Professional Documents
Culture Documents
طاهرة ضعف الإيمان
طاهرة ضعف الإيمان
طاهرة ضعف الإيمان
إن الحمد ل نحمده نستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه ال فل
مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ،
. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون ) آل عمران 102/
ل كثيرا ونساءً
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجا ً
. واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا ) النساء 1/
ل سديدا ،يصلح لكم أعمالك ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قو ً
. فقد فاز فوزا عظيما ) الحزاب 71 ، 70/
فإن ظاهرة ضعف اليمان مما عم وانتشر في المسلمين ،وعدد من الناس يشتكي من قسوة قلبه وتترد
عباراتهم " :أحس بقسوة في قلبي " " ل أجد لذة للعبادات " " أشعر أن إيماني في الحضيض " " ،ل أتأثر
بقراءة القرآن " " ،أقع في المعصية بسهولة " ،وكثيرون آثار المرض عليهم بادية ،وهذا المرض أساس كل
مصيبة وسبب كل نقص وبلية .
وموضوع القلوب موضوع حساس ومهم ،وقد سمي القلب قلبا لسرعة تقلبه قال عليه الصلة والسلم ( :إنما
القلب من تقلبه ،إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن ) رواه أحمد
4/408وهو في صحيح الجامع . 2364وفي رواية ( مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلة الريح ظهرا لبطن ) .أخرجه
. ابن أبي عاصم في كتاب السنة رقم 227وإسناده صحيح :ظلل الجنة في تخريج السنة لللباني 1/102
بقوله ( :لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى ال عليه وسلم
.وفي رواية ( أشد تقلبا من القدر إذا اجتمعت غليانا ) المرجع السابق رقم 226وإسناده صحيح :ظلل الجنة 1/102
.وال سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء غليانا ) رواه أحمد 6/4وهو في صحيح الجامع رقم 5147
عن عبد ال بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ( :إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع
الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على
. طاعتك ) رواه مسلم رقم 2654
وحيث ( أن ال يحول بين المرء وقلبه ) وأنه لن ينجو يوم القيامة ( إل من أتى ال بقلب سليم ) وأن الويل
( للقاسية قلوبهم من ذكر ال ) وأن الوعد بالجنة لـ ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) كان لبد
للمؤمن أن يتحسس قلبه ويعرف مكمن الداء وسبب المرض ويشرع في العلج قبل أن يطغى عله الران فيهلك
والمر عظيم والشأن خطير فإن ال قد حذرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والعمى والغلف
والمنكوس والمطبوع المختوم عليه .
وفيما يلي محاولة للتعرف على مظاهر مرض ضعف اليمان وأسبابه وعلجه ،أسأل ال أن ينفعني بهذا
العمل وإخواني المسلمين وأن يجزي بالجزاء الوفى من ساهم في إخراجه وهو سبحانه المسؤول أن يرقق
قلوبنا ويهدينا إنه نعم المولى وهو حسبنا ونعم الوكيل .
-1الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات :ومن العصاة من يرتكب معصية يصر عليها ومنهم من
يرتكب أنواعا من المعاصي ،وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها عادة مألوفة ثم يزول قبحها من
القلب تدريجيا حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث ( كل أمتي معافى إل المجاهرين ،وإن
من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملً ثم يصبح وقد ستره ال فيقول :يا فلن عملت البارحة كذا ،وكذا ،
. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر ال عنه ) رواه البخاري :فتح 10/486
-2ومنها :الشعور بقسوة القلب وخشونته :حتى ليحس النسان أن قلبه قد انقلب حجرا صلدا ل يترشح منه
شيء ول يتأثر بشيء ،وال جل وعل يقول ( :ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )
،وصاحب القلب القاسي ل تؤثر فيه موعظة الموت ول رؤية الموات ول الجنائز ،وربما حمل الجنازة بنفسه البقرة 74/
وواراها بالتراب ،ولكن سيره بين القبور كسيره بين الحجار .
-3ومنها :عدم إتقان العبادات :ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلة وتلوة القرآن والدعية ونحوها ،وعدم
التدبر والتفكر في معاني الذكار ،فيقرؤها بطريقة رتيبة مملة هذا إذا حافظ عليها ،ولو اعتاد أن يدعو
( … ل يقبل بدعاء معين في وقت معين أتت به السنة فإنه ل يفكر في معاني هذا الدعاء وال سبحانه وتعالى :
. دعاء من قلب غافل له ) رواه الترمذي رقم 3479وهو في السلسة الصحيحة 594
-4ومن مظاهر ضعف اليمان :التكاسل عن الطاعات والعبادات ،وإضاعتها ،وإذا أداها فإنما هي حركات
جوفاء ل روح فيها ،وقد وصف ال عز وجل المنافقين بقوله ( :وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى ) النساء
.ويدخل في ذلك عدم الكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الجر، 142/
فقد يؤخر الحج وهو قادر ويتفارط الغزو وهو قاعد ،ويتأخر عن صلة الجماعة ثم عن صلة الجمعة وقد قال رسول اللهصلى ال
عليه وسلم ( :ل يزال قوم يتأخرون عن الصف الول حتى يخلفهم ال في النار ) رواه أبو داود رقم 679 :وهو في
.ومثل هذا ل يشعر بتأنيب الضمير إذا نام عن الصلة المكتوبة ،وكذا لو فاتته سنة راتبة أو وِرْد صحيح الترغيب رقم 510
من أوراده فإنه ل يرغب في قضائه ول تعويض ما فاته ،وكذا يتعمد تفويت كل ما هو سنة أو من فروض الكفاية ،فربما ل يشهد
صلة العيد ( مع قول بعض أهل العم بوجوب شهودها ) ول يصلي الكسوف والخسوف ،ول يهتم بحضور الجنازة ول الصلة
عليها ،فهو راغب عن الجر ،مستغن عنه على النقيض ممن وصفهم ال بقوله ( :إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا
. رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) النبياء 90/
ومن مظاهر التكاسل في الطاعات ،التكاسل عن فعل السنن الرواتب ،وقيام الليل ،والتبكير إلى المساجد
ل عن ركعتي التوبة وصلة الستخارة .
وسائر النوافل فمثلً صلة الضحى ل تخطر له ببال فض ً
-5ومن المظاهر :ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع حتى كأن على النسان ثقلً كبيرا ينوء به ،
فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء ،ويشعر بالضيق من تصرفات الناس حوله وتذهب سماحة
نفسه ،وقد وصف النبي صلى ال عليه وسلم ،اليمان بقوله ( :اليمان :الصبر والسماحة ) السلسلة
الصحيحة رقم . 2/86 ، 554ووصف المؤمن بأنه ( :يألف ويؤلف ول خير فيمن ل يألف ول يؤلف ) السلسلة
. الصحيحة رقم 427
-6ومن مظاهر ضعف اليمان :عدم التأثر بآيات القرآن ،ل بوعده ول بوعيده ول بأمره ول نهيه ول في
وصفه للقيامة ،فضعيف اليمان يمل من سماع القرآن ،ول تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف
كاد أن يغلقه .
-7ومنها :الغفلة عن ال عز وجل في ذكره ودعائه سبحانه وتعالى :فيثقل الذكر على الذاكر ،وإذا رفع
يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي وقد وصف ال المنافقين بقوله ( :ول يذكرون ال إل قليلً ) النساء /
. 142
-8ومن مظاهر ضعف اليمان :عدم الغضب إذا انتهكت محارم ال عز وجل لن لهب الغيرة في القلب قد
انطفأ فتعطلت الجوارح عن النكار فل يأمر صاحبه بمعروف ول ينهى عن منكر ول يتمعر وجهه قط في
يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح ( :تعرض ال عز وجل ،والرسول صلى ال عليه وسلم
الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا ،فأي قلب أشربها } أي :دخلت فيه دخولً تاما { نكت فيه نكتة سوداء } أي :نقط فيه نقطة
{ حتى يصل المر إلى أن يصبح كما أخبر عليه الصلة والسلم في آخر الحديث ( :أسود مربادا } بياض يسير يخالطه السواد
.فهذا زال { كالكوز مجخيا } مائلً منكوسا { ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا إل ما أشرب من هواه ) رواه مسلم رقم 144
من قلبه حب المعروف وكراهية المنكر واستوت عنده المور فما الذي يدفعه إلى المر والنهي .بل إنه ربما سمع بالمنكر يعمل
في الرض فيرضى به فيكون عليه من الوزر مثل وزر شاهده فأقره كما ذكر عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ( :إذا
عملت الخطيئة في الرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرة أنكرها -كمن غاب عنها ،ومن غاب عنها فرضيها كان كمن
.فهذا الرضا منه وهو -عمل قلبي -أورثه منزلة شهدها ) رواه أبو داود رقم ، 4345وهو في صحيح الجامع 689
الشاهد في الثم .
-الرغبة في الرئاسة والمارة وعدم تقدير المسؤولية والخطر ،وهذا الذي حذر منه رسول ال صلى ال
،بقوله ( :إنكم ستحرصون على المارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئس الفاطمة ) ( قوله :نعم عليه وسلم
المرضعة أي أولها لن معها المال والجاه واللذات ،وقوله :بئس الفاطمة أي :آخرها لن معه القتل والعزل والمطالبة بالتبعات
.وقال عليه الصلة والسلم ( :إن شئتم أنبأتكم عن المارة وما هي ،أولها ملمة ، يوم القيامة ) رواه البخاري رقم 6729
وثانيها ندامة ،وثالثها عذاب يوم القيامة إل من عدل ) رواه الطبراني في الكبير 18/72وهو في صحيح الجامع
. 1420ولو كان المر قياما بالواجب وحملً للمسؤولية في موضع ل يوجد من هو أفضل منه مع بذل الجهد والنصح والعدل كما
فعل يوسف عليه السلم إذا لقلنا أنعم وأكرم ،ولكن المر في كثير من الحيان رغبة جامحة في الزعامة وتقدم على الفضل وغمط
أهل الحقوق حقوقهم واستئثار بمركز المر والنهي .
