Professional Documents
Culture Documents
حاره النصاري
حاره النصاري
حاره النصاري
أحيانا نتعامل مع ذكرياتنا التي تغتصب لنفسها مقاعد في أوجه الطفولة والصبى بشيء من
التجاهل والتناسى… ولكنى الن أطرى على … أطرى على كامل ذكرياتي … أرى نفسي مهتما
بل ومسؤول عن حتمية الوقوف على ذكرياتنا التى دائما تفقأ عين حضور الواقع .
تنهال على الن كل الذكريات … لم أجترها … ولكن قررت فجأة السفر بأخر قطار للحق
بعرس اللحظات الخوالي التي أستدعيها الن ول أعرف منها سوى طعم الذكرى … مرقت
بصعوبة وسط الزحام من الباب العالي الحديدي – الذي دائما ما يكون في انتظاري في مثل هذه
الثناء – باب محطة القطار الذي ما يزال مفتوحا على مصراعيه … لم أكترث ل بقليل ول
بكثير أثناء حركتي تجاه العربة التي ستقلنى إلى قريتي قرية " ………………" إلى قدس
أقداس الرصيد الذهبي من عمر أحزاني ….أفراحي…… .خواطري ……أينائي … ..أبنائي
الذين يفترشون جدار القلب تحت ملءات العرى الصاخب -الكثر صخبا من قريتي – بقرة
عيني في ليلة باردة … .أبنائي الذين ساهم في وجودهم طقس القرية ….جهل القرية … .وحدة
اللائتلف في حارتي …".حارة النصارى" .
على مسافة تقرب من خمسة وعشرين كيلو مترا غرب القاهرة تقع قريتي كلما كانت تقع عيناي
بسرعة ذلك القطار الذي أقله سنويا كثيرا -بحثا عن الرطوبة مرة وعن الهدوء مرة وعن
الجذور والهوية مرات ومرات – على المنازل المتراصة بعشوائيتها المنتظمة التي دائما تنبئ عن
أهلي وتشير إلى دوران الرحى في أنسجة مخيلتي ولكن بغير اتجاه .
دائما كنت أرى لعبي في أكوام الرمال … ..وفى الطين الذي نشكله حسب رغباتنا التي نستقيها
من سقف أحلم جنتنا … كنا نصنع حيوانات معلومة وأخرى خرافية ومن كان يحلم بالمدنية كان
يصنعها … .السيارة ….وهذه السفينة التي ل يحصل على مقعد فيها سوى خيرة أهل القرية
" الحجيج" كنا نلعب ول نعرف فروقا للواننا … لم توقفنا مرة نظرتنا في أعين كل منا للخر
… .لم يدخل قاموسنا …".الصح والغلط " ….لم ننجح بعد إل في الوحدة والفرح ….حتى الن
لم تكن قد اجتاحتني حمى السئلة المرهونة بإجابات تكبرني أو ليست في يدي … .ولكن شئ
واحد كان يثير انتباهي وفضولي في آن ….كنت أرى رجل يعد منتصف الليل بكثير يركب
حماره ويحمل فانوسا موقد بشمعة شحيحة …يعلق طبلته المستديرة متدلية على صدره …يدقها
قائل " سحور …سحور " وفجأة أجد الحياة قد عادت الى طبيعتها في بيتنا بعد سكون طويل …
فأتراقص فرحا لني سآكل للمرة الرابعة خلل اليوم بدون تحفظ من أهلي !!
سريعا ما تمر الشهر وفى شهر من أشهر الشتاء ألحظ انتشار القصب بطريقة لفتة للنظر في
الكثير من المحلت والعديد من البيوت وكنا نشترى " حزمة " ونقطعها إلى " عقل " صغيرة وبعد
المغرب نجتمع لنقشرها ونرتشف عصارتها اللذيذة والسكرية وعلمت من بعض الناس قد سمعتهم
يهنئون بعضهم بموسم الغطاس !! .
-1-
حارة النصارى
لم أكن أدرك ما هو الغطاس … أو ماذا يعنى ؟ ….لكنني كنت أنتظره كل عام …… .لكل
القصب فقط !!!
وعلى الرغم من امتلء قريتي بالتناقضات المعمارية والدينية والخلقية والعرافية …إل إنني لم
ألحظ يوما ما أنني أشعر بهذا التناقض يخترقنى مثلما يخترقنى التناقض المعماري بين دوارنا
ودوار " عم فوزي " والد " مجدي " … مجدي … ما زلت أذكرك يا مفتاحي ومفتاح كياني على
ذاتي … ما زلت أذكر أنك مستصغر الشرر الذي قد أوقد نار جحيم السئلة في عقلي … يا من
بوجوده العفوي …قد أيقظ كل مهارات العين على استنباط التناغم المصطنع في أنفس حارتنا .
ترصد عينى الن هذى البيوت التى يعلوها الصليب الطينى على جدرانها يلصقها بيوت أخرى قد
انتشرت عليها السفن والبواخر التى تعلن عن مشاركة أحد أفرادها في عملية الحج … ترصد
الن عينى عبارات طبعت بداخلى ولم اكن اعرف لها مكنون أو مردود … ترصد عيناي الن
" ال محبة " فباب للدار الذى يليه فـ " حج مبرور وذنب مغفور " على الجدار الخر المكسو
باللون الخضر ….والمنازل التى لم يشارك أفرادها بالحج تعلو جدرانها " ال أكبر " ………
…
" ل اله إل ال " وحتى الن كان كل ما يمكن أن أؤمن به أنها تجميل لشكال بيوتنا … حتى الن
لم أكن أدرك أن هناك دوافع لهذه الكتابات أو لهذا السعف المجدول ولهذه الصلبان الطينية ……
……
الشئ الوحيد المشترك بين كل هذه البيوت القديم منها والحديث هو تعليق فانوس كبير على باب
كل دار " لمبة نمرة عشرة " يتم إشعاله عند حلول الظلم فتجد الحارة كلها قد أضاءت .
لزلت حتى الن أذكر كيف كانت بنات حارتنا " حارة النصارى " التائهة بين خضم الحارات التى
تشتهر بها قريتى تستيقظ يوميا بعد ساعات العصر وبدء إشعال اللمبات ملبية للنداء السحري
المدوي بها " يا مغرفتنا يا منقرشة قومى سامية من ع العشا " وهذا هو نداء قائدة حركة اللعب
الجماعى لبنات القرية …… زلزال من الفراح ل يعرفن سره … هرولة بالحارة مارين
بالزروع وصول الى شجرة الجميز المعهودة .
هات هن بنات الحارة جاءوا من منازلهم تشدهم بهجة اللعب سويا …… كانت ألعابهن مألوفة …
محفوظة … مرتبة … بمجرد سماعهن النداء يخرجن حتى يكتمل عددهن الذى غالبا ل يقل عن
عشرة فتيات … بينما الولد يلعبون ألعابهم الخشنة العنيفة مثل سباقات الجرى( ولعبة الشجاعة
ونطة النجليز ) …… ولم يكن لديهم طقوسا في تجمعهم أو في ترتيب ألعابهم بعكس هاته
الفتيات ………
………………………… وعند سماعى لهذا النداء انطلقت مندفعا نحو الولد في طريقنا
الى مكان اللعب وكانت أولى صداماتى في الحياة هو منعى من اللعب معهم بدعوى أنى صغير
-2-
حارة النصارى
السن …… فذهبت اجر ذيل جلبابي "المقلم " الخشن حافى القدمين …… بى شعور يصعب
على تحديده في هذه السن أو التعبير عنه ولكن من الجائز أنه كانت تعلو جبهتى امتعاضه أو
"تكشيره" ل يذهبها سوى حبات الراحة التى سرعان ما تنفرط على صدرى عند وصولى الى
اختى في مكان تجمع الفتيات وأجلس عند الشجرة أرقبهم وليس هذا فقط بل قد صنعوا لى دورا
خاصا بى على عكس برود النفور الذى واجهته مع الولد فها هم يسلمونني أحذيتهن أعهدها
برعايتي وبعد النتهاء من اللعب أعطى كل واحدة منهن حذائها … وكنت أتقاضى نظير هذا
العمل بعض من الحلوى تليق بمتعهد مثلى !!!!!
وكم كانت سعادتي لحساسي بقيامي بدور في هذا العمل الجماعى " اللعب " …حتى انهم كانوا إذا
تأخرت ينتظرونني …… ويسألونها عن " حارس الحذية " !!
تتتالى على الفصول والسنوات …… ألحقتى والدي في الرابعة من العمر بالكتاب الذى كان
بمثابة الحضانة …… أبهجتني فكرة دخول الكتاب إذ كان تجمع كبير لكل الولد …… أولد
الحارة … كما أنني بدأت أتعلم القراءة قيل دخولى المدرسة … ولكن الشئ الغريب في الكتاب
أننى فوجئت بعدم وجود زملئي جميعا أصدقاء اللعب فكنت أسألهم بعد خروجي …… ورحت
أسأل مجدى :
وذات يوم قررت أن أسأل والدى صاحب كنوز الجابات لكل أسئلتي المحيرة ……
" ضاحكا " ازاى يروح الكتاب ؟! ده " نصراني " ـ
عندها تملكنى الضيق …… إذ أحسست أن هناك شئ قوى سيحول بينى وبين صديقى طوال فترة
الكتاب .
سأحرم من قاموس البتكارات في ألعابنا …… فمجدي هو صاحب أكبر العاب جديدة لم نـألفها
من قبل … صاحب أكبر إحساس ل أعلمه … ولكن ما أعلمه جيدا هو أننى أحب أن أظل
بجواره فترات طويلة …أحبه .
-3-
حارة النصارى
وكنت في بعض الوقـات أشعر بالغـيرة من كونه صاحب أفكـارا جديدة في اللعـب فسرعان
ما سألته :
مجدى ازاى انت اتعلمت كل اللعاب دى فين ومين اللى علمها لك ؟ ـ
المدرس بتاعنا في مدارس الحد … ولو عايز تتعلم تعالى معايا وهو يعلمك . ـ
تقافزت في الهواء سعادة وفرحا وأسرعت في طريقى الى المنزل قاطعا الحارة بأقصى سرعة
مندفعا من الباب الخشبى الذى يتوسط جدار المنزل من الخارج وهرعت بطول المسافة بصحن
الدار حتى غرفة أبى حتى اصطدمت به عند باب غرفته .
خير ؟ ـ
أنا عاوز أروح مدارس الحد مع مجدى عشان أتعلم لعب جديدة ـ
لم أشعر إل بيد والدى وهى تهوى كالمطرقة على وجهي وسالت الدماء من فمى ولم أدرى
لماذا ؟ فصرخت في ذهول وكنت أشعر أن الذى ضربنى ليس والدى فاندفعت نحوه أحتضنه
وأقول :
أحسست أننى قد تحدثت يشئ خطير يغضب منى والدى فاعتذرت وقلت :
-4-
حارة النصارى
اسكت يا عم مجدى عشان امبارح أبويا زعل منى وضربنى عشان الموضوع ده …… ـ
أنا خلص يا عم بقى مش هاينفع أروح معاك .
أذكر أننى قد قلت هذا إرضاء لوالدى فقط وتجاوبا معه ولكن كان هذا الوقت هو وقت ميلد أول
وأكبر علمة استفهام تبتلعني خصوصا بعد أن قام مجدى بالمجيء معى الى الكتاب ولم يعترض
والده على ذلك …… وأعتقد أنه كان سيظل يحضر معى دروس الكتاب اللهم أن سيدنا كان قد
قام بطرده من مجلسنا وحرم عليه دخول الكتاب مرة أخرى ………………
بدأت معاملة والدى لى يتخللها نوع من التغيير والتطوير فقادني فيما يشبه الدرس وأخذ يشرح لى
ويصرح بأشياء لم يذكرها من قبل …… فكشف لى لول مرة أن هناك ما يسمى السلم وهو
ديننا ملتنا ما نؤمن به ومسيحية وهى دين من يعرفون باسم النصارى اللى منهم عم فوزى وولده
؟
بص يابنى أنا عايزك تعرف انه ماينفعش تقول عم فوزى دى تانى …… كلمة ـ
عم دى تقدر تقولها لى حد من المسلمين ومش عايز أتكلم تانى في الموضوع ده .
وما كان منى إل أن سمعت وظللت صامتا وقمت بالذهاب الى المدرسة في الصباح بصحبة
صديقى مجدى
ذهب اليوم في متعة جديدة بالزي الجديد والتجمع الكبير لولد الحارة والحارات الخرى وبعض
الولد من القرى المجاورة .
استمتعت كثيرا بطريقة الدراسة هذه " فالمدرس " يقف أمام هذا الجمع من التلميذ الجالسين على
دكك خشبية نظيفة وتسع لثلثة مجتمعين !!! مقارنة بجلستنا في الكتاب تلك الجلسة على الحصير
بدون هذا الزى ولكن لم تختلف طريقة مدرسنا عن طريقة سيدنا في التحفيظ أبدا ول في الرعب
الذي أدخله علينا من أول لحظات هل فيها علينا .
وكان هناك وقتا لم نكن نعرف عنه من قبل أل وهو " الفسحة " فانفردت بمجدى حيث أنني لم أكن
أعرف غيره من التلميذ إذ أنني أنا ومجدى الوحيدين من الحارة الذين نتمتع بعمر يؤهلنا للذهاب
الى المدرسة وسألته :
ليه يا مجدى ماكنتوش مسلمين عشان بابا ما يزعلش منكم ؟ بأقولك إيه يا مجدى ـ
-5-
حارة النصارى
ممكن تقول لبوك يخليك تبقى مسلم عشان بابا مايزعلش منك وما يمنعنيش من اللعب
معاك تانى ؟
بس أنا أبويا ما بيزعلش منك …… ول بيقوللى ما تلعبش مع محمد عشان كده قول ـ
لبوك يخليك مسيحى أحسن !!!
حسنت الفكرة في عينى إذ أن المشكلة سوف تنفرج …… ذهبت للمنزل وببراءة الطفال ونشوة
وجود حل لمشكلتي مع مجدى فقلت لوالدى :
ممكن يابا تخلينى مسيحى ……!! عشان أبقى زى مجدى وتخلينى ألعب معاه من غير ـ
ما تبقى زعلن منى ؟
( فجأة انفع والدى خارج المنزل مسرعا نحو منزل والد مجدى وعل صوته بالحارة كلها
وهو يهدد ويتوعد …… )
( واخذ ينادى على شيوخ الحارة ليشهدهم على المعلم فوزى …… اللى بيسلط ابنه عشان
يضحك عليا و أبقى مسيحى ).
لم تقف الدنيا عند هذه المشكلة فقط فقد سببت هذه المشكلة مضاعفات ل حصر لها إضافة الى ما
كان قائما من قبل ……فازدادت كراهية المسلمين من أهل القرية لمسيحييها وازداد خوف
المسيحيين من المسلمين ومن مضايقاتهم المتزايدة …… شعرت بألم وحسرة شديدين لننى كنت
السبب في كل ذلك …… علوة على هذا……………………
فقد خسرت صديقى مجدى …… ومنعنى والدى من التعامل مع مجدى أو حتى مجرد مصافحته
كما طلب من ناظر المدرسة أن يفرق بيننا فنقل مجدى الى فصل آخر!!!…
هذا وقد بدأت الواقعة تؤثر تأثيرا مباشرا على هدوء الحارة وعلى نفوس أهلها .
كانت أول واقعة في مسلسل الحتكاك الدائم بين الفئتين تزلزل هذا الهدوء هى واقعة الحتفال
بالمولد النبوى الشريف ومن المعلوم لنا دائما أن الحتفالية ذات طابع خاص وخاصة الحتفال
الذى تقيمه الفرق والطرق السلمية المختلفة وعلى الخص الطريقة الحامدية الشاذلية الذى كان
خالى أحد أقطابها … فكانوا يطوفون القرية بالعلم الخضراء المنقوش عليها الهلل والمكتوب
عليها " ل اله إل ال " ويحملون السيوف و" السنج " رمز القوة السلمية .
-6-
حارة النصارى
كان الركب الحتفالى يجوب الشارع الرئيسى الذى يتوسط القرية ثم يقومون برفع علم الطريقة
على صاري خشبى يدقونه في أرض فضاء مقابلة لمنزل الشيخ ثم تتم الجتماعات المسائية لقراءة
الوراد حتى موعد الليلة الكبيرة
ولكن هذا العام الذى صادف ما كان من والدى ……… فقد أخذت الحتفالية طابعا آخر ……
ولول مرة يتعمد شيخ الطريقة اختراق الحارة الضيقة التى يقطنها غالبية مسيحية في ظاهرة لم
تحدث من قبل .
فيطيلون الوقوف عند منازل المسيحيين ويبدلون إنشادهم بهتافات قائلين ( ل اله إل ال ……
محمد رسول ال )
ثم أخذوا بالطرق على البواب وكان الطفال يبالغون لما لديهم من طفولية في ذلك بقذف النوافذ
بالحجارة وتمزيق سعف النخيل وتحطيم للصلبان الطينية ………… وانفردت بى بعد ذلك كل
علمات الستفهام والندهاش ثم تملكنى الخوف على صديقى وظللت أبكى بشدة وبهذا الخوف
اندفعت مخترقا الموكب وجميع الطفال بصورة ل إرادية طالبا منهم عدم قذف هذا المنزل ……
فدفعنى أحد الشيوخ وهددنى بإبلغ والدى………
ومرت الليلة طويلة …… كئيبة وأنا قلقا مضطربا …… منتظرا الصباح لطمئن عليه ……
تتقاذفني السئلة …… هل أصابه ضر ؟……………… هل اصطدم به أحد من الطفال أو
الشيوخ ؟ …… هل … هل ؟
وها قد لح الصباح وذهبت في طريقى الى المدرسة فشاهدته متجها للمدرسة ………فطرت
سعادة وتمنيت لو ذهبت لقبله وأهنئه على سلمته……… لكن منعنى عنه هذا الهلع الذى
أحاطنى به والدى وصاحبنى في طريقى للمدرسة استعراض رد فعل المسيحيين إبان الحتفال …
…… ففى هذه الثناء لم يبدر منهم سوى الهدوء …… إغلق البواب والنوافذ …… التزام
المنازل …… لماذا لم يبدر منهم رد فعل عنيف لذلك التعدى … .أهو الخوف أم الذوق الذى
وان كان فلن يكون في موضعه أبدا هكذا ……………!!
واستمر حال هذه الحتفالية منذ ذلك الحين وحتى يوم خروجى من الحارة الى القاهرة كما هو
…… وكان المسيحيون يحفظون ذلك التاريخ جيدا فيشتروا حاجيات المنزل كلها قبل هذا التاريخ
بيوم أو يومين حتى ل يضطروا الى مغادرة منازلهم في هذا اليوم ……… واستكمال لسلسلة
التناقضات أن عم فوزى أو المعلم فوزى كما يروق لوالدى أن أناديه يذهب في يومها صباحا
لوالدى مهنئا إياه
وكان والدى يرد له التحية بالفتور والتحفظ الشديدين والغيظ المستتر .
-7-
حارة النصارى
لقد احتدمت الحالة بينهم وتهديد والدى ل يزال يتردد في أصداء حارتنا كما يتردد في آذان عم
فوزى……
والن وقد مر شهر ونصف الشهر على احتفالية المولد النبوى التى كانت بمثابة شبح الذعر الذى
خيم على مسيحيي البلدة … .تدخل بعض من من نطلق عليهم عقلء الحارة في محاولة للصلح
بين والدى وعم فوزى ……كان يتردد دائما اسم الدكتور "………" وهو طبيب مسيحى يحظى
باحترام المسلمين والمسيحيين وكان مديرا للوحدة الصحية بالقرية وقد اشترك هذا الرجل مع
مقاول كبير وعضو مجلس الشعب عن دائرتنا ممن يحظون باحترام الجميع
وفى دوار العمدة وسط القرية كان لقاء والدى وعم فوزى وكنت أنا ومجدى نقف بخلفية المشهد
بعيدا عن الحداث والسعادة تغمرنا وننتظر بلهفة التصالح الذى سرعان ما سيسفر عن تلقينا بل
تحفظ .
وما أن انتهت الجلسة بالصلح حتى قفزت في صدر مجدى أحتضنه ويحتضننى في الوقت الذى
اخترقت فيه مشاعرى نظرة أبى نافذة الى دفئ صدرى …… !!
بدأت أكبر وبدأت الشياء والمعارف من حولى في عريها وبدأت تتكشف لى أشياء غير التى
أألف …… وتفقد المعارف براءتها …… ففجأة علمت أن هذا المنادى صاحب الحمار يدعى…
……….
" المسحراتى " وهو يقوم بهذا الواجب اليومى ليقاظ الناس من سباتهم للكل " السحور " تلك
الوجبة التى تقض مضجعى أثناء النوم لعسر هضمها وعلمت أن هذا يحدث في شهر اسمه
" رمضان " واجب فيه الصيام على المسلمين ورغم صغر سنى داهمنى والدى بإرغامي على
الصوم لعتاد ذلك …… في الحقيقة لم يضايقنى هذا بل كنت سعيدا جدا بهذا الشهر
فهناك العديد من الطقوس التى أتفاعل معها وأفرح بها كثيرا خاصة عندما يقترب موعد الفطار
( آذان المغرب ) إذ كنا نجتمع ثلثة أو أربع أفراد ونذهب عند أقرب مسجد قيل المغرب بنصف
الساعة وكل منا يحمل معه نوعا ما مما في منزله من الفاكهة ليأكله وبمجرد سماع صوت "
الصافرة " التى كانت تنطلق من ماكينة الغلل على مشارف القرية معلنة آذان المغرب ………
كانت لبهجة التلقى وخصوصية هذا التجمع عظيم الثر في وجدانى حتى يومنا هذا ولكن ما كان
يعكر صفو هذا الستمتاع ……… أن الطفال بعدما نأكل ونصلى المغرب يذهبون في طريق
عودتهم لمنازلهم منشدين ………
" يا فاطر رمضان يا خاسر دينك قطتنا السودا ها تقطع ديلك" أمام أبواب منازل المسيحيين.
في بادئ المر كنت أنهرهم ومع مرور الوقت أصبحت عادة ألفناها ولكن البيت الوحيد الذى ل
أجد في نفسى الرغبة في قول هذا النداء أمامه هو منزل ……… كنت أسرع وأهرول حتى
-8-
حارة النصارى
أصل للمنزل الذى يليه … نفس الشئ كان يتكرر مع السحور فكنا نلتف حول المسحراتى
وحماره ونحمل له الفانوس وهو يدق على طبلته وكالعادة كان المسحراتى مدفوعا من رجال
الحارة …… فيطيل الوقوف والنداء والدق على طبلته أمام بيوت المسيحيين فسألته :
يا عم " على " دول مسيحيين بتخبط لهم كتير ليه ؟ ـ
اسكت انت مش شغلك عاوز تخبط خبط …… مش عايز اسكت أنا عارف انهم زفت ـ
مسيحيين لكن لزم نقلق مناهم الكفرة دول !!
وتقدم البعض بشكوى للعمدة وشيخ الحارة وعضو مجلس الشعب مما يحدث لهم من إزعاج في
رمضان فكانت الجابة الذهبية
دول عيال وبيلعبوا نمنع عيالنا من اللعب يعنى عشان المسيحيين يرتاحوا ؟!!! ـ
والشئ المحزن إن والدى كان بيشجعنى مبتسما وكان بيفرح جدا لما يعرف انى كنت مع الولد .
ظلت الحياة تسير بنفس دورتها وسرعتها الرتيبة نفس الحداث نفس الفراغ نفس الحاسيس التى
ل تنمو ولترقى بدين .
فكياننا تأثر تأثرا كبيرا بهذا الهدوء الجغرافي الذى يحيط بنا في حقولنا في طريقة بناء منازلنا
فالطبيعة الطينية قد أورثتنا البرود والحصير قد أورثنا الجفاء ولهيب الشمس في الحقول علمنا
التناحر على الظل الوارف في طبيعة الفراغ .
الى أن اخترق هذا الهدوء ذلك النبأ الذى طار لنا من خلل راديو " عم إسماعيل " بأن الحرب قد
نشبت بين مصر وإسرائيل
وفى هذه الثناء كان والدى يعمل بورش الصيانة الميكانيكية بأحد جراجات القوات المسلحة ويوم
نشوب الحرب لم يعد والدى الى منزلنا ……… تركنا أنا واخوتي تنهشنا مخالب الستفسارات
تركنا لدوامات الستنتاجات المشوبة بالريبة .
لم يعد والدى في موعده المعتاد يوميا …… تأخر حتى دخل الليل علينا … كنت أسمع أصوات
القذائف المضادة للطائرات تنطلق من حولنا وصافرات النذار تنتهك جلودنا …… الطيران
السود في سماء القرية على ارتفاع منخفض وكلما اقترب الليل ازداد خوفى وهلعى وفجأة
تملكنى الرعب وعل صوتى بالبكاء ولم أكن أدرى أخوفا على والدى أم رهبة المدافع
والصواريخ وأزيز الطائرات .
-9-
حارة النصارى
كان منزل عم إسماعيل هو مركز تجمع أهالى القرية لمتابعة أخبار الحرب من خلل الراديو
الكبير والوحيد في البلدة الذى كان يملكه ……… ومضى أكثر من ثلث أيام ولم يعد والدى
…… لم يصلنا منه أى رسالة وانقطعت كل أخباره الذى صاحب انقطاع ظهور بعض المجندين
من أهل الحارة ……………..وفى خضم هذه الحداث حدث ما لم يكن يتوقعه أحد …… إذ
في اليوم الرابع جاء المعلم فوزى الى منزلنا يسأل عن والدتى :
أبدا وال ( وانسكبت الدموع من عينيها )مش عارفين ايه اللى حصل له ؟ هوه بخير ول ـ
حصل له حاجه الشر بره وبعيد .
طيب يا حاجة اهدى كده أمال …… ممكن تديني العنوان وأنا هاروح اطمن عليه ـ
بنفسى ؟
بس العنوان مش معايا …… خلص لما ييجى أحمد من بره هو عارفه … ـ
ولما عاد أحمد أخى الى الدار كتب العنوان وجاء عم فوزى وأخذ منه العنوان وانطلق … ل
ندرى الى أين ………………………!؟
وعند غروب ذلك اليوم العاشر من يونيو 1967عاد عم فوزى وهو مبتسم وعلى وجهه علمات
السرور …… وأخذ يربت على كتفى :
أمك فين يا محمد ؟ …… اطمن أبوك طيب وبخير يابنى (أسرعت والدتى من الداخل ـ
وهى تزغرد قائلة )
- 10 -
حارة النصارى
بطاقة التموين بتاعتكم أهيه ……ادهالى عشان أجيب لكم التموين بكره إن شاء ال . ـ
أحسست ساعتها اننى لم أفقد بعد كل المن بتأخير والدى عنى ولكن عندما انفرد بنفسى وكلما
يجن علي الليل تنفرد بى كل أحاسيس الخوف وفى مساء 11يونيو 1967سمعت أزيز تلك
الطيران السود يحلق في سماء غرفتى ……فصرخت صراخا عاليا …… شعرت بأنها
ستقتلنى بقذائفها على غرفتى فأسرعت خارجا ……… سمع عم فوزى صراخى ……فأتى
الى نجدتى وضمنى إليه وقال :
واستأذن والدتى في أن يصحبني الى داره لجلس مع صديقى مجدى وألعب معه حتى أهدأ .
لم أستطع إدراك دافع عم فوزى نحو هذا التصرف وخصوصا أن كل تصرفات المسيحيين معنا
في القرية لبد لها من تفسير ومردود هكذا تعودنا واعتقدت أن والدى ربما يكون قد مات الن
وهو يعلم ذلك وهو يفعل ذلك من منطق العطف على طفل يتيم ……… فسألته :
والنبى يا عم فوزى ربنا يخليك قوللى …… أبويا عايش صحيح ول مات ؟ ـ
صدقنى يا محمد صدقنى يابنى أبوك بخير وكويس ويعلم ربنا كلها يوم ول اتنين ـ
وهيرجع لكم بالسلمـة يالل يالل تعالى معـايا مش عـاوز تشوف صـاحبك مجدى ول إيه ؟
كنت قد رأيت عينى أمى وهى تدمع لقولى فدموعها لم تقدر على حجز مقعد لنفسها خلف جفونها
المنهكة والمبتلة دائما وجرت بعنف فاندفعت داخلة الى منزلنا بينما اتخذت أنا طريقى مع عم
فوزى ……………… كانت هذه هى المرة الولى التى تطأ فيها قدماى منزل مسيحيا على
الطلق وأنا ل أخفى اننى طالما راودتنى نفسى بالرغبة في استطلع ذلك المجهول الذى طالما
أخفوه وأحجبوه عنى أهلى وبيئتى …… وعند وصولى لعتبة الدار تملكنى الرعب إذ قد انصبت
في آذانى كل العبارات التى كنت أسمعها آنفا من عدم حب المسيحيين لنا وأنهم من الممكن أن
يضعوا لهم السم في الطعام أو الشراب ……… وأكد ذلك لدى أن والدتى كانت تحضر لى
الطعام بنفسها في موعد تناوله من منزلنا ……… استعرضت بعينى كل تفاصيل المنزل بداية
من الصور المعلقة وحتى أضخم قطعة أثاث ……… لقد لفت نظرى بشدة تلك المرأة الجميلة
التى تحتضن طفل بارع الجمال …… أخبرونى أن هذه المرأة هى مريم العذراء ……أما
الطفل فهو المسيح ……ثم استعرضت الجدار المقابل لجد صورة أخرى لرجل كثيف اللحية
……مسبط الشعر ويجلس على مائدة طويلة وحوله رجال كثيرين يتناولون الطعام …… قالوا
لى أن هذا الرجل هو المسيح والرجال هم اثنى عشر تلميذا " الحواريون " لقد كان البيت
المسيحى بالنسبة الى مجهول رغبت طيلة ما سبق من عمرى اكتشافه وفى نفس الوقت كنت
أخشى القتراب منه …… وها هو الن قد أصبح هذا المجهول معلوما وفى هذه الثناء بدأ
- 11 -
حارة النصارى
يتلشى خوفى تماما …… وبعد يومين من القامة هناك عاد والدى …… بعد انتهاء الحرب
……فجاء أخى يخبرنى ويطالبنى بالعودة سريعا …… لن والدى يسأل عنى وقال لى :
إن سألك كنت فين أوعى تقول انك كنت هنا . ـ
أسرعت نحو منزلى وارتميت في أحضان أبى في أحضان أمنه في دفئه الذى غاب عنى ……
قبلنى والدى كثيرا في جميع أجزاء وجهى وقال لى :
لم يعلق والدى وكأنه يفهم أننى أكذب ودخل غرفته ودار بينه بين أمى هذا الحديث :
على أخر الزمن تبعتيلى واحد مسيحى نجس يدور عليا …… هو أنا عيل صغير تايه ؟ ـ
إيه خلص مفيش ل عقل ولدين …… فوزى العضمة الزرقا المعفن ده يدور على أنا ؟
وماله يا حاج …… الناس لبعضيها ……… والراجل كتر خيره عمل اللى حتى ـ
اخواتك ما عملوه ……… مفيش ول واحد قريب ول بعيد جه يسأل عليك في غيابك ما احنا
ما بنتعرفش غير في المشاكل بس …… احنا نشكره ونسيب ملته دى لربنا يا حاج .
لكن في أصول …… على العموم أهى مرة وعدت ودى انشال هتكون آخر مرة يحشر ـ
نفسه فيها الجدع ده .
أنا مش عارفه انت بتكره الجدع ده دون عن خلق ال المسيحيين كلهم ليه ياحاج …… ـ
هو عمل إيه معاك ؟
قلنا خلص …… اتقفل الموضوع على كده ……ومحمد ابنك كان فين كده ؟ ـ
كمان …… كمان يا أم أحمد ابنى أنا يدخل بيت فوزى النصرانى ؟ وأظن ما كان بياكل ـ
ويشرب هناك ؟ …… مش كده ؟
- 12 -
حارة النصارى
حد ال ياحاج أنا كنت بابعتله الكل من عندنا …… بس أصل الواد كان مخضوض ـ
ياعينى من البتاعة دى ……… اللى اسمها ……أبصر إيه دى …… الطياره
عندها توقفت أذناى عن السمع ل إراديا…… تألمت كثيرا إذ ما الذى حدث لكى أكذب على
والدى ثم يتكلم والدى عن عم فوزى بهذا الكلم وهو الذى فعل كل شئ لم يقم به غيره وظللت
بسؤال واحد لماذا كل هذه الكراهية لرجل لم يفعل معنا إل الخير ؟
وكنت ألوم القدار التى جعلتنى أرتبط بشخص يحكم به على …… ولكن الشئ الذى ل نقدر
على الهرب منه هو الزمن فالزمن يمضى …… يمر … وليتوقف …… الحرب تنتهى
ووالدى يزداد غضبه ……ويقل ……ويتوقف ……يعلو بحنوه…… تزداد قسوته …… ثم
يعتدل …… كل الضداد في والدى الذى هو صورة من هذه الحارة
هذه المدينة
ذاك الوطن
ما زلت حتى الن أتكئ بظهري على مقعدي الثابت من الحداث في عربة القطار التى تخترق
بى أفدنة طويلة وشاسعة وتقع عيناي على هذه الرض المزروعة بالقطن …… القطن
…………… فقريتنا تشتهر بالقطن وزراعته على مساحات كبيرة فالقطن هو المحصول
الرئيسى في القرية ويمثل القطن مصدرا أساسيا للدخل هناك إذ أن موسم جنى القطن هو موسم
الزواج في القرية وفى فترة العطلة الصيفية وبالتحديد في شهر يونيو من كل عام تنظم الجمعية
الزراعية بقريتنا " فرق " وهى مجموعات من الفراد " ذكور _ إناث " يقودهم شاب " خولى "
من طلبة الكليات الزراعية ……أو حملة الدبلومات…… تقوم هذه الفرق بالــــ اليدوية "
لبيض ودودة القطن " المسمى " لطعة " وفى صيف عام …… 1969كنت قد أنهيت المرحلة
البتدائية وعرضت على والدى أن أشترك في هذه المجموعات واستثمار ما أحصل عليه لقاء
أجر لشراء مستلزمات العام القادم فوافق والدى على الفور ………… والحقيقة وراء طلبى هذا
…… هو اننى علمت أن صاحبى مجدى سيشترك هو الخر …ولكم كنت سعيد جدا لهذا
خرجت في الصباح وعلى رأسي " الطاقية " أحمى بها رأسي من حر الشمس وأحمل في يدي"
بؤجة " الطعام … إذ لم يكن مسموحا لنا بالعودة إلى منازلنا لبعدها عن الغيطان …….
وكنا كلما حان وقت الغذاء جلسنا سويا أنا ومجدى نأكل طعامنا ونعمل " الغديوه " وكانت في هذه
الثناء بالذات ترقبنا نظرات جميع الفرق المشتركة وتلحقنا بالشمئزاز المتواصل بل وتقذف
علينا نظراتهم وابل العتاب والغيظ … وكان الحل الوحيد … أن أتجاهل ما يحدث وأستمر في
نقائي تجاه من أحب … ثم اننى ل أجد سببا للبتعاد عنه … يحبنى … ويحب اللعب معى …
ليؤذينى …يعلمنى الكثير والجديد من اللعاب …هو من دفعنى للشتراك في هذه المجموعات
- 13 -
حارة النصارى
…لم يكذب على … لم يضمر لى شرا … ولكن " الخولى " كان له رأى آخر … إذ كان من
من نطلق عليهم " متدينين " وكان شديد الكره للمسيحيين بل كان يسئ الى درجات بعيدة في
معاملتهم … وذات مرة واجهنى :
تركنى ولم يجيب لكنه توعد بأن يخبر والدى فعرفت أن اجابتى البريئة المستفهمة لم تريحه …!!
وهنا بدأت أكتشف سببا آخر لتعلقى بصديقى وهو اننى أمنع بقسوة وشدة عنه …!!
اياك تقعد مع الواد مجدى ده خالص بعد النهاردة … بقى إحنا بنمنعك من القعدة واللعب ـ
معاه تقوم تروح تاكل معاه …؟
يابا انتوا ليه زعلنين انى بالعب معاه ولحتى باكل ده صاحبى اشمعنى يعنى ده ؟ ـ
لنه كافر …… مشرك واللى ياكل معاه … يبقى زيه فهمت بقى ياسيدى ودا مش ـ
كلمى … دا كلم الرسول " من أكل مع مشرك أو سكن معه فهو مثله " !!!
طيب خلص … أنا هابطل آكل معاه تانى … بس هابقى صاحبه …هاقعد معاه وألعب ـ
معاه …لهاكل ولهاشرب …
ل ـ
ل … ليه ؟ ـ
بس أنا باحب مجدى ؟! وبعدين هو ولد طيب ومؤدب !! ـ
يا محمد يابنى دا صحيح لكن الرسول منعنا إن إحنا نصاحبهم أو نحبهم دول مشركين ـ
فقال " يحشر المرء مع من يحب " انت عايز ربنا يحشرك مع الكفار في جهنم !!!!
ل ـ
- 14 -
حارة النصارى
ولما جاء الصباح … كان بمثابة موعد التنفيذ … أستطيع أن أواجه أبى وكل أهل الحارة من
أجل صديقى ولكنى ل أستطيع مواجهة ال من أجل كل الحارة !!!
ذهبت كالعادة الى مكان تجمع الفرقة الخاصة بى …… استعدادا للذهاب الى موقعنا … ولكن
كانت علمات الضيق والكتئاب تبدو واضحة على قسمات وجهى … في نبرة صوتى …
وعندما أقبل مجدى … ارتد للخلف خطوات في نفسه …قبل خطواته اللهثة التى استمر فيها
حتى وصوله الى شجرته العتيدة … التى كان دائب الذهاب إليها بمفرده من وقت لخر ……
ربما جرى هكذا ليبكى وربما لينفرد بنفسه ليفكر في سبب تحولى عنه … وربما …… وربما
…
وعندما جاء وقت الغذاء … أخذت طعامى وذهبت بعيدا وحدى …… حتى ل ير انى …
وبدأت في الكل……… " بسم ال الرحمن الرحيم " وسمعت ……" باسم الب والبن والروح
القدس اله واحد آمين " لم أعبأ بوجوده وقبل أن أضع في فمى أول" لقمة " وجدت من يقول لى :
(رافعا رأسي مواجها له فإذ بمجدى وعلى فمه ابتسامة غير مكتملة فقلت له باقتضاب ):
مش هاكل معاك تانى … كل واحد ياكل لواحده وأرجوك بلش تسلم على قدام الخولى ـ
…
فلم أجروء على إخباره بأنه سئ في عينى ال وسيحشر في جهنم … وظل مجدى ينظر الى وأنا
متعمد أن ل أنظر الى عينيه … استمر هذا الوضع قليل ثم قرر مجدى الفوز بكرامته والبتعاد
عنى … وذهب مجدى الى مكان بالقرب منى وتبادلنا النظرات الحاسرة وفى داخلى أتسائل …
… ما هذا الذى يحدث لنا ……!؟
وما أن مرت لحظات إل وقد وجدت هجوم أعضاء الفرقة نحوى لمشاركتى الطعام ………
- 15 -
حارة النصارى
فتسائلت :
فلقد كنت أطلب منهم مرارا كثيرة أن يأتوا ويشاركوني أنا وصديقى مجدى ولكنهم كان
يرفضون فما الذى حدث ……؟؟
براوة عليك ياد يا محمد …… طردت النجس ده بعيد لواحده …!! ـ
وساد الفتور علقتى بمجدى وشيئا فشيئا وجدت نفسى أفقد حبى له واهتمامى به ومحاولة لقاءه
… ل أدرى !؟
ولكن ربما كان الفوز بالجنة أفضل بكثير من مصافحة مشرك !!
فحب ال أغلى
انتقلت إلى المدرسة العدادية …… وكانت المدرسة تبعد عن القرية بحوالى عشرة كيلو
مترات فقريتنا بها مدرسة وحيدة ابتدائية ومن يريد إكمال مسيرة التعليم عليه مسيرة نحو عشرة
كيلو مترات يوميا ذهابا وإيابا للمدينة المجاورة .
وساد العتقاد لدى اننى ببعدى هذا عن القرية سأنجح في اختيار أصحابى بعيدا عن أبراج
المراقبة البوية …… ولكن لم أكن وحدى …… فقد كان معى كثير من الطلب من حارتى
…… ينقلون أخبارى لوالدى عندما يطلب منهم ذلك وبعد فترة أصبح ذلك يتم بدون أن يطلب
منهم ……
……………………………………………………………
وكنت أشغل نفسى فى طريق عودتى من المدرسة بعد البيوت …… كم بيت في حارتنا …
…!؟ بدأت العد وواصلت العد حتى اكتشفت انهم 75منزل بطول الحارة .
وذات يوم فكرت بأن حارتنا " حارة النصارى " هكذا تدعى …… فقررت أن أحصى عدد
المنازل المسيحية وأحصى كذلك بيوتنا نحن …… فكانوا خمسة عشر منزل لنا ……وستون
بيتا لحاملى لقب الحارة ……!!
- 16 -
حارة النصارى
ولكنى اصطدمت بواقع عمرى فيها فهى " حارة المسلمين " إنها حارتنا فهى حارة السلميين …
… نعم فالنصارى فيها كثرة بل صوت بل فعل بل ……………………………………
…………..
……………………………………………………………
كـان والـدى يمثـل القطب الكبر بالنسبـة للمسلمين … وعلى الطرف الخر فالمعلم فوزى
هو القطب الكبر للمسيحيين وكان كلهما موضع احترام وتقدير في عشيرته أو طائفته ……
وهم أصحاب النفوذ في فض اشتباكات ونزاعات أهل الحارة من الطائفتين .
