Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫نھر الجنون‬

‫لتوفيق الحكيم‬

‫قصة تمثيلية في فصل واحد‬

‫)بھو في قصر ملك من ملوك العصور الغابرة‪ .‬الملك و وزيره منفردان(‬

‫على مريع‬
‫!الملك – ما تقص َّ‬

‫‪.‬الوزير – قضاء وقع يا موالي‬

‫الملك – )في دھش و ذھول( الملكة أيضاً؟‬

‫!الوزير – )مطرقا ً( واحزناه‬

‫الملك – ھي أيضا ً شربت من ماء النھر؟‬

‫‪.‬الوزير – كما شرب أھل المملكة أجمعين‬

‫الملك – أين رأيت الملكة؟‬

‫‪.‬الوزير – في حديقة القصر‬

‫!الملك – ما كان ينقص الخطب إال ھذا‬

‫!الوزير – لقد حذرھا موالي أن تقرب ماء النھر و أوصاھا أن تشرب من نبيذ الكروم‪ .‬لكنه القدر‬

‫الملك – قل لي كيف علمت أنھا شربت من ماء النھر؟‬

‫‪.‬الوزير – سيماؤھا ‪ ،‬حركاتھا‬

‫الملك – أحادثتك؟‬

‫‪.‬الوزير – لم أكد أقبل عليھا حتى ازورت عني في شبه روع‬

‫إلى نظرات الممروريين‬


‫‪.‬كذلك فعلت و صائفھا و جواريھا و طفقن يتھامسن و ينظرن َّ‬

‫!الملك – )كالمخاطب نفسه( كل ھذا بدا لعيني في تلك الرؤيا‬

‫!الوزير – رحمة بنا أيتھا السماء‬

‫‪.‬الملك – نعم كل ھذا رأته عيناى من قبل‬

‫)صمت(‬

‫‪1‬‬
‫الوزير – متى يذھب غضب السماء عن ھذا النھر؟‬

‫الملك – من يدري؟‬

‫الوزير – ألم ير موالى في تلك الرؤية الھائلة ما ينبئ بالخالص؟‬

‫‪..‬الملك – )يحاول أن يتذكر( لست أذكر‬

‫الوزير – تذكر يا موالي؟‬

‫الملك – )يحاول التذكر( لست أذكر أكثر مما قصصت عليك ‪ ..‬رأيت النھر أول األمر في لون الفجر ثم أبصرت‬
‫أفاعي سوداء قد ھبطت فجأة من السماء و في أنيابھا سم تسكبه في النھر فإذا ھو في لون الليل‪ .‬و ھتف بي من‬
‫يقول‬

‫< ‪..‬حذار أن تشرب بعد اآلن من نھر الجنون>‬

‫!الوزير – وياله‬

‫‪..‬الملك – و قد رأيت الناس كلھم يشربون‬

‫‪..‬الوزير – إال إثنان‬

‫‪..‬الملك – أنا و أنت‬

‫الوزير – وافرحتاه‬

‫!الملك – عالم الفرح أيھا الرجل‬

‫‪.‬الوزير – )يستدرك( عفو موالي‪ .‬إن حزني لعظيم‪ .‬ليتني كنت فداء الملكة‬

‫الملك – شد ما أبغض ھذا الكالم‪ .‬ليتك تستطيع على األقل أن تجد لھا دواء ‪ ...‬يحزنني أن يذھب مثل عقلھا‬
‫!الراجح و يخبو ھذا الذھن الالمع في سماء ھذه المملكة‬

