Professional Documents
Culture Documents
الوحدة النقدية الأوروبية
الوحدة النقدية الأوروبية
قليل من اآلالم
غير أنه ومثل الكثير من األشياء ،فإن الفوائد والمزايا التي حققها هذا المشروع الطموح ،لم تحظ حتى اآلن بالتقدير المناسب لها .فما زال أكثر من
نصف سكان الدول المنضمة إلى منطقة العملة األوروبية الموحدة ،التي تضم حاليا 15دولة ترى أن الوحدة النقدية «لم تكن مفيدة» وفقا للمسح الذي
أجرته إحدى مؤسسات المفوضية األوروبية في سبتمبر (أيلول) 2006وهو أحدث مسح متاح في هذا المجال.
كما أن التأييد الشعبي للعملة األوروبية الموحدة ،انخفض من %59عام 2002إلى %48عام 2006مع تنامي الشعور بأن العملة الجديدة ،أدت
إلى زيادة األسعار في العديد من دول اليورو.
والحقيقة أنه رغم وصول معدل التضخم في منطقة اليورو إلى %3.5في مارس (آذار)الماضي ،على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة
بشكل خاص ،فإن االحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدل التضخم ظل في حدود %2في أغلب األوقات منذ تأسيس البنك المركزي األوروبي عام
.1998
وهذا المعدل يبدو منخفضا للغاية حتى بعد زيادته عند مقارنته بمعدالت التضخم في أوروبا خالل أزمتي ارتفاع أسعار النفط خالل السبعينات
والتسعينات عندما كان معدل التضخم ال يقل عن .%10
واآلن أدى ارتفاع سعر اليورو أمام الدوالر إلى الحد كثيرا من وصول الزيادة الهائلة في أسعار النفط في األسواق العالمية إلى المستهلكين
األوروبيين ،حيث يشتري األوروبيون في دول اليورو النفط من السوق العالمية بالدوالر.
ففي حين ارتفعت أسعار النفط بالدوالر في األسواق العالمية بنسبة %400تقريبا منذ عام ،2003فإن هذه الزيادة في أسعار الوقود في السوق
األوروبية ،كانت أقل كثيرا بفضل صعود العملة األوروبية أمام العملة األميركية.
وقالت أميليا توريس المتحدثة باسم يواكين ألمونيا مفوض الشؤون االقتصادية والنقدية األوروبية «لو لم يتم استخدام اليورو اآلن ،فمن المؤكد أن
أسعار الوقود في دول اليورو كانت ستصبح أعلى بسبب ارتفاع أسعار النفط في األسواق العالمية«.
في الوقت نفسه فإن االستقرار النسبي لألسعار في منطقة اليورو ليست الفائدة الوحيدة التي تحققت من مشروع الوحدة النقدية لسكان دول المنطقة،
الذين يبلغ عددهم 320مليون نسمة.
فأسعار الفائدة في منطقة اليورو تظل عند مستويات منخفضة مقارنة باألوضاع التي كانت عليها قبل تبني العملة الموحدة ،وهذا أمر جيد بالنسبة
لسكان المنطقة الذين يريدون الحصول على قروض.
ففي بعض األحيان كان اليونانيون أو اإليطاليون يضطرون إلى دفع فائدة تصل إلى %20من أجل الحصول على قروض عقارية .أما اليوم وبعد أن
تبنت بالدهم العملة الموحدة لم يعد سعر الفائدة يتجاوز %7حيث أن سعر الفائدة الرئيسية في منطقة اليورو يصل إلى %4فقط.
ليس هذا فحسب بل إن هؤالء اإليطاليين واليونانيين يحصلون على القروض بنفس الشروط ،التي يحصل عليها نظراؤهم في فرنسا أو ألمانيا.
كما أنه من بين المزايا التي حققتها الوحدة النقدية األوروبية االستقرار االقتصادي ،الذي ساعد في جذب المزيد من االستثمارات وضبط الوضع
المالي للدول ،مما وفر األموال الالزمة لتمويل المشروعات الكبرى في مجال البنية األساسية ومساعدة الفقراء.
كما أن متوسط عجز الميزانية في منطقة اليورو انخفض إلى مستوى قياسي قدره %0.6من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي رغم وجود بعض
الحاالت الشاذة التي يرتفع فيها معدل العجز مثل إيطاليا.
ليس هذا فحسب ،بل إن اليورو أصبح من العمالت التي تحتفظ بها دول كثيرة في العالم ،ضمن احتياطياتها النقدية بعد الثقة الكبيرة التي حظيت بها
العملة األوروبية ،في ظل تراجع قيمة العملة األمريكية.
