Professional Documents
Culture Documents
فقه الإرهاب-الشيخ المقديسي-الفصل الثالث
فقه الإرهاب-الشيخ المقديسي-الفصل الثالث
ـ العنصرية في السلم ـ
.1مقدمة
ـ الموالة في الشرع
ـ مقدمة ـ
كانت السياسة العثمانية تمنح المسيحيين المساواة والعدل على الورق من
ناحية ،وتدبر لهم الدسائس من ناحية أخرى ،كما حدث في أحداث 1841و
- 1860مذابح المسيحيين في لبنان وسوريا -ليس فقط في لبنان وسوريا
بل في أوروبا الشرقية وأرمينيا خلل الربع الخير من القرن التاسع عشر
ومطلع القرن العشرين .وتزامنت الصلحات مع المجازر على مدى ثمانية
عقود ،وانتهت بوضع حد لقدر كبير من الوجود المسيحي في المبراطورية
العثمانية وجوارها .وكان للمسؤولين السياسيين في تقرير وتنظيم المجازر
نصيب واضح ،أثبتتها الوقائع والوثائق -راجع حسر اللثام عن نكبات الشام
ص 96و .111
قبل وقوع المجازر في دمشق عام ،1860انتشر بين الناس بيان موجه ضد
سياسة الصلحات العثمانية التي تمنح المسيحيين حق المساواة
بالمسلمين .اعتبر البيان هذه الصلحات تجاوزا ً للقوانين السلمية
المفروضة منذ عهد المام عمر بن الخطاب (غايتهم -أي النصارى -مساواة
المسلمين ل بل إحراز السيادة عليهم وهم يجهلون أن المسلمين صمموا
على إبادتهم عمل ً بتعاليم الشريعة الغراء) على حد ما جاء في ترجمة البيان
الذي أكد على نقاط اعتبرها أساسية :منها (أولً :إن سفك دم المسيحيين
وهتك حرمة عرضهم واغتصاب أموالهم وحرق كنائسهم وتدمير بيوتهم مباح
لنهم امتنعوا عن دفع مال العناق (الجزية) .وثانياً :إن كثيرا ً من الفتاوى
الهندية والبخارية تنهي بصراحة عن السماح للمسيحيين باشتداد ساعدهم
وتوجب إضعافهم بإهلك نسلهم وتخريب بيوتهم وعرقلة جميع أعمالهم،
وقصارى القول منع نجاحهم) .أضاف البيان( :استيقظي أيتها المة
السلمية واستأصلي شأفة خدمة الصليب في هذه البلد المقدسة).
ودعا البيان إلى انتهاز فرصة إنهاك قوة الدول الوروبية في حرب القرم
للتغلب على المة المسيحية.
(فقد آن وقت محو آثارها ودنا أجلها) .وكشف البيان عن مؤامرة كانت
تدبرها الجمعيات السرية المؤسسة في الستانة بمعاونة (الوزراء والعلماء
وأعيان المة السلمية) على خلع السلطان وإبادة المسيحيين:
لم تقف عند هذا الحد ،الوامر الصادرة عن أناس موجودين في موقع
المسؤولية ،للقضاء على الوجود المسيحي في منطقة الشرق الوسط.
ففي عام ،1919صدر أمر عن وزير الداخلية في الحكومة العثمانية( ،طلعت
باشا) ،إلى والي حلب نوري بك ،يقضي بإبادة الشعب الرمني يقول فيه:
بالرغم أن قرارا ً سابقا ً اتخذ في سبيل القضاء على العنصر الرمني000
فإن مقتضيات الزمن لم تكن توفر إمكانية تحقيق هذه النية المقدسة.
والن بعد القضاء على العقبات ،ونظرا ً إلى أنه جاء وقت تخليص الوطن من
هذا العنصر الخطر ،نوصيكم بإلحاح أن ل تستسلموا لمشاعر الشفقة أمام
وضعهم البائس .وأنه في سبيل وضع حد لوجودهم يجب أن تعملوا بكل ما
لديكم من عزم على القضاء على السم الرمني في تركيا -راجع :مجازر
الرمن ،مذكرات نعيم بك ص .43
نذكر هذه المور التاريخية في مقدمة فصلنا هذا لنبين أن مسألة مساواة
المسلمين مع الذميين أمر خرافي ترفضه الشريعة السلمية بشدة لنه
يتنافى مع تعاليم القرآن والسنة.
نقول يُعتبر التنوع ظاهرة كونية من مظاهر الخلق الكبرى ،إنها ظاهرة
كونية شملت جميع الموجودات الروحية والمادية العاقلة والغير عاقلة دون
استثناء .هذا التنوع ليس تنوعا ً في الشكال فقط ،بل هو تنوع في المهمات
وفي الوظائف ،وفي الجوهر ،وفي المظاهر الخارجية .إنه تنوع يستوعب
كل شيء ويشمل كل شيء.
أما شريعة السلم بتعاليمها وأحكامها تحاول تغيير هذه الظاهرة الكونية.
بمعنى آخر :شريعة السلم ترفض التنوع.
فكل ما يخالف السلم في قليل أو كثير ،في عقيدته أو شريعته ،هو ليس
َ َ
هسول َ ُ س َ
ل َر ُ ذي أْر َ و ال ّ ِ حقاً ،بل باطل .باطل يجب إزالته بشتى الطرقُ { .
ه َ
ن} الصف .9 ركو َُ ش ِم ْ ْ
رهَ ال ُ ول َ ْ
و كَ ِ ن كُل ِّ ِ
ه َ علَى ال ِ
دّي ِ ق لِيُظْ ِ
هَرهُ َ ن ال ْ َ
ح ِّ وِدي ِ بِال ْ ُ
هدَى َ
السلم يحاول أن يثبت نفسه عن طريق نفي الخر ،وتاريخ السلم حفل
بالعديد والعديد من الحروب وأعمال العنف والرهاب التي كان منشؤها
محاولة نفي الخر ،وهذا ما يفسر كثرة الحروب الدينية التي احتلت مساحة
كبيرة جدا ً من تاريخ السلم.
لم تشهد البشرية بتاريخ ويلتها ونكباتها السود أمة نادت وأيدت ومارست
العنصرية بجميع أنواعها وأشكالها مثل أمة السلم .فبرغم كثرة استشهاد
المسلمين بآيات وأحاديث العدل والمساواة والمسامحة والعفو عند المقدرة
والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،رغم هذا كله يبقى الواقع القرآني
والسنة والتاريخ السلمي وواقع حال المسلمين شهود عدل على عنصرية
وتتارية وبربرية وظلم شريعة السلم.
السلم وضع أهل القليات الدينية داخل معسكر إبادة جماعي وأحاطوه
بسياج القهر والظلم والقسوة وكتبوا على بوابته الكبرى (ل إكراه في
الدين)
ول نبالغ إذا قلنا أن تاريخ القهر والظلم النساني لم يشهد بكل بشاعته
وظلمه وقسوته عنصرية وقهر وظلم واستبداد وتكبر وسحق مثل التي
جاءت به شريعة السلم من أحكام تتعلق بأهل الذمة في السلم :أحكام
كنائسهم ،وأحكام لباسهم وغيارهم ،وأحكام معاملتهم والتعامل معهم.
