ‬ ‫ه َ‬‫ن ِ‬ ‫ن )‪ (34‬إ ِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ء ل َي َ ُ‬
‫ؤَل ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ن َ‬ ‫) … إِ ّ‬
‫ع‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫)‪َ (35‬‬
‫م ت ُب ّل ٍ‬
‫و ُ‬‫قل ْ‬ ‫خي ْلٌر ‪ ،‬أ ْ‬‫م َ‬ ‫هل ْ‬‫ن )‪ (36‬أ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫صللاِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُل ْ‬ ‫فلأُتوا ِبآَبائ ِن َللا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪… (37‬‬ ‫مي َ‬‫ر ِ‬
‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا ُ‬ ‫ه ْ‬‫م ‪ ،‬إ ِن ّ ُ‬‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫هلكَنا ُ‬ ‫َ‬ ‫م‪،‬أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫" ) إن هؤلء ( كفار قريش لن الكلم فيهم ‪ ،‬وذكر قصة فرعون وقومه استطرادي للدللة علييى أنهييم مثلهييم فييي‬
‫ل بهم ‪ ،‬وفي اسييم الشييارة )هييؤلء ( تحقييير لهييم ) ليقولييون ( ‪:‬‬‫الصرار على الضللة ‪ ،‬والنذار على مثل ما ح ّ‬
‫) إن هي إل موتتنا الولى ( أي ما العاقبة ونهاية المر ‪ ،‬إل الموتة الولييى المزيليية للحييياة الولييى ‪ ) ،‬ومييا نحيين‬
‫بمنشرين ( أي بمبعوثين بعدها " اللوسي ‪.‬‬
‫" ) إن هؤلء ليقولون إن هي إل موتتنا الولى وما نحن بمنشرين ‪ ،‬فأتوا بآبآئنا إن كنتييم صييادقين ( يقييول تعييالى‬
‫ذكره مخبرا عن قيل مشركي قريش لنبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إن هييؤلء المشييركين ميين قومييك يييا محمييد ‪،‬‬
‫ليقولون إن هي إل موتتنا الولى التي نموتها وهي الموتة الولى ‪ ،‬وما نحن بمنشرين بعد مماتنييا ول بمبعييوثين ‪،‬‬
‫تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب " الطبري ‪.‬‬
‫" ) أهم خير أم قوم تبع ( هذا استفهام إنكار ‪ ،‬أي إنهم مستحقون في هذا القول العييذاب ‪ ،‬إذ ليسييوا خيييرا ميين قييوم‬
‫تبع والمم المهلكة ‪ ،‬وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلء " القرطبي ‪.‬‬
‫" ) والذين من قبلهم ( أي قبل قيوم تبيع كعياد وثميود ‪ ،‬أو قبيل قرييش فهيو تعمييم بعيد تخصييص ‪ ) ،‬أهلكنياهم (‬
‫استئناف لبيان عاقبة أمرهم هّدد به كفار قريش ) إنهييم كييانوا مجرمييين ( تعليييل لهلكهييم ‪ ،‬أي أهلكنيياهم بسييبب‬
‫كونهم مجرمين ‪ ،‬فليحذر كفار قريشا " اللوسي ‪.‬‬

‫ن)‬
‫قب ُللو َ‬
‫مْرت َ ِ‬
‫م ُ‬
‫هل ْ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬
‫ق ْ‬
‫فللاْرت َ ِ‬ ‫م ي َت َذَك ُّرو َ‬
‫ن )‪َ (58‬‬ ‫عل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ك لَ َ‬
‫سان ِ َ‬
‫سْرَناهُ ب ِل ِ َ‬
‫ما ي َ ّ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬
‫‪(59‬‬

‫" أي أنزلناه سييهل واضييحا بينييا جليييا ‪ ،‬بلسييانك الييذي هييو أفصييح اللغييات وأجلهييا وأحلهييا وأعلهييا ‪ ) ،‬لعلهييم‬
‫ف وعانَد ‪ ،‬قييال‬ ‫يتذكرون ( أي يتفّهمون ويعلمون ‪ ،‬ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان ‪ ،‬من الناس من َكفَر وخال َ‬
‫ال تعالى لرسوله صييلى الي علييه وسيلم ‪ ،‬مسييليا ليه وواعييدا ليه بالنصير ومتوعيدا لمين كيّذبه بييالعطب والهلك‬
‫) فارتقب ( أي انتظر ) إنهم مرتقبييون ( أي فسيييعلمون لميين سييتكون النصييرة ‪ ،‬والظفيير وعلييو الكلمية فييي الييدنيا‬
‫والخرة " ابن كثير ‪.‬‬
‫" ) فإنما يسرناه بلسانك ‪ ،‬لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فارتقب إنهم مرتقبون ( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صييلى الي عليييه‬
‫وسلم ‪ ،‬فإنما سّهلنا قراءة هذا القرآن ‪ ،‬الذي أنزلناه إليك بلسانك ليتذكر هؤلء المشييركون ‪ ،‬الييذين أرسييلناك إليهييم‬
‫حججه ‪ ،‬ويتعظوا بعظاته ويتفكروا في آياته ‪ ،‬إذا أنت تتلوه عليهم ‪ ،‬فُينيبوا إلى طاعة ربهم ويذعنوا للحق‬ ‫بِعبِره و ُ‬
‫عندما تبينهموه ‪ .‬وقوله ) فارتقب إنهم مرتقبون ( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانتظر أنت‬
‫يا محمد الفتح من ربك ‪ ،‬والنصر على هؤلء المشركين بال من قومك من قريش ‪ ،‬إنهييم منتظييرون عنييد أنفسييهم‬
‫قهرك وغلبتك ‪ ،‬بصدهم عما أتيتهم به من الحق ‪ ،‬من أراد قبوله واتباعك عليه " الطبري ‪.‬‬
‫" ) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ( أي كي يفهمييوه ويتييذكروا بيه ويعملييوا بمييوجبه ) فييارتقب ( أي وأن لييم‬
‫ل بهم ‪ ،‬وهو تعميم بعد تخصيص ‪ ،‬بقوله تعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء …حتى قييوله … إنهييم‬ ‫يتذكروا بما يح ّ‬
‫مرتقبون ( وقيل ‪ :‬معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما ‪ ،‬وفي الية من الوعد له صيلى الي تعيالى علييه وسيلم ميا ل‬
‫يخفى " اللوسي ‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫سورة الدخان ُتنذر قوما من أمة السلم كفروا بعد إيمانهم‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫ك ي َل ْ َ‬
‫عُبو َ‬ ‫ش ّ‬
‫في َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ل ُ‬
‫هذا الوصف لم يكن بحال من الحوال لمشركي قريش ‪ ،‬فهؤلء كّذبوا وكفروا بمييا جيياء بييه محمييد عليييه الصييلة‬
‫ن والهييوى ‪،‬‬‫ك في المعتقد عادة يتأّتى بعد اليمان ‪ ،‬بوحي من شياطين النس والج ي ّ‬ ‫والسلم جملة وتفصيل ‪ .‬والش ّ‬
‫مما يدفع النسان في النهاية إلى الكفر ‪ .‬وأما اللعب جاء بمعنى العراض عما ينفع والسييتهزاء بييه ‪ ،‬والنشييغال‬
‫بما ل ينفع بل وبما يضّر ‪ ،‬وهي صفة يمتاز بها الصبية والولد الصغار ‪ ،‬لصغر عقولهم وقلة مداركهم وضيييق‬
‫أفقهم وعدم مقدرتهم على أخذ العبرة والعظة ‪.‬‬
‫أما هؤلء القوم من أمة محمد ‪ ،‬فهم في شك من أمر ال ‪ ،‬والشك هو انعدام اليقين بمعنييى أنهييم غييير مييوقنين بمييا‬
‫أخبر عنه في كتابه المبين ‪ ،‬الذي جاء به الرسيول الميبين بلسيان عربيي ميبين مين أميور الغييب ‪ ،‬وعليى رأسيها‬
‫ربوبية ال وألوهيته ووحدانيته وإنكار قدرته على البعث ‪ ،‬أي الشك بملكية ال للسييماوات والرض ومييا بينهمييا ‪،‬‬
‫وقدرته على تصريف المور ‪ ،‬والشك بحقيقة الحياة بعد الممات ‪ .‬لذلك فهم ل يتورعون عيين اتخيياذ دينهييم هييزوا‬
‫ولعبا ‪ ،‬إذ ل بعث ول حساب ول عقاب يردعهم ‪.‬‬
‫ن َقْبِلُكفمْ‬
‫ب ِمف ْ‬
‫ن ُأوُتففوا اْلِكَتففا َ‬
‫ن اّل فِذي َ‬
‫خُذوا ِديَنُكْم ُهُزًوا َوَلِعًبا ‪ِ ،‬م َ‬
‫ن اّت َ‬
‫خُذوا اّلِذي َ‬‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬ل َتّت ِ‬‫قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 57‬المائدة ( ‪ ،‬فالذين يوالون الذين اتخذوا دين ال هييزوا ولعبييا ‪،‬‬ ‫ن ُكْنُتْم ُمْؤِمِني َ‬
‫ل ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫َواْلُكّفاَر َأْوِلَياَء ‪َ ،‬واّتُقوا ا َّ‬
‫من اليهود والنصارى والكفار إجمال ‪ ،‬وهم ُيظهرون اليمان ليسوا بمؤمنين ‪ ،‬فما بالك بمن يتخييذ دييين السييلم ‪،‬‬
‫هزوا ولعبا ويحاربه وهو ينتسب إليه ‪.‬‬
‫ت َلْي فسَ‬ ‫س فَب ْ‬
‫س ِبَما َك َ‬‫سَل َنْف ٌ‬ ‫ن ُتْب َ‬
‫حَياُة الّدْنَيا َوَذّكْر ِبِه َأ ْ‬
‫غّرْتُهُم اْل َ‬‫خُذوا ِديَنُهْم َلِعًبا َوَلْهًوا َو َ‬‫ن اّت َ‬
‫وقال تعالى ) َوَذِر اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫ب ِمف ْ‬ ‫شفَرا ٌ‬ ‫سفُبوا َلُهفْم َ‬ ‫سُلوا ِبَما َك َ‬ ‫ن ُأْب ِ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫خْذ ِمْنَها ُأوَلِئ َ‬‫عْدٍل َل ُيْؤ َ‬‫ن َتْعِدْل ُكّل َ‬ ‫شِفيٌع َوِإ ْ‬
‫ي َوَل َ‬ ‫ل َوِل ّ‬‫ن ا ِّ‬
‫َلَها ِمنْ ُدو ِ‬
‫حَياُة الّدْنَيا‬
‫غرّْتُهُم اْل َ‬
‫خُذوا ِديَنُهْم َلْهًوا َوَلِعًبا َو َ‬ ‫ن اّت َ‬‫ن )‪ 70‬النعام ( ‪ ،‬وقال ) اّلِذي َ‬ ‫ب َأِليٌم ِبَما َكاُنوا َيْكُفُرو َ‬
‫عَذا ٌ‬
‫حِميٍم وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ 51‬العراف ( ‪.‬‬ ‫حُدو َ‬ ‫جَ‬‫سوا ِلَقاَء َيْوِمِهْم َهَذا َوَما َكاُنوا ِبآَياِتَنا َي ْ‬ ‫ساُهْم َكَما َن ُ‬‫َفاْلَيْوَم َنْن َ‬
‫فهؤلء القوم يتصفون بأمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنهم ل يؤمنون بال وباليوم الخر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن شغلهم الشاغل هو الحياة الدنيا ‪ ،‬وأنهم يتخذون أمور دينهم مادة للهزء والسخرية واللهو ‪.‬‬

‫م‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫غ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫س َ‬
‫شى الّنا َ‬ ‫ن )‪ (10‬ي َ ْ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫خا ٍ‬
‫ماءُ ب ِدُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬
‫و َ‬
‫ب يَ ْ‬
‫ق ْ‬
‫فاْرت َ ِ‬
‫)‪(11‬‬

‫نلحظ أن المفسرين اختلفوا على ثلثة مواقف ‪ ،‬فمنهم من وافق تفسير ابن مسعود ‪ ،‬ومنهم من وافييق تفسييير ابيين‬
‫ل منهم أكمل تفسير السورة ‪ ،‬على ما ارتأى من صوابية اعتقيياده بالنسييبة‬ ‫عباس ‪ ،‬ومنهم من أخذ بالحتمالين ‪ .‬وك ّ‬
‫لهذا الدخان ‪ .‬وأما من حيث زمن الوقوع ‪ ،‬فالحتمال الول ‪ ،‬يقول بأن الدخان والبطشيية قييد مضيييا فييي مشييركي‬
‫قريش ‪ ،‬والحتمال الثاني يقول بييأنه قبيل ييوم القياميية ‪ ،‬والحتميال الثييالث يقيول بيأنه مين أحييداث ييوم القياميية ‪،‬‬
‫وللفصل في هذه القوال والمواقيف ‪ ،‬سنسيتنبط صيفات هيذا اليدخان مين الييات نفسيها ‪ ،‬وصيفات هيؤلء القيوم‬
‫وأفعالهم في نهاية الفصل ‪ ،‬بمعزل عن الروايات والتفسيرات السابقة ‪ ،‬فظياهر الييات الكريمية ييدل عليى أن ميا‬
‫ورد في اليات هو نبأ دخان سيظهر في المستقبل ‪ ،‬والقدر على بيان أمره هو مين يعاصير ظهيوره بعيد اكتميال‬
‫معالمه ‪ ،‬كما هي العادة في فهم وتفسير النبوءات المستقبلية ‪.‬‬

‫ن )‪(12‬‬
‫مُنو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ب إ ِّنا ُ‬
‫ذا َ‬ ‫عّنا ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫َرب َّنا اك ْ ِ‬
‫ش ْ‬
‫وهذا هو دعاء المُعرضين عن ذكر ال كما هي العادة ‪ ،‬من المسرفين والمشركين والكفار من الناس إجمييال كلمييا‬
‫سففا َ‬
‫ن‬ ‫س اِْلْن َ‬
‫ستهم الضراء والبأساء ‪ ،‬سواء كانوا من أمة السلم أو ميين غيرهييا كمييا فييي قييوله تعييالى ) َوِإَذا َم ف ّ‬
‫مّ‬

‫‪239‬‬
‫س فِرِفي َ‬
‫ن‬ ‫ن ِلْلُم ْ‬
‫ك زُّي ف َ‬
‫سُه َكَذِل َ‬
‫ضّر َم ّ‬
‫عَنا ِإَلى ُ‬
‫ن َلْم َيْد ُ‬
‫ضّرُه َمّر َكَأ ْ‬
‫عْنُه ُ‬
‫شْفَنا َ‬
‫عًدا َأْو َقاِئًما َفَلّما َك َ‬
‫جْنِبِه َأْو َقا ِ‬
‫عاَنا ِل َ‬
‫ضّر َد َ‬
‫ال ّ‬
‫ن )‪ 12‬يونس ( ‪.‬‬ ‫َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬
‫ن ِنْعَمفٍة َفِمفنَ‬
‫ولحظ ضمير المخاطب ) كم ( ‪ ،‬والذي يعود على المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬في قوله تعالى ) َوَما ِبُكْم ِم ْ‬
‫ن )‪54‬‬ ‫شفِرُكو َ‬
‫ق ِمْنُكفْم ِبَرّبِهفمْ ُي ْ‬
‫عْنُكفْم ِإَذا َفِريف ٌ‬ ‫ضفرّ َ‬ ‫ف ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫ن )‪ُ (53‬ثّم ِإَذا َك َ‬ ‫جَأُرو َ‬
‫ضّر ‪َ ،‬فِإَلْيِه َت ْ‬
‫سُكُم ال ّ‬‫ل ‪ُ ،‬ثّم ِإَذا َم ّ‬‫ا ِّ‬
‫ضفُتْم َوَكففا َ‬
‫ن‬ ‫عَر ْ‬
‫جفاُكْم ِإَلفى اْلَبفّر َأ ْ‬
‫ن إِّل ِإّيففاُه َفَلّمففا َن ّ‬
‫عو َ‬
‫ن َتفْد ُ‬
‫ضفّل َمف ْ‬ ‫حفِر َ‬‫ضّر ِففي اْلَب ْ‬
‫سُكُم ال ّ‬ ‫النحل ( ‪ ،‬وقوله ) َوِإَذا َم ّ‬
‫ن َكُفوًرا )‪ 67‬السراء ( ‪.‬‬ ‫سا ُ‬‫اِْلْن َ‬
‫والقرب والظهر بالنظر في دعواهم تلك ‪ ،‬وإقرارهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم من اليمان عند غشيان الدخان‬
‫لهم ‪ ،‬أن يكون هؤلء من أمية محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬فسيقوا عين دينهييم ميع كيونهم مسييلمين نفاقيا عليى‬
‫الغلب ‪ ،‬وشركهم في ال جاء بعد اليمان به ‪ .‬أما قريش فلم يكن هذا حالهم ‪ ،‬وما كان ليصدر منها هذا الييدعاء ‪،‬‬
‫فمنهم من أسلم ومنهم أصّر على كفره ‪ ،‬أما النفاق فلم يعرفوه ولم يكن لهم فيه مصلحة ‪ ،‬ومن المعروف أن النفاق‬
‫ظهر بعد انتشار السلم وهو ما حصل في المدينة المنورة ‪ ،‬لعدة غايات وأهمها وأخطرهييا هيو سييعيهم لمحاربيية‬
‫تعاليم الدين وهدم معالمه داخل المجتمعات السلمية ‪ ،‬وسورة الدخان مكييية وحييال هييؤلء كحييال ميين قييال فيهييم‬
‫سبحانه ‪ ،‬في مطلع سورة البقرة ‪:‬‬
‫ن َءاَمُنففوا ‪،‬‬ ‫لف ‪َ ،‬واّلفِذي َ‬ ‫ن ا َّ‬‫عو َ‬ ‫خاِد ُ‬‫ن )‪ُ (8‬ي َ‬ ‫خِر ‪َ ،‬وَما ُهْم ِبُمْؤِمِني َ‬ ‫لِ‬ ‫ل ‪َ ،‬وِباْلَيْوِم ا ْ‬
‫ن َيُقوُل ‪َ :‬ءاَمّنا ِبا ِّ‬ ‫س َم ْ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫) َوِم َ‬
‫ب َأِليفٌم ِبَمففا َكففاُنوا‬
‫عفَذا ٌ‬ ‫ضففا َوَلُهفْم َ‬‫لف َمَر ً‬ ‫ض َفَزادَُهفُم ا ُّ‬ ‫ن )‪ِ (9‬في ُقُلوِبِهْم َمَر ٌ‬ ‫شُعُرو َ‬‫سُهْم َوَما َي ْ‬ ‫ن ِإّل َأْنُف َ‬‫عو َ‬ ‫خَد ُ‬
‫َوَما َي ْ‬
‫ن َل‬‫ن َوَلِك ْ‬ ‫سُدو َ‬ ‫ن )‪َ (11‬أَل ِإّنُهْم ُهُم اْلُمْف ِ‬ ‫حو َ‬ ‫صِل ُ‬‫ن مُ ْ‬ ‫حُ‬‫ض َقاُلوا ِإّنَما َن ْ‬
‫سُدوا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫َيْكِذُبونَ )‪َ (10‬وِإَذا ِقيَل َلُهْم َل ُتْف ِ‬
‫سَفَهاُء َوَلِك ْ‬
‫ن‬ ‫سَفَهاُء َأَل ِإّنُهْم هُُم ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫ن َكَما َءاَم َ‬ ‫س َقاُلوا َأُنْؤِم ُ‬‫ن الّنا ُ‬ ‫ن )‪َ (12‬وِإَذا ِقيَل َلُهْم َءاِمُنوا َكَما َءاَم َ‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫َي ْ‬
‫سَتْهِزُئو َ‬
‫ن‬ ‫ن ُم ْ‬ ‫حُ‬ ‫طيِنِهْم َقاُلوا ِإّنا َمَعُكْم ِإّنَما َن ْ‬‫شَيا ِ‬‫خَلْوا ِإَلى َ‬ ‫ن َءاَمُنوا َقاُلوا َءاَمّنا َوِإَذا َ‬ ‫ن )‪َ (13‬وِإَذا َلُقوا اّلِذي َ‬ ‫َل َيْعَلُمو َ‬
‫ت‬
‫حف ْ‬ ‫لَلَة ِباْلُهفَدى َفَمففا َرِب َ‬ ‫ضف َ‬ ‫شفَتَرُوا ال ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ك اّلِذي َ‬
‫ن )‪ُ (15‬أوَلِئ َ‬ ‫طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ‬‫ئ ِبِهْم َوَيُمّدُهْم ِفي ُ‬ ‫سَتْهِز ُ‬ ‫ل َي ْ‬
‫)‪ (14‬ا ُّ‬
‫ن )‪ 16‬البقرة ( ‪.‬‬ ‫جاَرُتهُْم َوَما َكاُنوا ُمْهَتِدي َ‬ ‫ِت َ‬
‫حيث قال سبحانه ) ومن الناس ( ولم يحصر هذا السلوك بطائفة ميين النيياس أو بزميين معييين ‪ ،‬وهييذا السييلوك بييدأ‬
‫بالظهور بعدما قويت شوكة السلم في المدينة المنورة ‪ ،‬واستمر على مّر العصور حتى يومنا هذا ‪.‬‬
‫َ‬
‫عل ّ ٌ‬
‫م‬ ‫قاُلوا ُ‬
‫م َ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫وا َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬
‫م تَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ُ‬ ‫م َر ُ‬
‫ه ْ‬
‫جاءَ ُ‬
‫قد ْ َ‬ ‫م الذّك َْرى َ‬
‫و َ‬ ‫ه ُ‬‫أّنى ل َ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬‫َ‬
‫من أين لهؤلء القوم الذكرى ؟! أي التوبة والنابة إلى ال ‪ ،‬وقد سبق منهم العراض عما جاء به الرسول الكريم‬
‫‪ ،‬الذي ل ُيشّكك في كرم أخلقه أو حسبه أو نسبه أو لسانه العربي المبين ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم بعد مجيئه‬
‫واليمان به والنتساب إلى دينه ‪ .‬وفضل عن سبق العراض عن رسالته ‪ ،‬بعد احتضانها لمدة من الزمن ‪ ،‬توّلوا‬
‫عنه وأعرضوا عما جاء به ‪ ،‬واتهموه بالتعّلم من الكّهان والشياطين بحوادث ميتافيزيقية وما شابه ‪ ،‬وأضافوا إليه‬
‫صفة الجنون إمعانا منهم في الجرام والفتراء والستهزاء ‪ ،‬فيإن سيلم مين الكهانية ليم يسيلم مين الجنيون ‪ .‬فييرّد‬
‫ك َلَعلى‬
‫ن )‪ 29‬الطور ( ‪َ ) ،‬وِإّن َ‬
‫جُنو ٍ‬
‫ن َوَل َم ْ‬
‫ك ِبَكاِه ٍ‬
‫ت ِبِنْعَمِة َرّب َ‬
‫عليهم ربهم قولهم هذا بقوله لرسوله ) َفَذّكْر ‪َ ،‬فَما َأْن َ‬
‫سوٍل َكِريٍم )‪ 40‬الحاقة (‬ ‫ظيٍم )‪ 4‬القلم ( ‪ِ ) ،‬إّنُه َلَقْوُل َر ُ‬
‫ق عَ ِ‬
‫خُل ٍ‬
‫ُ‬
‫ستفاجأ أخي المسلم أن المقصود بهذا القول ليسوا مشركي قريش ‪ ،‬بييل مشييركي ومنييافقي هييذا العصيير ميين أميية‬
‫وُ‬
‫السلم ‪ ،‬وأنهم قالوا هذا القول وأكثر في رسول ال عليه الصلة والسييلم ‪ ،‬تحييت رعاييية ودعييم حكييومي مييادي‬
‫ومعنوي ‪ ،‬وأن هذا الفتراء ذاته هو الذي أخبر عنه سبحانه وهو من أكبر السباب الموجبة لعقابهم ‪.‬‬

‫ن )‪(15‬‬
‫دو َ‬
‫عائ ِ ُ‬ ‫قِليًل إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ب َ‬
‫ذا ِ‬ ‫فوا ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ش ُ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫كا ِ‬
‫وُيخبر سبحانه بأنه سيرفع العذاب عنهم قليل بعد انعقاد أسبابه ‪ ،‬بكشف الدخان بعد نيلهيم قسيطا مين أذاه ‪ ،‬نيزول‬
‫عند رغبتهم السابقة وإقرارهم باليمان عند غشيانه لهم ‪ ،‬فالدخان مجرد تحذير ولفت انتباه لهم ‪ ،‬بأن ال هييو رب‬
‫جية بيأنه ليم يعطهيم‬
‫السموات والرض وبأنه قادر عليى إمياتتهم وإهلكهيم كميا أميات آبيائهم ‪ ،‬ولئل تكين لهيم ح ّ‬
‫الفرصة للتوبة والنابة ‪ .‬ومن ثم ٌيقّرر سبحانه بأنهم سيعودون لميا كيانوا علييه مين الشييك واللعيب ‪ ،‬وسيضييفون‬
‫‪240‬‬
‫إليها التولي والعراض والعصيان والتهام لرسوله الكريم ‪ ،‬ليستوجبوا عن جدارة واستحقاق أن يبطش بهييم رب‬
‫العزة بطشته الكبرى ‪.‬‬
‫ل‬
‫سوَلُه َلَعَنُهُم ا ُّ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ا َّ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬
‫ب َأِليم )‪ 61‬التوبة ( وقال ) اّلِذي َ‬
‫عَذا ٌ‬
‫ل َلُهْم َ‬
‫سوَل ا ِّ‬
‫ن َر ُ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬واّلِذي َ‬
‫عَذاًبا ُمِهيًنا )‪ 57‬الحزاب ( ‪.‬‬ ‫عّد َلُهْم َ‬
‫خَرِة َوَأ َ‬‫لِ‬‫ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬

‫ن )‪(16‬‬
‫مو َ‬
‫ق ُ‬ ‫ة ال ْك ُب َْرى إ ِّنا ُ‬
‫من ْت َ ِ‬ ‫ش ال ْب َطْ َ‬
‫ش َ‬ ‫م ن َب ْطِ ُ‬
‫و َ‬
‫يَ ْ‬
‫شِديٌد )‪ 12‬البروج ( ‪ .‬ونستطيع تصّور طبيعة هذه البطشيية ميين‬ ‫ك َل َ‬
‫ش َرّب َ‬
‫ط َ‬ ‫ن َب ْ‬
‫أما بطش رب العزة فهذا وصفه ) ِإ ّ‬
‫حٍر )‬‫سَ‬ ‫جْيَناُهْم ِب َ‬
‫ط َن ّ‬
‫صًبا ِإّل َءاَل ُلو ٍ‬
‫حا ِ‬ ‫عَلْيِهْم َ‬
‫سلَْنا َ‬
‫ط ِبالّنُذِر )‪ِ (33‬إّنا َأْر َ‬ ‫ت َقْوُم ُلو ٍ‬‫قوله تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ‬
‫عف ْ‬
‫ن‬ ‫شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنفُذِر )‪َ (36‬وَلَقفْد َراَوُدوُه َ‬ ‫ط َ‬ ‫شَكَر )‪َ (35‬وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جِزي َم ْ‬ ‫ك َن ْ‬
‫عْنِدَنا َكَذِل َ‬
‫ن ِ‬ ‫‪ِ (34‬نْعَمًة ِم ْ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‬ ‫سَتِقّر )‪َ (38‬فُذوُقوا َ‬ ‫ب ُم ْ‬‫عَذا ٌ‬
‫حُهْم ُبْكَرًة َ‬ ‫صّب َ‬‫عَذاِبي َوُنُذِر )‪َ (37‬وَلَقْد َ‬ ‫عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ‬ ‫سَنا َأ ْ‬
‫طَم ْ‬‫ضْيِفِه َف َ‬
‫َ‬
‫ن ُمّدِكٍر )‪ 40‬القمر ( وتماروا بالُنذر أي كّذبوا إنذارات لوط عليييه الصييلة‬ ‫ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ‬‫سْرَنا اْلُقْرَءا َ‬ ‫‪ (39‬وََلَقْد َي ّ‬
‫والسلم وتحذيراته لهم ‪ ،‬وأكثروا الجدال والستهزاء بها ومنها فبطش بهم ربهم ‪ ،‬وما وقع من قييوم لييوط هييو مييا‬
‫وقع من هؤلء ‪ ،‬بعد أن جاءهم هذا رسولهم الكرييم نييذيرا مين غضيب الي ‪ ،‬فغشييهم الييدخان وسيتبغتهم البطشيية‬
‫ك يلعبون ‪ ،‬من أمر هذا الرسول المبين وأمر هذا الكتيياب المييبين‬ ‫الكبرى ‪ ،‬وهم ما زالوا ُيمارون ويتمارون في ش ٍ‬
‫وأمر هذا الدخان المبين ‪.‬‬
‫ي وما نزل بقوم لوط نستخلصه من اليات التالية ‪:‬‬
‫عَلْيَهففا ‪،‬‬
‫طْرَنا َ‬
‫ساِفَلَها ‪َ ،‬وَأْم َ‬
‫عاِلَيَها َ‬
‫جَعْلَنا َ‬
‫جاَء َأْمُرَنا ‪َ ،‬‬
‫ب )‪َ (81‬فَلّما َ‬ ‫ح ِبَقِري ٍ‬
‫صْب ُ‬
‫س ال ّ‬‫ح َأَلْي َ‬
‫صْب ُ‬
‫عَدُهُم ال ّ‬
‫ن َمْو ِ‬‫) … ِإ ّ‬
‫ن ِبَبِعيٍد )‪ 83‬هود ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ي ِم َ‬
‫ك ‪َ ،‬وَما ِه َ‬
‫عْنَد َرّب َ‬
‫سّوَمًة ِ‬‫ضوٍد )‪ُ (82‬م َ‬ ‫جيٍل َمْن ُ‬‫سّ‬‫ن ِ‬ ‫جاَرةً ِم ْ‬
‫حَ‬
‫ِ‬
‫كان ذلك في الصباح الباكر حيث ُرفعت قرية لوط عليه الصييلة والسييلم بميين فيهييا إلييى السييماء ‪ ،‬وتقيول بعييض‬
‫الروايات أن الملئكة في السماء الولى سمعت نباح كلبهم ‪ ،‬ومن ثم ُقلبت وُرميت من ذلك الرتفاع الشاهق إلى‬
‫الرض ‪ ،‬فأحدثت ذلك الجرف الجغرافي الممتد ميين علييى طييول نهيير الردن ووادي عربيية ‪ ،‬وميين ثييم ُأمطييرت‬
‫بالحجارة التي ل تزال ظاهرة إلى يومنا هذا ‪ ،‬منغرسة في الطين على شواطئ البحر الميت ‪ .‬وخلصة القييول أن‬
‫البطشة تعني خراب الديار وهلك أهلها بغض النظر عن الوسيلة ‪ ،‬مشهد يحمييل فييي ثناييياه أبشييع صييور للنتقييام‬
‫اللهي ‪ ،‬حين يوغل الناس بإصييرار فييي الجييرام بحييق الي وحييق رسييله الكييرام دون وازع أو رادع ‪ ،‬ضيياربين‬
‫عرض الحائط ‪ ،‬مستحّقين بذلك غضبا إلهيا عارما ‪.‬‬‫بإنذارات ربهم ُ‬
‫عا ربل َ‬
‫ن‬
‫هأ ّ‬ ‫م… َ‬
‫ف لد َ َ َ ّ ُ‬ ‫ل كَ ِ‬
‫ريل ٌ‬ ‫سللو ٌ‬
‫م َر ُ‬
‫ه ْ‬
‫جللاءَ ُ‬
‫و َ‬
‫ن َ‬
‫و َ‬
‫عل ْ‬
‫فْر َ‬
‫م ِ‬‫و َ‬ ‫م َ‬
‫قل ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬
‫هل ْ‬ ‫فت َّنا َ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مو‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ْ ٌ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ؤ‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫ومفاد اليات أعله هو أن حال هيؤلء القيوم ‪ ،‬ميع محمييد الكرييم المييين الميبين علييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬كحييال‬
‫فرعون وقومه مع موسى الكريم المين المبين عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وذلك نفيا لما قاله هؤلء عنهما ‪ ،‬سواء من‬
‫فرعون وقومه أو ممن أشرك وكفر من أمة محمد ‪ .‬ومن تشبيه الحال بالحال نستطيع التعرف على موقف هييؤلء‬
‫القوم من محمد ‪ ،‬من خلل معرفة موقف فرعون وقومه من موسيى ‪ ،‬اليذي ورد بالتفصييل فيي القيرآن الكرييم ‪،‬‬
‫حيث أن اليات ‪ ،‬التي تصف موقف فرعون وقومه من موسى ورسالته ‪ ،‬تكاد تبين ما تحويه سييورة الييدخان ميين‬
‫مقاصد إلهية تكتنفها اليات الكريمة ‪.‬‬

‫حال فرعون وقومه مع موسى ‪:‬‬

‫ي دعا موسى عليه الصلة والسلم فرعون وقومه إلى تقوى ال ‪ ،‬فجادلوه واستهزءوا به وبما جيياء بييه ‪ ،‬وأنكييروا‬
‫ربوبية ال ‪ ،‬واتهمه فرعون بالجنون وهّدده بالسجن إن اّتخذ إلها غيره ‪ ،‬فأراه موسى آيات ربه الكيبرى ‪ ،‬فيياتهمه‬
‫بالسحر وببلوغه مرتبة عالية في علمه ‪ ،‬ليصبح كبيرا السحرة ونّفذ تهديده فيمن اتبعه وآمن به من السحرة ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫ف َأنْ‬ ‫خفا ُ‬ ‫ب ِإّنفي َأ َ‬‫ن )‪َ (11‬قفاَل َر ّ‬ ‫ن َأَل َيّتُقفو َ‬‫ن )‪َ (10‬قفْوَم ِفْرعَفْو َ‬ ‫ظففاِلِمي َ‬‫ت اْلَقْوَم ال ّ‬‫ن اْئ ِ‬‫سى َأ ِ‬ ‫ك ُمو َ‬ ‫) َوِإْذ َناَدى َرّب َ‬
‫سَراِئيَل )‪َ … (17‬قففاَل‬ ‫سْل َمَعَنا َبِني ِإ ْ‬ ‫ن َأْر ِ‬ ‫ن )‪َ (16‬أ ْ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬ ‫سوُل َر ّ‬ ‫ن َفُقوَل ِإّنا َر ُ‬ ‫عْو َ‬‫ن )‪َ … (12‬فْأِتَيا ِفْر َ‬ ‫ُيَكّذُبو ِ‬
‫حْوَلُه َأَل‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (24‬قاَل ِلَم ْ‬ ‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬ ‫ض َوَما بَْيَنُهَما ِإ ْ‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن )‪َ (23‬قاَل َر ّ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬‫عْونُ َوَما َر ّ‬ ‫ِفْر َ‬
‫ن )‪َ (27‬قاَل َر ّ‬
‫ب‬ ‫جُنو ٌ‬‫سَل ِإَلْيُكْم َلَم ْ‬‫سوَلُكُم اّلِذي ُأْر ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن )‪َ (26‬قاَل ِإ ّ‬ ‫ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ‬ ‫ن )‪َ (25‬قاَل َرّبُكْم َوَر ّ‬ ‫سَتِمُعو َ‬‫َت ْ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫جوِني َ‬ ‫سف ُ‬‫ن اْلمَ ْ‬
‫ك ِمف َ‬ ‫جَعَلّن َ‬‫غْيِري َل ْ‬ ‫ت ِإَلًها َ‬‫خذْ َ‬ ‫ن اّت َ‬
‫ن )‪َ (28‬قاَل َلِئ ِ‬ ‫ن ُكْنُتْم َتْعِقُلو َ‬
‫ب َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬‫ق َواْلَمْغِر ِ‬ ‫شرِ ِ‬‫اْلَم ْ‬
‫ن)‬ ‫ن ُمِبي ف ٌ‬ ‫ي ُثْعَبا ٌ‬
‫صاُه َفِإَذا هِ َ‬‫ع َ‬ ‫ن )‪َ (31‬فَأْلَقى َ‬ ‫صاِدِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ِم َ‬ ‫ن ُكْن َ‬ ‫ت ِبِه ِإ ْ‬‫ن )‪َ (30‬قاَل َفْأ ِ‬ ‫يٍء ُمِبي ٍ‬ ‫ش ْ‬
‫ك ِب َ‬‫جْئُت َ‬
‫َقاَل َأَوَلْو ِ‬
‫عِليٌم )‪َ … (34‬قاَل َءاَمْنُتْم َلُه َقْبَل‬ ‫حٌر َ‬ ‫سا ِ‬‫حْوَلُه ِإنّ َهَذا َل َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (33‬قاَل ِلْلَم َِ‬ ‫ظِري َ‬‫ضاُء ِللّنا ِ‬ ‫ي َبْي َ‬ ‫ع َيَدُه َفِإَذا ِه َ‬
‫‪ (32‬وََنَز َ‬
‫صفّلَبّنُكْم‬
‫ف َوَُل َ‬ ‫ل ٍ‬ ‫ن خِ َ‬‫جَلُكفْم ِمف ْ‬ ‫ن َأْيفِدَيُكْم َوَأْر ُ‬
‫طَعف ّ‬
‫ن َُلَق ّ‬ ‫ف َتْعَلُمفو َ‬ ‫سفْو َ‬ ‫حَر َفَل َ‬‫سف ْ‬
‫عّلَمُكُم ال ّ‬ ‫ن َلُكْم ِإّنُه َلَكِبيُرُكُم اّلِذي َ‬‫ن َءاذَ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫جَمِعينَ )‪ ) … (49‬الشعراء ( ‪.‬‬ ‫َأ ْ‬
‫ولهذا تشابهت لغة الخطاب وتشابهت الحجة في قول الرسولين الكريمين ‪:‬‬
‫ن)‬
‫ب َءاَبففاِئُكُم اَْلّوِلي ف َ‬
‫ن )‪َ … (24‬قاَل َرّبُكْم َوَر ّ‬
‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬
‫ت َواَْلْر ِ‬
‫سَمَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫موسى ‪َ ) :‬قاَل َر ّ‬
‫‪ 26‬الشعراء (‬
‫ن )‪ 8‬الدخان‬
‫ب َءاَباِئُكُم الَّْوِلي َ‬
‫ن )‪َ … (7‬رّبُكْم َوَر ّ‬
‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬
‫ت َواَْلْر ِ‬
‫سَمَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫محمد ‪َ … ) :‬ر ّ‬
‫(‬
‫ي فأنذرهم ال بالمألوف للناس من العذاب كالقحط والجوع ‪ ،‬مشعرا إييياهم بقييدرته علييى أخييذهم لعلهييم يرجعييون ‪،‬‬
‫ش النحييس " لموسييى ومين معيه وليم ينسيبوها إليى الي ‪ .‬وأصيّروا علييى‬ ‫ولكنهم رّدوا هذه البتلءات ‪ ،‬إلى " الو ّ‬
‫كفرهم فأرسل عليهم ما لم يألفوه ‪ ،‬كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ‪ ،‬فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ‪.‬‬
‫ولكنهم لما وقع بهم العذاب وعاينوه وعدوا موسيى باليميان فيي حيال ُكشيف عنهيم ‪ .‬وُرفيع العيذاب عنهيم لجيل‬
‫مسمى هم بالغوه ‪ ،‬وفور شعورهم بالرخاء نكثوا عهدهم وعادوا لما سييبق ‪ ،‬فييانتقم الي منهييم لتكييذيبهم ليييات الي‬
‫وغفلتهم عنها ‪.‬‬
‫سَنُة ‪َ ،‬قاُلوا لََنا‬ ‫ح َ‬ ‫جاَءْتُهُم اْل َ‬ ‫ن )‪َ (130‬فِإَذا َ‬ ‫ت ‪َ ،‬لَعّلُهْم َيّذّكُرو َ‬ ‫ن الّثَمَرا ِ‬ ‫ص ِم َ‬‫ن َوَنْق ٍ‬ ‫سِني َ‬
‫ن ِبال ّ‬‫عْو َ‬‫خْذَنا َءاَل ِفْر َ‬ ‫) َوَلَقدْ َأ َ‬
‫ن)‬ ‫ن َأْكَثَرُهفْم َل َيْعَلُمففو َ‬ ‫ل ف ‪َ ،‬وَلِكف ّ‬‫عْنفَد ا ِّ‬‫طففاِئُرُهْم ِ‬‫ن َمَعفُه ‪َ ،‬أَل ِإّنَمففا َ‬ ‫سى َوَم ْ‬ ‫طّيُروا ِبُمو َ‬ ‫سّيَئٌة ‪َ ،‬ي ّ‬ ‫صْبُهْم َ‬ ‫ن ُت ِ‬‫َهِذِه ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫طوَفففا َ‬
‫ن‬ ‫عَلْيِهفُم ال ّ‬ ‫سفْلَنا َ‬ ‫ن )‪َ (132‬فَأْر َ‬ ‫ن َلفكَ ِبُمفْؤِمِني َ‬‫حف ُ‬‫حَرَنا ِبَها ‪َ ،‬فَما َن ْ‬ ‫سَ‬‫ن َءاَيٍة ‪ِ ،‬لَت ْ‬‫‪َ (131‬وَقاُلوا َمْهَما َتْأِتَنا ِبِه ِم ْ‬
‫ن )‪َ (133‬وَلّمففا َوَقفَع‬ ‫جِرِميف َ‬ ‫سفَتْكَبُروا ‪َ ،‬وَكففاُنوا َقْوًمففا ُم ْ‬ ‫ت ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫ل ٍ‬‫صف َ‬‫ت ُمَف ّ‬ ‫ع َوالفّدَم ‪َ ،‬ءاَيففا ٍ‬‫ضَفاِد َ‬ ‫جَراَد َواْلُقّمَل َوال ّ‬ ‫َواْل َ‬
‫ن َمَع ف َ‬
‫ك‬ ‫س فَل ّ‬
‫ك ‪َ ،‬وَلُنْر ِ‬ ‫ن َل َ‬‫جَز َلُنْؤِمَن ّ‬‫عّنا الّر ْ‬‫ت َ‬ ‫شْف َ‬‫ن َك َ‬‫ك ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫عْنَد َ‬
‫عِهَد ِ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫ع َلَنا َرّب َ‬
‫سى اْد ُ‬ ‫جُز ‪َ ،‬قاُلوا ‪َ :‬يُمو َ‬ ‫عَلْيِهُم الّر ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (135‬فاْنَتَقْمَنففا ِمْنُهفْم ‪،‬‬ ‫جفٍل ُهفْم َبففاِلُغوُه ‪ِ ،‬إَذا ُهفْم َيْنُكُثففو َ‬ ‫جفَز ِإَلففى َأ َ‬‫عْنُهُم الّر ْ‬‫شْفَنا َ‬
‫سَراِئيَل )‪َ (134‬فَلّما َك َ‬ ‫َبِني ِإ ْ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ضفَعُفو َ‬ ‫سَت ْ‬ ‫ن َكففاُنوا ُي ْ‬ ‫ن )‪َ (136‬وَأْوَرْثَنا اْلَقْوَم اّلِذي َ‬ ‫غاِفِلي َ‬‫عْنَها َ‬ ‫غَرْقَناُهْم ِفي اْلَيّم ‪ِ ،‬بَأّنُهْم َكّذُبوا ِبآَياِتَنا ‪َ ،‬وَكاُنوا َ‬ ‫َفَأ ْ‬
‫صفَبُروا ‪َ ،‬وَدّمْرَنفا‬ ‫سفَراِئيَل ِبَمفا َ‬ ‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫سَنى َ‬ ‫ح ْ‬‫ك اْل ُ‬‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬‫ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ‪َ ،‬وَتّم ْ‬ ‫ق اَْلْر ِ‬ ‫شاِر َ‬ ‫َم َ‬
‫ن )‪ 137‬العراف ( ‪.‬‬ ‫شو َ‬ ‫ن َوَقْوُمُه ‪َ ،‬وَما َكاُنوا َيْعِر ُ‬ ‫عْو ُ‬ ‫صَنُع ِفْر َ‬
‫ن َي ْ‬ ‫َما َكا َ‬
‫ي فما آمن لموسى سوى فئة قليلة من مجموع بني إسرائيل ‪ ،‬وتبعهم فرعون إلى البحر وعندما أدركه الغرق ‪ ،‬ندم‬
‫الله فخان قومه وأعلن توبته وإيمانه بإله آخر ‪ ،‬هو الله الذي آمنت به بنوا إسرائيل حسب قوله ‪.‬‬
‫ن )‪َ … (75‬فَمفا‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ‬ ‫ن َوَمَلِئِه ِبآَياِتَنا َفا ْ‬‫عْو َ‬ ‫ن ِإَلى ِفْر َ‬
‫سى َوَهاُرو َ‬ ‫ن َبْعِدِهْم ُمو َ‬ ‫) ُثّم َبَعْثَنا ِم ْ‬
‫ن َلَعففاٍل ِفففي اَْلْرضِ‬ ‫عفْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫ن َيْفِتَنُهفْم ‪َ ،‬وِإ ّ‬
‫ن َوَمَلِئِهْم ‪َ ،‬أ ْ‬‫عْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫ف ِم ْ‬ ‫خْو ٍ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن َقْوِمِه ‪َ ،‬‬ ‫سى ِإّل ُذّرّيٌة ِم ْ‬ ‫ن ِلُمو َ‬ ‫َءاَم َ‬
‫حّتففى ِإَذا‬
‫ع فْدًوا ‪َ ،‬‬
‫جُنوُدُه َبْغًيففا َو َ‬‫ن َو ُ‬
‫عْو ُ‬‫حَر ‪َ ،‬فَأْتَبَعُهْم ِفْر َ‬ ‫سَراِئيَل اْلَب ْ‬‫جاَوْزَنا ِبَبِني ِإ ْ‬
‫ن )‪َ … (83‬و َ‬ ‫سِرِفي َ‬‫ن اْلُم ْ‬
‫َوِإّنُه َلِم َ‬
‫ن )‪ 90‬يونس ( ‪.‬‬ ‫سِلِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫سَراِئيَل ‪َ ،‬وَأَنا ِم َ‬ ‫ت ِبِه َبُنو ِإ ْ‬ ‫ت َأّنُه َل ِإَلَه ِإّل اّلِذي َءاَمَن ْ‬
‫ق ‪َ ،‬قاَل َءاَمْن ُ‬ ‫َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ‬
‫ف عقولهم فأطاعوه ‪ ،‬وأض يّلهم عيين‬ ‫ي وأما عامة المصريين فقد اتبعوا إلههم وربهم العلى فرعون ‪ ،‬بعد أن استخ ّ‬
‫السبيل فكانوا قوما فاسقين كإلههم ‪ ،‬ومن الغريب أن صفة خفة العقل صفة متوارثة لغاييية الن فييي عاميية الشييعب‬
‫المصري إل من رحم ربي ‪ ،‬كما ورث أهل العراق صفة البأس الشديد من أجدادهم البابليين ‪.‬‬
‫حا ‪،‬‬
‫صفْر ً‬
‫جعَفْل ِلففي َ‬ ‫ن ‪َ ،‬فا ْ‬
‫طيف ِ‬
‫عَلففى ال ّ‬
‫ن َ‬
‫غْيِري ‪َ ،‬فَأْوِقْد ِلي َياَهاَمففا ُ‬
‫ن ِإَلٍه َ‬‫ت َلُكْم ِم ْ‬
‫عِلْم ُ‬
‫ل َما َ‬‫ن َيَأّيَها اْلَم َُ‬
‫عْو ُ‬
‫) َوَقالَ ِفْر َ‬
‫صى )‬‫ع َ‬ ‫ب َو َ‬
‫لَيَة اْلُكْبَرى )‪َ (20‬فَكّذ َ‬
‫ن )‪ 38‬القصص ( ‪َ ) .‬فَأَراُه ا ْ‬ ‫ن اْلَكاِذِبي َ‬
‫ظّنُه ِم َ‬
‫سى َوِإّني َل ُ‬ ‫َلَعّلي َأطِّلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ‬
‫‪242‬‬
‫عوُه‬
‫طا ُ‬
‫ف َقْوَمُه َفَأ َ‬
‫خ ّ‬
‫سَت َ‬
‫عَلى )‪ 24‬النازعات ( ‪َ ) .‬فا ْ‬ ‫شَر َفَناَدى )‪َ (23‬فَقاَل َأَنا َرّبُكْم اَْل ْ‬
‫ح َ‬
‫سَعى )‪َ (22‬ف َ‬ ‫‪ُ (21‬ثمّ َأْدَبَر َي ْ‬
‫ن َقْوَمُه َوَما َهَدى )‪ 79‬طه ( ‪.‬‬‫عْو ُ‬ ‫ضّل ِفْر َ‬‫ن )‪ 54‬الزخرف ( ‪َ ) .‬وَأ َ‬ ‫سِقي َ‬
‫ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬
‫ي أما علية القوم حاشية السوء فكان رأيهيم أنهييم هيم المصييلحون ‪ ،‬وأن موسييى ومين معيه ميين الميؤمنين بيال هييم‬
‫الُمفسدون في الرض ‪ ،‬وكذلك رأي فراعنة هذا العصر بأنفسهم وبالمصلحين من الناس ‪ ،‬بمعنى أن موسى وميين‬
‫معه سيدفعون الناس إلى عبادة ال فيتركوا عبادة آلهة فرعون ‪ ،‬مما يجعلهم يستنكفوا عن طاعته ليؤول ملكه إلى‬
‫الزوال فتفسد الرض ‪ ،‬لذلك توجب التخلص من شرورهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم وقهرهم ‪ ،‬وقتييل الييرأس‬
‫المحّركة للفتنة ‪.‬‬
‫سفُنَقّتُل َأْبَنففاَءُهمْ‬
‫ك َقففاَل َ‬
‫ك َوَءاِلَهَتف َ‬
‫ض َوَيفَذَر َ‬‫سفُدوا ِفففي اَْلْر ِ‬‫سففى َوَقفْوَمُه ِلُيْف ِ‬
‫ن َأَتَذُر ُمو َ‬
‫عْو َ‬‫ن َقْوِم ِفْر َ‬‫ل ِم ْ‬ ‫) َوَقاَل اْلَم َُ‬
‫ع َرّبفُه ‪،‬‬ ‫سففى ‪َ ،‬وْلَيفْد ُ‬
‫ن َذُروِني َأْقُتفْل ُمو َ‬ ‫عْو ُ‬
‫ن )‪ 127‬العراف ( ‪َ ) .‬وَقاَل ِفْر َ‬ ‫ساَءُهْم َوِإّنا َفْوَقُهْم َقاِهُرو َ‬ ‫سَتحِْيي ِن َ‬ ‫َوَن ْ‬
‫ساَد )‪(26‬‬‫ض اْلَف َ‬‫ظِهَر ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ن ُي ْ‬
‫ن ُيَبّدَل ِديَنُكْم ‪َ ،‬أْو َأ ْ‬
‫ف َأ ْ‬‫خا ُ‬ ‫ِإّني َأ َ‬
‫ي وأما مؤمن آل فرعون فكان له رأي آخر ‪ ،‬إذ قال لقومه فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ؟!‬
‫ن ‪َ :‬مففا ُأِريُك فمْ‬
‫عْو ُ‬
‫جاَءَنا ‪َ … ،‬قاَل ِفْر َ‬
‫ن َ‬
‫ل ِإ ْ‬
‫س ا ِّ‬
‫ن َبْأ ِ‬
‫صُرَنا ِم ْ‬
‫ن َيْن ُ‬
‫ض ‪َ ،‬فَم ْ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ظاِهِري َ‬
‫ك اْلَيْوَم َ‬‫) َيَقْوِم َلُكُم اْلُمْل ُ‬
‫شاِد )‪ 29‬غافر ( وعلى هذا فليحذر فراعنة أمة السلم الجدد ‪ ،‬الذين يهدون‬ ‫سِبيَل الّر َ‬
‫ِإّل َما أََرى ‪َ ،‬وَما َأْهِديُكْم ِإّل َ‬
‫الناس إلى سبيل الرشاد الخاص بهم ‪ ،‬من بأس ال !!‬
‫ي وجاء نصر ال لرسوله الكريم فأنجاه من مكر فرعون وملئه ‪ ،‬وأنزل بهم ما استجلبوه علييى أنفسييهم ميين عييذاب‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫شفّيا َوَيفْوَم‬
‫ع ِ‬
‫غُدّوا َو َ‬
‫عَلْيَها ُ‬
‫ن َ‬
‫ضو َ‬
‫ب )‪ (45‬الّناُر ُيْعَر ُ‬
‫سوُء اْلَعَذا ِ‬
‫ن ُ‬
‫عْو َ‬
‫ق ِبآِل ِفْر َ‬‫حا َ‬
‫ت َما َمَكُروا َو َ‬ ‫سّيَئا ِ‬
‫ل َ‬ ‫) َفوََقاُه ا ُّ‬
‫ب )‪ 46‬غافر (‬ ‫شّد اْلَعَذا ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫عْو َ‬
‫خُلوا َءاَل ِفْر َ‬‫عُة َأْد ِ‬
‫سا َ‬‫َتُقوُم ال ّ‬
‫ي وأخيرا ‪ ،‬تهديد وتحذير شديد اللهجة لمن كفر بالنذير محمد من ملقاة نفس المصير ‪ ،‬فليس هناك اسييتثناء لحييد‬
‫حتى ولو انتسب لمته وادعى السلم ‪ ،‬فملة الكفر عند رب العزة واحدة ومصيرها واحد ‪ ،‬إذ ل خيرية في الكفر‬
‫‪.‬‬
‫ن ُأوَلِئُكمْ‬
‫خْيٌر ِم ْ‬
‫عِزيٍز ُمْقَتِدٍر )‪َ (42‬أُكّفاُرُكْم َ‬ ‫خَذ َ‬‫خْذَناُهْم َأ ْ‬
‫ن الّنُذُر )‪َ (41‬كّذُبوا ِبآَياِتَنا ُكّلَها َفَأ َ‬ ‫عْو َ‬
‫جاَء َءاَل ِفْر َ‬
‫) َوَلَقْد َ‬
‫سوًل‬ ‫ن َر ُ‬‫عْو َ‬‫سْلَنا ِإَلى ِفْر َ‬
‫عَلْيُكْم ‪َ ،‬كَما ‪َ ،‬أْر َ‬
‫شاِهًدا َ‬‫سوًل ‪َ ،‬‬ ‫سْلَنا ِإَلْيُكْم َر ُ‬
‫َأْم َلُكْم َبَراَءٌة ِفي الّزُبِر )‪ 43‬القمر ( ‪ِ ) .‬إّنا َأْر َ‬
‫ل )‪ 16‬المزمل ( ‪.‬‬ ‫خًذا َوِبي ً‬ ‫خْذَناُه َأ ْ‬
‫سوَل ‪َ ،‬فَأ َ‬
‫ن الّر ُ‬
‫عْو ُ‬‫صى ِفْر َ‬‫)‪َ (15‬فَع َ‬
‫ن ‪ ،‬بأن الذين ورثوا أرض مصر هم بني إسرائيل ‪ ،‬فتاريييخ مصيير القييديم والحييديث ل‬ ‫وقد جانب الصواب من ظ ّ‬
‫يدل على ذلك ‪ ،‬وكذلك تاريخ بني إسرائيل في القرآن والسنة والتوراة والتلمود كما بيّناه سابقا ‪ ،‬وأما المقصييودين‬
‫بوراثتها ها هنا هم أهل مصر ‪ ،‬من أبناء من بقي من قوم فرعون وعبيييده ‪ ،‬حيييث لييم ُيهلييك منهييم فييي اليييم غرقييا‬
‫سوى من تبع بني إسرائيل أثناء خروجهم من مصر ‪ ،‬أمييا الرض الييتي ورثهييا بنييو إسييرائيل بعييد خروجهييم ميين‬
‫مصر فهي الرض المقّدسة والمباركة فلسطين ‪.‬‬

