Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 50

‫َ‬ ‫َ‬

‫صلَة وَأْركانِها‬
‫شُروط ال َّ‬ ‫متن ُ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫شْر ُ‬
‫وَوَاجبَاتهَا‬
‫مد بن عَبد الوهَّاب‬
‫سلم مح َّ‬
‫تأليف شيخ ال ْ‬
‫ه تَعَالى‬
‫ه الل ُ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫َر ِ‬
‫‪1115-1206‬هـ‬

‫شرح‬
‫َ‬ ‫ضيلَةِ ال َّ‬
‫مة‬‫شيِْخ العَل ّ َ‬ ‫فَ ِ‬
‫مد بن أ َ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫علي‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫مان‬ ‫َ‬ ‫ح َّ ْ ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫ه تَعَالى‬
‫ه الل ُ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫َر ِ‬
‫‪1416 -1349‬هـ‬

‫إعداد وترتيب ‪:‬‬


‫أبي عبد الله ال ُّ‬
‫جري‬
‫‪www.ajurry.2ya.com‬‬

‫نسخة مكتبة سحاب السلفية‬


‫‪www.sahab.org‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪1‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫مُقَدّمَةٌ‬

‫الحمد ل الحق الحد‪ ،‬الواحد الصمد‪ ،‬واهب الصبر والجلد‪ ،‬أحمده حمداً كثير على‬
‫جزيل نعمته ووافر رحمته‪ ،‬أمّا بعد‪:‬‬

‫فلمّا كانت الصلة عمود الدين‪ ،‬وأعظم العبادات العملية‪ ،‬وثاني أركان دين المة‬
‫السلمية‪ ،‬كان من أعظم فروض العين بعد معرفة التوحيد‪ ،‬إقامتها كما أمرنا ال بها‪،‬‬
‫قال تعالى‪{:‬وَأَقِيمُواْ الصّلَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ}[البقرة‪ ،]43:‬وكما‬
‫صلّها رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وعلى آله وسلّم‪ -‬القائل‪(( :‬صَلّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي‬
‫أُصَلّي))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فل يخفى عليك ‪-‬عزيزي القارئ‪ -‬أنّ كثيراً من الناس اليوم ل يعرفون كيفية‬
‫الصلة كما صلّها النبي ‪-‬صلى ال عليه وعلى آله وسلّم‪ ،-‬وهم كثر‪ ،‬كأمثال المُسِيء‬
‫صلته المذكور في الحديث المشهور‪ .‬ولكن المشكلة في كثير من الخوة الذين يظهر‬
‫عليهم الصلح والخير والستقامة وهم يعرفون ويهتمون بآداء صفة صلة النبي‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬ولكنّهم ل يعرفون شروطها‪ ،‬ول واجباتها‪ ،‬ول حتى أركانها‪،‬‬
‫بل ل يعرفون حتى شروط الطهارة التي هي مفتاح الصلة‪.‬‬
‫ولمّا كان بعضهم قد بدأ يخوض ويَدْرُس بعضاً من تفريعات العلم الشرعي كعلم‬
‫المصطلح مثلً‪ ،‬ويخوض في مسائل ومسائل وهو ل يعرف هذه الشياء التي هي من‬
‫أفرض ما يكون عليه‪.‬‬
‫ورأيت البعض الخر من طلبة العلم ممن علم هذه الشياء‪ ،‬ولكنّه غير مشغولٍ‬
‫بالدعوة إليها‪ ،‬فتذكرت كلم أبي حامدٍ الغزالي ‪-‬رحمه ال‪ -‬حيث قال‪:‬‬
‫"وكل عامِي عرف شروط الصلة؛ فعليه أن يُعرّف غيره‪ ،‬و إلّ فهو شريك في الثم‪،‬‬
‫ومعلوم أنّ النسان ل يولد عالماً بالشرع‪ ،‬وإنّما يجب التبليغ على أهل العلم‪ ،‬فكل من‬
‫تعلّم مسألةً واحدةً فهو من أهل العلم بها ‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬فحقّ على كل مسلم أن يبدأ‬
‫بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات‪ ،‬ثم يُعلّم ذلك أهل بيته‪ ،‬ثم‬
‫يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه‪ ،‬ثم إلى أهل محلته‪ ،‬ثم إلى أهل بلده‪ ،‬ثم إلى أهل‬

‫‪ُ )(1‬متّفقٌ عليه‪.‬‬


‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪2‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫البوادي المكتنف ببلده‪ ،‬ثم إلى أهل البوادي من الكراد والعرب وغيرهم‪ ،‬وهكذا إلى‬
‫أقصى العالم‪ ،‬فإن قام به الدنى سقط عن البعد‪ ،‬و إلّ حرج به على كل قادر عليه‬
‫قريباً كان أو بعيداً‪ ،‬ول يسقط الحرج مادام يبقى على وجه الرض جاهل بفرض من‬
‫فروض دينه وهو قادر على أن يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه‪ ،‬وهذا شغل‬
‫شاغل لمن يهمه أمر دينه يشغله عن تجزئة الوقات في التفريعات النادرة والتعمق في‬
‫دقائق العلوم التى هى من فروض الكفايات‪ ،‬ول يتقدّم على هذا إل فرض عين أو‬
‫فرض كفاية هو أهم منه"( ) اهـ‬
‫‪1‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ :‬ينبغي أن يسعى كل مُعلمٍ للخير في التركيز على الهم فالهم‪ ،‬وأهم‬
‫الهم هو تعليم المسلم فرض العين من دينه‪.‬‬

‫فهذا الكتاب لك أخي المسلم أياّ كنت‪ :‬طبيباً أو مهندساً أو مزارعاً ‪..‬إلى آخره‪ ،‬وليس‬
‫من الكتب المعقدة أو صعبة العبارة‪ ،‬بل هو لتعليمك أهم ما يجب عليك نحو صلتك‪.‬‬

‫ومن أحسن المتون المختصرة الميسرة التي تعنى بشرح شروط الصلة‪ ،‬كتاب‬
‫"شروط الصلة وأركانها وواجباتها" للمام العلّمة مُحمد بن عبد الوهّاب التميمي‬
‫‪-‬رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ولكن هذه المتون المختصرة تحتاج إلى شرح‪ ،‬فبحثت عن شرحٍ له‪ ،‬فلم يقع بيدي غير‬
‫شرحٍ للشيخ العلّمة‪ /‬مُحمد بن علي بن أمان الجامي ‪-‬رحمه ال‪ ،-‬ولكنّه في أشرطةٍ‬
‫وليس في كتاب‪ ،‬وكما نعلم أن الكتاب أفضل من الشريط لعدّة اعتبارات‪ ،‬فرأيت منه‬
‫نسخة مفرغّة قد فرّغها أخونا‪ /‬أيمن الدبعي ‪-‬جزاه ال خيراً‪ ،-‬ولكنّها مجرد تفريغ فقط‬
‫يعوزه التدقيق والمراجعة والضبط للنصّ والشرح‪.‬‬

‫عملي في هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪ -1‬إضافة المتن إلى الشرح وتشكيله بالحركات‪.‬‬
‫‪ -2‬ضم الشرح إلي المتن وذلك بواسطة جعله كحاشيةٍ للمتن‪.‬‬
‫‪ -3‬عزو اليات وتشكيلها‪.‬‬
‫ل المتنبه لما فيه‪ ،‬وقد سمّاه‬
‫‪ )(1‬إحياء علوم الدين (‪ ،)371-2/370‬وهو كتاب ل يقرأه ول يستخرج الفوائد منه إ ّ‬
‫بعض العلماء "إماتة علوم الدين"‪ ،‬نظراً لما حواه من البدع‪ ،‬ويقال أن أبا حامداً تاب في آخر عمره وألّف كتاب‬
‫"إلجام العوام عن الخوض في علم الكلم"‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪3‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫‪ -4‬تصحيح الخطاء الملئية والطباعية الناتجة عن التفريغ وتصحيح الكلم بما‬


‫يقتضيه السياق‪.‬‬

‫هذا وأسأل ال أن ينفعني والمسلمين بهذا الكتاب‪ ،‬وأن يتعرفوا على صلة نبيهم‬
‫فيهتدوا بهديه فيها‪ ،‬راجياً من المولى ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ما وعدنا به على لسان نبيه‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪(( :-‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه‪ ،‬ل‬
‫ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪ ،) ())...‬إنه على كل شيءٍ قدير آخر دعوانا أن الحمد ل‬
‫‪1‬‬

‫رب العالمين( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫حمَنِ ال ّرحِيمِ‬
‫بِسْمِ ال ال ّر ْ‬

‫الحديث رواه مسلم وغيره‪ ،‬وهو مخرج في "الحاديث الصحيحة" رقم ‪.863‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫لرسال أي ملحظة‪ ،‬قم بإرسالها مشكوراً عن طريق خدمة المراسلة في الموقع الذي على غلف الكتاب‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪4‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫شُرُوطُ الصّلَةِ ِتسْعَةٌ ( )‪ :‬السْلَمُ‪ ،‬وَالعَ ْقلُ‪ ،‬وَال َتمْييزُ‪َ ،‬و َرفْعُ الحَ َدثِ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وَِإزَالَةُ النّجَاسَةِ‪َ ،‬وسَ ْترُ العَ ْورَةِ‪ ،‬وَدُخُولُ ال َو ْقتِ‪ ،‬وَاسْتِقْبَالُ القِ ْبلَةِ‪،‬‬
‫وَالنّيَةُ( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫لسْلَمُ َوضِدّهُ الكُفْر‪ ،‬وَالكَا ِفرُ عَ َملُهُ َمرْدُودٌ َولَوْ‬ ‫شرْطُ الَوّلُ‪ :‬ا ِ‬ ‫ال َ‬
‫ل قَوْلُهُ تَعَالى‪{:‬مَا كَانَ لِ ْل ُمشْرِكِينَ أَن يَ ْع ُمرُواْ‬ ‫عَمِلَ َأيّ عَمَلٍ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫عمَالُهُمْ َوفِي‬ ‫طتْ أَ ْ‬ ‫علَى أَن ُفسِهِمْ بِالْكُ ْفرِ أُوَْل ِئكَ حَبِ َ‬
‫َمسَاجِدَ ال شَاهِدِينَ َ‬

‫() أولً‪ُ :‬نفَرّقُ بين الشرط والركن‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشرط‪ :‬مَا َيلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ِه العَدَمُ‪ ،‬وَلَ َيلْزَمُ ِمنْ ُوجُودِهِ ُوجُو ٌد لِذَاتِهِ‪.‬‬
‫عدَ ُم الصّلَة‪ ,‬أي عدم صحيتها‪ ،‬ول يلزم من وجود‬ ‫بمعنى مثلً‪ِ :‬منْ عَدَ ِم الطّهَارَةِ َيلْزَمُ َ‬
‫عدَمِهِ‬
‫الطهارة وجود الصلة؛ قد يتوضأ المرء ول يصلي‪ ،‬هذا معنى قولهم‪ :‬مَا َيلْزَمُ مِنْ َ‬
‫العَدَمُ‪ ،‬وَلَ َيلْزَمُ مِنْ ُوجُو ِدهِ ُوجُو ٌد لِذَاتِه ؛ إل إذا صلى النسان‪.‬‬
‫يءِ مَاهِيّ ُتهُ‪.‬‬
‫أما الركن‪ :‬رُ ْكنُ الشّ ْ‬
‫أركان الصلة‪ ،‬ماهية الصلة‪ ،‬حقيقة الصلة‪ ،‬لن الصلة أقوال وأفعال‪ ،‬تتكون ماهية‬
‫الصلة من القوال والفعال‪ ،‬هذه الماهية المكونة من القوال والفعال هي الصلة‪،‬‬
‫هذه الشياء التي تتكون منها العبادة التي تسمى الصلة هي الركان‪ ،‬والشروط في‬
‫الغالب خارجة عن ماهية الصلة ‪.‬‬
‫لذلك اختلفوا في النية عند الحنابلة‪ ،‬النية يعّدونها من الشروط‪ ،‬وعند الشافعية مثلً‬
‫يعدّون النية من الركان‪ ،‬ووجه الختلف باعتبار أولها‪ :‬النية خارجة عن ماهية‬
‫الصلة وعن فعل الصلة‪ ،‬لنك تنوي قبل أن تدخل في الصلة‪ ،‬تنوي أن تكبر مثلً‪،‬‬
‫كذلك الوضوء‪.‬‬
‫ولكن باعتبار وجوب استدامتها واستمرارها إلى آخر الصلة‪ ،‬اعتبرت ركناً من أركان‬
‫الصلة‪ ،‬وباعتبار أولها تعتبر شرط‪.‬‬
‫ن اختلف أهل العلم في مثل هذا يعتبر اختلفاً غير جوهري‪ ,‬اختلفٌ‬ ‫معنى هذا‪ :‬أ ّ‬
‫صوريٌ شكلي‪ ،‬بمعنى‪ :‬الكل ُيلْزِمُ بأنّ النية لبد منها لي عمل‪(( ,‬إنما العمال‬
‫بالنيات))‪ ,‬لكن هل تسمى شرطًا أو تسمى ركناً؟ ل يضر مثل هذا الختلف‪.‬‬
‫() عدّد المؤلف ‪-‬رحمه ال‪ -‬شروط الصلة التسعة‪ :‬السلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتمييز‪ ،‬ورفع‬ ‫‪2‬‬

‫الحدث‪ ،‬وإزالة النجاسة‪ ،‬وستر العورة‪ ،‬ودخول الوقت‪ :‬أي العلم بدخول الوقت‪ ،‬أن‬
‫يكون المصلي عالماً بدخول الوقت هذه هي الشروط‪ ،‬ثم أخذ المؤلف ‪-‬رحمه ال‪ -‬يشرح‬
‫من عند نفسه‪ ،‬ل يحتاج إلى شرح‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪5‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫عمِلُوا مِنْ‬
‫النّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة‪ .]17 :‬قَالَ َتعَالى‪َ {:‬وقَدِ ْمنَا إِلَى مَا َ‬
‫ل فَجَ َعلْنَاهُ َهبَاء مّنثُورًا} [الفرقان‪.) (]32 :‬‬
‫‪1‬‬
‫عَمَ ٍ‬

‫عنْهُـ القَلَمُـ‬
‫جنُون‪ ،‬وَالمَجْنُونُـ َم ْرفُوعٌـ َ‬ ‫شرْطُـ الثّانِي‪ :‬العَقْلُ َوضِدّهُـ ال ُ‬
‫ال ّ‬
‫حَتّىـ يَفِيقَـ( )‪ ،‬وَالدّلِيلُ حَدِيثـُ‪ُ ( :‬رفِعـَ القَلَمُـ عَنـْ ثَلَثَةٍ‪ :‬النَائِمُـ حَتَى‬ ‫‪2‬‬

‫َيسْ َتيْقِظَ‪ ،‬وَالمَجْنُونُ حَتَى يَفِيقَ‪ ،‬وَالصَغِيرُ حَتّى َيبْلُغْ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫() الكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل‪ ,‬هذا معنى الشرطية‪ ،‬أي عدم السلم يستلزم‬ ‫‪1‬‬

‫عدم الصلة‪ ،‬وعدم صحية أي عمل‪ ،‬لن الكافر ل يقبل منه أي عمل‪.‬‬
‫ن ِللْمُشْ ِركِينَ‬‫وجميع العمال الصالحة من شرطها السلم‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪{:‬مَا كَا َ‬
‫ت أَعْمَالُهُمْ َوفِي النّارِ هُمْ‬ ‫ط ْ‬‫علَى أَنفُسِهِمْ بِالْ ُكفْ ِر أُ ْولَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫أَن يَعْمُرُواْ َمسَاجِ َد ال شَاهِدِينَ َ‬
‫خَالِدُونَ} [التوبة‪.]17 :‬‬
‫ل َفجَ َعلْنَاهُ هَبَاء‬
‫الشاهد‪ :‬حبطت أعمالهم‪ ،‬وقوله تعالى‪َ {:‬وقَدِمْنَا ِإلَى مَا عَ ِملُوا ِمنْ عَ َم ٍ‬
‫مّنثُورًا} [الفرقان‪.]32 :‬‬
‫أي‪ :‬ل يثابون عليه‪.‬‬
‫() والمجنون ل تصح منه العمال‪ ،‬ل الصلة ول غيرها‪ ,‬مرفوع عنه القلم‪ ،‬بمعنى‪ :‬ل‬ ‫‪2‬‬

‫تكتـب عنـه السـيئات ول تكتـب له الحسـنات‪ ,‬هذا معنـى رفـع القلم‪ ،‬أي قلم التكليـف‪ ,‬ليـس‬
‫مكلفاً بالعمـل لنـه بدون عقـل‪ ،‬والعقـل‪ :‬هـو ذلك النور الذي يقذفـه ال سـبحانه وتعالى فـي‬
‫قلوب العباد‪ ،‬يميزون به بين القبيح والحسن وغير ذلك‪.‬‬
‫() النائم في حال نومه معذور‪ ,‬لذلك يُعَدّ النوم عذراً من أعذار الصلة‪ ,‬فإذا استيقظ‬ ‫‪3‬‬

‫صلى أداءً على الصح ل قضاءً‪(( ,‬من نسي صلة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها))‪,‬‬
‫من شُغل إلى أن نسي الصلة‪ ،‬ثم تذكر؛ فعليه أن يبادر إلى الصلة‪ ,‬ووقت تذكر الصلة‬
‫هو وقت صلته =‬

‫= يختلف أهل العلم هل يصلي قضاءً أو أداءً؟‬


‫الذي يظهر ‪-‬وال أعلم‪ -‬أنها أداءً‪ ,‬لنه قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪(( :-‬فليصلها إذا‬
‫ذكرها))‪ ,‬فَهِمَ من هذا بعض أهل الحديث أنه يصليها أداءً‪ ،‬وكذلك المستيقظ إذا استيقظ‬
‫يبادر فور استيقاظه وفور تذكره‪ ،‬يبادر إلى الصلة‪ ،‬مثلً‪ :‬إلى صلة الظهر‪ ،‬ل يقول‬
‫دخل وقت العصر أو أذّن‪ ,‬بل حتى لو جاء إلى المسجد‪ ،‬ورأى المام يصلي العصر‪،‬‬
‫عليه أن يصلي الظهر مقتديًا بالمام الذي يصلي العصر‪ ،‬ثم يصلي العصر إمّا منفرداً‬
‫أو إذا وجد جماعة أخرى مسبوقة يصلي معها‪ ،‬فالواجب أن بيدا بالصلة الولى لن‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪6‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫الثّاِلثُ‪ :‬التّمْييزُ َوضِدّهُ الصّ َغرُ‪ ،‬وَحَدّ ُه سَبْ ُع سِنِينَ ثُمّ يُ ْؤ َمرُ بِالصّلَةِ‬
‫لِقَ ْولِهِ ‪-‬صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّمَ‪ُ (( :-‬مرُوا َأبْنَاءَكُمْ بِالصّلَةِ ِلسَبْعٍ‪،‬‬
‫شرٍ َو َف ّرقُوا بَيْ َنهُ ْم فِي ال َمضَاجِع))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ضرِبُوهُمْ عََليْهَا لِ َع ْ‬
‫وَا ْ‬
‫شرْطُ الرّابِعُ‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫َرفْعُ الحَ َدثِ‪ ،‬وَهُوَ ال ُوضُوءُ ال َم ْعرُوف‪َ ،‬ومُوجِبُهُ الحَ َدثُ‪.‬‬

‫الصلة مرتبة‪.‬‬
‫() الصغير الذي دون السبع ل يعقل‪ ,‬لذلك أُمرنا أن نأمر أولدنا بالصلة لسبع‪ ,‬لنهم‬ ‫‪1‬‬

‫قبل ذلك ل يعقلون‪ ,‬وحَدّهُ سبع سنين‪ ,‬ثم يؤمر بالصلة لقوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬
‫((مروا أبناءكم بالصلة لسبع اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع))‪ ,‬هذه‬
‫آداب إسلمية ينبغي التقيد بها‪ ،‬أمر الطفال بالصلة لسبع‪ ,‬وليس معنى أمرهم أن تقول‬
‫له صلي بس‪ ،‬يلزم من أمر رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أن نأمر أطفالنا بالصلة‬
‫أن نعلمهم الصلة‪ ,‬وإل فكونك تقول للطفل ‪-‬الذي يلعب عند الباب‪ -‬إذهب إلى المسجد‬
‫صلّ‪ ،‬وأنت ل علمته الطهارة ول علمته كيف يصلي‪ ،‬ل تخرج من العهدة‪ ,‬وإنما تخرج‬
‫من العهدة إذا علمته الطهارة ثم قلت له صلي‪ ،‬هنا امتثلت‪ ،‬وأما تساهل كثيرٍ من الناس‬
‫قد يحمل طفله إلى المسجد إما لسب ٍع أو دون السبع على غير طهارة‪ ,‬وبدون معرفة‬
‫للصلة‪ ,‬فيُوقف في الصف؛ فيُعتبر هذا الصف مقطوعاً بوقوف هذا الطفل في الصف؛‬
‫لنه غير مصلٍ‪ ,‬ينطبق على هذا الشخص قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪(( :-‬من وصل‬
‫ل ل يعقل الصلة‪ ,‬يُوقف في‬ ‫الصف وصله ال‪ ،‬ومن قطع الصف قطعه ال))‪ ,‬تحمل طف ً‬
‫الصف الول خلف المام معك‪ ،‬والناس تسكت مجاملة‪ ،‬وهو ليس في الصلة‪ ،‬ربما‬
‫ليس على طهارة حتى في بدنه‪ ,‬لنك أخذته من أمام البيت قبل أن تعلمه الطهارة‬
‫والصلة‪ ,‬هذا تصرف خطأ‪ ,‬فالواجب أن تعلمه في البيت كيف يتطهر وكيف يصلي؛ ثم‬
‫تعلمه أين يقف‪ ,‬ل يقف في الصف الول‪ ،‬وإنما يقف حيث تقف الطفال‪ ,‬إن كان‬
‫المأمومون يتكونون ويتألفون من صفين‪ ,‬فلهم الصف الثاني ‪-‬أي آخر الصفوف‪ -‬بعد‬
‫صفوف الرجال‪ ,‬هكذا أدبنا رسول ال = =صلى ال عليه وسلم؛ فيجب أن نلتزم بهذه‬
‫الداب‪ ,‬فإذا بلغ الطفل عشر سنين‪ ،‬وحصل منه نوعٌ من عدم المتثال والتمرد‪ ,‬يضرب‬
‫ضرب تأديب وتخويف حتى يصلي‪ ,‬مع المحافظة عليه‪.‬‬
‫وفي هذا السن يفرق بينهم في المضاجع كل طفل ينام منفرداً‪ ,‬هكذا أدب السلم‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪7‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫لسْلمُ‪ ،‬وَالعَقْلُ‪ ،‬وَالتّمْييزُ‪ ،‬وَالنِيّةُ( )‪،‬‬


‫‪2‬‬
‫عشَرَةٌ( )‪ :‬ا ِ‬
‫‪1‬‬
‫شرُوطُهُ َ‬‫َو ُ‬
‫طعَهَا حَتّى َتتِمَ الطّهَارَةُ( )‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ي قَ ْ‬
‫وَاسْ ِتصْحَابُ حُكْ ِمهَا بِأَن لَ يَنْ ِو َ‬
‫ستِجْمَارٌ َقبْلَهُ( )‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫جبٍ( )‪ ،‬وَاسْ ِتنْجَاءٌ( ) أَو ا ْ‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬
‫وَانْقِطَاعُ مُو ِ‬

‫() المراد به الوضوء المعروف‪ ،‬وموجبه الحدث‪ ,‬وشروطه عشرة‪ ,‬السلم والعقل‬ ‫‪1‬‬

‫والتميز ‪-‬كما تقدم‪ -‬والنية واستصحاب حكمها‪.‬‬


‫ي كما‬ ‫() النية ‪-‬كما تقدم‪ -‬شرطٌ عند بعضهم وركنٌ عند البعض الخر‪ ,‬الختلف لفظ ٌ‬ ‫‪2‬‬

‫أشرنا‪.‬‬
‫() واستصحاب حكمها يعني أنّه بهذا الستصحاب تعتبر ركناً‪ ،‬ومعنى استصحاب حكم‬ ‫‪3‬‬

‫النية أل ينوي قطع الصلة وذلك قطع الوضوء أو قطع أي عبادة نوى‪ ،‬ل ينوي أنّه في‬
‫أثناء العمل أن يقطعه حتى تتم الطهارة‪ ,‬لو نوى أن يترك الوضوء‪ ،‬وهو في أثناء‬
‫الوضوء؛ فيجب عليه أن يستأنف من جديد بنية جديدة‪.‬‬
‫() انقطاع موجب‪ ،‬الذي هو الحدث‪ ،‬يجب عليه أن ينقطع‪ ،‬أن يفرغ من البول ومن‬ ‫‪4‬‬

‫قضاء حاجته ومن خروج الريح‪ ،‬ينقطع من كل ذلك حتى يتوضأ‪ ،‬أما مع وجود‬
‫وجريان الحدث فل يصح الوضوء‪.‬‬
‫() والستنجاء معروف‪ ،‬وللنسان أن يجمع بينه [وبين الستجمار]‪ ،‬وله أن يقتصر على‬ ‫‪5‬‬

‫أحدهما‪.‬‬
‫() استنجاءٌ أو استجمارٌ قبله‪ :‬يشترط أن يستنجي النسان قبل الوضوء أو يستجمر‪ ،‬وله‬ ‫‪6‬‬

‫أن يجمع بينهما‪.‬‬


‫الستجمار‪ :‬هو استعمال أحجار ثلثة فأكثر‪ ,‬يقف على الوتر‪ ،‬والمطلوب إزالة عين‬
‫النجاسة‪ ،‬ل إزالة أثرها؛ فأثر النجاسة ل يزول إل بالماء‪ ,‬ولكنّ الستجمار يزيل عين‬
‫النجاسة وأثرها الظاهر‪ ,‬وما بقي من الرائحة وغير ذلك يُعفى عنه فتصح الصلة‪=.‬‬
‫= الستجمار ليس للضرورة ‪-‬كما يتصور بعض الناس‪ -‬بل للنسان أن يستجمر مع‬
‫ن الماء ليس‬
‫وجود الماء‪ ،‬ول يستنجي‪ ,‬هذا الذي كان عليه عمل الصحابة في وقتهم‪ ،‬ل ّ‬
‫بمتوفر كاليوم‪ ،‬ومع ذلك ما كانوا يتكلفون بطلب الماء‪ ،‬إذا قضى النسان حاجته‬
‫يستجمر فيكتفي بذلك ولو كان الماء موجوداً‪ ,‬لو استوفى الشروط؛ فأزال عين النجاسة‪،‬‬
‫صح له أن يصلي‪ ،‬وأمّا الثر فيعفى عنه‪ ،‬كذلك من وطئ النجاسة بنعليه أو بخفيه؛‬
‫فدحك بالرض حتى أزال عين النجاسة؛ فبقي الثر‪ ,‬له أن يصلي في نعليه وفي الخفين‬
‫وفيهما الثر بعد إزالة عين النجاسة كالمستجمر تماماً‪(( ,‬إذا أتى أحدكم المسجد‪ ،‬فلينظر‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪8‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫طهُورِيّةُ مَاءٍ( ) وَِإبَاحَتُهُ( )‪ ،‬وَِإزَالَةُ مَا َيمْنَعُ ُوصُولَ المَاءِ إِلى‬


‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫وَ ُ‬
‫شرَةِ( )‪،‬‬
‫ال َب َ‬
‫‪3‬‬

‫وَدُخُولُ َو ْقتٍ عَلى مَنْ حَ َدثُهُ دَائِمٌ لِ َف ْرضِهِ( )‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫وََأمّا ُفرُوضُهُ َفسِتّةٌ‪:‬‬

