Professional Documents
Culture Documents
على هامش الثورة - ذكريات ثورية
على هامش الثورة - ذكريات ثورية
على هامش الثورة - ذكريات ثورية
1
على هامش الثورة -ذكرٌات ثورٌة
عبدالرحمن جمال
2
ربما لم تحظ ثورة فً تارٌخ مصر الذي ٌضرب بجذوره فً
أعماق الزمن بمثل هذا االهتمام الذي حظٌت به ثورة الخامس و
العشرٌن من ٌناٌر ،فهً لٌست الثورة الشعبٌة األولى بحق فً
تارٌخ مصر ،بل هً أٌضًا أول ثورة على مستوى العالم ٌعلن
الثوار عن قٌامهم بها قبل موعدها بعشرة أٌام كاملة ،و هً
الثورة األولى التً تنطلق من الفضاء التخٌلً لئلنترنت ثم تهبط
إلى الشارع ،و هً الثورة األولى التً حظٌت منذ لحظتها األولى
بهذا الكم من المتابعة و التوثٌق ،أكان هذا التوثٌق صورً ا ثابتة أو
متحركة أو شهادات حٌة ٌكتبها من ٌمتلك قلمًا ٌبرع فً
استعماله..
عندما بدأت كتابة هذه األوراق ،كنت أكتبها ألننً أعرؾ أننا
سننسى؛ فالشعب المصري اعتاد النسٌان وسٌلة لتخفٌؾ الهموم
عنه ..كنت أكتب كً أترك ألوالدي – إن جاءوا – وثٌقة
ٌعرفون بها كم و كٌؾ ضحى أجدادهم كً ٌنعموا بحرٌتهم ..
3
إننً ال أقول إننً أإرخ للثورة ،فالحدث أكبر من شخص واحد،
بل إن جل ما أستطٌع أن أدعٌه هو أننً أشارك فً التؤرٌخ،
بتسجٌل شهادتً و مشاهداتً لما حدث فً تلك األٌام ،عل من
ٌؤتون بعدنا ٌقرأونها لٌستخلصوا منها ما سٌكتبونه فً كتب
التارٌخ ،و مقررات المدارس ،و البرامج الوثابقٌة التً ستتحدث
عن هذه الفترة الفارقة فً تارٌخنا ..
بدأت الكتابة متؤخرً ا خمسة أٌام كاملة ،مدفو ًعا فً البداٌة بعدم
إٌمانً بؤن الحدث على هذا القدر من الضخامة ،ثم مدفوعًا
بتسارع األحداث للحد الذي جعل متابعتها فحسب شٌ ًبا مره ًقا ..
إننً لم أقدم الكثٌر لهذه الثورة ،اللهم إال بعض الدعم المعنوي و
القلٌل من التؽطٌة اإلخبارٌة ،و بعض الحشد الجماهٌري ،و إننً
ألرجو أن تجعل هذه األوراق رصٌدي فً الثورة أكبر ،إن لم
ٌكن فً صنعها ،فعلى األقل فً الحفاظ علٌها من النسٌان ..
و هللا الموفق،
اإلسكندرٌة فً الثامن و العشرٌن من فبراٌر
عام أحد عشر و ألفٌن من المٌبلد
4
ٌ 41ناٌر 3122
من الصعب فً مثل هذه اللحظات أن تجلس لتكتب ..كل دقٌقة
هً حدث جدٌد ..كل ثانٌة هً تطور مفصلً فً األحداث ..
كل لحظة هً منعطؾ تارٌخً ..
بدأ األمر منذ خمسة أٌام ..بدأ منذ خمسة أٌام ،لكن تسارع
األحداث لم ٌترك لً الفرصة كً أتابعها فضبلً عن أن أسجلها ..
من أجل ذلك سابدأ – كً ال أنسى ،و كً ٌسٌر السرد فً طرٌق
ال ٌسبب ارتبا ًكا لً أو لك – من النهاٌة ،و أعنً بهذه النهاٌة تلك
5
اللحظة التً أجلس فٌها ألكتب ،فاألحداث التً بدأت فً الثبلثاء
الخامس و العشرٌن من ٌناٌر ال تبدو لها فً األفق نهاٌة قرٌبة ..
كل ٌ فً مكانه
على عكس األٌام الماضٌة لم أبق فً المنزل ألشاهد عن بعد ،بل
قررت أن أذهب للمستشفى األمٌري هنا فً اإلسكندرٌة ،إذ
6
بلؽتنً أنباء أنهم بحاجة إلى أطباء ٌسدون الفراغ الذي لم ٌنشؤ
عن ؼٌاب األطباء ،بل عن التزاٌد الشنٌع فً أعداد القتلى و
الجرحى ..و ال أقول الشنٌع من باب المبالؽة أو التهوٌل ،بل هو
الوصؾ األدق و األنسب لما حدث؛ فالتزاٌد لٌس نتٌجة "ثورة
الشعب" ،بل هو نتٌجة "قذارة النظام" ،و كان من الممكن أن ٌمر
األمر بسبلم أكبر لوال الؽباء فً التعامل و الحمق فً تعاطً
ً
عقودا إلى الخلؾ الموقؾ ،و استمرار العقلٌة األمنٌة التً أذهبتنا
فً معالجة الموقؾ ..
7
تهدم بفعل الحرٌق ،و لك أن تتخٌل قوة الحرٌق و درجة الحرارة
ضا لٌس ٌرى سواها علىالتً تهدم الحجر و الحدٌد ،فتحٌله أنقا ً
مد البصر ..لست بحاجة ،ألنك عزٌزي القارئ قد رأٌت مثل
هذا أًٌا كان موقعك فً الجمهورٌة ..
خلف المدرعة
خط سٌري إلى المستشفى ٌوصلنً إلى شارع فإاد حٌث مبنى
محافظة اإلسكندرٌة ،ثم انعطؾ ٌمٌ ًنا فً شارع المتحؾ
الرومانً حتى أصل إلى بوابة المستشفى الربٌسة ..
8
انطلقت فً طرٌقً ،فٌما انطلقت ورابً المدرعة بطاقمها ،و
ألول مرة أرى مشه ًدا كهذا ..مدرعة بهدٌر محركاتها و
جنزٌرها تمرق بجانبً بسرعة جنونٌة متوجهة صوب
المستشفى ،التً ٌبدو من صراخ المرأة أنها تتعرض إلى هجوم
عنٌؾ ..
هدوء نسبً
الهدوء كان سٌد الموقؾ لحظة وصولً ..قسم االستقبال
هاديء ،فبل شًء سوى الحاالت المعتادة ،ما بٌن مرضى
الذبحة ،أو التسمم ،أو التهابات مجرى البول ..لكن ما عرفته
منذ اللحظة األولى لوصولً هو أن المستشفى بالكامل قد
ُخصص للحوادث ،و أن كافة العنابر قد انقلبت عنابر جراحٌة ،و
اختفى – تقرٌبًا – مسمى "الباطنة" من المستشفى ..معلومة
9
لست أجد أصدق منها تعبٌرً ا و تبرٌرً ا لما كتبته منذ أسطر ،عن
وصفً للتزاٌد فً أعداد القتلى و الجرحى بإنه "شنٌع" ..
ظل األمر على هذا الحال حتى بدأت أولى البشابر ..مصاب
بطلق ناري "رش" أتى إلى المستشفى محوالً من العجمً،
استقرت فً جسده اثنتان من هذه الطلقات ،أحسست بواحدة
منهما تحت جلده ،و هو إحساس لست أحب أن أعٌشه بكل
تؤكٌد..