‫مللا‬ ‫ن اْلي َللا ِ‬


‫ت َ‬ ‫مل َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫ءات َي َْنا ُ‬
‫و َ‬
‫ن… َ‬
‫هي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫ل ِ‬ ‫جي َْنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ن َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫بي‬
‫ُ ِ ٌ‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫وُيذّكر سبحانه بإنجيائه بنيي إسيرائيل مين فرعيون وقيومه ‪ ،‬وبميا آتيى نيبيهم موسيى علييه الصيلة والسيلم مين‬
‫معجزات بّينات ‪ ،‬شاهدوها بأم أعينهم في مصر وأثناء خروجهم منها ‪ ،‬ويذّكر سبحانه بأنه وبالرغم من تفضيييلهم‬
‫وابتلئهم بالسّراء والضّراء ‪ ،‬فما كييان ميين أكييثرهم إل الكفيير والفسييوق والعصيييان ‪ ،‬وإيييذاء نييبيهم موسييى عليييه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬فأنزل بهم وعليهم ربهم العذاب تلو العذاب مما فصلناه في فصل سييابق ‪ .‬وكمييا حيياول فرعييون‬
‫سففى‬‫إيذاء موسى ومن منعه ميين المييؤمنين ‪ ،‬كييذلك فعييل بنييو إسييرائيل أنفسييهم بموسييى بعييد النجيياة ) َوِإْذ َقففاَل ُمو َ‬
‫ل ف َل َيْه فِدي‬
‫ل ُقُلففوَبُهْم ‪َ ،‬وا ُّ‬
‫غ ا ُّ‬
‫غوا ‪َ ،‬أَزا َ‬
‫ل ِإَلْيُكْم ‪َ ،‬فَلّما َزا ُ‬
‫سوُل ا ِّ‬
‫ن َأّني َر ُ‬
‫ِلَقْوِمِه ‪َ :‬يَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني ؟! َوَقْد َتْعَلُمو َ‬
‫ن )‪ 5‬الصف ( ومجمل من تقّدم ذكرهم في سورة الدخان يقول فيهم سبحانه ‪:‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫اْلَقْوَم اْلَفا ِ‬

‫‪243‬‬
‫م ك َللاُنوا‬
‫هل ْ‬
‫م ‪ ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫لول َللى … أ َ ْ‬
‫هل َك ْن َللا ُ‬ ‫هي إّل موت َت َُنا ا ْ ُ‬
‫َ ْ‬ ‫ن ِ َ ِ‬
‫ن ‪ :‬إِ ْ‬‫قوُلو َ‬
‫ء ل َي َ ُ‬‫ؤَل ِ‬‫ه ُ‬‫ن َ‬
‫إِ ّ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫ُيقّرر سبحانه وتعالى بأن ) َهُؤَلِء ( أي أصحاب الدخان ُينكرون البعث والنشور ‪ ،‬كما ُيقّرر سبحانه وتعالى أنهييم‬
‫ليسوا بخير من قوم تبع والذين من قبلهم حيث أهلكهم ال بإجرامهم ‪ ،‬ومن المفهوم ضمنا بأن في هييذا وعيييد لميين‬
‫ُيجرمون في حق ال ورسله وكتبه وينكرون البعث ‪ ،‬حيث أنهم لو آمنوا بحقيقة رجعتهم إلى ال فييي اليييوم الخيير‬
‫صيل ليديهم اليقيين بييذلك لميا‬
‫لتقديم الحساب ‪ ،‬ونيل ما ترتب على أقوالهم وأفعالهم تلييك مين ثيواب وعقيياب ‪ ،‬وتح ّ‬
‫تجّرأوا على الجرام كما أجرم الذين من قبلهم ‪ ،‬فهم في شك يلعبيون ومصييرهم الهلك ل محاليية ‪ ،‬وانظير قييوله‬
‫تعالى موضحا حقيقة حالهم وهو أعلم بما يعتمل في صدورهم ‪ ،‬وحقيقة موقفه منهم ومن أمثالهم ماضيا ومستقبل‬
‫‪:‬‬
‫ف ِفففي‬
‫لِئ َ‬
‫خَ‬ ‫جَعَلُكفْم َ‬‫صفُدوِر )‪ُ (38‬هفَو اّلفِذي َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫عِليٌم ِبَذا ِ‬‫ض ‪ِ ،‬إّنُه َ‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غْي ِ‬‫عاِلُم َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن ُكْفُرُه فْم ‪ِ ،‬إّل‬ ‫عْنَد َرّبِهْم ‪ِ ،‬إّل َمْقًتا ‪َ ،‬وَل َيِزي فُد اْلَكففاِفِري َ‬ ‫ن ُكْفُرُهْم ِ‬ ‫ن َكَفَر َفَعَلْيِه ُكْفُرُه ‪َ ،‬وَل َيِزيُد اْلَكاِفِري َ‬ ‫ض ‪َ ،‬فَم ْ‬
‫اَْلْر ِ‬
‫جففاَءُهْم‬
‫حَدى اُْلَممِ ‪َ ،‬فَلّمففا َ‬ ‫ن ِإ ْ‬‫ن َأْهَدى ِم ْ‬ ‫جاَءُهْم َنِذيٌر ‪َ ،‬لَيُكوُن ّ‬ ‫ن َ‬‫جْهَد َأْيَماِنِهْم ‪َ ،‬لِئ ْ‬‫ل َ‬ ‫سُموا ِبا ِّ‬ ‫ساًرا )‪َ … (39‬وَأْق َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ئ ِإّل ِبفَأْهِلِه ‪َ ،‬فَهفْل‬
‫سفّي ُ‬‫ق اْلَمْكفُر ال ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫ئ ‪َ ،‬وَل َي ِ‬ ‫سّي ِ‬
‫ض ‪َ ،‬وَمْكَر ال ّ‬ ‫سِتْكَباًرا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫َنِذيٌر ‪َ ،‬ما َزاَدُهْم ِإّل ُنُفوًرا )‪ (42‬ا ْ‬
‫ض‪،‬‬‫سيُروا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ل )‪َ (43‬أَوَلْم َي ِ‬ ‫حِوي ً‬ ‫ل َت ْ‬‫سنِّة ا ِّ‬ ‫جَد ِل ُ‬‫ن َت ِ‬
‫ل ‪َ ،‬وَل ْ‬ ‫ل َتْبِدي ً‬
‫سّنِة ا ِّ‬‫جَد ِل ُ‬‫ن َت ِ‬‫ن ‪َ ،‬فَل ْ‬ ‫سّنَة اَْلّوِلي َ‬ ‫ن ِإّل ُ‬‫ظُرو َ‬ ‫َيْن ُ‬
‫يٍء ‪ِ ،‬فففي‬ ‫شف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جفَزُه مِف ْ‬ ‫لف ِلُيْع ِ‬
‫ن ا ُّ‬‫شفّد ِمْنُهفْم ُقفّوًة ‪َ ،‬وَمففا َكففا َ‬ ‫ن َقْبِلِهفْم ‪َ ،‬وَكففاُنوا َأ َ‬ ‫ن ِمف ْ‬ ‫عاِقَبُة اّلفِذي َ‬‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬‫ظُروا َكْي َ‬ ‫َفَيْن ُ‬
‫ظْهِرَهففا‬ ‫عَلى َ‬ ‫ك َ‬ ‫سُبوا ‪َ ،‬ما َتَر َ‬ ‫س ‪ِ ،‬بَما َك َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫خُذ ا ُّ‬ ‫عِليًما َقِديًرا )‪َ (44‬وَلْو ُيَؤا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ض ‪ِ ،‬إّنُه َكا َ‬ ‫ت َوَل ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬‫ال ّ‬
‫صيًرا )‪ 45‬فاطر ( ‪.‬‬ ‫ن ِبِعَباِدِه َب ِ‬
‫ل َكا َ‬ ‫ن ا َّ‬‫جُلُهْم ‪َ ،‬فِإ ّ‬‫جاَء َأ َ‬‫سّمى ‪َ ،‬فِإَذا َ‬ ‫جٍل ُم َ‬ ‫خُرُهْم ِإَلى َأ َ‬ ‫ن ُيَؤ ّ‬‫ن َداّبٍة ‪َ ،‬وَلِك ْ‬‫ِم ْ‬
‫ن )‪85‬‬
‫ك اْلَكففاِفُرو َ‬
‫سَر ُهَناِل َ‬
‫خ ِ‬
‫عَباِدِه ‪َ ،‬و َ‬
‫ت ِفي ِ‬
‫ل اّلِتي َقْد خََل ْ‬
‫سّنَة ا ِّ‬
‫سَنا ‪ُ ،‬‬
‫ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم ‪َ ،‬لّما َرَأْوا َبْأ َ‬
‫وقال ) َفَلْم َي ُ‬
‫غافر ( ‪.‬‬
‫‪ -‬إذن ل أحد ممن أجرم في حق ال بمفازة من العذاب ‪ ،‬وما ترِكهم في طغيانهم يعمهيون إل لحيين مجييء أجلهيم‬
‫الُمعلوم سلفا ‪ ،‬وتأخير العذاب عنهم ما كان لعجز أو لقصر ذات يد ‪ ،‬إذ أنهم كلما أمعنييوا فييي الكفيير كلمييا ازدادوا‬
‫مقتا وغضبا وخسارة وكلما اقترب إليهم أجلهم وهم ل يشعرون ‪ ،‬ولن يقبل إيمانهم عنييد معاينيية العييذاب ‪ ،‬بعييد أن‬
‫حق القول عليهم وصدر الحكم بكفرهم ونفذ قضاء ال فيهم ‪.‬‬

‫ن )‪(59‬‬
‫قُبو َ‬
‫مْرت َ ِ‬
‫م ُ‬
‫ه ْ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬
‫ق ْ‬
‫فاْرت َ ِ‬ ‫م ي َت َذَك ُّرو َ‬
‫ن‪َ ،‬‬ ‫عل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ك لَ َ‬
‫سان ِ َ‬
‫سْرَناهُ ب ِل ِ َ‬
‫ما ي َ ّ‬ ‫َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬
‫أي أن ال سبحانه أنزل هذا القرآن بلسان العرب ‪ ،‬فما هو بأعجمي حييتى نيّدعي عييدم الفهييم ‪ ،‬وجعلييه قييابل للفهييم‬
‫حجب عنه الفهييم ‪ ،‬ووجييده طلسييم‬ ‫والهضم لمن أراد خير الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم ُيرد وارتاده لمر ما غير ذلك ُ‬
‫ورموز ل يفقه منها شيئا ‪ ،‬فكّذب وجادل وكفر ونسب إلى كتاب ال ما ليس فيه وأعرض عيين اتبيياعه ونهييى عيين‬
‫العمل به وحاربه بشتى الوسائل والسبل ‪:‬‬
‫ن‬
‫ن )‪َ … (21‬وِمْنُهفْم َمف ْ‬ ‫ظفاِلُمو َ‬‫ح ال ّ‬‫ب ِبآَيفاِتِه ِإّنفُه َل ُيْفِلف ُ‬‫ل َكفِذًبا َأْو َكفّذ َ‬‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن اْفَتَرى َ‬ ‫ظَلُم ِمّم ِ‬ ‫ن َأ ْ‬‫قال تعالى ) َوَم ْ‬
‫ن َيفَرْوا ُك فّل َءاَي فٍة َل ُيْؤِمُنففوا ِبَهففا ‪،‬‬
‫ن َيْفَقُهوُه ‪َ ،‬وِفي َءاَذاِنِهفْم َوْقفًرا ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫عَلى ُقُلوِبِهْم َأِكّنًة َأ ْ‬ ‫جَعْلَنا َ‬ ‫ك ‪َ ،‬و َ‬‫سَتِمُع ِإَلْي َ‬
‫َي ْ‬
‫ن‬
‫عْنفُه ‪َ ،‬وَيْنفَأْو َ‬‫ن َ‬‫ن )‪َ (25‬وُهفْم َيْنَهفْو َ‬ ‫طيرُ اَْلّوِليف َ‬‫سا ِ‬‫ن َهَذا ِإّل َأ َ‬ ‫ن َكَفُروا ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ك ‪َ ،‬يُقوُل اّلِذي َ‬ ‫جاِدُلوَن َ‬ ‫ك ُي َ‬
‫جاُءو َ‬ ‫حّتى ِإَذا َ‬ ‫َ‬
‫عَلى الّناِر ‪َ ،‬فَقاُلوا ‪َ :‬يَلْيَتَنا ُنَرّد َوَل ُنَكّذ َ‬
‫ب‬ ‫ن )‪َ (26‬وَلْو َتَرى ِإْذ ُوِقُفوا َ‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫سُهْم ‪َ ،‬وَما َي ْ‬ ‫ن ِإّل َأْنُف َ‬‫ن ُيْهِلُكو َ‬
‫عْنُه ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫َ‬
‫عْنُه ‪،‬‬‫ن َقْبُل ‪َ ،‬وَلْو ُرّدوا َلَعاُدوا ِلَما ُنُهوا َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫خُفو َ‬‫ن )‪َ (27‬بْل َبَدا َلُهْم ‪َ ،‬ما َكاُنوا ُي ْ‬ ‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ت َرّبَنا ‪َ ،‬وَنُكو َ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫ن )‪ 29‬النعام ( ‪.‬‬ ‫ن ِبَمْبُعوِثي َ‬‫حُ‬ ‫حَياُتَنا الّدْنَيا َوَما َن ْ‬
‫ي ِإّل َ‬ ‫ن ِه َ‬ ‫ن )‪َ (28‬وَقاُلوا ِإ ْ‬ ‫َوِإّنُهْم َلَكاِذُبو َ‬
‫) فارتقب ( خاص برسوله عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وفيه وعد بنصييرته ونصييرة أتبيياعه بييإهلك خصييومه ‪ ،‬وعييام‬
‫لمن ُيخاطبهم القرآن ) إنهم مرتقبون ( أي مرتقبين هلكهم غير مصّدقين ‪ ،‬مستهزئين غير عابئين بما وعدهم ال‬
‫من أمر البطشة الكبرى ‪ ،‬وفيه تهّكم من ال بهم وتحقيرا لشأنهم وقوله ) فييارتقب ( يفيييد أن ذلييك سيييقع مسييتقبل ‪،‬‬
‫ث على الترّقب والنتظار كقوله ) فارتقب يوم تأتي السييماء ( لمعاينيية الحييدث الول ) أي الييدخان ( الييذي‬ ‫وفيه ح ّ‬
‫بّين رب العزة خبره ‪ ،‬وبّين ما سيكون قولهم عند نزوله بهييم ‪ ،‬ومييا سيييكون مييوقفهم بعييد كشييفه عنهييم ‪ ،‬وميين ثييم‬
‫‪244‬‬
‫) فارتقب ( في آخر السورة لمعاينة الحدث الثاني ) أي البطشة الكبرى ( لتعلم وليعلييم المؤمنييون ‪ ،‬بييأن مييا أخييبر‬
‫عنه هذا القرآن الكريم المبين هو الحق ‪ ،‬وأن من أنزله هو الحييق ‪ ،‬وأن مييا ُينكييره هييؤلء بكفرهييم هييو الحييق فل‬
‫ُيضيرك وُيضير المؤمنين به ‪ ،‬كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ‪ ،‬فلن تأسف عليهم السماء ول الرض كما لييم تأسييف‬
‫ض فّل ِإَذا اْهَت فَدْيُتْم ‪ِ ،‬إَلففى‬
‫ن َ‬
‫ضّرُكْم َم ف ْ‬
‫سُكْم ‪َ ،‬ل َي ُ‬
‫عَلْيُكْم َأْنُف َ‬
‫ن َءاَمُنوا َ‬
‫على من أهلكناهم من قبل قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن )‪105‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫جِميًعا َفُيَنّبُئُكْم ِبَما ُكْنُتْم َتْعَمُلو َ‬
‫جُعُكْم َ‬
‫ل َمْر ِ‬
‫ا ِّ‬

‫صفات الدخان ‪:‬‬


‫بّين واضح ل ُلبس فيه ‪ ،‬وهو المعروف المألوف بين الناس ‪ ،‬والذي ينجم عن عملية الحييرق فييي العييادة ‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ن ُمِبي ٍ‬
‫خا ٍ‬
‫ذو طبيعة غازية ولون أسود ورائحة كريهة نّفاثة مؤذية بدللة قوله تعالى ) ِبُد َ‬
‫هو من المور المنتظرة والمرتقبة ‪ ،‬قادم ل محالة في يوم من اليام بدللة تنكير كلمة ) َيْوَم ( ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سفَماُء ( أي أن السيماء سيتأتي بييه ‪ ،‬وبيذلك‬
‫مصدره من السماء ل الرض ‪ ،‬بدلليية قييوله تعييالى ) َتفْأِتي ال ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫ستكون الغازات المؤلفة لهذا الدخان ‪ ،‬غير تلك الغازات التي تؤلف الدخان الناجم عن الحرائق على الرض ‪.‬‬
‫ظهوره مفاجئ ومباغت وغير مسيبوق بميا ُينيبئ عين قيدومه ‪ ،‬لكيي يتعيذر عليى النياس إيجياد تيبريرات‬ ‫‪.4‬‬
‫وأسباب مادية ومنطقية لظهوره ‪ ،‬ليؤكد سبحانه بأن مصدره هو السماء ‪ ،‬وأنه عذاب من عنده وأنه نييذير سييوء ‪،‬‬
‫ب ( وهييو خطيياب بلفييظ‬‫وأن هناك ما هو أفظع منه وأقسى أل وهو البطشة الكييبرى ‪ ،‬بدلليية قييوله تعييالى ) َفففاْرَتِق ْ‬
‫المفرد خاص برسول ال عليه السلم ومراد به العموم ‪ ،‬ممن يسوءهم ما يسوء ال ورسوله أي فارتقبوه لتعرفييوه‬
‫إذا ظهر ‪ ،‬وليرتقبه المعنيين به ليحذروا ما يكون من أمر ال بعده ‪.‬‬
‫إحاطته بالناس من كل الجوانب بمعنى أنه ينزل من السماء ‪ ،‬ويمكث قريبييا ميين الرض ملزمييا للنيياس ‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫شففى الّنففاسَ ( والنيياس هنييا هييم اليذين سيُيظهرون الشييك‬
‫يمل عليهم معايشهم ومساكنهم ‪ ،‬بدلليية قيوله تعيالى ) َيْغ َ‬
‫واللعب في أمر دينهم دون غيرهم ‪ ،‬لن اليات السابقة لها حّددت حقيقة معتقدهم ) في شك ( ووصفت فعلهم بيي )‬
‫يلعبون ( ‪ ،‬وفي العادة فإن الدخان يتصاعد إلى أعلى بعيييدا عيين النيياس ومسيياكنهم ‪ ،‬وميين ثييم ينتشيير فييي السييماء‬
‫ويختفي تدريجيا ‪ ،‬ومن ثم تمييتزج ذراتييه مييع ذرات الميياء والغبييار ‪ ،‬وتترسييب وتعييود إلييى سييطح الرض خلل‬
‫سويعات قليلة ‪ ،‬ولكن هذا مخالف لكل ما سبق ‪ ،‬يهبط من أعلى إلى أسييفل ويبقييى ملزمييا للرض وللنيياس ‪ ،‬ول‬
‫صل الغاية من إرساله بتعذيب أولئك القوم ‪.‬‬ ‫ينتشر ول يترسب حتى تتح ّ‬
‫ُيصاب الناس منه بالذى والضرر ‪ ،‬وعادة ما ُيحدث الدخان ضررا فييي النييف والعييين والحنجييرة ‪ ،‬وقييد‬ ‫‪.6‬‬
‫يتسّبب بحالت اختناق نتيجة نقص الوكسجين في أسوأ الحوال ‪ ،‬ميين جييراء غشيييانه وإحيياطته بهييم ولكيين دون‬
‫ب َأِليٌم ( وهذا تقرير من رب العزة بأنه عييذاب لميين قييد ُيشيّكك فييي‬
‫عَذا ٌ‬
‫الموت والهلك ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َهَذا َ‬
‫ضحها اليات فيما يليها ‪.‬‬ ‫ذلك ‪ ،‬أي أن المقصود بإنزاله إيذاء من ينزل بهم وليس موتهم ‪ ،‬لمور اقترفوها تو ّ‬
‫هذا الدخان حدث عارض وغشيانه للناس مؤقت ‪ ،‬وانكشاف هذا الدخان سيكون بأمر من ال ‪ ،‬لقوله ) ِإّنففا‬ ‫‪.7‬‬
‫ل ( إذ أن الهدف منه هو النذار فقط بالرغم من انعقاد السباب الموجبة للعييذاب ‪ ،‬ولكيين يلييزم‬
‫ب َقِلي ً‬
‫شُفوا اْلَعَذا ِ‬
‫َكا ِ‬
‫الصرار من قبل القوم على ما هم فيه من العتو والكبر قبل نزول البطشة الكبرى بهم ‪ ،‬وهذا رحمة من ال حييتى‬
‫بمن يؤذيه ويؤذي ُرسله ويؤذي عباده ‪.‬‬

‫حقيقة معتقد هؤلء القوم وصفة أقوالهم وأفعالهم ‪:‬‬


‫انعدام اليقين بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ ،‬وكل ما أخبرت عنه الكتب السماوية ) َبْل ُهْم ِفففي‬ ‫‪.1‬‬
‫ك(‪.‬‬
‫شّ‬‫َ‬
‫ن(‪.‬‬
‫العراض عن آيات ال والستهزاء بها واتخاذها هزوا ولعبا كمادة للتسلية والفكاهة والتندر ) َيْلَعُبو َ‬ ‫‪.2‬‬
‫النفاق حتى مع ال ‪ ،‬فحقيقة أفعالهم تتنافى مع ما ُيظهرونه من إيمييان أو انتسيياب للسييلم ‪ ،‬فقييولهم هييو )‬ ‫‪.3‬‬
‫ن ( وشهادة رب العزة ُتكّذب قولهم ) َأّنى َلُهُم الّذْكَرى ( ‪.‬‬
‫ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ‬
‫عّنا اْلَعَذا َ‬
‫ف َ‬
‫ش ْ‬
‫َرّبَنا اكْ ِ‬
‫‪245‬‬
‫عْنُه ( ‪.‬‬
‫الكفر بعد اليمان بالعراض عن هدي رسول ال عليه الصلة والسلم ) ُثّم َتَوّلْوا َ‬ ‫‪.4‬‬
‫الطعن في خلقه الكريم ‪ ،‬واتهامه بالجنون أي المييس ‪ ،‬وبييالتعّلم ميين البشيير والكهييان والسييحرة ‪َ ) ،‬وَقففاُلوا‬ ‫‪.5‬‬
‫ن(‪.‬‬‫جُنو ٌ‬
‫ُمَعّلٌم َم ْ‬
‫محاربة ال وإيذاء رسوله وأوليائه من الناس من تضييق وتعذيب وقتيل ‪ ،‬ومحاربية السيلم والطعين فييي‬ ‫‪.6‬‬
‫تعاليمه ‪ ،‬وإضلل الناس وإبعادهم عن الحقيقة ‪ ،‬وهدي الناس بغير هييدي محمييد عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬واتهييام‬
‫الُمصلحين من الناس بالمفسدين في الرض ‪ ،‬خشية أن ُيبّدل هؤلء المصلحون دينهم الجديد الذي يييدينون بإحييياء‬
‫الدين السلمي ‪ ،‬وهذه هي أقوال وأفعال فرعون وقومه ‪ ،‬ومستفادة من تشبيه حال هؤلء القييوم ‪ ،‬بحييال فرعييون‬
‫وقومه وكذلك بحال بني إسرائيل ‪.‬‬
‫ي ِإّل َمْوَتُتَنا اُْلوَلى‬
‫ن ِه َ‬
‫ن ‪ِ :‬إ ْ‬
‫ن َهُؤَلِء َلَيُقوُلو َ‬
‫إنكار البعث والنشور وما يليه من حساب وثواب وعقاب ) ِإ ّ‬ ‫‪.7‬‬
‫ن(‪.‬‬‫شِري َ‬
‫ن ِبُمْن َ‬
‫َوَما َنحْ ُ‬
‫عّباد الدنيا ومظاهرها الخادعيية ‪ ،‬ل يؤمنييون إل بمييا‬ ‫مادّيون منشغلون ومتفانون في الحياة الدنيا ‪ ،‬فهم من ُ‬ ‫‪.8‬‬
‫ن ُكْنُتفْم‬
‫هو محسوس ‪ ،‬من الدلئل الدافعة للشك والموجبة لليقين ‪ ،‬لطلبهيم اليدليل الميادي بقيولهم ) َففْأُتوا ِبآَباِئَنففا ِإ ْ‬
‫ن ( للتأكيد مين حقيقية القيدرة عليى البعيث وميا هيم بميوقنين ‪ ،‬فعقيولهم قاصيرة عين فهيم اليدلئل العقليية‬ ‫صففاِدِقي َ‬
‫َ‬
‫صل إل بالتفّكر والتدّبر ‪.‬‬
‫المطروحة في القرآن ‪ ،‬والتي ل تتح ّ‬
‫مجرمون ومصّرون على إجرامهم ‪ ،‬فل وازع ول رادع يثنيهم عن غيهم وطغيانهم ول تعنيهم التحذيرات‬ ‫‪.9‬‬
‫ن(‪.‬‬‫جِرِمي َ‬
‫ن َقْبِلِهْم َأْهَلْكَناُهْم ِإّنُهْم َكاُنوا ُم ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫خْيٌر َأْم َقْوُم ُتّبٍع َواّلِذي َ‬
‫والنذر ) َأُهْم َ‬
‫صل في حياته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث لو عاينه في حياته‬ ‫ظهور هذا الدخان بصفته الموضحة أعله ‪ ،‬لم يتح ّ‬
‫لخبر عنه أو أخبر عنه أصحابه ‪ ،‬ولورد خبره في كتييب السيييرة والتاريييخ ‪ ،‬وليييس ميين المنطقييي أن يكييون ميين‬
‫أحداث يوم القيامة أو من أشييراطها الكييبرى ‪ ،‬فصييفته وصييفة هييؤلء القييوم والغاييية ميين غشيييانه لهييم كمييا ُتبينهييا‬
‫اليات ‪ ،‬ل تتفق مع كونها أحد أشراط الساعة الكبرى والتي سيُيعاينها مجمييل البشيير ‪ ،‬بينمييا هييذا الييدخان خيياص‬
‫بأناس من أمة السلم ‪ ،‬وسبب غشيانه لهم هو أنهم كفروا بعد أن كانوا مسلمين ‪ ،‬وأمييا السييبب المييوجب للبطشيية‬
‫الكبرى هو الشك واللعب وإيذاءهم لرسوله الكريم بالرغم من تحذيرهم بالدخان ‪.‬‬

‫م(‬ ‫ل كَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫سو ٌ‬
‫م َر ُ‬
‫ه ْ‬
‫جاءَ ُ‬
‫و َ‬
‫ن َ‬
‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫فْر َ‬
‫م ِ‬
‫و َ‬ ‫م َ‬
‫ق ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫فت َّنا َ‬ ‫ول َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫) َ‬
‫جاء في لسان العرب أن " جماع معنييى الفتنيية البتلء والمتحييان والختبيار ‪ ،‬وأصيلها مييأخوذ مين قولييك فتنيت‬
‫ش فّر‬‫الفضة والذهب ‪ ،‬إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد " ‪ ،‬ويتضح معناها من قييوله تعييالى ) َوَنْبُلففوُكْم ِبال ّ‬
‫ن َيُقوُلففوا َءاَمّنففا ‪َ ،‬وُهفْم َل‬
‫ن ُيْتَرُكففوا ‪َ ،‬أ ْ‬‫س ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ب الّنففا ُ‬
‫سف َ‬
‫ح ِ‬
‫خْيِر ِفْتَنًة )‪ 35‬النبياء ( ‪ ،‬وقيوله تعيالى ) الففم )‪َ (1‬أ َ‬ ‫َواْل َ‬
‫لف‬
‫ن ا ُّ‬
‫ن )‪َ … ( 3‬وَلَيْعَلَمف ّ‬ ‫ن اْلَكففاِذِبي َ‬
‫صَدُقوا ‪َ ،‬وَلَيْعَلَم ّ‬‫ن َ‬ ‫ل اّلِذي َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬فَلَيْعَلَم ّ‬‫ن ِم ْ‬‫ن )‪َ (2‬وَلَقْد َفَتّنا اّلِذي َ‬ ‫ُيْفَتُنو َ‬
‫ن )‪ 11‬العنكبوت ( ليكييون معنييى الفتنيية هييو المتحييان والختبييار ‪ ،‬ويكييون ذلييك‬ ‫ن اْلُمَنففاِفِقي َ‬
‫ن َءاَمُنوا َوَلَيْعَلَمف ّ‬‫اّلِذي َ‬
‫بالبتلء بالشر أو بالخير ‪ ،‬ليعلم ال الصادق من الكاذب وليعلم المؤمن من المنافق ‪.‬‬
‫والملحظ في اليات أعله أن المخاطب في الية ) ‪ ( 35‬من سييورة النبييياء هييم المعاصييرين لرسييالة السييلم ‪،‬‬
‫وأن الحديث في الية ) ‪ ( 2‬من سورة العنكبوت ‪ ،‬كان عن الناس إجمال وبشكل عام ‪ .‬أما قوله ) ولقد فتنييا الييذين‬
‫من قبلهم ( فالضمير ) هم ( يعود على المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬واليذين فتنيوا مين قبلهيم هيم كيل مين سيبقت‬
‫فتنتهم قبل مجي السلم ‪ ،‬إذ لم يكن في هذه العبارة تحديييد لقييوام بعينهييا سييبقت فتنتهييا ‪ ،‬فهييي أسييبقية زمانييية ل‬
‫مكانية ‪.‬‬
‫وأما في سورة الدخان فيقول سبحانه وتعالى ) ولقد فتنا قبلهييم ( ‪ ،‬وضييمير الغييائب ) هييم ( فييي كلميية ) قبلهييم ( ‪،‬‬
‫يعود حصرا على أصحاب الدخان الموعودين بالبطشة الكبرى ‪ ،‬وبمجيء التحديد لقوم بعينهم بقوله تعييالى ) قييوم‬
‫فرعون ( تصبح أسبقية ) قوم فرعون ( لهؤلء الناس ‪ ،‬مكانية وزمانية في آن واحد ‪ ،‬ونلحظ هنا أن الفتنة كانت‬
‫للقوم بشكل عام ‪ ،‬إذ لم يقل سبحانه ) فرعييون ( أو ) فرعييون وقييومه ( أو ) فرعييون وملئه ( ‪ ،‬وإنمييا قييال ) قييوم‬
‫فرعون ( ‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫ليصبح المعنى بأننا قمنا بامتحان واختبار هؤلء القوم ) أصحاب الدخان ( ‪ ،‬فكان منهم ما كان فييي حييق رسييولهم‬
‫وحق ما جاء به من الهدي ‪ ،‬ورسبوا في المتحان الذي ُقّدم إليهم ‪ ،‬بمجيء محمد عليه الصييلة والسييلم الرسييول‬
‫الكريم ‪ ،‬وتبّين لنا وتأّكد أنهم كاذبون فاسيتحقوا بطشيتنا الكيبرى ‪ ،‬كميا كنيا قيد فتنييا قبلهيم فييي نفيس الرض قييوم‬
‫فرعون ‪ ،‬ببعث رسولنا الكريم موسى عليه الصلة والسلم إليهم ‪ ،‬فكذبوه وحاربوه واتهمييوه بالسييحر والجنييون ‪،‬‬
‫فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ‪.‬‬
‫وهنا نفهم من قوله تعالى ) يغشى الناس ( بأن المقصودين هنا أناس بعينهم ل جملة البشر ‪ ،‬وحقيقة هؤلء النيياس‬
‫موضحة في اليات بشكل ل لبس فيه ‪ ،‬وأهم ما يتمّيزون به هو الكفر والنفاق ‪ ،‬وأن هذا الدخان سيغشاهم كعييذاب‬
‫وذلك لكفرهم ونفاقهم ‪ ،‬مما ينفي أن هذا الدخان سُيبتلى به عامة البشر ‪ ،‬من مؤمنين وكفار ومنافقين ‪ ،‬وُيفهييم ميين‬
‫قوله ) الناس ( أنه سيغشى عامة الناس المقيمين في المكان الذي أحدث الناس فيييه مييا وصييفته اليييات أعله دون‬
‫سائر البشر ‪.‬‬
‫ن‬
‫عْو َ‬
‫ن ِفْر َ‬
‫ن )‪ِ (30‬م ْ‬
‫ب اْلُمِهي ِ‬
‫ن اْلَعَذا ِ‬
‫سَراِئيَل ِم َ‬
‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫أما الشارة الثانية للمكان فجاءت في قوله تعالى ) َوَلَقْد َن ّ‬
‫… ( ونجاتهم كانت بخروجهم من مصر ‪ ،‬وذكر بني إسرائيل أيضييا جيياء هنييا لشييتراكهم مييع الفراعنيية بالفسيياد‬
‫والفساد في الرض ‪ ،‬وانعدام اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬ومحاربتهم ل ولرسله وأنبيائه والصالحين ميين النيياس‬
‫قبل العلو وبعده ‪ ،‬فأنزل ال بهم العذاب تلو العذاب ‪.‬‬
‫ن )‪ (37‬وفيييه تهديييد‬ ‫جِرِميف َ‬
‫ن َهفُؤَلِء … ( أصييحاب الييدخان ) … َأْهَلْكَنففاُهْم ‪ِ ،‬إّنُهفْم َكففاُنوا ُم ْ‬
‫وقوله تعييالى ) … ِإ ّ‬
‫ضمني للمخاطبين بالقرآن ‪ ،‬من كفرة أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بالهلك كما ُأهلييك الييذين ميين قبلهييم لمييا‬
‫فعلوا مثل فعلهم ‪.‬‬

‫ترتيب المشاهد حسبما وردت في سورة الدخان ‪:‬‬

‫المشهد الول ‪ :‬الشك واللعب ‪.‬‬


‫المشهد الثاني ‪ :‬غشيان الدخان للناس ومن ثم زواله ‪.‬‬
‫المشهد الثالث ‪ :‬العودة لما كانوا عليه بل والمعان في التولي والعراض وأخيرا الساءة لرسول ال ‪.‬‬
‫المشهد الرابع ‪ :‬البطشة الكبرى ‪.‬‬

‫تساؤلت ‪:‬‬

‫والسؤال الول ‪ :‬هل ظهر الدخان في مصر حيث مكان إقامة فرعون وقومه ؟!‬
‫ن ( قبل ظهور الدخان ؟!‬
‫ك َيْلَعُبو َ‬
‫شّ‬‫والسؤال الثاني ‪ :‬هل كان أهل مصر ) ِفي َ‬
‫والسؤال الثالث ‪ :‬هل أمعن أهل مصر في التولي والعراض ‪ ،‬عما جاء به رسول ال عليه الصلة والسييلم بعييد‬
‫ن ( أيضا ؟!‬
‫جُنو ٌ‬
‫ظهور الدخان ) َوَقاُلوا _ عنه _ ُمَعّلٌم َم ْ‬

‫‪247‬‬
‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬
‫في هذا الفصل ‪ ،‬سنعرض جانبا من مقالت كانت قد وردت في صحيفة الهرام المصرية ‪ ،‬تتحييدث عيين سييحابة‬
‫كثيفة من الدخان السود ‪ ،‬غشَيت سكان القاهرة ‪ ،‬في الفترة الواقعة ما بين ‪1999 / 10/ 30 – 20‬م ‪.‬‬

‫سر سحابة الدخان التي أزعجت سكان القاهرة الكبرى !!‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الحد ‪ 15 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 24 ،‬أكتوبر ‪ ، 1999‬السنة ‪ – 124‬العدد ‪41229‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/24/FRON15.HTM :‬‬
‫تزايييدت طييوال الليليية الماضييية ظيياهرة تراكييم الدخنيية والغييازات والييروائح النفيياذة فييي سييماء مدينيية القيياهرة ‪،‬‬
‫والمستمرة منذ نحو ثلث ليال سابقة ‪ ،‬وقد وصلت هذه الظاهرة في مساء أمس إلى حد تسبب في حالة ميين القلييق‬
‫بين سكان القاهرة ‪ ،‬وطوال الليل لم تنقطع التصالت التليفونية من المواطنين إلى الهرام يشكون ويستفسرون ‪،‬‬
‫بعد أن اضطروا إلى إغلق نوافذ منازلهم ‪ ،‬وبعد لجوء بعضهم إلى المستشييفيات لعلج اللتهابييات الييتي أصيييبت‬
‫بها عيون أطفالهم ‪.‬‬
‫وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة ‪ ،‬أجرت الهييرام عيدد مين التصييالت مييع مسييئولي الرصيياد الجوييية والييبيئة‬
‫طوال ليلة أمس ‪ .‬فقد صرح مصيدر مسيئول بهيئة الرصياد الجويية لفيوزي عبيد الحلييم منيدوب الهيرام ‪ ،‬بيأن‬
‫الظاهرة ناتجة عن حرق المزارعين في المحافظات حول القاهرة ‪ ،‬لمخلفات محصول الرز بالضافة إلى تراكم‬
‫الدخنة الناتج عن عوادم السيارات والمصانع ‪ ،‬وتزامن هذه الدخنة مع وجود مرتفع جوي شمال البلد ووسطها‬
‫‪ ،‬أدى إلى احتباس حراري واستقرار الحالة الجوية ‪ ،‬المر الذي أدى بدوره إلى تركيز الدخنة في طبقيية الهييواء‬
‫القريبة من سطح الرض ‪ ،‬واحتفاظ الهواء بكل مكوناته ‪ .‬وقييال إنييه ميين المنتظيير ‪ ،‬انتهيياء هييذه الظيياهرة ‪ ،‬فييور‬
‫تحرك المرتفع الجوي بعيدا عن القاهرة ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬نفى الدكتور إبراهيم عبد الجليل الرئيس التنفيذي لجهاز شئون الييبيئة ‪ ،‬مييا تييرّدد علييى ألسيينة‬
‫المواطنين عن وجود حرائق بمناطق تجّمع القمامة حول القيياهرة والجيييزة ‪ ،‬كمصييدر لنتشييار هييذه الدخنيية فييي‬
‫القاهرة ‪ .‬وقال إنه أجرى اتصال بمحافظ القليوبية المستشار صبري البيلي ‪ ،‬أكّد خلله انتشار الدخنة بالمحافظيية‬
‫نتيجة حرق قش الرز بها ‪ ،‬كما أكد الدكتور حسين كاظم محافظ الشرقية المعلومييات نفسييها فييي محييافظته خلل‬
‫اتصال مماثل ‪ .‬وأضاف عبد الجليل ‪ ،‬أن جهاز شئون البيئة طلب من وزارة الزراعة إصدار تعليمات بمنع حرق‬
‫قش الرز ‪ ،‬أو أي مواد مماثلة لمنع تكرار هذه الظاهرة مستقبل ‪.‬‬
‫وفي محاولة لطمأنة المواطنين ‪ ،‬ناشد الدكتور محمود عمرو ‪ ،‬أستاذ ورئيس قسم المراض المهنية ومدير مركز‬
‫السموم بقصر العيني ‪ ،‬المواطنين بعدم المبالغة في القلق ووصف ما حدث بأنه ليس كارثة ‪ ،‬علييى الرغييم ميين أن‬
‫العراض المبدئية للتعرض لها ‪ ،‬تشمل التهاب العيون والنف والذن والصييدر ‪ ،‬وأكيّد أن الحتياطييات اللزميية‬
‫تستدعي التركيز على حماييية الطفييال ‪ ،‬وعييدم إغلق النوافييذ ضييمانا للتهوييية اللزميية ‪ ،‬وكييذلك تييوفير الحماييية‬
‫اللزمة للمرضى بالمستشفيات ‪ ،‬أما الصحاء البالغين فلن يتعرضوا لخطورة من التعرض للدخنيية مشيييرا إلييى‬
‫أن ندى الفجر سيغسل الهواء ويخّفف من حدة التلوث ‪ .‬وأكّد الدكتور عمرو أن هذه الظيياهرة قييد حييدثت ميين قبييل‬
‫عام ‪1949‬م في لندن بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة ‪ ،‬والحماس الزائد للتوسع الصناعي وانتشار المداخن ‪ ،‬أما فييي‬
‫مصر فالطبيعة الصحراوية للبلد تمتص الملوثات الزائدة في المدن لذا فلن يشعر بها سكان الصعيد ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫سللحابة الللدخان تتلشللى نهائيللا مللن فللوق القللاهرة خلل ‪48‬‬
‫ساعة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/FRON13.HTM :‬‬

‫صورة نهارية ‪ :‬واختفت القاهرة خلف دخان حريق قش الرز‬


‫توقع خبراء الرصاد الجوية ‪ ،‬أن تتلشى نهائيا سحابة الدخان الكثيف ‪ ،‬التي خّيمت ليلة أمس الول على القاهرة‬
‫وضواحيها خلل الساعات الثماني والربعين المقبلة ‪ ،‬وأضييافوا أن الكتليية الهوائييية الييتي حملييت هييذه السييحابة ‪،‬‬
‫الناتجة عن إحراق مخلفات محصولي الرز والقطن في المحافظييات المجيياورة ‪ ،‬آخييذة فيي التحييرك شيرقا لتحيل‬
‫محلها كتلة هوائية نظيفة مقبلة من الشمال الغربي ‪ ،‬وأوضحوا أن نسبة الرطوبة سوف تنخفض أيضييا بفعييل هييذه‬
‫التغيرات في حالة الطقس ‪.‬‬
‫وقد قامت الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة الدولة لشئون البيئة أمس بجوليية فييي محييافظتي الشييرقية والقليوبييية ‪،‬‬
‫بوصفهما المصدر الرئيسيي لليدخان الناتيج عين إحيراق مخلفيات الرز والقطين ‪ ،‬وصيّرحت بيأنه سييتّم تيدريب‬
‫المزارعين على استخدام غاز المونيا ‪ ،‬لتحويل قش الرز إلى أعلف حيوانية ‪ ،‬بحيث تنتفي الحاجيية تمامييا إلييى‬
‫إحراقه ‪ ،‬كمييا أعلنييت الجهييات المسييؤولة فييي المحييافظتين عيين اتخيياذ إجييراءات حاسييمة لوقييف عمليييات إحييراق‬
‫المخلفات الزراعية في الحقول ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫سر اختناق القاهرة !‬

‫‪ 25‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬ ‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪،‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE1.HTM :‬‬
‫حرق حطب القطن وقش الرز مع خليط الغازات المركبة سبب سييحابة الييدخان ‪ .‬المواطنييون ‪ :‬إصييابات بييالنف‬
‫والحلق وصعوبة في التنفس نتيجة للتلوث ‪ .‬مصدر أمني ‪ 5 :‬بلغات فقط حول حرائق المخلفات وتم إخمادها ‪.‬‬