‫تحت نعليه؛ فإن رأى فيهما قذراً؛ فليدلكهما بالرض؛ فليدخل بهما فليصلِ فيهما))‪ ,‬هذه‬
‫من السنن المهجورة اليوم‪ ,‬بل من السنن المحاربة‪ ,‬عند كثير من الناس تحارب‪ ،‬بل تُعد‬
‫جريمة في بعض القطار ‪-‬دخول المسجد بالنعال وبالحذية‪ ،-‬لو اشتريت الن من‬
‫الدكان ولبست ودخلت بها المسجد‪ ،‬عُدّ ذلك جريمة وعدم احترام للمساجد ولبيوت ال‪،‬‬
‫قلبت السنة بدعة والبدعة سنة‪ ,‬الصلة في النعال كانت عند السلف أمراً معهوداً ل‬
‫يختلفون فيه‪ ,‬بل كل ما في المر يتحفظ النسان‪ ،‬فيلحظ نظافة نعليه عند دخوله‬
‫ل بالحديث الذي أشرنا إليه‪(( ,‬ثم ليدخل بهما فليصل بهما))‪ ,‬وإن خلعهما‬
‫للمسجد عم ً‬
‫جعلهما بين رجليه‪ ،‬ل يجعلهما بين يديه ولخلفه ول يمين ول شمال‪ ،‬لكي ل تؤذي‬
‫الناس‪ ،‬بل يجعلهما بين رجليه‪ ،‬بين قدميه‪ ,‬هكذا جرت السنة‪ ،‬ودرج على هذا سلف هذه‬
‫المة‪ ,‬ول تزال هذه السنة معمول بها في بعض المناطق في هذا البلد‪ ,‬ولكن في بعض‬
‫المناطق وفي بعض القطار الخرى في الخارج الموقف سيئ‪.‬‬
‫ولكن هنا ينبغي أن ننوه أن الصلة في النعال سنة‪ ،‬وليس ذلك بواجب ول شرط لصحة‬
‫الصلة أو واجب من واجبات الصلة‪ ،‬فهذه السنة إذا تعارضت مع مصلحة أخرى‪ ،‬مع‬
‫بعض المساجد‪ ،‬أو أدّى فتح الباب لدخول المساجد بها إلى إضاعة المال؛ فينبغي أن‬
‫تترك هذه السنة تركاً مؤقتاً ومقيداً بمكان مقيد‪ ،‬حتى تحيى في أماكن أخرى مثل هذه‬
‫المساجد‪ ,‬ل ينبغي أن يتسرع الشباب ليدخلوا بنعالهم؛ فيفتحوا بذلك باب دخول المساجد‬
‫بالنعال؛ فيدخل المتسرعون قبل أن ينظروا تحت نعالهم؛ فيؤدي ذلك إلى إضاعة هذه‬
‫الفرش‪ ,‬فـقد نهينا عن إضاعة المال‪ ,‬إضاعة المال حرام‪ ،‬ودخول المساجد والصلة في‬
‫النعال سنة‪ ,‬وإذا حصل تعارض‪ ,‬نعمل بإحياء سنة الصلة في النعلين في غير هذه‬
‫المساجد‪ ،‬في المساجد التي ل تزال على فطرتها‪ ،‬المفروشة بالرمال والتراب‪ ،‬أو في‬
‫بيوتنا‪ ،‬أو في البرية عندما نخرج في الرحلة والمعسكرات‪ ،‬والماكن كثيرة‪- ,‬معنى‬
‫ذلك‪ -‬ل نحارب الصلة في النعال‪ ،‬ول نبالغ إلى درجة أننا ندخل مثل هذا المساجد‬
‫‪-‬المساجد المفروشة بالنعال‪ -‬فتضيع هذه الموال‪ ،‬ولكن نجمع بين هذه المصالح وبين‬
‫هذه الحاديث بأن نحيي ونعمل بسنة الصلة في النعال في غير هذه المساجد‪ ،‬والمساجد‬
‫كثيرة=‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪9‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫غَس ْـلُ الوَجْهـِ‪ ،‬وَ ِمنْهُـ ال َمضْ َمضَةُ وَالس ْـ ِت ْنشَاق( )‪ ،‬وَحَدّهُـ طُولً مِنـْ‬
‫‪1‬‬

‫عرْضاً إِلى ُفرُوعِ الُذُ َنيْنِ( )‪،‬‬


‫‪2‬‬
‫ت شَ ْعرِ الرّ ْأسِ إِلى ال ّذقْنِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َمنَا ِب ِ‬
‫وَغَســْلُ اليَدَيْنــِ إِلى ال ِمرْفَقَيْنــِ( )‪َ ،‬ومَســْحُ جَمِيعــِ الرّأْســِ( ) وَ ِمنْهــُ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫الُ ُذنَيْن( )‪،‬‬


‫‪5‬‬

‫=والماكن كثيرة‪ ،‬ول بد من الفقه في الدين‪ ،‬والتوفيق بين النصوص‪ ،‬ل يأخذ النسان‬
‫طرفاً أو نصاً أو حديثًا ويضيع النصوص الخرى؛ بل ل بد من التوفيق دائماً حسب‬
‫المكان‪.‬‬
‫() من شروط الوضوء أن يكون الماء طهوراً‪ ،‬فالماء إمّا أن يكون نجساً أو طاهرًا أو‬ ‫‪1‬‬

‫طهوراً‪.‬‬
‫إذاً أنواع المياه ثلثة‪:‬‬
‫•ماء نجس ل يستعمل ل في الطهارة ول في الشرب‪.‬‬
‫•ماء طاهر يستعمل في غير العبادة‪.‬‬
‫•ماء طهور يستعمل في العبادة‪.‬‬
‫قد يكون الماء طاهراً في نفسه غير مطهر‪,‬كالغسالة التي جمعت مثلً في مكان‪ ,‬أو‬
‫ماء تغير بطاهرحتى سلب اسمه‪ ,‬سُمي شايًا أومرقاً‪ ,‬وهو ماء في الصل تغير‬
‫سلِب اسمه؛ فل تصح به الطهارة‪ ،‬أو تغير بنجس‪ ،‬تغير‬ ‫بطاهر بواسطة لحم أو شاي ُ‬
‫لونه أو طعمه أو ريحه‪ ،‬ل يستعمل في الطهارة‪ ،‬إذاً طهورية الماء أي أن يكون‬
‫طاهراً شرط‪.‬‬
‫() وأن يكون الماء مباحاً ل يكون مغصــــوباً‪ ،‬لو غصــــبت ماء إنســــان وتوضأت بــــه‬ ‫‪2‬‬

‫واغتسلت به ما صح‪ ،‬مع الخلف في المسألة من أهل العلم‪ ,‬فهناك من يصحح الوضوء‬
‫مـع الثـم‪ ،‬و يقول أنّ الباحـة ليسـت بشرط‪ ،‬ولكـن يأثـم مـن يسـتعمل الماء المغصـوب‪،‬‬
‫وهذا الخلف جاء فيمـــن يصـــلي بالثوب المغصـــوب والعمامـــة المغصـــوبة والرض‬
‫المغصــوبة والدار المغصــوبة‪ ,‬هذه المســائل كلهــا محــل خلف‪ ،‬أي فيهــا روايتان فــي‬
‫المذهب نفسه‪ ,‬في مذهب أحمد‪ ,‬وفي مسألتنا هذه‪ ,‬القول الثاني أنّ إباحة الماء ‪-‬أي كون‬
‫ل ليــس بمغصــوب‪ -‬ليــس بشرط لصــحة الوضوء‪ ،‬لكنّهــ واجــب على‬ ‫الماء مباحاً حل ً‬
‫النسان أن يتحرى‪ ،‬ولو توضأ بماء المغصوب فوضوءه صحيح لكنه يأثم‪ ,‬هذه الرواية‬
‫هـي التـي تترجـح عندنـا‪ :‬أنّهـ يأثـم ولكـن الوضوء يصـح‪ ،‬أي المسـألة خلفيـة‪ ,‬وقلّمـا تسـلم‬
‫مسألة فقهية من خلف‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪10‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫وَغَســْلُ الرّجَْليْنــِ إِلى الكَ ْعبَيْنــِ( )‪ ،‬وَال ّترْتِيبــُ وَالمُوَالَةُ( )‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬


‫ل‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫قَوْلُهـُ َتعَالى‪{:‬يَا أَيّهَا الّذِينـَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمـْ إِلَى الصـّلةِ( ) فاغْسـِلُواْ‬
‫‪3‬‬

‫وُجُوهَكُمْـ وَأَيْ ِديَكُمْـ ِإلَى ا ْل َمرَافِقِـ( ) وَامْسَـحُواْ ِبرُؤُوسِـكُمْ( ) َوَأرْجُلَكُمْـ‬


‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫إِلَى الْ َكعْبَينِ( )} [المائدة‪ :‬من الية ‪.]6‬‬


‫‪6‬‬

‫وَدَلِيلُ ال ّترْتِيبِ حَدِيثُ‪(( :‬ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ ال بِهِ))( )‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫() أن يزيل النسان من أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى البشرة‪,‬كالذين‬ ‫‪3‬‬

‫يشتغلون في (البويه)‪ ,‬هذه المادة إذا كانت لصقة بأعضاء الوضوء‪ ،‬مادة لصقة قوية‬
‫تمنع وصول الماء إلى البشرة‪ ،‬يجب أن يزيلها بالمزيلت قبل الوضوء‪ ،‬ومثل ما يسمى‬
‫(بالمناكير) التي تستعملها النساء في الظفار‪ ،‬يجب إزالــــــــــــــة ذلك قبل الوضوء‪،‬‬
‫على المرأة المسلمة أن تزيل هذه المناكير عندما تريد أن تتوضأ أو تغتسل=‬

‫=غسل الجنابة‪ ،‬لها أن تستعمل ذلك في بيتها بعد ذلك‪ ،‬بعد التفاق مع زوجها على أنها‬
‫من وسائل الجمال والزينة‪.‬‬
‫() دخول وقت ـٍـ لفرضـــه‪ ،‬أي لفرضـــه الحاضـــر على مـــن حدثـــه دائم كســـلس البول‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫والسـتحاضة‪ ،‬يجـب على المسـتحاضة أن تصـبر حتـى يدخـل الوقـت‪ ،‬كذلك مـن بـه سـلس‬
‫البول‪ ،‬ل يجوز لهم أن يتوضؤا قبل الوقت‪ ،‬بمعنى يتوضؤن لكل وقت‪.‬‬
‫() هذا هو مذهب المام أحمد‪ ،‬المضمضة والستنشاق داخلين في غسل الوجه‪ ،‬أي‬ ‫‪1‬‬

‫يجب على المتوضئ أن يتمضمض ويستنشق ويستنثر‪ ،‬ويسبق ذلك غسل الكفين ثلث‬
‫مرات‪.‬‬
‫وهذه من المسائل التي بينتها السنة كما سيأتي‪ ،‬جاء مجملً في القرآن وبينّته السنة‪.‬‬
‫ل فـي الوجـه‪ ،‬الذقـن‬ ‫() وح ّد الوجـه طولً مـن منابـت شعـر الرأس إلى الذقـن‪ ،‬الذقـن داخ ٌ‬ ‫‪2‬‬

‫ملتقـى اللحييـن‪ ،‬العظـم الذي عليـه اللحيـة يسـمى لحـم‪ ,‬وملتقـى اللحييـن هنـا يسـمى ذقـن‬
‫‪-‬بالذال‪.-‬‬
‫ولذلك تسـمى العامـة اللحيـة ذقـن‪ ،‬تحريـف‪ ،‬الذقـن ملتقـى العظمييـن ل الشعـر‪ ،‬الشعـر مـا‬
‫يسـمى ذقـن‪ ،‬ول يسـمى ذقـن‪ ,‬لغـة مُغّيّرة‪ ،‬اللحيـة لحيـة‪ ،‬سـميت لحيـة لنهـا تنبـت على‬
‫اللحييـن‪ ،‬على اللحييـن مـع الذقـن تسـمى لحيـة‪ ،‬اللحيـة شعـر الخدين والذقـن‪ ،‬والذقـن داخـل‬
‫بالوجه‪ ،‬إلى الذقن أي مع الذقن‪ ،‬وعرضاً إلى فروع الذنين‪.‬‬
‫هل الذنين من الوجه أم ل ؟‬
‫هناك خلفٌ بين أهل العلم‪ ,‬ويرى المام أحمد أنّ الذنين من الوجه‪ ،‬بدليل أنّ من يمسح‬
‫رأسه يمسح الذنين مع الرأس‪ ،‬ول يأخذ ماءً جديداً‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد أَمَان الجَامِي ‪11‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شَرْحُ شُرُوطِ ال ّ‬

‫ث صَاحِبِ اللُ ْمعَةِ عَنِ النّ ِبيّ ‪-‬صَلَى ال عََليْهِ‬ ‫لةِ حَدِي ُ‬ ‫وَدَلِيلُ ال ُموَا َ‬
‫َوسَلّمَ‪:-‬‬
‫صبْهَا المَاءُ‬
‫أَنّهُ لما رَأَى رَجُلً في قَدَمِهِ لمُعَ ًة قَ ْدرَ ال ّدرْهَمِ لَمْ ُي ِ‬
‫فَأَ َمرَهُ بِالِعَادَةِ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وَوَاجِبُهُ ال ّتسْمِيَةُ مَعَ الذّ ْكرِ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وعلى كلٍ‪ ،‬دخول الذنيــن فــي الوجــه محــل خلف‪ ,‬وعلى القول أنّهمــا خارجتان عــن‬
‫الوجــه‪ ،‬يكون معنــى قوله إلى فروع الذنيــن‪ :‬إلى على بابهــا‪ ،‬ليســت بمعنــى مــع فروع‬
‫الذنين‪ ,‬غير داخلتين في الوجه‪.‬‬

‫() أي مع المرفقين‪[ ،‬إلى] هنا بمعنى ‪[ :‬مع]‪ ،‬المرفق يغسل‪ ،‬بل يجب أن تشرع في‬ ‫‪3‬‬

‫غسل العضد لنتأكد من غسل المرفق‪ ،‬ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪ ،‬الشروع في‬
‫غسل العضد واجب لتتأكد من غسل المرفقين‪ ,‬لن المرفقين من اليد في باب الوضوء‪،‬‬
‫اليد لها معاني‪ ،‬اليد تطلق على الكفين وتطلق على الذراعين‪ ،‬وتطلق على اليد بطولها‬
‫إلى البط‪ ،‬لكن اليد هنا مع المرفقين‪.‬‬
‫() كـم مرة؟ الجواب أنـه يمسـح مرة واحدة‪ ،‬مسـح جميـع الرأس هذا هـو الصـحيح‪ ,‬فليغيـر‬ ‫‪4‬‬

‫وضوءه مـن ينتسـب إلى مذهـب المام الشافعـي أو مذهـب المام أبـي حنيفـة أو غيرهمـا‪,‬‬
‫ممـن يرون بأنـه ل يجـب مسـح جميـع الرأس‪,‬كمـا سـيأتي ذكـر سـبب الخلف عنـد اليـة‪،‬‬
‫الواجب هنا الرجوع إلى بيان رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬في كيفية مسح الرأس‪,‬‬
‫ومـا يفعله بعـض المنتسـبين إلى مذهـب المام الشافعـي مـن أن الواحـد يأخـذ الماء بطرف‬
‫إصــبعه ويعمــل هكذا ‪-‬أي بطرف يده‪ ,-‬ويكرر ثلث مرات‪ ،‬ل‪ ،‬خطــأ بــل فــي بعــض‬
‫فروعهم القول يجوز ولو مسح بعض شعره ‪-‬يعني شعرة واحدة‪ -‬بدعوى التبعيض وبأن‬
‫الباء للتبعيـض‪ ،‬مـا هذا التفسـير بعـد بيان رسـول ال ‪-‬صـلى ال عليـه وسـلم‪-‬؟!! ل يجوز‬
‫أن تتعصب وتتعلق بالمعنى اللغوي بعد بيان رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬؛ فرسول‬
‫ال ‪-‬صـلى ال عليه وسلم‪ -‬أعلم منك باللغة العربيـة؛ فالنـبي ‪-‬عليه الصـلة والسلم‪ -‬بيّن‬
‫كيفية مسح الرأس‪ :‬أن تضع يديك على مقدم رأسك وتذهب بهما إلى القفا‪ ،‬ثم تردهما إلى‬
‫حيث بدأت‪ ،‬سواءٌ اعتبرت ذلك مرة أو مرتين‪ ،‬الذي يفهمه أهل العلم أن هذه مرة‪ ،‬بدليل‬
‫لنك لم ترفع اليدين‪ ،‬ذهبت بهما ورددتهما لو أنك تعلمت هكذا‪ ،‬ثم فعلت هكذا لعتبرت‬
‫مرتين‪ ،‬ولكن في الصورة التي فعلها ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حيث لم يرفع اليدين عند‬
‫القفا‪ ،‬تعتبر هذه مرة‪ ،‬أي تمسح رأسك مرة واحدة ثم تعم‪ ,‬هذا الواجب‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪12‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫جسُ‬‫حشُ النّ ِ‬ ‫وَ َنوَا ِقضُهُ ثَمَانِيةٌ‪ :‬الخَارِجُ مِنَ السّبِيَليْنِ( )‪ ،‬وَالخَارِجُ الفَا ِ‬
‫‪1‬‬

‫جسَدِ( )‪َ ،‬وزَوَالُ العَقْلِ( )‪،‬‬


‫‪3‬‬
‫مِنَ ال َ‬ ‫‪2‬‬

‫وَ َمسّ ال َمرَْأةِ ِبشَهْ َوةٍ( )‪ ،‬وَ َمسّ ال َفرْجِ بِاليَ ِد قُبُلً كَانَ أَوْ ُدبُراً( )‪ ،‬وََأكْلُ‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫جزُورِ( )‪،‬‬ ‫لَحْمِ ال َ‬ ‫‪6‬‬

‫لسْلَمِ أَعَا َذنَا ال مِنْ ذَِلكَ( )‪.‬‬


‫‪8‬‬
‫وَ َت ْغسِيلِ ال َم ّيتِ( )‪ ،‬وَالرّدّةُ عَنِ ا ِ‬ ‫‪7‬‬

‫() هذه المسألة التي أشرنا إليها قول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪((:-‬الذنان من‬ ‫‪5‬‬

‫الرأس))‪ ,‬أخذ منه أن الذنين من الرأس ل من الوجه‪ ،‬الصل أو الصحيح عدم أخذ ماء‬
‫جديد لهما‪ ،‬بل تمسحهما بالماء الذي أخذته لمسح الرأس مع الرأس‪ ،‬وثبت عن عبد ال‬
‫بن عمر ‪-‬رضي ال عنهما‪ -‬أنه كان يأخذ لهما ماءً جديداً‪ ,‬وربما حاول أن يخفي ذلك‬
‫عن بعض الناس‪ ,‬لنّه يرى أن هذا خلف ما عليه الجمهور من الصحابة‪ ،‬الجمهور من‬
‫الصحابة فهموا من قول الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪((:-‬الذنان من الرأس)) أنّه ل‬
‫يأخذ لهما ماءً جديداً‪ ,‬بل بعد ما ينتهي من مسح الرأس‪ ،‬يمسح الذنين ظاهرهما‬
‫وباطنهما بفضل ماء الرأس‪ ،‬ول يأخذ لهما ماءً جديداً‪.‬‬
‫() يقال هنا ما قيل عند المرفقين‪ ،‬غسل الكعبين واجب‪ ,‬بل يجب أن تشرع في الساق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫في رأس الساق لتتأكد من غسل الكعبين‪ ،‬في كل رجلٍ كعبان‪ ،‬كعبٌ من الخارج‪ ،‬وكعبٌ‬
‫من الداخل‪ ،‬فيجب غسلهما‪ ,‬وهما عظمان ناتئان في منتهى الساق‪.‬‬
‫() من واجبات الوضوء الترتيب بين العضاء‪ ،‬والموالة بين العضاء‪ ,‬وعدم وجود‬ ‫‪2‬‬

‫سلُواْ‬
‫ن آمَنُواْ إِذَا قُمْتُ ْم ِإلَى الصّلةِ فاغْ ِ‬ ‫فاصل طويل عُرفاً‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪{:‬يَا أَيّهَا الّذِي َ‬
‫سحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ َوأَ ْرجُلَكُ ْم ِإلَى الْكَعْبَينِ}[المائدة‪ :‬من الية ‪.]6‬‬ ‫ُوجُوهَكُمْ َوأَيْ ِديَكُ ْم ِإلَى الْمَرَافِقِ وَامْ َ‬
‫() قوله تعالى‪{:‬إِذَا قُمْتُ ْم ِإلَى الصّلةِ}‪ :‬أي إذا أردتم القيام إلى الصلة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫سلُواْ ُوجُوهَكُمْ َوأَيْدِيَكُ ْم ِإلَى الْمَرَافِقِ}‪ :‬أي مع المرافق‪.‬‬ ‫غِ‬ ‫() قوله تعالى‪{:‬فا ْ‬ ‫‪4‬‬

‫() قوله‪{:‬وَامْسَـحُواْ بِ ُرؤُوسِـكُمْ}‪ :‬هذه الباء هــي التــي اختلف فيهــا الفقهاء‪ ،‬هــل الباء هنــا‬ ‫‪5‬‬

‫لللصاق أو للتبعيض أو إنها زائدة‪ ،‬ما معنى الباء هنا؟‬


‫من فهموا من الباء أنها للتبعيض قالوا يكفي مسح الرأس‪ ،‬واختلفوا في هذا البعض‪ ،‬هل‬
‫المراد بالبعض النصف أو الربع أو ولو بعض شعره؟‬
‫وهذا الختلف ينبغــي أن ينتهــي عندمــا تعلم بيان رســول ال ‪-‬صــلى ال عليــه وســلم‪-‬؛‬
‫وتقول ليست للتبعيض‪ ،‬إنما هي لللصاق‪ ،‬إلصاق الكفين بالرأس‪.‬‬
‫سحُواْ‬ ‫جلَكُ مْ}‪ ,‬وأرجلكم قرآئتان‪ ،‬الولى‪{ :‬وَامْ َ‬ ‫سحُواْ بِ ُرؤُو سِ ُكمْ َوأَ ْر ُ‬ ‫() وقوله تعالى‪{ :‬وَا ْم َ‬ ‫‪6‬‬

‫جلَكُم ـْ}‪ ،‬أي‪ :‬فاغســلوا أرجلَكــم وامســحوا برؤوســكم‪ ,‬والقراءة الخرى‪:‬‬ ‫بِرُؤُوس ـِكُمْ َوأَ ْر ُ‬
‫جلِكُمْ}‪ ،‬أي‪ :‬فامسحوا بأرجلِكم‪.‬‬ ‫سحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ َوأَ ْر ُ‬ ‫{وَامْ َ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪13‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫لثٍ( )‪ :‬مِنَ البَدَنِ‪ ،‬وَالثّ ْوبِ‪،‬‬‫‪1‬‬


‫شرْطُ الخَا ِمسُ‪ِ :‬إزَالَةُ النّجَاسَةِ مِنْ ثَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ك فَطَ ّهرْ}[المدثر‪.) (]4:‬‬
‫‪2‬‬
‫ل قَوْلُهُ تَعَالى‪{:‬وَثِيَا َب َ‬ ‫وَالبُقْعَةِ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫شرْطُ السَا ِدسُ‪ :‬سَ ْترُ العَ ْورَةِ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن صَلّى عُرْيَاناً وَهْوَ يَقْ ِدرُ‪ ،‬وَحَدّ‬ ‫أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى َفسَادِ صَلَةِ مَ ْ‬
‫حرّةُ ُكلّهَا‬‫سرّةِ إِلى الرُكْبَةِ‪ ،‬وَالَمَةُ كَذَِلكَ‪ ،‬وَال ُ‬ ‫عَ ْورَةِ الرّجُلِ مِنَ ال ّ‬

‫متى تمسح الرجل؟ إذا كنت لبسًا للخفين أو الجوربين‪ ،‬قراءة الجرّ تفسر بما إذا كان‬
‫النسـان لبسـاً للخفيـن أو الجوربيـن‪ ،‬وأمـا فـي غيـر هذه الحالة؛ فيجـب غسـل الرجـل إلى‬
‫الكعـبين‪ ،‬أي مـع الكعـبين‪ ،‬هنـا اليـة‪{ :‬فاغْسِـلُواْ ُوجُوهَكُمـْ}‪ .‬مـن أيـن لنـا أنّ المضمضـة‬
‫والستنشاق داخلن في غسل الوجه من السنة؟=‬
‫=السنة هنا تعتبر مُبَيّنَة‪ ،‬السنة بينت الوجه أو كيفية غسل الوجه‪ ،‬أي من غسل الوجه‬
‫المضمضة والستنشاق‪ ،‬والسنة بينت أن المرافق والكعبين داخلن في غسل الرجلن‬
‫واليدين؛ لنّ النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬كان يدير الماء على المرفقين حتى يأخذ في‬
‫العضد‪ ,‬السنة تُبَيّنُ وتفسر القرآن‪ ،‬وفي الرأس ‪-‬كما تقدم‪ -‬بَيّ َنتِ السنة معنى [الباء] هنا‪،‬‬
‫وأنّ مسح الرأس مرة واحدة مع الذنين‪.‬‬
‫ى بلفظ الخبر وبلفظ المر‪(( ،‬ابدءوا بما بدأ ال به))‪ ،‬يعني‪ :‬يقول النبي‬ ‫() الحديث رُوِ َ‬ ‫‪7‬‬

‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬عندما خرج من باب الصفا‪ ،‬وأخذ يرقى على جبل الصفا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((ابدءوا بما بدأ ال به))‪ ،‬أي في الرّقِيّ‪ ،‬أو قال للصحابة‪(( :‬ابدءوا بما بدأ ال به))‪,‬‬
‫رُوِىَ هكذا وهكذا‪ ،‬وعلى كلٍ؛ فهذا استنتاج دقيق من المام محمد بن عبد الوهاب‬
‫‪-‬رحمه ال‪ ،-‬أخذ الترتيب من هذا‪,‬كأنّه يقول‪ :‬إذا كان الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫صفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ الّ}[البقرة‪ :‬من الية ‪{ ,]158‬إِنّ‬
‫ن ال ّ‬
‫أخذ الترتيب من قوله تعالى‪{:‬إِ ّ‬
‫صفَا}‪ :‬بدأ بالصفا‪ ،‬أخذ من هذا الترتيب‪ ،‬وقال‪(( :‬ابدءوا بما بدأ ال به))‪ ,‬أي بالصفا‬ ‫ال ّ‬
‫والمروة‪ ،‬أو قال‪(( :‬ابدءوا بما بدأ ال به))‪ ،‬أي‪ :‬بالصفا ل بالمروة‪ ،‬إذاً‪ ..‬نحن نُرَ ّتبُ لنّ‬
‫ال بدأ بغسل الوجه ثم عطف باقي العضاء على غسل الوجه‪ ،‬علينا أن نرتب هذا‬
‫الترتيب‪ ,‬هذا وجه الستدلل‪.‬‬
‫() المام روى الحديث بالمعنى‪ ،‬ولكنه وافٍ؛ تجوز رواية الحديث بالمعنى إذا أدّت‬ ‫‪1‬‬

‫المعنى المطلوب‪.‬‬
‫رأى رجلً في قدمه لمُعة لم يصبها الماء ‪-‬أو مثل الظفر‪ -‬لم يصبها الماء‪ ،‬فأمره‬
‫بالعادة‪ ،‬هنا محل الخلف‪ ،‬هل أمره بأن يتقن وضوءه؟‪..‬‬
‫() واجب الوضوء التسمية مع الذّكر‪ ،‬الحاديث التي وردت بهذا الحكم لم تسلم من‬ ‫‪2‬‬