لقد قسمت الشريعة السلمية أبناء الوطن الواحد إلى قسمين؛ أصحاب
مواطنة كاملة وهم المسلمين ،وأصحاب مواطنة ناقصة وهم الذميين (أهل
الكتاب اليهود والمسيحيين) .فالذي يحق للمسلم ل يحق للذمي والذي يجوز
للذمي ل يجوز على المسلم وبالعكس.
ولكي ل يتهمنا البعض بالفتراء على شريعة السماحة الذي أتى بها نبي
الرحمة صلوات الله عليه وسلم ،دعونا نستعرض وبشكل مختصر وسريع
بعض (أحكام أهل الذمة في السلم) ليرى القارئ إلى أي حد أكرم السلم
النسان.
ل بد لمن شاء دراسة تاريخ النصرانية في السلم ،منذ الحتلل السلمي -
الفتح -إلى يومنا هذا ،البحث في السباب والعوامل التي أدت إلى تقلص
ظل المسيحية وانحطاطها في الشرق ،بعد أن كانت شائعة في أعظم
المعابد ،سائدة في أكثر المصار .وأول ما يبدو له من هذه السباب ،بعد
تغلب الدين السلمي ،هو الشروط العمرية التي أوجبها الشرع السلمي
على أهل الذمة ،ومعظمهم من أهل الكتاب .وهذه الشروط هي التي جَّرت
عليهم في كل حين أصناف المحن والشدائد ،وأرغمت الكثيرين منهم على
الخروج من دين آبائهم ،وانتحال السلم صيانة لدمائهم وأموالهم
وأعراضهم ،وهربا ً من الذل والصغار .فأقفرت الديار والديار ،وعادت
الكنائس مساجد ،والبِيَع معابد ،والصوامع جوامع لعبدة الشيطان -كما قال
العماد الصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لبى شامة
.2/134
الشروط العمرية:
قال الخلل في كتابه (أحكام أهل الملل) :أخبرنا عبد الله بن أحمد فذكره.
وذكر سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الحمن بن غنم قال :كتبت لعمر
بن الخطاب حين صالح نصارى الشام وشرطهم عليهم فيه:
فإن خالفوا شيئا ً مما شرطوه ،فل ذمة لهم ،وقد حل للمسلمين منهم ما
يحل لهل الشقاق والمعاندة -أحكام أهل الذمة لبن القيم الجوزي 114 /2
– .115راجع أيضا الجهاد لبن تيمية 2/223والخراج لبو يوسف ص - 140
. 153
وقد تضمنت شروط عمر هذه جمل ً من العلم تدور على ستة فصول:
الفصل الول :في أحكام الكنائس والبيع والصوامع وما يتعلق بذلك –
(البيعة هي الكنيس اليهودي)
الفصل الثاني :في أحكام ضيافتهم للمارين بهم وما يتعلق بها.
الفصل الخامس :فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا
عنها.
ملحظة :ل نريد سرد جميع الحكام لن هذا أمر يطول شرحه ،لكننا سوف
نعرض فقط ما يهمنا من أحكام اتفق عليه جمهور علماء المسلمين.
قال الماوردي في أحكامه :يجب على أهل الذمة ،بالضافة إلى ما ذُكر أن
رط عليهم في عقد الذمة ،وقد بينا في بحثنا لعقد الذمة أن
يقوموا بما اشت ِ
هناك شروطا ً تجب عليهم دون أن تذكر في عقد الذمة وقد ذكرتها هناك.
الثالث :أن ل يسمعوهم أصوات نواقيسهم ،وتلوة كتبهم ،ول قولهم في
المسيح.
لما كان الضرب بالناقوس هو شعار الكفر وعلمه الظاهر اشترط عليهم
تركه.
وقال أبو الشيخ في كتاب (شروط عمر) حدثنا طاهر بن عبد الله 000
عن أنس بن مالك قال (إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل،
فتنزل الملئكة ،فتأخذ بأقطار الرض فل تزال تقول (قل الله أحد) حتى
يسكن غضب الرب -راجع :أحكام أهل الذمة ص - 153 /2راجع أيضاً:
الخطط للمقريزي 1/263و 507 /2و 494-492 /2وكتاب الروضتين لبي
شامة .2/11
لما كان ذلك من شعار الكفر منعوا من إظهاره .قال أبو الشيخ حدثنا
عبد الله بن عبد الملك الطويل ،حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ،حدثنا عمرو
بن عثمان ،حدثنا بقية عن ضمرة قال :كتب عمر بن عبد العزيز أن امنعوا
النصارى من رفع أصواتهم في كنائسهم فإنها أبغض الصوات إلى الله عز
وجل وأولها أن تخفض .وقال أحمد في رواية أبي طالب ول يرفعوا
أصواتهم في دورهم.
تنحصر مسألة بناء وترميم الكنائس في أربعة جوانب ،تقسم البلد إلى
القسام التالية:
.2وبلد م َّ
صرها المسلمون كالبصرة والكوفة.
وبناء الكنائس والمعابد لهل الذمة يختلف باختلف هذه القسام :
.1فالبلد التي أسلم عليها أهلها والبلد التي مصرها المسلمون يُمنع
أهل الذمة من أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة -راجع :أحكام أهل الذمة لبن
الجوزي 118 - 2/116والمغنى المحتاج 4/253وبدائع الصنائع للكاساني
7/114والمغنى لبن قدامه .10/60
.2أما ما مصرته العرب ،فليس لهم أن يحدثوا فيه بناء بيعة ول كنيسة،
ول يضربوا فيه بناقوس ول يظهروا فيه خمراً ،ول يتخذوا فيه خنزيراً ،وكل
مصر كانت العجم مصرته ففتحه الله على العرب -المسلمين -فنزلوا على
حكمه فللعجم ما في عهدهم ،وللعرب أن يوفوا لهم بذلك -راجع الخراج
لبي يوسف ص .149
(يستدل أن هذا البلد ملكا ً للمسلمين ،وما دام كذلك فل يجوز إظهار
معابد الكفر فيه) -راجع المغنى لبن قدامه .610 /10
.3أما البلد التي فتحت عنوة ،فل يجوز تمكينهم من إحداث بيعة ول
كنيسة؛ وذلك لن المسلمين قد امتلكوها بالفتح وأصبحت في حكم ما
مصره المسلمون -راجع :مغنى المحتاج 254 /4والمغنى لبن قدامه
10/610
.3أما الحنابلة فلهم في هذا روايتان؛ الولى :أن تهدم لنها بلد مملوكة
للمسلمين .فل يجوز أن تكون فيها بيعة كالذي مصره المسلمون .والرواية
الثانية للحنابلة :يجوز بقاؤها لن الصحابة قد فتحوا كثيرا ً من البلد فلم
يهدموا شيئا ً من الكنائس.
