موسوعة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم-6

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 119

‫فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫ومناقبه وحقوقه(‪)6‬‬
‫الباب الثامن – شبهات وردود‬

‫(‪ )1‬زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬


‫أ‪.‬د‪ .‬بكر بن زكي عوض‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫حدثني أحد الصدقاء الثقات أنه دخل على إحدى غرف الدردشة‬
‫الصوتية ووجد فيها مسلمين ونصارى يتناقشون عن الديانتين‪,‬‬
‫ولحظ أن أكثر موضوع كان يحرج المسلمين هو زواج الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من تسع نساء‪ ،‬وسؤالي هو‪ :‬هل يمكن‬
‫أن أجد لديكم شرحا ً مفصل ً لهذه الزيجات وظروفها والحكمة‬
‫منها؟ وجزاكم الله خيراً‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أخي السائل‪ :‬إن تعدد الزوجات معروف في الرسالت السابقة‬
‫كما هو معروف في رسالة السلم وحياة الرسول –عليه الصلة‬
‫والسلم‪.-‬‬
‫وإذا كنت تناقش نصرانيا ً أو تريد أن تناقشه فإليك التي‪:‬‬
‫(‪ )1‬إن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم قد‬
‫عددوا الزوجات ووصل المر بهم إلى الزواج من مئة مثل داود‬
‫الذي لم يكتف بتسع وتسعين حتى تزوج تمام المئة بعد موت‬
‫زوجها‪ ،‬وسليمان كانت له ثلثمائة زوجة وأربعمائة جارية كما في‬
‫العهد القديم مصدر التشريع الول عند النصارى(ما جئت لنقص‬
‫بل لكمل)‪.‬‬
‫(‪ )2‬كافة نصوص العهد القديم تأذن بالتعدد وتبيحه للفراد رسل ً أو‬
‫بشراً‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم يرد نص واحد يحرم التعدد في النصرانية وقد تأثر‬
‫النصارى بالبلد التي نشروا فيها النصرانية‪ ،‬ففي أفريقيا يأذنون‬
‫بالتعدد ويبيحون الزواج للقساوسة‪ ،‬وفي أوروبا يحرمون التعدد‬
‫ويحرمون الزواج على القساوسة ويبيحون الصداقة‪.‬‬
‫(‪ )4‬النص الذي يستشهد به النصارى على تحريم التعدد هو(أما‬
‫علمتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكرا ً وأنثى وقال لهذا يترك‬
‫الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فما جمعه الله ل يفرقه إنسان)‪.‬‬
‫فجعلوا من ضمير الفراد في قوله‪" :‬امرأته" أن الرجل ل يتزوج‬

‫‪1‬‬
‫إل بامرأة واحدة‪ .‬والنص قد فهم على غير وجهه‪ ،‬فالمسيح حين‬
‫سئل "أيحل لحدنا أن يطلق امرأته لي علة كانت‪ "...‬كانت‬
‫إجابته كما سبق‪.‬‬
‫(‪ )5‬أن الجابة ل صلة لها بالتعدد بل بالنهي عن الطلق ل التزوج‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسيحية تأذن بالتعدد بالتتابع ولكنها ترفضه بالجمع وينتهي‬
‫التعدد عند الرابعة متتابعا ً حتى ل يكون النسان غاوياً‪ ،‬وتسمح‬
‫بالخلة والصديقة بدون حد ول عد‪.‬‬
‫(‪ )7‬كان العرب يجمعون بين أربعين امرأة في وقت واحد كدليل‬
‫على الرجولة وطلب للولد‪.‬‬
‫(‪ )8‬بالنسبة لتعدد زوجات الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فإنه‬
‫يرجع إلى أسباب اجتماعية وتشريعية وسياسية يمكن بيانها –‬
‫والله أعلم‪ -‬على النحو التالي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬السباب الجتماعية‪:‬‬
‫(‪ )1‬زواجه من خديجة – رضي الله عنها‪ -‬وهذا أمر اجتماعي أن‬
‫يتزوج البالغ العاقل الرشيد وكان – عليه الصلة والسلم ‪ -‬في‬
‫سن الخامسة والعشرين وظلت معه وحدها حتى توفيت وهو في‬
‫سن الخمسين‪.‬‬
‫(‪ )2‬تزوج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة لحاجة‬
‫بناته الربع إلى أم بديلة ترعاهن وتبصرهن بما تبصر به كل أم‬
‫بناتها‪.‬‬
‫(‪ )3‬حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها بعد وفاة زوجها‬
‫إكراما ً لبيها سـ ‪3‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زينب بنت خزيمة استشهد زوجها في أحد فتزوجها سـ ‪4‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أم سلمة هند بنت أمية توفى زوجها ولها أولد فتزوجها سـ‬
‫‪4‬هـ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السباب التشريعية‪:‬‬
‫(‪ )1‬زواجه من عائشة – رضي الله عنها ‪ -‬فلقد كان بوحي‪،‬‬
‫حيث رآها في المنام ورؤيا النبياء وحي‪.‬‬
‫(‪ )2‬زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد‬
‫بن محمد بالتبني فنزل قول الله تعالى‪( :‬وما جعل أدعياءكم‬
‫أبناءكم) [الحزاب‪( ]4 :‬ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله)‬
‫[الحزاب‪ ]5 :‬وبعد خلف مع زوجها طلقت منه وأمر الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يتزوجها لقامة الدليل العملي على‬
‫بطلن التبني‪ ،‬وذلك سنة خمسة للهجرة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬السباب السياسية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬كان لبعض زيجات الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعداً‬
‫سياسيا ً من حيث ائتلف القلوب والحد من العداوة وإطلق‬
‫السرى‪ ...‬إلخ‪ ،‬ومن هن‪:‬‬
‫(‪ )1‬جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة وقعت‬
‫في السر‪ ،‬تزوجها سنة ‪ 6‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أما حبيبة رملة بنت أبي سفيان‪ ،‬تنصر زوجها وبقيت على‬
‫إسلمها‪ ،‬وكان للزواج منها كبير الثر في كسر حدة أبي سفيان‬
‫في العداء للسلم‪ ،‬حتى هداه الله‪.‬‬
‫(‪ )3‬صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها‬
‫الرسول وتزوجها سـ ‪7‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ميمونة بنت الحارث تزوجها سـ ‪7‬هـ‪.‬‬
‫مات من هؤلء اثنتان في حياة الرسول وهما خديجة وزينب بنت‬
‫خزيمة وتوفى الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن تسع‪.‬‬
‫وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى‬
‫صغيراً‪ ،‬وريحانة بنت زيد القرطية‪.‬‬
‫إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره فهل هذا‬
‫دليل الشهوة‪ ،‬ومن يشتهِ هل يتزوج الثيبات وأمهات الولد‬
‫والرامل‪ ،‬كيف وقد عرض عليه خيرة بنات قريش فأبى!‬
‫إن التعدد كله لحكم منها – فضل ً عما سبق ‪ -‬بيان كل ما يقع في‬
‫بيت النبوة من أحكام عمل ً بقوله تعالى‪( :‬واذكرن ما يتلى في‬
‫بيوتكن من آيات الله والحكمة) [الحزاب‪ ,]34 :‬وإذا كان الحكم‬
‫الشرعي ل يثبت بخبر الواحد غالبا ً فإن للتعدد أثره في إثبات‬
‫الحكام بالتواتر‪ ،‬كما أن زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬اختلفت أحوالهن بين غنى وفقرٍ وحسب ونسب وبساطة لكل‬
‫من يتزوج بأي صورة من هذه الصور قدوة في حياة الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع زوجته التي تطابق حال زوجه‬
‫وتعددهن فيه بيان لكل ما يمكن أن يقع من النساء داخل البيت‬
‫كالغيرة والصبر والتآمر وطلب الدنيا؟ والتواضع ونشر العلم‬
‫والرضى‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫إن بسط الكلم في هذا المر متعذر في هذه العجالة واقرأ‬
‫زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لبنت الشاطئ‪ .‬تعدد‬
‫الزوجات لحمد عبد الوهاب‪ .‬الرحيق المختوم (الجزء الثاني)‬
‫للمباركفوري‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫(‪ )2‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف‬
‫القرآن من العصمة‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬

‫‪3‬‬
‫هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ‪ ،‬ويقدمون‬
‫الدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته‪ ،‬ونزلت الية الكريمة التي‬
‫تنهاه عن ذلك (انتهى)‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك عصمة كل‬
‫الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬يجب أن تفهم في نطاق مكانة‬
‫حى إليه‪ ..‬أي أنه ‪-‬‬ ‫الرسول‪ ..‬ومهمة الرسالة‪ ..‬فالرسول‪ :‬بشر يُو َ‬
‫مع بشريته ‪ -‬له خصوصية التصال بالسماء ‪ ،‬بواسطة الوحي‪..‬‬
‫ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه‬
‫فيمن يصطفيه ‪ ،‬كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين‬
‫هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها‪.‬‬
‫والرسول مكلف بتبليغ الرسالة‪ ،‬والدعوة إليها‪ ،‬والجهاد في سبيل‬
‫إقامتها وتطبيقها‪ ..‬وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله‬
‫‪ -‬سبحانه وتعالى‪(-‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)‪( ,‬قل أطيعوا‬
‫الله والرسول)‪( ,‬من يطع الرسول فقد أطاع الله)‪( ,‬قل إن كنتم‬
‫تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)‪ ،‬ولذلك كانت عصمة الرسل‬
‫فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في‬
‫هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس‪ ..‬وبداهة‬
‫سل الرسالة إذا لم يتخير‬ ‫العقل ‪ -‬فضل ً عن النقل ‪ -‬تحكم بأن ُ‬
‫مْر ِ‬
‫الرسول الذي يضفى الصدق على رسالته ‪ ،‬كان عابثًا‪ ..‬وهو ما‬
‫يستحيل على الله‪ ،‬الذي يصطفى من الناس رسل ً تؤهلهم‬
‫حجة على‬ ‫العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي‪ ..‬وال ُ‬
‫الناس بصدق هذا الذي يبلغون‪.‬‬
‫وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما‬
‫يبلغ عن الله‪ ،‬يقول الشيخ محمد عبده عن عصمة الرسل ‪ -‬كل‬
‫الرسل‪ ..." :-‬ومن لوازم ذلك بالضرورة‪ :‬وجوب العتقاد بعلو‬
‫فطرتهم‪ ،‬وصحة عقولهم‪ ،‬وصدقهم في أقوالهم‪ ،‬وأمانتهم في‬
‫تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه‪ ،‬وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة‬
‫البشرية‪ ،‬وسلمة أبدانهم مما تنبو عنه البصار وتنفر منه الذواق‬
‫السليمة‪ ،‬وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات‪ ،‬وأن‬
‫أرواحهم ممدودة من الجلل اللهي بما ل يمكن معه لنفس‬
‫إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية‪ ..‬إن من حكمة الصانع‬
‫الحكيم ‪ -‬الذي أقام النسان على قاعدة الرشاد والتعليم ‪ -‬أن‬
‫يجعل من مراتب النفس البشرية مرتبة يُعد ُّ لها‪ ،‬بمحض فضله‪،‬‬
‫ن يصطفيه من خلقه‪ ،‬وهو أعلم حيث يجعل رسالته‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫بعض َ‬
‫يميزهم بالفطرة السليمة‪ ،‬ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون‬

‫‪4‬‬
‫معه للستشراق بأنوار علمه‪ ،‬والمانة على مكنون سره‪ ،‬مما لو‬
‫انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه‪ ،‬أو ذهبت بعقله‬
‫جللته وعظمته‪ ،‬فيشرفون على الغيب بإذنه‪ ،‬ويعلمون ما سيكون‬
‫من شأن الناس فيه ‪ ،‬ويكونون في مراتبهم العلوية على نسبة‬
‫من العالمين‪ ،‬نهاية الشاهد وبداية الغائب ‪ ،‬فهم في الدنيا كأنهم‬
‫ليسو من أهلها ‪ ،‬هم وفد الخرة في لباس من ليس من سكانها‪..‬‬
‫أما فيما عدا ذلك ‪[ -‬أي التصال بالسماء والتبليغ عنها] ‪ -‬فهم‬
‫بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ‪ ،‬يأكلون ويشربون وينامون‬
‫ويسهون وينسون فيما ل علقة له بتبليغ الحكام ‪ ،‬ويمرضون‬
‫وتمتد إليهم أيدي الظلمة ‪ ،‬وينالهم الضطهاد ‪ ،‬وقد يقتلون"‪.‬‬
‫فالعصمة ‪ -‬كالمعجزة ‪ -‬ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ‪،‬‬
‫ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪..-‬‬
‫وإذا كان الرسول ‪ -‬كبشر ‪ -‬يجوز على جسده ما يجوز على‬
‫أجساد البشر‪ ..‬وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الجتهاد‬
‫والشورى وإعمال العقل والفكر والختيار بين البدائل في مناطق‬
‫وميادين الجتهاد التي لم ينزل فيها وحى إلهي‪ ..‬فإنه معصوم في‬
‫مناطق وميادين التبليغ عن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬لنه لو جاز‬
‫عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير‬
‫الولى في مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى‬
‫صلب الرسالة والوحي والبلغ ‪ ،‬بل وإلى حكمة من اصطفاه‬
‫حجة على الناس‪ ..‬كذلك كانت العصمة صفة‬ ‫وأرسله ليكون ُ‬
‫أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل ‪ -‬عليهم‬
‫السلم ‪ ..-‬فالرسول في هذا النطاق ‪ -‬نطاق التبليغ عن الله ‪-‬‬
‫(وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى)‪ .‬وبلغة ما هو‬
‫بقول بشر‪ ،‬ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله‪ ،‬وبغير العصمة ل‬
‫يتأتى له هذا المقام‪.‬‬
‫أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ل وحى فيه‪،‬‬
‫والتي هي ثمرة لعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية‪ ،‬فلقد‬
‫كانت تصادف الصواب والولى ‪ ،‬كما كان يجوز عليها غير ذلك‪..‬‬
‫ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة‪ ،‬رضوان الله عليهم في كثير من‬
‫المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه ‪ -‬قبل الدلء بمساهماتهم‬
‫سنة والسيرة‪:‬‬‫في الرأي ‪ -‬هذا السؤال الذي شاع في ال ُّ‬
‫"يا رسول الله‪ ،‬أهو الوحي؟ أم الرأي والمشورة؟‪ "..‬فإن قال‪:‬‬
‫إنه الوحي‪ .‬كان منهم السمع والطاعة له ‪ ،‬لن طاعته هنا هي‬
‫طاعة لله‪ ..‬وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من‬
‫هذا المر عن عقولهم‪ ،‬لن علم الله ‪ -‬مصدر الوحي ‪ -‬مطلق‬

‫‪5‬‬
‫وكلى ومحيط‪ ،‬بينما علمهم نسبى‪ ،‬قد تخفى عليه الحكمة التي ل‬
‫يعلمها إل الله‪ ..‬أما إن قال لهم الرسول ‪ -‬جوابًا عن سؤالهم ‪:-‬‬
‫إنه الرأي والمشورة‪ ..‬فإنهم يجتهدون ‪ ،‬ويشيرون ‪ ،‬ويصوبون‪..‬‬
‫ما ‪ ،‬وإنما هو واحد من‬ ‫لنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصو ً‬
‫المقدمين في الشورى والجتهاد‪ ..‬ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى‬
‫اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة في كتب السنة ومصادر‬
‫السيرة النبوية ‪ -‬في مكان القتال يوم غزوة بدر‪ ..‬وفى الموقف‬
‫من أسراها‪ ..‬وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد‪ ..‬وفى مصالحة‬
‫بعض الحزاب يوم الخندق‪ ..‬إلخ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫ولن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون‬
‫القدوة والسوة للمة‪( :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‬
‫لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيًرا)‪.‬‬
‫وحتى ل يقتدي الناس باجتهاد نبوي لم يصادف الولى‪ ،‬كان نزول‬
‫الوحي لتصويب اجتهاداته التي لم تصادف الولى‪ ،‬بل وعتابه ‪-‬‬
‫أحيانًا ‪ -‬على بعض هذه الجتهادات والختيارات من مثل‪( :‬عبس‬
‫وتولى * أن جاءه العمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر‬
‫فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك‬
‫أل يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه‬
‫تلهى)‪ .‬ومن مثل‪( :‬يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى‬
‫مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة‬
‫أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى‬
‫بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عّرف بعضه‬
‫وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني‬
‫العليم الخبير)‪ .‬ومن مثل‪( :‬ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله‬
‫عزيز حكيم * لول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب‬
‫عظيم)‪.‬‬
‫وغيرها من مواطن التصويب اللهي للجتهادات النبوية فيما لم‬
‫يسبق فيه وحى‪ ،‬وذلك حتى ل يتأسى الناس بهذه الجتهادات‬
‫المخالفة للولى‪.‬‬
‫فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيما يبلغ عن الله‬
‫شرط لزم لتحقيق الصدق والثقة في البلغ اللهي‪ ،‬وبدونها ل‬
‫يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين‪،‬‬
‫ومن ثم ل يكون هناك فارق بين الوحي المعصوم والمعجز وبين‬
‫الفلسفات والبداعات البشرية التي يجوز عليها الخطأ‬
‫والصواب‪ ..‬فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحي والبلغ قول‬
‫بشر‪ ،‬بينما هي ‪ -‬بالعصمة ‪ -‬قول الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬الذي‬

‫‪6‬‬
‫مبَل ِّغ هي‬
‫بلغه وبينه المعصوم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ..-‬فعصمة ال ُ‬
‫ضا ‪ -‬الشرط لنفى العبث‬ ‫الشرط لعصمة البلغ‪ ..‬بل إنها ‪ -‬أي ً‬
‫وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا‬
‫البلغ‬
‫‪----------------------‬‬
‫(‪ )3‬دعوى‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول‬
‫السلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫زعموا أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليس برسول‪ .‬وبنوا هذا‬
‫الزعم على أربع شعب هي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن العهد والنبوة والكتاب محصورة في نسل إسحق ل‬
‫إسماعيل‪.‬؟!‬
‫ً‬
‫‪ .2‬إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات‪.‬؟!‬
‫‪ .3‬إن القرآن من نوادر العمال النسانية ‪ ،‬فليس هو معجزاً(‬
‫‪)1‬؟!‬
‫‪ .4‬إن الكتب السابقة ‪ -‬التوراة وملحقاتها والناجيل ‪ -‬خلت من‬
‫البشارة برسول السلم؟!‬
‫الرد على الشبة‪:‬‬
‫ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة‬
‫بين يدي هذه المواجهة ‪ ،‬رأيت أن تقديمها من أوجب الواجبات‬
‫في هذا المجال‪.‬‬
‫وجود "البشارات" وعدمها سواء‪ ..‬أجل‪ :‬إن وجود البشارات‬
‫وعدمها في الكتب المشار إليها آنفًا سواء‪ ،‬وجودها مثل عدمها‪،‬‬
‫وعدمها مثل وجودها‪ .‬فرسالة رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها‪ ،‬بحيث‬
‫إذا لم يوجد ذلك الدليل "الخارجي" بطلت ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬تلك‬
‫الرسالة؛ فهي رسالة دليلها فيها‪ ،‬ووجود البشارات بها في كتب‬
‫متقدمة ‪ -‬زمنا ‪ -‬عليها ل يضيف إليها جديداً‪ ،‬وعدم وجود تلك‬
‫البشارات ل ينال منها شيئا ً قط‪.‬‬
‫فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغني عما سواها‪ .‬ودليلها‬
‫قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان‪ ،‬باق بقاء رسالته‬
‫أبد الدهر أشرق ولم يغب‪ ،‬ظهر ولم يختف‪ ،‬قوى ولم يضعف‪.‬‬
‫عل ولم يهبط‪ ،‬إنه دليل صدق النبياء كلهم‪ .‬فكل النبياء مضوا‬
‫ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء في هذا الدليل "القرآن‬
‫العظيم" حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله‬
‫المكرمون‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة‬
‫برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات‬
‫صدق رسول السلم في دعواه الرسالة‪ .‬فرسول السلم ليس‬
‫في حاجة إلى "تلك البشارات" حتى ولو سلم لنا الخصوم‬
‫بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره‪.‬‬
‫وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬بشاراته صلى الله عليه وسلم في التوراة‪.‬‬
‫‪ -2‬بشاراته صلى الله عليه وسلم في النجيل‪.‬‬
‫أولً‪ :‬البشارات في التوراة تعددت البشارات برسول السلم في‬
‫التوراة وملحقاتها‪ ،‬ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح‪،‬‬
‫وصيروها نصوصا ً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدللة على‬
‫معناها "الصلي" من حملها على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال‪.‬‬
‫فهي أشبه ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب‬
‫الرسالة قادر ‪ -‬بعد فضها ‪ -‬أن يثبت اختصاصها به ‪ ،‬لن الكلم "‬
‫الداخلي " الذي فيها يقطع بأنها " له " دون سواه؛ لما فيها من‬
‫"قرائن" وبينات واضحة ونعرض ‪ -‬فيما يلى ‪ -‬بعضا ً منها‪:‬‬
‫"وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل‬
‫قبل موته"‪.‬‬
‫فقال‪" :‬جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق لهم من ساعير ‪ ،‬وتلل من‬
‫جبل فاران"(‪.)2‬‬
‫في هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬نبوة موسى عليه السلم التي تلقاها على جبل سيناء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نبوة عيسى عليه السلم وساعير هي قرية مجاورة لبيت‬
‫المقدس ‪ ،‬حيث تلقى عيسى عليه السلم أمر رسالته‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان‬
‫الذي تلقى فيه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬أول ما نزل عليه من‬
‫الوحي وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذه العبارة ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬تضمنت خبرا ً وبشارتين‪:‬‬
‫فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم‬
‫رسولً‪.‬‬
‫والبشارتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬خاصة بعيسى عليه السلم‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وموقف اليهود منهما النفي‪ :‬فل الولى بشارة بعيسى ابن مريم‬
‫ول الثانية بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما موقف النصارى فإن النفي ‪ -‬عندهم ‪ -‬خاص ببشارة رسول‬
‫السلم‪ .‬ولهم في ذلك مغالطات عجيبة ‪ ،‬حيث قالوا إن "فاران"‬
‫هي "إيلت" وليست مكة‪ .‬وأجمع على هذا "الباطل" واضعو‬
‫َّ‬
‫موا‬‫سل ُ‬ ‫كتاب‪ :‬قاموس الكتاب المقدس‪ .‬وهدفهم منه واضح إذ لو َ‬
‫بأن "فاران" هي مكة المكرمة ‪ ،‬للزمهم إما التصديق برسالة‬
‫رسول السلم ‪ ،‬وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من‬
‫الذعان له!! أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ‪ ،‬ولم يقتصر‬
‫ورود ذكر "فاران" على هذا الموضع من كتب العهد القديم ‪ ،‬فقد‬
‫ورد في قصة إسماعيل عليه السلم مع أمه هاجر حيث تقول‬
‫التوراة‪ :‬إن إبراهيم عليه السلم استجاب لسارة بعد ولدة هاجر‬
‫ابنها إسماعيل وطردها هي وابنها فنزلت وسكنت في "برية‬
‫فاران"(‪ .)3‬على أنه يلزم من دعوى واضعي قاموس الكتاب‬
‫المقدس من تفسيرهم فاران بإيلت أن الكذب باعترافهم وارد‬
‫في التوراة‪ .‬لنه لم يبعث نبي من "إيلت" حتى تكون البشارة‬
‫صادقة‪ .‬ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلم ؛ لن العبارة‬
‫تتحدث عن بدء الرسالت وعيسى تلقى النجيل بساعير وليس‬
‫بإيلت‪.‬‬
‫فليست " فاران " إل " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ‪،‬‬
‫وجبل فاران هو جبل " النور " الذي به غار حراء ‪ ،‬الذي تلقى فيه‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم بدء الوحي‪.‬‬
‫وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر‬
‫من الشمس‪.‬‬
‫وترتيب الحداث الثلثة في العبارة المذكورة‪:‬‬
‫جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلل من فاران‪ .‬هذا الترتيب‬
‫الزمنى دليل ثالث على أن " تلل من جبل فاران " تبشير قطعى‬
‫برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي بعض " النسخ " كانت العبارة‪" :‬واستعلن من جبل فاران"‬
‫بدل "تلل"‪.‬‬
‫وأيا ً كان اللفظ فإن "تلل" و"استعلن" أقوى دللة من "جاء"‬
‫و"أشرق" وقوة الدللة هنا ترجع إلى "المدلولت " الثلثة‪.‬‬
‫فالشراق جزء من مفهوم "المجيء" وهكذا كانت رسالة عيسى‬
‫بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلم)‪.‬‬
‫أما تلل واستعلن فهذا هو واقع السلم ‪ ،‬رسول ورسالة وأمة ‪،‬‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫هذه المغالطة (فاران هي إيلت) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن‬
‫هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي وابنها إسماعيل‬
‫بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إل بعد أن‬
‫لقيا ملك " الرب " في المكان المعروف الن " ببئر سبع " ؟!‬
‫وأنها سميت بذلك لذلك‪..‬؟! وكما كذبت فاران دعوى "إيلت"‬
‫كذَّبت "زمزم الطهور" دعوى "بئر سبع"؟‍ وستظل فاران ‪ -‬مكة‬
‫المكرمة ‪ -‬وزمزم الطهور "عملقين" تتحطم على صخورهما كل‬
‫مزاعم الحقد والهوى‪.‬‬
‫ويجيء نص آخر في التوراة ل محمل له إل البشارة برسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون‪.‬‬
‫وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة‪:‬‬
‫"أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم مثلك ‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‬
‫فيكلمهم بكل ما أوصيه به ‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع‬
‫لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه"(‪.)4‬‬
‫حدث هذا حسب روايات التوراة وعدا ً من الله لموسى في آخر‬
‫عهده بالرسالة ‪ ،‬وكان يهمه أمر بني إسرائيل من بعده ‪ ،‬فأعلمه‬
‫الله ‪ -‬حسب هذه الرواية التوراتية ‪ -‬أنه سيبعث فيهم رسول مثل‬
‫موسى عليه السلم‪.‬‬
‫ولقوة دللة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫وقف أهل الكتابين ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬موقفين مختلفين هدفهما‬
‫واحد ‪ ،‬وهو أن النص ليس بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما اليهود فلهم فيه رأيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن العبارة نفسها ليست خبرا ً بل هي نفي ‪ ،‬ويقدرون قبل‬
‫الفعل "أقيم" همزة استفهام يكون الستفهام معها "إنكارياً"‬
‫وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم‬
‫مثلك؟!‬
‫بطلن هذا الرأي وهذا الرأي باطل ولن نذهب في بيان بطلنه‬
‫إلى أكثر من كلم التوراة نفسها‪ .‬وذلك ؛ لنه لو كان النص كما‬
‫ذكروا بهمزة استفهام إنكاري محذوفة هي في قوة المذكور لكان‬
‫الكلم نفيا ً فعلً‪ ..‬ولو كان الكلم نفيا ً لما صح أن يعطف عليه‬
‫قوله بعد ذلك‪:‬‬
‫"ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي‬
‫أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعا ً فهو مرتب على إقامة‬
‫النبي الذي وعد به المقطع الذي قبله‪ .‬فدل هذا " العطف " على‬
‫أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت ل نفي‪ .‬ويترتب على ذلك‬
‫بطلن القول الذاهب إلى تقدير الستفهام‪..‬؟!‬

‫‪10‬‬
‫الثاني‪ :‬وقد أحس اليهود ببطلن القول بالستفهام فاحتاطوا‬
‫للمر وقالوا ل مانع أن يكون النص خبرا ً ووعدا ً مثبتا ً ‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلم ول محمد بن عبد الله‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل المراد به نبى من‬
‫أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى‪ ،‬أو صموئيل‪..‬؟!‬
‫موقف النصارى‪:‬‬
‫أما النصارى فيحملون البشارة في النص على عيسى عليه‬
‫السلم وينفون أن يكون المراد بها رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقد علمنا قبل أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫وللنصارى مغالطات عجيبة في ذلك إذ يقولون إن النبي الموعود‬
‫به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل‪ .‬ومحمد‬
‫إسماعيلي فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجل ً ليس‬
‫منهم‪.‬؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت‬
‫بمعجزات فكيف يكون مثله‪ .‬وقد رددنا على هذه الفرية فيما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الحق الذي ل جدال فيه‪:‬‬
‫والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل‪ .‬باطل‪ .‬ولن‬
‫نذهب في بيان بطلنه إلى أبعد من دللة النص المتنازع عليه‬
‫نفسه‪ .‬أما الحق الذي ل جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل‬
‫مقبول إل البشارة برسول السلم صلى الله عليه وسلم وإليكم‬
‫البيان‪:‬‬
‫إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه‬
‫بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنه مثل موسى عليه السلم صاحب شريعة وجهاد‬
‫لعداء الله وهذان الشرطان ل وجود لهما ل في يوشع بن نون ‪،‬‬
‫ول في صموئيل كما يدعى اليهود في أحد قوليهم‪.‬‬
‫ول في عيسى عليه السلم كما يدعى النصارى‪.‬‬
‫أما انتفاء الشرط الول فلن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى‬
‫إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫ولو كان المراد واحدا ً منهم لقال في الوعد‪ :‬أقيم لهم نبياً‬
‫منهم‪ ..‬؟! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه المور كما قال في‬
‫شأن النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(هو الذي بعث في الميين رسول ً منهم‪ .)5()...‬وكما جاء على‬
‫لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلم) (ربنا وابعث فيهم‬
‫رسول ً منهم‪.)6()...‬‬

‫‪11‬‬
‫وأما انتفاء الشرط الثاني ‪ ،‬فلن‪ :‬ل صموئيل ول يوشع ول عيسى‬
‫ابن مريم كانوا مثل "موسى" عليه السلم‪.‬‬
‫فموسى كان صاحب شريعة ‪ ،‬ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع‬
‫الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلم من بنى إسرائيل لم‬
‫يكن واحدا ً منهم صاحب شريعة ‪ ،‬وإنما كانوا على شريعة موسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمما ومعدل ً فشريعة‬
‫موسى هي الصل‪ .‬إن عيسى كان مذكرا ً لبنى إسرائيل ومجدداً‬
‫الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلم !!‬
‫ي البشارة ‪ -‬وبين موسى‬ ‫فالمثلية بين هؤلء ‪ -‬وهي أحد شرط ْ‬
‫عليه السلم ل وجود لها؟!‬
‫الشرطان متحققان في رسول السلم صلى الله عليه وسلم‬
‫وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفي الشرطان بهما عمن ذكروا‬
‫من النبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫فهو من نسل إسماعيل ‪ ،‬وإسماعيل أخو إسحق ‪ ،‬الذي هو أبو‬
‫يعقوب المسمى إسرائيل‪ .‬فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل ‪-‬‬
‫بنو عمومتهم ‪ -‬وليس من إسرائيل نفسها‪ .‬وبهذا تحقق الشرط‬
‫ي البشارة‪:‬‬‫الول من شرط ْ‬
‫ومحمد ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬صاحب شريعة جليلة الشأن لها‬
‫سلطانها الخاص بها ‪ -‬جمعت فأوعت ‪ -‬مثلما كان موسى ‪ -‬أكبر‬
‫رسل بنى إسرائيل ‪ -‬صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها‬
‫التي لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالت إلى مبعث‬
‫عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫وبهذا يتحقق الشرط الثاني من شرطى البشارة وهو " المثليه "‬
‫بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلمه) ‪ ،‬فعلى القارئ‬
‫أن يتأمل ثم يحكم‪.‬‬
‫في المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلم وردت كثير من‬
‫العبارات التي ل يصح حمل معناها إل على رسول السلم‪ .‬ومن‬
‫ذلك قول داود كما تروى التوراة‪:‬‬
‫" أنت أبرع جمال ً من بنى البشر‪ .‬انسكبت النعمة على شفتيك‪،‬‬
‫لذلك باركك الله إلى البد‪ .‬تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ‪،‬‬
‫جللك وبهاؤك‪ .‬وبجللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الحق والدعة‪..‬‬
‫بتلك المسنونة في قلب أعداء الملك ‪ -‬يعنى الله ‪ -‬شعوب تحتك‬
‫يسقطون‪ ..‬من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج أكثر‬
‫من رفقائك " (‪.)7‬‬

‫‪12‬‬
‫اسمعي يانيت وأميلي أذنك ‪ ،‬وانسي شعبك وبيت أبيك ‪ ،‬فيشتهي‬
‫الملك الملك حسنك ؛ لنه هو سيدك فاسجدي له‪ .‬وبنت صور‬
‫أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية‪ .‬كلها مجد ابنة الملك في‬
‫خدرها‪ .‬منسوجة بذهب ملبسها مطرزة ‪ ،‬تحضر إلى الملك في‬
‫إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج‬
‫يدخلن إلى قصر الملك‪ .‬عوضا ً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم‬
‫رؤساء في كل الرض اذكر اسمك في كل دور فدور من أجل‬
‫ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " وقفة مع هذا الكلم في‬
‫المقطع الول (أ) ل تنطبق الوصاف التي ذكرها داود إل على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فهو الذي قاتل بسيفه في سبيل الله وسقطت أمامه شعوب‬
‫عظيمة كالفرس والروم‪.‬‬
‫وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه النبياء ؛ لنه خاتم‬
‫النبيين ‪ ،‬ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إل رحمة للعالمين )(‬
‫‪.)8‬‬
‫ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول السلم في‬
‫القرآن الحكيم ‪ ،‬وفي أحاديثه وتوجيهاته ‪ ،‬التي بلغت مئات اللف‬
‫‪ ،‬وتعددت المصادر التي سجلتها ‪ ،‬وفيها من روائع البيان ‪ ،‬وصفاء‬
‫اللفاظ ‪ ،‬وشرف المعاني ما ليس في غيرها‪.‬‬
‫أما المقطع الثاني (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة‪ .‬فهي التي‬
‫تترضاها المم بالهدايا‪ .‬وهي ذات الملبس المنسوجة بالذهب‬
‫والمطرزة ‪ ،‬وهي التي يذكر اسمها في كل دور فدور وتأتيها‬
‫قوافل" الحجيج " رجال ً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع في "‬
‫قصر الملك " ويحمدها الناس إلى البد؛ لن الرسالة المرتبطة‬
‫بها رسالة عامة‪ :‬لكل شعوب الرض النس والجن‪ .‬بل والملئكة‪.‬‬
‫وفي مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الرض‬
‫مسلمين‪ ،‬ورعايا مسلمين من بلد ليست مسلمة‪ .‬خالدة‪ :‬لم ينته‬
‫العمل بها بوفاة رسولها‪ ،‬كما هو الحال فيما تقدم‪ .‬وإنما هي دين‬
‫الله إلى البد البيد‪.‬‬
‫وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالشارات‬
‫الواضحة التي تبشر برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولول‬
‫المنهج الذي أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك‬
‫الكثير؛ ولذا فإننا نكتفي بهذا المقطع لدللته القوية على ما‬
‫نقول‪:‬‬
‫" قومي استنيري؛ لنه قد جاء نورك ‪ ،‬ومجد الرب أشرق عليك‪..‬‬
‫لنه ها هي الظلمة تغطى الرض والظلم الدامس المم‪ .‬أما‬

‫‪13‬‬
‫عليك فيشرق الرب ‪ ،‬ومجده عليك يرى‪ .‬فتسير المم في‬
‫نورك ‪ ،‬والملوك في ضياء إشراقك‪.‬‬
‫ارفعي عينيك حوالي وانظري‪ .‬قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك‪ .‬يأتي‬
‫بنوك من بعيد‪ ،‬وتحمل بناتك على اليدي ‪ ،‬حينئذ تنظرين وتنيرين‬
‫ويخفق قلبك ويتسع ؛ لنه تحول إليك ثروة البحر ‪ ،‬ويأتي إليك‬
‫غنى المم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ‪ ،‬وعيفة كلها تأتي‬
‫من شبا‪ .‬تحمل ذهبًا ولبانًا ‪ ،‬وتبشر بتسابيح الرب‪ .‬كل غنم قيدار‬
‫تجتمع إليك‪ .‬كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي‪،‬‬
‫وأزين بيت جمالي‪.‬‬
‫من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪ .‬إن الجزائر‬
‫تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتى من بعيد ‪ ،‬وفضتهم‬
‫وذهبهم معهم ل سم الرب إلهك…(‪.)9‬‬
‫وبنو الغريب يبنون أسوارك‪ ،‬وملوكهم يخدمونك‪ ..‬وتفتح أبوابك‬
‫دائما نهارا ً وليل ً ل تغلق ‪ ،‬ليؤتى إليك بغنى المم وتقاد ملوكهم‪(...‬‬
‫‪.)10‬‬
‫دللة هذه النصوص‪:‬‬
‫بل أدنى ريب فإن هذا الكلم المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة‬
‫المكرمة وكعبتها الشامخة‪.‬‬
‫فالمقطع الول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه‬
‫يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جدا ًُ إلى نحر‬
‫الهدى صبيحة العيد‪ .‬ألم يشر النص إلى غنم قيدار‪ ،‬وقيدار هوولد‬
‫إسماعيل عليه السلم الذي تشعبت منه قبائل العرب‪ .‬ثم ألم‬
‫ينص على المذبح الذي تنحر عليه الذبائح؟ كما أشار النص ثلث‬
‫إشارات تعد من أوضح الدلة على أن المراد بهذا النص مكة‬
‫المكرمة‪ .‬وتلك الشارات هي طرق حضور الحجاج إليها‪ .‬ففي‬
‫القديم كانت وسائل النقل‪ :‬ركوب الجمال‪ .‬ثم السفن‪ .‬أما في‬
‫العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى "الطائرات"‬
‫وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلث على النحو التي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمال ‪ ،‬قال فيها‪ :‬تغطيك كثرة الجمال!!‬
‫‪ -2‬السفن ‪ ،‬قال فيها‪ :‬وسفن ترشيش تأتي ببنيك من بعيد!‬
‫‪ -3‬النقل الجوى‪ ،‬وفيه يقول‪ :‬من هؤلء الطائرون كسحاب‬
‫وكالحمام إلى بيوتها؟!!‬
‫أليس هذا أوضح من الشمس في كبد السماء‪.‬‬
‫على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والسرار ‪ ،‬ومنها أن مكة‬
‫مفتوحة البواب ليل ً ونهارا ً لكل قادم في حج أو عمرة!!‬

‫‪14‬‬
‫ومنها أن خيرات المم تجبى إليها من كل مكان ‪ ،‬والقرآن يقرر‬
‫هذا المعنى في قول الله تعالى‪( :‬أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى‬
‫إليه ثمرات كل شيء)(‪.)11‬‬
‫ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها‪ .‬وكم من‬
‫اليدي العاملة الن‪ ،‬وذوي الخبرات يعملون فيها ويشيدون قلعها‬
‫فوق الرض وتحت الرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم‬
‫العالم إل دخلت في محنة من أهلها أو من غير أهلها إل هذه‬
‫"العاصمة المقدسة"‪ ,‬فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد‬
‫الكائدين‪ ،‬ومثلها المدينة المنورة‪.‬‬
‫ن الله بها عليها‪ .‬أليس البترول من‬ ‫م َّ‬
‫ومنها كثرة الثروات التي َ‬
‫ثروات البحر العظمى التي تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة‬
‫منه عيونا ً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من المم‪ .‬أضف إلى‬
‫ذلك سبائك الذهب والفضة‪.‬‬
‫والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول السلم ؛ لن‬
‫مجدها لم يأت إل على يدي بعثته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هذه الحقائق ل تقبل الجدل‪ .‬ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة‬
‫اليهود) يحملون هذه الوصاف على مدينة "صهيون" ولهذا فإنهم‬
‫عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم‪ .‬ولكننا نضع المر‬
‫بين يدي المنصفين من كل ملة‪ .‬أهذه الوصاف يمكن أن تطلق‬
‫على مدينة "صهيون"‪.‬‬
‫لقد خرب " بيت الرب " في القدس مرارا ً وتعرض لعمال‬
‫شنيعة على كل العصور‪ .‬أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام‬
‫فلم يصل أحد إليهما بسوء ‪ ،‬ثم أين ثروات البحر والبر التي تجبى‬
‫إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الن) يعيشون عالة على صدقات‬
‫المم‪.‬‬
‫جوّا ً ‪ ،‬وهل أبوابها‬
‫وأين هي المواكب التي تأتى إليها برا ً وبحرا ً و َ‬
‫مفتوحة ليل ً ونهارا ً ‪ ،‬وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها‪.‬‬
‫وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها‪ .‬وأين هو التسبيح الذي‬
‫يشق عنان السماء منها‪ ..‬وأين‪ ..‬وأين‪..‬؟‍ إن هذه المغالطات ل‬
‫تثبت أمام قوة الحق ‪ ،‬ونحن يكفينا أن نقيم هذه الدلة من كتبهم‬
‫على صدق الدعوى ‪ ،‬ول يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك‬
‫من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذي تدافع عنه‪.‬‬
‫والفاصل بيننا ـ في النهاية ـ هو الله الذي ل يُبدل القول لديه‪.‬‬
‫وتنسب التوراة إلى نبي يدعى "حبقوق" من أنبياء العهد القديم ‪،‬‬
‫وله سفر صغير قوامه ثلثة إصحاحات‪.‬‬
‫تنسب إليه التوراة نصوصا ً كان يصلي بها‪ .‬تضمنها الصحاح‬
‫الثالث من سفره‪ .‬وهذا الصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول‬