‫مقال‪ ،‬ولكنها بمجموعها قد تنهض وتكون التسمية واجبة‪ ,‬هذا عند المام‪ ،‬وعند‬
‫الجمهور سنة ليست بواجبة‪ ،‬والمام يشترط الذكر‪ ،‬إذا لم يتذكر ونسي ليس عليه شيء‪,‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪14‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ل قَوْلُهُ تَعَالى‪{:‬يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِي َنتَكُمْ‬‫عَ ْورَةٌ إِلّ وَجْهُهَا‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫ل صَلَةٍ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عِنْدَ ُكلّ َمسْجِدٍ}[الَعْرَافُ‪َ .]31:‬أيْ‪ :‬عِنْدَ كُ ّ‬
‫شرْطُ السّابِعُ‪ :‬دُخُولُ ال َو ْقتِ‪.‬‬ ‫ال ّ‬

‫فهذا الوجوب ليس بتلك القوة‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬

‫() الخارج من السبيلين ‪-‬سواء كان معتاداً أو غير معتاد‪ -‬كالحصى والدود (غير معتاد)‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫إذا خرج‪ ،‬نقض الوضوء‪ ،‬وأمّا بالنسبة للمعتاد كالبول والغائط فهو محل إجماع‪ ,‬وفيما‬
‫عدا غير المعتاد مع الخلف‪.‬‬
‫() والخارج الفاحش النجس من الجسد‪ :‬كالدم‪ ،‬والقيح‪ ،‬والقيء‪ ،‬والقلس‪ ،‬إذا خرج‪ ،‬في‬ ‫‪2‬‬

‫المشهور في مذهب المام أحمد أنّه ينقض الوضوء‪ ،‬الرواية الثانية‪ :‬الخارج من غير‬
‫السبيلين ل ينقض الوضوء سواء كان قليلً أو كثيراً‪.‬‬
‫وأمّا على هذه الرواية‪،‬كونه فاحشاً؛ فالمرجع العرف‪ ،‬أي ما كان فاحشًا في العرف‪،‬‬
‫ماكان كثيرًا فاحشًا في العرف‪ ,‬لنهم يختلفون‪ ،‬وكل مالم يرد تحديده في الشرع‪ ,‬المرجع‬
‫العرف‪.‬‬
‫ولكنّ الرواية مرجوحة‪ ،‬الرواية الراجحة عدم نقض الوضوء بالخارج من غير‬
‫السبيلين‪ ،‬لعدم وجود دليل صريح صحيح‪ ,‬لنّ طلب العلم يفرقون بين الصحيح‬
‫والصريح‪ ،‬قد يكون الدليل صحيحاً ولكنه غير صريح‪ ،‬غير صريح في المسألة أي فيه‬
‫إحتمال‪ ،‬والدلة هنا استدلوا بحديث القيء‪ ,‬أنّه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬قاء فتوضأ‪ ,‬وقس‬
‫على ذلك الرعاف والدم الخارج من البدن‪ ،‬والقلس وهو ما دون القيء‪ ،‬ما يخرج من‬
‫الحلق ولم يصل إلى المعدة‪ ،‬أي أنّهم قاسوا على القيء‪ ،‬فهل حديث القيء صريح‪ ،‬إن‬
‫كان صحيحًا أي صريح بأن الوضوء انتقض‪ ،‬وهل مجرد كون النبي ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬توضأ ولم يأمر بالوضوء‪ ،‬يدل على الوجوب‪ ،‬أو يدل على المشروعية‪ ,‬على‬
‫مطلق المشروعية‪ ,‬إذاً الدليل غير صريح‪ ،‬هذا معنى قولنا‪ :‬ل يوجد دليلٌ صريح‪.‬‬
‫بل المعروف عند الصحابة أنهم قد يخرج منهم دم في كثير من المناسبات‪ ،‬كالجروح‬
‫في الجهاد ‪،‬وكأن يعصر أحداً بتره فيسيل‪ ,‬أو دملً فيسيل منه الدم أو القيح‪ ,‬فيصلون‬
‫ف الوضوء مما يخرج من البدن‪ ،‬سواء كان كثيراً أو قليلً‪،‬‬ ‫ول يتوضئون‪ ،‬وليس بمعرو ٍ‬
‫لذلك الرواية الثانية هي الراجح‪،‬ة وال أعلم‪ ،‬والروايتان في المذهب‪ ،‬ومسألة الترجيح‬
‫كما شرحنا‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪15‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫وَالدّلِيلُ مِنَ السّنّةِ حَدِيثُ جِ ْبرِيلَ ‪-‬عَلَيْهِ السّلَمُ‪ -‬أَنّهُ أَمّ ال َنبِي ‪-‬صَلَى‬
‫حمّدُ‬
‫خرِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪(( :‬يَا مُ َ‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّمَ‪ -‬في أوّلِ ال َو ْقتِ َوفِي آ ِ‬
‫الصّلَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ ال َوقْ َتيْنِ)) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقُوتًا}[النساء‪:‬‬‫َوقَوْلُهُ تَعَالى‪{:‬إِنّ الصّلَةَ كَا َنتْ عَلَى ال ُمؤْ ِمنِينَ ِكتَاباً مَ ْ‬


‫ل ْوقَاتِ قَوْلُهُ تَعَالى‪َ{:‬أقِمِ‬ ‫‪َ .) (]103‬أيْ‪ :‬مَ ْفرُوضًا فِي الَ ْوقَاتِ‪ ،‬وَ َدلِيلُ ا َ‬ ‫‪2‬‬

‫() ل أعلم في هذا خلفاً‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫س المرأة‪.‬‬ ‫() إذاً أيضاً مسألة خلفية‪ :‬م ّ‬ ‫‪4‬‬

‫اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلثة مذاهب‪:‬‬


‫•المذهب الول‪ :‬مطلق المسّ ينقض الوضوء‪ ,‬ولو لم يكن بشهوة‪ ,‬مطلق المسّ‪،‬‬
‫وهذا الذي عليه المام الشافعي‪.‬‬
‫•المذهب الثاني‪ :‬هو هذا إذا كان بشهوة‪.‬‬
‫س المرأة‪ ،‬والذي ينقض الوضوء‬ ‫•المذهب الثالث‪ :‬ل ينقض الوضوء مطلقاً م ّ‬
‫الجماع‪ ,‬ينقض الوضوء ويوجب الغسل‪ ،‬هذا مذهب ابن عباس ‪-‬رضي ال‬
‫عنه‪ ،-‬وكان إذا خالفه الناس يجعل إصبعيه في أذنيه ويقول‪ :‬أل وهو الجماع‪,‬‬
‫في تفسير قوله تعالى‪ {:‬أَوْ لَمَسْ ُت ُم النّسَاء}[المائدة‪ :‬من الية ‪ ،]6‬سواءً على قراءة‬
‫لمستم‪ ،‬أو على قراءة لمستم‪ ،‬فسّر ترجمان القرآن عبد ال بن عباس اللمس‬
‫بالجماع‪ ,‬وما دون الجماع ل ينقض الوضوء‪ ،‬هذا المذهب الثالث‪ ،‬وعليه أهل‬
‫الحديث‪ ،‬وإليه نميل ‪-‬إن شاء ال‪ ،-‬وال أعلم‪.‬‬
‫() يشمل القبل والدبر‪ ،‬ويختلفون في فرج غيره‪ ,‬إذا مس فرج نفسه‪ ،‬هذا محل إجماع‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫سواء كان قبلً أو دبراً‪ ،‬والخلف في لمس فرج غيره‪ ،‬ولكن إذا تتبعنا ألفاظ الحديث‬
‫الذي جاء في هذا‪ ،‬نجد ما يدل على العموم‪ ،‬والحوط أن يتوضأ النسان ولو لمس فرج‬
‫غيره‪.‬‬
‫() مسألة أخرى خلفية‪,‬لم يذهب إلى هذا المذهب من الئمة غير المام أحمد ‪-‬رحمه‬ ‫‪6‬‬

‫ال‪ ،-‬وأمّا المام الشافعي لماّ بلغه الحديث ‪-‬وهو حريص على تتبع السنة‪ ,-‬من شدة‬
‫حرصه ‪-‬رحمه ال‪ -‬كان يقول لتلميذه المام أحمد بن حنبل‪ :‬يا أخي! أنت أعلم منّا‬
‫بالحديث؛ فإذا بلغك حديث فأعلمنا‪ ،‬فيطلب منه أن يعلمه ويخبره بثبوت حديثًا ما‪ ،‬لنّ‬
‫المام أحمد كان معروفاً بحرصه على جمع الحديث‪ ،‬ويدل على ذلك كتابه العظيم هذا‪,‬‬
‫الموسوعة العظيمة‪" ،‬مسند المام أحمد"‪ ,‬والمام الشافعي كان كثير الستنباط حريصاً‬
‫على فقه الحديث‪ ,‬فيطلب من المام أن يخبره ما ثبت عنده من الحاديث ‪ ،‬فلما بلغه هذا‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪16‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ن ُقرْآنَ‬
‫جرِ إِ ّ‬
‫الصّلَةَ لِدُلُوكِ الشّ ْمسِ( ) إِلى غَسَقِ اللّيْلِ َوقُرْآنَ الفَ ْ‬
‫‪1‬‬

‫جرِ كَانَ َمشْهُودًا}( )[السراء‪.]87:‬‬


‫‪2‬‬
‫الفَ ْ‬
‫ل قَوْلُهُ َتعَالى‪:‬‬
‫شرْطُ الثّامِنُ‪ :‬اسْتِقْبَالُ ال ِقبْلَةِ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫ال ّ‬

‫الحديث‪(( :‬من أكل لحم جزور فليتوضأ))‪ ،‬قال المام الشافعي إن صح قلت به‪ ،‬أي بلغه‬
‫ولم يصح عنده‪ ،‬هذه من أسباب اختلف الفقهاء في المسائل الفقهية الفرعية‪,‬كما نصّ‬
‫على ذلك المام ابن تيمية في كتابه‪" :‬رفع الملم عن الئمة العلم"‪= .‬‬
‫=من أسباب اختلف أهل العلم‪ ،‬أنه قد يبلغ الحديث إمام من الئمة‪ ،‬مثل هذا الحديث‬
‫بالنسبة للمام الشافعي‪ ,‬ولكن لم يصح عنده‪ ،‬فعاش بقية حياته ولم يثبت عنده هذا‬
‫الحديث‪ ,‬لم يصح عنده‪ ،‬ليس مجرد الحديث يكفي‪ ،‬إذاً ل بد أن يبلغك الحديث ويصح‬
‫عندك‪ ,‬فيجب العمل به بعد ذلك‪ ،‬مات المام الشافعي ‪-‬رحمه ال‪ -‬ولم يصح عنده هذا‬
‫الحديث‪ ,‬فصح بعده عند كبار أصحابه‪ ،‬يقول المام البيهقي‪ :‬وقد صحّ عندنا‪ ،‬ونقول به‪،‬‬
‫وهو مذهب الشافعي بناءاً على القاعدة التي قعدها المام الشافعي ‪-‬رحمه ال‪(( :-‬إذا‬
‫ح الحديث فهو مذهبي‪ ,‬وإن خالف قولي قول رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫صّ‬
‫فاضربوا بقولي عرض الحائط))‪ ،‬هكذا كان يقول المام الشافعي‪ ،‬وقال قبله هذه المقالة‬
‫المام أبو حنيفة‪ ،‬الذي يعتبر أتباعه ‪-‬اليوم‪ -‬أشد الناس تعصباً لراء الرجال‪ ،‬والئمة‬
‫الربعة بريئون من المتعصبين‪ ،‬من المقلدين المتعصبين الذين يقدمون آراءهم ومذاهبهم‬
‫على سنة رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ، -‬بل المام أبو حنيفة من أش ّد الناس في هذا‬
‫الباب‪ ،‬يقول‪(( :‬حرامٌ على من يقلدنا ول يدري من أين أخذنا))‪ ،‬بهذه العبارة روى ابن‬
‫عبد البر وصاحب حاشية ابن عابدين تحريم المام أبي حنيفة التقليد‪ ،‬حتى يعرف‬
‫النسان من أين أخذ هذا الرأي ‪ ,‬ومع ذلك بعض الناس يتعصبون تعصباً شديدًا للراء‬
‫المنسوبة إلى مذهبه‪ ،‬وإن لم تكن من أقواله‪ ،‬بمجرد إنتساب هذه الراء إلى مذهبه‪،‬‬
‫فيرى تقديمها على الحاديث الصحيحة؛ فيقول قائلهم‪ :‬لو بلغني مائة حديث مخالفاً‬
‫للمذهب‪ ،‬قدمت المذهب‪ ،‬ما أسوء هذا القول‪ ،‬يشبه قول رجال القانون الذين قدموا أراء‬
‫الرجال في المور الدستورية مع علمهم بصحة الدلة الشرعية‪ ،‬يكون هذا غير متبع‬
‫لسنة الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬من بلغ به التعصب إلى هذه الدرجة؛ فليقرأ قوله‬
‫شجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لَ َيجِدُو ْا فِي‬
‫ك فِيمَا َ‬
‫ن حَتّىَ ُيحَكّمُو َ‬
‫تعالى ‪-‬لعله يتوب‪{:-‬فَلَ وَرَ ّبكَ لَ ُيؤْمِنُو َ‬
‫سلِيمًا}[النساء‪ ,]65 :‬يجب على المسلم التسليم لرسول ال‬ ‫سلّمُواْ تَ ْ‬
‫أَنفُسِهِ ْم حَ َرجًا مّمّا َقضَ ْيتَ وَ ُي َ‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ,-‬ليصح بذلك دعوى اليمان برسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪17‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ك قِبْلَةً َت ْرضَاهَا( ) فَوَلّ‬


‫‪2‬‬
‫ك فِي السّمَاء( ) فََلنُوَلّيَ ّن َ‬
‫‪1‬‬
‫{قَدْ َنرَى تَقَّلبَ وَجْ ِه َ‬
‫جوِهَكُمْ‬
‫حرَامِ وَحَ ْيثُ مَا كُنتُ ْم فَ َولّواْ وُ ُ‬‫طرَ ا ْل َمسْجِدِ الْ َ‬‫ك شَ ْ‬ ‫وَجْ َه َ‬
‫طرَهُ( )}[البقرة‪ :‬من الية ‪.]144‬‬‫شَ ْ‬
‫‪3‬‬

‫شرْطُ التّاسِعُ‪:‬‬ ‫ال ّ‬


‫النّيّةُ‪.‬‬

‫ن المام الشافعي أوقف القول بهذا الحديث بصحته ولم يصح عنده‪ ،‬ولكن صح‬ ‫الشاهد أ ّ‬
‫بعده‪ ،‬ونحن صح عندنا الن؛ فيجب القول بهذا الحديث‪ ،‬وإن كنتَ فيما سبق دارساً‬
‫للفقهيات على مذهب المام الشافعي؛ فتعلّم مذهبه‪ ،‬وأنّ هذا موافق لمذهبه‪.‬‬

‫() كذلك من المسائل المختلف فيها تغسيل الميت‪ ,‬على الصحيح أنه ل ينقض الوضوء‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫ول يوجب الغسل‪ ،‬الحديث الذي يقول‪(( :‬من غسل ميتاً فليغتسل‪ ،‬ومن حمله فليتوضأ))‬
‫‪,‬حديث ضعيف‪ ،‬ضعّفه المام أحمد نفسه‪ ,‬وإن حسّنه غيره‪ ,‬و إذا أردنا أن نجمع بين‬
‫الراء قلنا بالستحباب‪ ,‬هذه أقصى درجة تقال‪ ،‬أمّا الوجوب فل‪ ،‬ليجب على من حمل‬
‫الميت أن يتوضأ‪ ,‬وهذه الرواية مرجوحة والراجح المسألة الخرى‪ ،‬أي الرواية التي في‬
‫المذهب‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫() عن ذلك ل أعلم فيها خلفاً وال أعلم‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫() لماذا من ثلث؟ ماذا ُنقَدّ ُر التمييز [هنا]؟ التمييز يكون هنا مجرور‪ ،‬نقول‪" :‬من ثلث‬ ‫‪1‬‬

‫جهات"‪ ،‬والتركيب العربي يقتضي هذا‪ ،‬وأمّا قولنا‪" :‬من ثلثة"؛ فيعني من ثلثة أشياء‪.‬‬
‫صلّي‬
‫() إزالة النجاسة من ثلثة أشياء‪ :‬من البدن‪ ،‬والثوب‪ ،‬والبقعة‪ ,‬أي المكان الذي ُي َ‬ ‫‪2‬‬

‫ك فَطَهّرْ}[المدثر‪ ,]4:‬وإن كان هذا الدليل ‪-‬حسب ما تقدم من‬


‫فيه‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪{:‬وَثِيَا َب َ‬
‫تفسير المام نفسه‪ -‬المُراد بالثياب هنا العمال‪ ،‬أي طهر أعمالك‪ ,‬لكنّ الطهارة في هذه‬
‫الماكن محل إجماع والدلة كثيرة‪ ،‬وكون النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ذات مرة صلى‬
‫في نعليه وخلع وهو في الصلة؛ فخلع الصحابة من بعده‪ ،‬فلمّا سلّم سألهم‪ :‬لماذا خلعتم‬
‫نعالكم؟ فقال الصحابة‪ :‬رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا‪ ،‬فقال الرسول‪-‬صلى ال عليه‬
‫ن تحت نعلي قذراً‪ ،‬أي‪ :‬نجساً‪ ،‬إذاً الطهارة‬ ‫وسلّم‪ :-‬أمّا أنا؛ فقد أتاني جبرائيل؛ فأخبرني أ ّ‬
‫من النجاسة في ملبسك وفي بدنك وفي مكانك شرطٌ لصحة الصلة‪ ،‬ل إشكال فيه‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪18‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫حلّهَا ال َق ْلبُ‪ ،‬وَالتّلَفّظُ ِبهَا بِدْعَةٌ( )‪،‬‬


‫‪1‬‬
‫وَمَ َ‬
‫وَالدّلِيلُ حَدِيثُ‪(( :‬إِنّمَا الَعْمَالُ بِالنّيّاتِ‪ ،‬وَإِنّمَا ِلكُلّ ِإ ْم ِرئٍ مَا‬
‫نَوَى))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولكن في هذا الحديث فقه آخر‪ ،‬وهو أنّه من صلى في ثيابٍ يظنها على طهارة؛ فعلم‬
‫‪-‬وهو في الصلة‪ -‬أنّ غترته‪ ,‬ليست بطاهرةٍ فماذا يفعل؟ الغترة ما يضع على الرأس‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬يرميها ويكمل صلته‪ ,‬ل يستأنف‪.‬‬
‫لكن إن كان ليس بالمكان و ثوبه نجس كيف يفعل؟‬
‫الجواب‪ :‬يقطع‪=.‬‬
‫=إذا كان في المكان أن يتخلص مما فيه نجاسة‪ :‬كغترته‪ ،‬وطاقيته‪ ،‬وشاله‪ ،‬ل يبطل‬
‫صلته؛ يرمي هذا الشيء فيتم صلته‪ ،‬من أين نأخذ ذلك؟‬
‫النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬لما أُخبر أنّ تحت نعليه قذراً‪ ،‬خلع نعليه ثم استمر في‬
‫صلته‪ ،‬فلم يقطع صلته؛ فصلته صحيحة؛ وعلى هذا؛ فلو خرجت من الصلة‪ ،‬وبعد‬
‫أن خرجت من الصلة علمت أن ثوبك غير طاهر‪ ،‬هل تعيد؟ ل؛ ولكن تُطّهر للمستقبل‪.‬‬
‫() أجمع أهل العلم على فساد صلة من صلى عرياناً وهو يقدر؛ قولي‪" :‬وهو يقدر"‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫يشير إلى فاقد الطهورين‪ ،‬إنسان فقد التراب والماء معاً؛ فيصلي على قدر حاله‪{:‬فَا ّتقُوا‬
‫الَّ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن‪ :‬من الية ‪ ،]16‬حدّ عورة الرجل من السّرّ ِة إلى الركبة‪ ،‬والفقهاء يدققون‬
‫فيقولون‪ :‬هل السرة والركبة داخلن في العورة أم ل؟ أو هما حد فاصل بين العورة‬
‫وغير العورة؟ والحوط ستر السّرّة والركبة‪ ،‬وإن كان يرى بعضهم أنهما ليسا من‬
‫العورة‪ ,‬ولكن ما يتم الواجب به فهو واجب‪[ ،‬ل يتم ستر ما قبلهما إلّ بسترهما]‪ ،‬والمة‬
‫كذلك أي كالرجل‪ ،‬والحرة كلها عورة إل وجهها‪ ،‬هذا في مذهب المام‪ ،‬والصحيح إل‬
‫وجهها وكفيها‪ ،‬المرأة عورة وهي في الصلة إل وجهها وكفيها‪ ،‬ل يجب ستر وجهها‬
‫وكفيها في الصلة مالم تخف نظر أجنبيٍ إلى وجهها؛ فتستر كما تستر المحرمة وجهها؛‬
‫إذا خشيت الفتنة من نفسها أو على نفسها‪ ،‬وجب عليها أن تستر وجهها‪،‬بصرف النظر‬
‫عن الخلف القائم بين أهل العلم‪ ،‬هل الوجه عورة أم ل؟ أي في غير الصلة‪ ،‬ولكن‬
‫ن الوجه محل‬ ‫الستر واجب‪ ،‬سواء اقتنعت أنّ الوجه عورة أو لم تقتنع‪ ،‬ولكنك مقتنع أ ّ‬
‫فتنة‪ ،‬إذاً لدفع الفتنة يجب ستر الوجه‪ ،‬سميت ذلك عورة أو لم تسمي‪ ،‬والخلف لفظيٌ‬
‫على هذا‪= .‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪19‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫وََأرْكَانُ الصّلَةِ َأرْ َبعَةُ عَشَر‪ :‬ال ِقيَامُ مَعَ القُ ْدرَةِ( )‪ ،‬وَ َتكْبِيرُ‬
‫‪1‬‬

‫حرَامِ( )‪َ ،‬و ِقرَاءَةُ الفَاتِحَةِ( )‪،‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫الِ ْ‬
‫وَالرّكُوعُ‪ ،‬وَال ّرفْعُ مِنْهُ( )‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫عضَاءِ السّ ْبعَةِ( )‪،‬‬


‫‪5‬‬
‫وَالسّجُودُ عَلى الَ ْ‬

‫سجِدٍ}[ا َلعْرَافُ‪ ،]31:‬أي‪ :‬عند كل‬


‫=والدليل قوله تعالى‪{:‬يَا بَنِي آ َد َم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِ ْندَ ُكلّ مَ ْ‬
‫صلة؛ يقولون هذا من باب إطلق المحل وإيراد الحال‪ ،‬المسجد محل للصلة‪ ،‬والصلة‬
‫سجِدٍ}[الَعْرَافُ‪ ،]31:‬أي‪ :‬عند كل صلة‪،‬‬ ‫هي التي تحل في المسجد‪{ ،‬خُذُوا زِينَتَ ُكمْ عِنْدَ ُكلّ َم ْ‬
‫ن الصلة تؤدى في المساجد‪ ،‬والمراد بالزينة هنا‪ :‬ما يستر‬ ‫لن الصل والغالب أ ّ‬
‫العورة‪ ،‬وما زاد على ذلك؛ فهو من الكماليات‪.‬‬
‫() أي أن تعلم يقيناً أن الوقت دخل‪ ،‬إمّا بشهاد ٍة أو خبر الثقة‪ ،‬والدليل من السنة حديث‬ ‫‪1‬‬

‫جبرائيل ‪-‬عليه السلم‪ :-‬أنّه أمّ النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬في أول الوقت وفي آخره؛‬
‫فقال‪(( :‬يا محمد الصلة بين هذين الوقتين))‪ ،‬وهذا دليلٌ على اهتمام الشريعة السلمية‬
‫بالصلة‪ ،‬ال ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬لمّا أوجب الصلة على النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ليلة‬
‫السراء والمعراج؛ فنزل النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬؛ فأرسل إليه جبرائيل ليعلمه‬
‫كيفية الصلة‪ ،‬ووقت الصلة‪ ،‬ومحل الجهر ومحل السر؛ هذا الهتمام دليل على أنّ‬
‫الصلة كما تقدم عمود السلم‪ ،‬وتهاون كثيرٍ من الناس بالصلة مع دعوى اليمان‪،‬‬
‫دعوى غير مسموعة‪.‬‬

‫علَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَ ْوقُوتًا}[النساء‪،]103:‬كتاباً‪ :‬أي مكتوباً‬


‫ن الصّلَةَ كَا َنتْ َ‬
‫() وقوله تعالى‪{:‬إِ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫مفروضاً في الوقات‪ ،‬أي لم يطلقها الرب ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بل قيدها بالوقات؛ فيجب‬
‫أن تؤدى في الوقات‪ ،‬لذلك من فوتها بغير عذرٍ؛ فلم يصلها في وقتها‪ ،‬يختلف أهل العلم‬
‫ن الصلة فاتت بوقتها‪ ،‬إل من نام أو نسي‪ ،‬الثابت في‬ ‫في القضاء هل يقضي أم ل؟ ل ّ‬
‫السنة أن يصلي بعد خروج الوقت هو النائم أو الساهي‪ ,‬أما من يتركها عمدًا يختلف أهل‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪20‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫وَالعْتِدَالُ ِمنْهُ‪ ،‬وَالجَ ْلسَةُ َبيْنَ السّجْدَتّيْنِ‪ ،‬وَالطُمَ ْأنِينَ ُة فِي جَمِيعِ‬
‫ل ْركَانِ( )‪ ،‬وَال ّترْتِيبُ‪ ،‬وَال ّتشَهُدُ الَخِيرُ‪ ،‬وَالجُلُوسُ لَهُ‪ ،‬وَالصّلَةُ‬ ‫اَ‬ ‫‪1‬‬

‫عَلَى النّ ِبيّ ‪-‬صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّمَ‪ ،-‬وَال ّتسْلِيمَتَانِ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫العلم في هل يقضي أم ل؟ أي ل قضاء لها‪ ،‬لنها فاتت وقتها‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وعلى ك ٍ‬
‫ل‬
‫ينبغي على طلب العلم أن يُشعروا عوام المسلمين مكانة الصلة في السلم‪,‬كثيرٌ من‬
‫المسلمين المنتسبين إلى السلم على جهل‪ ،‬ل يعرفون مكانة الصلة في السلم‪،‬‬
‫يتهاونون‪ ،‬وقد يقعون في الكفر بالستخفاف بها وتركها سنوات؛ وهذا بالنسبة لمن يترك‬
‫الصلة ولم يجحد وجوبها‪ ،‬ولكن تأثر بالبيئة التي يعيش فيها‪ :‬يتكاسل ويتهاون؛ فيتركها‬
‫سنوات‪ ،‬يعني‪ :‬يضرب عنها إضراباً تاماً‪ ،‬أمّا من جحد وجوبها؛ فيكفر بالجحود‪ ،‬ولو‬
‫صلي مداراة ومجاملة‪ ،‬يقول‪ :‬أيش نسوي ما دام نحن معهم؟ لكن نصلي ما فيها شيء؛‬
‫هذا كافر وهو في صلة‪.‬‬
‫() {أَقِ ِم الصّلَةَ لِ ُدلُوكِ الشّمْسِ}[السراء‪ ،]87:‬أي‪ :‬لميل الشمس‪ ،‬وميل الشمس يشمل ميلها‬ ‫‪1‬‬

‫عند الزوال‪ ،‬وميلها عند الغروب؛ فدخلت صلة الظهر وصلة العصر وصلة المغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬ثم قرآن الفجر‪ ،‬أي‪ :‬صلة الصبح‪ ،‬بهذا تكون الية دلّت على الوقات‪.‬‬
‫ن ال َفجْرِ كَانَ َمشْهُودًا}[السراء‪ :‬من الية ‪ ،]87‬أيّد بعض أهل العلم في هذه الية أنّ‬ ‫() {إِنّ قُرْآ َ‬ ‫‪2‬‬