كانت كل النظار تتجه نحو منزلنا ومنزل المعلم فوزى ولكن شتان الفرق بين كل منهما ……
فمنزل المعلم فوزى الواسع والمؤسس تأسيسا جيد هو تماما عكس منزلنا المتواضع ……
وكثيرا ما كنت أسأل نفسى وفى يوم من اليام قررت أن أسأل والدى :
ليه بيتنا فقير وشكله وحش والبيت بتاع المعلم فوزى حلو وهو كافر ومشرك واحنا اللى ـ
ربنا بيحبنا اشمعنى يعنى يابا !؟
هما ليهم الدنيا بنعيمها …… واحنا لينا الجنة بريحها ……… !!! ـ
وقد مكننى وضع والدى القيادى هذا من الضطلع عن قرب على كل خبايا القرية ومشاكل
السر بكـل تفاصيلهـا والـتى دائما ما تشير الـى مدى تقدمهم أو تخلفهم وقدرتهـم على
حـل النزاعات وفهمهم لها ……… والتى تنم كذلك عن مدى التناقض الغريب الذى يسرى
في عروقهم وكم الزيف الذى يسترون به وجوههم …… كان ما يميز بيوتنا عن بيوت
المسيحيين أثناء النزاع هو الصخب والعويل والصياح … وكنت أعجب بادئ المر ولكن
سرعان ما أقنعت نفسى بأنه وضع اضطرارى للنصارى يعيشونه رغما عنهم خوفا من غضب
المسلمين عليهم ……… إن هم تسببوا في إزعاج جيرانهم الملكيين " المسلمين " !!
كنت أرقد في ذلك العصر عندما أفاقت الحارة بأجمعها على صراخ شديد وتنابذ باللفاظ فخرج
الجميع للبحث عن مصدر هذا الصراخ وسببه … وكان هذا الصراخ يأتينا من لدن منزل المعلم
عبده الجزار … وكانت زوجته هى التى تصيح وتصرخ وعندما وثبت الى النافذة لرقب ما
يحدث …… وجدت زوجة المعلم عبده تهرول الى منزلنا للستغاثة بوالدى …… وخلفها
يجرى أطفالها ويبكون بشدة وهم يتبادلون السقوط أثناء الجرى …… صحيح لم تكن هذه هى
المرة الولى ولكن هذه المرة كانت أشد هول…… لدرجة جعلتنى اندفع الى الباب مستقبل إياها
لسألها :
- 17 -
حارة النصارى
( كان والدى قد خرج لتوه من غرفته يكمل إسدال جلبابه ……هدأ والدى من روعها
وأجلسها …… وطلب من أمى أن تحضر لها كوبا من الماء )……
استمر الحديث الذى يدور دورته كل مرة في نفس التجاه فلقد كان دائم الشجار معها وفى كل
مرة يصلح بينهما والدى ويتعهد المعلم عبده بعدم تكرار ما بدر منه بل فائدة !!
وسرعان ما تمر السابيع حتى يحدث ما قد حدث من جديد …… والذى أحيانا يصل للعنف
وكالعادة جاء عم عبده ليأخذ زوجته وكأن شيئا لم يكن كما اعتاد .
يا راجل خللى عندك دم …… احترم دقنك الى مالية وشك دى يا شيخ دا انت حتى لسه ـ
حاجج بيت ربنا …… بص يأخى للنصارى اللى قدامك ……ضحكتهم علينا كل شوية .
قوم خد مراتك وطيب خاطرها بكلمتين قوم …… قومى معاه يالل يا أم سيد وان حصل ـ
حاجة تانى أنا اللى هأقف له .
لم يمضى سوى أربعة أيام حتى تكرر ما حدث …… نفس الصراخ ولكن هذه المرة كان
يضرب أولده لنه علم بأنهم يدخنون …… وتطورت الحداث فامسك عليهم السكين ليهدد به
ابنه فهرعت إلينا زوجته طالبة النجدة .وخرج والدى مسرعا إلى منزل المعلم عبده ليفجأه المعلم
فوزى وتقابل الثنان معا على باب المنزل :
طب مالكش صالح بيناتنا احنا نقدر نحل مشاكلنا من غيرك انت جاى تشمت فينا …… ـ
هى دى عادتكم يا مسيحيين …… شغل الكهانة دا …… تحبوا تصطادوا في الميه العكرة .
عندها انسحب المعلم فوزى الى منزله يضرب كفا على الخر هذا وقد توقف المعلم عبده عن ما
كان يفعله على صوت والدى ينهر المعلم فوزى …… !!
- 18 -
حارة النصارى
يعنى يا معلم عبده بتلوم ابنك ع الدخان وانت بتشربه ازاى يا راجل ( أتأمرون الناس ـ
بالبر وتنسون أنفسكم )
كمان يا حاج ابنى اليام دى ماشى مع توفيق ابن المعلم فوزى النصرانى . ـ
بص يا معلم ولد المعلم فوزى والشهادة ل ولد كويسين قوى ومتأدبين كويس ومفيش ـ
واحد فيهم بيشرب دخان وشطار في مدارسهم اياكش بس انهم نيلة مسيحيين ……!!
عاد والدى للبيت شارد الذهن ل أدرى في ماذا ؟ حتى أنه لم يدرك أو يشعر بوجود خالى عندنا
… إذ قد جاء لزيارتنا من القرية المجاورة:
أهل …… أهل … ..يا حاج سعيد … .ل مؤاخذة …… حاجة غريبة ياخى المعلم ـ
عبده الجزار عاوز يذبح ابنه عشان بيشرب دخان وآل ايه شافه كمان ماشى مع الواد توفيق
ابن المعلم فوزى المسيحى .
العيال ولد المعلم فوزى النصرانى عيال شطار وطيبين وبينجحوا كل سنة وعيال متأدبة ـ
وعيالنا احنا متنيلين بستين نيلة … أنا عارف ولد فوزى دول ماكنوش مسلمين ليه !؟
هدى نفسك يا حاج كده :الدب والخلق مالهومش دعوة بالدين خليها على ال … انت ـ
عارف ولد فوزى دول لو بقوا مسلمين هيكونوا عاملين ازاى يعنى ؟
أبدا ماهم ولد المعلم عبده ليه ما بقوش كويسين… .ماهم ماشين معاهم … .عاوز ـ
الحق … يبقوا زى ما هما أحسن
- 19 -
حارة النصارى
وكنت من فترة لخرى أشعر بأن هناك بوادر لذوبان الفوارق الدينية هذه وأشعر كمسلم بأنه ل
يوجد مسيحى في الحارة وبالرغم من قلة هذه الوقات التى ترمينى في حضن هذا الحساس
الانها كانت من أروع الفترات التى عشتها في الحارة وقد تجلى في مواقف كثيرة رائعة تناسى
فيها أهل الحارة معتقداتهم وعبر كل منهم عن انتمائه للحارة …… فقط النتماء للحارة ……
فحارتنا كان يتوسطها بيت لرجل متوسط الحال ……بناه من الطوب اللبن وسقفه من الحطب
والخشب والجريد …… وكان يخصص من سطح المنزل مخزنا لوقود الفرن من " القش "
وسيقان القطن والذرة اليابسة …… وفى يوم الجمعة ووقت كان مسلمى الحارة يفترشون
مسجدها الذى يبعد مسافة حوالى نصف الكيلو عن الحارة وإذا بالسنة اللهب تتصاعد من هذا
المنزل البسيط …… وتعالى صوت النساء بالصياح والعويل …… حريقه …… حريقه فخرج
جميع مسيحي الحارة في مظاهرة احتفالية ل تسفر عن شئ سوى الحب والوحدة والنتماء ……
خرج كل المسيحيون في لوحة بدأت تتكامل حتى أصبحت بانوراما مضيئة لهذا المشهد
المأسوى…… بانوراما لهذه الوحدة…… التى سرعان ما تذوب وتنسى …… التى سرعان ما
تفسر بأوجه شتى …… خرج المسيحيون ومن منهم لم يك قد أكمل ثيابه …… خرجوا
بالصفائح والقدور ولما بلغنا الخبر تركنا الصلة ………… وأسرعنا …… فوجئنا بذلك
الحشد …… بتلك المنظر البديع …… عم فوزى … نعيم الترزى … كمال السباك…
وغيرهم يطفئون النار بصورة فريدة من الخلص وكأن المنزل الذى احترق هو منزلهم
جميعا…… حتى الطفال كانوا يحملون " الجرادل " الصغيرة ……وأصرح ولول مرة اننى لم
أساعد في إخماد نيران ذلك الحريق ……إذ اننى عندما أفقت من استتباع هذا المشهد ـ الذى
ألب على كل ما سمعته عن المسيحيين والنصرانيين ـ كان الحريق قد أخمد …!!
وما كان من المسلمين إل التقدم بالشكر المشوب بالغيرة وكظم الغيظ للمسيحيين وعلى رأسهم عم
فوزى ……أقصد ……" المعلم فوزى " !!!
ولم يكن إخماد الحريق بهذه الطريقة هو النهاية للحداث المأسوية لتلك المنزل البائس من فرط
بؤس صاحبه وسوء أحواله …… فالنيران قد أتت على محتويات المنزل وأهمها كانت " بقرته "
التى يعيش على ألبانها وزبدها وكذا " جاموسته " فقد نفقت في الحريق …… وقد جرت العادة
انه في مثل هذه الظروف أن يتكاتف الجميع ويهبوا لجمع التبرعات لمن لحقت به الكارثة وكان
من الطبيعى أن يتقدم كل من له المقدرة على المساعدة علوة على مبلغ يقدم من مجلس الحارة
الذى كان بحوزة المعلم عبده الجزار في تظاهرية اشتراكية بليغة المعنى والهدف خالية من
التنظير الجاف …… ولكن في حالتنا تلك فكل المور تلك كانت غير كفيلة بحل المشكلة لهذا
الرجل …… إذ احترق بيته وفراشه ……تقدم أكثر من شخص من المسلمين لستضافته …
… واستقر الرأى على منزل المعلم عبده الجزار لستضافته هو وأولده وزوجته .
وكانوا جميعا يرقدون في غرفة واحدة …… ولكم كان الوضع سيئا جدا …… وهنا يحدث ما
ل يتوقع ـ بل الذى أصبح من كثرته لبد وأن يكون متوقعا ـ لقد ذهب المعلم فوزى للمعلم
عبده طالبا استضافتهم في شقة بالطابق الثانى بمنزله حيث إنها شقة مخصصة لى من أولده في
- 20 -
حارة النصارى
المستقبل عند زواجهم …… وهنا تعمل الغيرة في نفوس وقلوب سكان الحارة ……
فيرفضون طلب المعلم فوزى .
لما نبقى نقصر في حقه …… ابقى تعالى خده عندك ……!! ـ
الراجل ده مش ممكن يدخل بيتك حتى لو نام في الشارع يا جدع انت فاهم ول ل ـ
ليه يعنى يا أبو أحمد ؟…… دا احنا جيران والنبى وصى على سابع جار …… ـ
والناس لبعضيها …… دانا يا راجل لسه ايديا محروقة من حريق الراجل اللى انت مش عايزه
يقعد عندى ……!!
اسمع يا معلم فوزى …… صحيح النبى وصى على سابع جار ……لكن وصانا احنا ـ
مش انتم …… انت نسيت انت ايه ولمين ؟
وهنا ينتهى هذا الحوار وانسحب المعلم فوزى بحدة صامتة واتجه نحو منزله ……………
وألح على سؤال ألست أنا من قاطنى هذه الحارة " حارة النصارى " !!!!!!!
كانت زوجـة الرجـل صاحب الكارثـة صغيـرة السن وعلى قـدر من الجمـال وكان
المعلـم عبده ……يـ……عطف عليها وعلى أولدها !!!.
ولكن زوجته قد فسرت ذلك تفسيرا خاصا وما لبثت حتى نشبت بين الزوجين مشاجرة انتهت
بمنح زوجة المعلم عبده الجزار مهلة يوم واحد لتبحث لها عن مأوى آخر لها ولولدها …
…!!!
وهنا يعود نجم المعلم فوزى من جديد في البزوغ …… لعادة المحاولة مرة أخرى ولكن هذه
المرة بدون استئذان أحد …… بل وأعلن في سابقة هى الولى من نوعها في أذنى ……بل ولم
أشهدها قط حتى الن أن وقف أمام منزله وأعلن بجرأة !!
أظن حرام على أى حد في الدنيا إن احنا نسيب عيال صغيرة تنام في الشارع يا ـ
رجالة!!!
وأسكنهم المعلم فوزى شقته وبدأ في جمع مبالغ من أصدقائه لعادة ترميم المنزل وإزاء هذا
التصرف لم يقدر أحد من المسلمين أن يعترض عليه كما حدث في السابق ………
- 21 -
حارة النصارى
ولكن هذا الهدوء ليس من سمات حارتنا ………فسرعان مادعى والدى لجتماع يعرب فيه عن
استيائه وشجبه من فكرة مكوث حسين وزوجته واقامتهم في شقة هذا النصرانى الذى يدعى
والدى انه يرغب في تنصيرهم كما كانوا يحاولون معى بمساعدة ابنهم الصغير !!
وأخيرا قد قدر لى أن أستمع الى اعتراض واضح وصريح على حديث والدى من أحد أفراد
الجتماع
ل يا حاج ……… المعلم فوزى معملش حاجة غلط … يعنى كنت عايز حسين وولده ـ
يناموا في الشارع …… بعد ما طردتهم مرات المعلم عبده الجزار ……الراجل فوزى ده
عمل اللى ماحـدش فينا قدر يعمله ……ونسيبـنا بقى من موضـوع الدين ده …… ده
موضوع بتاع ربنا .
لم يطرى والدى بهذا التعليق وانتهى الجتماع على أن ل نتفق …… وتمر اليام ويعيد حسين
بناء بيته …… ويتبرع المعلم فوزى بكامل الثاث من ورشته الخاصة ـ حيث كان من أمهر
النجارين في القرية بأجمعها بشهادة جميع قاطنيها على السواء ـ مما أثار حقد وغضب الجميع
…… ولكن ظلوا جميعا يضمرون الغيظ …… وما كنا فقط نستطيع عمله إذ ذاك هو إرسال
الطعام في أوقاته إلى حسين وأفراد أسرته من نفس طعامنا بانتظام وكذلك المعلم عبده الجزار
الذى كان يرسل به بين الحين والخر ببعض اللحوم من دكانه الخاص ……والحاج بدوى الذى
يرسل له بعض حاجيات البقالة كالزيت والسمن والسكر والحبوب…… مدفوعين جميعا بعدم
ترك الساحة لفوزى
"واللى زيه" عدا المعلم عبده الجزار الذى كان يفعل هذا بعيدا عن مرأى ومسمع امرأته فقط !!
ثم ما أن لبث والدى حتى اقترح بأن يرد جميع أفراد الحارة ثمن الثاث الذى تبرع به المعلم
فوزى لحسين ولكن ما كان من المعلم فوزى إل أن رفض هذا الجراء الذى اعتبره إهانة وأمام
إصرار الجميع اضطر لخذ المبلغ وعلى الفور أهداه إلى حسين كى ما يبدأ به حياته ……المر
الذى أثار الموقف اكثر من ذى قبل وكان وقتا عصيبا سرعان ما استتبت المور بعده بعض
الشئ ولكن لم يسلم الجميع من الشعور بالخجل تجاه المسيحيين أجمعين ………………
……………… ولم يمضى وقت طويل حتى شاءت القدار وجاءت الرياح بما يشتهى أهل
الحارة إذ قد هاجم مجموعة من اللصوص محل رجل مسيحى يدعى " زكى " ونهبوا كل ما فيه
…… وفى الصباح جاءنا الخبر …… وعندها تهلل والدى بالحمد ل ……
أهو جه اليوم اللى نرد فيه للملعين جمايلهم علينا ونخلص…… ـ
وأسرع جميع أهالى الحارة من المسلمين وعلى الفور جمعوا مبلغا من المال يفوق ما جمعوه
لحسين !؟ واشتروا لزكى ثلجة جديدة وأغدقوا " الدكان " بضاعة وأصلحوا ما قد أتلفه
اللصوص …… ثم وقفوا في كبرياء المعطى بسخاء وقال والدى :
- 22 -
حارة النصارى
أبدا يا حاج هو انتوا خليتو الواحد محتاج حاجة …… كتر خيركم ربنا ما يحرمناش ـ
منكم .
طيب …طيب …… أصل احنا برضوا ما حدش أحسن مننا في حاجة … لو احتجت ـ
حاجة ابعتلى ابنك وشوف احنا هانعمل معاك ايه !!
واستمر الوضع على هذا الحال بيننا نحن المسلمين وبين المسيحيين في حلبة " حارة النصارى "
…… التى يوميا ما كانت تشهد تخطيطا وتكتيكا لنزال الهزيمة بهذا الجنس البائد " المسيحيين "
!!!
كان المأثور الشعبى لدينا في الثقافة " الحارتية " ملئ بعدم انتماء هؤلء النصارى لبلدهم بل انهم
يتمنون أن تغتصب هذه البلد وأن تقع في أيدى الستعمار الذى بالطبع سيورثهم حريتهم إذ أنهم
من نفس الدين فهم ل ولء لهم مطلقا وانهم سيسلمون البلد للعداء لبادة جميع المسلمين ……
بل كنا لنسر بدخولهم الجيش المصرى وكان من الصعب أن تتغير لدينا هذه الفكرة ……
ولكن دائما تعودنا الرياح بمجيئها بما ل تشتهى السفن …… فلقد جاء ذلك اليوم المهيب الذى كنا
ننتظره بفارغ الصبر السادس من أكتوبر 1973وهب جميع المجندين في الحارة الى ثكناتهم
العسكرية …… وقد كان لدينا من حارتنا خمسة عشر شابا مجندا …… عشرة من المسيحيين
وخمسة من المسلمين !!!
وطوال أيام الحرب ……لحظنا جميعا اندفاع المسيحيين بقوة التغيير لفكارنا المطبوعة عنهم
في الذهان ……فكانوا يقدمون جميع المواد الشحيحة بالسوق لكل سكان الحارة …… تبرع
بالدماء …… تقديم لولدهم في معسكرات الدفاع الشعبي في أثناء ثغرة الدفرسوار …… تقديم
للتبرعات المادية والعينية …… ولكن ما رواه العائدين المسلمين والمسيحيين كان أروع جمال
وأشهى من كل ما رأيت وعاصرت ………
فلقد أصيب هانى ابن المعلم فوزى في المعركة وكان بحاجة الى عملية نقل دم سريع ولم تكن
فصيلته متاحة ولم يجدوها سوى لدى ابن حسين الفلح صاحب كارثة المنزل المحترق لتسطر
واحدة من ملحم الخاء الحقيقى الذى ل يفصل فبه حقد أو رغبة في التعالى أو …… أو ……
ولكم تمنيت أن تظل هذه الملحم قائمة ولكن اصطدمت بحواجز وعقبات تارة باسم الدين وأخرى
باسم العرف … وتارة باسم الكرامة …!!!
امتزجت دماء العنصرين وتاهت الدموع وتجلطت الحقاد وتداخلت الضحكات لدرجة اللتمييز
وعدم القدرة على معرفة من أو من أين يأتى الضحك اللذيذ ……كانت علمات السعادة بنصر
أكتوبر تمل القلوب والبسمة ل تفارق شفاههم وغاصت حارة النصارى في أحلى أيامها … فلقد
نام الحقد وهدأ الحسد ……………………………………………
- 23 -
حارة النصارى
……………………… ..ولكن كان هذا الهدوء بمثابة الهدوء الذى يسبق العاصفة ……
فلقد عادت الصيحات والصراخ والعويل تنبعث ثانية من بيوت الحارة …… صرخات ……
وصرخات ……… هذه المرة من هذا المنزل المسيحى …… منزل نعيم الترزى .
ول أخفى اننى كنت أهيم ولعا بأن أرى ما يحدث في البيوت المسيحية إبان المشاكل التى
تعترضهم إذ كانت قلما تحدث والتى جميعها تحل بالهدوء ولكن خاب ما تمنيت إذ كان هذا
الصراخ لوفاة ابن الوسطى نعيم الترزى !!
توقف القطار فجأة فارتجت أوصالى فجأة وبدأت جفونى فى الستيقاظ من الغفوة التى كنت قد
ذهبت أغط فيها كان من الواضح أن هناك تعثر في طريق قطارنا الذى عادة ما يقابل مثل هذه
العطال شأنه في ذلك شأن جميع ليالينا التى نستبق فيها عشق التآلف بدون جدوى ولكن هدوء
الخارج لتوه من غفلته قد اخترق بصياح امراءة من الكرسى الخلفى يبدو أنها قد لمست أحد
الوقوف صدفة أو عن قصد المهم أن ملمحها قد سرقتنى لتدخلنى الى ذلك الوجه الذى لم أنساه
حتى الن انه وجه زينب ففى صباح يوم ما فوجئنا بها وهى زوجة عم عبد الرازق تندفع داخل
منزلنا باكية ونائحة تلطم خديها وتشق ثيابها عن صدرها …… وحاولت والدتى تهدئتها دون
جدوى … فصاح والدى ـ لما له من نفوذ على جميع أعضاء الحارة ـ في وجهها طالبا منها
الهدوء فكان !!
أنى وحشة يا حاج ؟ …… شوفت على يا حاج حاجة مش كويسة ؟ …… قوللى يا ـ
أبو أحمد ايه رأيك في ……!؟
جرى ايه يا وليه …… انت بنت ناس طبعا …… ومن أشرف ستات الحارة والدنيا ـ
كلها … في ايه ……!؟
خمستاشر سنة يا حاج من يوم ما اتنيلت اتجوزت عبد الرازق وأنا خدماه هو وولده ـ
وراضية بعيشتى معاه على الحلوة والمرة ……( صارخة تلطم خديها )
- 24 -
حارة النصارى
والمصحف الشريف يا حاج زى ما بقوللك متجوز عليا في السر هوه ناقص ايه بس ـ
ياخواتى …… ده حتى مش قادر يصرف على ولده …… ودا انت شايف يا حاج أنا باروح
أخبز لدى شوية ولدى شوية عشان يطلعلى قرشين يساعدونا ع المعايش …… يرضى ربنا
بقى اللى هوه بيعمله معايا دا يا حاج
كتير …… كتير كانوا بيقولولى من زمان لما كان بيتأخر بره ويقول آل كان عنده شغل ـ
… امبارح بعت الواد خميس وراه عرف العنوان وجه قاللى …… رحت ع العنوان اللى هو
فيه وشفت اللى ياريتنى ما شوفته …… لقيته هناك في عزبة " العربى " …… في بيت
مراته التانية … أبوس ايدك يا حاج ( مندفعة الى يده لتقبيلها وهو في سرعة شديدة ساحبا إياها
) خليه يطلقنى يا حاج أنا مش ممكن أعيش معاه بعد اللى حصل !
لم أنسى أبدا تلك النكسار وهذى الدموع والثياب الممزقة وكسر الرأس وكأنها فقدت عزتها مع
هذا التعس ولترى أمامها سوى نظرات الشفاق التى تهرب منها بسرعة أقوى من بكائها للنظر
في الرض قائل :
صحيح الكلم اللى بتقوله أم خميس دا يا عبد الرازق ؟ انت متجوز عليها ؟ ـ
بصراحة بقى دا حقى يا حاج والشرع حللى أربعة مش اتنين ؟ ول ايه ؟ يبقى اللى أنا ـ
عملته كده غلط بقى في نظركم !؟
طب كويس ياسيدى …… الولد بقى هتعمل معاهم ايه ؟ ولما يجيلك عيال من التانية ـ
هتحب مين فيهم يا عبد الرازق ؟
- 25 -
حارة النصارى
(هنا تتدخل زينب صارخة ) أبدا يا حاج ل يمكن أعيش معاه وأنا لى ضره إن كان ـ
عايزنى يطلقها وان كان عايزها يطلقنى .
اسمعى يا أم خميس ما هو دا شرع ربنا ( تضرب على صدرها بشدة شاهقة مولولة " ـ
ياخرابى ياخرابى" ) ما احنا ما نقدرش نلومه قدام شرع ربنا يا زينب …… لكن لو هو قصر
معاكى أو مع عياله هيبقى في كلم تانى ……يالل …… يالل قومى ارجعى لبيتك وعيالك
وسيبي الموضوع لربنا ولينا .
ومع مرور اليام …… وضح تقصير عبد الرازق مع زوجته الولى وأولده منها …… المر
الذى انطبع على أولده في ملبسهم الرثة وهبوط مستواهم الدراسى وكثرة مشاكلهم مع والدتهم
بسبب عدم وجود أب ريفى …… تعلم أحدهم التدخين في سن صغيرة وتورط الخر في أعمال
سرقة .
عاجبك حال ولدك يا عبد الرازق ومراتك هوه ده اللى احنا اتفقنا عليه ؟ ـ
وال يا حاج بقى أنا باعمل كل اللى أقدر عليه …… وبعدين ياسيدى ل يكلف ال نفسا ـ
الوسعها !.
ماكان من الول يا عبد الرازق ……لما انت عارف إن ال ل يكلف نفسا الوسعها ـ
رحت اتجوزت تانى ليه ؟
دا نصيبى يا حاج وكل شئ قسمة ونصيب …… لكن أنا عند وعدى شوفوا اللى انتوا ـ
عايزينه وأنا اعمله !..
ارجع لبيتك وعيالك يا عبد الرازق ……ابنك خميس باظ في المدارس وابنك عربى ـ
بيسرق خيار من مزرعة أبو قاسم .
ما قدرش يا حاج …… مراتى التانية حامل …… لكن إن كانت زينب عايزه تطلق ـ
معنديش مانع !!!
- 26 -
حارة النصارى
أمرى ل ……حسبى ال ونعم الوكيل فيك يا عبد الرازق … طلقنى … السرقة ـ
والبهدلة أهون من عشرتك يا ناقص …… طلقنى
وبالتأكيد لم يكن الطلق هو نهاية المشكلت في هذه السرة المنكوبة بنكبة عائلها ……………
……
………فبعد أن وقع الطلق لم يلتزم عبد الرازق بنفقة أولده …… وتضاعفت مشكلت
الزوجة والبناء ……ولما كانت زينب امراءة جميلة وفى أوائل عقدها الثالث فسرعان ما
أصبحت مطمع الكثير من رجال الحارة …… وعرض عليها الكثير من رجال القرية الزواج بها
فرفضت ……لكى ل تعيد ما فعله زوجها وتصبح امراءة ثانية مع رجل يحيا في بيته ووسط
أسرته … ولكى تستطيع الضطلع بتربية أولدها … ولكن كانت الشكوك تطاردها كلما
خرجت للعمل هنا أو هناك …… وسرت هذه الشكوك بسرعة النيران حتى خاف السادة
المسلمين من أن تصبح زينب وسمة عار في جبينهم أمام مسيحي الحارة …… فعرضوا عليها
أن تلزم دارها لقاء مبلغا من المال سيقام بجمعه لهذا الغرض المر الذى اعتبرته إهانة لكرامتها
..وما كان منها إل أن وقفت على باب دارها وهى تقول :
أنا أشرف م الشرف نفسه ومش هامد ايدى لحد طول ما أنا فيا نفس وهاشتغل وهاشقى ـ
على ولدى وأعلى ما فى خيلكم اركبوه … هوه ايه ل بترحموا ول بتخلوا رحمة ربنا تنزل .
ولم يجب عليها أحد من الحارة …… هب كعادته دائما المعلم فوزى وعرض على زينب أن
تساعده في محله حيث كانت زينب على قدر م الذكاء الفطرى علوة على أنها ملمة بالقراءة
والكتابة ووعدها براتب مجزى ووافقت على الفور إذ أن هذا العمل افضل من الخبيز ودخول
بيوت الناس المر الذى يدفع لخروج الشاعات عنها من فترة لخرى …… ولكن اعترض
طريقها كبار رجال الحارة … لكنها لم تستسلم لضغوطهم .
عاوزينى ما أشتغلش عند المسيحى هاتولى انتوا شغل يامسلمين ولهوه احنا بتوع كلم ـ
وبس … ماله المعلم فوزى …… صحيح هوه مسيحى بس راجل ونعم الرجالة بيضربه
المثل في أدبه وأمانته وولده ماش ال واحد دكتور والتانى مهندس ( مازالوا طلبة
ولكن جرت العادة على دعوتهم بألقابهم منذ دخولهم الكلية ) ……
وبدأت تشعر بكيانها …… وتستشعر أن لها حقوق غافلة عنها في زحام أحداثها "فرفعت" قضية
نفقة بأثر رجعى لعام ونصف العام ولم يقدر زوجها على دفع شئ وأقام هو الخر قضية ضم
للولد الولدان والبنت ………!!
وعلمت زينب بذلك فجن جنونها ولم تستطع عمل شئ أخر ولكنها قررت مساومته فطلب عبد
الرازق منها التخلى عن القضية "النفقة" في مقابل التنازل عن قضية الضم فرفضت فأخذ الولد
وتعهد للمحكمة بجدولة ما عليه من التزامات النفقة .
- 27 -
حارة النصارى
وعلمنا بعد ذلك أنه تورط في تجارة المخدرات وبدأ يستخدم أولده في هذه التجارة مقابل النفاق
عليهم ……… وتحت اصرار زوجته الثانية على إعادة الولد الى زوجته الولى ولنها لم تعد
قادرة على خدمتهم ول على رؤيتهم التى دائما تذكرها بأنها امراءة ثانية … وخيرته ما بين
طلقها أو إرجاعهم لزوجته فما كان منه إل أن أعادهم الى أمهم … ولكن سبق السيف العزل فقد
أدمن الولدين المخدرات ونجت البنت صفاء من براثن والدها وزوجة الب وقضى الولدين ما
تبقى من عمرهم نزلء في السجون وهنا يسدل الستار على هذه العائلة لتعود المشاكل مرة أخرى
ولكن في ثوب جديد …… فخطيئة الب ترفض أن ترحل إل بوداع الم لكل أبنائها .
فبعد مرور السنين تكبر الصغيرة صفاء لتصبح فتاة جميلة وسرعان ما خرجت للعمل لمساعدة
والدتها ويوما بعد اليوم استطاعت الحارة بأسرها أن ترى الفتاة وقد ارتفعت بطنها معلنة عن
خطأ أخلقى تحمل به …!!
وبدأت الشاعات تملء الحارة كلها فالقرية عن تورط ابن المعلم فوزى في علقة آثمة بالبنت …
وحضرت الشرطة للتحقيق في الواقعة ولكن زينب أنكرت وكانت المفاجأة عندما هبت الفتاة
معلنة الحقيقة بالعتراف والفصاح عن صاحب الجريمة الذى لم يكن ابن المعلم فوزى ………
………………… الى هنا لم أفق إل على صوت المؤذن يعلن موعد آذان العصر وقد استقر
القطار الذى أقله على المحطة قبل الخيرة في رحلتى الى قريتي …
كان صوت المؤذن أقرب في مسامعي إلى صوت عم " عبد الباسط " ( شيخ جامع الفتح ) الذي
كان على مشارف قريتنا وبالتحديد بالقرب من حارتنا .لقد بنى هذا المسجد خصيصا بالقرب من
قريتنا التي حرمت من المساجد لعهد قارب الخمسون عاما كما يحكي أكابر رجالت البلدة ولكنه
ل على صدور أهالينا " الكنيسة " …بني الن ملصقا لهذا البناء الجديد الذي جاء زائرا ثقي ً
وقد علقت على هذا المسجد مكبرات الصوت من جميع اتجاهاته لبعث الصخب والضوضاء على
ذلك التأثير الموسيقي الذي ينبعث من نوافذ الكنيسة وإخماد ما قد ينبعث منها من أصوات ……
ولم يكن الجديد الذي دخل قريتنا هو هذا المبنى ( الكنيسة ) بل كذلك كنت قد طالعت لول مرة
ذلك الرجل المتشح بالسواد ذو اللحية الكثيفة والعمامة السوداء وخشن الثياب … !!
وكانت تتم كل ليلة عدة دروس دينية في المسجد يقوم بها " عم عبد الباسط " … لم أكن قادر
على الستماع إليه في كثير من الحيان إذ أن ال قد حباه بمجموعة من الحرف الساقطة من
نطقه ..المر الذي دفع الجميع لمخاطبة العمدة وعضو مجلس الشعب … فتطور المر إلى
إرسال وزارة الوقاف عدد من الشيوخ للضطلع بخطبة الجمعة مناوبة مع " عم عبد الباسط "
وكذلك للستعانة بهم في بعض من هذه الدروس التي تلقى يوميا من بعد صلة العصر وتستمر
حتى آذان المغرب ثم بعد المغرب درسين حتى آذان العشاء ..وينتهي هنا اليوم …
ول أنسى هنا أن أضيف أن هذا المتنفس الذي قد تفتق به ذهن القائمين على العملية الدينية قد
كان بمثابة السهام الحربية الشريفة التي تنطلق في صدور من نبغي بهالة القداسة .
- 28 -
حارة النصارى
وفي ظل هذا النتشار الديني كما ابتغاه أصحاب فكرة إنشائه انتقلت المشاكل الجتماعية في
منازل أهل الحارة من المسلمين إلى المسيحيين وبالتحديد في منزل كمال السباك .كان رجلً
على خلق طيب ولكنه كان مدمن للخمر وكانت زوجته تتغيب كثيرا عن المنزل غاضبة ليام ثم
تعود ولكن لم نكن ندري ماذا كان يدور بداخله … ربما كانت المشكلة هذه المرة أعمق بكثير من
كل ما سبق بينهم في رحلة العمر ..المر الذي استدعى فيه قس القرية لحل مشكلة بمنزل أحد
المسيحيين في سابقة هي الولى من نوعها .
لم يكن من عادة المسلمين التدخل في مثل هذه الظروف الصعبة المتصاعدة في منازل المسيحيين
ولكنهم كانوا يراقبون عن كثب وعن قرب وأحيانا يرسلون الطفال لستجلب الخبار المفصلة
ولكن في مثل هذه الحالة فالمور واضحة ومسموعة وبينة …
كانت زوجة كمال كثيرة الشكوى منه منذ سنوات وفي بعض المرات كانت تغادر المنزل بضعة
أيام وتعود إليه بعد تدخل رجال الدين لكن الوضع لم يتغير فمازال زوجها كما هو لم يتغير ولذا
قررت عدم الستمرار معه … وفشلت محاولت القس الزائر وبعد مضي ما يقرب من ساعتين
شاهدنا زوجة كمال تحمل حقيبتها في يدها وتغادر المنزل في هدوء وخلفها ولديها .
يطلقها وخلص وكل واحد يروح لحاله ويروح يراضي أبونا بقرشين !!
( كانت هذه العبارة منطلقة من فم صالح وهو شخص خفيف الظل سريع البديهة .كان مسلما
ولكنه محبوبا من المسيحيين كما من المسلمين رغم نقده اللذع للمسيحيين ولكن نقده كان نابع
من القلب…
تهكمه طاهر برئ غير مملوء حقد أو كراهية ..لذلك كان كلمه مقبول لدى الجميع مهما كان .
قال صالح هذه العبارة عندما كان يجلس مع بعض رجال الحارة المسلمين لدينا بالمنزل والتقط
صالح الحديث بعبارته هذه التي رد عليها والدي ) :
طلق إيه يا صالح هم دول عندهم طلق زينا … كل ما واحد ول واحدة تزعل من ـ
جوزها تقول طلقني ..ما هيبقى الطلق زي اللبانة في بق كل واحد ..ما تشوف يا أخي ايه
اللي حصل لعبد لرازق من ورا الطلق اياكش هو بس شريعة ربنا
( شعر صالح بأن الحديث سيتجه إلى الشق الجاد فلم ينسى أن يتبادل الحوار مع والدي مبتدئا
بنكتة عن لشيخ والسيس ثم تابع )
وال يا حاج هو إن جيت للحق الطلق ده مصيبة يخرب الدنيا السليمة .واحد يطلق ويروح
يتجوز وهي تتجوز وهوه يخلف وهي تخلف وهي عندها عيال منه وهو أصلً عنده عيال منها
ودول يلقوا أم من غير أب ودول يلقوا أب من غير أم ولو جدع طلعلي مين فيهم ابن مين ؟
( ضحك الجميع )
- 29 -
حارة النصارى
ومرت الليلة ككل لياليكِ يا حارة النصارى … كانت الهداف المرجوة من دروس الجامع قد أتت
ثمارها إذ قد جانب مسلمين الحارة جميع محلت البقالة التي يمتلكها المسيحيين ،ليس في الحارة
وحدها ولكن امتدت العدوى للقرية بأكملها وليست البقالة فقط بل امتدت تقريبا لكل الحرف التي
يعمل بها المسيحيين .
وابتدأت حمى مقاطعة المسيحيين تأخذ منحنى جديد في تطور مطرد إذ قد بدأ الصراع يأخذ لونا
ومذاقا مختلفا ولم يكن الختلف في الصراع فقط بل أخذ ينبئ عن تجذر الحقاد في لقلوب فلم
تعد مضايقاتهم هي الدافع بل الحقد مرة ودروس المسجد مرة والحضور القتصادي لهم في وسط
الحارة مرات ومرات .وبدأت مشاورات جديدة في منزلنا للتخطيط والجهاز على المسيحيين في
عقر دارهم … في " لقمة عيشهم " .
اسمع يا حاج إبراهيم بقى إنت عارف إن السطى نعيم الترزي واكلها والعة في البلد ـ
كلتها مش بس في الحارة وفلوسنا كلها رايحة لجيبه ..وإنت برضوا راسي إن دا ما يرضيش
ربنا
طبعا … طبعا يا حاج ..بس ايه اللي أنا ممكن أعمله ؟ ـ
أنا عرفت إن ابن أختك ترزي شاطر ـ
أيوه يا أبو محمد بس ده في السعودية ـ
ما إحنا عارفين يا حاج إبراهيم .إنت تديلنا العنوان واحنا هنتصرف ـ
حاضر يا حاج حا ًل أجيب لكم العنوان … بس انتوا ناويين تعملوا ايه إنشاء ال ؟ ـ
هنبعت نجيبه يا سيدي وها نفتح له محل في الحارة جنب المعلم عبده الجزار وهنجيب ـ
له أحسن ماكينة خياطة من غير ما يدفع ول مليم .
عندها إنصرف عم إبراهيم خارجا ثم سرعان ما أرسل العنوان لوالدي الذي كلف أحد أبناء
الحارة بكتابة رسالة عاجلة بنفس المضمون وبعد خمسة عشر يوما جاء الرد بموافقة السطى
عبد السلم على عرض الحارة وحدد موعدا أقصاه شهرا للحضور ومنذ ذلك الوقت بدأ العداد
للفتتاح المرتقب يتم على قدم وساق وبل توقف وقد تكاتف جميع مسلمي الحارة حينئذ للمساعدة
في خروج هذا العمل للنور حتى المعلم عبده الجزار المعروف بالجشع والذي رفض قبل ذلك
الكثير من العروض التي كانت تنهال عليه للتنازل عن ملحق محله بأعلى السعار طمعا في
أسعار أعلى تنازل عنه اليوم مقابل ما يقل عن ربع ما كان يعرض عليه للتنازل عنه في السابق
… وقال " كويس إن الواحد يعمل حاجة ل "
وفي أقل من خمسة عشر يوما تم تجهيز المحل وشراء أحدث ماكينة خياطة ووضعت على
المحل لفتة عنوانها " خياطة التوحيد " .
وعاد " السطى المنتظر " حسب الموعد الذي حدده وجاء ليتسلم المحل في احتفالية صاخبة لم
تخلو من الثارة والستفزاز .
- 30 -
حارة النصارى
وانهالت على المحل الطلبات الكثيفة لدرجة اعتقد فيها أن السطى المنتظر لو كان الطلب عليه
هكذا في السابق لما فكر في النتقال إلى السعودية مطلقا .وكان مبغى جميع سكان الحارة عندما
يريدون ثياب جديدة هو " خياطة التوحيد " … وللحقيقة كان هناك بعض زبائن للسطى نعيم
مترددين في تركه نظرا لمهارته الفائقة ودقة مواعيده وكانوا من أغنى الزبائن بل من أغنى
أغنياء الناس في البلدة ويمثلون مصدرا مهما لدخل السطى نعيم ولكنهم تعرضوا لضغوط شديدة
كانت مفادها المتناع عن الذهاب للسطى نعيم والتجاه المباشر للسطى الموحد !!!
ولم يتسرب الركود إلى محل نعيم بل إن الركود قد داهم " دكانه " وذهب كالطبيعي يشكو حاله
هذا لرجالت الحارة طالبا منهم التدخل وكانت هذه الشكوى مشفوعة بعروض تخفيض للسعار
في مصنعيته ولكن دون جدوى وحرمت الحارة لفترات طويلة من أحد أفراد اللوحة التي كانت
ترسم يوميا في ساعة العصر عندما يعود جميع أصحاب المحلت المسلمين والمسيحيين إلى
منازلهم من السوق حاملين معهم ما قد اختاروه لولدهم من فاكهة وخلفه فلم يظهر بهذا الكادر
السطى نعيم من بعد ذلك اليوم أبدا .
وعندما أحس أفراد الحارة بأن خطتهم نجحت وأتت ثمارها ،أحضروا السطى نعيم الذي بدأت
علمات المرض ترتسم على وجهه فليس ما يعانيه السطى نعيم هو قلة الموال فقط ولكن
إحساسه أنه مهمل بل ومضطهد ،كان السبب الرئيسي في إبراز كل ملمح الهرم التي أخذت في
طريقها إلى كل تجاعيد وجهه ورقبته .عرضوا عليه أن يبيع محله لهم لكنه رفض بشدة بل
عرض عليهم تكوين ما يشبه الشركة بينه وبين السطى عبد السلم هو بخبرته وهم بإمكانياتهم
وبهذا سيساهمون في حل المشكلة إن كانوا حقا يبتغون حلها وجاء الرد عليه بالرفض وأصروا
على طلبهم ببيع المحل وما كان منه إل أنه رفض وأصر على التمسك بذكرياته التي كان يحيكها
منذ الصبا مع كل قطعة ملبس كانت تخرج من بين يديه … وقرر السطى نعيم أن يظل كما
هو بل أيقن أنه لبد من المحافظة على تلك الذكريات التي لم يبقى سواها .ولكن لم يطل إصرار
السطى نعيم طويلً ..فالفقر ل يعطي مساحات لن تفكر أو تتشبث فالفقر والعوز هو سهم
النهيار الذي يخترق جدار عمرك فيصيب عمق قلب ذكرياتك وآنيتك ويمتد إلى نظرة عينيك في
غدك .هكذا بدأ نعيم يعي … وبعد أن ضاقت به عينيه وضاقت به الدنيا جاء إلى والدي !
يعني يرضيك كده يا حاج أولدي يموتوا من الجوع ..ده يرضي ربنا يا حاج ؟ ـ
طب وأنا هأعملك ايه بس يا نعيم ؟ أروح أقول للناس خيطوا عند نعيم بالعافية ؟ ترزي ـ
وابن الحارة وإيده أحسن من إيدك وسعره حلو .