‫صورة نهارية ‪ :‬اختفاء القاهرة خلف سحابة الدخان‬


‫تحقيق وجدي رياض ومحمود النوبي ‪:‬‬
‫تعرضت سماء الدلتا والقاهرة حتى الجيزة لتلوث هوائي شديد ‪ ،‬خلييق حاليية ميين الهبيياء الجييوي يي بخييار ميياء مييع‬
‫ملوثات ي أثار ذعر السكان وسبب بعض حالت الختناق ‪ ،‬لمن لديهم حساسية صدرية أو ربوية أو أمراض سوء‬
‫التنفس ‪ .‬كما تعرض بعض سكان القاهرة إلى أزمات تنفسية نتيجة لزمتة الهواء وغياب الوكسجين الكافي ‪.‬‬
‫ويرجع سبب حدوث هذه الحالة النادرة إلى عدة اعتبارات تم رصدها ‪ ،‬كان من أبرزها ‪:‬‬
‫• صدور الوامر إلى المزارعين مين مييديريات الزراعية ‪ ،‬بضيرورة حيرق حطييب القطيين المتخّليف عين‬
‫زراعات القطن للتخلص من دودة اللوز ‪ ،‬ومن المعروف أن الدلتا بخصوبة أرضها ‪ ،‬تزرع حوالي‪ 750‬ألف‬
‫فدان بزراعات القطن الذي تم جمعه هذا الشهر ‪.‬‬
‫• ارتفاع نسبة الرطوبة في مثل هذا الوقت من السنة مع ارتفاع في درجة الحرارة ‪ ،‬ممييا أدى إلييى حييدوث‬
‫حالة من الهباء الجوي ‪ ،‬أدى إلى كتمة الهواء وغياب الكسجين الكافي ‪.‬‬
‫• ساعد على ذلك ي أيضا ي انتشار احتراق آثار الحصاد من حطب القطن وقش الرز ‪ .‬ومع حركيية الرييياح‬
‫أدى إلى تغطية هواء سكان القاهرة ‪ ،‬بحالة من الدخان مع سكون للهييواء ‪ ،‬وارتفيياع فييي درجيية الحييرارة مييع‬
‫رطوبة مع ملوثات كربونية آزوتية وغازية وكبريتية وذرات عالقة في الجو ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فقد أدت عمليات احتراق أحطاب القطن للقضاء على دودة اللوز ‪ ،‬وفقا للقرار الذي صييدر ميين‬
‫مديريات الزراعة بالمحافظات بالعقوبات المقررة لمين يحتفيظ بيالحطب ‪ ،‬مميا دفيع الفلحيين إليى سيرعة حيرق‬
‫الحطاب تنفيذا لقرارات وزارة الزراعة في الحقول ‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫ومن جانبه آثار المستشار صبري البيلي محافظ القليوبية ‪ ،‬مشكلة حرق حطب القطن في المزارع ‪ ،‬أمييام وزيييرة‬
‫البيئة ورئيس جهاز شؤون البيئة في اجتماع هذا السبوع ‪ .‬وقال المستشار البيلي أن القانون ‪ 4‬لسنة ‪ 1994‬المادة‬
‫‪ 37‬بشأن البيئة ‪ ،‬يمنع منعا بافات والقمامة ومخلفات الحقول حتى ل يتلوث الهواء ‪ ،‬وفي نفس الوقت يحتم القرار‬
‫الوزاري على الفلحين حرق الحطاب ‪.‬‬
‫ومن المعروف ‪ ،‬أن هناك ‪ 32‬محطة ‪ ،‬أقامتها الدانمرك في الرض المصرية ‪ ،‬لرصد حاليية الهييواء ‪ ،‬بالكاسيييد‬
‫الزوتية الكبريتية والكربونية ‪ .‬وقد تم تركيب هذه المحطات لتغطي أرض الدلتا ‪ ،‬وهي تعمل لمدة‪ 24‬ساعة ويتم‬
‫بها رصد حالة الهواء ومكوناته ‪ ،‬ولم نسمع أن أحدا فتح هذه المحطات ‪ ،‬ورصد ما بها من تسجيل وما حدث ميين‬
‫ملوثات بهواء الدلتا وعواصم مدنها ‪.‬‬
‫وفي القاهرة الكبرى حوالي‪ 40‬محطة لرصد الهواء ‪ ،‬وقد أقام المشروع المريكي لتحسين هواء القيياهرة حييوالي‬
‫جزء في المليون إلى عشرة أجزاء في المليون كما تقوم‬ ‫‪ 33‬محطة ‪ ،‬لرصد الذرات الصغيرة العالقة من ‪2.5‬‬
‫برصد الرصاص ‪ ،‬وهناك ‪ 7‬محطات دانمركية تقيوم برصيد أول وثيياني أكسييد الكربييون وأول أكسيييد الكيبريت‬
‫والغازات الخرى ‪ ،‬ولم َتُبح هذه المحطات بأسرار ما حدث من تلوث في هواء القاهرة الكبرى والدلتا والجيزة ‪.‬‬
‫قام اليابانيون بإنشاء معمل مركزي تابع لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬ومعامل أخرى متنقلة لرصد حالة الجو عند حدوث‬
‫أزمة أو كارثة ‪ ،‬أو رد فعل لي شكوى ‪ ،‬ويشرف على المعامل جهاز شؤون البيئة ويديرها خبراء مصريون ‪.‬‬
‫وميين المعييروف أيضييا أن المصييادر الطبيعييية لتلييوث هييواء القيياهرة ‪ ،‬مصييدرها بخييار الميياء الضييار والبكتيريييا‬
‫والفطريات والملح ‪ ،‬ونواتج الحتراق ذو النشاط الطبيعي ‪ .‬أما المصييادر الصييناعية فييي تلييوث هييواء القيياهرة‬
‫الكبرى فهي حرق الوقود والطاقة وعمليات النتاج الصناعي ‪ ،‬ووسائل النقل والقطارات والطائرات والسفن ‪..‬‬
‫ومن ناحية أخرى لم تنقطع التصالت التليفونية للمواطنين بالهرام طوال ليلة أمييس الحييد ‪ ،‬حيييث اشييتكوا ميين‬
‫طت أجواء القاهرة ‪ ،‬خاصة منطقتي مدينة نصر ومصر الجديدة ومناطق وسييط البلييد‬ ‫وجود سحابة دخان كثيفة غ ّ‬
‫ومصر القديمة ‪ ،‬وأصابت الطفال وكبار السن بالختناق ‪.‬‬
‫وتقول السيدة نجية الشال ‪ ،‬من سكان شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر ‪ ،‬أن سحابة الدخان أصابتها وأطفالها‬
‫بحالة اختناق ‪ ،‬حيث تعاني من حساسية في الصدر ‪ ،‬أدت إلى عدم قدرتها على التنفس رغم إغلق النوافذ بالشقة‬
‫وتتساءل هل عمال جمع القمامة هم السبب ‪ ،‬أم القائمون على حرق القمامة ؟! أم العمال المختصين بجمع القمامة‬
‫من الشوارع ‪ ،‬هم الذين أحرقوا هذه القمامة التي أدت إلى هذا الدخان الكييثيف ؟! وتتسيياءل السيييدة نجييية الشييال ‪،‬‬
‫أين وزيرة شؤون البيئة ‪ ،‬وأين القائمون على النظافة في بلدنا ‪ ..‬وكيف يتركون هذا المر دون متابعة ؟!‬
‫ومن الروضة بالمنيل ‪ ،‬استغاث بنا محمد أبو سريع عبد الكريم ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما هي حكاية الدخان الكثيف الييذي يمتييد‬
‫من حلوان إلى المعادي والمنيل والمهندسين ؟! ويقول أننا ل نستطيع التنفس ونكاد نصاب بحالة اختنيياق شييديدة ‪.‬‬

‫أما السيدة سمر عمر محمود من سكان مدينة نصر ‪ ،‬فقد وصفت الدخان بأنه عبييارة عيين دخييان ينبعييث ميين آبييار‬
‫بترول تحترق وليس دخانا عاديا ‪ ،‬ينبعث من مخلفات قمامة ‪ ،‬كما أن الجو الحار ساعد على حدوث انقبيياض فييي‬
‫حالة الجو جعلتنا ل نستطيع التنفس ‪.‬‬
‫أحمد علي أبو الحسن ‪ ،‬مشرف اجتماعي بجامعة الزهير بمدينية نصير ‪ ،‬يقيول إنيه يشيعر بحالية اختنياق شيديدة‬
‫وحرقان بعينيه ‪ ،‬لم يستطع معها البصار بصورة جيدة ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد مصدر أمني بنجدة القاهرة ‪ ،‬بأن النجدة لم تتلق بلغيات حيرائق ليلية أميس ‪ ،‬عيدا حرييق محيدود‬
‫شب في محطة بنزين التعاون بشارع قصر العيني ‪ .‬وذكر المصدر المني أن الدارة تلقت ليلة أمس ‪ ،‬حييوالي ‪5‬‬
‫بلغات حريق في مخلفات قمامة وتم إخمادها فورا ‪ .‬وأوضح أن الدارة تلّقت إشارة بأن الشبورة ‪ ،‬التي أحيياطت‬
‫سماء القاهرة ليلة أمس ‪ ،‬كانت نتيجة حرق مخلفات محصول القطن والرز بالرياف ‪.‬‬
‫وحول أسباب الظاهرة ‪ ،‬كتب عبد المجيد الشوادفي من الشرقية ‪ ،‬في محاولة سريعة وعاجلة ‪ ،‬لحتواء السييباب‬
‫التي أدت إلى ظهور السحابة السوداء فوق سماء القاهرة وعدد من محافظات الدلتا ‪ ،‬نتيجة لقيام الفلحييين بحييرق‬

‫‪251‬‬
‫قش الرز المتخلف عن حصاد المحصول ‪ ،‬مما ترتب عليه حدوث اختناقات وإصابات في العيون بييين الكييثيرين‬
‫من أبناء ومحافظة الشرقية ‪.‬‬
‫قّرر المحافظ الدكتور حسين رمزي كاظم تنفيذ عييدة إجييراءات للقضيياء علييى هييذه الظيياهرة ‪ ،‬الييتي انتشييرت فييي‬
‫مختلف مساحات الراضي المزروعة بالرز ‪ ،‬والتي تبلغ حوالي‪ 150‬ألف فدان ‪ .‬وتم التفاق مع اللواء محمد‬
‫صادق أبو النور مساعد وزير الداخلية لمن الشييرقية ‪ ،‬علييى تكليييف رؤسيياء الوحييدات المحلييية بييالقرى والمييدن‬
‫ومأموري مراكز الشرطة ‪ ،‬بتنظيم حملت لخماد عمليات حرق قييش الرز ‪ ،‬والسييتعانة بفييرق الييدفاع المييدني‬
‫والحريق لطفاء النيران المشتعلة في الحقول وتحرير محاضر للمخالفين ‪.‬‬
‫وكانت سحابة الدخان الكثيفة التي خّيمت على مدى اليام الماضية فوق محافظة الشرقية ‪ ،‬قد امتدت إلييى منيياطق‬
‫طت الطرق الرئيسية التي تربط بينها وبين الطرق الصييحراوية ‪ ،‬ممييا أدى‬
‫متعددة في المحافظات المجاورة ؟ وغ ّ‬
‫إلى إعاقة الرؤية أمام سائقي السيارات وعرضتهم إلى ارتكاب حوادث تصادم ‪.‬‬

‫انتهاء السحابة الملوثة خلل ‪ 48‬ساعة‬


‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE2.HTM :‬‬
‫أكد فوزي غنيمي مدير مركز التنبؤات ‪ ،‬أن خبراء الرصاد الجوية يتوقعون انتهيياء هييذه الظيياهرة الجوييية خلل‬
‫الساعات ال ‪ 48‬المقبلة ‪ ،‬بسبب تحرك هذه الكتلة الهوائية جهة الشرق ‪ ،‬وتقدم الكتلة الهوائية المقبلة من جنوب‬
‫وشرق أوروبا ‪ ،‬مما يحرك الهواء ويجدده ويقلل نسبة الرطوبة ‪ ،‬وبالتالي سيبدأ الدخان في الختفيياء التييدريجي ‪،‬‬
‫وتنبه المسؤولون في المحافظات المجاورة للقاهرة ‪ ،‬لعطاء تعليمات بمنع حييرق مخلفييات الزراعيية إل بأسييلوب‬
‫علمي وفي الوقت المناسب ‪ ،‬وأن الهيئة على استعداد لمدادهم بالبيانات اللزمة والحوال الجوية المتوقعة ‪.‬‬

‫الزراعة تقول أحرقوه‪ ..‬والبيئة تقول ل‬


‫‪ 16‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬ ‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪/‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE3.HTM :‬‬
‫كتب عبد الوهاب حامد ‪ :‬تناقضات غريبة ومعادلت صعبة يتعّرض لها الفلح المصييري ) نتيجيية تخبييط خييبراء‬
‫البيئة ( ‪ .‬فبينما تطالبه وزارة الزراعة بضرورة حرق عيدان القطن بعييد جنيييه ‪ ،‬كشييرط لتمتييع الفلح بالحصييول‬
‫على الدعم المقرر في عمليات المقاومية ‪ ،‬اليذي تحمّلتيه الدولية بالكاميل لول ميرة هيذا العيام ‪ ،‬نظيرا لنخفياض‬
‫أسعار القطن عالميا وهي على حق ‪ ،‬وبناء على هذا الحق للمصلحة العامة ‪ ،‬تقوم مديريات الزراعة بالمحافظات‬
‫بتحرير محاضر مخالفات للفلحين ‪ ،‬الذين ل يقومون بحرق عيدان القطن ‪ .‬على الجيانب الخير ‪ ،‬نجيد تعليميات‬
‫وزارة البيئة تركز على الحماية من التلوث ‪ ،‬وذلك بحظر حرق أية مخلفات بأساليب بدائيية ‪ ،‬ومنهيا طبعيا حيرق‬
‫مخلفات زراعات القطن والرز ‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫المزارعون ‪ :‬القش بريء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE4.HTM :‬‬

‫صورة لحرق القش‬


‫كتبت أهداف البنداري ‪ :‬في قرية الناي بمحافظية القليوبيية إحيدى المحافظيات اليتي تيزرع الرز ‪ ،‬قيال عبيد الي‬
‫إبراهيم فلح أنه يتم حرق ‪ 5‬أطنان قش في كل فدان أرز ‪ ،‬وتستغرق كل كمية يتم حرقها ربع ساعة ‪ ،‬ول يصييل‬
‫دخان هذا الحريق إلى مدينة قليوب التي تبعد خمسة كيلو مترات عن قرية الناي ‪ .‬ويضيف عادل عطا أن مواعيد‬
‫حرق القش ‪ ،‬تختلف في القرية الواحدة من مكييان لخيير ‪ ،‬ومييازالت أميياكن لييم تبييدأ الحييرق بعييد ‪ .‬وتسيياءل فلح‬
‫آخر ‪ ،‬بأن رماد حريق القش يترسب ثم يتبخر ‪ ،‬فكيف يصل إلى القاهرة التي تبعد عيين قليييوب ‪ 30‬كيلو مترا ؟!‬
‫) تساؤل وجيه ( ‪ ،‬وأضاف أن ميعاد حيرق القيش ‪ ،‬يبييدأ مين ‪ 15‬أكتوبر ويستمر‪ 20‬يوما ‪ ،‬ومييا يصييل ارتفيياع‬
‫الدخان إلى حوالي عشرة أمتار ‪ .‬وفي مركز شبين القناطر ‪ ،‬أرجع فلح سبب الييدخان الغيامق الليون الييذي ظهيير‬
‫اليام الماضية ‪ ،‬إلييى طبقية مفتوحية فييي الوزون وقيال انيه شيياهد شيبورة مييع دخيان أزرق ) أي أنهيا أتيت مين‬
‫السماء ( ‪ ،‬ل يعرف سببها وإدارات المرور هي المفترض أن تشرح أسبابها !‬

‫سر اختناق القاهرة ) ‪( 2‬‬


‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE1.HTM :‬‬
‫تحقيق أهداف البنداري ‪ :‬كشف اختناق القاهرة الذي استمر لثلثة أيام متتالية ‪ ،‬عن وجود العديد من الملوثات فييي‬
‫سماء العاصمة ‪ .‬ففي الوقت الذي تقوم فيه الدولية ‪ ،‬بالحفياظ علييى سييلمة الميواطنين والهتميام بتجميييل القيياهرة‬
‫الكبرى ‪ ،‬تنتشر مقالب القمامة بين الشوارع والميادين وعلى أسطح المنازل ‪ ،‬حسب ما شاهدته وزيرة الييبيئة فييي‬
‫جولتها بالطائرة فوق القاهرة ‪ ،‬ويؤدي حرقها بل أية ضوابط إلى تلييوث هييوائي ‪ُ ،‬يصيييب العديييد ميين المييواطنين‬
‫بالمراض ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن مقالب القمامة الرسمية قد أوقفت حرق القمامة ‪ ،‬منذ أكثر من عام بقييرار صييادر ميين وزيييرة‬
‫البيئة ‪ ،‬إل أن مقالب القمامة الخاصة مازالت تعمل بل ضوابط ‪ .‬والسؤال الن ‪ ..‬متى تختفي مقييالب القماميية ميين‬
‫شوارع العاصمة ؟! في البداية تقول د‪ .‬نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة ‪ ،‬إنها رصدت سحابة الييدخان وشييعرت بهييا‬
‫‪253‬‬
‫مثل كل المواطنين ‪ ،‬وأدركت أن هناك شيئا غير طبيعي ‪ ،‬في الهواء منذ عشييرة أيييام ‪ ،‬فبحثييت مييع كييل الجهييات‬
‫المعنية لتعرف حقيقة هذا الدخان ‪.‬‬
‫من هنا أرجعت هييذه السييحابة الدخانييية ‪ ،‬إلييى تزاميين عييدة عوامييل فييي آن واحييد ‪ .‬فالنبعاثييات الييتي تصييدر ميين‬
‫الشتعال الذاتي للقمامة ‪ ،‬التي يلقيها الهالي بطريقة عشوائية نتيجة سلوك غير سوي ‪ ،‬مع استقرار الهواء بييدون‬
‫رياح ‪ ،‬أدى إلى تعّلق دخان القمامة المشتعلة والقش المحترق ‪ ،‬والذي يقوم الفلحون بحرقه منييذ سيينوات ‪ ،‬لكننييا‬
‫شعرنا بدخان هذا الحتراق نتيجة اتحاد العوامل السابقة معا ‪ .‬فالدخنة المعّلقيية سييبب شييعورنا ‪ ،‬بييأن هنيياك شيييئا‬
‫يحرق في الهواء ‪.‬‬
‫وأضافت د‪ .‬نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أنه سيتم إعداد برنامج تنفيذي للتعامل مع الحرق المكشوف ‪ .‬فقانون الييبيئة يعطييي‬
‫للمواطن الحق في البلغ عن أية مخالفة بيئية في القسم ‪ ،‬وعلى ملّوث البيئة أن يدفع الثمن ‪.‬‬
‫وأوضحت أن قانون البيئة ينص على عقوبات لملوثي البيئة ‪ ،‬منها غرامة مالية ألف جنيه لحارق القماميية ‪ ،‬وهييذا‬
‫المبلغ من وجهة نظر وزيرة البيئة ‪ ،‬مناسب لكن المشكلة فييي تنفيييذ العقوبييات ‪ ،‬وهييي مهميية منييوط بهييا الييوزارة‬
‫والمحافظات ‪ ،‬والهم سلوك المواطنين والجمعيات الهلية وأجهيزة العلم عليهيم دور كيبير لتحقييق السيتجابة‬
‫المطلوبة من الموطنين ‪ ،‬للحفاظ علي بيئتهم ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد د‪ .‬عبد الرحيييم شيحاته محيافظ القيياهرة ‪ ،‬أن سييحابة الييدخان اليتي غطيت القياهرة ‪ ،‬ليسييت بسييبب‬
‫مليون جنيه سنويا لميزانية شركات القمامة ‪ ،‬وأن الدولة تقوم بدورها من‬ ‫القمامة ‪ ،‬فالمحافظة خصصت ‪18‬‬
‫حيث توفير جهاز بمسئوليه ومعداته لنظافة القاهرة ‪ ،‬ولم تعد لدى إدارات مقالب القيياهرة الرسييمية أييية محييارق ‪،‬‬
‫إل أن المحافظة وكل الجهزة المعنية لين تسييتطيع أن تقضييي علييي القمامية فييي الشيوارع ‪ ،‬فييذلك يتوقيف بنسييبة‬
‫‪ 100%‬على سلوك المواطنين ‪ ،‬واستشهد محافظ القاهرة بسلوك المواطنين ‪ ،‬الذي يساعد على استمرار تلل‬
‫القمامة في الشوارع ‪ ،‬حيث إن ‪ 50%‬فقط من سكان القاهرة يتعاملون مع جامعي القمامة ‪ ،‬والباقي يرفض دفع ‪3‬‬
‫جنيهات ‪ ،‬مفضل إلقاء مخلفاته على الجزيرة الوسطية في الشارع ‪.‬‬

‫رئيس هيئة النظافة وتجميل القللاهرة ي ُللبّرئ مقللالب القمامللة‬


‫ويتهم القش‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE2.HTM :‬‬
‫كتب عبد العظيم الباسل ‪ :‬أثارت سحابة الدخان الخييانق الييتي غطيت القيياهرة أول أمييس ‪ ،‬تسيياؤلت عديييدة حييول‬
‫أسبابها ‪ ..‬البعض أرجعها لحرق مقالب القمامة المنتشرة حول القاهرة ‪ ،‬وعّللها البعض الخر بحرق بقايييا جييذور‬
‫نبات الرز ‪ ،‬في الحقول المنتشرة حول القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وأييًا كييانت أسييبابها الحقيقييية فقييد انزعييج العديييد ميين الهييالي ‪ ،‬الييتي أصييابها احمييرار بييالعين وضيييق بييالتنفس‬
‫الصدري ‪ ،‬نتيجة لهذا الدخان الخانق الذي لف القاهرة ‪.‬‬
‫من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ‪ ،‬رئيس هيئة التجميل والنظافة بالقيياهرة ‪ :‬إن هييذه السييحابة العالقيية بسييماء‬
‫القاهرة ل ترجع إلى حرق القمامة ‪ ،‬خاصة أن لدينا ثلث مقالب كبرى بالوفاء والمييل والقطامييية ودار السييلم ‪،‬‬
‫فدانا ‪ ،‬ولم يتم حرق قمامة إحداها طوال اليام الثلثة الماضية ‪ ...‬فضل عن أننا قمنا‬ ‫ل منها ‪15‬‬‫مساحة ك ٍ‬
‫بالتفتيش على مقالب قمامة القطاع الخاص ‪ ،‬ووجدناها ل تعمل أيضا ‪ ،‬وقبل هذا وذاك فان رائحية حيرق القمامية‬
‫مميزة ‪ ،‬وهي تختلف عن رائحة الدخان التي انبعث فوق القاهرة ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد تأكدنا ‪ ،‬وفقا لشكاوي المواطنين القادمين من الطرق السريعة ‪ ،‬والذين أكّدوا انهم فقدوا الرؤييية علييى‬
‫الطرق السريعة ‪ ،‬نتيجة لنبعاث الدخنة من الحقول المجاورة على جانبي الطريييق ‪ ،‬علييى غييرار مييا حييدث فييي‬
‫العام الماضي ‪ ،‬خلل نفس التوقيت ‪ .‬وأضاف ‪ :‬من المعاينة تأكدنا من اشتعال ‪ 9‬مواقع في المساحة المحصورة‬

‫‪254‬‬
‫من مزارع الرز ‪ ،‬بين الطريق الدائري والطريق الزراعي عند مدينة قليوب ‪ ،‬بالضافة لمساحات أخرى كييانت‬
‫ظاهرة من طريق بلبيس الصحراوي باتجاه الخانكة ‪.‬‬

‫عودة سحابة الدخان إلى سماء القاهرة‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/FRON1.HTM :‬‬

‫صورة ليلية ‪ :‬سحابة الدخان حجبت مباني القاهرة مرة أخرى مساء أمس‬
‫تجدد انتشار الدخان في سماء القاهرة الكبرى مساء أمس ‪ ،‬وتلقت الهرام اتصالت هاتفييية ميين قيياطني السيياحل‬
‫وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪ ،‬بإحساسهم بتكاثر الدخان وأنهييم أغلقييوا‬
‫نوافذ مساكنهم ‪ .‬وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة شئون البيئة ‪ ،‬بأن كثافة سييحابة الييدخان الييتي عييادت‬
‫إلى سماء القاهرة ‪ ،‬أقل مما كانت عليه مساء السبت الماضي حين بلغت ذروتها ‪ .‬وقالت لمنيدوبي الهيرام ‪ ،‬أنهيا‬
‫في اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين وبعض الخبراء من الدنمارك ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة الموجييودة فييي‬
‫سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وأكّدت وجود مرتفع جوي قادم من شمال الجمهورية ‪ ،‬وأنه أدى إلى عدم تشتت الملوثات‬
‫العالقة فييي الجييو ‪ ،‬وزيييادة شييعور المييواطنين بهييا فييي بعييض منيياطق القيياهرة الكييبرى ‪ .‬وحييذر الييدكتور طييارق‬
‫صفوت ‪ ،‬رئيس قسم المراض الصدرية بجامعة عين شمس ‪ ،‬من أن هذه السحابة تزيييد مخيياطر التهيياب الشييعب‬
‫الهوائية للمواطنين ‪ ،‬وحدوث النزلت الربوية وحساسية جهاز التنفس ‪ .‬ونفى مييدير أميين القليوبييية مييا تييرّدد عيين‬
‫احتراق مخلفات أحد المصانع الكبرى بي ) بنها ( ‪.‬‬

‫عللودة الللدخان الخللانق ! طللوارئ فللي وزارة الللبيئة لفللك لغللز‬


‫السحابة السوداء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE1.HTM :‬‬

‫‪255‬‬
‫متابعة ‪ :‬عبد العظيم الباسل وناجي الجرجاوي وسالي وفائي وأشرف أمين‬

‫صورة ليلية‬
‫أكتوبر ‪ ،‬تلقت الهرام العديد من المكالمات التليفونية ‪،‬‬ ‫في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء أمس ‪26 ،‬‬
‫تؤكد عودة سحابة الدخان مرة أخرى ‪ ،‬في مناطق السيياحل وشييبرا ومصيير الجديييدة ‪ ،‬ومدينيية السييلم والعجييوزة‬
‫والمنيل والهرم ‪ .‬وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق ‪ .‬وصرحت الدكتور ناديية مكيرم عبييد وزييرة‬
‫شؤون البيئة ‪ ،‬بأن سحابة الدخان الخانق عادت إلى سماء القيياهرة بييالمس ‪ ،‬ولكيين ليسييت بكثافيية السييحابة ‪،‬الييتي‬
‫غطييت القيياهرة منييذ ثلثيية أيييام ‪ .‬وقييالت ‪ :‬أنهييا فييي اجتميياع دائم مييع خييبراء الييبيئة المصييريين وبعييض الخييبراء‬
‫الدانماركيين ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة في سماء القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسبة عالية من الجسيمات العالقة والتربيية الرفيعيية ‪ ،‬سيياعد‬
‫على انتشارها سكون الجو وعدم تحريكها بواسطة الرياح ‪ ،‬ومازالت أبحاثنييا مسييتمرة للوصييول إلييى حقيقيية هييذه‬
‫ساعة المقبلة ‪ .‬وعّللت عودة الدخنة إلى تضافر مجموعة من العوامل أهمها المسابك‬ ‫الدخنة خلل الي ‪48‬‬
‫والصناعات الملوثة للبيئة ‪ ،‬وحرق بقايا محصولي الرز والقطن في الحقول المجاورة للقاهرة ‪.‬‬
‫أكّدت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أن استمرار ظهور الدخان المنتشر في سماء القاهرة الكييبرى ‪ ،‬هييو نتيجيية وجييود‬
‫مرتفع جوي قيادم مين شيمال الجمهوريية ‪ ،‬أدى إليى عيدم تشييتت الملوثيات العالقية فيي الجيو ‪ ،‬والييتي شييعر بهيا‬
‫المواطنون في بعض مناطق القيياهرة الكييبرى ‪ .‬وقييالت الييوزيرة إن الييوزارة تقييوم حاليييا بالتعيياون مييع الجهييزة‬
‫المعنية ‪ ،‬بمتابعة الموقف للتخفيف من تركيز تلك الملوثات ‪ ،‬حيث أشارت مصادر الرصاد الجوييية ‪ ،‬إلييى توقييع‬
‫استمرار هذه الظاهرة لمدة ‪ 3‬أيام على القل ‪.‬‬
‫ومن جانبه ‪ ،‬قال الدكتور محمود نصر ال مدير معمل تلوث الهواء بالمركز القومي للبحوث ‪ :‬إن حرائق القمامية‬
‫والملوثات الناتجة من العربات والصناعات الصغيرة ‪ ،‬ليست السبب الوحد في هذه الحالة المناخية ‪ ،‬فهناك نييوع‬
‫من الركود للحركة الرئيسية والفقية للهواء ‪ ،‬هذا بالضافة إلى انخفاض سرعة الرياح وتغير العوامييل الجوييية ‪،‬‬
‫مما يؤدي إلى حالة من الحتباس الحراري ‪ ،‬لذلك يجب أن تشكل غرفة عمليات ‪ ،‬في مثل هييذه الحييالت ليقيياف‬
‫الملوثات المنبعثة ‪ ) .‬تبريرات وتكهنات جديدة (‬
‫وشرح الدكتور محمود نصير الي ميدير معميل تليوث الهيواء ‪ ،‬أنيه مين المتوقيع أن تكيون الدخنية ) ولييس مين‬
‫المؤكد ( ‪ ،‬ناتجة عن احتراق وقود البييترول أو القماميية ! هييذه الدخنيية عبييارة عيين جسيييمات عالقيية ميين الييدخان‬
‫السود ‪ ،‬ثاني أكسد الكربون ‪ ،‬وثاني أكسيد الكبريت ‪ ،‬أول أكسيد الكربون ‪ ،‬وأكاسيد النيتروجين ‪ ،‬لذلك يجب أن‬
‫يكون هناك حل سريع وفوري ‪ ،‬وتشكيل غرفة عمليات لرصد مصادر التلوث ‪ ،‬وكل منطقة سكنية بها محرقة أو‬
‫‪256‬‬
‫مقلب زبالة ‪ ،‬يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة حتى تخمد هذه الحرائق فورا‬
‫‪.‬‬
‫ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ :‬إننا الن أمام احتمالين ‪ ،‬إما أن تنشط حركة الهواء مرة أخرى ويعود المنيياخ‬
‫لوضعه الطبيعي ‪ ،‬أو يستمر الوضع على ما هو عليه ‪ ،‬مما يؤدي إلييى تركييز الهيواء وبالتييالي تراكييم الملوثييات ‪،‬‬
‫والتي سُيضاّر منها مرضى الصدر والدورة الدموية والقلب ‪ .‬ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬أنييه للسييف ل‬
‫توجد خريطة توضح مراكز التلوث بالقيياهرة ‪ ،‬مثييل المحييارق وبعييض الييورش والمصييانع ‪ ،‬والييتي ميين الممكيين‬
‫التحكم بها في مثل هذه الحالت بإيقاف مصادر التلوث ‪ ،‬بشكل تدريجي ومؤقت لحين عودة الرياح لنشاطها ‪.‬‬
‫ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ :‬أن حادثا مشابها وقع في لندن عام ‪ ) 56‬المسؤول السابق قييال أنييه وقييع عييام‬
‫‪ ، ( 49‬حيث ازدادت كثافة السحب المعبأة بالملوثات ‪ ،‬مما أدى إلى إصابة العديد باللتهابييات الشييعبية ‪ ،‬وتطييور‬
‫المر إلى مرحلة الختناق والوفاة ‪ .‬لذلك يطالب الدكتور محمود نصر الي ‪ ،‬بييأن تتييابع محطييات الرصييد التابعيية‬
‫لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬تغيرات مكونات الهواء في كييل منطقيية ‪ ،‬وتحييدد مصييادر التلييوث سييواء كييانت محييارق أو‬
‫مصانع ‪ .‬ووقفها بشكل مؤقت لحين تحسن الحالة الجوية وعودة الرياح لسرعتها الطبيعية ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد مجدي البسيوني رئيييس هيئة النظافيية وتجميييل القيياهرة ‪ :‬أنييه قييام بجوليية ميدانييية ‪ ،‬للوقييوف علييى‬
‫مصادر انبعاث الدخنة من جديد ‪ ،‬فوجد أن المقالب الرسمية لم يحدث بها أي اشتعال للقمامة ‪ ،‬بينما لحظ وجود‬
‫الدخنة بكثافة في المناطق المتاخمة للراضي الزراعية على امتداد المشروع البلبيسي ‪ .‬وأجمعت المصادر على‬
‫أن الحرائق ل تزال مشتعلة في الحقول بمنطقة الخانكة والطريق الدائري ‪ .‬وطالب البسيييوني ‪ :‬بضييرورة تحييرك‬
‫الرصاد والبيئة ‪ ،‬للكشف عن سر هذه الظاهرة ‪ ،‬التي تفاجئ القاهرة بين الحين والخر ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد المستشار صييبري الييبيلي محييافظ القليوبييية أنييه بييالمس فقييط ‪ ،‬تييم تحرييير ‪ 35‬محضرا بي ) قها‬
‫وطوخ ( لحرق قش الرز المخالف ‪ ،‬والحملت مازالت مستمرة من الزراعة ومجالس المدن لمتابعة المخالفين ‪.‬‬
‫مؤكدا أن سبب الدخان يرجع للرز المحترق ميين بعييض المزارعييين ‪ ،‬بمنطقيية اللييج والخانكيية بجييوار الطريييق‬
‫الدائري ‪ .‬ونفى المستشار البيلي عدم حرق أي كاوتش كما ترّدد عن أحد المصانع الكبرى ‪.‬‬
‫ومن جانبه صرح د‪ .‬محمد عطييية الفيييومي رئيييس مجلييس محلييي محافظيية القليوبييية ‪ :‬بييأنه ل توجييد حييرائق فييي‬
‫المنشآت الموجودة على أرض المحافظة حتى السيياعة التاسييعة مسيياء الثلثيياء ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،‬ولم تتلق النجدة أو‬
‫المطافئ أية بلغات في هذا الخصوص ‪ ،‬إل أنه قد توجييد بعييض حييرائق يشييعلها بعييض المزارعييين للمحاصيييل‬
‫المنتهية ‪ ،‬لكنها ل تخرج عن كونها حرائق محدودة الثر وغير ذات تأثير ‪ .‬وعلى الجانب الخر لم يشيعر سييكان‬
‫القليوبية بالدخان الذي شعر به سكان القاهرة ‪ ،‬ولييم تتغييير طبيعيية المنيياخ ول رائحيية الجييو عيين المييور المعتييادة‬
‫) بالرغم من أن الحرق يتم في القليوبية ‪ ،‬وهي تبعد عن القاهرة ‪ 25‬كم ( ‪ .‬ونفى مدير أمن القليوبية ما ترّدد عيين‬
‫طى سماء القاهرة ‪.‬‬ ‫احتراق مخلفات أحد المصانع الكبرى بي ) بنها ( مسببة الدخان الذي غ ّ‬

‫مرضى الصدر ضحايا التلوث !‬


‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE2.HTM :‬‬
‫تحقيق ‪ :‬عبد المحسن سلمة ونادية يوسف‬
‫أدى الدخان الكثيف الذي تعرضت له القاهرة مؤخرا ‪ ،‬إلى ازدياد معانيياة مرضييى الحساسييية الصييدرية ‪ ،‬وزيييادة‬
‫أعداد المترددين على أقسام الصدر بالمستشفيات ‪ ،‬بعد أن شعر المرضى بالختناق وضيييق التنفييس ‪ ،‬الناتييج عيين‬
‫تهيج الغشية المخاطية للعين والنف ‪ .‬ويقول د‪ .‬محمد عوض تاج الييدين ‪ ،‬أسييتاذ المييراض الصييدرية ‪ ،‬ونييائب‬
‫رئيس جامعة عين شمس ‪ … :‬وبالنسبة لدخان السحابة الخيرة فقد اتسم بالكثافة ‪ ،‬ووجود رائحة نفيياذه مصيياحبة‬
‫له مما أحدث تهيجا في الغشية المخاطية للعين والنف لمن تعرضوا لييه ‪ ،‬وأدى ذلييك إلييى إصييابتهم بضيييق فييي‬
‫التنفييس نتيجيية تهيييج هييذه الغشييية ‪ ،‬فييارتفع عييدد الحييالت المصييابة وزاد عييدد المييترّددين علييى أقسييام الصييدر‬
‫بالمستشفيات العامة والخاصة ‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫ويقول الدكتور هشام قاسم أخصائي الصدر بمستشفى الصدر بالعباسية ‪ :‬أنه لم تييرد أي حييالت اختنيياق أو إعييياء‬
‫للمستشفى بسبب التلوث ‪ ،‬ويوصي الدكتور هشام مرضى الحساسية ‪ :‬بإغلق النوافذ والبتعاد عن الملوثات بقدر‬
‫المكان ‪ ،‬كما يجب وضع منديل مبلل ‪ ،‬على النف والفم والتنفس من خلله ‪ .‬كما من الممكن ‪ ،‬أن يصاب النيياس‬
‫في حالة كثافة الدخنة ‪ ،‬باحتقان الحلق والتهاب شديد في الشعب الهوائية والعينييين ‪ ) .‬يغشييى النيياس هييذا عييذاب‬
‫أليم (‬

‫تقرير لرئيس مجلس الوزراء حول ظاهرة الدخان‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الخميس ‪ 19 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 28 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41233‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/28/FRON.HTM :‬‬
‫مرتفع جوي فوق القاهرة تسبب في تكييوين طبقيية عازلية ‪ ،‬منعيت انسييياب اليدخان والملوثييات إلييى طبقيات الجيو‬
‫العليا ‪.‬‬
‫تلقى الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬تقريرا شيامل مسياء أميس ‪ ،‬مين اليدكتورة ناديية مكيرم عبييد‬
‫وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول ظاهرة الدخان الكثيف الذي غطى سييماء القيياهرة ‪ ،‬منييذ يييوم السييبت الماضييي‬
‫وعاد إلى الظهور يومي أمس وأمس الول ‪ .‬وقييال عبييد ‪ :‬أنييه سييتم بحييث هيذا التقرييير بشيكل تفصييلي لمعرفيية‬
‫أسباب تلك الظاهرة ‪ ،‬وكانت الهرام قد تلقت طوال ليلة أمس ‪ ،‬سيل من الشكاوي حولها من عشرات المييواطنين‬
‫‪ ،‬الذين يشكون من الختناق وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف في أنحاء متفرقة من القاهرة ‪.‬‬
‫كما أكدت وزيرة البيئة ‪ :‬أن السبب وراء زيادة نسبة الييدخان فييي الجييو ‪ ،‬هييو ظهييور المرتفييع الجييوي الييذي سيياد‬
‫منطقة شمال الجمهورية ‪ ،‬وأدى إلى تحرك كتلة من الهواء المشبع ببخار الماء باتجيياه الييدلتا والقيياهرة ‪ ،‬وقييالت ‪:‬‬
‫إن هذه الكتلة كونت طبقة عازلة فوق الهواء ‪ ،‬تمنيع انسيياب الملوثيات إليى طبقيات الجيو العلييا ‪ .‬وأضيافت فيي‬
‫مؤتمر صحفي عقدته بعد ظهر أمس ‪ :‬أن ذلك تزاميين مييع انخفيياض سييرعة الرييياح وحييرق المخلفييات الزراعييية‬
‫داخل الحقول ‪ ،‬في محافظات الدلتا القريبة وهي القليوبييية والشييرقية ‪ ،‬بالضييافة إلييى مصييادر التلييوث الموجييودة‬
‫طييت أجييواء القيياهرة الكييبرى ‪ ،‬وشييعر بهييا المواطنييون‬ ‫على مدار العام ‪ ،‬مما أدى إلى تكّون سحابة من الدخان غ ّ‬
‫نتيجة لتركيز تلك الملوثات وعدم تشتتها أو انسيابها إلى طبقات الجو العليا ‪.‬‬
‫وكان بيان لهيئة الرصاد قد أعلن ‪ :‬أن العاصمة تأثرت أمس بمرتفع جوي أدى إلى تباطؤ سرعة الرياح ‪ .‬كييذلك‬
‫أكدت الوزيرة ‪ :‬ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة حتى يمكن التخفيف من حدة تلك الظاهرة ‪ ،‬بمييا فييي ذلييك التنييبيه‬
‫على المصانع الكبرى حول القاهرة الكبرى ‪ ،‬للعمل على التقليل مين حيدة النبعاثيات الملوثية خلل الييام القليلية‬
‫المقبلة ‪ ،‬وقيام الجهزة المعنية باليقاف الفوري للنشطة العشوائية الملوثة ‪ ،‬مثل الجيارات والفواخير والمسييابك‬
‫ومصانع الطوب والحرق المكشوف أيا كان مصدره ‪ ،‬وقيام أجهزة الشرطة بمنع سير السيارات ‪ ،‬التي ينتج عنها‬
‫عادم كثيف تطبيقا لحكام قانون المرور ‪.‬‬

‫والي يطلب سرعة وقف حرق مخلفات الزراعة‬


‫الصفحة الولى‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ – 124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HTM :‬‬
‫الرصاد ‪ :‬المرتفع الجوي مستمر اليوم‬
‫أصدر الدكتور يوسيف واليي نيائب رئييس مجليس اليوزراء ‪ ،‬ووزيير الزراعية واستصيلح الراضيي تعليميات‬
‫بسرعة وقف حرق قييش الرز وحطييب القطيين ‪ ،‬للحييد ميين ظيياهرة تراكييم الدخنيية فييي سييماء القيياهرة الكييبرى ‪.‬‬
‫وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن معدلت تليوث الهيواء وصيلت أخييرا إليى‬
‫‪ 300‬ميكروجرام في المتر المكعب ‪ ،‬بمييا يتجيياوز أربعيية أضييعاف نسييب التلييوث المنييية ) إحييدى الحقييائق‬
‫المرعبة ( ‪ .‬ومن ناحية أخرى قال خبراء الرصاد الجوية ‪ ،‬أن القاهرة الكبرى ستتأثر اليوم بامتداد مرتفع جييوي‬
‫‪258‬‬
‫قريب من سطح الرض ‪ ،‬يؤدي إلى استمرار الستقرار في الحوال الجوية وهدوء في سرعة الرياح ليل ‪ ،‬ممييا‬
‫يساعد على ظهيور الدخنية فيي سيماء القياهرة الكيبرى ‪ ،‬فيي حالية اسيتمرار عمليية حيرق مخلفيات المحاصييل‬
‫الزراعية في الرض المحيطة بإقليم القاهرة الكبرى ‪.‬‬

‫وزيرة البيئة ‪ :‬استمرار متابعة ظاهرة الدخان للحد من أثارها‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON11.HTM :‬‬
‫كتبت سالي وفائي ‪ :‬صرحت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن غرفة العمليات المشييكلة‬
‫في الوزارة ‪ ،‬في حالة عمل مستمر لمواجهة ظاهرة الدخان ‪ ،‬والحد من آثارها ‪ .‬وقييالت أنهييا تلّقييت تقريييرا ‪ ،‬ميين‬
‫الدكتور حسين رمزي كاظم محافظ الشرقية ‪ ،‬أكّد خلله ‪ ،‬أنه تم إيقاف عمليات ‪ ،‬حرق قش الرز وأعواد القطيين‬
‫‪ ،‬وإخماد النيران عن طريق رشها بالماء ‪.‬‬
‫وقالت السيدة نادية مكرم عبيد أن القياسات المسجلة لنسب تلوث الهواء ‪ ،‬والصادرة عن ثميياني محطييات منتشييرة‬
‫ميكروجرام في المتر المكعب من الجسيمات العالقة ‪ ،‬في‬ ‫في نطاق القاهرة الكبرى ‪ ،‬وصلت أخيرا إلى ‪300‬‬
‫حين أن الحدود التي نص عليها قانون البيئة هي‪ 70‬ميكروجرام ‪ ،‬حيث تسبب المنخفض الجوي في عدم انسياب‬
‫تلك الجسيمات ‪ ،‬والتي تنتج عن النشطة الصناعية الكبرى وكذلك الصناعات التقليدية ‪ ،‬مثل المسابك والفييواخير‬
‫وقمائن الطييوب ‪ ،‬بالضييافة إلييى عييوادم السيييارات والرمييال القادميية ميين الصييحراء وكييذلك النشييطة الموسييمية‬
‫للزراعات ‪.‬‬

‫مشكلة الدخان وتطوير مطار القاهرة‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬السبت ‪ 21 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 30 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41235‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HTM :‬‬
‫يعقد الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬اجتماعين متتاليين اليوم وغدا لبحث عدد من المشييكلت الييتي‬
‫تهم الجماهير ‪ .‬يخصص اجتماع اليوم للمجموعة الوزارية لبحث مشكلة الييدخان الييذي غطييى سييماء القيياهرة فييي‬
‫السبوع الماضي ‪ ،‬والتعرف على أسبابها واتخاذ الجراءات الحازمة التي تقلل من حدوث مثل هذه الظاهرة مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬ويخصص الجتماع الثاني لدراسة ارتفاعات المباني حول مطييار القيياهرة الييدولي ‪ ،‬واتخيياذ الجييراءات‬
‫الخاصة لتطوير المطارات … انتهى القتباس من جريدة الهرام ‪.‬‬
‫صحيفة الشعب‬
‫* فيما يلي سنعرض تعليقا ‪ ،‬للكاتب عادل حسين من صحيفة ) الشعب ( المصرية ‪ ،‬في عييددها الييذي صييدر يييوم‬
‫الجمعييية ‪1999 / 11 / 5‬م ‪ .‬عنيييوان المقيييال عليييى شيييبكة النيييترنت ‪www. elshaab.com/05-11- ) :‬‬
‫‪ ، ( 1999/2.htm‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫السحابة وسقوط الطائرة وتهديد السودان ‪ :‬حلقات متكاملة لرهابنا ‪.‬‬ ‫•‬

‫الجزء الخاص بالدخان من نص المقال ‪:‬‬

‫لحظ المواطنون أن المصائب توالت علينا ‪ ،‬منيذ إعلن النقلب اليوزاري الخيير ‪ ،‬بيدءا مين اختطياف طيائرة‬
‫بسكين وانهيار بعض المدارس ‪ ،‬ثم انتهاءً بالسحابة السوداء الغامضيية والسييقوط المييروع للطييائرة المصييرية فييي‬
‫شييها‬
‫المياه المريكية ‪ ،‬وهذه الملحظة عن تتابع المصائب صحيحة بالقطع ‪ ،‬وقييد اسييتنتج النيياس أن الييوزارة ) و ّ‬
‫نحس ( ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫إل أننا ل نتفق طبعا مع هذا التفسير ‪ ،‬ومن واجبنا أن ننتبه إلى أن ما جرى ‪ ،‬أخطر كثيرا من كونه مجرد أحداث‬
‫متفرقة تتابعت بسبب النحس ‪.‬‬
‫ونحن في تحليلنا ُنفّرق بين نمطين من الحداث ‪ ،‬الول له أسبابه المحلية الظاهرة ‪ ،‬ومثل ذلك اختطيياف الطييائرة‬
‫بالسكين وسقوط المدارس ‪ ،‬وما سبقه من تصادم القطارات وتهاوي ركابها فيوق القضيبان ‪ ،‬فمثيل هيذه الحيداث‬
‫كوارث داخلية في أسبابها ومغازيها ‪ ،‬فهي تكشف عين ميدى النحطياط ‪ ،‬اليذي بلغيه جهازنيا الداري ‪ ،‬اليذي ل‬
‫يعرف كيييف ُينظييم العمييل ول كيييف تتييم الصيييانة والمتابعيية ‪ ،‬والييذي أصييبح ل يعييرف العقيياب الفييوري للمهمييل‬
‫والفاسد ‪ .‬ويتفّرع عن هذا كل ما ُيعانيه المواطن ‪ ،‬من ظلم وإذلل لدى تعامله مع أية مصلحة حكومية ‪.‬‬
‫إل أنني ُأرّكز هنا على النمط الثاني من المصائب التي اجتاحتنا ‪ ،‬والذي يتمّثل في السييحابة السييوداء وفييي سييقوط‬
‫الطائرة في المياه المريكية ‪ ،‬وسأضيف أيضا التهديد باستقلل جنوب السودان ‪.‬‬

‫لغز السحابة السوداء ‪:‬‬

‫بالنسبة للسحابة السوداء ‪ ،‬مؤكد أن هناك إجماعا على رفييض التفسييير الرسييمي المعليين ‪ ،‬بحكاييية مقييالب الزباليية‬
‫ح التفسييير لكييان سييببا إضييافيا لعييزل ) يوسييف والييي ( !! ولكننييا ل‬
‫وحرق قش الرز وما شابه … طبعا لييو صي ّ‬
‫نصّدق مثل غيرنا هذا التفسير المتهافت والمهييين للعقييول ‪ ،‬ونحيين ل نتسيّقط أسييبابا لعييزل ) والييي ( فييوالي مييش‬
‫ناقص ‪ ،‬والتهامات الخرى الثابتة في حقه تكفي وزيادة للطاحة به ومحاكمته ‪.‬‬
‫ولكن مع الرفض الجماعي لعلن الحكومة عن حكاية قش الرز ‪ ،‬حاول الناس أن يتوصلوا بمعرفتهم للسييباب‬
‫الكييثر احتمييال ومنطقييية ‪ ،‬لحكاييية السييحابة السييوداء ‪ ،‬وفييي سييعيهم هييذا حيياولوا أن يرصييدوا أي تغّييير جديييد ‪،‬‬
‫يربطونه بنشوء هذه الظاهرة المفاجئة وغير المألوفة ‪ ،‬فلم يجدوا أمامهم إل مناورات النجم السيياطع وانتشيير بييين‬
‫الناس أنها السبب ‪ ،‬وهذا التفسير للظاهرة العجيبة والمؤذية ‪ُ ،‬يعّبر في تقديري عن اتجاه سليم فييي التحليييل ‪ ،‬فهييو‬
‫من ناحية يعكس وعيا شعبيا عميقا ‪ ،‬في التعامل مع الحلف الصهيوني المريكي ‪ ،‬على أمننييا ووجودنييا … وميين‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬فقد خّمن الناس أن لجوء الحكومة إلى كذبة مفضوحة وسييخيفة ‪ُ ،‬يخفييي حرجهييا ميين إعلن السييبب‬
‫الحقيقي لمأساة السحابة السوداء ‪ ،‬فتأكد عندهم أن مناورات النجم الساطع قد تكون السبب ‪ ،‬الُمثير للحرج ‪.‬‬
‫وقد ذكرت أن ما وصل إليه جمهور الناس وخاصييتهم ‪ُ ،‬يعتييبر تحليل فييي التجيياه الصييحيح ‪ ،‬ولكيين قييد ل تكييون‬
‫مناورات النجم الساطع ‪ ،‬بالذات ‪ ،‬مسؤولة وبشكل مباشير عين هييذه الظياهرة ‪ ،‬إذن كيييف حييدثت ؟ ل أسييتبعد أن‬
‫تكون الحكومة عاجزة مثلنا ‪ ،‬عن المساك وبالدليل بالسبب الحقيقي لمصيييبة السييحابة السييوداء ‪ ،‬ول غرابيية فييي‬
‫قولي هذا ‪ ،‬فمين الثيابت الن ‪ ،‬أن ترسيانة العيداء فيي مجيال الحيرب البيولوجيية والكيمائيية ‪ ،‬فيهيا الكيثير مين‬
‫الطلسم والسرار التي يصعب فهم كنهها ‪ ،‬وفيها تنويع هييائل ‪ ،‬فبعضييها ُيمكيين أن يقتييل والبعييض الخيير ُيمكنييه‬
‫اليذاء دون القتل ‪ ،‬وحسب الدرجة المطلوبة … وفي كل الحوال ‪ ،‬فإن الميزة العظمى لهييذه السييلحة السييرية ‪،‬‬
‫أنها ُتحدث فعلها المدمر دون أن تتمكن الضحية ‪ ،‬من معرفة السبب أو من التثبت من نوع الوسائل ‪ ،‬التي حملييت‬
‫إليها أسلحة القتل واليذاء ‪.‬‬
‫) ويسهب الكاتب قليل في الحديث عن السلحة السرية ‪ ،‬ويضييرب قصيية المحاوليية السييرائيلية الفاشييلة لغتيييال‬
‫خالد مشغل ‪ ،‬واستخدام اليورانيوم المستنفذ في العراق ويوغسيلفيا ‪ ،‬ومنتجيات الهندسية الوراثيية فيي الغذيية ‪،‬‬
‫ومن ثم يختم كل ذلك بقوله ( ‪:‬‬
‫في إطار ما سبق ‪ ،‬لم ل تكون سحابتنا الغامضة ضمن وسائل الحرب السرية ؟! ول يعني هذا ‪ ،‬أن ما جرى كان‬
‫بالضرورة في إطار أسلحة البادة الشاملة ‪ ،‬فقد ذكرت أن أسلحتهم أصبح فيهييا درجييات متصيياعدة ميين اليييذاء ‪،‬‬
‫الذي قد ل يصل في كل الحالت إلى القتل ‪.‬‬
‫ن البتلء الذي مّثلته السحابة السوداء الغامضة ‪ ،‬قد يكيون مجيّرد إشيارة تحيذير ) لقيد أصياب الكياتب هنيا كبيد‬‫إّ‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وهي كذلك ( وشّد للذن ‪ ،‬فالدولة قد تتوصل إلى نفس الستنتاج الذي وصلناه ‪ ،‬وهذا في ظنهم يكفييي –‬
‫مع ضغوط أخرى ‪ -‬لكي تخضع الدولة ‪ ،‬وُتنّفذ ما ُيطلب منها خوفا من تكرار الظاهرة وتصاعدها ‪ ،‬إن الدولة قييد‬
‫ل تتمكن من تقديم أدلة قاطعة تثبت وقوع الجريمة ‪ ،‬وإن كانت ترجح قيامها ‪ ،‬ولكن هييذا الغمييوض هييو مييا ُيمّيييز‬

