Professional Documents
Culture Documents
موسوعة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم-6
موسوعة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم-6
موسوعة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم-6
ومناقبه وحقوقه()6
الباب الثامن – شبهات وردود
1
إل بامرأة واحدة .والنص قد فهم على غير وجهه ،فالمسيح حين
سئل "أيحل لحدنا أن يطلق امرأته لي علة كانت "...كانت
إجابته كما سبق.
( )5أن الجابة ل صلة لها بالتعدد بل بالنهي عن الطلق ل التزوج.
( )6المسيحية تأذن بالتعدد بالتتابع ولكنها ترفضه بالجمع وينتهي
التعدد عند الرابعة متتابعا ً حتى ل يكون النسان غاوياً ،وتسمح
بالخلة والصديقة بدون حد ول عد.
( )7كان العرب يجمعون بين أربعين امرأة في وقت واحد كدليل
على الرجولة وطلب للولد.
( )8بالنسبة لتعدد زوجات الرسول –صلى الله عليه وسلم -فإنه
يرجع إلى أسباب اجتماعية وتشريعية وسياسية يمكن بيانها –
والله أعلم -على النحو التالي:
أولً :السباب الجتماعية:
( )1زواجه من خديجة – رضي الله عنها -وهذا أمر اجتماعي أن
يتزوج البالغ العاقل الرشيد وكان – عليه الصلة والسلم -في
سن الخامسة والعشرين وظلت معه وحدها حتى توفيت وهو في
سن الخمسين.
( )2تزوج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة لحاجة
بناته الربع إلى أم بديلة ترعاهن وتبصرهن بما تبصر به كل أم
بناتها.
( )3حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها بعد وفاة زوجها
إكراما ً لبيها سـ 3هـ.
( )4زينب بنت خزيمة استشهد زوجها في أحد فتزوجها سـ 4هـ.
( )5أم سلمة هند بنت أمية توفى زوجها ولها أولد فتزوجها سـ
4هـ.
ثانيا :السباب التشريعية:
( )1زواجه من عائشة – رضي الله عنها -فلقد كان بوحي،
حيث رآها في المنام ورؤيا النبياء وحي.
( )2زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد
بن محمد بالتبني فنزل قول الله تعالى( :وما جعل أدعياءكم
أبناءكم) [الحزاب( ]4 :ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله)
[الحزاب ]5 :وبعد خلف مع زوجها طلقت منه وأمر الرسول –
صلى الله عليه وسلم -أن يتزوجها لقامة الدليل العملي على
بطلن التبني ،وذلك سنة خمسة للهجرة.
ثالثاً :السباب السياسية:
2
-كان لبعض زيجات الرسول – صلى الله عليه وسلم -بعداً
سياسيا ً من حيث ائتلف القلوب والحد من العداوة وإطلق
السرى ...إلخ ،ومن هن:
( )1جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة وقعت
في السر ،تزوجها سنة 6هـ.
( )2أما حبيبة رملة بنت أبي سفيان ،تنصر زوجها وبقيت على
إسلمها ،وكان للزواج منها كبير الثر في كسر حدة أبي سفيان
في العداء للسلم ،حتى هداه الله.
( )3صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها
الرسول وتزوجها سـ 7هـ.
( )4ميمونة بنت الحارث تزوجها سـ 7هـ.
مات من هؤلء اثنتان في حياة الرسول وهما خديجة وزينب بنت
خزيمة وتوفى الرسول – صلى الله عليه وسلم -عن تسع.
وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى
صغيراً ،وريحانة بنت زيد القرطية.
إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره فهل هذا
دليل الشهوة ،ومن يشتهِ هل يتزوج الثيبات وأمهات الولد
والرامل ،كيف وقد عرض عليه خيرة بنات قريش فأبى!
إن التعدد كله لحكم منها – فضل ً عما سبق -بيان كل ما يقع في
بيت النبوة من أحكام عمل ً بقوله تعالى( :واذكرن ما يتلى في
بيوتكن من آيات الله والحكمة) [الحزاب ,]34 :وإذا كان الحكم
الشرعي ل يثبت بخبر الواحد غالبا ً فإن للتعدد أثره في إثبات
الحكام بالتواتر ،كما أن زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم
-اختلفت أحوالهن بين غنى وفقرٍ وحسب ونسب وبساطة لكل
من يتزوج بأي صورة من هذه الصور قدوة في حياة الرسول –
صلى الله عليه وسلم -مع زوجته التي تطابق حال زوجه
وتعددهن فيه بيان لكل ما يمكن أن يقع من النساء داخل البيت
كالغيرة والصبر والتآمر وطلب الدنيا؟ والتواضع ونشر العلم
والرضى ...إلخ.
إن بسط الكلم في هذا المر متعذر في هذه العجالة واقرأ
زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم -لبنت الشاطئ .تعدد
الزوجات لحمد عبد الوهاب .الرحيق المختوم (الجزء الثاني)
للمباركفوري.
---------------
( )2حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف
القرآن من العصمة
أ.د محمود حمدي زقزوق
3
هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ،ويقدمون
الدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل
الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته ،ونزلت الية الكريمة التي
تنهاه عن ذلك (انتهى).
الرد على الشبهة:
إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ،وكذلك عصمة كل
الرسل -عليهم السلم -يجب أن تفهم في نطاق مكانة
حى إليه ..أي أنه - الرسول ..ومهمة الرسالة ..فالرسول :بشر يُو َ
مع بشريته -له خصوصية التصال بالسماء ،بواسطة الوحي..
ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه
فيمن يصطفيه ،كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين
هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.
والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ،والدعوة إليها ،والجهاد في سبيل
إقامتها وتطبيقها ..وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله
-سبحانه وتعالى(-أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)( ,قل أطيعوا
الله والرسول)( ,من يطع الرسول فقد أطاع الله)( ,قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ،ولذلك كانت عصمة الرسل
فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في
هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس ..وبداهة
سل الرسالة إذا لم يتخير العقل -فضل ً عن النقل -تحكم بأن ُ
مْر ِ
الرسول الذي يضفى الصدق على رسالته ،كان عابثًا ..وهو ما
يستحيل على الله ،الذي يصطفى من الناس رسل ً تؤهلهم
حجة على العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي ..وال ُ
الناس بصدق هذا الذي يبلغون.
وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما
يبلغ عن الله ،يقول الشيخ محمد عبده عن عصمة الرسل -كل
الرسل ..." :-ومن لوازم ذلك بالضرورة :وجوب العتقاد بعلو
فطرتهم ،وصحة عقولهم ،وصدقهم في أقوالهم ،وأمانتهم في
تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه ،وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة
البشرية ،وسلمة أبدانهم مما تنبو عنه البصار وتنفر منه الذواق
السليمة ،وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات ،وأن
أرواحهم ممدودة من الجلل اللهي بما ل يمكن معه لنفس
إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية ..إن من حكمة الصانع
الحكيم -الذي أقام النسان على قاعدة الرشاد والتعليم -أن
يجعل من مراتب النفس البشرية مرتبة يُعد ُّ لها ،بمحض فضله،
ن يصطفيه من خلقه ،وهو أعلم حيث يجعل رسالته، م ْ
بعض َ
يميزهم بالفطرة السليمة ،ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون
4
معه للستشراق بأنوار علمه ،والمانة على مكنون سره ،مما لو
انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه ،أو ذهبت بعقله
جللته وعظمته ،فيشرفون على الغيب بإذنه ،ويعلمون ما سيكون
من شأن الناس فيه ،ويكونون في مراتبهم العلوية على نسبة
من العالمين ،نهاية الشاهد وبداية الغائب ،فهم في الدنيا كأنهم
ليسو من أهلها ،هم وفد الخرة في لباس من ليس من سكانها..
أما فيما عدا ذلك [ -أي التصال بالسماء والتبليغ عنها] -فهم
بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ،يأكلون ويشربون وينامون
ويسهون وينسون فيما ل علقة له بتبليغ الحكام ،ويمرضون
وتمتد إليهم أيدي الظلمة ،وينالهم الضطهاد ،وقد يقتلون".
فالعصمة -كالمعجزة -ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ،
ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل -عليهم السلم ..-
وإذا كان الرسول -كبشر -يجوز على جسده ما يجوز على
أجساد البشر ..وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الجتهاد
والشورى وإعمال العقل والفكر والختيار بين البدائل في مناطق
وميادين الجتهاد التي لم ينزل فيها وحى إلهي ..فإنه معصوم في
مناطق وميادين التبليغ عن الله -سبحانه وتعالى -لنه لو جاز
عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير
الولى في مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى
صلب الرسالة والوحي والبلغ ،بل وإلى حكمة من اصطفاه
حجة على الناس ..كذلك كانت العصمة صفة وأرسله ليكون ُ
أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل -عليهم
السلم ..-فالرسول في هذا النطاق -نطاق التبليغ عن الله -
(وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى) .وبلغة ما هو
بقول بشر ،ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله ،وبغير العصمة ل
يتأتى له هذا المقام.
أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ل وحى فيه،
والتي هي ثمرة لعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية ،فلقد
كانت تصادف الصواب والولى ،كما كان يجوز عليها غير ذلك..
ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة ،رضوان الله عليهم في كثير من
المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات
الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه -قبل الدلء بمساهماتهم
سنة والسيرة:في الرأي -هذا السؤال الذي شاع في ال ُّ
"يا رسول الله ،أهو الوحي؟ أم الرأي والمشورة؟ "..فإن قال:
إنه الوحي .كان منهم السمع والطاعة له ،لن طاعته هنا هي
طاعة لله ..وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من
هذا المر عن عقولهم ،لن علم الله -مصدر الوحي -مطلق
5
وكلى ومحيط ،بينما علمهم نسبى ،قد تخفى عليه الحكمة التي ل
يعلمها إل الله ..أما إن قال لهم الرسول -جوابًا عن سؤالهم :-
إنه الرأي والمشورة ..فإنهم يجتهدون ،ويشيرون ،ويصوبون..
ما ،وإنما هو واحد من لنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصو ً
المقدمين في الشورى والجتهاد ..ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى
اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة في كتب السنة ومصادر
السيرة النبوية -في مكان القتال يوم غزوة بدر ..وفى الموقف
من أسراها ..وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد ..وفى مصالحة
بعض الحزاب يوم الخندق ..إلخ ..إلخ.
ولن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون
القدوة والسوة للمة( :لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيًرا).
وحتى ل يقتدي الناس باجتهاد نبوي لم يصادف الولى ،كان نزول
الوحي لتصويب اجتهاداته التي لم تصادف الولى ،بل وعتابه -
أحيانًا -على بعض هذه الجتهادات والختيارات من مثل( :عبس
وتولى * أن جاءه العمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر
فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك
أل يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه
تلهى) .ومن مثل( :يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى
مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة
أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى
بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عّرف بعضه
وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني
العليم الخبير) .ومن مثل( :ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى
يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله
عزيز حكيم * لول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب
عظيم).
وغيرها من مواطن التصويب اللهي للجتهادات النبوية فيما لم
يسبق فيه وحى ،وذلك حتى ل يتأسى الناس بهذه الجتهادات
المخالفة للولى.
فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ،فيما يبلغ عن الله
شرط لزم لتحقيق الصدق والثقة في البلغ اللهي ،وبدونها ل
يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين،
ومن ثم ل يكون هناك فارق بين الوحي المعصوم والمعجز وبين
الفلسفات والبداعات البشرية التي يجوز عليها الخطأ
والصواب ..فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحي والبلغ قول
بشر ،بينما هي -بالعصمة -قول الله -سبحانه وتعالى -الذي
6
مبَل ِّغ هي
بلغه وبينه المعصوم -عليه الصلة والسلم ..-فعصمة ال ُ
ضا -الشرط لنفى العبث الشرط لعصمة البلغ ..بل إنها -أي ً
وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا
البلغ
----------------------
( )3دعوى :خلو الكتب السابقة من البشارة برسول
السلم
أ.د محمود حمدي زقزوق
زعموا أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليس برسول .وبنوا هذا
الزعم على أربع شعب هي:
.1إن العهد والنبوة والكتاب محصورة في نسل إسحق ل
إسماعيل.؟!
ً
.2إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات.؟!
.3إن القرآن من نوادر العمال النسانية ،فليس هو معجزاً(
)1؟!
.4إن الكتب السابقة -التوراة وملحقاتها والناجيل -خلت من
البشارة برسول السلم؟!
الرد على الشبة:
ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة
بين يدي هذه المواجهة ،رأيت أن تقديمها من أوجب الواجبات
في هذا المجال.
وجود "البشارات" وعدمها سواء ..أجل :إن وجود البشارات
وعدمها في الكتب المشار إليها آنفًا سواء ،وجودها مثل عدمها،
وعدمها مثل وجودها .فرسالة رسول السلم صلى الله عليه
وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها ،بحيث
إذا لم يوجد ذلك الدليل "الخارجي" بطلت -ل سمح الله -تلك
الرسالة؛ فهي رسالة دليلها فيها ،ووجود البشارات بها في كتب
متقدمة -زمنا -عليها ل يضيف إليها جديداً ،وعدم وجود تلك
البشارات ل ينال منها شيئا ً قط.
فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغني عما سواها .ودليلها
قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان ،باق بقاء رسالته
أبد الدهر أشرق ولم يغب ،ظهر ولم يختف ،قوى ولم يضعف.
عل ولم يهبط ،إنه دليل صدق النبياء كلهم .فكل النبياء مضوا
ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء في هذا الدليل "القرآن
العظيم" حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله
المكرمون..
7
فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة
برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات
صدق رسول السلم في دعواه الرسالة .فرسول السلم ليس
في حاجة إلى "تلك البشارات" حتى ولو سلم لنا الخصوم
بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره.
وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين:
-1بشاراته صلى الله عليه وسلم في التوراة.
-2بشاراته صلى الله عليه وسلم في النجيل.
أولً :البشارات في التوراة تعددت البشارات برسول السلم في
التوراة وملحقاتها ،ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح،
وصيروها نصوصا ً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه
وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدللة على
معناها "الصلي" من حملها على رسول السلم صلى الله عليه
وسلم لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال.
فهي أشبه ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب
الرسالة قادر -بعد فضها -أن يثبت اختصاصها به ،لن الكلم "
الداخلي " الذي فيها يقطع بأنها " له " دون سواه؛ لما فيها من
"قرائن" وبينات واضحة ونعرض -فيما يلى -بعضا ً منها:
"وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل
قبل موته".
فقال" :جاء الرب من سيناء ،وأشرق لهم من ساعير ،وتلل من
جبل فاران"(.)2
في هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات:
الولى :نبوة موسى عليه السلم التي تلقاها على جبل سيناء.
الثانية :نبوة عيسى عليه السلم وساعير هي قرية مجاورة لبيت
المقدس ،حيث تلقى عيسى عليه السلم أمر رسالته.
الثالثة :نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان
الذي تلقى فيه -عليه الصلة والسلم -أول ما نزل عليه من
الوحي وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد
صلى الله عليه وسلم.
وهذه العبارة -مرة أخرى -تضمنت خبرا ً وبشارتين:
فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم
رسولً.
والبشارتان:
الولى :خاصة بعيسى عليه السلم.
والثانية :خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
8
وموقف اليهود منهما النفي :فل الولى بشارة بعيسى ابن مريم
ول الثانية بشارة برسول السلم.
أما موقف النصارى فإن النفي -عندهم -خاص ببشارة رسول
السلم .ولهم في ذلك مغالطات عجيبة ،حيث قالوا إن "فاران"
هي "إيلت" وليست مكة .وأجمع على هذا "الباطل" واضعو
َّ
مواسل ُ كتاب :قاموس الكتاب المقدس .وهدفهم منه واضح إذ لو َ
بأن "فاران" هي مكة المكرمة ،للزمهم إما التصديق برسالة
رسول السلم ،وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من
الذعان له!! أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ،ولم يقتصر
ورود ذكر "فاران" على هذا الموضع من كتب العهد القديم ،فقد
ورد في قصة إسماعيل عليه السلم مع أمه هاجر حيث تقول
التوراة :إن إبراهيم عليه السلم استجاب لسارة بعد ولدة هاجر
ابنها إسماعيل وطردها هي وابنها فنزلت وسكنت في "برية
فاران"( .)3على أنه يلزم من دعوى واضعي قاموس الكتاب
المقدس من تفسيرهم فاران بإيلت أن الكذب باعترافهم وارد
في التوراة .لنه لم يبعث نبي من "إيلت" حتى تكون البشارة
صادقة .ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلم ؛ لن العبارة
تتحدث عن بدء الرسالت وعيسى تلقى النجيل بساعير وليس
بإيلت.
فليست " فاران " إل " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ،
وجبل فاران هو جبل " النور " الذي به غار حراء ،الذي تلقى فيه
رسول السلم صلى الله عليه وسلم بدء الوحي.
وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر
من الشمس.
وترتيب الحداث الثلثة في العبارة المذكورة:
جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلل من فاران .هذا الترتيب
الزمنى دليل ثالث على أن " تلل من جبل فاران " تبشير قطعى
برسول السلم صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض " النسخ " كانت العبارة" :واستعلن من جبل فاران"
بدل "تلل".
وأيا ً كان اللفظ فإن "تلل" و"استعلن" أقوى دللة من "جاء"
و"أشرق" وقوة الدللة هنا ترجع إلى "المدلولت " الثلثة.
فالشراق جزء من مفهوم "المجيء" وهكذا كانت رسالة عيسى
بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلم).
أما تلل واستعلن فهذا هو واقع السلم ،رسول ورسالة وأمة ،
إلى أن يرث الله الرض ومن عليها.
9
هذه المغالطة (فاران هي إيلت) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن
هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي وابنها إسماعيل
بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إل بعد أن
لقيا ملك " الرب " في المكان المعروف الن " ببئر سبع " ؟!
وأنها سميت بذلك لذلك..؟! وكما كذبت فاران دعوى "إيلت"
كذَّبت "زمزم الطهور" دعوى "بئر سبع"؟ وستظل فاران -مكة
المكرمة -وزمزم الطهور "عملقين" تتحطم على صخورهما كل
مزاعم الحقد والهوى.
ويجيء نص آخر في التوراة ل محمل له إل البشارة برسول
السلم صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون.
وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة:
"أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم مثلك ،وأجعل كلمي في فمه
فيكلمهم بكل ما أوصيه به ،ويكون أن النسان الذي ل يسمع
لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه"(.)4
حدث هذا حسب روايات التوراة وعدا ً من الله لموسى في آخر
عهده بالرسالة ،وكان يهمه أمر بني إسرائيل من بعده ،فأعلمه
الله -حسب هذه الرواية التوراتية -أنه سيبعث فيهم رسول مثل
موسى عليه السلم.
ولقوة دللة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد
وقف أهل الكتابين -اليهود والنصارى -موقفين مختلفين هدفهما
واحد ،وهو أن النص ليس بشارة برسول السلم.
أما اليهود فلهم فيه رأيان:
الول :أن العبارة نفسها ليست خبرا ً بل هي نفي ،ويقدرون قبل
الفعل "أقيم" همزة استفهام يكون الستفهام معها "إنكارياً"
وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم
مثلك؟!
بطلن هذا الرأي وهذا الرأي باطل ولن نذهب في بيان بطلنه
إلى أكثر من كلم التوراة نفسها .وذلك ؛ لنه لو كان النص كما
ذكروا بهمزة استفهام إنكاري محذوفة هي في قوة المذكور لكان
الكلم نفيا ً فعلً ..ولو كان الكلم نفيا ً لما صح أن يعطف عليه
قوله بعد ذلك:
"ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي
أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعا ً فهو مرتب على إقامة
النبي الذي وعد به المقطع الذي قبله .فدل هذا " العطف " على
أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت ل نفي .ويترتب على ذلك
بطلن القول الذاهب إلى تقدير الستفهام..؟!
10
الثاني :وقد أحس اليهود ببطلن القول بالستفهام فاحتاطوا
للمر وقالوا ل مانع أن يكون النص خبرا ً ووعدا ً مثبتا ً ،ولكنه ليس
المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلم ول محمد بن عبد الله
رسول السلم صلى الله عليه وسلم ،بل المراد به نبى من
أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى ،أو صموئيل..؟!
موقف النصارى:
أما النصارى فيحملون البشارة في النص على عيسى عليه
السلم وينفون أن يكون المراد بها رسول السلم صلى الله
عليه وسلم ،وقد علمنا قبل أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى
عليه السلم.
وللنصارى مغالطات عجيبة في ذلك إذ يقولون إن النبي الموعود
به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل .ومحمد
إسماعيلي فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجل ً ليس
منهم.؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت
بمعجزات فكيف يكون مثله .وقد رددنا على هذه الفرية فيما
تقدم.
الحق الذي ل جدال فيه:
والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل .باطل .ولن
نذهب في بيان بطلنه إلى أبعد من دللة النص المتنازع عليه
نفسه .أما الحق الذي ل جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل
مقبول إل البشارة برسول السلم صلى الله عليه وسلم وإليكم
البيان:
إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه
بشرطين:
أحدهما :أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل.
وثانيهما :أنه مثل موسى عليه السلم صاحب شريعة وجهاد
لعداء الله وهذان الشرطان ل وجود لهما ل في يوشع بن نون ،
ول في صموئيل كما يدعى اليهود في أحد قوليهم.
ول في عيسى عليه السلم كما يدعى النصارى.
أما انتفاء الشرط الول فلن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى
إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل.
ولو كان المراد واحدا ً منهم لقال في الوعد :أقيم لهم نبياً
منهم ..؟! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه المور كما قال في
شأن النبي صلى الله عليه وسلم:
(هو الذي بعث في الميين رسول ً منهم .)5()...وكما جاء على
لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلم) (ربنا وابعث فيهم
رسول ً منهم.)6()...
11
وأما انتفاء الشرط الثاني ،فلن :ل صموئيل ول يوشع ول عيسى
ابن مريم كانوا مثل "موسى" عليه السلم.
فموسى كان صاحب شريعة ،ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع
الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلم من بنى إسرائيل لم
يكن واحدا ً منهم صاحب شريعة ،وإنما كانوا على شريعة موسى
عليه السلم.
ً
وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمما ومعدل ً فشريعة
موسى هي الصل .إن عيسى كان مذكرا ً لبنى إسرائيل ومجدداً
الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلم !!
ي البشارة -وبين موسى فالمثلية بين هؤلء -وهي أحد شرط ْ
عليه السلم ل وجود لها؟!
الشرطان متحققان في رسول السلم صلى الله عليه وسلم
وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفي الشرطان بهما عمن ذكروا
من النبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله
عليه وسلم:
فهو من نسل إسماعيل ،وإسماعيل أخو إسحق ،الذي هو أبو
يعقوب المسمى إسرائيل .فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل -
بنو عمومتهم -وليس من إسرائيل نفسها .وبهذا تحقق الشرط
ي البشارة:الول من شرط ْ
ومحمد -عليه الصلة والسلم -صاحب شريعة جليلة الشأن لها
سلطانها الخاص بها -جمعت فأوعت -مثلما كان موسى -أكبر
رسل بنى إسرائيل -صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها
التي لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالت إلى مبعث
عيسى عليه السلم.
وبهذا يتحقق الشرط الثاني من شرطى البشارة وهو " المثليه "
بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلمه) ،فعلى القارئ
أن يتأمل ثم يحكم.
في المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلم وردت كثير من
العبارات التي ل يصح حمل معناها إل على رسول السلم .ومن
ذلك قول داود كما تروى التوراة:
" أنت أبرع جمال ً من بنى البشر .انسكبت النعمة على شفتيك،
لذلك باركك الله إلى البد .تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ،
جللك وبهاؤك .وبجللك اقتحم .اركب من أجل الحق والدعة..
بتلك المسنونة في قلب أعداء الملك -يعنى الله -شعوب تحتك
يسقطون ..من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج أكثر
من رفقائك " (.)7
12
اسمعي يانيت وأميلي أذنك ،وانسي شعبك وبيت أبيك ،فيشتهي
الملك الملك حسنك ؛ لنه هو سيدك فاسجدي له .وبنت صور
أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية .كلها مجد ابنة الملك في
خدرها .منسوجة بذهب ملبسها مطرزة ،تحضر إلى الملك في
إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج
يدخلن إلى قصر الملك .عوضا ً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم
رؤساء في كل الرض اذكر اسمك في كل دور فدور من أجل
ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " وقفة مع هذا الكلم في
المقطع الول (أ) ل تنطبق الوصاف التي ذكرها داود إل على
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فهو الذي قاتل بسيفه في سبيل الله وسقطت أمامه شعوب
عظيمة كالفرس والروم.
وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه النبياء ؛ لنه خاتم
النبيين ،ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إل رحمة للعالمين )(
.)8
ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول السلم في
القرآن الحكيم ،وفي أحاديثه وتوجيهاته ،التي بلغت مئات اللف
،وتعددت المصادر التي سجلتها ،وفيها من روائع البيان ،وصفاء
اللفاظ ،وشرف المعاني ما ليس في غيرها.
أما المقطع الثاني (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة .فهي التي
تترضاها المم بالهدايا .وهي ذات الملبس المنسوجة بالذهب
والمطرزة ،وهي التي يذكر اسمها في كل دور فدور وتأتيها
قوافل" الحجيج " رجال ً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع في "
قصر الملك " ويحمدها الناس إلى البد؛ لن الرسالة المرتبطة
بها رسالة عامة :لكل شعوب الرض النس والجن .بل والملئكة.
وفي مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الرض
مسلمين ،ورعايا مسلمين من بلد ليست مسلمة .خالدة :لم ينته
العمل بها بوفاة رسولها ،كما هو الحال فيما تقدم .وإنما هي دين
الله إلى البد البيد.
وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالشارات
الواضحة التي تبشر برسول السلم صلى الله عليه وسلم ،ولول
المنهج الذي أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك
الكثير؛ ولذا فإننا نكتفي بهذا المقطع لدللته القوية على ما
نقول:
" قومي استنيري؛ لنه قد جاء نورك ،ومجد الرب أشرق عليك..
لنه ها هي الظلمة تغطى الرض والظلم الدامس المم .أما
13
عليك فيشرق الرب ،ومجده عليك يرى .فتسير المم في
نورك ،والملوك في ضياء إشراقك.
ارفعي عينيك حوالي وانظري .قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك .يأتي
بنوك من بعيد ،وتحمل بناتك على اليدي ،حينئذ تنظرين وتنيرين
ويخفق قلبك ويتسع ؛ لنه تحول إليك ثروة البحر ،ويأتي إليك
غنى المم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ،وعيفة كلها تأتي
من شبا .تحمل ذهبًا ولبانًا ،وتبشر بتسابيح الرب .كل غنم قيدار
تجتمع إليك .كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي،
وأزين بيت جمالي.
من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها .إن الجزائر
تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتى من بعيد ،وفضتهم
وذهبهم معهم ل سم الرب إلهك…(.)9
وبنو الغريب يبنون أسوارك ،وملوكهم يخدمونك ..وتفتح أبوابك
دائما نهارا ً وليل ً ل تغلق ،ليؤتى إليك بغنى المم وتقاد ملوكهم(...
.)10
دللة هذه النصوص:
بل أدنى ريب فإن هذا الكلم المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة
المكرمة وكعبتها الشامخة.
فالمقطع الول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه
يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جدا ًُ إلى نحر
الهدى صبيحة العيد .ألم يشر النص إلى غنم قيدار ،وقيدار هوولد
إسماعيل عليه السلم الذي تشعبت منه قبائل العرب .ثم ألم
ينص على المذبح الذي تنحر عليه الذبائح؟ كما أشار النص ثلث
إشارات تعد من أوضح الدلة على أن المراد بهذا النص مكة
المكرمة .وتلك الشارات هي طرق حضور الحجاج إليها .ففي
القديم كانت وسائل النقل :ركوب الجمال .ثم السفن .أما في
العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى "الطائرات"
وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلث على النحو التي:
-1الجمال ،قال فيها :تغطيك كثرة الجمال!!
-2السفن ،قال فيها :وسفن ترشيش تأتي ببنيك من بعيد!
-3النقل الجوى ،وفيه يقول :من هؤلء الطائرون كسحاب
وكالحمام إلى بيوتها؟!!
أليس هذا أوضح من الشمس في كبد السماء.
على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والسرار ،ومنها أن مكة
مفتوحة البواب ليل ً ونهارا ً لكل قادم في حج أو عمرة!!
14
ومنها أن خيرات المم تجبى إليها من كل مكان ،والقرآن يقرر
هذا المعنى في قول الله تعالى( :أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى
إليه ثمرات كل شيء)(.)11
ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها .وكم من
اليدي العاملة الن ،وذوي الخبرات يعملون فيها ويشيدون قلعها
فوق الرض وتحت الرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم
العالم إل دخلت في محنة من أهلها أو من غير أهلها إل هذه
"العاصمة المقدسة" ,فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد
الكائدين ،ومثلها المدينة المنورة.
ن الله بها عليها .أليس البترول من م َّ
ومنها كثرة الثروات التي َ
ثروات البحر العظمى التي تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة
منه عيونا ً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من المم .أضف إلى
ذلك سبائك الذهب والفضة.
والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول السلم ؛ لن
مجدها لم يأت إل على يدي بعثته صلى الله عليه وسلم.
هذه الحقائق ل تقبل الجدل .ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة
اليهود) يحملون هذه الوصاف على مدينة "صهيون" ولهذا فإنهم
عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم .ولكننا نضع المر
بين يدي المنصفين من كل ملة .أهذه الوصاف يمكن أن تطلق
على مدينة "صهيون".
لقد خرب " بيت الرب " في القدس مرارا ً وتعرض لعمال
شنيعة على كل العصور .أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام
فلم يصل أحد إليهما بسوء ،ثم أين ثروات البحر والبر التي تجبى
إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الن) يعيشون عالة على صدقات
المم.
جوّا ً ،وهل أبوابها
وأين هي المواكب التي تأتى إليها برا ً وبحرا ً و َ
مفتوحة ليل ً ونهارا ً ،وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها.
وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها .وأين هو التسبيح الذي
يشق عنان السماء منها ..وأين ..وأين..؟ إن هذه المغالطات ل
تثبت أمام قوة الحق ،ونحن يكفينا أن نقيم هذه الدلة من كتبهم
على صدق الدعوى ،ول يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك
من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذي تدافع عنه.
والفاصل بيننا ـ في النهاية ـ هو الله الذي ل يُبدل القول لديه.
وتنسب التوراة إلى نبي يدعى "حبقوق" من أنبياء العهد القديم ،
وله سفر صغير قوامه ثلثة إصحاحات.
تنسب إليه التوراة نصوصا ً كان يصلي بها .تضمنها الصحاح
الثالث من سفره .وهذا الصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول
15
السلم صلى الله عليه وسلم .وإليكم مقاطع منه" :الله جاء من
تيمان ،والقدوس من جبل فاران ـ سله ـ جلله غطى السماوات.
والرض امتلت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع
،وهناك استتار قدرته .قدامه ذهب الوبأ .وعند رجليه خرجت
الحمى .وقف وقاس الرض ،نظر فرجف المم ودكت الجبال
الدهرية ،وخسفت آكام القوم.
مسالك الزل يسخط دست المم ،خرجت لخلص شعبك...
سحقت رأس بيت الشرير معريا ً الساس حتى العنق ...سلكت
البحر بخيلك.)12(..
دللت هذه الشارات:
ل يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالت ومعاني التراكيب أن
يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول السلم صلى
الله عليه وسلم .فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع
وهما :تيمان :يعنى اليمن ،وجبل فاران :يعنى جبل النور الذي
بمكة المكرمة التي هي فاران .هاتان الجهتان عربيتان .وهما رمز
لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحا ً أوليا ً لرسالة محمد
صلى الله عليه وسلم.
فليس المراد إذن نبيا ً من بنى إسرائيل؛ لنه معلوم أن رسل بنى
إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالً .ل من جهة بلد
العرب .وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ،التي تقدم
ذكرها من سفر التثنية ،وقد ذكرت أن الله :تلل أو استعلن من
جبل فاران.
بيد أن بشارة التثنية شملت الخبار بمقدم موسى عليه السلم
والتبشير بعيسى عليه السلم وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما
بشـارة حبقوق فهي خاصة برسول السلم صلى الله عليه
وسلم .ولو لم يكن في كلم حبقوق إل هذا "التحديد" لكان ذلك
كافيا ً في اختصاص بشارته برسول السلم صلى الله عليه
وسلم ,ومع هذا فقد اشتمل كلم حبقوق على دلئل أخرى ذات
مغزى:
منها :الشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلت منه الرض.. •
؟!
ومنها :دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم •
والطغيان وقهر الممالك الجائرة.
ومنها :أن خيل جيوشه ركبت البحر ،وهذا لم يحدث إل •
في ظل رسالة السلم.
على أن كلم حبقوق ملئ بالرمز والشارات مما يفيدنا في هذا
المجال ولكننا نتجاوزه لمرين:
16
أحدهما :أن في الشارات الصريحة غناء عنها.
وثانيهما :عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا.
بشاراته صلى الله عليه وسلم في العهد الجديد أسفار العهد
الجديد (الناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التي يتعين أن تكون
"بشارات" برسول السلم صلى الله عليه وسلم.
تلك البشـارات تعـلن أحيانا ً في صورة الوعـد بملكوت الله أو
ملكوت السماوات .وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس .ومرات
باسـم المعـزى أو الفارقليط ،وهي كلمة يونانية سيأتي فيما بعد
معناها ،تلك هي صورة البشارات في الناجيل في صيغها
المعروفة الن.
ففي إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه
السلم المسمى في الناجيل :يوحنا المعمدان .وفيها يقول:
"توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات"(.)13
فمن هو ملكوت السماوات الذي بشر به يحيى؟! هل هو عيسى
عليه السلم ـ كما يقول النصارى؟!
هذا احتمال ..ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه
السلم نفس العبارة" :توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت
السماوات"(.)14
فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلم
لما وردت هذه "البشارة" على لسان عيسى؛ إذ كيف يبشر
بنفسه ،وهو قائم موجود ،والبشـارة ل تكون إل بشئ محـبوب
سيأتي ،كما أن النذار ـ قسيمه ـ ل يكون إل بشيء "مكروه" قد
يقع.
فكلهما :التبشير والنذار ـ أمران مستقبلن.
إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم
المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلم.
فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير
عيسى .ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات في عبارة
عيسى عليه السلم ـ قول ً واحدا ً ـ وباحتمال أرجح في عبارة
يحيى؛ إذ ل مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلم قد بشر بها
بعيسى عليه السلم.