-محبة تصدر المجالس والستئثار بالكلم وفرض الستماع على الخرين وأن يكون المر له ،وصدور
بقوله ( :اتقوا هذه المذابح -يعني المجالس هي المحاريب التي حذرنا منها رسول ال صلى ال عليه وسلم
. المحاريب ) -رواه البيهقي 2/439وهو في صحيح الجامع 120
-محبة أن يقوم له الناس إذا دخل عليهم لشباع حب التعاظم في نفسه المريضة وقد قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( :من سره أن يمثل } أي ينتصف ويقوم { له عباد ال قياما فليتبوأ بيتا من النار ) رواه البخاري في الدب
.ولذلك لما خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن المفرد 977انظر السلة الصحيحة 357
الزبير } وفي رواية :وكان أرزنهما { فقال معاوية لبن عامر :اجلس فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ( :من
أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ) رواه أبو داود رقم 5229والبخاري في الدب المفرد 977
.ومثل هذا النوع من الناس يعتريه الغضب لو طبقت السنة فبدئ باليمين ،وإذا دخل مجلسا وهو في السلسلة الصحيحة 357
فل يرضى إل بأن يقوم أحدهم ليجلس هو رغم نهيه صلى ال عليه وسلم عن ذلك بقوله ( :ل يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم
. يجلس فيه ) رواه البخاري فتح 11/62
-10ومنها :الشح والبخل ولقد مدح ال النصار في كتابه فقال ( :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ) وبين أن المفلحين هم الذين وقوا شح أنفسهم ول شك أن ضعف اليمان يولد الشح بل قال عليه
الصلة والسلم ( :ل يجتمع الشح واليمان في قلب عبد أبدا ) رواه النسائي :المجتبي 6/13وهو في
.أما خطورة الشح وآثاره على النفس فقد بينها النبي صلى ال عليه وسلم بقوله ( :إياكم والشح فإنما صحيح الجامع 2678
هلك من كان قبلكم بالشح ،أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا ) رواه أبو داود 2/324
.وأما البخل فإن صاحب اليمان الضعيف ل يكاد يخرج شيئا ل ولو دعى داعي وهو في صحيح الجامع رقم 2678
الصدقة وظهرت فاقة إخوانه المسلمين وحلت بهم المصائب ،ول أبلغ من كلم ال في هذا الشأن قال عز وجل ( :ها أنتم هؤلء
تدعون لتنفقوا في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما عن نفسه وال الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل
. يكونوا أمثالكم ) سورة محمد 38/
-11ومنها :أن يقول النسان ما ل يفعل قال ال تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون ،كبر
.ول شك أن هذا نوع النفاق ،ومن خالف قوله عمله صار مذموما مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون ) الصف 2،3/
عند ال مكروها عند الخلق ،وأهل النار سيكتشفون حقيقة الذي يأمر بالمعروف في الدنيا ول يأتيه ،وينهاهم عن المنكر ويأتيه .
-12ومنها :السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة ،
فيشعر بالسرور لن النعمة قد زالت ،ولن الشيء الذي كان يتميز عليه غيره به قد زال عنه .
-13ومن مظاهر ضعف اليمان :النظر إلى المور من جهة وقوع الثم فيها أو عدم وقوعه فقط وغض
ل من العمال ل يسأل عن أعمال البر وإنما
البصر عن فعل المكروه ،فبعض الناس عندما يريد أن يعمل عم ً
يسأل :هل هذا العمل يصل إلى الثم أم ل؟ هل هو حرام أم أنه مكروه فقط ؟ وهذه النفسية تؤدي إلى الوقوع
في شرك الشبهات والمكروهات ،مما يؤدي إلى الوقوع في المحرمات يوما ما ،فصاحبها ليس لديه مانع من
ارتكاب عمل مكروه أو مشتبه فيه ما دام أنه ليس محرما ،وهذا عين ما أخبر عنه النبي صلى ال عليه وسلم
،بقوله ( :من وقع في الشبهات وقع في الحرام ،كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ) ..الحديث في الصحيحين
بل إن بعض الناس إذا استفتى في شيء وأخبر أنه محرم ،يسأل هل حرمته شديدة أو ل ؟! وكم الثم واللفظ لمسلم رقم 1599
المترتب عليه ؟ فمثل هذا ل يكون لديه اهتمام بالبتعاد عن المنكر والسيئات بل عنده استعداد لرتكاب أول مراتب الحرام ،
واستهانة بمحقرات الذنوب مما ينتج عنه الجتراء على محارم ال ،وزوال الحواجز بينه وبين المعصية ولذلك يقول الرسول صلى
ال عليه وسلم في الحديث الصحيح ( :لعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا ،فيجعلها ال عز
وجل هباء منثورا ) قال ثوبان :يا رسول ال صفهم لنا ،جلهم لنا ،أن ل نكون منهم ونحن ل نعلم قال ( :أما أنهم إخوانكم ومن
جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم ال انتهكوها ) رواه ابن ماجة رقم 4245قال في
. الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات وهو في صحيح الجامع 5028
فتجده يقع في المحرم دون تحفظ ول تردد ،وهذا أسوأ من الذي يقع في الحرام بعد تردد وتحرج وكل
الشخصين على خطر ،ولكن الول أسوأ من الثاني ،وهذا النوع من الناس يستسهل الذنوب نتيجة لضعف
إيمانه ول يرى أنه عمل شيئا منكرا ولذلك يصف ابن مسعود رضي ال عنه حال المؤمن وحال المنافق بقوله
( :إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على
أنفه فقال به هكذا ) أي دفعه بيده .رواه البخاري فتح ، 11/102وانظر تغليق التعليق 5/136المكتب
. السلمي
أن ل نكون -14ومنها :احتقار المعروف ،وعدم الهتمام بالحسنات الصغيرة وقد علمنا صلى ال عليه وسلم
كذلك فقد روى المام أحمد رحمه ال عن أبي جري الهجيمي قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقلت يا رسول ال ؟ إنا
قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا ال تبارك وتعالى به فقال ( :ل تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء
.فلو جاء يريد المستقي ،ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسطا ) مسند أحمد 5/63وهو في السلسلة الصحيحة 1352
أن يستسقي من بئر وقد رفعت دلوك فأفرغته له ،فهذا العمل وإن كان ظاهره صغيرا ل ينبغي احتقاره ،وكذا لقيا الخ بوجه طلق
،وإزالة القذر والوساخ من المسجد ،وحتى ولو كان قشة فلعل هذا العمل يكون سببا في مغفرة الذنوب ،والرب يشكر لعبده مثل
هذه الفعال فيغفر له ،ألم تر أنه صلى ال عليه وسلم قال ( :مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال :وال لنحين هذا
. عن المسلمين ل يؤذيهم فأًدخل الجنة ) رواه مسلم رقم 1914
إن النفس التي تحقر أعمال الخير اليسيرة فيه سوء وخلل ويكفي في عقوبة الستهانة بالحسنات الصغيرة
( :من أماط أذى عن طريق المسلمين كتب له حسنة الحرمان من مزية عظيمة دل عليها قوله صلى ال عليه وسلم
. ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة ) رواه البخاري في الدب المفرد رقم 593وهو في السلسلة الصحيحة 5/387
وكان معاذ رضي ال عنه يمشي ورجل معه فرفع حجرا من الطريق فقال { أي الرجل } ما هذا ؟ فقال سمعت رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول ( :من رفع حجرا من الطريق كتب له حسنة ومن كانت له حسنة دخل الجنة ) المعجم الكبير للطبراني
. ، 20/101السلسلة الصحيحة 5/387
-15عدم الهتمام بقضايا المسلمين ول التفاعل معها بدعاء ول صدقة ول إعانة ،فهو بارد الحساس تجاه
ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والضطهاد والكوارث ،فيكتفي بسلمة نفسه ،وهذا
( :إن المؤمن من أهل اليمان نتيجة ضعف اليمان ،فإن المؤمن بخلف ذلك ،قال النبي صلى ال عليه وسلم
بمنزلة الرأس من الجسد ،يألم المؤمن لهل اليمان كما يألم الجسد لما في الرأس ) مسند أحمد 5/340وهو في السلسلة
. الصحيحة 1137
-16ومن مظاهر ضعف اليمان :انفصام عرى الخوة بين المتآخيين ،يقول عليه الصلة والسلم ( :ما
تواد اثنان في ال عز وجل أو في السلم فيفرق بينهما أول ذنب { وفي رواية :ففرق بينهما إل بذنب }
يحدثه أحدهما ) البخاري في الدب المفرد رقم 401وأحمد في المسند 2/68وهو في السلسلة الصحيحة
. 637فهذا دليل على شؤم المعصية قد يطال الروابط الخوية ويفصمها ،فهذه الوحشة التي يجدها النسان بينه وبين إخوانه
أحيانا هي نتيجة لتدني اليمان بسبب ارتكاب المعاصي لن ال يسقط العاصي من قلوب عباده ،فيعيش بينهم أسوأ عيش ساقط
القدر زري الحال ل حرمة له ،وكذلك يفوته رفقة المؤمنين ودفاع ال عنهم فإن ال يدافع عن الذين آمنوا .
-17ومنها :عدم استشعار المسئولية في العمل لهذا لدين ،فل يسعى لنشره ول يسعى لخدمته على النقيض
الذين لما دخلوا في الدين شعروا بالمسئولية على الفور ،وهذا الطفيل بن عمرو من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم
رضي ال عنه كم كان بين إسلمه وذهابه لدعوة قومه إلى ال عز وجل ؟! لقد نفر على الفور لدعوة قومه ،وبمجرد دخوله في
الدين أحس أن عليه أن يرجع إلى قومه فرجع داعية إلى ال سبحانه وتعالى ،والكثيرون اليوم يمكثون فترات طويلة ما بين التزامهم
بالدين حتى وصولهم إلى مرحلة الدعوة إلى ال عز وجل .
كان أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم يقومون بما يترتب على الدخول في الدين من معاداة الكفار والبراءة
منهم ومفاصلتهم ،فهذا ثمامة بن أثال رضي ال عنه -رئيس أهل اليمامة -لما أسر وجيء به فربط إلى
السلم ثم قذف ال النور في قلبه فأسلم وذهب إلى العمرة فلما المسجد وعرض عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم
وصل مكة قال لكفار قريش " :ل يصلكم حبة حنطة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم " رواه البخاري
.فمفاصلته للكفار ومحاصرته لهم اقتصاديا وتقديم كافة المكانات المتاحة لخدمة الدعوة حصلت على الفور ،لن فتح 8/87
إيمانه الجازم استوجب منه هذا العمل .
-18ومن مظاهره الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة فتراه مرتعد الفرائص ،مختل
التوازن ،شارد الذهن ،شاخص البصر ،يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية فتنغلق في عينيه
المخارج وتركبه الهموم فل يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت ،وقلب قوي وهذا كله بسبب ضعف إيمانه ،
ولو كان إيمانه قويا لكان ثابتا ،ولواجه أعظم الملمات وأقسى البليات بقوة وثبات .