( قاطعه نعيم ) عموما يا حاج إنت عارف كويس إنتم عملتم كده ليه ف َ
ي وعلى العموم ـ
أنا جاي لك النهارده ابلغك إني مستعد أنفذ أي حاجة عايزني أعملها .يعني الدكان لو عايزين
تشتروه هأبيعهلكم .
ل يا سطى ! إحنا خلص مش عاوزين الدكان ول عاوزين منك حاجة ـ
بس أنا عاوز يا حاج ـ
عاوز إيه يا اسطي ؟ ـ
- 31 -
حارة النصارى
- 32 -
حارة النصارى
وفي خضم العداد لهذا الحدث جاء السطى نعيم طالبا إشهار إسلمه المر الذي تم بأسرع من
سرعة كالبروق التي توالت على نصارانا بل قبل إتمام المراسيم القانونية أسرعوا بأن أحضروا
له جوادا أبيض إمتطاه الفاتح العظم وقد زين بالعلم الخضراء وكتب عليها " عبارة التوحيد "
ل إله إل ال محمد رسول ال ،وطاف السطى نعيم كل أرجاء القرية وكانت تصاحبه المزامير
والطبول التي تدق بصخب ويطول الوقوف أمام جميع المنازل المسيحية بالقرية أجمعها .
ويرد المشيعون ل إله إل ال محمد رسول ال في هتاف أقرب إلى هتاف جنودنا في حرب
السادس من أكتوبر … الجميع يتشاركون ويتقاسمون الدوار ،الطفال يتسابقون في قذف النوافذ
الزجاجية بالحجار بوابل ل ينقطع إلى ما هو أكثر حدة واستفزاز من ذلك والمسيحيون لم يجرؤ
أي منهم بالقرية كلها على الخروج وكأنهم أعلنوا الحداد بعد فوات الوان .
وغاص السطى نعيم في نعيم الحياة الجديدة فعاش أحلى وأسعد أيام حياته إذ قد تدافع الناس على
طلبات عدة وتكاثرت زبائنه وأعيد طلء المحل له مرة أخرى وعلقت على جدرانه اليات
القرآنية وتم تغيير اسمه من " نعيم شنودة " إلى " محمد عبد ال " وكان كلما ذهب للمسجد للصلة
يقابل بحفاوة البطال واستقبال الفاتحين .
ولم يدم فرح السطى نعيم طويلً ولم تكن فترة سعادته توازي المساحة التي اخترقها بداخله
بترك دينه .فبعدما حصلت الحارة منه على ما تريد … بدأ رجال الحارة يعاملونه على أنه
مواطن درجة خامسة فكان كلما ذهب يشكو لحد شيوخ الحارة يطلبون منه الصبر ومحاولة تفهم
الموقف .
وبدأ إتجاه محمد نحو السلم يفتر ..فلم يعد يراه أحد يذهب للمسجد كما كان ولم يعد يقابل
بالحفاوة البالغة كما كان بالسابق .
وكلما مررت من أمام محل محمد عبد ال ل تجد لديه من السلم سوى بعض اليات القرآنية
المعلقة في أرجاء المحل وأيضا هذه البقعة الدماغية السوداء التي تتوسط جبهته تعبيرا عن
مداومته للصلة ،ولكنها لم تشفع له لدى أهل الحارة الذين لم يكونوا على استعداد لمناصرة
الدخيل الجديد على ابنهم الصيل وهكذا إلى هنا أسدل الستار على قضية محمد عبد ال الذي
نحل جسده وبدا عليه الشحوب كمن يحمل كل مشاكل العالم وأخذت فكرة النتحار تداعب
السطى " نعيم " -أقصد محمد عبد ال -كثيرا كما كان يصرح مرارا بأن حال النتحار كان
أهون عليه مما رآه ولمسته أحاسيسه من مهانة وازدراء .
وبينما أهل القرية عامة والحارة على وجه الخصوص منفكين ل يتحدثون في تجمعاتهم إل عن
قضية السطى نعيم حتى بدت تسري في القرية والحارة معا شائعة مدوية لها أثر النار في
الهشيم تقول هذه الشائعة أن شابا من القرية كان صديقا لخر مسيحيا وكان يدرسان معا في
الجامعة ويسكنان معا في المدينة الجامعية للطلبة وأن ذاك الشاب المسلم قد أصبح مسيحيا .
بقي لنا أن نعرف أن شائعة مثل هذه تحمل في ذاتها احتمالت اليقظة لكل عداوة واضطهاد دفين
في كل من الفريقين الذين من كثرة ما اعتدت على رؤية مواقعهم الحربية أصبحت قاب قوسين
أو أدنى من تصديق فكرة أزلية هذا العداء .
وبمرور اليام كانت تلك الشائعة تزداد وتنتشر بقوة … ولكن ما هي قصة هذا الشاب ؟!
- 33 -
حارة النصارى
هناك في منتصف الحارة تماما يقع منزلً من أعرق وأقدم وأجمل وأثرى بيوت الحارة ،هذا
المنزل يمتلكه الحاج علي عبد الرحمن وهو من أكبر التجار المعروفين ليس بالقرية ول بالحارة
فقط ولكن في البلدة بأسرها وكان من المقربين للصف الول من عتاة السياسة وأصحاب مقاليد
المور في بلدتي .
كان للحاج علي عبد الرحمن ولدان وإبنة صغيرة ،الولد الكبر وهو عماد والثاني وهو " عبد
الرحمن " صاحب شائعة التنصير
بدأت معرفتي بالقصة وتفاصيلها يوم أن جاء الحاج علي عبد الرحمن لوالدي بمنزلنا وهو على
مقربة البكاء وسرعان ما شرع فيه عندما بدأ يتكلم وهو يشتكي لوالدي .
مالك يا حاج علي كف ال الشر خير ؟ ـ
الكلم اللي مالي البلد عن ابني ده صحيح يا حاج ـ
عرفت إزاي يا حاج علي ـ
أمه وهي بتفضي شنطته علشان تغسل هدومه لما رجع من الجامعة لقيت كتاب غريب زي ـ
المصحف فوريتهوني فلقيته إنجيل يا أبو أحمد … والواد كمان ما بقاش يصلي خالص أعمل ايه يا
حاج دي فضيحة كبيرة ومصيبة من عندك يا رب
أصبر يا حاج كل مشكلة وليها حل المهم دلوقتي نعَرف المسيحيين إن الكلم ده محصلش ـ
ول حاجة … عشان نعرف نرفع راسنا في الحارة .
ـ هاتعمل إيه يا حاج
العمل عمل ربنا لكن اسمع يا أبو عبد الرحمن إنت دلوقتي تروح تقعد في دكان فيصل ـ
الحلق وهو عنده أخبار البلد كلها واعرفلي بالضبط منه موضوع ابنك .
( نفذ أبو عبد الرحمن وصية والدي وعاد إليه قائلً ! )
أيوه يا حاج ..أيوه ..حتى المسيحية بيسألوا الحلق إن كان الواد اتنصر ول ل ؟! ـ
بص يا حاج لما ييجي عبد الرحمن من الجامعة يوم الخميس الجاي قوله الحاج عاوزك ـ
وهاته وتعالى .
وفي يوم الخميس جاء عبد الرحمن ووالده إلى والدي بعد المغرب وسأل والدي عبد الرحمن
قائل له قوللى يا عبد الرحمن :
إنت صحيح بقيت مسيحي يا عبد الرحمن ؟ ـ
يا عم الحاج دي حاجة تخصني أنا لوحدي والدين هو العلقة اللي بين النسان وربه ودي ـ
خصوصيات وأنا ما حبش حد يتدخل في خصوصياتي
( ثار والدي )
خصوصيات إيه يا دكتور هي الفضيحة عندك خصوصيات ..هو لما نمش وروسنا في ـ
الرض خصوصيات ..هو ده اللي إنت اتعلمته في المدرسة والجامعة ..هي الخصوصيات قالتلك
- 34 -
حارة النصارى
خلي أبوك يمشي مكسور في الناس .قسما بال العظيم ثلثة بال العظيم إن الكلم ده لو كان من
عيل من عيالي لقطعت رأسه دلوقتي حالً .
( واستطرد والدي بعدما وجد الحاج علي غير مدفوع على إبنه )
بص لبوك اللي وشه بقى زي الطين ول أمك اللي هتموت من ساعة ما عرفت وأهي ل ـ
بتاكل ول بتشرب ..حرام عليك هي دي وصية ربنا بالب والم
واستمر حديث والدي في هذا التجاه الذي كان يقابله عبد الرحمن دائما بالتجاه المغاير بالحديث عن
ال وعلقته بالنسان وخصوصية هذه العلقة بعيدا عن كسر السرة في الرض أو موت الباء
والمهات .وأمام اصرار عبد الرحمن ولباقته عرض عليه والدي أحد أمرين :
بص بقى يا عبد الرحمن أفندي إما إنك تعزل إنت وأهلك من الحارة وتبيعوا البيت بتاعكم ده ـ
كمان يا إما تحط الجزمة في بقك وتخلي يا سيدي علقتك بربنا بتاعتك دي تنفعك وليك لواحدك
وعن شرط تيجي كل جمعة للجامع عشان يشوفك كل أهالي الحارة ويفهموا إنها إشاعة ومش بجد
وقدامك أسبوع واحد وترد علىَ وإل قسما بال العظيم لهد بيتكم بجرار أو أولع فيه النار إحنا
مش مستعدين نبهدل كرامتنا ونحط روسنا في الطين عشان واحد زيك يا دكتور .
وانصرف عبد الرحمن ووالده من منزلنا وقد كان موقف عبد الرحمن صعب التنبؤ به فهو شخص
يحمل وجه خالي من النطباعات ولكن يغلب عليه العقل والحكمة أكثر من النطباعات .
وما لبث أن مر يومان حتى جاء يوم الجمعة حاملً معه عبد الرحمن ووالده وأعلن عبد الرحمن
موافقته على الحل الثاني فطلب منه والدي الحضور إليه قبل الصلة بساعة ليصطحبه معه إلى
المسجد وكان والدي قد أعد " زفة " لعبد الرحمن لكي يجد عن طريقها أهل الحارة بأنه لم يزل
مسلما فألبسه والدي
" الطاقية البيضاء والشال البيض " وقد أمسكه مسبحة في يده وعند خروجهما من المنزل دوت
زغاريد النساء وبدأن يوزعن الشربات والبعض منهن كن يهتفن هتافات موجهة للمسيحيين .
وهنا فقط وبعد طول انتظار تجرأ أحد المسيحيين من سكان الحارة وكأن كلمة السر " إمرأة " فخرج
هذا المسيحي ووقف على باب منزله وصاح قائلً :
ما هو مش معقول يا خونا في الرايحة وفي الجاية تفضلوا تشتموا فينا وتخبطوا على بيوتنا ـ
إحنا مالنا .ماللي يسلم يسلم واللي يروح في ستين داهية يروح إحنا عملنا غيه يعني لكل ده ؟
أمال إزاي بيقولوا النبي وصى على سابع جار وأنا أول مش رابع ول خامس جار حرام عليكم
بقى … انتم يعني عوزينا نمشي من هنا ول إيه ؟
رد عليه أحد رجالت الحارة لمسلمين
أيوه يا سيدي النبي وصى على سابع جار لكن على الجار المسلم مش الكافر النجس اللي ـ
زيك استريحت يالل بقى لم نفسك وخش بيتك أحسن لك
يعني لو ما دخلتش ها تعمل إيه هتضربني ،اتفضل تعالى خدلك قلمين !! .. ـ
وكادا يشتبكان لول فصل بينهما بعض من أهالي الحارة وما أن بدأت تخمد روائح هذا الشتباك إل
وقد إنطفئت معها نيران شائعة عبد الرحمن وبدأت تنزوي رويدا رويدا حتى لم يعد أحد يذكرها
واستمر عبد الرحمن في الذهاب إلى المسجد كل صلة جمعة حتى ترك الحارة هو وأسرته .ول
- 35 -
حارة النصارى
تعلم إلى أين ذهبوا وهكذا أسدل ستارا آخر على رواية أخرى من روايات حارتنا حارة النصارى …
… التي تنسدل فيها ستائر وقائع عديدة ل تكون ستائر نهاية ولكنها ستائر تعلن عن نهاية بعض
الفصول الولى من مسرحية طويلة .
وكالعادة التي تفوق أيادينا -عادة مرور عجلة الزمن بدون توقف -بدأ الزمن يلعب دوره في
تشكيل ملمحي سواء الجسدية أو الفكرية أو النفسية فانتفت عن أفكاري البراءة التي خلعتها علي
نفسها طيلة فترة كبيرة من حياتي وفقدت سذاجة السئلة البسيطة التي أبحرت فيها جزء كبير من
حياتي .
فكما أشرت سابقا أن البناء الجديد الذي لم يعد اليوم جديدا ( المسجد ) الذي بنى كرد فعل سريع لذلك
البناية الوافدة إلينا ( الكنيسة ) ،قد بدأ يؤتي أول ثمار أو بذار للفتنة في داخلي بدأت تتولد بفعل تلك
الدروس التي كانت تبث في أذني سواء إن كنت حاضرا الدرس نفسه بالمسجد أو أنا في منزلنا أو
أنا قادم من طرف الحارة المهم أن هذه الدروس قد ملت آذاني الخارجية والداخلية المر الذي
دفعني عند أول حضور لي في هذا المسجد لدرس بين دروس المغرب كان يقوم بالتعليم فيها الشيخ
عبد الجليل صاحب الكتاب فوجدتني أسأل
يا سيدنا هو إحنا ليه بنعمل كده مع النصارى ؟ ( كانت " كده " هذه معلومة لدى سيدنا بل ـ
لدى الحارة بأسرها )
لسه بدري عليك من الموضوع ده يا سيدي !! ـ
( مندهشا ومأخوذا بالعجب ) ل مش بدري أنا كبرت ولزم أعرف إن كان صح أشارككم ـ
وإن كان غلط يبقى حرام عليكم
آه … طيب يا سيدي مدام عايز تعرف ـ
أيوه ال يكرمك يا سيدنا ـ
يا بني إحنا بنعمل كده من دماغنا ول فيه حاجة بينا وبينهم لكن ده أمر ال ولزم نطيع ربنا ـ
ربنا أمر بكده يا سيدنا بجد ؟ ـ
أيوه ـ
فين ؟ ـ
قال ال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة المائدة آية ( 51يا أيها الذين آمنوا ل ـ
تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فهو منهم )
لكن يا سيدنا في آية برضه بتقول ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين ـ
أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وهم
ل يستكبرون )
أيوه يا بني دي برضه في سورة المائدة آية 82والية صحيحة وكلم ربنا زي السيف لكن ـ
بص الية وشوف بتقول إيه ؟
بتقول إيه يا سيدنا ؟ ـ
ربنا بيقول إنهم أهل مودة وده صحيح لكن ده لما كانوا متواضعين ومش مستكبرين ـ
- 36 -
حارة النصارى
لكن يا سيدنا النصارى اللي في الحارة ناس طيبين ومش مستكبرين أبدا ،ده حتى ما ـ
بيطلعلهمش صوت ويمكن إنت كمان حاسس بكده برضه … صح ؟
إنت عارف يعني إيه الستكبار اللي في الية يا بني ؟ الستكبار اللي هنا مش زي اللي إنت ـ
فاهمه ..ل ده الستكبار هنا هو استكبار العبادة لنهم استكبروا ورفضوا يؤمنوا بسيدنا محمد
عليه الصلة والسلم وعشان كده أمرنا ربنا بأننا ما نصاحبش حد فيهم ول نديهم وش عشان
يعرفوا إنهم كفار ومشركين ولو في البلد دي إسلم حقيقي وبجد دول كانوا لزم يدفعوا الجزية
غصب عنهم أو تتقطع رقابيهم عشان ربنا بيقول في كتابه العزيز في سورة التوبة آية ( 29قاتلوا
الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )
لكن يا سيدنا مين اللي قال إنهم مش بيعبدوا ربنا ول بيؤمنوا بيه ؟ ـ
إله مين ده يا بني هما دول ليهم غله ..دول بيقولوا إن سيدنا عيسى عليه السلم هو ربنا ـ
شوفت الكفر دول مجانين ده لول الملمة كنا حرقناهم بنار يا شيخ
معقول بقوا بيقولوا إن سيدنا عيسى هو ربنا ؟ ـ
يا خبر إسود ! دول يستاهلوا أكتر من اللي بيجرالهم ال يفتح عليك يا سيدنا . ـ
وفي أثناء هذه المناقشة تحديدا بدأت تتأصل بداخلي كراهية شرعية تجاه النصارى بل وألتمس
العذر لوالدي ولكل سكان الحارة لكل ما كانوا يصنعونه مع أي مسيحي فقد خرج الموضوع عن
التماس النساني الذي يصعب على فيه رؤية اضطهاد المسيحية بل أصبح هناك مشروعية بل
وقداسة لي عمل عنيف موجه لهذه الطبقة من البشر التي تأله بني ال وتجعل منهم آلهة .
ثم أن استطردت الحديث مع سيدنا
على الكلم اللي إنت بتقوله ده يا سيدنا نبقى إحنا على حق والنصارى على باطل مش كده ـ
برضه ؟
أيوه طبعا ـ
طب إزاي نخليهم يحسوا أو يعرفوا إنهم على باطل ؟ ـ
هما عارفين كل حاجة وفاهمين كل حاجة لكن الستكبار بيمنعهم م العتراف ..دول مية ـ
من تحت تبن ..كهنة ..
يعني إحنا ممكن نرغمهم على الحساس بأنهم مشركين وكفار وإن مش من حقهم إنهم ـ
يعيشوا لن ربنا بيقول ( إن الرض يرثها عبادي الصالحون ) وهي مش كده .
إنت عايز تقول إيه ؟ ـ
دلوقتي مش ربنا حدد لنا عيدين هي العيد الصغير ( عيد الفطر ) والعيد الكبير ( عيد ـ
الضحى )
أيوه !! ـ
يبقى ليه نسمح للنصارى إنهم يبتدعوا أعياد جديدة من عندهم ـ
واحنا هنعملهم إيه ؟ هنمنعهم إزاي ؟ ـ
- 37 -
حارة النصارى
ما أقصدش نمنع خالص ..ول إحنا نقدر نرغمهم .إنهم ما يشتروش ول يلبسوش هدوم ـ
جديدة لكن اللي أنا عايزه حاجة تانية
أيوه ( وقد نفذ صبره ) إيه يعني ؟ ـ
يوم الحد الجاي بيقولوا عندهم عيد معرفش اسمه إيه لكن أنا سامع الناس بيقولوا إن فيه ـ
عيد
إحنا ممكن نبوظ عليهم فرصتهم ونخليهم يحسوا إن مفيش عيد غير عيدنا … إحنا هنقول ـ
لصحاب الدكاكين اللي في الحارة إنهم يقفلوا محلتهم اليومين بتوع العيد الحد والثنين فالعيال
مايلقوش حته يشتروا منها اللعب والبلونات والزمامير فيقعدوا في بيتهم إيه رأيك يا سيدنا ؟
ال ينور عليك يا بني يحميك لشبابك ؟! هي دي الشباب اللي غيرانة على دينها ..ما هو ـ
صحيح ابن الوز عوام
يعني موافق يا سيدنا ـ
أيوه طبعا ـ
وبالفعل قد تم التفاق عليه ففي يوم الحد صباحا فوجئ الطفال النصارى بكل المحلت المغلقة
وظلوا وقوفا منتظرين ليشتروا ألعابهم ولكن لما طال انتظارهم عادوا من حيث أتوا كل إلى منزله
حاملين أشياء غير التي كانوا يبتغون ..عادوا بدموعهم تلك التي كنت بدأت أبتغيها ..فيا لشدة
سعادتي بهم وهم يبكون ويا لهذا الفرح الذي انتابتني وأنا أفسد عليهم فرحتهم بعيدهم المبتدع ..ولكن
بعد أن انتهى اليوم وخيم على الحارة السكون الرهيب الذي يغلفها في كل أيامها ..وعندما استفردت
بنفسي بداخل حجرتي ..تذكرت مشهد دموع هؤلء الطفال وأنبت نفسي كثيرا ولكن ما كان يعنيني
على هذا التبكيت هو أنني أفعل ذلك لكي يعرفوا الله الحقيقي وأن يتوبوا عن ابتداعاتهم .وفي
صباح يوم من أيامي في حارة النصارى استقبلت صباحي كسيح الرجاء في كوني أستطيع قلب كل
نظام الحارة وحدي ولم تمهلني الحداث كثيرا إذ سرعان ما كان يذاع في الحارة عن وفاة أحد
رجالتها الفاضل والمعروفين الحاج أحمد وكان لدينا بالقرية مكانا يطلق عليه دار مناسبات يقام
فيه مثل هذه المناسبات وفي المساء وقف أهل المتوفى يتلقون فيه العزاء كعادتنا وجاء ثلثة من
النصارى لتأدية واجب العزاء فاستقبلهم الرجل استقبالً حسنا وأجلسهم في أماكنهم ولكن على غرار
ما دائما يحدث في حارتنا أن تسير الحداث دائما في اتجاه معاكس طلب والدي أثناء جلوس الثلث
نصارى من المقرئ أن يتلو علينا ربع من سورة المائدة وأخذ المقرئ يتلو إلى أن وصل إلى الية
( 17لقد كفر الذين قالوا أن ال هو المسيح إبن مريم ) وسرعان ما تتكرر مرة أخرى في الية 72
وبمجرد أن سمع الرجال المسيحيون ذلك حتى تصببوا عرقا وبدا عليهم الخجل ..ولكنهم تماسكوا
وجلسوا حتى ينتهي المقرئ من التلوة .وعندما تكررت مرة أخرى بفعل العادة في التجويد صرخ
الشيخ عواد المهووس :
ال ..ال ..ال يا عم الشيخ قول كمان ال يفتح عليك .قول كمان أصل التكرار يعلم . -
هنا وقف النصارى الثلث وقالوا :
ال يكرمك يا شيخ ( ثم رد الثاني ) ـ
كتر خيرك ( فرد الشيخ عواد ) ـ
- 38 -
حارة النصارى
خيركم سابق يا خويا إنت وهو ..هو في إيه هو اللي على راسه بطحة بيحسس عليها ول ـ
( رد ثالثهم ) إيه
حسن ملفظك يا شيخ عواد ..دي جنازة ..واحترم المكان يا شيخ وهنا تدخل أهل المتوفى ـ
ووبخوا الشيخ عواد وقبلوا رؤوسهم في سلوك هو الول من نوعه في حارتنا ومن مسلميها ..
والحقيقة ما من أحد تجرأ على العتراض عليه .
ولكن كان هذا السلوك خاص بموقف بعينه ولكن الحقيقة هو أن الموقف العام من النصارى بديهي
ومعروف ومترجم بداخل جميع مسلميك يا حارة النصارى .
ل شك في أن الغموض الذي يكتنف نصارى حارتنا في العبادة إذ أنه محجوب عنا قد أرثنا بعض
الساطير حول ممارسة الدعارة بدون حرج بين حوائط الكنيسة أثناء الحتفال بعيد رأس السنة في
منتصف الليل وأصبحت هذه القصة ..قصة حقيقية في رؤوسنا جميعا واستهوت هذه الفكرة بعضا
من شباب الحارة ممن هم ل ميول دينية لهم فقرروا أن يدخلوا الكنيسة في تلك الليلة تحديدا لينعموا
بلمسات تروي ظمأ احتياجهم الذي تولده برودة طين منازلنا ..واتفقوا على أن يدخلوا الكنيسة على
أن يتابع كل منهم فتاة ويدخل في إثرها وعند انطفاء النوار التي نظل في حالة انطفاء لقل من
عشرة ثوان معلنة عن انقضاء عام آخر في حياتنا على هذه الرض وسرعان ما أمسك كل منهم
بفتاته فصرخن وتجمع الناس حولهم واقتادوهم إلى نقطة الشرطة وهناك عرف أولياء المور
النصارى أن الشباب الذين اقترفوا هذه الفعلة هم من المسلمين وما كان من مأمور النقطة إل أن
أطلق سراحهم في صباح اليوم التالي وأخذ عليهم التعهد بعدم تكرار الواقعة ..ومرت كواقعة عابرة
..
ومررنا جميعا بمشاهد ووقائع وأحداث عديدة جدا في حلبة الصراع البدي بين قطبين كل منهما
يريد البقاء إلى النهاية ..والنهاية كما أعرفها أنا وتعرفها أنت ،لمن ستكون !! ولكن لبد من أن
تدور الدائرة دورتها ..
فلقد كان بقريتنا كسائر القرى المجاورة ظاهرة بدأت تنتشر وكانت من الظواهر التى أفادت قرانا بعد
طول سنين وهى ظاهرة الهتمام بالصحة العامة متمثل فى إنشاء الوحدات الصحية الريفية …التى
تقدم الرعاية الصحية المجانية لهالى القرية .
وفى ذات يوم قامت الحكومة بتعيين طبيبا مسيحيا بهذه الوحدة الصحية وكان من خارج أهالى القرية
… زادت شهرته بازدياد عدد أيام إقامته بالقرية وكان مثار حديث الناس فى القرية بأسرها عن
مهارته وأخلقه … ولما كان هذا الطبيب ذائع الصيت _ رغم أنوفنا جميعا ( الغائرين على الدين )
_ رجل مسيحى … فكرنا واتفقنا على ضرورة إرغام هذا الطبيب على الرحيل … كان منشأ الفكرة
" شيوخ حارتنا " الفاضل فتقدمنا بشكاوى لمركز الشرطة عن بعض المخالفات من الطبيب لقوانين
مهنته " شكاوى كيدية " وليس لها أساس من الصحة وكان أنه فى كل مرة يتم فيها التحقيق بهذه
الشكاوى ل يدان فيها … ثم أن تحفظ …!!
الى أن قررنا الجتماع بالمسجد ذات ليلة للتفكير فى طريقة لزاحته عن قريتنا … ثم أن هبطت
علينا فكرة ذات أبعاد دراماتيكية وصفناها آنذاك بأنها الفكرة التى هبطت علينا من السماء …
فأحضرنا فتاة ممن يتمتعن بسمعة سيئة لدى القرية ومعروفة للشرطة كذلك ولقاء مبلغ من المال
اتفقنا معها على صياغة الفكرة وبداية تنفيذها .
- 39 -
حارة النصارى
فوجئ الطبيب فى ساعة متأخرة من الليل بالحاج " محمود أبو السيد " يصطحب فتاتنا الى مسكن
الطبيب الخاص مدعية المرض … وما كان من الطبيب إل أن دعاهم للدخول بسرعة وأثناء ذلك
انسحب الحاج محمود خارجا بحجة الذهاب الى أهلها لطمأنتهم وأثناء قيام الدكتور بالكشف على "
ناهد " أخذت تصرخ بأعلى صوتها وتدعى بأن الدكتور قد قام بمحاولة للعتداء عليها … برعت
فتاتنا جدا فى تصوير وتجسيم فكرة العتداء المصطنعة تلك … وكنا قد سبقناها لبلغ الشرطة …
لكى تلحق بهذا الجرم الخلقى الذى سيودى بهدوء القرية … والذى سيشعل نار الفتنة بين الطائفتين
… المر الذى دفع برجال الشرطة لن يتحركوا سريعا على غير المعتاد والمألوف .
و بالطبع كنا نحن تحت المنزل مباشرة وما أن سمعنا صوتها حتى دخلنا بكسر باب المسكن وطلبنا
من الدكتور أن ل يتحرك من مكانه حتى يأتى رجال الشرطة .
عندها دخل ضابط " المركز " الهمام الى شقة الدكتور فوجد " ناهد " فى حالة يرثى لها … تبكى
وهى عارية تماما … وعندما سألها ضابطنا قالت :
أنا يابيه … جيت هنا مع عم الحاج محمود أبو السيد باشكى من مغص فى معدتى ولما قاللى ـ
ادخلى اقلعى هدومك دخلت الوضة وأنا مش عارفه إن دى أوضة النوم يابيه … ماكنتش أعرف يا
بيه انه هيعمل كده ( وأخذت تولول وتصرخ )
" الضابط وهو يرد عليها " خلص بقى يابت يعنى هو انت أول مرة … ـ
" مقاطعة اياه " أيوه ياباشا بس مش بالغصب مش بالعافية … وبعدين ياباشا بص شوف ـ
عورنى ازاى وهو بيقلعنى غصب عنى … ( كانت هذه الجروح أثناء قيام الدكتور بمنعها من تمزيق
ملبسها ومحاولة اليقاع به )
وما كان من رجال الشرطة إل انهم اقتادوه " للمركز " وعندها عند بداية التحقيق الرسمى طلبنا
جميعا ـ من حضروا وقاموا بالتنفيذ ـ كشهود … وبالطبع أجمعنا أننا أوصينا الحاج محمود أبو
السيد أن يصطحب الفتاة الى مسكن الدكتور حيث أن الفتاة ليس لها إل أخ صغير وتعيش مع والدتها
وما أن جاء إلينا الحاج محمود حتى وصلنا صراخها الذى دوى بالقرية كلها واندفعنا جميعا نحو
منزل الدكتور " رياض " يغلف اندفاعنا صراخها المستغيث الذى ل يتوقف الى أن أعاننا ال على
كسر باب الشقة … فوجدنا دكتور رياض جاثيا عليها فى محاولة الى تقبيلها عنوة … فجئنا إليكم
على الفور … كانت هذه هى شهادتنا جميعا .
ولم يستطع الطبيب أ يتفوه بكلمة واحدة من فرط اندهاشه … عندها والحمد ل تم فصل الطبيب من
مهمة الشراف على الوحدة الصحية وتم نقله الى مكان آخر وعند خروجه من القرية كانت غالبية
سكان القرية يبكون عليه إل حارتنا " حارة النصارى " !!
بدأ والدى مع اليام يطعن فى السن ويفتر حماسه وتقل حركته وفى نفس الوقت بدأت بعض العائلت
المسيحية ترحل عن الحارة نتيجة الضغط الواقع عليهم إما ببيع منازلهم أو تركها مغلقة ول شك أن
هذا قد شجعنا على الستمرار والتطوير فى طرق اليذاء !!
- 40 -
حارة النصارى
وبدأت اليام تمن على بظهور مشجع لى حال محل والدى فى هذه النقطة وهو ابن عمى الكبر سنا
منى … تخرج فى الزهر وقد عمل لفترة طويلة " إمام " مسجد و " خطيب " لحدى مساجد الدول
العربية ( الردن ) … وأخذ يشجعنى على القراءة فى الفكر السلمى والتعمق فيه … بارك كل
سلوكى ضد النصارى … بدأت بالفعل أشترى بعض الكتب لكبار الئمة واستهوانى بالطبيعة البحث
فى علقة الدولة السلمية بالنصارى وبأهل الكتاب بصفة عامة … ووجدت ما فعله النبى " محمد "
مع " يهود بنى قريظة " عندما حرق مزارعهم وسبى نسائهم وقتل رجالهم … وتعاهدت مع نفسى أل
أخالف سلوك النبى معهم …فالمشكلة واحدة ولكن الفارق الوحيد بيننا فى حارة النصارى وبين نبينا
فى يهود بنى قريظة هو أنه كان يتعامل مع اليهود أما نحن فمع قطب آخر من أهل الكتاب هم
النصارى … ولكنهم فى الكفر سواء فل فرق بينهم إطلقا .
بدأت علقتى بابن العم تتطور انطلقا من كوننا شباب غيور على دينه واسلمه وأخذنا نجمع من
الشباب ما نقدر عليه ممن لديهم ذاك الحس الدينى المرتفع ونفس الغيرة حتى أصبحنا ما يشابه
الجماعة … عاهدنا بعضنا البعض وعاهدنا ال على إكمال المسيرة التى بدأناها حتى طرد آخر
مسيحى وتطهير حارة النصارى نهائيا من جميع مسيحييها .
وبالطبع فلن ينجح هذا التخطيط ول هذه المعاهدات بدون أهل الحارة ومساعدتهم فأحيانا كنا نخطط
وأهل الحارة يقومون بالتنفيذ وفى مرات أخرى نقوم نحن بالتخطيط والتنفيذ .
وكان من أحد مرات التنفيذ الذاتى أن كان من بين المسيحيين واحدا يمتلك أرضا زراعية تجاور
أرض رجل من الحارة من المسلمين من أصحاب الدم الحار وكان معروفا بشره وسرعة غضبه
وإثارته للمشاكل … فكان المسيحى يمتلك " مسقاة " يروى بها أرضه عن طريق " ……… " التى
تقوم بدورها فى سحب المياه من الترعة المجاورة وقررنا أن يذهب ليل أحد أفرادنا ونفتح المياه
على أرض الرجل المسيحى من جهة أرض الرجل المسلم وعندما يبدأ المسيحى فى الرى تندفع
المياه فى أرض المسلم فنسرع عندها ونخبره بذلك … وعندما تأكدنا من اندفاع المياه نحو أرض
الرجل المسلم أسرعنا بإخباره … وعندما علم أسرع حتى من دون أن يكمل ملبسه .
وحمل فأسه وجرى كالبرق … فوجد أرضه غارقة … ولم يكن صاحبنا المسيحى يعلم شيئا عن
ترتيبنا هذا فكان أن وجد الرجل المسلم ينهال عليه ضربا بالفأس فشق رأسه وتسبب له فى عاهة
مستديمة … وفى المركز وعند بداية التحقيق … طلبنا عم عمر صاحب الرض المغرقة للشهادة …
فقلنا شهادتنا بأن سعد المسيحى قد فتح المياه على غيط عم عمر من القناية القريبة على أرضه
فأغرقها … وتم تصعيد الموضوع الى النيابة التى أمرت بخروج عم عمر بكفالة ما لم يتوفى سعد
المسيحى .
أو تظنون أن هذا كذب ؟ حاشا ل … إن هذا الكذب مباح بنص حديث رسول ال " ثلثة أحل ال
فيهم الكذب ( الحرب ،الرجل وامراءته ،الصلح ) وبما أننا فى حرب مع أهل الكتاب حتى يسلموا
… فمباح هو الكذب … فل تقرروا أرجوكم أنه كذب ولكن هناك أسباب قامت عليها أفعالنا …!!
وكان رد فعل النصارى ل يحتاج الى رصد كالمعتاد فرد فعلهم السلبى الممتد على طول دهر أحداث
حارتنا كما هو مما جعلنى أؤكد دعوى أنهم ليسوا على حق مطلقا !! أو تتفقون معى … لو كانوا
على حق لكانوا دافعوا عن أنفسهم ولو باللسان وهذا أضعف اليمان …!! أقسم أنهم لو كانوا فعلوا
- 41 -
حارة النصارى
لحترمتهم … ولكنهم كانوا فى حالة ثبات ول يديرون بال لكل ضربة وأخرى … حتى عندما قررنا
أن نكتب على جدران منازلهم " إن الدين عند ال السلم " وكذلك " لقد كفر الذين قالوا أن ال هو
المسيح ابن مريم " … فلم نجد فى أى من المرتين أى أصداء فى الحارة سوى أصداء فرحتنا
بإحراز تقدم جديد …!!
وفى يوم من اليام قامت للنصارى قائمة جديدة فودوا فى شراء منزل صغير منهار ومتهدم منذ زمن
بعيد هذا المنزل هو المنزل الملصق للكنيسة مباشرة فرغبوا فى شراءه لتوسعة الكنيسة … وهبت
الحارة عن بكرة أبيها واستطاعوا فى أقل من أربعة وعشرين ساعة أن يقوموا بجمع تبرعات …
مبلغ لشراء ذلك المنزل … ثم تركوه بل وتعمدوا إلقاء القمامة به والكثر من هذا هو تجميع بقايا
ومخلفات محل جزارة عم عبده والقائها فيه المر الذى يجعل من المكان مكانا ل يطاق … مما
أثارهم بشدة فل هم استطاعوا شراء المنزل ول هم قادرين على الستمتاع المصطنع الذى يقومون
به فى الكنيسة من فرط شدة الروائح المنبعثة باستمرار من ذلك المكان … !!
واستمر الوضع هكذا الى نهاية السنة الثمانين من القرن الماضى عندما فقدت الحارة رجالتها وفقدت
من نخوة رجالها الجدد من نحو دينهم وغيرتهم عليه … فلقد باعوا المكان وأقيم محله " مينا للملبس
الجاهزة " لرجل مسيحى من خارج القرية !!
وعلى الرغم من ذلك إل أن حصارنا لحارة النصارى قد نجح نجاحا ملحوظا لدرجة أنك تستطيع
بسهولة أن تلحظ السكون الذى يخيم على منازلهم فى العياد مثل … إذ قد بدؤوا يرحلون الى
المدينة البعيدة فى العياد بعدما تأكدوا تماما بأنه لن يكون لهم عيدا بالحارة مطلقا مدى الحياة أو
على القل مادمنا بها وطالما أبقوا على نصرا نيتهم .
كانت قريتنا تحظى بمدرستين ابتدائيتين فقبط … وكانت إحدى هاتين المدرستين بالقرب من حارة
النصارى والخرى تبعد عنها مسيرة الكيلو متر لذا كان من الطبيعى أن يلحق الطفال من الحارة "
المسلمين " والمسيحيين بالمدرسة القريبة وكان بالمدرسة اثنان من المدرسين من خيرة أهل الحارة
الذين يتمتعون بغيرة وحمية دينية … وفى أثناء حصة الدين كان المعتاد أن يتم عزل الطفال
المسيحيين فى فصول منفردة حيث كان يأتيهم مدرس من مدينة أخرى … مدرس للدين المسيحى .
وهنا قررنا بأن يقوم أحد أفراد عائلة الحارة بمتابعة هذا المدرس من الحضور الى المدرسة … إذ
كيف يتم تدريس الكفر والشرك فى المدارس وان كانت الحكومة ل تلقى بال فسنقوم نحن بالدور
التى تنأى الحكومة عن القيام به تحت مبرراتها الخاصة وبالفعل تم تكليف أحد الشباب بمتابعة خط
سير المدرس ورصد تحركاته من ساعة حضوره الى ساعة انصرافه وتبين أنه يأتى عن طريق
القطار من مدينة بعيدة تاركا دراجة تقله الى المدرسة لدى عامل البلوك بالمحطة وكان يقل الدراجة
يوميا مسيرة اثنين من الكيلو مترات حتى المدرسة وهنا كان من السهل اليقاع به لتعطيله عن
الحضور فى موعده .
ذهب أحد رجال الحارة الى عامل البلوك بمحطة السكة الحديد الذى لم يكن من أهالى القرية بل من
قرية أخرى مجاورة مسلما عاديا تقليديا وتفاوض معه رجلنا على عدم السماح للمدرس المرصود
بترك الدراجة لديه مرة أخرى ونحن سندفع له ما كان يدفعه ذلك المدرس وتم تحفيزه عن طريق
- 42 -
حارة النصارى
إبراز أنه مدرس يدرس للولد الكفر والشرك فى مدارسنا المر الذى يلهب مشاعر أى فرد ويؤلب
أى " بنى آدم " على آخر …!!
وبدأ عامل البلوك يمنع المدرس من ترك دراجته لديه … ولم يجد المدرس مكانا آخر وكان من
الصعب عليه حملها بالقطار فى كل مرة … فبدأ يتعطل عن موعد حصته ولم ينتظم … ولما علم
أهالى الحارة من النصارى أولياء أمور الطلبة المسيحيين بتأخر المدرس وعدم التزامه وانتظامه
المر الذى ينعكس على سوء تعليم أبنائهم وبعد التقصى وجدوا أنه ل يجد مكان يترك به دراجته
ففكروا وقرروا بأن يتولى أحد شباب الحارة من المسيحيين توصيل المدرس ذهابا وإيابا فى اليام
التى يكون بها حصص دين … وكان هذا الحل غير وارد ول متوقع لنا جميعا
ولكن كل المشكلت لها حلول … فاجتمعنا بالمسجد وتشاور الشيوخ فيما بينهم ونحن بينهم
ومعهم وتوصلنا الى التى :
يقوم شاب بقيادة موتوسيكل بشرط أن يكون من خارج القرية … ويقوم بالتصادم بالدراجة فى
محاولة لتحطيمها وإصابة المدرس ومن يقله .
مقابل مبلغ مجز من المال … وفى أول محاولة … كسرت ساق المدرس وتحطمت الدراجة ولم
يستطع أحد أن يتعرف على سائق الموتوسيكل … وانقطع المدرس عن المدرسة لمدة شهر كامل
… فكان أن قامت إدارة المدرسة بإحضار مدرس آخر لكنه كان يأتى للمدرسة سيرا على القدام
فكان هدفا سهل للتعرض له والعتداء عليه ومنعه نهائيا من الحضور … وبعدها قرر
المدرسون رفض تدريس المادة بالمدرسة تلك !! وعندها تحرك المدرسان اللذان نشارك بهما فى
المدرسة لجبار الطفال المسيحيين على حضور حصة الدين السلمى … لكن أهالى التلميذ
النصارى لما علموا بالواقعة اعترضوا بشدة وكادت تحدث مشاجرة بين الهالي النصارى وبين
أهل المدرس صاحب الفكرة … وفى أثناء ذلك قال السطى " جورج " :
احنا معندناش مشكلة من ان الولد تحضر حصة الدين السلمى خالص لكن مش -
بالعافية … ياجماعة دا احنا مسيحيين أة لكن عندنا المصحف فى بيتنا عشان احنا بنحب
كل الناس … لكن مين فيكم انتم يامسلمين عنده إنجيل ول توراة فى بيته ؟ ( عندها
التقطت الحوار معه وبادرته بالجابة ) :
انت محتفظ بالمصحف فى بيتك لنك عارف ومتأكد انه كتاب ربنا وان فيه هدى ونور -
لكن لو كان انجيلك ده فعل كتاب ربنا احنا كنا شيلناه فوق روسنا من فوق وحطيناه فى
بيوتنا كمان .
عندها شعر السطى " جورج " بأن المر سيتطرق الى مشاجرة كلمية فانصرف .
كان اسم حارتنا مصدر قلق وانزعاج لجميع المسلمين ليس فقط الذين فى الحارة بل جميع القرية
ول يدرى أحد من ذا الذى أطلق عليها هذا السم وكانت هناك رغبة ملحة فى تغيير وإزالة هذا
- 43 -
حارة النصارى
السم من ذاكرة الناس بالقرية وخارجها … وكنا نرى أن الحل هو إجبار سكان الحارة من
المسيحيين على تركها وبرغم النجاح النسبى إل أن السم ما زال قابعا عليها ملتصقا بها
بجدرانها وأذهاننا جميعا حتى المعترضين من وكأنه القدر المحتوم .