‫صلة الصبح هي الصلة الوسطى‪ ،‬والخلف قوي‪ ،‬وإن كان الذي عليه الجمهور أنّ‬
‫الصلة الوسطى هي صلة العصر‪ ،‬لكن دللة هذه الية‪ ،‬وما يحصل من اجتماع‬
‫الملئكة الذين يتعاقبون فينا بالليل والنهار‪ ،‬يحصل اجتماعهم في الوقتين في صلة‬
‫العصر وفي صلة الصبح‪ ،‬هذا الذي قوى هذا الخلف‪ ،‬ولكن كثرة الدلة‪ ،‬وكثرة من‬
‫ذهب إلى أن الصلة الوسطى هي صلة العصر‪ ،‬تجعل النسان يهاب من هذه الكثرة=‬
‫=أن يخالفهم إلى ترجيح القول بأن الصلة الوسطى هي صلة الصبح‪ ،‬وإل فالخلف‬
‫قوي جداً‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ك فِي السّمَاء}[البقرة‪ :‬من الية ‪ ،]144‬خطاب للنبي ‪-‬عليه‬ ‫() قوله تعالى‪{:‬قَدْ نَرَى َت َقلّبَ َوجْ ِه َ‬ ‫‪1‬‬

‫الصلة والسلم‪ -‬كان يتمنى أن يصلي إلى قبلة إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫ك قِ ْبلَةً تَ ْرضَاهَا}[البقرة‪ :‬من الية ‪ ،]144‬الكعبة‪.‬‬‫() {فَلَنُ َولّيَ ّن َ‬
‫‪2‬‬

‫شطْرَهُ} البقرة‪ :‬من الية‬


‫سجِ ِد ا ْلحَرَامِ َوحَ ْيثُ مَا كُنتُ ْم فَ َولّواْ ُوجُوِهَكُمْ َ‬
‫() {فَ َولّ َوجْ َهكَ شَطْ َر الْمَ ْ‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،]144‬الشطر الجهة‪،‬كيفية الستقبال تختلف بالنسبة لمن هو داخل المسجد الحرام‪ ،‬يجب‬
‫عليه أن يصيب عين الكعبة بصدره كله ل يخطئوها‪ ،‬لو أخطأ بطلت صلته‪ ،‬ومن كان‬
‫خارج الحرم ‪-‬وهو في مكة‪ -‬يجتهد‪ ،‬يجب عليه أن يصيب المسجد الحرام‪ ،‬ول يجب‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪21‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ل قَوْلُهُ تَعَالى‪{:‬حَافِظُواْ عَلَى‬ ‫الرّكْنُ الَوّلُ ال ِقيَامُ مَعَ القُ ْدرَةِ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫لِ قَانِتِينَ}( )[البقرة‪.]238:‬‬
‫‪1‬‬
‫الصّلَوَاتِ والصّلَةِ الْ ُوسْطَى َوقُومُواْ ّ‬
‫حرِي ُمهَا التّكْبِيرُ‪،‬‬‫حرَاِم‪ ،‬وَالدّلِيلُ حَدِيثُ‪(( :‬تَ ْ‬ ‫الثّانِي‪ :‬تَكْبِيرَةُ الِ ْ‬
‫حلِيُلهَا ال ّتسْلِيمُ( )))‪ .‬وَبَعْدَهَا السْتِفْتَاح ‪-‬وَهُ َو سُنّةٌ‪ -‬قَوْلُ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وَتَ ْ‬
‫((سُبْحَا َنكَ اللّهُمّ( )‬
‫‪3‬‬

‫عليه أن يصيب الكعبة‪ ،‬مع التحري‪ ،‬يتحرى‪ ،‬ومن كان خارج مكة ‪-‬كحالنا‪ -‬الواجب‬
‫الجهة‪ ،‬وليس بلزم إذا صليت أن تكون صلتك على عين الكعبة‪ ،‬أو عين المسجد‬
‫الحرام‪{ ،‬فَا ّتقُوا الَّ مَا اسْ َتطَعْتُمْ}[التغابن‪ :‬من الية ‪ ،]16‬وعلى من كان بعيدًا أن يصلي إلى‬
‫الجهة‪ ،‬فيتحرى‪ ،‬وإن كانت هناك آلت تحاول أن تحدد‪ ،‬ويمكن أن تستعمل أخبار‬
‫الثقات والمجرّبين‪ ،‬يتحرى‪ ،‬ولكن ل يجب عليه أن يصيب القبلة بعينها‪.‬‬

‫() سبق أن ذكرنا أن النية عند بعض أهل العلم ركنٌ‪ ،‬ما وجه تعداد النية من الشرط؟‬ ‫‪1‬‬

‫علماً بأن النية داخلة في هيئة الصلة‪ ،‬وفي هيكل الصلة؟ لماذا عددنا النية شرطاً؟ ولم‬
‫نَعُدّها ركناً بينما غيرنا عددها ركناً؟ ما وجهة ذلك؟ باعتبار المبدأ؛ لنك في البداية‬
‫تنوي‪ ،‬والنية تسبق الصلة‪ ،‬والشروط خارجة عن الصلة‪ ،‬والنية باعتبار مبدأها‬
‫خارجة عن الصلة‪ ،‬لكن باعتبار وجوب الستدامة هي داخلة في الصلة‪ ،‬وتستمر معك‬
‫حتى تنتهي من الصلة‪ ،‬هذا وجه الخرين الذين عَدّوا النية من الركان؛ والخلف‬
‫لفظي‪ ،‬ومحلها القلب‪ ،‬والتلفظ بها بدعة ‪ ،‬عند الشافعية‪ :‬التلفظ بالنية سنة‪ ،‬فقهائهم‬
‫المتأخرين يعللون فيقولون‪ :‬ليساعد اللسان القلب‪ ،‬لكن أين الدليل؟‍ يقول العلمة ابن القيم‬
‫‪-‬رحمه ال‪ -‬وجزاه ال عنا وعن طلب العلم خير الجزاء‪ ،‬نَبّهنا على مسألة لم نعلمها‬
‫ن الصلة ليست كالصيام‪ ،‬وإنما يشرع فيها‬ ‫قبله‪ ،‬يقول‪ :‬شبهة الشافعية‪ ،‬قول الشافعي‪ :‬إ ّ‬
‫بذكر ال‪ ،‬أساء الشافعية الفهم في هذا النص الشافعي‪ ،‬ظنوا أن المراد بالذكر أن يقول‬
‫ت أداءً مستقبل القبلة مقتدياً بهذا المام(!)‬
‫المصلي‪ :‬نويت أن أصلي العصر أربع ركعا ٍ‬
‫هكذا يقرءون قبل الصلة‪ ،‬فسّروا بهذا‪ ،‬يقول العلمة ابن القيم‪ :‬مراد الشافعي أنّ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪22‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫حمْ ِدكَ( )‪َ ،‬وتَبَا َركَ اسْ ُمكَ( )‪ ،‬وَ َتعَالَى جَ ُدكَ( )‪،‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫وَبِ َ‬
‫وَلَ إِلَهَ غَ ْي ُركَ( )))‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫جئُ‬‫{أَعُوذُ بِال مِنَ الشّ ْيطَانِ الرّجِيمِ}‪َ ،‬معْنَى أَعُوذُ‪ :‬أَلُوذُ وََألْتَ ِ‬
‫عنْ رَحْمَةِ‬‫طرُودِ ال ُمبْعَدِ َ‬ ‫وَأَعْ َتصِمُ ِبكَ يَا ال مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ المَ ْ‬
‫ل فِي ُدنْيَايَ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ضرّنِي فِي دِينِي وَ َ‬ ‫ال‪ ،‬لَ َي ُ‬

‫الصلة يشرع فيها بذكر ال‪ ،‬أي بالتكبير‪ ،‬والصيام ليس فيه التكبير‪ ،‬تنوي وتنام‪ ،‬وتقوم‬
‫تمشي ل تأكل ول تشرب‪ ،‬هل شرعت فيه بذكر اللسان؟‪ ،‬ذكر القلب ل بأس‪ ،‬أمّا ذكر‬
‫اللسان لم يحصل‪ ،‬أمّا الصلة فتشرع فيها بذكر لفظي‪ ،‬وهو ال أكبر‪ ،‬يقول هذا‪ ،‬وهم‬
‫من الشافعية المنتسبين إلى المام الشافعي‪ ،‬وَهِمُوا في فهم قوله‪ ،‬وهذا مراده‪ ،‬وهذا هو‬
‫الساس في الخلف؛ فطالب العلم علم هذا‪ ،‬ل يقرأ هذه الجملة بعد اليوم قبل تكبيرة‬
‫الحرام‪ ،‬إذا استقبل القبلة يكبر‪ ،‬شوف الفرق بين أن يقال‪" :‬بدعة"‪ ،‬وبين أن يقال‪:‬‬
‫"سنة"‪ ،‬فرق بعيد‪ ،‬القائل أنها بدعة أي‪ :‬ل أصل لها غير مشروعة‪ ،‬البدعة عمل غير‬
‫مشروع‪ ،‬والسنة عمل مشروع‪ ،‬وهل التلفظ بالنية مشروع؟ الجواب‪ :‬ل‪ ،‬عند طلب‬
‫العلم‪ ،‬اللهم إل إذا كان في الحج والعمرة؛ أمّا في الوضوء‪ ،‬وفي الصيام‪ ،‬وفي الصلة‪،‬‬
‫لم يرد شيء؛ والتلفظ في هذه الماكن بدعة‪.‬‬

‫() وهذا حديث عظيم‪ ،‬ويختلف أهل العلم‪ :‬هل النية ركن من أركان الصلة أو شرط من‬ ‫‪2‬‬

‫شروط الصلة؟ سبق لنا أن ذكرنا توجيه أهل العلم بين القولين‪ ،‬وأن الخلف لفظيٌ‪،‬‬
‫وليس بجوهري‪ ،‬أي‪ :‬إن النية ل بد منها‪ ،‬سواءً سميناها شرطًا لكونها أول ما تقع خارج‬
‫العمل‪ ،‬أو سميناها ركناً باعتبار استدامتها‪ ،‬بحيث لو نوى النسان قطع الصلة‪ ،‬أو قطع‬
‫الوضوء‪ ،‬في أثناء العمل‪ ،‬تبطل الصلة‪ ،‬ويبطل الوضوء‪ ،‬إذاً‪ :‬ل بد من استمرار النية؛‬
‫بهذا العتبار تعتبر ركناً من أركان الصلة‪ ،‬النية عند الفقهاء لها معنى‪ ،‬وعند أهل‬
‫الحديث والسلوك والعقيدة لها معنى‪ ،‬النية عند الفقهاء‪" :‬القصد إلى العمل"‪ ،‬أو‪" :‬الرادة‬
‫المتوجهة إلى العمل"‪ ،‬تلك الرادة التي يتعين بها العمل‪ ،‬تفرق بها بين الفرض والنفل‪،‬‬
‫تصلي الظهر‪ ،‬تصلي ركعتين‪ ،‬قبل الظهر أو بعد الظهر‪ ،‬تصلي العصر أو الظهر‪،‬‬
‫تفرق بين هذه العمال بالنية‪(( ،‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئٍ ما نوى))‪،‬‬
‫القصد المتوجه إلى هذا العمل الذي يفرق بين الفرض والنفل‪ ،‬ويعين نوع العمل‪ ،‬هذا‬
‫القصد ‪-‬أو الرادة‪ -‬المتوجهة‪ ،‬هي التي تسمى النية عند الفقهاء‪ ،‬والحديث يشمل هذا‬
‫وذاك‪ ،‬وعند أهل الحديث‪ ،‬أهل السلوك والعقيدة‪ ،‬المراد بالنية‪" :‬الخلص"‪ ،‬أي إرادة‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪23‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ل صَلَةَ ِلمَنْ‬
‫ل رَكْعَةٍ‪َ ،‬كمَا فِي حَدِيثِ‪َ (( :‬‬ ‫ن فِي ُك ّ‬
‫َو ِقرَاءَةُ الفَاتِحَ ِة رُكْ ٌ‬
‫لَمْ يَ ْقرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ))‪ ،‬وَ ِهيَ أُمّ ال ُقرْآنِ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫{ ِبسْمِ ال الرّحْمَنِ الرّحِيمِ}‪َ :‬برَكَةٌ وَاسْتِعَانَةٌ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وجه ال تعالى وابتغاء مرضاته في العمل‪ ،‬فقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪(( :-‬إنما‬
‫العمال بالنيات))‪ ،‬يشمل هذا وذاك‪ ،‬لذلك يعتبر هذا الحديث من جوامع كلمه وحكمه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حيث يجمع جميع المعاني‪.‬‬
‫وهذا الحديث‪(( :‬إنما العمال بالنيات))‪ ،‬الذي استدل به المؤلف على شرطية النية‬
‫بقوله‪" :‬والدليل حديث‪(( :‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى))"؛ قال بعض‬
‫ن هذا الحديث يدخل في ثلثين باباً‪ ،‬حتى قال المام الشافعي‪ :‬يدخل في‬ ‫أهل العلم‪ :‬إ ّ‬
‫سبعين باباً‪ ،‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‪ ،‬من فتح ال عليه‪ ،‬ورزقه الفقه في الدين‪،‬‬
‫استطاع أن يُدخل هذا الحديث في جميع البواب‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنّه ثلث العلم‪ ،‬وَ َوجّه‬
‫الذهبي هذا الكلم فقال‪ :‬لنّ كسب العبد إما بالقول‪ ،‬أو بالقلب‪ ،‬أو بالجوارح‪ ،‬اكتساب‬
‫العبد العمال‪ ،‬يكتسب العبد العمال بالقلب واللسان والجوارح ثلث‪ ،‬النية محلها‬
‫القلب‪ ،‬صارت الثلث؛ ثم إنّ العمال التي يكتسبها العبد باللسان وبالجوارح ل تستغني‬
‫عن النية‪ ،‬والنية قد تستعمل عملً صالحاً مستقلً دون الجوارح‪ ،‬وعمل اللسان انقطاع‬
‫ق إلى‬‫من الحديث الشريف‪(( :‬نية العبد خير من عمله))‪ ،‬قد يعمل النسان عملً ل يُ َوفّ ُ‬
‫الخلص؛ فعمله لغٍ‪ ،‬وقد يقول قولً‪ ،‬ويقرأ كثيراً‪ ،‬ل يوفق للخلص؛ فقوله وقراءته‬
‫ل صالحاً‪ ،‬وأنت لم تعمل‬ ‫وذكره لغٍ‪ ،‬ل أجر له‪ ،‬لكنّ النية قد تنفرد وتستقل؛ فتعتبر عم ً‬
‫بجوارحك ول بلسانك‪ ،‬كأن يعزم النسان عزماً على أن ينفق مبلغاً معيناً=‬
‫=من المال؛ فلم يتمكن من النفاق‪ ،‬لظرف ما‪ ،‬أو عازم على الجهاد في سبيل ال وحال‬
‫ل صالحٍ ولم يعمل لمانع منعه؛ يثاب على هذه النية؛ لن من‬ ‫بينه حائل‪ ،‬عزم على عم ٍ‬
‫همّ بحسنةٍ ولم يعملها‪ ،‬تكتب له حسنة‪ ،‬وهو لم يعملها ل بالقول ول بالجوارح‪ ،‬إذاً النية‬
‫قد تنفرد وتستقل؛ فتعتبر عملً مستقلً‪ ،‬يثاب عليها المرء دون أن يعمل شيئاً‪ ،‬لذلك النية‬
‫الصالحة الثلث‪ ،‬خير من الثلث‪(( ،‬إنما العمال بالنيات))‪" ،‬إنَّمَا"‪ :‬أداة حصر وقصر‪،‬‬
‫أي‪ :‬إنما صحة العمال بالنيات‪ ،‬وفي لفظ في الحديث‪(( :‬بالنية))‪ ،‬بالفراد‪ ،‬بالنّيات‪:‬‬
‫جمع باعتبار تعدد العمال‪ ،‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬سواء على الطلق الول‪ ،‬إطلق‬
‫الفقهاء‪ ،‬أو على الطلق الثاني‪ ،‬المعنى صحيح‪ ،‬إنما صحة العمال بالنيات‪ ،‬بدون نية‬
‫ل صالحاً بنية صالحة صح عمل‪ ،‬إن‬ ‫صالحة والعمل فاسد‪ ،‬إذا صحت النية وعمل عم ً‬
‫ل والنية فاسدة؛ فسد عمله‪(( :‬إنما العمال بالنيات))‪ ،‬لذلك يستفتح كثير من‬ ‫عمل عم ً‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪24‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫جمِي ِع‬
‫لسْتِ ْغرَاقِ َ‬
‫لِلفُ وَاللّمُ ِ‬ ‫حمْدُ‪ :‬ثَنَاءٌ‪ ،‬وَا َ‬
‫{الحَمْدُ ل}‪ ،‬ال َ‬
‫ل صُنْعَ لَ ُه فِيهِ ِمثْلُ الجَمَالِ وَنَحْ ِوهِ‪،‬‬ ‫المَحَامِدِ‪ ،‬وَأَمّا الجَمِيلُ الذِي َ‬
‫فَالثّنَاءُ بِهِ ُيسَمّى مَدْحاً لَ حَمْداً‪.‬‬
‫{رَبّ العَالمَِينَ}‪ ،‬ال ّربّ‪ :‬هُوَ المَ ْعبُودُ‪ ،‬الخَاِلقُ‪ ،‬الرّازِقُ‪ ،‬المَاِلكُ‪،‬‬
‫خلْقِ بِالنّعَمِ‪.‬‬‫جمِيعِ ال َ‬
‫ص ّرفُ‪ُ ،‬م َربِي َ‬ ‫المُ َت َ‬

‫المؤلفين الولين بهذا الحديث‪ ،‬حديث عظيم مبارك‪ ،‬ومن جوامع كلم النبي ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪.-‬‬
‫() وأمّا العاجز فيصلي حيث تيسر له‪ ،‬وإن قاعدًا أو مضطجعاً‪ ،‬ولو أدّى الحال إلى أنّه‬ ‫‪1‬‬

‫عادم الحركة‪ ،‬ولكنه عنده شعور يجري أعمال الصلة على قلبه‪ ،‬وإلى هذه الدرجة‬
‫الصلة ل تسقط‪ ،‬طالما النسان عنده شعور‪ ،‬ولو كان ل يستطيع أن يتحرك‪ ،‬أو لم يجد‬
‫من يساعده على الحركة‪ ،‬عليه أن يجري أعمال الصلة على قلبه‪ ،‬فإذا كانت الصلة‬
‫بهذه المثابة في السلم‪ ،‬ول تسقط حتى عند الحرب في الخوف في القتال‪ ،‬تجب بهيئة‬
‫معروفة‪ ،‬فكيف يترك النسان الصلة ثم يدّعي أنّه مسلم‪ ،‬فليتنبه‪.‬‬
‫() لنها مفتاح‪ ،‬تحريم الصلة ومفتاح الصلة تكبيرة الحرام‪ ،‬بها يدخل النسان في‬ ‫‪2‬‬

‫الصلة‪.‬‬
‫() على الجميع أي على المام والمأموم والمنفرد على حدٍ سواء‪ ،‬وعلى الصح ولو في‬ ‫‪3‬‬

‫الصلة الجهرية‪ ،‬استماع المأموم لقراءة المام والصغاء لها‪ ،‬ل يسقط عنه قراءة‬
‫ح أقوال أهل العلم‪ ،‬والمسألة خلفية‪ ،‬لنّ قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪:-‬‬ ‫الفاتحة على أص ّ‬
‫((ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))‪ ،‬يشمل المام والمأموم والمنفرد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((لصلة لمن لم يقرأ))‪ ،‬والستماع غير القراءة‪ ،‬صحيح أنّه واجب على المأموم أن‬
‫يصغي لقراءة المام‪ ،‬ولكن المقدار الذي يقرأ فيه فاتحة الكتاب يستثني‪ ،‬سواء قرأ‬
‫الفاتحة مع المام يتابع‪ ،‬أو يتمكن من قراءتها في سكتات المام‪ ،‬أو يقرأ والمام يقرأ‬
‫السورة في أي حالة من الحالت‪ ،‬إذ لم يرد تحديد لزمن قراءة المأموم للفاتحة‪ ،‬ولكن ل‬
‫بد من قراءتها‪ ،‬فصلة من لم يقرأ بفاتحة= =الكتاب باطلة‪ ،‬سواء كان إماماً أو منفرداً‪،‬‬
‫وعلى الصحيح كما قلنا‪ :‬ولو كان مأمومًا يصلي خلف إمام يجهر‪ ،‬وأقوى دليل على‬
‫هذا‪ ،‬الحديث القدسي الذي قال ال فيه‪(( :‬قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين))‪،‬‬
‫المراد بالصلة هنا الفاتحة‪ ،‬ال سمّى الفاتحة صلة‪(( ،‬قسمت الصلة بيني وبين عبدي‬
‫نصفين‪ ،‬إذا قال العبد‪ :‬الحمد ل رب العالمين‪ ،‬قال ال ‪-‬عزّ وجل‪ :-‬حمدني عبدي‪ ،‬وإذا‬
‫قال العبد‪ :‬الرحمن الرحيم‪ ،‬قال ال‪ :‬أثنى علىّ عبدي‪ ،‬وإذا قال العبد‪ :‬مالك يوم الدين‪،‬‬
‫[أو ملك يوم الدين]‪ ،‬قال ال‪ :‬مجدني عبدي‪ ،‬وإذا قال العبد‪ :‬إياك نعبد وإياك نستعين‪،‬‬
‫قال ال‪ :‬هذا بيني وبين عبدي نصفين‪ ،‬ولعبدي ما سأل‪ ،‬وإذا قال‪ :‬إهدنا الصراط‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪25‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫{العَالَمِينَ}‪ُ :‬كلُ مَا سِوَى ال عَالَمٌ‪ ،‬وَهُ َو َربّ الجَمِيعِ‪.‬‬


‫جمِيعِ المَخْلُوقَاتِ‪.‬‬ ‫{الرّحْمَنِ}‪ :‬رَحْمَةٌ عَامّةٌ بِ َ‬
‫ل قَوْلُهُ تَعَالىَ‪َ { :‬وكَانَ‬
‫{الرّحِيمِ}‪ :‬رَحْمَةٌ خَاصّةٌ بِالمُ ْؤمِنِينَ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫ن رَحِيمًا}[الحزاب‪.]43:‬‬
‫بِا ْلمُؤْ ِمنِي َ‬

‫المستقيم… الى آخر السورة‪ ،‬قال ال‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))‪ ،‬تسمية الر ّ‬
‫ب‬
‫‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬في الحديث القدسي الفاتحة صلة‪ ،‬وهذا يشمل جميع المصلين‪،‬‬
‫بمعنى‪ :‬من لم يقرأ الفاتحة ليس له صلة‪ ،‬والحديث يفسّر بعضه بعضاً‪ ،‬ويؤيد بعضه‬
‫بعضاً‪ ،‬لذلك ل ينبغي للمأموم ‪-‬ولو كان خلف إمام يجهر‪ -‬أن يترك فاتحة الكتاب‪،‬‬
‫اعتمادا على ما قرأ في مذهب من المذاهب‪ ،‬لنه إذا ثبت عنده مثل هذا الحديث‪،‬‬
‫والحديث الثاني‪(( :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))‪ ،‬وما في معناهما من الحاديث‬
‫التي جاءت في فاتحة الكتاب‪ ،‬ل يجوز له أن يعرض عن هذه الحاديث بدعوى أنه على‬
‫ن المذهب الفلني ل يوجب الفاتحة على المأموم‪ ،‬وخصوصاً إذا كان‬ ‫مذهب فلن‪ ،‬وأ ّ‬
‫المام يجهر‪ ،‬هذا الموقف غير سليم‪ ،‬وقد نصح المام مالك ‪-‬رحمه ال‪ -‬إمام دار الهجرة‬
‫وكبير المدرسين في [المسجد النبوي] في عهد تابع التابعين الذي كان يُدَرّسُ بجوار‬
‫الروضة‪ ،‬كان يقول لصحابه‪" :‬كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إل صاحب هذا‬
‫القبر"‪ ،‬مشيرًا إلى قبر النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬والقبر بجوارهم‪ ،‬وهذا معناه‪ :‬ل‬
‫ينبغي لمسلم ‪-‬خصوصاً طالب علم‪ -‬اطلع على حديث رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫ن هذا الحديث معارض لمذهبنا؛ فيترك الحديث بدعوى إتباع المذاهب‪ ،‬واتباع‬ ‫ويدعي أ ّ‬
‫المذاهب ليس بواجب‪ ،‬ل يوجد مخلوقٌ يجب اتباعه‪ ،‬ونسأل عن إتباعه إن قصرنا في‬
‫إتباعه‪ ،‬إلّ رسول ال محمد ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ ،-‬أبداً‪ ،‬ل يوجد‪ ،‬وقول من يقول‪:‬‬
‫"وواجبٌ تقليد حبرٍ منهم"‪ ،‬كذا حكى القول‪ ،‬بلفظ يُفهم كما حكى ذلك صاحب جوهرة‬
‫التوحيد‪ ،‬هذا كلم باطل‪ ،‬ل يجب تقليد أحد المذاهب الربعة‪ ،‬ل يجب‪ ،‬بل الصح ل‬
‫يجوز‪ ،‬الوجوب حكم شرعي‪ ،‬الحكم الشرعي ل يثبت إل بكتاب أو سنة‪ ،‬من يدّعي‬
‫الوجوب عليه أن يأتي بالدليل‪ ،‬ما معنى وجوب تقليد المام مالك وفي وقته يوجد ثلثة‬
‫من أئمة المسلمين في طبقته؟ ويعتبر الربعة أئمة الدنيا في عهد تابع التابعين كما قال‬
‫المام ابن تيميه‪" :‬أربعة من أئمة الدنيا في عصر تابع التابعين‪ ،‬منهم المام مالك في‬
‫الحجاز‪ ،‬والليث بن سعد بمصر‪ ،‬والثوري في العراق‪ ،‬والوزاعي في الشام"‪ ،‬ثلثة ل‬
‫يجوز تقليدهم‪ ،‬الرابع يجب تقليده؟!!! =‬
‫=من أين؟ ما الدليل؟ الثلثة ل يجوز‪ ،‬مش ل يجب! ل يجوز‪ ،‬مجرد الجواز ل يجوز‪،‬‬
‫ل يجوز أن نقلد ليثاً أو ثورياً أو الوزاعي في الشام‪ ،‬لكن المام مالك يجب أن تقلده‪،‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪26‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫جزَاءِ وَالحِسَابِ‪ ،‬يَوْمَ ُكلّ يُجَازَى بِ َعمَلِهِ‪،‬‬ ‫{مَاِلكِ َيوْمِ الدّينِ}‪ :‬يَوْمُ ال َ‬
‫ل قَوْلُهُ تَعَالى‪َ {:‬ومَا أَ ْدرَاكَ مَا‬‫شرّ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬ ‫ن شَرّا َف َ‬‫إِنْ خَيْرًا فَخَ ْيرٌ‪َ ،‬وإِ ْ‬
‫صلّى ال عَلَيْهِ َوسَلّمَ‪:-‬‬‫يَوْمُ الدّينِ}[النفطار‪ ،]19-17:‬وَالحَدِيثُ عَنْهُ ‪َ -‬‬
‫جزُ مَنْ أَ ْتبَعَ‬
‫((الكَ ّيسُ مَنْ دَانَ نَ ْفسَهُ وَعَمِلَ لِمَا َبعْدَ المَ ْوتِ‪ ،‬وَالعَا ِ‬
‫لمَانِي))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫نَ ْفسَهُ هَوَاهَا َوتَمَنّى عَلَى ال ا َ‬

