Professional Documents
Culture Documents
القطار قادم2
القطار قادم2
القطار قادم2
واقفة في النفق المظلم ،لم تتحرك منذ زمن منذ انفصلت عن القطار ،ولكن سؤال يراود كل من يراها بأن ألم يأن
لهذه العربة أن تتحرك؟ ألم يأت موعد ازاحتها عن الطريق ،أو تصحيح مسارها لتكمل طريقها القديم؟ بلى ...آن
".أوانها هذا ما قرره الطاهر وطار عندما كتب "الشهداء يعودون هذا األسبوع
أسطورة تحسبها في بدايتها ،إذ من يصدق أن الموتى من قبورهم يبعثون رسائل إلى ذويهم ! ولكن لم يكن حدث
وصولها هو الرئيس في القصة ،فمضمونها هو المحور الذي ارتكزت عليه القصة ومحرك أحداثها .حزم وطار
حباله واستعد لحبك أحداثها فخرج نتاجها سجادة تنبهر إذ نظرت إليها ولكن اقترابك منها كفيل بأن ترى عيوبا
تحتويها ،هذه هي الصورة التي رسمها الكاتب في حديثه عن الثورة وكيف أن العناصر الخارجية دخلت في مسارها.
فكأنها حفرة في الرمال على شاطئ البحر يملؤها الماء عندما يغطيها الموج ،فخروج االستعمار كان سيترك فراغا
.كبيرا يؤثر على إدارة أمور البالد ،ولهذا مأل االستعمار هذا الفراغ قبل خروجه بأتباعه المنتشرين بين األهالي
تائه هو زمن القصة غير محدد كذلك هوحال المكان فيها ،مما يوصلنا لشمولية الحالة التي تحدث عنها الراوي .سار
العابد في بداية القصة في طريق مستقيم مستو ال انحدار فيه وال صعود مما يمكننا من النظر لشخصيته على أنها
مستقيمة ومتوازنة .بعدها نالحظ صعودا وانحدارا في الطريق مما يدللنا على تغير نفسيته .يسير العابد في طريقه
إلى القرية بعد استالمه الرسالة صاعدا الطريق فنراه مفعما باألمل باالفتراض المسبق لديه عن تقبل الناس لفكرته،
أما بعد لقائه بأول شخصية في القصة "المسعي " الذي كان هو والد شهيد أيضا فنجده يبرر عدم قبوله بعودتهم
للمشاكل العويصة التي ستالقيهم،فيبدأ Mأمل العابد بالتالشي شيئا فشيئا كذلك كلما قابل شخصية جديدة ونستدل على
.ذلك من خالل تحوله من حالة الصعود إلى حالة االنحدار لغاية وصوله لقاع المنحدر حيث سكة القطار
تضاد وتقابل كان هذا هو اسلوبه في تصوير المشهد الذي يتمثل في تشكيل الصورة من عنصرين متقابلين أو
باألحرى تقديم صورة مزدوجة يتعارض طرفاها من حيث الداللة االجتماعية أو الفكرية أو النفسية .ونرى ذلك
متمثال في شخصيات قدور ورئيس وحدة الدرك الذين يحمالن طابع النضال في الثورة الجزائرية والذي انقلب إلى
طابع الخيانة أثناء الثورة وإلى غاية االستقالل وما بعده M.وهنا ينطلق كما في حواره مع بقية الشخصيات من اللحظة
الحاضرة إلى اللحظة الماضية وهذه التقنية تسمى الفالش باك (العودة إلى الماضي) ،فمثال رجع قدور بذاكرته إلى
.ليلة استشهاد مصطفى وما حدث فيها وراوده الخوف مما يخبئه له القدر عند رجوعه
أما عبد الحميد الشاب المتعلم ابن الخائن الذي يشغل منصب شيخ القرية فكان بداية أكثر شوقا إلطفاء نار الثأر منه
للحديث في موضوع عودتهم .وواضح لنا باإلضافة إلى ذلك استحواذ المتعلمين Mعلى السلطة وليس المجاهدين الذين
.ضحوا بما يملكون لتحصيل االستقالل ،وهنا نرى تجلي فكرة التكنوقراط بوضوح