‫‪260‬‬
‫الشكال الجديدة للحروب الكيماوية والبيولوجية ‪ ،‬والتي ُيمكن أن تحقق ما يستهدفه القصف النووي بالصواريخ ‪،‬‬
‫ولكن دون ضجيج ودليل … انتهى القتباس ‪.‬‬
‫* صحيفة الشعب والتي ُأخذ منها هذا المقال ‪ ،‬موقوفة عن العمل من قبل الحكومة المصرية ‪.‬‬
‫قراءة سريعة في مقالت الهرام والشعب‬
‫صحيفة الهرام‬

‫وصف المسؤولين الصحفيين والطباء والمواطنين للظاهرة ‪:‬‬

‫الدخنة والغازات والروائح النفاذة … ظاهرة غريبة بحاجة إلى تفسير … سحابة دخان كثيفة … الدخان الكثيف‬
‫… السحابة العالقة بسماء القاهرة … دخان ينبعث من آبار بترول تحترق وليس دخانا عاديا … بأن هنيياك شيييئا‬
‫يحرق في الهواء … هذا الدخان الخانق … وبالنسبة لدخان السييحابة الخيييرة فقييد اتسييم بالكثافيية ووجيود رائحيية‬
‫نّفاذه مصاحبة له … أن هناك شيئا غير طبيعي ‪ ،‬في الهواء منذ عشرة أيام … لغز السحابة السوداء ‪.‬‬

‫مدى انتشار الدخان ‪:‬‬

‫تعرضت سماء الدلتا والقاهرة حتى الجيزة لتلوث هوائي شديد … غطّييت أجييواء القيياهرة خاصيية منطقييتي مدينيية‬
‫نصر ومصر الجديدة ومناطق وسط البلد ومصر القديمة … الدخان الكثيف الذي يمتييد ميين حلييوان إلييى المعييادي‬
‫والمنيل والمهندسين … نتيجة لهذا الدخان الخانق ‪ ،‬الذي لف القاهرة ‪ ...‬فوق سماء القاهرة وعدد ميين محافظييات‬
‫الدلتا … التي خّيمت على مدى اليام الماضية فوق محافظة الشرقية … تجدد انتشار الييدخان فييي سييماء القيياهرة‬
‫الكبرى من الساحل وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪.‬‬

‫الضرر النفسي والجسدي الذي أحدثه ‪:‬‬

‫اختناق القاهرة الذي استمر لثلثة أيام متتالية … وأيًا كانت أسبابها الحقيقييية فقييد انزعييج العديييد مين الهييالي …‬
‫تسبب في حالة من القلق بين سكان القاهرة … أثار ذعر السكان … المبالغة في قلق ووصف الحييدث ‪ ،‬بالكارثيية‬
‫…‬
‫العراض المبدئية للتعرض لها ‪ ،‬تشمل التهاب العيون والنف والذن والصدر والحلق وصعوبة في التنفييس …‬
‫وسّبب بعض حالت الختنياق … أزميات تنفسيية نتيجية لزمتية الهيواء وغيياب الوكسيجين الكيافي ‪ ،‬وأصيابت‬
‫الطفال وكبار السن بالختناق … عدم القدرة على التنفس رغم إغلق نوافذ الشقق … ل نستطيع التنفييس ونكيياد‬
‫نصاب بحالة اختناق شديدة … أصيب بحالة اختناق شديدة وحرقان بعينييه ‪ ،‬لييم يسييتطع معهيا البصييار بصيورة‬
‫طت الطرق الرئيسية مما أدى إلييى إعاقيية الرؤيية ‪ ،‬أمييام سييائقي السيييارات وعرضييتهم إلييى ارتكيياب‬
‫جيدة ‪ ...‬وغ ّ‬
‫حوادث التصادم ‪ ...‬وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق ‪.‬‬
‫تهيج في الغشية المخاطية للعين والنف لمن تعرضوا له ‪ ،‬وأدى ذلييك إلييى إصييابتهم بضيييق فييي التنفييس نتيجيية‬
‫تهيج هذه الغشية ‪ ،‬فارتفع عدد الحالت المصابة وزاد عدد المترّددين علييى أقسييام الصييدر بالمستشييفيات العاميية‬
‫والخاصة ‪.‬‬

‫السباب المحتملة ‪:‬‬

‫ثلثة احتمالت ‪ :‬حرق المخلفات الزراعية ‪ ،‬حرق القمامة ‪ ،‬عوادم السيارات … أثييارت سييحابة الييدخان الخييانق‬
‫التي غطت القاهرة أول أمس ‪ ،‬تساؤلت عديدة حول أسبابها ‪ ..‬البعض أرجعهييا لحييرق مقييالب القماميية المنتشييرة‬
‫حول القاهرة ‪ ،‬وعّللها البعض الخر بحرق بقايا جذور نبات الرز ‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫مقالب الزبالة بريئة من التهمة ‪:‬‬

‫من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني رئيييس هيئة التجميييل والنظافيية بالقيياهرة ‪ :‬إن هييذه السييحابة العالقيية بسييماء‬
‫القاهرة ل ترجع إلى حرق القمامة ‪ ،‬لُيبّرئ مقالب القمامة ويتهم القش ‪.‬‬

‫مزارع القطن والرز بريئة من التهمة ‪:‬‬

‫ي أما المزارعون فقد بّرءوا القش بحجج منطقية ‪ ،‬بالضافة إلى أن دخان حرق القييش والخشيياب ذو لييون أبيييض‬
‫ورائحة خاصة ومميزة ‪ ،‬وتختلف عن دخان حرق المواد البترولية ‪ ،‬ذو اللون السود والرائحيية النفاثيية ‪ ،‬وكييذلك‬
‫تختلف عن دخان حرق القمامة ‪ ،‬ذو اللون القل سوادا ‪ ،‬والرائحة الكريهة ‪.‬‬

‫المختص ل يعرف الحقيقة ‪ ،‬وُيبّرئ القش ويتهم الوقود والقمامة ‪:‬‬

‫وشرح الدكتور محمود نصير الي ميدير معميل تليوث الهيواء ‪ ،‬أنيه مين المتوقيع أن تكيون الدخنية ) ولييس مين‬
‫المؤكد ( ناتجة عن احتراق وقود البييترول ! أو القماميية ! هييذه الدخنيية عبييارة عيين جسيييمات عالقيية ميين الييدخان‬
‫السود المكون من ‪:‬‬
‫ثاني أكسد الكربون ‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وثاني أكسيد الكبريت ‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أول أكسيد الكربون ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وأكاسيد النيتروجين ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫لذلك يجب أن يكون هناك حل سريع وفوري ‪ ،‬وتشكيل غرفيية عمليييات ‪ ،‬لرصييد مصييادر التلييوث ‪ ،‬وكييل منطقيية‬
‫سكنية ‪ ،‬بها محرقة أو مقلب زبالة ‪ ،‬يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة ‪ ،‬مثييل وزارة الييبيئة وجهيياز شييؤون الييبيئة ‪،‬‬
‫حتى تخمد هذه الحرائق فورا ‪.‬‬
‫ي وبما أنه ل يوجد حقول نفط تحترق في القاهرة ‪ ،‬نجد أن هذا المختص ُيبعيد الشيبهة عين القيش ويعيزوه لمقيالب‬
‫القمامة ‪ ،‬والتي أكد المسؤولون أنها موقوفة عن العمل منذ ثلث سنوات وأنها ليست السبب ‪.‬‬
‫عودة الدخان … ول حرائق تؤخذ بعين العتبار … ؟!‬

‫ل الجراءات الحترازية والحتياطات اللزمة ‪ ،‬التي اتخذت على الرض بمنع الحيرائق فيي القياهرة‬ ‫ي ورغم ك ّ‬
‫ب الييذعر والرعييب بيين سييكان القياهرة‬
‫وما حولها ‪ ،‬يعود الدخان بنفس الكثافة ويبقى عالقا في سماء القاهرة ‪ ،‬ليد ّ‬
‫من جديد ‪ ،‬في ليل ‪1999 / 10 / 26‬م ‪ ،‬ليصبح لغزا غامضا ل يقبل تبريرا منطقيا ول يجد تفسيرا علميا ‪.‬‬
‫وقالت الوزيرة ‪ :‬أنها في اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين وبعض الخبراء الييدانماركيين ‪ ،‬لرصييد وتحليييل‬
‫الدخنة المنبثقة والمنتشرة في سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسييبة‬
‫عالية من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ‪ ،‬ساعد على انتشارها سكون الجو ‪ ،‬وعدم تحريكها بواسطة الرييياح‬
‫سر الماء بعد الجهد بالماء ( ‪ ،‬وما زالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه الدخنة ‪.‬‬
‫) كمن ف ّ‬
‫ي أي بالرغم من كل محطات الرصد التي عّددها أحد المقالت أعله ‪ ،‬ليم تسيتطع اليوزيرة وخبرائهيا اليدنمركيين‬
‫من معرفة أسبابها ‪.‬‬

‫اهتمام على مستوى رئاسة مجلس الوزراء ‪:‬‬

‫تلقى الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء تقريرا شامل مساء أمس ‪ ،‬من الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة‬
‫الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول ظاهرة الدخان الكثيف الذي غطى سماء القاهرة منذ يوم السبت الماضي ‪ ،‬وعيياد إلييى‬
‫الظهور يومي أمس وأمس الول ‪.‬‬
‫‪262‬‬
‫إحدى الحقائق المرعبة ‪ ،‬على لسان وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪:‬‬

‫وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن معدلت تليوث الهيواء وصيلت أخييرا إليى‬
‫‪ 300‬ميكروغرام في المتر المكعب ‪ ،‬بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ‪.‬‬
‫ي فكيف وصلت نسبة التلوث بالدخان إلى هذه الدرجة بين عشية وضحاها … ؟! ولماذا لم ُتطلع الوزيرة وخييبراء‬
‫الرصد الشعب المصري ‪ ،‬على تقارير التحليلت المخبرية أثنيياء حييدوث الظيياهرة أو بعييد انتهائهييا ‪ ،‬واقتصييرت‬
‫على تبريرات وتفسيرات أشبه ما يكون بحكايا جدتي ‪.‬‬

‫صحيفة الشعب ‪:‬‬


‫ي تؤكد الصحيفة أن هناك إجماعا ‪ ،‬على رفض التفسير الرسمي المعلن ‪ ،‬بحكاية مقالب الزبالة وحرق قييش الرز‬
‫وما شابه …!! وتصف التفسير الحكومي للظاهرة بالمتهافت والمهين للعقول ‪ .‬ولذلك حيياول النيياس أن يتوصييلوا‬
‫بمعرفتهم ‪ ،‬للسباب الكثر احتمال ومنطقية لحكاية السحابة السوداء ‪ ،‬وفي سييعيهم هييذا حيياولوا أن يرصييدوا أي‬
‫تغّير جديد ‪ ،‬يربطونه بنشوء هذه الظاهرة المفاجئة وغير المألوفة ‪.‬‬

‫التطّير من الناس والشياء من عادات أهل مصر قديما وحديثا ‪:‬‬

‫ش النحييس (‬ ‫وكما تطّير فرعون وقومه بموسى ومن معه ‪ ،‬لما كان ينزل بهم العييذاب ‪ ،‬تطّييير أهييل مصيير ) بييالو ّ‬
‫ن َأْكَثَرُهفْم َل‬
‫لف ‪َ ،‬وَلِكف ّ‬
‫عْنفَد ا ِّ‬
‫طففاِئُرُهْم ِ‬
‫للوزارة الجديدة ‪ ،‬وكان جيواب رب العيزة لهييل مصير القييدماء ) َأَل ِإّنَمففا َ‬
‫َيْعَلُمونَ ( ‪.‬‬

‫الوصاف التي أطلقتها الصحيفة على ظاهرة الدخان ‪:‬‬

‫الظاهرة العجيبة والمؤذية ‪ ،‬المفاجئة وغير المألوفة ‪ ،‬مأساة السحابة السوداء ‪ ،‬مصيبة السحابة السوداء ‪ ،‬سحابتنا‬
‫الغامضة ‪ ،‬السحابة السوداء الغامضة ‪.‬‬

‫هي ابتلء ونذير شؤم لهل مصر ؟!‬

‫ن البتلء الذي مّثلته السحابة السوداء الغامضة ‪ ،‬قييد يكييون مجيّرد إشييارة تحييذير‬
‫وتخلص الصحيفة إلى القول ‪ :‬إ ّ‬
‫وشّد للذن ‪.‬‬
‫ي وهنا أصاب كاتب المقال كبد الحقيقة ‪ ،‬نعم هو تحذير وإنذار نهائي … ولكن من قبل من … ؟!‬

‫‪263‬‬
‫بل هم في شك يلعبون‬
‫* النصوص الكاملة لمادة هذا الفصل ‪ ،‬تجدها علييى موقييع باسييم ) ملييف وليميية لعشيياب البحيير ( ‪ ،‬علييى شييبكة‬
‫النترنت على العنوان ‪:‬‬
‫‪ ، www.mohammadabbas.com/books/alwaai/alwaai8.htm‬أو العنوان ‪:‬‬
‫‪www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Walima.htm‬‬

‫" الرواية في ميزان السلم ‪ :‬ساقطة داعرة ‪..‬‬

‫في ميزان العقل ‪ :‬مختلة فاسدة ‪..‬‬

‫في ميزان الدب ‪ :‬ضعيفة مهترئة ‪. " ..‬‬

‫الستاذ الدكتور جابر قميحة أستاذ الدب العربي‬

‫مقتطفات ‪ ،‬مللن مقللالت د‪ .‬محمللد عبللاس فللي روايللة وليمللة‬


‫لعشاب البحر ‪:‬‬
‫صحيفة الشعب ‪ ، 28/4/2000 :‬عنوان المقال ‪:‬‬

‫ل إلله إل الله ‪..‬‬

‫من يبايعني على الموت ‪..‬‬

‫تّبت أيديكم‪ ..‬لم يبق إل القرآن ‪..‬‬

‫ماذا لو قلنا أن رئيس الوزراء خلراء ؟!‬

‫" ل إليه إل ال … بكيت …لم يكن طول الجيرح بالمسيافة بييل بيالزمن ‪ ..‬جيرح طيوله أليف وخمسييمائة عييام ‪..‬‬
‫صرخت ‪ :‬تبت أيديكم ‪ ..‬أيما كنتم ‪ ..‬وأينما كنتم ‪ ..‬وأيما أنتم ‪ ..‬وأيا كان من وراءكييم ‪ ..‬يييا كلب النييار يييا حطييب‬
‫جهنم ‪...‬‬
‫أمسكت باليهاتف واتصلت بصديق كي أبثه همي … استطعت بعد جهد جهيد ‪ ،‬أن أقرأ للصييديق بعييض الجمييل ‪،‬‬
‫التي انصبت على جسدي كالنار ‪ ..‬كرصاص منصهر‪ ..‬طفحت من كتاب داعر فاسق فيياجر كييافر ‪ ..‬طبعتييه لنييا‬
‫ونشرته بيننا وزارة الثقافة المصرية ‪ ..‬وليس السرائيلية ول المريكية …‬
‫حرون هو القلم في يدي ‪ ..‬وقلبي ل يطاوعني ‪ ،‬أن أنقل لكم الكلمات الفاسقة الداعرة الكافرة ‪ ،‬التي أوردها كتيياب‬
‫فاسق داعر كافر‪ ..‬نشرته هيئة ‪ ،‬لبد أن تكون فاسقة داعرة كافرة ‪ ،‬تحت رئاسة مسييئول ‪ ،‬لبييد أن يكييون داعييرا‬
‫فاسقا كافرا ‪..‬‬
‫إليكم ما طبعته ونشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ " :‬وهؤلء يهمشون التاريخ ‪ ،‬ويعيدونه مليون عام إلييى الييوراء ‪،‬‬
‫في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ‪ ،‬يحكموننا بقوانين آليهة البدو ‪ ،‬وتعاليم القرآن ‪ ..‬خيراء "‪..‬‬
‫ل إليه إل ال‪ ..‬ل إليه إل ال ‪ ..‬ل إليه إل ال ‪...‬‬

‫‪264‬‬
‫صرخت في نفسي ‪ :‬كيف يا صفيق قرأتها فلم تمت الفور ‪ ..‬كيف ؟! …‬
‫تراءى لي الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يناظرني معاتبا يوم القيامة ‪ ،‬فصرخت من الخجل …‬
‫تراءى لي الزبير بن العوام ‪ ،‬يهتف صارخا في حروب الردة ‪ :‬من يبايعني على الموت ‪...‬‬
‫تراءى لي مليين وملين من الشهداء والصابرين ‪ ..‬بييذلوا حييياتهم واحتسييبوا صييبرهم ‪ ،‬لتقييديس اسييم الي ورفييع‬
‫كلمته ‪ ..‬ثم أتى الشيطان ليكتب ما يسميه كتابا ‪ ،‬تعتبره وزارة الثقافة المصرية – وهى الخييرى شيييطان ‪ -‬أدبييا ‪،‬‬
‫فتنشره على الناس كي تنّورهم ‪...‬‬
‫وزارة الثقافة المصرية في بلد الزهر ‪ ،‬وصلح الدين وقطز وخالد السلمبولي ‪ ،‬تنشر يا قراء كتابا يدعى أنييه‬
‫رواية ‪ ،‬يقول ‪ :‬أن القرآن خيراء ‪ ..‬ثم ل يلبث أن يقول ‪ :‬إخرأ بربك …‬
‫ل إليه إل ال … أول مرة ألقى مثل هذا اللم في حياتي ‪..‬‬
‫ول حتى استدراجنا كقطيع من الخييراف ‪ ،‬إلييى مقتليية الخليييج ‪ ..‬حييين انييدفع بالشييرك والغبيياوة والخيانيية والجهييل‬
‫والنفاق ‪ ،‬نصفنا يقتل نصفنا ‪ ..‬كقطيع ‪ ..‬قطيع من الخراف يندفع إلى المجزرة ‪ ،‬وهو فرح بها نشوان ‪..‬‬
‫ول حتى عندما حمل السادات ‪ ،‬كفننا وكرامتنا وتاريخنا ‪ ،‬ليذهب مذموما مدحورا إلى القدس ‪..‬‬
‫ول حتى مع الذبح اليومي الذي نشارك فيه للعراق ‪ ..‬ول حتى يوم موت أبى ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬لم أشعر بمثل هذا اللم ‪...‬‬
‫القرآن ‪ ..‬خيراء …‬
‫ملذنا الخير ينتهك ويهان ‪...‬‬
‫كان صديقي ما يزال على اليهاتف … وكنت ما أزال أبكى ‪ ،‬وأنا أقرأ له ‪ ،‬مما نشرته وزارة الثقافيية المصييرية ‪..‬‬
‫رائدة التكفير ل التنوير ‪ " :‬ال قال انكحوا ما طاب لكم ‪ .‬رسولنا المعظم كان مثالنا جميعيا ‪ ،‬ونحين عليى سينته ‪..‬‬
‫لقد تزوج أكثر من عشرين امرأة ‪ ،‬بين شرعية وخليلة ومتعة ‪" ..‬‬
‫ثم يسييتطرد الكتيياب الفيياجر الكييافر ‪ ،‬الييذي يلبييس عبيياءة رواييية ‪ ،‬وليييس برواييية ‪ ،‬إل فييي عقييول مخصييية شيياذة‬
‫مريضة ‪ ،‬سعت وتسعى إلى نشر الكفر والفاحشة ‪ ..‬يستطرد مجترئا على الذات الليهية ‪ ،‬ليقييول ‪ " :‬إن رب هييذه‬
‫الرض ‪ ،‬كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ‪ ،‬ببطيء السلحفاة " ‪.‬‬
‫ويسوق في حوار فاجر كافر ‪ " :‬هو من صنع ربى ‪ ..‬ل بد أن ربك فنان فاشل إذن ‪" ..‬‬
‫ل إليه إل ال …‬
‫ويقول الفاجر بن الفاجر ‪ ،‬الفاسق بن الفاسق ‪ ،‬الكافر بن الكييافر ‪ :‬مؤلفييا وطابعييا وناشييرا ووزارة ‪ " :‬داخييل هييذه‬
‫الهواز التي خلقها الرب ‪ ،‬في الزمنة الموغرة في القدم ‪ ،‬ثم نسيها فيما بعييد لييتراكم مشيياغله ‪ ،‬الييتي ل ُتحيّد فييي‬
‫بلد العرب وحدها ‪ ،‬حيث الزمن يدور على عقبيه منذ ألفي عام " ‪.‬‬
‫و " أقام ال مملكته الوهمية ‪ ،‬في فراغ السماوات " ‪..‬‬
‫و " وخلع الجلد المتخلف والبالي ‪ ،‬الذي خاطه السلم فوق جلودنا القديمة " ‪..‬‬
‫و " إن حبل السرة ‪ ،‬ما يزال موصول مع الزمنة الرعوية ‪ ،‬وأزمنة عبادة ال الواحد القهار في السماء والرض‬
‫‪ ،‬وذلك الذي يقول للشيء كن فيكون " ‪.‬‬
‫آه ينصدع لها القلب ‪ ،‬وينحطم الفؤاد ‪ ،‬وتنكسر الروح ‪...‬‬
‫برح الخفاء يا ناس ‪ ،‬وهذا وقت المفاصلة ‪ ،‬إما إيمان ‪ ،‬وإما كفر ‪...‬‬
‫للوهلة الولى ‪ ..‬والدوار يكتنفني ‪ ،‬قلت لنفسي ‪ :‬اذهب إلى الزهر علييى الفييور واصييعد منييبره ‪ ،‬واصييرخ ‪ :‬ميين‬
‫يبايعني على الموت ‪ ..‬؟!‬

‫‪265‬‬
‫ثم آخذ الرهط الذي يجتمع حولي ‪ ،‬وأتوجه بهم إلى قصر الرئيييس مبييارك ‪ ..‬عييراة صييدورنا نازفيية قلوبنييا دامعيية‬
‫عّزل أيدينا ‪ ..‬نسأليه ‪ ،‬والسؤال دم ‪ :‬ما هي الحدود بين السلم والكفيير ‪ ..‬؟ مييا هييي التخييوم بييين التنييوير‬
‫عيوننا ُ‬
‫والتعهير ‪ ..‬؟ ما هى الطخوم بين تجفيف المنابع ‪ ،‬والخروج من الملة ‪ ..‬؟ ما هي البيون بين أن تكون مصر قائدة‬
‫للتنوير حقا يرتضيها العرب والمسلمون ‪ ،‬وبين أن تكون قوادة للكفر والفسوق والعصيان ‪ ..‬؟‬
‫نهتف فييه ‪ :‬أنت ولى المر … وليس لنا أن نقيم الحد على الفجرة الكفرة الفسقة بأيدينيا …‬
‫تسلل إلى نفسي أمل ميت ‪ ..‬أن يكون ثمة لبس قد حدث أمام صحيفة السبوع ‪ ،‬عندما فجيرت هييذه الفضيييحة منييذ‬
‫أسابيع قليليية ‪ ..‬لعييل الكتيياب طبييع فييي إسييرائيل مثل ‪ ..‬وقليت لنفسييي أن السييلم يييأمرني بييالتثبت ‪ ..‬بحثييت عين‬
‫الكتاب ‪ ..‬ووجدته ‪:‬‬
‫) وليميية لعشيياب البحيير ‪ ..‬حيييدر حيييدر ‪ ..‬سلسييلة آفيياق الكتابيية ‪ ..‬العييدد ‪ -35‬اليييهيئة العاميية لقصييور الثقافيية ‪..‬‬
‫وعنوانها كما هو مثبت ‪ 16 :‬أ شيارع أميين سيامي‪ -‬قصير العينيي – القياهرة ت‪– 3564842 – 3564841 :‬‬
‫فاكس ‪ – 3564202‬أما الطابع فهيو ‪ :‬شيركة الميل للطباعية والنشير ‪ ،‬أميا قائمية العيار الدنييسة المكتوبية عليى‬
‫صفحات الكتاب الولى ‪ ،‬فتجمع ‪ :‬رئيس مجليس الدارة ‪ :‬عليى أبيو شيادي ‪ ،‬أميين عيام النشير ‪ :‬محميد كشييك ‪،‬‬
‫رئيييس التحرييير ‪ :‬إبراهيييم أصييلن ‪ ،‬الشييراف الفنييي ‪ :‬د ‪.‬محمييود عبييد العيياطي ‪ ،‬مييدير التحرييير ‪ :‬حمييدي أبييو‬
‫جلييل ( ‪...‬‬
‫ل إليه إل ال …‬
‫كنت أظن أني محتاج لقراءة الرموز بين السطور ‪ ،‬كي أكشف الشرك الخفي ‪ ..‬حتى جاء هيذا الكتياب ‪ ،‬وفجييرت‬
‫صحيفة السبوع قضيته …‬
‫ليس الشرك الخفي بل الكفر البواح ‪...‬‬
‫هو الخيانة ل ولرسوله ‪ ..‬هو الخيانة للمة وللوطن ‪ ..‬هي العمالة الصريحة المباشرة لمريكا وإسرائيل ‪...‬‬
‫هو التسلل إلى عقول أبنائنا لخراجهم مين السيلم تمامييا ‪ ،‬كمييا قييال ) زويميير ( ‪ ..‬هيو نشير الباحييية والسيفالة‬
‫والشذوذ وقتل روح المة …‬
‫إن العار ل يلحق بوزارة الثقافة فقط ‪ ..‬فتضامن المسؤولية الوزارية ‪ ،‬يجعل مجلس الوزراء كلييه مسييئول ‪ ،‬وكييل‬
‫وزير مسئول ‪ ..‬ورئيس الوزراء مسئول ‪ ..‬و‪..‬‬
‫لكن الفاجر يكتب ‪ ،‬والفاجر ينشر أن "القرآن خييراء " ‪ ..‬و " خرا بربك " ‪ ..‬ثم يجد من يدافع عنه ‪..‬‬
‫أما من وزير يستقيل … ؟!‬
‫ل إليه إل ال ‪...‬‬
‫يا جللة ملوك وفخامة رؤساء الدول السلمية ‪ ..‬لطالما تعاونتم على الثم والعدوان ‪ ..‬فتعاونوا ولو مييرة للييدفاع‬
‫عن القرآن ‪ ..‬اطلبوا الرئيس مبارك اليوم‪ ..‬قولوا له أن ما نشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬لم يذبييح المسيلمين فيي‬
‫مصر فقط ‪ ،‬بل في العالم السلمي كله ‪ ..‬من لم يفعل منكم ذلك ‪ ،‬فليأت ال يوم القيامة والقرآن خصمه … !‬
‫من كان منكم يحب ال والرسول ‪ ،‬فليدافع عن القرآن …‬
‫من كان منكم مذنبا فليكفر عن ذنوبه ‪ ،‬بالدفاع عن القرآن ‪..‬‬
‫يا شيخ الزهر ‪ ...‬ل إليه إل ال … يا فضيييلة المفييتى … يييا شيييوخ الزهيير ‪ ،‬ويييا طلبيية جامعيية الزهيير … يييا‬
‫خطباء المساجد … ل إليه إل ال ‪...‬‬
‫يا كل هيئة ومؤسسة وصحيفة في العالم السلمي … اكتبوا أنهم في بلد الزهر ‪ ،‬ينشرون أن القرآن خيراء …‬
‫يا شيخ يوسف القرضاوي … دافع عن القرآن بما أنت له أهل … إن المة تنتظر فتواك في كل مسئول عن نشر‬
‫هذا الكتاب … أصرخ فيك … أهتف فيك ‪ :‬مصر لم تعد بخير ‪ ..‬مصر لم تعد بخير ‪ ..‬مصيير لييم تعييد بخيييير …‬
‫فالنجدة النجدة والغوث الغوث … فإنه القيرآن … ول إليه إل ال …‬
‫‪266‬‬
‫يا سيادة الرئيس … أطفئ الفتنية …‬
‫واعلم هدانا وهداك الي ‪ ،‬أن المير لييس أمير وزيير فاسيق أو وزارة فياجرة ‪ ،‬بيل هيو منهيج مشيرك تسيلل إليى‬
‫النظام ‪ ..‬مسئوليتك أمام ال أن تزيله وأن تحاربه حتى لو استشهدت دونه ‪ ..‬منهج مشييرك ل يقتصير علييى وزارة‬
‫ول يقوم به مجرد أفراد ‪...‬‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن مثل هذا المنهج الفاجر ‪ ،‬هو الذي يغيب في السجون والمعتقلت عشرات اللف من‬
‫شباب ‪ ،‬لم يأخذوا عليهم سوى أن السلم دينهم والقرآن كتابهم ‪ ..‬بينما يييرى ذلييك المنهييج الخييائن الفيياجر الكييافر‬
‫العميل ‪ ،‬أن القرآن خيراء … وذلك ما ينقمونه عليهم …‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن أسوأ ما تفعل أن تكتفي ‪ ،‬بإقالة وزير أو تنحية مسئول ‪...‬‬
‫فالخطب أطم والمصيبة أعم ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل ترضى لعهدك – دون العهود جميعا – أن تصمه هذه الوصمة ‪ ..‬فالقرآن لم يتعرض‬
‫لمثل ما يتعرض له الن ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬ول حتى في عهد كرومر ‪ ..‬بل وحتى الفراعنة كانوا يقدسون كتب الدين ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل كانت الدولة تسكت لو أن من كتب هذا الكتاب ‪ ،‬أو طبعه ‪ ،‬أو نشييره ووزعييه ‪ ،‬كييان‬
‫قد وضع النجيل أو التوراة مكان القرآن ؟!‪ ..‬ما كانت الدولة لتسكت ‪ ..‬وما كنا نحن أيضا سنسكت ‪..‬‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬إنك مسئول عن هذه الفئة المنحرفة الشاذة ‪ ..‬مسئول أمام المية وأميام التارييخ وأميام الي ‪ ..‬إن‬
‫القانون في بريطانيا يحمي النجيل والتوراة ‪ ..‬وأخوتنا المسلمون هناك يجاهدون لمّد مظلة الحماية إلى القييرآن ‪..‬‬
‫فهل ترضى لنفسك أن نجاهد أمامك لسن قانون يحمي القرآن ؟! …‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه ‪ ..‬وإني وال لمشفق عليك ‪ ،‬من أن تلقاه وهييذه الفعليية الشيينعاء‬
‫في كتابك ‪ ..‬توضع في ميزانك ‪ ..‬وما أثقلها ‪ ..‬ما أثقلها ‪ ..‬ما أثقلها ‪!..‬‬
‫وإنني أناشدك يا سيادة الرئيس ‪ -‬أبيت اللعيين ‪ -‬أن تطفييئ لهيييب الفتنيية ببييييان يصييدر عيين الرئاسيية اليييوم ‪ ..‬بيييان‬
‫استغفار إلى ال ‪ ..‬واعتذار إلى المية ‪..‬‬
‫فإن لم تفعل يا سيادة الرئيس … فإنني أرجوك ‪ :‬مر رجالك بقتلي … قتلة غلم أهل الخدود " ‪.‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪5/5/2000 :‬م ‪ ،‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫الجريمة مستمرة ‪..‬‬
‫ثلثية الثقافة في مصر ‪:‬‬

‫الكفر والعهر والتطبيع ‪..‬‬

‫هل الله جليسة أطفال ‪ ..‬ويعلمنا الحب ؟!‬

‫وهل النبياء آبقون ‪ ..‬؟!‬

‫الجريمة مستمرة … وسوف تخطئون خطأ مروعا ‪ ،‬إذا ظننتم أنييه مجييرد كتيياب داعيير فيياجر كييافر أفلييت ‪ ..‬وأن‬
‫المر قد ل يتكرر مرة أخرى ‪...‬‬
‫ليس مجرد الكتاب بل إنه المنهج ‪ ..‬منهج متعمييد مقصييود ‪ ..‬منهييج أخطبييوطي ينفييذ بالضييبط تعيياليم المستشييرقين‬
‫والمبشرين ‪ ،‬والستعمار في صورته الحديثة ‪ ..‬منهج يدرك أن أخطر ما فيي السيلم والقيرآن هيو ذليك اليميان‬
‫اليقيني ‪ ،‬اليذي يجعيل مين المسيلمين بشيرا يمكين أن يتفوقيوا حيتى عليى الملئكية ‪ ،‬ويجعيل مين المنيافقين أشيبه‬
‫بالخنازير والقردة ‪ ..‬وتلك هي النقطة التي تثير عجب وحنق المنافقين ‪ ،‬عندما يلحظون استعلءنا عليهم ‪ ،‬مهما‬
‫أدبرت عنا الدنيا وأقبلت عليهم ‪ ..‬استعلء البشر على الخنازير ‪ ..‬ولقييد أدرك الغييرب منييذ قييرون ‪ ،‬أنييه هييزم فييي‬
‫‪267‬‬
‫المواجهة المسلحة مع الحضارة السلمية ‪ ..‬وأنه ل سبيل أمامه إل إفييراغ السييلم ميين محتييواه ‪ ..‬ولقييد اسييتعان‬
‫على ذلك حينا بالستعمار ‪ ،‬حتى اطمأن إلى أنه رّبى بيننا نخبة فاسدة مفسدة ‪ ،‬فتركها لتنوب عنه ‪ ..‬وهم منا لكيين‬
‫قلوبهم قلوب ذئاب ‪...‬‬
‫ليس مجرد كتاب يا أمة ‪ ...‬الجريمة مستمرة ول إليه إل ال …‬
‫الجريمة مستمرة … والثقافة في بلدنا تهدف إلى ثلثة أشياء ل تنسوها ‪:‬‬
‫أن تكون حرية التفكير مرادفة للكفر ‪...‬‬
‫وأن تكون حقوق المرأة مرادفة للعهر ‪...‬‬
‫وأنه بعد نشر الكفر والعهر سيكون المجتميع السيلمي ‪ ،‬قيد غيرق فيي غيبوبية فقيد معهيا كيل مناعية ‪ ..‬ليسيهل‬
‫التطبيع بعد ذلك مع إسرائيل والنسحاق أمام الغرب ‪...‬‬
‫الجريمة مستمرة يا ناس ‪ ..‬وسأعرض عليكم على الفور نماذج ل تقل سفالة وبشياعة ‪ ،‬عمييا عرضيت عليكييم فييي‬
‫المقالة الماضية ‪ ...‬فلنتناول معا كتابا أخرجته وزارة الثقافة أيضا ‪ ،‬اليهيئة العامة لقصور الثقافة ) كتابات نقدييية ‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 97‬ديسمبر ‪ ، 99‬والكتاب معروض ‪ ،‬عند باعيية الصييحف ‪ ،‬وإن كنييت أحسييب أن السيييد الييوزير ‪ ،‬الييذي‬
‫يطلقون عليه ) زين الرجال ( سوف يأمر بسحبه غدا ‪ ،‬قبل انتشار الفضيحة ‪ ..‬عنوان الكتاب ‪ :‬شعر الحداثيية فييي‬
‫مصر ‪ ،‬وقائمة العار للهيئة المشرفة عليه هي ذات قائمة العار ‪ ،‬التي نشرناها في السبوع الماضي وعلى رأسها‬
‫أيضا ‪ :‬علي أبو شادي ( ‪...‬‬
‫ولقد وّفر علينا إدوارد الخراط مئونة البحييث فييي عشييرات ‪ ،‬ميين إصييدارات وزارة الثقافيية المصييرية ‪ ،‬لعشييرات‬
‫الشعراء المصريين ‪ -‬وأغلبهم وال ليسوا شعراء ‪ ،‬وليسوا بشرا ‪ -‬حين استعرضها في هذا الكتاب ‪ 700 :‬صييفحة‬
‫تقريبا ‪ ..‬وسعره خمسة جنيهات ‪ ..‬وتيذكروا يييا قييراء ‪ ،‬أن هيذه الكتيب هيي الييتي يخرءونهييا – إذا صيح التعييبير‪-‬‬
‫لتشكيل وجدان المة ‪...‬‬
‫فلنييدلف معييا إلييى كلمييات السييفالة والشييذوذ والكفيير البييواح ‪ ..‬فلنييدلف دامعييين إلييى السييخرية ميين الييذات الليييهية‬
‫والمرسييلين ‪ ..‬فلنييدلف إلييى محاكيياة هازليية هييازئة كمحاكيياة مسيييلمة الكييذاب ‪ ..‬فلنييدلف إلييى خيييوط الشييبكة الييتي‬
‫ي أن أنبه القراء ‪ ،‬أن مييا سيييقرؤونه علييى الفييور بييالغ الفحييش ‪ ،‬وأن‬ ‫يصطادون بها المة ‪ ..‬إل أنني أجد لزاما عل ّ‬
‫يبعدوه عن أيدي أبنائهم …‬
‫) لم نشأ أن نورد شيئا مما اقتبسه المؤلف من أمثلة على شعر الحداثة فيي مصير … حييث أن ميا يطرحيونه مين‬
‫شعر منها جلود الذين كفروا ‪ ،‬وهي ل تقييل سييفالة وانحطاطييا عيين الرواييية السييابقة بييل‬
‫تصويرات وتشبيهات ‪ ،‬تق ّ‬
‫تفوقها أحيانا ‪ .‬تستطيع الطلع على ما لم نقم بإيراده هنا مما اقتبسه كاتب المقال ‪ ،‬وشيوخ الزهر في تقيياريرهم‬
‫من نصوص ‪ ،‬على موقع الملف على شبكة النترنت ( ‪.‬‬
‫ويستطرد الكاتب قوله ‪:‬‬
‫هذا هو تنوير وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬يا مسلمون ويا عرب ‪ ...‬هذا هو ما يحاربون به السلم ‪...‬‬
‫عهر عاهر ‪ ،‬ل يرعاه إل فاجر وعيياهر ‪ ..‬وتييذّكر ‪ ..‬أن ميين‬
‫يا عاطف عبيد ‪ ..‬هذا هو الفجر بعينه ‪ُ ..‬فجر فاجر و ُ‬
‫وّلى أمر المسلمين فاجرا فهو فاجر مثله …‬
‫تصورت يا ناس أن نشر المقال ‪ ،‬سيسفر عن نسف كل مؤسسات وزارة الثقافة على الفور ‪..‬‬
‫لكن تصّوري كان أمل جهيضا في القلب ‪ ..‬وعلى العكس ‪ ..‬وجييدت ميين المثقفييين والنخبيية ميين يييدافع عيين الكفيير‬
‫البواح ‪...‬‬
‫لقد احتفظت حضارتنا بتراث أوغل في الفحش بل والكفر ‪ ..‬ونذكر أبييي نيواس والغيياني والفييرق المختلفيية الييتي‬
‫زاغت عن السلم ‪ ..‬كان المجرى الرئيسي للنهر سليما ‪ ،‬ولم يكن يضره كيثيرا أن يبيول كليب أو خنزيير فييه ‪..‬‬
‫لكن عندما يكون الماء راكدا ‪ ..‬وليس لدينا سوى كوب من الماء ‪ ،‬ونحن تائهون في البيييداء فييي اليييهجير ‪ ،‬فكيييف‬
‫نسمح للكلب أن تبول في مائنا الخيير ‪..‬‬
‫‪268‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪12/5/2000 :‬م ‪ ،‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫ل إلله إل الله ‪..‬‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬الفتنة تطل ‪ ..‬فأطفئها ‪..‬‬
‫يا شيخ الزهر ‪ :‬دافع عن دين الله ‪..‬‬
‫يا فضيلة المفتي ‪ :‬صمتك مذهل ‪..‬‬
‫إن وزيرة في الحكومة المصرية ‪ ،‬هي التي صرحت أن ‪ %17‬من طالبات الجامعة ‪ ،‬قد تزوجن زواجا عرفيا ‪...‬‬
‫فكم يا ترى ؟! لم يحتجن إلى ورقة التوت المغشوشة يغطين بها سوءاتهن ‪...‬‬
‫ولماذا نندهش لذلك إذا كانت مطبوعات وزارة الثقافة ‪ ،‬تتدنى حتى تنشر الفسق والفجور ‪ ،‬وتصف بعهيير كييل مييا‬
‫يهدم القيم والثوابت ‪...‬‬
‫لماذا نندهش عنييدما تتحييدث بعييض الدراسييات ‪ ،‬إلييى أن أكييثر ميين ‪ %50‬ميين طلب الجامعيية يتعيياطون البييانجو‬
‫) مخدر ( ‪...‬‬
‫وبرغم ذلك كله ‪ ،‬فإن اعتراضيينا علييى تشييبيه القييرآن بالخيييراء ‪ ،‬لييم يييترّكز علييى المؤلييف ‪ ،‬ول علييى روايتييه ‪..‬‬
‫فليذهب إلى الجحيم ‪ ،‬ما دام قد اختار الطريق إليها ‪ ..‬لقد انصب اعتراضي ‪ ،‬على قيام وزارة الثقافيية المصييرية ‪،‬‬
‫بإعادة نشر الرواية في مصر ‪ ..‬والرواية التي تباع في السواق بثلثين أو أربعين جنيها ‪ ،‬دعمتهييا وزارة الثقافيية‬
‫حتى بيعت بأربعة جنيهات ‪ ..‬هل هذا هو الفكر الذي ننقله ونعلمه لبنائنا …‬
‫نعم ‪ ..‬كذب المسؤولون في وزارة الثقافة وكانت مجلتهم وصحفهم تكذبهم ‪ ..‬لقد صييرحوا بييأن الرواييية مسييموح‬
‫بها في كل الدول العربية ‪...‬‬
‫لكن أخبار الدب ‪ :‬تذكر بالنص على لسان حيدر حيدر ‪ " :‬عشت في بيئة تحيياربني علييى المسييتوى الييديني ‪ ،‬ول‬
‫يقولون أنني علماني ول عقلني وتنويري بل يقولون ملحدا "‬
‫ويسألونه ‪ :‬هل كنت تجد صعوبة في نشر أعمالك ؟ فيجيب ‪ " :‬صعوبة شديدة جدا … فقد عشت أنا وكتيبي ‪ ،‬فيي‬
‫حالة منع مستمر من بلد عربية كثيرة " …‬
‫اقرءوا أيضا في نفس العدد من أخبار الدب ‪ ،‬تعليق الستاذ محمود أمين العالم ‪ " :‬أخذت أقلب بين يدي رواييية ‪،‬‬
‫وليمة لعشاب البحر أو نشيد الموت للستاذ حيدر حيدر ‪ ،‬بحثا عن اسم ناشر أو مطبعة فلم أجد ‪ ،‬وأخيرا علمييت‬
‫أن دور النشر العربية جميعا ‪ ،‬رفضت نشر هذه الرواية فقام هو بطبعها على نفقته ‪ ،‬ولكن يبدو أن المطبعة الييتي‬
‫قامت بطبع هذه الرواية ‪ ،‬قد آثرت هي أيضا السلمة فاكتفت بالطبع وامتنعت عن ذكر اسمها ‪ .‬صدرت الرواييية‬
‫مجّهلة إل من اسم مؤلفها ‪ ،‬ولقد علمت كذلك ‪ ،‬أن الرواية تكاد تعتمد فييي توزيعهييا علييى اليييد ‪ ،‬وعلييى العلقييات‬
‫الشخصية كما توزع المخدرات أو المنبهات المحظورة " ‪.‬‬
‫فلماذا كذبت أجهزة وزارة الثقافة ‪ ...‬؟!‬
‫لماذا ُيكذب الوزير نفسه كل يومين ‪ ..‬لقد صرح أول بأن الرواية مصادرة ‪ ،‬منذ منتصف نوفمبر الماضي ‪ ..‬وفى‬
‫شِر بيانه ‪ ،‬كان بيان علي أبو شادي يقول ‪ :‬أن الرواية صدرت فييي منتصييف نوفمييبر ) أي بعييد ظهييور‬
‫نفس يوم َن ْ‬
‫الدخان بأسبوعين ( ‪...‬‬
‫لماذا حاول الوزير باستمرار أن يخلط بين طبعة مصرية ‪ ،‬هو الذي أصدرها ورعاها وباعها بعشر ثمنها ‪ ،‬وبيين‬
‫طبعات لبنانية لم نسأليه ولم نطلب حسابه عنها ‪ ،‬رغم أنه بحكم مسئوليته الوزارية ‪ ،‬مسئول عما يدخل إلييى البلد‬
‫من عناصر الثقافة …‬

‫‪269‬‬
‫إن القانون النجليزي مثل ُيجّرم العتداء على التوراة والنجيل ‪ ..‬وهم ل يعتبرون القرآن كتابا سييماويا مقدسييا ‪..‬‬
‫ق للقرآن في بلده أن يقّدس ‪ ..‬لقد منع فيلم العشاء الخييير للمسيييح فييي لنييدن ‪ ،‬وخرجييت‬
‫هم وشأنهم ‪ ..‬لكن أل يح ّ‬
‫المظاهرات تحطم دور السينما التي تعرضه في باريس ‪...‬‬
‫لماذا لجأ بعض مثقفينا ) المدافعين عن وزارة الثقافة ( إلى هذا اليهجوم الضاري ؟ …‬
‫لماذا اعتبرتم فاروق حسني فرعونكم ‪َ ،‬فُرحتم كالكهنة القدامى تدعون لعبادته من دون ال ؟ …‬
‫وأقول لكم على الرغم مني يا ناس ‪ ،‬أنهم حققوا بعض النجاح في خطتهم ‪ ..‬فقد وعييدتكم فييي السييبوع الماضييي ‪،‬‬
‫أن أتناول اليوم كتابا من كتب وزارة الثقافة ‪ ،‬تدعو فيه كاتبته ‪ ،‬إلى تعديل القرآن ‪ ،‬كي يتوافق مع النظام العييالمي‬
‫الجديد ومواثيق حقوق النسان …‬
‫وأن هؤلء الناس ‪ ،‬ينظرون إلى السلم وإلينا ‪ ،‬كما ينظر مبدعهم حيدر حيدر ‪ ،‬الذي يقول فييي صييفحة ‪، 510‬‬
‫من كتابه الملعون ‪:‬‬
‫"ضحك الرجل وهو يرمم جثة البدوي فيه ‪ :‬لكنني ملحد كما تعرفين ‪ ..‬الشرف ‪ ..‬وأخلق المسلمين في مؤخرتي‬
‫من عشرات العوام " ‪.‬‬
‫ل تعترضوا يا قراء ‪ ..‬فنقادنا الجهابذة ‪ ،‬يرون أن هذا الكلم السافل البذيء إبداعا ‪..‬‬
‫بيان مجمع البحوث السلمية‬
‫بيان الزهر‬
‫الزهر ‪ /‬مكتب المام الكبر ‪ /‬شيخ الزهر ‪ ،‬بييان مجميع البحيوث السيلمية بشيأن ‪ ،‬روايية ) وليميية لعشيياب‬
‫البحر ( لمؤلفها السيد حيدر حيدر ‪ .‬طبع ونشر اليهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬التابعة لوزارة الثقافة بالقاهرة ‪.‬‬
‫تم عرض موضوع الرواية المشار إليها على لجنة البحوث الفقهية ‪ ،‬فكّلفت اثنييين ميين أعضييائها المتخصصييين ‪،‬‬
‫حيّدد لهييا يييوم‬
‫بكتابة تقريرين منفصلين عن الرواية ‪ ،‬لعرضها في جلسيية اسييتثنائية لمجمييع البحييوث السييلمية ‪ُ ،‬‬
‫الربعاء ‪ 17‬مايو سنة ‪ ، 2000‬وقد تم عرض هذين التقريرين والرواييية علييى المجمييع فييي جلسييته السييتثنائية ‪،‬‬
‫وتبين ما يأتي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن وزارة الثقافة التي نشرت هذه الرواية ‪ ،‬لم تستطلع رأي الزهر الشريف أو مجمع البحوث السييلمية ‪،‬‬
‫مع ما ورد فيها من أمور كثيرة تتصل بالسلم والعقيدة والشريعة ‪ ،‬وذلك على خلف ما يقضى به القييانون ‪103‬‬
‫لسنة ‪… 1961‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن الرواية مليئة باللفاظ والعبارات ‪ ،‬اليتي تحّقير وتهيين جميييع المقدسيات الدينييية ‪ ،‬بمييا فييي ذليك ذات الي‬
‫سبحانه وتعالى والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والقرآن الكريم واليوم الخر والقيم الدينية ‪.‬‬
‫ومن ذلك أنها تستهزئ بذات ال ‪ ،‬مثل وصفه بأنه فنان فاشل ) ص ‪ ، ( 219 :‬وأنه نسي بعييض مخلوقيياته ‪ ،‬ميين‬
‫تراكم مشاغله التي ل تحد في بلد العرب وحدها ) ص ‪ ، ( 257 :‬وأنه أقام مملكته الوهمية في فييراغ السييماوات‬
‫ليدخل في خلود ذاته بذاته ) ص ‪. ( 426 :‬‬
‫كما يفتري على الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بأنه تزوج أكثر من عشرين امرأة ‪ ،‬ما بين شرعية وخليلة ومتعة‬
‫) ص ‪ ، ( 148 :‬وأنه كان يتزوج من عذارى القبائل بغية توحيدها ) ص ‪. ( 427 ، 426 :‬‬
‫وأنه حّرف في آيات القرآن الكريم ‪ ،‬ونسب إليه ما ليس منه كقوله " والي تعييالى قييال فييي كتييابه العزيييز‪ .. " :‬إذا‬
‫بليتم بالمعاصي فاستتروا ‪ ) " ..‬ص ‪ ، ( 148 :‬كما أن الرواييية تحيّرض صييراحة علييى الخييروج علييى الشييريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬وعدم التمسك بأحكامها ‪ ،‬وذلك بالدعوة إلى ضييرورة النفصييال عيين الييدين والي والخلق والتقاليييد‬
‫والزمنة الموحلة ‪ ،‬والجنة والجحيم الخرافيييين ‪ ،‬وطاعيية أولييى الميير والوالييدين ‪ ،‬والييزواج المبييارك بالشييرع ‪،‬‬
‫وسائر الكاذيب والطقوس التي رسمتها دهور الكذب ) ص ‪. ( 348 :‬‬

