Professional Documents
Culture Documents
عن الأحاديث
عن الأحاديث
عن الأحاديث
تعريف بالحديث
سنة؟ ما هي ال ُّ
هم مب َ سنة هي المصدر الثاني للتشريع في السلم ،وهي التي تبيِّن كل ُ ال ّ
ضح المعاملت والعبادات .والسنّة والحديث حسب الرأي في القرآن ،وتو ِّ
حدّثين ،وخاصة بين المعاصرين منهم ،مترادفان متساويان، م َالسائد عند ال ُ
يوضع أحدهما مكان الخر .ففي كل منهما إضافة قول أو فعل أو تقرير أو
صفة إلى النبي محمد غير أن الدراسة التاريخية لجذور هذين اللفظين تثبت
أن السنة كانت تُطلق على الطريقة الدينية التي كان النبي محمد يسلكها
مما في سيرته ،لن معنى السنة لغة الطريقة .وهي ترادف السيرة أيضا ً ِ
يُبين من استعمالها معها مثل :وكان من سنة عمر وسيرته أن يأخذ العمال
بموافاة الحج في كل سنة ,فإذا كان الحديث عاما ً يشمل قول محمد وفعله،
فالسنة خاصة بأعمال محمد .وفي ضوء هذا التباين في المصطلح يمكن أن
حدّثين :هذا الحديث مخالف للقياس والجماع والسنة أو م َندرك قول ال ُ
قولهم :إمام في الحديث ،وإمام في السنة.
وفي أول المر عندما عبر السلم عن الطريقة بالسنة لم يفاجئ العرب،
فقد عرفوها بهذا المعنى ،وكان بوسعهم أن يستوعبوا هذا المعنى حتى
َ َ
ل (سورة قب ْ ُن َ م ْ وا ِ خل َ ْن َ ذي َ في ال ّ ِ ه ِ ة الل ّ ِ سن َّ َ عند إضافته لله ،مثل قولهمُ :
سميت المدينة دار السنة لحرص أهلها على تقليد الحزاب .)62 :33وقد ُ
محمد
وتنقسم السنة إلى أنواع هي:
ة موثوق بهم عند أ -القوليَّة :وهي ما قاله النبي وثبَت عنه ،من خلل ُروا ٍ
مرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ُ
علماء المسلمين .مثل قول النبي" :أ ِ
ل إله إل الله ،وأني رسول"
ب -الفعلية <:والسنة الفعلية تشكل أهم جزء من أجزاء السنة قاطبة ،إذ
عليها تعتمد العبادات المفروضة في السلم مثل الصلة والصيام والزكاة,
وأما الصلة على سبيل المثال فالقرآن ل يخبرنا إل بصلة الصبح والعشاء
بينما الوقات الخرى للصلة وطريقة أدائها تؤخذ من الحاديث فقط,
والسنة الفعلية هي ما رواه أصحاب محمد من أفعاله كوصفة ووضوئه
وصلته إلخ,
ج -التقريرية :وهي ما كان موجودا ً قبل السلم وأقَّره النبي كإقراره
ب ،أو ما فعله بعض الصحابة حراب ،وغناء الجاريتين ،وأكل لحم الض ّ اللعب بال ِ
ورآهم النبي يفعلونه ،وأقَّره؟ " ,أما أهم جزء في سنّة النبي فهو أقواله أو
سنة جميعاً. ما يُطلق عليه الحاديث .وأحيانا ً يُطلق لفظ حديث على ال ّ
ما هي الحاديث؟
ي من الكلم المتّصل بعضه ببعض ولو كان يُراد بالحديث ما رواه الصحاب ُّ
جمل ً كثيرة ،كحديث بدء الوحي ،وحادثة الفك .وقد يكون الحديث من جملة ُ
واحدة أو اثنتين.
ولقد ورد الحديث في القرآن بعدة معان منها:
ً - 1بمعنى رسالة دينية" :الل َّه ن ََز َ َ
ث كِتَابا" (سورة الزمر :39 دي ِ ح ِ ن ال ْ َس َ ح َ لأ ْ ُ ّ
ث (سورة القلم .)44 :68 َ ِ ِ دي ح ْ ال هذَا ب بِ َ ن يُك َ ِ
ذّ ُ م ْ و َفذَْرنِي َ .)23و َ
َ في آيَاتِنَا َ َ ّ َ
ض
ر ْع ِفأ ْ ن ِ ضو َ خو ُ ن يَ ُ ذي َ ت ال ِ وإِذَا َرأي ْ َ - 2بمعنى قصة عامة أو دنيويةَ :
ه (سورة النعام .)68 :6 غي ْ ِ ِ
ر ث َ دي ٍ ح ِ في َ ضوا ِ خو ُ حتَّى ي َ ُ م َه ْ
عن ْ ُ
َ
سى (سورة طه )9 : 2 َ َ ه ْ
مو َ ث ُ دي ُ ح ِ ل أتَاك َ و َ - 3بمعنى قصة تاريخيةَ :
ديثا ً (سورة التحريم ي إلَى بعض أ َ ُ َ َ َ
ح ه ج وا
َ ْ ِ ْ َ ِ ِ َ ِ ز ِ ّ ِ ب ّ ن ال ر وإِذْ أ َ ّ
س رَ : - 4بمعنى حوار جا ٍ
)3 :66
أما في الحاديث المروية عن محمد فإن لفظة الحديث وردت فيها أيضاً
على الوجوه الربعة كما هو الحال في القرآن نفسه:
- 1بمعنى رسالة دينية :أحسن الحديث كتاب الله
- 2بمعنى قصة عامة أو دنيوية :ومن استمع لحديث قوم وهم له كارهون،
أو يفرون منه صب في أذنيه النك.
- 3بمعنى قصة تاريخية :حدثوا عن بني إسرائيل ول حرج.
دث الرجل حديثا ً ثم التفت فهي أمانة. ح ِّ
ر :إذا ُ - 4بمعنى حوار جا ٍ
قاه المسلمون بالقبول فعملوا به ،ومنه ما والحديث الصحيح أنواع ،منه ما تل ّ
تلقاه المحدثون بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحته .مثل أحاديث
البخاري وبالرغم من ذلك ،فهناك علماء نازعوا البخاري ومسلم في بعض
أحاديثهما ،كحديث مسلم في خلق السماء والرض أنكره عليه البخاري
عين .ومثل حديث البخاري عن النبي أنه قال عن الحسن: م ِ
ويحيى بن َ
إن ابني هذا سيد ،وسيُصلِح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين أنكره
عليه أبو الوليد الباجي.
ون كل حديث من عنصرين: ويتك ّ
(ا) السناد ،ويحوي أسماء رواة الحديث.
(ب) المتن ،وهو النص عن محمد أو أحد أصحابه .وفيما يلي نقدم حديثاً
نموذجياً :حدثنا علي بن الجعد ،أخبرنا شعبة قال :أخبرني منصور ،قال:
سمعت ربعي بن حراش يقول :سمعت عليا يقول :قال النبي :ل تكذبوا
ي فليلج النار, ي فإن من كذب عل ّ عل ّ
ويتضح من هذا المثال أن صحة الحديث في السلم تتوقف على سلسلة
الرواية وأمزجة الرواة فيها .وعلى المحدث أن يأخذ السناد بالدراسة
والتدقيق ليعرف إن وحمدان :سألت ابن عقدة أيهما أحفظ ،البخاري أو
ت عليه السؤال مرارا ً فقال :يقع للبخاري ميْن .فأعدْ ُ مسلم؟ فقال :كانا عال َ
الغلط في أهل الشام ،لنه أخذ كتبهم ونظر فيها ،فربما ذكر الرجل بكنيته،
َ
ويذكره في موضع آخر باسمه ،يظنهما اثنين .أما مسلم فقل ّما يوجد له غلط
في العلل .جاء في مقدمة مسلم لصحيحه أنه جمع مصنفه من بين ر3
حديثاً ،وروي أن كتابه يحوي أربعة آلف حديث دون المكرر ،وبالمكرر 7275
حديثاً ,قال إنه ألف كتابه هذا من ثلثمائة حديث سمعها,
سجستاني ولد سنة 2 2هـ - 3أبو داود >:هو أبو داود سليمان بن الشعث ال ِّ
( 817م) ومات بالبصرة سنة 275ه (889م),
قال الخطابي :لم يصنف في علم الحديث مثل سنن أبي داود ،وهو أحسن
وضعا ً وأكثر فقها ً من الصحيحين .وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث :
خر .كما سنن أبي داود كثيرة ،يوجد في بعضها ما ليس في ال َ إن الروايات ل ُ
ذكرنا أعله أنه جمع 48حديثا ً من بين ر 5حديثا ً كتبت عن النبي,
ولد سنة 9 2ه - 4الترمذي> :هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذيُ ،
بترمذ وتوفي بها سنة 279ه ( 892م) .يتكون جامع الصحيح للترمذي حسب
طبعة شاكر من 3956حديثا ً وتوجد في شرح الحوذي 51 4حديثاً,
سنن الترمذي ما ليس في غيرها من ذكر المذاهب وقال ابن الثير :في ُ
ووجوه الستدلل وتبيين أنواع الحديث الصحيح والحسن والغريب .وتتلمذ
الترمذي على يد البخاري وأبي داود أبي داود.
ولد في نسا من - 5النَّسائي :هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيُ .
نيسابور سنة 215هـ 83م وتُوفي في مكة سنة 3 3هـ ( 91م) .لقد قيل إن
النسائي أحفظ من مسلم وإن سننه أقل السنن ضعفاً,
ل النسائي بدمشق عن فضائل معاوية ،فقال :أل يرضيه سئ ِ َ
قال الذهبيُ :
ضله .فنُفي إلى مكة وقيل الرملة. رأسا ً برأس حتى نف ّ
أما كتابه المعروف بالمجتبى ففيه صعوبة في اتصال السماع والقراءة .قال
أبو جعفر بن :من قال قرأت أو سمعت كتاب النسائي ،ولم يبين الرواية
وزا ً قادحا ً في الرواية. وز في الذي ذكره تج ُّ التي سمع أو قرأ ،فقد تج َّ
ولد سنة 9 2هـ ( - 6ابن ماجه >:هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجهُ ،
824م) .قال ابن الجوزي تعليقا ً على كتاب ابن ماجة السنن :إن فيه نحو
ثلثين حديثا ً موضوعاً ،وقد اشتهر بضعف رجاله .وتُوفي ابن ماجه سنة
273هـ (886م) .تتكون سنن ابن ماجه من 4341حديثاً,
- 7المام مالك :وهناك أيضا ً الحاديث التي جمعها المام مالك ،وهو أبو عبد
ولد سنة 95هـ 713م بالمدينة وتوفي سنة 179هـ 795 الله مالك بن أنس ُ
ون من مجموعات الحديث ,قيل بها أيضاً ,يعتبر مؤلفه الموطأ من أول ما د ّ
إن مالكا ً روى مائة ألف حديث ،جمع منها في الموطأ عشرة آلف ،ثم اختار
منها 172حديثا ً ",,
جمعت الحاديث؟ كيف ُ
مما تقدم في تراجم جامعي الحاديث نرى أنهم لم يبدأوا في جمع الحاديث
إل حوالي عام 25هـ ،أي بعد وفاة محمد بنحو 24سنة .وهذه الفترة هي
مهم ،وكذلك فضائل التي حفلت بظهور الحاديث في فضائل بني أمية أو ذ ّ
بني العباس ،وأيضا ً ظهرت فيها أكثر الطوائف السلمية كالخوارج والشيعة
والمرجئة وغيرهم .والذي يراجع كتب أهل الحديث يرى أن معظم
الموجودين في هذه الفترة الزمنية ضعاف عند أغلب أهل الحديث .بالضافة
إلى المنافع الشخصية التي تعود على من يضع الحديث ،خاصة أثناء خلفة
بني أمية .أبرز مثال لهذه الظاهرة هو سيرة النسائي صاحب السنن ،فبعدما
عاد النسائي سنة )914( 2 3من مصر ،طلب منه الناس في الشام أن
يروي لهم احاديث في فضل معاوية على علي ,ولما رفض النسائي الرواية
في فضل معاوية تعرض لضرب شديد في المسجد وتوفي من جراء ذلك في
طريق مكة سنة ,,)915( 3 3ويقول في ذلك محمد بن اسحاق الصبهاني:
سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره
وخرج إلى دمشق ،فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال :أما يرضى
معاوية أن يخرج رأسا ً برأس حتى يفضل؟ وفي رواية أخرى ما أعرف عنه
فضيلة إل ل أشبع الله بطنك ,5وكان يتشيع فما زالوا يدفعون في حضنه
حمل إلى الرملة فمات بها ,والقارئ لكتب حتى أخرجوه من المسجد ،ثم ُ
سدي وقتادة الحديث يرى أن أشهر الرواة طُعنوا بالضعف أو بالكذب كال ُّ
سفيان الثوري ،وكذلك أشهر جامعي الحديث طُعنوا بالتدليس على اختلف و ُ
مستوياته ،كالبخاري ومسلم ومالك بن أنس وغيرهم,
- 5التدليس وأنواعه
ة هو كتمان عيب في شيء ما حتى ل يعلمه المستفيد من هذا التدليس لغ ً
َ
مي الراوي من حدّثه ،أو الشيء .والتدليس عند علماء الحديث هو أن ل يس ِّ
ق من الدَّلَس ،وهو ّ ُ ت اش وقد هم أنه سمع الحديث ممن لم يسمعه منه. أن يو ِ
اختلط الظلم بالنور,وينقسم التدليس في اصطلح المحدثين إلى ثلثة
أقسام( :أ) تدليس السناد ،و(ب) تدليس الشيوخ ،و(ج) تدليس التسوية.
قط أ -تدليس السناد :تدليس السناد هو أول أنواع التدليس ،وهو أن يُس ِ
ظ ل يقتضي التّصال، الراوي اسم شيخه الذي سمع منه إلى من يليه بلف ٍ
من لقيه وسمع منه مالم كقوله عن فلن أو قال فلن .أو أن يروي ع َّ
يسمع ،ول يذكر ذلك.
قال البَّزاز :إن كان يدلس عن الثقات فتدليسه مقبول عند أهل العلم.
شعبة قال: مه .فروى الشافعي عن ُ شعبة وأكثر العلماء فقد بالغوا في ذ ِّ أما ُ
ُ
ي من أن أدلس. ب إل َّ ُ َ َ
ن أزني أح ّ التدليس أخو الكذب .وقال :ل ْ
عرف عنه التدليس في السناد ولو مرة د مطلقا ً من ُوكان الشافعي ير ُّ
واحدة .ولكن أكثر العلماء اتفقوا على أن الراوي الذي نُسب إليه التدليس،
يُقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع ،ويرد ما كانت عبارته محتملة
مبهمة,
عرف عنه تدليس السناد الصبهاني أصبهاني صاحب حلية وأشهر من ُ
الولياء وزيد بن أسلم العمري بن أسلم العمري ،والدارقطني صاحب
السنن والبخاري وأبو داود وسفيان الثوري ،والمام مسلم جامع الصحيح.
ب -تدليس الشيوخ :وهو أن يصّرح الراوي باسم المروي عنه باسم ٍ أو كنية
لم يُعرف بها لضعفه ،كقول أبي بكر بن مجاهد أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة
القراء :حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود
جستاني ،وفي هذا تضييع للمروي عنه. س ِ
ال ّ
ً
ويرى ابن الصلح ابن الصلح أن الخطيب البغدادي كان لهجا بهذا القسم
في مصنفاته ,وينقل عنه بعض المثلة في ذلك منها أن الخطيب البغدادي
كان يروي في كتبه عن أبي القاسم الزهري ،وعن عبيد الله بن أبي الفتح
القاسمي ،وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ،والجميع شخص
واحد من مشايخه.
ل الخطيب البغدادي عن ويعلق الدكتور صبحي الصالح :نحن في الواقع نج ّ
أن يكون قصده تعمية أمر واحد من هؤلء الشيوخ .ولكننا ل نكتم استغرابنا
من ذكره هذه السماء التي يصعب معها معرفة الشيخ ،مع أنها لشخص
واحد ،وهو يعلم أنها لشخص واحد .وإن كثيرين ل يفطنون لذلك,
ومن أمثلة من كانوا يدلسون من الشيوخ :مروان بن ،ومجاهد ،ومحمد بن
إسحاق بن اسحاق ،وقتادة
و
ٍ را عن (أي ثقة، عن ً حديثا ث د ح
ُ َ ِّم ال يروي أن ج -تدليس التسوية :وهو
مدلس الضعيف الذي في السند قط ال ُ موثوق به) عن ضعيف ،عن ثقة .فيُس ِ
فيجعل الحديث عن ثقة عن ثقة ،فيستوي بذلك السناد ،كله ثقات.
وهذا النوع هو أشّر أقسام التدليس ،لن الثقة الول ل يكون معروفاً
ة
بالتدليس ،ويجده الواقف على السند كذلك (بعد التسوية) قد رواه عن ثق ٍ
خر ،فيحكم للحديث بالصحة. آ َ
وقد اشتهر بهذا النوع من الحديث بعض أكبر أئمة الحديث ،مثل مالك بن
أنس صاحب الموطأ وأبي إسحاق أبو اسحاق ،والوليد بن مسلم.
وكان بعض المدلسين من أئمة الحديث يجدون في التدليس متعة نفسية،
فل تحلو لهم الدعابة إل بهذا الضرب من الرواية المبهمة يخوضون فيه
متساهلين ،ثم يندمون ويتوبون .قيل لهيثم بن بشير :ما يحملك على
التدليس؟ فأجاب :إنه أشهى شهي!,
ولم يكن هيثم بن بشير هو الوحيد في هذا الفن ،فقد اعترف علماء الحديث
عيينة والعمش عيينة ابن ُبوقوع التدليس من أشهر أئمة الحديث مثل :ابن ُ
أعمش وقتادة والحسن البصري الحسن البصري وعبد الرزاق والوليدبن
عيينة مسلم .والغريب في المر وصف علماء الحديث لهيثم بن بشير وابن ُ
عيينة بالمانة والحفظ والضبط ..والغرب أنهم يبررون هذه الظاهرة ابن ُ
بقولهم :فما أقل الذين سلموا من التدليس ,حتى ابن عباس لم يسمع من
محمد إل أحاديث يسيرة .قال بعضهم أربعة وبقية أحاديثه سمعا ً من الصحابة
عن محمد .ولكننا نجده ل يكاد يذكر أحدا ً بينه وبين محمد فيقول :قال
رسول الله,
- 6أنواع الحاديث
قسم أهل العلم الحاديث إلى بضع وثلثين نوعاً ،سنورد بعضها مع التعريف
بها:
ة عن ثقة إلى - 1الصحيح< :هو الحديث المسنَد الذي يتّصل إسناده بنقل ثق ٍ
منتهاه ،ول يكون شاذا ً ول معلّلً ,," 6ُ
والحاديث الصحيحة توجب العمل بها باتفاق الئمة ،فقد اتفق أهل العلم
بالحديث على أن أصح الحاديث عن رسول الله هي ما رواه أهل المدينة ،ثم
أهل البصرة ،ثم أهل الشام .وقال الخطيب البغدادي :أصح طرق السنن ما
يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة ،فإن التدليس عندهم قليل .والعجيب في
المر أن الخطيب البغدادي نفسه كان ممن اشتهروا بالتدليس .وأما أهل
الحرمين فيكفي فيهم ما ذكرناه سلفا ً عن ابن عباس وهو من كبار الئمة.
وقد اعترف علماء الحديث بأن الصحيح ل يجب أن يفيد دائما ً الصحة :إذ
يقول بعضهم أصح شيء في الباب كذا ،فل يلزم من هذا التعبير صحة
الحديث,فإنهم يقولون وإن كان الحديث ضعيفاً ،ومرادهم أرجح ما في الباب
أو أوله ضعفاً,
- 2المسنَد <:هو ما اتصل إسناده إلى الرسول ،وقال الخطيب :هو ما
اتّصل إلى نهايته .وقال ابن عبد البر ابن عبد البر :هو المروي عن الرسول
سواء كان متصل ً أو منقطعاً.
سن :وهو الذي سنده ثقات ،ولكن فيه ضعف محتمل مثل قلة - 3الح َ
ج به عند أهل الحديث,
الضبط ،ويُحت ّ
- 4الضعيف :وهو ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح,6ول صفات الحسن.
ويُقسم الضعيف إلى أنواع حسب مواطن ضعفه ،فمنه الموضوع،
ضل. والمقلوب ،والشاذ ،والمعلّل ،والمضطرب ،والمر َ
سل ،والمع ِ
- 7الحاديث الموضوعة
قل نبيُّكم كذا؟ فيكون الردأحيانا ً نتعجب من المسلمين حين نسألهم :ألم ي ُ
مختَلَق .فهل بهذه البساطة ينكرون كلم نبيّهم؟ ووجدت جواب أنه موضوع ُ
ذلك في أنه من كثرة ما طُعن في رواة الحديث أصبحت معظم الحاديث
تحتمل الصحة والغلط في وقت واحد! فالراوي الذي يكذّبه البخاري يوثّقه
سنة ،حتى وصل المر إلى إنكار النَّسائي ،والذي يقبله الشيعة تنكره أهل ال ُ
معظم الحاديث.
والذي ينظر إلى ما كُتب في الحاديث الموضوعة يرى كثرتها وشهرتها،
ويكفي أن تعرف أن النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكون ذكر أكثر من
فل. غ َ
م ْستمائة اسم بين وضاع وضعيف ومتروك و ُ
وذكر أهل الحديث أسماء مشاهير الرواة ،واتهموهم بوضع الحديث كأبي
الحامد الغزالي ،وعبد القادر الجيلني ،وأبي طالب المكي (وهم من
سدي وأبي إسحاق وقتادة ومجاهد .بل وصل المر في عهد الصوفية) وال ُّ
الصحابة إلى قيام عمر بن الخطاب بضرب أبي هريرة بدَُّرته ليمنعه عن كثرة
رواية الحديث ,ومما يُذكر في الكتب من وضع عبد الله بن سلم وكعب
الحبار ووهب بن منبه للحديث كثير.
وضعت على النبي ،تُحلل وجاء في بعض الكتب أن هناك 14ألف حديث ُ
رم الحلل ،والذي ساعد على ذلك أن محمدا ً أمر بأل ّ يُكتب عنه الحرام وتُح ّ ِ
غير القرآن ،فقال :ل تكتبوا عني غير القرآن .فكانت الحاديث تُحفظ ويُزاد
فَرق الرافضة والخوارج فيها أو يُنقص منها حسب الهوى ،فقد كانت ِ
ً
ي استحسنوه جعلوه حديثا وهناك أسباب عديدة والشيعة إذا اجتمعوا على رأ ٍ
دت إلى وضع الحديث ،أهمها السباب السياسية والعقائدية .فقد حاول أ َّ
كثيرون الترويج لمذهبهم أو تبرير سلطتهم من خلل الحاديث التي تُروى
عن محمد ،وهناك الكثير من المثلة على ذلك منها :قيل لمأمون بن أحمد
الهراوي :أل ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ فقال :حدثنا أحمد بن
عبد الله .حدثنا عبد الله بن معدان الزدي عن أنس مرفوعاً :يكون في أمتي
رجل يُقال له محمد بن إدريس -الشافعي -أضّر على أمتي من إبليس.
ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة أبو حنيفة ،يكون في أمتي رجل
اسمه النعمان (أبو حنيفة) مرويا ً عن أبي هريرة (!) ,هو سراج أمتي,
وأغرب من ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي ،قال :كنت
عند سعد بن طريف ،فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي .فقال :مالك؟ قال :ضربني
المعلم .قال :لخزينَّهم اليوم .حدثني عكرمة ابن عباس مرفوعاً :معلّمو
شراركم ،أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسكين ,ويذكر عبد صبيانكم ِ
الله بن يزيد المقرئ أن رجل ً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول:
انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه .فإنا إذا رأينا رأيا ً جعلنا له حديثاً ,
ضاعون في الحديث فقال :ولو وذكر الستاذ صبحي الصالح ما فعله الو ّ
ضاعون ونسبوه إلى رسول الله لما أمكننا ذهبنا نستقصي ما افتراه الو ّ
إحصاؤه .فالزنادقة وحدهم وضعوا (كما قال حماد بن يزيد) أربعة عشر ألف
حديث .وعبد الكريم بن أبي العوجاء وضع (باعترافه) أربعة آلف حديث .فإنه
ُ
ت فيكم أربعة لما أخذ لتُضرب عنقه في خلفة المهدي صاح قائلً :لقد وضع ُ
ل الحرام, آلف حديث أحّرم فيها الحلل وأُح ّ
البيئة العقائدية لمحمد:
ً
لم تكن الجزيرة العربية خلوا من الديانات ،بل كان بها كثير من العقائد
الدينية .وكانت إرهاصات النبوة تمل الجزيرة العربية ،فاليهود ينتظرون
مجيء المشيح المنتظر ،والمسيحيون ينتظرون المجيء الثاني للمسيح ،
والحنفاء ينتظرون نبيا ً لهم .وفي هذا يقول أمية بن أبي الصلت أمية بن
أبي الصلب :
أل نبي لنا منا فيخبرنا ::ما بعد غايتنا من رأس محيانا,
قس بن ساعدة في سوق عكاظ فنشأ محمد في وسط هذه البيئة ،يلتقي ب َ
دمِّ ُ
ق ف البخاري: يرويه فيما الكعبة ويسمعه .ويجلس مع زيد بن نفيل عند
ت آكل مما تذبحون على أنصابكم ،ول آكل إل ما لهم طعاما ً فقال زيد :لس ُ
ذُكر اسم الله عليه.
ً
وته قريبا من ً
ثم يتزوج محمد من خديجة ويظل خمسة عشر عاما قبل نب ّ
ورقة بن ،ابن عم خديجة ،وهو على ما تذكر كتب السيرة كان يترجم
النجيل للعربية ،ويدعو للتوحيد الكتابي ،ومن المنطقي أن يدعو محمدا ً إلى
ذلك (السيرة النبوية لبن هشام).
ونقرأ في صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال :ردفت رسول
الله فقال :هل معك من أُمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت :نعم ،قال :هيه.
فأنشدته بيتاً ،فقال :هيه .ثم أنشدته بيتاً .فقال :هيه .حتى أنشدته مائة
بيت ,ثم نجد حديثا ً آخر عن أبي هريرة :قال رسول الله :أصدق كلمة قالها
شاعر كلمة لبيد :أل كل شيء ما خل الله باطل ,فهذا محمد يطلب أن يسمع
شعر الحنفاء ،ويحفظ منه ،ويلتقي بهم في أسواقهم الثقافية ،ويرافق
أحدهم خمسة عشر عاماً ،ويلتقي بآخر حول الكعبة .بل ذهب الدكتور
القمني في كتابه الحزب الهاشمي إلى أن عبد المطلب جد محمد كان أحد
زعماء الحنفاء ،وذلك بالضافة إلى جده الكبركعببن لؤي الذي ابتدع يوم
الجمعة ،فكان يدعو قريشا ً ويعظهم فيه ويدعوهم للتوحيد ،ويحملهم على
التأمل في خلق السماء والرض ،واختلف الليل والنهار ،وكان يتصدق،
ويحفظ العهد ،ويفشي السلم .فكل هذا كان متوارثا ً في بيئة محمد ولم
يكن جديدا ً عليها.
وكما رأينا أن هذه الخلط من الديانات التي نشأ محمد في وسطها واحتك
م على دعوته من ث َّ
بها ل بد أن يكون لها تأثيرها على موروثه العقائدي ،و ِ
التي لم تختلف كثيرا ً عن أغلب الدعوات قبلها ،إل في تبنّيها لشريعة الجهاد
(كما ترى ذلك في تعليقنا على أحاديث الجهاد ،في الجزء الثاني من هذا
ولد محمد في مجتمع يعرف الله ،وإن كانت معرفته غير الكتاب) .لقد ُ
سليمة ،ثم عاش في بيئة تنتمي إلى الحنفاء وتوحيدهم .ونعتقد أن أخلط
ديانات الجزيرة هي التي أوجدت محمدا ً ،وأنه هو الذي نشرها وتبنّاها
مضيفا ً لها شرع الجهاد مسميا ً إياها السلم .والواضح أن لهذا الموروث
العقائدي أثره حتى على الحديث الصحيح ،كما سنرى في الحاديث التي
جاءت بشأن المسيح ،أو حتى في أحاديث الحدود.
الجزء الثاني:
تناقضات الحديث
- 1أحاديث الطهارة
تتميَّز أحاديث هذا الباب بكثرتها واضطرابها وضعف أكثر ُرواتها ،إما بالكذب
أو النسيان أو التغفيل .وبالرغم من أن عنوان هذا الباب هو كتاب الطهارة
فإنه يحتوي على ما ل ينتمي للطهارة بصلة ،مثلما رواه أحمد والبخاري من
خم النبي نُخامة إل حديث صلح الحديبية عن مروان بن الحكم قال :ما تن َّ
خم أي دفع شيئا ً من صدره ل ،فدلك بها وجهه ورجليه (تن َّ ف رج ٍوقعت في ك ّ
أو أنفه).
وأيضا ً ما رواه ابن عباس مرفوعا :إن في أبوال البل شفاء للذربة
ً
بطونهم(,الذرب داءٌ يصيب المعدة فل تهضم الطعام ،ويفسد فيها فل
تمسكه).
عكل (قبيلة من وعن أنس بن مالك أنس بن مالك قال إن رهطا ً من ُ
ق ذات لبن) وأمرهم أن قضاعة) أتوا المدينة فأمر لهم النبي بلقاح (نيا ٍ ُ
يشربوا أبوالها وألبانها,
ورغم أن محمدا ً أمر أتباعه أن يشربوا من بول البل ،إل أن حديثا ً آخر يقول
إن محمدا ً قال :تنَّزهوا من البول ،فإن أكثر عذاب القبر منه .وعن ثوبان
قال :قال النبي :الماء طهور إل ما غلب على ريحه وطعمه.