.1يقول ابن القيم الجوزي (هذه البلد بحالتها المختلفة صافية للمام
إن أراد أن يقر أهل الذمة فيها ببدل الجزية جاز ،فلو أقرهم المام أن
يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة ،أو يظهروا فيها خمرا ً أو خنزيرا ً أو ناقوسا لم
ً
يجز .وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان الشرط والعقد فاسداً ،وهو
اتفاق المة ل يعلم بينهم فيه نزاع.
.2وقال المام أحمد :حدثنا حماد بن خالد الخياط ،أخبرنا الليث بن سعيد،
عن توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر قال :قال رسول الله (ل خصاء
في السلم ول كنيسة) .الخصاء هنا كناية عن الرهبنة.
فقال هل .4سئل عكرمة ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب
فليس للعجم للعجم أن يحدثوا فيها شيئاً؟ فقال :أيما مصر مصره العرب،
ول يتخذوا فيه أن يبنوا فيه ،ول يضربوا فيه ناقوساً ،ول يشربوا فيه خمراً،
خنزير.
.5وقال عبد الله بن أحمد :سمعت أبي يقول :ليس لليهود والنصارى أن
يحدثوا في مصر مصره المسلمون بيعة ول كنيسة ول يضربوا بها ناقوسا ً إل
في مكان لهم الصلح ،وليس لهم أن يظهروا الخمر في بلد المسلمين.
.6قال عبد الرزاق :أخبرنا معمر أنه سمع الحسن يقول :إن من السنة أن
تُهدم الكنائس التي في المصار القديمة والحديثة .ذكره أحمد عن عبد
الرزاق .وهذا الذي جاءت به النصوص والثار وهو مقتضى أصول الشرع
وقواعده.
.7يقول ابن تيمية :أن علماء المسلمين من أهل المذاهب الربعة :مذهب
أبو حنيفة ،ومالك والشافعي وأحمد ،وغيرهم من الئمة ،كسفيان الثوري،
والوزاعي والليث بن سعد ،وغيرهم من الصحابة والتابعين ،متفقون :على
أن المام إن هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛ 000يجب طاعته ومساعدته في
ذلك) -راجع :الجهاد .214- 2/212
.8عن الحسن البصري أنه قال :من السنة أن تهدم الكنائس التي في
المصار القديمة والحديثة.
.10وهذا مذهب الئمة الربعة في المصار ،ول زال من يوفقه الله من
ولة أمور المسلمين يفعل ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز ،روى
المام أحمد عنه أنه كتب لنائبه في اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار
المسلمين فهدمها .وكذلك هارون الرشيد أمر بهدم الكنائس في سواد
بغداد وكذلك المتوكل -راجع :أحكام أهل الذمة لبن الجوزي ص - 119 /2
.125
.0هذا أمر صريح في أنهم ل يملكون رقابها كما يملكون دورهم :إذ لو
ملكوا رقابها لم يكن للمسلمين أن ينزلوها إل برضاهم كدورهم ،وإنما
متعوها متاعاً ،وإذا شاء المسلمون نزلوها ،فإنها ملك المسلمين .فإن
المسلمين لما ملكوا الرض لم يستبقوا الكنائس والبيع على ملك الكفار بل
دخلت في ملكهم كسائر أجزاء الرض ،فإذا نزلها المارة -من المسلمين -
بالليل أو النهار فقد نزلوا في ملكهم.
فإن قيل :فما فائدة الشرط إن كان المر كذلك؟ قيل :فائدته أنهم ل
يتوهمون بإقرارهم فيها كسائر دورهم ومنازلهم التي ل يجوز دخولها إل
بأذنهم.
فما يدل على ذلك ،أنها لو كانت ملكا ً لهم لم يجز للمسلمين الصلة
فيها إل بأذنهم ،فإن الصلة في ملك الغير بغير إذنه في المكان المغصوب
هي حرام ،وفي صحتها نزاع معروف ،وقد صلى الصحابة في كنائسهم
وبيعهم.
وهي من بيوت أعداء الله ،والله ل يُعبد في بيوت أعدائه -أحكام أهل
الذمة .2/148
شريعة السلم الكاملة والعادلة أباحت للمسلمين كنائس الله ،لهم أن
يدخلوها في أي وقت ومتى شاءوا دون أن يمنعهم أحد من ذلك ،إنهم نزلء
بيوت الرحمن بالكراه .وفي فترة خلفة عمر بن الخطاب دمر الغزاة
الفاتحون أربعة آلف كنيسة ومعبد للكافرين -راجع الستشراق ،أدور
السعيد ص 102
من هنا وبناءً على هذه الحكام والتشريعات السلمية ،أُغلقت كنائس
الله ،ونُهبت ،وأُحرقت ،ودُمرت وذلك عمل ً بتعاليم شريعة السلم السمح
والمسالم الذي ل إكراه فيه!
.1أن نلزم زينا حيثما كنا وأل نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ول
عمامة ول فرق شعر ول في مراكبهم .
وربما شمل الغيار ما خالف بعض العادات والهيئات كجز النواصى وعدم
إرسال الذوائب والركوب على الحمير بالكف.
وهناك فوائد أكثر من ذلك منها :أنه ل يقوم له ،ول يصدره في
المجالس ،ول يقبل يده ،ول يقوم لدى رأسه ،ول يخاطبه بأخي ول سيدي
وولي ونحو ذلك ،ول يدعى له بما يدعى به للمسلم من النصر والعز ونحو
ذلك ،ول يصرف إليه من أوقاف المسلمين ول من زكواتهم ،ول يستشهد
تحمل ً ول أداء ،ول يبيعه عبدا ً مسلماً ،ول يمكنه من المصحف ،ول تقبل
شهادتهم وغير ذلك من الحكام والفعال المتخصصة بإذلل الذميين -راجع:
أحكام أهل الذمة ص177 /2
والغيار -أي التفرقة -سنة سنها محمد وجرى عليها الصحابة والتابعين
والئمة وولة أمور المسلمين في كل عصر وكل مصر.
قال أبو القاسم الطبري في سياق ما روى عن النبي :مما يدل وجوب
استعمال الغيار لهل الملل الذين خالفوا شريعته صغارا ً وذلً ،وشهرة وعلماً
عليهم ،ليعرفوا من المسلمين في زيهم ولباسهم ،ول يتشبهوا بهم .وكتب
عمر بن الخطاب إلى المصار بأن تجز نواصيهم ،ول يلبسون لباس
المسلمين حتى يُعرفوا -راجع المصدر السابق ص 2/165والجهاد لبن
تيمية .2/223
.0الوامر السلطانية بإلزام الغيار:
ولقد ذكر ابن القيم الجوزي في كتابه (أحكام أهل الذمة) مجمل تلك
الحكام ،كما بين لنا المدلولت الشرعية لتلك الحكام :
.1في قص النواصي:
جز النواصي شرط من الشروط العمرية التي أُخذت على أهل الذمة.
والنواصي هي مقدمة الرأس أو شعر مقدمة الرأس إذا طال سميت بذلك
لرتفاع منبتها .والناصية مقدار ربع الرأس فإذا كان ربع الرأس محلوقا ً كان
عالما ً ظاهرا ً وأمرا ً مشهورا ً أنه ذمي.
