مختصر لمسائل كتاب الروح لابن القيم -رحمه الله

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫مختصر‬

‫لمسائل كتاب‬
‫الروح لبن القيم‬
‫–رحمه الله ‪-‬‬
‫إعداد‬
‫سليمان بن صالح الخراشي‬

‫‪-1-‬‬
‫الح مد ل رب العالم ين ‪ ،‬وال صلة وال سلم على أشرف ال نبياء والمر سلين ‪ ،‬نبي نا‬

‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ :‬فهذا مختصر لطيف للمسائل التي أجاب عنها العلمة ابن القيم ـ رحمه‬

‫ال ــ فـي كتاب ( الروح) مـع أجوبتهـا ‪ ،‬مقتصـرا فـي ذلك على ذكـر الجواب‬

‫ال صحيح‪ .‬دون التعرض لن قل الخلفيات والدلة المتشع بة ؛ ل كي ي سهل ا ستحضارها‬

‫لطلب العلم ‪ ،‬ولعامة المسلمين‪.‬‬

‫وأسال ال أن ينفع بها كاتبها وقارئها … وصلى ال على نبينا محمد‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬هل تعرف الموات بزيارة الحياء وسلمهم عليهم أم ل ؟‬
‫الج ـــواب ‪ :‬قال صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬ما من م سلم ي مر ب قبر أخ يه كان‬
‫يعر فه في الدن يا َفيُ سَلم عل يه ‪ ،‬إل رد ال عل يه رو حه ‪ ،‬ح تى يرد عل يه ال سلم" فهذا‬
‫نص في أنه يعرفه بعينه ويرد عليه السلم‪.‬‬
‫و قد شرع ال نبي صلى ال عل يه و سلم لم ته إذا سلموا على أ هل القبور أن ي سلموا‬
‫علي هم سلم من يخاطبو نه فيقول الم سلّم ‪ " :‬ال سلم علي كم دار ق ـومٍ مؤمن ين" و قد‬
‫تواترت الثار عن السلف بأن الميت يعرف زيارة الحي له ‪ ،‬ويستبشر به‪.‬‬
‫ويك في في هذا ت سمية الم سلّم عل يه زائرا ‪ ،‬ولول أن هم يشعرون به ل ما صح ت سميته‬
‫زائرا ‪ ،‬فإن المزور إذا لم يعلم بزيارة مـن زاره لم يصـح أن يقال ‪ :‬زاره ‪ ،‬هذا هـو‬
‫المعقول من الزيارة ع ند جم يع ال مم‪ .‬وكذلك ال سلم علي هم أيضا ‪ ،‬فإن ال سلم على‬
‫بالمسـلّم محال ‪ ،‬وقـد ثبـت فـي الصـحيح أن الميـت يسـتأنس‬
‫َ‬ ‫مـن ل يشعـر ول يعلم‬
‫بالمشيعين لجنازته بعد دفنه‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬وهي أن أرواح الموتى هل تتلقى وتتزاور وتتذاكر أم ل ؟‬
‫الجــــواب‪ :‬الرواح قسمان ‪:‬‬
‫‪ -1‬أرواح معذبة والعياذ بال ‪ ،‬فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور‬
‫والتلقي‪.‬‬
‫‪ -2‬أرواح منعمة ‪ ،‬وهي مرسلة غير محبوسة ‪ ،‬تتلقى وتتزاور وتتذاكر ما كان‬
‫منها في الدنيا ‪ ،‬وما يكون من أهل الدنيا‪ .‬فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على‬
‫مثل عملها ‪ ،‬وروح نبينا صلى ال عليه وسلم في الرفيق العلى‪ .‬قال ال (ومن يطع‬
‫ال والرسـول فأولئك مـع الذيـن أنعـم ال عليهـم مـن النـبيين والصـديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا)‪.‬‬
‫وهـذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء‪ .‬وقال تعالى‬
‫( يا أيت ها الن فس المطمئ نة ارج عي إلى ر بك راض ية مرض ية فادخلي في عبادي‬
‫وادخلي جنتي) أي ادخلي في جملتهم وكوني معهم‪ .‬وهذا يقال للروح عند الموت‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫وقد أخبر ال تعالى عن الشهداء بأنهم ( أحياء عند ربهم يرزقون) وأنهم (يستبشرون‬
‫بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) وأنهم ( يستبشرون بنعمة من ال وفضل)‪ .‬وهذا يدل‬
‫على تلقيهم من ثلثة أوجه ‪:‬‬
‫‪.1‬أنهم ( أحياء ) والحياء يتلقون‪.‬‬
‫‪.2‬إنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم‪.‬‬
‫‪.3‬أن لفظ ( يستبشرون) يفيد أنهم يبشر بعضهم بعضا‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬وهي هل تتلقى أرواح الحياء وأرواح الموات أم ل ؟‬
‫الج ــــواب‪ :‬ن عم ‪ ،‬تلت قي أرواح الحياء والموات ‪ ،‬ك ما تلت قي أرواح الحياء‬
‫ال يتو فى الن فس ح ين موت ها وال تي لم ت مت في منام ها فيم سك ال تي‬ ‫قال تعالى‬
‫قضـى عليهـا الموت ويرسـل الخرى إلى أجـل مسـمى إن فـي ذلك ليات لقوم‬