ضأ من بئر بضاعة وهي بئر تُطرح فيها ورغم هذا فإن محمدا ً شرب وتو َّ
محايض النساء ولحم الكلب وعذر (براز) الناس ،وماؤها متغيِّر
اللون,وأعجب ما في المر أن هذه الحاديث وردت في كتاب واحد هو كتاب
الطهارة بل وفي مرجع واحد هو نيل الوطار .ورغم أن ُرواتها هم أئمة
الحديث عند المسلمين ،كالبخاري وأحمد والشافعي والنَّسائي وابن ماجة
والدارقطني والحاكم والبيهقي ،فإن المسلمين أنكروا نسبة أغلبها للنبي،
أو بَّرروا هذا الخبط بالناسخ والمنسوخ .فمثل ً يروي أبو داود والنسائي :نهى
النبي أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة ،أو المرأة بفضل وضوء
قي من الوضوء) .ثم يروي أبو داود الرجل(,فضل الوضوء :هو الماء المتب ّ
والنسائي أيضا ً أن النبي كان يتوضأ بفضل وضوء ميمونة وعائشة وهما
جنُبان,
ُ
وحين نتساءل عن هذا التضارب نجد الجابات تتأرجح بين ناسخ ومنسوخ أو
التخفيف على المسلمين أو إن ذلك رخصة للنبي وحده ،مثل الرخصة له في
وج بمن يشاء. التز ُّ
وأحيانا ً تجد مجموعة من الحاديث التي ل يمكن تفسيرها تفسيرا ً مقبولً،
مثلما رواه البخاري عن ابن عباس ،قال :توضأ النبي مرةً مرة ،لم يزد على
هذا ,ثم يروي البخاري في نفس الباب عن عبد الله بن زيد ،قال :إن النبي
توضأ مرتين مرتين ,فيردّ عليه مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان قال:
أل أريكم وضوء النبي؟ فتوضأ ثلثا ً ثلثاً,
ولنا الحق أن نتساءل :هل كان وضوء محمد مرة أم اثنتين أم ثلثاً؟
ُروي عن عمار بن ياسر قال :قال النبي ثلث ل تقربهم الملئكة :جيفة
جنُب إلى أن مخ بالخلوق (أي :المتطيِّب بالزعفران) وال ُ الكافر ،والمتض ِّ
يتوضأ .ورغم ورود هذا الكلم على لسان محمد فإنه قال في موضع آخر:
ي الطّيب والنساء ،وجعلت قرة عيني في الصلة, حبِّب إل َّ ُ
ن ع
َ َ
ك َ ن وُ لَ سأ ي و بالقول: الحيض فترة في النساء باعتزال القرآن أمر ورغم
ِ ْ َ َ
حتَّى وَل ت َ ْ ه َ
ن َ ه َّ قَربُو ُ ض َ
حي ِ في ال ْ َ
م ِ زلُوا الن ِّ َ
ساءَ ِ عت َ ِ ى َ
فا ْ و أذ ً ل ُ َ ض ُ
ق ْ حي ِ م ِ ال ْ َ
ن (سورة البقرة )222 :2سورة البقرة2,4 :2إل أنه كان يأمر عائشة هْر َ ْ
يَط ُ
سرة إلى نصف الفخذ) ثم يباشرها بعد ذلك. أن تَأتزر (أي :تغطي ما بين ال ُّ
والواضح أن محمدا ً كان يأمر بشيء ثم ينساه ،أو يكتشف خطأه فيأمر
بغيره ،ويترك لتباعه مهمة التوفيق بين كل ما قال وفعل!
وللتعليق نقول :ماذا يقول علماء المسلمين في هذه الختلفات؟ ومن أراد
معرفة المزيد من هذه الختلفات فليقرأ كتاب الطهارة في أي كتاب من
كتب الفقه أو الحديث.
- 2أحاديث الصلة
الصلة صلة شخصية بين النسان والله ،تقوم على حب النسان لله ،وليس
ب منه.ف أو رع ٍ على خو ٍ
ولن نتكلم في هذا الفصل عن تناقضات مواقيت الصلة كما جاءت في
الحديث ،ول عن الختلف في طرق أدائها ،فسوف نسلِّم لعلماء المسلمين
ة بالمسلمين أو كما نُسب إلى محمد نفسه بقولهم :إن في الختلف رحم ً
قوله :إن في اختلف أمتي رحمة .ولكن سنورد بعض الحاديث عن علقة
النسان بربِّه ،ذلك الله المحب ،الودود ،الغفور ،الرحيم الذي يرحم الجميع
ويريد أن يخلِّصهم.
ي بالصلة إذا بلغ سبع سنين .وإذا بلغ عشر سنين مُروا الصب َّ
قال محمد ُ :
ً
فاضربوه عليها ,وقال أبو هريرة إن محمدا قال :أما يخشى الذي يرفع
ول الله رأسه رأس حمار؟, رأسه قبل المام أن يح ِّ
كتب شاب مسلم اهتدى للمسيح يقول :كنت وأنا صبي أجري للصلة حالما
أسمع الذان خوفا ً من الضرب .وذات يوم سمعت المام يذكر حديثا ً في
النهي عن رفع الرأس قبل المام ،فزاد خوفي من أن يتحول رأسي إلى
رأس حمار .فكنت أتطلع إلى وجهي في المرآة بعد كل صلة لرى إن كان
رأسي قد تحول أو لم يتحول بعد إلى رأس حمار! كنت مرتعبا ً من الضرب
ل ،ومرتعبا ً من أن يصبح رأسي رأس حمار لو أسأت التصرف في إن لم أص ِّ
الصلة.
علقة الصلة بين المسلم والله علقة خوف وعبودية ،فالله كما يراه
المسلم ل يبالي بمن يدخل الجنة أو يدخل النار ،فإنه ما خلق النس والجن
َ
ن
عبُدُو ِ واْلِن ْ َ
س إِل ّ لِي َ ْ ن َ ت ال ْ ِ
ج َّ خل َ ْ
ق ُ ما َ إل ليكونوا له عبيدا ً كما جاء في القرآن َ
و َ
ُ
(سورة الذاريات .)56 :51ورغم هذا التشدّد في السلم فإنك تجد
التساهل ،أو ما يسميه المسلمون الترهيب والترغيب .عن أبي هريرة ،قال
محمد :الصلوات الخمس ،والجمعة إلى الجمعة ،ورمضان إلى رمضان،
ت لما بينهن ،إذا اجتنب الكبائر ,وعن ابن مسعود ،قال إن رجل ً أصاب فرا ٌ مك ّ
ر َ َ
صلةَ طَر َ َ قم ِ ال َّ َ من امرأة ُ
ها ِ ي الن ّ َ ف ِ وأ ِ ة فأتى النبي فأخبره ،فأنزل الله َ قبل ً
َّ
ِ
ت (سورة هود .)114 :11فقال ِ ا َ ئ ي
ّ ِّسَ ال ن ب هْ
ِ ُ ِ ْ َذ ي ت اَ ن س
َ َ ح ْ ال ن َ إ ل
ْ ِ ِ ّ ي الل نِ َ م ً فا َ زل و
َ ُ
ي هذا؟ فأجابه :لجميع أمتي كلهم, الرجل :يا رسول الله ،أإل َّ
صلقد جعل محمد الصلة أحد طرق دخول الجنة ،وقال إنه إذا أذنب شخ ٌ
َ
ما
ل َ م كُ ّ علْت ُ ْ ف َ متَى َ فالصلة تكفيه .فأين هذا من َقول الله في كتابه العزيزَ :
َ ُ
علَيْنَا (لوقا ب َ ما كَا َ َ ِ ُ
ج ي ن ملْنَا َ ع ِ
ما َ نِ .لنَّنَا إِن َّ َ عبِيدٌ بَطّالُو َ قولُوا :إِنَّنَا َ ف ُه َم بِ ِ مْرت ُ ْ أ ِ
) 1 :17
ما يقطع الصلة:
وتجد في كتاب الصلة تناقضا ً صريحاً ،يعتذر المسلمون عنه بأنه من الناسخ
والمنسوخ أو يقوم أحد أصحاب محمد بتصحيحه له ،مثل ما ورد عن أبي
هريرة أبي هريرة ،قال :يقطع الصلة :المرأة ،والكلب ،والحمار وفي رواية
الكلب السود ,وعندما سمعت عائشة هذا الحديث قالت :بئسما عدلتمونا
ة بين ت النبي يصلي صلته من الليل وأنا معترض ٌ بالحمار والكلب .لقد رأي ُ
ي ثم يسجد ,وعن الفضل متُها إل َّ ْ فضم رجلي غمز يديه .فإذا أراد أن يسجد
بن عباس قال :أتانا النبي ونحن في بادية لنا ومعه عباس ،فصلى في
صحراء ليس بين يديه سترة ،وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه ،فما بالى
بذلك .وقال أبو داود بعد هذه الحاديث :إذا تنازع (اختلف) الخبران عن
الرسول نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده .فهذا هو الرد على
التناقضات! وقد يزول العجب إذا عرفنا أن محمدا ً قال لصحابه :ذَُروني وما
تركتكم ،فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم.
فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم ،وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا,
من عصاني قد من أطاعني فقد أطاع الله ،و َ ثم يقول في الحديث التاليَ :
ه َ
فا عن ْ ُم َ ُ
هاك ْ ما ن َ َ و َ خذُوهُ َ ف ُ ل َسو ُ م الَّر ُ ُ
ما آتَاك ُ و َعصى الله ,ويقول القرآنَ :
ن ع َ وا ُ لنْت َهوا (سورة الحشر )7 :59وقال أيضاً :يا أَي ُها ال َّذين آمنُوا َل ت َسأ َ
ْ ْ ِ َ َ َ ّ َ ُ
م (سورة المائدة .)1 1 :5فأحاديث محمد وقرآنه ؤك ُ ْ
س ْ م تَ ُ ن تُبْدَ لَك ُ ْ شيَاءَ إ ِ ْ أَ ْ
تأمر بطاعة محمد وبالنهي عن التفكير في ما قال ،وتأمر بعدم السؤال عما
قل ،حتى وصل المر ببعض المسلمين إلى اعتبار البحث في ذات الله لم ي ُ
م تابعيه إلى كائنات مغيَّبة العقول ،ل تفكر في ما ُ السل ول ّ ِ ح ي فهل . كفرا ً
تسمعه؟ لقد أمر المسيح تابعيه أن يفتِّشوا الكتب المقدسة ويدرسوها
حب ُرسله بأن يفحص المستمعون الكتب المقدسة ليروا (يوحنا )39 :5ور َّ
لنفسهم أن المسيح هو المخلِص الذي تنبّأ أنبياء التوراة بقدومه (أعمال ّ
)11 :17فقد علموا أن الكتب لم تتكلم إل عن المسيح ،ولم تأمر إل
باليمان به! أما محمد فقد نهى عن قراءة الكتب المقدسة السابقة له.
الصلة في السلم هي الباب الواسع لدخول الجنة ،مع أن الصلة السلمية
وأسلوبها كانت موجودة قبل محمد بنفس طريقة الركوع والسجود ،وفي
نفس الوقات تقريبا ً عند الصابئة وعابدي الكواكب .فالسلم لم يأت بجديد،
بل أخذ ما كان قبله ووافق عليه ،من مراسم الحج والعمرة والصوم
والصلة ،فأخذه كما هو ،أو أنقص منه أو زاد عليه,
- 3أحاديث الصيام
الصوم هو أحد البواب الواسعة لدخول الجنة في السلم ،فقد قال محمد :
فَر له ما تقدّم من ذنبه, غ ِ من صام إيمانا ً واحتسابا ً ُ َ
غب أصحابه في الصوم واعدا ً إياهم بملذّات الخرة ،فيُروى عن كان محمد ير ِ ّ
أبي عمر أن النبي قال :إن الجنة تُزخَرف لرمضان من رأس الحول إلى
الحول .فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش من ورق الجنة
على الحور العين ،فيقلن :يارب؛ اجعل لنا من عبادك أزواجا ً تقّر بهم أعيننا،
وتقر أعينهم بنا.
ورغم أن الصوم هو تقديس وتكريس وقت للجلوس بين يدي الله ،إل أن
السلم جعل منه شيئا ً آخر ،فهو مجرد جوع وعطش إلى حين.
وى عن وكعادة محمد في أفعاله المتضادة نراه يحّرم شيئا ً ثم يُبيحه ،فيُر َ
قبَّل امرأته وهما صائمان فقال له قد أنس أن رجل ً سأل محمدا ً عن شخ ٍ
ص َ
ص لسانها, أفطرا ,ولكن عائشة تقول إن النبي كان يُقبِّلها وهو صائم ويم ُّ
قبِّل وهو صائم ،ويباشر وهو صائم ،وكان أملككم وعنها أيضاً :كان النبي ي ُ َ
لربه(,يباشر :أي يضع بشرته على بشرتها .أربه أي غرضه ،وإربه :عضوه).
وعندما أمر محمد أصحابه بالصوم حَّرم عليهم النساء والطعام بعد العشاء
إلى غروب شمس اليوم التالي .فلما شكوا له ذلك قال في سورة البقرة :2
م .والرفث هو الفصاح بما سائِك ُ ْث إِلَى ن ِ َ صيَام ِ الَّر َ
ف ُ ة ال ِّ م لَيْل َ َ
ل لَك ُ ْ 187أ ُ ِ
ح َّ
يجب أن يُكنى عنه ،وكُني به هنا عن مقاربة النساء,
وبرغم كل هذا فلم يكن الصيام شيئا ً جديدا ً أتى به محمد ،بل (مثله مثل
ن كانوا قبله .فقد كان الحنفاء م ْ من شعائر َ الصلة) اقتبسهما وغيرهما ِ
يصومون شهر رمضان من كل عام ،وكان اليهود يصومون أياما ً كثيرة ،فأخذ
محمد منهما.
-أحاديث الجهاد
هى عن المنكر ،ونادى أمر القرآن في بداية الدعوة السلمية بالمعروف ون َ
بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،ومجادلة أهل الكتاب
سور القرآنية المكية بالتي هي أحسن ،والعراض عن الجاهلين (راجع ال ُّ
مثل :القلم ،المدثر ،العلى ،النجم ،البروج ،القيامة ،يوسف ،النحل ،الروم،
الرحمن ،العنكبوت).
وبعد الهجرة من مكة إلى المدينة تغيّرت استراتيجية محمد من الدعوة
بالمعروف ،إلى ردّ العنف بالعنف أو إلى الدفاع المسلّح .وبعد أن قويَت
سور حولوا إلى الهجوم المسلح والغزو العسكري (راجع ُ شوكة المسلمين ت ّ
القرآن المدنيّة ،مثل :البقرة ،النفال ،محمد ،الفتح ،المائدة ،التوبة).
ويختلف علماء المسلمين كثيرا ً في موضوع الجهاد ،لن باب الجهاد يحتوي
على أكثر الحاديث تضارباً ،وأكثر اليات القرآنية اختلفاً .ونورد في هذا
الفصل بعض هذه الحاديث والراء:
استراتيجية الدعوة:
مهداة .وكان يقول :إني ُ رحمة أنا إنما يقول: فكان باللين بدأ محمد دعوته
عثت رحمة, عانا ً وإنما ب ُ ِ ُ
عث ل ّ لم أب َ
مهداة فقال: ولكن بعد مرور فترة على دعوته قام بتوضيح هذه الرحمة ال ُ
جعل رزقي في ظل رمحي ،وجعلت الذلة بُعثت بالسيف بين يدي الساعة ،و ُ
والصغار على من خالف أمري,وحينما سمع أصحابه هذا الحديث ،ووجدوا أنه
قد يكون سببا ً في ترك الناس لهم ،ذهبوا إليه ليسألوه إن كان حقا ً قد قال
هذا الكلم ،فأجابهم :نعم ووالله إني قد جئتهم (أي من خالف دينه وأوامره)
حكَم الجديرة بالذاعة في شرح حديث بُعثت بالسيف بين يدي بالذبح (ال ِ
الساعة لبن رجب الحنبلي) .وقال محمد في موضع آخر :أُمرت أن أقاتل
الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ،ويقيموا
الصلة ،ويؤتوا الزكاة .فإذا فعلوا عصموا منّي دماءهم وأموالهم,
آراء علماء المسلمين:
من قائل إن آيات القتال نسخت ِ ف الجهاد، في المسلمين تضاربت آراء علماء
جح كل آية تأمر بالعفو والصفح ،ومن قائل إنه ل نسخ في القرآن ،وثالث ير ّ
العمل بالترتيب التاريخي لنزول اليات .ووصل بهم المر إلى تكفير بعضهم
ة لنفسها بالنجاة وللخرين بالهلك. البعض ،وحكم كل طائف ٍ
ق مع ْ ُ خل َ ي لم ً أحدا وإن الله.. دون من ق
ْ َ خل ُ ي لم ً أحدا وكتب بعضهم يقول :إن
د أن رع من دون الله ..وليس من حق أح ٍ ش ِّد أن ي ُ َ الله ..فليس من حق أح ٍ
خلْق الله ،ل بين المسلمين ،ول د أن يحكم بين َ ٍ لح رع مع الله ..وليس يُ َ
ش ِّ
الكفار ..إل بحكم الله ورسوله .إن الناس لم يخلقوا أنفسهم ،ولم يخلقوا
الرض التي عليها يحيون وعليها تقوم مجتمعاتهم ،فليس من حقهم أن
رع ويحكم ،يأمر وينهى من دون الله. ش ِّ يهيمنوا أو يهيمن بعضهم لي ُ َ
خلْق الله .إننا شْرع الله على أرض الله وعلى َ إننا مأمورون بتحقيق سيادة َ
شْرع الله. مأمورون أن ل ندع أي طائفة على وجه الرض تحكم الناس بغير َ
شْرع فمن أبى ذلك ورفض الذعان قاتلناه .إن الجهاد حتميّة يفرضها ال َ
ي منها إل بالجهاد. وتمليها علينا عدة فروض شرعية ل يتم أ ٌّ
- 1يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب خلع الحاكم الكافر ..أليس حكام
ع جاهلي؟ أليس الجهاد بلدنا قد كفروا باستبدال الشرع وبحكم الخلق بشر ٍ
واجبا ً اليوم لخلع هؤلء الحكام؟
- 2يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب قتال أي طائفة ذات شوكة
تمتنع عن شريعة أو أكثر من شرائع السلم حتى تلتزم بها ..أليست
الطوائف المهيمنة على بلدنا ممتنعة عن أكثر شرائع السلم؟ أليس الجهاد
اليوم واجبا ً لجبار هذه الطوائف على اللتزام بما امتنعت عنه؟
- 3يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب نصب خليفة للمسلمين .أليست
الخلفة غائبة عنا اليوم؟ ألم يسقطها أعداؤنا بالسيف والقهر؟ أليس
الجهاد هو طريق عودتها.
- 4يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب الدفاع عن ديار السلم،
فار منها ..أليس الجهاد واجبا ً لسترداد واسترداد ما استولى عليه الك ُ ّ
فلسطين والندلس وفرنسا وبلد البلقان والجمهوريات السلمية في
روسيا وغيرها؟.
هذا هو إيمان إحدى الجماعات السلمية (الجهاد) .ونتيجة اعتقادهم هذا
كانت أفعالهم ،فقام تنظيم الجهاد في مصر في الفترة من 1979حتى
1992باغتيال عدة أفراد من القيادات السياسية في مصر (منهم الرئيس
أنور السادات) وبعض الصحفيين والكتّاب (منهم الدكتور فرج فودة ) بعد أن
حكم بتكفيرهم .وقام أيضا ً بحرق عشرات الكنائس ،وقتل عدد كبير من
ولوا هذه النشطة من سرقة محلت المجوهرات التي المسيحيين .وم َّ
يمتلكها مسيحيون ومسلمون! وظهرت جماعات مماثلة في الجزائر
والمغرب وباكستان وإيران وأفغانستان والردن والسودان ولبنان واليمن
وتونس.
الجهاد وأهل الكتاب:
بدأ موقف المسلمين من أهل الكتاب ،يهوٍد ومسيحيين ،على يد محمد
نفسه .فبعد أن نادى بالمودّة والرحمة ،وأعلن أن المسيحيين هم أقرب
رج المسيحيين واليهود من دة للمسلمين ،قرر في آخر أيامه أن يُخ ِ و ّ
الناس م َ
جزيرة العرب.8
فكان بعد موته أن استوعب أتباعه الدرس جيداً ،فهذا عمر بن الخطاب يكتب
دّد فيها معاملت المسيحيين .ونقدم هذه مرية؟ ويح ِ ع َ
رف؟ "بالوثيقة ال ُ ع ِ
ما ُ
صها يتحدث عن نفسه: الوثيقة دون أي تعليق ،فن ُّ
ت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح عن عبد الرحمن بن غنم :كتب ُ
نصارى الشام ،وشَرط عليهم فيه
دثوا في مدينتهم ول فيما حولها ديرا ً ول كنيسة ول قّلية ول صومعة أّل يُح ِ
راهب،
رب، خ ِّدّدوا ما ُ ول يج ِ
ل يطعمونهم، ٍ ليا ثلث المسلمين من ٌ د أح ينزلها أن من كنائسهم يمنعوا ول
ول يؤووا جاسوساً،
ول يكتموا غشا ً للمسلمين،
ول يعلّموا أولدهم القرآن،
شركاً، هروا ِ ول يُظ ِ
ول يمنعوا ذوي قرابتهم من السلم إن أرادوا،
قروا المسلمين، وأن يو ّ
وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس،
ول يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم،
ول يتكنّوا بكناهم،
ول يركبوا سرجاً،
ول يتقلّدوا سيفاً،
ول يبيعوا الخمور،
جُّزوا مقادم رؤوسهم، وأن ي ُ
وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا،
وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم،
ء من طرق المسلمين، هروا صليبا ً ول شيئا ً من كتبهم في شي ٍ ول يُظ ِ
ول يجاوروا المسلمين بموتاهم،
ول يضربوا بالناقوس إل ضربا ً خفيفاً،
ول يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين،
ول يخرجوا شعانين،
ول يرفعوا أصواتهم مع موتاهم،
هروا النيران معهم، ول يَظ ِ
ت عليه سهام المسلمين. جَر ْ ول يشتروا من الرقيق ما َ
مة لهم، ّ ذ فل شرطوه فإن خالفوا شيئا ً مما
ل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق, وقد ح ّ
مر الخليفة العادل(!!!!؟؟؟؟؟) فماذا كان َ ع
ُ عهد في حدث ما هذا كان فإن
يحدث في عهد الخلفاء الظالمين؟! ولكي ل تكون الصورة قاتمة أمامنا،
ممرية هذه لم يقبلها كل المسلمين ،بل رفضها قو ٌ ع َ
نقول إن الشروط ال ُ
منهم ،وهناك آخرون (وهم غالبية المسلمين في وقتنا الحاضر) ل يعلمون
عنها شيئاً .وتقابل هذه النبرة المتشدّدة نبرةٌ أخرى حانية ،فتجد بعضهم
يردد حديث محمد عليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً ،فإن لهم ذمة ورحماً
(وهو يقصد :إذا فتح الله هاجر المصرية أم إسماعيل ،ومارية القبطية أم
ولده إبراهيم القرآن بالمعروف بعضهم يردد آيات (التي يقول آخرون
بنسخها) والتي تأمر ) .وتجد والصفح ،ول إكراه في الدين.
وبينما يحاول المسلمون تأويل هذه الية بأنها تدل على روح التسامح وحرية
الختيار في السلم ،لكن كل من يدرس سياق النص الذي وردت فيه الية
ويقارنها بنص القرآن ل إكراه في الدين ل يجد أنها تدل على أي تسامح .بل
على العكس ،فهي تعبير واضح عن خيبة أمل نبي السلم في أهل الكتاب
من يهود ونصارى بعد أن خابت محاولته وجهوده لكسبهم إلى صفوفه,
وللتعليق نقول:
مَّرت الدعوة السلمية بعدة تغيرات جوهرية ،فقد كانت في بدء عهدها
ولت سلميّة بالحكمة والموعظة الحسنة .ولكن بعد الهجرة إلى المدينة تح َّ
َ ْ
س (سورة ع لِلن ّا ِف ُ
منَا ِ
و َ
ديدٌ َ
ش ِ س َ
ه بَأ ٌ
في ِ ديدَ ِ إلى دعوة عسكرية مسلحة بال ْ َ
ح ِ
الحديد )25 :57وكان ل بد لهذه الدعوة التي بدأت سبيلها لتأسيس حكومة
دينية ،يكون محمد على رأسها ،في حماية عسكرية داخل المدينة وخارجها.
فكانت شريعة الجهاد طوال الفترة المدنية ،وكان التحريض على القتال،
وحل مشاكل المارة السياسية ،وتوزيع الغنائم وتمويل الجيوش (راجع
سورتي النفال والتوبة).
وبعد وفاة محمد انقسم أصحابه على خلفته ،ثم ارتدّ عرب الجزيرة عن
وة.السلم ،مما يدل على أنهم رأوا في رسالة محمد إمارة أكثر منها نب ّ
فأرسل أبو بكر الجيوش إلى كل جهات الجزيرة لردهم إلى السلم
وسلطانه .ثم بعد فترة كانت الفتوحات أو الغزوات السلمية لمصر والعراق
والشام ،وتأسست أركان المبراطورية السلمية من أسبانيا إلى إيران.
والمر الطبيعي أن تجد تضاربا ً فيمثل هذا الفكر الذي امتدّ فترة زمنية
تجاوزت اللف عام قبل انحساره .وأنت اليوم ترى هذاالفكر يحاول الظهور
على السطح مرة أخرى من خلل جماعات السلم السياسي المنتشرة في
معظم الدول السلمية ،وأن تجد دعاة السلم ودعاة الحرب يحتجون جميعاً
سنَّة.
بالقرآن وال ُ
ت مكة ول خيبر. ح ْ قد كان للسيف دور كبير في تاريخ السلم ،فلوله ما ُ
فت ِ َ
ولول حروب الردّة ما رجع العرب إلى السلم ،ولكان اقتدى بالنبي كثيٌر من
المتنبّئين الكذبة واقتطعوا لهم دويلت دينية في أنحاء شبه الجزيرة العربية،
ولضاعت على العرب الوحدة الدينية والقومية التي صنعها لهم محمد.
- 5أحاديث الحدود
ل
ٍ فع على رعِّ المش رها ّ د ق التي العقوبة تعني السلمي الحدود في الفقه
خاطىء .ولم يقتصر المر على العقوبات التي قدّرها القرآن ،بل زيدت
عليها جزاءات ُرويت عن النبي ،وجزاءات اجتهد فيها الصحابة ،فاتّسع معنى
رع ليشمل الجتهاد والقياس بجوار أقوال القرآن والنبي. المش ّ ِ
والحدود -على هذا المعنى -ستة :حد السرقة ،وحد القذف ،وحد الزنا ،وحد
شرب الخمر ،وحد قطع الطريق (الحرابة) ،وحد الردة وهي ترك السلم,
حد السرقة:
المقصود بحدّ السرقة هو العقوبة المفروضة على من أخذ مال أو متاع
ص آخر على وجه الخفية والستتار ،قاصدا ً بذلك تملّك الشيء المأخوذ. شخ ٍ
ول يدخل في ذلك الختلس لنه استلب المال دون وجه حق ،لكن دون
خفية أو استتار ،بل قد يكون ذلك علناً .وكذلك النهب ،وهو أخذ مال الغير
بالقوة ،فيدخل تحت حد قطع الطريق .وأيضا ً خيانة المانة ،وتعني جحود
وإنكار شخص لخذه متاعا ً أو مال ً من آخر ،وادّعاءه ملكيته له.
وطبقا ً لهذه التعريفات ورد حديث عن محمد يقول ليس على الخائن ،ول
على المختلس ،ول على المنتهب قطع ,وأيضا ً ل يدخل في ذلك العبيد
والماء وأهل الكتاب ،فقد قال محمد :ليس على العبد البِق إذا سرق قطع
ول على الذمي .وعن ابن عباس قال :إنه ل يرى على العبد حدا ً ول على
أهل الرض من اليهود والنصارى حداً,
ولم يترك المسلمون هذا التحديد فيمن تُحدد عليه العقوبة ،بل حددوا ً أيضاً
مقدار المال المسروق .فعن محمد قال :ل يقطع السارق إل في ربع دينار
فصاعداً .وُروي أيضا ً عنه :ل يقطع السارق إل في عشرة دراهم .وعلى ذلك
فإذا سرق شخص ربع دينار طبقوا عليه الحد .أما إذا اختلس أو انتهب مليون
دينار فليس عليه عقاب! وكذلك أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين ليس
عليهم حدود ،بالرغم من أن محمدا ً رجم يهوديين زنيا في المدينة,
وقد أضاف بعضهم شرط العودة ،أي تكرار السرقة ،حتى يصدق على
عوا َ
قط ُ فا ْ
ة َق ُ ر َسا ِوال َّ
رقُ َ سا ِوال َّ
الشخص وصف السارق الذي ورد في الية َ
َ َ
ه (سورة المائدة )38 :5وهذا الوصف ن الل ّ ِ م َ سبَا نَكَال ً ِ ما ك َ َ جَزاءً ب ِ َ ما َ ه َ دي َ ُ أي ْ ِ
ل واحد ،وإنما يلزم له التكرار .كما استلزم البعض أّل في الية ل يتحقق بفع ٍ
د
ّ ح قيم ُ ي أن الخطاب ابن رفض فقد سرقه. تكون بالسارق حاجة لما
ة لجوعهم. ن سرقوا ناق ً السرقة على غلما ٍ
وللتعليق نقول:
يتطلّب حدّ السرقة شروطا يصعب أن تتحقق فيلزم بها الحد .وهو ل ينطبق ً
أيضا ً على من يسرق أموال الدولة ،لن لكل فرد حقا ً في مال الدولة ،وهذا
الحق هو ما يُسمى فقهيا ً بشبهة الملكية ،وهي ما يسقط بها الحد فل تقوم
الجريمة أساساً .كما أن النص ل ينطبق على المختلس -كما ورد سابقا ً -
الذي يحوز مال الحكومة أو أي مؤسسة ثم يغيّر نيَّته فيحوز لنفسه ما كان
يحوزه للحكومة.
حدّ القذف:
م ل َم يأْتُوا بأ َ َ ُ ْ َّ
ة ع
ِ ْ َ َ ِ ب ر ْ َ ّ ث تِ اَ ن ص
ُ ْ َ ح م ال ن مو
َ ِ َ َ ْ ُ َ ر ي ن ذي وال 4 : 24 النور سورة جاء في
َ َ ُ ً َ َ ُ ول ت َ ْ َ ْ هدَاءَ َ
مه ُ وأولئ ِك ُ هادَةً أبَدا َ ش َ م َ ه ْ قبَلوا ل ُ جلدَةً َ ن َ مانِي َ م ثَ َ ه ْ جلِدُو ُ فا ْ ش َ ُ
ن. َ قو ُ س
ِ فا َ ْ ال
م ْ ْ َ ْ ْ َ ّ َ
تمنَا ِ ؤ ِ ت ال ُ فل ِ غا ِ ت ال َ صنَا ِ ح َ م ْ ن ال ُ مو َ ن يَْر ُ ذي َ ن ال ِ وفى نفس السورة آية 23إ ِ ّ
م. ِ ٌ ي ظ ع
َ ب ٌ َا ذ ع
َ م
ه ْ ول َ ُ ة َ خَر ِ واْل ِ في الدُّنْيَا َ عنُوا ِ لُ ِ
ة للقذف السب أو التهام بالزنا في السلم إل في سورة لم تحدّد عقوب ٌ َ
النور ،بعد اتهام بعض الصحابة لعائشة زوجة محمد بالزنا مع صفوان بن
المعطل ،وهي القصة المعروفة في كتب التفسير والحديث بحادث الفك
(راجع الجزء الرابع من هذه السلسلة ،فصل تعليقات على سورة النور).
جلد فإن آيتي 4و 23من سورة النور أَلحقتا بالقاذف وفضل ً عن عقوبة ال َ
وصف الفسق واللعنة في الدنيا والخرة ،وكذلك إسقاط شهادته .وقال َ
البعض إن الحكم القرآني اقتصر على تأثيم قذف النساء ،ولكن البعض الخر
رأى التسوية بين قذف الرجال وقذف النساء ،وأوجب الحدّ فيهما معاً ،مع
مخالفة ذلك لظاهر النص .وهناك بعض الحاديث في عقوبة قذف الرجال،
ولكن أكثر علماء الحديث حكموا بضعفها أو وضعها.
وهذا مثل حديث عكرمة ابن عباس عن النبي قال :إذا قال الرجل للرجل يا
مخنَّث فاجلدوه عشرين ،وإذا قال الرجل للرجل :يا لوطي فاجلدوه عشرين,
وهذا الحديث مطعون فيه من طريق عكرمة ،فقال أكثر من واحد إنه متروك
الحديث.