‫أيش هذا التقسيم من أين؟ من الذي يوجب هذا اليجاب؟ هل نزل وحيٌ يقول‪" :‬إذا بلغ‬
‫المام درجة المامة فيجب على المة تقليده"‪ ،‬ل بُدّ من وجود نص كهذا‪ ،‬هل يوجد؟!‬
‫لذلك دعوى تقليد أحد الربعة دعوى باطلة‪ ،‬إنما مَ ّث ْلتُ بمالك‪ ،‬لني استدللت بقوله‪ ،‬ثم‬
‫تذكرت الثلثة الذين في طبقته‪ ،‬وإل فالحكم واحد‪ ،‬المام أبي حنيفة والشافعي ومالك‬
‫وأحمد كلهم من أئمة المسلمين‪ ،‬ومعهم من هم مثلهم‪ ،‬ألم يكونوا أعلم منهم؟ وقد قيل أن‬
‫الليث بن سعد أعلم من مالك‪ ،‬الشاهد‪ :‬الواجب الذي يجب اتباعه‪ ،‬ونُسأل عن اتباعه‪ ،‬هو‬
‫محمد ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وكل مسلم يعلم ويحفظ السئلة الثلثة التي يسأل عنها في‬
‫القبر‪ ،‬إذا دفن النسان يُسأل هذه السئلة الثلثة‪ ،‬ول بد منها‪ :‬من ربك؟ ومادينك؟ ومن‬
‫نبيك؟ وفي بعض اللفاظ‪ :‬ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وهو محمد ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،-‬وليس في السئلة من إمامك؟ ما مذهبك؟ وما طريقتك؟ غير وارد‪،‬‬
‫إمامنا وقدوتنا ونيبنا وقائدنا إلى ال هو محمد ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬مالنا إمام آخر‪،‬‬
‫والئمة الربعة ومن في طبقتهم دعاة إلى اتباع هذا المام‪ ،‬لم يأتوا ليدعوا الناس إلى‬
‫اتباع أنفسهم‪ ،‬لذلك يقول المام أبو حنيفة‪ :‬حرامٌ أن يقلدنا أح ٌد حتى يعرف من أين‬
‫أخذنا‪ ،‬نقلها غير واحد من أهل العلم‪ ،‬كابن عبد البر‪ ،‬وابن عابدين في حاشيته الحنفية‪،‬‬
‫أريد أن أؤكد لطلب العلم أنّ تجريد المتابعة لرسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ل تقل‬
‫عن تجريد العبادة ل‪ ،‬لنّ تجريد العبادة ل‪ :‬معنى ل إله إل ال‪ ،‬وتجريد المتابعة‬
‫لرسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ :-‬معنى قولك أشهد أنّ محمداً رسول ال‪ ،‬كلمتان‬
‫ككلمة واحدة‪ ،‬ل يتم الجزء الول بدون الثاني‪ ،‬والجزء الثاني بدون الول‪ ،‬فلنفهم جيداً‪.‬‬
‫إذاً فاتحة الكتاب ركنٌ مهم من أركان الصلة‪.‬‬
‫() يسمى العتدال‪ ،‬سمّى الشيخ ما قبل الركوع قياماً‪ ،‬ولم يسمي ما بعد الركوع قياماً‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫قال الرفع منه‪ ،‬يسمى الرفع من الركوع ويسمى العتدال‪ ،‬هذا هو سبب اختلف أهل‬
‫العلم في مشروعية وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر بعد الركوع‪ ،‬أي هل هذا‬
‫القيام داخل في عموم القيام؟ كان رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذا كان قائماً‪ ،‬يضع‬
‫يمناه على يسراه على صدره‪ ،‬إذا كان قائماً‪ ،‬وهل إذا كان قائماً قبل الركوع؟ أو قبل‬
‫الركوع وبعد الركوع؟ احتمال‪ ،‬لكن أقوى الحتمالين ما هو؟ قد يكون الحديث نصًا في‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪27‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ن رَبّهِ أَن لَ‬


‫{إِيّاكَ َنعْبُدُ}( ) أَي‪ :‬لَ نَ ْعبُدُ غَ ْي َركَ‪ ،‬عَهْدٌ بَيْنَ العَبْدِ َوبَيْ َ‬
‫‪1‬‬

‫َيعْبُدَ ِإلّ إِيّاهُ‪.‬‬


‫عهْدٌ بَيْنَ ال َعبْدِ وَ َبيْنَ َربّهِ أَن لَ َيسْ َتعِينَ بِأَحَدٍ‬
‫{وَِإيّاكَ َنسْتَعِينُ}‪َ :‬‬
‫غَ ْيرَ ال‪.‬‬

‫القيام الذي قبل الركوع‪ ،‬والذي بعد الركوع ليس فيه نص‪ ،‬ويعتبر ظاهراً‪ ،‬ونحن نفرق‬
‫بين =‬
‫=النص وبين الظاهر‪ ،‬النص ما ل يحتمل معنيين‪ ،‬والظاهر يحتمل معنيين‪ ،‬ما قبل‬
‫الركوع ل خلف فيه بأنه القيام‪ ،‬وما بعد الركوع يحتمل أن يدخل في عموم الحديث‪،‬‬
‫ويحتمل أل يدخل‪ ،‬ولعل هذا هو الذي جعل المام أحمد ‪-‬رحمه ال‪ -‬يخيّر المصلي‬
‫بالنسبة لوضع اليمنى على اليسرى على الصدر بعد الركوع‪ ،‬إن شاء أرسل وإن شاء‬
‫ن الحديث فيه نص‪ ،‬والذي بعد‬ ‫قبض‪ ،‬ولم يخيرهذا التخيير بالنسبة لما قبل الركوع‪ ،‬ل ّ‬
‫الركوع فيه احتمال‪ ،‬إذا كان المر كذلك‪ ،‬ل ينبغي أن يتشدد صغار الطلبة‪ ،‬الذي يقبض‬
‫يبدع الذي ل يقبض‪ ،‬والذي ل يقبض يبدع الذي يقبض‪ ،‬هذا خطأ وتعجل‪ ،‬وإن سبقكم‬
‫إلى هذا التعجل من هو أعلم منكم‪ ،‬وأسن منكم‪ ،‬وأكثر منكم علماً‪ ،‬لكن كما قلنا‪ :‬كل‬
‫إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إل صاحب هذا القبر؛ وأنا أستغرب قول العلّمة‬
‫المُحَدّث الشيخ‪ /‬ناصر اللباني في تبديع الوضع بعد الركوع‪ ،‬يعتبره بدعة‪ ،‬وهذا قول‬
‫في فهمنا‪ ،‬قولٌ ل يؤخذ من الشيخ ناصر‪ ،‬مع اعترافنا له بالعلم والفضل والورع‪ ،‬حسب‬
‫ما يظهر لنا‪ ،‬لنّنَا عاشرناه‪ ،‬وحرصه على اتباع السنة والدعوة إلى السنة وسلمة‬
‫العقيدة ‪-‬حسب علمنا‪ -‬نشهد له بكل خير فيما نعلم‪ ،‬ول نزكيه على ال‪ ،‬مع ذلك في مثل‬
‫هذه المسألة‪ ،‬وغيرها من بعض المسائل‪ ،‬ينبغي التوقف في حكمه‪ ،‬ولكن قديماً قد قيل‪:‬‬
‫"كفى بامرء فضلً أن تعد معايبه"‪ ،‬نسأل ال أن يمد له في عمره في العمل الصالح‬
‫وخدمة السنة‪.‬‬
‫() العضاء السبعة‪ :‬الجبهة مع النف‪ ،‬واليدين‪ ،‬والركبتين‪ ،‬وأطراف أصابع الرجلين‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫هذه العضاء من حيث التطبيق ُكلّها واضحة‪ ،‬حتى عند العوام‪ ،‬ولكن ننبه على‬
‫عضوين‪ ،‬أحدهما النف‪ ،‬بعض العوام يتكأتكاً على الجبهة حتى يكاد يسجد على رأسه‪،‬‬
‫ويرفع النف وهذا خطأ‪ ،‬يجب أن تضع النف مع الجبهة‪ ،‬المر الثاني‪ :‬أطراف أصابع‬
‫الرجلين‪ ،‬كثيراً ما يسجد بعض الناس على ظهور الصابع‪ ،‬الواجب السجود على بطون‬
‫الصابع‪ ،‬بطون أصابع الرجلين‪ ،‬ل على ظهورها‪ ،‬قد ل يفطن لهذا بعض الناس‪،‬‬
‫خصوصاً في السجود الثاني‪ ،‬إذا جلس بين السجدتين‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬يترك الرجلين‪ ،‬ل ينتبه‬
‫لهما‪ ،‬ويسجد على ظهور الصابع‪ ،‬والواجب النصح لمن رأيناه يفعل ذلك نصحناه‪،‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪28‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫صرَاطَ ال ُمسْتَقِيمَ} مَ ْعنَى‪{:‬اهْدِنَا}‪ُ :‬دلّنَا وََأ ْرشِدْنَا َوثَبّتْنَا‪،‬‬‫{اهْدِنَا ال ّ‬


‫لسْلَمُ‪َ ،‬وقِيلَ‪ :‬ال ّرسُولُ‪َ ،‬وقِيلَ‪ :‬ال ُقرْآنُ‪ ،‬وَال ُكلّ حَقٌ‪.‬‬ ‫صرَاطُ}‪ :‬ا ِ‬ ‫وَ{ال ّ‬
‫ج فِيهِ‪.‬‬‫وَ{ال ُمسْتَقِيَم}‪ :‬الذِي لَ عِوَ َ‬
‫ل قَ ْولُهُ‬‫طرِيقُ المُ ْنعَمِ عَلَ ْيهِمْ‪ ،‬وَالدّلِي ُ‬
‫صرَاطَ الذّينَ أَ ْنعَ ْمتَ عََليْهِمْ}‪َ :‬‬
‫{ ِ‬
‫ل فَأُوَْل ِئكَ مَعَ الّذِينَ َأنْعَمَ الّ عََليْهِم‬
‫َتعَالى‪{ :‬وَمَن يُطِعِ الّ وَال ّرسُو َ‬

‫ن الصلة‬ ‫والنصح شيء‪ ،‬والتشدد والحكم بإبطال الصلة شيء آخر‪ ،‬ل تتسرع بالحكم بأ ّ‬
‫باطلة‪ ،‬لنّ هذه من المسائل الخفية‪ ،‬المسائل الخفية ‪-‬ولو كانت ركناً أو شرطاً‪ -‬التي‬
‫تخفى على بعض العوام‪ ،‬ل بد من التساهل فيها‪ ،‬معرفة الناس‬
‫وجوب السجود على بطون أصابع الرجلين‪ ،‬ليس كمعرفتهم السجود على الجبهة مثلً‪،‬‬
‫هذه قد تخفى‪ ،‬وهذه لتخفى‪ ،‬فلينتبه‪.‬‬
‫() الجلســة الهيئة‪ ،‬هيئة معينــة‪ ،‬ولمــا كانــت هذه الجلســة على هيئة معينــة‪ ،‬فيمكــن أن‬ ‫‪1‬‬

‫نسميها جلسة‪.‬‬
‫هنا‪ :‬ننبه المنتسبين إلى مذهب المام أبي حنيفة‪ ،‬بعدم اشتراط الطمأنينة في العتدال‪،‬‬
‫وفي الجلسة بين السجدتين‪ ،‬يعتبرونهما ركنين خفيفين لتشترط الطمأنينة فيهما‪ ،‬وعمل‬
‫الحناف يدل على ذلك‪ ،‬لذلك تلحظون الخفة في صلتهم في الركنين‪ ،‬إذا رفع من‬
‫الركوع‪ ،‬قبل أن يعتدل يسجد‪ ،‬وإذا رفع من السجود قبل أن يستقر يسجد‪ ،‬نقول‪ :‬كأنهم‬
‫تخرجوا من مدرسة واحدة‪ ،‬فهذا خطأ؛ فإذا عرفت بأن الطمأنينة ركنٌ‪ ،‬كما تعرف في‬
‫حديث المسيء صلته‪ ،‬ل فرق بين الركوع والسجود‪ ،‬وبين العتدال وبين الجلسة بين‬
‫السجدتين‪ ،‬الطمأنينة واجبة وركن‪ ،‬أو شرطٌ في هذه الركان كلها على حدٍ سواء‪ ،‬وإذا‬
‫كنت حنفياً‪ ،‬ثم اطلعت على صفة صلة النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يجب عليك أن‬
‫تترك حنفيتك لتكون محمديًا صرفاً بدون إضافة‪ ،‬احذف الضافات التي بينك وبين‬
‫الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬اربط نفسك رأساً برسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫يقودك إلى ال‪ ،‬وأنت على بصيرة‪ ،‬لتشك بأنك تصل إلى ال ‪-‬إن شاء ال‪ -‬إذا اتبعت‬
‫قيادة محمد رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬احذف الضافات التي في الوسط‪.‬‬
‫() والتسليمتان‪ ،‬لن إعراب التسليمتان معطوف على ما قبله من المرفوعات‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والمعطوف على المرفوع مرفوع‪ ،‬وعلمة رفعه اللف والنون‪ ،‬عوضاً عن التنوين في‬
‫السم المفرد‪ ،‬وكون التسليمتين محل من أركان الصلة ليس محل اتفاق‪ ،‬عند بعضهم‬
‫التسليمة الولى‪ ،‬والثانية مؤكدة‪ ،‬بدليل قد يجوز للنسان أن يكتفي بالتسليمة الولى‬
‫فقط‪ ،‬وهذه رواية في المذهب‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪29‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫حسُنَ أُولَ ِئكَ‬‫مّنَ النّ ِبيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاء وَالصّالِحِينَ وَ َ‬


‫َرفِيقًا}[النساء‪.]69:‬‬
‫{غَ ْيرِ ال َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِمْ}‪ :‬وَهُمُ اليَهُودُ‪ ،‬مَعَهُمْ عِلْمٌ وَلَمْ َيعْمَلُوا بِهِ‪،‬‬
‫طرِيقَهُمْ‪{ ،‬وَلَ الضّالّينَ}‪ :‬وَهُمُ ال ّنصَارَى‪،‬‬ ‫َنسْأَلُ ال أَنْ يُجَنّ َبكَ َ‬
‫طرِي َقهُمْ‪،‬‬‫جنّ َبكَ َ‬‫َيعْبُدُونَ ال عَلَى جَ ْهلٍ َوضَلَلٍ‪َ ،‬نسْأَلُ ال أَنْ يُ َ‬
‫سرِينَ أَعْمَالً ‪‬‬ ‫خَ‬‫ن قَ ْولُهُ تَعَالَى‪{ :‬قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُمْ بِالَْ ْ‬
‫وَدَلِيلُ الضّالّي َ‬

‫لِ قَانِتِينَ}[البقرة‪ ،]238:‬ولفظة‪{:‬قَانِتِينَ}‪ ،‬قد يستدل بهذه اللفظة من‬


‫() والشاهد‪َ {:‬وقُومُواْ ّ‬ ‫‪1‬‬

‫لِ قَانِتِينَ}[البقرة‪ :]238:‬خاشعين ساكنين‪،‬‬


‫يرى وجوب الخشوع في الصلة‪َ { ،‬وقُومُواْ ّ‬
‫والخشوع في الصلة روح الصلة‪ ،‬سواء سميناه ركناً‪ ،‬أو شرطاً‪ ،‬أو واجباً‪ ،‬أو من‬
‫أفعال الصلة المهمة‪ ،‬والخشوع من أهم أعمال الصلة‪ ،‬والصلة بدون خشوع ميته‪،‬‬
‫ومما ينافي الخشوع كثرة العبث في الصلة‪ ،‬العبث شيء‪ ،‬والحركات التي يقصد بها‬
‫مصلحة الصلة شيء آخر‪ ،‬والناس هنا على طرفي نقيض‪ ،‬منهم من يتشدد في عدم‬
‫الحركة ويتصلب إذا دخل في الصلة‪ ،‬ولو كان هناك فرجة على يمينه أو على شماله‪،‬‬
‫لو سحبته لن ينسحب‪ ،‬كأن رجليه مغروزتين في الرض‪ ،‬ولو حاولت تقدم أو تأخر‬
‫يتصلب‪ ،‬وهذا خطأ وهذا غلو‪ ،‬الطرف الثاني‪ :‬طرف يكثر الحركة في الصلة‪ ،‬يقدم‬
‫رجلً ويؤخر أخرى‪ ،‬ويرفع إحدى الرجلين ويقف على رجل واحدة‪ ،‬ثم يرد هذه ويقف‬
‫على الثانية‪ ،‬عبثٌ كثير‪ ،‬هذا العبث يبطل الصلة‪ ،‬والوسط أن تتحرك لمصلحة الصلة‪،‬‬
‫فرجةٌ على يمينك تسدها‪ ،‬أو جارك ليسُدّ‪ ،‬ل يجوز ترك الفرج والخلل بين الصفوف‪،‬‬
‫أمامك فرجة في الصف الذي أمامك؛ فتقدم بهدوء لتسد الفرجة‪ ،‬كل هذا من مصلحة‬
‫الصلة‪ ،‬الصف معوج تتقدم وتتأخر لمصلحة الصلة‪ ،‬هذه الحركات التي هي في‬
‫مصلحة الصلة ل تضر الصلة‪ ،‬الحركات العبثية التي تعلمونها ووصفناها هذه تبطل‬
‫الصلة‪ ،‬والتصلب وعدم الحركة‪ ،‬وترك الصفوف معوجة وفي خلل‪ ،‬وأمامك فرجة ل‬
‫تتحرك‪ ،‬هذه حنفية متطرفة ل تنبغي لمن ينتسبون إلى مذهب المام أبي حنيفة‪ ،‬فيفسدوا‬
‫بذلك سمعة المام بهذا التصرف‪ ،‬ولم يأمر المام بهذا أبداً‪ ،‬وهذا من متأخري الحنفية‪،‬‬
‫هم الذين يفعلون هذا الفعل‪ ،‬وهذا ل ينبغي‪ ،‬ينبغي إتباع السنة‪ ،‬تحرك حيث دعت‬
‫الحاجة إلى الحركة‪ ،‬ول تتحرك بدون حاجة‪ ،‬هذا هو العتدال‪ ،‬وعلى كلٍ‪ ،‬هنا‪ ،‬عندما‬
‫ندرس الحكام الفقهية‪ ،‬نحن نتذكر المذاهب كلها‪ ،‬المذاهب الربعة المدونة‪ ،‬ونعلم أنّ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪30‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫حسَبُونَ َأنّهُمْ يُحْسِنُونَ‬‫ل سَعْ ُيهُ ْم فِي الْحَيَاةِ الدّ ْنيَا وَهُمْ يَ ْ‬
‫ن ضَ ّ‬ ‫الّذِي َ‬
‫صلّى ال عَلَيْهِ َوسَلّمَ‪َ(( :-‬لتَتّبِعُنّ‬ ‫صُنْعًا}[الكهف‪ ،]104،103:‬وَالحَدِيثُ عَنْهُ‪َ -‬‬
‫ضبّ‬‫سَنَنَ َمْن قَبَْلكُمْ حَ ْذوَ القُذّةِ بِالقُذّةِ حَتّى لَوْ دَخَلُوا جُحْ َر َ‬
‫لَدَخَ ْلتُمُوهُ؛ قَالُوا يَا َرسُولَ ال‪ :‬ا ْليَهُودُ وَال ّنصَارَى؟ قَالَ‪ :‬فَمَْن))‪،‬‬
‫خرَجَاهُ( )‪.‬‬‫أَ ْ‬ ‫‪1‬‬

‫في الحضور من ينتسبون إلى هذه المذاهب الربعة كلها‪ ،‬ولو فرداً واحداً؛ فالواجب‬
‫علينا أن ننصح لكل منتسب إلى مذهب معين ليعلم أن دراسته للمذهب المعين للتفقه‬
‫وللدراسة وللتعليم وللوصول إلى العمل بالسنة‪ ،‬دراسة المذاهب ليست محرمة‪ ،‬لك أن‬
‫تدرس ما شئت من المذاهب الربعة‪ ،‬وغير الربعة‪ ،‬بل الولى لو تمكنت أن تدرس‬
‫الفقه على المذاهب الربعة‪ ،‬هذا هو الولى‪ ،‬لئل تخرج بربع فقه‪ ،‬ل تكن ربع فقيه‪ ،‬كن‬
‫فقيهاً‪ ،‬اطلع على المذاهب الربعة= =حتى تكون فقيهاً‪ ،‬أمّا كونك تقتصر على مذهب‬
‫معين وتتعصب‪ ،‬ولو فرضنا أنّك فقيه؛ فإنك ربع فقيه‪ ،‬إذاً ل تكن ربعاً‪ ،‬تعلم وأطّلع‪،‬‬
‫الذي يعينك على هذا أن تطّلع على السنة‪ ،‬وعلى شروح الحديث‪ ،‬مثل نيل الوطار‪،‬‬
‫وسبل السلم‪ ،‬وإن توسعت كثيراً فتح الباري‪ ،‬هذه الكتب‪ ،‬ونصب الراية‪ ،‬الكتب هذه‬
‫تطلعك على المذاهب الربعة وأكثر من الربعة‪ ،‬لتكون على بصيرة‪ ،‬ولتحترم أئمة‬
‫المسلمين على حد سواء‪ ،‬بدون غلو في إمام معين والنيل من الئمة الخرين‪ ،‬وهذا ل‬
‫يجوز‪ ،‬يجب أن تحبهم جميعاً لنهم جميعاً من الدعاة إلى السنة‪.‬‬
‫() الذي عليه جمهور أهل العلم‪ ،‬أنّه ل يحصل الخروج من الصلة ‪-‬التحليل‪ -‬إل‬ ‫‪2‬‬

‫بالتسليم‪ ،‬وليس هناك ما يقوم مقام التسليم‪ ،‬وما تسمعون أو تقرءون في بعض كتب‬
‫المتأخرين‪ ،‬في بعض المذاهب‪ ،‬أنّ النسان له أن يخرج من الصلة بأي شيء ولو غير‬
‫التسليم‪ ،‬ولو بالحدث‪ ،‬وهذا الكلم غير سليم‪ ،‬وغير صحيح‪.‬‬
‫() ونصّ الشيخ ‪-‬رحمه ال‪ -‬على أن الستفتاح سنة‪ ،‬وليس بركن‪ ،‬ول واجب‪ ،‬ول‬ ‫‪3‬‬

‫شرط‪ ،‬ولكنه سنّة‪ ،‬واختار من أدعية الستفتاح نوعًا واحداً‪ ،‬أقصر تلك الدعية وأشملها‬
‫ك اللّهُمّ‬
‫وأجمعها من حيث الثناء على ال والتمجيد والتعظيم‪ ،‬وهو قول‪(( :‬سُ ْبحَا َن َ‬
‫ل ِإلَهَ غَيْ ُركَ))‪ ،‬وقد سرد العلمة ابن القيم‬ ‫وَ ِبحَمْ ِدكَ‪ ،‬وَتَبَا َركَ اسْ ُمكَ‪ ،‬وَ َتعَالَى جَ ُدكَ‪ ،‬وَ َ‬
‫عدداً من أدعية الستفتاح في زاد المعاد‪ ،‬ولكنه ّفضّل هذا الدعاء على غيره من تلك‬
‫الدعية الكثيرة‪ ،‬وبعضها طويلة‪ ،‬لما في هذا الدعاء الموجز من الثناء على ال‪،‬‬
‫والتمجيد والتعظيم‪ ،‬مال يوجد في غيره‪ ،‬وغيره أكثر دعاءً وطلباً‪ ،‬وهذا تمجيد وتسبيح‬
‫وتعظيم‪ ،‬وهو يتضمن الطلب‪(( :‬سُ ْبحَا َنكَ اللّهُمّ وَ ِبحَمْ ِدكَ‪ ،‬وَتَبَا َركَ اسْ ُمكَ‪ ،‬وَ َتعَالَى جَ ُدكَ‪،‬‬
‫ل ِإلَهَ غَيْ ُركَ))‪ ،‬وتولي المؤلف ‪-‬رحمه ال‪ -‬شرح هذا الدعاء‪ ،‬وما بعده‪ ،‬ومعنى‪:‬‬ ‫وَ َ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪31‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫والحَدِيثُ الثّانِي‪(( :‬افْ َت َرقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحْدَى َوسَبْعِينَ ِف ْرقَةٍ‪،‬‬


‫ن ِفرْقَةٍ‪َ ،‬وسَتَفْ َترِقُ هَذِهِ الُمّةُ‬
‫لثٍ َوسَ ْبعِي َ‬
‫وَافْ َت َر َقتِ ال ّنصَارَى عَلَى ثَ َ‬
‫لثٍ َوسَبْعِينَ ِف ْرقَةٍ‪ُ ،‬كلّهَا فِي النّارِ إِلّ وَاحِدَةٌ‪ ،‬قُ ْلنَا‪ :‬مَنْ ِهيَ يَا‬
‫عَلَى ثَ َ‬
‫علَيْهِ َوَأصْحَابِي))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫رَسُولَ ال؟ قَالَ‪ :‬مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا َأنَا َ‬

‫ك اللّهُمّ))‪ ،‬أي‪ :‬أنزهك يارب التنزيه اللئق بك‪ ،‬التنزيه اللئق بجلله ‪-‬سبحانه‬ ‫((سُ ْبحَا َن َ‬
‫وتعالى‪ ،-‬وهو المأخوذ من الكتاب والسنة‪ ،‬وقد أفترقت الناس في باب التنزيه‪ ،‬وجعل‬
‫بعض الناس التنزيه نفي الصفات‪ ،‬لذلك نفت الجهمية والمعتزلة جميع الصفات بدعوى‬
‫التنزيه‪ ،‬لن إثبات الصفات تؤدي إلى التشبيه‪ ،‬والتنزيه بنفي الصفات عندهم‪ ،‬كذلك‬
‫فعلت الشاعرة والماترودية بالنسبة للصفات الخبرية‪ ،‬الصفات الخبرية‪ :‬التي لمجال‬
‫للعقل إلى اثباتها إل بالسماع والدليل النقلي والخبري‪ ،‬إثبات تلك الصفات على ظاهرها‬
‫يتنافى مع التنزيه في مفهوم الشاعرة‪=،‬‬
‫=وعمدوا إلى التاويل‪ ،‬لم ينفوا كما نفى غيرهم‪ ،‬ولكنهم زعموا أن ظاهر تلك النصوص‬
‫غير مراد ال‪ ،‬فيجب تأويلها بدعوى التنزيه‪ ،‬وأنت ترى كلٌ من النفاه والمؤولة‬
‫يزعمون التنزيه فيما ذهبوا إليه‪ ،‬أي النفاه لم يقصدوا عندما نفوا صفات ال تعالى لم‬
‫يقصدوا الساءة إلى ال‪ ،‬ولكن في زعمهم يريدون التنزيه‪ ،‬ولكن أين التنزيه؟ ضلوا عن‬
‫التنزيه‪ ،‬لماذا ضلوا؟ لنهم التمسوا الهدى في غير كتاب ال‪ ،‬من التمس الهدى من غير‬
‫كتاب ال‪ ،‬وفي غير ما جاء به الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يضل ول محالة‪ ،‬هذه‬
‫قاعدة كل من يلتمس الهدى والحق في غير ما جاء به الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬؛‬
‫فهو يضل جزاءً لعراضه‪ ،‬إذ الهدى والصواب والحق ينحصر فيما جاء به رسول ال‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وإذا أردنا أن نعرف التنزيه الحق اللئق بال سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫يءٌ وَهُوَ السّمِي ُع ال َبصِيرُ}[الشورى‪ ،]11:‬أيوجد تنزيه أبلغ من‬
‫نقرأ قوله تعالى‪ {ِ :‬لَيْسَ كَمِ ْثلِهِ شَ ْ‬
‫هذا التنزيه؟ يثبت ال سبحانه وتعالى لنفسه الصفات‪ ،‬ينفي المماثلة فيما أثبت هذا‪ ،‬هو‬
‫معنى التنزيه أن تثبت له ما أثبته لنفسه من صفات الكمال ومن السماء الحسنى ومن‬
‫الفعال‪ ،‬تثبت له ما أثبته لنفسه‪ ،‬ثم تنفي المماثلة فيما أثبت‪ ،‬إذ ل يصف ال أعلم من‬
‫ال‪ ،‬وتثبت له سبحانه ما وصفه به رسوله المين ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وتنفي المماثلة‬
‫فيما أثبت‪ ،‬إذ ل يصف ال من خلق ال أعلم من رسول ال ‪-‬عليه السلم‪ ،-‬هكذا هدى‬
‫ال أهل الحق‪ ،‬ودعاء الحق إلى هذا التنزيه‪ ،‬وعرفوا كيف ينزهون دون تعطيل أو‬
‫تحريف ودون تشبيه أو تمثيل‪ ،‬ودون نفي لصفات ال تعالى‪ ،‬إلى هذا يشير الشيخ عندما‬
‫يقول‪ :‬أي أنزهك التنزيه اللئق بجللك‪ ،‬وهذا التنزيه اللئق بجلله سبحانه وتعالى‪ ،‬أي‬
‫التنزيه المأخوذ من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪32‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ْهـ )‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫من ُ(‬
‫السـعَةِ‪ ،‬وَال ْعتِدَالُ ِ‬
‫َالسـجُودُ عَلَى الَ ْعضَاءِ ّبْ‬ ‫ْعـ ِمنْهـُ‪ ،‬و ّ‬ ‫وَالرّكُوعـُ‪ ،‬وَال ّرف ُ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ارْكَعُوا‬
‫ُهـ تَعَال‪{:‬يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫السـجْ َدَتْينِ‪ ،‬وَالدّلِيلُ َقوْل ُ‬
‫ْنـ ّ‬ ‫ْسـةُ بَي َ‬
‫وَالَل َ‬
‫وَا سْجُدُوا}[ال ج‪ :‬من الل ية ‪ ،]77‬وَالَدِي ثُ َعنْ هُ ‪ -‬صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّمَ‪(( :-‬أُ ِمرْ تُ أَ نْ‬
‫ْنـ‬
‫ِيبـ َبي َ‬
‫ِيعـ ا َلفْعَالِ وَالتّ ْرت ُ‬
‫ُمـ ))‪ ،‬وَالطّمَ ْأنِينَةُ فِي جَم ِ‬
‫سـبْعَةِ أَ ْعظ ٍ‬
‫َسـجُدَ عَلَى َ‬ ‫أ ْ‬

