عن الأحاديث

You might also like

Download as rtf, pdf, or txt
Download as rtf, pdf, or txt
You are on page 1of 60

‫الجزء الول‪:‬‬

‫تعريف بالحديث‬
‫سنة؟‬ ‫ما هي ال ُّ‬
‫هم‬ ‫مب َ‬ ‫سنة هي المصدر الثاني للتشريع في السلم‪ ،‬وهي التي تبيِّن كل ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ضح المعاملت والعبادات‪ .‬والسنّة والحديث حسب الرأي‬ ‫في القرآن‪ ،‬وتو ِّ‬
‫حدّثين‪ ،‬وخاصة بين المعاصرين منهم‪ ،‬مترادفان متساويان‪،‬‬ ‫م َ‬‫السائد عند ال ُ‬
‫يوضع أحدهما مكان الخر‪ .‬ففي كل منهما إضافة قول أو فعل أو تقرير أو‬
‫صفة إلى النبي محمد غير أن الدراسة التاريخية لجذور هذين اللفظين تثبت‬
‫أن السنة كانت تُطلق على الطريقة الدينية التي كان النبي محمد يسلكها‬
‫مما‬ ‫في سيرته‪ ،‬لن معنى السنة لغة الطريقة‪ .‬وهي ترادف السيرة أيضا ً ِ‬
‫يُبين من استعمالها معها مثل‪ :‬وكان من سنة عمر وسيرته أن يأخذ العمال‬
‫بموافاة الحج في كل سنة‪ ,‬فإذا كان الحديث عاما ً يشمل قول محمد وفعله‪،‬‬
‫فالسنة خاصة بأعمال محمد‪ .‬وفي ضوء هذا التباين في المصطلح يمكن أن‬
‫حدّثين‪ :‬هذا الحديث مخالف للقياس والجماع والسنة أو‬ ‫م َ‬‫ندرك قول ال ُ‬
‫قولهم‪ :‬إمام في الحديث‪ ،‬وإمام في السنة‪.‬‬
‫وفي أول المر عندما عبر السلم عن الطريقة بالسنة لم يفاجئ العرب‪،‬‬
‫فقد عرفوها بهذا المعنى‪ ،‬وكان بوسعهم أن يستوعبوا هذا المعنى حتى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل (سورة‬ ‫قب ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في ال ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫سن َّ َ‬ ‫عند إضافته لله‪ ،‬مثل قولهم‪ُ :‬‬
‫سميت المدينة دار السنة لحرص أهلها على تقليد‬ ‫الحزاب ‪ .)62 :33‬وقد ُ‬
‫محمد‬
‫وتنقسم السنة إلى أنواع هي‪:‬‬
‫ة موثوق بهم عند‬ ‫أ ‪ -‬القوليَّة‪ :‬وهي ما قاله النبي وثبَت عنه‪ ،‬من خلل ُروا ٍ‬
‫مرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن‬ ‫ُ‬
‫علماء المسلمين‪ .‬مثل قول النبي‪" :‬أ ِ‬
‫ل إله إل الله‪ ،‬وأني رسول"‬
‫ب ‪ -‬الفعلية‪ <:‬والسنة الفعلية تشكل أهم جزء من أجزاء السنة قاطبة‪ ،‬إذ‬
‫عليها تعتمد العبادات المفروضة في السلم مثل الصلة والصيام والزكاة‪,‬‬
‫وأما الصلة على سبيل المثال فالقرآن ل يخبرنا إل بصلة الصبح والعشاء‬
‫بينما الوقات الخرى للصلة وطريقة أدائها تؤخذ من الحاديث فقط‪,‬‬
‫والسنة الفعلية هي ما رواه أصحاب محمد من أفعاله كوصفة ووضوئه‬
‫وصلته إلخ‪,‬‬
‫ج ‪ -‬التقريرية‪ :‬وهي ما كان موجودا ً قبل السلم وأقَّره النبي كإقراره‬
‫ب‪ ،‬أو ما فعله بعض الصحابة‬ ‫حراب‪ ،‬وغناء الجاريتين‪ ،‬وأكل لحم الض ّ‬ ‫اللعب بال ِ‬
‫ورآهم النبي يفعلونه‪ ،‬وأقَّره؟ "‪ ,‬أما أهم جزء في سنّة النبي فهو أقواله أو‬
‫سنة جميعاً‪.‬‬ ‫ما يُطلق عليه الحاديث‪ .‬وأحيانا ً يُطلق لفظ حديث على ال ّ‬
‫ما هي الحاديث؟‬
‫ي من الكلم المتّصل بعضه ببعض ولو كان‬ ‫يُراد بالحديث ما رواه الصحاب ُّ‬
‫جمل ً كثيرة‪ ،‬كحديث بدء الوحي‪ ،‬وحادثة الفك‪ .‬وقد يكون الحديث من جملة‬ ‫ُ‬
‫واحدة أو اثنتين‪.‬‬
‫ولقد ورد الحديث في القرآن بعدة معان منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ - 1‬بمعنى رسالة دينية‪" :‬الل َّه ن ََز َ َ‬
‫ث كِتَابا" (سورة الزمر ‪:39‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫ث (سورة القلم ‪.)44 :68‬‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫دي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫هذَا‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ن يُك َ ِ‬
‫ذّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫فذَْرنِي َ‬ ‫‪ .)23‬و َ‬
‫َ‬ ‫في آيَاتِنَا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ر ْ‬‫ع ِ‬‫فأ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫وإِذَا َرأي ْ َ‬ ‫‪ - 2‬بمعنى قصة عامة أو دنيوية‪َ :‬‬
‫ه (سورة النعام ‪.)68 :6‬‬ ‫غي ْ ِ ِ‬
‫ر‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫خو ُ‬ ‫حتَّى ي َ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫سى (سورة طه ‪)9 : 2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬
‫مو َ‬ ‫ث ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل أتَاك َ‬ ‫و َ‬‫‪ - 3‬بمعنى قصة تاريخية‪َ :‬‬
‫ديثا ً (سورة التحريم‬ ‫ي إلَى بعض أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫وا‬
‫َ ْ ِ ْ َ ِ ِ َ ِ‬ ‫ز‬ ‫ِ ّ ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫وإِذْ أ َ ّ‬
‫س‬ ‫ر‪َ :‬‬ ‫‪ - 4‬بمعنى حوار جا ٍ‬
‫‪)3 :66‬‬
‫أما في الحاديث المروية عن محمد فإن لفظة الحديث وردت فيها أيضاً‬
‫على الوجوه الربعة كما هو الحال في القرآن نفسه‪:‬‬
‫‪ - 1‬بمعنى رسالة دينية‪ :‬أحسن الحديث كتاب الله‬
‫‪ - 2‬بمعنى قصة عامة أو دنيوية‪ :‬ومن استمع لحديث قوم وهم له كارهون‪،‬‬
‫أو يفرون منه صب في أذنيه النك‪.‬‬
‫‪ - 3‬بمعنى قصة تاريخية‪ :‬حدثوا عن بني إسرائيل ول حرج‪.‬‬
‫دث الرجل حديثا ً ثم التفت فهي أمانة‪.‬‬ ‫ح ِّ‬
‫ر‪ :‬إذا ُ‬‫‪ - 4‬بمعنى حوار جا ٍ‬
‫قاه المسلمون بالقبول فعملوا به‪ ،‬ومنه ما‬ ‫والحديث الصحيح أنواع‪ ،‬منه ما تل ّ‬
‫تلقاه المحدثون بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحته‪ .‬مثل أحاديث‬
‫البخاري وبالرغم من ذلك‪ ،‬فهناك علماء نازعوا البخاري ومسلم في بعض‬
‫أحاديثهما‪ ،‬كحديث مسلم في خلق السماء والرض أنكره عليه البخاري‬
‫عين‪ .‬ومثل حديث البخاري عن النبي أنه قال عن الحسن‪:‬‬ ‫م ِ‬
‫ويحيى بن َ‬
‫إن ابني هذا سيد‪ ،‬وسيُصلِح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين أنكره‬
‫عليه أبو الوليد الباجي‪.‬‬
‫ون كل حديث من عنصرين‪:‬‬ ‫ويتك ّ‬
‫(ا) السناد‪ ،‬ويحوي أسماء رواة الحديث‪.‬‬
‫(ب) المتن‪ ،‬وهو النص عن محمد أو أحد أصحابه‪ .‬وفيما يلي نقدم حديثاً‬
‫نموذجياً‪ :‬حدثنا علي بن الجعد‪ ،‬أخبرنا شعبة قال‪ :‬أخبرني منصور‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت ربعي بن حراش يقول‪ :‬سمعت عليا يقول‪ :‬قال النبي‪ :‬ل تكذبوا‬
‫ي فليلج النار‪,‬‬ ‫ي فإن من كذب عل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫ويتضح من هذا المثال أن صحة الحديث في السلم تتوقف على سلسلة‬
‫الرواية وأمزجة الرواة فيها‪ .‬وعلى المحدث أن يأخذ السناد بالدراسة‬
‫والتدقيق ليعرف إن وحمدان‪ :‬سألت ابن عقدة أيهما أحفظ‪ ،‬البخاري أو‬
‫ت عليه السؤال مرارا ً فقال‪ :‬يقع للبخاري‬ ‫ميْن‪ .‬فأعدْ ُ‬ ‫مسلم؟ فقال‪ :‬كانا عال َ‬
‫الغلط في أهل الشام‪ ،‬لنه أخذ كتبهم ونظر فيها‪ ،‬فربما ذكر الرجل بكنيته‪،‬‬
‫َ‬
‫ويذكره في موضع آخر باسمه‪ ،‬يظنهما اثنين‪ .‬أما مسلم فقل ّما يوجد له غلط‬
‫في العلل‪ .‬جاء في مقدمة مسلم لصحيحه أنه جمع مصنفه من بين ر‪3‬‬
‫حديثاً‪ ،‬وروي أن كتابه يحوي أربعة آلف حديث دون المكرر‪ ،‬وبالمكرر ‪7275‬‬
‫حديثاً‪ ,‬قال إنه ألف كتابه هذا من ثلثمائة حديث سمعها‪,‬‬
‫سجستاني ولد سنة ‪2 2‬هـ‬ ‫‪ - 3‬أبو داود‪ >:‬هو أبو داود سليمان بن الشعث ال ِّ‬
‫(‪ 817‬م) ومات بالبصرة سنة ‪275‬ه (‪889‬م)‪,‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬لم يصنف في علم الحديث مثل سنن أبي داود‪ ،‬وهو أحسن‬
‫وضعا ً وأكثر فقها ً من الصحيحين‪ .‬وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث ‪:‬‬
‫خر‪ .‬كما‬ ‫سنن أبي داود كثيرة‪ ،‬يوجد في بعضها ما ليس في ال َ‬ ‫إن الروايات ل ُ‬
‫ذكرنا أعله أنه جمع ‪ 48‬حديثا ً من بين ر‪ 5‬حديثا ً كتبت عن النبي‪,‬‬
‫ولد سنة ‪9 2‬ه‬ ‫‪ - 4‬الترمذي‪> :‬هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي‪ُ ،‬‬
‫بترمذ وتوفي بها سنة ‪279‬ه (‪ 892‬م)‪ .‬يتكون جامع الصحيح للترمذي حسب‬
‫طبعة شاكر من ‪ 3956‬حديثا ً وتوجد في شرح الحوذي ‪ 51 4‬حديثاً‪,‬‬
‫سنن الترمذي ما ليس في غيرها من ذكر المذاهب‬ ‫وقال ابن الثير ‪ :‬في ُ‬
‫ووجوه الستدلل وتبيين أنواع الحديث الصحيح والحسن والغريب‪ .‬وتتلمذ‬
‫الترمذي على يد البخاري وأبي داود أبي داود‪.‬‬
‫ولد في نسا من‬ ‫‪ - 5‬النَّسائي‪ :‬هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي‪ُ .‬‬
‫نيسابور سنة ‪215‬هـ ‪ 83‬م وتُوفي في مكة سنة ‪3 3‬هـ (‪ 91‬م)‪ .‬لقد قيل إن‬
‫النسائي أحفظ من مسلم وإن سننه أقل السنن ضعفاً‪,‬‬
‫ل النسائي بدمشق عن فضائل معاوية‪ ،‬فقال‪ :‬أل يرضيه‬ ‫سئ ِ َ‬
‫قال الذهبي‪ُ :‬‬
‫ضله‪ .‬فنُفي إلى مكة وقيل الرملة‪.‬‬ ‫رأسا ً برأس حتى نف ّ‬
‫أما كتابه المعروف بالمجتبى ففيه صعوبة في اتصال السماع والقراءة‪ .‬قال‬
‫أبو جعفر بن ‪ :‬من قال قرأت أو سمعت كتاب النسائي‪ ،‬ولم يبين الرواية‬
‫وزا ً قادحا ً في الرواية‪.‬‬ ‫وز في الذي ذكره تج ُّ‬ ‫التي سمع أو قرأ‪ ،‬فقد تج َّ‬
‫ولد سنة ‪9 2‬هـ (‬ ‫‪ - 6‬ابن ماجه‪ >:‬هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه‪ُ ،‬‬
‫‪ 824‬م)‪ .‬قال ابن الجوزي تعليقا ً على كتاب ابن ماجة السنن ‪ :‬إن فيه نحو‬
‫ثلثين حديثا ً موضوعاً‪ ،‬وقد اشتهر بضعف رجاله‪ .‬وتُوفي ابن ماجه سنة‬
‫‪273‬هـ (‪886‬م)‪ .‬تتكون سنن ابن ماجه من ‪ 4341‬حديثاً‪,‬‬
‫‪ - 7‬المام مالك‪ :‬وهناك أيضا ً الحاديث التي جمعها المام مالك‪ ،‬وهو أبو عبد‬
‫ولد سنة ‪ 95‬هـ ‪ 713‬م بالمدينة وتوفي سنة ‪ 179‬هـ ‪795‬‬ ‫الله مالك بن أنس ُ‬
‫ون من مجموعات الحديث‪ ,‬قيل‬ ‫بها أيضاً‪ ,‬يعتبر مؤلفه الموطأ من أول ما د ّ‬
‫إن مالكا ً روى مائة ألف حديث‪ ،‬جمع منها في الموطأ عشرة آلف‪ ،‬ثم اختار‬
‫منها ‪ 172‬حديثا ً "‪,,‬‬
‫جمعت الحاديث؟‬ ‫كيف ُ‬
‫مما تقدم في تراجم جامعي الحاديث نرى أنهم لم يبدأوا في جمع الحاديث‬
‫إل حوالي عام ‪ 25‬هـ ‪ ،‬أي بعد وفاة محمد بنحو ‪ 24‬سنة‪ .‬وهذه الفترة هي‬
‫مهم‪ ،‬وكذلك فضائل‬ ‫التي حفلت بظهور الحاديث في فضائل بني أمية أو ذ ّ‬
‫بني العباس‪ ،‬وأيضا ً ظهرت فيها أكثر الطوائف السلمية كالخوارج والشيعة‬
‫والمرجئة وغيرهم‪ .‬والذي يراجع كتب أهل الحديث يرى أن معظم‬
‫الموجودين في هذه الفترة الزمنية ضعاف عند أغلب أهل الحديث‪ .‬بالضافة‬
‫إلى المنافع الشخصية التي تعود على من يضع الحديث‪ ،‬خاصة أثناء خلفة‬
‫بني أمية‪ .‬أبرز مثال لهذه الظاهرة هو سيرة النسائي صاحب السنن‪ ،‬فبعدما‬
‫عاد النسائي سنة ‪ )914( 2 3‬من مصر‪ ،‬طلب منه الناس في الشام أن‬
‫يروي لهم احاديث في فضل معاوية على علي‪ ,‬ولما رفض النسائي الرواية‬
‫في فضل معاوية تعرض لضرب شديد في المسجد وتوفي من جراء ذلك في‬
‫طريق مكة سنة ‪ ,,)915( 3 3‬ويقول في ذلك محمد بن اسحاق الصبهاني‪:‬‬
‫سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره‬
‫وخرج إلى دمشق‪ ،‬فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال‪ :‬أما يرضى‬
‫معاوية أن يخرج رأسا ً برأس حتى يفضل؟ وفي رواية أخرى ما أعرف عنه‬
‫فضيلة إل ل أشبع الله بطنك ‪,5‬وكان يتشيع فما زالوا يدفعون في حضنه‬
‫حمل إلى الرملة فمات بها‪ ,‬والقارئ لكتب‬ ‫حتى أخرجوه من المسجد‪ ،‬ثم ُ‬
‫سدي وقتادة‬ ‫الحديث يرى أن أشهر الرواة طُعنوا بالضعف أو بالكذب كال ُّ‬
‫سفيان الثوري‪ ،‬وكذلك أشهر جامعي الحديث طُعنوا بالتدليس على اختلف‬ ‫و ُ‬
‫مستوياته‪ ،‬كالبخاري ومسلم ومالك بن أنس وغيرهم‪,‬‬
‫‪- 5‬التدليس وأنواعه‬
‫ة هو كتمان عيب في شيء ما حتى ل يعلمه المستفيد من هذا‬ ‫التدليس لغ ً‬
‫َ‬
‫مي الراوي من حدّثه‪ ،‬أو‬ ‫الشيء‪ .‬والتدليس عند علماء الحديث هو أن ل يس ِّ‬
‫ق من الدَّلَس‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫اش‬ ‫وقد‬ ‫هم أنه سمع الحديث ممن لم يسمعه منه‪.‬‬ ‫أن يو ِ‬
‫اختلط الظلم بالنور‪,‬وينقسم التدليس في اصطلح المحدثين إلى ثلثة‬
‫أقسام‪( :‬أ) تدليس السناد‪ ،‬و(ب) تدليس الشيوخ‪ ،‬و(ج) تدليس التسوية‪.‬‬
‫قط‬ ‫أ ‪ -‬تدليس السناد‪ :‬تدليس السناد هو أول أنواع التدليس‪ ،‬وهو أن يُس ِ‬
‫ظ ل يقتضي التّصال‪،‬‬ ‫الراوي اسم شيخه الذي سمع منه إلى من يليه بلف ٍ‬
‫من لقيه وسمع منه مالم‬ ‫كقوله عن فلن أو قال فلن‪ .‬أو أن يروي ع َّ‬
‫يسمع‪ ،‬ول يذكر ذلك‪.‬‬
‫قال البَّزاز ‪ :‬إن كان يدلس عن الثقات فتدليسه مقبول عند أهل العلم‪.‬‬
‫شعبة قال‪:‬‬ ‫مه‪ .‬فروى الشافعي عن ُ‬ ‫شعبة وأكثر العلماء فقد بالغوا في ذ ِّ‬ ‫أما ُ‬
‫ُ‬
‫ي من أن أدلس‪.‬‬ ‫ب إل َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أزني أح ّ‬ ‫التدليس أخو الكذب‪ .‬وقال‪ :‬ل ْ‬
‫عرف عنه التدليس في السناد ولو مرة‬ ‫د مطلقا ً من ُ‬‫وكان الشافعي ير ُّ‬
‫واحدة‪ .‬ولكن أكثر العلماء اتفقوا على أن الراوي الذي نُسب إليه التدليس‪،‬‬
‫يُقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع‪ ،‬ويرد ما كانت عبارته محتملة‬
‫مبهمة‪,‬‬
‫عرف عنه تدليس السناد الصبهاني أصبهاني صاحب حلية‬ ‫وأشهر من ُ‬
‫الولياء وزيد بن أسلم العمري بن أسلم العمري ‪ ،‬والدارقطني صاحب‬
‫السنن والبخاري وأبو داود وسفيان الثوري ‪ ،‬والمام مسلم جامع الصحيح‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تدليس الشيوخ‪ :‬وهو أن يصّرح الراوي باسم المروي عنه باسم ٍ أو كنية‬
‫لم يُعرف بها لضعفه‪ ،‬كقول أبي بكر بن مجاهد أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة‬
‫القراء‪ :‬حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود‬
‫جستاني‪ ،‬وفي هذا تضييع للمروي عنه‪.‬‬ ‫س ِ‬
‫ال ّ‬
‫ً‬
‫ويرى ابن الصلح ابن الصلح أن الخطيب البغدادي كان لهجا بهذا القسم‬
‫في مصنفاته‪ ,‬وينقل عنه بعض المثلة في ذلك منها أن الخطيب البغدادي‬
‫كان يروي في كتبه عن أبي القاسم الزهري‪ ،‬وعن عبيد الله بن أبي الفتح‬
‫القاسمي‪ ،‬وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي‪ ،‬والجميع شخص‬
‫واحد من مشايخه‪.‬‬
‫ل الخطيب البغدادي عن‬ ‫ويعلق الدكتور صبحي الصالح‪ :‬نحن في الواقع نج ّ‬
‫أن يكون قصده تعمية أمر واحد من هؤلء الشيوخ‪ .‬ولكننا ل نكتم استغرابنا‬
‫من ذكره هذه السماء التي يصعب معها معرفة الشيخ‪ ،‬مع أنها لشخص‬
‫واحد‪ ،‬وهو يعلم أنها لشخص واحد‪ .‬وإن كثيرين ل يفطنون لذلك‪,‬‬
‫ومن أمثلة من كانوا يدلسون من الشيوخ‪ :‬مروان بن ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫إسحاق بن اسحاق ‪ ،‬وقتادة‬
‫و‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫عن‬ ‫(أي‬ ‫ثقة‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ً‬ ‫حديثا‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ُ َ ِّ‬‫م‬ ‫ال‬ ‫يروي‬ ‫أن‬ ‫ج ‪ -‬تدليس التسوية‪ :‬وهو‬
‫مدلس الضعيف الذي في السند‬ ‫قط ال ُ‬ ‫موثوق به) عن ضعيف‪ ،‬عن ثقة‪ .‬فيُس ِ‬
‫فيجعل الحديث عن ثقة عن ثقة‪ ،‬فيستوي بذلك السناد‪ ،‬كله ثقات‪.‬‬
‫وهذا النوع هو أشّر أقسام التدليس‪ ،‬لن الثقة الول ل يكون معروفاً‬
‫ة‬
‫بالتدليس‪ ،‬ويجده الواقف على السند كذلك (بعد التسوية) قد رواه عن ثق ٍ‬
‫خر‪ ،‬فيحكم للحديث بالصحة‪.‬‬ ‫آ َ‬
‫وقد اشتهر بهذا النوع من الحديث بعض أكبر أئمة الحديث‪ ،‬مثل مالك بن‬
‫أنس صاحب الموطأ وأبي إسحاق أبو اسحاق ‪ ،‬والوليد بن مسلم‪.‬‬
‫وكان بعض المدلسين من أئمة الحديث يجدون في التدليس متعة نفسية‪،‬‬
‫فل تحلو لهم الدعابة إل بهذا الضرب من الرواية المبهمة يخوضون فيه‬
‫متساهلين‪ ،‬ثم يندمون ويتوبون‪ .‬قيل لهيثم بن بشير‪ :‬ما يحملك على‬
‫التدليس؟ فأجاب‪ :‬إنه أشهى شهي!‪,‬‬
‫ولم يكن هيثم بن بشير هو الوحيد في هذا الفن‪ ،‬فقد اعترف علماء الحديث‬
‫عيينة والعمش‬ ‫عيينة ابن ُ‬‫بوقوع التدليس من أشهر أئمة الحديث مثل‪ :‬ابن ُ‬
‫أعمش وقتادة والحسن البصري الحسن البصري وعبد الرزاق والوليدبن‬
‫عيينة‬ ‫مسلم‪ .‬والغريب في المر وصف علماء الحديث لهيثم بن بشير وابن ُ‬
‫عيينة بالمانة والحفظ والضبط‪ ..‬والغرب أنهم يبررون هذه الظاهرة‬ ‫ابن ُ‬
‫بقولهم‪ :‬فما أقل الذين سلموا من التدليس‪ ,‬حتى ابن عباس لم يسمع من‬
‫محمد إل أحاديث يسيرة‪ .‬قال بعضهم أربعة وبقية أحاديثه سمعا ً من الصحابة‬
‫عن محمد‪ .‬ولكننا نجده ل يكاد يذكر أحدا ً بينه وبين محمد فيقول‪ :‬قال‬
‫رسول الله‪,‬‬
‫‪- 6‬أنواع الحاديث‬
‫قسم أهل العلم الحاديث إلى بضع وثلثين نوعاً‪ ،‬سنورد بعضها مع التعريف‬
‫بها‪:‬‬
‫ة عن ثقة إلى‬ ‫‪ - 1‬الصحيح‪< :‬هو الحديث المسنَد الذي يتّصل إسناده بنقل ثق ٍ‬
‫منتهاه‪ ،‬ول يكون شاذا ً ول معلّلً ‪,," 6‬‬‫ُ‬
‫والحاديث الصحيحة توجب العمل بها باتفاق الئمة‪ ،‬فقد اتفق أهل العلم‬
‫بالحديث على أن أصح الحاديث عن رسول الله هي ما رواه أهل المدينة‪ ،‬ثم‬
‫أهل البصرة‪ ،‬ثم أهل الشام‪ .‬وقال الخطيب البغدادي ‪ :‬أصح طرق السنن ما‬
‫يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة‪ ،‬فإن التدليس عندهم قليل‪ .‬والعجيب في‬
‫المر أن الخطيب البغدادي نفسه كان ممن اشتهروا بالتدليس‪ .‬وأما أهل‬
‫الحرمين فيكفي فيهم ما ذكرناه سلفا ً عن ابن عباس وهو من كبار الئمة‪.‬‬
‫وقد اعترف علماء الحديث بأن الصحيح ل يجب أن يفيد دائما ً الصحة‪ :‬إذ‬
‫يقول بعضهم أصح شيء في الباب كذا‪ ،‬فل يلزم من هذا التعبير صحة‬
‫الحديث‪,‬فإنهم يقولون وإن كان الحديث ضعيفاً‪ ،‬ومرادهم أرجح ما في الباب‬
‫أو أوله ضعفاً‪,‬‬

‫‪ - 2‬المسنَد‪ <:‬هو ما اتصل إسناده إلى الرسول‪ ،‬وقال الخطيب‪ :‬هو ما‬
‫اتّصل إلى نهايته‪ .‬وقال ابن عبد البر ابن عبد البر ‪ :‬هو المروي عن الرسول‬
‫سواء كان متصل ً أو منقطعاً‪.‬‬

‫سن‪ :‬وهو الذي سنده ثقات‪ ،‬ولكن فيه ضعف محتمل مثل قلة‬ ‫‪ - 3‬الح َ‬
‫ج به عند أهل الحديث‪,‬‬
‫الضبط‪ ،‬ويُحت ّ‬
‫‪ - 4‬الضعيف‪ :‬وهو ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح‪,6‬ول صفات الحسن‪.‬‬
‫ويُقسم الضعيف إلى أنواع حسب مواطن ضعفه‪ ،‬فمنه الموضوع‪،‬‬
‫ضل‪.‬‬ ‫والمقلوب‪ ،‬والشاذ‪ ،‬والمعلّل‪ ،‬والمضطرب‪ ،‬والمر َ‬
‫سل‪ ،‬والمع ِ‬

‫‪ - 5‬المتّصل أو الموصول‪ <:‬وهو ما اتّصل سنده ولم ينقطع بسقوط أحد‬


‫و‪.‬‬
‫بسقوط أكثر من را ٍ‬ ‫سل‬‫الرواة‪ ،‬ولم ير َ‬
‫ل أو فعل‪ ،‬سواء كان متصل ً أو‬ ‫قو‬ ‫من‬ ‫للنبي‬ ‫ضيف‬ ‫‪ - 6‬المرفوع‪ <:‬هو ما أ ُ‬
‫ٍ‬
‫منقطعاً‪.‬‬
‫‪ - 7‬الموقوف‪ <:‬وهو الذي يُروى عن الصحابة من حيث قولهم وفعلهم‪.‬‬
‫‪ - 8‬المقطوع‪ <:‬وهو الموقوف على التابعين قول ً وفعلً‪ ،‬ويكون غير‬
‫منقطع السناد‪.‬‬
‫سل‪ <:‬وهو أن يُروى عن أحد التابعين الذين لم يعاصروا النبي‪،‬‬ ‫‪ - 9‬المر َ‬
‫قطاً‬‫سل ً كلمه للنبي مس ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر‬ ‫النبي‬ ‫قال‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫الصحابة‪،‬‬ ‫بعض‬ ‫عاصر‬ ‫ولكن‬
‫من الصحابة‪ .‬إن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على‬ ‫من سمع منه ِ‬ ‫َ‬
‫أن لها أصل والحديث المرسل يحتج به ان تواترعن أكثر من محدث وراوي‬
‫قط من السناد رجل‪ ،‬أو يُذكر فيه رجل‬ ‫‪ -10‬المنقطع‪ <:‬وهو أن يُس َ‬
‫سل‬ ‫َ‬ ‫المر‬ ‫أن‬ ‫غير‬ ‫المرسل‪.‬‬ ‫مثل‬ ‫إسناده‪،‬‬ ‫يتصل‬ ‫مجهول‪ .‬وقيل هو كل ما ل‬
‫هو ما يُطلق على ما رواه أحد التابعين عن النبي‪,‬‬
‫ضل‪ <:‬وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً‪ .‬ومنه ما يرسله‬ ‫‪ - 11‬المع ِ‬
‫تابع لحد التابعين‪,‬‬
‫‪ - 12‬المدلس‪ :‬وهو قسمان أحدهما‪ :‬أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه‪،‬‬
‫موهما ً أنه سمعه منه‪ ،‬كأن يقول قال فلن أوعن‬ ‫أو عمن عاصره ولم يلقه‪ُ ،‬‬
‫فلن‪ .‬وقد ُرويت في الصحيحين أحاديث من هذا النوع مثل أحاديث سفيان‬
‫عيينة والعمش وقتادة‪ .‬والثاني هو ذكر اسم الشيخ أو‬ ‫الثوري وسفيان بن ُ‬
‫ة لمره وتصعيبا ً للوقوف على حاله‪.‬‬ ‫كنيته على خلف المشهور‪ ،‬تعمي ً‬
‫‪ - 13‬الشاذ (الغريب)‪ :‬وهو أن يروي الثقة حديثا ً يخالف ما رواه الناس‬
‫و إل عن‬ ‫منفردا ً به وليس له طريق آخر‪ ،‬كحديث إنما العمال بالنيات فلم يُر َ‬
‫عمر بن الخطاب وعنه علقمة وعنه محمد بن إبراهيم التيمي بن ابراهيم‬
‫التيمي ‪ ،‬وعنه يحيى بن سعيد النصاري‪ .‬وهذا الحديث ليس له وجه آخر إل‬
‫هذا‪,‬‬
‫‪ - 14‬المنكر‪ :‬وهو مثل الشاذ‪ ،‬غير أن راويته فيها ضعف‪ ،‬فهو منكر مردود ل‬
‫يُحتج به‪,‬‬
‫‪ - 15‬المتابعات والشواهد‪ :‬وهو أن يروي مجموعة من الصحابة حديثا ً واحداً‪،‬‬
‫فيصل لنا من عدة طرق‪ ،‬بعدة أسانيد‪ ،‬ويتغاضى فيه عن الضعيف قريب‬
‫الضعف‪ ،‬لن تعدد الطرق يقوي بعضها بعضاً‪.‬‬
‫‪ - 16‬الفراد ‪ >:‬وهو أن ينفرد به الراوي عن شيخه كالشاذ‪ ،‬أو ينفرد به أهل‬
‫القطر‪ ،‬كانفراد أهل العراق بحديث تحليل النبيذ في حجة الوداع‪ ،‬وهو ما‬
‫نقله ابن عبد البر ابن عبد البر في العقد الفريد‪,‬‬
‫‪ - 17‬زيادة الثقة‪ :‬وهو أن يزيد أحد الثقات في نص الحديث جملة أو أكثر‪.‬‬
‫‪ - 18‬المعــلل‪ :‬وهـو أن تجمـع طرق الحديـث وينظـر فـي رواتـه‪ ،‬فيقـع فـي‬
‫رف بالحديث أن الحديث معلول‪ ،‬فيحكم بعدم صحته‪,‬‬ ‫نفس العالِم العا ِ‬
‫ص بعينه في السناد‪ ،‬أو‬ ‫‪ - 19‬المضطرب‪ <:‬وهو أن يختلف الرواة في شخ ٍ‬
‫في جملة بعينها في المتن‪ ،‬مثل حديث غدير خم في ولية علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬وهو ما تحتج به طوائف الشيعة‪ ،‬ومثل أحاديث زواج المتعة في كل‬
‫كتب الحديث‪.‬‬
‫ص الحديث من كلم الراوي‬ ‫‪ - 2‬المدَرج‪ <:‬وهو أن تُزاد لفظة أو جملة في ن ّ‬
‫ص الحديث فيرويها كذلك‪ .‬وقد وقع هذا كثيرا ً في‬ ‫من ن ّ‬‫فيحسبها السامع ِ‬
‫الصحاح والمسانيد وكتب السنن‪.‬‬
‫‪ - 21‬الموضوع‪ <:‬ولذلك شواهد كثيرة‪ ،‬منها إقرار واضعه‪ ،‬أو ركاكة ألفاظه‪،‬‬
‫أو فساد معناه‪ ،‬مخالفة لما أتى في القرآن والسنة الصحيحة‪ ،‬وهو أن يباين‬
‫المنقول‪ ،‬أو يخالف المعقول‪ ،‬أو يناقض الصول (وسوف نتكلم عن هذه‬
‫الموضوعات بالتفصيل في فصل لحق)‪.‬‬
‫‪ - 22‬المقلوب‪ <:‬وهو أن يوضع إسناد حديث على نص حديث آخر‪ ،‬وقد يكون‬
‫في السناد كله أو بعضه‪,‬‬

‫‪ - 7‬الحاديث الموضوعة‬
‫قل نبيُّكم كذا؟ فيكون الرد‬‫أحيانا ً نتعجب من المسلمين حين نسألهم‪ :‬ألم ي ُ‬
‫مختَلَق‪ .‬فهل بهذه البساطة ينكرون كلم نبيّهم؟ ووجدت جواب‬ ‫أنه موضوع ُ‬
‫ذلك في أنه من كثرة ما طُعن في رواة الحديث أصبحت معظم الحاديث‬
‫تحتمل الصحة والغلط في وقت واحد! فالراوي الذي يكذّبه البخاري يوثّقه‬
‫سنة‪ ،‬حتى وصل المر إلى إنكار‬ ‫النَّسائي‪ ،‬والذي يقبله الشيعة تنكره أهل ال ُ‬
‫معظم الحاديث‪.‬‬
‫والذي ينظر إلى ما كُتب في الحاديث الموضوعة يرى كثرتها وشهرتها‪،‬‬
‫ويكفي أن تعرف أن النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكون ذكر أكثر من‬
‫فل‪.‬‬ ‫غ َ‬
‫م ْ‬‫ستمائة اسم بين وضاع وضعيف ومتروك و ُ‬
‫وذكر أهل الحديث أسماء مشاهير الرواة‪ ،‬واتهموهم بوضع الحديث كأبي‬
‫الحامد الغزالي‪ ،‬وعبد القادر الجيلني ‪ ،‬وأبي طالب المكي (وهم من‬
‫سدي وأبي إسحاق وقتادة ومجاهد‪ .‬بل وصل المر في عهد‬ ‫الصوفية) وال ُّ‬
‫الصحابة إلى قيام عمر بن الخطاب بضرب أبي هريرة بدَُّرته ليمنعه عن كثرة‬
‫رواية الحديث‪ ,‬ومما يُذكر في الكتب من وضع عبد الله بن سلم وكعب‬
‫الحبار ووهب بن منبه للحديث كثير‪.‬‬
‫وضعت على النبي‪ ،‬تُحلل‬ ‫وجاء في بعض الكتب أن هناك ‪ 14‬ألف حديث ُ‬
‫رم الحلل‪ ،‬والذي ساعد على ذلك أن محمدا ً أمر بأل ّ يُكتب عنه‬ ‫الحرام وتُح ّ ِ‬
‫غير القرآن‪ ،‬فقال‪ :‬ل تكتبوا عني غير القرآن‪ .‬فكانت الحاديث تُحفظ ويُزاد‬
‫فَرق الرافضة والخوارج‬ ‫فيها أو يُنقص منها حسب الهوى‪ ،‬فقد كانت ِ‬
‫ً‬
‫ي استحسنوه جعلوه حديثا وهناك أسباب عديدة‬ ‫والشيعة إذا اجتمعوا على رأ ٍ‬
‫دت إلى وضع الحديث‪ ،‬أهمها السباب السياسية والعقائدية‪ .‬فقد حاول‬ ‫أ َّ‬
‫كثيرون الترويج لمذهبهم أو تبرير سلطتهم من خلل الحاديث التي تُروى‬
‫عن محمد ‪ ،‬وهناك الكثير من المثلة على ذلك منها‪ :‬قيل لمأمون بن أحمد‬
‫الهراوي ‪ :‬أل ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ فقال‪ :‬حدثنا أحمد بن‬
‫عبد الله‪ .‬حدثنا عبد الله بن معدان الزدي عن أنس مرفوعاً‪ :‬يكون في أمتي‬
‫رجل يُقال له محمد بن إدريس ‪ -‬الشافعي ‪ -‬أضّر على أمتي من إبليس‪.‬‬
‫ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة أبو حنيفة ‪ ،‬يكون في أمتي رجل‬
‫اسمه النعمان (أبو حنيفة) مرويا ً عن أبي هريرة (!)‪ ,‬هو سراج أمتي‪,‬‬
‫وأغرب من ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي ‪ ،‬قال‪ :‬كنت‬
‫عند سعد بن طريف‪ ،‬فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي‪ .‬فقال‪ :‬مالك؟ قال‪ :‬ضربني‬
‫المعلم‪ .‬قال‪ :‬لخزينَّهم اليوم‪ .‬حدثني عكرمة ابن عباس مرفوعاً‪ :‬معلّمو‬
‫شراركم‪ ،‬أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسكين‪ ,‬ويذكر عبد‬ ‫صبيانكم ِ‬
‫الله بن يزيد المقرئ أن رجل ً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول‪:‬‬
‫انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه‪ .‬فإنا إذا رأينا رأيا ً جعلنا له حديثاً ‪,‬‬
‫ضاعون في الحديث فقال‪ :‬ولو‬ ‫وذكر الستاذ صبحي الصالح ما فعله الو ّ‬
‫ضاعون ونسبوه إلى رسول الله لما أمكننا‬ ‫ذهبنا نستقصي ما افتراه الو ّ‬
‫إحصاؤه‪ .‬فالزنادقة وحدهم وضعوا (كما قال حماد بن يزيد) أربعة عشر ألف‬
‫حديث‪ .‬وعبد الكريم بن أبي العوجاء وضع (باعترافه) أربعة آلف حديث‪ .‬فإنه‬
‫ُ‬
‫ت فيكم أربعة‬ ‫لما أخذ لتُضرب عنقه في خلفة المهدي صاح قائلً‪ :‬لقد وضع ُ‬
‫ل الحرام‪,‬‬ ‫آلف حديث أحّرم فيها الحلل وأُح ّ‬
‫البيئة العقائدية لمحمد‪:‬‬
‫ً‬
‫لم تكن الجزيرة العربية خلوا من الديانات‪ ،‬بل كان بها كثير من العقائد‬
‫الدينية‪ .‬وكانت إرهاصات النبوة تمل الجزيرة العربية‪ ،‬فاليهود ينتظرون‬
‫مجيء المشيح المنتظر ‪ ،‬والمسيحيون ينتظرون المجيء الثاني للمسيح ‪،‬‬
‫والحنفاء ينتظرون نبيا ً لهم‪ .‬وفي هذا يقول أمية بن أبي الصلت أمية بن‬
‫أبي الصلب ‪:‬‬
‫أل نبي لنا منا فيخبرنا ‪ ::‬ما بعد غايتنا من رأس محيانا‪,‬‬
‫قس بن ساعدة في سوق عكاظ‬ ‫فنشأ محمد في وسط هذه البيئة‪ ،‬يلتقي ب َ‬
‫دم‬‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ف‬ ‫البخاري‪:‬‬ ‫يرويه‬ ‫فيما‬ ‫الكعبة‬ ‫ويسمعه‪ .‬ويجلس مع زيد بن نفيل عند‬
‫ت آكل مما تذبحون على أنصابكم‪ ،‬ول آكل إل ما‬ ‫لهم طعاما ً فقال زيد‪ :‬لس ُ‬
‫ذُكر اسم الله عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫وته قريبا من‬ ‫ً‬
‫ثم يتزوج محمد من خديجة ويظل خمسة عشر عاما قبل نب ّ‬
‫ورقة بن ‪ ،‬ابن عم خديجة‪ ،‬وهو على ما تذكر كتب السيرة كان يترجم‬
‫النجيل للعربية‪ ،‬ويدعو للتوحيد الكتابي‪ ،‬ومن المنطقي أن يدعو محمدا ً إلى‬
‫ذلك (السيرة النبوية لبن هشام)‪.‬‬
‫ونقرأ في صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال‪ :‬ردفت رسول‬
‫الله فقال‪ :‬هل معك من أُمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هيه‪.‬‬
‫فأنشدته بيتاً‪ ،‬فقال‪ :‬هيه‪ .‬ثم أنشدته بيتاً‪ .‬فقال‪ :‬هيه‪ .‬حتى أنشدته مائة‬
‫بيت‪ ,‬ثم نجد حديثا ً آخر عن أبي هريرة‪ :‬قال رسول الله‪ :‬أصدق كلمة قالها‬
‫شاعر كلمة لبيد‪ :‬أل كل شيء ما خل الله باطل‪ ,‬فهذا محمد يطلب أن يسمع‬
‫شعر الحنفاء‪ ،‬ويحفظ منه‪ ،‬ويلتقي بهم في أسواقهم الثقافية‪ ،‬ويرافق‬
‫أحدهم خمسة عشر عاماً‪ ،‬ويلتقي بآخر حول الكعبة‪ .‬بل ذهب الدكتور‬
‫القمني في كتابه الحزب الهاشمي إلى أن عبد المطلب جد محمد كان أحد‬
‫زعماء الحنفاء‪ ،‬وذلك بالضافة إلى جده الكبركعببن لؤي الذي ابتدع يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فكان يدعو قريشا ً ويعظهم فيه ويدعوهم للتوحيد‪ ،‬ويحملهم على‬
‫التأمل في خلق السماء والرض‪ ،‬واختلف الليل والنهار‪ ،‬وكان يتصدق‪،‬‬
‫ويحفظ العهد‪ ،‬ويفشي السلم‪ .‬فكل هذا كان متوارثا ً في بيئة محمد ولم‬
‫يكن جديدا ً عليها‪.‬‬
‫وكما رأينا أن هذه الخلط من الديانات التي نشأ محمد في وسطها واحتك‬
‫م على دعوته‬ ‫من ث َّ‬
‫بها ل بد أن يكون لها تأثيرها على موروثه العقائدي‪ ،‬و ِ‬
‫التي لم تختلف كثيرا ً عن أغلب الدعوات قبلها‪ ،‬إل في تبنّيها لشريعة الجهاد‬
‫(كما ترى ذلك في تعليقنا على أحاديث الجهاد‪ ،‬في الجزء الثاني من هذا‬
‫ولد محمد في مجتمع يعرف الله‪ ،‬وإن كانت معرفته غير‬ ‫الكتاب)‪ .‬لقد ُ‬
‫سليمة‪ ،‬ثم عاش في بيئة تنتمي إلى الحنفاء وتوحيدهم‪ .‬ونعتقد أن أخلط‬
‫ديانات الجزيرة هي التي أوجدت محمدا ً ‪ ،‬وأنه هو الذي نشرها وتبنّاها‬
‫مضيفا ً لها شرع الجهاد مسميا ً إياها السلم‪ .‬والواضح أن لهذا الموروث‬
‫العقائدي أثره حتى على الحديث الصحيح‪ ،‬كما سنرى في الحاديث التي‬
‫جاءت بشأن المسيح‪ ،‬أو حتى في أحاديث الحدود‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪:‬‬
‫تناقضات الحديث‬
‫‪ - 1‬أحاديث الطهارة‬
‫تتميَّز أحاديث هذا الباب بكثرتها واضطرابها وضعف أكثر ُرواتها‪ ،‬إما بالكذب‬
‫أو النسيان أو التغفيل‪ .‬وبالرغم من أن عنوان هذا الباب هو كتاب الطهارة‬
‫فإنه يحتوي على ما ل ينتمي للطهارة بصلة‪ ،‬مثلما رواه أحمد والبخاري من‬
‫خم النبي نُخامة إل‬ ‫حديث صلح الحديبية عن مروان بن الحكم قال‪ :‬ما تن َّ‬
‫خم أي دفع شيئا ً من صدره‬ ‫ل‪ ،‬فدلك بها وجهه ورجليه (تن َّ‬ ‫ف رج ٍ‬‫وقعت في ك ّ‬
‫أو أنفه)‪.‬‬
‫وأيضا ً ما رواه ابن عباس مرفوعا‪ :‬إن في أبوال البل شفاء للذربة‬
‫ً‬
‫بطونهم‪(,‬الذرب داءٌ يصيب المعدة فل تهضم الطعام‪ ،‬ويفسد فيها فل‬
‫تمسكه)‪.‬‬
‫عكل (قبيلة من‬ ‫وعن أنس بن مالك أنس بن مالك قال إن رهطا ً من ُ‬
‫ق ذات لبن) وأمرهم أن‬ ‫قضاعة) أتوا المدينة فأمر لهم النبي بلقاح (نيا ٍ‬ ‫ُ‬
‫يشربوا أبوالها وألبانها‪,‬‬
‫ورغم أن محمدا ً أمر أتباعه أن يشربوا من بول البل‪ ،‬إل أن حديثا ً آخر يقول‬
‫إن محمدا ً قال‪ :‬تنَّزهوا من البول‪ ،‬فإن أكثر عذاب القبر منه‪ .‬وعن ثوبان‬
‫قال‪ :‬قال النبي‪ :‬الماء طهور إل ما غلب على ريحه وطعمه‪.‬‬