حد الزنا:
قرر محمد تأثيم الزنا وتقرير عقوبته على ثلث مراحل:
علَيه َ َ ن ال ْ َ ْ َ
نفإ ِ ْ م َ منْك ُ ْ ة ِ
َ
ع ً ن أْرب َ َ هدُوا َ ْ ِ ّ ش ِ ست َ ْ فا ْ م َ سائِك ُ ْ ن نِ َ م ْ ة ِ ش َ ح َ فا ِ والل ّتِي يَأتِي َ َ -1
ه َّ
ن َ ل ه ّ الل ل َ ع ج ي و َ أ ت و م ْ ال ن َ ه فاَ ّ و ت ي ى َ ت ح ت و ي بْ ال في نَ ه و ُ ك س م َ فأ َ وا َ
ُ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ّ ُ َ َ َ ّ ُ ُ ِ َ ِ ّ ُ ْ ِ هدُ ش ِ
سبِيل (سورة النساء )15 :4فالعقوبة هنا هي الحبس المطلق ،أو قيام ً َ
سبيل من الله.
َ َ
ن الل ّ َ
ه ما إ ِ َّ ه َ عن ْ ُ ضوا َ ر ُ ع ِ فأ َ ْ حا َ صل َ َ وأ ْ
فإن تَابا َ
َ َ ما َ ِ ْ ه َ فآذُو ُ م َ منْك ُ ْ ها ِ ن يَأتِيَان ِ َ
ْ
والل ّذَا ِ َ -2
حيما ً (سورة النساء )16 :4والعقوبة هنا هي اليذاء غير المحدد، وابا ً َر ِ ن َ َ ّ ت كَا َ
المتروك تقديره لولي المر.
ة
ف ٌ ما َرأ ْ َ ه
ْ ِ ِ َ ب م ُ ك ْ ذ خ
ُ ة جلْدة ول َ تَأ ْ
َ َ ٍ َ َ َ ئ ما ٍ ِ ُ َ َ ما ه ْ ن م د ح ِ وا َ ل َ ّ ُ ك جلِدُوا فا ْ والَّزانِي َ ة َ َ - 3الَّزانِي َ ُ
ما طائ ِ َ َ ْ
ولي َ ْ ْ ْ َ ّ م تُ ْ ُ ّ
ن
م َ ة ِ ف ٌ ه ْ عذَاب َ ُ هدْ َ ش َ ر َ خ ِ وم ِ ال ِ والي َ ْ ه َ ن بِالل ِ منُو َ ؤ ِ ن كنْت ُ ْ ه إِ ْ ن الل ِ في ِدي ِ ِ
ن (سورة النور 24 )2 :24سورة النور .إذن فعقوبة الزنا قرآنيا ً هي َ ي ِ ن م ُ ِ ْ
ؤ م ْ ال
ل من الزاني والزانية .غير أن النبي عاقب بالرجم ،وُروي جلد مائة جلدة لك ٍ ال َ
ت نصاً ْ خ
َ س
ِ ُ ن لكنها الرجم آية مى َ ّ س ُ ت القرآن في آية هناك كانت أنه ذلك في
مع بقاء حكمها,
تاريخ الرجم:
أول ما أمر محمد بالرجم كان في واقعة زنا حدثت بين يهودي ويهودية
احتكم فيها اليهود إلى محمد ،فأمر برجمهما بحسب حكم التوراة في التثنية
.23,22 :33
وفي كتابه أصول الشريعة قال المستشار محمد سعيد العشماوي :إذا كان
النبي قد سار على حكم التوراة ،فأمر بالرجم بعد ذلك مع أنه مشكوك فيه
جلْد فهل يعني ذلك أن النبي نسخ بفعله هذا حكم أنه رجم بعد نزول آية ال َ
القرآن ،أم أن ما فعله يمكن أن يُحمل على أنه حكم خاص بالنبي وحده!؟
من أربعة،فالثابت قرآنيا ً أن هناك أحكاما ً خاصة بالنبي وحده ،كالزواج بأكثر ِ
من المسلمين وعدم حقه في أن يطلّق أزواجه ،وعدم حل أزواجه لح ٍ
د ِ
بعده.
وبالرغم من أن محمدا ً أمر برجم يهوديين زنيا إل أن هناك أحاديث تقرر
عدم جواز ذلك ،فقد ورد عن محمد ليس على العبد ،ول على أهل الكتاب
حدود,
ردّة:
حد ال ِ
ردّة ذاته سوف نستعرض أشهر من ُ
قتِلوا قبل أن نعرض الراء في حد ال ِ
بتهمة الكفر والرتداد عن السلم منذ وفاة النبي وحتى اليوم.
تاريخ الفكر الدموي:
ه فتوى هو عثمان بن عفان ،وكانت الفتوى صادرة من لعل أول من قتلَت ْ ُ
ً ً
عائشة زوج النبي ،فكانت تقول :اقتلوا نعثل .لعن الله نعثل (نعثل اسم
عظم لحيته) .ثم تذكر كتب رجل مسيحي من المدينة كانوا يشبّهونه بعثمان ل ِ
السيرة بعد ذلك منع الناس من الصلة عليه لكفره ،ودفنه في مقابر اليهود.
صلبقتل الحلج الصوفي بتهمة الكفر ،ف ُ وفي فترة الخلفة العباسية ُ
قتل ابن خلفة أبي جعفر المنصور ُ حرقت جثته .وفي ِ قطِعت أطرافه و ُ و ُ
ي أعضائه وإطعامها له ",, ّ بش المنصور وأمر له، الكفر تهمة بتلفيق المقفع
أما في العصر الحديث فقد قامت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقتل
الشيخ حسين الذهبي لنه انتقد فكَرهم ،فاتهموه بالكفر وقتلوه .وبعد ذلك
قامت جماعة الجهاد في مصر (عام )1992بقتل الدكتور فرج فودة لنه
رهم بأنه كافر ومرتد ،لذلك يجب أن انتقد فكرهم أيضاً ،فكانت فتوى من أمي ِ
قتِل! وقد أصدر الخميني قبل موته فتواه الشهيرة بقتل سلمان يُقتَل ،ف ُ
رشدي لرتداده وكتابته كتاب آيات شيطانية.
وتلحظ أن هذه التهمة تُلصق دائما ً بالمخالفين في الرأي ،وفي الرأي
هموا بالرتداد لم يحمل أحدهم سيفا ً وما كان يوماً ُ
فقط .فأشهر من ات ّ ِ
عنيفاً ،بل أحيانا ً تُلقى هذه التهمة على أئمة السلم كأحمد بن حنبل ومالِك
ذّبوا لنهم مرتدون من وجهة نظر ع ِ
جنوا و ُس ِ بن أنس وابن تيمية ،الذين ُ
معارضيهم .فهل حد الردّة هو القفاز الذي يُلقى في وجه من يخالفك في ُ
الرأي ،فتتحيَّن الفرصة لقتله لنه كافر؟
آراءٌ في الردّة:
دة ،ومنهم محمد سعيد ّ الر حد المسلمين المفكرين أنكر بعض
العشماوي.يقول في كتابه أصول الشريعة :
كان أساس الدولة في العصور الوسطى يخالف أساس الدولة في العصر
الحديث .ففي تلك العصور لم تكن فكرة الدولة في ذاتها واضحة محددة،
وكان الدين هو أساس الدولة ،كما كان التدين هو الجنسية وهو المواطنة.
ففي الشرق الدنى كان السلم هو الدولة ،وفي أوربا كانت المسيحية.
وكان المسلم مواطنا ً في أي مجتمع إسلمي وعضوا ً في كل جماعة
مسلمة ،كما كان المسيحي كذلك في المجتمع المسيحي والجماعات
المسيحية .وكانت القلية الدينية تتمتع بحماية الغلبية.
وبهذا المفهوم يُعتبر الخروج من الدين اقتراف جريمة الخيانة العظمى ،لن
الذي يترك دينه إنما ينضم إلى دين العداء ،وهو دولتهم .لذلك ُروي عن
ن بَدَّل دينه فاقتلوه .وقال :ل يحل دم مسلم إل بإحدى م ْ النبي أنه قالَ :
ثلث :الثيب الزاني ،والنفس بالنفس ،والتارك لدينه المفارق للجماعة .ولم
يحدد النبي القصد بتبديل الدين :هل هو أي تبديل ولو كان إلى السلم من
غيره؟ أم أن القصد تغيير السلم إلى غيره؟ غير أن السياق يفيد المعنى
م فقد ُرئي أن القتل هو جزاء المرتد عن شريعة السلم. من ث َّ الخير .و ِ
وهناك خلف فيما إذا كان يُستتاب أم ل.
على أنه لم يثبت أن النبي أقام حد الردّة على أحد.
(ولنا تعليق سنورده بعد كلم العشماوي).
ت قرآنية: ويورد المستشار سعيد العشماوي في ذلك آيا ٍ
ي (سورة البقرة )256 :2 غ ِّ ن ال ْ َ م َ شدُ ِ ن الُّر ْ قدْ تَبَي َّ َ ن َ دي ِ في ال ِّ َل إِكَْراهَ ِ
ن؟ (سورة يونس )99 : 1 م ْ ُ َ َ ت تُك ْ أَ َ َ
من ِ ُي َ ؤ ِ ُ حت ّى يَكونُوا س َ َ رهُ الن ّا ِ فأن ْ َ
ُ َ
ميعا ً (سورة يونس )99 : 1 ج ِ م َ ه ْ ض كُل ّ ُ في اْلْر ِ ن ِ م ْ ن َ م َ ك َل َ شاءَ َرب ُّ َ و َ ول َ َْ
ْ َ ّ َ ُ َ َ ّ َ ّ إ ِ َّ
وم
ِ ْ َ ي وال
َ ه
ِ اللِ ب ن
َ م
َ آ ن
ْ م
َ رى َ صاَ ّ ن وال َ نَ و ئِ صاب ّ والَ وا ُ د ها َ ن
َ ذي
ِ وال َ وا ُ ن م
َ آ نَ ذي
ِ ال ن
ن (سورة المائدة )69 :5 حَزنُو َ م يَ ْ ه ْ وَل ُ م َ ه ْ علَي ْ ِ ف َ و ٌ خ ْفَل َ صالِحا ً َ ل َ م َ ع ِ و َر َ خ ِ اْل ِ
وتترك هذه اليات للناس حرية اختيار الدين ،ول ترى إكراههم على السلم.
ومن جانب آخر فإن عدم إكراههم على السلم ابتداءً يفيد عدم الكراه
للستمرار عليه .ول شك أنه ل خير فيمن يظل مؤمنا ً بدينه على خوف أو
على إكراه .فمن أراد تغيير دينه حرا ً مختارا ً فإن دينه براء منه .لن يخسر
بفقدانه شيئاً ،بل الخسارة في بقائه ملحدا ً به في البطن وهو في الظاهر
يدّعي اليمان.
هذا هو كلم أحد علمائهم ،ولكن هناك من يعترض عليه ومن يؤيده .وسنورد
الرأيين ،ولكن قبل هذا نذكر تعليقنا على ما قاله سعيد العشماوي.
هل طبَّق النبي حد الردّة؟
ذكر العشماوي أن النبي لم يطبق حد الردّة .وقد اعترض البعض على ذلك
مستندين إلى أحاديث البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة
عكل فأسلموا دم على النبي نفر من ُ ق ِ حيث ذكر عن أنس أنس قالَ :
فاجتووا (أتوا) المدينة ،فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها
حوا وارتدّوا وقتلوا رعاتها واستاقوا البل .فبعث في وألبانها ،ففعلوا .فص ُّ
آثارهم فأُتي بهم ،فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحمهم
(يكوي جراحهم) حتى ماتوا.
حرابة (سنتكلم ويقول البعض إن النبي لم يطبق عليهم حد الردّة بل حد ال ِ
عنه لحقاً) وهذا واضح من قطع أيديهم وأرجلهم لنهم قتلوا الرعاة
وسرقوا البل.
طريقان ل غير:
هناك طريقان للتعامل مع المرتد :إما أن نعتبره مجنونا ً ونتركه حياً ،مع
حرمانه من كل حقوق المواطنين ،أو أن نُنهي حياته بالقتل .ومن المؤكد أن
الطريقة الولى أشد قسوة من الثانية لنها تجعله ل حيا ً ول ميتاً ،فالقتل
أفضل له ،إذ يضع نهاية لعذابه ولعذاب المجتمع في وقت واحد.
هذا الكلم السابق ليس لحد الكتَّاب الذين يهاجمون السلم ،لكنه للشيخ
أبي العلى المودودي أمير الجماعة السلمية بباكستان ،في كتابه عقاب
المرتد الذي نقتبس منه أيضا ً قوله :عندما توضع عقوبة العدام للمرتد
موضع التنفيذ في حكومة إسلمية جديدة يبقى المسلمون داخل الجماعة
المسلمة .لكن هناك خطر من وجود عدد كبير من المنافقين بينهم ،وهذا
يمثل تهديدا ً دائما ً بالخيانة .وحل ً لهذه المشكلة أرى أنه حينما تقع
ولهم عن السلم ح ُ ثورةإسلمية يُعلن جميع المسلمين غير الملتزمين ت ّ
وخروجهم من المجتمع المسلم ..وذلك خلل عام واحد .وبعده يُعتَبَر
المسلمون بالمولد مسلمين ،وتسري عليهم كل القوانين السلمية،
ويكونون ملَزمين بأداء كل فرائض الدين الواجبة .ومن أراد منهم بعد ذلك
قب بالعدام. ترك السلم يُعا َ
ونعرض رأيا ً ثالثا ً لحد أئمة الطائفة الحمدية ،التي يعتبرها كثير من علماء
السلم خارجة عن السلم ومن ينتمي إليها مرتد هو ميرزا طاهر أحمد إذ
يقول :إن حرية التحول من الدين وإليه هي المحك الحقيقي لمبدأ ل إكراه
في الدين .ل يمكن أن تكون الحرية في اتجاه واحد ،هو اتجاه دخول
السلم ،ثم ل مخرج منه .هناك عشر إشارات في القرآن إلى الرجوع عن
رد قط السلم ،إحداها مكية في سورة النحل والتسع الباقية مدنية .ولم ي ِ
في أي واحدة منها ولو تلميحا ً أن العدام جزاء من يرجع عن السلم.
ويقول في موضع آخر من نفس الكتاب هناك آية في سورة النساء تقول:
َ َ َ
ن الل ّ ُ
ه فرا ً ل َ ْ
م يَك ُ ِ دوا ك ُ ْ م اْزدَا ُ م كَ َ
فُروا ث ُ َّ منُوا ث ُ َّ مآ َ فُروا ث ُ َّم كَ َ منُوا ث ُ َّنآ َذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
سبِيل (سورة النساء .)137 :4فكيف يمكن للمرتد ً م َه ْ
دي َ ُ
ه ِ
ول لِي َ َْ م َه ْ َ
فَر ل ُ غ ِ
لِي َ ْ
أن يتمتع بمهلة التردد بين اليمان والكفر إذا كانت عقوبته القتل؟ فليس
عند المقتول فرصة ليؤمن ثم يرتد مرة أخرى! .ويروي ميرزا طاهر أحمد
طاهر أحمد قصة عفو النبي عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان
صر ولجأ لمكة ،فطلب النبي قتله يوم الفتح ولو كان كاتبا ً للوحي ،ثم تن ّ
فع فيه عثمان بن عفان بن عفان لنه أخوه في َ متعلِّقا ً بأستار الكعبة .فتش ّ
الرضاعة ،فتركه النبي .ثم يقول ميرزا طاهر أحمد :وهكذا ل نجد هناك ول
شاهدا ً واحدا ً على أن النبي عاقب أحدا ً لرتداده عن السلم,
هل أمر محمد بقتل المرتد؟
المرتد يُقتَل! ..المرتد ل يُقتل بل يُستتاب! ..المرتد يُحبَس!
هذه العبارات ليست هذيانا ً وليس تهكماً ،ولكنها حكم السلم .فالمرتد في
الفقه السلمي يُقتَل ،ول يُقتَل ،ويُحبَس ،ويُستتاب ،وكل هذه لها شواهد
عند أهل الحديث .فمحمد يقول :من بَدّل دينه فاقتلوه ,ولكنه لم يقتل عبد
صر وترك المدينة إلى الله بن سعد بن أبي سرح ،الذي كان كاتبا ً للوحي فتن َ َّ
مكة ,وعند فتح مكة أمر محمد بقتله ولو كان متعلقا ً بأستار الكعبة هو وابن
خطل ولكنه لم يقتله لن عثمان بن عفان طلب له المان,
أحاديث الردّة:
من المناسب أن نذكر الحاديث التي وردت في عقوبة المرتد ونعلّق عليها
من حيث السند والنص .وأول هذه الحاديث وأشهرها:
- 1عن عكرمة قال :أتى علي بزنادقة ،فأحرقهم .فبلغ ذلك ابن عباس ،
ذّبوا بعذاب الله هي رسول الله ل تع ِ ت أنا لم أحرقهم ،لن َ ْ فقال :لو كن ُ
غ ذلك عليا ً فقال :ويح ن بدَّل دينه فاقتلوه .فبَل َ َ َ ْ م الله رسول لقول ولقتلتُهم
ابن عباس.
- 2وردت عدة أحاديث في سنن الدارقطني ،تحمل معنى واحدا ً وهو
المرتدة عن السلم تُحبَس ول تُقتَل.
- 3وردت أحاديث أخرى في سنن الدارقطني تحمل معنى مخالفا ً وهو كل
مرتد عن السلم مقتول إذا لم يرجع ،ذكرا ً كان أم أنثى.
وللتعليق نقول:
سنتناول أول ً الحاديث التي وردت في شأن المرتد في سنن الدارقطني،
وقد تكلم محمد شمس الحق شمس الحق ،صاحب التعليق المغني على
الدارقطني في بعضها وقال:
- 1حديث 118ل تُقتَل المرأة إذا ارتدت فيه عبد الله بن عيسى كذاب.
- 2حديث 119عن ابن عباس في المرأة ترتد ،قال تُجبر ول تُقتَل خالفه
فاظ في المتن. جماعة من الح ّ
- 3حديث 12المرتدة عن السلم تُحبَس ول تُقتَل فيه محمد بن عبد الملك
ضاع. ضاع بن عبد الملك و ّ و ّ
- 4حديث 122أمر النبي بعرض السلم على أم مروان فإن رجعت وإل
ت فيه معمر بن بكار وفي حديثه وهم. قتِل َ ْ
ُ
قتِلت فهو حديث - 5حديث 125ارتدّت امرأة فأمر النبي أن تُستتاب وإل ُ
منكر لن فيه عبد الله بن أذينة.
- 6حديث 128كل مرتد عن السلم مقتول فيه أبو جعفر أبو جعفر سيئ
الحفظ .هذا ما قاله صاحب التعليق ،بينما سكت عن أحاديث أخرى مما يعني
صحة إسنادها .ويعني أيضا ً أن لدينا أحاديث بقتل المرتد ،وأحاديث أخرى
بعدم قتله ،وكلها صحيحة .أما الحديث الول (حديث عكرمة عن ابن عباس)
فقد ورد في معظم كتب الصحاح ،والمفترض فيه الصحة .ولكن لنفحص هذا
الحديث من حيث الراوي والسند والنص.
و واحد ،هو عكرمة). يقع هذا الحديث في طائفة أحاديث الحاد (أي رواه را ٍ
و
ٍ را طريق من كان ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحا ً ومعتبراً ،ولو
واحد .ولكنه ل يتساوى مع حديث له أكثر من طريق.
عكرمة:
ً
وإذا بحثنا في شخص عكرمة نفسه نجد أنه كان رقيقا عند ابن عباس
وتلميذا ً له ،ولم يكن تلميذا ً متحمسا ً بشهادته هو ،حيث كان يقول إن ابن
عباس كان يقيّده من يديه ورجليه ويعلّمه القرآن والسنّة ,ويقول الذهبي
إن عكرمة كان من المعارضين لعلي ،وكان يميل إلى الخوارج ،وكان
خارجياً ،وروايته مريبة ل يُعتدّ بها .وكان مالك بن أنس يصنّف الحاديث
المروية عن عكرمة في بند الضعيفة الواهية.
ويرى بعض العلماء مثل يحيى بن سعيد النصاري وعلي بن عبد الله بن
عباس وعطاء بن أبي ربيع أن عكرمة كان يميل إلى المبالغة,
ً
ومن طريف ما يُروى عن عبد الله بن الحارث أنه عندما زار عليا بن عبد الله
بن عباس وجد عكرمة مقيّدا ً خارج باب علي ،فقال لعلي :أل تتّقي الله
فيه؟ فأجابه علي بأن عكرمة كان يعزو أقوال ً باطلة إلى أبيه عبد الله بن
عباس.
هذا هو الرجل الذي روى الحديث ،وهو المرجع الوحيد الذي تتوقف عليه
همون بتغيير عقيدتهم. غيّرون ..أو يُت َّ َ حياة الذين ي ُ َ
موضوع الحديث:
إذا فحصنا موضوع الحديث وجدنا في بعضه أمورا ً غريبة:
- 1شخص في منزلة علي إسلمياً ،هل يجهل منع السلم تعذيب النسان
بالنار؟
ن بَدّل دينه فاقتلوه يمكن تفسيرها بعدة طرق .وهي على َ م ْ - 2جملة َ
صدق على الرجال والنساء والطفال .ومع ذلك اختلف كثير من إطلقها ت َ ْ
الفقهاء في هل تُقتَل المرأة المرتدة والطفل أم ل.
- 3لفظة دينه لفظة عامة ل تحدد دينا ً معيناً .وعلى هذه الدللة في لغة
القانون يُقتَل كلمن يترك دينه لدين آخر.
لقد أطلنا الشرح في عقوبة المرتد في الفقه السلمي لنبيّن أن حياة
و أو ضعفه ،وأنه بإمكانك أن النسان إسلميا ً يمكن أن تُنهى نتيجة نسيان را ٍ
تجد مبررا ً إسلميا ً لكل ما تفعل ،سواء قلت بقتل المرتد أم ل.
أين هذا من تعاليم الراعي الصالح الذي يترك التسعة والتسعين ليبحث عن
رحاً؟ (لوقا )5 :15 الواحد الضال حتى يُعيده ثانية حامل ً إياه على كتفيه ف ِ
ل من عند أبي موسى الشعري إلى عمر بن الخطاب ،فسأله عمر : جاء رج ٌ
هل كان فيكم من مغربة خبر؟ (خبر غريب) فقال :نعم ،رجل كفر بعد
إسلمه .فسأل عمر :فما فعلتم به؟ قال :قربناه فضربنا عنقه .فقال عمر:
هل حبستموه ثَلثا ً (أي ثلثة أيام) ،وأطعمتموه كل يوم رغيفاً ،واستتبتموه
لعله يتوب ويرجع لمر الله؟ ثم قال عمر :اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم
ض إذ بلغني,, أر َ
ولنا سؤال :هل كان عمر ل يعلم حديث عكرمة أو ل يعلم أمر محمد بقتل
رع بعد عمر ؟ المرتد؟ أم أن هذا المر اخت ُ ِ
حرابة (قطع الطريق): حد ال ِ
َ َّ َّ َ
ه
ُ سول َ َ َ ُ ر و ه الل ن و ب
ِ َ ُ َ ِ ُ َ ر حا ي ن ذي ال ُ ء زا ج
ِ َ َ َ ما ّ ن إ 34 و 33 : 5 المائدة سورة في جاء
ُ َ َ َ َّ َ َّ َ ُ َ ن يُ َ َ ً ض َ َ ْ
مه ْ جل ُ وأْر ُ م َ ه ْ دي ِ
ع أي ْ ِ و ت ُقط َ صلبُوا أ ْ و يُ َ قت ّلوا أ ْ سادا أ ْ ف َ في الْر ِ ن ِ و َع ْس َ وي َ ْ َ
ة ر خ
ِ لْ ا في ِ م ه َ ول ا ي ْ نُ د ال فيِ ي ز خ
ِ م ه َ ل ك َ ِ لَ ذ ض ر َ ل ْ ا ن م وا ف َ ْ ن ي و خَلف أ َ ِ ن م
َ ِ ّ َ َ ُ ْ ْ ٌ ُ ْ ْ ِ ْ ِ َ ُ ٍ ِ ْ
َ موا أ َ َّ قبل أ َ ْ َّ َّ
فوٌرغ ُ ه َ ن الل ّ َ عل َ ُ فا ْ م َ ه ْ ِ ْ ي َ عل َ روا ُ د
ِ ْ
ق َ ت ن ْ ِ ْ َ نْ مِ وا ُ ب اَ ت ن
َ ذي
ِ ال ل ِ إ م
ٌ يِ ظ ع
َ ب ٌ َا عذَ
م. ٌ حي ِ َر
مناسبة هذه الية أن قوما قاموا من عرينة بقتل راعي أغنام محمد وسرقوا ً
من يأتي بهم .فلما جيء بهم ،أمر أن تُقطع أيديهم الغنم .فأرسل محمد َ
وأرجلهم وتُفقأ أعينهم وأن يُتركوا في الصحراء حتى يموتوا .1والواضح من
الية وسبب نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يُحارب الله ورسوله .فهل
قع الجزاء هي بذلك من اليات الخاصة بشخص النبي ،وأنه وحده الذي يو ّ
على من يحاربه ويحارب الله في شخصه؟
ً
لقد جرى الفقه السلمي على اعتبار هذه الية وهذا الحديث سندا في
من يُحارب الجماعة وعلى قطع الطريق ،,4مع أن هناك إيقاع الحد على َ
من حمل علينا السلح فليس منّا .1وهناك حديث آخر يقول: حديثا ً يقول َ
من قاتل ة جاهلية .و َ من خرج من الطاعة ،وفارق الجماعة ،فمات ،مات ميت ً َ
قتل، تحت رعاية عمية يغضب لعصبيَّة ،أو يدعو لعصبيَّة أو ينصر عصبي ّة ،ف ُ
َ
ة جاهليَّة .ومن خرج على أمتي بسيفه ،يضرب بَّرها وفاجرها .ول فقتل ٌ
د بعهده .فليس مني ولست منه. يتحاشى من مؤمنها ،ول يفي لذي عه ٍ
وهذان الحديثان ل يقرران حكما ً على من يحمل السلح على الجماعة أو
يخرج عليها .فواضح بذلك أن الجزاء المنصوص عليه في الية ليس جزاءً
لمن يحمل السلح على الجماعة أو يخرج على طاعتها ،ولكنه خاص بشخص
النبي .يؤيد ذلك سبب نزول الية وظروف الحديث نفسه.
ه بل فقه: فق ٌ
سع الفقه السلمي في تطبيق الية على شيء ُ أوضح مثال للخلط هو تو ّ
ليست له .ولم يقتصر المر على تطبيق الية والحديث في غير موضوعهما
فقط ،بل تعدّاهما إلى إعمال اجتهاد الفقهاء أيضاً .وطبقا ً لذلك أصبح كل
من يخالف الحاكم أو الفقيهفي الرأي يُتَّهم بالحرابة والخروج على َ
الجماعة .ولو كان الخروج على أية جماعة كفراً ،فسوف نجد أن جميع
النبياء كفار ،لنهم خرجوا على جماعتهم وأتوا بما يخالف اعتقاد هذه
الجماعة! بل أن بعضهم حمل السلح على جماعته .فهل الخروج علىأي
جماعة يُعتبر كفراً ،وإن كانت جماعة فاسدة!؟
قد يَُردُّ على هذا الكلم بأن الحرابة الموجبة للحد هي حمل السلح على
الجماعة المسلمة.
من يحارب الله ولكن هذا الكلم ل يخلو من غلط ،فالية والحديث تعاقب َ
ع فيقرر أن جميع المة خارجة على الله ورسوله، ورسوله .وقد يقوم مد ٍ
كما تفعل جماعات السلم السياسي .فكيف الحل؟ هل تقوم المة أيضاً
فاز في وجوه مخالفيها وتتّهمهم بالخروج على الجماعة، بإلقاء نفس الق ّ
ً
فيستحقون القتل؟ وتكون النتيجة سيول من دماء؟
- 6أحاديث النكاح والزواج تبنَّى السلم من المرأة عموماً ،سواء كانت
زوجة أو أما ً أو بنتاً ،نفس النظرة التي كانت سائدة في شبه الجزيرة
العربية في زمن محمد .وسنحاول في هذا الفصل أن نعرض وجهة النظر
السلمية في المرأة من خلل الحاديث التي رواها أصحاب محمد عنه.
مكانة المرأة:
أول ما يطالعنا في شأن المرأة وضعها الغريب ككائن أقل من الرجل،
فالسم الذي اختاره المسلمون للزوج هو البعل وهو يعني السيد أو الرب أو
الصاحب ،مما يعني امتلكه للمبعولة (الزوجة) أو المربوبة .وقد صار هذا
التقليد حتى اليوم في كل الدول العربية السلمية حتى في أعلى
المستويات ثقافيا ً واجتماعياً ،فتجدهم يقولون حرم الرئيس أو حريم
السلطان.
محمد والمرأة:
وإذا حاولنا أن نرسم صورة المرأة في السلم من خلل الحاديث فسنجدها
تقول:
- 1إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان وتُدبِر في صورة شيطان ،فإذا
أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها ،فإن
ذلك يردُّ ما في نفسه.
قت من ضلع ،لن تستقيم لك على طريقة ،فإن استمتعت خل ِ َ
- 2إن المرأة ُ
سْرتَها ،وكسرها طلقها. َ ك قيمها ُ ت ت
ْ َ ب ذه وإن وج،َ ع وبها بها بها استمتعت
خن أنثى زوجها - 3لول بنو إسرائيل لم يخنز (يفسد) اللحم ،ولول حواء لم ت ُ
الدهر.
- 4إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ،فبات غضبان ،لعنتها الملئكة
حتى تُصبِح.
ت المرأة أن تسجد لزوجها. د ،لمر ُ ً
ت آمر أحدا أن يسجد لح ٍ - 5لو كن ُ
- 6ل يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته عليه
- 7ثلثة ل تُقبَل لهم صلة ،ول تصعد لهم حسنة :العبد البِق حتى يرجع إلى
مواليه ،والمرأة الساخط عليها زوجها ،والسكران حتى يصحو.
ة أضّر على الرجال من النساء ت بعدي فتن ً - 8ما ترك ُ
َّ َ
ت في الجنة فرأيت ُ لع وأط النساء، أهلها أكثر فرأيت النار في ت - 9اطّلع ُ
أكثر أهلها الفقراء
ث ،في :المرأة ،والفرس ،والدار - 1الشؤم في ثل ٍ
- 11الحصير في ركن البيت خيٌر من امرأة ل تلد ,وهذا الحديث ضعيف،
ولكن له طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً.
ل ودين - 12النساء ناقصات عق ٍ
صورة المرأة:
المرأة بناءً على الحاديث السابقة هي:
الشيطان الذي لم تُترك فتنة على الرجال أشد منها ،والضلع العوج الذي ل
يستقيم ،وهي أكثر أهل النار ،وناقصة عقليا ً ودينياً ،ول تساوي أكثر من
من يُضَرب دون أن يُسأل ضاربها عن السبب، حصير إذا كانت عاقراً ،وهي َ
ة عند زوجها حتى كاد النبي أن يأمرها بالسجود له، وهي تكاد أن تكون جاري ً
وهي وسيلة التفريغ الجنسي لزوجها ،وهي مأمورةٌ بإجابة زوجها في
شهواته تحت أي ظرف ،وإن هي رفضت لعنَتْها الملئكة ،وهي أحد رموز
الشؤم.
