Professional Documents
Culture Documents
مختصر لمسائل كتاب الروح لابن القيم -رحمه الله
مختصر لمسائل كتاب الروح لابن القيم -رحمه الله
مختصر لمسائل كتاب الروح لابن القيم -رحمه الله
لمسائل كتاب
الروح لبن القيم
–رحمه الله -
إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
-1-
الح مد ل رب العالم ين ،وال صلة وال سلم على أشرف ال نبياء والمر سلين ،نبي نا
أما بعد :فهذا مختصر لطيف للمسائل التي أجاب عنها العلمة ابن القيم ـ رحمه
ال ــ فـي كتاب ( الروح) مـع أجوبتهـا ،مقتصـرا فـي ذلك على ذكـر الجواب
-2-
المسألة الولى :هل تعرف الموات بزيارة الحياء وسلمهم عليهم أم ل ؟
الج ـــواب :قال صلى ال عل يه و سلم " :ما من م سلم ي مر ب قبر أخ يه كان
يعر فه في الدن يا َفيُ سَلم عل يه ،إل رد ال عل يه رو حه ،ح تى يرد عل يه ال سلم" فهذا
نص في أنه يعرفه بعينه ويرد عليه السلم.
و قد شرع ال نبي صلى ال عل يه و سلم لم ته إذا سلموا على أ هل القبور أن ي سلموا
علي هم سلم من يخاطبو نه فيقول الم سلّم " :ال سلم علي كم دار ق ـومٍ مؤمن ين" و قد
تواترت الثار عن السلف بأن الميت يعرف زيارة الحي له ،ويستبشر به.
ويك في في هذا ت سمية الم سلّم عل يه زائرا ،ولول أن هم يشعرون به ل ما صح ت سميته
زائرا ،فإن المزور إذا لم يعلم بزيارة مـن زاره لم يصـح أن يقال :زاره ،هذا هـو
المعقول من الزيارة ع ند جم يع ال مم .وكذلك ال سلم علي هم أيضا ،فإن ال سلم على
بالمسـلّم محال ،وقـد ثبـت فـي الصـحيح أن الميـت يسـتأنس
َ مـن ل يشعـر ول يعلم
بالمشيعين لجنازته بعد دفنه.
المسألة الثانية :وهي أن أرواح الموتى هل تتلقى وتتزاور وتتذاكر أم ل ؟
الجــــواب :الرواح قسمان :
-1أرواح معذبة والعياذ بال ،فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور
والتلقي.
-2أرواح منعمة ،وهي مرسلة غير محبوسة ،تتلقى وتتزاور وتتذاكر ما كان
منها في الدنيا ،وما يكون من أهل الدنيا .فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على
مثل عملها ،وروح نبينا صلى ال عليه وسلم في الرفيق العلى .قال ال (ومن يطع
ال والرسـول فأولئك مـع الذيـن أنعـم ال عليهـم مـن النـبيين والصـديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
وهـذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء .وقال تعالى
( يا أيت ها الن فس المطمئ نة ارج عي إلى ر بك راض ية مرض ية فادخلي في عبادي
وادخلي جنتي) أي ادخلي في جملتهم وكوني معهم .وهذا يقال للروح عند الموت.
-3-
وقد أخبر ال تعالى عن الشهداء بأنهم ( أحياء عند ربهم يرزقون) وأنهم (يستبشرون
بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) وأنهم ( يستبشرون بنعمة من ال وفضل) .وهذا يدل
على تلقيهم من ثلثة أوجه :
.1أنهم ( أحياء ) والحياء يتلقون.
.2إنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم.
.3أن لفظ ( يستبشرون) يفيد أنهم يبشر بعضهم بعضا.
المسألة الثالثة :وهي هل تتلقى أرواح الحياء وأرواح الموات أم ل ؟
الج ــــواب :ن عم ،تلت قي أرواح الحياء والموات ،ك ما تلت قي أرواح الحياء
ال يتو فى الن فس ح ين موت ها وال تي لم ت مت في منام ها فيم سك ال تي قال تعالى
قضـى عليهـا الموت ويرسـل الخرى إلى أجـل مسـمى إن فـي ذلك ليات لقوم
يتفكرون.