‫يتفكرون‪.‬‬
‫‪‬‬
‫عن ابن عباس في تفسير الية ‪ :‬بلغني أن أرواح الحياء والموات تلتقي في المنام‪،‬‬
‫فيتساءلون بينهم ‪ ،‬فيمسك ال أرواح الموتى ويرسل أرواح الحياء إلى أجسادها‪.‬‬
‫وقـد دل على التقاء أرواح الحياء والموات أن الحـي يرى الميـت فـي منامـه‬
‫فيستخبره ‪ ،‬ويخبره الميت بما ل يعلمه الحي ‪ ،‬فيصادف خبره كما أخبر في الماضي‬
‫والمستقبل‪.‬‬
‫وفي هذا حكايات متواترة‪.‬‬
‫وهذا المر ل ينكره إل من هو أجهل الناس بالرواح وأحكامها وشأنها‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬وهي أن الروح هل تموت أم يموت البدن وحده ؟‬
‫الجـــواب‪ :‬أن يقال ‪ :‬موت النفوس هـو مفارقتهـا لجسـادها وخروجهـا منهـا‪ ،‬فإن‬
‫أريـد بموتهـا هذا القدر فهـي ذائقـة الموت بل شـك ‪ ،‬وإن أريـد أنهـا تعدم وتضمحـل‬
‫وتصير عدما محضا ‪ ،‬فهي ل تموت بهذا العتبار ‪ ،‬بل هي باقية بعد خروجها من‬
‫البدن في نعيم أو في عذاب‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬كيف تتعارف الرواح بعد مفارقة البدان ؟‬
‫الج ـــــواب‪ :‬أن ها ب عد مفارقت ها الج سد تأ خذ من بدن ها صورة تتم يز ب ها عن‬
‫غير ها ‪ ،‬فإن ها تتأ ثر ‪ ،‬وتنت قل عن البدن ‪ ،‬ك ما يتأ ثر البدن وينت قل عن ها ‪ ،‬فيكت سب‬
‫البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها ‪ ،‬وتكتسب النفس الطيب والخبث من‬
‫طيب البدن وخبثه‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬وهي ‪ :‬أن الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أم ل‬
‫تعاد؟‬
‫الجـــــواب‪ :‬قـد جاء فـي الحديـث الصـحيح‪ :‬قال البراء بـن عازب‪ُ ( :‬كنّاـ فـي‬
‫فقعد ‪ ،‬وقعدنا حوله كأنّ على رؤوسنا الطّير‬ ‫جنازةٍ في بقيع الغرقـد ‪ ،‬فأتانا النبي‬
‫‪ ،‬و هو يلحـد له ‪ ،‬فقال‪ " :‬أعوذ بال مـن عذاب ال قبر" ذ ثلث مرات ذ ثـم قال‪ " :‬إن‬
‫العبد المؤمن إذا كان في إقبالٍ من الخرة ‪ ،‬وانقطا عٍ من الدنيا نزل تْ إليه ملئكةُ ‪،‬‬
‫كأنّ وجوههم الشم سُ ‪ ،‬فيجلسون منه مدّ البصر ‪ ،‬ثم يجيء مل كُ الموت حتى يجلس‬
‫عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الطيبة ‪ ،‬أخرجي إلى مغفرةٍ من ال ورضوان‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتخرج تسيلُ كما تسيل القطرةُ مِن ِفيّ ال سّقاء ‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم‬
‫يَدَعوهـا فـي يده طرفةَ عيـن حتـى يأخذوهـا ‪ ،‬فيجعلوهـا فـي ذلك الكفـن وفـي ذلك‬
‫الحنوط‪ ،‬ويخرج منها كأطيب نفحةِ مسكٍ وُجِ َدتْ على وجه الرض‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيصعدون بها فل َي ُمرّو نَ بها ذ يعني على مل من الملئكة ذ إل قالوا‪:‬‬
‫طيّ بُ ؟ فيقولون‪ :‬فلن بن فلن ‪ ،‬بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه‬
‫ما هذا الرو حُ ال ّ‬
‫بها في الدنيا ‪ ،‬حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فيستفتحون له ‪ ،‬فيفتح له ‪ ،‬فيشيّعه‬
‫مِن كلّ سماءٍ مٌ َق ّربُوها إلى السماء التي تليها ‪ ،‬حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها‬
‫عّليّيــن ‪ ،‬وأعيدوه إلى‬
‫ال تعالى ‪ ،‬فيقول ال عزّ وجلّ‪ :‬اكتبوا كتاب عبدي فــي ِ‬
‫الرض ‪ ،‬فإني منها خلقتهم ‪ ،‬وفيها أُعيدهم ‪ ،‬ومنها أُخرجهم تارة أخرى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتُعاد روحُه في جسده ‪ ،‬فيأتيه ملكان فيجلسانه ‪ ،‬فيقولن له مَن ربّك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬ربي ال ؛ فيقولن له‪ :‬ما دينك ؟ فيقول‪ :‬ديني السلم ‪ ،‬فيقولن له‪ :‬ما هذا‬
‫علْم ُك ؟ فيقول‪:‬‬
‫‪ ،‬فيقولن له‪ :‬ومـا ِ‬ ‫الرجلُ الذي بُعـث فيكـم ؟ فيقول رسـول ال‬
‫قرأ تُ كتا بَ ال ‪ ،‬فآم نت به ‪ ،‬و صدّقتُ ‪ ،‬فينادي منادٍ من ال سماء‪ :‬أن صدق عبدي‬