-19ومنها :كثرة الجدال والمراء المقسي للقلب ،قال عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ( :ما ضل
. قوم بعد هدى كانوا عليه إل أتوا الجدل ) رواه أحمد في المسند 5/252وهو في صحيح الجامع 5633
فالجدل بغير دليل ول قصد صحيح يؤدي إلى البتعاد عن الصراط المستقيم ،وما أكثر جدال الناس اليوم بالباطل يتجادلون بغير
علم ول هدى ول كتاب منير ،ويكفي دافعا لترك الخصلة الذميمة قوله صلى ال عليه وسلم ( :أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن
. ترك المراء وإن كان محقا ) رواه أبو داود 5/150وهو في صحيح الجامع 1464
-20ومنه :التعلق بالدنيا ،والشغف بها ،والسترواح إليها ،فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة يحس صاحبه
باللم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن ،ويعتبر نفسه مغبونا سيء الحظ لنه لم
ينل ما ناله غيره ،ويحس بألم وانقباض أعظم إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ
(:ل الدنيا ،وقد يحسده ،ويتمنى زوال النعمة عنه ،وهذا ينافي اليمان كما قال النبي صلى ال عليه وسلم
. يجتمعان في قلب عبد اليمان والحسد ) .رواه أبو داود 5/150وهو في صحيح الجامع 1464
-21ومنها :أن يأخذ كلم النسان وأسلوبه الطابع العقلي البحت ويفقد السمة اليمانية حتى ل تكاد تجد في
كلم هذا الشخص أثرا لنص من القرآن أو السنة أو كلم السلف رحمهم ال .
-22ومنها :المغالة في الهتمام بالنفس مأكلً ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ،فتجده يهتم بالكماليات
اهتماما بالغا ،فينمق هندامه ويجهد نفسه بشراء الرقيق من اللباس ويزوق مسكنه وينفق الموال والوقات في
هذه التحسينات ،وهي مما ل ضرورة له ول حاجة -مع أن من إخوانه المسلمين من هم في أشد الحاجة
لهذه الموال -ويعمل هذا كله حتى يغرق في التنعيم والترفه المنهي عنه كما في حديث معاذ بن جبل رضي
إلى اليمن وأوصاه فقال ( :إياك والتنعيم ،فإن عباد ال ليسو بالمتنعمين ) ال عنه لما بعث به النبي صلى ال عليه وسلم
. رواه أبو نعيم في الحلية 5/155وهو في السلسلة الصحيحة 353وعند أحمد بلفظ إياي :المسند 5/243
إن لضعف اليمان أسبابا كثيرة ومنها ما هو مشترك مع العراض مثل الوقوع في المعاصي والنشغال
بالدنيا وهذا ذكر لبعض السباب مضافا إلى ما سبق - :
-1البتعاد عن الجواء اليمانية فترة طويلة وهذا مدعاة لضعف اليمان في النفس ،يقول ال عز وجل :
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال وما نزل من الحق ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل
.فدلت الية الكريمة على أن :طول الوقت في فطال عليهم المد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) الحديد 16/
البعد عن الجواء اليمانية مدعاة لضعف اليمان في القلب ،فمثلً :الشخص الذي يبتعد عن إخوانه في ال لفترة طويلة لسفر أو
وظيفة ونحو ذلك فإنه يفتقد الجو اليماني الذي كان يتنعم في ظلله ،ويستمد منه قوة قلبه والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه ،يقول
الحسن البصري رحمه ال تعالى ( :إخواننا أغلى عندنا من أهلينا فأهلونا يذكروننا الدنيا ،وإخواننا يذكروننا بالخرة ) وهذا
البتعاد إذا استمر يخلف وحشة تقلب بعد حين إلى نفرة من تلك الجواء اليمانية ،يقسو على أثرها القلب ويظلم ،ويخبو فيه نور
اليمان .وهذا مما يفسر حدوث النتكاسة لدى البعض في الجازات التي يسافرون فيها أو عقب انتقالهم إلى أماكن أخرى للعمل أو
الدراسة .
-2البتعاد عن القدوة الصالحة ،فالشخص الذي يتعلم على يدي رجل صالح يجمع بين العلم النافع والعمل
الصالح وقوة اليمان ،يتعاهده ويحذيه مما عنده من العلم والخلق والفضائل ،لو ابتعد عنه فترة من الزمن
ووري التراب قال الصحابة : فإن المتعلم يحس بقسوة في قلبه ،ولذلك لما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم
( فأنكرنا قلوبنا ) ،وأصابتهم وحشة لن المربي والمعلم والقدوة عليه الصلة والسلم قد مات ،وجاء وصفهم أيضا في بعض
الثار ( كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة ) ولكنه عليه الصلة والسلم ترك فيمن ترك وراءه جبالً كل منهم يصلح للخلفة وصار
بعضهم لبعض قدوة ،أما اليوم فالمسلم في أشد الحاجة إلى قدوة يكون قريبا منه .
-3ومن السباب :البتعاد عن طلب العلم الشرعي والتصال بكتب السلف والكتب اليمانية التي تحيي القلب
،فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه اليمان ،وتحرك الدوافع اليمانية الكامنة في
نفسه وعلى رأسها كتاب ال تعالى وكتب الحديث ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ والذين
يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب ،مثل كتب العلمة ابن القيم وابن رجب وغيرهم ،والنقطاع
عن مثل هذه الكتب مع الغراق في قراءة الكتب الفكرية فقط أو كتب الحكام المجردة عن الدلة أو كتب
اللغة والصول مثلً من الشياء التي تورث أحيانا قسوة القلب ،وهذا ليس ذما في كتب اللغة أو الصول
ونحوها بل هو تنبيه لمن أعرض عن كتب التفسير والحديث ،فل تكاد تجده يقرأ فيها مع أنها هي الكتب التي
ل ) تشعر أنك تعيش في أجواء العصر الول مع
تصل القلب بال عز وجل فعندما تقرأ في الصحيحين ( مث ً
ومع الصحابة ،وتتعرض لنفحات إيمانية ،من سيرتهم ،وحياتهم ،وتلك الحداث التي جرت الرسول صلى ال عليه وسلم
في عصرهم :
وهذا السبب -وهو البتعاد عن الكتب اليمانية -آثاره بادية على أولئك الذين يدرسون دراسات ل علقة لها
بالسلم كالفلسفة وعلم النفس والجتماع وغيرها من الموضوعات التي صيغت بمعزل عن السلم ،وكذا
من يعشق قراءة القصص الخيالية وقصص الحب والغرام وهواة تتبع الخبار غير النافعة من الصحف
والمجلت والمذكرات وغيرها من الهتمام بها والمداومة على متابعتها .
-4ومنها :وجود النسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها وآخر يترنم بألحان
أغنية وكلماتها وثالث يدخن ورابع يبسط مجلة ماجنة وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم وهكذا ،
أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما ل يحصى كثرة .
وبعض الوساط ل تذكّر إل بالدنيا كما هو الحال في كثير من مجالس الناس ومكاتبهم اليوم ،فأحاديث
التجارة والوظيفة والموال والستثمارات ومشكلت العمل والعلوات والترقيات والنتدابات وغيرها تحتل
الصدارة في اهتمامات كثير من الناس وأحاديثهم .
وأما البيوت -فحدث ول حرج -حيث الطامات والمور المنكرات مما يندى له جبين المسلم وينصدع قلبه ،
فالغاني الماجنة ،والفلم الساقطة ،والختلط المحرم وغير ذلك مما تمتلئ به بيوت المسلمين ،فمثل هذه
البيئات تصاب فيها القلوب بالمرض وتصبح قاسية ول شك .
يقول : -5ومنها :الغراق في الشتغال بالدنيا حتى يصبح القلب عبدا لها والرسول صلى ال عليه وسلم
.ويقول عليه الصلة والسلم ( :إنما يكفي أحدكم ما كان في ( تعس عبد الدينار ،وعبد الدرهم ) رواه البخاري رقم 2730
.يعني الشيء اليسير الذي الدنيا مثل زاد الراكب ) رواه الطبراني في الكبير 4/78وهو في صحيح الجامع 2384
يبلغه المقصود .وهذه الظاهرة واضحة في هذه اليام التي عم فيها الطمع المادي والجشع في الزدياد من حطام الدنيا وصار الناس
يركضون وراء التجارات والصناعات والمساهمات وهذا مصداق ما أخبر به صلى ال عليه وسلم ( :إن ال عز وجل قال :إنا
أنزلنا المال لقام الصلة وإيتاء الزكاة ولو كان لبن آدم واد لحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لحب أن يكون إليهما ثالث
. ،ول يمل جوف ابن آدم إل التراب ثم يتوب ال على من تاب ) رواه أحمد 5/219وهو ففي صحيح الجامع 1781
-6ومن السباب أيضا :النشغال بالمال والزوجة والولد ،يقول ال عز وجل ( :واعلموا أنما أموالكم
.ويقول عز وجل ( :زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب وأولدكم فتنة ) النفال 28/
ومعنى هذه الية أن والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا وال عنده حسن المآب ) آل عمران 14/
حب هذه الشياء وفي مقدمتها النساء والبنون إذا كان مقدما على طاعة ال ورسوله فإنه مستقبح مذموم صاحبه ،أما إن كان حب
ذلك على وجهه الشرعي المعين على طاعة ال فهو محمود صاحبه وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :حبب إليّ من الدنيا
.وكثير من الناس النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلة ) رواه أحمد 3/128وهو في صحيح الجامع 3124
ينساق وراء الزوجة في المحرمات وينساق وراء الولد منشغلً عن طاعة ال ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :الولد
.قوله مبخلة :إذا محزنة مجبنة مجهلة مبخلة ) رواه الطبراني في الكبير 24/241وهو في صحيح الجامع 1990
أراد النسان أن ينفق في سبيل ال ذكره الشيطان بأولده فيقول :أولدي أحق بالمال أبقيه لهم يحتاجونه من بعدي فيبخل عن
النفاق في سبيل ال ،وقوله :مجبنة أي إذا أراد الرجل أن يجاهد في سبيل ال يأتيه الشيطان فيقول تقتل وتموت فيصبح الولد
ضياعا يتامى ،فيقعد عن الخروج للجهاد ،وقوله :مجهلة أي يشغل الب عن طلب العلم والسعي في تحصيله وحضور مجالسه
وقراءة كتبه .وقوله :محزنة أي إذا مرض حزن عليه وإذا طلب الولد شيئا ل يقدر عليه الب حزن الب ،وإذا كبر وعق أباه
فذلك الحزن الدائم والهم اللزم .