أما بشارة عيسى فل موضع لها إل الحمل ـ القطعي ـ على
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
متَّى
وفي صيغة الصلة التي علمها المسيح لتلميذه ـ كما يروي َ
متَّى في هذانفسه ـ بشارة أخرى بنبي السـلم .وهذا هو نص َ
17
"فصلوا أنتم هكذا :أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت
ملكوتك"(.)15
ووردت هذه الصيغة في إنجيل لوقا هكذا" :متى صليتم فقـولوا:
أبانا الذي في السماوات ليتقـدس اسمك ليأت ملكوتك.)16("..
ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلميذه ،وعلمهم كيف يقهرون
الشياطين ،ويشفـون المراض ثم قال" :وأرسلهم ليكرزوا ـ أي
يبشروا ـ بملكوت الله"(.)17
أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول" :جاء
يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول :قد كمل
الزمان واقترب ملكوت الله " (.)18
فهـؤلء ثلثة من التلمذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما
السلم) قد بشرا بملكوت الله الذي اقترب.
فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول السلم صلى الله
عليه وسلم؟! وأكاد أجزم بأن عبارة "المسيح ،قد كمل الزمان"
ل تعني سوى انتهاء عصر الرسالت الموقوتة وإقبال الرسالة
الخالدة!!
أما يوحنا صاحب رابع الناجيل .فإنه يذكر هذه البشارات في
مواضع متعددة من إنجيله .ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه
السلم " الذي ل يحبني ل يحفظ كلمي ،والكلم الذي تسمعونه
ليس لي بل للب الذي أرسلني .بهذا كلمتكم وأنا عندكم .وأما
المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى)( )19الروح
القدس ،الذي سيرسله الب باسمي فهو يعلمكم كل شيء
ويذكركم بما قلته لكم"(.)20
كما يروي يوحنا قول المسيح ـ التي ـ مع تلميذه" :إنه خير لكم
أن انطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى ،ولكن إن ذهبت
أرسله إليكم .ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية ،وعلى بر
وعلى دينونة"(.)21
ويروي كذلك قول المسيح لتلميذه" :وأما إذا جاء ذاك روح الحق
،فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لنه ل يتكلم من نفسه .بل كل
ما يسمع يتكلم به ،ويخبركم بأمور آتية " ..؟!(.)22
فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذي بشر به
المسيح عليه السلم حسبما يروى يوحنا؟!
معَّرِى أو الروح القدس ل يأتي إل إن المسيح يقول :إن ذلك ال ُ
بعد ذهاب المسيح ،والمسيح ـ نفسه ـ يُقـُّر بأن ذلك ال ُ
معَّرِى أو
ل منه شأنا ،وأعم نفعا ً وأبقى أثراً ،ولذلك قال لتلميذه: ج ُّ َ
الروح أ َ
معَّرِى.
خير لكم أن أنطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ
18
وكلمة "خير" أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيرا ً لكم ذهابي ليأتيكم
معَـَّزى" مسـاويًا للمسيح في الدرجة لكانا
المعزى ولو كان "ال ُ
مستويين في الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن
أنطلق.
ومن باب أولى لو كان "المعَّزى" أقل فضل ً من المسيح .فعبارة
مساو
ٍ المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ،ل
له ول أقل.
معََّرى أو الروح بأوصـاف ليست
ثم يصف المسيح ذلك ال ُ
موجـودة في المسيح نفسه عليه السلم.
ومن تلك الوصاف:
أ ـ إنه يعلم الناس كل شيء .وهذا معناه شمول رسالته لكل
مقومات الصلح في الدنيا والدين .وذلك هو السلم.
ب ـ إنه يبكت العالم على خطية .والشاهد هنا كلمة " العالم "
وهذا معناه شمول السلم لكل أجـناس البشر ،عربا وعجما ً ،
في كل زمان ومكان .ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إل
السلم.
جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ،ويذكـر بما مضى .وقد تحقق هذا في
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على
وجه التفصيل والتأكيد الذي كان على يديه صلى الله عليه وسلم
فكم في القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ،
وكم فيه من الخبار بما سيكون في الحياة الخرة من أوصاف
الجنة ،والنار ،والبعث ،وعلمات الساعة ،وتخاصم أهل النار ،
وحوار أصحاب الجنة مع " رجال العراف " ،وندم من باعوا
دينهم بدنياهم ...إلخ.
وذكر بما مضى من أحوال المم ،وقيام الحضارات ثم سقوطها
وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق
والمانة والخلص والوفاء ،ومسلك بعض القوام من رسلهم
والصراع الذي دار بين المحقين وأهل الباطل ،وعاقبة بعض
المكذبين ...إلخ.
ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد العتقاد الصحيح
وسنت طرق العبادة المثمرة ،ووضعت أصول التشريع في كل
ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ،ووضحت العلقة السليمة
بين المخلوق والخالق ،وبين الناس بعضهم بعضاً .وحررت
العقول ،وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس
ولكل جماعة ولكل أمة .أي أنها أرشدت إلى كل شيء .وعلمت
كل شيء مما يحتاج تعلمه إلى وحي وتوقيف!..
19
ذلك هو السلم ،ول شيء غير السلم.
وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلم بأنه رسول كريم
أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل ,وأنه عبده ورسوله
(ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)(.)23
وشهادة رسول السلم لعيسى عليه السلم منصوص عليها في
بشارات عيسى نفسه به (صلى الله عليه وسلم) .فاسمع إلى
يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلم قوله التي" :ومتى جاء
المعَّزى الذي سأرسله " أنا " إليكم من الب روح الحق من عند
الب ينبثق فهـو يشهـد لي ..وتشهـدون أنتم أيضا ً لنكم معي من
البتداء"(.)24
روح القـدس هذا ،أو المعَّزى ،أو روح الحق ل يمكن أن يكون
عيسى ؛ لن عـيسى لم يبشر بنفسـه ،وهو كان موجودا ً ساعة
قال هذا ول يمكن أن يكون المراد به نبيا ً بعد عيسى غير محمد
(صلى الله عليه وسلم) لننا متفقون على أن عيسى لم يأت
بعده نبي قبل رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فتعين أن يكون روح القدس ،أو المعَّزى ،أو روح الحق تبشيرا
بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الوصاف ،كما
يتحقق فيه معنى "الفضلية" إذ هو خاتم النبيين ،الذي جاء
بشريعة خالدة عامة ،وعلى هذا حملنا قبل قول عيسى :خير لكم
معَّزِى " وهذا إقرار من أن أنطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ
شر وكفي بذلك شواهد. مب َ ّ ِعيسى بأن المبشر به أفضل من ال ُ
أما البشارة باسم "الفارقليط" فقد خلت منها الترجمات العربية
المعاصرة للكتاب المقـدس.
ومعـلوم أن الكتاب المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛
لدرجة أن الترجمات العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلفا
بيناً.
وتحت يدي ـ الن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان
من كلمة الفارقليط ،وموضوع مكانها كلمة المعزى.
بيد أنني وجدت أن ابن القيم ،وابن تيمية ،كل منهما قد نقل
عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا ً فيها التصريح باسم
"الفارقليط" كما أن الشيخ رحمت الله الهندي (رحمه الله) نقل
في كتابه "إظهار الحق" نصوصا ً "عن ترجمات عربية ترجع إلى
أعوام 1821 :ـ 1831ـ 1844م وتمت في لندن معنى "الفارقليط":
كلمة يونانية معناها واحد مما يأتي:
الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الحمد .أو معناها كل ما تقدم.
فمعنى "فارقليط" يدور حول الحمد وجميع مشتقاته المشار
إليها.
20
وكل واحد منها يصح إطلقه على رسول السلم صلى الله عليه
ماد والمحمود والحمد ،والمحمد. وسلم فهو الحامد والح ّ
وفي الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا" :إن
كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي .وأنا أطلب من الب فيعطيكم
فارقليط آخر ،ليثبت معكم إلى البد".
"الفارقليط" روح القـدس الذي يرسله الب باسمي هو يعلمكم
كل شيء ،وهو يذكركم كل ما قلته لكم"(.)25
ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن
إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات
الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة "
المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة " :ليثبت
معـكم إلى البد " وهو نص على خلود السلم على أنهم عادوا
واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التي في الطبعات الحديثة للكتاب
المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظا ً ومعنى وهي "
باراكليتس " ومعناها المعزى ،وليست " فارقليط " أو " بارقليط
" التي معناها الحماد والحامد ...والتي يتمسك بها المسلمون!
وهذه المحاولت مردودة لسببين:
أولهما :ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات
القديمة التي فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديماً.
فعملهم حجة على الطبعات الحديثة ,وهم غير متهمين في
عملهم هذا.
وثانيهما :ولو كانت الكلمة "هي :الباراكليتس" فلماذا خلت منها
الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة؟!
بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة؟!
وأيًا كان المدار :فارقليط ،أو باراكليتس ،أو المعزى ،أو الروح
القدس فنحن ل نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على
الوصاف التي أجريت عليها .مثل يعلمكم كل شيء ـ يمكث
معكم إلى البد.
فهـذه الوصـاف هي لرسـول السـلم صلى الله عليه وسلم
ومهما اجتهدتم في صرفها عنه فلن تنصرف.
ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهي :محمد صلى الله
عليه وسلم عربي الجنس واللسان ،فكيف يرسله الله إلى أمم
وأجناس غير عربية ..وكيف يكلف الله الناس برسالة ل يعرفون
لغتها ول عهد لهم بالتحدث معها .وكيف يستطيعون أن يفهموا
القرآن ،وتوجيهات رسول السلم ،وهما باللغة العربية؟!
رد الشبهة:
نرد عليها من طريقين:
21
الول :وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم .فهم يدعون تبعاً
لما قال "بولس" أن عيسى عليه السلم مرسل لخلص العالم
كله .وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلص ،
وفي أيامنا هذه كثرت المنشورات التي تقول :المسيح مخلص
العالم .وهنا نسأل القوم سؤالً :أية لغة كانت لغة المسيـح عليه
السلم وحوارييه ؟! هل هي العبرانية أم اليونانية؟! وأيا كان
الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة .وأوحى إليه النجيل
بلغة واحدة ..فعلى أي أساس إذن قلتم :إنه منقذ لكل العالم؟!
هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم
أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات ..والن يتكلم بمئات اللغات؟!
فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم
بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول السلم أن
يكون مرسل ً لكل العالم.؟! وما الفرق بين رسول السلم صلى
الله عليه وسلم والمسيح عليه السلم حتى تحظروا عليه ما
استبحتموه للمسيح؟! أهذا عدل ..أهذا إنصاف!!
وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون!!
الثاني :وهو مستمد من طبيعة السلم .ومن تاريخه الطويل
الحافل بكل عجيب.
نعم :إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عربي اللسان ،والجنس ،
والقرآن العظيم الذي جاء به عربي اللسان ،عالمي التوجيه
والتشريع والسلطان .ووحدة اللغة في السلم مثل وحدة
العقيدة فيه .ولم يحل دون انتشار السلم بين المم والشعوب
غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربي ورواده الوائل
عرب .هذه العتبارات لم تحل دون نشر السلم لجميع شعوب
الرض باختلف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها.
ما ،وهذه أبرز ملمحه: وكان سلوك الدعوة إلى السلم حكي ً
أولً :إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله
يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك المم
والشعوب ،وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ،
وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة
من هم المبعوث إليهم.
فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة
الكلبي.
وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى
بلتعة .وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمي.
وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغساني شجاع بن ذهب
السدى .وكان هؤلء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم.
22
كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما
يرد من رسائل لغتها غير العربية.
ثانياً :إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ
يترجمون لهم ما يرد من رسول السلم أو يقومون بالترجمة من
العربية إلى غيرها ،ومن غير العربية إلى العربية في حالة ما إذا
كان " المرسل " وفدا ً يحمل رسائل شفوية للتبليغ.
ثالثاً :إن اليهود وكثيرا ً من النصارى كانوا يعرفون اللسان
العربي ،ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ،
كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم
ويقيمون بينهم.
رابعاً :كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه
على تعلم لغات المم ومما يروى عنه ـ عليه الصلة السلم ـ
قوله :من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم.
خامساً :لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب
والوفد ،والبعث ،ودخلت في مرحلة الفتح كان الجنود
المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون السلم نفسه.
وما من أرض حل بها السلم إل وقد حلت بها اللغة العربية
تعضده ،وتؤازره في انسجام عجيب ،فقضت اللغة العربية على
لغات المم والشعوب وحلت هي محلها .قضت على القبطية في
مصر وعلى الفارسية في الشام وعلى البربرية في شمال غرب
أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ،وأصبحت
هي لغة الحياة والدارة والكتابة والنشر والتأليف.
سادساً :قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة
من تراث المم المفتوحة ،ففتحوا نوافذ الفكر ،والثقافة ،
والمعرفة لمن ل يعرف غير العربية من العرب المسلمين .كما
ترجموا من الفكر السلمي ما يصلح ضرورة لغير العرب من
المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة
والتبليغ.
سابعاً :أقبل غير العرب من الذين دخلوا السلم على تعلم
العربية وتركوا لغاتهم الصلية وأصبحوا عربي اللسان واللغة.
ومن هـؤلء أعلم ل يحصون كان لهم فضل عظيم في إنماء
الفكر السلمي منهم اللغويون ،والنحويون ،والبيانيون ،
والفقـهاء ،والصوليون ،والمفسرون ،والمحدثون ،والمتكلمون
،والفلسفة ،والمناطـقة ،والرياضيون ،والطباء ،والفلكيون ،
بل والشعراء والدباء والرحالة والجغرافيون ،وغيرهم ،وغيرهم.
إن كل مجال من مجـالت النشـاط العلمي في السلم نبغ فيه
كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التي كانوا فيها مثل
23
أنجب وأحذق وأمهر أبنائها .ولو رحنا نحصى هؤلء لضاق بنا
السهل والوعر ،فلتكن الشارة إليهم نائبا ً عن ذلك التفصيل غير
المستطاع.
إن وحدة اللغة في السلم لم تحل دون نشر السلم ،فلم يمض
طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الرض ومغاربها.
وصلت إلى الهند والصين في أقصى الشرق ،وإلى شواطئ
المحيط الطلسي في أقصى الغرب وإلى بلد النوبة جنوبا ً وإلى
جبال البرانس جنوبي فرنسا شمالً .وتوطدت في قلب الكون:
الحجاز واليمن والشام وفارس وبلد ما بين النهرين وما وراء
النهرين ومصر وجنوب الوادي ،وتركت اللغة العربية الواحدة
آثارها في كل قطر أشرقت فيه شمس السلم ،وحتى ما فارقه
السلم ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة السلم وآثار العربية تغزو
كل بيت فيها.
وكما استوعب السلم مناهج الصلح في كل مجالت الحياة
النسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة العربية " كل أنماط
التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل التسجيل والتدوين..
وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ،فهي لغة علم ،ولغة فن
ومشاعر ،ووجدان .وقانون وسلم وحرب ،ودين ودنيا.
إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون في ربوع الرض الن لم
يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن
العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربي فصيح .فإذا عاد إلى
حديثه اليومي لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته.
ومسلم غير عربي استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية
الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة
التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث ،والفقه ،والتشريع ،والنحو،
والصرف ،والبلغة ،والدب وسائر العلوم والفنون.
ولكنه ذنب العـرب المسـلمين ل ذنب اللغة .فهي مطواعة لمن
يريد أن يتقنها إن وجد معلما ً مخلصاً .والمل كبير ـ الن ـ في أن
يلتقي كل المسلمين على لغة واحدة ،كما التقوا على عقيدة
واحدة.
إن رسـول السـلم صلى الله عليه وسلم عالمي الدعوة وإن
كان عربي اللسان والجنس.
وإن السلم الحنيف عالمي التوجيه والسلطان وإن كانت لغة
تنزيله عربية ورسوله عربيا ً ،ورواده الوائل عرباً.
------------------
( )1رددنا على هذه الدعاءات في " السلم في مواجهة
الستشراق في العالم " مرجع سبق ذكره.
24
( )2سفر التثنية :الصحاح ( )33الفقرات (.)2-1
( )3سفر التكوين (.)21 - 21
( )4سفر التثنية :الصحاح ( )18الفقرات (.)19 - 18
؟ أي ويكون المعنى عليه :كيف أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم
ل أفعل هذا.
( )5الجمعة.2 :
( )6البقرة.129 :
( )7المزمور ( )45الفقرات ( )17 - 2مع الحذف اليسير )8( .النبياء:
.107
( )9مكان النقط هنا كلم لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لنه
مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف
الكلم عن معناه الظاهر!!
( )10سفر أشعياء الصحاح ( )60الفقرات ( )12-4مع حذف يسير.
( )11القصص.57 :
( 3( )12ـ 3ـ )15مع الحذف.
( )13الصحاح ( )3الفقرة (.)2
( )14الصحاح ( )4الفقرة (.)17
( )15الصحاح ( )6الفقرة (9ـ .)10
( )16الصحـاح ( )11الفقـرة (.)2
( )17الصحاح ( )9الفقرة (.)2
( )18الصحاح ( )1الفقرة ( 14ـ .)15
( )19هذا إيضاح وليس من النص.
( )20الصحاح ( )14الفقرات ( 24ـ .)26
( )21الصحاح ( )16الفقرتان ( 7ـ .)8
( )22الصحاح ( )16الفقرة (.)13
( )23مريم.34 :
( )24الصحاح ( )15فقرتا ( 26ـ .)27
( )25انظر كتاب " إظهار الحق " ص 528للشيخ رحمت الله
الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا .نشر دار التراث.
------------------------
( )4قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من
أصحاب الجحيم!
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن
أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم؟!!
مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة
25
ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة ،وكانت مرحلة الشباب التي
يمكن أن تكون إغراءً له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة؛
لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك ,وكان الزنا
فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا
ضا .وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ،وتُعلق على أي ً
أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ،وتعرف بيوت
البغايا باسم أصحاب الرايات.
ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة،
ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره
المجتمع أو يعيب من يمارسونه؛ فإن محمدًا صلى الله عليه
وسلم لم يقع فيها أبدًا ,بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له
صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل
الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم
وتقديرهم ،وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر.
هذه واحدة ,والثانية :أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد
صلى الله عليه وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها
في القرآن الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية
هي أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث
يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها كما تقول
الية الكريمة( :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (.)1
فإذا كان الزانيان محصنين أي كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة
إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت.
ول تقف العقوبة عند ذلك ,بل نرى أن رسالة محمد صلى الله
ن يمارسون هذه الخطيئة في مرتبة دونية من م ْ
عليه وسلم تضع َ
البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء
فتقول الية الكريمة عنهم( :الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة
ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) ( والزانية ل ينكحها إل زا ٍ
.)2
من الذي يحمل المسئولية عن الخطيئة؟ فإذا كان محمد صلى
الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة في المجتمع الذي كان
يراها عادية ومألوفة ،ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم
تحرمها التحريم القاطع والصريح ،وتضع مرتكبيها في مرتبة
النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر..
26
م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟ وهل فل ِ َ
يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من
العيوب؟!! وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم؟!!
وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص
بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها؟ أم أن
آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها؟!
إن السلم يمتاز بأمرين مهمين:
أولهما :أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ,ول
يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح
آيات القرآن يقول( :ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت
وعليه ما اكتسبت)( .)3ثم( :ول تكسب كل نفس إل عليها ول تزر
وازرة وزر أخرى)( .)4وورد هذا النص في آيات كثيرة.
أما المر الثاني :فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها
ل تورث ،ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو
بين الباء وأبنائهم وفي هذا يقول القرآن الكريم( :واتقوا يوما ً ل
تجزى نفس عن نفس شيئاً)(.)5
(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت)(.)6
(ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب)(.)7
(يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها)(.)8
(ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون)(.)9
(كل نفس بما كسبت رهينة)(.)10
وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية
وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ،ول مولود هو جاز عن
والده شيئاً.
م يُلم محمد صلى الله عليه وسلم ويعاب وما دام المر كذلك فل ِ َ
شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا
الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئا ً أو
ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها؟!
وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه
الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ،ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى
التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في المصرف
الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي الحلل ،ودعا
المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيرا ً على الراغبين
في الحلل ،حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوج الرجل
بأقل وأيسر ما يملك من المال ،وأثر عنه صلى الله عليه وسلم
أن شابا ً جاءه يرغب إليه في الزواج وما كان معه ما يفي بالمراد
فقال له صلى الله عليه وسلم[ :التمس ولو خاتما ً من حديد](.)11
27
أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة
بما يحفظ من القرآن الكريم.
لهذا لم تقع خطايا الزنا في المجتمع في العهد النبوي كله إل في
ندرة نادرة ،ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها
الحد الشرعي ليسترشد بها المجتمع في مستقبل اليام؛ كتشريع
تم تطبيقه في حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً في القضاء
والحكم.
هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة ،وهو
كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى
أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم .وقد أتينا عليه بما تستريح
إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية.
أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب
الجحيم ،فهي شهادة لجلل التشريع الذي أنزله الحق -على
محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة.
بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من
أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيبًا في منطق العقلء ذوى النصفة
والرشد؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم
ولرسالته الكاملة والخاتمة في أن التشريع الذي نزلت به سوَّى
بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم
غرباء عنه في جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة.
بل إن التشريع الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص
صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى
فقال القرآن( :ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم
أصحاب الجحيم)( .)12وقوله( :وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا
قربى)(.)13
أما في السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بني مخزوم
ذوى الشرف والمكانة ـ التي ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة
عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات
د
القرآن ،وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الح ّ
فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن
ب رسول الله صلى الله عليه وسلم -أن يشفع لها لدى زيد – ح ِّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال[ :أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب
فقال :يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق
فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،
وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها](.)14
28
وعليه فكون بعض آل محمد وذوي قرباه من أصحاب الجحيم
كأبي لهب عمه الذي نزلت فيه سورة المسد( :تبت يدا أبى لهب
وتب)( )15وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع بقائه على شركه..
كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم
تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو في الواقع
شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التي سوَّت في العدل بين
القريب وبين الغريب ،ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير في
النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب .وما قاله
المبطلون هو في الحق وسام وليس باتهام.
وصلى الله وسلم على النبي العظيم.
--------------------------
( )1النور.2 :
( )2النور.3 :
( )3البقرة.286 :
( )4النعام.164 :
( )5البقرة .48
( )6يونس.30 :
( )7إبراهيم.51 :
( )8النحل.111 :
( )9الجاثية.22 :
( )10المدثر.38 :
( )11رواة البخاري [كتاب النكاح].
( )12التوبة.113 :
( )13النعام.152 :
( )14رواة البخاري [كتاب أحاديث النبياء].
( )15المسد.1 :
-------------------
( )5مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد
والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ،وبما ل
يعيب ،واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة ،حتى إنك لترى من
يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان ,أو أنه أبيض اللون طويل
القامة ،أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها ،أو أن فلنا ً من الناس
قد ضربه وأسال دمه؛ فهذا كأن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلً؛
سا وعجًزا. وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه ويرونه إفل ً
29
إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود
شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم.
وينقلون عن تفسير البيضاوي :أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس
سألت زينب بنت الحارس -وهى امرأة سلم بن مشكم
(اليهودي) -عن أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه
وسلم؟ فقيل لها :إنه يحب الذراع لنه أبعدها عن الذى ,فعمدت
م ل يلبث أن يقتل إلى عنزة لها فذبحتها ,ثم عمدت إلى س ّ
مت به الشاة ،وذهبت بها جارية لها إلى الرسول لساعته فس َّ
صلى الله عليه وسلم وقالت له :يا محمد هذه هدية أهديها إليك.
وتناول محمد الذراع فنهش منها ..فقال صلى الله عليه وسلم:
ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة؛ ثم
سار إلى اليهودية فسألها :لم فعلت ذلك؟ قالت :نلت من قومي
ما نلت ...وكان ذلك بعد فتح "خيبر" أحد أكبر حصون اليهود في
المدينة ,وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها.
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي :أنه صلى الله عليه وسلم لما
اقترب موته قال لعائشة ـ رضي الله عنهاـ" :يا عائشة هذا أوان
انقطاع أبهري(.)1
فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك
سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ،أنه لم يسلط عليه من ال ُّ
ضا كتب له النجاة من كيد يقتله مباشرة ,وعصمه من الناس ,وأي ً
الكائدين ,وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم,
وما أعظم أجر الشهيد.
ضا ..ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وأي ً
ما من وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ،وع َل َ ً
أعلم نبوته يبرهن على صدقه ،وعلى أنه رسول من عند الله حقًا
ويقينًا.
جله له
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أ ّ
رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد
ذلك بسنوات.
000000000000000000000000
بالقلب ,وإذا قطعا كانت الوفا ( )1البهران :عرقان متصلن
---------------------------
( )6تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أ.د محمود حمدي زقزوق
قالوا إنه صلى الله عليه وسلم:
تزوج زوجة ابنه بالتبني (زيد بن حارثة). •
30
أباح لنفسه الزواج من أي امرأة تهبه نفسها (الخلصة •
أنه شهواني).
الرد على الشبهة:
الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج
إل بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر.
والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع
ع ّزاًالجاهلي رغبة في الستكثار من البنين خاصة ليكونوا للقبيلة ِ
ومنعة بين القبائل.
ومن الثابت كذلك في سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم
اشتهاره بالستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن
الحرام للشهوة ،رغم امتلء المجتمع الجاهلي بشرائح من
الزانيات اللتي كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن
عليها " رايات " ليعرفها طلب المتع المحرمة.
ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب النحراف والسقوط في الفاحشة
في مجتمع مكة ـ لم يُعَرف عن الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم إل التعفف والطهارة بين جميع قرنائه؛ ذلك لن عين
السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان.
ويُْروَى في ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد
شاه الله بالنوم فما أفاق منه إل حين مواقع المعازف واللهو فغ َّ
أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم.
هذه واحدة..
أما الثانية فهي أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب في
الزواج لم يبحث عن "البكر" التي تكون أحظى للقبول وأولى
للباحثين عن مجرد المتعة .وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالي
ما ،ثم إنها ليست بكًرا بل هي ثيب ،ولها أولد خمسة عشر عا ً
كبار أعمار أحدهم يقترب من العشرين؛ وهي السيدة خديجة
وفوق هذا كله فمشهور أنها هي التي اختارته بعد ما لمست
بنفسها ـ من خلل مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب
شمائله صلى الله عليه وسلم.
والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته
بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب
الله .وقضى معها -رضي الله عنها -زهرة شبابه وكان له منها
أولده جميعًا إل إبراهيم الذي كانت أمه السيدة "مارية" القبطية.
والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها -رضي
الله عنها -محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهي
مآثر لها خصوص في حياته وفي نجاح دعوته فيقول في بعض ما
قال عنها [ :صدقتني إذ كذبني الناس وأعانتني بمالها ] .بل كان
31
صلى الله عليه وسلم ل يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها
والترحيب بمن كن من صديقاتها ،حتى أثار ذلك غيرة السيدة
عائشة -رضي الله عنها.
أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من
النبياء له أسبابه منها:
مُر محمد صلى الله عليه وسلم في أول زواج له أولً :كان ع ُ ْ
صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهي
ن التي تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا، الس ّ
وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى النثى وتعلو فيها الحاجة إلى من
يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الولد والبنات اللتي تركتهم خديجة -
رضي الله عنها .-
وفيما يلي بيان هذا الزواج وظروفه.
الزوجة الولى :سودة بنت زمعة :كان رحيل السيدة خديجة -
رضي الله عنها -مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه
وسلم وفي محيط الصحابة -رضوان الله عليهم -إشفاقًا عليه
من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولده .ثم تصادف
فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره
ى العام الذي رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام م َس ِّ
و ُ
الحزن.
في هذا المناخ ..مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون
الرسول وشئون أولده سعت إلى بيت الرسول واحدة من
المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت :له يا رسول
الله كأني أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله
عليه وسلم [ :أجل كانت أم العيال وربة البيت] ،فقالت يا رسول
الله :أل أخطب عليك ؟.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :ولكن – من بعد خديجة ؟!
فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول :لكنها ما تزال
صغيره فقالت :تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج ..قال الرسول
ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟ فقالت خولة :إنها
سودة بنت زمعة ،وعرض المر على سودة ووالدها :فتم الزواج
ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة.
وهنا تجدر الشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن
عمرو وتوفي عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها الرسول صلى
الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم
بعد خديجة ،وكان ذلك في رمضان سنة عشر من النبوة.
وعجب المجتمع المكي لهذا الزواج لن "سودة" هذه ليست
بذات جمال ول حسب ول تصلح أن تكون خلفًا لم المؤمنين
32
خديجة التي كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها
جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها النظار.
وهنا أقول للمرجفين الحاقدين :هذه هي الزوجة الولى للرسول
بعد خديجة ،فهي مؤمنة هاجرت الهجرة الولى مع من فّروا
ل الرسول زواجها حماية لها وجبًرا بدينهم إلى الحبشة وقد قَب ِ َ
لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة.
وليس الزواج بها سعاَر شهوة للرسول ولكنه كان جبًرا لخاطر
امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الولى إلى
الحبشة ولما عادا توفي زوجها وتركها امرأة تحتاج هي وبنوها
إلى من يرعاهم.
الزوجة الثانية بعد خديجة :عائشة بنت أبى بكر الذي يقول عنه
ى في الرسول صلى الله عليه وسلم" :إن من آمن الناس عل ّ
ماله وصحبته أبا بكر ،ولو كنت متخذ ًا خليل ً لتخذت أبا بكر خليلً،
ولكن أخوة السلم."..
ومعروف من هو أبو بكر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه
ل قط ما نفعني وسلم متحدثا ً عن عطائه للدعوة " ما نفعني ما ٌ
مال أبى بكر " ،وأم عائشة هي أم رومان بنت عامر الكناني من
الصحابيات الجليلت ،ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى قبرها واستغفر لها وقال" :اللهم لم يخف عليك ما
لقيت أم رومان فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم" ،وقال
عنها يوم وفاتها:
"من سّره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم
رومان" ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين؛ بل
استقبلته كما تستقبل أمًرا متوقعاً؛ ولذا لم يجد أي رجل من
المشركين في هذا الزواج أي مطعن -وهم الذين لم يتركوا
مجال ً للطعن إل سلكوه ولو كان زوًرا وافتراء.
وتجدر الشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم
ما ليس بدعا ول غريبًا لن هذا بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عا ً
المر كان مألوفًا في ذلك المجتمع .لكن المستشرقين ومن
تحمل قلوبهم الحقد من بعض أهل الكتاب -على محمد صلى
ما للرسول وتشهيًرا الله عليه وسلم -جعلوا من هذا الزواج اتها ً
به بأنه رجل شهواني غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقعًا
في ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما في هذه
النماذج:
-فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من
هالة بنت عم آمنة التي تزوجها أصغر أبنائه عبد الله ـ والد
الرسول صلى الله عليه وسلم.
33
وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر -
سنًّا من أبيها.
-وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة "
وبينهما من فارق السن مثل الذي بين المصطفي صلى الله عليه
وسلم وبين " عائشة " (.)1
كان هذا واقع المجتمع الذي تزوج فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم بعائشة .لكن المستشرقين والممتلئة قلوبهم حقدًا من
بعض أهل الكتاب لم تَر أعينهم إل زواج محمد بعائشة والتي
جعلوها حدث الحداث -على حد مقولتهم -أن يتزوج الرجل
الكهل بالطفلة الغريرة العذراء (.)2
قاتل الله الهوى حين يعمى البصار والبصائر!
الزوجة الثالثة :حفصة بنت عمر الرملة الشابة :توفي عنها زوجها
حنيس بن حذافة السهمي وهو صحابي جليل من أصحاب
الهجرتين -إلى الحبشة ثم إلى المدينة -ذلك بعد جراحة أصابته
في غزوة أُحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة بنت عمر بن
الخطاب أرملة وهي شابة.
ملها مثار ألم دائم لبيها عمر بن الخطاب الذي كان وكان تر ّ
ما بعد يوم..
يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يو ً
وبمشاعر البوة الحانية وطبيعة المجتمع الذي ل يتردد فيه الرجل
من أن يخطب لبنته من يراه أهل ً لها..
بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه
الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت ول يرد باليجاب أو
بالسلب.
فيتركه عمر ويمضى إلى ذي النورين عثمان بن عفان فيعرض
عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض..
فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
يخبره بما حدث فيكون رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه
ة خيٌر من عثمان ويتزوج عثمان خيًرا من هو قوله[ :يتزوج حفص َ
حفصة] (.)3
وأدركها عمر -رضي الله عنه -بفطرته إذ معنى قول الرسول
صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو أن من سيتزوج
ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات
الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا ل تكاد تسعه من الفرحة وارتياح
القلب إلى أن الله قد فّرج كرب ابنته.
الزوجة الرابعة :أم سلمة بنت زاد الراكب :من المهاجرين
الولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد الله ابن عبد
34
السد المخزومي أول من هاجر إلى يثرب (المدينة) من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم .جاءت إلى بيت النبي صلى الله
عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت خزيمة
الهللية " بزمن غير قصير.
سليلة بيت كريم ،فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد
الراكب؛ إذ كان ل يرافقه أحد في سفر إل كفاه زاده.
وزوجها الذي مات عنها صحابي من بني مخزوم ابن عمة
المصطفي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ذو
الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة .وكانت هي و زوجها من
السابقين إلى السلم .وكانت هجرتهما إلى المدينة م ًعا وقد
حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير .رضي
الله عن أم سلمة..
ول نامت أعين المرجفين.
الزوجة الخامسة :زينب بنت جحش :لم أَر امرأة قط خيًرا في
الدين من زينب ،وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم
صدقة وأشد تبديل إل لنفسها في العمل الذي تتصدق وتتقرب به
إلى الله عز وجل؟(.)4
هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها– عن " ضّرتها
" زينب بنت جحش .أما المبطلون الحاقدون من بعض أهل
جب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له - ُ
الكتاب فقالوا :أع ْ ِ
بزوجة متبناه " زيد بن حارثة " فطلقها منه وتزوجها.
ويرد الدكتور هيكل في كتابه "حياة محمد"( )5صلى الله عليه
وسلم على هذا فيقول :إنها شهوة التبشير المكشوف تارة
والتبشير باسم العلم تارة أخرى ،والخصومة القديمة للسلم
تأصلت في النفوس منذ الحروب الصليبية هي التي تملى على
هؤلء جميعًا ما يكتبون.
والحق الذي كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على
السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم ..هو أن زواج محمد صلى
الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني زيد بن حارثة إنما كان
لحكمة تشريعية أرادها السلم لبطال هذه العادة ـ عادة التبني ـ
التي هي في الحقيقة تزييف لحقائق المور كان لها في واقع
الناس والحياة آثار غير حميدة.