ولنا أن نسأل :هل هذا هو التكريم؟ هل هذه هي الصورة التي يقدمها الله
ورسوله للمرأة؟
المرأة والزواج:
بالرغم من تحديد محمد للزوجات بأربع ،فإننا ل نكاد نجد في صحابته من
التزم بهذا .فقد تزوج كل من عمر وعلي وعثمان بن عفان تسعاً .ولعل عليّاً
ي زوجة أخرى مع تزوجهن بعد وفاة محمد ،فقد رفض محمد أن يتزوج عل ٌّ
ً
فاطمة ابنة محمد .وسبب هذا العدد الكبير من الزوجات أن محمدا جعل لهم
وجون ويطلقون في الطلق وسيلة بديلة عن تعدد الزوجات ،فكانوا يتز َّ
وجت كيفما شاءوا ،بالضافة إلى ما ملكت أَيْمانهم .ومن الصحابيّات من تز َّ
بأكثر من أربع ،كعاتكة بنت زيد ابنة عم عمر بن الخطاب تزوجت عبد الله بن
أبي بكر وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن أبي بكر بن أبي
بكر وعمرو بن العاص.
قيمة المرأة:
ُروي عن سهل بن سعد :أن رسول الله (ص) جاءته امرأة فقالت :يا رسول
عد فيها النظر الله ،جئت أهب لك نفسي .فنظر إليها رسول الله (ص) فص ّ
ض فيها شيئا ً جلست. وبه ثم طأطأ رأسه .فلما رأت المرأة أنه لم يق ِ وص ّ
ل من أصحابه فقال :يا رسول الله ،إن لم يكن لك بها حاجة فقام رج ٌ
وجنيها .فقال :وهل عندك شيء؟ قال :ل والله يا رسول الله .فقال: فز ِّ
ً
اذهب إلى أهلك فانظر ،هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال :ل والله ما
ت شيئاً .فقال محمد :انظر ولو خاتما ً من حديد .فذهب ورجع فقال :ل وجد ُ
والله يا رسول الله ول خاتما من حديد ،ولكن هذا ردائي .فقال سهل :ما له ً
ستَه لم رداء غيره ،فلها نصفه .فقال رسول الله :ما تصنع بإزارك؟ إن لب ْ
ه لم يكن عليك منه شيء .فجلس الرجل ست ْ ُ
يكن عليها منه شيء ،وإن لب َ
مولِّيا ً فأمر به فدُعي .فلما جاء ُ الله رسول فرآه حتى إذا طال مجلسه قام،
سأله :ماذا معك من القرآن؟ قال :معي سورة كذا وسورة كذا .فقال:
تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال :نعم .قال :اذهب فقد ملكتها بما معك من
القرآن.
َّ
ن؟! ٍ ثم وبأي صٍ شخ لي ك ملَ ُ ت حتى المرأة هنَ َ ت مُ ت الحد هذا إلى فهل
محمد وتعدد الزوجات:
أمر محمد أصحابه بتعدد الزوجات ،أو قل أباحه لهم .فهل كان هو نفسه
يقبل تعدد الزوجات؟
هذا أمٌر فيه نظر ،فقد ُروي عن النبي أنه قال :إن بني هشام بن المغيرة
استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب ،فل آذن ،ثم ل آذن ،إل
ة
أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ،فإنما ابنتي بضع ٌ
مني ،يريبني ما أرابها ،ويؤذيني ما أذاها,
فبالرغم من أن محمدا ً أباح تعدّد الزوجات لنفسه ولصحابه ،إل أنه لم يقبله
ء للمرأة.لزوج ابنته ،لنه يعلم ما في ذلك من إيذا ٍ
وهناك حديث آخر لمحمد عن عائشة قالت :جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى
ت طلقي (أي طلقها ثلث النبي فقالت :إني كنت عند رفاعة فطلَّقني ،فب َّ
هدبة الثوب ت بعده عبد الرحمن بن الزبير ،وما أنا معه إل مثل ُ مرات) فتزوج ُ
(كناية عن الضعف الجنسي) .فقال :أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت:
نعم .قال :ل ،حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك كناية عن الجماع نعتقد
أن هذا الحديث ل يحتاج منا إلى تعليق ،فمكانة المرأة ومشاعرها عند محمد
تتجلى فيه بأوضح صورة.
السلم والطلق:
ق في طلب في موقف السلم من الطلق امتهان للمرأة ،فليس للمرأة ح ٌّ
الطلق .قال محمد :أيُّما امرأة سألت زوجها طلقا ً في غير ما بأس ،فحرا ٌ
م
عليها رائحة الجنة والزوج إذا طلق امرأته له أن يعيدها إليه في أي وقت
يشاء قبل انقضاء عدّتها (ثلثة أشهر) دون أن يحتاج إلى موافقتها .أما إذا
أرادت المرأة أن تترك زوجها فعليها أن تردّ له كل شيء لها ،أو أن تشتري
خلع فقد ورد عن نافع أن مى في السلم الطلق بال ُ س ّ نفسها منه ،وهو ما ي ُ َ
ت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد َ ْع َ لَ ت اخ صفية بنت أبي عبيد
الله بن عمر
حديث فاطمة بنت قيس:
عن فاطمة بنت قيس في المطلقة ثلثا ً أن النبي قال :ليس لها سكنى ول
نفقة
ً ً
وقد أثار حديث فاطمة هذا جدل كبيرا بين أصحاب محمد أنفسهم ،فقد
طعن فيه عمر بن الخطاب وعائشة وأسامة بن زيد أسامة بن زيد ومروان
بن معاوية وسعيد بن المسيب ،وغيرهم.
ولنا أن نسأل :إذا كان الحديث صحيحا ً رواه مسلم وغيره ،فما موقف الذين
طعنوا فيه؟ وإن كان الطاعنون فيه على صواب ،فما قوة الحديث ،وبالتالي
ما هي قوة صحيح مسلم؟
سكنى أم ل؟ وهل للمطلقة ثلثا ً نفقة و ُ
هذا هو ما قاله محمد عن المرأة والزواج .ولعل أعجب وأغرب شيء هو
إباحة محمد لزواج المتعة (سنتكلم عنه تفصيليا ً في الفصل القادم) الذي ل
يخرج عن كونه زنا مقنّناً.
ولنا سؤال أخير :هل هذه هي شريعة الله؟
- 7أحاديث زواج المتعة
ت كثيرين من علماء المسلمين إلى زواج المتعة من المواضيع التي أَّر َ
ق ْ
اليوم ،وهو من أكثر المواضيع التي اختلف عليها الفقهاء .فما هو زواج
المتعة؟ ولماذا كل هذا الختلف حوله؟
طبيعة زواج المتعة:
َ
ر (مهر) يُت ّفق عليه ل (زواج مؤ ّ َ
قت) مقابل أج ٍ ج ٍزواج المتعة هو الزواج ل َ
ر أو من دقيق ،وينتهي بانتهاء المدة ٍ تم من ة
بالتراضي ،ولو كان قبض ً
المحدَّدة بغير حاجة إلى إجراءات طلق .وله حدّ أدنى لدى السنّة ثلثة أيام
ٌ
جل ساعة وقد يكون عدة وليس له حدٌّ أقصى ،أما عند الشيعة فقد يكون ال َ َ
سنوات ،ويثبت بزواج المتعة نسب البناء وميراثهم .أما الزوجة فل ترث
وليس لها نفقة إل إذا اشترطت ذلك عند الزواج.
وزواج المتعة غير محدد بعدد كالزواج العادي ،فقد ُروي عن ابن جريج فقيه
مكة أنه تزوج سبعين امرأة بالمتعة تأكيدا ً لحلِّها .ويجوز إسلميا ً تجديد مدة
الزواج بعد انتهاء المدة المتفق عليها مّرة ومّرات دون الحاجة إلى محل ِّل
( إسلمنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي ،و روح
ل المتعة، التشيُّع لعبد الله نعمة وهما مرجعان شيعيان ،يؤمن صاحباهما بح ّ
على عكس أهل السنّة).
محلِين للمتعة أنّ بناءً على ما سبق يستطيع أي مسلم من وجهة نظر ال ُ
يتزوج أية امرأة مسلمة أو كتابية بعقد زواج محدد (خمس ساعات مثلً)
مقابل مبلغ محدّد يتفقان عليه (عشرة دنانير مثلً) .فإذا انتهت الساعات
الخمس انتهى المر بل حاجة للطلق( .ماذا يفرق هذا عن الزنى …)
أحاديث المتعة:
نظرا ً لغرابة الموضوع وخطورته وحساسيته ،ننقل نصوص أحاديث المتعة
كما جاءت في كتب الحديث .وسنكتفي بالتعليق وتوضيح بعض المور في
ة واحدة للحديث دون ذكر المكَّرر. نهاية هذا الفصل ،مكتفين بذكر رواي ٍ
صحيح البخاري:
جاء في صحيح البخاري أربعة أحاديث:
هى رسول الله عن المتعة عام خيبر - 1عن أبي طالب أبي طالب قال ن َ َ
مر النسية وعن لحوم الح ُ
خص فيها ،فقال له أحد سئِل عن متعة النساء فر ّ - 2عن ابن عباس أنه ُ
قلّة أو نحوه فقال ابن مواليه :إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء ِ
عباس :نعم
- 3عن جابر قال :كنا في جيش فأتانا الرسول فقال إنه قد أُِذن لكم أن
تستمتعوا ،فاستمتِعوا
- 4عن سلمة بن الكوع عن أبيه عن النبي قال :أيُّما رجل وامرأة توافقا
فعشرة ما بينهما ثلث ليال .فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً.
صحيح مسلم:
ً
ورد في صحيح مسلم,تسعة وعشرون حديثا أغلبها مكرر ،ولذا سنذكر رواية
واحدة لكل حديث دون ذكر المكرر .وجميعها من الباب المذكور:
- 1عن قيس قال :سمعت عبد الله يقول :كنا نغزو مع الرسول ليس لنا
خص لنا أن ننكح المرأة نساء ،فقلنا :أل نختصي؟ فنهانا عن ذلك .ثم ر َّ
َ َ َ
ما ت َ موا طَيِّبَا ِ منُوا َل ت ُ َ
ح ِّ
ر ُ نآ َ ذي َها ال ّ ِ ل .ثم قرأ عبد الله :يَا أي ُّ َ ٍ ج
بالثوب إلى أ َ
َ َ ح َّ َ
ن(,سورة المائدة )87 :5 دي َعت َ ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ُّ ه َلي ُ ِن الل ّ َ وَل ت َ ْ
عتَدُوا إ ِ َّ م َ ه لَك ُ ْ
ل الل ّ ُ أ َ
2عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الكوع قال :خرج علينا منادي الرسول،
فقال :إن الرسول قد أذن لكم أن تستمتعوا ،يعني متعة النساء
- 3قال عطاء :قدم جابر فجئناه في منزله ،فسأله قوم عن أشياء .ثم
ذكروا المتعة .فقال نعم .استمتعنا على عهد الرسول وأبي بكر أبو بكر
وعمر
- 4عن إياس بن سلمة عن أبيه قال :رخص الرسول عام (أوطاس) في
المتعة ثلثا ً ثم نهى عنها
ي قال :أذن لنا الرسول بالمتعة ،فانطلقت أنا ورج ٌ
ل هن ّ ج َ - 5عن سبرة ال ُ
إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (ناقة فتية) .فعرضنا عليها
نفسينا .فقالت :ما تعطي؟ فقلت ردائي ،وقال صاحبي :ردائي .وكان رداء
ب منه .فإذا نظََرت إلى رداء صاحبي صاحبي أجود من ردائي ،وكنت أش َّ
تي أعجبْتُها .ثم قالت :أنت ورداؤك يكفيني .فمكث ُ أعجبها ،وإذا نظََرت إل َّ
ن كان عنده شيء من هذه النساء التي م ْ معها ثلثاً .ثم إن الرسول قالَ :
ل سبيلها, خ ِّ يتمتع بهن فلْي ُ َ
- 6عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُلَيِّن في النساء فقال :مهلً
يا ابن عباس ،فإن رسول الله نهى عنها يوم (خيبر) وعن لحوم الحمر
النسية
- 7عن ابن الزبير قال :إن أناسا ً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم
(يعّرض بابن عباس لصابته بالعمى في آخر حياته) يفتون بالمتعة .فناداه
ابن عباس وقال له :إنك لجلف جاف ،فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على
عهد إمام المتّقين رسول الله .فقال ابن الزبير :فجرب بنفسك! فوالله
لئن فعلتها لرجمنّك بأحجارك ",,
سنن أبي داود:
- 1عن الزهري قال :كنا عند عمر بن عبد العزيز ،فتذاكرنا متعة النساء.
فقال له رجل يُقال له ربيع بن سبرة :أشهد على أبي أنه حدث أن الرسول
نهى عنها في حجة الوداع (لحظ أنه سبق ذكر ثلث مناسبات للتحريم ،هي
غزوة خيبر ،وفتح مكة ،ويوم أوطاس .وحجة الوداع هي المناسبة الرابعة)
- 2عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي حَّرم متعة النساء
سنن ابن ماجة:
ورد في سنن ابن ماجة ثلثة أحاديث في باب نكاح المتعة ،أحدها عن علي
بن أبي طالب عن تحريم المتعة عام خيبر ،والثاني عن سبرة عن تحريمها
في حجة الوداع ،والثالث وهو ما سنذكره لنه لم يرد في المراجع السابقة.
ولي الخلفة ،أذن النبي لنا في المتعة ثلثا ً ثم عن عمر بن الخطاب قال لما َ
ه ل أعلم أحدا ً يتمتع وهو محصن إل رجمته بالحجارة .إل أن حرمها .والل ِ
َ ّ
ة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد أن حَّرمها يأتيني بأربع ٍ
سنن النَّسائي:
ورد في سنن النَّسائي أربعة أحاديث في زواج المتعة ،ثلثة منها تكرار
لحديث علي عن تحريمها يوم خيبر ،والرابع هو حديث سبرة دون تحديد زمن
النهي .غير أن هناك إحدى الروايات تقول عن علي إنه قال :نهى الرسول
عن المتعة يوم خيبر .قال المثني يوم حنين ،وقال :هكذا حدّثنا عبد الوهاب
من كتابه
الملحظ أن المثني ذكر يوم حنين كمناسبة للتحريم ،وهي المناسبة
الخامسة.
سنن الترمذي:
ورد في الترمذي حديثان عن المتعة ،أحدهما هو حديث علي بتحريمها زمن
خيبر ،والخر عن ابن عباس قال :إنما كانت المتعة في أول السلم .كان
الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة ،فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه
و علَى أ َزواجهم أ َ
يقيم ،فتحفظ له متاعه وتُصلح له شيئه ،حتى إذا نزلت إِل َّ َ
ْ َ ِ ِ ْ ْ
َ
ج سوى م (سورة المؤمنون )6 :23قال ابن عباس :فكل َ
فْر ٍ ه ْمان ُ ُ ت أي ْ َ ملَك َ ْ
ما َ َ
هذين فهو حرام
ما هو مشهور من رأي ابن عباس في والملحظ على هذا الحديث اختلفه ع ّ
المتعة.
سنن الدارمي:
جاء في سنن الدارمي ثلثة أحاديث ،كلها سبق ذكرها ،وهي تنهى عن
ن مختلف .فيقول المتعة .غير أن كل ً منها يحدد أن النبي نهى عنها في زم ٍ
أحدها إن النهي كان عام الفتح ،والثاني في حجة الوداع ،والثالث في عام
خيبر
مسنَد ابن حنبل: ُ
ورد في مسند ابن حنبل عدة أحاديث عن المتعة معظمها مكرر ،وسنكتفي
ث واحد فقط لهميته ،وهو عن جابر بن عبد الله قال :كنا نتمتع بذكر حدي ٍ
على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم حتى نهانا عمر عنه
أخيرا ً يعني متعة النساء
وللتعليق نقول :لعل القارئ لحظ غرابة موضوع زواج المتعة وغرابة
أحاديثه ،ولعله لم يصل أيضا ً إلى أي نتيجة بخصوصه ،ولم يعلم هل الذي
حرمه هو النبي أم عمر بن الخطاب؟ وإن كان النبي حرمه ،فهل كان هذا
في حجة الوداع أم في عام الفتح ،أم في أوطاس ،أم في عام خيبر ،أم في
حنين؟ أم أنه حّرمه في كل هذه المناسبات جميعاً؟ ُ
وإن كان النبي حّرمه في كل هذه المناسبات ،فهل هذا يعني أنه كان يبيحه
ثم ينهى عنه حسب الحاجة وحسب الظروف؟ أم أنه كان ينهى عنه دون
إباحة بين مرات النهي المتعددة؟ ولماذا؟ هل كان ينهى أصحابه عنه لكنهم
ل ينتهون ،فيضطّر لنهيهم مّرة أخرى ،أم ماذا؟ ولعل القارئ يتعجب إذا
عرف أن أصحاب النبي أنفسهم اختلفوا اختلفا ً شديدا ً حول المتعة ،فكان
من المعارضين له عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأبو حنيفة ومالك
هم عبد الله بن والشافعي وزيد وابن حنبل وغيرهم .وأما المؤيدون له ،ف ُ
ي بن كعب وابن جريج أبو جريج وقتادة ُ
عباس وعبد الله بن مسعود وأب ّ
وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب ،وجميع أئمة الشيعة.
سنة والشيعة حول زواج المتعة ،فالسنة والعجب من هذا هو موقف أهل ال ُّ
يرون أنه زنا وبغاء ودعارة ومحَّرم إلى يوم القيامة ،بينما يرى الشيعة أنه
شبهة فيه ،وأن النبي لم يحّرمه ،بل حَّرمه عمر بن الخطاب. زواج ل ُ
ح :هل المتعة زواج أم زنا؟ وهل قال النبي هذه الحاديث مع ُ ّ مل سؤال وهنا
تضاربها ،أم ل؟ فإن كان قالها ،فما تفسير هذا التضارب؟
وإن لم يكن هو قائلها ،فما هي قوة كل كتب الحديث التي روت هذه
الحاديث؟
أحاديث الضاحي
الضحية في السلم:
موضوع الضاحي والذبائح من المواضيع الكثر إبهاما ً في السلم ،فليس
للضحية في السلم فلسفة ما .والمسلمون يذبحون سنويا ً (في عيد
َ
مص ّلنا ن ُ ح فل يقُرب ّ ن كان له سعة ولم يض ِ ّ م ْ الضحى) لقول محمد َ
ومن الذبائح في السلم ما يُسمى بالعقيقة وهي ذبيحة تُذبح عن المولود
ل غلم رهينة بعقيقته تُذبح عنه اليوم في اليوم السابع ،فقد قال محمد :ك ُّ
مى .15 السابع ،ويُحلق رأسه ،ويُس َّ
وفي حديث آخر يقول محمد :ما عمل ابن آدم يوم النحر (الذبح) عمل ً أح َّ
ب
هراقة (سفك) دمٍ ،وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلفها إلى الله من ِ
ل بمكان قبل أن يقع على الرض، عز وج ّ وأشعارها ،وإن الدَّم ليقع من الله ّ
فطيبوا بها نفسا ً
وبالضافة إلى ما سبق فقد وضع محمد شروطا ً خاصة للذبيحة ،منها أن
ت بيوم الضحى عيدا ً جعله الله لهذه المة .فقال مر ُ تكون ذكراً ،فقد قال :أ ِ
حي بها؟ فقال :ل ،ولكن خذ له رجل :أرأيت إن لم أجد إل منيحة أنثى ،أفأض ّ
ص من شاربك ،وتحلق عانتك ،فذلك تمام أضحيتك ق ُّ من شعرك وأظفارك وت ُ
عند الله
ع ل تُجزى في الضاحي: ومن شروط الذبيحة أن تكون بل عيب لقوله :أرب ٌ
ضها ،والعرجاء البيِّن عَرجها، ورها ،والمريضة البيّن مر ُ العوراء البيِّن ع َ
سير) هذا بالضافة إلى عدة شروط َ والكسيرة التي ل تُنقى (ل تقدر على ال ّ
أخرى ،كأن يكون الذبح لله ،وبنيّة خالصة ،واختيارياً ،وقدر استطاعة الفرد..
إلخ,
وكل الحاديث السابقة تجعلنا نسأل:
ت هذه الشروط للذبائح؟ ع ْ ض َو ِلماذا ُ
ن قبل أن يصل للرض؟ ٍ بمكا الله من م َ ّ د ال يقع ولماذا
هن الغلم بذبيحة تُذبح عنه في اليوم السابع؟ ولماذا يُر َ
فلسفة الذبائح في المسيحية:
بسبب غموض موضوع الذبائح في كتب الفقه والحديث السلمية ،ندرس
موضوع البحث دراسة مسيحية خالصة .وقد جاءت أول إشارة عنه في تكوين
ة من جل ْد َ ه أَ ْ َ
ما فوجود ه َس ُوألْب َ َ
ص ً ِ ْ ِ ٍ َ م َ ق ِ مَرأت ِ ِوا ْ م َ ب اْلِله ِلدَ َع الَّر ُّ صن َ َ و ََ 21 :3
أقمصة الجلد يلزمه وجود ذبيحة .وهذه أيضا ً أول إشارة عن دور الذبيحة في
تكفير (تغطية) الخطية .وتوالت بعد ذلك الشارات للذبيحة في قصة قايين
وهابيل (تكوين .)4أما العبادة اليهودية فكلها ذبائح وأضاحي ،فقد كان
اليهود يعيّدون عيد الفصح كل عام فيذبحون شاة ،تذكارا ً لنجاتهم من
استعباد فرعون لهم ،وعبور الملك المهلك على بيوتهم التي وضعوا الدم
على عتبة أبوابها العليا وعلى قائمتي أبوابها (خروج .)12كما كانوا
يحتفلون بيوم الكفارة العظيم سنويا ً للتكفير عن ذنوب الشعب (لويين
.)16وكما في السلم كذلك في التوراة ،هناك شروط في الذبيحة .وقد
وضعت شروط التوراة لتوضح العلقة بين الرمز (الذبيحة) والمرموز له ُ
(المسيح) ،وهذه الشروط هي:
- 1أن تكون الذبيحة ،كل ذبيحة ،بل عيب ،لنها ترمز للمسيح الذي بل خطية،
عر َ
ماب َ عي ْ ٌ ىَ ، عم ً و َ جأ ْ بٌ َ َ ، عي ْ ٌ
ه َ في ِ ن ِن إِذَا كَا َولك ِ ْ فيقول في تثنية َ 21 :15
ك. ه َ ب إِل ِ ه لِلَّر ِّ ح ُ فَل تَذْب َ ْ َرِديءٌَ ،
- 2وكانت هناك ذبائح اختيارية ،إشارة إلى أن المسيح وضع نفسه بإرادته
واختياره (لويين 4 19 :22وعدد 3 :15وتثنية 1 :16وعزرا .) 5 :3
- 3يكون تقديم الذبيحة لله فقط ،رمزا ً للمسيح الذي أسلم نفسه لجلنا
ة لله رائحة طيبة (خروج 2 :22و أفسس )2 :5 قربانا ً وذبيح ً
ب مستقيم قدّم الذبائح بالشكر (مزمور 8 : 5و )14وبقل ٍ - 4يجب أن ت ُ َ
(إشعياء .)13 :1
ويعلّمنا الكتاب المقدس أنه بدون سفك دم ل تحصل مغفرة (عبرانيين :9
َ
بس َ ح َ خطَايَاَ ، ن ال ْ َ فَرا ُ غ ْ ه ُ م ِفدَاءُ ،بِدَ ِ ه لَنَا ال ْ ِفي ِذي ِ )21وهذا ما فعله المسيح ال ّ ِ
ه (أفسس )7 :1 مت ِ ِ ع َ غنَى ن ِ ْ ِ
وقد جاءت في العهد القديم عدة إشارات عن دم المسيح (خروج 13 :12و
وَردَت عدة نصوص 16 :29و : 3ولويين ..45 :1إلخ) .وفي العهد الجديد َ
تؤكد الفداء والتطهير بدم المسيح (كولوسي 2 :1وعبرانيين 19 : 1و:12
24و1بطرس 1 6 2 :1بطرس 1يوحنا .4,:1إلخ).
مي د
َ َ ِ و ه
ُ َا ذ هـ قال: حينما ح المسيح هذه الرمزية بينه وبين الذبائح ض َ و ّ وقد َ
َ ْ َ َ ّ ْ ْ َ
خطايَا (متى :26 ة ال َ فَر ِ غ ِم ْن لِ َري َ َ
ل كثِي ِ ج ِنأ ْ م ْ ُ
فك ِ س َ ذي ي ُ ْ د ال ِ دي ِ ج ِ د ال َ ه ِ ع ْ ذي لِل َ ال ّ ِ
ل اللّه م ُ ح َ وذَا َ ه َ عل يوحنا المعمدان حين رأى المسيح ،فقالُ : ف َ .)28وكذلك َ
َ ْ َ
عالم ِ (يوحنا 29 :1و.)36 ة ال َ َ
خطِي ّ َ ع َ ف ُ ذي يَْر َ ال ّ ِ
مل الله ح َكانت القرابين والذبائح في اليهودية رمزا ً للذبيح العظمَ ،
الذييرفع خطية العالم ،وكان الدم رمزا ً لدمه الذي يطهر من كل خطية.
فالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يدور حول فكرة الفداء بدم
المسيح ،ففي العهد القديم نجد أكثر من 3نبوة وإشارة عن المسيح ،وفي
العهد الجديد نجد تحقيق هذه النبوات,
كيف دخلت الذبائح السلم؟
عندما نريد أن نعرف تاريخية شيٍء ما فعلينا أن نرجع لجذوره التراثية.
فلنرجع لتاريخ العرب قبل السلم ،وهم بشٌر يؤثّرون في الخرين ويتأثّرون
بهم.
ومن الثابت تاريخيا أنه ليس للعرب أية سجلت تاريخية توضح حال شبه ً
الجزيرة العربية في فترة ما قبل الميلد .فالمعروف أن النبي إبراهيم،
خليل الله ،عاش تقريبا ً من 185 - 25 2ق.م ،ولكن التاريخ العربي لم
يسجل شيئا ً عنه ،وكانت قصته مجهولة تماما ً عند العرب القدماء.
ومن المعروف أيضا ً أن الديانة اليهودية ديانة غير كارزة ،ل تدعو أحداً
للدخول فيها ،بل تقتصر على بني إسرائيل .لذا فاليهود ل يعنيهم ما يعرفه
الخرون عنهم .ولكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لتأليف مجموعة من
القصص تمكّنهم من العيش وسط العرب ،بعد أن طُردوا من فلسطين على
عدة مراحل ،كان أولها على يد تيطس الروماني عام 7م ،ثم عام 132م
حينما حاولوا القيام بثورة ضد الرومان .وكان الملجأ الوحيد لهم هو شبه
الجزيرة العربية لنها لم تكن خاضعة للحكم الروماني .فكان عليهم أن
ة ما بينهم وبين العرب ،تتيح لهم أن يعيشوا في بلدهم ،فقاموا جدوا صل ً يو ِ
بصناعة الحلي والسيوف والكهانة ،ثم اخترعوا فكرة قرابتهم للعرب ،لنهم
أبناء عمومة ،فجدّهم جميعا ً هو إبراهيم ،الذي أنجب اليهود من نسل ابنه
إسحاق ،وأنجب العرب من نسل ابنه إسماعيل! وهذه الصلة بالجد البعيد
إبراهيم جعلتهم يربطون بين بئر سبع وبئر زمزم ،وبين برية فاران التي
عاش فيها إسماعيل وبين مكة,وانتقلت هذه القصة في الموروث الشعبي،
نتيجة عدم تسجيل العرب لوثائق تاريخهم ،كما كان يفعل اليهود والرومان
والمصريون.
كان نتيجة ذلك أن استقرت هذه القصة في الذهان كحقيقة واقعة مفادها
أن إسماعيل عاش في مكة وأنه أبو العرب وأخو إسحاق أبي اليهود .ولذا
فالعرب واليهود أبناء عمومة!
التراث اليهودي -السلمي:
حنفاء الذين اتّخذوا ُ ال فظهر اليهودي بالتراث ة لما سبق تأثّر العرب نتيج ً
ي بن قص ّ ً
طقوسا كثيرة من اليهودية وجعلوها نبراسا لهم ،وكان منهم ُ ً
كِلب أحد أجداد النبي ،ومنهم جدّهُ عبد المطلب ،وزيد بن عمرو بن نفيل
عم عمر بن الخطاب ,9بن الخطاب.
وكانت نتيجة كل ذلك هو مولد محمد وسط هذا الموروث العقائدي الذي تأثر
به كثيرا ً نتيجة لحتكاكه بأقربائه الحنفاء ,كما تأثر محمد بيهود المدينة
موطن أخواله ،وبيهود الشام واليمن في رحلته التجارية .فكان أن أخذ
محمد الطقس الموروث دون مدلولته ،فإنه أخذ أشياء كثيرة ممن كانوا
قبله ،كالصوم والصلة والحج والحدود وكذلك أخذ طقس الفصح السنوي
عن اليهود ،لكن دون مدلوله وهو المسيح .ولعلنا ل نتجنّى إذا قلنا إن
نٍ بمكا ضح لماذا يقع الدم من الله مفهوم الكتاب المقدس عن الذبائح يو ّ
قبل أن يقع على الرض .وذلك لن هذا الدم كان يرمز إلى كفارة المسيح،
فر الخطايا .ولقد انتهت الن كل الذبائح ك دمه عن كثيرين وبه تُغ َ ف َ س ِ الذي ُ
ل ،ب َ ْ َ والقرابين التي ت ُ َ
ل بِدَمِ جو ٍع ُ
و ُ
س َ س بِدَم ِ تُيُو َ ٍ قدّم لله لن المسيح لي ْ َ
َ
ديّا ً (عبرانيين .)12 :9 َ ِ ب أ ً ء اَ د ف
ِ د جو
َ َ َ َ
ف س،
ِ اَ د ْ
ق ْ
ل ا ىَ ل إ
َ ًِ ة د ح
ِ مَّرةً َ
وا ل َ خ َ ه ،دَ َ س ِ ف ِ نَ ْ
- 9أحاديث المارة (الخلفة)>
الخلفة (المارة) من الموضوعات الهامة لكل من أراد أن يعرف حال
المنطقة العربية طوال 14سنة هي تاريخ السلم ،فبناءً على فهم
المسلمين للخلفة كان تاريخهم .ولنبدأ من يوم وفاة محمد.