‫‪15‬‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإليكم مقاطع منه‪" :‬الله جاء من‬
‫تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل فاران ـ سله ـ جلله غطى السماوات‪.‬‬
‫والرض امتلت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع‬
‫‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ .‬قدامه ذهب الوبأ‪ .‬وعند رجليه خرجت‬
‫الحمى‪ .‬وقف وقاس الرض‪ ،‬نظر فرجف المم ودكت الجبال‬
‫الدهرية‪ ،‬وخسفت آكام القوم‪.‬‬
‫مسالك الزل يسخط دست المم ‪ ،‬خرجت لخلص شعبك‪...‬‬
‫سحقت رأس بيت الشرير معريا ً الساس حتى العنق‪ ...‬سلكت‬
‫البحر بخيلك‪.)12(..‬‬
‫دللت هذه الشارات‪:‬‬
‫ل يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالت ومعاني التراكيب أن‬
‫يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع‬
‫وهما‪ :‬تيمان‪ :‬يعنى اليمن‪ ،‬وجبل فاران‪ :‬يعنى جبل النور الذي‬
‫بمكة المكرمة التي هي فاران‪ .‬هاتان الجهتان عربيتان‪ .‬وهما رمز‬
‫لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحا ً أوليا ً لرسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فليس المراد إذن نبيا ً من بنى إسرائيل؛ لنه معلوم أن رسل بنى‬
‫إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالً‪ .‬ل من جهة بلد‬
‫العرب‪ .‬وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ‪ ،‬التي تقدم‬
‫ذكرها من سفر التثنية ‪ ،‬وقد ذكرت أن الله‪ :‬تلل أو استعلن من‬
‫جبل فاران‪.‬‬
‫بيد أن بشارة التثنية شملت الخبار بمقدم موسى عليه السلم‬
‫والتبشير بعيسى عليه السلم وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما‬
‫بشـارة حبقوق فهي خاصة برسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬ولو لم يكن في كلم حبقوق إل هذا "التحديد" لكان ذلك‬
‫كافيا ً في اختصاص بشارته برسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬ومع هذا فقد اشتمل كلم حبقوق على دلئل أخرى ذات‬
‫مغزى‪:‬‬
‫منها‪ :‬الشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلت منه الرض‪..‬‬ ‫•‬
‫؟!‬
‫ومنها‪ :‬دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم‬ ‫•‬
‫والطغيان وقهر الممالك الجائرة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن خيل جيوشه ركبت البحر ‪ ،‬وهذا لم يحدث إل‬ ‫•‬
‫في ظل رسالة السلم‪.‬‬
‫على أن كلم حبقوق ملئ بالرمز والشارات مما يفيدنا في هذا‬
‫المجال ولكننا نتجاوزه لمرين‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن في الشارات الصريحة غناء عنها‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا‪.‬‬
‫بشاراته صلى الله عليه وسلم في العهد الجديد أسفار العهد‬
‫الجديد (الناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التي يتعين أن تكون‬
‫"بشارات" برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تلك البشـارات تعـلن أحيانا ً في صورة الوعـد بملكوت الله أو‬
‫ملكوت السماوات‪ .‬وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس‪ .‬ومرات‬
‫باسـم المعـزى أو الفارقليط ‪ ،‬وهي كلمة يونانية سيأتي فيما بعد‬
‫معناها ‪ ،‬تلك هي صورة البشارات في الناجيل في صيغها‬
‫المعروفة الن‪.‬‬
‫ففي إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه‬
‫السلم المسمى في الناجيل‪ :‬يوحنا المعمدان‪ .‬وفيها يقول‪:‬‬
‫"توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات"(‪.)13‬‬
‫فمن هو ملكوت السماوات الذي بشر به يحيى؟! هل هو عيسى‬
‫عليه السلم ـ كما يقول النصارى؟!‬
‫هذا احتمال‪ ..‬ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه‬
‫السلم نفس العبارة‪" :‬توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت‬
‫السماوات"(‪.)14‬‬
‫فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلم‬
‫لما وردت هذه "البشارة" على لسان عيسى؛ إذ كيف يبشر‬
‫بنفسه ‪ ،‬وهو قائم موجود ‪ ،‬والبشـارة ل تكون إل بشئ محـبوب‬
‫سيأتي‪ ،‬كما أن النذار ـ قسيمه ـ ل يكون إل بشيء "مكروه" قد‬
‫يقع‪.‬‬
‫فكلهما‪ :‬التبشير والنذار ـ أمران مستقبلن‪.‬‬
‫إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم‬
‫المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير‬
‫عيسى‪ .‬ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات في عبارة‬
‫عيسى عليه السلم ـ قول ً واحدا ً ـ وباحتمال أرجح في عبارة‬
‫يحيى؛ إذ ل مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلم قد بشر بها‬
‫بعيسى عليه السلم‪.‬‬
‫أما بشارة عيسى فل موضع لها إل الحمل ـ القطعي ـ على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫متَّى‬
‫وفي صيغة الصلة التي علمها المسيح لتلميذه ـ كما يروي َ‬
‫متَّى في هذا‬‫نفسه ـ بشارة أخرى بنبي السـلم‪ .‬وهذا هو نص َ‬

‫‪17‬‬
‫"فصلوا أنتم هكذا‪ :‬أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت‬
‫ملكوتك"(‪.)15‬‬
‫ووردت هذه الصيغة في إنجيل لوقا هكذا‪" :‬متى صليتم فقـولوا‪:‬‬
‫أبانا الذي في السماوات ليتقـدس اسمك ليأت ملكوتك‪.)16("..‬‬
‫ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلميذه‪ ،‬وعلمهم كيف يقهرون‬
‫الشياطين‪ ،‬ويشفـون المراض ثم قال‪" :‬وأرسلهم ليكرزوا ـ أي‬
‫يبشروا ـ بملكوت الله"(‪.)17‬‬
‫أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول‪" :‬جاء‬
‫يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول‪ :‬قد كمل‬
‫الزمان واقترب ملكوت الله " (‪.)18‬‬
‫فهـؤلء ثلثة من التلمذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما‬
‫السلم) قد بشرا بملكوت الله الذي اقترب‪.‬‬
‫فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم؟! وأكاد أجزم بأن عبارة "المسيح ‪ ،‬قد كمل الزمان"‬
‫ل تعني سوى انتهاء عصر الرسالت الموقوتة وإقبال الرسالة‬
‫الخالدة!!‬
‫أما يوحنا صاحب رابع الناجيل‪ .‬فإنه يذكر هذه البشارات في‬
‫مواضع متعددة من إنجيله‪ .‬ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه‬
‫السلم " الذي ل يحبني ل يحفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه‬
‫ليس لي بل للب الذي أرسلني‪ .‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم‪ .‬وأما‬
‫المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى)(‪ )19‬الروح‬
‫القدس‪ ،‬الذي سيرسله الب باسمي فهو يعلمكم كل شيء‬
‫ويذكركم بما قلته لكم"(‪.)20‬‬
‫كما يروي يوحنا قول المسيح ـ التي ـ مع تلميذه‪" :‬إنه خير لكم‬
‫أن انطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى‪ ،‬ولكن إن ذهبت‬
‫أرسله إليكم‪ .‬ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية‪ ،‬وعلى بر‬
‫وعلى دينونة"(‪.)21‬‬
‫ويروي كذلك قول المسيح لتلميذه‪" :‬وأما إذا جاء ذاك روح الحق‬
‫‪ ،‬فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لنه ل يتكلم من نفسه‪ .‬بل كل‬
‫ما يسمع يتكلم به ‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية "‪ ..‬؟!(‪.)22‬‬
‫فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذي بشر به‬
‫المسيح عليه السلم حسبما يروى يوحنا؟!‬
‫معَّرِى أو الروح القدس ل يأتي إل‬ ‫إن المسيح يقول‪ :‬إن ذلك ال ُ‬
‫بعد ذهاب المسيح‪ ،‬والمسيح ـ نفسه ـ يُقـُّر بأن ذلك ال ُ‬
‫معَّرِى أو‬
‫ل منه شأنا‪ ،‬وأعم نفعا ً وأبقى أثراً‪ ،‬ولذلك قال لتلميذه‪:‬‬ ‫ج ُّ‬ ‫َ‬
‫الروح أ َ‬
‫معَّرِى‪.‬‬
‫خير لكم أن أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬

‫‪18‬‬
‫وكلمة "خير" أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيرا ً لكم ذهابي ليأتيكم‬
‫معَـَّزى" مسـاويًا للمسيح في الدرجة لكانا‬
‫المعزى ولو كان "ال ُ‬
‫مستويين في الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن‬
‫أنطلق‪.‬‬
‫ومن باب أولى لو كان "المعَّزى" أقل فضل ً من المسيح‪ .‬فعبارة‬
‫مساو‬
‫ٍ‬ ‫المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ‪ ،‬ل‬
‫له ول أقل‪.‬‬
‫معََّرى أو الروح بأوصـاف ليست‬
‫ثم يصف المسيح ذلك ال ُ‬
‫موجـودة في المسيح نفسه عليه السلم‪.‬‬
‫ومن تلك الوصاف‪:‬‬
‫أ ـ إنه يعلم الناس كل شيء‪ .‬وهذا معناه شمول رسالته لكل‬
‫مقومات الصلح في الدنيا والدين‪ .‬وذلك هو السلم‪.‬‬
‫ب ـ إنه يبكت العالم على خطية‪ .‬والشاهد هنا كلمة " العالم "‬
‫وهذا معناه شمول السلم لكل أجـناس البشر ‪ ،‬عربا وعجما ً ‪،‬‬
‫في كل زمان ومكان‪ .‬ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إل‬
‫السلم‪.‬‬
‫جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ‪ ،‬ويذكـر بما مضى‪ .‬وقد تحقق هذا في‬
‫رسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على‬
‫وجه التفصيل والتأكيد الذي كان على يديه صلى الله عليه وسلم‬
‫فكم في القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ‪،‬‬
‫وكم فيه من الخبار بما سيكون في الحياة الخرة من أوصاف‬
‫الجنة ‪ ،‬والنار ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬وعلمات الساعة ‪ ،‬وتخاصم أهل النار ‪،‬‬
‫وحوار أصحاب الجنة مع " رجال العراف " ‪ ،‬وندم من باعوا‬
‫دينهم بدنياهم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وذكر بما مضى من أحوال المم ‪ ،‬وقيام الحضارات ثم سقوطها‬
‫وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق‬
‫والمانة والخلص والوفاء ‪ ،‬ومسلك بعض القوام من رسلهم‬
‫والصراع الذي دار بين المحقين وأهل الباطل ‪ ،‬وعاقبة بعض‬
‫المكذبين‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد العتقاد الصحيح‬
‫وسنت طرق العبادة المثمرة ‪ ،‬ووضعت أصول التشريع في كل‬
‫ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ‪ ،‬ووضحت العلقة السليمة‬
‫بين المخلوق والخالق ‪ ،‬وبين الناس بعضهم بعضاً‪ .‬وحررت‬
‫العقول ‪ ،‬وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس‬
‫ولكل جماعة ولكل أمة‪ .‬أي أنها أرشدت إلى كل شيء‪ .‬وعلمت‬
‫كل شيء مما يحتاج تعلمه إلى وحي وتوقيف‪!..‬‬

‫‪19‬‬
‫ذلك هو السلم ‪ ،‬ول شيء غير السلم‪.‬‬
‫وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلم بأنه رسول كريم‬
‫أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل‪ ,‬وأنه عبده ورسوله‬
‫(ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)(‪.)23‬‬
‫وشهادة رسول السلم لعيسى عليه السلم منصوص عليها في‬
‫بشارات عيسى نفسه به (صلى الله عليه وسلم)‪ .‬فاسمع إلى‬
‫يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلم قوله التي‪" :‬ومتى جاء‬
‫المعَّزى الذي سأرسله " أنا " إليكم من الب روح الحق من عند‬
‫الب ينبثق فهـو يشهـد لي‪ ..‬وتشهـدون أنتم أيضا ً لنكم معي من‬
‫البتداء"(‪.)24‬‬
‫روح القـدس هذا‪ ،‬أو المعَّزى ‪ ،‬أو روح الحق ل يمكن أن يكون‬
‫عيسى ؛ لن عـيسى لم يبشر بنفسـه ‪ ،‬وهو كان موجودا ً ساعة‬
‫قال هذا ول يمكن أن يكون المراد به نبيا ً بعد عيسى غير محمد‬
‫(صلى الله عليه وسلم) لننا متفقون على أن عيسى لم يأت‬
‫بعده نبي قبل رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فتعين أن يكون روح القدس ‪ ،‬أو المعَّزى ‪ ،‬أو روح الحق تبشيرا‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الوصاف ‪ ،‬كما‬
‫يتحقق فيه معنى "الفضلية" إذ هو خاتم النبيين‪ ،‬الذي جاء‬
‫بشريعة خالدة عامة‪ ،‬وعلى هذا حملنا قبل قول عيسى‪ :‬خير لكم‬
‫معَّزِى " وهذا إقرار من‬ ‫أن أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬
‫شر وكفي بذلك شواهد‪.‬‬ ‫مب َ ّ ِ‬‫عيسى بأن المبشر به أفضل من ال ُ‬
‫أما البشارة باسم "الفارقليط" فقد خلت منها الترجمات العربية‬
‫المعاصرة للكتاب المقـدس‪.‬‬
‫ومعـلوم أن الكتاب المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛‬
‫لدرجة أن الترجمات العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلفا‬
‫بيناً‪.‬‬
‫وتحت يدي ـ الن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان‬
‫من كلمة الفارقليط‪ ،‬وموضوع مكانها كلمة المعزى‪.‬‬
‫بيد أنني وجدت أن ابن القيم ‪ ،‬وابن تيمية ‪ ،‬كل منهما قد نقل‬
‫عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا ً فيها التصريح باسم‬
‫"الفارقليط" كما أن الشيخ رحمت الله الهندي (رحمه الله) نقل‬
‫في كتابه "إظهار الحق" نصوصا ً "عن ترجمات عربية ترجع إلى‬
‫أعوام‪ 1821 :‬ـ ‪ 1831‬ـ ‪1844‬م وتمت في لندن معنى "الفارقليط"‪:‬‬
‫كلمة يونانية معناها واحد مما يأتي‪:‬‬
‫الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الحمد‪ .‬أو معناها كل ما تقدم‪.‬‬
‫فمعنى "فارقليط" يدور حول الحمد وجميع مشتقاته المشار‬
‫إليها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وكل واحد منها يصح إطلقه على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫ماد والمحمود والحمد ‪ ،‬والمحمد‪.‬‬ ‫وسلم فهو الحامد والح ّ‬
‫وفي الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا‪" :‬إن‬
‫كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ .‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم‬
‫فارقليط آخر‪ ،‬ليثبت معكم إلى البد"‪.‬‬
‫"الفارقليط" روح القـدس الذي يرسله الب باسمي هو يعلمكم‬
‫كل شيء‪ ،‬وهو يذكركم كل ما قلته لكم"(‪.)25‬‬
‫ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن‬
‫إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات‬
‫الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة "‬
‫المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة‪ " :‬ليثبت‬
‫معـكم إلى البد " وهو نص على خلود السلم على أنهم عادوا‬
‫واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التي في الطبعات الحديثة للكتاب‬
‫المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظا ً ومعنى وهي "‬
‫باراكليتس " ومعناها المعزى ‪ ،‬وليست " فارقليط " أو " بارقليط‬
‫" التي معناها الحماد والحامد‪ ...‬والتي يتمسك بها المسلمون!‬
‫وهذه المحاولت مردودة لسببين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات‬
‫القديمة التي فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديماً‪.‬‬
‫فعملهم حجة على الطبعات الحديثة‪ ,‬وهم غير متهمين في‬
‫عملهم هذا‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬ولو كانت الكلمة "هي‪ :‬الباراكليتس" فلماذا خلت منها‬
‫الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة؟!‬
‫بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة؟!‬
‫وأيًا كان المدار‪ :‬فارقليط ‪ ،‬أو باراكليتس ‪ ،‬أو المعزى ‪ ،‬أو الروح‬
‫القدس فنحن ل نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على‬
‫الوصاف التي أجريت عليها‪ .‬مثل يعلمكم كل شيء ـ يمكث‬
‫معكم إلى البد‪.‬‬
‫فهـذه الوصـاف هي لرسـول السـلم صلى الله عليه وسلم‬
‫ومهما اجتهدتم في صرفها عنه فلن تنصرف‪.‬‬
‫ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهي‪ :‬محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم عربي الجنس واللسان ‪ ،‬فكيف يرسله الله إلى أمم‬
‫وأجناس غير عربية‪ ..‬وكيف يكلف الله الناس برسالة ل يعرفون‬
‫لغتها ول عهد لهم بالتحدث معها‪ .‬وكيف يستطيعون أن يفهموا‬
‫القرآن ‪ ،‬وتوجيهات رسول السلم ‪ ،‬وهما باللغة العربية؟‍‍!‬
‫رد الشبهة‪:‬‬
‫نرد عليها من طريقين‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫الول‪ :‬وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم‪ .‬فهم يدعون تبعاً‬
‫لما قال "بولس" أن عيسى عليه السلم مرسل لخلص العالم‬
‫كله‪ .‬وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلص ‪،‬‬
‫وفي أيامنا هذه كثرت المنشورات التي تقول‪ :‬المسيح مخلص‬
‫العالم‪ .‬وهنا نسأل القوم سؤالً‪ :‬أية لغة كانت لغة المسيـح عليه‬
‫السلم وحوارييه ؟! هل هي العبرانية أم اليونانية؟! وأيا كان‬
‫الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة‪ .‬وأوحى إليه النجيل‬
‫بلغة واحدة‪ ..‬فعلى أي أساس إذن قلتم‪ :‬إنه منقذ لكل العالم؟!‬
‫هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم‬
‫أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات‪ ..‬والن يتكلم بمئات اللغات؟!‬
‫فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم‬
‫بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول السلم أن‬
‫يكون مرسل ً لكل العالم‪.‬؟! وما الفرق بين رسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم والمسيح عليه السلم حتى تحظروا عليه ما‬
‫استبحتموه للمسيح؟! أهذا عدل‪ ..‬أهذا إنصاف!!‬
‫وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون!!‬
‫الثاني‪ :‬وهو مستمد من طبيعة السلم‪ .‬ومن تاريخه الطويل‬
‫الحافل بكل عجيب‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عربي اللسان ‪ ،‬والجنس ‪،‬‬
‫والقرآن العظيم الذي جاء به عربي اللسان‪ ،‬عالمي التوجيه‬
‫والتشريع والسلطان‪ .‬ووحدة اللغة في السلم مثل وحدة‬
‫العقيدة فيه‪ .‬ولم يحل دون انتشار السلم بين المم والشعوب‬
‫غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربي ورواده الوائل‬
‫عرب‪ .‬هذه العتبارات لم تحل دون نشر السلم لجميع شعوب‬
‫الرض باختلف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها‪.‬‬
‫ما‪ ،‬وهذه أبرز ملمحه‪:‬‬ ‫وكان سلوك الدعوة إلى السلم حكي ً‬
‫أولً‪ :‬إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله‬
‫يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك المم‬
‫والشعوب ‪ ،‬وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ‪،‬‬
‫وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة‬
‫من هم المبعوث إليهم‪.‬‬
‫فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة‬
‫الكلبي‪.‬‬
‫وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى‬
‫بلتعة‪ .‬وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمي‪.‬‬
‫وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغساني شجاع بن ذهب‬
‫السدى‪ .‬وكان هؤلء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما‬
‫يرد من رسائل لغتها غير العربية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ‬
‫يترجمون لهم ما يرد من رسول السلم أو يقومون بالترجمة من‬
‫العربية إلى غيرها ‪ ،‬ومن غير العربية إلى العربية في حالة ما إذا‬
‫كان " المرسل " وفدا ً يحمل رسائل شفوية للتبليغ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إن اليهود وكثيرا ً من النصارى كانوا يعرفون اللسان‬
‫العربي ‪ ،‬ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ‪،‬‬
‫كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم‬
‫ويقيمون بينهم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه‬
‫على تعلم لغات المم ومما يروى عنه ـ عليه الصلة السلم ـ‬
‫قوله‪ :‬من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب‬
‫والوفد ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬ودخلت في مرحلة الفتح كان الجنود‬
‫المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون السلم نفسه‪.‬‬
‫وما من أرض حل بها السلم إل وقد حلت بها اللغة العربية‬
‫تعضده ‪ ،‬وتؤازره في انسجام عجيب ‪ ،‬فقضت اللغة العربية على‬
‫لغات المم والشعوب وحلت هي محلها‪ .‬قضت على القبطية في‬
‫مصر وعلى الفارسية في الشام وعلى البربرية في شمال غرب‬
‫أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ‪ ،‬وأصبحت‬
‫هي لغة الحياة والدارة والكتابة والنشر والتأليف‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة‬
‫من تراث المم المفتوحة ‪ ،‬ففتحوا نوافذ الفكر ‪ ،‬والثقافة ‪،‬‬
‫والمعرفة لمن ل يعرف غير العربية من العرب المسلمين‪ .‬كما‬
‫ترجموا من الفكر السلمي ما يصلح ضرورة لغير العرب من‬
‫المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة‬
‫والتبليغ‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬أقبل غير العرب من الذين دخلوا السلم على تعلم‬
‫العربية وتركوا لغاتهم الصلية وأصبحوا عربي اللسان واللغة‪.‬‬
‫ومن هـؤلء أعلم ل يحصون كان لهم فضل عظيم في إنماء‬
‫الفكر السلمي منهم اللغويون ‪ ،‬والنحويون ‪ ،‬والبيانيون ‪،‬‬
‫والفقـهاء ‪ ،‬والصوليون ‪ ،‬والمفسرون ‪ ،‬والمحدثون ‪ ،‬والمتكلمون‬
‫‪ ،‬والفلسفة ‪ ،‬والمناطـقة ‪ ،‬والرياضيون ‪ ،‬والطباء ‪ ،‬والفلكيون ‪،‬‬
‫بل والشعراء والدباء والرحالة والجغرافيون ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫إن كل مجال من مجـالت النشـاط العلمي في السلم نبغ فيه‬
‫كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التي كانوا فيها مثل‬

‫‪23‬‬
‫أنجب وأحذق وأمهر أبنائها‪ .‬ولو رحنا نحصى هؤلء لضاق بنا‬
‫السهل والوعر ‪ ،‬فلتكن الشارة إليهم نائبا ً عن ذلك التفصيل غير‬
‫المستطاع‪.‬‬
‫إن وحدة اللغة في السلم لم تحل دون نشر السلم ‪ ،‬فلم يمض‬
‫طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬
‫وصلت إلى الهند والصين في أقصى الشرق ‪ ،‬وإلى شواطئ‬
‫المحيط الطلسي في أقصى الغرب وإلى بلد النوبة جنوبا ً وإلى‬
‫جبال البرانس جنوبي فرنسا شمالً‪ .‬وتوطدت في قلب الكون‪:‬‬
‫الحجاز واليمن والشام وفارس وبلد ما بين النهرين وما وراء‬
‫النهرين ومصر وجنوب الوادي‪ ،‬وتركت اللغة العربية الواحدة‬
‫آثارها في كل قطر أشرقت فيه شمس السلم ‪ ،‬وحتى ما فارقه‬
‫السلم ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة السلم وآثار العربية تغزو‬
‫كل بيت فيها‪.‬‬
‫وكما استوعب السلم مناهج الصلح في كل مجالت الحياة‬
‫النسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة العربية " كل أنماط‬
‫التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل التسجيل والتدوين‪..‬‬
‫وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ‪ ،‬فهي لغة علم ‪ ،‬ولغة فن‬
‫ومشاعر ‪ ،‬ووجدان‪ .‬وقانون وسلم وحرب ‪ ،‬ودين ودنيا‪.‬‬
‫إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون في ربوع الرض الن لم‬
‫يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن‬
‫العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربي فصيح‪ .‬فإذا عاد إلى‬
‫حديثه اليومي لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته‪.‬‬
‫ومسلم غير عربي استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية‬
‫الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة‬
‫التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتشريع‪ ،‬والنحو‪،‬‬
‫والصرف ‪ ،‬والبلغة ‪ ،‬والدب وسائر العلوم والفنون‪.‬‬
‫ولكنه ذنب العـرب المسـلمين ل ذنب اللغة‪ .‬فهي مطواعة لمن‬
‫يريد أن يتقنها إن وجد معلما ً مخلصاً‪ .‬والمل كبير ـ الن ـ في أن‬
‫يلتقي كل المسلمين على لغة واحدة ‪ ،‬كما التقوا على عقيدة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫إن رسـول السـلم صلى الله عليه وسلم عالمي الدعوة وإن‬
‫كان عربي اللسان والجنس‪.‬‬
‫وإن السلم الحنيف عالمي التوجيه والسلطان وإن كانت لغة‬
‫تنزيله عربية ورسوله عربيا ً ‪ ،‬ورواده الوائل عرباً‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫(‪ )1‬رددنا على هذه الدعاءات في " السلم في مواجهة‬
‫الستشراق في العالم " مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫(‪ )2‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح (‪ )33‬الفقرات (‪.)2-1‬‬
‫(‪ )3‬سفر التكوين (‪.)21 - 21‬‬
‫(‪ )4‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح (‪ )18‬الفقرات (‪.)19 - 18‬‬
‫؟ أي‬ ‫ويكون المعنى عليه‪ :‬كيف أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم ‍‬
‫ل أفعل هذا‪.‬‬
‫(‪ )5‬الجمعة‪.2 :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.129 :‬‬
‫(‪ )7‬المزمور (‪ )45‬الفقرات (‪ )17 - 2‬مع الحذف اليسير‪ )8( .‬النبياء‪:‬‬
‫‪.107‬‬
‫(‪ )9‬مكان النقط هنا كلم لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لنه‬
‫مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف‬
‫الكلم عن معناه الظاهر!!‬
‫(‪ )10‬سفر أشعياء الصحاح (‪ )60‬الفقرات (‪ )12-4‬مع حذف يسير‪.‬‬
‫(‪ )11‬القصص‪.57 :‬‬
‫(‪ 3( )12‬ـ ‪ 3‬ـ ‪ )15‬مع الحذف‪.‬‬
‫(‪ )13‬الصحاح (‪ )3‬الفقرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )14‬الصحاح (‪ )4‬الفقرة (‪.)17‬‬
‫(‪ )15‬الصحاح (‪ )6‬الفقرة (‪9‬ـ ‪.)10‬‬
‫(‪ )16‬الصحـاح (‪ )11‬الفقـرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )17‬الصحاح (‪ )9‬الفقرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )18‬الصحاح (‪ )1‬الفقرة (‪ 14‬ـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )19‬هذا إيضاح وليس من النص‪.‬‬
‫(‪ )20‬الصحاح (‪ )14‬الفقرات (‪ 24‬ـ ‪.)26‬‬
‫(‪ )21‬الصحاح (‪ )16‬الفقرتان (‪ 7‬ـ ‪.)8‬‬
‫(‪ )22‬الصحاح (‪ )16‬الفقرة (‪.)13‬‬
‫(‪ )23‬مريم‪.34 :‬‬
‫(‪ )24‬الصحاح (‪ )15‬فقرتا (‪ 26‬ـ ‪.)27‬‬
‫(‪ )25‬انظر كتاب " إظهار الحق " ص ‪ 528‬للشيخ رحمت الله‬
‫الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا‪ .‬نشر دار التراث‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫(‪ )4‬قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم!‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم؟!!‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬

‫‪25‬‬
‫ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التي‬
‫يمكن أن تكون إغراءً له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك‪ ,‬وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها‪ ،‬وتُعلق على‬ ‫أي ً‬
‫أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة‪ ،‬وتعرف بيوت‬
‫البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه؛ فإن محمدًا صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يقع فيها أبدًا‪ ,‬بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪.‬‬
‫هذه واحدة‪ ,‬والثانية‪ :‬أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها‬
‫في القرآن الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية‬
‫هي أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث‬
‫يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها كما تقول‬
‫الية الكريمة‪( :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‬
‫ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم‬
‫الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (‪.)1‬‬
‫فإذا كان الزانيان محصنين أي كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة‬
‫إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫ول تقف العقوبة عند ذلك‪ ,‬بل نرى أن رسالة محمد صلى الله‬
‫ن يمارسون هذه الخطيئة في مرتبة دونية من‬ ‫م ْ‬
‫عليه وسلم تضع َ‬
‫البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء‬
‫فتقول الية الكريمة عنهم‪( :‬الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة‬
‫ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (‬ ‫والزانية ل ينكحها إل زا ٍ‬
‫‪.)2‬‬
‫من الذي يحمل المسئولية عن الخطيئة؟ فإذا كان محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة في المجتمع الذي كان‬
‫يراها عادية ومألوفة‪ ،‬ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم‬
‫تحرمها التحريم القاطع والصريح‪ ،‬وتضع مرتكبيها في مرتبة‬
‫النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬

‫‪26‬‬
‫م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟ وهل‬ ‫فل ِ َ‬
‫يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من‬
‫العيوب؟!! وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم؟!!‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها؟!‬
‫إن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها‪ ,‬ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح‬
‫آيات القرآن يقول‪( :‬ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت‬
‫وعليه ما اكتسبت)(‪ .)3‬ثم‪( :‬ول تكسب كل نفس إل عليها ول تزر‬
‫وازرة وزر أخرى)(‪ .)4‬وورد هذا النص في آيات كثيرة‪.‬‬
‫أما المر الثاني‪ :‬فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫بين الباء وأبنائهم وفي هذا يقول القرآن الكريم‪( :‬واتقوا يوما ً ل‬
‫تجزى نفس عن نفس شيئاً)(‪.)5‬‬
‫(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت)(‪.)6‬‬
‫(ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب)(‪.)7‬‬
‫(يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها)(‪.)8‬‬
‫(ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون)(‪.)9‬‬
‫(كل نفس بما كسبت رهينة)(‪.)10‬‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده‪ ،‬ول مولود هو جاز عن‬
‫والده شيئاً‪.‬‬
‫م يُلم محمد صلى الله عليه وسلم ويعاب‬ ‫وما دام المر كذلك فل ِ َ‬
‫شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا‬
‫الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئا ً أو‬
‫ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها؟!‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى‬
‫التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في المصرف‬
‫الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي الحلل‪ ،‬ودعا‬
‫المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيرا ً على الراغبين‬
‫في الحلل‪ ،‬حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوج الرجل‬
‫بأقل وأيسر ما يملك من المال‪ ،‬وأثر عنه صلى الله عليه وسلم‬
‫أن شابا ً جاءه يرغب إليه في الزواج وما كان معه ما يفي بالمراد‬
‫فقال له صلى الله عليه وسلم‪[ :‬التمس ولو خاتما ً من حديد](‪.)11‬‬

‫‪27‬‬
‫أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة‬
‫بما يحفظ من القرآن الكريم‪.‬‬
‫لهذا لم تقع خطايا الزنا في المجتمع في العهد النبوي كله إل في‬
‫ندرة نادرة‪ ،‬ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها‬
‫الحد الشرعي ليسترشد بها المجتمع في مستقبل اليام؛ كتشريع‬
‫تم تطبيقه في حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً في القضاء‬
‫والحكم‪.‬‬
‫هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة‪ ،‬وهو‬
‫كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى‬
‫أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أتينا عليه بما تستريح‬
‫إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية‪.‬‬
‫أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب‬
‫الجحيم‪ ،‬فهي شهادة لجلل التشريع الذي أنزله الحق ‪ -‬على‬
‫محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة‪.‬‬
‫بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من‬
‫أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيبًا في منطق العقلء ذوى النصفة‬
‫والرشد؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ولرسالته الكاملة والخاتمة في أن التشريع الذي نزلت به سوَّى‬
‫بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم‬
‫غرباء عنه في جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة‪.‬‬
‫بل إن التشريع الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص‬
‫صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى‬
‫فقال القرآن‪( :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا‬
‫للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم‬
‫أصحاب الجحيم)(‪ .)12‬وقوله‪( :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا‬
‫قربى)(‪.)13‬‬
‫أما في السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بني مخزوم‬
‫ذوى الشرف والمكانة ـ التي ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة‬
‫عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات‬
‫د‬
‫القرآن‪ ،‬وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الح ّ‬
‫فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع لها لدى‬ ‫زيد – ح ِّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪[ :‬أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق‬
‫فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‪،‬‬
‫وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها](‪.)14‬‬

‫‪28‬‬
‫وعليه فكون بعض آل محمد وذوي قرباه من أصحاب الجحيم‬
‫كأبي لهب عمه الذي نزلت فيه سورة المسد‪( :‬تبت يدا أبى لهب‬
‫وتب)(‪ )15‬وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع بقائه على شركه‪..‬‬
‫كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم‬
‫تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو في الواقع‬
‫شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التي سوَّت في العدل بين‬
‫القريب وبين الغريب‪ ،‬ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير في‬
‫النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب‪ .‬وما قاله‬
‫المبطلون هو في الحق وسام وليس باتهام‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على النبي العظيم‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النور‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬النور‪.3 :‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.286 :‬‬
‫(‪ )4‬النعام‪.164 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة ‪.48‬‬
‫(‪ )6‬يونس‪.30 :‬‬
‫(‪ )7‬إبراهيم‪.51 :‬‬
‫(‪ )8‬النحل‪.111 :‬‬
‫(‪ )9‬الجاثية‪.22 :‬‬
‫(‪ )10‬المدثر‪.38 :‬‬
‫(‪ )11‬رواة البخاري [كتاب النكاح]‪.‬‬
‫(‪ )12‬التوبة‪.113 :‬‬
‫(‪ )13‬النعام‪.152 :‬‬
‫(‪ )14‬رواة البخاري [كتاب أحاديث النبياء]‪.‬‬
‫(‪ )15‬المسد‪.1 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫(‪ )5‬مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد‬
‫والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب‪ ،‬وبما ل‬
‫يعيب‪ ،‬واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة‪ ،‬حتى إنك لترى من‬
‫يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان‪ ,‬أو أنه أبيض اللون طويل‬
‫القامة‪ ،‬أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها‪ ،‬أو أن فلنا ً من الناس‬
‫قد ضربه وأسال دمه؛ فهذا كأن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلً؛‬
‫سا وعجًزا‪.‬‬ ‫وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه ويرونه إفل ً‬

‫‪29‬‬
‫إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود‬
‫شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وينقلون عن تفسير البيضاوي‪ :‬أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس‬
‫سألت زينب بنت الحارس ‪ -‬وهى امرأة سلم بن مشكم‬
‫(اليهودي) ‪ -‬عن أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم؟ فقيل لها‪ :‬إنه يحب الذراع لنه أبعدها عن الذى‪ ,‬فعمدت‬
‫م ل يلبث أن يقتل‬ ‫إلى عنزة لها فذبحتها‪ ,‬ثم عمدت إلى س ّ‬
‫مت به الشاة‪ ،‬وذهبت بها جارية لها إلى الرسول‬ ‫لساعته فس َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وقالت له‪ :‬يا محمد هذه هدية أهديها إليك‪.‬‬
‫وتناول محمد الذراع فنهش منها‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة؛ ثم‬
‫سار إلى اليهودية فسألها‪ :‬لم فعلت ذلك؟ قالت‪ :‬نلت من قومي‬
‫ما نلت‪ ...‬وكان ذلك بعد فتح "خيبر" أحد أكبر حصون اليهود في‬
‫المدينة‪ ,‬وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها‪.‬‬
‫ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم لما‬
‫اقترب موته قال لعائشة ـ رضي الله عنهاـ‪" :‬يا عائشة هذا أوان‬
‫انقطاع أبهري(‪.)1‬‬
‫فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك‬
‫سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين‪ ،‬أنه لم يسلط عليه من‬ ‫ال ُّ‬
‫ضا كتب له النجاة من كيد‬ ‫يقتله مباشرة‪ ,‬وعصمه من الناس‪ ,‬وأي ً‬
‫الكائدين‪ ,‬وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم‪,‬‬
‫وما أعظم أجر الشهيد‪.‬‬
‫ضا‪ ..‬ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة‬ ‫وأي ً‬
‫ما من‬ ‫وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته‪ ،‬وع َل َ ً‬
‫أعلم نبوته يبرهن على صدقه‪ ،‬وعلى أنه رسول من عند الله حقًا‬
‫ويقينًا‪.‬‬
‫جله له‬
‫وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أ ّ‬
‫رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد‬
‫ذلك بسنوات‪.‬‬
‫‪000000000000000000000000‬‬
‫بالقلب‪ ,‬وإذا قطعا كانت الوفا‬ ‫(‪ )1‬البهران‪ :‬عرقان متصلن‬
‫‪---------------------------‬‬
‫(‪ )6‬تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫قالوا إنه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫تزوج زوجة ابنه بالتبني (زيد بن حارثة)‪.‬‬ ‫•‬

‫‪30‬‬
‫أباح لنفسه الزواج من أي امرأة تهبه نفسها (الخلصة‬ ‫•‬
‫أنه شهواني)‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج‬
‫إل بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر‪.‬‬
‫والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع‬
‫ع ّزاً‬‫الجاهلي رغبة في الستكثار من البنين خاصة ليكونوا للقبيلة ِ‬
‫ومنعة بين القبائل‪.‬‬
‫ومن الثابت كذلك في سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم‬
‫اشتهاره بالستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن‬
‫الحرام للشهوة‪ ،‬رغم امتلء المجتمع الجاهلي بشرائح من‬
‫الزانيات اللتي كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن‬
‫عليها " رايات " ليعرفها طلب المتع المحرمة‪.‬‬
‫ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب النحراف والسقوط في الفاحشة‬
‫في مجتمع مكة ـ لم يُعَرف عن الرسول محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم إل التعفف والطهارة بين جميع قرنائه؛ ذلك لن عين‬
‫السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان‪.‬‬
‫ويُْروَى في ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد‬
‫شاه الله بالنوم فما أفاق منه إل حين‬ ‫مواقع المعازف واللهو فغ َّ‬
‫أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم‪.‬‬
‫هذه واحدة‪..‬‬
‫أما الثانية فهي أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب في‬
‫الزواج لم يبحث عن "البكر" التي تكون أحظى للقبول وأولى‬
‫للباحثين عن مجرد المتعة‪ .‬وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالي‬
‫ما‪ ،‬ثم إنها ليست بكًرا بل هي ثيب‪ ،‬ولها أولد‬ ‫خمسة عشر عا ً‬
‫كبار أعمار أحدهم يقترب من العشرين؛ وهي السيدة خديجة‬
‫وفوق هذا كله فمشهور أنها هي التي اختارته بعد ما لمست‬
‫بنفسها ـ من خلل مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب‬
‫شمائله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته‬
‫بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب‬
‫الله‪ .‬وقضى معها ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬زهرة شبابه وكان له منها‬
‫أولده جميعًا إل إبراهيم الذي كانت أمه السيدة "مارية" القبطية‪.‬‬
‫والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها ‪ -‬رضي‬
‫الله عنها ‪ -‬محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهي‬
‫مآثر لها خصوص في حياته وفي نجاح دعوته فيقول في بعض ما‬
‫قال عنها‪ [ :‬صدقتني إذ كذبني الناس وأعانتني بمالها ]‪ .‬بل كان‬

‫‪31‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها‬
‫والترحيب بمن كن من صديقاتها‪ ،‬حتى أثار ذلك غيرة السيدة‬
‫عائشة ‪ -‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من‬
‫النبياء له أسبابه منها‪:‬‬
‫مُر محمد صلى الله عليه وسلم في أول زواج له‬ ‫أولً‪ :‬كان ع ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهي‬
‫ن التي تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا‪،‬‬ ‫الس ّ‬
‫وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى النثى وتعلو فيها الحاجة إلى من‬
‫يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الولد والبنات اللتي تركتهم خديجة ‪-‬‬
‫رضي الله عنها ‪.-‬‬
‫وفيما يلي بيان هذا الزواج وظروفه‪.‬‬
‫الزوجة الولى‪ :‬سودة بنت زمعة‪ :‬كان رحيل السيدة خديجة ‪-‬‬
‫رضي الله عنها ‪ -‬مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وفي محيط الصحابة ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬إشفاقًا عليه‬
‫من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولده‪ .‬ثم تصادف‬
‫فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره‬
‫ى العام الذي رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام‬ ‫م َ‬‫س ِّ‬
‫و ُ‬
‫الحزن‪.‬‬
‫في هذا المناخ‪ ..‬مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون‬
‫الرسول وشئون أولده سعت إلى بيت الرسول واحدة من‬
‫المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت‪ :‬له يا رسول‬
‫الله كأني أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ [ :‬أجل كانت أم العيال وربة البيت]‪ ،‬فقالت يا رسول‬
‫الله‪ :‬أل أخطب عليك ؟‪.‬‬
‫فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬ولكن – من بعد خديجة ؟!‬
‫فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول‪ :‬لكنها ما تزال‬
‫صغيره فقالت‪ :‬تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج‪ ..‬قال الرسول‬
‫ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟ فقالت خولة‪ :‬إنها‬
‫سودة بنت زمعة‪ ،‬وعرض المر على سودة ووالدها‪ :‬فتم الزواج‬
‫ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة‪.‬‬
‫وهنا تجدر الشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن‬
‫عمرو وتوفي عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد خديجة‪ ،‬وكان ذلك في رمضان سنة عشر من النبوة‪.‬‬
‫وعجب المجتمع المكي لهذا الزواج لن "سودة" هذه ليست‬
‫بذات جمال ول حسب ول تصلح أن تكون خلفًا لم المؤمنين‬

‫‪32‬‬
‫خديجة التي كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها‬
‫جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها النظار‪.‬‬
‫وهنا أقول للمرجفين الحاقدين‪ :‬هذه هي الزوجة الولى للرسول‬
‫بعد خديجة‪ ،‬فهي مؤمنة هاجرت الهجرة الولى مع من فّروا‬
‫ل الرسول زواجها حماية لها وجبًرا‬ ‫بدينهم إلى الحبشة وقد قَب ِ َ‬
‫لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة‪.‬‬
‫وليس الزواج بها سعاَر شهوة للرسول ولكنه كان جبًرا لخاطر‬
‫امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الولى إلى‬
‫الحبشة ولما عادا توفي زوجها وتركها امرأة تحتاج هي وبنوها‬
‫إلى من يرعاهم‪.‬‬
‫الزوجة الثانية بعد خديجة‪ :‬عائشة بنت أبى بكر الذي يقول عنه‬
‫ى في‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن من آمن الناس عل ّ‬
‫ماله وصحبته أبا بكر‪ ،‬ولو كنت متخذ ًا خليل ً لتخذت أبا بكر خليلً‪،‬‬
‫ولكن أخوة السلم‪."..‬‬
‫ومعروف من هو أبو بكر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه‬
‫ل قط ما نفعني‬ ‫وسلم متحدثا ً عن عطائه للدعوة " ما نفعني ما ٌ‬
‫مال أبى بكر "‪ ،‬وأم عائشة هي أم رومان بنت عامر الكناني من‬
‫الصحابيات الجليلت‪ ،‬ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى قبرها واستغفر لها وقال‪" :‬اللهم لم يخف عليك ما‬
‫لقيت أم رومان فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم"‪ ،‬وقال‬
‫عنها يوم وفاتها‪:‬‬
‫"من سّره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم‬
‫رومان" ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين؛ بل‬
‫استقبلته كما تستقبل أمًرا متوقعاً؛ ولذا لم يجد أي رجل من‬
‫المشركين في هذا الزواج أي مطعن ‪ -‬وهم الذين لم يتركوا‬
‫مجال ً للطعن إل سلكوه ولو كان زوًرا وافتراء‪.‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ليس بدعا ول غريبًا لن هذا‬ ‫بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عا ً‬
‫المر كان مألوفًا في ذلك المجتمع‪ .‬لكن المستشرقين ومن‬
‫تحمل قلوبهم الحقد من بعض أهل الكتاب ‪ -‬على محمد صلى‬
‫ما للرسول وتشهيًرا‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬جعلوا من هذا الزواج اتها ً‬
‫به بأنه رجل شهواني غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقعًا‬
‫في ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما في هذه‬
‫النماذج‪:‬‬
‫‪ -‬فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫هالة بنت عم آمنة التي تزوجها أصغر أبنائه عبد الله ـ والد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر‬ ‫‪-‬‬
‫سنًّا من أبيها‪.‬‬
‫‪ -‬وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة "‬
‫وبينهما من فارق السن مثل الذي بين المصطفي صلى الله عليه‬
‫وسلم وبين " عائشة " (‪.)1‬‬
‫كان هذا واقع المجتمع الذي تزوج فيه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بعائشة‪ .‬لكن المستشرقين والممتلئة قلوبهم حقدًا من‬
‫بعض أهل الكتاب لم تَر أعينهم إل زواج محمد بعائشة والتي‬
‫جعلوها حدث الحداث ‪ -‬على حد مقولتهم ‪ -‬أن يتزوج الرجل‬
‫الكهل بالطفلة الغريرة العذراء (‪.)2‬‬
‫قاتل الله الهوى حين يعمى البصار والبصائر!‬
‫الزوجة الثالثة‪ :‬حفصة بنت عمر الرملة الشابة‪ :‬توفي عنها زوجها‬
‫حنيس بن حذافة السهمي وهو صحابي جليل من أصحاب‬
‫الهجرتين ‪ -‬إلى الحبشة ثم إلى المدينة ‪ -‬ذلك بعد جراحة أصابته‬
‫في غزوة أُحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة بنت عمر بن‬
‫الخطاب أرملة وهي شابة‪.‬‬
‫ملها مثار ألم دائم لبيها عمر بن الخطاب الذي كان‬ ‫وكان تر ّ‬
‫ما بعد يوم‪..‬‬
‫يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يو ً‬
‫وبمشاعر البوة الحانية وطبيعة المجتمع الذي ل يتردد فيه الرجل‬
‫من أن يخطب لبنته من يراه أهل ً لها‪..‬‬
‫بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه‬
‫الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت ول يرد باليجاب أو‬
‫بالسلب‪.‬‬
‫فيتركه عمر ويمضى إلى ذي النورين عثمان بن عفان فيعرض‬
‫عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض‪..‬‬
‫فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يخبره بما حدث فيكون رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه‬
‫ة خيٌر من عثمان ويتزوج عثمان خيًرا من‬ ‫هو قوله‪[ :‬يتزوج حفص َ‬
‫حفصة] (‪.)3‬‬
‫وأدركها عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بفطرته إذ معنى قول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو أن من سيتزوج‬
‫ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا ل تكاد تسعه من الفرحة وارتياح‬
‫القلب إلى أن الله قد فّرج كرب ابنته‪.‬‬
‫الزوجة الرابعة‪ :‬أم سلمة بنت زاد الراكب‪ :‬من المهاجرين‬
‫الولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد الله ابن عبد‬