وليس المقصود ترك الزواج والنجاب ول ترك تربية الولد ،وإنما المقصود التحذير من النشغال معهم
بالمحرمات .
وأما فتنة المال فيقول عليه الصلة والسلم ( :إن لكل أمة فتنة ،وفتنة أمتي المال ) رواه الترمذي 2336
.والحرص على المال أشد إفسادا للدين من الذئب الذي تسلط على زريبة غنم وهذا معنى وهو في صحيح الجامع 2148
قول النبي صلى ال عليه وسلم ( :ما ذئبان جائعان أرسل في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) رواه
.ولذلك حث النبي صلى ال عليه وسلم على أخذ الكفاية دون توسع الترمذي رقم 2376وهو في صحيح الجامع 5620
يشغل عن ذكر ال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل ال ) رواه أحمد
.وقد تهدد النبي صلى ال عليه وسلم المكثرين من جمع الموال إل أهل الصدقات 5/290وهو في صحيح الجامع 2386
فقال ( :ويل للمكثرين إل من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا أربع عن يمينه وعن شماله ومن قدامه ومن ورائه ) رواه ابن ماجه
.يعني في أبواب الصدقة ووجوه البر . رقم 4129وهو في صحيح الجامع 7137
-7طول المل :قال ال تعالى ( :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون) وقال علي رضي ال
عنه ( :إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول المل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول
.وجاء في الثر ( :أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول المل المل فينسي الخرة ) فتح الباري 11/236
والحرص على الدنيا ) " ويتولد من طول المل الكسل عن الطاعة والتسويف والرغبة في الدنيا والنسيان للخرة والقسوة في القلب
لن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة كما قال تعالى ( :فطال عليهم المد فقست
. قلوبهم ) وقيل :من قصر أمله قل همه وتنور قلبه لنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة … " فتح الباري 11/237
-8ومن أسباب ضعف اليمان وقسوة القلب ( :الفراط في الكل والنوم والسهر والكلم والخلطة ،فكثرة
الكل تبلد الذهن وتثقل البدن عن طاعة الرحمن وتغذي مجاري الشيطان في النسان وكما قيل " :من أكل
كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا وخسر أجرا كبيرا " فالفراط في الكلم يقسي القلب ،والفراط في مخالطة
الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها ،وكثرة الضحك تقضي على مادة
الحياة في القلب فيموت ،يقول عليه الصلة والسلم في الحديث الصحيح ( :ل تكثروا الضحك فإن كثرة
.وكذلك الوقت الذي ل يمل بطاعة ال تعالى الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه 4193وهو في صحيح الجامع
ينتج قلبا صلدا ل تنفع فيه زواجر القرآن ول مواعظ اليمان .
وأسباب ضعف اليمان كثيرة ليس بالوسع حصرها ،ولكن يمكن أن يسترشد بما ذكر على ما لم يذكر منها ،
والعاقل يدرك ذلك من نفسه ،نسأل ال أن يطهر قلوبنا ويقينا شر أنفسنا .
ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف اليمان وتصور علجها هو معرفة أن اليمان يزيد وينقص
وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة ،فإنهم يقولون أن اليمان نطق باللسان واعتقاد بالجنان ( أي
القلب ) وعمل بالركان ( أي الجوارح ) يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ،وقد دلت على هذا الدلة من
الكتاب والسنة فمنها قوله تعالى ( :ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) وقوله ( :أيكم زادته هذه إيمانا ) وقوله صلى
عليه وسلم ( :من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان ) ال عليه وسلم
.وأثر الطاعة والمعصية في اليمان زيادة ونقصانا أمر معلوم مشاهد ومجرب فلو أن شخصا خرج يمشي البخاري فتح 1/51
في السوق ينظر إلى المتبرجات ويسمع صخب أهل السوق ولغوهم ثم خرج فذهب إلى المقبرة فدخلها فتفكر ورق قلبه فإنه يجد
فرقا بينا بين الحالتين فإذا القلب يتغير بسرعة.
وعن علقة المفهوم بموضوعنا يقول بعض السلف " :من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه ،وما ينقص منه ،ومن
فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه ؟ أو ينقص ؟ وإن من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه ؟ " شرح
. نونية ابن القيم لبن عيسى 2/140
ومما ينبغي معرفته أن نقص اليمان إذا أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم فهذا فتور خطير مذموم يجب
عليه التوبة إلى ال والشروع في علج نفسه أما إذا لم يؤد الفتور إلى ترك واجب أو فعل محرم وإنما كان
تراجعا في عمل مستحبات مثلً فعلى صاحبه أن يسوس نفسه ويسدد ويقارب حتى يعود إلى نشاطه وقوته في
( :لكل عمل شرة -يعني نشاط وقوة -ولكل شرة فترة -يعني العبادة وهذا مما يستفاد من قوله صلى ال عليه وسلم
ضعف وفتور -فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ) رواه أحمد 2/210وهو في صحيح
. الترغيب رقم 55
وقبل الشروع في الكلم عن العلج يحسن ذكر ملحظة وهي :أن كثيرا من الذين يحسون بقسوة قلوبهم
يبحثون عن علجات خارجية يريدون العتماد فيها على الخرين مع أن بقدورهم -لو أرادوا -علج
أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الصل لن اليمان علقة بين العبد وربه وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية
التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد العتماد على ال عز وجل وتوطين
النفس على المجاهدة - :
-1تدبر القرآن العظيم الذي أنزله ال عز وجل تبيانا لكل شيء ونورا يهدي به سبحانه من شاء من عباده ،
ل قال ال عز وجل ( :وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة
ول شك أن فيه علجا عظيما ودواء فعا ً
للمؤمنين ) أما طريقة العلج فهي التفكر والتدبر .
،يتدبر كتاب ال ويردده وهو قائم بالليل ،حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد ( وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
آية واحدة من كتاب ال ،وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى { :إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
. العزيز الحكيم } سورة المائدة ) 118/رواه أحمد 4/149وفي صفة الصلة لللباني ص 102 :
وكان عليه الصلة والسلم يتدبر القرآن وقد بلغ في ذلك مبلغا عظيما ،روى ابن حبان في صحيحه بإسناد
جيد عن عطارة قال :دخلت أنا وعبيد ال بن عمير على عائشة رضي ال عنها ،فقال عبيد ال بن عمير ( :
فبكت وقالت :قام ليلة من الليالي -تعني يصلي -فقال : حدثنا بأعجب شيء رأيته من رسول ال صلى ال عليه وسلم
يا عائشة ،ذريني أتعبد لربي ،قالت :قلت :وال إني لحب قربك وأحب ما يسرك قالت :فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي
حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الرض ،وجاء بلل يؤذنه بالصلة فلما رآه يبكي قال :يا رسول ال تبكي وقد غفر
ال لك تقدم من ذنبك وما تأخر قال :أفل أكون عبدا شكورا ،لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها { :إن في
خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في
.وهذا يدل على وجوب تدبر هذه اليات . خلق السماوات والرض … } آل عمران ) 190/السلسلة الصحيحة 1/106
والقرآن فيه توحيد ووعد ووعيد وأحكام وأخبار وقصص وآداب وأخلق وآثارها في النفس متنوعة وكذلك
( :شيبتني هود من السور ما يرهب النفس أكثر من سور أخرى ،يدل على ذلك قوله صلى ال عليه وسلم
.وفي رواية (هود والواقعة والمرسلت وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخواتها قبل المشيب ) السلسلة الصحيحة 2/679
.لقد شيبت رسول ال صلى ال عليه وسلم لما احتوته ) رواه الترمذي 3297وهو في السلسلة الصحيحة برقم 955
من حقائق اليمان والتكاليف العظيمة التي ملت بثقلها قلب الرسول صلى ال عليه وسلم فظهرت آثارها على شعره وجسده ،
( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ) .
يقرأون ويتدبرون ويتأثرون وكان أبو بكر رضي ال عنه رجلً أسيفا رقيق القلب إذا وقد كان صحابته صلى ال عليه وسلم
صلّى بالناس وقرأ كلم ال ل يتمالك نفسه من البكاء ومرض عمر من أثر تلوة قول ال تعالى ( :إن عذاب ربك لواقع ماله من
.وسمع نشيجه من وراء الصفوف لما قرأ قول ال عن يعقوب عليه دافع ) الثر بأسانيده في تفسير ابن كثير 7/406
.وقال عثمان رضي ال عنه :لو طهرت قلوبنا السلم ( :إنما أشكو بثي وحزني إلى ال ) مناقب عمر لبن الجوزي 167
ما شبعت من كلم ال ،وقتل شهيدا مظلوما ودمه على مصحفه وأخبار الصحابة في هذا كثيرة ،وعن أيوب قال سمعت سعيدا -
. ابن جبير -يردد هذه الية في الصلة بضعا عشرين مرة ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال ) سير أعلم النبلء 4/324
وهي أخر آية نزلت من القرآن وتمامها ( ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون ) .وقال إبراهيم بن بشار :الية التي مات
فيها علي بن الفضيل ( :ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ) في هذا الموضع مات وكنت فيمن صلّى عليه رحمه ال .
.وحتى عند سجدات التلوة كانت لهم مواقف فمنها قصة ذلك الرجل رحمه ال الذي قرأ قول ال سير أعلم النبلء 4/446
.فسجد سجدة التلوة ثم قال معاتبا نفسه :هذا السجود عز وجل ( :ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) السراء 109/
فأين البكاء ؟ .
ومن أعظم التدبر أمثال القرآن لن ال سبحانه وتعالى لما ضرب لنا المثال في القرآن ندبنا إلى التفكر
والتذكر فقال ( :ويضرب ال المثال للناس لعلهم يتذكرون ) وقال ( :وتلك المثال نضربها للناس لعلهم
يتفكرون ) .
تفكر أحد السلف مرة في مثل من أمثال القرآن فلم يتبين له معناه فجعل يبكي ،فسئل ما يبكيك ؟ فقال :إن
.وأنا لم أعقل المثل ال عز وجل يقول ( :وتلك المثال نضربها للناس وما يعقلها إل العالمون ) العنكبوت 43/
،فلست بعالم ،فأبكي على ضياع العلم مني .
وقد ضرب ال لنا في القرآن أمثلة كثيرة منها :مثل الذي استوقد نارا ،ومثل الذي ينعق بما ل يسمع ،ومثل
الحبة التي أنبتت سبع سنابل ،ومثل الكلب الذي يلهث ،والحمار يحمل أسفارا ،والذباب ،والعنكبوت ،
ومثل العمى والصم ،والبصير والسميع ،ومثل الرماد الذي اشتدت به الريح ،والشجرة الطيبة ،والشجرة
الخبيثة ،والماء النازل من السماء ومثل المشكاة التي فيها مصباح ،والعبد المملوك الذي ل يقدر على شيء
والرجل الذي فيه شركاء متشاكسون ،وغيرها ،والمقصود الرجوع إلى آيات المثال والعتناء بها عناية
خاصة .