‫‪-5-‬‬
‫فأفرشوه مـن الج نة ‪ ،‬وافتحوا له بابا مـن الج نة ؛ قال‪ :‬فيأتيـه من ريح ها وطيبهـا ‪،‬‬
‫ويُفسح له في قبره مدّ بصره‪.‬‬
‫ب الرّ يح ‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشرْ‬
‫طيّ ُ‬
‫قال‪ :‬ويأت يه رجلُ حَ سَنُ الو جه ‪ ،‬حَ سَنُ الثياب ‪َ ،‬‬
‫بالذي يس ّركَ هذا يومك الذي كنت توعد ‪ ،‬فيقول له‪ :‬مَن أنت ؟ فوجهُك الوجه الذي‬
‫يجيءُ بالخ ير ‪ ،‬فيقول‪ :‬أ نا عملُك ال صّالح ‪ ،‬فيقول‪ :‬ر بّ أق مِ ال سّاعةَ ح تى أرج َع إلى‬
‫أهلي ومالي‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن العبدَ الكافرَ إذا كان في إقبالٍ من الدن يا وانقطا عٍ من الخرة ‪ ،‬نزل‬
‫إليه من السماء ملئكةُ سود الوجه ‪ ،‬معهم المسوح ‪ ،‬فيجلسون منه مد البصر ‪ ،‬ثم‬
‫يجيء مل كُ الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الخبيثة ‪ ،‬أخرجي إلى‬
‫سخطٍ من ال وغضب‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتتفرّق فـي جسـده فينتزعهـا كمـا يُنتزع السَـفّود مـن الصـوف المبلول ‪،‬‬
‫فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم يَدَعُوها في يده طرفة عين ‪ ،‬حتى يجعلوها في تلك المسوح‪،‬‬
‫َتـ على وجـه الرض ‪ ،‬فيصـعدون بهـا ‪ ،‬فل‬
‫ريحـ جيفةٍ وُجِد ُ‬
‫ِ‬ ‫ويخرج منهـا كأنتـن‬
‫َي ُمرّون بها على مل من الملئكة إل قالوا‪ :‬ما هذا الريح الخبيث ؟ فيقولون‪ :‬فلن بن‬
‫فلن ‪ ،‬بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ‪ ،‬حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا‪،‬‬
‫فيستفتح له فل يفتح‪.‬‬
‫حتّى َيلِ جُ‬
‫خلُو نَ الجنّةَ َ‬
‫‪ :‬ل تُ َفتّ حُ لَه مْ َأ ْبوَا بُ ال سّماءِ َولَا يَدْ ُ‬ ‫ثم قرأ رسولُ ال‬
‫خيَا طِ (العراف‪ )40 :‬فيقول ال عزّ وجلّ‪ :‬اكتبوا كتابه في سِجّين في‬
‫جمَلُ فِي سَمّ الْ ِ‬
‫الْ َ‬
‫شرِ كْ بِاللّ هِ َفكَأنّ ما خَ ـرّ‬
‫َومَ نْ يُ ْ‬ ‫الرض ال سفلى ‪ ،‬فتُطرح روحُه طرحا ‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬
‫(الحج‪.)31 :‬‬ ‫سحِيقٍ‬
‫ط ْيرُ َأوْ َت ْهوِي بِ ِه الرّيحُ فِي َمكَانٍ َ‬
‫سمَاءِ َفتَخْطفُهُ ال ّ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫فتُعادُ روحُه في ج سده ‪ ،‬ويأت يه ملكان فيجل سانه ‪ ،‬فيقولن له‪ :‬مَن ر بك ؟ فيق ـول‪:‬‬
‫ـ فيكـم ؟ فيقول هاه هاه ل‬
‫هاه هاه ل أدري ‪ ،‬فيقولن له‪ :‬مـا هذا الرجلُ الذي ُبعِث َ‬