‫‪34‬‬
‫السد المخزومي أول من هاجر إلى يثرب (المدينة) من أصحاب‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬جاءت إلى بيت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت خزيمة‬
‫الهللية " بزمن غير قصير‪.‬‬
‫سليلة بيت كريم‪ ،‬فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد‬
‫الراكب؛ إذ كان ل يرافقه أحد في سفر إل كفاه زاده‪.‬‬
‫وزوجها الذي مات عنها صحابي من بني مخزوم ابن عمة‬
‫المصطفي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ذو‬
‫الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة‪ .‬وكانت هي و زوجها من‬
‫السابقين إلى السلم‪ .‬وكانت هجرتهما إلى المدينة م ًعا وقد‬
‫حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير‪ .‬رضي‬
‫الله عن أم سلمة‪..‬‬
‫ول نامت أعين المرجفين‪.‬‬
‫الزوجة الخامسة‪ :‬زينب بنت جحش‪ :‬لم أَر امرأة قط خيًرا في‬
‫الدين من زينب‪ ،‬وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم‬
‫صدقة وأشد تبديل إل لنفسها في العمل الذي تتصدق وتتقرب به‬
‫إلى الله عز وجل؟(‪.)4‬‬
‫هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي الله عنها– عن " ضّرتها‬
‫" زينب بنت جحش‪ .‬أما المبطلون الحاقدون من بعض أهل‬
‫جب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫الكتاب فقالوا‪ :‬أع ْ ِ‬
‫بزوجة متبناه " زيد بن حارثة " فطلقها منه وتزوجها‪.‬‬
‫ويرد الدكتور هيكل في كتابه "حياة محمد"(‪ )5‬صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذا فيقول‪ :‬إنها شهوة التبشير المكشوف تارة‬
‫والتبشير باسم العلم تارة أخرى‪ ،‬والخصومة القديمة للسلم‬
‫تأصلت في النفوس منذ الحروب الصليبية هي التي تملى على‬
‫هؤلء جميعًا ما يكتبون‪.‬‬
‫والحق الذي كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على‬
‫السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬هو أن زواج محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني زيد بن حارثة إنما كان‬
‫لحكمة تشريعية أرادها السلم لبطال هذه العادة ـ عادة التبني ـ‬
‫التي هي في الحقيقة تزييف لحقائق المور كان لها في واقع‬
‫الناس والحياة آثار غير حميدة‪.‬‬
‫ولن هذه العادة كانت قد تأصلت في مجتمع الجاهلية اختارت‬
‫السماء بيت النبوة بل نبي الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه‬
‫وسلم ليتم على يديه وفي بيته العلن العلمي عن إبطال هذه‬
‫العادة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى مجموعة اليات القرآنية التي جاءت إعلناً‬
‫عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيًرا للتشريع‬
‫الجديد في هذه ـ المسألة و في موضوع الزواج بزينب حيث‬
‫تقول‪( :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم‬
‫النبيين)(‪.)6‬‬
‫(ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم‬
‫فإخوانكم في الدين ومواليكم )(‪.)7‬‬
‫(وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك‬
‫واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله‬
‫أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطًرا زوجناكها لكيل يكون‬
‫على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطًرا‬
‫وكان أمر الله مفعولً)(‪.)8‬‬
‫مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمًرا‬
‫من قدر الله وإرادته لبطال عادة التبني من خلل تشريع يتردد‬
‫صداه بأقوى قوة في المجتمع الجاهلي الذي كانت عادة التبني‬
‫أصل ً من أصوله وتقليدًا مستقًرا فيه‪ ،‬فكان السبيل لبطالها أن‬
‫يتم التغيير في بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا المر‬
‫فكانت تباهي به ضراتها وتقول لهن‪ ":‬زوجكن أهاليكن وزوجني‬
‫ماوات"(‪.)9‬‬‫ربي من فوق سبع س َ‬
‫أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معربًا عن‬
‫رغبته في تطليق زينب؛ فلم يكن ‪ -‬كما زعم المرجفون ‪ -‬أنه‬
‫شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له‪..‬‬
‫ولكن لن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب فيه؛‬
‫ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أبدًا ـ وهي الحسيبة الشريفة‬
‫جا لرجل كان رقيقًا عند بعض أهلها‬ ‫ضا أنها أصبحت زو ً‬‫والجميلة أي ً‬
‫ى للرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫وأنه ـ عند الزواج بها ـ كان مول ً‬
‫أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش وباعه بمكة‪.‬‬
‫فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد في عرف‬
‫المجتمع المكي كله‪ ،‬لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة‬
‫والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالمس ‪ -‬السير الرقيق الذي ل‬
‫حلم من تكون في مثل حالها من الحسب والجمال وليس‬ ‫يمثل ُ‬
‫هذا بغريب بل إنه من طبائع الشياء‪.‬‬
‫ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج‪ ،‬وانعكس الحال على زيد‬
‫بن حارثة فانطفأ في نفسه توهج السعادة هو الخر‪ ،‬وبات مهيأ‬

‫‪36‬‬
‫النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يشكو زينب إليه كما جاء في البخاري من حديث أنس‬
‫قال‪ :‬جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول له‪[ :‬أمسك عليك زوجك واتق الله](‪ )10‬قال أنس‪ :‬لو كان‬
‫ما شيئًا لكتم هذا الحديث‪.‬‬
‫النبي كات ً‬
‫لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الية‪:‬‬
‫أمسك عليك زوجك ول تسارع بتطليقها‪.‬‬
‫وزينب بنت جحش هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫كما سبقت الشارة – وهو الذي زوجها لموله "زيد" ولو كانت به‬
‫رغبة فيها لختارها لنفسه؛ وخاصة أنه رآها كثيرا ً قبل فرض‬
‫الحجاب‪ ،‬وكان النساء في المجتمع الجاهلي غير محجبات فما‬
‫كان يمنعه – إذ ًا – من أن يتزوجها من البداية؟! ولكنه لم يفعل‪.‬‬
‫فالمر كله ليس من عمل الرادة البشرية لهم جميعًا‪ :‬ل لزينب‬
‫ول لزيد ول لمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولكنه أمر قدري‬
‫شاءته إرادة الله لعلن حكم وتشريع جديدين في قضية إبطال‬
‫عادة "التبني" التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك‪.‬‬
‫يؤكد هذا ويدل عليه مجموع اليات الكريمة التي تعلقت‬
‫بالموضوع في سورة الحزاب‪.‬‬
‫أما الجملة التي وردت في قوله تعالى‪( :‬وتخفي في نفسك ما‬
‫الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)(‪ .)11‬فإن ما‬
‫أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره‬
‫جا له؛ لكنه لم يصرح به‬ ‫ما ما ـ ستكون زو ً‬‫به من أن زينب ـ يو ً‬
‫خشية أن يقول الناس‪ :‬إنه تزوج زوجة ابنه بالتبني(‪.)12‬‬
‫الزوجة السادسة‪ :‬جويرية بنت الحارث الخزاعية‪ :‬الميرة‬
‫الحسناء التي لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها فقد‬
‫أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة بيت‬
‫من بني المصطلق (التي هي منهم)‪.‬‬
‫كانت ممن وقع في السر بعد هزيمة بني المصطلق من اليهود‬
‫في الغزوة المسماة باسمهم‪ .‬وكاتبها من وقعت في أسره على‬
‫مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها‪" :‬أو‬
‫خير من ذلك؟ قالت‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬أقضى عنك كتابتك وأتزوجك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وقد أفاقت من مشاعر الهوان والحزن‪ :‬نعم يا رسول‬
‫الله‪ .‬قال‪ :‬قد فعلت"(‪.)13‬‬
‫وذاع الخبر بين المسلمين‪ :‬أن رسول صلى الله عليه وسلم قد‬
‫تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بني المصطلق وقائدهم في‬
‫هذه الغزوة‪..‬‬

‫‪37‬‬
‫معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بني المصطلق قد‬
‫أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم تجسد في إطلق المسلمين لكل من بأيديهم من‬
‫أسرى بني المصطلق وهم يقولون‪ :‬أصهار رسول الله‪ ،‬فل نبقيهم‬
‫أسرى‪.‬‬
‫ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السيرة بنت‬
‫سيد قومها والذي جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن أن تتعرض له‬
‫من الذل من بعد عزة‪ ..‬فإذا هو يرحمها بالزواج‪ ،‬ثم يتيح لها‬
‫الفرصة لن تعلن إسلمها وبذا تصبح واحدة من أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إنه نظر إليها‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أما أنه نظر إليها فهذا ل يعيبه ـ وربما كان نظره إليها‬
‫ضارعة مذعورة – هو الذي حرك في نفسه صلى الله عليه وسلم‬
‫عاطفة الرحمة التي كان يأمر بها بمن في مثل حالتها ويقول‪:‬‬
‫[ارحموا عزيز قوم ذل]‪ ،‬فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها من‬
‫هوان السر ومذلة العزة من الناس‪.‬‬
‫على أن النظر شرع ًا مأذون به عند القدام على الزواج ‪ -‬كما‬
‫في هذه الحالة ‪ -‬وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه‬
‫عند رغبته في الزواج ‪ -‬قائل ً له‪[ :‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم‬
‫بينكما](‪.)14‬‬
‫وقد توفيت في دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان‬
‫وهي في السبعين من العمر ‪ -‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫ى ـ عقيلة بنى النضير‪ :‬إحدى‬ ‫حي ّ‬
‫الزوجة السابعة‪ :‬صفية بنت ُ‬
‫السبايا اللتي وقعن في السر بعد هزيمة يهود بني النضير أمام‬
‫المسلمين في الوقعة المسماة بهذا السم‪ ،‬كانت من نصيب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها‪ :‬فماذا في ذلك؟!‬
‫ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بدع ًا في ذلك؛ وإنما كان موقفًا‬
‫جانب النسانية فيه هو الغلب والسبق‪.‬‬
‫فلم يكن هذا الموقف إعجابًا بصفية وجمالها؛ ولكنه موقف‬
‫النسانية النبيلة التي يعبر عنها السلوك النبيل بالعفو عند‬
‫المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة في‬
‫الحرب في حالة الستضعاف والمذلة‪ ,‬ل سيما وقد أسلمن‬
‫وحسن إسلمهن‪.‬‬
‫ى" بنت الحارس عقيلة بني‬ ‫حي ّ‬
‫فقد فعل ذلك مع "صفية بنت ُ‬
‫النضير (اليهود) أمام المسلمين في الموقعة المعروفة باسم‬

‫‪38‬‬
‫(غزوة بني قريظة) بعد انهزام الحزاب وردّهم مدحورين من‬
‫وقعة الخندق‪.‬‬
‫الزوجة الثامنة‪ :‬أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة في‬
‫محنة‪ :‬إنها أم حبيبة "رملة" بنت أبى سفيان كبير مشركي مكة‬
‫وأشد أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫جا لعبيد الله بن جحش وخرجا معًا مهاجرين بإسلمهما‬ ‫كانت زو ً‬
‫في الهجرة الولى إلى الحبشة‪ ،‬وكما هو معروف أن الحبشة في‬
‫عهد النجاشي كانت هي المهجر المن للفارين بدينهم من‬
‫المسلمين حتى يخلصوا من بطش المشركين بهم وعدوانهم‬
‫عليهم؛ فإذا هم يجدون في – ظل النجاشي – رعاية وعناية لما‬
‫كان يتمتع به من حس إيماني جعله يرحب بأتباع النبي الجديد‬
‫الذي تم التبشير بمقدمه في كتبهم على لسان عيسى بن مريم–‬
‫عليه السلم – كما تحدث القرآن عن ذلك في صورة الصف في‬
‫قوله‪( :‬وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله‬
‫إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشًرا برسول يأتي من‬
‫بعدى اسمه أحمد)(‪.)15‬‬
‫لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التي تعرضت لمحنة‬
‫قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلء المهاجرين الوائل إلى‬
‫الحبشة؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن‬
‫السلم ودخوله في النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت‬
‫في محنة مضاعفة‪ :‬محنتها في زوجها الذي ارتد وخان‪..‬‬
‫ومحنتها السابقة مع أبيها الذي فارقته مغاضبة إياه في مكة منذ‬
‫دخلت في دين الله (السلم)‪..‬‬
‫وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الغتراب حيث ل أهل ول وطن‬
‫ثم كانت محنة حملها بالوليدة التي كانت تنتظرها والتي رزقت‬
‫بها من بعد وأسمتها "حبيبة"‪ ..‬كان هذا كله أكبر من عزم هذه‬
‫المسلمة الممتحنة من كل ناحية والمبتلة بالب الغاضب والزوج‬
‫الخائن!!‬
‫لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها‬
‫سر العين ويهون الخطب‪ ،‬وعادت‬ ‫من لطف الرعاية وسخائها ما ي ّ‬
‫بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة‪ ،‬وبدل أن كانت " أم حبيبة "‬
‫أصبحت " أم المؤمنين " وزوج سيد المسلمين ‪ -‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫والحق أقول‪ :‬لقد كان نجاشي الحبشة من خلّص النصارى فأكرم‬
‫وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت أبى سفيان بصفة‬
‫خاصة‪ .‬فأنفذ في أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يخطبها له‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لم حبيبة بنت أبى‬
‫سفيان نعم النقاذ والنجدة لهذه المسلمة المبتلة في الغربة؛‬
‫عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه‬
‫وسلم؛ وعوضتها عن غضب الب "أبى سفيان" برعاية الزوج‬
‫الحاني الكريم صلوات الله عليه‪.‬‬
‫كما كانت هذه الخطبة في مردودها السياسي ـ لطمة كبيرة‬
‫لرأس الكفر في مكة أبى سفيان بن حرب الذي كان تعقيبه على‬
‫زواج محمد لبنته هو قوله‪" :‬إن هذا الفحل ل يجدع أنفه"؛ كناية‬
‫عن العتراف بأن محمدًا لن تنال منه اليام ولن يقوى أهل مكة ‪-‬‬
‫وهو على رأسهم ‪ -‬على هزيمته والخلص منه لنه ينتقل كل يوم‬
‫من نصر إلى نصر‪.‬‬
‫كان هذا العتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه‬
‫استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون‪ :‬تنبؤ بالمستقبل‬
‫القريب وتمام الفتح‪.‬‬
‫فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫إياه إلى السلم وشهد أل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله‪.‬‬
‫وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله‬
‫قائلً‪ " :‬إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهل جعلت له ما يحل‬
‫عقدته ويسكن حقده وغيظه‪ ،‬فقال صلوات الله وسلمه عليه في‬
‫ضمن إعلنه التاريخي الحضاري العظيم لهل مكة عند‬
‫استسلمهم وخضوعهم بين يديه‪:‬‬
‫من دخل داره فهو آمن‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "(‪.)16‬‬ ‫•‬
‫وانتصر السلم وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس في دين الله‬
‫جا‪ .‬وفي مناخ النصر العظيم‪ ..‬كانت هي سيدة غمرتها‬ ‫أفوا ً‬
‫السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الب والهل من شر كان‬
‫يوشك أن يحيط بهم‪.‬‬
‫تلكم هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التي أحاطتها‬
‫النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلء الغربة ووضعتها في أعز‬
‫مكان من بيت النبوة‪.‬‬
‫الزوجة التاسعة‪ :‬ميمونة بنت الحارث الهللية أرملة يسعدها أن‬
‫يكون لها رجل‪ :‬آخر أمهات المؤمنين‪ ..‬توفي عنها زوجها أبو رهم‬
‫بن عبد العّزى العامري؛ فانتهت ولية أمرها إلى زوج أختها‬
‫العباس الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث بنى‬
‫بها الرسول ـ في " سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من‬

‫‪40‬‬
‫مكة حيث يكون بدء الحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين‬
‫بها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها‬
‫وقالت‪ :‬البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها هي التي وهبت نفسها للنبي والتي نزل فيها قوله‬
‫تعالى‪( :‬وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن‬
‫يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‪.)17()..‬‬
‫كانت آخر أمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫(‪ )1‬تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ‪ :‬ص ‪250‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ ص ‪)4( 324‬‬
‫صحيح مسلم كتاب الفضائل‪.‬‬
‫(‪ )5‬حياة محمد ص ‪.29‬‬
‫(‪ )6‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )7‬الحزاب‪.5 :‬‬
‫(‪ )8‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري (كتال التوحيد ‪.)6108‬‬
‫(‪ )10‬رواه البخاري (كتاب التوحيد)‪.‬‬
‫(‪ )11‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )12‬انظر فتح الباري ‪ 371 / 8‬عن سيدات بيت النبوة لبنت‬
‫الشاطئ ص ‪.354‬‬
‫(‪ )13‬رواه البخاري‪ :‬فتح الباري _ كتال النكاح باب ‪.14‬‬
‫(‪ )14‬رواه البخاري‪ :‬فتح الباري ـ كتاب النكاح باب ‪.36‬‬
‫(‪ )15‬الصف‪.6 :‬‬
‫(‪ )16‬رواه البخاري – فتح الباري – " كتاب المغازي "‪.‬‬
‫(‪ )17‬الحزاب‪.50 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫(‪ )7‬محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم النتحار‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق الذي يجب أن يقال‪ ..‬أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا‬
‫خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري‬
‫ـ رضي الله عنه ـ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة‪ ،‬ولكن‬
‫أوردها تحت عنوان "البلغات" يعني أنه بلغه هذا الخبر مجرد‬

‫‪41‬‬
‫بلغ‪ ،‬ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث‪ :‬إنما هي‬
‫مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن(‪.)1‬‬
‫وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري(‪ )2‬بقوله‪:‬‬
‫"إن القائل بلغنا كذا هو الزهري‪ ،‬وعنه حكى البخاري هذا البلغ‪،‬‬
‫وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقال الكرماني‪ :‬وهذا هو الظاهر"‪.‬‬
‫هذا هو الصواب‪ ،‬وحاشا أن يُقدم رسول الله ـ وهو إمام‬
‫المؤمنين ـ على النتحار‪ ،‬أو حتى على مجرد التفكير فيه‪.‬‬
‫ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ً‬
‫ولم يكن ملكا ول مدعيًا لللوهية‪.‬‬
‫والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم‬
‫يعتني بها‪ ،‬وقد قال القرآن الكريم في ذلك‪( :‬قل سبحان ربى هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسولً)(‪.)3‬‬
‫ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه‬
‫‪ -‬في علوم عصرنا ‪ -‬بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار‬
‫عليه؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫خر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه‬ ‫وحين فتر (تأ ّ‬
‫وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه‬
‫ب للمكان الذي جمع بينه وبين‬ ‫يستشرف لقاء جبريل‪ ،‬فهو مح ّ‬
‫حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة‪ ،‬فماذا في ذلك أيها‬
‫الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما‬
‫يدع؟ وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى‬
‫الية الكريمة‪( :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا‬
‫الحديث أسفاً) (‪.)4‬‬
‫فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار‪ ،‬ولكنها تعبير أدبي عن حزن‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن‬
‫السلم‪ ،‬وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم؛ فتصور كيف‬
‫كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس‬
‫إلى الله‪ ،‬وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى‬
‫النور‪.‬‬
‫وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على‬
‫لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله‬
‫‪ -‬ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين‪( :-‬وقالوا لن نؤمن لك‬
‫حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل‬
‫وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا ً أو تأتى بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك‬
‫بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل‬

‫‪42‬‬
‫علينا كتابا نقرؤه)‪ .‬فكان رده‪( :‬سبحان ربى) متعجبا ً مما طلبوه‬
‫ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم‪( :‬هل كنت إل بشراً‬
‫رسولً)(‪.)5‬‬
‫أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة‬
‫فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً‪.‬‬
‫حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما جاءت الرسل بالمعجزات‬
‫من عند ربها؛ منها نبع الماء من بين أصابعه‪ ،‬ومنها سماع حنين‬
‫الجذع أمام الناس يوم الجمعة‪ ،‬ومنها تكثير الطعام حتى يكفي‬
‫الجم الغفير‪ ،‬وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن‬
‫ظ‪ ،‬ووعد ببيانه؛ لذا يظهر بيانه‬ ‫حفِ َ‬
‫الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ‬
‫في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر صحيح البخاري ج ‪ 9‬ص ‪ ،38‬طبعة التعاون‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري ج ‪ 12‬ص ‪.376‬‬
‫(‪ )3‬السراء‪.93 :‬‬
‫(‪ )4‬الشعراء‪.3 :‬‬
‫(‪ )5‬السراء‪.93 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫(‪ )8‬ولدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عادية‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫لن ولدة السيد المسيح ـ عليه السلم ـ تمت على هبة من الله‬
‫تبارك وتعالى للسيدة العذراء مريم ـ عليها السلم ـ وليس من‬
‫خلل الزواج بينها وبين رجل‪ .‬فبعض أهل الكتاب (النصارى منهم‬
‫خاصة) يتصورون أن كل نبي ل بد أن يولد بمثل هذه الطريقة‪.‬‬
‫وإذا كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم مثل غيره من‬
‫مليين خلق الله فإن هذا عندهم مما يعيبونه به صلى الله عليه‬
‫وسلم ويطعنون في صحة نبوته‪.‬‬
‫فلم يدركوا أن بشرية محمد صلى الله عليه وسلم هي‬ ‫‪-1‬‬
‫واحدة من القسمات التي شاركه فيها كل رسل الله تعالى منذ‬
‫نوح وإبراهيم وغيرهما من بقية رسل الله إلى موسى ـ عليه‬
‫السلم ـ الذين ولدوا جميعا ً من الزواج بين رجل وامرأة‪ .‬ولم‬
‫يولد من غير الزواج بين امرأة ورجل إل عيسى ـ عليه السلم ـ‬
‫وكان هذا خصوصية له لم تحدث مع أي نبي قبله‪ ،‬ولم تحدث‬
‫كذلك مع محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم إعلنا ً لكونه بشراً‬ ‫‪-2‬‬
‫من البشر يولد كما يولد البشر ويجرى عليه من الحوال في أكله‬

‫‪43‬‬
‫وشربه‪ ،‬وفي نومه وصحوه‪ ،‬وفي رضاه وغضبه وغير ذلك مما‬
‫يجرى على البشر كالزواج والصحة والمرض والموت أيضاً‪.‬‬
‫كان محمد صلى الله عليه وسلم يعتز بهذه البشرية ويراها‬ ‫‪-3‬‬
‫سبيله إلى فهم الطبيعة البشرية وإدراك خصائصها وصفاتها‬
‫فيتعامل معها بما يناسبـها‪ ،‬وقد اعتبر القرآن ذلك ميزة له في‬
‫قوله تعالى‪( :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‬
‫حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)(‪.)1‬‬
‫كما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم اعتزازه بهذه‬ ‫‪-4‬‬
‫جر‬ ‫البشرية وعجزها حين أعلن قومه أنهم لن يؤمنوا به إل إذا ف ّ‬
‫لهم ينابيع الماء من الرض‪ ،‬أو أن يكون له بيت من زخرف‪ ،‬أو‬
‫أن يروه يرقى في السماء وينزل عليهم كتابا ً يقرأونه‪ ،‬فكان رده‬
‫صلى الله عليه وسلم كما حكاه القرآن‪( :‬قل سبحان ربى هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسولً)(‪.)2‬‬
‫لقد قرر القرآن قاعدة كون الرسل من جنس من يرسلون‬ ‫‪-5‬‬
‫إليهم؛ بمعنى أن يكون المرسلون إلى الناس بشرا ً من جنسهم‪،‬‬
‫ولو كان أهل الرض من جنس غير البشر لكانت رسل الله إليهم‬
‫من نفس جنسهم وذلك في قوله تعالى‪( :‬قل لو كان في الرض‬
‫ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا ً رسولً)(‬
‫‪.)3‬‬
‫وعلى المعنى نفسه جاءت دعوة إبراهيم عليه السلم‪( :‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك)(‪ .)4‬وقوله تعالى‪( :‬كما‬
‫أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا)(‪ .)5‬وقوله تعالى‪( :‬لقد‬
‫ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم)(‪.)6‬‬ ‫م ّ‬‫َ‬
‫وقوله تعالى‪( :‬فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا الله‪.)7()..‬‬
‫وقوله تعالى‪( :‬هو الذي بعث في الميين رسول منهم)(‪.)8‬‬
‫وغير هذا كثير مما أكده القرآن وهو المنطق والحكمة التي‬
‫اقتضتها مشيئته ـ تعالى ـ لما هو من خصائص الرسالت التي‬
‫توجب أن يكون المرسل إلى الناس من جنسهم حتى يحسن‬
‫إبلغهم بما كلفه الله بإبلغه إليهم وحتى يستأنسوا به ويفهموا‬
‫عنه‪.‬‬
‫ومن هنا تكون "بشرية الرسول" بمعنى أن يجري عليه ما يجري‬
‫على الناس من البلء والموت ومن الصحة والمرض وغيرها من‬
‫الصفات البشرية فيكون ذلك أدعى لنجاح البلغ عن الله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.128 :‬‬
‫(‪ )2‬السراء‪.93 :‬‬
‫(‪ )3‬السراء‪.95 :‬‬

‫‪44‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.195 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة ‪.151‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران‪.164 :‬‬
‫(‪ )7‬المؤمنون‪.32 :‬‬
‫(‪ )8‬الجمعة‪.2 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫(‪ )9‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق أن الصلة على محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من ربه ومن‬
‫المؤمنين ليست دليل حاجة‪ ،‬بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير‬
‫له من الحق سبحانه‪ ،‬وتقديًرا له من أتباعه‪ ،‬وليست كما يزعم‬
‫الظالمون لسد حاجته عند ربه؛ لن ربه قد غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪.‬‬
‫لن أية مقارنة منصفة بين ما كان عليه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام‬
‫العصمة؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت‪ ،‬وأتم‬
‫به التنزيل‪ ،‬وأتم به النعمة‪ ،‬فلم تعد البشرية بعد رسالته‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬بحاجة إلى رسل ورسالت‪.‬‬
‫لذلك فإن رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الخاتمة‬
‫والكاملة حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات‬
‫ونُظم ومعاملت‪ ،‬وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة‬
‫مما افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة‪.‬‬
‫ب رسالة محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنها جاءت رحمة‬ ‫وحس ُ‬
‫ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫سلنَاك إ ِل َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫عامة للبشرية كلها‪ ،‬كما قال القرآن‪ ( :‬وَ َ‬
‫ن)(‪.)1‬‬ ‫مي َ‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم رسولهم‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪:‬‬
‫َّ‬ ‫م هُودا ً قَا َ‬ ‫َ‬
‫ه)(‪.)2‬‬ ‫ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫(وَإِلَى ع َاد ٍ أ َ‬
‫َ َّ‬
‫ه)(‪.)3‬‬‫ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل َ َ‬ ‫صالِحا ً قَا َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫(وَإِلَى ث َ ُ‬
‫َ‬
‫ه)(‪.)4‬‬‫ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل ّ َ‬ ‫شعَيْبا ً قَا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫مدْي َ َ‬ ‫(وَإِلَى َ‬
‫وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه‪..‬‬
‫وكانت رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العالمين وإلى‬
‫الناس كافة‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪:‬‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن)(‪.)5‬‬ ‫مي َ‬‫ة لِلْعَال َ ِ‬
‫م ً‬‫ح َ‬‫ك إ ِ ّل َر ْ‬ ‫سلنَا‬‫ما أْر َ‬ ‫(وَ َ‬
‫شيرا ً وَنَذِيًرا)(‪.)6‬‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ك إَِّل كَافَّ ً َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫(وَ َ‬

‫‪45‬‬
‫ورسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت فوق كونها عالمية‪،‬‬
‫فقد كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي‬
‫باحتياجات البشر جميعاً‪ ،‬وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية‬
‫والمعنوية عبر الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جالِك ُ ْ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫مد ٌ أبَا أ َ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫الله تعالى‪َ ( :‬‬ ‫َ َّ‬
‫وفي هذا قال‬
‫ن)(‪.)7‬‬ ‫َ‬
‫م الن ّبِيِّي َ‬‫خات َ َ‬‫سول اللهِ وَ َ‬ ‫وَلَك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬
‫وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫وسلم (السلم)‪( :‬الْيو َ‬
‫متِي‬ ‫م نِعْ َ‬ ‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ً‬
‫م دِينا)(‪.)8‬‬ ‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬‫ت لَك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫إن عموم رسالة محمد إلى العالمين‪ ،‬وباعتبارها الرسالة الكاملة‬
‫والخاتمة؛ يعني امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫الرض ومن عليها؛ مصداقا ً لقوله تعالى‪( :‬هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ن كُل ِّهِ)( ‪.)9‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قّ لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫(‪ )2‬العراف‪.65 :‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.72 :‬‬
‫(‪ )4‬العراف‪.85 :‬‬
‫(‪ )5‬النبياء‪.107 :‬‬
‫(‪ )6‬سبأ‪.28 :‬‬
‫(‪ )7‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )8‬المائدة‪.3 :‬‬
‫(‪ )9‬التوبة‪ ، 33 :‬الفتح‪ ، 28 :‬والصف‪.9 :‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫مي فكيف علّم‬ ‫ُ‬
‫(‪ )10‬محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫القرآن؟!‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫مي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخذ ًا‬ ‫وال ّ‬
‫من " المية "‪ ،‬وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذ ًا‬
‫من " الممية "؛ حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على‬
‫من ليس من جنسهم‪.‬‬
‫فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف‬
‫القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول‪ ،‬بل لعله أن‬
‫يكون تأكيدًا ودليل ً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو‬

‫‪46‬‬
‫وحي أُوحي إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد‬
‫ول تعلمه من غيره‪ .‬بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه‪.‬‬
‫حا في قوله‪:‬‬ ‫وقد رد ّ القرآن على هذه المقولة ردًا صري ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيل ً * قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ملَى ع َليْهِ بُكَْرة ً وَأ ِ‬
‫َ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫ساطِيُر اْلوَّلِي َ‬
‫ن اكْتَتَبَهَا فَهِ َ‬ ‫(وَقَالُوا أ َ‬
‫ن غَفُوراً‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ه كَا َ‬‫ض إِن َّ ُ‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫سَّر فِي ال َّ‬
‫س َ‬ ‫م ال ِّ‬ ‫ه ال ّذِي يَعْل َ ُ‬ ‫أنَْزل ُ‬
‫حيماً)(‪.)1‬‬ ‫َر ِ‬
‫ب النبي المي ـ الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة ـ أن‬ ‫وحس ُ‬
‫يكون الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركي العرب وهم أهل‬ ‫ُ‬
‫الفصاحة والبلغة؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من‬
‫مثله‪.‬‬
‫كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض‬
‫كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان‪ ،‬ول من الشعر‪ ،‬ول من قول‬
‫البشر "‪.‬‬
‫مي " على معنى أنه‬ ‫أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (إنه " أ ّ‬
‫من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه‪ .‬بل إنه‬
‫لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود‪.‬‬
‫ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "‪،‬‬
‫واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله‬
‫ما مع ما جاء به‬ ‫المختار ـ كما يزعمون‪ .‬كل هذا مما يتنافي تما ً‬
‫محمد (من المساواة الكاملة بين بني البشر رغم اختلف‬
‫شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن؛ الذي‬
‫اعتبر اختلف الجناس واللوان واللسنة هو لمجرد التعارف‬
‫والتمايز؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطي تميًزا لجنس على جنس‪ ،‬فليس‬
‫في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار‪.‬‬
‫ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم إنما هو بالتقوى‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َْ‬ ‫م ِ‬ ‫خلَقْنَاك ُ ْ‬ ‫س إِنَّا َ‬ ‫والصلح؛ كما في الية الكريمة‪( :‬يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫ل لِتعارفُوا إ َ َ‬ ‫ُ‬
‫عنْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أكَْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ‬
‫َ‬
‫م)(‪.)2‬‬ ‫أتْقَاك ُ ْ‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬الفرقان‪.6 – 5 :‬‬
‫(‪ )2‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫(‪ )11‬تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫وهى من أسوأ المفتريات على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫َ‬
‫ن هُوَ إ ِ ّل‬ ‫ن الْهَوَى * إ ِ ْ‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫الذي قال ربه عز وجل عنه‪( :‬وَ َ‬
‫حى)(‪.)1‬‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬‫وَ ْ‬
‫لكن الحقد حين يتمكن من قلوب الحاقدين يدفعهم إلى المنكر‬
‫ل ل يقبله‬ ‫من القول ومن الزور؛ حتى إنهم ليتجرءون على قو ٍ‬
‫عقل عاقل‪ ،‬ول يجرؤ على مثله إل المفترون‪.‬‬
‫في هذه المقولة زعموا أنه حين كان ينزل عليه الوحي باليات‬
‫التي أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات العجاز‬
‫العلمي في القرآن فيما تتصل بمراحل خلق النسان من سللة‬
‫من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير‬
‫مخلقة ثم يكون إنشاؤه خلقًا آخر‪..‬‬
‫َ َّ‬
‫ن هذا خلقه‪ ( :‬فَتَبَاَرك الل ُ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫حا َ‬ ‫زعموا أن كاتب وحيه قال ماد ً‬
‫ن)(‪.)2‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خالِقِي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫أ ْ‬
‫ثم أفرطوا في زعمهم؛ فقالوا إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ى‪..‬‬ ‫ـ قال له‪ :‬اكتبها فهكذا نزلت عل ّ‬
‫وهنا لبد من وقفة‪:‬‬
‫فأولً‪ :‬مما هو ثابت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا‬
‫نزل عليه الوحي يأخذ العرق يتصبب من جسده‪ ،‬ويكون في غيبة‬
‫عمن حوله‪ ..‬فإذا انقضى الوحي أخذ في ذكر وتلوة ما نزل عليه‬
‫من القرآن‪ ،‬وهذا ما تقّرره كل كتب السيرة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬معنى ما سبق أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ل يأخذ في‬
‫الملء على كاتب وحيه إل بعد اكتمال نزول الوحي‪ ،‬واكتمال‬
‫نزول اليات المتعلقة بمراحل خلق النسان في سورة "‬
‫المؤمنون "‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وبهذا يتضح كذب المقولة أن كاتب وحيه ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ هو الذي أملها عليه وأنه أمر بإثباتها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن لفظة " تبارك الله " تكررت في القرآن الكريم تسع‬
‫مرات‪ ،‬تلتقي جميعها في مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة‬
‫الخالق فيما خلق من مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫(أَل ل َ‬
‫ن)(‪.)3‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫ه َر ُّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر تَبَاَر‬ ‫خلْقُ وَاْل ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن نَذِيراً)(‪.)4‬‬ ‫مي َ‬‫ن لِلْعَال َ ِ‬ ‫ن ع َلَى ع َبْدِهِ لِيَكُو َ‬ ‫ل الْفُْرقَا َ‬ ‫ك الَّذِي نََّز َ‬ ‫(تَبَاَر َ‬
‫مراً‬ ‫َ‬
‫سَراجا ً وَقَ َ‬‫ل فِيهَا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ماءِ بُُروجا ً وَ َ‬ ‫س َ‬‫ل فِي ال َّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫(تَبَاَر َ‬
‫منِيراً)(‪.)5‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ال َّ‬ ‫مل ُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫(وَتَبَاَر َ‬
‫ما)(‪.)6‬‬ ‫ما بَيْنَهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك َالذِي ل ُ‬
‫يءٍ قَدِيٌر)(‪.)7‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ك ال ّذِي بِيَدِهِ ال ْ ُ‬ ‫(تَبَاَر َ‬
‫فلماذا تعلّم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كاتب وحيه آية "‬
‫المؤمنون " دون غيرها مما جاء في بقية السور؟!!‬

‫‪48‬‬
‫‪0000000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬النجم‪ 3 :‬ـ ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬المؤمنون‪.14 :‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.55 :‬‬
‫(‪ )4‬الفرقان‪.1 :‬‬
‫(‪ )5‬الفرقان‪.61 :‬‬
‫(‪ )6‬الزخرف‪.85 :‬‬
‫(‪ )7‬الملك‪.1 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫(‪ )12‬محمد صلى الله عليه وسلم يُعظّم الحجر السود‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إنهم في هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان يُعظّم الحجر‬
‫السود ـ بل ويُعظّم الكعبة كلها بالطواف حولها‪ ،‬وهي حجر ل‬
‫يختلف ـ في زعمهم ـ عن الحجار التي كانت تُصنع منها الوثان‬
‫في الجاهلية‪ ،‬وكأن المر سواء!!‬
‫وحقيقة المر أن من بعض ما استبقاه السلم من أحوال‬
‫السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهي‬
‫عن منكر‪ ،‬من ذلك ثناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على‬
‫حلف الفضول "‪ ،‬وهو عمل‬ ‫حلف كان في الجاهلية يسمى " ِ‬ ‫ِ‬
‫إنساني كريم كان يتم من خلله التعاون على نصرة المظلوم‪،‬‬
‫وفداء السير‪ ،‬وإعانة الغارمين‪ ،‬وحماية الغريب من ظلم أهل‬
‫مكة‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫وقد أثنى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الحلف‪،‬‬
‫وقال‪" :‬لو دعيت إلى مثله لجبت"‪.‬‬
‫ضا كان مما استبقاه السلم من فضائل السابقين مما ورثوه‬ ‫وأي ً‬
‫عن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛‬
‫بل وتقبيلهم للحجر السود‪.‬‬
‫وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة‪.‬‬
‫وهنا فقط ل يكون أمامنا إل ما ثبت من أن الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ كان يُقبل الحجر السود عند طوافه بالبيت‪ ،‬وهو ما‬
‫تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‬
‫عن تقبيله لهذا الحجر‪( :‬والله إني لعلم أنك حجر ل تضر ول‬
‫تنفع‪ ،‬ولول أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبلتك)‪.‬‬
‫وهنا نقول‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫للحجر السود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الصنام فيما‬
‫كانوا يفعلون‪.‬‬
‫ضا أن يكون ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فعل ذلك ‪-‬‬ ‫ومستحيل أي ً‬
‫جهه ـ صلى الله‬ ‫أي تقبيل الحجر السود ‪ -‬دون وحي أو إلهام و ّ‬
‫عليه وسلم ـ إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أية شبهة وثنية أو‬
‫مجاراة لعبدة الصنام‪.‬‬
‫ولنه صلى الله عليه وسلم قال‪[ :‬خذوا عنى مناسككم]؛ فقد‬
‫مار‬ ‫أصبح تقبيل الحجر السود من بعض مناسك الحجاج والع ّ‬
‫للبيت الحرام‪.‬‬
‫كما أن تعظيم الحجر السود هو امتثال لوامر الله الذي أمر‬
‫بتعظيم هذا الحجر بالذات‪ ،‬وهو سبحانه الذي أمر برجم حجر آخر‬
‫كمنسك من مناسك الحج؛ فالمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم ل‬
‫يعدو كونه إقراًرا بالعبودية لله تعالى وامتثال ً لوامره عز وجل‬
‫ما لحكامه‪.‬‬ ‫واستسل ً‬
‫‪-----------------------‬‬
‫(‪ )13‬كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ن كَادُوا‬ ‫أخذوا ذلك من فهم مغلوط ليات سورة السراء‪ ( :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫خذ ُو َ‬ ‫ك لِتَفْتَرِيَ ع َلَيْنَا غَيَْره ُ وَإِذا ً َلت َّ َ‬ ‫ن ال ّذِي أوْ َ‬
‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫لَيَفْتِنُون َ َ‬
‫شيْئا ً قَلِيل ً * إِذاً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن إِلَيْهِ ْ‬ ‫ت تَْرك َ ُ‬ ‫ك لَقَد ْ كِد ْ َ‬ ‫ن ثَبَّتْنَا َ‬‫خلِيل ً * وَلَوْل أ ْ‬ ‫َ‬
‫صيرا ً )‬ ‫ك ع َلَيْنَا ن َ ِ‬ ‫جد ُ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫ت ث ُ َّ‬‫ما ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫حيَاةِ وَ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫َلذَقْنَا َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫بعض ما قيل في سبب نزول هذه الية أن وفد ثقيف قالوا‬
‫جلنا سنة حتى نقبض ما يُهدى‬ ‫للرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫مـ‬ ‫سرناها وأسلمنا؛ فهَ ّ‬ ‫للهتنا من (الصنام)‪ ،‬فإذا قبضنا ذلك ك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ بقبول ذلك فنزلت الية‪.‬‬
‫م " أي هممت أو قاربت أن تميل‬ ‫ن إِلَيْهِ ْ‬
‫ت تَْرك َ ُ‬ ‫قوله تعالى‪ " :‬كِد ْ َ‬
‫لقبول ما عرضوه عليك؛ لول تثبيت الله لك بالرشد والعصمة‪ ،‬ولو‬
‫فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات؛ يعني‪ :‬قاربت‬
‫أن تستجيب لما عرضوه‪ ،‬لكنك بتثبيت الله لم تفعل لعصمة الله‬
‫لك‪.‬‬
‫م‬
‫م على مقربة من الثقافة السلمية يعرفون أن " اله ّ‬ ‫ن هُ ْ‬‫م ْ‬ ‫وكل َ‬
‫" ـ أي المقاربة لشيء دون القيام به أو الوقوع فيه ـ ل يُعتبر‬
‫ضع عن المة وجاء به ما صح‬ ‫معصية ول جزاء عليه‪ ،‬وهو مما و ِ‬
‫عن النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫ضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به)؛‬
‫(و ِ‬
‫وعليه‪ ..‬فإنه ل إثم ول شيء يُؤخذ على محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ في ذلك‪.‬‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬السراء‪.75-73 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫ل محمد صلى الله عليه وسلم في الشهر‬ ‫قات َ َ‬ ‫(‪َ )14‬‬
‫الحرام‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وذلك لما ورد في آيات سورة البقرة‪:‬‬
‫ص ٌّ‬
‫د‬ ‫ل فِيهِ كَبِيٌر وَ َ‬ ‫ل قِتَا ٌ‬ ‫ل فِيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قِتَا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ك ع َن ال َّ‬
‫ِ‬ ‫سأَلون َ َ‬ ‫(ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه أكْبَُر‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج أهْلِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جد ِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَكُفٌْر بِهِ وَال ْ َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حتَّى يَُردُّوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ‬ ‫ل وَل يََزالُو َ‬ ‫ن الْقَت ْ ِ‬ ‫ة أكْبَُر ِ‬
‫م َ‬ ‫عنْد َ الل ّهِ وَالْفِتْن َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ستَطاع ُوا) (‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬‫ن دِينِك ُ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫والمسلمون جميعا ً وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ هم أحفظ الناس لحرمة الشهر الحرم وعدم‬
‫القتال فيها‪ ،‬واعتبار القتال فيها حدثًا كبيًرا أو كأنه كبيرة من‬
‫الكبائر‪..‬‬
‫جهوا من أعدائهم من‬ ‫لكن ما الذي يفعله المسلمون إذا ما وو ِ‬
‫المشركين بالقتال والعدوان على النفس والموال والعراض‪،‬‬
‫ليس هذا فحسب بل ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن‬
‫يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من‬
‫غيرهم ؟!‬
‫إن قانون " الدفع الحضاري " الذي يقره القرآن الكريم لحماية‬
‫الكون من إفساد المتجبرين والظلمة‪ ،‬ثم لحماية بيوت العبادة‬
‫ضا‪ ،‬والذي عبّرت عنه اليتان‬ ‫للمسلمين والنصارى واليهود أي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض)(‬ ‫ت اْلْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ض لَفَ َ‬ ‫م بِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س بَعْ َ‬ ‫الل ّهِ النَّا َ‬ ‫َ‬
‫الكريمتان‪( :‬وَلَوْل دَفْعُ‬
‫معُ‬ ‫صوَا ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ض لَهُدِّ‬ ‫ٍ‬ ‫م بِبَعْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضه‬ ‫س بَعْ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ .)2‬وقوله‪( :‬وَلَوْل دَفْعُ الل ّهِ النَّا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ كَثِيرا ً وَلَيَن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ يُذ ْكَُر فِيهَا ا ْ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫ت وَ ََ‬ ‫صلَوَا ٌ‬ ‫وَبِيَعٌ وَ َ‬
‫ه لَقَوِيٌّ ع َزِيٌز)(‪ .)3‬هذا القانون القرآني ـ وليس‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ َّ‬ ‫ن يَن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫قانون من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر ـ هو‬
‫وحده الذي يحمي الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫وذلك على أساس أن من يمكّن الله لهم في الرض بما يمنحهم‬
‫من القوة والثروة والعلم يجب ‪ -‬وبحسب القانون القرآني ‪ -‬أن‬
‫يكونوا صالحين وأخياًرا؛ بمعنى‪ :‬أن يستخدموا قوتهم وثروتهم‬