ثم حالة أخرى هً كسر فً الساق ،ثم أخرى هى طلقة دخلت فً
ساقه ثم خرجت ،ثم أخرى استقرت طلقة فً رأسه بٌنما دخلت
األخرى و خرجت ،ثم أخرى هً ثبلث طلقات أصابته ٌوم
الجمعة ،لٌكتشؾ أن أحدها ال زالت فً جسده ..
هذا رصاص حً ،و لٌس رصاص مطاطً ،أو شظاٌا القنابل
المسٌلة للدموع ،إن كان لها شظاٌا ..هذا رصاص حً !
10
الشرطة التً استولى علٌها المخربون و قطاع الطرق و
اللصوص الذٌن أطلقتهم الداخلٌة لٌثٌروا الفوضى فً الببلد ،أو
انطلقوا من السجون فً ظل الفوضى التً أثارها زمبلإهم
بإٌعاز من الداخلٌة ..أًٌا كان األمر ،فالنتٌجة واحدة :هنالك سبلح
فً أٌدي شرذمة ال ٌعرفون الرحمة ،و هم طلقاء فً الشوارع،
لٌس لهم إال رحمة هللا تنزل بنا فنمسكهم قبل أن ٌفعلوا شٌ ًبا ..
موجات
لم ٌكن الٌوم كله مشؽوالً و مزدحمًا ..وصلت الساعة العاشرة،
و لم تبدأ سخونة األحداث فً حرق أصابعً إال فً الثانٌة
عشرة ،لٌهدأ الجو بعدها ،ثم ٌشتعل ..موجات متتالٌات من
التزاٌد فً الجرحى ثم النقصان ،ثم التزاٌد ثم النقصان ،و ربما
لٌس ٌدل هذا على شًء بؤكثر مما ٌدل على أن سقوط الضحاٌا
ٌتوالى و ٌتتالى ،و أن فترات الهدوء النسبً إن هً إال الفترات
التً ٌقضٌها هإالء الجرحى فً السقوط أو المجًء ..أقول هذا
ألن المستشفى األمٌري تستقبل حوادث اإلسكندرٌة بؤكملها ،ما
11
ٌعنً أنه لو وقعت إصابة فً أقصى ؼرب اإلسكندرٌة ،فإن
صاحبها لٌس أمامه من مكان لٌداوٌه إال المستشفى األمٌري ..
أخبار ما سبق
لكننً بالطبع لم أترك فرصة تواجدي فً المستشفى تمر سُدى،
فقد استؽللت هذه الفرصة و سؤلت و تركت أذنً تسمع و تلتقط
12
ماذا حدث فً األٌام السابقة التً كنت فٌها فً المنزل ،و لقد
سمعت عجبًا ..
13
الحاالت الحرجة فقط ،فؤولبك المصابون الذي كانوا فً حالة
مستقرة ،أي إن إصاباتهم خفٌفة أو سطحٌة ،و فً أماكن ؼٌر
حٌوٌة من أجسادهم ،كانوا ال ٌؤتون للمستشفى ،إذ كانت الشرطة
– وقت كانت موجودة – تقبض علٌهم ،كً ال ٌشهدوا علٌها !
14
ثبلجة الموتى أصبحت مقبرة جماعٌة ،و لٌس مما ٌدهش لو
وجدت جثتٌن فوق بعضهما البعض داخل وحدات التبرٌد ،فهذا
هو السبٌل الوحٌد الستٌعاب األعداد المتزاٌدة و المهولة منهم ..
لكننً رؼم اعتقادي هذا ،ال أستطٌع أن أقفز فوق هذه اللحظات،
و أتناساها فٌما أكتب ،لذا فإننً أطلب منك أن تعٌرنً انتباهك،
إذ سؤروي ما رأٌت و عشت منذ بداٌة األحداث ..
15
موع ًدا النطبلق المظاهرات المطالبة باإلصبلح و التؽٌٌر و
إسقاط النظام – و هً المطالب التً ظهرت على الترتٌب الذي
كتبت تقرٌبًا ..
16
تخطٌط مسبق ،و ؼالبًا ما تكون عند الوصول لنقطة البلعودة ،أو
كتلة الشعب الحرجة ،و هً كتلة ال ٌعلم أحد متى ٌصل إلٌها
الشعب ،و ال حتى الشعب نفسه ..و ال هً إنقبلب؛ إذ اإلنقبلب
حركة ٌقوم بها مجموعة محددة ،وف ًقا لخطة محكمة و دقٌقة،
تمتلك القدرة على السٌطرة على مراكز القوة فً الببلد و إحكام
القبضة علٌها ،و إقصاء الحكم السابق ،و هو ما ال ٌتوافر فً هذه
الحالة أٌضً ا ..
17
و هذه الثورة لم تبدأ "ثورة" بمعناها االصطبلحً منذ الٌوم
األول ،بل بدأت كمظاهرات حاشدة ٌعلن الناس فٌها انتصارهم
على شبح الخوؾ الذي جثم على صدورهم حتى أذاقهم الذل
ألوا ًنا ،و قد عبر أحد أصدقابً عن هذا بؤنه الٌوم – الثبلثاء –
حطم صنم الخوؾ الذي كان بداخله ٌ ..علن الناس انتصارهم
على الخوؾ ،و ٌعلنون مطالب محددة :لقمة العٌش بكرامة ،و
الحٌاة فً كل مناحٌها بكرامة ،مصر لن تكون قزمة بعد اآلن ،و
لن نسمح ألحد أن ٌجعلها كذلك ..مطالب ثورٌة ،لكن وسٌلة
نقلها ظلت مظاهرات سلمٌة ،و ال شًء ٌصفها ؼٌر أنها
مظاهرات ..
18
و طب ًقا للتعرٌفات التً ذكرتها من قبلٌ ،مكننا أن نقول أن ما
حدث كان مزٌجً ا من االنقبلب و الثورة ،و هو ٌإسس فً الوقت
ذاته لفكرة االنقبلب الشعبً ،الذي ال ٌقوم به قادة فً الجٌش أو
أعضاء فً حزب معٌن ،بل ٌقوم به الشعب بكل ما تحمله كلمة
الشعب من معنى ٌ ..مكننا القول أن األمر بدأ كانقبلب ،تتوافر
فٌه شروط التخطٌط المسبق و الحشد كً نعتبره انقبلبًا ،و تزول
عنه نقطة التخطٌط الدقٌق المدروس ،و هو ما ٌجعل األمر عفوًٌا
ٌدخله تحت بند الثورات ،و بهذا نجد أننا ال زلنا نحافظ على
خصوصٌتنا التً لطالما صدّع رإوسنا سدنة النظام البابد بها،
مبررٌن كل ما ٌرتكبون من أخطاء ،و قمنا بحركة ال هً ثورة و
ال هً انقبلب ،بل مزٌج فرٌد من االثنٌن ،أو ما ٌمكن أن نسمٌه
االنقبلبات الثورٌة ،لكن هذه الخصوصٌة لسنا ننفرد بها ،بل
سبقنا إلٌها بكل تؤكٌد ،و دون ذرة من شك ،الشعب التونسً ..