‫!الوزير – حقا ً ‪ ،‬إنھا كالشمس في سماء ھذه المملكة‬

‫!الملك – نعم‪ .‬أنت دائما ً تردد ما أقول و ال تفعل شيئا ً‪ .‬على برأس األطباء‬

‫الوزير – رأس األطباء؟‬

‫‪..‬الملك – نعم رأس األطباء‪ .‬لعله يستطيع لھا شفاء‬

‫‪..‬الوزير – موالى نسى أن رأس األطباء كذلك قد ذھب‬

‫الملك – ذھب أين؟‬

‫‪.‬الوزير – ھو أيضا ً من الشاربين‬

‫‪2‬‬
‫‪ ..‬الملك – يا للمصيبة‬

‫الوزير – لقد رأيته كذلك بين يدي الملكة و قد تغيرت نظراته و حركاته و كلما لمحني ھز رأسه ھزاً ال أدرك له‬
‫‪.‬معنى‬

‫!الملك – رأس األطباء قد جن؟‬

‫‪ ..‬الوزير – نعم‬

‫‪..‬الملك – لقد كان نابغة زمانه‪ .‬أية خسارة أن يصاب مثل ھذا الرجل بالجنون‬

‫‪.‬الوزير – و في وقت نحن أحوج ما نكون إلى علمه و طبه‬

‫‪.‬الملك – ليس في ھذه المملكة اآلن غير واحد يستطيع إنقاذنا مما نحن فيه‬

‫الوزير – من يا موالي؟‬

‫‪.‬الملك – كبير الكھان‬

‫!الوزير – واحسرتاه‬

‫الملك – ماذا؟‬

‫‪.‬الوزير – منھم يا موالي‬

‫الملك – ما تقول؟ من الشاربين؟‬

‫‪.‬الوزير – أجل منھم‬

‫الملك – ھذا و الريب ما يسمى بالخطب الجلل‪ .‬حتى كبير الكھان أصيب بالجنون و ھو أحسن الناس رأيا ً و أبعدھم‬
‫!نظراً و أثبتھم إيمانا ً و أطھرھم قلبا ً و أدناھم إلى السماء‬

‫!الوزير – ھو القضاء يا موالي ‪ ،‬ألم أقل أنه قضاء و قع؟‬

‫الملك – أجل إنھا لكارثة شاملة‪ .‬ليس لھا من نظير ال في التواريخ و ال في األساطير‪ .‬مملكة بأسرھا قد أصابھا‬
‫!الجنون دفعة واحدة و لم يبق بھا ناعم بعقله غير الملك و الوزير‬

‫!الوزير – )يرفع رأسه إلى أعلى( رحمة السماء‬

‫الملك – اصغ أيھا الوزير‪ .‬إن السماء التى حبتنا باستثناء و حفظت علينا نعمة العقل ال ريب ترانا خليقين أن‬
‫تستجيب منا الدعاء‪ .‬ھلم بنا إلى معبد القصر نصلى و ندعو أن ترد إلى الملكة و الناس عقولھم‪ .‬ھذا آخر ملجأ‬
‫‪.‬نستطيع أن نلتجئ إليه‬

‫‪.‬الوزير – أجل ياموالي‪ .‬آخر ملجأ لنا و خير ملجأ‪ :‬السماء‬

‫)يخرجان من أحد األبواب (‬

‫‪3‬‬
‫)تدخل من باب آخر الملكة و رأس األطباء و كبير الكھان(‬

‫!الملكة – إنه لخطب فادح‬

‫)رأس األطباء ‪) :‬معا ً‬

‫!كبير الكھان ‪ :‬أجل إنھا لطامة كبرى‬

‫!الملكة – )لرأس األطباء( أما من حيلة للطب في رد نور العقل إلى ھذين البائسين‬

‫‪.‬رأس األطباء – يشق على ھذا العجز مني أيتھا الملكة‬

‫‪.‬الملكة – تفكر يا رأس األطباء‬

‫‪.‬رأس األطباء‪ :‬لقد تفكرت مليا ً يا موالتي ‪ ،‬إن ما أصابھما ال يسعه علمي‬

‫‪.‬الملكة – أأقنط إذن من شفاء زوجي‬

‫‪.‬رأس األطباء – ال تقنطي يا موالتي‪ .‬ھنالك معجزات تھبط أحيانا ً من السماء ھي فوق طب األطباء‬