وبعد فتة من الهدوء المؤقت … ترامى الى مسامع شيوخ الحارة أن النصارى مزمعين على بناء
برج للكنيسة المأفونة والمدفونة وسط منازل المسيحيين وتعليق جرس به وعكف جميع شيوخ
الحارة على دراسة الظاهرة الجديدة من الناحية الشرعية فوجدوا بعد البحث والتنقيب أنه طبقا لما
تعاهد عليه الخليفة الثالث عمر بن الخطاب عند دخول بيت المقدس مع بطريرك النصارى فى
البند الحادى عشر بأنه ليدق جرس ولترمم كنيسة أو دير ول تقام للنصارى أبراج للكنائس …
فخرجت فتوى الحارة وقالت شيوخ " حارة النصارى " كلمتهم على لسان مشايخها بتحريم ارتفاع
البرج وترميمه ومقاومة ذلك بكل الطرق وقامت الدنيا فى حملة قومية ثنائية الهدف … هدفها
الول هو إثارة الغيرة والحمية الدينية ضد النصارى ووقف تطوير الكنيسة والثانى هو جمع
التبرعات لبناء مسجد عملق ملصق للكنيسة لذاعة القرآن منه ليل نهار للتشويش على
الصوات المنبعثة من الكنيسة أثناء " قداساتهم " وعند بدء التنفيذ ذهب صفوة شيوخ الحارة الى
عضو مجلس الشعب شافعين شكواهم بالتبرير الشرعى من تاريخ الدولة السلمية والتشريعات
التى تحدد تعامل الدولة السلمية مع أهل الكتاب وأهل الذمة … ولكنه لم يفعل شئ … !! ثم
قاموا بإرسال الشكاوى لوزارة الوقاف وشئون الزهر حول نفس الموضوع ولكن كلهم بدون
جدوى .
وهنا كان القرار " اللجوء الى القدرات الذاتية " …… " التنفيذ الذاتى " وعقدت مساء يوم
الخميس جلسة بالمسجد للتشاور حول ما يجب عمله واستمرت الجلسة حتى الفجر … وقد
حضرها لفيف من الشباب الذين يتمتعون بحمية دينية مرتفعة ويحملون فى صدورهم قلوب
غيورة وكنت أنا من بينهم … وتضاربت القوال والراء والحلول وطالت المناقشات وفى نهاية
الجلسة تقدمت بفكرة :
أنا ومحمد وإبراهيم وياسين هنط على الكنيسة من فوق سطح بيت عم " أبو اسماعيل " -
الذى كان حاضرا أيضا معنا ثم الى الكنيسة لحراقها ليكون بهذا أول انذار … نقول فيه
ان احنا مش بنهذر ول بنهدد … !!
واقترعوا على ذلك وفازت الفكرة بالستحسان والغالبية العظمى ممن حضروا الجلسة وتم تحديد
الموعد … وقمنا بمعاينة مبدأية للمكان الذى سنتسلل منه الى داخل الكنيسة ونفذنا " بروفة كاملة
" وفى الموعد المحدد قمنا بتنفيذ العملية تحت هتافات مدوية … وبعد انتهائنا من العملية تعثرنا
فى الرجوع مما أوقع بأحد الفراد فى يد النصارى وتم اصطحابه الى مركز الشرطة وهناك
أخبر عنا جميعا … فطلبنا للمركز وتم حبسنا مدة ثلثة أشهر … عوملنا خللها أفضل معاملة
من جميع رجال الشرطة ضباطا وجنودا الذين تعاملوا معنا كما لو كنا أبطال فاتحين … وبعد
مضى المدة … تم تحرير تعهد من أولياء أمورنا بعدم تكرار ذلك … وكانت المفاجأة عند
خروجنا من المركز فاذ بحفلة استقبال ل تقل جمال أو كثرة من احتفالية المولد النبوى … حملنا
- 44 -
حارة النصارى
على العناق وطافوا بنا القرية كلها محفوفين بالهتافات التكبيرية ( ال أكبر ) والزغاريد وبعد أن
انتهت زفتنا المثالية تم جمع مبلغ كبير من المال لشراء البيت الملصق للكنيسة وهدمه واقامة
مسجد بدل منه وتم ذلك فى زمن قياسى جدا جدا … وارتفعت المئذنة عالية ووضع عليها أربع
مكبرات للصوت إحداها موجه صوب الكنيسة …
كان للحفاوة التى استقبلنا بها عند خروجنا من المركز أكبر الثر فى شحذ هممنا ودافع قوى لنا
للتمادى فى محاربة أعداء ال … ليس فى حارة النصارى فحسب … بل كل أرجاء القرية …
المحافظة … الجمهورية بأسرها …!!
كنا نجتهد فى البحث عن كل نص سواء بالقرآن أو السنة يحدد لنا ملمح علقتنا بالنصارى أو
ان شئت الدقة يقنن أو يشرع لنا علقتنا بهم التى قد بدأت تحدد … وكانت حارة النصارى هى
المفرخ الوحيد لقادة محاربة أعداء ال " الضطهاد الدينى " .
وفى قريتنا كسائر قرى جمهوريتنا المنازل متراصة ومتلصقة بجوارها بعضها البعض وكان
منزلنا الوحيد فى الحارة فى ذاك الوقت الذى يعلو سطحه طبقة عازلة من السمنت تمنع تسرب
المياه الى داخله وكان به " مزراب " لتسريب هذه المياه وكان يجاور منزل الحاج عبده الجزار
منزل رجل مسيحى يدع " صفوت " كان هذا الرجل من المزارعين وفى الصيف بعد جمع
محصول الذرة الشامية يقوم بنثره على السطح بعض الوقت حتى يجف ثم " بقرطه " وبعد ذلك "
يحمصه " ويذهب به الى المطحنة لتحويله الى دقيق … فكنا أنا وابن المعلم عبده الجزار …
نقوم " بحل " الغنام واصعادها الى سطح المنزل لتأكل الذرة … وعندما يذهب لحد أو يأتى لنا
للشكوى يكون قولنا :
دى غنم يا سى صفوت … هى دى بنى آدمين … هنعمل لها ايه !؟ -
ان ماكنش عاجبك … عزل من هنا لبيت مافيهوش غنم هو فى بيت ما فيهوش غنم
ياجدعان ؟!
وكنا عندما يحين فصل الشتاء يتفتق ذهننا عن مكيدة جديدة له ولغيره فكنا نسرب المياه المتجمعة
على سطحنا الى سطح المسيحى المجاور لنا … فتسقط فى داخل منزله … كنا سعداء جدا بل
شك مع كل صيحة وشكوى لى كافر منهم وكان كل بيت فى القرية به ( فرن ) يخبز به العيش
الفلحى ومن ل يمتلك الفرن … كان يخبز بالتفاق مع شخص آخر بالذهاب اليه والخبز عنده
… وكان هذا عرفا شائعا فى القرية كلها يتساوى فى ذلك المسلم والمسيحى .
وذات مرة قررت الحارة منع المسيحيين من دخول منازل المسلمين حتى لخبز العيش ولكن
التنفيذ تم بصورة مؤلمة … حيث أن القيام بالخبيز عمليات " ستات البيوت " وهن اللتى يتعاملن
سويا فى مثل هذه المور … !!
- 45 -
حارة النصارى
جاءت صباح يوم من أيام حارتنا احدى جاراتنا المسيحيات لمى طالبة منها السماح لها بالقيام
بخبز عجينها فوافقت أمى … فذهبت المسيحية الى منزلها تعد عجينها وتجهزه ثم أن جاءت مرة
أخرى تستعلم إذ كان الوقت مناسبا الن للمجئ أم ل ؟
معلش يا أم سعد … " العرسة " بتاعة الفرن انكسرت … حتى أنا نفسى ما خبزتش … -
( لفت نظر أم سعد أن أمى كانت تقوم بادخال أخر خبزتين كانا قد خرجا لتوهما من
الفرن أثناء دخول أم سعد فقالت :
هو احنا كنا مغسلين وضامنين جنة يامو سعد … ول كنا بنعلم الغيب يعنى …!؟ -
وذهبت أم سعد لتلقى بعجينها فى الشارع بعد أن فطنت أن المسألة مسألة اتفاق جماعى من كل
أهل الحارة بعدم دخولهم بيوتنا .
وتستمر أحداث حارتي ..ذات اليقاع السريع ..الذي دائما ما يكون أسرع من تخيلتي
وتصوراتي ..فاجئني اليوم بوفاة والدي ومعظم شيوخ الحارة أخذوا يرحلون في تظاهرية
احتفالية لصالح الموت ولغياب عن اليام الحاضرة ..وتدخل حارة النصارى فترة من أهدأ
الفترات التي مرت عليها لكنها فترة بمثابة الهدوء الذي يسبق ل العاصفة بل العصار ..بدأ
ذلك العصار يوم طلبني والدي قبل حماته بأيام قليلة ..فقد كان يلحظ حماسي واندفاعي نحو
معاداة النصارى المر الذي جعله يجادلني على هذا النحو :
دلوقتي يا بني أقدر أموت وأنا مستريح بعدما شفت بعيني ابني ماشي في طريق جهاده ـ
في سبيل إعلء كلمة ربنا ورسوله ..
وحقا كان قول والدي فقد نجح ليس وحده فقط بل كل الرعيل الول من الشيوخ قد نجحوا جميعا
في إعداد رجال الصف الثاني الذي سار على نفس النهج بأشد جرأة وحماسة وبصورة أكثر
تنظيما .
وبدأنا نحن شباب حارة النصارى رجال اليوم وكبار رجالت الحارة بل تستطيع أن تطلق علينا
رجال البلدة الن ..نخطط من حين لخر للتنكيل بهم في محاولة منا لردهم وروعهم عما
يقترفونه في حق ال ويتركوا غيهم ويتجهوا إلى ال الواحد … ولشد ما كان هذا اليوم الذي
أدعي أنه أسوأ يوم مر على الحارة إذ بدأت عيناي تنفتح على أن الفتيات المسيحيات قد تجرأن
ويخرجن من منازلهن سافرات ..متبرجات ..يا لليوم السود الذي مر بي ..فما كان
باستطاعتهم أن يفعلن هذا وقت كان الرعيل الول من أسود السلم ..شيوخ الحارة على قيد
الحياة ..كظمت غيظي لكن أقسمت أمام ال لنتقمن منهن شر انتقام ولكن يجب علي أولً أن
أعد لذلك جيدا ..وفي حقيقة المر لم يكن سلوك الفتيات المسيحيات في الحارة وحده هو الذي
- 46 -
حارة النصارى
كان يشغل تفكيري بل كان هناك أمر أدهى … إذ كان شباب الحارة من المسلمين قد بدأوا
ولسابقة هي الولى من نوعها يتواجهوا بل أي رادع لمصاحبة شباب الحارة من المسيحيين وها
أنا الن قد اصبح على أن أحارب في جبهتين الولى ضد النصارى أنفسهم والثانية محاولة إقناع
الشباب المسلمين من عدم موالة النصارى بإبراز ذلك أنه ضد إرادة ال ولكن كيف أقوم بذلك ؟
كيف ؟
بدأت أفكر مع مجموعة من الشباب وهم الذين قاموا معي بعملية تخريب الكنيسة في وضع خطة
منظمة ومؤيدة ببراهين من القرآن وسنة الرسول نحو التعامل مع هؤلء الكفرة لنه في الحقيقة
-كما كنا نسكن أرواحنا -ليس بيننا وبينهم شئ ..إل حكم ال لن الرسول أمرنا أل نحب إل
ال ول نكره إل في ال والمسألة التي بيننا وبين النصارى ..هي أنهم كفروا بال ..فكيف نحب
من يكفر بال .
وبالفعل بدأنا نخطط لذلك ولكن تنقصنا الموال فقمنا فيما بيننا بالتخطيط لبعض عمليات السطو
المسلح على بعض من محلت المسيحية في القرية للحصول على المال الكافي وبالطبع لم تكن
هذه سرقة فنحن نقتدي به عملً بقوله :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأني رسول ال ..فإن قالوها عصموا
مني دماءهم وأموالهم ) .وقوله ( قولوا ل إله إل ال تعصموا مني دماءكم وأموالكم ) وكان
سراج سلوكنا نحو أهل الكتاب عامة والنصارى بخاصة هو ما حدث من النبي محمد مع اليهود
في بني قريظة ..حين أخذ أموالهم وأحرق مزارعهم وقتل رجالهم وسبي نساءهم فتلك كانت
معالم الطريق نحو سلوكنا في التصدي للكفرة من أهل الكتاب ..كذلك الطريق اللهي للحصول
على التمويل الخاص لفكارنا .
وبالفعل توفر لدينا مبلغ ل بأس به ..قمنا على أثره بشراء مجموعات من الكتب لمن كنا نعتقد
فيهم الخلص والمانة أمثال " المام أبو محمد بن حزم الظاهري " فقد كانت كتاباته سيفا بتارا
على النصارى والمشركين وقد فتح أمامنا الطريق أمامنا هذا في معرفة كلمات الرسول المنيرة
بإباحته الكذب على العدو وإباحته التخفي بإظهار عكس ما نبطن وأخذت من هنا الحالة بيننا وبين
المسيحيين تدخلً مدخلً جديدا وتتخذ لنفسها محيطا وشكلً مخالفا فكنا في السابق تظهر لهم
العداء علنية لكنا اليوم بدأنا نعتبر نفسنا في حرب مقدسة معهم مباح فيها ما أباحه الرسول ..
فكنا نظهر للمسيحي المحبة والسلم ولكن قلوبنا مليئة بالعداوة والكراهية والنتقام ..واعتقد أن
تلك المرحلة هي التي أنهت الهدوء النفسي لدى المسيحيين ..فقد كانت أقسى وأعنف من أي
فترة سابقة فكنا نتعمد مصاحبتهم حتى يثقوا فينا جيدا ..ثم ننفذ ما أراده ال ؟ ما يسلب أموالهم
أو سبي نساءهم وعلى الصعيد الخر من الحداث ازدادت شكاوي النصارى لدى أقسام البوليس
بشكل ملحوظ التي تحكي عن قصص تعرض فتياتهن للعتداء من شباب مسلمين ..والحقيقة أن
بلغا كهذا كفيل بأن يحرق بلده ريفية كبلدتنا ونسف حارة بسيطة كحارتنا والحقيقة الخرى أنه
كان يصعب على أي مسيحي أن يدرك من هو الشخص الذي كنا ندفعه للقيام بهذه المهمة إذ
كانوا جميعهم من خارج القرية والحارة وكان يرتدون الثياب اللئقة بشباب هذا العصر … فل
يخطر على بال أحد أنه من يلبس الجينز ويربي شعره هذا منا نحن من نلبس الجلباب الواحد ..
خشن الملمس ..زاهدي الحياة ..
- 47 -
حارة النصارى
وكانت تمر كل تلك الوقائع ولم تتمكن الشرطة من اليقاع بأي منهم أبدا … وبهذا فقد بدأت
أحقق بالفعل إنجازات على صعيد جبهة المسيحيين بقيت الن الجبهة الخرى ..شباب المسلمين
الذين يخالون ويصاحبون شباب الحارة الكفرة المسيحيين .
" يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم فلكم
فهو منهم".
إن هذه الموالة في هذا النص هي كل أشكال المحبة والود والعطف والصحيح هو إظهار عكس
ذلك نحوهم مصداقا لقوله صلى ال عليه وسلم ( ل تسلموا على أهل الكتاب ول تبدءوهم بسلم
وإن قابلوكم في طريق فاضطروهم لضيقه ) وفي رواية أخرى ( ضيقوا عليهم الطرقات )
وكذلك قال النبي في تفسير الية 81من سورة البقرة في قوله ( وقولوا للناس حسنا ) أن سبب
نزول هذه الية أن ابن عباس وجد أسد بن وداعة كلما خرج من منزله ل يلقى يهوديا ول
نصرانيا إل سلم عليه ..فقال له بن عباس :ما بالك تسلم على اليهود والنصارى ؟ فقال أسد :
إن ال يقول ( وقولوا للناس حسنا ) فقال له :ليس كما تقول ..كيف ذلك ورسول ال نهي عن
السلم عليهم ..إنما معنى ( قولوا حسنا ) أي أخبروهم بالسلم " ابن كثير .
وجاء في القرطبي كذلك وزاد بأن ابن عباس لما رأي أسد يفعل ذلك قال له :كان ذلك في
البتداء
( في أول السلم ) لكن ال نسخ ذلك بآية السيف … كانت هذه هي مقدمة الملزمة أو المذكرة
التي كنت بدأت في إعدادها لتوزيعها على شباب حارتي من المسلمين وبالفعل فقد جاءت الملزمة
بجزء ..هو بالفعل قليل إلى حد ما ولكنها نتيجة إيجابية على أي حال ..
وبالفعل السحري لمرور الزمن بدا تفكيرنا بتطور اكثر فأكثر وكانت تجربتنا في حارة النصارى
قد صقلتنا جيدا وأكسبتنا خبرة ومهارة ومقدرة فائقة على المناورة في التعامل التحرشي مع
المسيحية … وفي النصف الخير من سبعينيات القرض المنقضي بدأت حملتنا ضد نصارى
الحارة تؤتي ثمارها ..فها هي عائلت غفيرة بدأت ترحل عن الحارة بل عن القرية بأسرها
تاركين خلفهم الكثير ..ولكنهم كانوا يجرون أذيال اللم والحسرة والشروخ الغائرة في الكرامة
المفقودة وسط غابة من الذئاب الضارية … هكذا كانوا يرددون ..ولكن مرارة هذه الجملة في
أذني كانت تذوب عندما كنت أشاهد السيارات تحمل منقولت السر الراحلة .كانت في كل مرة
تغمرني سعادة عارمة ونشوة خاصة بالنصر حتى سالت دموعي من عيني فرحا وأنا أهتف
بصوت عال لم اقدر على كتمانه -بالرغم من انتقاد الناس لي ( -ال أكبر ،قل جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) .وممن وقتها لم تعد فرحتي هذه تخفي نشوة النتصار في
حارة النصارى بل امتد الحلم لتغيير كل حارات وشوارع ومدن مصر كلها … في الشارع ..في
المدرسة ..في الجامعة ..في العمل ..لخضاعهم في كل مكان ولكن يتطلب المر الن بعد
التحاقي بالجامعة أن أتحور بأسلوب متطور وفكر متحضر ..فمثلً لم يكن من السهل على الفرد
منا أن يحتفظ بمظهره السلمي الخارجي مثل اللحية ..الجلبية ..عند التقرب من الشخاص
المسيحية لقامة علقات معهم ..فكنا نغير أشكالنا حسب مقتضيات عملياتنا وأهدافنا ..بدأنا
نضع خططا أوسع وأكثر تنظيما لماكن تجمع المسيحية سواء في القاهرة أو الصعيد وكان سلحنا
دائما هو إذكاء روح الحمية الدينية لدى المسلمين ضد المسيحيين وأذكر الن واحدة من هذه
- 48 -
حارة النصارى
الحوادث في منطقة " شبرا " عندما خططنا لقتحام محل أحد التجار المسلمين والسميين وترك
سلسلة ذهبية بها صليب في أرضية المحل حتى يعتقد البوليس أو صاحب المحل أن الجاني
مسيحي إذ هنا سيحتدم الصراع ويشتعل لن ذلك نصرا ل حين يتقاتل الفريقان فالمسلم السمي
كافر والمسيحي يشاركه الصفة ذاتها وتقاتلهم هو نصر ل كما حدث بين الفرس والروم ( غلبت
الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر
ال ) وتعددت مثل هذه الحوادث في محافظات الصعيد ..وفي هذه الثناء قد بدأت تبذر على
ساحة الحداث عدة جماعات إسلمية ..كل منها يدعى أنه على حق والخرون على باطل
تصديقا للحديث الصحيح الذي يقول ( افترقت اليهود على إحدى وسبعون فرقة وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعون فرقة وستفترق أمتي على ثلث وسبعون فرقة كلهم في النار إل واحدة ..
قيل :ومن هي يا رسول ال ؟ قال :التي هي على ما أنا عليه ) .
لذلك كان كل منهم يعتمد في فكرة على الكتاب والسنة ..ولكن الختلف كان في مرجعية كل
فرقة ..فمنهم من يأخذ من ابن تيميه مرجعا له ..ومنهم من يتخذ من ابن قيم الجوزية مرجعا
آخر ..وأخرى لبن حزم تنتمي وبالفعل أتيحت لنا الفرصة للطلع على فكر كل جماعة من
الجماعات ..حتى أن حارة النصارى بشبابها المسلم كانت مزرعة على هذه الجماعات فيما عدا
جماعة واحدة كانت تدعى ( التكفير والهجرة ) ..فلم يجرأ أحد على النخراط فيها لتشددها
والتزامها الصارم كما تعلمنا
وخلل دراستي بالجامعة التي لم تكتمل لم أقدر على أن أحيد عن كراهيتي للنصارى ..رغم
الفارق الثقافي والحضري الذي كنت قد بلغته لن كراهية النصارى كانت تلزمني ..تطاردني
في كل ما أقرأ ..
( كان رسول ال إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى ال ثم يقول " اغزوا
باسم ال ،في سبيل ال ،قاتلوا من كفر بال ،وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى
ثلث خصال :السلم ،الجزية ،القتال .وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة
ال وذمة بنيه فل تجعل لهم ذمة ال ول ذمة بنيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ،وإن
أرادوك أن تنزلهم على حكم ال فل تنزلهم على حكم ال ولكن أنزلهم على حكمك … ) مسلم حـ
. 462 2
وقد قال عمر بن الخطاب ( ل أكرهم ،إذا أهانهم ال ،ول أعزهم إذا أذلهم ال ،ول أدينهم إذ
أقصاهم ال ) أحكام أهل الذمة حـ 1صـ 211
والنص القرآني يصدمني " قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال
ورسوله ،ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
" ( التوبة ) 29
وظلت بغضة المسيحيين في قلبي تتسع وتفسح لنفسها مكانا في قلبي أكبر من أي مكانة أخرى
حتى شعرت بنفسي في وقت من الوقات أن هذا العداء هو الن عملي الذي أكلف به في الدنيا
وذات يوم ذهبت إلى مسجد الكلية لصلي صلة الظهر ..وها أن انتهيت من الصلة حتى برز
لي بجواري شابا يدرس معي في الجامعة ..ذا ملمح إسلمية أصولية ..فهيئته الخارجية يحتفظ
فيها بلحية كثيفة ..المر الذي كان مدعاة للمضايقات المنية المتعددة والكثيرة بالحرم الجامعي
- 49 -
حارة النصارى
في ذات الفترة ..تعارفنا في المسجد وأخبرني أنه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة وطلب
مني أن نتقابل خارج أسوار الجامعة وحدث هذا بالفعل عدة مرات وتناقشنا في فكر جماعته .
أخبرني أن هناك شخص ما بحارتي -حارة النصارى -من أعضاء الجماعة وأنه هو الذي ألح
عليهم بالتقاطي ومحاولة ضمي ..وأنه كان يتابع تصرفاتي وأنه قد شعر بإخلصي نحو ال لذا
كان القرار وهو إقناعي بفكر الجماعة " جماعة التكفير والهجرة " أو جماعة " شكري أحمد
مصطفى " للستفادة من حماسي وإخلصي ل كما قالوا لي … وبعد طول محادثات اقتنعت تماما
بفكر الجماعة بل وملني إحساس أكيد بأن كل مسلم ل يدين لهذه الجماعة هو كافر حقا ..
ل أنكر أنه بانضمامي للجماعة بعد أن تقابلت مع المير " شكري " وأعطيته " بيعتي " قد طرأ
تحول جذري في تفكيري نحو كل القضايا الدينية فلم أعد هذا الشخص الذي يتخذ قراره بنفسه ..
لم يعد لي حرية التصرف بعيدا عن إطار رؤية الجماعة والمير فبدأت أنضبط بالتقنين السلوكي
والفكري وهكذا ارتسمت في داخلي ملمحي الجديدة التي أبرزها لي انضمامي لهذه الجماعة التي
يتطابق فيها فكر الجماعة إلى حد كبير مع اسمها ..إذ كانت نظرتها للدين السلمي قائمة على
تكفير مرتكب المعصية ..المصر عليها مهما كان نوعها -المعصية -حتى لو كان تقليم
الظافر !!!
وبدأت الدنيا تضيق جدا جدا في عيني ..فالدنيا الن ليست هي الشخاص الذين نقابلهم في
الشارع أو في الجامعة ..ل ..ليسوا من نحيا بينهم ..ليسوا جيراننا وزملئنا بل هم هؤلء
الشخاص حتى الذين يمثلون الدين القديم ..من يرفعون صحيح الدين فوق كل المصالح
والعلقات ..ومن هذا المنطق أصبحت حارة النصارى ليست هي قراري الول ولكن أصبحت
عائلتي هي الهم الول ..هذا المنزل الذي أصبح بالنسبة لي حارة أخرى اقصر وأضيق لكنها
أصعب ..عنق الزجاجة البداية الجهاد ..فأصبحت مطالب الن بيني وبين نفسي -انطلقا من
إخلص ل وللجماعة وللمير -بأن أتخذ قرارا ستبنى عليه كثيرا من المور ..ل مفر من
الحكم على عائلتي بأسرها " بالكفر " !! جميعهم أمي واخوتي وأخواتي ..عمي ..خالي ..جدي
..أبناء عمومتي ..أبناء أخوالي !!!
إن لم يقبلوا السلم بصحيحه ..السلم الذي نفهمه ..السلم الذي ندين به ويعطون البيعة
لميرنا فهم ل مفر " كفار " ( ل إسلم بل جماعة ول جماعة بل أمير ) هكذا أخبرنا رسولنا كما
أخبرنا أيضا بأنه ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " أي على الكفر " )
ولماذا أفكر على عكس هذا وصحيح الحاديث تفاجئني بالبخاري ومسلم كل لحظة بماذا أؤمن
او أقتنع أمام قول رسول ال ( من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة السلم من عنقه ) …
لبد لى من أن أتخذ هذا القرار … لبد لى من تحديد علقتى بأهلى … أقاربى … لبد من
النصياع لقوله تعالى ( ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو
كانوا آبائهم أو أبنائهم أو أزواجهم أو عشيرتهم ) المجادلة 22
ماذا أستطيع أن أفعل أمام هذا التصريح القرآنى ( يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آبائكم وإخوانكم
أولياء إن استحيوا الكفر على اليمان … ) التوبة 23بالتأكيد إنني أمام هذه النصوص
والتصريحات اللهية التى تضعنى كل لحظة لم يكن لدى أي مساحة أو مجال للختيار … ( وما
كان لمؤمن ول لمؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الحزاب 36
- 50 -
حارة النصارى
.كنت كل يوم أطلب من ال أن يسامحنى فى تأجيل هذا القرار الذي أود اتخاذه مع عائلتى إذ لم
يكن من السهل على … ل أخفى أنني على الرغم من حبي ل ودينه وغيرتى كذلك على دينى
بكيت كثيرا قبل أن أحاول إقناعهم حتى ل يقعوا فى دينونة ال التى تلزمنى بمعاداتهم شأنهم شأن
أى كافر بل إن حالهم سيكون أسوأ من حال النصارى … ولقد تمزقت إربا حينما فشلت
محاولتي لقناعهم وعندها جففت دموعي واستجمعت قواي وأنا أردد :إني أحب ال ورسوله
أكثر من أهلي وعائلتى …… هنا صدقونى تحولت يداى التى جففت دموعى الى محراث فتت
المتبقى من أحاسيس بقلبى وتحول عندها قلبى بالفعل الى مجرد حجر أصم ولكن ما كان يهون
على هذه الصورة أن الرسول
يقول " :ستكون فتن كقطع الليل المظلم يبات الحليم فيها حيران ويمسى الرجل مؤمنا ويصبح
كافرا ويصبح مؤمنا ويمسى كافرا " فاليوم أنا أحب فلن وغدا سأكرهه ولقد كنت بالمس القريب
أحب أبى وأمى وأسرتى بأسرها واليوم تبدلت مشاعرى نحوهم ل لشئ إل إنني أحب ال ورسوله
وتبدلت صورة الحب الصادق المثالى الذى يدعيه مدعون ليس لهم صلة بال مطلقا فالحب
الصادق الحقيقى هو إنني أفرط فى الحب لمن يبايعني بيعتي وإذا نقض البيعة ل حل وسط فعلجه
واتجاه قلبى من نحوه هو القتل … ل محالة ول مفر … كل أنواع الولء تختصر الن فى لحظة
أو ربما لحظتين فارقتهما الحياة … فارقتهما الحياة التى ل دين لها … ولئى اليوم لمن تبع دينى
… من يؤمنون بفكرى … لم يعد لى وطن انتمى إليه … فديارى أصبحت ديار كفر على أن
أهاجر منها ولكن قبل ذلك كان على أن أفارق أسرتي حتى ل أقع فى الكفر والشرك … فالرسول
يقول ( :من أكل مع مشرك أو سكن معه فهو مثله ) والعم من هذا أنه يقول " :أنا برئ من
كل من أقام بين ظهرانى المشركين " من هنا قررت ترك منزلى الذى أطلقت عليه " زقاق
الكافرين " وحارتى حارة النصارى واتخذت لى مسكنا خاصا وسط أسوأ الحياء وأشدها انحطاطا
اجتماعيا …!!
لم تعد عينى ترى كما كانت ترى فى السابق بيوتا معدودة فى حارة النصارى يجب على مقاومتها
بل أصبحت عيناي ترى الن آلف بل مليين من المنازل والحارات التى على أن أهجرها أو
أقاتلها حتى يكون الدين كله ل ورغم ذلك فقد كانت كراهيتى للنصارى على ما هى عليه لنها لم
تكن مرتبطة بالحارة … بقدر ارتباطها بعقيدتى التى هى طاعة ال فكنت ل أطيق أن أرى أنسانا
مسيحى ول أعترض طريقه مثل … باليذاء العلني تارة وبطريقة غير مباشرة تارة أخرى …
ول يمكن لشخص مجتهد محب ل وللسلم مثلى أن ل يلقى الهتمام والتقدير من شخص يقود
آلف الفراد فى قالب دينى أخلقى إلهي " المير " فبدأ
" شكرى مصطفى " يطلب مقابلتى على فترات متقطعة ومتباعدة وفى آخر لقاء جمع بيننا قال لى
:
أعرف أن لديك غيرة شديدة على طاعة ال والتى تمثلت فى عدائك الشديد للنصارى . _
نعم يا أمير … وهل فى هذا خطأ ؟ _
ل بالطبع … ولكننى أريد تغيير سلحنا معهم من الن فصاعدا … فسأعطيك مجموعة _
من الكتب التى تتناول أفكارهم بالنقد وعليك أن تدرسها جيدا وعندما تنتهى من دراستها
سأخبرك بالخطوة التالية .
- 51 -
حارة النصارى
" كان حوارنا كما استمعتم إليه باللغة العربية الفصحى " فما عدت منذ التحاقى بالجماعة أتحدث
العامية مطلقا … والسبب بالطبع معروفا !!
كانت الكتب التى أعطانى إياها " شكرى مصطفى " هى التي -1كتاب الملل والنحل " لبن
حزم " -2الرد على النصرانية ط لبن تيميه " -3إظهار الحق للمام "رحمة ال الهندى "
ومكثت على كتبى تلك بالدراسة طيلة ستة أشهر كاملة أدرس وأنقب وأفحص ما فيها من
نصوص إنجيلية وتوراتية تحفل بالتناقض والختلف … وبمجرد ابلغى ط شكرى " بانتهائي
من الدراسة بالكتب تلك حدد لى موعدا وذهبت الى ملقاته وأخذ يقص على شيئا غريبا انه
سيتخذ دور الرجل المسيحي وأنا أتخذ دور الرجل المسلم الذى يحاوره وعليه أخذ المشهد فى
المسير من هذه النقطة البادية واستمر الحوار لكثر من أربع ساعات على هذا النحو وفى نهاية
الحوار قد ظهرت نتيجة الختبار العملى الول بينى وبين صاحب مقاليد المور فى جماعتى …
لقد نجحت … وبتفوق شهد به لى أميرى … وأمام هذا التفوق العجيب الذى بهره … ما كان
منه إل أن يخبرنى بضرورة التفرغ التام للدعوة … وبدأت المرحلة الحقيقية لى فى وسط هذه
الجماعة .
طلب منى كذلك ترك الدراسة بالجامعة … وبالتأكيد لم يكن لدى تلك الذى يسمى بالختيار فأنا
أمام إرادة ال وأمره ول يوجد سوى السمع والطاعة وتركت الدراسة الجامعية لنتقل الى دراسة
من نوع جديد دراسة كانت بمثابة المدافع اللية التى يحملها أفرادا أخرى من جماعتى لمقاتلة
أعداء الدين والنصارى المشركين … فزعزعت اليمان من عن طريق البحث والدراسة هو
أقوى أسلحة الدمار لى عقيدة بل وأصحها … وبدأت دراستى ليست على هذا النحو ولكنها
بدأت بدراسة علوم الحديث ،علوم الكلم ،كيفية الدفاع عن فكر الجماعة ،إثبات صحته ،
واستغرقت الدراسة عاما كامل لم أدرس فيها أية كلمة عن النجيل أو التوراة ـ إذ كنت قد
قطعت أكبر هذا الشوط بأكبر مجموعة كتب إسلمية ترمى العقيدة المسيحية فى صلبها بالسابق
ـ وبعد إتمام الدراسة مباشرة طلب منى استخراج جواز سفر وبعد استخراج جواز السفر بدأت
المرحلة الخرى من دراسة الديان المسيحية واليهودية مستكملة في سلسلة الكتب التى بدأ
يساعدنى في التقاطها وتعريفى بها أفراد الجماعة .ثم بعدها أرسلوا ل حد الشخاص لستخراج
جواز سفر لي باسم مستعار ويحمل في الوقت نفسه صورتى وطلب منى التوجه الى " الردن
دافعين أمامي بهدفين الول :دعوة المسلمين السميين لفكر الجماعة .والثانى :دعوة
المسيحيين الى السلم من خلل عرض بعض النصوص التى حفظتها عن ظهر قلب وتوضيح
بعض التناقضات فيها إضافة الى إثبات حقيقة رسالة نبى السلم … في الحقيقة لم تكن هذه
المهمة … ذات أى طابع خاص … فالمسيحيون هناك مثل يجهلون تماما أشياء عديدة من دينهم
ول يعرفون سوى القليل الذي يمكنهم بجدارة من احتلل موقع قريب جدا من المسلمين فكانوا
مثل يطلقون على المسيح " سيدنا عيسى عليه السلم " ورغم عدم نجاحى في إقناع معظمهم إلى
السلم إل إنني حسبت ذلك نصرا إذ كانوا يرفضون التحول للسلم لسباب إما عاطفية أو
أسرية ولكن خلل زيارتين للردن نجحت في إقناع ثلث من الشباب من مدينة نابلس والخليل
للسلم وكانوا ممن هاجروا من فلسطين واستقروا بالردن .
ومن بعدها أخذت رحلتى الخارجية في التعدد والتنوع متمثلة في زياراتى لبعض البلدان ذات
الكثافة السكانية المسيحية المرتفعة ـ عربية كانت أم أجنبية ـ ولشك في أن هذه الرحلت قد
- 52 -
حارة النصارى
أصقلتنى … وأعطتني خبرة جديدة وقوية في التعامل مع مع المسيحيين بل وتغيرت معها كذلك
أيدلوجيات التطاحن وأساليب الحتكاك الضطهادى … وبالفعل كان هناك نتيجة أخرى لهذا
التطور والتغيير … أل وهو تغيير أسلوب تعاملى مع أهلى وأسرتى … فلقد كانت تعتمل في
فكرى خطة جديدة ولكن قبل الشروع فيها ينبغى لي أن أقابل المير ومناقشته في فكرتى التى
أبغيها وأخطط لها … وبالحقيقة أنه ترك لي الباب مفتوحا أمام ما أعلنته له من الفكار التى
تدور برأسى … بمعنى أنه لم يعارض خطتى تلك التى كانت تهدف الى اعادة الصلة بأواصر
الود المفقود وترميم آثار الهجر في علقتى بأخواتى الفتيات ـ وكذا علقتى بباقى أفراد السرة
ـ … وبدأت من هنا بالفعل مرحلة جديدة في علقتى بهن بعد طول هجر وغياب ووحشة
انقطاع .
فقمت باقناعهن وتشجيعهن على اقامة علقات مع الفتيات المسيحيات …!! وبعد توطيد العلقة
معهن يكون دورى في الظهور على ساحتهن وتنفيذ الخطة باحداث بلبلة بداخل أفكارهن …
وبالفعل ما بين عدة محاولت نجحت واحدة منها واستطعت بفعل ما درسته أنا ودينها الذي
تجهله باختراقها وتحويل مسارها الدينى من المسيحية الى السلم .
كانت فتاة تدرس بالمرحلة الثانوية فقمت بتدبير خطة لهروبها من منزلها الى ل يعلم عنها شيئا
حتى لحظتنا تلك … وهناك وفى وسط الجماعة وأمام أميرها أعلنت الفتاة اسلمها … ثم
تزوجت من أحد الخوة …!! كنت سعيدا جدا بحياتى وسط الجماعة وخصوصا بعد هذا النجاح
المروع والمتمثل في حالة تلك الفتاة وعلى الرغم من كل ما كان يشاع عن جماعتى من تشدد
وتزمت والتزام صارم … لكننى بحق لم أندم في حياتى كلها وأعلن أننى أيضا لن أندم على أية
لحظة عشت فيها في كنف هذه الجماعة
كنت داخل الجماعة ألمس معانى المحبة الصادقة ل والرغبة الشديدة لتقديم كل نفيس وغالى قربانا
……
واسمحوا لي ألن أن ولول مرة من أن أعلن أو أستعرض قليل من حياة الجماعة بالغوص داخلها
ونقل حوائطها باخلص وصدق وابراز ما كان يدور بداخلها وبين أعضاءها وكان مخفيا عليكم .
كان "شكري مصطفى" تلميذا نجيبا للشيخ الراحل "سيد قطب" ـ الب الروحي لجماعة "الخوان
المسلمون" ـ وكانت أفكار سيد قطب تلقى قبول واسع النطاق داخل جماعتنا اذ كان هو الوحيد الذي
لم تطله أنصال التكفير في جماعتنا .
وبعد وفاة الشيخ "سيد قطب" … تدهورت أحوال "جماعة الخوان المسلمون" من بعده وبدأوا في
مرحلة جديدة عليهم متمثلة في نوع من أنواع المهادنة مع الدولة وانفصل على أثر ذلك الفعل المشين
البعض من المخلصون ل عن هذه الجماعة التى تهادن في حق ال وتتساوم مع الحكومة وبدأوا
يكونون ما عرف فيما بعد باسم جماعة "التكفير والهجرة" … ولكم أن تعلموا بأنا لم نطلق على أنفسنا
هذا السم أو اللقب الذي أشيع وأطلق علينا بل كنا "الجماعة المسلمة" وكان التطفير والهجرة هذا هو
المسمى العلمى الذي أشاعوه عنا والذى كان مشتقا مما كانوا يشعروه من جوهر أفعالنا وصلب
أفكارنا .
لقد قامت جماعتنا على القرآن والسنة ـ أو قل أن الجماعة بنت أفكارها على القرآن والسنة ـ ولم
نكن نسمح بقبول أية فكرة أو مبدأ ما لم يكن مدعما بنص قرآنى صريح أو حديث نبوى .
- 53 -
حارة النصارى
كان لدينا مخطوطاتنا التى تحتوى على أفكارنا وعلى كل عضو جديد أن يقرأها جيدا قبل تقديم البيعة
للمير … فان قبل هذه الفكار … قبلت منه بيعته … وكانت هذه المخطوطات تقع في جزئين :
الول :كتاب الحجيات … وهو الذي يضم كل النصوص التى نستند اليها عند الحكم بتكفير أى فرد
.
الثانى :الحد الدنى :وهو يبين أقل قدر من الفروض التى يجب على الفرد أن يؤديها حتى يصبح
مسلما واذا انتقض منها واحدة يكون "كافرا" .
وهناك بحث ثالث يبين ما هو اليمان وما هو السلم … وكانت هذه الكتيبات تدرس لكل أفراد
الجماعة دراسة وافية باتلشرح والتحليل .
والجدير بالذكر أن ذلك يعد تطورا لفكار الجماعة حيث كانت في البدء تعتمد على أفكار سيد قطب
كما ذكرت بالسابق والتى كانت تتمثل في :
-1دراسة كتاب الشيخ "سيد قطب" (معالم على الطريق)
حفظ ودراسة سورة النعام من خلل تفسير (في ظلل القرآن) وقد كان كتاب سيد -2
قطب يرسم الطريق نحو ال مبينا من هو المسلم الحقيقى ومن هو الكافر … وتحمل سورة النعام
معانى التوحيد الذي يجب أن يكون عليه كل مسلم .
كانت هذه هي الفكار والمبادئ التى قامت عليها الجماعة ولكن كيف كانت علقة الشخاص بعضهم
البعض تحت لواء الجماعة ؟
كان لدى كل فرد من أفراد الجماعة ايمان راسخ وثابت بأن بقاءه في الجماعة هو العلن الوحيد
عن اسلمه … وأنه ان فارق الجماعة قيد شبر خسر الدنيا والخرة … لذا كان هناك طاعة عمياء
للمراء الذين كانوا معينين من قبل المير "شكرى" … كل فرد فينا يقوم بتطبيق الوامر والفروض
على نفسه دون النتظار أن يبادله الخر نفس المبدأ … ل يتأخر أحد فينا في تنفيذ وتطبيق أية
فروض ايمانية .
وكنا جميعا نشعر ونعلم ونتعلم أنه ان قال الرسول "ليؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحبه لنفسه"
فالواجب الفعلى علينا جميعا أن نحب اخوتنا كأنفسنا ولو من جانب واحد لنه من ضروريات اليمان
وكان أيضا الحب والولء للمير من ضروريات اليمان اذ هو مرتبط بقول النبى (من أطاع أميري
فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) فطاعة المير طاعة ل ورسوله ومعصية المير
معصية ل ورسوله .