أعود و أقول إننً لم أكن مإٌ ًدا لهذه المظاهرات ،لٌس كما قال
بعض الشٌوخ ألنها تفتح الباب أمام من ٌستهدفون مصر كً
ٌمرحوا و ٌعٌثوا فً األرض فسا ًدا كما ٌحلوا لهم ،مستؽلٌن
فرصة الفوضى التً تنشؤ عن مثل هذه المظاهرات عادة ،و قد
كنت أحمل المخاوؾ ذاتها فً الواقع ،لكن سبب عدم تؤٌٌدي
الربٌس كان أننً أراها مظاهرة أخرى تضاؾ إلى أخواتها،
خاصة و أن من دعوا إلٌها ،أو من ظهر لً أنه ٌدعو إلٌها – فبل
أحد ،و ال قوة سٌاسٌة فً الببلد تستطٌع الزعم أنها من دعت و
حركت هذه المظاهرات – كانوا هم أنفسهم الذٌن دعوا إلى ما
19
سبق من مظاهرات ..نفس األشخاص ٌدعون إلى نفس األشٌاء،
فما الذي ٌجعلنً أتوقع أن ٌؤتً األمر بنتابج مختلفة ؟
ً
متخذا موقؾ المتفرج المراقب ،و لكننً على أٌة حال ظللت
تابعت ما حدث على الشاشات و على اإلنترنت و المواقع
اإلخبارٌة ،ثم استمعت فً الٌوم التالً لشهادات حٌة من زمبلبً
الذٌن اشتركوا فً هذه المسٌرات ..
20
اشترك صدٌقً هذا الذي حطم صنم الخوؾ بداخله فً المسٌرة
التً انطلقت من المنشٌة ،و أنقل هنا شهادته بكلماتً ال كلماته،
لكن المضمون هو ذاته ..قال:
ذهبت مع صدٌق لً للحاق بمسٌرة المنشٌة ،التً
علمت بمكانها من ،facebookلكننً فوجبت لدى
وصولً أن المكان هادئ هدوء القبور ..كان الوقت
ظهرً ا ،و كان المكان خالًٌا كؤن شٌ ًبا لن ٌكون ،لكننً لم
أتراجع ،بل فضلت االنتظار و متابعة الموقؾ ،علّنً
جبت مبكرً ا عن الموعد المضروب ..
21
كنا نهتؾ بؤعلى الصوت "بتاعتنا كلنا" أو "سلمٌة ..
سلمٌة" كلما أراد أحدهم أن ٌهشم شٌ ًبا ،أو ٌحطم
مركبات الترام أو المحبلت الموجودة فً المٌدان،
لدرجة أن البعض أقدم على ضرب أولبك الذٌن أقدموا
على التكسٌر و التخرٌب ضربًا مبرحً ا ،أو كما ٌقول
المثل الشعبً "علقة ما أكلهاش حرامً فً مولد"
22
كٌلومترات ،و هو الشًء الذي أشعرنً أننا نتؽٌر ،و
أننا قد خرجنا من الكفن الذي كفنونا فٌه ثبلثٌن عامًا ..
23
لم أشترك فً مظاهرات ذلك الٌوم ،لكننً شاهدت جانبًا منها ،فً
التلفاز و على اإلنترنت ،و بعٌنً عندما ذهبت ألقضً حاجة فً
منطقة جلٌم ،و مررت بسٌدي جابر ،حٌث وصلت أولى
المسٌرات القادمة من شرق المدٌنة ..لم أكوّ ن لحظتها رأًٌا بعٌنه
تجاه هذا الحدث ،و تجاه ما رأٌته ،لكننً استطٌع أن أقول أن
رإٌتً لما كان كانت شٌ ًبا ضرورًٌا حتى أحكم بنفسً أن ما
حدث ٌوم الجمعة الثامن و العشرٌن ،من انتشار ألعمال النهب و
السلب لم ٌكن بفعل هإالء على اإلطبلق ..
خط النار
فً السوٌس كان األمر أعنؾ و أشد ،و لو قررنا أن نختار مدٌنة
تكون مقر انطبلق الشرارة الحقٌقٌة لما حدث فٌما تبل ذلك من
أٌام ،فإننً أختار السوٌس و ال شك ..
24
على أفراد الشرطة ..رد الشرطة الؽبً أورث السوٌس ثبلثة
قتلى ،و ثؤرً ا لن ٌموت سرٌ ًعا بٌن الشعب و الشرطة ..
و كؤن هذا الؽباء لٌس ٌكفً ،ختم النظام الحفل بفقرة مثٌرة
ألعصاب أي شخص ،و لو كان لوحً ا من الثلج ،إذ أصر على
منع تشٌٌع جنازة هإالء الثبلثة ،كً ال ٌتجمهر الناس ،و هو ما
أدى بالشٌخ حافظ سبلمة ،رجل المقاومة الذي حارب الٌهود و
اإلنجلٌز و الفرنسٌٌن كثٌرً ا ،و له تارٌخ طوٌل مشرؾ ..أدى
هذا الطلب العجٌب الؽبً أن أصر الشٌخ و الناس على أن
ٌشٌعوا الجنازة حتى لو فعلوا هذا بتهدٌد المدافع ..
25
عندما منعوهم من استبلم الجثث من المشرحة:
"حناخدهم و حنصلً علٌهم و حنعمل جنازة"
26
ضا ،أو ما أطلقوا علٌه اسم القنابل العنقودٌة أٌ ً
"الباراشوت" ،و هً قنابل مولوتوؾ تحتوي بداخلها
عدد من المسامٌر و الكرات المعدنٌة الصؽٌرة ..لقد
تحولت السوٌس إلى ساحة حرب دون أدنى مبالؽة ،و
ال أجد مبررً ا لهذا كله إال الؽباء فً التعامل ،و تحكٌم
العقلٌة األمنٌة البحتة ..
27
تفقدت االتصال فوجدته مقطوعً ا ،فتؤكدت أننا سنشهد ٌومًا
سنتحدث عنه ألجٌال قادمة ..عدت من طابور الخبز ألجد أن
خدمة الهواتؾ المحمولة قد انقطعت هً األخرى ،فتؤكدت أننا
سنشهد حربًا ،فقطع االتصاالت كان بالفعل إعبلن حرب ..
هدوء ساد األجواء حتى صبلة الجمعة ..خطبة الجمعة نفسها فً
المسجد الذي أدٌت فٌه الصبلة كانت كما لو أن الخطٌب ٌعٌش
فً كوكب آخر؛ إذ تحدث عن معاملة اإلسبلم لؽٌر المسلمٌن
على مر التارٌخ !
خرجنا من المسجد كؤنه ال شًء ،لكن هذا كان ألن المسجد ٌقع
فً منطقة هادبة نسبًٌا – سموحة ..توجهت إلى السوق إلحضار
بعض الطلبات ،ألجد أولى البوادر :مظاهرة تمر من خلفً بطول
شارع أبً قٌر ،تهتؾ بحماس و برقً ..عدت إلى المنزل ألجد
أن القاهرة قد بلؽت الحد األقصى من التوتر و االشتعال ،و لمّا
ٌبدأ األمر بعد ،أما السوٌس فكانت تواصل اشتعالها لٌس إال ..
28
نزلت ألإدي صبلة المؽرب لٌفاجبنً جاري مهندس التعدٌن
مستقببلً أن الربٌس أعلن فرض حظر التجول فً محافظات
القاهرة و اإلسكندرٌة و السوٌس ،و أن الجٌش سٌهبط إلى
الشارع ..كان هذا فً اللحظة نفسها التً انسحبت فٌها الشرطة
من الجمهورٌة بؤكملها ..