عن ابن عباس في تفسير الية :بلغني أن أرواح الحياء والموات تلتقي في المنام،
فيتساءلون بينهم ،فيمسك ال أرواح الموتى ويرسل أرواح الحياء إلى أجسادها.
وقـد دل على التقاء أرواح الحياء والموات أن الحـي يرى الميـت فـي منامـه
فيستخبره ،ويخبره الميت بما ل يعلمه الحي ،فيصادف خبره كما أخبر في الماضي
والمستقبل.
وفي هذا حكايات متواترة.
وهذا المر ل ينكره إل من هو أجهل الناس بالرواح وأحكامها وشأنها.
المسألة الرابعة :وهي أن الروح هل تموت أم يموت البدن وحده ؟
الجـــواب :أن يقال :موت النفوس هـو مفارقتهـا لجسـادها وخروجهـا منهـا ،فإن
أريـد بموتهـا هذا القدر فهـي ذائقـة الموت بل شـك ،وإن أريـد أنهـا تعدم وتضمحـل
وتصير عدما محضا ،فهي ل تموت بهذا العتبار ،بل هي باقية بعد خروجها من
البدن في نعيم أو في عذاب.
-4-
المسألة الخامسة :كيف تتعارف الرواح بعد مفارقة البدان ؟
الج ـــــواب :أن ها ب عد مفارقت ها الج سد تأ خذ من بدن ها صورة تتم يز ب ها عن
غير ها ،فإن ها تتأ ثر ،وتنت قل عن البدن ،ك ما يتأ ثر البدن وينت قل عن ها ،فيكت سب
البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها ،وتكتسب النفس الطيب والخبث من
طيب البدن وخبثه.
المسألة السادسة :وهي :أن الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أم ل
تعاد؟
الجـــــواب :قـد جاء فـي الحديـث الصـحيح :قال البراء بـن عازبُ ( :كنّاـ فـي
فقعد ،وقعدنا حوله كأنّ على رؤوسنا الطّير جنازةٍ في بقيع الغرقـد ،فأتانا النبي
،و هو يلحـد له ،فقال " :أعوذ بال مـن عذاب ال قبر" ذ ثلث مرات ذ ثـم قال " :إن
العبد المؤمن إذا كان في إقبالٍ من الخرة ،وانقطا عٍ من الدنيا نزل تْ إليه ملئكةُ ،
كأنّ وجوههم الشم سُ ،فيجلسون منه مدّ البصر ،ثم يجيء مل كُ الموت حتى يجلس
عند رأسه فيقول :أيتها النفس الطيبة ،أخرجي إلى مغفرةٍ من ال ورضوان.
قال :فتخرج تسيلُ كما تسيل القطرةُ مِن ِفيّ ال سّقاء ،فيأخذها ،فإذا أخذها لم
يَدَعوهـا فـي يده طرفةَ عيـن حتـى يأخذوهـا ،فيجعلوهـا فـي ذلك الكفـن وفـي ذلك
الحنوط ،ويخرج منها كأطيب نفحةِ مسكٍ وُجِ َدتْ على وجه الرض.
قال :فيصعدون بها فل َي ُمرّو نَ بها ذ يعني على مل من الملئكة ذ إل قالوا:
طيّ بُ ؟ فيقولون :فلن بن فلن ،بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه
ما هذا الرو حُ ال ّ
بها في الدنيا ،حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ،فيستفتحون له ،فيفتح له ،فيشيّعه
مِن كلّ سماءٍ مٌ َق ّربُوها إلى السماء التي تليها ،حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها
عّليّيــن ،وأعيدوه إلى
ال تعالى ،فيقول ال عزّ وجلّ :اكتبوا كتاب عبدي فــي ِ
الرض ،فإني منها خلقتهم ،وفيها أُعيدهم ،ومنها أُخرجهم تارة أخرى.
قال :فتُعاد روحُه في جسده ،فيأتيه ملكان فيجلسانه ،فيقولن له مَن ربّك ؟
فيقول :ربي ال ؛ فيقولن له :ما دينك ؟ فيقول :ديني السلم ،فيقولن له :ما هذا
علْم ُك ؟ فيقول:
،فيقولن له :ومـا ِ الرجلُ الذي بُعـث فيكـم ؟ فيقول رسـول ال
قرأ تُ كتا بَ ال ،فآم نت به ،و صدّقتُ ،فينادي منادٍ من ال سماء :أن صدق عبدي
-5-
فأفرشوه مـن الج نة ،وافتحوا له بابا مـن الج نة ؛ قال :فيأتيـه من ريح ها وطيبهـا ،
ويُفسح له في قبره مدّ بصره.
