Professional Documents
Culture Documents
الحركه السنوسيه
الحركه السنوسيه
أو ً
هو المام المجتهد الولي الصالح الداعية الستاذ سيدي محمد بن علي بن السنوسي بن العربي بن محمد بن عبد القادر بن شهيدة بن حم بن
القطب الشهير السيد يوسف بن القطب السيد عبد ال بن خطاب بن علي بن يحيى بن راشد بن أحمد المرابط بن منداس بن عبد القوي بن عبد
الرحمن بن يوسف بن زّيان بن زين العابدين بن يوسف بن حسن بن إدريس بن سعيد بن يعقوب بن داود بن حمزة بن علي بن عمران بن
إدريس الصغر بن إدريس الكبر بن عبد ال الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب وسيدتنا فاطمة الزهراء
بنت إمام المرسلين مولنا وسيدنا رسول ال صلى ال عليه وعلى آله وسلم ].[1
فالمام السنوسي ينتمي إلى السللة الطاهرة والنسب الطيب الشريف ،وهذا مما يوجب زيادة المحبة وزيادة التباع ،لما ورد في كتاب ال
تعالى )) :قل ل أسئلكم عليه أجرًا إل المودة في القربى (( .
والناظر في التاريخ السلمي يجد أن كثيرًا من الدعوات ،سواء الحقة والباطلة أول ما تبدأ تبدأ بالدعوة إلى مذهب العترة الطاهرة ،وذلك
لن المسلمين يكنون كل الحب والولء لهل بيت نبيهم عليه الصلة والسلم إذا كانوا على المحجة البيضاء .
ويذهب بعض الباحثين إلى أن من عوامل حركة السيد السنوسي هو نسبه الطاهر ،حيث إن المنتسبين لل بيت الرسول الكريم صلوات ال
عليه وسلمه يشعرون -غالبًا -بثقل المانة ووجوبها عليهم .
بالجوهر المضيء من ضوء سما
أجلت ظلمًا كان قبل قد طما
شمس عله بهرت شمس السما
روضًا نظيرًا ناميًا منمنا][2
سلسلة من عسجد قد نظمت
فانبعثت شعشعة من نورها
وابتهجب بابن السنوسي الذي
فانظر هنا منثور در تنظرن
ثانيًا :مولده ووفاته
لم تختلف المصادر التي تحدثت عن الحركة السنوسية في يوم مولد المام السنوسي ،ذلك أنه كان من الموافقات الربانية أن يولد المام
السنوسي في يوم ذكرى مولد النبي العظم صلى ال عليه وعلى آله وسلم من سنة 1202هـ ،الموافق لـ 1798 /12 /22م ،في بلدة
تسمى )مستغانم( من بلد الجزائر .
وتشير المصادر أنه قد نشأ يتيمًا ،فقد توفي والده وهو صغير فنشأ في حجر عمته وكانت من الصالحات ،فأشغلته بعلم العقائد والتوحيد
صغرًا بعد أن جمع القرآن الكريم ].[3
وفي قراءته على شيوخ بلده لحظ عليه شيوخه إتقان ما درس عليهم ،حتى قال له أحدهم :إن هذا القدر الذي معك من أصول علم الدين
على صغر سنك ل يوجد عند أكابر علماء بلدك]. [4
وتجمع المصادر على أن المام السنوسي توفي في التاسع من صفر الخير سنة ست وسبعين ومائتين وألف 1276هـ بمدينة الجغبوب
بليبيا ،طيب ال ثراه وأعلى منزلته .
وهذا يعني أنه عاش 74سنة ،تكللها العمل الدؤوب والحركة المستمرة ،لم توان خللها ولم يتوقف .
ثالثًا :شيوخه ورحلته
وفي تاريخ المام السنوسي نجد أنه قد سار في طلب العلم ورحل ،وذلك شأن علماء هذه المة .
فقد رحل أول طلبه العلم إلى فاس التي كانت تمثل كعبة العلم في بلد المغرب ،وذلك لوجود جامع القرويين بها الذي كان منارة المغرب ،
كما كان الجامع الزهر في مصر .
ويلحظ على هذا المام أنه شغف بالعلم منذ صغره ،ولذا كان إلى وفاته معطاء لما حصله وغير متكبر على كل من يستفيد منه .
ول شك أن بركة شيوخه واحترامه لهم وتقديره لجهودهم تنتقل إلى الطالب ،كما هو معلوم في آداب العلم والعلماء .
وتشير المصادر إلى أنه مكث مدة تقارب الثمان سنوات ،درس فيها كثيرًا من العلوم ،ولم يتوقف طلبه على العلوم الدينية الشرعية ،بل
نراه قد قرأ العلوم العصرية على علماء فاس ،فقرأ الهندسة والحساب والهيئة والطبيعة ،وغيرها]. [5
ثم بعد إقامته بفاس سافر إلى الحجاز ومصر ،وفي هذه الفترة من حياته حدث في المة -أو ظهر فيها -الضعف ،فاحتلت الجزائر وبدأ
الفرنسيون الهجوم على تلك البقعة من العالم السلمي ،مما ل نشك أنها قد أخذت حيزًا من تفكيره في كيفية إعادة مجد هذه المة الذي بدأ
يبهت .
ول بد لي من التعريج على ذكر بعض شيوخه من علماء عصره الذين أخذ عنهم العلم ،ولست أريد حصرهم هنا ،وإنما أذكر أشهرهم .
-1السيد محمد السنوسي ،وهو أول من قرأ عليه في بلده مستغانم ،فقرأ عليه القرآن الكريم وأتقنه ،وقرأ عليه ما تيسر من العربية والفقه
والتفسير والحديث والتصوف ،وكان هذا الشيخ من كبار مشايخ بلده ،ويبدو أنه من نفس العائلة أو القبيلة .