‫‪270‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن الرواييية خرجييت علييى الداب العاميية خروجييا فاضييحا ‪ ،‬وذلييك بالييدعوة إلييى الجنييس غييير المشييروع ‪،‬‬
‫واستعمال اللفاظ في الوقاع ‪ ،‬وأعضائه الجنسية للذكر والنثى ‪ ،‬بل حياء مما يعف اللسان عيين ذكرهييا ‪ ،‬وكتابيية‬
‫نصها حفظا على الحياء العام الذي انتهكته الرواية ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن الرواية لم تكتف بذلك ‪ ،‬بل حّرضت صراحة على إهانة جميع الحكام العرب ‪ ،‬ووصفتهم بأقبييح وأقييذع‬
‫الوصاف ‪ ،‬مما يعف المقام عن ذكرها ‪ ،‬وطالبت بالخروج عليهم والثورة ولو بإراقة الدماء ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اتضح لمجمع البحوث السلمية من كل ما سبق ‪ ،‬أن ما ورد بروايية ) وليميية لعشيياب البحيير ( لمؤلفهييا‬
‫حيدر حيدر ‪ ،‬خيروج عميا هيو معليوم مين اليدين بالضيرورة ‪ ،‬وينتهيك المقدسيات الدينيية والشيرائع السيماوية ‪،‬‬
‫والداب العامة والقيم القومية ‪ ،‬ويثير الفتن ويزعزع تماسك وحدة المة ‪ ،‬التي هي الركيزة الساسية لبناء الدولة‬
‫‪ ،‬ويضع على عاتق من نشروا هذه الرواية ‪ ،‬دون استطلع رأي أهل الختصاص المسؤولية الكامليية ‪ ،‬عيين هييذا‬
‫ضيح تفصييل بيالتقريرين المقيدمين ‪ ،‬مين‬ ‫التجاوز والثار المترتبة عليه دينيا واجتماعيا ‪ ،‬وذلك عليى النحيو المو ّ‬
‫عضويّ مجمع البحوث السلمية المشار إليهما ‪.‬‬
‫وال ولى التوفيق ‪ ..‬تحريرا في ‪ 13‬من صفر سنة ‪ 1421‬هي ‪ ..‬الموافق ‪ 17‬من مايو سنة ‪ 2000‬م ‪ ،‬شيخ الزهر‬
‫‪ :‬الدكتور محمد سيد طنطاوي‬
‫القرضاوي يطالب مبارك بالتدخل لوقف الموجة الثقافية‬
‫الفاجرة‬
‫منكر "‬ ‫ل ما في وليمة لعشاب البحر ُ‬ ‫" كُ ّ‬
‫ناشد فضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬الرئيس المصري حسني مبييارك ‪ ،‬أن يتييدخل لوقييف الموجيية الثقافييية‬
‫الفاجرة ‪ -‬حسب وصفه ‪ -‬عند حّدها ‪ ،‬وشّدد فضيلته على أهمية الحرص على وحدة المة ‪ ،‬كما حّيا شييخ الزهر‬
‫والزهر ‪ ،‬ورئيس جامعة الزهر والطلب والطالبات ‪ ،‬الذين وقفوا موقفيا موحيدا ضيد روايية الكياتب السيوري‬
‫وليمة لعشاب البحيير ‪ ،‬الييتي طبعتهييا وزارة الثقافيية المصييرية وتسييببت فييي حاليية اليييهياج الييتي شييهدها الشييارع‬
‫المصري مؤخرًا ‪ ،‬واعتبر د‪ .‬القرضاوي في خطبة الجمعة أمس ‪ ،‬أن الرواية تدخل في باب الكفيير ‪ ،‬مسييتندًا فييي‬
‫ذلك على بيان الزهر الشريف ‪ ،‬ورأي فضيلته أن هذا العمل كفر ‪ ،‬بغض النظيير عيين الشييخاص ‪ ،‬واعتييبر ميين‬
‫قاله ورضي به كافرا ‪.‬‬
‫العلمية القيرضياوي في خطبة الجمعة ) ‪ 15‬صفر ‪( 19/5/2000 – 1420‬‬
‫* بعد انتهاء الخطبة ‪ ،‬اتصلنا بفضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬وسألناه عن مدى دخول هذا العمل الييروائي‬
‫في باب الكفر فأجاب ‪:‬‬
‫" إن بيان مجمع البحوث السلمية بالزهر الشريف ‪ ،‬يدل عليى أن هيذا مين الكفير ‪ ،‬لنيه خيروج عليى ميا هيو‬
‫معلوم من الدين بالضرورة ‪ ،‬وانتهاك للمقدسات الدينية والشرائع السماوية ‪ ،‬وهذا واضح لكل ميين قييرأ الرواييية ‪،‬‬
‫لما فيه من ازدراء واستخفاف باللوهية والقرآن والرسول والقيم الدينية كلها في مواضع شتى ‪ ،‬وأضاف ‪:‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬إن هذا العمل كفر بغض النظر عن الشيخاص ‪ ،‬فمن قاليه واعيا متعمدا ذاكرا فهو كافر ‪ ،‬ورضييي‬
‫به وهو يعلم هذا فهو كافر ‪ ،‬ومن كان يجهل بما فيه ثم ُأعلم بمضمونه ورضيه فهو كافر ‪ ،‬هذا هو الحكم الشرعي‬
‫أما الحكم على الشخاص ‪ ،‬فل ندخل فيه فهو يحتاج إلى تحقيق وقضاء " ‪.‬‬

‫مقتطفللات مللن حاشللية الملللف الكامللل للروايللة علللى شللبكة‬


‫النترنت ‪:‬‬
‫بقلم د‪ .‬محمد عباس ‪:‬‬
‫كانت صحيفة السبوع ‪ ،‬أول من تعّرض بهدوء للموضوع ‪ ،‬ولو أن في أجهييزة وزارة الثقافيية ميين يييرى ويحييس‬
‫ويسمع ‪ ،‬لستدركوا المر ولدارْوا عورتهم ‪ ،‬وكان يمكن للمر أن ينتهي باعتذارهم واعترافهم بالخطأ ‪ ،‬لكن ال‬
‫‪271‬‬
‫شاء للمور أن تتخذ مجرى آخرا كي يفضحهم على الشهاد ‪ .‬لقد استنكروا علينا حدة أسلوبنا ‪ ،‬فماذا فعلوا عندما‬
‫نشرت السبوع ‪ ،‬يوم ‪28/2/2000‬م مقال صغيرا بقلم حسن نور ‪ ،‬يعييترض فيييه عليى قيييام وزارة الثقافية بنشير‬
‫الرواية …‬
‫لمدة شهر ونصف بعد ذلك لم تتدارك وزارة الثقافة المر ‪ ..‬وبدأت الشعب تناول القضية يييوم ‪28/4/2000‬م بعييد‬
‫بداية النشر في السبوع بشهرين كاملين …‬
‫في البداية ‪ ،‬حاولت وزارة الثقافة التنصيل مين المير كليه ‪ .‬وقيد أوردت أخبيار الدب ‪ :‬العيدد ‪ 356‬ص ‪ 6‬ذليك‬
‫بالتفصيل في مقال وائل عبد الفتاح ‪ ،‬عن تصريح وزير الثقافة المنشور فييي الهييرام فييي ‪30/4/2000‬م وهيو أن‬
‫الهدف من اللجنة العلمية التي شكلها ‪ " ،‬التحقيييق فييي ظهييور طبعيية لبنانييية ‪ ،‬ميين رواييية وليميية لعشيياب البحيير‬
‫للسوري ‪ ،‬حيدر حيدر منسوبة لوزارة الثقافة "‪ ..‬ويستطرد الكاتب أنه يبدو أن الوزير وجدها " واسييعة " ‪ ،‬فغييير‬
‫أقواله بعد ذلك ‪.‬‬
‫نفس الخبر نشرته بتفصيل أكثر صحيفة آفاق عربية في عدد ‪ 4‬مايو ص ‪ ، 11‬تحت عنوان ‪ :‬وزارة الثقافة تزعييم‬
‫أن جهة مجهولة نشرت الرواية المجهولة ونسبتها إليها ‪.‬‬
‫كان التخبط هائل وشمل الجميع ‪ ،‬فرئيس الوزراء على سبيل المثيال صيرح ‪ :‬لسيت أدري كييف ؟! أنيه اسيتعان‬
‫بخبير أجنبي لمواجهة الزمة ‪ ،‬كما نشرت صحيفة الوفد ‪ ،‬وصرح الدكتور أحمد فتحي سرور بأنه طلب تقريييرا‬
‫عاجل ‪ ،‬لتخاذ الجراءات القانونية اللزمة ومحاكمة المؤلف طبقا للقانون الدولي ) أخبار الدب ‪ 14‬مايو ( ‪.‬‬
‫كانت المة تغلي بالغضب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل ‪ ،‬في طلبة جامعة الزهر ‪ ،‬حيث تظاهر ‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت‬
‫الدولة مترددة حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ‪ ،‬على قلب المة على طلبيية جامعيية الزهيير ‪ .‬وأصييبح ميين‬
‫المستحيل مواصلة استطلع الرأي ‪ ،‬تحت التهديد بإطلق الرصاص مرة أخرى ‪ ،‬وبلغ النفاق ببعض التنييويريين‬
‫ومدعي البداع ‪ ،‬الذين أجازوا الجتراء على ال ‪ ،‬أن وجهوا اللوم لصحيفة الشعب ‪ ،‬ولحزب العمييل ولشخصييي‬
‫الضعيف ‪ ،‬فنحن الذين حرضنا ونحن الذين أخرجنا الطلبة ‪ ،‬فتسببنا فيما حدث لهم ‪ ،‬أكثر ميين مييائة جريييح منهييم‬
‫خمسة فقئت عيونهم ‪.‬‬
‫وجهوا اللوم لنا ‪ ،‬ولم يجرؤ منهم أحد ‪ ،‬على توجيه اللوم على المعالجة المنييية الخيياطئة ‪ ،‬ل تعقيييب علييى الميين‬
‫وكأنه القدر بل أكثر من القدر ‪ ،‬لننا في القدر نسأل ال اللطف فيه ‪ ،‬هم لم يسييألوا أجهييزة الميين اللطييف ‪ ،‬وهييذه‬
‫الواقعة وحدها كانت كافية لفضحهم تماما ونهائيا أمام الجيال وأميام التاريييخ ‪ ،‬لكين هيذه الفضييحة ل تنفجير ول‬
‫تأتي بالتأثير المتوقع ‪ ،‬بسبب تهديد جاثم مستمر بإمكانية إطلق الرصاص في أي وقت ‪.‬‬
‫بعد ما حدث لطلبيية جامعيية الزهيير ‪ ،‬خفتييت أصييوات معظييم الغاضييبين لييدينهم ‪ ،‬وارتفعييت أصييوات الحيييدريين‬
‫وأصبح الكذب مجانيا ‪ ،‬خاصة عندما أقدمت السلطة على عقيياب صييحيفة الشييعب الييتي دافعييت عيين المقدسييات ‪،‬‬
‫وأصبح الجتراء على الذات الليهية إبداعا وتقدما واستنارة ‪ ،‬وفي نفس الوقت أصبحت إدانة وزير ثقافيية النظييام‬
‫الباقي ‪ ،‬في مكانه منذ أربعة عشر عاما ‪ ،‬رغم كل ما أثير حوله إرهابا وظلمية وتخلفا ‪.‬‬
‫ووقف الوزير الذي قلت تناقضات تصريحاته ‪ ،‬بعيد أن اطميأن إليى تيدعيم الدولية ليه ‪ ،‬ليصيرح أن مصير دولية‬
‫علمانية ‪ .‬وارتفعت أصوات تنادى بإلغاء المادة الثانية في الدستور واليتي تنيص عليى إسيلمية مصيير ‪ ،‬ونشيرت‬
‫صحيفة الحياة اللندنية مقال لكاتب ‪ ،‬ظن أنه يفحم السلميين بقوله أنييه إذا كييان علينييا أن نحييترم الييتراث ‪ ،‬فليييس‬
‫علينا أن نحترم التراث السلمي فقط ‪ ،‬بل علينا أن نعطي اهتماميا مسيياويا لمصير المسيييحية والفرعونيية ‪ ،‬كييان‬
‫السلم بالنسبة للمسكين تراثا ‪ ،‬مجرد تراث لم يكن دينا ‪ ،‬وبدا أن هؤلء النيياس وأقرانهييم فييي مصيير ‪ ،‬ينظييرون‬
‫إلى السلم تماما كما ينظر له المتعصبون من المستشرقين ‪ ،‬فالقرآن من تأليف محمد ‪ -‬صلى ال عليييه وسييلم –‬
‫أما هو نفسه فكذاب ‪ -‬أستغفر ال العظيم ‪ -‬وأن أولئك التنويريين قد ابتلوا بمجموعة من المتخلفين أمثالنييا ‪ ...‬نظيير‬
‫كلب جهنم إلى الدين ‪ ،‬كما لو كان مرضا كّلفهم الشيطان بالقضاء عليه ‪ ،‬وبدا لهم أنهم كلما أوشكوا علييى إنجيياز‬
‫مهمة الشيطان ‪ ،‬واجهناهم نحن لنصيب المة بنكسة جديدة …‬
‫وانفجر اللم بصحيفة ) آفاق عربية ( فنشرت بمانشيييت كييبير ‪ ،‬أنهييا ل تسييتبعد أن ينجييح التنويريييو فييي اسييتبدال‬
‫المادة الثانية في الدستور ‪ ،‬لكي يصبح حيدر حيدر هو المصدر الرئيسي للتشريع … !! …‬
‫‪272‬‬
‫مذيعة للبرامج الدينية في التليفزيون المصري وفي كتابها ) ل يا زمري ( نشرت ما ل يصدقه عقل من الجييتراء‬
‫على الدين ‪ ،‬ورفض المسؤولين استمرار أي برنامج ناجح ‪ ،‬أو استضافة أي شخصية دينية لهييا شييعبية ‪ ،‬فالشيييخ‬
‫محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي على سبيل المثال إرهابيان ‪ ،‬أما عندما حاولت تغطية أداء بعض كبار‬
‫المسؤولين وزوجاتهم لداء العمرة ‪ ،‬فقد رفض التليفزيون ذلك حتى مع السيدة سييوزان مبييارك ‪ ،‬وكييانت حجتهييم‬
‫أنه ل داعي لربط كبار المسؤولين بالدين بأي شكل ‪ ،‬وأنهم يطبقون تعليمييات تييأتي ميين فييوق بمحاصييرة البرامييج‬
‫الدينية ‪ ،‬وتصرخ كاريمان حمزة في النهاية أنها تنييزه وزيير العلم ورئيييس اليوزراء ورئيييس الجمهورييية ‪ ،‬أن‬
‫يكونوا مصدر هذه التعليمات ‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت تؤكد أن هذه التعليمات تأتي " من فوق " حقيقية ‪ ،‬لكن هييذا‬
‫الفوق ل يوجد داخل مصر إنما خارجها ‪ .‬في أحد برامجها ‪ ،‬كانت تعد موضوعا عن العشرة المبشييرين بالجنيية ‪،‬‬
‫واحتج المسؤول الكبير على اقتصارها ‪ ،‬على شخصيات من عهد الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسييلم ‪ ،‬وطلييب منهييا‬
‫أن تختار جزءا منهم وأن تكملهم بالمعاصرين ) مثييل عيياطف صييدقي ( ‪ ..‬لييم تكيين طرفيية ) نكتيية ( ‪ ..‬ول مأسيياة‬
‫جاهل ‪ ..‬بل كارثة أمة ‪...‬‬
‫صرح وزير الثقافة أنه لن يستقيل طول عهد الرئيس مبارك …‬
‫أما صحافته ) وزير الثقافة ( خاصة القاهرة وأخبار الدب ‪ ،‬فقد بلغ بها أن اتهمت الزهر بأنه ينصييب مين نفسييه‬
‫محكمة من محاكم التفتيش ‪ ،‬وأنه ل علقة له بالدب ول حق له أن يحكم فيما هو خارج الدين ‪ ،‬بل وشييبهت هييذه‬
‫الصحف رئيس جامعة الزهر بالنازيين ‪...‬‬
‫يلخص مأساوية الوضع كله ‪ ،‬ما قاله الدكتور أحمد عمر هاشم ‪ ،‬في حديث نشييرته مجليية المصييور الصييادرة فييي‬
‫‪25/5/2000‬م من أنه كرئيس للجنة الدينية في مجلس الشعب ‪ُ ،‬مِنع ميين إلقيياء بيييان ُيييدافع فيييه عيين الي والقييرآن‬
‫سمح لفاروق حسني أن يلقي بيانه ‪ ،‬الذي ُيدافع فيه عمن يسبون ال والقرآن‬ ‫والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بينما ُ‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وراح الرجل يردد في ألم ‪ " :‬حسبنا ال ونعم الوكيل " … انتهييى القتبيياس ميين‬
‫الملف ‪.‬‬
‫عرضت في ملف الجريمة لما كان يجري فييي مصيير ‪ ،‬ميين حييرب شييعواء مبرمجيية شيّنها الفراعنيية‬ ‫الصور التي ُ‬
‫الجدد على ال ورسوله منذ سنوات ‪ ،‬رسمتها ريشة فنان مبدع من أبناء مصر ل من غيرهيا ‪ .‬أشيهد الي عليى أن‬
‫قومه أصبحوا مجرمين ‪ ،‬بل وفاقوا الفراعنة القدماء في إجرامهم ‪ ،‬وكييأنه أعييذر الي سييبحانه وتعييالى فييي إنييزال‬
‫العذاب ببني جلدته من حيث ل يدري ‪ ،‬وهذه المر ُيذّكرني بقصة النبي ارميا ‪ ،‬عندما أعذر ربه في عذاب قييومه‬
‫بني إسرائيل في المرة الولى ‪ ،‬التي أوردها الطبري في تفسيره ج ‪ 3‬ص ) ‪ ( 33 – 32‬وهي قصة جميلة ‪ُ ،‬تبين‬
‫سُفوَنا اْنَتَقْمَنا ِمْنهُْم‬
‫بعضا من الحكمة اللهية في تصريف المور ‪ ،‬وكما قال رب العزة في قوم فرعون ) َفَلّما َءا َ‬
‫ن )‪ 56‬الزخرف (‬‫خِري َ‬
‫لِ‬
‫ل ِل ْ‬
‫سَلًفا َوَمَث ً‬
‫جَعْلَناُهْم َ‬
‫ن )‪َ (55‬ف َ‬
‫جَمِعي َ‬
‫غَرْقَناُهْم َأ ْ‬
‫َفَأ ْ‬
‫حيث يؤكد د‪ .‬محمد عبياس وبييان شييوخ وطلبية الزهير اليوارد ذكيره فيي الحاشيية ‪ ،‬أن هنياك مخطيط تنتهجيه‬
‫الحكومة المصرية منذ سنوات ‪ ،‬لتدمير معالم السلم ورموزه معلما تلو الخر ‪.‬‬
‫واستنادا لبيان علي أبو شادي رئيييس مجلييس الهيئة المشييرفة علييى النشيير ‪ ،‬والييذي يقييول ‪ :‬بييأن الرواييية ) وليميية‬
‫لعشاب البحر ( صدرت في منتصف نوفمبر ‪ ،‬أي ‪15/11/1999‬م ‪ ،‬نستطيع القول أن هذه الرواية المشييؤومة )‬
‫ي الدخان سكان القاهرة ‪ ،‬في الفييترة‬ ‫ش النحس الحقيقي ( على القل ‪ ،‬كانت في مخازن دار النشر عندما غش َ‬ ‫أو و ّ‬
‫الواقعة بين ] ‪1999 30/10 – 20/10‬م [ ‪ .‬ليأتي التحييذير والنييذير اللهيي قبيل نشيرها وتوزيعهيا بييين النياس‬
‫مجانا ‪ ،‬من قبل الحكومة المصرية ‪ .‬لكنهم نشروها ونشروا كتابا آخر ‪ ،‬كتابات نقدية العدد ‪ ] 97‬ديسمبر ‪1999‬م‬
‫[ بعنوان ) شعر الحداثة في مصر ( بعد شهر واحد ميين نشيير الكتيياب الول ‪ ،‬اسييتمروا فييي النشيير حييتى بعييد أن‬
‫كشف ال الدخان عنهم ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض نكون قد عايشنا على التوالي ‪ ،‬مشهدين من المشاهد التي تعرضها اليييات ‪ ،‬همييا الشييك واللعييب‬
‫وظهور الدخان في مصر ‪ ،‬والن إلى المشهد الثييالث ‪ ،‬عنييدما ُيتهييم خييير النييام عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬بييالتعّلم‬
‫والجنون والسحر في كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( الذي صييدر فييي النصييف الول ‪ ،‬ميين العييام‬
‫الحالي ‪2001‬م وهو الكتاب السابع للمجرم المصري خليل عبد الكريم ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن )‪(83‬‬
‫دو َ‬
‫ع ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ُيو َ‬ ‫ه ُ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬
‫قوا ي َ ْ‬‫حّتى ي َُل ُ‬ ‫وي َل ْ َ‬
‫عُبوا ‪َ ،‬‬ ‫ضوا َ‬
‫خو ُ‬
‫م يَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫) َ‬
‫فذَْر ُ‬
‫) الزخرف (‬
‫وقال‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫ع ُ‬
‫قو َ‬ ‫ص َ‬
‫ه يُ ْ‬
‫في ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ِ‬ ‫ه ُ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬ ‫حّتى ي َُل ُ‬
‫قوا ي َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫) َ‬
‫فذَْر ُ‬
‫) الطور (‬

‫‪274‬‬
‫معّلم مجنون‬
‫ثم تولوا عنه وقالوا ُ‬

‫ملف خليل عبد الكريم‬

‫في هذا الملف سيجد القارئ جزءا يسييرا مين التغطيية العلميية ‪ ،‬اليتي نشيرت ميؤخرا عين خلييل عبيد الكرييم‬
‫وكتبه ‪ .‬ومنها صحيفة القدس العربي ‪ ،‬والهييرام القتصيادي وصييحيفة أخبييار الدب ‪ ،‬والخيييرة كرسييت نفسييها‬
‫للدفاع عن كل اجتراء على الذات اللهية ‪ ،‬ويبدو أنها ذهبت في ذلك إلييى أبعييد ممييا نتصييور ‪ ،‬ويكفييي دليل علييى‬
‫ذلك أن محاميها في قضايا الرأي ‪ ،‬هو فريييد الييديب ‪ ..‬محييامي الجاسييوس السييرائيلي عييزام عييزام وسييعد الييدين‬
‫إبراهيم ‪ ..‬كما أنه محامي الشواذ من عبدة الشيطان ‪..‬‬
‫نعم ‪..‬‬
‫جاسوسية ‪ ..‬وخيانة ‪ ..‬وشذوذ ‪..‬‬
‫فذلك هو الوجه الخر ‪ ،‬للدفاع عن الكفر ‪..‬‬
‫السلم الشيوعي‬
‫سبعة كتب مشبوهة للمفكر اليساري خليل عبد الكريم‬
‫موقع المقال على شبكة النترنت ‪http://www.lailatalqadr.com/stories/p6260501.shtml :‬‬
‫أو ‪http://www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Khalil%20Abd%20Alkareem.htm :‬‬
‫بقلم بدر الشبيب ‪:‬‬
‫" … خليل عبد الكريم كاتب يساري أو شيوعي أو تقدمي ‪ ،‬يكتب في السييلم ‪ ..‬ول بييأس أن يكتييب ‪ ،‬كييائن ميين‬
‫كان عن الدين الحنيف ‪ ،‬ولكن السؤال هو ‪ :‬ماذا يكتب ؟‬
‫وقد كان خليل عبد الكريم عضًوا في جماعة الخوان المسلمين منذ سنوات طويلة خلت ‪ ،‬ولكنه تيرك ميوقعه هيذا‬
‫وتحّول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ‪ ،‬فأصبح عضًوا في اللجنة المركزية لحزب التجمع الييوطني التقييدمي‬
‫الوحدوي ‪ ،‬وهو حزب يساري يقول عنه السلميون إنه حزب شيوعي ‪.‬‬
‫ومنذ عشر سنوات أو أكثر ‪ ،‬يثير خليل عبد الكريم عاصفة في مصر وخارجها بكتبه التي يضعها عن السييلم ‪..‬‬
‫وتتعرض هذه الكتب للمنع والمصادرة والهجوم العنيف ‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل لم يتوقف عن الكتابة ‪ ،‬ولم يتوقييف‬
‫عن تغيير خطه الفكري الذي يصدم الجميع ‪ .‬ورغم أن عدًدا من أساتذة الجامعات الكبار ‪ ،‬قد حاولوا كشف ما في‬
‫دراساته هذه من زيف وافتراءات على السلم ‪ ،‬إل أن شيًئا ل يمنع الرجل من الستمرار ‪ ،‬بييل إنييه يييزداد غل يًوا‬
‫مع كل كتاب جديد غير عابئ بما تثيره كتبه من رفض عنيف ‪.‬‬
‫ويستخدم خليل عبد الكريم لغة جارحة في كتبه ‪ ،‬كما يطرح آراء وأفكار ل يمكيين أن توصييف ‪ ،‬إل بأنهييا خييروج‬
‫على الملة وعلى رأي الجماعة وعلى رأي الجمهور ‪.‬‬
‫وهو ينطلق في هذا من مقولة ‪ :‬أننا يجب أن نتمتع بالجرأة العقلية ‪ ،‬وأن نطييرح كييل الفكييار وكييل الشخصيييات ‪،‬‬
‫على مائدة التشريح العقلي الموضوعي ‪ ،‬البعيد عن الهوى وعيين الفكييار الجيياهزة ‪ ،‬الييتي يكتييب بهييا المؤرخييون‬
‫والدارسون للسلم عن الدعوة والرسالة وسيدنا محمد ‪ ..‬يقول خليل عبد الكريييم فييي صييدر كتيياب أخييير لييه ‪" ..‬‬
‫وآمل ‪ -‬وهذا أمر متوقع ‪ -‬أل يسيء البعض فهم هذه الدراسة على نحييو لييم يييرد علييى خاطرنييا ‪ ،‬وكنييا قييد طالبنييا‬
‫بضرورة كتابة التاريخ السلمي ‪ ،‬كتابة علمية موضوعية بداية بالحبيب المصطفى ‪ ،‬وكّررنا أن الكتابة بطريقيية‬
‫مغايرة للكتابات التقليدية ‪ ،‬يتعين أن تقابل بأفق رحيب وعقلنية بعيدة عن التشنج ‪ ،‬ونذكر هؤلء بأن المين نفسه‬
‫‪ ،‬أكد أن من اجتهد واخطأ فله أجر ‪ ،‬ونحن نأمل في أن نحظى بالجرين ‪ ..‬أجر الجتهاد وأجر الصابة " ‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫وفى ظل ما يدعيه من جرأة عقلية على هذا النحو ‪ ،‬فإن خليل عبد الكريم يمضي في هذه الكتابييات ‪ ،‬الييتي ل نجييد‬
‫ل في تاريخ السلم ‪ .‬ونحن ل ندعو بالطبع إلى مصادرة هذه الكتب أو الحجر على حرية الرجل ‪ ،‬ولكننييا‬ ‫لها مثي ً‬
‫ندعو المتخصصين وعلماء الدين وشيوخ المة إلى مناقشة أفكار الرجييل ‪ ،‬ودحييض مييا فيهييا ميين شييبهات بشييكل‬
‫علمي هادئ بعيًدا عن الترويع والتخويف والرهاب الفكري ‪.‬‬
‫وهناك الن ‪ ،‬ما ل يقل عن سبعة كتييب هاميية أصييدرها الرجييل فييي السيينوات الخيييرة ‪ ،‬وهييي تسييتحق المناقشيية‬
‫والتحليل لعرض ما فيها من آراء والرد عليها ‪.‬‬
‫ولسنا هنا بالطبع في معرض تحليل هذه الكتب أو مناقشتها ‪ ،‬فليس هنا ول الن يتم هذا المر ‪ ،‬ولكننييا قييد نكتفييي‬
‫عا فكرًيا لهذا الرجل ‪ .‬والكتب السبعة اليتي سينعرض لهييا‬ ‫صا أنها تكّون الن مشرو ً‬‫بالتعريف السريع بها ‪ ،‬خصو ً‬
‫هنا هي ‪:‬‬

‫أول ً ‪ :‬كتاب ) للشريعة ل لتطبيق الحكم ( ‪:‬‬

‫حا فييي هييذا العصيير ‪،‬‬‫وهذا الكتاب يقوم على فكرة واحدة أساسية ‪ ،‬هي أن تطبيق الشريعة السلمية لم يعييد صييال ً‬
‫لن هذا التطبيق سوف يجر علينا من المشاكل ما ل حصر لها ‪ .‬ومع أن السلم وكما جيياء فييي القييرآن العظيييم ‪،‬‬
‫هو الدين الخالد الذي يصلح للبشر كافة ويصلح في كل زمان ومكان ‪ ،‬إل أن خليل عبد الكريم له رأي آخر ‪ ،‬فهو‬
‫ضييا تشييريعات وعقوبييات ونظييام سياسييي " وهنييا‬‫يقول بييالحرف ‪ " :‬إن السييلم ليييس عبييادات فقييط ‪ ،‬بييل هييو أي ً‬
‫الخطورة من وجهة نظره ‪ ،‬إذ يرى أن تطبيق الشريعة سوف يؤدي بنيا إليى أضيرار ‪ ،‬تفيوق بمراحييل الضيرار‬
‫التي تترتب على إهمالنا لتطبيقها ‪ .‬وتلك هي دعوة العلمانيين واللدينيين الييذين يفضييلون القييانون الوضييعي علييى‬
‫الشريعة السلمية ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬كتاب ) الجذور التاريخية للشريعة السلمية ( ‪:‬‬

‫ل للكتيياب الول إذ أنييه ينطلييق ميين نفييس الفكييرة ‪ ،‬الييتي ترفييض الشييريعة‬‫ل وتأصييي ً‬‫وهييذا الكتيياب يعتييبر اسييتكما ً‬
‫السلمية وترفض تطبيقها ‪ ،‬وهنا يقول خليل عبد الكريم ‪ " :‬إن هذه الشريعة التي ينادون بها هي مجرد تعيياليم ‪،‬‬
‫كان يقول ويأخذ بها عرب الجاهلية ‪ ،‬ثم جاء محمد فأخييذ هييذه التعيياليم ‪ ،‬وأعمييل فيهييا عقلييه وفكييره ‪ ،‬حييتى بييدت‬
‫وكأنها شيء جديد " ‪ .‬ولهذا فإن السؤال الذي يطرحه خليل عبد الكريم ‪ ،‬هو ‪ :‬هل تصلح هذه التعاليم ‪ ،‬الييتي كييان‬
‫يطبقها بدو الصحراء ‪ ،‬قبل أكثر من أربعة عشير قرًنيا ‪ ،‬لكيي تحكمنيا الييوم ؟! عليى أن ميا هيو أخطير مين هيذا‬
‫السؤال ‪ ،‬ما معناه وخلصته أنه ليس ثمة شيء منزل من السييماء ‪ ،‬بييل إن الشييياء كلهييا ميين صيينع سيييدنا محمييد‬
‫… !!‬

‫ثالثا ً ‪ :‬كتاب ) السس الفكرية لليسار السلمي ( ‪:‬‬

‫وفى هذا الكتاب ‪ ،‬يقول خليل عبد الكريم صراحة أن السلم ليييس شيييًئا غييير العبييادات ‪ ،‬مييع أن طلبيية المراحييل‬
‫التعليمية الولى يعرفون أن السلم يقوم على دعامتين ‪ ،‬هما العبادات والمعاملت ‪ .‬ولكنييه يحصيير السييلم فييي‬
‫العبادات فقط ‪ ،‬ولهذا فإن ميدانه الصلي هو المساجد والجوامع والتكايييا والحسييينيات ‪ ،‬أو الخلوي والخانقاهييات‬
‫والزوايا والمصلّيات ‪ ،‬وحضرات الصوفية وحلقات الذكر ومجالس دلئل الخيرات ‪ .‬ومعنى هذا أن السيلم ديين‬
‫للعبادة وليس ديًنا للحياة ‪ ،‬فهو يحصر وظيفته في دور العبادة ‪ ،‬أما شؤون الناس وتصريف حياتهم فليس للسييلم‬
‫شأن بها ‪ .‬وهنا نعود إلى مقولت المغرضين ‪ ،‬الذين يقولون إن السلم ليس ديًنا ودولة بل هو دين فقط ‪.‬‬

‫رابًعا ‪ :‬كتاب ) مجتمــع يــثرب ‪ ..‬العلقــة بيــن الرجــل والمــرأة فــي العهــدين المحمــدي‬
‫والخليفي ( ‪:‬‬

‫وهذا كتاب َمْعَيبيية ‪ ،‬لنييه يشييوه السييلم فييي أعظييم عصيوره ‪ ،‬أي فييي مرحليية النبييوة وصييدر السييلم والخلفيياء‬
‫الراشدين ‪ .‬وسيوف يلحييظ القييارئ فيي اللحظيية الولييى ‪ ،‬أن الكيياتب يسييتخدم كلميية ) يييثرب ( ول يسييتخدم اسييم‬
‫) المدينة المنورة ( علًما بأن السم الول ‪ ،‬قد نسخه السلم وألغاه النبي وأطلق عليها هذا السم الجديد الجميييل ‪.‬‬
‫‪276‬‬
‫ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ‪ ،‬ولكن المشكلة هي في الدراسة الجتماعية المزعومة الييتي قيّدمها ‪،‬‬
‫والتي شوه بها ومن خللها أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات ‪ ،‬حين نكتشف أن المجتمع فييي‬
‫مدينة رسول ال ‪ ،‬وهو المجتمع الذي أقام دولة ونشر ديًنا ‪ ،‬هذا المجتمع ورجاله ‪ ،‬لم يكونوا مشغولين بشيء قدر‬
‫…!‬
‫انشغالهم بالمرأة والجنس مًعا ‍‬

‫خامسًا‪ :‬كتاب ) قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ( ‪:‬‬

‫وهذا الكتاب ينزع عن النبي محمد صلى ال عليييه وسييلم ‪ ،‬صييفات الرسييالة والنبييوة والييوحي جميًعييا ‪ ،‬إذ يحيياول‬
‫المؤلف أن يثبت أنه ليس هناك شيء من هذا كله ‪ ،‬ولكن المر كان ينحصر في رغبة قريش فييي أن تقيييم دوليية ‪،‬‬
‫وأن تسود على القبائل العربية في شبه الجزيرة وما حولها ‪ .‬وقد تم هذا وفق تخطيط محكم قييام بييه رجييل داهييية ‪،‬‬
‫هو جدّ النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو عبد المطلب اليذي جياء بحفييده محميد ‪ ،‬اليذي ليم يكين أقيل منيه ذكياًء ‪،‬‬
‫سا لهذه الدولة ‪ .‬لقد أراد عبد المطلب أن يصنع ملًكا فصنع نبًيا ‪ ،‬أي أن الحكاية كلها هييي‬‫وصنع منه حاكًما ومؤس ً‬
‫الحكم وهي السيطرة وهي السيادة إلى جوار ملوك وأبيياطرة ‪ ،‬يحيطييون بقبييائل العييرب ابتييداء ميين كسييرى حييتى‬
‫هرقل ‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬كتاب ) شدو الربابة بأحوال الصحابة ( ‪:‬‬

‫ل لكتييابي مجتمييع يييثرب وقريييش‬ ‫ضا يييأتي اسييتكما ً‬


‫وهذا كتاب ل يقل سوًءا إن لم يزد عن الكتب السابقة ‪ ،‬وهو أي ً‬
‫القبيلة والدولة ‪ .‬وفي هذا الكتاب الجديد يعرض المؤلف لحوال صحابة رسول ال ‪ ،‬فيقول فيهم كلًما لم يرد فييي‬
‫كتب السيرة ول في كتب التاريخ ‪ ،‬ومنه أن رسيول الي صييلى الي علييه وسيلم ‪ ،‬كييان يختليي بالصيحابي الجليييل‬
‫سلمان الفارسي ‪ ،‬ليام طويلة لكي يأخذ منه ويتعلم على يديه ‪ ،‬لن سلمان فيما يقال كان من كبار مثقفي عصره ‪،‬‬
‫وكان عالًما بالعقائد والديان وكان يحيط بالمذاهب المختلفة ‪ .‬وقد جلس النبي بين يديه كما يجلس تلميييذ بييين يييدي‬
‫أستاذه ‪ ،‬ليتعلم منه كل السس والقواعد والتجارب والتواريخ والسير ‪ ،‬التي استفاد منها النبي بعد ذلك في رسالته‬
‫السلمية المحمدية ‪.‬‬

‫سابًعا‪ :‬كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ‪:‬‬

‫وهذا هو آخر كتب خليل عبد الكريم ‪ ،‬ولعله من أخطرها جميًعا ‪ .‬ويقوم هذا الكتاب على فكرة واحدة أساسية هييي‬
‫أن سيدنا محمد ليس نبًيا ‪ ،‬ولكنه تلميذ عبقري لمجموعة من الساتذة هم ‪ :‬السيدة خديجة ‪ ،‬وابيين عمهييا ورقيية بيين‬
‫نوفل ‪ ،‬وبقية أفراد السرة وهم ‪ :‬ميسرة والراهب بحيرا والراهب عداس والبطرك عثمان بن الحويرت ‪ ..‬وكلهييم‬
‫مسيحيون ‪ ..‬ولقد قامت هذه المجموعة النصرانية على صناعة هذا النبي ‪ ،‬بعد أن عكفوا عليى تعليميه لكيثر مين‬
‫خمسة عشر عاًما ‪ ،‬حفظ فيها كتب الولين والخرين ‪ ،‬وعرف التوراة والنجيل والمذاهب والعقائد ‪ ،‬وانتهى هذا‬
‫كله بنجاح التجربة أي الرسالة وصنع هذا العبقري الذي أصبح نبًيييا ‪ ،‬ووضييع كتيياب حّييير العيياملين علييى امتييداد‬
‫القرون هو القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ويقول خليل عبد الكريم بالحرف الواحد ‪ " :‬وهذا الكتاب يقدم رؤية جديييدة ‪ ،‬نزعييم أنهييا غييير مسييبوقة لحييل هييذا‬
‫اللغز الذي مل الدنيا وشغل الناس ‪ ،‬وقد بدأنا بمحمد قبل أن يلتقي أبوه بييأمه حييتى التقطتييه سيييدة قريييش ‪ ،‬بعييد أن‬
‫توسمت فيه بفراسة يعز مثلها أنه هو القادم المنتظر ‪ ،‬ثم قيامها بمعونة سخية من ابن عمها القييس ‪ ،‬بييدور ل نجييد‬
‫له في تاريخ الديان مجرد شبيه ‪ ،‬أنها ملحمة خالدة سلخت من عمر الطيياهرة والقييس ‪ ،‬عقيًدا ونصييف العقييد ميين‬
‫الزمان ‪ ،‬في العداد والتصنيع والتهيئة والتأهيل ‪ ،‬حتى طيرح ذليك العميل الصيبور اليدءوب المتيأني المخطيط ‪،‬‬
‫والمرسوم بدقة متناهية ثمرته الناجحة ‪ ،‬وحدثت واقعة غار حييراء بصييورة فييذة معجبيية ‪ ،‬أدهشييت حييتى فاعليهييا‬
‫وهما سيدة نساء قريش وورقة بن نوفل ‪ ،‬لنها جاءت بصورة لم تخطر لهما على بييال ‪ ،‬ول شييك أن هييذا النجياح‬
‫يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة ‪ ،‬وهو محمد فقد كان عبقرًيا ل يفري فرية أحد ‪ ،‬ذلك أن سيييرته الذاتييية‬
‫وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية كانت ركائز أساسية في فلح التجربة " ‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫ي ل يفري فرية أحد ‪ ) :‬أي ل يكذب كذبة أحد ‪ ،‬بمعنى جاء بكذبة لم يسبقه إليها أحد من قبلييه ‪ ،‬حيييث كييان ُيسييمى‬
‫الصادق المين في مكة ‪ ،‬وبذلك ينفي عنه الكاتب هاتين الصفتين ‪ ،‬فيكون إيرادهما في عنوان الكتاب ‪ ،‬ميين قبيييل‬
‫الستهزاء والستخفاف ‪ ،‬به وبمن صيّدقوه علييى ميدى ‪ 1400‬سيينة ‪ ،‬وهيذا مميا مل قليب مسييلمة الكيذاب هييذا ‪،‬‬
‫وأمثاله ‪ ،‬غيظا وحسدا على خير الخلق وأكرمهم ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم (‬
‫ضا في نفس الكتاب " ‪ ...‬أما في المساء وفي ليل مكة الطويل شتاًء ‪ ،‬فكييان مييع الطيياهرة ‪ -‬أي خديجيية ‪-‬‬ ‫ويقول أي ً‬
‫بمفردها أحيانًا ‪ ،‬وبحضور القس أحياًنا أخرى ‪ ،‬حيث تتم في تلك القعدات مذاكرة الصحاحات مباشرة ) التييوراة‬
‫والنجيل ( ثم إدارة الحوار بشأنها ‪ ،‬وأما بتلّقيهييا ميين الم الييرءوم والزوجية الحنييون خديجيية ‪ ،‬الييتي ل شييك أنهييا‬
‫أجادت القراءة والكتابة ‪ ،‬وقد قرأت تلك الصحاحات وخزنّتها في ذاكرتها ‪ ،‬أو أنهييا طفقييت تقرأهييا لييه مباشييرة ‪.‬‬
‫وكييل هييذا يييدور بالنهييار فييي السييواق والحييوانيت والعييياد ‪ ،‬ومييا يتييم سييماعه ميين القييس ورقيية وخديجيية ميين‬
‫الصحاحات ‪ ،‬التي عّربها القس في الليالي الطييوال ) لتخييرج فييي شييكل سيور القييرآن ( ومييا يعقبهييا مين شييروح‬
‫وإيضاحات ) السنة النبوية ( وحوارات بالجلسات ‪ ،‬التي قد تستمر حتى بيزوغ الفجيير ‪ .‬نقيول أن كيل هييذا ‪ ،‬كيان‬
‫ل ‪ ،‬ولييم تشييهد لييه ضييريًبا ‪ ،‬ولييم‬‫يجري تخزينه وبرمجته في ذاكرة العبقري ‪ ،‬الذي لم تر جزيرة العييرب لييه مييثي ً‬
‫ي ‪ -‬يتمتيع بيذاكرة حديديية ‪،‬‬ ‫ي ُأمي ّ‬
‫صة وقد آمنا أنه أمي ل يقرأ ول يكتييب ‪ ،‬والمييي ‪ -‬أ ّ‬‫تعاين له شبيًها أو نًدا ‪ ،‬خا ّ‬
‫وحافظة واعية أشد الوعي ‪ ،‬فما بالك إذا اجتمعت المية والعبقرية الفذة في شخص واحد " ‪.‬‬
‫ويقول في موضع آخر " ‪ ...‬ومهما كانت الجهود التي بذلتها الطاهرة وعاضدها فيهييا ابيين عمهييا القييس ‪ ،‬فأنهييا ل‬
‫تنفي عن التجربة وفي مقدمتها حادث الغار ‪ ،‬جانبها الغيبي وناحيتها الميتافيزيقية ) المتافيزيقية ‪ :‬لفظ توصف بييه‬
‫ضري‬ ‫الظواهر الخارقة الطبيعية ‪ ،‬التي عادة ما تتأتى ‪ ،‬على أيدي الكهان والسحرة والمشعوذين والدراويش ومح ّ‬
‫الرواح ‪ ،‬وذلك لنفيي اليوحي ( إذ ل تعييارض بييين المريين ‪ ،‬بييل إن كل منهميا يكمييل الخير وييدعمه ‪ .‬ويقيول‬
‫ضا ‪ ..‬حتٌم علينا أن نقّر ونعترف بمهيارة خديجية ‪ ،‬فييي المييزج بييين المومية الفياضية بييالحب والحنيان ‪ ،‬وبيين‬ ‫أي ً‬
‫العداد الكريم الدقيق لتلقى التجربة ‪ ،‬ولول هذا الخلط البارع لما ُقّدر للتجربة الفلح والنجيياح الييذي مل الييدنيا ‪،‬‬
‫وشغل الناس منذ أربعة عشر قرًنا ومييازال يشييغلهم حييتى الن وربمييا لمييد بعيييد ‪ ،‬مييا لييم تتبييدل جييذرًيا أحيوالهم‬
‫لس التراث المبارك عن أماكنهم الميمونيية‬ ‫الجتماعية والقتصادية والثقافية ‪ ،‬وما لم يتحّلل حراس الساطير وج ّ‬
‫" ) بمعنى ما لم يعمل جهابذة المفّكرين من أمثال الكاتب ‪ ،‬على رفع هالة القداسة عن محمد ورسييالته فتعييالى الي‬
‫عما ُيشرك به المجرمون ( ‪.‬‬
‫ثم يقول خليل عبد الكريم في موضع آخر وأخير " ‪ ...‬كان أسى محمد المرير على فقد خديجيية أميًرا بييديهًيا لنهييا‬
‫الم الرءوم والزوجة الحبيبة ‪ ،‬ولولها ما أكمل التجربة حتى نهايتها ‪ ،‬وهييي الييتي أتيياحت لييه الّتميياس مييع ورقيية‬
‫وعداس وبحيرا ‪ ،‬وقضاء الليالي الطوال مع ابن نوفل في المدارسة والمذاكرة والمحاورة ‪ ،‬وهي التي كانت تقييرأ‬
‫له الصحف التي عّربها القس نوفل ‪ ،‬وهي التي هيأت له الختلط بأصحاب جميع الملل والنحل والعقائد والديان‬
‫ظت بهم مكة ‪ ،‬ولول التفرغ الدائم وهو أحد عطايا أم هند لما انفسحت لييه الفرصيية الثمينيية ‪ .‬ول شييك أن‬ ‫الذين اكت ّ‬
‫الخلطة بأصحاب الديانات شّكلت جزًءا من الخطة المرسومة ‪ ،‬لما انضوت عليييه الخطيية ميين تميّرس واسييتماع ‪،‬‬
‫وحفظ وحوار ومدارسة وتخزين معلومات ‪ .‬لقد أدركت خديجة منذ فجر التجربة ‪ ،‬أن احترامه التجارة ل يدع لييه‬
‫فسحة من الوقت ‪ ،‬في حين أن التجربة تحّتم ضيرورة التفيرغ الكاميل ‪ ،‬وطلق كيل ميا يشيغله عنهيا طلًقيا بائًنيا‬
‫بينونة كبرى " ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فهذه مجرد وقفة سريعة ‪ ،‬عند كتب خليل عبد الكريم ‪ ..‬وليس منها كتاًبا أقل خطورة ميين الخيير ‪ ..‬ولكيين‬
‫ربما كان هذا الكتاب الخير هو أخطرها ‪ ..‬فسوف نلحظ هنا ‪ ،‬أن سيدنا محمد ‪ ،‬صلى ال ي عليهييم وسييلم ‪ ،‬ليييس‬
‫نبًيا يوحى إليه ‪ ،‬بل هو رجل عبقري ‪ ،‬تمت صناعته على يد السيدة خديجة وجماعتها ‪ ،‬وهم مجموعة ميين أقبيياط‬
‫مكة ‪ ،‬وأنه تم تحفيظه الكتب السماوية ‪ ،‬التي سبقته كلها ‪ ،‬فكان النتاج هيو هيذا الرسييول ‪ .‬وأغييرب مين هييذا ‪ ،‬أن‬
‫الكتاب كله ‪ ،‬ل ترد فيه كلمة " الرسالة " ‪ ،‬للدللة على الدين الحنيف ‪ ،‬بل هو يسميها " التجربة " ‪ ..‬فلقد نجحييت‬
‫ل ‪ ،‬من فوق سييبع سييماوات ‪.‬‬ ‫" تجربة " خديجة ومن معها ‪ ،‬بما يعني أنها شيء أرضي ‪ ،‬وليست شيًئا علوًيا منز ً‬
‫وفي هذا السياق ‪ ،‬فهو يسمي السيدة خديجة باسم " الطاهرة " تيمًنا باسم مريم العذراء ‪ ،‬اليتي طّهرهيا رب العيزة‬
‫والجلل واصطفاها على نساء العالمين ‪ ،‬ودللة السم هو أن السيدة خديجة كانت نصرانية ‪ ،‬وبعد هييذا ‪ ،‬فهييو ل‬