ب الرّ يح ،فيقول :أبشرْ
طيّ ُ
قال :ويأت يه رجلُ حَ سَنُ الو جه ،حَ سَنُ الثياب َ ،
بالذي يس ّركَ هذا يومك الذي كنت توعد ،فيقول له :مَن أنت ؟ فوجهُك الوجه الذي
يجيءُ بالخ ير ،فيقول :أ نا عملُك ال صّالح ،فيقول :ر بّ أق مِ ال سّاعةَ ح تى أرج َع إلى
أهلي ومالي.
قال :وإن العبدَ الكافرَ إذا كان في إقبالٍ من الدن يا وانقطا عٍ من الخرة ،نزل
إليه من السماء ملئكةُ سود الوجه ،معهم المسوح ،فيجلسون منه مد البصر ،ثم
يجيء مل كُ الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول :أيتها النفس الخبيثة ،أخرجي إلى
سخطٍ من ال وغضب.
قال :فتتفرّق فـي جسـده فينتزعهـا كمـا يُنتزع السَـفّود مـن الصـوف المبلول ،
فيأخذها ،فإذا أخذها لم يَدَعُوها في يده طرفة عين ،حتى يجعلوها في تلك المسوح،
َتـ على وجـه الرض ،فيصـعدون بهـا ،فل
ريحـ جيفةٍ وُجِد ُ
ِ ويخرج منهـا كأنتـن
َي ُمرّون بها على مل من الملئكة إل قالوا :ما هذا الريح الخبيث ؟ فيقولون :فلن بن
فلن ،بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ،حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا،
فيستفتح له فل يفتح.
حتّى َيلِ جُ
خلُو نَ الجنّةَ َ
:ل تُ َفتّ حُ لَه مْ َأ ْبوَا بُ ال سّماءِ َولَا يَدْ ُ ثم قرأ رسولُ ال
خيَا طِ (العراف )40 :فيقول ال عزّ وجلّ :اكتبوا كتابه في سِجّين في
جمَلُ فِي سَمّ الْ ِ
الْ َ
شرِ كْ بِاللّ هِ َفكَأنّ ما خَ ـرّ
َومَ نْ يُ ْ الرض ال سفلى ،فتُطرح روحُه طرحا ،ثم قرأ:
(الحج.)31 : سحِيقٍ
ط ْيرُ َأوْ َت ْهوِي بِ ِه الرّيحُ فِي َمكَانٍ َ
سمَاءِ َفتَخْطفُهُ ال ّ
مِنَ ال ّ
فتُعادُ روحُه في ج سده ،ويأت يه ملكان فيجل سانه ،فيقولن له :مَن ر بك ؟ فيق ـول:
ـ فيكـم ؟ فيقول هاه هاه ل
هاه هاه ل أدري ،فيقولن له :مـا هذا الرجلُ الذي ُبعِث َ
أدري " ،سمعت الناس يقولون شيئا فقل ته " فينادي منادٍ من ال سماء :أن كذب عبدي
فأفرشوه من النار ،وافتحوا له بابا إلى النار ،فيأ ته من حرّ ها و سمومها ،ويض يق
عليه قبره حتى تختلفَ فيه أضلعُه.
-6-
ويأتيه رجلُ قبيح الوجه ،قبيح الثياب ،منتن الريح ،فيقول :أبشر بالذي يسؤوك ،
هذا يومُك الذي ك نت توُ عد ،فيقول :مَن أ نت ؟ فوجهُك الو جه الذي يج يء بال شر ،
فيقول :أنا عملك الخبيث فيقول :ربّ ل تقم الساعة ) رواه المام أحمد وأبو داود ،
وروى النسائي وابن ماجة أوله ،ورواه أبو عوانة السفراييني في صحيحه.
وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف.