-2العلمة الوحد أبو عبد ال سيدي محمد بن الكندوز ،الذي قتله حاكم الجزائر حسي بك سنة 1244هـ ،وكان هذا الشهيد من أعاظم
علماء عصره وأجلهم مكانة وورعًا .
-3المام العارف بال سيدي أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني المام الصوفي المحقق صاحب التفسير العجيب وشرح الحكم العطائية
والمباحث الصلية .
-4العلمة المام الصولي السيد الطيب بن كيران الفاسي ،شارح عقيدة ميارة ،وهو من أكابر علماء التوحيد وأصول الدين ،وتخرج
على يديه جمع من أكابر العلماء .
-5المام الولي الصوفي الشيخ العربي بن أحمد الدرقاوي الشريف الحسني ،من أهل الستقامة ،صاحب الطريقة الدرقاوية أحد فروع
الطريقة الشاذلية .
-6العلمة الهمام سيدي محمد بن طاهر الفيللي ،قرأ عليه مختصر السعد وجمع الجوامع لبن السبكي والسلم وجملة صالحة من مختصر
خليل في الفقه المالكي ،وهو يروي عن الحافظ بن كيران .
-7العلمة المتقي المتفنن أبو المواهب سيدي أبو بكر بن زياد الدريسي ،قرأ عليه الفرائض وعلوم الحساب والربعين ومضاعفاتها
والسطرلبين وصناعتها وعلوم الرياضة الربعة والهندسة والهيئة والطبيعة وغيرها من العلوم .
-8وقرأ أيضًا في مصر على الشيخ الصاوي المالكي ،والعلمة العطار ،والقويسني شارح السلم ،وغيرهم .
وبالجملة فشيوخه كثر ،وله منهم الجازات بالسانيد العالية في علوم الرواية والدراية .
ل:
وأسجل هنا كلمة لحد مشايخ الزهر ،قالها عند مجيء السيد السنوسي إليهم ،فقام قائ ً
) أنصتوا أيها العلماء ،لقد حل بين أظهركم إمام المة المحمدية ،ونبراس الشريعة المطهرة ،وشمس سماء المعارف اللهية ،أل وهو
الشيخ الكامل محمد بن علي السنوسي ( ].[6
يقول الستاذ محمد الطيب الشهب " :إن هذه السفار الشاقة التي قام بها المام الكبر السيد محمد بن علي السنوسي بين فاس إلى مصر
والحجاز ،باحثًا ومنقبًا عن الوسيلة التي تمكنه من خدمة السلم ورفع شأن المسلمين ،ما هي إل جزء من برنامج ضخم أخذ يعمل على
تنظيمه ووضع الخطط الخاصة به .
ل من عوامل الطلع والستطلع إذ كان أثناء هذه التنقلت يقابل العلماء والحكام والفراد ،وكان يعمل على وفي الوقت نفسه كانت عام ً
توسيع مداركه وزيادة تعليمه وإن لم يكن في نظر عارفيه محتاجًا إلى علوم أخرى بالنسبة لما تحصل عليه ،إل أنه عليه رضوان ال كان
يتمثل له نصب عينيه قول ال تعالى )) :وفوق كل ذي علم عليم (( ،وفي هذه السفار كان يتجلى له بوضوح كل ما يعانيه المسلمون من
تدهور وانحلل وتأخر وانحطاط .
ل عظيمًاوفي ذلك يقول المؤرخ التركي شهبندر زادة ،عندما أخذ يتحدث عن زيارة المام لمصر فقال :وقد أحدثت هذه الزيارة في نفسه تبد ً
،وانتقش في ذهنه أن الدولة العثمانية هي في طريق النحطاط والضمحلل " ][8
وتجدر الشارة هنا إلى شخصية كان له أثر كبير في نفس وفكر المام السنوسي ،وهو المام العالم أحمد بن إدريس ،ذلك الصوفي الصالح
الذي أخذ عنه المام السنوسي حيث جعل السيد أحمد بن إدريس السنوسي خليفته في طريقته ودعوته ،وكأنما تبلورت فكرة العمل من خلل
الزاوية المتطورة ) الزاوية السنوسية ( بعد لقياه لهذا العالم .
ل شك أن عالمًا كبيرًا وداعية مجتهدًا مثل السيد السنوسي بما توفر فيه من نظر ورأي سديدين كان يبدي آراءه وينشرها بين أتباعه ،ولذا
فإنه كان مضطرًا في بعض الحايين إلى كتابه هذه الراء والجتهادات .
كما أن الباحث ل يستطيع الحكم على الخرين إل من خلل آثارهم وما نقل عنهم .
وللمام السنوسي رحمه ال مؤلفات كثيرة في مجالت شتى ،حصرها الدكتور الدجاني على النحو التالي:
ل :المطبوع منها:
أو ً
-1المسائل العشر المسماة :بغية المقاصد في خلصة الراصد ،موضوعه عشر مسائل فقهية ،خالف فيها السنوسي مشهور مذهب المام
مالك رحمه ال تعالى ،بين أدلة مأخذه في هذه المسائل ،مناقشًا ومحررًا لمشهور المذهب في هذه المسائل .
-2السلسبيل المعين في الطرائق الربعين ،تكلم فيه عن سلسلة الطرق الصوفية الموجودة في وقته ،وبين طرق اتصالها إلى أصحابها .
-3إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ،وهو في أصول الفقه ،بين فيه وجهة نظره في الجتهاد .
-4المنهل الروي الرائق في أسانيد العلم وأصول الطرائق ،بين فيه أسنايد روايته للكتب الحديثية والفقهية ،كتبه استجابة لمن سأله بيان
أسانيده في السنة .
-7رسالة مقدمة موطأ المام مالك رضي ال عنه ،مقدمة رائقة في بيان بعض تاريخ هذا الكتاب العظيم ،وذكر بعض شروحه ومنزلته من
كتب السنة .