‫‪278‬‬
‫يتورع ‪ ،‬عن وصف الوحي ‪ ،‬الذي نزل على رسول ال ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في غار حراء بأنه حادث غيييبي‬
‫ميتافيزيقي !‬

‫بين البداع والحرية‬

‫بقلم ‪ :‬الستاذ بدر الشبيب ‪.‬‬


‫ولكن كيف يكتسب عمل ما صفة البداع ؟ هذا سؤال جوهري ‪ ،‬ينبغي علييى المهتمييين بالشييأن الثقييافي والفلسييفي‬
‫الجابة عليه ‪ ،‬لنه أصبح أكثر إلحاحا من ذي قبل بخاصة مع ظهور موجة في العالم العربي ‪ ،‬ترى البييداع فييي‬
‫الخروج على المألوف والحديث في المسكوت عنه ‪ ،‬وذلك في مجالين اثنين ل ثالث لهما ) الدين والجنس ( ‪.‬‬
‫فباسم البداع وحرية النشيير والتعييبير ‪ ،‬تقييذف لنييا دور النشيير كتابييا هنييا ورواييية هنيياك ‪ ،‬يكييون هييذان المجييالن‬
‫محورهمييا ‪ ،‬مييع كييثير ميين التطيياول علييى حرميية المقدسييات والرمييوز الدينييية ‪ ،‬وكييثير ميين السييفاف والبتييذال‬
‫والخروج على الداب العامة ‪.‬‬
‫وقائمة السماء طويلة ‪ ،‬تبدأ من المشرق ول تنتهي في المغرب ‪ ،‬ويييأتي عليى رأس القائمية جمييع ميين الروائيييين‬
‫أمثال حيدر حيدر ) وليمة لعشاب البحر ( ‪ ،‬ومحمد شكري ) الخييبز الحييافي ( ‪ ،‬ومنييى فييياض ) فييخ الجسييد ( ‪،‬‬
‫ت ( ‪ ... ،‬الخ ‪.‬‬
‫وإلهام منصور ) أنا هي أن ِ‬
‫وأما الُكّتاب فهم كثر أيضا ) نوال السعداوي ‪ ،‬ليلى العثمان ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد ‪ ،‬خليل عبد الكريم ‪ ... ،‬الخ (‬
‫ولعل هذا الخير ‪ ،‬أعني خليل عبد الكريم ‪ ،‬هو آخر المتطاولين في كتابه ) فترة التكوين في حياة الصادق المين‬
‫( ‪ ،‬حيث يتناول مرحلة ما قبل النبوة في حياة النبي ) ص ( محاول النيل ميين قدسييية الرسييول ) ص ( والتشييكيك‬
‫في كونه مرسل من عند ال ‪.‬‬
‫والملحظ أن هؤلء الكتاب والروائيين يؤسسون لكتاباتهم بمصطلحات تبدو للوهليية الولييى حضييارية وتقدمييية ‪،‬‬
‫من مثل البداع وحرية النشر والتعبير ‪ ،‬وإعادة قراءة النصوص التراثية بما فيها القرآن ‪ ،‬بالستفادة من المناهييج‬
‫التاريخية والمدارس اللسنية الحديثة ‪.‬‬
‫ولكننا حين نتأمل في مجمل إنتاجاتهم ‪ ،‬نجدها تهدف أول وآخرا إلى المييس ميين المقيّدس السييلمي وجعلييه غييير‬
‫مقّدس ‪ ،‬وإلى هدم قلع الحياء والعفة في المجتمع المسلم ‪ ،‬وإل فأي معنى لحصر البييداع فييي كييل مييا ميين شييأنه‬
‫الحط من الذوق الجمالي الرفيع ‪ ،‬بدل من أن يكون البداع أساسا لتدريب الذائقة وتنميتها ؟!‬
‫وسؤال آخر يطرح نفسه ‪ :‬هل يحق لكل أحد أن يكتب فييي الييدين وينيياقش مسييائله ‪ ،‬ولميياذا يصييبح النييص الييديني‬
‫مباحا لكل أحد ‪ ..‬ألسنا نعيش عصر التخصص ؟!‬
‫وأخيرا ‪ ،‬لماذا يغضب هؤلء الكتاب عند رفع دعوى حسبية ضدهم أمام القضاء ‪ ،‬إذا كانوا متحضرين فعل ؟! ‪..‬‬
‫أليس التقاضي أسلوبا حضاريا ؟!‬
‫ونقطة أخرى هامة ينبغي الشارة إليهييا هنييا ‪ ،‬فنحيين ل نسييتطيع أن نعمييم علييى جميييع الكتيياب تهميية التييآمر ضييد‬
‫السلم والمجتمع المسلم ‪ ،‬فهناك طائفة من الكتاب تنشيد الحيق ‪ ،‬ولكنهيا تخطيئ الوسييلة والمنهيج و ) لييس مين‬
‫طلب الحق فأخطأه ‪ ،‬كمن طلب الباطل فأدركه ( ‪.‬‬
‫نحن لسنا ضد البييداع ‪ ،‬ولسيينا ضييد السييتفادة ميين المنتجييات الثقافييية للخرييين ‪ ،‬ول نريييد هنييا أن نؤسييس لفقييه‬
‫ي البيداع‬ ‫المصادرة ‪ ،‬ولكننا نريد أن نؤسس منهجا منطلقا من ثقافتنا السلمية الصييلة ‪ ،‬فيي تعرييف مصيطلح ّ‬
‫والحرية وحدودهما ‪ ،‬في نفس الوقت الذي ندعو فيه لعادة صياغة فقه الحسبة ‪ ،‬بلغة عصييرية وبثييه فييي أوسيياط‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫وهذا التأصيل ضروري ‪ ،‬لكي نتعرف على قيمة المنفعة والمتعة وغيرهمييا فييي تحديييد إبداعييية العمييل ‪ ،‬وكييذلك‬
‫للتعرف على الطر التي تعمل الحرية في حدودها ‪ ،‬إذ ل يمكننا العتماد على المنهييج الغربييي الييذي يكيييل بييألف‬
‫مكيال ‪ ،‬فيحتفي بسلمان رشدي باعتبيياره مبييدعا ‪ ،‬ويضيييق صييدرا بروجيييه جييارودي ‪ ،‬فيسيين قييانون ) جيسييو –‬

‫‪279‬‬
‫فابيو ( ليقدمه للمحاكمة ‪ ،‬لنه كتب ) الساطير المؤسسة للسياسة السرائيلية ( ‪ ،‬كما لييم يتسييع صييدره ليي ) دافييد‬
‫ايرفنج ( المؤرخ البريطاني الذي شكك في أرقام الهولوكوست " ‪.‬‬

‫جولة الصحافة ‪ :‬الجزيرة نت ‪ ،‬ثورة المشايخ‬

‫" وأصدر مجمع البحوث السلمية من جهته تقريرًا عن الكتاب ‪ ،‬أوضح فيه أن الكتيياب يعتييبر إنكييارا لرسييالت‬
‫النبياء ‪ .‬ويعرض الكتاب لحياة الرسول الكريم بشكل مييزٍر ‪ ...‬وانتهييى التقرييير إليى التوصييية بمصيادرة الكتياب‬
‫ل عدوانيًا على عقيدة المة السلمية ‪ ،‬ينكر مبييدأ الرسييالت السييماوية إنكييارًا قاطعيًا ‪ ،‬ويزعييم أن‬
‫الذي يمثل عم ً‬
‫جميع النبياء صناعة أرضية بشرية ‪ .‬من الجدير بالييذكر أن التوصييية بالمصييادرة صييدرت بإجميياع آراء علميياء‬
‫مجمع البحوث ‪.‬‬
‫من ناحيته أكد د‪ .‬يحيى إسماعيل المين العام لجبهة علماء الزهر ‪ ،‬أن الكلم الوارد في الكتاب ل يحتمييل حكم يًا‬
‫ل ‪ :‬لسنا أمام ثقافة أو فكر ول يمكن أن تكون الوقاحة إبداعًا ‪.‬‬
‫آخر غير الكفر ‪ .‬وأضاف قائ ً‬
‫وليمة جديدة ‪ ،‬وفي نفس الطار نشييرت صييحيفة الوفييد تقريييرا ‪ ،‬تحييت عنيوان وزارة الثقافيية تطبييع كتابيًا يهيياجم‬
‫السلم ‪ ،‬ويقول التقرير ‪ :‬أن مجمع البحوث السلمية ‪ ،‬طلب مصادرة كتاب ) المييرأة والجنوسيية فييي السييلم (‬
‫والذي قامت بتأليفه ليلى أحميد باللغية النجليزيية ‪ ،‬وطبعتيه وزارة الثقافية عليى نفقتهيا بعيد ترجمتيه … وكشيف‬
‫التقرير ‪ ،‬أن الكتاب يزعم أن القرآن اقتبس مادته التاريخية من التوارة ‪ ،‬وأن السلم سلب حقوق المييرأة ‪ .‬واتهييم‬
‫التقرير المؤلفة بالتشكيك في سماوية القرآن وبالتحريف المتعمد لوقائع السيرة النبوية ‪ ...‬وطلييب التقرييير مسيياءلة‬
‫المجلس العلى للثقافة ‪ ،‬عن إضاعة أموال الدولة في عمل يدعو لهدم السلم ‪.‬‬

‫ة(‬ ‫خ ْ‬
‫شي َ ً‬ ‫و أَ َ‬
‫شدّ َ‬ ‫شية الل ّ َ‬
‫هأ ْ‬‫ِ‬ ‫س كَ َ‬
‫خ ْ َ ِ‬ ‫ن الّنا َ‬
‫و َ‬ ‫خ َ‬
‫ش ْ‬ ‫) يَ ْ‬

‫في نيجيريا تخرج المليين من الناس ‪ ،‬لتجتمع في صعيد واحد مطالبة بتطبيق الشريعة ‪ ،‬فتبدأ ولييية تلييو أخييرى‬
‫بتطبيقها ‪ ،‬بالرغم مين معارضية الغيرب النصيراني ‪ ،‬أميا فيي مصير أم اليدنيا بليد الزهير كميا ُيسيّميها الشيقاء‬
‫المصريون ‪ ،‬وفي أرض الكنانة كما ُيسميها الشقاء العرب ‪ ،‬فالشريعة السلمية لديهم انتهييت مييدة صييلحيتها ‪،‬‬
‫لذلك يتوجب علينا أن ُنلقيها في سلة المهملت ‪ ،‬ليكون مصيرها الحرق في مقالب قمامة القاهرة ‪.‬‬
‫هي نفسها حرب فرعون وملئه ‪ ،‬على موسى ومن معييه ميين المييؤمنين ‪ ،‬تتجيّدد علييى نفييس الرض وعلييى نفييس‬
‫الشاكلة ‪ ،‬ول وازع ول رادع ‪ ،‬بالرغم من سكنهم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ‪ ،‬فأخذهم وأبقييى أثرهييم لتييذكير‬
‫من يأتي بعدهم ببطشه وجبروته ‪.‬‬
‫في مصر ُتصدر المحكمة الدارية في القاهرة ‪ ،‬في مطلع شهر ‪7/2001‬م ‪ ،‬قيرارا بيإغلق صيحيفتي ) النبيأ ( و‬
‫) آخر نبأ ( ‪ ،‬لنها أساءت لمشاعر القباط بنشر صور فاضحة ‪ ،‬انحرافات جنسييية لراهييب مطييرود ميين الييدير ‪،‬‬
‫مما أثار تظاهرات غاضبة للقباط في حزيران الماضي ‪ .‬وهييذا القييرار عييادل بل أدنييى شييك فييديننا ل يقبييل هييذا‬
‫الفعل ‪.‬‬
‫ولكن ماذا عن إساءة مشاعر المسلمين ‪ ،‬وماذا عن الساءة لكتاب ال ‪ ،‬وماذا عن الساءة لرسول ال ‪ ،‬وماذا عن‬
‫الجتراء على ال ‪ ،‬لقد ُرفعت قضايا ضد من قاموا بذلك ‪ ،‬ولكن هل اتخذت تلك المحكمة قرارا مشابها ‪‍‍ ...‬؟! نعم‬
‫‪ ..‬لقد أخذت الحكومة المصرية قرارا ‪ ،‬ولكن بإغلق الصحف التي دافعت عن مقدسات المة ‪ ،‬بدعوى الرهاب‬
‫الفكييري للمبييدعين ‪ ،‬اليذين انهييالوا علييى السيلم ليحطمييوا أوثيانه وأصينامه ‪ ،‬الييتي ألفيوا آبيياءهم وأجيدادهم لهييا‬
‫عاكفين ‪ ،‬منذ أربعة عشر قرنا من الزمان … !!‬
‫ما يلفت النتباه إلى أن أقباط مصر ‪ ،‬غضبوا لدينهم بشكل جماعي وهم أقلية في مصيير ‪ ،‬وميين حييق النسييان بييل‬
‫واجب عليه أن يغضب ‪ ،‬ول يكون الغضب محمودا إل في هذا الموقف ‪ ،‬ولكن هل غضب المسلمون في مصر ‪،‬‬
‫عندما انتهكت وما زالت مقّدساتهم الدينية جمل وتفصيل ‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫يقول د‪ .‬محمد عباس ‪ " :‬كانت المة تغلي بالغضب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل في طلبة جامعة الزهيير ‪ ،‬حيييث تظيياهر‬
‫‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت الدولة مترددة حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ‪ ،‬على قلب المة على طلبة جامعة‬
‫الزهر ‪ .‬ويقول ‪ :‬كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ‪ ،‬فقد أصدر ‪ 70‬عالما أزهريا بيانا " ‪.‬‬
‫ولكن ما شاهدناه على شاشة التلفزيون هو مظاهرة تضييم بضييعة عشييرات ميين فتيييات الزهيير ‪ ،‬وأدتهييا الشييرطة‬
‫المصرية من قبل أن تبدأ ‪ ،‬حسبما جاء في النشرات الخبارية ‪ ،‬وما نود أن ُنشير إليه هنا أن الميية المصييرية لييم‬
‫ُتحرك ساكنا ‪ ،‬فهي منشغلة بدنياها من رأسها حتى أخمص قدمها ‪ ،‬لتستمر المعركة على صييفحات الصييحف ميين‬
‫قبل القلة من أبناء مصر الذين انتصروا لدينهم ‪ ،‬وخذلتهم أمتهم وخذلت دينها قبل أن تخذلهم حكومتهم ‪ ،‬وما نسبة‬
‫‪ 25‬ألف طالب مما يزيد عن ‪ 50‬مليون مسلم في مصر … ؟!‬
‫وهذا الوضع المؤسف والمأسوي في مصر ‪ ،‬الذي حاول د‪ .‬محمد عباس تجميله ‪ ،‬والييذي يبعييث السييى والحييزن‬
‫في قلب كل مسلم ‪ ،‬هو ما تستشعره في ثنايا مقالت وبيانات ‪ ،‬د‪ .‬محمد عبيياس نفسييه ‪ ،‬وهييو ينييادي فييي أمتييه فل‬
‫سامع ول مجيب ‪ ،‬مما اضييطره للسييتنجاد بييالزهر وطلبتييه والمفييتي والقرضيياوي ‪ ،‬بعييد أن وجييد نفسييه وحيييدا‬
‫ي كماشة إعلم الكفر والضللة وجبروت فرعون وسطوته ‪ ،‬فاستجابوا له بعد حين ‪.‬‬ ‫محاصرا ‪ ،‬بين فك ّ‬
‫فلماذا انتصرت الحكومة لنصارى مصر وحاربت مسلميها ؟! أليييس لنهييم يخشييون النيياس ميين نصييارى الغييرب‬
‫سييرون القييدماء أن المقصييود فييي‬
‫كخشية ال أو أشد خشية ‪ ،‬نعم ‪ ..‬هذا هو الشرك بعينه ‪ ،‬لييذلك اعتقييد بعييض المف ّ‬
‫اليات هم مشركي قريش ‪ ،‬ظنا منهم أن الشرك وّلى من غير رجعة ‪.‬‬
‫نعم ‪ ..‬إنهم يشّكون بربوبية ال وألوهيته ول يدينون له بالعبادة ‪ ،‬ويشّكون في قدرته علييى نصيير أوليييائه والنتقييام‬
‫من خصومه ‪ ،‬وُيضاف إلى شركهم صفة أخرى هي النفاق ‪ ،‬وهو ما لم ينتبه إليه من ذهبييوا إلييى ذلييك القيول ميين‬
‫سرين ‪ ،‬فمشركو قريش أخذتهم العزة بالثم ‪ ،‬فل حاجة بهم لُينافقوا رسول ال وصحبه ‪ ،‬ولم ُيعطوا الدنية في‬ ‫الُمف ّ‬
‫معتقدهم بالرغم من بطلنه ‪ ،‬حتى ُفتحت مكة ودخلوا في السلم وما ظهر النفاق إل في المدينة ‪.‬‬
‫وفي خضم هذه الموجة ‪ ،‬ومع ضعف نور السلم وأفول شمسييه ‪ ،‬سيييتحول النفيياق قريبييا إلييى كفيير بييواح ‪ ،‬فليين‬
‫يكون هناك داعيا للخجل ‪ .‬حينها ستكون بطشة ربك الكبرى على البواب ‪ ،‬ويكون أهل مصر قد أعذروا ال فييي‬
‫أنفسهم بما كسبت أيديهم وبما سكتوا عن الحق ‪ ،‬فالساكت عن الحق شيطان أخرس ‪ ،‬لنعود إلى قوله تعييال ) َوَمففا‬
‫ن)‬ ‫ظففاِلُمو َ‬
‫عَلْيِهْم َءاَياِتَنا َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَها َ‬
‫سوًل َيْتُلو َ‬
‫ث ِفي ُأّمَها َر ُ‬ ‫حّتى َيْبَع َ‬ ‫ك اْلُقَرى َ‬ ‫ك ُمْهِل َ‬
‫ن َرّب َ‬‫َكا َ‬
‫‪ 59‬القصص ( ورحمة من ربك بعث رسله الكرام ‪ ،‬مبشرين بعظييم ثييواب الييدنيا والخييرة ‪ ،‬ومنييذرين ميين بأسييه‬
‫الشديد في الدنيا والخرة ‪ ،‬ورحمة بأهل مصر ها قد أنذرهم بالدخان ‪ ،‬حتى يوقظهم ميين غفلتهييم لعلهييم يرجعييون‬
‫ن َرّبفف َ‬
‫ك‬ ‫ن )‪ 131‬النعام ( وقوله ) َوَما َكا َ‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫ظْلٍم ‪َ ،‬وَأْهُلَها َ‬‫ك اْلُقَرى ِب ُ‬‫ك ‪ُ ،‬مْهِل َ‬‫ن َرّب َ‬‫ن َلْم َيُك ْ‬
‫ك َأ ْ‬
‫مصداقا لقوله ) َذِل َ‬
‫ن )‪ 117‬هود ( ‪.‬‬ ‫حو َ‬‫صِل ُ‬‫ظْلٍم ‪َ ،‬وَأْهُلَها ُم ْ‬ ‫ك اْلُقَرى ِب ُ‬‫ِلُيْهِل َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ن ِلْلُمفْؤِمِني َ‬ ‫ل َوُيفْؤِم ُ‬ ‫ن ِبففا ِّ‬‫خْيٍر َلُكفْم ‪ُ ،‬يفْؤِم ُ‬ ‫ن ‪ُ ،‬قْل ُأُذنُ َ‬ ‫ن ُهَو ُأُذ ٌ‬ ‫ي ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫قال تعالى ) َوِمْنُهُم اّلِذي َ‬
‫لف‬ ‫ضففوُكْم ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ل َلُكْم ِلُيْر ُ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫حِلُفو َ‬ ‫ب َأِليٌم )‪َ (61‬ي ْ‬ ‫عَذا ٌ‬‫ل َلُهْم َ‬ ‫سوَل ا ِّ‬ ‫ن َر ُ‬‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ِمْنُكْم ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫حَمةٌ ِلّلِذي َ‬‫َوَر ْ‬
‫جَهّنفَم‬‫ن َل فُه َنففاَر َ‬ ‫سففوَلُه ‪َ ،‬ففَأ ّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫حاِدِد ا َّ‬ ‫ن ُي َ‬‫ن )‪َ (62‬أَلْم َيْعَلُموا َأّنُه َم ْ‬ ‫ن َكاُنوا ُمْؤِمِني َ‬ ‫ضوُه ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ن ُيْر ُ‬ ‫ق َأ ْ‬‫ح ّ‬‫سوُلُه َأ َ‬ ‫َوَر ُ‬
‫سففوَرٌة ُتَنّبُئُهفْم ِبَمففا ِفففي ُقُلففوِبِهْم ‪ُ ،‬قفِل‬ ‫عَلْيِهفْم ُ‬ ‫ن ُتَنفّزَل َ‬ ‫ن ‪َ ،‬أ ْ‬‫حفَذُر اْلُمَنففاِفُقو َ‬ ‫ظيُم )‪َ (63‬ي ْ‬ ‫ي اْلَع ِ‬
‫خْز ُ‬ ‫ك اْل ِ‬‫خاِلًدا ِفيَها ‪َ ،‬ذِل َ‬ ‫َ‬
‫ل َوَءاَيففاِتِه‬ ‫ب ‪ُ ،‬قْل َأِبففا ِّ‬ ‫ض َوَنْلَع ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن ِإّنَما ُكّنا َن ُ‬‫سَأْلَتُهْم ‪َ ،‬لَيُقولُ ّ‬‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (64‬وَلِئ ْ‬ ‫حَذُرو َ‬ ‫ج َما َت ْ‬ ‫خِر ٌ‬‫ل ُم ْ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫سَتْهِزُئوا ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫ا ْ‬
‫طاِئَففًة ‪،‬‬ ‫ب َ‬ ‫طاِئَففٍة ِمْنُكفْم ‪ُ ،‬نَعفّذ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عف ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َنْعف ُ‬ ‫ن )‪َ (65‬ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعفَد ِإيَمففاِنُكْم ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬ ‫سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ‬ ‫َوَر ُ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ن اْلَمْع فُرو ِ‬ ‫عِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِباْلُمْنَكِر َوَيْنَهْو َ‬ ‫ض ‪َ ،‬يْأُمُرو َ‬ ‫ن َبْع ٍ‬ ‫ضُهْم ِم ْ‬ ‫ت َبْع ُ‬ ‫ن َواْلُمَناِفَقا ُ‬ ‫ن )‪ (66‬اْلُمَناِفُقو َ‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫ِبَأّنُهْم َكاُنوا ُم ْ‬
‫ن َواْلُمَناِفَقففا ِ‬
‫ت‬ ‫لف اْلُمَنففاِفِقي َ‬ ‫عفَد ا ُّ‬ ‫ن )‪َ (67‬و َ‬ ‫سفُقو َ‬ ‫ن ُهفُم اْلَفا ِ‬ ‫ن اْلُمَنففاِفِقي َ‬
‫سفَيُهْم ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫ل ف َفَن ِ‬
‫سففوا ا َّ‬ ‫ن َأْيفِدَيُهْم ‪َ ،‬ن ُ‬ ‫ضففو َ‬ ‫َوَيْقِب ُ‬
‫ش فّد‬‫ن َقْبِلُكْم ‪َ ،‬كاُنوا َأ َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ب ُمِقيٌم )‪َ (68‬كاّلِذي َ‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ل َوَلُهْم َ‬ ‫سُبُهْم َوَلَعَنُهُم ا ُّ‬‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ِفيَها ‪ِ ،‬ه َ‬ ‫خاِلِدي َ‬
‫جَهّنَم َ‬ ‫َواْلُكّفاَر ‪َ ،‬ناَر َ‬
‫لِقِهْم ‪،‬‬‫خَ‬ ‫ن َقْبِلُكْم ِب َ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫سَتْمَتَع اّلِذي َ‬ ‫لِقُكْم َكَما ا ْ‬ ‫خَ‬ ‫سَتْمَتْعُتْم ِب َ‬
‫لِقِهْم ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫خَ‬ ‫سَتْمَتُعوا ِب َ‬ ‫ِمْنُكْم ُقّوًة َوَأْكَثَر َأْمَواًل َوَأْوَلًدا ‪َ ،‬فا ْ‬
‫ن )‪َ (69‬أَل فْم َي فْأِتِهْم َنَب فُأ‬ ‫س فُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك ُهُم اْل َ‬ ‫خَرِة ‪َ ،‬وُأوَلِئ َ‬ ‫لِ‬ ‫عَماُلُهْم ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬ ‫ت َأ ْ‬
‫ط ْ‬ ‫حِب َ‬
‫ك َ‬ ‫ضوا ‪ُ ،‬أوَلِئ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ضُتْم َكاّلِذي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َو ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫س فُلُهْم ِباْلَبّيَنففا ِ‬
‫ت ‪َ ،‬أَتْتُه فْم ُر ُ‬ ‫ن َواْلُمْؤَتِفَكففا ِ‬ ‫ب َم فْدَي َ‬
‫حا ِ‬ ‫صَ‬‫عاٍد َوَثُموَد َوَقْوِم ِإْبَراِهيَم َوَأ ْ‬ ‫ح َو َ‬ ‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬قْوِم ُنو ٍ‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ض‪،‬‬ ‫ضفُهمْ َأْوِلَيففاُء َبْعف ٍ‬ ‫ت َبْع ُ‬ ‫ن َواْلُمْؤِمَنففا ُ‬ ‫ن )‪َ (70‬واْلمُْؤِمُنففو َ‬ ‫ظِلُمففو َ‬ ‫سفُهْم َي ْ‬‫ن َكففاُنوا َأْنُف َ‬ ‫ظِلَمُهفْم ‪َ ،‬وَلِكف ْ‬ ‫لف ِلَي ْ‬
‫ن ا ُّ‬ ‫َفَما َكا َ‬
‫سففوَلُه ‪ُ ،‬أوَلِئ َ‬
‫ك‬ ‫لف َوَر ُ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫طيُعففو َ‬ ‫ن الّزَكففاَة َوُي ِ‬ ‫لَة َوُيْؤُتففو َ‬ ‫صف َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن اْلُمْنَكفِر ‪َ ،‬وُيِقيُمففو َ‬ ‫عف ِ‬‫ن َ‬ ‫ف َوَيْنَهفْو َ‬‫ن ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫َيْأُمُرو َ‬
‫‪281‬‬
‫حِتَهففا اَْلْنَهففارُ‬ ‫ن َت ْ‬
‫جفِري ِمف ْ‬ ‫ت َت ْ‬‫جّنفا ٍ‬‫ت‪َ ،‬‬ ‫ن َواْلُمْؤِمَنفا ِ‬ ‫لف اْلُمفْؤِمِني َ‬ ‫عفَد ا ُّ‬
‫حِكيفٌم )‪َ (71‬و َ‬ ‫عِزيٌز َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫حمُُهُم ا ُّ‬‫سَيْر َ‬‫َ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ظيُم )‪َ (72‬يَأّيَها الّنِب ّ‬ ‫ك ُهَو اْلَفْوُز اْلَع ِ‬ ‫ل َأْكَبُر ‪َ ،‬ذِل َ‬
‫ن ا ِّ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ضَوا ٌ‬ ‫ن ‪َ ،‬وِر ْ‬ ‫عْد ٍ‬‫ت َ‬ ‫جّنا ِ‬
‫طّيَبًة ِفي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ساِك َ‬‫خاِلِدينَ ِفيَها ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫َ‬
‫ل َما َقاُلوا ‪َ ،‬وَلَقْد َقففاُلوا‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫حِلُفو َ‬
‫صيُر )‪َ (73‬ي ْ‬ ‫س اْلَم ِ‬ ‫جَهّنُم َوِبْئ َ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَمْأَواُهْم َ‬ ‫ظ َ‬‫غُل ْ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫جاِهِد اْلُكّفاَر َواْلُمَناِفِقي َ‬‫َ‬
‫ضِلِه ‪َ ،‬فِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َف ْ‬ ‫سوُلُه ِم ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫غَناُهُم ا ُّ‬ ‫ن َأ ْ‬‫لِمِهْم ‪َ ،‬وَهّموا ِبَما َلْم َيَناُلوا ‪َ ،‬وَما َنَقُموا ِإّل َأ ْ‬ ‫سَ‬ ‫َكِلَمَة الُْكْفِر ‪َ ،‬وَكَفُروا َبْعَد ِإ ْ‬
‫ي َوَل‬‫ن َوِلف ّ‬ ‫ض ِمف ْ‬ ‫خَرِة ‪َ ،‬وَما َلُهفْم ِفففي اَْلْر ِ‬ ‫لِ‬‫عَذاًبا َأِليًما ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َيَتَوّلْوا ُيَعّذْبُهُم ا ُّ‬
‫خْيًرا َلُهْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫ك َ‬‫َيُتوُبوا َي ُ‬
‫ن )‪َ (75‬فَلّمففا َءاَتففاُهْم‬ ‫حي َ‬ ‫صففاِل ِ‬‫ن ال ّ‬‫ن ِم ف َ‬ ‫ن َوَلَنُكوَن ّ‬‫صّدَق ّ‬‫ضِلِه ‪َ ،‬لَن ّ‬‫ن َف ْ‬ ‫ن َءاَتاَنا ِم ْ‬ ‫ل ‪َ ،‬لِئ ْ‬
‫عاَهَد ا َّ‬ ‫ن َ‬ ‫صيٍر )‪َ (74‬وِمْنُهْم َم ْ‬ ‫َن ِ‬
‫ل َمفا‬ ‫خَلُفوا ا َّ‬ ‫عَقَبُهْم ِنَفاًقا ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَلى َيْوِم َيْلَقْوَنُه ‪ِ ،‬بَما َأ ْ‬ ‫ن )‪َ (76‬فَأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫خُلوا ِبِه َوَتَوّلْوا َوُهْم ُمْعِر ُ‬ ‫ضِلِه ‪َ ،‬ب ِ‬‫ن َف ْ‬ ‫ِم ْ‬
‫ب )‪78‬‬ ‫لُم اْلُغُيففو ِ‬ ‫عّ‬‫لف َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ج فَواُهْم ‪َ ،‬وَأ ّ‬ ‫ل ف َيْعَل فُم سِ فّرُهْم َوَن ْ‬
‫ن ا َّ‬‫ن )‪َ (77‬أَل فْم َيْعَلُمففوا َأ ّ‬ ‫ع فُدوُه ‪َ ،‬وِبَمففا َكففاُنوا َيْك فِذُبو َ‬ ‫َو َ‬
‫التوبة ( ‪.‬‬
‫عَذاًبا ُمِهيًنا )‪57‬‬
‫عّد َلُهْم َ‬
‫خَرِة ‪َ ،‬وَأ َ‬
‫لِ‬
‫ل ِفي الدّْنَيا َوا ْ‬
‫سوَلُه ‪َ ،‬لَعَنُهُم ا ُّ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ا َّ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫الحزاب (‬
‫شَرى‬
‫ظَلُموا ‪َ ،‬وُب ْ‬
‫ن َ‬
‫عَرِبّيا ‪ِ ،‬لُيْنِذَر اّلِذي َ‬
‫ساًنا َ‬
‫ق ِل َ‬
‫صّد ٌ‬
‫ب ُم َ‬
‫حَمًة ‪َ ،‬وَهَذا ِكَتا ٌ‬ ‫سى ِإَماًما َوَر ْ‬
‫ب ُمو َ‬
‫ن َقْبِلِه ِكَتا ُ‬
‫وقال ) َوِم ْ‬
‫ن )‪ 12‬الحقاف (‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬
‫ِلْلُم ْ‬

‫‪282‬‬
‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬
‫وهكذا نكييون قييد عايشيينا أجييواء المشييهد الثييالث قبييل الخييير ميين فصييول سييورة الييدخان ‪ ،‬وبقييي المشييهد الرابييع‬
‫والخير ‪ ،‬المشهد الكثر رعبا وهول إنها البطشة الكبرى ‪ ،‬التي سينتقم فيها رب العزة مميين آذوا رسييوله ‪ ،‬وهييو‬
‫ن َءاَمُنففوا ‪،‬‬ ‫سفَلَنا ‪َ ،‬واّلفِذي َ‬
‫صُر ُر ُ‬‫وعد خاص لمحمد عليه الصلة والسلم ول يخلف ال وعده ‪ ،‬قال تعالى ) ِإّنا َلَنْن ُ‬
‫عِزيفٌز ُذو اْنِتَقففاٍم‬‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬
‫سَلُه ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫عِدِه ُر ُ‬‫ف َو ْ‬‫خِل َ‬
‫لَ ُم ْ‬
‫نا ّ‬
‫سَب ّ‬
‫ح َ‬
‫ل َت ْ‬
‫شَهاُد )‪ (51‬وقال ) َف َ‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وَيْوَم َيُقوُم اَْل ْ‬
‫ِفي اْل َ‬
‫)‪ 47‬إبراهيم ( ‪.‬‬
‫أما المؤمنون من أهل مصر فربهم أعلم بهم ‪ ،‬وهو كفيل بأن يقيهم العذاب حيث وعدهم بالنصر كما وعد رسييله )‬
‫صففُر‬ ‫عَلْيَنا َن ْ‬
‫حّقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَرُموا ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ن اّلِذي َ‬‫ت ‪َ ،‬فاْنَتقَْمَنا ِم َ‬
‫جاُءوُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬ ‫ل ‪ِ ،‬إَلى َقْوِمِهْم َف َ‬‫سً‬‫ك ُر ُ‬
‫ن َقْبِل َ‬‫سْلَنا ِم ْ‬‫َوَلَقْد َأرْ َ‬
‫خَل فْوا‬ ‫ن َ‬‫ن ‪ِ ،‬إّل ِمْثَل َأّيففاِم اّل فِذي َ‬
‫ظُرو َ‬ ‫ن )‪ 47‬الروم ( ‪ ،‬ووعدهم بالنجاة كما وعد رسله ‪ ،‬قال تعالى ) َفَهْل َيْنَت ِ‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫عَلْيَنففا‬‫حّقففا َ‬
‫ك َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪ ،‬كَ فَذِل َ‬ ‫سَلَنا ‪َ ،‬واّلِذي َ‬‫جي ُر ُ‬ ‫ن )‪ُ (102‬ثّم ُنَن ّ‬ ‫ظِري َ‬
‫ن اْلُمْنَت ِ‬
‫ظُروا ‪ِ ،‬إّني َمَعُكْم ِم َ‬‫ن َقْبِلِهْم ‪ُ ،‬قْل َفاْنَت ِ‬ ‫ِم ْ‬
‫ن )‪ 103‬يونس ( ‪.‬‬ ‫ج اْلمُْؤِمِني َ‬‫ُنْن ِ‬
‫وبعد جدال طويل لمؤمن آل فرعون مع أئمة الكفر من قومه ‪ ،‬في حوار يمتد من الية ‪ 28‬في سورة غافر وحييتى‬
‫صيٌر ِباْلِعَبففاِد )‪َ (44‬فَوَقففاُه‬ ‫ل َب ِ‬
‫ن ا َّ‬‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ض َأْمِري ِإَلى ا ِّ‬
‫ن َما َأُقوُل َلُكْم ‪َ ،‬وُأَفّو ُ‬‫سَتْذُكُرو َ‬‫الية ‪ ، 44‬يقول لقومه ‪َ ) :‬ف َ‬
‫ش فّيا ‪َ ،‬وَي فْوَم َتُقففوُم‬
‫ع ِ‬
‫غُدّوا َو َ‬
‫عَلْيَها ُ‬
‫ن َ‬ ‫ضو َ‬‫ب )‪ (45‬الّنارُ ُيْعَر ُ‬ ‫سوُء اْلَعَذا ِ‬‫ن ُ‬ ‫عْو َ‬‫ق ِبآِل ِفْر َ‬‫حا َ‬‫ت َما َمَكُروا ‪َ ،‬و َ‬ ‫سّيَئا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ا ُّ‬
‫ب )‪ (46‬وكذلك سيفعل الذين من بعدهم عندما يسمعون بأمر هذا الكتاب ‪،‬‬ ‫شّد اْلَعَذا ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫عْو َ‬‫خُلوا َءاَل ِفْر َ‬
‫عُة ‪َ ،‬أْد ِ‬‫سا َ‬
‫ال ّ‬
‫فسُيمارون وُيكثرون من الجدل الجدال ‪ ،‬لُيثبتوا أن هذه السورة لم تكن بييأي حييال ميين الحييوال بشييأن مصيير ومييا‬
‫يجري في مصر ‪ ،‬وما ذلك بمنجيهم من العذاب ‪ ،‬فالولى بهم أن ُيصلحوا ما فسد من أمرهم ليدرءوا العذاب عيين‬
‫أنفسهم ‪.‬‬

‫ماهية هذه البطشة ‪:‬‬

‫المكان هو القاهرة بشكل خاص حيييث ظهيير الييدخان ‪ ،‬وميين المرجييح أل يمتييد إلييى غيرهييا مين المييدن المصييرية‬
‫الكبرى وربما يمتد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫النتيجة هي دمار القاهرة وخرابها وهلك أهلها هلكييا عامييا غاييية فييي البشيياعة ‪ ،‬وهييذا مسييتفاد ميين قييوله تعييالى‬
‫) بطشتنا ( عند حديثه عن عذاب قوم لوط ‪ ،‬التي أوضحنا صفتها في فصل سابق ‪ ،‬فتلك بطشة وهذه بطشة كبرى‬
‫‪.‬‬
‫ي خياص وظياهر كعيذابات القيوام السيابقة ‪ ،‬ميع بقياء‬ ‫ومن المرجح وال أعلم ‪ ،‬أل تكون هذه البطشية بفعيل إلهي ّ‬
‫الحتمالية قائمة كالخسف والزلزل ‪ .‬ومن المحتمل أن تكون ضييربة أو ضييربات نووييية ‪ ،‬تييترافق وتييتزامن مييع‬
‫أحداث الحرب القادمة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومما يدعم احتمال ضرب القاهرة نوويا ‪ ،‬هو ما جاء في أسفار التوراة من أخبار بخراب مصيير وحريقهييا بالنييار‬
‫وهلك أهلها ‪ ،‬وجفاف النيل وروافده فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعل ‪ ،‬في النصوص التالية ‪:‬‬
‫ي نص من سفر إشعياء ‪ ،‬وهو السفر القل تشويها وتحريفا ‪ ،‬وهو السفر الييذي مييازال يحتفييظ بنصييوص البشييرى‬
‫بمحمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وإليك نصه ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :16-1 :19 :‬نبوءة بشأن مصر ‪ ،‬ها هو الرب قادم إلى يركب سحابة سريعة ‪ ،‬فترتجف أوثييان مصيير‬
‫في حضرته ‪ ،‬وتذوب قلوب المصريين في داخلهم ‪ ،‬وُأثير مصريين عليى مصيريين فيتحيياربون ‪ ،‬ويقيوم الواحييد‬
‫على أخيه ‪ ،‬والمدينيية علييى المدينيية ‪ ،‬والمملكيية علييى المملكيية ‪ ،‬فتييذوب أرواح المصييريين فييي داخلهييم ‪ ،‬وُأبطييل‬
‫ى قيياس ‪ ،‬فيسييود‬‫مشورتهم ‪ ،‬فيسألون الوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعّرافين ‪ ،‬وُأسّلط على المصريين مول ً‬
‫ملك عنيف عليهم ‪ ،‬هذا ما يقوله الرب القدير …‬

‫‪283‬‬
‫… وتنضب مياه النيل ‪ ،‬وتجف الحواض وتيبييس ‪ُ ،‬تنتيين القنييوات ‪ ،‬وتتنيياقص تفّرعييات النيييل وتجييف ‪ ،‬ويتلييف‬
‫القصب والسل ‪ ،‬وتذبل النباتات على ضفاف نهر النيل ‪ ،‬والحقييول والمزروعييات كلهييا تجييف ‪ ،‬وكأنهييا لييم تكيين‬
‫سيير الييذين يلقييون شييباكهم فييي المييياه ‪،‬‬
‫مخضّرة ‪ .‬فيئن الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ‪ ،‬ويتح ّ‬
‫شط ‪ ،‬ويفقد حائكو الكتان الفاخر كل أمل ‪ ،‬ويسحق الرجال أعمييدة‬ ‫ويتوّلى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان المم ّ‬
‫الرض ‪ ،‬ويكتئب كل عامل أجير …‬
‫… رؤساء صوعن حمقى ‪ ،‬ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية ‪ ,‬كيف تقولون لفرعون ‪ ،‬نحن من نسل حكماء‬
‫حمييق‬‫‪ ،‬وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا فرعون ‪ ،‬ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد َ‬
‫ل مصر شرفاء قبائلهييا ‪ .‬جعييل الييرب فيهييا روح فوضييى ‪ ،‬فأضيّلوا‬ ‫رؤساء صوعن ‪ ،‬وانخدع أمراء نوف ‪ ،‬وأض ّ‬
‫مصر في كل تصّرفاتها ‪ ،‬حتى ترّنحت كترّنح السكران في قيئه ‪ ،‬فلم يبق لُعظمائها أو أدنيائهيا ميا يفعليونه فيهيا ‪.‬‬
‫في ذلك اليوم ‪ ،‬يرتعد المصريون كالنساء ‪ ،‬خوفا من يد الرب القدير التي يهّزها فوقهم " ‪.‬‬
‫ي ومقتطفات من نص آخر لرميا ‪ُ ،‬ينّبئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫" ارميا ‪ : -13 :46 :‬النبوءة التي أوحى بها الرب إلى ارميا النبي ‪ ،‬عن زحييف نبوخييذ نصيير لمهاجميية مصيير ‪:‬‬
‫أذيعوا في مصر ‪ ،‬وأعلنوا في مجدل ‪ ،‬خّبروا في ممفيس ‪ ،‬وفي تحفنحيس ‪ ،‬قولوا ‪ :‬قف متأهبا لن السيييف يلتهيم‬
‫ِمن حولك ‪ … .‬فتقول بقية اليهود آنذاك ‪ " :‬قوموا لنرجييع إلييى قومنييا ‪ ،‬وإلييى أرض موطننييا ‪ ،‬هربييا ميين السيييف‬
‫الطاغي " ‪ .‬ويهتفون هناك ‪ " :‬إن فرعون ملك مصر ‪ ،‬ليس سوى طبل أجييوف ‪ ،‬أضيياع فرصييته " ‪ … .‬تييأهبوا‬
‫للجلء يأهل مصر ‪ ،‬لن ممفيس ستصبح أطلل وخربا مهجورا ‪ .‬مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلك من الشمال ‪،‬‬
‫حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسّمنة ‪ ،‬قد نكصوا على أعقابهم هاربين معا ‪ ،‬ولم يصمدوا لن يييوم بلئهييم ‪،‬‬
‫قد حل بهم في وقت عقابهم " ‪.‬‬
‫ي ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ‪ُ ،‬ينّبئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫ب بيات‬‫ن ييوم الير ّ‬ ‫ي اليرب بكلمتيه قيائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ،‬تنّبيأ ‪ ،‬وقيل ‪ ، … :‬إ ّ‬
‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحى إلي ّ‬
‫وشيكا ‪ ، … ،‬إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ‪ ،‬ساعة دينونة ) نهاية ( للمم ‪ ،‬إذ ُيجّرد سيييف علييى مصيير ‪ ،‬فيُعيّم الييذعر‬
‫الشديد إثيوبيا ‪ ،‬عندما يتهاوى قتلى مصر ‪ ،‬ويستولي على ثروتها ‪ ،‬وُتنقييض ُأسسييها ‪ .‬ثييم تسييقط معهييم بالسيييف ‪،‬‬
‫سيّكانها ميين‬‫إثيوبيا وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيييا ‪ ،‬وشييعوب الرض الُمتحالفيية معهييم … فيتهيياوى ُ‬
‫مجدل إلى أسوان ‪ ...‬فُتصبح أكثر الراضي الُمقفرة وحشة ‪ ،‬وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يييوم هلك‬
‫مصر ‪ ،‬الذي ل بد أن يتحّقق ‪...‬‬
‫صيير ملييك بابييل ‪ ،‬إذ ُيقبييل بجيشييه أعييتى جيييوش المييم لخييراب ديييار‬
‫… لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخييذ ن ّ‬
‫مصر ‪ ،‬فُيجّردون عليها سيوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضييها بييالقتلى ‪ ،‬وُأجفّييف مجيياري نهيير النيييل ‪ ،‬وأبيييع الرض لقيوم‬
‫طم الصنام ‪ ،‬وُأزيييل الوثييان ميين ممفيييس ‪،‬‬
‫ب قد قضيت ‪ .‬ثّم ُأح ّ‬ ‫أشرار ‪ ،‬وُأخّرب البلد فيها بيد الغرباء ‪ ،‬أنا الر ّ‬
‫ول يبقى بعد رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وُألقي فيها الرعب " ‪.‬‬

‫وا ِبالن ّذُ ِ‬


‫ر(‬ ‫ماَر ْ‬
‫فت َ َ‬ ‫م ب َطْ َ‬
‫شت ََنا َ‬ ‫قدْ أ َن ْذََر ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫) َ‬
‫حٍر )‬
‫سف َ‬ ‫ط َنجّْيَنففاُهْم ِب َ‬
‫صًبا ِإّل َءاَل ُلو ٍ‬
‫حا ِ‬ ‫عَلْيِهْم َ‬
‫سْلَنا َ‬
‫ط ِبالّنُذِر )‪ِ (33‬إّنا َأْر َ‬
‫ت َقْوُم ُلو ٍ‬
‫قال تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ‬
‫عف ْ‬
‫ن‬ ‫شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنفُذِر )‪َ (36‬وَلَقفْد َراَوُدوُه َ‬ ‫ط َ‬‫شَكَر )‪َ (35‬وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ‬
‫ن َ‬ ‫جِزي َم ْ‬ ‫ك َن ْ‬
‫عْنِدَنا َكَذِل َ‬
‫ن ِ‬ ‫‪ِ (34‬نْعَمًة ِم ْ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‬‫سَتِقّر )‪َ (38‬فُذوُقوا َ‬ ‫ب ُم ْ‬‫عَذا ٌ‬
‫حُهْم ُبْكَرًة َ‬‫صّب َ‬‫عَذاِبي َوُنُذِر )‪َ (37‬وَلَقْد َ‬ ‫عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ‬ ‫سَنا َأ ْ‬
‫طَم ْ‬‫ضْيِفِه َف َ‬
‫َ‬
‫ن ُمّدِكٍر )‪ 40‬القمر ( ‪.‬‬ ‫ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ‬
‫سْرَنا اْلُقْرَءا َ‬ ‫‪َ (39‬وَلَقْد َي ّ‬
‫فتماروا بالُنذر ‪ :‬جماع معنى كلمة مراء ‪ ،‬هو الكثار في الجدال بل طائل ‪ ،‬بغية إلباس الحق بالباطل ‪ ،‬والصورة‬
‫التي تشّكلت لدينا مما جاء من معاني في لسان العرب ‪ ،‬هو أن قوم لوط ‪ ،‬عندما أنذرهم وحّذرهم عليه السلم مين‬
‫العذاب استهزءوا به وبتحذيره ‪ ،‬بل وطفقوا في مجالسهم يتبارون فيما بينهم أيهم أقيوى حجيية ‪ ،‬بكييل مييا ُأتيوا مين‬
‫ملكات وبيان لستخراج واستنباط البراهين ‪ ،‬لتفنيد ما ييّدعيه ليوط مين قيدرة ربييه علييى إهلكهييم ‪ ،‬دون أن ييألوا‬
‫جهدا في التشكيك بذلك ‪ ،‬مظهرين أكبر قدر من الصلبة والثبات فييي مييواقفهم المخالفيية للييوط ‪ ،‬وأكييبر قييدر ميين‬

‫‪284‬‬
‫الخصومة لكل ما جاء به من الحق ‪ .‬وهذا ما يقوم به عادة المدافعين عن الباطل لضلل الناس ودفعهييم للعتقيياد‬
‫بوجهة نظرهم ‪ ،‬وهذه الصورة كثيرا ما نراها هذه اليام ‪ ،‬في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ‪ ،‬حتى من بعييض‬
‫رجال الدين عندما يجتمعون فيما بينهم ‪ ،‬علييى منييابر العلم المرئييية والمسييموعة والمكتوبية ‪ .‬قيال تعيال ) َوَمففا‬
‫خفُذوا َءاَيففاِتي َوَمفا‬
‫ق َواّت َ‬
‫حف ّ‬
‫ضففوا ِبفِه اْل َ‬
‫ح ُ‬
‫طفِل ِلُيْد ِ‬
‫ن َكَففُروا ِباْلَبا ِ‬
‫جاِدُل اّلِذي َ‬
‫ن َوُي َ‬
‫ن َوُمْنِذِري َ‬
‫شِري َ‬
‫ن ِإّل ُمَب ّ‬
‫سِلي َ‬
‫سُل اْلُمْر َ‬
‫ُنْر ِ‬
‫ُأْنِذُروا ُهُزًوا )‪ 56‬الكهف (‬
‫والسؤال الن ‪ :‬هل سيتمارى أهل مصر بهذا الكتاب ‪ ،‬فيما لو وقع تحت أيديهم ‪ ،‬كمييا تمييارى الييذين ميين قبلهييم ؟‬
‫نقول ‪ :‬نعم بل أدنى ! ألم يقل سبحانه ) أّنى لهييم الييذكرى ( ‪ ،‬وقييد كيّذبوا برسييالة محمييد عليييه الصييلة والسييلم ‪،‬‬
‫فالحرى بهم أن ُيكذبوا من هو دونه من البشر ‪ ،‬أيا كانت درجتهييم أو صييفتهم ‪ ،‬وألييم يقييل سييبحانه ) يييوم نبطييش‬
‫… ( وعقب على هذا اليوم ‪ ،‬بقوله ) فارتقب إنهم مرتقبون ( فالمسألة باتت مسألة وقت ل أكثر … فلنرتقييب …‬
‫ونرى … !‬
‫ولكن هل يفيد هذا النذار السابق للعذاب ؟ نقول ‪ :‬نعم ولو لم يكن فيه فائدة لما أنزله ال في كتابه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إذ لو عاد أهل مصر عامة ‪ ،‬عّما هم علييه لُرفيع عنهيم العيذاب ‪ ،‬كميا ُرفيع عين قيوم ييونس علييه الصيلة‬
‫والسلم ‪ ،‬وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ‪ ،‬كان لسبق علم ال ‪ ،‬بما سيكون من إصرارهم على ما هم علييه بعيد‬
‫كشف الدخان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وربما سيكون هناك عودة لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ‪ ،‬فيما لو انتبه أحدهم لهييذا الميير ‪ ،‬ميين‬
‫خلل قراءته لسورة الدخان ‪ ،‬أو تم تنبيهه لهذا النذير اللهي ‪ .‬وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قييراءة القييرآن ‪،‬‬
‫فذلك حجة إضافية عليهم يوم القيامة فيما لو تذّرعوا بأن لم يأتهم نذير ‪ ،‬في أنهم كانوا حقا معرضين عيين كتييابه ‪،‬‬
‫كما أخبر سبحانه بحالهم من سابق علمه في كتابه العزيز ‪ ،‬ليكييون النييذير فييي متنيياول أيييديهم وهييم ل يشييعرون ‪.‬‬
‫وربما يكون أحدهم قد انتبه ‪ ،‬ولما لم ُيكّلف نفسه بالبحث ‪ ،‬إذ ل يرى نفسه ملزما بفهييم كتيياب ال ي فتسيياءل … ؟!‬
‫فضّلله عاّمي أو عالم أو فقيه بغير علم … !‬
‫سفَلًفا َوَمَث ً‬
‫ل‬ ‫جَعْلَنففاُهْم َ‬
‫ثالثا ‪ :‬ليكون في كل هذا عبرة لمن يعتبر من المصريين وغيرهم من الميم ‪ ،‬قيال تعيالى ) َف َ‬
‫ن )‪ 56‬الزخرف ( سلفا لمن سيأتي بعدهم ومثل لمن عاصرهم ‪.‬‬
‫خِري َ‬
‫لِ‬‫ِل ْ‬