‫أدري ‪ " ،‬سمعت الناس يقولون شيئا فقل ته " فينادي منادٍ من ال سماء‪ :‬أن كذب عبدي‬
‫فأفرشوه من النار ‪ ،‬وافتحوا له بابا إلى النار ‪ ،‬فيأ ته من حرّ ها و سمومها ‪ ،‬ويض يق‬
‫عليه قبره حتى تختلفَ فيه أضلعُه‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫ويأتيه رجلُ قبيح الوجه ‪ ،‬قبيح الثياب ‪ ،‬منتن الريح ‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر بالذي يسؤوك ‪،‬‬
‫هذا يومُك الذي ك نت توُ عد ‪ ،‬فيقول‪ :‬مَن أ نت ؟ فوجهُك الو جه الذي يج يء بال شر ‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أنا عملك الخبيث فيقول‪ :‬ربّ ل تقم الساعة ) رواه المام أحمد وأبو داود ‪،‬‬
‫وروى النسائي وابن ماجة أوله ‪ ،‬ورواه أبو عوانة السفراييني في صحيحه‪.‬‬
‫وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف‪.‬‬
‫المسـألة السـابعة‪ :‬هـل عذاب القـبر يكون على النفـس ؟ أو على البدن ؟ أو على‬
‫الن فس دون البدن؟ أو على البدن دون الن فس ؟ و هل يشارك البدن الن فس في النع يم‬
‫والعذاب أم ل؟‬
‫الجـــــواب‪ :‬مذهـب سـلف المـة وأئمتهـا أن الميـت إذا مات يكون فـي نعيـم أو‬
‫عذاب ‪ ،‬وأن ذلك يح صل لرو حه وبد نه ‪ ،‬وأن الروح تب قى ب عد مفار قة البدن منع مة‬
‫أو معذ بة ‪ ،‬وأن ها تت صل بالبدن أحيانا ‪ ،‬ويح صل له مع ها النع يم أو العذاب‪ .‬ثم إذا‬
‫كان يوم القيامة أعيدت الرواح إلى الجساد ‪ ،‬وقاموا من قبورهم لرب العالمين‪.‬‬
‫وعذاب القـبر ثابـت بالكتاب والسـنة ‪ ،‬ومـن كان مسـتحقا له ناله نصـيبه مـن العذاب‬
‫سواء قبر أو لم ي قبر ‪ ،‬ف سواء أكل ته ال سباع أو أحرق ح تى صار رمادا ونُ سف في‬
‫الهواء ‪ ،‬أو صلب ‪ ،‬أو غرق في الب حر ‪ ،‬و صل إلى رو حه وبد نه من العذاب ما‬
‫يصل إلى القبور ‪ ،‬بقدرة ال عز وجل‪.‬‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬وهي ‪ :‬ما الحكمة في كون عذاب القبر لم يذكر في القرآن مع شدة‬
‫الحاجة إلى معرفته واليمان به ليحذر ويتقى ؟‬
‫الجــــواب ‪ :‬مجمل ومفصل ‪:‬‬
‫الجواب المجمل‪ :‬هو أن ال أنزل على رسوله صلى ال عليه وسلم وحيين ‪ ،‬وأوجب‬
‫على عباده اليمان بهما والعمل بما فيهما ‪ ،‬وهما الكتاب والحكمة‪ .‬قال تعالى (وأنزل‬
‫ال عل يك الكتاب والحك مة) والكتاب هو القرآن ‪ ،‬والحك مة هي ال سنة باتفاق ال سلف‪.‬‬
‫فما أخبر به الرسول صلى ال عليه وسلم يجب تصديقه واليمان به‪.‬‬
‫أما الجواب المفصل ‪ :‬فهو أن عذاب القبر مذكور في القرآن في عدة آيات ؛ منها‪:‬‬

