Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫خيانة العقل‬

‫وقف في الطابور ينتظر دوره ‪ ...‬كان الحشد من الناس على غير عادته ‪..‬‬

‫استغرب كثيرا! ‪ ..‬وبدأ يتساءل عن سبب إزدحامهم لول أنهم رآهم متهافتين الى‬
‫التبرع ‪ ،‬أولئك الذين ما إن سمعوا صوت المذيع الشاب على التلفاز يعلن أن أطفال‬
‫غزة ونسائها وشيوخها بحاجة لكم ‪ ..‬حتى ازدحمت تلك الشبابيك بمئات الناس ‪.‬‬

‫للوهلة الولى بدا عليه الستغراب والدهشة ‪ ..‬وعاد ليسأل نفسه ‪:‬‬

‫ما بالي أرى جميع المتطوعين شيوخا ! ونساء ‪..‬؟؟؟ فأين هم الشباب ‪.‬؟؟؟‬

‫هل خانتهم ضمائرهم وخانوا معها حبهم وغيرتهم على بلدهم السلمية ‪..‬‬

‫ألهذه الدرجة أصبحت عقولهم منحدرة الى مغريات الحياة ‪..‬؟؟‬

‫و أصبح ه ‪F‬مهم إرضاء نزواتهم ورغباتهم ‪..‬؟؟‬

‫وبينما هو شار ‪H‬د يفكر في ألمه على حال المة كيف أصبح وأضحى بل ق ‪F‬يم وبدون‬

‫مقاييس العقل والرداك ‪ ،‬فإذا بيد تربت على كتفه وشخص يقول له ‪ ..‬تفضل انه‬

‫دورك ‪.‬‬

‫تقدم نحو الشباك وقال للموظف المسؤول ‪:‬‬

‫أريد أن أتبرع بكل ما أملك ‪ ..‬وأشار الى قلبه ‪.‬‬

‫ابتسم الموظف وشعر بارتياح كبير وظن أن هناك مبلغا ! ضخما ! سوف يساعد في‬

‫تحسين معيشة بعض أطفال غزة ونسائهم ‪ ..‬أولئك الذين يتجرعون كل يوم‬

‫علقم الكيان الصهيوني ‪ ..‬فسأل ذلك الشاب المندفع بلهفة ‪:‬‬

‫كم المبلغ سيدي ‪..‬؟؟‬

‫فكرر أجابته ‪ :‬بكل ما أملك وهو ما زال واضعا يده على قلبه ‪ ..‬وراح يقول ‪:‬‬
‫سأتبرع بدمي وروحي وقلبي وكل ما أملك‪ .‬فكل خليا جسمي هي ملك لطفالنا‬

‫وشعبنا بفلسطين وغزة ‪ ،‬و ‪........‬‬

‫قاطعه الموظف قائل! ‪ :‬سيدي شعب فلسطين بما فيهم اطفاله ونساؤه ممتنين لك‬

‫ولشعورك الرائع ولكنهم بحاجة الى شيء مادي ‪ ..‬شيء ملموس يدفع عنهم‬

‫الذى ويشعرهم بدفئ الشتاء ويبعد عنهم قساوة حرارة الشمس على أرجلهم أيام‬

‫الصيف ‪ ..‬شيء يمدهم بالصحة والعافية ليبعد عنهم ألم الجوع والحرمان ‪!!!..‬‬

‫فهم ليسوا بحاجة إلى العبارات والشعارات التي عاشوا عليها خمسين سنة دون‬
‫أن تسد لهم حاجاتهم ‪..‬؟ وقد تعلموا جيدا معنى الخيانة القومية ليدفعوا ثمنها‬

‫أرواحهم ودمائهم ودموعهم وحزنهم ‪!!!...‬‬

‫فهل لك أن تذكر لي ذلك المبلغ الذي تريد التبرع فيه لحرر لك وصل! به لن هناك‬

‫أشخاص غيرك رجا !ء ‪.‬‬

‫فنظر الى الموظف ممتعضا ! بينما الجموع تنظر اليه ساخرة وقال محتدا! ‪:‬‬

‫إليك محفظتي … خذها كل ما بداخلها لتدرك أنني لست ممن يجيدون الكلم فقط‬

‫وأنني جاد في تبرعي وطلبي ومشاعري ‪..‬‬

‫أخذ الموظف المحفظة ليفتحها فوجدها فارغة وليس فيها سوى مبلغ صغير‬

‫ل يكفي كحد أدنى للتبرع ‪ ..‬فقال بصوت ‪U‬‬


‫عال لذلك الشاب ‪ :‬أتسخر مني ‪..‬؟؟؟؟‬

‫فنظر الى محفظته متعجبا ! وسأل الموظف بصوت خافت ‪:‬‬

‫ما هو تاريخ يومنا هذا ‪.‬؟؟؟؟‬

‫تعجب الموظف من سؤاله وبدأت أصوات الناس تزمجر غضبا ! من تصرفات الشاب‬
‫ورد قائل! ‪ :‬انه الحادي والعشرون من الشهر لماذا ‪..‬؟‬

‫طأطئ الشاب برأسه وهو ينظر الى الرض وبدأ يتمتم ‪ :‬عفوك سيدي وأقسم لك‬

‫انها كانت مليئة أول الشهر ‪ ..‬وفيها ما يكفي لكي أتبرع لكم به ‪ ..‬لكنني عندما‬

‫سمعت بالخبر قبل قليل من المذياع هرعت مسرعا ! إليكم ‪ ..‬وأخر شيء كنت‬

‫أتوقعه ‪...‬؟ أن يخونني عقلي ‪ ..‬وتخونني ذاكرتي وإداركي ليومنا هذا وتاريخه ‪!.‬‬

‫لملم الشاب خيبته و ترك مكانه وبدأ يسير ببطئ وهو يشعر بنظرات الناس تقتلع‬
‫روحه من مكانها وهو يدعو ا أن يبقي باب التبرع قائما الى أول الشهر مع‬
‫دعائه الى عقله بعدم خيانته مرة أخرى ‪.‬‬

You might also like