ولن هذه العادة كانت قد تأصلت في مجتمع الجاهلية اختارت
السماء بيت النبوة بل نبي الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه
وسلم ليتم على يديه وفي بيته العلن العلمي عن إبطال هذه
العادة.
35
وتجدر الشارة هنا إلى مجموعة اليات القرآنية التي جاءت إعلناً
عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيًرا للتشريع
الجديد في هذه ـ المسألة و في موضوع الزواج بزينب حيث
تقول( :ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين)(.)6
(ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم )(.)7
(وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك
واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطًرا زوجناكها لكيل يكون
على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطًرا
وكان أمر الله مفعولً)(.)8
مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من
زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمًرا
من قدر الله وإرادته لبطال عادة التبني من خلل تشريع يتردد
صداه بأقوى قوة في المجتمع الجاهلي الذي كانت عادة التبني
أصل ً من أصوله وتقليدًا مستقًرا فيه ،فكان السبيل لبطالها أن
يتم التغيير في بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله
عليه وسلم.
وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا المر
فكانت تباهي به ضراتها وتقول لهن ":زوجكن أهاليكن وزوجني
ماوات"(.)9ربي من فوق سبع س َ
أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معربًا عن
رغبته في تطليق زينب؛ فلم يكن -كما زعم المرجفون -أنه
شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له..
ولكن لن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب فيه؛
ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أبدًا ـ وهي الحسيبة الشريفة
جا لرجل كان رقيقًا عند بعض أهلها ضا أنها أصبحت زو ًوالجميلة أي ً
ى للرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ـ عند الزواج بها ـ كان مول ً
أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش وباعه بمكة.
فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد في عرف
المجتمع المكي كله ،لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة
والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالمس -السير الرقيق الذي ل
حلم من تكون في مثل حالها من الحسب والجمال وليس يمثل ُ
هذا بغريب بل إنه من طبائع الشياء.
ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج ،وانعكس الحال على زيد
بن حارثة فانطفأ في نفسه توهج السعادة هو الخر ،وبات مهيأ
36
النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه
وسلم يشكو زينب إليه كما جاء في البخاري من حديث أنس
قال :جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم
يقول له[ :أمسك عليك زوجك واتق الله]( )10قال أنس :لو كان
ما شيئًا لكتم هذا الحديث.
النبي كات ً
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الية:
أمسك عليك زوجك ول تسارع بتطليقها.
وزينب بنت جحش هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم -
كما سبقت الشارة – وهو الذي زوجها لموله "زيد" ولو كانت به
رغبة فيها لختارها لنفسه؛ وخاصة أنه رآها كثيرا ً قبل فرض
الحجاب ،وكان النساء في المجتمع الجاهلي غير محجبات فما
كان يمنعه – إذ ًا – من أن يتزوجها من البداية؟! ولكنه لم يفعل.
فالمر كله ليس من عمل الرادة البشرية لهم جميعًا :ل لزينب
ول لزيد ول لمحمد صلى الله عليه وسلم ،ولكنه أمر قدري
شاءته إرادة الله لعلن حكم وتشريع جديدين في قضية إبطال
عادة "التبني" التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك.
يؤكد هذا ويدل عليه مجموع اليات الكريمة التي تعلقت
بالموضوع في سورة الحزاب.
أما الجملة التي وردت في قوله تعالى( :وتخفي في نفسك ما
الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)( .)11فإن ما
أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره
جا له؛ لكنه لم يصرح به ما ما ـ ستكون زو ًبه من أن زينب ـ يو ً
خشية أن يقول الناس :إنه تزوج زوجة ابنه بالتبني(.)12
الزوجة السادسة :جويرية بنت الحارث الخزاعية :الميرة
الحسناء التي لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها فقد
أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة بيت
من بني المصطلق (التي هي منهم).
كانت ممن وقع في السر بعد هزيمة بني المصطلق من اليهود
في الغزوة المسماة باسمهم .وكاتبها من وقعت في أسره على
مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها" :أو
خير من ذلك؟ قالت :وما هو؟ قال :أقضى عنك كتابتك وأتزوجك.
قالت :وقد أفاقت من مشاعر الهوان والحزن :نعم يا رسول
الله .قال :قد فعلت"(.)13
وذاع الخبر بين المسلمين :أن رسول صلى الله عليه وسلم قد
تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بني المصطلق وقائدهم في
هذه الغزوة..
37
معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بني المصطلق قد
أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله
عليه وسلم تجسد في إطلق المسلمين لكل من بأيديهم من
أسرى بني المصطلق وهم يقولون :أصهار رسول الله ،فل نبقيهم
أسرى.
ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السيرة بنت
سيد قومها والذي جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن أن تتعرض له
من الذل من بعد عزة ..فإذا هو يرحمها بالزواج ،ثم يتيح لها
الفرصة لن تعلن إسلمها وبذا تصبح واحدة من أمهات المؤمنين.
ويقولون :إنه نظر إليها.
وأقول :أما أنه نظر إليها فهذا ل يعيبه ـ وربما كان نظره إليها
ضارعة مذعورة – هو الذي حرك في نفسه صلى الله عليه وسلم
عاطفة الرحمة التي كان يأمر بها بمن في مثل حالتها ويقول:
[ارحموا عزيز قوم ذل] ،فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها من
هوان السر ومذلة العزة من الناس.
على أن النظر شرع ًا مأذون به عند القدام على الزواج -كما
في هذه الحالة -وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه
عند رغبته في الزواج -قائل ً له[ :انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم
بينكما](.)14
وقد توفيت في دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان
وهي في السبعين من العمر -رضي الله عنها.
ى ـ عقيلة بنى النضير :إحدى حي ّ
الزوجة السابعة :صفية بنت ُ
السبايا اللتي وقعن في السر بعد هزيمة يهود بني النضير أمام
المسلمين في الوقعة المسماة بهذا السم ،كانت من نصيب
النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها :فماذا في ذلك؟!
ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بدع ًا في ذلك؛ وإنما كان موقفًا
جانب النسانية فيه هو الغلب والسبق.
فلم يكن هذا الموقف إعجابًا بصفية وجمالها؛ ولكنه موقف
النسانية النبيلة التي يعبر عنها السلوك النبيل بالعفو عند
المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة في
الحرب في حالة الستضعاف والمذلة ,ل سيما وقد أسلمن
وحسن إسلمهن.
ى" بنت الحارس عقيلة بني حي ّ
فقد فعل ذلك مع "صفية بنت ُ
النضير (اليهود) أمام المسلمين في الموقعة المعروفة باسم
38
(غزوة بني قريظة) بعد انهزام الحزاب وردّهم مدحورين من
وقعة الخندق.
الزوجة الثامنة :أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة في
محنة :إنها أم حبيبة "رملة" بنت أبى سفيان كبير مشركي مكة
وأشد أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلمه عليه.
جا لعبيد الله بن جحش وخرجا معًا مهاجرين بإسلمهما كانت زو ً
في الهجرة الولى إلى الحبشة ،وكما هو معروف أن الحبشة في
عهد النجاشي كانت هي المهجر المن للفارين بدينهم من
المسلمين حتى يخلصوا من بطش المشركين بهم وعدوانهم
عليهم؛ فإذا هم يجدون في – ظل النجاشي – رعاية وعناية لما
كان يتمتع به من حس إيماني جعله يرحب بأتباع النبي الجديد
الذي تم التبشير بمقدمه في كتبهم على لسان عيسى بن مريم–
عليه السلم – كما تحدث القرآن عن ذلك في صورة الصف في
قوله( :وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله
إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشًرا برسول يأتي من
بعدى اسمه أحمد)(.)15
لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التي تعرضت لمحنة
قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلء المهاجرين الوائل إلى
الحبشة؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن
السلم ودخوله في النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت
في محنة مضاعفة :محنتها في زوجها الذي ارتد وخان..
ومحنتها السابقة مع أبيها الذي فارقته مغاضبة إياه في مكة منذ
دخلت في دين الله (السلم)..
وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الغتراب حيث ل أهل ول وطن
ثم كانت محنة حملها بالوليدة التي كانت تنتظرها والتي رزقت
بها من بعد وأسمتها "حبيبة" ..كان هذا كله أكبر من عزم هذه
المسلمة الممتحنة من كل ناحية والمبتلة بالب الغاضب والزوج
الخائن!!
لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها
سر العين ويهون الخطب ،وعادت من لطف الرعاية وسخائها ما ي ّ
بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة ،وبدل أن كانت " أم حبيبة "
أصبحت " أم المؤمنين " وزوج سيد المسلمين -صلوات الله
وسلمه عليه.
والحق أقول :لقد كان نجاشي الحبشة من خلّص النصارى فأكرم
وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت أبى سفيان بصفة
خاصة .فأنفذ في أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يخطبها له.
39
وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لم حبيبة بنت أبى
سفيان نعم النقاذ والنجدة لهذه المسلمة المبتلة في الغربة؛
عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه
وسلم؛ وعوضتها عن غضب الب "أبى سفيان" برعاية الزوج
الحاني الكريم صلوات الله عليه.
كما كانت هذه الخطبة في مردودها السياسي ـ لطمة كبيرة
لرأس الكفر في مكة أبى سفيان بن حرب الذي كان تعقيبه على
زواج محمد لبنته هو قوله" :إن هذا الفحل ل يجدع أنفه"؛ كناية
عن العتراف بأن محمدًا لن تنال منه اليام ولن يقوى أهل مكة -
وهو على رأسهم -على هزيمته والخلص منه لنه ينتقل كل يوم
من نصر إلى نصر.
كان هذا العتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه
استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون :تنبؤ بالمستقبل
القريب وتمام الفتح.
فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم
إياه إلى السلم وشهد أل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله.
وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله
قائلً " :إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهل جعلت له ما يحل
عقدته ويسكن حقده وغيظه ،فقال صلوات الله وسلمه عليه في
ضمن إعلنه التاريخي الحضاري العظيم لهل مكة عند
استسلمهم وخضوعهم بين يديه:
من دخل داره فهو آمن. •
ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن. •
ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "(.)16 •
وانتصر السلم وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس في دين الله
جا .وفي مناخ النصر العظيم ..كانت هي سيدة غمرتها أفوا ً
السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الب والهل من شر كان
يوشك أن يحيط بهم.
تلكم هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التي أحاطتها
النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلء الغربة ووضعتها في أعز
مكان من بيت النبوة.
الزوجة التاسعة :ميمونة بنت الحارث الهللية أرملة يسعدها أن
يكون لها رجل :آخر أمهات المؤمنين ..توفي عنها زوجها أبو رهم
بن عبد العّزى العامري؛ فانتهت ولية أمرها إلى زوج أختها
العباس الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث بنى
بها الرسول ـ في " سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من
40
مكة حيث يكون بدء الحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين
بها.
وقيل :إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها
وقالت :البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقيل :إنها هي التي وهبت نفسها للنبي والتي نزل فيها قوله
تعالى( :وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن
يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين.)17()..
كانت آخر أمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلمه
عليه.
----------------
( )1تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ :ص 250
وما بعدها.
( )2المصدر السابق.
( )3انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ ص )4( 324
صحيح مسلم كتاب الفضائل.
( )5حياة محمد ص .29
( )6الحزاب.40 :
( )7الحزاب.5 :
( )8الحزاب.37 :
( )9رواه البخاري (كتال التوحيد .)6108
( )10رواه البخاري (كتاب التوحيد).
( )11الحزاب.37 :
( )12انظر فتح الباري 371 / 8عن سيدات بيت النبوة لبنت
الشاطئ ص .354
( )13رواه البخاري :فتح الباري _ كتال النكاح باب .14
( )14رواه البخاري :فتح الباري ـ كتاب النكاح باب .36
( )15الصف.6 :
( )16رواه البخاري – فتح الباري – " كتاب المغازي ".
( )17الحزاب.50 :
---------------------
( )7محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم النتحار
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
الحق الذي يجب أن يقال ..أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا
خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري
ـ رضي الله عنه ـ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة ،ولكن
أوردها تحت عنوان "البلغات" يعني أنه بلغه هذا الخبر مجرد
41
بلغ ،ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث :إنما هي
مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن(.)1
وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري( )2بقوله:
"إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ،وعنه حكى البخاري هذا البلغ،
وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال الكرماني :وهذا هو الظاهر".
هذا هو الصواب ،وحاشا أن يُقدم رسول الله ـ وهو إمام
المؤمنين ـ على النتحار ،أو حتى على مجرد التفكير فيه.
ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر وعلى ك ٍ
ً
ولم يكن ملكا ول مدعيًا لللوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم
يعتني بها ،وقد قال القرآن الكريم في ذلك( :قل سبحان ربى هل
كنت إل بشرا ً رسولً)(.)3
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه
-في علوم عصرنا -بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار
عليه؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
خر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وحين فتر (تأ ّ
وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه
ب للمكان الذي جمع بينه وبين يستشرف لقاء جبريل ،فهو مح ّ
حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ،فماذا في ذلك أيها
الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما
يدع؟ وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى
الية الكريمة( :فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا
الحديث أسفاً) (.)4
فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ،ولكنها تعبير أدبي عن حزن
النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن
السلم ،وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم؛ فتصور كيف
كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس
إلى الله ،وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى
النور.
وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على
لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله
-ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين( :-وقالوا لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل
وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما
زعمت علينا كسفا ً أو تأتى بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك
بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل
42
علينا كتابا نقرؤه) .فكان رده( :سبحان ربى) متعجبا ً مما طلبوه
ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم( :هل كنت إل بشراً
رسولً)(.)5
أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة
فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة
الرسول صلى الله عليه وسلم ،كما جاءت الرسل بالمعجزات
من عند ربها؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ،ومنها سماع حنين
الجذع أمام الناس يوم الجمعة ،ومنها تكثير الطعام حتى يكفي
الجم الغفير ،وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن
ظ ،ووعد ببيانه؛ لذا يظهر بيانه حفِ َ
الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ
في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه.
( )1انظر صحيح البخاري ج 9ص ،38طبعة التعاون.
( )2فتح الباري ج 12ص .376
( )3السراء.93 :
( )4الشعراء.3 :
( )5السراء.93 :
-------------------
( )8ولدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عادية
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
لن ولدة السيد المسيح ـ عليه السلم ـ تمت على هبة من الله
تبارك وتعالى للسيدة العذراء مريم ـ عليها السلم ـ وليس من
خلل الزواج بينها وبين رجل .فبعض أهل الكتاب (النصارى منهم
خاصة) يتصورون أن كل نبي ل بد أن يولد بمثل هذه الطريقة.
وإذا كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم مثل غيره من
مليين خلق الله فإن هذا عندهم مما يعيبونه به صلى الله عليه
وسلم ويطعنون في صحة نبوته.
فلم يدركوا أن بشرية محمد صلى الله عليه وسلم هي -1
واحدة من القسمات التي شاركه فيها كل رسل الله تعالى منذ
نوح وإبراهيم وغيرهما من بقية رسل الله إلى موسى ـ عليه
السلم ـ الذين ولدوا جميعا ً من الزواج بين رجل وامرأة .ولم
يولد من غير الزواج بين امرأة ورجل إل عيسى ـ عليه السلم ـ
وكان هذا خصوصية له لم تحدث مع أي نبي قبله ،ولم تحدث
كذلك مع محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم إعلنا ً لكونه بشراً -2
من البشر يولد كما يولد البشر ويجرى عليه من الحوال في أكله
43
وشربه ،وفي نومه وصحوه ،وفي رضاه وغضبه وغير ذلك مما
يجرى على البشر كالزواج والصحة والمرض والموت أيضاً.
كان محمد صلى الله عليه وسلم يعتز بهذه البشرية ويراها -3
سبيله إلى فهم الطبيعة البشرية وإدراك خصائصها وصفاتها
فيتعامل معها بما يناسبـها ،وقد اعتبر القرآن ذلك ميزة له في
قوله تعالى( :لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)(.)1
كما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم اعتزازه بهذه -4
جر البشرية وعجزها حين أعلن قومه أنهم لن يؤمنوا به إل إذا ف ّ
لهم ينابيع الماء من الرض ،أو أن يكون له بيت من زخرف ،أو
أن يروه يرقى في السماء وينزل عليهم كتابا ً يقرأونه ،فكان رده
صلى الله عليه وسلم كما حكاه القرآن( :قل سبحان ربى هل
كنت إل بشرا ً رسولً)(.)2
لقد قرر القرآن قاعدة كون الرسل من جنس من يرسلون -5
إليهم؛ بمعنى أن يكون المرسلون إلى الناس بشرا ً من جنسهم،
ولو كان أهل الرض من جنس غير البشر لكانت رسل الله إليهم
من نفس جنسهم وذلك في قوله تعالى( :قل لو كان في الرض
ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا ً رسولً)(
.)3
وعلى المعنى نفسه جاءت دعوة إبراهيم عليه السلم( :ربنا
وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك)( .)4وقوله تعالى( :كما
أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا)( .)5وقوله تعالى( :لقد
ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم)(.)6 م َّ
وقوله تعالى( :فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا الله.)7()..
وقوله تعالى( :هو الذي بعث في الميين رسول منهم)(.)8
وغير هذا كثير مما أكده القرآن وهو المنطق والحكمة التي
اقتضتها مشيئته ـ تعالى ـ لما هو من خصائص الرسالت التي
توجب أن يكون المرسل إلى الناس من جنسهم حتى يحسن
إبلغهم بما كلفه الله بإبلغه إليهم وحتى يستأنسوا به ويفهموا
عنه.
ومن هنا تكون "بشرية الرسول" بمعنى أن يجري عليه ما يجري
على الناس من البلء والموت ومن الصحة والمرض وغيرها من
الصفات البشرية فيكون ذلك أدعى لنجاح البلغ عن الله.
-------------------------------
( )1التوبة.128 :
( )2السراء.93 :
( )3السراء.95 :
44
( )4البقرة.195 :
( )5البقرة .151
( )6آل عمران.164 :
( )7المؤمنون.32 :
( )8الجمعة.2 :
---------------------
( )9يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
الحق أن الصلة على محمد ،صلى الله عليه وسلم ،من ربه ومن
المؤمنين ليست دليل حاجة ،بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير
له من الحق سبحانه ،وتقديًرا له من أتباعه ،وليست كما يزعم
الظالمون لسد حاجته عند ربه؛ لن ربه قد غفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر.
لن أية مقارنة منصفة بين ما كان عليه ،صلى الله عليه وسلم،
وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام
العصمة؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت ،وأتم
به التنزيل ،وأتم به النعمة ،فلم تعد البشرية بعد رسالته ،صلى
الله عليه وسلم ،بحاجة إلى رسل ورسالت.
لذلك فإن رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الخاتمة
والكاملة حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات
ونُظم ومعاملت ،وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة
مما افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة.
ب رسالة محمد ،صلى الله عليه وسلم ،أنها جاءت رحمة وحس ُ
ْ َ َّ َ
ة
م ً
ح َ
سلنَاك إ ِل َر ْ ما أْر َ عامة للبشرية كلها ،كما قال القرآن ( :وَ َ
ن)(.)1 مي َ لِلْعَال َ ِ
فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم رسولهم ،كما قال
تعالى:
َّ م هُودا ً قَا َ َ
ه)(.)2 ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل خاهُ ْ (وَإِلَى ع َاد ٍ أ َ
َ َّ
ه)(.)3ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل َ َ صالِحا ً قَا َ م َ خاهُ ْ مود َ أ َ َ (وَإِلَى ث َ ُ
َ
ه)(.)4ل يَا قَوْم ِ اع ْبُدُوا الل ّ َ شعَيْبا ً قَا َ م ُ خاهُ ْ نأ َ مدْي َ َ (وَإِلَى َ
وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه..
وكانت رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العالمين وإلى
الناس كافة ،كما جاء في قوله تعالى:
ْ َ َ َ
ن)(.)5 مي َة لِلْعَال َ ِ
م ًح َك إ ِ ّل َر ْ سلنَاما أْر َ (وَ َ
شيرا ً وَنَذِيًرا)(.)6 س بَ ِ ك إَِّل كَافَّ ً َ سلْنَا َ َ
ة لِلن ّا ِ ما أْر َ (وَ َ
45
ورسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت فوق كونها عالمية،
فقد كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي
باحتياجات البشر جميعاً ،وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية
والمعنوية عبر الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا
والخرة.
َ َ
مجالِك ُ ْ ن رِ َ م ْحد ٍ ِ مد ٌ أبَا أ َ ح َّم َن ُ ما كَا َ الله تعالىَ ( : َ َّ
وفي هذا قال
ن)(.)7 َ
م الن ّبِيِّي َخات َ َسول اللهِ وَ َ وَلَك ِ ْ
ن َر ُ
وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه
َ وسلم (السلم)( :الْيو َ
متِي م نِعْ َ ت ع َلَيْك ُ ْ م ُم ْم وَأت ْ َ م دِينَك ُ ْ ت لَك ُ ْ مل ْ ُم أك ْ َ َ ْ َ
ً
م دِينا)(.)8 سل َ م اْل ِ ْت لَك ُ ُ
ضي ُ وََر ِ
إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ،وباعتبارها الرسالة الكاملة
والخاتمة؛ يعني امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله
َ َ
سول َ ُ
ه ل َر ُ س َ الرض ومن عليها؛ مصداقا ً لقوله تعالى( :هُوَ ال ّذِي أْر َ
ن كُل ِّهِ)( .)9 َ ْ
قّ لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ ح ِ ن ال ْ َ ْ
بِالهُدَى وَدِي ِ
-------------------------------
( )1النبياء.107 :
( )2العراف.65 :
( )3العراف.72 :
( )4العراف.85 :
( )5النبياء.107 :
( )6سبأ.28 :
( )7الحزاب.40 :
( )8المائدة.3 :
( )9التوبة ، 33 :الفتح ، 28 :والصف.9 :
----------------------
مي فكيف علّم ُ
( )10محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ
القرآن؟!
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
مي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخذ ًا وال ّ
من " المية " ،وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذ ًا
من " الممية "؛ حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على
من ليس من جنسهم.
فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف
القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ،بل لعله أن
يكون تأكيدًا ودليل ً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو
46
وحي أُوحي إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد
ول تعلمه من غيره .بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه.
حا في قوله: وقد رد ّ القرآن على هذه المقولة ردًا صري ً
َ َ َ
صيل ً * قُ ْ
ل ملَى ع َليْهِ بُكَْرة ً وَأ ِ
َ ي تُ ْ ساطِيُر اْلوَّلِي َ
ن اكْتَتَبَهَا فَهِ َ (وَقَالُوا أ َ
ن غَفُوراً َْ َ َ َ
ه كَا َض إِن َّ ُ ت وَالْر ِ ماوَا ِ سَّر فِي ال َّ
س َ م ال ِّ ه ال ّذِي يَعْل َ ُ أنَْزل ُ
حيماً)(.)1 َر ِ
ب النبي المي ـ الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة ـ أن وحس ُ
يكون الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركي العرب وهم أهل ُ
الفصاحة والبلغة؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من
مثله.
كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض
كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ،ول من الشعر ،ول من قول
البشر ".
مي " على معنى أنه أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (إنه " أ ّ
من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه .بل إنه
لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود.
ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "،
واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله
ما مع ما جاء به المختار ـ كما يزعمون .كل هذا مما يتنافي تما ً
محمد (من المساواة الكاملة بين بني البشر رغم اختلف
شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن؛ الذي
اعتبر اختلف الجناس واللوان واللسنة هو لمجرد التعارف
والتمايز؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطي تميًزا لجنس على جنس ،فليس
في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار.
ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم إنما هو بالتقوى
َ
ن
م َْ م ِ خلَقْنَاك ُ ْ س إِنَّا َ والصلح؛ كما في الية الكريمة( :يَا أيُّهَا النَّا ُ
ل لِتعارفُوا إ َ َ ُ
عنْد َ الل ّ ِ
ه م ِ مك ُ ْن أكَْر َ ِ ّ شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ م ُ جعَلْنَاك ُ ْ ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ
َ
م)(.)2 أتْقَاك ُ ْ
00000000000000000
( )1الفرقان.6 – 5 :
( )2الحجرات.13 :
-----------------------
( )11تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
47
وهى من أسوأ المفتريات على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
َ
ن هُوَ إ ِ ّل ن الْهَوَى * إ ِ ْ ما يَنْطِقُ ع َ ِ الذي قال ربه عز وجل عنه( :وَ َ
حى)(.)1 ي يُو َ ح ٌوَ ْ
لكن الحقد حين يتمكن من قلوب الحاقدين يدفعهم إلى المنكر
ل ل يقبله من القول ومن الزور؛ حتى إنهم ليتجرءون على قو ٍ
عقل عاقل ،ول يجرؤ على مثله إل المفترون.
في هذه المقولة زعموا أنه حين كان ينزل عليه الوحي باليات
التي أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات العجاز
العلمي في القرآن فيما تتصل بمراحل خلق النسان من سللة
من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير
مخلقة ثم يكون إنشاؤه خلقًا آخر..
َ َّ
ن هذا خلقه ( :فَتَبَاَرك الل ُ
ه م ْ حا َ زعموا أن كاتب وحيه قال ماد ً
ن)(.)2 ن ال ْ َ َ
خالِقِي َ س ُ ح َأ ْ
ثم أفرطوا في زعمهم؛ فقالوا إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم
ى.. ـ قال له :اكتبها فهكذا نزلت عل ّ
وهنا لبد من وقفة:
فأولً :مما هو ثابت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا
نزل عليه الوحي يأخذ العرق يتصبب من جسده ،ويكون في غيبة
عمن حوله ..فإذا انقضى الوحي أخذ في ذكر وتلوة ما نزل عليه
من القرآن ،وهذا ما تقّرره كل كتب السيرة.
ثانياً :معنى ما سبق أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ل يأخذ في
الملء على كاتب وحيه إل بعد اكتمال نزول الوحي ،واكتمال
نزول اليات المتعلقة بمراحل خلق النسان في سورة "
المؤمنون ".
ثالثًا :وبهذا يتضح كذب المقولة أن كاتب وحيه ـ صلى الله عليه
وسلم ـ هو الذي أملها عليه وأنه أمر بإثباتها.
رابعًا :إن لفظة " تبارك الله " تكررت في القرآن الكريم تسع
مرات ،تلتقي جميعها في مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة
الخالق فيما خلق من مثل قوله تعالى:
َ َ َ (أَل ل َ
ن)(.)3 مي َ ب الْعَال َ ِ ه َر ُّ ك الل ّ ُ مُر تَبَاَر خلْقُ وَاْل ْ ه ال ْ َ ُ
ن نَذِيراً)(.)4 مي َن لِلْعَال َ ِ ن ع َلَى ع َبْدِهِ لِيَكُو َ ل الْفُْرقَا َ ك الَّذِي نََّز َ (تَبَاَر َ
مراً َ
سَراجا ً وَقَ َل فِيهَا ِ جعَ َ ماءِ بُُروجا ً وَ َ س َل فِي ال َّ جعَ َ ك ال ّذِي َ (تَبَاَر َ
منِيراً)(.)5 ُ
َ ْ ك ال َّ مل ُْ َ َ ّ (وَتَبَاَر َ
ما)(.)6 ما بَيْنَهُ َ ض وَ َ ت وَالْر ِ ماوَا ِ س َ ه ُ ك َالذِي ل ُ
يءٍ قَدِيٌر)(.)7 ش ْ ل َ ك وَهُوَ ع َلَى ك ُ ِّ مل ْ ُك ال ّذِي بِيَدِهِ ال ْ ُ (تَبَاَر َ
فلماذا تعلّم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كاتب وحيه آية "
المؤمنون " دون غيرها مما جاء في بقية السور؟!!
48
0000000000000000000
( )1النجم 3 :ـ .4
( )2المؤمنون.14 :
( )3العراف.55 :
( )4الفرقان.1 :
( )5الفرقان.61 :
( )6الزخرف.85 :
( )7الملك.1 :
-----------------------
( )12محمد صلى الله عليه وسلم يُعظّم الحجر السود
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
إنهم في هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان يُعظّم الحجر
السود ـ بل ويُعظّم الكعبة كلها بالطواف حولها ،وهي حجر ل
يختلف ـ في زعمهم ـ عن الحجار التي كانت تُصنع منها الوثان
في الجاهلية ،وكأن المر سواء!!
وحقيقة المر أن من بعض ما استبقاه السلم من أحوال
السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهي
عن منكر ،من ذلك ثناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على
حلف الفضول " ،وهو عمل حلف كان في الجاهلية يسمى " ِ ِ
إنساني كريم كان يتم من خلله التعاون على نصرة المظلوم،
وفداء السير ،وإعانة الغارمين ،وحماية الغريب من ظلم أهل
مكة ،وهكذا..
وقد أثنى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الحلف،
وقال" :لو دعيت إلى مثله لجبت".
ضا كان مما استبقاه السلم من فضائل السابقين مما ورثوه وأي ً
عن إبراهيم -عليه السلم -تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛
بل وتقبيلهم للحجر السود.
وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.
وهنا فقط ل يكون أمامنا إل ما ثبت من أن الرسول ـ صلى الله
عليه وسلم ـ كان يُقبل الحجر السود عند طوافه بالبيت ،وهو ما
تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال
عن تقبيله لهذا الحجر( :والله إني لعلم أنك حجر ل تضر ول
تنفع ،ولول أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبلتك).
وهنا نقول:
49
من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
للحجر السود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الصنام فيما
كانوا يفعلون.
ضا أن يكون ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فعل ذلك - ومستحيل أي ً
جهه ـ صلى الله أي تقبيل الحجر السود -دون وحي أو إلهام و ّ
عليه وسلم ـ إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أية شبهة وثنية أو
مجاراة لعبدة الصنام.
ولنه صلى الله عليه وسلم قال[ :خذوا عنى مناسككم]؛ فقد
مار أصبح تقبيل الحجر السود من بعض مناسك الحجاج والع ّ
للبيت الحرام.
كما أن تعظيم الحجر السود هو امتثال لوامر الله الذي أمر
بتعظيم هذا الحجر بالذات ،وهو سبحانه الذي أمر برجم حجر آخر
كمنسك من مناسك الحج؛ فالمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم ل
يعدو كونه إقراًرا بالعبودية لله تعالى وامتثال ً لوامره عز وجل
ما لحكامه. واستسل ً
-----------------------
( )13كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
ن كَادُوا أخذوا ذلك من فهم مغلوط ليات سورة السراء ( :وَإ ِ ْ
َ َ
كخذ ُو َ ك لِتَفْتَرِيَ ع َلَيْنَا غَيَْره ُ وَإِذا ً َلت َّ َ ن ال ّذِي أوْ َ
حيْنَا إِلَي ْ َ ك عَ ِ لَيَفْتِنُون َ َ
شيْئا ً قَلِيل ً * إِذاً َ
م َ ن إِلَيْهِ ْ ت تَْرك َ ُ ك لَقَد ْ كِد ْ َ ن ثَبَّتْنَا َخلِيل ً * وَلَوْل أ ْ َ
صيرا ً ) ك ع َلَيْنَا ن َ ِ جد ُ ل َ َ َ
م ل تَ ِ ت ث ُ َّما ِ ف ال ْ َ
م َ ضعْ َ حيَاةِ وَ ِ ف ال ْ َ ضعْ َ ك ِ َلذَقْنَا َ
(.)1
بعض ما قيل في سبب نزول هذه الية أن وفد ثقيف قالوا
جلنا سنة حتى نقبض ما يُهدى للرسول ،صلى الله عليه وسلم ،أ ّ
مـ سرناها وأسلمنا؛ فهَ ّ للهتنا من (الصنام) ،فإذا قبضنا ذلك ك ّ
صلى الله عليه وسلم ـ بقبول ذلك فنزلت الية.
م " أي هممت أو قاربت أن تميل ن إِلَيْهِ ْ
ت تَْرك َ ُ قوله تعالى " :كِد ْ َ
لقبول ما عرضوه عليك؛ لول تثبيت الله لك بالرشد والعصمة ،ولو
فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات؛ يعني :قاربت
أن تستجيب لما عرضوه ،لكنك بتثبيت الله لم تفعل لعصمة الله
لك.
م
م على مقربة من الثقافة السلمية يعرفون أن " اله ّ ن هُ ْم ْ وكل َ
" ـ أي المقاربة لشيء دون القيام به أو الوقوع فيه ـ ل يُعتبر
ضع عن المة وجاء به ما صح معصية ول جزاء عليه ،وهو مما و ِ
عن النبي ،صلى الله عليه وسلم ،قوله:
50
ضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به)؛
(و ِ
وعليه ..فإنه ل إثم ول شيء يُؤخذ على محمد ـ صلى الله عليه
وسلم ـ في ذلك.
000000000000000000
( )1السراء.75-73 :
------------------------
ل محمد صلى الله عليه وسلم في الشهر قات َ َ (َ )14
الحرام
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
وذلك لما ورد في آيات سورة البقرة:
ص ٌّ
د ل فِيهِ كَبِيٌر وَ َ ل قِتَا ٌ ل فِيهِ قُ ْ حَرام ِ قِتَا ٍ شهْرِ ال ْ َ ك ع َن ال َّ
ِ سأَلون َ َ (ي َ ْ
َ َ َ
ه أكْبَُر من ْ ُ
ج أهْلِهِ ِ خَرا ُحَرام ِ وَإ ِ ْ جد ِ ال ْ َ س ِم ْ ل الل ّهِ وَكُفٌْر بِهِ وَال ْ َ سبِي ِ ن َ عَ ْ
َ َ
حتَّى يَُردُّوك ُ ْ
م م َ ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ ل وَل يََزالُو َ ن الْقَت ْ ِ ة أكْبَُر ِ
م َ عنْد َ الل ّهِ وَالْفِتْن َ ُ ِ
ستَطاع ُوا) (.)1 َ نا ْ م إِ ِن دِينِك ُ ْ عَ ْ
والمسلمون جميعا ً وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد ـ صلى
الله عليه وسلم ـ هم أحفظ الناس لحرمة الشهر الحرم وعدم
القتال فيها ،واعتبار القتال فيها حدثًا كبيًرا أو كأنه كبيرة من
الكبائر..
جهوا من أعدائهم من لكن ما الذي يفعله المسلمون إذا ما وو ِ
المشركين بالقتال والعدوان على النفس والموال والعراض،
ليس هذا فحسب بل ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن
يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من
غيرهم ؟!