‫() وبحمدك‪ :‬أي مع الثناء عليك‪ ،‬تنزيه مع الثناء على ال‪ ،‬إذا نفيت صفات الكمال بم‬ ‫‪1‬‬

‫تثني على ال تعالى؟! إذا كنت تنفي عنه الرحمة كيف تثني عليه‪ ،‬تقول الرحمة مستحيلة‬
‫على ال‪ ،‬والمحبة مستحيلة على ال‪ ،‬ل يَحب ول يُحب‪ ،‬كيف تثني عليه وأنت تنفي عنه‬
‫الرحمة‪ ،‬وقد سمعت في الحديث القدسي حديث الفاتحة ((إذا قال العبد‪ :‬الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫يقول ال تعالى‪ :‬أثنى عليّ عبدي))‪ ،‬ومن ينفي الرحمة‪ ،‬ل يمكنه أن يثني على ال‬
‫تعالى‪ ،‬وإنّما الثناء على ال بأسمائه وصفاته وأفعاله الحميدة‪.‬‬
‫() أي البركة تنال بذكرك‪ ،‬تنزه اسمك وتُنال البركة بذكرك‪ ،‬بذكر ال تعالى هكذا فسّر‬ ‫‪2‬‬

‫المام‪.‬‬
‫() أي‪ :‬جلت عظمتك‪ ،‬الجد بمعنى العظمة وبمعنى الغنى‪ ،‬جلت عظمتك وغناك‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أي‪ :‬ل معبود في الرض ول في السماء بحق سواك يال‪ ،‬كلمة بحق ل بد من التيان‬ ‫‪4‬‬

‫بها‪ ،‬عندما تفسر ل إله إل ال‪ ،‬يجب أن تأتي "بحق"‪ ،‬أو "حق"‪ ،‬وإل يكون المعنى‬
‫فاسداً‪ ،‬لو قلت‪ :‬ل معبود في السماء ول في الرض غيرك‪ ،‬نحكي خلف الواقع‪،‬‬
‫المعبودون كثيرون‪ ،‬لكن المعبود المنفي هو المعبود بالحق‪ ،‬ل معبود في الرض ول‬
‫في السماء بحق غيرك‪ ،‬وكل من عبد في السماء وفي الرض؛ فعبادتهم باطلة‪ ،‬عبدت‬
‫الشمس والقمر عبادتها باطله‪ ،‬عبدت الشجار‪ ،‬وكثيراً من الدوحات‪ ،‬ول تزال تعبد‪ ،‬و‬
‫الحجار والضرحة والقباب؛ فعبادة هذه الشياء باطلة‪ ،‬عبادة الجن‪ ،‬عبادة القبور‪ ،‬كلما‬
‫عبد فهو إله في اللغة‪ ،‬ل يسمى ال ولكن يسمى إله‪ ،‬لفظة إله عامة‪ ،‬تشمل المعبود‬
‫بالحق والمعبود بالباطل‪ ،‬ولكن لفظ الجللة "ال"‪ ،‬خاص بالمعبود الحق‪ ،‬خالق‬
‫السماوات والرض سبحانه‪ ،‬لمعبود في السماء والرض سواك ياال‪.‬‬
‫() أي‪ :‬ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا ال من الشيطان الرجيم المطرود المبعد من‬ ‫‪5‬‬

‫رحمتك‪ ،‬ل يؤثر في ديني وعقيدتي وعبادتي‪ ،‬ومعنى الستعاذة‪ :‬اللتجاء والعتصام‪.‬‬
‫() ولم يفصل الشيخ‪ ،‬ولم يستثني المأموم الذي يصلي خلف المام الذي يجهر‪ ،‬كما‬ ‫‪1‬‬

‫ن الفاتحة ركن من أركان الصلة‪،‬‬ ‫يستثني غيره‪ ،‬لكنه أطلق إشارة منه ‪-‬رحمه ال‪ -‬إلى أ ّ‬
‫وهي أ ّم الصلة‪،‬كما أنّها أ ّم القرآن؛ فهي أ ّم الصلة‪ ،‬لصلة إل بها‪ ،‬ولو كنت مأموماً‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪33‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫لتَهُ عَ نْ أَبِي ُه َريْرَةَ قَالَ‪(( :‬بَْينَمَا نَحْ نُ‬ ‫صَ‬


‫الَرْكَا نِ‪ ،‬وَالدّلِيلُ حَدِي ثُ الُ سِيءِ َ‬
‫جُلُو سٌ ِعنْدَ النّبِي ‪ -‬صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّمَ‪ِ -‬إذْ دَ َخلَ رَ ُجلٌ فَ صَلّى فَ سَلّمَ َعلَى‬
‫صلّ َفِإنّ كَ لَ مْ تُ صَلّ‪ ،‬فَعََلهَا َثلَثا‬ ‫صلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّمَ‪ ،-‬فقال‪ :‬ا ْرجِع فَ َ‬ ‫الّنبِيّ ‪َ -‬‬
‫سنُ َغْيرَ هَذَا فَعَلّ ْمنِي‪ ،‬فَقَالَ لَ هُ الّنبِيّ‪ :‬إِذَا‬
‫ثُ مَ قَالَ‪ :‬وَالذّي بَ َعثَ كَ بِالَقّ نَِبيّا لَ أُحْ ِ‬

‫خلف إما ٍم يجهر على الصحيح‪ ،‬لذلك لم يلتفت الشيخ إلى هذا الخلف‪ ،‬ولم يشر إليه‪،‬‬
‫هذا هو الحق‪ ،‬بل استدل على هذا الطلق بقوله‪" :‬كما في حديث‪(( :‬ل صلة لمن لم‬
‫ي كان هذا المصلي‪ :‬إماماً‪ ،‬أو مأموماً‪ ،‬أو منفرداً‪ ،‬وسواء كان‬ ‫يقرأ بفاتحة الكتاب))‪ ،‬أ ً‬
‫المأموم في الصلة السرية أو الجهريه؛ يؤكد هذا المعنى ليعلم بعض الناس الذين‬
‫يتساهلون بقراءة الفاتحه إذا كانوا مأمومين خلف إمام يجهر‪ ،‬هذا الحديث الذي ذكرناه‬
‫سابقاً‪(( :‬قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين))‪ ،‬هذان الحديثان وما في معناهما‬
‫ن فاتحة الكتاب ركن في الصلة على جميع المصلين‪.‬‬ ‫يؤكدان أ ّ‬
‫() وفي الحقيقة‪ ،‬الشيخ كفانا مؤنة شرح البسملة والتعوذ ودعاء الستفتاح وفاتحة‬ ‫‪2‬‬

‫الكتاب؛ إذًا الواضح ل يُ ّوضَح؛ نترك كما وضّح الشيخ‪.‬‬


‫() الحديث من حيث السناد ضعيف‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬فيه راوٍ اسمه ابن أبي مريم‪ ،‬وهو واهٍ‬ ‫‪1‬‬

‫ومن حيث السناد ضعيف‪ ،‬ولكنّ معنى الحديث صحيح‪ ،‬حديثٌ ضعيفٌ من حيث‬
‫السناد‪ ،‬ولكنّه صحيح من حيث المعنى‪ ،‬إذ تشهد له نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬تأمّل في‬
‫معنى الكيس العاقل الفطن من دان نفسه‪ ،‬أي من أذل نفسه حتى لوامر رسوله ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬وخضع لوامره‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪ ،‬وهل هذا المعنى فيه‬
‫ى صحيح مائه بالمائة‪ ،‬العاقل الفطن الموّفق من أخضع‬ ‫غضاضة؟ وفيه توقف؟ ل‪ ،‬معن ً‬
‫نفسه= =لوامر الكتاب والسنة‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪ ،‬ولم تشغله دنياه عن أخرته‪،‬‬
‫العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على ال الماني‪ ،‬يترك الصلة‪ ،‬ويرتكب المعاصي‪،‬‬
‫ويترك المأمورات‪ ،‬ومع ذلك يتمنى على ال الماني‪ ،‬أنّه في أعلى الفردوس‪ ،‬في أعلى‬
‫الجنة‪ ،‬لماذا؟ لن اليمان هنا! [في القلب]‪ ،‬ل َيضُرّه ترك الصلة وارتكاب المعاصي‪،‬‬
‫هذا فيه نوعٌ من الرجاء‪ ،‬وإن كان ل يدري عن نفسه؛ فهو مرجئ‪ ،‬أي أن ترك‬
‫العمال ل يضرّ طالما عنده اعتقاد تصديق بالجملة‪ ،‬لما جاء به رسول ال ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،-‬بعد ذلك فليفعل ما يريد من المعاصي‪ ،‬فليترك ما يريد أن يترك من‬
‫المأمورات؛ فهو في الجنة(!) هذه الماني الكاذبة‪ ،‬يُصاب بهذه الماني الكاذبة المرجئة‪،‬‬
‫الذين يرون أنّ اليمان‪ ،‬إمّا ُمجَرّ ُد التلفظ بل إله إل ال‪ ،‬أو مجرد التصديق بالقلب‪ ،‬وإن‬
‫كان ذلك التصديق ل تصدقه العمال‪ ،‬وقد أحسن المام الحسن البصري عندما قال‪:‬‬
‫((ليس اليمان بالتمني ول بالتحلي‪ ،‬ولكن ما وقر في القلب‪ ،‬وصدّقه العمل))‪ ،‬العمل‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪34‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫سرَ مَعَكَ مِنَ ال ُقرْآنِ ثُمّ ارْكَعْ َحتّى َتطْ َمئِنّ‬


‫صلَةِ فَكَّبرْ‪ ،‬ثُمْ ا ْقرَأْ مَا َتيَ ّ‬
‫قُمْتَ إِل ال ّ‬
‫رَاكِعا ثُمّ ا ْرفَ عْ َحتّ ى تَ ْعتَدِلَ قَائِمًا‪ ،‬ثُمّ ا ْسجُدْ َحتّ ى َتطْمَئِنّ سَاجِدًا‪ ،‬ثُمّ ا ْرفَ عْ‬
‫َحتّى َتطْ َمئِنّ جَالِسًا( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫هو الذي يصدق ما وقر في القلب‪ ،‬من ادعى أنّ إيمانه في قلبه لكن ل يعمل‪ ،‬ل يتمثل و‬
‫لينتهي‪ ،‬ودائمًا إيمانه في القلب‪ ،‬كلما ينصحه ناصح أشار إلى صدره‪ :‬اليمان هنا!‪،‬‬
‫هذا مخدوع ضائع؛ فنسأل ال أن يتوب علينا وعليه‪ ،‬اليمان والعمل‪ :‬إيمان القلب‪،‬‬
‫وأعمال الجوارح‪ ،‬والنطق باللسان؛ من هذا يتكوّن اليمان الصحيح‪ ،‬بهذا تكسب‬
‫الولية‪ ،‬إذا كنت تريد أن تكون ولياً ل‪ ،‬الولية مكتسبة بخلف النبوة‪ ،‬النبوة والرسالة‬
‫بالصطفاء‪ ،‬ال الذي يصطفي من الملئكة ومن النس من يشاء للرسالة والنبوة‪ ،‬لكنّ‬
‫الولية مكتسبة‪ ،‬تكتسب أنت بتوفيق ال تعالى باليمان الصادق‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬حتى‬
‫ل من أداء الفرائض‪ ،‬ثم تكثر من النوافل حتى يحبك ال‪،‬‬ ‫تكون ولياً ل تعالى‪ ،‬تكثر أو ً‬
‫عند ذلك أصبحت ولياً ل‪ ،‬يعطيك سؤلك‪ ،‬ويعيذك إن استعذت به‪ ،‬هكذا تكتسب الولية‪،‬‬
‫كلٌ يريد الولية‪ ،‬لكنّ كثيراً من الناس ل يريد أن يكون هو الولي‪ ،‬ولكنّ الولي في مكان‬
‫آخر‪ ،‬يدعو ذلك الولي‪ ،‬الناس حصرت الولية إما في بيوت معينة‪ ،‬بيت ابن علوان بيت‬
‫الولية‪ ،‬بيت غضنفر بيت الولية‪ ،‬كل من يدلي من هذا البيت فهو ولي‪ ،‬ولو كان فاسقاً‬
‫ل يصلي‪ ،‬يتعلقون بهؤلء الولياء لنّهم من بيت فلن‪ ،‬لكن ل يحاول المرء أن يكون‬
‫هو ولياً‪ ،‬أترك أولئك ل‪ ،‬أمرهم ل‪ ،‬اكتسب الولية أنت باليمان الصحيح‪ ،‬والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬الولية مكتسبة‪.‬‬

‫() أشار الشيخ في تفسيره إلى الحصر‪ ،‬أي أن تقديم المعمول على العامل يفيد الحصر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أي ل نعبد غيرك‪ ،‬ول نستعين إل بك‪ ،‬ثُمّ فسّر الصراط؛ فقال‪ :‬الصراط السلم‪،‬‬
‫الصراط الرسول‪ ،‬الصراط القرآن‪ ،‬قال‪ :‬والكل حق‪ ،‬القرآن لنه يهدي للتي هي أقوم‪،‬‬
‫والرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يطلق عليه أنّه الصراط المستقيم‪ ،‬لنّه يهدي‪َ {:‬وإِ ّنكَ‬
‫لَتَهْدِي ِإلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ}[الشورى‪ ،]52:‬إذًا الصراط الحقيقي السلم‪ ،‬ولكن القرآن يهدي‬
‫إلى ذلك‪ ،‬يطلق عليه الصراط لنه يهدي إلى الصراط‪ ،‬ويطلق الصراط على النبي‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪35‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫شهُدُ الَخِيُ رُكْ نٌ مَ ْفرُو ضٌ( )‪ ،‬كَمَا‬


‫‪2‬‬
‫لتِكَ كُّلهَا( )))‪ ،‬وَالتّ َ‬
‫‪1‬‬
‫صَ‬ ‫ثُمّ افْعَلْ ذَلِ كَ فِي َ‬
‫فِي الَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‪-‬رَضِيَ ال َعنْهُ‪ -‬قَالَ‪ُ (( :‬كنّا نَقُولُ َقْبلَ أَنْ يُ ْفرَضَ‬
‫شهّدُ‪ ،‬السّلَمُ عَلَى ال مِنْ ِعبَادِهِ‪ ،‬السّلَمُ عَلَى ِجْبرِيلَ‪ ،‬وَمِيكَائِيلَ‪ ،‬وقال‬ ‫عََلْينَا التّ َ‬
‫سلَمُ عَلَى ال مِ نْ ِعبَادِ هِ‪َ ،‬فإِنّ ال‬ ‫صلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّمَ‪ :-‬لَ تَقُولُوا‪ :‬ال ّ‬‫النب ‪َ -‬‬
‫حيّا تُ ل وَال صَّلوَاتُ وَال ّطِيبَا تُ‪ ،‬ال سّلَمُ عََليْ كَ‬ ‫سلَمُ وَلَكِ نْ قُولُوا‪(( :‬التّ ِ‬‫ُهوَ ال ّ‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬لنه يهدي إلى الصراط‪ ،‬إلى السبيل الحق‪ ،‬القرآن يهدي‬
‫والرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬؛ لذلك يطلق على كل واحد منهما أنّه صراط‪ ،‬لنّه يدل‬
‫لسْلَمُ}[آل‬
‫ن الدّينَ عِن َد الّ ا ِ‬
‫على الصراط‪ ،‬أي‪ :‬السبيل المستقيم سبيل ال السلم‪{ ،‬إِ ّ‬
‫عمران‪.]19:‬‬
‫() كما أن الحيّة تدخل على الضب في حجره‪ ،‬توذي الضب؛ كذلك أنتم تفعلون إذا فعل‬ ‫‪1‬‬

‫من كان قبلكم اليذاء والزعاج والضلل والبعد عن الحق‪ ،‬كما يفعلون تفعلون‪ ،‬ل‬
‫تتركون شيئاً‪ ،‬قالوا يا رسول ال‪ :‬اليهود والنصارى؟ أي‪ :‬تعني اليهود والنصارى‪ ،‬هل‬
‫هم اليهود والنصارى؟ جائ ٌز بالرفع والنصب‪ ،‬ولكن الكثير على النصب‪ ،‬أي‪ :‬تعني‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬قال‪ :‬فمن؟ من غيرهما‪ ،‬من الذي قبلكم غيرهما‪ ،‬أي هم هم‪ ،‬تتبعون‬
‫اليهود والنصارى بأخلقهم‪ ،‬ومن يعبد ال على جهل تشبه بالنصارى‪ ،‬ومن علم وترك‬
‫العمل بالعلم وضل تشبه باليهود‪ ،‬هكذا الناس ينقسمون إلى قسمين في هذا التشبه‪ ،‬إمّا‬
‫بالنصارى‪ ،‬ل يشتغل بالعلم يكون جاهلً ضالً‪ ،‬قد يفتي للناس على جهل‪ ،‬يضل‬
‫ويضلل‪ ،‬هذا فيه شبه النصارى‪ ،‬والذين يعرفون الحق ويتركون الحق اتباعًا للهوى‬
‫والشهوات؛ فيهم شبه اليهود‪ ،‬ولو تتبعت كثيراً من أحوال كثير من المسلمين لوجدت‬
‫الناس ل يخرجون من الفريقين‪ ،‬إمّا هذا أو ذاك‪.‬‬
‫() هذا العدد‪ ،‬ثلث وسـبعي فرقـة‪ ،‬باعتبار أمهات الفرق‪ ،‬الوارج والقدريـة والشيعـة والبيـة‪ ،‬إذا‬ ‫‪1‬‬

‫عددنا أمهات الفرق‪ ،‬تصل أو تزيد على هذا‪ ،‬لكن إذا نظرنا إل كل فرقة كم تفرقت‪ ،‬الوارج افترقت‬
‫على عشر ين فر قة‪ ،‬والعتزلة افتر قت على كذلك‪ ،‬والشي عة ن و سبعة ع شر فر قة‪ ،‬كل فر قة من الفرق‬
‫الرئي سية افتر قت إل فرق‪ ،‬ول كن هذا الد يث‪ ،‬إمّ ا يع ن أ صل هذه الفرق باعتبار أ صولا ل باعتبار=‬
‫=الفروع ال ت تفر عت ‪-‬الروا فض أنف سهم قريبون من عشر ين فر قة‪ ،-‬والروا فض طائ فة من الشي عة‬
‫الماميـة يقربون مـن عشريـن فرقـة‪ ،‬إذا‪ ،‬إذا نظرت فـ كتـب الفرق "كالفرق بيـ الفرق" للبغدادي‪،‬‬
‫و"مقالت السلميي" للشعري‪ ،‬ل تندهش ول ترتبك‪ ،‬كيف قال النب ‪-‬عليه الصلة والسلم‪(( :-‬إنّ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪36‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫سلَمُ َعَليْنَا وَعَلَى ِعبَادِ ال ال صّالِحِيَ أَ ْشهَدُ‬ ‫أَيّهَا الّنبِ يّ وَ َرحْمَةُ ال َوبَرَكَاتُ هُ‪ ،‬ال ّ‬
‫حيّات‪ :‬جَمِيعُ‬ ‫أَن لَ إِلَهَ إِلّ ال وَأَ ْشهَدُ أَنّ ُمحَمّدًا َعبْدُهُ وَرَسُولُهُ))( )‪ ،‬وَمَ ْعنَى التّ ِ‬
‫‪1‬‬

‫َالسـجُودِ وَالبَقَاءِ‬ ‫ُوعـ و ّ‬ ‫َاسـِحْقَاقًا‪ِ ،‬مْثلُ النْحِنَاءِ وَالرّك ِ‬ ‫َاتـ ل‪ ،‬مُلْكًا و ْت‬ ‫التّ ْعظِيم ِ‬
‫صرَفَ ِمْنهَا َشْيئًا لِ َغيْرِ‬‫وَالدّوَامِ‪ ،‬وَجَمِيعُ مَا يُعَظّمُ بِهِ رَبّ العَالَمِي َف ْهوَ ل‪ ،‬فَمَنْ َ‬

‫هذه المة ستفترق على ثلث وسبعي فرقة))‪ ،‬والفرق اليوم تزيد على مائة‪ ،‬تعد بالئات ل بالعشرات‪،‬‬
‫هذا باعتبار الفروع‪ ،‬الفروع لتزال تزداد كـل يوم‪ ،‬بأخـذ زعيـم يريـد أن [ينفصـل] مـن هذه الفرقـة‬
‫ويستقل‪ ،‬يأخذ له مموعة فينفرد ويستقل؛ فيطلق عليها لقبا‪ ،‬إن كان هو أسد؛ فتسمى أسدية‪ ،‬إن كان‬
‫هو شيطان؛ فتسمى شيطانية‪ ،‬وبالفعل توجد فرقة يقال لا‪" :‬الشيطانية"‪ ،‬موجودة(!)‪.‬‬
‫قال النب ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪(( :-‬كلّها ف النار إل واحدة))‪ ،‬أي‪ :‬الفرق النتسبة إل السلم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫من هي يا رسول ال؟ قال‪(( :‬من كان على مثل ما أنا عليه وأصحاب))‪ ،‬أي‪ :‬من ل يبدلوا ول يغيوا‬
‫ول يزيدوا ول ينقصوا‪ ،‬اكتفوا با كان عليه رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬والصحابة‪ ،‬صراط ال‬
‫ال ستقيم‪ ،‬الح جة البيضاء ال ت أشار إل يه ال نب ‪-‬عل يه ال صلة وال سلم‪ -‬ف آ خر حيا ته‪ ،‬قال لل صحابة‪:‬‬
‫(( تركتكم على الحجة البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك))‪ ،‬ل يكن أن نعرف‪ ،‬هل أنت‬
‫على ما كان عليه الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وأصحابه؟ وهل أنت على ما كانت عليه الماعة؟!‬
‫لنّ ف ب عض التفا سي قال‪ (( :‬هي الما عة))‪ ،‬الفر قة الناج ية هي الما عة‪ ،‬ل كن ب تعرف الما عة؟‬
‫الماعات كثية‪ ،‬ل بدّ من التف قه ف الدين‪ ،‬وإلّ كل يدّعي وصلً بليلى‪ ،‬وليلى ل ت قر لم بذاك‪ ،‬كلٌ‬
‫يدعي‪ :‬أنا من الفر قة الناجية‪ ،‬وجاع ت من الفرقة الناجية‪ ،‬ن ن الماعة السلمية‪ ،‬ون ن ون ن…إل‬
‫آخره‪ ،‬الدعاوى كثية‪ ،‬لكن با تُحدد؟‬
‫بالفقه ف الدين‪ ،‬إعرف تعرف ما كان عليه النب ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ف عقيدته‪ ،‬تعرف العقيدة الت‬
‫أخذها الصحابة من فّ رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وكيف كانوا ف عبادتم؟ وكيف كانوا ف‬
‫أخلقهم؟ وكيف كانوا ف معاملتم وإقتصاداتم وجيع أعمالم؟ ف سياستهم؟‬
‫كثير من الناس يتحاشون السياسة‪ ،‬ويحسبون أنه ليس في السلم سياسة‪ ،‬في السلم‬
‫سياسة‪ ،‬وسياسة عميقة‪ ،‬سياسة إسلمية يجهلها كثيرٌ من السياسيين اليوم‪ ،‬السياسة اليوم‪:‬‬
‫المخادعة‪ ،‬والكذب‪ ،‬والملق‪ ،‬والنفاق في الغالب الكثير‪ ،‬لكنّ السياسة السلمية غير‬
‫هذه‪ ،‬السياسة السلمية‪ :‬حُسن التدبير‪ ،‬وتعرف كيف تتخلص دون أن تقع في الكذب‪،‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪37‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫شرِ كٌ كَافِرٌ‪ ،‬وَال صَّلوَاتُ مَ ْعنَاهَا‪ :‬جَمِي عُ الدّ َعوَا تِ‪َ .‬وقِيلَ ال صَّلوَاتُ‬ ‫ال َف ْهوَ مُ ْ‬
‫الَمْ سُ‪ ،‬وَال ّطّيبَا تُ ل‪ :‬ال َطِي بٌ‪ ،‬وَلَ يَ ْقَبلُ مِ نَ ا َل ْقوَالِ وَالَ ْعمَالِ إِلّ َطيّبَهَا‪،‬‬
‫صلّى ال عََليْ هِ‬‫سلَمُ َعَليْ كَ َأيّهَا النّبِ يّ َورَحْمَةُ ال َوَبرَكَاتُ هُ‪ ،‬تَدْعُو لِ ْلّنبِ يّ ‪َ -‬‬
‫ال ّ‬