-8شفاء الصدر بأري المسائل العشر ،وهو مختصر بغية المراصد السابق ذكره .
ثانيًا :المخطوط:
ثالثًا :ما ذكر اسمه ولم يعلم مكانه ،وهي كثيرة جدًا تبلغ 23رسالة وكتاب]. [9
ويكون مجموعها أكثر من أربع وأربعين مصنفًا ،في مختلف العلوم وإن كان الغالب فيها السنة والتصوف .
وفي هذه المؤلفات توجد ملحظة مهمة ،هي التأصيل الشرعي المستمد من تراث المة في السير بالدعوة والحركة والفكر ،وال أعلم .
السس الفكرية للحركة السنوسية
بعد أن استعرضنا جزءًا من ترجمة المام السنوسي ل بد لنا من التطرق إلى السس والصول الفكرية التي دعا إليها المام السنوسي
وتلقاها أتباعه ودعوا إليها وساروا بها إلى الناس في حركتهم .
والحقيقة التي يلحظها المتتبع لسير الحركة السنوسية أنها ) فكر وحركة ( ،و) تصور ومنهج( ) ،ومنهج وعمل ( ،وليست مجرد دعوة
فكرية أو مذهب أيدلوجي فحسب .
يقول الستاذ أحمد حلمي زادة أحد مؤرخي تاريخ الدولة العثمانية:
) الطريقة السنوسية هي عبارة عن جمعية مذهبية وطريقة صوفية وسياسية واجتماعية ،ولو أنها من الناحية السياسية ليس لها أغراض
تمردية على الدولة (]. [10
وفي هذا إشارة إلى تكاملية الدعوة والحركة السنوسية ،فلم تقتصر على جانب دون جانب ،وإن كانت تحكمها ظروف العصر ،فهي قد
نشأت في ظل الدولة العثمانية التي كانت دولة السلم والخلفة .
وهذا يفسر لنا قول المؤرخ المذكور ) ليس لها أغراض تمردية على الدولة ( ،فذلك أنها ل تحارب دولة الخلفة ،وإنما ترفدها وتسندها ،
ل.على العكس مما كانت عليه بعض التيارات الخرى كالحركة الوهابية مث ً
ويمكن إرجاع السبب في هذا الفهم إلى كون المام السنوسي من العلماء الكبار في علوم الشريعة ،فهو المحدث الصولي الفقيه المجتهد ،
وهو الصوفي المربي ،وهو أيضًا ذو اطلع تاريخي وصاحب اطلع على علوم عصره من الهندسة وغيرها كما مر معنا .
هذا كله مع السبب الول والمهم الذي هو توفيق ال تعالى ،الذي رعى هذه الدعوة ،وإل فلول ال لم يكن ما كان .
وأستطيع أن أجمل السس الفكرية والتصورات التي سارت عليها الدعوة السنوسية فيما يلي:
ل :دعوة الناس كافة إلى اللتزام بأحكام السلم الظاهرة والباطنة ،وذلك أن المسلمين في تلك الحقبة كان قد انتشر فيه الجهل وقلة أو ً
اللتزام ،فكان تعليم الناس أحكام الشريعة هدفًا أوليًا ،حتى يحقق المسلم معنى إسلمه .
وفي ذلك يقول المام السنوسي في إحدى الرسائل التي بعثها إلى بعض رؤساء العشائر " :وثانيًا فإنا ندعوكم بدعاية السلم من طاعة ال
ورسوله ،قال تعالى في كتابه العزيز )) :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول (( ،وقال تعالى )) :من يطع الرسول فقد أطاع
ال (( ،وقال تعالى )) :ومن يطع ال ورسوله فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقًا (( .
والطاعة هي امتثال أمر ال ورسوله من إقامة الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وأداء زكاة الموال وحج بيت ال الحرام واجتناب ما
نهى ال عنه من الكذب والغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وشهادة الزور وغير ذلك مما حرم
ال ورسوله فبذلك تنالون الخير البدي والربح السرمدي الذي ل يعتريه خسران ول يحوم حول حماه حرمان .
وقد طلب منا أناس من ذلك الطرق أن نبعث معهم بعض إخواننا يذكرون عباد ال ويعلموهم ما فرض ال ورسوله عليه ويهدوهم إلى سبيل
الرشاد ،وعزمنا على ذلك لكون هذه الوظيفة هي التي أقامنا ال عليها :ننبه الغافل ونعلم الجاهل ونرشد الضال " ]. [11
ويمكننا ملحظة عالمية الدعوة عند المام السنوسي من حرصه على إنشاء زواياه في كل مكان قدر عليه ،فأول زاوية أنشأها كانت في
الحجاز ،ثم في مصر وليبيا والجزائر والسودان الفريقي ) تشاد ومالي ( .
وهذه سمة مهمة وخاصية تنبه لها المام بسبب حياته مع القرآن الدستور العالمي ،وملحظته ضعف المسلمين في كل مكان من العالم
السلمي .
ثانيًا :من خصائص وأسس الدعوة السنوسية ما يمكن تسميته بـ ) سياسية عدم المواجهة مع التجاهات السلمية ( .
وهذا يتضح لنا جليًا من خلل عدة مواقف للمام ،مثل موقفه من الحركة المهدية ودعوتها ،وحيث بعث إليه محمد أحمد المهدي صاحب
الدعوة المهدية في السودان كتابًا فلم يرد عليه بنفي ول إثبات ،حيث ادعى المهدية ،أي أنه صاحب الدعوة في السودان ادعى أنه المهدي
المنتظر ،فلم يواجهه مع رفضه لفكره]. [12
وأيضًا عدم مواجهته الدعوة الوهابية ،مع أنها كانت ترى بطلن مبادئ المام السنوسي المتمثلة في التصوف والمعتقد السني الشعري !!