حظٌت بمشاهدة حٌة لما رآه آخرون على شاشات التلفزٌون ،من
حرق لنقاط الشرطة و النهب و التكسٌر ،فؤمام منزلً مباشرة
كما قلت نقطة شرطة سٌدي جابر ..تعالت الضوضاء فً
الشارع فخرجنا لنر ماذا ٌحدث ،لنجد أن العشرات قد فروا من
شارع أبً قٌر الربٌس إلى شارعنا الجانبً ،و أن هناك من
ٌدمرون سٌارة "بوكس" بعنؾ و حقد ،فٌما ٌحاول شباب الشارع
إٌقافهم ..لحظات و اخترقت أنوفنا رابحة احتراق ببلستٌكٌة
نفاذة شدٌدة التهٌٌج ،فؤدركنا على الفور أن حرٌ ًقا ما قد شب ،و
هو ما جعلنا نتراجع على الفور ..
29
كنا ثبلثة أو أربعة واقفٌن عاجزٌن أن نتدخل ..الفتى
الذي ٌقود هذه المجموعة و رفاقه ٌحملون سكاكٌن و
مدي ،و هو نفسه – قابد المجموعة – كان ٌحمل على
كتفه مدف ًعا رشا ًشا ،و قالها صراحة" :أنا حرامً و
معاٌا سبلح ..الدكر فٌكم ٌورٌنً حٌعمل إٌه" ..لم
نستطع سوى أن نخلع المدفع عنه ،و لست أدري كٌؾ
فعل هذا من فعلها ..
30
أُطلقت ٌدهم فً األرض لم تسلم سٌارات اإلطفاء هً األخرى
منهم ،لكنهم اكتفوا بسرقة معداتها و تركها ً
جثثا خاوٌة على
األرض ..
31
ذّاَ اٌغاػح اٌغادعح ِغاءِ ٚ ،غ إػالْ لشاس حظش
اٌرجٛي وٕد ِرٛاجذا ٚعػ ِظا٘شاخ ٍِذاْ اٌرحشٌش
ٌّراتؼح اٌّٛلف ٕ٘ان.
32
ذحٛي اٌمغُ إٌى ورٍح ٔاس فً ثٛاْ ِؼذٚدج ٚ ،حاٚي ِٓ
فٍٗ اٌٙشٚب ٚ ،تذأخ ػٍٍّاخ ٔٙة ٚعشلح وً
ِحرٌٛاخ اٌمغُ ،فمذ ٚجذخ اٌثؼط ٌخشج تخضٌٕح وثٍشج
ً٘ ٚخضٌٕح ِؤِٛس اٌمغُ ٚ ،اٌثؼط األخش ٌخشج
تؤجٙضج اٌىّثٍٛذش ٚأجٙضج اٌرىٍٍفٕ٘ ٚ ،ان ِٓ خشج
حاِال ػذد ِٓ اٌىشاعً ٚ ،وزٌه االعرٍالء ػٍى
األعٍحح اٌّٛجٛدج تٗٚ ٚ ،جذخ ػششاخ اٌّغاجٍٓ
ٌٙش ٌْٛٚخاسجٍٓ ِٓ اٌمغُ.
33
ػٍى اٌغائمٍٓ حرى ٌغّحٛا ٌ ُٙتاٌّشٚس ٚاٌؼًّ،
ِشٍشا إٌى أٔٗ ذؼشض إل٘أح ِٕز ػآٌٍِ ٚ ،ىٕٗ ٌُ
ٌٕغٙا ،فؼٕذِا سفط أْ ٌذفغ اإلذاٚج ألحذ األِٕاء راخ
ِشج ،واْ ِصٍشٖ اٌعشب ٚاٌغحً فً اٌشاسع أِاَ
صِالئٗ ٚأِاَ اٌّاسج.
34
و أن المهمشٌن و سكان العشوابٌات قد خرجوا من تحت األرض
ٌطلبون الثؤر من األؼنٌاء الذٌن قتلوهم أحٌاء و أحالوا حٌاتهم
جحٌمًا ،كما كان األمر مع انتفاضة 7711على سبٌل المثال،
لكننا مع الوقت أدركنا أن األمر لٌس كذلك ..هإالء أناس وُ جهوا
توجٌهًا صرٌحً ا :خربوا مصر ..احرقوها و دمروها ..انشروا
الفوضى ..انشروا الذعر ..و كان هذا بالطبع بالتزامن مع
اختفاء الشرطة ،و تؤخر نزول و انتشار الجٌش ..
35
فً األٌام التً تلت هذا تحدث الكثٌرون عن السجون التً كانت
ُتهدم أسوارها ببلدوزرات من أجل إطبلق المسجونٌن بداخلها ،و
تحدث البعض من الذٌن قُبض علٌهم مرة أخرى أن ملثمٌن فتحوا
الزنازٌن و أرهبوهم بالمدافع اآللٌة كً ٌخرجوا ..
36
هرب عندما احتجته ..إنها لٌست مإامرة فحسب ،بل هً جرٌمة
خٌانة عظمى و ال شك ..
ثم اتحفنا الربٌس مبارك بخطاب أقل ما ٌقال عنه إنه "ال عبلقة
جدا ..ثبلثة أٌام من له بالواقع" ..الخطاب جاء متؤخرً ا ً
االحتجاجات المتصلة ،و ٌوم دام مرعب ثقٌل على كل مصري،
و حظر تجول فُرض و قوات مسلحة تنتشر فً الببلد ،و إذا به
ٌخرج لٌقول إن الحكومة لم تنفذ توجٌهاته كما ٌجب ،و هً
السبب فً ما حدث ،و تصرفاتها هً المحرك لثورة الناس ،و
لذلك فهو ٌقٌلها !
جاء الخطاب بالطبع دون التوقعات ،و جاء مخٌبًا لآلمال ،و
مإسسً ا لنظرٌة "العناد الرباسً" ..بٌنما توقع الجمٌع أن ٌخرج
الربٌس لٌقول إننً استٌجب لمطالب الشعب كاملة ،و سؤفعل كذا
و كذا ،أو أمرت بكذا و كذا ،و سؤتنحى عن الحكم ،خرج إلٌنا
بشًء ال عبلقة له بؤرض الواقع إطبل ًقا ..
37
ذكرنً هذا بما حدث فً آخر عهد ربٌس الوزراء األسبق
عاطؾ عبٌد ..م ّل الجمٌع من الحدٌث عن ضرورة إقالة هذا
الرجل ،فهو سٌهلك الحرث و النسل ،و لن ٌترك أخضر و ال
ٌابس إال و باعه فً إطار سٌاسات الخصخصة المستفزة التً
أرسى دعابمها ،و أكملها من بعده محمود محًٌ الدٌن ،لكن
اإلجابة كانت دومًا الصمت المطبق من مبارك ..عندما م ّل
الناس ح ًقا و تركوا الحدٌث فً هذا الشؤن ،خرج علٌنا الرجل
فجؤة بقرار التعدٌل الوزاري ،و كؤنه كان ٌقول إنه شخص ال
ُتلوى له ذراع ،و ال ٌُجبر على شًء !
هذه المرة ٌستخدم األسلوب ذاته ،و لكن على نطاق أكبر ..هو
ال ٌدرك أن البلد لم تعد كما كانت ،و أن طرٌقته فً إدارة
الموقؾ بالعناد و التعنت لن توصلنا إال إلى كارثة محققة ،لكنه
أقرب ما ٌكون للوصؾ "أخذته العزة باإلثم"
38
بعد خطاب مبارك جاء خطاب الربٌس األمرٌكً باراك أوباما،
الذي كان واضحً ا أنه ٌلعب على كافة الحبال كً ال ٌخسر ً
أحدا؛
فالموقؾ كان و ال شك مفاج ًبا للجمٌع ،بمن فٌهم المصرٌٌن ،و
ضبابًٌا إلى حد بعٌد ..