يروي الشيخان (البخاري والمسلم) أن عمر خطب الناس عند عودته من
ت فلناً .فل ج ،فقال :قد بلغني أن فلنا ً منكم يقول :لو مات عمر بايع ُ الح ّ
مت .أل وإنها قد كانت َ يغترن امرؤ أن يقول :إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وت ّ
كذلك .أل إن الله وقى شرها ،وليس فيكم اليوم من تُقطع إليه العناق مثل
أبي بكر ،وإنه كان من خيرنا حين تُوفي الرسول ،وإن عليا ً والزبير بن
َ
ن معهما تخل ّفوا في بيت فاطمة ،وتخلّفت النصار عنّا بأجمعها م ْ العوام و َ
في سقيفة بني ساعدة ،واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ،أبي بكر فقلت
مهم له :يا أبا بكر أبي بكر ،انطلق بنا إلى إخواننا من النصار .فانطلقنا نؤ ّ
حين لقينا رجلين صالحين ،فذكرا لنا الذي صنع القوم ،فقال :أين تريدون يا
معشر المهاجرين؟ قلت :نريد إخواننا من النصار فقال :عليكم أّل تقربوهم،
واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين .فقلت :والله لنأتينَّهم .فانطلقنا حتى
جئناهم في سقيفة بني ساعدة ،فإذا هم مجتمعون ،وإذا بين ظهرانيهم
مل ،فقلت :من هذا؟ قالوا :سعد بن عبادة ،فقلت :ما له؟ قالوا: مز َّ رجل ُ
جع .فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ،وقال :أما بعد، و َِ
فنحن أنصار الله وكتيبة السلم ،وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا ،وقد
فت دافة منكم (أي المهاجرون) تريدون أن تختزلونا (أي النصار) من د َّ
أصلنا وتحضنونا من المر (أي الخلفة) .فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت
ورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر ،وقد كنت أداري ز َّ
سل ِكَ
ر ْ
منه بعض الحد ،وهو كان أحلم مني وأوقر .فقال أبو بكر :على ِ
فكرهت أن أغضبه ،وكان أعلم مني ،والله ما ترك من كلمة أعجبتني في
تزويري إل قال في بداهته مثلها وأفضل منها ،حتى سكت ،فقال :أما بعد
فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله ،ولم تعرفوا هذا المر إل لهذا الحي
من قريش ،هم أوسط العرب نسبا ً وداراً ،وقد رضيت لكم أحد هذين
الرجلين ،فبايِعوا أيَّهما شئتُم .فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح أبو
عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ،فلم أكره مما قال غيرها ،وكان والله
مر على قوم ي من أن أتأ َّ قدَّم فتضرب عنقي ل يقربني ذلك من إثم أح ُّ
ب إل َّ أُ َ
عذَيقها ك ،و ُ َ
فيهم أبو بكر .أبو بكر فقال قائل من النصار :أنا جزيلها المحك ّ ُ
عب( ،أي الذي المرجب (أي أنه الجمل الذي يحتك لجربه) والغصن المتش ّ
منّا أمير ومنكم أمير يا معشر يخالف الناس ول يوافق على ما قيل)ِ ،
قريش .وكثر اللغط ،وارتفعت الصوات حتى خشيت الختلف ،فقلت:
ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده ،فبايعتُه وبايعه المهاجرون ،ثم بايعه
النصار .أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا ً هو أوفق من مبايعة أبي بكر
أبو بكر ،خشينا إن فارقنا القوم ،ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ،فإما
أن نبايعهم على مال نرضى ،وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد هذا الحديث
من أطول وأوضح الحاديث عن الخلفة ،وقد رويناه كامل ً لعدة أسباب منها:
- 1الراوي :الشيخان ،البخاري ومسلم في صحيحيهما ،وهما أصح كتب
الحديث عند المسلمين.
- 2المروي عنه :عمر بن الخطاب ،ثاني الخلفاء ،وهو الذي قال فيه محمد
ي يخرج في :بينما أنا نائم أُتيت بقدح لبن ،فشربت حتى أنِّي لرى الّر َّ
ولتهأظفاري .ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب بن الخطاب .قالوا :فما أ َّ
يا رسول الله؟ فقال :العلم.
مسجى في البيت لم يُدفن بعد. ُ وهو النبي - 3وقت الرواية :يوم موت
- 4موضوعها :الخلفة وهي من المسائل الهامة للدولة الوليدة.
- 5الحاضرون :أبو بكر وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين ،وسعد بن عبادة
وغيره من كبار النصار.
- 6الغائبون :علي بن أبي طالب ،وهو من محمد بمنزلة هارون من موسى
ي النبي
والزبير بن العوام ،وهو حوار ّ
- 7النتيجة :مبايعة أبي بكر الصديق .أبي بكر الصديق
قريش و السقيفة :
من الغريب وجود عدّة أحاديث صحيحة مع وجود الحديث السابق ،أو مع
حدوث حادث السقيفة ،فقد طلب النصار أمر الخلفة لنفسهم رغم وجود
حديث يقول :ل يزال هذا المر (الخلفة) في قريش ما بقي منهم اثنان ألم
يكن أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة وجميع من في السقيفة يعلمون بهذا
ق رغم مختل َ ٌ الحديث ،وهم من كبار أصحاب محمد ؟ أم أن هذا الحديث ُ
وجوده في صحيح البخاري؟
ثم كيف يتفق موقف أبي بكر في محاولته أخذ البيعة لعمر أو لبي عبيدة
مع وجود حديث في صحيح مسلم عن عائشة قالت :قال لي رسول الله في
مرضه :ادعي لي أبا بكر أباك ،وأخاك ،حتى أكتب كتاباً ،فإني أخاف أن
ن ويقول قائل :أنا أولى .ويأبى الله والمؤمنون إل أبا بكر يتمنَّى ُ
متم ٍ ّ
فهل كان أبو بكر يجهل هذا الحديث وهو من هو؟ أم أنه كان يعلمه
ويخالفه؟
ثم إذا كان هذا الحديث صحيحاً ،لنه ورد في صحيح مسلم ،وحديث السقيفة
صحيح لنه ورد في البخاري ومسلم ،فما هو موقف الحديث الصحيح الذي
يرويه ابن سعد في طبقاته في باب ذكر ما قال العباس لعلي ج ، 2حيث
يقول عن فاطمة بنت محمد إنها قالت :لما توفي رسول الله قال العباس :
يا علي ،قم حتى أُبايعك ومن حضر ،فإن هذا المر ،إذا كان ،لم يرد مثله.
ي :وأحدُ؟ (يعني يطمع فيه غيرنا) .فقال والمر في أيدينا .فقال عل ّ
العباس :أظن والله سيكون! فلما بويع لبي بكر رجعوا إلى المسجد فسمع
تعلي التكبير ،فسأل :ما هذا؟ فقال العباس :هذا ما دعوتُك إليه فأبي َ
د مثلهذا قط! فقال عمر ي :أيكون هذا؟ فقال العباس :ما ُر ّ ي! فقال عل ّ عل َّ
ي وعبّاس في وتخلف عنده عل ّ ّ :قد خرج أبو بكر من عند النبي ،حين تو ّ
والُّزبير ،فذلك حين قال عبّاس هذه المقالة,
فهذا الحديث يؤكد أن عليّا ً حاول أن يكون الخليفة .فهل يجهل علي حديث
ي بالخلفة لبي بكر ، خلفة أبي بكر وهو باب مدينة العلم؟ ثم كيف سلّم عل ٌّ
رغم عدم مبايعة علي لبي بكر ؟ وهناك عشرات الحاديث الصحيحة التي
تؤكد أن الخلفة من حق علي دون غيره ،كما نذكر مثل ً ل حصراً:
- 1عن جابر ،قال النبي وهو أخذ بضبع علي (ما بين البط إلى نصف
خذَله, ل من َ صَره ،مخذو ٌ جرة ،منصوٌر من ن َ العضد) :هذا إمام البَررة ،قاتل الف َ
ي في علي ثلث :أنه سيد - 2روى الحاكم عن محمد قوله :أُوحي إل َّ
المسلمين ،وإمام المتقين ،وقائد الغّر المحجلين,
- 3قول النبي لعلي :مرحبا ً بسيد المسلمين ،وإمام المتقين,
حديث غدير خم:
عن زيد بن أرقم ،قال :لما دفع النبي من حجة الوداع ونزل غدير خم ،أمر
بدوحات فقام فينا خطيبا ً فقال :كأني دُعيت فأجبت ،وإني تارك فيكم
الثقلين ،أحدهما أكبر من الخر ،كتاب الله ،وعترتي أهل بيتي ،فانظروا
ي الحوض .ثم قال: كيف تخلفونني فيهما ،فإنهما لن يفترقا حتى يردا عل َّ
ُ
ي كل مؤمن ثم إنه أخذ بيد علي ،فقال :من كنت ولي ّه إن الله مولي ،وأنا ول ُّ
ل من واله ،وعاِد من عاداه فهذا وليه .اللهم وا ِ
فكيف يترك علي الخلفة وهناك كل هذه الحاديث التي تكاد تصل من
صحتها (حسب رأي علماء الحديث) حد التواتر ،وقد يقول قائل :إن عليا ً ترك
رضا ً بأبي بكر مع ّ ِالخلفة تواضعاً .فنجيبه بقول علي نفسه في نهج البلغة ُ
مصها (لبسها كالقميص) فلن (يقصد أبا بكر) وإنه وعمر :أما والله لقد تق َّ
ليعلم أن محلي منها محل القطب من الَّرحا .ينحدر عني السيل ،ول يرقى
ت عنها كشحاً َ
ت (أرخيت) دونها (أي الخلفة) ثوباً ،وطوي ُ ي الطّير ،فسدَّل ُ إل َّ
َ
ت أرتئي بين أن أحول بيد جذّاء (مقطوعة) ،وأصبر على ت عنها) وطفق ُ مل ُ ( ِ
طخية (ظلمة) عمياء ،يهرم فيها الكبير ،ويشيب فيها الصغير ،ويكدح فيها
مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى (ألزم) .فصبرت
وفي العين قذى ،وفي الحلق شجى (جرحاً) .أرى تراثي نهباً ،حتى مضى
ول لسبيله (أبو بكر ) ،فأدلى بها إلى فلن (عمر) بعده ،فيا عجباً!! بينما ال َّ
هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لخر (يعني عثمان) بن عفان بعد وفاته -
لشدَّ ما تشطّرا ضرعيها (أي اقتسمها أبو بكر وعمر) (نهج البلغة -الخطبة
الشقشقية) .فهذا علي ل يرغب عن الخلفة بل يرغب فيها.
ي يجهل كل هذه الحاديث في حقه ،ومنها حديث غدير خم فهل كان عل ٌّ
الذي كان هو حاضرهُ ،فيحتج بها عليهم؟ أم أن كل هذه الحاديث
ة ،فما هو موقف الكتب التي تروي هذه موضوعة؟ ..وإن كانت موضوع ً
الحاديث ،وهي كل كتب الحديث عند المسلمين تقريباً؟
معاوية والسفاح:
القارئ لحاديث الخلفة ولحاديث فضائل الصحابة يتعجب أشد العجب حين
ل من عمر وأبي بكر وعثمان بن عفان يجد أن النبي أوصى بالخلفة بعده لك ٍ
وعلي ,ليس هذا فقط ،بل هناك حديث عن عبد الملك بن عمير قال :قال
ت أطمع في الخلفة منذ قال لي رسول الله :يا معاوية ،إذا معاوية :ما زل ُ
سن ,رواه الطبراني وابن أبي شيبه وهناك حديث آخر عن أبي ت فأح ِ ملك َ
سعيد الخدري أبي سعيد الخدري قال :إن رسول الله قال :يخرج رجل من
ر من الفتن ،يُقال له السفاح، ع من الزمان وظهو ٍ أهل بيتي ،عند انقطا ٍ
فيكون إعطاؤه المال حثيا ً
ص ممن حكموا طوال وهكذا لو شاء القارئ لوجد أحاديث في خلفة أي شخ ٍ
فترة الحكم السلمي للمنطقة العربية .والعجب أنه سيجد أن معظم هذه
الحاديث ،إن لم يكن كلها ،مطعون في صحتها ،إما من حيث السند أو المتن
أو كليهما ،رغم ورودها في كتب الحاديث الصحيحة.
وللتعليق نقول:
ً
بُدئ في جمع الحاديث عام 25هـ تقريبا ،أي بعد موت محمد بنحو 24سنة،
فكان كل خليفة يأمر بأن توضع له الحاديث في أحقيته بالخلفة ،أو كان
ن هوم ْ
سبوا بها أقواتهم .فهؤلء لم يكن يعنيهم َ يضعها المنافقون ليتك َّ
ص
ن الذي سيدفع أكثر ،حتى وصل المر بشخ ٍ م ْ الخليفة بقدر ما كان يعنيهم َ
قب بشيخ المضيرة (وهي نوع من الحلوى) أنه كان كأبي هريرة الذي كان يُل َّ
سئل في ذلك يأكل مع معاوية ،فإذا حضرت الصلة صلى خلف علي .فإذا ُ
قال :مضيرة معاوية أدسم وأطيب ،والصلة خلف علي أفضل
من ينكر مفهوم الخلفة ولم يتوقف المر عند هذا ،بل ظهر من العلماء َ
جملة وتفصيلً ،ومنهم الشيخ علي عبد الرازق في كتابه السلم وأصول
الحكم والعشماوي في الخلفة السلمية وفرج فودة في الحقيقة الغائبة.
وهؤلء مفكرون مسلمون لهم شأن! لكن المر لم يستمر ،فقد كان هناك
خر أو السلم السياسي الذي قام بتكفير هؤلء ،فصدرت كتب السلم ال َ
ن ينكر الخلفة مثل كتاب الخلفة لعبد الرازق السنهوري وكتاب م ْ
فر َتك ّ
كلمة حق للدكتور عمر عبد الرحمن وكتاب الشهادة للشيخ صلح أبو
إسماعيل وكتاب الحكومة السلمية لبي العلى المودودي ،وكتاب آخر
بنفس العنوان لية الله الخميني,
لهم جميعا ً ولتباعهم نقول :أعطونا ما اتفقتم عليه لنناقشه معكم .أرونا
مصدرا ً واحدا ً في الحديث تتَّفقون على صحته ،لنناقشه معكم.
- 1أحاديث الطعمة والشربة<
ميه علماء الفقه السلمي ّ يس ما أو للتناقض، من أراد أن يرى أوضح المثلة َ
الناسخ والمنسوخ فليقرأ الحاديث في موضوع الطعمة والشربة .وسنورد
كل حديث فيها متبوعا ً بحديث آخر يعارضه! ثم نورد بعض الطرائف
والغرائب ،بعدها نورد تعليقنا.
هى أم أباح؟ نَ َ
هى عنها النبي أم أباحها. هناك أطعمة كثيرة ل يمكنك أن تعرف هل ن َ َ
- 1عن جابر بن عبد الله قال :ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير،
فنهانا رسول الله عن البغال والحمير ،ولم ينهنا عن الخيل.
هى رسول الله عن أكل لحوم الخيل والبغال - 2عن خالد بن الوليد قال :ن َ
والحمير ويعتذر أبو داود عن تناقض الحديثين بقوله :ل بأس بلحوم الخيل،
وليس العمل عليه .وهذا منسوخ.
ً ً
- 3عن أبي قتادة ،أنه رأى حمارا وحشيا فعقره (ذبحه) ،فقال النبي :هل
معك من لحمه شيء؟ قال :معنا رجله ،فأخذها فأكلها
أكل الجراد:
- 1عن أبي أوفى ،قال :غزونا مع رسول الله سبع غزوات ،كنا نأكل معه
الجراد
سئل النبي عن الجراد فقال :أكثر جنود الله ،ل آكُله ُ قال: سلمان، عن -2
رمه. ول أح ّ ِ
الخليطان:
هى رسول الله أن ينتبذ الزبيب والتمر - 1عن جابر بن عبد الله قال :ن َ
سُر :خليط البلح والتمر). ُ ْ ب (,وال ً جميعا سُرهى أن ينتبذ الب ُ ْ جميعاً ،ون َ َ
ً
- 2عن عائشة :أن رسول الله كان يُنبذ له زبيب فيلقي فيه تمرا ،وتمر
فيلقي فيه زبيبا ً
حلل أم حرام:
- 1عن ابن عمر قال :قال رسول الله كل مسكر حرام ،ومن مات وهو
يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الخرة
مزني قال :كنت جالسا ً مع ابن عباس عند الكعبة - 2عن بكر بن عبد الله ال ُ
فأتاه أعرابي يقول :ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن ،وأنتم
ة بكم أم من بُخل؟ فقال ابن عباس الحمد لله ،ما ن حاج ٍ م ْ
تسقون النبيذ؟ أ ِ
ي على راحلته وخلفه أسامة ،فاستسقى، دم النب ُّ بنا حاجة ول بُخل! ق ِ
فأتيناه بإناٍء من نبيذ ،فشرب وسقى فضله أسامة ،وقال :أحسنتم وأجملتم.
كذا فاصنعوا .فل نريد تغيير ما أمر به الرسول
وهناك حديث آخر يقول :أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت ،فأُتي بنبيذ من
ب عليه ثم ص َّ
من ماء زمزم ،ف ُ ب ِ مه ،فقطب .ثم دعا بذَنُو ٍ السقاية ،فش ّ
شربه .فقال له رجل :أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال :ل
قائما ً أم قاعداً:
هى أن يشرب الَّرجل قائماً, - 1عن أنس :أن النبي ن َ َ
دّه ،قال :رأيت رسول الله يشرب - 2عن عمر بن شعيب ،عن أبيه ،عن ج ِ
قائما ً وقاعدا ً
أكل اللحم:
كّين فإنه من ِ بالس اللحم تقطعوا ل الله: رسول قال قالت: عائشة - 1عن
صنيع العاجم ،وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ,
- 2عن عمرو بن أميَّة أنه رأى النبي يحتّز من كتف شاة في يده ،فدُعي إلى
الصلة فألقاها والسكين التي يحتز بها ،ثم قام فصلى ولم يتوضأ,
الصلة والطعام:
ُ
ضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلة فل و ِ - 1عن ابن عمر أن النبي قال :إذا ُ
وضع عشاؤه ،أوحضر ُ إذا عمر ابن يقوم حتى يفُرغ .زاد مسدد :وكان
عشاؤه ،لم يقم حتى يفُرغ ،وإن سمع القامة ،وإن سمع قراءة المام
خر الصلة لطعام ول - 2عن جابر بن عبد الله ،قال :قال رسول الله :ل ت ُ َ
ؤ ِّ
لغيره
سم (وضع علمة) البهائم: و ْ
َ
وسم في وجهه ،فقال :لعن الله - 1عن جابر ،قال :مَّر على النبي حمار ُ
الذي وسمه
- 2عن أنس ،قال :غدوت إلى رسول الله بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه،
فوافيته في يده الميسم يسم (يضع علمة على) إبل الصدقة
الذباب والوزغ (البُرص):
- 1عن أبي هريرة ،قال :إن رسول الله قال :إذا وقع الذباب في إناء أحدكم
َ
ه ،فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الخر داء. فليغمسه كل ّه ثم ليطرح ُ
- 2عن أبي هريرة ،قال :إن رسول الله قال :من قتل وزغا ً (بُْرصاً)في أول
ضربة كتبت له مائة حسنة ،وفي الثانية دون ذلك ،وفي الثالثة دون ذلك
مة من المم، ل ،عن النبي قال :لول أن الكلب أ ُ َّ غ َّ
ف ٍ م َ - 3عن عبد الله بن ُ
لمرت بقتلها كُل ِّها ،فاقتلوا منها كل أسود بهيم وفي رواية فإنه شيطان
- 4عن أبي هريرة قال :شكا رسول الله إلى جبريل قلة الجماع ،فتبَّسم
جبريل حتى تلل مجلس رسول الله من بريق ثنايا جبريل ،ثم قال :أين أنت
من أكل الهريسة؟ فإن فيها قوة أربعين رجلً(,قال المعجم الوجيز إن
الهريسة نوع من الحلوى يُصنع من الدقيق والسمن والسكر .وفي المنجد :
طعام يُصنع من الحب المهروس واللحم .وتطلِق العرب كلمة هريسة على
الفلفل الحار المدقوق بخ ّ
ل).
قَرب َ َّ
ن ن أكل من هذه الشجرة الخبيثة فل ي َ ْ م
َ ْ قال: - 5عن ابن عمر ،أن النبي
المساجد(,الشجرة الخبيثة هي الثوم).
وللتعليق نقول:
في هذا الباب آراء غريبة كمنع الصلة على آكل الثوم ،أو كتابة حسنات
ص ،أو مثل ما أوردناه سالفا ً في أحاديث الطهارة من أن في لقاتل البُْر ْ
بول البل شفاء للسهال ،بالضافة إلى أحاديث الذباب والهريسة وغيرها,
أما باقي أحاديث هذا الباب فمتضاربة .وإنّا نتساءل:
هل تقع هذه الحاديث في باب الناسخ والمنسوخ؟
إذن ،لماذا كُتبت الحاديث المنسوخة -مع ملحظة أنه ل يُثاب أحد على
قراءة الحديث كالقرآن .هذا مع ما تفعله هذه الحاديث من تجهيل أمور
كثيرة للعوام ومن ل يعرفون بنسخها؟
أم أن المر ل يتعدّى أكثر من كتابة كل ما قال محمد؟
ثم أليس من حقنا أن نقول للمسلمين :أرونا ما اتفقتم عليه من أمور
عقيدتكم بدل ً من الهجوم على عقائد الخرين؟
قوا كتبهم من الغرائب بدل ً من وأخيرا ً أليس الجدر بعلماء الحديث أن يُن َ ّ
اتهام غيرهم بعدم الفهم؟
مية محمد ُ
- 11أحاديث أ ّ
لقت مقولة أُميّة محمد رواجا ً في الفكر السلمي ،رغم أنها ليست فضيل ً
ة
لمحمد .ولكن المسلمين رأوا في أُميّة محمد زيادة في إعجاز القرآن،
وتأكيدا ً على الصلة الغيبية بين القرآن والله ،ونفي تدخل محمد في الوحي
بأي صورة.
ً ً
فهل صحيح أن محمدا كان أميا؟
ة تحمل معنيين :الول هو الجهل بالقراءة والكتابة ،والثاني هو كلمة أُمي لغ ً
أنصاحبها ليس من أهل الكتاب .ورد في القرآن قل لهل الكتاب والُميين:
أأسلمتم؟ (سورة آل عمران 3 ) 2 :3سورة آل عمران .فأي المعنيينهو
المقصود بأُمية النبي؟
أدلة المتخالفين:
ُ
لم يعترف كثير من المفكرين بأمية محمد ،وقرروا أنه كان يكتب ويقرأ،
واستندوا في رأيهم هذا على عدة أمور نذكر منها:
- 1صلح الحديبية :روى الشيخان (البخاري ومسلم) عن البََراء ،قال :لما
اعتمر النبي في ذي القعدة ،أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى
قاضاهم على أن يقيم بها ثلثة أيام .فلما كتبوا الكتاب ،كتبوا :هذا ما
قاضى عليه محمد رسول الله قالوا ل نُقُّر لك بهذا .لو نعلم أنك رسول الله
ما منعناك شيئاً ،ولكن أنت محمد بن عبد الله .فقال :أنا رسول الله ،وأنا
ح رسول الله .قال علي :ل والله ل ي :ام ُ
محمد بن عبد الله .ثم قال لعل ّ
أمحوك أبداً .فأخذ رسول الله الكتاب وليس يُحسن يكتب ،فكتب هذا ما
قضى محمد بن عبد الله
ُ
هذا هو الحديث الذي يحتج به من يقول بعدم أمية محمد ،وقد أورد المام
جين والمخالفين لُمية محمد، النووي في شرحه لصحيح مسلم آراء المحت ّ
صها لشمولها على الرأيين: ونورد هنا ن َّ
قال القاضي عياض :احتج بهذا الحديث بعض الناس على أن النبي (ص)
كتب بيده على ظاهر اللفظ وذكر البخاري نحوه (وهو الحديث الذي أوردنا
لفظه) .وقال أصحاب هذا المذهب إن الله أجرى ذلك على يده ،إما بأن كتب
َ
ذلك والقلم بيده وهو غير عالم بما يكتب ،أو أن الله عل ّمه ذلك حين كتب،
وجعل هذا زيادةً في معجزاته .فإن كان أُميا ً فكما علّمه ما لم يعلم من
َ
العلم ،وجعله يقرأ ما لم يقرأ ،ويتلو ما لم يكن يتلوه ،كذلك عل ّمه أن يكتب
ط ما لم يكن يخط بعد النبوة ،أو أجرى ذلك على يده. ما لم يكن يكتب ،وخ ّ
ر جاءت في هذا عن ُ
قالوا :وهذا ل يقدح في وصفه بالمية .واحتجوا بآثا ٍ
الشعبي وبعض السلف أن النبي لم يمت حتى كتب .قال القاضي :ذهب أبو
الوليد الباجي ،وحكاه عن السمعاني وأبي ذر وغيره ،وذهب الكثرون إلى
منع هذا كله ،قالوا :وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الول يبطله
ت تَتْلُو ِ ُ
بن كِتَا ٍ م ْ
ه ِ ن َ
قبْل ِ ِ م ْ ما كُن ْ َ
و َ
الله تعالى إياه بالنبي المي ،وقولهَ : وصف
ُ َ ُّ
مية ل ّ أ أمة اّ ن إ النبي: وقول ) 48 : 29 العنكبوت (سورة ك ِ ن مي ي ب
ُ ِ َ ِه ول َ ت َ ُ
خط َ
نكتب ول نحسب .قالوا :وقوله في هذا الحديث معناه أمر بالكتابة ،كما يقال
رجم ماعز ،وقطع السارق ،وحد الشارب ،أي أمر بذلك .واحتجوا بالرواية
ي :أُكتب محمد بن عبد الله) .قال القاضي :وأجاب الخرى( :فقال لعل ّ
ل ولم يخط ،أي من قبل تعليمه ،كما قال ولون عن قوله تعالى إنه لم يت ْ ُ ال ّ
ً ُ
(من قبله) فكما جاز أن يتلو جاز أن يكتب ،ول يقدح هذا في كونه أميا إذ
ليست المعجزة مجرد كونه أُمياً ،فإن المعجزة حاصلة بكونه كان أول ً كذلك،
ثم جاء بالقرآن ،وبعلوم ل يعلمها الُميون .قال القاضي :وهذا الذي قالوه
ظاهر .قال :وقوله في الرواية التي ذكرناها (ول يُحسن أن يكتب) فكتب
كالنص أنه كتب بنفسه ،قال :والعدول إلى غيره مجاز ،ول ضرورة إليه.
قال :وقد طال كلم كل فرقة في هذه المسألة ،وشنَّعت كل فرقة على
الخرى في هذا .والله أعلم,
وهكذا انتهوا إلى :الله أعلم ! ولكن هناك رأيا ً آخر في الموضوع ،وهو رأي
م ِ محمدا ً النبي الُمي (سورة العراف )156 :7إل س ّ القرآن .فالقرآن لم ي ُ َ
ة ،فقد كان المصطلح الشائع لهذه الكلمة هو ما أشاعه اليهود اصطلحا ً ل لغ ً
ُ
في مهاجرهم والحجاز :فكل ماعداهم من الناس أميون أي من المم الذين
منَزل لهم .فالعرب كتابيون وأُميون وقل للذين أوتوا الكتاب ل كتاب ُ
ُ
والُميين :أأسلمتم (سورة آل عمران .) 2 :3لذا فمحمد نبي أمي أي من
الُميين العرب .فالقرآن ل يقول إن محمدا ً كان أُميا ً ل يقرأ ول يكتب ،بل
إنه النبي الُمي أي العربي الذي ليس له كتاب من قبل .والمنطق السليم
قَرشية ،مثل ابن قف بكل ثقافة الرستقراطية ال ُ يفترض أن محمدا ً قد تث َّ
عمه وربيبه ،علي بن أبي طالب .وتشهد سيرة محمد أنه كان تاجرا ً ناجحاً،
مما حمل خديجة بنت خويلد أن تدفع له تجارتها ،ثم تتزوجه .فهل يُعقل أن
تدفع خديجة كل أموالها وبعد ذلك نفسها إلى راعي غنم ،وهي سيدة
أرستقراطية لها مكانتها في قريش!
وهناك رواية أخرى وردت في الجامع في علوم القرآن الذي صدر محققاً
للمرة الولى عام 1992بعناية المستشرق اللماني ؟ miklos muranyi
تدعم رأينا أن أمية محمد لم يكن المقصود منها عدم معرفته بالكتابة
والقراءة,
قال أبو السود ،وقال عروة بن الزبير :إن الناس اختلفوا في قراءة لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب ,فدخل عمر بن الخطاب على حفصة بأديم،
فقال إذا دخل عليك رسول الله فاسأليه يعلمك :لم يكن الذين كفروا من
أهل الكتاب ،قولي له يكتب لك في هذا الديم ,ففعلت فكتب لها,
ثقافة محمد:
بالرغم من كل ما سبق من قرائن على عدم أُمية محمد ،فإننا سندع هذا
ث في جانباً ،لنتناول ثقافة محمد النبي الُمي ،وسوف نعرض بعض أحادي َ
قفا ً يعرف أديان عصره ،متقنا ً لفن هذا المر ،تبيّن أن محمدا ً كان عالما ً مث ّ
الستماع ،وهو المر الذي ينفي عنه المية الثقافية .ثم نُعلق على هذه
الحاديث.
- 1أخرج الطبري عن ابن عباس قال :كان رسول الله يعلم قينا ً (غلما)ً
بمكة اسمه بلعام ،وكان أعجمي اللسان ،وكان المشركون يرون رسول الله
عل َ ُ
م قدْ ن َ ْول َ َإنما يعلمه بلعام ،فأنزل الله َ َّ
يدخل عليه ويخرج من عنده ،فقالوا
حدون إلَيه أ َ َ
نَ ٌ سا ِ ل َا ذ ه
َ و يٌ مج
َ ِ ّ َ ع
ْ ُ َ ِ ْ ِ ِ ْ لُ ي ذي ِ ال ن شٌر ل ِ َ
سا ُ ه بَ َ عل ِّ ُ
م ُ ن إِن َّ َ
ما ي ُ َ قولُو َ م يَ ُ ه ْ أن َّ ُ
ن (سورة النحل ( )3 1 :16وهذا الحديث سنده ضعيف ولكن له مبِي ٌ
ي ُ عَرب ِ ٌّ َ
عدة طرق يقوي بعضها بعضاً).
- 2عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال :كان لنا عبدان :أحدهما يقال له
يسار ،والخر جبر ،وكانا صقليين ،فكانا يقرآن كتابهما ويعلمان علمهما،
وكان النبي يمّر بهما فيستمع قراءتهما ،فقالوا :إنما يتعلم منهما
- 3عن زيد بن ثابت قال :قال النبي :أتُحسن السريانية فإنها تأتيني كتب
َ
متُها في تسعة عشر يوما ً ،وفي رواية للبخاري أن النبي قلت :ل .قال :فتعل ّ ْ
أمره أن يتعلم كتابة اليهود ليقرأ عليه إذا كتبوا إليه
- 4عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت :أتيت رسول الله (ص) مع أبي
ي قميص أصفر فقال رسول الله :سناه ،قال عبد الله :وهي بالحبشية عل َّ و َ
حسنة
- 5عن أبي هريرة ،أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها
في فمه ،فقال النبي بالفارسية :كخ كخ ،أما تعرف أنَّا ل نأكل الصدقة
جرت .فصلّيت ثم جلست ،فالتفت جر النبي فه َّ - 6عن أبي هريرة ،قال :ه َّ
ي فقال :أشكمت درد؟ (فارسية معناها :تشتكي بطنك) قلت :نعم يا ي النب ُّ إل َّ
ل ،فإن في الصلة شفاء رسول الله ،قال :قم فص ِّ
وللتعليق نقول:
ض النظر عن معرفته الكتابة من ّ بغ محمد، عن رويناها التي هذه الحاديث
عدمها ،تؤكد أنه كان يقف ويستمع إلى غلمين صقليين وهما يقرآن
كتابهما ،وأنه أمر زيدا ً أن يتعلم السريانية (وفي رواية لغة اليهود) وأن
ُ
مية محمدا ً تكلم بالحبشية والفارسية .ولعل هذه الحاديث ل تتفق والقول بأ ّ
محمد.
المعروف لنا جميعا ً والثابت في كتب السيرة النبوية أن محمدا ً كان تاجراً
ناجحاً ،وكانت تجارته رائجة في اليمن والشام ،مما دفع بخديجة لن تتزوجه.