ورغم ذلك فلم يؤثر عن المام السنوسي كلمات أو ردود على تلك الطائفة]. [13
استمع إلى المام السنوسي رحمه ال يقول في إحدى رسائله ،بعد أن سئل عن خلف بعض الناس في عصمة النبياء ،فأرشدهم إلى
مراجعة كتب أهل العلم من علماء المسلمين كاليجي والشريف الجرجاني والرازي والمدي وغيرهم ،ثم قال:
" إنكم تعلمون أن مادة الخصام ليس من دأبنا ،وقد علمتم أن شأننا هو امتثال قوله صلى ال عليه وعلى آله وسلم ) :من ترك الجدال وهو
مبطل بنى ال له بيتًا في الجنة ،ومن تركه وهو محق بنى ال له بيتًا في وسطها ،ومن حسن خلقه بنى ال له بيتًا في أعلها ( .
هذا وشأن أهل ال أن يكونوا أرضًا لمن سواهم ،يحملون من الذى حملها وينتجون خيرها … وأما الخوض والجدال في المور العتقادية
فهو الطامة الكبرى والداهية الغرى " ] [14؟! .
وهذا يعطي لنا ضوءًا نفسر به انتشار الدعوة في بلد المغرب والحجاز وغيرها من أماكن الصراع الفكري .
ويجب التنبيه هنا إلى أن هذا المبدأ ل يعني تمييع القضايا كما قد يفهمه البعض ،بل هو مبدأ ينطلق من العلم الشرعي الصحيح ،واختيار
الرأي الصحيح والترجيح ،ثم بعد ذلك ل نلتفت للخلف ،فهنا الخلف ليس معوقًا للحركة وإنما هو رصيد تختار منه ما تراه صوابًا وحقًا
ثم تتجاوزه ول تقف عنده .
وأيضًا ل تقبل الدعوة البحث في المور العقائدية ،ذلك أن العقيدة أمر ل يسع الخلف فيه ،لنها متقررة ثابتة متوارثة عبر أجيال
المسلمين .
ثالثًا :من المور التي تميز هذه الدعوة عن غيرها من الدعوات في ذلك العصر هو رؤيتها الصحيحة للوضع السياسي ،ولذا نراها ل تواجه
الخلفة العثمانية ،وتعتقد صحتها ،وإن كان هناك بعض الملحظات من أهمها الضعف الديني وعدم استيفاء بعض الشروط كشرطية
القرشية في الخليفة ،ولم توجه حربتها إلى صدر الخلفة .
هذا في حين نجد أن الدعوة الوهابية قد حملت السلح في وجه دولة الخلفة ،والحركة المهدية لم تعتبر ولم تقم للخلفة وزنًا .
وهذا يفسر لنا سبب رضا الدولة العثمانية للحركة السنوسية ،فقد أصدرت الدولة العثمانية مراسيم تبين فيها رضاها عن الحركة وتقر فيها
أوقاف الحركة وزواياها وتوصي بدعمها ]. [15
يقول د .الدجاني " :وفي رأينا أن ابن السنوسي مع إيمانه بأحقية القرشي بالخلفة لم ير إثارة موضوع الخلفة ،لنه رأى أن من غير
المناسب وليس من مصلحة المسلمين إثارة هذا الخلف حول الخلفة ،ولذلك ركز تفكيره على جوانب الصلح الخرى "]. [16
وفي المقابل نرى المام السنوسي يعد ويستعد للمواجهة مع الدول الغربية التي احتلت الجزائر في تلك الفترة ،فوجه اهتمامه إليها .
فل شك أنه قد تأثر بهذا الحدث في العالم السلمي ،فلم يستطع السكوت فيما بعد ،فكان يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل ال ضد النصارى
والكفار ،وهذا أمر شعر به الفرنسيون وتنبهوا له ،فيقول الرحالة الفرنسي وفرير في ذلك:
" إن السنوسية هي المسؤولة عن جميع أعمال المقاومة التي قامت ضد فرنا في الجزائر " ،إلى أن يقول:
" إن الحقيقة التي يجب أن ل نغفل عنها أو نتغافلها هي أن الطريقة السنوسية أخطر أعداء نفوذنا -أي الفرنسيين -في شمالي أفريقيا وفي
السنغال ،وأنها العقبة الكأداء في سبيل توسعنا السياسي والقتصادي داخل إفريقيا " .
وهذا جعل الحكومة الفرنسية تومي إلى الدولة العثمانية بأن الحركة السنوسية تدعو إلى إضعاف الدولة العثمانية مما أثار شكوك الدولة
العثمانية ،لكن تبين من خلل من أرسلته إليهم كذب الحكومة الفرنسية فلم تعبأ بها ]. [17
وفي هذا إشارات ودلئل للمسلم المعاصر أن ل يغفل عن عدوه الحقيقي ،وأن يكون ذا نظر ثاقب للمور ،يحلل بميزان السلم الطرق
والوسائل التي يتعامل بها مع الخرين .
وكم جر على الحركات السلمية من مآسي جهلها بعدوها الحقيقي والفعلي !! فتراها تهاجم في غير عدو وتقاتل في غير مقتل ]!! [18
فليست الحركة السنوسية إذًا مجرد حركة صوفية خرافية !! كما يقول بعض السذج ،وإنما هي تربية وجهاد وعلم وعمل ومصحف وسيف
وفكر وحركة .
رابعًا :ومن آراء السيد محمد بن علي السنوسي البارزة هي دعوته إلى العمل بالكتاب والسنة في المجال الفقهي ،ورفضه للتقليد الذي أوجبه
المتأخرون وحملوا الناس عليه وأغلقوا باب الجتهاد !!
وهذا ل يعني رفض الجتهادات التي جاء بها الئمة الربعة واستقر عليها عمل المة قرونًا ودهورًا ،وإنما هو نظر واستدلل والوقوف مع
الدليل واتباعه إذا تبين لنا مخالفته للمذهب .