‫الملكة – و متى تھبط تلك المعجزات؟‬

‫!رأس األطباء‪ :‬من يدري يا موالتي‬

‫‪..‬الملكة – يا كبير الكھان استنزل لي واحدة منھا اآلن ‪ ..‬اآلن ‪ ..‬اآلن‬

‫‪.‬كبير الكھان – من قال يا موالتي إني استطيع أن استنزل شيئا ً من السماء‬

‫الملكة – أليس ھذا من عملك؟‬

‫!كبير الكھان – إن السماء يا موالتي ليست كالنخيل يستطيع اإلنسان أن يستنزل منھا ما شاء من ثمار‬

‫الملكة – أال تستطيع إذن أن تصنع شيئا ً‪ .‬إني زوج تحب زوجھا‪ .‬إني امرأة تريد إنقاذ رجلھا‪ .‬إنقذوا زوجي‪ .‬إنقذوا‬
‫!زوجي‬

‫‪.‬رأس األطباء – بعض الصبر يا موالتي‬

‫كبير الكھان – دع الملكة تقول! إنھا على حق‪ .‬ھي تبكي زوجا ً كريما ً‪ .‬الناس كذلك لو عرفوا الحقيقة لبكوا ملكا ً‬
‫‪.‬كان حازم الرأي راجح العقل‬

‫‪.‬الملكة – احذروا أن يعرف الناس الخبر‬

‫كبير الكھان – نحن أصمت من قبر يا موالتي غير أني أخشى عاقبة األمر‪ .‬إنا مھما أخفينا الخبر البد أن يظھر‬
‫أي مصيبة أفدح من علم الناس بأن الملك و الوزير‬ ‫‪...‬يوما ً من األيام‪ .‬و ُ‬

‫‪.‬الملكة – صه! إن ھذا مريع‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬كبير الكھان – حقا ً أن ھذا مريع وعظيم الخطر‬

‫الملكة – ما المخرج؟ ال تقفا من األمر موقف اليائس‪ .‬افعال شيئا ً‪ .‬إني أفقد عقلي أيضا ً و ال ريب إن طال أمد ھذا‬
‫‪.‬الحال‬

‫‪.‬كبير الكھان – لو أن في مقدوري فھم ما يدور برأسه‬

‫‪.‬الملكة – إنه يذكر النھر في فزع و يزعم أن ماءه مسموم‬

‫كبير الكھان – و ماذا يشرب إذن؟‬

‫‪.‬الملكة – نبيذ الكروم‪ .‬وال شيء غير نبيذ الكروم‬

‫‪.‬رأس األطباء – نعم نبيذ الكروم‪ .‬يغلب على ظني أن اإلدمان قد أثر بعقله‬

‫‪.‬الملكة – إن كان الداء فيما تقول فما أيسر الدواء‪ :‬نمنع عنه الخمر‬

‫رأس األطباء – و ماذا يشرب؟‬

‫‪.‬الملكة – ماء النھر‬

‫رأس األطباء‪ :‬أتحسبينه يرضى يا موالتي؟‬

‫‪.‬الملكة – أنا أحمله على ذلك‬

‫‪.‬رأس األطباء – )يلتفت إلى صوت قريب( ھا ھو ذا الملك قادم‬

‫‪.‬الملكة – )تشير إلى رأس األطباء و كبير الكھان( اتركانا وحدنا‬

‫‪).‬يخرجان و يتركان الملكة تتأھب لمالقاة الملك (‬

‫الملك – )يراھا فيقف بغتة في مكانه( أنت ھنا؟‬

‫‪.‬الملكة – )تنظر إليه مليا ً( نعم‬

‫إلي ھذه النظرات؟‬


‫الملك – لماذا تنظرين ّ‬

‫!الملكة – )تنظر إليه و تھمس متوسلة( أيتھا المعجزات‬

‫‪.‬الملك – )يتأملھا في حزن( ويلى! إن قلبي يتمزق‪ .‬لو تعلمين مقدار ألمي أيتھا العزيزة‬