ومن المعروف منطقيا ً لنا أنه إذا أراد تاجر أن ينجح فل بد وأن يعرف عادات
وتقاليد وبعض ثقافة من يتعامل معهم ،فكان احتكاك محمد بأهل اليمن
والشام دافعا ً له لن يتعلّم الكثير عنهم .وكذلك فإنه من غير المعقول أن
يقف محمد ليستمع لغلمين أعجميين دون أن يفهم ما يقولن ،خصوصا ً وأن
هذا الوقوف إليهما تكرر ،مما دفع بقريش أن يقولوا إن محمدا ً يتعلم
مل أو الكلمات التي كان يقولها محمد أحياناً ج َ منهما .هذا بالضافة إلى ال ُ
ت كثيرة غير عربية .وقد بالحبشية والفارسية .والقرآن يشتمل على كلما ٍ
ورون لنا) مهتما ً بالثقافة الشخصية والدب، كان محمد (على عكس ما يص ّ
وكان يحضر سوق عكاظ أحيانا وذلك فيما يرويه ابن كثير عن عبادة بن ً
دم وفد إياد على النبي قال :يا معشر وفد إياد ،ما فعل الصامت .قال :لما ق ِ
ً
قس بن ساعدة؟ قالوا :هلك يا رسول الله .قال :لقد شهدتُه يوما بسوق
مونِق ل أجدني أحفظه (السيرة جب ُ ع ِ
م ْ
عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلم ُ
النبوية لبن هشام -باب ذكر قس بن ساعدة).
وكل هذا ل يقدح في أُمية محمد ،ففي رأينا أن محمدا ً كان واسع الطلع،
ض النظر عن أميته .ولم يكن من الصعب على شخص مثله غزير الثقافة بغ ّ
ما ً بأخبار أهل الديانات الخرى الذين كان يحتك بهم كثيراً. أن يصبح مل ّ
ة لهذا الحتكاك تعلق قلبه وروحه بالله ،فحاول البحث عنه ،ولن كل ّ ونتيج ً
من يهود ومسيحيين كانوا إما هراطقة أو زائغين عن الحق ِ حوله كانوا من
ً
فقد حاول أن يكتشف طريقا آخر غير طريقهم ،فحاد عن الصواب.
ولعل الحاديث السابقة توضح أن محمدا ً كان باحثا ً مخلصا ً عن الله ،ولكن
المثير للعجب هو موقف المسلمين من هذا الرأي ،فإنهم يصّرون على أن
محمدا ً لم يكن يكتب ول يقرأ ،وليس لديه أي علم سابق عن أية ديانة حتى
هبط عليه الوحى فجأة بغار حراء ،ومن ثم تعلم كل شيء فوراً .وهذا الرأي
سروا لنا أحاديثهم حول علقة محمد ل يستقيم عقليا ً أو تاريخياً ،وإل فليف ّ
بأهل الكتاب قبل هبوط الوحي عليه في غار حراء فجأة.
أحاديث الفضائل
هناك عدة أبواب في كتب الحديث تحت عنوان الفضائل والمناقب مثل
فضائل القرآن ،وفضائل النبي ،وفضائل الصحابة .وسنتناول هذه البواب
كلها تحت العنوان نفسه ،مبتدئين بفضائل النبي.
(أ) فضائل النبي:
- 1عن أبي هريرة ،قال :قالوا :يا رسول الله ،متى وجبت لك النبوة؟ قال:
وآدم بين الروح والجسد .19
- 2عن عبد الله بن سلم ،قال :مكتوب في التوراة :صفة محمد ،وعيسى
بن مريم يُدفن معه .قال أبو مودود (أحد ُرواة الحديث) :وقد بقي في البيت
(حجرة عائشة) موضع قبره
ع على المشركين .قال :إني لم - 3عن أبي هريرة ،قال :يا رسول الله ،اد ُ
عاناً؛ وإنما بُعثت رحمة ُ
أبعث ل ّ
- 4عن عبد الله بن مسعود ،قال :إن النبي قال :اللهم عليك بعمرو بن
هشام ،وعتبة بن ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،والوليد بن عتبة ،وأمية بن خلف،
وعقبة بن أبي معيط ،وعمارة بن الوليد ثم قال النبي :وأَتْبِع أصحاب القليب
(مكان بالقرب من بئر بدر) لعنة
- 5روى البخاري عن عائشة أنه لما فتر الوحي عن النبي حزن حزنا ً شديداً
جعله يذهب مرارا ً ليلقي بنفسه من شواهق الجبال ،فكلما أوفى بذروة
قي نفسه منه ،تبدَّى له جبريل ،يقول :يا محمد ،إنك رسول الله حقاً جبل ليُل ِ
للتعليق نقول:
مية قلنا في فصل علقة محمد بأديان الجزيرة العربية قبل السلم وفصل أ ُ
ّ
محمد إن النبي لم يكن يجهل ما كُتب قبله ،وإن هذه القصص كانت منتشرة
في كل مكة والحجاز .ومن هذه القصص والخبار معجزات النبياء قبله،
فكان لبد أن تكون معجزات محمد أكثر وأعجب من كل معجزة سبقته ،لنه
خاتم النبياء .فكان أن ُرويت عنه عدة أحاديث حول إيمان الذئب به ،وحواره
ب ،وقصة حماره يعفور الذي كان يذهب لينادي الصحابة من مع غزالة وض ّ
َّ
ه ،وغيرها,والغلب أن المسلمين أرادوا أن ُ م كل الذي والشجر منازلهم،
ن ُ َ يضعوا محمدا في مرتبة أعلى من المسيح .فقد قال المسيحَ :
قب ْ َ ً
ن يَكو َ لأ ْ
َ
وة لمحمد ،وآدم بين ن (يوحنا ،5,4 )58 :8فيجب أن تُكتب النب ّ م أنَا كَائ ِ ٌ هي ُ
إِبَْرا ِ
ً
الروح والجسد! وإذا كان المسيح ُرفع إلى السماء ول يزال حيا ،فيجب أن
فن إلى جوار محمد! ويجب أيضا ً أن يصعد محمد يُهبَط ويتزوج ويموت ويُد َ
إلى السماء حيا ً ويرى الله ثم يهبط ثانية للرض (قصة المعراج).
وفي بعض الحيان تجد محمدا ً يقول قول ً ثم يفعل عكسه تماماً ،فتجده
عن فلنا ً وفلناً. عاناً ،ثم تجده يقول :اللهم ال َ يقول إنه لم يُبعث ل ّ
ولنا سؤال :لقد حاول محمد عدة مرات أن ينتحر .فهل ثقته بالله هي التي
دفعته لمحاولة النتحار ،أم ماذا؟
(ب) فضائل قريش والقبائل:
- 1عن جابر بن سمرة ،قال :سمعت رسول الله يقول :ل يزال هذا السلم
عزيزا ً إلى اثني عشر خليفة ،كلهم من قريش وفي رواية ل يزال هذا الدين
قائما ً حتى تقوم الساعة ،أو يقوم عليهم اثنا عشر خليفة ،كلهم من قريش
ملك في قريش ،والقضاء في - 2عن أبي هريرة ،قال :قال رسول الله :ال ُ
النصار ،والذان في الحبشة ،والمانة في الزد (اليمن)
حبُّوا العرب لثلث :لني عرب ُّ
ي، - 3عن ابن عبَّاس ،قال :رسول الله :أ ِ
ي وقد قال اللباني بوضعه. ي ،وكلم أهل الجنة عرب ُّ والقرآن عرب ُّ
وللتعليق نقول:
ك
مل ٍإذا كان الله قد بعث محمدا ً نبياً ،فلماذا كان يقوم بتقسيمات هي محض ُ
ي إل بالتقوى؟ ثم ي على أعجم ّ وإمارة؟ ولماذا لم يلتزم بقوله :ل فضل لعرب ٍ ّ
ول الله إلى إله إقليمي للعرب فقط؟ ح َّ
ما ذنب من ل يعرف العربية؟ وهل ت َ
أم يجب على العالم كله أن يتعلم العربية ليعرف الله؟
(ج) فضائل الصحابة:
أول ما يُلفت نظرنا في هذا الباب ،حديث أنس عن النبي قال :مثل أصحابي
متي كالملح في الطعام ،ل يصلح الطعام إل بالملح وهذا الحديث في أ ّ
وحديث آخر يقول :أصحابي كالنجوم ،بأيّهم اقتديتم اهتديتم يوضحان رأينا
ما ً ببعض ما في النجيل ،لنه السابق في فصل أمية محمد من أنه كان مل ّ
عالَم ِ (متى 13 :5و.)14 م نُوُر ال َْ َ َ َ
ح اْلْر ِ
ض ,أنْت ُ ْ مل ْ ُ
م ِنقل قول المسيح أنْت ُ ْ
(د) فضائل الخلفاء الربعة:
ر أحداً ،ثم عمر، ٍ بك بأبي دلِ نع ل النبي زمن في - 1عن ابن عمر ،قال :كنا
ثم عثمان ،ثم نترك أصحاب النبي ،ل نفاضل بينهم .2
وللتعليق نقول:
ر فقد باء به ً ً
ورغم أن هذا الحديث ،وحديثا آخر يقول :من رمى مسلما بكف ٍ
أحدهما ,2فإننا نجد عائشة زوج النبي ترمي عثمان ثالث الخلفاء بالكفر
وتقول :اقتلوا نعثل ً فقد كفر .وتجد الحديث يسكت عن ذكر علي ،رغم أنه
من محمد بمنزلة هارون من موسى .فهل كان هارون هو الرابع بعد
موسى؟
ت ربي في ثلث .قلت :يا رسول ُ وافق قال: ً عمرا ُ إن قال: عمر، ابن - 2عن
الله ،لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت .وقلت :يا رسول الله،
يدخل على نسائك البَُّر والفاجر ،فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب.
ن أن يبدله الله واجتمع نساء النبي في الغيرة ،فقلت :عسى ربَّه إن طلَّقك َّ
ن فنزلت كذلك. أزواجا ً خيرا ً منك َّ
وللتعليق نقول:
لعل هذا الحديث -وغيره -يوضح من أين كان يأتي الوحي .فالواضح أن
محمدا ً كان يسمع أقوال معاصريه ،فإذا استصوب رأيا ً جعله قرآناً.
(ه ) فضائل القرآن:
َ
المطّلع على كتب الحديث يرى مئات الحاديث التي كتِبَت في فضائل
ُ
القرآن ،سورة سورة ،وآية آية ،بعضها مرفوع للنبي ،والخر موقوف على
الصحابة والتابعين .وقد طعن كثير من علماء الحديث في أغلب الحاديث
الواردة في فضائل القرآن ،واتهموا ُرواتها بوضعها .ولن نناقش هنا هذه
الحاديث ،لكننا سنسأل :هل اتَّفق المسلمون على القرآن قبل أن يعدّدوا
فضائله؟
ي سورتين ُ
- 1أورد ابن أشتة في كتابه المصاحف> أن في مصحف أب ّ
صغيرتين زائدتين عن سور المصحف ،واحدة اسمها الحفد والثانية اسمها
الخلع .وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي اسحق أن أُمية بن خالد أ َّ
م
الناس في خراسان ،فقرأ في صلته بسورتي الحفد والخلع .وكان هذا بعد
عثمان بمدة طويلة.
- 2أورد السيوطي في كتابه التقان< أن سورتى الفيل و قريش في
ي سورة واحدة ،وأن سورتي الضحى و الشرح في مصحف بعض ُ
مصحف أب ّ
الصحابة سورة واحدة أيضاً.
وذتين من مصحفه ويقول :ل تكتبوا ك الفاتحة والمع َّ - 3كان ابن مسعود يح ّ
في كتاب الله ما ليس منه.
- 4عن عائشة ،قالت :إن سورة الحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي
آية .فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إل ما هو الن وهو اثنتان
وسبعون آية.
ي أبي وهو ابن ثمانين ،في - 5عن حميدة بنت أويس ،قالت :قرأ عل َّ
منوا صلوا مصحف عائشة إن الله وملئكته يصلّون على النبي .يا أيها الذين آ َ
عليه وسلِّموا تسليماً ،وعلى الذين يصلون في الصفوف الولى .وذلك قبل
أن يغيّر عثمان المصاحف.
ود بن محزمة ،أن عبد الرحمن بن عوف قال :لم نجد في ما - 6عن المس َّ
ُ
زل علينا جاهدوا كما جاهدتم أول مّرة فإنا ل نجدها ،قال :أسقطت فيما ُ
أ ُن ِ
أسقط من القرآن.
ت القرآن كله ،وما يدريه ما كله، - 7عن ابن عمر ،قال :ل يقولن أحدكم أخذ ُ
فقد ذهب قرآن كثير (يقصد آيات كثيرة) .ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر
جعل القرآن - 8عن عقبة بن عامر ،قال< :سمعت رسول الله يقول :لو ُ
ج من الجلد) ثم أُلقي في النار ما احترق. في إهاب (در ٍ
من بيت تُقرأ فيه سورة البقرة إل خرج منه - 9عن عبد الله ،قال :ما ِ
الشيطان وله ضريط.
ل من أصحاب النبي - 1عن الشعبي ،قال :قال عبد الله بن مسعود لقي رج ٌ
رجل ً من الجن فصارعه ،فصرعه النس ،فقال له النس :إني لراك ضئيلً
شخيتا ً (مهزولً) كأن ذريعتيك (ذراعيك) ذريعتي كلب ،فكذلك أنتم معشر
الجن ،أم أنت منهم كذلك؟ قال :ل والله إني منهم لضليع (جيد الضلع).
َ
ودْني الثانية ،فإن صرعتَني عل ّمتُك شيئا ً ينفعك ،قال :نعم .قال ولكن عا ِ
(الجن) :تقرأ الله ل إله إل هو الحي القيوم فإنك ل تقرأها في بيت إل خرج
ضراط) الحمار. منه الشيطان له خيخ كخيخ (أي ِ
قل هو الله أحد) - 11عن أنس بن مالك ،قال :قال رسول الله :من قرأ ( ُ
خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة.
- 12عن أبي سعيد الخدري ،قال :من قرأ في ليلة عشر آيات كُتب من
الذاكرين ،ومن قرأ بمائة آية كُتب من القانتين ،ومن قرأ بخمس مائة آية
إلى اللف أصبح وله قنطاٌر من الجر ،قيل وما القنطار؟ قال :ملء مسك
(براز) الثور ذهباً.
- 13عن ابن عباس ،قال :سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون
ن والنس. والمشركون والج ُّ
وللتعليق نقول:
هذه أقوالهم عن القرآن ،وهذا هو اتفاقهم حول ما هو مكتوب فيه .ونحن
نسأل :إذا كانوا لم يتفقوا على ما هو مكتوب في القرآن ،فهل سيتفقون
على فضائله؟ وكيف يطلب أن نعرف فضائل القرآن ،قبل أن نعرف ما هو
القرآن الذي سنعرف فضائله؟
الجزء الثالث:
المسيحية في الحديث
بما أن الخلص والمخلّص يشكلن جوهر النجيل ،فسنورد بعض الحاديث
عن شخصية المسيح .وفي مجموعات الحديث عدد من الروايات عن
المسيحية ،أغلبها ل نصيب لها من الصحة ،ولو أنها وردت في مصنفات
الحديث الموثوق بها عند أهل السنة ،مما يعني أن لها أهمية كبيرة لدى
ض النظر عن نقاش العلماء حول تأويلها وتفسيرها. أغلبية المسلمين ،بغ ّ
ثم سنورد صورة المسيح في السلم الشعبي ،رغم أن القصص التي
قة .لكن ل ينبغي أن ننسى أن جماهير سنذكرها تحت هذا العنوان كلها مختل َ
الشعب تتأثر بها لكثرة تداولها وانتشارها ،حتى أصبحت تُروى وكأنها
حقيقة!
- 1المسيح في الحاديث الموثوق بها<
وهة للمسيح تصادفنا في الحاديث الصحيحة الموثوق بها صورة مش َّ
منا بعض تلك الروايات لننا نعرف منها الحوارات الدينية والمسيحية .وته ّ
التي دارت بين محمد والمسيحيين في شبه الجزيرة العربية ،مما يفسر لنا
ون محمد تصوراته عن المسيحية وعن المصادر التي أخذ عنها .ولم كيف ك َّ
يكن المسيحيون الذين احتك بهم المسلمون ممن يمثلون العقيدة المسيحية
بشكل مثالي ،كما يظهر في كلم علي بن أبي طالب مع وفد بني تغلب :إن
تغلب ليسوا نصارى ،وما أخذوا من النصرانية سوى شرب الخمر.
والقصة التالية التي وردت في السيرة النبوية لبن هشام خير مثال على
طبيعة الجدل الكلمي (اللهوتي أو الفقهي) بين السلم والمسيحية في
ت كان السلم فيه في طور النشأة والصوغ: وق ٍ
ً
قدم على رسول الله وفد (نصارى) نجران ستون راكبا ،فيهم أربعة عشر
رجل ً من أشرافهم .في الربعة عشر منهم ثلثة نفر إليهم يؤول أمرهم:
العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم الذي ل يصدرون إل عن
رأيه واسمه عبد المسيح ،والسيد ثمالهم (عمادهم) وصاحب رحلهم واسمه
اليهم ،وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم
مدْراسهم .ولما قدموا على رسول الله في المدينة دخلوا وإمامهم وصاحب ِ
عليه مسجده حين صلى العصر ،عليهم ثياب الحبرات وجبب وأردية في
جمال رجال بني الحارث بن كعب قال :يقول بعض من رآهم من أصحاب
النبي :ما رأينا بعدهم وفدا ً مثلهم ..فكلّم رسول الله أبا حارثة بن علقمة
والعاقب عبد المسيح واليهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك
(يعني من مذهب الملكانية) مع اختلف من أمرهم .يقولون هو الله،
ويقولون هو ولد الله ،ويقولون هو ثالث ثلثة ،وكذلك قول النصرانية .فهم
يحتجون في قولهم :هو الله بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ السقام ويخبر
بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخفيه فيكون طائرا ً وذلك له
بأمر الله تبارك وتعالى ..ويحتجون في قولهم إنه ولد الله بأنهم يقولون:
لم يكن له أب يُعلم وقد تكلّم في المهد ،وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم
قبله .ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلثة بقوله :فعلنا وأمرنا وخلقنا
ت وقضيت وأمرت وخلقت، وقضينا فيقولون :لو كان واحدا ً لما قال إل فعل ُ
ولكنه هو وعيسى ومريم ..فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله :أسلِما!
قال :قد أسلمنا .قال :إنكما لم تسلما ،فأسلِما .قال :بلى وقد أسلمنا قبلك.
قال :كذبتما .يمنعكما من السلم دعاؤكما لله ولداً ،وعبادتكما الصليب،
وأكلكما الخنزير .قال :فمن أبوه يا محمد؟ صمت عنهما رسول الله فلم
يجبهما .فأنزل الله تعالى في اختلف أمرهم كله صدر سورة آل عمران,
هذه القصة وأمثالها تعلمنا (كما هو الحال أيضا ً في القرآن نفسه) إن مريم
كانت إحدى القانيم الثلثة حسب عقيدة التثليث الموجودة آنذاك في شبه
الجزيرة العربية.
نرى أيضا ً في الحديث التالي كيف يميّز محمد المسيح وأمه عن سائر الناس
سه الشيطان مما يدل على تصوره عن التثليث :ما من بني آدم مولود إل يم ّ
س الشيطان ،غير مريم وابنها ,فإذا أخذنا من م ّحين يولد فيستهل صارخا ً ِ
بعين العتبار أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ورد في
الحاديث الصحيحة ،وكما عرض لمحمد غير مرة يجب علينا التسليم بأن
عيسى يختلف عن سائر البشر تمام الختلف .إن المسيح ل يتميّز فقط
س الشيطان أثناء ولدته ،بل هو الوحيد بين بني البشر الذي بعصمته عن م ّ
لم يخطئ أبداً .والحديث الذي نذكره أدناه خير دليل على ذلك:
عن أبي هريرة قال :أُتي رسول الله بلحم ،فُرفع إليه الذراع ،وكانت تعجبه،
مفنهش منها نهشة ثم قال :أنا سيد الناس يوم القيامة ،وهل تدرون م ّ
خرين في صعيد واحد ،يسمعهم الداعي ولين وال ِذلك؟ يجمع الله الناس ال َّ
وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما ل يطيقون
ول يحتملون ،فيقول الناس :أل ترون ما قد بلغكم ،أل تنظرون من يشفع
لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض :عليكم بآدم .فيأتون آدم عليه
السلم فيقولون له :أنت أبو البشر خلقك الله بيده ،ونفخ فيك من روحه،
وأمر الملئكة فسجدوا لك .اشفع لنا إلى ربك .أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ أَل
ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم :إن ربي قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب
قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثله ،وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته .نفسي
نفسي .اذهبوا إلى غيري .اذهبوا إلى نوح .فيأتون نوحا ً فيقولون :يا نوح،
ماك الله عبدا ً شكوراً ،اشفع لنا إنك أنت أول الرسل إلى أهل الرض ،وقد س ّ
إلى ربك :أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول :إن ربي ع ّز وجل قد غضب
َ
اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثله ،وإنه قد كانت لي
دعوة دعوتها على قومي ،نفسي نفسي ،اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى
إبراهيم .فيأتون إبراهيم فيقولون :يا إبراهيم ،أنت نبي الله وخليله من أهل
الرض ،اشفع لنا إلى ربك .أَل ترى ما إلى نحن فيه؟ فيقول لهم :إن ربي
قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثله ،وإني قد
كنت كذبت ثلث كذبات -نفسي نفسي ،اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى
ضلك الله موسى .فيأتون موسى فيقولون :يا موسى أنت رسول الله ،ف َّ
برسالته وبكلمه على الناس ،اشفع لنا إلى ربك .أَل ترى إلى ما نحن فيه؟
فيقول :إن ربي قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده
مثله ،وإني قد قتلت نفسا ً لم أؤمر بقتلها ،نفسي نفسي ،اذهبوا إلى
غيري ،اذهبوا إلى عيسى .فيأتون عيسى فيقولون :يا عيسى ،أنت رسول
ت الناس في المهد صبياً، الله ،وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،وكلّم َ
اشفع لنا .أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى :إن ربي قد غضب اليوم
غضبا ً لم يغضب قبله مثله قط ،ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنبا ً -
نفسي نفسي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد .فيأتون محمدا ً فيقولون:
يا محمد أنت رسول الله ،وخاتم النبياء ،وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك
وما تأخر ،اشفع لنا إلى ربك ،أل ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت
حسن ي من محامده و ُ العرش ،فأقع ساجدا ً لربي عز وجل ،ثم يفتح الله عل َّ
الثناء عليه شيئا ً لم يفتحه على أحد قبلي ،ثم يقال :يا محمد ارفع رأسك،
سل تُعطَه واشفع تشفع .فأرفع رأسي فأقول :أمتي يا رب ،أمتي يا رب.
فيقال :يا محمد أدخل من أمتك من ل حساب عليهم من الباب اليمن من
أبواب الجنة ،وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من البواب .ثم قال :والذي
نفسي بيده ،إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير،
أو كما بين مكة وبُصرى,
والمر الذي يجعل هذا الحديث ذا أهمية قصوى يكمن في جواب عيسى على
سؤال الناس للشفاعة .فهو الوحيد خلفا ً لدم وإبراهيم وموسى ومحمد
ة .كما نقدر أن نقول إن الذي روى الرسول الذي لم ينسب إلى نفسه خطي ً
َ
هذه القصة أو اختلقها لم يجرؤ على ذلك :من هنا يتبي ّن لنا التناقض في
كون محمد -حسب الحديث -شفيع المؤمنين لدى الله الذي غفر له ما تقدّم
من ذنبه وما تأخر .ولكن يبدو أن علماء السلم لحظوا خطورة هذا الحديث
بالنسبة لمكانة محمد في ترتيب النبياء فأتوا برواية أخرى ل يذكر فيها
النبياء السابقون ما تقدّم من خطاياهم .ويقول محمد وهو أمام الله :أي
رب ،خلقتني سيد ولد آدم ول فخر ،وأول من تنشق عنه الرض ول فخر ,ل
يحتاج المرء أن يكون ملما ً بقواعد علم الحديث لكي يرى يد التحريف في
هذه الرواية ،حيث يُرى بوضوح كيف حاول المسلمون الغيارى في العصور
الولى إعلء مكانة محمد عن مكانة المسيح .إن المسلمين لم يختبروا فقط
من المسيحيين ما امتاز به المسيح من صفات تجعله كائنا ً فوق البشر ،بل
قرأوا في قرآنهم والثار المروية عن نبيّهم محمد ما يصدّق على ذلك .وقد
أدّى هذا إلى إنتاج أحاديث تُضفي على محمد فضائل بدوية :أعطيت مفاتيح
الكلم ونصرت بالرعب مسيرة شهر ،وبينا أنا نائم البارحة إذ أقيمت مفاتيح
وضعت في يدي, خزائن الرض حتى ُ
ودنا مصادر الحديث بمعلومات عن منظر المسيح وملمح وجهه حيث وتز ِّ
يقول محمد :أراني في المنام عند الكعبة فرأيت رجل ً آدم كأحسن ما ترى
جلت ولمته تقطر ماء واضعا ً يده على عواتق رجلين مة قد ر ّ
من الرجال ،له ل ّ
يطوف بالبيت ،رجل الشعر .فقلت :من هذا؟ فقالوا :المسيح ابن مريم .ثم
رأيت رجل ً جعدا ً تطفأ أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية كأشبه ما
رأيت من الناس بابن قطن واضعا ً يديه على عواتق رجلين يطوف بالبيت
فقلت :من هذا؟ فقالوا :هذا المسيح الدجال",يقول ابن عباس إن موسى
أيضا ً كان رجل ً آدم جعداً ,أما ما يتعلق ب اللمة فإنها كانت على ما يبدو من
علمات الجمال حسب الموضة السائدة حينذاك في الحجاز ،إذ يخبرنا
مة أحسن في حلة حمراء من رسول الله الصحابي البراد :ما رأيت من ذي ل ّ
وزاد محمد بن سليمان :له شعر يضرب منكبيه ,وتوجد روايات أخرى عند
البخاري ومسلم عن لمة محمد,
ً
ومن يتصفح مصادر الحديث الموثوق بها عند المسلمين بحثا عن روايات
تتعلق بالمسيح ،يلحظ بسرعة أن المسيح يظهر في تلك الروايات إما
ض يأتي في نهاية الدهر .هناك أحاديث كمولود لم ينخسه الشيطان ،أو كقا ٍ
عديدة في شتى المصادر تصف بدقة على لسان محمد ما سيفعله المسيح
ة .أما القرآن فهو المصدر الوحيد بين المصادر الموثوق بها عند مجيئه ثاني ً
الذي يُطلعنا على تفاصيل ولدة المسيح ومعجزاته وموته على الصليب.
يقول المستشرق النكليزي الكبير macdonald؟ إن أقدم الحاديث ل تقدم
إل قليل ً من المعلومات عن المسيح ،أو تذكره فقط في سياق المسيح
الدجال في أبواب الفتن أو شروط الساعة .إن محمدا ً ركز جل اهتمامه على
فكرة الدجال ،كما يدل على ذلك رواية ابن صياد عن الدجال .غير أن الرواة
المسلمين بدأوا في وقت مبكر لسباب سياسية وفقهية (كلمية) في إعداد
وتطوير التعاليم الخاصة بالمور الخيرية ،وذلك من خلل أحاديث موضوعة،
كما نرى ذلك في كتاب مشكاة المصابيح,18حيث توجد عدة أبواب من
علمات الساعة ونزول عيسى ،أو في قصص النبياء للثعالبي,19الذي يقدم
أكثر الساطير عن المسيح كمال ً وتفصيلً ،بينما يسرد الطبري وابن واضح
معلومات مختصرة من الناجيل .غير أن التشابك الذي طرأ على الدور الذي
يقوم به المسيح حسب هذه الروايات وعلى الذي نسب إلى المهدي بصورة
شبه مشابهة اضطر أحدهم إلى القول بأن ل يوجد مهدي إل عيسى ابن
مريم .ويشير ابن خلدون (الذي درس هذه القضية بصورة فلسفية في
مؤلفه المقدمة ) إلى ضعف الثار المختلفة ويتابع تطور فكرة المجدد
للسلم قبل نهاية الدهر ويشير كيف تأثرت تلك الفكرة بالفكار الشيعية
والصوفية,
ةمجيء المسيح ثاني ً
والن نريد أن نذكر أهم ما ورد في مصادر الحديث الموثوق بها عما يتصل
ة إلى العالم: بمجيء عيسى ثاني ً
عن أبي هريرة قال رسول الله :يوشك المسيح عيسى بن مريم أن ينزل
حكما ً قسطا ً وإماما ً عدلً ،فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون الدعوة
واحدة فأقرؤه أو أقرئه السلم من رسول الله ص وأحدثه فيصدقني فلما
حضرته الوفاة قال اقرؤه مني السلم,
وحسب رواية أخرى لنفس الحديث :سيضع عيسى الحرب ويفيض المال
حتى ل يطلبه أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا ً من الدنيا وما فيها,
م المسلمين في صلتهم الجماعية أو وتقول الحاديث إن المسيح سوف يؤ ّ
يكون أميرهم .عن جابر بن عبد الله قال :سمعت رسول الله يقول :ل تزال
طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ،فينزل
ل فيقول :ل ،إن عيسى ابن مريم عليه السلم فيقول أميرهم :تعال فص ّ
بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه المة,
فقالت أم شريك بنت أبي العكر :يا رسول الله .فأين العرب يومئذ؟ قال:
العرب يومئذ قليل .وجلّهم ببيت المقدس .وإمامهم رجل صالح .فبينما
إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح،
فرجع ذلك المام ينكص .يمشي القهقري ليقدم عيسى يصلي .فيضع
ل فإنها لك عيسى عليه السلم يده بين كتفيه ثم يقول له :تقدم فص ّ
أُقيمت ،فيصلي بهم إمامهم .فإذا انصرف قال عيسى عليه السلم :افتحوا
الباب ،فيفتح ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي ،كلهم ذوو سيف
محلّى وساج ،فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء .وينطلق ُ
هارباً ،ويقول عيسى :إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها .فيدركه عند باب
ُ
الل ّد الشرقي فيقتله .فيهزم الله اليهود ،فل يبقى شيء مما خلق الله
يتوارى به يهودي إل أنطق الله ذلك الشيء .ل حجر ول شجر ول حائط ول
دابة -إل الغرقدة فإنها من شجرهم ل تنطق -إل قال :يا عبد الله المسلم
هذا يهودي ،فتعال اقتله .وإن أيامه أربعون سنة ،السنة كنصف السنة.
والسنة كالشهر .والشهر كالجمعة ،وآخر أيامه كالشررة ،ويصبح أحدكم على
باب المدينة فل يبلغ بابها الخر حتى يمسي.
فقيل له :يا رسول الله ،كيف نصلي في تلك اليام القصار؟ فقال :تقدرون
فيها الصلة كما تقدرونها في هذه اليام الطوال ،ثم صلوا.
فيكون عيسى بن مريم من أمتي حكما ً عدلً ،وإماما ً مقسطاً ،يدقّ الصليب،
ويذبح الخنزير ،ويضع الجزية ،ويترك الصدقة ،فل يُسعى على شاة ول بعير.