كان كل فرد من الجماعة يسارع بأن يقدم الخر على نفسه خاصة في الحتياجات مما كان يضفى
نوعا من اللفة والتعاضد بين الفراد وفى حالت البيع والشراء مثل … كان يتم بين العضاء
حسب قول الرسول (البيعات بالخيار مالم يتفرقا) فمثل اذا باع فرد من الجماعة شيئا لخر فيمكن
للمشترى الرجوع عن عملية البيع مادام جالسا مع البائع … أما اذا افترقا الثنان ولو لمسافة متر
واحد أصبح البيع نافذا ول يجوز الرجوع فيه … ولم تكن حدود البيع والشراء هي السس فقط بل
كانت هناك أسسا أخرى هيئت لنا مناخا اجتماعيا يسوده الود والمشاركة والحساس بالخر …
وتمثل هذا مثل فيما يسمى بالعطاء الذي يعطيه الخ لخيه وهذا "العطاء" مجانى ول يجوز رفضه
ول يجوز استرداده مهما كانت قيمته … فاذا أعطيتك شئ ولأريد استرداده … وجب على أن
أصرح أمامك بأن هذا الشئ هو "عطية" وعندها وجب عليك تقبله ول يجوز لي استرداده لن
- 54 -
حارة النصارى
الحديث يقول (ان الذي يسترد عطاءه أشبه بالكلب) وكان عادة يتم ذلك من باب التفانى في حب كل
منا للخر … ومحاولة كل فرد التغيير عن ذلك الحب بصورة ملموسة لم يكن لى فرد منا
اعتراض على أى أمر من أوامر المير مالم يكن هذا المر ضد ال ورسوله … فكثيرا كنا نجلس
ونتشاور حول أسرنا … أباءنا وأمهاتنا واخواتنا واخواننا … فينقل كل منا صورة أسرته الدينية
حتى نصدر حكما اما بكفرهم أو بصحة اسلمهم .وفى حالة صدور الحكم بكفرهم كان على كل
فرد منا ضرورة معاملتهم ككفار من حيث الولء ،النصرة ،الحب ،فيحب أخيه في الجماعة أكثر من
والده ووالدته وأخوته … الكافرين … فكانت علقاتنا بعضنا البعض هي العلقات البديلة التى يهبها
ال لنا … ولم يكن هناك تردد في قبول ذلك لن الجميع كانوا يحبون بل ويحرصون على طاعة ال
ورسوله .
ولم تقتصر أوجه التحضر في الجماعة على ذلك النوع من الحب والدفء الجتماعى فقط … بل
امتد الى ما هو أكثر من ذلك فكان ل يتم اتخاذ قرار من أى نوع من دون انعقاد مجلس للشورى …
ولم يكن كذلك من حق أى فرد من أفراد الجماعة التعدى على أى من ممتلكات الخر سوى باذن
مسبق حتى ولو كان مجرد استخدام النعال … وكان لزاما في هذا أن نجلس معا ونعطى بعضنا
البعض تصريحا أو اذنا مسبقا باستعمال حاجاتنا لنه من دون ذلك نكون قد وقعنا في المصية لن
ذلك يعتبر (أخذ بسيف الحياء) … كأن تطلب من أن أعطيك شيئا من حاجياتى فيأخذنى الحياء على
عدم الرفض فاعطيه لك ولكن بدون رضا نفس تام وها هنا يعد هذا العطاء "حراما" مأفونا لنه
ينطبق على ما قاله الرسول في حديثه (ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام" .
كانت المساجد التى قامت ببنائها الحكومة هي مساجد من وجهة نظرنا كجماعة مساجد "ضرار" قال
عنها ال (لتقم فيه أبدا) ولكن ان وجد مسجدا أو زاوية بناها الهالى بالجهود الذاتية فعندها ندخل
ونقيم صلواتنا بل حرج .
كنا كذلك نقدر جيدا قيمة الوقت للحد الذي يدفعنا للجلوس والجتماع أسبوعيا لسترجاع دراسة أفكار
الجماعة والتدريب على قيادة حوار أو مناقشة مع عناصر من الجماعات الخرى … والتى غالبا ما
يدور الخلف فيما بيننا حول النصوص العامة في القران … والتى غالبا ما نستند عليها في تكفير
العاصى مهما كانت معصيته … فمثل تقول النصوص :
(ومن يعصى ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) "النساء. " 14:
(ومن يعصى ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا ……) "الحزاب. " 36:
(ومن يعصى ال ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا) "الجن" 33:
فهذه النصوص تتحدث عن عموم المعصية ـ أى معصية ـ ومن يفعل المعصية فهو في نار جهنم
خالدا فيها ول يخلد في النار ال الكافر وبذلك يصبح العاصى كافرا .
كانت الزوجة تعرف وتعى ما هو معنى الخضوع للزواج على اعتبار أن الزوجة اذا باتت وزوجها
غضبان عليها أو منها "تلعنها" الملئكة حتى تصبح … لذا كانت الزوجة تخشى أن يغضب منها
زوجها ودائما كانت تشعر بالستضعاف والدونية … وان لم تطيع وتخضع لزوجها فعليها تحمل
تبعات ذلك من ضرب وهجر … ول تقدر على الهروب من ذلك وفى جميع الحالت التى كانت
تعرض على المير من مشكلت زوجية كان الحق الدائم في جانب الزوج بطبيعة الحال ولم يكن
للمرأة الخروج من منزلها لن صريح النص يقول ( :وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية
الولى ) "الحزاب"
- 55 -
حارة النصارى
كنا نعيش بحق بهدى القران والسنة فيما بيننا بصدق واخلص شديدين وبل حرج فان جاء مثل أخ
في زيارتى ولم أكن جاهزا لستقباله فعلى أن أطلب منه النصراف ـ ولو من وراء البواب والنوافذ
من دون أن يرانى ـ وعليه أن يرجع من دون حرج له أو لي !!
فالنص يقول (فان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) "النور " 28:هذا بخلف الكراهية الشديدة
للكفار التى لم نكن نخترعها بل كان يحثنا عليها جميع النصوص التى تملء القرآن بل والسنة أيضا .
وكنا نتجنب التعامل معهم الفى الحدود التى سمح بها رسول ال واعتبرنا أن أى مشاركة منا
للمجتمع الكافر أو الحكومة هي موالة صريحة لهم ولذا كنا ل نحبذ العمل في المصالح أو الهيئات
الحكومية أو حتى الدراسة في مدارسهم أو جامعاتهم … حتى تلك المسماه "جامعة الزهر" اذ كان
القائمون على الحركة التعليمية فيها بالنسبة لنا على القل "كفارا" بل حدث ول حرج فهم أئمة الكفر
الذين يجب مقاتلتهم بناء على صريح الية (قاتلوا أئمة الكفر انهم ل ايمان لهم) "…… " اذ كانوا
يخدمون الدولة الكافرة ول يقولون الحقيقة للحاكم ول يكفرونه ويختلقون في ذلك بعض الحاديث
ويحورون مفهوم النصوص القرآنية لصالح آرائهم وذلك يعد كفرا بينا بناء على الحديث (من قال في
القرآن برأيه فليتبوأ مقعده في النار) واستنادا وانطلقا من تلك القاعدة لم نكن نقبل بتفسير النصوص
التى تحدد المسلم من الكافر ونقبلها كما هي بدون تأويل أو تحريف وهذا كان أقرب الى مذهب ابن
حزم الظاهرى .
كانت نظرتنا فى التحاكم للدولة الكافرة وأجهزتها كفرا صريحا (يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت
وقد أمروا أن يكفروا به) "النساء . " 60:ومن هذا المنطلق كنا نلجأ الى تنفيذ كل أمور الحياة بأنفسنا
بدون الرجوع للدولة .
المرتد عن الجماعة يقتل بالتنفيذ الذاتى . ·
مراسيم الزواج والعقد بدون متطلبات معثرة … فقط كان المهر عبارة عن أيات ·
قرآنية ،ومايعادل ¼ جنيه ان لم يكن العريس من ذوى المال الوفير .
قبول العتذار ممن يقترف اثما ويتوب عنه بضربه بالسوط على ظهره . ·
تعليم أولدنا بأنفسنا من دون اللجوء الى مدارس الحكومة الكافرة … فالقرآن ·
والسنة يحملوا في طياتهم كل علوم الدنيا التى سنتركها في مدارسهم .
التحريض على عدم حمل البطاقات الشخصية أو العائلية اذ انها من أفعال ·
الحكومة الكافرة وهى سمة من سمات المجتمع الكافر .
لم تكن السمات الداخلية هي التى تميز الجماعة فقط بل أيضا السمات الظاهرية من ملبس وهيئة
وطريقة المأكل التى ربما كان البعض يعتبرها تخلفا … فمثل كنا نؤمن بضرورة مخالفة أهل الكتاب
من اليهود والنصارى وكنا نعتبر البنطلون والقميص هو تشبه بهم فكنا نرتدى الجلباب القصير ل
الطويل لن الطويل به خيلء والحديث يقول (من لبس ثوب خيلء ألبسه ال ثوب مذلة يوم القيامة)
…
وكنا كذلك ل نأكل مع الكفار حتى ولو كانوا اخواتنا … آبائنا … أمهاتنا … ول نسكن معهم … كنا
نهجر البيوت ونبحث عن وسيلة هجرة المجتمع حيث كان العيش وسطه كفر ليس لننا من ذوى
العقول المختلفة ولكن بناء على صحيح الحديث (أنا برئ من كل من أقام بين ظهرانى المشركين) .
- 56 -
حارة النصارى
ولما كان لم يوجد مجتمع مسلم على صحيح السلم نهاجر اليه فكنا نقتصر على قضاء بعض اليام
في جبال الصعيد في المغارات والكهوف … وكثيرا ما كنا نجد هناك تجارا للمخدرات وعلى الفور
ننسحب لمكان آخر … كان ل يشغلنا عن ايماننا ل المال ول الترف ول لذة العيش … كان لدينا
هدف واحد فقط هو طاعة ال ورسوله … أو اننى أستطيع التحدث عن نفسى فقط بشئ أكبر من
الثقة فلم يكن لدى بالفعل أى رغبة أخرى داخلية أو باطنية في كيانى أو عقلى سوى طاعة ال
ورسوله والحياة في ظل ال باخلص … للفوز بجنته …!!
كنا كثيرا ما نقض أيام من دون طعام وفى بعض الحالت كنا نأكل العشب ونتدرب على أكل
الضفادع والسحالى الجبلية … بحيث يكون كل فرد منا مؤهل لتحمل كل الصعاب والزمات واللم
في سبيل ارضاء ال ورسوله .
كان تلك بعض من الكثير الذي كان يدور في كواليس الجماعة والذى ل يتسع المجال لذكره هنا
بالكامل … ولكن باختصار قل اننا "نذرنا أنفسنا ل" .وبقدر هذه اليجابية التى كنا نتمتع بها
كجماعة ال أنه كان هناك بعض من نواحى القصور في فهم وتنفيذ القيادات للوامر فمثل :
كان المير يتلعب بالنصوص ويحول مفاهيمها حسب مايريد -1
فمثل ان كان يريد أن يحكم على والدى بالكفر … فهو يقدر … وان شاء أن يحكم
عليه بالسلم فعل …!! وحيث أن ذلك ل يعد كفرا فلبد لي أن أقبله .
كنا في تعاملنا نع الكفار ل ندقق كثيرا في الحكم الذي سنصدره -2
عليهم … لننا قد خرجنا في الصل للستيلء على أموالهم … فكان أى خطأ بسيط
يعتبر بينة على كفره … كأن يكون مثل "واضعا لصورة والده المتوفى" فما يكون
منا ال أن نسأله :هل تعلم أن الصور حرام ؟ فيرد :نعم فنقول له :لماذا ل تبعدها
أو تنزلها ألن ؟ فيرد :ل أقدر انها لبى المتوفى !! .وعندئذ يكون رفض أمرا
من الدين بالضرورة فيكون كافرا ويكون حلل لنا دمه وماله …!!
كانت هناك مبالغة في تنفيذ بعض المور التى ل تدخل في -3
نطاق العقيدة مثل الكل … فكنا في المطاعم العامة وبعد النتهاء من الطعام نقوم
بلعق الناء والصابع في ظل عيون كل من في المحل وهى في حالة رصد مشمئز
مع أن عدم فعل ذلك ل يخل بالعقيدة .
كان من حق المير أن يسطو على كثير من الشياء المملوكة -4
للغير بدون اذن مسبق تحت ما يعرف (الضرورات تبيح المحظورات) .
عند الدخول في مناقشة أفكار الجماعات الخرى … لم نكن -5
نصغى باهتمام الى أفكارهم … فكنا نعرج بالحوار للنتصار لفكارنا وكانت فترة
استماعنا لرأيه هي مسألة شكلية ليس ال ومسألة وقت فقط نعطيه له حتى ينتهى من
حديثه .
كان هناك تعرض غير منطقى للنصوص … فكنا نبيح أن ينكح -6
الرجل زوجته من دبرها اعمال للنص (نساءكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم)
"البقرة " 233:مع أن هناك بالمقابل حديثا ونصا يخالف ذلك.
- 57 -
حارة النصارى
- 58 -
حارة النصارى
هو الخر الى هنا … على أنه الن أصبح بوقا شرعيا لهم … يستخدمونه لفكارهم … وطلبنا منه
عدم التعرض للجماعة ول لفكرها الذي ل يعلم عنه شئ … وأرفقنا له في رسالة لحقة مرة أخرى
بسؤال لتفسير قول ال تعالى ( :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) "المائدة "44:وكان
السؤال "هل حاكم مصر يحكم بما أنزل ال أم ل ؟ ……………… .
كان مخطط الدولة هو تأليب كل الشعب ضد جماعة المسلمين أو التكفير والهجرة كما يسموننا … اذ
كنا في زيادة مضطردة تهدد أمن واستقرار أى حكومة شمولية في العالم … حتى بلغنا آلف في
جميع أنحاء البلد من شمالها وحتى جنوبها .
وكان الذهبى أداة من الدوات التى حاولت الدولة استخدامها ضدنا خاصة بعد فشل حملتهم العلمية
وعدم اقتناع وتصديق عامة الناس بما يقال عن أناس وهبوا حياتهم ل وهو المر الذي لم يكن
متوقعا لدى الحكومة اذ كان اختيارهم للذهبى مبنى على قدرته على الحوار المضاد علوة على
استغلل شعبيته وشرعية كرسييه في التصدى لنا بالفكار المضادة بداخل طوائف الشعب بأسرها .
ولم يكن علينا بالعسير لن نعرف هذا الفشل أو رصده … فكنا نسمح لبعض الفراد من جماعتنا
بحلق لحاهم والتخفى في زى عادى ويذهبون للتخالط مع عامة الشعب ومجالستهم ونقل كل ما يقال
عنا … وكانت كل التقارير التى كانوا يقدمونها تشير الى ارتفاع نسبة التعاطف معنا ومع القضية
الدينينة التى نتبناها يصل نحو السبعون بالمائة ويتعاطف معنا ضد الدولة .
ولما لم تنجح الرسائل مع الشيخ الذهبى في اسكات صوته الكاذب … قررنا اعتقاله … وذهبت
مجموعة منا الى مسكنه بالمعادى … وطلبوا منه الحضور الى القسم … فقد كان بيننا ضابط شرطة
مفصول وكان يحتفظ بزيه العسكرى … ونجحت الخطة … وأعلنا الخبر لوكالة أنباء الشرق
الوسط التى تطايرته وأعلنته على العالم كله … وقد كانت مطالبنا تتلخص في الفراج عن بعض
القادة المعتقلين في قضية الفنية العسكرية والتوقف عن الدعاية الكاذبة ضد الجماعة … ولكن الدولة
ماطلتنا وكانت تخطط لقتحام مكان اعتقاله وقد فطنا الى ذلك … فكنا ننقله في أكثر من مكان حتى
استقر في مكانه الخير بعزبة النخل الذي صار في غضون أيام مثواه الخير …!!
تم القبض على معظم قيادات الجماعة وحكم على البعض منهم بالعدام وآخر بالشغال المؤبدة …
والباقى بفترات تترواح من سنة الى عشر سنوات وكنت أنا ممن حكم عليهم بثلث سنوات .
وبعد انقضاء فترة الحبس غادرنا البلد لنها لم تعد مناسبة لبقاءنا فمعظم القيادات اختفت بدرجة ل
تسمح بالستمرار بنفس القوة السابقة حتى أن البعض بمجرد خروجنا بدأ يتصارع مع البعض الخر
من أجل قيادات الجماعة ومناصبها القيادية !!
وهنا انقسمت الجماعة جماعتان :الولى :سارت على ما كان عليه (شكرى) .
الثانية :مالت الى فكر الجهاد في عدم تكفير العاصى وجواز الشفاعة لمرتكب الكبيرة … الخ .
وكل جماعة اختارت لها أمير والغريب أن الميران كانا خارج البلد وأما أنا ومن معى فقد توجهنا
الى بلد قريب مجاورا لمصر … وهناك وجدنا كا دعم وتأييد من سكان البلد الصليين … ثم تزايد
عدد الجماعة مرة أخرى وبدأنا نعيد ترتيب المور … واعادة كتابة فكر الجماعة … وتدريسه
للخوة الجدد من البلد المضيف الذي نزلناه ورغم قسوة المناخ في بلد المهجر … وظروف حياتها
الصعبة بما فيها من حرب عرقية والتى كانت ل تزال مشتعلة في أحد مناطقها ال أننا صمدنا أمام
كل الصعاب من أجل النتصار لدين ال واعلء كلمتة … ثم أن قررنا النتقال من العاصمة الى
مكان آخر قريب من حدود بلدنا … وهناك بنينا معسكرا … يتسع لكثر من مائة وخمسوزن أسرة
- 59 -
حارة النصارى
بالطفال والشيوخ والشباب … وأخذنا في البدء لحياتنا مكتفين ذاتيا وتمكنا من خلل مساعدات أهل
البلد الصليين من شراء كمية من السلحة التى تدربنا عليها جميعا بشكل كاف يضمن لنا براعة
استخدامها وبتنا في انتظار ساعة الصفر التى سننطلق فيها لقامة دولة السلم في الوطن المهجور
تلك كانت أمنيات كل الخوة في أن يعودوا من مهجرهم الى ديارهم فاتحين … ولكن في الحقيقة لم
تكن أمنيتى فقط … بل كانت أحلمى وأمنية المانى هي العودة الى حارة النصارى لقتل كل
مقاتليهم الشبان وأسبى ذراريهم من النساء … وأستولى على أموالهم غنيمة ل ورسوله … وكنت
كلما تذكرت لحظة العودة لرض الوطن منتصرا ظافرا … أعض على أطرافى من الترقب والغيظ
ول أدرى ما هو السر وراء انشغالى بهاجسى الشخصى "حارة النصارى" الذي كان يطاردنى حتى
أحلمى وأنا في بلد أخرى …!!
لربما كان هذا الشتعال الداخلى لن تنشئتى الضطهادية كانت هناك ولربما… ولربما … كانت
حارة النصارى تأتينى أطياف … تارة بالحنين لمراحل الطفولة … حيث مجدى … هذا الشخص
الذي استطع أن يحصل على مقعده بداخل سرائرى جميعها … بكفره … وشركه بارادتى أحيانا
وبغير وعى الرادة أحيانا أخرى .
وتارة أخرى أجد نفسى مدفوعا للستغفار على حنينى الداخلى لحد المشركين … اذ لبد وأن تكون
ذكراهم مصدر حزن ل مصدر فرح واغتباط … وفيما الغبطة اذن أل لنهم مازالوا على شركهم
وسط المسلمين …!!
…………………… وبعد أن انتهينا جميعا من التدريب على السلح باستخدامه وحمله بما فينا
النساء أيضا … بدأنا في ارسال خليا فدائية لتتسلل عبر الحدود … لتنفيذ عمليات ضد أئمة الكفر
الذين أمرنا ال بقتالهم كما جاء في سورة التوبة والية ( 12وقاتلوا أئمة الكفر انهم ل ايمان لهم
لعلهم ينتهون) وقد كانت تلك العمليات تتم بنجاح رغم أن الدولة كانت تطلق عليها مسميات مختلفة
وتنسبها بدوافعها لغراض مشوهة الصورة في حين كنا عقب كل عملية نهتف ونكبر ال أكبر …
ال أكبر … وكنا نعزى دائما النتصار فيها ل .
ونردد في داخلنا بألسنة جهارية في بعض المواقف والوقات قول ال تعالى في سورة النساء آية
( 104أن تونوا تألمون فانهم يألمون … كما تألمون وترجون من ال ما ل يرجون) … حقا كنا نتألم
من جميع النواحى وفى كل الظروف لكننا كنا نشعر بسعادة عندما نقرأ هذه الية التى كانت تهبط
علي مسامعنا بردا وسلما فتزداد حميتنا ويقوى عزمنا على مواصلة مشوار النضال والجهاد فنحن
وان قاتلنا المشركين فانها احدى اثنتين … النصر أو الشهادة ول بديل آخر لدى أى منا ول نرى
سوى هذين المرين … وفى كلتا الحالتين فهو خيرا لنا …!!
وبالحقيقة لم نكن نعتمد فقط على الحلول العسكرية بل كنا نستخدم كامل طاقتنا وأفكارنا على اختلفها
وتباينها ونجرب كل الطرق … الى أن جاء اليوم الذي قررنا أن نرسل مجموعة من الفراد الى
منطقة كان معظم سكانها من أهل الكتاب (يهودونصارى) لدعوتهم الى السلم وكانت تلك
المجموعة تضم ستة أفراد وكنت قائدهم وسافرنا مسيرة ثلث أيام … حتى وصلنا البلد المنشود …
وهناك طفت بذكريات ـ "الحلم الذي من كثرة الخفاق في النجاح به … أصبح الن … الحلم الغير
شرعى للجهاد الوطنى ببلدى مصر " ـ (حارة النصارى) أو طافت هي بى على مسرح أحداثى
الجديد ثانية … ولول وهلة عندما شاهدت الصليب منقوشا على رسغ أول مسيحى قابلته عيني …
فرحت جدا وكأننى أسد جائع يبحث عن فريسة … وقلت في نفسى الحمد ل الذي رزقنى بحارة
نصارى أخرى ها هنا …!!
- 60 -
حارة النصارى
وقررت أن أبدأ من حيث انتهيت بالحارة السابقة … ولكننى فجأة توقف تفكيرى وتذكرت أننى قائد
مجموعة … وان أنا انجرفت في هذا الحس فلسوف يفعلون مثلى … وبالتأكيد سنضل الهدف الذي
جئنا لجله … اذ اننى وحدى الذي يعلم ما قد ىلت اليه حارة النصارى في أيامها الخيرة قبل تركى
اياها … وطلبت من ال أن يقوينى ويعطينى صبرا على رؤية النصارى من دون تعرض مباشر
وواضح ينهى على الحوار من قبل اقامته .وجلسنا نفكر سويا في كيفية التعامل معهم ونحن
مأمورون في الوقت ذاته بعدم التعامل بالود مع هؤلء النصارى !!
وللحق كانت النصوص مرنة في هذه الجزئية فهناك أية تسمح لنا بالتجاوز عن الممنوع في حالة
الضرورة … وبناء عليه يمكننا استخدامها في أى حالة اضطرار …(انما حرم عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير وما أهل لغير ال فمن اضطر غير باغ ول عاد فل اثم عليه ان ال غفور رحيم)
"البقرة. "173 :
وعليه فبدأنا نقيم علقاتنا من خلل أفراد حلقوا لحاهم وارتدوا ملبس "متفرنجة" حتى ل يثيروا
شكوك من يتعامل معهم .وكانت حارة النصارى الجديدة هذه ـ ويشهد على قلبى ال ـ مأساة
بمعنى الكلمة …اذ كانوا يقبلوا بأى شئ مقابل "لقمة العيش" وعندما وعندما قدمناتقريرنا بذلك الى
قيادات الجماعة الم … أمدونا بمبالغ كبيرة لنفاقها على اضافة المسيحيين الذين نخطط ليقاعهم في
الفخ السلمى !! هكذا يبدو ألن .أمضينا هناك ما يقرب من تسعة أشهر نجحنا خللها في اقناع
ثلثة أفراد فقط … وقبلوا منا السلم وأعطونا بيعتهم … وبدأنا نجلس معهم أوقات طويلة من أجل
تعليمهم صحيح الدين السلمى والستفادة منهم أيضا في استبيان مواطن الضعف التى يرونها في
عقيدتهم والتى من خللها نقدر على اختراق عقولهم وعقول غيرهم … كانت لغتهم الغير عربية
مبعث للضيق في نفوسنا … ولكن كان بيننا اناس من بلدهم لهم نفس اللغة علوة على العربية
فكانوا يقومون بما يشبه الترجمة .
وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لي قيام شبه حركة تمرد بين أفراد الجماعة مع بدايات الثمانينات …
قادها رجل من أهل المهجر … واتهمنا بأننا نحملهم من العباء أكثر من الذين آتوا معنا من مختلف
البلدان الخرى وقاسوا ذلك على انها تفرقة بين جنس وآخر على أساس الحالة الجتماعية واللون
وربطوا بين ذلك وبين سورة (عيسى) لكن بذلنا جهودا مضنية لحتواء هذا التمرد وقلنا لهم ان
الحمل الزائد عليكم من الجهد ليس مبنيا على أساس جنس أو لون أو غنى .بل لنكم أهل الديار
وعليه فأنتم أعلم بشعبها ودروبها من أى منا … فليس من المنطقى ياأخوة أن تذهب مجموعة من
الغرباء الى أقصى الشمال بدون دليل منكم على سبيل المثال ثم بررنا لهم تصرفنا بأننا جميعا أخوة
وذكرناهم بحديث الرسول الذي يقول (لفرق بين عربى وأعجمى ول أبيض واسم البالتقوى) ولم
يكن يهدأ هذا التمرد حتى نشب تمرد جديد .
بدأ المسلمون من أصل نصرانى يعانوا من اضطهاد بعض الخوة واتهموهم بأنهم يشابهون "المؤلفة
قلوبهم " ـ وهم اناس كانوا قد دخلوا السلم مقابل النفاق عليهم أيام عصر الرسول محمد ـ
وانتهى هذا التمرد الثانى على خير … ولكنه قد أفرز بقاع سوداء في قلوب بعض الخوة علوة
على بعض فيروسات التحزب والنشقاق التى كانت بمثابة السوس الذي يأكل هياكل الخشب حتى
يسقط البناء كامل …!!وقد حدث ذلك تماما …فقد اتضح لنا فيما بعد أنه كان يتواجد بيننا عميل
للمخابرات والذى كان يعمل طبيبا وكنا نسمح له بالخروج من معسكر الجماعة كل يوم للعمل …
للكسب المادى الذي كان الجميع يساهم فيه … ولكنا عرفنا أنه لم يكن يذهب للعيادة التى زعم أنه
يعمل بها …بل كان يذهب للسفارة في العاصمة وابلغها بكل ما يدور … واستمر هذا الوضع
سنوات دون أن نكتشف أمره … وذات مرة واجهنا مضايقات في مكان اقامتنا واجتمعنا كمجلس
- 61 -
حارة النصارى
شورى واتفقنا على تغيير محل اقامتنا الى آخر نائيا جدا … لكى يكون من الصعب الوصول اليه …
هنا شعر العميل أنه لو انتقل معنا فسيصعب عليه القيام بدوره "اليهوذى القذر" لذا كان يقدم أعذارا
كثيرة لنسمح له بالبقاء حتى أنه وعدنا أن يعمل أكثر ويرسل لنا بمبالغ طائلة من المال … لكننا
وباحساسنا المنى الذي تدرب من كثرة احتكاكنا مع جهات المن ساورنا الشك في أمره فذكرناه
بالية التى تقول ( :والذين آمنوا أو لم يهاجروا مالكم من وليتهم من شئ حتى يهاجروا وان
استنصروكم في الدين فعليكم النصر) "النفال ."72:أبلغناه انه ان لم يخرج معنا فليس منا وأعطيناه
مهلة ثلثة أيام … ولكنه قبل انقضاء الثلثة أيام وجدناه وقد هرب وبالتأكيد معه كل معلوماتنا حتى
مكان توجهنا … فلقد كان على علم بكل شئ ولم يكن لدينا وقت للبحث عن مكان آخر غير الذي
عرفه صاحبنا ولم يكن أمامنا حل سوى الهرب في مجموعات … وتفرقنا في بلد المهجر مجموعات
… وتعرضنا لظروف قاسية … كان من الصعب علينا منها استقبال الموال التى كانت تصلنا من
اخوتنا في بلد المهجر المختلفة التى كانوا يرسلونها اما كصدقة لبيت المال أو كزكاة … وعندها
فكرنا في العودة للوطن دون أن نحمل معنا أحلمنا وكان عودا مخزيا … اذ سرنا على القدام ثلثة
أيام اقتصادا للنفقات … وكانت رؤسنا منكسة كالعلم وقت النكسات … أما أنا فقلت في نفسى ان
أحلمى لم تذهب بعد … بل على العكس سأعود لكمل الحلم الجديد في الحارة العتيقة (حارة
النصارى) ومع بداية التسعينات من القرن الماضى كانت عودتنا بعد غيبة 12عاما … تغيرت فيها
كل ملمح الناس وتبدلت أو قل تبلدت مشاعرهم وفقدوا أى حس دينى فما كنا نلقاه من حفاوة ورعب
منا "كتكفير وهجرة" في السبعينات انقلبت ألن الى ل مبالة وتجاهل …!!
وعليه فقررنا أن نتغير نحن أيضا كما تغير الناس … تغيرنا في كل شئ … فبدأنا نلبس البنطلون
والقميص … بدل من الجلباب … تغيرت استراتيجيتنا تغيرا كامل … حتى نستطيع مجابهة ما حدث
في المجتمع المصرى طوال اثنى عشر عاما … بدأنا نعود الى أسرنا ونعرض عليهم المعاملة
الحسنى … وبدأنا نعيد أحبال الوصل الممزقة قديما … في محاولة اصلح ما يمكن اصلحه وبدأ
كل منا يبحث عن عمل حتى ولو كان مع الحكومة التى كنا نقاطعها ول نعمل في أى من مصالحها
لنها تمثل النظام الكافر الذي يجب أن نتبرأ منه .
في الحقيقة كانت العودة بالنسبة لنا مهزلة وهوان … عودة جئنا فيها نجر أذيال الخيبة والخزى
والنكسار … حتى المادة … بعضنا لم يكن معه نظير أجرة مواصلت الى منزله … الذي وجدنا
أنفسنا مضطرين ومجبرين على العودة اليه … اذ ل مأوى ألن ولم يعد بيت المال بالقوة كما كان
أيام "شكرى مصطفى" عاد كل واحد منا وقلبه كسير مجروح … حتى أن أولياء أمور الذين أهناهم
كثيرا أخذوا يمنعوا فينا النظر وكأنهم يقولون (لتبصق في البئر فقد تحتاج يوما الى الشرب منه)
وها نحن قد بصقنا مرارا في أبارنا ورغم ذلك نعود لتشرب منها بكل ما فيها من سمومنا !!
ل أنسى وجه أمى وهى تقابلنى على باب منزلنا (بحارة النصارى) التى كنت قد أثرت البتعاد
عنها وعن وجه أمى طيلة الثنى عشر عاما ثقيلى وبطئ الخطو والحمال .
لست أنا فقط ولكن المصريين دائمى القول بأن "الضفر مايطلعش م اللحم" … آوونا ورحبوا بنا
وأكرمونا … وأجلسونا بين ظهرانيهم وهم الكفار … الذين أسهبنا فيهم من قصائد الكفر والتنديد
بهم وبايمانهم … أستطيع ألن أن أعترف على ورقى أن ذلك كله بالنسبة لي كان شيئا عاديا بل
وهينا … اذ كانت همومى وأحزانى كانت من نوع آخر … فهمومى أحملها منذ تركى لميدانى
- 62 -
حارة النصارى
الرئيسى والول (حارتى) … فأنا ل زلت أحمل أحلما وأمال عظام في القضاء على ؟أعداء ال
في عقر دارى (حارة النصارى) … وعندما علمت في المهجر أننا سنعود للوطن لم أحزن كما
حزن اخوتى في الجماعة بل تهللت … وتهلل معى وجهى من الفرح … لننى تصورت أن
الوقت قد حان لترى أحلمى النور وتتحقق … كنت أود أن أغمس يدى في دم أخر مسيحى
بحارتى المعهودة … وكنت أود أن أكون شاهدا على خروج آخر مسيحى من الحارة …
وأقسمت آنذاك أن أشترى (زير) واكسره عند خروج أخر مسيحى الحارة … وها أنا ألن أعود
بالحلم وقد تقوت لكنى لم أجد لها مسرحا … وجدت عالما آخر … لم يرحل المسيحيسون عن
الحارة … بل تكاثروا وبدلوا بيوتهم الطينية بأخرى أسمنية من أربع الى خمس طوابق …
وجدت صعوبة التمييز بين من هو مسلم ومن هو كافر … فالكل في الزى سواء … حتى
المسجد الذي شهد اجتماعاتنا وتلمذتنا … ها قد تغير شكله ألن … وما كان منى أمام هذه
التغيرات الكبيرة ال أن أسأل عن الشيخ امام المسجد …فاذا به كهل في أيامه الخيرة وحدثنى
عن مأساة الحارة … وما آلت اليه أحوال المسلمين فيها … خرجت من لدن الشيخ الجليل
ومازالت كلماته عالقة بأذناى … ثم أن توقفت بوسط الحارة بمنطقة تسمح برؤية كامل الحارة
من خلف بعض المبانى وأخذت أتأمل الجدران التى أصبحت تشبه أوجه قاطنى الحارة فوجوههم
أصبحت صماء …حجرية … أين ايمانهم … أين حميتهم الدينية … أين …؟!
ماهذا … ؟! لقد وقع بصرى على المسجد الذي بنياه ملصقا للكنيسة أوتدرون ما الذي شاهدته
لفتا للنظر بقدر أعظم من شكل المسجد شبه المهجور لقد ارتفع البرج العالى الذي يعلوه الصليب
… ويتوسطه جرس … بالحقيقة لم أستطع أن أصدق عيناي … فقررت أن أسهر طوال الليل
لرى … هل سيدق هذا الجرس في ديار السلم وفى الساعة السابعة صباحا كنت على موعد
لم أكن أرغب فيه البتة !!
صحوت من نومى في السابعة على صوت عدة دقات ربما عشرة أو تزيد ومع كل دقة كان قلبى
يخفق … ويقطر دما في آن … أسرعت خارج البيت ؟لننى اعتقدت ان الناس لم يسمعوا بهذا
الجرس من قبل … وانهم عندما أخرج سأجدهم قد أخذوا طريقهم نحوه لتكسيره .ولكم شدنى
شعورى الى الحارة … فاذا بى أجدنى أقف وحدى بطول الحارة ل أحد أمامى أو خلفى … لم
أجد حتى المارة … اللهم رجل يجلس في زاوية من زوايا الحارة يعد الطعمية ذات الرائحة
النفاذة … فاتجهت اليه ووجدت لسانى ينطق بهذا السؤال :
انت سمعت الجرس دا ياحاج ؟ -
( -محملقا بنظره دقائق ثم قام منتفضا قائل) :مين … ؟! ابن الحاج محمد … أهل … أهل
… حمدل ع السلمة … خرجت امتى ؟!
(مستدركا في دهشة) خرجت منين ؟ -
انت مش كنت في السجن ؟ -
ل ياحاج … أنت كنت مسافر . -
- 63 -
حارة النصارى
-وال زمان يابنى … انت بتسأل عن الجرس دا دلوقتى ؟ ده بقالوه عشر سنين بيرن وكل
رنة بتنزل على دماغى زى المرزبة … لكن هنعمل ايه ؟ شباب اليام دى خلص … لبسوا
المناطيل الجينس … وحلقوا كابوريا … وربنا يسترها بقى .
معلش ياعم … سليمان ؟! … عم سليمان صح ؟ -
أيوه يابنى -
-كل حاجة هتنعدل باذن ال والرسول اللى قال (ل تزال طائفة من أمتى على الحق … ل
يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) وانا واثق ان فيه مسلمين بجد لسه .
وأخذت أفكر بعمق لماذا عدت ؟ لماذا لم أكن أصم حتى ل أسمع قرع هذا الجرس بأذنى في
حارتى ؟ ما الحل ؟ هل أعود لحرق الكنيسة مرة ثانية ولكنى ل أثق ألن في الكثير من حديثى
العهد بالجماعة … ولكن حتما سيوجد حل لتدمير هذا المنكر بطريقة ل يعلمها الهو …!!
كنت كلما اجتمعت مع أفراد الجماعة الباقية سواء عندما كنا نجتمع لدراسة القرآن أو اعادة
صياغة أفكار الجماعة التى كنا قد أحرقناها قبل دخول مصر … حتى ل تقع أيدى رجال المن
… كنت دائما ما أستعيد وأجتر ذكرياتى في اليام الخوالى قبل حادث الشيخ /الذهبى … أيام
أن كنا باللوف وها نحن ألن نعد على أصابع اليد الواحدة … لكننا لميتسلل الينا اليأس فوعد ال
ورسوله ل يتبدل مهما كانت الظروف والحوال .ولكنى مع ذلك كرهت البقاء في حارة
النصارى … كرهت أن أطالع في كل صباح وجوههم العاثرة وابتساماتهم الصفراء وكأنهم
يرسلون الى نظرات تحد وامتهان ولسان حالهم يقول (هانحن هنا رغم كل ما حدث دارت الدائرة
وعادت الينا لتجدنا وستظل الى البد … فهى حارتنا) .
وكنت كلما قابلت مسيحى حولت نظرى عنه واضع قطعة من القطن في أذنى حتى ل أسمع
صوته وهو يلقى على مسامعى (صباح الخير) !!
ماعدت أعرف ماهذا التصعيد الدائم والمتوالى للحداث الغريبة … بالفعل ان اثنى عشر عاما
مدة طويلة كافية وكفيلة بأن تصنع الكثير وتغيير الكثير في حياة الناس ولكن أن تلغى أو تقلل من
الحس والحمية الدينية … أن تصل الناس لهذه الدرجة من التبلد الحسى واللمبالة …؟! أيكون
التغيير في أن يصبح في ميدان صراعى الول والعظم (الحارة) برجا يعلوه صليب وينصفه
جرس يقرع في أذنى ايذانا لقامة صلوات العبادة لغير ال …؟!
ما هذا يارب ؟ انتظر فرجك … أنتظر أن تنير لي بصيرتى فأعرف ما أنا صانع لجلك …؟!
الى أن جاء يوم يوم من أوائل عام ……… طالعت الصحف اليومية فوقع نظرى على خبر
يقول " :القبض على مجموعة من المبشرين الذين يحولون الناس من السلم الى المسيحية" …
أعدت قراءة الخبر أكثر من مرة … وأخذتنى الدهشة الى رفاقى في الجماعة وقرأت عليهم
الخبر … ول أستطيع أن أصف وجوههم وهم يتلقوا ذلك الخبر …!!
ولكن كان يمكن تفسير جميع النطباعات في كل الوجوه على أننا شعرنا بالمتهان والتقصير
تجاه ال وقررنا أن نقوم بدور فعال إزاء عملية التبشير هذه وإيقافها بشتى الطرق ،وبعد
- 64 -
حارة النصارى
مداولت شديدة وطويلة استبعدنا العمل المسلح لعدة أسباب منها :أن النظام المني في مصر قد
تطور عما كان في السبعينات ،كذلك الكثير من القيادات النشطة في الجماعة والتي كانت تتولى
عملية تهريب كل من يشعر أنه في خطر قد انتهت ولم يتم تعويضها بنفس الكفاءة ؛ إذ البعض
من هذه القيادات قد حكم عليه بالعدام والخر بالسجن المؤبد ،ولهذه السباب استبعدنا الخيار
المسلح وتوجهنا للبحث عن طريقة أخرى للتعامل مع حركة التبشير هذه ،وأخيرا اهتدينا إلى
المواجهة الفكرية ،وتعرية الزيف والتزوير في التوراة والنجيل ،ولقى هذا التجاه ترحيبا
وحماسا من كل القيادات التي كانت مجتمعة ،وبدأنا البحث عمن يقوم بهذا العمل العظيم الذي
سوف يعلي كلمة الحق ويذهب كيد الكافرين ،لم أكن أتوقع ولو بنسبة ضئيلة جدا أن أكون أنا
المرشح لهذا العمل ؛ ليس لعدم كفاءتي ولكن لما يعلمه الجميع عني من كراهية شديدة تجاه
المسيحيين ،وبعد فترة صمت مريبة مرت خللها الدقائق كساعات من ليل الشتاء الطويل انطلق
صوت المير معلنا الشخص التي اختاره للقيام بهذا العمل ،وعندما سمعت أنه أنا كدت أفقد
وعيي ،وانتابني شعور بالغيظ والتمرد ؛ إذ كيف يطلبون مني مثل هذا المر الذي بالطبع
سيتطلب قراءة كتب النصارى واليهود ؟ لكن قضى على غيظي وأخمد تمردي صوت خافت من
المير قائلً :هذا أمر وما عليك إل أن تنفذ إن كنت تؤمن بال واليوم الخر ،وذكر الية التي
تقول :ما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "
36الحزاب " .حاولت إقناع المير بتكليف أحد غيري للقيام بذلك إل أنه رفض
وقال :إنني أشعر بأنك أفضل من يقوم بالعمل هذا ،ولو أنك أتممته جيدا ستكون قد أنجزت
مهمتين في وقت واحد الولى :أنك تكون قد قدمت لنا ولكل مسلم بل ولكل العالم حقيقة كانت
وما تزال غامضة عن أذهانهم ،والثانية أنك سوف تجني ثمار هذا العمل الرائع لنه سوف يتم
ترجمته وبيعه في كل أنحاء العالم لهميته ،وبهذا أيضا تستطيع أن تكسب مبالغ كبيرة بالحلل
الطاهر ،دفعني حديثه هذا إلى استعجال نوعية وموضوع البحث ،قال المير :إن البحث ينقسم
إلى قسمين :
الول :إثبات أن نبوة محمد رسول ال ثابتة من التوراة والنجيل تصديقا لقوله " :الذين يتبعون
الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل " 157العراف ،أما
القسم الثاني :إثبات أن التوراة والنجيل المتداولين اليوم ليست هي تلك التي أنزلها ال وإنما تم
قبلت هذه المهمة على مضض وقلت للمير إن هذا يتطلب مني أن أشتري توراة وإنجيل
وأقرأهما ؟ قال :نعم ول بد أن تفعل ذلك ،فذهبنا في صبيحة اليوم التالي إلى القاهرة ،وقطعنا
شارع الجمهورية نبحث عن مكتبة تبيع هذه الكتب ؛ وجدنا المكتبة ؛ لكن كان من الصعب أن
ندخل بملبسنا التقليدية هذه المكتبة ؛ لنها مثيرة جدا وقد يطلبوا الشرطة اعتقادا منهم أننا جئنا
للتخريب .وجدنا رجلً يسير بالشارع فسألناه عن اسمه ولما وجدنا أنه مسيحي طلبنا منه أن
- 65 -
حارة النصارى
يشتري الكتاب فوافق ،سلمني المير الكتاب وانصرفنا متوجهين إلى منزلي جنوب القاهرة ،
كنت خلل السفر الذي استغرق أكثر من ساعتين ونصف أحاول التخلص من الكتاب بأي
وسيلة ،فتارة أتركه خلفي ،وتارة أتعمد نسيانه ،وفي كل مرة كان يحضره لي وينبهني إليه ،
أخيرا وصلنا إلى منزلي ،وبعد فترة غادر المير منزلي إلى مدينته ،من هنا بدأت رحلة
المتاعب مع التوراة والنجيل .