ومع هذا فقد كان المام السنوسي يفتي بمذهب المام مالك مع ادعائه الجتهاد ] ، [19وذلك لن المسلمين في بلد المغرب السلمي ) من
ليبيا إلى الندلس المسلوب أعاده ال دار إسلم ( كلها تدين ال سبحانه بعقيدة الشعري وفقه المام مالك رحمهم ال تعالى .
فهو يرفض القول بإقفال باب الجتهاد ،ولكن ل يعني هذا أنه يولج بل شروط ول ضوابط -كما نرى بعض الناس يفعل .
وإنما هو يدعو من استكمل آلة البحث والنظر إلى إبداء الرأي وعدم الوقوف على أقوال السابقين .
وهذا الرأي طرحه المام السنوسي بشكل واضح في كتابه المسمى بـ ) إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ( .
وقد طبق المام رأيه هذا في كتابه :بغية المقاصد في خلصة المراصد ،حيث ذكر فيه المسائل التي خالف فيها مذهب المالكية .
وفي الحقيقة ليس من ضير على من بلغ رتبة النظر والرأي أن يجتهد في المسائل الفقهية ،وإنما الضير والحرج والخطأ في تسّور بعض
من ل يفهم من الذين لم يبلغوا رتبة من العلم هذا الباب ،ورفضهم آراء من سبق من العلماء !!
وقد ظن بعض الباحثين بأن هذه الفكرة تسربت إلى المام السنوسي جراء تأثره بالدعوة الوهابية ،وهذا ليس لزمًا ،فإن من علماء المغرب
من كان يدعو إلى هذا المنهج الفقهي ،مثل المام محمد بن ناصر الدين الدرعي الذي وصف بأنه مجدد المغرب وأنه أحيا السنة بالمغرب .
وهذه الدعوة من المام السنوسي كان لها أثر إيجابي في سيره العلمي ،فقام بإقراء كتب الحديث الشريف فأحيا علوم السناد ،كما ترى في
مصنفاته ذلك ،وألف مقدمة لدارسي موطأ المام مالك ،وهذا أمر يحمد عليه رضي ال عنه .
خامسًا :ومن الخصائص التي امتازت بها الحركة السنوسية هي الربانية المتمثلة في الطريقة الصوفية السائرة على منهج الكتاب والسنة .
ل من فكر المام السنوسي والدعوة السنوسية ،فالمام السنوسي هو أحد المتحققين في هذا الباب ،وله فيه
حيث تحتل الصوفية النقية مح ً
عدة مصنفات ،من أهمها ) السلسبيل المعين في الطرائق الربعين ( .
فالطريقة الصوفية هي وسيلة للترقي بالنفس وتهذيبها ومعالجتها من شهواتها الفاسدة ،وتطويعها ل سبحانه .
" وبعد ،أخي فالمطلوب منا جميعًا إقامة ما خلقنا لجله من العكوف على التزام محققات العبودية واجتناب دواهي منازعات الربوبية ،
بتعمير ظواهرنا بالدب على متابعة أفعال وأقوال عبده وصفيه النور صلى ال عليه وعلى آله وسلم ،وذلك بتعمير بواطننا بمراقبته تعالى
في جميع حركاتنا وسكناتنا بحيث ل نفعل ول نقول إل ما نعلم أنه يرضى عنه ،وندع كل ما سواه ،ونخلص ذينك من شوائب الكدار
وملحظات الغيار بحيث يكون نصب العين في كل مشهد بكل ما يرى ويشهد " ]. [20
ل:
ثم يبين طريقة ذلك قائ ً
" ول سبيل إلى ذلك السبيل إل بالدخول من باب العلم الشرعي من حديث وتفسير وفقه على الوجه الكمل الذي كان عليه السلف وورثه
عنهم الخلف ،وهي طريقة الكمل من البرهان والعيان ،وهي أفضل الطريقتين وأكمل المنزلتين .
وبالدخول من باب المجاهدة وارتكاب مشاق المكابدة بمخالفة النفوس وإذاقة البؤس وملزمة الذكار آناء الليل وأطراف النهار حتى تنقدح
النوار في قلب الذاكر فيستنير به الباطن والظاهر ،من باب أن النور إذا دخل القلب انشرح وانفسح ،قيل :وهل لذلك علمة يا رسول ال ؟
قال :التجافي عن دار الغرور والنابة إلى دار الخلود والستعداد إلى الموت قبل نزول الفوت .
ل إل
فيستفيد العلوم منه به إليه ،ويستغني عن العالم في كل ما يؤول أمره إليه من باب )) اتقوا ال ويعلمكم ال (( ،وما اتخذ ال وليًا جاه ً
علمه ،وليس العلم بكثرة الرواية ،إنما هو نور يضعه ال في قلب من شاء " ]. [21
" ولنذكر وجهًا مختصرًا في تدريج المريد في مراتب السلوك فنقول بعون ال وتوفيقه:
يتعين عليه بعد تصحيح عقيدته بميزان اعتدال أهل السنة والجماعة كثر ال سوادهم وأدام إمدادهم أن ل يقدم على فعل شيء حتى يعلم حكم
ال فيه ،فيتعلم ما يحتاج إليه من المسائل الفقهية المتعلقة بظاهر البدن على مذهب من المذاهب الربعة ،ثم يتوجه إلى تزكية النفس وتهذيب
الخلق وتصفية القلب وتنقية السر ،لن ذلك من المهمات المطلوبة شرعًا .
ومن أسباب حصولها :طيب المطعم ،فإن من أكل حرامًا فعله في ظاهره أو باطنه ل محالة .