خل الوليد -أي حمة .حتى يُد ِ حمة كل ذات ُ وترفع الشحناء والتباغض ،وتنزع ُ
ي الحية -أي في فمها -فل تضره ،وتلعب الطفل الصغير -يده في َ
ف ّ
الوليدة مع السد فل يضرها ،ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ،وتُمل
مل الناء من الماء .وتكون الكلمة واحدة .فل يُعبد إل الرض من السلم كما ي ُ
الله ،وتضع الحرب أوزارها .وتسلب قريش ملكها .وتكون الرض كفاثور
الفضة تنبت نباتها بعهد آدم ،حتى يجتمع النفر على القطف من العنب
فيشبعهم ،ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم .ويكون الثور بكذا وكذا من
المال ،وتكون الفرس بالدريهمات.
ب أبداً .قيل له:ٍ لحر ركب ُ ت ل قال: الفرس؟ خص قالوا :يا رسول الله وما ير ّ
فما يغلي الثور؟ قال :تُحَرث الرض كلها.
وإن قبل الدجال ثلث سنوات شداد ،ويصيب الناس فيها جوع شديد ،يأمر
الله السماء في السنة الولى أن تحبس ثلث مطرها ،ويأمر الرض فتحبس
ثلث نباتها ،ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها .ويأمر الرض
فتحبس ثلثي نباتها .ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها
كله ،فل تقطر قطرة ،ويأمر الرض فتحبس نباتها كله فل تنبت خضراء .فل
تبقى ذات ظلف إل هلكت إل ما شاء الله.
قيل :فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال :التهليل والتكبير والتسبيح
مجرى الطعام, والتحميد ،ويجري ذلك عليهم َ
م إبراهي بي ي سر عن عبد الله بن مسعود ،عن النبي قال :لقيت ليلة أ ُ
َ َ
وموسى وعيسى ،فتذاكروا أمر الساعة .فردّوا أمرهم إلى إبراهيم .فقال:
ل علم لي بها .فردوا المر إلى عيسى ،فقال :أما وجبتها فل يعلمها أحد إل
ي ربي عز وجل أن الدجال جارح .قال :ومعي الله تعالى .ذلك وفيما عهد إل َّ
قضيبان ،فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص .قال :فيهلكه الله حتى أن
الحجر والشجر ليقول :يا مسلم إن تحتي كافرا ً فتعال فاقتله .قال:
فيهلكهم الله تعالى .ثم رجع الناس إلى بلدهم وأوطانهم .قال :فعند ذلك
يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ،فيطأون بلدهم ،ل يأتون
يعلى شيء إل أهلكوه ،ول يمّرون على ماء إل شربوه ،ثم يرجع الناس إل ّ
فيشكونهم ،فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله تعالى ويميتهم .حتى تجوي
الرض من نتن ريحهم ،قال :فينزل الله عز وجل المطر فيجرف أجسادهم
حتى يقذفهم في البحر.23
ح من حيث المنظر وملمح الوجه بعدد من أصحابه. لقد شبَّه محمدٌ المسي َ
بينما كان الحديث في الرواية السابق ذكرها عن الشبه بين موسى
والمسيح ،إذ كل واحد منهما رجل آدم وجعد,23نرى في بعض الروايات
عروة بن مسعود كأشبه الناس بالمسيح,وعبد العزى بن قطن كمثل الدجال
من حيث المنظر ,يبدو الترابط السياقي بين المسيح والمسيح الدجال في
هذه الروايات أشد ما يكون حيث قد يتحتم على المرء أن يعيد قراءة الحديث
ليتأكد من هوية المقصود.
المسيح في السلم الشعبي أو كما يراه الصوفيون
بعد أن درسنا الحاديث الصحيحة التي تحدثنا عن المسيح وتطلعنا على
ة ،نريد الن أن ننقل عددا ً من الثار الموضوعة كيفية ولدته ومجيئه ثاني ً
التي تُعزى إلى محمد مباشرة ،أو إلى المسيح نفسه ،كما وردت في
المصادر الصوفية .فبما أن الحاديث الصحيحة تتناول في أغلب الحيان
المواضيع التشريعية ول يتيسر فهمها لعامة الشعب لسباب لغوية ،فقد
قة ذا تأثيرصار أدب الخرافات أو ما يروى على لسان محمد من أحاديث مختل َ
قوي وانتشار واسع في أوساط الشعب ،ولعب دورا ً أساسيا ً في تشكيل ما
يُسمى بالسلم الشعبي .تحوي هذه المجموعات أساطير وخرافات عن
المسيح ،وكثيرا ً ما تحمل نوايا تربوية وتهذيبية .أما ما يميّز تلك الخرافات
عن سائر الحاديث فهو محتواها الصوفي الذي يدلنا على مؤلفيها .يظهر
المسيح في تلك الخبار كزعيم أو قطب الدراويش المتَّقين بكونه خاتم
الولية بجانب محمد خاتم النبياء أو خاتم النبوة .إنه يستطيع القيام
بالمستحيل لدى الناس ,قال مالك بن أنس :بلغني أن امرأتين أتتا عيسى
رج لنا أبانا فإنه هلك ع الله لنا أن يخ ِ عليه السلم فقالتا :يا روح الله ،اد ُ
ونحن غائبتان عنه .قال :أتعرفان قبره؟ فقالتا :نعم .فذهب معهما فأتيا
قبرا ً فقالتا :هذا هو .فدعا الله فأخرج لهما ،فإذا هو ليس به .فدعا فردَّ .ثم
دلتاه على قبر آخر فدعا أن يخرج فخرج ،فإذا هو .فلزمتاه وسلمتا عليه .ثم
قالتا :يا نبي الله يا معلم الخير ،ادع الله أن يبقيه معنا .فقال :وكيف أدعو
ده وانصرف, له ولم يبق له رزق يعيش به؟ ثم ر َّ
(أ) معجزاته:
راج أدب الخرافات والعاجيب في الوساط الصوفية والشعبية رواجا ً باهراً
وصارت تُردد وتُنقل من جيل إلى آخر .نبدأ بالمعجزات لنها تشكّل نصف
الخبار الموضوعة عن المسيح على أقل تقدير.
قال وهب :كان أول آية رآها الناس من عيسى أن أمه كانت نازلة في دار
دهقان من أرض مصر ،أنزلها بها يوسف النجار حين ذهب بها إلى مصر.
سرق الدهقان، وكانت دار ذلك الدهقان تأوي إليها المساكين .وحدث أن ُ
فحزنت مريم لمصيبته .فلما رأى عيسى حزن أمه لمصيبة صاحب ضيافتها،
ي .قال لها: قال لها :يا أماه ،أتحبين أن أدله على ماله؟ قالت :نعم يا بُن َّ
قولي له يجمع المساكين .فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم ،أحدهما
أعمى والخر مقعد .فحمل المقعد على عاتق العمى وقال له :قم به.
فقال العمى :أنا أضعف عن ذلك .فقال له عيسى :كيف قويت على ذلك
البارحة؟ فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا العمى حتى قام .فلما استقل
قائما ً هوى المقعد إلى كوة الخزانة .فقال عيسى للدهقان :هكذا احتال
على مالك البارحة ،لن العمى استعان بقوته والمقعد بعينيه .فقال
العمى :صدق والله .فردّا على الدهقان ماله كله ،فأخذه الدهقان ووضعه
في خزانته وقال :يا مريم خذي نصفه ،فقالت :إني لم أُخلق لذلك .قال
الدهقان :فأعطيه لبنك ،قالت :هو أعظم مني شأناً.
ً
ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لبن له فصنع له عيدا ،فجمع عليه أهل مصر
كلهم فكان يطعمهم شهرين .فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشام
ولم يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب ،وكانت كل
جراره خاوية .فلما رأى عيسى مَّرر يده على أفواهها وهو يمشي فكلما أمر
ذ ابن يده على جرة امتلت شرابا ً حتى أتى عيسى على آخرها وهو يومئ ٍ
اثنتي عشرة سنة,
قال وهب :بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلم على صبي فوكزه
برجله فقتله ،فألقاه بين يدي عيسى وهو ملطخ بالدم ،فاطلع الناس عليه
فاتهموه به فأخذوه وانطلقوا به إلى قاضي مصر فقالوا له :هذا قتل هذا.
فسأله القاضي ،فقال عيسى :ل أدري من قتله وما أنا بصاحبه .فأرادوا أن
يبطشوا بعيسى عليه السلم فقال لهم :ائتوني بالغلم .فقالوا له :ما تريد
به؟ قال :أريد أن أسأله من قتله .قالوا :وكيف يكلمك وهو ميت؟ فأخذوه
وأتوا به إلى مقتل الغلم .فأقبل عيسى على الدعاء فأحياه الله تعالى
فقال له عيسى :من قتلك؟ قال :قتلني فلن (على الذي قتله).فقال بنو
من هذا؟ قال :هذا عيسى ابن مريم .قالوا :فمن هذا الذي معه؟ إسرائيلَ :
قال :قاضي بني إسرائيل .ثم مات الغلم من ساعته.
ي ،ألم فرجع عيسى إلى أمه وتبعه خلق كثير من الناس فقالت له أمه :يا بن َّ
أنهك عن هذا؟ فقال :إن الله حافظنا وهو أرحم الراحمين,
ويقولون :إن عيسى لما أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه المعلم ،قال له
المعلم :اكتب بسم الله فقال له عيسى عليه السلم :ما بسم الله؟ قال
المعلم :ل أدري .فقال له :باء بهاء الله ،سين سناؤه ،ميم ملكه ،والله إله
اللهة والرحمان رحمان الدنيا والخرة والرحيم رحيم الخرة .أبجد :اللف
ألء الله ،الباء بهاء الله ،جيم جمال الله ،دال الله دائم .هوز :الهاء الهاوية،
الواو ويل لهل النار ،الزاي واد في جهنم .وحطي :الحاء الله الحكيم ،الطاء
الله الطالب لكل حق حتى يؤديه ،والياء آي أهل النار وهو الوجع .كلمن:
كافن الله الكافي ،لم الله العليم ،ميم الله الملك ،نون البحر .سعفص:
سين الله السميع ،والعين الله العالم ،والفاء الله الفرد ،وصاد الله الصمد.
قرشت :قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السموات ،والراء رأي
الناس لها ،والشين شيء لله ،والتاء تمت أبداً.
وروي في الخبر أن عيسى عليه الصلة والسلم مَّر بقرية فيها جبل ،وفي
الجبل بكاء وانتحاب كثير .فقال لهل القرية :ما هذا البكاء وهذا النتحاب
في هذا الجبل؟ قالوا :يا ےےے
1aےےے~
روي عن عيسى عليه السلم أنه دخل على نار توقدت على رجل في البرية
فأخذ عيسى ماء ليطفئها عنه فانقلبت النار غلما ً وانقلب الرجلناراً .فبكى
عيسى عليه السلم وقال :يا رب ردهما إلى حالهما الول حتى أرى ما
ذنبهما .فانكشفت تلك النار عنهما فإذا هما رجل وغلم .فقال الرجل :يا
عيسى أنا قد كنت في دار الدنيا مبتلى بحب هذا الغلم ،فحملتني الشهوة
إلى أن فعلت به ليلة الجمعة ثم فعلت به يوما ً آخر ،فدخلعلينا رجل فقال
لنا :يا ويلكم! اتقوا الله .فقلت له :أنا ل أخاف ول أتقي .فلما مت ومات
الغلم صيَّرنا الله عز وجل إلى ما ترى .يصير نارا ً فيحرقني مرة ،ومرة أصير
نارا ً فأحرقه .فهذا عذابنا إلى يوم القيامة,
قال كعب الحبار :إن عيسى عليه السلم مر ذات يوم بوادي القيامة وهي
عشية يوم الجمعة عند العصر ،فإذا بجمجمة بيضاء نخرة قد مات صاحبها منذ
أربع وتسعين سنة ،فوقف عليها متعجبا ً منها وقال :يا رب ائذن لهذه
الجمجمة أن تكلمني بلسان حتى تخبرني ماذا لقيت من العذاب وكم أتى
عليها منذ ماتت وماذا عاينت وبأي هيئة ماتت وماذا كانت تعبد .قال :فأتاه
سلْها فإنها ستخبرك .فصلى ح الله وكلمتَهَ ،
نداء من السماء فقال :يا رو َ
عيسى ركعتين ،ثم دنا منها فوضع يده عليها ،فقال عيسى :أيتها الجمجمة
النخرة .قالت :لبيك وسعديك ،سلني عما بدا لك .قال :كم أتى عليك مذ
مت؟ قالت :ما نفس بعد الحياة ول روح تحصي السنين .فأتاه نداء أنها قد
ماتت منذ أربع وتسعين سنة فسلها .قال :فبماذا مت؟ قالت :كنت جالسة
ذات يوم إذ أتاني مثل السهم من السماء فدخل جوفي مثل الحريق ،وكان
مثلي مثل رجل دخل الحمام فأصابه حره فهو يلتمس الروح مخافة على
نفسه بأن تهلك .قال فأتاني ملك الموت ومعه أعوان وجوههم مثل وجوه
الكلب بادية أنيابهم زرق أعينهم كلهبان النار ،بأيديهم المقامع يضربون
وجهي ودبري فانتزعوا روحي فكشطوها عني .ثم وضعها ملك الموت على
جمرة من جمار جهنم ثم لفها في قطع مسح من مسوح جهنم فرفعوا
روحي إلى السماء فمنعتهم السماء أن يدخل وأغلقت البواب دونها.
فأتاني نداء أن ردوا هذه النفس الخاطئة إلى مثواها ومأواها,
عن كعب الحبار قال :مَّر عيسى بجمجمة بيضاء فقال :يا رب هذه الجمجمة
ول وجهه فإذا شيخ ح َ
شح بوجهك .ففعل .ثم ّ أحيِها .فأوحى الله تعالى أن أ ِ
متكئ على كارة من بقل فقال :يا عبد الله سل على حتى ألحق بالسوق.
قال :وما شأنك؟ قال :قلعت هذا البقل من هذه المبقلة وغسلته في هذا
النهر وغلبتني عيني .قال وخيل إليه ما كان فيه .قال فسأله عيسى عليه
السلم عن القوم الذي هو منهم ،فإذا بين المسيح وأولئك خمسمائة عام,
ُروي أن عيسى عليه السلم مر بجمجمة فضربها برجله فقال :تكلمي بإذن
ملكي عل َّ
ي الله .فقالت :يا روح أنا ملك زمان وكذا وكذا .بينما أنا جالس في ُ
تاجي وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي إذ بدا لي ملك الموت ،فزال
مني كل عضو على حياله ثم خرجت نفسي إليه ،فيا ليت ما كان من تلك
الجموع كان فرقة ،ويا ليت ما كان من ذلك النس كان وحشة ,فكذلك من ل
يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الشهاد,
وهناك روايات تحمل مسحة النص النجيليُ :روي عن عيسى أنه قال :ماذا
يُغني عن العمى حمل السراج ويستضيء به غيره؟ وماذا يغني عن البيت
المظلم أن يكون السراج على ظهره؟ وماذا يغني عنكم أن تتكلموا بالحكمة
وما تعملون بها,
وهذه الروايات الصوفية تنقل لنا مواعظ المسيح باعتباره واعظا ً صوفياً
فر الناس من الدنيا ويدعوهم إلى الُّزهد .قال المسيح :الدنيا قنطرة ين ّ
ً
مروها .قالوا :يا نبي الله ،إنا نريد أن نبني بيتا نجتمع فيه فاعبروها ول تع ّ
لنعبد ونتدارس ،فاختر لنا موضعا ً نبني فيه .فقال :تعالوا .فمشوا معه
فوقف على قنطرة وهي مدرجة للناس ل يدَعونا فيها .كذلك الدنيا مدرجة
علما ً شيئاً للموتى وأنتم تبنون عليها ول يدَعونكم فيها .قيل لعيسى علِّمنا ِ
واحدا ً يحبنا الله عليه .قال :أبغضوا الدنيا يحبكم الله ,قال الحواريون :يا
روح الله نحن نصلي ونصوم ونذكر الله تعالى كما أمرتَنا ولنقدر أن نمشي
على الماء كما تمشي أنت .قال :أَخبروني كيف حبكم للدنيا .قالوا :إنا
لنحبها .فقال :إن حبها يفسد الدين لكنها عندي بمنزلة الحجر والمدر,
وقال :ما لكم تأتون ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري .البسوا
ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية,
وأحيانا ً تُذكر آيات إنجيلية بصورة حرفية :رأيت في النجيل قال عيسى ابن
ن بالسن والنف بالنف، مريم عليه السلم :لقد قيل لكم من قبل إن الس ّ
ول ح ِ
وأنا أقول لكم :ل تقاوموا الشر بالشر ،بل من ضرب خدك اليمن ف ّ
خرك لتسير معه إليه الخد اليسر .ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك .ومن س ّ
سر معه ميلين, ميل ً ف ِ
(ب) نزول عيسى في آخر الزمان:
كما هو الحال في الحاديث الصحيحة ،كذلك تجد في تعاليم الصوفية أخباراً
تطلعنا على مجيء المسيح ثانية وما سيحدث بعد مجيئه .فإن المسيح يظهر
في تلك الخبار كعلم الساعة! ,غير أنه ل يعرف متى الساعة .يذكرنا الحوار
الغريب بين المسيح وجبريل ،والذي ورد في مؤلف للمام الشعراني بسؤال
محمد جبريل في حديث القدر الشهير :روي عن الشعبي قال :لقي جبريل
عيسى عليهما السلم فقال له عيسى :متى الساعة؟ فانتفض جبريل في
أجنحته وقال :ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السماوات
فاروالرض ل تأتيكم إل بغتة ,إن المسيح الذي سيأتي لكي يعاقب الك َّ
ويجازي الصالحين خيرا ً سوف يختار بين المسلمين طائفة الغرباء النافرين
عن الدنيا :قال رسول الله :أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء .قيل :ومن
الغرباء؟ قال :الفّرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى يوم القيامة مع عيسى
ابن مريم عليه السلم ,روي عن محمد أيضاً :ولن يخزي الله أمة أنا أولها
والمسيح آخرها,
ول الوضاعون المسيح إلى مسلم مثالي يصلي ويحج :ويهبط عيسى لقد ح َّ
ابن مريم فيصلي الصلوات ويجمع الجمع ويزيد في الحلل كأني به تجدبه
رواجله ببطيء الروحاء حاجا ً أو معتمراً ,بينما يصعب علينا أحيانا ً أن نميِّز
المسيح من المهدي في الحاديث الصحيحة ،ويبدو كلهما في بعض
الروايات كأنهما شخص واحد .يخبرنا الوضاعون بأن المهدي من أهل بيت
محمد :المهدي من أهل بيتي يمل الرض عدلً ،وإنه يخرج مع عيسى عليه
الصلة والسلم يساعده على قتل الدجال بباب لد من أرض فلسطين وإنه
يؤم هذه المة ويصلي خلفه عيسى ابن مريم,
(ج) عيسى كمجدد للشريعة السلمية:
نقل المام الشعراني :قال العلماء إنه إذا نزل عيسى في آخر الزمان يكون
مقررا ً لشريعة محمد ومجددا ً لها ،لنه ل نبي بعد رسول الله يحكم بشريعة
غير شريعة محمد ،لنها آخر الشرائع ونبيّها آخر النبيين .فيكون عيسى
حكما ً مقسطا ً لنه ل سلطان يومئذ للمسلمين ول إماما ً ول قاضيا ً ول مفتياً،
وقد قبض الله العلم وخل الناس منه فينزل وقد علم بأمر الله تعالى من
السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من أمر هذه الشريعة ليحكم به بين
الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على
أنفسهم ول أحد ليحكم به بين الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع
المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على أنفسهم ول أحد يصلح لذلك غيره ،لن
تعطيل الحكم غير جائز ،وأيضا ً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بالتكليف ،فل يزال
التكليف قائما ً إلى أن ل يبقى على وجه الرض من يقول ل إله إل الله ,إن
المسيح كما يصوره الوضاعون ليس المام والحكم المقسط ول مجدد
الشريعة فحسب ،بل هو فقيه متبحر يدرس القرآن مطلع على أسراره
وحكمه التشريعية :إن عيسى ينظر في القرآن فيفهم منه جميع الحكام
المتعلقة بهذه الشريعة من غير احتياج إلى مراجعة الحاديث كما فهم النبي
عليه الصلة والسلم من القرآن العزيز ,نقرأ في رواية أخرى أن عيسى
سوف يتعلم ما يحتاج إليه من أمر الشريعة من محمد نفسه :إن النبي في
حياته كان يرى النبياء أحياء يصلون,26فكذلك إذا نزل عيسى عليه السلم
إلى الرض يرى النبياء ويجتمع بهم ومن جملتهم النبي عليه السلم فيأخذ
عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته ,يقول المحدثون كان من الطبيعي أن
يجعله العلماء صحابيا ً إذ يقول الذهبي إن عيسى ابن مريم عليه السلم نبي
وصحابي ،فإنه رأى النبي وسلّم عليه ،فهو آخر الصحابة موتاً,
وتُظهر الفتوى التي كتبها السيوطي ردا ً على سؤال عن المذهب الفقهي
الذي سيتبعه عيسى في تطبيق الشريعة مدى ما يمكن أن يمتد الخيال إليه
ضاعين والصوفيين .بعد أن حسم بأن عيسى سيحكم بالشريعة لدى الو ّ
السلمية دون الشرائع الخرى ،يقول السيوطي :وقول القائل :إذا قلتم
إنه يحكم بشرع نبينا فكيف حكمه به؟ هل بمذهب من المذاهب الربعة
المتقررة أو باجتهاد منه؟ ..هذا السؤال أعجب من سائله .وأشدّ عجبا ً منه
قوله بمذهب من المذاهب الربعة .فهل خطر ببال السائل أن المذاهب من
هذه الشريعة منحصرة في أربعة مذاهب؟ ..كيف يقلّد نبي مذهبا ً من
المذاهب والعلماء يقولون :إن المجتهد ل يقلد مجتهداً .فإذا كان هذا
المجتهد من آحاد المة ل يقلد ،فكيف يظن بالنبي بأنه يقلد؟ فإن قلت:
يتعين حينئذ القول بأنه يحكم بالجتهاد .قلت :ل ،لم يتعين ذلك ،فإن النبي
كان يتكلم بما أُوحي إليه ول يسمى ذلك اجتهادا ً كما ل يسمى تقليداً.
والدليل على ذلك أن العلماء حكوا خلفا ً في جواز الجتهاد للنبي .فلو كان
حكمه بما يفهم من الغرض ل يسمى اجتهاداً .يبدو أن العلماء أجمعوا على
أن عيسى يحكم بما ورد في القرآن من أحكام تشريعية كنبي أو يكون
صحابيا ً رأى النبي!
(د) وفاة عيسى:
إن ما ورد عن وفاة عيسى من أخبار في المصادر ليست أقل غرابة مما
قلنا إلى الن عن حياته الرضية ومجيئه الثاني إلى الدنيا :عن أبي هريرة:
قال رسول الله :النبياء علت ،أمهاتهم شتى ودينهم واحد ،أوشك أن ينزل
فيكم ابن مريم حكما ً عدل ً إنه نازل على أمتي وخليفتي عليهم ،فإذا
رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر
صرتين ثم يلبث في الرض كأن رأسه تقطّر ولم يصبه بلل ،ينزل بين مخ َّ
أربعين سنة ويتزوج ويولد له ،ويتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه
في المدينة بجنب عمر .اقرأوا إن شئتم :ومن أهل الكتاب إل ليؤمنن به،
قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ً (سورة النساء )159أي قبل
موت عيسى ,وتخبرنا رواية أخرى عن مدفن عيسى بالتحديد :عن عائشة
ت :يا رسول الله إني أرى أني أعيش بعدك فتأذن لي أن أُدفن قالت :قل ُ
بجنبك؟ فقال :وأين لي بذلك الموضع ما فيه إل قبري وقبر أبي بكر وعمر
وعيسى ابن مريم ,وفي رواية :إذا أهبط الله عيسى ابن مريم يعيش في
هذه المة ما يعيش ثم يموت في مدينتي هذه ويُدفن إلى جانب قبر عمر،
فطوبى لبي بكر وعمر يحشران بين نبيين!,
ونختم بوصية الله لعيسى باتباع وإرضاء محمد كما ورد ذكر ذلك في
المصادر الشيعية :أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي،
فهو أحمد صاحب الجمل الحمر والوجه القمر المشرق النور القاهر القلب
الشديد البأس ..فإنه رحمة للعالمين ،سيد ولد آدم يوم يلقاني ،أكرم
ي وأقرب المرسلين من العربي المي ،الديان بديني الصابر السابقين عل ّ
في ذاتي المجاهد المشركين ببدنه عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل
وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يطيعوه وينصروه ..قال عيسى:
إلهي ،فمن هو حتى أرضيه فلك الرضى؟ قال :هو محمد رسول الله إلى
الناس كافة ،أقربهم مني منزلة وأحبهم عندي شفاعة .طوبى له من نبي
وطوبى لمته أن لقوني على سبيله .يحمده أهل الرض ويستغفر له أهل
السماء أمين فيموت طيب مطيب ،خير الباقين عندي ..كثير الزدواج قليل
الولد يسكن مكة موضع أساس إبراهيم,
بعد أن قرأنا تلك الخبار ،الصحيحة منها والموضوعة لدى المحدثين عن
عيسى ابن مريم كما يتصوره محمد والوضاعون من الصوفيين ،يمكننا
القول إن هذه الروايات وإن كانت في الغلب مجرد خرافات تحمل في
طياتها ما يوحي للقارئ بمصدرها الحقيقي ،وتدل في معظم الحيان على
أن أصحابها قد اعترفوا بأن عيسى شخصية تفوق سائر البشر ،وإن لم
يؤمنوا به كمخلصهم الشخصي .غير أن صورة المسيح تبقى في تلك الثار
وهة وغريبة عن الرسالة النجيلية كما هو الحال في القرآن نفسه. مش َّ
فالمسيح كما وصفه محمد والوضاعون هو مسيح السلم (أو المسيح
المسلم)!
الجزء الرابع:
غريب الحديث الصحيح
في هذا الباب لن نضيف للحاديث أية تعليقات ،ولكن سنترك الحاديث
تتحدث عن نفسها! فقد وجدنا أثناء دراستنا للحديث السلمي الكثير الذي
يشترك في صفة واحدة ،هي غرابة موضوعاته ،فقررنا أن نضعها جميعا ً هنا
في باب مستقل.
- 1رضاعة الكبير:
عروة بن الزبير، سئل عن رضاعة الكبير؟ فقال :أخبرني ُ عن ابن شهاب أنه ُ
عتبة بن ربيعة ،وكان من أصحاب رسول الله ،وكان قد أن أبا حذيفة بن ُ
حذيفة .كما شهد بدراً ،وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي ُ
ً
تبنى رسول الله زيد بن حارثة .وأنكح أبو حذيفة سالماً .وهو يرى أنه ابنه.
أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ،وهي يومئذ من
المهاجرات الُول .وهي من أفضل أيامى قريش .فلما أنزل الله تعالى في
كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل ،فقال :أدعوهم لبائهم هو أقسط عند الله،
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين .ومواليكمُ .ردَّ كل واحد إلى أبيه.
فإن لم يعلم أبوه رد إلى موله .فجاءت سهلة بنت سهيل ،وهي امرأة أبي
حذيفة .وهي من بني عامر بن لؤي ،إلى رسول الله فقالت :يا رسول الله
رقاق) وليس ض ٌ
ل (عليها ثياب ِ ف ُ كنا نرى سالما ً ولداً ،وكان يدخل عل َّ
ي وأنا ُ
لنا إل بيت واحد .فماذا ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله :أرضعيه خمس
رضعات فيحرم بلبنها .وكانت تراه ابنا ً من الرضاعة .فأخذت بذلك عائشة أم
المؤمنين .فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال .فكانت تأمر أختها
أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ،وبنات أختها أن يرضعن من أحببن أن يدخل
عليهن من الرجال .وأبى سائر أزواج النبي أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة
ة بنت أحد من الناس .وقلن :ل والله ،ما نرى الذي أمر به رسو ُ
ل الله سهل َ
سهيل إل رخصة من رسول الله في رضاعة سالم وحده .والله ل يدخل علينا
بهذه الرضاعة أحد .فعلى هذا كان أزواج النبي في رضاعة الكبير,
ب المؤمن :عن أبي هريرة ،أنه سمع رسول الله يقول: - 2الرسول يس ّ
ً
ة إليك يوم القيامة ,روي أيضا أن قرب ًاللهم! فأيّما مؤمن سببتُه ،فاجعل ذلك ُ
رسول الله سب الواصلة والمستوصلة,وقال :من يسب عليا ً يسبه الله,
وجاء أيضاً :سباب المسلم فسوق,
حس القصعة: - 3لَ ْ
عن نُبَيشة ،عن رسول الله ،قال :من أكل من قصعة ثم لحسها ،تقول له
القصعة :أعتقك الله من النار كما أعتقتني من الشيطان,
-الذباب ..فليغمسه:
عن أبي هريرة أن رسول الله قال :إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه
كله ثم ليطرحه ،فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الخر داء,
ملَك الموت: - 5موسى يفقأ عين َ
عن أبي هريرة ،قال رسول الله :جاء ملك الموت إلى موسى بن عمران
ملَك الموت ففقأها .فرجع الملك ب ربَّك .فلطم موسى عين َ ج ْ
فقال له :أ ِ
د ل يريد أن يموت ،وقد فقأ عيني .فردَّ إلى الله فقال :إنك أرسلتني إلى عب ٍ
قل :الحياة تريد؟ فإن كنت جع إلى عبدي ف ُ الله إليه عينه ،وقال (الله) :ار ِ
تريد الحياة فضع يدك على متن ثور ،فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش
بها سنة .قال (موسى) :ثم مه؟ قال :ثم تموت .قال (موسى) :فالن من
قريب .رب ادنني من الرض المقدسة رمية بحجر .قال رسول الله :والله لو
أني عنده لريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الحمر,
- 6من تبَّرز على لَبِنتَين:
قبلة بغائط أو بول ،ولكن شّرقوا أو غّربوا .وعن قال النبي :ل تستقبلوا ال ِ
قبلة ول أبي أيوب النصاري أن النبي قال :إذا أتيتم الغائط فل تستقبِلوا ال ِ
دمنا الشام فوجدنا تستدبروها ،ولكن شّرقوا أو غّربوا .قال أبو أيوب :فق ِ
قبلة ،فننحرف ونستغفر الله تعالى, مراحيض بُنيت قبل ال ِ
ت على َ قعد إذا يقولون: ً ناسا إن يقول كان أنه وعن عبد الله بن عمر
قبلة ول بيت المقدس .فقال عبد الله بن عمر :لقد حاجتك فل تستقبِل ال ِ
ل الله على لَبِنتَين مستقبِل ً بيت ت رسو َ ُ فرأي لنا ت
ٍ بي ظهر ت يوما ً على ارتقي ُ
ت :ل ّ
المقدس لحاجته .وقال :لعلك من الذين يُصلون على أوراكهم .فقل ُ
ك :يعني الذي يصلّي ول يرتفع عن الرض يسجد وهو لصق أدري .قال مال ٌ
بالرض.
- 7النبي يدور على نسائه< :
ت أطيّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح عن عائشة ،قالت :كن ُ
رما ً ينضح طيباً .وعن قتادة قال :حدَّثنا أنس بن مالك قال :كان النبي مح ُِ
ن إحدى عشرة. َ يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وه ّ
وكان يطيقه؟ قال :كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلثين, ت لنس :أ َ قال :قل ُ
- 8من كتاب الحيض!
قال النبي :هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ،وقال بعضهم :كان أول ما
سل الحيض على بني إسرائيل, ُ
أر ِ
حدَّثت عائشة أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.