‫الملكة – )تحدق في وجھه( لماذا؟‬

‫‪.‬الملك – لماذا؟ نعم أنت ال تعرفين‪ .‬ھذا الرأس الجميل ال يمكن اآلن أن يعرف‬

‫الملكة – ما الذي يؤلمك أنت؟‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬الملك – )ينظر إليھا مليا ً( يؤلمني ‪ ...‬ھل استطيع أن أقول؟ ھذا فوق ما احتمل‬

‫الملكة – )كالدھشة( إنك تشعر بالنازلة؟‬

‫!الملك – أتسأليني؟! و أى شعور‬

‫‪.‬الملكة – )في استغراب( ھذا غريب‬

‫!الملك – واحزناه‬

‫الملكة – )تتأمله لحظة في إشفاق ثم تجذبه( تعال أيھا الوزير اجلس إلى جانبي على ھذا الفراش و ال تحزن كل‬
‫‪.‬ھذا الحزن‪ .‬لقد آن لھذا الشر أن يزول عنا‬

‫!الملك – ماذا تقولين؟‬

‫‪.‬الملكة – نعم ثق أنه سيزول‬

‫!الملك – )يتأملھا بدھشا ً( إنك تحسين ما حدث؟‬

‫‪.‬الملكة – كيف ال أحس أيھا العزيز وھو يمأل نفسي أسى‬

‫!الملك – )ينظر إليھا مليا ً( ھذا عجيب‬

‫إلي ھذه النظرات‬


‫!الملكة – لماذا تنظر ّ‬

‫!الملك – )متوسالً في إشفاق( أيتھا السماء‬

‫!الملكة – تدعو السماء؟ لقد استجابت السماء‬

‫الملك – ماذا أسمع ‪..‬؟‬

‫‪.‬الملكة – )في فرح( لقد وجدنا الدواء‬

‫!الملك – وجدتم الدواء؟ متى؟‬

‫‪.‬الملكة – )في فرح( اليوم‬

‫‪!..‬الملك – )في حرارة( وافرحتاه‬

‫الملكة – نعم وافرحتاه! إنما ينبغي لك أن تصغى إلى ما أقول و أن تعمل بما أنصح لك به‪ .‬يجب عليك أن تقلع من‬
‫‪.‬فورك عن شرب النبيذ و أن تشرب من ماء النھر‬

‫!الملك – )ينظر إليھا و قد عاد إلى يأسه و حزنه( ماء النھر‬

‫‪.‬الملكة – )بقوة( نعم‬

‫!!الملك – )كالمخاطب نفسه( ويحي أنا الذي حسب السماء قد استجابت‬

‫‪6‬‬
‫اعمل بما أقول‬
‫ِ‬ ‫إلي و‬
‫‪.‬الملكة – )في قوة( اصغ ّ‬

‫الملك – )ينظر إليھا مليا ً في يأس( إني ألرى األمر يزداد في كل يوم شراً‪ .‬و ھل يخطر لي على بال أنھا تتكلم مثل‬
‫ھذا الكالم و أن ما بھا يبلغ ھذا‪ ..‬وياله! البد من إنقاذھا‪ ...‬البد من إنقاذھا‪ .‬كاد يذھب من رأسي العقل )يخرج‬
‫!سريعا ً(‪ :‬أيھا الوزير! ّ‬
‫علي بالوزير‬

‫)الملكة – )كالمخاطبة لنفسھا في حزن و إطراق( صدق رأس األطباء‪ .‬أن األمر ألعسر مما ‪) ..‬تتنھد و تخرج‬