ومن أسباب سماع أحاديث الترغيب والترهيب وحكايات الشيوخ في مجاهداتهم وشريف معاملتهم ،فإنها جند من جنود ال كما يشير إلى
ذلك قوله تعالى )) :وكل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك (( …" ]. [22
ولذا نجد المام السنوسي ينكر على من يخالف الكتاب والسنة من الصوفية ،من ذلك أنه أثناء مرضه بالحمى في سيوة سمع صيحة عند
الغروب ،فقال :ما هذا الحس ؟ فقيل له :هؤلء درقاوية ،فقال لهم :يحرفون لفظ الجللة ،يقولون :ل إلها إيلء ال ،يمدون الهاء من إله
ويولدون ياءين همزة الولى ويأتون همزة الستفهام قبل الجللة !! ثم قال لهم :سيدي العربي الدرقاوي عند قرب وفاته جمع تلمذته وقال
لهم :ما وافق الكتاب والسنة من طريقتنا هذه فخذوه ،وما خالفها فاتركوه ،ما كانت أفعله في حالة الجذب ل تفعلوه … ثم قال :لي شيء
نأمرك بقراءة النحو ؟! لصلح ألسنتكم لكتاب ال وحديث الرسول صلى ال عليه وعلى آله وسلم]. [23
وهذا يؤيد ما قاله السيد أحمد الشريف أن مبنى هذه الطريقة على متابعة السنة في القوال والفعال والحوال والشتغال بالصلة على النبي
صلى ال عليه وعلى آله وسلم في عموم الوقات ].[24
وكان السيد السنوسي يأمر سالكي سبيل هذه الطريقة بقراءة صحيح البخاري والموطأ وبلوغ المرام في الحديث ورسالة ابن أبي زيد
القيرواني في الفقه والرسائل السبع في التصوف]. [25
فمن هذا يتبين لنا أن طريقة السيد السنوسي ليست كغيرها ،فهي صوفية ،ولكنها صوفية من نوع آخر .
وتجدر الشارة هنا إلى أن أوراد السادة السنوسية هي أوراد سنية ،وبعضها متلقى عن بعض الولياء ،وليس في ذلك حرج كما ذكر ذلك
المام زروق في قواعد التصوف والمام الغزالي في الحياء ]. [26
وأضيف هنا ملحظة هامة هي أن السيد السنوسي كان قد اختار لتباعه أشياء تميزهم عن غيرهم ،فأول هذه الشياء كونهم علماء باحثين ،
وثانيها رقة قلوبهم وتصفية نفوسهم ،وأطلق عليهم تسمية خاصة بهم هي :الخوان السنوسيين ،اسمتدادًا من قوله تعالى )) :إنما المؤمنون
إخوة (( .
" اختار المام السيد محمد بن علي السنوسي لتباعه في كل قطر تسمية كانت غاية في السمو الذي يربط بين مجموعة التباع روحًا ومعنى
وهي الخوان ،وكان من بينهم المراكشي والجزائري والتونسي والليبي والمصري والسوداني والحجازي واليمني والحبشي والهندي
والتركي والشامي إلى غير ذلك من مختلف الجناس واللغات" ]. [27
وفي هذا ما فيه من إعلن التميز والوحدة ،التميز عن العامة من الناس ،والوحدة الدينية بين المسلمين أتباع الدين ،وال أعلم .
"..ولكن الخطر المحتمل يأتي من أن الدعوة في أعوام غياب التخطيط قد تتحول إلى مجرد حركة مثقفين مدنية تهمل العامل والفلح ،
فتنصب العناية على المدارس والجامعات وطوائف الخريجين ،لما لهم من استعداد للمباحث الفكرية ،ول يكون ثمة نزول لمستوى العامل
والفلح ورعاية مشاكلهم وتبني حلولها …"][28
فإن من الخطأ الجسيم أن توجد الفكرة ولكن ل تطبق ،أو يوجد المبدأ ولكن ل يوجد من يعمل به .
والطار التنظيمي الذي طرحه المام السنوسي يمثل القمة في تكتيك العمل في تلك المرحلة من تاريخ المة ،فاق فيه الحركات التي ظهرت
في وقته ،ولكنها لم تتخذ الوسيلة الصحيحة للعمل .
فالزاوية السنوسية كانت إطارًا عمليًا لنشر الدعوة بين المسلمين في زمن لم يعرف المسلمون فيه بعد ما يسمى بعلوم الدارة الحديثة
والتخطيط وغير ذلك .
يقول د .الدجاني:
"لكي يحقق ابن السنوسي هدفه أوجد نظامه الذي اشتهر باسمه وأشرف بنفسه على سير العمل فيه ،وهكذا فإنه قرن فكرته بالتطبيق
العملي ،وجمع بين كونه العقل المفكر للحركة واليد التي تنفذ ما يخططه العقل ،وقد ساعد هذا الجمع على إنجاح الحركة حيث خلصها من
متاعب ازدواج القيادتين الفكرية والعملية التي نراها في كثير من الحركات الخرى " ]. [29
وهذا هو معنى القدوة الصالحة في السلم ،فل انفصال بين العلم والعمل )) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس
ل (( .
نز ً
ل ظنّ من يتوهم عدم وجوب شرط القدوة لمن يشتغل في مراكز الدعوة التي ليس فيها توجيه تربوي مباشر ،فالبعض يفصل بين ) وباط ٌ
المربين من الدعاة وغيرهم ممن ينفذون العمال التي يتطلبها شمول الدعوة ،لكن تحليل الظاهرة التربوية ينفي ذلك ،فإنهم جزء مرئي من
هذه الدعوة ،يقلده الجدد والنصار ،ولسان ناطق يسمعه هؤلء فيتأثرون به ،ولذلك لم يفهم السلف فصل وظيفة رجل الدولة السلمية عن
التعليم والتربية ،وكانوا يرون أنه رجل تربية أيضًا (]. [30
ل إلى أن فكرة الزوايا كانت موجودة في العالم السلمي قبل ظهور الحركة السنوسية ،حيث كانت الزاوية هي المكان ل بد من الشارة أو ً
الذي يتجمع فيها الصوفية ،ويجلسون فيها يتلون أورادهم وصلواتهم الخاصة بهم ،ولم تكن وظيفة الزاوية إل كمركز للذكر فقط ،ولم
تتطور لتؤدي دورًا آخر إل في عهد المام السنوسي .