المسـألة السـابعة :هـل عذاب القـبر يكون على النفـس ؟ أو على البدن ؟ أو على
الن فس دون البدن؟ أو على البدن دون الن فس ؟ و هل يشارك البدن الن فس في النع يم
والعذاب أم ل؟
الجـــــواب :مذهـب سـلف المـة وأئمتهـا أن الميـت إذا مات يكون فـي نعيـم أو
عذاب ،وأن ذلك يح صل لرو حه وبد نه ،وأن الروح تب قى ب عد مفار قة البدن منع مة
أو معذ بة ،وأن ها تت صل بالبدن أحيانا ،ويح صل له مع ها النع يم أو العذاب .ثم إذا
كان يوم القيامة أعيدت الرواح إلى الجساد ،وقاموا من قبورهم لرب العالمين.
وعذاب القـبر ثابـت بالكتاب والسـنة ،ومـن كان مسـتحقا له ناله نصـيبه مـن العذاب
سواء قبر أو لم ي قبر ،ف سواء أكل ته ال سباع أو أحرق ح تى صار رمادا ونُ سف في
الهواء ،أو صلب ،أو غرق في الب حر ،و صل إلى رو حه وبد نه من العذاب ما
يصل إلى القبور ،بقدرة ال عز وجل.
المسألة الثامنة :وهي :ما الحكمة في كون عذاب القبر لم يذكر في القرآن مع شدة
الحاجة إلى معرفته واليمان به ليحذر ويتقى ؟
الجــــواب :مجمل ومفصل :
الجواب المجمل :هو أن ال أنزل على رسوله صلى ال عليه وسلم وحيين ،وأوجب
على عباده اليمان بهما والعمل بما فيهما ،وهما الكتاب والحكمة .قال تعالى (وأنزل
ال عل يك الكتاب والحك مة) والكتاب هو القرآن ،والحك مة هي ال سنة باتفاق ال سلف.
فما أخبر به الرسول صلى ال عليه وسلم يجب تصديقه واليمان به.
أما الجواب المفصل :فهو أن عذاب القبر مذكور في القرآن في عدة آيات ؛ منها:
-7-
-1قوله تعالى :ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة باسطو أيديهم
أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على ال غير الحق وكنتم
عن آياته تستكبرون
وعذاب الهون هو عذاب القبر ،قبل العذاب العظيم في النار.
-2قوله تعالى عــن آل فرعون :النار يعرضون عليهــا غدوا وعشيا ويوم تقوم
الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
المسألة التاسعة :وهي :ما السباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟
الجـــواب :مجمل ومفصل
الجواب المجمل :أنه يعذبون على جهلهم بال وإضاعتهم لمره وارتكابهم لمعاصيه.
والجواب المفصـل :أن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم قـد أخـبر عـن أناس بأنهـم
يعذبون في القبر ،منهم على سبيل المثال:
-1النمام.
-2الذي ل يستبرئ من بوله.
-3الكذاب .
-4الزناة.
-5آكل الربا.
وغيرهم كثير … أعاذنا ال وإياكم من عذاب القبر.
المسألة العاشرة :ما هي السباب المنجية من عذاب القبر؟
الجــــواب :مجمل ومفصل
الجواب المج مل :تج نب تلك ال سباب ال تي تقت ضي عذاب ال قبر ،و من أنفع ها أن
يتوب النسان توبة نصوحا ،ويحاسب نفسه.
الجواب المفصل :ما ورد في أحاديث كثيرة صحيحة ،منها :
-1الرباط في سبيل ال.
-2الشهادة في سبيل ال.
-3قراءة سورة ( تبارك).
-4الموت في ليلة الجمعة أو يومها.
-8-
المسألة الحادية عشرة :وهي :أن السؤال في القبر هل هو عام في حق المسلمين
والمنافقين والكفار ،أو يختص بالمسلم والمنافق؟
الجــــواب :أن السؤال يكون للجميع ،فقد جاء في حديث البراء ـ رضي ال
عنه ـ " فإذا كان كافرا جاءه ملك الموت فجلس عند رأسه ..فذكر الحديث وفيه ـ
ويأتيه ملكان شديدا النتهار ،فيجلسانه وينتهرانه ،فيقولن :من ربك؟ …الحديث"
وقـد أخـبر ال تعالى فـي كتابـه أنـه يسـأل الكفار يوم القيامـة ،قال سـبحانه ( ويوم
يناديهـم فيقول ماذا أجبتـم المرسـلين) وقال ( فوربـك لنسـألنهم أجمعيـن عمـا كانوا
يعملون) فإذا سئلوا يوم القيامة فكيف ل يسألون في قبورهم؟
المسألة الثانية عشرة :وهي أن سؤال منكر ونكير هل هو مختص بهذه المة أو
يكون لها ولغيرها؟
الجــواب :وال أعلم ـ أن كل أمة من المم تسأل عن نبيها ،وأنهم معذبون في
قبور هم ب عد ال سؤال ل هم وإقا مة الح جة علي هم ،ك ما يعذبون في الخرة ب عد ال سؤال
وإقامة الحجة.