‫ضأ من بئر بضاعة وهي بئر تُطرح فيها‬ ‫ورغم هذا فإن محمدا ً شرب وتو َّ‬
‫محايض النساء ولحم الكلب وعذر (براز) الناس‪ ،‬وماؤها متغيِّر‬
‫اللون‪,‬وأعجب ما في المر أن هذه الحاديث وردت في كتاب واحد هو كتاب‬
‫الطهارة بل وفي مرجع واحد هو نيل الوطار‪ .‬ورغم أن ُرواتها هم أئمة‬
‫الحديث عند المسلمين‪ ،‬كالبخاري وأحمد والشافعي والنَّسائي وابن ماجة‬
‫والدارقطني والحاكم والبيهقي ‪ ،‬فإن المسلمين أنكروا نسبة أغلبها للنبي‪،‬‬
‫أو بَّرروا هذا الخبط بالناسخ والمنسوخ‪ .‬فمثل ً يروي أبو داود والنسائي‪ :‬نهى‬
‫النبي أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة‪ ،‬أو المرأة بفضل وضوء‬
‫قي من الوضوء)‪ .‬ثم يروي أبو داود‬ ‫الرجل‪(,‬فضل الوضوء‪ :‬هو الماء المتب ّ‬
‫والنسائي أيضا ً أن النبي كان يتوضأ بفضل وضوء ميمونة وعائشة وهما‬
‫جنُبان‪,‬‬
‫ُ‬
‫وحين نتساءل عن هذا التضارب نجد الجابات تتأرجح بين ناسخ ومنسوخ أو‬
‫التخفيف على المسلمين أو إن ذلك رخصة للنبي وحده‪ ،‬مثل الرخصة له في‬
‫وج بمن يشاء‪.‬‬ ‫التز ُّ‬
‫وأحيانا ً تجد مجموعة من الحاديث التي ل يمكن تفسيرها تفسيرا ً مقبول‪ً،‬‬
‫مثلما رواه البخاري عن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬توضأ النبي مرةً مرة‪ ،‬لم يزد على‬
‫هذا‪ ,‬ثم يروي البخاري في نفس الباب عن عبد الله بن زيد ‪ ،‬قال‪ :‬إن النبي‬
‫توضأ مرتين مرتين‪ ,‬فيردّ عليه مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان قال‪:‬‬
‫أل أريكم وضوء النبي؟ فتوضأ ثلثا ً ثلثاً‪,‬‬
‫ولنا الحق أن نتساءل‪ :‬هل كان وضوء محمد مرة أم اثنتين أم ثلثاً؟‬
‫ُروي عن عمار بن ياسر قال‪ :‬قال النبي ثلث ل تقربهم الملئكة‪ :‬جيفة‬
‫جنُب إلى أن‬ ‫مخ بالخلوق (أي‪ :‬المتطيِّب بالزعفران) وال ُ‬ ‫الكافر‪ ،‬والمتض ِّ‬
‫يتوضأ‪ .‬ورغم ورود هذا الكلم على لسان محمد فإنه قال في موضع آخر‪:‬‬
‫ي الطّيب والنساء‪ ،‬وجعلت قرة عيني في الصلة‪,‬‬ ‫حبِّب إل َّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سأ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫بالقول‪:‬‬ ‫الحيض‬ ‫فترة‬ ‫في‬ ‫النساء‬ ‫باعتزال‬ ‫القرآن‬ ‫أمر‬ ‫ورغم‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حتَّى‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫ه َ‬
‫ن َ‬ ‫ه َّ‬ ‫قَربُو ُ‬ ‫ض َ‬
‫حي ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫زلُوا الن ِّ َ‬
‫ساءَ ِ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ى َ‬
‫فا ْ‬ ‫و أذ ً‬ ‫ل ُ َ‬ ‫ض ُ‬
‫ق ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن (سورة البقرة ‪ )222 :2‬سورة البقرة‪2,4 :2‬إل أنه كان يأمر عائشة‬ ‫هْر َ‬ ‫ْ‬
‫يَط ُ‬
‫سرة إلى نصف الفخذ) ثم يباشرها بعد ذلك‪.‬‬ ‫أن تَأتزر (أي‪ :‬تغطي ما بين ال ُّ‬
‫والواضح أن محمدا ً كان يأمر بشيء ثم ينساه‪ ،‬أو يكتشف خطأه فيأمر‬
‫بغيره‪ ،‬ويترك لتباعه مهمة التوفيق بين كل ما قال وفعل!‬
‫وللتعليق نقول‪ :‬ماذا يقول علماء المسلمين في هذه الختلفات؟ ومن أراد‬
‫معرفة المزيد من هذه الختلفات فليقرأ كتاب الطهارة في أي كتاب من‬
‫كتب الفقه أو الحديث‪.‬‬
‫‪- 2‬أحاديث الصلة‬
‫الصلة صلة شخصية بين النسان والله‪ ،‬تقوم على حب النسان لله‪ ،‬وليس‬
‫ب منه‪.‬‬‫ف أو رع ٍ‬ ‫على خو ٍ‬
‫ولن نتكلم في هذا الفصل عن تناقضات مواقيت الصلة كما جاءت في‬
‫الحديث‪ ،‬ول عن الختلف في طرق أدائها‪ ،‬فسوف نسلِّم لعلماء المسلمين‬
‫ة بالمسلمين أو كما نُسب إلى محمد نفسه‬ ‫بقولهم‪ :‬إن في الختلف رحم ً‬
‫قوله‪ :‬إن في اختلف أمتي رحمة‪ .‬ولكن سنورد بعض الحاديث عن علقة‬
‫النسان بربِّه‪ ،‬ذلك الله المحب‪ ،‬الودود‪ ،‬الغفور‪ ،‬الرحيم الذي يرحم الجميع‬
‫ويريد أن يخلِّصهم‪.‬‬

‫ي بالصلة إذا بلغ سبع سنين‪ .‬وإذا بلغ عشر سنين‬ ‫مُروا الصب َّ‬
‫قال محمد ‪ُ :‬‬
‫ً‬
‫فاضربوه عليها‪ ,‬وقال أبو هريرة إن محمدا قال‪ :‬أما يخشى الذي يرفع‬
‫ول الله رأسه رأس حمار؟‪,‬‬ ‫رأسه قبل المام أن يح ِّ‬
‫كتب شاب مسلم اهتدى للمسيح يقول‪ :‬كنت وأنا صبي أجري للصلة حالما‬
‫أسمع الذان خوفا ً من الضرب‪ .‬وذات يوم سمعت المام يذكر حديثا ً في‬
‫النهي عن رفع الرأس قبل المام‪ ،‬فزاد خوفي من أن يتحول رأسي إلى‬
‫رأس حمار‪ .‬فكنت أتطلع إلى وجهي في المرآة بعد كل صلة لرى إن كان‬
‫رأسي قد تحول أو لم يتحول بعد إلى رأس حمار! كنت مرتعبا ً من الضرب‬
‫ل‪ ،‬ومرتعبا ً من أن يصبح رأسي رأس حمار لو أسأت التصرف في‬ ‫إن لم أص ِّ‬
‫الصلة‪.‬‬
‫علقة الصلة بين المسلم والله علقة خوف وعبودية‪ ،‬فالله كما يراه‬
‫المسلم ل يبالي بمن يدخل الجنة أو يدخل النار‪ ،‬فإنه ما خلق النس والجن‬
‫َ‬
‫ن‬
‫عبُدُو ِ‬ ‫واْلِن ْ َ‬
‫س إِل ّ لِي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج َّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫إل ليكونوا له عبيدا ً كما جاء في القرآن َ‬
‫و َ‬
‫ُ‬
‫(سورة الذاريات ‪ .)56 :51‬ورغم هذا التشدّد في السلم فإنك تجد‬
‫التساهل‪ ،‬أو ما يسميه المسلمون الترهيب والترغيب‪ .‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال‬
‫محمد ‪ :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان‪،‬‬
‫ت لما بينهن‪ ،‬إذا اجتنب الكبائر‪ ,‬وعن ابن مسعود‪ ،‬قال إن رجل ً أصاب‬ ‫فرا ٌ‬ ‫مك ّ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلةَ طَر َ‬ ‫َ‬ ‫قم ِ ال َّ‬ ‫َ‬ ‫من امرأة ُ‬
‫ها ِ‬ ‫ي الن ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ة فأتى النبي فأخبره‪ ،‬فأنزل الله َ‬ ‫قبل ً‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ت (سورة هود ‪ .)114 :11‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬
‫ّ ِّ‬‫س‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ْ‬
‫ِ ُ ِ ْ َ‬‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ ِ ّ‬ ‫ي‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫زل‬ ‫و‬
‫َ ُ‬
‫ي هذا؟ فأجابه‪ :‬لجميع أمتي كلهم‪,‬‬ ‫الرجل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أإل َّ‬
‫ص‬‫لقد جعل محمد الصلة أحد طرق دخول الجنة‪ ،‬وقال إنه إذا أذنب شخ ٌ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫علْت ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫متَى َ‬ ‫فالصلة تكفيه‪ .‬فأين هذا من َقول الله في كتابه العزيز‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫علَيْنَا (لوقا‬ ‫ب َ‬ ‫ما كَا َ َ ِ ُ‬
‫ج‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ملْنَا َ‬ ‫ع ِ‬
‫ما َ‬ ‫ن‪ِ .‬لنَّنَا إِن َّ َ‬ ‫عبِيدٌ بَطّالُو َ‬ ‫قولُوا‪ :‬إِنَّنَا َ‬ ‫ف ُ‬‫ه َ‬‫م بِ ِ‬ ‫مْرت ُ ْ‬ ‫أ ِ‬
‫‪) 1 :17‬‬
‫ما يقطع الصلة‪:‬‬
‫وتجد في كتاب الصلة تناقضا ً صريحاً‪ ،‬يعتذر المسلمون عنه بأنه من الناسخ‬
‫والمنسوخ أو يقوم أحد أصحاب محمد بتصحيحه له‪ ،‬مثل ما ورد عن أبي‬
‫هريرة أبي هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬يقطع الصلة‪ :‬المرأة‪ ،‬والكلب‪ ،‬والحمار وفي رواية‬
‫الكلب السود‪ ,‬وعندما سمعت عائشة هذا الحديث قالت‪ :‬بئسما عدلتمونا‬
‫ة بين‬ ‫ت النبي يصلي صلته من الليل وأنا معترض ٌ‬ ‫بالحمار والكلب‪ .‬لقد رأي ُ‬
‫ي ثم يسجد‪ ,‬وعن الفضل‬ ‫متُها إل َّ‬ ‫ْ‬ ‫فضم‬ ‫رجلي‬ ‫غمز‬ ‫يديه‪ .‬فإذا أراد أن يسجد‬
‫بن عباس قال‪ :‬أتانا النبي ونحن في بادية لنا ومعه عباس ‪ ،‬فصلى في‬
‫صحراء ليس بين يديه سترة‪ ،‬وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه‪ ،‬فما بالى‬
‫بذلك‪ .‬وقال أبو داود بعد هذه الحاديث‪ :‬إذا تنازع (اختلف) الخبران عن‬
‫الرسول نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده‪ .‬فهذا هو الرد على‬
‫التناقضات! وقد يزول العجب إذا عرفنا أن محمدا ً قال لصحابه‪ :‬ذَُروني وما‬
‫تركتكم‪ ،‬فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم‪.‬‬
‫فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم‪ ،‬وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا‪,‬‬
‫من عصاني قد‬ ‫من أطاعني فقد أطاع الله‪ ،‬و َ‬ ‫ثم يقول في الحديث التالي‪َ :‬‬
‫ه َ‬
‫فا‬ ‫عن ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫هاك ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫و َ‬ ‫خذُوهُ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل َ‬‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آتَاك ُ‬ ‫و َ‬‫عصى الله‪ ,‬ويقول القرآن‪َ :‬‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫نْت َهوا (سورة الحشر ‪ )7 :59‬وقال أيضاً‪ :‬يا أَي ُها ال َّذين آمنُوا َل ت َسأ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ُ‬
‫م (سورة المائدة ‪ .)1 1 :5‬فأحاديث محمد وقرآنه‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫س ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن تُبْدَ لَك ُ ْ‬ ‫شيَاءَ إ ِ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫تأمر بطاعة محمد وبالنهي عن التفكير في ما قال‪ ،‬وتأمر بعدم السؤال عما‬
‫قل‪ ،‬حتى وصل المر ببعض المسلمين إلى اعتبار البحث في ذات الله‬ ‫لم ي ُ‬
‫م تابعيه إلى كائنات مغيَّبة العقول‪ ،‬ل تفكر في ما‬ ‫ُ‬ ‫السل‬ ‫ول‬ ‫ّ ِ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫فهل‬ ‫‪.‬‬ ‫كفرا ً‬
‫تسمعه؟ لقد أمر المسيح تابعيه أن يفتِّشوا الكتب المقدسة ويدرسوها‬
‫حب ُرسله بأن يفحص المستمعون الكتب المقدسة ليروا‬ ‫(يوحنا ‪ )39 :5‬ور َّ‬
‫لنفسهم أن المسيح هو المخلِص الذي تنبّأ أنبياء التوراة بقدومه (أعمال‬ ‫ّ‬
‫‪ )11 :17‬فقد علموا أن الكتب لم تتكلم إل عن المسيح‪ ،‬ولم تأمر إل‬
‫باليمان به! أما محمد فقد نهى عن قراءة الكتب المقدسة السابقة له‪.‬‬
‫الصلة في السلم هي الباب الواسع لدخول الجنة‪ ،‬مع أن الصلة السلمية‬
‫وأسلوبها كانت موجودة قبل محمد بنفس طريقة الركوع والسجود‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقات تقريبا ً عند الصابئة وعابدي الكواكب‪ .‬فالسلم لم يأت بجديد‪،‬‬
‫بل أخذ ما كان قبله ووافق عليه‪ ،‬من مراسم الحج والعمرة والصوم‬
‫والصلة‪ ،‬فأخذه كما هو‪ ،‬أو أنقص منه أو زاد عليه‪,‬‬
‫‪ - 3‬أحاديث الصيام‬
‫الصوم هو أحد البواب الواسعة لدخول الجنة في السلم‪ ،‬فقد قال محمد ‪:‬‬
‫فَر له ما تقدّم من ذنبه‪,‬‬ ‫غ ِ‬ ‫من صام إيمانا ً واحتسابا ً ُ‬ ‫َ‬
‫غب أصحابه في الصوم واعدا ً إياهم بملذّات الخرة‪ ،‬فيُروى عن‬ ‫كان محمد ير ِ ّ‬
‫أبي عمر أن النبي قال‪ :‬إن الجنة تُزخَرف لرمضان من رأس الحول إلى‬
‫الحول‪ .‬فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش من ورق الجنة‬
‫على الحور العين‪ ،‬فيقلن‪ :‬يارب؛ اجعل لنا من عبادك أزواجا ً تقّر بهم أعيننا‪،‬‬
‫وتقر أعينهم بنا‪.‬‬
‫ورغم أن الصوم هو تقديس وتكريس وقت للجلوس بين يدي الله‪ ،‬إل أن‬
‫السلم جعل منه شيئا ً آخر‪ ،‬فهو مجرد جوع وعطش إلى حين‪.‬‬
‫وى عن‬ ‫وكعادة محمد في أفعاله المتضادة نراه يحّرم شيئا ً ثم يُبيحه‪ ،‬فيُر َ‬
‫قبَّل امرأته وهما صائمان فقال له قد‬ ‫أنس أن رجل ً سأل محمدا ً عن شخ ٍ‬
‫ص َ‬
‫ص لسانها‪,‬‬ ‫أفطرا‪ ,‬ولكن عائشة تقول إن النبي كان يُقبِّلها وهو صائم ويم ُّ‬
‫قبِّل وهو صائم‪ ،‬ويباشر وهو صائم‪ ،‬وكان أملككم‬ ‫وعنها أيضاً‪ :‬كان النبي ي ُ َ‬
‫لربه‪(,‬يباشر‪ :‬أي يضع بشرته على بشرتها‪ .‬أربه أي غرضه‪ ،‬وإربه‪ :‬عضوه)‪.‬‬
‫وعندما أمر محمد أصحابه بالصوم حَّرم عليهم النساء والطعام بعد العشاء‬
‫إلى غروب شمس اليوم التالي‪ .‬فلما شكوا له ذلك قال في سورة البقرة ‪:2‬‬
‫م‪ .‬والرفث هو الفصاح بما‬ ‫سائِك ُ ْ‬‫ث إِلَى ن ِ َ‬ ‫صيَام ِ الَّر َ‬
‫ف ُ‬ ‫ة ال ِّ‬ ‫م لَيْل َ َ‬
‫ل لَك ُ ْ‬ ‫‪ 187‬أ ُ ِ‬
‫ح َّ‬
‫يجب أن يُكنى عنه‪ ،‬وكُني به هنا عن مقاربة النساء‪,‬‬
‫وبرغم كل هذا فلم يكن الصيام شيئا ً جديدا ً أتى به محمد ‪ ،‬بل (مثله مثل‬
‫ن كانوا قبله‪ .‬فقد كان الحنفاء‬ ‫م ْ‬ ‫من شعائر َ‬ ‫الصلة) اقتبسهما وغيرهما ِ‬
‫يصومون شهر رمضان من كل عام‪ ،‬وكان اليهود يصومون أياما ً كثيرة‪ ،‬فأخذ‬
‫محمد منهما‪.‬‬
‫‪-‬أحاديث الجهاد‬
‫هى عن المنكر‪ ،‬ونادى‬ ‫أمر القرآن في بداية الدعوة السلمية بالمعروف ون َ‬
‫بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬ومجادلة أهل الكتاب‬
‫سور القرآنية المكية‬ ‫بالتي هي أحسن‪ ،‬والعراض عن الجاهلين (راجع ال ُّ‬
‫مثل‪ :‬القلم‪ ،‬المدثر‪ ،‬العلى‪ ،‬النجم‪ ،‬البروج‪ ،‬القيامة‪ ،‬يوسف‪ ،‬النحل‪ ،‬الروم‪،‬‬
‫الرحمن‪ ،‬العنكبوت)‪.‬‬
‫وبعد الهجرة من مكة إلى المدينة تغيّرت استراتيجية محمد من الدعوة‬
‫بالمعروف‪ ،‬إلى ردّ العنف بالعنف أو إلى الدفاع المسلّح‪ .‬وبعد أن قويَت‬
‫سور‬ ‫حولوا إلى الهجوم المسلح والغزو العسكري (راجع ُ‬ ‫شوكة المسلمين ت ّ‬
‫القرآن المدنيّة‪ ،‬مثل‪ :‬البقرة‪ ،‬النفال‪ ،‬محمد‪ ،‬الفتح‪ ،‬المائدة‪ ،‬التوبة)‪.‬‬
‫ويختلف علماء المسلمين كثيرا ً في موضوع الجهاد‪ ،‬لن باب الجهاد يحتوي‬
‫على أكثر الحاديث تضارباً‪ ،‬وأكثر اليات القرآنية اختلفاً‪ .‬ونورد في هذا‬
‫الفصل بعض هذه الحاديث والراء‪:‬‬
‫استراتيجية الدعوة‪:‬‬
‫مهداة‪ .‬وكان يقول‪ :‬إني‬ ‫ُ‬ ‫رحمة‬ ‫أنا‬ ‫إنما‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫فكان‬ ‫باللين‬ ‫بدأ محمد دعوته‬
‫عثت رحمة‪,‬‬ ‫عانا ً وإنما ب ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫عث ل ّ‬ ‫لم أب َ‬
‫مهداة فقال‪:‬‬ ‫ولكن بعد مرور فترة على دعوته قام بتوضيح هذه الرحمة ال ُ‬
‫جعل رزقي في ظل رمحي‪ ،‬وجعلت الذلة‬ ‫بُعثت بالسيف بين يدي الساعة‪ ،‬و ُ‬
‫والصغار على من خالف أمري‪,‬وحينما سمع أصحابه هذا الحديث‪ ،‬ووجدوا أنه‬
‫قد يكون سببا ً في ترك الناس لهم‪ ،‬ذهبوا إليه ليسألوه إن كان حقا ً قد قال‬
‫هذا الكلم‪ ،‬فأجابهم‪ :‬نعم ووالله إني قد جئتهم (أي من خالف دينه وأوامره)‬
‫حكَم الجديرة بالذاعة في شرح حديث بُعثت بالسيف بين يدي‬ ‫بالذبح (ال ِ‬
‫الساعة لبن رجب الحنبلي)‪ .‬وقال محمد في موضع آخر‪ :‬أُمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬ويقيموا‬
‫الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ .‬فإذا فعلوا عصموا منّي دماءهم وأموالهم‪,‬‬
‫آراء علماء المسلمين‪:‬‬
‫من قائل إن آيات القتال نسخت‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الجهاد‪،‬‬ ‫في‬ ‫المسلمين‬ ‫تضاربت آراء علماء‬
‫جح‬ ‫كل آية تأمر بالعفو والصفح‪ ،‬ومن قائل إنه ل نسخ في القرآن‪ ،‬وثالث ير ّ‬
‫العمل بالترتيب التاريخي لنزول اليات‪ .‬ووصل بهم المر إلى تكفير بعضهم‬
‫ة لنفسها بالنجاة وللخرين بالهلك‪.‬‬ ‫البعض‪ ،‬وحكم كل طائف ٍ‬
‫ق مع‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خل‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫ً‬ ‫أحدا‬ ‫وإن‬ ‫الله‪..‬‬ ‫دون‬ ‫من‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫ً‬ ‫أحدا‬ ‫وكتب بعضهم يقول‪ :‬إن‬
‫د أن‬ ‫رع من دون الله‪ ..‬وليس من حق أح ٍ‬ ‫ش ِّ‬‫د أن ي ُ َ‬ ‫الله‪ ..‬فليس من حق أح ٍ‬
‫خلْق الله‪ ،‬ل بين المسلمين‪ ،‬ول‬ ‫د أن يحكم بين َ‬ ‫ٍ‬ ‫لح‬ ‫رع مع الله‪ ..‬وليس‬ ‫يُ َ‬
‫ش ِّ‬
‫الكفار‪ ..‬إل بحكم الله ورسوله‪ .‬إن الناس لم يخلقوا أنفسهم‪ ،‬ولم يخلقوا‬
‫الرض التي عليها يحيون وعليها تقوم مجتمعاتهم‪ ،‬فليس من حقهم أن‬
‫رع ويحكم‪ ،‬يأمر وينهى من دون الله‪.‬‬ ‫ش ِّ‬ ‫يهيمنوا أو يهيمن بعضهم لي ُ َ‬
‫خلْق الله‪ .‬إننا‬ ‫شْرع الله على أرض الله وعلى َ‬ ‫إننا مأمورون بتحقيق سيادة َ‬
‫شْرع الله‪.‬‬ ‫مأمورون أن ل ندع أي طائفة على وجه الرض تحكم الناس بغير َ‬
‫شْرع‬ ‫فمن أبى ذلك ورفض الذعان قاتلناه‪ .‬إن الجهاد حتميّة يفرضها ال َ‬
‫ي منها إل بالجهاد‪.‬‬ ‫وتمليها علينا عدة فروض شرعية ل يتم أ ٌّ‬
‫‪ - 1‬يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب خلع الحاكم الكافر‪ ..‬أليس حكام‬
‫ع جاهلي؟ أليس الجهاد‬ ‫بلدنا قد كفروا باستبدال الشرع وبحكم الخلق بشر ٍ‬
‫واجبا ً اليوم لخلع هؤلء الحكام؟‬
‫‪ - 2‬يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب قتال أي طائفة ذات شوكة‬
‫تمتنع عن شريعة أو أكثر من شرائع السلم حتى تلتزم بها‪ ..‬أليست‬
‫الطوائف المهيمنة على بلدنا ممتنعة عن أكثر شرائع السلم؟ أليس الجهاد‬
‫اليوم واجبا ً لجبار هذه الطوائف على اللتزام بما امتنعت عنه؟‬
‫‪ - 3‬يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب نصب خليفة للمسلمين‪ .‬أليست‬
‫الخلفة غائبة عنا اليوم؟ ألم يسقطها أعداؤنا بالسيف والقهر؟ أليس‬
‫الجهاد هو طريق عودتها‪.‬‬
‫‪ - 4‬يمليه علينا الجماع المنعقد على وجوب الدفاع عن ديار السلم‪،‬‬
‫فار منها‪ ..‬أليس الجهاد واجبا ً لسترداد‬ ‫واسترداد ما استولى عليه الك ُ ّ‬
‫فلسطين والندلس وفرنسا وبلد البلقان والجمهوريات السلمية في‬
‫روسيا وغيرها؟‪.‬‬
‫هذا هو إيمان إحدى الجماعات السلمية (الجهاد)‪ .‬ونتيجة اعتقادهم هذا‬
‫كانت أفعالهم‪ ،‬فقام تنظيم الجهاد في مصر في الفترة من ‪ 1979‬حتى‬
‫‪ 1992‬باغتيال عدة أفراد من القيادات السياسية في مصر (منهم الرئيس‬
‫أنور السادات) وبعض الصحفيين والكتّاب (منهم الدكتور فرج فودة ) بعد أن‬
‫حكم بتكفيرهم‪ .‬وقام أيضا ً بحرق عشرات الكنائس‪ ،‬وقتل عدد كبير من‬
‫ولوا هذه النشطة من سرقة محلت المجوهرات التي‬ ‫المسيحيين‪ .‬وم َّ‬
‫يمتلكها مسيحيون ومسلمون! وظهرت جماعات مماثلة في الجزائر‬
‫والمغرب وباكستان وإيران وأفغانستان والردن والسودان ولبنان واليمن‬
‫وتونس‪.‬‬
‫الجهاد وأهل الكتاب‪:‬‬
‫بدأ موقف المسلمين من أهل الكتاب‪ ،‬يهوٍد ومسيحيين‪ ،‬على يد محمد‬
‫نفسه‪ .‬فبعد أن نادى بالمودّة والرحمة‪ ،‬وأعلن أن المسيحيين هم أقرب‬
‫رج المسيحيين واليهود من‬ ‫دة للمسلمين‪ ،‬قرر في آخر أيامه أن يُخ ِ‬ ‫و ّ‬
‫الناس م َ‬
‫جزيرة العرب‪.8‬‬
‫فكان بعد موته أن استوعب أتباعه الدرس جيداً‪ ،‬فهذا عمر بن الخطاب يكتب‬
‫دّد فيها معاملت المسيحيين‪ .‬ونقدم هذه‬ ‫مرية؟ ويح ِ‬ ‫ع َ‬
‫رف؟ "بالوثيقة ال ُ‬ ‫ع ِ‬
‫ما ُ‬
‫صها يتحدث عن نفسه‪:‬‬ ‫الوثيقة دون أي تعليق‪ ،‬فن ُّ‬
‫ت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح‬ ‫عن عبد الرحمن بن غنم ‪ :‬كتب ُ‬
‫نصارى الشام‪ ،‬وشَرط عليهم فيه‬
‫دثوا في مدينتهم ول فيما حولها ديرا ً ول كنيسة ول قّلية ول صومعة‬ ‫أّل يُح ِ‬
‫راهب‪،‬‬
‫رب‪،‬‬ ‫خ ِّ‬‫دّدوا ما ُ‬ ‫ول يج ِ‬
‫ل يطعمونهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ليا‬ ‫ثلث‬ ‫المسلمين‬ ‫من‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫أح‬ ‫ينزلها‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫كنائسهم‬ ‫يمنعوا‬ ‫ول‬
‫ول يؤووا جاسوسا‪ً،‬‬
‫ول يكتموا غشا ً للمسلمين‪،‬‬
‫ول يعلّموا أولدهم القرآن‪،‬‬
‫شركاً‪،‬‬ ‫هروا ِ‬ ‫ول يُظ ِ‬
‫ول يمنعوا ذوي قرابتهم من السلم إن أرادوا‪،‬‬
‫قروا المسلمين‪،‬‬ ‫وأن يو ّ‬
‫وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس‪،‬‬
‫ول يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم‪،‬‬
‫ول يتكنّوا بكناهم‪،‬‬
‫ول يركبوا سرجاً‪،‬‬
‫ول يتقلّدوا سيفاً‪،‬‬
‫ول يبيعوا الخمور‪،‬‬
‫جُّزوا مقادم رؤوسهم‪،‬‬ ‫وأن ي ُ‬
‫وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا‪،‬‬
‫وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم‪،‬‬
‫ء من طرق المسلمين‪،‬‬ ‫هروا صليبا ً ول شيئا ً من كتبهم في شي ٍ‬ ‫ول يُظ ِ‬
‫ول يجاوروا المسلمين بموتاهم‪،‬‬
‫ول يضربوا بالناقوس إل ضربا ً خفيفاً‪،‬‬
‫ول يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين‪،‬‬
‫ول يخرجوا شعانين‪،‬‬
‫ول يرفعوا أصواتهم مع موتاهم‪،‬‬
‫هروا النيران معهم‪،‬‬ ‫ول يَظ ِ‬
‫ت عليه سهام المسلمين‪.‬‬ ‫جَر ْ‬ ‫ول يشتروا من الرقيق ما َ‬
‫مة لهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫فل‬ ‫شرطوه‬ ‫فإن خالفوا شيئا ً مما‬
‫ل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق‪,‬‬ ‫وقد ح ّ‬
‫مر الخليفة العادل(!!!!؟؟؟؟؟) فماذا كان‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫عهد‬ ‫في‬ ‫حدث‬ ‫ما‬ ‫هذا‬ ‫كان‬ ‫فإن‬
‫يحدث في عهد الخلفاء الظالمين؟! ولكي ل تكون الصورة قاتمة أمامنا‪،‬‬
‫م‬‫مرية هذه لم يقبلها كل المسلمين‪ ،‬بل رفضها قو ٌ‬ ‫ع َ‬
‫نقول إن الشروط ال ُ‬
‫منهم‪ ،‬وهناك آخرون (وهم غالبية المسلمين في وقتنا الحاضر) ل يعلمون‬
‫عنها شيئاً‪ .‬وتقابل هذه النبرة المتشدّدة نبرةٌ أخرى حانية‪ ،‬فتجد بعضهم‬
‫يردد حديث محمد عليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً‪ ،‬فإن لهم ذمة ورحماً‬
‫(وهو يقصد ‪ :‬إذا فتح الله هاجر المصرية أم إسماعيل‪ ،‬ومارية القبطية أم‬
‫ولده إبراهيم القرآن بالمعروف بعضهم يردد آيات (التي يقول آخرون‬
‫بنسخها) والتي تأمر )‪ .‬وتجد والصفح‪ ،‬ول إكراه في الدين‪.‬‬
‫وبينما يحاول المسلمون تأويل هذه الية بأنها تدل على روح التسامح وحرية‬
‫الختيار في السلم‪ ،‬لكن كل من يدرس سياق النص الذي وردت فيه الية‬
‫ويقارنها بنص القرآن ل إكراه في الدين ل يجد أنها تدل على أي تسامح‪ .‬بل‬
‫على العكس‪ ،‬فهي تعبير واضح عن خيبة أمل نبي السلم في أهل الكتاب‬
‫من يهود ونصارى بعد أن خابت محاولته وجهوده لكسبهم إلى صفوفه‪,‬‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫مَّرت الدعوة السلمية بعدة تغيرات جوهرية‪ ،‬فقد كانت في بدء عهدها‬
‫ولت‬ ‫سلميّة بالحكمة والموعظة الحسنة‪ .‬ولكن بعد الهجرة إلى المدينة تح َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫س (سورة‬ ‫ع لِلن ّا ِ‬‫ف ُ‬
‫منَا ِ‬
‫و َ‬
‫ديدٌ َ‬
‫ش ِ‬ ‫س َ‬
‫ه بَأ ٌ‬
‫في ِ‬ ‫ديدَ ِ‬ ‫إلى دعوة عسكرية مسلحة بال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫الحديد ‪ )25 :57‬وكان ل بد لهذه الدعوة التي بدأت سبيلها لتأسيس حكومة‬
‫دينية‪ ،‬يكون محمد على رأسها‪ ،‬في حماية عسكرية داخل المدينة وخارجها‪.‬‬
‫فكانت شريعة الجهاد طوال الفترة المدنية‪ ،‬وكان التحريض على القتال‪،‬‬
‫وحل مشاكل المارة السياسية‪ ،‬وتوزيع الغنائم وتمويل الجيوش (راجع‬
‫سورتي النفال والتوبة)‪.‬‬
‫وبعد وفاة محمد انقسم أصحابه على خلفته‪ ،‬ثم ارتدّ عرب الجزيرة عن‬
‫وة‪.‬‬‫السلم‪ ،‬مما يدل على أنهم رأوا في رسالة محمد إمارة أكثر منها نب ّ‬
‫فأرسل أبو بكر الجيوش إلى كل جهات الجزيرة لردهم إلى السلم‬
‫وسلطانه‪ .‬ثم بعد فترة كانت الفتوحات أو الغزوات السلمية لمصر والعراق‬
‫والشام‪ ،‬وتأسست أركان المبراطورية السلمية من أسبانيا إلى إيران‪.‬‬
‫والمر الطبيعي أن تجد تضاربا ً فيمثل هذا الفكر الذي امتدّ فترة زمنية‬
‫تجاوزت اللف عام قبل انحساره‪ .‬وأنت اليوم ترى هذاالفكر يحاول الظهور‬
‫على السطح مرة أخرى من خلل جماعات السلم السياسي المنتشرة في‬
‫معظم الدول السلمية‪ ،‬وأن تجد دعاة السلم ودعاة الحرب يحتجون جميعاً‬
‫سنَّة‪.‬‬
‫بالقرآن وال ُ‬
‫ت مكة ول خيبر‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫قد كان للسيف دور كبير في تاريخ السلم‪ ،‬فلوله ما ُ‬
‫فت ِ َ‬
‫ولول حروب الردّة ما رجع العرب إلى السلم‪ ،‬ولكان اقتدى بالنبي كثيٌر من‬
‫المتنبّئين الكذبة واقتطعوا لهم دويلت دينية في أنحاء شبه الجزيرة العربية‪،‬‬
‫ولضاعت على العرب الوحدة الدينية والقومية التي صنعها لهم محمد‪.‬‬
‫‪- 5‬أحاديث الحدود‬
‫ل‬
‫ٍ‬ ‫فع‬ ‫على‬ ‫رع‬‫ِّ‬ ‫المش‬ ‫رها‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫التي‬ ‫العقوبة‬ ‫تعني‬ ‫السلمي‬ ‫الحدود في الفقه‬
‫خاطىء‪ .‬ولم يقتصر المر على العقوبات التي قدّرها القرآن‪ ،‬بل زيدت‬
‫عليها جزاءات ُرويت عن النبي‪ ،‬وجزاءات اجتهد فيها الصحابة‪ ،‬فاتّسع معنى‬
‫رع ليشمل الجتهاد والقياس بجوار أقوال القرآن والنبي‪.‬‬ ‫المش ّ ِ‬
‫والحدود ‪ -‬على هذا المعنى ‪ -‬ستة‪ :‬حد السرقة‪ ،‬وحد القذف‪ ،‬وحد الزنا‪ ،‬وحد‬
‫شرب الخمر‪ ،‬وحد قطع الطريق (الحرابة)‪ ،‬وحد الردة وهي ترك السلم‪,‬‬
‫حد السرقة‪:‬‬
‫المقصود بحدّ السرقة هو العقوبة المفروضة على من أخذ مال أو متاع‬
‫ص آخر على وجه الخفية والستتار‪ ،‬قاصدا ً بذلك تملّك الشيء المأخوذ‪.‬‬ ‫شخ ٍ‬
‫ول يدخل في ذلك الختلس لنه استلب المال دون وجه حق‪ ،‬لكن دون‬
‫خفية أو استتار‪ ،‬بل قد يكون ذلك علناً‪ .‬وكذلك النهب‪ ،‬وهو أخذ مال الغير‬
‫بالقوة‪ ،‬فيدخل تحت حد قطع الطريق‪ .‬وأيضا ً خيانة المانة‪ ،‬وتعني جحود‬
‫وإنكار شخص لخذه متاعا ً أو مال ً من آخر‪ ،‬وادّعاءه ملكيته له‪.‬‬
‫وطبقا ً لهذه التعريفات ورد حديث عن محمد يقول ليس على الخائن‪ ،‬ول‬
‫على المختلس‪ ،‬ول على المنتهب قطع‪ ,‬وأيضا ً ل يدخل في ذلك العبيد‬
‫والماء وأهل الكتاب‪ ،‬فقد قال محمد‪ :‬ليس على العبد البِق إذا سرق قطع‬
‫ول على الذمي‪ .‬وعن ابن عباس قال‪ :‬إنه ل يرى على العبد حدا ً ول على‬
‫أهل الرض من اليهود والنصارى حداً‪,‬‬
‫ولم يترك المسلمون هذا التحديد فيمن تُحدد عليه العقوبة‪ ،‬بل حددوا ً أيضاً‬
‫مقدار المال المسروق‪ .‬فعن محمد قال‪ :‬ل يقطع السارق إل في ربع دينار‬
‫فصاعداً‪ .‬وُروي أيضا ً عنه‪ :‬ل يقطع السارق إل في عشرة دراهم‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فإذا سرق شخص ربع دينار طبقوا عليه الحد‪ .‬أما إذا اختلس أو انتهب مليون‬
‫دينار فليس عليه عقاب! وكذلك أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين ليس‬
‫عليهم حدود‪ ،‬بالرغم من أن محمدا ً رجم يهوديين زنيا في المدينة‪,‬‬
‫وقد أضاف بعضهم شرط العودة‪ ،‬أي تكرار السرقة‪ ،‬حتى يصدق على‬
‫عوا‬ ‫َ‬
‫قط ُ‬ ‫فا ْ‬
‫ة َ‬‫ق ُ‬ ‫ر َ‬‫سا ِ‬‫وال َّ‬
‫رقُ َ‬ ‫سا ِ‬‫وال َّ‬
‫الشخص وصف السارق الذي ورد في الية َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه (سورة المائدة ‪ )38 :5‬وهذا الوصف‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سبَا نَكَال ً ِ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫ل واحد‪ ،‬وإنما يلزم له التكرار‪ .‬كما استلزم البعض أّل‬ ‫في الية ل يتحقق بفع ٍ‬
‫د‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫قيم‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫الخطاب‬ ‫ابن‬ ‫رفض‬ ‫فقد‬ ‫سرقه‪.‬‬ ‫تكون بالسارق حاجة لما‬
‫ة لجوعهم‪.‬‬ ‫ن سرقوا ناق ً‬ ‫السرقة على غلما ٍ‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫يتطلّب حدّ السرقة شروطا يصعب أن تتحقق فيلزم بها الحد‪ .‬وهو ل ينطبق‬ ‫ً‬
‫أيضا ً على من يسرق أموال الدولة‪ ،‬لن لكل فرد حقا ً في مال الدولة‪ ،‬وهذا‬
‫الحق هو ما يُسمى فقهيا ً بشبهة الملكية‪ ،‬وهي ما يسقط بها الحد فل تقوم‬
‫الجريمة أساساً‪ .‬كما أن النص ل ينطبق على المختلس ‪ -‬كما ورد سابقا ً ‪-‬‬
‫الذي يحوز مال الحكومة أو أي مؤسسة ثم يغيّر نيَّته فيحوز لنفسه ما كان‬
‫يحوزه للحكومة‪.‬‬
‫حدّ القذف‪:‬‬
‫م ل َم يأْتُوا بأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ة‬ ‫ع‬
‫ِ ْ َ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ص‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫مو‬
‫َ ِ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫وال‬ ‫‪4‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪24‬‬ ‫النور‬ ‫سورة‬ ‫جاء في‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫هدَاءَ َ‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫وأولئ ِك ُ‬ ‫هادَةً أبَدا َ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قبَلوا ل ُ‬ ‫جلدَةً َ‬ ‫ن َ‬ ‫مانِي َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جلِدُو ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫منَا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫فل ِ‬ ‫غا ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫صنَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن يَْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫وفى نفس السورة آية ‪23‬إ ِ ّ‬
‫م‪.‬‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ي‬ ‫ظ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫واْل ِ‬ ‫في الدُّنْيَا َ‬ ‫عنُوا ِ‬ ‫لُ ِ‬
‫ة للقذف السب أو التهام بالزنا في السلم إل في سورة‬ ‫لم تحدّد عقوب ٌ‬ ‫َ‬
‫النور‪ ،‬بعد اتهام بعض الصحابة لعائشة زوجة محمد بالزنا مع صفوان بن‬
‫المعطل ‪ ،‬وهي القصة المعروفة في كتب التفسير والحديث بحادث الفك‬
‫(راجع الجزء الرابع من هذه السلسلة‪ ،‬فصل تعليقات على سورة النور)‪.‬‬
‫جلد فإن آيتي ‪ 4‬و‪ 23‬من سورة النور أَلحقتا بالقاذف‬ ‫وفضل ً عن عقوبة ال َ‬
‫وصف الفسق واللعنة في الدنيا والخرة‪ ،‬وكذلك إسقاط شهادته‪ .‬وقال‬ ‫َ‬
‫البعض إن الحكم القرآني اقتصر على تأثيم قذف النساء‪ ،‬ولكن البعض الخر‬
‫رأى التسوية بين قذف الرجال وقذف النساء‪ ،‬وأوجب الحدّ فيهما معاً‪ ،‬مع‬
‫مخالفة ذلك لظاهر النص‪ .‬وهناك بعض الحاديث في عقوبة قذف الرجال‪،‬‬
‫ولكن أكثر علماء الحديث حكموا بضعفها أو وضعها‪.‬‬
‫وهذا مثل حديث عكرمة ابن عباس عن النبي قال‪ :‬إذا قال الرجل للرجل يا‬
‫مخنَّث فاجلدوه عشرين‪ ،‬وإذا قال الرجل للرجل‪ :‬يا لوطي فاجلدوه عشرين‪,‬‬
‫وهذا الحديث مطعون فيه من طريق عكرمة‪ ،‬فقال أكثر من واحد إنه متروك‬
‫الحديث‪.‬‬
‫حد الزنا‪:‬‬
‫قرر محمد تأثيم الزنا وتقرير عقوبته على ثلث مراحل‪:‬‬
‫علَيه َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫فإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫ة ِ‬
‫َ‬
‫ع ً‬ ‫ن أْرب َ َ‬ ‫هدُوا َ ْ ِ ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫سائِك ُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫والل ّتِي يَأتِي َ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫ه َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫فأ‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫هدُ‬ ‫ش ِ‬
‫سبِيل (سورة النساء ‪ )15 :4‬فالعقوبة هنا هي الحبس المطلق‪ ،‬أو قيام‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫سبيل من الله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ما إ ِ َّ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫صل َ َ‬ ‫وأ ْ‬
‫فإن تَابا َ‬
‫َ َ‬ ‫ما َ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فآذُو ُ‬ ‫م َ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ن يَأتِيَان ِ َ‬
‫ْ‬
‫والل ّذَا ِ‬ ‫‪َ -2‬‬
‫حيما ً (سورة النساء ‪ )16 :4‬والعقوبة هنا هي اليذاء غير المحدد‪،‬‬ ‫وابا ً َر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫كَا َ‬
‫المتروك تقديره لولي المر‪.‬‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬ ‫ما َرأ ْ َ‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ة جلْدة ول َ تَأ ْ‬
‫َ َ ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ما‬ ‫ٍ ِ ُ َ َ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫جلِدُوا‬ ‫فا ْ‬ ‫والَّزانِي َ‬ ‫ة َ َ‬ ‫‪ - 3‬الَّزانِي َ ُ‬
‫ما طائ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ولي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫عذَاب َ ُ‬ ‫هدْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫والي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِالل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن كنْت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫في ِدي ِ‬ ‫ِ‬
‫ن (سورة النور ‪ 24 )2 :24‬سورة النور‪ .‬إذن فعقوبة الزنا قرآنيا ً هي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬
‫ل من الزاني والزانية‪ .‬غير أن النبي عاقب بالرجم‪ ،‬وُروي‬ ‫جلد مائة جلدة لك ٍ‬ ‫ال َ‬
‫ت نصاً‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫لكنها‬ ‫الرجم‬ ‫آية‬ ‫مى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫القرآن‬ ‫في‬ ‫آية‬ ‫هناك‬ ‫كانت‬ ‫أنه‬ ‫ذلك‬ ‫في‬
‫مع بقاء حكمها‪,‬‬
‫تاريخ الرجم‪:‬‬
‫أول ما أمر محمد بالرجم كان في واقعة زنا حدثت بين يهودي ويهودية‬
‫احتكم فيها اليهود إلى محمد‪ ،‬فأمر برجمهما بحسب حكم التوراة في التثنية‬
‫‪.23,22 :33‬‬
‫وفي كتابه أصول الشريعة قال المستشار محمد سعيد العشماوي‪ :‬إذا كان‬
‫النبي قد سار على حكم التوراة‪ ،‬فأمر بالرجم بعد ذلك مع أنه مشكوك فيه‬
‫جلْد فهل يعني ذلك أن النبي نسخ بفعله هذا حكم‬ ‫أنه رجم بعد نزول آية ال َ‬
‫القرآن‪ ،‬أم أن ما فعله يمكن أن يُحمل على أنه حكم خاص بالنبي وحده!؟‬
‫من أربعة‪،‬‬‫فالثابت قرآنيا ً أن هناك أحكاما ً خاصة بالنبي وحده‪ ،‬كالزواج بأكثر ِ‬
‫من المسلمين‬ ‫وعدم حقه في أن يطلّق أزواجه‪ ،‬وعدم حل أزواجه لح ٍ‬
‫د ِ‬
‫بعده‪.‬‬
‫وبالرغم من أن محمدا ً أمر برجم يهوديين زنيا إل أن هناك أحاديث تقرر‬
‫عدم جواز ذلك‪ ،‬فقد ورد عن محمد ليس على العبد‪ ،‬ول على أهل الكتاب‬
‫حدود‪,‬‬