39
ثم جاء الخبر الذي انتظره الجمٌع منذ ثبلثٌن عامًا ،و عٌّن
مبارك ناببًا له !
لم أرتح كثٌرً ا لتعٌٌن عمر سلٌمان كنابب للربٌس ،فهو فً نظري
الرجل الذي أدار المفاوضات الفلسطٌنٌة اإلسرابٌلٌة لصالح
ً
تنفٌذا لسٌاسات الدولة ،فهذا ال إسرابٌل ،حتى و إن كان ٌفعل هذا
ٌعفٌه ،بل ٌزٌد الجرم جرمًا آخر ..أًٌا كانت درجة صبلحه ،أنا
ال أثق فً الصالحٌن الذٌن ٌقبلون العمل تحت مظلة الفاسدٌن ..
40
الحقٌقة أن هذا النظام أثبت قدرة ال متناهٌة على الثبات ،بل
الجمود؛ فرؼم كل ما حدث ،ال زال ٌتعامل بالطرٌقة نفسها،
فٌؤتً بؤشخاص من العهد القدٌم ،و ٌقول إنهم سٌقودون قاطرة
العهد الجدٌد ..
تقارٌر
عادت االتصاالت ،فقررت االطمبنان على األصدقاء ،فاتصلت
فً البداٌة بصدٌقٌن لً فً دمنهور؛ إذ سمعت أن الدنٌا قد قامت
هنالك و لم تقعد ،فؤكدا لً األمر ..قال األول ،و كان قد اشترك
فً مظاهرات ٌوم الجمعة:
سلمٌة حتى النخاع ..هذا ما أصؾ به هذه المظاهرة
التً خرجت بعد صبلة الجمعة ..اتجهنا إلى مٌدان
الساعة حٌث كل شًء تقرٌبًا فً دمنهور :مقر جهاز
مباحث أمن الدولة ،نقطة الشرطة ،مقر الحزب
الوطنً ،المحكمة ..لسبب ما ،ربما هو عقود الظلم و
القهر التً رآها الناس على ٌد هذا الجهاز ،أصٌب
الناس بحالة من الهٌاج التً أزكاها شعورهم بالحرٌة،
41
فانطلقوا صوب مبنى مباحث أمن الدولة ٌرٌدون
االنقضاض علٌه ،فما كان من ضابط ؼبً بالداخل إال
ً
ثبلثا أن أفرغ من مدفع رشاش عدة طلقات أصابت
فؤردتهم قتلى ،فاستشاط الجمع ؼضبًا و اندفعوا ال
ً
واحدا :رأس هذا القاتل .. ٌرٌدون إال هد ًفا
42
الوضع هنا متؤزم ..اقتحموا منزالً بجوارنا و سرقوا
ما فٌه و اؼتصبوا زوج صاحب المنزل ..األحادٌث
تدور حول رجال ٌدورون ٌركبون الدراجات النارٌة
للقٌام بعملٌات سطو و نهب ،و نحن نحتاط لهذا بإذن
هللا ..
43
المزٌة رؼم كل شًء هنا أن الكثٌرٌن من قاطنً
المكان ممن ٌحملون السبلح بحكم المهنة ،فهم بٌن
ضباط شرطة حالٌون ،أو سابقون ..من المرٌح أن
تعمل بجانب محترؾ ..
44
2فبراٌر 3122
الملٌونٌة األولى
مر السبت و األحد و االثنٌن دون أحداث جدٌدة على المستوى
الجماهٌري ،اللهم إال أصداء ما حدث ٌوم الجمعة ،و حالة التخبط
التً شهدناها ،حتى استفاق الناس من ترنحهم و بدأوا فً تنظٌم
شبونهم نو ًعا ما ..مشهد مدرعات الجٌش و هً رابضة فً
شوارع المدٌنة أورثنً إحسا ًسا بإننا فً أٌام حرب ،و الحق أننا
كنا فعبلً فً أٌام حرب ..
45
دعا المتظاهرون و الناشطون السٌاسون إلى مظاهرة ملٌونٌة فً
القاهرة و المحافظات ،من أجل الضؽط على النظام المصري و
الربٌس حسنً مبارك كً ٌرحل ،و اختاروا لها ٌوم الثبلثاء
األول من فبراٌر ..كانت التوقعات بإن عدد المتظاهرٌن من
الصعب أن ٌصل إلى ملٌون أو أن ٌتجاوزه ،لكن ما حدث كان
على العكس تمامًا ..
46
تحدث الربٌس عن خدمته لهذا الوطن لسنٌن طوٌلة ،و رؼبته فً
أن ٌموت على أرضه و ٌدفن فٌه ،و هو الشًء الذي دعا إبراهٌم
عٌسى أن ٌعلق قاببل" :لٌست عندي أي مشكلة فً أن ٌموت
الربٌس على أرض الوطن ،و لكن ً
بعٌدا عن كرسً الرباسة" !
الشعب ٌرٌده أن ٌتنحى اآلن و فورً ا ،و إذا به ٌقول إنه باق حتى
نهاٌة والٌته "من أجل ضمان أمن مصر و استقرارها" ،و أنه لم
ٌكن ٌنتوي الترشح مرة أخرى لمنصب الرباسة ،و هو قول ٌرٌد
أن ٌقول به أن سٌتنحى و لكن ألنه ال ٌرٌد أن ٌستمر فً منصبه،
ال ألن الشعب ٌطالبه بهذا ،و أنه – و ٌاللعجب – لم ٌكن طالب
سلطة فً ٌوم من األٌام !
47
الدستور الحالً مؤساة قانونٌة؛ فنصؾ سلطات الدولة فً ٌد
الربٌس ،و هو شًء ال ٌصدقه ذو عقل ..
منذ هذه اللحظة ،بدأت اآللة اإلعبلمٌة تزٌد من قذارتها ،فبعد أن
كانت تحجب و تمنع القنوات األجنبٌة من تؽطٌة الحدث،
أصبحت تتخذ خطوات جادة بهدؾ قلب المابدة على المتظاهرٌن،
الذي ال ٌزالون فً نظر النظام "قلة مندسة" ..
48
أولى هذه الخطوات كانت من القنوات "المستقلة" ،التً ثبت أنها
حكومٌة حتى النخاع ،فبدأت فً استضافة بعض الشباب الذٌن
قالت إنهم من الشباب المتظاهرٌن فً مٌدان التحرٌر ،لنفاجا بهم
ٌعتذرون عما فعلوا !
49
3فبراٌر 3122
المالٌٌن المباركٌة
فً الٌوم التالً ،األربعاء ،عادت خدمة اإلنترنت إلى العمل ،و
هو ما فسره البعض من محبً نظرٌة المإامرة أن النظام فعل
هذا من أجل إحداث فرقة بٌن الناس ،تشعلها مواقع facebook
و twitterكما أشعلت نار الثورة ،و هو الشًء الذي به قدر من
المنطق ،و الذي كنت تلمسه لو أنك تابعت المنتدٌات و المواقع
اإلخبارٌة و التعلٌقات على األخبار المختلفة ..
لم ٌكن هذا شٌ ًبا عجٌبًا فحسب ،بل ٌجعل المرء ٌفؽر فاه ..أال
زال فً هذا الشعب من ٌإمن بإن هذا الرجل و هذا النظام قادر
على قٌادة الببلد و العباد ؟!