وأعلنت السلطة عن موقفها جليا في ردود شيخ البلدية ومنسق القسمة ،فهي مع تقديسها للشهداء والشهادة قامت
بتحويلها من أسلوب حياة إلى مجرد فكرة ،جعلتها كالنجم في السماء يتألأل يشاهده الناس ولكن ال يستطيعون
الوصول إليه ،وهذا بالضبط ما تفعله السلطة عندما ال تعجبها فكرة معينة Mوال تريد للشعب تطبيقها ،في حين تنقد
الفكرة التي تعجبها وتريد انتشارها وشيوعها فتوضح أخطاءها وحسناتها .أما من الناحية المالية ؛ نرى أن السلطة
المالية ستقوم بقطع المنح المالية ألهالي الشهداء باعتبارهم عائدين في حين لم توافق على االعتراف بهم كأشخاص
.على قيد الحياة لهم حقوق
كتب عليهم أن يكونوا مجاهدين حتى آخر العمر ،حتى لو عادوا إن أرادوا الحياة عليهم أن يعودوا للنضال فلذلك
خلقوا ،هذا ما نلمحه في رد الكومينيست والذي يمثل الجانب النقابي بعيدا Mعن السلطة .االبن الذي يمثل الشريحة
التي ال رأي لها أيضا استشير في رأيه .إمام المسجد كفر العابد وأهله فالشهيد حي يرزق عند ربه ال يجوز لزوجته
.الزواج من غيره
تطور الحدث إلى أن بلغ ذروته عندما اكتسح خبر عودة الشهداء في وقت قصير القرية ،وصار محل نقاش سكانها،
وقد لعبت البيئة السياسية دورا مهما في تضخيم نبأ الرسالة ،وهو األمر الذي جعله ينتشر بسرعة مذهلة وينزل على
قلوب السلطات المحلية كالصاعقة ،فهم الوحيدون الذين صدقوا الرسالة .إن حركة العودة تعني قلب الوضع السياسي
رأسا على عقب كما تعني تعرف الشهداء على الحقيقة .وهو األمر الذي رسم وطار صورته بطريقة غير مباشرة
وذلك باعتراف كل مسؤول على حدة كلما بلغه خبر عودة الشهداء ،فيشك أخيرا في كفاءته وحقه في المنصب الذي
.يشغله
وعند هذه النقطة المتأزمة يكون قد انتهى دور العابد ،بعدما أدى رسالته بكل تفان واتقان وتضحية وذكاء ،ومن هنا
بدأ الحدث يتنازل بسرعة عند وصول العابد ألسفل المنحدر واقدامه على عملية االنتحار حين ألقى بنفسه أمام
القطار ،وذلك فداء وتضحية لرسالته النضالية التي قام بدوره فيها على أكمل وجه في سبيل مبادئه الوطنية التي ال
تتغير ،وهي نقطة وفق القاص في التعبير عنها توفيقا فنيا وفكريا عاليا ،كما أنه وصل إلى المعنى الذي سعى إليه في
القصة ،مع أنه ال يخلو من أسطورية ،فقد جعل القرية كلها تقرأ ماضيها الذي كادت تنساه ،ذكرها بأن هناك مبادئ
وأخالق وقيم البد أن نعود ونتسم بها ،فهي تاريخنا حاضرنا ومستقبلنا المشرق ،وهو المعنى الذي قصده وطار عن
.طريق توظيفه لشخصية العابد
ونرى هنا تحول القطار من وسيلة نقل إلى أداة قتل ،وهو كغيره من أماكن العبور قد تحول إلى مصدر للمعاناة
.بالنسبة لذوي الشهداء ،في حين استولى الخونة واإلنتهازيون على مقاليد األمور في ثورة الجزائر
ونالحظ أخيرا كيف أن عودة الشهداء بالمعنى الرمزي تشكل المصفاة التي ستنقي الناس ،فتزيح الخائنين وتكافئ
المخلصين الوطنيين ،وتعيد Mللناس أفكارهم الثورية وقيمهم التي تناسوها ،وهذا ما قصده العابد تماما فيقوله " لعل
".االصطدام يخرج العربة ،والقطار عن السكة .لعل القطار يأتي من الجانب اآلخر ليعيد العربة إلى الخلف