‫!الوزير – )يدخل من باب آخر متغير الوجه( موالي! موالي‬

‫!الملك – )يعود أدراجه( أيھا الوزير‬

‫‪.‬الوزير – جئتك بخبر ھائل‬

‫الملك – )في رجفة( ماذا أيضاً؟‬

‫الوزير – أتدري ما يقول الناس عنا؟‬

‫الملك – أي ناس؟‬

‫‪.‬الوزير – المجانين‬

‫الملك – ماذا يقولون؟‬

‫‪...‬الوزير – يزعمون أنھم ھم العقالء و أن الملك و الوزير ھما المصابان‬

‫الملك – صه! من قال ھذا الھراء؟‬

‫‪.‬الوزير – تلك عقيدتھم اآلن‬

‫‪!..‬الملك – )في تھكم حزين( نحن المصابان و ھم العقالء‬

‫‪.‬أيتھا السماء رحماك! إنھم ال يشعرون أنھم قد جنوا‬

‫الوزير – صدقت‬

‫إلي أن المجنون ال يشعر أنه مجنون‬


‫‪.‬الملك – يخيل ّ‬

‫‪.‬الوزير – ھذا ما أرى‬

‫إلي‬
‫الملك – إن الملكة واحسرتاه كانت تحادثني اآلن و كأنھا تعقل ما تقول‪ .‬بل لقد كانت تبدي لي الحزن و تسدي ّ‬
‫‪.‬النصح‬

‫‪.‬الوزير – نعم‪ ،‬نعم‪ .‬كذلك صنع بي كل من قابلت من رجال القصر و أھل المدينة‬

‫!الملك – أيتھا السماء رفقا ً بھم‬

‫‪7‬‬
‫‪.‬الوزير – )في تردد( و بنا‬

‫!الملك – )متسائالً في دھش( و بنا؟‬

‫‪.‬الوزير – موالي! إني أريد أن أقول شيئا ً‬

‫الملك – )في خوف( تقول ماذا؟‬

‫‪ ..‬الوزير – إني كدت أرى‬

‫الملك – )في خوف( ترى ماذا؟‬

‫‪.‬الوزير – أنھم ‪ ...‬شيء‬

‫!الملك – من ھم؟‬

‫الوزير – الناس ‪ ،‬المجانين ‪ ،‬إنھم يرموننا بالجنون‪ .‬و يتھامسون علينا و يتآمرون بنا ‪ ،‬و مھما يكن من أمرھم و‬
‫أمر عقلھم فإن الغلبة لھم ‪ ،‬بل إنھم ھم و حدھم الذين يملكون الفصل بين العقل و الجنون‪ .‬ألنھم ھم البحر و ما‬
‫نحن إال حبتان من رمل‪ .‬أتسمع مني نصحا ً يا موالي؟‬

‫‪.‬الملك – أعرف ما تريد أن تقول‬

‫!الوزير – نعم ‪ ،‬ھلم نصنع مثلھم و نشرب من ماء النھر‬

‫‪.‬الملك – )ينظر إلى الوزير مليا ً( أيھا المسكين! إنك قد شربت! أرى شعاعا ً من الجنون يلمع في عينيك‬

‫‪.‬الوزير – كال لم أفعل بعد‬

‫‪.‬الملك – أصدقني القول‬

‫الوزير – )في قوة( أصدقك القول‪ ،‬إني سأشرب و قد أزمعت أن أصير مجنونا ً مثل بقية الناس‪ .‬إني أضيق ذرعا ً‬
‫‪.‬بھذا العقل بينھم‬

‫!الملك – تطفىء من رأسك نور العقل بيديك‬

‫الوزير – نور العقل! ما قيمة نور العقل في وسط مملكة من المجانين! ثق أنا لو أصررنا على ما نحن فيه ال نأمن‬
‫أن يثبت علينا ھؤالء القوم‪ .‬إني ألرى في عيونھم فتنة تضطرم ‪ ،‬و أرى أنھم لن يلبثوا حتى يصيحوا في‬
‫<!الطرقات‪ < :‬الملك ووزيره قد جنا ‪ ،‬فلنخلع المجنونين‬