‫وكيف تقدم المصالح على المفاسد‪ ،‬كيف تقدم إذا كان هناك مفاسد‪ ،‬كيف ترتكب أخف‬
‫مفسدة وتترك أعظمها مفسدة‪ ،‬معرفتك لهذا من السياسة الشرعية‪ ،‬ومن السياسة‬
‫الشرعية‪ ،‬ترك الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬المنافقين بين صفوف الصحابة وهو‬
‫يعرفهم‪= =،‬خشية أن يقال‪ :‬إن محمداً يقتل أصحابه‪ ،‬لو قتل المنافقين الذين يعرفهم‬
‫بأسمائهم‪ ،‬والناس الذين ل تعرف الحقائق تُكَبّرُ المسألة ‪-‬كما يقولون‪ ،-‬يبنون من الحبة‬
‫قبة؛ فيقولون‪ :‬إن محمدًا بدأ في قتل أصحابه‪ ،‬وهذا [يضر] بسير الدعوة‪ ،‬والدعوة ل‬
‫تسير‪ ،‬تقف ويكثر أعداءها‪ ،‬إذاً من المصلحة أن يبقى هذا العدد بين المسلمين‪ ،‬والدعوة‬
‫تسير في العالم‪ ،‬ومن السياسة الشرعية رأى رسول ال ‪-‬صلى ال عليه وعلى آله وسلم‪-‬‬
‫كيف يتأذى كثيرٌ من الناس من باب الكعبة العالي‪ ،‬همّ رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫أن يهدم الكعبة‪ ،‬ويلصقها بالرض‪ ،‬ويجعل بابين‪ ،‬باب يدخل منه‪ ،‬وباب يخرج منه‪،‬‬
‫بدلً من هذا التعب‪ ،‬ثم قال لعائشة‪ :‬لول أن قومك قريبوا عهد بالجاهلية لفعلت ذلك‪،‬‬
‫ولكن لو هدم ور ّد على بناء إبراهيم وألصق الباب بالرض‪ ،‬وأراح الناس‪ ،‬يدخلون من‬
‫هنا فيخرجون من هناك‪ ،‬ل يوجد إلّ أن يصعد الناس يرصّ بعضهم فوق ظهور بعض‪،‬‬
‫من دفع شيئاً‪ ،‬سحبوا بيده‪ ،‬طلّعوه‪ ،‬ومن لم يدفع ردوه‪ ،‬ورموه في الرض‪ ،‬لكنّ هذا‬
‫أخف ‪-‬مع ما فيه من التعب والضرر على الناس‪ّ ،-‬أخّفّ من أن يقال‪ :‬إنّ محمداً بدأ يهدم‬
‫الكعبة‪ ،‬لو شاع هذا الخبر في العالم‪ ،‬سُدّ الناس عن الدخول في السلم؛ فترك ذلك‬
‫إرتكاباً لخف الضررين‪ ،‬هذا من السياسة الشرعية‪ ،‬وأمثال هذا كثير‪ ،‬إذا قرأت في‬
‫السياسة الشرعية للمام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬لعرفت أنّ في السلم‬
‫سياسة‪ ،‬لكن سياسة صادقة غير كاذبة‪ ،‬فلنعلم ذلك تماماً‪ ،‬وإذا عرفت السلم في عقيدته‬
‫في عبادته ومعاملته وجميع البواب التي ذكرناها‪ ،‬عرفت ذلك تأخذ من المنبع‬
‫الصلي‪ ،‬تأخذ من مشكاة النبوة‪ ،‬عند ذلك تعرف أين الفرقة الناجية‪ ،‬وقبل ذلك ل‪ ،‬ل‬
‫تعرف‪ ،‬إنّما تصفق مع كل من يصفق‪ ،‬تسمعون الن بالتصفيق من الجماعة التي سمت‬
‫نفسها بالجماعة السلمية‪ ،‬صفّقوا مع الشيوعيين‪ ،‬ومع العلمانيين‪ ،‬ومع القوميين‪ ،‬في‬
‫مناصرة الظالم على المظلوم‪ ،‬لماذا؟ لعدم الفقه في الدين‪ ،‬مجرد دعوى السلم‪،‬‬
‫السلم‪ ..‬السلم‪ ،..‬ليست هذه لفظ ًة الجوفاء‪ ،‬السلم دين عمل‪ ،‬تعلم العلم قبل القول‬
‫ل يتمناها‪.‬‬
‫والعمل‪ ،‬بذلك تعرف الفرقة الناجية‪ ،‬وك ٌ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪38‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫سلَمَةِ وَالرّ ْحمَةِ وَالبَرَكَةِ‪ ،‬وَالّذِي يُدْعَى َل هُ‪ ،‬مَا يُدْعَى مَ عَ ال( )‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وَ سَلّمَ‪ -‬بِال ّ‬
‫ْسـكَ وَعَلَى ُكلّ َعبْدٍ‬
‫ُسـلّمُ َعلَى نَف ِ‬
‫السـلَمُ عََليْنَا َوعَلَى ِعبَادِ ال الصـّالِحِيَ‪ ،‬ت َ‬
‫ّ‬
‫سلَمُ دُعَاءٌ‪ ،‬وَالصّالِحُونَ يُدْعَى َلهُمْ وَلَ يُدْ َعوْنَ‬
‫صَالِحٍ فِي السّمَاءِ وَالَ ْرضِ‪ ،‬وَال ّ‬

‫() الراد بالعتدال م نه‪ ،‬أي‪ :‬الر فع من ال سجود‪ ،‬ودل يل ذلك قوله تعال‪{ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ارْ َكعُوا‬ ‫‪1‬‬

‫وَاسْجُدُوا}[الج‪ :‬من الية ‪ ،]77‬والديث عنه ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪(( :-‬أمرت أن اسجد على سبعة أعظم))‪،‬‬
‫أي‪ :‬سبعة أعضاء‪ ،‬ولعل ذلك معلوم لدى جيع الصلي‪ ،‬البهة مع النف‪ ،‬والكفان‪ ،‬والركبتان‪= ،‬‬
‫=وبطون أصابع الرجلي‪ ،‬سبق أن نبهنا على ما قد يفى على بعض الناس‪ ،‬وهو كثي‪ ،‬أما ينسى بعض‬
‫الصلي السجود على النف‪ ،‬ويتكأ على البهة وينسى النف؛ فيجب التفطن‪ ،‬لن بعض الذاهب ل‬
‫ت نص على هذا‪،‬ك ما نص مذ هب المام أحد‪ ،‬فيطلقون الب هة؛ فيتركون‪ ،‬ول كن المام أ خذ من السنة‬
‫العملية نص على هذه السألة‪ ،‬وتبعه على ذلك المام الؤلف‪ ،‬وهي من السائل الت قد تفى على بعض‬
‫العوام‪ ،‬ينب غي التف طن لذلك‪ ،‬لن ال سجود على ال نف جزء من ال سجود على الب هة‪ ،‬تا بع‪ ،‬فل ينب غي‬
‫الترك‪ ،‬ول يلتفت إل اللف‪ ،‬لنّ العبد‪ ،‬خصوصا ف مثل هذه العبادات‪ ،‬ينبغي أن يتاط‪ ،‬لو قرأت ف‬
‫بعض الذاهب أنّ السجود على النف غي مطلوب‪ ،‬وغي ركن‪ ،‬وعلمت أنّه ركن ف بعض الذاهب‪،‬‬
‫والقول بأنّه رك نٌ هو القوى من حيث الدليل‪ ،‬عليك أن تتبع وتتاط‪ ،‬ولو ل يكن هناك دليل‪ ،‬اختلفت‬
‫آراء الفقهاء استنتاجا واجتهادا‪ ،‬من العقل أن تتبع ما فيه براءة الذمة‪ ،‬وما فيه الحتياط‪ ،‬وهو السجود‬
‫على ال نف‪ ،‬كذلك م ا ينب غي الت نبيه عل يه من و قت ل خر‪ ،‬ال سجود على بطون أ صابع الرجل ي‪ ،‬يغ فل‬
‫ب عض الناس‪-‬ب عض ال صلي‪ -‬وخ صوصا ف ال سجود الثا ن عن ال سجود على بطون أ صابع الرجل ي‪،‬‬
‫ويترك رجليه كما جلس‪ ،‬أي يسجد على ظهور الصابع‪ ،‬هذا السجود ل يصح‪ ،‬إذا ل يصح السجود‬
‫على عضو من العضاء السبعة‪ ،‬السجود كله يكون باطلً‪ ،‬فإذا بطل السجود بطلت الصلة‪ ،‬أم ٌر يتهاون‬
‫به ب عض الناس و هو صعب‪ ،‬ينب غي الحتياط‪ ،‬وهذا من التقان‪ ،‬وعلى الرء أن يت قن عمله‪ ،‬وخ صوصا‬
‫العمل الذي تتقرب [ به] إل ال ‪-‬الفرائض‪ -‬إتقان الفرائض‪ ،‬وأداءه على الوجه الطلوب بسب المكان‬
‫مقد مٌ على الجتهاد ف السنن‪ ،‬الجتهاد ف السنن والكثار من السنن‪ ،‬يأت ذلك بعد إتقان العمل‪ ،‬أي‬
‫بعد إتقان أداء الفرائض‪ ،‬وال الوّفق‪.‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪39‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫شهَدُ َشهَادَةَ اليَقِيِ أَ ْن‬


‫مَ عَ ال( )‪ ،‬أَ ْشهَدُ أَن لَ إِلَ هَ إِلّ ال وَ ْحدَ هُ لَ َشرِي كَ َل هُ‪ ،‬تَ ْ‬
‫‪1‬‬

‫لَ يُ ْعبَدُ فِي الِرْ ضِ وَلَ فِي ال سّمَاءِ بِحَ قٍ إِلّ ال‪ ،‬وَ َشهَادَةُ أَنّ مُحَمّدًا رَ سُولُ‬
‫َهـ ال‬
‫َاعـ َوُيتَبَعـْ‪َ ،‬ش ّرف ُ‬
‫ّهـ َعبْدٌ لَ يُ ْعبَدُ‪ ،‬وَرَسـُولٌ لَ يُكَذّبـُ‪َ ،‬بلْ يُط ُ‬ ‫ال( )‪ ،‬بَِأن ُ‬ ‫‪2‬‬

‫ي المُسيء صلته‪ ،‬في ذلك الوقت لعله يقل‬ ‫() قصة معروفة عند طلب العلم‪ ،‬رجل سُمِ َ‬ ‫‪1‬‬

‫أمثاله‪ ،‬ولذلك أخذ اللقب‪ ،‬أمّا اليوم المسيئين في صلتهم مثل ذلك المسيء ما أكثرهم‪،‬‬
‫ولعلّ [طلب العلم] الذين يَ َروْن [المسيئين لصلتهم]‪ ،‬إمّا أنّهُم ل ُينَبّهُون مجاملةً‪ ،‬أوظناً‬
‫منهم أنهم ما عليهم إل أن ُيؤَدُوا [الصلة فقط]‪ ،‬وما عليهم وليس عليهم شيء بالنسبة‬
‫ل بأداء‬
‫ن المرء ل يهتم إ ّ‬‫لغيرهم‪ ،‬وهذا تصور خاطئ عند بعض طلب العلم‪ ،‬يعني أ ّ‬
‫[العبادات] لنفسه‪ ،‬وينسى مسألة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والنصح لعباد ال‪.‬‬
‫والبعض الخر قد ل يفطن لذلك‪ ،‬وأنّ ذلك يفسد صلته‪ ،‬أي كالذين ينقرون في صلتهم‬
‫ويخففون الركن‪ ،‬العتدال والجلسة بين السجدتين‪ ،‬هذان الركنان يتساهل كثيرٌ من‬
‫المصلين فيهما؛ فينقرون في صلتهم ول يطمئنون‪ ،‬ل يكاد يرفع ظهره ‪-‬وقبل أن‬
‫يستقيم‪ -‬يسجد‪ ،‬ول يكاد يرفع رأسه من السجود الول ‪-‬وقبل أن يطمئن‪ -‬يسجد للسجود‬
‫الثاني‪ ،‬ومن يفعل ذلك‪ ،‬فصلته باطلة‪ ،‬وهو المسمى بالمسيء صلته؛ فينبغي لطلب‬
‫العلم أن ينصحوا للمسيئين في صلتهم‪ ،‬وهم كثر اليوم‪ ،‬قصة الرجل معروفة لدى‬
‫طلب العلم‪ ،‬دخل رجلٌ ورسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بين أصحابه؛ فصلى فسلم‬
‫فجاء إلى النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬وسلّم عليه‪ ،‬فردّ عليه [النبي] السلم‪ -‬ثم قال له‪:‬‬
‫((ارجع فصلّ؛ فإنّك لم تصلّ))‪ ،‬لم يعلمه من أول وهلة‪ ،‬ولكنّه قال له‪(( :‬ارجع فصلّ؛‬
‫فإنّك لم تصلّ))‪ ،‬لنّه يحتمل أنّه يعلم‪ ،‬ولكنّه استعجل وترك لظروف ما‪ ،‬كما يحصل‬
‫لكثير من المستعجلين في صلتهم‪ ،‬فرجع فصلى الرجل كما صلى في المرة الولى؛‬
‫فعاد فسلم على النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬؛ فرد عليه السلم‪ ،‬فقال له‪(( :‬ارجع فصلّ؛‬
‫فإنّك لم تصل))؛ فعاد فصلىّ كما صلىّ في المرة الولى‪ ،‬ورجع في المرة الثالثة؛ فسلم‪،‬‬
‫فقال له النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بعد أن ردّ عليه السلم‪(( :‬ارجع فصلّ؛ فإنّك لم‬
‫تصل))‪ ،‬من هنا أعلن الرجل عن جهله‪ ،‬قال‪ :‬والذي بعثك بالحق‪ ،‬ل أحسن غيرها‪ ،‬هذه‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪40‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ُونـ‬
‫ِهـ ِليَك َ‬ ‫َانـ عَلَى َعبْد ِ‬
‫َكـ الّذِي َن ّزلَ الْفُ ْرق َ‬
‫ُهـ تَعَال‪َ{:‬تبَار َ‬
‫بِالْ ُعبُو ِديّةِ‪ ،‬وَالدّلِيلُ َقوْل ُ‬
‫لِلْعَالَمِيَ نَذِيرًا}[الفرقان‪.) (]1:‬‬
‫‪1‬‬

‫صلّ عَلَى ُمحَمّدٍ َوعَلَى آلِ مُحَمّدٍ كَمَا صَّليْتَ عَلَى إِْبرَاهِي مَ إِنّ كَ حَمِيدٌ‬ ‫الّلهُمّ َ‬
‫صلَةُ مِ نَ ال‪َ :‬ثنَاؤُ هُ َعلَى َعبْدِ هِ فِي ا َللِ ا َلعْلَى‪ ،‬كَمَا حَكَى البُخَا ِريّ‬ ‫مَجِيدٌ‪ ،‬ال ّ‬

‫هي التي أعرفها‪ ،‬ما أعرف= =غيرها؛ بعد أن جعل النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يهتم‬
‫للرجل بهذا الهتمام‪ ،‬بهذا التردد‪ ،‬وتأكد بأنه ل يعلم غيرها‪ ،‬وإنّما ترك ذلك جهلً‪ ،‬وأنّ‬
‫هذا التردد أثار فيه النتباه‪ ،‬وجعله مستعدًا للقبول ‪[-‬في حيث أنّه] لو علمه من أول مرة‪،‬‬
‫ما اهتم هذا الهتمام‪ ،‬ول قبل ذلك القبول؛ هذه من الحكم التي يذكرها أهل العلم في أن‬
‫حسَنُ للمعلمين أن يعاملوا طلب‬ ‫النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬لم يعلّمه من أول مرة‪ ،‬يُسْ َت ْ‬
‫العلم في بعض المسائل مثل هذه المعاملة؛ بأن يسأله فيخبره ما إذا يعلم من المسألة‬
‫الفلنيه [شيئاً ما]؛فإذا توقف‪ ،‬ولم يعلم‪ ،‬ل يبادر بالجواب حالً‪ ،‬المعلم يتركه ليشغل باله‪،‬‬
‫وليفكر‪ ،‬ويقول له‪ :‬لتأتي بها غداً‪ ،‬وهكذا‪ ..‬إذا كانت المسائل ليست من المسائل‬
‫المستعجلة‪ ،‬هكذا كان يفعل المعلمون الولون من المشايخ الذين أدركناهم‪ ،‬يطرح‬
‫المسائل على طالب العلم الذي ل يستحضر‪ ،‬ل يجاب؛ فيترك ليبحث‪ ،‬ويأتي بالجواب‬
‫في جلسة أخرى‪ ،‬وهذه من الحكم‪ ،‬كذلك طرح النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أحياناً‬
‫السئلة على الصحابة حتى يقولوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬يعلنون بجهلهم‪ ،‬وبعد ذلك يعلمهم‪،‬‬
‫وهكذا عامل المسيء صلته‪ ،‬بعد ذلك علمه‪ :‬أنّه أوّل ما يستقبل القبلة فيكبر‪ ،‬أي يشرع‬
‫في الصلة بتكبيرة الحرام‪ ،‬وهذا دليل على أنّه ل يتلفظ بالنية قبل تكبيرة الحرام‪،‬‬
‫والنيّة محلها القلب‪ ،‬والتلفظ بها بدعة ‪-‬كما تقدم‪ -‬لنّ كل ما علّم النبي ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬المسيء صلته ‪-‬في الغالب الكثير‪ -‬إمّا ركن أو واجب‪ ،‬وما لم يأتي ذكره في‬
‫هذا التعليم ليس بركن ول واجب‪ ،‬عند الذين يفرقون بين الركن وبين الواجب هنا‪،‬‬
‫ل في باب‬ ‫وبعض المذاهب ل تفرّق بين الركن وبين الواجب‪ ،‬والفرق [ل يكون عندهم] إ ّ‬
‫الحج والعمرة‪ ،‬بخلف ما نحن عليه الن‪ ،‬ثم أمره بعد تكبيرة الحرام أن يقرأ ما تيسر‬
‫معه من القرآن‪ ،‬والذي يتيسر معه من القرآن فُسّر في رواية أخرى بفاتحة الكتاب‪ ،‬أنّه‬
‫يقرأ فاتحة الكتاب‪ ،‬لم يذكر دعاء الستفتاح‪ ،‬ولكن ورد ذكره في بعض اللفاظ‪ ،‬كذلك‬
‫التعوذ مشروع‪ ،‬إذاً قد ل يكون كلّ ما ذكر في هذا الحديث‪ ،‬يكون واجباً‪ ،‬وإن كان‬
‫الفقهاء يختلفون في الوجوب والستحباب بالنسبة للتعوذ ودعاء الستفتاح‪ ،‬ثم أمره أن‬
‫ن ال ّرجُلَ مِنَ الشياء التي تَرَكَهَا ‪-‬وأهم ما‬
‫يركع فيطمئن راكعاً‪ ،‬هذا هو محل الشاهد‪ :‬ل ّ‬
‫ترك‪ -‬الطمئنان‪ ،‬ثم أمره أن يرفع فيعتدل قائماً‪ ،‬هذا القيام الثاني يسمى اعتدال‪ ،‬وقد‬
‫جاء التصريح في بعض الحاديث أنّه اعتدال‪ ،‬وهذا ما استدل به بعض أهل العلم الذين‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪41‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫صلَةُ ال َثنَاؤُ هُ َعلَى َعبْدِ هِ فِي ا َللِ ا َلعْلَى‪،‬‬ ‫حهِ عَ نْ أَبِي العَاِليَةِ قَالَ‪َ :‬‬ ‫فِي صَحِي ِ‬
‫ِنـ الدَمِييَ‪:‬‬ ‫السـتِغْفَارُ‪ ،‬وَم َ‬
‫لئِكَةِ‪ْ :‬‬ ‫ِنـ ا َل َ‬
‫َالصـوَابُ ا َل ّولُ‪ ،‬وَم َ‬ ‫َوقِيلَ الرّحْمَةُ‪ ،‬و ّ‬
‫الدّعَاءُ‪َ ،‬وبَارِكْ وَمَا بَعْدَهَا ُسنَنُ َأ ْقوَالٍ َوَأفْعَالٍ‪.‬‬

‫يرون عدم وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر بعد الركوع‪ ،‬لنّه ل يُسمّى قياماً إل‬
‫بقرينة؛ فإذا أطلق القيام فهو الذي قبل الركوع‪ ،‬ليكون قول الصحابي‪(( :‬كان رسول ال‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬إذا كان قائمًا في الصلة‪ ،‬وضع يمناه على يسراه فوق صدره‬
‫قائماً))‪ ،‬معنى [ذلك أنّه] إذا أطلق هكذا فإنما يراد [به] القيام الذي قبل الركوع‪ ،‬والقيام‬
‫الذي قبل الركوع ل يسمى قياماً إل بقرينة‪ ،‬قد يسمى اعتدال‪ ،‬سبق أن =‬
‫=نبّهنا على هذه المسألة‪ ،‬وأن أدق فهم في هذه المسألة فهم المام أحمد بن حنبل‪ ،‬وليس‬
‫ن المصلي مخير بالنسبة للقيام الذي بعد‬
‫يُستكثر عليه ذلك ‪-‬رحمه ال‪ :-‬حيث رأى أ ّ‬
‫الركوع في وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر؛ فمخيّر إن شاء وضع‪ ،‬وإن شاء‬
‫أطلق‪ ،‬لماذا؟ هذا من دقة الفقه‪ ،‬لن الحديث ليس بنص بالنسبة لهذا القيام‪ ،‬وهو نصٌ‬
‫بالنسبة للقيام الول‪ ،‬ما كان نصاً ل ينبغي أن يُختلف فيه‪ ،‬ومن خالف فيه ينصح‪ ،‬وأمّا‬
‫الثاني الحديث الذي فيه ظاهر ليس بنص‪ ،‬وما كان ظاهراً فهو مظنّةٌ لختلف الفقهاء؛‬
‫فإذا اختلف الفقهاء المتقدمون والمعاصرون في هذه المسألة‪ ،‬ينبغي أن يعذر الجميع‪،‬‬
‫الذي يضع معذور‪ ،‬لنّه أخذ من ظاهر الحديث‪ ،‬أي من الحتمال ل من النص‪ ،‬والذي‬
‫ن الحديث ليس بنص‪ ،‬بل هو ظاهر ‪-‬كما قلنا‪ -‬وهذه من أسباب‬ ‫ترك كذلك يُعذر ل ّ‬
‫طلِع‬
‫اختلف الفقهاء في المسائل الفقهية الفرعية‪ ،‬الذي يريد أن يتقن هذه السباب‪ ،‬وي ّ‬
‫عليها من طلب العلم‪ ،‬عليه أن يقرأ الكتيب الصغير العظيم من حيث المعنى‪" :‬رفع‬
‫الملم عن الئمة العلم" لتعرف أسباب اختلف الفقهاء‪ ،‬وما نحن بصدده من‬
‫السباب‪ ،‬كون أحدهم مثلً يفهم أنّ الدّلة تشمل القيام الول والثاني‪ ،‬والخر يقول‪:‬‬
‫لتشمل إل القيام الوّل‪ ،‬والثاني غير داخل لنّه يسمى إعتدالً‪[ ،‬ول يسمى قياماً] إلّ‬
‫ل فالقيام ينصرف إلى الول‪ ،‬إذًا الحتمال قائم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫بقرينة‪ ،‬وإ ّ‬
‫() إذاً الطمأنينة في العتدال‪ :‬إمّا شرطٌ أو ركن‪ ،‬على الختلف الذي ذكرناه‪ ،‬كذلك‬ ‫‪1‬‬

‫ن الصّلة ل تصح إل‬ ‫الطمأنينة في الجلسة بين السجدتين‪ :‬إمّا ركن أو شرط‪ ،‬أي أ ّ‬
‫بالطمأنينة فيهما‪،‬كما ل تصح إلّ بالطمأنينة في الركوع والسجود‪.‬‬
‫() أيضاً مما ينبغي التنبيه عليه بالنسبة لطلب العلم‪[ ،‬أنّه] فلتكن دراسة الفقه على هذه‬ ‫‪2‬‬

‫الطريقة التي سلكها هذا المؤلف‪ ،‬أي تختار من كتب الفقه‪ ،‬من جميع المذاهب‪ ،‬الكتاب‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪42‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫حرَامِ‪َ ،‬وقَوْلُ‪:‬‬‫وَالوَاجِبَاتُ ثَمَانِيةٌ( )‪ :‬جَمِيعُ التّكْبِيرَاتَ غَيرَ َتكْبِيرَةِ الِ ْ‬


‫‪1‬‬

‫سُبْحَانَ رَ ِبيَ ال َعظِي ِم فِي الرّكُوعِ‪َ ،‬وقَوْلُ‪ :‬سَمِعَ ال لِمَنْ َحِم َدهُ لِلِمَامِ‬
‫لعْلَى‬ ‫ن رَ ِبيَ ا َ‬ ‫ل رَ َبنَا وََلكَ الحَمْدُ ِللْ ُكلّ‪َ ،‬وقَ ْولُ‪ :‬سُبْحَا َ‬
‫وَالمُنْ َفرِدِ‪َ ،‬وقَوْ ُ‬
‫فِي السّجُودِ‪َ ،‬وقَ ْولُ‪َ :‬ربّ اغْ ِفرْ لِي بَيْنَ السّجْدَ َتيْنِ‪ ،‬وَال ّتشَهّدُ الَوّلُ‬
‫وَالجُلُوسُ لَهُ‪.‬‬

‫الذي يذكر الحكم ويذكر الدليل‪.‬‬


‫وأمّا إذا أخذت كتاباً يسرد الراء من ألفه إلى يائه‪ ،‬ل تجد فيه‪ :‬قال ال‪ ،‬أو قال رسول‬
‫ال ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪[ ،-‬بل تجد]‪ :‬هكذا المذهب‪ ،‬هكذا قال الصحاب‪ ،‬هذا‬
‫المشهور‪ ،‬هذا المعروف‪ ..‬حتى تنتهي من الكتاب‪ ،‬مثل هذا الكتاب ل يُخرجك من‬
‫الجهل أبداً‪ ،‬تبقى جاهلً‪ ،‬الكتاب الذي يخرجك=‬
‫=من الجهل في الفقهيات‪ ،‬الكتاب الذي يذكر الحكم ويذكر الدليل‪ ،‬قد يكون مختصراً‬
‫كهذا الكتاب‪ ،‬لكن يفتح لك البواب‪ ،‬تذهب تبحث من حيث تصحيح الدلة والتوّسع‪ ،‬مثل‬
‫هذا الكتاب هو الذي ينبغي أن يُرَبّى عليه صغار الطلبة‪ ،‬صغار طلبة العلم‪ ،‬ثم ينتقلون‬
‫فيختارون كتاباً مثله أو قريباً منه في الفقهيات‪ ،‬إذا أرادوا أن يدرسوا كتب الفقه؛ وفى‬
‫المكان الستغناء عن دراسة كتب الفقه بدراسة أحاديث الحكام‪ ،‬كالحاديث التي‬
‫جلّهَا‪ ،-‬وقد ينفرد بها البخاري‬
‫اشتملت عليها "عمدة الحكام"‪ ،‬أحاديث متفق عليها ‪-‬أو ُ‬
‫أو مسلم‪ ،‬أي ل تخرج أحاديث عمدة الحكام من الصحيحين‪ ،‬إمّا متفق عليها‪ ،‬أو ينفرد‬
‫ن الحافظ قد بينه على الحديث‬ ‫بها البخاري أحياناً‪ ،‬ومسلم أحياناً‪ ،‬ثم "بلوغ المرام"‪ ،‬ل ّ‬
‫المعلول والضعيف‪ ،‬أحكام تؤخذ من السنة‪ ،‬ثُ ّم "المنتقى"‪ :‬من أوسع المتون الجامعة‬
‫لحاديث الصحيحين وغيرهما‪ ،‬من درس هذه الكتب‪ ،‬مع التصال بالشروح‪ ،‬يتخرج‬
‫ن المذاهب ليست هي الربعة فقط‪،‬‬ ‫فقيهاً متضلعاً في المذاهب الربعة وغير الربعة‪ ،‬ل ّ‬
‫المذاهب كثيرة‪ ،‬مذاهب أهل العلم كثيرة‪ ،‬وأئمة المسلمين الذين بلغوا درجة المامة‬
‫كثيرون‪ ،‬ولكن ال بارك في تلمذة هؤلء الربعة‪ ،‬فدوّنوا آراءهم واستنتاجاتهم‬
‫واستنباطاتهم؛ فدونت واشتهرت بين المسلمين بالمذاهب الربعة‪ ،‬وإلّ ‪-‬كما قلنا غير‬
‫مرة‪ -‬يوجد في طبقتهم من هم مثلهم تماماً‪ ،‬وربما [كان] في بعضهم [من هو] أعلم منهم‪،‬‬
‫كاللّيث بن سعد‪ ،‬الذي كان يعيش في مصر‪ ،‬في عهد تابع التابعين‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫كانت تضرب أكباد البل إلى الحجاز‪ ،‬لطلب العلم على المام مالك‪ ،‬تضرب أكباد البل‬
‫إلى مصر‪ ،‬لطلب العلم على يد اللّيث بن سعد‪ ،‬وكذلك الثوري في العراق‪ ،‬والوزاعي‬
‫في الشام‪ ،‬وقد أحسن المام ابن تيمية في الثناء عليهم‪ ،‬حيث قال‪" :‬يُعتبر هؤلء أئمة‬
‫الدنيا في عصر تابع التابعين‪ ،‬لتعلموا أننا بحمد ال لدينا أئمة‪ ،‬أئمة عظام‪ ،‬وبلغوا درجة‬
‫ل فأمثالهم‬ ‫المامة‪ ،‬ليسوا هم الئمة الربعة فقط"‪ ،‬وقد عرفتم سبب شهرة الربعة‪ ،‬وإ ّ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪43‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫صلَةُ ِبتَرْكِ هِ‪ ،‬وَالوَا ِجبَا تُ مَا‬