ورغم كل ذلك ،فالصورة ليست وردية على اإلطالق .فمعدل النمو االقتصادي في منطقة اليورو ما زال مخيبا لآلمال .والبنك المركزي األوروبي
يواجه صعوبات بالغة في التوفيق بين االحتياجات المتفاوتة للدول األعضاء في ظل التباين الكبير في الوضع االقتصادي للدول األعضاء في منطقة
اليورو التي تضم ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا على اإلطالق وسلوفينيا ومالطا وقبرص ذات االقتصاديات الصغيرة.
هل ينجح االتحاد النقدي األوروبي في تدويل اليورو؟
يعتبر اإلعالن في 01/01/1999عن قيام عهد العملة األوروبية الموحدة الـ (يـورو) -في ربوع إحدى عشرة دولة -تعبيرا عن اكتمال
المسار االندماجي األوروبي .هذا المسار تمثل السوق األوروبية المشتركة مرحلته األولى واالتحاد األوروبي مرحلته الثانية والسوق الموحدة
مرحلته الثالثة واالتحاد االقتصادي والنقدي مرحلته الرابعة واألخيرة.
وقد جاء اكتمال هذا المسار نتيجة جهود مضنية بذلها القادة األوروبيون ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل تحقيق الوحدة
االقتصادية والنقدية .فلقد انتهت الحرب العالمية الثانية بهيمنة أميركية وخطر سوفياتي محتمل رأى األوروبيون أنه من الالزم تحقيق استقاللية
تجاه النفوذ األميركي وحماية بلدانهم اتجاه الخطر الروسي.
انطالقا من هذا الوضع تم إنشاء المجلس األوروبي 1949وهو يلعب دورا تشاوريا لكن ليس له في الحقيقة تأثير يذكر .وفي سنة 1952تم
إنشاء المجموعة األوروبية للفحم والفوالذ
( )S.E.C.Aثم اتفاقية روما 1957والتي تعتبر توسيعا للمجموعة السابقة لتصبح المجموعة االقتصادية األوروبية
( .)C.E.Eثم سوق مشتركة .1968
بعد تكوين هذه السوق تم تكليف رئيس وزراء لكسومبرغ فيرنر ( )Wernerفي نوفمبر 1970مع مجموعة من الخبراء بوضع خطة من أجل
تحقيق الوحدة النقدية األوروبية بصورة تدريجية وتمت المصادقة على هـذه الخطة .1971إال أن هذه الخطة فشلت بفعل عوامل داخلية .إال
أن الفكرة تم إحياؤها من خالل نظام نقدي أوروبي عام 1979يهدف إلى وضع آلية لسعر الصرف يساهم في إقامة منطقة لالستقرار النقدي
في أوروبا.
وقد تسارع هذا المسار ابتداء من 1989بعد اعتماد مخطط ديلور (أو تقرير لجنة ديلور) من أجل وحدة اقتصادية ونقدية أوروبية .عقب
المصادقة على هذا المخطط تم إلغاء القيود على حركة رؤوس األموال 1990وتم تأسيس المعهد النقدي األوروبي في يناير .1994ثم تناولت
القمة األوروبية المنعقدة في سنة 1997بالعاصمة الهولندية أمستردام المسائل التنظيمية المتعلقة بقيام االتحاد االقتصادي والنقدي بداية من
01/01/1999وبالفعل تم اإلعالن أخيرا عن إصدار عملة موحدة في هذا التاريخ ومن المتوقع في األول من يناير /كانون الثاني المقبل
2002بدء التعامل باألوراق والقطع النقدية لليورو في جميع النشاطات التجارية وفي األشهر الستة اآلتية يتم سحب األوراق والقطع المعدنية
لمختلف الدول ويبقى اليورو هو العملة المتداولة بين إحدى عشرة دولة أوروبية .لكن السؤال المطروح :ما شروط نجاح تدويل الـ (يورو)
حتى يتسنى له منافسة الدوالر األميركي؟.
”
لكي يكون اليورو عملة دولية تنافس الدوالر األميركي وتقوم بوظائف العملة الدولية على أحسن وجه فإن ذلك يتوقف على أمرين :مدى فاعلية
وجودة السياسات النقدية والمالية والضريبية واالقتصادية بصفة عامة المتبعة في بالد اليورو ككل من جهة وبتحديث السوق المالية األوروبية
الموحدة بدرجة كافية حتى تتوفر فيها آليات استثمارية متنوعة ومتطورة تنافس ما هو متاح حاليا في األسواق المالية األميركية والبريطانية واليابانية
من جهة أخرى
”
من أجل أن تكون عملة ما عملة دولية فمن الالزم أن تكون مستخدمة في مبادالت السلع والخدمات وبنسبة كبيرة في التجارة الدولية
وبالتالي لكي تكون سهلة االستخدام كوسيلة للدفع فإن ذلك يتطلب تنظيما مصرفيا متفوقا في أدائه .كما يجب أن تكون مستخدمة
كوحدة احتياط في البنوك المركزية لمختلف الدول.