المسألة الثالثة عشرة :وهي أن الطفال هل يمتحنون في قبورهم؟
الجـــواب :أنهـم ل يمتحنون ،لن السـؤال يكون لمـن عقـل الرسـول والمرسـل ،
فيسأل :هل آمن بالرسول وأطاعه ،أم ل؟ فأما الطفل الذي ل تمييز له فكيف يسأل
هذا السؤال؟
وأما حديث أبي هريرة رضي ال عنه :أنه صلى ال عليه وسلم صلى على
جنازة صبي فسُمع من دعائه" :اللهم قه عذاب القبر" رواه مالك ،فليس المراد بعذاب
القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؟ فإن ال ل يعذب أحدا
بل ذ نب عمله ،بل عذاب ال قبر قد يراد به اللم الذي يح صل للم يت ب سبب غيره ،
وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله.
ومنه قوله صلى ال عليه وسلم" :إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" .أي يتألم
بذلك ويتوجع منه ل أنه يعاقب بذنب الحي (ول تزر وازرة وزر أخرى).
وهذا كقوله صلى ال عليه وسلم" :السفر قطعة من العذاب" ،فالعذاب أعم من
العقوبة .ول ريب أن في القبر من اللم والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى
-9-
الطفل فيتألم به ،فيشرع للمصلي عليه أن يسأل ال تعالى أن يقيه ذلك العذاب ،وال
أعلم.
المسألة الرابعة عشرة :وهي :هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟
الجــواب :أن عذاب القبر نوعان:
-1نوع دائم :يدل عليه قوله تعالى( :النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ،وقوله
صـلى ال عليـه وسـلم فـي الذي يعذب" :فهـو يُفعـل بـه ذلك إلى يوم القيامـة" رواه
البخاري .وقوله صلى ال عليه وسلم في قصة الجريدتين اللتين وضعهما على قبري
من يعذبان" :لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا" فجعل التخفيف مقيدا بمدة رطوبتها فقط.
فالصل أن عذابهما دائم.
إل أنـه قـد رويـت بعـض الحاديـث تفيـد أن العذاب يخفـف عنهـم مـا بيـن
النفختين ،فإذا قاموا من قبورهم قالوا( :يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا).
-2نوع يبقى إلى مدة ثم ينقطع ،وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم،
فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه.
المسألة الخامسة عشرة :وهي :أين مستقر الرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة؟
الجــواب :قد اختلف العلماء في هذا اختلفا كثيرا ،ولكل واحد حجته ،فمنهم من
قال :هي في الجنة ،ومنهم من قال :هي عند باب الجنة ،ومنهم من قال :هي على
أفنية قبورها ،ومنهم من قال :هي مرسلة تذهب حيث شاءت ،ومنهم من قال :هي
ع ند ال ،ومن هم من قال :أرواح المؤمن ين عن يم ين آدم ذ عل يه ال سلم ذ وأرواح
الكفار عن شماله.
والصـواب :أن ( الرواح متفاوتـة فـي مسـتقرها فـي البرزخ أعظـم تفاوت فمنهـا:
أرواح في أعلى علّي ين في المل العلى و هي أروا حُ ال نبياء صلوات ال و سلمه
في ليلة الِسراء. عليهم أجمعين ،وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي
ومن ها :أرواح في حوا صل ط ير خ ضر ت سرح في الج نة ح يث شاءت و هي
أرواحُ بعض الشهداء ل جميعهم ،بل من الشهداء من ُتحَبسُ روحُه عن دخول الجنة
ل َديْن عليه أو على غيره ،كما في المسند أنّ رجلً جاء إلى النبي فقال :يا رسول
-10-
ال ،مـا لي إن قُتلت فـي سـبيل ال ؟ قال " الجنـة " ،فلمـا ولى قال (( :إلّ الدّيـن ،
سارني به جبريلُ آنفا)).