‫‪-7-‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى ‪  :‬ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة باسطو أيديهم‬
‫أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على ال غير الحق وكنتم‬
‫عن آياته تستكبرون‪‬‬
‫وعذاب الهون هو عذاب القبر ‪ ،‬قبل العذاب العظيم في النار‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى عــن آل فرعون ‪  :‬النار يعرضون عليهــا غدوا وعشيا ويوم تقوم‬
‫الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‪. ‬‬
‫المسألة التاسعة ‪ :‬وهي ‪ :‬ما السباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟‬
‫الجـــواب ‪ :‬مجمل ومفصل‬
‫الجواب المجمل ‪ :‬أنه يعذبون على جهلهم بال وإضاعتهم لمره وارتكابهم لمعاصيه‪.‬‬
‫والجواب المفصـل ‪ :‬أن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم قـد أخـبر عـن أناس بأنهـم‬
‫يعذبون في القبر ‪ ،‬منهم على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪-1‬النمام‪.‬‬
‫‪-2‬الذي ل يستبرئ من بوله‪.‬‬
‫‪-3‬الكذاب ‪.‬‬
‫‪-4‬الزناة‪.‬‬
‫‪-5‬آكل الربا‪.‬‬
‫وغيرهم كثير … أعاذنا ال وإياكم من عذاب القبر‪.‬‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬ما هي السباب المنجية من عذاب القبر؟‬
‫الجــــواب ‪ :‬مجمل ومفصل‬
‫الجواب المج مل ‪ :‬تج نب تلك ال سباب ال تي تقت ضي عذاب ال قبر ‪ ،‬و من أنفع ها أن‬
‫يتوب النسان توبة نصوحا ‪ ،‬ويحاسب نفسه‪.‬‬
‫الجواب المفصل ‪ :‬ما ورد في أحاديث كثيرة صحيحة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الرباط في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ -2‬الشهادة في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ -3‬قراءة سورة ( تبارك)‪.‬‬
‫‪ -4‬الموت في ليلة الجمعة أو يومها‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫المسألة الحادية عشرة ‪:‬وهي ‪ :‬أن السؤال في القبر هل هو عام في حق المسلمين‬
‫والمنافقين والكفار ‪ ،‬أو يختص بالمسلم والمنافق؟‬
‫الجــــواب ‪ :‬أن السؤال يكون للجميع ‪ ،‬فقد جاء في حديث البراء ـ رضي ال‬
‫عنه ـ " فإذا كان كافرا جاءه ملك الموت فجلس عند رأسه ‪ ..‬فذكر الحديث وفيه ـ‬
‫ويأتيه ملكان شديدا النتهار ‪ ،‬فيجلسانه وينتهرانه ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬من ربك؟ …الحديث"‬
‫وقـد أخـبر ال تعالى فـي كتابـه أنـه يسـأل الكفار يوم القيامـة ‪ ،‬قال سـبحانه ( ويوم‬
‫يناديهـم فيقول ماذا أجبتـم المرسـلين) وقال ( فوربـك لنسـألنهم أجمعيـن عمـا كانوا‬
‫يعملون) فإذا سئلوا يوم القيامة فكيف ل يسألون في قبورهم؟‬
‫المسألة الثانية عشرة ‪ :‬وهي أن سؤال منكر ونكير هل هو مختص بهذه المة أو‬
‫يكون لها ولغيرها؟‬
‫الجــواب‪ :‬وال أعلم ـ أن كل أمة من المم تسأل عن نبيها ‪ ،‬وأنهم معذبون في‬
‫قبور هم ب عد ال سؤال ل هم وإقا مة الح جة علي هم ‪ ،‬ك ما يعذبون في الخرة ب عد ال سؤال‬
‫وإقامة الحجة‪.‬‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬وهي أن الطفال هل يمتحنون في قبورهم؟‬
‫الجـــواب‪ :‬أنهـم ل يمتحنون ‪ ،‬لن السـؤال يكون لمـن عقـل الرسـول والمرسـل ‪،‬‬
‫فيسأل‪ :‬هل آمن بالرسول وأطاعه ‪ ،‬أم ل؟ فأما الطفل الذي ل تمييز له فكيف يسأل‬
‫هذا السؤال؟‍‬
‫وأما حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم صلى على‬
‫جنازة صبي فسُمع من دعائه‪" :‬اللهم قه عذاب القبر" رواه مالك ‪ ،‬فليس المراد بعذاب‬
‫القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؟ فإن ال ل يعذب أحدا‬
‫بل ذ نب عمله ‪ ،‬بل عذاب ال قبر قد يراد به اللم الذي يح صل للم يت ب سبب غيره ‪،‬‬
‫وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله‪.‬‬
‫ومنه قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"‪ .‬أي يتألم‬
‫بذلك ويتوجع منه ل أنه يعاقب بذنب الحي (ول تزر وازرة وزر أخرى)‪.‬‬
‫وهذا كقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬السفر قطعة من العذاب" ‪ ،‬فالعذاب أعم من‬
‫العقوبة‪ .‬ول ريب أن في القبر من اللم والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى‬