‫‪51‬‬
‫وعلمهم ل في الطغيان والتجبر‪ ،‬ولكن في حماية القيم النبيلة‬
‫التي يُحمى بها العدل والحق وتمكّن لكل ما هو خير‪ ،‬وتنفي كل‬
‫ما هو شر حتى تنعم البشرية بالمن والستقرار‪ ،‬وتعتدل أمور‬
‫الحياة والناس‪.‬‬
‫وهذا ما جاءت الية التالية لليتين السابقتين لتقره؛ حيث يقول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ وَآتَوُا‬ ‫موا ال َّ‬ ‫ض أ َقَا ُ‬ ‫ِ‬ ‫م فِي اْلَْر‬ ‫مك ّنَّاهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫الله عز وجل‪( :‬ال ّذِي َ‬
‫ف ونَهوا ع َن ال ْمنْكَر ولِل ّهِ ع َاقِب َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫مورِ)(‪.)4‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫معُْرو ِ َ َ ْ‬ ‫مُروا بِال ْ َ‬ ‫الَّزكَاة َ وَأ َ‬
‫ولن إقرار حقوق عباد الله في أرض الله وحماية المستضعفين‬
‫من بطش المتجبرين ل يقل حرمة عند الله من حرمة الشهر‬
‫الحرم؛ فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ومن‬
‫ُ‬
‫ما وعدوانًا‪.‬‬ ‫فُتنوا في دينهم وأخرجوا من ديارهم ظل ً‬
‫ك ع َن ال َّ‬ ‫وهذا ما تقرره الية‪( :‬ي َ‬
‫ل فِيهِ قُ ْ‬
‫ل‬ ‫حَرام ِ قِتَا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫سألون َ َ َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل اللهِ وَكُفٌْر بِهِ وَال َ‬ ‫ّ‬ ‫صد ٌّ ع َ ْ‬ ‫ل فِيهِ كَبِيٌر وَ َ‬ ‫قِتَا ٌ‬
‫حَرامِ‬ ‫جد ِ ال َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫سبِي َ ِ‬‫ن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل وَل يََزالُو َ‬
‫ن‬ ‫ن الْقَت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة أكْبَُر ِ‬ ‫عنْد َ الل ّهِ وَالْفِتْن َ ُ‬ ‫ه أكْبَُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج أهْلِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫ستَطَاع ُوا)(‪.)5‬‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن دِينِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حتَّى يَُردُّوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫يُقَاتِلُونَك ُ ْ‬
‫‪0000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.217 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.251 :‬‬
‫(‪ )3‬الحج‪.40 :‬‬
‫(‪ )4‬الحج‪.41 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.217 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫(‪ )15‬محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما في القرآن‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أخذوها من فهمهم الخاطئ في مفتتح سورة "الفتح"‪( :‬ليغفر لك‬
‫الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا‬
‫ما)(‪ .)1‬فقالوا‪ :‬كتاب محمد يعترف عليه ويصفه بأنه‬ ‫مستقي ً‬
‫مذنب!!‬
‫وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم‬
‫كتاب كبير مفتوح استوفي فيه كُتَّاب سيرته كل شيء في حياته‪.‬‬
‫في صحوه ونومه وفي حربه وسلمه‪ ،‬وفي عبادته وصلواته‪ ،‬في‬
‫حياته مع الناس بل وفي حياته بين أهله في بيته‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب‪ ,‬بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديثًا أو‬
‫يذكرون له عمل ً يصفونه صلى الله عليه وسلم وصفًا بالغ الدقة‬
‫وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم‪ :‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم كذا وكان متكئا ً فجلس‪ ،‬أو قال كذا وقد امتل وجهه‬

‫‪52‬‬
‫بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا‪ :‬إنه تسجيل دقيق‬
‫لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة‪..‬‬
‫جل له شمائله الكريمة فقال عنه‪ :‬إنه‬ ‫ثم جاء القرآن الكريم فس ّ‬
‫الرحمة المهداة إلى عباد الله‪( :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين)(‬
‫‪ .)2‬ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم‪( :‬لقد جاءكم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين‬
‫رؤوف رحيم)(‪ .)3‬ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله عليه‬
‫وسلم في قوله‪( :‬وإنك لعلى خلق عظيم)(‪.)4‬‬
‫أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات‬
‫الرسول وحديث نفسه الذي بينه وبين الله مما ل يطلع الناس‬
‫عليه على نحو ما جاء في سورة الحزاب في أمر الزواج بزينب‬
‫بنت جحش‪ ,‬والذي كان القصد التشريعي فيه إبطال عادة التبني‬
‫من قوله تعالى‪( :‬وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس‬
‫والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي ل‬
‫يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن‬
‫وطًرا و كان أمر الله مفعولً)(‪.)5‬‬
‫أقول‪ :‬مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي كتاب مفتوح‬
‫ف التاريخ منه شيئاً‪ ,‬بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما‬ ‫لم يخ ِ‬
‫يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما ل يطلع عليه الناس‪،‬‬
‫ة ول ذنبًا في قول أو عمل‪.‬‬ ‫ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذل ً‬
‫أفبعد هذا ل يتورع ظالموه من أن يقولوا‪ :‬إنه "مذنب"؟!!!‬
‫ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على‬
‫شيء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة‬
‫الفتح‪ ،‬والتي كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم‬
‫بالتأييد والنصر‪ ..‬لو كان محمد صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما‬
‫ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله‬
‫الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا‬
‫مستقيماً؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين‪.‬‬
‫ونقف أمام الذنب في منطوق الية‪( :‬ليغفر لك الله ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخر)‪ ,‬فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من‬
‫الخطأ والثام؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هي عصمة جميع أنبيائه‬
‫وفي قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا مما يعرفه‬
‫ويقّره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفي الكلم‬
‫عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا في رسل الله وأنبيائه بما‬
‫هو معروف‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى‬
‫الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة اللهية‪ ,‬ل ما تحدده‬
‫أعراف الناس‪.‬‬
‫ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة‬
‫كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه‬
‫وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب‪,‬‬
‫حتى كان معروفًا بينهم بالصادق المين‪.‬‬
‫أفبعد هذا ل يستحي الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا‪ :‬إنه مذنب؟!! (كبرت‬
‫كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا)(‪.)6‬‬
‫‪000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬الفتح‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬النبياء ‪.117‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪.128 :‬‬
‫(‪ )4‬القلم‪.5 :‬‬
‫(‪ )5‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )6‬الكهف‪.5 :‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫(‪ )16‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا‬
‫التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى‪( :‬يا‬
‫ل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله‬ ‫أيها النبي لم تحّرم ما أح ّ‬
‫غفور رحيم)(‪.)1‬‬
‫وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة‬
‫المعروفة عن النساء عامة؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم قد‬
‫ما ل يوجد في بيوتهن‪ ،‬فأسر‬ ‫دخل عند إحداهن وأكل عندها طعا ً‬
‫إلى إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله‬
‫عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن‪.‬‬
‫والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو‬
‫تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له‪..‬‬
‫فمطلع الية (لم تحرم ما أحل الله لك) (هو فقط من باب‬
‫"المشاكلة" لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن؛ والنداء القرآني‬
‫ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله؛ ولكنه‬ ‫ليس اتها ً‬
‫من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه‬

‫‪54‬‬
‫صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو‬
‫عمل ً أحلّه الله؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته‬
‫من خلقه العالي الكريم‪.‬‬
‫ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال‪( :‬ولو تقوّل‬
‫علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين‬
‫* فما منكم من أحد عنه حاجزين)(‪.)2‬‬
‫وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل‬
‫الله من المستحيلت على مقام نبوته التي زكّاها الله تبارك‬
‫وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله‪( :‬وما ينطق عن الهوى * إن‬
‫هو إل وحى يوحى)(‪.)3‬‬
‫فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه‪،‬‬
‫وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه‪,‬‬
‫فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله‪.‬‬
‫‪00000000000‬‬
‫(‪ )1‬التحريم‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬الحاقة‪.47 -44 :‬‬
‫(‪ )3‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫(‪ )17‬الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم يستندون في هذه‬
‫المقولة إلى أكذوبة كانت قد تناقلتها بعض كتب التفسير من أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلة بالناس سورة‬
‫"النجم"‪ ,‬فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫(أفرأيتم اللت والعزى* ومناة الثالثة الخرى)(‪)1‬؛ تقول الكذوبة‪:‬‬
‫إنه صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ـ حسب زعمهم ـ تلك الغرانيق(‪)2‬‬
‫العلى وإن شفاعتهن لترتجى‪.‬‬
‫ثم استمر صلى الله عليه وسلم في القراءة ثم سجد وسجد كل‬
‫من كانوا خلفه من المسلمين‪ ,‬وأضافت الروايات أنه سجد معهم‬
‫من كان وراءهم من المشركين!!‬
‫وذاعت الكذوبة التي عرفت بقصة "الغرانيق" وقال ‪ -‬من تكون‬
‫إذاعتها في صالحهم‪ :-‬إن محمدا ً أثنى على آلهتنا وتراجع عما كان‬
‫يوجهه إليها من السباب‪ .‬وإن مشركي مكة سيصالحونه‬
‫وسيدفعون عن المؤمنين به ما كانوا يوقعونه بهم من العذاب‪.‬‬
‫وانتشرت هذه المقولة حتى ذكرها عدد من المفسرين؛ حيث‬
‫ذكروا أن المشركين سجدوا كما سجد محمد صلى الله عليه‬

‫‪55‬‬
‫وسلم‪ ,‬وقالوا له‪ :‬ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم‪ .‬ولكن هذا‬
‫الكلم باطل ل أصل له‪.‬‬
‫وننقل هنا عن المام ابن كثير في تفسيره اليات التي اعتبرها‬
‫المرتكز الذي استند إليه الظالمون للسلم ورسوله وهي في‬
‫سورة الحج حيث تقول‪( :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي‬
‫إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى‬
‫الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم)(‪ ,)3‬وبعد ذكره‬
‫لليتين السابقتين يقول‪" :‬ذكر كثير من المفسرين هنا قصة‬
‫الغرانيق وما كان من رجوع كثير ممن هاجروا إلى الحبشة‪ ,‬ظنًّا‬
‫منهم أن مشركي مكة قد أسلموا"‪.‬‬
‫ثم أضاف ابن كثير يقول‪" :‬ولكنها ‪ -‬أي قصة "الغرانيق" ‪ -‬من‬
‫طرق كثيرة مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح‪ ،‬ثم قال ابن‬
‫كثير(‪ :)4‬عن ابن أبى حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير قال‪" :‬قرأ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة "سورة النجم"‪ ,‬فلما بلغ‬
‫هذا الموضع‪( :‬أفرأيتم اللت والعّزى * ومناة الثالثة الخرى)‪ .‬قال‬
‫ابن جبير‪ :‬فألقى الشيطان على لسانه‪ :‬تلك الغرانيق العل وإن‬
‫شفاعتهن لترتجى‪ .‬فقال المشركون‪ :‬ما ذكر آلهتنا بخير قبل‬
‫اليوم‪ ..‬فأنزل الله هذه الية‪( :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول‬
‫نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي‬
‫الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عزيز حكيم) ليقرر العصمة‬
‫والصون لكلمه سبحانه من وسوسة الشيطان"‪.‬‬
‫وربما قيل هنا‪ :‬إذا كان الله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان‬
‫ويحكم آياته فلماذا لم يمنع الشيطان أصل ً من إلقاء ما يلقيه من‬
‫الوساوس في أمنيات النبياء؟! والجواب عنه قد جاء في اليتين‬
‫اللتين بعد هذه الية مباشرة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ليجعل ما يلقيه الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض من‬
‫المنافقين والقاسية قلوبهم من الكفار‪ ,‬وهو ما جاء في الية‬
‫الولى منهما‪( :‬ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم‬
‫مرض)(‪.)5‬‬
‫ثانياً‪ :‬ليميز المؤمنين من الكفار والمنافقين‪ ,‬فيزداد المؤمنون‬
‫إيمانًا على إيمانهم؛ وهو ما جاء في الية الثانية‪( :‬وليعلم الذين‬
‫أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن‬
‫الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم)(‪.)6‬‬
‫ما وحديثًا قصة الغرانيق‪ .‬ومن القدماء‬ ‫هذا‪ :‬وقد أبطل العلماء قدي ً‬
‫المام الفخر الرازي الذي قال ما ملخصه(‪" :)7‬قصة الغرانيق‬
‫باطلة عند أهل التحقيق‪ ,‬وقد استدلوا على بطلنها بالقرآن‬
‫والسنة والمعقول؛ أما القرآن فمن وجوه‪ :‬منها قوله تعالى‪( :‬ولو‬

‫‪56‬‬
‫تقوّل علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه‬
‫الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين)(‪ ,)8‬وقوله سبحانه‪( :‬وما‬
‫ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى)(‪ ,)9‬وقوله سبحانه‬
‫حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬قل ما يكون لي أن‬
‫ي)(‪.)10‬‬‫أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما يوحى إل ّ‬
‫وأما بطلنها بالسنة فيقول المام البيهقى‪ :‬روى المام البخاري‬
‫في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "النجم"‬
‫فسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون والنس والجن وليس‬
‫فيها حديث "الغرانيق"‪ ,‬وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة‬
‫ليس فيها البتة حديث الغرانيق‪.‬‬
‫فأما بطلن قصة "الغرانيق" بالمعقول فمن وجوه منها‪:‬‬
‫أ ـ أن من جوّز تعظيم الرسول للصنام فقد كفر؛ لن من‬
‫المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه وسلم كان‬
‫لنفي الصنام وتحريم عبادتها؛ فكيف يجوز عقل ً أن يثني عليها؟!‬
‫ب ـ ومنها‪ :‬أننا لو جوّزنا ذلك لرتفع المان عن شرعـه صلى‬
‫الله عليه وسلم؛ فإنه ل فرق ‪ -‬في منطق العقل ‪ -‬بين النقصان‬
‫في نقل وحى الله وبين الزيادة فيه‪.‬‬
‫‪0000000000000000‬‬
‫(‪ )1‬النجم‪.20- 19 :‬‬
‫(‪ )2‬المراد بالغرانيق‪ :‬الصنام؛ وكان المشركون يسمونها بذلك‬
‫تشبيهًا لها بالطيور البيض التي ترتفع في السماء‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحج‪.52 :‬‬
‫(‪ )4‬عن‪ :‬التفسير الوسيط للقرآن لشيخ الزهر د‪ .‬طنطاوى ج ‪9‬‬
‫ص ‪ 325‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحج‪.53 :‬‬
‫(‪ )6‬الحج‪.54 :‬‬
‫(‪ )7‬التفسير السابق‪ :‬ص ‪.321‬‬
‫(‪ )8‬الحاقة‪ 44 :‬ـ ‪.47‬‬
‫(‪ )9‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫(‪ )10‬يونس‪.15 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫(‪ )18‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم –‬
‫د‪ .‬سلمان بن فهد العودة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫لقد تناقشت مع أحد الخوة في مسألة عصمة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وكان مما قلته له‪ :‬إنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫معصوم من كل زلل‪ ،‬وذلك الخ ‪ -‬غفر الله لنا وله ‪ -‬أنكر عل َّ‬
‫ي‬

‫‪57‬‬
‫ي قصته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع (ابن أم‬ ‫هذا‪ ،‬وأورد عل َّ‬
‫مكتوم) في (عبس وتولّى)‪ .‬حقيقة يا شيخي لم أجد جواباً‪،‬‬
‫فأسعفنا بعلمك ‪ -‬دلنا الله وإياك إلى سبيل الرشاد ‪ -‬وأفتنا في‬
‫هذا المر الذي أشكل علينا!!‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معصوم فيما يبلغ عن الله؛‬
‫لقوله تعالى‪( :‬وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى) [النجم‬
‫‪ .]4-3 :‬ولهذا قال تعالى‪( :‬ولو تقوّل علينا بعض القاويل لخذنا‬
‫منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه‬
‫حاجزين)‪[ ،‬الحاقة ‪ .]47-44 :‬والدلة في هذا المعنى متوافرة‬
‫متكاثرة متواترة على أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معصوم فيما‬
‫يبلغ عن ربه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل يقع منه خلف ذلك ل عمدا ً ول سهواً‪.‬‬
‫ول يشكل على هذا ما ورد في قصة الغرانيق المشهورة – التي‬
‫أخرجها الضياء في المختارة (‪ )247‬فهو إفك مفترى‪ ،‬وباطل‬
‫مفتعل‪ ،‬والكلم في سورة الحج‪ ،‬وبيان حقيقة معناها له موضع‬
‫آخر غير هذا‪ ،‬ول يشكل عليه أيضا ً كونه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ينسى الية أحيانًا‪ ،‬فإن هذا ليس نسيانا ً مطبقا ً مطلقاً‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ل يتذكرها‪ ،‬كل‪ ،‬بل هو قد قرأها وحفّظها أصحابه‪ ،‬ودونها الكُتّاب‪،‬‬
‫ولكنها عزبت عنه تلك اللحظة فأسقطها‪ ،‬أو وقف يتذكرها‪ ،‬وهذه‬
‫جبلّة بشرية‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪( :‬سنقرئك فل تنسى إل ما شاء‬ ‫ِ‬
‫الله إنه يعلم الجهر وما يخفى) [العلى‪ .]7-6 :‬فهذا مما شاء الله‪،‬‬
‫ومما شاء الله أن ينساه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ .-‬ما نسخت‬
‫تلوته من آي القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما ما اجتهد فيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فإنه ل يقر إل على‬
‫صواب‪ ،‬ولذلك "عوتب في شأن السرى ببدر (ما كان لنبي أن‬
‫يكون له أسرى حتى يثخن في الرض‪ )...‬الية‪[ ،‬النفال ‪.)]67‬‬
‫انظر الترمذي (‪ )3084‬عن عبد ا لله بن مسعود‪ ،‬وأبو داود (‪)2690‬‬
‫عن عبد الله بن عباس‪.‬‬
‫وعوتب في شأن ابن أم مكتوم‪( :‬عبس وتولى أن جاءه العمى)‬
‫[عبس‪ .]2-1 :‬انظر الترمذي (‪ )3331‬عن عائشة‪.‬‬
‫وعوتب في شأن زيد بن حارثة وزينب بنت جحش (وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه‪)...‬‬
‫الية‪[ ،‬الحزاب‪ ،]37 :‬انظر البخاري (‪ )4887‬عن أنس‪.‬‬
‫فكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلن ذلك لصحابه‪ ،‬ويحفظه‬
‫لهم‪ ،‬ويتلوه عليهم‪ ،‬ويتعبدهم بتلوته‪ ،‬ولم يعبأ بمقالة اليهود‬
‫والمنافقين‪ ،‬ول باضطراب ضعفاء النفوس؛ لن دين الله أعظم‬

‫‪58‬‬
‫من ذلك كله‪ ،‬وهذا من أعظم كمالته التي حلّه الله بها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم‪.]4 :‬‬
‫فصلى الله وسلم وبارك عليه‪ ،‬وأدخلنا في شفاعته‪ ،‬وأوردنا‬
‫حوضه‪ ،‬وارزقنا اتباعه ومحبته وإياكم وجميع المسلمين‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪ )19‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم‬
‫د‪.‬مساعد بن سليمان الطيار‬
‫السؤال‪:‬‬
‫فيما يتعلق بعصمة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬هل هو‬
‫معصوم من الخطأ؟ أو معنى العصمة هنا أن الله عصمه من‬
‫الناس ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وإذا كان معصوما ً من الخطأ‬
‫صلوات ربي وسلمه عليه‪ ،‬فما هو التفسير الصحيح لحادثة‬
‫العمى التي نزل فيها قول الله –تعالى‪" -‬عبس وتولى" وجزاكم‬
‫الله خير ونفع بكم‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ن القول بأن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يقع منه خطأ‪،‬‬ ‫فإ َّ‬
‫مخالف لظاهر القرآن؛ لن الله سبحانه ـ الذي أرسله بالحق‪،‬‬
‫وهو أعلم به ـ قد عاتبه في غير ما آية‪ ،‬ول يكون العتاب إل‬
‫بسبب وقوع خطأ منه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقد يستعظم‬
‫ما أن ذلك ينقص من قدر النبي‬ ‫بعض الناس القول بهذا‪ ،‬زاع ً‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وليس المر كذلك؛ فحق الله أعظم‪،‬‬
‫واليمان بكلمه الذي نقله الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أولى‬
‫من هذا الزعم‪ ،‬ولو كان في هذه العتابات اللهية له ما ينقص من‬
‫ق خليله محمد ‪-‬صلى الله‬ ‫قدره لما ذكرها الله –سبحانه‪ -‬في ح ِ ّ‬
‫عليه وسلم‪ -‬والمسلم مطالب بالخذ بظاهر القرآن‪ ،‬ومن تأول‬
‫مثل هذه العتابات اللهية فإنه سيقع في التحريف والتكذيب بخبر‬
‫م" تعليقًا‬‫الله –سبحانه‪ -‬وقد ذكرت في كتابي "تفسير جزء ع َّ‬
‫ض ظَهَْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ك"‬ ‫ك ال ّذِي أنْقَ َ‬ ‫ضعْنَا ع َن ْ َ‬
‫ك وِْزَر‬ ‫على قوله –تعالى‪": -‬وَوَ َ‬
‫صه ‪" :‬قال ‪ :‬مجاهد‬ ‫[الشرح‪ 2 :‬ـ ‪ ]3‬ما يتعلق بأمر العصمة‪ ،‬وهذا ن ُّ‬
‫من طريق ابن أبي نجيح ‪" :‬ذنبك"‪ ،‬قال قتادة من طريق سعيد‬
‫ومعمر‪( :‬كانت على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذنوب قد‬
‫أثقلته‪ ،‬فغفرها الله له)‪ ،‬وكذا قال ابن زيد‪ .‬وهذه مسألة تتعلق‬
‫بالعصمة‪ ،‬وللناس فيها كلم كثير‪ ،‬وأغلب الكلم فيها عقلي ل‬
‫يعتمد على النصوص‪ ،‬وهذا النص صريح في وقوع الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في شيء من الذنوب التي قد غفرها الله‬
‫له‪ ،‬ولكن لم يبي ِّن الله نوع هذه الذنوب‪ ،‬ولذا فل تتعدى ما أجمله‬

‫‪59‬‬
‫م ‪.‬ول تفترض مصطلحا ً للعصمة‬ ‫ل به تسل ْ‬ ‫ص‪ ،‬وقُ ْ‬ ‫الله في هذه الن ِّ‬
‫من عقلك تحمل عليه أفعال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فتدخل بذلك في التأويلت السمجة التي ل دليل عليها من الكتاب‬
‫ول السنة؛ كما وقع من بعضهم في تأويل قوله –تعالى‪" :-‬ليغفر‬
‫لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح ‪ ،] 2 :‬قال ‪ :‬ما تقدم ‪:‬‬
‫ذنب أبيك آدم‪ ،‬وما تأخر‪ :‬من ذنوب أمتك‪ ،‬وانظر الشبه بين هذا‬
‫القول وبين قول النصارى في الخطيئة‪ ،‬فالله يقول‪" :‬ليغفر الله‬
‫لك ما تقدم من ذنبك"‪ ،‬وهذا يقول هو ذنب غيره ! والله‬
‫ن في الرسول جانبان ‪ :‬جانب بشري‪،‬‬ ‫المستعان"‪ .‬واعلم أ َّ‬
‫ما الجانب البشري فهو فيه كالبشر‪ :‬يحب ويكره‪،‬‬ ‫وجانب نبوي‪ ،‬أ ّ‬
‫ويرضى ويغضب‪ ،‬ويأكل ويشرب‪ ،‬ويقوم وينام … إلخ‪ ،‬مع ما‬
‫ميَّزه الله به في هذا الجانب في بعض الشياء؛ كسلمة الصدر‪،‬‬
‫والقوة في النكاح‪ ،‬وعدم نوم القلب‪ ،‬وغيرها من الخصوصات‬
‫التي تتعلق بالجانب البشري‪ .‬ومن هذا الجانب قد يقع من النبي‬
‫– صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعض الخطاء التي يعاتبه الله عليها‪،‬‬
‫ولك أن تنظر في جملة المعاتبات اللهية للنبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬؛ كعتابه بشأن أسرى بدر‪ ،‬وعتابه بشأن زواجه من زينب‬
‫– رضي الله عنها ‪ ،-‬وعتابه في عبد الله بن أم مكتوم – رضي‬
‫ص الله على هذا الجانب في الرسل‬ ‫الله عنه ‪ ،-‬وغيرها‪ ،‬وقد ن َّ‬
‫جميعهم صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬ومن اليات في ذلك ‪" :‬قل‬
‫سبحان ربي هل كنت إل َّ بشرا ً رسول ً " [السراء ‪ ،]93 :‬ومن‬
‫الحاديث قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬إنما أنا بشر‪ ،‬وإنكم‬
‫ي‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪،‬‬ ‫تختصمون إل َّ‬
‫وأقضي له على نحو ما أسمع‪ ،‬من حق له أخيه شيئاً‪ ،‬فل يأخذ‪،‬‬
‫فإنما أقطع له من النار" (رواه البخاري (‪ ،)6967‬ومسلم (‪)1713‬من‬
‫حديث أم سلمة –رضي الله عنها‪ .-‬وتكمن العصمة في هذا‬
‫ن الله يُنبِّه نبيه – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على ما‬ ‫الجانب في أ َّ‬
‫وقع منه من خطأ‪ ،‬وهذا ما ل يتأتَّى لحد من البشر غيره‪ ،‬فتأمله‬
‫مغفلة ‪ .‬وأما الجانب النبوي‪ ،‬وهو‬ ‫فإنه من جوانب العصمة ال ُ‬
‫ن النبي – صلى الله عليه وسلم‬ ‫جانب التبليغ‪ ،‬فإنه لم يرد البتة أ َّ‬
‫‪ -‬خالف فيه أمر الله؛ كأن يقول الله له‪ :‬قل لعبادي يفعلوا كذا‬
‫فل يقول لهم‪ ،‬أو يقول لهم خلف هذا المر‪ ،‬وهذا لو وقع فإنه‬
‫حَر النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم‬ ‫س ِ‬
‫مخالف للنبوة‪ ،‬ولذا لما ُ‬
‫حُر في الجانب النبوي‪ ،‬بل أثَّر في الجانب البشري‬ ‫س ْ‬ ‫يُؤثِّر هذا ال ِّ‬
‫انظر ما رواه البخاري (‪ ،)3268‬ومسلم (‪ )2189‬من حديث عائشة –‬
‫م فجانب التبليغ في النبي – صلى الله‬ ‫رضي الله عنها‪ ،-‬ومن ث َ َّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬معصوم‪ ،‬ويدل على هذا الجانب قوله تعالى ‪" :‬وما‬

‫‪60‬‬
‫ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل َّ وحي يوحى" [النجم‪ ]4-3 :‬الله أعلم‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫ء‬
‫ة تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بنا ِ‬ ‫(‪ )20‬شبه ٌ‬
‫ة‬
‫الكعب ِ‬
‫أبو عبد العزيز سعود الزمانان‬
‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ث‪" :‬أ َّ‬ ‫حدِّ ُ‬ ‫ن ع َبْد ِ اللّهِ ي ُ َ‬ ‫جابَِر ب ْ َ‬ ‫في الصحيحين من حديث َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَرة َ لِلكَعْبَةِ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م َعهُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن يَنْقُ ُ‬ ‫م ‪ -‬كَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫اللّهِ ‪َ -‬‬
‫ت‬‫حلَل ْ َ‬ ‫خي! لَوْ َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ :‬يَا اب ْ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫س‪ ،‬ع َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ه الْعَبَّا‬‫ُ‬ ‫ل لَ‬‫وَع َلَيْهِ إَِزاُرهُ‪ .‬فَقَا َ‬
‫َ َ َ َ‬
‫جعَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫حل ّ ُ‬
‫جاَرة‪ .‬قال‪ :‬ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ك‪ ،‬دُو َ‬ ‫منْكِب ِ َ‬‫ه ع َلَى َ‬ ‫جعَلْت َ ُ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫إَِزاَر َ‬
‫م‬ ‫ما ُرؤيَ بَعْد َ ذَل ِ َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫شيّا ً ع َلَيْهِ‪ .‬قَا َ‬ ‫سقَ َ‬ ‫منْكِبِهِ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ع َلَى َ‬
‫ك اليَوْ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ط َ‬
‫عُْريَاناً"‪.‬‬
‫وبدأ أهل البدع يشنعون؛ كيف تعرى النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – فهذا كذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – كما‬
‫يزعمون‪ ,‬والرد على هؤلء يكون بما يأتي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬هذا الحديث صحيح السناد ل غبار عليه‪ ,‬فقد أخرجه المام‬
‫البخاري في صحيحه (‪ )364‬كتاب الصلة – باب كراهية التعري في‬
‫الصلة وغيرها‪.‬‬
‫فهذا الحديث قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال‬
‫الزهري – رحمه الله‪" :-‬لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي عليه‬
‫الصلة والسلم الحلم"‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التعري عند أهل العلم يجوز إن كان لمصلحة شرعية‬
‫راجحة‪ ،‬كجواز التعري أثناء العلج‪ ,‬بل ل خلف على جواز أن‬
‫ينظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن‬
‫ضوابط شرعية مع تقوى الله وصلح النية‪ ،‬والضرورات تقدر‬
‫بقدرها‪ ،‬فتعري النبي – صلى الله عليه وسلم – كان قبل البعثة‬
‫أولً‪ ,‬وثانيا ً كان لمصلحة لكي يضع ثوبه على عاتقه لكي يتقوى بها‬
‫على حمل الحجارة‪ ,‬وعلى قربة يتقرب بها لله جل وعل وهي بناء‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫كما حدث لنبي الله موسى عليه السلم لما اتهمه قومه برجولته‬
‫فبّرأه الله مما قالوا‪ ,‬وهذا كما أخرجه الشيخان من حديث أبي‬
‫ن عَُراةً‬ ‫سلُو َ‬ ‫ل يَغْت َ ِ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫ن بَنُو إ ِ ْ‬ ‫هريرة – رضي الله عنه ‪ -‬قال‪" :‬كَا َ‬
‫حدَهُ‪،‬‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سى يَغْت َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ض‪ ,‬وَكَا َ‬ ‫ٍ‬ ‫م إِلَى سوأة بَعْ‬ ‫ضهُ َ ْ‬‫يَنْظُُر بَعْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه آدَُر (أي ذو‬ ‫معَنَا إِل أن َّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَغْت َ ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫منَعُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فَقَالُوا‪ :‬وَالل ّهِ َ‬
‫جُر‬‫ح َ‬ ‫جرٍ فَفََّر ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ع َلَى َ‬ ‫ضعَ ثَوْب َ ُ‬ ‫ل فَوَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫مَّرة ً يَغْت َ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فتق) قال‪ :‬فَذَهَ َ‬
‫حتَّى‬ ‫جُر! َ‬ ‫ح َ‬‫وبِي َ‬ ‫ر! ث َ ْ‬ ‫ج‬
‫ح َ‬
‫وبِي َ‬ ‫سى فِي إِثْرِهِ يَقُول‪ ُ:‬ث َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫جمعَ ُ‬ ‫وبِهِ! فَ َ‬ ‫بِث َ ْ‬
‫ُ َّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫سى فَقَالُوا‪ :‬وَاللهِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل إِلَى سوأة ُ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫نَظََر بَنُو إ ِ ْ‬

‫‪61‬‬
‫بأ ْ‬
‫ه‬ ‫سى فطفق ث َ ْ‬
‫وب َ ُ‬ ‫مو َ‬
‫س‪ ,‬فقام الحجر بعد حتى نظر إليه فأخذ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ة"(‪.)1‬‬ ‫سبْعَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ة أوْ َ‬ ‫ست ّ ٌ‬ ‫جر َنَدَبا ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن بِال َ‬ ‫جر ضربا؟ فوالله إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫بِال َ‬
‫وقد ثبت هذا الحديث عند الرافضة ورواه إمامهم ووصيهم‬
‫السادس المعصوم كما يزعمون‪ ،‬وقد أخرجه مفسرو الشيعة في‬
‫ضا‪:‬‬
‫تفاسيرهم أي ً‬
‫‪ -‬ففي تفسير القمي عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد الله (ع)‪" :‬أن‬
‫بني إسرائيل كانوا يقولون‪ :‬ليس لموسى ما للرجال‪ ,‬وكان‬
‫موسى إذا أراد الغتسال ذهب إلى موضع ل يراه فيه أحد من‬
‫الناس‪ ,‬فكان يوما ً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على‬
‫صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو إسرائيل‬
‫منُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ءَا َ‬ ‫إليه‪ ,‬فعلموا َ أنه ليس كما قالوا‪ ,‬فأنزل الله‪( :‬يَـأيُّـهَا ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫عندَاللهِ‬ ‫ن ِ‬‫ما قَالُوا ْ وَكَا َ‬ ‫م َّ‬‫ه ِ‬ ‫سى فَبََّرأه ُ الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َ تَكُونُوا ْ كَال ّذِي َ‬
‫ن ءَاذ َوْا ُ‬
‫جيهًا) [الحزاب‪.)2(]69/‬‬ ‫وَ ِ‬
‫ثم إن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت هذا الحديث‬
‫فقال‪" :‬إن موسى عليه السلم كان حييا ً ستيرا ً يغتسل وحده‪,‬‬
‫فقال ما يتستر منّا إل لعيب بجلده إما برص وإما أدرة‪ ,‬فذهب‬
‫مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر‪ ,‬فمر الحجر بثوبه‪ ,‬فطلبه‬
‫موسى عليه السلم‪ ,‬فرآه بنو إسرائيل عريانا ً كأحسن الرجال‬
‫خلقًا‪ ,‬فبرأه الله مما قالوا"(‪.)3‬‬
‫قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه (ص ‪:)250‬‬
‫"قال جماعة من أهل الحديث‪ :‬ل استبعاد فيه بعد ورود الخبر‬
‫الصحيح‪ ,‬وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى عليه‬
‫السلم‪ ,‬ولم يعلم أن أحدًا ينظر إليه أم ل‪ ,‬وإن مشيه عرياناً‬
‫لتحصيل ثيابه مضافا ً إلى تبعيده عما نسبوه إليه‪ ،‬ليس من‬
‫المنفرات"‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ونقول نحن كذلك أهل السنة والجماعة كما قال‪ :‬ل استبعاد‬
‫فيه بعد ورود الخبر الصحيح‪ ,‬وإن رؤيته له على ذلك الوضع لم‬
‫يتعمده النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فليس ذلك من المنفرات‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬ليس في الحديث أنه تعرى أمام الناس – صلوات ربي‬
‫وسلمه عليه – فالتعري أمام الناس متعمدا ً من خوارم المروءة‪،‬‬
‫فأين الدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مشى أمام‬
‫الناس عاريا ً ل لشيء وإنما من أجل التعري فقط وأن الكل ينظر‬
‫إليه!!‬
‫فليس في هذا الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مشى‬
‫وتعرى أمام الناس‪ ،‬وهذا القول له شاهد عند الطبراني في كما‬
‫ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"‪" :‬لما بنت قريش الكعبة انفردت‬
‫رجلين رجلين ينقلون الحجارة‪ ،‬فكنت أنا وابن أخي‪ ،‬جعلنا نأخذ‬

‫‪62‬‬
‫أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة‪ ،‬فإذا دنونا من‬
‫الناس لبسنا أزرنا‪ ،‬فبينما هو أمامي إذ صرع‪ ,‬فسعيت وهو‬
‫شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لبن أخي‪ :‬ما شأنك؟ قال‪:‬‬
‫نهيت أن أمشي عريانًا‪ ,‬قال‪ :‬فكتمته حتى أظهر الله نبوته"‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬على افتراض أن التعري لمصلحة ظهرت لمن تعرى أنه‬
‫ذنب‪ ،‬ولكنه ليس من الكبائر‪ ،‬وعقيدتنا أن النبياء معصومون من‬
‫كبائر الذنوب ومن خوارم المروءة‪ ،‬لذلك حينما تعرى أمام عمه‬
‫فقط لم يقر على ذلك وأغشي عليه وما رؤي عريانًا بعد ذلك‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬نقول للرافضة‪ :‬ما شأنكم وشأن كشف العورات؟!‬
‫فدينكم دين جنس ودعوة للتعري والفاحشة وهذه حقيقة‪.‬‬
‫وسأذكر بعض المور التي تؤكد هذا الدعاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬يتهمون النبي بأنه كان ينظر إلى عورات النساء ويخون‬
‫المؤمنين‪ ،‬وينظر إلى امرأة رجل مسلم وهي تغتسل عريانة!!!‬
‫ففي بحار النوار(‪" :)22/217‬قال الرضا‪ :‬إن رسول الله – صلى الله‬
‫عليه وسلم – قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده‪ ,‬فرأى امرأته‬
‫تغتسل فقال لها‪" :‬سبحان الذي خلقك"!!!‬
‫‪ - 2‬يروون عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪" :‬كان رسول‬
‫الله – صلى الله عليه وسلم – ل ينام حتى يضع وجهه بين ثديي‬
‫فاطمة"‪ ,‬وفاطمة امرأة كبيرة بالغة‪ ,‬فكيف يضع النبي – صلى‬
‫الله عليه وسلم – وجهه بين ثدييها – رضي الله عنها‪.-‬‬
‫‪ - 3‬يزعمون أن إمامهم المعصوم الثاني عشر الغائب عندما يظهر‬
‫أنه سيكون عاريا ً بدون ثياب!! وهذا ما رواه الشيخ الطوسي‬
‫والنعماني عن المام الرضا‪" :‬أن من علمات ظهور المهدي أنه‬
‫سيظهر عاريا ً أمام قرص الشمس"‪ .‬حق اليقين (ص ‪.)347‬‬
‫‪ - 4‬الرافضة عندهم الدبر ليس من العورة‪ ,‬وهذا ما رواه الكليني‬
‫في الكافي (‪ )6/512‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪" :‬العورة‬
‫عورتان القبل والدبر‪ ،‬فأما الدبر مستور بالليتين‪ ,‬فإذا سترت‬
‫القضيب والبيضتين فقد سترت العورة"‪.‬‬
‫‪ - 5‬جواز النظر إلى العورات من غير المسلمين‪ ,‬فعن جعفر‬
‫الصادق قال‪" :‬النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى‬
‫عورة الحمار"‪ .‬الكافي (‪.)6/512‬‬
‫‪ - 6‬يزعمون أن إمامهم المعصوم الخامس محمد الباقر كان‬
‫يدخل الحمام ويكشف عورته أمام الناس‪ ،‬فعن عبيد الله الدابقي‬
‫ما بالمدينة‪ ...‬فقلت‪ :‬لمن هذا الحمام؟ فقال‬ ‫قال‪" :‬دخلت حما ً‬
‫لبي جعفر محمد بن علي عليه السلم فقلت‪ :‬كان يدخله؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فقلت‪ :‬كيف كان يصنع؟ قال‪ :‬كان يدخل يبدأ فيطلي عانته‬
‫وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫فقلت له يوما ً من اليام‪ :‬الذي تكره أن أراه قد رأيته" ‪ -‬يقصد‬
‫عورته المغلظة‪( .-‬الكافي ‪.)6/508‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪ )21‬الرد على شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ذبح على الصنم والنصب‬ ‫أكل طعا ً‬
‫أبو عبد العزيز سعود الزمانا‬
‫الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أكل طعاما‬
‫ذبح على الصنم والنصب‪:‬‬
‫تعريف النصب‪ :‬هي الصنام والحجارة التي كان الكفار يذبحون‬
‫عليها‪.‬‬
‫أخرج المام أحمد (‪ )1/190‬قال‪ :‬حدثنا يزيد حدثنا المسعودي‬
‫عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه‬
‫عن جده قال‪ " :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة‬
‫هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه‬
‫إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني ل آكل مما ذبح على‬
‫النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل‬
‫شيئًا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان‬
‫كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لمن بك واتبعك فاستغفر له قال‬
‫نعم سأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة"‪.‬‬
‫الشبهة‪:‬‬
‫قال المبتدعة والزنادقة كيف يذبح الرسول على النصب‬
‫والصنام‪ ،‬وكيف يأكل مما ذبح عليها؟‬
‫الرد‪:‬‬
‫أولً‪ :‬رواية (إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم قال‪ :‬فما‬ ‫‪-‬‬
‫رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح‬
‫على النصب) منكرة ول تصح‪.‬‬
‫‪ -‬قال الشيخ اللباني – رحمه الله‪" :-‬أخرجه المام أحمد (رقم‬
‫‪ )5369‬من حديث ابن عمر‪ ،‬وقد رواه أيضا من حديث سعيد بن زيد‬
‫بن عمرو (‪ )1648‬وفيه زيادة منكرة‪ ،‬وهي تتنافي مع التوجيه‬
‫الحسن الذي وجه به الحديث المؤلف وهي قوله بعد‪( :‬إني ل آكل‬
‫مما تذبحون على أنصابكم) قال‪ :‬فما رؤي النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب‪ ,‬وعلة هذه‬
‫الزيادة أنها من رواية المسعودي وكان قد اختلط وراوي هذا‬
‫الحديث عنه يزيد بن هارون سمع منه بعد اختلطه‪ ،‬ولذلك لم‬
‫يحسن صنعا حضرة الستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر حيث صرح‬
‫في تعليقه على المسند أن إسناده صحيح‪ ،‬ثم صرح بعد سطور‬
‫أنه إنما صححه مع اختلطه لنه ثبت معناه من حديث ابن عمر‬