وعلى المستوى التجاري ،فإن العملة األوروبية الموحدة يمكن أن تكون مستخدمة كوحدة حساب أساسية في المبادالت بين دول
االتحاد األوروبي وباقي دول العالم .فدول االتحاد األوروبي تعتبر دوال منفتحة على الخارج فصادراتها ووارداتها تمثل في المتوسط
24%من الناتج الداخلي الخام مقابل % 11.5للواليات المتحدة األميركية و %9بالنسبة لليابان .وعلى هذا األساس فإن اليورو
مؤهل ألن يكون إحدى العمالت األساسية في التجارة بين دول العالم.
والنقدية لمدة غير محددة خارج االتحاد النقدي من شـأنـه أن يشكك في مصداقية اليورو على المستوى العالمي كما من شأنه أن يؤثر على
استقرار هذه العملة .فالمملكة المتحدة تمثل سوقها النقدية والمالية مكانة مرموقة على المستوى العالمي ال يمكن إهمالها.
الشرط السابع -المحافظة على مكانة الـ (يورو) مقابل العمالت المنافسة:
يتمثل هذا الشرط في مدى قدرة االتحاد االقتصادي والنقدي األوروبي على الجمع بين الحفاظ على مكانة اليورو مقابل العمالت الدولية المنافسة
وانفتاح االتحاد على دول أوروبا الوسطى والشرقية .لذا يكون السؤال المطروح ما مدى استعداد األعضاء الجدد لاللتزام بميثاق االستقرار
والنمو؟
الشرط الثامن -نجاح اليورو يتعلق بمعدل صرفه بالمقارنة مع الدوالر: ش
شرط آخر من شروط نجاح اليورو يتعلق بمعدل صرفه بالمقارنة مع الدوالر ففي ظل العولمة االقتصادية فإننا نالحظ أن رفع قيمة العملة ع
يحدث آثارا سلبية .فرفع قيمة العملة كان سببا في النيل من مكانة اقتصاديات الدول األوروبية المشاركة في الوحدة النقدية في السنوات ا
األخيرة ,فمن المطلوب من اليورو أن يوازن بين خصائص عملة قوية ومستقرة من جهة ملبيا بذلك حاجات المستثمرين والمدخرين وأن ال ر
يؤثر ارتفاعه أيضا على وتائر النمو في دول االتحاد االقتصادي والنقدي من جهة ثانية. ال
فإذا ما حاولنا تتبع معدل صرف اليورو بالمقارنة مع الدوالر فإننا نالحظ أن قيمة اليورو ارتفعت حتى وصلت إلى 1.18دوالر في يناير ي
1999إال أن معدل صرفه تراجع في األشهر التالية ،ففي وسط نفس السنة تراجع معدل صرفه حتى راوح بين 1.06و 1.07في سنة و
1999اتسمت على مستوى أسواق الصرف بأزمة اللاير البرازيلي وتراجع العملة األوروبية الموحدة بنسبة %15مقابل الدوالر .أما سنة ر
2000فقد اتسمت هي األخرى على مستوى أسواق الصرف باستقرار نسبي لكن اليورو وعلى الرغم من انتعاش النشاط االقتصادي في و
أوروبا استمر في تراجعه إذ فقد % 8من قيمته ،في الوقت الذي بقيت فيه العمالت األوروبية األخرى مستقرة على العموم .لذا فإن على
اليورو الموازنة بين متطلبات النمو من جهة والحفاظ على مكانته كعملة دولية قوية ومستقرة.
”
الدول األوروبية اإلحدى عشرة المنضمة للوحدة النقدية بقيت أعضاء في صندوق النقد الدولي وكل دولة من هذه الدول احتفظت بنصيبها .فبعد
1999بلغ مجموع األنصاب المتراكمة % 23من مجموع األنصبة وبنصيب أكبر من نصيب الواليات المتحدة األميركية البالغ .% 17وسيزيد
النصيب الكلي لالتحاد أيضا زيادة ملموسة إذا انضمت المملكة المتحدة إذ سيبلغ
% 30
”
ونخلص مما سبق إلى أن نجاح تدويل اليورو ووصوله إلى مكانة تجعله منافسا حقيقيا للدوالر لن تتسنى إال بتحقيق الشروط السابقة وإن كانت
في الحقيقة تختلف في أهميتها .وعلى العموم فإن إدارة أو حكما سديدا على مستوى السياسة النقدية والمالية والضريبية واالقتصادية من قبل
بلدان العملة األوروبية الموحدة من جهة وتحديث السوق المالية األوروبية من جهة هما شرطان ال غنى عنهما لتوفير الخدمات المطلوبة من
طرف المستثمرين والمدخرين كي يتسنى لليورو منافسة الدوالر األميركي وبالتالي أن يكون عملة دولية قوية ومستقرة.
______________________
باحث في مختبر إدارة األعمال بكلية العلوم االقتصادية والتصرف -تونس