ومنهم :من يكون محبوسا على باب الجنة كما في الحديث الخر (( :رأيتُ صاحِبكم
محبوسا على باب الجنة)).
ومن هم :من يكون محبو سا في قبره ،كحد يث صاحب الشملة ال تي غل ها ثم
ا ستشهد ،فقال الناس :هنيئا له الج نة ،فقال ال نبي (( :والذي نف سي بيده إن الشّملة
التي غلّها لتشتعل عليه نارا في قبره)).
ومنهم :من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس (( :الشهداءُ على
بارق ذ ن هر بباب الج نة ذ في ق بة خضراء ،يخرج علي هم رزقُ هم من الج نة بكرةً
وعشية)) .رواه أحمد .وهذا بخلف جعفر بن أبي طالب ذ رضي ال عنه ذ حيث
أبدله ال من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء.
ومنهم :من يكون محبوسا في الرض ،لم َتعْلُ روحُه إلى المل العلى فإنها
كانت رُوحا سفلية أرضية ،فإنّ النف سَ الرضيّةَ ل تجام عُ النفس السماوية ،كما
ل تجامعها في الدنيا ،والنفس التي لم تكتسبْ في الدنيا معرفةَ ربّها ،ومحبته و ِذكْره
والنس به ،والتقرّب إليه ،بل هي أرضية سفلية ،ل تكون بعد المفارقة لبدنها إل
هناك.
س العلويّ ة ال تي كا نت في الدن يا عاكفةً على مح بة ال عزّ وجلّ
ك ما أنّ النف َ
وذكْره ،والتقرُب إل يه وال نس به تكون ب عد المفار قة مع الرواح العلو ية المنا سبة
ّجـ النفوس
لهـا ،فالمرءُ مـع مَن أحبّ فـي البرزخ ،ويوم القيامـة ،وال تعالى يُزو ُ
بعض ها بب عض في البرزخ وي ـوم المعاد ك ما تقدّم في الحد يث ،ويج عل رو حه ذ
فالروحـ بعـد
ُ يعنـي المؤمـن ذ مـع النسـيم الطيـب ؛ أي الرواح الطّيبـة المشاكلة ،
المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك.
ومن ها :أرواح تكو نُ في تنّور الزّناة والزوا ني ،وأرواح في ن هر الدم ت سبح
فيه وتلقم الحجارة ،فليس للرواح سعيدها وشقيّها مستقر واحد ،بل روح في أعلى
عليين ،وروح أرضية سفلية ل تصعد عن الرض).
-11-
المسألة السادسة عشرة :وهي :هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الحياء ،
أم ل؟
الجــواب :أنها تنتفع من سعي الحياء بأمرين مجمع عليهما بين أهل السنة.
أحدهما :ما تسبب إليه الميت في حياته.
الثاني :دعاء المسلمين له ،واستغفارهم له ،والصدقة والحج.
أما بقية العبادات البدنية :كالصوم والصلة وقراءة القرآن والذكر فقد اختلفوا
في و صول ثواب ها إل يه .و قد اختار ا بن الق يم -رح مه ال ذ و صول ثواب ذلك كله
للميت .وقال" :الذي أوصل ثواب الحج والصدقة والعتق هو بعينه الذي يوصل ثواب
الصـيام والصـلة والقراءة والعتكاف ،وهـو إسـلم المهدى إليـه ،وتـبرع المهدي
وإحسانه" (ص .)334
ثـم قال رحمـه ال (( :وبالجملة فأفضـل مـا يُهدى إلى الميـت :العتـق ،والصـدقة ،
والستغفار له ،والدعاء له ،والحج عنه)) " ص ." 345
المسألة السابعة عشرة :وهي :هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟
الج ــواب :أجم عت الر سل صلوات ال و سلمه علي هم على أن ها محد ثة مخلو قة
مصـنوعة مربوبـة مُ َد ّبرَة .وهذا معلوم بالضطرار مـن دينهـم ،وقـد انطوى عصـر
الصـحابة والتابعيـن وتابعيهـم وهـي القرون المفضلة على ذلك ،مـن غيـر اختلف
بينهم ،حتى نبغت نابغة من أهل الضلل فزعمت أنها قديمة غير مخلوقة!!