‫شروط تطبيق الحد‪:‬‬


‫ً‬
‫وضع السلم شروطا لتطبيق حد الزنا تكاد تجعله مستحيل إل إذا اعترف‬ ‫ً‬
‫الزاني‪ ،‬فقد اشترطوا رؤية أربعة رجال عدول للزانيَين‪ ،‬ول تُقبَل شهادة‬
‫المرأة‪ ،‬وضرورة التأكد من شخصية الزانيين‪ ،‬ورؤية الفعل تفصيل ً وفي‬
‫وضح النهار‪ُ ,‬روي عن عمر ‪ :‬ارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد‬
‫وشبل بن معبد فجمع عمر بينهم (الشهود) وبين المغيرة (الزاني)‪ ،‬فقال‬
‫المغيرة‪ :‬سل هؤلء العبد كيف رأوني‪ :‬مستقبِلهم أم مستدبِرهم؟ وكيف‬
‫يَ‬
‫ي فكيف لم أستتر؟ أو مستدبِر ّ‬ ‫رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبِل َّ‬
‫ت إل‬ ‫ُ‬ ‫أتي‬ ‫ما‬ ‫والله‬ ‫امرأتي؟‬ ‫وعلى‬ ‫ي في منزلي‬ ‫ء استحلّوا النظر إل َّ‬
‫فبأي شي ٍ‬
‫امرأتي‪ ،‬وكانت شبهها (يعني شبه الزانية)‪ .‬فبدأ عمر بأبي بكرة فشهد عليه‬
‫أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة‪ .‬فسأله‬
‫عمر ‪ :‬كيف رأيتَهما؟ قال‪ :‬مستدبرهما‪ ،‬قال‪ :‬فكيف استثبت رأسها؟ قال‪:‬‬
‫تحاملت‪ .‬ثم دعا بشبل‪ .‬فشهد بمثل ذلك‪ ،‬وكذلك نافع‪ .‬ولم يشهد زياد بمثل‬
‫شهادتهم‪ ،‬بل قال إنه لم يره كالميل في المكحلة والرشاء (الحبل) في‬
‫البئر‪ .‬فأمر عمر بالثلثة أن يُجلدوا حد القذف‪,‬‬
‫وتقدم الرواية السابقة نموذجا ً رائعا ً لمذكرة التهام‪ .‬فالشهود متوافرة‪،‬‬
‫وقد رأوا الواقعة نظرا ً لظروف البناء وقتها والحد كان على وشك أن يُقام‬
‫لول تلجلج زياد في جزئية أورثت شبهة‪ ،‬فما كان من عمر إل أن طبَّق قول‬
‫محمد ادرأوا الحدود ما استطعتم عن المسلمين‪ ،‬فإن وجدتم للمسلم مخرجاً‬
‫فأخلوا سبيله‪ ،‬فخيٌر للمام أن يخطئ في العفو من أن يخطئ في العقوبة‪,‬‬
‫فكما ترى أن جريمة الزنا في التشريع السلمي بأركانها وشروطها جريمة‬
‫يصعب إثباتها‪ .‬فإن حدثت بصورة يمكن إثباتها تكون أقرب إلى الفعل‬
‫ص ل يتحّرج عن الظهور أمام الناس بما‬ ‫العلني الفاضح الذي يفعله شخ ٌ‬
‫يخدش الحياء‪ .‬فالزنا إن حدث في الخفاء‪ ،‬أو بغير أن يشهده أربعة موثوق‬
‫بهم‪ ،‬فإن الزاني يفلت من الحد!‬
‫ً‬
‫وكان محمد يحاول أن يجد مخرجا للزاني‪ .‬ورد في البخاري عن أنس قال‪:‬‬
‫ي‪.‬‬‫مه عل َّ‬ ‫ق ْ‬‫ت حدا ً فأ ِ‬ ‫جاء رجل إلى النبي وأنا عنده‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أصب ُ‬
‫فلم يسأله النبي عنه‪ .‬وحضرت الصلة فصلى مع النبي‪ .‬فلما قضى النبي‬
‫ي‬‫الصلة قام إليه الرجل فقال‪ :‬يا رسول الله إني قد أصبت حدا ً فأقم ف َّ‬
‫ت معنا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإن الله قد‬ ‫كتاب الله‪ .‬قال النبي‪ :‬أليس قد صلي َ‬
‫غفر لك ذنبك‪ ،‬أو قال‪ :‬حدك‪,‬‬
‫ي‪ ،‬قال له‬ ‫وفي حديث ماعز عن ابن عباس قال‪ :‬لما أتى ماعُز بن مالك النب َّ‬
‫قال‪ :‬أ َ‬
‫ها ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ت أو غمزت أو نظرت؟ قال‪ :‬ل يا رسول الله‪،‬‬ ‫قبَّل ْ َ‬ ‫ي‪ :‬لعلك َ‬ ‫النب ُّ‬
‫يكني ‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فعند ذلك أمر برجمه (ألم يكن من الدب أن يقول من‬
‫أدعى النبوة وكرم الخلق لماعز‪( :‬هل ضاجعتها) بدل قوله السابق؟)‬
‫َ‬
‫مة‪ ،‬فتبي ّن‬ ‫ولم يقرر محمد رجما ً على العبيد والماء‪ ،‬بل قال‪ :‬إذا زنت ال َ‬
‫رب عليها‪ ،‬ثم إن زنت‬ ‫زناها‪ ،‬فليجلدها ول يثرب‪ ،‬ثم إن زنت فليجلدها ول يُث َ ّ ِ‬
‫ل من شعر‪ ,‬فلو كان محمديقصد قداسة أتباعه لما‬ ‫الثالثة فليبعها ولو بحب ٍ‬
‫حّرة أو أسياد وعبيد‪.‬‬ ‫مة و ُ‬ ‫فَّرق بين أ َ‬
‫شرب الخمر‪:‬‬ ‫(د)حد ُ‬
‫لم يقرر السلم في بادئ المر أي إثم ٍ على الخمر‪ ،‬ل قرآنيا ً ول نبوياً‪ ،‬بل‬
‫ل‬
‫خي ِ‬ ‫ت الن َّ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫تم ذلك بتدُّرج مرحلي‪ .‬بدأ قرآنيا ً بقول القرآن‪َ :‬‬
‫سنا ً (سورة النحل ‪ .)67 :16‬ثم قال‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫رْزقا ً َ‬ ‫و ِ‬ ‫سكَرا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذُو َ‬ ‫ب تَت َّ ِ‬ ‫عنَا ِ‬ ‫واْل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ع لِلن َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يسأ َ‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫وإِث ْ َُ‬ ‫س َ‬ ‫َِ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ذلك‬ ‫بعد‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫‪219‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪2‬‬ ‫البقرة‬ ‫(سورة‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أ َ ُ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ك‬
‫َ‬
‫ن (سورة النساء‬ ‫قولُو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫موا َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫سكَاَرى َ‬ ‫م ُ‬ ‫وأ َنْت ُ ْ‬ ‫صَلةَ َ‬ ‫قَربُوا ال َّ‬ ‫منُوا َل ت َ ْ‬ ‫آ َ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫وال‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫‪43‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ْ ِ ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ن (سورة المائدة ‪.) 9 :5‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫علك ْ‬ ‫جتَنِبُوهُ ل َ‬ ‫فا ْ‬ ‫شيْطا ِ‬ ‫م ِ‬‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬
‫سنّة والحديث فلم يقرر محمد أي عقوبة محددة على الخمر‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫أما‬
‫كان يضرب فيها بالجريد والنعال‪ ,‬ومما يدل على عدم تقرير محمد أية‬
‫عقوبة على شرب الخمر ما قاله علي بن أبي طالب ‪ :‬ما كنت أُؤدي (أدفع‬
‫ت عليه الحدّ (أي مات أثناء التطبيق) إل شارب الخمر‪ ،‬فإن‬ ‫دية) من أقم ُ‬
‫ن فيه شيئاً‪ .‬إنما هو شيء جعلناه نحن‪ ,‬والصل فيما قاله‬ ‫ّ‬ ‫يس‬ ‫رسول الله لم‬
‫سه حين سأله عمر عن شرب الخمر‪ ،‬لنها كانت‬ ‫ي نف ِ‬ ‫علي هو اجتهاد عل ّ‬
‫منتشرة وقتها لعدم تقرير عقوبة عليها‪ ،‬فقال علي‪ :‬إنه إذا شرب سكر‪،‬‬
‫جلدة‪,‬‬ ‫وإذا سكر هذى‪ ،‬وإذا هذى افترى‪ ،‬وحدّ المفتري ثمانون َ‬
‫تساؤلت حول الخمر‪:‬‬
‫أثار المستشار سعيد العشماوي في كتابه أصول الشريعة ثلثة تساؤلت‬
‫حول الخمر‪:‬‬
‫‪ - 1‬هل الخمر محّرمة (مع عدم وجود نص بذلك) أم مأمور باجتنابها وهو ما‬
‫ورد به نص؟‬
‫‪ - 2‬ما هي الخمر المقصودة في النص؟‬
‫ة ‪ -‬هو ما خامر العقل فخمره (غيَّبه عن‬ ‫يرى جمهور الفقهاء أن الخمر ‪ -‬لغ ً‬
‫الوعي)‪ ،‬وفي ذلك ُروي عن النبي كل مسكر حرام‪ .‬ويرى آخرون أن الخمر‬
‫ل تُطلَق إل على النيئ من ماء العنب إذا غل واشتد‪ ،‬وأن الخمر الوارد في‬
‫هذه الية هو هذا النوع ل سواه ( العقوبة لمحمد أبو زهرة‪ ،‬والرأي لبي‬
‫حنيفة)‪ .‬وأما ما عدا هذا النوع من الخمور فل يُعتبر خمراً‪ ،‬ولكنه إن أسكر‬
‫خذ من أطعمة حلل مثل نبيذ‬ ‫أوجب الحد قياسا ً ل نصا ً لن هناك أنبذة تؤ َ‬
‫الذرة والحنطة والشعير والذرة والعسل والتين وقصب السكر والتفاح‪.‬‬
‫سكر‬ ‫وهذه (في رأي أبي حنيفة) ل حدَّ فيها‪ ،‬لن الصل فيها الحل‪ ،‬وال ُّ‬
‫طارئ عليها‪ .‬فل عبرة بالطارئ‪ ،‬وإنما العبرة بالصل وحده‪.‬‬
‫‪ - 3‬هل هناك عقوبة محدَّدة شرعا ً للخمر؟‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك‪ ،‬لن القرآن لم يتضمن أي عقوبة‪ ،‬كما أن النبي لم‬
‫يأمر بحدّ واضح وإنما ضرب باليدي والجريد والنعال والثياب‪ ،‬وترك أحياناً‬
‫فعلها؟‪ .‬ولكن‬ ‫رب الخمر ولم يفعل به شيئا ً سوى أنه ضحك وقال‪ :‬أ َ َ‬ ‫من ش ِ‬ ‫َ‬
‫العقوبة المقررة حاليا مجرد اجتهاد فقهاء كما سبق ووضحنا‪.‬‬ ‫ً‬
‫هل حّرم محمد الخمر فعلً؟‬
‫من المشكوك فيه تحريم محمد للخمور والنبذة على الطلق‪ ،‬ولكنه حّرم‬
‫سكْر فقط‪ ،‬فقد ورد في صحيح مسلم كتاب الحج باب فضل القيام‬ ‫ال ُّ‬
‫بالسقاية‪,‬‬
‫مزني قال‪ :‬كنت جالسا ً مع ابن عباس عند الكعبة‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫عن بكر‬
‫فأتاه أعرابي‪ ،‬فقال‪ :‬مالي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم‬
‫من بُخل؟ فقال ابن عباس‪ :‬الحمد لله‪ ،‬ما‬ ‫َ‬
‫ة بكم أم ِ‬ ‫من حاج ٍ‬ ‫تسقون النبيذ‪ .‬أ ِ‬
‫ي على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى‪ ،‬فأتيناه‬ ‫دم النب ُّ‬ ‫بنا حاجة ول بخل! َ‬
‫ق ِ‬
‫ء من نبيذ‪ ،‬فشرب وسقى فضله أسامة‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنتم وأجملتم‪ .‬كذا‬ ‫بإنا ٍ‬
‫فاصنعوا فل نريد تغيير ما أمر به الرسول‪.‬‬
‫وهناك أيضا ً أثر ورد في العقد الفريد لبن عبد ربه ابن عبد ربه (باب احتجاج‬
‫حلّين للنبيذ كله)‪ :‬أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت‪ ،‬فأُتي بنبيذ من‬ ‫الم ِ‬
‫ب عليه ثم‬‫ص َّ‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫زمزم‪،‬‬ ‫ماء‬ ‫من‬ ‫ب‬
‫ٍ ِ‬ ‫َنو‬ ‫ذ‬ ‫ب‬ ‫دعا‬ ‫ثم‬ ‫فقطب‪.‬‬ ‫مه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فش‬ ‫السقاية‪،‬‬
‫شربه‪ .‬فقال له رجل‪ :‬أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال‪ :‬ل‪.‬‬
‫وقال الشعبي‪ :‬شرب أعرابي من إداوة (إناء صغير للماء) لعمر‪ ،‬فانتشى‪،‬‬
‫سكر ل للشراب (لحظ أن الناء والخمر التي به‬ ‫فحدّه عمر ‪ ،‬وإنما حدّه لل ُ‬
‫كانا لعمر وليس للعرابي)‪.‬‬