‫‪-9-‬‬
‫الطفل فيتألم به ‪ ،‬فيشرع للمصلي عليه أن يسأل ال تعالى أن يقيه ذلك العذاب ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟‬
‫الجــواب‪ :‬أن عذاب القبر نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬نوع دائم‪ :‬يدل عليه قوله تعالى‪( :‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ‪ ،‬وقوله‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم فـي الذي يعذب‪" :‬فهـو يُفعـل بـه ذلك إلى يوم القيامـة" رواه‬
‫البخاري‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم في قصة الجريدتين اللتين وضعهما على قبري‬
‫من يعذبان‪" :‬لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا" فجعل التخفيف مقيدا بمدة رطوبتها فقط‪.‬‬
‫فالصل أن عذابهما دائم‪.‬‬
‫إل أنـه قـد رويـت بعـض الحاديـث تفيـد أن العذاب يخفـف عنهـم مـا بيـن‬
‫النفختين‪ ،‬فإذا قاموا من قبورهم قالوا‪( :‬يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا)‪.‬‬
‫‪ -2‬نوع يبقى إلى مدة ثم ينقطع ‪ ،‬وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم‪،‬‬
‫فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه‪.‬‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬أين مستقر الرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة؟‬
‫الجــواب‪ :‬قد اختلف العلماء في هذا اختلفا كثيرا ‪ ،‬ولكل واحد حجته ‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال‪ :‬هي في الجنة ‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هي عند باب الجنة ‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هي على‬
‫أفنية قبورها ‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هي مرسلة تذهب حيث شاءت ‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬هي‬
‫ع ند ال ‪ ،‬ومن هم من قال‪ :‬أرواح المؤمن ين عن يم ين آدم ذ عل يه ال سلم ذ وأرواح‬
‫الكفار عن شماله‪.‬‬
‫والصـواب‪ :‬أن ( الرواح متفاوتـة فـي مسـتقرها فـي البرزخ أعظـم تفاوت فمنهـا‪:‬‬
‫أرواح في أعلى علّي ين في المل العلى و هي أروا حُ ال نبياء صلوات ال و سلمه‬
‫في ليلة الِسراء‪.‬‬ ‫عليهم أجمعين ‪ ،‬وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي‬
‫ومن ها‪ :‬أرواح في حوا صل ط ير خ ضر ت سرح في الج نة ح يث شاءت و هي‬
‫أرواحُ بعض الشهداء ل جميعهم ‪ ،‬بل من الشهداء من ُتحَبسُ روحُه عن دخول الجنة‬
‫ل َديْن عليه أو على غيره ‪ ،‬كما في المسند أنّ رجلً جاء إلى النبي فقال‪ :‬يا رسول‬