‫مسألة إهلك العامة والخاصة ‪:‬‬

‫قد يستنكر البعض إهلك ال للعامة كونهم مسلمين ‪ ،‬وردا على ذلك ‪ ،‬نقول أن ربهم أعلم بهم ‪ ،‬وهو القيدر عليى‬
‫ق ‪ .‬وممييا قيياله رب العييزة فييي سيينن إهلك القييرى ‪،‬‬ ‫كيفية التعامل معهم ‪ ،‬وحكمه في خلقه عدل وقضاؤه فيهم حي ّ‬
‫جِرِميَهففا ِلَيْمُكفُروا‬
‫ك جََعْلَنا ِفففي ُكفّل َقْرَيفٍة ‪َ ،‬أَكففاِبَر ُم ْ‬
‫موضحا أسباب استحقاق أهلها للعقاب بفعل ساداتها هو ) َوَكَذِل َ‬
‫ك َقْرَيةً ‪َ ،‬أَمْرَنا ُمْتَرِفيَها‬
‫ن ُنْهِل َ‬
‫ن )‪ 123‬النعام ( ‪ ،‬وقال ) َوِإَذا َأَرْدَنا َأ ْ‬ ‫شُعُرو َ‬
‫سِهْم َوَما َي ْ‬
‫ن ِإّل ِبَأْنُف ِ‬
‫ِفيَها ‪َ ،‬وَما َيْمُكُرو َ‬
‫عَلْيَها اْلَقْوُل ‪َ ،‬فَدّمْرَناَها َتْدِميًرا )‪ 16‬السراء (‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬‫سُقوا ِفيَها ‪َ ،‬ف َ‬
‫‪َ ،‬فَف َ‬
‫سِعيًرا )‬‫عّد َلُهْم َ‬ ‫ن َوأَ َ‬
‫ن اْلَكاِفِري َ‬
‫ل َلَع َ‬‫ن ا َّ‬‫وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ‪ ،‬كما ُيبّينوها هم بأنفسهم قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫لف‬
‫طْعَنفا ا َّ‬
‫ن َيَلْيَتَنفا َأ َ‬
‫جففوُهُهْم ِففي الّنففاِر َيُقوُلففو َ‬‫ب ُو ُ‬ ‫صيًرا )‪َ (65‬يْوَم ُتَقّل ُ‬ ‫ن َوِلّيا َوَل َن ِ‬ ‫جُدو َ‬‫ن ِفيَها َأَبًدا َل َي ِ‬‫خاِلِدي َ‬
‫‪َ (64‬‬
‫ن‬
‫ن ِمف َ‬
‫ضفْعَفْي ِ‬‫ل )‪َ (67‬رّبَنففا َءاِتِهفْم ِ‬ ‫سفِبي َ‬
‫ساَدَتَنا َوُكَبَراَءَنففا َفَأضَفّلوَنا ال ّ‬
‫طْعَنا َ‬‫سوَل )‪َ (66‬وَقاُلوا َرّبَنا ِإّنا َأ َ‬ ‫طْعَنا الّر ُ‬
‫َوَأ َ‬
‫لف ِمّمففا َقففاُلوا ‪،‬‬‫سففى ‪َ ،‬فَبفّرَأُه ا ُّ‬ ‫ن َءاَذْوا ُمو َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬ل َتُكوُنففوا َكاّلفِذي َ‬ ‫ب َواْلَعْنُهْم َلْعًنا َكِبيًرا )‪َ (68‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫اْلَعَذا ِ‬
‫سِديًدا )‪ 70‬الحزاب (‬ ‫ل َوُقوُلوا َقْوًل َ‬ ‫ن َءاَمُنوا اّتُقوا ا َّ‬ ‫جيًها )‪َ (69‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ل َو ِ‬‫عْنَد ا ِّ‬‫ن ِ‬‫َوَكا َ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫صفُمو َ‬ ‫ن )‪َ (95‬قاُلوا َوُهفْم ِفيَهففا َيخَْت ِ‬ ‫جَمُعو َ‬
‫س َأ ْ‬
‫جُنوُد ِإْبِلي َ‬
‫ن )‪َ (94‬و ُ‬ ‫وقال تعالى ) َفُكْبِكُبوا ِفيَها ُهْم َواْلَغاُوو َ‬
‫ن )‪َ (99‬فَمففا َلَنففا ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫جِرُمو َ‬ ‫ضّلَنا ِإّل اْلُم ْ‬
‫ن )‪َ (98‬وَما َأ َ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫سّويُكْم ِبَر ّ‬
‫ن )‪ِ (97‬إْذ ُن َ‬ ‫لٍل ُمِبي ٍ‬
‫ضَ‬‫ل ِإنْ ُكّنا َلِفي َ‬
‫َتا ِّ‬
‫حِميٍم )‪ 101‬الشعراء ( ‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫صِدي ٍ‬ ‫شاِفِعينَ )‪َ (100‬وَل َ‬ ‫َ‬
‫ظففاِلُمونَ‬ ‫ن َيفَدْيِه ‪َ ،‬وَلفْو َتفَرى ‪ِ ،‬إِذ ال ّ‬
‫ن ‪َ ،‬ولَ ِباّلفِذي َبْيف َ‬ ‫ن ِبَهفَذا اْلُقفْرَءا ِ‬
‫ن ُنفْؤِم َ‬
‫ن َكَففُروا ‪َ ،‬لف ْ‬‫وقال تعالى ) َوَقاَل اّلفِذي َ‬
‫سَتْكَبُروا ‪َ ،‬لْوَل َأْنُتْم َلُكّنففا‬
‫نا ْ‬
‫ضِعُفوا ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬‫سُت ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ض اْلَقْوَل ‪َ ،‬يُقوُل اّلِذي َ‬ ‫ضُهْم ِإَلى َبْع ٍ‬‫جُع َبْع ُ‬‫عْنَد َرّبِهْم ‪َ ،‬يْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫َمْوُقوُفو َ‬
‫ُمْؤِمِنينَ )‪ 31‬سبأ (‬
‫‪285‬‬
‫وذلك بسبب طاعتهم وتأليههم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ‪ ،‬ورضاهم واتباعهم لمنهج كييبرائهم ‪ ،‬سييواء كييان‬
‫ذلك كرها أم طوعا ‪ ،‬وممارستهم للفساد والفساد كل حسب طاقته ‪ .‬وفساد الحكام عييادة مييا يكييون مسييبوقا بفسيياد‬
‫ظرين الطامعين في السلطة ‪ ،‬صابين جيام غضيبهم‬ ‫الشعوب وانحرافها ‪ ،‬وليس العكس كما يتصور الكثير من المن ّ‬
‫على الحكام ‪ ،‬والجدى بهؤلء والجدر بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ‪ ،‬والشفاق عليهم من حسابهم العسير ‪،‬‬
‫بين يدي ملك الملوك إن كانوا من الظالمين وليصلحوا أنفسهم أول ‪ ،‬ورب العزة كفييل بيأن ييوّلي عليهيم مين هيو‬
‫خير منهم ‪ ،‬ول أذكر بالضبط من القائل " لو يعلم الملوك ما نشعر به من حلوة اليمان لقاتلونا عليها بالسيوف "‬
‫صلوا‬‫وهل يضمن هؤلء أل ُيفتنوا ببريق المال والسلطة ‪ ،‬كما افُتتن الملوك والحكام على مّر العصور فيما لو تح ّ‬
‫سِهْم )‪ 11‬الرعد ( ‪.‬‬
‫حّتى ُيَغّيُروا َما ِبَأْنُف ِ‬
‫ل َل ُيَغّيُر َما ِبَقْوٍم َ‬
‫ن ا َّ‬
‫عليهما ‪ ،‬قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ض فّلوا‬
‫ن َت فَذْرُهْم ُي ِ‬
‫ك ِإ ْ‬
‫وتدّبر دعاء نوح عليه السلم على قومه ‪ ،‬حيث شملت دعوته من هم في ظهور آبائهم ‪ِ ) :‬إّن ف َ‬
‫جًرا َكّفاًرا )‪ 27‬نوح (‬
‫ك َوَل َيِلُدوا ِإّل َفا ِ‬
‫عَباَد َ‬
‫ِ‬
‫وتفّكر وتدّبر في قصة أصحاب السبت ‪ ،‬فيما يلي من آيات ‪:‬‬
‫عا َوَيفوْمَ‬‫شفّر ً‬ ‫سْبِتِهْم ُ‬‫حيَتاُنُهْم َيْوَم َ‬ ‫ت ِإْذ َتْأِتيِهْم ِ‬
‫سْب ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬‫حِر ِإْذ َيْعُدو َ‬
‫ضَرَة اْلَب ْ‬‫حا ِ‬
‫ت َ‬ ‫ن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْ‬
‫عِ‬ ‫سَأْلُهْم َ‬ ‫) َوا ْ‬
‫ل ف ُمْهِلُكُه فْم َأْو‬
‫ن َقْوًما ا ُّ‬ ‫ظو َ‬ ‫ت ُأّمٌة ِمْنُهْم ِلَم َتِع ُ‬‫ن )‪َ (163‬وِإْذ َقاَل ْ‬ ‫سُقو َ‬ ‫ك َنْبُلوُهْم ِبَما َكاُنوا َيْف ُ‬‫ن َل َتْأِتيِهْم َكَذِل َ‬‫سِبُتو َ‬ ‫َل َي ْ‬
‫ن‬
‫عِ‬‫ن َ‬ ‫ن َيْنَهْو َ‬‫جْيَنا اّلِذي َ‬
‫سوا َما ُذّكُروا ِبِه َأْن َ‬ ‫ن )‪َ (164‬فَلّما َن ُ‬ ‫شِديًدا َقاُلوا َمْعِذَرًة ِإَلى َرّبُكْم َوَلَعّلُهْم َيّتُقو َ‬‫عَذاًبا َ‬ ‫ُمَعّذُبُهمْ َ‬
‫عْنُه ُقْلَنففا َلُهفْم ُكوُنففوا‬
‫ن َما ُنُهوا َ‬ ‫عْ‬ ‫عَتْوا َ‬ ‫ن )‪َ (165‬فَلّما َ‬ ‫سُقو َ‬
‫س ِبَما َكاُنوا َيْف ُ‬ ‫ب َبِئي ٍ‬‫ظَلُموا ِبَعَذا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫خْذَنا اّلِذي َ‬‫سوءِ َوَأ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ 166‬العراف ( ‪.‬‬ ‫سِئي َ‬‫خا ِ‬ ‫ِقَرَدًة َ‬
‫إذن هناك نجاة لمن ينهون عن السوء أول ‪ ،‬ومن ثم هناك عذاب للذين ظلميوا ثانييا بميا كيانوا يفسييقون ‪ ،‬والفسيق‬
‫اصطلحا هو الخروج من الدين ‪ ،‬ولحظ هنا أن النجاة ُكتبت لميين أمييروا بييالمعروف ونهييوا عيين المنكيير ‪ ،‬فهييل‬
‫نجرؤ أو نقوى هذه اليام على فعل ذلك ‪ ،‬وإيمان الواحد منا على حرف وخوفنا على فقييدان متيياع الحييياة الييدنيا ‪،‬‬
‫أشد من خوفنا من أمر ال … ؟!‬
‫عَلفى‬
‫ب َ‬
‫صفاَبْتُه ِفْتَنفٌة ‪ ،‬اْنَقَلف َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن ِبفِه ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫طَمَأ ّ‬
‫خْيرٌ ا ْ‬
‫صاَبُه َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ف ‪َ ،‬فِإ ْ‬‫حْر ٍ‬‫عَلى َ‬‫ل َ‬ ‫ن َيْعُبُد ا َّ‬
‫س َم ْ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫قال تعالى ) َوِم َ‬
‫ن )‪ 11‬الحج (‬ ‫ن اْلُمِبي ُ‬
‫سَرا ُ‬
‫خ ْ‬
‫ك ُهَو اْل ُ‬
‫خَرَة َذِل َ‬‫لِ‬ ‫سَر الّدْنَيا َوا ْ‬
‫خ ِ‬
‫جِهِه ‪َ ،‬‬
‫َو ْ‬
‫عينْ‬ ‫سيَأُلُه َ‬ ‫ت َأ ْ‬‫خْيِر ‪ ،‬وَُكْني ُ‬ ‫ن اْل َ‬‫عْ‬ ‫سّلَم َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سَأُلو َ‬ ‫س ‪َ ،‬ي ْ‬‫ن الّنا ُ‬ ‫ن ‪ ،‬قال ‪َ :‬كا َ‬ ‫ن اْلَيَما ِ‬‫وعن حَُذْيَفَة ْب َ‬
‫ل َبْع يَد َه يَذا‬‫خْيِر ‪َ ،‬فَه ْ‬ ‫ل ِبَهَذا اْل َ‬‫جاَءَنا ا ُّ‬ ‫شّر ‪َ ،‬ف َ‬ ‫جاِهِلّيٍة َو َ‬ ‫ل ِإّنا ُكّنا ِفي َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ " :‬يا َر ُ‬ ‫ن ُيْدِرَكِني ‪َ ،‬فُقْل ُ‬ ‫خاَفَة َأ ْ‬‫شّر ‪َ ،‬م َ‬ ‫ال ّ‬
‫خُنيُه ؟‬ ‫ت ‪َ :‬وَمييا َد َ‬ ‫ن ‪ُ ،‬قْلي ُ‬ ‫خف ٌ‬‫ل ‪َ :‬نَعفْم ‪َ ،‬وِفيفِه َد َ‬ ‫خْييٍر ؟ َقييا َ‬ ‫ن َ‬
‫شّر ِم ْ‬ ‫ك ال ّ‬‫ل َبْعَد َذِل َ‬
‫ت ‪َ :‬وَه ْ‬ ‫ل ‪َ :‬نَعْم ‪ُ ،‬قْل ُ‬‫شّر ؟ َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خْيِر ِم ْ‬‫اْل َ‬
‫عففاٌة ِإَلففى‬
‫ل ‪َ :‬نَعفْم ُد َ‬ ‫شيّر ؟ َقييا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خْييِر ِمي ْ‬ ‫ك اْل َ‬
‫ل َبْعَد َذِلي َ‬ ‫ت ‪َ :‬فَه ْ‬‫ف ِمْنُهْم َوُتْنِكُر ‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫ن ِبَغْيِر َهْدِيي ‪َ ،‬تْعِر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قْوٌم َيْهُدو َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن جِْلفَدِتَنا َوَيَتَكّلُمففو َ‬
‫ن‬ ‫ل ‪ُ :‬هفْم ِمف ْ‬ ‫صْفُهْم َلَنييا ؟! َفَقييا َ‬
‫ل ِ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬
‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫جاَبُهْم ِإَلْيَها َقَذُفوُه ِفيَها ‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫ن َأ َ‬
‫جَهّنَم ‪َ ،‬م ْ‬ ‫ب َ‬‫َأْبَوا ِ‬
‫ن َلُهيمْ‬‫ن َليْم َيُكي ْ‬
‫ت ‪َ :‬فيِإ ْ‬‫ن َوِإَمففاَمُهْم ‪ُ ،‬قْلي ُ‬ ‫سفِلِمي َ‬ ‫عَة اْلُم ْ‬ ‫جَما َ‬ ‫ل ‪َ :‬تْلَزُم َ‬‫ك ؟ َقا َ‬ ‫ن َأْدَرَكِني َذِل َ‬ ‫ت ‪َ :‬فَما َتْأُمُرِني ِإ ْ‬ ‫سَنِتَنا ‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫ِبَأْل ِ‬
‫عَلففى‬ ‫ت َ‬‫ت ‪َ ،‬وَأْن َ‬ ‫ك اْلَمْو ُ‬ ‫حّتى ُيْدِرَك َ‬ ‫جَرٍة ‪َ ،‬‬ ‫شَ‬ ‫صِل َ‬ ‫ض ِبَأ ْ‬ ‫ن َتَع ّ‬ ‫ق ُكّلَها ‪َ ،‬وَلْو َأ ْ‬ ‫ك اْلِفَر َ‬
‫عَتِزْل ِتْل َ‬‫ل ‪َ :‬فا ْ‬‫ل ِإَماٌم ؟ َقا َ‬ ‫عٌة َو َ‬ ‫جَما َ‬
‫َ‬
‫ك " ‪ . .‬رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن وأحمد ‪.‬‬ ‫َذِل َ‬
‫صيّلى الُّي‬‫لي َ‬ ‫سييولُ ا ِّ‬ ‫ل َر ُ‬
‫ل ؟ َفَقييا َ‬
‫ضي ُ‬‫س َأْف َ‬
‫ي الّنييا ِ‬
‫ل ‪َ ،‬أ ّ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬
‫ل ‪ِ " :‬قي َ‬‫عْنُه ‪َ ،‬قا َ‬
‫ل َ‬‫ي ا ُّ‬
‫ضَ‬
‫ي َر ِ‬ ‫خْدِر ّ‬‫سِعيٍد اْل ُ‬‫ن َ‬‫عْ‬ ‫وَ‬
‫ب َيّتِقففي‬
‫ش فَعا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ب ِم ف ْ‬
‫ش فْع ٍ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ل ‪ُ :‬مْؤِم ٌ‬‫ن ؟ َقا َ‬‫سِه َوَماِلِه ‪َ ،‬قاُلوا ‪ُ :‬ثّم َم ْ‬
‫ل ِبَنْف ِ‬
‫سِبيِل ا ِّ‬
‫جاِهُد ِفي َ‬
‫ن ُي َ‬
‫سّلَم ‪ُ:‬مْؤِم ٌ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫َ‬
‫شّرِه " ‪ .‬رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫ن َ‬‫س ِم ْ‬‫ع الّنا َ‬ ‫ل ‪ ،‬وََيَد ُ‬‫ا َّ‬
‫ب )‪ 25‬النفال (‬
‫شِديُد اْلِعَقا ِ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫عَلُموا َأ ّ‬
‫صًة ‪َ ،‬وا ْ‬
‫خا ّ‬
‫ظَلُموا ِمْنُكْم َ‬
‫ن َ‬
‫ن ‪ ،‬اّلِذي َ‬
‫صيَب ّ‬
‫وقال تعالى ) َواّتُقوا ِفْتَنًة َل ُت ِ‬

‫ن(‬
‫مو َ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م ُ‬
‫ع َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫فًل ‪َ ،‬‬
‫ع ّ‬ ‫غا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫وَل ت َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫) َ‬
‫صففاُر )‪(42‬‬ ‫ص ِفيفِه اَْلْب َ‬‫خ ُ‬ ‫شف َ‬‫خُرُهْم ِلَيفْوٍم ‪َ ،‬ت ْ‬‫ن ‪ِ ،‬إّنَمففا ُيفَؤ ّ‬
‫ظففاِلُمو َ‬
‫عّما َيْعَمُل ال ّ‬‫ل‪َ ،‬‬ ‫غاِف ً‬‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬
‫سَب ّ‬‫ح َ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬وَل َت ْ‬
‫ب ‪َ ،‬فَيُقففوُل‬ ‫س ‪َ ،‬يْوَم َيْأِتيِهُم اْلَعَذا ُ‬‫طْرُفُهْم َوَأْفِئَدُتُهْم َهَواٌء )‪َ (43‬وَأْنِذِر الّنا َ‬ ‫سِهْم َل َيْرَتّد ِإَلْيِهْم َ‬‫ن ُمْقِنِعي ُرُءو ِ‬ ‫طِعي َ‬
‫ُمْه ِ‬
‫ن َقْبفُل ‪َ ،‬مفا َلُكفْم‬
‫سْمُتْم ِمف ْ‬ ‫سَل ‪َ ،‬أَوَلْم َتُكوُنوا َأْق َ‬ ‫ك ‪َ ،‬وَنّتِبِع الّر ُ‬ ‫عَوَت َ‬
‫ب َد ْ‬‫ج ْ‬
‫ب ‪ُ ،‬ن ِ‬ ‫جٍل َقِري ٍ‬ ‫خْرَنا ِإَلى َأ َ‬‫ظَلُموا ‪َ :‬رّبَنا َأ ّ‬
‫ن َ‬‫اّلِذي َ‬
‫ضَرْبَنا َلُكُم اَْلْمَثاَل )‪(45‬‬ ‫ف َفَعْلَنا ِبِهْم ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن لَُكْم َكْي َ‬
‫سُهْم ‪َ ،‬وَتَبّي َ‬
‫ظَلُموا َأْنُف َ‬
‫ن َ‬‫ن اّلِذي َ‬‫ساِك ِ‬‫سَكْنُتْم ِفي َم َ‬ ‫ن َزَواٍل )‪َ (44‬و َ‬ ‫ِم ْ‬
‫‪286‬‬
‫عِدِه‬
‫ف َو ْ‬
‫خِل َ‬
‫ل ‪ُ ،‬م ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫سَب ّ‬
‫ح َ‬
‫ل َت ْ‬
‫جَباُل )‪َ (46‬ف َ‬
‫ن َمْكُرُهْم ِلَتُزوَل ِمنُْه اْل ِ‬
‫ن َكا َ‬
‫ل َمْكُرُهْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫َوَقْد َمَكُروا َمْكَرُهْم ‪َ ،‬و ِ‬
‫عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم )‪ 47‬إبراهيم ( …‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬
‫سَلُه ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ُر ُ‬
‫ب )‪ 52‬إبراهيم (‬
‫حٌد ‪َ ،‬وِلَيّذّكَر ُأوُلو اَْلْلَبا ِ‬
‫س ‪َ ،‬وِلُيْنَذُروا ِبِه ‪َ ،‬وِلَيْعَلُموا َأّنَما ُهَو ِإَلٌه َوا ِ‬
‫غ ِللّنا ِ‬
‫لٌ‬‫… َهَذا َب َ‬

‫من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!‬

‫جاء في إهلك القرى الظالمة ‪:‬‬


‫صيُر )‪ 48‬الحج (‬
‫ي اْلَم ِ‬
‫خْذُتَها َوِإَل ّ‬
‫ظاِلَمٌة ُثّم َأ َ‬
‫ي َ‬
‫ت َلَها َوِه َ‬
‫ن َقْرَيٍة َأْمَلْي ُ‬
‫) َوَكَأّينْ ِم ْ‬
‫شِديٌد )‪ 102‬هود (‬
‫خَذُه َأِليٌم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ظاِلَمٌة ِإ ّ‬
‫ي َ‬
‫خَذ اْلُقَرى َوِه َ‬
‫ك ِإَذا َأ َ‬
‫خُذ َرّب َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫) َوَكَذلِ َ‬
‫ن )‪ 52‬النمل (‬
‫لَيًة ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ‬
‫ك َ‬
‫ن ِفي َذِل َ‬
‫ظَلُموا ِإ ّ‬
‫خاِوَيًة ِبَما َ‬
‫) َفِتْلكَ ُبُيوُتُهْم َ‬
‫ن )‪ 11‬النبياء (‬
‫خِري َ‬
‫شْأَنا َبْعَدَها َقْوًما آ َ‬
‫ظاِلَمًة َوَأن َ‬
‫ت َ‬
‫ن َقْرَيٍة َكاَن ْ‬
‫صْمَنا ِم ْ‬
‫) َوَكْم َق َ‬
‫ظْلفٍم‬
‫ك اْلُقفَرى ِب ُ‬
‫ك ُمْهِلف َ‬
‫ن َرّبف َ‬
‫ن َلفْم َيُكف ْ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ن )‪َ … (129‬ذِلف َ‬
‫سفُبو َ‬
‫ضا ِبَما َكفاُنوا َيْك ِ‬
‫ن َبْع ً‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ض ال ّ‬
‫ك ُنَوّلي َبْع َ‬‫) َوَكذَِل َ‬
‫ن )‪ 131‬النعام ( ‪.‬‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫َوَأْهُلَها َ‬
‫ن )‪ 47‬المائدة (‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫ك ِإّل اْلَقْوُم ال ّ‬
‫جْهَرًة ‪َ ،‬هْل ُيْهَل ُ‬
‫ل ‪َ ،‬بْغَتًة َأْو َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫عَذا ُ‬
‫ن َأَتاُكْم َ‬
‫) ُقْل َأَرَأْيَتُكْم ِإ ْ‬

‫مفهوم الظلم بالمنظور اللهي ‪ ،‬على المستوى الفردي والجماعي ‪:‬‬

‫ج فِزي‬
‫ك َن ْ‬
‫جَهّن فَم ‪َ ،‬ك فَذِل َ‬
‫جِزيِه َ‬
‫ك َن ْ‬
‫ن ُدوِنِه ‪َ ،‬فَذِل َ‬
‫ن َيُقْل ِمْنُهْم ‪ِ ،‬إّني ِإَلٌه ِم ْ‬
‫إدعاء البشر لللوهية ‪َ ) :‬وَم ْ‬ ‫‪.1‬‬
‫ن )‪ 29‬النبياء (‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ظيفٌم )‪13‬‬
‫عِ‬
‫ظْلفٌم َ‬
‫ك َل ُ‬
‫شفْر َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ك ِبففا ِّ‬
‫شفِر ْ‬
‫ي َل ُت ْ‬
‫ظُه َيُبَن ّ‬
‫ن ِلْبِنِه َوُهَو َيِع ُ‬
‫الشرك بال ‪َ ) :‬وِإْذ َقاَل ُلْقَما ُ‬ ‫‪.2‬‬
‫لقمان (‬
‫ك ِإًذا‬
‫ت َفِإّنف َ‬
‫ن َفَعْلف َ‬
‫ك َففِإ ْ‬
‫ضفّر َ‬
‫ك َوَل َي ُ‬
‫ل َمفا َل َيْنَفُعف َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫ع ِم ْ‬
‫الشرك في الدعاء والولء ‪َ ) :‬وَل َتْد ُ‬ ‫‪.3‬‬
‫ن )‪ 106‬يونس (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ِم َ‬
‫ب ِبآَيففاِتهِ ِإّنفُه َل‬
‫لف َكفِذًبا َأْو َكفّذ َ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ن اْفَتَرى َ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫الكذب على ال أو التكذيب بآياته ‪َ ) :‬وَم ْ‬ ‫‪.4‬‬
‫ن )‪ 21‬النعام (‬‫ظاِلُمو َ‬
‫ح ال ّ‬
‫ُيْفِل ُ‬
‫جِرِمي ف َ‬
‫ن‬ ‫ن اْلمُ ْ‬
‫عْنَهففا ِإّنففا ِم ف َ‬
‫ض َ‬
‫ع فَر َ‬
‫ت َرّبِه ُثّم َأ ْ‬
‫ن ُذّكَر ِبآَيا ِ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫العراض عن آيات ال ‪َ ) :‬وَم ْ‬ ‫‪.5‬‬
‫ن )‪ 22‬السجدة (‬
‫ُمْنَتِقُمو َ‬
‫جففاَءُهُم‬
‫ق َو َ‬
‫حف ّ‬
‫سوَل َ‬
‫ن الّر ُ‬
‫شِهُدوا َأ ّ‬
‫ل َقْوًما َكَفُروا َبْعَد ِإيَماِنِهْم َو َ‬
‫ف َيْهِدي ا ُّ‬
‫الكفر بعد اليمان ‪َ ) :‬كْي َ‬ ‫‪.6‬‬
‫ن )‪ 86‬آل عمران (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬
‫ت َوا ُّ‬
‫اْلَبّيَنا ُ‬
‫عَلففى‬
‫ض َقففاِدٌر َ‬
‫ت َواَْلْر َ‬‫سَمَوا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫خَل َ‬
‫ل اّلِذي َ‬
‫ن ا َّ‬
‫إنكار البعث وقدرة ال على الخلق ‪َ ) :‬أَوَلْم َيَرْوا َأ ّ‬ ‫‪.7‬‬
‫ن ِإّل ُكُفوًرا )‪ 99‬السراء (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ب ِفيِه َفَأَبى ال ّ‬
‫ل َل َرْي َ‬
‫جً‬‫جَعَل َلُهْم َأ َ‬
‫ق ِمْثَلُهْم َو َ‬
‫خُل َ‬
‫ن َي ْ‬
‫َأ ْ‬
‫طوا ِبِعْلِمِه َوَلّما َي فْأِتِهْم‬
‫حي ُ‬
‫التكذيب المسبق بدون علم ممن أخذتهم العزة بالثم ‪َ ) :‬بْل َكّذُبوا ِبَما َلْم ُي ِ‬ ‫‪.8‬‬
‫ن )‪ 39‬يونس (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫عاِقَبُة ال ّ‬
‫ن َ‬
‫ف َكا َ‬
‫ظْر َكْي َ‬
‫ن َقْبِلِهْم َفاْن ُ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ب اّلِذي َ‬
‫ك َكّذ َ‬
‫َتْأِويُلُه َكَذِل َ‬
‫ضففوا‬
‫خو ُ‬
‫حّتففى َي ُ‬
‫عْنُهفْم َ‬
‫ض َ‬
‫عِر ْ‬
‫ن ِفي َءاَياِتَنففا َففَأ ْ‬
‫ضو َ‬
‫خو ُ‬ ‫ن َي ُ‬‫ت اّلِذي َ‬ ‫الخوض في آيات ال ‪َ ) :‬وِإَذا َرَأْي َ‬ ‫‪.9‬‬
‫ن )‪ 68‬النعام (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ل َتْقُعْد َبْعَد الّذْكَرى َمَع اْلقَْوِم ال ّ‬
‫ن َف َ‬ ‫طا ُ‬
‫شْي َ‬‫ك ال ّ‬
‫سَيّن َ‬
‫غْيِرِه َوِإّما ُيْن ِ‬
‫ث َ‬
‫حِدي ٍ‬
‫ِفي َ‬
‫ن )‪ 113‬النحل (‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫ب َوُهْم َ‬
‫خَذُهْم اْلَعَذا ُ‬
‫سوٌل ِمْنُهْم َفَكّذُبوُه َفَأ َ‬
‫جاَءُهْم َر ُ‬
‫تكذيب الرسل ‪َ ) :‬وَلَقْد َ‬ ‫‪.10‬‬
‫حوًرا )‪47‬‬
‫سف ُ‬
‫ل َم ْ‬
‫جً‬‫ن ِإّل َر ُ‬
‫ن َتّتِبُعففو َ‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ظففاِلُمو َ‬
‫اتهييام الرسييل بييالمس إنكييارا للييوحي ‪ِ ) :‬إْذ َيُقففوُل ال ّ‬ ‫‪.11‬‬
‫السراء (‬
‫‪287‬‬
‫ظَلُموا َهففْل‬
‫ن َ‬
‫جَوى اّلِذي َ‬
‫سّروا الّن ْ‬
‫اللهو والتجني على الرسل في السر والعلن ‪َ ) :‬لِهَيًة ُقُلوُبُهْم ‪َ ،‬وَأ َ‬ ‫‪.12‬‬
‫ن )‪ 3‬النبياء (‬ ‫صُرو َ‬
‫حَر َوَأْنُتْم ُتْب ِ‬
‫سْ‬
‫ن ال ّ‬
‫شٌر ِمْثُلُكْم َأَفَتْأُتو َ‬
‫َهَذا ِإّل َب َ‬
‫عَلْيففِه‬
‫عاَنُه َ‬
‫ك اْفَتَراُه َوَأ َ‬
‫ن َهَذا ِإّل ِإْف ٌ‬
‫ن َكَفُروا ِإ ْ‬
‫اتهام الرسول بالكذب والتعّلم من البشر ‪َ ) :‬وَقاَل اّلِذي َ‬ ‫‪.13‬‬
‫ظْلًما َوُزوًرا )‪ 4‬الفرقان (‬
‫جاُءوا ُ‬
‫ن َفَقْد َ‬
‫خُرو َ‬
‫َقْوٌم َءا َ‬
‫خفْذ ُ‬
‫ت‬ ‫عَلفى َيفَدْيِه َيُقفوُل َيَلْيَتِنفي اّت َ‬
‫ظاِلُم َ‬
‫ض ال ّ‬
‫العراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم ‪َ ) :‬وَيْوَم َيَع ّ‬ ‫‪.14‬‬
‫ل )‪ 27‬الفرقان (‬
‫سِبي ً‬
‫سوِل َ‬
‫َمَع الرّ ُ‬
‫ن ُي فْذَكَر ِفيَهففا‬
‫ل ف َأ ْ‬
‫جَد ا ِّ‬
‫سففا ِ‬
‫ن َمَنَع َم َ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫منع ذكر ال في المساجد والسعي في خرابها ‪َ ) :‬وَم ْ‬ ‫‪.15‬‬
‫خَراِبَها )‪ 114‬البقرة (‬
‫سَعى ِفي َ‬
‫سُمُه َو َ‬
‫ا ْ‬
‫شفَهاَدًة‬
‫ن َكَتفَم َ‬
‫ظَلفُم ِمّمف ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل ‪َ ،‬وَمف ْ‬
‫عَلُم أَِم ا ُّ‬
‫كتم ما ُأوتي الناس من علم من عند ربهم ‪ُ) :‬قْل َءَأْنُتْم َأ ْ‬ ‫‪.16‬‬
‫ل )‪ 140‬البقرة (‬‫ن ا ِّ‬
‫عْنَدُه ِم ْ‬
‫ِ‬
‫عَت فَدْيَنا ِإّنففا ِإًذا َلِم ف َ‬
‫ن‬ ‫ش فَهاَدِتِهَما َوَمففا ا ْ‬
‫ق ِم فنْ َ‬
‫حف ّ‬
‫ش فَهاَدُتَنا َأ َ‬
‫ل َل َ‬
‫ن ِبففا ِّ‬
‫س فَما ِ‬
‫شييهادة الييزور ‪َ … ) :‬فُيْق ِ‬ ‫‪.17‬‬
‫ن )‪ 107‬المائدة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ل ف َوَمففا َلُه فْم ِم ف ْ‬
‫ن‬ ‫ض فّل ا ُّ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن َيْهِدي َم ْ‬
‫عْلٍم َفمَ ْ‬
‫ظَلُموا َأْهَواَءُهْم ِبَغْيِر ِ‬
‫ن َ‬
‫اتباع الهوى ‪َ ) :‬بْل اّتَبَع اّلِذي َ‬ ‫‪.18‬‬
‫ن )‪ 29‬الروم (‬‫صِري َ‬
‫َنا ِ‬
‫ك ِإًذا َلِمف ْ‬
‫ن‬ ‫ن اْلِعْلفِم ِإّنف َ‬
‫ك ِمف ْ‬
‫جففاَء َ‬
‫ن َبْعفِد َمففا َ‬
‫ت َأْهفَواَءُهْم ِمف ْ‬
‫ن اّتَبْعف َ‬
‫اتباع أهيواء أهيل الكتياب ‪َ ) :‬وَلِئ ْ‬ ‫‪.19‬‬
‫ن )‪145‬البقرة (‬‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ن ِإّل‬
‫عفْدَوا َ‬
‫ل ُ‬
‫ن انَتَه فْوا َف َ‬
‫ل َففِإ ْ‬
‫ن ِّ‬
‫ن الّدي ُ‬
‫ن ِفْتَنٌة َوَيُكو َ‬
‫حّتى َل َتُكو َ‬
‫فتنة الناس في دينهم ‪َ ) :‬وَقاِتُلوُهْم َ‬ ‫‪.20‬‬
‫ن )‪ 193‬البقرة (‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫عَلى ال ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪ 35‬البقرة (‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫جَرَة َفَتُكوَنا ِم ْ‬
‫شَ‬
‫معصية أمر ال ‪َ ) :‬وَل َتْقَرَبا َهِذِه ال ّ‬ ‫‪.21‬‬
‫ن)‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫ك ُهْم ال ّ‬
‫ل َفُأْوَلِئ َ‬
‫حُدوَد ا ِّ‬
‫ل َتْعَتُدوَها َوَمنْ َيَتَعّد ُ‬
‫ل َف َ‬
‫حُدوُد ا ِّ‬
‫ك ُ‬
‫العتداء على حدود ال ‪ِ ) :‬تْل َ‬ ‫‪.22‬‬
‫‪ 229‬البقرة (‬
‫جفَزاُء‬
‫ك َ‬
‫ب الّنففاِر َوَذِلف َ‬
‫حا ِ‬
‫صف َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن ِمف ْ‬
‫ك َفَتُكففو َ‬
‫ن َتُبوَء ِبفِإْثِمي َوِإْثِمف َ‬
‫القتل وسفك الدماء ‪ِ ) :‬إّني ُأِريُد َأ ْ‬ ‫‪.23‬‬
‫ن )‪ 29‬المائدة (‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫ن )‪ 45‬المائدة (‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫ك ُهْم ال ّ‬
‫ل َفُأْوَلِئ َ‬
‫حُكْم ِبَما َأنَزَل ا ُّ‬
‫ن َلْم َي ْ‬
‫الحكم بغير ما أنزل ال ‪َ ) :‬وَم ْ‬ ‫‪.24‬‬
‫عِليفٌم‬
‫لف َ‬
‫ل ِمْنُهفْم َوا ُّ‬
‫عَلْيِهفْم اْلقَِتففاُل َتَوّلفْوا ِإّل َقِلي ً‬
‫ب َ‬
‫الستنكاف عن القتال في سبيل ال ‪َ ) :‬فَلّما ُكِتف َ‬ ‫‪.25‬‬
‫ن )‪ 246‬البقرة (‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ِبال ّ‬
‫ب َوَقففاَل ْ‬
‫ت‬ ‫ت اَْلْب فَوا َ‬
‫غّلَق ْ‬
‫سِه َو َ‬
‫ن َنْف ِ‬
‫عْ‬
‫خيانة العهد ونكران المعروف ‪َ ) :‬وَراَوَدْتُه اّلِتي ُهَو ِفي َبْيِتَها َ‬ ‫‪.26‬‬
‫ن )‪ 23‬يوسف (‬ ‫ظاِلُمو َ‬‫ح ال ّ‬
‫ي ِإّنُه َل ُيْفِل ُ‬
‫ن َمْثَوا َ‬
‫سَ‬‫ح َ‬
‫ل ِإّنُه َرّبي َأ ْ‬
‫ت َلكَ َقاَل َمَعاَذ ا ِّ‬
‫َهْي َ‬
‫موالة الذين يقاتلون المسلمين وُيخرجونهم من ديارهم ‪ ،‬وموالة الذين ُيؤيدونهم وُيسيياندونهم فييي‬ ‫‪.27‬‬
‫جُكفْم َأ ْ‬
‫ن‬ ‫خَرا ِ‬
‫عَلى ِإ ْ‬
‫ظاَهُروا َ‬
‫ن ِدَياِرُكْم َو َ‬
‫جوُكْم ِم ْ‬
‫خَر ُ‬
‫ن َوَأ ْ‬
‫ن َقاَتُلوُكْم ِفي الّدي ِ‬‫ن اّلِذي َ‬
‫عِ‬‫ل َ‬ ‫فعلهم ‪ِ ) :‬إّنَما َيْنَهاُكُم ا ُّ‬
‫ن )‪ 9‬الممتحنة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهُم ال ّ‬‫ن َيَتَوّلُهْم َفُأوَلِئ َ‬
‫َتَوّلْوُهمْ َوَم ْ‬
‫ضُهْم َأْوِلَياُء‬
‫صاَرى َأْوِلَياَء َبْع ُ‬
‫خُذوا اْلَيُهوَد َوالّن َ‬
‫ن آَمُنوا َل َتّت ِ‬
‫موالة اليهود والنصارى ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫‪.28‬‬
‫ن )‪ 51‬المائدة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬‫ن ا َّ‬ ‫ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم ِإ ّ‬
‫ض َوَم ْ‬
‫َبْع ٍ‬
‫خَواَنُكْم َأْوِلَيففاَء ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ‬
‫ن آَمُنوا َل َتّت ِ‬
‫موالة الكافرين ولو كانوا أولي قربى ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫‪.29‬‬
‫ن )‪ 23‬التوبة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬
‫ك ُهْم ال ّ‬‫ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفُأْوَلِئ َ‬
‫ن َوَم ْ‬
‫عَلى اِْليَما ِ‬
‫حّبوا اْلُكْفَر َ‬
‫سَت َ‬
‫ا ْ‬
‫ضفَنا َأْو‬
‫ن َأرْ ِ‬
‫جّنُكفْم ِمف ْ‬
‫خِر َ‬
‫سفِلِهْم َلُن ْ‬
‫ن َكَففُروا ِلُر ُ‬
‫إخراج الناس من ديييارهم وتشييريدهم ‪َ ) :‬وَقففاَل اّلفِذي َ‬ ‫‪.30‬‬
‫ن )‪13‬إبراهيم (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬
‫حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ‬
‫َلَتُعوُدنّ ِفي ِمّلِتَنا َفَأْو َ‬
‫‪288‬‬
‫لًل )‪ 24‬نوح (‬
‫ن ِإّل ضَ َ‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ضّلوا َكِثيًرا َوَل َتِزِد ال ّ‬
‫إضلل الناس ‪َ ) :‬وَقْد َأ َ‬ ‫‪.31‬‬
‫ن َتِبيَد َهِذِه َأَبففًدا‬
‫ن َأ ْ‬
‫ظّ‬‫سِه َقاَل َما َأ ُ‬
‫ظاِلٌم ِلَنْف ِ‬
‫جّنَتُه َوُهَو َ‬
‫خَل َ‬
‫الستعلء والستكبار في الرض ‪َ ) :‬وَد َ‬ ‫‪.32‬‬
‫)‪ 35‬الكهف (‬
‫شفيّ‬ ‫ن َرّبُهفْم ِباْلَغفَداِة َواْلَع ِ‬‫عو َ‬
‫ن َيفْد ُ‬‫طفُرِد اّلفِذي َ‬‫ازدراء فقراء المييؤمنين والعييراض عنهييم ‪َ ) :‬وَل َت ْ‬ ‫‪.33‬‬
‫ن ِم ف َ‬
‫ن‬ ‫طُرَدُه فْم َفَتُكففو َ‬‫يٍء َفَت ْ‬
‫شف ْ‬
‫ن َ‬ ‫عَليِْهْم ِم ف ْ‬
‫ك َ‬ ‫ساِب َ‬‫ح َ‬
‫ن ِ‬ ‫يٍء َوَما ِم ْ‬
‫ش ْ‬
‫ن َ‬
‫ساِبِهْم ِم ْ‬
‫ح َ‬
‫ن ِ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عَلْي َ‬
‫جَهُه َما َ‬
‫ُيِريُدونَ َو ْ‬
‫ن )‪ 52‬النعام (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ال ّ‬
‫سففى َأنْ‬ ‫ع َ‬‫ن َقفْوٍم َ‬ ‫خْر َقفوٌم ِمف ْ‬‫سف َ‬‫ن َءاَمُنوا َل َي ْ‬ ‫الستهزاء بالخرين والتقليل من شأنهم ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫‪.34‬‬
‫سُكْم َوَل َتَناَبُزوا ِباَْلْلَقا ِ‬
‫ب‬ ‫ن َوَل َتْلِمُزوا َأْنُف َ‬‫خْيًرا ِمْنُه ّ‬‫ن َ‬‫ن َيُك ّ‬‫سى َأ ْ‬‫ع َ‬ ‫ساٍء َ‬ ‫ن ِن َ‬
‫ساٌء ِم ْ‬‫خْيًرا ِمْنُهْم َوَل ِن َ‬
‫َيُكوُنوا َ‬
‫ن )‪ 11‬الحجرات (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهُم ال ّ‬‫ب َفُأوَلِئ َ‬
‫ن َلْم َيُت ْ‬
‫ن َوَم ْ‬
‫ق َبْعَد اِْليَما ِ‬
‫سو ُ‬‫سُم اْلُف ُ‬
‫س اِل ْ‬
‫ِبْئ َ‬
‫الستعاضة عن اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬والجهاد في سبيله ‪ ،‬بخدمة حجاج بيت ال الحييرام ‪) :‬‬ ‫‪.35‬‬
‫لف َل‬
‫سفِبيِل ا ِّ‬
‫جاَهفَد ِفففي َ‬
‫خفِر َو َ‬
‫لِ‬
‫ل َوالَْيفْوِم ا ْ‬
‫ن ِبففا ِّ‬
‫ن َءاَمف َ‬
‫حَراِم َكَمف ْ‬
‫جِد اْل َ‬
‫سِ‬‫عَماَرَة اْلَم ْ‬
‫ج َو ِ‬‫حا ّ‬‫سَقاَيَة اْل َ‬
‫جَعْلُتمْ ِ‬‫َأ َ‬
‫ن )‪ 19‬التوبة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬ ‫ل َوا ُّ‬‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن ِ‬ ‫سَتُوو َ‬ ‫َي ْ‬
‫حَمففاِر‬
‫حِمُلوَها َكَمَث فِل اْل ِ‬
‫حّمُلوا الّتْوَراَة ُثّم َلْم َي ْ‬
‫ن ُ‬‫حمل القرآن والعمل بنقيض ما جاء به ‪َ ) :‬مَثُل اّلِذي َ‬ ‫‪.36‬‬
‫ن )‪ 5‬الجمعة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬‫ل َوا ُّ‬‫ت ا ِّ‬
‫ن َكّذُبوا ِبآَيا ِ‬
‫س َمَثُل اْلَقْوِم اّلِذي َ‬
‫سَفاًرا ِبْئ َ‬
‫حِمُل َأ ْ‬
‫َي ْ‬
‫نحن نرى أن زمن النهاية قد اقترب ‪ ،‬وأن الحلقة الولى من مسلسل أحداثها ‪ ،‬ستبدأ على أبعييد الحتمييالت خلل‬
‫فترة زمنية ل تزيد عن أشهر معدودة ‪ .‬وأن أحداث النهاية سيهلك فيها الكثير من النيياس وتنهييار فيهييا الكييثير ميين‬
‫المم ‪ ،‬وقد يستنكر الكثيرون هذا المر ‪.‬‬
‫ح )‪ 17‬السراء ( ولييو رجعنييا إلييى اليوراء قليل ‪ ،‬واسييتذكرنا تلييك‬‫ن َبْعِد ُنو ٍ‬‫ن ِم ْ‬‫ن اْلُقُرو ِ‬
‫قال تعالى ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم َ‬
‫سفِلِه )‪ 8‬الطلق ( لوجيدنا أن أشيكال الظليم اليتي مارسيتها تليك‬ ‫ن َأْمفِر َرّبَهففا َوُر ُ‬
‫عْ‬
‫ت َ‬ ‫عَت ْ‬‫القوام التي ُأهلكت لّما ) َ‬
‫القوام ‪ ،‬ل ُتقارن مع ما تمارسييه القييوام المعاصييرة هييذه اليييام ‪ ،‬أفل تسييتحق القييوام المعاصييرة الهلك ؟ وإن‬
‫كانت كذلك أليس هلكها بقريب ؟!‬
‫ولو استذكرنا تاريخ المة السلمية ‪ ،‬سنجد أنها ُمنيييت بكييثير ميين النكبييات والمصييائب ‪ ،‬كلمييا كييانت تبتعييد عيين‬
‫الخرة وتلتصق بالحياة الدنيا ‪ .‬والحالة التي نعيشها الن هي السوأ على مر التاريخ ‪ ،‬فنحن منغمسون في الحييياة‬
‫الدنيا من الرأس حتى أخمص القدم ‪ ،‬وأما السلم فهو مجرد شعار تسويقي ‪ ،‬نلَبسه كلما اقتضت الحاجة ليذلك ‪...‬‬
‫ص ِم ف َ‬
‫ن‬ ‫ع َوَنْق ف ٍ‬ ‫جففو ِ‬‫ف َواْل ُ‬ ‫خ فْو ِ‬
‫ن اْل َ‬
‫يٍء ِم ف َ‬‫شف ْ‬ ‫أفل نستحق الهلك ‪ ...‬أو الستبدال ‪ ..‬أو التأديب على القل ؟! ولو ) ِب َ‬
‫جِلُك فْم ‪َ ،‬أْو‬
‫ت َأْر ُ‬
‫ن َتحْ ف ِ‬‫ن َفْوِقُكْم ‪َ ،‬أْو ِم ف ْ‬
‫عَذاًبا ِم ْ‬‫عَلْيُكْم َ‬
‫ث َ‬
‫ن َيْبَع َ‬
‫ت ) ‪ 155‬البقرة ( ؟! أو ) َأ ْ‬ ‫س َوالّثَمَرا ِ‬‫اَْلْمَوالِ َواَْلْنُف ِ‬
‫ن )‪ 65‬النعام ( ؟!‬ ‫ت َلَعّلُهْم َيْفَقُهو َ‬
‫ف الَْيا ِ‬‫صّر ُ‬‫ف ُن َ‬ ‫ظْر َكْي َ‬
‫ض ‪ ،‬اْن ُ‬
‫س َبْع ٍ‬
‫ضُكْم َبْأ َ‬
‫ق َبْع َ‬
‫شَيًعا ‪ ،‬أَو ُيِذي َ‬
‫سُكْم ِ‬‫َيْلِب َ‬
‫وعلى ما يبدو أن إهلك القرى سيبدأ بثلثية الفساد والظلم في الرض ‪ ،‬على مسييتوى الييديانات الثلث اليهودييية‬
‫والنصرانية والسلم ‪ ،‬متمثلة في إسرائيل وأمريكا ومصر ‪ ،‬ومن ثم بقية القرى المفسييدة والظالميية تباعييا ‪ ،‬علييى‬
‫قاعدة الجزاء من جنس العمل بإذن ال ‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن(‬
‫دو َ‬
‫ع ّ‬
‫ما ت َ ُ‬
‫م ّ‬
‫ة ِ‬
‫سن َ ٍ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬
‫ف َ‬ ‫عن ْدَ َرب ّ َ‬
‫ما ِ‬
‫و ً‬
‫ن يَ ْ‬
‫وإ ِ ّ‬
‫) َ‬
‫ظّنففونَ‬‫جَر ‪َ ،‬وَت ُ‬
‫حَنففا ِ‬
‫ب اْل َ‬
‫ت اْلُقُلففو ُ‬
‫صاُر ‪َ ،‬وَبَلَغ ِ‬
‫ت اَْلْب َ‬
‫غ ِ‬
‫سَفَل ِمْنُكْم ‪َ ،‬وِإْذ َزا َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن َفْوِقُكْم ‪َ ،‬وِم ْ‬
‫جاُءوُكْم ِم ْ‬
‫قال تعالى ) ِإْذ َ‬
‫ظُنوَنا )‪ 10‬الحزاب ( كان هذا حال صحابة رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أكثر الناس إيمانييا وعزيميية‬ ‫ل ال ّ‬
‫ِبا ِّ‬
‫وصبرا وثباتا على دينهم ‪ ،‬لقيد بليغ منهيم الخيوف مبلغيا عظيميا ‪ ،‬حيتى سياورتهم الشيكوك والظنيون فيي غيزوة‬
‫ب عليهم من بأقطارها من ملل الكفر والشرك ‪ ،‬جمعتهييا الصييهيونية اليهودييية الحاقييدة قييديما‬ ‫الحزاب ‪ ،‬عندما تأل ّ‬
‫لوأد دولة السلم الحديثة ‪ ،‬خوفا من ضياع السيطرة اليهودية على مجريات المور في الجزيييرة العربييية بإثييارة‬
‫الفتن والحروب بين القبائل ‪ ،‬حيث كان اليهود المرجعية الستشارية لمشييركي قريييش وغيرهييم ميين القبييائل فيمييا‬
‫يتعّلق بأساطير الولين ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫وفي العالم العربي والسلمي شرقا وغربا ‪ ،‬يشعر الناس بالحباط واليأس والخوف ‪ ،‬من الوضييع الُمتييأزم الييذي‬
‫يعيشونه في السنوات الخيرة إجمال ‪ ،‬وفي هذه اليام علييى وجييه الخصييوص ‪ ،‬وهييم يشيياهدون مييا يجييري علييى‬
‫أرض السراء والمعراج وغيرهييا ‪ ،‬مين هجميية شرسيية شيينها أوغيياد الصييهانية فييي الشييرق ‪ ،‬مييدعومين بأوغيياد‬
‫الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ‪ ،‬حتى بدأ اليأس والقنوط من رحمة ال يتسّرب إلى قلوب الكثير منهم ‪،‬‬
‫ن السوء ‪ ،‬بل ومنهم من كفر بييال رّبييا وبالسييلم دينيا فيي لحظيية مين اللحظييات ‪،‬‬ ‫ن بال ظ ّ‬
‫لدرجة أن منهم من ظ ّ‬
‫ومنهم من دعا على أهله وولده وعلى الشعوب العربية وحّكامها بالهلكة والخراب ‪.‬‬
‫لمثل أولئك في هذا الزمان يقول سبحانه وتعالى ‪ ،‬قبل ما يزيد على ‪ 1400‬سنة ‪ ،‬في كتابه المجيد في نهاية سورة‬
‫عوِقْبُتْم ِبِه‬‫عاَقْبُتْم َفَعاِقُبوا ِبمِْثِل َما ُ‬
‫ن َ‬‫النحل ‪ ،‬قبل أن يبدأ في الخبار عن وعد الخرة في السورة التي تليها ‪َ ) :‬وِإ ْ‬
‫ق ِمّمففا‬‫ضْي ٍ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَل َت ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَز ْ‬
‫ل ‪َ ،‬وَل َت ْ‬
‫ك ِإّل ِبا ِّ‬‫صْبُر َ‬‫صِبْر َوَما َ‬
‫ن )‪َ (126‬وا ْ‬ ‫صاِبِري َ‬‫خْيٌر ِلل ّ‬
‫صَبْرُتْم َلُهَو َ‬
‫ن َ‬‫َوَلِئ ْ‬
‫ن )‪(128‬‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن ُهْم ُم ْ‬
‫ن اّتَقْوا ‪َ ،‬واّلِذي َ‬
‫ل َمَع اّلِذي َ‬
‫ن ا َّ‬‫ن )‪ِ (127‬إ ّ‬ ‫َيْمُكُرو َ‬
‫عفاَءهُ‬ ‫شفّر ُد َ‬ ‫ن ِبال ّ‬‫سففا ُ‬
‫ع اِْلْن َ‬
‫وفي معرض تعقيبه على وعد الخرة ‪ ،‬الذي نعيشه الن بكل حيثّيياته ‪ ،‬يقيول ‪َ ) :‬وَيفْد ُ‬
‫عَرضَ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫سا ِ‬‫عَلى اِْلْن َ‬ ‫جوًل )‪ 11‬السراء ( ويقول أيضا في نفس السورة ‪َ ) :‬وِإَذا َأْنَعْمَنا َ‬ ‫عُ‬‫ن َ‬ ‫سا ُ‬
‫ن اِْلْن َ‬
‫خْيرِ ‪َ ،‬وَكا َ‬‫ِباْل َ‬
‫خْي فِر ‪،‬‬
‫عففاِء اْل َ‬
‫ن ُد َ‬‫ن ِم ف ْ‬
‫سا ُ‬‫سَأُم اِْلْن َ‬‫صلت ‪َ ) :‬ل َي ْ‬
‫سا )‪(83‬ويقول في سورة ُف ّ‬
‫ن َيُئو ً‬
‫شّر َكا َ‬
‫سُه ال ّ‬‫جاِنِبِه ‪َ ،‬وِإَذا َم ّ‬
‫َوَنَأى ِب َ‬
‫ط )‪(49‬‬ ‫س َقُنو ٌ‬
‫شّر َفَيُئو ٌ‬ ‫سُه ال ّ‬ ‫ن َم ّ‬
‫َوِإ ْ‬
‫حففٍد‬
‫ك َِل َ‬
‫س َذا َ‬
‫خْيٌر ‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫ن َأْمَرُه ُكّلُه َ‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫جًبا َِلْمِر اْلُمْؤِم ِ‬
‫عَ‬‫سّلَم ‪َ " :‬‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬‫ب ‪َ ،‬قا َ‬ ‫صَهْي ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫عْ‬ ‫وَ‬
‫خْيًرا َلُه " ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫صَبَر َفَكا َ‬‫ضّراُء ‪َ ،‬‬ ‫صاَبْتهُ َ‬ ‫ن َأ َ‬
‫خْيًرا َلُه ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫ن َ‬‫شَكَر ‪َ ،‬فَكا َ‬
‫سّراُء َ‬
‫صاَبْتُه َ‬
‫ن َأ َ‬‫ن ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫ِإّل ِلْلُمْؤِم ِ‬