‫ردّة‪:‬‬
‫حد ال ِ‬
‫ردّة ذاته سوف نستعرض أشهر من ُ‬
‫قتِلوا‬ ‫قبل أن نعرض الراء في حد ال ِ‬
‫بتهمة الكفر والرتداد عن السلم منذ وفاة النبي وحتى اليوم‪.‬‬
‫تاريخ الفكر الدموي‪:‬‬
‫ه فتوى هو عثمان بن عفان‪ ،‬وكانت الفتوى صادرة من‬ ‫لعل أول من قتلَت ْ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عائشة زوج النبي‪ ،‬فكانت تقول‪ :‬اقتلوا نعثل‪ .‬لعن الله نعثل (نعثل اسم‬
‫عظم لحيته)‪ .‬ثم تذكر كتب‬ ‫رجل مسيحي من المدينة كانوا يشبّهونه بعثمان ل ِ‬
‫السيرة بعد ذلك منع الناس من الصلة عليه لكفره‪ ،‬ودفنه في مقابر اليهود‪.‬‬
‫صلب‬‫قتل الحلج الصوفي بتهمة الكفر‪ ،‬ف ُ‬ ‫وفي فترة الخلفة العباسية ُ‬
‫قتل ابن‬ ‫خلفة أبي جعفر المنصور ُ‬ ‫حرقت جثته‪ .‬وفي ِ‬ ‫قطِعت أطرافه و ُ‬ ‫و ُ‬
‫ي أعضائه وإطعامها له "‪,,‬‬ ‫ّ‬ ‫بش‬ ‫المنصور‬ ‫وأمر‬ ‫له‪،‬‬ ‫الكفر‬ ‫تهمة‬ ‫بتلفيق‬ ‫المقفع‬
‫أما في العصر الحديث فقد قامت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقتل‬
‫الشيخ حسين الذهبي لنه انتقد فكَرهم‪ ،‬فاتهموه بالكفر وقتلوه‪ .‬وبعد ذلك‬
‫قامت جماعة الجهاد في مصر (عام ‪ )1992‬بقتل الدكتور فرج فودة لنه‬
‫رهم بأنه كافر ومرتد‪ ،‬لذلك يجب أن‬ ‫انتقد فكرهم أيضاً‪ ،‬فكانت فتوى من أمي ِ‬
‫قتِل! وقد أصدر الخميني قبل موته فتواه الشهيرة بقتل سلمان‬ ‫يُقتَل‪ ،‬ف ُ‬
‫رشدي لرتداده وكتابته كتاب آيات شيطانية‪.‬‬
‫وتلحظ أن هذه التهمة تُلصق دائما ً بالمخالفين في الرأي‪ ،‬وفي الرأي‬
‫هموا بالرتداد لم يحمل أحدهم سيفا ً وما كان يوماً‬ ‫ُ‬
‫فقط‪ .‬فأشهر من ات ّ ِ‬
‫عنيفاً‪ ،‬بل أحيانا ً تُلقى هذه التهمة على أئمة السلم كأحمد بن حنبل ومالِك‬
‫ذّبوا لنهم مرتدون من وجهة نظر‬ ‫ع ِ‬
‫جنوا و ُ‬‫س ِ‬ ‫بن أنس وابن تيمية ‪ ،‬الذين ُ‬
‫معارضيهم‪ .‬فهل حد الردّة هو القفاز الذي يُلقى في وجه من يخالفك في‬ ‫ُ‬
‫الرأي‪ ،‬فتتحيَّن الفرصة لقتله لنه كافر؟‬
‫آراءٌ في الردّة‪:‬‬
‫دة‪ ،‬ومنهم محمد سعيد‬ ‫ّ‬ ‫الر‬ ‫حد‬ ‫المسلمين‬ ‫المفكرين‬ ‫أنكر بعض‬
‫العشماوي‪.‬يقول في كتابه أصول الشريعة ‪:‬‬
‫كان أساس الدولة في العصور الوسطى يخالف أساس الدولة في العصر‬
‫الحديث‪ .‬ففي تلك العصور لم تكن فكرة الدولة في ذاتها واضحة محددة‪،‬‬
‫وكان الدين هو أساس الدولة‪ ،‬كما كان التدين هو الجنسية وهو المواطنة‪.‬‬
‫ففي الشرق الدنى كان السلم هو الدولة‪ ،‬وفي أوربا كانت المسيحية‪.‬‬
‫وكان المسلم مواطنا ً في أي مجتمع إسلمي وعضوا ً في كل جماعة‬
‫مسلمة‪ ،‬كما كان المسيحي كذلك في المجتمع المسيحي والجماعات‬
‫المسيحية‪ .‬وكانت القلية الدينية تتمتع بحماية الغلبية‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم يُعتبر الخروج من الدين اقتراف جريمة الخيانة العظمى‪ ،‬لن‬
‫الذي يترك دينه إنما ينضم إلى دين العداء‪ ،‬وهو دولتهم‪ .‬لذلك ُروي عن‬
‫ن بَدَّل دينه فاقتلوه‪ .‬وقال‪ :‬ل يحل دم مسلم إل بإحدى‬ ‫م ْ‬ ‫النبي أنه قال‪َ :‬‬
‫ثلث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة‪ .‬ولم‬
‫يحدد النبي القصد بتبديل الدين‪ :‬هل هو أي تبديل ولو كان إلى السلم من‬
‫غيره؟ أم أن القصد تغيير السلم إلى غيره؟ غير أن السياق يفيد المعنى‬
‫م فقد ُرئي أن القتل هو جزاء المرتد عن شريعة السلم‪.‬‬ ‫من ث َّ‬ ‫الخير‪ .‬و ِ‬
‫وهناك خلف فيما إذا كان يُستتاب أم ل‪.‬‬
‫على أنه لم يثبت أن النبي أقام حد الردّة على أحد‪.‬‬
‫(ولنا تعليق سنورده بعد كلم العشماوي)‪.‬‬
‫ت قرآنية‪:‬‬ ‫ويورد المستشار سعيد العشماوي في ذلك آيا ٍ‬
‫ي (سورة البقرة ‪)256 :2‬‬ ‫غ ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شدُ ِ‬ ‫ن الُّر ْ‬ ‫قدْ تَبَي َّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ِّ‬ ‫َل إِكَْراهَ ِ‬
‫ن؟ (سورة يونس ‪)99 : 1‬‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت تُك ْ‬ ‫أَ َ َ‬
‫من ِ ُي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫حت ّى يَكونُوا‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫رهُ الن ّا‬ ‫ِ‬ ‫فأن ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ميعا ً (سورة يونس ‪)99 : 1‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض كُل ّ ُ‬ ‫في اْلْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َل َ‬ ‫شاءَ َرب ُّ َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫وم‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫وال‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫صا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ئ‬‫ِ‬ ‫صاب‬ ‫ّ‬ ‫وال‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ن (سورة المائدة ‪)69 :5‬‬ ‫حَزنُو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علَي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬‫فَل َ‬ ‫صالِحا ً َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫اْل ِ‬
‫وتترك هذه اليات للناس حرية اختيار الدين‪ ،‬ول ترى إكراههم على السلم‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فإن عدم إكراههم على السلم ابتداءً يفيد عدم الكراه‬
‫للستمرار عليه‪ .‬ول شك أنه ل خير فيمن يظل مؤمنا ً بدينه على خوف أو‬
‫على إكراه‪ .‬فمن أراد تغيير دينه حرا ً مختارا ً فإن دينه براء منه‪ .‬لن يخسر‬
‫بفقدانه شيئاً‪ ،‬بل الخسارة في بقائه ملحدا ً به في البطن وهو في الظاهر‬
‫يدّعي اليمان‪.‬‬
‫هذا هو كلم أحد علمائهم‪ ،‬ولكن هناك من يعترض عليه ومن يؤيده‪ .‬وسنورد‬
‫الرأيين‪ ،‬ولكن قبل هذا نذكر تعليقنا على ما قاله سعيد العشماوي‪.‬‬
‫هل طبَّق النبي حد الردّة؟‬
‫ذكر العشماوي أن النبي لم يطبق حد الردّة‪ .‬وقد اعترض البعض على ذلك‬
‫مستندين إلى أحاديث البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة‬
‫عكل فأسلموا‬ ‫دم على النبي نفر من ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫حيث ذكر عن أنس أنس قال‪َ :‬‬
‫فاجتووا (أتوا) المدينة‪ ،‬فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها‬
‫حوا وارتدّوا وقتلوا رعاتها واستاقوا البل‪ .‬فبعث في‬ ‫وألبانها‪ ،‬ففعلوا‪ .‬فص ُّ‬
‫آثارهم فأُتي بهم‪ ،‬فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحمهم‬
‫(يكوي جراحهم) حتى ماتوا‪.‬‬
‫حرابة (سنتكلم‬ ‫ويقول البعض إن النبي لم يطبق عليهم حد الردّة بل حد ال ِ‬
‫عنه لحقاً) وهذا واضح من قطع أيديهم وأرجلهم لنهم قتلوا الرعاة‬
‫وسرقوا البل‪.‬‬
‫طريقان ل غير‪:‬‬
‫هناك طريقان للتعامل مع المرتد‪ :‬إما أن نعتبره مجنونا ً ونتركه حياً‪ ،‬مع‬
‫حرمانه من كل حقوق المواطنين‪ ،‬أو أن نُنهي حياته بالقتل‪ .‬ومن المؤكد أن‬
‫الطريقة الولى أشد قسوة من الثانية لنها تجعله ل حيا ً ول ميتاً‪ ،‬فالقتل‬
‫أفضل له‪ ،‬إذ يضع نهاية لعذابه ولعذاب المجتمع في وقت واحد‪.‬‬
‫هذا الكلم السابق ليس لحد الكتَّاب الذين يهاجمون السلم‪ ،‬لكنه للشيخ‬
‫أبي العلى المودودي أمير الجماعة السلمية بباكستان‪ ،‬في كتابه عقاب‬
‫المرتد الذي نقتبس منه أيضا ً قوله‪ :‬عندما توضع عقوبة العدام للمرتد‬
‫موضع التنفيذ في حكومة إسلمية جديدة يبقى المسلمون داخل الجماعة‬
‫المسلمة‪ .‬لكن هناك خطر من وجود عدد كبير من المنافقين بينهم‪ ،‬وهذا‬
‫يمثل تهديدا ً دائما ً بالخيانة‪ .‬وحل ً لهذه المشكلة أرى أنه حينما تقع‬
‫ولهم عن السلم‬ ‫ح ُ‬ ‫ثورةإسلمية يُعلن جميع المسلمين غير الملتزمين ت ّ‬
‫وخروجهم من المجتمع المسلم‪ ..‬وذلك خلل عام واحد‪ .‬وبعده يُعتَبَر‬
‫المسلمون بالمولد مسلمين‪ ،‬وتسري عليهم كل القوانين السلمية‪،‬‬
‫ويكونون ملَزمين بأداء كل فرائض الدين الواجبة‪ .‬ومن أراد منهم بعد ذلك‬
‫قب بالعدام‪.‬‬ ‫ترك السلم يُعا َ‬
‫ونعرض رأيا ً ثالثا ً لحد أئمة الطائفة الحمدية‪ ،‬التي يعتبرها كثير من علماء‬
‫السلم خارجة عن السلم ومن ينتمي إليها مرتد هو ميرزا طاهر أحمد إذ‬
‫يقول‪ :‬إن حرية التحول من الدين وإليه هي المحك الحقيقي لمبدأ ل إكراه‬
‫في الدين‪ .‬ل يمكن أن تكون الحرية في اتجاه واحد‪ ،‬هو اتجاه دخول‬
‫السلم‪ ،‬ثم ل مخرج منه‪ .‬هناك عشر إشارات في القرآن إلى الرجوع عن‬
‫رد قط‬ ‫السلم‪ ،‬إحداها مكية في سورة النحل والتسع الباقية مدنية‪ .‬ولم ي ِ‬
‫في أي واحدة منها ولو تلميحا ً أن العدام جزاء من يرجع عن السلم‪.‬‬
‫ويقول في موضع آخر من نفس الكتاب هناك آية في سورة النساء تقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فرا ً ل َ ْ‬
‫م يَك ُ ِ‬ ‫دوا ك ُ ْ‬ ‫م اْزدَا ُ‬ ‫م كَ َ‬
‫فُروا ث ُ َّ‬ ‫منُوا ث ُ َّ‬ ‫مآ َ‬ ‫فُروا ث ُ َّ‬‫م كَ َ‬ ‫منُوا ث ُ َّ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫سبِيل (سورة النساء ‪ .)137 :4‬فكيف يمكن للمرتد‬ ‫ً‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫دي َ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ول لِي َ ْ‬‫َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫فَر ل ُ‬ ‫غ ِ‬
‫لِي َ ْ‬
‫أن يتمتع بمهلة التردد بين اليمان والكفر إذا كانت عقوبته القتل؟ فليس‬
‫عند المقتول فرصة ليؤمن ثم يرتد مرة أخرى!‪ .‬ويروي ميرزا طاهر أحمد‬
‫طاهر أحمد قصة عفو النبي عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان‬
‫صر ولجأ لمكة‪ ،‬فطلب النبي قتله يوم الفتح ولو كان‬ ‫كاتبا ً للوحي‪ ،‬ثم تن ّ‬
‫فع فيه عثمان بن عفان بن عفان لنه أخوه في‬ ‫َ‬ ‫متعلِّقا ً بأستار الكعبة‪ .‬فتش ّ‬
‫الرضاعة‪ ،‬فتركه النبي‪ .‬ثم يقول ميرزا طاهر أحمد ‪ :‬وهكذا ل نجد هناك ول‬
‫شاهدا ً واحدا ً على أن النبي عاقب أحدا ً لرتداده عن السلم‪,‬‬
‫هل أمر محمد بقتل المرتد؟‬
‫المرتد يُقتَل!‪ ..‬المرتد ل يُقتل بل يُستتاب!‪ ..‬المرتد يُحبَس!‬
‫هذه العبارات ليست هذيانا ً وليس تهكماً‪ ،‬ولكنها حكم السلم‪ .‬فالمرتد في‬
‫الفقه السلمي يُقتَل‪ ،‬ول يُقتَل‪ ،‬ويُحبَس‪ ،‬ويُستتاب‪ ،‬وكل هذه لها شواهد‬
‫عند أهل الحديث‪ .‬فمحمد يقول‪ :‬من بَدّل دينه فاقتلوه‪ ,‬ولكنه لم يقتل عبد‬
‫صر وترك المدينة إلى‬ ‫الله بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬الذي كان كاتبا ً للوحي فتن َ َّ‬
‫مكة‪ ,‬وعند فتح مكة أمر محمد بقتله ولو كان متعلقا ً بأستار الكعبة هو وابن‬
‫خطل ولكنه لم يقتله لن عثمان بن عفان طلب له المان‪,‬‬
‫أحاديث الردّة‪:‬‬
‫من المناسب أن نذكر الحاديث التي وردت في عقوبة المرتد ونعلّق عليها‬
‫من حيث السند والنص‪ .‬وأول هذه الحاديث وأشهرها‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن عكرمة قال‪ :‬أتى علي بزنادقة‪ ،‬فأحرقهم‪ .‬فبلغ ذلك ابن عباس ‪،‬‬
‫ذّبوا بعذاب الله‬ ‫هي رسول الله ل تع ِ‬ ‫ت أنا لم أحرقهم‪ ،‬لن َ ْ‬ ‫فقال‪ :‬لو كن ُ‬
‫غ ذلك عليا ً فقال‪ :‬ويح‬ ‫ن بدَّل دينه فاقتلوه‪ .‬فبَل َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫لقول‬ ‫ولقتلتُهم‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫‪ - 2‬وردت عدة أحاديث في سنن الدارقطني ‪ ،‬تحمل معنى واحدا ً وهو‬
‫المرتدة عن السلم تُحبَس ول تُقتَل‪.‬‬
‫‪ - 3‬وردت أحاديث أخرى في سنن الدارقطني تحمل معنى مخالفا ً وهو كل‬
‫مرتد عن السلم مقتول إذا لم يرجع‪ ،‬ذكرا ً كان أم أنثى‪.‬‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫سنتناول أول ً الحاديث التي وردت في شأن المرتد في سنن الدارقطني‪،‬‬
‫وقد تكلم محمد شمس الحق شمس الحق ‪ ،‬صاحب التعليق المغني على‬
‫الدارقطني في بعضها وقال‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث ‪ 118‬ل تُقتَل المرأة إذا ارتدت فيه عبد الله بن عيسى كذاب‪.‬‬
‫‪ - 2‬حديث ‪ 119‬عن ابن عباس في المرأة ترتد‪ ،‬قال تُجبر ول تُقتَل خالفه‬
‫فاظ في المتن‪.‬‬ ‫جماعة من الح ّ‬
‫‪ - 3‬حديث ‪ 12‬المرتدة عن السلم تُحبَس ول تُقتَل فيه محمد بن عبد الملك‬
‫ضاع‪.‬‬ ‫ضاع بن عبد الملك و ّ‬ ‫و ّ‬
‫‪ - 4‬حديث ‪ 122‬أمر النبي بعرض السلم على أم مروان فإن رجعت وإل‬
‫ت فيه معمر بن بكار وفي حديثه وهم‪.‬‬ ‫قتِل َ ْ‬
‫ُ‬
‫قتِلت فهو حديث‬ ‫‪ - 5‬حديث ‪ 125‬ارتدّت امرأة فأمر النبي أن تُستتاب وإل ُ‬
‫منكر لن فيه عبد الله بن أذينة‪.‬‬
‫‪ - 6‬حديث ‪ 128‬كل مرتد عن السلم مقتول فيه أبو جعفر أبو جعفر سيئ‬
‫الحفظ‪ .‬هذا ما قاله صاحب التعليق‪ ،‬بينما سكت عن أحاديث أخرى مما يعني‬
‫صحة إسنادها‪ .‬ويعني أيضا ً أن لدينا أحاديث بقتل المرتد‪ ،‬وأحاديث أخرى‬
‫بعدم قتله‪ ،‬وكلها صحيحة‪ .‬أما الحديث الول (حديث عكرمة عن ابن عباس)‬
‫فقد ورد في معظم كتب الصحاح‪ ،‬والمفترض فيه الصحة‪ .‬ولكن لنفحص هذا‬
‫الحديث من حيث الراوي والسند والنص‪.‬‬
‫و واحد‪ ،‬هو عكرمة)‪.‬‬ ‫يقع هذا الحديث في طائفة أحاديث الحاد (أي رواه را ٍ‬
‫و‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫طريق‬ ‫من‬ ‫كان‬ ‫ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحا ً ومعتبراً‪ ،‬ولو‬
‫واحد‪ .‬ولكنه ل يتساوى مع حديث له أكثر من طريق‪.‬‬
‫عكرمة‪:‬‬
‫ً‬
‫وإذا بحثنا في شخص عكرمة نفسه نجد أنه كان رقيقا عند ابن عباس‬
‫وتلميذا ً له‪ ،‬ولم يكن تلميذا ً متحمسا ً بشهادته هو‪ ،‬حيث كان يقول إن ابن‬
‫عباس كان يقيّده من يديه ورجليه ويعلّمه القرآن والسنّة‪ ,‬ويقول الذهبي‬
‫إن عكرمة كان من المعارضين لعلي ‪ ،‬وكان يميل إلى الخوارج‪ ،‬وكان‬
‫خارجياً‪ ،‬وروايته مريبة ل يُعتدّ بها‪ .‬وكان مالك بن أنس يصنّف الحاديث‬
‫المروية عن عكرمة في بند الضعيفة الواهية‪.‬‬
‫ويرى بعض العلماء مثل يحيى بن سعيد النصاري وعلي بن عبد الله بن‬
‫عباس وعطاء بن أبي ربيع أن عكرمة كان يميل إلى المبالغة‪,‬‬
‫ً‬
‫ومن طريف ما يُروى عن عبد الله بن الحارث أنه عندما زار عليا بن عبد الله‬
‫بن عباس وجد عكرمة مقيّدا ً خارج باب علي ‪ ،‬فقال لعلي ‪ :‬أل تتّقي الله‬
‫فيه؟ فأجابه علي بأن عكرمة كان يعزو أقوال ً باطلة إلى أبيه عبد الله بن‬
‫عباس‪.‬‬
‫هذا هو الرجل الذي روى الحديث‪ ،‬وهو المرجع الوحيد الذي تتوقف عليه‬
‫همون بتغيير عقيدتهم‪.‬‬ ‫غيّرون‪ ..‬أو يُت َّ َ‬ ‫حياة الذين ي ُ َ‬
‫موضوع الحديث‪:‬‬
‫إذا فحصنا موضوع الحديث وجدنا في بعضه أمورا ً غريبة‪:‬‬
‫‪ - 1‬شخص في منزلة علي إسلمياً‪ ،‬هل يجهل منع السلم تعذيب النسان‬
‫بالنار؟‬
‫ن بَدّل دينه فاقتلوه يمكن تفسيرها بعدة طرق‪ .‬وهي على‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ - 2‬جملة َ‬
‫صدق على الرجال والنساء والطفال‪ .‬ومع ذلك اختلف كثير من‬ ‫إطلقها ت َ ْ‬
‫الفقهاء في هل تُقتَل المرأة المرتدة والطفل أم ل‪.‬‬
‫‪ - 3‬لفظة دينه لفظة عامة ل تحدد دينا ً معيناً‪ .‬وعلى هذه الدللة في لغة‬
‫القانون يُقتَل كلمن يترك دينه لدين آخر‪.‬‬
‫لقد أطلنا الشرح في عقوبة المرتد في الفقه السلمي لنبيّن أن حياة‬
‫و أو ضعفه‪ ،‬وأنه بإمكانك أن‬ ‫النسان إسلميا ً يمكن أن تُنهى نتيجة نسيان را ٍ‬
‫تجد مبررا ً إسلميا ً لكل ما تفعل‪ ،‬سواء قلت بقتل المرتد أم ل‪.‬‬
‫أين هذا من تعاليم الراعي الصالح الذي يترك التسعة والتسعين ليبحث عن‬
‫رحاً؟ (لوقا ‪)5 :15‬‬ ‫الواحد الضال حتى يُعيده ثانية حامل ً إياه على كتفيه ف ِ‬
‫ل من عند أبي موسى الشعري إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬فسأله عمر ‪:‬‬ ‫جاء رج ٌ‬
‫هل كان فيكم من مغربة خبر؟ (خبر غريب) فقال‪ :‬نعم‪ ،‬رجل كفر بعد‬
‫إسلمه‪ .‬فسأل عمر ‪ :‬فما فعلتم به؟ قال‪ :‬قربناه فضربنا عنقه‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫هل حبستموه ثَلثا ً (أي ثلثة أيام)‪ ،‬وأطعمتموه كل يوم رغيفاً‪ ،‬واستتبتموه‬
‫لعله يتوب ويرجع لمر الله؟ ثم قال عمر ‪ :‬اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم‬
‫ض إذ بلغني‪,,‬‬ ‫أر َ‬
‫ولنا سؤال‪ :‬هل كان عمر ل يعلم حديث عكرمة أو ل يعلم أمر محمد بقتل‬
‫رع بعد عمر ؟‬ ‫المرتد؟ أم أن هذا المر اخت ُ ِ‬
‫حرابة (قطع الطريق)‪:‬‬ ‫حد ال ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫سول‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ب‬
‫ِ َ ُ َ ِ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫حا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫زا‬ ‫ج‬
‫ِ َ َ َ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪34‬‬ ‫و‬ ‫‪33‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المائدة‬ ‫سورة‬ ‫في‬ ‫جاء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫جل ُ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ع أي ْ ِ‬ ‫و ت ُقط َ‬ ‫صلبُوا أ ْ‬ ‫و يُ َ‬ ‫قت ّلوا أ ْ‬ ‫سادا أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬‫س َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫خَلف أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ِ‬ ‫ّ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬ ‫موا أ َ َّ‬ ‫قبل أ َ‬ ‫ْ َّ َّ‬
‫فوٌر‬‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫عل‬ ‫َ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫َا‬ ‫عذ‬‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫َر‬
‫مناسبة هذه الية أن قوما قاموا من عرينة بقتل راعي أغنام محمد وسرقوا‬ ‫ً‬
‫من يأتي بهم‪ .‬فلما جيء بهم‪ ،‬أمر أن تُقطع أيديهم‬ ‫الغنم‪ .‬فأرسل محمد َ‬
‫وأرجلهم وتُفقأ أعينهم وأن يُتركوا في الصحراء حتى يموتوا‪ .1‬والواضح من‬
‫الية وسبب نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يُحارب الله ورسوله‪ .‬فهل‬
‫قع الجزاء‬ ‫هي بذلك من اليات الخاصة بشخص النبي‪ ،‬وأنه وحده الذي يو ّ‬
‫على من يحاربه ويحارب الله في شخصه؟‬
‫ً‬
‫لقد جرى الفقه السلمي على اعتبار هذه الية وهذا الحديث سندا في‬
‫من يُحارب الجماعة وعلى قطع الطريق‪ ،,4‬مع أن هناك‬ ‫إيقاع الحد على َ‬
‫من حمل علينا السلح فليس منّا ‪ .1‬وهناك حديث آخر يقول‪:‬‬ ‫حديثا ً يقول َ‬
‫من قاتل‬ ‫ة جاهلية‪ .‬و َ‬ ‫من خرج من الطاعة‪ ،‬وفارق الجماعة‪ ،‬فمات‪ ،‬مات ميت ً‬ ‫َ‬
‫قتل‪،‬‬ ‫تحت رعاية عمية يغضب لعصبيَّة‪ ،‬أو يدعو لعصبيَّة أو ينصر عصبي ّة‪ ،‬ف ُ‬
‫َ‬
‫ة جاهليَّة‪ .‬ومن خرج على أمتي بسيفه‪ ،‬يضرب بَّرها وفاجرها‪ .‬ول‬ ‫فقتل ٌ‬
‫د بعهده‪ .‬فليس مني ولست منه‪.‬‬ ‫يتحاشى من مؤمنها‪ ،‬ول يفي لذي عه ٍ‬
‫وهذان الحديثان ل يقرران حكما ً على من يحمل السلح على الجماعة أو‬
‫يخرج عليها‪ .‬فواضح بذلك أن الجزاء المنصوص عليه في الية ليس جزاءً‬
‫لمن يحمل السلح على الجماعة أو يخرج على طاعتها‪ ،‬ولكنه خاص بشخص‬
‫النبي‪ .‬يؤيد ذلك سبب نزول الية وظروف الحديث نفسه‪.‬‬
‫ه بل فقه‪:‬‬ ‫فق ٌ‬
‫سع الفقه السلمي في تطبيق الية على شيء‬ ‫ُ‬ ‫أوضح مثال للخلط هو تو ّ‬
‫ليست له‪ .‬ولم يقتصر المر على تطبيق الية والحديث في غير موضوعهما‬
‫فقط‪ ،‬بل تعدّاهما إلى إعمال اجتهاد الفقهاء أيضاً‪ .‬وطبقا ً لذلك أصبح كل‬
‫من يخالف الحاكم أو الفقيهفي الرأي يُتَّهم بالحرابة والخروج على‬ ‫َ‬
‫الجماعة‪ .‬ولو كان الخروج على أية جماعة كفراً‪ ،‬فسوف نجد أن جميع‬
‫النبياء كفار‪ ،‬لنهم خرجوا على جماعتهم وأتوا بما يخالف اعتقاد هذه‬
‫الجماعة! بل أن بعضهم حمل السلح على جماعته‪ .‬فهل الخروج علىأي‬
‫جماعة يُعتبر كفراً‪ ،‬وإن كانت جماعة فاسدة!؟‬
‫قد يَُردُّ على هذا الكلم بأن الحرابة الموجبة للحد هي حمل السلح على‬
‫الجماعة المسلمة‪.‬‬
‫من يحارب الله‬ ‫ولكن هذا الكلم ل يخلو من غلط‪ ،‬فالية والحديث تعاقب َ‬
‫ع فيقرر أن جميع المة خارجة على الله ورسوله‪،‬‬ ‫ورسوله‪ .‬وقد يقوم مد ٍ‬
‫كما تفعل جماعات السلم السياسي‪ .‬فكيف الحل؟ هل تقوم المة أيضاً‬
‫فاز في وجوه مخالفيها وتتّهمهم بالخروج على الجماعة‪،‬‬ ‫بإلقاء نفس الق ّ‬
‫ً‬
‫فيستحقون القتل؟ وتكون النتيجة سيول من دماء؟‬
‫‪ - 6‬أحاديث النكاح والزواج تبنَّى السلم من المرأة عموماً‪ ،‬سواء كانت‬
‫زوجة أو أما ً أو بنتاً‪ ،‬نفس النظرة التي كانت سائدة في شبه الجزيرة‬
‫العربية في زمن محمد‪ .‬وسنحاول في هذا الفصل أن نعرض وجهة النظر‬
‫السلمية في المرأة من خلل الحاديث التي رواها أصحاب محمد عنه‪.‬‬
‫مكانة المرأة‪:‬‬
‫أول ما يطالعنا في شأن المرأة وضعها الغريب ككائن أقل من الرجل‪،‬‬
‫فالسم الذي اختاره المسلمون للزوج هو البعل وهو يعني السيد أو الرب أو‬
‫الصاحب‪ ،‬مما يعني امتلكه للمبعولة (الزوجة) أو المربوبة‪ .‬وقد صار هذا‬
‫التقليد حتى اليوم في كل الدول العربية السلمية حتى في أعلى‬
‫المستويات ثقافيا ً واجتماعياً‪ ،‬فتجدهم يقولون حرم الرئيس أو حريم‬
‫السلطان‪.‬‬
‫محمد والمرأة‪:‬‬
‫وإذا حاولنا أن نرسم صورة المرأة في السلم من خلل الحاديث فسنجدها‬
‫تقول‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان وتُدبِر في صورة شيطان‪ ،‬فإذا‬
‫أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يردُّ ما في نفسه‪.‬‬
‫قت من ضلع‪ ،‬لن تستقيم لك على طريقة‪ ،‬فإن استمتعت‬ ‫خل ِ َ‬
‫‪ - 2‬إن المرأة ُ‬
‫سْرتَها‪ ،‬وكسرها طلقها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫قيمها‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ذه‬ ‫وإن‬ ‫وج‪،‬‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫وبها‬ ‫بها‬ ‫بها استمتعت‬
‫خن أنثى زوجها‬ ‫‪ - 3‬لول بنو إسرائيل لم يخنز (يفسد) اللحم‪ ،‬ولول حواء لم ت ُ‬
‫الدهر‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت‪ ،‬فبات غضبان‪ ،‬لعنتها الملئكة‬
‫حتى تُصبِح‪.‬‬
‫ت المرأة أن تسجد لزوجها‪.‬‬ ‫د‪ ،‬لمر ُ‬ ‫ً‬
‫ت آمر أحدا أن يسجد لح ٍ‬ ‫‪ - 5‬لو كن ُ‬
‫‪ - 6‬ل يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته عليه‬
‫‪ - 7‬ثلثة ل تُقبَل لهم صلة‪ ،‬ول تصعد لهم حسنة‪ :‬العبد البِق حتى يرجع إلى‬
‫مواليه‪ ،‬والمرأة الساخط عليها زوجها‪ ،‬والسكران حتى يصحو‪.‬‬
‫ة أضّر على الرجال من النساء‬ ‫ت بعدي فتن ً‬ ‫‪ - 8‬ما ترك ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ت في الجنة فرأيت‬ ‫ُ‬ ‫لع‬ ‫وأط‬ ‫النساء‪،‬‬ ‫أهلها‬ ‫أكثر‬ ‫فرأيت‬ ‫النار‬ ‫في‬ ‫ت‬‫‪ - 9‬اطّلع ُ‬
‫أكثر أهلها الفقراء‬
‫ث‪ ،‬في‪ :‬المرأة‪ ،‬والفرس‪ ،‬والدار‬ ‫‪ - 1‬الشؤم في ثل ٍ‬
‫‪ - 11‬الحصير في ركن البيت خيٌر من امرأة ل تلد‪ ,‬وهذا الحديث ضعيف‪،‬‬
‫ولكن له طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً‪.‬‬
‫ل ودين‬ ‫‪ - 12‬النساء ناقصات عق ٍ‬
‫صورة المرأة‪:‬‬
‫المرأة بناءً على الحاديث السابقة هي‪:‬‬
‫الشيطان الذي لم تُترك فتنة على الرجال أشد منها‪ ،‬والضلع العوج الذي ل‬
‫يستقيم‪ ،‬وهي أكثر أهل النار‪ ،‬وناقصة عقليا ً ودينياً‪ ،‬ول تساوي أكثر من‬
‫من يُضَرب دون أن يُسأل ضاربها عن السبب‪،‬‬ ‫حصير إذا كانت عاقراً‪ ،‬وهي َ‬
‫ة عند زوجها حتى كاد النبي أن يأمرها بالسجود له‪،‬‬ ‫وهي تكاد أن تكون جاري ً‬
‫وهي وسيلة التفريغ الجنسي لزوجها‪ ،‬وهي مأمورةٌ بإجابة زوجها في‬
‫شهواته تحت أي ظرف‪ ،‬وإن هي رفضت لعنَتْها الملئكة‪ ،‬وهي أحد رموز‬
‫الشؤم‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل‪ :‬هل هذا هو التكريم؟ هل هذه هي الصورة التي يقدمها الله‬
‫ورسوله للمرأة؟‬
‫المرأة والزواج‪:‬‬
‫بالرغم من تحديد محمد للزوجات بأربع‪ ،‬فإننا ل نكاد نجد في صحابته من‬
‫التزم بهذا‪ .‬فقد تزوج كل من عمر وعلي وعثمان بن عفان تسعاً‪ .‬ولعل عليّاً‬
‫ي زوجة أخرى مع‬ ‫تزوجهن بعد وفاة محمد ‪ ،‬فقد رفض محمد أن يتزوج عل ٌّ‬
‫ً‬
‫فاطمة ابنة محمد‪ .‬وسبب هذا العدد الكبير من الزوجات أن محمدا جعل لهم‬
‫وجون ويطلقون‬ ‫في الطلق وسيلة بديلة عن تعدد الزوجات‪ ،‬فكانوا يتز َّ‬
‫وجت‬ ‫كيفما شاءوا‪ ،‬بالضافة إلى ما ملكت أَيْمانهم‪ .‬ومن الصحابيّات من تز َّ‬
‫بأكثر من أربع‪ ،‬كعاتكة بنت زيد ابنة عم عمر بن الخطاب تزوجت عبد الله بن‬
‫أبي بكر وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن أبي بكر بن أبي‬
‫بكر وعمرو بن العاص‪.‬‬
‫قيمة المرأة‪:‬‬
‫ُروي عن سهل بن سعد ‪ :‬أن رسول الله (ص) جاءته امرأة فقالت‪ :‬يا رسول‬
‫عد فيها النظر‬ ‫الله‪ ،‬جئت أهب لك نفسي‪ .‬فنظر إليها رسول الله (ص) فص ّ‬
‫ض فيها شيئا ً جلست‪.‬‬ ‫وبه ثم طأطأ رأسه‪ .‬فلما رأت المرأة أنه لم يق ِ‬ ‫وص ّ‬
‫ل من أصحابه فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن لم يكن لك بها حاجة‬ ‫فقام رج ٌ‬
‫وجنيها‪ .‬فقال‪ :‬وهل عندك شيء؟ قال‪ :‬ل والله يا رسول الله‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫فز ِّ‬
‫ً‬
‫اذهب إلى أهلك فانظر‪ ،‬هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال‪ :‬ل والله ما‬
‫ت شيئاً‪ .‬فقال محمد ‪ :‬انظر ولو خاتما ً من حديد‪ .‬فذهب ورجع فقال‪ :‬ل‬ ‫وجد ُ‬
‫والله يا رسول الله ول خاتما من حديد‪ ،‬ولكن هذا ردائي‪ .‬فقال سهل‪ :‬ما له‬ ‫ً‬
‫ستَه لم‬ ‫رداء غيره‪ ،‬فلها نصفه‪ .‬فقال رسول الله‪ :‬ما تصنع بإزارك؟ إن لب ْ‬
‫ه لم يكن عليك منه شيء‪ .‬فجلس الرجل‬ ‫ست ْ ُ‬
‫يكن عليها منه شيء‪ ،‬وإن لب َ‬
‫مولِّيا ً فأمر به فدُعي‪ .‬فلما جاء‬ ‫ُ‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫فرآه‬ ‫حتى إذا طال مجلسه قام‪،‬‬
‫سأله‪ :‬ماذا معك من القرآن؟ قال‪ :‬معي سورة كذا وسورة كذا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬اذهب فقد ملكتها بما معك من‬
‫القرآن‪.‬‬
‫َّ‬
‫ن؟!‬ ‫ٍ‬ ‫ثم‬ ‫وبأي‬ ‫ص‬‫ٍ‬ ‫شخ‬ ‫لي‬ ‫ك‬ ‫مل‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫حتى‬ ‫المرأة‬ ‫هن‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫الحد‬ ‫هذا‬ ‫إلى‬ ‫فهل‬
‫محمد وتعدد الزوجات‪:‬‬
‫أمر محمد أصحابه بتعدد الزوجات‪ ،‬أو قل أباحه لهم‪ .‬فهل كان هو نفسه‬
‫يقبل تعدد الزوجات؟‬
‫هذا أمٌر فيه نظر‪ ،‬فقد ُروي عن النبي أنه قال‪ :‬إن بني هشام بن المغيرة‬
‫استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب ‪ ،‬فل آذن‪ ،‬ثم ل آذن‪ ،‬إل‬
‫ة‬
‫أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم‪ ،‬فإنما ابنتي بضع ٌ‬
‫مني‪ ،‬يريبني ما أرابها‪ ،‬ويؤذيني ما أذاها‪,‬‬
‫فبالرغم من أن محمدا ً أباح تعدّد الزوجات لنفسه ولصحابه‪ ،‬إل أنه لم يقبله‬
‫ء للمرأة‪.‬‬‫لزوج ابنته‪ ،‬لنه يعلم ما في ذلك من إيذا ٍ‬
‫وهناك حديث آخر لمحمد عن عائشة قالت‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى‬
‫ت طلقي (أي طلقها ثلث‬ ‫النبي فقالت‪ :‬إني كنت عند رفاعة فطلَّقني‪ ،‬فب َّ‬
‫هدبة الثوب‬ ‫ت بعده عبد الرحمن بن الزبير‪ ،‬وما أنا معه إل مثل ُ‬ ‫مرات) فتزوج ُ‬
‫(كناية عن الضعف الجنسي)‪ .‬فقال‪ :‬أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك كناية عن الجماع نعتقد‬
‫أن هذا الحديث ل يحتاج منا إلى تعليق‪ ،‬فمكانة المرأة ومشاعرها عند محمد‬
‫تتجلى فيه بأوضح صورة‪.‬‬
‫السلم والطلق‪:‬‬
‫ق في طلب‬ ‫في موقف السلم من الطلق امتهان للمرأة‪ ،‬فليس للمرأة ح ٌّ‬
‫الطلق‪ .‬قال محمد ‪ :‬أيُّما امرأة سألت زوجها طلقا ً في غير ما بأس‪ ،‬فحرا ٌ‬
‫م‬
‫عليها رائحة الجنة والزوج إذا طلق امرأته له أن يعيدها إليه في أي وقت‬
‫يشاء قبل انقضاء عدّتها (ثلثة أشهر) دون أن يحتاج إلى موافقتها‪ .‬أما إذا‬
‫أرادت المرأة أن تترك زوجها فعليها أن تردّ له كل شيء لها‪ ،‬أو أن تشتري‬
‫خلع فقد ورد عن نافع أن‬ ‫مى في السلم الطلق بال ُ‬ ‫س ّ‬ ‫نفسها منه‪ ،‬وهو ما ي ُ َ‬
‫ت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد‬ ‫َ ْ‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫اخ‬ ‫صفية بنت أبي عبيد‬
‫الله بن عمر‬
‫حديث فاطمة بنت قيس‪:‬‬
‫عن فاطمة بنت قيس في المطلقة ثلثا ً أن النبي قال‪ :‬ليس لها سكنى ول‬
‫نفقة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد أثار حديث فاطمة هذا جدل كبيرا بين أصحاب محمد أنفسهم‪ ،‬فقد‬
‫طعن فيه عمر بن الخطاب وعائشة وأسامة بن زيد أسامة بن زيد ومروان‬
‫بن معاوية وسعيد بن المسيب‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل‪ :‬إذا كان الحديث صحيحا ً رواه مسلم وغيره‪ ،‬فما موقف الذين‬
‫طعنوا فيه؟ وإن كان الطاعنون فيه على صواب‪ ،‬فما قوة الحديث‪ ،‬وبالتالي‬
‫ما هي قوة صحيح مسلم؟‬
‫سكنى أم ل؟‬ ‫وهل للمطلقة ثلثا ً نفقة و ُ‬
‫هذا هو ما قاله محمد عن المرأة والزواج‪ .‬ولعل أعجب وأغرب شيء هو‬
‫إباحة محمد لزواج المتعة (سنتكلم عنه تفصيليا ً في الفصل القادم) الذي ل‬
‫يخرج عن كونه زنا مقنّناً‪.‬‬
‫ولنا سؤال أخير‪ :‬هل هذه هي شريعة الله؟‬
‫‪- 7‬أحاديث زواج المتعة‬
‫ت كثيرين من علماء المسلمين إلى‬ ‫زواج المتعة من المواضيع التي أَّر َ‬
‫ق ْ‬
‫اليوم‪ ،‬وهو من أكثر المواضيع التي اختلف عليها الفقهاء‪ .‬فما هو زواج‬
‫المتعة؟ ولماذا كل هذا الختلف حوله؟‬
‫طبيعة زواج المتعة‪:‬‬
‫َ‬
‫ر (مهر) يُت ّفق عليه‬ ‫ل (زواج مؤ ّ‬ ‫َ‬
‫قت) مقابل أج ٍ‬ ‫ج ٍ‬‫زواج المتعة هو الزواج ل َ‬
‫ر أو من دقيق‪ ،‬وينتهي بانتهاء المدة‬ ‫ٍ‬ ‫تم‬ ‫من‬ ‫ة‬
‫بالتراضي‪ ،‬ولو كان قبض ً‬
‫المحدَّدة بغير حاجة إلى إجراءات طلق‪ .‬وله حدّ أدنى لدى السنّة ثلثة أيام‬
‫ٌ‬
‫جل ساعة وقد يكون عدة‬ ‫وليس له حدٌّ أقصى‪ ،‬أما عند الشيعة فقد يكون ال َ َ‬
‫سنوات‪ ،‬ويثبت بزواج المتعة نسب البناء وميراثهم‪ .‬أما الزوجة فل ترث‬
‫وليس لها نفقة إل إذا اشترطت ذلك عند الزواج‪.‬‬
‫وزواج المتعة غير محدد بعدد كالزواج العادي‪ ،‬فقد ُروي عن ابن جريج فقيه‬
‫مكة أنه تزوج سبعين امرأة بالمتعة تأكيدا ً لحلِّها‪ .‬ويجوز إسلميا ً تجديد مدة‬
‫الزواج بعد انتهاء المدة المتفق عليها مّرة ومّرات دون الحاجة إلى محل ِّل‬
‫( إسلمنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي‪ ،‬و روح‬
‫ل المتعة‪،‬‬ ‫التشيُّع لعبد الله نعمة وهما مرجعان شيعيان‪ ،‬يؤمن صاحباهما بح ّ‬
‫على عكس أهل السنّة)‪.‬‬
‫محلِين للمتعة أن‬‫ّ‬ ‫بناءً على ما سبق يستطيع أي مسلم من وجهة نظر ال ُ‬
‫يتزوج أية امرأة مسلمة أو كتابية بعقد زواج محدد (خمس ساعات مثلً)‬
‫مقابل مبلغ محدّد يتفقان عليه (عشرة دنانير مثلً)‪ .‬فإذا انتهت الساعات‬
‫الخمس انتهى المر بل حاجة للطلق‪( .‬ماذا يفرق هذا عن الزنى …)‬
‫أحاديث المتعة‪:‬‬
‫نظرا ً لغرابة الموضوع وخطورته وحساسيته‪ ،‬ننقل نصوص أحاديث المتعة‬
‫كما جاءت في كتب الحديث‪ .‬وسنكتفي بالتعليق وتوضيح بعض المور في‬
‫ة واحدة للحديث دون ذكر المكَّرر‪.‬‬ ‫نهاية هذا الفصل‪ ،‬مكتفين بذكر رواي ٍ‬
‫صحيح البخاري‪:‬‬
‫جاء في صحيح البخاري أربعة أحاديث‪:‬‬
‫هى رسول الله عن المتعة عام خيبر‬ ‫‪ - 1‬عن أبي طالب أبي طالب قال ن َ َ‬
‫مر النسية‬ ‫وعن لحوم الح ُ‬
‫خص فيها‪ ،‬فقال له أحد‬ ‫سئِل عن متعة النساء فر ّ‬ ‫‪ - 2‬عن ابن عباس أنه ُ‬
‫قلّة أو نحوه فقال ابن‬ ‫مواليه‪ :‬إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء ِ‬
‫عباس ‪ :‬نعم‬
‫‪ - 3‬عن جابر قال‪ :‬كنا في جيش فأتانا الرسول فقال إنه قد أُِذن لكم أن‬
‫تستمتعوا‪ ،‬فاستمتِعوا‬
‫‪ - 4‬عن سلمة بن الكوع عن أبيه عن النبي قال‪ :‬أيُّما رجل وامرأة توافقا‬
‫فعشرة ما بينهما ثلث ليال‪ .‬فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪:‬‬
‫ً‬
‫ورد في صحيح مسلم‪,‬تسعة وعشرون حديثا أغلبها مكرر‪ ،‬ولذا سنذكر رواية‬
‫واحدة لكل حديث دون ذكر المكرر‪ .‬وجميعها من الباب المذكور‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن قيس قال‪ :‬سمعت عبد الله يقول‪ :‬كنا نغزو مع الرسول ليس لنا‬
‫خص لنا أن ننكح المرأة‬ ‫نساء‪ ،‬فقلنا‪ :‬أل نختصي؟ فنهانا عن ذلك‪ .‬ثم ر َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ت َ‬ ‫موا طَيِّبَا ِ‬ ‫منُوا َل ت ُ َ‬
‫ح ِّ‬
‫ر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬ ‫ل‪ .‬ثم قرأ عبد الله‪ :‬يَا أي ُّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬
‫بالثوب إلى أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫َ‬
‫ن‪(,‬سورة المائدة ‪)87 :5‬‬ ‫دي َ‬‫عت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه َلي ُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل ت َ ْ‬
‫عتَدُوا إ ِ َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫أ َ‬
‫‪ 2‬عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الكوع قال‪ :‬خرج علينا منادي الرسول‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن الرسول قد أذن لكم أن تستمتعوا‪ ،‬يعني متعة النساء‬
‫‪ - 3‬قال عطاء ‪ :‬قدم جابر فجئناه في منزله‪ ،‬فسأله قوم عن أشياء‪ .‬ثم‬
‫ذكروا المتعة‪ .‬فقال نعم‪ .‬استمتعنا على عهد الرسول وأبي بكر أبو بكر‬
‫وعمر‬
‫‪ - 4‬عن إياس بن سلمة عن أبيه قال‪ :‬رخص الرسول عام (أوطاس) في‬
‫المتعة ثلثا ً ثم نهى عنها‬
‫ي قال‪ :‬أذن لنا الرسول بالمتعة‪ ،‬فانطلقت أنا ورج ٌ‬
‫ل‬ ‫هن ّ‬ ‫ج َ‬ ‫‪ - 5‬عن سبرة ال ُ‬
‫إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (ناقة فتية)‪ .‬فعرضنا عليها‬
‫نفسينا‪ .‬فقالت‪ :‬ما تعطي؟ فقلت ردائي‪ ،‬وقال صاحبي‪ :‬ردائي‪ .‬وكان رداء‬
‫ب منه‪ .‬فإذا نظََرت إلى رداء صاحبي‬ ‫صاحبي أجود من ردائي‪ ،‬وكنت أش َّ‬
‫ت‬‫ي أعجبْتُها‪ .‬ثم قالت‪ :‬أنت ورداؤك يكفيني‪ .‬فمكث ُ‬ ‫أعجبها‪ ،‬وإذا نظََرت إل َّ‬
‫ن كان عنده شيء من هذه النساء التي‬ ‫م ْ‬ ‫معها ثلثاً‪ .‬ثم إن الرسول قال‪َ :‬‬
‫ل سبيلها‪,‬‬ ‫خ ِّ‬ ‫يتمتع بهن فلْي ُ َ‬
‫‪ - 6‬عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُلَيِّن في النساء فقال‪ :‬مهلً‬
‫يا ابن عباس ‪ ،‬فإن رسول الله نهى عنها يوم (خيبر) وعن لحوم الحمر‬
‫النسية‬
‫‪ - 7‬عن ابن الزبير قال‪ :‬إن أناسا ً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم‬
‫(يعّرض بابن عباس لصابته بالعمى في آخر حياته) يفتون بالمتعة‪ .‬فناداه‬
‫ابن عباس وقال له‪ :‬إنك لجلف جاف‪ ،‬فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على‬
‫عهد إمام المتّقين رسول الله‪ .‬فقال ابن الزبير ‪ :‬فجرب بنفسك! فوالله‬
‫لئن فعلتها لرجمنّك بأحجارك "‪,,‬‬
‫سنن أبي داود‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن الزهري قال‪ :‬كنا عند عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬فتذاكرنا متعة النساء‪.‬‬
‫فقال له رجل يُقال له ربيع بن سبرة‪ :‬أشهد على أبي أنه حدث أن الرسول‬
‫نهى عنها في حجة الوداع (لحظ أنه سبق ذكر ثلث مناسبات للتحريم‪ ،‬هي‬
‫غزوة خيبر‪ ،‬وفتح مكة‪ ،‬ويوم أوطاس‪ .‬وحجة الوداع هي المناسبة الرابعة)‬
‫‪ - 2‬عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي حَّرم متعة النساء‬
‫سنن ابن ماجة‪:‬‬
‫ورد في سنن ابن ماجة ثلثة أحاديث في باب نكاح المتعة‪ ،‬أحدها عن علي‬
‫بن أبي طالب عن تحريم المتعة عام خيبر‪ ،‬والثاني عن سبرة عن تحريمها‬
‫في حجة الوداع‪ ،‬والثالث وهو ما سنذكره لنه لم يرد في المراجع السابقة‪.‬‬
‫ولي الخلفة‪ ،‬أذن النبي لنا في المتعة ثلثا ً ثم‬ ‫عن عمر بن الخطاب قال لما َ‬
‫ه ل أعلم أحدا ً يتمتع وهو محصن إل رجمته بالحجارة‪ .‬إل أن‬ ‫حرمها‪ .‬والل ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد أن حَّرمها‬ ‫يأتيني بأربع ٍ‬
‫سنن النَّسائي‪:‬‬
‫ورد في سنن النَّسائي أربعة أحاديث في زواج المتعة‪ ،‬ثلثة منها تكرار‬
‫لحديث علي عن تحريمها يوم خيبر‪ ،‬والرابع هو حديث سبرة دون تحديد زمن‬
‫النهي‪ .‬غير أن هناك إحدى الروايات تقول عن علي إنه قال‪ :‬نهى الرسول‬
‫عن المتعة يوم خيبر‪ .‬قال المثني يوم حنين‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا حدّثنا عبد الوهاب‬
‫من كتابه‬
‫الملحظ أن المثني ذكر يوم حنين كمناسبة للتحريم‪ ،‬وهي المناسبة‬
‫الخامسة‪.‬‬
‫سنن الترمذي‪:‬‬
‫ورد في الترمذي حديثان عن المتعة‪ ،‬أحدهما هو حديث علي بتحريمها زمن‬
‫خيبر‪ ،‬والخر عن ابن عباس قال‪ :‬إنما كانت المتعة في أول السلم‪ .‬كان‬
‫الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة‪ ،‬فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه‬
‫و‬ ‫علَى أ َزواجهم أ َ‬
‫يقيم‪ ،‬فتحفظ له متاعه وتُصلح له شيئه‪ ،‬حتى إذا نزلت إِل َّ َ‬
‫ْ َ ِ ِ ْ ْ‬
‫َ‬
‫ج سوى‬ ‫م (سورة المؤمنون ‪ )6 :23‬قال ابن عباس ‪ :‬فكل َ‬
‫فْر ٍ‬ ‫ه ْ‬‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫ملَك َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫هذين فهو حرام‬
‫ما هو مشهور من رأي ابن عباس في‬ ‫والملحظ على هذا الحديث اختلفه ع ّ‬
‫المتعة‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪:‬‬
‫جاء في سنن الدارمي ثلثة أحاديث‪ ،‬كلها سبق ذكرها‪ ،‬وهي تنهى عن‬
‫ن مختلف‪ .‬فيقول‬ ‫المتعة‪ .‬غير أن كل ً منها يحدد أن النبي نهى عنها في زم ٍ‬
‫أحدها إن النهي كان عام الفتح‪ ،‬والثاني في حجة الوداع‪ ،‬والثالث في عام‬
‫خيبر‬
‫مسنَد ابن حنبل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ورد في مسند ابن حنبل عدة أحاديث عن المتعة معظمها مكرر‪ ،‬وسنكتفي‬
‫ث واحد فقط لهميته‪ ،‬وهو عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬كنا نتمتع‬ ‫بذكر حدي ٍ‬
‫على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم حتى نهانا عمر عنه‬
‫أخيرا ً يعني متعة النساء‬
‫وللتعليق نقول‪ :‬لعل القارئ لحظ غرابة موضوع زواج المتعة وغرابة‬
‫أحاديثه‪ ،‬ولعله لم يصل أيضا ً إلى أي نتيجة بخصوصه‪ ،‬ولم يعلم هل الذي‬
‫حرمه هو النبي أم عمر بن الخطاب؟ وإن كان النبي حرمه‪ ،‬فهل كان هذا‬
‫في حجة الوداع أم في عام الفتح‪ ،‬أم في أوطاس‪ ،‬أم في عام خيبر‪ ،‬أم في‬
‫حنين؟ أم أنه حّرمه في كل هذه المناسبات جميعاً؟‬ ‫ُ‬
‫وإن كان النبي حّرمه في كل هذه المناسبات‪ ،‬فهل هذا يعني أنه كان يبيحه‬
‫ثم ينهى عنه حسب الحاجة وحسب الظروف؟ أم أنه كان ينهى عنه دون‬
‫إباحة بين مرات النهي المتعددة؟ ولماذا؟ هل كان ينهى أصحابه عنه لكنهم‬
‫ل ينتهون‪ ،‬فيضطّر لنهيهم مّرة أخرى‪ ،‬أم ماذا؟ ولعل القارئ يتعجب إذا‬
‫عرف أن أصحاب النبي أنفسهم اختلفوا اختلفا ً شديدا ً حول المتعة‪ ،‬فكان‬
‫من المعارضين له عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأبو حنيفة ومالك‬
‫هم عبد الله بن‬ ‫والشافعي وزيد وابن حنبل وغيرهم‪ .‬وأما المؤيدون له‪ ،‬ف ُ‬
‫ي بن كعب وابن جريج أبو جريج وقتادة‬ ‫ُ‬
‫عباس وعبد الله بن مسعود وأب ّ‬
‫وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب ‪ ،‬وجميع أئمة الشيعة‪.‬‬
‫سنة والشيعة حول زواج المتعة‪ ،‬فالسنة‬ ‫والعجب من هذا هو موقف أهل ال ُّ‬
‫يرون أنه زنا وبغاء ودعارة ومحَّرم إلى يوم القيامة‪ ،‬بينما يرى الشيعة أنه‬
‫شبهة فيه‪ ،‬وأن النبي لم يحّرمه‪ ،‬بل حَّرمه عمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫زواج ل ُ‬
‫ح‪ :‬هل المتعة زواج أم زنا؟ وهل قال النبي هذه الحاديث مع‬ ‫ُ ّ‬ ‫مل‬ ‫سؤال‬ ‫وهنا‬
‫تضاربها‪ ،‬أم ل؟ فإن كان قالها‪ ،‬فما تفسير هذا التضارب؟‬
‫وإن لم يكن هو قائلها‪ ،‬فما هي قوة كل كتب الحديث التي روت هذه‬
‫الحاديث؟‬
‫أحاديث الضاحي‬
‫الضحية في السلم‪:‬‬
‫موضوع الضاحي والذبائح من المواضيع الكثر إبهاما ً في السلم‪ ،‬فليس‬
‫للضحية في السلم فلسفة ما‪ .‬والمسلمون يذبحون سنويا ً (في عيد‬
‫َ‬
‫مص ّلنا‬ ‫ن ُ‬ ‫ح فل يقُرب ّ‬ ‫ن كان له سعة ولم يض ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫الضحى) لقول محمد َ‬
‫ومن الذبائح في السلم ما يُسمى بالعقيقة وهي ذبيحة تُذبح عن المولود‬
‫ل غلم رهينة بعقيقته تُذبح عنه اليوم‬ ‫في اليوم السابع‪ ،‬فقد قال محمد ‪ :‬ك ُّ‬
‫مى ‪.15‬‬ ‫السابع‪ ،‬ويُحلق رأسه‪ ،‬ويُس َّ‬
‫وفي حديث آخر يقول محمد ‪ :‬ما عمل ابن آدم يوم النحر (الذبح) عمل ً أح َّ‬
‫ب‬
‫هراقة (سفك) دمٍ‪ ،‬وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلفها‬ ‫إلى الله من ِ‬
‫ل بمكان قبل أن يقع على الرض‪،‬‬ ‫عز وج ّ‬ ‫وأشعارها‪ ،‬وإن الدَّم ليقع من الله ّ‬
‫فطيبوا بها نفسا ً‬
‫وبالضافة إلى ما سبق فقد وضع محمد شروطا ً خاصة للذبيحة‪ ،‬منها أن‬
‫ت بيوم الضحى عيدا ً جعله الله لهذه المة‪ .‬فقال‬ ‫مر ُ‬ ‫تكون ذكراً‪ ،‬فقد قال‪ :‬أ ِ‬
‫حي بها؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن خذ‬ ‫له رجل‪ :‬أرأيت إن لم أجد إل منيحة أنثى‪ ،‬أفأض ّ‬
‫ص من شاربك‪ ،‬وتحلق عانتك‪ ،‬فذلك تمام أضحيتك‬ ‫ق ُّ‬ ‫من شعرك وأظفارك وت ُ‬
‫عند الله‬
‫ع ل تُجزى في الضاحي‪:‬‬ ‫ومن شروط الذبيحة أن تكون بل عيب لقوله‪ :‬أرب ٌ‬
‫ضها‪ ،‬والعرجاء البيِّن عَرجها‪،‬‬ ‫ورها‪ ،‬والمريضة البيّن مر ُ‬ ‫العوراء البيِّن ع َ‬
‫سير) هذا بالضافة إلى عدة شروط‬ ‫َ‬ ‫والكسيرة التي ل تُنقى (ل تقدر على ال ّ‬
‫أخرى‪ ،‬كأن يكون الذبح لله‪ ،‬وبنيّة خالصة‪ ،‬واختيارياً‪ ،‬وقدر استطاعة الفرد‪..‬‬
‫إلخ‪,‬‬
‫وكل الحاديث السابقة تجعلنا نسأل‪:‬‬
‫ت هذه الشروط للذبائح؟‬ ‫ع ْ‬ ‫ض َ‬‫و ِ‬‫لماذا ُ‬
‫ن قبل أن يصل للرض؟‬ ‫ٍ‬ ‫بمكا‬ ‫الله‬ ‫من‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫يقع‬ ‫ولماذا‬
‫هن الغلم بذبيحة تُذبح عنه في اليوم السابع؟‬ ‫ولماذا يُر َ‬
‫فلسفة الذبائح في المسيحية‪:‬‬
‫بسبب غموض موضوع الذبائح في كتب الفقه والحديث السلمية‪ ،‬ندرس‬
‫موضوع البحث دراسة مسيحية خالصة‪ .‬وقد جاءت أول إشارة عنه في تكوين‬
‫ة من جل ْد َ‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما فوجود‬ ‫ه َ‬‫س ُ‬‫وألْب َ َ‬