‫فَالَرْكَا نُ مَا سَ َقطَ ِمْنهَا َسهْوا َأوْ عَمْدا َبطَلَ تِ ال ّ‬
‫س ْهوِ‪ .‬وَال‬‫سَ َقطَ ِمنْهَا عَمْدا َبطَلَ تِ ال صّلَةُ ِبَترْكِ هِ‪ ،‬وَ َسهْوا َجبَرَ هُ ال سّجُودُ لِلْ ّ‬
‫أَعْلَمُ( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كثيرون‪ ،‬كالحمّاديْن‪ ،‬وعبد الرحمن بن مهدي‪ ،‬وأبي عبيد‪ ،‬ما أكثرهم‪ ،‬كلّهم أئمة‪،‬‬
‫الشاهد‪ :‬الذي يريد أن يتفقه في الدين فقهاً صحيحاً‪ ،‬يدرس كتباً على هذا النمط‪ ،‬كتباً‬
‫ل فآراء الرجال المجردة من ذكر الدلة ل تفقه النسان‬ ‫تذكر الحكام وتذكر الدلة‪ ،‬وإ ّ‬
‫في الدين‪ ،‬الفقه معناه‪ :‬الفهم الصحيح في الدين‪(( ،‬من يرد ال به خيراً يفقه في الدين))‪،‬‬
‫ليس معنى ذلك أنّه يوّفقه ليحفظ آراء أهل العلم‪ ،‬ل‪ ،‬لتفهم الفهم الصحيح عن ال وعن‬
‫رسوله ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬

‫() هذا تشّهّدٌ مشهور‪ ،‬وهناك تشهد آخر‪ ،‬لك أن تحفظ ما شئت من ألفاظ التشهد‪ ،‬ولكن‬ ‫‪1‬‬

‫تختار المتفق عليه‪ ،‬وإذا رأيت أنّ غيرك يتشهد بغير هذا التشهد ل تنكر عليه‪ ،‬كذلك‬
‫ُيقَالُ في ألفاظ الصلة على النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلّم‪ ،-‬إذا حفظت أنت هذه الصيغة‬
‫التي ذكرها المام‪ ،‬وهناك صيغ أخرى نبّهنا غير مرة أنها كثيرة جداً‪ ،‬وحاول أن‬
‫يجمعها‪ ،‬ربما جمعها العلّمة ابن القيم في كتابه الفريد في بابه "جلء الفهام في الصلة‬
‫على خير النام"‪ ،‬الصلة هذه تسمى‪" :‬الصلة البراهيمية" ولعلّ أجمعها الصيغة‬
‫علَى‬‫علَى إِبْرَاهِيمَ وَ َ‬
‫صلّ ْيتَ َ‬
‫علَى آلِ ُمحَمّدٍ‪ ،‬كَمَا َ‬ ‫علَى ُمحَمّدٍ وَ َ‬‫صلّ َ‬‫المتفق عليها‪(( :‬اللّهُ ّم َ‬
‫علَى إِبْرَاهِيمَ‬
‫علَى آلِ ُمحَمّدٍ كَمَا بَارَكْتَ َ‬‫علَى ُمحَمّدٍ وَ َ‬ ‫ك حَمِيدٌ َمجِيدٌ‪ ،‬وَبَا ِركْ َ‬
‫آلِ إِبْرَاهِي َم إِ ّن َ‬
‫ل إِبْرَاهِي َم إِ ّنكَ حَمِيدٌ َمجِيدٌ))‪ ،‬هذه صيغة متفق عليها‪ ،‬وغيرها كثير‪ ،‬لحظوا‪ ،‬ل‬ ‫علَى آ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫توجد في أي صيغة من صيغ الصلة البراهيمية التي ساقها العلّمة ابن القيّم في الكتاب‬
‫المذكور‪ ،‬ل توجد كلمة اللهم صل على ((سَيّدِنَا)) محمد‪ ،‬عند كثير من إخواننا المسلمين‬
‫العاطفيين‪ ،‬إذا لم يذكر ((سَيّدِنَا)) في الصلة‪ ،‬وقلت اللهم صل على محمدٍ‪ ،‬ربما يسيئ‬
‫بك الظن‪ ،‬يقول هذا ل ُيعَظّم الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وحصل هذا بالفعل‪ ،‬فقد‬
‫قال حاج مغربي لي‪ :‬يا شيخ! كنت أحضر دروسك من أوّل إلى الن‪ ،‬وأنا مسافر‪ ،‬ولكن‬
‫ألحظ عليك أنّك عندما تصلي على النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬تقول‪ :‬اللهم صلّ على‬
‫محمد‪ ،‬ولم أسمع مرة واحدة بأنّك تقول‪ :‬اللهم صلّ على ((سيدنا)) محمد‪ ،‬لماذا يا شيخ؟‬
‫وقد أحسن في السؤال‪ ،‬بينّت له‪ ،‬خفّفت ما يجد في نفسه من الستثقال‪ ،‬يستثقل جداً كون‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪44‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫النسان يصلي على النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ل يقول‪ :‬اللهم صلّ على سيدنا محمد‪،‬‬
‫عوام المسلمين ل يفرّقون بين المور‪ ،‬ربما يحسبون أن من ترك لفظة ((سيدنا)) أنّه ل‬
‫يعظم النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬ول يحبه المحبة اللئقة‪ ،‬الجواب‪ :‬هذا جهلٌ‪ ،‬وربما‬
‫يسمى جهلً مركباً‪ ،‬الجهل المركب‪ :‬كون النسان يجهل ول يدري أنه يجهل‪ ،‬إذا كنت‬
‫ل تدري بأنك ل تدري؛ فذلك إذًا جهلٌ مضاف إلى جهل مضاف‪ ،‬والمضاف إليه جهل‪،‬‬
‫ما= =الذي يطلع؟ ل شيء‪ ،‬الشاهد‪ :‬محمد رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬سيدنا‪،‬‬
‫وسيد الناس أجمعين‪ ،‬سيد ولد آدم‪ ،‬هذا ما أدين ال به‪ ،‬يجب أن نعتقد ذلك تصديقاً‬
‫لخبره ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬حيث قال‪(( :‬أنا سيد الناس يوم القيامة‪ ،‬أنا سيد ولد آدم‬
‫ول فخر))‪ ،‬يجب أن نعتقد أنّه سيد الناس أجمعين‪ ،‬لكن مع ذلك‪ ،‬إذا علّم الصحابة كيف‬
‫ن الَّ وَمَلَئِكَ َتهُ‬
‫يصلون عليه‪ ،‬ولقّنهم الصلة البراهيمية في مناسبة نزول الية‪{ :‬إِ ّ‬
‫سلِيمًا}[الحزاب‪ ،]56:‬الصحابة‬ ‫سلّمُوا تَ ْ‬
‫علَيْهِ َو َ‬
‫صلّوا َ‬
‫ن آمَنُوا َ‬
‫علَى النّبِيّ يَا أَيّهَا الّذِي َ‬
‫صلّونَ َ‬
‫ُي َ‬
‫سألوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬علّمنا كيف نسلم عليك‪ ،‬وقد أُمِرْنا أن نصلي‪ ،‬أُمِرْنَا أن نصلي‬
‫عليك؛ فكيف نصلي عليك؟ لعلّ ذلك حصل في عدة مجالس‪ ،‬بدليل تعدد هذه الصيغ؛‬
‫فعلّم النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬الصحابة أن يقولوا هكذا‪(( :‬اللهم صلّ على محمد))‪،‬‬
‫وليس معنى ذلك أّنه تنازل عن سيادته‪ ،‬أنّه ليس بسيد‪ ،‬ل‪ ،‬وأنتم تلحظون‪ ،‬يُنكِرُ [النبي‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلّم] أحياناً‪ ،‬على من يقول في بعض المناسبات ما يفهم منه الغلو‬
‫والطراء‪ ،‬ينكر على من يقول له‪(( :‬أنت سيدنا‪ ،‬وابن سيدنا‪ ،‬وخيرنا‪ ،‬وابن خيرنا))‪،‬‬
‫ن الرجل يُصاب بالغلو‪ ،‬الغلو في الصالحين سبب‬ ‫وفي الواقع هو سيدنا‪ ،‬لكن خَشِيَ أ ّ‬
‫خطير من أسباب عبادة غير ال‪ ،‬حماي ًة لحمى التوحيد قال له‪ :‬ل‪ ،‬نهاه عن ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((إنّما أنا عبد؛ فقولوا عبد ال ورسوله))‪ ،‬مع ما تقدم من إعلن أنّه سيد ولد آدم‪ ،‬ل‬
‫ن لكلّ مقا ٍم مقال‪ ،‬المقام الذي أنكر فيه‪ ،‬مقام يقتضي النكار‬ ‫منافاة بين هذا وذاك‪ ،‬ل ّ‬
‫والتوجيه‪ ،‬المقام الذي أعلن فيه‪ ،‬بمناسبة الشفاعة في حديث الشفاعة‪ ،‬لبيان الواقع‪ ،‬فهو‬
‫واقعه ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أنّه سيد الناس أجمعين‪ ،‬الشاهد‪ :‬ينبغي أن يصلى على‬
‫النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بالصيغة الواردة‪ ،‬ول تزيد لفظة سيدنا‪ ،‬وهو سيدنا‪ ،‬أرجو‬
‫أن يكون هذا الكلم مفهوم‪ ،‬وبعد الشاهد أعود وأقول‪ :‬نؤمن ونعتقد تصديقًا لخبره بأنّه‬
‫سيدنا‪ ،‬ولكن عند الصلة عليه‪ ،‬ل نقول‪ :‬اللهم صل على سيدنا‪ ،‬ولكن نقول‪ :‬اللهم صل‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪45‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫على محمد‪ ،‬تأسياً به وتمسكاً بتعليمه‪ ،‬وتنفيذاً لهذا التعليم‪ ،‬هذه العبارة أوقفت بعض‬
‫الناس‪ ،‬لذلك أكرر وأقول أهل العلم اتفقوا على أنّه ل يجوز للمسلم الذي يريد أن يتعبد‬
‫باللفاظ والدعية المأثورة‪ ،‬ل ينبغي له أن يزيد أو ينقص أو يغير أو يبدّل‪ ،‬أهل الحديث‬
‫من دقة حفظهم يستدلون بعبارة واحدة‪ ،‬قد ل يفطن لها غيرهم‪ ،‬ذلك عند ما علم النبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أحد الصحابة الدعاء الذي يدعو به إذا أخذ مضجعه‪ ،‬جاء في‬
‫ذلك الدعاء‪(( :‬آمنت بكتابك الذي أنزلت‪ ،‬ونبيّك الذي أرسلت))‪ ،‬جعل الصحابي يكرر‬
‫ليحفظ‪ ،‬وفي بعض المرات قال‪(( :‬ورسولك الذي أرسلت))‪ ،‬ماذا فعل؟ بدل لفظة بنبيك‬
‫أتى بلفظة رسولك‪ ،‬يقول الصحابي‪ :‬طعن النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في صدري‬
‫وقال‪ :‬ل‪ ،‬قل‪(( :‬ونبيك الذي أرسلت))‪ ،‬ماذا فعل؟ هل فعل منكراً؟ كون النبي ‪-‬عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬لمجرد أنّه غير لفظة نبي برسول‪ ،‬يطعن في= =صدره تأكيداً في‬
‫النكار‪ ،‬ويقول له باللسان أيضاً‪ :‬ل‪ ،‬قل‪(( :‬ونبيك الذي أرسلت))‪ ،‬هذا دليل واضح أنّه‬
‫ل ينبغي للنسان الذي يريد أن يتأسى برسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ويأخذ‬
‫تعليماته‪ ،‬أن يريد من عند نفسه أو ينقص أو يغير أو يبدل‪ ،‬الرسول والنبي لقبان من‬
‫ألقاب النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬من اللقاب الشرعية‪ ،‬ولكن الصيغة ل ينبغي‬
‫تغيرها عما وردت‪ ،‬وردت هكذا؛ فالنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ل ينطق عن الهوى‪،‬‬
‫هذه اللفاظ [نزلت على] النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بوحيٍ من ال‪ ،‬أي مشروعية هذا‬
‫الذكر عند النوم جاءت من السماء‪ ،‬المشروعية جاءت من السماء‪ ،‬ما كان من السماء‬
‫فبلغ النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم الصحابة كما جاء‪ ،‬ل ينبغي للصحابة أن يغيروا‪،‬‬
‫ونحن تبعاً لهم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫() لماذا؟ لنه عبد ال‪ ،‬ولكن هل يستحق أن يُدعى هو من دون ال‪ ،‬أو مع ال؟ ل‪ ،‬عبدٌ‬ ‫‪1‬‬

‫يحتاج إلى أن يدعى له‪ ،‬إذاً هو ل يدعى‪.‬‬


‫() على عباد ال الصالحين تدعو للصالحين‪ ،‬الصالحين الذين تدعو لهم‪ ،‬هل يجوز عقلً‬ ‫‪1‬‬

‫قبل أن نقول شرعاً ومنقطعاً أن تدعوهم؟ عب ٌد صالح يحتاج إلى أن يدعى له‪،‬‬
‫وخصوصاً بعد موته‪ ،‬وبحاج ٍة إلى دعائك‪ ،‬لن هذا منقطع‪ ،‬إلّ إذا كان معه أحد الثلثة‪،‬‬
‫بحاجة إلى الدعاء‪ ،‬وهل من المنطق السليم أن تدعوه؟!= =تذهب إلى قبر الرجل‬
‫الصالح‪ ،‬تسلم عليه‪ ،‬وتدعو له‪ ،‬وتترحم له‪ ،‬هذا هو الشرع‪ ،‬وهذا هو العقل‪ ،‬وهذا هو‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪46‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫المنطق‪.‬‬
‫() الذي قلت بلسانك‪" :‬أشهد أن محمداً رسول ال"‪ ،‬أي‪ :‬رسولٌ ل يكذب‪ ،‬تكذيبه كفرٌ‬ ‫‪2‬‬

‫وردة‪ ،‬رسول يطاع‪ ،‬يطاع طاعة مطلقة‪ ،‬وعدم طاعته معصية‪ ،‬وهذه المعصية قد تصل‬
‫إلى الكفر‪ ،‬وقد ل تصل‪ ،‬له الطاعة المطلقة‪ ،‬ل يوجد في المخلوقات من له طاعة مطلقة‬
‫غير رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬استنتج ذلك أهل العلم‪ ،‬من قوله تعالى‪{ :‬يَا أَيّهَا‬
‫ن آمَنُو ْا أَطِيعُو ْا الّ َوأَطِيعُواْ الرّسُولَ َوأُ ْولِي الَمْرِ مِنكُمْ }[النساء‪ ،]59:‬قالوا أعاد الفعل‬
‫الّذِي َ‬
‫مع طاعة الرسول‪ ،‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ،‬إشعار بأن له الطاعة المطلقة‪ ،‬أي لو‬
‫لم تجد ما أمرك به رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬في كتاب ال‪ ،‬أو نهاك عنه‪ ،‬لم‬
‫تجد ذلك في كتاب ال‪ ،‬وجب عليك أن تطيعه قبل أن تسأل‪ ،‬هل يوجد نظيره في الكتاب‬
‫وحْيٌ يُوحَى}[النجم‪:‬‬ ‫ن الْهَوَى ‪ ‬إِنْ ُه َو إِلّ َ‬
‫طقُ عَ ِ‬
‫أم ل؟ لنّه شهد له ربه سبحانه‪ ،‬أنّه‪{:‬وَمَا يَن ِ‬
‫‪ ،]4،3‬فأخبر أنّ طاعته من طاعة ال‪ ،‬ومعصيته من معصية ال‪ ،‬لذلك‪ :‬السنة المطهرة قد‬
‫تأتي أحياناً مؤسسة لحكام ل وجود لها في الكتاب‪ ،‬حرّم رسول ال ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬الحُمُرَ الهلية يوم خيبر‪ ،‬وامتثل الصحابة لم يقولوا‪ :‬إنه ل يوجد في‬
‫ل التي في الكتاب‪ ،‬بل امتثلوا فحرّموا‪ ،‬حرّم رسول ال ‪-‬عليه الصلة‬ ‫المحرمات إ ّ‬
‫والسلم‪ -‬الجمع بين المرأة وخالتها‪ ،‬والمرأة وعمتها‪ ،‬امتثلوا‪ ،‬لم يقولوا‪ :‬ما وجدنا ذلك‬
‫ل في الجمع بين الختين في الكتاب‪ ،‬بل امتثلوا؛ فحرموا‪ ،‬والذين سمّوا أنفسهم‬ ‫إّ‬
‫بالقرآنيين‪ ،‬فرقة فاشلة‪ ،‬نشئت أوّل ما نشئت في القارة الهندية‪ ،‬ثم انتشرت في بعض‬
‫القطار السلمية العربية‪ ،‬تسمّى "القرآنيون" الذين ل يعملون إل بالقرآن‪ ،‬وقد كذبوا؛‬
‫ل إذا تركوا الصلة والصيام‬ ‫فهل يستطيعون أن يعملوا بالقرآن بدون السنة؟ ل يمكن‪ ،‬إ ّ‬
‫والحج‪ ،‬تفاصيل الصلة‪ ،‬وتفاصيل كثير من الصيام والحج جاءت في السنة‪ ،‬القرآن‬
‫قال‪َ {:‬وَأقِيمُو ْا الصّلَةَ}‪ ،‬وهذه التفاصيل من عند تكبيرة الحرام التي مرت في حديث‬
‫صلّون لكتاب‬‫المسيء صلته‪ ،‬هذه التفاصيل من أين؟ في السنة‪ ،‬وهل القرآنيون ي َ‬
‫والسنة؟ أم بالكتاب فقط؟ ل يمكن‪ ،‬وهل يحجّون بالكتاب فقط؟ ل يمكن‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫تعمل شيئًا إل بالكتاب والسنة معاً‪ ،‬هل يمكن أن تقول‪:‬كتاب ال ليس بكافٍ‪ ،‬أم هو بيان‬
‫وتبيان كل شيء‪ ،‬الجواب‪ :‬كتاب ال كافٍ‪ ،‬وهل كلم الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫خارج من كتاب ال؟ أليس ال قال‪{:‬أَطِيعُو ْا الّ َوأَطِيعُواْ الرّسُولَ}‪=،‬‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪47‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫ن لِلنّاسِ مَا نُ ّزلَ‬ ‫ك الذّكْرَ لِتُبَيّ َ‬


‫=القرآن أمر بطاعة الرسول‪ ،‬القرآن جاء ليبينه { َوأَن َزلْنَا ِإلَ ْي َ‬
‫ِإلَيْهِمْ}[النحل‪ ،]44:‬بيان الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بقوله‪ ،‬وبفعله‪ ،‬وتقريره‪ ،‬من‬
‫ن هذا البيان كله الذي في الكتاب والذي في السنة راجع إلى ال‪ ،‬ليس‬ ‫عند ال‪ ،‬أي أ ّ‬
‫[هناك] شيء من عند رسول ال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬ولو في السنة التي استقلت‪،‬‬
‫ن ال‬ ‫التي ليست تلك الحكام ‪-‬ول وجود لها‪ -‬في الكتاب‪ ،‬وهي في الواقع من عند ال‪ ،‬ل ّ‬
‫يبين كما يشاء‪ ،‬يفعل ما يشاء‪ ،‬ويحكم ما يريد‪ ،‬قد تبين بعض البيانات في الكتاب‪،‬‬
‫ويترك بعض البيانات‪ ،‬ليبين فيما يوحي إلى رسوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬إذاً المبين‬
‫في الحقيقة هو ال‪ ،‬المشرع في الحقيقة هو ال‪ ،‬فبيان ال وأحكام ال تأتي أحياناً في‬
‫الوحي المتلو القرآن‪ ،‬وتأتي أحيانًا في الوحي الغير متلو السنة‪ ،‬كل الوحيين من عند‬
‫ال‪ ،‬رجعت المور كلها إلى ال‪ ،‬لذلك ل ينبغي أن تعارض كتاب ال بسنة رسول ال‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬ل معارضة بينهما‪ ،‬لنّهما كلهما من عند ال وحده؛ فالرسول‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬واسطة في التبليغ والتشريع‪ ،‬ولكن انتبه ليس بواسطة في‬
‫العبادة‪ ،‬عندما تعبد ال‪ ،‬تعبد ال مباشرة‪ ،‬لكن الرسول ‪-‬والرسل جميعاً‪ -‬واسطة بين ال‬
‫ن ال اصطفاهم ليبينوا وليبلغوا‪ ،‬وهم رسلٌ ووسطاء‬ ‫وبين عبادة في التشريع والبيان‪ ،‬ل ّ‬
‫في باب التشريع والتبليغ والبيان‪ ،‬فال سبحانه وتعالى بالنسبة للعبادة‪ ،‬تعبد ال مباشرة‪،‬‬
‫ل يحتاج إلى واسطة يبلغ عبادتك ودعائك وتضرعك إليه‪ ،‬هو معك‪ ،‬من الذي يبلغه؟‬
‫كيف يحتاج إلى من يبلغه وهو معك؟ ل يفارقك في شيء‪ ،‬يراك ويرى مكانك ويسمع‬
‫كلمك‪ ،‬ويعلم بذات الصدور‪ ،‬ل معنى للواسطة إذاً‪ ،‬تلك الواسطة ليست بهذه المثابة‪،‬‬
‫من توسطه إلى ال ليكون واسطة بينك وبينه ل يتمتع بهذه الصفة‪ ،‬ل يعلم منك شيء إل‬
‫ثوبك الظاهر هذا الذي يعلم‪ ،‬ما تحت الثوب ل يعلم‪ ،‬تترك القريب المجيب الذي هو‬
‫معك في كل لحظة‪ ،‬مع كل فرد مع كل مخلوق ل تخفى عليه خافية‪ ،‬ما معنى الوساطة‬
‫إذاً‪ ،‬ل معنى للوساطة في باب العبادة‪.‬‬
‫() لو حرصت على معرفتك أنّ ال شرّف نبيه بالعبودية‪ ،‬أكثر من حرصك على لفظة‬ ‫‪1‬‬

‫ل ا ْلفُ ْرقَانَ‬
‫سيدنا‪ ،‬لو وقفت على ذلك‪ ،‬تجد ال سبحانه وتعالى يقول‪{: :‬تَبَا َركَ الّذِي نَ ّز َ‬
‫ه الْكِتَابَ}[الكهف‪:‬‬ ‫عبْدِ ِ‬
‫علَى َ‬ ‫ن ِللْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان‪{ ،]1:‬الْحَمْدُ لِّ الّذِي أَن َزلَ َ‬
‫علَى عَ ْبدِ ِه لِيَكُو َ‬
‫َ‬
‫ن الّذِي أَسْرَى بِعَبْ ِد ِه لَيْلً}[السراء‪ :‬من الية ‪ ،]1‬العبودية من أعظم صفات النبي‬ ‫من الية ‪{ ،]1‬سُ ْبحَا َ‬
‫للشّيْخِ ُمحَمّد َأمَان الجَامِي ‪48‬‬ ‫صلَ ِة وَأَرْ َكاِنهَا َووَاجِبَا ِت َهاِ‬
‫شرُوطِ ال ّ‬
‫شَرْحُ ُ‬

‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬لكونه حقق العبودية‪ ،‬نال= =إمامة المرسلين‪ ،‬وهو إمام‬
‫المرسلين‪ ،‬أمّ المرسلين ليلة السراء والمعراج‪ ،‬حقق العبودية؛ فوصل إلى حيث لم‬
‫يصل قبله أحدٌ من الرسل‪ ،‬حيث وصل إلى حيث يسمع صريف القلم‪ ،‬أقلم الملئكة‬
‫وهم يكتبون المقادير بإذن ال‪ ،‬مخاطبة ال مباشرة دون واسطة جبرائيل‪ ،‬حقق‬
‫العبودية؛ فصار يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه‪ ،‬ويقال له في ذلك؛ فيكون جوابه‪:‬‬
‫((أفل أكون عبداً شكوراً))‪.‬‬
‫() والواجبات ثمانية‪ :‬جميع التكبيرات غير تكبيرة الحرام‪ ،‬وقول‪ :‬سبحان ربي العظيم‬ ‫‪1‬‬

‫في الركوع‪ ،‬وقول‪ :‬سمع ال لمن حمده‪ ،‬للمام والمنفرد‪ ،‬إلى ماذا يشير الشيخ؟ يشير‬
‫الشيخ إلى خلفٍ فقهي‪ ،‬هل المأموم يقول سمع ال لمن حمده؟ أو إذا قال المام سمع ال‬
‫لمن حمده ‪ ،‬يقول المأموم ربنا لك الحمد‪ ،‬أو ربنا ولك الحمد؟ هذا المشهور‪ ،‬ولكن‬
‫بعض أهل العلم‪ ،‬وفي مقدمتهم المام الشافعي على مذهبه‪[ ،‬استدل] بقوله ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪(( :-‬صلّوا كما رأيتموني أصلي))‪ ،‬سواءً سلم الستدلل أو لم يسلم‪ ،‬كما تقدم‬
‫أن بحثنا‪ ،‬أهل العلم قد يختلفون في الستنباط من النصوص وفهم النصوص‪ ،‬هذا هو‬
‫ن المأموم يقول كما قال المام‪ :‬سمع ال‬ ‫فهم المام الشافعي ‪-‬رحمة ال عليه‪ ،-‬أنّه يرى أ ّ‬
‫لمن حمده‪ ،‬المشهور عند كثير من أهل العلم ما ذكره المام محمد بن عبد الوهاب‬
‫‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬أنّ قوله‪ :‬سمع ال لمن حمده للمام والمنفرد‪ ،‬والقول ربنا ولك الحمد‬
‫للكل‪ ،‬وقول سبحان ربي العلى إلى آخره‪.‬‬
‫هكذا ننتهي من الشروط والركان والواجبات‪.‬‬
‫وصلى ال وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫() والحمد ل الذي ينعمته تتم الصالحات‪ ،‬تم الفراغ من تنسيق وتنضيد وتشكيل هذا‬ ‫‪1‬‬

‫الشرح المبارك صبيحة يوم الثنين بواسطة‪ :‬أبي عبد ال الجّري‪ ،‬أسأل ال أن ينفعنا به‬
‫ب العالمين‪.‬‬
‫يوم ل ينفع مالٌ ول بنون‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد ل ر ّ‬

You might also like