ويلخص ابن القيم رحمه ال ما على المسلم أن يفعله لعلج قسوة قلبه بالقرآن فيقول " :ملك ذلك أمران :
أحدهما :أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الخرة ،ثم تقبل به كله على معاني القرآن
واستجلئها ،وتدبر وفهم ما يراد منه ،وما نزل لجله ،وأخذ نصيبك من كل آياته ،وتنزلها على داء
قلبك ،فإذا نزلت هذه الية على داء القلب برئ القلب بإذن ال " .
-2استشعار عظمة ال عز وجل ،ومعرفة أسمائه وصفاته ،والتدبر فيها ،وعقل معانيها ،واستقرار هذا
الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي
بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت .
والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة ال كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم
وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعا لرب الولين والخرين فمن ذلك ما جاء من أسمائه الكثيرة
وصفاه سبحانه فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال ،هو الحي الذي ل يموت
والجن والنس يموتون ،وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ،عزيز ذو انتقام ،
قيوم ل ينام ،وسع كل شيء علما ،يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ،وقد وصف سعة علمه بقوله :
( وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في
.ومن عظمته ما أخبر عن نفسه بقوله ( :وما ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في كتاب مبين ) النعام 59/
.قال رسول ال صلى ال عليه قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) الزمر67/
وسلم ( :يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض " رواه البخاري 6947
.ويتضعضع الفؤاد ويرجف القلب عند التأمل في قصة موسى عليه السلم لما قال ( :رب أرني أنظر إليك ) فقال ال ( :لن تراني
. ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) العراف 143/
ولما فسر النبي صلى ال عليه وسلم هذه الية قرأها وقال بيده ( :هكذا -ووضع البهام على المفصل العلى من الخنصر -ثم
قال عليه الصلة والسلم ( :فساخ الجبل ) الحديث رواه الترمذي برقم 3074وأحمد 209 ، 3/125وساق ابن
كثير طرق الحديث في تفسيره ، 3/466قال ابن القيم :إسناده صحيح على شرط مسلم ،وخرجه اللباني
.وال سبحانه وتعالى ( :حجابه النور ،لو كشفه لحرقت وصححه في تخريج السنة لبن أبي عاصم حديث 480
.ومن عظمة ال ما حدث به الرسول صلى ال عليه وسلم سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) رواه مسلم برقم 197
،فقال ( :إذا قضى ال المر في السماء ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم
.والنصوص في هذا كثيرة والمقصود أن قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير) رواه البخاري 7043
استشعار عظمة الرب بالتأمل في هذه النصوص وغيرها من أنفع الشياء في علج ضعف اليمان ويصف ابن القيم رحمه ال
عظمة ال بكلم عذب جميل فيقول ( :يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويقلب الليل
والنهار ،ويداول اليام بين الناس ،ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى ،وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها وفي
الرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو ،قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ..ووسع سمعه الصوات فل
تختلف عليه ول تشتبه عليه ،بل يسمع ضجيجها باختلف لغاتها على تفنن حاجاتها ،فل يشغله سمع عن سمع ،ول تغلطه كثرة
المسائل ،ول يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات ،وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة
الصماء في الليلة الظلماء ،فالغيب عنده شهادة والسر عنده علنية ( ..يسأله من في السماوات والرض كل يوم هو في شأن )
يغفر ذنبا ،ويفرج هما ،ويكشف كربا ،ويجبر كسيرا ،ويغني فقيرا ،ويهدي ضالً ،ويرشد حيرانا ،ويغيث لهفانا ،ويشبع جائعا
،ويكسو عاريا ،ويشفي مريضا ،ويعافي مبتلى ،ويقبل تائبا ،ويجزي محسنا ،وينصر مظلوما ،ويقصم جبارا ،ويستر عورة ،
ويؤمن روعة ،ويرفع أقواما ،ويضع آخرين ...لو أن أهل سماواته وأهل أرضه ،وأول خلقه وأخرهم ،وإنسهم وجنهم ،كانوا
على أتقى قلب رجل منهم ،ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو أن أول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما
نقص ذلك من ملكه شيئا ،ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه ،وأول خلقه وأخرهم ،وإنسهم وجنهم ،وحيهم وميتهم ،ورطبهم
ويابسهم ،قاموا على صعيد واحد فسألوه فأعطى كل منهم ما سأله ،ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ..هو الول الذي ليس قبله
شيء ،والخر الذي ليس دونه شيء ،تبارك وتعالى أحق من ذكر ،وأحق من عبد ،وأولى من شكر ،وارأف من ملك ،وأجود
من سئل … هو الملك الذي ل شريك له ،والفرد فل ند له ،والصمد فل ولد له ،والعلي فل شبيه له ،كل شيء هالك إل وجهه ،
وكل شيء زائل إل ملكه ..لن يطاع إل بأذنه ،ولن يعصى إل بعلمه ،يطاع فيشكر ،ويعصى فيغفر ،كل نقمة منه عدل ،وكل
نعمة منه فضل ،أقرب شهيد ،وأدنى حفيظ ،أخذ بالنواصي ،وسجل الثار ،وكتب الجال ،فالقلوب له مفضية ،والسر عنده
. علنية ،عطاؤه كلم وعذابه كلم ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) الوابل الصيب ص 125 :بتصرف
-3طلب العلم الشرعي :وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية ال وزيادة اليمان به عز وجل كما قال
ل من عباده العلما ُء ) فل يستوي في اليمان الذين يعلمون والذين ل يعلمون ،
ال تعالى ( :إنما يخشى ا َ
فكيف يستوي من يعلم تفاصيل الشريعة ومعنى الشهادتين ومقتضياتهما وما بعد الموت من فتنة القبر وأهوال
المحشر ومواقف القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وحكمة الشريعة في أحكام الحلل والحرام وتفصيل سيرة
،وغير ذلك من أنواع العلم كيف يستوي هذا في اليمان ومن هو جاهل بالدين وأحكامه وما جاءت النبي صلى ال عليه وسلم
به الشريعة من أمور الغيب ،حظه من الدين التقليد وبضاعته من العلم مزجاة ( ،قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون )
.
-4لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة اليمان لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر ال ،وغشيان
الرحمة ،ونزول السكينة ،وحف الملئكة للذاكرين ،وذكر ال لهم في المل العلى ،ومباهاته بهم
( :ل يقعد قوم الملئكة ،ومغفرته لذنوبهم ،كما جاء في الحاديث الصحيحة ومنه قوله صلى ال عليه وسلم
. يذكرون ال إل حفتهم الملئكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم ال فيمن عنده ) صحيح مسلم رقم 2700
وعن سهل بن الحنظلية رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إل قيل
.قال ابن حجر رحمه ال :ويطلق ذكر ال ويراد به المواظبة على العمل بما لهم :قوموا مغفورا لكم ) صحيح الجامع 5507
.ومما يدل على أن مجالس الذكر أوجبه أو ندب إليه كتلوة القرآن ،وقراءة الحديث ،ومدارسة العلم .فتح الباري 11/209
تزيد اليمان ما أخرجه المام مسلم رحمه ال في صحيحه عن حنظلة السيدي قال :لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال :
قلت نافق حنظلة ،قال :سبحان ال ما تقول قال :قلت نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا
رأي عين ،فإذا خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا الزواج والولد والضيعات -يعني المعاش من مال أو
حرفة أو صنعة -فنسينا كثيرا ،قال أبو بكر فو ال إنا لنلقى مثل هذا ،فانطلقت أنا أبو بكر حتى دخلنا على رسول ال صلى ال
عليه وسلم قلت :نافق حنظلة يا رسول ال ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :ما ذاك ) قلت :يا رسول ال نكون عندك
تذكرنا بالنار والجنة حتى كانا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الزواج والولد والضيعات ،نسينا كثيرا .فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( :والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي
. طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) ثلث مرات صحيح مسلم رقم 2750
وكان الصحابة رضوان ال عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيمانا ،قال معاذ رضي ال عنه
. لرجل ( :اجلس بنا نؤمن ساعة ) إسناده صحيح :أربع مسائل في اليمان ،تحقيق اللباني ص 72 :
-5ومن السباب التي تقوي اليمان الستكثار من العمال الصالحة وملء الوقت بها ،وهذا من أعظم أسباب
العلج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية اليمان ظاهر كبير ،وقد ضرب الصديق في ذلك مثلً عظيما لما سأل
،أصحابه ( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر أنا ،قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ الرسول صلى ال عليه وسلم
قال أبو بكر أنا ،قال ،فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ،قال أبو بكر أنا ،قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر أنا ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ما اجتمعن في امرئ إل دخل الجنة ) رواه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب 1حديث
. 12
فهذا القصة ،تدل على أن الصديق رضي ال عنه كان حريصا على اغتنام الفرص ،وتنويع العبادات ولما
مفاجئا دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي ال عنه كانت حافلة بالطاعات ،وقد وقع السؤال من النبي صلى ال عليه وسلم
بلغ السلف رحمهم ال في ازديادهم من العمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغا عظيما ،ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة
من السلف منهم حماد بن سلمة قال فيه المام عبد الرحمن بن مهدي " :لو قيل لحماد بن سلمة :أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في
.7/447 العمل شيئا " سير أعلم النبلء
المسارعة إليها لقوله تعالى ( :وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والرض ) وقال
تعالى ( :سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض ) ومدلول هذه اليات كان
،وروى المام مسلم رحمه ال تعالى في صحيحه عن أنس محركا للمسارعة عند أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم
بن مالك في قصة غزوة بدر لما دنا المشركون قال ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( :قوموا إلى جنة عرضها السماوات
والرض ) قال يقول عمير بن الحمام النصاري يا رسول ال جنة عرضها السموات والرض قال :نعم قال :بخ بخ -كلمة
تطلق لتفخيم المر وتعظيمه -فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :ما يحملك على قولك بخ بخ ) قال :ل وال يا رسول ال
إل رجاءة أن أكون من أهلها قال :فإنك من أهلها ،فاخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال :لئن أنا حييت حتى أكل
.ومن قبل أسرع موسى تمراتي هذه لحياة طويلة قال :فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل .صحيح مسلم 1901
للقاء ال وقال ( :وعجلت إليك ربي لترضى ) وامتدح ال زكريا وأهله فقال ( :إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا
ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) وقال النبي صلى ال عليه وسلم ( :التؤدة في كل شيء -وفي رواية خير -إل في عمل الخرة )
. رواه أبو داود في سننه 5/157وهو في صحيح الجامع 3009
،عن ربه في الحديث القدسي ( :ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل الستمرار عليها بقول الرسول صلى ال عليه وسلم
.وكلمة ( ما يزال ) تفيد الستمرارية ،ويقول النبي صلى ال عليه وسلم ( :تابعوا الحج حتى أحبه ) صحيح البخاري 6137
.والمتابعة تعني كذلك الستمرار وهذا المبدأ مهم والعمرة ) رواه الترمذي رقم 810وهو في السلسلة الصحيحة 1200
في تقوية اليمان وعدم إهمال النفس حتى ل تركن وتأسن ،والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع .والمداومة على العمال
الصالحة تقوي اليمان وقد سئل النبي صلى ال عليه وسلم :أي العمال أحب إلى ال ؟ قال ( :أدومها وإن قل ) رواه البخاري
فتح .11/194وكان النبي صلى ال عليه وسلم ،إذا عمل عملً أثبته .رواه مسلم كتاب صلة المسافرين ،باب 18
. حديث 141
الجتهاد فيها :إن علج قسوة القلب ل يصلح أن يكون علجا مؤقتا يتحسن فيه اليمان فترة من الوقت ثم
ل باليمان وهذا لن يكون إل بالجتهاد في العبادة .وقد
يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضا متواص ً
ل عدة فمنها ( :إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها
ذكر ال في كتابه من اجتهاد أوليائه في عبادته أحو ً
خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم ل يستكبرون ،تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا
ل من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون
ومما رزقناهم ينفقون ) .وقال ال تعالى عنهم ( :كانوا قلي ً
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .والطلع على حال السلف في تحقيق صفات العابدين شيء يبعث على
سبُع من القرآن يختمونه كل يوم وكانوا يقومون الليل في
العجاب ويقود إلى القتداء فمن ذلك أنه كان لهم ُ
الغزو والقتال ويذكرون ال ويتهجدون ،حتى في السجن ،يصفون أقدامهم ،تسيل دموعهم على خدودهم ،
يتفكرون في خلق السموات والرض ،يخادع أحدهم زوجته كما تخادع المرأة صبيها ،فإذا علم أنها نامت
انسل من لحافها وفراشها لصلة القيام ،يقسمون الليل على أنفسهم وأهليهم ونهارهم في الصيام والتعلم
والتعليم واتباع الجنائز وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس تمر على بعضهم السنون ل تفوتهم تكبيرة
الحرام مع المام ينتظرون الصلة بعد الصلة يتفقد أحدهم عيال أخيه بعد موته سنوات ينفق عليهم ،ومن
هذا حاله فإيمانه في ازدياد .