‫‪64‬‬
‫بسند صحيح يعني هذا الذي في الكتاب‪ ،‬وليس فيه الزيادة‬
‫المنكرة‪ ،‬فكان عليه أن ينبه عليها حتى ل يتوهم أحد أن معناها‬
‫ثابت أيضا ً في حديث ابن عمر"‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حكم على هذه الزيادة بالنكارة المام الذهبي أيضا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فالرواية أخرجها البزار(‪ )2755‬والنسائي في الكبرى (‪)8188‬‬
‫والطبراني (‪ )4663‬وأبو يعلى (‪ )7211‬من طريق محمد بن عمرو‬
‫عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة‬
‫عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال خرجت مع رسول‬
‫الله‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫قال الذهبي في سير أعلم النبلء (‪ ":)222-1/221‬في سنده محمد –‬
‫يعني ابن عمرو بن علقمة ‪ -‬ل يحتج به‪ ،‬وفي بعضه نكارة بينة "‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وهذا العبارة منكرة‪" :‬شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا‪"...‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهي نكارة بينة كما قال الذهبي‪ ،‬وهذا نص في أنهم ذبحوها‬
‫للنصب ل عليه فقط‪ ،‬وهذه الجملة ل تحتمل ول تليق بالنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – وفي سندها محمد بن عمرو بن علقمة‬
‫قال فيه الحافظ‪ ":‬صدوق له أوهام " وقال الجوزجاني وغيره‪":‬‬
‫ليس بقوي"[‪ ]1‬وقال الذهبي في سير أعلم النبلء (‪" :)222-1/221‬ل‬
‫يحتج به"‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الرواية الصحيحة هي كما جاءت في صحيح البخاري‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫َّ‬
‫قال البخاري ( ‪ )5499‬حدثنا معلى بن أسد قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‬
‫يعني ابن المختار قال‪ :‬أخبرنا موسى بن عقبة قال‪ :‬أخبرني‬
‫سالم‪ :‬أنه سمع عبد الله يحدث‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ح‪ (-،‬مكان‬ ‫وسلم‪ " :‬أنه لقي زيد بن عمرو بن نُفَيل بأسفل بَلْد َ َ‬
‫في طريق التنعيم‪ ،‬ويقال‪ :‬هو واد) ‪ -‬وذاك قبل أن يُنزل على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي‪ ،‬فقُدِّم إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم‪ ،‬فأبى أن يأكل منها‪ ،‬ثم‬
‫قال‪" :‬إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم‪ ،‬ول آكل إل مما ذ ُكر‬
‫اسم الله عليه"‪.‬‬
‫وقال البخاري( ‪ )3826‬حدثني محمد بن أبي بكر قال‪ :‬حدثنا فضيل‬
‫بن سليمان قال‪ :‬حدثنا موسى بن عقبة قال‪ :‬حدثنا سالم بن عبد‬
‫الله‪ ،‬عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪ ":‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح‪ ،‬قبل أن‬
‫ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي‪ ،‬فقدمت إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم سفرة‪ ،‬فأبى أن يأكل منها‪ ،‬ثم قال زيد‪:‬‬
‫إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم‪ ،‬ول آكل إل ما ذكر‬
‫اسم الله عليه‪ .‬وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش‬
‫ذبائحهم‪ ،‬ويقول‪ :‬الشاة خلقها الله‪ ،‬وأنزل لها من السماء الماء‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫وأنبت لها من الرض‪ ،‬ثم تذبحونها على غير اسم الله‪ .‬إنكارا‬
‫ما له"‪.‬‬
‫لذلك وإعظا ً‬
‫قال ابن بطال – رحمه الله ‪ ":-‬كانت السفرة لقريش‬ ‫‪-‬‬
‫فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها‪،‬‬
‫فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو‪ ،‬فأبى أن‬
‫يأكل منها‪ ،‬وقال مخاطبا ً لقريش الذين قدموها أولً‪" :‬إنا ل نأكل‬
‫ما ذبح على أنصابكم "( عمدة القاري ‪.)11/540‬‬
‫خامساً‪ :‬أين ما يدل في الحديث أن النبي – صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم – أكل من هذه السفرة؟ فليس في الحديث أنه – صلى‬
‫الله عليه وسلم – أكل منها‪ ،‬وإنما غاية ما في الحديث أن‬
‫السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكل‬
‫منها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬فهذا هو الثابت في الصحيح أن النبي – صلى الله‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫عليه وسلم – عرضت وقدمت له السفرة فامتنع أن يأكل منها‪،‬‬
‫نعم جاء عند أحمد (‪ )2/69‬من طريق عفان عن وهيب عن موسى‪.‬‬
‫وأخرجه أحمد (‪ )2/90‬من طريق يحيى بن آدم عن زهير عن‬
‫موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر بلفظ‪ ":‬فقدم إليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل‬
‫منها ثم قال‪" :‬إني ل آكل ما تذبحون على أنصابكم ول آكل إل‬
‫مما ذكر اسم الله عليه "‪.‬‬
‫فمما سبق بيانه يتضح أن رواية صحيح البخاري أن السفرة‬
‫قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها‪ ،‬ثم‬
‫قدمت لزيد ولم يأكل منها‪ ،‬فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز‬
‫ولله الحمد‪.‬‬
‫ولو افترضنا صحة الرواية التي جاءت عند أحمد‪ ،‬وأن النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد‪ ،‬فكذلك ل يوجد دليل‬
‫على أنها ذبحت على نصب أو ذبحت لصنم‪ ،‬وإن كان قد يفهم‬
‫منها هذا ولكنها ليست صريحة‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬قال الخطابي في " أعلم الحديث " ‪ ":3/1657‬امتناع‬ ‫‪-‬‬
‫زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن‬
‫يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب فتنزه من أكله‪ ،‬وقد‬
‫كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل يأكل من ذبائحهم‬
‫التي كانوا يذبحونها لصنامهم‪ ،‬فأما ذبائحهم لمأكلتهم فإنا لم نجد‬
‫في شيء من الخبار أنه كان يتنزه منها‪ ،‬ولنه كان ل يرى الذكاة‬
‫واقعة إل بفعلهم قبل نزول الوحي عليه‪ ،‬وقبل تحريم ذبائح أهل‬
‫الشرك‪ ،‬فقد كان بين ظهرانيهم‪ ،‬مقيما ً معهم‪ ،‬ولم يُذكر أنه كان‬
‫يتميز عنهم إل في أكل الميتة‪ ،‬وكانت قريش وقبائل من العرب‬

‫‪66‬‬
‫تتنزه في الجاهلية عن أكل الميتات‪ ،‬ولعله – صلى الله عليه‬
‫وسلم – لم يكن يتّسع إذ ذاك لن يذبح لنفسه الشاة ليأكل منها‬
‫الشلو أو البضعة‪ ،‬ول كان فيما استفاض من أخباره أنه كان يهجر‬
‫اللحم ول يأكله‪ ،‬وإذا لم يكن بحضرته إل ذكاة أهل الشرك ول‬
‫يجد السبيل إلى غيره‪ ،‬ولم ينزل عليه في تحريم ذبائحهم شيء‪،‬‬
‫فليس إل أكل ما يذبحونه لمأكلتهم بعد أن تنزه من الميتات‬
‫تنزيها ً من الله عز وجل له‪ ،‬واختيارا ً من جهة الطبع لتركها‬
‫استقذارا ً لها‪ ،‬وتقززا ً منها‪ ،‬وبعد أن يجتنب الذبائح لصنامهم‬
‫عصمة من الله عز وجل له لئل يشاركهم في تعظيم الصنام‬
‫بها"‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬قال السهيلي‪ ":‬فإن قيل‪ :‬فالنبي – صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم – كان أولى من زيد بهذه الفضيلة‪ ،‬فالجواب أنه ليس في‬
‫الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها‪ ،‬وعلى تقدير أن‬
‫يكون أكل‪ ،‬فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه ل بشرع بلغه‪،‬‬
‫وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم‪ ،‬وكان في‬
‫شرع إبراهيم تحريم الميتة‪ ،‬ل تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه‪،‬‬
‫وإنما نزل تحريم ذلك في السلم‪ ،‬والصح أن الشياء قبل‬
‫الشرع ل توصف بحل ول بحرمة‪ ،‬مع أن الذبائح لها أصل في‬
‫تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القرآن‪." ...‬‬
‫‪ -‬وقال القاضي عياض في عصمة النبياء قبل النبوة‪ ":‬إنها‬
‫كالممتنع‪ ،‬لن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع‪ ،‬والنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – لم يكن متعبدا ً قبل أن يوحى إليه بشرع‬
‫من قبله على الصحيح‪."...‬‬
‫تاسعاً‪ :‬ومن التوجيهات كذلك كما قال الشيخ اللباني –‬ ‫‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ ":-‬توهم زيد أن اللحم المقدم إليه من جنس ما حرم‬
‫الله‪ ،‬ومن المقطوع به أن بيت محمد – صلى الله عليه وسلم –‬
‫ل يطعم ذبائح الصنام‪ ،‬ولكن أراد الستيثاق لنفسه والعلن عن‬
‫مذهبه‪ ،‬وقد حفظ محمد له ذلك وسّر به"[‪.]2‬‬
‫عاشراً‪ :‬قال الذهبي – رحمه الله‪ ":-‬لو افترض أن زيد بن‬ ‫‪-‬‬
‫حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – إل أنه كان معه‪ ،‬فنسب ذلك إليه‪ ،‬لن‬
‫زيدا ً لم كن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه لنبيه‪ ،‬وكيف‬
‫يجوز ذلك وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنماً‪ ،‬وما‬
‫مسه هو قبل نبوته‪ ،‬فكيف يرضى أن يذبح للصنم‪ ،‬هذا محال"‪.‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون‬
‫عنده"[‪]3‬‬
‫‪ -‬نتيجة البحث‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ :-1‬ليس في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬ ‫‪-‬‬
‫ذبح على النصب أو أكل مما ذبح على النصب‪ ،‬وغاية ما في‬
‫الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد‬
‫ولم يأكل منها‪.‬‬
‫‪ :-2‬الرواية التي في صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها‪ ،‬ثم قدمت لزيد ولم‬
‫يأكل منها‪ ،‬فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز ولله الحمد‪.‬‬
‫‪ :-3‬جاءت رواية عند أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫قدم السفرة لزيد‪ ،‬وامتنع زيد أن يأكل منها‪ ،‬وكذلك ل يوجد أي‬
‫دليل على الذبح للنصب أو للصنم‪ ،‬وإن كان يفهم منها هذا ولكنها‬
‫ليست صريحة‪.‬‬
‫‪ :-4‬امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من‬
‫أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب‬
‫فتنزه من أكله‪ ،‬وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل‬
‫يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لصنامهم‪.‬‬
‫‪ :-5‬قال الذهبي – رحمه الله‪" :-‬لو افترض أن زيد بن حارثة هو‬
‫الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – إل أنه كان معه‪ ،‬فنسب ذلك إليه‪ ،‬لن زيدا ً لم يكن‬
‫معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه‪ ،‬وكيف يجوز ذلك‬
‫وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنماً‪ ،‬وما مسه هو قبل‬
‫نبوته‪ ،‬فكيف يرضى أن يذبح للصنم‪ ،‬هذا محال"‪.‬‬
‫‪ :-6‬أما ما جاء في بعض الروايات التي فيها (إني ل آكل مما‬
‫تذبحون على أنصابكم) قال‪ :‬فما رؤي النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب) وهذه الرواية‬
‫منكرة‪ ،‬حكم عليها بالنكارة المام الذهبي والمام اللباني –‬
‫رحمهما الله ‪.-‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫ترجمة رقم ‪.5879‬‬ ‫[‪ ]1‬المغني في الضعفاء‬
‫[‪ (]2‬فقه السيرة ص ‪.)82‬‬
‫[‪ (]3‬سير أعلم النبلء ‪.)1/135‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪)22‬شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫زينب بنت جحش والرد عليها‬
‫أبو عبد الله الذهبي‬
‫الحمد لله والصلة و الصلة و السلم على رسول الله‪ ،‬ثم أما‬
‫بعد‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫أحبتي في الله شاء الله عز وجل ول مرد لمشيئته أن يطلق زيد‬
‫بن حارثة زوجته حينما تعذر بقاء الحياة الزوجية بينه و بينها على‬
‫الوجه المطلوب‪ ،‬و مضت سنة الله في خلقه أن ما رسخ في‬
‫النفوس بحكم العادة ل يسهل التخلص منه‪ ،‬فقد كانت عادة‬
‫التبني ل تزال قائمة في نفوس الناس‪ ،‬و ليس من السهل‬
‫التغلب على الثار المترتبة عليها‪ ،‬و من أهم هذه الثار أن الب ل‬
‫يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلقه لزوجته‪ ،‬فاختار الله‬
‫تعالى لهذه المهمة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم و أمره‬
‫بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلقها من زيد‪.‬‬
‫و بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬أثار هذا الزواج أحاديث همز و لمز و أقاويل كثيرة من قبل‬
‫المشركين والمنافقين‪ ،‬فقد قالوا‪ :‬تزوج محمد حليلة ابنه زيد بعد‬
‫أن طلقها‪ ،‬كما وأن للمستشرقين و من شايعهم في العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬أحاديث في هذا الموضوع‪ ،‬فاتخذوا من هذه الحادثة‬
‫ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫والذي أريد أن أتحدث عنه اليوم هو الرد على هؤلء‬
‫المستشرقين الذين اتخذوا من هذه القضية مدخل ً للطعن في‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما و أنهم تناولوا زواجه صلى‬
‫الله عليه وسلم بهذا العدد‪ ،‬فجعلوا منه مادة للنيل منه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬و وصفوه بأشياء ينبو عنها القلم‪.‬‬
‫و لما كان هذا المر من الخطورة بمكان لتعلقه بأشرف خلق‬
‫الله على الطلق ‪ -‬و كان كل من يطلق لسانه في هذا الصدد‬
‫يقول‪ :‬لسنا نبتدع شيئاً‪ ،‬فها هي كتب التفسير و كتب السير‬
‫تحكي ذلك ‪ ،-‬لذا سأقوم الن بعرض تلك الروايات التي اعتمدوا‬
‫جه لسانيدها‬ ‫عليها رواية رواية‪ ،‬متبعا ً كل رواية منها ببيان ما و ّ‬
‫من نقد‪ ،‬ثم أتبع ذلك بنقدها جميعا ً من جهة متونها‪ ،‬و موقف‬
‫الئمة المحققين من هذه الروايات‪.‬‬
‫يقو الله تعالى‪{ :‬وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه‬
‫أمسك عليك زوجك واتق الله‪ ،‬و تخفي في نفسك ما الله مبديه‪،‬‬
‫و تخشى الناس والله أحق أن تخشاه‪ ،‬فلما قضى زيد منها وطراً‬
‫زوجناكها لي ل يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا‬
‫قضوا منهن وطرا ً وكان أمر الله مفعولً}[الحزاب‪]37/‬‬
‫إن السبب في طلق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم منها؛ هو ما كان بين زيد و بين زينب من خلفات‪ ،‬و‬
‫أنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما‪،‬‬
‫فطلقها بمحض اختياره و رغبته‪ ،‬و كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ينهاه عن ذلك‪ ،‬و قد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه‬

‫‪69‬‬
‫صلى الله عليه وسلم أن زيدا ً سيطلق زينب‪ ،‬و أنه ستكون زوجة‬
‫له‪ ،‬و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا و يخشى من‬
‫مقولة الناس‪ ،‬أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه‪ ،‬فعاتبه ربه‬
‫على ذلك‪ .‬انظر‪ :‬جامع البيان للطبري(‪ )22/11‬و تفسير القرآن‬
‫العظيم لبن كثير(‪ ،)3/489‬و انظر البخاري( برقم ‪.)4787‬‬
‫خلصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون‬
‫أن هناك سببا ً آخر لطلق زينب‪ ،‬هو أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم رأى زينب فجأة و هي في ثياب المنزل فأعجبته‪ ،‬و وقع‬
‫في قلبه حبها‪ ،‬فتكلم بكلم يفهم منه ذلك‪ ،‬إذ سمعه زيد فبادر‬
‫إلى طلقها تحقيقا ً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و أن‬
‫زيدا ً شاوره في طلقها‪ ،‬و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ينهاه عن ذلك‪ ،‬لكن في قلبه ضد هذا‪ ،‬و أنه كان راغبا ً في طلق‬
‫زيد لها ليتزوجها‪ ،‬و فوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل‪،‬‬
‫م يخفي هذا والله سيبديه‪.‬‬ ‫بل عاتبه ل ِ َ‬
‫و رغم شناعة ما جاء في هذه الروايات‪ ،‬و هذا الفهم للية‬
‫الكريمة التي تتحدث عن طلق زيد لزينب و زواج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بها‪ ،‬إل أنه قد جاز على أئمة فضلء‪ ،‬ففسروا به‬
‫الية الكريمة‪ ،‬وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم‪.‬‬
‫ومن هؤلء الئمة‪ :‬ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان(‪،)22/12‬‬
‫عند تفسيره الية ولم يذكر غيره‪.‬‬
‫و منهم‪ :‬الرازي في تفسيره(‪ ،)13/184‬حيث ذكر نحوا ً من كلم ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬ابن القيم في كتابه الجواب الكافي(ص ‪ ،)247‬حيث ذكره‬
‫في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام والئمة‬
‫العلم‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬الزمخشري في تفسيره(‪.)3/262‬‬
‫وأحسن ما يعتذر به عن هؤلء الئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر‬
‫الية بهذا‪ ،‬أنهم عدوا هذا منه صلى الله عليه وسلم من عوارض‬
‫البشرية‪ ،‬كالغضب والنسيان‪ ،‬و لكنهم لم يستحضروا شناعة هذا‬
‫التفسير للية‪ ،‬و نسبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و‬
‫لم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها و متونها‬
‫كما فعل غيرهم‪ ،‬ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن‬
‫يغفر لهم‪.‬‬
‫والن إلى نقد الروايات‪..‬‬
‫الرواية الولى ذكرها ابن سعد في طبقاته(‪ )8/101‬و من طريقه‬
‫ساقها ابن جرير في تاريخه(‪ :)3/161‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن عمر‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عامر السلمي‪ ،‬عن محمد بن يحيى بن‬

‫‪70‬‬
‫حبان‪ ،‬قال‪ :‬جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن‬
‫حارثة يطلبه‪ ،‬و كان زيد إنما يقال له‪ :‬زيد بن محمد‪ ،‬فربما فقده‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول‪" :‬أين زيد؟‬
‫فجاء منزله يطلبه‪ ،‬فلم يجده‪ ،‬و تقوم إليه زينب بنت جحش‬
‫ضل ً أي وهي لبسة ثياب نومها ‪ ،-‬فأعرض رسول الله‬ ‫زوجته فُ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬ليس هو هاهنا يا رسول الله‬
‫فادخل بأبي أنت وأمي‪ ،‬فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يدخل‪ ،‬و إنما عجلت أن تلبس لما قيل لها‪ :‬رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على الباب فوثبت عجلى‪ ،‬فأعجبت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فولى و هو يهمهم بشيء ل يكاد يفهم منه‬
‫إل‪ :‬سبحان مصّرف القلوب‪ ،‬فجاء زيد إلى منزله‪ ،‬فأخبرته امرأته‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله‪ ،‬فقال زيد‪ :‬أل‬
‫قلت له أن يدخل؟ قالت‪ :‬قد عرضت ذلك عليه فأبى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فسمعت شيئاً؟ قالت‪ :‬سمعته يقول حين ولى تكلم بكلم ل‬
‫أفهمه‪ ،‬و سمعته يقول‪ :‬سبحان الله العظيم‪ ،‬سبحان مصرف‬
‫القلوب‪ ،‬فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهل دخلت؟ بأبي‬
‫وأمي يا رسول الله‪ ،‬لعل زينب أعجبتك فأفارقها‪ ،‬فيقول رسول‬
‫الله‪" :‬أمسك عليك زوجك"‪ ،‬فما استطاع زيد إليها سبيل ً بعد ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره‪،‬‬
‫فيقول رسول الله‪" :‬أمسك عليك زوجك"‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رسول الله‬
‫أفارقها‪ ،‬فيقول رسول الله‪" :‬احبس عليك زوجك"‪ ،‬ففارقها زيد‬
‫واعتزلها و حلت يعني انقضت عدتها قال‪ :‬فبينا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة‪ ،‬إلى أن أخذت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية‪ ،‬فسري عنه و هو يبتسم‬
‫و هو يقول‪" :‬من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من‬
‫السماء؟" وتل رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ تقول‬
‫للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك‪ }..‬الية‪،‬‬
‫القصة كلها‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فأخذني ما قرب و ما بعد لما يبلغنا من جمالها‪،‬‬
‫وأخرى هي أعظم المور وأشرفها ما صنع الله لها‪ ،‬زوجها الله‬
‫من السماء‪ ،‬و قلت‪ :‬هي تفخر علينا بهذا‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فخرجت‬
‫سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فتحدثها‬
‫بذلك‪ ،‬فأعطتها أوضاحا ً حلي من الفضة عليها‪.‬‬
‫وإسناد هذه الرواية فيه علل ثلث‪ ،‬واحدة منها تكفي لرد هذه‬
‫الرواية‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫العلة الولى‪ :‬أنها مرسلة‪ ،‬فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي‪ ،‬يروي‬
‫عن الصحابة‪ ،‬و يروي أيضا ً عن التابعين‪ ،‬كعمر بن سليم و‬
‫العرج‪ ،‬و غيرهما‪(،‬ت ‪ 121‬هـ) و عمره( ‪ 74‬سنة)‪ ،‬فهو لم يدرك‬
‫القصة قطعا ً و لم يذكر من حدثه بها‪ .‬التهذيب(‪.)508-9/507‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬عبد الله بن عامر السلمي‪ ،‬ضعيف بالتفاق‪ ،‬بل‬
‫قال فيه البخاري‪ :‬ذاهب الحديث‪ ،‬و قال أبو حاتم‪ :‬متروك‪.‬‬
‫التهذيب(‪ ،)5/275‬و ميزان العتدال(‪.)2/448‬‬
‫العلة الثالثة‪ :‬محمد بن عمر‪ ،‬و هو الواقدي‪ ،‬إخباري كثير الرواية‪،‬‬
‫لكنه متروك الحديث‪ ،‬ورماه جماعة من الئمة بالكذب و وضع‬
‫الحديث‪ .‬ميزان العتدال(‪.)3/664‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ذكرها ابن جرير في تفسيره(‪ )22/13‬قال‪ :‬حدثني‬
‫يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت‬
‫عمته‪ ،‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً يريده وعلى‬
‫الباب ستر من شعر‪ ،‬فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في‬
‫حجرتها حاسرة‪ ،‬فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما وقع ذلك كرهت الخر‪ ،‬فجاء فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫إني أريد أن أفارق صاحبتي‪ ،‬قال‪" :‬مالك؟ أرابك منها شيء؟"‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬والله ما رابني منها شيء يا رسول الله‪ ،‬ول رأيت إل‬
‫خيراً‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمسك عليك‬
‫زوجك واتق الله"‪ ،‬فذلك قول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم‬
‫الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه }‪ ،‬تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها‪.‬‬
‫و هذه الرواية فيها علتان‪:‬‬
‫العلة الولى‪ :‬أنها معضلة‪ ،‬فابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم ليس بصحابي ول تابعي‪ ،‬فقد سقط من السناد راويان أو‬
‫أكثر‪.‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق‬
‫المحدثين‪ ،‬بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث‪ ،‬قال البخاري‬
‫وأبو حاتم‪ :‬ضعفه علي بن المديني جداً‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬كان في‬
‫الحديث واهياً‪ ،‬و جاء عن الشافعي أنه قال‪ :‬قيل لعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم‪ :‬حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف‬
‫المقام ركعتين؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً‬
‫منقطعا ً قال له‪ :‬اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه‬
‫عن نوح‪ .‬و أقوال الئمة في تضعيفه كثيرة‪ ،‬و هو رجل صالح في‬
‫نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف‬

‫‪72‬‬
‫جداً‪ .‬التهذيب(‪ .)6/178‬و يروى عنه شيء كثير في التفسير‪ ،‬فما‬
‫كان من رأيه في فهم القرآن‪ ،‬فهذا ينظر فيه‪ ،‬وأما ما يرويه‬
‫مسندا ً فغير مقبول‪ ،‬فكيف إذا أرسل الحديث؟!‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬ذكرها أحمد في مسنده(‪ ،)150-3/149‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫مؤمل بن إسماعيل قال‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ثابت‬
‫عن أنس قال‪ :‬أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد‬
‫بن حارثة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته زينب‪،‬‬
‫وكأنه دخله ل أدري من قول حماد أو في الحديث فجاء زيد‬
‫يشكوها إليه‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمسك عليك‬
‫زوجك واتق الله‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت { واتق الله و تخفي في نفسك ما‬
‫الله مبديه } إلى قوله { زوجناكها } يعني زينب‪.‬‬
‫مؤمل بن إسماعيل قواه بعض الئمة‪ ،‬و وصفه أكثرهم بأنه كثير‬
‫الخطأ يروي المناكير‪ ،‬قال يعقوب بن سفيان‪ :‬حديثه ل يشبه‬
‫حديث أصحابه‪ ،‬و قد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه‪،‬‬
‫فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه‪ ،‬و هذا أشد‪ ،‬فلوا كانت هذه‬
‫المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً‪ .‬و قال محمد بن نصر‬
‫المروزي‪ :‬المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه‪،‬‬
‫لنه كان سيء الحفظ كثير الغلط‪ .‬التهذيب(‪.)10/381‬‬
‫و حديثه هذا قد رواه جماعة من الثقات من أصحاب حماد فلم‬
‫يذكروا أول الحديث‪ ،‬وإنما ذكروا مجيء زيد يشكوا زينب‪ ،‬و قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم له‪ ،‬و نزول الية‪ .‬البخاري(برقم ‪)7420‬‬
‫والترمذي( برقم ‪ )3212‬والنسائي( برقم ‪.)11407‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬رواها ابن جرير في تفسيره(‪ ،)22/13‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد عن قتادة‪ { :‬وإذ تقول‬
‫للذي أنعم الله عليه } و هو زيد أنعم الله عليه بالسلم‪:‬‬
‫{ وأنعمت عليه } أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫{ أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله‬
‫مبديه }‪ ،‬قال‪ :‬وكان يخفي في نفسه ود ّ أنه طلقها‪ ،‬قال الحسن‪:‬‬
‫ما أنزلت عليه آية كانت أشد منها قوله { واتق الله وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه }‪ ،‬و لو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كاتما ً شيئا ً من الوحي لكتمها { وتخشى الناس والله أحق أن‬
‫تخشاه }‪ ،‬قال خشي نبي الله صلى الله عليه وسلم مقالة‬
‫الناس‪.‬‬
‫و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هذه القصة مختصرة‪،‬‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬جاء زيد بن حارثة فقال‪ :‬يا رسول الله إن زينب اشتد عل ّ‬
‫لسانها‪ ،‬وأنا أريد أن أطلقها‪ ،‬فقال له‪" :‬اتق الله وأمسك عليك‬

‫‪73‬‬
‫زوجك"‪ ،‬قال‪ :‬والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها و‬
‫يخشى مقالة الناس‪ .‬فتح الباري(‪.)8/524‬‬
‫وقتادة هو بن دعامة السدوسي أحد الئمة الحفاظ‪ ،‬مشهور‬
‫بالتفسير‪ ،‬فما فسره من فهمه لليات فينظر فيه‪ ،‬وما ذكره‬
‫رواية فإن العلماء أخذوا عليه كثرة التدليس‪ ،‬فاشترطوا لصحة‬
‫حديثه أن يصرح بالسماع‪ ،‬و هذا إذا ذكر السناد‪ ،‬فإما ما يرسله‬
‫ول يذكر بعده في السناد أحدا ً كما في روايته لهذه القصة فهو‬
‫ضعيف جداً‪ ،‬قال الشعبي‪ :‬كان قتادة حاطب ليل‪ ،‬و قال أبو‬
‫عمرو بن العلء‪ :‬كان قتادة وعمرو بن شعيب ل يغث عليهما‬
‫شيء‪ ،‬يأخذان عن كل أحد‪ .‬التهذيب(‪ .)356-8/351‬و كان يحيى بن‬
‫سعيد القطان ل يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً‪ ،‬و يقول‪ :‬هو‬
‫بمنزلة الريح‪ .‬جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلئي( ص‬
‫‪.)101‬‬
‫على أن روايته لتفسير الية ليس فيه تفصيل كما في الروايات‬
‫الخرى‪ ،‬و يمكن رد روايته إلى الروايات الصحيحة في تفسير‬
‫الية‪ ،‬فيكون معنى( أحب) و( ودّ) أي علم أن زيدا ً سيطلقها ول‬
‫بد بإلهام الله له ذلك‪ ،‬وتكون خشيته من مقالة الناس حينئذ ٍ أن‬
‫يقولوا‪ :‬تزوج حليلة ابنه‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬ذكرها القرطبي في تفسيره(‪ )14/190‬قال‬
‫مقاتل‪ :‬زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من‬
‫زيد فمكثت عنده حيناً‪ ،‬ثم إنه عليه السلم أتى زيدا ً يوما ً يطلبه‪،‬‬
‫م نساء‬ ‫فأبصر زينت قائمة‪ ،‬و كانت بيضاء جميلة جسيمة من أت ّ‬
‫قريش‪ ،‬فهويها وقال‪" :‬سبحان الله مقلب القلوب"‪ ،‬فسمعت‬
‫زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد‪ ،‬ففطن زيد فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫ي و تؤذيني‬ ‫ائذن لي في طلقها‪ ،‬فإن فيها كبراً‪ ،‬تعظم عل ّ‬
‫بلسانها‪ ،‬فقال عليه السلم‪" :‬أمسك عليك زوجك واتق الله"‪ ،‬و‬
‫ضله في‬ ‫قيل‪ :‬إن الله بعث ريحا ً فرفعت الستر و زينب ُ‬
‫متَفَ َّ‬
‫منزلها‪ ،‬فرأى زينب فوقعت في نفسه‪ ،‬و وقع في نفس زينب أنه‬
‫وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما جاء يطلب‬
‫زيداً‪ ،‬فجاء زيد فأخبرته بذلك‪ ،‬فوقع في نفس زيد أن يطلقها‪.‬‬
‫هذه الرواية لم يذكروا لها إسنادا ً إلى مقاتل‪ ،‬و لو صحت إلى‬
‫مقاتل لم يفدها شيئاً‪ ،‬فإن مقاتل ً وهو مقاتل بن سليمان فيما‬
‫يظهر قد كذبه جمع من الئمة ووصفوه بوضع الحديث‪ ،‬و تكلوا‬
‫في تفسيره‪ .‬أنظر ترجمته في التهذيب(‪.)285-10/279‬‬
‫الرواية السادسة‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬مرض زيد بن حارثة فذهب‬
‫إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده و زينب ابنة جحش‬
‫امرأته جالسة عن رأس زيد‪ ،‬فقامت زينب لبعض شأنها‪ ،‬فنظر‬

‫‪74‬‬
‫إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طأطأ رأسه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"سبحان مقلب القلوب والبصار"‪ ،‬فقال زيد‪ :‬أطلقها لك يا‬
‫رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬ل"‪ ،‬فأنزل الله عز وجل { وإذ تقول للذي‬
‫أنعم الله عليه وأنعمت عليه‪ }...‬إلى قوله {وكان أمر الله مفعولً‬
‫}‪ .‬تعدد نساء النبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية‬
‫والسلم اللواء أحمد عبد الوهاب( ص ‪.)68‬‬
‫هذه الرواية لم يذكروا لها إسناداً‪ ،‬و لم أقف عليها في سيرة ابن‬
‫هشام‪.‬‬
‫و بعد أن تبين ضعف هذه الروايات وسقوطها من جهة أسانيدها‪،‬‬
‫فلننظر فيها من جهة متونها وما فيها من اضطراب ونكارة‪ ،‬من‬
‫عدة وجوه‪-:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬تناقض الروايات المذكورة‪ ،‬ففي بعضها أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم زار زيد بن حارثة و هو غائب‬
‫فاستقبلته زينب‪ ،‬و في بعضها أن زيدا ً كان مريضاً‪ ،‬فزاره رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و كان عليه أفضل الصلة وأتم‬
‫التسليم جالسا ً هو و زيد و زينب‪ ،‬فكيف يكون زيد غائبا ً و مريضاً‬
‫في فراشه في وقت واحد‪.‬؟!‬
‫الوجه الثاني‪ :‬والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم زار زيدا ً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لزينب رضي الله عنها‪ ،‬فرواية تقول بأنه كان واقفاً‬
‫بالباب فخرجت إليه‪ ،‬و رواية بأنه كان واقفا ً بباب زيد فرفعت‬
‫الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬تتفق الروايات على أن إعجاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بزينب ووقوع حبها في قلبه جاء متأخراً‪ ،‬أي بعد أن‬
‫تزوجها زيد رضي الله عنه‪ ،‬و هذا شيء عجيب‪ ،‬فلقد ولدت زينب‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثانية عشرة من‬
‫عمره‪ ،‬و شبت وترعرعت أمامه‪ ،‬فهي ابنة عمته‪ ،‬ألم يلحظ‬
‫مفاتنها إل متأخراً‪ ،‬و بعد أن صارت زوجة لدعيّه‪ ،‬و هو الذي‬
‫زوجها له‪ ،‬والحجاب لم ينزل بعد‪ ،‬فقد نزل صبيحة عرسها‪ ،‬أل‬
‫يكون شاهدها‪ ،‬فلوا كان يهواها أو وقعت في قلبه لما منعه شيء‬
‫من زواجها‪ ،‬فإشارة منه صلى الله عليه وسلم كافية لن يقدموها‬
‫له‪ ،‬بل قد ورد أنه وهبت نفسها له‪ .‬أنظر كلم ابن العربي حول‬
‫هذا الوجه في كتابه أحكام القرآن(‪.)3/1543‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬لو افترضنا جدل ً أن حبها وقع في قلبه صلى الله‬
‫عليه وسلم متأخرا ً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة‪ ،‬فبأي شيء‬
‫يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و‬
‫زينب أنها وقعت في قلبه‪ ،‬سواء كان ذلك تسبيحا ً أو طأطأة‬

‫‪75‬‬
‫للرأس‪ ،‬أو غير ذلك؟! كيف ذلك و هو الذي نهي عن أن يخبب‬
‫الرجل امرأة غيره عليه؟ أفيعمل ما قد نهي أمته عنه؟! فعن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ (:‬من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا) أبو داود(‬
‫برقم ‪ )5170‬بسند صحيح‪.‬‬
‫ولو افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد‬
‫إفهامها ذلك‪ ،‬وإنما صدر منه ذلك عفوا ً دون قصد‪ ،‬فكيف بما‬
‫ذكروا أنه عقد عليه قلبه من محبته و رغبته أن يطلقها زيد‬
‫ليتزوجها؟ ولو نسب ذلك إلى آحاد المسلمين لكان ينبغي تبرئته‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫وفوق ذلك كله كيف يعاتبه الله كما تقول هذه الروايات لنه‬
‫أخفي ذلك عن الناس و لم يعلن أنه يحب زوجة زيد‪ ،‬وأنه يود لو‬
‫صوٌّر مثل هذا كاف في ظهور بطلن هذه‬ ‫طلقها ليتزوجها؟ ت َ َ‬
‫الروايات‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬هذه الروايات التي فسروا بها الية لو لم يرد‬
‫غيرها لم يصح أن يفسر بها كتاب الله تعالى‪ ،‬لسقوطها إسناداً‬
‫ومتناً‪ ،‬فكيف و قد وردت روايات أخرى في تفسير الية تفسيراً‬
‫منطقيا ً ل إشكال فيه ول نكارة‪ ،‬فالذي يخفيه صلى الله عليه‬
‫وسلم هو ما أعلمه ربه أنه ستصبح زوجة له‪ ،‬و الذي يخشاه هو‬
‫مقولة الناس إنه تزوج حليلة من كان يدعى إليه‪.‬‬
‫والغريب في المر أن بعض المفسرين ترك هذه الروايات‬
‫الصحيحة و التي ل مطعن فيها‪ ،‬و ذكر تلك الروايات الشاذة‬
‫الغريبة‪ ،‬و منهم من لم يذكرها لكنه ذهب يفسر اليات على‬
‫ضوئها‪.‬‬
‫و إذا اتضح الن سقوط تلك الروايات سندا ً و متنا ً فإنه ل يفوتني‬
‫هنا أن أسجل مواقف بعض الئمة المحققين من المفسرين‬
‫وغيرهم الذي وقفوا أمام هذه الروايات موقفا ً حازما ً صلباً‪،‬‬
‫فمنهم من ذكرها و فندها‪ ،‬و منهم من أضرب عنها صفحا ً بعد‬
‫الشارة إلى ضعفها و نكارتها‪.‬‬
‫قال ابن العربي بعد أن ذكر ملخص هذه الروايات‪ ،‬و بين عصمة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هذه الروايات كلها ساقطة السانيد‪.‬‬
‫أحكام القرآن(‪.)3/1543‬‬
‫قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وما الذي كان يخشاه من الناس‪ :‬وهذا القول‬
‫أحسن ما قيل في تأويل هذه الية‪ ،‬وهو الذي عليه أهل التحقيق‬
‫من المفسرين والعلماء الراسخين‪ ،‬كالزهري والقاضي بكر بن‬
‫العلء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم‪ .‬فأما ما‬