‫!الملك – و لكنا لسنا بمجنونين‬

‫!الوزير – كيف نعلم؟‬

‫الملك – ويحك! أتقول جداً؟‬

‫‪.‬الوزير – إنك قد قلتھا الساعة يا موالى! أن المجنون ال يشعر أنه مجنون‬

‫‪8‬‬
‫!الملك – )صائحا ً( و لكني عاقل و ھؤالء الناس مجانين‬

‫‪.‬الوزير – ھم أيضا ً يزعمون ھذا الزعم‬

‫الملك – و أنت‪ ،‬أال تعتقد في صحة عقلي؟‬

‫‪.‬الوزير – عقيدتي فيك وحدھا ما نفعھا؟ إن شھادة مجنون لمجنون التغني شيئا ً‬

‫‪.‬الملك – و لكنك تعرف أني لم أشرب قط من ماء النھر‬

‫‪.‬الوزير – أعرف‬

‫‪.‬الملك – و أني قد سلمت من الجنون ألني لم أشرب‪ ،‬و أصيب الناس ألنھم شربوا‬

‫‪.‬الوزير – ھم يقولون بأنھم إنما سلموا ھم من الجنون ألنھم شربوا و أن الملك إنما جُنّ ألنه لم يشرب‬

‫‪.‬الملك – عجبا ً! إنھا لصفاقة وجه‬

‫!الوزير – ھذا قولھم و ھم المصدقون‪ ،‬و أما أنت فلن تجد واحداً يصدقك‬

‫!الملك – أھكذا يستطيعون أيضا ً أن يجترئوا على الحق؟‬

‫)الوزير – الحق؟! )يخفي ضحكة‬

‫!الملك – أتضحك؟‬

‫‪.‬الوزير – إن ھذه الكلمة منا في ھذا الموقف غريبة‬

‫الملك – )في رجفة( لماذا؟‬

‫‪.‬الوزير – الحق و العقل و الفضيلة ‪ ،‬كلمات أصبحت ملكا ً لھؤالء الناس أيضا ً‪ .‬و ھم وحدھم أصحابھا اآلن‬

‫الملك – و أنا؟‬

‫‪.‬الوزير – أنت بمفردك ال تملك منھا شيئا ً‬

‫)الملك يطرق في تفكير و صمت(‬

‫‪.‬الملك – )يرفع رأسه أخيراً( صدقت إني أرى حياتي ال يمكن أن تدوم على ھذا النحو‬

‫الوزير – أجل يا موالي‪ .‬و أنه لمن الخير لك أن تعيش مع الملكة و الناس في تفاھم و صفاء ‪ ،‬و لو منحت عقلك‬
‫!من أجل ذلك ثمنا ً‬

‫الملك – )في تفكير( نعم إن في ھذا كل الخير لي‪ .‬إن الجنون يعطيني رغد العيش مع الملكة و الناس كما تقول‪ .‬و‬
‫!أما العقل فماذا يعطيني‬

‫!الوزير – الشيء‪ .‬إنه يجعلك منبوذا من الجميع‪ ،‬مجنونا ً في نظر الجميع‬

‫‪9‬‬
‫‪.‬الملك – إذن فمن الجنون أن ال أختار الجنون‬

‫‪.‬الوزير – ھذا عين ما أقول‬

‫‪.‬الملك – بل إنه لمن العقل أن أوثر الجنون‬

‫‪.‬الوزير – ھذا ال ريب عندي فيه‬

‫!الملك – ما الفرق إذن بين العقل و الجنون‬

‫!الوزير – )و قد بوغت( انتظر‪) ...‬يفكر لحظة( لست أتبين فرقا ً‬

‫علي بكأس من ماء النھر‬


‫ّ‬ ‫الملك – )في عجلة(‬

‫‪10‬‬

You might also like