‫ص ً ِ ْ ِ ٍ َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مَرأت ِ ِ‬‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب اْلِله ِلدَ َ‬‫ع الَّر ُّ‬ ‫صن َ َ‬ ‫و َ‬‫‪َ 21 :3‬‬
‫أقمصة الجلد يلزمه وجود ذبيحة‪ .‬وهذه أيضا ً أول إشارة عن دور الذبيحة في‬
‫تكفير (تغطية) الخطية‪ .‬وتوالت بعد ذلك الشارات للذبيحة في قصة قايين‬
‫وهابيل (تكوين ‪ .)4‬أما العبادة اليهودية فكلها ذبائح وأضاحي‪ ،‬فقد كان‬
‫اليهود يعيّدون عيد الفصح كل عام فيذبحون شاة‪ ،‬تذكارا ً لنجاتهم من‬
‫استعباد فرعون لهم‪ ،‬وعبور الملك المهلك على بيوتهم التي وضعوا الدم‬
‫على عتبة أبوابها العليا وعلى قائمتي أبوابها (خروج ‪ .)12‬كما كانوا‬
‫يحتفلون بيوم الكفارة العظيم سنويا ً للتكفير عن ذنوب الشعب (لويين‬
‫‪ .)16‬وكما في السلم كذلك في التوراة‪ ،‬هناك شروط في الذبيحة‪ .‬وقد‬
‫وضعت شروط التوراة لتوضح العلقة بين الرمز (الذبيحة) والمرموز له‬ ‫ُ‬
‫(المسيح)‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون الذبيحة‪ ،‬كل ذبيحة‪ ،‬بل عيب‪ ،‬لنها ترمز للمسيح الذي بل خطية‪،‬‬
‫عر َ‬
‫ما‬‫ب َ‬ ‫عي ْ ٌ‬ ‫ى‪َ ،‬‬ ‫عم ً‬ ‫و َ‬ ‫جأ ْ‬ ‫ب‪ٌ َ َ ،‬‬ ‫عي ْ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬‫ن إِذَا كَا َ‬‫ولك ِ ْ‬ ‫فيقول في تثنية ‪َ 21 :15‬‬
‫ك‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫ب إِل ِ‬ ‫ه لِلَّر ِّ‬ ‫ح ُ‬ ‫فَل تَذْب َ ْ‬ ‫َرِديءٌ‪َ ،‬‬
‫‪ - 2‬وكانت هناك ذبائح اختيارية‪ ،‬إشارة إلى أن المسيح وضع نفسه بإرادته‬
‫واختياره (لويين ‪4 19 :22‬وعدد ‪ 3 :15‬وتثنية ‪ 1 :16‬وعزرا ‪.) 5 :3‬‬
‫‪ - 3‬يكون تقديم الذبيحة لله فقط‪ ،‬رمزا ً للمسيح الذي أسلم نفسه لجلنا‬
‫ة لله رائحة طيبة (خروج ‪ 2 :22‬و أفسس ‪)2 :5‬‬ ‫قربانا ً وذبيح ً‬
‫ب مستقيم‬ ‫قدّم الذبائح بالشكر (مزمور ‪ 8 : 5‬و‪ )14‬وبقل ٍ‬ ‫‪ - 4‬يجب أن ت ُ َ‬
‫(إشعياء ‪.)13 :1‬‬
‫ويعلّمنا الكتاب المقدس أنه بدون سفك دم ل تحصل مغفرة (عبرانيين ‪:9‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫خطَايَا‪َ ،‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫فَرا ُ‬ ‫غ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫م ِ‬‫فدَاءُ‪ ،‬بِدَ ِ‬ ‫ه لَنَا ال ْ ِ‬‫في ِ‬‫ذي ِ‬ ‫‪ )21‬وهذا ما فعله المسيح ال ّ ِ‬
‫ه (أفسس ‪)7 :1‬‬ ‫مت ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫غنَى ن ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫وقد جاءت في العهد القديم عدة إشارات عن دم المسيح (خروج ‪ 13 :12‬و‬
‫وَردَت عدة نصوص‬ ‫‪ 16 :29‬و‪ : 3‬ولويين ‪ ..45 :1‬إلخ)‪ .‬وفي العهد الجديد َ‬
‫تؤكد الفداء والتطهير بدم المسيح (كولوسي ‪ 2 :1‬وعبرانيين ‪ 19 : 1‬و‪:12‬‬
‫‪ 24‬و‪1‬بطرس ‪ 1 6 2 :1‬بطرس‪ 1‬يوحنا‪ .4,:1‬إلخ)‪.‬‬
‫مي‬ ‫د‬
‫َ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫هـ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫حينما‬ ‫ح المسيح هذه الرمزية بينه وبين الذبائح‬ ‫ض َ‬ ‫و ّ‬ ‫وقد َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خطايَا (متى ‪:26‬‬ ‫ة ال َ‬ ‫فَر ِ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ َ‬‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ل كثِي ِ‬ ‫ج ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫فك ِ‬ ‫س َ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫د ال ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫د ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ذي لِل َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل اللّه‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وذَا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل يوحنا المعمدان حين رأى المسيح‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬ ‫ف َ‬ ‫‪ .)28‬وكذلك َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عالم ِ (يوحنا‪ 29 :1‬و‪.)36‬‬ ‫ة ال َ‬ ‫َ‬
‫خطِي ّ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي يَْر َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مل الله‬ ‫ح َ‬‫كانت القرابين والذبائح في اليهودية رمزا ً للذبيح العظم‪َ ،‬‬
‫الذييرفع خطية العالم‪ ،‬وكان الدم رمزا ً لدمه الذي يطهر من كل خطية‪.‬‬
‫فالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يدور حول فكرة الفداء بدم‬
‫المسيح‪ ،‬ففي العهد القديم نجد أكثر من ‪ 3‬نبوة وإشارة عن المسيح‪ ،‬وفي‬
‫العهد الجديد نجد تحقيق هذه النبوات‪,‬‬
‫كيف دخلت الذبائح السلم؟‬
‫عندما نريد أن نعرف تاريخية شيٍء ما فعلينا أن نرجع لجذوره التراثية‪.‬‬
‫فلنرجع لتاريخ العرب قبل السلم‪ ،‬وهم بشٌر يؤثّرون في الخرين ويتأثّرون‬
‫بهم‪.‬‬
‫ومن الثابت تاريخيا أنه ليس للعرب أية سجلت تاريخية توضح حال شبه‬ ‫ً‬
‫الجزيرة العربية في فترة ما قبل الميلد‪ .‬فالمعروف أن النبي إبراهيم‪،‬‬
‫خليل الله‪ ،‬عاش تقريبا ً من ‪ 185 - 25 2‬ق‪.‬م‪ ،‬ولكن التاريخ العربي لم‬
‫يسجل شيئا ً عنه‪ ،‬وكانت قصته مجهولة تماما ً عند العرب القدماء‪.‬‬
‫ومن المعروف أيضا ً أن الديانة اليهودية ديانة غير كارزة‪ ،‬ل تدعو أحداً‬
‫للدخول فيها‪ ،‬بل تقتصر على بني إسرائيل‪ .‬لذا فاليهود ل يعنيهم ما يعرفه‬
‫الخرون عنهم‪ .‬ولكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لتأليف مجموعة من‬
‫القصص تمكّنهم من العيش وسط العرب‪ ،‬بعد أن طُردوا من فلسطين على‬
‫عدة مراحل‪ ،‬كان أولها على يد تيطس الروماني عام ‪ 7‬م‪ ،‬ثم عام ‪132‬م‬
‫حينما حاولوا القيام بثورة ضد الرومان‪ .‬وكان الملجأ الوحيد لهم هو شبه‬
‫الجزيرة العربية لنها لم تكن خاضعة للحكم الروماني‪ .‬فكان عليهم أن‬
‫ة ما بينهم وبين العرب‪ ،‬تتيح لهم أن يعيشوا في بلدهم‪ ،‬فقاموا‬ ‫جدوا صل ً‬ ‫يو ِ‬
‫بصناعة الحلي والسيوف والكهانة‪ ،‬ثم اخترعوا فكرة قرابتهم للعرب‪ ،‬لنهم‬
‫أبناء عمومة‪ ،‬فجدّهم جميعا ً هو إبراهيم‪ ،‬الذي أنجب اليهود من نسل ابنه‬
‫إسحاق‪ ،‬وأنجب العرب من نسل ابنه إسماعيل! وهذه الصلة بالجد البعيد‬
‫إبراهيم جعلتهم يربطون بين بئر سبع وبئر زمزم‪ ،‬وبين برية فاران التي‬
‫عاش فيها إسماعيل وبين مكة‪,‬وانتقلت هذه القصة في الموروث الشعبي‪،‬‬
‫نتيجة عدم تسجيل العرب لوثائق تاريخهم‪ ،‬كما كان يفعل اليهود والرومان‬
‫والمصريون‪.‬‬
‫كان نتيجة ذلك أن استقرت هذه القصة في الذهان كحقيقة واقعة مفادها‬
‫أن إسماعيل عاش في مكة وأنه أبو العرب وأخو إسحاق أبي اليهود‪ .‬ولذا‬
‫فالعرب واليهود أبناء عمومة!‬
‫التراث اليهودي ‪ -‬السلمي‪:‬‬
‫حنفاء الذين اتّخذوا‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫فظهر‬ ‫اليهودي‬ ‫بالتراث‬ ‫ة لما سبق تأثّر العرب‬ ‫نتيج ً‬
‫ي بن‬ ‫قص ّ‬ ‫ً‬
‫طقوسا كثيرة من اليهودية وجعلوها نبراسا لهم‪ ،‬وكان منهم ُ‬ ‫ً‬
‫كِلب أحد أجداد النبي‪ ،‬ومنهم جدّهُ عبد المطلب ‪ ،‬وزيد بن عمرو بن نفيل‬
‫عم عمر بن الخطاب‪ ,9‬بن الخطاب‪.‬‬
‫وكانت نتيجة كل ذلك هو مولد محمد وسط هذا الموروث العقائدي الذي تأثر‬
‫به كثيرا ً نتيجة لحتكاكه بأقربائه الحنفاء‪ ,‬كما تأثر محمد بيهود المدينة‬
‫موطن أخواله‪ ،‬وبيهود الشام واليمن في رحلته التجارية‪ .‬فكان أن أخذ‬
‫محمد الطقس الموروث دون مدلولته‪ ،‬فإنه أخذ أشياء كثيرة ممن كانوا‬
‫قبله‪ ،‬كالصوم والصلة والحج والحدود وكذلك أخذ طقس الفصح السنوي‬
‫عن اليهود‪ ،‬لكن دون مدلوله وهو المسيح‪ .‬ولعلنا ل نتجنّى إذا قلنا إن‬
‫ن‬‫ٍ‬ ‫بمكا‬ ‫ضح لماذا يقع الدم من الله‬ ‫مفهوم الكتاب المقدس عن الذبائح يو ّ‬
‫قبل أن يقع على الرض‪ .‬وذلك لن هذا الدم كان يرمز إلى كفارة المسيح‪،‬‬
‫فر الخطايا‪ .‬ولقد انتهت الن كل الذبائح‬ ‫ك دمه عن كثيرين وبه تُغ َ‬ ‫ف َ‬ ‫س ِ‬ ‫الذي ُ‬
‫ل‪ ،‬ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫والقرابين التي ت ُ َ‬
‫ل بِدَمِ‬ ‫جو ٍ‬‫ع ُ‬
‫و ُ‬
‫س َ‬ ‫س بِدَم ِ تُيُو َ ٍ‬ ‫قدّم لله لن المسيح لي ْ َ‬
‫َ‬
‫ديّا ً (عبرانيين ‪.)12 :9‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ج‬‫و‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫س‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ى‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬‫ً‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫مَّرةً َ‬
‫وا‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه‪ ،‬دَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪- 9‬أحاديث المارة (الخلفة)>‬
‫الخلفة (المارة) من الموضوعات الهامة لكل من أراد أن يعرف حال‬
‫المنطقة العربية طوال ‪ 14‬سنة هي تاريخ السلم‪ ،‬فبناءً على فهم‬
‫المسلمين للخلفة كان تاريخهم‪ .‬ولنبدأ من يوم وفاة محمد‪.‬‬
‫يروي الشيخان (البخاري والمسلم) أن عمر خطب الناس عند عودته من‬
‫ت فلناً‪ .‬فل‬ ‫ج‪ ،‬فقال‪ :‬قد بلغني أن فلنا ً منكم يقول‪ :‬لو مات عمر بايع ُ‬ ‫الح ّ‬
‫مت‪ .‬أل وإنها قد كانت‬ ‫َ‬ ‫يغترن امرؤ أن يقول‪ :‬إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وت ّ‬
‫كذلك‪ .‬أل إن الله وقى شرها‪ ،‬وليس فيكم اليوم من تُقطع إليه العناق مثل‬
‫أبي بكر ‪ ،‬وإنه كان من خيرنا حين تُوفي الرسول‪ ،‬وإن عليا ً والزبير بن‬
‫َ‬
‫ن معهما تخل ّفوا في بيت فاطمة‪ ،‬وتخلّفت النصار عنّا بأجمعها‬ ‫م ْ‬ ‫العوام و َ‬
‫في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر‪ ،‬أبي بكر فقلت‬
‫مهم‬ ‫له‪ :‬يا أبا بكر أبي بكر ‪ ،‬انطلق بنا إلى إخواننا من النصار‪ .‬فانطلقنا نؤ ّ‬
‫حين لقينا رجلين صالحين‪ ،‬فذكرا لنا الذي صنع القوم‪ ،‬فقال‪ :‬أين تريدون يا‬
‫معشر المهاجرين؟ قلت‪ :‬نريد إخواننا من النصار فقال‪ :‬عليكم أّل تقربوهم‪،‬‬
‫واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين‪ .‬فقلت‪ :‬والله لنأتينَّهم‪ .‬فانطلقنا حتى‬
‫جئناهم في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬فإذا هم مجتمعون‪ ،‬وإذا بين ظهرانيهم‬
‫مل‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ قالوا‪ :‬سعد بن عبادة ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما له؟ قالوا‪:‬‬ ‫مز َّ‬ ‫رجل ُ‬
‫جع‪ .‬فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله‪ ،‬وقال‪ :‬أما بعد‪،‬‬ ‫و ِ‬‫َ‬
‫فنحن أنصار الله وكتيبة السلم‪ ،‬وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا‪ ،‬وقد‬
‫فت دافة منكم (أي المهاجرون) تريدون أن تختزلونا (أي النصار) من‬ ‫د َّ‬
‫أصلنا وتحضنونا من المر (أي الخلفة)‪ .‬فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت‬
‫ورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر‪ ،‬وقد كنت أداري‬ ‫ز َّ‬
‫سل ِكَ‬
‫ر ْ‬
‫منه بعض الحد‪ ،‬وهو كان أحلم مني وأوقر‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬على ِ‬
‫فكرهت أن أغضبه‪ ،‬وكان أعلم مني‪ ،‬والله ما ترك من كلمة أعجبتني في‬
‫تزويري إل قال في بداهته مثلها وأفضل منها‪ ،‬حتى سكت‪ ،‬فقال‪ :‬أما بعد‬
‫فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله‪ ،‬ولم تعرفوا هذا المر إل لهذا الحي‬
‫من قريش‪ ،‬هم أوسط العرب نسبا ً وداراً‪ ،‬وقد رضيت لكم أحد هذين‬
‫الرجلين‪ ،‬فبايِعوا أيَّهما شئتُم‪ .‬فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح أبو‬
‫عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا‪ ،‬فلم أكره مما قال غيرها‪ ،‬وكان والله‬
‫مر على قوم‬ ‫ي من أن أتأ َّ‬ ‫قدَّم فتضرب عنقي ل يقربني ذلك من إثم أح ُّ‬
‫ب إل َّ‬ ‫أُ َ‬
‫عذَيقها‬ ‫ك‪ ،‬و ُ‬ ‫َ‬
‫فيهم أبو بكر‪ .‬أبو بكر فقال قائل من النصار‪ :‬أنا جزيلها المحك ّ ُ‬
‫عب‪( ،‬أي الذي‬ ‫المرجب (أي أنه الجمل الذي يحتك لجربه) والغصن المتش ّ‬
‫منّا أمير ومنكم أمير يا معشر‬ ‫يخالف الناس ول يوافق على ما قيل)‪ِ ،‬‬
‫قريش‪ .‬وكثر اللغط‪ ،‬وارتفعت الصوات حتى خشيت الختلف‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده‪ ،‬فبايعتُه وبايعه المهاجرون‪ ،‬ثم بايعه‬
‫النصار‪ .‬أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا ً هو أوفق من مبايعة أبي بكر‬
‫أبو بكر ‪ ،‬خشينا إن فارقنا القوم‪ ،‬ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة‪ ،‬فإما‬
‫أن نبايعهم على مال نرضى‪ ،‬وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد هذا الحديث‬
‫من أطول وأوضح الحاديث عن الخلفة‪ ،‬وقد رويناه كامل ً لعدة أسباب منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الراوي‪ :‬الشيخان‪ ،‬البخاري ومسلم في صحيحيهما‪ ،‬وهما أصح كتب‬
‫الحديث عند المسلمين‪.‬‬
‫‪ - 2‬المروي عنه‪ :‬عمر بن الخطاب ‪ ،‬ثاني الخلفاء‪ ،‬وهو الذي قال فيه محمد‬
‫ي يخرج في‬ ‫‪ :‬بينما أنا نائم أُتيت بقدح لبن‪ ،‬فشربت حتى أنِّي لرى الّر َّ‬
‫ولته‬‫أظفاري‪ .‬ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب بن الخطاب‪ .‬قالوا‪ :‬فما أ َّ‬
‫يا رسول الله؟ فقال‪ :‬العلم‪.‬‬
‫مسجى في البيت لم يُدفن بعد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫النبي‬ ‫‪ - 3‬وقت الرواية‪ :‬يوم موت‬
‫‪ - 4‬موضوعها‪ :‬الخلفة وهي من المسائل الهامة للدولة الوليدة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحاضرون‪ :‬أبو بكر وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين‪ ،‬وسعد بن عبادة‬
‫وغيره من كبار النصار‪.‬‬
‫‪ - 6‬الغائبون‪ :‬علي بن أبي طالب ‪ ،‬وهو من محمد بمنزلة هارون من موسى‬
‫ي النبي‬
‫والزبير بن العوام ‪ ،‬وهو حوار ّ‬
‫‪ - 7‬النتيجة‪ :‬مبايعة أبي بكر الصديق‪ .‬أبي بكر الصديق‬
‫قريش و السقيفة ‪:‬‬
‫من الغريب وجود عدّة أحاديث صحيحة مع وجود الحديث السابق‪ ،‬أو مع‬
‫حدوث حادث السقيفة‪ ،‬فقد طلب النصار أمر الخلفة لنفسهم رغم وجود‬
‫حديث يقول‪ :‬ل يزال هذا المر (الخلفة) في قريش ما بقي منهم اثنان ألم‬
‫يكن أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة وجميع من في السقيفة يعلمون بهذا‬
‫ق رغم‬ ‫مختل َ ٌ‬ ‫الحديث‪ ،‬وهم من كبار أصحاب محمد ؟ أم أن هذا الحديث ُ‬
‫وجوده في صحيح البخاري؟‬
‫ثم كيف يتفق موقف أبي بكر في محاولته أخذ البيعة لعمر أو لبي عبيدة‬
‫مع وجود حديث في صحيح مسلم عن عائشة قالت‪ :‬قال لي رسول الله في‬
‫مرضه‪ :‬ادعي لي أبا بكر أباك‪ ،‬وأخاك‪ ،‬حتى أكتب كتاباً‪ ،‬فإني أخاف أن‬
‫ن ويقول قائل‪ :‬أنا أولى‪ .‬ويأبى الله والمؤمنون إل أبا بكر‬ ‫يتمنَّى ُ‬
‫متم ٍ ّ‬
‫فهل كان أبو بكر يجهل هذا الحديث وهو من هو؟ أم أنه كان يعلمه‬
‫ويخالفه؟‬
‫ثم إذا كان هذا الحديث صحيحاً‪ ،‬لنه ورد في صحيح مسلم‪ ،‬وحديث السقيفة‬
‫صحيح لنه ورد في البخاري ومسلم‪ ،‬فما هو موقف الحديث الصحيح الذي‬
‫يرويه ابن سعد في طبقاته في باب ذكر ما قال العباس لعلي ج ‪ ، 2‬حيث‬
‫يقول عن فاطمة بنت محمد إنها قالت‪ :‬لما توفي رسول الله قال العباس ‪:‬‬
‫يا علي ‪ ،‬قم حتى أُبايعك ومن حضر‪ ،‬فإن هذا المر‪ ،‬إذا كان‪ ،‬لم يرد مثله‪.‬‬
‫ي ‪ :‬وأحدُ؟ (يعني يطمع فيه غيرنا)‪ .‬فقال‬ ‫والمر في أيدينا‪ .‬فقال عل ّ‬
‫العباس ‪ :‬أظن والله سيكون! فلما بويع لبي بكر رجعوا إلى المسجد فسمع‬
‫ت‬‫علي التكبير‪ ،‬فسأل‪ :‬ما هذا؟ فقال العباس ‪ :‬هذا ما دعوتُك إليه فأبي َ‬
‫د مثلهذا قط! فقال عمر‬ ‫ي ‪ :‬أيكون هذا؟ فقال العباس ‪ :‬ما ُر ّ‬ ‫ي! فقال عل ّ‬ ‫عل َّ‬
‫ي وعبّاس‬ ‫في وتخلف عنده عل ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ :‬قد خرج أبو بكر من عند النبي‪ ،‬حين تو ّ‬
‫والُّزبير ‪ ،‬فذلك حين قال عبّاس هذه المقالة‪,‬‬
‫فهذا الحديث يؤكد أن عليّا ً حاول أن يكون الخليفة‪ .‬فهل يجهل علي حديث‬
‫ي بالخلفة لبي بكر ‪،‬‬ ‫خلفة أبي بكر وهو باب مدينة العلم؟ ثم كيف سلّم عل ٌّ‬
‫رغم عدم مبايعة علي لبي بكر ؟ وهناك عشرات الحاديث الصحيحة التي‬
‫تؤكد أن الخلفة من حق علي دون غيره‪ ،‬كما نذكر مثل ً ل حصراً‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن جابر‪ ،‬قال النبي وهو أخذ بضبع علي (ما بين البط إلى نصف‬
‫خذَله‪,‬‬ ‫ل من َ‬ ‫صَره‪ ،‬مخذو ٌ‬ ‫جرة‪ ،‬منصوٌر من ن َ‬ ‫العضد)‪ :‬هذا إمام البَررة‪ ،‬قاتل الف َ‬
‫ي في علي ثلث‪ :‬أنه سيد‬ ‫‪ - 2‬روى الحاكم عن محمد قوله‪ :‬أُوحي إل َّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وإمام المتقين‪ ،‬وقائد الغّر المحجلين‪,‬‬
‫‪ - 3‬قول النبي لعلي ‪ :‬مرحبا ً بسيد المسلمين‪ ،‬وإمام المتقين‪,‬‬
‫حديث غدير خم‪:‬‬
‫عن زيد بن أرقم‪ ،‬قال‪ :‬لما دفع النبي من حجة الوداع ونزل غدير خم‪ ،‬أمر‬
‫بدوحات فقام فينا خطيبا ً فقال‪ :‬كأني دُعيت فأجبت‪ ،‬وإني تارك فيكم‬
‫الثقلين‪ ،‬أحدهما أكبر من الخر‪ ،‬كتاب الله‪ ،‬وعترتي أهل بيتي‪ ،‬فانظروا‬
‫ي الحوض‪ .‬ثم قال‪:‬‬ ‫كيف تخلفونني فيهما‪ ،‬فإنهما لن يفترقا حتى يردا عل َّ‬
‫ُ‬
‫ي كل مؤمن ثم إنه أخذ بيد علي‪ ،‬فقال‪ :‬من كنت ولي ّه‬ ‫إن الله مولي‪ ،‬وأنا ول ُّ‬
‫ل من واله‪ ،‬وعاِد من عاداه‬ ‫فهذا وليه‪ .‬اللهم وا ِ‬
‫فكيف يترك علي الخلفة وهناك كل هذه الحاديث التي تكاد تصل من‬
‫صحتها (حسب رأي علماء الحديث) حد التواتر‪ ،‬وقد يقول قائل‪ :‬إن عليا ً ترك‬
‫رضا ً بأبي بكر‬ ‫مع ّ ِ‬‫الخلفة تواضعاً‪ .‬فنجيبه بقول علي نفسه في نهج البلغة ُ‬
‫مصها (لبسها كالقميص) فلن (يقصد أبا بكر) وإنه‬ ‫وعمر ‪ :‬أما والله لقد تق َّ‬
‫ليعلم أن محلي منها محل القطب من الَّرحا‪ .‬ينحدر عني السيل‪ ،‬ول يرقى‬
‫ت عنها كشحاً‬ ‫َ‬
‫ت (أرخيت) دونها (أي الخلفة) ثوباً‪ ،‬وطوي ُ‬ ‫ي الطّير‪ ،‬فسدَّل ُ‬ ‫إل َّ‬
‫َ‬
‫ت أرتئي بين أن أحول بيد جذّاء (مقطوعة)‪ ،‬وأصبر على‬ ‫ت عنها) وطفق ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫( ِ‬
‫طخية (ظلمة) عمياء‪ ،‬يهرم فيها الكبير‪ ،‬ويشيب فيها الصغير‪ ،‬ويكدح فيها‬
‫مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى (ألزم)‪ .‬فصبرت‬
‫وفي العين قذى‪ ،‬وفي الحلق شجى (جرحاً)‪ .‬أرى تراثي نهباً‪ ،‬حتى مضى‬
‫ول لسبيله (أبو بكر )‪ ،‬فأدلى بها إلى فلن (عمر) بعده‪ ،‬فيا عجباً!! بينما‬ ‫ال َّ‬
‫هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لخر (يعني عثمان) بن عفان بعد وفاته ‪-‬‬
‫لشدَّ ما تشطّرا ضرعيها (أي اقتسمها أبو بكر وعمر) (نهج البلغة ‪ -‬الخطبة‬
‫الشقشقية)‪ .‬فهذا علي ل يرغب عن الخلفة بل يرغب فيها‪.‬‬
‫ي يجهل كل هذه الحاديث في حقه‪ ،‬ومنها حديث غدير خم‬ ‫فهل كان عل ٌّ‬
‫الذي كان هو حاضرهُ‪ ،‬فيحتج بها عليهم؟ أم أن كل هذه الحاديث‬
‫ة‪ ،‬فما هو موقف الكتب التي تروي هذه‬ ‫موضوعة؟‪ ..‬وإن كانت موضوع ً‬
‫الحاديث‪ ،‬وهي كل كتب الحديث عند المسلمين تقريباً؟‬
‫معاوية والسفاح‪:‬‬
‫القارئ لحاديث الخلفة ولحاديث فضائل الصحابة يتعجب أشد العجب حين‬
‫ل من عمر وأبي بكر وعثمان بن عفان‬ ‫يجد أن النبي أوصى بالخلفة بعده لك ٍ‬
‫وعلي‪ ,‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل هناك حديث عن عبد الملك بن عمير قال‪ :‬قال‬
‫ت أطمع في الخلفة منذ قال لي رسول الله‪ :‬يا معاوية‪ ،‬إذا‬ ‫معاوية‪ :‬ما زل ُ‬
‫سن‪ ,‬رواه الطبراني وابن أبي شيبه وهناك حديث آخر عن أبي‬ ‫ت فأح ِ‬ ‫ملك َ‬
‫سعيد الخدري أبي سعيد الخدري قال‪ :‬إن رسول الله قال‪ :‬يخرج رجل من‬
‫ر من الفتن‪ ،‬يُقال له السفاح‪،‬‬ ‫ع من الزمان وظهو ٍ‬ ‫أهل بيتي‪ ،‬عند انقطا ٍ‬
‫فيكون إعطاؤه المال حثيا ً‬
‫ص ممن حكموا طوال‬ ‫وهكذا لو شاء القارئ لوجد أحاديث في خلفة أي شخ ٍ‬
‫فترة الحكم السلمي للمنطقة العربية‪ .‬والعجب أنه سيجد أن معظم هذه‬
‫الحاديث‪ ،‬إن لم يكن كلها‪ ،‬مطعون في صحتها‪ ،‬إما من حيث السند أو المتن‬
‫أو كليهما‪ ،‬رغم ورودها في كتب الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫ً‬
‫بُدئ في جمع الحاديث عام ‪ 25‬هـ تقريبا‪ ،‬أي بعد موت محمد بنحو ‪ 24‬سنة‪،‬‬
‫فكان كل خليفة يأمر بأن توضع له الحاديث في أحقيته بالخلفة‪ ،‬أو كان‬
‫ن هو‬‫م ْ‬
‫سبوا بها أقواتهم‪ .‬فهؤلء لم يكن يعنيهم َ‬ ‫يضعها المنافقون ليتك َّ‬
‫ص‬
‫ن الذي سيدفع أكثر‪ ،‬حتى وصل المر بشخ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫الخليفة بقدر ما كان يعنيهم َ‬
‫قب بشيخ المضيرة (وهي نوع من الحلوى) أنه كان‬ ‫كأبي هريرة الذي كان يُل َّ‬
‫سئل في ذلك‬ ‫يأكل مع معاوية‪ ،‬فإذا حضرت الصلة صلى خلف علي‪ .‬فإذا ُ‬
‫قال‪ :‬مضيرة معاوية أدسم وأطيب‪ ،‬والصلة خلف علي أفضل‬
‫من ينكر مفهوم الخلفة‬ ‫ولم يتوقف المر عند هذا‪ ،‬بل ظهر من العلماء َ‬
‫جملة وتفصيلً‪ ،‬ومنهم الشيخ علي عبد الرازق في كتابه السلم وأصول‬
‫الحكم والعشماوي في الخلفة السلمية وفرج فودة في الحقيقة الغائبة‪.‬‬
‫وهؤلء مفكرون مسلمون لهم شأن! لكن المر لم يستمر‪ ،‬فقد كان هناك‬
‫خر أو السلم السياسي الذي قام بتكفير هؤلء‪ ،‬فصدرت كتب‬ ‫السلم ال َ‬
‫ن ينكر الخلفة مثل كتاب الخلفة لعبد الرازق السنهوري وكتاب‬ ‫م ْ‬
‫فر َ‬‫تك ّ‬
‫كلمة حق للدكتور عمر عبد الرحمن وكتاب الشهادة للشيخ صلح أبو‬
‫إسماعيل وكتاب الحكومة السلمية لبي العلى المودودي‪ ،‬وكتاب آخر‬
‫بنفس العنوان لية الله الخميني‪,‬‬
‫لهم جميعا ً ولتباعهم نقول‪ :‬أعطونا ما اتفقتم عليه لنناقشه معكم‪ .‬أرونا‬
‫مصدرا ً واحدا ً في الحديث تتَّفقون على صحته‪ ،‬لنناقشه معكم‪.‬‬
‫‪- 1‬أحاديث الطعمة والشربة<‬
‫ميه علماء الفقه السلمي‬ ‫ّ‬ ‫يس‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫للتناقض‪،‬‬ ‫من أراد أن يرى أوضح المثلة‬ ‫َ‬
‫الناسخ والمنسوخ فليقرأ الحاديث في موضوع الطعمة والشربة‪ .‬وسنورد‬
‫كل حديث فيها متبوعا ً بحديث آخر يعارضه! ثم نورد بعض الطرائف‬
‫والغرائب‪ ،‬بعدها نورد تعليقنا‪.‬‬
‫هى أم أباح؟‬ ‫نَ َ‬
‫هى عنها النبي أم أباحها‪.‬‬ ‫هناك أطعمة كثيرة ل يمكنك أن تعرف هل ن َ َ‬
‫‪ - 1‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير‪،‬‬
‫فنهانا رسول الله عن البغال والحمير‪ ،‬ولم ينهنا عن الخيل‪.‬‬
‫هى رسول الله عن أكل لحوم الخيل والبغال‬ ‫‪ - 2‬عن خالد بن الوليد قال‪ :‬ن َ‬
‫والحمير ويعتذر أبو داود عن تناقض الحديثين بقوله‪ :‬ل بأس بلحوم الخيل‪،‬‬
‫وليس العمل عليه‪ .‬وهذا منسوخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ - 3‬عن أبي قتادة‪ ،‬أنه رأى حمارا وحشيا فعقره (ذبحه)‪ ،‬فقال النبي‪ :‬هل‬
‫معك من لحمه شيء؟ قال‪ :‬معنا رجله‪ ،‬فأخذها فأكلها‬
‫أكل الجراد‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن أبي أوفى‪ ،‬قال‪ :‬غزونا مع رسول الله سبع غزوات‪ ،‬كنا نأكل معه‬
‫الجراد‬
‫سئل النبي عن الجراد فقال‪ :‬أكثر جنود الله‪ ،‬ل آكُله‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫سلمان‪،‬‬ ‫عن‬ ‫‪-2‬‬
‫رمه‪.‬‬ ‫ول أح ّ ِ‬
‫الخليطان‪:‬‬
‫هى رسول الله أن ينتبذ الزبيب والتمر‬ ‫‪ - 1‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬ن َ‬
‫سُر‪ :‬خليط البلح والتمر)‪.‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ب‬ ‫‪(,‬وال‬ ‫ً‬ ‫جميعا‬ ‫سُر‬‫هى أن ينتبذ الب ُ ْ‬ ‫جميعاً‪ ،‬ون َ َ‬
‫ً‬
‫‪ - 2‬عن عائشة‪ :‬أن رسول الله كان يُنبذ له زبيب فيلقي فيه تمرا‪ ،‬وتمر‬
‫فيلقي فيه زبيبا ً‬
‫حلل أم حرام‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول الله كل مسكر حرام‪ ،‬ومن مات وهو‬
‫يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الخرة‬
‫مزني قال‪ :‬كنت جالسا ً مع ابن عباس عند الكعبة‬ ‫‪ - 2‬عن بكر بن عبد الله ال ُ‬
‫فأتاه أعرابي يقول‪ :‬ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن‪ ،‬وأنتم‬
‫ة بكم أم من بُخل؟ فقال ابن عباس الحمد لله‪ ،‬ما‬ ‫ن حاج ٍ‬ ‫م ْ‬
‫تسقون النبيذ؟ أ ِ‬
‫ي على راحلته وخلفه أسامة‪ ،‬فاستسقى‪،‬‬ ‫دم النب ُّ‬ ‫بنا حاجة ول بُخل! ق ِ‬
‫فأتيناه بإناٍء من نبيذ‪ ،‬فشرب وسقى فضله أسامة‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنتم وأجملتم‪.‬‬
‫كذا فاصنعوا‪ .‬فل نريد تغيير ما أمر به الرسول‬
‫وهناك حديث آخر يقول‪ :‬أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت‪ ،‬فأُتي بنبيذ من‬
‫ب عليه ثم‬ ‫ص َّ‬
‫من ماء زمزم‪ ،‬ف ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫مه‪ ،‬فقطب‪ .‬ثم دعا بذَنُو ٍ‬ ‫السقاية‪ ،‬فش ّ‬
‫شربه‪ .‬فقال له رجل‪ :‬أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال‪ :‬ل‬
‫قائما ً أم قاعداً‪:‬‬
‫هى أن يشرب الَّرجل قائماً‪,‬‬ ‫‪ - 1‬عن أنس‪ :‬أن النبي ن َ َ‬
‫دّه‪ ،‬قال‪ :‬رأيت رسول الله يشرب‬ ‫‪ - 2‬عن عمر بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ج ِ‬
‫قائما ً وقاعدا ً‬
‫أكل اللحم‪:‬‬
‫كّين فإنه من‬ ‫ِ‬ ‫بالس‬ ‫اللحم‬ ‫تقطعوا‬ ‫ل‬ ‫الله‪:‬‬ ‫رسول‬ ‫قال‬ ‫قالت‪:‬‬ ‫عائشة‬ ‫‪ - 1‬عن‬
‫صنيع العاجم‪ ،‬وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ‪,‬‬
‫‪ - 2‬عن عمرو بن أميَّة أنه رأى النبي يحتّز من كتف شاة في يده‪ ،‬فدُعي إلى‬
‫الصلة فألقاها والسكين التي يحتز بها‪ ،‬ثم قام فصلى ولم يتوضأ‪,‬‬
‫الصلة والطعام‪:‬‬
‫ُ‬
‫ضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلة فل‬ ‫و ِ‬‫‪ - 1‬عن ابن عمر أن النبي قال‪ :‬إذا ُ‬
‫وضع عشاؤه‪ ،‬أوحضر‬ ‫ُ‬ ‫إذا‬ ‫عمر‬ ‫ابن‬ ‫يقوم حتى يفُرغ‪ .‬زاد مسدد‪ :‬وكان‬
‫عشاؤه‪ ،‬لم يقم حتى يفُرغ‪ ،‬وإن سمع القامة‪ ،‬وإن سمع قراءة المام‬
‫خر الصلة لطعام ول‬ ‫‪ - 2‬عن جابر بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬ل ت ُ َ‬
‫ؤ ِّ‬
‫لغيره‬
‫سم (وضع علمة) البهائم‪:‬‬ ‫و ْ‬
‫َ‬
‫وسم في وجهه‪ ،‬فقال‪ :‬لعن الله‬ ‫‪ - 1‬عن جابر‪ ،‬قال‪ :‬مَّر على النبي حمار ُ‬
‫الذي وسمه‬
‫‪ - 2‬عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬غدوت إلى رسول الله بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه‪،‬‬
‫فوافيته في يده الميسم يسم (يضع علمة على) إبل الصدقة‬
‫الذباب والوزغ (البُرص)‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬إن رسول الله قال‪ :‬إذا وقع الذباب في إناء أحدكم‬
‫َ‬
‫ه‪ ،‬فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الخر داء‪.‬‬ ‫فليغمسه كل ّه ثم ليطرح ُ‬
‫‪ - 2‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬إن رسول الله قال‪ :‬من قتل وزغا ً (بُْرصاً)في أول‬
‫ضربة كتبت له مائة حسنة‪ ،‬وفي الثانية دون ذلك‪ ،‬وفي الثالثة دون ذلك‬
‫مة من المم‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬عن النبي قال‪ :‬لول أن الكلب أ ُ َّ‬ ‫غ َّ‬
‫ف ٍ‬ ‫م َ‬ ‫‪ - 3‬عن عبد الله بن ُ‬
‫لمرت بقتلها كُل ِّها‪ ،‬فاقتلوا منها كل أسود بهيم وفي رواية فإنه شيطان‬
‫‪ - 4‬عن أبي هريرة قال‪ :‬شكا رسول الله إلى جبريل قلة الجماع‪ ،‬فتبَّسم‬
‫جبريل حتى تلل مجلس رسول الله من بريق ثنايا جبريل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أين أنت‬
‫من أكل الهريسة؟ فإن فيها قوة أربعين رجلً‪(,‬قال المعجم الوجيز إن‬
‫الهريسة نوع من الحلوى يُصنع من الدقيق والسمن والسكر‪ .‬وفي المنجد ‪:‬‬
‫طعام يُصنع من الحب المهروس واللحم‪ .‬وتطلِق العرب كلمة هريسة على‬
‫الفلفل الحار المدقوق بخ ّ‬
‫ل)‪.‬‬
‫قَرب َ َّ‬
‫ن‬ ‫ن أكل من هذه الشجرة الخبيثة فل ي َ ْ‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪ - 5‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النبي‬
‫المساجد‪(,‬الشجرة الخبيثة هي الثوم)‪.‬‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫في هذا الباب آراء غريبة كمنع الصلة على آكل الثوم‪ ،‬أو كتابة حسنات‬
‫ص‪ ،‬أو مثل ما أوردناه سالفا ً في أحاديث الطهارة من أن في‬ ‫لقاتل البُْر ْ‬
‫بول البل شفاء للسهال‪ ،‬بالضافة إلى أحاديث الذباب والهريسة وغيرها‪,‬‬
‫أما باقي أحاديث هذا الباب فمتضاربة‪ .‬وإنّا نتساءل‪:‬‬
‫هل تقع هذه الحاديث في باب الناسخ والمنسوخ؟‬
‫إذن‪ ،‬لماذا كُتبت الحاديث المنسوخة ‪ -‬مع ملحظة أنه ل يُثاب أحد على‬
‫قراءة الحديث كالقرآن‪ .‬هذا مع ما تفعله هذه الحاديث من تجهيل أمور‬
‫كثيرة للعوام ومن ل يعرفون بنسخها؟‬
‫أم أن المر ل يتعدّى أكثر من كتابة كل ما قال محمد؟‬
‫ثم أليس من حقنا أن نقول للمسلمين‪ :‬أرونا ما اتفقتم عليه من أمور‬
‫عقيدتكم بدل ً من الهجوم على عقائد الخرين؟‬
‫قوا كتبهم من الغرائب بدل ً من‬ ‫وأخيرا ً أليس الجدر بعلماء الحديث أن يُن َ ّ‬
‫اتهام غيرهم بعدم الفهم؟‬
‫مية محمد‬ ‫ُ‬
‫‪- 11‬أحاديث أ ّ‬
‫لقت مقولة أُميّة محمد رواجا ً في الفكر السلمي‪ ،‬رغم أنها ليست فضيل ً‬
‫ة‬
‫لمحمد‪ .‬ولكن المسلمين رأوا في أُميّة محمد زيادة في إعجاز القرآن‪،‬‬
‫وتأكيدا ً على الصلة الغيبية بين القرآن والله‪ ،‬ونفي تدخل محمد في الوحي‬
‫بأي صورة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهل صحيح أن محمدا كان أميا؟‬
‫ة تحمل معنيين‪ :‬الول هو الجهل بالقراءة والكتابة‪ ،‬والثاني هو‬ ‫كلمة أُمي لغ ً‬
‫أنصاحبها ليس من أهل الكتاب‪ .‬ورد في القرآن قل لهل الكتاب والُميين‪:‬‬
‫أأسلمتم؟ (سورة آل عمران ‪ 3 ) 2 :3‬سورة آل عمران‪ .‬فأي المعنيينهو‬
‫المقصود بأُمية النبي؟‬
‫أدلة المتخالفين‪:‬‬
‫ُ‬
‫لم يعترف كثير من المفكرين بأمية محمد‪ ،‬وقرروا أنه كان يكتب ويقرأ‪،‬‬
‫واستندوا في رأيهم هذا على عدة أمور نذكر منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬صلح الحديبية‪ :‬روى الشيخان (البخاري ومسلم) عن البََراء‪ ،‬قال‪ :‬لما‬
‫اعتمر النبي في ذي القعدة‪ ،‬أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى‬
‫قاضاهم على أن يقيم بها ثلثة أيام‪ .‬فلما كتبوا الكتاب‪ ،‬كتبوا‪ :‬هذا ما‬
‫قاضى عليه محمد رسول الله قالوا ل نُقُّر لك بهذا‪ .‬لو نعلم أنك رسول الله‬
‫ما منعناك شيئاً‪ ،‬ولكن أنت محمد بن عبد الله‪ .‬فقال‪ :‬أنا رسول الله‪ ،‬وأنا‬
‫ح رسول الله‪ .‬قال علي‪ :‬ل والله ل‬ ‫ي‪ :‬ام ُ‬
‫محمد بن عبد الله‪ .‬ثم قال لعل ّ‬
‫أمحوك أبداً‪ .‬فأخذ رسول الله الكتاب وليس يُحسن يكتب‪ ،‬فكتب هذا ما‬
‫قضى محمد بن عبد الله‬
‫ُ‬
‫هذا هو الحديث الذي يحتج به من يقول بعدم أمية محمد‪ ،‬وقد أورد المام‬
‫جين والمخالفين لُمية محمد‪،‬‬ ‫النووي في شرحه لصحيح مسلم آراء المحت ّ‬
‫صها لشمولها على الرأيين‪:‬‬ ‫ونورد هنا ن َّ‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬احتج بهذا الحديث بعض الناس على أن النبي (ص)‬
‫كتب بيده على ظاهر اللفظ وذكر البخاري نحوه (وهو الحديث الذي أوردنا‬
‫لفظه)‪ .‬وقال أصحاب هذا المذهب إن الله أجرى ذلك على يده‪ ،‬إما بأن كتب‬
‫َ‬
‫ذلك والقلم بيده وهو غير عالم بما يكتب‪ ،‬أو أن الله عل ّمه ذلك حين كتب‪،‬‬
‫وجعل هذا زيادةً في معجزاته‪ .‬فإن كان أُميا ً فكما علّمه ما لم يعلم من‬
‫َ‬
‫العلم‪ ،‬وجعله يقرأ ما لم يقرأ‪ ،‬ويتلو ما لم يكن يتلوه‪ ،‬كذلك عل ّمه أن يكتب‬
‫ط ما لم يكن يخط بعد النبوة‪ ،‬أو أجرى ذلك على يده‪.‬‬ ‫ما لم يكن يكتب‪ ،‬وخ ّ‬
‫ر جاءت في هذا عن‬ ‫ُ‬
‫قالوا‪ :‬وهذا ل يقدح في وصفه بالمية‪ .‬واحتجوا بآثا ٍ‬
‫الشعبي وبعض السلف أن النبي لم يمت حتى كتب‪ .‬قال القاضي‪ :‬ذهب أبو‬
‫الوليد الباجي‪ ،‬وحكاه عن السمعاني وأبي ذر وغيره‪ ،‬وذهب الكثرون إلى‬
‫منع هذا كله‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الول يبطله‬
‫ت تَتْلُو ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ن كِتَا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َ‬
‫قبْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما كُن ْ َ‬
‫و َ‬
‫الله تعالى إياه بالنبي المي‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬ ‫وصف‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫مية ل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أمة‬ ‫ا‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫النبي‪:‬‬ ‫وقول‬ ‫)‬ ‫‪48‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪29‬‬ ‫العنكبوت‬ ‫(سورة‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ُ ِ َ ِ‬‫ه‬ ‫ول َ ت َ ُ‬
‫خط‬ ‫َ‬
‫نكتب ول نحسب‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله في هذا الحديث معناه أمر بالكتابة‪ ،‬كما يقال‬
‫رجم ماعز‪ ،‬وقطع السارق‪ ،‬وحد الشارب‪ ،‬أي أمر بذلك‪ .‬واحتجوا بالرواية‬
‫ي‪ :‬أُكتب محمد بن عبد الله)‪ .‬قال القاضي‪ :‬وأجاب‬ ‫الخرى‪( :‬فقال لعل ّ‬
‫ل ولم يخط‪ ،‬أي من قبل تعليمه‪ ،‬كما قال‬ ‫ولون عن قوله تعالى إنه لم يت ْ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫(من قبله) فكما جاز أن يتلو جاز أن يكتب‪ ،‬ول يقدح هذا في كونه أميا إذ‬
‫ليست المعجزة مجرد كونه أُمياً‪ ،‬فإن المعجزة حاصلة بكونه كان أول ً كذلك‪،‬‬
‫ثم جاء بالقرآن‪ ،‬وبعلوم ل يعلمها الُميون‪ .‬قال القاضي‪ :‬وهذا الذي قالوه‬
‫ظاهر‪ .‬قال‪ :‬وقوله في الرواية التي ذكرناها (ول يُحسن أن يكتب) فكتب‬
‫كالنص أنه كتب بنفسه‪ ،‬قال‪ :‬والعدول إلى غيره مجاز‪ ،‬ول ضرورة إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد طال كلم كل فرقة في هذه المسألة‪ ،‬وشنَّعت كل فرقة على‬
‫الخرى في هذا‪ .‬والله أعلم‪,‬‬
‫وهكذا انتهوا إلى‪ :‬الله أعلم ! ولكن هناك رأيا ً آخر في الموضوع‪ ،‬وهو رأي‬
‫م ِ محمدا ً النبي الُمي (سورة العراف ‪ )156 :7‬إل‬ ‫س ّ‬ ‫القرآن‪ .‬فالقرآن لم ي ُ َ‬
‫ة‪ ،‬فقد كان المصطلح الشائع لهذه الكلمة هو ما أشاعه اليهود‬ ‫اصطلحا ً ل لغ ً‬
‫ُ‬
‫في مهاجرهم والحجاز‪ :‬فكل ماعداهم من الناس أميون أي من المم الذين‬
‫منَزل لهم‪ .‬فالعرب كتابيون وأُميون وقل للذين أوتوا الكتاب‬ ‫ل كتاب ُ‬
‫ُ‬
‫والُميين‪ :‬أأسلمتم (سورة آل عمران ‪ .) 2 :3‬لذا فمحمد نبي أمي أي من‬
‫الُميين العرب‪ .‬فالقرآن ل يقول إن محمدا ً كان أُميا ً ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬بل‬
‫إنه النبي الُمي أي العربي الذي ليس له كتاب من قبل‪ .‬والمنطق السليم‬
‫قَرشية‪ ،‬مثل ابن‬ ‫قف بكل ثقافة الرستقراطية ال ُ‬ ‫يفترض أن محمدا ً قد تث َّ‬
‫عمه وربيبه‪ ،‬علي بن أبي طالب‪ .‬وتشهد سيرة محمد أنه كان تاجرا ً ناجحاً‪،‬‬
‫مما حمل خديجة بنت خويلد أن تدفع له تجارتها‪ ،‬ثم تتزوجه‪ .‬فهل يُعقل أن‬
‫تدفع خديجة كل أموالها وبعد ذلك نفسها إلى راعي غنم‪ ،‬وهي سيدة‬
‫أرستقراطية لها مكانتها في قريش!‬
‫وهناك رواية أخرى وردت في الجامع في علوم القرآن الذي صدر محققاً‬
‫للمرة الولى عام ‪ 1992‬بعناية المستشرق اللماني ؟ ‪miklos muranyi‬‬
‫تدعم رأينا أن أمية محمد لم يكن المقصود منها عدم معرفته بالكتابة‬
‫والقراءة‪,‬‬
‫قال أبو السود‪ ،‬وقال عروة بن الزبير‪ :‬إن الناس اختلفوا في قراءة لم يكن‬
‫الذين كفروا من أهل الكتاب‪ ,‬فدخل عمر بن الخطاب على حفصة بأديم‪،‬‬
‫فقال إذا دخل عليك رسول الله فاسأليه يعلمك‪ :‬لم يكن الذين كفروا من‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬قولي له يكتب لك في هذا الديم‪ ,‬ففعلت فكتب لها‪,‬‬
‫ثقافة محمد‪:‬‬
‫بالرغم من كل ما سبق من قرائن على عدم أُمية محمد‪ ،‬فإننا سندع هذا‬
‫ث في‬ ‫جانباً‪ ،‬لنتناول ثقافة محمد النبي الُمي ‪ ،‬وسوف نعرض بعض أحادي َ‬
‫قفا ً يعرف أديان عصره‪ ،‬متقنا ً لفن‬ ‫هذا المر‪ ،‬تبيّن أن محمدا ً كان عالما ً مث ّ‬
‫الستماع‪ ،‬وهو المر الذي ينفي عنه المية الثقافية‪ .‬ثم نُعلق على هذه‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫‪ - 1‬أخرج الطبري عن ابن عباس قال‪ :‬كان رسول الله يعلم قينا ً (غلما)ً‬
‫بمكة اسمه بلعام‪ ،‬وكان أعجمي اللسان‪ ،‬وكان المشركون يرون رسول الله‬
‫عل َ ُ‬
‫م‬ ‫قدْ ن َ ْ‬‫ول َ َ‬‫إنما يعلمه بلعام‪ ،‬فأنزل الله َ‬ ‫َّ‬
‫يدخل عليه ويخرج من عنده‪ ،‬فقالوا‬
‫حدون إلَيه أ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫َ ٌ‬ ‫سا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ي‬‫ٌ‬ ‫م‬‫ج‬
‫َ ِ ّ َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫شٌر ل ِ َ‬
‫سا ُ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫عل ِّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن إِن َّ َ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫قولُو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫أن َّ ُ‬
‫ن (سورة النحل ‪( )3 1 :16‬وهذا الحديث سنده ضعيف ولكن له‬ ‫مبِي ٌ‬
‫ي ُ‬ ‫عَرب ِ ٌّ‬ ‫َ‬
‫عدة طرق يقوي بعضها بعضاً)‪.‬‬
‫‪ - 2‬عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال‪ :‬كان لنا عبدان‪ :‬أحدهما يقال له‬
‫يسار‪ ،‬والخر جبر‪ ،‬وكانا صقليين‪ ،‬فكانا يقرآن كتابهما ويعلمان علمهما‪،‬‬
‫وكان النبي يمّر بهما فيستمع قراءتهما‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنما يتعلم منهما‬
‫‪ - 3‬عن زيد بن ثابت قال‪ :‬قال النبي‪ :‬أتُحسن السريانية فإنها تأتيني كتب‬
‫َ‬
‫متُها في تسعة عشر يوما ً ‪ ،‬وفي رواية للبخاري أن النبي‬ ‫قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فتعل ّ ْ‬
‫أمره أن يتعلم كتابة اليهود ليقرأ عليه إذا كتبوا إليه‬
‫‪ - 4‬عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت‪ :‬أتيت رسول الله (ص) مع أبي‬
‫ي قميص أصفر فقال رسول الله‪ :‬سناه ‪ ،‬قال عبد الله‪ :‬وهي بالحبشية‬ ‫عل َّ‬ ‫و َ‬
‫حسنة‬
‫‪ - 5‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها‬
‫في فمه‪ ،‬فقال النبي بالفارسية‪ :‬كخ كخ‪ ،‬أما تعرف أنَّا ل نأكل الصدقة‬
‫جرت‪ .‬فصلّيت ثم جلست‪ ،‬فالتفت‬ ‫جر النبي فه َّ‬ ‫‪ - 6‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬ه َّ‬
‫ي فقال‪ :‬أشكمت درد؟ (فارسية معناها‪ :‬تشتكي بطنك) قلت‪ :‬نعم يا‬ ‫ي النب ُّ‬ ‫إل َّ‬
‫ل‪ ،‬فإن في الصلة شفاء‬ ‫رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬قم فص ِّ‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫ض النظر عن معرفته الكتابة من‬ ‫ّ‬ ‫بغ‬ ‫محمد‪،‬‬ ‫عن‬ ‫رويناها‬ ‫التي‬ ‫هذه الحاديث‬
‫عدمها‪ ،‬تؤكد أنه كان يقف ويستمع إلى غلمين صقليين وهما يقرآن‬
‫كتابهما‪ ،‬وأنه أمر زيدا ً أن يتعلم السريانية (وفي رواية لغة اليهود) وأن‬
‫ُ‬
‫مية‬ ‫محمدا ً تكلم بالحبشية والفارسية‪ .‬ولعل هذه الحاديث ل تتفق والقول بأ ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫المعروف لنا جميعا ً والثابت في كتب السيرة النبوية أن محمدا ً كان تاجراً‬
‫ناجحاً‪ ،‬وكانت تجارته رائجة في اليمن والشام‪ ،‬مما دفع بخديجة لن تتزوجه‪.‬‬
‫ومن المعروف منطقيا ً لنا أنه إذا أراد تاجر أن ينجح فل بد وأن يعرف عادات‬
‫وتقاليد وبعض ثقافة من يتعامل معهم‪ ،‬فكان احتكاك محمد بأهل اليمن‬
‫والشام دافعا ً له لن يتعلّم الكثير عنهم‪ .‬وكذلك فإنه من غير المعقول أن‬
‫يقف محمد ليستمع لغلمين أعجميين دون أن يفهم ما يقولن‪ ،‬خصوصا ً وأن‬
‫هذا الوقوف إليهما تكرر‪ ،‬مما دفع بقريش أن يقولوا إن محمدا ً يتعلم‬
‫مل أو الكلمات التي كان يقولها محمد أحياناً‬ ‫ج َ‬ ‫منهما‪ .‬هذا بالضافة إلى ال ُ‬
‫ت كثيرة غير عربية‪ .‬وقد‬ ‫بالحبشية والفارسية‪ .‬والقرآن يشتمل على كلما ٍ‬
‫ورون لنا) مهتما ً بالثقافة الشخصية والدب‪،‬‬ ‫كان محمد (على عكس ما يص ّ‬
‫وكان يحضر سوق عكاظ أحيانا وذلك فيما يرويه ابن كثير عن عبادة بن‬ ‫ً‬
‫دم وفد إياد على النبي قال‪ :‬يا معشر وفد إياد‪ ،‬ما فعل‬ ‫الصامت‪ .‬قال‪ :‬لما ق ِ‬
‫ً‬
‫قس بن ساعدة؟ قالوا‪ :‬هلك يا رسول الله‪ .‬قال‪ :‬لقد شهدتُه يوما بسوق‬
‫مونِق ل أجدني أحفظه (السيرة‬ ‫جب ُ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬
‫عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلم ُ‬
‫النبوية لبن هشام ‪ -‬باب ذكر قس بن ساعدة)‪.‬‬
‫وكل هذا ل يقدح في أُمية محمد‪ ،‬ففي رأينا أن محمدا ً كان واسع الطلع‪،‬‬
‫ض النظر عن أميته‪ .‬ولم يكن من الصعب على شخص مثله‬ ‫غزير الثقافة بغ ّ‬
‫ما ً بأخبار أهل الديانات الخرى الذين كان يحتك بهم كثيراً‪.‬‬ ‫أن يصبح مل ّ‬
‫ة لهذا الحتكاك تعلق قلبه وروحه بالله‪ ،‬فحاول البحث عنه‪ ،‬ولن كل‬ ‫ّ‬ ‫ونتيج ً‬
‫من يهود ومسيحيين كانوا إما هراطقة أو زائغين عن الحق‬ ‫ِ‬ ‫حوله‬ ‫كانوا‬ ‫من‬
‫ً‬
‫فقد حاول أن يكتشف طريقا آخر غير طريقهم‪ ،‬فحاد عن الصواب‪.‬‬
‫ولعل الحاديث السابقة توضح أن محمدا ً كان باحثا ً مخلصا ً عن الله‪ ،‬ولكن‬
‫المثير للعجب هو موقف المسلمين من هذا الرأي‪ ،‬فإنهم يصّرون على أن‬
‫محمدا ً لم يكن يكتب ول يقرأ‪ ،‬وليس لديه أي علم سابق عن أية ديانة حتى‬
‫هبط عليه الوحى فجأة بغار حراء‪ ،‬ومن ثم تعلم كل شيء فوراً‪ .‬وهذا الرأي‬
‫سروا لنا أحاديثهم حول علقة محمد‬ ‫ل يستقيم عقليا ً أو تاريخياً‪ ،‬وإل فليف ّ‬
‫بأهل الكتاب قبل هبوط الوحي عليه في غار حراء فجأة‪.‬‬
‫أحاديث الفضائل‬
‫هناك عدة أبواب في كتب الحديث تحت عنوان الفضائل والمناقب مثل‬
‫فضائل القرآن‪ ،‬وفضائل النبي‪ ،‬وفضائل الصحابة‪ .‬وسنتناول هذه البواب‬
‫كلها تحت العنوان نفسه‪ ،‬مبتدئين بفضائل النبي‪.‬‬
‫(أ) فضائل النبي‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬متى وجبت لك النبوة؟ قال‪:‬‬