جنُب ،وكان ت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد ،كلنا ُ عن عائشة قالت :كن ُ
يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض .عن عائشة قالت :كانت إحدانا إذا كانت
حائضا ً فأراد رسول الله أن يباشرها ،أمرها أن تتَّزر في فور حيضتها ثم
يباشرها .قالت :وأيُّكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه.؟
وعن عائشة قالت :كان رسول الله لَيُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم ،ثم
ضحكت!
- 9ترك الحائض الصوم:
ر إلى المصلى فط
ُ ٍ ِ أو أضحى في الله رسول خرج خدري: عن أبي سعيد ال ُ
ن أكثر أهل َ ن ،فإني أريتك ّ ق َ َ
فمَّر على النساء فقال :يا معشر النساء ،تصدّ ْ
م يا رسول الله؟ قال :تكثرن اللعن وتكفرن العشير .ما النار .فقلن :وب َ
قلن: ب الرجل الحازم من إحداكنُ . رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لل ّ
وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال :أليس شهادة المرأة نصف
شهادة الرجل؟ قلن :بلى .قال :فذلك من نقصان عقلها .أليس إذا حاضت
صم؟ قلن :بلى .قال :فذلك من نقصان دينها. ل ولم ت ُ لم تص ّ
وورد ذكر الحديث نفسه وأضيف إليه :ثم انصرف (النبي) .فلما صار إلى ُ
منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه .فقيل :يا رسول الله هذه
زينب .فقال :أي الزيانب؟ فقيل :امرأة ابن مسعود .قال :نعم ،ائذنوا لها.
ت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي ُ
فأذن لها .قالت :يا نبي الله إنك أمر َ
ت بهق من تصدَّق ُ ت أن أتصدَّق به ،فزعم ابن مسعود أنه وولده أح ُّ فأرد ُ
ت بهِ تصدق من ق
ّ أح وولدك زوجك مسعود. ابن صدق النبي: فقال عليهم.
عليهم,
- 10عفريت يُربَط في المسجد!!:
ي البارحة (أو عن أبي هريرة ،عن النبي قال إن عفريتا ً من الجن تفلَّت عل َّ
ت أن أربطه إلى ي الصلة ،فأمكنني الله منه .فأرد ُ كلمة نحوها) ليقطع عل َّ
سارية من سواري المسجد حتى تُصبِحوا وتنظروا إليه كلكم ،فذكرت قول
د من بعدي فرددته ب اغفر لي وهب لي ملكا ً ل ينبغي لح ٍ أخي سليمان :ر ِّ
ت متمرد من أنس أو جان مثل زبنية جماعتها خاسئا ً وأضاف الشارح :عفري ٌ
الزبانية.
وعن أبي هريرة أيضا :عن النبي أنه صلى صلة قال إن الشيطان عرض لي، ً
ي ،فأمكنني الله منه ،فذَعتُّه (أي خنقتُه) .ولقد ي ليقطع الصلة عل َّ فشدَّ عل َّ
ت قول هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تُصبِحوا فتنظروا إليه .فذكر ُ
سليمان عليه السلم :رب هب لي ملكا ً ل ينبغي لحد من بعدي ،فردَّه الله
خاسياً.
ضراط الشيطان! ُ - 11
عن أبي هريرة أن رسول الله قال :إذا نودي للصلة أدبر الشيطان وله
وب بالصلة ضراط حتى ل يسمع التأذين .فإذا قضى النداء أقبل ،حتى إذا ث ُ ِّ ُ
أدبر ،حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول :اذكر
كذا اذكر كذا ،لِما لم يكن يذكر ،حتى يظل الرجل ل يذكر كم صلّى.
- 12بول الشيطان!
ل ،فقيل :ما زال نائما ً حتى أصبح ما قام إلى صلة. ذُكر عند النبي رج ٌ
فقال :بال الشيطان في أذنه.
- 13ينزل ربنا إلى السماء الدنيا!
عن أبي هريرة أن رسول الله قال :ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى
خر ،يقول :من يدعوني فأستجيب له؟ السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ال ِ
من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
- 14نزول ابن مريم:
عن ابن المسيَّب أنه سمع أبا هريرة يقول :قال رسول الله :والذي نفسي
سطاً ،فيكسر الصليب، مق ِ بيده ،ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكَما ً ُ
ويقتل الخنزير ،ويضع الجزية ،ويفيض المال حتى ل يقبله أحد.
- 15الجساسة والمسيح الدجال:
عن فاطمة بنت قيس قالت :سمعت منادي رسول الله ينادي :الصلة
جامعة .فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله .فلما قضى صلته
جلس على المنبر وهو يضحك ،فقال :ليلزم كل إنسان مصله .ثم قال :هل
م جمعتكم؟ قالوا :الله ورسوله أعلم .قال :إني والله ما جمعتكم تدرون ل َ
ً ً ً
ة ول لرهبة ،ولكن جمعتكم لن تميما الداري كان رجل نصرانيا فجاء لرغب ٍ
(فبايع) وأسلم ،وحدثني حديثا ً وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح
الدجال .حدثني أنه ركب في سفينة بحريّة معثلثين رجل ً من لخم وجذام،
فلعب الموج شهرا ً في البحر ،فأرفأوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس،
فجلسوا في أقرب السفينة ،فدخلوا الجزيرة ،فلقيتهم دابة ،أهلب كثيرة
دبرها من كثرة الشعر .قالوا :ويلك ما أنت؟ قبلها من ُالشعر ،ل يدرون ما ُ
قالت :أنا الجساسة .قالوا :وما الجساسة؟ قالت :أيها القوم ،انطلقوا إلى
مت لنا رجلً هذا الرجل في الدير ،فإنه إلى خبركم بالشواق .قال :لما س َّ
فَرقنا منها أن تكون شيطانة .قال :فانطلقنا سراعا ً حتى دخلنا الدير ،فإذا َ
فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقاً ،وأشده وثاقاً ،مجموعة يده إلى عنقه،
ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد .قلنا :ويلك ما أنت؟ قال :قد قدرتم على
خبري ،فأخبروني ما أنتم؟ قالوا :نحن أناس من العرب ،ركبنا في سفينة
بحرية ،فلعب بنا البحر شهراً ،فدخلنا الجزيرة ،فلقيتنا دابة أهلب ،فقالت:
سراعاً ،وفزعنا منها أنا الجساسة ،اعمدوا إلى هذا في الدير .فأقبلنا إليك ِ
ولم نأمن أن تكون شيطانة .فقال :أخبروني عن نخل بيسان .قلنا عن أي
شأنها تستخبر؟ قال :أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا :نعم .قال :أما إنها
توشك أن ل تثمر .قال :أخبروني عن بحيرة طبرية .قلنا عن أي شأنها
تستخبر؟ قال :هل فيها ماء؟ قلنا :هي كثيرة الماء .قال :أما إن ماءها
يوشك أن يذهب.
قال :أخبروني عن عين ُزغر .قالوا :وعن أي شأنها تستخبر؟ قال :هل في
العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له :نعم .هي كثيرة الماء،
وأهلها يزرعون من مائها .قال :أخبروني عن نبي الميين ما فعل؟ قلنا :قد
خرج من مكة ونزل يثرب .قال :أَقاتله العرب؟ قلنا :نعم .قال :كيف صنع
بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب ،وأطاعوه .قال لهم :قد
كان ذلك؟ قلنا :نعم .قال :أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم
عني :إني أنا المسيح الدجال .وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج،
فأسير في الرض ،فل أدع قرية إل هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة،
ي كلتاهما ،كلما أردت أن أدخل (واحدة أو) واحدا ً منهما هما محرمتان عل َّ
ملَك بيده السيف صلتا يصدني عنها ،وإن على كل نقب منها استقبلني َ
ملئكة يحرسونها .قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر :هذه طيبة.
هذه طيبة (يعني المدينة) أل هل كنت حدثتكم؟ فقال الناس :نعم .قال:
ت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كن ُ
إل أنه في بحر الشام أو بحر اليمن ،ل بل من قبل المشرق ما هو؟ من قبل
المشرق ما هو ،من قبل المشرق ما هو .وأومأ بيده إلى المشرق.
وفي رواية عن أبي سلمة قال سمعت أبا هريرة قال ،قال رسول الله :أل
أخبركم عن الدجال حديثا ً ما حدثه نبي قومه .إنه أعور ،وإنه يجيء معه مثل
الجنة والنار .فالتي يقول إنها الجنة هي النار .وإني أنذرتكم كما أنذر به
نوح قومه.
عن النواس بن سمعان قال :ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفض فيه
ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل .فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا ،فقال:
عت ت فيه ور َّ
ف َ خ َّ
َ ض َ
ف ْ ت الدجال غداة ف َ
ما شأنكم؟ قلنا :يا رسول الله ذكر َ
حتى ظنناه في طائفة النخل .فقال :غير الدجال أخوفني عليكم .إن يخرج
وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم .وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه،
والله خليفتي على كل مسلم .إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد
العزى بن قطن ،فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه
خارج خلة بين الشام والعراق .فعاث يمينا ً وعاث شمال ً يا عباد الله فاثبتوا.
قلنا :يا رسول الله وما لبثه في الرض؟ قال :أربعون يوماً ،يوم كسنة،
ويوم كشهر ويوم كجمعة .وسائر أيامه كأيامكم .قلنا :يا رسول الله ،فذلك
اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلة يوم؟ قال :ل .اقدروا له قدرة .قلنا :يا
رسول الله وما إسراعه في الرض؟ قال :كالغيث استدبرته الريح فيأتي
على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ،فيأمر السماء فتمطر
والرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا ً وأسبغه ضروعاً
وأمده خواصر ،ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم
فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم .ويمر بالخربة فيقول
لها :أَخرجي كنوزك ،فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل ثم يدعو رجل ً ممتلئاً
شبابا ً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض .ثم يدعوه فيُقبل
ويتهلل وجهه يضحك .فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل
عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا ً كفيه على أجنحة
ملكين إذا طأطأ رأسه قطر ،وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ،فل يحل
لكافر يجد ريح نفسه إل مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفة ،فيطلبه
حتى يدركه بباب لد فيقتله .ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما ً قد عصمهم الله
منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة .فبينما هو كذلك إذ
أوحى الله إلى عيسى :إني قد أخرجت عبادا ً لي ل يدان لحد بقتالهم فحرز
عبادي إلى الطور .ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون،
فيمّر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون
لقد كان بهذه مرة ماء .ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم
النغف في رقابهم فيُصبحون فرسى كموت نفس واحدة .ثم يهبط نبي الله
عيسى وأصحابه إلى الرض فل يجدون في الرض موضع شبر إل مله
زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ،فيرسل الله
طيرا ً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ،ثم يرسل الله مطراً
ن منه بيت مدر ول وبر ،فيغسل الرض حتى يتركها كالزلفة ثم يُقال ليَك ِ ُ
للرض أَنبتي ثمرتك وردّي بركتك .فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة
ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من البل لتكفي
الفآم من الناس ،واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ،واللقحة من
الغنم لتكفي الفخذ من الناس .فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا ً طيبة
فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ،ويبقى شرار
الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر ،فعليهم تقوم الساعة.
- 16انصر ظالماً:
عن أنس بن مالك :قال رسول الله :انصر أخاك ظالما ً أو مظلوماً.
َ
- 17أَطل ّق النبي نساءه؟ عن عبد الله بن عباس ،قال :لم أزل حريصا ً على
أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما أن تتوبا
إلى الله .فقال (عمر) :واعجبي يا ابن عباس! عائشة وحفصة .ثم قال :كنا
دمنا على النصار إذا هم قوم تغلبهم ب النساءَ .فلما ق ِ معشر قريش نغل ُ
ت على امرأتي ُ صح ِ ف النصار. نساء أدب من يأخذن نساؤنا نساؤهم .فطفق
م تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن ت أن تراجعني ،فقالت :ول ِ َ فراجعتني ،فأنكر ُ
أزواج النبي ليراجعنه ،وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل! فأفزعني .ثم
ن رسول ت على حفصة (ابنته) ،فقلت :أتغاضب إحداك َّ ت ثيابي فدخل ُ جمع ُ
ت .أفتأمن أن ْ سر
ِ وخ ت
َ ْ ب خا ت:
ُ فقل نعم. فقالت: الليل؟ حتى اليوم الله
ه لغضب رسوله فتهلكين؟ ل تستكثري على رسول الله ول يغضب الل ُ
غَّرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك تراجعيه ،واسأليني ما بدا لك ،ول ي ُ
ب إلى رسول الله (يريد عائشة) ..ثم قال عمر :فجاء صاحبي وقال: وأح ّ
ي ثيابي فصلّيت صلة الفجر مع النبي، ت عل َّ ُ فجمع نساءه. الله رسول طلّق
ت: ت على حفصة فإذا هي تبكي ،فقل ُ ة له فاعتزل فيها .فدخل ُ فدخل مشُرب ً
ك؟ أَطلّقكن رسول الله؟ قالت :ل أدري .هوذا في ِ ُ ت ّر ذ ح أكن ولم َ
ك؟ أ َ ما يُبكي ِ
ت
ت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ،فجلس ُ ت فجئ ُ المشُربة .فخرج ُ
لغلم
ٍ تُ فقل فيها، هو التي المشربة فجئت أجد، ما غلبني معهم قليلً ،ثم
ت. م َ ن لعمر .فدخل فكلم النبي ثم خرج فقال :ذكرتُك له فص َ ّ أسود :استأِذ ْ
ت: ُ فقل الغلم ت
ُ فجئ أجد. ما غلبني ثم الرهط. مع ت ُ جلس حتى ت
ف ُ فانصر ْ
ت منصرفا فإذا الغلم يدعوني ،قال :أِذن ً ّ
ن لعمر ،فذكر مثله .فلما ولي ُ استأِذ ْ
ت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه ُ فدخل الله. رسول لك
َ َ
ف. وها لِي ٌ ش ُ ح ْ وبينه فراش ،قد أث ّر الرمال بجنبه ،متكئ على وسادة من أدَم ٍ َ
َ
ي فقال: ت نساءك؟ فرفع بصره إل َّ ت وأنا قائم :طلق َ ت عليه ،ثم قل ُ فسل ّم ُ
ت وأنا قائم :أَستأنِس يا رسول الله لو رأيتَني ،وكنا معشر قريش ل .ثم قل ُ
سم النبي. دمنا على قوم ٍ تغلبهم نساؤهم ،فذكره .فتب َّ ِ ق فلما النساء، نغلب
ت ل يغّرنك أن كانت جارتك هي ت على حفصة فقل ُ ت :لو رأيتني ودخل ُ ثم قل ُ
ت حين رأيته ُ فجلس أخرى. سمّ فتب عائشة). (يريد النبي إلى بّ وأح منك أوضأ
ُ
ت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير ً سم .ثم رفع ُ تب َّ
سع و ِّ متك ،فإن فارس والروم ُ سع على أ ّ ع الله فليو ّ ت :اد ُ هبة ثلثة .فقل ُ أَ ْ
َ ُ
وفي شك عليهم وأعطوا الدنيا وهم ل يعبدون الله .وكان متكئاً .فقال :أ َ
جلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. ع ِّم َ أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قو ٌ
فر لي .فاعتزل النبي من أجل ذلك الحديث حين ت :يا رسول الله استغ ِ فقل ُ
ن شهرا ً (من ّ عليه ل
ٍ بداخ أنا ما قال: قد وكان عائشة، إلى ةُ حفص أفشته
شدّة موجدته عليهن حين عاتبه الله) .فلما مضت تسع وعشرون (يوماً) دخل
ت أل تدخل علينا شهراً، على عائشة فبدأ بها ،فقالت له عائشة :إنك أقسم َ
عع وعشرين ليلة أعدُّها عدّاً .فقال النبي :الشهر تس ٌ وإنا أصبحنا لتس ٍ
وعشرون .وكان ذلك الشهر تسعا ً وعشرين .قالت عائشة :فأُنزلت آية
جلي التخيير ،فبدأ بي أول امرأة ،فقال :إني ذاكٌر لك أمراً ،ول عليك أن ل تع َ
ي لم يكونا يأمراني بفراقك .ثم حتى تستأمري أبويك .قالت :قد أعلم أن أبو َّ
ت :أفي ً
قل لزواجك ..إلى قوله عظيما .قل ُ قال إن الله قال :يا أيها النبي ُ
خرة .ثم خيَّر نساءه ي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار ال ِ هذا أستأمر أبو َّ
قلن مثل ما قالت عائشة, ف ُ
- 18الوحي في ثوب امرأة :عن عائشة قالت :كان الناس يتحّرون بهداياهم
مة إن صواحبي اجتمعن فذكََرت له فأعرض عنها, سل َ َيومي .وقالت أم َ
ب فيه عائشة ٌ فحز حزبين، نَ ّ ك الله رسول نساء إن وعن عائشة قالت:
ودة ،والحزب الخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله. َ وحفصة وصفيَّة و َ
س ْ
ة .فإذا كانت عند أحدهم ب رسول الله عائش َ وكان المسلمون قد علموا ح ّ
خرها حتى إذا كان رسول الله في َ هدية يريد أن يُهديها إلى رسول الله أ ّ
ب
ُ حز ِ م ّ فكل عائشة. بيت في الله رسول ب الهدية إلى بيت عائشة بعث صاح ُ
ن لها :كلّمي رسول الله يكلم الناس فيقول :من أراد أن يُهدي قل َ سلمة،ف ُ أم َ
َّ
ه أم َ ُ مت فكل نسائه. بيوت من كان حيث إليه دهاُ ِ ه ي فل هدية الله رسول إلى
ن
قل َ ً
قل شيئا .فسألنها ،فقالت :ما قال لي شيئا .ف ُ ً قلن ،فلم ي ُ سلمة بما ُ
َّ
مته حين دار إليها ،فقال لها :ل تؤذيني في عائشة ،فإن َ فكل فكلميه. لها:
الوحي لم يأتِني وأنا في ثوب امرأة إل عائشة .قالت :أتوب إلى الله من
أذاك يا رسول الله .ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله ،فأرسلت إلى
مته شدنك الله العدل في بنت أبي بكر ،فكل ّ َ رسول الله تقول :إن نساءك ين ُ
عت إليهن فأخبَرتهن، فقال :يا بنيَّة ،أل تحبين ما أحب؟ قالت :بلى .فرج َ
قلن :ارجعي إليه فأبَت أن ترجع .فأرسلن زينب بنت جحش ،فأتته ف ُ
فة، قحا َ ل في بنت ابن أبي ُ شدنك الله العد َ فأغلظت ،وقالت :إن نساءك ين ُ
فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة ،فسبَّتها ،حتى إن رسول
د على زينب حتى الله لينظر إلى عائشة ،هل تتكلم .فتكلمت عائشة تر ّ
ت أبي بكر, أسكتتها .قالت :فنظر النبي إلى عائشة وقال :إنها بن ُ
من بدّل دينه: َ - 19
عث ،فقال :إن وجدتم فلناً عثنا رسول الله في ب َ ْ عن أبي هريرة ،قال :ب َ َ
وفلنا ً فأَحرقوهما بالنار .ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج :إني أمرتكم
ذّب بها إل الله .فإن وجدتموهما أن تحرقوا فلنا ً وفلناً ،وإن النار ل يُع ِ
فاقتلوهما.
ت أنا لموعن عكرمة أن عليّا حَّرق قوما ،فبلغ ابن عباس ،فقال :لو كن ُ ً ً
أُحّرقهم ،لن النبي قال :ل تعذّبوا بعذاب الله ،ولقتلتُهم ،كما قال النبي:
من بدّل دينه فاقتلوه.
دموا على النبي فاجتووا ِ ق ة،ً ثماني لٍ عك ُ من ً رهطا أن وعن أنس بن مالك
رسل .قال :ما أجد لكم إل أن تلحقوا ً غنا ِ المدينة ،فقالوا :يا رسول الله ،اب ِ
َ
حوا وسمنوا ،وقتلوا ّ ص حتى وألبانها أبوالها ود .فانطلقوا فشربوا من بالذّ ْ
الراعي ،واستاقوا الذود ،وكفروا بعد إسلمهم .فأتي الصريخ النبي ،فبعث
جل النهار حتى أُتي بهم ،فقطع أيديهم وأرجلهم ،ثم أمر الطلب ،فما تر َّ
ميت فكحلهم بها وطرحهم بالحَّرة ،يستسقون فما يُسقون ُ
بمسامير فأح ِ
حتى ماتوا .قال أبو قلبة :قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في
الرض فساداً.
ة نبيا ً من النبياء، صت نمل ٌ قَر َ عن أبي هريرة قال :سمعت رسول الله يقولَ :
ة
ت أم ً ُ
رقت .فأوحى الله إليه ،أن قرصتك نملة أحرق َ فأمر بقرية النمل فأح ِ
من المم تسبّح.
- 2ثلث ل يعلمهن إل نبي:
سَلم مقدَم رسول الله المدينة ،فأتاه َ بن الله عن أنس ،قال :بلغ عبد
فقال :إني سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي :أول أشراط الساعة؟ وما
أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ،ومن أي
شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله :خبَّرني بهن آنفا ً جبريل ،فقال
عبد الله :ذاك عدو اليهود من الملئكة .فقال رسول الله :أما أول أشراط
الساعة فناٌر تحشر الناس من المشرق إلى المغرب .أما أول طعام يأكله
أهل الجنة فزيادة كبد الحوت .أما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي
المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له .وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها .قال
(عبد الله) :أشهد أنك رسول الله!.
- 21المرأة تهب نفسها:
ولة بنت حكيم من اللئي وهبن أنفسهن ْ خ
َ كانت قال: حدَّثنا هشام عن أبيه،
للنبي ،فقالت عائشة :أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت
ت :يا رسول الله ما أرى ربَّك إل يسارع في هواك. ترجئ من تشاء منهن قل ُ
َ َ ً
ة له. ت عند أنَس وعنده ابن ٌ ت ثابتا البُن ّاني قال :كن ُ حدَّثنا مرحوم ،قال :سمع ُ
قال أنس :جاءت امرأةٌ إلى رسول الله تعرض عليه نفسها ،قالت :يا رسول
ت أنس :ما أقل حياءها! واسوأتاه! واسوأتاه! ك بي حاجة؟ فقالت بن ُ الله ،أل َ
ت عليه نفسها. ض ْ ت في النبي فعر َ ك ،رغب َ ْ قال (أنس) :هي خيٌر من ِ
- 22فوائد العجوة:
أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه ،قال :قال رسول الله :من تصبَّح كل يوم سبع
م ول سحٌر. ت عجوةً لم يضّره في ذلك اليوم س ٌّ مرا ٍ تَ ْ
- 23من كتاب الطب:
جم ،أو مح َ عن ابن عباس ،عن النبي ،قال :الشفاء في ثلثة :في شرطة ِ
شْربَة عسل ،أو كيَّة بنار .وأنهى أمتي عن الكي. َ
فر ول هامة .فقال ص َعن أبي هريرة ،أن رسول الله قال :ل عدوى ول َ
أعرابي :يا رسول الله ،فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء ،فيأتي
البعير الجرب فيدخل بينها فيُجربها؟ فقال (الرسول) :فمن أعدى الول؟
ل من بني ُزريق يُقال له لُبيد بن ل الله رج ٌعن عائشة ،قالت :سحر رسو َ
َ
العصم ،حتى كان رسول الله يُخي ّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله ،وحتى
سفيان :وهذا أشدّ ما يكون كان يرى أنه يأتي النساء ول يأتيهن( .قال ُ
السحر) .حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي ،لكنه دعا ودعا ثم
ت أن الله أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلن، شعر ِ قال :يا عائشة ،أ َ َ
ي .فقال أحدهما لصاحبه :ما وجع خر عند رجل َّ فقعد أحدهما عند رأسي وال َ
الرجل؟ فقال مطبوب .فقال :من طبَّه؟ قال :لُبيد بن العصم .قال :في أي
ف طلع شط) ،وج ّ م ِّ
مشاطة (ما يخرج من الشعر إذا ُ طو ُ مش ٍ شيء؟ قال :في ُ
س
ٍ نا في الله رسول فأتاها روان. ْ َ ذ بئر في قال: هو؟ وأين ر .قال:
ة ذك ٍ
نخل ٍ
حنّاء ،أو كأن رؤوس ة ال ِع ُمن أصحابه .فجاء فقال :يا عائشة ،كأن ماءها نُقا َ
ت :يا رسول الله ،أفل أَستَخرجه؟ قال :قد نخلها رؤوس الشياطين .قل ُ
ت. ً ُ
فن َ ْ
ور على الناس فيه شرا .فأمر بها فدُ ِ ت أن أث ِّ عافاني الله فكره ُ
عن عبد الله بن عمر ،قال :قال رسول الله :ل عدوى ول طيرة ،إنما الشؤم
في ثلث :في الفَرس ،والمرأة ،والدار.
كان الرواة يتصلون بعضهم ببعض أو ل ،وإذا كانوا معتبَرين ممن يوثَق بهم.
مى المادة التي تعالج هذا الموضوع في علم الحديث الجرح والتعديل. وتُس َّ
أما فيما يتعلق بالمواضيع التي تعالج في الحاديث المروية عن محمد
م كبير منها يتناول ما يُسمى بالحكام والمعاملت ،ويفسر ما هو فقس ٌ
الحلل والحرام ،ويصف قواعد الطهارة والصلة والصوم والزكاة والصدقة
والحج وأمور البر والدب .كما توجد في مصنفات الحديث أبواب تتناول
العقيدة والجهاد ومشاهد القيامة وما إلى ذلك من الجنة والنار والملئكة
والوحي والنبياء والرسل السابقين ،وكل ما يمكن أن يخطر على بال في
العلقة بين الله والعباد.
ويلعب الحديث في مجال التشريع السلمي دورا ً هاما ً جداً ،إذ يرى بعض
خر يناقضها. العلماء جواز نسخ آية قرآنية سابقة بحديث متأ ّ
بما أن الحديث الذي حظي في وقت مبكر بمكانة عليا ،تم تدوينه بعد وفاة
محمد بما يقرب من 24سنة ،بعد ما تنوقل شفاهاً ،فل يمكننا البت في
صحة ما وصل إلينا تحت هذا العنوان .يُروى عن أبي حنيفة أنه لم يعترف إل
بصحة 17حديثاً ,.ويقول أبو داود (888م) صاحب السنن في مقدمة تصنيفه
إنه اختار من بين نصف مليون حديث 48حديثا ً موثوقا ً به فقط ,ول يمكن
النظر إلى معظم الروايات في كتب الحديث كآثار تاريخية وموثوق بها عن
حياة محمد وسيرته ،فكثيرا ً ما نصادف في تلك الروايات ميول وقناعات
الجيال الناشئة بعد محمد ،وقد صيغت في كلم نبي السلم .فإذا رأينا
من اتّباعمحمدا ً يدين بالمذهب القدَري ،وفي الوقت نفسه يحذّر المسلمين ِ
نهج القدريين ل يصعب علينا الحسم في ضعف الحديث ،إذ لم يكن هذا
المذهب معروفا ً في أيام محمد.
وإليك عدد مصنَّفات الحديث المعترف بها عند أهل السنة ،وهي ستة ،وكلها
ونت في القرن الثالث بعد هجرة محمد من مكة إلى المدينة: دُ ِّ
- 1صحيح البخاري ( 870م)
> - 2صحيح مسلم ( 875م)
- 3سنن أبي داود ()888
- 4سنن الترمذي ()895
- 5سنن النَّسائي ()915
- 6سنن ابن ماجه (.)886
ً
وتُسمى هذه المجموعات الست أيضا :الكتب الستة وتُعتبر من حيث الهمية
في المرتبة الثانية بعد القرآن.
ّ
ونت الشيعة مصنفاتها الخاصة للحديث لشكِها في كل رواية في وقد د َّ
سنية ورد في إسنادها من لم ينتم ِ إلى شيعة علي .وأهم المصادر ال ُّ
مجموعة للحديث عند الشيعة هي أصول الكافي أو الكافي في أصول الدين
للعلمة الكليني (941م) .وتحتوي هذه المجموعة على 16199حديثاً ،أي
تقارب مجموع الحاديث الواردة في الكتب الستة ,كما أن لهل السنة الكتب
الستة ،تتمسك الشيعة بكتبها الربعة وهي :الكافي في أصول الدين و من
ل يحضره الفقيه لبي جعفر القمى 381هـ 991م ,يوجد خلف في عدد
الحاديث الواردة في هذا الكتاب ،ويتراوح الرقم بين و ,9أما الكتابان
الخران فهما تهذيب الحكام و الستبصار في ما اختلف من الخبار لبي
جعفر الطوسي ( 46هـ 67 1م) ،ويقال إنهما يحويان ما يقارب 18حديثاً,
- 3أشهر من جمع الحاديث
ت)
> (من المجموعات الس ّ
أول من قام بجمع الحاديث (بشكل فعلي) هو المام البخاري ،حوالي عام
25هـ (865م) .وجمع في كتابه حوالي 7398حديثا ً بدون المكرر .إل أن
عدَّ الحديثهذه العبارة يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين ،وربما ُ
الواحد المروي بإسنادين ,يقول أحمد أمين :فإذا أضيفت إليه المعلقات
والمتابعات والموقوفات والمقطوعات بلغت 82 9وإذا اقتصر على عد
الحاديث الموصلة السند غير المكررة كانت 2862حديثا ً -وهناك من يقول
إن صحيحه يحوي 262حديثا ً بغير المكرر ,وقد جمعها من نحو ستمائة ألف
حديث .وبعده تلميذه مسلم ،الذي جمع في صحيحه حوالي إثني عشر ألف
حديث بالمكرر.
جمعا قبل البخاري ،ولكننا هنا ُ قد والمسند الموطأ أن العلماء ويعتبر بعض
مدين عند جميع المسلمين. من جمع الحديث من الستة المعت َ نتحدث عن أول َ
وأشهر الكتب عند المسلمين هما الصحيحان للبخاري ومسلم ،ثم سنن أبي
داود وسنن ابن وسنن الترمذي والنَّسائي
ولد ببخاَرى سنة 194ه (81 - 1البخاري <:هو محمد بن إسماعيل البخاريُ ،
م) ,بدأ في تصنيف وتقسيم أبواب كتابه الصحيح بمكة ،ولبث في تصنيفه
مه في بخارى موطنه .ومات سنة ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتى أت َّ
256ه ( 87م) .نسب إليه قوله أنه خّرج جامعه من ست مائة ألف حديث
(وفيات العيان,) 19 :4 ،
ورغم ما تعرض له من هجمات عنيفة وانتقادات شديدة فقد نال صحيح
البخاري المرتبة الثانية بعد القرآن وذلك بإجماع المة ,فيقول الخطيب
البغدادي مثل ً بمناسبة حديث أورده البخاري موصول ً في ثلثة مواضع بأن
البخاري يروي جزءا ً من حديث الفك عن أم عائشة وأم رومان عن طريق
مسروق فهذا وهم (أي غلط) لن مسروقا ً لم يسمع عن أم رومان ،فهي
توفيت أيام النبي ومسروق في السادسة من عمره وخفي على البخاري,
وأما مسلم فتفطن إلى ذلك فأبى نقله,
جاج القشيري ،ولد بنيسابور سنة 6 2ه (821 مسلِم :هو مسلم بن الح ّ ُ -2
م) ،وتوفي سنة 261ه ( 875م) ،وقد فاق البخاري في جمع طرق الرواية
حسن الترتيب.
و ُ
قال الذهبي عن أبي عمرـ