عن ابن عمر ،عن عمر بن الخطاب أنه كان يكتب إلى عماله يأمرهم بجز
نواصيهم ،يعني أهل الكتاب -راجع أحكام أهل الذمة 173 /2راجع أيضاً
صبح العشى 265 ،13وبيان ما يلزم أهل الذمة فعله.11
فالول هو :كمحمد وأحمد وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة
والزبير ،فهذا النوع ل يمكنهم التسمي به ،والمنع منه أولى من المنع من
التكني بكناية المسلمين ،فصيانة هذه السماء عن أخبث خلق الله أمر
جسيم.
وأما أن يُخاطب الذمي بسيدي ومولنا ونحو ذلك فحرام قطعاً .أما
تلقيبهم بمعز الدولة ونحو ذلك فل يجوز كما أنه ل يجوز أن يسمى سديداً
ول رشيدا ً ول مؤيدا ً ول صالحا ً ول نحو ذلك ،وإن تسمى بشيء من هذه
السماء ل يجز للمسلم أن يدعوه به ،بل إن كان نصرانيا ً يقول له يا مسيحي
ويا صليبي ،وإن كان يهوديا ً يقال له يا يهودي يا إسرائيلي -أحكام أهل
الذمة للجوزي .189-2/188
في مراكبهم
قال :أهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج ،وإما يركبون الكف -
وهي البرادع -عرضاً ،وتكون أرجلهم جميعا ً إلى جانب واحد ،كما أمرهم
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان
يكتب إلى عماله يأمرهم أن يركب أهل الذمة في شق .وقد قال الشافعي:
ول يركبون فرسا ً أصيلً ،وإنما يركبون البغال والحمير .و يمنع أهل الذمة
من ركوب الفرس ،إذ في ركوبها الفضيلة العظيمة والعز ،وهى مراكب
المجاهدين في سبيل الله الذين يحمون حوزة السلم قال تعالى{ :واعدوا
لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.
فجعل رباط الخيل لرهبة الكفار فل يجوز أن يمكنوا من ركوبها.
يمنع أهل الذمة من تقلد السيوف لما بيَّن كونهم أهل ذمة ،فإن
السيوف عز لهلها وسلطان ،وقد قال رسول الله بعثت بالسيف بين يدي
الساعة .فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز السلم وظهر في مشارق
الرض ومغاربها .فالسيف أعظم ما يعتمد في الحرب عليه ويرهب به العدو،
وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين؛ والذمي ليس من أهل حمله والعز به.
فيما يتعلق بإظهار المنكر من أفعالهم وأقوالهم مما نهوا عنها :
زيادة على عدم إظهارهم ذلك على كنائسهم وفي صلواتهم ،فهم
ممنوعون من إظهاره في أسواق المسلمين وإن لم يرفعوا أصواتهم به ول
يمنعون من إخراجه في كنائسهم وفي منازلهم بل الممنوع منه فيها رفع
أصواتهم ووضع الصليب على أبواب الكنائس -كتاب أحكام أهل الذمة،
الجزء ،3صفحة .1241و.154 /2
قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا
المسجد الحرام بعد عامهم هذا} التوبة 28
عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول :لخرجن اليهود
والنصارى من جزيرة العرب حتى ل أدع فيها إل مسلماً .رواه مسلم – أحمد
210 - 196
وعن عائشة قالت :آخر ما عهد رسول الله قال (ل يُترك في جزيرة
العرب دينان .رواه احمد .وفي مسنده أيضا ً عن على قال :قال رسول الله
(يا على إن أنت وليت المر بعدي فاخرج أهل نجران من جزيرة العرب).
عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل تكون
قبلتان في بلد واحد -أبو داود .2636
هذا من أولى أل أن يُنقض العهد به :فإن حراب الله ورسوله باللسان،
وقد يكون أعظم من الحراب باليد .ولما كانت الدعوة الباطلة مستلزمة -
لبد -للطعن في الحق كان دعاؤهم إلى دينهم وترغيبهم فيه طعنا ً في دين
السلم وقد قال تعالى {وان نقضوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في
دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} .ول ريب أن الطعن في الدين أعظم من الطعن
بالرمح والسيف -أحكام أهل الذمة ص.160 /2
.1قال أبو طالب :سألت أبا عبد الله :أيستعمل اليهودي والنصراني في
أعمال المسلمين مثل الخراج؟ قال :ل يستعان بهم في شئ.
.2عن أنس بن مالك قال :أن رسول الله قال :ل تستضيئوا بنار
المشركين ،ول تنقشوا على خواتيمكم عربياً .وفسر قوله (ل تستضيئوا بنار
المشركين) يعني ل تستنصحوهم ول تستضيئوا برأيهم .والصحيح أن معناه:
مباعدتهم وعدم مساكنتهم كما جاء في حديث الرسول (لن استعين
بمشرك) -رواه مسلم.
.4كان لعمر بن الخطاب عبد نصراني فقال له :اسلم حتى نستعين بك
على بعض أمور المسلمين ،فإنه ل ينبغي أن نستعين على أمرهم بمن ليس
منهم ،فأبى ،فاعتقه ،وقال له اذهب حيث شئت -راجع أحكام أهل الذمة
لبن الجوزي 114 ،1
.5عن عمر بن الخطاب قال :ل تكرموهم إذ أهانهم الله ،ول تدنوهم إذ
أقصاهم الله ،ول تأتمنوهم إذ خونهم الله -راجع :سنن البيهقي 127 ،/10
و 9/204والمغني 453 /1و 6/425ل و. 532 /8
.0ول يشارك أحد منا مسلما ً في تجارة إل أن يكون إلى المسلم أمر
التجارة :
.1وقد قال إسحاق بن إبراهيم :سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل
يشارك اليهودي والنصراني؟ قال :يشاركهم ولكن هو يلي البيع والشراء
وذلك أنهم يأكلون الربا ويستحلون الموال.
.2ثم قال أبو عبد الله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الميين سبيل)
وقال إبراهيم بن هانىء :سمعت أبا عبد الله قال في شركة اليهودي -
كتاب أحكام أهل الذمة ،الجزء ،3صفحة .1330
عن رسول الله :إن عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين ،ذكره
النسائي .وعن الترمذي :عقل الكافر نصف عقل.