50
األمر بالطبع لم ٌمر مرور الكرام ..فالمظاهرات التً كانت
بالمبات ،و كانت أمام ماسبٌرو و فً مٌدان مصطفى محمود،
صورها التلفزٌون المصري و الجرابد الحكومٌة على أنها
ملٌونٌة ،بٌنما كانت الصور واضحة وضوح الشمس على
شاشات الفضابٌات األجنبٌة و العربٌة ..هإالء شرذمة و هإالء
هم ح ًقا القلة المندسة ..
موقعة الجمل
تعاطؾ البعض مع مبارك ،و خرج آخرون ٌإٌدونه فً
مظاهرات لم نسمع بها منذ بداٌة األزمة ،لكن الوضع فً مٌدان
التحرٌر ظل كما هو :مبات اآلالؾ معتصمون ،و المزٌد
ٌتوافدون ثم ٌعودون إلى دٌارهم ..
51
للحظة ظننا أننا نشاهد مكا ًنا آخر فً هذه الدنٌا ،لكننا تؤكدنا أننا
نشاهد لقطات من مٌدان التحرٌر ..المتظاهرون ٌرمون الحجارة
على أشخاص ٌبدو أنهم ٌرٌدون دخول المٌدان ،ثم تحول األمر
إلى معركة حقٌقٌة؛ حواجز و مجموعات رماة و مجموعة دعم،
و هو شًء أؼرقنا جمٌ ًعا فً بحور من الدهشة ..كٌؾ ٌفعل
المصرٌون هذا ببعضهم البعض ؟!
و هنا أنقل شهادة واحد ممن كانوا داخل المٌدان فً ذلك الٌوم
المشهود ..الشهادة كتبها من قلب مٌدان التحرٌر الدكتور نبٌل
بهجت ،أستاذ المسرح بجامعة حلوان ،و الكاتب و المخرج
المسرحى و مإسس فرقة ومضة ،و نشرها الكاتب الساخر ببلل
فضل فً جرٌدة المصري الٌوم ٌ ..قول:
ما حدث ٌوم األربعاء الثانى من فبراٌر عام 1177
ضد المصرٌٌن المتظاهرٌن سلم ًٌا فً مٌدان التحرٌر
وسط القاهرة هو جرٌمة بشعة استندت إلى مخطط
شٌطانى نقدم لكم هنا توثٌ ًقا لها .فً مساء الثبلثاء توقع
البعض أن ٌنخفض عدد المتظاهرٌن فً المٌدان نسب ًٌا
بعد مسٌرة الملٌون التً وصل تعدادها إلى ما ٌزٌد
على الخمسة مبلٌٌن تقرٌ ًبا ،و بالفعل جاء األربعاء
لٌنخفض العدد و نفاجؤ عند الصباح ببعض األشخاص
ٌقفون عند بوابات الدخول ٌهتفون لمبارك ،و لقد
شعرت باألسى عندما تؤملت وجوه مإٌدٌه و أشكالهم،
و أدركت كٌؾ سكب الماء على جبل من الرمل ٌدعى
تارٌخه عندما استعان بهوالء المؤجورٌن لكً ٌمثلوه،
52
مر الٌوم ،و بدأنا نسمع فً الثانٌة عن أنباء تجمع
لبضع مبات عند مٌدان عبدالمنعم رٌاض.
53
استخدام ببلط المٌدان و تكسٌره إلى قطع صؽٌرة بعد
تشكٌل مجموعات عمل سرٌعة لتكسٌر الببلط و أخرى
لحمله و دفعه للرماة ،و فرٌق استطبلعى ٌرصد
تحركات مجموعات مبارك ،و أخرى توزعت على
المنافذ السبعة للمٌدان على مستوٌٌن ٌفصل بٌن كل
منها قرابة 011متر.
54
علٌها .ذهبنا إلى الجٌش لنناشده حماٌة المتحؾ من
هإالء ،فبدأ الجٌش حماٌة شوارع الجامعة األمرٌكٌة و
طلعت حرب و قصر العٌنً بشكل خفؾ الضؽط على
المتظاهرٌن .بدأنا ننتقل من شارع إلى آخر ،و شاهدت
بسالة لم أر لها نظٌرً ا؛ كان البعض ٌطرق على الحدٌد
لٌحدث أصواتا كإشارات لتجمع الشباب عند منفذ
معٌن ،و كؤنهم ٌوقظون الموتى من جدٌد ٌنفخون فٌهم
الروحٌ ،قولون ها نحن أبناإك ٌا مصر جبنا إلٌك نجدد
الملحمة ،و فً الوقت الذي كنا نعانً تحت الضؽط و
نبتكر الحٌل لدفع البلطجٌة عنا ،بعد أن أنهكنا التعب،
كان هناك مذٌاع ٌذٌع أحادٌث اإلذاعة الرسمٌة البالٌة
عن دعاة الشؽب .كان اإلعبلم الرسمى ٌقول بكل
وقاحة أن الموضوع ٌتلخص فً مجموعتٌن من
البلطجٌة تتصارع على المٌدان ،وكان بعض المراسلٌن
فً البرامج الفضابٌة ٌضللون الرأى العام و ٌزعم
بعضهم أن بٌننا إٌرانٌٌن و أفؽان و باكستانٌٌن ،مع أنه
لم ٌكن بٌننا من أجانب إال بعض مراسلً وكاالت
األنباء األجنبٌة ،فمن أٌن جاإوا بالحدٌث عن تلك
الوجوه ؟ قال الكثٌرون فً تلك الوسابل اإلعبلمٌة إننا
إخوان فً الوقت الذى كنت أرى بعٌنى وسط
المعتصمٌن مثقفٌن و فنانٌن و أساتذة جامعة أعرؾ
مواقفهم ضد اإلخوان .كل هذه االكاذٌب كانت محاولة
منهم لتجٌٌش الرأي العام العالمً ضدنا باستخدام
اإلسبلموفوبٌا لتعطٌهم أمرٌكا إشارة بسحقنا ،و لؤلسؾ
55
فإن برامج شهٌرة وصح ًفا كنا نظنها محترمة ؼٌرت
من لهجتها فً دعم ثورة الشباب ،وهو ما ٌجعلنا
نتساءل هل فعبل تم تهدٌد مبلك تلك القنوات و الصحؾ
بفتح ملفاتهم فحدث ما حدث من تخاذل و انحٌاز.
56
التً استولى علٌها بلطجٌة الربٌس من أسطح المنازل،
و احتجزنا منهم ما ٌقارب 71فر ًدا ،وكان مثب ًتا فً
بطاقات هوٌات بعضهم أنهم رجال أمن ،أما اآلخرون
فكانوا من البلطجٌة معتادي اإلجرام ،حتى أنه كان
واضحً ا ج ًدا أنهم قد تناولوا مواد مخدرة أثرت على
وعٌهم بشهادة بعض األطباء الذٌن تواجدوا بالمٌدان ،و
اعترؾ هإالء بؤنهم قد تم تؤجٌرهم من قبل بعض نواب
مجلس الشعب بوجبة ؼذابٌة ،و بمبالػ تتفاوت بٌن
خمسٌن و مابتى جنٌه ،و قد أخذنا بعض الدراجات
البخارٌة لهإالء فاعترؾ بعضهم باالستٌبلء على إحدى
الدراجات البخارٌة التً تنتمً للحرس الجمهورى
وعلى عربة شرطة.