فأخذ المام السنوسي هذا النظام وجعله منطلقًا للحركة ،فأضفى عليها الصبغة العلمية .
" والزاوية في الحقيقة إنما هي بيت من بيوت ال ومسجد من مساجده ،والزاوية إذا حلت بمحل نزلت فيه الرحمة وتعمر بها البلد ويحصل
بها النفع لهل الحاضرة والباد ،ولنها ما أسست إل لقراءة القرآن ولنشر شريعة أفضل ولد عدنان " ]. [31
فمن خلل هذا النص ندرك أن الزاوية تجمع إلى الذكر والترقي بالنفس وتطهيرها دراسة علوم الشريعة ونشرها .
وأيضًا هي محل عمران ينتفع به الناس ،فتحل مشاكل الناس والنزاعات التي كانت تقوم بين مختلف القبائل والعشائر .
وأنقل هنا صورة مصغرة عن اللوائح التي تنظم الزاوية السنوسية كما ذكرها صاحب كتاب السنوسي الكبير:
] ) (1وتبنى الزاوية على قطعة مختارة من الرض بالتفاق مع القبيلة أو القبائل صاحبة الشأن ،وعادة تكون على ربوة عالية تشرف على
ما حولها ويتوخى فيها المناخ الصحي .
ل عن السلطة الروحية ريثما يتم تعيين الشيخ ،وتعتبر ويمثل السلطة الروحية العليا في هذا التفاق شيخ الزاوية المقرر إنشاؤها أو وكي ً
قطعة الرض التي بنيت فوقهما الزاوية والمساحة المتفق عليها من جهاتها الربعة وقفًا [ .
وفي هذا ضمان اقتصادي للزاوية ،فل يستطيع أحد أخذها ،ويسري عليها حكم البدية بإذن ال سبحانه .
] ) (2تقوم القبيلة أو القبائل صاحبة الشأن بتكاليف بناء المسجد والمدرسة وبيت الشيخ .
) (3الحرم المتفق على تخطيطه حول الزاوية يكون حرمًا آمنًا لمن دخله واستجار به ،ول يجوز أن يطلق داخله الرصاص أو يشهر السلح
ل أو الخصام ،كما يمنع فيه رعاية الحيوانات .
،وكذلك المشاجرة وإعلء الصوت بالغناء مث ً
) (4يقوم أفراد القبيلة بتقديم عمل يوم واحد خدمة للزاوية أثناء بناءها وفي موسم الحرث والحصاد .
) (5يتألف كساء شيخ الزاوية سنويًا من عشر بدل ،وتتكون البدلة من قميص وسروال وغطاء رأس وحذاء ،شريطة أن ل يكون منها
حرير أو جوخ ،وكذلك حرامين صيفي ومثلهما شتوي وبرنس .
) (6لشيخ الزاوية الحق في تعيين معلم الصبيان والمنادي للصلة ) المؤذن ( وعدد من الخدم والعمال حسب مقتضيات الضرورة ،وتكون
نفقاتهم وأجورهم من موارد الزاوية .
) (7من واجبات شيخ الزاوية إحضار الطعام الكافئ لعشرة أشخاص يوميًا في موعدي الغذاء والعشاء ،وذلك باسم الضيوف المتمل
مجيؤهم للزاوية ،فإن نقص هذا العدد فعلى شيخ الزاوية أن يكمل العدد من الفقراء ومجاوري الزاوية ،وإذا تجاوز الضيوف هذا العدد
فعليه إحضار ما يكفي في وقته ،ول يتجاوز الطعام نوعًا واحدًا إل في الحالت الخاصة .
) (8إذا تجاوز عدد الضيوف خمسة أشخاص ورأى الشيخ أن ينحر لهم فله ذلك .
) (9لشيخ الزاوية الحق في أن يختص بالعشر من محصولت الزاوية وذلك للنفاق منها في حالته الخاصة وفيما يترتب عليه لقاربه الذين
ل حق لهم من موارد الزاوية .
) (10على الشيخ أن يحتفظ بما يكفي لنفقاتها سنويًا من مجموع الواردات وإرسال الباقي منها إلى المركز الرئيسي .
) (11ل حق لشيخ الزاوية أن يضيف أقاربه على حساب الزاوية ،وتفاديًا لضيق ذات يده فقد منح عشر الوارادت كما ذكرنا ،ويسمح له
بامتلك المواشي وتعاطي الزراعة لحسابه الخاص ،كي يواجه بذلك نفقاته الخاصة التي ل حق له في أخذها من أموال الزاوية ،وله الحق
في أن ينحر لنفسه وزوجته الولى وأولده منها شاتين أسبوعيًا .
) (12للعمال وخدم الزاوية الحق في أكل اللحم كل يوم جمعة من السبوع .
) (13لكل زاوية حدود تفصل بينها وبين الزاوية المتاخمة لها ،ول يجوز لشيخ الزاوية أن يتعدى هذه الحدود .
) (14على شيوخ الزوايا أن يجتمعوا سنويًا ،كلهم أو بعضهم ،إذا ما رأوا وجوب ذلك .
وعليهم أن يتشاوروا في تحديد موعد الجتماع ومكانه إن لم يكن أحد شيوخ الزوايا هو الداعي لعقد الجتماع .
) (15إذا التجأ شخص أو أشخاص إلى إحدى الزوايا لسبب ما فعلى الزاوية والحالة هذه حمايته والسعي لزالة السبب الذي دفعه لللتجاء
بموجب نصوص الشريعة أو ما يتفق عليه من العرف والتقاليد المتبعة .