كان أول يوم أخذت فيه النجيل هو الصعب على ،فقد كان لدي انطباع أنه ليس من عند ال
وأنه سوف يجلب لي الشياطين بالبيت ولن أقدر أن أصلي ،فوضعته خارج غرفة نومي خوفا
من إزعاج الشياطين ،وطاردني هذا الهاجس أياما عديدة ؛ فكنت ل أدخله غرفتي أثناء الصلة
حتى تستطيع الملئكة أن تدخل منزلي ،استمر هذا الخوف والقلق فترة من الوقت أدركت بعدها
أنني لم اقتن هذا الكتاب بإرادتي بل أنني أنفذ إرادة ال من خلل طاعة المير الذي أوصى
النبي بطاعته في حديثه :
"من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني"
فأسارع قائلً :ل يارب لن أعصيك أبدا واستغفر ال ثلث مرات ثم أقوم للصلة .ولم يكن
يشغلني أي شيء عن إتمام هذا العمل ،ولدي الكثير من المراجع التي تساعدني على إخراجه في
أفضل ما يمكن ،ولدي من الخبرة في أمور النصارى الكثير إذ كانت كل الوسائل ميسرة لي من
قبل الجماعة ،فأنا أتقاضى 500جنيه شهريا كمصاريف نظير تفرغي لهذا العمل ،قررت بيني
وبين نفسي أن أبدأ رحلة المتاعب هذه ،لكن ما أقلقني هو أنني لم أكن أدري من أين أو أين
أبدأ ،ولم يكن لدي طريق واضح المعالم للتعامل مع شقي البحث هاتين ،مثلً بخصوص إثبات
نبوة محمد ،كنت قد توقعت أنني سأجد نفس السم " محمد " قي التوراة والنجيل وفي أضعف
الحوال قد أجد أحمد أو محمود ،عن أي اسم في التوراة سأبحث ؟ هل عن محمد ؟ أم محمود
؟ أ م أحمد ؟ أم . .؟ أم . . .أخيرا التبس علي المر فقررت النتقال للجانب الخر من البحث
،وهو البحث عن التناقضات والختلفات التي تثبت أن التوراة والنجيل ليستا من عند ال ،
وعلى نفس المنوال فشلت في تحديد قالب معين أو معيار ثابت على أساسه أقيس كل ما هو في
التوراة والنجيل فإن توافق ؛ صحت التوراة والنجيل ،وإن اختلفا أكون قد وصلت إلى ما أريده
،ذلك دفعني للشك في قدرتي على إتمام هذا البحث مما أثار حفيظتي وأشعل حماسي فقررت
التركيز الشديد للوصول إلى الهدف لنني لم أعتاد الفشل في كل مهمة كنت أكلف بها طوال
حياتي .
كنا نلتقي أنا والمير مرة في كل شهر نتشاور ونتحاور حول موضوع البحث وفي كل مرة كنت
أطلب منه العدول عن قراره وإسناد هذا العمل لحد غيري وأنا مستعد للتعاون معه ،لكن كان
لديه إصرار غريب على أن أقوم أنا بعمل هذا البحث ،صليت ركعتين استخارة ل ،وتملكتني
جرأة غير عادية وقررت البدء في قراءة الكتاب لكن بدون نظام أو تحديد أو أي سند يعينني على
الوصول للهدف ،بدأت بسفر التكوين ولم أكن أدري ما أبحث عنه ،وجدت أسماء غريبة
أقرأها لول مرة فضقت منها ألقيت بالكتاب بعيدا في أحد أركان غرفتي بطريقة عصبية قائلً :
إن هؤلء اليهود والنصارى أغبياء كيف يقولون عن كتاب يتكلم بهذه الطريق وهذه السماء أنه
- 66 -
حارة النصارى
من عند ال ،إنهم مجانين ،وتوقفت عن القراءة ،وبعد يومين عاودت القراءة ولكن قررت
عدم قراءة سفر التكوين لما فيه من أسماء وألفاظ صعبة الفهم ،واسترسلت في القراءة ،أعجبت
جدا بما هو مدون في سفري العدد والخروج وأيضا التثنية ،حيث وجدت الكثير من المور التي
تتعلق بموسى وفرعون وبني إسرائيل مذكورة بالتفصيل الذي يشبع رغبتي ،أنهيت العهد القديم
( التوراة ) قراءة في شهرين لكن بدون تركيز ،أعدت قراءتها ثانية وكنت أبحث عما ينتمي
لمحمد أو أحمد أو محمود بصلة ولم أجد شيئا ،تطرقت إلى العهد الجديد ( النجيل ) وقرأته
كاملً ،لكن لم يقودني لشيء فضقت ذرعا بهذا البحث وكانت تنتابني شبه عصبية نحو المير
الذي أمرني بذلك ،وفي آخر زيارة له لي أخبرته أنني لم أجد أي خيط يمكن أن يساعدني على
إتمام البحث ،فقد قرأت التوراة والنجيل ولم أجد شيئا ،أخبرني المير بأن هناك كتاب كنا
نتدارسه في الخارج سوف يساعدني كثيرا في بحثي وهو :
" إظهار الحق للشيخ رحمة ال الهندي " ،بحثت عن هذا الكتاب في مكتبتي فوجدته ،وللحقيقة
كان هذا الكتاب ذو قيمة عظيمة لنا عندما كنا ندخل في نقاشات مع المسيحيين لقناعهم بالسلم ،
فبدأت أنظم طريقة البحث مستعينا بعدة كتب بمعاونة المير مثل "الملل والنحل" للشهرستاني ،
و"الفصل في الملل والهواء والنحل" لبن حزم وبعض كتب التاريخ والسيرة ،وكلها كانت تهاجم
المسيحية ،أخذت كل النصوص التي ذكرها ابن حزم وقال أنها تناقض بعضها البعض ،وبحثت
عنها في الكتاب الصلي فكنت كثيرا ما أجد النصوص إما مذكورة لكن بنصوص مختلفة أو
منسوبة لشخاص مختلفين ،ول أخفي سرا أنني وجدت كثيرا من النصوص التي بها اختلفات
لكن لو أخذنا هذه النصوص كحجة على عدم صحة التوراة فعلينا أن نقبل مثيلتها في القرآن
ويكون القرآن أيضا من عند غير ال ( قمت فيما بعد بالرد عما كنت أعتقده تناقض واختلف في
بحث تحت عنوان الرد على ابن حزم ) ،كنت أبحث بإخلص وبمحبة غامرة ل وللرسول ،لم
أكن مدفوعا بفكر عنصري بل كان الدافع هو النتصار ل ولدينه الحنيف ،وقد لفت انتباه
المجموعة الصغيرة التي أنا أميرها اهتمامي بالكتاب المقدس وكانوا دائمي السئلة عن سبب ذلك
كنت كثيرا ما ألجأ للكذب عليهم لن ذلك ضرورة فكنت أبرر ذلك بأننا نتقابل مع شباب مسيحيين
ندعوهم للسلم مما يحتم علينا ضرورة معرفة ما يقولون ،بعد أن تعثرت محاولتي للبحث عن
مدخل لهدم التوراة من خلل إيجاد الختلفات والتناقضات ؛ قررت أن أحاول في الشق الثاني
من البحث ،وهو إثبات نبوة محمد من خلل التوراة والنجيل لتحقيق مصداقية آية سورة
العراف ،فتشت كثيرا في كتاب رحمة ال الهندي ووجدت ما كنت اصبوا إليه وانتفضت فرحا
بما وجدت ،وشعرت أنني أخيرا قد وجدت ضالتي ،صليت ركعتين شكر ل على أن هداني إلى
هذه النصوص ،بدأت في تدوينها بالترتيب كما يلي :
- 67 -
حارة النصارى
لم تكن تلك هي كل النصوص التي ذكرها رحمة ال الهندي وزعم أنها إثبات لنبوة محمد ،بل
كان هناك نصوص أخرى قمت باستبعادها لضعف دللتها ،فلقد كان تعاملي مع هذه النصوص
غاية في التدقيق والموضوعية لن هذا كان شأننا كجماعة مؤمنة فريدة على ظهر الرض ،فلم
نكن نقبل لي نص من أي فرد بدون دليل ودليل صادق موثوق فيه ،ل أخفي أن هذه النصوص
من حيث الظاهر كانت مغرية لي مسلم لن يقبلها ؛ لكن بالتدقيق وهذا حال المسلمون
الصوليون قد يفاجأ بعدم صحة الستنباط المستنتج من الدليل ؛ لذا قمت بتجميع كل الكتب التي
رأيت أنها قد تساعدني في بحثي هذا ،وبدأت أرسم مستقبل حياتي بعد نجاحي في هذا البحث ،
وكم سأكون قد قدمت خدمة ل وللرسول إضافة إلى الربح المادي الذي ينتظرني والذي بدأت
معالمه عندما ذهبت أنا والمير إلى مكتبة أنصار السنة وعرضنا عليهم فكرة الكتاب التي نالت
إعجابهم بل إنهم قد طلبوا مننا فصل واحد فقط من الكتاب وهم سيشترون حقوق طبعه ،كل تلك
الحلم كانت تراودني لكن كان يطغى عليها انتصاري لدين ال .
- 68 -
حارة النصارى
أخذت أعيد قراءة الكتاب المقدس وأصبحت علقتي به على أحسن وجه حتى أنني أدمنت قراءته
،وكنت أكتب الدليل تلو الخر وأحاول أن أثبت بالحجج والبراهين أنه ينطبق على محمد ،
كانت المفاجئة غير سارة ،وربما كان سبب ذلك أنني كنت مبالغا في تدقيقي ليس لغرض
المبالغة فقط بل للجزم بصدق نبوة محمد ،فكنت استعين بكتاب ياقوت الحموي ( معجم البلدان )
عندما تعرضت لسم مدينة تسمى فاران ؛ لعرف أين تقع وما هو اسمها الحالي ؟ وأحيانا
معاجم لغوية مثل لسان العرب ومعاجم عبرية لعرف ما معنى "شيلون" مثل ،وكنت أريد أن
أخرج كتابا ل يمكن لحد أن يطعن أو يحتج عليه ،لكن جاءت الرياح بما ل تشتهي السفن إذ بدأ
النهيار التدريجي للنصوص واحدا تلو الخر ،كما يلي :
انهار أمامي أول دليل بمعنى أنني لم أوفق في إثبات أن نص التكوين ينطبق على محمد من عدة
وجوه ل مجال لذكرها هنا ؛ إذ قد كتبتها في كتيب منفرد تحت عنوان ( الحق المكتوم ) وسجلت
في هذا الكتيب كل الدلة وكيف كنت أستدل بها ،وكيف اكتشفت أنها ل تدل على شخص
محمد ،ولذلك لن نتناول التعليق على هذه النصوص هنا .
انتهيت من دراسة كل هذه النصوص ولم أجد فيها ما يدل على ما كنت أبحث عنه ،امتزجت
لدي مشاعر الحزن والسى بالقلق والضطراب ،لكن لم يتبادر إلى ذهني مجرد التفكير في أن
يكون محمدا ليس بنبي ،بل كان تعليقي الذي أواسي به نفسي هو أنني قد فشلت في الربط بين
الدلة وشخص الرسول ،قررت أن أعيد المحاولة ثانية من خلل دراسة كتب أخرى غير إظهار
الحق ،كان لدي كتاب اسمه دلئل النبوة ،معجم البلدان ،وإعلم الموقعين ،والموسوعة
العربية الميسرة ،كنت أحاول بكل جهدي لكي ل أفشل لن الفشل يعني بالنسبة لي الدمار الكامل
لتاريخ حياة مملوءة بالمشقات والضيقات ،فكيف يصبح ذلك سرابا ؟
لم تكن المحاولة الثانية أفضل من الولى بل على النقيض من ذلك ،قد اكتشفت في المرة الثانية
أشياء لم أكن أعرفها في المرة الولى ،ولم تكن أشياء في صالح البحث بل كانت ضده ،كنت
بين لحظة وأخرى استرق نظرات أجول بها هنا وهناك متفرسا في الكم الكبير من الكتب
والمراجع السلمية التي تمل مكتبتي ،وأجدني أحيانا أخاطب نفسي :
هل من المعقول أن تكون كل هذه الكتب خادعة لنا ،وتقدم لنا شخصية وهمية ؟ إن صح ذلك
فل يستحق ال منا أن نعبده ،لكن لم أكن أسترسل في ذلك بل على الفور كنت أردد أستغفر ال
العظيم وأنهض متوضئا لصلي ركعتين أطرد بهما إبليس .
فجأة وبدون مقدمات وجدت نفسي أهمل التفكير في موضوع البحث وأعاود قراءة الكتاب للمرة
الثالثة وفي كل مرة كنت أقرأ فيها الكتاب كنت أجد حلوة غريبة حتى أنني كنت أخشى على
نفسي من سحر هذا الكتاب الذي قد يصيبني نتيجة القراءة المستمرة فيه ،لننا كنا نقول أن
النصارى سحرة ويستمدون سحرهم مما يسمونه التوراة والنجيل ؛ إذ كان يشدني إليه بطريقة
غريبة ل أستطيع مقاومتها .
كان المير منتظما في زيارته لي ،وفي كل مرة كنت أتوقع منه أن يضيق مني لعدم عمل أي
شيء ،وتوقعت منه كذلك أن يعفيني من البحث ،لكنه كان في كل مرة أكثر إصرارا من
- 69 -
حارة النصارى
سابقتها على أنني الفضل لعمل هذا البحث .عاودت القراءة في إنجيل متى وتعثرت من مطلعه
في الصحاح الول عندما رأيتهم يردون نسب المسيح إلى داود ،فقلت ما هؤلء إل مجانين حقا
،وكنت أتعزى بذلك وأحتفظ ببعض المل في أن أجد ما أريد ،سحرني إنجيل متى في
إصحاحاته الرابع والخامس والسادس ،ورغم أنني قد قرأته مرتين من قبل إل أنني في هذه
المرة وجدت نفسي وكأني أقرأه للمرة الولى
وشعرت كأن يدا تمتد نحو رأسي لتربت على ذهني ولسان حالها يقول :
أما آن الوان لتفهم ما تقرأ ول تنشغل بال بالخطأ والصواب ،وفي نفس الوقت كنت أشعر
وكأني أغيب عن الوعي وأحس بقشعريرة خفيفة ل أدري سببها ،وجدت النجيل يتكلم عما نفعله
مع المسيحيين وكأنه يعيش بيننا ،وجدته يتكلم عن الضطهاد والتعيير والقتل الذي كنا نحسبه
طاعة ل ،قلت غريب أمر هذا النجيل كيف علم بما نقوله وما نقوم به إزاء المسيحيين ،قد
يكونوا علموا بذلك وقاموا بتدوينه حديثا ،كنا نفسر محبة المسيحيين وتواضعهم على أنها جبن
وخوف منا نحن المسلمون لنهم قلة مستضعفون ،وكان ل بد أن ينطبق عليهم قول ال :
"ضربت عليهم الذلة والمسكنة"
ولكنني وجدت نصوص تحثهم على المحبة والطاعة والخضوع ومحبة العداء ،فكيف يمكن
لنسان أن يكتب سبب مذلته بنفسه ؟ وللمانة كنت كلما قرأت أمر ال للمسيحيين أن يحبوا حتى
أعداءهم طافت بذاكرتي معاملتي السيئة لوالدي ووالدتي ،كنت أتفنن في القسوة عليهم ،ولم يكن
يهدأ لي بال حتى أرى علمات اللم على وجوههم ،وأتمادى في القسوة حتى أرى ثمارها ،
وذات مرة مرضت ودخلت أحد المستشفيات وأجريت لي عملية جراحية خطيرة وأراد والدي أن
يراني ليطمئن عليّ فرفضت وقلت إنه كافر ل أريد أن أراه ،كذلك والدتي التي كانت تتعرض
لبشع من ذلك ،حتى أنها عندما كانت ترسل لي الطعام كنت أرفضه المر الذى دفعها الى أن
ترسله عن طريق طرف آخر ،وكانت تقف في الشارع أمام شباك غرفتي بالمستشفى ساعات
طويلة تلفحها حرارة الشمس الحارقة علها تسترق نظرة أو نظرات لتراني فيها ،كنت كلما
تذكرت ذلك سالت عيني بالدموع ،وألعن ذلك اليوم الذي عرفت فيه ال ،وكنت أعزي نفسي
بأن أحاول أن أتذكر ما فعله أبو عبيده ابن الجراح وأبو بكر الصديق بوالديهما ،ومصعب بن
عمير بوالدته فيهدأ بالي قليلً ،انتهيت من إنجيل متى لكن كلماته لم تنتهي من ذاكرتي
واستمرت تطاردني ليل نهار كلما هممت بفعل شيء شرير ،وقرأت باقي الناجيل والرسائل
ووجدت فلسفة وبلغة تفوق ما هي للقرآن ،وحيث أن هذه سابقة للسلم ب 630سنة فكيف
نقول إن القرآن ل يماثله شيء في البلغة ،وفي إحدى ليالي الشتاء القارس كنت أقرأ أحد
السور القرآنية علي أستطيع أن أتخلص مما علق بذهني من كلم إنجيل متى .
كنت أنا وبقية الخوة نغار أو نحقد على المسيحيين لنهم كانوا قريبين من الناس ويكسبون
محبتهم وودهم بسهولة في الوقت الذي كنا نحن عاجزين عن إقامة مجرد علقة يتوافر لها الحد
- 70 -
حارة النصارى
الدنى من التسامح الذي يمكننا من دعوتهم للسلم ،وكثيرا من الحيان ما كان يمثل ذلك لنا
عقبة شديدة ؛ إذ أن طريق دعوتنا ل يعطينا أي قدر من التسامح الذي به نقدر أن نبني نوع من
العلقات التي تقربنا منهم ثم اجتذابهم للسلم ،كانت كل حياتنا عنف وقسوة وإرهاب ،ول
تستغربوا فلم يكن سلوكنا هذا من عند أنفسنا بل إننا لو لم نفعل ذلك فلسنا من ال في شيء ،إذ
أن ال قد حدد لنا في القرآن والسنة كيف نعامل الكفار على اختلف كفرهم ،سواء كانوا أهل
كتاب أو مشركين أو متمسلمين ،ففي أهل الكتاب قال :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم
الظالمين [ " ]1هذا بخصوص أهل الكتاب أما بخصوص الكفار من نوعيات أخرى كمسلم ل
يصلي أو ل يذكي أو ل يطلق لحيته أو يرتكب أي معصية ول يتوب عنها فقال " :يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين "[ ]2وبخصوص الهل والقارب قال " :يا
أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليمان ومن يتولهم
منكم فأولئك هم الظالمون "[ ]3وهناك آية أعم وأشمل تقول :ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم
[]4
الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " . .
،ولو أضفنا إلى كل تلك اليات الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن
عمر أن محمد قال :ل تسلموا على أهل الكتاب ول تردوا عليهم السلم وإن قابلوكم في طريق
فاضطروهم إلى أضيقه " [ ]5وهناك أضعاف هذه اليات التي كانت تحكم علقتنا بالهل
والصحاب وغير المسلمين ،لم يكن لنا نحن أي دخل أو أي سلطة في تحديد هذه العلقة ،
وببساطة لن الفكر السلمي عامة والقرآن خاصة ل يعطي للمسلم مساحة لستخدام العقل ،لكن
العكس كل من يستخدم عقله للتأمل في آية أو حديث يعد كافرا إذ عليه أن يقبلها كما فسرها محمد
ل فليسكت عنها ويعتبرها من المتشابه الذي ل يجوز القتراب منه ومن وإن لم يقل محمد فيها قو ً
هنا كان الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري عن ابن عباس " :من قال في القرآن برأيه فليتبوأ
مقعده من النار" .
ترى بعد هذا الكم من النصوص القرآنية والحاديث الصحيحة هل كان بإمكاننا أن نكون مهادنين
أو لطفاء أو ودعاء لكل من ليس على شاكلتنا ؟ بالطبع ل ؛ ولو حدث فنحن كما يقول القرآن
نكون قد ركنّا إلى الذين كفروا " و ل تركنوا للذين كفروا فتمسكم النار " .
[ 23 ]3التوبة
- 71 -
حارة النصارى
نتيجة لذلك كله كنت أتفرس والغيظ يمل قلبي عندما كنت أمر على أي نص في النجيل يتحدث
عن المحبة والعفو والغفران والتسامح ،حتى أنني كثيرا ما كنت أشعر بالخجل بيني وبين نفسي
وأنا أقرأ هذا في النجيل الذي نتهمه بالتزوير ،وأقول إذا كانوا هم قد زوروا واكتسبوا محبة
الناس بشهادة المسلم والكافر فلماذا نحن الذين لم نزور شيء نفتقد لهذا ؟ بالتأكيد هناك شيء !!
كنت أحاول جاهدا أن أطرد ذاك الشبح الفكري الذي بدأ يطاردني :
ماذا لو لم تستطع أن تصل إلى نتيجة في بحثك ؟ لدرجة أنني كلما تطرقت إلى هذا التفكير
صرخت بأعلى صوتي قائلً :استغفر ال العظيم ،أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أن محمد رسول
ال ،وأسارع للصلة لتخلص من هذه الهواجس ولسان حالي يقول :كيف ل .ل . .ل . .
محمد رسول ال حتى ولو لم أجد ما يؤكد ذلك في التوراة والنجيل وبمرور اليام بدأت المشكلة
تتفاقم أمامي ،إذ بدلً من أن أتفكر فيما يثبت صدق نبوة محمد في التوراة والنجيل ،وجدت
نفسي أمام مشكلة جديدة وهي :كيف ألغي تأثير هذا الكلم العذب الذي عرفته من التوراة
والنجيل ،أو كيف أقدر أن أثبت أن ما علمته ليس من عند ال بخصوص التوراة والنجيل ،إذ
أن كل الفكار المدونة فيهما جيدة ويستحيل أن تكون من صنع بشر ،كيف يقدر البشر أن ينفذوا
بهذه الطريقة إلى أعماق المستقبل ويتكلموا منذ ألفي عام عن أمور تحدث الن ،لو سلمنا بأن
هذا من صنع البشر لقلبنا كل الموازين اللهية إذ نضع النسان معادلً ل في الفهم والحكمة ،
ونحن نعلم أن ال ليس كمثله شيء وهو السميع العليم " وجدت نفسي فجأة أقرأ في سفر المزامير
وهو المعروف لدينا بالزبور ،وانتقلت لقراءة سفر المثال حتى أنني حفظت آيات من مزمور
23 ، 143وكنت أرددها في الصلة ،وكلما سمعني أحد يعجب جدا بها ويطلب مني أن أكتبها
له ليدعوا بها ،تكررت محاولتي في البحث عن أدلة تتعلق بنبوة محمد ،وعدم صحة الكتاب
المقدس ،كلها باءت بالفشل لكنها لم تتركني وشأني بل قلقلت الكثير من الفكار والشكوك بداخلي
،تظاهرت بنسيان تلك الشكوك لكنها كانت أقوى مني لنني أحب ال أينما كان ،لكن خلفيتي
وحبي لديني كانا يمنعاني من مجرد التفكير في أن يكون دين السلم ليس هو طريق ال الذي
رسمه لنا بدأت حياتي تضطرب وأفكاري ل تهدأ والقلق يملني ،لم أقدر أن أنام كما كنت من
قبل ،ولول مرة وقفت دقائق معدودة وأنا أصلي الفجر وكنت أقرأ سورة السراء فإذا بي
أتوقف عن القراءة وأشرد بذهني قائلً :ترى ماذا سيكون موقفك لو فرضنا أن السلم ليس هو
الطريق المؤدي إلى الجنة ؟
حاولت الهروب من الجابة لكن لم أستطع ،لم أكمل الصلة وانخرطت في بكاء شديد حتى
غلبني النعاس فاستلقيت على السجادة حتى أيقظتني والدتي ،ذهبت إلى العمل وأنا شارد الذهن ل
أدري إلى أين أسير ول إلى من أتكلم ،وبعد عودتي للمنزل وجدت نفسي مدفوعا بقوة للقراءة
في النجيل فقرأت في إنجيل يوحنا من أول إصحاح حتى الصحاح العاشر ،وجدت فيه كل ما
يمكن أن يقال من بلغة وفلسفة وتعابير لغوية غاية في الدقة والتناسق خاصة عندما تحدث عن
الخراف والراعي والكرمة والكرام والغصان المثمرة وغير المثمرة التي يجب أن تقطع وتلقى
- 72 -
حارة النصارى
في النار فصرخت بصوت عال قائلً :يــارب ارحمنــي أنـا عبـدك قل لي أين أنت
أرجوك وإلى أي الفئتين تنتمي ،هل أنت عند النصارى أم اليهود أم المسلمين ؟
من فضلك تحنن علي فأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ..أعترف بفضلك علي ،
ل أقدر أن أقف أمامك ،ول يليق بك أن تقف ندا أمام نفخة نفختها من روحك ،أنت ال الذي
يقدر وأنا العبد الذي ل يقدر إل إن أنت سمحت له ،أنت ال الرحمن الرحيم وأنا عبدك بل حول
ول قوة ناصيتي بيدك كل أموري لديك ،لقد أحببتك من الصغر ،بذلت نفسي ليس طمعا في
ن ول بعذاب ول بكل المسكونة إن وقفت أمام طريقي إليك ، جنتك ولكن حبا فيك ،لم أبالي بسج ٍ
لماذا تعاملني هكذا ؟ كنت أسير على درب محبتك التي أعلمنا إياها نبيك وها أنا أجد نفسي
عاجزا عن أن أستمر على نفس الطريق ،كلهما يقول أنك إله لكن ل أدري أيهم على صواب
وأيهم على خطأ ؟
يا رب هل أقسم لك إني أحبك ؟ كل فأنت تعلم ،كم تحملت من الصعاب في مسيرتي نحوك ،
تركت دراستي ،وأهلي ،وأصدقائي ،تغربت كثيرا وسجنت كثيرا ،وعُذبت كثيرا لجلك فلماذا
ل تتجاوب معي ؟ إن كنت أنت إله المسلمين فاخلع من فكري كل شيء عدا السلم وإن كنت
أنت إله النصارى فأعطني بصيص من نور أقتدي به ؟
كنت ل أنام من الليل إل سويعات قليلة وكل تفكيري منصبا نحو ..ماذا لو وجدت أن السلم
ليس طريق ال ؟
كنت عندما تطوف بفكري هذه الجملة أشعر بقشعريرة شديدة وكأنني ذكرت شيئا ألم عليه من
ال والناس ،وذات يوم تخلى عنى الخوف والشك فوجدت نفسي أقول :
ماذا تريد ؟ كفاك مهاترات أنت الن لست كما كنت من قبل ،أمامك طريقان كل منهم يبدو
مستقيما فل تضيع الوقت وابحث جاهدا عن طريق ال وليس من المهم أن يكون عند اليهود أو
النصارى أو المسلمين ،المهم أن يكون طريق ال ،هذا إن كنت حقا تبحث عن ال هذا قدرك
ول بد أن تسلم بقدرك ،ثق أنه بقدر إخلصك سيكون تجاوب ال معك ،إنسي أنك مسلم وابحث
من جديد ،ماذا يمنعك ؟
قلت ل شيء يمنعني ؛ لكن قُد يارب خطواتي أنت واعطني قوة لن هذه تجربة صعبة وإن لم
تعينني عليها فسوق تتخبطني الشياطين وأمكث في الرض حيران بل سند ،أرجوك يا رب
ساعدني وأعدك يا رب أن اتبعك أينما كنت حتى لو كنت عند النصارى الذين ل أطيق رؤيتهم ،
بعد ذلك شعرت بهدوء غريب يسيطر على كل تفكيري وكياني ولول مرة أجد نفسي أفكر
بعقلنية وبل عصبية ،فقررت التي :
- 73 -
حارة النصارى
والثاني :أنهم يقولون أنه مات على الصليب وقام مكفرا عن خطايا الناس ،ترى ماذا يحدث لو
أنني توجهت ببحثي نحو هاتين القضيتين لتحقق من مدى صحة كل منهما بمفهوم إسلمي ،أي
أن أرى ماذا قال علماء ومفسري السلم بخصوص هاتين القضيتين ؟ .
أولً :بدأت أبحث في كتب التاريخ السلمي والسيرة والتفسير عن كل ما يتعلق بخصوص
المسيح وهل تحققت في المسيح كل صفات ال المذكورة في القرآن أم ل ؟ كانت مصادر بحثي
هي الكتب الصحيحة الخالية من الوضع والسرائيليات ،مثل "تفسير ابن كثير" " ،تاريخ السلم"
للذهبي " ،البداية والنهاية" لبن كثير "،الملل والنحل" للشهرستاني " ،الفصل في الهواء
والنحل"للعلمة ابن حزم المعروف بأبو محمد " ،السفار المقدسة قبل السلم" " ،النصرانية بين
العقل والنقل" ،وكانت نتيجة البحث أنني وجدت صفات للمسيح لم يتناولها المسيحيون أنفسهم في
كتبهم ،ومن هذه:
-1القدرة على الخلق :قال القرآن في سورة النعام آية " 102ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق
كل شيء" ،وفي سورة الحجر "إن ربك هو الخلق العظيم" ،وفي سورة الحج "إن الذين تدعون
دون ال لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له" ،وفي النحل أيضا "والذين يدعون من دون ال ل
يخلقون شيئا وهم يخلقون" ،وفي سورة النمل "أم من يخلق كمن ل يخلق"
هذه بعض من النصوص التي تقصر وتحصر الخلق ل ،بل إن ال عندما أراد أن يقارن ذاته
باللهة الخرى استخدم خاصية الخلق وجعلها ميزة تجعله فوق كل اللهة ،وكما علمنا فإن
المسيح كان يخلق وباعتراف صريح وواضح من القرآن ،ففي سورة آل عمران قال المسيح
عن نفسه :إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فتصير طيرا بإذن ال " وقال أيضا
في سورة المائدة " :وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " ،وعندما قرأت ذلك قلت في نفسي
:
إن ال هو الذي أعطى المسيح هذه القدرة ،ولم يكن يمتلكها من عند ذاته ،لكن عدت لقول :
حتى ولو أن هذا كان بسماح من ال فيكفي أنه الوحيد الذي أعطاه ال ليكون معادلً له في
خاصية من خصائصه اللهوتية ،ولو كانت كرامة لكان محمد أولى بها ،بل إنه قال عن محمد :
"إنك ل تسمع الصم الدعاء" وهذه أبسط من الخلق إن ال قد منع محمد من مجرد أن يعيد السمع
للصم وهو خير خلق ال وخاتم رسله ،وتحدى ال الخلق أن يخلقوا مجرد ذبابة وهو ها هنا
يعطي المسيح القدرة على خلق الطير ،والمسألة ل تقف عند حجم المخلوق بل هي من حيث
المبدأ لن من يخلق القليل يخلق الكثير وهذا ل يمكن أن يكون للناس من دون ال .
- 74 -
حارة النصارى
-3يشــفي المـرضى :قال القرآن أن ال وحده هو الشافي مرة على لسان إبراهيم ومرة
على لسان محمد فيقول " :وإذا مرضت فهو يشفين " والحديث الصحيح :اللهم ل شفاء إل
شفاءك .
والمسيح يقول عن نفسه " :وأبرئ ألكمه والبرص " آل عمران49 :
-4يحيــي ويميــت :ال وحده هو صاحب سلطان الحياة والموت ول يستطيع أحد أن
يحيي ويميت فقال القرآن " :وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون " الحجر ، 33 :وقال " :
إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم " يـس ، 12 :وقال " إنا نحن نحيي ونميت
وإلينا المصير " ق 43:
وبخصوص المسيح يحكي القرآن أنه قال " :وأحيي الموتـى بإذن ال " آل عمران49 :
ويروي ابن كثير في كتاب البداية والنهاية الجزء الول صفحة ،84رواية مفادها باختصار أن
المسيح رأى امرأة تبكي على أبنة لها ماتت منذ زمن طويل فسألها ما يبكيك يا امرأة قالت :
ماتت ابنتي وليس لي ولد غيرها ،فقال أرأيت لو أحييتها لك أتريدين ذلك ؟ قالت نعم يا روح ال
،فوقف المسيح على رأس القبر ونادى ثلث مرات على الصبية ففي الثالثة قامت تنفض عنها
التراب وتكلمت مع أمها ،و[]1بعد ذلك طلبت من المسيح أن يعيدها للموت فقال لها عودي كما
كنت فانغلق القبر عليها وماتت "
-5القدرة على الرزق :قال القرآن "إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين" الذاريات ، 57 :وهذا
أسلوب توكيد أن الرزق من عند ال وحده ،وقد وبخ ال كل من اعتقد أنه يقدر أن يرزق
- 75 -
حارة النصارى
الناس ،وقد تحقق ذلك بالنسبة للمسيح فقال ابن كثير إن المسيح كان له كرامة أن يرزق من
يشاء وتجلى ذلك عندما أطعم الخمسة آلف نفس بقليل من الخبز والسمك . #
-6ليس كمثله شيء :يقول القرآن عن ال " :ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
الشورى 14وبخصوص المسيح ل جدال أنه ليس كمثله شيء ،فقد خلق من غير رجل ،وهو
الوحيد الذي قيل عنه :كلمة ال وروح منه ،وهو الوحيد الذي ليس لبليس سلطان عليه منذ
ولدته ،وهو الوحيد الذي كان يحيطه حجاب من دون سائر البشر ،وهو الوحيد الذي امتلك
صفات ال القدرية -7يقول للشيء كن فيكون :يصف القرآن فيما يعدد من صفات ال قائلً ":
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل ، 40وقوله " إذا قضى أمرا فإنما
يقول له كن فيكون " هذه صفة فريدة وصف ال بها نفسه أن يقول للشيء كن فيكون وهي ليست
كالخلق وقد تحقق ذلك للمسيح في حادثة تحويل الماء إلى خمر كما يقول ابن كثير في كتابه
$
البداية والنهاية
-8كان عرشه علــى المـاء :يقول القرآن عن عرش ال " :وكان عرشه على الماء
ليبلوكم أيكم أحسن عمل" " هود 7 :قال القرطبي والحدثي أن هذه الية كانت تنطبق على
المسيح الذي تدرع بالجسد وأن ال إنما جعل عرشه على الماء ليس على سبيل الدوام ولكن
ليختبر إيمان الناس وقد سار المسيح لتلميذه ليلً على سطح بحر طبرية ليختبر إيمانهم ،وقال
لهم في هذه الواقعة :يا قليلي اليمان
-9لــه الحكم والمــر :قال القرآن عن ال " :إن الحكم إل ل يقص الحق وهو خير
الفاصلين " النعام 57وقوله " فاصبروا حتى يحكم ال بيننا وهو خير الحاكمين " العراف
، 87وجاء عن المسيح على لسان محمد فيما يرويه البخاري عن ابن عباس :ل تقوم الساعة
ل فيقضي بالحق ويمحو الظلم " .
حتى ينزل ابن مريم حكما عد ً
-10يدرك البصار ول تدركه البصار :جاء في سورة النعام " 103ل تدركه البصار وهو
يدرك البصار وهو اللطيف الخبير " هذه صفة أخرى من صفات ال التي تحققت للمسيح كما
يروي ابن كثير والقرطبي من أن المسيح كان ذات يوم على الجبل فأراد الرومان أن يقبضوا
عليه فمرق منهم دون أن يدركوه بينما هو أدركهم وقال بذلك أحمد بن خابط في الفرق بين الفرق
#
-11هو الرحمن الرحيم :جاء في سورة البقرة لية " 163وإلهكم إله واحد ل إله إل هو
الرحمن الرحيم " وجاء في سورة مريم آية " 93إن كل من في السموات والرض إل أتي
الرحمن عبدا"
ذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل والزرقي في دلئل النبوة أن المسيح كان على صورة
الرحمن وكان رحيما متحننا على شعبه إذ أقام أبنة يايرس من الموت برحمته وترأف كثيرا
على المرضى برحمته فخلق عينا لرجل ولد بل عين بوضع طين عليها لن هكذا كانت سنة ال
%
في الخلق منذ الزل
- 76 -
حارة النصارى
-12يضـرب المثال :جاء في القرآن أن من اختصاصات ال أنه وحده هو القادر أن يكلم الناس
بأمثال ففي الية 35من سورة النور و الية 25من سورة إبراهيم " ويضرب ال المثال
للناس لعلهم يتذكرون " " ،وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون " ،قال ابن كثير
والقرطبي والزمخشري في الكشاف أن ال يستخدم المثال لكي يقرب للناس ما يريده حتى يقيم
عليهم الحجة ،وقد كان المسيح وسط قومه يفعل ذلك ،والكتاب المقدس في عهده الجديد مليء
بالمثال التي لم يتكلم بها أحد من النبياء .
-13يرسل رسلً ويعطيهم سلطان ،ويؤيدهم بروحه :فقد جاء في مطلع سورة يس " واضرب
لهم مثلً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون .إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث "
ذكر ابن كثير وجميع المفسرون أن هذه القرية هي إنطاكية وهؤلء الرسل هم رسل المسيح
وذكر أسماءهم ،وأنهم كان لديهم سلطان من المسيح ،ترى من البشر كان يملك ذلك ؟
-14عبادة غيره كفر وشرك :جاء في الية 30 / 29من سورة التوبة " قالت اليهود عزير ابن
ال وقالت النصارى المسيح ابن ال تشابهت أقوالهم يضاهئون قول الذين كفروا . . .اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم " قال بن قتيبة أن هذه الية مشكلة
لن فيها أن عبادة ال والمسيح فرض ول يعبد من دونهما ،لذا فيجب أن يُعرب المسيح
كمفعول ثان وليس مضاف حتى ل يوافق أهل الكتاب من تأليه المسيح .
-15يأتي في ظلل من الغمام جاء في سورة البقرة " 210هل ينظرون إل أن يأتيهم ال في
ظلل من الغمام " قال ابن الفضل الحدثي أن المقصود هنا هو المسيح الذي سيأتي يوم القيامة
على الغمام وهو المقصود بقوله " وجاء ربك والملك صفا صفا " ، #الحقيقة أنني وجدت أكثر
مما كنت أطلب أو أريد وقد ل يتسع المجال هنا لذكر كل ما توصلت إليه فقد أعددتها في بحث
منفصل تحت عنوان " حتمية ألوهية المسيح " ذاك أنني بعد أن انتهيت من البحث ووجدت ما
وجدت غيرت العنوان من " لهوت المسيح " إلى حتمية لهوت المسيح وختمته بعبارة تقول :
إن لم يقل النصارى أن المسيح إله لكان ل بد وأن يكون إله " .
أما بخصوص الشق الثاني وهو موت المسيح كفارة عن الخطاة أو ما يسمى بالموت الكفاري ،
وهو ما كنا نرفضه عملً للية التي تقول " و ل تزر وازرة وزر أخرى " إذ كيف يموت من لم
يرتكب ذنبا عن آخرين أخطئوا هذا إلى جانب المعضلة الكبرى وهي هل حقا مات المسيح ،ل
أدري سببا لشعوري بالثقة في إمكانية أل أجد ما يؤكد موت المسيح وكنت متفائلً جدا لنني لن
أجد ذلك وبالتالي أكون قد أرضيت ضميري وبحثت ولم أجد وعليه فتمسكي بالسلم سيزداد
أكثر وأكثر لذا اندفعت بكل حماس وقوة عسى أن أعوض ما وجدته من دلئل ل هوت المسيح
في إثبات أنه لم يمت ول يجوز أن يموت نيابيا ،فوجئت وأنا أبحث عن الموت الكفاري بما
قرأته في تفسير ابن كثير لسورة البقرة وخاصة الية التي تقول " وإذ قال موسى يا قوم إنكم
ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم " . .
إذ وجدت نصا صحيحا بخصوص هذه الية فيه أن بني إسرائيل أرادوا أن يتوبوا عن خطيتهم
بعبادتهم للعجل فلم يتب ال علبهم ،وبعد توسط موسى طلب ال من موسى أب يبلغ بني إسرائيل
أن السبيل الوحيد للتكفير عن خطيتهم هذه هو أن يقتل كل رجل أو شاب من بني إسرائيل كل من
- 77 -
حارة النصارى
يقابله ،ول تأخذه به شفقة ،وقيل كانوا يضعون عصابات على أعينهم حتى ل تأخذهم شفقة
بذويهم فيمتثلوا لحكم ال ويقتل كل منهم الخر ،ويقول ابن كثير أنه قد وقع ما ل يقل عن
سبعون ألف قتيل ،حتى اكتفى ال وكانت الدماء تسير كالنهار فأمر ال موسى أن يطلب منهم
الكف فقد قبلت توبتهم وأما من بقي حيا فقد كفر عنه بدم من مات حتى ولو لم يكن قد عبد العجل
معهم ،أي هناك شخص لم يعبد العجل مات لتتحقق كفارة من عبد العجل ولم يمت ،إذن فلماذا
نرفض أن يموت المسيح الذي بل خطية عمن أخطأ وما زال حيا فالمرين سواء ،أحسست
وكأن ال يطاردني بالدلة ويفرض علي حصارا بحيث لم يعد أمامي من سبيل لنكار أو رفض
دعوة المسيح لي لتبعه ،حتى موت المسيح وجدت الكثير من النصوص تناولها ابن كثير في
تعليقه على آية النساء ، 157واليات الخرى التي تكلمت عن موت المسيح في آل عمران حتى
أن الختلف كان يدور ليس على موت المسيح بل على مدة موته فمنهم من قال ثلث ساعات
ومنهم من قال يومين ومنهم من قال يوم واحد ،وهذا حسب قواعد اللغة يؤكد وقوع الموت ،
وإزاء ذلك كله كنت أزداد غيظا وتألما لنني وددت لو لم أجد شيء يبرهن على صحة الفكر
المسيحي ل لشيء إل لعزة نفسي وتفاخري وكراهيتي لهم ،لكن هذا أمر ال ل مفر منه ،لكن
كيف أكيف نفسي مع هذا الواقع الجديد ،ل أدري ،؟
لم انقطع عن القراءة في النجيل وأصبح لي صديقا وكنت في كل مرة أكتشف حلوته أكثر فأكثر
،وذات مرة ولنا أقرأ فيه تسمرت عيناي على نص يقول :متى صليت فأدخل إلى مخدعك
وصل لباك الذي في الخفاء فهو يجازيك علنية ،وكذلك حديثه عن المرائين الذين يصلون في
الزقة والطرقات والحواري وقلت :عجيب أمر هذا الكتاب هل يجول في الشوارع ويكتب ما
يحدث الن منذ ألفي عام ،وبسرعة تذكرت أيام أن كنت أسجد على جبهتي وأضع شيئا صلبا
تحتها حتى تبرز ما يسمى بالزبيبة في جبيني أتفاخر بها بين الناس ،وكيف كنت أتباهى بصومي
وتسبيحي وتعمد ارتداء ثياب محددة لتدل على تديني ،وعلى نفس الوتيرة قمت بالبحث عن موت
المسيح وصلبه ،وهل حقا مات أمل ،ودرست ما يعرف بالموت الكفاري ووجدت أكثر ما
تناولته الكتب المسيحية بخصوص هذا الموضوع ،وفي نهاية المر أصبح عندي شبه اقتناع
عقلي بلهوت المسيح وصلبه ،وقد يعتقد البعض أنني كنت مسرورا بما وجدت ،كل ،لقد كنت
غاية في الضيق والضجر والتوتر وتمنيت لو أماتني ال قبل أن أكتشف أنني طوال الفترة الماضية
من عمري كنت أطارد سراب ل أساس له من الصحة ،كان صعبا علي أن أكتشف أن النصارى
الذلء ،المحتقرين ،ال ، . .ال . ,.على صواب وأنا مخطيء ،كنت ل أنام ،أسير بالشارع
أتحدث مع نفسي ،تطاردني الفكار أينما سرت ،سيطر علي شك رهيب خاصة عندما كنت
أتوضأ لصلي ،فكان أول رد فعل لي إزاء ذلك أن طلبت من الخوة الذين كانوا يترددون علي
أل يكثروا من زيارتي بدعوى مراقبة المن لي ،وبالتدريج انقطعت علقتي بهم ،كنت أسعر
بالنعاس كلما حاولت أن أقرأ القرآن كعادتي كل يوم ،وفي نفس الوقت كنت ل أمل من قراءة
الكتاب ،ل أخفي أنني تعلقت بالكتاب جدا واتضح ذلك عندما زارني المير آخر مرة ولم يجدني
قد أنجزت شيئا في البحث ،فقال :قدر ال وما شاء فعل هات النجيل سوف نبحث عن شخص
آخر يقوم بذلك بدلً منك ،لنه يبدوا أنك غير مؤهل لذلك ،كان من الطبيعي أن أسر بذلك لن
هذا ما كنت أتمناه ،لكن الن تغير الحال وطلبت منه أن يمهلني شهر آخر وإل لسحب البحث
مني لنني استطعت أن أضع يدي على بداية الطريق ،والحقيقة هي أنني لم أكن أريد أن أفقد
الرخصة في قراءة الكتاب المقدس ،ول أن أفقده أيضا ،وافق المير على هذا القتراح ،ول
- 78 -
حارة النصارى
أدري لماذا فعلت ذلك ،كان يمكنني أن أوافق على سحب البحث مني لريح نفسي من التفكير
والمصير المجهول الذي أحفر مساره بيدي ،كنت كلما هممت للصلة أسمع وكأن هاتفا يقول لي
كيف تصلي لله لست متأكدا من وجوده ؟ فانخرط في البكاء ،وفي مرة من المرات التي
استطعت أن أقاوم وأقرأ القرآن لفت نظري آية في سورة العنكبوت تقول " :ول تجادلوا أهل
الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم
وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " وحاولت أن أتمعن فيها أكثر فرجعت إلى ابن كثير
والقرطبي وكتاب الكشاف للزمخشري لرى ماذا يقولون في هذه الية ،فأول ما وجدت أن
الجميع قد قالوا أنها نسخت بآية السيف الشهيرة التي في سورة التوبة ،لكن لفت نظري ما هو
أكثر من مجرد النسخ إذ الية تقول إن إلهنا وإله أهل الكتاب واحد ،وهنا توقف عقلي عن التفكير
؛ إذ أن إلهنا نحن المسلمون قد نسخ كل أنواع المهادنة مع غير المسلمين من الناس واستبدل
مكانها القتل والمضايقة واليذاء ،حتى أنه في بعض اليات يجعل ال عذابه لهم عن طريقنا"
قاتلوهم يعذبهم ال بأيديكم " وهناك أكثر من 27نص يتكلم عن القتال الواجب على المسلم نحو
غير المسلم ،في حين إله أهل الكتاب يقول :أحبوا أعداءكم ،باركوا لعنيكم ،أحسنوا إلى
مبغضيكم ،وصلوا لجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ويقول أيضا :ل تقاوم الشر ،بل من
لطمك على خدك اليمن فحول له الخر أيضا " ،ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له
الرداء أيضا ،ومن سخرك ميلً واحدا فاذهب معه اثنين ،وأخذت أحدث نفسي أين هذا من قول
ال :ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ،وقوله ل يكن أحدكم إمعة يؤخذ حقه
ول يبالي ،ومن قوله أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ،وقوله من مات دون ماله
فهو شهيد ،وقوله " :محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " ،حقا
يستحيل أن يكون البيض والسمر واحدا ويستحيل أن يكون الخير والشر واحدا ويستحيل أن
يمكن الليل والنهار معا ،ل بد لحدهما أن ينفرد بذاته ،وعليه ل بد من أن يكون هناك إله واحد
فقط وأنا واثق إنني سأتوصل إليه لنني أحب ال ولن يمنعني مخلوق من اليمان بالله الحقيقي
حتى ولو كان عند اليهود ،لكن أريد مساندتك يا رب ،ل تتخلى عني فأنا الن غريب مشتت
الذهن ل أدري أين أنت ،وإن كنت خُدعت فليس عن قصد أنت تعلم كم أحبك ،وكم تألمت من
أجل محبتك ،يا رب أن كنت تقتص مني معصيةٍ عملتها فأسألك الرحمة في قضائك ،فأنت الله
وأنا عبدك على عهدك ووعدك ما استطعت أعترف بذنب فاغفر لي ول تقسوا علي في عقابك ،
وبدأت ترد على خاطري أفكار غريبة كنت عند مجرد استعادتها أمام ذاكرتي أشعر بالرهبة
والخوف والفزع ،إذ قلت إنه ل يمكن أن يكون القرآن كلم ال والكتاب المقدس كلم ال أيضا ل
بد لحدهما أن يلغي وجود الخر ،عندما تطرقت لهذه الفكرة انتابني شعورا بالرعب والخوف
وكلما سمعت صوتا اعتقدت أن ال سيدمر البيت فوق رأسي لنني أفكر هكذا في القرآن ،وبدت
حياتي كأصعب ما يكون ،كانت تلك الفترة أشد علي من فترة سجني بالقلعة وتعذيبي هناك ،لكن
سرعان ما بدأ هذا الشعور يتلشى وقررت أن أعيد دراسة القرآن من جديد لبحث عن كل جانب
من جوانبه وأضع الية التي تقول :ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كبيرا" وسأكون
محايدا جدا ،والحقيقة أنني لم أكن محايدا إذ تمنيت لو لم أجد شيئا في القرآن يقودني للتصديق
بأنه ليس من عند ال ،كانت بداخلي مرارة تجاه المسيحيين قد أقبل كل شيء لكن أل أكون
مسيحيا وتمنيت لو أن النجيل هذا لم ينزل على المسيحيين ،كانت كلمة مسيحي تثيرني وتولد
بداخلي رغبة شديد في النتقام والعدوان تجاه كل ما هو مسيحي ،ولم أدر سبب هذا الشعور الذي
تملكني ؛ ربما بسبب النشأة التي نشأت عليها وسط أسرة متدينة تحب السلم وتكره المسيحية
- 79 -
حارة النصارى
بسبب تصورها على أنها كفر وشرك ،حتى أن آبائنا كانوا يحذروننا في طفولتنا من اللعب مع
المسيحيين لنهم خونة وأل نأكل طعامهم لنهم من الممكن أن يضعوا لنا السم في الطعام ،هم ل
إله لهم ول إيمان ول أمان لهم .
#تفسي ابن كثي لسورة آل عمران وكتاب البداية والنهاية ج 1ص 90
بدأت أدرس القرآن دراسة دقيقة وعميقة وبدأت تبدوا لي أمور ذهلت عندما وصلت إليها وتعجبت
لماذا لم أدرك ذلك من قبل ؟ ،قمت بإعداد بحث تحت عنوان " هل القرآن كلمة ال ؟ " استغرق
مني هذا البحث قرابة الستة أشهر ،في خللها زارني المير في وقت مفاجئ لم أكن أتوقعه ،
وكنت في دورة المياه فاستأذن من والدتي ودخل غرفتي لنه كان معروف عند أسرتي إذ قضينا
سويا فترة العتقال وكانوا يرونه معي في كل زيارة ،اعتقد المير عندما شاهد الوراق المكتوبة
مبعثرة هنا وهناك أنني قد أنهيت جزءا من البحث المطلوب مني وسمعته يقول :بارك ال فيك ،
هكذا تكون الرجال ،إن نظرتي ل تخيب ،لقد قلت أنك الوحيد القادر على عمل ذلك ،فقلت في
نفسي ‘إنك ل تدري ما تحتويه هذه الوراق ،وخرجت لملقاته فإذا وجهه قد تغير إلى الحمرة
وبدا مضطربا فجذبني من ياقتي قائلً :ماذا أقرأ ؟ هل أنت كتبت ذلك ؟ مش معقول أنت . .من
ضحك عليك ؟ من خدعك ؟ من أغراك لتبيع دينك ؟ قلت له :لو كانت هناك خديعة فأنت
صاحبها ولو كان هناك إغراء فأنت صاحبه ،ولو ارتكبت إثما فهو عليك ؛ لنك أنت الذي
دفعتني لذلك كله ،اعتذرت إليك ولم تقبل عذري ،كنتم تعرفون كراهيتي للمسيحية والمسيحيين
وأصررتم على أن أكون أنا من يقرأ كتبهم ،أقسم لك أنني أتمنى لو أن كل ما عرفته يكون خطأ
لقد عشت معك أقصى وأصعب فترات حياتنا أليس كذلك ؟ قال نعم .قلت هل كنت تلحظ علي
شيئا ؟ قال :ل :قلت إذن فاعذرني ؛ المر ليس بيدي ول مجرد معلومات لكنه يتعلق بقلبي الذي
ل سلطان لي عليه ،يا ليتك تقرأ ما قرأت وتعلم ما علمت ؟ فانتفض هائجا وأراد أن يمزق
الوراق المكتوبة ( ألوهية المسيح ،القرآن ليس كلم ال ) ،دار بيننا شجار جاءت والدتي على
آثره وغادر منزلي قائلً :نحن قد علمنا ما بك لكن لي لطلب إن كنت تريد أن تبقى حيا قلت :
ما هو ؟ قال :المجموعة التي أنت أميرها عساك أن تخبرهم بشيء من السموم التي تكتبها ،وأنا
سأقول إنك قد ارتديت ولن أفصح لهم عن السبب ،وأحذرك لو حدث منك شيء غير هذا فإنك
- 80 -
حارة النصارى
أفضل من يعرف ما ينتظرك .قلت الحقيقة التي تجهلها أنت هي :أن الوضاع تغيرت واليام
غير اليام ،وأنت خير من يعلم ذلك ،بصراحة أنا ل أقبل تهديد لسبب واحد هو أنك لن تقدر
على شيء مما تهددني به ،ولعلمك لقد دفعتني أمانتي أن أطلب ممن معي أل يزوروني هذه اليام
لنني خشيت أن أستمر أعلمهم شيئا أنا أشك في صحته ولذا صرفتهم عني لنني كنت أمينا
معهم ،لكن أؤكد لك أنني أحب ال وادع لي أن يعيد ال لي صوابي إن كنت قد فقدته ،انخرطت
في بكاء شديد واسترجعت الذكريات الجميلة لحياتنا معا في السجون والمعتقلت ،وكيف كنا
نتحمل الصعاب معا والحقيقة عز علي كل ذلك لكن إن كانت تلك إرادة ال فوداعا لكل ذكرى
ل بالشواك إلى جوار ال ،بدأت الجماعة من خلل المير تقطع كل صلتها طيبة بعيدا عنه وأه ً
بي حتى الذين كانوا يقابلونني يوميا ل يسلمون علي فعلمت على الفور أنني قد تم تكفيري ،ولم
يكتفوا بذلك بل سحبوا مني المبالغ التي كنت آخذها من بيت المال لنفق على نفسي منها ،ولم
أتأثر ،لقد تصوروا أنني سوف أضيق بتصرفهم وسأعود إليهم تائبا هم لم يفهموا ما كان
بداخلي ،كنا معا قد اشتغلنا في ما يشبه توظيف أموال ،اشتركت أنا والمير وشخص ثالث
بالموال التي عدنا بها من الخارج وكنا نتاجر في الملبس الجاهزة ،وكنت أنا مسئول الستلم
وتوقيع الشيكات لدى التجار الذين نتعامل معهم ،ولما حدث ذلك مني لم يسددوا المبالغ المطلوبة
وأصبحت أنا مطالب بسدادها ،ورفعوا عليّ قضية بالمحكمة ،وتوقعوا من كل ذلك أن اعتذر
وأتوب عن كفري ،وقالوا لي صراحة في المحكمة ( المير فقط ) إذ اقترب من القفص وقال
نقدر أن نسحب القضية إذا راجعت نفسك وتبت إلى ال وأخبرتنا من أثر عليك لتسلك هذا
السلوك ،كنت ل أجاوبهم ،وحكمت المحكمة بأن أرد المبلغ على أقساط قيمة كل قسط 160جنيه
،وكانت تلك ضربة قوية لهم إذ أنهم كانوا يهدفون لحبسي ،ومرت التجربة بسلم والحمد ل
لكنني أخذت أكلم ال بحدة وبثورة وأكرر لماذا يا رب تفعل ذلك معي ؟ هل خصصت العذاب لي
وحدي .منذ الصغر وأنا أقاسي وأتحمل المتاعب ،لم يعد لي صديق لنهم كفروا بك ،فقدت مودة
أهلي لنهم لم يقبلوك ،فقدت دراستي لنها كانت عائق بيني وبينك ،والن ل أدري ماذا أخبئت
لي في جعبتك من اللم ،من فضلك ترفق بي هون عليّ فأنا ضعيف ل حول لي ول قوة ،ل
تتركني في هذا البحر اللجي تتخبطني المواج ول أدري لي شاطئ تقودني ،قل ليّ أين أنت ؟
هل أنت الذي تقول عنه النصارى أم أنت إله موسى أم أنت إله محمد ،وإن كنت كذلك لما
سمحت لي بكل هذا القلق في حياتي ليعكر علي صورتك الشفافة ،أرجوك يا رب ل تتركني
وحدي وأنا أعدك أن أتبعك أينما كنت لنني ل أخاف سواك وأنت تعلم ذلك علم اليقين ،ولم يقطع
عليّ مناجاتي هذه سوى صوت والدتي تطلب مني أن آخذ الطعام ،لنني لم أكن آكل معها لنه ل
يجوز لي أن آكل مع مشرك وكانت والدتي كذلك .
تطرقت بعد ذلك إلى موضوع غاية في الخطورة والهمية أل وهو إذا كان القرآن ليس من عند
ال إذن فمن يكون محمد هذا ؟ حتما ل بد وأن يكون كاذبا في ادعائه النبوة ،لكن كيف أثبت
ذلك ،وبمجرد أن حدثتني نفسي بذلك ارتعبت رعبا شديدا وقلت مش ممكن ؛ محمد ليس نبي ؛
طيب معجزاته وإمبراطوريته التي كانت مترامية الطراف ،وكل هذا الكم من الناس الذين
ي انتقام ال الشديد ويحيط بي عذابه ،لكن بعداتبعوه ،كنت أشعر وكأنني على وشك أن يحل عل ّ
أن هدأت ثورتي هذه بدأت أشعر بشجاعة وعزيمة نحو ضرورة أن أبحث في من هو محمد ؟
وهل هو نبي أم ل ؟ كانت دلئل نبوة محمد ترتكز على عاملين أساسيين هما أنه أمي ونزل عليه
القرآن ،وأنه كان قبل النبوة معصوما ولم يرتكب منكرا قط .
- 81 -
حارة النصارى
الميـــة :لم يكن في اعتقادي أن أجد ما يدل على أن محمد كان يقرأ ويكتب لن كل الذي
أعلمه وتعلمته أنه يستحيل أن يكون محمد يكتب ويقرأ ،هذا دفعني لقراءة كتب السيرة مرة ثانية
والحقيقة وجدت أمور تعجبت كيف كانت تمر عليّ من قبل ولم أدرك ما فيها ،وجدت أن محمد
كان يخلو في نفس المكان الذي كان يجلس فيه ورقة والنضر بن الحارث وعمرو بن نفيل وابن
ساعدة القس المشهور ،وجدت أن محمد كان يتاجر بأموال خديجة الكثيرة وأنه قد أبرم عقود
واتفاقيات مع تجار اليمن والشام ،وما يقال عن أنه كان يحمل خاتم يوثق به اتفاقاته غير صحيح
كدليل على أميته لنه فعلً كان لديه هذا الختم وإنما هذا كان شيئا متعارف عليه في أمور التجارة
،أن يكتب البائع والمشتري التفاقية ثم يطبع عليها بالخاتم للتوثيق وهو ما يشابه ختم شعار
الجمهورية الن ،وجدت أنه بعد النبوة كتب صلح الحديبية بيده ،وجدت أنه كان في كفالة عمه
أبو طالب وكان أكبر من علي وكان علي يقرأ ويكتب ومن الصعب أل يتعلم محمد من علي
أمور الكتابة حتى ولو القليل منها ،وجدت أن محمد كان يجلس عند يسار النصراني ويأخذ منه
نصوص من النجيل ويقرأها ،وجدت أن جبريل عندما نزل عليه طلب منه أن يقرأ ولم يكن من
المنطقي أن يطلب من محمد أن يقرأ وهو ل يعرف القراءة ،ولو أضفت إلى ذلك ما وجدتنه عند
البحث عن صدق نبوته الذي قادني لذلك كله فيصبح محمد ل نبي ول صديق ،ويمكن دراسة
البحث المنفصل عن هذا الموضوع في كتيب أعددته تحت عنوان " محمد في التوراة والنجيل "
.
ثم نأتي إلى مسألة عصمته ،هنا حدث ول حرج وأي كتاب من كتب السيرة مثل السيرة الحلبية
والطبقات الكبرى ،وسيرة ابن هشام حتى كتب التفسير التي تكلمت عن آية سورة النحل التي
فيها " ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منها سكرا لكم " هناك عدة أحاديث صحيحة تقول
إن محمد كان يشرب النبيذ ،ويوصي صحابته أن إذا وجدوه شديد التركيز أن يكسروه بالماء ،
وكان يأكل من الذبائح التي تذبحها قريش عند الكعبة على الوثان ،وكان يحل ما حرم ال
ويحرم ما أحل ال ،وكان يطمع في نساء أتباعه إن استحسن منهن شيئا كما حدث يوم خيبر
عندما وقعت صفية بنت حيي بن أخطب في سهم عبد ال بن عمر فأخذها منه وتزوجها ،وكذلك
زينب بنت جحش زوجة زيد ،كل ذلك أزال الصورة البراقة وهدم الهيكل المقدس الذي كنت
أضع فيه الرسول ،ول أخفي أنني كنت أتألم كلما اكتشفت شيئا من هذا القبيل .
رغم كل ما وصلت إليه لكن للمانة كنت تواقا لن أجد ولو القليل الذي يعينني على أن أبقى
مسلما لنه الدين الذي رضعته في طفولتي ،كنت مجرد التفكير في تركه يقلب حياتي إلى جحيم
وخوف ورعب ،كنت كلما وجدت شيئا أو قرأت نصا في الكتاب المقدس ذو معنى حسن ،أزداد
حقدا وحسدا وغيظا على المسيحيين وتزداد قسوتي عليه ل أدري السبب ،وكان لي زميل يعمل
معي فكلما وجدت شيئا في النجيل ذهبت لخرج كل غيظي فيه أتلف له متعلقاته الشخصية ،
أدفع للخرين فلوس لكي يكيدوا له ويشتكونه للسلطة العليا ،ومرة أحرقت له ملبسه حتى
اضطر للعودة لمنزله بملبس العمل ،كنت أقف أما أحد المحلت التي يمتلكها رجلٌ مسيحي
وأحذر الناس من الشراء منه قائلً :إن بضاعته منتهية الصلحية ل تشتروا منه إنهم مخادعون
ويريدون أن يدمروا السلم ،إنهم كما قال القرآن ":ل إيمان لهم " حتى أن هذا الرجل المسن
كان يقول لي :يا بني ماذا فعلت لك ؟ حرام عليك عندي أولد أريد أن أربيهم " ،وتارة أخرى
أحذر زملئي من السلم عليهم وأذكرهم بحديث الرسول ل تسلموا على أهل الكتاب ول تردوا
- 82 -
حارة النصارى
عليهم السلم وضيقوا عليهم الطرقات ،وأقول بصوت عال :هؤلء خبثاء يتظاهرون بالحب
وهم أشد عداوة ل وللمؤمنين ل تنخدعوا بما ترونه عليهم من مسكنة إن ذلك إل تصديق لقول
ال " ضربت عليهم الذلة والمسكنة "
وذات يوم حافل بمثل هذه التصرفات أحسست بهاتف داخلي يقول لي :كن صادقا مع نفسك ،
هل بعملك هذا ستقدر أن تزيل كل ما علمته من كتبهم ؟ أنت قلت أنك سوف تتبع ال أينما كان
فلماذا كلما أضاء ال لك نورا تحاول أن تطفئه بيدك ؟ كن أمينا مع نفسك حتى تستريح ؟ راجع
نفسك هل تريد ال أم ماذا تريد ؟ ،المر ما زال في يدك ول أحد يفرض عليك شيء ،رجعت
إلى المنزل مهموما ،حاولت أن أصلي لكن لم أقدر ،قرأت في الكتاب المقدس في إنجيل مت
ووقعت عيناي على الصلة التي علمها المسيح للتلميذ وحفظتها ،وفجأة شعرت ببرود وهدوء
غريب ينسكب عليّ أشبه بمن يسكب ماءً ليغسل من ذاكرتي شيئا ما ،وقلت لنفسي :يا رب هل
تقدر أن تجعلن على ما أرى المسيحيين عليه من هدوء وصبر وتحمل وبساطة ومحبة إن أنا
صليت كما هو مكتوب في النجيل ؟ وشعرت بسعادة بالغة وكأني سمعت الرد يقول لي :نعم ،
تهلل وجهي فرحا وأخذت أنتظم في الصلة الربانية ،أقوم في الفجر في مواعيد الصلة التقليدية
التي تعودت عليها وأتوضأ وأبسط السجادة وأقف وأقول :أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك
ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الرض ،خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر
لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا ول تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير " وفي
النهاية أقول :السلم عليكم ورحمة ال السلم عليكم ورحمة ال " استمريت على ذلك كثيرا لكن
لم أجد تغير إذ ما زلت عدوانيا مع أسرتي ومع المسيحيين مما جعلني أقرر أن أترك كل الديان
فل السلم نافع ول المسيحية نافع ومن يدري فلعلي بعد أن أقتنع بالمسيحية لفترة ما يحدث أن
- 83 -
حارة النصارى
حالتي هذه أن أعيش مثل ما يعيش الناس العاديين لماذا أشغل تفكيري بالدين عندما أموت يفعل
هذا الكتاب أي التوراة والنجيل فلمزقه وأسترح ،وهممت بذلك وإذا رعشة خفيفة تسري ببدني
وهاتف يقول اتركه فقد تحتاجه ،ولماذا هذا بالذات ،لقد سبب لك القرآن أكثر من ذلك فلماذا لم
تقطعه ؟ كنت إذا ركبت سيارة أقول :يا رب تنقلب السيارة وينجو الجميع إل أنا ،ويا ليت
البيت ينهار فوقي أنا وحدي يا رب إن كنت ل تريد لي الهداية فخذ نفسي أرحم مما أنا فيه ،
وفي خضم هذه الفكار والصراعات والهموم ،وكان ذلك في منتصف النهار أي الساعة الرابعة
عصرا في يوم من أيام شهر يونيو كنت جالسا أستعيد ذكرياتي الطويلة مع السلم والجماعات
والرهاب وأخيرا مع النجيل والتوراة وما صار من المير تجاهي وأقول :يا رب أنك تعلم
أنني في كل هذه الحداث لم أكن أبحث إل عنك فهل من عدلك ومحبتك أن تتركني هكذا ،حتى
يا رب أن كنت تعاقبني عن جرم بدر مني فأعتقد أنك قد استوفيت حقك ،وأي جريمة تلك التي
تستحق هذا العقاب ،أرجوك ل تتركني وحدي في هذا الصراع ،وفجأة وجدت باب غرفتي يفتح
فاعتقدت أنها والدتي تحضر لي الغداء فإذا برجل طويل عريض المنكبين طويل الشعر كثيف
اللحية وبجواره عمود من نور أبيض فاقع كالضوء المنبعث من لمبة النيون ولم أقدر أن أتتطلع
آيه أو أوجه نظري نحوه وصوت يناديني قائلً :قم اعتدل المسيح يريدك ،ولم أشعر بنفسي إل
خارج الغرفة أنادي على والدي ووالدتي وأخوتي ليروا المسيح ( سيدنا عيسى ) لنه مكتوب في
البخاري من رأى نبيا فقد رأى هدىً لن الشياطين ل تتمثل بالنبياء ،فعسى أن رأى أهلي
المسيح أن يهتدوا ،ثم عدت لغرفتي ولم أجد شيئا فحزنت جدا وقلت :حتى هذه المرة لم ترد أن
تنصفني يا رب لماذا لم تنتظر لتبرهن لهم عن صدق حديثي ،إنهم الن لن يقولوا أكثر من أنني
- 84 -
حارة النصارى
ل نزل كل اخوتي وأهلي وتوجهوا نحو غرفتي فلم يجدوا شيئا وما توقعته حدث
جننت ،وفع ً
فقالت والدتي :يا رب لماذا كل ذلك ،لقد فرحنا بعودته وهدايتك له بالستقرار وها أنت الن
تصيبه بالجنون وأخذت تبكي وتضمني إليها ،ويقول أخي :ل تقلق سأذهب بك لفضل طبيب
نفساني في مصر كلها ،وتقول أخواتي :كل هذا بسبب ما تكتبه طوال الليل هذه نهاية ذلك
الجنون يا رب اشفيه وبعد أن انتهوا جميعا من مراثيهم ،توجهت ناحيتهم وقلت لهم :الست
أنت فلن ؟ قال نعم ،ألست أنت أمي ،وأنتي أختي وأنت أخي إني أعرقكم جميعا ولو كنت
مجنون ما عرفتكم لماذا ل تصدقوني لقد رأيته كنور عظيم وتكلم إلي ،كان رأيهم أقوى من
كلمي حتى أنني قلت :ما دام المر كذلك لماذا لكون كما قالوا ؟ صحيح إن هذا الكلم الذي
أقوله كلم مجانين فعلً أنا مجنون وعلي أن أستمع وأخضع لهم في كل ما يقولون وبدأت استسلم
لكوني مجنون فرقدت في سريري ل أكلم أحد ،ويتوافد علي اخوتي يعزونني وأنا ل أنطق
بحرف ،وفي الصباح اصطحبني أخي بالسيارة وذهبنا لكبر طبيب نفساني في مصر ،ودخلت
للطبيب بعد أن نادى عليّ وجلست أمامه وسألني ماذا بك ؟ قلت ل أدري أخي جاء بي إلى هنا ،
قال إن أخيك يقول إنك تقول أنك رأيت سيدنا عيسى ؟ قلت نعم رأيته ،قال هل تقدر أن تصفه
لي ؟ قلت وهل رأيته أنت من قبل ؟ قال :ل قلت وكيف ستعرف ما إذا كان الذي سأصفه لك
هو أم ل ؟ قال إن حالتك صعبة وطلب أخي وأخبره أنني مصاب بحالة اكتئاب حاد ويلزمني
جلسات كهرباء بسرعة تبدأ بست جلسات وتتدرج إلى اثنتين ،وطلب منه أن يحضرني
للمستشفي مرتين في السبوع فقال أخي إننا بعيدين عن القاهرة بحوالي ساعتين ونصف سفر
ومن الصعب أن نأتي كما يقول ،لكن من فضلك حدد لنا كيفية ‘جرائها ونبحث عن طبيب يمكنه
القيام بذلك بالقرب من مدينتنا ،وافق الطبيب ووافقت أنا أيضا قائلً إنني ل أخاف من جلسات
- 85 -
حارة النصارى
الكهربا فقد أخذتها كنوع من التعذيب بالمعتقل من قبل وبالتأكيد فهي للعلج ستكون أخف ،
ولماذا أرفض فلو كنت مجنونا فسأستريح مما يدور بفكري وإن كان غير ذلك فإني أضيفها مع
سابقتها من ألوان العذاب التي تحملتها في بحثي عن ال عسى ال أن يرحمني ،انتهيت من
الجلسات والعلج الذي قرره الطبيب وتوقعت أن أنسى كل ما كنت أفكر فيه من قبل إن كان ذلك
وليد جنون أو توتر نفسي لكن بعد أن أنهيت العلج وجدت نفسي كما كنت بل مدفوعا أكثر
لقراءة الكتاب المقدس ،ولم أكن أهدأ أو أقدر أن أنام إل بعد قراءة شيء من الكتاب ،لكن أخذت
على نفسي أل أحدث أحد بأي شيء فيما بعد ،قررت أن أعيش كمسيحي لرى عمل ال إن كان
هذا هو طريقه فبالتأكيد ل بد وأن أرى ثمار ذلك وأري تأييده لي وإل عدت كما كنت ،كما قلت
من قبل كنت أواظب على الصلة بطريقتي وهي خمس مرات كل يوم الفجر والظهر والعصر
والمغرب والعشاء ،لم أكن أقرأ شيء مما كنت أقرأه في صلتي السابقة بل فقط أبانا الذي ،لكن
احترت كيف أصلي كيف أزكي ما هي الطقوس المطلوبة مني حتى أتي بها كاملة لكون مستحقا
أن يعمل ال في ،ل بد لي أن أذهب للكنيسة لتعلم كيف أعبد ال ؟ لم يلقى هذا الرأي قبولً لدي
ل . .ل . .نؤجل الكنيسة الن ،ويمكنني أن أسأل بعض الشخاص معي بالعمل لكن من
منهم يوافق على مقابلتي بعد كل ما صنعته بهم ؟ وفعلً رفضوا جميعا اللتقاء بي لنهم ظنوا فيّ
إما أن أقتلهم أو أرغمهم على السلم ،لكن واحدا منهم وافق لكن بعد شهر ،كان ذلك طويلً
علي ففكرت أن أقرأ المزيد عن الفكار التي يفكر فيها المسيحيين ماذا يقولون وهل هناك كتب
ل :قررت أن أقص لحيتي حتى ل تلفت النتباه إلي ،وأن استعير قميص
لهم كما للمسلمين ،أو ً
وبنطلون لرتديهما بدلً من الجلباب الذي كنت ارتديه طوال حياتي ،وذهبت للمكتبة التي
- 86 -
حارة النصارى
اشترينا منها الكتاب المقدس من قبل ،ولم يعجبني كتاب فيها فذهبت لمكتبة أخرى بشارع الترعة
البولقية وأخذت أتفرج على المعروض من الكتب ،وأردت أن أدخل المكتبة لكن ترددت
وشعرت أنني أرتعش إذ كيف أدخل مكتبة المسيحيين وأنا كنت ل أطيق مجرد النظر إليها ،
وربما يطلبون مني بطاقتي ويستدعون المن فأذهب للمباحث وبالطلع على ملفي هناك أكون
قد ألقيت بنفسي إلى التهلكة ،وبعد تردد شديد دخلت المكتبة ولفت نظري بعض الكتب ،لم أكن
أعرف ماذا أريد أن أقرأ ،بل كل كتاب يستهويني عنوانه أشتريه ،فأخذت كتاب برهان يتطلب
قرار ،وإيماني ،وكفارة المسيح ،وكنت كلما أنهيت قراءة كتاب أحرقه ،وعندما انتهيت من
الكتب كلها ذهبت للمكتبة ثانية لبحث عن كتب أخرى فوجدت كتاب أسمه التوحيد والتثليث ،
علم اللهوت الكتابي ،وعندما قرأت السعار ووجدت أن ما معي من نقود لم تكن كافية حاولت
إرجاع الكتب إلى أماكنها ثاني ؛ فإذا برجل مسن يأتي إلي ويقول :لماذا أرجعت الكتب ؟ قلت ل
أريدها قال ؟ لو أنك كنت ل تريدها لما أخذتها من مكانها ؟ قلت وما دخلك أنت ؟ هل تحقق
معي ل أريدها فوضع يده على كتفي وابتسم وهو يربت على كتفي ويقول :يا بني خذ هذه الكتب
وسأدفع ثمنها وسأريك عنواني إن أعجبتك فيمكنك إرجاع ثمنها إلي وإن لم تعجبك فيمكنك أن
تمزقها أو تتخلص منها كما تحب ولن تخسر شيئا .فقلت له من أدراك أنني ل أملك ثمن هذه
الكتب ؟ قال الروح القدس ،قلت في نفسي ما عسى أن يكون الروح القدس هذا ،وأخذت أفكر
كثيرا في ذلك ،ذهبت معه إلى منزله وجلسنا بضع دقائق وكنت أخشى أن يطلب مني بطاقتي
فيعرف شخصيتي فيعتقد أنني أريد شيئا ما لكن ال سلم ولم يسألني حتى عن أسمي ،كنت أقرأ
هذه الكتب وغيرها من الكتب إما بالبيت أو أستأجر غرفة في فندق وأجلس طوال الوقت أقرأ ؛
كنت ل أريد أن أضيع دقيقة حتى في الكل أريد أن ألتهم كل كلمة تتكلم عن المسيح أو تؤدي بي
- 87 -
حارة النصارى
ولو خطوة واحدة نحو المسار الجديد للحياة الجديدة التي بدأت تقتحم عزلتي ،وكثيرا ما كنت
أجلس في مقهى في شارع الترعة البولقية كل رواده من المسيحيين ،أقرأ ما اشتريته من كتب
،أحببت تعاليم أو بمعنى أصح أحببت أن أكون كما هو مكتوب بالنجيل من صفات وخلق لو
عشتها بأمانة لصبحت ملكا يسير على الرض ،كان كل تفكيري منصب حول تسائل يخطر
ببالي دائما وهو :هل من الممكن يا رب لو أنني قبلتك وعملت حسب إنجيلك أن تجعلني على
صورة أفضل من تلك التي أنا عليها الن ،هل من الممكن أن تخلق فيّ قلبا محبا بدل ذاك القلب
المملوء عداوة وكراهية ؟ هل من الممكن أن يكون لي أصدقاء حتى ولو لم يؤمنوا بما أنا عليه ؟
هل من الممكن أن أحب أمي وأبي وأخوتي حتى ولو لم يقبلوا ما أنا عليه ؟ هل من الممكن أن
يكون لي أصدقاء أحبهم ويحبونني حتى ولو لم يصدقوا ما أقوله ؟ هل تقدر أن تفعل بي ذلك يا
رب ؟هل من الممكن أن أحب بلدي وأشعر بالنتماء لها كما أرى كل الناس يا ليت هذا يحدث ؟
لقد كانت أولى الخطوات التي نتبعها في تلمذة كل من ينتمي إلى الجماعة هي أن ننزع عنه أي
انتماء سواء للبلد الذي هو منها أو أسرته بمن فيها ول يكون له انتماء إلى ل ول ولء إلى
للمير ،لذا لم أكن أصدق أنني يمكن أن أتغير ،أو أحب ،لقد تركت رؤيتي السابقة للنور
والشخص الذي قال لي :قم المسيح يريدك انطباعا محيرا إنني أعلم أن رؤية أحد من النبياء
هي دللة على الهدي لكن أي هدى ذلك في تلك المرحلة هل هو هدى اليمان المسيحي أم هو
هدى السلم الذي كنت عليه من قبل ؟ كانت تلك الفكار تزاحم تفكيري حتى أنني لم أكن أشعر
بنفسي وأنا أسير في الشارع ألتفت حولي وكأن أحد يطاردني كانت تسبقني خطوات ول أعرف
إلى أين أذهب ،حقا كانت مرحلة غاية في الصعوبة ،حتى قررت أن أذهب لحد الكنائس إن
كنت أريد أن أحيا كما يريد ال وكان لسان حالي يقول لقد سمعت الصوت وعليك أتباعه ،أنت
- 88 -
حارة النصارى
قد عشت في السلم زمانا هذا قدره ؛ لكنك لم تعش يوما باليمان المسيحي لتعرف أيهما أفضل
وأقرب إلى ال ،ذهبت فعلً ليس إلى كنيسة واحدة بل إلى عدة كنائس ،ولم يكن ذلك بالشيء
السهل عليّ ،إذ كنت أصارع إبليس كلما قررت دخول كنيسة من الكنائس فيقول لي :أهكذا
كلمة ال ،هل نسيت ما فعلته بالكنيسة من قبل ؟ هل نسيت هتافك الذي كان يدوي في كل أرجاء
الكنيسة يوم حرقتها أنت وإخوانك ،إن كنت نسيت أذكرك ،كنت تقول :جاء الحق وزهق
الباطل إن الباطل كان زهوقا ،أين هو الحق الذي عرضت نفسك من أجله للموت ؟ ،لم يعد
أمامك إل الكنيسة ،وكر الكفر والشرك ،هل ستشرك بال بعد تلك الرحلة الطويلة من الوفاء
والخلص ل ؟ قم من نومك يا . . .استغفر ال وتب إليه واشهد ثانية بأن ل إله إل ال وأن
محمدا رسول ال ،قم اغتسل وأرفع عنك تلك الفكار الشريرة واستعذ بال من الشيطان
الرجيم ،وبعد فترة أجد نفسي منقاد بل وعي للكنيسة وكنت أجد صعوبة حتى أنني كنت أشعر
أن هناك من يجذبني من الخلف ليمنع ذهابي للكنيسة حتى أنني صرخت بصوت مسموع قائلً :
سأذهب للكنيسة سأذهب للكنيسة مهما كان المر ومهما كلفني .كفى ما أنا قيه الن لم يعد لي
صديق ،ولم يعد لدي إحساس بأن لي أهل مثل باقي الناس ،لم أعرف الرحمة طوال حياتي ،
لقد قتلت وسرقت وها أنا اليوم بل أهل ول أصدقاء ول أصحاب ول أي شيء مما خلقه ال لنا ؛
هل من الممكن أن يكون ال راضيا عني بهذه الصورة أي إله ذاك الذي يأمر بالقتل والكراهية
والعداوة والبغضاء لكل من ل يقبل ما نقول ،ارحمني يا رب أنا مسكين وضعيف أريد أن أعيش
ولو لحظات كأي إنسان طبيعي أريد أن أحب بلدي وأهلي وأصدقائي لكن كيف وفي أي
التجاهين أقدر أن أحقق هذا ؟ إذن فلذهب للكنيسة مهما كلفني حتى ولو كلفني حياتي واندفعت
- 89 -
حارة النصارى
مسرعا نحو الكنيسة ،لكن لم يكن موقف القسيس مني كما كنت أتوقع بل كان صعبا ،إذ رفض
الستماع إليّ مما زاد من هجمة إبليس عليً ،لكنني وإن كنت فشلت في أن أقنعه بالستماع لي
فل أنكر أنني خرجت وبي شيء من الراحة النفسية ،ساعدتني على تكرار المحاولة لكن للسف
لم تنجح أي محاولة للجلوس مع أي قسيس لعرف منه ما ذا أفعل لكون مستحقا لخلص
المسيح إذ أن النص يقول :من آمن واعتمد خلص ،وما كان يشغلني هو كيف أؤمن ؟ ما هو