‫‪76‬‬
‫روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد وربما‬
‫جان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل‬ ‫م ّ‬‫أطلق بعض ال ُ‬
‫بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا‪ ،‬أو مستخف‬
‫بحرمته‪ .‬الجامع لحكام القرآن(‪.)14/191‬‬
‫وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة‪ :‬ذكر ابن أبي حاتم‬
‫وابن جرير هاهنا آثارا ً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن‬
‫نضرب عنها صفحا ً لعدم صحتها فل نوردها‪ ،‬و قد روى المام‬
‫أحمد هاهنا أيضا ً حديثا ً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس‬
‫رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً‪ .‬تفسير القرآن‬
‫العظيم(‪.)3/491‬‬
‫و قال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة‪ :‬و وردت آثار‬
‫أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين‬
‫ل ينبغي التشاغل بها‪ .‬فتح الباري(‪.)8/524‬‬
‫و هناك ثُلّة كبيرة من علماء السلم في العصر الحاضر تفطنوا‬
‫لمثل هذه الخبار‪ ،‬ورمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل‬
‫خطيرة ل تليق بمقام النبياء‪ ،‬فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب‬
‫عن هذه الثار الدخيلة‪ ،‬فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ‬
‫الفكر السلمي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو تشويه الحقائق التاريخية‬
‫في تراث السلم‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد رشيد رضا‪ :‬وللقصاص في هذه القصة كلم ل‬
‫ينبغي أن يجعل في حيز القبول‪ ،‬و يجب صيانة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زورا ً و بهتاناً‪.‬‬
‫محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم( ص ‪.)275‬‬
‫و خلصة المر‪..‬‬
‫كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش‬
‫لهلل ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس‬
‫وثلثين‪ .‬ابن سعد في الطبقات(‪.)8/114‬‬
‫روى البخاري في صحيحه( برقم ‪ :)7420‬أن زيدا ً جاء يشكو زوجته‪،‬‬
‫فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬اتق الله وأمسك عليك‬
‫زوجك"‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كاتما ً شيئاً‪ ،‬لكتم هذه‪ ،‬فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬تقول‪ :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬و زوجني الله من فوق سبع‬
‫سماوات‪.‬‬
‫و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫(‪ )23‬علة كثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪77‬‬
‫* الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى‪.......‬وبعد‪:‬‬
‫أخرج البخاري في كتاب النكاح‪:‬‬
‫ت؟ قُل ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ل تََزوَّ ْ‬
‫ج َ‬ ‫س‪{:‬هَ ْ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ل لِي اب ْ ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬
‫جبَيْرٍ قَا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سعِيد ِ ب ْ ِ‬
‫ن َ‬‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ساءً}‪.‬‬‫مةِ أكْثَُرهَا ن ِ َ‬ ‫خيَْر هَذِهِ ال َّ‬‫ن َ‬‫َ‬ ‫َل‪ .‬قَال‪ َ:‬فَتََزوَّ ْ‬
‫ج فَإ ِ ّ‬
‫قال في الشرح‪:‬‬
‫قوله (فإن خير هذه المة أكثرها نساء) قيد بهذه المة ليخرج‬
‫مثل سليمان عليه السلم‪ ,‬فإنه كان أكثر نساء‪ ,‬وكذلك أبوه داود‪,‬‬
‫ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن‬
‫عباس " تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء " قيل المعنى خير‬
‫أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما‬
‫عدا ذلك من الفضائل‪ .‬والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وبالمة أخصاء أصحابه; وكأنه أشار‬
‫حا ما آثر النبي صلى‬ ‫إلى أن ترك التزويج مرجوح‪ ,‬إذ لو كان راج ً‬
‫الله عليه وسلم غيره‪ ,‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع‬
‫كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به ‪ -‬يكثر التزويج لمصلحة تبليغ‬
‫الحكام التي ل يطلع عليها الرجال‪ ,‬ولظهار المعجزة البالغة في‬
‫خرق العادة لكونه كان ل يجد ما يشبع به من القوت غالبا‪ ,‬وإن‬
‫وجد كان يؤثر بأكثره‪ ,‬ويصوم كثيًرا ويواصل‪ ,‬ومع ذلك فكان‬
‫يطوف على نسائه في الليلة الواحدة‪ ,‬ول يطاق ذلك إل مع قوة‬
‫البدن‪ ,‬وقوة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من‬
‫مأكول ومشروب‪ ,‬وهي عنده نادرة أو معدومة‪ .‬ووقع في "‬
‫الشفاء " أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدللته على‬
‫الرجولية‪ ,‬إلى أن قال‪ :‬ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه‪ ,‬بل‬
‫زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن‬
‫وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن عليه فل‬
‫يتطلعن إلى غيره‪ ,‬بخلف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع‬
‫البشري إلى التزويج‪ ,‬وذلك هو الوصف اللئق بهن‪.‬‬
‫* والذي تحصل من كلم أهل العلم في الحكمة في استكثاره من‬
‫النساء عشرة أوجه تقدمت الشارة إلى بعضها‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به‬
‫المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬للزيادة في تألفهم لذلك‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬للزيادة في التكليف حيث كلف أن ل يشغله ما حبب إليه‬
‫منهن عن المبالغة في التبليغ‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من‬
‫يحاربه‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫سادسها‪ :‬نقل الحكام الشرعية التي ل يطلع عليها الرجال‪ ,‬لن‬
‫أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله‪.‬‬
‫سابعها‪ :‬الطلع على محاسن أخلقه الباطنة‪ ,‬فقد تزوج أم حبيبة‬
‫وأبوها إذ ذاك يعاديه‪ ,‬وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها‪ ,‬فلو لم‬
‫يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه‪ ,‬بل الذي وقع أنه كان‬
‫أحب إليهن من جميع أهلهن‪.‬‬
‫ثامنها‪ :‬ما تقدم مبسوطًا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع‬
‫التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال‪ ,‬وقد أمر‬
‫من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم‪ ,‬وأشار إلى أن كثرته تكسر‬
‫شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تاسعها وعاشرها‪ :‬ما تقدم نقله عن صاحب " الشفاء " من‬
‫تحصينهن والقيام بحقوقهن‪ ,‬والله أعلم‪.‬‬
‫جمعه ورتبه وكتبه الفقير‬
‫د‪ /‬السيد العربي بن كمال‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫(‪ )24‬شبهات وتهم ضد مقام النبوة‬
‫شبهات وتهم ضد مقام النبوة(‪)1‬‬
‫قال الله تبارك وتعالى‪( :‬إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله‬
‫في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا) [الحزاب ‪.]57 :‬‬
‫ما من نبي ول رسول أرسله الله عز وجل إل واجه أعداء يكذبونه‬
‫ويشككون الناس في صدق نبوته وهذه سنة من سنن الله عز‬
‫وجل قال تعالى‪( :‬كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس‬
‫والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك‬
‫ما فعلوه فذرهم وما يفترون) [النعام ‪.]112 :‬‬
‫ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعا ً بين الرسل فقد واجه ما‬
‫واجهه إخوته من النبياء من التكذيب والعناد والقتال والتشريد‬
‫والسجن والطرد والستهزاء ولكن ذلك لم يثنه عن دعوته ولم‬
‫ل في عزيمته بل كان ثابتا ً كالطود الشم فصبر وهانت عليه‬ ‫يف َّ‬
‫نفسه في سبيل الله عز وجل حتى نصره الله عز وجل ورفع له‬
‫ذكره إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد اتهم نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وقيل شهواني‬
‫وقالوا عنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وأتهم بأنه عدواني‬
‫ومتعصب وإرهابي وهذه التهم مجرد شبهات واهية تسقط عند‬
‫أول وهلة من التعرف على شخصيته ودراسة سيرته وتتبع سنته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفيما يلي نستعرض كل شبهة أثيرت حول نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم ونفندها بحجج منيرة كالشمس في رائعة النهار‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪( :‬كاذب)‪:‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه (ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون)‪:‬‬
‫الشبهة الثالثة‪( :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل)‪:‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني)‪:‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه (إرهابي دموي سفاك للدماء)‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪( :‬كاذب)‪:‬‬
‫هذه أضعف فرية افتريت على نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫وأضعف شبهة يمكن أن يتشبث بها أحد قديما ً أو حديثاً‪ ،‬وذلك لما‬
‫اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم منذ طفولته من صدق الحديث‬
‫وأمانة في الخلق حتى كانت من أوضح صفاته وأخلقه التي تميز‬
‫بها‪ ،‬حتى أنه كان يسمى في الجاهلية بالمين لصدقه وأمانته‬
‫صلى الله عليه وسلم ومما يثبت ذلك ما جرى في قصة بناء‬
‫قريش للكعبة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم واختلفهم على‬
‫وضع الحجر السود حتى كادوا يقتتلون بسبب إرادة كل قبيلة أن‬
‫تفوز بشرف وضع الحجر السود في مكانه ولما اشتد الخلف‬
‫فيما بينهم وأصرت كل قبيلة على الفوز بهذا الشرف أراد أحد‬
‫عقلئهم أن يضع حدا ً للخلف فقال لهم حكموا بينكم أول داخل‬
‫عليكم من باب الصفا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما‬
‫رأوه مقبل ً قالوا‪ :‬هذا محمد المين رضينا به حكماً‪ .‬ففي هذه‬
‫القصة وقد حدثت قبل البعثة أكبر دليل على اشتهاره بالصدق‬
‫والمانة فيما بينهم‪.‬‬
‫ومما يثبت اشتهاره بالصدق بين قريش وعدم شكهم في صدق‬
‫حديثه حديث أبي سفيان مع هرقل وسؤال هرقل حينما سأل أبا‬
‫سفيان‪ :‬هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال‪ :‬ل ثم‬
‫رد هرقل في آخر الحديث بحكمة قل من يفطن لها إذ قال‪:‬‬
‫وسألتك أتتهمونه بالكذب فقلت‪ :‬ل فعلمت أنه لن يدع الكذب‬
‫على الناس ثم يكذب على الله تعالى و الحديث في صحيح‬
‫البخاري‪..‬‬
‫ومما يثبت نفي الكذب عنه ما ورد في حديث ركانة بن عبد يزيد‬
‫في السنن بإسناد فيه كلم‪ .‬وكان شديد العداوة للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والستهزاء به فقال يوما ً للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب فإن صرعتني علمت‬
‫أنك صادق‪ ،‬لقد أثبت صدقه بنفي الكذب عنه مع شدة العداوة‬
‫وكثرة استهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السير‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫وقد روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له‪ :‬إنا ل نكذبك‪،‬‬
‫ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم‪( :‬فإنهم ل‬
‫يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) [النعام ‪.]33 :‬‬
‫وقد اشتهر بين قريش صدقه صلى الله عليه وسلم حتى إن أبا‬
‫طالب لما أخبره نبينا صلى الله عليه وسلم بخبر الصحيفة التي‬
‫كتبتها قريش وأن الرضة قد أكلتها ولم تترك فيها إل كلمة واحدة‬
‫ج قريش حتى فتحوا الكعبة‬ ‫هي (باسمك اللهم) قام أبو طالب يحا ّ‬
‫وأخرجوا الصحيفة ووجدوها حقا ً كما قال نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم فوبخهم أبو طالب بقوله شعرا ً في هذا‪:‬‬

‫وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ***متى ما يخبر غائب القوم‬


‫يُعجب‬
‫محا الله منها كفرهم وعقوقهم*** وما نقموا من ناطق الحق‬
‫معرب‬‫ُ‬
‫فأصبح ما قالوا من المر باطلً*** ومن يختلق ما ليس بالحق‬
‫يُكذب‬
‫وقد كانت علمات الصدق تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى قال عبد الله بن سلم الحبر اليهودي في قصة إسلمه أنه‬
‫لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ونظر في وجهه قال‪ :‬فلما‬
‫تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب)‪(.‬رواه ابن ماجه‬
‫وغيره)‪.‬‬
‫ولو لم تكن فيه آيات مبينة**** كانت بديهته تأتيك بالخبر‬
‫‪000000000000‬‬
‫شبهات وتهم ضد مقام النبوة(‪)2‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه (ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون)‪:‬‬
‫وهذه الصفات التي وصفه بها كفار قريش لما جاءهم بالحق ولم‬
‫يستطيعوا له رد فجنحوا إلى هذه التهم والوصاف حتى يصدوا‬
‫الناس عنه إذ أنه ل يجلس إليه أحد فيعرض عليه السلم ويقرأ‬
‫القرآن على مسامعه إل أخذ بلب جليسه وأسر قلبه فأراد‬
‫المعاندون بإثارة هذه الشبهة أن يصدوا الناس عن الجلوس إليه‬
‫وسماعه خاصة في المواسم التي يجتمع فيها الناس من أنحاء‬
‫الجزيرة العربية‪.‬‬
‫هذا عتبة بن ربيعة جاء مندوبا ً لقريش لمفاوضة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حتى يترك دعوته فيقول له‪ :‬يا ابن أخي إنك منا حيث‬
‫قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب‪ ،‬وإنك قد‬
‫أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلمهم‬
‫وعبت به آلهتهم ودينهم‪ ،‬ثم عرض عليه المال والملك وعرض‬

‫‪81‬‬
‫عليه ما استطاعه من الغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلمه‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال‪ :‬أقد فرغت‬
‫يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فاسمع مني‪ .‬قال‪ :‬أفعل‪ .‬فقال‬
‫الحبيب صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم (حــم* تنزيل من الرحمن الرحيم)‪.‬‬
‫[فصلت ‪.]2 : 1‬‬
‫ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة‬
‫يديه وراء ظهره معتمدا ً عليهما وهو يسمع منصتا ً حتى انتهى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫(قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك) سيرة ابن‬
‫هشام‪!!.‬‬
‫وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض‪ :‬نحلف بالله قد‬
‫جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬فلما جلس إليهم‬
‫قالوا‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬ورائي أني سمعت قول ً والله‬
‫ما سمعت مثله قط‪ ،‬والله ما هو بالشعر ول بالسحر ول بالكهانة‪،‬‬
‫أطيعوني واجعلوها لي‪ ،‬وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه‬
‫فاعتزلوه فو الله ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم‪.‬‬
‫فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع‬
‫القرآن وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون‬
‫شاعرا ً أو كاهنا ً أو ساحراً‪.‬‬
‫وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من‬
‫كبرائهم ممن كفر حسدا ً وحقدا ً يقوم في قريش ذات يوم‬
‫ويقول‪ :‬يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له‬
‫بحيلة بعد‪ ،‬فقد كان فيكم محمد غلما ً حدثاً‪ ،‬أرضاكم فيكم‬
‫وأصدقكم حديثا ً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه‬
‫الشيب‪ .‬وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل والله ما هو بساحر‬
‫لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم‪ ،‬وقلتم كاهن‪ ،‬ل والله ما هو‬
‫بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم‪ .‬وقلتم شاعر‪،‬‬
‫ل والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه‬
‫ورجزه‪ .‬قلتم مجنون ل والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما‬
‫هو بخنقه ول وسوسته ول تخليطه‪ .‬يا معشر قريش فانظروا في‬
‫شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم‪ .‬فهذه شهادتين من‬
‫أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم عليه سيرة ابن هشام‪..‬‬
‫الشبهة الثالثة‪( :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل)‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫اتهم المشركون نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه جمع أساطير‬
‫الولين من الرواة الذين كانوا يتناقلونها ثم كتبها فهو يلقيها عليهم‬
‫ليدعي بذلك الوحي‪.‬‬
‫وقد بيّن القرآن الكريم الرد على مثل هذه الشبهة ومفاده أنه‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أميا ً ل يقرأ ول يكتب‪ .‬وأنه لم يخرج‬
‫من مكة ولم يسافر إلى البلد التي تكثر فيها هذه القصص‬
‫والساطير التي ادعتها عليه قريش ثم إن ما جاءهم به محكم ل‬
‫لبس فيه ول اختلف ول عجمة ول اعوجاج فيه على عكس ما‬
‫كان يتناقل في عصرهم من أساطير يكذب بعضها بعضاً‪.‬‬
‫وتحداهم أن يأتوا بمثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة‬
‫واحدة مثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر آيات مثله‪ ،‬ولن‬
‫يستطيعوا ولو اجتمع الجن كلهم والنس على أن يأتوا بمثله‪ ،‬وما‬
‫ما ليفضح عجزهم وكذبهم وبهتانهم‪ ،‬وهذه المم‬ ‫زال التحدي قائ ً‬
‫وصلت في العصر الحديث إلى اقتحام الفضاء وتطويع الكائنات‬
‫فهل يستطيعون ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية مثله؟‬
‫(قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيًرا) [السراء ‪.]88 :‬‬
‫(أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم‬
‫من دون الله إن كنتم صادقين) [يونس ‪.]38 :‬‬
‫(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) [هود ‪.]13 :‬‬
‫وأنى لهم أن يأتوا بمثله وهو تنزيل من رب العالمين الحكيم‬
‫العليم وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني)‪:‬‬
‫حين تزوج إحدى عشرة امرأة بينما منع أتباعه من الزيادة على‬
‫أربع نساء‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪:‬‬
‫أنه ينبغي أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً‬
‫قط إل عائشة – رضي الله عنها – كما أنه صلى الله عليه وسلم‬
‫إبان شبابه وفتوته لم يتزوج سوى خديجة – رضي الله عنها –‬
‫حين كان عمره خمسا ً وعشرين سنة وهي امرأة كبيرة فلو كان‬
‫ذا شهوة لما اكتفى بها وهي المرأة الكبيرة في السن فلم يتزوج‬
‫عليها حتى توفيت – رضي الله عنها‪.‬‬
‫وكان زواجه بعائشة – رضي الله عنها – إكراما ً لصديقه وأحب‬
‫الناس إليه وأوفاهم لـه وأكثرهم إخلصا ً له ولدعوته‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وكذلك كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب إكراما ً لبيها‬
‫ثاني رجل في السلم وثاني وزراءه وإذا لم يكرم عمر بن‬
‫الخطاب فمن يكرم إذاً؟! وأما زواجه بأم حبيبة وأم سلمة وسودة‬
‫وميمونة وأم المساكين وهن أرامل فكان إيواءً لهن لما فقدن‬
‫أزواجهن ولما أصابهن من عذاب واضطهاد في ذات الله تعالى‪.‬‬
‫وزوّجه ربه تبارك وتعالى زينب بنت جحش وهو كاره لذلك خشية‬
‫من قول الناس‪« :‬محمد تزوج امرأة ابنة زيد» الذي تبناه قبل‬
‫السلم فأراد الله عز وجل أن يهدم قاعدة التبني التي كانت‬
‫ة في المجتمع الجاهلي حيث كان للبن المتبنى عند العرب‬ ‫متأصل ً‬
‫في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للبن الحقيقي‬
‫سواء بسواء‪ ،‬فكان أقوى معول لهدم هذه القاعدة أن أمر الله‬
‫عز وجل نبيه أن ينكح زوجة زيد بعدما طلقها وقد كان ابنا ً لـه‬
‫بالتبني في الجاهلية ليستقر عند العرب عدم جواز التبني‪.‬‬
‫وكان زواجه لصفية وجويرية مسحا ً لدموعها وإذهابا ً لحزنهما‬
‫لموت زوجيهما في معركة قتال دارت بين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وبين رجالهما‪.‬‬
‫كما أن من فوائد زواجه صلى الله عليه وسلم ما كان شائعا ً عند‬
‫العرب من احترام للمصاهرة إذ كانوا يرون مناوأة ومحاربة‬
‫الصهار سبة وعارا ً على أنفسهم‪ .‬فلما تزوج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بأم سلمة المخزومية لم يقف خالد بن الوليد‬
‫المخزومي من المسلمين موقفه الشديد الذي وقفه بأحد‪،‬‬
‫وكذلك أبو سفيان قائد المشركين لم يواجه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة‪،‬وكذلك ل‬
‫نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء‬
‫بعد زواجه بجويرية وصفية‪.‬‬
‫ومن أعظم وأجل مقاصد نكاحه صلوات ربي وسلمه عليه أنه‬
‫كان مأمورا ً بتزكية وتعليم الناس ولما كان من المبادئ التي قام‬
‫عليها بناء المجتمع المسلم أل يختلط الرجال بالنساء كانت‬
‫الحاجة داعية إلى وجود نساء مختلفات العمار والمواهب (وهن‬
‫أمهات المؤمنين) فيزكيهن النبي صلى الله عليه وسلم ويربيهن‬
‫ويعلمنهن ليقمن من بعده بتربية نساء المسلمين فيكفين مؤنة‬
‫ل كبير في نقل‬ ‫التبليغ في النساء‪ ،‬وقد كان لمهات المؤمنين فض ٌ‬
‫أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس‪.‬‬
‫أفترى رجل ً يدع الزواج في شبابه من النساء ويقتصر على امرأة‬
‫كبيرة في السن كخديجة أو كسودة حتى يصل الخمسين من‬
‫عمره ثم فجأة يجد في نفسه شهوة عارمة فيتزوج بمثل هذا‬
‫العدد الكبير من النساء؟!‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫اللهم إن هذا ل يقولـه إنسان عاقل بل ل يقوله إل مكابر فاجر‪.‬‬
‫الشبهة الخامسة‪:‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه (إرهابي دموي سفاك للدماء)‪:‬‬
‫وهذه التهمة إنما يذيعها المستشرقون في العصر الحديث‬
‫تشكيكا ً في دعوته وصدق نبوته صلى الله عليه وسلم فقد ثبت‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم من الحلم والحتمال والعفو عند‬
‫المقدرة والصبر على المكاره الشيء الكثير جداً‪.‬‬
‫وكل حليم عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة ولكنه صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يزدد مع كثرة الذى إل صبرا ً وعلى إسراف‬
‫خيّر رسول‬ ‫الجاهل إل حلماً‪ ،‬قالت عائشة – رضي الله عنها‪ :‬ما ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم‬
‫يكن إثما ً فإن كان إثما ً كان أبعد الناس عنه‪ ،‬وما انتقم لنفسه إل‬
‫أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها أخرجه البخاري‪ ،‬وكان أبعد‬
‫ى‪.‬‬ ‫ً‬
‫الناس غضبا وأسرعهم رض ً‬
‫وقد كان من أعظم دلئل نبوته التي وردت في كتب أهل الكتاب‪.‬‬
‫والتي آمن على مثلها من آمن منهم مثل عبد الله بن سلم‬
‫وسلمان الفارسي وغيرهما أن حلمه يسبق غضبه‪.‬‬
‫وقد كان العفو والصفح أحب إليه من النتقام كما في القصص‬
‫التالية‪:‬‬
‫* تصدى لـه غورث بن الحارث ليفتك به صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم مطرح تحت شجرة وحده‬
‫قائل ً (من القيلولة وهو نوم وسط النهار) دون حرس‪ ،‬وأصحابه‬
‫قائلون كذلك‪ .‬وذلك في غزاة‪ ،‬فلم ينتبه رسول الله صلى الله‬
‫ت في يديه‬ ‫عليه وسلم إل وغورث قائم على رأسه‪ ،‬والسيف مصل ٌ‬
‫وقال‪ :‬من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬الله»‪.‬‬
‫فسقط السيف من يد غورث‪ ،‬فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وقال‪« :‬من يمنعك»؟ قال غورث‪ :‬كن خير آخذ فتركه وعفا عنه‪.‬‬
‫فعاد إلى قومه فقال‪ :‬جئتكم من عند خير الناس‪( .‬أخرجه المام‬
‫أحمد وهو في البخاري مختصراً)‪.‬‬
‫* لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالت قريش‬
‫جالسين مطأطي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الفاتح فيهم‪ ،‬فقال‪« :‬يا معشر قريش ما تظنون أني‬
‫فاعل بكم»؟ قالوا‪ :‬أخ كريم وابن أخ كريم‪ ،‬قال‪« :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الطلقاء» (حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري) فعفا عنهم‬
‫بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما ل يقادر قدره‪،‬‬
‫ول يحصى عده‪ ،‬ومع هذا فقد عفا عنهم ولم يعنف ولم يضرب‪.‬‬
‫ولم يقتل فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫* سحره لبيد بن العصم اليهودي (القصة في صحيح البخاري)‪،‬‬
‫فعفا عنه ولم يؤاخذه‪ .‬بل لم يثبت أنه لمه أو عاتبه مجرد لوم أو‬
‫عتاب‪ .‬فضل ً عن المؤاخذة والعقاب‪.‬‬
‫* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى‬
‫المدينة تآمروا عليه ليقتلوه وعلم بهم وقيل له فيهم فعفا عنهم‪،‬‬
‫وقال‪( :‬ل يُتحدث أن محمدا ً يقتل أصحابه) (القصة في صحيح‬
‫البخاري)‪.‬‬
‫* لم يذكر في غزوة من الغزوات أنه اعتدى على أحد أو غزا‬
‫قوما ً مسالمين بل كانت غزواته وسراياه موجهة إلى من بدأه‬
‫بالعداوة وحاول الكيد للسلم والمسلمين‪ ،‬وكان يأمر أمراءه إذا‬
‫أرسلهم أن ل يقتلوا امرأة ول طفل ً ول عجوزا ً ول راهبا ً معتزلً‬
‫في صومعته وكان ينهاهم عن التحريق بالنار وإفساد الزرع‪.‬‬
‫وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم أغراض الحروب وأهدافها‬
‫التي كانت تضطرم نار الحرب لجلها في الجاهلية‪ ،‬فبينما كانت‬
‫الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والغارة والظلم والبغي‬
‫والعدوان وأخذ الثأر والفوز بالوتر وكبت الضعيف وتخريب‬
‫العمران وتدمير البنيان وهتك حرمات النساء والقسوة على‬
‫الضعيف والولئد والصبيان وإهلك الحرث والنسل والعبث‬
‫والفساد في الرض في الجاهلية‪ ،‬إذ صارت هذه الحرب في‬
‫السلم جهادا ً في تحقيق أهداف نبيلة وأغراض سامية وغايات‬
‫محمودة يعتز بها المجتمع النساني في كل زمان ومكان وغدت‬
‫الحرب جهادا ً في تخليص النسان من نظام القهر والعدوان‪.‬‬
‫إن تحول المجتمع إلى نظام العدل والنصف بدل ً عن نظام يأكل‬
‫فيه القوي الضعيف‪ ،‬حتى يصير المجتمع إلى نظام يصير فيه‬
‫القوي ضعيفا ً حتى يؤخذ الحق منه وصارت بذلك الحرب جهاداً‬
‫لتخليص المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين‬
‫يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من‬
‫لدنك وليا ً واجعل لنا من لدنك نصيراً‪ .‬وصارت جهادا ً في تطهير‬
‫أرض الله من الغدر والخيانة والثم والعدوان وغدت وسيلة‬
‫لبسط المن والسلمة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق‬
‫والمروءة‪.‬‬
‫ض يكون‬‫ض إلى خيرٍ مح ٍ‬ ‫أومن قام بتبديل الحرب من شّرٍ مح ٍ‬
‫إرهابيا ً أو سفا ٍ‬
‫ك للدماء؟‪.‬‬
‫أفترى من يأمر بهذا العدل والنصاف والرحمة والرأفة حتى مع‬
‫العدو أثناء القتال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي أو قاتل أو سفاك‬
‫للدماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!‬

‫‪86‬‬
‫علما ً بأن جميع البلد التي فتحها بالسيف ظهر فيها السلم‬
‫وانتشر وثبت أهلها على السلم‪ ،‬مما يؤكد أن انتشار السلم‬
‫وثباته لصفاته الذاتية فيه وليس انتشاره عائدا ً إلى نشره بالقوة‬
‫والسيف فقط كما أن أكثر بقاع السلم وبلده مما فتح سلماً‬
‫دون حرب أو قتال كما ثبت ذلك في دواوين السيرة وكتب‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫إن هذه الشبه والتهم التي يطلقها أعداء السلم على نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم لم تكن يوما ً لتوهي من عضد الرسالة أو‬
‫الرسول الذي بعث بها‪( :‬يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم‬
‫ويأبى الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [التوبة ‪.]32 :‬‬
‫بل ربما كانت هذه الشبه فأل خير لهذا الدين إذ أنه ومنذ ظهور‬
‫فجر النبوة المحمدية كانت هذه الشبه والتهامات سببا ً وباعثاً‬
‫قويا ً في إقبال الناس على دعوته صلى الله عليه وسلم فكلما‬
‫زادت التهم زاد تحري الناس وسؤالهم عن الرسول والرسالة‬
‫فيقودهم ذلك إلى النبهار بأضواء النبوة حتى يسلمهم ذلك إلى‬
‫الدخول في دين الله أفواجا ً والحمد لله أول ً وآخراً‪.‬‬
‫وقولنا لمن يروج هذه الشبه والتهم هو ما قاله حسان ابن ثابت‬
‫في المنافحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه وهو‬
‫أجمل ما قيل في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم‬
‫يستطع أحد أن يحلق إلى ما دون هذا فضل ً عن أن يساميه وأنّى‬
‫لهم ذلك وهو المؤيد بروح القدس‪ ،‬يقول – رضي الله عنه‪:‬‬
‫ت عنه **** وعند الله في ذاك الجزاءُ‬ ‫ت محمدا ً فأجب ُ‬
‫هجو َ‬
‫هجوت مباركا ً برا ً حنيفا ً **** أمين الله شيمته الوفاءُ‬
‫ت له بكفء؟**** فشركما لخير كما الفداءُ‬ ‫أتهجوه ولس َ‬
‫فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاءُ‬
‫وإذا كان هذا ما قاله مؤمن به‪ ،‬فإن ما ورد عن أعداءه من الثناء‬
‫عليه كثيٌر جدا ً – والحق ما شهدت به العداء – فهذا الدكتور‬
‫مايكل هارت الذي ألف كتاب (المائة الوائل) يضع في المقام‬
‫الول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويعلل ذلك بقوله‪(( :‬إن‬
‫اختيار المؤلف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس‬
‫القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي‬
‫في مختلف المجالت‪ ،‬إن هذا الختيار ربما أدهش الكثير من‬
‫القراء (يقصد بهم القراء من غير المسلمين الذين ألف لهم‬
‫الكتاب‪ ،‬وإل فإن المسلمين يعتقدون عقيدة جازمة بأن محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم هو خير الثقلين) إلى حد قد يثير بعض‬
‫التساؤلت‪ ،‬ولكن في اعتقاد المؤلف أن محمدا ً صلى الله عليه‬

‫‪87‬‬
‫وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى‬
‫وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي‪.‬‬
‫لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الديان‬
‫في العالم‪ ،‬وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام‪.‬‬
‫ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته‪،‬‬
‫فإن تأثيره ل يزال قويا ً وعارماً))*‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*كتاب (المائة الوائل في المقدمة) للدكتور مايكل هارت‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪ )25‬الثـار النبويـة‬
‫المجيب د‪ .‬ناصر بن عبد الرحمن الجديع‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن سعود السلمية‬
‫السؤال‬
‫أثناء زيارتي لتركيا رأيت في متحف (طوب قابي سراي) في‬
‫اسطنبول قاعة للمانات المقدسة‪ ،‬تضم آثارا ً نبوية؛ شعرات‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ورسالته للمقوقس‪ ،‬وبردته‪،‬‬
‫وأشياء أخرى‪ ،‬ولم ألحظ ما يدل على ثبوت ذلك تاريخياً‪.‬‬
‫فما حقيقة هذه الثار‪ ،‬و هل يصح أنها نبوية؟‬
‫الجواب‬
‫ليس هنالك ما يدل على ثبوت صحة نسبة هذه الثار ونحوها إلى‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال صاحب كتاب (الثار النبوية) المحقق أحمد تيمور باشا ص ‪78‬‬
‫بعد أن سرد الثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالقسطنطينية (اسطنبول)‪( :‬ل يخفى أن بعض هذه الثار محتمل‬
‫الصحة‪ ،‬غير أنا لم نر أحدا ً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي‪ ،‬فالله‬
‫سبحانه أعلم بها‪ ،‬وبعضها ل يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها‬
‫من الريب ويتنازعها من الشكوك) الخ‪.‬‬
‫ول شك في مشروعية التبرك بآثار نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم في حياته وبعد وفاته‪ ،‬ولكن الشأن في حقيقة وجود شيء‬
‫من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر‪.‬‬
‫وإن مما يضعف هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري(‪)3/186‬‬
‫عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال‪( :‬ما ترك رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ً ول ديناراً‪ ،‬ول عبدا ً ول‬
‫أمة‪ ،‬ول شيئا ً إل بغلته البيضاء‪ ،‬وسلحه‪ ،‬وأرضا ً جعلها صدقة)‬
‫َ‬
‫فهذا يدل على قلّة ما خل ّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫موته من أدواته الخاصة ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وأيضا ً فقد ثبت فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على مدى اليام والقرون؛ بسبب الضياع‪ ،‬أو الحروب‪،‬‬
‫والفتن ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن المثلة على ذلك فقدان البردة في آخر الدولة العباسية‪،‬‬
‫حيث أحرقها التتار عند غزوهم لبغداد سنة ‪656‬هـ ‪ ،‬وذهاب نعلين‬
‫ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في فتنة تيمور لنك‬
‫بدمشق سنة ‪803‬هـ ‪.‬‬
‫ويلحظ كثرة ادعاء وجود وامتلك شعرات منسوبة إلى الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في كثير من البلدان السلمية في العصور‬
‫المتأخرة‪ ،‬حتى قيل إن في القسطنطينية وحدها ثلثا ً وأربعين‬
‫شعرة سنة ‪1327‬هـ ‪ ،‬ثم أهدي منها خمس وعشرون‪ ،‬وبقي ثماني‬
‫عشرة‪.‬‬
‫ولذا قال مؤلف كتاب (الثار النبوية) ص ‪ 82‬بعد أن ذكر أخبار‬
‫التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه‬
‫رضي الله عنهم‪( :‬فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد‬
‫بذلك فإنما وصل إليهم مما قُسم بين الصحاب رضي الله عنهم ‪،‬‬
‫غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها)‪.‬‬
‫ومن خلل ما تقدم فإن ما يُدّعى الن من وجود بعض الثار‬
‫النبوية في تركيا أو غيرها سواءً عند بعض الجهات‪ ،‬أو عند بعض‬
‫الشخاص موضع شك‪ ،‬يحتاج في إثبات صحة نسبته إلى الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى برهان قاطع‪ ،‬يزيل الشك الوارد‪ ،‬ولكن‬
‫أين ذلك؟ ولسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمان‬
‫على وجود تلك الثار النبوية‪ ،‬ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها‬
‫إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الغراض‪،‬‬
‫كما وُضعت الحاديث ونسبت إليه صلى الله عليه وسلم كذباً‬
‫وزوراً‪.‬‬
‫وعلى أي حال فإن التبرك السمى والعلى بالرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬هو اتباع ما أثر عنه من قول أو فعل‪ ،‬والقتداء به‪،‬‬
‫والسير على منهاجه ظاهرا ً وباطناً‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫(‪ )26‬الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم‬
‫بالدنيا والغنائم‬
‫الكاتب‪ :‬الشبكة السلمية‬
‫من الشبه التي أثارها أعداء السلم‪ ،‬وروَّجوا لها بهدف تشويه‬
‫شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للوصول إلى الطعن في‬
‫دعوته‪ ،‬وإبعاد الناس عنها‪ ،‬ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع‬
‫دنيوية‪ ،‬لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة‪ ،‬ولكنه بعد‬

‫‪89‬‬
‫هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الموال والغنائم من خلل‬
‫الحروب التي خاضها هو وأصحابه‪ ،‬ابتغاء تحصيل مكاسب مادية‬
‫وفوائد معنوية‪.‬‬
‫وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق‬
‫النجليزي اليهودي‪ ،‬حيث قال‪" :‬عاش محمد هذه السنين الست‬
‫بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب‪ ..‬وهذا‬
‫يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد‪ ،‬والتي دفعته‬
‫إلى شن غارات متتابعة‪ ،‬كما سيطرت على نفس السكندر من‬
‫قبل ونابليون من بعد "‪.‬‬
‫والحق‪ ،‬فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمتأمل‬
‫في تاريخ دعوته‪ ،‬يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي‪،‬‬
‫يسعى إليه طلب الدنيا واللهثون وراءها‪ ،‬وهذا رد إجمالي على‬
‫هذه الشبهة‪ ،‬أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي‪:‬‬
‫ل في واقع حياة‬ ‫‪-1‬أن ما ذ ُكر في هذه الشبهة ل يوجد عليه دلي ٌ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذ لو كان كما قيل لعاش‬
‫عيش الملوك‪ ،‬في القصور والبيوت الفارهة‪ ،‬ولتخذ من الخدم‬
‫والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك‬
‫المطامع المزعومة‪ ،‬بينما الواقع يشهد بخلف ذلك‪ ،‬إذ كان في‬
‫شظف من العيش‪ ،‬مكتفيا ً بما يقيم أود الحياة‪ ،‬وكانت هذه حاله‬
‫صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق‬
‫ن بيوته صلى الله عليه وسلم‬ ‫بالرفيق العلى‪ ،..‬يشهد لهذا أ ّ‬
‫كانت عبارة عن غرف بسيطة ل تكاد تتسع له ولزوجاته‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه‪ ،‬فقد كان يمر عليه الشهر‬
‫والشهران ل توقد ناٌر في بيته‪ ،‬ولم يكن له من الطعام إل‬
‫السودان ‪ -‬التمر والماء‪ ،-‬فعن عائشة رضي الله عنها قالت‬
‫لعروة‪( :‬ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلل‪ ،‬ثم الهلل‪ ،‬ثلثة أهلة‬
‫في شهرين‪ ،‬وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ناٌر‪ ،‬فقلت‪ :‬يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت‪ :‬السودان‪،‬‬
‫التمر والماء) متفق عليه‪ .‬وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة‬
‫بما يدل على خلف ما يزعمه الزاعمون‪.‬‬
‫‪-2‬ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي ع ُرف به النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وحث عليه أصحابه‪ ،‬فقد صح عنه أنه قال‪( :‬إن‬
‫مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)‬
‫متفق عليه‪ ،‬وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء‪،‬‬
‫فقال‪( :‬إن الدنيا حلوة خضرة‪ ،‬وإن الله مستخلفكم فيها‪ ،‬فينظر‬

‫‪90‬‬
‫كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء‪ ،‬فإن أول فتنة بنى‬
‫إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم‪.‬‬
‫‪-3‬ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة‬
‫عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك‬
‫والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته‪ ،‬فرفض ذلك كله‪ ،‬وفضل‬
‫أن يبقى على شظف العيش مع الستمرار في دعوته‪ ،‬ولو كان‬
‫من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء‪.‬‬
‫ن الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله‬ ‫‪-4‬أ ّ‬
‫عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ول صاحب شهوة‪ ،‬بل كان هدفه‬
‫الوحد والوحيد إبلغ دين الله للناس‪ ،‬وإزالة العوائق المعترضة‬
‫سبيل الدعوة‪ ،‬فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما‬
‫أرسله إلى اليمن بقوله‪( :‬إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب‪،‬‬
‫فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى‪ ،‬فإذا عرفوا‬
‫ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم‬
‫وليلتهم‪ ،‬فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في‬
‫أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم‪ ،‬فإذا أقروا بذلك فخذ‬
‫منهم وتوق كرائم أموال الناس ) رواه البخاري‪.‬‬
‫فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً‪ ،‬قبل دعوته إلى‬
‫السلم‪ ،‬الذي تصان به الدماء والحرمات‪.‬‬
‫‪-5‬ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إل أقل القليل‪ ،‬ففي‬
‫الصحيح عن عمرو بن الحارث قال ‪ ( :‬ما ترك رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عند موته درهماً‪ ،‬ول ديناراً‪ ،‬ول عبداً‪ ،‬ول أمة‪ ،‬ول‬
‫شيئا ً إل بغلته البيضاء‪ ،‬وسلحه وأرضا ً جعلها صدقة ) رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت‪( :‬توفي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله‬
‫ذو كبد‪ ،‬إل شطر شعير في رف لي) متفق عليه‪.‬‬
‫‪-6‬وكما قيل‪ :‬فإن الحق ما شهدت به العداء‪ ،‬فقد أجرى الله على‬
‫ألسنة بعض عقلء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة‪ ،‬من ذلك ما‬
‫قاله "كارليل" ‪" :‬أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي‬
‫أقام محمدا ً وأثاره‪ ،‬حمق وأيـم الله‪ ،‬وسخافة وهوس "‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬لقد كان زاهدا ً متقشفا ً في مسكنه‪ ،‬ومأكله‪ ،‬ومشربه‪،‬‬
‫وملبسه‪ ،‬وسائر أموره وأحواله‪ ..‬فحبذا محمد من رجل خشن‬
‫اللباس‪ ،‬خشن الطعام‪ ،‬مجتهد في الله‪ ،‬قائم النهار‪ ،‬ساهر الليل‪،‬‬
‫دائبا ً في نشر دين الله‪ ،‬غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر‬
‫الرجال‪ ،‬من رتبة‪ ،‬أو دولة‪ ،‬أو سلطان‪ ،‬غير متطلع إلى ذكر أو‬
‫شهوة "‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪-7‬وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام‬
‫رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لسباب‬
‫مصطنعة وغير كافية‪ ،‬فجوابه أن الواقع خلف ذلك‪ ،‬إذ أبرم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم‪،‬‬
‫وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم‪ ،‬بل تكفل لهم نصرة مظلومهم‪،‬‬
‫وحمايتهم‪ ،‬ورعاية حقوقهم‪ ،‬ولم يكن في سياسته صلى الله عليه‬
‫وسلم إبعادهم‪ ،‬ومصادرة أموالهم إل بعد نقضهم العهود‬
‫والمواثيق‪ ،‬ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فل حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫صاحب مطامع دنيوية‪ ،‬يحرص عليها‪ ،‬ويسعى في تحصيلها‪ ،‬وإنما‬
‫هي دعوة صالحة نافعة‪ ،‬تعود بالخير على متبعيها في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‬
‫‪------------------------‬‬
‫(‪ )27‬مشكلة الفكر الغربي مع نبي السلم صلى الله‬
‫عليه و سلم‬
‫د‪ .‬باسم خفاجي‬
‫يمثل نبي السلم محمد صلى الله عليه وسلم مشكلة حقيقية‬
‫ومتكررة في أدبيات الفكر الغربي‪ .‬ويظهر من حين لخر هجوم‬
‫عنيف على شخص النبي عليه الصلة والسلم‪ .‬يعتبر البعض أن‬
‫هذا الهجوم حالة شاذة من قبل أفراد بأعيانهم‪ ،‬ويحاول طرف‬
‫آخر أن يلقي باللئمة على نظريات المؤامرة‪ ،‬ويدعو ثالث إلى‬
‫أن نتغير نحن حتى ل يهاجم رموزنا الخرون‪ .‬يرى الكاتب – من‬
‫خلل الدلة التاريخية والفكرية ‪ -‬أن الموقف الغربي من النبي‬
‫عليه الصلة والسلم لم يتغير بالمجمل‪ ،‬وأنه كان دائما ً يغلب‬
‫عليه صبغة العداء والستهزاء‪ ،‬وإن اختلفت صور التعبير عن هذا‬
‫الموقف بين فئات المجتمع الغربي المختلفة‪ .‬يهدف المقال‬
‫كذلك إلى التعرف على السباب الفكرية لهذا الموقف الغربي‪،‬‬
‫وكيف يمكن مقاومة هذا الموقف عمليا ً للدفاع عن رموز المة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫شهدت الفترة الماضية ارتفاع نبرة المواجهة مرة أخرى بين‬
‫العالم السلمي من ناحية‪ ،‬وبين أوربا من ناحية أخرى في ما‬
‫يتعلق بالهجوم على شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ورغم أن هذا الهجوم تكرر كثيرا ً خلل العوام الماضية‪ ،‬وبصور‬
‫متعددة‪ ،‬إل إن العالم العربي والسلمي ل يزال مصرا ً على‬
‫التعامل مع كل حالة من تلك الحالت التي يهاجم فيها خير‬
‫البشر‪ ،‬وكأنها حالة منعزلة وفردية‪ ،‬ويجب أن تعامل في هذا‬

‫‪92‬‬
‫السياق‪ .‬ويغيب عن الكثير من أبناء المة أن الموقف الفكري‬
‫الغربي من النبي صلوات ربي وسلمه عليه كان دائما ً موقفاً‬
‫عدائياً‪ ،‬وإن اختلفت صور التعبير عن هذا العداء‪.‬‬
‫قصور في الفهم‬
‫يلقي البعض اللوم على المة السلمية لتخاذلها وضعفها من‬
‫ناحية‪ ،‬أو لتكرار حوادث العنف التي تتبناها بعض فصائل المة‬
‫تجاه الغرب‪ .‬يرى البعض أن ما يسمى بالرهاب السلمي هو‬
‫سبب هجوم الغرب على السلم وعلى نبي السلم‪ .‬ونسأل‬
‫هؤلء ‪ ..‬وهل كان الغرب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫حتى يسكت عن إيذاء شخصه الكريم وإهانته عندما كانت المة‬
‫السلمية في حالة وفاق وسلم تام مع دول الغرب؟ إن الغرب‬
‫لم يتوقف عن الهجوم على رسول السلم طوال القرون‬
‫الماضية‪ ،‬وهو موقف عام لم يشذ عنه إل القليل من المفكرين‬
‫والمتدينين‪.‬‬
‫يرى البعض الخر أن الهجوم على السلم أو على نبيه الكريم‬
‫ليس إل حالت فردية لمن يبتغون الشهرة‪ ،‬أو من يحملون أحقاداً‬
‫على السلم‪ .‬ويقوم هؤلء بسرد بعض النقولت التاريخية أو‬
‫المعاصرة لمفكرين غربيين يمدحون شخص النبي‪ ،‬ويعتبرون أو‬
‫وجود هؤلء يقدح في فكرة وجود عداء فكري عام في الغرب‬
‫تجاه السلم أو شخص الرسول الكريم‪ .‬والحقيقة أن الستشهاد‬
‫ببعض القوال – مع حذف السياق التاريخي لها – يمكن أن يكون‬
‫مقنعا ً بوجود إعجاب من بعض المفكرين الغربيين بشخصية النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لكن ما يغيب عن هذه الرؤية‪ ،‬ويعيبها أيضا ً ‪ ..‬أن الفكر الغربي‬
‫يتحرك وفق مجموعة من المسلمات الساسية التي تخالف بقوة‬
‫الدعوة المحمدية في المبادئ والمسلمات‪ ،‬وبالتالي فإن الصل‬
‫في العلقة الفكرية بين الغرب وبين السلم لم يكن يوما ً ما‬
‫التوافق وإنما كانت العلقة دائما ً من النواحي الفكرية تميل إلى‬
‫المواجهة وعدم التفاق‪ .‬ويجب هنا أن نفصل بين أمرين‪ :‬الول‬
‫هو العلقات بين الشعوب‪ ،‬والتي كانت في كثير من الحيان تميل‬
‫إلى السلم والوئام‪ ،‬وكذلك العلقات السياسية التي تتبدل وتتغير‬
‫وفق المصالح‪ .‬أما المر الثاني فهو الرؤى الفكرية تجاه النبي‪،‬‬
‫والتي لم تتغير كثيرا ً في الغرب منذ بعثة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وحتى التاريخ المعاصر‪ ،‬وكانت في مجملها رؤى ومواقف‬
‫معادية وصدامية‪ .‬إن الحكام الفكرية لبد وأن تنطلق من الرؤى‬
‫المشتركة والمستمرة عبر فترات زمنية طويلة‪ ،‬ول تقاس على‬
‫ما شذ من القوال أو الفكار‪ .‬والغرب عبر تاريخه الطويل من‬