‫وآدم بين الروح والجسد ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬عن عبد الله بن سلم‪ ،‬قال‪ :‬مكتوب في التوراة‪ :‬صفة محمد‪ ،‬وعيسى‬
‫بن مريم يُدفن معه‪ .‬قال أبو مودود (أحد ُرواة الحديث)‪ :‬وقد بقي في البيت‬
‫(حجرة عائشة) موضع قبره‬
‫ع على المشركين‪ .‬قال‪ :‬إني لم‬ ‫‪ - 3‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬اد ُ‬
‫عاناً؛ وإنما بُعثت رحمة‬ ‫ُ‬
‫أبعث ل ّ‬
‫‪ - 4‬عن عبد الله بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬إن النبي قال‪ :‬اللهم عليك بعمرو بن‬
‫هشام‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن عتبة‪ ،‬وأمية بن خلف‪،‬‬
‫وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬وعمارة بن الوليد ثم قال النبي‪ :‬وأَتْبِع أصحاب القليب‬
‫(مكان بالقرب من بئر بدر) لعنة‬
‫‪ - 5‬روى البخاري عن عائشة أنه لما فتر الوحي عن النبي حزن حزنا ً شديداً‬
‫جعله يذهب مرارا ً ليلقي بنفسه من شواهق الجبال‪ ،‬فكلما أوفى بذروة‬
‫قي نفسه منه‪ ،‬تبدَّى له جبريل‪ ،‬يقول‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنك رسول الله حقاً‬ ‫جبل ليُل ِ‬
‫للتعليق نقول‪:‬‬
‫مية‬ ‫قلنا في فصل علقة محمد بأديان الجزيرة العربية قبل السلم وفصل أ ُ‬
‫ّ‬
‫محمد إن النبي لم يكن يجهل ما كُتب قبله‪ ،‬وإن هذه القصص كانت منتشرة‬
‫في كل مكة والحجاز‪ .‬ومن هذه القصص والخبار معجزات النبياء قبله‪،‬‬
‫فكان لبد أن تكون معجزات محمد أكثر وأعجب من كل معجزة سبقته‪ ،‬لنه‬
‫خاتم النبياء‪ .‬فكان أن ُرويت عنه عدة أحاديث حول إيمان الذئب به‪ ،‬وحواره‬
‫ب‪ ،‬وقصة حماره يعفور الذي كان يذهب لينادي الصحابة من‬ ‫مع غزالة وض ّ‬
‫َّ‬
‫ه‪ ،‬وغيرها‪,‬والغلب أن المسلمين أرادوا أن‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫كل‬ ‫الذي‬ ‫والشجر‬ ‫منازلهم‪،‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يضعوا محمدا في مرتبة أعلى من المسيح‪ .‬فقد قال المسيح‪َ :‬‬
‫قب ْ َ‬ ‫ً‬
‫ن يَكو َ‬ ‫لأ ْ‬
‫َ‬
‫وة لمحمد‪ ،‬وآدم بين‬ ‫ن (يوحنا ‪ ،5,4 )58 :8‬فيجب أن تُكتب النب ّ‬ ‫م أنَا كَائ ِ ٌ‬ ‫هي ُ‬
‫إِبَْرا ِ‬
‫ً‬
‫الروح والجسد! وإذا كان المسيح ُرفع إلى السماء ول يزال حيا‪ ،‬فيجب أن‬
‫فن إلى جوار محمد! ويجب أيضا ً أن يصعد محمد‬ ‫يُهبَط ويتزوج ويموت ويُد َ‬
‫إلى السماء حيا ً ويرى الله ثم يهبط ثانية للرض (قصة المعراج)‪.‬‬
‫وفي بعض الحيان تجد محمدا ً يقول قول ً ثم يفعل عكسه تماماً‪ ،‬فتجده‬
‫عن فلنا ً وفلناً‪.‬‬ ‫عاناً‪ ،‬ثم تجده يقول‪ :‬اللهم ال َ‬ ‫يقول إنه لم يُبعث ل ّ‬
‫ولنا سؤال‪ :‬لقد حاول محمد عدة مرات أن ينتحر‪ .‬فهل ثقته بالله هي التي‬
‫دفعته لمحاولة النتحار‪ ،‬أم ماذا؟‬
‫(ب) فضائل قريش والقبائل‪:‬‬
‫‪ - 1‬عن جابر بن سمرة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬ل يزال هذا السلم‬
‫عزيزا ً إلى اثني عشر خليفة‪ ،‬كلهم من قريش وفي رواية ل يزال هذا الدين‬
‫قائما ً حتى تقوم الساعة‪ ،‬أو يقوم عليهم اثنا عشر خليفة‪ ،‬كلهم من قريش‬
‫ملك في قريش‪ ،‬والقضاء في‬ ‫‪ - 2‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬ال ُ‬
‫النصار‪ ،‬والذان في الحبشة‪ ،‬والمانة في الزد (اليمن)‬
‫حبُّوا العرب لثلث‪ :‬لني عرب ُّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫‪ - 3‬عن ابن عبَّاس‪ ،‬قال‪ :‬رسول الله‪ :‬أ ِ‬
‫ي وقد قال اللباني بوضعه‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬وكلم أهل الجنة عرب ُّ‬ ‫والقرآن عرب ُّ‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫ك‬
‫مل ٍ‬‫إذا كان الله قد بعث محمدا ً نبياً‪ ،‬فلماذا كان يقوم بتقسيمات هي محض ُ‬
‫ي إل بالتقوى؟ ثم‬ ‫ي على أعجم ّ‬ ‫وإمارة؟ ولماذا لم يلتزم بقوله‪ :‬ل فضل لعرب ٍ ّ‬
‫ول الله إلى إله إقليمي للعرب فقط؟‬ ‫ح َّ‬
‫ما ذنب من ل يعرف العربية؟ وهل ت َ‬
‫أم يجب على العالم كله أن يتعلم العربية ليعرف الله؟‬
‫(ج) فضائل الصحابة‪:‬‬
‫أول ما يُلفت نظرنا في هذا الباب‪ ،‬حديث أنس عن النبي قال‪ :‬مثل أصحابي‬
‫متي كالملح في الطعام‪ ،‬ل يصلح الطعام إل بالملح وهذا الحديث‬ ‫في أ ّ‬
‫وحديث آخر يقول‪ :‬أصحابي كالنجوم‪ ،‬بأيّهم اقتديتم اهتديتم يوضحان رأينا‬
‫ما ً ببعض ما في النجيل‪ ،‬لنه‬ ‫السابق في فصل أمية محمد من أنه كان مل ّ‬
‫عالَم ِ (متى ‪ 13 :5‬و‪.)14‬‬ ‫م نُوُر ال َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح اْلْر ِ‬
‫ض‪ ,‬أنْت ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م ِ‬‫نقل قول المسيح أنْت ُ ْ‬
‫(د) فضائل الخلفاء الربعة‪:‬‬
‫ر أحداً‪ ،‬ثم عمر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بك‬ ‫بأبي‬ ‫دل‬‫ِ‬ ‫نع‬ ‫ل‬ ‫النبي‬ ‫زمن‬ ‫في‬ ‫‪ - 1‬عن ابن عمر‪ ،‬قال ‪ :‬كنا‬
‫ثم عثمان‪ ،‬ثم نترك أصحاب النبي‪ ،‬ل نفاضل بينهم ‪.2‬‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫ر فقد باء به‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ورغم أن هذا الحديث‪ ،‬وحديثا آخر يقول‪ :‬من رمى مسلما بكف ٍ‬
‫أحدهما ‪,2‬فإننا نجد عائشة زوج النبي ترمي عثمان ثالث الخلفاء بالكفر‬
‫وتقول‪ :‬اقتلوا نعثل ً فقد كفر‪ .‬وتجد الحديث يسكت عن ذكر علي‪ ،‬رغم أنه‬
‫من محمد بمنزلة هارون من موسى‪ .‬فهل كان هارون هو الرابع بعد‬
‫موسى؟‬
‫ت ربي في ثلث‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول‬ ‫ُ‬ ‫وافق‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عمرا‬ ‫ُ‬ ‫إن‬ ‫قال‪:‬‬ ‫عمر‪،‬‬ ‫ابن‬ ‫‪ - 2‬عن‬
‫الله‪ ،‬لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت‪ .‬وقلت‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫يدخل على نسائك البَُّر والفاجر‪ ،‬فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب‪.‬‬
‫ن أن يبدله الله‬ ‫واجتمع نساء النبي في الغيرة‪ ،‬فقلت‪ :‬عسى ربَّه إن طلَّقك َّ‬
‫ن فنزلت كذلك‪.‬‬ ‫أزواجا ً خيرا ً منك َّ‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫لعل هذا الحديث ‪ -‬وغيره ‪ -‬يوضح من أين كان يأتي الوحي‪ .‬فالواضح أن‬
‫محمدا ً كان يسمع أقوال معاصريه‪ ،‬فإذا استصوب رأيا ً جعله قرآناً‪.‬‬
‫(ه ) فضائل القرآن‪:‬‬
‫َ‬
‫المطّلع على كتب الحديث يرى مئات الحاديث التي كتِبَت في فضائل‬
‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬سورة سورة‪ ،‬وآية آية‪ ،‬بعضها مرفوع للنبي‪ ،‬والخر موقوف على‬
‫الصحابة والتابعين‪ .‬وقد طعن كثير من علماء الحديث في أغلب الحاديث‬
‫الواردة في فضائل القرآن‪ ،‬واتهموا ُرواتها بوضعها‪ .‬ولن نناقش هنا هذه‬
‫الحاديث‪ ،‬لكننا سنسأل‪ :‬هل اتَّفق المسلمون على القرآن قبل أن يعدّدوا‬
‫فضائله؟‬
‫ي سورتين‬ ‫ُ‬
‫‪ - 1‬أورد ابن أشتة في كتابه المصاحف> أن في مصحف أب ّ‬
‫صغيرتين زائدتين عن سور المصحف‪ ،‬واحدة اسمها الحفد والثانية اسمها‬
‫الخلع‪ .‬وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي اسحق أن أُمية بن خالد أ َّ‬
‫م‬
‫الناس في خراسان‪ ،‬فقرأ في صلته بسورتي الحفد والخلع‪ .‬وكان هذا بعد‬
‫عثمان بمدة طويلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أورد السيوطي في كتابه التقان< أن سورتى الفيل و قريش في‬
‫ي سورة واحدة‪ ،‬وأن سورتي الضحى و الشرح في مصحف بعض‬ ‫ُ‬
‫مصحف أب ّ‬
‫الصحابة سورة واحدة أيضاً‪.‬‬
‫وذتين من مصحفه ويقول‪ :‬ل تكتبوا‬ ‫ك الفاتحة والمع َّ‬ ‫‪ - 3‬كان ابن مسعود يح ّ‬
‫في كتاب الله ما ليس منه‪.‬‬
‫‪ - 4‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬إن سورة الحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي‬
‫آية‪ .‬فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إل ما هو الن وهو اثنتان‬
‫وسبعون آية‪.‬‬
‫ي أبي وهو ابن ثمانين‪ ،‬في‬ ‫‪ - 5‬عن حميدة بنت أويس‪ ،‬قالت‪ :‬قرأ عل َّ‬
‫منوا صلوا‬ ‫مصحف عائشة إن الله وملئكته يصلّون على النبي‪ .‬يا أيها الذين آ َ‬
‫عليه وسلِّموا تسليماً‪ ،‬وعلى الذين يصلون في الصفوف الولى‪ .‬وذلك قبل‬
‫أن يغيّر عثمان المصاحف‪.‬‬
‫ود بن محزمة‪ ،‬أن عبد الرحمن بن عوف قال ‪ :‬لم نجد في ما‬ ‫‪ - 6‬عن المس َّ‬
‫ُ‬
‫زل علينا جاهدوا كما جاهدتم أول مّرة فإنا ل نجدها‪ ،‬قال‪ :‬أسقطت فيما‬ ‫ُ‬
‫أ ُن ِ‬
‫أسقط من القرآن‪.‬‬
‫ت القرآن كله‪ ،‬وما يدريه ما كله‪،‬‬ ‫‪ - 7‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬ل يقولن أحدكم أخذ ُ‬
‫فقد ذهب قرآن كثير (يقصد آيات كثيرة)‪ .‬ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر‬
‫جعل القرآن‬ ‫‪ - 8‬عن عقبة بن عامر‪ ،‬قال‪< :‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬لو ُ‬
‫ج من الجلد) ثم أُلقي في النار ما احترق‪.‬‬ ‫في إهاب (در ٍ‬
‫من بيت تُقرأ فيه سورة البقرة إل خرج منه‬ ‫‪ - 9‬عن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬ما ِ‬
‫الشيطان وله ضريط‪.‬‬
‫ل من أصحاب النبي‬ ‫‪ - 1‬عن الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الله بن مسعود لقي رج ٌ‬
‫رجل ً من الجن فصارعه‪ ،‬فصرعه النس‪ ،‬فقال له النس‪ :‬إني لراك ضئيلً‬
‫شخيتا ً (مهزولً) كأن ذريعتيك (ذراعيك) ذريعتي كلب‪ ،‬فكذلك أنتم معشر‬
‫الجن‪ ،‬أم أنت منهم كذلك؟ قال‪ :‬ل والله إني منهم لضليع (جيد الضلع)‪.‬‬
‫َ‬
‫ودْني الثانية‪ ،‬فإن صرعتَني عل ّمتُك شيئا ً ينفعك‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‬ ‫ولكن عا ِ‬
‫(الجن)‪ :‬تقرأ الله ل إله إل هو الحي القيوم فإنك ل تقرأها في بيت إل خرج‬
‫ضراط) الحمار‪.‬‬ ‫منه الشيطان له خيخ كخيخ (أي ِ‬
‫قل هو الله أحد)‬ ‫‪ - 11‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬من قرأ ( ُ‬
‫خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة‪.‬‬
‫‪ - 12‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬من قرأ في ليلة عشر آيات كُتب من‬
‫الذاكرين‪ ،‬ومن قرأ بمائة آية كُتب من القانتين‪ ،‬ومن قرأ بخمس مائة آية‬
‫إلى اللف أصبح وله قنطاٌر من الجر‪ ،‬قيل وما القنطار؟ قال‪ :‬ملء مسك‬
‫(براز) الثور ذهباً‪.‬‬
‫‪ - 13‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون‬
‫ن والنس‪.‬‬ ‫والمشركون والج ُّ‬
‫وللتعليق نقول‪:‬‬
‫هذه أقوالهم عن القرآن‪ ،‬وهذا هو اتفاقهم حول ما هو مكتوب فيه‪ .‬ونحن‬
‫نسأل‪ :‬إذا كانوا لم يتفقوا على ما هو مكتوب في القرآن‪ ،‬فهل سيتفقون‬
‫على فضائله؟ وكيف يطلب أن نعرف فضائل القرآن‪ ،‬قبل أن نعرف ما هو‬
‫القرآن الذي سنعرف فضائله؟‬
‫الجزء الثالث‪:‬‬
‫المسيحية في الحديث‬
‫بما أن الخلص والمخلّص يشكلن جوهر النجيل‪ ،‬فسنورد بعض الحاديث‬
‫عن شخصية المسيح‪ .‬وفي مجموعات الحديث عدد من الروايات عن‬
‫المسيحية‪ ،‬أغلبها ل نصيب لها من الصحة‪ ،‬ولو أنها وردت في مصنفات‬
‫الحديث الموثوق بها عند أهل السنة‪ ،‬مما يعني أن لها أهمية كبيرة لدى‬
‫ض النظر عن نقاش العلماء حول تأويلها وتفسيرها‪.‬‬ ‫أغلبية المسلمين‪ ،‬بغ ّ‬
‫ثم سنورد صورة المسيح في السلم الشعبي‪ ،‬رغم أن القصص التي‬
‫قة‪ .‬لكن ل ينبغي أن ننسى أن جماهير‬ ‫سنذكرها تحت هذا العنوان كلها مختل َ‬
‫الشعب تتأثر بها لكثرة تداولها وانتشارها‪ ،‬حتى أصبحت تُروى وكأنها‬
‫حقيقة!‬
‫‪- 1‬المسيح في الحاديث الموثوق بها<‬
‫وهة للمسيح‬ ‫تصادفنا في الحاديث الصحيحة الموثوق بها صورة مش َّ‬
‫منا بعض تلك الروايات لننا نعرف منها الحوارات الدينية‬ ‫والمسيحية‪ .‬وته ّ‬
‫التي دارت بين محمد والمسيحيين في شبه الجزيرة العربية‪ ،‬مما يفسر لنا‬
‫ون محمد تصوراته عن المسيحية وعن المصادر التي أخذ عنها‪ .‬ولم‬ ‫كيف ك َّ‬
‫يكن المسيحيون الذين احتك بهم المسلمون ممن يمثلون العقيدة المسيحية‬
‫بشكل مثالي‪ ،‬كما يظهر في كلم علي بن أبي طالب مع وفد بني تغلب‪ :‬إن‬
‫تغلب ليسوا نصارى‪ ،‬وما أخذوا من النصرانية سوى شرب الخمر‪.‬‬
‫والقصة التالية التي وردت في السيرة النبوية لبن هشام خير مثال على‬
‫طبيعة الجدل الكلمي (اللهوتي أو الفقهي) بين السلم والمسيحية في‬
‫ت كان السلم فيه في طور النشأة والصوغ‪:‬‬ ‫وق ٍ‬
‫ً‬
‫قدم على رسول الله وفد (نصارى) نجران ستون راكبا‪ ،‬فيهم أربعة عشر‬
‫رجل ً من أشرافهم‪ .‬في الربعة عشر منهم ثلثة نفر إليهم يؤول أمرهم‪:‬‬
‫العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم الذي ل يصدرون إل عن‬
‫رأيه واسمه عبد المسيح‪ ،‬والسيد ثمالهم (عمادهم) وصاحب رحلهم واسمه‬
‫اليهم‪ ،‬وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم‬
‫مدْراسهم‪ .‬ولما قدموا على رسول الله في المدينة دخلوا‬ ‫وإمامهم وصاحب ِ‬
‫عليه مسجده حين صلى العصر‪ ،‬عليهم ثياب الحبرات وجبب وأردية في‬
‫جمال رجال بني الحارث بن كعب قال‪ :‬يقول بعض من رآهم من أصحاب‬
‫النبي‪ :‬ما رأينا بعدهم وفدا ً مثلهم‪ ..‬فكلّم رسول الله أبا حارثة بن علقمة‬
‫والعاقب عبد المسيح واليهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك‬
‫(يعني من مذهب الملكانية) مع اختلف من أمرهم‪ .‬يقولون هو الله‪،‬‬
‫ويقولون هو ولد الله‪ ،‬ويقولون هو ثالث ثلثة‪ ،‬وكذلك قول النصرانية‪ .‬فهم‬
‫يحتجون في قولهم ‪ :‬هو الله بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ السقام ويخبر‬
‫بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخفيه فيكون طائرا ً وذلك له‬
‫بأمر الله تبارك وتعالى‪ ..‬ويحتجون في قولهم إنه ولد الله بأنهم يقولون‪:‬‬
‫لم يكن له أب يُعلم وقد تكلّم في المهد‪ ،‬وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم‬
‫قبله‪ .‬ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلثة بقوله‪ :‬فعلنا وأمرنا وخلقنا‬
‫ت وقضيت وأمرت وخلقت‪،‬‬ ‫وقضينا فيقولون‪ :‬لو كان واحدا ً لما قال إل فعل ُ‬
‫ولكنه هو وعيسى ومريم‪ ..‬فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله‪ :‬أسلِما!‬
‫قال‪ :‬قد أسلمنا‪ .‬قال‪ :‬إنكما لم تسلما‪ ،‬فأسلِما‪ .‬قال‪ :‬بلى وقد أسلمنا قبلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬كذبتما‪ .‬يمنعكما من السلم دعاؤكما لله ولداً‪ ،‬وعبادتكما الصليب‪،‬‬
‫وأكلكما الخنزير‪ .‬قال‪ :‬فمن أبوه يا محمد؟ صمت عنهما رسول الله فلم‬
‫يجبهما‪ .‬فأنزل الله تعالى في اختلف أمرهم كله صدر سورة آل عمران‪,‬‬
‫هذه القصة وأمثالها تعلمنا (كما هو الحال أيضا ً في القرآن نفسه) إن مريم‬
‫كانت إحدى القانيم الثلثة حسب عقيدة التثليث الموجودة آنذاك في شبه‬
‫الجزيرة العربية‪.‬‬
‫نرى أيضا ً في الحديث التالي كيف يميّز محمد المسيح وأمه عن سائر الناس‬
‫سه الشيطان‬ ‫مما يدل على تصوره عن التثليث‪ :‬ما من بني آدم مولود إل يم ّ‬
‫س الشيطان‪ ،‬غير مريم وابنها‪ ,‬فإذا أخذنا‬ ‫من م ّ‬‫حين يولد فيستهل صارخا ً ِ‬
‫بعين العتبار أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ورد في‬
‫الحاديث الصحيحة‪ ،‬وكما عرض لمحمد غير مرة يجب علينا التسليم بأن‬
‫عيسى يختلف عن سائر البشر تمام الختلف‪ .‬إن المسيح ل يتميّز فقط‬
‫س الشيطان أثناء ولدته‪ ،‬بل هو الوحيد بين بني البشر الذي‬ ‫بعصمته عن م ّ‬
‫لم يخطئ أبداً‪ .‬والحديث الذي نذكره أدناه خير دليل على ذلك‪:‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬أُتي رسول الله بلحم‪ ،‬فُرفع إليه الذراع‪ ،‬وكانت تعجبه‪،‬‬
‫م‬‫فنهش منها نهشة ثم قال‪ :‬أنا سيد الناس يوم القيامة‪ ،‬وهل تدرون م ّ‬
‫خرين في صعيد واحد‪ ،‬يسمعهم الداعي‬ ‫ولين وال ِ‬‫ذلك؟ يجمع الله الناس ال َّ‬
‫وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما ل يطيقون‬
‫ول يحتملون‪ ،‬فيقول الناس‪ :‬أل ترون ما قد بلغكم‪ ،‬أل تنظرون من يشفع‬
‫لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض‪ :‬عليكم بآدم‪ .‬فيأتون آدم عليه‬
‫السلم فيقولون له‪ :‬أنت أبو البشر خلقك الله بيده‪ ،‬ونفخ فيك من روحه‪،‬‬
‫وأمر الملئكة فسجدوا لك‪ .‬اشفع لنا إلى ربك‪ .‬أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ أَل‬
‫ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب‬
‫قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته‪ .‬نفسي‬
‫نفسي‪ .‬اذهبوا إلى غيري‪ .‬اذهبوا إلى نوح‪ .‬فيأتون نوحا ً فيقولون‪ :‬يا نوح‪،‬‬
‫ماك الله عبدا ً شكوراً‪ ،‬اشفع لنا‬ ‫إنك أنت أول الرسل إلى أهل الرض‪ ،‬وقد س ّ‬
‫إلى ربك‪ :‬أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول‪ :‬إن ربي ع ّز وجل قد غضب‬
‫َ‬
‫اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإنه قد كانت لي‬
‫دعوة دعوتها على قومي‪ ،‬نفسي نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري‪ ،‬اذهبوا إلى‬
‫إبراهيم‪ .‬فيأتون إبراهيم فيقولون‪ :‬يا إبراهيم‪ ،‬أنت نبي الله وخليله من أهل‬
‫الرض‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ .‬أَل ترى ما إلى نحن فيه؟ فيقول لهم‪ :‬إن ربي‬
‫قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإني قد‬
‫كنت كذبت ثلث كذبات ‪ -‬نفسي نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري‪ ،‬اذهبوا إلى‬
‫ضلك الله‬ ‫موسى‪ .‬فيأتون موسى فيقولون‪ :‬يا موسى أنت رسول الله‪ ،‬ف َّ‬
‫برسالته وبكلمه على الناس‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ .‬أَل ترى إلى ما نحن فيه؟‬
‫فيقول‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا ً لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده‬
‫مثله‪ ،‬وإني قد قتلت نفسا ً لم أؤمر بقتلها‪ ،‬نفسي نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى‬
‫غيري‪ ،‬اذهبوا إلى عيسى‪ .‬فيأتون عيسى فيقولون‪ :‬يا عيسى‪ ،‬أنت رسول‬
‫ت الناس في المهد صبياً‪،‬‬ ‫الله‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‪ ،‬وكلّم َ‬
‫اشفع لنا‪ .‬أَل ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم‬
‫غضبا ً لم يغضب قبله مثله قط‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله ‪ -‬ولم يذكر ذنبا ً ‪-‬‬
‫نفسي نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد‪ .‬فيأتون محمدا ً فيقولون‪:‬‬
‫يا محمد أنت رسول الله‪ ،‬وخاتم النبياء‪ ،‬وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك‬
‫وما تأخر‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬أل ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت‬
‫حسن‬ ‫ي من محامده و ُ‬ ‫العرش‪ ،‬فأقع ساجدا ً لربي عز وجل‪ ،‬ثم يفتح الله عل َّ‬
‫الثناء عليه شيئا ً لم يفتحه على أحد قبلي‪ ،‬ثم يقال‪ :‬يا محمد ارفع رأسك‪،‬‬
‫سل تُعطَه واشفع تشفع‪ .‬فأرفع رأسي فأقول‪ :‬أمتي يا رب‪ ،‬أمتي يا رب‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬يا محمد أدخل من أمتك من ل حساب عليهم من الباب اليمن من‬
‫أبواب الجنة‪ ،‬وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من البواب‪ .‬ثم قال‪ :‬والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير‪،‬‬
‫أو كما بين مكة وبُصرى‪,‬‬
‫والمر الذي يجعل هذا الحديث ذا أهمية قصوى يكمن في جواب عيسى على‬
‫سؤال الناس للشفاعة‪ .‬فهو الوحيد خلفا ً لدم وإبراهيم وموسى ومحمد‬
‫ة‪ .‬كما نقدر أن نقول إن الذي روى‬ ‫الرسول الذي لم ينسب إلى نفسه خطي ً‬
‫َ‬
‫هذه القصة أو اختلقها لم يجرؤ على ذلك‪ :‬من هنا يتبي ّن لنا التناقض في‬
‫كون محمد ‪ -‬حسب الحديث ‪ -‬شفيع المؤمنين لدى الله الذي غفر له ما تقدّم‬
‫من ذنبه وما تأخر‪ .‬ولكن يبدو أن علماء السلم لحظوا خطورة هذا الحديث‬
‫بالنسبة لمكانة محمد في ترتيب النبياء فأتوا برواية أخرى ل يذكر فيها‬
‫النبياء السابقون ما تقدّم من خطاياهم‪ .‬ويقول محمد وهو أمام الله‪ :‬أي‬
‫رب‪ ،‬خلقتني سيد ولد آدم ول فخر‪ ،‬وأول من تنشق عنه الرض ول فخر‪ ,‬ل‬
‫يحتاج المرء أن يكون ملما ً بقواعد علم الحديث لكي يرى يد التحريف في‬
‫هذه الرواية‪ ،‬حيث يُرى بوضوح كيف حاول المسلمون الغيارى في العصور‬
‫الولى إعلء مكانة محمد عن مكانة المسيح‪ .‬إن المسلمين لم يختبروا فقط‬
‫من المسيحيين ما امتاز به المسيح من صفات تجعله كائنا ً فوق البشر‪ ،‬بل‬
‫قرأوا في قرآنهم والثار المروية عن نبيّهم محمد ما يصدّق على ذلك‪ .‬وقد‬
‫أدّى هذا إلى إنتاج أحاديث تُضفي على محمد فضائل بدوية ‪ :‬أعطيت مفاتيح‬
‫الكلم ونصرت بالرعب مسيرة شهر‪ ،‬وبينا أنا نائم البارحة إذ أقيمت مفاتيح‬
‫وضعت في يدي‪,‬‬ ‫خزائن الرض حتى ُ‬
‫ودنا مصادر الحديث بمعلومات عن منظر المسيح وملمح وجهه حيث‬ ‫وتز ِّ‬
‫يقول محمد‪ :‬أراني في المنام عند الكعبة فرأيت رجل ً آدم كأحسن ما ترى‬
‫جلت ولمته تقطر ماء واضعا ً يده على عواتق رجلين‬ ‫مة قد ر ّ‬
‫من الرجال‪ ،‬له ل ّ‬
‫يطوف بالبيت‪ ،‬رجل الشعر‪ .‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬المسيح ابن مريم‪ .‬ثم‬
‫رأيت رجل ً جعدا ً تطفأ أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية كأشبه ما‬
‫رأيت من الناس بابن قطن واضعا ً يديه على عواتق رجلين يطوف بالبيت‬
‫فقلت‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬هذا المسيح الدجال"‪,‬يقول ابن عباس إن موسى‬
‫أيضا ً كان رجل ً آدم جعداً‪ ,‬أما ما يتعلق ب اللمة فإنها كانت على ما يبدو من‬
‫علمات الجمال حسب الموضة السائدة حينذاك في الحجاز‪ ،‬إذ يخبرنا‬
‫مة أحسن في حلة حمراء من رسول الله‬ ‫الصحابي البراد‪ :‬ما رأيت من ذي ل ّ‬
‫وزاد محمد بن سليمان‪ :‬له شعر يضرب منكبيه‪ ,‬وتوجد روايات أخرى عند‬
‫البخاري ومسلم عن لمة محمد‪,‬‬
‫ً‬
‫ومن يتصفح مصادر الحديث الموثوق بها عند المسلمين بحثا عن روايات‬
‫تتعلق بالمسيح‪ ،‬يلحظ بسرعة أن المسيح يظهر في تلك الروايات إما‬
‫ض يأتي في نهاية الدهر‪ .‬هناك أحاديث‬ ‫كمولود لم ينخسه الشيطان‪ ،‬أو كقا ٍ‬
‫عديدة في شتى المصادر تصف بدقة على لسان محمد ما سيفعله المسيح‬
‫ة‪ .‬أما القرآن فهو المصدر الوحيد بين المصادر الموثوق بها‬ ‫عند مجيئه ثاني ً‬
‫الذي يُطلعنا على تفاصيل ولدة المسيح ومعجزاته وموته على الصليب‪.‬‬
‫يقول المستشرق النكليزي الكبير ‪macdonald‬؟ إن أقدم الحاديث ل تقدم‬
‫إل قليل ً من المعلومات عن المسيح‪ ،‬أو تذكره فقط في سياق المسيح‬
‫الدجال في أبواب الفتن أو شروط الساعة‪ .‬إن محمدا ً ركز جل اهتمامه على‬
‫فكرة الدجال‪ ،‬كما يدل على ذلك رواية ابن صياد عن الدجال‪ .‬غير أن الرواة‬
‫المسلمين بدأوا في وقت مبكر لسباب سياسية وفقهية (كلمية) في إعداد‬
‫وتطوير التعاليم الخاصة بالمور الخيرية‪ ،‬وذلك من خلل أحاديث موضوعة‪،‬‬
‫كما نرى ذلك في كتاب مشكاة المصابيح‪,18‬حيث توجد عدة أبواب من‬
‫علمات الساعة ونزول عيسى‪ ،‬أو في قصص النبياء للثعالبي‪,19‬الذي يقدم‬
‫أكثر الساطير عن المسيح كمال ً وتفصيلً‪ ،‬بينما يسرد الطبري وابن واضح‬
‫معلومات مختصرة من الناجيل‪ .‬غير أن التشابك الذي طرأ على الدور الذي‬
‫يقوم به المسيح حسب هذه الروايات وعلى الذي نسب إلى المهدي بصورة‬
‫شبه مشابهة اضطر أحدهم إلى القول بأن ل يوجد مهدي إل عيسى ابن‬
‫مريم‪ .‬ويشير ابن خلدون (الذي درس هذه القضية بصورة فلسفية في‬
‫مؤلفه المقدمة ) إلى ضعف الثار المختلفة ويتابع تطور فكرة المجدد‬
‫للسلم قبل نهاية الدهر ويشير كيف تأثرت تلك الفكرة بالفكار الشيعية‬
‫والصوفية‪,‬‬
‫ة‬‫مجيء المسيح ثاني ً‬
‫والن نريد أن نذكر أهم ما ورد في مصادر الحديث الموثوق بها عما يتصل‬
‫ة إلى العالم‪:‬‬ ‫بمجيء عيسى ثاني ً‬
‫عن أبي هريرة قال رسول الله‪ :‬يوشك المسيح عيسى بن مريم أن ينزل‬
‫حكما ً قسطا ً وإماما ً عدلً‪ ،‬فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون الدعوة‬
‫واحدة فأقرؤه أو أقرئه السلم من رسول الله ص وأحدثه فيصدقني فلما‬
‫حضرته الوفاة قال اقرؤه مني السلم‪,‬‬
‫وحسب رواية أخرى لنفس الحديث‪ :‬سيضع عيسى الحرب ويفيض المال‬
‫حتى ل يطلبه أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا ً من الدنيا وما فيها‪,‬‬
‫م المسلمين في صلتهم الجماعية أو‬ ‫وتقول الحاديث إن المسيح سوف يؤ ّ‬
‫يكون أميرهم‪ .‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪ :‬ل تزال‬
‫طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة‪ ،‬فينزل‬
‫ل فيقول‪ :‬ل‪ ،‬إن‬ ‫عيسى ابن مريم عليه السلم فيقول أميرهم‪ :‬تعال فص ّ‬
‫بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه المة‪,‬‬
‫فقالت أم شريك بنت أبي العكر‪ :‬يا رسول الله‪ .‬فأين العرب يومئذ؟ قال‪:‬‬
‫العرب يومئذ قليل‪ .‬وجلّهم ببيت المقدس‪ .‬وإمامهم رجل صالح‪ .‬فبينما‬
‫إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح‪،‬‬
‫فرجع ذلك المام ينكص‪ .‬يمشي القهقري ليقدم عيسى يصلي‪ .‬فيضع‬
‫ل فإنها لك‬ ‫عيسى عليه السلم يده بين كتفيه ثم يقول له‪ :‬تقدم فص ّ‬
‫أُقيمت‪ ،‬فيصلي بهم إمامهم‪ .‬فإذا انصرف قال عيسى عليه السلم‪ :‬افتحوا‬
‫الباب‪ ،‬فيفتح ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي‪ ،‬كلهم ذوو سيف‬
‫محلّى وساج‪ ،‬فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء‪ .‬وينطلق‬ ‫ُ‬
‫هارباً‪ ،‬ويقول عيسى‪ :‬إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها‪ .‬فيدركه عند باب‬
‫ُ‬
‫الل ّد الشرقي فيقتله‪ .‬فيهزم الله اليهود‪ ،‬فل يبقى شيء مما خلق الله‬
‫يتوارى به يهودي إل أنطق الله ذلك الشيء‪ .‬ل حجر ول شجر ول حائط ول‬
‫دابة ‪ -‬إل الغرقدة فإنها من شجرهم ل تنطق ‪ -‬إل قال‪ :‬يا عبد الله المسلم‬
‫هذا يهودي‪ ،‬فتعال اقتله‪ .‬وإن أيامه أربعون سنة‪ ،‬السنة كنصف السنة‪.‬‬
‫والسنة كالشهر‪ .‬والشهر كالجمعة‪ ،‬وآخر أيامه كالشررة‪ ،‬ويصبح أحدكم على‬
‫باب المدينة فل يبلغ بابها الخر حتى يمسي‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كيف نصلي في تلك اليام القصار؟ فقال‪ :‬تقدرون‬
‫فيها الصلة كما تقدرونها في هذه اليام الطوال ‪ ،‬ثم صلوا‪.‬‬
‫فيكون عيسى بن مريم من أمتي حكما ً عدلً‪ ،‬وإماما ً مقسطاً‪ ،‬يدقّ الصليب‪،‬‬
‫ويذبح الخنزير‪ ،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويترك الصدقة‪ ،‬فل يُسعى على شاة ول بعير‪.‬‬
‫خل الوليد ‪ -‬أي‬ ‫حمة‪ .‬حتى يُد ِ‬ ‫حمة كل ذات ُ‬ ‫وترفع الشحناء والتباغض‪ ،‬وتنزع ُ‬
‫ي الحية ‪ -‬أي في فمها ‪ -‬فل تضره‪ ،‬وتلعب‬ ‫الطفل الصغير ‪ -‬يده في َ‬
‫ف ّ‬
‫الوليدة مع السد فل يضرها‪ ،‬ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها‪ ،‬وتُمل‬
‫مل الناء من الماء‪ .‬وتكون الكلمة واحدة‪ .‬فل يُعبد إل‬ ‫الرض من السلم كما ي ُ‬
‫الله‪ ،‬وتضع الحرب أوزارها‪ .‬وتسلب قريش ملكها‪ .‬وتكون الرض كفاثور‬
‫الفضة تنبت نباتها بعهد آدم‪ ،‬حتى يجتمع النفر على القطف من العنب‬
‫فيشبعهم‪ ،‬ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم‪ .‬ويكون الثور بكذا وكذا من‬
‫المال‪ ،‬وتكون الفرس بالدريهمات‪.‬‬
‫ب أبداً‪ .‬قيل له‪:‬‬‫ٍ‬ ‫لحر‬ ‫ركب‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫قال‪:‬‬ ‫الفرس؟‬ ‫خص‬ ‫قالوا‪ :‬يا رسول الله وما ير ّ‬
‫فما يغلي الثور؟ قال‪ :‬تُحَرث الرض كلها‪.‬‬
‫وإن قبل الدجال ثلث سنوات شداد‪ ،‬ويصيب الناس فيها جوع شديد‪ ،‬يأمر‬
‫الله السماء في السنة الولى أن تحبس ثلث مطرها‪ ،‬ويأمر الرض فتحبس‬
‫ثلث نباتها‪ ،‬ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها‪ .‬ويأمر الرض‬
‫فتحبس ثلثي نباتها‪ .‬ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها‬
‫كله‪ ،‬فل تقطر قطرة‪ ،‬ويأمر الرض فتحبس نباتها كله فل تنبت خضراء‪ .‬فل‬
‫تبقى ذات ظلف إل هلكت إل ما شاء الله‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال‪ :‬التهليل والتكبير والتسبيح‬
‫مجرى الطعام‪,‬‬ ‫والتحميد‪ ،‬ويجري ذلك عليهم َ‬
‫م‬ ‫إبراهي‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫سر‬ ‫عن عبد الله بن مسعود‪ ،‬عن النبي قال‪ :‬لقيت ليلة أ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وموسى وعيسى‪ ،‬فتذاكروا أمر الساعة‪ .‬فردّوا أمرهم إلى إبراهيم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ل علم لي بها‪ .‬فردوا المر إلى عيسى‪ ،‬فقال‪ :‬أما وجبتها فل يعلمها أحد إل‬
‫ي ربي عز وجل أن الدجال جارح‪ .‬قال‪ :‬ومعي‬ ‫الله تعالى‪ .‬ذلك وفيما عهد إل َّ‬
‫قضيبان‪ ،‬فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص‪ .‬قال‪ :‬فيهلكه الله حتى أن‬
‫الحجر والشجر ليقول‪ :‬يا مسلم إن تحتي كافرا ً فتعال فاقتله‪ .‬قال‪:‬‬
‫فيهلكهم الله تعالى‪ .‬ثم رجع الناس إلى بلدهم وأوطانهم‪ .‬قال‪ :‬فعند ذلك‬
‫يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‪ ،‬فيطأون بلدهم‪ ،‬ل يأتون‬
‫ي‬‫على شيء إل أهلكوه‪ ،‬ول يمّرون على ماء إل شربوه‪ ،‬ثم يرجع الناس إل ّ‬
‫فيشكونهم‪ ،‬فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله تعالى ويميتهم‪ .‬حتى تجوي‬
‫الرض من نتن ريحهم‪ ،‬قال‪ :‬فينزل الله عز وجل المطر فيجرف أجسادهم‬
‫حتى يقذفهم في البحر‪.23‬‬
‫ح من حيث المنظر وملمح الوجه بعدد من أصحابه‪.‬‬ ‫لقد شبَّه محمدٌ المسي َ‬
‫بينما كان الحديث في الرواية السابق ذكرها عن الشبه بين موسى‬
‫والمسيح‪ ،‬إذ كل واحد منهما رجل آدم وجعد‪,23‬نرى في بعض الروايات‬
‫عروة بن مسعود كأشبه الناس بالمسيح‪,‬وعبد العزى بن قطن كمثل الدجال‬
‫من حيث المنظر‪ ,‬يبدو الترابط السياقي بين المسيح والمسيح الدجال في‬
‫هذه الروايات أشد ما يكون حيث قد يتحتم على المرء أن يعيد قراءة الحديث‬
‫ليتأكد من هوية المقصود‪.‬‬
‫المسيح في السلم الشعبي أو كما يراه الصوفيون‬
‫بعد أن درسنا الحاديث الصحيحة التي تحدثنا عن المسيح وتطلعنا على‬
‫ة‪ ،‬نريد الن أن ننقل عددا ً من الثار الموضوعة‬ ‫كيفية ولدته ومجيئه ثاني ً‬
‫التي تُعزى إلى محمد مباشرة‪ ،‬أو إلى المسيح نفسه‪ ،‬كما وردت في‬
‫المصادر الصوفية‪ .‬فبما أن الحاديث الصحيحة تتناول في أغلب الحيان‬
‫المواضيع التشريعية ول يتيسر فهمها لعامة الشعب لسباب لغوية‪ ،‬فقد‬
‫قة ذا تأثير‬‫صار أدب الخرافات أو ما يروى على لسان محمد من أحاديث مختل َ‬
‫قوي وانتشار واسع في أوساط الشعب‪ ،‬ولعب دورا ً أساسيا ً في تشكيل ما‬
‫يُسمى بالسلم الشعبي‪ .‬تحوي هذه المجموعات أساطير وخرافات عن‬
‫المسيح‪ ،‬وكثيرا ً ما تحمل نوايا تربوية وتهذيبية‪ .‬أما ما يميّز تلك الخرافات‬
‫عن سائر الحاديث فهو محتواها الصوفي الذي يدلنا على مؤلفيها‪ .‬يظهر‬
‫المسيح في تلك الخبار كزعيم أو قطب الدراويش المتَّقين بكونه خاتم‬
‫الولية بجانب محمد خاتم النبياء أو خاتم النبوة‪ .‬إنه يستطيع القيام‬
‫بالمستحيل لدى الناس‪ ,‬قال مالك بن أنس‪ :‬بلغني أن امرأتين أتتا عيسى‬
‫رج لنا أبانا فإنه هلك‬ ‫ع الله لنا أن يخ ِ‬ ‫عليه السلم فقالتا‪ :‬يا روح الله‪ ،‬اد ُ‬
‫ونحن غائبتان عنه‪ .‬قال‪ :‬أتعرفان قبره؟ فقالتا‪ :‬نعم‪ .‬فذهب معهما فأتيا‬
‫قبرا ً فقالتا‪ :‬هذا هو‪ .‬فدعا الله فأخرج لهما‪ ،‬فإذا هو ليس به‪ .‬فدعا فردَّ‪ .‬ثم‬
‫دلتاه على قبر آخر فدعا أن يخرج فخرج‪ ،‬فإذا هو‪ .‬فلزمتاه وسلمتا عليه‪ .‬ثم‬
‫قالتا‪ :‬يا نبي الله يا معلم الخير‪ ،‬ادع الله أن يبقيه معنا‪ .‬فقال‪ :‬وكيف أدعو‬
‫ده وانصرف‪,‬‬ ‫له ولم يبق له رزق يعيش به؟ ثم ر َّ‬
‫(أ) معجزاته‪:‬‬
‫راج أدب الخرافات والعاجيب في الوساط الصوفية والشعبية رواجا ً باهراً‬
‫وصارت تُردد وتُنقل من جيل إلى آخر‪ .‬نبدأ بالمعجزات لنها تشكّل نصف‬
‫الخبار الموضوعة عن المسيح على أقل تقدير‪.‬‬
‫قال وهب‪ :‬كان أول آية رآها الناس من عيسى أن أمه كانت نازلة في دار‬
‫دهقان من أرض مصر‪ ،‬أنزلها بها يوسف النجار حين ذهب بها إلى مصر‪.‬‬
‫سرق الدهقان‪،‬‬ ‫وكانت دار ذلك الدهقان تأوي إليها المساكين‪ .‬وحدث أن ُ‬
‫فحزنت مريم لمصيبته‪ .‬فلما رأى عيسى حزن أمه لمصيبة صاحب ضيافتها‪،‬‬
‫ي‪ .‬قال لها‪:‬‬ ‫قال لها‪ :‬يا أماه‪ ،‬أتحبين أن أدله على ماله؟ قالت‪ :‬نعم يا بُن َّ‬
‫قولي له يجمع المساكين‪ .‬فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم‪ ،‬أحدهما‬
‫أعمى والخر مقعد‪ .‬فحمل المقعد على عاتق العمى وقال له‪ :‬قم به‪.‬‬
‫فقال العمى‪ :‬أنا أضعف عن ذلك‪ .‬فقال له عيسى‪ :‬كيف قويت على ذلك‬
‫البارحة؟ فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا العمى حتى قام‪ .‬فلما استقل‬
‫قائما ً هوى المقعد إلى كوة الخزانة‪ .‬فقال عيسى للدهقان‪ :‬هكذا احتال‬
‫على مالك البارحة‪ ،‬لن العمى استعان بقوته والمقعد بعينيه‪ .‬فقال‬
‫العمى‪ :‬صدق والله‪ .‬فردّا على الدهقان ماله كله‪ ،‬فأخذه الدهقان ووضعه‬
‫في خزانته وقال‪ :‬يا مريم خذي نصفه‪ ،‬فقالت‪ :‬إني لم أُخلق لذلك‪ .‬قال‬
‫الدهقان‪ :‬فأعطيه لبنك‪ ،‬قالت‪ :‬هو أعظم مني شأناً‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لبن له فصنع له عيدا‪ ،‬فجمع عليه أهل مصر‬
‫كلهم فكان يطعمهم شهرين‪ .‬فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشام‬
‫ولم يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب‪ ،‬وكانت كل‬
‫جراره خاوية‪ .‬فلما رأى عيسى مَّرر يده على أفواهها وهو يمشي فكلما أمر‬
‫ذ ابن‬ ‫يده على جرة امتلت شرابا ً حتى أتى عيسى على آخرها وهو يومئ ٍ‬
‫اثنتي عشرة سنة‪,‬‬
‫قال وهب‪ :‬بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلم على صبي فوكزه‬
‫برجله فقتله‪ ،‬فألقاه بين يدي عيسى وهو ملطخ بالدم‪ ،‬فاطلع الناس عليه‬
‫فاتهموه به فأخذوه وانطلقوا به إلى قاضي مصر فقالوا له‪ :‬هذا قتل هذا‪.‬‬
‫فسأله القاضي‪ ،‬فقال عيسى‪ :‬ل أدري من قتله وما أنا بصاحبه‪ .‬فأرادوا أن‬
‫يبطشوا بعيسى عليه السلم فقال لهم‪ :‬ائتوني بالغلم‪ .‬فقالوا له‪ :‬ما تريد‬
‫به؟ قال‪ :‬أريد أن أسأله من قتله‪ .‬قالوا‪ :‬وكيف يكلمك وهو ميت؟ فأخذوه‬
‫وأتوا به إلى مقتل الغلم‪ .‬فأقبل عيسى على الدعاء فأحياه الله تعالى‬
‫فقال له عيسى‪ :‬من قتلك؟ قال‪ :‬قتلني فلن (على الذي قتله)‪.‬فقال بنو‬
‫من هذا؟ قال‪ :‬هذا عيسى ابن مريم‪ .‬قالوا‪ :‬فمن هذا الذي معه؟‬ ‫إسرائيل‪َ :‬‬
‫قال‪ :‬قاضي بني إسرائيل‪ .‬ثم مات الغلم من ساعته‪.‬‬
‫ي‪ ،‬ألم‬ ‫فرجع عيسى إلى أمه وتبعه خلق كثير من الناس فقالت له أمه‪ :‬يا بن َّ‬
‫أنهك عن هذا؟ فقال‪ :‬إن الله حافظنا وهو أرحم الراحمين‪,‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن عيسى لما أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه المعلم‪ ،‬قال له‬
‫المعلم‪ :‬اكتب بسم الله فقال له عيسى عليه السلم‪ :‬ما بسم الله؟ قال‬
‫المعلم‪ :‬ل أدري‪ .‬فقال له‪ :‬باء بهاء الله‪ ،‬سين سناؤه‪ ،‬ميم ملكه‪ ،‬والله إله‬
‫اللهة والرحمان رحمان الدنيا والخرة والرحيم رحيم الخرة‪ .‬أبجد‪ :‬اللف‬
‫ألء الله‪ ،‬الباء بهاء الله‪ ،‬جيم جمال الله‪ ،‬دال الله دائم‪ .‬هوز‪ :‬الهاء الهاوية‪،‬‬
‫الواو ويل لهل النار‪ ،‬الزاي واد في جهنم‪ .‬وحطي‪ :‬الحاء الله الحكيم‪ ،‬الطاء‬
‫الله الطالب لكل حق حتى يؤديه‪ ،‬والياء آي أهل النار وهو الوجع‪ .‬كلمن‪:‬‬
‫كافن الله الكافي‪ ،‬لم الله العليم‪ ،‬ميم الله الملك‪ ،‬نون البحر‪ .‬سعفص‪:‬‬
‫سين الله السميع‪ ،‬والعين الله العالم‪ ،‬والفاء الله الفرد‪ ،‬وصاد الله الصمد‪.‬‬
‫قرشت‪ :‬قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السموات‪ ،‬والراء رأي‬
‫الناس لها‪ ،‬والشين شيء لله‪ ،‬والتاء تمت أبداً‪.‬‬
‫وروي في الخبر أن عيسى عليه الصلة والسلم مَّر بقرية فيها جبل‪ ،‬وفي‬
‫الجبل بكاء وانتحاب كثير‪ .‬فقال لهل القرية‪ :‬ما هذا البكاء وهذا النتحاب‬
‫في هذا الجبل؟ قالوا‪ :‬يا ےےے‬
‫‪ 1a‬ےےے~‬
‫روي عن عيسى عليه السلم أنه دخل على نار توقدت على رجل في البرية‬
‫فأخذ عيسى ماء ليطفئها عنه فانقلبت النار غلما ً وانقلب الرجلناراً‪ .‬فبكى‬
‫عيسى عليه السلم وقال‪ :‬يا رب ردهما إلى حالهما الول حتى أرى ما‬
‫ذنبهما‪ .‬فانكشفت تلك النار عنهما فإذا هما رجل وغلم‪ .‬فقال الرجل‪ :‬يا‬
‫عيسى أنا قد كنت في دار الدنيا مبتلى بحب هذا الغلم‪ ،‬فحملتني الشهوة‬
‫إلى أن فعلت به ليلة الجمعة ثم فعلت به يوما ً آخر‪ ،‬فدخلعلينا رجل فقال‬
‫لنا‪ :‬يا ويلكم! اتقوا الله‪ .‬فقلت له‪ :‬أنا ل أخاف ول أتقي‪ .‬فلما مت ومات‬
‫الغلم صيَّرنا الله عز وجل إلى ما ترى‪ .‬يصير نارا ً فيحرقني مرة‪ ،‬ومرة أصير‬
‫نارا ً فأحرقه‪ .‬فهذا عذابنا إلى يوم القيامة‪,‬‬
‫قال كعب الحبار‪ :‬إن عيسى عليه السلم مر ذات يوم بوادي القيامة وهي‬
‫عشية يوم الجمعة عند العصر‪ ،‬فإذا بجمجمة بيضاء نخرة قد مات صاحبها منذ‬
‫أربع وتسعين سنة‪ ،‬فوقف عليها متعجبا ً منها وقال‪ :‬يا رب ائذن لهذه‬
‫الجمجمة أن تكلمني بلسان حتى تخبرني ماذا لقيت من العذاب وكم أتى‬
‫عليها منذ ماتت وماذا عاينت وبأي هيئة ماتت وماذا كانت تعبد‪ .‬قال‪ :‬فأتاه‬
‫سلْها فإنها ستخبرك‪ .‬فصلى‬ ‫ح الله وكلمتَه‪َ ،‬‬
‫نداء من السماء فقال‪ :‬يا رو َ‬
‫عيسى ركعتين‪ ،‬ثم دنا منها فوضع يده عليها‪ ،‬فقال عيسى‪ :‬أيتها الجمجمة‬
‫النخرة‪ .‬قالت‪ :‬لبيك وسعديك‪ ،‬سلني عما بدا لك‪ .‬قال‪ :‬كم أتى عليك مذ‬
‫مت؟ قالت‪ :‬ما نفس بعد الحياة ول روح تحصي السنين‪ .‬فأتاه نداء أنها قد‬
‫ماتت منذ أربع وتسعين سنة فسلها‪ .‬قال‪ :‬فبماذا مت؟ قالت‪ :‬كنت جالسة‬
‫ذات يوم إذ أتاني مثل السهم من السماء فدخل جوفي مثل الحريق‪ ،‬وكان‬
‫مثلي مثل رجل دخل الحمام فأصابه حره فهو يلتمس الروح مخافة على‬
‫نفسه بأن تهلك‪ .‬قال فأتاني ملك الموت ومعه أعوان وجوههم مثل وجوه‬
‫الكلب بادية أنيابهم زرق أعينهم كلهبان النار‪ ،‬بأيديهم المقامع يضربون‬
‫وجهي ودبري فانتزعوا روحي فكشطوها عني‪ .‬ثم وضعها ملك الموت على‬
‫جمرة من جمار جهنم ثم لفها في قطع مسح من مسوح جهنم فرفعوا‬
‫روحي إلى السماء فمنعتهم السماء أن يدخل وأغلقت البواب دونها‪.‬‬
‫فأتاني نداء أن ردوا هذه النفس الخاطئة إلى مثواها ومأواها‪,‬‬
‫عن كعب الحبار قال‪ :‬مَّر عيسى بجمجمة بيضاء فقال‪ :‬يا رب هذه الجمجمة‬
‫ول وجهه فإذا شيخ‬ ‫ح َ‬
‫شح بوجهك‪ .‬ففعل‪ .‬ثم ّ‬ ‫أحيِها‪ .‬فأوحى الله تعالى أن أ ِ‬
‫متكئ على كارة من بقل فقال‪ :‬يا عبد الله سل على حتى ألحق بالسوق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما شأنك؟ قال‪ :‬قلعت هذا البقل من هذه المبقلة وغسلته في هذا‬
‫النهر وغلبتني عيني‪ .‬قال وخيل إليه ما كان فيه‪ .‬قال فسأله عيسى عليه‬
‫السلم عن القوم الذي هو منهم‪ ،‬فإذا بين المسيح وأولئك خمسمائة عام‪,‬‬
‫ُروي أن عيسى عليه السلم مر بجمجمة فضربها برجله فقال‪ :‬تكلمي بإذن‬
‫ملكي عل َّ‬
‫ي‬ ‫الله‪ .‬فقالت‪ :‬يا روح أنا ملك زمان وكذا وكذا‪ .‬بينما أنا جالس في ُ‬
‫تاجي وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي إذ بدا لي ملك الموت‪ ،‬فزال‬
‫مني كل عضو على حياله ثم خرجت نفسي إليه‪ ،‬فيا ليت ما كان من تلك‬
‫الجموع كان فرقة‪ ،‬ويا ليت ما كان من ذلك النس كان وحشة‪ ,‬فكذلك من ل‬
‫يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الشهاد‪,‬‬
‫وهناك روايات تحمل مسحة النص النجيلي‪ُ :‬روي عن عيسى أنه قال‪ :‬ماذا‬
‫يُغني عن العمى حمل السراج ويستضيء به غيره؟ وماذا يغني عن البيت‬
‫المظلم أن يكون السراج على ظهره؟ وماذا يغني عنكم أن تتكلموا بالحكمة‬
‫وما تعملون بها‪,‬‬
‫وهذه الروايات الصوفية تنقل لنا مواعظ المسيح باعتباره واعظا ً صوفياً‬
‫فر الناس من الدنيا ويدعوهم إلى الُّزهد‪ .‬قال المسيح‪ :‬الدنيا قنطرة‬ ‫ين ّ‬
‫ً‬
‫مروها‪ .‬قالوا‪ :‬يا نبي الله‪ ،‬إنا نريد أن نبني بيتا نجتمع فيه‬ ‫فاعبروها ول تع ّ‬
‫لنعبد ونتدارس‪ ،‬فاختر لنا موضعا ً نبني فيه‪ .‬فقال‪ :‬تعالوا‪ .‬فمشوا معه‬
‫فوقف على قنطرة وهي مدرجة للناس ل يدَعونا فيها‪ .‬كذلك الدنيا مدرجة‬
‫علما ً شيئاً‬ ‫للموتى وأنتم تبنون عليها ول يدَعونكم فيها‪ .‬قيل لعيسى علِّمنا ِ‬
‫واحدا ً يحبنا الله عليه‪ .‬قال‪ :‬أبغضوا الدنيا يحبكم الله‪ ,‬قال الحواريون‪ :‬يا‬
‫روح الله نحن نصلي ونصوم ونذكر الله تعالى كما أمرتَنا ولنقدر أن نمشي‬
‫على الماء كما تمشي أنت‪ .‬قال‪ :‬أَخبروني كيف حبكم للدنيا‪ .‬قالوا‪ :‬إنا‬
‫لنحبها‪ .‬فقال‪ :‬إن حبها يفسد الدين لكنها عندي بمنزلة الحجر والمدر‪,‬‬
‫وقال‪ :‬ما لكم تأتون ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري‪ .‬البسوا‬
‫ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية‪,‬‬
‫وأحيانا ً تُذكر آيات إنجيلية بصورة حرفية‪ :‬رأيت في النجيل قال عيسى ابن‬
‫ن بالسن والنف بالنف‪،‬‬ ‫مريم عليه السلم‪ :‬لقد قيل لكم من قبل إن الس ّ‬
‫ول‬ ‫ح ِ‬
‫وأنا أقول لكم‪ :‬ل تقاوموا الشر بالشر‪ ،‬بل من ضرب خدك اليمن ف ّ‬
‫خرك لتسير معه‬ ‫إليه الخد اليسر‪ .‬ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك‪ .‬ومن س ّ‬
‫سر معه ميلين‪,‬‬ ‫ميل ً ف ِ‬
‫(ب) نزول عيسى في آخر الزمان‪:‬‬
‫كما هو الحال في الحاديث الصحيحة‪ ،‬كذلك تجد في تعاليم الصوفية أخباراً‬
‫تطلعنا على مجيء المسيح ثانية وما سيحدث بعد مجيئه‪ .‬فإن المسيح يظهر‬
‫في تلك الخبار كعلم الساعة!‪ ,‬غير أنه ل يعرف متى الساعة‪ .‬يذكرنا الحوار‬
‫الغريب بين المسيح وجبريل‪ ،‬والذي ورد في مؤلف للمام الشعراني بسؤال‬
‫محمد جبريل في حديث القدر الشهير‪ :‬روي عن الشعبي قال‪ :‬لقي جبريل‬
‫عيسى عليهما السلم فقال له عيسى‪ :‬متى الساعة؟ فانتفض جبريل في‬
‫أجنحته وقال‪ :‬ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السماوات‬