وعند أبي داود ،كانت قيمة الدية -دية الذمي -على عهد رسول الله
ثمانمائة دينار ،وثمانية آلف درهم ،ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية
المسلم ،فلما كان عمر رفع دية المسلمين وترك دية أهل الذمة لم يرفعها
فيما رفع -راجع :فتأوي رسول الله 307
قالوا :ل تقبل شهادة الكافر على المسلم لقوله تعالى {واستشهدوا
شهيدين من رجالكم} .وقال عمر بن الخطاب :المسلمون عدول بعضهم
على بعض -أي أن غير المسلم ليس عدل ً -فل تُقبل شهادته على المسلم،
قال عمر بن الخطاب :العبد والذمي إذا شهدا ردت شهادتهما -راجع:
موسوعة فقه عمر بن الخطاب 402وسنن البيهقي 197 /10والمحلى /9
293وأخبار القضاة 70 /1و . 283
قال النبي( :ول يُقتل مسلم بكافر) .وأكثر أهل العلم ل يوجبون على
مسلم قصاصا ً بقتل كافر ،أي كافر كانُ .روي ذلك عن عمر ،وعثمان،
وعلي ،وزيد بن ثابت ،ومعاوية ،وبه قال عمر بن عبد العزيز ،وعطاء،
والحسن ،وعكرمة ،والزهري ،وابن شبرمة ،ومالك ،والثوري ،والوزاعي،
والشافعي ،وإسحاق ،وأبو عبيد ،وأبو ثور ،وابن المنذر ،وقال النخعي،
والشعبي ،وأصحاب الرأي :يُقتل المسلم بالذمي خاصة 50/.قال أحمد:
الشعبي والنخعي قال :دية المجوسي واليهودي والنصراني ،مثل دية
المسلم ،وإن قتله يُقتل به .هذا عجب ،يصير المجوسي مثل المسلم،
سبحان الله ،ما هذا القول! واستبشعه .وقال :النبي يقول" :ل يقتل مسلم
بكافر" .وهو يقول :يُقتل بكافر - ".رواه المام أحمد وأبو داود ،85/.وفي
لفظ" :ل يُقتل مسلم بكافر" -رواه البخاري ،وأبو داود . 85/.
قولهم (أي إذا دخلوا ونحن في مجلس قمنا لهم عنه وأجلسناهم فيه،
وهذا يعم المجالس المشتركة والمختصة بهم ،فإذا دخلوا عليهم دورهم
وكنائسهم قاموا لهم عن مجالسهم وأجلسوهم فيها -راجع أحكام أهل
الذمة .2/191
هذه كانت بعض أحكام أهل الذمة في السلم .من أراد المزيد عليه
مراجعة كتاب ابن القيم (أحكام أهل الذمة في إسلم) وكتب الفقه .وقد
ذكر الشروط العمرية ابن كثير في تفسيره لية سورة التوبة - 29راجع
أيضاً :العماد الصبهاني في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لبى شامة
.2/134والجهاد لبن تيمية 2/223والخراج لبي يوسف ص .153- 140
وأحكام الماوردي ص .14
سؤال :لو افترضنا جدل ً أن الدول الغربية قررت العمل (تطبيق) أحكام
أهل الذمة في السلم على رعياها المسلمين ولكن مع تعديل بسيط في
التسمية وليس في الحكام ،فبدل أن يطلق عليها (أحكام أهل الذمة في
السلم) يطلق عليها (أحكام أهل السلم في الغرب) ،ماذا سيكون
موقفكم من تلك الحكام؟ هل ستتقبلونها؟
الغريب في أمة السلم هو :أنهم يصفون بعض اعتراض الغربيين على
الحجاب بالعنصرية ،لكن أحكام الغيار (أي أحكام لباس أهل الذمة) ليست
عنصرية!!
والغرب من هذا وذاك أنهم يتهمون الغرب بالكيل بمكيالين .حقا ً إن لم
تستحي افعل ما شئت وقل ما شئت.
المادة 7كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية
متكافئة منه دون أية تفرقة ،كما أن لهم جميعا ً الحق في حماية متساوية
ضد أي تمييز يخل بهذا العلن وضد أي تحريض على تمييز كهذا.
المادة 10لكل إنسان الحق ،على قدم المساواة التامة مع الخرين ،في
أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا ً عادل ً علنيا ً للفصل في
حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.
المادة ) 1 ( 11كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا ً إلى أن تثبت إدانته
قانونا ً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.
( ) 2ل يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو المتناع عن أداة عمل إل
إذا كان ذلك يعتبر جرما ً وفقا ً للقانون الوطني أو الدولي وقت الرتكاب،
كذلك ل توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب
الجريمة.
المادة 12ل يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو
مسكنه أو مراسلته أو لحملت على شرفه وسمعته ،ولكل شخص الحق في
حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملت.
المادة ) 1 ( 13لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود
كل دولة.
( ) 2يحق لكل فرد أن يغادر أية بلد بما في ذلك بلده كما يحق له
العودة إليه.
( ) 2ل ينتفع بهذا الحق من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو
لعمال تناقض أغراض المم المتحدة ومبادئها.
المادة 19لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ،ويشمل هذا الحق
حرية اعتناق الراء دون أي تدخل ،واستقاء النباء والفكار وتلقيها وإذاعتها
بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
( ) 2لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في
البلد.
و للعمل.
( ) 2لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متسا ِ
ف
المادة ) 1 ( 25لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كا ِ
للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولسرته ،ويتضمن ذلك التغذية
والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الجتماعية اللزمة ،وله
الحق في تأمين معيشته في حالت البطالة والمرض والعجز والترمل
والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن
إرادته.
المادة ) 1 ( 29على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده
لشخصيته أن تنمو نموا ً حرا ً كاملً.
المادة 30ليس في هذا العلن نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة
أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم
الحقوق والحريات الواردة فيه.
أسئلة ملحة:
هل تتماشى المادة 21من العلن العالمي لحقوق النسان والتي تنص
على ) 1 ( ( :لكل فرد الحق في الشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلده
إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا ً حراً ) 2 ( .لكل شخص
نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلد) .مع المنع من
استعمال اليهود والنصارى في شيء من وليات المسلمين وأمورهم ؟!
.1هل تتماشى المسألة الثانية من المادة 23من العلن العالمي لحقوق
النسان والتي تنص على( :لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو
للعمل) مع ما جاءت به تلك الحكام من حكم :ل يشارك أحد منهم مسلماً
في تجارة إل أن يكون إلى المسلم أمر التجارة؟!
.3هل تتماشى المادة 2من العلن العالمي لحقوق النسان (لكل إنسان
حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا العلن ،دون أي تمييز،
كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي
السياسي أو أي رأي آخر ،أو الصل الوطني أو الجتماعي أو الثروة أو
الميلد أو أي وضع آخر ،دون أية تفرقة بين الرجال والنساء .وفضل ً عما
تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو
الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك
البقعة مستقل ً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته
خاضعة لي قيد من القيود) مع ما جاءت به تلك الحكام فيما يتعلق بتغيير
لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه؟!
.1الموالة في اللغــة:
وتـولّى فل ٌُ
ن فلناً :أي اتبعه وأطاعه وتقَّرب منه ونصره.
ض وذهب وانصرف ،فمعناها عكس (تولّى) التي وتولّى عنه :أي أعَر َ
تعنى اقترب ،ومنه قوله تعالى {فاعرض عن من تولى عن ذكرنا} النجم
ل عنهم} القمر ،6وإذا جاءت تولى بمعنى أعرض ،29وقوله تعالى {فتو ّ
وانصرف كما في قوله تعالى {ل يصلها إل الشقى الذي كذّب وتولى}
قدَّر فيها (عن) محذوفة بعد (تولّى) -انظر( :لسـان
الليل 15ـ ،16في ُ َ
العـرب) لبن منظور ،ط دار صادر 15/406 ،ـ ،415و(النهاية) لبن الثير /5
227ـ ،230و (المفردات) للراغب الصفهاني 533ـ ،535و (مختار
الصحاح) للرازي صـ ،736و (المعجم الوسيط) لمجمع اللغة العربية بمصر
2/1057ــ ،1058و (مجموع فتاوى ابن تيمية) .499 /20
وكل تولي موالة وليس العكس ،والتولي أخص من الموالة ،فكل تولي
كفر والموالة منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك ،على اختلف بين
العلماء في التفريق.