‫‪93‬‬
‫المواجهة الفكرية والدينية مع العالم السلمي كان دائما ً يميل‬
‫إلى الطعن في شخص النبي‪ ،‬وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة‬
‫من العلقة مع الغرب‪ ،‬ولذلك أسباب سيأتي بيانها في هذا‬
‫المقال‪.‬‬
‫هل الغرب كيان فكري واحد؟‬
‫إن من المهم قبل دراسة الموقف الفكري الغربي من النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن نبين أن الغرب ليس كيانا ً واحدا ً فيما‬
‫يتعلق بالسياسات وطبائع الشعوب‪ ،‬ومواقف الدول من العالم‬
‫العربي والسلمي‪ .‬كما أن الغرب ليس كيانا ً واحدا ً أيضا ً فيما‬
‫يتعلق باهتماماته الدينية ومدى اقترابه أو ابتعاده عن دعوة‬
‫ورسالة نبي الله عيسى عليه السلم‪ .‬فليس كل الغرب متديناً‬
‫وليس كل الغرب علمانيا ً أيضاً‪ ،‬وهناك فوارق كبيرة بين المدارس‬
‫والمذاهب الدينية المختلفة داخل المسيحية في الغرب‪.‬‬
‫لكن رغم كل هذا التباين والختلف في السياسات والطبائع‬
‫والتوجهات‪ ،‬إل أن الغرب يكاد يكون كيانا ً واحدا ً عندما يتعلق‬
‫المر بالجوانب الفكرية المتعلقة بعلقاته مع الحضارات الخرى‬
‫والديانات التي تختلف عن ديانات الغرب‪ .‬فرغم تعدد المدارس‬
‫الفلسفية والفكرية في الغرب‪ ،‬إل أن هناك قدر مشترك وواضح‬
‫من المفاهيم الفكرية الساسية عندما يتعلق المر بالرؤى‬
‫المقابلة حول مستقبل البشرية وهدف النسان من الحياة على‬
‫الرض‪ .‬لذلك فإن من الممكن أن يتم الحديث عن الغرب‬
‫بوصفه كيانا ً واحدا ً عندما يتعلق المر بالحياة الفكرية الغربية في‬
‫مقابل الحضارات الخرى‪.‬‬
‫وسوف تتعامل هذه الدراسة مع الغرب ككيان فكري واحد من‬
‫ناحية المنطلقات الساسية للحضارة الغربية‪ ،‬والمبادئ التي‬
‫قامت هذه الحضارة عليها‪ ،‬وعلقة ذلك بموقف الغرب من النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مشكلت الفكر الغربي مع نبي السلم‬
‫لكي ننجح في فهم علقة الغرب فكريا ً بنبي السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلبد أن نبتعد قليل ً عن المواقف‪ ،‬وندرس المبادئ‪.‬‬
‫إن المواقف ليست إل تعبيرات واقعية عن الفكار الكامنة في‬
‫الشخصية الغربية‪ ،‬والتي تكونت عبر قرون طويلة من التأثير‬
‫الفكري الذي كون قناعات راسخة ل تتزعزع داخل الشخصية‬
‫الغربية فيما يتعلق بعلقتها بالخالق‪ ،‬وعلقتها بالكون والطبيعة‬
‫والخرين من البشر‪ .‬وهذه القناعات تتصادم بشدة مع ما جاء به‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولذلك نشأ العداء وليس من‬
‫المتوقع أن يقل أو ينتهي في القريب‪ .‬وهذه مجموعة من‬

‫‪94‬‬
‫السباب الفكرية التي ساهمت في تكون علقة العداء على‬
‫المستوى الفكري‪.‬‬
‫مركزية الله أم مركزية النسان‬
‫ً‬
‫إن المشكلة الرئيسة في علقة الغرب فكريا بالعالم السلمي‪،‬‬
‫وعداء الغرب للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هو مركزية الله تعالى‬
‫في الكون لدى المسلمين‪ ،‬والتي تتجسد في دعوة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وفي دين السلم وفي واقع المة السلمية‬
‫بصرف النظر عن درجة تدين والتزام أفراد هذه المة‪.‬‬
‫إن الغرب في المقابل ينطلق فكريا ً – وبكل فئات مجتمعاته وكل‬
‫مفكريه – من فكرة مركزية النسان في الكون‪ ،‬وأن الفرد هو‬
‫مركز الهتمام الرئيس‪ ،‬وأن تطلعات الفرد وحقوقه وحرياته‬
‫تقدم على أي أمر آخر‪ ،‬وحتى أمور العبادة وعلقة الفرد بالله‪.‬‬
‫إن الغرب يرى أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قد قدم مفهوماً‬
‫يمكن أن يهدم الفكر الغربي من أساسه ‪ ..‬وهو مركزية الله‬
‫تعالى في حياة البشرية مقابل نظريات الغرب التي تقوم على‬
‫مركزية النسان‪ .‬لذلك اختار الغرب أن يجعل عداء السلم‬
‫ضمن منظومة قيمه الرئيسة لنه بذلك يتمكن من إبقاء الفرد‬
‫مركزا ً للكون في مواجهة دعوة محمدا ً صلى الله عليه وسلم‬
‫التي حافظت على مكانة الخالق جل وعل ومركزيتها في حياة‬
‫البشر‪.‬‬
‫وحول ذلك تحدثت المؤلفة البريطانية كارين أرمسترونج –‬
‫صاحبة كتاب "محمد" قائلة‪" :‬علينا أن نتذكر أن التجاه العدائي‬
‫ضد السلم في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية‪ ،‬التي‬
‫بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملت الصليبية وهي بداية‬
‫استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى‪ .‬فالقرن الحادي عشر‬
‫كان بداية لوروبا الجديدة وكانت الحملت الصليبية بمثابة أول رد‬
‫فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة‪]1[".‬‬
‫بين محمد والمسيح‬
‫تمحور الفكر الغربي حول شخصية المسيح عليه السلم‪.‬‬
‫وتحولت شخصية المسيح بعد تحريف الدين المسيحي إلى‬
‫تجسيد للفكر الغربي حول مركزية الفرد في الكون‪ .‬فقد تحول‬
‫الله في نظر المتدينين إلى شخص ‪ ..‬إله في صورة فرد ‪ ..‬دفع‬
‫دمه ثمنا ً مقدما ً لجميع خطاياهم القادمة‪ .‬وعندما سيطر الفكر‬
‫النفعي على الشخصية الغربية‪ ،‬أصبح التعلق بشخص المسيح‬
‫يمثل قمة النفعية لمن اختاروا التدين‪ ،‬فهو قد قام بدفع فاتورة‬
‫خطاياهم حتى قبل أن يقعوا فيها‪ ،‬وأبقى لهم الحياة لكي‬
‫يمارسوا فيها ما شاءوا من أفعال طالما أن محبة المسيح – كفرد‬

‫‪95‬‬
‫وكإله – تسيطر على مشاعرهم‪ .‬أما من تركوا الدين المسيحي‬
‫بأكمله‪ ،‬وأصبحوا لدينيين أو ملحدين‪ ،‬فقد كان المسيح – بعد‬
‫تحريف الدين – أيضا ً مركزيا ً في مواقفهم الفكرية ‪ ..‬فهو فرد‪،‬‬
‫وبالتالي ل يمكن أن يختلف عن غيره من البشر‪ ،‬وبالتالي فليس‬
‫هناك إله – بزعمهم‪ .‬كما أن المسيح بصورته التي قامت‬
‫الكنيسة الغربية بتصويرها رحيم منعزل عن حياة الناس ‪ ..‬يقبل‬
‫بكل معايير الحياة النسانية‪ ،‬ول يدعو إل إلى الحرية والمساواة ‪..‬‬
‫وهي أهم قيم العلمانية ول تصادم من تركوا الدين‪ ،‬وبالتالي فل‬
‫حاجة إلى مصادمة المسيح‪.‬‬
‫أما العلقة مع محمد فهي علقة تصادمية مع كل من التيار‬
‫الديني والعلماني في الغرب على المستوى الفكري‪ .‬فمحمد –‬
‫صلى الله عليه وسلم – حرص على أن يكون فردا ً ‪ ..‬إنسانا ً بكل‬
‫معاني النسانية‪ ،‬ورفض أن يكون إله في صورة إنسان‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهو يناقض فهم المتدينين من الغرب للله الذي عرفوه‪ ،‬وبالتالي‬
‫تكونت الكراهية والضيق من كل ما يمثله محمدا ًً صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ..‬فهو ليس على شاكلة المسيح ‪ ..‬في نظرهم‪ .‬وهو‬
‫يناقض أيضا ً مشاعر ورغبات غير المتدينين‪ ،‬لنه يطلب من البشر‬
‫– كما أمره خالقه – بالكثير من العبادات والعمال واللتزامات‪،‬‬
‫ويقدم حرية المجتمع على حرية الفرد‪ ،‬ويضحي بالمساواة من‬
‫أجل العدالة ومن أجل صلح المجتمع‪ .‬كل ذلك ساهم في تكوين‬
‫صورة سلبية وقاسية عن نبي السلم‪.‬‬
‫إن المتدينين في الغرب – كما في الشرق أيضا ً ‪ -‬يعشقون فكرة‬
‫المعجزة لنها خلص من مواجهة واقع يطحن أحلمهم ‪ ..‬لذلك‬
‫انتشر في التدين الغربي قصص المعجزات والخوارق وكرامات‬
‫القديسين‪ ،‬وأصبح ذلك مكونا ً رئيسيا من مكونات التدين‬
‫المسيحي الغربي‪ .‬أما محمدا ً صلى الله عليه وسلم فقد جسد‬
‫إمكانية انتصار النسان دون حاجة إلى المعجزات ‪ ..‬لقد كانت‬
‫حياة الرسول – في نظرهم – خالية من المعجزات‪ ،‬والحياة‬
‫الغربية قاسية‪ ،‬والتدين فيها يسمح للفرد أن يحلم بالمعجزة‬
‫للفرار من الواقع‪ ،‬ونبي السلم ل يعد بالمعجزات‪ ،‬وإنما بحياة‬
‫مليئة بالجهد والجد والمعاناة من أجل آخرة يمكن فيها الستمتاع‬
‫بالجنة‪.‬‬
‫لقد نجح من حرفوا دين المسيح أن يقنعوا أنصار المسيح في‬
‫الفكر الغربي‪ ،‬أن لهم أن يجمعوا بين كل متع الدنيا – فقد دفع‬
‫ثمن ذلك المسيح – وأن يجمعوا معها أيضا ً النجاة في الخرة‬
‫لنهم أحبوا المسيح‪ .‬وهكذا يتفرغ المتدين للحياة دون الحاجة‬
‫الحقيقية للعمل فإن محبة المسيح كافية للجنة‪ .‬أما محمدا ً فإن‬

‫‪96‬‬
‫دينه ودعوته تطلب من النسان الكثير‪ ،‬ول تعد بالمقابل إل بأمل‬
‫في رحمة الله‪ .‬كيف إذن لمن يعتنق الفكر النفعي أن يحب‬
‫محمداً؟‬
‫ويروي الكاتب العربي هشام جعيط في تحليله للشخصية الوربية‬
‫كيف أنها نظرت للعالم السلمي ولدعوة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيقول‪" :‬يسير تاريخ السلم ل وفق ديناميكيته الخاصة‪ ،‬بل‬
‫كانعكاس شاحب ومعكوس لتاريخ الغرب‪ .‬لنأخذ مثل على ذلك‪:‬‬
‫شخصية محمد‪ .‬نلحظ أنه ضمن كل تحليل لهذه الشخصية‬
‫تنساب عملية مقارنة مع المسيح‪ .‬إذا كان محمد غير صادق‬
‫فذلك لن المسيح كان صادقا؛ وإذا كان متعدد الزوجات‬
‫وشهوانيا‪ ،‬فلن المسيح كان عفيفا؛ وإذا كان محمد محاربا‬
‫وسياسيا فذلك استنادا إلى يسوع مسالم‪ ،‬مغلوب ومعذب"[‪.]2‬‬
‫تجذر فكرة النبوة الكاذبة‬
‫قامت الكنيسة الغربية تحديدا ً منذ بداية السلم بالطعن في‬
‫صدق نبوة رسول الله عليه الصلة والسلم‪ ،‬ول يزال هذا‬
‫الموقف هو السمت المشترك لمعظم المفكرين المتدينين‬
‫الغربيين‪ ،‬رغم أن بعضهم قد تنازل ووصف النبي ببعض الصفات‬
‫اليجابية كقائد سياسي‪ ،‬أو مصلح إنساني‪ ،‬أو إنسان طموح‪،‬‬
‫ولكن ليس كنبي يوحى إليه‪ .‬وأخطأ كثير منا في فهم دللة‬
‫العبارات‪ ،‬والتي تطير بها وكالت النباء العربية والسلمية‪ ،‬وكأنها‬
‫تمثل تحول ً فكريا ً في نظرة الغرب للنبي‪ .‬فكم تغنينا بعبارة أن‬
‫"العظماء مائة وأعظمهم محمد" وغيرها من العبارات التي يكثر‬
‫تقديمها في هذا السياق‪.‬‬
‫كما تسببت هذه الرؤية في كذب نبوة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم في تكوين فكرة مسيحية استقرت في أذهان الكثير من‬
‫المفكرين الدينيين في الغرب‪ .‬هذه الرؤية تتصور أن هذه النبوة‬
‫الكاذبة في ظنهم قد أوقفت تطور النسانية باتجاه المسيحية‪.‬‬
‫يقول أحدهم‪" :‬لقد أمكن لمحمد أن يكون إمبراطورية سياسية‬
‫ودينية على حساب موسى والمسيح"‪]3[.‬‬
‫ويلحظ أحد المفكرين أن فكرة أن النبي لم يكن نبيا حقيقيا‬
‫صادقا قد تجذرت دون أن يصدها أي ريب أو شك أو حتى محاولة‬
‫للتفهم الحقيقي للرسالة السلمية عند مفكرين عديدين من‬
‫القرون الوسطى‪ ،‬أمثال ريمون مارتن‪ ،‬وريطولدو‪ ،‬ومارك دي‬
‫تولد‪ ،‬وروجيه بيكون‪ .‬وتحولت دعوة السلم في نظر هؤلء إلى‬
‫رسالة ناسوتية أملتها مشاريع المصالح السوداء الدنيوية‬
‫والشخصية‪ .‬أما القرآن فليس سوى مجموعة من الخرافات‬
‫مستعارة من التوراة وبشكل مشوه في نظر هؤلء‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ولذلك يبقى السلم في نظر الغالبية العظمى من مفكري‬
‫الغرب دينا ً زائفا ً مهما بلغت نجاحاته‪ ،‬ومهما ادعى أنه أفضل من‬
‫الدين المسيحي الذي تركه معظم الشعب الوربي عملياً‪ ،‬ولكنه‬
‫ل يزال يحرك معتقداته الفكرية في التعامل مع الخرين بقوة‪.‬‬
‫هوس فكري‬
‫إن كل تساؤل وانشغال كبير بالخر إنما يعكس في طياته هوساً‬
‫بهذا الخر‪ .‬وقد قدم السلم منذ ظهوره ذلك "الخر" الذي‬
‫عرفت أوربا نفسها وطموحاتها من خلل مقابلته والمصادمات‬
‫معه‪ .‬فرغم أن السلم في بداية انتشاره لم يول الغرب أي‬
‫اهتمام – لتخلف الغرب حينها‪ -‬إل أن السلم وشخصية النبي‬
‫محمد بوصفها تجسيدا ً للكمال النساني لدى أنصار السلم قد‬
‫أصبحا محور الهجوم المستمر لمفكري الغرب لتأكيد فكرة أن‬
‫الغرب أفضل من الشرق‪ .‬حقا ً أن أوربا قد تخلت عن الفكرة‬
‫المسيحية‪ ،‬ولكنها ل تستطيع أن تتحرر مطلقا ً من أثر الفكر‬
‫المسيحي على شعوبها‪ .‬وهذا الفكر المسيحي الغربي قد توحد‬
‫عبر القرون الماضية حول فكرة معاداة السلم‪ ،‬وتقديم نموذج‬
‫شخصية المسيح عليه السلم – بعد تحريفها‪ -‬في مواجهة‬
‫شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو ما يفسر الهوس‬
‫الغربي بالهجوم على النبي‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتجاه غير المتدين – كما يذكر أحد المفكرين‬
‫العرب‪ -‬الذي يؤثر أكثر فأكثر في الحقيقة الجتماعية الوربية‬
‫بمرور الزمن‪ .‬فمنذ أن تحررت الفكرة العلمانية من الضغط‬
‫المسيحي على التأمل العقلني وعلى الممارسة السياسية‪،‬‬
‫انفتحت نظرة جديدة للكون‪ .‬هذه النظرة الجديدة مكنت من‬
‫رؤية السلم بعمق‪ ،‬كجزء متمم وهام من الحياة النسانية‪ ،‬ولكنه‬
‫أيضا ً خصم سياسي وعسكري عنيد تمثل في ذلك الوقت في‬
‫المبراطورية العثمانية‪.‬‬
‫لذلك استمر العداء رغم اختلف القوى المحركة له‪ ،‬واستمر‬
‫الهوس بالعالم السلمي‪ .‬وظهرت النتقائية الفكرية الغربية‬
‫التي ترى أن المبريالية ليست إل مهمة حضارية للرتقاء بشعوب‬
‫الرض‪ ،‬وأن مقاومتها من قبل المسلمين الذين يتمثلون شخصية‬
‫نبيهم ليسوا إل برابرة يجب القضاء عليهم من أجل استمرار‬
‫المهمة الحضارية نحو هدفها في تنقية الجنس البشري من كل‬
‫أنواع البرابرة‪ ،‬وعلى رأسهم أنصار محمداً‪.‬‬
‫مرآة داكنة لواقع الغرب‬
‫يرى البعض في الغرب في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫نموذجا ً متكامل ً لنوع من الكمال النساني الذي ل يمكن للغرب‬

‫‪98‬‬
‫بأفكاره ونظرياته وممارساته أن يصل لها‪ .‬وعند هذا الفريق من‬
‫الغربيين‪ ،‬يصبح القضاء على هذا النموذج هما ً حقيقيا ً بذاته‪.‬‬
‫فكأن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمثل ذلك الضمير‬
‫الذي يوخز الغرب في جنباته‪ ،‬وكأنه مرآة داكنة توضح لهم‬
‫بالدليل الواقعي مدى التردي الذي وصل إليه حال الشخصية‬
‫الغربية نتيجة لبتعادها عن النموذج المحمدي‪.‬‬
‫قد يعترض بعض المفكرين العرب بل والمسلمين على تصوير‬
‫واقع الشخصية الغربية بهذا الشكل المأساوي‪ ،‬ولكن الحقيقة أن‬
‫هناك فراغ روحي ضخم في الغرب بالعموم‪ ،‬ويظهر ذلك من‬
‫ارتفاع معدلت الجريمة والدمان والنتحار وانتشار الرذائل‪ ،‬بل‬
‫وتصديرها إلى كل أنحاء العالم‪ .‬وفي المقابل تظهر الشخصية‬
‫المسلمة التي يمثلها النبي صلى الله عليه وسلم كمقابل حاد في‬
‫مواجهته لتلك الشخصية الغربية‪ .‬ومنها هنا نجد الهجوم الشديد‬
‫والمتكرر على شخص النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مشروع مواز للغرب‬
‫إن أحد مشكلت عداء الغرب التاريخي للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬هو أنه جاء بنظام سياسي وفكري متكامل ينازع الغرب‬
‫في المسلمات الساسية‪ ،‬وكذلك في طرق التنظيم والدارة‬
‫وسياسة المجتمعات‪ ،‬وأخيرا ً في نمط العلقات الجتماعية داخل‬
‫المجتمع‪ ،‬وبين المجتمعات المختلفة‪ .‬إنه ببساطة نظام متكامل‬
‫مواز للنظام الغربي‪ ،‬ول يلتقي معه‪ ،‬وإنما يقدم بديل ً قوياً‬
‫وخطيرا ً له‪.‬‬
‫وكما يذكر أحد المفكرين العرب فإن "الخوف من قوة السلم‬
‫المحركة يأخذ في اللحظات التراجيدية شكل الدفاع والصراع‬
‫والمشاجرة‪ ،‬أحد أكثر الشكال النفعالية في التاريخ‪ .‬لقد أبرز‬
‫مفهوم السلم السياسي كتهديد متواتر‪ ،‬ومفهوم الدين السياسي‬
‫كبنية تاريخية في أصول السلم‪ .‬يقول غولديهر‪ :‬إن السلم قد‬
‫جعل الدين دنيويا ً لقد أراد أن يبني حكما ً لهذا العالم بوسائل هذا‬
‫العالم‪]4[".‬‬
‫لذلك هاجم المفكرون الغربيون بشدة المشروع الحضاري‬
‫السلمي‪ ،‬واعتبروه خطرا ً كبيرا ً يهدد سيادة الفكر الغربي‬
‫وانتصار الحضارة الغربية‪ ،‬ونهاية التاريخ‪ .‬ولم يبدأ هذا المر مع‬
‫أحداث سبتمبر‪ ،‬أو مع نشوء فكرة صدام الحضارات أو نظرية‬
‫نهاية التاريخ‪ ،‬وإنما سبق ذلك بقرون عديدة‪ ،‬واستمر يغذي‬
‫الشخصية الغربية بمبررات العداء للعالم السلمي ولشخصية‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأنظر إلى أحدهم عندما‬
‫يقول منذ أكثر من قرنين من الزمان‪" :‬يجب القول إن من بين‬

‫‪99‬‬
‫كل الذين تجرءوا على سن القوانين للشعوب‪ ،‬لم يكن واحد‬
‫منهم أجهل من محمد‪ .‬و بين كل البداعات الخرقاء للفكر‬
‫النساني‪ ،‬لم يكن هناك أتعس من كتابه‪ .‬وما يحدث في آسيا منذ‬
‫ألف ومائتي سنة يمكن أن يكون البرهان‪ ،‬لننا لو أردنا النتقال‬
‫من موضوع خاص إلى ملحظات عامة‪ ،‬لكان من السهل البرهان‬
‫أن الضطرابات في الدول‪ ،‬وجهل الشعوب في هذه المنطقة من‬
‫العالم إنما هو تأثير مباشر‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬للقرآن ولخلقه‪]5[".‬‬
‫إحياء فكرة المواجهة‬
‫يرى الكثير من المفكرين الغربيين أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم هو من تسبب في إحياء روح المقاومة والمواجهة في حياة‬
‫العرب والمسلمين‪ ،‬وأن الدين السلمي هو المحرك الرئيس‬
‫لجميع أفكار المقاومة الموجودة في أفكار وتصرفات الشعوب‬
‫السلمية‪ .‬والمقاومة هنا – ليست فقط فكرة مقاومة العدوان –‬
‫وإنما كل أشكال النتصار على النفس وعلى الخر‪.‬‬
‫يرى المفكرون الغربيون أن رسالة محمد‪ ،‬وأفكار محمد‪ ،‬ودعوة‬
‫محمد تقديم الرصيد الفكري والنفسي والعقدي لجهد المسلم‬
‫في النتصار على نفسه وعدم التسليم لشهوات الحياة ومتع‬
‫الدنيا التي يتفنن الغرب في محاولة تقديمها للمة‪ .‬كما أن‬
‫المقاومة تمتد لتمنع الكثير من محاولت الهيمنة الفكرية‬
‫والثقافية على الحياة السلمية والعربية من قبل الغرب‪.‬‬
‫والعجيب أن هذه القوة في السلم قد فسرها بعض مفكري‬
‫القرون الوسطى أنها تدل على زيف السلم‪ .‬يقول لنا دانيال‪:‬‬
‫"إن استعمال القوة‪ ،‬كان تقريبا معتبرا بالجماع كخاصية كبيرة‬
‫وأساسية للدين السلمي‪ ،‬وبالتالي فهو دللة بديهية على ضلل‬
‫السلم‪]6[".‬‬
‫ورغم كل ذلك تظهر المقاومة في شكل تضحيات إنسانية ضخمة‬
‫ل يقدمها شعب آخر أو أمة أخرى في سبيل الحفاظ على أرضها‬
‫ومقدساتها‪ ،‬والرغبة في الدفاع عن أراضيها‪ ،‬وهو ما يصادم الفكر‬
‫الغربي الذي يعلي من شأن الحياة الدنيا‪ .‬إن العمال‬
‫الستشهادية وكل صور المقاومة الخرى – حتى وإن لم تكن‬
‫موفقة أو شرعية ‪ -‬تشكل إشكال ً فكريا ً عميقا ً يصادم الفكر‬
‫الغربي بقوة‪ ،‬ويقدح في مسلماته الساسية‪ ،‬ويلقي مفكرو‬
‫الغرب باللئمة على محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك‪.‬‬
‫إن الفكر الغربي المعاصر غير قادر على تقديم أي تفسير مادي‬
‫أو عقلني للمقاومة الفلسطينية أو للعمليات الستشهادية أو‬
‫المسلحة في العراق‪ ،‬أو إصرار الشعوب العربية التي تظهر أنها‬
‫ضعيفة ومتخلفة على رفض النموذج الغربي للحياة بإصرار يتزايد‬

‫‪100‬‬
‫مع الوقت دون تفسير مقنع إل بإلقاء اللوم والحقد على محمد –‬
‫صلوات الله وسلمه عليه‪ .‬إن النجاحات المتتالية لمشروع‬
‫المقاومة تستنفر في الغالب موجات جديدة من الهجوم على‬
‫شخص النبي‪ ،‬وهو ما يفهم على المستوى الفكري – ول يقبل‬
‫بأي حال من الحوال أو يبرر‪.‬‬
‫الخلصة‬
‫ً‬
‫إن عداء الغرب للنبي محمدا هو عداء مفهوم من المنطلقات‬
‫الفكرية‪ ،‬وإن كان غير مقبول على الطلق تحت أي مبرر أو‬
‫تفسير‪ .‬كان هدف هذه الدراسة هو توضيح أهم المعالم الفكرية‬
‫لمشكلة الغرب مع نبي السلم‪ .‬فرسول الله صلوات الله‬
‫وسلمه عليه قد جسد صورة مخالفة تماما ً للنسان عن الصورة‬
‫التي ارتبط بها المسيحيون عن المسيح كما يصورونه‪ .‬أنه جسد‬
‫إمكانية انتصار النسان دون الحاجة لمعجزات ‪ ..‬بينما الفكر‬
‫المسيحي المعاصر في الغرب يرى أهمية المعجزة للهروب من‬
‫مواجهة الكثير من مصاعب الحياة في الغرب‪.‬‬
‫إن محمدا ً قد أحيا فكرة القوة وعدم الخوف من المواجهة‪ ،‬وهي‬
‫فكرة خطيرة في نظر أصحاب مشروعات الهيمنة والسيطرة‬
‫على واقع المة السلمية وثرواتها ومستقبلها‪ .‬أن محمدا ً قد‬
‫حارب من أجل أن ينتصر النسان على ذاته ‪ ..‬ل أن يخضع لها‪،‬‬
‫وهذا المر يحارب ويصادم تحويل كل شيء في الكون إلى‬
‫سلعة‪ ،‬وتحويل كل فرد إلى مستهلك‪.‬‬
‫لقد قدم رسول الله نموذجا ً متكامل ً لحياة موازية للغرب ‪ ..‬ل‬
‫تلتقي معه اضطرارا ‪ ..‬ول تتنازل له خوفاً‪ .‬والهم من كل ذلك‬
‫أنه محبوب بشدة من المسلمين ‪ ..‬معروف لكل العالم ‪ ..‬نجح‬
‫بكل المعايير الغربية ‪ ..‬ولكنه رفض كل مفاهيم الغرب ‪ ..‬هو‬
‫نموذج يجب القضاء عليه ‪ ..‬ويبدو أن ذلك غير ممكن لن إرادة‬
‫الخالق أقوى من عبث المخلوقين‪.‬‬
‫‪00000000000000‬‬
‫تدين الغرب وتتهمه بالتجني على السلم‪،‬‬ ‫[‪ ]1‬كاتبة بريطانية‬
‫القاهرة‪ :‬جمال شاهين‪ ،‬الشرق الوسط‪ ،‬الربعاء ‪ 18‬ذو الحجـة‬
‫‪ 1426‬هـ ‪ 18‬يناير ‪ 2006‬العدد ‪9913‬‬
‫[‪" ]2‬أوروبا والسلم"‪" ،‬صدام الثقافة والحداثة"‪ ،‬هشام جعيط‪،‬‬
‫دار الطليعة‪ ،2001 ،‬ص ‪.40‬‬
‫[‪]3‬‬
‫[‪" ]4‬أوروبا والسلم"‪" ،‬صدام الثقافة والحداثة"‪ ،‬هشام جعيط‪،‬‬
‫دار الطليعة‪ ،2001 ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪101‬‬
‫[‪Voyage en Syrie et en Egypte Pendant les annees 1783 – 1785، Paris، 1787، ]5‬‬
‫‪.PP. 301 – 310‬‬
‫[‪Norman Daniel, Islam and the west, The making of an Image, Edinburgh, 1960, ]6‬‬
‫‪P.146‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )28‬الساءة إلى السلم في الغرب‪ ..‬حرية تعبير أم‬
‫وجدان صليبي‬
‫د‪ .‬محمد مورو‬
‫لوحظ في السنوات الخيرة ارتفاع نبرة الساءة إلى السلم‬
‫والهجوم على رموزه في الوساط الثقافية والفكرية بل‬
‫والسياسية في الغرب‪ .‬وفي الحقيقة فإن الكيد للسلم والساءة‬
‫له ليس أمرا ً جديدا ً على الغرب ‪ ،‬الجديد فقط هو ارتفاع تلك‬
‫النبرة والمر ل يرتبط هنا بحالة رد الفعل المزعومة بسبب‬
‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر ولكنه يضرب في جذور تلفيف العقل الغربي‬
‫قبل سبتمبر ‪ 2001‬وبعده ‪ ،‬فالجندي اليطالي الذي كان يذهب إلى‬
‫ليبيا لحتللها كان ينشد لمه‪:‬‬
‫أماه‪..‬‬
‫أتمي صلتك‪..‬‬
‫ل تبك‪ ،‬بل أضحكي وتأملي‪،‬‬
‫أنا ذاهب إلى طرابلس‪،‬‬
‫فرحا ً مسروراً‬
‫سأبذل دمي في سبيل سحق المة الملعونة‬
‫سأحارب الديانة السلمية‬
‫سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن‪]1[ .‬‬
‫وكتبت جريدة فرنسية سنة ‪ 1926‬تقول‪" :‬لقد استسلم عبد الكريم‬
‫الخطابي من غير شروط‪ ،‬وخضع لحماية فرنسا‪ ،‬ذلك ما كنا‬
‫نبغي‪ ،‬فالحادث مهم‪ ،‬فهو يضرب السلم في الصميم‪ ,‬وبوسعنا‬
‫الن أن نفتك بهذا الدين الفتك الذريع"‪]2[.‬‬
‫والجنرال بيجو القائد العسكري الفرنسي في الجزائر حدد هدف‬
‫الغزو " أن أيام السلم الخيرة في الجزائر قد اقتربت " ‪ ،‬وكان‬
‫يقتل الرجال والنساء ويأتي بالطفال ويسلمهم إلى القسيس‬
‫بريمو " الذي صاحب الغزو الفرنسي " قائل ً له " حاول يا أبت أن‬
‫تجعلهم مسيحيين " ‪ ،‬ويلخص نفس الجنرال المسألة بكاملها‬
‫قائل ً " إن العرب لن يكونوا لفرنسا إل حينما يصبحون مسيحيين‬
‫"‪]3[.‬‬
‫وقبل ذلك فإن المسألة برمتها يلخصها قول الب أربان الثاني‬
‫مفجر الحروب الصليبية في مجمع كلير مونت عام ‪ 1095‬م "أيها‬

‫‪102‬‬
‫الجنود المسيحيون ‪ . . .‬اذهبوا وخلصوا البلد المقدسة من أيدي‬
‫الشرار ‪ ،‬اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار"‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫نحن إذن أمام وجدان صليبي وعداء وحقد على السلم قديم‬
‫جديد وليست عملية الساءة إلى السلم إل الجزء الطافي من‬
‫جبل الجليد بل إن عملية محاولة اجتثاث السلم ذاته هي محاولة‬
‫لم تتوقف قط منذ مئات السنين وشهدت عمليات إبادة ‪ ،‬مذابح‬
‫تبشير ‪ ،‬حرب ثقافية – غزوات‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وأعتقد أن السبب الرئيسي لتلك المحاولت المستمرة لتشويه‬
‫السلم والساءة إلى رموزه بالضافة إلى الحقد الصليبي‬
‫المعروف هو نوع من الهزيمة الداخلية في العقل المسيحي‬
‫الغربي فالخوف من انتشار نور السلم ‪ ،‬وبسبب صحة العقيدة‬
‫السلمية بكل المقاييس العقلية والنفسية والعلمية والدبية‬
‫دفعت دهاقنة الغرب لمحاولة تشويه السلم ومن ثم حجب نوره‬
‫عن أعين الوروبيين ‪.‬‬
‫والساءة إلى السلم ل تتم في الغرب فقط ‪ ،‬بل يقوم بها أيضاً‬
‫عملء محليين يدفع لهم الغرب هذا الثمن من الموال والجوائز‬
‫والمنح العلمية والدبية‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهؤلء ما هم إل طابور خامس‬
‫يردد أقول مستشرقي الغرب كالببغاء ‪ ،‬وهم بالطبع ل يحزون‬
‫باحترام أهاليهم ‪ ،‬ول احترام الغرب ذاته لنهم مجرد عملء ‪.‬‬
‫‪0000000000000‬‬
‫بالنسبة لنا كمسلمين فإن الساءة إلى السلم هي نوع من‬
‫الكفر البواح ‪ ،‬ول علقة لها من قريب أو بعيد بحرية التعبير‬
‫المزعومة ‪ ،‬وتقتضي بالطبع عقوبة يقررها العلماء المسلمون‬
‫ولكن الغرب يزعم أن حرية التعبير هي الدافع وراء هذا السيل‬
‫من الساءات للسلم ‪ ،‬وأنه من ثم ل يستطيع أن يصدر قرارات‬
‫إدارية بمنع ذلك لن ذلك يتعارض مع الحرية التعبير المزعومة ‪،‬‬
‫وفي الحقيقة فإن ذلك كذب وخداع ‪ ،‬فحرية التعبير المزعومة‬
‫تلك لم تمنع بلدا ً كفرنسا من مصادرة كتب أحمد ديدات في‬
‫فرنسا ولم تمنع من محاكمة روجيه جارودي لمجرد أنه شكك في‬
‫أرقام الضحايا اليهود في أفران هتلر ‪.‬‬
‫وهي أمور تدخل في باب السب والقذف وليس حرية التعبير‬
‫نفس المر ينطبق على تصريحات قساوسة النصارى في أمريكا‬
‫أمثال بات روبرتسون وجراهام بل الذي وصف رسول السلم‬
‫صلى الله عليه وسلم بالهمجية والعدوان ‪ ،‬وتنطبق على‬
‫حاخامات اليهود من أمثال " عوفاديا يوسف " الذي وصف‬
‫المسلمين بالصراصير والحشرات التي ينبغي سحقها بالقدام ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الساءة للسلم لم تتوقف عند هذا الحد ‪ ،‬ولكنها وصلت إلى‬
‫تمزيق المصاحف وتلويثها بالنجاسات والسير عليها بالقدام في‬
‫معسكر جوانتانامو – واعترفت الدارة المريكية بذلك ! ! ‪.‬‬
‫وكذلك نفس الشيء في سجن "مجدو" السرائيلي ‪ ،‬المر الذي‬
‫دفع المعتقلين الفلسطينيين إلى الضراب عن الطعام لوقف‬
‫الساءة إلى رموز السلم ‪.‬‬
‫والحملة الصحفية في الدانمارك والتي تم فيها التطاول على‬
‫السلم ورسول السلم تأتي في نفس الطار فإذا أصبح‬
‫المسلمون زعمت حكومات الغرب أن ذلك خارج إطار سلطاتها‬
‫لنه يدخل في باب حرية التعبير المزعومة ‪ ،‬والحقيقة أنه سب‬
‫وقذف حتى بمعايير الغرب وقوانينه ذاتها ‪.‬‬
‫والحديث الغربي عن الحرية والديمقراطية أصبح حديثا ً مفضوحا ً ‪،‬‬
‫بعد ما حدث في جوانتانامو وأبو غريب وقلعة جانجي بأفغانستان‬
‫وغيرها مما رصدته واعترفت به منظمات حقوقية دولية ل يمكن‬
‫اتهامها بالنحياز إلى السلم مثل ً ‪.‬‬
‫ولكن على أي حال سنجاري الغرب في أكاذيبه حول حرية‬
‫التعبير ‪ ،‬ونقبل أن نأخذ بمعاييره مؤقتا ً للحكم على سبيل‬
‫الساءات للسلم في الغرب ‪.‬‬
‫فالمدعو سلمان رشدي مثل ً الذي احتفى به الغرب ومنحه‬
‫الحماية والجوائز والتقدير لم يقدم كتابا ً مثل ً في مناقشة الفكار‬
‫السلمية بل قدم قذفا ً صريحا ً في حق أمهات المؤمنين رضوان‬
‫الله عليهم ‪ ،‬وأساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة‬
‫وافترى على الجميع افتراءات منحطة وكلها أمور تخضع للعقوبة‬
‫في أي قانون غربي ‪ ،‬فحرية التعبير غير السب والقذف والفتراء‬
‫والكذب بالطبع ‪.‬‬
‫نفس المر ينطبق على المدعوة " تسليمة نسرين " وهي كاتبة‬
‫بنغالية الصل حذت حذو سلمان رشدي ‪.‬‬
‫في الطار نفسه سمعنا تصريحات من رئيس الوزراء اليطالي "‬
‫بيرلسكوني " الذي وصف الحضارة السلمية بالنحطاط والكاتبة‬
‫اليطالية " إيريا فلشيا " التي وصفت السلم بكل الوصاف‬
‫المنحطة من أنه دين متخلف ووثني وعدواني بل ومقيد ! ! ‪.‬‬
‫والحقيقة المريرة أن هناك أول ً ضعف عام لدى المسلمين‬
‫وحكوماتهم وجماعاتهم وهيئاتهم الدينية والدبلوماسية على حد‬
‫سواء تغري الخرين بامتهان المقدسات السلمية والساءة إلى‬
‫الرموز الدينية ووصل المر إلى حد الدعوة لضرب الكعبة‬
‫الشريفة وهدم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي‬
‫دعوة تكررت كثيرا ً في الصحف المريكية ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫والسؤال الن ‪ . . .‬أين الحكومات العربة ‪ ،‬أين الزهر أين‬
‫المؤسسات الدينية ‪ . . .‬أين منظمات المجتمع الهلي التي تقيم‬
‫الدنيا وتقعدها إذا حدث اعتداء مزعوم على مسيحي أو‬
‫يهودي ! ! ‪.‬‬
‫أين المعتصم الذي سير الجيوش لمعاقبة الرومان لمجرد العتداء‬
‫على سيدة واحدة مسلمة ‪ ،‬والتي هتفت في عمورية "‬
‫وامعتصماه " فاستمع إليها الخليفة المعتصم في بغداد على بعد‬
‫مئات الميال ‪ ،‬واستجاب لندائها ولكن حكام العرب والمسلمين‬
‫لم يعد فيهم معتصم ول حول ول قوة إل بالله ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫{يريدو َ‬
‫ه‬ ‫ن يُت ِ َّ‬
‫م نُوَر ُ‬ ‫ه إ ِل أ ْ‬
‫م وَيَأبَى الل ُ‬ ‫ن يُطْفِئُوا نُوَر الل ّهِ بِأفْوَاهِهِ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن} [التوبة‪.]32:‬‬ ‫وَلَوْ كَرِه َ الكافُِرو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪---------------‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬محمد جلل كشك ‪ . .‬القومية والغزو المريكي‬
‫( ‪da depeche de constasntine – 1926 / 5 / 28 ) 2‬‬
‫( ‪ ) 3‬د ‪ /‬محمد مورو – الجزائر تعود لمحمد – المختار السلمي‬
‫– ‪1992‬‬
‫( ‪ ) 4‬د ‪ /‬سيد عبد الفتاح عاشور – الحروب الصليبية – مكتبة‬
‫النجلو المصرية‬
‫‪-------------------‬‬
‫(‪)29‬‬

‫==================‬
‫الباب التاسع‪ -‬مواضيع المتطاولون وعاقبتهم‬

‫‪ .1‬كيف انتقم الله من الذين سبوا الرسول صلى الله‬


‫عليه وسلم عبر التاريخ؟!‬
‫بقلم‪ :‬د‪ .‬عادل باناعمة‪.‬‬
‫قصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫جديرة بالتأمل‪ ،‬فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فامتنع كلهما من السلم‪ ،‬لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأكرم رسوله‪ ،‬فثبت الله ملكه‪ ،‬وكسرى مزق كتاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واستهزأ برسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقتله الله بعد قليل‪ ،‬ومزق ملكه كل ممزق‪،‬‬
‫ولم يبق للكاسرة ملك‪( .‬الصارم المسلول‪)144 :‬‬
‫ي أنه بلغه أن هرقل وضع‬ ‫وكان من أثر ذلك ما ذكره السهيل ُ‬
‫ما له‪ ،‬وهم لم يزالوا يتوارثونه‬
‫الكتاب في قصبة من ذهب تعظي ً‬

‫‪105‬‬
‫حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة‪ ،‬ثم كان عند‬
‫سبطه‪ ،‬فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد‬
‫المسلمين اجتمع بذلك الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع‬
‫بذلك الملك فأخرج له الكتاب‪ ،‬فلما رآه استعبر‪ ،‬وسال أن يمكنه‬
‫من تقبيله فامتنع‪ ،‬ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح‬
‫مصفَّح بذهب‪،‬‬ ‫المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق ُ‬
‫فأخرج منه مقلمة ذهب‪ ،‬فأخرج منها كتابًا قد زالت أكثر حروفه‪،‬‬
‫خرقَة حرير‪ ،‬فقال‪ :‬هذا كتاب نبيكم إلى جدي‬ ‫وقد التصقت عليه ِ‬
‫قيصر‪ ،‬ما زلنا نتوارثه إلى الن‪ ،‬وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا‬
‫الكتاب عندنا ل يزال الملك فينا‪ ،‬فنحن نحفظه غاية الحفظ‪،‬‬
‫ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا‪.‬‬
‫وإليكم هذا الخبر العجيب!‬
‫كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام‪ ،‬فقال ابنه عتبة‪:‬‬
‫والله لنطلقن إلى محمد ولوذينّه في ربه سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا محمد (هو‬
‫يكفر) بالذي دنى فتدلى‪ ،‬فكان قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم سلط عليه كلبًا من كلبك"‪.‬‬
‫ثم انصرف عنه‪ ،‬فرجع إلى أبيه فقال‪ :‬يا بني ما قلت له؟ فذكر‬
‫له ما قاله‪ ،‬فقال‪ :‬فما قال لك؟ قال‪ :‬قال‪" :‬اللهم سلط عليه كلبًا‬
‫من كلبك"‪ .‬قال‪ :‬يا بني‪ ،‬والله ما آمن عليك دعاءه!‬
‫ض كثيرة السد‪ ،‬فقال‪ :‬أبو‬ ‫فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أر ٌ‬
‫لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي‪ ،‬وإن هذا الرجل قد دعا‬
‫على ابني دعوة والله ما آمنها عليه‪ ،‬فاجمعوا متاعكم إلى هذه‬
‫الصومعة وافرشوا لبني عليها ثم افرشوا حولها‪ ،‬ففعلنا‪ ،‬فجاء‬
‫م وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة‪ ،‬فإذا‬ ‫السد فش َّ‬
‫م وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! فقال‬ ‫هو فوق المتاع فش َّ‬
‫أبو لهب‪ :‬قد عرفت أنه ل يتفلت من دعوة محمد!! (تفسير ابن‬
‫كثير)‪.‬‬
‫ي في ذيل مولد العلماء (‪ )1/139‬أنه ظهر في زمن‬ ‫وذكر الكتان ّ‬
‫مى نفسه هادي المستجيبين‪ ،‬وكانوا يدعون إلى‬ ‫لس ّ‬‫الحاكم رج ٌ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ب النب ّ‬
‫ي عنه أنّه س َ‬
‫حك َ‬ ‫عبادة الحاكم‪ ،‬و ُ‬
‫وبصق على المصفح‪ ،‬فلما ورد مكة شكاه أهلها إلى أميرها‪،‬‬
‫فدافع عنه‪ ،‬واعتذر بتوبته‪ ،‬فقالوا‪ :‬مثل هذا ل توبة له! فأبى‪،‬‬
‫حا‬‫فاجتمع الناس عند الكعبة وضجوا إلى الله‪ ،‬فأرسل الله ري ً‬
‫سوداء حتى أظلمت الدنيا‪ ،‬ثم تجلت الظلمة وصار على الكعبة‬
‫فوق استارها كهيئة الترس البيض له نور كنور الشمس‪ ،‬فلم يزل‬