إن قانون " الدفع الحضاري " الذي يقره القرآن الكريم لحماية
الكون من إفساد المتجبرين والظلمة ،ثم لحماية بيوت العبادة
ضا ،والذي عبّرت عنه اليتان للمسلمين والنصارى واليهود أي ً
َ َ
ض)( ت اْلْر ُ سد َ ِ ض لَفَ َ م بِبَعْ ٍ ضهُ ْ س بَعْ َ الل ّهِ النَّا َ َ
الكريمتان( :وَلَوْل دَفْعُ
معُ صوَا ِ َ ت ْ مَ ض لَهُدِّ ٍ م بِبَعْ ْ ُ ضه س بَعْ َ َ .)2وقوله( :وَلَوْل دَفْعُ الل ّهِ النَّا
َ َ َ
هن الل ّ ُ صَر ّ م الل ّهِ كَثِيرا ً وَلَيَن ْ ُ س ُ جد ُ يُذ ْكَُر فِيهَا ا ْ سا ِم َ ت وَ ََ صلَوَا ٌ وَبِيَعٌ وَ َ
ه لَقَوِيٌّ ع َزِيٌز)( .)3هذا القانون القرآني ـ وليس ن الل ّ َ صُره ُ إ ِ َّ ن يَن ْ ُ م ْ َ
قانون من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر ـ هو
وحده الذي يحمي الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم
الظالمين.
وذلك على أساس أن من يمكّن الله لهم في الرض بما يمنحهم
من القوة والثروة والعلم يجب -وبحسب القانون القرآني -أن
يكونوا صالحين وأخياًرا؛ بمعنى :أن يستخدموا قوتهم وثروتهم
51
وعلمهم ل في الطغيان والتجبر ،ولكن في حماية القيم النبيلة
التي يُحمى بها العدل والحق وتمكّن لكل ما هو خير ،وتنفي كل
ما هو شر حتى تنعم البشرية بالمن والستقرار ،وتعتدل أمور
الحياة والناس.
وهذا ما جاءت الية التالية لليتين السابقتين لتقره؛ حيث يقول
َ َ َ
صلة َ وَآتَوُا موا ال َّ ض أ َقَا ُ ِ م فِي اْلَْر مك ّنَّاهُ ْن َ ن إِ ْ الله عز وجل( :ال ّذِي َ
ف ونَهوا ع َن ال ْمنْكَر ولِل ّهِ ع َاقِب َ ُ ُ َ
مورِ)(.)4 ة اْل ُ ُ ِ َ ِ معُْرو ِ َ َ ْ مُروا بِال ْ َ الَّزكَاة َ وَأ َ
ولن إقرار حقوق عباد الله في أرض الله وحماية المستضعفين
من بطش المتجبرين ل يقل حرمة عند الله من حرمة الشهر
الحرم؛ فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ومن
ُ
ما وعدوانًا. فُتنوا في دينهم وأخرجوا من ديارهم ظل ً
ك ع َن ال َّ وهذا ما تقرره الية( :ي َ
ل فِيهِ قُ ْ
ل حَرام ِ قِتَا ٍ شهْرِ ال ْ َ سألون َ َ َ ِ َ ْ
ْ ْ
ل اللهِ وَكُفٌْر بِهِ وَال َ ّ صد ٌّ ع َ ْ ل فِيهِ كَبِيٌر وَ َ قِتَا ٌ
حَرامِ جد ِ ال َ س ِم ْ
َ
سبِي َ ِن َ
َ َ
ل وَل يََزالُو َ
ن ن الْقَت ْ ِ م َ ة أكْبَُر ِ عنْد َ الل ّهِ وَالْفِتْن َ ُ ه أكْبَُر ِ من ْ ُ
ج أهْلِهِ ِ خَرا ُوَإ ِ ْ
ستَطَاع ُوا)(.)5 نا ْ م إِ ِ ن دِينِك ُ ْ م عَ ْ حتَّى يَُردُّوك ُ ْ م َ يُقَاتِلُونَك ُ ْ
0000000000000000
( )1البقرة.217 :
( )2البقرة.251 :
( )3الحج.40 :
( )4الحج.41 :
( )5البقرة.217 :
------------------------
( )15محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما في القرآن
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
أخذوها من فهمهم الخاطئ في مفتتح سورة "الفتح"( :ليغفر لك
الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا
ما)( .)1فقالوا :كتاب محمد يعترف عليه ويصفه بأنه مستقي ً
مذنب!!
وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم
كتاب كبير مفتوح استوفي فيه كُتَّاب سيرته كل شيء في حياته.
في صحوه ونومه وفي حربه وسلمه ،وفي عبادته وصلواته ،في
حياته مع الناس بل وفي حياته بين أهله في بيته.
ليس هذا فحسب ,بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديثًا أو
يذكرون له عمل ً يصفونه صلى الله عليه وسلم وصفًا بالغ الدقة
وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم :قال صلى الله
عليه وسلم كذا وكان متكئا ً فجلس ،أو قال كذا وقد امتل وجهه
52
بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا :إنه تسجيل دقيق
لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة..
جل له شمائله الكريمة فقال عنه :إنه ثم جاء القرآن الكريم فس ّ
الرحمة المهداة إلى عباد الله( :وما أرسلناك إل رحمة للعالمين)(
.)2ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم( :لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم)( .)3ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله عليه
وسلم في قوله( :وإنك لعلى خلق عظيم)(.)4
أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات
الرسول وحديث نفسه الذي بينه وبين الله مما ل يطلع الناس
عليه على نحو ما جاء في سورة الحزاب في أمر الزواج بزينب
بنت جحش ,والذي كان القصد التشريعي فيه إبطال عادة التبني
من قوله تعالى( :وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس
والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي ل
يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن
وطًرا و كان أمر الله مفعولً)(.)5
أقول :مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي كتاب مفتوح
ف التاريخ منه شيئاً ,بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما لم يخ ِ
يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما ل يطلع عليه الناس،
ة ول ذنبًا في قول أو عمل. ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذل ً
أفبعد هذا ل يتورع ظالموه من أن يقولوا :إنه "مذنب"؟!!!
ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على
شيء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة
الفتح ،والتي كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم
بالتأييد والنصر ..لو كان محمد صلى الله عليه وسلم -كما
ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله
الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا
مستقيماً؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين.
ونقف أمام الذنب في منطوق الية( :ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر) ,فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من
الخطأ والثام؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هي عصمة جميع أنبيائه
وفي قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم .وهذا مما يعرفه
ويقّره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفي الكلم
عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا في رسل الله وأنبيائه بما
هو معروف.
53
فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى
الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة اللهية ,ل ما تحدده
أعراف الناس.
ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه
وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب,
حتى كان معروفًا بينهم بالصادق المين.
أفبعد هذا ل يستحي الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم
والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا :إنه مذنب؟!! (كبرت
كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا)(.)6
000000000000000
( )1الفتح.2 :
( )2النبياء .117
( )3التوبة.128 :
( )4القلم.5 :
( )5الحزاب.37 :
( )6الكهف.5 :
-------------------------
( )16محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا
التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى( :يا
ل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله أيها النبي لم تحّرم ما أح ّ
غفور رحيم)(.)1
وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى
الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة
المعروفة عن النساء عامة؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم قد
ما ل يوجد في بيوتهن ،فأسر دخل عند إحداهن وأكل عندها طعا ً
إلى إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله
عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.
والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو
تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له..
فمطلع الية (لم تحرم ما أحل الله لك) (هو فقط من باب
"المشاكلة" لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن؛ والنداء القرآني
ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله؛ ولكنه ليس اتها ً
من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه
54
صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو
عمل ً أحلّه الله؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته
من خلقه العالي الكريم.
ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال( :ولو تقوّل
علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين
* فما منكم من أحد عنه حاجزين)(.)2
وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل
الله من المستحيلت على مقام نبوته التي زكّاها الله تبارك
وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله( :وما ينطق عن الهوى * إن
هو إل وحى يوحى)(.)3
فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه،
وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه,
فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله.
00000000000
( )1التحريم.1 :
( )2الحاقة.47 -44 :
( )3النجم.4 -3 :
-------------------------
( )17الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم
أ.د محمود حمدي زقزوق
الرد على الشبهة:
الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم يستندون في هذه
المقولة إلى أكذوبة كانت قد تناقلتها بعض كتب التفسير من أنه
صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلة بالناس سورة
"النجم" ,فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى:
(أفرأيتم اللت والعزى* ومناة الثالثة الخرى)()1؛ تقول الكذوبة:
إنه صلى الله عليه وسلم قال :ـ حسب زعمهم ـ تلك الغرانيق()2
العلى وإن شفاعتهن لترتجى.
ثم استمر صلى الله عليه وسلم في القراءة ثم سجد وسجد كل
من كانوا خلفه من المسلمين ,وأضافت الروايات أنه سجد معهم
من كان وراءهم من المشركين!!
وذاعت الكذوبة التي عرفت بقصة "الغرانيق" وقال -من تكون
إذاعتها في صالحهم :-إن محمدا ً أثنى على آلهتنا وتراجع عما كان
يوجهه إليها من السباب .وإن مشركي مكة سيصالحونه
وسيدفعون عن المؤمنين به ما كانوا يوقعونه بهم من العذاب.
وانتشرت هذه المقولة حتى ذكرها عدد من المفسرين؛ حيث
ذكروا أن المشركين سجدوا كما سجد محمد صلى الله عليه
55
وسلم ,وقالوا له :ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم .ولكن هذا
الكلم باطل ل أصل له.
وننقل هنا عن المام ابن كثير في تفسيره اليات التي اعتبرها
المرتكز الذي استند إليه الظالمون للسلم ورسوله وهي في
سورة الحج حيث تقول( :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي
إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى
الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم)( ,)3وبعد ذكره
لليتين السابقتين يقول" :ذكر كثير من المفسرين هنا قصة
الغرانيق وما كان من رجوع كثير ممن هاجروا إلى الحبشة ,ظنًّا
منهم أن مشركي مكة قد أسلموا".
ثم أضاف ابن كثير يقول" :ولكنها -أي قصة "الغرانيق" -من
طرق كثيرة مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح ،ثم قال ابن
كثير( :)4عن ابن أبى حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير قال" :قرأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة "سورة النجم" ,فلما بلغ
هذا الموضع( :أفرأيتم اللت والعّزى * ومناة الثالثة الخرى) .قال
ابن جبير :فألقى الشيطان على لسانه :تلك الغرانيق العل وإن
شفاعتهن لترتجى .فقال المشركون :ما ذكر آلهتنا بخير قبل
اليوم ..فأنزل الله هذه الية( :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول
نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي
الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عزيز حكيم) ليقرر العصمة
والصون لكلمه سبحانه من وسوسة الشيطان".
وربما قيل هنا :إذا كان الله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان
ويحكم آياته فلماذا لم يمنع الشيطان أصل ً من إلقاء ما يلقيه من
الوساوس في أمنيات النبياء؟! والجواب عنه قد جاء في اليتين
اللتين بعد هذه الية مباشرة:
أولً :ليجعل ما يلقيه الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض من
المنافقين والقاسية قلوبهم من الكفار ,وهو ما جاء في الية
الولى منهما( :ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم
مرض)(.)5
ثانياً :ليميز المؤمنين من الكفار والمنافقين ,فيزداد المؤمنون
إيمانًا على إيمانهم؛ وهو ما جاء في الية الثانية( :وليعلم الذين
أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن
الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم)(.)6
ما وحديثًا قصة الغرانيق .ومن القدماء هذا :وقد أبطل العلماء قدي ً
المام الفخر الرازي الذي قال ما ملخصه(" :)7قصة الغرانيق
باطلة عند أهل التحقيق ,وقد استدلوا على بطلنها بالقرآن
والسنة والمعقول؛ أما القرآن فمن وجوه :منها قوله تعالى( :ولو
56
تقوّل علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه
الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين)( ,)8وقوله سبحانه( :وما
ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى)( ,)9وقوله سبحانه
حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم( :قل ما يكون لي أن
ي)(.)10أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما يوحى إل ّ
وأما بطلنها بالسنة فيقول المام البيهقى :روى المام البخاري
في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "النجم"
فسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون والنس والجن وليس
فيها حديث "الغرانيق" ,وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة
ليس فيها البتة حديث الغرانيق.
فأما بطلن قصة "الغرانيق" بالمعقول فمن وجوه منها:
أ ـ أن من جوّز تعظيم الرسول للصنام فقد كفر؛ لن من
المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه وسلم كان
لنفي الصنام وتحريم عبادتها؛ فكيف يجوز عقل ً أن يثني عليها؟!
ب ـ ومنها :أننا لو جوّزنا ذلك لرتفع المان عن شرعـه صلى
الله عليه وسلم؛ فإنه ل فرق -في منطق العقل -بين النقصان
في نقل وحى الله وبين الزيادة فيه.
0000000000000000
( )1النجم.20- 19 :
( )2المراد بالغرانيق :الصنام؛ وكان المشركون يسمونها بذلك
تشبيهًا لها بالطيور البيض التي ترتفع في السماء.
( )3الحج.52 :
( )4عن :التفسير الوسيط للقرآن لشيخ الزهر د .طنطاوى ج 9
ص 325وما بعدها.
( )5الحج.53 :
( )6الحج.54 :
( )7التفسير السابق :ص .321
( )8الحاقة 44 :ـ .47
( )9النجم.4 -3 :
( )10يونس.15 :
------------------------
( )18عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم –
د .سلمان بن فهد العودة
السؤال:
لقد تناقشت مع أحد الخوة في مسألة عصمة الرسول -صلى
الله عليه وسلم -وكان مما قلته له :إنه -صلى الله عليه وسلم -
معصوم من كل زلل ،وذلك الخ -غفر الله لنا وله -أنكر عل َّ
ي
57
ي قصته -صلى الله عليه وسلم -مع (ابن أم هذا ،وأورد عل َّ
مكتوم) في (عبس وتولّى) .حقيقة يا شيخي لم أجد جواباً،
فأسعفنا بعلمك -دلنا الله وإياك إلى سبيل الرشاد -وأفتنا في
هذا المر الذي أشكل علينا!!
الجواب:
الرسول -صلى الله عليه وسلم -معصوم فيما يبلغ عن الله؛
لقوله تعالى( :وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى) [النجم
.]4-3 :ولهذا قال تعالى( :ولو تقوّل علينا بعض القاويل لخذنا
منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه
حاجزين)[ ،الحاقة .]47-44 :والدلة في هذا المعنى متوافرة
متكاثرة متواترة على أنه -صلى الله عليه وسلم -معصوم فيما
يبلغ عن ربه -عز وجل -ل يقع منه خلف ذلك ل عمدا ً ول سهواً.
ول يشكل على هذا ما ورد في قصة الغرانيق المشهورة – التي
أخرجها الضياء في المختارة ( )247فهو إفك مفترى ،وباطل
مفتعل ،والكلم في سورة الحج ،وبيان حقيقة معناها له موضع
آخر غير هذا ،ول يشكل عليه أيضا ً كونه -صلى الله عليه وسلم -
ينسى الية أحيانًا ،فإن هذا ليس نسيانا ً مطبقا ً مطلقاً ،بمعنى أنه
ل يتذكرها ،كل ،بل هو قد قرأها وحفّظها أصحابه ،ودونها الكُتّاب،
ولكنها عزبت عنه تلك اللحظة فأسقطها ،أو وقف يتذكرها ،وهذه
جبلّة بشرية ،ولهذا قال تعالى( :سنقرئك فل تنسى إل ما شاء ِ
الله إنه يعلم الجهر وما يخفى) [العلى .]7-6 :فهذا مما شاء الله،
ومما شاء الله أن ينساه -صلى الله عليه وسلم .-ما نسخت
تلوته من آي القرآن الكريم.
أما ما اجتهد فيه -صلى الله عليه وسلم -فإنه ل يقر إل على
صواب ،ولذلك "عوتب في شأن السرى ببدر (ما كان لنبي أن
يكون له أسرى حتى يثخن في الرض )...الية[ ،النفال .)]67
انظر الترمذي ( )3084عن عبد ا لله بن مسعود ،وأبو داود ()2690
عن عبد الله بن عباس.
وعوتب في شأن ابن أم مكتوم( :عبس وتولى أن جاءه العمى)
[عبس .]2-1 :انظر الترمذي ( )3331عن عائشة.
وعوتب في شأن زيد بن حارثة وزينب بنت جحش (وتخفي في
نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)...
الية[ ،الحزاب ،]37 :انظر البخاري ( )4887عن أنس.
فكان -صلى الله عليه وسلم -يعلن ذلك لصحابه ،ويحفظه
لهم ،ويتلوه عليهم ،ويتعبدهم بتلوته ،ولم يعبأ بمقالة اليهود
والمنافقين ،ول باضطراب ضعفاء النفوس؛ لن دين الله أعظم
58
من ذلك كله ،وهذا من أعظم كمالته التي حلّه الله بها ،وقال:
(وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم.]4 :
فصلى الله وسلم وبارك عليه ،وأدخلنا في شفاعته ،وأوردنا
حوضه ،وارزقنا اتباعه ومحبته وإياكم وجميع المسلمين.
--------------------------
( )19عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم
د.مساعد بن سليمان الطيار
السؤال:
فيما يتعلق بعصمة الرسول -صلى الله عليه وسلم ،-هل هو
معصوم من الخطأ؟ أو معنى العصمة هنا أن الله عصمه من
الناس -صلى الله عليه وسلم ،-وإذا كان معصوما ً من الخطأ
صلوات ربي وسلمه عليه ،فما هو التفسير الصحيح لحادثة
العمى التي نزل فيها قول الله –تعالى" -عبس وتولى" وجزاكم
الله خير ونفع بكم.
الجواب:
وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته ،أما بعد:
ن القول بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم -لم يقع منه خطأ، فإ َّ
مخالف لظاهر القرآن؛ لن الله سبحانه ـ الذي أرسله بالحق،
وهو أعلم به ـ قد عاتبه في غير ما آية ،ول يكون العتاب إل
بسبب وقوع خطأ منه -صلى الله عليه وسلم -وقد يستعظم
ما أن ذلك ينقص من قدر النبي بعض الناس القول بهذا ،زاع ً
-صلى الله عليه وسلم -وليس المر كذلك؛ فحق الله أعظم،
واليمان بكلمه الذي نقله الرسول -صلى الله عليه وسلم -أولى
من هذا الزعم ،ولو كان في هذه العتابات اللهية له ما ينقص من
ق خليله محمد -صلى الله قدره لما ذكرها الله –سبحانه -في ح ِ ّ
عليه وسلم -والمسلم مطالب بالخذ بظاهر القرآن ،ومن تأول
مثل هذه العتابات اللهية فإنه سيقع في التحريف والتكذيب بخبر
م" تعليقًاالله –سبحانه -وقد ذكرت في كتابي "تفسير جزء ع َّ
ض ظَهَْر َ َ َ َ
ك" ك ال ّذِي أنْقَ َ ضعْنَا ع َن ْ َ
ك وِْزَر على قوله –تعالى": -وَوَ َ
صه " :قال :مجاهد [الشرح 2 :ـ ]3ما يتعلق بأمر العصمة ،وهذا ن ُّ
من طريق ابن أبي نجيح " :ذنبك" ،قال قتادة من طريق سعيد
ومعمر( :كانت على النبي -صلى الله عليه وسلم -ذنوب قد
أثقلته ،فغفرها الله له) ،وكذا قال ابن زيد .وهذه مسألة تتعلق
بالعصمة ،وللناس فيها كلم كثير ،وأغلب الكلم فيها عقلي ل
يعتمد على النصوص ،وهذا النص صريح في وقوع الرسول -
صلى الله عليه وسلم -في شيء من الذنوب التي قد غفرها الله
له ،ولكن لم يبي ِّن الله نوع هذه الذنوب ،ولذا فل تتعدى ما أجمله
59
م .ول تفترض مصطلحا ً للعصمة ل به تسل ْ ص ،وقُ ْ الله في هذه الن ِّ
من عقلك تحمل عليه أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم ،-
فتدخل بذلك في التأويلت السمجة التي ل دليل عليها من الكتاب
ول السنة؛ كما وقع من بعضهم في تأويل قوله –تعالى" :-ليغفر
لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح ،] 2 :قال :ما تقدم :
ذنب أبيك آدم ،وما تأخر :من ذنوب أمتك ،وانظر الشبه بين هذا
القول وبين قول النصارى في الخطيئة ،فالله يقول" :ليغفر الله
لك ما تقدم من ذنبك" ،وهذا يقول هو ذنب غيره ! والله
ن في الرسول جانبان :جانب بشري، المستعان" .واعلم أ َّ
ما الجانب البشري فهو فيه كالبشر :يحب ويكره، وجانب نبوي ،أ ّ
ويرضى ويغضب ،ويأكل ويشرب ،ويقوم وينام … إلخ ،مع ما
ميَّزه الله به في هذا الجانب في بعض الشياء؛ كسلمة الصدر،
والقوة في النكاح ،وعدم نوم القلب ،وغيرها من الخصوصات
التي تتعلق بالجانب البشري .ومن هذا الجانب قد يقع من النبي
– صلى الله عليه وسلم -بعض الخطاء التي يعاتبه الله عليها،
ولك أن تنظر في جملة المعاتبات اللهية للنبي – صلى الله عليه
وسلم -؛ كعتابه بشأن أسرى بدر ،وعتابه بشأن زواجه من زينب
– رضي الله عنها ،-وعتابه في عبد الله بن أم مكتوم – رضي
ص الله على هذا الجانب في الرسل الله عنه ،-وغيرها ،وقد ن َّ
جميعهم صلوات الله وسلمه عليهم ،ومن اليات في ذلك " :قل
سبحان ربي هل كنت إل َّ بشرا ً رسول ً " [السراء ،]93 :ومن
الحاديث قوله -صلى الله عليه وسلم " :-إنما أنا بشر ،وإنكم
ي ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، تختصمون إل َّ
وأقضي له على نحو ما أسمع ،من حق له أخيه شيئاً ،فل يأخذ،
فإنما أقطع له من النار" (رواه البخاري ( ،)6967ومسلم ()1713من
حديث أم سلمة –رضي الله عنها .-وتكمن العصمة في هذا
ن الله يُنبِّه نبيه – صلى الله عليه وسلم -على ما الجانب في أ َّ
وقع منه من خطأ ،وهذا ما ل يتأتَّى لحد من البشر غيره ،فتأمله
مغفلة .وأما الجانب النبوي ،وهو فإنه من جوانب العصمة ال ُ
ن النبي – صلى الله عليه وسلم جانب التبليغ ،فإنه لم يرد البتة أ َّ
-خالف فيه أمر الله؛ كأن يقول الله له :قل لعبادي يفعلوا كذا
فل يقول لهم ،أو يقول لهم خلف هذا المر ،وهذا لو وقع فإنه
حَر النبي – صلى الله عليه وسلم -لم س ِ
مخالف للنبوة ،ولذا لما ُ
حُر في الجانب النبوي ،بل أثَّر في الجانب البشري س ْ يُؤثِّر هذا ال ِّ
انظر ما رواه البخاري ( ،)3268ومسلم ( )2189من حديث عائشة –
م فجانب التبليغ في النبي – صلى الله رضي الله عنها ،-ومن ث َ َّ
عليه وسلم -معصوم ،ويدل على هذا الجانب قوله تعالى " :وما
60
ينطق عن الهوى ،إن هو إل َّ وحي يوحى" [النجم ]4-3 :الله أعلم.
--------------------------
ء
ة تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بنا ِ ( )20شبه ٌ
ة
الكعب ِ
أبو عبد العزيز سعود الزمانان
َ
سو َ
ل ن َر ُ ث" :أ َّ حدِّ ُ ن ع َبْد ِ اللّهِ ي ُ َ جابَِر ب ْ َ في الصحيحين من حديث َ
ْ ْ َ َ
جاَرة َ لِلكَعْبَةِ، ح َ م ال ِ م َعهُ ُ ل َ ن يَنْقُ ُ م -كَا َ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ُ اللّهِ َ -
تحلَل ْ َ خي! لَوْ َ ن أَ ِ َ ه :يَا اب ْ ُ مس ،ع َ َّ ُ ه الْعَبَّاُ ل لَوَع َلَيْهِ إَِزاُرهُ .فَقَا َ
َ َ َ َ
جعَل َ ُ
ه ه ،فَ َ حل ّ ُ
جاَرة .قال :ف َ ح َ ن ال ْ ِ ك ،دُو َ منْكِب ِ َه ع َلَى َ جعَلْت َ ُ ك ،فَ َ إَِزاَر َ
م ما ُرؤيَ بَعْد َ ذَل ِ َ ْ ل فَ َ شيّا ً ع َلَيْهِ .قَا َ سقَ َ منْكِبِهِ ،فَ َ ع َلَى َ
ك اليَوْ ِ مغْ ِ ط َ
عُْريَاناً".
وبدأ أهل البدع يشنعون؛ كيف تعرى النبي – صلى الله عليه
وسلم – فهذا كذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – كما
يزعمون ,والرد على هؤلء يكون بما يأتي:
أولً :هذا الحديث صحيح السناد ل غبار عليه ,فقد أخرجه المام
البخاري في صحيحه ( )364كتاب الصلة – باب كراهية التعري في
الصلة وغيرها.
فهذا الحديث قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال
الزهري – رحمه الله" :-لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي عليه
الصلة والسلم الحلم".
ثانياً :التعري عند أهل العلم يجوز إن كان لمصلحة شرعية
راجحة ،كجواز التعري أثناء العلج ,بل ل خلف على جواز أن
ينظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن
ضوابط شرعية مع تقوى الله وصلح النية ،والضرورات تقدر
بقدرها ،فتعري النبي – صلى الله عليه وسلم – كان قبل البعثة
أولً ,وثانيا ً كان لمصلحة لكي يضع ثوبه على عاتقه لكي يتقوى بها
على حمل الحجارة ,وعلى قربة يتقرب بها لله جل وعل وهي بناء
الكعبة.
كما حدث لنبي الله موسى عليه السلم لما اتهمه قومه برجولته
فبّرأه الله مما قالوا ,وهذا كما أخرجه الشيخان من حديث أبي
ن عَُراةً سلُو َ ل يَغْت َ ِ سَرائِي َ ن بَنُو إ ِ ْ هريرة – رضي الله عنه -قال" :كَا َ
حدَهُ، ل وَ ْ س ُ سى يَغْت َ ِ مو َ ن ُ ض ,وَكَا َ ٍ م إِلَى سوأة بَعْ ضهُ َ ْيَنْظُُر بَعْ ُ
َ َ
ه آدَُر (أي ذو معَنَا إِل أن َّ ُ ل َ س َ ن يَغْت َ ِ سى أ ْ مو َ منَعُ ُ ما ي َ ْ فَقَالُوا :وَالل ّهِ َ
جُرح َ جرٍ فَفََّر ال ْ َ ح َ ه ع َلَى َ ضعَ ثَوْب َ ُ ل فَوَ َ س ُ مَّرة ً يَغْت َ ِ ب َ فتق) قال :فَذَهَ َ
حتَّى جُر! َ ح َوبِي َ ر! ث َ ْ ج
ح َ
وبِي َ سى فِي إِثْرِهِ يَقُول ُ:ث َ ْ مو َ جمعَ ُ وبِهِ! فَ َ بِث َ ْ
ُ َّ
ن
م ْ سى ِ مو َ ما ب ِ ُ سى فَقَالُوا :وَاللهِ َ مو َ ل إِلَى سوأة ُ سَرائِي َ نَظََر بَنُو إ ِ ْ
61
بأ ْ
ه سى فطفق ث َ ْ
وب َ ُ مو َ
س ,فقام الحجر بعد حتى نظر إليه فأخذ ُ ٍ َ
ة"(.)1 سبْعَ ٌ َ َ ً ْ َ ً ْ
ة أوْ َ ست ّ ٌ جر َنَدَبا ِ ح َ
ن بِال َ جر ضربا؟ فوالله إ ِ ّ ح َ بِال َ
وقد ثبت هذا الحديث عند الرافضة ورواه إمامهم ووصيهم
السادس المعصوم كما يزعمون ،وقد أخرجه مفسرو الشيعة في
ضا:
تفاسيرهم أي ً
-ففي تفسير القمي عن أبي بصير ،عن أبي عبد الله (ع)" :أن
بني إسرائيل كانوا يقولون :ليس لموسى ما للرجال ,وكان
موسى إذا أراد الغتسال ذهب إلى موضع ل يراه فيه أحد من
الناس ,فكان يوما ً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على
صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو إسرائيل
منُواْ َ َ
ن ءَا َ إليه ,فعلموا َ أنه ليس كما قالوا ,فأنزل الله( :يَـأيُّـهَا ال ّذِي َ
َ
عندَاللهِ ن ِما قَالُوا ْ وَكَا َ م َّه ِ سى فَبََّرأه ُ الل ُ مو َ ل َ تَكُونُوا ْ كَال ّذِي َ
ن ءَاذ َوْا ُ
جيهًا) [الحزاب.)2(]69/ وَ ِ
ثم إن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت هذا الحديث
فقال" :إن موسى عليه السلم كان حييا ً ستيرا ً يغتسل وحده,
فقال ما يتستر منّا إل لعيب بجلده إما برص وإما أدرة ,فذهب
مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ,فمر الحجر بثوبه ,فطلبه
موسى عليه السلم ,فرآه بنو إسرائيل عريانا ً كأحسن الرجال
خلقًا ,فبرأه الله مما قالوا"(.)3
قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه (ص :)250
"قال جماعة من أهل الحديث :ل استبعاد فيه بعد ورود الخبر
الصحيح ,وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى عليه
السلم ,ولم يعلم أن أحدًا ينظر إليه أم ل ,وإن مشيه عرياناً
لتحصيل ثيابه مضافا ً إلى تبعيده عما نسبوه إليه ،ليس من
المنفرات".
ثالثاً :ونقول نحن كذلك أهل السنة والجماعة كما قال :ل استبعاد
فيه بعد ورود الخبر الصحيح ,وإن رؤيته له على ذلك الوضع لم
يتعمده النبي – صلى الله عليه وسلم -فليس ذلك من المنفرات.
رابعاً :ليس في الحديث أنه تعرى أمام الناس – صلوات ربي
وسلمه عليه – فالتعري أمام الناس متعمدا ً من خوارم المروءة،
فأين الدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مشى أمام
الناس عاريا ً ل لشيء وإنما من أجل التعري فقط وأن الكل ينظر
إليه!!
فليس في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم -مشى
وتعرى أمام الناس ،وهذا القول له شاهد عند الطبراني في كما
ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"" :لما بنت قريش الكعبة انفردت
رجلين رجلين ينقلون الحجارة ،فكنت أنا وابن أخي ،جعلنا نأخذ
62
أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة ،فإذا دنونا من
الناس لبسنا أزرنا ،فبينما هو أمامي إذ صرع ,فسعيت وهو
شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لبن أخي :ما شأنك؟ قال:
نهيت أن أمشي عريانًا ,قال :فكتمته حتى أظهر الله نبوته".
خامساً :على افتراض أن التعري لمصلحة ظهرت لمن تعرى أنه
ذنب ،ولكنه ليس من الكبائر ،وعقيدتنا أن النبياء معصومون من
كبائر الذنوب ومن خوارم المروءة ،لذلك حينما تعرى أمام عمه
فقط لم يقر على ذلك وأغشي عليه وما رؤي عريانًا بعد ذلك.
سادساً :نقول للرافضة :ما شأنكم وشأن كشف العورات؟!
فدينكم دين جنس ودعوة للتعري والفاحشة وهذه حقيقة.
وسأذكر بعض المور التي تؤكد هذا الدعاء:
- 1يتهمون النبي بأنه كان ينظر إلى عورات النساء ويخون
المؤمنين ،وينظر إلى امرأة رجل مسلم وهي تغتسل عريانة!!!
ففي بحار النوار(" :)22/217قال الرضا :إن رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده ,فرأى امرأته
تغتسل فقال لها" :سبحان الذي خلقك"!!!
- 2يروون عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال" :كان رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – ل ينام حتى يضع وجهه بين ثديي
فاطمة" ,وفاطمة امرأة كبيرة بالغة ,فكيف يضع النبي – صلى
الله عليه وسلم – وجهه بين ثدييها – رضي الله عنها.-
- 3يزعمون أن إمامهم المعصوم الثاني عشر الغائب عندما يظهر
أنه سيكون عاريا ً بدون ثياب!! وهذا ما رواه الشيخ الطوسي
والنعماني عن المام الرضا" :أن من علمات ظهور المهدي أنه
سيظهر عاريا ً أمام قرص الشمس" .حق اليقين (ص .)347
- 4الرافضة عندهم الدبر ليس من العورة ,وهذا ما رواه الكليني
في الكافي ( )6/512عن أبي الحسن عليه السلم قال" :العورة
عورتان القبل والدبر ،فأما الدبر مستور بالليتين ,فإذا سترت
القضيب والبيضتين فقد سترت العورة".
- 5جواز النظر إلى العورات من غير المسلمين ,فعن جعفر
الصادق قال" :النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى
عورة الحمار" .الكافي (.)6/512
- 6يزعمون أن إمامهم المعصوم الخامس محمد الباقر كان
يدخل الحمام ويكشف عورته أمام الناس ،فعن عبيد الله الدابقي
ما بالمدينة ...فقلت :لمن هذا الحمام؟ فقال قال" :دخلت حما ً
لبي جعفر محمد بن علي عليه السلم فقلت :كان يدخله؟ قال:
نعم ,فقلت :كيف كان يصنع؟ قال :كان يدخل يبدأ فيطلي عانته
وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه،
63
فقلت له يوما ً من اليام :الذي تكره أن أراه قد رأيته" -يقصد
عورته المغلظة( .-الكافي .)6/508
--------------------------
( )21الرد على شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم
ما ذبح على الصنم والنصب أكل طعا ً
أبو عبد العزيز سعود الزمانا
الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم -أكل طعاما
ذبح على الصنم والنصب:
تعريف النصب :هي الصنام والحجارة التي كان الكفار يذبحون
عليها.
أخرج المام أحمد ( )1/190قال :حدثنا يزيد حدثنا المسعودي
عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه
عن جده قال " :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه
إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني ل آكل مما ذبح على
النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل
شيئًا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان
كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لمن بك واتبعك فاستغفر له قال
نعم سأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة".
الشبهة:
قال المبتدعة والزنادقة كيف يذبح الرسول على النصب
والصنام ،وكيف يأكل مما ذبح عليها؟
الرد:
أولً :رواية (إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم قال :فما -
رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح
على النصب) منكرة ول تصح.