‫كثير من الناس ‪ ،‬ببعدهم عن القرآن والسنة ل يفهمون الكثير من الغايات والمقاصد اللهية ‪ ،‬ميين تصييريف أمييور‬
‫خْيِر‬
‫شّر َواْل َ‬
‫الناس بالشكل المنظور والمحسوس ‪ ،‬وخاصة فيما يتعّلق بالبتلء سواء بالخير أو الشّر ) َوَنْبُلوكُْم ِبال ّ‬
‫ضح وبّين في كتابه العزيز للمؤمنين ‪ ،‬أن عاقبة‬ ‫ن )‪ 35‬النبياء ( مع أن ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬و ّ‬ ‫جُعو َ‬
‫ِفْتَنًة وَِإَلْيَنا ُتْر َ‬
‫المور هي ما يجب أن ُنرّكز عليه أنظارنا وعقولنا وقلوبنا ‪ .‬وأن نعّلق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ‪ ،‬أي المنتهى‬
‫الذي ستؤول إليه المور فيما بعد ‪ ،‬سواًء في الدنيا أو الخرة مهما طال الزمن أو قصيير ‪ ،‬وأل نعّلييق آمالنييا علييى‬
‫الواقع الذي نعيش فيه ‪ ،‬فبعد غزوة الحزاب التي زاغت فيها أبصار المؤمنين ‪ ،‬وبلغييت قلييوبهم الحنيياجر وظنييوا‬
‫بال الظنون ُفتحت مكة ‪ ،‬وكييانت تلييك الفئة المؤمنيية الصييابرة والثابتيية ‪ ،‬هييي نفسييها الييتي قييادت جيوشييا زلزلييت‬
‫عروش أكبر دول الكفر والطغيان في ذلك الزمان ‪.‬‬

‫كان يوسف عليه السلم قد ُأبعد عن أبويه طفل ‪ ،‬وُأخذ من قبل ُأناس غرباء إلى أرض غريبة وبيييع عبييدا بييدارهم‬
‫قليلة ‪ ،‬وعاش غريبا حتى بلغ أشّده ‪ ،‬واُتهم بمراودة زوجة سيده فألقي في السجن سنينا طويلة ‪ .‬ولكن بعد كل تلك‬
‫صي ُ‬
‫ب‬ ‫شاُء ُن ِ‬‫ث َي َ‬ ‫حْي ُ‬‫ض َيَتَبّوُأ ِمْنَها َ‬
‫ف ِفي اَْلْر ِ‬
‫س َ‬
‫ك َمّكّنا ِلُيو ُ‬
‫المعاناة وفي نهاية المطاف كان المر مختلفا كليا ) َوَكَذِل َ‬
‫ن َءاَمُنففوا‬
‫خْي فٌر ِلّل فِذي َ‬
‫خ فَرِة َ‬
‫لِ‬‫جُر ا ْ‬ ‫ن )‪ 56‬يوسف ( وأما في الخرة ) َوَل ْ‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫جَر اْلُم ْ‬
‫ضيُع َأ ْ‬
‫شاُء َوَل ُن ِ‬
‫ن َن َ‬
‫حَمِتَنا َم ْ‬
‫ِبَر ْ‬
‫ن )‪ 57‬يوسف (‬ ‫َوَكاُنوا َيّتُقو َ‬

‫شفَتَراهُ‬
‫ويؤكد سبحانه بأن بداية التمكين ليوسف كانت منذ دخوله لبيت العزيز مع كونه دخله عبييدا ) َوَقففاَل اّلفِذي ا ْ‬
‫ن‬
‫ض َوِلُنَعّلَمفُه ِمف ْ‬‫ف ِففي اَْلْر ِ‬ ‫سف َ‬
‫ك َمّكّنففا ِلُيو ُ‬
‫خفَذُه َوَلفًدا َوَكفَذِل َ‬‫ن َيْنَفَعَنففا َأْو َنّت ِ‬
‫سى َأ ْ‬ ‫ع َ‬
‫صَر ِلْمَرَأِتِه َأْكِرِمي َمْثَواُه َ‬‫ن ِم ْ‬‫ِم ْ‬
‫ن الناظر إلى يوسف عبدا سييجينا قابعييا فييي زوايييا النسيييان والهمييال ‪ ،‬ولييو كييان أكييثر‬ ‫ث … ( ولك ّ‬ ‫حاِدي ِ‬‫َتْأِويِل اَْل َ‬
‫الناس تفاؤل ‪ ،‬لم يكن يخطر بباله أن حال هذا العبد السجين المتهم بالخيانة ‪ ،‬سينقلب رأسييا علييى عقييب ‪ ،‬لُيصييبح‬
‫وزير مالية مصر أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة ال اقتضت ‪ ،‬عكس ما قد يتصّوره أغلييب الواقعيييون ميين‬
‫ُأناس ذلك العصر ‪ ،‬وعلى رأسهم العزيز وامرأته ‪ .‬لذلك أكد سبحانه على أن الناس – خاصة غير المييؤمنين بييال‬
‫وصفاته جّلت قدرته – ُيعانون في الغالب ‪ ،‬من قصر النظيير والفكيير بييأنه قييادر علييى تنفيييذ مشيييئته ‪ ،‬فييي أقسييى‬
‫الظروف وأحلكها واستحالتها مخالفا كل معطيات الواقع ‪ ،‬الذي يتذّرع به الناس هييذه اليييام لييذلك قييال فييي تكمليية‬
‫ضح سبحانه حقيقة مييا‬ ‫ن )‪ (21‬وفي سورة الروم ُيو ّ‬ ‫س َل َيْعَلُمو َ‬ ‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬ ‫عَلى َأْمِرِه ‪َ ،‬وَلِك ّ‬
‫ب َ‬
‫غاِل ٌ‬‫ل َ‬ ‫الية ) … َوا ُّ‬
‫ن )‪ (7‬وظيياهر‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫خَرِة ُهْم َ‬
‫لِ‬
‫نا ْ‬
‫عِ‬ ‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وُهْم َ‬ ‫ن اْل َ‬
‫ظاِهًرا ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫يعلمه الناس ويؤمنون به ‪ ،‬في قوله ) َيْعَلُمو َ‬
‫الحياة الدنيا هو الواقع المشاهد ‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫أما بالنسبة لواقع المة السلمية الحالي ‪ ،‬وما يواجهه الشعب الفلسطيني من معاناة ‪ ،‬من قبل المفسدون الصهاينة‬
‫في الغرب والشرق ‪ ،‬فإن ال وعد المؤمنين بالنصر من عنده ‪ ،‬ووعييد عييدوهم قبييل ثلثيية آلف سيينة بالعييذاب إن‬
‫أفسدوا في الرض ‪ ،‬وقد أفسدوا فيها ما يزيد على خمسين سنة ‪ ،‬وبلغ إفسادهم هذه اليييام عنييان السييماء ‪ ،‬فهييذان‬
‫وعدان صدرا ممن ل يخلف الميعاد ‪ ،‬ولكن المر يحتاج إلى اليمان بال والصييبر والثبييات علييى الييدين ‪ ،‬وعلييى‬
‫صبرهم وثباتهم في مواجهة عدوهم مع حسن الظن بال رب العالمين ‪.‬‬

‫عَدهُ‬‫ل َو ْ‬
‫ف ا ُّ‬‫خِل َ‬‫ن ُي ْ‬‫ب ‪َ ،‬وَل ْ‬ ‫ك ِباْلَعَذا ِ‬
‫جُلوَن َ‬
‫سَتْع ِ‬
‫يقول سبحانه في شأن المفسدين في الرض مخاطبا رسوله وأمته ) َوَي ْ‬
‫سفِل ‪َ ،‬وَل‬ ‫ن الّر ُ‬‫صَبَر ُأوُلو اْلَعفْزِم ِمف َ‬ ‫صِبْر َكَما َ‬ ‫ن )‪ 47‬الحج ( وقال ) َفا ْ‬ ‫سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ‬
‫ف َ‬ ‫ك ‪َ ،‬كَأْل ِ‬‫عْنَد َرّب َ‬‫ن َيْوًما ِ‬‫‪َ ،‬وِإ ّ‬
‫ن )‪35‬‬ ‫سُقو َ‬‫ك ِإّل اْلَقْوُم اْلَفا ِ‬
‫غ َفَهْل ُيْهَل ُ‬
‫لٌ‬ ‫عًة ِمنْ َنَهاٍر َب َ‬
‫سا َ‬
‫ن َلْم َيْلَبُثوا ِإّل َ‬
‫عُدو َ‬‫ن َما ُيو َ‬ ‫جْل َلُهْم ‪َ ،‬كَأّنُهْم َيْوَم َيَرْو َ‬
‫سَتْع ِ‬‫َت ْ‬
‫الحقاف ( ‪.‬‬

‫س الناس من الشّر فهم يستعجلون زواله ‪ ،‬ورغبوا في الخير وهم يستعجلون إطلله ‪ ،‬فقييد اسييتقوى‬ ‫هذه اليام ‪ ،‬يأ َ‬
‫سِبيٍل )‪ 11‬غافر ( ؟ !‬
‫ن َ‬
‫خُروجٍ ِم ْ‬
‫ق وطالت غيبته ) َفَهْل ِإَلى ُ‬
‫الباطل وزادت سطوته وغاب الح ّ‬

‫الفرق بين المواقيت بين التقدير السماوي والتقدير الرضي ‪:‬‬

‫عادة ما يشعر النسان في حالت الفرح ‪ ،‬بأن الزمن ينقضي كلميح اليبرق ‪ ،‬فالسيبوع يميّر وكيأنه ييوم ‪ ،‬والييوم‬
‫وكأنه ساعة ‪ ،‬والساعة وكأنها دقيقة ‪ ،‬أما في حيالت الفيراغ أو الحيزن فيشيعر بيأن الزمين يسيير ببطيئ شيديد ‪،‬‬
‫ويكاد أن يتوقف ‪ ،‬فالدقيقة تمّر وكأنها ساعة ‪ ،‬والساعة وكأنها يوم ‪ ،‬واليوم كأنه شييهر ‪ ،‬فالحسيياس بييالزمن أميير‬
‫نسبي ‪ ،‬يعتمد على الحالة النفسية التي تعتري النسان بين حين وآخر ‪.‬‬
‫وحتى ل يتخّبط النسان في تقديراته للزمن تبعا لحالته النفسية ‪ ،‬اُتخذت اليام والشهور والسنون ‪ ،‬وهييي مقيياييس‬
‫ثابتة ومنتظمة ‪ ،‬لعتمادها عليى الحركية المنتظمية والثابتية للجيرام السيماوية ‪ ،‬اليتي أبيدعها رب هيذا الكيون ‪.‬‬
‫وبقيت مسألة كيفية تقدير الزمن بالنسبة لليوم الواحد ‪ ،‬فاصطلح على تقسيم اليييوم إلييى ‪ 24‬سيياعة ‪ ،‬والسيياعة إلييى‬
‫‪ 60‬دقيقة ‪ ،‬والدقيقة ‪ 60‬ثانية ‪.‬‬
‫ويرى كثير من المسلمين أن فترة الظلم والفساد على الرض طالت جييدا ‪ ،‬وربمييا سييتطول أكييثر عنييد البعييض ‪.‬‬
‫ونقول هي في الميقات السماوي قصيرة جييدا ‪ ،‬ولتوضيييح الفكييرة وتقريبهييا إلييى الذهييان ليييس إل سيينقوم بعملييية‬
‫حسابية بسيطة ‪.‬‬
‫اليوم في الميقات السماوي = ‪ 1000‬سنة ‪ ،‬واليوم في الميقات الرضي = ‪ 24‬ساعة‬
‫فإذا قمنا بقسمة ‪ 1000‬سنة على ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬سنكون قادرين على التوصل لمعرفة نسبية لمقييدار السيياعة الواحييدة‬
‫في الميقات السماوي ‪:‬‬
‫‪ 41,6 = 24 ÷ 1000‬سنة‬
‫إذن الساعة الواحدة في الميقات السماوي تقابل ‪ 41,6‬سنة أرضية‬
‫أي أن الساعة في الميقات السماوي ‪ُ ،‬تقابل ‪ 42‬سنة تقريبا بالمقارنة مع الميقات الرضي‬
‫ولحساب عمر الدولة اليهودية على سبيل المثال بالميقات السماوي ‪ ،‬وبما أن العمر المتوقع لها هو ‪ 60‬سنة ‪ ،‬نجد‬
‫أن ‪:‬‬
‫) ‪ ( 1‬ساعة سماوية ‪ 41,6 :‬سنة أرضية‬
‫) س ( ساعة سماوية ‪ 60 :‬سنة أرضية‬
‫ومن خلل الضرب التبادلي ‪:‬‬
‫نجد أن ) س ( = ) ‪ 1,44 = 41,6 ÷ ( 1 × 60‬ساعة سماوية‬

‫‪291‬‬
‫أي أن عمرها ‪ ،‬هو ساعة واحدة و ‪ 0,44‬من الساعة ‪ .‬وبما أن الساعة لدينا ‪ ،‬تتكون من ) ‪ ( 60‬دقيقة ‪.‬‬

‫فإن ‪ 0,44‬من الساعة = ‪ 26,4 = 60 × 0,44‬دقيقة ‪.‬‬

‫ليتبين لنا أن إحساس أهل السماء بانقضاء ‪ 60‬سنة أرضية ‪ُ ،‬يماثل إحساسنا بانقضاء ساعة واحدة وسييت عشييرين‬
‫دقيقة فقط على الرض ‪ ،‬وهو زمن قصير جدا بالنسبة لهل السماء ‪ ،‬وطويل جدا بالنسبة لهل الرض ‪.‬‬

‫لذلك يشعر الناس على الرض بطول الزمن وامتداده ‪ ،‬فتجدهم يستعجلون الوعود اللهية بإهلك القيرى الظالمية‬
‫خرها ‪ ،‬وأما أهل السماء فهم على العكييس تمامييا ‪ ،‬يييرون أن العييذاب أو النصيير‬ ‫وبنصر المؤمنين ويعجبون من تأ ّ‬
‫يتنزل على الناس بسرعة كبيرة جدا ‪ ،‬وأن الحيداث تجيري كلمييح البصير وهيذا ميا يؤكييده الخبيار اللهييي عين‬
‫ن صييحابة رسييول الي ميين كييثرة مييا أّكييد سييبحانه وتعييالى علييى قربهييا أن سييتقع فييي‬ ‫الساعة في القرآن ‪ ،‬حتى ظ ّ‬
‫زمانهم ‪ ،‬لذلك كان الناس آنذاك يكثرون السؤال عنها إشفاقا من أمرها ‪ ،‬وها قد مّر أكثر من ‪ 1400‬سنة ولييم تقييم‬
‫ب َواِق فٍع )‪(1‬‬
‫سففاِئٌل ِبَع فَذا ٍ‬
‫بعد ‪ ،‬وهذه الحقيقة هي ما ُيقّرره سبحانه وتعالى في مطلع سورة المعارج ‪ ،‬حيث قييال ) َ‬
‫سففي َ‬
‫ن‬ ‫خْم ِ‬
‫ن ِمْقفَداُرُه َ‬‫ح ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكففا َ‬
‫لِئَكُة َوالّرو ُ‬
‫ج اْلَم َ‬
‫ج )‪َ (3‬تْعُر ُ‬
‫ل ِذي اْلَمَعاِر ِ‬
‫ن ا ِّ‬‫س َلُه َداِفٌع )‪ِ (2‬م َ‬
‫ن َلْي َ‬
‫ِلْلَكاِفري َ‬
‫ل )‪ِ (5‬إّنُهْم َيَرْوَنُه َبِعيًدا )‪َ (6‬وَنَراُه َقِريًبا )‪ 7‬المعارج (‬ ‫جِمي ً‬
‫صْبًرا َ‬
‫صِبْر َ‬
‫سَنٍة )‪َ (4‬فا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأْل َ‬

‫وقال تعالى‬

‫ن(‬
‫قُبو َ‬
‫مْرت َ ِ‬
‫م ُ‬
‫ه ْ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫) َ‬
‫فاْرت َ ِ‬

‫‪292‬‬
‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬
‫ن )‪41‬‬
‫جُعففو َ‬
‫عِمُلوا َلَعّلُهفْم َيْر ِ‬
‫ض اّلِذي َ‬
‫س ِليُِذيَقُهْم َبْع َ‬
‫ت َأْيِدي الّنا ِ‬
‫سَب ْ‬
‫حِر ِبَما َك َ‬
‫ساُد ِفي اْلَبّر َواْلَب ْ‬
‫ظَهَر اْلَف َ‬
‫قال تعالى ) َ‬
‫الروم (‬

‫لم تحمل الرض في أحشائها عبر تاريخها الطويل ‪ ،‬حمل فاسدا ومفسدا كهذا الحمل الذي حملته فييي المييائة سيينة‬
‫الخيرة ‪ .‬فقد حوت في رحمها جميع خطايا ومعاصي المم السابقة ‪ ،‬التي كانت فيما مضى ُتهلييك لمجييرد خطيئة‬
‫أو معصية واحدة ُتصّر عليها ‪ ،‬كعبادة الصنام أو إتيييان الفييواحش أو تطفيييف الكيييل ‪ ،‬وذلييك بييالرغم ميين وجييود‬
‫تعاليم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬حية مسطورة بين دفات الكتب ‪ .‬فالرض حبلى بالفساد ول‬
‫بد لهذا الحمل ‪ ،‬الذي عظم شييأنه وكييبر حجمييه ميين جراحيية قيصييرية مؤلميية جييدا ‪ ،‬لنقيياذ رحييم الرض قبييل أن‬
‫تتسّرب لبقيته العفونة فل ُيسمح له بحمل آخر ‪.‬‬
‫ض ‪ِ ،‬مّمففا َيْأُكفُل الّنففاسُ‬ ‫ت اَْلْر ِ‬ ‫ط ِبفِه َنَبففا ُ‬
‫خَتَل َ‬
‫سفَماِء ‪َ ،‬فففا ْ‬‫ن ال ّ‬‫حَيففاِة الفّدْنَيا ‪َ ،‬كَمففاٍء َأْنَزْلَنففاُه ِمف ْ‬
‫قال تعالى ) ِإّنَما َمَثُل اْل َ‬
‫ل َأْو َنَهففاًرا ‪،‬‬
‫عَلْيَها ‪َ ،‬أَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً‬‫ن َ‬‫ن َأْهُلَها َأّنُهْم َقاِدُرو َ‬
‫ظّ‬ ‫ت ‪َ ،‬و َ‬‫خُرَفَها َواّزّيَن ْ‬ ‫ض ُز ْ‬‫ت اَْلْر ُ‬ ‫خَذ ْ‬‫حّتى ِإَذا َأ َ‬‫َواَْلْنَعاُم ‪َ ،‬‬
‫ن )‪ 24‬يونس (‬ ‫ت ِلَقْوٍم يََتَفّكُرو َ‬
‫لَيا ِ‬
‫صُل ا ْ‬‫ك ُنَف ّ‬ ‫س ‪َ ،‬كَذِل َ‬ ‫ن ِباَْلْم ِ‬ ‫ن َلْم َتْغ َ‬‫صيًدا ‪َ ،‬كَأ ْ‬‫ح ِ‬ ‫جَعْلَناَها َ‬‫َف َ‬

‫خُرَفَهففا‬
‫ض ُز ْ‬
‫ت اَْلْر ُ‬
‫خ فَذ ْ‬
‫هذه الية تحمل في ثناياها سنة إلهية جاءت على شكل شرط وجواب للشرط ‪ ،‬والشرط ) َأ َ‬
‫عَلْيَهففا هيو أن تأخييذ الرض أبهيى صييورها ‪ ،‬وأن ُيصيبح أهلهيا منشيغلون‬‫ن َ‬
‫ن َأْهُلَها َأّنُهفْم َقففاِدُرو َ‬
‫ظّ‬‫ت ‪َ ،‬و َ‬
‫َواّزّيَن ْ‬
‫بمظاهرها مفتونون بجمالها ‪ ،‬يبذلون قصارى جهدهم في تحصيل متاعهييا ‪ ،‬غيافلين عين شييكر خالقهييا وبارئهييا ‪،‬‬
‫ظانين أنهم قادرين وبل منازع على تصريف شؤونها ‪ ،‬وشؤون من على ظهرها من المخلوقات ‪ ،‬منتقصين قييدر‬
‫وقدرة خالقهم وخالقها ‪.‬‬

‫ل َأْو َنَهاًرا ( وماهية أمر ال تتبين مين النتيجية ‪ ،‬فيي تعقيبيه‬


‫أما جواب الشرط فهو مجيء أمر ال ) َأَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً‬
‫س ( وهو خراب الرض بييزوال زينتهييا وزخرفهييا ‪ ،‬الييتي‬ ‫ن ِباَْلْم ِ‬ ‫ن َلْم َتْغ َ‬
‫صيًدا ‪َ ،‬كَأ ْ‬
‫ح ِ‬
‫جَعْلَناَها َ‬
‫سبحانه وتعالى ) َف َ‬
‫أشغلت الناس عن عبادة ال ‪ ،‬وهي تشمل كل ما تراه من حولك ‪ ،‬من مفاتن الحياة الييتي اغييتر بهييا النيياس إل ميين‬
‫رحم ربي وهم قليل ‪ ،‬وذلك يعني هلك الكثير ميين النيياس ‪ .‬وإن لييم تسييتخدم السييلحة النووييية فييي جعييل الرض‬
‫صحراء قاحلة ‪ ،‬أينما وقع من أهلها ما أخبرت عنه اليات ‪ ،‬فمييا الييذي سيييجعلها كييذلك ؟! مييع حتمييية زوال هييذه‬
‫السلحة كما كنا قد أوضحنا في فصول سابقة ‪.‬‬

‫وهذه السنة اللهية ستمضي في عصرنا وقريبا جدا ‪ ،‬كما مضت مرارا وتكرارا فيي القيوام ‪ ،‬كلميا ابتعيد النياس‬
‫صل‬
‫صل اليات ‪ ،‬وأن هذا المر المف ّ‬ ‫عن الغاية اللهية من جعل النسان خليفة في الرض ‪ .‬وُيعّقب سبحانه أنه ف ّ‬
‫في الية مطروح للتفّكر فيه ‪ ،‬بمعنى أنك متى عاينت ما أخيبرت عنيه الييات ‪ ،‬متمّثل عليى أرض الواقيع فتوقيع‬
‫أمر ال في أي لحظة ‪ ،‬هذا إن كنت ممن يتفّكرون ‪.‬‬

‫المة السلمية فسقت عن أمر ربها وموعودة بالعقاب أيضا ‪:‬‬

‫جارَةٌ‬ ‫شيَرُتُكْم ‪َ ،‬وَأْمَواٌل اْقَتَرْفُتُموَها ‪َ ،‬وِت َ‬


‫ع ِ‬
‫جُكْم ‪َ ،‬و َ‬
‫خَواُنُكْم ‪َ ،‬وَأْزَوا ُ‬
‫ن َءاَباُؤُكْم ‪َ ،‬وَأْبَناُؤُكْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬‫ن َكا َ‬
‫قال تعالى ) ُقْل ِإ ْ‬
‫حّتففى َيفْأِت َ‬
‫ي‬ ‫صففوا َ‬
‫سفِبيِلِه ‪َ ،‬فَتَرّب ُ‬ ‫جَهاٍد ِفففي َ‬‫سوِلِه ‪َ ،‬و ِ‬
‫ل َوَر ُ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫ب ِإَلْيُكْم ِم َ‬
‫ح ّ‬
‫ضْوَنَها ‪َ ،‬أ َ‬
‫ن َتْر َ‬ ‫ساِك ُ‬
‫ساَدَها ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫شْونَ َك َ‬‫خ َ‬ ‫َت ْ‬
‫ن )‪ 24‬التوبة ( ‪.‬‬ ‫سِقي َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِ‬‫ل ِبَأمِْرِه ‪َ ،‬وا ُّ‬
‫ا ُّ‬

‫وهنا شرط آخر خاص بأمة السلم ‪ ،‬فإن تحّقق منها ما ُتخبر عنه اليات وقد تحّقق هيذه الييام ‪ ،‬بيل حالنييا أسيوأ‬
‫من ذلك بكثير ‪ ،‬إذ لمن نكتفي بحب الحياة الدنيا ومفرداتها ‪ ،‬فقد بدأنا مؤخرا نمارس الفسيياد والظلييم والعصيييان ‪،‬‬
‫والتعدي على حدود ال في وضح النهار وفي الماكن العامة ‪ ..‬فييي الشييارع ‪ ..‬فييي الجامعيية ‪ ..‬فييي التلفيياز ‪ ..‬فييي‬
‫ك أن أمر على وشك‬ ‫الصحف ‪ ..‬في الكتب ‪ ..‬ولكن الرحمن الرحيم ‪ ،‬لم ُينزل بنا غضبه حتى هذه اللحظة ‪ ،‬ول ش ّ‬
‫أن يأتي … !‬
‫‪293‬‬
‫أمر ال سيحيق بنا قريبا ‪ ،‬وأقّله شيييء ميين الخيوف والجيوع ونقييص مين الميوال والنفيس والثميرات ‪ ،‬وأكييثره‬
‫الهلك العاجل في الدنيا ونار جهنم في الخرة ‪ ،‬هذا لمن فسق عن أمر ربه من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫أما من ضرب بمظاهر الحياة الدنيا عرض الحائط وتاجر بما عند ربه ‪ ،‬فآمن وصبر وعمييل صييالحا فييأولئك لهييم‬
‫البشرى من ربهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ول خوف عليهم ول هم يحزنون ‪.‬‬

‫ن)‬
‫غففاِفُلو َ‬
‫ن آَياِتَنففا َ‬
‫عْ‬
‫ن ُهْم َ‬
‫طَمَأّنوا ِبَها ‪َ ،‬واّلِذي َ‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وا ْ‬
‫ضوا ِباْل َ‬
‫ن ِلَقاَءَنا ‪َ ،‬وَر ُ‬
‫جو َ‬‫ن َل َيْر ُ‬
‫ن اّلِذي َ‬‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 8‬يونس (‬ ‫سُبو َ‬
‫ك َمْأَواُهْم الّناُر ِبَما َكاُنوا َيْك ِ‬
‫‪ُ (7‬أْولَِئ َ‬

‫صراع بين مذهبين ‪:‬‬

‫ي يدعو إلى الصلح والصييلح ‪ ،‬وهبييوط‬ ‫مرت البشرية بعدة محطات ‪ ،‬بدأت بهبوط آدم عليه السلم بمذهب إله ّ‬
‫إبليس بمذهب شيطاني يدعو إلى الفساد والفساد ‪ .‬ومنذ ذلك اليوم بدأ الصراع الحقيقي بين مذهبين ‪ ،‬بييين مييذهب‬
‫إبليس ومذهب رب العزة وكل له جنده ‪ ،‬وُتركت للبشر حرية الختيار في تجنيد أنفسييهم لنصييرة أحييد المييذهبين ‪،‬‬
‫وكل من الفريقين سيتحّمل تبعة اختياره ‪.‬‬

‫حين بدأت الحياة البشرية على الرض ‪ ،‬كان مقام آدم عليه السلم في أرض الجزيرة العربية ‪ ،‬حيث كييانت جنيية‬
‫ال في الرض ‪ ،‬فقام ببناء أول بيت وضع لعبادة ال في مكة المكرمة ‪ ،‬وتناسل فيها وكثر أولده وأحفيياده ‪ .‬ومييع‬
‫مرور الزمن ‪ ،‬بدأ المذهب الشيطاني ينتشر في نسله ‪ ،‬والمذهب اللهي يضمحل شيئا فشيئا ‪ .‬وبعد وفيياة آدم عليييه‬
‫السلم استفحل المذهب الشيطاني ‪ ،‬حتى عّم أرجاء المعمورة التي لم تتجاوز حدود الجزيرة العربية آنذاك ‪.‬‬

‫في هذه الجواء ‪ُ ،‬بعث سبحانه نوح عليه السلم لدعوة قيومه ‪ ،‬فليم يسيتجب ليه إل قلية مين المستضيعفين ‪ ،‬ولميا‬
‫واجهوه بإصرارهم على الكفر واستمرارهم بالفساد في الرض ‪ ،‬ولما انقطع رجاءه في هدايتهم هنالك دعا ربييه‬
‫ليقطع دابر الكافرين ‪ ،‬فُأمر بصناعة الفلك وبييدأ بإقييامته وسييط اليابسيية ‪ ،‬حيييث أقييرب بحيير يبعييد آلف الميييال ‪،‬‬
‫وإقامة الفلك في ذلك المكان هو الجنون بعينه ‪ ،‬فما كان من قومه إل أن سخروا منه وممن معه ‪ ،‬وهيم ل يعلميون‬
‫وعن عاقبتهم غافلون ‪ ،‬وفجأة … انقلب كل شيء رأسا على عقب ‪ ،‬كان الطوفان الذي رافقه انقلب كوني هييائل‬
‫في جغرافية الرض ‪ ،‬جعلت من الجزيرة العربية صحراء قاحلة ‪.‬‬

‫ورست سفينته على جبل الجودي في الموصل شمالي العراق ‪ ،‬فنزل الذين انتصروا للمذهب اللهييي واسييتوطنوا‬
‫العراق في بادئ المر ‪ ،‬ومع مرور الزمن ‪ ،‬وميين هنيياك بييدءوا بالنتشييار شيييئا فشيييئا فييي شييتى بقيياع الرض ‪.‬‬
‫وعادت المور بعد الطوفان كما كانت في بداية عهد آدم عليه السلم وبدأ الناس في التناسل والتكاثر ‪.‬‬

‫وبعد نوح عليه السلم ومع مرور الزمن بدأ المذهب الشيطاني دورته الثانية ‪ ،‬فأخذ سييبحانه يبعييث الرسييل تباعييا‬
‫إلى تلك القوام التي كانت محصورة ‪ ،‬في هييذه منطقيية الهلل الخصيييب والجزيييرة العربييية ‪ ،‬حيييث أن المنيياطق‬
‫البعد لم تكن مأهولة آنذاك ‪ ،‬وُأخذت معظم أقوام الرسل السابقين بالعذاب ‪ ،‬ومن ثم بدأ الناس منييذ تلييك اللحظيية ‪،‬‬
‫في النتشار إلى البلدان البعد شيئا فشيئا ‪ -‬حتى عمروا الرض كلها في عصرنا الحالي – ومع ذلك بقيت الكثافة‬
‫السكانية آنذاك متمركزة فيي هيذه المنطقية ‪ ،‬وليذلك اختصيت بالرسيالت السيماوية دون غيرهيا ‪ .‬ومين ثيم ُبعيث‬
‫إبراهيم عليه السلم إلى قومه في بلدة أور جنوب العراق فلم يؤمنييوا لييه ‪ ،‬فييتركهم وهيياجر إلييى الرض المقّدسيية‬
‫لُيسلم الراية إلى نسله من بعده ‪.‬‬

‫وبعد مرور الزمن ‪ ،‬وبعد ضلل بني إسرائيل أثنيياء تواجييدهم فييي مصيير ‪ ،‬عيين شييريعة آبييائهم إبراهيييم واسييحق‬
‫ويعقوب عليه السلم ‪ُ ،‬بعث فيهم موسى عليه السلم فلم يؤمنوا له ول لمن بعده إل قليل ‪ .‬وبعد سنين طويلة ‪ ،‬من‬
‫انتصار بني إسرائيل للمذهب الشيطاني ُبعث فيهم عيسى عليه السلم رسول مجيّددا ‪ ،‬فلييم يؤمنييوا لييه بييل حيياولوا‬
‫قتله ‪ ،‬فتوفاه ال ورفعه إلى السماء ‪ ،‬ليعود آخر الزمان وينهي آخر حلقات مسلسل الطوفان الخير ‪ ،‬والذي ستبدأ‬
‫حلقاته بالتتابع بعد شهور قليلة ‪ ،‬والناس لهية قلوبهم وهم عنه غافلون ‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫ويكمل المذهب الشيطاني مشواره ومع مرور الزمن ‪ ،‬فجأة يتعطل هذا المذهب فييي هييذه البقعيية ميين العييالم لفييترة‬
‫دامت ما يقارب )‪ (1350‬عام ‪ِ ،‬ببعث نبي الهدى عليه أفضل الصلة والسلم بخاتمة الرسالت السييماوية ‪ ،‬وميين‬
‫ثم يتوفاه ال ليترك لنا هذا القرآن العظيم ‪ ،‬حبل متينا ممدودا ما بين السماء والرض ‪ ،‬لمن ابتغى الهداييية ووجييد‬
‫في نفسه العزم والقوة ‪ ،‬فُدحر ذلك المذهب اللعين وولى هاربا ‪ .‬وفي السنوات الخيرة عادت أمة السلم لتحييذوا‬
‫حذو سابقيها من المم وتحتضن ذلك المذهب ‪ ،‬لينُبت في هذه البقعة من العييالم وينمييوا ويزدهيير مشييمول بالعناييية‬
‫جة التقدم والحضارة ‪ ،‬فعاد ذلك المذهب وشمل كافة أرجاء الدنيا بما فيها مهد الرسييالت السييماوية ‪،‬‬ ‫والرعاية بح ّ‬
‫بلد الشام والعراق وجزيرة العرب ‪ ،‬فأصبح العالم أجمع أسوأ مما كان عليه قبل طوفان نوح عليه السلم ‪.‬‬

‫وفي نهاية الطوفان ‪ُ ،‬يبعث عيسى بن مريم عليه السلم ليعيد المور إلى نصابها ‪ ،‬وتسييتعيد الرض بركتهييا فييي‬
‫زمانه وينعم الناس بالمن والمان ‪ ،‬ويمضي المهدي ويمضييي عيسييى عليييه السييلم بعييد أن يبلييغ سيين الكهولية ‪،‬‬
‫وتبقى القلة المؤمنة فيبدأ المذهب الشيطاني من جديد انتشار النار في الهشيم في نسييل تلييك القليية ‪ ،‬وتخطييف ريييح‬
‫لينة أرواح البقية المؤمنة وتبقى الغلبية الكافرة ‪ ،‬وتجري الزمنة مسرعة إلى حيث الساعة …‬

‫مراحل الطوفان القادم‬


‫هذا الطوفان الذي نتحدث عنه ‪ ،‬هو ما سُيعيد البشيرية إليى ميا كيانت علييه بعيد الطوفيان الول زمين نيوح علييه‬
‫السلم ‪ ،‬ليعيد التاريخ نفسه مرة أخرى ‪ .‬وهو يختلف بعض الشيء عين سيابقه ‪ ،‬حييث سيتكون بيدايته مين صينع‬
‫البشر وسيأتي على عدة مراحل ‪- :‬‬

‫المرحلة الولى ‪ :‬أكبر وأبشع مذبحة في تاريخ الشعب اليهودي على يد العراقيين في فلسطين ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪ :‬تحالف العرب مع الروس في حييرب عالمييية نووييية ثالثيية ‪ ،‬تنتهييي فنيياء الحضييارة الغربييية‬
‫ومظاهرها ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة ‪ :‬عودة أجواء داحس والغبراء في المنطقة العربية لتصفية الحسابات فيما بعد الحرب العالمية‬
‫الثالثة ‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة ‪ :‬خروج المهدي من مكة ‪ ،‬وبدء حروبه لضم الجزيرة العربييية وإيييران وتركيييا ‪ ،‬والملحميية‬
‫الكبرى مع الروس ‪.‬‬

‫المرحلة الخامسة ‪ :‬سقوط عبدة المادة وظاهر الحياة الدنيا بين براثن الد ّ‬
‫جال في حرب الجوع والعطش ‪.‬‬

‫المرحلة السادسة ‪ :‬نزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬والذبح النهييائي للييدجال وأتبيياعه ميين اليهييود علييى مشييارف‬
‫القدس ‪.‬‬

‫المرحلة السابعة ‪ :‬فناء من بقي من الشعوب الشرقية في حرب يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وحصر الصفوة من عبيياد‬
‫ال مع عيسى عليه السلم في جبال فلسطين ‪.‬‬

‫المرحلة الثامنة ‪ :‬فناء يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وتغّير في جغرافية الرض وعودة مناخهييا الفردوسييي ) جنيية آخيير‬
‫الزمان ( كما كانت على عهد آدم عليه السلم ‪.‬‬

‫المرحلة التاسعة ‪ :‬عصر المن والسلم تحت حكم عيسى عليه السلم ‪ ،‬مكمل سنين عمييره حييتى يبلييغ سيين‬
‫الكهولة ‪.‬‬

‫* ملحظة ‪ :‬المراحل تحمل ترتيبا زمنيا ‪ ،‬وقد يكون هناك اندماج بين المراحل أو تقديم أو تأخير ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫إذا بقي البصر حيث موطئ القدم … فلن تَر النجوم في بطن السماء … ول القمر في ليل تمييامه … ول الشييمس‬
‫في عّز الظهيرة … فمنذ هذه اللحظة …‬

‫ابدأ هدانا وهداك الله بصناعة ال ُ‬


‫فلك‬
‫وابذل قصارى جهدك في إتقان صنعته ‪ ..‬فلعلك تنجو من الغرق ‪ ..‬كلفته ليست باهظة جييدا ‪ ..‬أو ل ُتقيّدر بثميين ‪..‬‬
‫أو ل ُتشترى بمال ‪ ..‬وحتى لو كانت كذلك ‪ ..‬فالنجاة أغلى وأثمن … هذا الفلك … خشييبه صييفحات ميين ذهييب ‪..‬‬
‫محصورة بين دفتي كتاب ‪ ..‬يقبع في إحدى زوايا المنييزل ‪ ..‬ومسيياميره كلمييات ميين نييور ‪ ..‬إذا عرفييت مييا هييو ‪..‬‬
‫ستجد فيه رسالة ُأنزلت من أجلك ‪ ..‬واجتهد كثير من الناس ‪ ..‬في حملها وبيانها … على مدى أربعيية عشيير قرنييا‬
‫من الزمان ‪ ..‬ليصالها إليك ‪ ..‬فل ُتذهب جهدهم أدراج الرياح ‪..‬‬
‫ن ُأوُتففوا‬‫ق ‪َ ،‬وَل َيُكوُنففوا َكاّلفِذي َ‬ ‫حف ّ‬
‫ن اْل َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَما َنَزَل ِمف َ‬ ‫شَع ُقُلوُبُهْم ِلِذْكِر ا ِّ‬‫خ َ‬‫ن َت ْ‬‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ن ِلّلِذي َ‬
‫قال تعالى ) َأَلْم َيْأ ِ‬
‫ن )‪ 16‬الحديييد ( وقييال ) ُقفْل َيِعَبففاِد َ‬
‫ي‬ ‫سفُقو َ‬‫ت ُقُلففوُبُهْم ‪َ ،‬وَكِثيفٌر ِمْنُهفْم َفا ِ‬ ‫س ْ‬‫عَلْيِهُم اَْلَمُد ‪َ ،‬فَق َ‬ ‫طاَل َ‬ ‫ن َقْبُل ‪َ ،‬ف َ‬ ‫اْلِكَتابَ ِم ْ‬
‫حيففُم )‪53‬‬ ‫جِميًعا ‪ِ ،‬إّنُه ُهَو اْلَغُفوُر الّر ِ‬
‫ب َ‬ ‫ل َيْغِفرُ الّذُنو َ‬
‫ن ا َّ‬‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫حَمِة ا ِّ‬ ‫ن َر ْ‬‫طوا ِم ْ‬ ‫سِهْم ‪َ ،‬ل َتْقَن ُ‬ ‫عَلى َأْنُف ِ‬ ‫سَرُفوا َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 155‬البقرة (‬ ‫صاِبِري َ‬‫شِر ال ّ‬ ‫ن )‪َ … (38‬وَب ّ‬ ‫حَزُنو َ‬‫عَلْيِهْم َوَل ُهْم َي ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خْو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َف َ‬ ‫ن َتِبَع ُهَدا َ‬‫الزمر ( وقال ) َفَم ْ‬
‫أخي القارئ … ساهم معنا في نشر هذا الكتاب … بتوزيع نسخة على قرص مرن … أو مطبوعة علييى الييورق‬
‫… أو عبر البريد اللكتروني …‬
‫قال تعالى‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ع ّ‬
‫ل َ‬
‫ف ٍ‬
‫غا ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫م َ‬‫عن ْدَهُ ِ‬
‫هادَةً ِ‬
‫ش َ‬ ‫ن ك َت َ َ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬
‫م‪ِ ،‬‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫) َ‬
‫ن(‬‫مُلو َ‬‫ع َ‬
‫تَ ْ‬
‫)‪ 140‬البقرة (‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيد المرسلين‬

‫] نهاية الكتاب [‬

‫‪296‬‬
‫كتاب‬
‫نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية‬
‫متوفر على شبكة النترنت ضمن موقع وعد الخرة‬
‫موقع شخصي للمؤلف يتم من خلله تقديم فكرة عن الكتاب ‪ ،‬وتقديم خدمة تحميل الكتاب مجانا‬
‫هذا الكتاب لم ُيعط حق نشره ‪ ،‬لي من دور النشر ‪ ،‬حتى يتسنى لنا عرضه من خلل شبكة النترنت ‪ ،‬وليتسنى‬
‫للجميع الطلع على ما يحويه هذا الكتاب من أفكار وطروحات‬
‫الكتاب غير متوفر مطبوعا في السواق ‪ ،‬ومن رغب بطباعته ونشره فله الحق بذلك ‪ ،‬ودون داع للرجوع إلى‬
‫المؤلف‬
‫إذ ل نبتغ من وراءه منفعة مادية أو معنوية قل شأنها أو كبر‬

‫حق النشر متاح للجميع‬

‫احصل على أحدث نسخة من الكتاب مجانا من خلل أحد مواقعنا‬

‫عنوان الموقع الرئيس‬


‫‪www.go.ae/kalwid‬‬
‫عناوين الموقع الخرى‬
‫‪http://kalwid.0pi.com/index.htm‬‬
‫‪http://kalwid.bravepages.com/index.htm‬‬
‫‪http://www.geocities.com/kalwid/index.htm‬‬
‫‪http://kalwid.freeservers.com/index.htm‬‬
‫أو من خلل محرك بحث ) جوجل (‬
‫‪http://www.google.com‬‬
‫بريد المؤلف اللكتروني‬
‫‪kalwid@yahoo.com‬‬

‫‪297‬‬

You might also like