ي ضــد العــدو،
ول ّ وضد الموالة :المعاداة ،وهى المباعدة والمخالفة .وال َ
ي هو :الناصــر والمعــين والحليف والمحـب والصديق والقريب في ول ِ ّ
وال َ
ولِيُّه :كولي
َ فهو بأمر قام من وكل د، ب
َ ْع وال ق،َ ت والمع عتق،
ِ والم النسب،
المر ،وولي المرأة في النكاح وولي اليتيم ونحوه.
والعدو :ضد الولي ،والجمع أعداء وجمع الجمع أعادي ،وهو ضد الصديق
أيضاً ،والعدو ،والعداوة ،والعداء ،والعدوان ،كلها ورد استعمالها في
القرآن ،وتأتي المعاداة في أغلب استعمالتها ،ويراد بها البغض والكراهية
وحب النتقام ،عكس الموالة تماماً ،والتي تدل في أغلب استعمالتها على
المحبة والمودة والمتابعة والنصرة والقربة ،وبذلك فالموالة والمعاداة بهذا
المعنى المتقدم ضدان ل يجتمعان ،فوجود أحدهما ينفي الخر لزوما ً في
حق ذات معينة.
.2المولة في الشرع:
كما جاء في القرآن {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين
معه ،إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ،كفرنا
بكم ،وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ً حتى تؤمنوا بالله وحده}
الممتحنة ،4وقال أيضاً{ :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التوبة 73والتحريم .9
.3قال ابن جرير الطبري في تفسيره { " 6/160 :ومن يتولهم منكم
فإنه منهم إن الله ل يهدي القوم الظالمين} من تولهم ونصرهم على
ل أحدا ً إل وهو به وبدينه
المؤمنين من أهل دينهم وملتهم ،فإنه ل يتولى متو ِ
ض ،وإذا رضيه ورضي دينه ،فقد عادى ما خالفه وسخطه، وما هو عليه را ٍ
وصار حكمه كحكمه".
وبيَّن ابن جرير العموم الذي تدل عليه الية بقوله (والصواب من القول
في ذلك عندنا أن يقال :إن الله تعالى في ذكره نهى المؤمنين جميعا ً أن
يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا ً وحلفاء على أهل اليمان بالله ورسوله،
وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا ً وحليفا ووليا ً من دون الله ورسوله والمؤمنين،
فإنه منهم في التحّزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين ،وأن الله ورسوله
منه بريئان -إلى أن قال{ :ومن يتولهم منكم فإنه منهم} ،ومن يتو َ
ل
اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم ،يقول :فإن من تولهم ونصرهم
ل أحدا ً إل
على المؤمنين ،فهو من أهل دينهم وملتهم ،فإنه ل يتولى متو ّ
ض ،وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما وهو به وبدينه وما هو عليه را ٍ
خالفه وسخطه ،وصار حكمه كحكمه) -تفسير الطبري 276 /6ــ .277
.6يقول ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) " 1/67إنه سبحانه قد حكم،
ول أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم{ ،ومن
يتولهم منكم فإنه منهم} فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم
حكمهم".
.9قال الزمخشري :وهذا أمر معقول ،فإن موالة الولي وموالة العدو
متنافيان وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم
والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم {ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من
دون المؤمنين} والمؤمن أولى بموالة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك
إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم
حسما ً لمادة الفساد {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم
على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} ،وقوله {يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن
الله ل يهدي القوم الظالمين ،فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون
فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من
عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} ،فنهى سبحانه وتعالى
المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى وذكر أن من والهم فهو منهم أي من
تولى اليهود فهو يهودي ومن تولى النصارى فهو نصراني.
.10وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال ،قال عبد الله بن
عتبة :ليتق أحدكم أن يكون يهوديا ً أو نصرانيا ً وهو ل يشعر ،قال فظنناه
يريد هذه الية { :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} إلى
قوله {فإنه منهم}..
.11وقال ابن تيميـة أيـضاً :يبـين ذلك أنـه ذكــر هـذا في ســياق النهي
عن مــوالة الكفــار ،فـقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا ل تتخــذوا اليهــود
والنصــارى أوليـاء ،بعضهم أولياء بعض ،ومن يتولهم منكم فإنـه منهم ،إن
الله ل يهدي القوم الظالمين .فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون
فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ،فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر
من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين -إلى قوله -يا أيها
الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه} .فالمخاطبون بالنهي عن موالة اليهود والنصارى هم المخاطبون
بآية الردة .ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون المة .وهو لما نهـي عن
مــوالة الكفار وبيَّن أن من تولهم من المخاطبين فإنه منهم بيَّن أن من
تولهم وارتد عن دين السلم ل يضر السلم شيئا ً -مجموع الفتاوى /18
،300وله مثله في جـ .193 /28
.12وقال ابن تيمية أيضاً :قال تعالى {يا أيها الـذين آمــنوا ل تتخــذوا
اليهـود والنصـارى أوليـاء ،بعضهم أولياء بعض ،ومن يتولهم منكم}
فيوافقهم ويعينهم {فإنه منهم} أهـ – مجموع الفتاوى .326 /25
وكذلك من تولى المشرك فهو مشرك ومن تولى العاجم فهو أعجمي،
فل فرق بين من تولى أهل الكتابين وغيرهم من الكفار ،ثم أخبر تعالى أن
الذين في قلوبهم مرض أي شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفر
قائلين {… نخشى أن تصيبنا دائرة…} المائدة ،52أي إذا أنكرت عليهم
موالة الكافرين قالوا :نخشى أن تكون الدولة لهم في المستقبل،
فيتسلطون علينا ،فيأخذون أموالنا ويشردوننا من بلداننا ،وهذا هو ظن
السوء بالله الذي قال الله فيه {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة
السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً}.