-قال الشيخ اللباني – رحمه الله" :-أخرجه المام أحمد (رقم
)5369من حديث ابن عمر ،وقد رواه أيضا من حديث سعيد بن زيد
بن عمرو ( )1648وفيه زيادة منكرة ،وهي تتنافي مع التوجيه
الحسن الذي وجه به الحديث المؤلف وهي قوله بعد( :إني ل آكل
مما تذبحون على أنصابكم) قال :فما رؤي النبي – صلى الله
عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب ,وعلة هذه
الزيادة أنها من رواية المسعودي وكان قد اختلط وراوي هذا
الحديث عنه يزيد بن هارون سمع منه بعد اختلطه ،ولذلك لم
يحسن صنعا حضرة الستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر حيث صرح
في تعليقه على المسند أن إسناده صحيح ،ثم صرح بعد سطور
أنه إنما صححه مع اختلطه لنه ثبت معناه من حديث ابن عمر
64
بسند صحيح يعني هذا الذي في الكتاب ،وليس فيه الزيادة
المنكرة ،فكان عليه أن ينبه عليها حتى ل يتوهم أحد أن معناها
ثابت أيضا ً في حديث ابن عمر".
ثانياً :حكم على هذه الزيادة بالنكارة المام الذهبي أيضا، -
فالرواية أخرجها البزار( )2755والنسائي في الكبرى ()8188
والطبراني ( )4663وأبو يعلى ( )7211من طريق محمد بن عمرو
عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة
عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال خرجت مع رسول
الله ...الحديث.
قال الذهبي في سير أعلم النبلء ( ":)222-1/221في سنده محمد –
يعني ابن عمرو بن علقمة -ل يحتج به ،وفي بعضه نكارة بينة ".
ثالثاً :وهذا العبارة منكرة" :شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا"... -
وهي نكارة بينة كما قال الذهبي ،وهذا نص في أنهم ذبحوها
للنصب ل عليه فقط ،وهذه الجملة ل تحتمل ول تليق بالنبي –
صلى الله عليه وسلم – وفي سندها محمد بن عمرو بن علقمة
قال فيه الحافظ ":صدوق له أوهام " وقال الجوزجاني وغيره":
ليس بقوي"[ ]1وقال الذهبي في سير أعلم النبلء (" :)222-1/221ل
يحتج به".
رابعاً :الرواية الصحيحة هي كما جاءت في صحيح البخاري، -
َّ
قال البخاري ( )5499حدثنا معلى بن أسد قال :حدثنا عبد العزيز
يعني ابن المختار قال :أخبرنا موسى بن عقبة قال :أخبرني
سالم :أنه سمع عبد الله يحدث ،عن رسول الله صلى الله عليه
ح (-،مكان وسلم " :أنه لقي زيد بن عمرو بن نُفَيل بأسفل بَلْد َ َ
في طريق التنعيم ،ويقال :هو واد) -وذاك قبل أن يُنزل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ،فقُدِّم إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم ،فأبى أن يأكل منها ،ثم
قال" :إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم ،ول آكل إل مما ذ ُكر
اسم الله عليه".
وقال البخاري( )3826حدثني محمد بن أبي بكر قال :حدثنا فضيل
بن سليمان قال :حدثنا موسى بن عقبة قال :حدثنا سالم بن عبد
الله ،عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ":أن النبي صلى الله
عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح ،قبل أن
ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ،فقدمت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم سفرة ،فأبى أن يأكل منها ،ثم قال زيد:
إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ،ول آكل إل ما ذكر
اسم الله عليه .وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش
ذبائحهم ،ويقول :الشاة خلقها الله ،وأنزل لها من السماء الماء،
65
وأنبت لها من الرض ،ثم تذبحونها على غير اسم الله .إنكارا
ما له".
لذلك وإعظا ً
قال ابن بطال – رحمه الله ":-كانت السفرة لقريش -
فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها،
فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو ،فأبى أن
يأكل منها ،وقال مخاطبا ً لقريش الذين قدموها أولً" :إنا ل نأكل
ما ذبح على أنصابكم "( عمدة القاري .)11/540
خامساً :أين ما يدل في الحديث أن النبي – صلى الله عليه -
وسلم – أكل من هذه السفرة؟ فليس في الحديث أنه – صلى
الله عليه وسلم – أكل منها ،وإنما غاية ما في الحديث أن
السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكل
منها.
سادسا :فهذا هو الثابت في الصحيح أن النبي – صلى الله ً -
عليه وسلم – عرضت وقدمت له السفرة فامتنع أن يأكل منها،
نعم جاء عند أحمد ( )2/69من طريق عفان عن وهيب عن موسى.
وأخرجه أحمد ( )2/90من طريق يحيى بن آدم عن زهير عن
موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر بلفظ ":فقدم إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل
منها ثم قال" :إني ل آكل ما تذبحون على أنصابكم ول آكل إل
مما ذكر اسم الله عليه ".
فمما سبق بيانه يتضح أن رواية صحيح البخاري أن السفرة
قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ،ثم
قدمت لزيد ولم يأكل منها ،فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز
ولله الحمد.
ولو افترضنا صحة الرواية التي جاءت عند أحمد ،وأن النبي –
صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد ،فكذلك ل يوجد دليل
على أنها ذبحت على نصب أو ذبحت لصنم ،وإن كان قد يفهم
منها هذا ولكنها ليست صريحة.
سابعاً :قال الخطابي في " أعلم الحديث " ":3/1657امتناع -
زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن
يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب فتنزه من أكله ،وقد
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل يأكل من ذبائحهم
التي كانوا يذبحونها لصنامهم ،فأما ذبائحهم لمأكلتهم فإنا لم نجد
في شيء من الخبار أنه كان يتنزه منها ،ولنه كان ل يرى الذكاة
واقعة إل بفعلهم قبل نزول الوحي عليه ،وقبل تحريم ذبائح أهل
الشرك ،فقد كان بين ظهرانيهم ،مقيما ً معهم ،ولم يُذكر أنه كان
يتميز عنهم إل في أكل الميتة ،وكانت قريش وقبائل من العرب
66
تتنزه في الجاهلية عن أكل الميتات ،ولعله – صلى الله عليه
وسلم – لم يكن يتّسع إذ ذاك لن يذبح لنفسه الشاة ليأكل منها
الشلو أو البضعة ،ول كان فيما استفاض من أخباره أنه كان يهجر
اللحم ول يأكله ،وإذا لم يكن بحضرته إل ذكاة أهل الشرك ول
يجد السبيل إلى غيره ،ولم ينزل عليه في تحريم ذبائحهم شيء،
فليس إل أكل ما يذبحونه لمأكلتهم بعد أن تنزه من الميتات
تنزيها ً من الله عز وجل له ،واختيارا ً من جهة الطبع لتركها
استقذارا ً لها ،وتقززا ً منها ،وبعد أن يجتنب الذبائح لصنامهم
عصمة من الله عز وجل له لئل يشاركهم في تعظيم الصنام
بها".
ثامناً :قال السهيلي ":فإن قيل :فالنبي – صلى الله عليه -
وسلم – كان أولى من زيد بهذه الفضيلة ،فالجواب أنه ليس في
الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها ،وعلى تقدير أن
يكون أكل ،فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه ل بشرع بلغه،
وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم ،وكان في
شرع إبراهيم تحريم الميتة ،ل تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه،
وإنما نزل تحريم ذلك في السلم ،والصح أن الشياء قبل
الشرع ل توصف بحل ول بحرمة ،مع أن الذبائح لها أصل في
تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القرآن." ...
-وقال القاضي عياض في عصمة النبياء قبل النبوة ":إنها
كالممتنع ،لن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع ،والنبي –
صلى الله عليه وسلم – لم يكن متعبدا ً قبل أن يوحى إليه بشرع
من قبله على الصحيح."...
تاسعاً :ومن التوجيهات كذلك كما قال الشيخ اللباني – -
رحمه الله ":-توهم زيد أن اللحم المقدم إليه من جنس ما حرم
الله ،ومن المقطوع به أن بيت محمد – صلى الله عليه وسلم –
ل يطعم ذبائح الصنام ،ولكن أراد الستيثاق لنفسه والعلن عن
مذهبه ،وقد حفظ محمد له ذلك وسّر به"[.]2
عاشراً :قال الذهبي – رحمه الله ":-لو افترض أن زيد بن -
حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي –
صلى الله عليه وسلم – إل أنه كان معه ،فنسب ذلك إليه ،لن
زيدا ً لم كن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه لنبيه ،وكيف
يجوز ذلك وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنماً ،وما
مسه هو قبل نبوته ،فكيف يرضى أن يذبح للصنم ،هذا محال".
وقال أيضا" :أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون
عنده"[]3
-نتيجة البحث:
67
:-1ليس في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – -
ذبح على النصب أو أكل مما ذبح على النصب ،وغاية ما في
الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد
ولم يأكل منها.
:-2الرواية التي في صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي –
صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ،ثم قدمت لزيد ولم
يأكل منها ،فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز ولله الحمد.
:-3جاءت رواية عند أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم –
قدم السفرة لزيد ،وامتنع زيد أن يأكل منها ،وكذلك ل يوجد أي
دليل على الذبح للنصب أو للصنم ،وإن كان يفهم منها هذا ولكنها
ليست صريحة.
:-4امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من
أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب
فتنزه من أكله ،وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل
يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لصنامهم.
:-5قال الذهبي – رحمه الله" :-لو افترض أن زيد بن حارثة هو
الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله
عليه وسلم – إل أنه كان معه ،فنسب ذلك إليه ،لن زيدا ً لم يكن
معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه ،وكيف يجوز ذلك
وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنماً ،وما مسه هو قبل
نبوته ،فكيف يرضى أن يذبح للصنم ،هذا محال".
:-6أما ما جاء في بعض الروايات التي فيها (إني ل آكل مما
تذبحون على أنصابكم) قال :فما رؤي النبي – صلى الله عليه
وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب) وهذه الرواية
منكرة ،حكم عليها بالنكارة المام الذهبي والمام اللباني –
رحمهما الله .-
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
00000000000000000
ترجمة رقم .5879 [ ]1المغني في الضعفاء
[ (]2فقه السيرة ص .)82
[ (]3سير أعلم النبلء .)1/135
--------------------------
()22شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من
زينب بنت جحش والرد عليها
أبو عبد الله الذهبي
الحمد لله والصلة و الصلة و السلم على رسول الله ،ثم أما
بعد:
68
أحبتي في الله شاء الله عز وجل ول مرد لمشيئته أن يطلق زيد
بن حارثة زوجته حينما تعذر بقاء الحياة الزوجية بينه و بينها على
الوجه المطلوب ،و مضت سنة الله في خلقه أن ما رسخ في
النفوس بحكم العادة ل يسهل التخلص منه ،فقد كانت عادة
التبني ل تزال قائمة في نفوس الناس ،و ليس من السهل
التغلب على الثار المترتبة عليها ،و من أهم هذه الثار أن الب ل
يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلقه لزوجته ،فاختار الله
تعالى لهذه المهمة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم و أمره
بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلقها من زيد.
و بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله
عنها ،أثار هذا الزواج أحاديث همز و لمز و أقاويل كثيرة من قبل
المشركين والمنافقين ،فقد قالوا :تزوج محمد حليلة ابنه زيد بعد
أن طلقها ،كما وأن للمستشرقين و من شايعهم في العصر
الحاضر ،أحاديث في هذا الموضوع ،فاتخذوا من هذه الحادثة
ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه و سلم.
والذي أريد أن أتحدث عنه اليوم هو الرد على هؤلء
المستشرقين الذين اتخذوا من هذه القضية مدخل ً للطعن في
نبي الله صلى الله عليه وسلم ،كما و أنهم تناولوا زواجه صلى
الله عليه وسلم بهذا العدد ،فجعلوا منه مادة للنيل منه صلى الله
عليه وسلم ،و وصفوه بأشياء ينبو عنها القلم.
و لما كان هذا المر من الخطورة بمكان لتعلقه بأشرف خلق
الله على الطلق -و كان كل من يطلق لسانه في هذا الصدد
يقول :لسنا نبتدع شيئاً ،فها هي كتب التفسير و كتب السير
تحكي ذلك ،-لذا سأقوم الن بعرض تلك الروايات التي اعتمدوا
جه لسانيدها عليها رواية رواية ،متبعا ً كل رواية منها ببيان ما و ّ
من نقد ،ثم أتبع ذلك بنقدها جميعا ً من جهة متونها ،و موقف
الئمة المحققين من هذه الروايات.
يقو الله تعالى{ :وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه
أمسك عليك زوجك واتق الله ،و تخفي في نفسك ما الله مبديه،
و تخشى الناس والله أحق أن تخشاه ،فلما قضى زيد منها وطراً
زوجناكها لي ل يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا
قضوا منهن وطرا ً وكان أمر الله مفعولً}[الحزاب]37/
إن السبب في طلق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله
عليه وسلم منها؛ هو ما كان بين زيد و بين زينب من خلفات ،و
أنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما،
فطلقها بمحض اختياره و رغبته ،و كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينهاه عن ذلك ،و قد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه
69
صلى الله عليه وسلم أن زيدا ً سيطلق زينب ،و أنه ستكون زوجة
له ،و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا و يخشى من
مقولة الناس ،أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه ،فعاتبه ربه
على ذلك .انظر :جامع البيان للطبري( )22/11و تفسير القرآن
العظيم لبن كثير( ،)3/489و انظر البخاري( برقم .)4787
خلصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون
أن هناك سببا ً آخر لطلق زينب ،هو أن النبي صلى الله عليه
وسلم رأى زينب فجأة و هي في ثياب المنزل فأعجبته ،و وقع
في قلبه حبها ،فتكلم بكلم يفهم منه ذلك ،إذ سمعه زيد فبادر
إلى طلقها تحقيقا ً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و أن
زيدا ً شاوره في طلقها ،و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهاه عن ذلك ،لكن في قلبه ضد هذا ،و أنه كان راغبا ً في طلق
زيد لها ليتزوجها ،و فوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل،
م يخفي هذا والله سيبديه. بل عاتبه ل ِ َ
و رغم شناعة ما جاء في هذه الروايات ،و هذا الفهم للية
الكريمة التي تتحدث عن طلق زيد لزينب و زواج النبي صلى
الله عليه وسلم بها ،إل أنه قد جاز على أئمة فضلء ،ففسروا به
الية الكريمة ،وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم.
ومن هؤلء الئمة :ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان(،)22/12
عند تفسيره الية ولم يذكر غيره.
و منهم :الرازي في تفسيره( ،)13/184حيث ذكر نحوا ً من كلم ابن
جرير.
ومنهم :ابن القيم في كتابه الجواب الكافي(ص ،)247حيث ذكره
في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام والئمة
العلم.
ومنهم :الزمخشري في تفسيره(.)3/262
وأحسن ما يعتذر به عن هؤلء الئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر
الية بهذا ،أنهم عدوا هذا منه صلى الله عليه وسلم من عوارض
البشرية ،كالغضب والنسيان ،و لكنهم لم يستحضروا شناعة هذا
التفسير للية ،و نسبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،و
لم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها و متونها
كما فعل غيرهم ،ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن
يغفر لهم.
والن إلى نقد الروايات..
الرواية الولى ذكرها ابن سعد في طبقاته( )8/101و من طريقه
ساقها ابن جرير في تاريخه( :)3/161قال :أخبرنا محمد بن عمر،
قال :حدثني عبد الله بن عامر السلمي ،عن محمد بن يحيى بن
70
حبان ،قال :جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن
حارثة يطلبه ،و كان زيد إنما يقال له :زيد بن محمد ،فربما فقده
رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول" :أين زيد؟
فجاء منزله يطلبه ،فلم يجده ،و تقوم إليه زينب بنت جحش
ضل ً أي وهي لبسة ثياب نومها ،-فأعرض رسول الله زوجته فُ ُ
صلى الله عليه وسلم عنها ،فقالت :ليس هو هاهنا يا رسول الله
فادخل بأبي أنت وأمي ،فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يدخل ،و إنما عجلت أن تلبس لما قيل لها :رسول الله صلى
الله عليه وسلم على الباب فوثبت عجلى ،فأعجبت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،فولى و هو يهمهم بشيء ل يكاد يفهم منه
إل :سبحان مصّرف القلوب ،فجاء زيد إلى منزله ،فأخبرته امرأته
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله ،فقال زيد :أل
قلت له أن يدخل؟ قالت :قد عرضت ذلك عليه فأبى ،قال:
فسمعت شيئاً؟ قالت :سمعته يقول حين ولى تكلم بكلم ل
أفهمه ،و سمعته يقول :سبحان الله العظيم ،سبحان مصرف
القلوب ،فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال :يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهل دخلت؟ بأبي
وأمي يا رسول الله ،لعل زينب أعجبتك فأفارقها ،فيقول رسول
الله" :أمسك عليك زوجك" ،فما استطاع زيد إليها سبيل ً بعد ذلك
اليوم ،فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره،
فيقول رسول الله" :أمسك عليك زوجك" ،فيقول :يا رسول الله
أفارقها ،فيقول رسول الله" :احبس عليك زوجك" ،ففارقها زيد
واعتزلها و حلت يعني انقضت عدتها قال :فبينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة ،إلى أن أخذت
رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية ،فسري عنه و هو يبتسم
و هو يقول" :من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من
السماء؟" وتل رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ تقول
للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك }..الية،
القصة كلها.
قالت عائشة :فأخذني ما قرب و ما بعد لما يبلغنا من جمالها،
وأخرى هي أعظم المور وأشرفها ما صنع الله لها ،زوجها الله
من السماء ،و قلت :هي تفخر علينا بهذا ،قالت عائشة :فخرجت
سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فتحدثها
بذلك ،فأعطتها أوضاحا ً حلي من الفضة عليها.
وإسناد هذه الرواية فيه علل ثلث ،واحدة منها تكفي لرد هذه
الرواية:
71
العلة الولى :أنها مرسلة ،فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي ،يروي
عن الصحابة ،و يروي أيضا ً عن التابعين ،كعمر بن سليم و
العرج ،و غيرهما(،ت 121هـ) و عمره( 74سنة) ،فهو لم يدرك
القصة قطعا ً و لم يذكر من حدثه بها .التهذيب(.)508-9/507
العلة الثانية :عبد الله بن عامر السلمي ،ضعيف بالتفاق ،بل
قال فيه البخاري :ذاهب الحديث ،و قال أبو حاتم :متروك.
التهذيب( ،)5/275و ميزان العتدال(.)2/448
العلة الثالثة :محمد بن عمر ،و هو الواقدي ،إخباري كثير الرواية،
لكنه متروك الحديث ،ورماه جماعة من الئمة بالكذب و وضع
الحديث .ميزان العتدال(.)3/664
الرواية الثانية :ذكرها ابن جرير في تفسيره( )22/13قال :حدثني
يونس ،قال :أخبرنا ابن وهب ،قال :قال ابن زيد :كان النبي صلى
الله عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت
عمته ،فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً يريده وعلى
الباب ستر من شعر ،فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في
حجرتها حاسرة ،فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه
وسلم ،فلما وقع ذلك كرهت الخر ،فجاء فقال :يا رسول الله
إني أريد أن أفارق صاحبتي ،قال" :مالك؟ أرابك منها شيء؟"
قال :ل ،والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ،ول رأيت إل
خيراً ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أمسك عليك
زوجك واتق الله" ،فذلك قول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم
الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في
نفسك ما الله مبديه } ،تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
و هذه الرواية فيها علتان:
العلة الولى :أنها معضلة ،فابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم ليس بصحابي ول تابعي ،فقد سقط من السناد راويان أو
أكثر.
العلة الثانية :أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق
المحدثين ،بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث ،قال البخاري
وأبو حاتم :ضعفه علي بن المديني جداً ،وقال أبو حاتم :كان في
الحديث واهياً ،و جاء عن الشافعي أنه قال :قيل لعبد الرحمن بن
زيد بن أسلم :حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال :إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف
المقام ركعتين؟ قال :نعم .و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً
منقطعا ً قال له :اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه
عن نوح .و أقوال الئمة في تضعيفه كثيرة ،و هو رجل صالح في
نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف
72
جداً .التهذيب( .)6/178و يروى عنه شيء كثير في التفسير ،فما
كان من رأيه في فهم القرآن ،فهذا ينظر فيه ،وأما ما يرويه
مسندا ً فغير مقبول ،فكيف إذا أرسل الحديث؟!.
الرواية الثالثة :ذكرها أحمد في مسنده( ،)150-3/149قال :حدثنا
مؤمل بن إسماعيل قال :حدثنا حماد بن زيد ،قال :حدثنا ثابت
عن أنس قال :أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد
بن حارثة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته زينب،
وكأنه دخله ل أدري من قول حماد أو في الحديث فجاء زيد
يشكوها إليه ،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم" :أمسك عليك
زوجك واتق الله ،قال :فنزلت { واتق الله و تخفي في نفسك ما
الله مبديه } إلى قوله { زوجناكها } يعني زينب.
مؤمل بن إسماعيل قواه بعض الئمة ،و وصفه أكثرهم بأنه كثير
الخطأ يروي المناكير ،قال يعقوب بن سفيان :حديثه ل يشبه
حديث أصحابه ،و قد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه،
فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ،و هذا أشد ،فلوا كانت هذه
المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً .و قال محمد بن نصر
المروزي :المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه،
لنه كان سيء الحفظ كثير الغلط .التهذيب(.)10/381
و حديثه هذا قد رواه جماعة من الثقات من أصحاب حماد فلم
يذكروا أول الحديث ،وإنما ذكروا مجيء زيد يشكوا زينب ،و قول
النبي صلى الله عليه وسلم له ،و نزول الية .البخاري(برقم )7420
والترمذي( برقم )3212والنسائي( برقم .)11407
الرواية الرابعة :رواها ابن جرير في تفسيره( ،)22/13قال :حدثنا
بشر ،قال :حدثنا يزيد ،قال :حدثنا سعيد عن قتادة { :وإذ تقول
للذي أنعم الله عليه } و هو زيد أنعم الله عليه بالسلم:
{ وأنعمت عليه } أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله
مبديه } ،قال :وكان يخفي في نفسه ود ّ أنه طلقها ،قال الحسن:
ما أنزلت عليه آية كانت أشد منها قوله { واتق الله وتخفي في
نفسك ما الله مبديه } ،و لو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم
كاتما ً شيئا ً من الوحي لكتمها { وتخشى الناس والله أحق أن
تخشاه } ،قال خشي نبي الله صلى الله عليه وسلم مقالة
الناس.
و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هذه القصة مختصرة،
ي
قال :جاء زيد بن حارثة فقال :يا رسول الله إن زينب اشتد عل ّ
لسانها ،وأنا أريد أن أطلقها ،فقال له" :اتق الله وأمسك عليك
73
زوجك" ،قال :والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها و
يخشى مقالة الناس .فتح الباري(.)8/524
وقتادة هو بن دعامة السدوسي أحد الئمة الحفاظ ،مشهور
بالتفسير ،فما فسره من فهمه لليات فينظر فيه ،وما ذكره
رواية فإن العلماء أخذوا عليه كثرة التدليس ،فاشترطوا لصحة
حديثه أن يصرح بالسماع ،و هذا إذا ذكر السناد ،فإما ما يرسله
ول يذكر بعده في السناد أحدا ً كما في روايته لهذه القصة فهو
ضعيف جداً ،قال الشعبي :كان قتادة حاطب ليل ،و قال أبو
عمرو بن العلء :كان قتادة وعمرو بن شعيب ل يغث عليهما
شيء ،يأخذان عن كل أحد .التهذيب( .)356-8/351و كان يحيى بن
سعيد القطان ل يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً ،و يقول :هو
بمنزلة الريح .جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلئي( ص
.)101
على أن روايته لتفسير الية ليس فيه تفصيل كما في الروايات
الخرى ،و يمكن رد روايته إلى الروايات الصحيحة في تفسير
الية ،فيكون معنى( أحب) و( ودّ) أي علم أن زيدا ً سيطلقها ول
بد بإلهام الله له ذلك ،وتكون خشيته من مقالة الناس حينئذ ٍ أن
يقولوا :تزوج حليلة ابنه.
الرواية الخامسة :ذكرها القرطبي في تفسيره( )14/190قال
مقاتل :زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من
زيد فمكثت عنده حيناً ،ثم إنه عليه السلم أتى زيدا ً يوما ً يطلبه،
م نساء فأبصر زينت قائمة ،و كانت بيضاء جميلة جسيمة من أت ّ
قريش ،فهويها وقال" :سبحان الله مقلب القلوب" ،فسمعت
زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ،ففطن زيد فقال :يا رسول الله
ي و تؤذيني ائذن لي في طلقها ،فإن فيها كبراً ،تعظم عل ّ
بلسانها ،فقال عليه السلم" :أمسك عليك زوجك واتق الله" ،و
ضله في قيل :إن الله بعث ريحا ً فرفعت الستر و زينب ُ
متَفَ َّ
منزلها ،فرأى زينب فوقعت في نفسه ،و وقع في نفس زينب أنه
وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما جاء يطلب
زيداً ،فجاء زيد فأخبرته بذلك ،فوقع في نفس زيد أن يطلقها.
هذه الرواية لم يذكروا لها إسنادا ً إلى مقاتل ،و لو صحت إلى
مقاتل لم يفدها شيئاً ،فإن مقاتل ً وهو مقاتل بن سليمان فيما
يظهر قد كذبه جمع من الئمة ووصفوه بوضع الحديث ،و تكلوا
في تفسيره .أنظر ترجمته في التهذيب(.)285-10/279
الرواية السادسة :قال ابن إسحاق :مرض زيد بن حارثة فذهب
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده و زينب ابنة جحش
امرأته جالسة عن رأس زيد ،فقامت زينب لبعض شأنها ،فنظر
74
إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طأطأ رأسه ،فقال:
"سبحان مقلب القلوب والبصار" ،فقال زيد :أطلقها لك يا
رسول الله ،فقال :ل" ،فأنزل الله عز وجل { وإذ تقول للذي
أنعم الله عليه وأنعمت عليه }...إلى قوله {وكان أمر الله مفعولً
} .تعدد نساء النبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية
والسلم اللواء أحمد عبد الوهاب( ص .)68
هذه الرواية لم يذكروا لها إسناداً ،و لم أقف عليها في سيرة ابن
هشام.
و بعد أن تبين ضعف هذه الروايات وسقوطها من جهة أسانيدها،
فلننظر فيها من جهة متونها وما فيها من اضطراب ونكارة ،من
عدة وجوه-:
الوجه الول :تناقض الروايات المذكورة ،ففي بعضها أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم زار زيد بن حارثة و هو غائب
فاستقبلته زينب ،و في بعضها أن زيدا ً كان مريضاً ،فزاره رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،و كان عليه أفضل الصلة وأتم
التسليم جالسا ً هو و زيد و زينب ،فكيف يكون زيد غائبا ً و مريضاً
في فراشه في وقت واحد.؟!
الوجه الثاني :والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم زار زيدا ً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله
عليه وسلم لزينب رضي الله عنها ،فرواية تقول بأنه كان واقفاً
بالباب فخرجت إليه ،و رواية بأنه كان واقفا ً بباب زيد فرفعت
الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته.
الوجه الثالث :تتفق الروايات على أن إعجاب النبي صلى الله
عليه وسلم بزينب ووقوع حبها في قلبه جاء متأخراً ،أي بعد أن
تزوجها زيد رضي الله عنه ،و هذا شيء عجيب ،فلقد ولدت زينب
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثانية عشرة من
عمره ،و شبت وترعرعت أمامه ،فهي ابنة عمته ،ألم يلحظ
مفاتنها إل متأخراً ،و بعد أن صارت زوجة لدعيّه ،و هو الذي
زوجها له ،والحجاب لم ينزل بعد ،فقد نزل صبيحة عرسها ،أل
يكون شاهدها ،فلوا كان يهواها أو وقعت في قلبه لما منعه شيء
من زواجها ،فإشارة منه صلى الله عليه وسلم كافية لن يقدموها
له ،بل قد ورد أنه وهبت نفسها له .أنظر كلم ابن العربي حول
هذا الوجه في كتابه أحكام القرآن(.)3/1543
الوجه الرابع :لو افترضنا جدل ً أن حبها وقع في قلبه صلى الله
عليه وسلم متأخرا ً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة ،فبأي شيء
يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و
زينب أنها وقعت في قلبه ،سواء كان ذلك تسبيحا ً أو طأطأة
75
للرأس ،أو غير ذلك؟! كيف ذلك و هو الذي نهي عن أن يخبب
الرجل امرأة غيره عليه؟ أفيعمل ما قد نهي أمته عنه؟! فعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (:من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا) أبو داود(
برقم )5170بسند صحيح.
ولو افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد
إفهامها ذلك ،وإنما صدر منه ذلك عفوا ً دون قصد ،فكيف بما
ذكروا أنه عقد عليه قلبه من محبته و رغبته أن يطلقها زيد
ليتزوجها؟ ولو نسب ذلك إلى آحاد المسلمين لكان ينبغي تبرئته
من ذلك.
وفوق ذلك كله كيف يعاتبه الله كما تقول هذه الروايات لنه
أخفي ذلك عن الناس و لم يعلن أنه يحب زوجة زيد ،وأنه يود لو
صوٌّر مثل هذا كاف في ظهور بطلن هذه طلقها ليتزوجها؟ ت َ َ
الروايات.
الوجه الخامس :هذه الروايات التي فسروا بها الية لو لم يرد
غيرها لم يصح أن يفسر بها كتاب الله تعالى ،لسقوطها إسناداً
ومتناً ،فكيف و قد وردت روايات أخرى في تفسير الية تفسيراً
منطقيا ً ل إشكال فيه ول نكارة ،فالذي يخفيه صلى الله عليه
وسلم هو ما أعلمه ربه أنه ستصبح زوجة له ،و الذي يخشاه هو
مقولة الناس إنه تزوج حليلة من كان يدعى إليه.
والغريب في المر أن بعض المفسرين ترك هذه الروايات
الصحيحة و التي ل مطعن فيها ،و ذكر تلك الروايات الشاذة
الغريبة ،و منهم من لم يذكرها لكنه ذهب يفسر اليات على
ضوئها.
و إذا اتضح الن سقوط تلك الروايات سندا ً و متنا ً فإنه ل يفوتني
هنا أن أسجل مواقف بعض الئمة المحققين من المفسرين
وغيرهم الذي وقفوا أمام هذه الروايات موقفا ً حازما ً صلباً،
فمنهم من ذكرها و فندها ،و منهم من أضرب عنها صفحا ً بعد
الشارة إلى ضعفها و نكارتها.
قال ابن العربي بعد أن ذكر ملخص هذه الروايات ،و بين عصمة
النبي صلى الله عليه وسلم :هذه الروايات كلها ساقطة السانيد.
أحكام القرآن(.)3/1543
قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى
الله عليه وسلم ،وما الذي كان يخشاه من الناس :وهذا القول
أحسن ما قيل في تأويل هذه الية ،وهو الذي عليه أهل التحقيق
من المفسرين والعلماء الراسخين ،كالزهري والقاضي بكر بن
العلء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم .فأما ما
76
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد وربما
جان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل م ّأطلق بعض ال ُ
بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ،أو مستخف
بحرمته .الجامع لحكام القرآن(.)14/191
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة :ذكر ابن أبي حاتم
وابن جرير هاهنا آثارا ً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن
نضرب عنها صفحا ً لعدم صحتها فل نوردها ،و قد روى المام
أحمد هاهنا أيضا ً حديثا ً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس
رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً .تفسير القرآن
العظيم(.)3/491
و قال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة :و وردت آثار
أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين
ل ينبغي التشاغل بها .فتح الباري(.)8/524
و هناك ثُلّة كبيرة من علماء السلم في العصر الحاضر تفطنوا
لمثل هذه الخبار ،ورمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل
خطيرة ل تليق بمقام النبياء ،فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب
عن هذه الثار الدخيلة ،فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ
الفكر السلمي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أو تشويه الحقائق التاريخية
في تراث السلم.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا :وللقصاص في هذه القصة كلم ل
ينبغي أن يجعل في حيز القبول ،و يجب صيانة النبي صلى الله
عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زورا ً و بهتاناً.
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم( ص .)275
و خلصة المر..
كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش
لهلل ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس
وثلثين .ابن سعد في الطبقات(.)8/114
روى البخاري في صحيحه( برقم :)7420أن زيدا ً جاء يشكو زوجته،
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول" :اتق الله وأمسك عليك
زوجك" ،قالت عائشة :لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
كاتما ً شيئاً ،لكتم هذه ،فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم ،تقول :زوجكن أهاليكن ،و زوجني الله من فوق سبع
سماوات.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---------------------------
( )23علة كثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم
77
* الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
أخرج البخاري في كتاب النكاح:
ت؟ قُل ْ ُ
ت ل تََزوَّ ْ
ج َ س{:هَ ْ ن ع َبَّا ٍ ل لِي اب ْ ُ ل :قَا َ
جبَيْرٍ قَا َ ن ُ سعِيد ِ ب ْ ِ
ن َعَ ْ
َ ُ ْ
ساءً}.مةِ أكْثَُرهَا ن ِ َ خيَْر هَذِهِ ال َّن ََ َل .قَال َ:فَتََزوَّ ْ
ج فَإ ِ ّ
قال في الشرح:
قوله (فإن خير هذه المة أكثرها نساء) قيد بهذه المة ليخرج
مثل سليمان عليه السلم ,فإنه كان أكثر نساء ,وكذلك أبوه داود,
ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس " تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء " قيل المعنى خير
أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما
عدا ذلك من الفضائل .والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير
النبي صلى الله عليه وسلم ,وبالمة أخصاء أصحابه; وكأنه أشار
حا ما آثر النبي صلى إلى أن ترك التزويج مرجوح ,إذ لو كان راج ً
الله عليه وسلم غيره ,وكان النبي صلى الله عليه وسلم -مع
كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به -يكثر التزويج لمصلحة تبليغ
الحكام التي ل يطلع عليها الرجال ,ولظهار المعجزة البالغة في
خرق العادة لكونه كان ل يجد ما يشبع به من القوت غالبا ,وإن
وجد كان يؤثر بأكثره ,ويصوم كثيًرا ويواصل ,ومع ذلك فكان
يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ,ول يطاق ذلك إل مع قوة
البدن ,وقوة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من
مأكول ومشروب ,وهي عنده نادرة أو معدومة .ووقع في "
الشفاء " أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدللته على
الرجولية ,إلى أن قال :ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه ,بل
زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن
وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن عليه فل
يتطلعن إلى غيره ,بخلف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع
البشري إلى التزويج ,وذلك هو الوصف اللئق بهن.
* والذي تحصل من كلم أهل العلم في الحكمة في استكثاره من
النساء عشرة أوجه تقدمت الشارة إلى بعضها.
أحدها :أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به
المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.
ثانيها :لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
ثالثها :للزيادة في تألفهم لذلك.
رابعها :للزيادة في التكليف حيث كلف أن ل يشغله ما حبب إليه
منهن عن المبالغة في التبليغ.
خامسها :لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من
يحاربه.