عدم إملل النفس :ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الجتهاد فيها إيقاع النفس بالسآمة وتعريضها
للملل وإنما المقصود عدم النقطاع عن العبادات ما يطيق ويسدد ويقارب وينشط إذا رأى نفسه مقبلة ويقصد
عند الفتور ،ويدل على هذه التصورات مجموعة من الحاديث منه قوله صلى ال عليه وسلم ( :إن الدين
.وفي رواية ( :والقصد القصد يسر ،ولن يشاد الدين أحد إل غلبه فسددوا وقاربوا ) ..صحيح البخاري 39
،وقال البخاري رحمه ال باب ما يكره من التشديد في العبادة ،عن أنس رضي ال عنه قال تبلغوا ) صحيح البخاري 6099
:دخل النبي صلى ال عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال ( :ما هذا الحبل ) قالوا هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت
.ولما علم النبي قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :ل ،حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ) صحيح البخاري 1099
صلى ال عليه وسلم أن عبد ال بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله ويصوم النهار متتابعا نهاه عن ذلك وبين السبب بقوله ( :فإنك
إذا فعلت هجمت عينك -يعني غارت أو ضعفت لكثرة السهر -ونفهت نفسك -يعني كلت ) .وقال الرسول صلى ال عليه وسلم
( :اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن ال عز وجل ل يمل حتى تملوا وإن أحب العمال إلى ال عز وجل أدومه وإن قل ) رواه
. البخاري ،فتح 3/38
استدراك ما فات منها :فعن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( :من نام
عن حزبه من الليل ،أو شيء منه فقرأه فيما بين صلة الفجر وصلة الظهر ،كتب له كأنما قرأه من الليل )
.وعن عائشة رضي ال عنها قالت :كان رسول رواه النسائي وغيره ،والمجتبي ، 2/68 :صحيح الجامع 1228
ال صلى ال عليه وسلم إذا صلى صلة داوم عليها وكان إذا فاته القيام من الليل غلبته عيناه بنوم أو وجع صلى ثنتي عشرة ركعة
.ولما رأته أم سلمة رضي ال عنها يصلي ركعتين بعد العصر وسألته أجابها عليه الصلة من النهار ) رواه أحمد 6/95
والسلم بقوله ( :يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد
الظهر فهما هاتان ) رواه البخاري فتح ( . 3/105وكان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلهن بعده ) رواه الترمذي رقم
427وصحيح سنن الترمذي رقم ( . 350وكان إذا فاته الربع قبل الظهر صلها بعد الظهر ) صحيح الجامع 4759
.فهذا الحاديث تدل على قضاء السنن الرواتب ،وقد ذكر ابن القيم رحمه ال في صومه صلى ال عليه وسلم شعبان أكثر من
غيره ثلث معان أولها :أنه كان يصوم ثلثة أيام من كل شهر فربما شغل عن الصيام أشهرا فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل
،وكان صلى ال عليه وسلم يعتكف العشر الواخر من صيام الفرض " أي رمضان " تهذيب سنن أبي داود 3/318
. رمضان ،فلما فاته العتكاف مرة لعارض السفر اعتكف في العام المقبل عشرين يوما .فتح الباري 4/285
رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول ،وبعد الجتهاد في الطاعات ،ينبغي الخوف من ردها على صاحبها
،عن عائشة رضي ال عنها قالت :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن هذه الية ( :والذين يؤتون ما
آتوا وقلوبهم وجلة ) قالت عائشة :هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال ( :ل يا ابنة الصديق ولكنهم
الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن ل يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) رواه
.وقال أبو الدرداء رضي ال عنه " :لن أستيقن أن ال قد تقبل مني الترمذي 3175وهو في السلسلة الصحيحة 1/162
.ومن صفات صلة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها ،إن ال يقول ( :إنما يتقبل ال من المتقين ) تفسير ابن كثير 3/67
المؤمنين احتقار النفس أمام الواجب من حق ال تعالى :قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :لو أن رجلً يجر على وجهه من يوم
ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة ال عز وجل لحقره يوم القيامة ) رواه المام أحمد ،المسند 4/185وهو في صحيح
.فمن عرف ال وعرف النفس يتبين له أن ما معه من البضاعة ل يكفي ولو جاء بعمل الثقلين ،إنما يقبله سبحانه الجامع 5249
وتعالى بكرمه وجوده وتفضله ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله .
-6تنويع العبادات :من رحمة ال وحكمته أن نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلة ومنها ما
يكون بالمال كالزكاة ومنها ما يكون بهما معا كالحج ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء وحتى النوع الواحد
ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة والفرائض تتنوع وكذلك السنن مثل الصلة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة
في اليوم ومنها ما هو أقل منزلة كالربع قبل العصر وصلة الضحى ومنها ما هو أعلى كصلة الليل وهو
كيفيات متعددة منها مثنى مثنى أو أربع ثم أربع ثم يوتر ومنها خمس أو سبع أو تسع بتشهد واحد ،وهكذا من
يتتبع العبادات يجد تنويعا عظيما في العداد والوقات والهيئات والصفات والحكام ولعل من الحكمة في ذلك
أن ل تمل النفس ويستمر التجدد ،ثم إن النفس ليست متماثلة في انجذابها وإمكاناتها وقد تستلذ بعض النفوس
بعبادات أكثر من غيرها ،وسبحان الذي جعل أبواب الجنة على أنواع العبادات كما جاء في حديث أبي
هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ( :من أنفق زوجين في سبيل ال نودي من
أبواب الجنة :يا عبد ال هذا خير فمن كان من أهل الصلة دعي من باب الصلة ومن كان من أهل الجهاد
دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب
.والمقصود المكثرون من أصحاب النوافل في كل عبادة أما الفرائض فل بد من تأديتها الصدقة ) رواه البخاري رقم 1798
للجميع ،وقال صلى ال عليه وسلم ( :الوالد أوسط أبواب الجنة ) رواه الترمذي رقم 1900وهو في صحيح الجامع
. 7145أي بر الوالدين ،يمكن الستفادة من هذا التنوع في علج ضعف اليمان والستكثار من العبادات التي تميل إليها النفس
مع المحافظة على الفرائض والواجبات التي أمر ال بها ،وهذا ويمكن للمرء المسلم إذا استعرض نصوص العبادات أن يجد أنواعا
فريدة لها آثار ومعان لطيفة في النفس قد ل توجد في غيرها وهذان مثالن :
روى أبو ذر رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( :ثلثة يحبهم ال ،وثلثة يشنؤهم ال -
أي يبغضوهم -أما الثلثة الذين يحبهم ال الرجل يلقى العدو في الفئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح
لصحابه ،والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى
يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن )
. مسند أحمد 5/151وهو في صحيح الجامع 3074
أتى النبي صلى ال عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال له صلى ال عليه وسلم ( :أتحب أن يلين قلبك
وتدرك حاجتك ؟ أرحم اليتيم ،وامسح رأسه ،وأطعمه من طعامك ،يلن قلبك وتدرك حاجتك ) الحديث رواه
.وهذا شاهد مباشر لموضوع علج ضعف اليمان . الطبراني وله شواهد ،انظر السلسلة الصحيحة 2/533
-7ومن علجات ضعف اليمان :الخوف من سوء الخاتمة ،لنه يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد اليمان في
القلب ،أما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة منها :ضعف اليمان والنهماك في المعاصي وقد ذكر النبي صلى
ال عليه وسلم لذلك صورا مثل قوله صلى ال عليه وسلم ( :من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ -
أي يطعن -بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه -أي
يشربه في تمهل ويتجرعه -في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في
.وقد حدثت في عهده صلى ال عليه وسلم وقائع من هذا فمنها نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) صحيح مسلم رقم 109
قصة الرجل الذي كان مع عسكر المسلمين يقاتل الكفار قتالً لم يقاتله أحد مثله فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( :أما إنه من أهل
النار ) فتتبعه رجل من المسلمين فأصاب الرجل جرح شديد فاستعجل الموت فوضع سيفه بين ثديه واتكأ عليه فقتل نفسه .القصة
.وأحوال الناس في سوء الخاتمة كثيرة سطر أهل العلم عددا منها ،فمن ذلك ما ذكره في صحيح البخاري ،فتح 7/471