‫فار‬‫والرض ل تأتيكم إل بغتة‪ ,‬إن المسيح الذي سيأتي لكي يعاقب الك َّ‬
‫ويجازي الصالحين خيرا ً سوف يختار بين المسلمين طائفة الغرباء النافرين‬
‫عن الدنيا‪ :‬قال رسول الله‪ :‬أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء‪ .‬قيل‪ :‬ومن‬
‫الغرباء؟ قال‪ :‬الفّرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى يوم القيامة مع عيسى‬
‫ابن مريم عليه السلم‪ ,‬روي عن محمد أيضاً‪ :‬ولن يخزي الله أمة أنا أولها‬
‫والمسيح آخرها‪,‬‬
‫ول الوضاعون المسيح إلى مسلم مثالي يصلي ويحج‪ :‬ويهبط عيسى‬ ‫لقد ح َّ‬
‫ابن مريم فيصلي الصلوات ويجمع الجمع ويزيد في الحلل كأني به تجدبه‬
‫رواجله ببطيء الروحاء حاجا ً أو معتمراً‪ ,‬بينما يصعب علينا أحيانا ً أن نميِّز‬
‫المسيح من المهدي في الحاديث الصحيحة‪ ،‬ويبدو كلهما في بعض‬
‫الروايات كأنهما شخص واحد‪ .‬يخبرنا الوضاعون بأن المهدي من أهل بيت‬
‫محمد‪ :‬المهدي من أهل بيتي يمل الرض عدلً‪ ،‬وإنه يخرج مع عيسى عليه‬
‫الصلة والسلم يساعده على قتل الدجال بباب لد من أرض فلسطين وإنه‬
‫يؤم هذه المة ويصلي خلفه عيسى ابن مريم‪,‬‬
‫(ج) عيسى كمجدد للشريعة السلمية‪:‬‬
‫نقل المام الشعراني‪ :‬قال العلماء إنه إذا نزل عيسى في آخر الزمان يكون‬
‫مقررا ً لشريعة محمد ومجددا ً لها‪ ،‬لنه ل نبي بعد رسول الله يحكم بشريعة‬
‫غير شريعة محمد‪ ،‬لنها آخر الشرائع ونبيّها آخر النبيين‪ .‬فيكون عيسى‬
‫حكما ً مقسطا ً لنه ل سلطان يومئذ للمسلمين ول إماما ً ول قاضيا ً ول مفتياً‪،‬‬
‫وقد قبض الله العلم وخل الناس منه فينزل وقد علم بأمر الله تعالى من‬
‫السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من أمر هذه الشريعة ليحكم به بين‬
‫الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على‬
‫أنفسهم ول أحد ليحكم به بين الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع‬
‫المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على أنفسهم ول أحد يصلح لذلك غيره‪ ،‬لن‬
‫تعطيل الحكم غير جائز‪ ،‬وأيضا ً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بالتكليف‪ ،‬فل يزال‬
‫التكليف قائما ً إلى أن ل يبقى على وجه الرض من يقول ل إله إل الله‪ ,‬إن‬
‫المسيح كما يصوره الوضاعون ليس المام والحكم المقسط ول مجدد‬
‫الشريعة فحسب‪ ،‬بل هو فقيه متبحر يدرس القرآن مطلع على أسراره‬
‫وحكمه التشريعية‪ :‬إن عيسى ينظر في القرآن فيفهم منه جميع الحكام‬
‫المتعلقة بهذه الشريعة من غير احتياج إلى مراجعة الحاديث كما فهم النبي‬
‫عليه الصلة والسلم من القرآن العزيز‪ ,‬نقرأ في رواية أخرى أن عيسى‬
‫سوف يتعلم ما يحتاج إليه من أمر الشريعة من محمد نفسه‪ :‬إن النبي في‬
‫حياته كان يرى النبياء أحياء يصلون‪,26‬فكذلك إذا نزل عيسى عليه السلم‬
‫إلى الرض يرى النبياء ويجتمع بهم ومن جملتهم النبي عليه السلم فيأخذ‬
‫عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته‪ ,‬يقول المحدثون كان من الطبيعي أن‬
‫يجعله العلماء صحابيا ً إذ يقول الذهبي إن عيسى ابن مريم عليه السلم نبي‬
‫وصحابي‪ ،‬فإنه رأى النبي وسلّم عليه‪ ،‬فهو آخر الصحابة موتاً‪,‬‬
‫وتُظهر الفتوى التي كتبها السيوطي ردا ً على سؤال عن المذهب الفقهي‬
‫الذي سيتبعه عيسى في تطبيق الشريعة مدى ما يمكن أن يمتد الخيال إليه‬
‫ضاعين والصوفيين‪ .‬بعد أن حسم بأن عيسى سيحكم بالشريعة‬ ‫لدى الو ّ‬
‫السلمية دون الشرائع الخرى‪ ،‬يقول السيوطي‪ :‬وقول القائل‪ :‬إذا قلتم‬
‫إنه يحكم بشرع نبينا فكيف حكمه به؟ هل بمذهب من المذاهب الربعة‬
‫المتقررة أو باجتهاد منه؟‪ ..‬هذا السؤال أعجب من سائله‪ .‬وأشدّ عجبا ً منه‬
‫قوله بمذهب من المذاهب الربعة‪ .‬فهل خطر ببال السائل أن المذاهب من‬
‫هذه الشريعة منحصرة في أربعة مذاهب؟‪ ..‬كيف يقلّد نبي مذهبا ً من‬
‫المذاهب والعلماء يقولون‪ :‬إن المجتهد ل يقلد مجتهداً‪ .‬فإذا كان هذا‬
‫المجتهد من آحاد المة ل يقلد‪ ،‬فكيف يظن بالنبي بأنه يقلد؟ فإن قلت‪:‬‬
‫يتعين حينئذ القول بأنه يحكم بالجتهاد‪ .‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬لم يتعين ذلك‪ ،‬فإن النبي‬
‫كان يتكلم بما أُوحي إليه ول يسمى ذلك اجتهادا ً كما ل يسمى تقليداً‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أن العلماء حكوا خلفا ً في جواز الجتهاد للنبي‪ .‬فلو كان‬
‫حكمه بما يفهم من الغرض ل يسمى اجتهاداً‪ .‬يبدو أن العلماء أجمعوا على‬
‫أن عيسى يحكم بما ورد في القرآن من أحكام تشريعية كنبي أو يكون‬
‫صحابيا ً رأى النبي!‬
‫(د) وفاة عيسى‪:‬‬
‫إن ما ورد عن وفاة عيسى من أخبار في المصادر ليست أقل غرابة مما‬
‫قلنا إلى الن عن حياته الرضية ومجيئه الثاني إلى الدنيا‪ :‬عن أبي هريرة‪:‬‬
‫قال رسول الله‪ :‬النبياء علت‪ ،‬أمهاتهم شتى ودينهم واحد‪ ،‬أوشك أن ينزل‬
‫فيكم ابن مريم حكما ً عدل ً إنه نازل على أمتي وخليفتي عليهم‪ ،‬فإذا‬
‫رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر‬
‫صرتين ثم يلبث في الرض‬ ‫كأن رأسه تقطّر ولم يصبه بلل‪ ،‬ينزل بين مخ َّ‬
‫أربعين سنة ويتزوج ويولد له‪ ،‬ويتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه‬
‫في المدينة بجنب عمر‪ .‬اقرأوا إن شئتم‪ :‬ومن أهل الكتاب إل ليؤمنن به‪،‬‬
‫قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ً (سورة النساء ‪ )159‬أي قبل‬
‫موت عيسى‪ ,‬وتخبرنا رواية أخرى عن مدفن عيسى بالتحديد‪ :‬عن عائشة‬
‫ت‪ :‬يا رسول الله إني أرى أني أعيش بعدك فتأذن لي أن أُدفن‬ ‫قالت‪ :‬قل ُ‬
‫بجنبك؟ فقال‪ :‬وأين لي بذلك الموضع ما فيه إل قبري وقبر أبي بكر وعمر‬
‫وعيسى ابن مريم‪ ,‬وفي رواية‪ :‬إذا أهبط الله عيسى ابن مريم يعيش في‬
‫هذه المة ما يعيش ثم يموت في مدينتي هذه ويُدفن إلى جانب قبر عمر‪،‬‬
‫فطوبى لبي بكر وعمر يحشران بين نبيين!‪,‬‬
‫ونختم بوصية الله لعيسى باتباع وإرضاء محمد كما ورد ذكر ذلك في‬
‫المصادر الشيعية‪ :‬أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي‪،‬‬
‫فهو أحمد صاحب الجمل الحمر والوجه القمر المشرق النور القاهر القلب‬
‫الشديد البأس‪ ..‬فإنه رحمة للعالمين‪ ،‬سيد ولد آدم يوم يلقاني‪ ،‬أكرم‬
‫ي وأقرب المرسلين من العربي المي‪ ،‬الديان بديني الصابر‬ ‫السابقين عل ّ‬
‫في ذاتي المجاهد المشركين ببدنه عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل‬
‫وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يطيعوه وينصروه‪ ..‬قال عيسى‪:‬‬
‫إلهي‪ ،‬فمن هو حتى أرضيه فلك الرضى؟ قال‪ :‬هو محمد رسول الله إلى‬
‫الناس كافة‪ ،‬أقربهم مني منزلة وأحبهم عندي شفاعة‪ .‬طوبى له من نبي‬
‫وطوبى لمته أن لقوني على سبيله‪ .‬يحمده أهل الرض ويستغفر له أهل‬
‫السماء أمين فيموت طيب مطيب‪ ،‬خير الباقين عندي‪ ..‬كثير الزدواج قليل‬
‫الولد يسكن مكة موضع أساس إبراهيم‪,‬‬
‫بعد أن قرأنا تلك الخبار‪ ،‬الصحيحة منها والموضوعة لدى المحدثين عن‬
‫عيسى ابن مريم كما يتصوره محمد والوضاعون من الصوفيين‪ ،‬يمكننا‬
‫القول إن هذه الروايات وإن كانت في الغلب مجرد خرافات تحمل في‬
‫طياتها ما يوحي للقارئ بمصدرها الحقيقي‪ ،‬وتدل في معظم الحيان على‬
‫أن أصحابها قد اعترفوا بأن عيسى شخصية تفوق سائر البشر‪ ،‬وإن لم‬
‫يؤمنوا به كمخلصهم الشخصي‪ .‬غير أن صورة المسيح تبقى في تلك الثار‬
‫وهة وغريبة عن الرسالة النجيلية كما هو الحال في القرآن نفسه‪.‬‬ ‫مش َّ‬
‫فالمسيح كما وصفه محمد والوضاعون هو مسيح السلم (أو المسيح‬
‫المسلم)!‬
‫الجزء الرابع‪:‬‬
‫غريب الحديث الصحيح‬
‫في هذا الباب لن نضيف للحاديث أية تعليقات‪ ،‬ولكن سنترك الحاديث‬
‫تتحدث عن نفسها! فقد وجدنا أثناء دراستنا للحديث السلمي الكثير الذي‬
‫يشترك في صفة واحدة‪ ،‬هي غرابة موضوعاته‪ ،‬فقررنا أن نضعها جميعا ً هنا‬
‫في باب مستقل‪.‬‬
‫‪ - 1‬رضاعة الكبير‪:‬‬
‫عروة بن الزبير‪،‬‬ ‫سئل عن رضاعة الكبير؟ فقال‪ :‬أخبرني ُ‬ ‫عن ابن شهاب أنه ُ‬
‫عتبة بن ربيعة‪ ،‬وكان من أصحاب رسول الله‪ ،‬وكان قد‬ ‫أن أبا حذيفة بن ُ‬
‫حذيفة‪ .‬كما‬ ‫شهد بدراً‪ ،‬وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي ُ‬
‫ً‬
‫تبنى رسول الله زيد بن حارثة‪ .‬وأنكح أبو حذيفة سالماً‪ .‬وهو يرى أنه ابنه‪.‬‬
‫أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة‪ ،‬وهي يومئذ من‬
‫المهاجرات الُول‪ .‬وهي من أفضل أيامى قريش‪ .‬فلما أنزل الله تعالى في‬
‫كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل‪ ،‬فقال‪ :‬أدعوهم لبائهم هو أقسط عند الله‪،‬‬
‫فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين‪ .‬ومواليكم‪ُ .‬ردَّ كل واحد إلى أبيه‪.‬‬
‫فإن لم يعلم أبوه رد إلى موله‪ .‬فجاءت سهلة بنت سهيل‪ ،‬وهي امرأة أبي‬
‫حذيفة‪ .‬وهي من بني عامر بن لؤي‪ ،‬إلى رسول الله فقالت‪ :‬يا رسول الله‬
‫رقاق) وليس‬ ‫ض ٌ‬
‫ل (عليها ثياب ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫كنا نرى سالما ً ولداً‪ ،‬وكان يدخل عل َّ‬
‫ي وأنا ُ‬
‫لنا إل بيت واحد‪ .‬فماذا ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله‪ :‬أرضعيه خمس‬
‫رضعات فيحرم بلبنها‪ .‬وكانت تراه ابنا ً من الرضاعة‪ .‬فأخذت بذلك عائشة أم‬
‫المؤمنين‪ .‬فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال‪ .‬فكانت تأمر أختها‬
‫أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬وبنات أختها أن يرضعن من أحببن أن يدخل‬
‫عليهن من الرجال‪ .‬وأبى سائر أزواج النبي أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة‬
‫ة بنت‬ ‫أحد من الناس‪ .‬وقلن‪ :‬ل والله‪ ،‬ما نرى الذي أمر به رسو ُ‬
‫ل الله سهل َ‬
‫سهيل إل رخصة من رسول الله في رضاعة سالم وحده‪ .‬والله ل يدخل علينا‬
‫بهذه الرضاعة أحد‪ .‬فعلى هذا كان أزواج النبي في رضاعة الكبير‪,‬‬
‫ب المؤمن‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬أنه سمع رسول الله يقول‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الرسول يس ّ‬
‫ً‬
‫ة إليك يوم القيامة‪ ,‬روي أيضا أن‬ ‫قرب ً‬‫اللهم! فأيّما مؤمن سببتُه‪ ،‬فاجعل ذلك ُ‬
‫رسول الله سب الواصلة والمستوصلة‪,‬وقال‪ :‬من يسب عليا ً يسبه الله‪,‬‬
‫وجاء أيضاً‪ :‬سباب المسلم فسوق‪,‬‬
‫حس القصعة‪:‬‬ ‫‪ - 3‬لَ ْ‬
‫عن نُبَيشة‪ ،‬عن رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬من أكل من قصعة ثم لحسها‪ ،‬تقول له‬
‫القصعة‪ :‬أعتقك الله من النار كما أعتقتني من الشيطان‪,‬‬
‫‪ -‬الذباب‪ ..‬فليغمسه‪:‬‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله قال‪ :‬إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه‬
‫كله ثم ليطرحه‪ ،‬فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الخر داء‪,‬‬
‫ملَك الموت‪:‬‬ ‫‪ - 5‬موسى يفقأ عين َ‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬قال رسول الله‪ :‬جاء ملك الموت إلى موسى بن عمران‬
‫ملَك الموت ففقأها‪ .‬فرجع الملك‬ ‫ب ربَّك‪ .‬فلطم موسى عين َ‬ ‫ج ْ‬
‫فقال له‪ :‬أ ِ‬
‫د ل يريد أن يموت‪ ،‬وقد فقأ عيني‪ .‬فردَّ‬ ‫إلى الله فقال‪ :‬إنك أرسلتني إلى عب ٍ‬
‫قل‪ :‬الحياة تريد؟ فإن كنت‬ ‫جع إلى عبدي ف ُ‬ ‫الله إليه عينه‪ ،‬وقال (الله)‪ :‬ار ِ‬
‫تريد الحياة فضع يدك على متن ثور‪ ،‬فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش‬
‫بها سنة‪ .‬قال (موسى)‪ :‬ثم مه؟ قال‪ :‬ثم تموت‪ .‬قال (موسى)‪ :‬فالن من‬
‫قريب‪ .‬رب ادنني من الرض المقدسة رمية بحجر‪ .‬قال رسول الله‪ :‬والله لو‬
‫أني عنده لريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الحمر‪,‬‬
‫‪ - 6‬من تبَّرز على لَبِنتَين‪:‬‬
‫قبلة بغائط أو بول‪ ،‬ولكن شّرقوا أو غّربوا‪ .‬وعن‬ ‫قال النبي‪ :‬ل تستقبلوا ال ِ‬
‫قبلة ول‬ ‫أبي أيوب النصاري أن النبي قال‪ :‬إذا أتيتم الغائط فل تستقبِلوا ال ِ‬
‫دمنا الشام فوجدنا‬ ‫تستدبروها‪ ،‬ولكن شّرقوا أو غّربوا‪ .‬قال أبو أيوب‪ :‬فق ِ‬
‫قبلة‪ ،‬فننحرف ونستغفر الله تعالى‪,‬‬ ‫مراحيض بُنيت قبل ال ِ‬
‫ت على‬ ‫َ‬ ‫قعد‬ ‫إذا‬ ‫يقولون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ناسا‬ ‫إن‬ ‫يقول‬ ‫كان‬ ‫أنه‬ ‫وعن عبد الله بن عمر‬
‫قبلة ول بيت المقدس‪ .‬فقال عبد الله بن عمر‪ :‬لقد‬ ‫حاجتك فل تستقبِل ال ِ‬
‫ل الله على لَبِنتَين مستقبِل ً بيت‬ ‫ت رسو َ‬ ‫ُ‬ ‫فرأي‬ ‫لنا‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫بي‬ ‫ظهر‬ ‫ت يوما ً على‬ ‫ارتقي ُ‬
‫ت‪ :‬ل‬ ‫ّ‬
‫المقدس لحاجته‪ .‬وقال‪ :‬لعلك من الذين يُصلون على أوراكهم‪ .‬فقل ُ‬
‫ك‪ :‬يعني الذي يصلّي ول يرتفع عن الرض يسجد وهو لصق‬ ‫أدري‪ .‬قال مال ٌ‬
‫بالرض‪.‬‬
‫‪ - 7‬النبي يدور على نسائه‪< :‬‬
‫ت أطيّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح‬ ‫عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬كن ُ‬
‫رما ً ينضح طيباً‪ .‬وعن قتادة قال‪ :‬حدَّثنا أنس بن مالك قال‪ :‬كان النبي‬ ‫مح ِ‬‫ُ‬
‫ن إحدى عشرة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وه ّ‬
‫وكان يطيقه؟ قال‪ :‬كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلثين‪,‬‬ ‫ت لنس‪ :‬أ َ‬ ‫قال‪ :‬قل ُ‬
‫‪ - 8‬من كتاب الحيض!‬
‫قال النبي‪ :‬هذا شيء كتبه الله على بنات آدم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬كان أول ما‬
‫سل الحيض على بني إسرائيل‪,‬‬ ‫ُ‬
‫أر ِ‬
‫حدَّثت عائشة أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن‪.‬‬
‫جنُب‪ ،‬وكان‬ ‫ت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد‪ ،‬كلنا ُ‬ ‫عن عائشة قالت‪ :‬كن ُ‬
‫يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض‪ .‬عن عائشة قالت‪ :‬كانت إحدانا إذا كانت‬
‫حائضا ً فأراد رسول الله أن يباشرها‪ ،‬أمرها أن تتَّزر في فور حيضتها ثم‬
‫يباشرها‪ .‬قالت‪ :‬وأيُّكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه‪.‬؟‬
‫وعن عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله لَيُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم‪ ،‬ثم‬
‫ضحكت!‬
‫‪ - 9‬ترك الحائض الصوم‪:‬‬
‫ر إلى المصلى‬ ‫فط‬
‫ُ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫أضحى‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫خرج‬ ‫خدري‪:‬‬ ‫عن أبي سعيد ال ُ‬
‫ن أكثر أهل‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬فإني أريتك ّ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬
‫فمَّر على النساء فقال‪ :‬يا معشر النساء‪ ،‬تصدّ ْ‬
‫م يا رسول الله؟ قال‪ :‬تكثرن اللعن وتكفرن العشير‪ .‬ما‬ ‫النار‪ .‬فقلن‪ :‬وب َ‬
‫قلن‪:‬‬ ‫ب الرجل الحازم من إحداكن‪ُ .‬‬ ‫رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لل ّ‬
‫وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال‪ :‬أليس شهادة المرأة نصف‬
‫شهادة الرجل؟ قلن‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فذلك من نقصان عقلها‪ .‬أليس إذا حاضت‬
‫صم؟ قلن‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فذلك من نقصان دينها‪.‬‬ ‫ل ولم ت ُ‬ ‫لم تص ّ‬
‫وورد ذكر الحديث نفسه وأضيف إليه‪ :‬ثم انصرف (النبي)‪ .‬فلما صار إلى‬ ‫ُ‬
‫منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه‪ .‬فقيل‪ :‬يا رسول الله هذه‬
‫زينب‪ .‬فقال‪ :‬أي الزيانب؟ فقيل‪ :‬امرأة ابن مسعود‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ائذنوا لها‪.‬‬
‫ت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي‬ ‫ُ‬
‫فأذن لها‪ .‬قالت‪ :‬يا نبي الله إنك أمر َ‬
‫ت به‬‫ق من تصدَّق ُ‬ ‫ت أن أتصدَّق به‪ ،‬فزعم ابن مسعود أنه وولده أح ُّ‬ ‫فأرد ُ‬
‫ت به‬‫ِ‬ ‫تصدق‬ ‫من‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫أح‬ ‫وولدك‬ ‫زوجك‬ ‫مسعود‪.‬‬ ‫ابن‬ ‫صدق‬ ‫النبي‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫عليهم‪.‬‬
‫عليهم‪,‬‬
‫‪ - 10‬عفريت يُربَط في المسجد!!‪:‬‬
‫ي البارحة (أو‬ ‫عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي قال إن عفريتا ً من الجن تفلَّت عل َّ‬
‫ت أن أربطه إلى‬ ‫ي الصلة‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ .‬فأرد ُ‬ ‫كلمة نحوها) ليقطع عل َّ‬
‫سارية من سواري المسجد حتى تُصبِحوا وتنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت قول‬
‫د من بعدي فرددته‬ ‫ب اغفر لي وهب لي ملكا ً ل ينبغي لح ٍ‬ ‫أخي سليمان‪ :‬ر ِّ‬
‫ت متمرد من أنس أو جان مثل زبنية جماعتها‬ ‫خاسئا ً وأضاف الشارح‪ :‬عفري ٌ‬
‫الزبانية‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة أيضا‪ :‬عن النبي أنه صلى صلة قال إن الشيطان عرض لي‪،‬‬ ‫ً‬
‫ي‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬فذَعتُّه (أي خنقتُه)‪ .‬ولقد‬ ‫ي ليقطع الصلة عل َّ‬ ‫فشدَّ عل َّ‬
‫ت قول‬ ‫هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تُصبِحوا فتنظروا إليه‪ .‬فذكر ُ‬
‫سليمان عليه السلم‪ :‬رب هب لي ملكا ً ل ينبغي لحد من بعدي‪ ،‬فردَّه الله‬
‫خاسياً‪.‬‬
‫ضراط الشيطان!‬ ‫‪ُ - 11‬‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله قال‪ :‬إذا نودي للصلة أدبر الشيطان وله‬
‫وب بالصلة‬ ‫ضراط حتى ل يسمع التأذين‪ .‬فإذا قضى النداء أقبل‪ ،‬حتى إذا ث ُ ِّ‬ ‫ُ‬
‫أدبر‪ ،‬حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول‪ :‬اذكر‬
‫كذا اذكر كذا‪ ،‬لِما لم يكن يذكر‪ ،‬حتى يظل الرجل ل يذكر كم صلّى‪.‬‬
‫‪ - 12‬بول الشيطان!‬
‫ل‪ ،‬فقيل‪ :‬ما زال نائما ً حتى أصبح ما قام إلى صلة‪.‬‬ ‫ذُكر عند النبي رج ٌ‬
‫فقال‪ :‬بال الشيطان في أذنه‪.‬‬
‫‪ - 13‬ينزل ربنا إلى السماء الدنيا!‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله قال‪ :‬ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى‬
‫خر‪ ،‬يقول‪ :‬من يدعوني فأستجيب له؟‬ ‫السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ال ِ‬
‫من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟‪.‬‬
‫‪ - 14‬نزول ابن مريم‪:‬‬
‫عن ابن المسيَّب أنه سمع أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول الله‪ :‬والذي نفسي‬
‫سطاً‪ ،‬فيكسر الصليب‪،‬‬ ‫مق ِ‬ ‫بيده‪ ،‬ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكَما ً ُ‬
‫ويقتل الخنزير‪ ،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويفيض المال حتى ل يقبله أحد‪.‬‬
‫‪ - 15‬الجساسة والمسيح الدجال‪:‬‬
‫عن فاطمة بنت قيس قالت‪ :‬سمعت منادي رسول الله ينادي‪ :‬الصلة‬
‫جامعة‪ .‬فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله‪ .‬فلما قضى صلته‬
‫جلس على المنبر وهو يضحك‪ ،‬فقال‪ :‬ليلزم كل إنسان مصله‪ .‬ثم قال‪ :‬هل‬
‫م جمعتكم؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬إني والله ما جمعتكم‬ ‫تدرون ل َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ة ول لرهبة‪ ،‬ولكن جمعتكم لن تميما الداري كان رجل نصرانيا فجاء‬ ‫لرغب ٍ‬
‫(فبايع) وأسلم‪ ،‬وحدثني حديثا ً وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح‬
‫الدجال‪ .‬حدثني أنه ركب في سفينة بحريّة معثلثين رجل ً من لخم وجذام‪،‬‬
‫فلعب الموج شهرا ً في البحر‪ ،‬فأرفأوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس‪،‬‬
‫فجلسوا في أقرب السفينة‪ ،‬فدخلوا الجزيرة‪ ،‬فلقيتهم دابة‪ ،‬أهلب كثيرة‬
‫دبرها من كثرة الشعر‪ .‬قالوا‪ :‬ويلك ما أنت؟‬ ‫قبلها من ُ‬‫الشعر‪ ،‬ل يدرون ما ُ‬
‫قالت‪ :‬أنا الجساسة‪ .‬قالوا‪ :‬وما الجساسة؟ قالت‪ :‬أيها القوم‪ ،‬انطلقوا إلى‬
‫مت لنا رجلً‬ ‫هذا الرجل في الدير‪ ،‬فإنه إلى خبركم بالشواق‪ .‬قال‪ :‬لما س َّ‬
‫فَرقنا منها أن تكون شيطانة‪ .‬قال‪ :‬فانطلقنا سراعا ً حتى دخلنا الدير‪ ،‬فإذا‬ ‫َ‬
‫فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقاً‪ ،‬وأشده وثاقاً‪ ،‬مجموعة يده إلى عنقه‪،‬‬
‫ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد‪ .‬قلنا‪ :‬ويلك ما أنت؟ قال‪ :‬قد قدرتم على‬
‫خبري‪ ،‬فأخبروني ما أنتم؟ قالوا‪ :‬نحن أناس من العرب‪ ،‬ركبنا في سفينة‬
‫بحرية‪ ،‬فلعب بنا البحر شهراً‪ ،‬فدخلنا الجزيرة‪ ،‬فلقيتنا دابة أهلب‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫سراعاً‪ ،‬وفزعنا منها‬ ‫أنا الجساسة‪ ،‬اعمدوا إلى هذا في الدير‪ .‬فأقبلنا إليك ِ‬
‫ولم نأمن أن تكون شيطانة‪ .‬فقال‪ :‬أخبروني عن نخل بيسان‪ .‬قلنا عن أي‬
‫شأنها تستخبر؟ قال‪ :‬أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أما إنها‬
‫توشك أن ل تثمر‪ .‬قال‪ :‬أخبروني عن بحيرة طبرية‪ .‬قلنا عن أي شأنها‬
‫تستخبر؟ قال‪ :‬هل فيها ماء؟ قلنا‪ :‬هي كثيرة الماء‪ .‬قال‪ :‬أما إن ماءها‬
‫يوشك أن يذهب‪.‬‬
‫قال‪ :‬أخبروني عن عين ُزغر‪ .‬قالوا‪ :‬وعن أي شأنها تستخبر؟ قال‪ :‬هل في‬
‫العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له‪ :‬نعم‪ .‬هي كثيرة الماء‪،‬‬
‫وأهلها يزرعون من مائها‪ .‬قال‪ :‬أخبروني عن نبي الميين ما فعل؟ قلنا‪ :‬قد‬
‫خرج من مكة ونزل يثرب‪ .‬قال‪ :‬أَقاتله العرب؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬كيف صنع‬
‫بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب‪ ،‬وأطاعوه‪ .‬قال لهم‪ :‬قد‬
‫كان ذلك؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم‬
‫عني‪ :‬إني أنا المسيح الدجال‪ .‬وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج‪،‬‬
‫فأسير في الرض‪ ،‬فل أدع قرية إل هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة‪،‬‬
‫ي كلتاهما‪ ،‬كلما أردت أن أدخل (واحدة أو) واحدا ً منهما‬ ‫هما محرمتان عل َّ‬
‫ملَك بيده السيف صلتا يصدني عنها‪ ،‬وإن على كل نقب منها‬ ‫استقبلني َ‬
‫ملئكة يحرسونها‪ .‬قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر‪ :‬هذه طيبة‪.‬‬
‫هذه طيبة (يعني المدينة) أل هل كنت حدثتكم؟ فقال الناس‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫ت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة‬ ‫فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كن ُ‬
‫إل أنه في بحر الشام أو بحر اليمن‪ ،‬ل بل من قبل المشرق ما هو؟ من قبل‬
‫المشرق ما هو‪ ،‬من قبل المشرق ما هو‪ .‬وأومأ بيده إلى المشرق‪.‬‬
‫وفي رواية عن أبي سلمة قال سمعت أبا هريرة قال‪ ،‬قال رسول الله‪ :‬أل‬
‫أخبركم عن الدجال حديثا ً ما حدثه نبي قومه‪ .‬إنه أعور‪ ،‬وإنه يجيء معه مثل‬
‫الجنة والنار‪ .‬فالتي يقول إنها الجنة هي النار‪ .‬وإني أنذرتكم كما أنذر به‬
‫نوح قومه‪.‬‬
‫عن النواس بن سمعان قال‪ :‬ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفض فيه‬
‫ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل‪ .‬فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫عت‬ ‫ت فيه ور َّ‬
‫ف َ‬ ‫خ َّ‬
‫َ‬ ‫ض َ‬
‫ف ْ‬ ‫ت الدجال غداة ف َ‬
‫ما شأنكم؟ قلنا‪ :‬يا رسول الله ذكر َ‬
‫حتى ظنناه في طائفة النخل‪ .‬فقال‪ :‬غير الدجال أخوفني عليكم‪ .‬إن يخرج‬
‫وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم‪ .‬وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه‪،‬‬
‫والله خليفتي على كل مسلم‪ .‬إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد‬
‫العزى بن قطن‪ ،‬فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه‬
‫خارج خلة بين الشام والعراق‪ .‬فعاث يمينا ً وعاث شمال ً يا عباد الله فاثبتوا‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الله وما لبثه في الرض؟ قال‪ :‬أربعون يوماً‪ ،‬يوم كسنة‪،‬‬
‫ويوم كشهر ويوم كجمعة‪ .‬وسائر أيامه كأيامكم‪ .‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬فذلك‬
‫اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلة يوم؟ قال‪ :‬ل‪ .‬اقدروا له قدرة‪ .‬قلنا‪ :‬يا‬
‫رسول الله وما إسراعه في الرض؟ قال‪ :‬كالغيث استدبرته الريح فيأتي‬
‫على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له‪ ،‬فيأمر السماء فتمطر‬
‫والرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا ً وأسبغه ضروعاً‬
‫وأمده خواصر‪ ،‬ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم‬
‫فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم‪ .‬ويمر بالخربة فيقول‬
‫لها‪ :‬أَخرجي كنوزك‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل ثم يدعو رجل ً ممتلئاً‬
‫شبابا ً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض‪ .‬ثم يدعوه فيُقبل‬
‫ويتهلل وجهه يضحك‪ .‬فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل‬
‫عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا ً كفيه على أجنحة‬
‫ملكين إذا طأطأ رأسه قطر‪ ،‬وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ‪ ،‬فل يحل‬
‫لكافر يجد ريح نفسه إل مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفة‪ ،‬فيطلبه‬
‫حتى يدركه بباب لد فيقتله‪ .‬ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما ً قد عصمهم الله‬
‫منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة‪ .‬فبينما هو كذلك إذ‬
‫أوحى الله إلى عيسى‪ :‬إني قد أخرجت عبادا ً لي ل يدان لحد بقتالهم فحرز‬
‫عبادي إلى الطور‪ .‬ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‪،‬‬
‫فيمّر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون‬
‫لقد كان بهذه مرة ماء‪ .‬ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم‬
‫النغف في رقابهم فيُصبحون فرسى كموت نفس واحدة‪ .‬ثم يهبط نبي الله‬
‫عيسى وأصحابه إلى الرض فل يجدون في الرض موضع شبر إل مله‬
‫زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله‪ ،‬فيرسل الله‬
‫طيرا ً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله‪ ،‬ثم يرسل الله مطراً‬
‫ن منه بيت مدر ول وبر‪ ،‬فيغسل الرض حتى يتركها كالزلفة ثم يُقال‬ ‫ليَك ِ ُ‬
‫للرض أَنبتي ثمرتك وردّي بركتك‪ .‬فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة‬
‫ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من البل لتكفي‬
‫الفآم من الناس‪ ،‬واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس‪ ،‬واللقحة من‬
‫الغنم لتكفي الفخذ من الناس‪ .‬فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا ً طيبة‬
‫فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم‪ ،‬ويبقى شرار‬
‫الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر‪ ،‬فعليهم تقوم الساعة‪.‬‬
‫‪ - 16‬انصر ظالماً‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك‪ :‬قال رسول الله‪ :‬انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما‪ً.‬‬
‫َ‬
‫‪ - 17‬أَطل ّق النبي نساءه؟ عن عبد الله بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬لم أزل حريصا ً على‬
‫أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما أن تتوبا‬
‫إلى الله‪ .‬فقال (عمر)‪ :‬واعجبي يا ابن عباس! عائشة وحفصة‪ .‬ثم قال‪ :‬كنا‬
‫دمنا على النصار إذا هم قوم تغلبهم‬ ‫ب النساءَ‪ .‬فلما ق ِ‬ ‫معشر قريش نغل ُ‬
‫ت على امرأتي‬ ‫ُ‬ ‫صح‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫النصار‪.‬‬ ‫نساء‬ ‫أدب‬ ‫من‬ ‫يأخذن‬ ‫نساؤنا‬ ‫نساؤهم‪ .‬فطفق‬
‫م تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن‬ ‫ت أن تراجعني‪ ،‬فقالت‪ :‬ول ِ َ‬ ‫فراجعتني‪ ،‬فأنكر ُ‬
‫أزواج النبي ليراجعنه‪ ،‬وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل! فأفزعني‪ .‬ثم‬
‫ن رسول‬ ‫ت على حفصة (ابنته)‪ ،‬فقلت‪ :‬أتغاضب إحداك َّ‬ ‫ت ثيابي فدخل ُ‬ ‫جمع ُ‬
‫ت‪ .‬أفتأمن أن‬ ‫ْ‬ ‫سر‬
‫ِ‬ ‫وخ‬ ‫ت‬
‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫خا‬ ‫ت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقل‬ ‫نعم‪.‬‬ ‫فقالت‪:‬‬ ‫الليل؟‬ ‫حتى‬ ‫اليوم‬ ‫الله‬
‫ه لغضب رسوله فتهلكين؟ ل تستكثري على رسول الله ول‬ ‫يغضب الل ُ‬
‫غَّرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك‬ ‫تراجعيه‪ ،‬واسأليني ما بدا لك‪ ،‬ول ي ُ‬
‫ب إلى رسول الله (يريد عائشة)‪ ..‬ثم قال عمر‪ :‬فجاء صاحبي وقال‪:‬‬ ‫وأح ّ‬
‫ي ثيابي فصلّيت صلة الفجر مع النبي‪،‬‬ ‫ت عل َّ‬ ‫ُ‬ ‫فجمع‬ ‫نساءه‪.‬‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫طلّق‬
‫ت‪:‬‬ ‫ت على حفصة فإذا هي تبكي‪ ،‬فقل ُ‬ ‫ة له فاعتزل فيها‪ .‬فدخل ُ‬ ‫فدخل مشُرب ً‬
‫ك؟ أَطلّقكن رسول الله؟ قالت‪ :‬ل أدري‪ .‬هوذا في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ّر‬ ‫ذ‬ ‫ح‬ ‫أكن‬ ‫ولم‬ ‫َ‬
‫ك؟ أ َ‬ ‫ما يُبكي ِ‬
‫ت‬
‫ت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم‪ ،‬فجلس ُ‬ ‫ت فجئ ُ‬ ‫المشُربة‪ .‬فخرج ُ‬
‫لغلم‬
‫ٍ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫فقل‬ ‫فيها‪،‬‬ ‫هو‬ ‫التي‬ ‫المشربة‬ ‫فجئت‬ ‫أجد‪،‬‬ ‫ما‬ ‫غلبني‬ ‫معهم قليلً‪ ،‬ثم‬
‫ت‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ن لعمر‪ .‬فدخل فكلم النبي ثم خرج فقال‪ :‬ذكرتُك له فص َ‬ ‫ّ‬ ‫أسود‪ :‬استأِذ ْ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقل‬ ‫الغلم‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫فجئ‬ ‫أجد‪.‬‬ ‫ما‬ ‫غلبني‬ ‫ثم‬ ‫الرهط‪.‬‬ ‫مع‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫جلس‬ ‫حتى‬ ‫ت‬
‫ف ُ‬ ‫فانصر ْ‬
‫ت منصرفا فإذا الغلم يدعوني‪ ،‬قال‪ :‬أِذن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ن لعمر‪ ،‬فذكر مثله‪ .‬فلما ولي ُ‬ ‫استأِذ ْ‬
‫ت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه‬ ‫ُ‬ ‫فدخل‬ ‫الله‪.‬‬ ‫رسول‬ ‫لك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‪.‬‬ ‫وها لِي ٌ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وبينه فراش‪ ،‬قد أث ّر الرمال بجنبه‪ ،‬متكئ على وسادة من أدَم ٍ َ‬
‫َ‬
‫ي فقال‪:‬‬ ‫ت نساءك؟ فرفع بصره إل َّ‬ ‫ت وأنا قائم‪ :‬طلق َ‬ ‫ت عليه‪ ،‬ثم قل ُ‬ ‫فسل ّم ُ‬
‫ت وأنا قائم‪ :‬أَستأنِس يا رسول الله لو رأيتَني‪ ،‬وكنا معشر قريش‬ ‫ل‪ .‬ثم قل ُ‬
‫سم النبي‪.‬‬ ‫دمنا على قوم ٍ تغلبهم نساؤهم‪ ،‬فذكره‪ .‬فتب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫فلما‬ ‫النساء‪،‬‬ ‫نغلب‬
‫ت ل يغّرنك أن كانت جارتك هي‬ ‫ت على حفصة فقل ُ‬ ‫ت‪ :‬لو رأيتني ودخل ُ‬ ‫ثم قل ُ‬
‫ت حين رأيته‬ ‫ُ‬ ‫فجلس‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫سم‬‫ّ‬ ‫فتب‬ ‫عائشة)‪.‬‬ ‫(يريد‬ ‫النبي‬ ‫إلى‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫وأح‬ ‫منك‬ ‫أوضأ‬
‫ُ‬
‫ت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير‬ ‫ً‬ ‫سم‪ .‬ثم رفع ُ‬ ‫تب َّ‬
‫سع‬ ‫و ِّ‬ ‫متك‪ ،‬فإن فارس والروم ُ‬ ‫سع على أ ّ‬ ‫ع الله فليو ّ‬ ‫ت‪ :‬اد ُ‬ ‫هبة ثلثة‪ .‬فقل ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وفي شك‬ ‫عليهم وأعطوا الدنيا وهم ل يعبدون الله‪ .‬وكان متكئاً‪ .‬فقال‪ :‬أ َ‬
‫جلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫ع ِّ‬‫م َ‬ ‫أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قو ٌ‬
‫فر لي‪ .‬فاعتزل النبي من أجل ذلك الحديث حين‬ ‫ت‪ :‬يا رسول الله استغ ِ‬ ‫فقل ُ‬
‫ن شهرا ً (من‬ ‫ّ‬ ‫عليه‬ ‫ل‬
‫ٍ‬ ‫بداخ‬ ‫أنا‬ ‫ما‬ ‫قال‪:‬‬ ‫قد‬ ‫وكان‬ ‫عائشة‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫ة‬‫ُ‬ ‫حفص‬ ‫أفشته‬
‫شدّة موجدته عليهن حين عاتبه الله)‪ .‬فلما مضت تسع وعشرون (يوماً) دخل‬
‫ت أل تدخل علينا شهراً‪،‬‬ ‫على عائشة فبدأ بها‪ ،‬فقالت له عائشة‪ :‬إنك أقسم َ‬
‫ع‬‫ع وعشرين ليلة أعدُّها عدّاً‪ .‬فقال النبي‪ :‬الشهر تس ٌ‬ ‫وإنا أصبحنا لتس ٍ‬
‫وعشرون‪ .‬وكان ذلك الشهر تسعا ً وعشرين‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فأُنزلت آية‬
‫جلي‬ ‫التخيير‪ ،‬فبدأ بي أول امرأة‪ ،‬فقال‪ :‬إني ذاكٌر لك أمراً‪ ،‬ول عليك أن ل تع َ‬
‫ي لم يكونا يأمراني بفراقك‪ .‬ثم‬ ‫حتى تستأمري أبويك‪ .‬قالت‪ :‬قد أعلم أن أبو َّ‬
‫ت‪ :‬أفي‬ ‫ً‬
‫قل لزواجك‪ ..‬إلى قوله عظيما‪ .‬قل ُ‬ ‫قال إن الله قال‪ :‬يا أيها النبي ُ‬
‫خرة‪ .‬ثم خيَّر نساءه‬ ‫ي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار ال ِ‬ ‫هذا أستأمر أبو َّ‬
‫قلن مثل ما قالت عائشة‪,‬‬ ‫ف ُ‬
‫‪ - 18‬الوحي في ثوب امرأة‪ :‬عن عائشة قالت‪ :‬كان الناس يتحّرون بهداياهم‬
‫مة إن صواحبي اجتمعن فذكََرت له فأعرض عنها‪,‬‬ ‫سل َ َ‬‫يومي‪ .‬وقالت أم َ‬
‫ب فيه عائشة‬ ‫ٌ‬ ‫فحز‬ ‫حزبين‪،‬‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫نساء‬ ‫إن‬ ‫وعن عائشة قالت‪:‬‬
‫ودة‪ ،‬والحزب الخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وحفصة وصفيَّة و َ‬
‫س ْ‬
‫ة‪ .‬فإذا كانت عند أحدهم‬ ‫ب رسول الله عائش َ‬ ‫وكان المسلمون قد علموا ح ّ‬
‫خرها حتى إذا كان رسول الله في‬ ‫َ‬ ‫هدية يريد أن يُهديها إلى رسول الله أ ّ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫حز‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫فكل‬ ‫عائشة‪.‬‬ ‫بيت‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫ب الهدية إلى‬ ‫بيت عائشة بعث صاح ُ‬
‫ن لها‪ :‬كلّمي رسول الله يكلم الناس فيقول‪ :‬من أراد أن يُهدي‬ ‫قل َ‬ ‫سلمة‪،‬ف ُ‬ ‫أم َ‬
‫َّ‬
‫ه أم‬ ‫َ ُ‬ ‫مت‬ ‫فكل‬ ‫نسائه‪.‬‬ ‫بيوت‬ ‫من‬ ‫كان‬ ‫حيث‬ ‫إليه‬ ‫دها‬‫ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫فل‬ ‫هدية‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫إلى‬
‫ن‬
‫قل َ‬ ‫ً‬
‫قل شيئا‪ .‬فسألنها‪ ،‬فقالت‪ :‬ما قال لي شيئا‪ .‬ف ُ‬ ‫ً‬ ‫قلن‪ ،‬فلم ي ُ‬ ‫سلمة بما ُ‬
‫َّ‬
‫مته حين دار إليها‪ ،‬فقال لها‪ :‬ل تؤذيني في عائشة‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬ ‫فكل‬ ‫فكلميه‪.‬‬ ‫لها‪:‬‬
‫الوحي لم يأتِني وأنا في ثوب امرأة إل عائشة‪ .‬قالت‪ :‬أتوب إلى الله من‬
‫أذاك يا رسول الله‪ .‬ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله‪ ،‬فأرسلت إلى‬
‫مته‬ ‫شدنك الله العدل في بنت أبي بكر‪ ،‬فكل ّ َ‬ ‫رسول الله تقول‪ :‬إن نساءك ين ُ‬
‫عت إليهن فأخبَرتهن‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬يا بنيَّة‪ ،‬أل تحبين ما أحب؟ قالت‪ :‬بلى‪ .‬فرج َ‬
‫قلن‪ :‬ارجعي إليه فأبَت أن ترجع‪ .‬فأرسلن زينب بنت جحش‪ ،‬فأتته‬ ‫ف ُ‬
‫فة‪،‬‬ ‫قحا َ‬ ‫ل في بنت ابن أبي ُ‬ ‫شدنك الله العد َ‬ ‫فأغلظت‪ ،‬وقالت‪ :‬إن نساءك ين ُ‬
‫فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة‪ ،‬فسبَّتها‪ ،‬حتى إن رسول‬
‫د على زينب حتى‬ ‫الله لينظر إلى عائشة‪ ،‬هل تتكلم‪ .‬فتكلمت عائشة تر ّ‬
‫ت أبي بكر‪,‬‬ ‫أسكتتها‪ .‬قالت‪ :‬فنظر النبي إلى عائشة وقال‪ :‬إنها بن ُ‬
‫من بدّل دينه‪:‬‬ ‫‪َ - 19‬‬
‫عث‪ ،‬فقال‪ :‬إن وجدتم فلناً‬ ‫عثنا رسول الله في ب َ ْ‬ ‫عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬ب َ َ‬
‫وفلنا ً فأَحرقوهما بالنار‪ .‬ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج‪ :‬إني أمرتكم‬
‫ذّب بها إل الله‪ .‬فإن وجدتموهما‬ ‫أن تحرقوا فلنا ً وفلناً‪ ،‬وإن النار ل يُع ِ‬
‫فاقتلوهما‪.‬‬
‫ت أنا لم‬‫وعن عكرمة أن عليّا حَّرق قوما‪ ،‬فبلغ ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬لو كن ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أُحّرقهم‪ ،‬لن النبي قال‪ :‬ل تعذّبوا بعذاب الله‪ ،‬ولقتلتُهم‪ ،‬كما قال النبي‪:‬‬
‫من بدّل دينه فاقتلوه‪.‬‬
‫دموا على النبي فاجتووا‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ة‪،‬‬‫ً‬ ‫ثماني‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫عك‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫رهطا‬ ‫أن‬ ‫وعن أنس بن مالك‬
‫رسل‪ .‬قال‪ :‬ما أجد لكم إل أن تلحقوا‬ ‫ً‬ ‫غنا ِ‬ ‫المدينة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬اب ِ‬
‫َ‬
‫حوا وسمنوا‪ ،‬وقتلوا‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫حتى‬ ‫وألبانها‬ ‫أبوالها‬ ‫ود‪ .‬فانطلقوا فشربوا من‬ ‫بالذّ ْ‬
‫الراعي‪ ،‬واستاقوا الذود‪ ،‬وكفروا بعد إسلمهم‪ .‬فأتي الصريخ النبي‪ ،‬فبعث‬
‫جل النهار حتى أُتي بهم‪ ،‬فقطع أيديهم وأرجلهم‪ ،‬ثم أمر‬ ‫الطلب‪ ،‬فما تر َّ‬
‫ميت فكحلهم بها وطرحهم بالحَّرة‪ ،‬يستسقون فما يُسقون‬ ‫ُ‬
‫بمسامير فأح ِ‬
‫حتى ماتوا‪ .‬قال أبو قلبة‪ :‬قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في‬
‫الرض فساداً‪.‬‬
‫ة نبيا ً من النبياء‪،‬‬ ‫صت نمل ٌ‬ ‫قَر َ‬ ‫عن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪َ :‬‬
‫ة‬
‫ت أم ً‬ ‫ُ‬
‫رقت‪ .‬فأوحى الله إليه‪ ،‬أن قرصتك نملة أحرق َ‬ ‫فأمر بقرية النمل فأح ِ‬
‫من المم تسبّح‪.‬‬
‫‪ - 2‬ثلث ل يعلمهن إل نبي‪:‬‬
‫سَلم مقدَم رسول الله المدينة‪ ،‬فأتاه‬ ‫َ‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬بلغ عبد‬
‫فقال‪ :‬إني سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي‪ :‬أول أشراط الساعة؟ وما‬
‫أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه‪ ،‬ومن أي‬
‫شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله‪ :‬خبَّرني بهن آنفا ً جبريل‪ ،‬فقال‬
‫عبد الله‪ :‬ذاك عدو اليهود من الملئكة‪ .‬فقال رسول الله‪ :‬أما أول أشراط‬
‫الساعة فناٌر تحشر الناس من المشرق إلى المغرب‪ .‬أما أول طعام يأكله‬
‫أهل الجنة فزيادة كبد الحوت‪ .‬أما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي‬
‫المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له‪ .‬وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها‪ .‬قال‬
‫(عبد الله)‪ :‬أشهد أنك رسول الله!‪.‬‬
‫‪ - 21‬المرأة تهب نفسها‪:‬‬
‫ولة بنت حكيم من اللئي وهبن أنفسهن‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫كانت‬ ‫قال‪:‬‬ ‫حدَّثنا هشام عن أبيه‪،‬‬
‫للنبي‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت‬
‫ت‪ :‬يا رسول الله ما أرى ربَّك إل يسارع في هواك‪.‬‬ ‫ترجئ من تشاء منهن قل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ة له‪.‬‬ ‫ت عند أنَس وعنده ابن ٌ‬ ‫ت ثابتا البُن ّاني قال‪ :‬كن ُ‬ ‫حدَّثنا مرحوم‪ ،‬قال‪ :‬سمع ُ‬
‫قال أنس‪ :‬جاءت امرأةٌ إلى رسول الله تعرض عليه نفسها‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول‬
‫ت أنس‪ :‬ما أقل حياءها! واسوأتاه! واسوأتاه!‬ ‫ك بي حاجة؟ فقالت بن ُ‬ ‫الله‪ ،‬أل َ‬
‫ت عليه نفسها‪.‬‬ ‫ض ْ‬ ‫ت في النبي فعر َ‬ ‫ك‪ ،‬رغب َ ْ‬ ‫قال (أنس)‪ :‬هي خيٌر من ِ‬
‫‪ - 22‬فوائد العجوة‪:‬‬
‫أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬من تصبَّح كل يوم سبع‬
‫م ول سحٌر‪.‬‬ ‫ت عجوةً لم يضّره في ذلك اليوم س ٌّ‬ ‫مرا ٍ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪ - 23‬من كتاب الطب‪:‬‬
‫جم‪ ،‬أو‬ ‫مح َ‬ ‫عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي‪ ،‬قال‪ :‬الشفاء في ثلثة‪ :‬في شرطة ِ‬
‫شْربَة عسل‪ ،‬أو كيَّة بنار‪ .‬وأنهى أمتي عن الكي‪.‬‬ ‫َ‬
‫فر ول هامة‪ .‬فقال‬ ‫ص َ‬‫عن أبي هريرة‪ ،‬أن رسول الله قال‪ :‬ل عدوى ول َ‬
‫أعرابي‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء‪ ،‬فيأتي‬
‫البعير الجرب فيدخل بينها فيُجربها؟ فقال (الرسول)‪ :‬فمن أعدى الول؟‬
‫ل من بني ُزريق يُقال له لُبيد بن‬ ‫ل الله رج ٌ‬‫عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬سحر رسو َ‬
‫َ‬
‫العصم‪ ،‬حتى كان رسول الله يُخي ّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله‪ ،‬وحتى‬
‫سفيان‪ :‬وهذا أشدّ ما يكون‬ ‫كان يرى أنه يأتي النساء ول يأتيهن‪( .‬قال ُ‬
‫السحر)‪ .‬حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي‪ ،‬لكنه دعا ودعا ثم‬
‫ت أن الله أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلن‪،‬‬ ‫شعر ِ‬ ‫قال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬أ َ َ‬
‫ي‪ .‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما وجع‬ ‫خر عند رجل َّ‬ ‫فقعد أحدهما عند رأسي وال َ‬
‫الرجل؟ فقال مطبوب‪ .‬فقال‪ :‬من طبَّه؟ قال‪ :‬لُبيد بن العصم‪ .‬قال‪ :‬في أي‬
‫ف طلع‬ ‫شط)‪ ،‬وج ّ‬ ‫م ِّ‬
‫مشاطة (ما يخرج من الشعر إذا ُ‬ ‫طو ُ‬ ‫مش ٍ‬ ‫شيء؟ قال‪ :‬في ُ‬
‫س‬
‫ٍ‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫فأتاها‬ ‫روان‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫بئر‬ ‫في‬ ‫قال‪:‬‬ ‫هو؟‬ ‫وأين‬ ‫ر‪ .‬قال‪:‬‬
‫ة ذك ٍ‬
‫نخل ٍ‬
‫حنّاء‪ ،‬أو كأن رؤوس‬ ‫ة ال ِ‬‫ع ُ‬‫من أصحابه‪ .‬فجاء فقال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬كأن ماءها نُقا َ‬
‫ت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أفل أَستَخرجه؟ قال‪ :‬قد‬ ‫نخلها رؤوس الشياطين‪ .‬قل ُ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فن َ ْ‬
‫ور على الناس فيه شرا‪ .‬فأمر بها فدُ ِ‬ ‫ت أن أث ِّ‬ ‫عافاني الله فكره ُ‬
‫عن عبد الله بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‪ :‬ل عدوى ول طيرة‪ ،‬إنما الشؤم‬
‫في ثلث‪ :‬في الفَرس‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والدار‪.‬‬