78
سادسها :نقل الحكام الشرعية التي ل يطلع عليها الرجال ,لن
أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
سابعها :الطلع على محاسن أخلقه الباطنة ,فقد تزوج أم حبيبة
وأبوها إذ ذاك يعاديه ,وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها ,فلو لم
يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه ,بل الذي وقع أنه كان
أحب إليهن من جميع أهلهن.
ثامنها :ما تقدم مبسوطًا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع
التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال ,وقد أمر
من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم ,وأشار إلى أن كثرته تكسر
شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
تاسعها وعاشرها :ما تقدم نقله عن صاحب " الشفاء " من
تحصينهن والقيام بحقوقهن ,والله أعلم.
جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د /السيد العربي بن كمال.
---------------------------
( )24شبهات وتهم ضد مقام النبوة
شبهات وتهم ضد مقام النبوة()1
قال الله تبارك وتعالى( :إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله
في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا) [الحزاب .]57 :
ما من نبي ول رسول أرسله الله عز وجل إل واجه أعداء يكذبونه
ويشككون الناس في صدق نبوته وهذه سنة من سنن الله عز
وجل قال تعالى( :كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس
والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك
ما فعلوه فذرهم وما يفترون) [النعام .]112 :
ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعا ً بين الرسل فقد واجه ما
واجهه إخوته من النبياء من التكذيب والعناد والقتال والتشريد
والسجن والطرد والستهزاء ولكن ذلك لم يثنه عن دعوته ولم
ل في عزيمته بل كان ثابتا ً كالطود الشم فصبر وهانت عليه يف َّ
نفسه في سبيل الله عز وجل حتى نصره الله عز وجل ورفع له
ذكره إلى يوم القيامة.
وقد اتهم نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وقيل شهواني
وقالوا عنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وأتهم بأنه عدواني
ومتعصب وإرهابي وهذه التهم مجرد شبهات واهية تسقط عند
أول وهلة من التعرف على شخصيته ودراسة سيرته وتتبع سنته
صلى الله عليه وسلم.
وفيما يلي نستعرض كل شبهة أثيرت حول نبينا صلى الله عليه
وسلم ونفندها بحجج منيرة كالشمس في رائعة النهار.
79
الشبهة الولى :قولهم عنه( :كاذب):
الشبهة الثانية:قولهم عنه (ساحر ،كاهن ،مجنون):
الشبهة الثالثة( :قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه
بكرة وأصيل):
الشبهة الرابعة :وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له
صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني):
الشبهة الخامسة :من أعظم الشبه والفتراء :وصف النبي صلى
الله عليه وسلم بأنه (إرهابي دموي سفاك للدماء):
الشبهة الولى :قولهم عنه( :كاذب):
هذه أضعف فرية افتريت على نبينا صلى الله عليه وسلم
وأضعف شبهة يمكن أن يتشبث بها أحد قديما ً أو حديثاً ،وذلك لما
اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم منذ طفولته من صدق الحديث
وأمانة في الخلق حتى كانت من أوضح صفاته وأخلقه التي تميز
بها ،حتى أنه كان يسمى في الجاهلية بالمين لصدقه وأمانته
صلى الله عليه وسلم ومما يثبت ذلك ما جرى في قصة بناء
قريش للكعبة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم واختلفهم على
وضع الحجر السود حتى كادوا يقتتلون بسبب إرادة كل قبيلة أن
تفوز بشرف وضع الحجر السود في مكانه ولما اشتد الخلف
فيما بينهم وأصرت كل قبيلة على الفوز بهذا الشرف أراد أحد
عقلئهم أن يضع حدا ً للخلف فقال لهم حكموا بينكم أول داخل
عليكم من باب الصفا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما
رأوه مقبل ً قالوا :هذا محمد المين رضينا به حكماً .ففي هذه
القصة وقد حدثت قبل البعثة أكبر دليل على اشتهاره بالصدق
والمانة فيما بينهم.
ومما يثبت اشتهاره بالصدق بين قريش وعدم شكهم في صدق
حديثه حديث أبي سفيان مع هرقل وسؤال هرقل حينما سأل أبا
سفيان :هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال :ل ثم
رد هرقل في آخر الحديث بحكمة قل من يفطن لها إذ قال:
وسألتك أتتهمونه بالكذب فقلت :ل فعلمت أنه لن يدع الكذب
على الناس ثم يكذب على الله تعالى و الحديث في صحيح
البخاري..
ومما يثبت نفي الكذب عنه ما ورد في حديث ركانة بن عبد يزيد
في السنن بإسناد فيه كلم .وكان شديد العداوة للنبي صلى الله
عليه وسلم والستهزاء به فقال يوما ً للنبي صلى الله عليه وسلم:
يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب فإن صرعتني علمت
أنك صادق ،لقد أثبت صدقه بنفي الكذب عنه مع شدة العداوة
وكثرة استهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السير.
80
وقد روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له :إنا ل نكذبك،
ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم( :فإنهم ل
يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) [النعام .]33 :
وقد اشتهر بين قريش صدقه صلى الله عليه وسلم حتى إن أبا
طالب لما أخبره نبينا صلى الله عليه وسلم بخبر الصحيفة التي
كتبتها قريش وأن الرضة قد أكلتها ولم تترك فيها إل كلمة واحدة
ج قريش حتى فتحوا الكعبة هي (باسمك اللهم) قام أبو طالب يحا ّ
وأخرجوا الصحيفة ووجدوها حقا ً كما قال نبينا صلى الله عليه
وسلم فوبخهم أبو طالب بقوله شعرا ً في هذا:
81
عليه ما استطاعه من الغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلمه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال :أقد فرغت
يا أبا الوليد؟ قال :نعم .قال :فاسمع مني .قال :أفعل .فقال
الحبيب صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم (حــم* تنزيل من الرحمن الرحيم).
[فصلت .]2 : 1
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة
يديه وراء ظهره معتمدا ً عليهما وهو يسمع منصتا ً حتى انتهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد ،ثم قال:
(قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك) سيرة ابن
هشام!!.
وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض :نحلف بالله قد
جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به .فلما جلس إليهم
قالوا :ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال :ورائي أني سمعت قول ً والله
ما سمعت مثله قط ،والله ما هو بالشعر ول بالسحر ول بالكهانة،
أطيعوني واجعلوها لي ،وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه
فاعتزلوه فو الله ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم.
فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع
القرآن وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون
شاعرا ً أو كاهنا ً أو ساحراً.
وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من
كبرائهم ممن كفر حسدا ً وحقدا ً يقوم في قريش ذات يوم
ويقول :يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له
بحيلة بعد ،فقد كان فيكم محمد غلما ً حدثاً ،أرضاكم فيكم
وأصدقكم حديثا ً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه
الشيب .وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل والله ما هو بساحر
لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ،وقلتم كاهن ،ل والله ما هو
بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم .وقلتم شاعر،
ل والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه
ورجزه .قلتم مجنون ل والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما
هو بخنقه ول وسوسته ول تخليطه .يا معشر قريش فانظروا في
شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم .فهذه شهادتين من
أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم عليه سيرة ابن هشام..
الشبهة الثالثة( :قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه
بكرة وأصيل):
82
اتهم المشركون نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه جمع أساطير
الولين من الرواة الذين كانوا يتناقلونها ثم كتبها فهو يلقيها عليهم
ليدعي بذلك الوحي.
وقد بيّن القرآن الكريم الرد على مثل هذه الشبهة ومفاده أنه
كان صلى الله عليه وسلم أميا ً ل يقرأ ول يكتب .وأنه لم يخرج
من مكة ولم يسافر إلى البلد التي تكثر فيها هذه القصص
والساطير التي ادعتها عليه قريش ثم إن ما جاءهم به محكم ل
لبس فيه ول اختلف ول عجمة ول اعوجاج فيه على عكس ما
كان يتناقل في عصرهم من أساطير يكذب بعضها بعضاً.
وتحداهم أن يأتوا بمثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة
واحدة مثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر آيات مثله ،ولن
يستطيعوا ولو اجتمع الجن كلهم والنس على أن يأتوا بمثله ،وما
ما ليفضح عجزهم وكذبهم وبهتانهم ،وهذه المم زال التحدي قائ ً
وصلت في العصر الحديث إلى اقتحام الفضاء وتطويع الكائنات
فهل يستطيعون ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية مثله؟
(قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل
يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيًرا) [السراء .]88 :
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم
من دون الله إن كنتم صادقين) [يونس .]38 :
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من
استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) [هود .]13 :
وأنى لهم أن يأتوا بمثله وهو تنزيل من رب العالمين الحكيم
العليم وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير.
الشبهة الرابعة :وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له
صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني):
حين تزوج إحدى عشرة امرأة بينما منع أتباعه من الزيادة على
أربع نساء.
والجواب على هذه الشبهة:
أنه ينبغي أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً
قط إل عائشة – رضي الله عنها – كما أنه صلى الله عليه وسلم
إبان شبابه وفتوته لم يتزوج سوى خديجة – رضي الله عنها –
حين كان عمره خمسا ً وعشرين سنة وهي امرأة كبيرة فلو كان
ذا شهوة لما اكتفى بها وهي المرأة الكبيرة في السن فلم يتزوج
عليها حتى توفيت – رضي الله عنها.
وكان زواجه بعائشة – رضي الله عنها – إكراما ً لصديقه وأحب
الناس إليه وأوفاهم لـه وأكثرهم إخلصا ً له ولدعوته.
83
وكذلك كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب إكراما ً لبيها
ثاني رجل في السلم وثاني وزراءه وإذا لم يكرم عمر بن
الخطاب فمن يكرم إذاً؟! وأما زواجه بأم حبيبة وأم سلمة وسودة
وميمونة وأم المساكين وهن أرامل فكان إيواءً لهن لما فقدن
أزواجهن ولما أصابهن من عذاب واضطهاد في ذات الله تعالى.
وزوّجه ربه تبارك وتعالى زينب بنت جحش وهو كاره لذلك خشية
من قول الناس« :محمد تزوج امرأة ابنة زيد» الذي تبناه قبل
السلم فأراد الله عز وجل أن يهدم قاعدة التبني التي كانت
ة في المجتمع الجاهلي حيث كان للبن المتبنى عند العرب متأصل ً
في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للبن الحقيقي
سواء بسواء ،فكان أقوى معول لهدم هذه القاعدة أن أمر الله
عز وجل نبيه أن ينكح زوجة زيد بعدما طلقها وقد كان ابنا ً لـه
بالتبني في الجاهلية ليستقر عند العرب عدم جواز التبني.
وكان زواجه لصفية وجويرية مسحا ً لدموعها وإذهابا ً لحزنهما
لموت زوجيهما في معركة قتال دارت بين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وبين رجالهما.
كما أن من فوائد زواجه صلى الله عليه وسلم ما كان شائعا ً عند
العرب من احترام للمصاهرة إذ كانوا يرون مناوأة ومحاربة
الصهار سبة وعارا ً على أنفسهم .فلما تزوج النبي صلى الله
عليه وسلم بأم سلمة المخزومية لم يقف خالد بن الوليد
المخزومي من المسلمين موقفه الشديد الذي وقفه بأحد،
وكذلك أبو سفيان قائد المشركين لم يواجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة،وكذلك ل
نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء
بعد زواجه بجويرية وصفية.
ومن أعظم وأجل مقاصد نكاحه صلوات ربي وسلمه عليه أنه
كان مأمورا ً بتزكية وتعليم الناس ولما كان من المبادئ التي قام
عليها بناء المجتمع المسلم أل يختلط الرجال بالنساء كانت
الحاجة داعية إلى وجود نساء مختلفات العمار والمواهب (وهن
أمهات المؤمنين) فيزكيهن النبي صلى الله عليه وسلم ويربيهن
ويعلمنهن ليقمن من بعده بتربية نساء المسلمين فيكفين مؤنة
ل كبير في نقل التبليغ في النساء ،وقد كان لمهات المؤمنين فض ٌ
أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس.
أفترى رجل ً يدع الزواج في شبابه من النساء ويقتصر على امرأة
كبيرة في السن كخديجة أو كسودة حتى يصل الخمسين من
عمره ثم فجأة يجد في نفسه شهوة عارمة فيتزوج بمثل هذا
العدد الكبير من النساء؟!.
84
اللهم إن هذا ل يقولـه إنسان عاقل بل ل يقوله إل مكابر فاجر.
الشبهة الخامسة:من أعظم الشبه والفتراء :وصف النبي صلى
الله عليه وسلم بأنه (إرهابي دموي سفاك للدماء):
وهذه التهمة إنما يذيعها المستشرقون في العصر الحديث
تشكيكا ً في دعوته وصدق نبوته صلى الله عليه وسلم فقد ثبت
عنه صلى الله عليه وسلم من الحلم والحتمال والعفو عند
المقدرة والصبر على المكاره الشيء الكثير جداً.
وكل حليم عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة ولكنه صلى الله
عليه وسلم لم يزدد مع كثرة الذى إل صبرا ً وعلى إسراف
خيّر رسول الجاهل إل حلماً ،قالت عائشة – رضي الله عنها :ما ُ
الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم
يكن إثما ً فإن كان إثما ً كان أبعد الناس عنه ،وما انتقم لنفسه إل
أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها أخرجه البخاري ،وكان أبعد
ى. ً
الناس غضبا وأسرعهم رض ً
وقد كان من أعظم دلئل نبوته التي وردت في كتب أهل الكتاب.
والتي آمن على مثلها من آمن منهم مثل عبد الله بن سلم
وسلمان الفارسي وغيرهما أن حلمه يسبق غضبه.
وقد كان العفو والصفح أحب إليه من النتقام كما في القصص
التالية:
* تصدى لـه غورث بن الحارث ليفتك به صلى الله عليه وسلم،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم مطرح تحت شجرة وحده
قائل ً (من القيلولة وهو نوم وسط النهار) دون حرس ،وأصحابه
قائلون كذلك .وذلك في غزاة ،فلم ينتبه رسول الله صلى الله
ت في يديه عليه وسلم إل وغورث قائم على رأسه ،والسيف مصل ٌ
وقال :من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم« :الله».
فسقط السيف من يد غورث ،فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال« :من يمنعك»؟ قال غورث :كن خير آخذ فتركه وعفا عنه.
فعاد إلى قومه فقال :جئتكم من عند خير الناس( .أخرجه المام
أحمد وهو في البخاري مختصراً).
* لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالت قريش
جالسين مطأطي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم الفاتح فيهم ،فقال« :يا معشر قريش ما تظنون أني
فاعل بكم»؟ قالوا :أخ كريم وابن أخ كريم ،قال« :اذهبوا فأنتم
الطلقاء» (حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري) فعفا عنهم
بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما ل يقادر قدره،
ول يحصى عده ،ومع هذا فقد عفا عنهم ولم يعنف ولم يضرب.
ولم يقتل فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
85
* سحره لبيد بن العصم اليهودي (القصة في صحيح البخاري)،
فعفا عنه ولم يؤاخذه .بل لم يثبت أنه لمه أو عاتبه مجرد لوم أو
عتاب .فضل ً عن المؤاخذة والعقاب.
* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى
المدينة تآمروا عليه ليقتلوه وعلم بهم وقيل له فيهم فعفا عنهم،
وقال( :ل يُتحدث أن محمدا ً يقتل أصحابه) (القصة في صحيح
البخاري).
* لم يذكر في غزوة من الغزوات أنه اعتدى على أحد أو غزا
قوما ً مسالمين بل كانت غزواته وسراياه موجهة إلى من بدأه
بالعداوة وحاول الكيد للسلم والمسلمين ،وكان يأمر أمراءه إذا
أرسلهم أن ل يقتلوا امرأة ول طفل ً ول عجوزا ً ول راهبا ً معتزلً
في صومعته وكان ينهاهم عن التحريق بالنار وإفساد الزرع.
وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم أغراض الحروب وأهدافها
التي كانت تضطرم نار الحرب لجلها في الجاهلية ،فبينما كانت
الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والغارة والظلم والبغي
والعدوان وأخذ الثأر والفوز بالوتر وكبت الضعيف وتخريب
العمران وتدمير البنيان وهتك حرمات النساء والقسوة على
الضعيف والولئد والصبيان وإهلك الحرث والنسل والعبث
والفساد في الرض في الجاهلية ،إذ صارت هذه الحرب في
السلم جهادا ً في تحقيق أهداف نبيلة وأغراض سامية وغايات
محمودة يعتز بها المجتمع النساني في كل زمان ومكان وغدت
الحرب جهادا ً في تخليص النسان من نظام القهر والعدوان.
إن تحول المجتمع إلى نظام العدل والنصف بدل ً عن نظام يأكل
فيه القوي الضعيف ،حتى يصير المجتمع إلى نظام يصير فيه
القوي ضعيفا ً حتى يؤخذ الحق منه وصارت بذلك الحرب جهاداً
لتخليص المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين
يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من
لدنك وليا ً واجعل لنا من لدنك نصيراً .وصارت جهادا ً في تطهير
أرض الله من الغدر والخيانة والثم والعدوان وغدت وسيلة
لبسط المن والسلمة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق
والمروءة.
ض يكونض إلى خيرٍ مح ٍ أومن قام بتبديل الحرب من شّرٍ مح ٍ
إرهابيا ً أو سفا ٍ
ك للدماء؟.
أفترى من يأمر بهذا العدل والنصاف والرحمة والرأفة حتى مع
العدو أثناء القتال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي أو قاتل أو سفاك
للدماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!
86
علما ً بأن جميع البلد التي فتحها بالسيف ظهر فيها السلم
وانتشر وثبت أهلها على السلم ،مما يؤكد أن انتشار السلم
وثباته لصفاته الذاتية فيه وليس انتشاره عائدا ً إلى نشره بالقوة
والسيف فقط كما أن أكثر بقاع السلم وبلده مما فتح سلماً
دون حرب أو قتال كما ثبت ذلك في دواوين السيرة وكتب
التاريخ.
إن هذه الشبه والتهم التي يطلقها أعداء السلم على نبينا صلى
الله عليه وسلم لم تكن يوما ً لتوهي من عضد الرسالة أو
الرسول الذي بعث بها( :يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم
ويأبى الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [التوبة .]32 :
بل ربما كانت هذه الشبه فأل خير لهذا الدين إذ أنه ومنذ ظهور
فجر النبوة المحمدية كانت هذه الشبه والتهامات سببا ً وباعثاً
قويا ً في إقبال الناس على دعوته صلى الله عليه وسلم فكلما
زادت التهم زاد تحري الناس وسؤالهم عن الرسول والرسالة
فيقودهم ذلك إلى النبهار بأضواء النبوة حتى يسلمهم ذلك إلى
الدخول في دين الله أفواجا ً والحمد لله أول ً وآخراً.
وقولنا لمن يروج هذه الشبه والتهم هو ما قاله حسان ابن ثابت
في المنافحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه وهو
أجمل ما قيل في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم
يستطع أحد أن يحلق إلى ما دون هذا فضل ً عن أن يساميه وأنّى
لهم ذلك وهو المؤيد بروح القدس ،يقول – رضي الله عنه:
ت عنه **** وعند الله في ذاك الجزاءُ ت محمدا ً فأجب ُ
هجو َ
هجوت مباركا ً برا ً حنيفا ً **** أمين الله شيمته الوفاءُ
ت له بكفء؟**** فشركما لخير كما الفداءُ أتهجوه ولس َ
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاءُ
وإذا كان هذا ما قاله مؤمن به ،فإن ما ورد عن أعداءه من الثناء
عليه كثيٌر جدا ً – والحق ما شهدت به العداء – فهذا الدكتور
مايكل هارت الذي ألف كتاب (المائة الوائل) يضع في المقام
الول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويعلل ذلك بقوله(( :إن
اختيار المؤلف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس
القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي
في مختلف المجالت ،إن هذا الختيار ربما أدهش الكثير من
القراء (يقصد بهم القراء من غير المسلمين الذين ألف لهم
الكتاب ،وإل فإن المسلمين يعتقدون عقيدة جازمة بأن محمد
صلى الله عليه وسلم هو خير الثقلين) إلى حد قد يثير بعض
التساؤلت ،ولكن في اعتقاد المؤلف أن محمدا ً صلى الله عليه
87
وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى
وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي.
لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الديان
في العالم ،وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام.
ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته،
فإن تأثيره ل يزال قويا ً وعارماً))*.
ــــــــــــــــــــــــــ
*كتاب (المائة الوائل في المقدمة) للدكتور مايكل هارت
--------------------------
( )25الثـار النبويـة
المجيب د .ناصر بن عبد الرحمن الجديع
عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن سعود السلمية
السؤال
أثناء زيارتي لتركيا رأيت في متحف (طوب قابي سراي) في
اسطنبول قاعة للمانات المقدسة ،تضم آثارا ً نبوية؛ شعرات
للرسول صلى الله عليه وسلم ،ورسالته للمقوقس ،وبردته،
وأشياء أخرى ،ولم ألحظ ما يدل على ثبوت ذلك تاريخياً.
فما حقيقة هذه الثار ،و هل يصح أنها نبوية؟
الجواب
ليس هنالك ما يدل على ثبوت صحة نسبة هذه الثار ونحوها إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب كتاب (الثار النبوية) المحقق أحمد تيمور باشا ص 78
بعد أن سرد الثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بالقسطنطينية (اسطنبول)( :ل يخفى أن بعض هذه الثار محتمل
الصحة ،غير أنا لم نر أحدا ً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي ،فالله
سبحانه أعلم بها ،وبعضها ل يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها
من الريب ويتنازعها من الشكوك) الخ.
ول شك في مشروعية التبرك بآثار نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم في حياته وبعد وفاته ،ولكن الشأن في حقيقة وجود شيء
من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر.
وإن مما يضعف هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري()3/186
عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال( :ما ترك رسول
الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ً ول ديناراً ،ول عبدا ً ول
أمة ،ول شيئا ً إل بغلته البيضاء ،وسلحه ،وأرضا ً جعلها صدقة)
َ
فهذا يدل على قلّة ما خل ّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد
موته من أدواته الخاصة .
88
وأيضا ً فقد ثبت فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه
وسلم على مدى اليام والقرون؛ بسبب الضياع ،أو الحروب،
والفتن ونحو ذلك.
ومن المثلة على ذلك فقدان البردة في آخر الدولة العباسية،
حيث أحرقها التتار عند غزوهم لبغداد سنة 656هـ ،وذهاب نعلين
ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في فتنة تيمور لنك
بدمشق سنة 803هـ .
ويلحظ كثرة ادعاء وجود وامتلك شعرات منسوبة إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم في كثير من البلدان السلمية في العصور
المتأخرة ،حتى قيل إن في القسطنطينية وحدها ثلثا ً وأربعين
شعرة سنة 1327هـ ،ثم أهدي منها خمس وعشرون ،وبقي ثماني
عشرة.
ولذا قال مؤلف كتاب (الثار النبوية) ص 82بعد أن ذكر أخبار
التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه
رضي الله عنهم( :فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد
بذلك فإنما وصل إليهم مما قُسم بين الصحاب رضي الله عنهم ،
غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها).
ومن خلل ما تقدم فإن ما يُدّعى الن من وجود بعض الثار
النبوية في تركيا أو غيرها سواءً عند بعض الجهات ،أو عند بعض
الشخاص موضع شك ،يحتاج في إثبات صحة نسبته إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى برهان قاطع ،يزيل الشك الوارد ،ولكن
أين ذلك؟ ولسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمان
على وجود تلك الثار النبوية ،ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الغراض،
كما وُضعت الحاديث ونسبت إليه صلى الله عليه وسلم كذباً
وزوراً.
وعلى أي حال فإن التبرك السمى والعلى بالرسول -صلى الله
عليه وسلم -هو اتباع ما أثر عنه من قول أو فعل ،والقتداء به،
والسير على منهاجه ظاهرا ً وباطناً.
--------------------------
( )26الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم
بالدنيا والغنائم
الكاتب :الشبكة السلمية
من الشبه التي أثارها أعداء السلم ،وروَّجوا لها بهدف تشويه
شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،للوصول إلى الطعن في
دعوته ،وإبعاد الناس عنها ،ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع
دنيوية ،لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة ،ولكنه بعد
89
هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الموال والغنائم من خلل
الحروب التي خاضها هو وأصحابه ،ابتغاء تحصيل مكاسب مادية
وفوائد معنوية.
وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق
النجليزي اليهودي ،حيث قال" :عاش محمد هذه السنين الست
بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب ..وهذا
يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد ،والتي دفعته
إلى شن غارات متتابعة ،كما سيطرت على نفس السكندر من
قبل ونابليون من بعد ".
والحق ،فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم ،والمتأمل
في تاريخ دعوته ،يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم
يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي،
يسعى إليه طلب الدنيا واللهثون وراءها ،وهذا رد إجمالي على
هذه الشبهة ،أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي:
ل في واقع حياة -1أن ما ذ ُكر في هذه الشبهة ل يوجد عليه دلي ٌ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذ لو كان كما قيل لعاش
عيش الملوك ،في القصور والبيوت الفارهة ،ولتخذ من الخدم
والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك
المطامع المزعومة ،بينما الواقع يشهد بخلف ذلك ،إذ كان في
شظف من العيش ،مكتفيا ً بما يقيم أود الحياة ،وكانت هذه حاله
صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق
ن بيوته صلى الله عليه وسلم بالرفيق العلى ،..يشهد لهذا أ ّ
كانت عبارة عن غرف بسيطة ل تكاد تتسع له ولزوجاته.
وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه ،فقد كان يمر عليه الشهر
والشهران ل توقد ناٌر في بيته ،ولم يكن له من الطعام إل
السودان -التمر والماء ،-فعن عائشة رضي الله عنها قالت
لعروة( :ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلل ،ثم الهلل ،ثلثة أهلة
في شهرين ،وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه
وسلم ناٌر ،فقلت :يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت :السودان،
التمر والماء) متفق عليه .وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة
بما يدل على خلف ما يزعمه الزاعمون.
-2ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي ع ُرف به النبي صلى
الله عليه وسلم ،وحث عليه أصحابه ،فقد صح عنه أنه قال( :إن
مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)
متفق عليه ،وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء،
فقال( :إن الدنيا حلوة خضرة ،وإن الله مستخلفكم فيها ،فينظر
90
كيف تعملون ،فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ،فإن أول فتنة بنى
إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم.
-3ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة
عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك
والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته ،فرفض ذلك كله ،وفضل
أن يبقى على شظف العيش مع الستمرار في دعوته ،ولو كان
من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء.
ن الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله -4أ ّ
عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ول صاحب شهوة ،بل كان هدفه
الوحد والوحيد إبلغ دين الله للناس ،وإزالة العوائق المعترضة
سبيل الدعوة ،فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما
أرسله إلى اليمن بقوله( :إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب،
فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ،فإذا عرفوا
ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم
وليلتهم ،فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في
أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ،فإذا أقروا بذلك فخذ
منهم وتوق كرائم أموال الناس ) رواه البخاري.
فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً ،قبل دعوته إلى
السلم ،الذي تصان به الدماء والحرمات.
-5ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إل أقل القليل ،ففي
الصحيح عن عمرو بن الحارث قال ( :ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند موته درهماً ،ول ديناراً ،ول عبداً ،ول أمة ،ول
شيئا ً إل بغلته البيضاء ،وسلحه وأرضا ً جعلها صدقة ) رواه
البخاري ،وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت( :توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله
ذو كبد ،إل شطر شعير في رف لي) متفق عليه.
-6وكما قيل :فإن الحق ما شهدت به العداء ،فقد أجرى الله على
ألسنة بعض عقلء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة ،من ذلك ما
قاله "كارليل" " :أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي
أقام محمدا ً وأثاره ،حمق وأيـم الله ،وسخافة وهوس ".
ويقول" :لقد كان زاهدا ً متقشفا ً في مسكنه ،ومأكله ،ومشربه،
وملبسه ،وسائر أموره وأحواله ..فحبذا محمد من رجل خشن
اللباس ،خشن الطعام ،مجتهد في الله ،قائم النهار ،ساهر الليل،
دائبا ً في نشر دين الله ،غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر
الرجال ،من رتبة ،أو دولة ،أو سلطان ،غير متطلع إلى ذكر أو
شهوة ".
91
-7وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام
رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لسباب
مصطنعة وغير كافية ،فجوابه أن الواقع خلف ذلك ،إذ أبرم النبي
صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم،
وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم ،بل تكفل لهم نصرة مظلومهم،
وحمايتهم ،ورعاية حقوقهم ،ولم يكن في سياسته صلى الله عليه
وسلم إبعادهم ،ومصادرة أموالهم إل بعد نقضهم العهود
والمواثيق ،ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة.
وبعد :فل حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
صاحب مطامع دنيوية ،يحرص عليها ،ويسعى في تحصيلها ،وإنما
هي دعوة صالحة نافعة ،تعود بالخير على متبعيها في الدنيا
والخرة ،والحمد لله رب العالمين
------------------------
( )27مشكلة الفكر الغربي مع نبي السلم صلى الله
عليه و سلم
د .باسم خفاجي
يمثل نبي السلم محمد صلى الله عليه وسلم مشكلة حقيقية
ومتكررة في أدبيات الفكر الغربي .ويظهر من حين لخر هجوم
عنيف على شخص النبي عليه الصلة والسلم .يعتبر البعض أن
هذا الهجوم حالة شاذة من قبل أفراد بأعيانهم ،ويحاول طرف
آخر أن يلقي باللئمة على نظريات المؤامرة ،ويدعو ثالث إلى
أن نتغير نحن حتى ل يهاجم رموزنا الخرون .يرى الكاتب – من
خلل الدلة التاريخية والفكرية -أن الموقف الغربي من النبي
عليه الصلة والسلم لم يتغير بالمجمل ،وأنه كان دائما ً يغلب
عليه صبغة العداء والستهزاء ،وإن اختلفت صور التعبير عن هذا
الموقف بين فئات المجتمع الغربي المختلفة .يهدف المقال
كذلك إلى التعرف على السباب الفكرية لهذا الموقف الغربي،
وكيف يمكن مقاومة هذا الموقف عمليا ً للدفاع عن رموز المة
السلمية.
مقدمة
شهدت الفترة الماضية ارتفاع نبرة المواجهة مرة أخرى بين
العالم السلمي من ناحية ،وبين أوربا من ناحية أخرى في ما
يتعلق بالهجوم على شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ورغم أن هذا الهجوم تكرر كثيرا ً خلل العوام الماضية ،وبصور
متعددة ،إل إن العالم العربي والسلمي ل يزال مصرا ً على
التعامل مع كل حالة من تلك الحالت التي يهاجم فيها خير
البشر ،وكأنها حالة منعزلة وفردية ،ويجب أن تعامل في هذا
92
السياق .ويغيب عن الكثير من أبناء المة أن الموقف الفكري
الغربي من النبي صلوات ربي وسلمه عليه كان دائما ً موقفاً
عدائياً ،وإن اختلفت صور التعبير عن هذا العداء.
قصور في الفهم
يلقي البعض اللوم على المة السلمية لتخاذلها وضعفها من
ناحية ،أو لتكرار حوادث العنف التي تتبناها بعض فصائل المة
تجاه الغرب .يرى البعض أن ما يسمى بالرهاب السلمي هو
سبب هجوم الغرب على السلم وعلى نبي السلم .ونسأل
هؤلء ..وهل كان الغرب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ،أو
حتى يسكت عن إيذاء شخصه الكريم وإهانته عندما كانت المة
السلمية في حالة وفاق وسلم تام مع دول الغرب؟ إن الغرب
لم يتوقف عن الهجوم على رسول السلم طوال القرون
الماضية ،وهو موقف عام لم يشذ عنه إل القليل من المفكرين
والمتدينين.
يرى البعض الخر أن الهجوم على السلم أو على نبيه الكريم
ليس إل حالت فردية لمن يبتغون الشهرة ،أو من يحملون أحقاداً
على السلم .ويقوم هؤلء بسرد بعض النقولت التاريخية أو
المعاصرة لمفكرين غربيين يمدحون شخص النبي ،ويعتبرون أو
وجود هؤلء يقدح في فكرة وجود عداء فكري عام في الغرب
تجاه السلم أو شخص الرسول الكريم .والحقيقة أن الستشهاد
ببعض القوال – مع حذف السياق التاريخي لها – يمكن أن يكون
مقنعا ً بوجود إعجاب من بعض المفكرين الغربيين بشخصية النبي
صلى الله عليه وسلم.
لكن ما يغيب عن هذه الرؤية ،ويعيبها أيضا ً ..أن الفكر الغربي
يتحرك وفق مجموعة من المسلمات الساسية التي تخالف بقوة
الدعوة المحمدية في المبادئ والمسلمات ،وبالتالي فإن الصل
في العلقة الفكرية بين الغرب وبين السلم لم يكن يوما ً ما
التوافق وإنما كانت العلقة دائما ً من النواحي الفكرية تميل إلى
المواجهة وعدم التفاق .ويجب هنا أن نفصل بين أمرين :الول
هو العلقات بين الشعوب ،والتي كانت في كثير من الحيان تميل
إلى السلم والوئام ،وكذلك العلقات السياسية التي تتبدل وتتغير
وفق المصالح .أما المر الثاني فهو الرؤى الفكرية تجاه النبي،
والتي لم تتغير كثيرا ً في الغرب منذ بعثة النبي صلى الله عليه
وسلم وحتى التاريخ المعاصر ،وكانت في مجملها رؤى ومواقف
معادية وصدامية .إن الحكام الفكرية لبد وأن تنطلق من الرؤى
المشتركة والمستمرة عبر فترات زمنية طويلة ،ول تقاس على
ما شذ من القوال أو الفكار .والغرب عبر تاريخه الطويل من
93
المواجهة الفكرية والدينية مع العالم السلمي كان دائما ً يميل
إلى الطعن في شخص النبي ،وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة
من العلقة مع الغرب ،ولذلك أسباب سيأتي بيانها في هذا
المقال.
هل الغرب كيان فكري واحد؟
إن من المهم قبل دراسة الموقف الفكري الغربي من النبي
صلى الله عليه وسلم أن نبين أن الغرب ليس كيانا ً واحدا ً فيما
يتعلق بالسياسات وطبائع الشعوب ،ومواقف الدول من العالم
العربي والسلمي .كما أن الغرب ليس كيانا ً واحدا ً أيضا ً فيما
يتعلق باهتماماته الدينية ومدى اقترابه أو ابتعاده عن دعوة
ورسالة نبي الله عيسى عليه السلم .فليس كل الغرب متديناً
وليس كل الغرب علمانيا ً أيضاً ،وهناك فوارق كبيرة بين المدارس
والمذاهب الدينية المختلفة داخل المسيحية في الغرب.