ابن القيم رحمه ال تعالى في كتاب " الداء والدواء " أنه قيل لبعضهم عند موته قل ل إله إل ال فقال :ل أستطيع أن أقولها ،وقيل
لخر قل ل إله إل ال فجعل يهذي بالغناء ،وقيل لتاجر -ممن ألهته تجارته عن ذكر ال -لما حضرته الوفاة قل ل إله إل ال
،ويروى أن فجعل يقول هذه قطعة جيدة هذه على قدرك هذه مشتراها رخيص حتى مات .طريق الهجرتين ص 308 :
بعض جنود الملك الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول له :قل ل إله إل ال فقال :الناصر مولي فأعاد عليه القول وأبوه يكرر
الناصر مولي ،الناصر مولي ثم مات ،وقيل لخر قل ل إله إل ال فجعل يقول الدار الفلنية أصلحوا فيها كذا والبستاني الفلني
افعلوا فيه كذا ،وقيل لحد المرابين عند موته قل ل إله إل ال فجعل يقول عشرة بأحد عشر يكررها حتى مات .الداء والدواء
.وبعضهم قد يسود لونه أو يتحول عن القبلة وقال ابن الجوزي رحمه ال لقد سمعت بعض من كنت أظن ص 289 ، 170 :
فيه كثرة خير وهو يقول في ليالي موته " ربي هو ذا يظلمني " -تعالى ال عن قوله -فاتهم ال بالظلم وهو على فراش الموت ثم
.وسبحان ال كم قال ابن الجوزي رحمه ال :فلم أزل منزعجا مهتما بتحصيل عدة ألقى بها هذا اليوم .صيد الخواطر 137
. شاهد الناس من هذا عبرا ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم .الداء والدواء 171
-8الكثار من ذكر الموت :يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ( :أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت
.وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ول ) رواه الترمذي رقم 2307وهو في صحيح الجامع 1210
يذكره أحد في ضيق من العيش إل وسعه عليه ول ذكره في سعة إل ضيقها عليه ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور ولذلك
أمر النبي صلى ال عليه وسلم بزيارتها فقال ( :كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،أل فزوروها فإنها ترق القلب ،وتدمع العين ،
.بل يجوز للمسلم أن يزور وتذكر الخرة ،ول تقولوا هجرا ) رواه الحاكم 1/376وهو في صحيح الجامع 4584
مقابر الكفار للتعاظ والدليل على ذلك ما ورد في الصحيح أنه صلى ال عليه وسلم ( :زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال :
استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ،واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ،فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه
.3/65فزيارة القبور من أعظم وسائل ترقيق القلوب وينتفع الزائر بذكر الموت وكذلك ينتفع الموتى بالدعاء لهم ومما ورد مسلم
في السنة في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ( :السلم عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم ال المستقدمين منا
.وينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر والمستأخرين وإنا إن شاء ال بكم للحقون ) رواه مسلم رقم 974
قلبه في إتيانها ويقصد بزيارته وجه ال وإصلح فساد قلبه ثم يعتبر بمن صار تحت التراب وانقطع عن الهل والحباب فليتأمل
الزائر حال من مضى من إخوانه ودرج من أقرانه الذين بلغوا المال وجمعوا الموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم
ومحا التراب محاسن وجوههم وافترقت في القبور أجزاؤهم وترمل بعدهم نساؤهم وشمل ذل اليتيم أولدهم وليتذكر آفة النخداع
بالسباب والركون إلى الصحة والشباب والميل إلى اللهو واللعب وأنه ل بد صائر إلى مصيرهم ،وليتفكر في حال الميت كيف
تهدمت رجله ،وسالت عيناه ،وأكل الدود لسانه ،وأبلى التراب أسنانه .التذكرة للقرطبي ص 16 :وما بعدها بتصرف
.
يا من يصيح إلى داعي الشقاء وقد ******** نادى به الناعيان الشيب والكبر
إن كنت ل تسمع الذكرى ففيم ترى ****** في رأسك الواعيان السمع والبصر
ليس الصم ول العمى سوى رجل ********* لم يهده الهاديان العين والثر
. البيات لعبد ال بن محمد الندلسي الشنتريني :تفسير ابن كثير 5/436
ومن أكثر ذكر الموت أكرم بثلثة أشياء :تعجيل التوبة ،وقناعة القلب ،ونشاط العبادة ،ومن نسي الموت
عوقب بثلثة أشياء :تسويف التوبة ،وترك الرضا بالكفاف ،والتكاسل بالعبادة ،ومما يؤثر في النفس من
مشاهد الموت رؤية المحتضرين فإن النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل صورته بعد مماته ما
يقطع عن النفوس لذاتها ويمنع الجفان من النوم والبدان من الراحة ويبعث على العمل ويزيد في الجتهاد .
دخل الحسن البصري على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه وشدة وما نزل به فرجع
إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له الطعام يرحمك ال فقال :يا أهله عليكم بطعامكم
. وشرابكم وال لقد رأيت مصرعا ل أزال أعمل له حتى ألقاه .التذكرة 17
ومن تمام الشعور بالموت الصلة على الجنازة ،وحملها على العناق والذهاب بها إلى المقبرة ودفن الميت ،
ومواراة التراب عليه وهذا يذكر بالخرة قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :عودوا المرضى واتبعوا الجنائز
.وبالضافة إلى ذلك فإن في اتباع الجنازة أجرا تذكركم الخرة ) رواه أحمد 3/48وهو في صحيح الجامع 4109
عظيما ذكره النبي صلى ال عليه وسلم ،بقوله ( :من شهد الجنازة من بيتها -وفي رواية :من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا
-حتى يصل عليها فله قيراط ،ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان من الجر ) قيل يا رسول ال وما القيراطان قال ( :مثل
الجبلين العظيمين ) ( وفي رواية كل قيراط مثل أحد ) .رواه الشيخان وغيرها والسياق مجموع من الروايات :أحكام
. الجنائز لللباني ص 67 :
وكان السلف رحمهم ال يذكرون الموت عند نصح رجل يواقع معصية ،فهذا أحد السلف رحمه ال وكان في
مجلسه رجل ذكر آخر بغيبة فقال واعظا الذي يغتاب " :اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك " أي عند
التكفين .
-9ومن المور التي تجدد اليمان بالقلب :تذكر منازل الخرة ،يقول ابن القيم رحمه ال تعالى " :فإذا
صحت فكرته أوجبت له البصيرة فهي نور في القلب ،يبصر به الوعد والوعيد ،والجنة والنار ،وما أعد ال
في هذه لوليائه وفي هذه لعدائه ،فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق ،وقد نزلت
ملئكة السماوات فأحاطت بهم ،وقد جاء ال وقد نصب كرسيه لفصل القضاء ،وقد أشرقت الرض بنوره
ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ،وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف ،واجتمعت الخصوم ،
وتعلق كل غريم بغريمه ولح الحوض وأكوابه عن كثب ،وكثرة العطاش ،وقل الوارد ،ونصب الجسر
للعبور ،ولز الناس إليه وقسمت النوار دون ظلمته للعبور عليه والنار يحطم بعضها بعضا تحته ،
والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين ،فينفتح في قلبه عين يرى بها ذلك ويقوم بقلبه شاهد من شواهد
.والقرآن العظيم فيه ذكر كثير الخرة يريه الخرة ودوامها والدنيا وسرعة أنقضائها .مدارج السالكين 1/123
لمشاهد اليوم الخر في سورة ق والواقعة والقيامة والمرسلت والنبأ والمطففين والتكوير ،وكذلك في مصنفات الحديث مذكورة
فيها تحت أبواب مثل القيامة ،والرقاق ،والجنة ،والنار ومن المهم كذلك في هذا الجانب قراءة كتب أهل العلم المفردة لهذا
الغرض مثل حادي الرواح لبن القيم ،والنهاية في الفتن والملحم لبن كثير ،والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة للقرطبي
،والقيامة الكبرى والجنة والنار لعمر الشقر وغيرها ،والمقصود أن مما يزيد اليمان العلم بمشاهد القيامة كالبعث والنشور ،
والحشر ،والشفاعة ،والحساب ،والجزاء ،والقصاص ،والميزان ،والحوض ،والصراط ،ودار القرار ،والجنة أو النار .
-10ومن المور التي تجدد اليمان :التفاعل مع اليات الكونية روى البخاري ومسلم وغيرهما ( :أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ) فقالت عائشة :يا رسول
ال ،أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ،وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك
الكراهية ،فقال ( :يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا :
.وكان صلى ال عليه وسلم يقوم فزعا إذا رأى الكسوف كما جاء في صحيح ( هذا عارض ممطرنا ) رواه مسلم 899
البخاري عن أبي موسى رضي ال عنه قال ( :خسفت الشمس فقام النبي صلى ال عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة ) .