قد أفادت آيات سورة المائدة موضع الستدلل بأن من تولى الكفار
فر ،وقد تأكد كفره بعدة مؤكدات من نفس اليات ومن غيرها ،ومن فقد ك َ َ
ذلك{ :ومن يتولهم منكم فإنه منهم} المائدة ،51وأكّد أنه منهم بحرف
ن) .وقوله {حبطـت أعمالهـم فأصبحوا خاسرين} المائدة ،53 التوكيد (إ َّ
وحبوط العمل والخسران بسبب الكفر .وقوله {من يرتـد منكـم عن دينه}
المائدة 54فإنها خطاب لنفس المخاطبين بالنهي عن موالة الكافرين كما
قال ابن تيمية والشوكاني فيما نقلته عنهما آنفاً :إن الموالة نوع من
الردة .وقوله {ل يتخــذ المؤمنــون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن
يفعل ذلك فليس من الله في شيء} آل عمران ،28قال ابن جرير الطبري
في تفسيرها :ومعنى ذلك :ل تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرا ً وأنصاراً
توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين،
وتدلونهم على عوراتهم فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء ،يعني
بذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر -
تفسير الطبري .313 /6
{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة من دونكم ل يألونكم خبالً ،ودوا ما
عنتم ،قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ،قد بينا لكم
اليات إن كنتم تعقلون .ها أنتم أولء تحبونهم ول يحبونكم !!} آل عمران
.118،119
{يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ،تلقون إليهم
بالمودة ،وقد كفروا بما جاءكم من الحق ،يخرجون الرسول وإياكم ،أن
تؤمنوا بالله ربكم} الممتحنة .1
{بشر المنافقين بأن لهم عذابا ً أليما ً الذين يتخذون الكافرين أولياء من
دون المؤمنين .أيبتغون عندهم العزة؟ فإن العزة لله جميعاً} النساء 138،1
.39
***
علقة المسلم بغير المسلم من القرآن والسنة :
ولم تقف أوامر القرآن عند حد مطالبة المسلمين بعدم اتخاذ اليهود
والمسيحيين أصدقاء ،بل أخذ القرآن أبعادا ً أكثر وأخطر من ذلك بكثير؛
أبعادا ً وصلت لحد مطالبته بملحقتهم والتضييق عليهم وقتالهم أينما
وجدوهم حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية (التاوة).
َ َ َ
م الل ّ ُ
ه حَّر َ ما َ
ن َ مو َ ر ُ
ح ِّ
ول ي ُ َ
ر َخ ِ ول بِالْي َ ْ
وم ِ ال ِ
َ
ن بِالل ّ ِ
ه َ منُو َؤ ِن ل يُ ْذي َقاتِلُوا ال ّ ِ { َ
ْ ُ َ ْ ُ ّ ْ
ن
ع ْة َ جْزي َ َ عطوا ال ِ حت ّى ي ُ ْ ب َن أوتُوا الكِتَا َ ذي َ
ن ال ِ م ْق ِ ح ِّ ن ال َن ِدي َدينُو َ ول ي َ ِ ه َسول ُ ُوَر ُ
َ
ن} التوبة .29 َ رو ُ غ
ِ صايَ ٍ َ ْ َ
م ه
ُ و د
{ .1قاتلوا} القوم {الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر} يقول :ول
يصدقون بجنة ول نار.
{ .2ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق} يقول :ول
يطيعون الله طاعة الحق .يعني :أنهم ل يطيعون طاعة أهل السلم.
{ .5حتى يعطوا الجزية} ومعنى الكلم :حتى يعطوا الخراج عن رقابهم
الذي يبذلونه للمسلمين دفعا ً عنها.
م
ه ْ
مو ُ
جدْت ُ ُو َث َ حي ْ ُ
ن َركِي َ ش ِم ْ قتُلُوا ال ْ ُ فا ْم َ هُر ال ْ ُ
حُر ُ ش ُخ ال ْ سل َ َفإِذَا ان َ { َ
وا َ
وأ َ د َ َ ُ
مك ّ َ وا ْ
وآت َ ْ
موا الصلةَ َ قا ُ ن تَابُوا َفإ ِ ْ ص ٍ
مْر َ ل َ ه ْعدُوا ل ُ ق ُ م َ ه ْ
صُرو ُ ح ُوا ْ هم
َ ْ َ ُّ
خذُو ُ و ُ َ
م} التوبة .5 ه َ
َ ِ ُ ْيل سب وا خلَ ف َ ة اَ ك زَ ّ ال
.7يعني بقوله{ :فإذا انسلخ الشهر الحرم} فإذا انقضى ومضى أشهر
الحرم ،وهي بعض الشهر العربية :ذي القعدة ،وذي الحجة ،ومحرم.
{ .10واقعدوا لهم كل مرصد} يقول :واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو
أسرهم كل مرصد ،يعني :كل طريق ومرقب ،وهو مفعل من قول القائل
رصدت فلنا ً أرصده رصداً ،بمعنى :رقبته{ .فإن تابوا} أي إن اسلموا وأقروا
بنبوة محمد{ .فخلوا سبيلهم} -راجع :تفسير الطبري ،شرح آية سورة
التوبة .5وتفسير القرطبي .وابن كثير .وصفوة التفاسير.
{ .11وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله} البقرة .193
يقول للمؤمنين به فقاتلوهم حتى ل يكون شرك ول يعبد إل الله وحده ل
شريك له.
{ .12ويكون الدين كله لله} يقول :حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله
خالصة دون غيره .لكي ل يكون مع دينكم كفر وحتى يقال :ل إله إل الله،
عليها قاتل النبي ،وإليها دعا.
.13عن الربيع{ :ويكون الدين لله} يقول :حتى ل يعبد إل الله ،وذلك ل
إله إل الله؛ عليه قاتل النبي وإليه دعا .فقال النبي( :إني أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا ل إله إل الله ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا
ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم على الله).
{ .14فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين} يعني بقوله{ :فإن انتهوا}
فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم ،ودخلوا في ملتكم،
وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه ،وتركوا ما هم عليه من عبادة الوثان،
فدعوا العتداء عليهم وقتالهم وجهادهم ،فإنه ل ينبغي أن يُعتدى إل على
الظالمين وهم المشركون بالله ،والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم.
.15عن قتادة قوله{ :فل عدوان إل على الظالمين} والظالم الذي أبى أن
يقول ل إله إل الله -راجع :تفسير الطبري في شرحه للية سورة البقرة
.193
{ .16وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} النفال .60
وأعدوا لهؤلء الذين كفروا بربهم{ ،ما استطعتم من قوة} يقول :ما
أطقتم أن تعدوه لهم من اللت التي تكون قوة لكم عليهم من السلح
والخيل.
{ .17ترهبون به عدو الله وعدوكم} يقول :تخيفون بإعدادكم ذلك عدو
الله وعدوكم من المشركين.
***
من أين جاءونا بقانون المعاملة بالمثل وبمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما
علينا)؟ هل لكم أن تدلونا على آية أو حديث يقرر هذا المبدأ؟ إن هذا المبدأ
مبدأ باطل مخالف للقرآن وللسنة رغم شيوعه على ألسنة الكثيرين..
لقد نسوا أصحاب الفضيلة المنادين بمقولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)
قوله تعالى:
فهذا النص يدل على أنه ل يمكن أن يساوى المسلم بالكافر ل في الدنيا ول
في الخرة ،فكيف يكون لغير المسلم ما للمسلم وعليه ما عليه؟
ثم إني أسـأل المسلم ومن قال بقوله :أنى للمسلم أن يتزوج بالكتابية
فهل للكتابي أن يتزوج بالمسلمة؟ وإذا كانت الجابة بل وهي كذلك قطعاً
فكيف يكون لهم ما لكم ؟!