‫كان الرواة يتصلون بعضهم ببعض أو ل‪ ،‬وإذا كانوا معتبَرين ممن يوثَق بهم‪.‬‬
‫مى المادة التي تعالج هذا الموضوع في علم الحديث الجرح والتعديل‪.‬‬ ‫وتُس َّ‬
‫أما فيما يتعلق بالمواضيع التي تعالج في الحاديث المروية عن محمد‬
‫م كبير منها يتناول ما يُسمى بالحكام والمعاملت‪ ،‬ويفسر ما هو‬ ‫فقس ٌ‬
‫الحلل والحرام‪ ،‬ويصف قواعد الطهارة والصلة والصوم والزكاة والصدقة‬
‫والحج وأمور البر والدب‪ .‬كما توجد في مصنفات الحديث أبواب تتناول‬
‫العقيدة والجهاد ومشاهد القيامة وما إلى ذلك من الجنة والنار والملئكة‬
‫والوحي والنبياء والرسل السابقين‪ ،‬وكل ما يمكن أن يخطر على بال في‬
‫العلقة بين الله والعباد‪.‬‬
‫ويلعب الحديث في مجال التشريع السلمي دورا ً هاما ً جداً‪ ،‬إذ يرى بعض‬
‫خر يناقضها‪.‬‬ ‫العلماء جواز نسخ آية قرآنية سابقة بحديث متأ ّ‬
‫بما أن الحديث الذي حظي في وقت مبكر بمكانة عليا‪ ،‬تم تدوينه بعد وفاة‬
‫محمد بما يقرب من ‪ 24‬سنة‪ ،‬بعد ما تنوقل شفاهاً‪ ،‬فل يمكننا البت في‬
‫صحة ما وصل إلينا تحت هذا العنوان‪ .‬يُروى عن أبي حنيفة أنه لم يعترف إل‬
‫بصحة ‪ 17‬حديثاً‪ ,.‬ويقول أبو داود (‪888‬م) صاحب السنن في مقدمة تصنيفه‬
‫إنه اختار من بين نصف مليون حديث ‪ 48‬حديثا ً موثوقا ً به فقط‪ ,‬ول يمكن‬
‫النظر إلى معظم الروايات في كتب الحديث كآثار تاريخية وموثوق بها عن‬
‫حياة محمد وسيرته‪ ،‬فكثيرا ً ما نصادف في تلك الروايات ميول وقناعات‬
‫الجيال الناشئة بعد محمد‪ ،‬وقد صيغت في كلم نبي السلم‪ .‬فإذا رأينا‬
‫من اتّباع‬‫محمدا ً يدين بالمذهب القدَري‪ ،‬وفي الوقت نفسه يحذّر المسلمين ِ‬
‫نهج القدريين ل يصعب علينا الحسم في ضعف الحديث‪ ،‬إذ لم يكن هذا‬
‫المذهب معروفا ً في أيام محمد‪.‬‬
‫وإليك عدد مصنَّفات الحديث المعترف بها عند أهل السنة‪ ،‬وهي ستة‪ ،‬وكلها‬
‫ونت في القرن الثالث بعد هجرة محمد من مكة إلى المدينة‪:‬‬ ‫دُ ِّ‬
‫‪ - 1‬صحيح البخاري (‪ 870‬م)‬
‫> ‪ - 2‬صحيح مسلم (‪ 875‬م)‬
‫‪ - 3‬سنن أبي داود (‪)888‬‬
‫‪ - 4‬سنن الترمذي (‪)895‬‬
‫‪ - 5‬سنن النَّسائي (‪)915‬‬
‫‪ - 6‬سنن ابن ماجه (‪.)886‬‬
‫ً‬
‫وتُسمى هذه المجموعات الست أيضا‪ :‬الكتب الستة وتُعتبر من حيث الهمية‬
‫في المرتبة الثانية بعد القرآن‪.‬‬
‫ّ‬
‫ونت الشيعة مصنفاتها الخاصة للحديث لشكِها في كل رواية في‬ ‫وقد د َّ‬
‫سنية ورد في إسنادها من لم ينتم ِ إلى شيعة علي‪ .‬وأهم‬ ‫المصادر ال ُّ‬
‫مجموعة للحديث عند الشيعة هي أصول الكافي أو الكافي في أصول الدين‬
‫للعلمة الكليني (‪941‬م)‪ .‬وتحتوي هذه المجموعة على ‪ 16199‬حديثاً‪ ،‬أي‬
‫تقارب مجموع الحاديث الواردة في الكتب الستة‪ ,‬كما أن لهل السنة الكتب‬
‫الستة ‪ ،‬تتمسك الشيعة بكتبها الربعة وهي‪ :‬الكافي في أصول الدين و من‬
‫ل يحضره الفقيه لبي جعفر القمى ‪ 381‬هـ ‪ 991‬م‪ ,‬يوجد خلف في عدد‬
‫الحاديث الواردة في هذا الكتاب‪ ،‬ويتراوح الرقم بين و‪ ,9‬أما الكتابان‬
‫الخران فهما تهذيب الحكام و الستبصار في ما اختلف من الخبار لبي‬
‫جعفر الطوسي (‪ 46‬هـ ‪ 67 1‬م)‪ ،‬ويقال إنهما يحويان ما يقارب ‪ 18‬حديثاً‪,‬‬
‫‪ - 3‬أشهر من جمع الحاديث‬
‫ت)‬
‫> (من المجموعات الس ّ‬
‫أول من قام بجمع الحاديث (بشكل فعلي) هو المام البخاري‪ ،‬حوالي عام‬
‫‪ 25‬هـ (‪865‬م)‪ .‬وجمع في كتابه حوالي ‪ 7398‬حديثا ً بدون المكرر‪ .‬إل أن‬
‫عدَّ الحديث‬‫هذه العبارة يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين‪ ،‬وربما ُ‬
‫الواحد المروي بإسنادين‪ ,‬يقول أحمد أمين‪ :‬فإذا أضيفت إليه المعلقات‬
‫والمتابعات والموقوفات والمقطوعات بلغت ‪ 82 9‬وإذا اقتصر على عد‬
‫الحاديث الموصلة السند غير المكررة كانت ‪ 2862‬حديثا ً ‪ -‬وهناك من يقول‬
‫إن صحيحه يحوي ‪ 262‬حديثا ً بغير المكرر‪ ,‬وقد جمعها من نحو ستمائة ألف‬
‫حديث‪ .‬وبعده تلميذه مسلم ‪ ،‬الذي جمع في صحيحه حوالي إثني عشر ألف‬
‫حديث بالمكرر‪.‬‬
‫جمعا قبل البخاري ‪ ،‬ولكننا هنا‬ ‫ُ‬ ‫قد‬ ‫والمسند‬ ‫الموطأ‬ ‫أن‬ ‫العلماء‬ ‫ويعتبر بعض‬
‫مدين عند جميع المسلمين‪.‬‬ ‫من جمع الحديث من الستة المعت َ‬ ‫نتحدث عن أول َ‬
‫وأشهر الكتب عند المسلمين هما الصحيحان للبخاري ومسلم ‪ ،‬ثم سنن أبي‬
‫داود وسنن ابن وسنن الترمذي والنَّسائي‬
‫ولد ببخاَرى سنة ‪194‬ه (‪81‬‬ ‫‪ - 1‬البخاري‪ <:‬هو محمد بن إسماعيل البخاري‪ُ ،‬‬
‫م)‪ ,‬بدأ في تصنيف وتقسيم أبواب كتابه الصحيح بمكة‪ ،‬ولبث في تصنيفه‬
‫مه في بخارى موطنه‪ .‬ومات سنة‬ ‫ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتى أت َّ‬
‫‪256‬ه (‪ 87‬م)‪ .‬نسب إليه قوله أنه خّرج جامعه من ست مائة ألف حديث‬
‫(وفيات العيان‪,) 19 :4 ،‬‬
‫ورغم ما تعرض له من هجمات عنيفة وانتقادات شديدة فقد نال صحيح‬
‫البخاري المرتبة الثانية بعد القرآن وذلك بإجماع المة‪ ,‬فيقول الخطيب‬
‫البغدادي مثل ً بمناسبة حديث أورده البخاري موصول ً في ثلثة مواضع بأن‬
‫البخاري يروي جزءا ً من حديث الفك عن أم عائشة وأم رومان عن طريق‬
‫مسروق فهذا وهم (أي غلط) لن مسروقا ً لم يسمع عن أم رومان‪ ،‬فهي‬
‫توفيت أيام النبي ومسروق في السادسة من عمره وخفي على البخاري‪,‬‬
‫وأما مسلم فتفطن إلى ذلك فأبى نقله‪,‬‬
‫جاج القشيري‪ ،‬ولد بنيسابور سنة ‪6 2‬ه (‪821‬‬ ‫مسلِم‪ :‬هو مسلم بن الح ّ‬ ‫‪ُ -2‬‬
‫م)‪ ،‬وتوفي سنة ‪261‬ه (‪ 875‬م)‪ ،‬وقد فاق البخاري في جمع طرق الرواية‬
‫حسن الترتيب‪.‬‬
‫و ُ‬
‫قال الذهبي عن أبي عمرـ‬

You might also like