المسألة الثامنة عشرة :وهي :تقدم خلق الرواح على الجساد أو تأخر خلقها عنها؟
الجــواب :قد اختلف العلماء في هذا:
-1فقال قوم :الرواح مخلوقة قبل الجساد.
-2وقال آخرون :بل الجساد مخلوقة قبل الرواح.
والصـواب هـو القول الثانـي :وهـو أن الجسـاد خُلقـت أولً ،ثـم الرواح ،
ودل يل هذا أن ال خلق آدم ذ عل يه ال سلم ذ من تراب ( ثم) ن فخ ف يه الروح.
قال ابـن القيـم ذ رحمـه ال " :-والقرآن والحديـث والثار تدل على أن ال
سبحانه نفخ فيه من روحه بعد خلق جسده" (ص .)410
المسألة التاسعة عشرة :وهي :حقيقة النفس.
-12-
الجـــواب :أن هذه مـن المسـائل التـي تكلم فيهـا الناس مـن سـائر الطوائف ،
واضطر بت في ها أقوال هم ،وك ثر في ها خطؤ هم ،وهدى ال أتباع الر سول صلى ال
عل يه و سلم وأ هل سنته ل ما اختلفوا ف يه من ال حق بإذ نه ،وال يهدي من يشاء إلى
صراط مستقيم.
فال صواب أن يقال :بأن الروح ج سم مخالف بالماه ية لهذا الج سم المح سوس،
وهـي -أي الروح ذ جسـم نورانـي علوي خفيـف حـي متحرك ،ينفـذ فـي جوهـر
العضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد ،وسريان الدهن في الزيتون ،والنار
في الفحم .فما دامت هذه العضاء صالحة لقبول الثار الفائضة عليها من هذا الجسم
اللطيـف بقـي ذلك الجسـم اللطيـف مشابكا لهذه العضاء ،وأفادهـا هذه الثار مـن
ال حس والحر كة الراد ية .وإذا ف سدت هذه العضاء ب سبب ا ستيلء الخلط الغلي ظة
عليهـا ،وخرجـت عـن قبول تلك الثار ،فارق الروح البدن ،وانفصـل إلى عالم
الرواح.
المسألة العشرون :وهي :هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟
الجــواب :أن النفس في القرآن تُطلق على الذات بجملت ها ،كقوله تعالى( :فسلموا
على أنف سكم) ،وقوله( :ول تقتلوا أنف سكم) ،وقوله( :يوم تأت كل ن فس تجادل عن
نف سها) ،وقوله ( :كل ن فس ب ما ك سبت رهي نة) .وتطلق الن فس على الروح وحد ها ،
كقوله تعالى( :يا أيتها النفس المطمئنة) ،وقوله( :أخرجوا أنفسكم) .أما (الروح) فل
ـ
تُطلق على البدن ،ل بانفراده ول مـع النفـس .فالفرق بيـن النفـس والروح فرق ٌ
بالصفات ل فرقٌ بالذات.
المسألة الحادية والعشرون :وهي :هل النفس واحدة أم ثلث؟
لن ال يقول( :يا أيتها النفس المطمئنة) ويقول( :ول أقسم بالنفس اللوامة) ،ويقول:
(إن النفس لمّارة بالسوء) ،فهي مطمئنة ،ولوامة ،وأمارة.
الج ــواب :أن ها ن فس واحدة ،ول كن ل ها صفات ،فت سمى باعتبار كل صفة با سم،
فت سمى (مطمئ نة) باعتبار طمأنينت ها لرب ها بعبودي ته ومحب ته ،وتُ سمى (لوا مة) لن ها
تلوم صاحبها على التفريط ،وتُسمى (أمّارة) لنها تأمره بالسوء ،وهذا من طبيعتها
إل ما وفقها ال وثبتها وأعانها.
-13-
نسأل ال أن يجعل نفوسنا مطمئنة ،وأن يُدخلنا في عباده وفي جنته ،آمين
وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
-14-