وإن على المسلم أن يدفع زكاة ماله فهل على الذمي – وإن كان من أغنى
الغنياء – أن يدفع الزكاة؟ ل شك أنه ليس عليه زكاة فإذا كان المر كذلك
فكيف يكون عليهم ما على المسلمين؟!.
والعجيب أن الكثيرين ممن يذكرون هذا المبدأ ينسبونه إلى النبي ،وهذا
باطل .فإن هذا القول ل أصل له في كتب السنة إذا كان المقصود به أهل
الذمة ،وإل فهو وارد في شأن من أسلم من الكفار والمشركين ،كما في
حديث أنس مرفوعاً( :أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إل الله وأن
محمدا ً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلتنا
فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل بحقها لهم ما
للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) -أخرجه أبو داود 2641والترمذي
.2608
ـ أحكــــام الديـــــار ـ
قال صاحب كتاب (الجامع في طلب العلم الشريف) الشيخ الدكتور عبد
القادر بن عبد العزيز :اعلـم أن أسـاس تقسيـم العالـم إلى داريــن ـ دار
السـلم ودار الكفـر ـ هو عمـوم بعثـة النـبي إلى الناس كافة :عموما ً مكانياً
لجميع أهل الرض ،وعموما ً زمانيا ً من وقت بعثته وإلى يوم القيامة ،ومع
ه بدعوته انقسم الخلق إلى مؤمن به وكافر ،ثم فرض ع ِ
صدْ ِ
عموم بعثته و َ
الله تعالى على المؤمنين الهجرة من بين الكافرين ،وقيض الله لهم أنصاراً
بالمدينة فكانت هي دار الهجرة ومجتمع المهاجرين وبها أنشأ رسول دولة
السلم ،وظل فرض الهجرة إلى المدينة قائما ً حتى فتح مكة ،ثم ظلت
فريضة الهجرة على كل مسلم يقيم بين الكافرين ،فتميزت الديار بذلك إلى
دار السلم وهى مجتمع المسلمين وموضع سلطانهم وحكمهم ،ودار الكفر
وهى مجتمع الكافرين وموضع سلطانهم وحكمهم ،ثم فرض الله على
المؤمنين قتال الكفار إلى قيام الساعة فسميت دارهم أيضا ً دار الحرب.
ذهب بعض المعاصرين -مثل د .وهبة الزحيلي في كتابه (آثار الحرب في
الفقه السلمي) -إلى أن تقسيم العالم إلى دارين ل أساس له من الكتاب
والسنة وإنما هو اجتهاد من الفقهاء بعد عصر النبوة وعصر الصحابة.
ويجب أن يكون معلومــا ً أن هذا التقسيـم مجمع عليه بين علماء المة من
السلف والخلف .وأن الجماع لبد أن يستند إلى دليل من الكتاب أو السنة
كما قال ابن تيمية -انظر (مجموع الفتاوى) 39 /7
فمن القرآن قوله{ :وقال الذين كفـروا لرسلهـم لنخرجنكـم من أرضـنا أو
لتعودن في ملتنا} إبراهيم ،13وقوله {قال المل الذين استكبروا من قومه
لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}
العراف .88
وقوله {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ،الله
أعلم بإيمانهن ،فإن علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار} الممتحنة
10
ومن السنــة:
.2وبالضافة إلى أحاديث وجوب الهجرة ،فمن النصوص الدالة على هذا
التقسيم :عن ابن عمر (أن رسـول الله نهــى أن يُسافــر بالقرآن إلى أرض
العـدو) – متفق عليه.
.3ومنها حديث ابن عباس الطــويل في الرجم وفيه أن عبد الرحمن بن
عوف قال لعمر بن الخطاب بمنى (فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار
الهجرة والسنة) -الحديث رواه البخاري (.)6830
.5قال ابن منظور (والدارة :لغة في الدار) (لسان العرب) ،298 /4ط دار
صادر.
.6وبلدة الكفر هي دار الكفر كما قال ابن حجر في شرحه (وفيه فضل
الهجرة من دار الكفر) فتح الباري .535 /1
خسي الحنفي (عند أبي حنيفة إنما تصــير دارهــم .8وقال المــام ال َّ
سـَر ْ
دار الحرب بثلث شرائط ،أحدها :أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها
وبين أرض الحرب دار للمسلمين ،والثاني :أن ل يبقى فيها مسلم آمن
بإيمانه ول ذمي آمن بأمانه ،والثالث :أن يُظهروا أحكام الشرك فيها.
.9ولم يعتبــر العلمـاء الشـروط التي ذكـرها أبو حنيفة حتى خالفـه
صاحبـاه :القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني كما ذكر
السرخسي ،وذكره أيضا ً علء الدين الكاساني وعلل قولهما بقوله (إن كل
دار مضافة إما إلى السلم وإما إلى الكفر ،وإنما تضاف الدار إلى السلم
إذا طُبقت فيها أحكامه ،وتضاف إلى الكفر إذا طبقت فيها أحكامه ،كما
تقول الجنة دار السلم والنار دار البوار لوجود السلمة في الجنة والبوار
في النار ،ولن ظهور السلم أو الكفر بظهور أحكامهما) -بدائع الصنائع
للكاساني ،4375 /9 ،ط زكريا علي يوسف .فجعل الكاساني مناط الحكم
على الدار هو نوع الحكام المطبقة فيها.
.10وانتقــد ابن قدامة الحنبلي أيضا ً شــروط أبي حنيفة فقال (ومتــى
ارتد أهــل بلد وجــرت فيه أحكامـهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم
وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة ،وعلى المام قتالهم فإن أبا بكر الصديق
قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ،ولن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في
مواضع من كتابه وهؤلء أحقهم بالقتال لن تركهم ربما أغرى أمثالهم
بالتشبه بهم والرتداد معهم فيكثر الضرر بهم ،وإذا قاتلهم قتل من قدر
عليه ويُتبع مدبرهم ويُجاز على جريحهم وتغنم أموالهم ،وبهذا قال
الشافعي.
.11وعن أبي يوسف ومحمد إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت
دارهم دار حرب ،لن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة.
فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين
فكانت دار حرب ،وكل موضع كان الظاهر فيه حكم السلم فالقوة فيه
للمسلمين -المبسوط للسرخسي ،جـ 10صـ ،114ط دار المعرفة.
.12قال ابن قدامة -ولنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب -
المغني مع الشرح الكبير .95 /10
ابن قدامة مناط الحكم على الدار نوع الحكام الجارية فيها.
.13وقال السرخسي في شرحه لكتاب (السير الكبير) (والدار تصير دار
المسلمين بإجراء أحكام السلم) -السير الكبير .2197 /5
.14وللقاضي أبي يعلى الحنبلي (كل دار كانـت الغلبة فيها لحكام الكفر
دون أحكام السلم فهي دار الكفر) -المعتمد في أصول الدين لبي يعلى
صـ ،276ط دار المشرق ببيروت .1974
.15ولعبد القاهر البغدادي مثله في (أصــول الــدين) له ،صـ ،270ط دار
الكتب العلمية ط 2