المطلوب مني ؟ ،كيف أصلي ،كيف أصوم ،كيف أحج ،كيف أزكي ،وفي آخر مرة خرجت
من الكنيسة مهموما جدا أو كما يقولون أجر أذيال الخزي والعار ويقول إبليس في أذني :لقد
رفضوك ،إنك تستحق ذلك وسوف يريك ال ما هو أشد من ذلك ،لكن لم يستمر ذلك كثيرا حتى
سمعت وكأن أحدا يكلمني بصوت خافت ويقول :اسمع يا . . .أنت ل تعبد الناس فل تيأس من
سلوكهم نحوك ،لنك تعبد ال وال لن يخذلك ولن يضيعك أبدا فقط اصبر وتمسك به إن كنت حقا
ي يا جميع
تبحث عنه ؟ ولن تطول أيام تعبك هذه فال ل يرد من يطلبه ألم تقرأ قوله :تعالوا إل ّ
المتعبين والثقيلي الحمال وأنا أريحكم [،قلت :قرأته يا رب إن لم يكن الن فقد كانت عيناي
تطالعان هذا النص الذي كان مكتوبا على جدار أحد الكنائس وكنت أراه كل يوم طوال فترة
دراستي بالكلية وأنا أركب الوتوبيس من المدينة الجامعية حتى الكلية ،لدرجة أنني حفظت
المكان فكنت كلما قرب المكان هذا أضع يداي على عيني حتى ل أراه ] ،سلم حياتك ل وهو
يتصرف ،قلت نعم يا رب أنا أسلم حياتي لك لكن ارحمني مما أنا فيه ،علمن طرقك أنا تائه
حيران ،كثير ما يحدث لي هذا يا رب .كنت كلما مررت بتجربة مثل هذه أعود وأقرأ في
الكتاب فأشعر براحة نفسية غريبة ،بعد ذلك فكرت في التصال بأحد المسيحيين الذين كانوا
يعملون معي لكنهم جميعا لم يرحبوا بمقابلتي خوفا من أن أكون قد أعددت لهم كمين ليذائهم
- 90 -
حارة النصارى
وبعضهم رفض لنه اعتقد أنني أريد أن أدعوهم للسلم ،ولكن إن أراد ال شيئا فل يمنعه
أحد ،فذات مرة كنت مع أحد المهندسين في زيارة لصديق له وفي طريق عودتنا طلب مني على
سبيل السخرية والستهزاء أن نزور صديق له مسيحي لنه كان يعلم مدى كراهيتي للمسيحيين
واعتقد أنه بهذا يريد السخرية بي ،لكنه لم يتوقع أن أقبل ذلك إذ بمجرد أن طلب مني ذلك
وافقت على الفور ولكنه كان كل دقيقة يقول لي :إنه مسيحي هل تعلم ؟ أقول نعم وأنا موافق
على زيارته ،فطلب مني أل أتصرف مع المسيحي بطريقة تسيء إليه فقلت له :ل تخف
سأكون عند حسن ظنك ،وذهبنا لصديقه المسيحي وكان يعلم عني كل شيء بل طالما كنت
اعترض طريقه واثير المسلمين ضده ونتهجم عليه بالسباب طالبين منه أن يسلم ،بمجرد أن
رآني أمام شقته ارتعد وأغلق الباب سريعا فعاود زميلي الطرق عليه ثانية ففتح الباب وقال
لزميلي :لماذا جئت بهذا إلى هنا ؟ ألم يكفك ما يفعله معنا بالمكتب ،حرام عليك إني رجل ل
أسيء لحد وبعدد مناقشات سمح لنا بالدخول وفي شقته لفت نظري كتاب مقدس على طاولة
تتوسط غرفته ،فأخذته وتصفحت فيه قائلً هل هذا هو كتابكم المقدس ؟ فأجاب بتلعثم وارتباك
نعم هذا والقرآن كذلك كله من عند ال وأسرع للمكتبة وأخرج لي مصحفا وقال :انظر هذا
مصحف كله كويس القرآن والنجيل والمسيح ومحمد كله كويس ،كان يبدوا عليه الخوف
والفزع مني فأردت أن أقترب منه فإذا به يبتعد كلما اقتربت منه ابتعد هو عني حتى قطعنا
الصالون ندور كل منا حول الخر وأخيرا اقتربت منه إذ لم يجد مكانا ينزوي فيه فقلت له :لماذا
تبدوا هكذا أريد أن أتكلم معك ؟ مع العلم أن صديقه الذي كان معي قد دخل أحد غرف الشقة
ليستريح فقد كانت تربطهما معا علقة قوية ،وانتهزت هذه الفرصة لتحدث معه عسى أن
يساعدني على بلوغ ما أريد ،لكنه لم يتجاوب معي فطلبت منه أن أزوره مرة ثانية وحدي ،فقال
- 91 -
حارة النصارى
ل مانع لكن لن نكون وحدنا بل سيطلب بعض أصدقاءه ،قلت ل مانع لكن اكتب لي العنوان ،
كتب لي العنوان وزرته في اليوم المحدد ؛ وإذا به قد جمع نصف دستة من الصدقاء خوفا
مني ،تكلمت قليلً معه ول أنكر كنت أتكلم كقائد عسكري مهزوم يفاوض المنتصرين كنت أضع
رأسي وأنظر أسفل قدماي من الخجل وأنا فلن الذي كان وكان ،ها هو يستجدي من المسيحي
كلمات تقوده نحو ما كان يحاربه من قبل ،لكن هو سلم ال والرغبة في الخلص اللذان دفعاني
للتنازل عن كل شيء ،في سبيل الظفر بدخول ملكوت ال الذي طالما بحثت عنه قديما وقدمت
من أجله كل ما استطعت فلماذا ل أقدم الن بعد أن اكتشفت أنني كنت ألهث نحو سراب ل وجود
له إل على صفحات الكتب ،اصبح عندي رغبة لعمل أي شيء للوصول لطريق الرب ،كان
صديقي هذا قليل المعرفة بالكتاب لذلك لم يقدم لي جديدا ،وكانت لديه مشاكل عائلية حتى أنني
قد سمعت من بعض الناس أنه يفكر في السلم ليتزوج مرة أخرى مما أزعجني واحتقرته أ
وشعرت بأنه لن يقدم لي ما أحتاجه ،لكن بعد أن تقربت أليه وتكررت زيارتي له توطدت عل
قتي به كثيرا وكان يهيئ لي مكان أقرأ فيه بحريتي ولم يحاول أن يفرض فكراما علي لنني كان
لي اتجاه واحد محدد وهو الرب يسوع بعيدا عن الفرق والطوائف التي عانيت منها في السلم
من قبل ،لكن قد تأتي الرياح بما ل تشتهي السفن ،إذ لم تدم تلك العلقة كثيرا ،وعلمت أن
هناك شخص آخر أكثر منه فقها في الكتاب لكن كانت علقتي به غاية في السوء ،فكان كلما
طلب مني شيء في العمل أعطه بيانات خاطئة وأحرض الناس عليه بل أمنحهم هدايا كلما أهانوه
وأضروه ،واستبعدت أن يوافق على مقابلتي ،لكنه وافق و طلب مهلة شهر ليفكر وطلب مني
أن أعاود التصال به قبل أسبوع من مرور الشهر ،أحسست أن الدائرة بدأت تضيق حولي فل
كنيسة تريد أن تسمعني ول أفراد يريدون مقابلتي كانت صورتي عند كل المسيحيين ل تبعث
- 92 -
حارة النصارى
على الرتياح بل ل أكون مبالغا إن قلت أن من كان يريد تهديد أي مسيحي يقول له سأقول لفلن
، . .كنت أشبه بالوحش الذي يخيفون به الطفال ،وبعد انقضاء ثلثة أسابيع من الشهر اتصلت
بالرجل ذاك لعرف هل مازال على موعده أم ل ؟ لم يكن عندي تليفون وكنت كلما خرجت
خارج منزلي أخذت الوراق التي كتبتها معي خوفا من أن يطلع عليها أحد ويعلم ما فيها ويحدث
ما ل تحمد عقباه كان لدي كما قلت أبحاث عن ل هوت المسيح ،وهل القرآن كلم ال ،النبوة
ومحمد ،هل هو نبي أم لماذا ؟ كنت أحمل كل هذه الوراق مع الكتاب المقدس في حقيبة
بلستيك ،وعندما ذهبت لتكلم في التليفون من أمام محطة القطار السريع في مدينتي فوجئت
بالحقيبة وقد سرقت بكل ما فيها الكتاب المقدس ،البحاث ،الحافظة ،البطاقة الشخصية ،لم
يتغير وجهي ولم تبدو عليّ علمات الغضب ،إذ كنت أملك برود أعصاب اكتسبته من كثرة
احتكاكي بالمباحث ورجال المن ،لكن كل الذي سيطر على تفكيري وشغلني أمرين الول :
ربما السارق يقرأ ما هو مكتوب ويرسله للمن ويكون من السهل عليهم الوصول إلى كاتبه من
خلل البطاقة وبذا أكون مستحقا لقسى العقوبة لن ما في الوراق هو تهجم على القرآن
وعقوبته الوحيدة العدام ،لكن هذه النقطة لم تشغلني كثيرا فأنا على يقين أنني عندما تحين
ساعتي لن أتأخر ولن أستقدم عنها فنحن ول محالة ميتون ،لكن الذي شغلني وقلب كياني هو
وسواس قوي اجتاح تفكيري وسيطر على كل كياني وهو :إن ال يحبني كثيرا وها هو يقدم لي
الدليل الواضح القوي على أن سلوكي نحو المسيحية باطل وما هو إل طريق الشيطان والدليل أن
ال قد أزاح من أمامك كل تهجم على كتابه ورسوله الكريم وأذهب عنك السموم من خلل فقدان
الكتاب المقدس ،ل يوجد دليل أقوى من هذا لتعرف أنك كنت تسير في الضلل ،قم الن ول
تتأخر عن التوبة ل فإن ال غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا قم الن اغتسل مما لحق بك من
- 93 -
حارة النصارى
دنس نتيجة تفكيرك الشيطاني وسلوكك نحو الشرك والفسوق ،لم يكن أمامي سوى الذعان
لفكار إبليس الشيطانية خاصة وأن صديقي الذي تعرفت عليه من قبل وكان يسمح لي بزيارته
والجلوس عنده فترات طويلة للقراءة ؛ عندما علم بأنني فقدت الوراق هذه ارتعب ومله
الخوف ،وطلب مني أن ل أتصل به أو أزوره حتى نري نتيجة ما قد يحدث بسبب فقدان هذا
الورق ،كان ذلك بمثابة الخيط الخير الذي كنت أتعلق به وها هو يقطع مثل البقية ،فشعرت أن
ال ل يريد لي هذا الطريق وأنني لن أقدر على الصبر في تلك المعركة إذ أنني بكل صدق رغم
ما توصلت إليه وما علمته وما لمسته من حلوة وعذوبة في كلمات الكتاب واجتهادي ومواظبتي
على الصلة " أبانا الذي " باستمرار دون انقطاع لم يحدث في سلوكياتي أو شخصيتي الذاتية أي
تغير ،إذ كنت مازلت أكن بالحقد والحسد على المسيحيين ،ولم أقدر على مسامحة أحد ولم
أستطع أن أقول لوالدتي حتى مجرد صباح الخير كنت أخرج من البيت وعلمات الغضب تمل
وجهي وأتعمد إظهارها أمام والدتي وأخوتي حتى يعلموا أنهم كفار وأنني ل أحبهم ،كنت مازلت
روح التمرد والعدوانية تمل كياني حتى أنني شككت في مصداقية ما قرأته في النجيل ،كل هذه
وما حدث من فقدان الوراق اجتمعوا معا علي في هجمة شرسة ربما لتعطيل عمل ال في ،أو
لكسر الرادة التي تولدت لدي نحو محبتي التي بدأت تنموا نحو النجيل ،ومرة ثانية انخرطت
في البكاء الشديد معاتبا ال عما يحدث لي وهل هذا عدل منه أنه كلما قررت أن اخطوا نحوه
وتسير المور على ما يرام يحدث ما يعرقل ذلك ،لماذا يا رب أنت هكذا معي ؟ ماذا فعلت ؟
إن كنت تعاقبني على ما فعلته في الماضي تجاه المسيحيين فها أنا أتوب وأطلب عفوك وصفحك
الذي أنت قد عملته بموتك على الصليب أم أن صليبك هذا ليس إل كما كنا نقرأ عنه ،من أنت
حتى أتقرب إليك وماذا يرضيك لفعله ،بئست الحياة إن كانت كما أحيا أنا ،الموت أهون علي
- 94 -
حارة النصارى
خذ نفسي يا ال ،وما دمت ل تريد أن ترضى علي فلنتحر ول يضيرني أن أدخل النار بسبب
ذلك لنه إن لم ترض علي فسأدخلها ؛ فالثنين سواء ،بكيت كثيرا وتألمت كثيرا ،ولم أجد
أمامي سوى أن أقوم ودموع عيني كالنهار تجري على وجهي حتى لفتت أنظار والدتي فأخذت
تربت على كتفي وتبكي على بكائي وتسألني ماذا بك يا ولدي فأقول ل شييء اتركوني وحدي ل
أريد أن أتكلم مع أحد لقد تكلمت معكم مرة فاتهمتموني بالجنون ربنا يسامحكم أسرعت إلى
غرفتي ،وقمت واغتسلت لزيل ما لحق ببدني من نجاسة نتيجة التفكير في المسيحية وما اقترفته
يداي وأخذت أفكر هل سيغفر ال لي ما قلته على نبيه وما كتبته عن قرآ نه ؟ وإذا أنا أشعر
وكأن شخصا يجيب عني قائلً :أنت لم تتهجم على أحد ولم تتكلم بالباطل فكل ما وصلت إليه
ليس من عندك أنت بل هو نفسه تكلم ،ووقفت باسطا سجادتي وأخذت أنطق بالشهادتين حتى
أعود إلى السلم ثانية وانتصبت لصلي فلم أقدر أن أنطق بحرف واحد من القرآن ولم أقدر أن
أنحني لركع فجلست واضعا رأسي بين كفي يدي فترة ثم قمت ولم أنطق سوى كلمات معدودة :
يا رب :إن لم يكن بك غضب علي فل يضيرني شيء ،وإن كنت تقتص مني لذنب فعلته فأسألك
الرحمة في قصاصك ،وإن كنت تقف في طريق هدايتي فليس ذلك من طبعك ،يا رب لم يعد
لدي قوة لقاوم ما أنا فيه وإن لم تظهر لي ذاتك فسأضل ،إنني أحبك سلكت كما أمرت في
السابق وفعلت مل يستطع أحد أن أفعله اعتقادا أن هذا يرضيك ،وعندما أريتني نورك وسمعت
النداء أنك تريدني لم أتباطيء فإلى متى تتركني أتخبط في الظلمات ،إن كان ما يحدث لي اختبار
أعددته لي لتقودني إلى حظيرتك أيها الراعي الصالح فزد من ذلك لنني بذلك أكون على موعد
للقائك .في تلك الليلة نمت نوما عميقا لم أنم مثله ليس من أيام بل من سنوات ،وقرب الفجر
تقريبا رأيت رؤيا في منامي وإذا برجل عريض المنكبين ،كثيف اللحية فارع الطول محمر
- 95 -
حارة النصارى
الجبين سبط الشعر ملمحه أجمل ما يكون ،وإذا به يمتلكني من منكبي ويهزني بلطف قائلً :
أما زلت تشك فيّ ؟ قلت من أنت لكي أشك فيك ؟ إني ل أعرفك .قال :أنا من تبحث عنه ؟
قلت ل أدري ذكرني قٌال :اقرأ في الكتاب لماذا لم تقرأ في الكتاب ؟ قلت ألم تعلم أنني فقدت
الكتاب وكل أوراقي فكيف أقرأ ؟ قال :إن الكتاب ل يضيع ،قم وافتح دولبك فستجده هناك
وباقي أوراقك سوف تعود إليك خلل أسبوع ،انتفضت كمن أوقظه أحد بسوط وأسرعت بدون
تفكير نحو الدولب الصغير الذي كان بأحد أركان غرفتي وفتحته وأنا أرتجف فإذا الكتاب الذي
فقد بعينه داخل الدولب فوقفت لحظات أرتعش وتخبط نواجذي كمن كان في يوم قارس البرد ،
ثم احتضنته كطفل كان غائب عن أمه زمانا ثم عاد ،وأسرعت لدري كيف نحو والدتي
لوقظها وأقبلها بكل فرح وأعلن لها أن ما حدث اليوم لن أسمح لكم أن تقولوا عني أني جننت ،
وأخذت أرتمي في أحضانها باكيا وأردد سامحيني يا أماه على كل ما بدر مني تجاهك ،كنت
أحسب ذلك من اليمان أم الن فقد علمت ما هو اليمان ،من فضلك دعيني أقبل قدميك لن أقبل
أقل من ذلك ،قالت :ماذا حدث لك يا بني أخبرني :قلت سأقول لكي لكن أسألك بكل ما هو
عزيز لديك ل تقولي جننت ،إنني يا أماه قد هداني ال ،قالت ومن قبل أين كنت ؟ قلت إن ال
الذي هداني ليس هو ما كنت أسير في فلكه من قبل .قالت :هل هناك إله آخر ؟ قلت نعم ،
هناك إله آخر يقول لي أن أحبك وأخضع لك ،قالت من هو هذا الله ؟ قلت هو المسيح عيسى
كما يقول القرآن ،قالت :أرجوك يا بني ل تقل ذلك أمام أخوتك فيتهموك بالجنون ،قلت حاضر
سأفعل لكن هل تصدقيني أنت ؟ قالت لماذا لم أصدقك وقد رأيت الدليل أمامي إنك منذ عشرون
عاما لم تفعل معي ما فعلته اليوم أذهب وال لن يتركك لكن تكتم المر عن أخوتك ،قلت لو
تعلمين ما بداخلي يا أماه لعذرتني في كل شيء أريد أن أقف في وسط الطريق وأعلن أن المسيح
- 96 -
حارة النصارى
هو ال وأنه غيرني ،وفعل بي ما عجز إله محمد أن يفعله ،فوضعت يدها على فمي لتمنعني
من الكلم ،ولم أنم بعد ذلك كنت أتوق لضوء النهار لخرج للناس وكأنني قد خرجت إلى الحياة
للتو ،وذهبت في الصباح الباكر أنظر حولي وإذ أنا أرى كل شيء جميل وكل الناس طيبون ،
أخذت أسلم على كل من يقابلني سواء عرفته أم ل ،وذهبت نحو البقال المسيحي الذي كنت
أسيء إليه فاعتقد أنني قادم إليه لفعل ما كنت أفعله معه من قبل ؛ فأسرع نحو الدكان ليغلقه ،
فناديت عليه أرجوك انتظر .ل تخف .فوقف متسمرا في مكانه ولم يتفوه بكلمة وإذا أنا أجد
نفسي أقبله وأطلب منه أن يسامحني ،فلم يكن إل أن بكى وسمعته يقول كلمات لم أدري معناها
إل بعد ذلك قال :هللويا مجدا ل فقلت ماذا تقول ؟ قال ستعرف ما قلت في حينه ،وانصرفت
وكنت أرى الناس بصورة غريبة حتى أنني شككت أن يكون قد حدث لعقلي شيء ،كانت
نظرات الناس تلحقني أينما كنت ؛ مندهشين مما حدث لي ،حتى زملئي في العمل كانوا
ينظرون إلي بتعجب ويضربون كفا على كف وكأنهم يقولون :ماذا حدث لهذا النسان بالمس
كان يبصق علينا وها هو الن كالحمل الوديع ،ماذا يدور في خاطره هل هي مكيدة جديدة
يخطط لها ؟ كنت أرقب في أعينهم الحيرة تجاه سلوكي الذي تغير 180درجة لكن لم يكن
يشغلني ما يقولون أكثر من انشغالي بالحسان لكل من أسأت إليه ،وكذلك الفرحة العارمة التي
ملت قلبي والوداعة المتناهية ،والهدوء ،أحيانا كنت أعتقد أنني في حلم جميل ل أريد أن أفيق
منه ،لكنها هي قوة ال ،كنت متعجل الختبارات التي تثبت أنني حقا قد تغيرت إلى البد وليس
وقتيا ،وكنت أتفكر في ما قاله لي الرجل الذي رأيته في المنام من أنني سأعثر على الوراق
خلل أسبوع ،ومرت اليام وبدأ الشك يتسلل إلى وكنت أخشى من أن تفسد فرحتي إن لم أعثر
على الوراق وفي اليوم السابق لتمام السبوع كنت قريبا من محطة القطار وأردت أن اعمل
- 97 -
حارة النصارى
تليفون ،ولم يكن أمامي سوى نفس التليفون الذي فقدت عنده الوراق والكتاب من قبل فترددت
وكنت أتقدم نحو التليفون وأرجع ثانية إلى الخلف حتى لحظ صاحب التليفون ذلك ،فقال :ماذا
تريد أراك متردد هل حدث شيء ؟ قلت ل لكن تليفونك هذا أتشاءم منه فقد اتصلت منه منذ
أسبوع وفقدت شنطتي وأنا اليوم أريد التصال لكن ل أدري ماذا سأفقد ،قال هل الشنطة تلك لك
؟ قلت نعم هل لديك معلومات عنها ؟ قال :هات علمة وأنا أخبرك أين هي .فقلت أنها شنطة
بلستيك بها مجموعة أوراق وكتاب مثل المصحف وبطاقتي وجواز سفري وليس بها نقود إطلقا
قال :نعم هي كذلك غدا تعال وأنا آخذك عند من وجدها ،وفي اليوم التالي تمام السبوع ذهبنا
إلى قرية في ضواحي القاهرة ناحية الجنوب ،وقابلنا الرجل الذي عنده الحقيبة وأعطانا إياها ،
وفتحتها ولم أجد الكتاب ،فقلت للرجل إن الحقيبة ناقصة كتاب ،قال :وال ما أخذت منها شيء
ولم افتحها إلى يوم أخذتها وكان بها أوراق وجواز سفر وبطاقة ومصحف ( الكتاب المقدس )
ولم أر ما فيها حتى اليوم ،فرحت جدا بما قاله الرجل وأخبرته أني صدقته ،لن ذلك معناه أن
ال قد أعاد لي الكتاب بعد أن فقدته ،كان سبب سعادتي أنني طوال أيام حياتي السلمية لم أعهد
أن أطلب من ال أو أن أرى مثل ما حدث هذا ،حقا لقد كان يمثل بالنسبة لي معجزة فوق كل
المعجزات ،حتى أنني عدت لحقر نفسي أمام عمل ال هذا معي ،فقلت :من أنا يا رب حتى
تفعل معي هكذا ،وحالً جاءني الجواب ؛ أنا فعلت وسأفعل أعظم من هذا للذين يحبون ال
ل تغيرت كنت أحدث نفسي قائلً لو سمح ال لي أن يدخلني في اختبار لكي أتأكد من أنني فع ً
سأكون سعيدا ،وسرعان ما استجاب ال لرغبتي وكانت أول اختبار لي في علقتي الجديدة
بالمسيح :كنا في عملنا نحصل على مكافأت دورية ،نتعاقب غليها لكني كنت فوق ذلك وكنت
أجبرهم على أن آخذ من هذه المكافأة شهريا لن هذا مال كفار ل يجب العدل فيه وذات يوم حان
موعد الصرف ،وكان هناك زميل يمر بظروف قاسية في منزله وجاء للمدير المسئول يطلب منه
أن يمنحه المكفأة هذا الشهر ليخرج من ضائقته هذه ،فقال له المدير :إن الكشوفات قد وضعت
وبقية زملءك هذا دورهم وكلهم عندهم ظروف مثلك أما بخصوص فلن . . .فل نقدر أن نمنع
- 98 -
حارة النصارى
عنه المكافأة فأنت تعرف أنه إنسان شرير ونحن نتقي شره ،في تلك اللحظة دخلت مكتب المدير
ووجدته يتهامس مع زميلي فقلت على الفور :ماذا تقولون بنغمة هادئة ،أتتحدثون عن المكافأة ؟
قال المدير بسرعة وارتباك :أيوه لكن أنت ل تخف فأسمك مدون في رأس الكشف ،فقلت إذن
فماذا يريد فلن . .قال هو يريد أن نضع اسمه في الكشف هذا الشهر لكن اعتذرت له ،قلت
ولماذا اعتذرت له ؟ يمكنك أن تضعه بدلً مني ،اعتقد المدير أنني اسخر منه فقال :قلت لك إن
اسمك في رأس الكشف ولن يقدر أحد أن يمنعك من المكافأة ،قلت لكن أنا أريد أن أتنازل عنها
هذا الشهر لزميلي ،فقال مش ممكن ؛ أنت ؟ قلت نعم أنا ،قال كيف ؟ قلت هكذا مثل ما سمعت
أرجوك احذف اسمي وضعه مكاني ومن الفضل أن تتنازلوا جميعا له هذا الشهر ،وسمعته يقول
:سبحان مغير الحوال ،ماذا جرى ؟ القيامة سوف تقوم ،فلن . .يتنازل عن المكافأة ،مش
ممكن ،قلت لكن ال قادر على كل شيء يخرج من الكل أكلً ومن الجافي حلوة ،كانت عيناي
مغرورقتان بالدموع من هذا الموقف الذي لم يحدث مثله معي في حياتي ،لقد اعتدت أن آخذ ما
لي وما ليس لي أما الن فقد علمني المسيح أن أعطي :كانت فرحتي ل توصف وأنا أشعر بحلوة
وطعم العطاء .
بدأ أهلي واخوتي يلمسون هذا التغير فقد كانوا بمجرد أن يروني يغلقون التليفزيون ويهرب كل
واحد منهم إلى مكانه خاصة أخوتي البنات ،لكن بعد هذا اليوم دخلت عليهم ولم يشعروا بي
فأسرعوا نحو التليفزيون ليغلقوه وكل منهم يتهم الخر بأنه هو الذي كان يستمع إليه ،فقلت لهم ،
مش مهم من الذي فتحه المهم لماذا أراكم مرتبكين وفتحت لهم التليفزيون وقلت لهم شاهدوا ما
تريدون لكن البرامج التي تخدش الحياء أرجوكم ل تشاهدوها ،قالوا مش ممكن أنت تسمح لنا
بمشاهدة التليفزيون قلت ولما ل ،لو تعلمون ما في داخلي نحوكم لما صدقتم أنني أحبكم كثيرا
وأريد منكم أن تسامحوني على كل إساءة بدرت مني نحوكم ،وإذا بي أراهم جميعا يبكون ،
وكنت كلما خرجت من المنزل وعدت ثانية أقبل والدتي واحضر لها هدية ،فمل كان منها إل أن
تبكي من التأثر وأشكر ال كثيرا أنها قد توفت وهي سعيدة بي وأنا أشعر أنني قد كفرت عن القليل
من إساءتي لها ،وعوضتها قليلً عما بدر مني في السابق وكنت فرحا جدا بهذا الله الذي أعاد
البسمة على شفاه جميع من بالمنزل مؤمنين وغير مؤمنين .
كان الخوة المسيحيين الذين ذكرتهم يتابعون أخباري باستمرار لكن ساورهم خوف شديد من أن
يكتشف الناس في القرية أمري فيلقون بالتبعية عليهم فطلبوا مني أن أترك مصر وأغادر للخارج
لكنني رفضت ذلك بقوة لنني كان يلحقني ما فعلته بالمسيح والمسيحيين لذا أخبرتهم أنني قد
صليت من أول يوم تغيرت فيه حياتي أن يساعدني ال لن أعمل للمسيح بقدر ما أسأت له وأنا
أسأت له بمصر فلن أغادر مصر ،ووعدتهم بأنه إذا تم القبض علي فلن أذكر أسمهم في أي حال
من الحوال ،وذات يوم طلبوا مني أن أذهب معهم لكنيسة لم أذهب إليها من قبل ،فوافقت
وتقابلت مع أحد الباء هناك وقصصت عليهم ما حدث معي فرأيت الفرحة والبهجة ترتسم على
وجوههم من عمل ال ،فطلبت منهم المعمودية وتجاوبوا معي وكان ذلك في يوم ، 9/5/1993
وما زلت أحفظ هذا اليوم لنني إن كان لي أن أحسب عمري الحقيقي فهو بالتأكيد يرتبط بهذا
التاريخ الذي فيه ولدت من جديد .
- 99 -
حارة النصارى
إن كنت قد تكلمت باستفاضة عن حياتي قبل اليمان فمن الضروري والمهم أن أتكلم كذلك عن
عمل ال في حياتي بعد اليمان ،لم يكن لدى كل المقربين لدي أدنى شك في أنه يستحيل أن أتغير
بهذه الدرجة ،ولم يكن أحد منهم يصدق ما رآه بعينيه فيّ بعد اليمان ،لني إن كنت قد طلبت
ذات مرة من ال أن يختبرني لعرف هل أنا فعلً تغيرت أم ل ،فهنا ال يدخلني في التجارب
المتنوعة ليس ليعطيني ثقة في ما حدث لي بل بكل ثقة أقول إنه قد سمح بذلك ليدربني على
المهمة الشاقة التي قد وضعها على عاتقي ،فأنا لم أختر الطريق الجديد هذا ولم أختر حياتي مع
المسيح بل على النقيض كنت أحاول تكذيب ما رأيته ،فالمسيح هو الذي اختارني ،ولم يختارني
اعتباطا بل بالتأكيد لخدمة أعدها لي وأعدني لها ،وهنا سوف أذكر بعضا مما قابلني من
مضايقات وعمل ال فيها .
كنت أعمل في مكتب يضم بالضافة إلي ثلثة زملء آخرين ل نجتمع سويا إل نادرا فنجلس فيه
بالتناوب ،وكل منا يملك دولب لخلع الملبس ووضع متعلقاته الشخصية به ،وذات يوم فوجئت
باختفاء بعض الشياء من دولبي ،ولم أشك في أحد وفي اليوم الثاني تكرر نفس الشيء ،وأيضا
لم أشك في أحد وكنت ألقي بالمسئولية على زوجتي ومرة ثالثة تكرر نفس الموقف فاكتشفت أن
قفل الدولب مكسور واختفاء مرتب الذي نسيته بالدولب ،فعلمت يقينا أن الشياء اختفت هنا
وعن طريق أحد زملئي ،وفجأة سيطرت علي روح شيطانية رهيبة وأخذت أسب وألعن بأسلوب
النسان العتيق الذي كان في قبل اليمان ،وكنت أردد قائلً :إن كنت قد قبلت المسيح ولرأيتم
أني وديع وطيب فل يعني هذا أن تضحكوا علي وتجعلوني ألعوبة وأقسمت أن أفعل بهم أشد ما
فعلوا بي ،وقررت بيني وبين نفسي أن أحطم كل الدواليب الموجودة بالمكتب وآخذ ما بها
وأحرقهم وأترك كل دولب مفتوح كما فعل إبراهيم بالصنام لكي يعلموا مدى ما يشعر به
النسان إن سرقت متعلقاته ،وذهبت وأحضرت شاكوش وأجن لنفذ ما قررته وأغلقت المكتب
بعد أن التفت يمينا وشمالً لكي أتأكد أن أحدا لم يرني ،ورفعت يدي وأنا مملوء غضب وغيظ
وقبل أن أهوي بيدي على أول قفل إذا بشيء يمسك يدي وصوت خافت يقول :ل تقاوم الشر ،
وكن صانع سلم ،فالتفت يمينا ويسارا لحد الصوت فلم أجد شيئا فقلت في نفسي :لكن يا رب
هل يرضيك ما يحدث لي ،لكن لتكن مشيئتك اذهب عني الغيظ وأخمد النار التي في قلبي ،إني
أكاد أفقد صوابي من فضلك يا رب هدئني ،وفجأة شعرت بسلم غريب وكأن لم يحدث شيء ،
وأسمع من يطلب مني أن أكتب على ورقة من أوراق التقارير اليومية ما يلي :أخي الذي يفتح
الدولب إني في غاية السف لعد تمكني من تلبية ما تحتاجه ،لكن من فضلك أكتب ما تحتاجه
وأنا بمشيئة اله سأحاول تلبيته لك ،وللدللة على صدقي لن أستبدل القفل المكسور ،وأعلم أن
محبة ال لنا نحن البشر فائقة ،وأخيرا لك مني سلم ال الذي يفوق كل عقل والرب يحفظ حياتك
إلى البد :أخيك ، . . . .وبعد أن انتهيت من كتابة ما سبق وضعت الورقة في الدولب وتركته
على وضعه المعتاد وصليت لشكر ال إذ منعني من النقياد للفكار الشيطانية ،وعدت لمنزلي
في غاية الفرح لنني قد انتصرت على إبليس ومجرد أن فتحت لي زوجتي الباب حتى أخذت
أعانقها وأحكي لها ما تم ،فقالت :ل تخف فإن كان ال معنا فمن علينا ومن جهة الفلوس التي
فقدت فالكتاب يقول :كنت فتى والن شخت ولم أجد صديقا تُخلي عنه ،ول ذرية له تلتمس خبزا
إن ال قادر أن يسد حاجتنا لنه هو المتكفل بنا ،وبعد يومين كانت المفاجئة إذ وجدت أحد
زملئي قد حضر في ورديتي على غير العادة ،فسألته لماذا أتيت الن ؟ قال أريد أن أتكلم معك
.قلت فيما تريد أن تتكلم معي ؟ قال أفضل أن نصعد إلى مكتبنا لنكون وحدنا فصعدت أنا وهو
وجلسنا كل في مواجهة الخر ،ورأيته قد نظر بوجهة إلى الرض وقال :ل أدري ما ذا أقول
لك ،ول أدري كيف أتصرف ،قلت ماذا حدث أخبرني ؟ فإذا هو يفتح حقيبة صغيرة ويخرج
منها كل الشياء التي أخذها من دولبي وأنا ل أصدق ما يحدث ليس لرجوع الشياء ،لكن لنني
لم أكن أتوقع أن يكون هو الذي فعل ذلك فقد كان شابا مصليا ومتدينا ،فقال هذه الشياء التي
أخذتها من دولبك لكن أرجوك ل تخبر أحد ،أما الفلوس فلن أستطع أن أردها لك لن أولدي
كانوا مرضى وبحاجة إلى طبيب ،يمكنني أن أردها لك كل شهر مبلغ ،قلت له :خذ كل هذه
الشياء يا . . .إنها الن ملكك إنني لم أكذب في ما قلته لك بالورقة ،صدقني كان ال يعوضني
عن كل شيء تأخذه حتى الفلوس أنا واثق أن ال سيدبر كل شيء ،ولو لم أكن صادقا لقمت
بتغيير القفل بآخر سليم ،فقال لكن أريد أن أسألك سؤال وتجيبني بصراحة ؟ قلت تفضل ،وهل
جربت علي كذب من قبل ؟ قال :ل ٌلت فما هو سؤالك ؟ قال :إنك تتكلم كما يتكلم المسيحيون ،
الرب ،الرب تلك نفس الكلمات التي أسمعها من جرجس النجار الذي يسكن بجواري ،قلت
الحقيقة يا . . .إنني عندما حدث ما حدث كنت أمام اختيارين الول :أن أرد العدوان بنفس
ل للحديث من مات دون ماله فهو شهيد ،وكذلك :ل يكن أحدكم العدوان ،وأن أخذ حقي عم ً
إمعة يأُخذ حقه ول يبالي أو بمعنى أصح كان لي حرية الختيار في الطريقة التي آخذ بها ما أخذ
مني ،والثاني أن ل أرد العدوان بالعدوان ،وأل أقاوم الشر وأل أنتقم لنفسي وأن من أخذ ثوبي
فلعطه الرداء أيضا ،ترى أي الطريقين أفضل ؟ قال الثاني بل شك ،قلت وهذا ما حدث مني ،
أنني تصرفت بما يحفظ العلقة التي بيننا ،ويقوى المحبة ،و ل يهم من أين المصدر السلم أم
النصارى أم اليهود المهم التصرف السليم ،ولو أنني وجدت مثل ذلك في السلم لما توانيت عن
العمل به فورا ،قال :من أين لك بكل هذا ؟ ومن أين جئت بهذا الكلم ؟ قلت سوف لقول لك ،
لكن ليس الن لنك مشدود مما حدث وعندما تستريح وتهدأ بعد يوم أو يومين أو شهر ،ورأيت
أنك محتاج لمعرفة من أين جئت بهذا فسأقول لك ،وبعد حوالي أسبوعين قابلني في أثناء تسليم
المكتب له وقال :الن قد هدأت وأريد أن أعرف منك مصدر هذا الكلم كما وعدت ،قلت له :
غدا أقابلك وأقول لك عما تريد ،وفي الغد قابلني وسأل نفس السؤال فقلت له :لحظة واحدة
وأخرجت له النجيل قائلً :إن كنت حقا تريد أن تعرف من أين كل ما فعلته اقرأ هذا الكتاب ،
قال :هذا إنجيل أعوذ بال من الشيطان الرجيم ،قلت نعم هو من النجيل وأنت لك حرية
الختيار إن أردت أن تعرف خذه وأقرأ وإن لم ترغب فأنت وشأنك ،اخذ مني الكتاب وظل يقلبه
يمينا ويسارا وينظر إلى باستغراب وأخيرا أخذه وانصرف ،وقلت له إن صعب عليك شيء
فيمكنك أن تسألني ،وظل طوال أسبوعين يأتي بأسئلة متعددة واستمر هذا الوضع طويلً حتى
لحظت عليه تغير كبير وحب كبير للكتاب ،وذات يوم قال :إلى فكرة الكتاب هذا فيه بركة
عظيمة إذ منذ أن أخذته منك وأنا أجد كل الخلفات التي كانت بيني وبين زوجتي تزول ،فقلت له
اقرأ أكثر لتعرف ما هو المطلوب منك ،استوعب الكتاب بدقة حتى أنه ذات يوم فاجأني بأن طلب
مني أن أعلمه الصلة المسيحية وهيأتها ،فقلت له ليست لها هيئة معينة ،فيمكنك أن تصلي في
أي وضع وبأي أسلوب ،وبعد ثلثة أشهر كانت المفاجأة الغير متوقعة فقد جاءني وأخذ يقبلني
ويسألني كيف يمكنه أن يتعمد ،قبل زميلي الرب وكان سبب بركة لسرته كلها ،فسعدت أنا
أيضا وأحسست أنني قد اختارني ال حقا للعمل في كرمه ،ولكون من خرافه ،ولكون ممن
يصطادون الناس لكن هذه المرة ليس للضلل بل للخلص والحياة البدية ،إذ طالما كنت في
الماضي أصطاد الناس لضمهم إلى حظيرة الهالكين فما أجمل أن أعمل مع رب هذا الزمان
ومخلصه يسوع المسيح .
بدأت أشعر لول مرة بأنني أحب بلدي وأحب الناس وأحب التسامح والعفو ،حقا أصبحت إنسانا
جديدا واستخدمني الرب في اجتذاب نفوس للمسيح وإعادة بعض الخراف التي ضلت طريقها
وتركت المسيح إلى حظيرة الب السماوي .
توالت التجارب والختبارات التي كانت تظهر لي ما عما عالقا بي من النسان العتيق ،وتوالت
معها محاربة إبليس سواء من خلل حياتي الروحية أو الجسد كذلك ،فذات يوم كنت ذاهبا لزيارة
أسرتي وأخذت ميكروباص من مكان ما إلى حيث تقيم السرة ،وسمعت من ينادي على الركاب
فأجلسني السائق علي كرسي سعته ثلث ركاب لكن هو جعلني الرابع ،وكان بجواري على نفس
الكرسي رجل متدين كثيف اللحية وزوجته المتنقبة ،فبدأ يتصرف تجاهي بطريقة غير لئقة فأخذ
يضيق علي المكان ويبسط رجليه بحيث لم يعد سوى سنتيمترات قليلة ،فنزلت فسألني السائق
لماذا نزلت ؟ قلت ل يوجد مكان .قال هذا الكرسي لربعة نفر وطلب من الشيخ أن يفسح لي ،
لكن أحسست أن هذا الرجل ل يريد أن يجلس أحد بجواره حتى ل يضايق زوجته فنزلت ودفعت
أجرة الكرسي للسائق وطلبت منه أل يجلس أحد معهم ،وهنا ثارت حمية الرجل فقال ل يا أخي
تفضل اجلس ،قلت له ل داعي لن نزاحمك أنت وزوجتك ،فأصر على أن أركب فركبت وأفسح
لي المكان ،وسار بنا الميكروباص بضعة أمتار فإذا بالرجل يسألني سؤال لم أكن أتوقعه ،إذ قال
لي :هل أنت سلم أم مسيحي؟ قلت لماذا تسأل؟ قال أريد أن أعرف فقط ،قلت أنا مسيحي ،فقال :يا
خسارة لو كنت مسلما لكان لسلوكك هذا شأن عظيم،قلت له؟ هل تعرفني؟ قال :ل ٌلت وأنا أيضا
ل أعرفك ،لكن ترى لماذا فعلت أنا ذلك معك؟ قال :ل أدري ،قلت إن لدينا نص في النجيل
يأمرنا أن نحب كل الناس حتى الذين يسيئون إلينا وأنا قد ل حظت كم كنت قاسيا معي فأردت أن
أبين لط المحبة التي تملئنا نحو كل من يسيء إلينا فلم أجد سوى هذا التصرف الذي رأيته ،قال
وهل لديكم كتاب؟ قلت نعم ،قال هل تعبدون ال؟ قلت ومن نعبد إذن؟قال نعلم أنكم تعبدون المسيح
والحبار والرهبان كما قال القرآن ،قلت ليس كل ما تعلمونه عنا صحيح؟ وإل لما كان ما وجدته
مني لكن أشير عليك برأي قال :تفضل قلت سوف أعطيك كتاب مقدس بعهديه القديم والجديد الذي
هو النجيل لتقرأه وترى ما به ،فإن أعجبك فهذا خير وإن لم يعجبك فلن تخسر شيئا ،اتفقنا على
أن نتقابل في مكان ما وأعطيته الكتاب وكنا نتقابل أسبوعيا ،لرد على تساؤلته ،وبعد ذلك بدأنا
نصلي سويا وبدأ هو يتناقش مع زوجته حتى أنه كان يريد تطليقها فأخبرته إن هذا ل يوافق فكر
ال وصلينا من أجلها واستقر البيت وعم فيه السلم ،وقلت له إن المسيحية حياة تجمع الناس ول
تفرقهم فالزوج غير المؤمن مقدس في الزوجة المؤمنة والزوجة الغير مؤمنة مقدسة في الزوج
المؤمن ،كان صديقي منبهر جدا بما قرأه في الكتاب ودخل الرب البيت وبناه واستقر وباركه ال
كثيرا .
ل أريد أن أنهي هذه الشهادة لنها في الحقيقة ل نهاية لها لنه مادام الرب يعمل فيّ فالختبار
مستمر لكن خلصة ما أريد قوله أنني قد وهبني ال تلك الحياة بدون مقابل بل لو نظرنا للمقابل
لن نجد سوى التدمير والتخريب والخطايا ،التي لم يعد ال يحسبها علينا ول يذكرها لنا فنحن إذن
أحرار إن كان الب قد حررنا فالحياة هي المسيح أما الموت فهو ربح وهذا الشعور يملني لول
مرة إذ كان الموت من قبل يمثل لي شبح مخيف سواء من عذاب القبر أو سؤال الملكين أو . .
أو . .الخ