57
عشرات األطباء المتطوعٌن ،فقام األطباء بإقامة
مستشفى مٌدانى فً قلب مكان المواجهات بجوار
المتحؾ المصرى .و بعد 71ساعة من المواجهات ،فر
الهاربون منهم فوقفوا على كوبري أكتوبر بمواجهة
عبدالمنعم رٌاض ،و حوالى الساعة الثالثة صباحً ا دوّ ت
أصوات عدة طلقات قبل أن تصٌب العزل ،فهرول
المتظاهرون ٌحملون المصابٌن باألعٌرة النارٌة فً
الرأس و البطن و األقدام ،و بعدها سمعنا طلقات نارٌة
على أوقات متفرقة منها طلقات متتالٌة ربما ٌكون
مصدرها رشا ًشا آل ًٌا ،و فً تلك اللحظة توجه
المتظاهرون لكتٌبة الجٌش التً كانت تتمركز عند
المتحؾ ،و لم تبد أي استعداد للتدخل عدا إطفاء بعض
الحرابق التً كانت تشعلها قنابل المولوتوؾ التً كان
ٌلقٌها أنصار مبارك من أسطح األبنٌة ومن كوبري
أكتوبر .اتجه بعضنا إلى هذه الكتٌبة و بدأوا بالتفاوض
معهم لٌطلقوا و لو طلقة واحدة فً الهواء ،و صرخ
فٌهم البعض :أعطونا أسلحتكم نحمٌكم و نحمً أنفسنا !
هنا تدخل الجٌش بعدها وسٌطر نسب ًٌا على الموقؾ بعد
ان أصابت طلقات مإٌدي مبارك حوالً ً 11
فردا سقط
منهم قرابة 7شهداء ،و ظلت فلول منهم تحاول إنهاكنا
باإلشارات البذٌبة تارة أو بقذؾ الحجارة ،و كنا نعلم
أنها محاولة إلنهاكنا ،فهم كما تؤكدنا من هوٌات الذٌن
قبضنا علٌهم لٌسوا سوى رجال أمنه الذٌن أخفاهم فجؤة
و عادوا إلٌنا فً زى مإٌدٌه.
58
لقد سطر الشباب بدمابهم ٌوم الخمٌس ٌو ًما بطول ًٌا من
بطوالت هذا الشعب الذى حاول مبارك وأعوانه طمس
مبلمحه على مدار 01عا ًما .كان الشاب ٌُجرح فٌذهب
إلى إحدى نقاط اإلسعافات األولٌة ٌداوي نفسه و
ٌسترٌح دقابق ٌجفؾ دماءه و ٌعود بعدها للمواجهات،
لم ٌخرج أحد منا دون جرح ،و كنا نسخر و نقول "من
ؼرزة لعشرة متعتبرهوش مجروح" .لم ٌإثر فً نفسنا
إال قتل بعض المتظاهرٌن بدم بارد عندما أطلقوا
الرصاص الحً على صدورهم و رإوسهم.
59
5فبراٌر 3122
تداعٌات
ٌمكننً القول بنفس راضٌة أن ما حدث ٌوم األربعاء أفقد
النظام كل تؤٌٌد ممكن ..أولبك الذٌن كانوا على استعداد
لتصدٌق خطاب مبارك تحولوا إلى التطرؾ الكامل و
المطالبة بإعدامه !
على أٌة حال ،فقد وصل األمر إلى منطقة مسدودة ،و لم تعد
تفلح تلك المظاهرات الخاببة المإٌدة ،و ال اللؽة العاطفٌة فً
البٌانات ،و ال أي عملٌات تجمٌل لوجه النظام القبٌح ..
60
سٌتوجهون إلى القصر الجمهوري إذا لم ٌستجب أحد إلى
مطالبهم و مطال ب الشعب ،و دعوا إلى مظاهرة ملٌونٌة
حاشدة فً مٌدان التحرٌر و كافة المحافظات ..
21فبراٌر 3122
أسبوع الصمود
الحقٌقة أن األحداث الكبرى فً هذا األسبوع لٌست بالتً
تثٌر شهٌة المرء للحدٌث عنها ،اللهم إال إعبلن الجٌش
اعترافه بمشروعٌة مطالب الشعب ،استمرار المفاوضات و
المباحثات مع ممثلً قوى الشعب ،الذٌن لست أدري من
فوّ ضهم بشًء كهذا ،و استمرار التصرٌحات الؽبٌة لعمر
سلٌمان ،و التً أوضح فٌها أن النظام ٌترنح أكثر مما
مضى..
"النظام لم و لن ٌنهار" " ..كنا نعرؾ بما ٌحدث منذ عام" ..
"الدولة ال تستطٌع تحمل االحتجاجات أكثر من ذلك" ..
"علٌكم أن تختاروا بٌن الفوضى و االستقرار" ..
تصرٌحات ال تدل إال على ضعؾ شدٌد ،أو هً كما توقعت
61
و توقع البعض محاولة لكسب الوقت إلعادة ترتٌب
األوراق..
62
فبراٌر ،فهُرعت إلى التلفزٌون أدٌر القنوات حتى استقررت
عند العربٌة ،و أخذت أقرأ التصرٌحات التً تتابعت تترى
على الشاشة ..
63
المجلس و عدم وجود مبارك أو ناببه بٌن الحضور أن
األمر بات مسؤلة وقت ..
64
بالفعل ،بدالً من كبلمه الخابب عن نقل صبلحٌاته لعمر
سلٌمان إلجراء التعدٌبلت المطلوبة فً الدستور ،إلى آخر
هذا الهراء ..قال البعض أن الرجل كان سٌتنحى بالفعل،
لكنه لسبب ما ؼ ٌّر ما سٌقول ،لكننً أرى أن األمر أكبر من
هذا ..قال البعض اآلخر أن هذا ألن الرجل سقط مؽشًٌا
علٌه مرتٌن أثناء الخطاب ،بسبب سوء ظروفه الصحٌة ،و
هو أمر مقبول ،و إن كان ال ٌدعمه هذا اإلشراق الذي كان
بادًٌا على محٌاه و هو ٌلقً الخطاب ،و فسره البعض بإن
المقصود هو أن ٌنشؽل الناس بتحلٌل هذا التضارب ،كنوع
من اإللهاء ،و هو رأي له وجاهته أٌضً ا ،و تظل هذه
الفوضى التً ألمت بخطابه األخٌر محل تساإالت عدٌدة،
ربما لن نجد إجابات مإكدة لها فً القرٌب العاجل ..
65
22فبراٌر 3122
الرحٌل
قررت أن أشترك فً المظاهرة التً ستنطلق من مسجد
القابد إبراهٌم بعد صبلة الجمعة ،و هً المظاهرة األولى
التً أشترك فٌها فً حٌاتً ،لكن ما منعنً ساب ًقا كان
ٌتؤرجح ما بٌن إٌمانً بعدم جدوى المظاهرات أصبلً ،و بٌن
رفض والدي القاطع ،بدعوى حماٌتً من األذى ..حتى هذه
المرة شدد أال أتجه مع المتظاهرٌن إذا تقرر أن نتجه إلى
قصر رأس التٌن ،تفادًٌا للحرس الجمهوري ،و هو ما
ضربت به عُرض الحابط بالطبع ..
ً
تحدٌدا كان محرك هذا القرار بداخلً .. لست أدري ماذا
لربما كان شعوري أننً ٌجب أن أفعل شٌ ًبا ،و لو كان أن
ً
واحدا على األقل ،فواحد إلى واحد إلى أزٌد سواد الناس
آخرٌن ٌصنعون تلك الحشود العمبلقة التً تخرج ترفض
حكمه ..