‫‪-10-‬‬
‫ال ‪ ،‬مـا لي إن قُتلت فـي سـبيل ال ؟ قال " الجنـة " ‪ ،‬فلمـا ولى قال‪ (( :‬إلّ الدّيـن ‪،‬‬
‫سارني به جبريلُ آنفا))‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من يكون محبوسا على باب الجنة كما في الحديث الخر‪ (( :‬رأيتُ صاحِبكم‬
‫محبوسا على باب الجنة))‪.‬‬
‫ومن هم‪ :‬من يكون محبو سا في قبره ‪ ،‬كحد يث صاحب الشملة ال تي غل ها ثم‬
‫ا ستشهد ‪ ،‬فقال الناس‪ :‬هنيئا له الج نة ‪ ،‬فقال ال نبي ‪(( :‬والذي نف سي بيده إن الشّملة‬
‫التي غلّها لتشتعل عليه نارا في قبره))‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس‪ (( :‬الشهداءُ على‬
‫بارق ذ ن هر بباب الج نة ذ في ق بة خضراء ‪ ،‬يخرج علي هم رزقُ هم من الج نة بكرةً‬
‫وعشية)) ‪ .‬رواه أحمد ‪ .‬وهذا بخلف جعفر بن أبي طالب ذ رضي ال عنه ذ حيث‬
‫أبدله ال من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من يكون محبوسا في الرض ‪ ،‬لم َتعْلُ روحُه إلى المل العلى فإنها‬
‫كانت رُوحا سفلية أرضية ‪ ،‬فإنّ النف سَ الرضيّةَ ل تجام عُ النفس السماوية ‪ ،‬كما‬
‫ل تجامعها في الدنيا ‪ ،‬والنفس التي لم تكتسبْ في الدنيا معرفةَ ربّها ‪ ،‬ومحبته و ِذكْره‬
‫والنس به ‪ ،‬والتقرّب إليه ‪ ،‬بل هي أرضية سفلية ‪ ،‬ل تكون بعد المفارقة لبدنها إل‬
‫هناك‪.‬‬
‫س العلويّ ة ال تي كا نت في الدن يا عاكفةً على مح بة ال عزّ وجلّ‬
‫ك ما أنّ النف َ‬
‫وذكْره ‪ ،‬والتقرُب إل يه وال نس به تكون ب عد المفار قة مع الرواح العلو ية المنا سبة‬
‫ّجـ النفوس‬
‫لهـا‪ ،‬فالمرءُ مـع مَن أحبّ فـي البرزخ ‪ ،‬ويوم القيامـة ‪ ،‬وال تعالى يُزو ُ‬
‫بعض ها بب عض في البرزخ وي ـوم المعاد ك ما تقدّم في الحد يث ‪ ،‬ويج عل رو حه ذ‬
‫فالروحـ بعـد‬
‫ُ‬ ‫يعنـي المؤمـن ذ مـع النسـيم الطيـب ؛ أي الرواح الطّيبـة المشاكلة ‪،‬‬
‫المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك‪.‬‬
‫ومن ها‪ :‬أرواح تكو نُ في تنّور الزّناة والزوا ني ‪ ،‬وأرواح في ن هر الدم ت سبح‬
‫فيه وتلقم الحجارة ‪ ،‬فليس للرواح سعيدها وشقيّها مستقر واحد ‪ ،‬بل روح في أعلى‬
‫عليين ‪ ،‬وروح أرضية سفلية ل تصعد عن الرض)‪.‬‬