)(16تتكون موارد الزاوية من الزراعة وتنمية المواشي والهبات الخيرية والزكاة الشرعية [ ]. [32
ل إلى السلطات العليا عن جميع أعماله ومقترحاته وما قام أو ينوي القيام به .
هذا ويقدم شيخ الزاوية في نهاية كل سنة تقريرًا مفص ً
كما يقوم شيخ الزاوية من فترة لخرى بزيارة المركز الرئيسي .
فتلحظ في هذا النظام المحكم أن الحركة من خلله وعن طريقه كانت منظمة ،ولم تكن عشوائية غوغائية !!
وقد كان المام السنوسي حريصًا على فتح المراكز ) الزوايا السنوسية ( في كل مكان تحل فيه ،لما فيها من تحقيق للهدف السلمي .
ومن خلل النص السابق نستطيع أن نتفهم حقيقة الزاوية وأنها مركز دعوي قائم بذاته ،له موارده المالية المتمثلة في الحصاد الزراعي
والتجارة وغير ذلك ،وله قيادة علمية هي شيخ الزاوية المعين من قبل المام ،وله ترتيب معين وطريقة في التصال بالمسؤول العلى ،
وهكذا ..
وقد أفادت الحركة السنوسية من الزوايا التي أنشأتها ،حيث جعلت منها بعد ذلك مركزًا للجهاد ضد الحتلل الذي قام به العدو الكافر ،
ل تبدأ من الزاوية .
سواء اليطالي أو الفرنسي أو غيره ،فكانت مواجهة العدو اليطالي مث ً
وهناك ملحظة هامة وهي التميز في الموقع الذي تختار فيه الزاوية للبناء عليه ،يقول الدكتور الدجاني في ذلك:
"ويتميز موقع الزاوية بدقة الختيار ،فهي تبنى في غالب الحيان على ربوة عالية مشرفة على ما حولها ،ويتوخى في اختيار الموقع
المناخ الصحي والفوائد القتصادية والمركز الستراتيجي " ]. [33
وإذا استعرضنا وصف زاوية الجغبوب لوجدناها تحمل المواصفات المذكورة وزيادة ]. [34
خاتمة
ل شك أن لكل دعوة في الدنيا عقبات وصعاب تواجها ،فإما أن تصمد أمامها وتسيرها ،أو أنها تستسلم وتسقط أمام هذه العقبة ،وهذه سنة
ال تعالى التي ل تتغير ول تتبدل في هذه الدنيا )) ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (( .
والحركة السنوسية استمرت بعد وفاة المام السنوسي وخلفه السيد محمد المهدي وقام بأعباء الحركة .
إل أن الواقع العالمي والحداث الدولية قد تغيرت ،وأهم هذه الحداث هي سقوط الخلفة العثمانية ،الذي كان فاجعة للمسلمين ول يزال إلى
يومنا هذا .
وحدث آخر هو ظهور التقدم المدني في أوروبا أو ما يسمى بالثورة الصناعية الكبرى .
واستطاعت الحركة السنوسية أن تقوم بالجهاد على المدى الطويل مع الحتلل اليطالي في ليبيا والفرنسي في الجزائر والسباني في بلد
المغرب .
إل أن فكر الحركة لم يستطع أن يواكب حدث سقوط الخلفة ،الذي يوجب ظهور معان أخرى وأهداف مختلفة للحركة .
ولكن كان المر أكبر من هذه الحركة ،فرجالتها الكبار قد استشهد أغلبهم مما أوجد فراغًا في القيادة .
وأثرت بعض المفاهيم غير الصحيحة على عوام الناس ،مثل أن السيد السنوسي لم يمت لنه المهدي المنتظر !! وأنه ل يسعنا إل
انتظاره !!
وبعد ذهاب الستعمار العسكري فرخ وراءه استعمارًا فكريًا بسبب انبهار المسلمين في تلك الحقبة بالغرب ،سواء مدنيًا أو عسكريًا أو غير
ذلك ،مما أوجد انحرافًا من داخل جسم المة ،عجزت معه الحركة السنوسية الضخمة عن المواجهة .
وانحصر عمل السنوسية على الجانب الديني فقط ،فبنيت الجامعة السلمية بالبيضاء ) إحدى مدن برقة ( ،ولكن كانت مؤامرة قد حيكت
بليل ليجاد الفكر الشتراكي القومي الناتج من الفكر الشيوعي الشرقي سابقًا ،وجعله البديل في المنطقة ،وكانت الثورة الليبية الضربة
القاضية على مسيرة الحركة السنوسية ،بما ل تسع هذه الورقات لتفصيله .
وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ،تأليف :المام محمد بن علي السنوسي ،ط دار القلم 1986م .
معهد المارات التعليمي www.uae.ii5ii.com
الحركة السنوسية ،تأليف :د .أحمد صدقي الدجاني ) رسالة ماجستير ( ،الطبعةالثانية 1988م بدون دار نشر .
السلسبيل المعين في الطرائق الربعين ،تأليف :المام محمد بن علي السنوسي ،ط المملكة الليبية .
السنوسي الكبير ،تأليف :محمد الطيب بن إدريس الشهب ،الطبعة الولى بدون تاريخ ،القاهرة .
مجموعة أحزاب وأوراد طريقة السادة السنوسية ،طبع على نفقة السيد عبد ال عابد السنوسي 1969 ،م
مجموعة رسائل المام الشهيد حسن البنا ،ط دار الطباعة والنشر والتوزيع السلمي ،القاهرة 1992م .
مقدمة موطأ المام مالك ،تأليف :المام محمد بن علي السنوسي ،الطبعة الولى 1968م المملكة الليبية .
المسار ،لمحمد أحمد الراشد ،دار المنطلق ،المارات 1989 ،م ،الطبعة الثانية .
المنطلق ،لمحمد أحمد الراشد ،ط دار الرسالة 1991 ،م الخامسة عشرة .