66
قبل أن أذهب إلى الصبلة تناقشت مع صٌدالنً فٌما ٌحدث،
و قد أبدى اقتناعه الشدٌد أننا نعبث بهذا الوطن ..لقد حققنا
أشٌاء عظٌمة فً رأٌه ،لكننا سنضٌع كل هذا بإصرارنا
األبله على رحٌل الربٌس اآلن ،و ماذا ٌضٌر لو تركناه
األشهر الستة المتبقٌة ؟! و ضرب لً مثبلً بإنه لو أن لً أبًا
أتى من الموبقات ما ٌجعله من الفجرة الفاسقٌن ،أفبل أصلً
علٌه إن مات ؟ كان الشاهد فً مثله هذا أن مبارك كهذا
الوالد الفاسق ،الذي ٌجب على االبن أن ٌحترمه حتى
النهاٌة ،و ال ٌخرجه بهذه الصورة المهٌنة التً نرٌدها
للرجل ..بالطبع دخلت فً جدل عقٌم أن هذا لٌس أبً ،و
القٌاس فاسد من األساس ،لكنه برر هذا بإن هذا ما أعتاد
علٌه المصرٌون منذ القدم ..
67
جلست استمع لخطبة الشٌخ المحبلوي ،التً كانت ثورٌة
حتى النخاع ..الكلمات األكثر تكرارً ا كانت "استمروا"،
"اثبتوا"" ،ال تتراجعوا"" ،النصر حلٌفكم بإذن هللا" ..كان
ٌتحدث من أعماق قلبه بصورة تجعل الحجر ٌتحرك ،و هو
ما ٌمكن أن تتفهمه فً ضوء أن الرجل ممنوع من الخطابة
منذ ثبلثٌن عامًا أو تزٌد ،و السبب كان – أٌضً ا – آراإه
المناهضة للنظام وقتها – السادات ..
68
انطلقت المظاهرة ،و التقٌت صدٌ ًقا فوجبت أنه حضر ،إذ
أن والده ٌفكر بذات طرٌقة والدي ،لكنه أخبرنً أنه نزل
خلسة ،و أن والده ال ٌعلم أصبل أنه فً مسجد القابد إبراهٌم
لٌشترك فً المظاهرة ..
69
حروؾ كلمة ارحل مكتوبة بلؽة األصابع ،و "طب سٌبونً
أكمل أجندتً" ً
ردا على "إفٌه" األجندات الخارجٌة التً
ٌنفذها المتظاهرون ..
70
و المدرعات تقؾ على مسافة كبٌرة من القصر كحاجز بٌنه
و بٌن المحتجٌن ،لكن هدؾ المظاهرة لم ٌكن بالطبع اقتحام
القصر أو حتى التلوٌح بذلك ،بل هً – كما قلت – رسالة
ً
سقوطا رمزٌة للنظام ..لم نعد نخاؾ ،و لن نهدأ حتى تسقط
ال رجعة فٌه ..
71
البحر البشري ..كانت الشمس تمٌل إلى المؽٌب أكثر و ال
ت زال الحشود تتوافد ،و طوال طرٌق العودة لم نعدم رإٌة
المزٌد من الناس ٌتوجهون نحو القصر ..
ً
بسٌطا للؽاٌة ،و هو أن هإالء لم ٌكونوا ٌجدون كان الرد
قوت ٌومهم من قبل ..الجنٌهات العشرة التً ٌحصل علٌها
ً
مجازا – تتبخر قبل أن ٌصل إلى سرٌره .. عامل البناء –
72
نحن لسنا المسإولون عن تردي وضعه المالً ،بل إننا قد
خرجنا لٌنعم هو و أطفال بحٌاة أفضل ..
73
!!!
انطلقت بعد صبلة العشاء إلى محطة قطار سٌدي جابر ،أحد
أماكن التجمعات الكبرى للمتظاهرٌن السكندرٌٌن ،باإلضافة
طبعً ا إلى ساحة مسجد القابد إبراهٌم ..هناك كان الناس
ٌحتفلون كما لو أنهم قد قٌل لهم :لقد أوتً كل منكم مثلما
74
أوتً قارون ألؾ مرة ..الحق أنهم أوتوا ما هو أكبر و
أؼلى و أبهى؛ حرٌتهم ..
75
الصدٌق نفسه قال بٌنما نحن نتناقش فٌما حدث ،و فً هذه
اللحظة التارٌخٌة:
إن هللا ٌمهل و ال ٌهمل ..أنظر كم من الذنوب فعل
هإالء ..كٌؾ كانوا ٌزوّ رون و ٌنهبون و
ٌرتشون ،و قد أمهلهم هللا ..أمهلهم حتى إذا عاقبهم
لم ٌفلتهم ..لم ٌكن األمر أنهم ٌذنبون فحسب ،بل
هذا "ال ُفجر" و المجاهرة بالفساد التً بلؽت ً
حدا
ٌجعل قوم لوط جوارهم من الصالحٌن المصلحٌن !
76
إننً إذ أختم هذه األوراق فً الٌوم السابع و العشرٌن من
فبراٌر لعام أحد عشر و ألفٌن من المٌبلد ال أعنً أننً بهذا
أكتب نهاٌة القصة ،بل هً فحسب ضرورة السرد و
الحكً ،التً تحتم أن أضع نهاٌة لحدٌثً ،لٌست بالضرورة
توافق نهاٌة الحدث ،لكنها على األقل تقؾ عند محطة مهمة
منه ،و هً التً وضعتها نصب عٌنً من البداٌة ،و ال أود
أن أحٌد عنها ،رؼم كل ما ٌجري فً أرجاء مصر ،التً
أشعر أنها تولد من جدٌد ،و ٌدفع المرء دفعً ا كً ٌكتب عنه
و ٌسجله ..
إننً أشعر رؼم كل هذا التوتر الذي ٌسود األجواء ،و حالة
الترقب و التفاإل الحذر و االستعداد للمعركة فً كل لحظة،
و الحدٌث الذي بات ٌفرض نفسه و بقوة عن الثورة
المضادة و فلول النظام البابد التً تحاول تنظٌم صفوفها من
أجل العودة مرة أخرى ..رؼم كل هذا ،و رؼم أننً أشعر
77
به فً داخلً ،و لٌس مجرد رصد لحالة مجتمع ،إال أننً
أشعر أن األمر فً النهاٌة سٌنتهً على خٌر ..
عبدالرحمن جمال
اإلسكندرٌة فً السابع و العشرٌن من فبراٌر
عام أحد عشر و ألفٌن من المٌبلد
78
طارق وجٌه
محمد نصرهللا
عبدالرحمن ٌحٌى
محمد هانً
محمد رمضان
علً شعث
محمد أشرؾ بركات
عبدالرحمن شرٌؾ
عبدالرحمن كمال
ولٌد ربٌع
79
عبدالرحمن جمال دردٌر
من موالٌد اإلسكندرٌة 07 ،أؼسطس 7747
ٌدرس الطب بجامعة اإلسكندرٌة ،كطالب فً
الفرقة الخامسة ،بكلٌة الطب البشري
مدون ٌنشر مقاالته على مدونة "فكرة و كٌبورد ..
و حبة هٌاس" مع مجموعة من زمبلء الدراسة
و باإلضافة إلى مقاالت الرأي ،فإنه قاص ،نشر
فصوالً من بعض قصصه على مدونته ،مثل
"الذهب األحمر"" ،بلد الدخان الهابط إلى أسفل"،
ً
تمهٌدا للنشر الورقً. "السٌؾ" ،و ؼٌرهم،
80