لكن رغم كل هذا التباين والختلف في السياسات والطبائع
والتوجهات ،إل أن الغرب يكاد يكون كيانا ً واحدا ً عندما يتعلق
المر بالجوانب الفكرية المتعلقة بعلقاته مع الحضارات الخرى
والديانات التي تختلف عن ديانات الغرب .فرغم تعدد المدارس
الفلسفية والفكرية في الغرب ،إل أن هناك قدر مشترك وواضح
من المفاهيم الفكرية الساسية عندما يتعلق المر بالرؤى
المقابلة حول مستقبل البشرية وهدف النسان من الحياة على
الرض .لذلك فإن من الممكن أن يتم الحديث عن الغرب
بوصفه كيانا ً واحدا ً عندما يتعلق المر بالحياة الفكرية الغربية في
مقابل الحضارات الخرى.
وسوف تتعامل هذه الدراسة مع الغرب ككيان فكري واحد من
ناحية المنطلقات الساسية للحضارة الغربية ،والمبادئ التي
قامت هذه الحضارة عليها ،وعلقة ذلك بموقف الغرب من النبي
صلى الله عليه وسلم.
مشكلت الفكر الغربي مع نبي السلم
لكي ننجح في فهم علقة الغرب فكريا ً بنبي السلم صلى الله
عليه وسلم ،فلبد أن نبتعد قليل ً عن المواقف ،وندرس المبادئ.
إن المواقف ليست إل تعبيرات واقعية عن الفكار الكامنة في
الشخصية الغربية ،والتي تكونت عبر قرون طويلة من التأثير
الفكري الذي كون قناعات راسخة ل تتزعزع داخل الشخصية
الغربية فيما يتعلق بعلقتها بالخالق ،وعلقتها بالكون والطبيعة
والخرين من البشر .وهذه القناعات تتصادم بشدة مع ما جاء به
النبي صلى الله عليه وسلم ،ولذلك نشأ العداء وليس من
المتوقع أن يقل أو ينتهي في القريب .وهذه مجموعة من
94
السباب الفكرية التي ساهمت في تكون علقة العداء على
المستوى الفكري.
مركزية الله أم مركزية النسان
ً
إن المشكلة الرئيسة في علقة الغرب فكريا بالعالم السلمي،
وعداء الغرب للنبي صلى الله عليه وسلم ،هو مركزية الله تعالى
في الكون لدى المسلمين ،والتي تتجسد في دعوة محمد صلى
الله عليه وسلم ،وفي دين السلم وفي واقع المة السلمية
بصرف النظر عن درجة تدين والتزام أفراد هذه المة.
إن الغرب في المقابل ينطلق فكريا ً – وبكل فئات مجتمعاته وكل
مفكريه – من فكرة مركزية النسان في الكون ،وأن الفرد هو
مركز الهتمام الرئيس ،وأن تطلعات الفرد وحقوقه وحرياته
تقدم على أي أمر آخر ،وحتى أمور العبادة وعلقة الفرد بالله.
إن الغرب يرى أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قد قدم مفهوماً
يمكن أن يهدم الفكر الغربي من أساسه ..وهو مركزية الله
تعالى في حياة البشرية مقابل نظريات الغرب التي تقوم على
مركزية النسان .لذلك اختار الغرب أن يجعل عداء السلم
ضمن منظومة قيمه الرئيسة لنه بذلك يتمكن من إبقاء الفرد
مركزا ً للكون في مواجهة دعوة محمدا ً صلى الله عليه وسلم
التي حافظت على مكانة الخالق جل وعل ومركزيتها في حياة
البشر.
وحول ذلك تحدثت المؤلفة البريطانية كارين أرمسترونج –
صاحبة كتاب "محمد" قائلة" :علينا أن نتذكر أن التجاه العدائي
ضد السلم في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية ،التي
بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملت الصليبية وهي بداية
استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى .فالقرن الحادي عشر
كان بداية لوروبا الجديدة وكانت الحملت الصليبية بمثابة أول رد
فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة]1[".
بين محمد والمسيح
تمحور الفكر الغربي حول شخصية المسيح عليه السلم.
وتحولت شخصية المسيح بعد تحريف الدين المسيحي إلى
تجسيد للفكر الغربي حول مركزية الفرد في الكون .فقد تحول
الله في نظر المتدينين إلى شخص ..إله في صورة فرد ..دفع
دمه ثمنا ً مقدما ً لجميع خطاياهم القادمة .وعندما سيطر الفكر
النفعي على الشخصية الغربية ،أصبح التعلق بشخص المسيح
يمثل قمة النفعية لمن اختاروا التدين ،فهو قد قام بدفع فاتورة
خطاياهم حتى قبل أن يقعوا فيها ،وأبقى لهم الحياة لكي
يمارسوا فيها ما شاءوا من أفعال طالما أن محبة المسيح – كفرد
95
وكإله – تسيطر على مشاعرهم .أما من تركوا الدين المسيحي
بأكمله ،وأصبحوا لدينيين أو ملحدين ،فقد كان المسيح – بعد
تحريف الدين – أيضا ً مركزيا ً في مواقفهم الفكرية ..فهو فرد،
وبالتالي ل يمكن أن يختلف عن غيره من البشر ،وبالتالي فليس
هناك إله – بزعمهم .كما أن المسيح بصورته التي قامت
الكنيسة الغربية بتصويرها رحيم منعزل عن حياة الناس ..يقبل
بكل معايير الحياة النسانية ،ول يدعو إل إلى الحرية والمساواة ..
وهي أهم قيم العلمانية ول تصادم من تركوا الدين ،وبالتالي فل
حاجة إلى مصادمة المسيح.
أما العلقة مع محمد فهي علقة تصادمية مع كل من التيار
الديني والعلماني في الغرب على المستوى الفكري .فمحمد –
صلى الله عليه وسلم – حرص على أن يكون فردا ً ..إنسانا ً بكل
معاني النسانية ،ورفض أن يكون إله في صورة إنسان ،وبالتالي
فهو يناقض فهم المتدينين من الغرب للله الذي عرفوه ،وبالتالي
تكونت الكراهية والضيق من كل ما يمثله محمدا ًً صلى الله عليه
وسلم ..فهو ليس على شاكلة المسيح ..في نظرهم .وهو
يناقض أيضا ً مشاعر ورغبات غير المتدينين ،لنه يطلب من البشر
– كما أمره خالقه – بالكثير من العبادات والعمال واللتزامات،
ويقدم حرية المجتمع على حرية الفرد ،ويضحي بالمساواة من
أجل العدالة ومن أجل صلح المجتمع .كل ذلك ساهم في تكوين
صورة سلبية وقاسية عن نبي السلم.
إن المتدينين في الغرب – كما في الشرق أيضا ً -يعشقون فكرة
المعجزة لنها خلص من مواجهة واقع يطحن أحلمهم ..لذلك
انتشر في التدين الغربي قصص المعجزات والخوارق وكرامات
القديسين ،وأصبح ذلك مكونا ً رئيسيا من مكونات التدين
المسيحي الغربي .أما محمدا ً صلى الله عليه وسلم فقد جسد
إمكانية انتصار النسان دون حاجة إلى المعجزات ..لقد كانت
حياة الرسول – في نظرهم – خالية من المعجزات ،والحياة
الغربية قاسية ،والتدين فيها يسمح للفرد أن يحلم بالمعجزة
للفرار من الواقع ،ونبي السلم ل يعد بالمعجزات ،وإنما بحياة
مليئة بالجهد والجد والمعاناة من أجل آخرة يمكن فيها الستمتاع
بالجنة.
لقد نجح من حرفوا دين المسيح أن يقنعوا أنصار المسيح في
الفكر الغربي ،أن لهم أن يجمعوا بين كل متع الدنيا – فقد دفع
ثمن ذلك المسيح – وأن يجمعوا معها أيضا ً النجاة في الخرة
لنهم أحبوا المسيح .وهكذا يتفرغ المتدين للحياة دون الحاجة
الحقيقية للعمل فإن محبة المسيح كافية للجنة .أما محمدا ً فإن
96
دينه ودعوته تطلب من النسان الكثير ،ول تعد بالمقابل إل بأمل
في رحمة الله .كيف إذن لمن يعتنق الفكر النفعي أن يحب
محمداً؟
ويروي الكاتب العربي هشام جعيط في تحليله للشخصية الوربية
كيف أنها نظرت للعالم السلمي ولدعوة النبي صلى الله عليه
وسلم فيقول" :يسير تاريخ السلم ل وفق ديناميكيته الخاصة ،بل
كانعكاس شاحب ومعكوس لتاريخ الغرب .لنأخذ مثل على ذلك:
شخصية محمد .نلحظ أنه ضمن كل تحليل لهذه الشخصية
تنساب عملية مقارنة مع المسيح .إذا كان محمد غير صادق
فذلك لن المسيح كان صادقا؛ وإذا كان متعدد الزوجات
وشهوانيا ،فلن المسيح كان عفيفا؛ وإذا كان محمد محاربا
وسياسيا فذلك استنادا إلى يسوع مسالم ،مغلوب ومعذب"[.]2
تجذر فكرة النبوة الكاذبة
قامت الكنيسة الغربية تحديدا ً منذ بداية السلم بالطعن في
صدق نبوة رسول الله عليه الصلة والسلم ،ول يزال هذا
الموقف هو السمت المشترك لمعظم المفكرين المتدينين
الغربيين ،رغم أن بعضهم قد تنازل ووصف النبي ببعض الصفات
اليجابية كقائد سياسي ،أو مصلح إنساني ،أو إنسان طموح،
ولكن ليس كنبي يوحى إليه .وأخطأ كثير منا في فهم دللة
العبارات ،والتي تطير بها وكالت النباء العربية والسلمية ،وكأنها
تمثل تحول ً فكريا ً في نظرة الغرب للنبي .فكم تغنينا بعبارة أن
"العظماء مائة وأعظمهم محمد" وغيرها من العبارات التي يكثر
تقديمها في هذا السياق.
كما تسببت هذه الرؤية في كذب نبوة محمد صلى الله عليه
وسلم في تكوين فكرة مسيحية استقرت في أذهان الكثير من
المفكرين الدينيين في الغرب .هذه الرؤية تتصور أن هذه النبوة
الكاذبة في ظنهم قد أوقفت تطور النسانية باتجاه المسيحية.
يقول أحدهم" :لقد أمكن لمحمد أن يكون إمبراطورية سياسية
ودينية على حساب موسى والمسيح"]3[.
ويلحظ أحد المفكرين أن فكرة أن النبي لم يكن نبيا حقيقيا
صادقا قد تجذرت دون أن يصدها أي ريب أو شك أو حتى محاولة
للتفهم الحقيقي للرسالة السلمية عند مفكرين عديدين من
القرون الوسطى ،أمثال ريمون مارتن ،وريطولدو ،ومارك دي
تولد ،وروجيه بيكون .وتحولت دعوة السلم في نظر هؤلء إلى
رسالة ناسوتية أملتها مشاريع المصالح السوداء الدنيوية
والشخصية .أما القرآن فليس سوى مجموعة من الخرافات
مستعارة من التوراة وبشكل مشوه في نظر هؤلء.
97
ولذلك يبقى السلم في نظر الغالبية العظمى من مفكري
الغرب دينا ً زائفا ً مهما بلغت نجاحاته ،ومهما ادعى أنه أفضل من
الدين المسيحي الذي تركه معظم الشعب الوربي عملياً ،ولكنه
ل يزال يحرك معتقداته الفكرية في التعامل مع الخرين بقوة.
هوس فكري
إن كل تساؤل وانشغال كبير بالخر إنما يعكس في طياته هوساً
بهذا الخر .وقد قدم السلم منذ ظهوره ذلك "الخر" الذي
عرفت أوربا نفسها وطموحاتها من خلل مقابلته والمصادمات
معه .فرغم أن السلم في بداية انتشاره لم يول الغرب أي
اهتمام – لتخلف الغرب حينها -إل أن السلم وشخصية النبي
محمد بوصفها تجسيدا ً للكمال النساني لدى أنصار السلم قد
أصبحا محور الهجوم المستمر لمفكري الغرب لتأكيد فكرة أن
الغرب أفضل من الشرق .حقا ً أن أوربا قد تخلت عن الفكرة
المسيحية ،ولكنها ل تستطيع أن تتحرر مطلقا ً من أثر الفكر
المسيحي على شعوبها .وهذا الفكر المسيحي الغربي قد توحد
عبر القرون الماضية حول فكرة معاداة السلم ،وتقديم نموذج
شخصية المسيح عليه السلم – بعد تحريفها -في مواجهة
شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو ما يفسر الهوس
الغربي بالهجوم على النبي.
أما بالنسبة للتجاه غير المتدين – كما يذكر أحد المفكرين
العرب -الذي يؤثر أكثر فأكثر في الحقيقة الجتماعية الوربية
بمرور الزمن .فمنذ أن تحررت الفكرة العلمانية من الضغط
المسيحي على التأمل العقلني وعلى الممارسة السياسية،
انفتحت نظرة جديدة للكون .هذه النظرة الجديدة مكنت من
رؤية السلم بعمق ،كجزء متمم وهام من الحياة النسانية ،ولكنه
أيضا ً خصم سياسي وعسكري عنيد تمثل في ذلك الوقت في
المبراطورية العثمانية.
لذلك استمر العداء رغم اختلف القوى المحركة له ،واستمر
الهوس بالعالم السلمي .وظهرت النتقائية الفكرية الغربية
التي ترى أن المبريالية ليست إل مهمة حضارية للرتقاء بشعوب
الرض ،وأن مقاومتها من قبل المسلمين الذين يتمثلون شخصية
نبيهم ليسوا إل برابرة يجب القضاء عليهم من أجل استمرار
المهمة الحضارية نحو هدفها في تنقية الجنس البشري من كل
أنواع البرابرة ،وعلى رأسهم أنصار محمداً.
مرآة داكنة لواقع الغرب
يرى البعض في الغرب في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
نموذجا ً متكامل ً لنوع من الكمال النساني الذي ل يمكن للغرب
98
بأفكاره ونظرياته وممارساته أن يصل لها .وعند هذا الفريق من
الغربيين ،يصبح القضاء على هذا النموذج هما ً حقيقيا ً بذاته.
فكأن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تمثل ذلك الضمير
الذي يوخز الغرب في جنباته ،وكأنه مرآة داكنة توضح لهم
بالدليل الواقعي مدى التردي الذي وصل إليه حال الشخصية
الغربية نتيجة لبتعادها عن النموذج المحمدي.
قد يعترض بعض المفكرين العرب بل والمسلمين على تصوير
واقع الشخصية الغربية بهذا الشكل المأساوي ،ولكن الحقيقة أن
هناك فراغ روحي ضخم في الغرب بالعموم ،ويظهر ذلك من
ارتفاع معدلت الجريمة والدمان والنتحار وانتشار الرذائل ،بل
وتصديرها إلى كل أنحاء العالم .وفي المقابل تظهر الشخصية
المسلمة التي يمثلها النبي صلى الله عليه وسلم كمقابل حاد في
مواجهته لتلك الشخصية الغربية .ومنها هنا نجد الهجوم الشديد
والمتكرر على شخص النبي صلى الله عليه وسلم.
مشروع مواز للغرب
إن أحد مشكلت عداء الغرب التاريخي للنبي صلى الله عليه
وسلم ،هو أنه جاء بنظام سياسي وفكري متكامل ينازع الغرب
في المسلمات الساسية ،وكذلك في طرق التنظيم والدارة
وسياسة المجتمعات ،وأخيرا ً في نمط العلقات الجتماعية داخل
المجتمع ،وبين المجتمعات المختلفة .إنه ببساطة نظام متكامل
مواز للنظام الغربي ،ول يلتقي معه ،وإنما يقدم بديل ً قوياً
وخطيرا ً له.
وكما يذكر أحد المفكرين العرب فإن "الخوف من قوة السلم
المحركة يأخذ في اللحظات التراجيدية شكل الدفاع والصراع
والمشاجرة ،أحد أكثر الشكال النفعالية في التاريخ .لقد أبرز
مفهوم السلم السياسي كتهديد متواتر ،ومفهوم الدين السياسي
كبنية تاريخية في أصول السلم .يقول غولديهر :إن السلم قد
جعل الدين دنيويا ً لقد أراد أن يبني حكما ً لهذا العالم بوسائل هذا
العالم]4[".
لذلك هاجم المفكرون الغربيون بشدة المشروع الحضاري
السلمي ،واعتبروه خطرا ً كبيرا ً يهدد سيادة الفكر الغربي
وانتصار الحضارة الغربية ،ونهاية التاريخ .ولم يبدأ هذا المر مع
أحداث سبتمبر ،أو مع نشوء فكرة صدام الحضارات أو نظرية
نهاية التاريخ ،وإنما سبق ذلك بقرون عديدة ،واستمر يغذي
الشخصية الغربية بمبررات العداء للعالم السلمي ولشخصية
النبي محمد صلى الله عليه وسلم .وأنظر إلى أحدهم عندما
يقول منذ أكثر من قرنين من الزمان" :يجب القول إن من بين
99
كل الذين تجرءوا على سن القوانين للشعوب ،لم يكن واحد
منهم أجهل من محمد .و بين كل البداعات الخرقاء للفكر
النساني ،لم يكن هناك أتعس من كتابه .وما يحدث في آسيا منذ
ألف ومائتي سنة يمكن أن يكون البرهان ،لننا لو أردنا النتقال
من موضوع خاص إلى ملحظات عامة ،لكان من السهل البرهان
أن الضطرابات في الدول ،وجهل الشعوب في هذه المنطقة من
العالم إنما هو تأثير مباشر ،إلى حد ما ،للقرآن ولخلقه]5[".
إحياء فكرة المواجهة
يرى الكثير من المفكرين الغربيين أن محمدا ً صلى الله عليه
وسلم هو من تسبب في إحياء روح المقاومة والمواجهة في حياة
العرب والمسلمين ،وأن الدين السلمي هو المحرك الرئيس
لجميع أفكار المقاومة الموجودة في أفكار وتصرفات الشعوب
السلمية .والمقاومة هنا – ليست فقط فكرة مقاومة العدوان –
وإنما كل أشكال النتصار على النفس وعلى الخر.
يرى المفكرون الغربيون أن رسالة محمد ،وأفكار محمد ،ودعوة
محمد تقديم الرصيد الفكري والنفسي والعقدي لجهد المسلم
في النتصار على نفسه وعدم التسليم لشهوات الحياة ومتع
الدنيا التي يتفنن الغرب في محاولة تقديمها للمة .كما أن
المقاومة تمتد لتمنع الكثير من محاولت الهيمنة الفكرية
والثقافية على الحياة السلمية والعربية من قبل الغرب.
والعجيب أن هذه القوة في السلم قد فسرها بعض مفكري
القرون الوسطى أنها تدل على زيف السلم .يقول لنا دانيال:
"إن استعمال القوة ،كان تقريبا معتبرا بالجماع كخاصية كبيرة
وأساسية للدين السلمي ،وبالتالي فهو دللة بديهية على ضلل
السلم]6[".
ورغم كل ذلك تظهر المقاومة في شكل تضحيات إنسانية ضخمة
ل يقدمها شعب آخر أو أمة أخرى في سبيل الحفاظ على أرضها
ومقدساتها ،والرغبة في الدفاع عن أراضيها ،وهو ما يصادم الفكر
الغربي الذي يعلي من شأن الحياة الدنيا .إن العمال
الستشهادية وكل صور المقاومة الخرى – حتى وإن لم تكن
موفقة أو شرعية -تشكل إشكال ً فكريا ً عميقا ً يصادم الفكر
الغربي بقوة ،ويقدح في مسلماته الساسية ،ويلقي مفكرو
الغرب باللئمة على محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك.
إن الفكر الغربي المعاصر غير قادر على تقديم أي تفسير مادي
أو عقلني للمقاومة الفلسطينية أو للعمليات الستشهادية أو
المسلحة في العراق ،أو إصرار الشعوب العربية التي تظهر أنها
ضعيفة ومتخلفة على رفض النموذج الغربي للحياة بإصرار يتزايد
100
مع الوقت دون تفسير مقنع إل بإلقاء اللوم والحقد على محمد –
صلوات الله وسلمه عليه .إن النجاحات المتتالية لمشروع
المقاومة تستنفر في الغالب موجات جديدة من الهجوم على
شخص النبي ،وهو ما يفهم على المستوى الفكري – ول يقبل
بأي حال من الحوال أو يبرر.
الخلصة
ً
إن عداء الغرب للنبي محمدا هو عداء مفهوم من المنطلقات
الفكرية ،وإن كان غير مقبول على الطلق تحت أي مبرر أو
تفسير .كان هدف هذه الدراسة هو توضيح أهم المعالم الفكرية
لمشكلة الغرب مع نبي السلم .فرسول الله صلوات الله
وسلمه عليه قد جسد صورة مخالفة تماما ً للنسان عن الصورة
التي ارتبط بها المسيحيون عن المسيح كما يصورونه .أنه جسد
إمكانية انتصار النسان دون الحاجة لمعجزات ..بينما الفكر
المسيحي المعاصر في الغرب يرى أهمية المعجزة للهروب من
مواجهة الكثير من مصاعب الحياة في الغرب.
إن محمدا ً قد أحيا فكرة القوة وعدم الخوف من المواجهة ،وهي
فكرة خطيرة في نظر أصحاب مشروعات الهيمنة والسيطرة
على واقع المة السلمية وثرواتها ومستقبلها .أن محمدا ً قد
حارب من أجل أن ينتصر النسان على ذاته ..ل أن يخضع لها،
وهذا المر يحارب ويصادم تحويل كل شيء في الكون إلى
سلعة ،وتحويل كل فرد إلى مستهلك.
لقد قدم رسول الله نموذجا ً متكامل ً لحياة موازية للغرب ..ل
تلتقي معه اضطرارا ..ول تتنازل له خوفاً .والهم من كل ذلك
أنه محبوب بشدة من المسلمين ..معروف لكل العالم ..نجح
بكل المعايير الغربية ..ولكنه رفض كل مفاهيم الغرب ..هو
نموذج يجب القضاء عليه ..ويبدو أن ذلك غير ممكن لن إرادة
الخالق أقوى من عبث المخلوقين.
00000000000000
تدين الغرب وتتهمه بالتجني على السلم، [ ]1كاتبة بريطانية
القاهرة :جمال شاهين ،الشرق الوسط ،الربعاء 18ذو الحجـة
1426هـ 18يناير 2006العدد 9913
[" ]2أوروبا والسلم"" ،صدام الثقافة والحداثة" ،هشام جعيط،
دار الطليعة ،2001 ،ص .40
[]3
[" ]4أوروبا والسلم"" ،صدام الثقافة والحداثة" ،هشام جعيط،
دار الطليعة ،2001 ،ص .85
101
[Voyage en Syrie et en Egypte Pendant les annees 1783 – 1785، Paris، 1787، ]5
.PP. 301 – 310
[Norman Daniel, Islam and the west, The making of an Image, Edinburgh, 1960, ]6
P.146
-----------------
( )28الساءة إلى السلم في الغرب ..حرية تعبير أم
وجدان صليبي
د .محمد مورو
لوحظ في السنوات الخيرة ارتفاع نبرة الساءة إلى السلم
والهجوم على رموزه في الوساط الثقافية والفكرية بل
والسياسية في الغرب .وفي الحقيقة فإن الكيد للسلم والساءة
له ليس أمرا ً جديدا ً على الغرب ،الجديد فقط هو ارتفاع تلك
النبرة والمر ل يرتبط هنا بحالة رد الفعل المزعومة بسبب
أحداث 11سبتمبر ولكنه يضرب في جذور تلفيف العقل الغربي
قبل سبتمبر 2001وبعده ،فالجندي اليطالي الذي كان يذهب إلى
ليبيا لحتللها كان ينشد لمه:
أماه..
أتمي صلتك..
ل تبك ،بل أضحكي وتأملي،
أنا ذاهب إلى طرابلس،
فرحا ً مسروراً
سأبذل دمي في سبيل سحق المة الملعونة
سأحارب الديانة السلمية
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن]1[ .
وكتبت جريدة فرنسية سنة 1926تقول" :لقد استسلم عبد الكريم
الخطابي من غير شروط ،وخضع لحماية فرنسا ،ذلك ما كنا
نبغي ،فالحادث مهم ،فهو يضرب السلم في الصميم ,وبوسعنا
الن أن نفتك بهذا الدين الفتك الذريع"]2[.
والجنرال بيجو القائد العسكري الفرنسي في الجزائر حدد هدف
الغزو " أن أيام السلم الخيرة في الجزائر قد اقتربت " ،وكان
يقتل الرجال والنساء ويأتي بالطفال ويسلمهم إلى القسيس
بريمو " الذي صاحب الغزو الفرنسي " قائل ً له " حاول يا أبت أن
تجعلهم مسيحيين " ،ويلخص نفس الجنرال المسألة بكاملها
قائل ً " إن العرب لن يكونوا لفرنسا إل حينما يصبحون مسيحيين
"]3[.
وقبل ذلك فإن المسألة برمتها يلخصها قول الب أربان الثاني
مفجر الحروب الصليبية في مجمع كلير مونت عام 1095م "أيها
102
الجنود المسيحيون . . .اذهبوا وخلصوا البلد المقدسة من أيدي
الشرار ،اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار".
[]4
نحن إذن أمام وجدان صليبي وعداء وحقد على السلم قديم
جديد وليست عملية الساءة إلى السلم إل الجزء الطافي من
جبل الجليد بل إن عملية محاولة اجتثاث السلم ذاته هي محاولة
لم تتوقف قط منذ مئات السنين وشهدت عمليات إبادة ،مذابح
تبشير ،حرب ثقافية – غزوات ...إلخ.
وأعتقد أن السبب الرئيسي لتلك المحاولت المستمرة لتشويه
السلم والساءة إلى رموزه بالضافة إلى الحقد الصليبي
المعروف هو نوع من الهزيمة الداخلية في العقل المسيحي
الغربي فالخوف من انتشار نور السلم ،وبسبب صحة العقيدة
السلمية بكل المقاييس العقلية والنفسية والعلمية والدبية
دفعت دهاقنة الغرب لمحاولة تشويه السلم ومن ثم حجب نوره
عن أعين الوروبيين .
والساءة إلى السلم ل تتم في الغرب فقط ،بل يقوم بها أيضاً
عملء محليين يدفع لهم الغرب هذا الثمن من الموال والجوائز
والمنح العلمية والدبية ...إلخ ،وهؤلء ما هم إل طابور خامس
يردد أقول مستشرقي الغرب كالببغاء ،وهم بالطبع ل يحزون
باحترام أهاليهم ،ول احترام الغرب ذاته لنهم مجرد عملء .
0000000000000
بالنسبة لنا كمسلمين فإن الساءة إلى السلم هي نوع من
الكفر البواح ،ول علقة لها من قريب أو بعيد بحرية التعبير
المزعومة ،وتقتضي بالطبع عقوبة يقررها العلماء المسلمون
ولكن الغرب يزعم أن حرية التعبير هي الدافع وراء هذا السيل
من الساءات للسلم ،وأنه من ثم ل يستطيع أن يصدر قرارات
إدارية بمنع ذلك لن ذلك يتعارض مع الحرية التعبير المزعومة ،
وفي الحقيقة فإن ذلك كذب وخداع ،فحرية التعبير المزعومة
تلك لم تمنع بلدا ً كفرنسا من مصادرة كتب أحمد ديدات في
فرنسا ولم تمنع من محاكمة روجيه جارودي لمجرد أنه شكك في
أرقام الضحايا اليهود في أفران هتلر .
وهي أمور تدخل في باب السب والقذف وليس حرية التعبير
نفس المر ينطبق على تصريحات قساوسة النصارى في أمريكا
أمثال بات روبرتسون وجراهام بل الذي وصف رسول السلم
صلى الله عليه وسلم بالهمجية والعدوان ،وتنطبق على
حاخامات اليهود من أمثال " عوفاديا يوسف " الذي وصف
المسلمين بالصراصير والحشرات التي ينبغي سحقها بالقدام .
103
الساءة للسلم لم تتوقف عند هذا الحد ،ولكنها وصلت إلى
تمزيق المصاحف وتلويثها بالنجاسات والسير عليها بالقدام في
معسكر جوانتانامو – واعترفت الدارة المريكية بذلك ! ! .
وكذلك نفس الشيء في سجن "مجدو" السرائيلي ،المر الذي
دفع المعتقلين الفلسطينيين إلى الضراب عن الطعام لوقف
الساءة إلى رموز السلم .
والحملة الصحفية في الدانمارك والتي تم فيها التطاول على
السلم ورسول السلم تأتي في نفس الطار فإذا أصبح
المسلمون زعمت حكومات الغرب أن ذلك خارج إطار سلطاتها
لنه يدخل في باب حرية التعبير المزعومة ،والحقيقة أنه سب
وقذف حتى بمعايير الغرب وقوانينه ذاتها .
والحديث الغربي عن الحرية والديمقراطية أصبح حديثا ً مفضوحا ً ،
بعد ما حدث في جوانتانامو وأبو غريب وقلعة جانجي بأفغانستان
وغيرها مما رصدته واعترفت به منظمات حقوقية دولية ل يمكن
اتهامها بالنحياز إلى السلم مثل ً .
ولكن على أي حال سنجاري الغرب في أكاذيبه حول حرية
التعبير ،ونقبل أن نأخذ بمعاييره مؤقتا ً للحكم على سبيل
الساءات للسلم في الغرب .
فالمدعو سلمان رشدي مثل ً الذي احتفى به الغرب ومنحه
الحماية والجوائز والتقدير لم يقدم كتابا ً مثل ً في مناقشة الفكار
السلمية بل قدم قذفا ً صريحا ً في حق أمهات المؤمنين رضوان
الله عليهم ،وأساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة
وافترى على الجميع افتراءات منحطة وكلها أمور تخضع للعقوبة
في أي قانون غربي ،فحرية التعبير غير السب والقذف والفتراء
والكذب بالطبع .
نفس المر ينطبق على المدعوة " تسليمة نسرين " وهي كاتبة
بنغالية الصل حذت حذو سلمان رشدي .
في الطار نفسه سمعنا تصريحات من رئيس الوزراء اليطالي "
بيرلسكوني " الذي وصف الحضارة السلمية بالنحطاط والكاتبة
اليطالية " إيريا فلشيا " التي وصفت السلم بكل الوصاف
المنحطة من أنه دين متخلف ووثني وعدواني بل ومقيد ! ! .
والحقيقة المريرة أن هناك أول ً ضعف عام لدى المسلمين
وحكوماتهم وجماعاتهم وهيئاتهم الدينية والدبلوماسية على حد
سواء تغري الخرين بامتهان المقدسات السلمية والساءة إلى
الرموز الدينية ووصل المر إلى حد الدعوة لضرب الكعبة
الشريفة وهدم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وهي
دعوة تكررت كثيرا ً في الصحف المريكية .
104
والسؤال الن . . .أين الحكومات العربة ،أين الزهر أين
المؤسسات الدينية . . .أين منظمات المجتمع الهلي التي تقيم
الدنيا وتقعدها إذا حدث اعتداء مزعوم على مسيحي أو
يهودي ! ! .
أين المعتصم الذي سير الجيوش لمعاقبة الرومان لمجرد العتداء
على سيدة واحدة مسلمة ،والتي هتفت في عمورية "
وامعتصماه " فاستمع إليها الخليفة المعتصم في بغداد على بعد
مئات الميال ،واستجاب لندائها ولكن حكام العرب والمسلمين
لم يعد فيهم معتصم ول حول ول قوة إل بالله .
َ َ ّ َ ّ ْ َ َ {يريدو َ
ه ن يُت ِ َّ
م نُوَر ُ ه إ ِل أ ْ
م وَيَأبَى الل ُ ن يُطْفِئُوا نُوَر الل ّهِ بِأفْوَاهِهِ ْ
نأ ْ ُ ِ ُ َ
ن} [التوبة.]32: وَلَوْ كَرِه َ الكافُِرو َ
َ ْ
---------------
الهوامش:
( ) 1محمد جلل كشك . .القومية والغزو المريكي
( da depeche de constasntine – 1926 / 5 / 28 ) 2
( ) 3د /محمد مورو – الجزائر تعود لمحمد – المختار السلمي
– 1992
( ) 4د /سيد عبد الفتاح عاشور – الحروب الصليبية – مكتبة
النجلو المصرية
-------------------
()29
==================
الباب التاسع -مواضيع المتطاولون وعاقبتهم
105
حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ،ثم كان عند
سبطه ،فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد
المسلمين اجتمع بذلك الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع
بذلك الملك فأخرج له الكتاب ،فلما رآه استعبر ،وسال أن يمكنه
من تقبيله فامتنع ،ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح
مصفَّح بذهب، المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق ُ
فأخرج منه مقلمة ذهب ،فأخرج منها كتابًا قد زالت أكثر حروفه،
خرقَة حرير ،فقال :هذا كتاب نبيكم إلى جدي وقد التصقت عليه ِ
قيصر ،ما زلنا نتوارثه إلى الن ،وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا
الكتاب عندنا ل يزال الملك فينا ،فنحن نحفظه غاية الحفظ،
ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا.
وإليكم هذا الخبر العجيب!
كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام ،فقال ابنه عتبة:
والله لنطلقن إلى محمد ولوذينّه في ربه سبحانه وتعالى،
فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يا محمد (هو
يكفر) بالذي دنى فتدلى ،فكان قاب قوسين أو أدنى ،فقال النبي
صلى الله عليه وسلم" :اللهم سلط عليه كلبًا من كلبك".
ثم انصرف عنه ،فرجع إلى أبيه فقال :يا بني ما قلت له؟ فذكر
له ما قاله ،فقال :فما قال لك؟ قال :قال" :اللهم سلط عليه كلبًا
من كلبك" .قال :يا بني ،والله ما آمن عليك دعاءه!
ض كثيرة السد ،فقال :أبو فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أر ٌ
لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ،وإن هذا الرجل قد دعا
على ابني دعوة والله ما آمنها عليه ،فاجمعوا متاعكم إلى هذه
الصومعة وافرشوا لبني عليها ثم افرشوا حولها ،ففعلنا ،فجاء
م وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة ،فإذا السد فش َّ
م وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! فقال هو فوق المتاع فش َّ
أبو لهب :قد عرفت أنه ل يتفلت من دعوة محمد!! (تفسير ابن
كثير).
ي في ذيل مولد العلماء ( )1/139أنه ظهر في زمن وذكر الكتان ّ
مى نفسه هادي المستجيبين ،وكانوا يدعون إلى لس ّالحاكم رج ٌ
ي صلى الله عليه وسلم، ب النب ّ
ي عنه أنّه س َ
حك َ عبادة الحاكم ،و ُ
وبصق على المصفح ،فلما ورد مكة شكاه أهلها إلى أميرها،
فدافع عنه ،واعتذر بتوبته ،فقالوا :مثل هذا ل توبة له! فأبى،
حافاجتمع الناس عند الكعبة وضجوا إلى الله ،فأرسل الله ري ً
سوداء حتى أظلمت الدنيا ،ثم تجلت الظلمة وصار على الكعبة
فوق استارها كهيئة الترس البيض له نور كنور الشمس ،فلم يزل
106
كذلك ترى ليل ً ونهاًرا ،فلما رأى أمير مكة ذلك أمر بـ"هادي
المستجيبين" فضرب عنقه وصلبَه.