‫‪106‬‬
‫كذلك ترى ليل ً ونهاًرا‪ ،‬فلما رأى أمير مكة ذلك أمر بـ"هادي‬
‫المستجيبين" فضرب عنقه وصلبَه‪.‬‬
‫وذكر القاضي عياض في الشفا (‪ )2/218‬قصة عجيبة لساخر بالنبي‬
‫ب‬
‫صلى الله عليه وسلم! وذلك أن فقهاء القيروان وأصحا َ‬
‫سحنون أفتوا بقتل إبراهيم الفزاري وكان شاعًرا متفننًا في كثير‬
‫من العلوم‪ ،‬وكان يستهزئ بالله وأنبيائه ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأمر القاضي حيى بن عمر بقتله وصلبه‪ ،‬فطُعن‬
‫ض المؤرخين أنه لما ُرقعت‬ ‫سا‪ ،‬وحكى بع ُ‬ ‫منك ً‬ ‫صلب ُ‬ ‫بالسكين و ُ‬
‫خشبته‪ ،‬وزالت عنها اليدي استدارت وحوَّلته عن القبلة فكان آي ً‬
‫ة‬
‫ب فولغ في دمه!!‬ ‫س‪ ،‬وجاء كل ٌ‬ ‫للجميع‪ ،‬وكبر النا ُ‬
‫حا مفوهًا أراد أن‬ ‫وحكى الشيخ العلمة أحمد شاكر أن خطيبًا فصي ً‬
‫يثني على أحد كبار المسؤولين لنه احتفى بطه حسين فلم يجد‬
‫إل التعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فقال في‬
‫خطبته‪ :‬جاءه العمى فما عبس وما تولى!!‬
‫قال الشيخ أحمدُ‪ :‬ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في‬
‫الدنيا‪ ،‬قبل أن يجزيه جزاءه في الخرى‪ ،‬فأقسم بالله لقد رأيته‬
‫خا‪،‬‬
‫بعيني رأسي ـ بعد بضع سنين‪ ،‬وبعد أن كان عاليًا منتف ً‬
‫مستعًزا بمن لذ بهم من العظماء والكبراء ـ رأيته مهينًا ذليلً‪،‬‬
‫ما على باب مسجد من مساجد القاهرة‪ ،‬يتلقى نعال المصلين‬ ‫خاد ً‬
‫يحفظها في ذلة وصغار!!‬
‫وذكروا أن رجل ً ذهب لنيل الشهادة العليا من جامعة غربية‪،‬‬
‫ه متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان‬ ‫وكانت رسالت ُ ُ‬
‫مشرفه شانئًا حانقًا‪ ،‬فأبى أن يمنحه الدرجة حتى يضمن رسالته‬
‫صا للمصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فضعفت نفسه‪ ،‬وآثر‬ ‫انتقا ً‬
‫الولى على الخرة‪ .‬فلما حاز شهادته ورجع إلى دياره فجئ بهلك‬
‫جميع أولده وأهله في حادث مفاجئ‪.‬‬
‫ل إله إل الله‪.‬‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ستَهْزِئي َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صدق الله‪{ ..‬إِنَّا كَفَيْنَا َ‬
‫وليعلم أن كفاية الله لنبيه ممن استهزأ به أو آذاه ليست‬
‫مقصورة على إهلك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة‪.‬‬
‫بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة‪..‬‬
‫فقد يكفيه الله عز وجل بأن يسلط على هذا المستهزئ المعتدي‬
‫رجل ً من المؤمنين يثأر لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما حصل‬
‫في قصة كعب بن الشرف اليهودي الذي كان يهجو النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬واليهودية التي كانت تشتم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فخنقها رجل حتى ماتت (أبو داود) وأم الولد التي قتلها‬
‫سيدها العمى لما شتمت النبي صلى الله عليه وسلم (أبو داود)‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫وأبي جهل إذ قتله معاذ ومعوذ لنه كان يسب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬والخطْمية التي هجت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فانتدب لها رجل من قومها (الصارم المسلول ‪ ،)95‬وأبي‬
‫عَفَك اليهودي الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصه‬
‫سالم ابن عمير (الصارم المسلول ‪ ،)102‬وأنس بن ُزنَيم الذي هجا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فشجه غلم من خزاعه (الصارم‬
‫المسلول ‪ ،)103‬وسلم ابن أبي الحقيق إذ ثأر للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم منه عبد الله بن عتيك وصحبه (الصارم المسلول‬
‫‪.)135‬‬
‫ولعل أغرب وأعجب وأطرف ما وقفت عليه في هذا الباب ما‬
‫ذكره شيخ السلم ابن تيمية في مؤلفه المشهور (الصارم‬
‫المسلول على شاتم الرسول) (ص‪ ،)134 :‬قال رحمه الله‪ :‬وقد‬
‫ذكروا أن الجن الذين آمنوا به‪ ،‬كانت تقصد من سبه من الجن‬
‫الكفار فتقتله‪ ،‬فيقرها على ذلك‪ ،‬ويشكر لها ذلك!‬
‫ونقل عن أصحاب المغازي أن هاتفًا هتف على جبل أبي قبيس‬
‫بشعر فيه تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فما مرت ثلثة‬
‫ايام حتى هتف هاتف على الجبل يقول‪:‬‬
‫نحن قتلنا في ثلث مسعرا إذ سفه الحق وسن المنكرا‬
‫ما مبتـرا بشتمـه نبينـا المطهـرا‬
‫ه سيفًا حسا ً‬
‫قنّعت ُ ُ‬
‫ومسعر ـ كما في الخبر ـ اسم الجني الذي هجا النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن صور كلءة الله لنبيه ممن تعرض له بالذى أن يحول بين‬
‫المعتدي وبين ما أراد بخوف يقذفه في قلبه‪ ،‬أو ملك يمنعه مما‬
‫أراد‪ ..‬وقد روي أن غورث بن الحرث قال لقتلن محمدًا‪ ،‬فقال له‬
‫أصحابه‪ ،‬كيف تقتله؟ قال‪ :‬أقول له أعطني سيفك‪ ،‬فإذا أعطانيه‬
‫مه‪ ،‬فأعطاه إياه‬ ‫قتلته به‪ .‬فأتاه فقال‪ :‬يا محمد أعطني سيفك أش ّ‬
‫فرعدت يده‪ ،‬فسقط السيف‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬حال الله بينك وبين ما تريد" (الدر المنثور ‪.)3/119‬‬
‫ومثل ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره (‪ )4/530‬من أن أبا جهل‬
‫قال لقومه‪ :‬واللت والعزى لئن رأيت محمدًا يصلي لطأن على‬
‫رقبته ولعفرن وجهه في التراب‪ ،‬فأتى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته‪ ،‬فما فجأهم منه إل وهو‬
‫ينكص على عقبيه ويتقي بيديه! فقيل‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬إن بيني‬
‫وبينه خندقًا من نار وهول ً وأجنحة! فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬لو دنا مني لختطفته الملئكة عضوًا عضوًا"‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجال ً من قريش اجتمعوا في‬
‫الحجر‪ ،‬ثم تعاقدوا باللت والعزى ومناة الثالثة الخرى ونائلة‬

‫‪108‬‬
‫وإساف أن لو قد رأوا محمدًا لقد قمنا إليه مقام رجل واحد‬
‫فقتلناه قبل أن نفارقه‪ ،‬فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬هؤلء المل من قومك‬
‫لقد تعاهدوا لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك‪ ،‬فليس منهم رجل‬
‫واحد إل قد عرف نصيبه من دمك‪ .‬فقال‪" :‬يا بنية آتيني بوضوء"‪،‬‬
‫فتوضأ‪ ،‬ثم دخل عليهم المسجد‪ ،‬فلما رأوه قالوا‪ :‬هاهو ذا‪،‬‬
‫وخفضوا أبصارهمن وسقطت أذقانهم في صدورهم‪ ،‬فلم يرفعوا‬
‫إليه بصًرا‪ ،‬ولم يقم منهم إليه رجل‪ ،‬فأقبل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى قام على رؤوسهم‪ ،‬وأخذ قبضة من التراب ثم قال‪:‬‬
‫"شاهت الوجوه"‪ ،‬ثم حصبهم بها فما أصاب رجل ً منهم من ذلك‬
‫الحصا حصاة ٌ إلى قتل يوم بدر كافًرا‪( .‬دلئل النبوة ‪.)1/65‬‬
‫ل إله إل الله‪..‬‬
‫ن}‪.‬‬‫ستَهْزِئي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ُ‬ ‫َ‬
‫صدق الله‪{ ..‬إِن ّا كَفَيْنَا َ‬
‫ومن صور حماية الله لنبيه‪ ،‬وكفايته إياه استهزاء المستهزئين أن‬
‫يصرف الشتيمة والذم والستهزاء إلى غيره‪ ..‬فإذا بالشاتم يريد‬
‫أن يشتمه فيشتم غيره من حيث ل يشعر!!‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل ترون كيف يصرف الله عني شتم‬
‫ما‪ ،‬وأنا محمدٌ"!‬‫ما‪ ،‬ويلعنون مذم ً‬ ‫قريش ولعنهم‪ ،‬يشتمون مذم ً‬
‫(البخاري)‪ ،‬قال ابن حجر (الفتح ‪ :)6/558‬كان الكفار من قريش‬
‫من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم ل يسمونه‬
‫باسم الدال على المدح‪ ،‬فيعدلون إلى ضده فيقولون‪ :‬مذمم‪ ،‬وإذا‬
‫ذكروه بسوء قالوا‪ :‬فعل الله بمذمم‪ .‬ومذمم ليس اسمه‪ ،‬ول‬
‫يعرف به‪ ،‬فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره!‬
‫ل إله إل الله‪..‬‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ستَهْزِئي َ‬ ‫م ْ‬‫ك ال ْ ُ‬‫صدق الله‪{ ..‬إِنَّا كَفَيْنَا َ‬
‫ومن صور الحماية الربانية أن يغير الله السنن الكونية صيانة‬
‫لنبيه صلى الله عليه وسلم ورعاية له‪.‬‬
‫وشاهد ذلك قصة الشاه المسمومة‪ ،‬فهذه زينب بنت الحارث‬
‫ما‬
‫جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بشاة مشوية دست فيها س ً‬
‫كثيًرا‪ ،‬فلما لك النبي صلى الله عليه وسلم منها مضغة لم‬
‫يسغها‪ ،‬وقال‪" :‬عن هذا العظم يخبرني أنه مسموم"! ثم دعا‬
‫باليهودية فاعترفت‪.‬‬
‫فانظر كيف خرم الله السنن الكونية من جهتين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أنه لم يتأثر صلى الله عليه وسلم بالسم الذي لكه‪.‬‬
‫وثانيتهما‪ :‬أن الله أنطقَ العظم فأخبره عليه الصلة والسلم بما‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ومن صور الكفاية الربانية لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم ممن‬
‫آذاه أن يقذف الله في قلب هذا المؤذي المعتدي السلم‪،‬‬
‫فيؤوب ويتوب‪ ،‬حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب‬
‫إليه من ماله وولده ووالده والناس أجمعين!!‬
‫ومن أعجب المثلة في ذلك قصة أبي سفيان بن الحارث أخي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع‪ ،‬وكان يألف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أيام الصبا وكان له تربًا‪ ،‬فلما بُعث النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عاداه أبو سفيان عداوة ً لم يعادها أحدًا قط‪،‬‬
‫وهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجا أصحابه‪ ..‬ثم شاء‬
‫الله أن يكفي رسوله صلى الله عليه وسلم لسان أبي سفيان‬
‫وهجاءه‪ ،‬ل بإهلكه وإنما بهدايته!! قال أبو سفيان عن نفسه‪ :‬ثم‬
‫إن الله ألقى في قلبي السلم‪ ،‬فسرت وزوجي وولدي حتى نزلنا‬
‫بالبواء‪ ،‬فتنكرت وخرجت حتى صرت تلقاء وجه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلما مل عينيه مني أعرض عنّي بوجهه إلى الناحية‬
‫الخرى‪ ،‬فتحولت إلى ناحية وجهه الخرى‪.‬‬
‫ل منزل ً إل وهو على بابه‬ ‫ه‪ ،‬ل ينز ُ‬ ‫قالوا‪ :‬فما زال أبو سفيان يتبعُ ُ‬
‫ومع ابني جعفر وهو ل يكلمه‪ ،‬حتى قال أبو سفيان‪ :‬والله ليأذنن‬
‫شا أو جوع ًا‪،‬‬ ‫لي رسول له أو لخذن بيد ابني هذا حتى نموت عط ً‬
‫فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما فدخل‬
‫عليه‪( .‬انظر سيرة ابن هشام ‪ .)4/41‬فسبحان من حوّل العداوة‬
‫الماحقة إلى حب وتذلل‪ ،‬وملزمة للباب طلبًا للرضا!!‬
‫ل إله إل الله‪..‬‬
‫ن‬
‫ستَهْزِئي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫صدق الله‪{ ..‬إِنَّا كَفَيْنَا َ‬
‫‪-------------‬‬
‫‪ .2‬وللكافرين أمثالها‬
‫م لرسوله‬ ‫ن الله منتق ٌ‬ ‫يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪" :‬إ َّ‬
‫ب الكاذب إذا لم يمكن‬ ‫مظْهٌِر لِدِينِهِ ولِكَذ ِ ِ‬ ‫سبَّه‪ ،‬و ُ‬ ‫ممن طعن عليه و َ‬
‫حدَّثَنَاه أعداد ٌ من‬ ‫الناس أن يقيموا عليه الحد‪ ،‬ونظير هذا ما َ‬
‫ت متعددةٍ‬ ‫ما جربوه مرا ٍ‬ ‫المسلمين العُدُول‪ ،‬أهل الفقه والخبرة‪ ،‬ع َّ‬
‫صرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية‪ ،‬لما حصر‬ ‫ح ْ‬‫في َ‬
‫صُر‬
‫ح ُ‬‫المسلمون فيها بني الصفر في زماننا‪ ،‬قالوا‪ :‬كنا نحن ن َ ْ‬
‫ن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى‬ ‫ص َ‬‫ح ْ‬
‫ال ِ‬
‫ل الله والوقيعةِ‬ ‫ب رسو ِ‬ ‫س ِّ‬
‫ه لِ َ‬‫نكاد نيأس منه‪ ،‬حتى إذا تعرض أهل ُ ُ‬
‫سر‪ ،‬ولم يكد يتأخر إل يوما ً أو يومين‬ ‫جلنا فتحه وتي َ َّ‬ ‫ضه تَعَ َّ‬
‫في عر ِ‬
‫أو نحو ذلك‪،‬ثم يفتح المكان عنوة‪ ،‬ويكون فيهم ملحمة عظيمة‪،‬‬
‫شُر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬حتى إن كنا لَنَتَبَا َ‬
‫مع امتلء القلوب غيظا ً عليهم بما قالوا فيه‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب‬
‫– يعني المغرب‪-‬‬
‫حالهم مع النصارى كذلك‪ ،‬ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة‬
‫بعذاب من عنده‬
‫وتارة بأيدي عباده المؤمنين" انتهى‪.‬‬
‫الصارم المسلول ص ‪117-116‬‬
‫‪-------------‬‬
‫‪ .3‬عاقبة القرطاء البكريين‪ ..‬استهزءوا بكتاب رسول‬
‫الله فأصابهم العته‬
‫بعث الرسول إلى القرطاء البكريين وهم حي في نجد يدعوهم‬
‫للسلم بكتاب‪ ،‬فاستهزءوا به وبكتابه‪ ،‬وأخذوا الكتاب الذي‬
‫يدعوهم للتوحيد وغسلوه من حبر الكتابة ثم رقعوا به دلو لهم‬
‫مخروم وضحكوا من الكتاب وسخروا من الرسول‪ ،‬فما الذي‬
‫جرى لهذا الحي كله‪ ،‬كل من شرب من هذا الدلو المرقوع‬
‫بخطاب النبي أخذته رعدة وعجلة واختلط في كلمه واعوج‬
‫لسانه وأصبحوا أهل سفه وخفة ل يحسنون الكلم ول يفهموه من‬
‫يسمعه واستمر ذلك حتى في نسلهم‪.‬‬
‫محوها بماء البئر فهي عصير‬ ‫وإذا ما أتتهم من محمد آية‬
‫سفاهة منهم فكان الكلم عسير‬ ‫وأعرضوا عن الحق بعد بيانه‬
‫‪-------------‬‬
‫‪ .4‬عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك‬
‫يعتبر المير الصليبي "رينالد دي شاتيون" المشهور في المراجع‬
‫العربية باسم "أرناط"‪ ،‬من أشد الصليبيين عداوة وغدرا ً وحقداً‬
‫على السلم والمسلمين‪ ،‬قضى حياته كلها في محاربة المسلمين‬
‫تدينا ً منه‪ ،‬ووقع في السر عدة مرات‪ ،‬ويفتدى نفسه ليخرج‬
‫لمحاربة المسلمين مرة أخرى‪ ،‬وكان أميرا ً على حصن الكرك‬
‫وكان دائم الغارة على قوافل المسلمين‪ ،‬وذات مرة هاجم‬
‫أرناط قافلة حجاج مسلمين فقتلهم وسرق متاعهم وأثناء اقترافه‬
‫هذه الجريمة الشنيعة أخذ في سب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ويقول للمسلمين "أين محمدكم لينقذكم؟"‪.‬‬
‫وقد فكر هذا الخنزير الحمق في الهجوم على مكة والمدينة‬
‫النبوية وأعد أسطول ً لذلك وقام بغارات مجرمة على قوافل‬
‫الحجيج‪ ،‬فأقسم "صلح الدين" على أن يقتل هذا الكلب بيده إذا‬
‫ظفر بيده‪ ،‬وجاء يوم الوفاء يوم "حطين" العظيم سنة ‪583‬‬
‫هجرية‪ ،‬حيث وقع هذا الكلب في السر‪ ،‬وقال صلح الدين بعزة‬
‫المؤمن المدافع عن نبيه وأمته‪ :‬أنا أنوب عن المة في النتصار‬

‫‪111‬‬
‫لرسولها ثم ضرب عنق أرناط بسيفه فأطارها وأطار معها أفئدة‬
‫باقي السرى الصليبيين ‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫‪.5‬عاقبة أحمد القادياني (النجاسة تخرج من فمه عند‬
‫موته)‬
‫هذا الدجال الكاذب المحتال الذي ادعى النبوة غلم أحمد ميرزا‬
‫القادياني‪ ،‬العميل النجليزي الذي تم تجنيده لفساد عقائد‬
‫المسلمين‪ ،‬كان هذا الدجال يفضل نفسه على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ويقول عن نفسه ‪:‬‬
‫غسا القمران المشرقان أتنكر‬ ‫له خسف القمر المنير وإن لي‬
‫ويرفع نفسه فوق النبي صلى الله عليه وسلم ويقول إنه أكمل‬
‫وأعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهلك هذا الدجال‬
‫بالطاعون وجاءه أجله المقدور في بيت النجاسات وهو يقضي‬
‫حاجته‪ ،‬وكانت النجاسة تخرج من فيه قبل موته وذلك في ‪ 26‬مايو‬
‫‪ 1908‬ميلدية ‪.‬‬
‫والقائمة طويلة والمصير المحتوم ينتظر كل طاعن ومستهزئ‬
‫وإن تخلفت المة عن نصرة نبيها فالكون كله لنبيه‬
‫سينتصر‪،‬وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‬
‫‪--------------‬‬
‫‪.6‬عاقبة كسرى ملك الفرس (يمزق خطاب النبي‬
‫فيتمزق ملكه)‬
‫وهو كبير الفرس المجوسي الذي كان يعتقد أنه إله البشر‬
‫وسيدهم‪ ،‬يأتيه خطاب من الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه‬
‫للسلم‪ ،‬مع عبد الله بن حذافة السهمي فبمجرد أن يسمع أن‬
‫الرسول قد بدأ الخطاب باسمه قبل اسم كسرى‪ ،‬فيمزق الكتاب‬
‫ويقول بكبر مجوسي بغيض عبد من عبادي يبدأ كتابه بنفسه‬
‫قبلي‪ ،‬ويطرد السفير‪ ،‬فلما وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪[ :‬مزق ملكه]‪ ،‬فيعدو على كسرى أقرب الناس إليه‬
‫"شيرويه" ابنه الكبير فيقتله‪ ،‬ثم ما يلبث أن يُقتل هو‪ ،‬ثم يقُتل‬
‫من قتله‪ ،‬وحتى تمزق ملك كسرى حتى أخذه المسلمون وفتحوا‬
‫بلده كلها في عهد الراشدين ‪.‬‬
‫بأسياف كما اقتسم اللحام‬ ‫وكسرى إذ تقاسمه بـنوه‬
‫أتـى ولكـل حاملة تمام‬ ‫تمخضت المنون لـه بيـوم‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ .7‬عاقبة عبد الله بن قمئة (التيس ينتصر لرسول الله)‬
‫وهو المشرك العنيد الذي ضرب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فجرحه في غزوة أحد وهو يقول "خذها منى وأنا ابن‬

‫‪112‬‬
‫قمئة" فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم [أقمأك الله] أي‬
‫قطعك الله‪ ،‬فلما عاد لهله بعد الغزوة خرج إلى غنمه ليرعاها‬
‫فوافاها على ذروة جبل شامخ فشد عليه تيس فنطحه نطحة‬
‫أرداه بها من شاهق الجبل فسقط أسفله متقطعا‪ .‬وسبحان الله‬
‫مشرك حقير ل يليق بقتله إل تيس الغنم!!‬
‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ة ‪ ،‬أ َ َّ‬ ‫ع َن أَبي أ ُ‬
‫صلى‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫مى َر ُ‬ ‫ة ‪َ ،‬ر َ‬ ‫مئ َ َ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫ن ع َبْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫َْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ‬
‫ه‬
‫عيَت َ ُ‬‫سَر َربَا ِ‬ ‫جهِهِ ‪ ،‬وَك َ َ‬ ‫ه فِي وَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ش ّ‬ ‫حد ٍ فَ َ‬ ‫مأ ُ‬ ‫جرٍ يَوْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫َ‬ ‫سل‬‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫الل ّ ُ‬ ‫صل ّى‬‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل لَ‬‫ة ‪ ,‬فَقَا َ‬ ‫مئ َ ُ‬
‫ن قَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫خذْهَا وَأنَا اب ْ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫وَقَا َ‬
‫َ ْ َ َ َّ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫َّ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫ك الل ُ‬ ‫مأ‬‫َ‬ ‫ك ؟ أق‬ ‫َ‬ ‫جهِهِ ‪" :‬‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫م ِ‬ ‫ح الد َّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫م ‪ -‬وَهُوَ ي َ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه قِطعَ ً‬
‫ة‬ ‫حت ّى قطعَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ح ُ‬‫ل يَنْط ِ ُ‬ ‫م يََز ْ‬ ‫ل فَل ْ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ه ع َليْهِ تَي ْ َ‬ ‫سلط الل ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ة *رواه الطبراني في الشاميين برقم ( ‪440‬و ‪ )3360‬وفي‬ ‫قِطْعَ ً‬
‫المعجم الكبير برقم (‪)7477‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ .8‬عاقبة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس (صاعقة‬
‫السماء تحرق المتآمرين)‬
‫كان عامر بن الطفيل شيطان نجد الذي غدر بأصحاب بئر معونة‬
‫ومعه شيطان مثله هو أربد بن قيس‪ ،‬قد اتفقا على قتل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم غدرا ً وغيلة‪ ،‬بحيث يشغل عامر بن الطفيل‬
‫بالحديث ويأتي أربد بن قيس من خلفه ويطعنه بالخنجر‪ ،‬ولكن‬
‫الله عز وجل حبس يد أربد وشلها‪ ،‬ونجا الله رسوله من غدر‬
‫الكافرين‪ ،‬وفى طريق عودتهما أرسل الله على أربد بن قيس‬
‫وجمله الذى يركبه صاعقة من السماء فأحرقته‪ ،‬أما عامر بن‬
‫الطفيل فأصيب بغدة في عنقه فصار يخور مثل البعير المنحور‬
‫حتى هلك‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪.9‬عاقبة عقبة بن أبي معيط (وضع رجله على عنق‬
‫النبي فقطعت عنقه)‬
‫هو أشقى المشركين قاطبة والذي تجرأ على فعلة لم يجرؤ عليها‬
‫ول حتى أبا جهل‪ ،‬حيث جاء والرسول ساجد خلف المقام بالكعبة‬
‫فوضع رجله على عنق الرسول وغمزها فما رفعها حتى كادت‬
‫تخرج عينا الرسول من مكانها‪ ،‬ثم جاء مرة أخرى بسل شاة‬
‫فألقاه على كتف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد‬
‫فجاءت فاطمة فطرحته عن كتف أبيها‪.‬‬
‫فتكون عاقبته أن يقع أسيرا ً في غزوة بدر ويؤخذ من بين السرى‬
‫وتضرب عنقه ثم يلقى في قليب بدر العفن‪ ،‬وهكذا جزاء من‬
‫سولت له نفسه وضع قدمه على العنق المبارك الشريف تقطع‬
‫عنقه ويلقى في المزابل‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ .10‬عاقبة المستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(رجل يلد مثل المرأة)!!‬
‫روى ابن كثير في تاريخه وابن خلكان في تراجمه في أحداث‬
‫سنة ‪ 665‬هجرية‪ ،‬أن رجل ً من أهل بصرى اسمه "أبو سلمة" كان‬
‫فيه مجون واستهتار واستهزاء بكل شيء‪ ،‬فذكر عنده السواك‬
‫وما فيه من الفضيلة فقال‪" :‬والله ل أستاك إل في المخرج يعنى‬
‫دبره‪ ،‬ثم أخذ سواكا ً فوضعه في مخرجه ثم أخرجه‪ ،‬فمكث بعده‬
‫تسعة أشهر وهو يشكو ألم البطن ثم وضع ولدا ً على صفة‬
‫الجرذان له أربع قوائم ورأسه كرأس السمكة وله أربعة أنياب‬
‫بارزة وذنب طويل‪ ،‬ولما وضعه صاح هذا الحيوان ثلث صيحات‬
‫فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأس الحيوان فمات‪ ،‬وعاش‬
‫ذلك الرجل بعد وضعه هذا المسخ يومين ومات في الثالث وهو‬
‫يقول "هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي"‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪.11‬عاقبة شاتم الرسول (القربان الصليبي)‬
‫أثناء الحملة الصليبية السادسة على دمياط سنة ‪ 615‬هجرية‪ ،‬وبعد‬
‫أن احتل الصليبيون دمياط وأقام المير اليوبي محمد الكامل‬
‫معسكره في المنصورة قبالة دمياط لمقاومة العدوان الصليبي‪،‬‬
‫كان كل يوم يخرج كلب صليبي ويقف قبالة المعسكر السلمي‬
‫ثم يبدأ في سب النبي صلى الله عليه وسلم بأقذع الشتائم‬
‫والسباب‪ ،‬وظل يفعل ذلك كل يوم‪ ،‬وكان المير محمد يود أن‬
‫يأسر هذا الصليبي الحاقد وقد حفر شكله في ذاكرته ومخيلته‪،‬‬
‫ولما انتهت الحملة الصليبية بالفشل سنة ‪ 618‬هجرية‪ ،‬عاد‬
‫الصليبيون إلى بلدهم‪ ،‬ولكن هذا الكلب الصليبي الحاقد لم يرجع‬
‫بل توجه إلى الشام لمحاربة المسلمين هناك وذلك من شدة‬
‫عداوته للسلم والمسلمين‪ ،‬وهناك يقع في السر ويعرفه المير‬
‫محمد الكامل فيأخذه من بين السرى ويرسل به إلى المدينة‬
‫النبوية‪ ،‬لينحر أمام الحجرة الشريفة يوم الجمعة وذلك سنة ‪625‬‬
‫هجرية‪ ،‬جزاءً له على سبه للرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫فا لنصراني فأهلك الله أهله‬ ‫‪ .12‬انتقص النبي تزل ً‬
‫وأولده!!‬
‫فهذا أحدهم ذهب لنيل شهادة الدكتوراه خارج بلده ‪ ،‬فلما أتم‬
‫دراسته وكانت تتعلق بسيرة النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬طلب‬
‫منه أستاذه من النصارى أن يسجل في رسالته ما فيه انتقاص‬
‫للنبي عليه الصلة والسلم وتعريض له ‪ ،‬فتردد الرجل بين القبول‬

‫‪114‬‬
‫والرفض ‪ ،‬فأختار دنياه على آخرته‪ ،‬وأجابه إلى ما أراد طمعا ً في‬
‫تلك الشهادة ‪ ،‬فما أن عاد إلى بلده حتى فوجئ بهلك جميع‬
‫أولده وأهله في حادث مروع ‪ ،‬ولعذاب الخرة أشد وأنكى‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪.13‬عاقبة عتبة بن أبي لهب السود تنتصر لرسول الله‬
‫هو الكافر بن الكافر الذي تجرأ وتفل في وجه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وطلق ابنته وأذاه أشد اليذاء وذلك قبل أن يخرج إلى‬
‫الشام للتجارة‪ ،‬فدعا النبي فقال (اللهم سلط عليه كلبا ً من‬
‫كلبك) فلما ذهب للشام خاف أبوه أبو لهب من دعوة النبي‪،‬‬
‫فأنزل ولده في صومعة راهب وجعل فراشه الذي ينام عليه‬
‫خلف المتاع ليكون بمثابة الستار له‪ ،‬وأين الفرار من المصير‬
‫المحتوم لكل من أذى رسول الله‪ ،‬فناموا وجاء أسد بالليل يسعى‬
‫فطاف على كل النائمين يشمهم ثم يعرض عنهم لنه قد جاء‬
‫لمهمة محددة‪ ،‬حتى وثب فوق المتاع وشم وجه اللعين فضربه‬
‫ضربة قاتله ثم أخذه يجره من رأسه وذهب به بعيدا ً ليأكله ‪،‬‬
‫وانظر كيف أخذه من وجهه لنه تفل في وجه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلم يأخذه من يديه أو رجليه إنما من وجهه الذي‬
‫تجرأ به على النبي ‪.‬‬
‫فما أكيل السبع بالراجع‬ ‫من يرجع العام إلى أهله‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .14‬إمام عرض بالنبي فأصبح حارس الحذية!!‬
‫ذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن والده محمد شاكر ‪ ،‬وكيل‬
‫الزهر في مصر سابقا ً ‪ ،‬أن خطيبا ً مفوها فصيحا كان يمدح أحد‬
‫المراء في مصر عندما أكرم طاه حسين الذي كان يطعن في‬
‫القرآن وفي العربية ‪ ،‬فلما جاء طاه حسين إلى ذلك المير قام‬
‫هذا الخطيب المفوه يمدح ذلك المير قائل له‪:‬‬
‫جاءه العمى فمــا عبس بوجه وما تولى‬
‫وهو يقصد من شعره هذا إساءة النبي عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫لن الله قال عن قصته عليه الصلة والسلم مع أبن أم مكتوم "‬
‫عبس وتولى أن جاءه العمى " فلما صلى الخطيب بالناس قام‬
‫الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله ‪ ،‬وقال‬
‫للناس ‪ :‬أعيدوا صلتكم فإن إمامكم قد كفر‪ ،‬لنه تكلم بكلمة‬
‫الكفر‪ ،‬قال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه‬
‫في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الخرى ‪ ،‬فأقسم بالله أنه رآه‬
‫بعينه بعد بعض سنين ‪ ،‬بعد أن كان عاليا ً منتفخا ً مستعزا ً ‪ ،‬مهيناً‬
‫ذليل ً خادما ً على باب مسجد من مساجد القاهرة ‪ ،‬يتلقى نعال‬
‫المصلين ليحفظها في ذلة وصغار‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .15‬عاقبة المرتد المستهزئ بالرسول الرض تلفظه‬
‫من بطنها‬
‫أخرج المامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بألفاظ متقاربة‬
‫ل نصرانِيًا فَأ َسل َم وقَرأَ‬ ‫عَ َ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ج ٌ َ ْ َ ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل كَا َ‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬قَا َ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الْبَقََرة َ وَآل ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ب لِلن ّب ِ ِ ّ‬ ‫ن يَكت ُ ُ‬ ‫ن ‪ ،‬فكا َ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ما كَتَب ْ ُ‬ ‫مد ٌ إِل ّ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ما يَدْرِى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن يَقُو ُ‬ ‫صَرانِيًّا فَكَا َ‬ ‫‪ ،َ -‬فَعَاد َ ن ََ ْ‬
‫ض فَقَالُوا هَذ َا فِعْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ه الْر‬ ‫ح وَقَد ْ لَفَظَت ْ ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ه فَدَفَنُوهُ ‪ ،‬فَأ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫مات َ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حبِنَا ‪ .‬فَألْقُوهُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫شوا ع َ ْ‬ ‫م نَب َ ُ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما هََر َ‬ ‫حابِهِ ‪ ،‬ل َ َّ‬ ‫ص َ‬ ‫مد ٍ وَأ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ض ‪ ،‬فَقَالوا هَذ َا فِعْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه الْر ُ‬ ‫ح وَقَد ْ لفَظت ْ ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫مقُوا ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ه فَأع ْ َ‬ ‫حفَُروا ل ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫َو ُ‬‫م ‪ .‬فَأ َلْق ْ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما هََر َ‬ ‫حبِنَا ل َ َّ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫شوا ع َ ْ‬ ‫حابِهِ نَب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مد ٍ وَأ ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح قدْ‬ ‫صب َ َ‬‫ستَطا َع ُوا ‪ ،‬فأ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ه َ فِى الْر ِ‬ ‫مقُوا ل ُ‬ ‫ه ‪ ،‬وَأع ْ َ‬ ‫حفَُروا ل ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫س فَألْقَوْه ُ‬ ‫ن الن ّا ِ‬
‫م َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫موا أن َّ ُ‬ ‫ض ‪ ،‬فَعَل ِ ُ‬ ‫ه الْر ُ‬ ‫لَفَظَت ْ ُ‬
‫وهكذا الرض تقول للرسول صلى الله عليه وسلم سمعا ً وطاعة‪،‬‬
‫فل مكان في بطني لمن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪.16‬عاقبة المحاكي الساخر بأفعال الرسول‬
‫َ‬
‫ن أبِي‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ع َبْد ِ الَّر ْ‬ ‫أخرج البيهقي بسنده َفي دلئل النبوة ‪ ،‬ع َ ْ‬
‫س إِلَى‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن فُل ٌ‬ ‫ن فُل ٌ‬ ‫ل ‪ :‬كَا َ‬ ‫ما ‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ع َنْه‬ ‫ُ‬ ‫ي الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ق َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدِّي‬ ‫بَكْرٍ ال ِّ‬
‫م النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فَإِذ َا تَكَل ّ َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ه النَّب ِ ُّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ه ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫ج وَ ْ‬ ‫ختَل َ َ‬ ‫يءٍ ا ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫وسلم ب ِ َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ما َ‬ ‫حتَّى َ‬ ‫ج َ‬ ‫ختَل ِ ُ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫م يََز ْ‬ ‫ك ‪ ،‬فَل َ ْ‬ ‫ن كَذَل ِ َ‬ ‫‪ :‬كُ ْ‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ .17‬عاقبة المتكبر على النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫(الشلل السريع)‬
‫أخرج المام مسلم في صحيحه عن سلمة بن الكوع قال‪[ :‬أكل‬
‫رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬كل بيمينك قال ل أستطيع "قالها‬
‫كبرا ً وترفعًا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل استطعت‪ ،‬فما‬
‫رفعها إلى فيه]‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ .18‬عاقبة أبى جهل ‪( :‬الطفال تنتصر لرسول الله)‬
‫أبو جهل هو فرعون هذه المة وأكثرها معاندة ومحاربة للرسول‬
‫وأكثرهم طعنا ً وشتما ً وسبا ً للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قضى‬
‫حياته كلها في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكيف‬
‫كانت نهايته؟‬

‫‪116‬‬
‫في غزوة بدر يروى لنا "عبد الرحمن بن عوف" كيف تم ذلك‬
‫فيقول‪[ :‬إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني‬
‫وشمالي فإذا أنا بين غلمين من النصار حديثة أسنانهما‪ ،‬فتمنيت‬
‫أن أكون بين أظلع منهما‪ ،‬يقصد أقوى منهما‪ ،‬فغمزني أحدهما‬
‫فقال يا عم أتعرف أبا جهل ؟ فقلت نعم وما حاجتك إليه ؟ قال ‪:‬‬
‫أخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته ل‬
‫يفارق سوادي سواده حتى يموت العجل منا‪ ،‬فتعجبت لذلك‬
‫فغمزني الخر فقال لي أيضا مثلها‪ ،‬فلم أنشب أن نظرت إلى‬
‫أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت‪ :‬أل تريان ؟ هذا صاحبكم‬
‫الذي تسألن عنه‪ ،‬فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما‬
‫ابنا عفراء] وهكذا ينتصر الطفال ممن سب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وهكذا يكون مصرع هذا الفرعون المتكبر على‬
‫يد أطفال صغار ‪.‬‬

‫*******************‬
‫الفهرس العام‬
‫‪1‬‬ ‫الباب الثامن – شبهات وردود‬
‫(‪ )1‬زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ‪1‬‬
‫(‪ )2‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن‬
‫‪4‬‬ ‫من العصمة‬
‫‪7‬‬ ‫(‪ )3‬دعوى‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول السلم‬
‫(‪ )4‬قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب‬
‫‪28‬‬ ‫الجحيم!‬
‫(‪ )5‬مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم ‪32‬‬
‫(‪ )6‬تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ‪33‬‬
‫‪45‬‬ ‫(‪ )7‬محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم النتحار‬
‫(‪ )8‬ولدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عادية ‪47‬‬
‫(‪ )9‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه ‪49‬‬
‫مي فكيف علّم القرآن؟!‬ ‫ُ‬
‫‪51‬‬ ‫(‪ )10‬محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫‪52‬‬ ‫(‪ )11‬تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره‬
‫‪54‬‬ ‫(‪ )12‬محمد صلى الله عليه وسلم يُعظّم الحجر السود‬
‫(‪ )13‬كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن‪55‬‬
‫‪56‬‬ ‫ل محمد صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام‬ ‫(‪ )14‬قَات َ َ‬
‫(‪ )15‬محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما في القرآن ‪57‬‬
‫‪59‬‬ ‫(‪ )16‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫‪60‬‬ ‫(‪ )17‬الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫‪63‬‬ ‫(‪ )18‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم –‬

‫‪117‬‬
‫‪65‬‬ ‫(‪ )19‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم‬
‫ة تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بناءِ الكعبةِ ‪67‬‬ ‫(‪ )20‬شبه ٌ‬
‫ما‬
‫(‪ )21‬الرد على شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعا ً‬
‫‪70‬‬ ‫ذبح على الصنم والنصب‬
‫(‪)22‬شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت‬
‫‪75‬‬ ‫جحش والرد عليها‬
‫‪84‬‬ ‫(‪ )23‬علة كثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(‪ )24‬شبهات وتهم ضد مقام النبوة ‪86‬‬
‫‪96‬‬ ‫(‪ )25‬الثـار النبويـة‬
‫(‪ )26‬الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدنيا‬
‫‪97‬‬ ‫والغنائم‬
‫(‪ )27‬مشكلة الفكر الغربي مع نبي السلم صلى الله عليه و سلم‬
‫‪100‬‬
‫(‪ )28‬الساءة إلى السلم في الغرب‪ ..‬حرية تعبير أم وجدان‬
‫‪111‬‬ ‫صليبي‬
‫د‪ .‬محمد مورو ‪111‬‬
‫الباب التاسع‪ -‬مواضيع المتطاولون وعاقبتهم ‪115‬‬
‫‪ .1‬كيف انتقم الله من الذين سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫‪115‬‬ ‫عبر التاريخ؟!‬
‫‪115‬‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬عادل باناعمة‪.‬‬
‫‪ .2‬وللكافرين أمثالها ‪120‬‬
‫‪ .3‬عاقبة القرطاء البكريين‪ ..‬استهزءوا بكتاب رسول الله‬
‫‪121‬‬ ‫فأصابهم العته‬
‫‪ .4‬عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك ‪121‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪.5‬عاقبة أحمد القادياني (النجاسة تخرج من فمه عند موته)‬
‫‪.6‬عاقبة كسرى ملك الفرس (يمزق خطاب النبي فيتمزق ملكه)‬
‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫‪ .7‬عاقبة عبد الله بن قمئة (التيس ينتصر لرسول الله)‬
‫‪ .8‬عاقبة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس (صاعقة السماء تحرق‬
‫المتآمرين) ‪123‬‬
‫‪.9‬عاقبة عقبة بن أبي معيط (وضع رجله على عنق النبي فقطعت‬
‫‪123‬‬ ‫عنقه)‬
‫‪ .10‬عاقبة المستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم (رجل يلد‬
‫‪124‬‬ ‫مثل المرأة)!!‬
‫‪124‬‬ ‫‪.11‬عاقبة شاتم الرسول (القربان الصليبي)‬
‫‪125‬‬ ‫‪ .12‬انتقص النبي تزلفًا لنصراني فأهلك الله أهله وأولده!!‬
‫‪125‬‬ ‫‪.13‬عاقبة عتبة بن أبي لهب السود تنتصر لرسول الله‬

‫‪118‬‬
‫‪125‬‬ ‫‪ .14‬إمام عرض بالنبي فأصبح حارس الحذية!!‬
‫‪ .15‬عاقبة المرتد المستهزئ بالرسول الرض تلفظه من بطنها ‪126‬‬
‫‪126‬‬ ‫‪.16‬عاقبة المحاكي الساخر بأفعال الرسول‬
‫‪ .17‬عاقبة المتكبر على النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬الشلل‬
‫‪127‬‬ ‫السريع)‬
‫‪ .18‬عاقبة أبى جهل ‪( :‬الطفال تنتصر لرسول الله) ‪127‬‬

‫‪128‬‬ ‫الفهرس العام‬

‫‪119‬‬

You might also like