‫‪-11-‬‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الحياء ‪،‬‬
‫أم ل؟‬
‫الجــواب‪ :‬أنها تنتفع من سعي الحياء بأمرين مجمع عليهما بين أهل السنة‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما تسبب إليه الميت في حياته‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬دعاء المسلمين له ‪ ،‬واستغفارهم له ‪ ،‬والصدقة والحج‪.‬‬
‫أما بقية العبادات البدنية‪ :‬كالصوم والصلة وقراءة القرآن والذكر فقد اختلفوا‬
‫في و صول ثواب ها إل يه‪ .‬و قد اختار ا بن الق يم ‪ -‬رح مه ال ذ و صول ثواب ذلك كله‬
‫للميت‪ .‬وقال‪" :‬الذي أوصل ثواب الحج والصدقة والعتق هو بعينه الذي يوصل ثواب‬
‫الصـيام والصـلة والقراءة والعتكاف ‪ ،‬وهـو إسـلم المهدى إليـه ‪ ،‬وتـبرع المهدي‬
‫وإحسانه" (ص ‪.)334‬‬
‫ثـم قال رحمـه ال‪ (( :‬وبالجملة فأفضـل مـا يُهدى إلى الميـت‪ :‬العتـق ‪ ،‬والصـدقة ‪،‬‬
‫والستغفار له ‪ ،‬والدعاء له ‪ ،‬والحج عنه)) " ص ‪." 345‬‬
‫المسألة السابعة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟‬
‫الج ــواب‪ :‬أجم عت الر سل صلوات ال و سلمه علي هم على أن ها محد ثة مخلو قة‬
‫مصـنوعة مربوبـة مُ َد ّبرَة‪ .‬وهذا معلوم بالضطرار مـن دينهـم ‪ ،‬وقـد انطوى عصـر‬
‫الصـحابة والتابعيـن وتابعيهـم وهـي القرون المفضلة على ذلك ‪ ،‬مـن غيـر اختلف‬
‫بينهم ‪ ،‬حتى نبغت نابغة من أهل الضلل فزعمت أنها قديمة غير مخلوقة!!‬
‫المسألة الثامنة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬تقدم خلق الرواح على الجساد أو تأخر خلقها عنها؟‬
‫الجــواب‪ :‬قد اختلف العلماء في هذا‪:‬‬
‫‪-1‬فقال قوم‪ :‬الرواح مخلوقة قبل الجساد‪.‬‬
‫‪-2‬وقال آخرون‪ :‬بل الجساد مخلوقة قبل الرواح‪.‬‬
‫والصـواب هـو القول الثانـي‪ :‬وهـو أن الجسـاد خُلقـت أولً ‪ ،‬ثـم الرواح ‪،‬‬
‫ودل يل هذا أن ال خلق آدم ذ عل يه ال سلم ذ من تراب ( ثم) ن فخ ف يه الروح‪.‬‬
‫قال ابـن القيـم ذ رحمـه ال ‪" :-‬والقرآن والحديـث والثار تدل على أن ال‬
‫سبحانه نفخ فيه من روحه بعد خلق جسده" (ص ‪.)410‬‬
‫المسألة التاسعة عشرة‪ :‬وهي‪ :‬حقيقة النفس‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫الجـــواب‪ :‬أن هذه مـن المسـائل التـي تكلم فيهـا الناس مـن سـائر الطوائف ‪،‬‬
‫واضطر بت في ها أقوال هم ‪ ،‬وك ثر في ها خطؤ هم ‪ ،‬وهدى ال أتباع الر سول صلى ال‬
‫عل يه و سلم وأ هل سنته ل ما اختلفوا ف يه من ال حق بإذ نه ‪ ،‬وال يهدي من يشاء إلى‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬
‫فال صواب أن يقال‪ :‬بأن الروح ج سم مخالف بالماه ية لهذا الج سم المح سوس‪،‬‬
‫وهـي ‪ -‬أي الروح ذ جسـم نورانـي علوي خفيـف حـي متحرك ‪ ،‬ينفـذ فـي جوهـر‬
‫العضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد ‪ ،‬وسريان الدهن في الزيتون ‪ ،‬والنار‬
‫في الفحم‪ .‬فما دامت هذه العضاء صالحة لقبول الثار الفائضة عليها من هذا الجسم‬
‫اللطيـف بقـي ذلك الجسـم اللطيـف مشابكا لهذه العضاء ‪ ،‬وأفادهـا هذه الثار مـن‬
‫ال حس والحر كة الراد ية‪ .‬وإذا ف سدت هذه العضاء ب سبب ا ستيلء الخلط الغلي ظة‬
‫عليهـا ‪ ،‬وخرجـت عـن قبول تلك الثار ‪ ،‬فارق الروح البدن ‪ ،‬وانفصـل إلى عالم‬
‫الرواح‪.‬‬
‫المسألة العشرون‪ :‬وهي‪ :‬هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟‬
‫الجــواب‪ :‬أن النفس في القرآن تُطلق على الذات بجملت ها ‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬فسلموا‬
‫على أنف سكم) ‪ ،‬وقوله‪( :‬ول تقتلوا أنف سكم) ‪ ،‬وقوله‪( :‬يوم تأت كل ن فس تجادل عن‬
‫نف سها) ‪ ،‬وقوله‪ ( :‬كل ن فس ب ما ك سبت رهي نة)‪ .‬وتطلق الن فس على الروح وحد ها ‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪( :‬يا أيتها النفس المطمئنة) ‪ ،‬وقوله‪( :‬أخرجوا أنفسكم)‪ .‬أما (الروح) فل‬
‫ـ‬
‫تُطلق على البدن ‪ ،‬ل بانفراده ول مـع النفـس‪ .‬فالفرق بيـن النفـس والروح فرق ٌ‬
‫بالصفات ل فرقٌ بالذات‪.‬‬
‫المسألة الحادية والعشرون‪ :‬وهي‪ :‬هل النفس واحدة أم ثلث؟‬
‫لن ال يقول‪( :‬يا أيتها النفس المطمئنة) ويقول‪( :‬ول أقسم بالنفس اللوامة) ‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫(إن النفس لمّارة بالسوء) ‪ ،‬فهي مطمئنة ‪ ،‬ولوامة ‪ ،‬وأمارة‪.‬‬
‫الج ــواب‪ :‬أن ها ن فس واحدة ‪ ،‬ول كن ل ها صفات ‪ ،‬فت سمى باعتبار كل صفة با سم‪،‬‬
‫فت سمى (مطمئ نة) باعتبار طمأنينت ها لرب ها بعبودي ته ومحب ته ‪ ،‬وتُ سمى (لوا مة) لن ها‬
‫تلوم صاحبها على التفريط ‪ ،‬وتُسمى (أمّارة) لنها تأمره بالسوء ‪ ،‬وهذا من طبيعتها‬
‫إل ما وفقها ال وثبتها وأعانها‪.‬‬

‫‪-13-‬‬
‫نسأل ال أن يجعل نفوسنا مطمئنة ‪ ،‬وأن يُدخلنا في عباده وفي جنته ‪ ،‬آمين‬
‫وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‬

‫‪-14-‬‬

You might also like