وذكر القاضي عياض في الشفا ( )2/218قصة عجيبة لساخر بالنبي
ب
صلى الله عليه وسلم! وذلك أن فقهاء القيروان وأصحا َ
سحنون أفتوا بقتل إبراهيم الفزاري وكان شاعًرا متفننًا في كثير
من العلوم ،وكان يستهزئ بالله وأنبيائه ونبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ،فأمر القاضي حيى بن عمر بقتله وصلبه ،فطُعن
ض المؤرخين أنه لما ُرقعت سا ،وحكى بع ُ منك ً صلب ُ بالسكين و ُ
خشبته ،وزالت عنها اليدي استدارت وحوَّلته عن القبلة فكان آي ً
ة
ب فولغ في دمه!! س ،وجاء كل ٌ للجميع ،وكبر النا ُ
حا مفوهًا أراد أن وحكى الشيخ العلمة أحمد شاكر أن خطيبًا فصي ً
يثني على أحد كبار المسؤولين لنه احتفى بطه حسين فلم يجد
إل التعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم ..فقال في
خطبته :جاءه العمى فما عبس وما تولى!!
قال الشيخ أحمدُ :ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في
الدنيا ،قبل أن يجزيه جزاءه في الخرى ،فأقسم بالله لقد رأيته
خا،
بعيني رأسي ـ بعد بضع سنين ،وبعد أن كان عاليًا منتف ً
مستعًزا بمن لذ بهم من العظماء والكبراء ـ رأيته مهينًا ذليلً،
ما على باب مسجد من مساجد القاهرة ،يتلقى نعال المصلين خاد ً
يحفظها في ذلة وصغار!!
وذكروا أن رجل ً ذهب لنيل الشهادة العليا من جامعة غربية،
ه متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم ،وكان وكانت رسالت ُ ُ
مشرفه شانئًا حانقًا ،فأبى أن يمنحه الدرجة حتى يضمن رسالته
صا للمصطفى صلى الله عليه وسلم ،فضعفت نفسه ،وآثر انتقا ً
الولى على الخرة .فلما حاز شهادته ورجع إلى دياره فجئ بهلك
جميع أولده وأهله في حادث مفاجئ.
ل إله إل الله.
ن}. ستَهْزِئي َ ك ال ْ ُ
م ْ صدق الله{ ..إِنَّا كَفَيْنَا َ
وليعلم أن كفاية الله لنبيه ممن استهزأ به أو آذاه ليست
مقصورة على إهلك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة.
بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة..
فقد يكفيه الله عز وجل بأن يسلط على هذا المستهزئ المعتدي
رجل ً من المؤمنين يثأر لنبيه صلى الله عليه وسلم ،كما حصل
في قصة كعب بن الشرف اليهودي الذي كان يهجو النبي صلى
الله عليه وسلم ،واليهودية التي كانت تشتم النبي صلى الله عليه
وسلم فخنقها رجل حتى ماتت (أبو داود) وأم الولد التي قتلها
سيدها العمى لما شتمت النبي صلى الله عليه وسلم (أبو داود)،
107
وأبي جهل إذ قتله معاذ ومعوذ لنه كان يسب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،والخطْمية التي هجت النبي صلى الله عليه
وسلم فانتدب لها رجل من قومها (الصارم المسلول ،)95وأبي
عَفَك اليهودي الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصه
سالم ابن عمير (الصارم المسلول ،)102وأنس بن ُزنَيم الذي هجا
النبي صلى الله عليه وسلم فشجه غلم من خزاعه (الصارم
المسلول ،)103وسلم ابن أبي الحقيق إذ ثأر للنبي صلى الله
عليه وسلم منه عبد الله بن عتيك وصحبه (الصارم المسلول
.)135
ولعل أغرب وأعجب وأطرف ما وقفت عليه في هذا الباب ما
ذكره شيخ السلم ابن تيمية في مؤلفه المشهور (الصارم
المسلول على شاتم الرسول) (ص ،)134 :قال رحمه الله :وقد
ذكروا أن الجن الذين آمنوا به ،كانت تقصد من سبه من الجن
الكفار فتقتله ،فيقرها على ذلك ،ويشكر لها ذلك!
ونقل عن أصحاب المغازي أن هاتفًا هتف على جبل أبي قبيس
بشعر فيه تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم ،فما مرت ثلثة
ايام حتى هتف هاتف على الجبل يقول:
نحن قتلنا في ثلث مسعرا إذ سفه الحق وسن المنكرا
ما مبتـرا بشتمـه نبينـا المطهـرا
ه سيفًا حسا ً
قنّعت ُ ُ
ومسعر ـ كما في الخبر ـ اسم الجني الذي هجا النبي صلى الله
عليه وسلم.
ومن صور كلءة الله لنبيه ممن تعرض له بالذى أن يحول بين
المعتدي وبين ما أراد بخوف يقذفه في قلبه ،أو ملك يمنعه مما
أراد ..وقد روي أن غورث بن الحرث قال لقتلن محمدًا ،فقال له
أصحابه ،كيف تقتله؟ قال :أقول له أعطني سيفك ،فإذا أعطانيه
مه ،فأعطاه إياه قتلته به .فأتاه فقال :يا محمد أعطني سيفك أش ّ
فرعدت يده ،فسقط السيف ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :حال الله بينك وبين ما تريد" (الدر المنثور .)3/119
ومثل ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره ( )4/530من أن أبا جهل
قال لقومه :واللت والعزى لئن رأيت محمدًا يصلي لطأن على
رقبته ولعفرن وجهه في التراب ،فأتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ،فما فجأهم منه إل وهو
ينكص على عقبيه ويتقي بيديه! فقيل :مالك؟ فقال :إن بيني
وبينه خندقًا من نار وهول ً وأجنحة! فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :لو دنا مني لختطفته الملئكة عضوًا عضوًا".
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجال ً من قريش اجتمعوا في
الحجر ،ثم تعاقدوا باللت والعزى ومناة الثالثة الخرى ونائلة
108
وإساف أن لو قد رأوا محمدًا لقد قمنا إليه مقام رجل واحد
فقتلناه قبل أن نفارقه ،فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت
على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقالت :هؤلء المل من قومك
لقد تعاهدوا لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك ،فليس منهم رجل
واحد إل قد عرف نصيبه من دمك .فقال" :يا بنية آتيني بوضوء"،
فتوضأ ،ثم دخل عليهم المسجد ،فلما رأوه قالوا :هاهو ذا،
وخفضوا أبصارهمن وسقطت أذقانهم في صدورهم ،فلم يرفعوا
إليه بصًرا ،ولم يقم منهم إليه رجل ،فأقبل النبي صلى الله عليه
وسلم حتى قام على رؤوسهم ،وأخذ قبضة من التراب ثم قال:
"شاهت الوجوه" ،ثم حصبهم بها فما أصاب رجل ً منهم من ذلك
الحصا حصاة ٌ إلى قتل يوم بدر كافًرا( .دلئل النبوة .)1/65
ل إله إل الله..
ن}.ستَهْزِئي َ م ْ ْ
ك ال ُ َ
صدق الله{ ..إِن ّا كَفَيْنَا َ
ومن صور حماية الله لنبيه ،وكفايته إياه استهزاء المستهزئين أن
يصرف الشتيمة والذم والستهزاء إلى غيره ..فإذا بالشاتم يريد
أن يشتمه فيشتم غيره من حيث ل يشعر!!
قال صلى الله عليه وسلم" :أل ترون كيف يصرف الله عني شتم
ما ،وأنا محمدٌ"!ما ،ويلعنون مذم ً قريش ولعنهم ،يشتمون مذم ً
(البخاري) ،قال ابن حجر (الفتح :)6/558كان الكفار من قريش
من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم ل يسمونه
باسم الدال على المدح ،فيعدلون إلى ضده فيقولون :مذمم ،وإذا
ذكروه بسوء قالوا :فعل الله بمذمم .ومذمم ليس اسمه ،ول
يعرف به ،فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره!
ل إله إل الله..
ن}. ستَهْزِئي َ م ْك ال ْ ُصدق الله{ ..إِنَّا كَفَيْنَا َ
ومن صور الحماية الربانية أن يغير الله السنن الكونية صيانة
لنبيه صلى الله عليه وسلم ورعاية له.
وشاهد ذلك قصة الشاه المسمومة ،فهذه زينب بنت الحارث
ما
جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم ،بشاة مشوية دست فيها س ً
كثيًرا ،فلما لك النبي صلى الله عليه وسلم منها مضغة لم
يسغها ،وقال" :عن هذا العظم يخبرني أنه مسموم"! ثم دعا
باليهودية فاعترفت.
فانظر كيف خرم الله السنن الكونية من جهتين:
أولهما :أنه لم يتأثر صلى الله عليه وسلم بالسم الذي لكه.
وثانيتهما :أن الله أنطقَ العظم فأخبره عليه الصلة والسلم بما
فيه.
109
ومن صور الكفاية الربانية لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم ممن
آذاه أن يقذف الله في قلب هذا المؤذي المعتدي السلم،
فيؤوب ويتوب ،حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب
إليه من ماله وولده ووالده والناس أجمعين!!
ومن أعجب المثلة في ذلك قصة أبي سفيان بن الحارث أخي
النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع ،وكان يألف النبي صلى
الله عليه وسلم أيام الصبا وكان له تربًا ،فلما بُعث النبي صلى
الله عليه وسلم عاداه أبو سفيان عداوة ً لم يعادها أحدًا قط،
وهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجا أصحابه ..ثم شاء
الله أن يكفي رسوله صلى الله عليه وسلم لسان أبي سفيان
وهجاءه ،ل بإهلكه وإنما بهدايته!! قال أبو سفيان عن نفسه :ثم
إن الله ألقى في قلبي السلم ،فسرت وزوجي وولدي حتى نزلنا
بالبواء ،فتنكرت وخرجت حتى صرت تلقاء وجه النبي صلى الله
عليه وسلم ،فلما مل عينيه مني أعرض عنّي بوجهه إلى الناحية
الخرى ،فتحولت إلى ناحية وجهه الخرى.
ل منزل ً إل وهو على بابه ه ،ل ينز ُ قالوا :فما زال أبو سفيان يتبعُ ُ
ومع ابني جعفر وهو ل يكلمه ،حتى قال أبو سفيان :والله ليأذنن
شا أو جوع ًا، لي رسول له أو لخذن بيد ابني هذا حتى نموت عط ً
فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما فدخل
عليه( .انظر سيرة ابن هشام .)4/41فسبحان من حوّل العداوة
الماحقة إلى حب وتذلل ،وملزمة للباب طلبًا للرضا!!
ل إله إل الله..
ن
ستَهْزِئي َ م ْ ك ال ْ ُصدق الله{ ..إِنَّا كَفَيْنَا َ
-------------
.2وللكافرين أمثالها
م لرسوله ن الله منتق ٌ يقول شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله" :إ َّ
ب الكاذب إذا لم يمكن مظْهٌِر لِدِينِهِ ولِكَذ ِ ِ سبَّه ،و ُ ممن طعن عليه و َ
حدَّثَنَاه أعداد ٌ من الناس أن يقيموا عليه الحد ،ونظير هذا ما َ
ت متعددةٍ ما جربوه مرا ٍ المسلمين العُدُول ،أهل الفقه والخبرة ،ع َّ
صرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية ،لما حصر ح ْفي َ
صُر
ح ُالمسلمون فيها بني الصفر في زماننا ،قالوا :كنا نحن ن َ ْ
ن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى ص َح ْ
ال ِ
ل الله والوقيعةِ ب رسو ِ س ِّ
ه لِ َنكاد نيأس منه ،حتى إذا تعرض أهل ُ ُ
سر ،ولم يكد يتأخر إل يوما ً أو يومين جلنا فتحه وتي َ َّ ضه تَعَ َّ
في عر ِ
أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة ،ويكون فيهم ملحمة عظيمة،
شُر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، قالوا :حتى إن كنا لَنَتَبَا َ
مع امتلء القلوب غيظا ً عليهم بما قالوا فيه.
110
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب
– يعني المغرب-
حالهم مع النصارى كذلك ،ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة
بعذاب من عنده
وتارة بأيدي عباده المؤمنين" انتهى.
الصارم المسلول ص 117-116
-------------
.3عاقبة القرطاء البكريين ..استهزءوا بكتاب رسول
الله فأصابهم العته
بعث الرسول إلى القرطاء البكريين وهم حي في نجد يدعوهم
للسلم بكتاب ،فاستهزءوا به وبكتابه ،وأخذوا الكتاب الذي
يدعوهم للتوحيد وغسلوه من حبر الكتابة ثم رقعوا به دلو لهم
مخروم وضحكوا من الكتاب وسخروا من الرسول ،فما الذي
جرى لهذا الحي كله ،كل من شرب من هذا الدلو المرقوع
بخطاب النبي أخذته رعدة وعجلة واختلط في كلمه واعوج
لسانه وأصبحوا أهل سفه وخفة ل يحسنون الكلم ول يفهموه من
يسمعه واستمر ذلك حتى في نسلهم.
محوها بماء البئر فهي عصير وإذا ما أتتهم من محمد آية
سفاهة منهم فكان الكلم عسير وأعرضوا عن الحق بعد بيانه
-------------
.4عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك
يعتبر المير الصليبي "رينالد دي شاتيون" المشهور في المراجع
العربية باسم "أرناط" ،من أشد الصليبيين عداوة وغدرا ً وحقداً
على السلم والمسلمين ،قضى حياته كلها في محاربة المسلمين
تدينا ً منه ،ووقع في السر عدة مرات ،ويفتدى نفسه ليخرج
لمحاربة المسلمين مرة أخرى ،وكان أميرا ً على حصن الكرك
وكان دائم الغارة على قوافل المسلمين ،وذات مرة هاجم
أرناط قافلة حجاج مسلمين فقتلهم وسرق متاعهم وأثناء اقترافه
هذه الجريمة الشنيعة أخذ في سب النبي صلى الله عليه وسلم،
ويقول للمسلمين "أين محمدكم لينقذكم؟".
وقد فكر هذا الخنزير الحمق في الهجوم على مكة والمدينة
النبوية وأعد أسطول ً لذلك وقام بغارات مجرمة على قوافل
الحجيج ،فأقسم "صلح الدين" على أن يقتل هذا الكلب بيده إذا
ظفر بيده ،وجاء يوم الوفاء يوم "حطين" العظيم سنة 583
هجرية ،حيث وقع هذا الكلب في السر ،وقال صلح الدين بعزة
المؤمن المدافع عن نبيه وأمته :أنا أنوب عن المة في النتصار
111
لرسولها ثم ضرب عنق أرناط بسيفه فأطارها وأطار معها أفئدة
باقي السرى الصليبيين .
-------------
.5عاقبة أحمد القادياني (النجاسة تخرج من فمه عند
موته)
هذا الدجال الكاذب المحتال الذي ادعى النبوة غلم أحمد ميرزا
القادياني ،العميل النجليزي الذي تم تجنيده لفساد عقائد
المسلمين ،كان هذا الدجال يفضل نفسه على النبي صلى الله
عليه وسلم ويقول عن نفسه :
غسا القمران المشرقان أتنكر له خسف القمر المنير وإن لي
ويرفع نفسه فوق النبي صلى الله عليه وسلم ويقول إنه أكمل
وأعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهلك هذا الدجال
بالطاعون وجاءه أجله المقدور في بيت النجاسات وهو يقضي
حاجته ،وكانت النجاسة تخرج من فيه قبل موته وذلك في 26مايو
1908ميلدية .
والقائمة طويلة والمصير المحتوم ينتظر كل طاعن ومستهزئ
وإن تخلفت المة عن نصرة نبيها فالكون كله لنبيه
سينتصر،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
--------------
.6عاقبة كسرى ملك الفرس (يمزق خطاب النبي
فيتمزق ملكه)
وهو كبير الفرس المجوسي الذي كان يعتقد أنه إله البشر
وسيدهم ،يأتيه خطاب من الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه
للسلم ،مع عبد الله بن حذافة السهمي فبمجرد أن يسمع أن
الرسول قد بدأ الخطاب باسمه قبل اسم كسرى ،فيمزق الكتاب
ويقول بكبر مجوسي بغيض عبد من عبادي يبدأ كتابه بنفسه
قبلي ،ويطرد السفير ،فلما وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه
وسلم يقول[ :مزق ملكه] ،فيعدو على كسرى أقرب الناس إليه
"شيرويه" ابنه الكبير فيقتله ،ثم ما يلبث أن يُقتل هو ،ثم يقُتل
من قتله ،وحتى تمزق ملك كسرى حتى أخذه المسلمون وفتحوا
بلده كلها في عهد الراشدين .
بأسياف كما اقتسم اللحام وكسرى إذ تقاسمه بـنوه
أتـى ولكـل حاملة تمام تمخضت المنون لـه بيـوم
--------------
.7عاقبة عبد الله بن قمئة (التيس ينتصر لرسول الله)
وهو المشرك العنيد الذي ضرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فجرحه في غزوة أحد وهو يقول "خذها منى وأنا ابن
112
قمئة" فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم [أقمأك الله] أي
قطعك الله ،فلما عاد لهله بعد الغزوة خرج إلى غنمه ليرعاها
فوافاها على ذروة جبل شامخ فشد عليه تيس فنطحه نطحة
أرداه بها من شاهق الجبل فسقط أسفله متقطعا .وسبحان الله
مشرك حقير ل يليق بقتله إل تيس الغنم!!
َّ َ َّ َ ة ،أ َ َّ ع َن أَبي أ ُ
صلى سول اللهِ َ مى َر ُ ة َ ،ر َ مئ َ َ ن قَ ِ ن ع َبْد َ الل ّهِ ب ْ َ َ
م َ َ ما
َ َْ ِ
َ ُ ّ َ الل ّ
ه
عيَت َ ُسَر َربَا ِ جهِهِ ،وَك َ َ ه فِي وَ ْ ُ ج ش ّ حد ٍ فَ َ مأ ُ جرٍ يَوْ َ ح َ م بِ َ َ سله ع َليْهِ وَ َ ُ
َ َ ُ َ َ
ه ع َلَيْهِ الل ّ ُ صل ّىَ ل الل ّهِ سو ه َر ُ ُ ل لَة ,فَقَا َ مئ َ ُ
ن قَ ِ ُ خذْهَا وَأنَا اب ْ لُ : وَقَا َ
َ ْ َ َ َّ ما ل َ َ َّ
ه". ك الل ُ مأَ ك ؟ أق َ جهِهِ " : ن وَ ْ ْ مم ِ ح الد َّ َ س ُ م َ ْ م -وَهُوَ ي َ َ سل وَ َ
ْ َ َّ َ َ َ َ ّ َ َ ّ
ه قِطعَ ً
ة حت ّى قطعَ ُ ه َ ح ُل يَنْط ِ ُ م يََز ْ ل فَل ْ جب َ ٍ س َ ه ع َليْهِ تَي ْ َ سلط الل ُ فَ َ
ة *رواه الطبراني في الشاميين برقم ( 440و )3360وفي قِطْعَ ً
المعجم الكبير برقم ()7477
---------------
.8عاقبة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس (صاعقة
السماء تحرق المتآمرين)
كان عامر بن الطفيل شيطان نجد الذي غدر بأصحاب بئر معونة
ومعه شيطان مثله هو أربد بن قيس ،قد اتفقا على قتل النبي
صلى الله عليه وسلم غدرا ً وغيلة ،بحيث يشغل عامر بن الطفيل
بالحديث ويأتي أربد بن قيس من خلفه ويطعنه بالخنجر ،ولكن
الله عز وجل حبس يد أربد وشلها ،ونجا الله رسوله من غدر
الكافرين ،وفى طريق عودتهما أرسل الله على أربد بن قيس
وجمله الذى يركبه صاعقة من السماء فأحرقته ،أما عامر بن
الطفيل فأصيب بغدة في عنقه فصار يخور مثل البعير المنحور
حتى هلك.
----------------
.9عاقبة عقبة بن أبي معيط (وضع رجله على عنق
النبي فقطعت عنقه)
هو أشقى المشركين قاطبة والذي تجرأ على فعلة لم يجرؤ عليها
ول حتى أبا جهل ،حيث جاء والرسول ساجد خلف المقام بالكعبة
فوضع رجله على عنق الرسول وغمزها فما رفعها حتى كادت
تخرج عينا الرسول من مكانها ،ثم جاء مرة أخرى بسل شاة
فألقاه على كتف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد
فجاءت فاطمة فطرحته عن كتف أبيها.
فتكون عاقبته أن يقع أسيرا ً في غزوة بدر ويؤخذ من بين السرى
وتضرب عنقه ثم يلقى في قليب بدر العفن ،وهكذا جزاء من
سولت له نفسه وضع قدمه على العنق المبارك الشريف تقطع
عنقه ويلقى في المزابل.
113
------------------
.10عاقبة المستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
(رجل يلد مثل المرأة)!!
روى ابن كثير في تاريخه وابن خلكان في تراجمه في أحداث
سنة 665هجرية ،أن رجل ً من أهل بصرى اسمه "أبو سلمة" كان
فيه مجون واستهتار واستهزاء بكل شيء ،فذكر عنده السواك
وما فيه من الفضيلة فقال" :والله ل أستاك إل في المخرج يعنى
دبره ،ثم أخذ سواكا ً فوضعه في مخرجه ثم أخرجه ،فمكث بعده
تسعة أشهر وهو يشكو ألم البطن ثم وضع ولدا ً على صفة
الجرذان له أربع قوائم ورأسه كرأس السمكة وله أربعة أنياب
بارزة وذنب طويل ،ولما وضعه صاح هذا الحيوان ثلث صيحات
فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأس الحيوان فمات ،وعاش
ذلك الرجل بعد وضعه هذا المسخ يومين ومات في الثالث وهو
يقول "هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي"
-----------------
.11عاقبة شاتم الرسول (القربان الصليبي)
أثناء الحملة الصليبية السادسة على دمياط سنة 615هجرية ،وبعد
أن احتل الصليبيون دمياط وأقام المير اليوبي محمد الكامل
معسكره في المنصورة قبالة دمياط لمقاومة العدوان الصليبي،
كان كل يوم يخرج كلب صليبي ويقف قبالة المعسكر السلمي
ثم يبدأ في سب النبي صلى الله عليه وسلم بأقذع الشتائم
والسباب ،وظل يفعل ذلك كل يوم ،وكان المير محمد يود أن
يأسر هذا الصليبي الحاقد وقد حفر شكله في ذاكرته ومخيلته،
ولما انتهت الحملة الصليبية بالفشل سنة 618هجرية ،عاد
الصليبيون إلى بلدهم ،ولكن هذا الكلب الصليبي الحاقد لم يرجع
بل توجه إلى الشام لمحاربة المسلمين هناك وذلك من شدة
عداوته للسلم والمسلمين ،وهناك يقع في السر ويعرفه المير
محمد الكامل فيأخذه من بين السرى ويرسل به إلى المدينة
النبوية ،لينحر أمام الحجرة الشريفة يوم الجمعة وذلك سنة 625
هجرية ،جزاءً له على سبه للرسول صلى الله عليه وسلم .
------------------
فا لنصراني فأهلك الله أهله .12انتقص النبي تزل ً
وأولده!!
فهذا أحدهم ذهب لنيل شهادة الدكتوراه خارج بلده ،فلما أتم
دراسته وكانت تتعلق بسيرة النبي عليه الصلة والسلم ،طلب
منه أستاذه من النصارى أن يسجل في رسالته ما فيه انتقاص
للنبي عليه الصلة والسلم وتعريض له ،فتردد الرجل بين القبول
114
والرفض ،فأختار دنياه على آخرته ،وأجابه إلى ما أراد طمعا ً في
تلك الشهادة ،فما أن عاد إلى بلده حتى فوجئ بهلك جميع
أولده وأهله في حادث مروع ،ولعذاب الخرة أشد وأنكى.
------------------
.13عاقبة عتبة بن أبي لهب السود تنتصر لرسول الله
هو الكافر بن الكافر الذي تجرأ وتفل في وجه النبي صلى الله
عليه وسلم وطلق ابنته وأذاه أشد اليذاء وذلك قبل أن يخرج إلى
الشام للتجارة ،فدعا النبي فقال (اللهم سلط عليه كلبا ً من
كلبك) فلما ذهب للشام خاف أبوه أبو لهب من دعوة النبي،
فأنزل ولده في صومعة راهب وجعل فراشه الذي ينام عليه
خلف المتاع ليكون بمثابة الستار له ،وأين الفرار من المصير
المحتوم لكل من أذى رسول الله ،فناموا وجاء أسد بالليل يسعى
فطاف على كل النائمين يشمهم ثم يعرض عنهم لنه قد جاء
لمهمة محددة ،حتى وثب فوق المتاع وشم وجه اللعين فضربه
ضربة قاتله ثم أخذه يجره من رأسه وذهب به بعيدا ً ليأكله ،
وانظر كيف أخذه من وجهه لنه تفل في وجه النبي صلى الله
عليه وسلم ،فلم يأخذه من يديه أو رجليه إنما من وجهه الذي
تجرأ به على النبي .
فما أكيل السبع بالراجع من يرجع العام إلى أهله
-------------------
.14إمام عرض بالنبي فأصبح حارس الحذية!!
ذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن والده محمد شاكر ،وكيل
الزهر في مصر سابقا ً ،أن خطيبا ً مفوها فصيحا كان يمدح أحد
المراء في مصر عندما أكرم طاه حسين الذي كان يطعن في
القرآن وفي العربية ،فلما جاء طاه حسين إلى ذلك المير قام
هذا الخطيب المفوه يمدح ذلك المير قائل له:
جاءه العمى فمــا عبس بوجه وما تولى
وهو يقصد من شعره هذا إساءة النبي عليه الصلة والسلم ،
لن الله قال عن قصته عليه الصلة والسلم مع أبن أم مكتوم "
عبس وتولى أن جاءه العمى " فلما صلى الخطيب بالناس قام
الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله ،وقال
للناس :أعيدوا صلتكم فإن إمامكم قد كفر ،لنه تكلم بكلمة
الكفر ،قال الشيخ أحمد شاكر :ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه
في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الخرى ،فأقسم بالله أنه رآه
بعينه بعد بعض سنين ،بعد أن كان عاليا ً منتفخا ً مستعزا ً ،مهيناً
ذليل ً خادما ً على باب مسجد من مساجد القاهرة ،يتلقى نعال
المصلين ليحفظها في ذلة وصغار.
115
-------------------
.15عاقبة المرتد المستهزئ بالرسول الرض تلفظه
من بطنها
أخرج المامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بألفاظ متقاربة
ل نصرانِيًا فَأ َسل َم وقَرأَ عَ َ
ْ َ َ َ ج ٌ َ ْ َ ّ ن َر ُ ل كَا َ س -رضى الله عنه -قَا َ ن أن َ ٍ ْ
ى -صلى الله عليه وسلم َ ْ َ َ الْبَقََرة َ وَآل ِ
َ
َ ب لِلن ّب ِ ِ ّ ن يَكت ُ ُ ن ،فكا َ مَرا َ ع ْ
ه، ت لَ ُ ما كَتَب ْ ُ مد ٌ إِل ّ َ ح َّ م َ ما يَدْرِى ُ ل َ ن يَقُو ُ صَرانِيًّا فَكَا َ ،َ -فَعَاد َ ن ََ ْ
ض فَقَالُوا هَذ َا فِعْ ُ َ َ
ل ُ ه الْر ح وَقَد ْ لَفَظَت ْ ُ صب َ َ ْ ه فَدَفَنُوهُ ،فَأ ه الل ّ ُ مات َ ُ فَأ َ
َ َ
حبِنَا .فَألْقُوهُ صا ِ ن َ شوا ع َ ْ م نَب َ ُ منْهُ ْ ب ِ ما هََر َ حابِهِ ،ل َ َّ ص َ مد ٍ وَأ ْ ح َّ م َ ُ
ض ،فَقَالوا هَذ َا فِعْ ُ ُ َ َ َ َ َ َ
ل ه الْر ُ ح وَقَد ْ لفَظت ْ ُ صب َ َ مقُوا ،فَأ ْ ه فَأع ْ َ حفَُروا ل ُ فَ َ
َ َ
ه
َو ُم .فَأ َلْق ْ منْهُ ْ ب ِ ما هََر َ حبِنَا ل َ َّ صا ِ ن َ شوا ع َ ْ حابِهِ نَب َ ُ ص َ مد ٍ وَأ ْ ح َّ م َ ُ
َ َ َ َ َ َ َ
ح قدْ صب َ َستَطا َع ُوا ،فأ ْ ما ا ْ ض َ ه َ فِى الْر ِ مقُوا ل ُ ه ،وَأع ْ َ حفَُروا ل ُ فَ َ
َ
س فَألْقَوْه ُ ن الن ّا ِ
م َ َ س ِ ه لَي ْ َ موا أن َّ ُ ض ،فَعَل ِ ُ ه الْر ُ لَفَظَت ْ ُ
وهكذا الرض تقول للرسول صلى الله عليه وسلم سمعا ً وطاعة،
فل مكان في بطني لمن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم .
-------------------
.16عاقبة المحاكي الساخر بأفعال الرسول
َ
ن أبِي ن بْ ِ م ِ ح َ ن ع َبْد ِ الَّر ْ أخرج البيهقي بسنده َفي دلئل النبوة ،ع َ ْ
س إِلَى جل ِ ُ ن يَ ْ ن فُل ٌ ن فُل ٌ ل :كَا َ ما ،قَا َ َ ُ ه ع َنْه ُ ي الل ّ َ ض
ق َر ِ ِ صدِّي بَكْرٍ ال ِّ
م النَّب ِ ُّ َ
ي صلى الله عليه ي صلى الله عليه وسلم ،فَإِذ َا تَكَل ّ َ النَّب ِ ِ ّ
ي صلى الله عليه وسلم ه النَّب ِ ُّ ل لَ ُ ه ،فَقَا َ جهُ ُ ج وَ ْ ختَل َ َ يءٍ ا ْ ش ْ وسلم ب ِ َ
ت، ما َ حتَّى َ ج َ ختَل ِ ُ ل يُ ْ م يََز ْ ك ،فَل َ ْ ن كَذَل ِ َ :كُ ْ
------------------
.17عاقبة المتكبر على النبي صلى الله عليه وسلم :
(الشلل السريع)
أخرج المام مسلم في صحيحه عن سلمة بن الكوع قال[ :أكل
رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم :كل بيمينك قال ل أستطيع "قالها
كبرا ً وترفعًا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ل استطعت ،فما
رفعها إلى فيه]
--------------------
.18عاقبة أبى جهل ( :الطفال تنتصر لرسول الله)
أبو جهل هو فرعون هذه المة وأكثرها معاندة ومحاربة للرسول
وأكثرهم طعنا ً وشتما ً وسبا ً للرسول صلى الله عليه وسلم ،قضى
حياته كلها في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فكيف
كانت نهايته؟
116
في غزوة بدر يروى لنا "عبد الرحمن بن عوف" كيف تم ذلك
فيقول[ :إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني
وشمالي فإذا أنا بين غلمين من النصار حديثة أسنانهما ،فتمنيت
أن أكون بين أظلع منهما ،يقصد أقوى منهما ،فغمزني أحدهما
فقال يا عم أتعرف أبا جهل ؟ فقلت نعم وما حاجتك إليه ؟ قال :
أخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته ل
يفارق سوادي سواده حتى يموت العجل منا ،فتعجبت لذلك
فغمزني الخر فقال لي أيضا مثلها ،فلم أنشب أن نظرت إلى
أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت :أل تريان ؟ هذا صاحبكم
الذي تسألن عنه ،فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما
ابنا عفراء] وهكذا ينتصر الطفال ممن سب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،وهكذا يكون مصرع هذا الفرعون المتكبر على
يد أطفال صغار .
*******************
الفهرس العام
1 الباب الثامن – شبهات وردود
( )1زواج الرسول صلى الله عليه وسلم 1
( )2حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن
4 من العصمة
7 ( )3دعوى :خلو الكتب السابقة من البشارة برسول السلم
( )4قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب
28 الجحيم!
( )5مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم 32
( )6تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم 33
45 ( )7محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم النتحار
( )8ولدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عادية 47
( )9يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه 49
مي فكيف علّم القرآن؟! ُ
51 ( )10محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ
52 ( )11تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره
54 ( )12محمد صلى الله عليه وسلم يُعظّم الحجر السود
( )13كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن55
56 ل محمد صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام ( )14قَات َ َ
( )15محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما في القرآن 57
59 ( )16محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله
60 ( )17الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم
63 ( )18عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم –
117
65 ( )19عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم
ة تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بناءِ الكعبةِ 67 ( )20شبه ٌ
ما
( )21الرد على شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعا ً
70 ذبح على الصنم والنصب
()22شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت
75 جحش والرد عليها
84 ( )23علة كثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم
( )24شبهات وتهم ضد مقام النبوة 86
96 ( )25الثـار النبويـة
( )26الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدنيا
97 والغنائم
( )27مشكلة الفكر الغربي مع نبي السلم صلى الله عليه و سلم
100
( )28الساءة إلى السلم في الغرب ..حرية تعبير أم وجدان
111 صليبي
د .محمد مورو 111
الباب التاسع -مواضيع المتطاولون وعاقبتهم 115
.1كيف انتقم الله من الذين سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم
115 عبر التاريخ؟!
115 بقلم :د .عادل باناعمة.
.2وللكافرين أمثالها 120
.3عاقبة القرطاء البكريين ..استهزءوا بكتاب رسول الله
121 فأصابهم العته
.4عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك 121
122 .5عاقبة أحمد القادياني (النجاسة تخرج من فمه عند موته)
.6عاقبة كسرى ملك الفرس (يمزق خطاب النبي فيتمزق ملكه)
122
123 .7عاقبة عبد الله بن قمئة (التيس ينتصر لرسول الله)
.8عاقبة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس (صاعقة السماء تحرق
المتآمرين) 123
.9عاقبة عقبة بن أبي معيط (وضع رجله على عنق النبي فقطعت
123 عنقه)
.10عاقبة المستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم (رجل يلد
124 مثل المرأة)!!
124 .11عاقبة شاتم الرسول (القربان الصليبي)
125 .12انتقص النبي تزلفًا لنصراني فأهلك الله أهله وأولده!!
125 .13عاقبة عتبة بن أبي لهب السود تنتصر لرسول الله
118
125 .14إمام عرض بالنبي فأصبح حارس الحذية!!
.15عاقبة المرتد المستهزئ بالرسول الرض تلفظه من بطنها 126
126 .16عاقبة المحاكي الساخر بأفعال الرسول
.17عاقبة المتكبر على النبي صلى الله عليه وسلم ( :الشلل
127 السريع)
.18عاقبة أبى جهل ( :الطفال تنتصر لرسول الله) 127
119