.وأمرنا عليه الصلة والسلم عند الكسوف والخسوف أن نفزع إلى الصلة وأخبر أنهما من آيات ال التي فتح الباري 2/545
يخوف بها عباده ،ول شك أن تفاعل القلب مع هذه الظواهر والفزع منها يجدد اليمان في القلب ،ويذكر بعذاب ال ،وبطشه ،
وعظمته ،وقوته ،ونقمته ،وقالت عائشة ( :أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي ثم أشار إلى القمر فقال :يا عائشة :
.ومن أمثلة ذلك استعيذي بال من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ) رواه أحمد 6/237وهو في السلسلة الصحيحة
أيضا :التأثر عند المرور بمواضع الخسف والعذاب وقبور الظالمين ،فقد روى ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال لصحابه لما وصلوا الحجر ( :ل تدخلوا عليهم هؤلء المعذبين إل أن تكونوا باكين ،فإن لم تكونوا باكين فل
.هذا والناس اليوم يذهبون إليها للسياحة والتصوير فتأمل !!. تدخلوا عليهم ل يصيبكم ما أصابهم ) رواه البخاري رقم 423
-11ومن المور بالغة الهمية في علج ضعف اليمان ذكر ال تعالى وهو جلء القلوب وشفاؤها ،
ودواؤها عند اعتللها ،وهو روح العمال الصالحة وقد أمر ال به فقال ( :يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال
ذكرا كثيرا ) ووعد بالفلح من أكثر منه فقال ( :واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون ) وذكر ال أكبر من كل
شيء قال ال تعالى ( :ولذكر ال أكبر ) وهو وصية النبي صلى ال عليه وسلم لمن كثرت عليه شرائع
السلم فقال له ( :ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال ) رواه الترمذي 3375وقال حديث حسن غريب وهو
.وهو مرضاة للرحمن مطردة للشيطان مزيل للهم والغم وجالب للرزق فاتح لبواب المعرفة وهو غراس في صحيح الكلم 3
الجنة وسبب لترك آفات اللسان ،وهو سلوة أحزان الفقراء الذين ل يجدون ما يتصدقون به فعوضهم ال بالذكر الذي ينوب عن
الطاعات البدنية والمالية ويقوم مقامها ،وترك ذكر ال من أسباب قسوة القلب :
ولذلك ل بد لمن يريد علج ضعف إيمانه من الكثار من ذكر ال قال تعالى ( :واذكر ربك إذا نسيت ) .
.وقال ابن القيم رحمه ال وقال ال تعالى مبينا أثر الذكر على القلب ( :أل بذكر ال تطمئن القلوب ) الرعد 28/
تعالى عن العلج بالذكر " :في القلب قسوة ل يذيبها إل ذكر ال تعالى فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر ال تعالى .وقال
رجل للحسن البصري رحمه ال :يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال أذبه بالذكر .وهذا لن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت
به القسوة ،فإذا ذكر ال تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ،فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر ال عز وجل و "
الذكر شفاء القلب ودواؤه ،والغفلة مرضه وشفاؤها ودواؤها في ذكر ال تعالى قال مكحول ذكر ال تعالى شفاء ،وذكر الناس داء "
. الوابل الصيب رافع الكلم الطيب 142
وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان .قال بعض السلف :إذا تمكن الذكر
من القلب ،فإذا دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع النسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين -
أي يجتمعون على الشيطان الذي حاول أن يتقرب من قلب المؤمن -فيقولون ما لهذا ،فيقال :قد مسه
.وأكثر الناس الذين تمسهم الشياطين هم من أهل الغفلة الذين لم يتحصنوا بالوراد النسي ! مدارج السالكين 2/424
والذكار ،ولذلك سهل تلبس الشياطين بهم .
وبعض الذين يشكون من ضعف اليمان تثقل عليهم بعض وسائل العلج كقيام الليل والنوافل فيكون من
المناسب لهم البدء بهذا العلج والحرص عليه فيحفظون من الذكار المطلقة ما يرددونه باستمرار مثل " :ل
إله إل ال ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير " و " سبحان ال وبحمده ،وسبحان
ال العظيم " و " ل حول ول قوة إل بال " وغيرها ،ويحفظون كذلك من الذكار المقيدة التي جاءت في السنة
ما يرددونه إذا حان وقته زمانا أو مكانا مثل أذكار الصباح والمساء والنوم والستيقاظ والرؤى والحلم
والكل والخلء والسفر والمطر والذان والمسجد والستخارة والمصيبة والمقابر والريح ورؤية الهلل
وركوب الدابة والسلم والعطاس وصياح الديكة والنهيق والنباح وكفارة المجلس ورؤية أهل البلء وغيرها ،
ول ريب أن من حافظ على هذه سيجد الثر مباشرا في قلبه .لشيخ السلم ابن تيمة رسالة مفيدة في الذكار
اسماها الكلم الطيب اختصرها اللباني باسم صحيح الكلم الطيب .
-12ومن المور التي تجدد اليمان مناجاة ال والنكسار بين يديه عز وجل ،وكلما كان العبد أكثر ذلة
وخضوعا كان إلى ال أقرب ولهذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :أقرب ما يكون العبد من ربه وهو
.لن حال السجود فيها ذلة وخضوع ليست في بقية الهيئات والوضاع ،فلما ألزق ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم 482
العبد جبهته في الرض -وهي أعلى شيء فيه -صار أقرب ما يكون من ربه .يقول ابن القيم رحمه ال في كلم جميل بلسان
الذلة والنكسار للتائب بين يدي ال " :فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال :أسألك بعزك وذلي إل رحمتني ،أسألك بقوتك
وضعفي ،وبغناك عني وفقري إليك ،هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ،عبيدك سواي كثير ،ل ملجأ ول منجا منك إل
إليك ،أسألك مسألة المساكين ،وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ،وأدعوك دعاء الخائف الضرير ،سؤال من خضعت لك رقبته
ورغم لك أنفه ،وفاضت لك عيناه ،وذل لك قلبه " فعندما يأتي العبد بمثل هذه الكلمات مناجيا ربه فإن اليمان يتضاعف في قلبه
أضعافا مضاعفة .
وكذلك إظهار الفتقار إلى ال مما يقوي اليمان وال سبحانه وتعالى قد أخبرنا بفقرنا إليه وحاجتنا له فقال
سبحانه ( :يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد ) فاطر . 15/
-13قصر المل :وهذا مهم جدا في تجديد اليمان ،يقول ابن القيم رحمه ال " :ومن أعظم ما فيها هذه
الية ( أفرأيت إن متعناهم سنين ،ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ،ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) الشعراء /
( 205كأن لم يلبثوا إل ساعة من نهار ) فهذه كل الدنيا فل يطول النسان المل ،يقول :سأعيش وسأعيش ،قال بعض السلف
لرجل صلّي بنا الظهر ،فقال الرجل :إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر ،فقال :وكأنك تؤمل أن تعيش لصلة العصر ،
نعوذ بال من طول المل .
-14التفكر في حقارة الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد قال ال تعالى ( :وما الحياة الدنيا إل متاع
الغرور ) وقال النبي صلى ال عليه وسلم ( :إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلً ،فانظر ما يخرج من
ابن آدم وإن قزحه وملحه ،قد علم إلى ما يصير ) رواه الطبراني في الكبير 1/198وهو في السلسلة
.وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ( :الدنيا ملعونة ملعون الصحيحة رقم 382
ما فيها إل ذكر ال وما واله أو علما أو متعلما ) رواه ابن ماجه رقم 4112وهو في صحيح الترغيب والترهيب رقم
. 71
-15ومن المور المجددة لليمان في القلب :تعظيم حرمات ال ،يقول ال تعالى ( :ومن يعظم شعائر ال
.وحرمات ال هي حقوق ال سبحانه وتعالى ،وقد تكون في الشخاص وقد تكون في فإنها من تقوى القلوب ) الحج 32/
المكنة وقد تكون في الزمنة ،فمن تعظيم حرمات ال في الشخاص القيام بحق الرسول صلى ال عليه وسلم مثلً ،ومن تعظيم
شعائر ال في المكنة تعظيم الحرم مثلً ،ومن تعظيم شعائر ال في الزمنة تعظيم شهر رمضان مثلً ( :ومن يعظم حرمات ال
،ومن التعظيم لحرمات ال عدم احتقار الصغائر وقد روى عبد ال بن مسعود رضي ال عنه فهو خير له عند ربه ) الحج 30/
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال ( :إياكم ومحقرات الذنوب ،فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ) وإن رسول ال
صلى ال عليه وسلم ضرب لهن مثلً كمثل قوم نزلوا أرض فلة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ،والرجل
يجيء بالعود ،حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها .رواه أحمد 1/402وهو في السلسلة الصحيحة
.389
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر " :كثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها هينة وهي تقدح في
الصول ،مثل إطلق البصر في المحرمات ،وكاستعارة بعض طلب العلم جزءا ل يردونه ) وقال بعض
السلف " :تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف " وهذا من تواضعه رحمه ال .
-16ومن المور التي تجدد اليمان في القلب :الولء والبراء أي موالة المؤمنين ومعاداة الكافرين ،وذلك
أن القلب إذا تعلق بأعداء ال يضعف جدا وتذوى معاني العقيدة فيه ،فإذا جرد الولء ل فوالي عباد ال
المؤمنين وناصرهم ،وعادى أعداء ال ومقتهم فإنه يحيى باليمان .
-17وللتواضع دور فعال في تجديد اليمان وجلء القلب من صدأ الكبر ،لن التواضع في الكلم والمظهر
دال على تواضع القلب ال ،وقد قال صلى ال عليه وسلم ( :البذاذة من اليمان ) رواه ابن ماجه 4118
.وقال وهو في السلسلة الصحيحة رقم 341ومعناه أراد التواضع في الهيئة واللباس انظر النهاية لبن الثير 1/110
أيضا :من ترك اللباس تواضعا ل وهو يقدر عليه ،دعاه ال يوم القيامة على رؤوس الخلئق حتى يخيره من أي حلل اليمان شاء
.وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي ال ل يلبسها ) رواه الترمذي رقم 2481وهو في السلسلة الصحيحة 718
يعرف من بين عبيده .
-18وهناك أعمال للقلوب ،مهمة في تجديد اليمان مثل محبة ال والخوف منه ورجائه وحسن الظن به
والتوكل عليه ،والرضا به وبقضائه ،والشكر له والصدق معه واليقين به ،والثقة به سبحانه ،والتوبة إليه
وما سوى ذلك من العمال القلبية .
وهناك مقامات ينبغي على العبد الوصول إليها لستكمال العلج كالستقامة والنابة والتذكر والعتصام
بالكتاب والسنة والخشوع والزهد والورع والمراقبة وقد أفاض في هذه المقامات ابن القيم رحمه ال تعالى في
كتابه مدارج السالكين .
-19ومحاسبة النفس مهمة في تجديد اليمان يقول جل وعل ( :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما
وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه " :حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " ويقول الحسن ل تلقى قدمت لغد ) الحشر 18/
المؤمن إل وهو يحاسب نفسه ،وقال ميمون بن مهران إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح .
وقال ابن القيم رحمه ال :وهلك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها .
فل بد أن يكون للمسلم وقت يخلو فيه بنفسه فيراجعها ويحاسبها وينظر في شأنها ،وماذا قدم من الزاد ليوم
المعاد .
-20وختاما فإن دعاء ال عز وجل من أقوى السباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي صلى
ال عليه وسلم ( :إن اليمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا ال أن يجدد اليمان في
قلوبكم ) .
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد اليمان في قلوبنا ،اللهم حبب إلينا اليمان وزينه في
قلوبنا ،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ،سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين .