أصول مذهب الشيعة كامل

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 789

‫أصول مذهب الشيعة‬

‫المامية الثني عشرية‬


‫عرض ونقد‬
‫تأليف‬
‫دكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ .‬من‬
‫يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فإن من أصول السلم العظيمة العتصام بحبل ال جميعا وعدم التفرق قال تعالى‪:‬‬
‫جمِيعًا وَ َل تَ َفرّقُواْ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ]103 :‬وقال سبحانه‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ‬
‫ح ْبلِ الّلهِ َ‬
‫صمُو ْا بِ َ‬
‫ع َت ِ‬
‫{وَا ْ‬
‫شيْءٍ} [النعام‪ ،‬آية‪.]159 :‬‬
‫ت ِمنْهُمْ فِي َ‬
‫شيَعًا ّلسْ َ‬
‫دِينَهُمْ َوكَانُواْ ِ‬
‫وقد كان المسلمون على ما بعث ال به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح‬
‫المنقول وصريح المعقول‪ ،‬فلما قتل عثمان ‪ -‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ -‬ووقعت الفتنة‪ ،‬فاقتتل‬
‫[المارقة‪ :‬لقب من ألقاب الخوارج‪ ،‬والخوارج‪ :‬هم الذين خرجوا على علي ‪-‬‬ ‫المسلمون بصفين‪ ،‬مرقت المارقة‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬بعد التحكيم‪ ،‬فقاتلهم علي يوم النهروان‪ ،‬وقد أمر النبي صلى ال عليه وسلم بقتالهم في الحاديث‬
‫الصحيحة‪ ،‬ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم‪ ،‬أخرج البخاري منها ثلثة‪ ،‬وأخرج مسلم سائرها (شرح الطحاوية‬
‫ص ‪ )530‬وساقها جميعا ابن القيم في تهذيب السنن‪ ،153-4/148 :‬وانظر في عقائدهم وفرقهم‪ :‬الفرق بين الفرق‪،‬‬
‫ص ‪ 72‬وما بعدها‪ ،‬الملل والنحل ‪ 1/146 :‬وما بعدها‪ ،‬الفصل ‪ ].56-5/51 :‬التي قال فيها النبي صلى ال‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫عليه وسلم‪" :‬تمرق مارق على حين فرقة من المسلمين‪ ،‬يقتلهم أولى الطائفتين بالحق"‬
‫صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ]7/168 :‬وكان مروقها لما حكم‬
‫الحكمان‪ ،‬وتفرق الناس على غير اتفاق‪.‬‬
‫ثم حدث بعد بدعة الخوارج بدع التشيع [انظر‪ :‬منهاج السنة لبن تيمية‪ ،]219-1/218 :‬وتتابع خروج‬
‫الفرق‪ ،‬كما أخبر بذلك المصطفى صلى ال عليه وسلم [انظر‪ :‬ص (‪ )112‬هامش رقم (‪ .].)4‬وقد خرج‬
‫التشيع من الكوفة [مجموعة فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،].20/301 :‬ولذلك جاء في أخبار الشيعة بأنه‬
‫لم يقبل دعوتهم من أمصار المسلمين إل الكوفة [بحار النوار‪ .].100/259 :‬ثم انتشر بعد ذلك في‬
‫غيرها‪ ،‬كما خرج الرجاء أيضا من الكوفة‪ ،‬وظهر القدر‪ ،‬والعتزال‪ ،‬والنسك الفاسد من‬
‫البصرة‪ ،‬ظهر التجهم من ناحية خراسان‪.‬‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬ ‫وكان ظهور هذه البدع بحسب البعد عن "الدار النبوية"‬
‫‪ ].301-20/300‬لن البدعة ل تنمو وتنتشر إل في ظل الجهل‪ ،‬وغيبة أهل العلم واليمان‪ ،‬ولذلك‬
‫‪2‬‬
‫[شرح أصول‬ ‫قال بعض السلف‪ :‬من سعادة الحدث والعجمي أن يوفقهما ال للعالم من أهل السنة‬
‫اعتقاد أهل السنة لللكائي‪ ، 1/60 :‬والقول ليوب السختياني‪].‬؛ وذلك لسرعة تأثرها هؤلء بأعاصير الفتنة‬
‫والبدعة لضعف قدرتهم على معرفة ضللها‪ ،‬واكتشاف عوارها‪ ،‬ولذا فإن خير منهج لمقاومة‬
‫البدعة‪ ،‬ودرء الفرقة‪ ،‬هو نشر السنة بين الناس‪ ،‬وبين ضلل الخارجين عنها‪ ،‬ولذلك نهض أئمة‬
‫السنة بهذا المر‪ ،‬وبينوا حال أهل البدعة‪ ،‬وردوا شبهاتها‪ ،‬كما فعل المام أحمد في الرد على‬
‫الزنادقة والجهمية‪ ،‬والمام البخاري في الرد على الجهمية‪ ،‬وابن قتيبة في الرد على الجهمية‬
‫والمشبهة‪ ،‬والدارمي في الرد على بشر المريسي وغيرهم‪.‬‬
‫ول شك بأن بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة‪ ،‬والمجانبة للسنة ضروري لرفع‬
‫اللتباس‪ ،‬وبيان الحق للناس‪ ،‬ونشر دين ال سبحانه‪ ،‬وإقامة الحجة على تلك الطوائف‪ ،‬ليهلك‬
‫من هلك عن بينة‪ ،‬ويحيا من حيّ عن بينة‪ ،‬فإن الحق ل يكاد يخفى على أحد‪ ،‬وإنما يضلل‬
‫هؤلء أتباعهم بالشبهات والقوال الموهمة‪ ،‬ولذلك فإن أتباع تلك الطوائف هم ما بين زنديق‪ ،‬أو‬
‫جاهل‪ ،‬ومن الضروري تعليم الجاهل‪ ،‬وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر‪.‬‬
‫وبيان حال أئمة البدع المخالفة للكتاب والسنة واجب باتفاق المسلمين "حتى قيل لحمد بن‬
‫حنبل‪ :‬الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك‪ ،‬أو يتكلم في أهل البدع؟‬
‫فقال‪ :‬إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه‪ ،‬وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين‪،‬‬
‫هذا أفضل‪.‬‬
‫فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل ال‪ ،‬إذ تطهير سبيل ال‬
‫ودينه ومنهاجه وشرعته‪ ،‬دفع بغي هؤلء وعدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين‪ ،‬ولول من‬
‫يقيمه ال لدفع ضرر هؤلء لفسد الدين‪ ،‬وكان فساده أعظم من فساد استيلء العدو من أهل‬
‫الحرب‪ ،‬فإن هؤلء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إل تبعا‪ ،‬وأما أولئك فهم‬
‫يفسدون القلوب ابتداء" [ابن تيمية‪ /‬مجموعة الرسائل والمسائل‪.].5/110 :‬‬
‫وقد وجد العدو المتربص بالمة في هذه الفرق الخارجة عن الجماعة‪ ،‬وسيلة ليقاع الفتنة في‬
‫المة‪ ،‬ول يبعد أنه اليوم يريد أن يستثمر هذه المسألة لمواجهة بوادر البعث السلمي المتنامي‬
‫في أرجاء المعمورة‪ ،‬والوقوف في وجه الصحوة السلمية التي امتدت إلى عقر داره‪ ،‬وهو‬
‫يتخذ من تقارير مستشاريه ‪ -‬الذين يهتمون أبلغ الهتمام بتاريخ تلك الطوائف وعقائدهم ‪-‬‬
‫منهجا يحتذيه في علقته مع المسلمين ودولهم‪.‬‬
‫ولذا نلحظ أنه يغذي بعض هذه الطوائف‪ ،‬ويهيئ الوسائل لوصولها لدفة الحكم والتوجيه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ول شك أن بيان الحق في أمر هذه الفرق فيه تفويت للفرصة أمام العدو لتوسيع رقعة‬
‫الخلف واستمراره؛ فإن ترك رؤوس زنادقة البدع يسعون لضلل الناس‪ ،‬ويعملون على تكثير‬
‫سوادهم‪ ،‬والتغرير بأتباعهم‪ ،‬ويدعون أن ما هم عليه هو السلم‪ ،‬هو من باب الصد عن دين‬
‫ال وشرعه‪ ،‬حتى أن من أسباب خروج الملحدة ظنهم أن السلم هو ما عليه فرق أهل‬
‫البدعة‪ ،‬ورأوا أن ذلك فاسدٌ في العقل فكفروا بالدين أصلً‪.‬‬
‫ومعظم الفرق التي خرجت عن الجماعة ضعف نشاطها اليوم‪ ،‬وفتر حماسها وتقلص أتباعها‪،‬‬
‫وانكفأت على نفسها‪ ،‬وقلت منابذتها أهل السنة‪.‬‬
‫أما طائفة الشيعة فإن هجومها على أهل السنة‪ ،‬وتجريحها لرجالهم‪ ،‬وطعنها في مذهبهم‪،‬‬
‫وسعيها لنشر التشيع بينهم يزداد يوما بعد يوم‪.‬‬
‫ولعل طائفة الثني عشرية هي أشد فرق الشيعة سعيا في هذا الباب لضلل العباد إن لم تكن‬
‫الفرقة الوحيدة التي تُكثر من التطاول على السنة‪ ،‬والكيد لها على الدوام مما ل تجده عند فرقة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة "الماجستير"‪ ،‬حيث كان موضوعها "فكرة‬
‫التقريب بين أهل السنة والشيعة" وبعد أن انتهيت من دراسة مسألة التقريب‪ ،‬رغبت أن أتجه في‬
‫دراستي للدكتوراه إلى تحقيق بعض كتب التراث‪ ،‬وتقدمت إلى القسم بطلب الموافقة على تحقيق‬
‫الجزء الول "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬ولكن أشار عليّ‬
‫بعض الساتذة الفضلء في القسم وخارجه بالستمرار في دراسة قضية الشيعة؛ لهميتها‬
‫وضرورة دراستها دراسة علمية موضوعية‪.‬‬
‫وبعد الستشارة والستخارة عقدت العزم على أن أدرس العقائد الساسية للمذهب الثني‬
‫عشري‪ ،‬وأنا على علم بأن الجهد الذي يتطلبه هذا الموضع يفوق الموضوع الول كثيرا‪ ،‬لنني‬
‫‪ -‬كما سيتبين ‪ -‬أمام دارسة دين بأكمله‪ ،‬ل كتاب شخص واحد‪.‬‬
‫وقد اخترت طائفة الثني عشرية بالذات من بين طوائف الشيعة لعدة أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها‪ ،‬وتراثها تمثل نحلة كبرى‪ ،‬حتى أنهم‬
‫[العتقادات لبن بابويه يسمى "دين المامية" انظر‪( :‬الفهرست‬ ‫يسمون مسائل اعتقادهم "دين المامية"‬
‫للطوسي‪ :‬ص ‪ ،189‬أغا بزرك‪ /‬الذريعة‪ ].)2/226 :‬ل مذهب المامية‪ ،‬وذلك لنفصالها عن دين المة‪،‬‬
‫وبحسبك أن تعرف أن أحد مصادرها في الحديث عن الئمة يبلغ مائة وعشرة مجلدات وهو‬
‫"بحار النوار" لشيخهم المجلسي (ت ‪1111‬ه‍)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ثانيا‪ :‬اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه‪ ،‬وعندها دعاة متفرغون ومنظمون‪ ،‬ولها‬
‫في كل مكان (غالبا) خلية ونشاط‪ ،‬وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل‬
‫السنة‪ ،‬ول أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها‬
‫والهتمام بذلك ‪.‬‬
‫هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم السلمي‪ ،‬وتصدير ثروتها‪ ،‬وإقامة دولتها‬
‫الكبرى بمختلف الوسائل‪.‬‬
‫وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين‪ ..‬ومن‬
‫يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله المر‪ ،‬حيث يجد قبائل بأكملها قد‬
‫تشيعت‪.‬‬
‫وقد تحولت سفارات دولة الشيعة في إيران إلى مركز للدعوة إلى مذهبها في صفف الطلبة‪،‬‬
‫والعاملين المسلمين في العالم‪ .‬وهي تهتم بدعوة المسلمين أكثر من اهتمامها بدعوة الكافرين‬
‫[انظر سبب ذلك في ص ( ‪ )715-714‬من هذه الرسالة‪ ،‬ومجموع فتاوى شيخ السلم‪.].28/478 :‬‬
‫ولشك أن المسؤولية كبيرة في إيضاح الحقيقة أمام المسلمين‪ .‬ولسيما الذين دخلوا في سلك‬
‫التشيع حبا لهل البيت واعتقادها منهم أن هذا الطريق عين الحق‪ ،‬وطريق الصدق‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن هذه هي الطائفة الشيعية الكبرى في عالم اليوم‪ ،‬وقد احتوت معظم الفرق الشيعية‬
‫التي وجدت على مسرح التاريخ‪ ،‬تمثل مصادرها في التلقي‪ ،‬خلصة أفكار التجاهات الشيعية‬
‫المختلفة ومستقرها التي ظهرت على امتداد الزمن‪ ،‬حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أطلق ل ينصر‬
‫إل إليها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬هذه الفرقة لها اهتمام دعائي في الدعوة للتقارب مع أهل السنة‪ ،‬وقد أقامت المراكز‪،‬‬
‫[انظر‪" :‬فكرة التقريب بين أهل‬ ‫وأرسلت الدعاة‪ ،‬وأنشأت الجمعيات التي ترفع شار الوحدة السلمية‬
‫السنة والشيعة"‪ :‬ص ‪ 511‬وما بعدها‪.].‬‬
‫خامسا‪ :‬هذه الطائفة تكثر من القول بأن مذهبها ل يختلف عن مذهب أهل السنة‪ ،‬وأنها‬
‫مظلومة ومفترى عليها‪ ،‬ولها اهتمام كبير بالدفاع عن مذهبها‪ ،‬ونشر الكتب والرسائل الكثيرة‬
‫للدعاية له‪ ،‬وتتبع كتب أهل السنة ومحاولة الرد عليها‪ ،‬مما ل يوجد مثله عند طائفة أخرى‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬كثرة مهاجمة هذه الطائفة لهل السنة‪ ،‬ول سيما صحابة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وطعنها في أمهات كتب المسلمين‪ ،‬عبر مؤلفاتهم التي يخرج سنويا العشرات من الكتب‪..‬‬
‫كذلك مهاجمتها بعنف وضراوة لكل من يكتب عنها أو يتعرض لمذهبها بالنقد‪ ،‬تحت ستار أن‬

‫‪5‬‬
‫هذه الكتابات تعيق التقريب‪ ،‬وتعرقل مساعي الوحدة السلمية‪ ،‬فانصرفت أكثر القلم عن‬
‫الكتابة عنها‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬استرعى انتباهي تضخم الخلف حول حقيقة الثني عشرية لدى الكتاب المعاصرين‪:‬‬
‫فمن فريق يرى أنهم كفرة‪ ،‬وأن غلهم تجاوز الحدود السلمية‪ ،‬كما في كتابات الستاذ محب‬
‫[انظر‪ :‬الخطوط العريضة للخطيب‪ ،‬والشيعة‬ ‫الدين الخطيب‪ ،‬وإحسان إلهي ظهير‪ ،‬وإبراهيم الجبهان‬
‫والسنة لحسان إلهي ظهير‪ ،‬وتبديل الظلم للجبهان‪ ].‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفريق يرى أن الثني عشرية طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق‬
‫[نشأة الفكر الفلسفي للنشار‪ ،‬الجزء‬ ‫الباطنية‪ ،‬مثل‪ :‬كتابات النشار‪ ،‬وسليمان دنيا‪ ،‬ومصطفى الشكعة‬
‫الثاني ص ‪ ،13‬والشيعة وأهل السنة سليمان دنيا‪ ،‬و إسلم بل مذاهب لمصطفى الشكعة ص ‪ ].194‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفريق ثالث التبس عليه المر حتى ذهب يستفتي شيوخ الشيعة الثني عشرية فيما كتبه عنهم‬
‫إحسان إلهي ظهير‪ ،‬ومحب الدين الخطيب‪ ،‬كما تجد ذلك فيما كتبه البهنساوي في "السنة‬
‫المفترى عليها"‪.‬‬
‫ومن خلل هذه الختلفات قد تضيع الحقيقة‪ ،‬أو تخفى على الكثير‪.‬‬
‫ولذلك فقد راعيت في هذه الرسالة – ول سيما في باب الشيعة المعاصرين ‪ -‬الستماع إلى‬
‫أصوات الشيعة المدافعين عن مذهبهم والناقدين لما كتبه بعض أهل السنة عن معتقدهم‪ ،‬ومناقشة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ولقد كتب أسلفنا عن الثني عشرية‪ ،‬وهي التي يسمونها بالرافضة‪ ،‬وكان لمصنفاتهم أثرها‪،‬‬
‫كما في كتابات أبي نعيم‪ ،‬وشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬المقدسي‪ ،‬والفيروزآبادي‪ ،‬وما في كتب‬
‫الفرق والعقيدة‪ ،‬ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها‪ ،‬وجملة منها يحمل‬
‫صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة‪ ،‬ول تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل‪.‬‬
‫كما أن الثني عشرية لمهارتها في التقية‪ ،‬قد خفي أمرها؛ حتى نجد في شرح صحيح مسلم‬
‫[شرح صحيح‬ ‫القول بأن المامية ل تكفر الصحابة‪ ،‬و إنما ترى أنهم أخطأوا في تقديم أبي بكر‬
‫مسلم‪ .].174 /15 :‬ونرى شيخ السلم ابن تيمية على اهتمامه بالمذهب الرافضي ونقده‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت ال‬
‫‪.].2/124‬‬
‫بينما هذه القضية تجدها اليوم مقررة في أمهات كتبهم في عشرات الروايات والعديد من‬
‫البواب‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" ل تجد له ذكرا عند الشعري‪ ،‬أو ابن‬
‫حزام‪ ،‬أو ابن تيمية‪ ،‬وهو اليوم الصل الول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الئمة الذي‬
‫هو أساس مذهبها‪.‬‬
‫وأيضا فإن طبيعة هذا المذهب أنه يتطور من وقت لخر‪ ،‬ويتغير من جيل لجيل‪ ،‬حتى أن‬
‫الممقاني أكبر شيوخهم في هذا العصر يقول‪ :‬إن ما يعتبر غلوا عند الشيعة الماضين أصبح‬
‫اليوم من ضرورات المذهب [سيأتي بنصه في ص (‪ .].)373‬هذه الطبيعة المتغيرة تقتضي التعرف‬
‫على الوجه الحقيقي للثني عشرية في عصرنا‪.‬‬
‫كما أن جل الردود التي تسود المصنفات التي كتبها الئمة السابقون ‪ -‬رحمة ال عليهم‬
‫أجمعين ‪ -‬هي على شبهات يثيرها الشيعة من كتب السنة نفسها؛ فيرد عليها أهل السنة مبينين‬
‫أن تلك النصوص التي يتمسك بها الشيعة إما موضوعة‪ ،‬وإما ضعيفة‪ ،‬أو بعيدة عن استدللهم‬
‫الفاسد‪.‬‬
‫ولكن الشيعة ل تؤمن بكتب أهل السنة كلها أصلً‪ ،‬وهي تثير هذه الشبهات إلى اليوم لتحقيق‬
‫أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬إشغال أهل السنة بهذه الشبهات‪ ،‬حتى ل يتفرغوا لنقد كتبهم‪ ،‬ونصوصهم‪ ،‬ورجال‬
‫رواياتهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إقناع الحائرين والمتشككين من أهل طائفتهم بدعوى أن ما هم عليه من شذوذ وهو‬
‫موضع اتفاق بين السنة والشيعة‪.‬‬
‫ولكن كتب الشيعة اليم قد توفرت بشكل لم يعهد من قبل‪ ..‬فينبغي أن تكون من أهم ركائز‬
‫الدراسة والنقد؛ لن الحجة على كل طائفة إنما تقام بما تصدقه وتؤمن به‪.‬‬
‫أما الكتابات المعاصرة من قبل أهل السنة عن الثني عشرية فهي قليلة بالنسبة لما يكتبه‬
‫الشيعة عن أهل السنة‪.‬‬
‫وهي بالنسبة للثني عشرية ل تكفي‪ ،‬فمذهبهم قائم على مئات الكتب التي تخدم المذهب‪،‬‬
‫وتدعو إليه‪ ،‬وتمثل فكره ووجهته‪ ،‬ودراستها ونقدها يحتاج لجهد أكبر‪ ،‬وعمل أوسع‪.‬‬
‫ولقد رأيت في هذه المؤلفات أنها أغفلت جوانب مهمة في دراسة الثني عشرية؛ كعقيدتهم ‪-‬‬
‫مثلً ‪ -‬في أصول الدين‪ ،‬وهو ما حاولت القيام بدراسته في الباب الثاني من هذه الرسالة‪.‬‬
‫كذلك معرفة آراء المعاصرين من الشيعة وتوجهاتهم‪ ،‬وصلتهم بالفرق القديمة‪ ،‬وكتبهم‬
‫السابقة‪ ،‬وهو ما يتحدث عنه الباب الرابع‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫والموضوع ‪ -‬حقيقة ‪ -‬كان من السعة والتشعب‪ ،‬بحيث يحتاج إلى دراسات جديدة ترتاد آفاقا‬
‫مازالت مجهولة في المذهب الثني عشري‪ ،‬ولذلك نحوت في دراسة الموضوع منحا علميا‬
‫تكشفت فيه معالم جديدة‪ ،‬لعل من أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬دراسة مذهب الثني عشرية في أصول الدين وهي منطقة في معظم مسائلها مجهولة‪،‬‬
‫لن الشيعة يتسترون عليها‪ ،‬والباحثين من أهل السنة لم يطرقوها‪ .‬وقد شكل ذلك بابا كاملً في‬
‫الرسالة هو الباب الثاني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أماطت هذه الدراسة اللثام عن عقائد لم يطرقها أحد من قبل ‪ -‬حسب علمي ‪ -‬كعقيدة‬
‫أن القرآن ليس حجة إل بقيم‪ ،‬وأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم‪ ،‬وعقيدة الظهور‪ ،‬والطينة‬
‫[قد أشار الشيخ تونسوي في كتابه "عقائد الشيعة" إلى هذه العقيدة إشارة مقتضبة‪ ،‬ونقل نصا واحدا من الكافي ل‬
‫[والباحثون يخلطون بينها وبين عقدية‬ ‫يصور هذه العقيدة بكاملها‪ ،].‬ودعوى تنزل كتب إلهية على الئمة‬
‫التحريف عند الشيعة‪.].‬‬
‫كما كشفت عن متى بدأت فرية التحريف في المذهب الثني عشري‪ ،‬وأول كتاب سجلت فيه‬
‫هذه الفرية‪ ،‬واكتشاف وضع هذا الكتاب ومتى وضع‪.‬‬
‫كذلك تم اكتشاف صلة شيخ السلم ابن تيمية ومنهاج السنة‪ ،‬بأكبر تحول في تقويم‬
‫النصوص عندهم وتقسيمها إلى صحيح‪ ،‬وضعيف وموثق‪.‬‬
‫وحققت القول بوجود المهدي الذي يقوم عليه مذهب الثني عشرية اليوم وعرض شهادات‬
‫مهمة صادرة من أسرة الحسن العسكري‪ ،‬وأهل البيت والحسن العسكري نفسه‪ ،‬ومأخوذة من‬
‫كتب الشيعة ذاتها‪.‬‬
‫وغير ذلك مما قد يجده الباحث في هذه الرسالة‪.‬‬
‫وإنني أذكر هذه المسائل حتى تتضح للقارئ مواضع الضافة التي يمكن أن يفيد منها‪ ..‬ذلك‬
‫أنني حاولت أن أكتفي في المسائل المبحوثة بالشارة أو التيان بنصوص جديدة‪ ،‬كما في مسألة‬
‫تكفيرهم للشيخين‪ ،‬التي تجد النصوص التي تكشف تورط الشيعة فيها من خلل ما كتبه الشيخ‬
‫موسى جار ال وإحسان إلهي ظهير‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬فحاولت أن أقدم نصوصا شيعية تعبر عن‬
‫الشيخين برموز خاصة‪ ،‬ثم أوردت تفسيرها من كتب الثني عشرية نفسها‪.‬‬
‫أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع‪ ،‬والجديد الذي يحتمل إضافته‪ ،‬فإن‬
‫أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه‪ ،‬وإذا كان لبد من إشارات في هذا التقديم فأقول‪:‬‬
‫قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها أل أنظر في المصادر الناقلة عنهم‪ ،‬وأن أتعامل‬
‫مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى ل يتوجه البحث وجهة أخرى‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وحاولت ‪ -‬جهد الطاقة ‪ -‬أن أكون موضوعيا‪ ،‬ضمن الطار الذي يتطلبه موضوع له صلة‬
‫وثيقة بالعقدية كموضعي هذا‪.‬‬
‫والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة‪ ،‬أن تختار المصادر المعتمدة عندهم‪ ،‬وأن‬
‫تعدل في الحكم‪ ،‬وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ‪ -‬ما‬
‫أمكن ‪.-‬‬
‫أما إنكار ما أقف عليه من منكر‪ ،‬بيان فساده‪ ،‬فهذا ليس خروجا عن الموضوعية‪ ،‬بل هو‬
‫جزء من واجب كل مسلم‪ ،‬فمن يتعرض لكتاب ال سبحانه‪ ،‬ويدعي فيه نقصا وتحريفا‪ ،‬أو يقول‬
‫بأن عليا هو الول والخر والظاهر الباطن‪ ،‬وأمثال هذه الكفريات الظاهرة‪ ،‬ل تملك إل أن‬
‫تصمه بما يستحقه‪ ،‬وأن تظهر فداحة جرمه‪ ،‬وشناعة معتقده‪ ،‬وإل كان في المر خداع وتغرير‬
‫بالقارئ المسلم‪.‬‬
‫ولذلك فإنني أعرض لعقائدهم بمنهج نقدي‪ ،‬وحينما أجد أن المسألة تحتاج إلى دراسة نقدية‬
‫أكثر تفصيلً أعقد لذلك مبحثا مستقلً‪ ،‬ول ألتزم ذلك دائما؛ لن في جملة من العقائد ما يكفي‬
‫لمعرفة حقيقتها بمجرد عرضها‪ ،‬ولهذا ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن تصور المذهب الباطل‬
‫يكفي في بيان فساده ول يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر‪ ،‬و إنما تقع الشبهة؛ لن أكثر‬
‫[مجموع فتاوى شيخ‬ ‫الناس ل يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم لما فيه من اللفاظ المجملة المشتركة‬
‫السلم‪( 2/138 :‬جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم)‪.].‬‬
‫ولذلك فإنني أحيانا أكتفي بمجرد تصوير حقيقة القول‪ ،‬والشارة إلى بطلنه‪ ،‬ول سيما في‬
‫المسائل الجزئية‪ ،‬كما أنني في مسائل المذهب الكبار كمسألة النص أو الصحابة‪ ،‬أزيد على ذلك‬
‫بنقد المقالة من خلل الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال أئمتهم‪ ،‬والمور المعلومة‪ ،‬والمتفق عليها‪.‬‬
‫وأسلك بوجه عام في مناقشتهم منهج النقد الداخلي للنصوص؛ وذلك عن طريق مقارنة هذه‬
‫النصوص بعضها ببعض وبيان ما بينها من تناقض ومفارقات ‪ -‬ما أمن ذلك ‪.-‬‬
‫كما أنني أحيانا أناقشهم على وفق منطقهم‪ ،‬وبمقتضى مقرراتهم وقواعدهم‪ ،‬وعلى ضوء‬
‫رواياتهم‪ ،‬ول يعني هذا الموافقة على تلك الصول‪ ،‬وقبول تلك الروايات؛ وإنما هو منهج في‬
‫النقد‪ ،‬لكشف حقيقة المذهب‪ ،‬وخروجه عن أصوله‪ ،‬وعمله ببعض رواياته وترك الخر‪.‬‬
‫ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة‪ ،‬لكن ل أغفل في الغالب ما‬
‫قالته المصادر الخرى‪ .‬ووضع المرين أمام القارئ مفيد جدا للموازنة والمقارنة‪ ،‬ومعرفة مدى‬
‫اطلع الوائل على معتقد الشيعة‪ ،‬ومقدار التغير في المذهب الشيعي عبر القرون‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كما قمت بتخريج ما يرد في البحث من الحاديث والثار‪ ،‬والتعريف بالفرق والملل‪ ،‬وبيان‬
‫المصطلحات‪ ،‬وكذلك الترجمة للعلم الذين لهم دور في تأسيس بعض عقائد الشيعة‪ ،‬أو ما‬
‫علَمٍ يرد فهذا يشغل القارئ عن الموضوع‬
‫تدعو حاجة البحث لمعرفته‪ .‬أما الترجمة لكل َ‬
‫الساسي‪ ،‬وهو موضوع مكانه كتب التاريخ التراجم‪ ،‬ولذلك فإني التزمت التعريف بكل فرقة‬
‫ترد؛ لن هذا هو القرب للتخصص والموضوع‪.‬‬
‫ولقد اكتنفت دراستي عدة صعوبات‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬أن كتب الرواية عند الشيعة ل تحظى بفهرسة‪ ،‬وليس لها تنظيم معين‪ ،‬كما هو الحال‬
‫[يوجد عندهم "مفتاح الكتب الربعة" عندي منه اثنا عشر مجلدا‪ ،‬إل أن طريقة مؤلفه في‬ ‫في كتب أهل السنة‬
‫ترتيبه تجعله أشبه بكتاب ل بفهرس‪ ،].‬ولذلك فإن المر اقتضى مني قراءة طويلة في كتب حديثهم‪،‬‬
‫حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته‪ ،‬وأحيانا أقرأ رواية رواية‪ ،‬وقرأت أصول الكافي‪،‬‬
‫وتصفحت وسائل الشيعة‪ ،‬وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في‬
‫الغالب‪.‬‬
‫فل تستطيع أن تكتب عن هذه المسألة حتى تستكمل قراءة هذه الخبار‪.‬‬
‫وأرجع كثيرا إلى شروح الكافي كشرح جامع للمازندراني‪ ،‬لفهم وجهة نظر شيوخهم في‬
‫الروايات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر‪ ،‬والعراق‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والكويت‪،‬‬
‫وباكستان‪ ،‬وحصلت من خلل ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث‬
‫وفصوله‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬طول المسافة الزمنية التي شملها البحث‪ ،‬والتي امتدت منذ نشأة الشيعة حتى اليوم‪،‬‬
‫فأمامي عشرات الكتب الشيعية في مختلف العصور أمضيت وقتا طويلً في تتبعها‪ ،‬وملحقة‬
‫التطور العقدي للشيعة في امتدادها‪.‬‬
‫مصادر الرسالة‪:‬‬
‫وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث‪،‬‬
‫والرجال‪ ،‬والعقائد‪ ،‬والفرق‪ ،‬والفقه‪ ،‬والصول‪:‬‬
‫أ‪ -‬ففي كتب التفسير رجعت إلى‪:‬‬
‫[مقدمة تفسير‬ ‫تفسير علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬الذي قالوا عنه بأنه أصل أصول التفاسير عندهم‬
‫القمي‪ :‬ص ‪ .].10‬ووثق رواياته شيخ مشايخهم في هذا العصر الذي يلقبونه "بالمام الكبر" وهو‬
‫أبو القاسم الخوئي‪ ،‬فقال‪" :‬ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى‬
‫‪10‬‬
‫[أبو القاسم الخوئي‪ /‬معجم رجال الحديث‪:‬‬ ‫عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين"‬
‫‪ .].1/63‬والقمي عندهم ثقة في الحديث‪ ،‬ثبت معتمد [رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،].197‬كان في عصر‬
‫المام العسكري‪ ،‬وعاش إلى سنة (‪307‬ه‍) [الذريعة‪ ،4/302 :‬مقدمة تفسير القمي‪ :‬ص ‪.].8‬‬
‫وكذلك تفسير العياشي الذي قال فيه شيخهم المعاصر ‪ -‬محمد حسين الطبطبائي‪" :‬أحسن‬
‫كتاب ألف قديما في بابه‪ ،‬وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور‪ ،‬فقد‬
‫تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف عام إلى يومنا هذا من غير أن يذكر بقدح‪ ،‬أو يغمض فيه‬
‫بطرف" [الطبطائي‪ /‬مقدمة حل الكتاب ومؤلفة‪ :‬صاج‪.].‬‬
‫والعياشي هو محمد بن مسعود أبو النضر‪ ،‬عاش في أواخر القرن الثالث‪ ،‬وهو عندهم جليل‬
‫القدر‪ ،‬واسع الخبار‪ ،‬بصير بالروايات [الطوسي‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪165– 163‬؟]‪.‬‬
‫وتفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي‪ ،‬من شيوخهم في القرن الثالث وأوائل القرن‬
‫الرابع [أغا بزرك الطهراني‪ /‬نوابع الرواة‪ :‬ص ‪ .].216‬وقد وثقه شيخهم المجلسي فقال‪" :‬أخبار تفسير‬
‫[بحار النوار‪ ،37 /1 :‬وانظر في بيان أنه من‬ ‫فرات موافقة لما وصل إلينا من الحاديث المعتبرة"‬
‫مصادرهم المعتبرة عند القدامى والمعاصرين‪ :‬مقدمة تفسير فرات‪ ،‬لمحمد علي الوردبادي‪.].‬‬
‫[بالضافة إلى تفسير التبيان للطوسي‪ ،‬ومجمع‬ ‫هذه أهم كتب التفسير القديمة الموجودة اليوم بين أيديهم‬
‫البيان للطبرسي‪ ،‬والتي قال فيهما بعض شيوخهم بأنهما وضعا على أسلوب التقية ‪ -‬كما سيأتي ‪ .].-‬وقد رجعت‬
‫إليها في أثناء عرض عقيدتهم في القرآن وغيره‪ ،‬ولم أكتف بتوثيق المنقول منها‪ ،‬بل شفعت ذلك‬
‫بما كتبه شيوخهم المتأخرون المعتمدون عندهم‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تفسير الصافي لشيخهم محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني‪ ،‬والذي يصفونه بـ "العلمة‬
‫المحقق‪ ،‬المدقق‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬عظيم الشأن" [الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪.].2/42 :‬‬
‫والبرهان في تفسير القرآن لشيخهم هاشم بن سليمان البحراني (المتوفى سنة ‪ 1107‬أو‬
‫[انظر‪ :‬أمل المل‪،2/341 :‬‬ ‫‪1109‬ه‍) وهو عندهم العلمة الثقة الثبت المحدث الخبير والناقد البصير‬
‫يوسف البحراني‪ /‬لؤلؤة البحرين ص ‪ ،63‬البلدي‪ /‬أنوار البدرين ص ‪.].137‬‬
‫ومرآة النوار ومشكاة السرار‪ ،‬أو مقدمة البرهان لشيخهم أبي الحسن بن محمد العاملي‬
‫الفتوني ‪ ،‬تلميذ المجلسي صاحب البحار (ت ‪1140‬ه‍) قال عنه صاحب لؤلؤة البحرين بأنه كان‬
‫محققا مدققا [يوف البحراني‪ /‬لؤلؤة البحرين‪ :‬ص ‪ ،].107‬وقال عنه صاحب روضات الجنات‪" :‬من‬
‫[الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ :‬ص ‪ .658‬ط‪ :‬الثانية‪ ،‬الزرندي‪ /‬ترجمة المؤلف‬ ‫أعاظم فقهائنا المتأخرين"‬
‫(المطبوع مع مقدمة مرآة النوار)‪ ،].‬ووصفه شيخهم النوري بالحجة وقال عن كتابه‪" :‬لم يعمل مثله"‬

‫‪11‬‬
‫[مستدرك الوسائل‪ .].3/385 :‬ومثل ذلك قال صاحب الذريعة [أغابزرك‪ /‬الذريعة‪ ،].20/264 :‬وغير ذلك‬
‫من كتب التفسير عندهم التي رجعت إليها‪ ،‬وذكرتها تبعا لما أشرت إليه ووثقته من كتبهم‪.‬‬
‫وأصحاب الكتب السابقة كلهم قالوا بتحريف القرآن‪ ،‬ولشك أن من اعتقد ذلك فهو ليس من‬
‫أهل القبلة‪ ،‬ولكني أنقل توثيقاتهم لشيوخهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما كتب حديثهم‪( :‬وهي رواياتهم عن الئمة) فقد رجعت لمصادرهم المعتمدة عندهم‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتب الربعة‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ ،‬قال شيخهم‬
‫المعاصر محمد صادق الصدر‪" :‬إن الشيعة‪ ...‬مجمعة على اعتبار الكتب الربعة‪ ،‬وقائلة بصحة‬
‫كل ما فيها من روايات ‪[ "...‬الشيعة‪ :‬ص ‪.].127‬‬
‫‪ -2‬الكتب الربعة المتأخرة وهي‪ :‬الوافي‪ ،‬وبحار النوار‪ ،‬والوسائل‪ ،‬ومستدرك الوسائل‪،‬‬
‫فتصبح مصادرهم الرئيسية ثمانية‪ .‬قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري‪" :‬وأما صحاح‬
‫المامية فهي ثمانية‪ ،‬أربعة منها للمحمدين الثلثة الوائل‪ ،‬وثلثة بعدها للمحمدين الثلثة‬
‫[منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد‬ ‫الواخر‪ ،‬وثامنها لمحمد حسين المرحوم المعاصر النوري"‬
‫الحائري ضمن كتاب الوحدة السلمية‪ :‬ص ‪.].)233‬‬
‫وقد تحدثت عن هذه المصادر في فصل (عقيدتهم في السنة)‪.‬‬
‫وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما‪" :‬أصول الكافي"‪ ،‬و"بحار النوار"؛‬
‫وذلك لنهما أكثر اهتماما بمسائل العتقاد‪ ،‬ولن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة‪.‬‬
‫قال الصدر عن الكافي‪" :‬ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الربعة" [الشيعة‪ :‬ص ‪.].133‬‬
‫وتبلغ أخباره (‪ ،)16199‬ولو لم يقم صاحب الكافي بجمع الروايات عن الئمة في كتابه لما بقي‬
‫منها إل النزر اليسير‪.‬‬
‫[المصدر السابق‪ :‬ص ‪،123‬‬ ‫وقال‪ :‬يحكى أن الكافي عرض على المهدي فقال‪" :‬كاف لشيعتنا"‬
‫روضات الجنات‪ ،‬للخوانساري‪ ،6/116 :‬ومقدمة الكافي‪ ،‬لحسين علي‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫هذا ما يقوله الصدر‪ ،‬وينسبه للشيعة عموما‪ ،‬ولهذا قال محب الدين الخطيب‪" :‬إن الكافي عند‬
‫الشيعة هو كصحيح البخاري عند المسلمين" [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].28‬‬
‫وقد يكون في كلم الخطيب هذا بعض التسامح؛ لن غلوهم في الكافي أكثر‪ ،‬أل ترى أنهم‬
‫يقولون‪ :‬إن الكافي ألّف إبان الصلة المباشرة بمهديهم وإنه عرض على "المعصوم" عندهم‪ ،‬فهو‬
‫كما لو قال بعض أهل السنة‪ :‬إنه صحيح البخاري تم عرضه على الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ..‬لن المام عندهم كالنبي‪ ،‬ولذا قالوا‪" :‬كانت منابع اطلعات الكليني قطعية العتبار‪ ،‬لن‬
‫‪12‬‬
‫[هو مهديهم‬ ‫باب العلم واستعلم حال تلك الكتب [التي جمع من خللها الكافي‪ ].‬بواسطة سفراء القائم‬
‫المنتظر‪ ،‬وسفراؤهم‪ :‬أبوابه الربعة‪ ،‬كما سيأتي في فصل الغيبة‪ ].‬كان مفتوحا عليه لكونهم معه في بلد‬
‫[الحائري‪ /‬منهاج عملي للتقريب (ضمن كتاب الوحدة السلمية ص ‪ .)333‬وانظر‪ :‬ابن طاوس‪/‬‬ ‫واحد‪ ،‬بغداد"‬
‫كشف المحجة ص ‪.].159‬‬
‫[البهبودي‪ /‬مقدمة البحار‪ :‬ص ‪].19‬‬ ‫أما البحار فقالوا بأنه‪" :‬المرجع الوحيد لتحقيق معارف المذهب"‬
‫وعظموا من أمره‪ ،‬كما سيأتي من خلل صفحات هذه الرسالة [انظر‪ :‬ص(‪.].)164‬‬
‫‪ -3‬ورجعت إلى كتب شيوخهم المعتمدين عندهم‪ ،‬والتي يعدونها في العتبار والعتماد‬
‫كالكتب الربعة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬الفهرست ص‬ ‫أ‪ -‬كتاب سليم بن قيس‪ ،‬وهو أول كتاب ظهر للشيعة‪ ،‬كما يقول ابن النديم‬
‫‪ ،219‬الذريعة‪ ،2/152 :‬وفي رضات الجنات ‪ 4/67‬زعم أنه "أول ما صنف ودوّن في السلم"‪ ،].‬وهو من‬
‫أصولهم المعتبرة [انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،].1/32 :‬ولنا وقفة مع هذا الكتاب ومؤلفه في أثناء الحديث‬
‫عن فرية التحريف [انظر‪ :‬ص(‪.].)221‬‬
‫ب‪ -‬كتب شيخهم أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (المتوفى سنة ‪381‬ه‍) مثل‪ :‬إكمال‬
‫الدين‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬وثواب العمال‪ ،‬وعيون أخبار الرضا‪ ،‬ومعاني الخبار‪ ،‬والمالي وغيرها‪،‬‬
‫[بحار‬ ‫وكتبه كلها "ل تقصر في الشتهار عن الكتب الربعة التي عليها المدار في هذه العصار"‬
‫[وهي‪ :‬الهداية‪ ،‬وصفات الشيعة‪،‬‬ ‫النوار‪ ،].1/26 :‬ول يستثنى من ذلك إل خمسة كتب لم أرجع إليها‬
‫وفضائل الشيعة‪ ،‬ومصادقة الخوان‪ ،‬وفضائل الشهر‪( .‬بحار النوار‪.].)1/26 :‬‬
‫ج‪ -‬كتب شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة ‪460‬ه‍) وهي مثل‬
‫كتب ابن بابويه في العتبار والشتهار عندهم إل كتاب واحد [وهو المالي (بحار النوار‪.].)1/27 :‬‬
‫وغيرها من كتب شيوخهم‪ ،‬والتي تكلف شيخهم المجلي بتوثيقها في الجزء الول من بحاره‬
‫[ص‪ )29(:‬وما بعدها‪ ،].‬كما قد ألمحت ببعض توثيقاتهم لهذه الكتب في أثناء البحث‪ ،‬وأذكر توثيق‬
‫الكتاب الذي ل أنقل منه إل مرة واحدة في موضع النص المنقول‪.‬‬
‫د‪ -‬رجعت إلى كتب العقيدة المعتمدة عندهم مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتقادات ابن بابويه‪.‬‬
‫‪ -2‬وأوائل المقالت للمفيد‪ ،‬وتصحيح العتقاد له أيضا‪.‬‬
‫‪ -3‬ونهج المسترشدين لبن المطهر الحلي‪.‬‬
‫‪ -4‬والعتقاد للمجلسي صاحب البحار‪.‬‬
‫‪ -5‬وعقائد المامية للمظفر (من المعاصرين)‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -6‬عقائد المامية الثني عشرية للزنجاني (معاصر) وغيرها‪.‬‬
‫وفي عقائدهم التي تفردوا بها رجعت ‪ -‬بالضافة لما مضى ‪ -‬إلى ما كتب عن هذه العقائد‬
‫مستقلً‪ ،‬ففي الغيبة ‪ -‬مثلً ‪ -‬رجعت إلى كتاب الغيبة لشيخهم محمد بن إبراهيم النعماني‪ ،‬من‬
‫ل الكتب"‬
‫شيوخهم في القرن الثالث‪ ،‬وقد قال المجلسي عن كتابه هذا‪" :‬وكتاب النعماني من أج ّ‬
‫[الموضع نفسه من المصدر‬ ‫[بحار النوار‪ ،].1/31 :‬ثم نقل عن المفيد ما يتضمن الثناء عليه وتوثيقه‬
‫السابق‪.].‬‬
‫وكذلك كتاب الغيبة للطوسي‪ ،‬وإكمال الدين لبن بابويه وغيرها‪.‬‬
‫وفي اعتقادهم في الرجعة‪ ،‬رجعت إلى ما كتبه شيخهم الحر العاملي في الرجعة وهو "اليقاظ‬
‫من الهجعة بالبرهان على الرجعة" وهكذا‪.‬‬
‫ه‍‪ -‬وكذلك رجعت إلى ما كتبه بعض شيوخهم في المقالت والفرق‪ ،‬وهما "المقالت والفرق"‬
‫لشيخهم سعد بن عبد ال الشعري القمي المتوفى سنة (‪301‬ه‍)‪ ،‬و"فرق الشيعة" لشيخهم الحسن‬
‫بن موسى النوبختي من شيوخهم في القرن الثالث‪" .‬وهما كتابان وصل إلينا من بين كتب فرق‬
‫الشيعة الضائعة" [محمد جواد مشكور‪ ،‬مقدمة كتاب المقالت والفرق للقمي‪ :‬ص‪ /‬كا‪.].‬‬
‫و‪ -‬وفي كتب الرجال رجعت إلى مصادرهم المعتمدة في ذلك‪ ،‬ولسيما كتبهم الربعة؛ لنهم‬
‫يقولون‪" :‬أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب‪ ،‬عليها المعول في‬
‫هذا الباب وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة الناقلين عن الئمة الصادقين لبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي‬
‫(من شيوخهم في القرن الرابع) الذي يعرف بـ "رجال الكشي"‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب الرجال لبي العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة (‪460‬ه‍) المعروف بـ‬
‫"رجال النجاشي"‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب الرجال لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة (‬
‫‪460‬ه‍) المعروف بـ "رجال الطوسي"‪.‬‬
‫[أحمد الحسيني‪ /‬مقدمة رجال الكشي‪ ،‬ط‪ :‬العلمي‪ /‬كربلء‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪ -4‬كتاب "الفهرسيت للشيخ الطوسي"‬
‫‪ ،4‬وانظر‪ :‬حسن المصطفوى‪ /‬مقدمة رجال الكشي‪ ،‬ط‪ :‬إيران ص ‪ ،12‬أغابزرك‪ /‬الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪:‬‬
‫‪.].81-10/80‬‬
‫وقد أكثرت في النقل من رجال الكشي‪ ،‬لنهم يعدونه أهم كتبهم في الرجال‪ ،‬وأقدمها‪،‬‬
‫وأوثقها؛ فهو من تأليف الكشي وهو عندهم "ثقة بصير بالخبار وبالرجال حسن العتقاد"‬
‫[فهرست الطوسي‪ :‬ص ‪ .].172-171‬ومن تهذيب واختصار شيخ الطائفة الطوسي‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ولذا قال شيخهم المصطفوي‪" :‬أقدم هذه الكتب‪ :‬هو رجال الكشي الذي لخصه شيخ الطائفة‪..‬‬
‫فكفى لهذا لكتاب المنيف شرفا واعتبارا" [مقدمة المصطفوي لرجال الكشي‪ :‬ص ‪.].12‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنني لم أعمد إل إلى كتبهم المعتمدة عندهم‪ ،‬في النقل والقتباس لتصوير‬
‫المذهب‪.‬‬
‫ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إل ما استفاضت أخبارهم به‪ ،‬وأقره شيوخهم‪.‬‬
‫وقد تكون الروايات من الكثرة فأشير إلى ذلك بذكر عدد الروايات وعناوين البواب في‬
‫المسائل التي أتحدث عنها‪.‬‬
‫وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الروايات بمقتضى مقاييسهم‪.‬‬
‫كل ذلك حتى ل يقال بأننا نتجه إلى بعض رواياتهم الشاذة‪ ،‬وأخبارهم الضعيفة التي ل تعبر‬
‫عن حقيقة المذهب‪ ،‬فنأخذ بها‪.‬‬
‫واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية‪ ،‬وضرورة الدقة في النقل والعزو‪،‬‬
‫وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلم الخصوم‪.‬‬

‫خطة البحث ‪:‬‬


‫يتكون هذا البحث من‪ :‬تمهيد‪ ،‬وخمسة أبواب‪.‬‬
‫في التمهيد‪ :‬التعريف بالشيعة‪ ،‬ونشأتها‪ ،‬وجذورها التاريخية‪ ،‬وفرقها‪ ،‬وألقاب الثني عشرية‪،‬‬
‫وفرقها‪.‬‬
‫أما الباب الول‪ :‬فموضوعه‪ :‬اعتقادهم في مصادر السلم‪ ،‬وينتظم في ثلثة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬اعتقادهم في القرآن‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اعتقادهم في السنة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اعتقادهم في الجماع‪.‬‬
‫وفي الباب الثاني‪ :‬درست اعتقادهم في أصول الدين في فصول أربعة‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬اعتقادهم في توحيد اللوهية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اعتقادهم في توحيد الربوبية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اعتقادهم في توحيد السماء والصفات‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اعتقادهم في اليمان وأركانه‪.‬‬
‫أما الباب الثالث‪ :‬فهو يتعلق بعقائدهم وأصولهم التي تفردوا بها‪.‬‬
‫ودرست فيه عقائدهم التالية‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -1‬المامية‪ ،‬وفيها عرضت لعقيدتهم في الصحابة‪ ،‬وأهل البيت‪ ،‬وحكام المسلمين‪ ،‬وقضاتهم‪،‬‬
‫وعلمائهم‪ ،‬والمصار السلمية وشعوبها‪ ،‬والفرق السلمية‪ ،‬والمة‪.‬‬
‫‪ -2‬العصمة‪.‬‬
‫‪ -3‬التقية‪.‬‬
‫‪ -4‬المهدية والغيبة‪.‬‬
‫‪ -5‬الرجعة‪.‬‬
‫‪ -6‬الظهور ‪.‬‬
‫‪ -7‬البداء‪.‬‬
‫‪ -8‬الطينة‪.‬‬
‫أما الباب الرابع‪ :‬فهو يتصل بالشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلفهم‪ ،‬ويقع في أربعة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬صلتهم بمصادرهم القديمة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬صلتهم بفرقهم القديمة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬دولة اليات‪.‬‬
‫أما الباب الخامس‪ :‬فهو يتعلق بالحكم عليهم‪ ،‬وأثرهم في العالم السلمي‪ ،‬ويتكون من‬
‫فصلين‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الحكم عليهم‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أثرهم في العالم السلمي‪.‬‬
‫ومن ثم الخاتمة؛ وفيها عرض لهم النتائج التي توصل إليها البحث‪.‬‬
‫وفي ختام هذه المقدمة أدعو ال العلي القدير أن يغفر لشيخي وأستاذي الدكتور‪ /‬محمد رشاد‬
‫[هو العالم الفاضل الستاذ الدكتور محمد رشاد بن محمد رفيق سالم‪ ،‬ولد في القاهرة عام ‪1347‬ه‍ وحصل على‬ ‫سالم‬
‫شهادة الدكتوراه عام ‪1379‬ه‍ في موضوع "موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية"‪ ،‬وقد اهتم بنشر تراث شيخ السلم ابن‬
‫تيمية ودراسة آرائه‪ ،‬وتبنى إخراج مكتبته العظيمة‪ ،‬وقد حقق منها كتاب "درء تعارض العقل والنقل" في أحد عشر‬
‫مجلدا‪ ،‬وكتاب "منهاج السنة النبوية" في ثمان مجلدات‪ ،‬وكتاب "الصفدية" في مجلدين‪ ،‬و«الستقامة» في مجلدين‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وتوفي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬وهو يعمل في تحقيق كتاب "نقض التأسيس"‪ ،‬في القاهرة في شهر ربيع الخر عام‬
‫‪1407‬ه‍‪ ،].‬وأن ينزل عليه الرحمة والرضوان‪ ،‬ويتغمده بواسع عفوه وغفرانه‪ ،‬ويسكنه فسيح‬
‫جناته‪ ،‬فقد تابع الرسالة منذ مراحلها الولى إلى أن وصلت إلى مشارف النهاية‪ ،‬وأذن لي ببدء‬

‫‪16‬‬
‫طبعها‪ ،‬ثم رحل عن هذه الدنيا ‪ -‬رحمه ال رحمة واسعة ‪ -‬وقد أفدت من توجيهه وعلمه‪،‬‬
‫وغمرني بفضله وخلقه‪.‬‬
‫وقد قضى ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬حياته في العلم والجهاد‪ ،‬وابتلي بالسجن مرتين‪ ،‬وترك آثارا‬
‫عظيمة النفع‪ ،‬وكان رحمه ال يؤمل أن يقيم مع تلمذته في القسم ما يسميه "مكتبة أهل السنة"‬
‫وتتولى التعاون في إخراج كتب التراث في العقيدة‪ ،‬والتأليف في اعتقاد أهل السنة‪ ،‬والرد على‬
‫الفرق الخارجة عن الجماعة‪.‬‬
‫وأسأل ال سبحانه أن يجزيه على نيته وعمله خير الجزاء‪ ،‬وأن يحقق آماله في تلمذته‬
‫ليواصلوا الطريق بعده‪.‬‬
‫وأتوجه بالشكر والتقدير والعرفان بالجميل إلى شيخي الستاذ الدكتور‪ /‬سالم بن عبد ال‬
‫الدخيل‪ ،‬الذي وافق على استكمال الشراف على الرسالة‪ ،‬وراجع مرحلها‪ ،‬وتابع خطواتها‬
‫الخيرة‪ ،‬واطمأن على سيرها‪.‬‬
‫وكانت توجيهاته وآراؤه خير رافد ومعين‪.‬‬
‫وأتقدم بأزكى الشكر وأطيبه لكلية أصول الدين ممثلة في عميدها ومجلسها‪ ،‬ولقسم العقيدة‬
‫رئيسا وأعضاءً لرعايتهم للبحث‪ ،‬ومتابعة خطواته فجزاهم ال خير الجزاء‪.‬‬
‫وأدعو ال سبحانه أن يجزي بالخير كل من قدّم لي مساعدة في هذه الرسالة‪ ..‬وصلى ال‬
‫وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫والحمد ل أولً وأخرًا‪.‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ويشتمل على‪:‬‬
‫‪ -1‬التعريف اللغوي للفظ الشيعة‪.‬‬
‫‪ -2‬لفظ الشيعة في القرآن ومعناه‪.‬‬
‫‪ -3‬لفظ الشيعة في السنة ومعناه‪.‬‬
‫‪ -4‬لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث عند الثني عشرية‪.‬‬
‫‪ -5‬لفظ الشيعة في التاريخ‪.‬‬
‫‪ -6‬تعريف الشيعة في كتب الثني عشرية‪.‬‬
‫‪ -7‬تعريف الشيعة في كتب السماعيلية‪.‬‬
‫‪ -8‬تعريف الشيعة في المصادر الخرى‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -9‬التعريف المختار للشيعة‪.‬‬
‫‪ -10‬نشأة الشيعة‪.‬‬
‫‪ -11‬فرق الشيعة‪.‬‬
‫‪ -12‬ألقاب الشيعة المامية الثني عشرية‪.‬‬
‫‪ -13‬فرق الثني عشرية‪.‬‬

‫تعريف الشيعة‬
‫التعريف اللغوي‪:‬‬
‫يقول ابن دريد (المتوفى سنة ‪321‬ه‍)‪" :‬فلن من شيعة فلن أي‪ :‬ممن يرى رأيه‪ ،‬وشيعت‬
‫الرجل على المر تشييعا إذا أعنته عليه‪ ،‬وشايعت الرجل على المر مشايعة وشياعا إذا مالته‬
‫عليه" [ابن دريد‪ /‬جمهرة اللغة‪.].3/63 :‬‬
‫وقال الزهري (المتوفى سنة ‪370‬ه‍)‪" :‬والشيعة أنصار الرجل وأتباعه وكل قوم اجتمعوا على‬
‫أمرهم شيعة‪ .‬والجماعة شيع وأشياع‪ ،‬والشيعة‪ :‬قوم يهوون هوى عترة النبي محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ويوالونهم‪.‬‬
‫وشيّعت النار تشييعا إذا لقيت عليها ما تذكيها به‪ ،‬ويقال‪ :‬شيعت فلنا أي‪ :‬خرجت معه‬
‫لودعه‪ ،‬ويقال‪ :‬شيعنا شهر رمضان بست من شوال أي‪ :‬أتبعناه بها‪ ..‬وتقول العرب‪ :‬آتيك غدا‪،‬‬
‫أو شَيعَهُ أي‪ :‬اليوم الذي يتبعه‪ ،‬والشيعة التي يتبع بعضهم بعضا‪ ،‬والشيع الفرق الذي يتبع‬
‫بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين" [الزهري‪ /‬تهذيب اللغة‪.].3/61 :‬‬
‫وقال الجوهري (المتوفى سنة ‪40‬ه‍)‪" :‬تشيّع الرجل أي‪ :‬ادعى دعوى الشيعة‪ ،‬وكل قوم أمرهم‬
‫[ديوان‬ ‫شيَع قال ذو الرّمة‪ :‬استحدث الركب عن أشياعهم خبرا‬
‫واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم ِ‬
‫ذي الرمة ص‪.].4 :‬‬
‫يعني عن أصحابهم" [الصحاح‪ ،3/1240 :‬تحقيق أحمد عبد الغفور عطار‪.].‬‬
‫شيَعٌ‪،‬‬
‫وقال ابن منظور (المتوفى سنة ‪711‬ه‍)‪" :‬والشيعة أتباع الرجل وأنصاره‪ ،‬وجمعها ِ‬
‫وأشياع جمع الجمع‪ ،‬وأصل الشيعة‪ :‬الفرقة من الناس‪ ،‬ويقع على الواحد والثنين والجمع‬
‫والمذكور والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد‪ ،‬وقد غلب هذا السم على من يتولى عليا وأهل‬
‫بيته‪ ،‬حتى صار لهم اسما خاصا‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬فلن من الشيعة عرف أنه منهم‪ ،‬وفي مذهب الشيعة‬
‫كذا أي‪ :‬عندهم‪ ،‬وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫والشيعة‪ :‬قوم يرون رأي غيرهم‪ ،‬وتشايع القوم صاروا شيعا‪ ،‬وشيّع الرجل إذا ادعى دعوى‬
‫[لسان العرب‪ :‬مادة‪:‬‬ ‫الشّيعة‪ ،‬وشايعه شياعا وشيّعه تابعه‪ ،‬ويقال‪ :‬فلن يشايعه على ذلك أي‪ :‬يقويه"‬
‫شيع‪.].‬‬
‫وقال الزبيدي (المتوفى سنة ‪1205‬ه‍)‪" :‬كل من عاون إنسانا وتحزب له فهو له شيعة‪ ،‬وأصل‬
‫الشيعة من المشايعة وهي المتابعة‪ ،‬وقيل‪ :‬عين الشيعة واو من شوع قومه إذا جمعهم‪ .‬وقد غلب‬
‫هذا السم (الشيعة) على كل من يتولى عليا وأهل بيته‪ ..‬وهم أمة ل يحصون‪ ،‬مبتدعة‪ ،‬وغلتهم‬
‫المامية المنتظرية يسبون الشيخين‪ ،‬وغلة غلتهم يكفرون الشيخين‪ ،‬ومنهم من يرتقي إلى‬
‫[تاج العروس‪ ،5/405 :‬وانظر من كتب اللغة (مادة شاع)‪ :‬القاموس‪ ،3/47 :‬البستاني‪ /‬قطر المحيط‪:‬‬ ‫الزندقة"‬
‫‪ ،1/1100‬وانظر‪ :‬الطريحي‪ /‬مجمع البحرين‪.].4/355 :‬‬
‫فالشيعة ‪ ،‬والتشيع ‪ ،‬والمشايعة في اللغة تدور حول معنى المتابعة‪ ،‬والمناصرة‪ ،‬والموافقة‬
‫بالرأي‪ ،‬والجتماع على المر‪ ،‬أو الممالة عليه‪ .‬ثم غلب هذا السم ‪ -‬كما يقوله صاحب‬
‫اللسان‪ ،‬والقاموس‪ ،‬وتاج العروس ‪ -‬على كل من يتولى عليا وأهل بيته‪ .‬وهذه الغلبة‪ ..‬محل‬
‫نظر؛ لنه إذا تأمل الباحث في المعنى اللغوي للشيعة والذي يدل على المتابعة‪ ،‬والمناصرة‪ ،‬ثم‬
‫نظر إلى أكثر فرق الشيعة التي غلب إطلق هذا السم عليها يجد أنه ل يصح تسميتها بالشيعة‬
‫من الناحية اللغوية؛ لنها غير متابعة لهل البيت على الحقيقة بل هي مخالفة لهم ومجافية‬
‫لطريقتهم‪..‬‬
‫ولعل هذا ما لحظه شريك بن عبد ال حينما سأله سائل‪ :‬أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال‬
‫له‪ :‬أبو بكر‪ .‬فقال السائل‪ :‬تقول هذا وأنت شيعي! فقال له‪ :‬نعم من لم يقل هذا فليس شيعيا‪ ،‬ال‬
‫لقد رقي هذه العواد علي‪ ،‬فقال‪ :‬أل إن خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬فكيف نرد‬
‫[منهاج السنة‪ 8-1/7 :‬تحقيق د‪ .‬محمد رشاد السالم‪ ،‬وانظر‪ :‬عبد‬ ‫قوله‪ ،‬وكيف نكذبه؟ وال ما كان كذابا‬
‫الجبار الهمداني‪ /‬تثبيت دلئل النبوة‪ .1/63 :‬وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬وقد روي عن علي من نحو ثمانين وجها‬
‫أنه قال على منبر الكوفة‪ :‬خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر وعمر‪ ،‬ورواه البخاري وغيره‪ .‬انظر‪ :‬منهاج السنة‪:‬‬
‫‪ ،4/137‬وقد جاء ذلك في كتب الشيعة أيضا‪ .‬انظر‪ :‬تلخيص الشافي‪ 2/428 :‬عن إحسان إلهي ظهير‪ :‬الشيعة أهل‬
‫البيت ص‪.].52 :‬‬
‫فالمام شريك لحظ أن غير المتابع لعلي ل يستحق اسم التشيع‪ ،‬لن معنى التشيع وحقيقته‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً ‪ -‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد‪:‬‬ ‫المتابعة‪ ..‬ولهذا آثر بعض الئمة أن يطلق عليهم اسم الرافضة‬
‫ص ‪ ،18‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪ ،21 :‬السفراييني‪ /‬التبصير في الدين ص ‪ ،16‬السكسكي‪ /‬البرهان ص ‪،36‬‬
‫وانظر الفرماني‪ /‬رسالة في بيان مذاهب بعض الفرق الضالة‪ :‬الورقة ‪ 2‬أ (مخطوط)‪ ،‬أبو الحسن العراقي‪ /‬ذكر الفرق‬
‫الضوال‪ :‬الورقة ‪ 12‬أ (مخطوط)‪.].‬‬
‫‪19‬‬
‫وقد لجأ المتابعون لهل البيت على الحقيقة‪ ،‬والذين كانوا يلقبون بالشيعة‪ ،‬لجأوا إلى ترك هذا‬
‫اللقب لما غلب إطلقه على أهل البدع المخالفين لهل البيت‪ ،‬كما يشير صاحب التحفة الثني‬
‫عشرية إلى ذلك فيقول‪ :‬إن الشيعة الولى تركوا اسم الشيعة لما صار لقبا للروافض‬
‫والسماعيلية‪ ،‬ولقبوا أنفسهم بـ "أهل السنة والجماعة" [التحفة الثنا عشرية‪ :‬ص ‪( 26-25‬مخطوط)‪.].‬‬
‫لفظ الشيعة في القرآن ومعناه‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ‬ ‫ومادة شيع وردت في كتاب ال العظيم في اثني عشر موضعا‬
‫[أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي التيمي البغدادي‪،‬‬ ‫القرآن ص ‪ ،].18‬وقد أجمل ابن الجوزي‬
‫المعروف بابن الجوزي‪ ،‬صاحب التصانيف الكثيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها‪ ،‬منها‪ :‬جامع المسانيد‪،‬‬
‫والمنتظم وغيرهما‪ ،‬توفي عام ‪597‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن العماد‪ /‬شذرات الذهب‪ ، 4/329 :‬اليافعي‪ /‬مرآة الجنان‪- 3/489 :‬‬
‫‪ ، 492‬معجم المؤلفين‪ ].5/157 :‬معانيها بقوله‪" :‬وذكر أهل التفسير أن الشيع في القرآن على أربعة‬
‫أوجه‪:‬‬
‫[النعام‪ ،‬آية‪].159 :‬‬ ‫شيَعًا}‬
‫أحدها‪ :‬الفرق‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ َوكَانُواْ ِ‬
‫وقوله‪{ :‬وَلَقَدْ َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ فِي شِيَعِ ا َلوّلِينَ} [الحجر‪ ،‬آية‪ ].1 :‬وقوله‪{ :‬وَجَ َعلَ أَهْ َلهَا شِيَعًا}‬
‫شيَعًا} يعني بالشيع‪ :‬الفرق‪ ،‬تفسير الطبري‪ ،20/27 :‬وانظر‬
‫[القصص‪ ،‬آية‪ ،4 :‬قال ابن جرير الطبري {وَجَعَ َل أَ ْهلَهَا ِ‬
‫شيَعًا} [الروم‪ ،‬آية‪.].69 :‬‬
‫أبو عبيدة‪ /‬مجاز القرآن‪ ].1/194 :‬وقوله‪{ :‬مِنَ الّذِينَ َفرّقُوا دِي َنهُمْ وَكَانُوا ِ‬
‫[القصص‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ع ُدوّهِ}‬
‫والثاني‪ :‬الهل والنسب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬هَذَا مِن شِي َعتِهِ وَهَذَا مِنْ َ‬
‫‪ ، 15‬قال ابن قتيبة‪ :‬ومعنى {هَذَا مِن شِي َعتِهِ} أي‪ :‬من أصحابه بني إسرائيل (تفسير غريب القرآن ص ‪ ،)329‬وانظر‪:‬‬
‫أبو حيان‪ /‬تحفة الريب بما في القرآن من الغريب ص‪ ].153 :‬أراد من أهله في النسب إلى بني إسرائيل‪.‬‬
‫ن مِن ُكلّ شِي َعةٍ} [مريم‪ ،‬آية‪ ،].69 :‬وقوله‪:‬‬
‫عّ‬‫والثالث‪ :‬أهل الملة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬ثُمّ َلنَنزِ َ‬
‫عهِم} [سبأ‪ ،‬آية‪ .].54 :‬وقوله‪{ :‬إِنّ‬
‫شيَا ِ‬
‫شيَاعَكُمْ} [القمر‪ ،‬آية‪ ،].51 :‬وقوله‪َ { :‬كمَا فُ ِع َل بِ َأ ْ‬
‫{وَلَقَدْ أَهْ َل ْكنَا َأ ْ‬
‫مِن شِي َعتِهِ ِل ْبرَاهِيمَ} [الصافات‪ ،‬آية‪.].83 :‬‬
‫[النعام‪ ،‬آية‪[ "].65 :‬ابن الجوزي‪ /‬نزهة‬ ‫شيَعا}‬
‫والرابع‪ :‬الهواء المختلفة‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬أوْ يَ ْلبِسَ ُكمْ ِ‬
‫العين النواظر‪ ،377-376 :‬وزاد الدامغاني وجها خامسا وهو‪ :‬الشيع والشاعة‪ ،‬واستشهد لهذا بقوله سبحانه‪ِ{ :‬إنّ‬
‫حشَةُ فِي الّذِينَ آ َمنُوا} يعني أن تفشو الفاحشة‪ ،‬كما أن ابن الجوزي ذكر في الوجه الثاني‬
‫ن أَن َتشِيعَ ا ْلفَا ِ‬
‫ن يُحِبّو َ‬
‫الّذِي َ‬
‫أن من معاني الشيع الهل والنسب‪ ،‬واستشهد لها بقوله سبحانه‪َ { :‬هذَا مِن شِي َعتِهِ وَ َهذَا ِمنْ عَدُوّهِ}‪ ،‬بينما نجد الدامغاني‬
‫ذكر أن من معاني الشيعة‪ :‬الجيش‪ ،‬واستدل لذلك بنفس الية‪ .‬وقد اتفقا فيما سوى ذلك من معاني التشيع‪.].‬‬
‫[محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية‪ ،‬توفي سنة‬ ‫ويشير ابن القيم‬
‫‪751‬هـ‪ ،‬وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير‪ ،‬منها‪ :‬إعلم الموقعين‪ ،‬وزاد المعاد‪ - ].‬رحمه ال ‪-‬‬
‫في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والشياع غالبا ما يستعمل في الذم‪ ،‬ويقول‪ :‬ولعله لم يرد في‬

‫‪20‬‬
‫ع ِتيّا}‪،‬‬
‫حمَنِ ِ‬
‫علَى الرّ ْ‬
‫ن مِن ُكلّ شِي َعةٍ َأ ّيهُمْ َأشَدّ َ‬
‫عّ‬‫القرآن إل كذلك‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬ثُمّ َلنَنزِ َ‬
‫ش َتهُونَ َكمَا‬
‫ن مَا يَ ْ‬
‫وكقولـه‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا}‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَحِيلَ َب ْي َنهُمْ َوبَيْ َ‬
‫عهِم مّن َقبْلُ}‪ .‬ويعلل ابن القيم لذلك بقوله‪" :‬وذلك وال أعلم لما في لفظ الشيعة من‬
‫شيَا ِ‬
‫فُ ِع َل بِ َأ ْ‬
‫الشياع‪ ،‬والشاعة التي هي ضد الئتلف والجتماع‪ ،‬ولهذا ل يطلق لفظ الشيع إل على فرق‬
‫[بدائع الفوائد‪ .1/155 :‬وهذا في الغالب لنه ورد في القرآن‪ِ{ :‬إنّ مِن شِي َعتِهِ‬ ‫الضلل لتفرقهم واختلفهم"‬
‫ِلبْرَاهِيمَ}‪.].‬‬
‫هذه ألفاظ الشيعة في كتاب ال ومعانيها‪ ،‬وهي ل تدل على التجاه الشيعي المعروف‪ ،‬وهذا‬
‫أمر يدرك بداهة‪ ،‬ولكن الغريب في المر أن نجد عند الشيعة اتجاها يحاول ما وسعته المحاولة‬
‫أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب ال بطائفته‪ ،‬ويؤول كتاب ال على غير‬
‫تأويله‪ ،‬ويحمل اليات ما ل تحتمل تحريفا لكتاب ال وإلحادا فيه‪ ،‬فقد جاء في أحاديثهم في‬
‫ن مِن شِي َع ِتهِ ِلبْرَاهِيمَ} [الصافات‪ ،‬آية‪ ].83 :‬قالوا‪ :‬أي إن إبراهيم من شيعة‬
‫تفسير قوله سبحانه‪{ :‬إِ ّ‬
‫[البحراني‪ /‬تفسير البرهان‪ ،4/20 :‬وانظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/323 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪ ،13-68/12 :‬عباس‬ ‫علي‬
‫القمي‪ /‬سفينة البحار‪ ،1/732 :‬البحراني‪ /‬المعالم الزلفى ص‪ ،304 :‬الطريحي‪ /‬مجمع البحرين‪ ،2/356 :‬وقد نسبوا هذا‬
‫التفسير ‪ -‬كذبا وافترا ًء ‪ -‬إلى جعفر الصادق‪ ،‬ودينه وعلمه ينفيان ذلك‪ ،].‬وهذا مخالف لسياق القرآن‪،‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫وأصول السلم‪ ،‬وهو نابع عن عقيدة غلة الروافض الذين يفضلون الئمة على النبياء‬
‫البغدادي‪ /‬أصول الدين ص‪ ،298 :‬القاضي عياض‪ /‬الشفاء ص‪ ،290 :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ،].1/177 :‬فهذا‬
‫التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل والنبياء بعد محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫يجعله من شيعة علي‪ ...‬وهو أمر يعرف بطلنه من السلم بالضرورة‪ ،‬كما هو باطل بالعقل‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ..‬وهو من وَضع وضّاع ل يحسن الوضع‪ ..‬ول يعرف كيف يضع‪.‬‬
‫والذي قاله أهل السنة في تفسير الية والمنقول عن السلف أن إبراهيم من شيعة نوح عليه‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ ،23/69 :‬تفسير ابن كثير‪ ،4/13 :‬تفسير القرطبي‪،15/91 :‬‬ ‫السلم وعلى منهاجه وسنته‬
‫ابن الجوزي‪ /‬زاد المسير‪ ].7/67 :‬وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع سياق الية‪ ،‬لن اليات التي قبل‬
‫هذه الية كانت في نوح عليه السلم‪ ،‬ويلحظ أن مفسـري الشيعة من أخذ بقول أهل السنة‪،‬‬
‫[وهناك قول ضعيف في الية نسب إلى الفراء بأن المعنى وإن من‬ ‫وأعرض عما قاله قومه في تأويل الية‬
‫شيعة محمد لبراهيم‪ .‬قال الشوكاني‪ :‬ول يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق (فتح القدير‪ )4/401 :‬وقال‬
‫اللوسي‪" :‬وذهب الفراء إلى أن ضمير (شيعته) لنبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والظاهر ما أشرنا إليه (وهو أن‬
‫يعود على نوح عليه السلم) وهو المروي عن ابن عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والسدي‪ ،‬وقلما يقال للمتقدم‪ :‬هو شيعة‬
‫للمتأخر (روح المعاني‪.].)100-99 /23 :‬‬

‫‪21‬‬
‫لفظ الشيعة في السنة ومعناه‪:‬‬
‫ورد لفظ الشيعة في السنة المطهرة بمعنى التباع‪ ..‬كما في الحديث الذي رواه المام أحمد‬
‫في الرجل [هو‪ :‬ذو الخويصرة التميمي‪ ..‬أصل الخوارج‪( .‬انظر‪ :‬مسند أحمد‪ ].)12/4 :‬الذي قال للنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬لم أرك عدلت‪ "..‬قال فيه عليه الصـلة والسلم‪" :‬سيكون له شيعة يتعمقون في‬
‫[مسند أحمد‪ 5-12/3 :‬قال عبد ال بن المام أحمد‪ :‬ولهذا الحديث طرق في‬ ‫الدين حتى يخرجوا منه"‪ ..‬الحديث‬
‫هذا المعنى صحاح‪ .‬وقال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح (المصدر السابق)‪ ،‬ورواه ابن أبي عاصم في السنة‪،2/454 :‬‬
‫قال اللباني‪ :‬إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات‪ ،].‬وكذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود في المكذبين‬
‫[سنن أبي داود ‪ ،5/67‬فال المنذري‪ :‬وفي إسناده عمر مولى غفرة ل يحتج‬ ‫بالقدر‪ ..‬وفيه‪" :‬وهم شيعة الدجال"‬
‫بحديثه‪ ،‬ورجل من النصار مجهول (المنذري) مختصر أبي داود ‪ ،6/61‬ورواه أيضا المام أحمد ‪.].5/407‬‬
‫فالشيعة هنا مرادفة للفظ الصحاب‪ ،‬والتباع‪ ،‬والنصار‪.‬‬
‫ومن خلل مراجعتي لمعاجم السنة لم أر استعمال لفظ الشيعة على الفرقة المعروفة بهذا‬
‫السم إل ما جاء في بعض الخبار الضعيفة أو الموضوعة والتي جاء فيها لفظ الشيعة كدللة‬
‫[قال العقيلي‪ :‬ل أصل له‪ ،‬وذكره الكناني من‬ ‫على أتباع علي‪ ،‬مثل حديث‪" :‬فاستغفرت لعلي وشيعته"‬
‫الحاديث الموضوعة‪( :‬تنزيه الشريعة‪ ،].)1/414 :‬وحديث‪" :‬مثلي مثل شجرة أنا أصلها وعلي فرعها‪..‬‬
‫[أورده ابن الجوزي في الموضوعات‪ ،1/397 :‬والشوكاني في الفوائد المجموعة في الحاديث‬ ‫والشيعة ورقها"‬
‫[وهو‬ ‫الموضوعة ص‪ ،].379 :‬وحديث أنه صلى ال عليه وسلم قال لعلي‪" :‬أنت وشيعتك في الجنة"‬
‫حديث موضوع‪ ،‬انظر‪ :‬ابن الجوزي‪ /‬الموضوعات‪ ،1/397 :‬الذهبي‪ /‬ميزان العتدال‪ ،1/421 :‬ترجمة جميع بن عمر‬
‫بن سوار‪ ،‬الشوكاني‪ /‬الفوائد المجموعة ص‪.].379 :‬‬
‫[سيأتي‬ ‫وقـد ورد في بعض الخبار أنه سيظهر قوم يدعون الشيعة لعلي يقال لهم الرافضة‬
‫[مثل حديث‪:‬‬ ‫بيان معنى الرافضة‪ ،].‬فقد روى المام ابن أبي عاصم أربع روايات في ذكر الرافضة‬
‫"بشر يا عليّ أنت وأصحابك في الجنة‪ ،‬أل إن ممن يزعم أنه يحبك قوم يرفضون السلم يقال لهم‪ :‬الرافضة‪ ،‬فإذا‬
‫لقيتهم فجاهدهم فإنهم مشركون‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ما العلمة فيهم؟ قال‪ :‬ل يشهدون الجمعة‪ ،‬ول جماعة ويطعنون‬
‫على السلف"(السنة لبن أبي عاصم‪ )2/475 :‬وهذا الحديث قد أورده الشوكاني في "لحاديث الضعيفة"ص ‪-380 :‬‬
‫[انظر‪ :‬السنة لبن أبي عاصم‪-2/474 :‬‬ ‫‪ ،].381‬وقال الشيخ اللباني في تحقيقه لسانيدها بأنها ضعيفة‬
‫‪.].4766‬‬
‫وقد أخرج الطبراني ‪ -‬بإسناد حسن كما يقول الهيثمي ‪ -‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت‪ ،‬لهم نبز‪ ،‬يسمون الرافضة‪ ،‬قاتلوهم فإنهم‬
‫[مجموع الزوائد‪ ،10/22 :‬وانظر الحديث في المعجم الكبير للطبراني‪ ،12/242 :‬رقم ( ‪ )12998‬ولكن‬ ‫مشركون"‬
‫في اسناده الحجاج بن تميم وهو ضعيف (انظر‪ :‬تقريب التهذيب‪.].)1/152:‬‬
‫‪22‬‬
‫وقد نبه شيخ السلم ابن تييمة إلى كذب لفظ الحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة‪،‬‬
‫لن اسم الرافضة لم يعرف إل في القرن الثاني [منهاج السنة‪ ،].1/8 :‬وفي ظني أن هذا ل يكفي في‬
‫الحكم بكذب الحاديث‪ ،‬إذ لو صحت أسانيدها لكانت من باب الخبار بما سيقع‪ ،‬وأن ال أخبر‬
‫[ففي‬ ‫نبيه بما سيكون من ظهور الروافض‪ ،‬كما أوحى ال إليه بشأن ظهور فرقة الخوارج‬
‫الصحيحين عشرة أحاديث فيهم‪ ،‬أخرج البخاري منها ثلثة‪ ،‬وأخرج مسلم سائرها‪ ،‬وساقها جميعا ابن القيم في تهذيب‬
‫[كما‬ ‫السنن‪ ،].153-7/148 :‬وإن كانت بذرة الخوارج وجدت في حياته ‪ -‬عليه الصلة والسلم –‬
‫دلت على ذلك بعض الحاديث في قصة الرجل الذي قال للرسول صلى ال عليه وسلم وهو يوزع بعض الغنائم‪:‬‬
‫اعدل يا محمد‪ ..‬انظر الحديث في ذلك في صحيح البخاري (مع فتح الباري) ج ‪ 12‬ص ‪ ،290‬وصحيح مسلم (بشرح‬
‫النووي ) ج‪ ‍7‬ص ‪.].165‬‬
‫لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث الثني عشرية‪:‬‬
‫وفي كتب الحديث عند الشيعة يتكرر في كثير من رواياتهم وأحاديثهم التي ينسبونها إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وإلى المام على والحسن والحسين وبقية أئمتهم الثني عشر‬
‫[لن مفهوم السنة عندهم هي ما قاله الرسول والئمة الثنا عشرية ‪ -‬كما سيأتي ‪ ].-‬يتكرر لفظ الشيعة‬
‫كمصطلح يدل على فرقتهم‪ ،‬وعقيدتهم‪ ،‬وأئمتهم‪ ،‬ذلك أنهم يزعمون أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫[ففي أصول الكافي في مسألة‬ ‫وسلم هو الذي غرس بذرة التشيع وتعهدها بالسقي حتى نمت وأينعت‬
‫النص على الئمة من ال ورسوله والئمة ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬ذكر ثلثة عشر بابا ضمنها مائة وعشرة أحاديث‪.‬‬
‫(أصول الكافي‪ ..].)328-1/286 :‬بل وصل بهم المر في هذا إلى وضع روايات تدل على أن لفظ‬
‫الشيعة ‪ -‬كمصطلح لطائفتهم ‪ -‬معروف قبل زمن رسالة نبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫جاء في أحاديثهم تفسير قوله سبحانه‪{ :‬وَإِنّ مِن شِيعَ ِتهِ ِل ْبرَاهِيمَ} أي‪ :‬إن إبراهيم من شيعة علي‬
‫[مضى تخرجيه من كتبهم في هامش رقم (‪ )2‬ص ‪ ،].41‬بل بلغ بهم الزعم إلى القول‪" :‬إن ال أخذ ميثاق‬
‫النبيين على ولية علي‪ ،‬وأخذ عهد النبيين على ولية علي" [البحراني‪ /‬تفسير البرهان‪ ].1/26 :‬وأن‬
‫"ولية علي مكتوبة في جميع صحف النبياء" [أصول الكافي‪ .].1/437 :‬إلى آخر هذه الدعاوى‬
‫وسيأتي بسط ذلك في نشأة التشيع‪.‬‬
‫لفظ الشيعة في التاريخ السلمي‪:‬‬
‫في الحداث التاريخية في صدر السلم وردت لفظ الشيعة بمعناها اللغوي الصرف‪ ،‬وهو‬
‫المناصرة والمتابعة‪ ،‬بل إننا نجد في وثيقة التحكيم بين الخليفة علي‪ ،‬ومعاوية ‪ -‬رضي ال‬
‫عنهما ‪ -‬ورود لفظ الشيعة بهذا المعنى‪ ،‬حيث أطلق على أتباع علي شيعة‪ ،‬كما أطلق على أتباع‬
‫معاوية شيعة‪ ،‬ولم يختص لفظ الشيعة بأتباع عليّ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ومما جاء في صحيفة التحكيم‪" :‬هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب‪ ،‬ومعاوية بن أبي‬
‫سفيان‪ ،‬وشيعتهما‪( ..‬ومنها)‪ :‬وأن عليا وشيعته رضوا بعبد ال بن قيس‪ ،‬ورضي معاوية وشيعته‬
‫بعمرو بن العاص‪( ..‬ومنها)‪ :‬فإذا توفي أحد الحكمين فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه‪.‬‬
‫(ومنها)‪ :‬وإن مات أحد الميرين قبل انقضاء الجل المحدود في هذه القضية فلشيعته أن‬
‫[الدينوري‪ /‬الخبار الطوال ص‪ ، 196-194 :‬وانظر‪ :‬تاريخ الطبري‪:‬‬ ‫ل يرضون عدله"‬
‫يختاروا مكانه رج ً‬
‫‪ ،54 - 5/53‬محمد حميد ال‪ /‬مجموعة الوثائق السياسية ص‪.].282-281 :‬‬
‫وقال حكيم بن أفلح ‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬لني نهيتها ‪ -‬يعني عائشة ‪ -‬أن تقول في هاتين‬
‫[هذا جزء من حديث طويل في صحيح مسلم في باب جامع صلة الليل ومن نام عنه أو مرض‪:‬‬ ‫الشيعتين شيئا"‬
‫‪ .].170-2/168‬وقد أورد شيخ السلم ابن تيمية هذا النص‪ ،‬ليأخذ منه دللة تاريخية على عدم‬
‫اختصاص عليّ باسم الشيعة في ذلك الوقت [انظر‪ :‬منهاج السنة‪( 2/67 :‬تحقيق د‪ .‬محمد رشاد سالم)‪.].‬‬
‫وجاء في التاريخ أن معاوية قال لبسر بن أرطأة حين وجهه إلى اليمن‪:‬‬
‫"امض حتى تأتي صنعاء فإن لنا بها شيعة" [تاريخ اليعقوبي‪].2/197 :‬؛ فإذن لم يظهر مصطلح‬
‫الشيعة دللة على أتباع عليّ فحسب حتى ذلك الوقت‪.‬‬
‫ويبدو أن بدء التجمع الفعلي لمن يدعون التشيع‪ ،‬وابتداء التميز بهذا السم بدأ بعد مقتل‬
‫[مروج الذهب‪:‬‬ ‫الحسين‪ .‬يقول المسعودي‪ :‬وفي سنة خمس وستين تحركت الشيعة في الكوفة‬
‫‪ .].3/100‬وتكونت حركة التوابين‪ ،‬ثم حركة المحتار (الكيسانية) وبدأت الشيعة تتكون وتضع‬
‫أصول مذهبها‪ ..‬وأخذت تتميز بهذا السم‪.‬‬
‫من هنا يتضح أن اسم الشيعة كان لقبا يطلق على أية مجموعة تلتف حول قائدها‪ ،‬وإن كان‬
‫بعض الشيعة يحاول أن يتجاهل الحقائق التاريخية ويدعي بأن الشيعة "هم أول من سموا باسم‬
‫التشيع من هذه المة" [القمي‪ /‬المقالت والفرق ص‪ ،15 :‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص‪ ،].18 :‬ويتناسى بأن‬
‫معاوية أطلق أيضا على أتباعه كلمة الشيعة‪ ،‬ولكن الوقائع التاريخية تقول بأن لقب الشيعة لم‬
‫[محمد‬ ‫يختص إطلقه على أتباع عليّ إل بعد مقتل عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬كما يرى البعض‬
‫[علي سامي النشار‪/‬‬ ‫أبو زهرة‪ /‬الميراث عند الجعفرية ص‪ ،].22 :‬أو بعد مقتل الحسين كما يرى آخرون‬
‫نشأة الفكر الفلسفي‪.].2/35 :‬‬

‫تعريف الشيعة اصطلحا‬


‫أ‪ -‬تعريف الشيعة في كتب المامية الثني عشرية‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -1‬يعرف شيخ الشيعة القمي [سعد بن عبد ال القمي‪ ،‬هو عند الشيعة جليل القدر‪ ،‬واسع الخبار‪ ،‬كثير التصنيف‪،‬‬
‫ثقة‪ .‬من كتبه‪ :‬الضياء في المامة‪ ،‬ومقالت المامية‪ ،‬توفي سنة (‪301‬ه‍) وقيل‪299( :‬ه‍)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،105 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪( ].1/355 :‬المتوفى سنة ‪301‬ه‍) الشيعة‬
‫بقوله‪ :‬هم شيعة علي بن أبي طالب [المقالت والفرق ص‪ .].3 :‬وفي موضع آخر يقول‪" :‬الشيعة هم‬
‫فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى ال عليه وسلم وبعده‪،‬‬
‫معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته" [المصدر السابق ص‪.].15 :‬‬
‫ويوافقه على هذا التعريف شيخهم "النوبختي" [الحسن بن موسى النوبختي‪ :‬أبو محمد‪ ،‬متكلم‪ ،‬فيلسوف‪ ،‬قال الطوسي‪:‬‬
‫كان إماميا حسن العتقاد‪ ،‬له مصنفات كثيرة منها‪ :‬كتاب الراء والديانات‪ .‬توفي بعد الثلثمائة)‪.‬‬
‫انظر في ترجمته‪ :‬الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،75 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة ‪ ،1/228 :‬ابن النديم‪ /‬الفهرست ص‬
‫‪ ،177‬القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪ ، 1/148 :‬معجم المؤلفين‪ ،3/298 :‬الذهبي‪ /‬سير أعلم النبلء‪ ].15/327 :‬حتى في‬
‫اللفاظ نفسها [فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].17 ،20‬‬
‫مناقشة التعريف الول ‪:‬‬
‫هذا هو تعريف الشيعة في أهم كتب الشيعة وأقدمها الخاصة بالفرق‪ .‬وهذا التعريف ل يشير‬
‫إلى أي أصل من أصول التشيع عندا الثني عشرية‪ ،‬والتي تعتبر في نظرهم لب التشيع‬
‫وأساسه؛ كمسألة النص على علي وولده وغيرها (باستثناء ذكره في الخيرة لمامة علي فقط‬
‫بدون ذكر النص أو بقية الئمة)‪.‬‬
‫‪ -‬والتعريف الذي يغفل أصول التشيع التي أحدثها الشيعة فيما بعد هو من التعاريف السليمة‬
‫لشيعة علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أو للشيعة الحقيقيين‪ ،‬وهو يخرج مدعي التشيع من حظيرة‬
‫التشيع‪ ،‬لنهم أحدثوا أصولً لم يقلها أئمة أهل البيت‪ ،‬لكنه حسب مقاييس الثني عشرية ل يعتبر‬
‫تعريفا للشيعة مع أن القمي والنوبختي من الشيعة الثني عشرية‪.‬‬
‫[ويسميهم فيقول‪:‬‬ ‫‪ -‬وهذا التعريف يدعي وجود "شيعة علي في زمن النبي صلى ال عليه وسلم"‬
‫"منهم المقاداد بن السود‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬ومن وافق مودته‬
‫مودة علي‪ ،‬وهم أول من سمي باسم التشيع من هذه المة" المقالت والفرق ص‪ ،15 :‬فرق الشيعة ص‪ ].18 :‬ول‬
‫سند لهذه الدعوى من الكتاب والسنة‪ ،‬ووقائع التاريخ صادقة‪ ،‬وال سبحانه يقول‪{ :‬إِنّ الدّينَ عِندَ‬
‫لمُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ].19 :‬ل التشيع ول غيره‪ ،‬والصحابة كانوا في عهده صلى ال عليه‬
‫الّلهِ ا ِلسْ َ‬
‫وسلم عصبة واحدة‪ ،‬وجماعة واحدة‪ ،‬وشيعة واحدة تشيعهم وولؤهم لرسول الهدى صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬التعريف الثاني ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫[محمد بن محمد النعمان الكعبري الملقب بالمفيد‪ ،‬نال في‬ ‫يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه المفيد‬
‫زعمهم شرف مكاتبة مهديهم المنتظر‪ ،‬وله قريب من مائتي مصنف‪ .‬قال الخطيب البغدادي‪ :‬كان أحد أئمة الضلل‪.‬‬
‫هلك به خلق من الناس إلى أن أراح ال المسلمين منه‪ .‬ومات سنة (‪413‬ه‍)‪ .‬انظر في ترجمته‪ :‬الطوسي‪ /‬الفهرست‬
‫ص‪ ،190 :‬ابن النديم‪ /‬الفهرست‪ ،‬ص‪ ،197 :‬القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪ ،3/164 :‬البحراني‪ /‬لؤلؤة البحرين ص‪،356 :‬‬
‫وانظر‪ :‬الخطيب البغدادي‪ /‬تاريخ بغداد‪ ،3/231 :‬ابن الجوزي‪ /‬المنتظم‪ ،].8/118 :‬بأن لفظ الشيعة يطلق‬
‫على"‪ ..‬أتباع أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ ،‬على سبيل الولء والعتقاد لمامته بعد الرسول‬
‫صلوات ال عليه وآله بل فصل‪ ،‬ونفي المامة عمن تقدمه في مقام الخلفة‪ ،‬وجعله في العتقاد‬
‫متبوعا لهم غير تابع لحد منهم على وجه القتداء" [أوائل المقالت ص‪ .].39 :‬ثم ذكر أنه يدخل في‬
‫هذا التعريف المامية والجارودية الزيدية‪ ،‬أما باقي فرق الزيدية فليسوا من الشيعة‪ ،‬ول تشملهم‬
‫سمة التشيع [أوائل المقالت ص‪.].39 :‬‬
‫مناقشة التعريف الثاني‪:‬‬
‫‪ -1‬ل نجد في تعريف المفيد هذا ذكرا لليمان بإمامة ولد علي‪ ،‬مع أن من لم يؤمن بهذا‬
‫فليس من الشيعة عندهم‪ ،‬كما أن هذا التعريف أغفل التصريح ببعض الجوانب الساسية في‬
‫التشيع والتي يربط الشيعة وصف التشيع بها كمسألة النص‪ ،‬والعصمة وغيرها من أصول‬
‫المامية‪.‬‬
‫‪ -2‬يلحظ أنه نص في تعريفه على‪ :‬إخراج الفرق المعتدلة من الزيدية ول يصدق وصف التشيع في نظره إل على‬
‫غلة الزيدية وهم الجارودية [الجارودية‪ :‬فرقة من فرق الزيدية وتنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني‬
‫العمى الكوفي‪ .‬قال عنه أبو حاتم‪ :‬كان رافضيا‪ ،‬يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ورضي ال عنهم‪ ...‬ومن مقالة الجارودية‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نص على علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫بالشارة والوصف دون التسمية والتعيين‪ ،‬وأن المة ضلت وكفرت بصرفها المر إلى غيره‪...‬‬
‫انظر في أبي الجارود والجارودية‪ :‬رجال الكشي ص‪( 230 ،229 ،151 :‬وهي ست روايات في ذمه تضمن‬
‫بعضها كونه كذابا كافرا‪ ،‬ومع ذلك فمفيدهم ينظمه في سلك التشيع‪ ،‬لن التشيع في تعريفه هو هذا الغلو‪ )..‬وانظر‪:‬‬
‫الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،192 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،1/339 :‬القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪ ،1/30 :‬وانظر‪ :‬ابن حجر‪/‬‬
‫تهذيب التهذيب‪ .3/386 :‬وراجع‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص‪ ،18 :‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص‪ ،21 :‬نشوان‪ /‬الحور‬
‫العين ص‪ ،156 :‬المقريزي‪ /‬الخطط‪ ،2/352 :‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪ ،1/159 :‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد ص‪،23 :‬‬
‫أحمد بن المرتضى‪ /‬المنية والمل ص ‪ ،90 ،20‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪ ،30 :‬الرازي‪ /‬محصل أفكار‬
‫المتقدمين والمتأخرين ص‪ ،247 :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،].1/140 :‬وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إنه فتح‬
‫المجال في تعريفه لدخول الفرق الغالية كلها‪.‬‬
‫‪ -3‬أما قوله في التعريف‪" :‬وجعله في العتقاد متبوعا لهم غير تابع لحد منهم على وجه‬
‫القتداء" فهذا إشارة إلى أصل من أصول العتقاد عندهم وهو التقية‪ ،‬فعلي عند الشيعة في‬

‫‪26‬‬
‫الظاهر تابع للخلفاء الثلثة وفي الباطن متبوع لهم‪ ،‬فاتباعه للخلفاء ‪ -‬في نظر المفيد وشعيته ‪-‬‬
‫ليس على وجه القتداء وإنما على وجه التقية‪ ،‬وليس على وجه العتقاد وإنما على وجه‬
‫الموافقة في الظاهر فقط‪.‬‬
‫‪ -4‬أما قوله‪ ..." :‬بالعتقاد بإمامة علي بعد الرسول صلى ال عليه وسلم بل فصل" فهذا‬
‫مبني على إنكار الشيعة لصحة خلفة الخلفاء الثلثة‪ ،‬وقد شرح مفيدهم هذه الجملة‪ ،‬وفصل‬
‫[وهو كتاب الرشاد أحد المصادر المعتمدة عند الثني عشرية "اعتمد عليه علماء‬ ‫القول فيها في كتاب آخر‬
‫المامية المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬واعتبروه من أهم المصادر في موضوعه وأعاروه عناية فائقة وأهمية كبرى…"‬
‫مقدمة الرشاد ص‪ ،7 :‬وانظر في توثيقه عندهم‪ :‬بحار النوار ‪ ].1/27‬له؛ حيث قال‪" :‬وكانت إمامة أمير‬
‫المؤمنين بعد النبي صلى ال عليه وسلم ثلثة سنة منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر ممنوعا‬
‫من التصرف في أحكامها مستعملً للتقية والمداراة‪ ،‬ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحنا‬
‫[ورد في "معاني الخبار" لشيخهم ابن بابويه القمي‪ :‬أن‬ ‫بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين‬
‫المراد بالناكثين‪ :‬الذين بايعوا بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة‪ ،‬والقاسطين‪ :‬معاوية وأصحابه من أهل الشام‪ ،‬والمارقين‪:‬‬
‫أصحاب النهروان‪ .‬معاني الخبار ص‪ ،].204 :‬ومضطهدا بفتن الضالين‪ ،‬كما كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ثلث عشرة ‪ -‬كذا ‪ -‬سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا هاربا‬
‫ومطرودا ل يتمكن من جهاد الكافرين ول يستطيع دفعا عن المؤمنين‪ ،‬ثم هاجر وأقام بعد‬
‫الهجرة عشرة سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه ال جل اسمه إليه‪،‬‬
‫وأسكنه جنات النعيم" [الرشاد ص‪.].12 :‬‬
‫فوصف التشيع ل يصدق ‪ -‬في نظر المفيد ‪ -‬إل على من اعتقد خلفة علي بن أبي طالب ‪-‬‬
‫[ونجد شيخهم‬ ‫رضي ال عنه ‪ -‬ممتدة من حين التحاق الرسول بالرفيق العلى إلى أن توفي علي‬
‫عبد ال شبر يؤكد في تعريفه للشيعة على هذا المعنى فيقول‪" :‬اعلم أن لفظ الشيعة يطلق على من قال بخلفة أمير‬
‫المؤمنين ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بعد النبي صلى ال عليه وسلم بل فصل" (حق اليقين‪ ،].)1/195 :‬ول صحة لخلف‬
‫الخلفاء الثلثة‪ ،‬فل يصدق ‪ -‬حسب تعريفه‪ -‬وصف التشيع بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إل على ثلثة من الصحابة‪ ،‬وباقي الصاحبة هم ‪ -‬في نظر الشيعة ‪ -‬كفار كالمشركين‬
‫الذين عاصرهم الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والحكومة كافرة‪ ،‬وعلي يعيش بينهم متسترا‬
‫بالتقية والنفاق [وسيأتي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬ذكر شواهد ذلك في مبحث حكم منكر إمامة الثني عشر‪ ،].‬فأي إساءة‬
‫إلى علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وإلى صحابة رسول ال ‪ -‬رضوان ال عليهم وإلى السلم أبلغ‬
‫من هذا؟!‪.‬‬
‫‪ -3‬التعريف الثالث للشيعة‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫وإذا كان المفيد ل ينص في تعريفه للتشيع على مسألة النص والوصية‪ ،‬فإننا نرى في شيخهم الطوس [أبو جعفر محمد‬
‫بن الحسين بن علي الطوسي هو عندهم شيخ المامية ورئيس الطائفة‪ ،‬وهو مؤلف كتابين من كتبهم الربعة (التي هي‬
‫كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما‪ :‬تهذيب الحكام والستبصار‪ ،‬توفي سنة (‪460‬هـ) وكانت ولدته سنة (‪385‬هـ)‪.‬‬
‫راجع ترجمته لنفسه في الفهرست ص‪ ،190-88 :‬البحراني‪ /‬لؤلؤة البحرين ص‪ ،304-293 :‬القمي‪ /‬الكنى‬
‫واللقاب‪ ،2/357 :‬وانظر‪ :‬لسان الميزان لبن حجر‪ ].5/135 :‬يربط وصف التشيع بالعتقاد بكون علي‬
‫إماما للمسلمين بوصية من الرسول صلى ال عليه وسلم وبإرادة من ال [تلخيص الشافي‪.].2/56 :‬‬
‫فالطوسي هنا يجعل العتقاد بالنص هو أساس التشيع‪ ،‬ولهذا يخرج الطوسي السليمانية [السليمانية‪ :‬فرقة من فرق‬
‫الزيدية تُنسب إلى سليمان بن جرير الزيدي‪ ،‬وهي تسمى بالسليمانية عند كثير من أصحاب الفرق (انظر‪ :‬مقالت‬
‫السلميين‪ ،1/143 :‬اعتقادات فرق المسلمين ص‪ ،78 :‬الملل والنحل‪ ،1/159 :‬التبصير في الدين ص ‪.)17‬‬
‫ومن أصحاب الفرق من يسميها بالجريرية (الحور العين ص ‪ ،156‬الخطط‪ /‬المقريزي‪ ،)2/325 :‬وقد نص‬
‫صاحب الفرق بين الفرق أنها تسمى بـ "السليمانية أو الجريرية"‪( .‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،)32‬ويسميها صاحب المنية‬
‫والمل أحيانا بالسليمانية ص‪ ،90 :‬وأحيانا بالجريرية ص‪ ].90 :‬الزيدية من فرق الشيعة؛ لنهم ل يقولون‬
‫بالنص بل يقولون‪ :‬إن المامة شورى‪ ،‬وإنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين‪ ،‬وإنها قد‬
‫[الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪:‬‬ ‫تصلح في المفضول‪ ..‬ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر‬
‫[انظر‪ :‬الطوسي‪ /‬التهذيب‪:‬‬ ‫‪ ،].1/143‬ولم يخرجوهم من دائرة التشيع فحسب‪ ،‬بل اعتبروهم "نواصب"‬
‫‪ ،1/364‬الحر العاملي‪ /‬الوسائل‪ .].4/288 :‬ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬فقد جاء في رجال الكشي أن الزيدية شر‬
‫من النواصب [انظر‪ :‬رجال الكشي ص‪ ،].459 :‬ويجري هذا الحكم من الثني عشرية على كل فرق‬
‫الزيدية التي تقول برأي السليمانية كالصالحية والبترية [الصالحية‪ :‬أصحاب الحسن صالح بن حي‪.].‬‬
‫ويذهب بعض شيوخهم المعاصرين إلى ما ذهب إليه الطوسي‪ ،‬فيقصر وصف التشيع على‬
‫من يؤمن بالنص على خلفة علي‪ ،‬فيقول بأن لفظ الشيعة‪" :‬علم من يؤمن بأن عليا هو الخليفة‬
‫بنص النبي" [محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان ص ‪.].15 :‬‬
‫ويلحظ أن مسألة النص هي محل اهتمام الشيعة البالغ في القديم والحديث؛ فنرى ‪ -‬مثلً ‪-‬‬
‫في القديم شيخهم الكليني يعقد في كتابه الكافي ثلثة عشر بابا في مسألة النص على الئمة‬
‫يضمنها مائة وتسعة أحاديث [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].328-1/286 :‬ونرى في الحاضر أحد الروافض‬
‫يؤلف كتابا في ستة عشر مجلدا في حديث من أحاديثهم التي يستدلون بها على ثبوت النص‬
‫على علي وهو حديث "الغدير" [سيأتي ذكره وتخريجه ومناقشته عند ذكر أدلة الشيعة في مسألة المامة‪.].‬‬
‫[كتاب الغدير لشيخهم المعاصر عبد الحسين الميني النجفي‪ ،‬وهو مليء بالكاذيب‬ ‫ويسمي كتابه باسم الغدير‬
‫والطامات والكفر البواح‪ .‬انظر‪ :‬مسألة التقريب بين السنة والشيعة للمؤلف ص‪ 66 :‬وما بعدها‪ ،].‬فل غرابة في‬
‫أن يربط الشيعة وصف التشيع بقضية النص‪ ،‬لكن اللفت للنظر أن هذا الهتمام والمبالغة‬

‫‪28‬‬
‫يسري في كل عقائدهم التي هي محل استنكار وتكذيب من جمهور المسلمين‪ ،‬فتراهم في كل‬
‫عقيدة من هذه العقائد التي هذا شأنها‪ ،‬يجعلونها هي عمود التشيع وأساسه‪ ،‬ويبالغون في إثباتها‪،‬‬
‫ولكن حينما يعرف شيوخهم التشيع ل يذكرون هذه العقائد في التعريف مع أنهم يعلقون الوصف‬
‫بالتشيع باليمان بها‪ ،‬ول تشيع بدونها؛ كمسألة الرجعة مثلً‪ ،‬قالوا في أحاديثهم‪" :‬ليس منا من لم‬
‫[ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪ ،3/291 :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة ‪ ،7/438‬تفسير الصافي‬ ‫يؤمن بكرتنا"‬
‫‪ ،1/347‬المجلس‪ /‬بحار النوار ‪ .].53/92 :‬ومع ذلك ل ترى لها ذكرا في تعريف التشيع‪ ،‬وكذلك‬
‫مسألة العصمة‪ ،‬واليمان بخلف ولد علي وغيرها‪ ،‬بل تجد هذه المبالغة حتى في مسائل الفقه‬
‫[المصادر السابقة (نفس‬ ‫وقضايا الفروع كمسألة المتعة‪ ،‬قالوا‪" :‬ليس منا من لم‪ ..‬يستحل متعتنا"‬
‫الصفحات)‪ .].‬فالقوم ليسوا على منهج واضح سليم في ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬تعاريف أخرى للشيعة‪:‬‬
‫وهنالك تعريفات أخرى للشيعة متفرقة في كتب الشيعة القديم منها والحديث ل تخرج عما ذكرنا [فمن هذا التعاريف‬
‫ما يربط التشيع باتباع علي وتقديمه على غيره في المامة (انظر‪ :‬شرح اللمعة‪ .)2/228 :‬ومنها ما يزيد على ذلك‬
‫بوجوب العتقاد أنه المام بوصية من رسول ال وبإرادة من ال تعالى نصا‪ ،‬كما يرى المامية‪ ،‬ووصفا كما يرى‬
‫الجارودية (موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص‪ ،91 :‬عن هوية التشيع ص‪ .].)12 :‬وهناك تعريفات أخرى‬
‫اتجهت اتجاها خاصا ‪ -‬في التعريف ‪ -‬ل يشير إلى أصولهم في التشيع المعروفة؛ فهذا شيخهم‬
‫[أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد النجاسي‪ ،‬له كتاب الرجال الذي اعتمد عليها شيوخ المامية‪،‬‬ ‫النجاشي‬
‫توفي سنة (‪450‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،1/54 :‬القمي‪ /‬الكني‪ ].)3/199 :‬يعرف بالشيعة بقوله‪:‬‬
‫"الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول ال أخذوا بقول علي‪ ،‬وإذا اختلف الناس عن علي‬
‫أخذوا بقول جعفر بن محمد" [رجال النجاشي ص‪.].9 :‬‬
‫وإذا اختلف النقل عن جعفر بن محمد بماذا يأخذون؟‬
‫ل نجد في التعريف جوابا على ذلك‪ ..‬إل إن كان هذا التعريف يشير في توقفه عند جعفر بن‬
‫محمد إلى أن النقل عنه ل يختلف‪ ،‬وهذا خلف الواقع وخلف المأثور عن جعفر بن محمد حتى‬
‫في كتب الشيعة نفسها‪ ..‬أم إن هذا النص موضوع في حياة جعفر بن محمد فتوقف عنده ونقله‬
‫النجاشي‪ ،‬وأيا كان فهو ل يشير إلى الئمة الذين هم قبل جعفر‪ ،‬كما ل يشير إلى الئمة بعده‪..‬‬
‫ثم إن في هذا التعرف خروجا عن منهج السلم‪ ،‬فهو يقول بأن الناس إذا اختلفوا في النقل‬
‫عن رسول ال ل يؤخذ بمقاييس الترجيح المعروفة في اختيار النقل الصحيح‪ ..‬بل يؤخذ بقول‬

‫‪29‬‬
‫علي‪ .‬وإذا اختلف النقل عن علي يؤخذ بقول جعفر‪ ...‬هكذا يقولون‪ ،‬ثم لماذا ل يختلف القول‬
‫عن جعفر‪ ،‬ويختلف القول عن ال وعلي؟‪ ..‬وهل جعفر أفضل منهما؟!‬
‫وثمة تعريفات أخرى في كتب الثني عشرية تجعل التشيع والشيعة مرادفة للتقوى والصلح‬
‫والستقامة‪ .‬قال أبو عبد ال‪" :‬ما شيعتنا إل من اتقى ال وأطاعه‪ ،‬وما كانوا يعرفون إل‬
‫بالتواضع والتجشع والمانة" [سفينة البحار‪ .].1/733 :‬وقال‪" :‬إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه‪،‬‬
‫واشتد جهاده‪ ،‬وعمل لخالقه‪ ،‬ورجا ثوابه‪ ،‬وخاف عقابه‪ ،‬فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر"‬
‫[المصدر السابق‪ ].1/732 :‬وقال أبو جعفر‪" :‬ل تذهب بكم المذاهب فوال ما شيعتنا إل من أطاع ال‬
‫[أصول الكافي‪[ ].1/73 :‬وقد نقل الشيخ موسى جار ال في آخر الوشيعة ص‪ 230 :‬مثل هذه العبارات‬ ‫عز وجل"‬
‫عن كتب الشيعة‪ ،‬ثم عقب عليها بقول‪" :‬هؤلء الشيعة هم شيعة علي كانوا يعرفون بالورع والجتهاد‪ ،‬واجتناب‬
‫الصغائر والعداوة‪ ،‬وكان لهم محبة أول المة‪ ،‬دين هؤلء الشيعة كان هو التقوى ل التقية‪ ،‬دين هؤلء الشيعة كان هو‬
‫الولية ل الحق‪ ،‬لنبيه‪ ،‬لهل بيته‪ ،‬ولصحبه‪ ،‬وللمؤمنين والمؤمنات كافة‪ .‬أما أولئك الذين دينهم التقية والنفاق وعداوة‬
‫الصحابة وبعض آل البيت والغلو في البعض الخر فليسوا بشيعة بشهادة من تعتبرهم الشيعة أئمتها‪ ،‬وباعتراف كتب‬
‫الشيعة نفسها‪ .‬ولهذا سماهم المام زيد بالرافضة‪ ،‬ل الشيعة"‪.].‬‬
‫ب‪ -‬تعريف الشيعة في كتب السماعيلية‪:‬‬
‫[هو‪ :‬أبو حاتم أحمد بن حمدان بن‬ ‫ويقول أبو حاتم الرازي ‪ -‬وهو من أكبر الدعاة السماعيليين‬
‫أحمد الرازي‪ ،‬من كتبه‪ :‬أعلم النبوة‪ ،‬الزينة وغيرهما‪ .‬توفي سنة (‪322‬هـ)‪.‬‬
‫انظر ترجته في‪ :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،1/164 :‬وانظر‪ :‬أعلم السماعيلية ص‪ - ].97 :‬في كتابه‬
‫"الزينة"‪" :‬الشيعة لقب لقوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ -‬صلوات ال عليه‬
‫‪ -‬في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وعرفوا به‪ ،‬مثل سلمان الفارسي‪ ،‬وأبي ذر الغفاري‪،‬‬
‫والمقداد بن السود‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬وكان يقال لهم‪ :‬شيعة علي‪ ،‬وأصحاب علي‪ ..‬ثم لزم هذا‬
‫[قوله‪" :‬بعده" أي تفضيل علي بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم على سائر‬ ‫اللقب كل من قال بتفضيله بعده‬
‫الصحابة‪ ،‬ويمكن أن يشمل هذا الطلق سائر الناس فيدخل فيهم النبياء‪ ،‬فيدخل في لقب الشيعة غلة الروافض كما‬
‫يدخل فيه من سواهم‪ .‬ويتبادر معنى آخر وهو أنه يعني كل من قال بتفضيل علي مطلقا بعده‪ ،‬أي بعد وفاة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى يومنا هذا‪ ،‬وهو قريب‪ ].‬إلى يومنا‪ ،‬وتشعبت من هذه الفرقة فرق كثيرة سميت‬
‫بأسماء متفرقة وألقاب شتى‪ ،‬مثل‪ :‬الرافضة‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والكيسانية وغير ذلك من اللقاب‪ ،‬وهم‬
‫كلهم داخلون في جملة هذا اللقب الواحد الذي يسمي الشيعة على تباينهم في المذاهب وتفرقهم‬
‫في الراء" [الزينة‪ :‬ص ‪( 259‬ضمن كتاب‪" :‬الغلو والفرق الغالية")‪.].‬‬

‫‪30‬‬
‫ويلحظ في هذا التعريف أن المؤلف ادعى‪ :‬أن لقب الشيعة أطلق على طائفة معينة من الناس‬
‫في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهذا ما لم يثبت تاريخيا‪ ،‬وانفرد بادعائه الشيعة‪،‬‬
‫محاولة لثبات أصالة مذهبهم وشرعيته‪.‬‬
‫ولنا وقفة عند هذه المسألة في مبحث نشأة الشيعة‪ ،‬كما يلحظ أنه جعل علقة هؤلء الصحابة‬
‫بعلي بن أبي طالب أساسها اللف‪ ،‬ولم يدع كغيره النص من ال ورسوله ‪ -‬كما تزعم الشيعة‬
‫‪.-‬‬
‫ج‪ -‬تعريف الشيعة في المصادر الخرى‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف الشعري للشيعة‪:‬‬
‫ولعل من أقدم من عرف الشيعة من أصحاب المقالت والفرق (من غير الشيعة) المام‬
‫الشعري‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫"إنما قيل لهم‪ :‬الشيعة‪ ،‬لنهم شايعوا عليا ‪ -‬رضوان ال عليه ‪ -‬ويقدمونه على سائر أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم" [مقالت السلميين‪.].1/65 :‬‬
‫مناقشة التعريف‪:‬‬
‫تعريف الشعري هذا يتفق مع ما تذهب إليه المفضلة من الشيعة‪ ،‬وهم الذين يفضلون عليا‬
‫على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬والشيعة الثنا عشرية ل‬
‫يعتبرون مجرد تقديم علي على سائر أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم كافيا في استحقاق‬
‫وصف التشيع‪ ،‬بل لبد من العتقاد بأن خلفة علي بالنص‪ ..‬وأنها بدأت بعد وفاة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ..‬ولهذا أخرج الطوسي‪ ،‬والمفيد بعض فرق الزيدية من دائرة التشيع ‪-‬‬
‫كما مر ‪ ،-‬ويمكن القول بأن تعريف الشعري يشمل جميع أقسام الشيعة أو معظمها‪ ،‬ول‬
‫يقتصر على من قال بالنص كما يزعم الرافضة‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف ابن حزم‪:‬‬
‫[أبو محمد علي بن أحمد بن‬ ‫ومن أدق التعاريف للشيعة ‪ -‬في رأي البعض ‪ -‬تعريف ابن حزام‬
‫سعيد بن حزم الظاهري‪ ،‬عالم الندلس في عصره‪ ،‬ولد بقرطبة سنة ‪384‬ه‍ أو ‪383‬ه‍‪ ،‬وتوفي في الندلس سنة (‬
‫‪456‬ه‍) ومن آثاره‪ :‬المحلى‪ ،‬والفصل وغيرهما‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المقري‪ /‬نفح الطيب‪ ].2/283 :‬للشيعة حيث قال‪" :‬ومن وافق الشيعة في أن عليا ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪ -‬أفضل الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأحقهم بالمامة وولده من بعده فهو‬
‫شيعي‪ ،‬وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون‪ ،‬فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا"‬
‫[الفصل‪.].2/107 :‬‬

‫‪31‬‬
‫ويختار هذا التعريف أحد الروافض‪ ،‬ويعتبره من أدق التعاريف للشيعة‪ ،‬ويعرض عن‬
‫تعاريف أهل نحلته‪ ،‬ويعلل الرافضي اختياره لتعريف ابن حزام على غيره بقوله‪« :‬ومما حدانا‬
‫إلى تفضيل تعريف ابن حزم هو أن العتراف بأفضلية المام علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬على‬
‫الناس بعد رسول ال‪ ،‬وأنه المام والخليفة بعده‪ ،‬وأن المامة في ذريته هو أس التشيع وجوهره"‬
‫[عبد ال فياض‪ /‬تاريخ المامية ص‪.].33 :‬‬
‫ولكن من يقرأ كلم الشيعة عن عقائدهم كالمامة‪ ،‬والعصمة‪ ،‬والتقية وغيرها يرى أنهم‬
‫يغالون في كل عقيدة من عقائدهم بحيث يربطون وصف التشيع باليمان بتلك العقيدة ‪ -‬كما‬
‫سلف‪ -‬ولعل هذا ما لحظه الشهرستاني حينما قدّم لنا تعريفا للشيعة يعتبر من أجمع التعاريف‬
‫لصول التشيع وأكثرها شمولً‪.‬‬
‫‪ -3‬تعريف الشهرستاني [محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح المعروف بالشهرستاني‪ .‬قال السبكي‪ :‬كان إماما‬
‫مبرزا مقدما في علم الكلم والنظر‪ ،‬برع في الفقه والصول والكلم‪ ،‬ومن تصانيفه‪ :‬الممل والنحل‪ ،‬نهاية القدام‪،‬‬
‫وغيرهما‪ .‬توفي سنة (‪548‬ه‍)‪ ،‬وكانت ولدته عام ‪467‬ه‍‪ ،‬وقيل‪479 :‬ه‍‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،130-6/128 :‬مرآة الجنان‪:].290-3/284 :‬‬
‫يقول الشهرستاني‪" :‬الشيعة هم الذين شايعوا عليا‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬على الخصوص‪ ،‬وقالوا‬
‫بإمامته وخلفته نصا ووصية‪ ،‬إما جليا‪ ،‬وإما خفيا‪ ،‬واعتقدوا أن المامة ل تخرج من أولده‪،‬‬
‫وإن خرجت فبظلم يكون من غيره‪ ،‬أو بتقية من عنده‪ .‬وقالوا‪ :‬ليست المامة قضية مصلحية‬
‫تناط باختيار العامة وينتصب المام بنصبهم‪ ،‬بل هي قضية أصولية‪ ،‬وهي ركن الدين ل يجوز‬
‫للرسل عليهم السلم إغفاله وإهماله‪ ،‬ول تفويضه إلى العامة وإرساله‪.‬‬
‫ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص‪ ،‬وثبوت عصمة النبياء والئمة وجوبا عن‬
‫الكبائر والصغائر‪ .‬والقول بالتولي والتبري قولً وفعلً وعقدا إل في حال التقية‪ ،‬ويخالفهم بعض‬
‫الزيدية في ذلك" [الملل والنحل‪.].6/146 :‬‬
‫ومن هذا التعريف يتبين أن جميع فرق الشيعة ‪ -‬ما عدا بعض الزيدية ‪ -‬يتفقون على وجوب‬
‫اعتقاد المامة‪ ،‬والعصمة‪ ،‬والتقية‪ ،‬وسنرى أن الثني عشرية يقولون بعقائد أخرى كالغيبة‪،‬‬
‫والرجعة‪ ،‬والبداء‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫كما ينبغي أن يلحظ أن المام زيدا وأتباعه ل يحكمون بعصمة المام‪ ،‬ول يمنعون المة من‬
‫تعيين من تختاره للمامة‪ ،‬ولذا يجوّز المام زيد إمامة المفضول مع وجود الفاضل‪ ،‬ول يقول‬
‫بالتقية‪ ،‬وكأن الشهرستاني يشير إلى ذلك بقوله‪" :‬ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك"‪ .‬على أن‬
‫[انظر‪ :‬ابن المرتضى‪ /‬البحر الزخار ص‪:‬‬ ‫هناك من الزيدية من يقول بعصمة فاطمة‪ ،‬وعلي‪ ،‬والحسين‬

‫‪32‬‬
‫‪ ،96‬المقبلي‪ /‬المعلم الشامخ ص‪ ،386 :‬ابن عباد‪ /‬نصرة مذاهب الزيدية ص‪ ،].196-164 :‬ومن يقول بالنص‬
‫على إمامة الثلثة‪ :‬علي وولديه" [يحيى بن حمزة‪ /‬الرسالة الوازعة ص‪ .].28 :‬وأكثر الزيدية على‬
‫خلف ذلك [انظر السمرقندي‪ /‬المعتقدات‪ :‬الورقة ‪( 35‬مخطوط)‪.].‬‬

‫التعريف المختار للشيعة‬


‫وفي نظري أن تعريف الشيعة مرتبط أساسا بأطوار نشأتهم‪ ،‬ومراحل التطور العقدي لهم‪،‬‬
‫ذلك أن الملحوظ أن عقائد الشيعة وأفكارها في تغير وتطور مستمر؛ فالتشيع في العصر الول‬
‫غير التشيع فيما بعده‪ ،‬ولهذا كان في الصدر الول ل يسمى شيعيا إل من قدّم عليا على عثمان‪،‬‬
‫ولذلك قيل‪ :‬شيعي وعثماني‪ ،‬فالشيعي من قدم عليا على عثمان‪ ،‬والعثماني‪ :‬من قدّم عثمان على‬
‫علي [انظر‪ :‬نشوان الحميري‪ /‬الحور العين ص‪ ،179 :‬ابن المرتضى‪ /‬المنية والمل ص‪.].81 :‬‬
‫فعلى هذا يكون التعريف للشيعة في الصدر الول‪ :‬أنهم الذين يقدمون عليا على عثمان فقط‬
‫[وهم وإن سموا بالشيعة فهم من أهل السنة؛ لن مسألة عثمان وعلي‪ ...‬ليست من الصول التي يضلل المخالف فيها‪،‬‬
‫لكن المسألة التي يضلل فيها مسألة الخلفة‪ ..‬وقد كان بعض أهل السنة اختلفوا في عثمان وعلي ‪ -‬رضي ال عنهما‬
‫‪ -‬بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر ‪ -‬أيهما أفضل ‪ :-‬فقدم قوم عثمان‪ ،‬وسكتوا‪ ،‬أو ربعوا بعلي‪ ،‬وقدم قوم عليا‪،‬‬
‫وقوم توقفوا‪ ،‬لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجموعة فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،3/153 :‬ابن حجر‪ /‬فتح الباري‪.].7/34 :‬‬
‫ولهذا ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن‪ :‬الشيعة الولى كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا‬
‫بكر وعمر [منهاج السنة‪( 2/60 :‬تحقيق د‪ .‬محمد رشاد سالم)‪ .].‬وقد منع شريك بن عبد ال ‪ -‬وهو ممن‬
‫يوصف بالتشيع ‪ -‬إطلق اسم التشيع على من يفضل عليا على أبي بكر وعمر؛ وذلك لمخالفته‬
‫[ومضى نص‬ ‫لما تواتر عن علي في ذلك‪ ،‬والتشيع يعني المناصرة والمتابعة ل المخالفة والمنابذة‬
‫كلمه في ص‪.].32 :‬‬
‫وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق قال‪ :‬حدثنا محمد بن حميد‪،‬‬
‫حدثنا جرير‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن عبد ال بن زياد بن جدير قال‪ :‬قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة‪،‬‬
‫قال لنا شمر بن عطية‪ :‬قوموا إليه‪ ،‬فجلسنا إليه‪ ،‬فتحدثوا‪ ،‬فقال أبو إسحاق‪ :‬خرجت من الكوفة‬
‫وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما‪ ،‬وقدمت الن وهو يقولون‪ ،‬ويقولون‪ ،‬ول‬
‫ال ما أدري ما يقولون [المنتقى ص‪.].360 :‬‬
‫قال محب الدين الخطيب‪ :‬هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع‪ ،‬فإن أبا إسحاق‬
‫السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها [انظر ترجمته في‪ :‬تهذيب التهذيب‪ ،8/63 :‬الخلصة ص‪ .].291 :‬ولد‬
‫في خلفة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلث سنين‪ ،‬وعمّر حتى توفي سنة ‪127‬ه‍‪ ،‬وكان‬
‫‪33‬‬
‫طفلً في خلفة أمير المؤمنين علي‪ ،‬وهو يقول عن نفسه‪ :‬رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي‬
‫طالب يخطب‪ ،‬أبيض الرأس واللحية‪ .‬ولو عرفنا متى فارق الكوفة‪ ،‬ثم عاد فزارها‪ ،‬لتوصلنا‬
‫إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين‪ ،‬يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر‬
‫وعمر‪ ،‬ومتى أخذوا يفارقون عليا‪ ،‬ويخالفونه فيما كان يؤمن به‪ ،‬ويعلنه على منبر الكوفة من‬
‫أفضلية أخويه صاحبي رسول ال صلى ال عليه وسلم ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى‬
‫وأطهر أزمانها [حاشية المنتقى ص‪.].361-360 :‬‬
‫[المنتقى‬ ‫وقال ليث بن أبي سليم‪ :‬أدركت الشيعة الولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا‬
‫ص‪.].361-360 :‬‬
‫وذكر صاحب مختصر التحفة‪ :‬إن الذين كانوا في وقت خلفة المير رضي ال عنه من‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسان‪ ،‬كلهم عرفوا له حقه‪ ،‬وأحلوه من الفضل محله‪،‬‬
‫ولم ينتقصوا أحدا من إخوانه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فضلً عن إكفاره وسبه‬
‫[مختصر التحفة الثني عشرية ص‪.].3 :‬‬
‫ولكن لم يظل التشيع بهذا النقاء والصفاء‪ ،‬والسلمة والسمو‪ ..‬بل إن مبدأ التشيع تغير‪،‬‬
‫فأصبحت الشيعة شيعا‪ ،‬وصار التشيع قناعا يتستر به كل من أراد الكيد للسلم والمسلمين من‬
‫العداء الموتورين الحاسدين‪ ..‬ولهذا نرى بعض الئمة ل يسمون الطاعنين بالشيخين بالشيعة‪،‬‬
‫بل يسمونهم الرافضة‪ ،‬لنهم ل يستحقون وصف التشيع‪.‬‬
‫ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة ل يستغرب وجود طائفة من أعلم المحدثين‪ ،‬وغير‬
‫المحدثين من العلماء العلم‪ ،‬أطلق عليهم لقب الشيعة‪ ،‬وقد يكونون من أعلم السنة‪ ،‬لن‬
‫للتشيع في زمن السلف مفهوما وتعريفا غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة‪ ،‬ولهذا قال المام‬
‫الذهبي في معرض الحديث عمن رمي ببدعة التشيع من المحدثين‪ :‬قال‪" :‬إن البدعة على‬
‫ضربين (فبدعة صغرى) كغلو التشيع‪ ،‬أو كالتشيع بل غلو‪ ،‬فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع‬
‫الدين والورع والصدق‪ ،‬فلو رد حديث هؤلء لذهب جملة من الثار النبوية‪ ،‬وهذه مفسدة بينة‪،‬‬
‫ثم (بدعة كبرى) كالرفض الكامل‪ ،‬والغلو فيه‪ ،‬والحط على أبي بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما‬
‫‪ -‬والدعاء إلى ذلك‪ ،‬فهذا النوع ل يحتج بهم ول كرامة‪ ،‬وأيضا فما أستحضر الن في هذا‬
‫الضرب رجلً صادقا‪ ،‬ول مأمونا‪ ،‬بل الكذب شعارهم‪ ،‬والتقية والنفاق دثارهم‪ ،‬فكيف يقبل نقل‬
‫من هذا حاله؟ حاشا وكل‪.‬‬
‫فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير‪ ،‬وطلحة‪ ،‬ومعاوية‪،‬‬
‫وطائفة ممن حارب عليا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وتعرض لسبهم‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫والغالي في زمننا وعُرفنا هو الذي يكفر هؤلء السادة‪ ،‬ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتر"‬
‫[الذهبي‪ /‬ميزان العتدال‪ ،6-1/5 :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪.].10-1/9 :‬‬
‫إذن التشيع درجات‪ ،‬وأطوار‪ ،‬ومراحل‪ ..‬كما أنه فرق‪ ،‬وطوائف‪.‬‬
‫والفرقة التي سنخصها بالحديث هي الثنا عشرية‪ ،‬والطور من التشيع الذي سندرسه هو الذي‬
‫يستقي عقيدته ودينه من الصول الربعة عندهم‪ :‬وهي‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن‬
‫ل يحضره الفقيه‪ ،‬والتي يعتبرونها كالكتب الستة عند أهل السنة‪ ،‬وما ألحق بها في العتبار من‬
‫المصادر الربعة المتأخرة عندهم وهي‪ :‬الوافي‪ ،‬والبحار‪ ،‬والوسائل‪ ،‬ومستدرك الوسائل‪ .‬وكذلك‬
‫ما رأى شيوخ الشيعة أنه بدرجة هذه الكتب من مؤلفاتهم وهي كثيرة‪.‬‬
‫وقبل أن ندع الحديث حول تعريف الشيعة نشير إلى أنه يلحظ على تعريفات الشيعة الواردة‬
‫في معظم كتب المقالت‪ ،‬أنها دأبت على القول في التعريفات للشيعة (المامية) بأنهم أتباع‬
‫علي‪ ..‬إلخ‪ ،‬وهذا يؤدي إلى نتيجة خاطئة تخالف إجماع المة كلها‪ .‬هذه النتيجة هي أن يكون‬
‫علي شيعيا يرى ما يراه الشيعة‪ ،‬وعلي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬بريء مما تعتقده الشيعة فيه وفي‬
‫بنيه‪ .‬ولذلك لبد من وضع قيد واحتراز في التعريف رفعا للبهام‪ ،‬فيقال‪ :‬هم الذين يزعمون‬
‫اتباع عليّ؛ حيث إنهم لم يتبعوا عليا على الحقيقة‪ ،‬وليس أمير المؤمنين على ما يعتقدون‪.‬‬
‫أو يقال‪ :‬بأنهم المدعون التشيع لعلي‪ ،‬أو الرافضة كما سبق‪ ،‬ولذلك عبر عنهم بعض أهل‬
‫العلم بقوله‪" :‬الرافضة المنسوبون إلى شيعة علي" [منهاج السنة‪ ].2/106 :‬فهم أيضا ليسوا على منهج‬
‫شيعة علي المتبعين له‪ ،‬بل هم أدعياء ورافضة‪.‬‬

‫نشأة الشيعة وجذورها التاريخية‬


‫إن الشيعة بأصولها ومعتقداتها لم تولد فجأة‪ ،‬بل مرت بمراحل كثيرة ونشأت تدريجيا‪..‬‬
‫وانقسمت إلى فرق كثيرة‪ .‬ولشك أن التتبع التاريخي والفكري للمراحل والطوار التي مر بها‬
‫التشيع يحتاج إلى بحث مستقل‪ ،‬ولهذا سيكون الحديث هنا عن‪ :‬أصل النشأة وجذورها التاريخية‪،‬‬
‫ول يعنينا تتبع مراحلها ونشوء فرقها‪ ..‬وسنبدأ بعض رأي الشيعة من مصادرها المعتمدة‬
‫عندها‪ ،‬ثم نذكر بعد ذلك آراء الخرين‪.‬‬
‫فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولً‪.‬‬
‫رأي الشيعة في نشأة التشيع‪:‬‬
‫لم يكن لهم رأي موحد في هذا‪ ،‬ونستطيع أن نستخلص ثلثة آراء في نشأة التشيع كلها جاءت‬
‫في كتبهم المعتمدة‪ ،‬وسنتعقب كل رأي بالمناقشة والنقد‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫الرأي الول‪:‬‬
‫إن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنه ما من نبي إل وقد عرض‬
‫عليه اليمان بولية علي‪ ..‬وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لثبات هذا الشأن‪ ،‬ومن ذلك ما جاء‬
‫في الكافي عن أبي الحسن قال‪" :‬ولية علي مكتوبة في جميع صحف النبياء‪ ،‬ولن يبعث ال‬
‫[الكليني‪ /‬أصول الكافي‪:‬‬ ‫رسولً إل بنبوة محمد ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ ،-‬ووصية عليّ عليه السلم"‬
‫‪.].1/437‬‬
‫سيَ وَلَمْ نَجِدْ َلهُ‬
‫عهِ ْدنَا إِلَى آَ َد َم مِنْ َقبْلُ َف َن ِ‬
‫وعن أبي جعفر في قوله ال عز وجل‪{ :‬وَلَقَدْ َ‬
‫[وهذا‬ ‫ع ْزمًا} [طه‪ ،‬آية‪ ].115 :‬قال‪" :‬عهدنا إليه في محمد والئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم‬
‫َ‬
‫التفسير بعيد عن الية‪ ..‬بل إلحاد في آيات ال‪ .‬وقد جاء تفسير الية عن السلف وغيرهم‪" :‬ولقد وصينا آدم وقلنا له‪:‬‬
‫جنّةِ} فنسي ما عهد إليه في ذلك (أي ترك) ولو كان له عزم ما أطاع‬
‫ن الْ َ‬
‫جنّكُمَا ِم َ‬
‫خرِ َ‬
‫جكَ فَل يُ ْ‬
‫{إنّ هَذَا عَدُ ّو لّكَ َوِلزَوْ ِ‬
‫عدوه إبليس الذي حسده‪ .‬قال قتادة ‪َ { :‬ولَمْ نَجِ ْد لَهُ َعزْمًا} أي صبرا"‪( .‬تفسير الطبري‪ ،].)222-16/220 :‬وإنما‬
‫سمي أولو العزم أولي العزم لنه عهد إليهم في محمد والوصياء من بعده‪ ،‬والمهدي وسيرته‪،‬‬
‫[الكليني‪ /‬الكافي‪ ،1/416 :‬وانظر‪ :‬ابن بابويه القمي‪ /‬علل‬ ‫وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والقرار به"‬
‫الشرائع‪ :‬ص ‪ ،122‬الكاشاني‪ /‬الصافي‪ ،2/80 :‬تفسير القمي‪ ،2/65 :‬هاشم البحراني‪ /‬المحجة ص‪، 636-635 :‬‬
‫المجلسي‪ /‬البحار‪ ،26/278 ،11/35 :‬الصفار‪ /‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].21‬‬
‫وجاء في البحار‪ :‬أنه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ -‬كما يزعمون ‪ :-‬يا علي‪ ،‬ما‬
‫[انظر‪ :‬البحار‪ ، 11/60 :‬البحراني‪ /‬المعالم الزلفى‬ ‫بعث ال نبيا إل وقد دعاه إلى وليتك طائعا أو كارها‬
‫ص‪ ، 303 :‬وهذه الرواية موجودة في بصائر الدرجات للصفار‪ ،‬وفي الختصاص للمفيد‪ .].‬وفي رواية أخرى‬
‫[المعالم الزلفى ص‪:‬‬ ‫لهم عن أبي جعفر قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين بولية علي‬
‫‪.].303‬‬
‫[النوري الطبرسي‪ /‬مستدرك‬ ‫وعن أبي عبد ال قال‪ :‬وليتنا ولية ال لم يبعث نبي قط إل بها‬
‫الوسائل‪ ،2/195 :‬المعالم الزلفى ص‪ .].303 :‬وعقد لذلك شيخهم البحراني بابا بعنوان‪ :‬باب أن النبياء‬
‫بعثوا على ولية الئمة [المعالم الزلفى ص‪ ،].303 :‬وقالوا‪ :‬ثبت أن جميع أنبياء ال ورسله وجميع‬
‫المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبين‪ ،‬وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته‬
‫مبغضين‪ ..‬فل يدخل الجنة إل من أحبه من الولين والخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار‬
‫[الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪.].1/16 :‬‬
‫[الكليني‪ /‬أصول‬ ‫وجاءت رواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم‪ :‬في الكافي‬
‫[المجلسي‪ /‬البحار‪:‬‬ ‫الكافي‪ ،].2/8 :‬والوافي [الكاشاني‪ /‬الوافي‪ :‬المجلد ج‍ ‪ 2‬ص ‪ ،155‬ج‍ ‪ 3‬ص ‪ ،].10‬والبحار‬

‫‪36‬‬
‫‪ ،151 :35‬القمي‪ /‬سفينة البحار‪ ،].1/729 :‬ومستدرك الوسائل [النوري‪ /‬مستدرك الوسائل ‪،].2/195 :‬‬
‫[الصدوق‪ /‬علل الشرائع ص‪،143 ،136 ،135 ،122 :‬‬ ‫والخصال [الصدوق‪ /‬الخصال‪ ،].1/270 :‬وعلل الشرائع‬
‫[تفسير فرات‪:‬‬ ‫‪ ،].174 ،144‬والفصول المهمة [الحر العاملي‪ /‬الفصول المهمة ص ‪ ،].158 :‬وتفسير فرات‬
‫ص ‪ ،].13 ،11‬والصافي [تفسير الصافي‪ ،].2/80 :‬والبرهان [البحراني‪ ،].1/86 :‬وغيرها كثير‪ .‬حتى قال‬
‫الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة ‪ -‬أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث ‪ -‬بأن رواياتهم التي‬
‫تقول‪ :‬بأن ال حين خلق الخلق أخذ الميثاق على النبياء تزيد على ألف حديث [الفصول المهمة‬
‫ص‪].159 :‬‬
‫ولم تكتف مبالغات الشيعة بالقول بما سلف‪ ،‬بل قالت بأن‪" :‬ال عز اسمه عرض وليتنا على‬
‫السماوات والرض والجبال والمصار" [النوري‪ /‬مستدرك الوسائل‪ .].2/195 :‬ولهذا قال شيخهم هادي‬
‫الطهراني ‪ -‬أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر ‪" :-‬تدل بعض الروايات على أن كل نبي‬
‫أمر بالدعوة إلى ولية علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،-‬بل عرضت الولية على جميع الشياء فما‬
‫قبل صلح‪ ،‬وما لم يقبل فسد"[هادي الطهراني‪ /‬ودايع النبوة ص‪.].155 :‬‬
‫نقد هذا الرأي‪:‬‬
‫هناك من الراء والمعتقدات ما يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها‪ ،‬وهذا الرأي من هذا‬
‫الصنف‪ ،‬إذ إن فساده وبطلنه من المور المعلومة بالضرورة‪ ..‬وكتاب ال بين أيدينا ليس فيه‬
‫شيء من هذه المزاعم‪.‬‬
‫لقد كانت دعوة الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬إلى التوحيد ل إلى ولية علي والئمة ‪ -‬كما‬
‫يفترون ‪.-‬‬
‫قال ال تعالى‪َ { :‬ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي إَِل ْيهِ َأ ّنهُ ل ِإَلهَ إِل َأنَاْ فَا ْعبُدُونِ}‬
‫ج َت ِنبُواْ‬
‫عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ‬
‫[النبياء‪ ،‬آية‪ ،].25 :‬وقال تعالى‪َ { :‬ولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ ّرسُولً َأنِ ا ْ‬
‫الطّاغُوتَ} [النحل‪ ،‬آية ‪ .].36 :‬فكل رسل ال وأنبيائه كانوا يدعون قومهم إلى عبادة ال وحده ل‬
‫شريك له‪.‬‬
‫عبُدُوا الّل َه مَا لَكُم مّنْ‬
‫فقد قال نوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وصالح‪ ،‬وشعيب ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬لقومهم‪{ :‬ا ْ‬
‫غ ْيرُهُ} [العراف‪ ،‬آية‪.].85 ،73 ،65 ،59 :‬‬
‫ِإَلهٍ َ‬
‫وقد قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن‬
‫خلّواْ‬
‫صلَةَ وَآتَ ُواْ الزّكَاةَ فَ َ‬
‫[رواه البخاري في كتاب اليمان‪ ،‬باب‪َ { :‬فإِن تَابُواْ َوأَقَامُواْ ال ّ‬ ‫محمدا رسول ال‪"...‬‬
‫سبِيلَهُمْ} (‪ ،)1/11‬ومسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب المر بقتال الناس حتى يقولوا‪ :‬ل إله إل ال (‪،)52-1/51‬‬
‫َ‬
‫وغيرهما‪.].‬‬
‫‪37‬‬
‫وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال‪« :‬إنك تقدم‬
‫[رواه البخاري ومسلم بألفاظ‬ ‫على قوم أهل كتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة ال عز وجل‪"...‬‬
‫متقاربة‪ ،‬وما ذكر لفظ مسلم‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح البخاري كتاب الزكاة‪ ،‬باب وجوب الزكاة (‪ ،)2/108‬وصحيح مسلم كتاب‬
‫اليمان‪ ،‬باب الدعاء إلى الشهادتين (‪.].)51-1/50‬‬
‫فلم يرد في السنة الصحيحة إل ما ينقض هذا الرأي‪ .‬كما أن "أئمة السلف متفقون على أن‬
‫أول ما يؤمر به العبد الشهادتان" [شرح الطحاوية ص‪.].75 :‬‬
‫فأين ما يزعمون من أمر ولية عليّ؟‬
‫وإذا كانت ولية عليّ مكتوبة في جميع صحف النبياء‪ ،‬فلماذا ينفرد بنقلها الروافض‪ ،‬ول‬
‫يعلم بها أحد غيرهم؟ ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟ بل لماذا لم تسجل هذه الولية في‬
‫القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها‪ ،‬والمحفوظ من لدن رب العزة جل عله؟!‪.‬‬
‫إن هي إل دعوى بل برهان‪ ،‬والدعاوى ل يعجز عن التنطع بها أحد إذا لم يكن له من دينه‬
‫أو عقله أو حيائه ما يحميه‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وهذه كتب النبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ‪ ..‬وهؤلء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم‬
‫يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم‪ ،‬فكيف يجوز أن يقال‪ :‬إن كلً من النبياء بعثوا بالقرار‬
‫بولية علي‪ ،‬ولم يذكروا ذلك لممهم‪ ،‬ول نقله أحد منهم ؟!" [منهاج السنة‪.].4/64 :‬‬
‫وكيف تتطاول هذه الساطير على النبياء فتزعم أن آدم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وبقية النبياء ‪ -‬ما‬
‫عدا أولي العزم ‪ -‬قد تركوا أمر ال في الولية؟!‪ ،‬إن هذا إل بهتان عظيم‪ ،‬فالولية باطلة‬
‫والفتراء على النبياء باطل‪.‬‬
‫ومن المفارقات العجيبة‪ :‬ذلك الغلو الذي ل يقف عند حد في مسألة عصمة الئمة‪ ..‬وهذا‬
‫الجفاء في حق صفوة الخلق وهم النبياء‪ ،‬أليس ذلك دليلً على أن واضعي هذه الساطير هم‬
‫قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من العلم واليمان‪ ،‬وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين‬
‫والخيار‪ ،‬وأرادوا الدخول على الناس لفساد أمرهم من طريق التشيع؟‪ ،‬بلى‪ :‬إنه ل يتجرأ على‬
‫مثل هذه الفتراءات إل زنديق‪ ،‬وكأنهم بهذه المقالة يجعلون أتباع الئمة أفضل من أنبياء ال –‬
‫ما عدا أولي العزم – لن التباع اتبعوا‪ ،‬والنبياء تركوا‪ ،‬إن هذا لهو الضلل المبين‪..‬‬
‫لقد أخذ ال الميثاق على النبياء ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به‬
‫ولينصرنه‪ ،‬هكذا قال ابن عباس [انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ 6/557 :‬وما بعدها (من الجزاء المحققة)‪ ].‬وغيره‪.‬‬
‫ح ْكمَ ٍة ثُمّ جَاءَ ُكمْ َرسُو ٌل ّمصَدّقٌ‬
‫خذَ الّل ُه مِيثَاقَ ال ّن ِبيّيْنَ َلمَا آ َت ْيتُكُم مّن ِكتَابٍ وَ ِ‬
‫قال تعالى‪{ :‬وَِإذْ أَ َ‬
‫‪38‬‬
‫شهَدُواْ‬
‫علَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي قَالُواْ أَ ْق َر ْرنَا قَالَ فَا ْ‬
‫صرُ ّنهُ قَالَ أََأ ْق َررْتُمْ وََأخَ ْذتُمْ َ‬
‫ن ِبهِ وَ َلتَن ُ‬
‫ّلمَا مَعَكُمْ َل ُتؤْ ِمنُ ّ‬
‫وََأنَ ْا مَعَكُم مّنَ الشّاهِدِينَ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].81 :‬‬
‫فكأن هؤلء أرادوا ‪ -‬كعادتهم ‪ -‬أن يجعلوا ما للنبي صلى ال عليه وسلم هو من حلق عليّ‪،‬‬
‫ثم إن اليمان بتفصيل ما بعث به محمد لم يؤخذ عليهم‪ ،‬فكيف يؤخذ عليهم موالة واحد من‬
‫الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟!‪.‬‬
‫وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى ال عليه وسلم وأطاعه‪ ،‬ومات في‬
‫حياته قبل أن يعلم أن ال خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لم يضره ذلك شيئا‪ ،‬ولم يمنعه من‬
‫دخول الجنة‪ .‬فإذا كان هذا في أمة محمد صلى ال عليه وسلم فكيف يقال‪ :‬إن النبياء يجب‬
‫عليهم اليمان بواحد من الصحابة [انظر‪ :‬منهاج السنة‪].4/46 :‬؟!‪.‬‬
‫وأين عقول هؤلء القوم الذين يصدقون بهذه الترهات! كيف يؤخذ على من قبلنا من النبياء‬
‫وأممهم الميثاق على طاعة علي في إمامته "هذا – كما يقول شيخ السلم – كلم المجانين‪ ،‬فإن‬
‫أولئك ماتوا قبل أن يخلق ال عليا فكيف يكون أميرا عليهم؟!‪ ،‬وغاية ما يمكن أن يكون أميرا‬
‫على أهل زمانه‪ ،‬أما المارة على من خلق قبله‪ ،‬وعلى من يخلق بعده‪ ،‬فهذا من كذب من ل‬
‫يعقل ما يقول‪ ،‬ول يستحي مما يقول‪ ..‬وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من‬
‫ملحدة المتصوفة الذين يقولون‪ :‬إن النبياء كانوا يستفيدون العلم بال من مشكاة خاتم الولياء‬
‫والذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة‪ ،‬فدعوى هؤلء في المامة من جنس دعوى هؤلء في‬
‫الولية‪ ،‬وكلهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوى الباطلة‪ ،‬ومناقضة الكتاب‬
‫والسنة وإجماع سلف المة" [منهاج السنة‪.].4/78 :‬‬
‫فما الغاية والهدف من هذه المقالة التي ل يخفى كذبها على أحد؟‬
‫هل الغاية صد الناس عن دين ال ؟!‬
‫لن هذا معلوم بطلنه بداهة‪ ،‬فإذا رفعوا هذه الدعوى ونسبوها للسلم‪ ،‬واطلع عليها‬
‫أصحاب تلك الديانات وغيرهم‪ ،‬ورأوا بطلنها في العقل والنقل شكوا في السلم نفسه!!‬
‫ثم ماذا يقول أهل العلم والعقل عن هذا التحليل الغريب لفساد الشياء أو صلحها من‬
‫الجمادات والنباتات والمياه‪ ...‬إلخ‪ ،‬وأن هذا بسبب موقفها من ولية علي‪.‬‬
‫ماذا يقول العالم عن هذا‪..‬؟! هل هذا هو الدين الذي يريدون أن يقدموه للناس؟!‬
‫أو أن الهدف تشويه السلم والصد عنه!!‬
‫ول يستغرب هذا الرأي من الشيعة‪ ،‬فهم أهل مبالغات غريبة‪ ،‬يكذبون بالحقائق الواضحات‪،‬‬
‫والخبار المتواترات‪ ،‬ويصدقون بما يشهد العقل والنقل بكذبه‪ ...‬وإذا كانوا يقولون بهذا الرأي‬
‫‪39‬‬
‫فيمن يدعون إمامته‪ ،‬فإنهم أيضا يقولون في أعداء الئمة وأعداء الشيعة ‪ -‬في اعتقادهم ‪ -‬ما‬
‫يقارب هذا الرأي فقد قالوا في الخليفتين الراشدين العظيمين‪ :‬أبي بكر وعمر‪ ،‬قالوا ‪ -‬مثلً ‪:-‬‬
‫"وقع في الخبر أن القائم ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في‬
‫الدنيا‪ ،‬حتى َقتْل قابيل وهابيل‪ ،‬و َرمْي إخوة يوسف له في الجب‪ ،‬ورمي إبراهيم في النار‬
‫وسايرها"‪ ،‬وكذا روي عن الصادق‪" :‬أنه ما أزيل حجر من موضعه‪ ،‬ول أريقت محجمة دم إل‬
‫[البحراني‪ /‬درة نجفيه ص‪ ،37 :‬وانظر‪ :‬رجال الكشي‬ ‫وهو في أعناقهما ‪ -‬يعني الخليفة الول والثاني‪"-‬‬
‫ص‪ ،206-205 :‬وانظر‪ :‬النوار النعمانية‪.].1/82 :‬‬
‫الرأي الثاني (من آراء الشيعة) ‪:‬‬
‫ويزعم بعض الروافض في القديم والحديث أن الرسول صلى ال عليه وسلم هو الذي وضع‬
‫بذرة التشيع‪ ،‬وأن الشيعة ظهرت في عصره‪ ،‬وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ‪،‬‬
‫ويوالونه في زمنه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫يقول القمي‪" :‬فأول الفرق الشيعة‪ ،‬وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في‬
‫زمان النبي صلى ال عليه وسلم وبعده‪ ،‬معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته‪ ،‬منهم المقداد‬
‫بن السود الكندي‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري‪ ،‬وعمار بن ياسر‬
‫المذحجي‪ ..‬وهم أول من سمو باسم التشيع من هذه المة [المقالت والفرق ص‪ .].15 :‬ويشاركه في‬
‫[فرق الشيعة ص‪ ،17 :‬وقد وَهِ َم الشيبي في نقله لرأي النوبختي‪ ،‬حيث نسب إليه أنه يقول‬ ‫هذا الرأي النوبختي‬
‫بأن التشيع نشأ بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم (انظر‪ :‬الصلة بين التصوف والتشيع ص‪ ،].)22 :‬والرازي‬
‫[انظر‪ :‬الرازي (من شيوخ السماعيلية) الزينة ص‪( 205 :‬مخطوط)‪.].‬‬
‫ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا (المتوفى سنة ‪1373‬ه‍) ‪ :‬إن أول من وضع بذرة التشيع‬
‫في حقل السلم هو نفس صاحب الشريعة –؛ يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة السلم‬
‫[لحظ أن هذا اعتراف منه بأن بذرة التشيع غير بذرة السلم‪ ].‬جنبا إلى جنب‪ ،‬وسواء بسواء‪ ،‬ولم يزل‬
‫[أصل‬ ‫غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته‪ ،‬ثم أثمرت بعد وفاته‬
‫[انظر‪ :‬محسن العاملي‪ /‬أعيان الشيعة‪:‬‬ ‫الشيعة‪ :‬ص ‪ .].43‬وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين‬
‫‪ ،16 ،1/13‬محمد جواد مغنية‪ /‬الثنا عشرية وأهل البيت ص‪ ،29 :‬هاشم معروف‪ /‬تاريخ الفقه الجعفري ص‪،105 :‬‬
‫الوابلي‪ /‬هوية التشيع ص‪ ،27 :‬الشيرازي‪ /‬هكذا الشيعة ص‪ ،4 :‬محمد الحسني‪ /‬في ظلل التشيع ص‪،51-50 :‬‬
‫الزين‪ /‬الشيعة في التاريخ ص‪ ،30 ،29 :‬المظفر‪ /‬تاريخ التشيع ص ‪ ،18‬الصدر‪ /‬بحث حول الولية ص‪ ،63 :‬أحمد‬
‫تفاحة‪ /‬أصول الدين‪ :‬ص ‪.].19 ،18‬‬
‫مناقشة هذا الرأي‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫أولً‪ :‬يلحظ أن أول من قال بهذا الرأي القمي في كتابه «المقالت والفرق» والنوبختي في‬
‫كتابه "فرق الشيعة"‪ .‬وقد يكون من أهم السباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين‬
‫أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية‪ ،‬وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك ‪-‬‬
‫سيأتي الحديث عنها [انظر‪ :‬ص(‪ )101‬من هذا الكتاب‪ .- ].‬فبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء‬
‫التشيع صفة الشرعية‪ ،‬والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي‪ ،‬فادعوا هذه‬
‫[في كتب‬ ‫الدعوى‪ ،‬وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك‬
‫ل ‪ :-‬الموضوعات لبن‬
‫الموضوعات عند أهل السنة روايات كثيرة من وضع الروافض في هذا الباب (انظر ‪-‬مث ً‬
‫الجوزي‪ 1/338 :‬وما بعدها‪ ،‬الشوكاني‪ /‬الفوائد المجموعة ص ‪ 342‬وما بعدها‪ ،‬الكتاني‪ /‬تنزيه الشريعة‪ 1/351 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬ولهم وسائل الطرق ومسالك في الستدلل والحتجاج على أهل السنة كتبت عنها في رسالتي‪ :‬فكرة التقريب‬
‫ص‪ 51 :‬وما بعدها‪ ،].‬ونسبوها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وزعموا أنها رويت من طرق‬
‫أهل السنة‪ ،‬وهي روايات "ل يعرفها جهابذة السنة ول نقلة الشريعة‪ ،‬بل أكثرها موضوع أو‬
‫[ابن خلدون‪ /‬المقدمة‪ ،2/527 :‬تحقيق د‪ .‬علي عبد‬ ‫مطعون في طريقه‪ ،‬أو بعيد عن تأويلتهم الفاسدة"‬
‫الواحد وافي‪.].‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن هذا الرأي ل أصل له في الكتاب والسنة‪ ،‬وليس له سند تاريخي ثابت‪ ،‬بل هو رأي‬
‫يجافي أصول السلم وينافي الحقائق الثابتة‪ ،‬فقد جاء السلم لجمع هذه المة على كلمة سواء‪،‬‬
‫ل ليفرقها شيعا وأحزابا‪ ،‬ولم يكن بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم شيعة ول سنة‪ ،‬وال‬
‫سبحانه وتعالى يقول‪{ :‬إِنّ الدّينَ عِندَ الّلهِ ا ِلسْلَمُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ].19 :‬ل التشيع ول غيره‪ ،‬وهم‬
‫يعترفون في قولهم‪" :‬إن بذرة التشيع وضعت مع بذرة السلم جنبا إلى جنب‪ "...‬إن التشيع غير‬
‫غ ْيرَ ا ِلسْلَمِ دِينًا فَلَن يُ ْق َبلَ ِم ْنهُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].85 :‬‬
‫السلم‪ .‬وال يقول‪َ { :‬ومَن َي ْبتَغِ َ‬
‫ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن‬
‫[يقول شيخ السلم ابن تيمية‪« :‬ففي خلفة أبي بكر وعمر لم‬ ‫للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫يكن أحد يسمى من الشيعة‪ ،‬ول تضاف الشيعة إلى أحد»‪( .‬منهاج السنة‪ 2/64 :‬تحقيق د‪ .‬محمد رشاد سالم)‪ .].‬وقد‬
‫اضطر بعض شيوخ الشيعة للذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق‬
‫المتواترات‪.‬‬
‫يقول آيتهم ومجتهدهم الكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء‪ ..." :‬ولم يكن للشيعة‬
‫والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي ال عنهما) مجال للظهور؛ لن السلم كان‬
‫يجري على مناهجه القويمة‪[ "...‬أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ .].48‬وبمثل هذا اعتراف شيخهم الخر محمد‬

‫‪41‬‬
‫حسين العاملي‪ ،‬فقال‪" :‬إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلفة لبي بكر‪ ،‬وصار المسلمون‬
‫فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث" [الشيعة في التاريخ ص‪.].40-39 :‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬إنه أهمل لنه لم يوجد أصلً‪ ،‬إذ كيف يهمل‪ ،‬ول يظهر‪ ،‬والحكومة كافرة في‬
‫نظركم‪ ،‬كما هو متواتر في كتبكم ‪ -‬كما سيأتي نقله وبيانه ‪ -‬وهل كان المسلمون شيعا في عهد‬
‫الرسول‪ ...‬وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلثة؟!‬
‫ثالثا‪ :‬زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار‪ ،‬وأبي ذر‪ ،‬والمقداد‪ ،‬فهل قال هؤلء بعقيدة من‬
‫عقائد الشيعة من دعوة النص‪ ،‬وتكفير الشيخين‪ :‬أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة‪ ،‬أو أظهروا‬
‫البراءة والسب لهم أو كراهيتهم‪..‬؟ كل‪ ،‬لم يوجد شيء من ذلك‪ ..‬وكل ما قاله الشيعة من‬
‫دعاوى في هذا وملوا به المجلدات ل يعدو أن يكون وهما من الوهام نسجته خيالت الحاقدين‬
‫[كقولهم‪" :‬إن الزبير والمقداد وسلمان حلقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبا بكر‪( "..‬رجال الكشي رقم ‪ 210‬ص‪:‬‬ ‫والعداء‬
‫‪ .)133‬وأخبارهم في هذا تمل مجلدات‪ ..‬ويلحظ في الرواية السابقة‪ :‬أنهم ذكروا الزبير‪ ،‬والزبير كان ممن حارب‬
‫عليا فيما بعد‪ ،‬ونسوا ذكر أبي ذر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وآل البيت‪.].‬‬
‫قال ابن المرتضى (وهو شعي زيدي) ‪" :‬فإن زعموا أن عمارا‪ ،‬وأبا ذر الغفاري‪ ،‬والمقداد‬
‫بن السود‪ ،‬وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي – عليه السلم – أكذبهم كون‬
‫هؤلء لم يظهروا البراءة من الشيخين ول السب لهم‪ ،‬أل ترى أن عمارا كان عاملً لعمر بن‬
‫[انظر‪ :‬ابن الثير‪ /‬أسد الغابة‪ ،4/64 :‬ابن حجر‪ /‬الصابة‪ ،2/506 :‬ابن عبد البر‪ /‬الستيعاب‪:‬‬ ‫الخطاب في الكوفة‬
‫‪ ،].2/473‬وسلمان الفارسي في المدائن" [طبقات ابن سعد‪[ ].4/87 :‬المنية والمل ص‪ .].125 ،124 :‬وهذه‬
‫الحقائق التاريخية الثابتة تنسف كل ما شيده الشيعة من دعاوى في هذا عبر القرون‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬يرى الشيخ موسى جار ال أن هذه المقالة من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت من‬
‫حدود كل أدب‪ ،‬وأنها افتراء على النبي صلى ال عليه وسلم ولعب بالكلمات‪ ،‬ويتعجب من‬
‫قولهم‪" :‬إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل السلم هو نفس صاحب الشريعة"‪ ،‬فيقول‪" :‬أي‬
‫حبة بَ َذ َر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير المة‪ ،‬وسنابل العتقاد بأن‬
‫القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة‪ ،‬وأن وفاق المة ضلل‪ ،‬وأن الرشاد في خلفها‪ ،‬حتى‬
‫توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلل الشيعة جم" [الوشيعة ص‪ :‬مه‪.].‬‬
‫الرأي الثالث‪:‬‬
‫[محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم‬ ‫يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل‪ .‬قال ابن النديم‬
‫‪ ،‬كان معتزليا متشيعا‪ .‬من تصانيفه‪ :‬الفهرست‪ ،‬توفي سنة (‪438‬ه‍)‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫(لسان الميزان‪ :].)5/72 :‬إن عليا قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر ال جل‬
‫اسمه‪ ،‬فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة‪ ،‬فكان يقول‪ :‬شيعتي‪ ،‬وسماهم ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫الصفياء الولياء‪ ،‬شرطة الخميس‪ ،‬الصحاب [ابن النديم‪ /‬الفهرست ص‪.].175 :‬‬
‫هذا رأي انفرد به ابن النديم ‪ -‬حسب علمي ‪ -‬وهو فيما يبدو ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة‬
‫بمعنى النصار والتباع‪ ،‬وتاريخ إطلق لقب الشيعة على أنصار علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وأن‬
‫عليا ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول‪" :‬شيعتي"‪.‬‬
‫ولشك أن هذا القول ل يدل على بداية الصول الفكرية للتشيع‪ ،‬فهو يعني هنا المعنى اللغوي‬
‫للشيعة وهو النصار‪ ،‬ولهذا استخدم أيضا ألقابا أخرى تدل على ذلك كالصحاب والولياء‪ ،‬كما‬
‫أن الوثائق التاريخية ‪ -‬كما سلف ‪ -‬أثبتت أن لقب "شيعتي" والشيعة كما استعمله علي ‪ -‬رضي‬
‫ال عنه ‪ -‬قد استعمله معاوية ‪ -‬رضي ال عنه ‪.-‬‬
‫ويصف د‪ .‬مصطفى كامل الشيبي ‪ -‬شيعي معاصر ‪ -‬رأي ابن النديم هذا بالغربة‪ ،‬حيث‬
‫جعل التشيع لقبا أطلقه عليّ بنفسه على أصحابه [الصلة بين التصوف والتشيع ص‪ ..].18 :‬وما أدري‬
‫ما وجه الغرابة‪ ،‬في أن يدعو علي أنصاره بقوله‪" :‬شيعتي"‪.‬‬
‫أما د‪ .‬النشار فيرى في كلم ابن النديم بعض الغلو [نشأة الفكر الفلسفي‪ ].2/32 :‬ول يذكر النشار‬
‫وجه الغلو الذي يصف به كلم ابن النديم‪.‬‬
‫آراء غير الشيعة في نشأة التشيع‪:‬‬
‫القول الول‪:‬‬
‫إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬بالمامة‪ .‬وهذا الرأي قال به طائفة من القدامى والمعاصرين‪ ،‬منهم العلمة‬
‫ابن خلدون‪ ،‬وأحمد أمين‪ ،‬وبعض المستشرقين‪ ،‬وهذا القول منهم مبني على ما نقله البعض من‬
‫وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم بالخلفة بعده‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬اعلم أن مبدأ هذه الدولة ‪ -‬يعني دولة الشيعة ‪ -‬أن أهل البيت لما توفي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالمر‪ ،‬وأن الخلفة لرجالهم دون من‬
‫سواهم" [العبر‪.].171-3/107 :‬‬
‫ويقول أحمد أمين‪" :‬كانت البذرة الولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى ال‬
‫[فجر السلم ص‪ ،266 :‬وانظر‪ :‬ضحى السلم‪،3/209 :‬‬ ‫عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه"‬
‫وقال د‪ .‬علي الخربوطلي‪" :‬ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلفة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب"‬

‫‪43‬‬
‫(السلم والخلفة ص‪ .)62 :‬كما يقول بهذا الرأي محمد عبد ال عنان (انظر‪ :‬تاريخ الجمعيات السرية ص‪.].)13 :‬‬
‫كما قال بمثل ذلك بعض المستشرقين [انظر‪ :‬دائرة المعارف السلمية‪.].14/58 :‬‬
‫مناقشة هذا الرأي‪:‬‬
‫وهذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالمامة‪ .‬ول شك أنه إذا وجد‬
‫من يرى أحق ية عل يّ بالما مة‪ ،‬وأن الما مة ينب غي أن تكون في القرا بة‪ ،‬ف قد و جد رأي يقول‬
‫با ستخلف سعد بن عبادة‪ ،‬وأن الما مة ينب غي أن تكون في الن صار‪ ،‬وهذا ل دللة ف يه على‬
‫ميلد حزب معين‪ ،‬أو فرقة معينة‪ ،‬وتعدد الراء أمر طبيعي‪ ،‬وهو من مقتضيات نظام الشورى‬
‫في ال سلم‪ ،‬ف هم في مجلس وا حد تعددت آراؤ هم "و ما انف صلوا ح تى اتفقوا‪ ،‬وم ثل هذا ل ي عد‬
‫نزاعا" [ابـن تيميـة‪ /‬منهاج السـنة‪" ،].1/36 :‬و قد اندرجوا ت حت الطا عة عن بكرة أبي هم ل بي ب كر ‪-‬‬
‫ر ضي ال ع نه ‪ -‬وكان علي ‪ -‬ر ضي ال ع نه ‪ -‬سامعا لمره‪ ،‬وبا يع أ با ب كر على مل من‬
‫الشهاد‪ ،‬ونهـض إلى غزو بنـي حنيفـة" [الجوينـي‪ /‬الرشاد ص‪" ].428 :‬وكانوا ‪ -‬على حال ألفـة‪،‬‬
‫واجتماع كل مة ‪ -‬يبذلون في طا عة أئمتهم مهج أنف سهم‪ ،‬وكرائم أموالهم على ال سبيل التي كانوا‬
‫عليها مع نبيهم‪[ "..‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل المامة ص‪.].15 :‬‬
‫ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور‬
‫وودود زمن أبي بكر وعمر‪ ،‬ولكنه رأي إن ثبت فهو كسائر الراء التي أثيرت في اجتماع‬
‫السقيفة‪ ،‬ما إن وجد حتى اختفى بعد أن تمت البيعة‪ ..‬واجتمعت الكلمة‪ ..‬واتفق الرأي من‬
‫الجميع‪ .‬وموقف أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ينفي استمرار مثل هذه الراء أو‬
‫بقائها بين الصحابة‪ ،‬فقد تواتر عنه ‪ -‬رضي ال عنه‪ ،‬من وجوه كثيرة ‪ -‬أنه قال على منبر‬
‫[قال ابن تيمية‪" :‬روي عن علي من نحو ثمانين وجها‬ ‫الكوفة‪" :‬خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر"‬
‫وأكثر أنه قال على منبر الكوفة هذا القول ‪ -‬كما مر ‪ -‬وقد ثبت في صحيح البخاري من رواية رجال همدان خاصة‬
‫التي يقول فيها علي‪ :‬لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان‪ :‬ادخلي بسلم‪ ،‬من رواية سفيان الثوري عن منذر‬
‫الثوري وكلهما من همدان‪ ،‬قال البخاري‪ :‬حدثنا محمد بن كثير‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬حدثنا جامع بن أبي راشد‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫يعلى عن محمد بن الحنفية قال‪" :‬قلت لبي‪ :‬أي الناس خير بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم؟" قال‪ :‬أبو بكر قلت‪:‬‬
‫ثم من؟ قال‪ :‬عمر‪ .‬وخشيت أن يقول‪ :‬عثمان‪ ،‬قلت‪ :‬ثم أنت؟ قال‪ :‬ما أنا إل رجل من المسلمين"‪( .‬صحيح البخاري مع‬
‫فتح الباري‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل أبي بكر ج‪ ‍7‬ص ‪.)20‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬وهذا يقوله لبنه الذي ل يتقيه‪( ..‬الفتاوى‪ ،408-4/407 :‬منهاج السنة‪ .].)138-4/137 :‬فكيف‬
‫يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟!‬
‫والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر ول عمر ول عثمان‪ ،‬فكيف يقال بنشأتها‬
‫[وما ذكره بعضهم من ظهور جماعة بعد وفاة الرسول صلى ال عليه‬ ‫بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪44‬‬
‫وسلم ترى أحقية علي بالمامة‪ ..‬ليس له أصل تاريخي ثابت‪ ،‬ويبدو أن عمدته رواية اليعقوبي في تاريخه والتي‬
‫تقول‪ :‬بأن جماعة منهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد تخلفوا عن بيعة أبي بكر ومالوا إلى علي‪ ( .‬تاريخ اليعقوبي‪:‬‬
‫‪ .)2/124‬وروايات اليعقوبي‪ ،‬ومثله المسعودي يجب الحتزازوالحذر منهما ‪ -‬لجنوحهما للرفض ‪ -‬ولسيما فيما‬
‫يوافق ميولهما المذهبية‪ ،‬وفيما ينفردان به من نقول‪ .‬يقول القاضي أبو بكر بن العربي‪" :‬ل تسمعوا لمؤرخ كلما إل‬
‫للطبري‪ ،‬وغير ذلك هو الموت الحمر والداء الكبر"‪ .‬وقال في المسعودي المؤرخ‪" :‬إنه مبتدع محتال"‪( .‬العواصم من‬
‫القواصم ص‪.)249-248 :‬‬
‫وأيضا لن الطبري يروي بالسند فيسهل فحص رواياته والتحقق منها‪].‬؟! وقد أقر بهذه الحقيقة بعض‬
‫شيوخ الشيعة كما سلف [انظر‪ :‬ص‪.].)166 ( :‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان ‪ -‬رضي ال عنه‪ ،‬يقول ابن حزم‪" :‬ثم ولي عثمان‪ ،‬وبقي‬
‫[الفصل‪ ،2/8 :‬وبمثل قول ابن حزم‬ ‫اثني عشر عاما‪ ،‬وبموته حصل الختلف‪ ،‬وابتدأ أمر الروافض"‬
‫هذا قال طائفة من العلماء والباحثين مثل‪ :‬الشيخ عثمان بن عبد ال الحنفي صاحب الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ‬
‫والزندقة (انظر‪ :‬الفرق المفترقة ص ‪ )6:‬ومثل المستشرق‪ :‬فلهوزن (انظر‪ :‬الخوارج والشيعة ص‪ .].)112 :‬والذي‬
‫[عبد ال بن سبأ رأس الطائفة السبئية وكانت تقول‬ ‫بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد ال بن سبأ اليهودي‬
‫بألوهية علي‪ ،‬كما تقول برجعته وتطعن في الصحابة‪ ...‬أصله من اليمن وكان يهوديا يتظاهر بالسلم‪ ،‬رحل لنشر‬
‫فتنته إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة‪ ،‬ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فأخرجه أهلها‪،‬‬
‫فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته‪ .‬قال ابن حجر‪" :‬عبد ال بن سبأ من غلة الزنادقة ضال مضل‪ ،‬أحسب أن عليا‬
‫حرقة بالنار" اه‍‪ .‬وقد تكاثر ذكر أخبار فتنته وشذوذه وسعيه في التآمر هو وطائفته في كتب الفرق والرجال والتاريخ‬
‫وغيرها من مصادر السنة والشيعة جميعا‪.‬‬
‫انظر في ذلك‪ :‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد ص‪ ،18 :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،1/86 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‬
‫‪ ،233‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪ ،1/174 :‬السفراييني‪ /‬التبصير في الدين ص‪ ،72-71 :‬الرازي‪ /‬اعتقادات فرق‬
‫المسلمين ص‪ ،86 :‬ابن المرتضى‪ /‬المنية والمل ص‪ ،29 :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،3/289 :‬ابن عساكر‪ /‬تهذيب‬
‫تاريخ دمشق‪ ،7/431 :‬السمعاني‪ /‬النساب‪ ،7/46 :‬ابن الثير‪ /‬اللباب‪ ،1/527 :‬المقدسي‪ /‬البدء والتاريخ‪،5/129 :‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ،4/340 :‬ابن الثير‪ /‬الكامل‪ ،3/77 :‬ابن كثير‪ /‬البداية والنهاية‪ ،7/167 :‬ابن خلدون‪ /‬العبر‪2/160،16 :‬‬
‫‪ ،1‬الطبري‪ /‬تبصير أولي النهى الورقة (‪( )14‬مخطوط)‪.‬‬
‫ومن مصادر الشيعة‪ :‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل المامة ص ‪ ،23-22‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص‪ ،20 :‬النوبختي‪/‬‬
‫فرق الشيعة ص‪ ،22 :‬وأورد الكشي عدة روايات في ابن سبأ (رجال الكشي‪ ،‬انظر الروايات رقم‪،172 ،171-170 :‬‬
‫‪ ،174 ،173‬من ص ‪ ،)108-106‬ابن أبي الحديد‪ /‬شرح نهج البلغة‪ ،].2/308 :‬والذي بدأ حركته في أواخر‬
‫عهد عثمان‪ ،‬وأكد طائفة من الباحثين القدماء والمعاصرين على أن ابن سبأ هو أساس المذهب‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً ‪ : -‬ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول‬ ‫الشيعي والحجر الول في بنائه‬
‫بالعصمة لعلي‪ ،‬وبالنص عليه في الخلفة‪ ،‬وأنه أراد إفساد دين السلم‪ ،‬كما أفسد بولس دين النصارى (مجموع‬
‫فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ /‬جمع عبد الرحمن بن قاسم‪ .)4/518 :‬وكذا ابن المرتضى في كتابه المنية والمل ص‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫ل ‪ -‬أبو زهرة الذي ذكر أن عبد ال بن سبأ هو الطاغوت الكبر الذي كان على رأس‬
‫‪ ،125‬ومن المعاصرين ‪ -‬مث ً‬
‫الطوائف الناقمين على السلم الذين يكيدون لهله‪ ،‬وأنه قال برجعة علي‪ ،‬وأنه وصي محمد‪ ،‬ودعا إلى ذلك‪.‬‬
‫وذكر أبو زرهة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي (انظر‪ :‬تاريخ‬
‫المذاهب السلمية‪ ،)33-1/31 :‬وسعيد الفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها‬
‫تقويض الدولة السلمية‪ ،‬وأنها تعمل لحساب دولة الروم (انظر‪ :‬عائشة والسياسة ص‪ ،)60 :‬وانظر‪ :‬القصيمي في‬
‫الصراع‪ .].1/41 :‬وقد تواتر ذكره في كتب السنة والشيعة على حد سواء‪.‬‬
‫ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مبرر واقعي‪،‬‬
‫أو دليل قاطع [وهو‪ :‬مرتضى العسكري في كتابه "عبد ال بن سبأ‪ "..‬ص‪ 35 :‬وما بعدها‪ ،].‬بل ادعى‬
‫[وهو‪ :‬علي الوردي في كتابه (وعاظ السلطين) ص‪:‬‬ ‫البعض منهم أن عبد ال بن سبأ هو عمار بن ياسر‬
‫‪ ،274‬وقلده في هذا الشيعي الخر‪ :‬مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) ص‪ ،41-40 :‬ويرى‬
‫الستاذ علي البصري أن الوردي هذا مقلد للستاذ هدايت الوحكيم الهلي أستاذ بجامعة لندن في تلك الراء والذي‬
‫نشرها في كتابه‪" :‬تخس إمام" أي‪ :‬المام الول‪ .‬وأن الوردي قام بنشر ترجمتها تقريبا في كتابه "وعاظ السلطين"‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬مجلة الثقافة السلمية‪ /‬بغداد‪ /‬العدد (‪ ،)11‬السنة الولى‪ ،‬مقال علي البصري بعنوان "من طلب الشهرة‬
‫علي الوردي")‪ .].‬وهذه الدعوى هي محاولة أو حيلة لتبرئة يهود من التآمر على المسلمين‪ ..‬كما‬
‫هي محاولة أو حيلة لضفاء صفة الشرعية على الرفض‪ ..‬والرد على دعوى خصومهم برد‬
‫أصل التشيع إلى أصل يهودي‪.‬‬
‫وقد اتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية‪،‬‬
‫وشخصية تاريخية‪ ،‬فكيف ينفى ما أجمع عليه الفريقان؟! أما القول بأن ابن سبأ هو عامر بن‬
‫ياسر فهو قول يرده العقل والنقل والتاريخ‪ ،‬وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار‬
‫بن ياسر‪ ،‬وهل هذا إل جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟!‪.‬‬
‫ولست بحاجة إلى دراسة هذه المسألة فقد خرجت دراسات موضوعية ومستوفية لهذه القضية [من‬
‫أبرز هذه الدراسات وأهمها‪ :‬رسالة "عبد ال بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة" للدكتور‪ /‬سليمان العودة‪ ،‬وقد توفرت لديه‬
‫أدلة قاطعة على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة‪ .‬وهذه دراسة جادة ومستوفية وقد ناقش المشككين والمنكرين والقائلين‬
‫أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر‪ ،‬وأثبت زيف هذه القوال بالحجة والبرهان‪.‬‬
‫وكذلك د‪ .‬عمار الطالبي أثبت بطلن هذه القوال في كتابه‪" :‬آراء الخوارج" ص‪ .81– 74 :‬وللدكتور عزت عطية‬
‫مناقشة لهؤلء وتزييف لقوالهم في كتابه "البدعة" ص‪ 64 :‬وما بعدها‪ .‬وقدم الدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة‬
‫في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالدلة من الفريقين (انظر‪ :‬محاضرات الجامعة السلمية عام ‪-1398‬‬
‫‪1399‬ه‍‪" :‬ابن سبأ حقيقة ل خيال" ص‪ ،].)223-201 :‬فل حاجة للوقف عندها طويلً‪ ..‬ويكفي – هنا –‬
‫الستشهاد بما جاء في كتب الشيعة المعتمدة عن ابن سبأ تمشيا – أولً – مع خطة البحث في‬
‫العتماد على أصولهم‪ ،‬وثانيا‪ :‬لن النكار لوجود ابن سبأ جاء من جهة الشيعة‪ ،‬فالحتجاج‬

‫‪46‬‬
‫عليهم من كتبهم المعتمدة يسقط دعواهم من أساسها‪ .‬وثالثا‪ :‬لن في عرض آراء ابن سبأ من‬
‫كتب الشيعة تصويرا لهل الشيعة وجذورها من كلم الشيعة أنفسهم‪ ،‬وهو موضوع هذا البحث‪.‬‬
‫فماذا تقول كتب الشيعة عن ابن سبأ؟‪ ..‬فالشيعي سعد بن عبد ال القمي شيخ الطائفة وفقيهها‬
‫ووجهها‪ ،‬كما ينعته النجاشي [رجال النجاشي ص‪( ].126 :‬المتوفى سنة ‪ )301-229‬يقر بوجود ابن‬
‫سبأ‪ ،‬ويذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه‪ ،‬ويلقب فرقته بالسبئية‪ ،‬ويرى أنها أول‬
‫فرقة في السلم قالت بالغلو‪ ،‬ويعتبر ابن سبأ "أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان والصحابة وتبرأ منهم‪ ،‬وادعى أن عليا – رضي ال عنه – أمره بذلك"‪ ،‬ويذكر القمي‬
‫أن عليا بلغه ذلك فأمر بقتله ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن [المقالت والفرق ص‪.].20 :‬‬
‫كما ينقل عن جماعة من أهل العلم ‪ -‬كما يصفهم ‪" :-‬أن عبد ال بن سبأ كان يهوديا فأسلم‪،‬‬
‫ووالى عليا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة‪ ،‬فقال في‬
‫إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم في علي بمثل ذلك‪ ،‬وهو أول من شهد بالقول‬
‫بفرض إمامة علي بن أبي طالب وأظهر البراءة من أعدائه‪ ..‬وأكفرهم‪ ،‬فمن هاهنا قال من‬
‫خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية [المقالت والفرق ص‪ .].20 :‬ثم يذكر القمي‬
‫[المقالت‬ ‫موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي حيث ادعى أنه لم يمت وقال برجعته‪ ،‬وغل فيه‬
‫والفرق ص‪.].21 :‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫هذا ما يقوله القمي عن ابن سبأ‪ ،‬والقمي عند الشيعة ثقة واسع المعرفة بالخبار‬
‫الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،105 :‬الردبيلي ‪ /‬جامع الرواة ‪ ،].1/352 :‬ومعلوماته ‪ -‬عندهم ‪ -‬مهمة نظرا لقدم‬
‫فترتها الزمنية‪ ،‬ولن سعدا القمي كما روى شيخهم الملقب عندهم بالصدوق قد لقى في إمامهم‬
‫[انظر‪ :‬ابن بابويه القمي‪ /‬إكمال الدين ص‪-425 :‬‬ ‫المعصوم ‪ -‬في نظرهم ‪ -‬الحسن العسكري وسمع منه‬
‫‪ .].453‬ونجد شيخهم الخر النوبختي يتحدث عن ابن سبأ ويتفق فيما يقوله عن ابن سبأ مع القمي‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫حتى في اللفاظ نفسها [انظر‪ :‬فرق الشيعة للنوبختي ص‪ ،].23-22 :‬والنوبختي ثقة معتمد عندهم‬
‫الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،75 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة ‪ ،1/228 :‬عباس القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪ ،1/148 :‬الحائري‪/‬‬
‫متقبس الثر‪ .].16/125 :‬وعالمهم الكشي [وهو عندهم "ثقة بصير بالخبار والرجال" (الطوسي‪ /‬الفهرست‪:‬‬
‫‪ ].)171‬يروي ست روايات في ذكر ابن سبأ [رجال الكشي ص‪ ].305 ،108-106 :‬وذلك في كتابه‬
‫المعروف "برجال الكشي" والذي هو من أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال‪ ،‬وتشير تلك‬
‫الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو ال ‪ -‬تعالى ال وتقدس ‪-‬‬
‫وأن عليا استتابه فلم يتب‪ ،‬فأحرقه بالنار‪ ،‬كما ينقل الكشي لعن الئمة لعبد ال ابن سبأ‪ ،‬وأنه كان‬
‫يكذب على علي‪ ،‬كقول علي بن الحسين‪" :‬لعن ال من كذب علينا إني ذكرت عبد ال بن سبأ‬
‫‪47‬‬
‫فقامت كل شعرة في جسدي‪ ،‬لقد ادعى أمرا عظيما‪ ،‬ما له لعنه ال‪ ،‬كان علي ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫[المصدر السابق‪ :‬ص‪:‬‬ ‫‪ -‬وال عبدا ل صالحا أخو رسول ال ما نال الكرامة من ال إل بطاعته"‬
‫‪.].108‬‬
‫ثم قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات‪" :‬ذكر أهل العلم أن عبد ال بن سبأ كان يهوديا فأسلم‬
‫ووالى عليا‪ ،‬وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو‪ ،‬فقال في‬
‫إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم في علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬مثل ذلك‪ ،‬وكان‬
‫أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه‪ ،‬وكاشف مخالفيه وأكفرهم‪،‬‬
‫[المصدر السابق ص‬ ‫فمن ها هنا قال من خالف الشيعة‪ :‬أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية"‬
‫‪ .].109-108 :‬هذه مقالة الكشي وهي تتفق مع كلم القمي والنوبختي وكلهم يوثقون قولهم هذا‬
‫بنسبته إلى أهل العلم‪.‬‬
‫ثم إن هذه الروايات الست كلها جاءت في رجال الكشي‪ ،‬والذي يعتبرونه أحد الصول‬
‫الربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال‪ ،‬وقام الطوسي شيخ الطائفة عندهم بتهذيب‬
‫الكتاب‪ ،‬فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقا حيث اجتمع في تأليفه الكشي الذي هو عندهم ثقة‪ ،‬بصير‬
‫بالخبار وبالرجال مع الطوسي وهو صاحب كتابين من صحاحهم الربعة‪ ،‬ومؤلف كتابين من‬
‫[وما نقلناه عن الكشي هو من تذهيب الطوسي‬ ‫كتبهم الربعة المعول عليها في علم الرجال عندهم‬
‫واختياره؛ لن الصل – كما يقولون – مفقود ل يعرف له أثر‪( .‬انظر‪ :‬مقدمة رجال الكشي ص ‪ ،18-17‬يوسف‬
‫البحراني‪ /‬لؤلؤة البحرين ص‪.].)403 :‬‬
‫[لعل أقدم مصدر عند‬ ‫ثم إن كثيرا من كتب الرجال الخرى عندهم جاءت على ذكر ابن سبأ‬
‫الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية وهو كتاب‪ :‬مسائل المامة ص‪ 23-22 :‬لعبد ال الناشئ الكبر (المتوفى سنة‬
‫‪293‬ه‍)‪.‬‬
‫(راجع ترجمته في وفيات العيان‪ ،92-3/91 :‬أنباء الرواة‪.)129-2/128 :‬‬
‫ومن كتبهم في الرجال التي جاءت على ذكر ابن سبأ‪ :‬المازندراني‪ /‬منتهى المقال (غير مرقم الصفحات)‪،‬‬
‫الستراباذي‪ /‬منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ص‪ ،204-203 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،1/485 :‬ابن داود‬
‫الحلي‪ /‬الرجال‪ ،2/71 :‬التستري‪ /‬قاموس الرجال‪ 5/461 :‬وما بعدها‪ ،‬رجال الطوسي ص‪.51 :‬‬
‫ومن كتبهم في الحديث والفقه التي جاء فيها ذكر ابن سبأ‪ :‬ابن بابويه القمي‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪،1/213 :‬‬
‫الخصال ص‪ ،628 :‬الطوسي‪ ،‬تهذيب الحكام‪ ،2/322 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪ 25/286 :‬وما بعدها‪ ،].‬كما جاء‬
‫[تنقيح المقال‪].2/183 :‬‬ ‫ذكر ابن سبأ في أهم وأوسع كتبهم الرجالية المعاصرة وهو تنقيح المقال‬
‫لشيخهم عبد ال الممقاني [انظر‪ :‬العلمي‪ /‬مقتبس الثر‪( ].21/230 :‬المتوفى سنة ‪1351‬ه‍)‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ولهذا يلحظ أن ثمة اتجاها أخيرا لدى بعض شيوخ الشيعة المعاصرين إلى العدول عن‬
‫إنكاره‪ ،‬يقول ‪ -‬مثلً ‪ -‬محمد حسين الزين‪" :‬وعلى كل حال فإن الرجل ‪ -‬أي‪ :‬ابن سبأ ‪ -‬كان‬
‫في عالم الوجود‪ ،‬وأظهر الغلو‪ ،‬وإن شك بعضهم في وجوده وجعله شخصا خياليا‪ ..‬أما نحن ‪-‬‬
‫بحسب الستقراء الخير ‪ -‬فل نشك بوجوده وغلوه" [الشيعة في التاريخ ص‪.].213 :‬‬
‫ذلك أن إنكار وجود ابن سبأ هو تكذيب منهم ‪ -‬وإن لم يصرحوا ‪ -‬لشيوخهم الذين ذكروا‬
‫ابن سبأ‪ ،‬ولكتبهم في الرجال التي تكاثر فيها ذكره‪ ،‬وهو اعتراف منهم ‪ -‬وإن لم يشعروا ‪ -‬أن‬
‫كتب الرجال لديهم ليست مرجعا يوثق به وإجماعها ل يعتد به‪.‬‬
‫وهكذا تعترف كتب الشيعة بأن ابن سبأ هو أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في‬
‫الخلفاء الثلثة والصحابة‪ ..‬وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي‪،‬‬
‫وذلك حينما صيغت هذه الراء وغيرها على شكل روايات وأحاديث ونسبت لل البيت زورا‬
‫وبهتانا‪ ،‬فوجدت القبول لدى كثير من العوام وغيرهم ول سيما العجم‪.‬‬
‫القول الثالث‪:‬‬
‫ويقول بأن منشأ التشيع كان سنة ‪37‬ه‍‪ ،‬ومن أشهر القائلين بهذا الرأي صاحب مختصر التحفة‬
‫الثني عشرية حيث يقول‪" :‬إن ظهور اسم الشيعة كان عام ‪37‬ه‍" [مختصر التحفة ص ‪ .].5 :‬كما‬
‫يقول بهذا الرأي الستاذ وات منتوجمري (‪ )Montgomery Watt‬حيث يذكر "أن بداية حركة‬
‫[‪Montgomery Watt, Islam and the Integration of Society‬‬ ‫الشيعة هي أحد أيام سنة ‪658‬م (‪37‬ه‍)"‬
‫‪ .].p,104‬ويبدو أن هذا القول يربط نشأة التشيع بموقعة صفين‪ ،‬حيث وقعت سنة ‪37‬ه‍ بين المام‬
‫علي ومعاوية ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬وما صاحبها من أحداث‪ ،‬وما أعقبها من آثار‪ ،‬ولكن هذا‬
‫الرأي ل يعني بداية الصول الشيعية؛ حيث إننا ل نجد في أحداث هذه السنة فيما نقله‬
‫المؤرخون من نادى بالوصية‪ ،‬أو قال بالرجعة‪ ،‬أو دعا إلى أصل من أصول الشيعة المعروفة‪،‬‬
‫كما أن أنصار المام علي ل يمكن أن يقال بأنهم على مذهب الشيعة‪ ،‬أو أصل من أصول‬
‫الشيعة‪ ،‬وإن كان في أصحاب المام علي كما في أصحاب معاوية من أعداء السلم الذين‬
‫تظاهروا بالسلم ليكيدوا له بالباطن ما ل ينكر‪ ،‬وقد كان للسبئيين أثر في إشعال الفتنة ل‬
‫يجحد‪ ،‬وهم وجدوا قبل ذلك‪ ،‬كما أننا نلحظ أنه بعد حادثة التحكيم وفي بنود التحكيم أطلق لفظ‬
‫الشيعة على الجانبين بل تخصيص – كما سبق – [انظر‪( :‬ص ‪.].)38‬‬
‫القول الرابع‪:‬‬
‫[رودلف شتروتمان من المستشرقين المتخصصين في‬ ‫بأن التشيع ولد إثر مثل الحسين‪ .‬يقول شتروتمان‬
‫الفرق ومذاهبها‪ ،‬وله عنها مباحث‪ .‬من آثاره‪ :‬الزيدية‪ ،‬وأربعة كتب إسماعيلية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫(انظر‪ :‬نجيب العقيقي‪ /‬المستشرقون‪" )Strotnmann, R( ].)2/788 :‬إن دم الحسين يعتبر البذرة الولى‬
‫للتشيع كعقيدة" [دائرة المعارف السلمية‪.].14/59 :‬‬
‫الرأي المختار‪:‬‬
‫عرضنا فيما سبق معظم الراء في نشأة التشيع‪ ،‬وناقشنا ما يحتاج إلى مناقشة‪ ..‬والذي أرى‬
‫أن الشيعة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة‪ ،‬بل إنها أخذت طورا زمنيا‪ ،‬ومرت بمراحل‪ ..‬ولكن‬
‫طلئع العقيدة الشيعية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت‬
‫بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي‪ ،‬وأن عليا وصي محمد ‪ -‬كما مر ‪ -‬وهذه‬
‫عقيدة النص على علي بالمامة‪ ،‬وهي أساس التشيع كما يراه شيوخ الشيعة كما أسلفنا ذكره في‬
‫تعريف الشيعة‪ .‬وشهدت كتب الشيعة بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان أصهار رسول ال صلى ال عليه وسلم وأرحامه وخلفائه وأقرب الناس إليه‬
‫‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬والطعن في الصحابة الخرين‪ ،‬وهذه عقيدة الشيعة في الصحابة كما هي‬
‫[انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص‪،21 :‬‬ ‫مسجلة في كتبهم المعتمدة‪ .‬كما أن ابن سبأ قال برجعة علي‬
‫النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص‪ ،23 :‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل المامة ص‪ ،23-22 :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪،1/86 :‬‬
‫الملطي‪ /‬التبيه والرد ص‪ ،18 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪ ،237 :‬السفراييني‪ /‬التبصير في الدين ص‪،72 :‬‬
‫الرازي‪ /‬محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص‪ ،242 :‬البجي ‪ /‬المواقف ص‪ ].419 :‬والرجعة من أصول‬
‫الشيعة كما سيأتي‪ .‬كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة‪ .‬كما‬
‫[قال ابن حجر‪ :‬الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب‪ ،‬أبو‬ ‫أشار إلى ذلك الحسن بن محمد بن الحنفية‬
‫محمد المدني ‪ ،‬وأبوه يعرف بابن الحنفية‪ .‬له رسالة في الرجاء أخرجها محمد بن يحيى العدني في كتاب اليمان‪.‬‬
‫[رسالة الرجاء (ضمن كتاب اليمان‪،‬‬ ‫انظر تهذيب التهذيب‪ ( ].2/32 :‬ت ‪ 95‬أو ‪100‬ه‍) في رسالة الرجاء‬
‫لمحمد بن يحيى العدني ص ‪.].)250-249‬‬
‫وهذه المسألة أصبحت من أصول العتقاد عند الشيعة‪ ،‬وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل‬
‫على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر‪ ،‬وأن عليا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬سئل عنها‪ ،‬وقيل له‪:‬‬
‫[وقد أخرج المام‬ ‫هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ومما ليس عند الناس؟‪ ،‬فنفى ذلك نفيا قاطعا‬
‫البخاري هذا الحديث في باب كتابة العلم (البخاري مع الفتح‪ )1/204 :‬وباب حرم المدينة (البخاري مع الفتح ‪)4/81‬‬
‫وباب فكاك السير (‪ ،)6/167‬وباب ذمة المسلمين وجوارهم (‪ )6/273‬وباب إثم من عاهد ثم غدر (‪)280-6/279‬‬
‫وباب إثم من تبرأ من مواليه (‪ )42-12/41‬وباب العاقلة (‪ )12/246‬وباب ل يقتل مسلم بكافر (‪ ،)12/260‬وباب ما‬
‫يكره من التعمق والتنازع والغلو (‪ .)276-13/275‬وأخرجه مسلم في باب فضل المدينة وبيان تحريمها (مسلم مع‬
‫النووي‪ )144-9/143 :‬وكتاب الذبائح (مسلم مع النووي ‪ .)13/141‬وأخرجه النسائي (المجتبى‪ .)8/19 :‬والترمذي (‬
‫‪ .)4/668‬وأحمد (المسند‪.].)1/100 :‬‬

‫‪50‬‬
‫[مما ينبغي أن يلحظ أن ربط نشأة التشيع بابن سبأ هو في التشيع‬ ‫هذه أهم الصول التي تدين بها الشيعة‬
‫المتضمن لهذه الصول الغالية‪ ،‬أما "التشيع المتوسط والذي مضمونه تفضيل علي وتقديمه على غيره ونحو ذلك فلم‬
‫يكن هذا من إحداث الزنادقة‪ ،‬بخلف دعوى النص والعصمة فإن الذي ابتدع ذلك كان منافقا زنديقا"‪.‬‬
‫(ابن تيمية‪ /‬مجموعة الفتاوى‪ )20/466 :‬وهو ابن سبأ وعصابته من اليهود والمنافقين والحاقدين والموتورين‪،].‬‬
‫وقد وجدت إثر مقتل عثمان – رضي ال عنه – في عهد علي – رضي ال عنه – ولم تأخذ‬
‫مكانها في نفوس فرقة معنية معروفة‪ ،‬بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي –‬
‫[فقد أمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه اللوهية‪( .‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪1/219 :‬‬ ‫رضي ال عنه –‬
‫تحقيق د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬فتح الباري‪ ،2/270 :‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد ص‪ ،18 :‬السفراييني‪ /‬التبصير في الدين‪:‬‬
‫ص ‪ .)70‬وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن عليا لما بلغه ذلك طلب ابن السوداء الذي بلغه ذلك عنه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنه أراد قتله‪ ،‬فهرب منه‪ .‬وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي أنه قال‪" :‬ل أوتى بأحد يفضلني‬
‫على أبي بكر وعمر إل ضربته حد المفتري"‪( .‬منهاج السنة‪ ،].)220-1/219 :‬ولكن ما تل ذلك من أحداث‬
‫هيأ جوا صالحا لظهور هذه العقائد‪ ،‬وتمثلها في جماعة وذلك كمعركة صفين‪ ،‬وحادثة التحكيم‬
‫التي أعقبتها‪ ،‬ومقتل علي‪ ،‬ومقتل الحسين‪ ..‬كل هذه الحداث دفعت القلوب والعواطف إلى‬
‫التشيع لل البيت‪ ،‬فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته‪ ،‬وصار التشيع وسيلة لكل‬
‫من أراد هدم السلم من ملحد ومنافق وطاغوت‪ ،‬ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية‬
‫اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه‪ ،‬وبمرور اليام كانت تتسع البدعة ويتعاظم‬
‫خطرها‪ ،‬حيث قد وجد لبن سبأ خلفاء كثيرون‪.‬‬
‫ولم يكن استعمال لقب "الشيعة" في عهد علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إل بمعنى الموالة‬
‫والنصرة‪ ،‬ول يعني بحال اليمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم‪ ..‬ولم يكن يختص إطلق هذا‬
‫اللقب بعلي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلق اسم‬
‫الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية كما سلف [انظر ص‪.].)38 ( :‬‬
‫فإذن كانت الحداث التي جرت على آل البيت (مقتل علي‪ ،‬مقتل الحسين‪ ،‬إلخ) هي من‬
‫العوامل المؤثرة للندفاع إلى التشيع لل البيت‪ ،‬وكان التعاطف والتأثر لما حل بالل هو شعور‬
‫كل مسلم‪ ،‬ولكن قد استغل هذا المر من قبل العداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر فدخلوا‬
‫من هذا المنفذ‪ ،‬وأشاعوا الفرقة في صفوف المة‪ ،‬وحققوا بالكيد والحيلة ماعجزوا عنه بالسلح‬
‫والسنان‪ ،‬ودخل أتباع الديانات الخرى‪ ،‬والمتآمرون‪ ،‬والمتربصون في التشيع‪ ،‬وبدأوا يضعون‬
‫أصولً مستوحاة من دينهم‪ ،‬ألبسوها ثوب السلم‪ ..‬كما سندرس هذا في أصل التشيع‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أصل التشيع‬
‫( أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي )‬

‫اختلف أنظار العلماء والباحثين في مرجع الصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل بأنها ترجع‬
‫لصل يهودي‪ ،‬ومن قائل بأنها ترجع لصل فارسي‪ ،‬ومن قائل بأن المذهب الشيعي كان مباءة‬
‫[البوذية‪ :‬هم أتباع بوذا‪ ،‬ولها انتشار بين عدد من الشعوب السيوية‪ ،‬وتتباين‬ ‫للعقائد السيوية القديمة كالبوذية‬
‫ل في الكون‪ ،‬وبوذية الهند – وهي‬
‫عقائد التباع حول هذه النحلة؛ فتجعل البوذية اليابانية «بوذا» جوهرا إلها حا ً‬
‫الصل – ل إله لها‪ ،‬وبوذية الصين مالت إلى العتقاد بفكرة كائن مطلق يتمثل في شخصيات مختلفة بوذا واحد منها‪.‬‬
‫وانظر عن البوذية (محمد سيد كيلني‪ /‬ذيل الملل والنحل ص ‪ ،31 ،26 ،13‬محمد أبو زهرة‪ /‬الديانات القديمة ص‪:‬‬
‫‪ ،53‬سليمان مظهر‪ /‬قصة الديانات ص‪ ].)73 :‬وغيرها‪:‬‬
‫القول بالصل اليهودي‪:‬‬
‫من الباحثين من يرى أن أصل التشيع ذو صبغة يهودية وذلك باعتبارين‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية‪ ،‬والرجعة‪ ،‬وابن سبأ يهودي‪ ،‬وهذه الراء‬
‫صارت من أصول المذهب الشيعي‪ ،‬ولهذا أشار القمي‪ ،‬والنوبختي والكشي‪ ،‬وهم من شيوخ‬
‫الشيعة القدامى إلى هذا‪ ،‬وذلك حينما استعرضوا آراء ابن سبأ والتي أصبحت فيما بعد من‬
‫أصول الشيعة‪ ،‬قالوا‪" :‬فمن هنا قال من خالف الشيعة‪ :‬إن أصل الرفض كان مأخوذا من‬
‫اليهودية" [انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص‪ 20 :‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص‪ ،22 :‬رجال الكشي ص‪.].108 :‬‬
‫العتبار الثاني‪:‬‬
‫هو وجود تشابه في الصول الفكرية بين اليهود والشيعة‪ ،‬ولعل أول بيان لذلك وأشمله هو ما‬
‫[عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي‪ ،‬راوية من التابعين‪ ،‬يضرب المثل بحفظه‪( ،‬ت‬ ‫روي عن الشعبي‬
‫[رواه الخلل في كتابة السنة‪ ،‬قال محقق الكتاب‪ :‬إسناده ل يصح‪،‬‬ ‫‪102‬ه‍)‪( .‬تهذيب التهذيب‪ ].)5/5 :‬في هذا الباب‬
‫لن فيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول متروك‪ ،‬ولكن المور المذكورة واقعة من الرافضة (السنة للخلل‪-2/563 :‬‬
‫‪ ،)565‬وانظر‪ :‬منهاج السنة لبن تيمية‪ ،10-1/6 :‬الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪( .‬انظر‪ :‬كاشف الغمة‬
‫في اعتقاد أهل السنة ص ‪ ،)611‬ابن الجوزي‪ /‬الموضوعات‪ ،1/338 :‬ابن بكر‪ /‬التمهيد والبيان‪ :‬ص ‪،234-233‬‬
‫(القسم المخطوط)‪ .].‬كما أشار ابن حزم إلى شيء من ذلك حينما قال‪" :‬سار هؤلء الشيعة في سبيل‬
‫اليهود القائلين‪ ..‬إن إلياس ‪-‬عليه السلم ‪ ،-‬وفنحاس بن العازار بن هارون ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫أحياء إلى اليوم" [الفصل‪ .].5/37 :‬وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو‬
‫واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه واليهود من وجه‪ ،‬وأن الناس مازالوا يصفونهم‬
‫‪52‬‬
‫بذلك‪ ،‬ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى [منهاج السنة‪...].1/6 :‬‬
‫[من هؤلء الستاذ أحمد أمين‪ ،‬حيث قال‪" :‬فاليهودية ظهرت في التشيع‬ ‫وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين‬
‫سنَا النّا ُر ِإلّ َأيّامًا‬
‫ل كما قال اليهود‪{ :‬لَن تَ َم ّ‬
‫بالقول بالرجعة‪ ،‬وقالت الشيعة‪ :‬إن النار محرمة على الشيعي إل قلي ً‬
‫مّعْدُو َدةً}‪ .‬والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم‪ :‬إن نسبة المام إلى ال كنسبة المسيح إليه‪ "...‬انظر‪ :‬فجر‬
‫السلم ص‪ ،276 :‬ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية‬
‫(انظر‪ :‬العقيدة والشريعة ص ‪ .)215‬وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية‪( .‬انظر‪:‬‬
‫المصدر السابق‪ :‬ص ‪ 100‬وما بعدها)‪ ،‬ويقول فلهوزن بالصل اليهودي‪ ،‬ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الفكار‬
‫بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص‪.].)170 :‬‬
‫القول بالصل الفارسي ( فارسية التشيع )‪:‬‬
‫يقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك‪ ،‬وعلو اليد على‬
‫جميع المم‪ ،‬وجللة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد‪،‬‬
‫وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم‪ ،‬فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب‪ ،‬كان‬
‫العرب عند الفرس أقل المم خطرا‪ ،‬تعاظمهم المر‪ ،‬وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد‬
‫السلم بالمحاربة في أوقات شتى‪ ،‬وفي كل ذلك يظهر ال الحق‪ ..‬فرأوا أن كيده على الحيلة‬
‫أنجع‪ ،‬فأظهر قوم منهم السلم‪ ،‬واستمالوا أهل التشيع‪ ،‬بإظهار محبة أهل البيت‪ ،‬واستبشاع ظلم‬
‫[ابن حزم‪ /‬الفصل‪:‬‬ ‫علي ‪ -‬بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى‬
‫‪ ،2/273‬وانظر‪ :‬المقريزي‪ /‬الخطط‪.].2/362 :‬‬
‫الثاني‪ :‬أن العرب تدين بالحرية‪ ،‬والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك‪ ،‬ول‬
‫يعرفون معنى النتخاب للخليفة‪ ،‬وقد انتقل النبي صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى‪ ،‬ولم‬
‫يترك ولدا‪ ،‬فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب‪ ،‬فمن أخذ الخلفة كأبي بكر وعمر‬
‫وعثمان‪ ،‬فقد اغتصب الخلفة من مستحقها‪ ،‬وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها‬
‫معنى التقديس‪ ،‬فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن طاعة المام واجبة‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬محمد أبو زهرة‪ /‬تاريخ المذاهب السلمية‪ ،1/37 :‬أحمد أمين‪ /‬فجر‬ ‫وطاعته طاعة ال سبحانه وتعالى‬
‫السلم‪ :‬ص ‪ ،277‬عرفان عبد الحميد‪ /‬دراسات في الفرق‪ ،23 :‬فلهوزن‪ /‬أحزاب المعارضة السياسية الدينية في‬
‫صدر السلم‪ :‬ص ‪ ،168‬فلوتن‪ /‬السيادة العربية‪ :‬ص ‪ .].76‬وكثير من الفرس دخلوا في السلم ولم‬
‫يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالً‪ ،‬وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة‬
‫بصبغة إسلمية‪ ،‬فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الولين إلى الملوك الساسانيين‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫يقول الشيخ محمد أبو زهرة‪" :‬إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالفكار الفارسية حول الملك‬
‫والوراثة‪ ،‬والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح‪ ،‬ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس‬
‫من الشيعة‪ ،‬وأن الشيعة الولين كانوا من فارس" [محمد أبو زهرة‪ /‬تاريخ المذاهب السلمية‪.].1/38 :‬‬

‫‪54‬‬
‫الثالث‪ :‬حينما فتح المسلمون بلد الفرس تزوج الحسين بن علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ابنه‬
‫يزدجرد أحد ملوك إيران‪ ،‬بعدما جاءت مع السرى فولدت له علي بن الحسين‪ ،‬وقد رأى‬
‫الفرس في أولدها من الحسين وارثين لملوكهم القدمين‪ ،‬ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق‬
‫علي بن الحسين وفي أولده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سللة‬
‫[انظر في أن أم علي بن الحسين هي ابنة يزدجرد‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪:‬‬ ‫الملوك الساسانيين المقدسين عندهم‬
‫‪ ،2/247‬صحيح الكافي‪ .1/53 :‬وانظر في أثر ذلك‪ :‬سميرة الليثي‪ /‬الزندقة والشعوبية‪ :‬ص ‪ ،56‬عبد ال الغريب‪/‬‬
‫وجاء دور المحبوس‪ :‬ص ‪ ،77‬النشار‪ /‬نشأة الفكر الفلسفي‪ ،2/11 :‬عبد الرزاق الحصان‪ /‬المهدي والمهدوية‪ :‬ص ‪،82‬‬
‫رونلدسن‪ /‬عقيدة الشيعة‪ :‬ص ‪ ،].101‬أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة ‪ -‬فيما يقال ‪ -‬اسم مقدس عند‬
‫ل ‪ -‬كما يعتقدون ‪ -‬في‬
‫[لن لفاطمة أثرا جمي ً‬ ‫الفرس‪ ،‬لن لها مقاما محمودا في تاريخ الفرس القديم‬
‫الكشف عن سمرديس المجوسي الذي استولى على عرش الكيانيين‪ ،‬فكانت فاطمة بطلة‪ ،‬وكانت فاطمة مقدسة ‪،‬‬
‫ولولها لما علم شيء من أمر سمرديس المجوسي هذا‪ ،‬ولولها لما دبر أبوها أوتانس وصحبه مؤامرة عليه‪( .‬انظر‪:‬‬
‫عبد الرزاق الحصان‪ /‬المهدي والمهدوية‪ :‬ص ‪ ،84‬عن هيرودوتس‪ ،2/462 :‬المقدسي‪ /‬البدء والتاريخ‪،4/134 :‬‬
‫‪.].)6/95‬‬
‫الرابع‪ :‬وتلمح الصل الفارسي أيضا في روايات عديدة عند الثني عشرية‪ ،‬تفرد سلمان‬
‫الفارسي ‪ -‬رضي ال عنه وبرأه ال مما يفترون ‪ -‬بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر‪ ،‬حيث‬
‫جاء في أخبارهم‪" :‬أن سلمان باب ال في الرض‪ ،‬من عرفه كان مؤمنا‪ ،‬ومن أنكره كان كافرا"‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].15‬وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلقه على أئمتهم‬
‫الثني عشر‪ ،‬كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث ال إليه ملكا ينقر في أذنه يقول كيت وكيت"‬
‫[رجال الكشي‪ ].16 :‬و"عن الحسن عن منصور قال‪ :‬قلت للصادق ‪ -‬عليه السلم ‪ :-‬أكان سلمان‬
‫محدثا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬من يحدثه؟ قال‪ :‬ملك كريم‪ .‬قلت‪ :‬إذا كان سلمان كذا فصحابه أي شيء‬
‫هو؟ قال‪ :‬أقبل على شأنك" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].19‬فهي تثبت الوحي لسلمان وتوحي بأن صاحبه‬
‫وهو علي فوق ذلك؟! بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الئمة والنبياء‪ ،‬كما جعلت له أمر المام‬
‫والنبي‪ ،‬فقالت‪ ..." :‬سلمان أدرك علم الول وعلم الخر" ثم فسرت ذلك‪ ،‬فقالت‪" :‬يعني علم‬
‫[رجال الكشي‪:‬‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعلم علي‪ ،‬وأمرالنبي صلى ال عليه وسلم وأمر علي"‬
‫ص ‪.].16‬‬
‫وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم ‪ -‬كما يفترون "ترزقون‪ ،‬وبهم تنصرون‪،‬‬
‫وبهم تمطرون" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].7-6‬بل بلغ الغلو ببعض الفرق الشيعية أن قالت بتأليه‬
‫سلمان‪ ،‬وقد وجدت هذه الفرقة في عصر أبي الحسن الشعري (المتوفى سنة ‪330‬ه‍)‪ ،‬وأشار‬
‫[مقالت‬ ‫إليها في مقالته حيث قال‪" :‬وقد قال في عصرنا هذا قائلون بألوهية سلمان الفارسي"‬
‫‪55‬‬
‫السلميين‪ .].1/80 :‬وقد تكون هذه الروايات في كتب الثني عشرية هي من آثار هذه الفرقة‪ ،‬لن‬
‫كتب الثني عشرية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية بكل ما فيها من شذوذ‪ ..‬وبقاؤها في‬
‫كتبهم قد يؤذن بخروج طوائف منها مرة أخرى‪.‬‬
‫بل نلحظ أن هناك اتجاها داخل الدوائر الشيعية لتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت‬
‫في التآمر والكيد ضد دولة الخلفة الراشدة وهو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة‬
‫[انظر‪ :‬عباس القمي‪ /‬الكنى‬ ‫العظيم عمر بن الخطاب‪ ،‬فقد أطلق عليه عندهم "بابا شجاع الدين"‬
‫واللقاب‪ ، ].2/55 :‬واعتبروا يقوم مقتل عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬بيد هذا المجوسي عيدا من‬
‫أعيادهم‪ ،‬وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك [انظر‪ :‬النوار النعمانية‪ ، ].1/108 :‬كما‬
‫[انظر‪ :‬العلمي‪ /‬مقتبس الثر‪ ،203-29/202 :‬المجلسي‪ /‬بحار‬ ‫يعظمون يوم النيروز‪ ،‬كفعل المجوس‬
‫النوار‪ ،‬باب عمل يوم النيروز‪ ،98/419 :‬وانظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬باب استحباب صوم يوم النيروز والغسل فيه‪،‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ولبس أنظف الثياب والطيب‪ ،].7/346 :‬وقد اعترفت أخبارهم بأن يوم النيروز من أعياد الفرس‬
‫بحار النوار‪.].48/108 :‬‬
‫القول بأن المذهب الشيعي مباءة للعقائد السيوية القديمة‪:‬‬
‫ويضيف البعض أن المذهب الشيعي كان مباءة ومستقرا للعقائد السيوية القديمة كالبوذية‬
‫وغيرها [انظر‪ :‬تاريخ المذاهب السلمية لبي زهرة‪ .].1/37 :‬يقول الستاذ أحمد أمين‪" :‬وتحت التشيع‬
‫[تناسخ الرواح‪ :‬انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنسانا أو حيوانا‪ .‬قال‬ ‫ظهر القول بتناسخ الرواح‬
‫بهذه النظرية بعض الهنود‪ ،‬وفيثاغورس من اليونان‪ ،‬وتسربت للعالم السلمي‪( .‬انظر‪ :‬المعجم الفلسفي ص ‪،55‬‬
‫[المقصود وصف ال جل شأنه بصفات المخلوقين‪ ،‬وقد وجد هذا‬ ‫التعريفات للجرجاني‪ :‬ص ‪ ، ].)93‬وتجسيم ال‬
‫عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬أما لفظ الجسم فإن للناس فيه أقوالً‬
‫متعددة اصطلحا غير معناه اللغوي‪.‬‬
‫انظر في ذلك‪ :‬ابن تيمية‪ /‬التدمرية‪ :‬ص ‪( 33-32‬ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم – ج‪ )‍3‬منهاج السنة‪2/97 :‬‬

‫وما بعدها‪ 2/145 ،‬وما بعدها‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،119-1/118 :‬التعريفات للجرجاني‪ :‬ص ‪،].103‬‬
‫[الحلول‪ :‬هو الزعم بأن الله قد يحل في جسم عدد من عباده‪ ،‬أو بعبارة أخرى أن اللهوت يحل في‬ ‫والحلول‬
‫الناسوت (المعجم الفلسفلي‪ :‬ص ‪ ].) 76‬ونحو ذلك من القوال التي كانت معروفة عند البراهمة‬
‫[البراهمة‪ :‬هم المنتسبون إلى رجل مهم يقال له‪ :‬براهم (الملل والنحل ‪ )2/251 :‬أو‪ :‬برهام من ملوك الفرس (المنية‬
‫والمل‪ :‬ص ‪ .)72‬يقرون بال‪ ،‬ويجحدون الرسل‪ ..‬وهم فرق مختلفة (انظر نفس الموضع من المصدرين السابقين)‪].‬‬
‫[المجوس‪ :‬هم عبدة النار‪ ،‬ويقولون بأصلين؛ أحدهما‪ :‬النور‪ ،‬والخر‪ :‬الظلمة‪ .‬والنور أزلي‪،‬‬ ‫والفلسفة والمجوس‬
‫والظلمة محدثة‪ .‬ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين‪ ،‬إحداهما‪ :‬بيان سبب امتزاج النور بالظلمة‪ ،‬والثانية‪ :‬بيان‬
‫سبب خلص النور من الظلمة‪ ،‬وجعلوا المتزاج مبدأ‪ ،‬والخلص معادا‪( .‬انظر‪ :‬الملل والنحل‪ 1/232 :‬وما بعدها‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫الرازي‪ /‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪ ،134‬وانظر‪ :‬أخبار أمم المجوس‪ /‬الكسندر سيبيل)‪ ].‬قبل‬
‫السلم" [فجر السلم‪ :‬ص ‪ .].277‬ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير‬
‫[المانوية‪:‬‬ ‫السلمية إلى الشيعة ويقول‪" :‬إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية‪ ،‬والمانوية‬
‫أصحاب ماني بن فاتك‪ ،‬كان في الصل مجوسيا‪ ،‬ثم أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية‪ ،‬وقد خالفته المجوس‬
‫وسعت في قتله‪ ،‬حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وبقي مذهبه في أتباعه‪.‬‬
‫والمانوية يقولون بالصلين‪ :‬النور والظلمة‪ ،‬وأن العالم صدر عنهما‪ ،‬وأن النور خير من الظلمة وهو الله المحمود‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الملل والنحل‪ 1/244 :‬وما بعدها‪ ،‬المنية والمل‪ :‬ص ‪ ،60‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪ ،18‬الرازي‪ /‬اعتقادات‬
‫فرق المسلمين والمشركين‪ :‬ص ‪ ، ].)138‬والبوذية وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل‬
‫ظهور السلم" [فلوتن‪ /‬السيادة العربية‪ :‬ص ‪.].84-83‬‬
‫ويذكر صاحب مختصر التحفة‪" :‬أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫والمشركين والمجوس"‪ ،‬ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف‬
‫مختصر التحفة ص ‪ 298‬وما بعدها‪.].‬‬
‫كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والديان التي جاء السلم‬
‫لمحاربتها [انظر‪ :‬بركات عبد الفتاح‪ /‬الواحدانية‪ :‬ص ‪.].125‬‬
‫الرأي المختار في أصل التشيع‪:‬‬
‫والذي أرى أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية‪ ،‬بل‬
‫إن التشيع لل البيت وحبهم أمر طبيعي‪ ،‬وهو حب ل يفرق بين الل‪ ،‬ول يغلو فيهم‪ ،‬ول‬
‫ينتقص أحدا من الصحابة‪ ،‬كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع‪ ،‬وقد نما الحب وزاد للل بعدما‬
‫جرى عليهم من المحن واللم بدءا من مقتل علي‪ ،‬ثم الحسين‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫هذه الحداث فجرت عواطف المسلمين‪ ،‬فدخل الحاقدون من هذا الباب‪ ،‬ذلك أن آراء ابن سبأ‬
‫لم تجد الجو الملئم؛ لتنمو وتنتشر إل بعد تلك الحداث‪ ..‬لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على‬
‫علي‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والبداء‪ ،‬والغيبة‪ ،‬وعصمة الئمة‪ ..‬إلخ فل شك أنها عقائد طارئة على المة‪،‬‬
‫دخيلة على المسلمين‪ ،‬ترجع أصولها لعناصر مختلفة‪ ،‬ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من‬
‫أراد الكيد للسلم‪ ،‬وأهله‪ ،‬وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم السلم‪ ،‬من‬
‫يهودي‪ ،‬ونصراني‪ ،‬ومجوسي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬فدخل في التشيع كثير من الفكار الجنبية والدخيلة –‬
‫كما سيتبين في الدراسة الموسعة لصولهم ‪ ،-‬ولهذا ذهب شيخ السلم ابن تيمية إلى أن‬
‫المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم‪ ،‬واليونان‪ ،‬والنصارى‪ ،‬واليهود‪ ،‬وغيرهم‬
‫أمورا مزجوها بالتشيع‪ ،‬ويقول‪ :‬وهذا تصديق لما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وساق‬

‫‪57‬‬
‫بعض الحاديث الواردة في أن هذه المة ستركب سنن من كان قبلها…‪ ،‬وقال بأن هذا بعينه‬
‫[منهاج السنة‪ ،4/147 :‬وانظر الحاديث في ذلك في‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب‬ ‫صار في المنتسبين للتشيع‬
‫العتصام بالسنة‪ ،‬باب قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم"‪ ،8/151 :‬وفي صحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫العلم‪ ،‬باب قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم (‪ ،)2669‬المسند ‪.].527 ،511-2/450‬‬

‫فرق الشيعة‬
‫حفلت كتب المقالت والفرق بذكر فرق الشيعة وطوائفهم‪ ...‬والملفت للنظر هو كثرة هذه‬
‫الفرق‪ ،‬وتعددها بدرجة كبيرة حتى تكاد تنفرد الشيعة بهذه السمة‪ ،‬أو قل‪ :‬بهذا البلء…‪ ،‬فبعد‬
‫وفاة كل إمام من الئمة عند الشيعة تظهر فرق جديدة‪ ،‬وكل طائفة تذهب في تعيين المام مذهبا‬
‫خاصا بها‪ ..‬وتنفرد ببعض العقائد والراء عن الطوائف الخرى‪ ،‬وتدعي أنها هي الطائفة‬
‫المحقة‪.‬‬
‫وهذا الختلف والتفرق كان محل شكوى وتذمر من الشيعة نفسها‪ ،‬قال أحد الشيعة لمامه ‪-‬‬
‫كما في رجال الكشي ‪" :-‬جعلني ال فداك‪ ،‬ما هذا الختلف الذي بين شيعتكم؟ فقال‪ :‬وأي‬
‫الختلف؟‪ .‬فقال‪ :‬إني لجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلفهم في حديثهم‪ ..‬فقال‪ :‬أبو‬
‫عبد ال أجل هو كما ذكرت أن الناس أولعوا بالكذب علينا‪ ،‬وإني أحدث أحدهم بالحديث‪ ،‬فل‬
‫يخرج من عندي‪ ،‬حتى يتأوله على غير تأويله‪ ،‬وذلك أنهم ل يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند ال‪،‬‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،136-135‬بحار النوار‪:‬‬ ‫وإنما يطلبون الدنيا‪ ،‬وكل يحب أن يدعى رأسا"‬
‫‪.].2/246‬‬
‫فيدل هذا النص على أن حب الرياسة‪ ،‬ومتاع الدنيا الزائل كان وراء تشيع الكثيرين‪ ،‬وأن‬
‫هؤلء أولعوا بالكذب على آل البيت‪ ..‬ولهذا كثر الخلف والتفرق‪.‬‬
‫[علي بن الحسين بن علي المسعودي المؤرخ‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬كتبه طافحة‬ ‫وقد ذكر المسعودي وهو شيعي‬
‫بأنه كان شيعيا معتزليا‪ ،‬ويعتبره الثنا عشرية ‪ -‬في تراجمهم ‪ -‬من شيوخهم‪ .‬توفي سنة (‪346‬ه‍)‪ ].‬أن فرق‬
‫[مروج الذهب‪ ،3/221 :‬وانظر‪ :‬الرازي‪ /‬اعتقادات فرق المسلمين‪ :‬ص‬ ‫الشيعة بلغت ثلثا وسبعين فرقة‬
‫[محمد باقر بن محمد‬ ‫‪ .].85‬وكل فرقة تكفر الخرى‪ ،‬ولهذا زعم الرافضي مير باقر الداماد‬
‫السترابادي الشهير بداماد‪ ،‬من شيوخ الشيعة في الدولة الصفوية‪ .‬توفي سنة (‪1040‬ه‍) مترجم له في‪ :‬الكنى واللقاب‪:‬‬
‫‪ ،2/206‬المحبي‪ /‬خلصة الثر‪ :‬ص ‪ ،301‬الحكيمي‪ /‬تاريخ العلماء‪ :‬ص ‪ ].83‬أن الفرق المذكورة في حديث‬
‫[حديث افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة هو كما قال شيخ السلم‬ ‫افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة‬
‫ابن تيمية‪ :‬حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد (الفتاوى ‪ 3/345‬جمع عبد الرحمن بن قاسم)‪ .‬وقال المقبلي‪:‬‬
‫حديث افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا بحيث ل يبقى ريبة في حاصل معناها‬
‫‪58‬‬
‫(العلم الشامخ‪ :‬ص ‪ .)414‬ويلحظ أن أحاديث افتراق المة‪ :‬منها ما ل نص فيه على الهالك‪ ،‬وهذه قد أخرجها أكثر‬
‫المحدثين منهم أصحاب السنن إل النسائي وغيرهم‪ ،‬ومنها ما فيه بيان أن واحدة ناجية والباقين هلكى‪ ،‬وهذه لم‬
‫يخرجها من أصحاب السنن إل أبو داود في كتاب السنة رقم (‪ )4573‬وأخرجها الدارمي‪ ،2/241 :‬وأحمد‪،4/102 :‬‬
‫والحاكم‪ ،1/128 :‬والجري في الشريعة‪ :‬ص ‪ .18‬ومنها‪ :‬ما يحكم بنجاة كل الفرق سوى واحدة وهي الزنادقة‪ ،‬وهذه‬
‫قد حكم عليها علماء الحديث بأنها موضوعة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كشف الخفاء‪ ،1/369 :‬والسرار المرفوعة‪ :‬ص ‪.161‬‬
‫وكما أخرج أهل السنة حديث افتراق المة‪ ،‬فقد رواه الشيعة أيضا بلفظ‪" :‬إن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين‬
‫فرقة تهلك إحدى وسبعون ويتخلص فرقة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ومن تلك الفرقة؟ قال‪ :‬الجماعة الجماعة الجماعة"‪،‬‬
‫وبلفظ آخر‪" :‬إن أمتي ستفترق بعدي على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬فرقة ناجية‪ ،‬واثنتان وسبعون في النار" (انظر‪ :‬ابن‬
‫بابويه القمي‪ /‬الخصال‪.)585-2/584 :‬‬
‫وليس في رواياتهم هذا التصريح بأن هذه الفرق كلها من الشيعة‪ ،‬كما فيها تصريح بأن الناجية الجماعة وليست‬
‫[جمال الدين الفغاني‪ /‬التعليقات على‬ ‫الشيعة‪ .].‬هي فرق الشيعة وأن الناجية منها هي طائفته المامية‬
‫شروح ال ّدوّاني للعقائد العضدية (ضمن كتاب العمال الكاملة للفغاني دراسة وتحقيق‪ :‬محمد عمارة‪ ،)1/215 :‬وقد‬
‫نسب رشيد رضا هذا الكتاب لمحمد عبده (تفسير المنار‪ ،)8/221 :‬لكن حقق محمد عمارة أنه للفغاني (انظر‪ :‬محمد‬
‫عمارة‪ /‬العمال الكاملة للفغاني‪ ،156-1/155 :‬العمال الكاملة‪ /‬لمحمد عبده‪ ،].)1/209 :‬وأما أهل السنة‬
‫والمعتزلة وغيرهم من سائر الفرق فجعلهم من أمة الدعوة‪ ،‬أي ليسوا من أمة الجابة‪ ،‬فهم في‬
‫اعتقاده لم يدخلوا في السلم‪ .‬وهذه المقالة قد قالها الشيعة من قبل وأشار إلى ذلك الشهرستاني‬
‫[الملل والنحل‪ ،].1/165 :‬والرازي [الرازي‪ :‬اعتقادات فرق المسلمين‪ :‬ص ‪.].85‬‬
‫وقد ورد في دائرة المعارف‪ :‬أنه ظهر من فروع الفرق الشيعية ما يزيد كثيرا عن الفرق‬
‫الثنين والسبعين فرقة المشهورة [دائرة المعارف السلمية‪ ،].14/67 :‬بينما يذكر المقريزي أن فرق‬
‫الشيعة بلغت ثلثمائة فرقة [الخطط‪.].2/315 :‬‬
‫ومرد هذا الختلف في الغالب هو اختلفهم حول الئمة من آل البيت فيذهبون مذاهب شتى‬
‫في أعيان الئمة‪ ،‬وفي عددهم‪ ،‬وفي الوقف على أحدهم وانتظاره‪ ،‬أو المضي إلى آخر والقول‬
‫بإمامته‪ ..‬فضلً عما تباينوا فيه من التفريع أو تنازعوا فيه من التأويل‪ ،‬ولهذا قال العلمة ابن‬
‫[ابن‬ ‫خلدون بعدما ساق اختلفهم في تعيين الئمة‪" :‬وهذا الختلف العظيم يدل على عدم النص"‬
‫خلدون‪ /‬لباب المحصل‪ :‬ص ‪ ].130‬أي يدل على أنهم ليسوا على شيء فيما ذهبوا إليه من دعوى أن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم نص على عليّ والئمة الخرين‪ ..‬إذ لو كان من عند ال لما كان‬
‫هذا الختلف والتباين‪ ،‬ولكن لما وجدوا اختلفا كثيرا كان من أعظم الدلة على عدم وجود‬
‫[النساء‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫لفًا َكثِيرًا}‬
‫ختِ َ‬
‫غ ْيرِ الّلهِ َل َوجَدُواْ فِيهِ ا ْ‬
‫ن مِنْ عِندِ َ‬
‫نص صحيح‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َلوْ كَا َ‬
‫‪.].82‬‬

‫‪59‬‬
‫وأمر المامة عندهم هو أصل الدين‪ ،‬فل يقبل فيها الخلف‪ ،‬كما يقبل في الفروع‪ .‬وقد عدّ‬
‫[وهو من كبار شيوخ الشيعة الزيدية حتى كانت‬ ‫شيخ الشيعة الزيدية في زمنه أحمد بن يحيى المترضى‬
‫مصنفاته الفقهية عمدة زيدية اليمن‪ ،‬ومن المنتسبين لهل البيت‪( .‬انظر‪ :‬الشوكاني‪ /‬البدر الطالع‪( ].)1/122 :‬المتوفى‬
‫سنة ‪840‬ه‍) اختلف الشيعة عند موت كل إمام في القائم بعده أوضح دليل على إبطال ما يدعون‬
‫من النص [المنية والمل‪ :‬ص ‪.].21‬‬
‫وإذا رجعنا إلى كتب الفرق ‪ -‬أو غيرها ‪ -‬التي ذكرت طوائف الشيعة‪ ،‬فإننا نجد بينها‬
‫اختلفا في الصول التي انبثقت منها صنوف الفرق الشيعية الكثيرة والمختلفة‪ ،‬فالجاحظ يرى‬
‫أن الشيعة فرقتان‪ :‬الزيدية والرافضة‪ :‬يقول‪" :‬اعلم رحمك ال أن الشيعة رجلن‪ :‬زيدي‪،‬‬
‫[ثلث رسائل للجاحظ (نشرها السندوبي) ص‪ .241 :‬أو رسائل الجاحظ‪،‬‬ ‫ورافضي‪ ،‬وبقيتهم بدد ل نظام لهم"‬
‫رسالة استحقاق المامة ص ‪( 207‬تحقيق عبد السلم هارون)‪ .].‬ويأخذ بهذا التقسيم شيخ الشيعة المفيد‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬بأن الشيعة رجلن‪ :‬إمامي‪ ،‬وزيدي [الرشاد‪ :‬ص ‪.].195‬‬
‫أما المام الشعري ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬فيجعل أصول فرق الشيعة ثلث فرق‪ :‬الغالية‪ ،‬والرافضة‬
‫(المامية)‪ ،‬والزيدية‪ .‬ويبلغ مجموع الفرق الشيعية عنده خمسا وأربعين فرقة‪ ،‬حيث جعل الغالية‬
‫[مقالت السلميين‪،1/66 :‬‬ ‫خمس عشرة فرقة‪ ،‬والرافضة أربعا وعشرين فرقة‪ ،‬والزيدية ست فرق‬
‫‪ .].140 ،88‬وهو يعتبر الثني عشرية من فرق الرافضة (المامية) ويسميها بالقطعية‪ ،‬ويصفهم‬
‫بأنهم جمهور الشيعة [المصدر السابق‪.].90/ 1 :‬‬
‫وقد سار على منهج الشعري في تقسيم فرق الشيعة الرئيسة إلى ثلث‪ ..‬طائفة من كتاب‬
‫[اعتقادات فرق المسلمين‪ :‬ص‬ ‫الفرق وغيرهم مثل‪ :‬الرازي حيث سماها زيدية‪ ،‬وإمامية‪ ،‬وكيسانية‬
‫‪ .].77‬ومثل السفرايني‪ ،‬وكذلك ابن المرتضى حيث قال‪ :‬والشيعة ثلث‪ :‬زيدية‪ ،‬وإمامية‪،‬‬
‫وباطنية [المنية والمل‪ :‬ص ‪ ،20‬وانظر المقدسي‪ /‬البدء والتاريخ‪ ،].5/125 :‬وشيخ السلم ابن تيمية الذي‬
‫صنف الشيعة إلى ثلث درجات‪ ،‬شرها الغالية‪ ،‬وهم الذين يجعلون لعلي شيئا من اللوهية‪ ،‬أو‬
‫يصفونه بالنبوة‪ ..‬والدرجة الثانية وهم الرافضة‪ ..‬والدرجة الثالثة المفضلة من الزيدية وغيرهم‬
‫[ابن تيمية‬ ‫الذين يفضلون عليا على أبي بكر وعمر‪ ،‬ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما‬
‫‪ /‬التسعينية‪ :‬ص ‪ 40‬ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،‬المجلد (‪ )5‬ط‪ .‬كردستان ‪1329‬هـ‪ .].‬وغير هؤلء من‬
‫[انظر‪ :‬زين العابدين بن يوسف السكوبي حيث قال‪" :‬أما الشيعة فهم اثنتان‬ ‫أهل العلم بالفرق والمقالت‬
‫وعشرون فرقة‪ ،‬أصولهم ثلث فرقة‪ :‬غلة‪ ،‬وزيدية‪ ،‬وإمامية" (الرد على الشيعة – الورقة ‪" 9‬مخطوط")‪.].‬‬
‫أما عبد القاهر البغدادي فيرجع فرق الشيعة إلى أربع فرق‪ :‬زيدية‪ ،‬وإمامية‪ ،‬وكيسانية‪،‬‬
‫وغلة‪ ،‬ويلقب الجميع بالرافضة [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،].21‬ويصل عدد فرق الشيعة عنده ‪-‬‬
‫‪60‬‬
‫باستثناء الفرق الغالية [حيث وصل عدد الغلة عنده إلى عشرين فرقة (الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ - ].)232‬إلى‬
‫عشرين فرقة [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ].23‬ويعتبر الثني عشرية من فرق المامية‪ ،‬ويسميهم‬
‫بالقطعية‪ ،‬كما يسميهم بالثني عشرية [المصدر السابق‪ :‬ص ‪ ].64‬وإن كان قبل ذلك ذكر القطعية‬
‫والثني عشرية كاسمين لفرقتين مختلفتين من فرق المامية [المصدر السابق‪ ].53 :‬ل فرقة واحدة‬
‫[ولهذا أشار محيي الدين عبد الحميد إلى أن سرد البغدادي في الفرق بين الفرق يدل على أن الثني عشرية غير‬
‫القطعية (هامش مقالت السلميين‪ )1/90 :‬وفاته أن البغدادي نص على أن القطعية والثني عشرية فرقة واحدة‪.‬‬
‫(الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].)64‬‬
‫أما الشهرستاني فيرى أن الشيعة فرق كثيرة‪ ،‬لنه يقول‪" :‬لهم في تعدية المام كلم وخلف‬
‫كثير‪ ،‬وعند كل تعدية وتوقف‪ :‬مقالة‪ ،‬ومذهب‪ ،‬وخبط" [الملل والنحل‪ ].1/147 :‬ولكنه يرجعهم إلى‬
‫خمس فرق‪ :‬كيسانية‪ ،‬وزيدية‪ ،‬وإمامية‪ ،‬وغلة‪ ،‬وإسماعيلية" [نفس الموضع من المصدر السابق‪.].‬‬
‫أما صاحب الحور العين فيرجع الفرق الشيعية الكثيرة إلى ست فرق [الحور العين‪ :‬ص ‪،].145‬‬
‫ويصل عدد فرق الشيعة عند ابن قتيبة إلى ثمان [ابن قتيبة‪ /‬المعارف‪ :‬ص ‪.].623-622‬‬
‫[التنبيه والرد‪:‬‬ ‫وأبو الحسين الملطي يرى أن الشيعة ثماني عشرة فرقة‪ ،‬ويلقبهم جميعا بالرافضة‬
‫ص ‪ ،].18‬ويشايعه في هذا الرأي السكسكي في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الديان‬
‫[انظر‪ :‬التنبيه والرد‪:‬‬ ‫[البرهان‪ :‬ص ‪ .].36‬ولكن الغريب أن الملطي يسمي الثني عشرية بالسماعيلية‬
‫ص ‪.].33-32‬‬
‫[تلبيس إبليس‪ :‬ص ‪ 32‬تحقيق‬ ‫وابن الجوزي يعتبر الشيعة اثنتي عشرة فرقة‪ ،‬ويسميها بالرافضة‬
‫خير الدين علي‪ ،].‬ويوافقه على هذا التقسيم المام القرطبي [بيان الفرق‪ /‬الورقة ‪( 1‬مخطوط)‪.].‬‬
‫والذي يلحظ على إطلق اسم الرافضة على كل فرق الشيعة هو أنه ينبغي استثناء الزيدية‪،‬‬
‫أو بعبارة أدق استثناء الزيدية ما عدا فرقة الجارودية منها؛ لن الجارودية سلكت مسلك‬
‫الروافض‪ ،‬ولذلك فإن شيخ الشيعة المفيد اعتبر الجارودية هي الشيعة‪ ،‬وما عداها من فرق‬
‫الزيدية‪ ،‬فليسوا بشيعة‪ ،‬وذلك لن طائفة الجارودية هي التي تشاركه في أساس مذهبه في‬
‫[انظر‪ :‬المفيد‪ /‬أوائل المقالت ص‪ ،39 :‬وانظر عن الجارودية ص‪ )42( :‬من هذه الرسالة هامش رقم (‬ ‫الرفض‬
‫‪.].)3‬‬
‫أما كتب الفرق عند الشيعة الثني عشرية فإنها تأخذ بمنهج آخر في ذكر الفرق‪ ،‬فهي تذكر‬
‫فرق الشيعة حسب الئمة حيث تجد أن الشيعة تفترق إلى فرق كثيرة بعد وفاة كل إمام‪ ،‬وقد‬
‫وصل عدد فرق الشيعة في المقالت والفرق للقمي‪ ،‬وفرق الشيعة للنوبختي إلى ما يربو على‬
‫ستين فرقة‪ ،‬ويلحظ أن الثني عشرية كانت عند النوبختي والقمي فرقة من أربع عشرة‪ ،‬أو‬

‫‪61‬‬
‫[انظر‪ :‬النوبختي‪/‬‬ ‫خمس عشرة فرقة افترقت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري سنة (‪260‬ه‍)‬
‫فرق الشيعة ص‪ 96 :‬حيث ذكر أن أصحاب الحسن العسكري افترقوا أربع عشرة فرقة بعد وفاته‪ ،‬بينما ذكر القمي‬
‫أنهم خمس عشرة فرقة‪( .‬القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪.].)102‬‬
‫أما كتب الرواية عندهم فإن الكليني في الكافي يذكر رواية تجعل فرق الشيعة ثلث عشرة‬
‫[أصول الكافي (المطبوع على هامش مرآة العقول )‪ ،4/344 :‬وقد حكم المجلسي‬ ‫فرقة كلها في النار إل واحدة‬
‫على هذه الرواية ‪ -‬حسب مقاييسهم ‪ -‬بأنها ترتقي إلى درجة الحسن‪( .‬مرآة العقول‪.].)4/344 :‬‬
‫هذا ودراسة نشأة الفرق الشيعية وتطورها يحتاج إلى بحث آخر‪ ،‬وهو أقرب إلى البحث‬
‫التاريخي‪ ،‬فل نستطرد في حكاية تفاصيله‪ ،‬ولكن من الملحظ ‪ -‬كما سيأتي في عرض آراء‬
‫وعقائد الثني عشرية ‪ -‬أن طائفة الثني عشرية قد استوعبت جل الراء والعقائد التي قالت بها‬
‫الفرق الشيعية الخرى‪ ،‬وأنها كانت بمثابة النهر الذي انسكبت فيها كل الجداول والروافد‬
‫الشيعية المختلفة‪ ،‬ودراسة هذه المسألة‪ ،‬دراسة مقارنة بين روايات الثني عشرية وآراء الفرق‬
‫الخرى هو أيضا يحتاج إلى دراسة مستقلة‪ ،‬وقد أشرت إلى بعض الوجوه في هذا الباب في‬
‫رسالة الماجستير [انظر‪ :‬فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة‪ :‬ص ‪ 346‬وما بعدها‪.].‬‬
‫فهذه الفرق لم تفن ‪ -‬كما يقال ‪ -‬بل إن أكثرها باق‪ ،‬وهو يطل علينا خلل الفكر الثني‬
‫[انظر‪ :‬النشار‪ /‬نشأة الفكر الفلسفي‪:‬‬ ‫عشري‪ .‬وقد انحصرت الفرق الشيعية المعاصرة بثلث فرق‪ ،‬هي‬
‫‪ ،2/12‬العاملي‪ /‬أعيان الشيعة‪ ،1/22 :‬محمد مهدي شمس الدين‪ /‬نظام الحكم والدارة في السلم‪ :‬ص ‪ ،61‬هبة الدين‬
‫الشهرستاني‪ /‬مقدمة فرق الشيعة‪ :‬ص ‪ /‬كا‪:].‬‬
‫‪ -1‬الثنا عشرية‪.‬‬
‫[السماعيلية‪ :‬وهم الذين قالوا‪ :‬المام بعد جعفر إسماعيل بن جعفر‪ ،‬ثم قالوا بإمامة محمد بن‬ ‫‪ -2‬السماعيلية‬
‫إسماعيل بن جعفر‪ ،‬وأنكروا أمامة سائر ولد جعفر‪ ،‬ومن السماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون‬
‫والدروز وغيرهم‪ ،‬وللسماعيلية فرق متعددة وألقاب كثيرة تختلف باختلف البلدان‪ ،‬إذ لهم ‪ -‬كما يقول الشهرستاني ‪-‬‬
‫دعوة في كل زمان‪ ،‬ومقالة جديدة بكل لسان‪ ،‬وأما مذهبهم فهو كما يقول الغزالي وغيره‪" :‬إنه مذهب ظاهره الرفض‬
‫وباطنه الكفر المحض"‪ .‬أو كما يقول ابن الجوزي‪" :‬فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار‬
‫البعث"‪ ،‬ولكنهم ل يظهرون هذا في أول أمرهم‪ .‬ولهم مراتب في الدعوة‪ ،‬وحقيقة المذهب ل تعطى إل لمن وصل إلى‬
‫الدرجة الخيرة‪ ،‬وقد اطلع على أحوالهم وكشف أستارهم جملة من أهل العلم كالبغدادي الذي اطلع على كتاب لهم‬
‫يسمى‪" :‬السياسة والبلغ الكيد والناموس الكبر" ورأى من خلله أنهم دهرية زنادقة يتسترون بالتشيع‪ ،‬والحمادي‬
‫اليماني الذي اندس بينهم وعرف حالهم وبين ذلك في كتابه‪" :‬كشف أسرار الباطنية"‪ ،‬وابن النديم الذي اطلع على‬
‫"البلغات السبعة" لهم وقرأ البلغ السابع ورأى فيه أمرا عظيما من إباحة المحظورات والوضع من الشرائع‬
‫وأصحابها‪ ..‬وغيرهم‪ ،‬ولهم نشاطهم اليوم‪ ،‬كما لهم كتبهم السرية‪ .‬قال أحدهم‪" :‬إن لنا كتبا ل يقف على قراءتها غيرنا‬
‫ول يطلع على حقائقها سوانا" (مصطفى غالب‪ /‬الحركات الباطنية في السلم‪ :‬ص ‪ ،67‬وانظر‪ :‬أبو حاتم الرازي‬

‫‪62‬‬
‫السماعيلي‪ /‬الزينة‪ :‬ص ‪« 287‬ضمن كتاب الغلو والفرق الغالية»‪ ،‬الغزالي‪ /‬فضائح الباطنية‪ :‬ص ‪ 37‬وما بعدها‪،‬‬
‫الملل والنحل‪ ،191 ،1/67 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،621 ،294‬ابن النديم‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪،268-267‬‬
‫الملطي‪ /‬التنبيه والرد‪ :‬ص ‪ ،218‬المقدسي‪ /‬البدء والتاريخ‪ ،5/124 :‬السفرايني‪ /‬التبصير في الدين‪ ،‬ابن الجوزي‪/‬‬
‫تلبيس إبليس‪ :‬ص ‪ ،99‬وانظر‪ :‬السماعيلية‪ :‬إحسان إلهي ظهير)‪.].‬‬
‫[الزيدية‪ :‬وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (الملل والنحل‪ ،1/154 :‬مقدمة‬ ‫‪-3‬الزيدية‬
‫البحر الزخار‪ :‬ص ‪ ،)40‬وسموا بالزيدية نسبة إليه (يحيى بن حمزة‪ /‬الرسالة الوازعة ص ‪ ،28‬السمعاني‪ /‬النساب‪:‬‬
‫‪ ،)6/340‬وقد افترقوا عن المامية حينما سئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما فرفضه قوم فسموا رافضة‪..‬‬
‫وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية لتباعهم له وذلك في آخر خلفة هشام بن عبد الملك سنة إحدى وعشرين أو‬
‫اثنتين وعشرين (منهاج السنة‪ ،1/21 :‬الرسالة الوازعة‪ :‬ص ‪ )88-87‬والزيدية يوافقون المعتزلة في العقائد (انظر‪:‬‬
‫المقبلي‪ /‬العلم الشامخ‪ :‬ص ‪ ،319‬الملل والنحل‪ ،1/162 :‬الرازي‪ /‬المحصل‪ :‬ص ‪ .)247‬والزيدية فرق‪ :‬منهم من لم‬
‫يحمل من النتساب إلى زيد إل السم فهم روافض في الحقيقة يقولون‪ :‬إن المة ضلت وكفرت بصرفها المر إلى‬
‫غير علي‪ ،‬وهؤلء الجارودية أتباع أبي الجارود ‪ -‬كما سبق ‪ ،-‬ومنهم من يقترب من أهل السنة كثيرا وهم أصحاب‬
‫الحسن بن صالح بن حي الفقيه القائلون بأن المامة في ولد علي – رضي ال عنه ‪ ،-‬ويقول ابن حزم‪" :‬إن الثابت‬
‫عن الحسن بن صالح هو أن المامة في جميع قريش‪ ،‬ويتولون جميع الصحابة إل أنهم يفضلون عليا على جميعهم"‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬ابن حزم‪ /‬الفصل‪ ،2/266 :‬وانظر في اعتدال الزيدية الحقة في مسألة الصحابة‪ :‬ابن الوزير‪ /‬الروض الباسم‬
‫ص ‪ ،50-49‬المقبلي‪ /‬العلم الشامخ‪ :‬ص ‪ )326‬وانظر بحث عن الزيدية في‪" :‬فكرة التقريب" ص ‪ 146‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وطائفة الثني عشرية هي أكبر الطوائف اليوم‪ ،‬كما كانت تمثل أكثرية الشيعة وجمهورها في‬
‫بعض فترات التاريخ‪ .‬فقد وصفهم طائفة من علماء الفرق ب‍ "جمهور الشيعة"‪ ،‬وممن نعتهم بهذا‪:‬‬
‫الشعري [مقالت السلميين‪ ،].1/90 :‬والمسعودي [مروج الذهب‪ ،].4/199 :‬وعبد الجبار الهمداني‬
‫[الحور العين‪:‬‬ ‫[المغني ج‪ ‍2‬القسم الثاني ص ‪ ،].176‬وابن حزم [الفصل‪ ،].4/158 ،5/38 :‬ونشوان الحميري‬
‫ص ‪ .].166‬وهذه الغلبية للثني عشرية ليست في كل العصور إذ نلحظ ‪ -‬مثلً ‪ -‬أن ابن‬
‫خلدون يقرر أن شيعة محمد بن الحنفية كانت أكثر شيعة أهل البيت [تاريخ ابن خلدون‪- ].3/172 :‬‬
‫أي‪ :‬في عصرها ‪ -‬ثم لم تلبث أن تقلص أتباعها حتى اختفت‪ ،‬كذلك يقول البلخي ‪ -‬كما يحكي‬
‫[وهم أتباع عبد ال بن جعفر بن محمد الصادق‪ ،‬وهو أكبر أولد‬ ‫عنه صاحب الحور العين ‪ -‬أن الفطحية‬
‫الصادق‪ ،‬وسموا الفطحية؛ لن عبد ال كان أفطح الرأس‪ ،‬كما يدعون بالعمارية نسبة إلى رئيس لهم يعرف بعمار‪،‬‬
‫وقد قال النوبختي بأنه مال إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائها‪ ،‬ولكن عبد ال لم يعش بعد وفاة أبيه سوى‬
‫سبعين يوما فرجعوا عن القول بإمامته‪( .‬انظر‪ :‬مسائل المامة ص ‪ ،46‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ ،78-77‬مقالت‬
‫السلميين ‪ ،1/102‬الحور العين ص ‪ .)164-163‬قال صاحب الزينة (أبو حاتم الرازي السماعيلي المتوفى سنة‬
‫‪322‬ه‍) ‪ :‬وقد انقرضت هذه الفرقة فليس أحد يقول بهذا القول‪ ،‬وعاش عبد ال بعد أبيه سبعين يوما ولم يخلف ذكرا‬
‫(الزينة‪ :‬ص ‪ .)287‬ولعل هذا من أسباب انقراضها‪ ،‬وقد بقيت روايات أتباع هذا المذهب مدونة في كتب الثني‬

‫‪63‬‬
‫[الحور العين‪ :‬ص ‪].164‬‬ ‫عشرية المعتمدة‪ ،‬كما سيأتي في فصل السنة‪ ].‬أعظم فرق الجعفرية وأكثرهم جمعا‬
‫– يعني في زمنه ‪.-‬‬

‫ألقاب الشيعة المامية الثني عشرية‬

‫من اللقاب التي يطلقها بعض كتاب الفرق والمقالت وغيرهم على الثني عشرية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشيعة‪:‬‬
‫لقب الشيعة في الصل يطلق على فرق الشيعة كلها‪ ،‬ولكن هذا المصطلح اليوم إذا أطلق ‪-‬‬
‫في نظر جمع من الشيعة وغيرهم ‪ -‬ل ينصرف إل إلى طائفة الثني عشرية‪ .‬وممن قال بهذا‬
‫الرأي‪ :‬شتروتمان [انظر‪ :‬دائرة المعارف السلمية‪ ،].14/68 :‬والطبرسي [مستدرك الوسائل‪،].3/311 :‬‬
‫وأمير علي [يقول أمير علي‪" :‬أصبحت الثنا عشرية مرادفة للشيعة"‪( .‬روح السلم‪ ،].)2/92 :‬وكاشف الغطا‬
‫[يقول الغطا‪" :‬يختص اسم الشيعة اليوم على إطلقه بالمامية"‪ ،‬وهو يعني بالمامية الثني عشرية‪ ،‬كما يدل عليه ما‬
‫[يقول العاملي‪" :‬بما أن‬ ‫بعد هذه الجملة‪( .‬انظر‪ :‬أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪ ،].)92‬ومحمد حسين العاملي‬
‫الزيدية اليوم ومثلهم السماعيلية ل يعرفون إل بهذين النتسابين‪ ،‬وبما أن الفطحية والواقفية ل وجود لها في هذا‬
‫[يقول‬ ‫العصر انحصر اسم الشيعة بالمامية الثني عشرية"‪( .‬الشيعة في التاريخ ص ‪ ،].)43‬وعرفان عبد الحميد‬
‫عرفان‪" :‬مصطلح الشيعة إذا أطلق من غير تحديد وحصر ل يعني إل المذهب الثنا عشري"‪( .‬مجلة كلية الدراسات‬
‫[انظر مثلً‪ :‬السامرائي‪ /‬الغلو والفرق الغالية ص ‪ ،82‬أحمد‬ ‫السلمية‪ ،‬العدد الول‪1387 ،‬هـ ص ‪ ،].)35‬وغيرهم‬
‫زكي تفاحة‪ /‬أصول الدين وفروعه عند الشيعة‪ :‬ص ‪ ،21‬إحسان إلهي ظهير‪ /‬الشيعة والتشيع ص ‪.].9‬‬
‫وأقول بهذا الرأي‪ ،‬ل لن الثني عشرية يمثلون القاعدة الكبيرة من بين الفرق الشيعية‬
‫فحسب‪ ،‬بل لسبب أهم ‪ -‬لم أر من تعرض بالدراسة والبيان‪ ،‬وبحثه يحتاج إلى دارسة مستقلة‬
‫تعتمد على التحليل والمقارنة ‪ -‬وهو أن مصادر الثني عشرية في الحديث والرواية قد‬
‫استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية التي خرجت في فترات التاريخ المختلفة إن لم يكن كلها ‪-‬‬
‫كما سلف ‪ ،-‬فأصبحت هذه الطائفة هي الوجه المعبر عن الفرق الشيعية الخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬المامية‪:‬‬
‫هذا اللقب عند كثير من أصحاب الفرق والمقالت يطلق على مجموعة من الفرق الشيعية‪،‬‬
‫ولكن تخصص فيما بعد عند جمع من المؤلفين وغيرهم بالثني عشرية‪ ،‬ولعل من أول من‬
‫[أوائل المقالت‪ :‬ص‬ ‫ذهب إلى ذلك شيخ الثني عشرية في زمنه "المفيد" في كتابه أوائل المقالت‬
‫‪ ،].44‬وأشار السمعاني إلى أن ذلك هو المعروف في عصره فقال‪" :‬وعلى هذه الطائفة ‪ -‬يشير‬
‫[النساب‪ ،1/344 :‬ابن الثير‪ /‬اللباب‪ ،1/84 :‬السيوطي‪ /‬لب‬ ‫إلى الثني عشرية ‪ -‬يطلق الن المامية"‬
‫‪64‬‬
‫اللباب في تحرير النساب‪ ،‬حرف الهمزة‪ ،‬لفظ إمامية‪ .].‬وقال ابن خلدون‪" :‬وأما الثنا عشرين فربما‬
‫خصوا باسم المامية عند المتأخرين منهم" [تاريخ ابن خلدون‪ .].1/201 :‬وأشار صاحب مختصر‬
‫[مختصر التحفة‬ ‫التحفة الثني عشرية إلى أن الثني عشرية هي المتبادرة عند إطلق لفظ المامية‬
‫الثني عشرية‪ :‬ص ‪ .].20‬ويقول الشيخ زاهد الكوثري‪" :‬والمعروف أن المامية هم‪ :‬الثنا عشرية"‬
‫[الكوثري‪ /‬في تعليقاته على كتاب التنبيه والرد للملطي‪ :‬ص ‪.].18‬‬
‫ويلحظ أن كاشف الغطا ‪ -‬من شيوخ الشيعة المعاصرين ‪ -‬يستعمل لقب المامية بإطلق‬
‫على الثني عشرية [أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪ ،].92‬ومن شيوخ الشيعة الخرين من يرى أن‬
‫[محسن المين‪ /‬أعيان الشيعة‪:‬‬ ‫المامية فرق‪ ،‬منهم الثنا عشرية‪ ،‬والكيسانية‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والسماعيلية‬
‫‪ .].1/21‬وبعدما عرفنا أن المامية صار لقبا من ألقاب الثني عشرية نعرج على ما قيل في‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫المامية‪:‬‬
‫ويقول شيخ الشيعة في زمنه المفيد‪" :‬المامية هم القائلون بوجوب المامة‪ ،‬والعصمة‪،‬‬
‫ووجوب النص‪ ،‬وإنما حصل لهم هذا السم في الصل لجمعها في المقالة هذه الصول‪ ،‬فكل‬
‫من جمعها فهو إمامي وإن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلً‪ ،‬ثم إن من شمله هذا السم‬
‫واستحقه لمعناه‪ ،‬قد افترقت كلمتهم في أعيان الئمة وفي فروع ترجع إلى هذه الصول وغير‬
‫ذلك‪ ،‬فأول من شذ من فرق المامية الكيسانية" [العيون والمحاسن‪.].2/91 :‬‬
‫فالمفيد هنا يجعل لقب المامية لقبا عاما يشمل كل من قال بهذه الركان الثلثة التي ذكرها‪:‬‬
‫المامة‪ ،‬العصمة‪ ،‬النص‪ ،‬ولكنه في كتاب آخر له يضيق نطاق هذا المصطلح حتى يكاد يقصره‬
‫على طائفة الثني عشرية حيث يقول‪" :‬المامية علم على من دان بوجوب المامة ووجودها في‬
‫كل زمان‪ ،‬وأجب النص الجلي‪ ،‬والعصمة والكمال لكل إمام‪ ،‬ثم حصر المامة في ولد الحسين‬
‫بن علي‪ ،‬وساقها إلى الرضا علي بن موسى ‪ -‬عليه السلم –" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].44‬‬
‫فأنت تلحظ أنه شرط هنا النص الجلي‪ ،‬بينما في الموضع السابق أطلق القول بالنص ليشمل‬
‫الجلي والخفي‪ ،‬كما أنه أضاف هنا حصر الئمة بولد الحسين‪ ،‬وسياق المامة فيهم إلى الرضا‬
‫[سيأتي التعريف‬ ‫علي بن موسى‪ ،‬في حين أنه لم يشترط ذلك فيما سبق حتى أدخل فيهم الكيسانية‬
‫بها ص (‪ )180‬من هذه الرسالة‪ ..].‬وكأنه لحظ هذا التغير في الرأي فقال‪" :‬لنه وإن كان (أي لقب‬
‫المامية) في الصل علما على من دان من الصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في‬
‫العيان بما وصفناه‪ ،‬فإنه قد انتقل عن أصله‪ ،‬لستحقاق فرق من معتقديه ألقابا‪ ،‬بأحاديث لهم‬

‫‪65‬‬
‫بأقاويل أحدثوها‪ ،‬فغلبت عليهم في الستعمال‪ ،‬دون الوصف بالمامية‪ ،‬وصار هذا السم في‬
‫عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة علما على من ذكرناه" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].44‬‬
‫وإذا تجاوزت تعريف المفيد هذا إلى كتب الفرق والمقالت الخرى لستطلع آراء غير‬
‫الشيعة في تعريف المامية نلحظ أن أكثر مؤلفي الفرق لم يخصوا المامية بالثني عشرية‪ ،‬بل‬
‫كان لقب المامية عندهم أعم من ذلك وأشمل‪ ،‬فالشهرستاني يقول‪" :‬المامية هم القائلون بإمامة‬
‫علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬نصا ظاهرا‪ ،‬وتعيينا صادقا من غير تعريض بالوصف‪ ،‬بل إشارة‬
‫إليه بالعين" [الملل والنحل‪ ،].1/162 :‬ومثله الشعري حيث يقول‪ .." :‬وهم يدعون المامية لقولهم‬
‫بالنص على إمامة علي بن أبي طالب" [مقالت السلميين‪ .].1/86 :‬ومن أصحاب الفرق من قال‬
‫بأن "تسميتهم المامية" لنهم يزعمون أن الدنيا ل تخلو عن إمام‪ ،‬إما ظاهرا مكشوفا‪ ،‬وإما باطنا‬
‫[عثمان بن عبد ال العراقي‪ /‬ذكر الفرق والضوال‪ :‬ق ‪ 12‬أ (مخطوط)‪ ،‬وانظر مثل ذلك عند القرطبي في‬ ‫موصوفا‬
‫كتابه "بيان الفرق" ق ‪ 2‬ب (مخطوط)‪ ،‬وانظر‪ :‬شرح الثنتين والسبعين فرقة‪ :‬ق ‪(12‬مخطوط)‪ .].‬ولكن ابن‬
‫المرتضى يقول‪ :‬والمامية "سميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها للمام‪ ،‬وأنه كالنبي‪ ،‬ول يخلو‬
‫وقت من إمام يُحتاج إليه في أمر الدين والدينا" [المنية والمل‪.].21 :‬‬
‫فمن هؤلء من راعى في سبب التسمية مسألة النص‪ ،‬ومنهم من اعتبر في سبب التسمية‬
‫قولهم بأن الدنيا ل تخلو من إمام‪ ،‬ومنهم من جمع إلى ذلك قولهم بأن أمور الدين كلها للمام‪،‬‬
‫وهي أقوال متقاربة يرجع بعضها إلى بعض‪ ..‬ومصطلح المامية تظهر بعد شيوع مصطلح‬
‫الشيعة‪ ،‬ويبدو أن ظهوره مرتبط ببدء الهتمام الشيعي بمسألة المام والمامة‪ ،‬وظهور الفرق‬
‫الشيعية التي تقول بإمامة أفراد أهل البيت‪ ،‬وسيأتي بحث ذلك في موضوع المامة‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي الحديد أن مقالة المامية ‪ -‬فضلً عن لقبها ‪ -‬لم تشتهر إل متأخرة‪ .‬يقول‬
‫ابن أبي الحديد‪" :‬لم تكن مقالة المامية ومن نحا نحوهم من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة‬
‫حينئذ (يعني في العصر الموي) على هذا النحو من الشتهار" [شرح نهج البلغة‪.].4/522 :‬‬
‫‪ -3‬الثنا عشرية‪:‬‬
‫هذا المصطلح ل نجده في كتب الفرق والمقالت المتقدمة‪ ،‬فلم يذكره القمي (ت ‪299‬ه‍ أو‬
‫‪301‬ه‍) في "المقالت والفرق"‪ ،‬ول النوبختي (ت ‪310‬ه‍) في "فرق الشيعة"‪ ،‬ول الشعري (ت‬
‫‪330‬ه‍) في "مقالت السلميين"‪ .‬ولعل أول من ذكره المسعودي [التنبيه والشراف‪ :‬ص ‪(. ].198‬ت‬
‫‪349‬ه‍) ‪(-‬من الشيعة)‪ .‬أما من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي (ت ‪429‬ه‍) حيث ذكر أنهم‬
‫سموا بالثني عشرية لدعواهم أن المام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي‬
‫طالب ‪ -‬رضي ال عنه –" [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].64‬‬
‫‪66‬‬
‫قال الرافضي المعاصر محمد جواد مغنية ‪ :‬الثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة المامية‬
‫القائلة باثني عشر إماما تعينهم بأسمائهم [الثنا عشرية وأهل البيت‪ :‬ص ‪.].15‬‬
‫وظهور هذا السم كان بل شك بعد ميلد فكرة الئمة الثني عشر‪ ،‬والتي حدثت بعد وفاة‬
‫الحسن العسكري (توفي سنة ‪260‬ه‍) حيث أنه‪" :‬قبل وفاة الحسن لم يكن أحد يقول بإمامة‬
‫المنتظر إمامهم الثاني عشر‪ ،‬ول عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة الثني‬
‫عشر" [منهاج السنة‪.].4/209 :‬‬
‫ولكن يرى صاحب مختصر التحفة الثني عشرية أن زمن ظهور المامية الثني عشرية‪،‬‬
‫سنة مائتين وخمس وخمسين [انظر‪ :‬مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].21‬‬
‫ويبدو أنه عين هذا التاريخ بالذات‪ ،‬لن تلك السنة (‪255‬ه‍) هي التي زعمت الثنا عشرية أنه‬
‫[كما نص على ذلك الكل الكليني في الكافي ‪ ،1/514 :‬والمفيد في الرشاد ص‬ ‫ولد فيها إمامهم الثاني عشر‬
‫‪ ،390‬والطبرسي في أعلم الورى‪ :‬ص ‪ .393‬ونجد في العلم للزركلي‪ ،2/215 :‬والعقل عند الشيعة‪ ،‬رشدي عليان‪:‬‬
‫ص ‪ ،56‬وتاريخ المامية‪ ،‬عبد ال فياض‪ :‬ص ‪ ،183‬بأن الولدة المزعومة كانت سنة (‪256‬ه‍)‪ ،].‬والذي يزعمون‬
‫حياته إلى اليوم‪ ،‬وينتظرون خروجه‪ ،‬فإذا كان المر كذلك فينبغي أن يحدد التاريخ بسنة ‪260‬ه‍؛‬
‫لن دعوة وجود المام الثاني عشر المنتظر إنما ظهرت بعد وفاة الحسن العسكري (والذي‬
‫توفي سنة ‪260‬ه‍)‪.‬‬
‫أما الثنا عشر الذي تقول الجعفرية بأنهم أئمتها‪ ،‬فهم‪ :‬أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫والحسن والحسين‪ ،‬وذرية الحسين‪.‬‬
‫وفيما يلي بيان بأسمائهم وألقابهم‪ ،‬وكناهم‪،‬وسنة ميلد كل إمام ووفاته‪:‬‬

‫سنة ميلده‬ ‫لقبه‬ ‫كنيته‬ ‫اسم المام‬ ‫م‬


‫ووفاته‬
‫‪ 23‬قبل الهجرة‪40 ،‬‬ ‫المرتضى‬ ‫أبو الحسن‬ ‫علي بن أبي طالب‬ ‫‪1‬‬
‫بعد الهجرة‬ ‫‪2‬‬
‫‪2-50‬هـ‬ ‫الزكي‬ ‫أبو محمد‬ ‫الحسن بن علي‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪3-61‬هـ‬ ‫الشهيد‬ ‫أبو عبدال‬ ‫الحسين بن علي‬ ‫‪5‬‬
‫‪38-95‬هـ‬ ‫زين العابدين‬ ‫أبو محمد‬ ‫علي بن الحسين‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪57-114‬هـ‬ ‫الباقر‬ ‫أبو جعفر‬ ‫محمد بن علي‬ ‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪83-148‬هـ‬ ‫الصادق‬ ‫ابو عبدال‬ ‫جعفر بن محمد‬ ‫‪10‬‬
‫الكاظم‬ ‫أبو إبراهيم‬ ‫موسى بن جعفر‬ ‫‪11‬‬
‫‪67‬‬
‫‪128-183‬هـ‬ ‫الرضا‬ ‫أبو الحسن‬ ‫علي بن موسى‬ ‫‪12‬‬

‫‪148-203‬هـ‬ ‫الجواد‬ ‫أبو جعفر‬ ‫محمد بن علي‬


‫‪195-220‬هـ‬ ‫الهادي‬ ‫أبو الحسن‬ ‫علي بن محمد‬
‫‪212-254‬هـ‬ ‫العسكري‬ ‫أبو محمد‬ ‫الحسن بن علي‬
‫‪232-260‬هـ‬ ‫المهدي‬ ‫أبو القاسم‬ ‫محمد بن الحسن‬
‫يزعمون أنه ولد‬
‫سنة ‪255‬أو ‪256‬ه‍‬
‫ويقولون بحياته‬
‫إلى اليوم(‪)1‬‬
‫(‪[)1‬انظر عن الثنى عشر‪ :‬الكليني‪ /‬أصول الكافي‪ 1/452 :‬وما بعدها‪ ،‬المفيد‪ /‬الرشاد‪ ،‬الطبري‪ /‬أعلم الورى‪،‬‬
‫الربلي‪ /‬كشف الغمة‪ .‬وانظر‪ :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،90/91 :‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪ ،1/169 :‬ابن‬
‫خلدون‪ /‬لباب المحصل‪ :‬ص ‪ 128‬وغيرها‪].‬‬
‫‪ -4‬القطعية‪:‬‬
‫[مقالت السلميين‪:‬‬ ‫وهو من ألقاب الثني عشرية عند طائفة من أصحاب الفرق‪ ،‬كالشعري‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫‪ ].91-1/90‬والشهرستاني [الملل والنحل‪ ].1/169 :‬والسفراييني [التبصير في الدين‪ ].33 :‬وغيرهم‬
‫الحور العين‪ :‬ص ‪ .].166‬وهم يسمون بالقطعية؛ لنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر الصادق‬
‫[انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ، 89‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل المامة ص ‪،47‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪:‬‬
‫‪ ،1/90‬عبد الجبار الهمداني‪ /‬المغني ج ‪ ،20‬القسم الثاني ص ‪ ،176‬المسعودي‪ /‬مروج الذهب‪ ،].3/221 :‬وهذا ما‬
‫تذهب إليه الثنا عشرية‪.‬‬
‫يقول المسعودي‪" :‬وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي‪ ..‬وهو أبو المهدي‬
‫المنتظر المام الثاني عشر عند القطعية من المامية" [مروج الذهب‪ ،].4/199 :‬ومنهم من يعتبر‬
‫[مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص‬ ‫القطعية فرقة من فرق المامية وليس من ألقاب الثني عشرية‬
‫‪ .20-19‬ولشك أن القطعية هم أسلف الثني عشرية‪ ،‬وسموا بهذا بعد القطع بإمامة موسى‪ ،‬وافترقوا بذلك عن‬
‫السماعيلية‪ ..‬ولكن إذا لحظنا أن الشيعة تختلف بعد موت كل إمام فإن فرقة القطعية قد حل بها هذا النقسام‪..‬‬
‫وانفصل منها فرق لم تعتقد بالثني عشر‪ .‬أي أنه قد صار من فرق القطعية من لم يكن من الثني عشرية‪ ،‬فالقطعية‬
‫أعم من الثني عشرية‪.].‬‬
‫‪ -5‬أصحاب النتظار‪:‬‬
‫يلقب الرازي الثني عشرية بأصحاب النتظار‪ ،‬وذلك لنهم يقولون بأن المام بعد الحسن‬
‫العسكري ولده محمد بن الحسن العسكري وهو غائب وسيحضر‪ ..‬ويقول‪ :‬وهذا المذهب هو‬
‫‪68‬‬
‫الذي عليه إمامية زماننا [اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ :‬ص ‪ .].85-84‬والنتظار للمام مما‬
‫يشترك في القول به جمع من فرق الشيعة على اختلف بينهم في تعيينه‪ ،‬ول يختص به طائفة‬
‫الثني عشرية‪.‬‬
‫‪ -6‬الرافضة‪:‬‬
‫ذهب جمع من العلماء إلى إطلق اسم الرافضة على الثني عشرية كالشعري في المقالت‬
‫[انظر‪ :‬مقالت السلميين‪ ،].1/88 :‬وابن حزم في الفصل [الفصل‪.].158-4/157 :‬‬
‫كما يلحظ أن كتب الثني عشرية تنص على أن هذا اللقب من ألقابها‪ ،‬وقد أورد شيخهم‬
‫المجلسي في كتابه البحار ‪ -‬وهو أحد مراجعهم في الحديث ‪ -‬أربعة أحاديث من أحاديثهم في‬
‫[ذكرها المجلسي في باب سماه‪" :‬باب فضل الرافضة ومدح والتسمية بها"‪ .‬ومن أمثلة ما‬ ‫مدح التسمية بالرافضة‬
‫ذكره في هذا الباب‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قلت لبي جعفر ‪ -‬عليه السلم ‪ :-‬جعلت فداك‪ ،‬اسم سمينا به استحلت به‬
‫ل من عسكر موسى ‪ -‬عليهم‬
‫الولة دماءنا وأموالنا وعذابنا‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قلت‪ :‬الرافضة‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬إن سبعين رج ً‬
‫السلم ‪ -‬فلم يكن في قوم موسى أشد اجتهادا وأشد حبا لهارون منهم‪ ،‬فسماهم قوم موسى الرافضة‪ ،‬فأوحى ال إلى‬
‫موسى أن أثبت لهم هذا السم في التوراة فإني نحلتهم‪ ،‬وذلك اسم قد نحلكموه ال‪.‬‬
‫(البحار‪ ،97-68/96 :‬وانظر أيضا‪ :‬تفسير فرات‪ :‬ص ‪ ،139‬البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،157‬العلمي‪ /‬دائرة‬
‫المعارف‪ ،].)18/200 :‬وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا السم لهم‪ ،‬ولكن في هذه‬
‫الحاديث ما يفيد أن الناس بدأوا يسمونهم بالرافضة من باب الذم ل المدح‪ ،‬ول تجيب هذه‬
‫[هناك رأي‬ ‫المصادر الشيعية عن سبب تسمية الناس لهم بهذا السم على سبيل الذم والسب لهم‬
‫يقول بأن أول من أطلق اسم الرافضة المغيرة بن سعيد‪ ،‬والذي تنسب إليه طائفة المغيرية‪ ،‬وقد قتله خالد القسري سنة‬
‫(‪119‬ه‍) وذلك أنه بعد وفاة محمد الباقر‪ ،‬مال إلى إمامة النفس الزكية (محمد بن عبد ال بن الحسن) وأظهر المقالة‬
‫بذلك فبرئت منه شيعة جعفر بن محمد فسماهم الرافضة‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،77-76‬النوبختي‪ /‬فرقة الشيعة‪ :‬ص ‪ ،63-62‬القاضي عبد الجبار‪ /‬المغني ج‪‍2‬‬
‫‪ 0‬القسم الثاني ص ‪.)179‬‬
‫ويبدو أن مصدر هذا الزعم هو الرافضة‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك الطبري فقال‪" :‬فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم‬
‫رافضة المغيرة حيث فارقوه" (تاريخ الطبري‪ ،)7/181 :‬وقد عد عبد ال فياض الرواية المنسوبة للمغيرة من تسميته‬
‫الشيعة بالرافضة ضعيفة ل تصمد للنقد‪ ،‬إذ لو كان الذي سماهم بذلك هو المغيرة لم يوجب ذلك حنق الشيعة‪،‬‬
‫واستحلل الولة لدمائهم كما تذكره رواية الشيعة (تاريخ المامية‪ :‬ص ‪ .].)75‬ولكن المصادر الخرى تذكر‬
‫أن ذلك لسباب تتعلق بموقفهم من خلفة الشيخين‪ ،‬يقول أبو الحسن الشعري‪" :‬وإنما سموا‬
‫[مقالت السلميين‪ ،1/89 :‬وانظر أيضا في سبب التسمية بالرافضة‪:‬‬ ‫رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر"‬
‫الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪ ،1/155 :‬الرازي‪ /‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪ ،77‬والسفراييني‪ /‬التبصير‬
‫في الدين ص ‪ ،34‬الجيلني‪ /‬الغنية‪ ،1/76 :‬ابن المرتضى‪ /‬المنية والمل ص ‪.].21:‬‬

‫‪69‬‬
‫ونقل شيخ السلم ابن تيمية قول الشعري هذا وعقب عليه بقوله‪" :‬قلت‪ :‬الصحيح أنهم سموا‬
‫رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام‬
‫بن عبد الملك" [منهاج السنة‪ ..].2/130 :‬وهذا الرأي لبن تيمية يعود لرأي الشعري‪ ،‬لنهم ما‬
‫[راجع‪ :‬تاريخ الطبري‪-7/180 :‬‬ ‫رفضوا زيدا إل لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلفتهما‬
‫‪ ،181‬ابن الثير‪ /‬الكامل‪ ،4/246 :‬ابن كثير‪ /‬البداية والنهاية‪ ،330-9/329 :‬ابن العماد الحنبلي‪ /‬شذرات الذهب‪:‬‬
‫‪ ،1/158‬تاريخ ابن خلدون‪ ،].3/99 :‬فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيدا أو لرفضهم مذهبه‬
‫ومقالته مؤداهما‪ -‬في نظري ‪ -‬واحد‪ .‬إل أن شيخ السلم راعى الناحية التاريخية‪ ،‬في‬
‫ملحظته على الشعري‪ ،‬ذلك أن رفض إمامة أبي بكر وعمر قد وجدت عند بعض فرق الشيعة‬
‫كالسبئية ونحوها قبل خلفهم مع زيد‪ ،‬ولكن لم يلحقهم هذا السم (الرافضة) ولم يوجد إل بعدما‬
‫أعلنوا مفارقتهم لزيد لترضيه عن الشيخين وتسمية زيد لهم بالرافضة‪.‬‬
‫[فقيل‪" :‬سموا رافضة"‪ ..‬لتركهم نصرة النفس‬ ‫هذا وهناك أقوال أخرى في سبب تسميتهم بالرافضة‬
‫الزكية (ابن المرتضى‪ /‬المنية والمل‪ :‬ص ‪ ،21‬وانظر هامش رقم ‪ 1‬ص ‪ ،)111‬وقيل‪ :‬لتركهم محبة الصحابة (علي‬
‫القاري‪ /‬شم العوارض في ذم الروافض‪ ،‬الورقة ‪254‬ب (مخطوطة)‪ ،‬وقيل‪ :‬لرفضهم دين السلم (انظر‪ :‬السكوبي‪/‬‬
‫الرد على الشيعة‪ :‬الورقة ‪( 23‬مخطوط)‪ ،‬وانظر‪ :‬محي الدين عبد الحميد‪ /‬هامش مقالت السلميين‪ .].)1/89 :‬على‬
‫[كالبغدادي في الفرق‬ ‫أن هناك من أصحاب الفرق من أطلق اسم الرافضة على عموم فرق الشيعة‬
‫بين الفرق‪ ،‬والسفرايين في التبصير في الدين‪ ،‬والملطي في التنبيه والرد‪ ،‬والسكسكي في البرهان في عقائد أهل‬
‫الديان وغيرهم‪ .‬وانظر الملحظة على ذلك‪ :‬ص (‪.].)117‬‬
‫‪ -7‬الجعفرية‪:‬‬
‫وتسمى الثنا عشرية بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق إمامهم السادس ‪ -‬كما يزعمون ‪-‬‬
‫وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص‪ .‬روى الكشي أن‪ :‬شعية جعفر في الكوفة (أو من‬
‫يدعون التشيع لجعفر) سموا بالجعفرية‪ ،‬وأن هذه التسمية نقلت إلى جعفر فغضب ثم قال‪" :‬إن‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫أصحاب جعفر منكم لقليل‪ ،‬إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه"‬
‫‪.].255‬‬
‫وقد جاء في الكافي ما يدل على أن الناس كانوا يطلقون على من يدعي التشيع لجعفر‬
‫الصادق "جعفري خبيث"‪ ،‬وأن بعض الشيعة اشتكى من ذلك لجعفر فأجابه‪" :‬ما أقل وال من‬
‫يتبع جعفرا منكم‪ ،‬إنما أصحابي من اشتد ورعه‪ ،‬وعمل لخالقه‪ ،‬ورجا ثوابه‪ ،‬فهؤلء أصحابي"‬
‫[أصول الكافي‪ .].2/77 :‬فهذا يدل ‪ -‬إن صحت الرواية ‪ -‬على أن اسم الجعفرية كان شائعاٌ ي زمن‬

‫‪70‬‬
‫جعفر‪ ،‬وأن جعفر ل يرضى عنه الكثيرين منهم‪ ،‬كما يدل على أن لقب الجعفري كان يطلق‬
‫على السماعيلية والثني عشرية‪ ،‬لن الفتراق بين الطائفتين تم بعد وفاة جعفر‪.‬‬
‫وقد أطلق اسم "الجعفرية" على طائفة من الشيعة انقرضت كانت تقول بأن المام بعد الحسن‬
‫العسكري أخوه جعفر [الرازي‪ /‬اعتقادات فرق المسلمين ص‪ ،84 :‬مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].21‬‬
‫[مثل لقب "المتاولة" يطلق في‬ ‫وهناك ألقاب أخرى للثني عشرية تطلق عليهم في بعض البلدان‬
‫العصار الخيرة على شيعة جبل عامل وبلد بعلبك وجبل لبنان وهو جمع متوالي إلى اسم فاعل من توالي‪ ،‬مأخوذ‬
‫من الولء والموالة وهي الحب‪ ،‬لموالتهم‪ -‬فيما يزعمون ‪ -‬أهل البيت وقيل‪ :‬إنهم سموا بذلك لنهم كانوا يقولون في‬
‫حروبهم‪ :‬مت وليا لعلي فسمي الواحد منهم متواليا لذلك‪.‬‬
‫انظر‪ :‬حاضر العالم السلمي‪ ،194-1/193 :‬أعيان الشيعة‪. 1/22 :‬‬
‫ومثل لقاب "قزلباش" وهو لفظ تركي معناه ذو الرأس الحمر‪ ...‬والن اسم قزلباش ي بلد إيران مشهور‪ ،‬وفي بلد‬
‫الهند والروم والشام يسمون كل شيعي قزلباش‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أعيان الشيعة ‪ . 24-1/23‬وسيأتي في فرق الثني عشرية أن القزلباشية من فرق الثني عشرية‪.].‬‬
‫الخاصة‪:‬‬
‫وهو لقب يطلقه شيوخ الشيعة على طائفتهم‪ ،‬ويلقبون أهل السنة والجماعة بالعامة‪.‬‬
‫جاء في دائرة المعارف الشيعية ما نصه‪" :‬الخاصة في اصطلح بعض أهل الدارية‪ :‬المامية‬
‫الثنا عشرية‪ ،‬والعامة‪ :‬أهل السنة والجماعة" [دائرة المعارف‪.].17/122 :‬‬
‫ويجري كثيرا استعمال هذا اللقب في رواياتهم للحاديث‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا عن طريق العامة‪،‬‬
‫ل ‪ -‬غاية المرام لهاشم البحراني‪ ،‬ومن رواياتهم‪" :‬ما خالف العامة ففيه‬
‫[انظر ‪ -‬مث ً‬ ‫وهذا عن طريق الخاصة‬
‫الرشاد" انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/68 :‬وسائل الشيعة‪.].18/76 :‬‬
‫فرق الثني عشرية‪:‬‬
‫الثنا عشرية امتدا للشيعة المامية (بمعناها العام) وفصيلة من فضائلها‪ ..‬بل فرقة واحدة من‬
‫[انظر القمي‪ /‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪120‬‬ ‫خمس عشرة فرقة انقسمت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري‬
‫وما بعدها‪ ].‬سنة (‪260‬ه‍) ومع ذلك فقد انبثق من الثني عشرية فرق كثيرة‪.‬‬
‫يقول الستاذ محمود الملح وهو من المعنيين بتتبع هذه الفرقة‪" :‬وفي عصرنا هذا نجد الثني‬
‫عشرية منقسمة إلى‪:‬‬
‫‪ -‬أصولية [سيأتي التعريف بهما‪.].‬‬
‫‪ -‬وأخبارية [سيأتي التعريف بهما‪.].‬‬
‫[الشيخية‪ :‬وقد ياقل لها‪ :‬الحمدية‪ ،‬هم أتباع الشيخ أحمد الحسائي (المولود سنة ‪1166‬ه‍‪،‬‬ ‫‪7-‬وشيخية‬
‫والمتوفى سنة ‪1241‬ه‍)‪ .‬وهو من شيوخ الثني عشرية‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وقد قال اللوسي ‪ -‬رحمه ال ‪( -‬عن الحسائي وأتباعه)‪" :‬ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في أمير المؤمنين علي‬
‫على نحو ما يعتقده الفلسفة في العقل الول" كما نسب إليه القول بالحلول‪ ،‬وتأليه الئمة‪ ،‬وإنكار المعاد الجسماني‪،‬‬
‫وأن من أصول الدين العتقاد بالرجل الكامل وهو المتمثل في شخصه‪ ،‬وقد اختلف الشيعة الثنا عشرية في شأنه بين‬
‫مادح كالخوانساري في روضات الجنات‪ ،1/94 :‬وقادح مثل محمد ممهدي القزويني في كتابه‪ :‬ظهور الحقيقة على‬
‫فرقة الشيخية‪ ،‬ومتوقف مثل علي البلدي في أنوار البدرين ص ‪ ،408‬ومنهم من زعم التوسط في شأنه فقال‪:‬‬
‫"‪..‬اختلف الناس فيه بين من يقول بركنيته وبين من يقول بكفره‪ ،‬والتوسط خير المور‪ ،‬والحق أنه من أكابر علماء‬
‫المامية" ‪ -‬ثم امتدحه بجملة كلمات ‪ -‬إلى أن قال‪" :‬نعم له كلمات في مؤلفاته بجملة – كذا ‪ -‬متشابهة ل يجوز من‬
‫أجلها التهجم والجرأة على تفكيره"‪( .‬محمد حسين آل كاشف الغطا‪( /‬حاشية) المصدر السابق ص ‪ .)409-408‬وهذا‬
‫الختلف قد يدل على أن الكثير من النثي عشرية تهون عندهم عظائم هذا الرجل وضللته‪( ..‬انظر في مذهب‬
‫الشيخية‪ :‬اللوسي‪ /‬نهج السلمة‪ :‬ص ‪(19-18‬مخطوط)‪ ،‬مختصر التحفة‪ :‬ص ‪ ،22‬العلمي الحائري‪ /‬مقتبس الثر‪:‬‬
‫‪ ،20/136‬محمد حسن آل الطلقاني‪ /‬الشيخية نشأتها وتطورها‪ ،‬مجلة العرفان مجلد ‪ 33‬ص ‪ ،199‬أعيان الشيعة‪:‬‬
‫‪ ،8/390‬محسن عبد الحميد‪ /‬حقيقة البابية والبهائية ص ‪ ،36:‬مصطفى عمران‪ /‬تهافت البابية والبهائية ص ‪ ،34‬جولد‬
‫تسيهر‪ /‬العقيدة والشريعة‪ :‬ص ‪ ،270‬مبارك إسماعيل‪ /‬التيارات الفكرية ص ‪.].110‬‬
‫[الكشفية‪ :‬هم أصحاب كاظم بن قاسم الرشتي (المتوفى سنة ‪1259‬ه‍) تلميذ الحسائي (مؤسس‬ ‫‪ -‬وكشفية‬
‫الشيخية) والقائم مقامه من بعده‪ ،‬والخذ بنهجه مع زيادة في الغلو والتطرف‪ ،‬وسيمت بالكشفية لما ينسب إلى زعيمها‬
‫من الكشف واللهام‪ .‬يقول الشيخ اللوسي عن الكشفية‪ :‬الكشفية لقب لقبهم به بعض وزراء الزوراء (علي رضا باشا)‬
‫أعلى ال درجته‪ ،‬وهم أصحاب السيد كاظم الحسيني الرشتي وهو تلميذ الحسائي وخريجه‪ ،‬لكن خالفه في بعض‬
‫المسائل‪ ،‬وكلماته ترشح بما هو أدهى وأمر مما ترشح به كلمات شيخه‪ ،‬حتى إن الثني عشرية يعدونه من الغلة وهو‬
‫يبرأ مما تشعر به ظواهر كلماته‪ ،‬وقد عاشرته كثيرا فلم أدرك منه ما يقول فيه مكفروه من علماء الثني عشرية‪ ،‬نعم‬
‫عنده على التحقيق غير ما عندهم في الئمة وغيرهم مما يتعلق بالمبدأ والمعاد‪ ..‬ول أظن مخالفاته لشيخه تجعله‬
‫وأصحابه القائلين بقوله فرقة غير الشيخية (نهج السلمة ص ‪ ،)19‬ومنهم من اعتبره فرقة مستقلة لتصريحه بذلك في‬
‫قوله في كتابه دليل الحيران ص ‪" :136‬هذا مسلك لم يسبقني إليه أحد قبلي" (انظر‪ :‬آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين ص ‪)34‬‬
‫ولذلك يعتبره محمد حسين آل كاشف الغطا هو الذي خرج عن الجادة القويمة‪ ،‬وزاغ زيغا عظيما‪ ،‬وأنه أدخل على‬
‫الشيعة المامية أشد فتنة وأعظم بلية‪ ،‬ومنه وأتباعه نشأت بلية البابية بخلف شيخه الحسائي‪( :‬محمد حسين آل‬
‫كاشف الغطا‪ /‬حاشية علي أنوار البدرين ص ‪ ،409-408‬وانظر في الكشفية أيضا‪ :‬مصطفى عمران‪ /‬تهافت البابية‬
‫ص ‪ ،39 -37‬آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ ،‬وفيه بحث مطول عن الكشفية من كتب زعيمها وتلمذته ص ‪ 24‬وما بعدها‪،‬‬
‫عبد الرزاق الحسين ‪ /‬البابيون والبهائيون ص ‪.].)10‬‬
‫[الركنية‪ :‬أتباع مرزا محمد كريم بن إبراهيم خان الكرماني‪ ،‬من تلمذه الرشتي وعلى مذهبه‪ ،‬سميت‬ ‫‪ -‬وركنية‬
‫بذلك؛ لقولها بالركن والشيعي الكامل‪ ،‬واعتباره من أصول الدين والمتمثل في شخص زعيمهم‪( .‬انظر‪ :‬آل طعمة‪/‬‬
‫مدينة الحسين ص ‪.)56‬‬
‫ومنهم من يعتبر الركنية والكشفية من ألقاب الشيخية والجميع فرقة واحدة‪( .‬انظر‪ :‬مجلة العرفان مجلد ‪ 33‬ص‬
‫‪ ،199‬محمد آل الطلقاني‪ /‬الشيخية ص ‪.].)274‬‬

‫‪72‬‬
‫[كريمخانية‪ :‬هم أتباع محمد الفجري الكرماني كريمخان‪ ،‬وهو على مذهب الشيخية ولذلك قال‬ ‫‪ -‬وكريمخانية‬
‫فيه الحائري‪" :‬رئيس الطائفة الشيخية"‪( .‬متقبس الثر‪.].)275-24/274 :‬‬
‫[القزلباشية‪ :‬هم صوفية متشيعة من أتباع الصفويين‪ ،‬ولفظ القزلباش معناه الرؤوس الحمر‪ ،‬لتغطية‬ ‫‪ -‬وقزلباشية‬
‫رؤوسهم بشعار أحمر‪ ،‬وهو عبارة عن قنلسوة يلبسونها كشعار لهم وقد وصفها بعضهم بقوله‪" :‬لقد أمر حيدر ابن جنيد‬
‫الصفوي أتباعه بأن ترتفع من وسط عمامتهم‪ ،‬ذات الكوار العديدة قطعة مدببة على هيئة الهرم مقسمة من قمتها إلى‬
‫إطرافها إلى اثنتي عشرة شقة تذكر بعلي وأبنائه الثني عشر‪ ،‬ومن هنا سمي الصوفية من أتباع الصفويين بالقزلباش‬
‫ل بهذا الشعار الثني عشري الحمر"‪ .‬وقد زعم محسن المين أن القزلباش لقب للثني عشرية في بعض البلدان‬
‫اتصا ً‬
‫‪ -‬كما مر‪ -‬ولعله أراد التستر على كثرة فرق طائفته وانقساماتها كعادته‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬مصطفى الشيبي‪ /‬الفكر الشيعي‪ :‬ص ‪ ،406-405‬أعيان الشيعة‪.].)24 ،1/23 :‬‬
‫وكلها داخلة في المجموعة الثني عشرية وأصولها مبثوثة في كتب الثني عشرية‪ ،‬وهي بعد‬
‫هذا يكفر بعضها بعضا" [الراء الصريحة‪ :‬ص ‪.].81‬‬
‫وزاد بعض الباحثين من الشيعة [آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص ‪ ].56-55‬أسماء أخرى هي‪ :‬القرتية‬
‫[القرتية‪ :‬أصحاب امرأة اسمها هند‪ ،‬وكنيتها أم سلمة‪ ،‬ولقبها قرة العين‪ ،‬لقبها بذلك كاظم الرشتي في مراسلته إذ‬
‫كانت من أصحابه‪ ،‬وهي ممن قلدت الباب بعد موت الرشتي ثم خالفته في عدة أشياء منها‪ :‬التكاليف‪ ،‬فقيل‪ :‬إنها كانت‬
‫تقول بحل الفروج ورفع التكاليف بالكلية‪ .‬قال اللوسي (أبو الثنا)‪ :‬وأنا لم أحس منها بشيء من ذلك مع أنها حبست‬
‫في بيتي نحو شهرين‪ ..‬والذي تحقق عندي أن البابية والقرتية طائفة تعتقد في الئمة نحو اعتقاد الكشفية فيهم‪،‬‬
‫ويزعمون انتهاء التكليف بالصلوات الخمس وأن الوحي غير منقطع‪( .‬نهج السلمة‪ :‬ص ‪ ،21‬وانظر عن القرتية‪ :‬آل‬
‫طعمة‪ /‬مدينة الحسين ص ‪ ،239 ،56‬وما بعدها‪ ،‬وغالب الكتب التي ألفت في البابية تحدثت عن هذه المرأة وأتباعها‬
‫[البابية‪ :‬أتباع الباب ميرزا علي محمد الشيرازي (‪-1235‬‬ ‫(انظر مراجع هامش (‪ )4‬من هذه الصفحة)‪ ،].‬البابية‬
‫‪1265‬ه‍) وهو من المامية الثني عشرية‪ ،‬ادعى أنه الباب للمام الذي ينتظرونه‪ ،‬وأنه وحده الناطق عنه‪ ،‬ثم ادعى‬
‫أنه هو إمامهم الغائب‪ ،‬ثم زعم أن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬قد حل فيه‪ ،‬وله ضروب من الكفر والضلل‪( .‬انظر في مذهب‬
‫البابية‪ :‬محسن عبد الحميد‪ /‬حقيقة البابية والبهائية‪ ،‬مصطفى عمران‪ /‬تهافت البابية والبهائية‪ ،‬محمود الملح‪ /‬البابية‬
‫[الكوهرية‪ :‬هم أتباع الخوند مل حسن كوهر المروجون‬ ‫والبهائية‪ ،‬إحسان إلهي ظهير‪ /‬البابية)‪ ،].‬والكوهرية‬
‫لنحلته في كربلء حتى اليوم (آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص ‪ )55‬وكان للكشفية أثر بليغ في ظهورها (المصدر السابق‬
‫ص ‪ )239‬يؤلهون الئمة ويقولون بنفي العقاب عن مرتكب المعاصي (انظر‪ :‬المصدر السابق ص ‪.].)54-53‬‬
‫[النوربخشية‪ :‬نسبة إلى محمد نوربخش القوهستاني يكنى بأبي القاسم‬ ‫وزاد بعضهم أيضا النوربخشية‬
‫(المولود سنة ‪795‬ه‍‪ ،‬والمتوفى سنة ‪869‬ه‍) يدعي الثنا عشرية أنها فرقة من فرقهم‪ ،‬وهي توجد في وديان همليا‪،‬‬
‫وكوهستان بلتستان المتصلة بتبت الصينية‪ ،‬وقد ادعى المهدية لنفسه‪ ،‬وطبق الحاديث الواردة عن طريق أهل السنة‬
‫في اسم المهدي وكنيته على شخصه‪ ،‬وأنكر مهدي الشيعة وانفصل عنها‪ ،‬وبهذا رأى بعضهم أنه ليس من فرق الثني‬
‫عشرية‪ ،‬بل هو من الصوفية أصحاب وحدة الوجود‪( .‬إحسان إلهي ظهير‪ /‬الشيعة ص‪.)316 :‬‬

‫‪73‬‬
‫ولكن ل يمنع هذا أن يكون من الثني عشرية في الصل وادعى دعوى المهدية‪ ،‬وأخذ بروايات أهل السنة لنطباقها‬
‫عليه‪ ،‬لنه كان يقول بالئمة الثني عشر‪ ،‬ولهذا اكتفى في يوم بيعته بالمهدية بقبول اثني عشر تيمنا بعدد الئمة‬
‫(الشيبي‪ /‬الفكر الشيعي‪ :‬ص ‪.)332‬‬
‫كما زار ‪ -‬عندما قدم العراق ‪ -‬العتبات الشيعية المقدسة (المصدر السابق ص ‪ .)333‬أما المنزع الصوفي فإن الصلة‬
‫بين التصوف والتشيع قائمة ووثيقة‪.‬‬
‫(انظر في مذهب هذه الطائفة‪ :‬الشيعة والتشيع‪ :‬ص ‪ ،314‬مصطفى الشيبي‪ /‬الشيعي‪ :‬ص ‪ 328‬وما بعدها)‪ ،].‬ثم‬
‫[أبو الثناء اللوسي‪ /‬نهج‬ ‫إنه كما يقول اللوسي‪" :‬ول يبعد أن تظهر فرق أخرى من المامية بعد"‬
‫السلمة‪ :‬ص ‪ .].22‬نسأل ال تعالى العافية‪.‬‬
‫ومن خلل تتبعي لنصوص الثني عشرية التي تنسبها للئمة وترويها في كتبها المعتمدة‬
‫وجدت أنها تحمل في ثناياها بذور نحل مختلفة وأهواء متباينة‪ ..‬يجد فيها كل صاحب هوى‬
‫وغلو وبدعة‪ ،‬بغيته ومرامه‪ ...‬فهي قد اتسعت بحكم معتقد التقية‪ ،‬وكثرة الكذب والفتراء على‬
‫الئمة‪ ،‬وانضواء الملحدين والمتآمرين في صفوفهم‪ ،‬وعجز شيوخ الشيعة عن تنقية المذهب مما‬
‫علق به من كيد الملحدين عبر القرون‪ ،‬وفقدان الموازين الصحيحة الثابتة لتمحيص الروايات‬
‫وتحقيقها‪ ،‬اتسعت بسبب ذلك وغيره لحتواء تلك البذور السامة وذلك الركام الهائل من الخبار‬
‫المظلمة‪.‬‬
‫أما الحديث المفصل عن كل فرقة بذاتها فهذا موضوع يطول الحديث فيه‪ ،‬وقد ل يدخل في‬
‫صل الموضوع الرئيسي لبحثنا والمعني بدارسة أصولهم ل نشأة فرقهم‪ ،‬وأخبار أصحابها‬
‫وأقوالها وآرائهم‪ .‬ولعلنا نكتفي بالحديث عن افتراق الشيعة إلى أصولية وأخبارية؛ لن‬
‫الصولية هي أساس المذهب الثني عشري‪ ،‬وتمثل الكثرية‪ ،‬ويقابلها الخبارية‪ ،‬وإن كانت أقل‬
‫منها‪ ،‬أما ما سواها من فرق فهي ليست بذلك الحجم الذي تمثله الصولية‪ ..‬ولذلك اكتفينا‬
‫بالتعريف الموجز عنها في الهوامش السابقة‪.‬‬
‫كما أن الخلف الصولي الخباري يمثل خلفا في بنية المذهب الثني عشري‪ ،‬فهو خلف‬
‫بين رجال الشيعة الذين جمعوا تراث المذهب الثني عشري؛ فتجد الحر العاملي صاحب وسائل‬
‫الشيعة‪ ،‬والكاشاني صاحب الوافي‪ ،‬والنوري الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل كلهم أخبارية‬
‫مع أنهم مصنفو مصادرهم المعتمدة في الرواية عندهم‪ .‬بل يعتبرون ابن بابويه صاحب "من ل‬
‫[انظر‪ :‬الصوليون والخباريون‬ ‫يحضره الفقيه" أحد مصادرهم الربعة المتقدمة هو رئيس الخباريين‬
‫فرقة واحدة‪ :‬ص ‪ ،4‬كما أنك تلحظ أن من شيوخ الخبارية من ظهر واشتهر عندهم كمحمد حسين آل كائف الغطا‬
‫صاحب أصل الشيعة وأصولها‪ ،‬وأيضا تلحظ كثرة الخبارين في بعض الجهات مثل البحرين‪ ..‬كما أن من كبار‬
‫شيوخ الطائفة الصولية الذين يمثلون الكثرة الغالبة‪ ..‬محسن الحكيم‪ ،‬وشريعت مداري‪ ،‬والخوئي‪ ،‬والخميني‬

‫‪74‬‬
‫وغيرهم‪ ،].‬ويقابلهم الطوسي صاحب الستبصار والتهذيب‪ ،‬والمرتضى المنسوب له (أو لخيه)‬
‫نهج البلغة وغيرهما وهما من الصوليين‪..‬‬
‫فإذن الخلف بين الصوليين والخباريين هو خلف بين أركان المذهب ومشيدي بنائه‪،‬‬
‫فلنتوقف للتعريف بهاتين الفرقتين‪:‬‬
‫فالخباريون يمنعون الجتهاد‪ ،‬ويعملون بأخبارهم‪ ،‬ويرون أن ما في كتب الخبار الربعة‬
‫[وهي‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ ،‬وسيأتي الحديث عنها في فصل "السنة"‬ ‫عند الشيعة‬
‫عند الثني عشرية‪ ].‬كلها صحيحة قطعية الصدور عن الئمة‪ ،‬ويقتصرون على الكتاب والخبر‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬العقل عند الشيعة‬ ‫ولذلك عرفوا بالخبارية نسبة إلى الخبار وينكرون الجماع (ودليل العقل)‬
‫المامية‪ ،‬رشدي عليان‪ ،].‬ول يرون حاجة إلى تعلم أصول الفقه‪ ،‬ول يرون صحته‪ ،‬ويقابلهم‬
‫الصوليون أو المجتهدون‪ ،‬وهم القائلون بالجتهاد‪ ،‬وبأن أدلة الحكام الكتاب والسنة والجماع‬
‫[انظر‪ :‬حسن المين‪/‬‬ ‫وليل العقل‪ ،‬ول يحكمون بصحة كل ما في الكتب الربعة‪ ..‬ويمثلون الكثرية‬
‫دائرة المعارف‪ :‬ص ‪ ،107‬عز الدين‪ /‬بحر العلوم‪ /‬التقليد في الشريعة‪ :‬ص ‪ ،92‬فرج العمران‪ /‬الصوليون‬
‫والخباريون فرقة واحدة‪ :‬ص ‪.].19‬‬
‫لكن شيخهم النصاري يكشف ‪ -‬حسب ما ينقله عن محققهم غلم رضا القمي ‪ -‬أن‬
‫الخباريين ل يعتمدون في الدلة الشرعية إل على أخبار الشيعة فقط‪ ،‬ويقبلونها على علتها بل‬
‫تفريق بين صحيحها وسقيمها‪ .‬يقول ما نصه‪" :‬ويعجبني في بيان وجه تسمية هذه الفرقة‬
‫(الخباريين) المرموقة بالخبارية وهو أحد أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬كونهم عاملين بتمام القسام من الخبار من الصحيح والحسن والموثق والضعيف‬
‫[سيأتي إيضاح لهذه المصطلحات في فصل "قولهم في السنة"‪ ].‬من غير أنها يفرقوا بينها في مقام العمل في‬
‫قبال المجتهدين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم لما أنكروا الدلة الثلثة بما فيها القرآن الكريم وخصوا الدليل بالواحد منها‪،‬‬
‫[القلئد على الفرائد‪ ،‬حاشية على رسائل الشيخ النصاري‪،‬‬ ‫أعني الخبار فلذلك سموا بالسم المذكور"‬
‫مبحث حجة القطع‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التقليد في الشريعة السلمية‪ :‬ص ‪.].93‬‬
‫فهم هنا استجابوا لساطيرهم التي تقول بنقص القرآن فأعرضوا عن كتاب ال في مقام‬
‫الحتجاج‪ ،‬واعتمدوا على تلك الساطير‪ ،‬فهم بهذا أخرجوا أنفسهم عن دائرة السلم‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فإن جملة من شيوخ الشيعة تدعي مع هذا الكفر البواح الذي أعلنته طائفة الخبارية أن الخلف‬

‫‪75‬‬
‫بين الصولين والخبارين "يتقصر على بعض الوجوه البسيطة ككل خلف يحدث بين أبناء‬
‫الطائفة الواحدة تبعا لختلف الرأي والنظر" [التقليد‪ :‬ص ‪ ،92‬وانظر‪ :‬البحراني‪ /‬الحدائق ‪.].170-1/169‬‬
‫وقال صاحب "الصوليون والخباريون فرقة واحدة"‪" :‬إني بحسب تتبعي وفحصي كتب‬
‫الصوليين والخباريين لم أجد فرقا بين هاتين الطائفتين إل في بعض المور الجزئية التي ل‬
‫توجب تشنيعا ول قدحا" [فرج العمران‪ /‬الصوليون والخباريون فرقة واحدة ص‪.].3-2 :‬‬
‫فهل هم إذن وجهان لعملة واحدة؟!‬
‫ولقد حاول بعض الشيعة المعاصرين أن يخفف من وقع الكلمة السابقة حول عملهم بالخبار‬
‫[عز الدين‪ /‬التقليد‪ :‬ص‬ ‫وردهم للقرآن‪ ،‬فقال‪" :‬كيف ينكر الخباريون وهم المسلمين دليلية الكتاب"‬
‫‪ ،].93‬ثم التمس لذلك مخرجا بما ذكره شيخهم الستراباذي من "أن القرآن ورد على وجه‬
‫التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية" [الفوائد المدنية‪ :‬ص ‪ ،48-47‬التقليد ص ‪ ،94‬الحدائق‪ ..].1/169 :‬فل‬
‫يجوز فهمه والعمل به إل بمقتضى أخبارهم [الفوائد المدنية‪ :‬ص ‪ ،48-47‬التقليد ص ‪،94‬‬
‫الحدائق‪ .].1/169 :‬فكأن نهاية القولين واحدة‪ ،‬لن أخبارهم قد حرفت معاني القرآن‪ ،‬وصرفتها‬
‫عن مدلولها ‪ -‬كما سيأتي – ول سيما وهذه الطائفة ل تفرق بين صحيح الخبار وباطلها‪.‬‬
‫أما بداية افتراق الثني عشرية إلى‪ :‬أصولية‪ ،‬وأخبارية فيذكر البحراني أن شيخهم "محمد‬
‫أمين الستراباذي" (المتوفى سنة ‪1033‬ه‍) "هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين‪ ،‬وتقسيم‬
‫الفرقة‪ ..‬إلى أخباري ومجتهد" [لؤلؤة البحرين‪ :‬ص ‪ .].117‬ومنهم من يذكر أنه أقدم من ذلك وأن‬
‫الستراباذي هو الذي جدده [انظر‪ :‬الصوليون والخباريون فرقة واحدة‪ :‬ص ‪.].4‬‬
‫هذا وقد جرى بين هاتين الفرقتين ردود ومنازعات وتكفير وتشنيع حتى إن بعضهم يفتي‬
‫بتحريم الصلة خلف البعض الخر [انظر‪ :‬محمد جواد مغنية‪ /‬مع علماء النجف‪ :‬ص ‪ ،].74‬وكان من‬
‫شيوخ طائفة الخبارية من ل يلمس مؤلفات الصوليين بيده تحاشيا من نجاستها‪ ،‬وإنما يقبضها‬
‫من وراء ملبسه [محمد آل الطلقاني‪ /‬الشيخة‪ :‬ص ‪.].9‬‬
‫[انظر‪ :‬لؤلؤة‬ ‫وقد كفر الستراباذي (الخباري) بعض الصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين‬
‫البحرين‪ /‬للبحراني‪ :‬ص ‪ - ].118‬على حد تعبيره ‪ -‬كما نسب الكاشاني (الخباري) صاحب الوافي‬
‫[انظر‪ :‬لؤلؤة البحرين‪ /‬للبحراني‪ :‬ص‬ ‫‪ -‬إلى أحد مصادرهم الثمانية ‪ -‬جمعا من علمائهم إلى الكفر‬
‫‪ ،].121‬ورد عليه بعضهم بأن له من المقالت التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلسفة ما‬
‫يوجب الكفر كقوله بوحدة الوجود [وهو البحراني‪ /‬انظر لؤلؤة البحرين‪ :‬ص ‪ ..].121‬وهكذا يكفر‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫بعضهم بعضا كما كان أسلفهم من قبل‪ ،‬كما صورته جملة من رواياتهم ‪ -‬كما سيأتي‬
‫مبحث الغيبة من هذه الرسالة‪ - ].‬مع أن الطائفتين كلهما من الثني عشرية‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫أما عناصر الخلف بين الفريقين فقد ألف في شأنها شيخهم جعفر كاشف الغطا كتابا بعنوان‪:‬‬
‫[طبع في طهران عام ‪1316‬ه‍‪ ،‬انظر‪ :‬الذريعة‬ ‫"الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الخبارين"‬
‫من ‪ ].38-7/37‬أنهى فيه عناصر الخلف إلى ثمانين‪ ،‬بينما نرى شيخهم البحراني يحاول أن يقلل‬
‫[انظر‪ :‬عز الدين بحر العلوم‪ /‬التقليد‪ :‬ص ‪].95‬‬ ‫من مسائل الخلف بينهما فيهبط بها ليقصرها على ثمان‬
‫أو أقل [لني رجعت إليها في الحدائق فلم أجده أثبت أكثر من أربعة فروق‪ ،‬وانظر الحدائق‪1/167 :‬وما بعدها‪].‬؛‬
‫لنه يرى أن هذا الخلف يؤدي إلى القدح في شيوخ الطرفين وفتح باب الطعن والتشنيع على‬
‫[انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪-17/453 :‬‬ ‫الشيعة [الحدائق‪ .].1/167 :‬ومن بعده محسن المين الذي جعلها خمسا‬
‫[وهو شخيهم عبد ال بن صالح البحراني في كتابه منية‬ ‫‪ ،].458‬وصنف ثالث توسط فجعلها ثلثا وأربعين‬
‫[وهو شيخهم عدبال السماهيجي (انظر‪ :‬روضات الجنات‪].)1/36 :‬‬ ‫الممارسين‪ ،‬انظر‪ :‬الحدائق ‪ ].1/167‬أو أربعين‬
‫أو تسعا وعشرين [وهو‪ :‬الخوانساري‪ .‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ 1/36‬وما بعدها‪.].‬‬
‫والتقليل من الخلف يعود إلى أنهم يرجعون بعض المسائل إلى بعض‪ ،‬أو يحكمون بأن المر‬
‫فيه خلف عند هؤلء وهؤلء‪ ،‬فل يعتبر حينئذ خلفا بين طرفين‪ ،‬أو أن الخلف ليس بخلف‬
‫حقيقي كخلفهم حول الجماع الذي يثبته الصوليون وينكره الخباريون‪ ،‬ولكن شيخهم‬
‫البحراني يعتبر هذا ليس بخلف ثابت؛ لن الجماع وإن ذكره المجتهدون (الصوليون) في‬
‫المكتب الصولية وعدوه في جملة الدلة‪ ..‬إل أنك تراهم في مقام التحقيق في الكتب الستدللية‬
‫يناقشون في ثبوته وحصوله وينازعون في تحققه ووجود مدلوله حتى يضمحل أثره بالكلية‬
‫[الحدائق‪.].1/168 :‬‬
‫[انظر هذه المسائل في‪ :‬مقتبس الثر للحائري‪ 3/296 :‬وما‬ ‫وليس الغرض هنا بسط مسائل الخلف بينهم‬
‫بعدها‪ ،‬الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ ،1/36 :‬البحراني‪ /‬الحدائق‪ 1/167 :‬وما بعدها‪ ،‬الكشكول‪ ،389-2/386 :‬محمد‬
‫صادق بحر العلوم‪ /‬دليل القضاء الشرعي أصوله وفروعه‪ ،26-3/22 :‬محسن المين‪ /‬أعيان الشيعة‪،458-17/453 :‬‬
‫عز الدين بحر العلوم‪ /‬التقليد ص‪ 95 :‬وما بعدها‪ ،‬الغريفي‪ /‬الجتهاد والفتوى‪ :‬ص ‪.99‬‬
‫هذا وقد ذكر بعضهم بأن أهم النقاط التي جرى فيها الخلف هي أربع‪ ،‬إحداها‪ :‬تنويع الحديث إلى صحيح‪ ،‬وحسن‪،‬‬
‫وموثق‪ ،‬وضعيف‪ ،‬حيث قرره الصوليون ومنعه الخباريون‪ ،‬والثانية‪ :‬مسألة التقليد فالصوليون ل يجوزون تقليد‬
‫الميت‪ ،‬ولكن الخباريين يجوزونه‪ ،‬وثالثها‪ ،‬ورابعها‪ :‬الجماع والعقل حيث قال الصوليون بالحتجاج بهما بعد‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ومنع ممن ذلك الخباريون (انظر‪ :‬الغريفي‪ /‬الجتهاد والفتوى‪ :‬ص ‪ ].)99‬وإنما الشارة إلى‬
‫انقسام الشيعة على نفسها إلى حزبين متعاديين متنازعين في أصول الستدلل وغيرها‪ ،‬وإن‬
‫حاول بعضهم أن يخفف من هذا‪ ..‬وهنا أشير إلى أن الخلف الذي وقع بين هاتين الفرقتين من‬
‫الثني عشرية قد كشف أمورا كثيرة من حقائق المذهب بحكم ارتفاع التقية في صولة النزاع‪،‬‬
‫وما كانت لتبين لو لم يكن هذا الخلف‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫[وقد استفدت‬ ‫وإن دراسة واعية متأنية للخلف بين الطرفين لتكشف الكثير من أسرار المذهب‬
‫مما جرى من خلف بينهما في فصل‪ :‬قولهم في السنة‪ ،‬وفصل الجماع‪.].‬‬

‫الباب الول‬
‫اعتقادهم في مصادر السلم‬
‫وفيه ثلثة فصول‪:‬‬
‫وثلثة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬عقيدتهم في كتاب ال‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عقيدتهم في السنة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬عقيدتهم في الجماع‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫اعتقادهم في القرآن الكريم‬
‫في هذا الفصل نتناول ‪ -‬بمشيئة ال ‪ -‬أقوال الشيعة التي تبين اعتقادهم في كتاب ال سبحانه‪،‬‬
‫فنعرض ‪ -‬أولً ‪ -‬لمذهبهم في حجية القرآن وخروجهم في هذا المر عما أجمع عليه‬
‫المسلمون‪ ،‬وذلك بقولهم‪ :‬إن القرآن ليس بحجة إل بقيم (هو أحد الثني عشر)‪ ،‬وكذا قولهم‪ :‬إن‬
‫علم القرآن عند الئمة‪ ،‬وقد اختصوا بمعرفته ل يشركهم فيه أحد‪ ،‬وكذا زعمهم بأن قول المام‬
‫يخصص عام القرآن‪ ،‬ويقيد مطلقه‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫ثم نعرض ‪ -‬ثانيا ‪ -‬لعقيدتهم في تأويل القرآن‪ ،‬ونتناول فيه قولهم‪ :‬بأن للقرآن معاني باطنة‬
‫ل يعرفها إل الئمة‪ ،‬وقولهم الخر‪ :‬بأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم‪.‬‬
‫ثم نتناول ‪ -‬ثالثا ‪ -‬عقيدتهم في نص القرآن وندرس هل الشيعة تقول بنقص القرآن وتغييره؟‬
‫هذا والشيعة تقول بأن القرآن مخلوق‪ ،‬حيث اقتفت أثر المعتزلة في ذلك‪ ،‬وسنتناول هذه‬
‫المسألة في فصل عقيدتهم في السماء والصفات ‪ -‬إن شاء ال‪.-‬‬
‫كما أن للشيعة دعوى شائعة في كتبها‪ ،‬ولم أر من خصها بدراسة‪ ،‬أو إشارة‪ ،‬وهي دعواهم‬
‫تنزّل كتب إلهية على الئمة‪ ،‬وقد خفيت هذه المسألة حتى رأيت من الباحثين من خلط بينها‬
‫وبين ما ينسب للشيعة من قولهم بتحريف القرآن كجولد سيهر‪ ،‬ومحب الدين الخطيب‪ ،‬وإحسان‬
‫إلهي ظهير‪.‬‬
‫وكذلك تدعي الشيعة بأن عند أئمتها جميع الكتب التي نزلت على النبياء‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫وسنعرض لهذه المسألة والتي قبلها في مبحث «اليمان بالكتب» والذي هو أحد أركان‬
‫اليمان‪ .‬وإنما أشرت إليها هنا حتى يتسنى تصور عقائدهم المتعلقة بكتاب ال في مكان واحد‪،‬‬
‫وقد أرجأت الحديث على المسائل الثلث للموضعين المذكورين‪ ،‬لنهما بهما أولى ‪ -‬فيما يظهر‬
‫‪.-‬‬
‫هذا وعقائد الشيعة الثني عشرية في كتاب ال بهذه الصورة لم تنل العناية ممن تناول مسألة‬
‫الشيعة ‪ -‬حسب اطلعي ‪ -‬وقد أكثر المعاصرون من الحديث عن مسألة واحدة وهي ما يقال‬
‫عن الشيعة من قولهم بنقص القرآن وتغييره‪.‬‬
‫وسنرى أيضا أن هذه القضية لم تسلم من الخلط والتعميم انسياقا وراء ما قاله غلة الشيعة‬
‫في هذه المسألة؛ وال المستعان‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫اعتقادهم في حجية القرآن‬
‫سنقسم هذا المبحث إلى مسائل ثلث‪ :‬الولى‪ :‬قولهم‪ :‬إن القرآن ليس بحجة إل بقيم‪ ،‬والثانية‬
‫‪ :‬حصر علم القرآن ومعرفته بالئمة‪ ،‬والثالثة‪ :‬زعمهم بأن قول المام يخصص عام القرآن‪،‬‬
‫ويقيد مطلقه‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إل بقيم‪:‬‬
‫أثناء مطالعتي في كتب الشيعة رأيت هذه المسألة يؤكد عليها في أكثر من كتاب من كتبهم‬
‫المعتمدة عندهم‪ ،‬وما كان يخطر بالبال أن تذهب طائفة من الطوائف التي تزعم لنفسها السلم‬
‫إلى القول‪" :‬بأن القرآن ليس حجة" وال يقول ‪ -‬لمن طلب آية تدل على صدق الرسول ‪:-‬‬
‫عَل ْيهِمْ} [العنكبوت‪ ،‬آية‪..].51 :‬‬
‫ب ُيتْلَى َ‬
‫{َأوَ َل ْم يَكْ ِفهِمْ َأنّا أَنزَ ْلنَا عَ َليْكَ الْ ِكتَا َ‬
‫فالقرآن العظيم هو الشاهد والدليل والحجة‪ ،‬ولكن شيخ الشيعة ومن يسمونه بـ"ثقة السلم"‬
‫(الكليني) يروي في كتابه‪ :‬أصول الكافي والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة‬
‫[انظر‪ :‬فصل "اعتقادهم في السنة" من هذا الكتاب‪ ].‬يروي ما نصه‪ ..." :‬أن القرآن ل يكون حجة إل بقيم‪:‬‬
‫وأن عليا كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة‪ ،‬وكان الحجة على الناس بعد رسول ال"‬
‫[أصول الكافي‪.].1/188 :‬‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫كما توجد هذه المقالة أيضا في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي‬
‫‪ ،].420‬وعلل الشرائع [الصدوق‪ /‬علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،].192‬والمحاسن [البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪،].268‬‬
‫ووسائل الشيعة [الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،].18/141 :‬وغيرها‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫فماذا يعنون بهذه العقيدة‪ :‬أيعنون بذلك أن النص القرآني ل يمكن أن يحتج به إل بالرجوع‬
‫لقول المام؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول المام ل قول الرحمن‪ ،‬أم يعنوان أن القرآن ل‬
‫يؤخذ بنظامه إل بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي‬
‫هذا الحتمال وهو قولهم‪" :‬فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ‪ ،‬والقدري‪ ،‬والزنديق‬
‫[الحر‬ ‫الذي ل يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن ل يكون حجة إل بقيم"‬
‫العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].18/141 :‬‬
‫ومعنى هذا أن قول المام هو أفصح من كلم الرحمن‪ ،‬ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة‬
‫في قول المام لنه القدر على البيان من القرآن‪ ،‬ولهذا سموه بالقرآن الصامت وسمو المام‬
‫[الحر‬ ‫بالقرآن الناطق‪ ،‬ويروون عن علي أنه قال‪" :‬هذا كتاب ال الصامت وأنا كتاب ال الناطق"‬
‫العاملي‪ /‬الفصول المهمة‪ :‬ص ‪ .].235‬وقال‪" :‬ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه ‪"...‬‬
‫[أصول الكافي‪.].1/61 :‬‬
‫[البحار‪ ،37/209 :‬الطبرسي‪ /‬الحتجاج‪ :‬ص‬ ‫ويقولون ‪ -‬في رواياتهم ‪" :-‬وعليّ تفسير كتاب ال"‬
‫‪ ،33-31‬البروجودي‪ /‬تفسير الصراط المستقيم‪ ،].30/20 :‬ومرة أخرى يدعون بأن الئمة هم القرآن نفسه‬
‫ي أُنزِلَ مَ َعهُ‪ }..‬يقولون‪ :‬النور‪ :‬علي والئمة عليهم السلم‬
‫[ولهذا نجدهم يفسرون قوله سبحانه‪ ..{ :‬وَا ّتبَعُواْ النّورَ الّذِ َ‬
‫علَيْهِ ْم آيَاتُنَا َبيّنَاتٍ‬
‫(فالئمة بناء على هذا أنزلوا من السماء إنزالً) الكافي‪ ،1/194 :‬ويفسرون قوله تعالى‪َ { :‬وإِذَا ُتتْلَى َ‬
‫ن لِي َأنْ ُأبَ ّدلَ ُه مِن ِت ْلقَاءِ َن ْفسِي ِإنْ َأتّبِ ُع ِإلّ مَا‬
‫غيْ ِر هَـذَا أَ ْو بَ ّدلْهُ قُ ْل مَا يَكُو ُ‬
‫ن َ‬
‫ن لَ َيرْجُونَ ِلقَا َءنَا ا ْئتِ ِب ُقرْآ ٍ‬
‫قَا َل الّذِي َ‬
‫يُوحَى ِإ َليّ} [يونس‪ :‬آية ‪.]15‬‬
‫غ ْيرِ هَـذَا أَ ْو بَ ّدلْهُ} يعني‪ :‬أمير المؤمنين‪.‬‬
‫يقولون‪{ :‬ا ْئتِ ِب ُقرْآنٍ َ‬
‫(انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/120 :‬أصول الكافي‪ ،1/419 :‬تفسير البرهان‪ ،2/180 :‬تفسير نور الثقلين‪ ،2/296 :‬تفسير‬
‫القمي‪ ،1/310 :‬بحار النوار‪.)36/80 :‬‬
‫ومثل ذلك تفسيرهم لقولهم تعالى‪{ :‬أَ ْم َيقُولُونَ َتقَ ّولَهُ بَل ل يُ ْؤ ِمنُونَ‪َ ،‬ف ْليَ ْأتُوا بِحَدِيثٍ ّم ْثلِهِ إِن كَانُوا صَا ِدقِينَ} [الطور‪:‬‬
‫آية‪.]34 ،33 :‬‬
‫جاء في تفسير القمي‪{ :‬أَ ْم َيقُولُونَ َتقَ ّولَهُ} يعني‪ :‬أمير المؤمنين {بَل ل يُؤْ ِمنُونَ} أنه لم يتقوله ولم يقمه برأيه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪َ { :‬فلْ َيأْتُوا بِحَدِيثٍ ّم ْثلِهِ} أي‪ :‬رجل مثله من عند ال {إِن كَانُوا صَادِقِينَ}‪( .‬انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/333 :‬البحراني‪/‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،4/242 :‬بحار النوار‪ )36/85 :‬ومثل ذلك كثير‪ ،].‬وحينا يزعمون بأن القرآن لم‬
‫يفسر إل لرجل واحد هو علي [أصول الكافي‪ .].1/250 :‬وما ندري لم يكون علي قيم القرآن وهو‬
‫القرآن نفسه؟! وإذا كان هو القرآن أو القيم عليه فلماذا يفسر له‪ ،‬وكيف يفسر له وهو تفسيره؟!‬
‫إنها أقوال يضرب بعضها بعضا‪ ،‬وهي برهان أكيد على أنها من وضع زنديق أراد إفساد دين‬
‫المسلمين‪ ،‬وكيف يقال مثل ذلك في كتاب أنزله ال سبحانه وتعالى ليكون هداية للناس {إِنّ هَـذَا‬
‫ن ِيهْدِي لِّلتِي ِهيَ أَ ْقوَمُ} [السراء‪ ،‬آية‪.].9 :‬‬
‫الْ ُقرْآ َ‬
‫‪80‬‬
‫قال الخليفة الراشد علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬كتاب ال فيه نبأ ما قبلكم‪ ،‬وخبر ما بعدكم‪،‬‬
‫وحكم ما بينكم‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ ،‬من تركه من جبار قصمه ال‪ ،‬ومن ابتغى الهدى في‬
‫غيره أضله ال‪ ،‬وهو حبل ال المتين‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو الصراط المستقيم‪ ،‬وهو الذي ل‬
‫تزيغ به الهواء‪ ،‬ول تلتبس به اللسن‪ ،‬ول تنقضي عجائبه‪ ،‬ول يشبع منه العلماء‪ ،‬من قال به‬
‫[قال ابن‬ ‫صدق‪ ،‬ومن عمل به أجر‪ ،‬ومن حكم به عدل‪ ،‬ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"‬
‫كثير في تعليقه على هذا الخبر‪" :‬وقد وهم بعضهم في رفعه‪ ،‬وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلم أمير المؤمنين‬
‫علي ‪ -‬رضي ال عنه –"‪( .‬انظر‪ :‬ابن كثير‪ /‬فضائل القرآن‪ :‬ص ‪ .)15‬وقد أخرجه مرفوعا الترمذي‪ ،‬في ثواب‬
‫القرآن‪ ،‬باب ما جاء في فضل القرآن رقم (‪ ،4/172 :)2906‬والدارمي في سننه‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب فضل‬
‫القرآن ص‪ ،831:‬ورواه المام أحمد في مسنده‪ 2/703 :‬رقم (‪( ،)704‬تحقيق أحمد شاكر)‪.‬‬
‫والحديث في سنده مقال‪ .‬قال الترمذي‪" :‬هذا حديث ل نعرفه إل من هذا الوجه‪ ،‬وإسناده مجهول‪ ،‬وفي الحارث‬
‫(أحد رجال السند) مقال"‪( .‬انظر‪ :‬الترمذي‪ ،)4/172 :‬وقال الحافظ ابن العربي المالكي‪ :‬وحديث الحرث ل ينبغي أن‬
‫يعول عليه‪( .‬انظر‪ :‬عارضة الحوذي‪ .)11/30 :‬قال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬إسناده ضعيف جدا من أجل الحارث‪( .‬انظر‪:‬‬
‫المسند ‪ )2/704‬وقال الشيخ اللباني‪ :‬إسناده ضعيف‪ ،‬فيه الحارث العور‪ ،‬وهو لين‪ ،‬بل اتهمه بعض الئمة بالكذب‪،‬‬
‫ولعل أصله موقوف على علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فأخطأ الحارث فرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم (انظر‪:‬‬
‫اشرح الطحاوي‪ ،‬الطبعة التي خرج أحاديثها اللباني ص‪ )68 :‬وهذا الثر مروي عن علي في كتب الشيعة‪ :‬انظر‪:‬‬
‫تفسير العياشي‪ ،1/3 :‬البرهان‪ ،1/7 :‬تفسير الصافي‪ ،1/15 :‬بحار النوار‪.]. 19/7 :‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :-‬تضمن ال لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أل يضل في‬
‫[انظر‪ :‬تفسير‬ ‫ل َيضِلّ وَ َل َيشْقَى}‬
‫الدنيا ول يشقى في الخرة‪ ،‬ثم قرأ هذه الية‪َ { :‬فمَنِ ا ّتبَعَ ُهدَايَ َف َ‬
‫ابن جرير الطبري‪.].16/225 :‬‬
‫ومسألة أن كتاب ال هو الحجة والمام ل تحتاج إلى بسط الدلة‪ ،‬والتوسع في إقامة‬
‫البراهين‪ ،‬ولقد آثرنا فيما عرضنا من دليل أن نأخذه من كتاب ال سبحانه‪ ،‬ومما جاء عن بعض‬
‫أهل البيت في مصادر أهل السنة‪ .‬وقبل أن ننهي الحديث في هذه القضية نشير إلى ما ينقضها‬
‫من كتب الشيعة نفسها كبرهان على تناقضهم‪ ،‬كما نشير إلى الهدف من وضع تلك المقالة‪.‬‬
‫ففي بعض مصادرهم المعتمدة جاء النص التالي‪" :‬ذكر الرضا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يوما‬
‫[كذا‬ ‫القرآن فعظم الحجة فيه‪ ..‬فقال‪ :‬هو حبل ال المتين وعروته الوثقى‪ ..‬جعل دليل البرهان‬
‫وردت في المصدر المنقول عنه‪ ،‬وقد تكون صوابها «الحيران» لن البرهان ل يحتاج إلى دليل‪ ].‬وحجة على كل‬
‫[انظر‪( :‬المجلسي‪ /‬البحار‪:‬‬ ‫إنسان‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد"‬
‫‪ ،92/14‬ابن بابويه‪ /‬عيون أخبار الرضا‪.].2/130 :‬‬

‫‪81‬‬
‫وفي نص آخر لهم‪ .." :‬فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم‪ ،‬فعليكم بالقرآن‪ ،‬فإنه‬
‫شافع مشفع‪ ،‬من جعله أمامه قاده إلى الجنة‪ ،‬ومن جعله خلفه ساقه إلى النار‪ ،‬وهو الدليل يدل‬
‫على خير سبيل‪[ "..‬انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،1/2 :‬البحار‪.].92/17 :‬‬
‫[لقد شك في صحة نسبة الكتاب إلى علي النقاد قديما وحديثا‪ .‬قال الذهبي‪:‬‬ ‫وفي نهج البلغة المنسوب لعلي‬
‫"ومن طالع نهج البلغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي ال عنه –"‪ ،‬ثم بين علمات ذلك‪( .‬انظر‪:‬‬
‫ميزان العتدال‪ ،3/124 :‬ترجمة الشريف المرتضى)‪ .‬وسيأتي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬حديث عنه في فصل السنة‪ ،‬وذكر‬
‫للمصادر الناقدة له‪ - .].‬رضي ال عنه ‪ -‬والذي هو عند الشيعة‪ :‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول‬
‫[ذكر الهادي كاشف الغطا (أحد شيوخ الشيعة المعاصرين) أن إنكار نسبته إلى علي يعد عندهم من إنكار‬ ‫من خلفه‬
‫الضروريات‪ .‬وقال‪" :‬إن جميع ما فيه حاله كحال ما يروى عنه النبي ‪ -‬صلى ال عليه وآله وسلم –"‪ .‬انظر‪ :‬مدارك‬
‫نهج البلغة ص‪ ].190 :‬جاء النص التالي‪" :‬فالقرآن آمر زاجر‪ ،‬وصامت ناطق‪ ،‬حجة ال على‬
‫خلقه‪[ "..‬نهج البلغة ص‪ ،265:‬تحقيق صبحي الصالح‪ ،‬البحار‪.].92/20 :‬‬
‫ولهذه النصوص شواهد أخرى وهي تكشف لنا مدى التناقض والضطراب الواقع في‬
‫مصادر هؤلء القوم؛ فرواياتهم ‪ -‬كما ترى ‪ -‬يعارض بعضها بعضا‪ ،‬لكنهم في حالة التناقض‬
‫تلك قد وضعوا لهم منهجا خطيرا وهو الخذ بما خالف العامة ‪ -‬وهم أهل السنة عندهم ‪ -‬كما‬
‫سيأتي تفصيل ذلك في معتقدهم في الجماع ‪ -‬فيأخذون بالجانب الشاذ عن الجماعة‪ ،‬وإن جاء‬
‫نص يخالفه‪ ،‬وإن استيقظ شيخ من شيوخهم واستمع إلى نداء الحق وأعلن مخالفته لضللهم قالوا‬
‫في ذلك كله‪ :‬تقية ‪ -‬كما سيأتي في مبحث التقية ‪.-‬‬
‫والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يلحظ أنها من وضع عدو حاقد أراد أن‬
‫يصد الشيعة عن كتاب ال سبحانه‪ ،‬ويضلهم عن هدى ال‪ ،‬فما دامت تلك المقالة ربطت حجية‬
‫القرآن بوجود القيم‪ ،‬والقيم هو أحد الئمة الثني عشر؛ لن القرآن فسر لرجل واحد وهو علي‪،‬‬
‫وقد انتقل علم القرآن من علي إلى سائر الئمة الثني عشر‪ ،‬كل إمام يعهد بهذا العلم إلى من‬
‫بعده‪ ،‬حتى انتهى إلى المام الثاني عشر [سنبين هذا بالتفصيل ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬في فصل السنة‪ ].‬وهو‬
‫غائب مفقد عند الثني عشرية منذ ما يزيد على أحد عشر قرنا‪ ،‬ومعدوم عند طوائف من‬
‫الشيعة وغيرهم‪..‬‬
‫فما دامت هذه المقالة ربطت حجية القرآن بهذا الغائب أو المعدوم فكأن نهايتها أن الحتجاج‬
‫بالقرآن متوقف لغياب قيمه أو عدمه‪ ،‬وأنه ل يرجع إلى كتاب ال‪ ،‬ول يعرج عليه في مقام‬
‫الستدلل ؛ لن الحجة في قول المام فقط‪ ،‬وهو غائب فل حجة فيه حينئذ‪ ،‬ولذلك فإن طائفة‬
‫[يعني‪:‬‬ ‫الخبارية من الثني عشرية "أنكروا‪ -‬كما يعترف شيوخ الثني عشرية ‪ -‬الدلة الثلثة‬

‫‪82‬‬
‫الجماع‪ ،‬والعقل‪ ،‬والقرآن الكريم‪ ].‬بما فيها القرآن الكريم‪ ،‬وخصوا الدليل بالواحد أعني الخبار فلذلك‬
‫[انظر‪ :‬التقليد في الشريعة السلمية ص‪ ،93 :‬وقد مضى الحديث عن ذلك ص‪)143( :‬‬ ‫سمو بالسم المذكور"‬
‫من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وحسبك بهذا ضلل‪ ،‬وإضلل عن صراط ال‪ ...‬وتلك ليست هي نهاية التآمر على كتاب‬
‫ال‪ ،‬وعلى الشيعة‪ ،‬ولكنها حلقة من حلقات‪ ،‬ومؤامرة ضمن سلسلة مؤامرات طوحت بالشيعة‬
‫بعيدا عن جماعة المسلمين‪ ،‬وهي مقدمة‪ ،‬أو إرهاص لبدء المحاولة في تفسير كتاب ال على‬
‫غير وجهه‪ ،‬وزعمهم أن هذا هو ما جاء عن القيم والمام من أهل البيت‪ ،‬والحجة فيه ل في‬
‫غيره‪ ،‬وهو الناطق عن القرآن‪ ،‬والمبين له‪ ..‬ول حجة في القرآن إل به‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬اعتقادهم بأن الئمة اختصوا بمعرفة القرآن ل يشركهم فيه أحد‪:‬‬
‫فإنه مما علم من السلم بالضرورة أن علم القرآن لم يكن سرا تتوارثه سللة معينة‪ ،‬ولم‬
‫يكن لعلي اختصاص بهذا دون سائر صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن الصحابة‬
‫رضوان ال عليهم هم الطليعة الولى الذين حازوا شرف تلقي هذا القرآن عن رسول البشرية‬
‫محمد بن عبد ال ونقله إلى الجيال كافة‪ ..‬ولكن الشيعة تخالف هذا الصل وتعتقد أن ال‬
‫سبحانه قد اختص أئمتهم الثني عشرية بعلم القرآن كله‪ ،‬وأنهم اختصوا بتأويله‪ ،‬وأن من طلب‬
‫علم القرآن من غيرهم فقد ضل‪.‬‬
‫وتذكر بعض مصادر أهل السنة بأن بداية هذه المقالة‪ ،‬وجذورها الولى ترجع لبن سبأ فهو‬
‫القائل‪" :‬بأن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي" [الجوزجاني‪ /‬أحوال الرجال ص‪ ].38 :‬وقد‬
‫استفاض ذكر هذه المقالة في كتب الثني عشرية بألوان الخبار وصنوف الروايات‪:‬‬
‫‪ -1‬جاء في أصول الكافي في خبر طويل عن أبي عبد ال قال‪" :‬إن الناس يكفيهم القرآن ولو‬
‫وجدوا له مفسرا‪ ،‬وإن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬فسره لرجل واحد‪ ،‬وفسر للمة شأن‬
‫ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب [أصول الكافي‪ ،1/25 :‬وسائل الشيعة‪.].18/131 :‬‬
‫‪ -2‬وجاء في طائفة من مصادر الشيعة المعتمدة لديهم أن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله‬
‫‪ -‬قال‪" :‬إن ال أنزل علي القرآن وهو الذي من خالفه ضل‪ ،‬ومن يبتغي علمه عند غير علي‬
‫[وسائل الشيعة‪ ،18/138 :‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪ ،19/23 ،7/302 :‬الطبري (الرافضي)‪ /‬بشارة المصطفى ص‪:‬‬ ‫هلك"‬
‫‪ ،16‬أمالي الصدوق ص‪.].40 :‬‬
‫‪ -3‬وزعمت أيضا كتب الشيعة أن أبا جعفر قال‪ :‬يا قتادة‪ ،‬أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال‪ :‬هكذا‬
‫يزعمون‪ ،‬فقال أبو جعفر ‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة‪ :‬نعم ‪-‬‬
‫[الكافي‪ ،‬كتاب الروضة‪ ،12/415 :‬رقم‬ ‫إلى أن قال‪ -:‬ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به"‬
‫‪83‬‬
‫(‪( )485‬المطبوع مع شرح جامع للمازنداني)‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،18/136 :‬تفسير الصافي‪ ،22-1/21 :‬البرهان في‬
‫تفسير القرآن‪ ،1/18 :‬بحار النوار‪.].238-24/237 :‬‬
‫‪ -4‬وفي تفسير فرات‪ .." :‬إنما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أنزل‪ ،‬فإذا احتاجوا إلى‬
‫تفسيره فالهتداء بنا وإلينا" [تفسير فرات ص‪ ،91:‬وسائل الشيعة‪.].18/149 :‬‬
‫ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدا‪ ،‬ولو ذهبت أنقل ما بين يدي منها لستغرق مجلدا‪.‬‬
‫ففي الكافي مجموعة من البواب كل باب يتضمن طائفة من أخبارهم في هذا الموضوع مثل‪:‬‬
‫باب "أن الئمة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬ولة أمر ال وخزتة علمه" [أصول الكافي‪.].1/192 :‬‬
‫باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم هم الئمة [المصدر السابق‪.].1/210 :‬‬
‫باب أن من وصفه ال تعالى في كتابه بالعلم هم الئمة [المصدر السابق‪.].1/212 :‬‬
‫باب أن الراسخين في العلم هم الئمة [المصدر السابق‪.].1/213 :‬‬
‫باب أن الئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم [المصدر السابق‪.].1/213 :‬‬
‫أما صاحب البحار فقد ضرب بسهم وافر ‪ -‬كعادته ‪ -‬في هذا المضار‪ ،‬ومن أبوابه في ذلك‪:‬‬
‫باب أنهم أهل علم القرآن‪ ،‬وذكر في هذا الباب (‪ )54‬رواية [البحار‪.].205-23/188 :‬‬
‫وباب أنهم خزان ال على علمه وفيه (‪ )14‬رواية [المصدر السابق‪.].26/105 :‬‬
‫كما ذكر أيضا طائفة من روايات هذا الموضوع ضمن‪:‬‬
‫"باب أنهم ل يحجب عنهم علم السماء والرض" [المصدر السابق‪.].26/109 :‬‬
‫وباب أنهم ل يحجب عنهم شيء [المصدر السابق‪.].26/137 :‬‬
‫وفي وسائل الشيعة للحر العاملي "باب عدم جواز استنباط الحكام من ظواهر القرآن إل بعد‬
‫[وسائل‬ ‫معرفة تفسيرها من كلم الئمة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬فيه ثمانون حديثا من أحاديثهم"‬
‫الشيعة‪.].152-18/129 :‬‬
‫[الحر‬ ‫وفي الفصول المهمة في أصول الئمة "باب أنه ل يعرف تفسير القرآن إل الئمة"‬
‫العاملي‪ /‬الفصول المهمة ص‪.].173 :‬‬
‫وفي تفسير الصافي يخصص إحدى مقدمات تفسيره لهذه القضية وهي‪" :‬المقدمة الثانية في‬
‫[تفسير الصافي‪:‬‬ ‫ُنبَذْ مما جاء في أن علم القرآن كله إنما هو عند أهل البيت ‪ -‬رضي ال عنهم –"‬
‫‪.].1/19‬‬
‫أما صاحب مقدمة البرهان فيقول‪" :‬الفصل الخامس في بيان ما يدل على أن علم تأويل‬
‫القرآن بل كله عند أهل البيت ‪ -‬عليهم السلم –" [مقدمة البرهان‪ :‬ص ‪ .].15‬ويذكر في هذا الفصل‬

‫‪84‬‬
‫طائفة من أخبارهم في هذه المسألة‪ ،‬ثم يقول‪" :‬أقول‪ :‬والخبار في هذا الباب أكثر من أن‬
‫تحصى" [المصدر السابق‪ :‬ص ‪.].16‬‬
‫ولو ذهبنا نستقصي الكتب الشيعية التي تعرضت لهذا لطال بنا المقام؛ لن هذا من أصولهم‪،‬‬
‫قال أحد آياتهم [وهو حسين البروجردي من شيوخهم المعاصرين‪" :].‬اعلم أن علم القرآن مخزون عند‬
‫أهل البيت وهو مما قضت به ضرورة المذهب" [تفسير الصراط المستقيم‪.].‬‬
‫ومن العجب أنهم بدعواهم أن علم القرآن عند الئمة نسبوا إلى الئمة علم كل شئ‪ ،‬فيقول‬
‫أبو عبد ال ‪ -‬كما يزعمون ‪" :-‬إني لعلم ما في السموات وأعلم ما في الرضين‪ ،‬وأعلم ما‬
‫في الجنة‪ ،‬وأعلم ما في النار‪ ،‬وأعلم ما كان وما يكون‪ ،‬ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على‬
‫من سمعه فقال‪ :‬علمت ذلك من كتاب ال أن ال يقول‪ :‬فيه تبيان كل شيء" [البحار‪.].26/111 :‬‬
‫لحظ أن هذا النص الذي يزعم صاحبه ‪ -‬ونبرئ جعفرا منه‪ ،‬فإمامته ودينه ينفيان ذلك عنه‬
‫‪ -‬العلم بكل شيء يجهل أقرب الشياء لديه‪ ..‬حيث إن القرآن ليس فيه (تبيان كل شيء) وإنما‬
‫شيْءٍ} [النحل‪ ،‬آية‪ .].89 :‬وهو يزعم أن هذه آية من القرآن‪،‬‬
‫هذا تحريف لقول تعالى‪{ :‬تِ ْبيَانًا لّ ُكلّ َ‬
‫ففضحه ال بذلك‪ ..‬وهذا برهان أن هذه النصوص من وضع ملحد اندسّ في صفوف المسلمين‬
‫للكيد للسلم وأهله‪.‬‬
‫مناقشة هذه المقالة ونقدها‪:‬‬
‫أ‪ -‬مناقشة النصوص‪:‬‬
‫كما يلحظ القارئ أنه ل يسمح المقام بجمع نصوصهم في هذه المسألة لكثرتها‪ ،‬إذ جمعها‬
‫ونقدها يستغرق صحفات كثيرة‪ ..‬وحسبنا أننا ذكرنا بعض المثلة عليها‪ ،‬إذ كلها تحوم حول‬
‫معنى واحد‪ ،‬هو اختصاص الئمة الثني عشرية بعلم القرآن‪ ،‬وأنه مخزون عندهم‪ ،‬وبه يعلمون‬
‫كل شيء‪..‬‬
‫وسنتوقف عند كل نص عرضناه لنناقشه ونحلله‪ ..‬ثم نعود لصل المقالة وننقدها‪:‬‬
‫النص الول‪( :‬الذي يقول بأن الرسول لم يبين القرآن إل لعلي‪.)...‬‬
‫س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} [النحل‪ ،‬آية‪ ].44 :‬وكتب‬
‫ال سبحانه يقول‪{ :‬وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫الشيعة تقول ‪ -‬كما سلف ‪ :-‬ليست من وظيفة الرسول بيان القرآن للناس‪ ،‬وإنما مهمته بيان‬
‫"شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب" أما بيان القرآن للناس وتفسيره فهو رسالة علي ل‬
‫محمد [انظر نص ص‪.].)162( :‬‬
‫وكلم الثني عشرية هنا يذكر بكلم فرقة من فرقة الغلة وهم الغرابية التي قالت‪ :‬إن محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم كان أشبه بعلي من الغراب بالغراب‪ ،‬وأن ال عز وجل بعث جبريل عليه‬
‫‪85‬‬
‫[ابن حزم‪ /‬الفصل‪:‬‬ ‫السلم بالوحي إلى علي فغلط جبريل عليه السلم وأنزل الوحي على محمد‬
‫‪ ،5/42‬وانظر‪ :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪ ،250 :‬السفراييني‪ /‬التبصير في الدين‪ :‬ص ‪ ،74‬ابن المرتضى‪/‬‬
‫المنية والمل ص‪ ،30 :‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد ص‪ 158 :‬وسماها (الجمهورية)‪.].‬‬
‫ما الفرق بين هذه المقالة‪ ،‬ونص الثني عشرية؟! إن الثني عشرية أعطوا عليا الرسالة بدون‬
‫دعوى الغلط‪ ،‬وزعموا أن رسالة النبي صلى ال عليه وسلم التعريف بعلي فقط‪.‬‬
‫وأترك للقارئ تدبر بقية المعاني‪ ،‬فهي ناطقة بذاتها‪.‬‬
‫النص الثاني‪:‬‬
‫يقول بأن من ابتغى علم القرآن عند غير علي فقد هلك [انظر نصه ص‪.].)163( :‬‬
‫أقول‪ :‬من ابتغى علم القرآن من القرآن‪ ،‬أو من سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو من‬
‫صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم بما فيهم علي فقد اهتدى‪ ،‬والقول بأن من طلب علم‬
‫القرآن عند غير علي هلك ليس من دين السلم‪ ،‬وهو مما علم بطلته من السلم بالضرورة‪،‬‬
‫فلم يخص النبي صلى ال عليه وسلم أحدا من الصحابة بعلم من الشريعة دون الخرين‪ .‬قال‬
‫س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} فالية تدل على أن البيان للناس وليس‬
‫تعالى‪{ :‬وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫لفرد أو طائفة منهم ولو كان أهل بيته‪.‬‬
‫وقد نفى أمير المؤمنين علي أن يكون قد خصه رسول ال صلى ال عليه وسلم بعلم دون‬
‫الناس [تقدم الشارة لهذا الحديث‪ ،‬وتخريجه من كتب السنة‪ :‬ص‪.].)79( :‬‬
‫وقد خاطب النبي صلى ال عليه وسلم الصحابة‪ ،‬ومن بعدهم‪ ،‬ورغبهم في تبليغ سنته ولم‬
‫يخص أحدا منهم فقال ‪ -‬كما يروي زيد بن ثابت وغيره ‪" :-‬نضر ال امرءا سمع منا حديثا‬
‫فحفظه حتى يبلغه غيره‪ ،‬فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه‪ ،‬ورب حامل فقه إلى من هو أفقه‬
‫[أخرجه أحمد‪ ،5/183 :‬واللفظ له‪ ،‬والدارمي‪ /‬مقدمة‪ ،‬باب القتداء بالعلماء‪ ،1/73 :‬و أبو داود‪ ،‬كتاب العلم‪،‬‬ ‫منه‪"...‬‬
‫باب فضل نشر العلم‪ ،69-4/68 ،‬وابن ماجه‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب من بلغ علما‪ ،1/84 :‬والترمذي في كتاب العلم‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في الحث على تبليغ السماع‪ ،34-5/33 :‬وابن حبان في صحيحه (انظر‪ :‬موارد الظمآن‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب رواية‬
‫الحديث لمن فهمه ولمن لم يفهمه ص‪ ،)47 :‬قال ابن حجر في تخريج المختصر‪ :‬حديث زيد بن ثابت هذا صحيح‬
‫خرجه أحمد وأبو داود‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ ،‬والخطيب‪ ،‬وأبو نعيم‪ ،‬والطيالسي‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وفي الباب عن‬
‫معاذ بن جبل‪ ،‬وأبي الدرداء‪ ،‬وأنس وغيرهم‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬فيض القدير‪ .)6/285 :‬وقد ذكره اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة‪ ،690-1/689 :‬وللشيخ عبد‬
‫المحسن العباد دراسة حول هذا الحديث بعنوان‪" :‬دراسة حديث نضر ال امرءا سمع مقالتي" رواية ودراية‪ ].‬وقد‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/403 :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل‬ ‫روت هذا الحديث كتب الثني عشرية المعتمدة‬
‫الشيعة‪ ].18/63 :‬فيكون حجة عليها‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أما النص الثالث‪:‬‬
‫فهو يدعي أن القول لم يخاطب به سوى الئمة الثني عشر‪ ،‬ومن هنا فل يعرف القرآن‬
‫سواهم (إنما يعرف القرآن من خوطب به) [انظر‪ :‬ص (‪ ،].)134-133‬ولهذا يعتبر صحابة رسول‬
‫ال‪ ،‬والتابعون وأئمة السلم على امتداد العصور قد (هلكوا وأهلكوا) بقيامهم بتفسير القرآن‬
‫وفق أصوله‪ ،‬أو اعتقادهم أن في كتاب ال ما ل يعذر أحد بجهالته‪ ،‬ومنه ما تعرفه العرب من‬
‫[روي هذا المعنى عن ابن عباس‬ ‫كلمها‪ ،‬ومنه ما ل يعرفه إل العلماء‪ ،‬ومنه ما ل يعلمه إل ال‬
‫(انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ 1/76 :‬تحقيق وتخريج أحمد شاكر‪ ،‬ومحمود شاكر‪ ،‬وانظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪.].)1/5 :‬‬
‫فالشيعة تزعم أنه ل يعرف القرآن سوى الئمة‪ ،‬وأنهم يعرفون القرآن كله‪.‬‬
‫وهذه دعوى تفتقر إلى الدليل‪ ،‬وزعم يكذبه العقل والنقل‪ ،‬وينقضه واقع التفسير عندهم ‪ -‬كما‬
‫سيأتي ‪.-‬‬
‫النص الرابع‪:‬‬
‫يبين أن وظيفة الناس جميعا سوى الئمة الثني عشر هو قراءة القرآن فقط‪.‬‬
‫ول يجوز لحد أن يتولى منصب تفسير القرآن [انظر نصه‪ ،].)134( :‬حتى ول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم لن وظيفته بيان "شأن ذلك الرجل‪ ،"..‬كما أنه من باب أولى ليس لحد من‬
‫الصحابة والسلف والئمة أن يتولى شيئا من ذلك‪ ،‬وإن احتاج أحد لتفسير آية فليرجع إلى من‬
‫عنده علم القرآن‪ :‬إلى أئمتهم‪ ..‬وماذا سيجد من يرجع إلى تفاسير الشيعة كتفسير القمي‬
‫والعياشي‪ ،‬والبرهان‪ ،‬وتفسير الصافي‪ ،‬أو ما في الكافي‪ ،‬والبحار من تفسير ليات القرآن‬
‫يزعمون نسبتها لئمتهم؟!‪ .‬سيجد تأويلت باطنية ليس لها صلة بنص القرآن‪ ،‬ول سياق اليات‬
‫ول معانيها ومفهوماتها‪ ..‬كما سنرى نماذج من ذلك‪.‬‬
‫إن أوضح برهان في هذه الدعاوى هو واقع التفسير عند هؤلء القوم‪ ،‬ثم إن النص المذكور‬
‫يدعو إلى العراض عن تدبر القرآن وفهم معانيه وهذا من الصد عن دين ال وشرعه‪ ..‬ولعل‬
‫الدافع لوضع مثل هذه الروايات هو محاولة منع جمهور الشيعة من قراءة كتاب ال وتدبره‬
‫وفهمه لن في ذلك افتضاحا لكذب مؤسسي هذا المذهب وكشفا لضاليلهم وتعرية لمناهجهم‬
‫الباطنية في تأويل كتاب ال‪.‬‬
‫ب‪ -‬نقد هذه المقالة‪:‬‬
‫تقوم هذه المقالة على أن الرسول صلى ال عليه وسلم أودع عليا علم القرآن‪ ،‬وقد وجد لهذه‬
‫المقالة أصل في حياة أمير المؤمنين‪ ،‬وأظهرت السبئية القول بأن عند علي غير ما عند الناس‪،‬‬

‫‪87‬‬
‫فنفىأمير المؤمنين ذلك نفيا قاطعا وقال‪" :‬والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إل ما في‬
‫القرآن إل فهما يعطى رجل في كتابه‪[ "...‬تقدم تخرجه ص ‪ - ].)79( :‬كما مر‪.-‬‬
‫ومما يجب أن يعلم أن النبي صلى ال عليه وسلم بيّن لصحابه معاني القرآن‪ ،‬كما بيّن لهم‬
‫س مَا ُن ّزلَ ِإَل ْيهِمْ} [النحل‪ ،‬آية‪ ].44 :‬يتناول هذا وهذا‪ .‬وقد قال أبو‬
‫ألفاظه‪ ،‬فقوله تعالى‪ِ { :‬ل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫[مقرئ الكوفة المام العلم عبد ال بن حبيب بن ربيعة الكوفي‪ ،‬من أولد الصحابة‪ ،‬مولده‬ ‫عبد الرحمن السلمي‬
‫في حياة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد أخذ القراءات عن عثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وزيد‪ ،‬وأبيّ‪ ،‬وابن مسعود‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الذهبي‪ /‬سير أعلم النبلء‪ ،4/267 :‬السيوطي‪ /‬طبقات الحفاظ‪ :‬ص ‪.)19‬‬
‫وهو غير أبي عبد الرحمن السلمي شيخ الصوفية‪ ،‬صاحب حقاق التفسير (ت ‪ )412‬الذي نسب إلى جعفر الصادق‬
‫ل في تأويل القرآن على طريقة الباطنية‪.‬‬
‫أقوا ً‬
‫وجعفر بريء من ذلك (انظر‪ :‬ابن تميمة‪ /‬منهاج السنة‪ ،4/146 :‬والفتاوى‪ ،243-13/242 :‬وانظر في ترجمة‬
‫السلمي الخير‪ :‬الخطيب البغدادي‪ /‬تاريخ بغداد‪ ،249-2/248 :‬الذهبي ميزان العتدال‪" :].)3/523 :‬حدثنا الذين‬
‫كانوا يقرئوننا القرآن ‪ -‬كعثمان بن عفان‪ ،‬وعبد ال بن مسعود وغيرهما ‪ -‬أنهم كانوا إذا تعلموا‬
‫من النبي صلى ال عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،13/331 :‬وقد أخرجه‬ ‫قالوا‪ :‬فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا"‬
‫الطبري في تفسيره‪ ،1/80 :‬وقال المحقق في تعليقه على هذا الثر‪" :‬هذا إسناد صحيح متصل"‪ .‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪،‬‬
‫تحقيق وتعليق محمود شاكر‪ ،‬وأحمد شاكر‪ .‬وأخرجه الطبري‪ 1/80 :‬عن طريق الحسين بن واقد‪ ،‬حدثنا العمش عن‬
‫شقيق عن ابن مسعود قال‪ :‬كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن‪.‬‬
‫قال المحقق‪" :‬هذا إسناد صحيح"‪ .‬وهو موقوف على ابن مسعود‪ ،‬ولكنه مرفوع معنى؛ لن ابن مسعود إنما تعلم القرآن‬
‫من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فهو يحكي ما كان في ذلك العهد النبوي المنير (المصدر السابق ‪ )1/80‬وقال شعيب الرناؤوط‪" :‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫انظر تعليقه على سير أعلم النبلء‪ .]. 4/270 :‬ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة‪ ،‬وذلك أن ال‬
‫تعالى قال‪ِ { :‬كتَابٌ أَنزَ ْلنَاهُ إِ َليْكَ مُبَا َركٌ ّليَ ّد ّبرُوا آيَا ِتهِ} [سورة ص‪ ،‬آية‪ .].29 :‬وقال‪{ :‬أَفَل َيتَدَ ّبرُونَ‬
‫الْ ُقرْآنَ} [النساء‪ ،‬آية‪ ،82 :‬محمد‪ ،‬آية‪ ].24 :‬وقال‪{ :‬أَ َفلَ ْم يَ ّد ّبرُوا الْ َق ْولَ} [المؤمنون‪ ،‬آية‪ .].68 :‬وتدبر‬
‫عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ}‬
‫القرآن بدون فهم معانيه ل يمكن‪ ،‬وكذلك قال تعالى‪ِ{ :‬إنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ‬
‫[يوسف‪ ،‬آية‪ .].2 :‬وعقل القرآن متضمن لفهمه‪ ،‬ومن المعلوم أن كل كلم فالمقصود منه فهم‬
‫معانيه دون مجرد ألفاظه‪ ،‬فالقرآن أولى بذلك‪.‬‬
‫ولهذا لم تعد فئة من الشيعة تهضم هذه المقالة‪ .‬وخرجت عن القول بكل ما فيها‪ ،‬فقالت بأن‬
‫ظواهر القرآن ل يختص بعلمها الثنا عشر‪ ،‬بل يشركهم غيرهم فيها‪ ،‬أما بواطن اليات فمن‬
‫اختصاص الئمة‪ .‬وقام خلف كبير حول حجية ظواهر القرآن بين الخبارين والصوليين‪،‬‬
‫فالفئة الولى ترى أنه ل يعلم تفسير القرآن كله ظاهره وباطنه إل الئمة‪ ،‬والخرى ترى حجية‬
‫‪88‬‬
‫[تعرضت لهذه المسألة كثير من كتب التفسير‬ ‫ظواهر القرآن لعموم الدلة في الدعوة لتدبر القرآن وفهمه‬
‫وأصول الفقه عندهم‪ .‬انظر‪ :‬الخوئي‪ /‬البيان‪ :‬ص ‪ 263‬وما بعدها‪ ،‬البروجردي‪ /‬تفسير الصراط المستقيم‪ 2/175 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬المظفر‪ /‬أصول الفقه‪ ،3/130 :‬الحكيم‪ /‬الصول العامة للفقه المقارن‪ :‬ص ‪ ،105-102‬الميثمي‪ /‬قوامع‬
‫الفضول‪ :‬ص ‪.].298‬‬
‫إن دعوى أن القرآن لم يفسر إل لعلي هي مخالفة لقول ال سبحانه‪{ :‬وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ‬
‫س مَا ُن ّزلَ ِإَل ْيهِمْ وَلَ َعّلهُ ْم َيتَفَ ّكرُونَ} [النحل‪ ،‬آية‪ .].44 :‬فالبيان للناس ل لعلي وحده ‪ -‬كما‬
‫ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫سبق ‪ .-‬فليس لمن قال بهذه المقالة إل أحد طريقين‪ :‬إما القول بأن الرسول لم يبلغ ما أنزل‬
‫إليه‪ ،‬وإما أن يكذب القرآن‪ ،‬وهي مخالفة للعقل وما علم من السلم بالضرورة‪ ،‬ودعوى أن علم‬
‫القرآن اختص به الئمة ينافيه اشتهار عدد كبير من صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بتفسير القرآن كالخلفاء الربعة‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وزيد بن ثابت وغيرهم‪" .‬وكان‬
‫[انظر‪ :‬ابن عطية‪ /‬المحرر الوجيز‪ ،1/19 :‬ابن‬ ‫علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يثني على تفسير ابن عباس"‬
‫جزي‪ /‬التسهيل‪.].1/9 :‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء ال بالسانيد الثابتة‬
‫ليس في شيء منها ذكر علي‪ ،‬وابن عباس يروي من غير واحد من الصحابة؛ يروي عن عمر‬
‫وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وعن زيد بن ثابت وأبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وغير‬
‫واحد من المهاجرين والنصار‪ .‬وروايته عن علي قليلة جدا‪ ،‬ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئا‬
‫من حديثه عن علي‪ ،‬وخرجوا حديثه عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم‪...‬‬
‫وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عن علي‪ ،‬وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالثار‬
‫عن الصحابة والتابعين‪ ،‬والذي منها عن علي قليل جدا‪ ،‬وما ينقل من التفسير عن جعفر‬
‫الصادق عامته كذب على جعفر" [منهاج السنة‪.].4/155 :‬‬
‫ثم إن تعميم القول بأن الئمة يعلمون القرآن كله غلو فاحش‪ ،‬ذلك أنه كما يقول ابن جرير‬
‫الطبري‪" :‬إن مما أنزل ال من القرآن ما ل يوصل إلى علم تأويله إل ببيان الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم وذلك تفصيل ما هو مجمل في ظاهر التنزيل‪ ،‬وبالعباد إلى تفسيره الحاجة‪ ،‬من‬
‫شرائع الدين؛ كأوامره‪ ،‬ونواهيه‪ ،‬وحلله‪ ،‬وحرامه‪ ،‬وحدوده‪ ،‬وفرائضه‪ .‬فل يعلم أحد من خلق‬
‫ال تأويل ذلك إل ببيان الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يعلمه رسول ال إل بوحي ال‪ .‬ومنه‬
‫ما ل يعلم تأويله إل ال الواحد القهار‪ ،‬وذلك ما فيه من أمور استأثر ال بعلمها؛ كوقت قيام‬
‫الساعة والنفخ في الصور‪ ..‬ومنه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان العربي الذي نزل به‬
‫القرآن" [تفسير الطبري‪.].88-87 ،74-1/73 :‬‬

‫‪89‬‬
‫هذا وقولهم‪ :‬إن علم القرآن انفرد بنقله علي يفضي إلى الطعن في تواتر شريعة القرآن من‬
‫الصحابة إلى سائر الجيال‪ ،‬لنه لم ينقلها ‪ -‬على حد زعمهم‪ -‬عن رسول ال إل واحد هو‬
‫علي‪..‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه المقالة مؤامرة‪ ،‬الهدف منها الصد عن كتاب ال سبحانه والعراض عن تدبره‪،‬‬
‫واستلهام هديه‪ ،‬والتفكر في عبره‪ ،‬والتأمل في معانيه ومقاصده‪ .‬فالقرآن في دين الشيعة ل‬
‫وسيلة لفهم معانيه إل من طريقة الئمة الثني عشر‪ ،‬أما غيرهم فمحروم من النتفاع به‪ ،‬وهي‬
‫محاولة ‪ -‬أو حيلة ‪ -‬مكشوفة الهدف‪ ،‬مفضوحة القصد؛ لن كتاب ال نزل بلسان عربي مبين‬
‫عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف‪ ،‬آية‪{ ،].2 :‬هَـذَا َبيَانٌ‬
‫وخوطب به الناس أجمعون {ِإنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ‬
‫ظةٌ لّ ْل ُمتّقِينَ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ .].138 :‬وأمر ال عباده بتدبره‪ ،‬والعتبار‬
‫لّلنّاسِ وَهُدًى َو َموْعِ َ‬
‫بأمثاله‪ ،‬والتعاظ بمواعظه‪ ،‬ومحال أن يقال لمن ل يفهم ما يقال له ول يعقل تأويله‪ :‬اعتبر بما‬
‫ل فهم لك به ول معرفة من البيان والكلم [انظر‪ :‬تفسير الطبري‪.].1/82 :‬‬
‫وهي محاولة للصد عن ذلك العلم العظيم في تفسير القرآن‪ ،‬والذي نقله إلينا صحابة رسول‬
‫ال والسلف والئمة‪ ..‬فهذه الكنوز العظيمة ل عبرة بها ول قيمة لها في دين الشيعة‪ ،‬لنها‬
‫ليست واردة عن الئمة الثني عشرية‪ ،‬وقد صرح بذلك بعض شيوخهم المعاصرين فقال‪" :‬إن‬
‫[محمد رضا النجفي‪ /‬الشيعة‬ ‫جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت ل قيمة لها ول يعتد بها"‬
‫والرجعة‪ :‬ص ‪.].19‬‬
‫والقيمة في كتب التفسير عندهم وحدها‪.‬‬
‫وإذا ذهبنا نبحث عن هذه القيمة في كتبهم فماذا نجد؟‬
‫لقد حولت كتب التفسير المعتمدة عندهم كتفسير القمي والعياشي والصافي والبرهان وكتب‬
‫الحديث كالكافي والبحار تأويلت لكتاب ال منسوبة لل البيت تكشف في الكثير الغالب عن‬
‫جهل فاضح بكتاب ال‪ ،‬وتأويل منحرف لياته‪ ،‬وتعسف بالغ في تفسيره‪ ،‬ول يمكن أن تصح‬
‫نسبتها لعلماء آل البيت‪ ،‬فهي تأويلت ل تتصل بمدلولت اللفاظ‪ ،‬ول بمفهومها‪ ،‬ول بالسياق‬
‫القرآني ‪ -‬كما سيأتي أمثلة ذلك ‪ -‬ومعنى ذلك ‪ -‬بناء على هذه العقيدة ‪ -‬أن هذا هو مبلغ علم‬
‫علماء آل البيت‪ ،‬وفي ذلك من الزراية عليهم‪ ،‬ونسبة الجهل إليهم الشيء الكثير من قوم‬
‫يزعمون محبتهم والتشيع لهم‪.‬‬
‫وأمر آخر أكبر وأخطر وهي أن تلك التأويلت‪ ..‬هي علم القرآن‪ ،‬ومعانيه‪ ،‬وأنه ل معنى‬
‫للقرآن أعظم منها‪ ،‬لنها خرجت من المصدر الصيل والوحيد والصحيح للتلقي‪ .‬وهذا تهوين‬
‫من أمر القرآن وشأنه‪ ،‬بل محاربة له وصد عنه بوسيلة ماكرة خبيثة‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬اعتقادهم بأن قول المام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه‪..‬‬
‫[انظر‪ :‬مسألة أن القرآن‬ ‫بناءً على اعتقاد الشيعة بأن المام هو قيم القرآن‪ ،‬وهو القرآن الناطق‬
‫[العيبة‪ :‬زبيل من أدم‪ ،‬ومن الرجل موضع‬ ‫ليس بحجة إل بقيم ص‪ ].)127( :‬وأنهم هم خزنة علم ال وعيبة‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ :‬باب أن الئمة ولة أمر ال وخزنة‬ ‫سره‪( .‬انظر‪ :‬أصول الكافي‪( :‬الهامش)‪ ].)1/192 :‬وحيه‬
‫علمه‪ ،].1/192 :‬وأنه بوفاة الرسول صلى ال عليه وسلم لم يكمل التشريع‪ ،‬بل إن بقية الشريعة‬
‫أودعها الرسول لعلي‪ ،‬وأخرج علي منها ما يحتاجه عصره‪ ،‬ثم أودع ما بقي لمن بعده‪ ،‬وهكذا‬
‫إلى أن بقيت عند إمامهم الغائب [انظر‪ :‬فصل السنة‪.].‬‬
‫بناءً على ذلك فإن مسألة تخصيص عام القرآن‪ ،‬أو تقييد مطلقة‪ ،‬أو نسخه هي مسألة لم تنته‬
‫بوفاة الرسول صلى ال عليه وسلم؛ لن النص النبوي‪ ،‬والتشريع اللهي استمر ولم ينقطع بوفاة‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫الرسول‪ ،‬بل استمر عندهم إلى بداية القرن الرابع الهجري وذلك بوقوع الغيبة الكبرى‬
‫مسألة الغيبة في موضعها من هذه الرسالة‪ .].‬والتي انتهت بها صلتهم بالمام‪ ،‬وانقطع تلقي الوحي‬
‫اللهي عنه؛ لنهم يعتقدون "أن حديث كل واحد من الئمة الطاهرين قول ال عز وجل‪ ،‬ول‬
‫اختلف في أقوالهم كما ل اختلف في قوله تعالى" [المازندراني‪ /‬شرح جامع (علي الكافي) ‪.].2/272 :‬‬
‫وقالوا‪ :‬يجوز لمن سمع حديثا عن أبي عبد ال (يعنون جعفر بن محمد الصادق) أن يرويه‬
‫عن أبيه أو أحد أجداده؛ بل يجوز أن يقول‪ :‬قال ال تعالى [المصدر السابق‪ ].2/272 :‬فكان للمام ‪-‬‬
‫في اعتقادهم ‪ -‬تخصيص القرآن أو تقييده أو نسخه‪ ،‬وهو تخصيص أو تقييد أو نسخ للقرآن‬
‫بالقرآن‪ ،‬لن قول المام كقول ال ‪ -‬كما يفترون ‪.!!-‬‬
‫ذلك أنهم يرون ‪ -‬كما يقول أحد آياتهم في هذا العصر ‪" :-‬أن حكمة التدريج اقتضت بيان‬
‫جملة من الحكام وكتمان جملة‪ ،‬ولكنه ‪ -‬سلم ال عليه ‪ -‬أودعها عند أوصيائه‪ :‬كل وصي‬
‫يعهد بها إلى الخر‪ ،‬لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة‪ :‬من عام مخصص‪ ،‬أو‬
‫مطلق‪ ،‬أو مقيد‪ ،‬أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك‪ ،‬فقد يذكر النبي عاما ويذكر مخصصة بعد برهة‬
‫[محمد حسين آل كاشف الغطا‪ /‬أصول‬ ‫من حياته‪ ،‬ول قد يذكره أصلً‪ ،‬بل يودعه عند وصية إلى وقته"‬
‫الشيعة ص‪.].77 :‬‬
‫ومسألة النسخ والتخصيص والتقييد‪ ...‬ليست إل جزءا من وظيفة المئة الكبرى وهي‬
‫(التفويض في أمر الدين) والتي يقررها صاحب الكافي في باب يعقده في هذا الشأن بعنوان‪:‬‬
‫"باب التفويض إلى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬وإلى الئمة ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬في أمر‬
‫الدين" [أصول الكافي‪.].1/265 :‬‬

‫‪91‬‬
‫فالئمة قد فوضوا في أمر هذا الدين‪ ،‬كما فوض رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلهم حق‬
‫التشريع‪ .‬تقول كتب الشيعة عن الئمة‪" :‬إن ال عز مجل‪ ..‬فوض إلى نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫ع ْنهُ فَان َتهُوا} [الحشر‪ ،‬آية‪ .].7 :‬فما فوض إلى رسول‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَا ُكمْ َ‬
‫فقال‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ فَ ُ‬
‫ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬قد فوضه إلينا" [أصول الكافي‪.].1/266 :‬‬
‫وقال أبو عبد ال ‪ -‬كما تزعم كتب الشيعة ‪" :-‬ل وال ما فوض ال إلى أحد من خلقه إل‬
‫إلى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬وإلى الئمة‪ .‬قال عز وجل‪ِ{ :‬إنّا أَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الْ ِكتَابَ‬
‫[أصول‬ ‫س ِبمَا َأرَاكَ الّلهُ} [النساء‪ ،‬آية‪ .].105 :‬وهي جارية في الوصياء"‬
‫بِا ْلحَقّ ِلتَحْ ُك َم َبيْنَ النّا ِ‬
‫الكافي‪.].1/268 :‬‬
‫ثم إن الئمة هم مستودع علوم الملئكة والنبياء والرسل‪ ،‬وعندهم جميع الكتب التي نزلت‬
‫[انظر‪ :‬فصل السنة‪ ،‬ومبحث‬ ‫من السماء‪ ،‬كما تقرره كتبهم المعتمدة في روايات كثيرة كما سيأتي‬
‫"اليمان بالكتب"‪ ..].‬فهذه المهام التشريعية هي من فيض هذه العلوم المخزونة عند الئمة‪.‬‬
‫أما التطبيق العلمي لهذه العقيدة فهو ذلك الكم الهائل من الروايات في مسائل العقيدة وغيرها‪،‬‬
‫والتي شذوا بها عن أئمة السلم‪ .‬فمثلً ألفاظ الكفر والكفار والشرك والمشركين الواردة في‬
‫كتاب ال سبحانه‪ ،‬والتي تعم كل من كفر بال وأشرك‪ ..‬جاءت عندهم روايات كثيرة تخص هذا‬
‫[سيأتي شواهد لذلك في مبحث‪:‬‬ ‫العموم بالكفر بولية علي والشرك باتخاذ إمام معه ‪ -‬كما سيأتي –‬
‫أمثلة من تأويلت الشيعة ليات القرآن‪ ،‬ومبحث توحيد اللوهية‪ ].‬فخصصوا عموم الكتاب بل مخصص‪ ،‬أو‬
‫حرفوا النصوص وزعموا أنه تخصيص‪ ،‬واعتبروا مسألة المامة أخطر من الشرك والكفر‪ ،‬بل‬
‫دليل من عقل أو نقل صحيح‪ ،‬وخرجوا عن إجماع المسلمين‪ ،‬وما تواتر من نصوص الدين‪،‬‬
‫[يوسف‪،‬‬ ‫عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ}‬
‫وتجاهلوا حتى اللغة التي نزل بها القرآن العظيم {ِإنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ‬
‫آية‪.].2 :‬‬
‫وسنرى أمثلة كثيرة فيما سيأتي لهذا الضرب من التحريف‪.‬‬
‫نقد هذه العقيدة‪:‬‬
‫قد ختم ال سبحانه بمحمد صلى ال عليه وسلم الرسالت‪ ،‬وأكمل برسالته الدين‪ ،‬وانقطع‬
‫بموته الوحي‪ .‬وهذه أمور معلومة من دين السلم بالضرورة‪ .‬وهذه المقالة تقوم على إنكار هذه‬
‫الركان‪ ،‬أو تنتهي بقائلها إلى ذلك‪ ،‬وهذا بل شك نقض لحقيقة "شهادة أن محمدا رسول ال"‬
‫والتي ل يتم إسلم أحد إل باليمان بها‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ولعل المتأمل لهذه المقالة‪ ،‬والمحلل لبعادها يدرك أن الهدف من هذه المقالة تبديل دين‬
‫السلم‪ ،‬وتغيير شريعة سيد النام؛ إذ إن كلم ال سبحانه عرضة للتبديل والتغيير بناسخ‪ ،‬أو‬
‫مخصص‪ ،‬أو مقيد‪ ،‬أو مبين‪ ،‬أو عام يزعم شيوخ الشيعة نقله عن أئمتهم‪.‬‬
‫ولعل صورة التغيير تبدو بشكل أوضح وأجلى‪ ،‬إذا أدركنا ما جبل عليه هؤلء القوم من‬
‫الكذب حتى جعلوه دينا وقربة ‪ -‬كما سيأتي [انظر‪ :‬مسألة التقية‪" - ].‬ومن تأمل كتب الجرح‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف"‬
‫المنتقى‪ :‬ص ‪ .].22‬وقد شهد طائفة من أئمة المسلمين بأنه لم ير أكذب وأشهد بالزور منهم‪ ،‬وأنهم‬
‫يضعون الحديث ويتخذونه دينا‪ ،‬وأن الناس كانوا يسمونهم بالكذابين‪ ،‬ونهى أهل العلم عن أخذ‬
‫الحديث عن هؤلء الروافض [انظر‪ :‬منهاج السنة‪ ،17 ،1/16 :‬السيوطي‪ /‬تدريب الراوي‪" ،].1/327 :‬بل في‬
‫[انظر‪ :‬البحار‪،25/263 :‬‬ ‫كتب هؤلء نصوص تتضمن شكوى آل البيت من كذب هؤلء وبهتانهم"‬
‫الممقاني‪ /‬تنقيح المقال‪( 1/174 :‬المقام الثالث من المقدمة)‪ ،‬وانظر‪ :‬رجال الكشي رقم‪،544 ،542 ،541 ،216 ،174 :‬‬
‫‪ ،1048 ،1047 ،1007 ،909 ،741 ،659 ،588 ،549‬وسيأتي ذكر بعض ذلك في "اعتقادهم في السنة"‪.].‬‬
‫وهذه الدعوى تقوم على أن دين السلم ناقص ويحتاج إلى الئمة الثني عشر لكماله‪ ،‬وأن‬
‫كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم لم يكمل بهما التشريع‪ ..‬إذ إن بقية الشريعة مودعة‬
‫عند الئمة‪ ،‬وأن رسول الهدى صلى ال عليه وسلم لم يبلغ ما أنزل إليه من ربه‪ ،‬وإنما كتم‬
‫بعض ما أنزله إليه وأسره لعلي‪ ..‬وكل ذلك كفر بال ورسوله‪ ،‬ومناقضة لصول السلم‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ دِينَكُمْ وََأ ْت َممْتُ عَ َليْ ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َرضِيتُ لَكُمُ ا ِلسْلَمَ دِينًا} [المائدة‪ ،‬آية‪.].3 :‬‬
‫شيْءٍ} [النحل‪ ،‬آية‪ ،].89 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬لتُ َب ّينُ ّنهُ‬
‫ب ِتبْيَانًا لّ ُكلّ َ‬
‫ويقول سبحانه‪َ { :‬و َنزّ ْلنَا عَ َليْكَ ا ْل ِكتَا َ‬
‫ن مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْل َبيّنَاتِ‬
‫ن يَ ْك ُتمُو َ‬
‫لِلنّاسِ وَ َل تَ ْك ُتمُو َنهُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ،].187 :‬وقال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِي َ‬
‫عنُونَ‪ ،‬إِلّ الّذِينَ‬
‫ك يَل َعنُهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ الّل ِ‬
‫وَا ْلهُدَى مِن بَعْ ِد مَا َب ّينّاهُ لِلنّاسِ فِي ا ْل ِكتَابِ أُولَـئِ َ‬
‫تَابُواْ وََأصْلَحُواْ َوبَ ّينُواْ}‪[ ...‬البقرة‪ ،‬اليتان‪.].160 ،159 :‬‬
‫وقد نسب المام الشعري هذه المقالة إلى الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية من‬
‫الشيعة ‪ -‬حسب تقسيمه ‪ -‬فهم الذين "يزعمون أن الئمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم‬
‫الملئكة‪ ،‬وتظهر عليهم العلم والمعجزات ويوحى إليهم" [مقالت السلميين‪.].1/88 :‬‬
‫[انظر في دعوى الثني عشرية أن الئمة يوحى إليهم‬ ‫وهذه العقائد أصبحت من أصول الثني عشرية‬
‫وتهبط عليهم الملئكة‪ :‬فصل السنة من هذا الكتاب‪ ،‬وانظر في قول الثني عشرية بأن الئمة تظهر عليهم المعجزات‪:‬‬
‫مبحث اليمان بالنبياء من هذا الكتاب‪ ،].‬لنها شربت مذاهب الغلة حتى الثمالة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وقد أشار أبو جعفر النحاس (المتوفى سنة ‪338‬ه‍) إلى هذه المقالة ولم ينسبها لحد فقال‪:‬‬
‫"وقال آخرون‪ :‬باب الناسخ والمنسوخ إلى المام‪ ،‬ينسخ ما يشاء" [الناسخ والمنسوخ‪ :‬ص ‪ ].8‬وعدّ‬
‫ذلك من عظيم الكفر‪ ،‬ثم بين بطلنه بقوله‪" :‬لن النسخ لم يكن إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إل بالوحي من ال ‪ -‬جل وعز ‪ -‬إما بقرآن مثله على قول قوم‪ ،‬وإما بوحي من غير القرآن‬
‫عنِ الْهَوَى‪ِ ،‬إنْ ُهوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم‪ ،‬آية‪-3:‬‬
‫ق َ‬
‫[يعني سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم قال تعالى ‪{ :‬وَمَا َينْطِ ُ‬
‫‪ ،].]4‬فلما ارتفع هذان بموت النبي صلى ال عليه وسلم ارتفع النسخ [الناسخ والمنسوخ ‪ :‬ص ‪.].9-8‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫اعتقادهم في تأويل القرآن‬
‫وفيه مسألتان‪ :‬الولى‪ :‬اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر‪ ،‬والثانية‪ :‬قولهم بأن‬
‫جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر‪:‬‬
‫وهذه المسألة قد أخذت بعدا كبيرا وخطيرا عند الشيعة‪ ،‬حيث تحول كتاب ال عندهم بتأثير‬
‫هذا المعتقد إلى كتاب آخر غير ما في أيدي المسلمين‪ ،‬وقد ذهب شيوخ الشيعة وفي تطبيق هذا‬
‫المبدأ شوطا بعيدا‪ ،‬وقدم الشيعة مئات الروايات والتي تؤول آيات ال على غير تأويلها‪..‬‬
‫ونسبوها للئمة الثني عشر‪ .‬وليس لهذا التأويل الباطني من ضابط‪ ،‬ول له قاعدة يعتمد عليها‪..‬‬
‫وسيجد القارئ في تأويلهم ليات القرآن محاولة يائسة لتغيير هذا الدين وتحوير معالمه وطمس‬
‫أركانه‪.‬‬
‫فأركان الدين تفسر بالئمة‪ ،‬وآيات الشرك والكفر تؤول بالشرك بولية علي وإمامته‪ ،‬وآيات‬
‫الحلل والحرام تفسير بالئمة وأعدائهم‪ ،‬وهكذا يخرج القارئ لهذه التأويلت بدين غير دين‬
‫السلم‪ .‬وهذا الدين له ركنان أساسيان هما‪ :‬اليمان بإمامة الثني عشر‪ ،‬والكفر واللعن‬
‫لعدائهم‪.‬‬
‫جاء في أصول الكافي للكليني ما نصه‪ .." :‬عن محمد بن منصور قال‪ :‬سألت عبدا صالحا‬
‫[يعنون به موسى الكاظم والذي يعتبرونه إمامهم السابع (انظر‪ :‬أصول الكافي ‪ :‬الهامش ‪ ].)1/374 :‬عن قول ال‬
‫ظ َه َر ِم ْنهَا َومَا بَطَنَ} [العراف‪ ،‬آية‪ .].33 :‬قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫ش مَا َ‬
‫ح َ‬
‫حرّمَ َربّيَ الْ َفوَا ِ‬
‫عز وجل‪ُ { :‬قلْ ِإ ّنمَا َ‬
‫إن القرآن له ظهر وبطن‪ ،‬فجميع ما حرم ال في القرآن هو الظاهر‪ ،‬والباطن من ذلك أئمة‬
‫[أصول‬ ‫الجور‪ ،‬وجميع ما أحل ال تعالى في الكتاب هو الظاهر‪ ،‬والباطن من ذلك أئمة الحق"‬
‫الكافي‪ ،1/374 :‬النعماني‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪ ،83‬تفسير العياشي‪.].2/16 :‬‬

‫‪94‬‬
‫تقرر هذه الرواية الواردة في أصح كتبهم الربعة مبدأ أن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر‬
‫مخالفة تامة‪ ،‬وتضرب المثل بما أحل ال وحرم في كتابه من الطيبات‪ ،‬والخبائث‪ ،‬وأن المقصود‬
‫بذلك رجال بأعيانهم هم الئمة الثنا عشرية‪ ،‬وأعداؤهم وهم كل خلفاء المسلمين‪ ..‬وهذا التأويل‬
‫ل أصل له من لغة أو عقل‪ ،‬أو دين‪ ،‬وهو محاولة لتغيير دين السلم من أساسه ودعوة إلى‬
‫التحلل والباحية!!‬
‫وفي هذا النص الوارد في أصح كتبهم يظهر من خلله الدافع إلى القول بأن القرآن له ظهر‬
‫وبطن‪ ،‬وهو أن كتاب ال سبحانه خل من ذكر أئمتهم الثني عشر‪ ،‬ومن النص على أعدائهم‪،‬‬
‫وهذا المر أقضّ مضاجعهم‪ ،‬وأفسد عليهم أمرهم‪ ،‬وقد صرحوا بأن كتاب ال قد خل من ذكر‬
‫[انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،1/13 :‬المجلي‪ /‬البحار‪:‬‬ ‫الئمة فقالوا‪" :‬لو قرئ القرآن كما أنزل للفينا مسلمين"‬
‫‪ ،19/30‬هاشم البحراني‪ /‬البرهان‪ :‬ج‪ ‍1‬ص ‪ .].22‬فلما لم يكن لصل مذهبهم وهو (المامة) والئمة ذكر‬
‫في كتاب ال قالوا بهذه المقالة لقناع أتباعهم‪ ،‬وترويج مذهبهم بين الغرار والجهلة‪ ،‬وحتى‬
‫يجعلوا لهذه المقالة القبول أسندوها ‪ -‬كعادتهم ‪ -‬لبعض آل البيت‪.‬‬
‫ومسألة القول بأن لنصوص القرآن باطنا يخالف ظاهرها شاعت في كتب القوم وأصبحت‬
‫أصلً من أصولهم‪ ،‬لنه ل بقاء لمذهبهم إل بها أو ما في حكمها‪ ،‬ولهذا عقد صاحب البحار بابا‬
‫لهذا بعنوان‪" :‬باب أن للقرآن ظهرا وبطنا" [انظر‪ :‬البحار‪ ].106-92/78 :‬وقد ذكر في هذا الباب (‬
‫‪ )84‬رواية‪ ،‬وهذه الروايات هي قليل من كثير مما أورده في كتابه في هذا الموضوع‪ ..‬فقد قال‬
‫في صدر هذا الباب إنه‪" :‬قد مضى كثير من تلك الخبار في أبواب كتاب المامة ونورد هنا‬
‫مختصرا من بعضها" [المصدر السابق‪ ،].92/87 :‬ثم ساق الروايات الربع والثمانين‪.‬‬
‫وفي تفسير البرهان عقد بابا مماثلً لما في البحار بعنوان‪« :‬باب في أن القرآن له ظهر‬
‫وبطن" [البرهان‪.].1/19 :‬‬
‫وفي مقدمة تفسير البرهان أفاض القول في هذه المسألة‪ ،‬فقد ذكر خمسة فصول حشر فيها‬
‫[مرآة النوار‪ :‬ص ‪-4‬‬ ‫روايات أئمته في هذا الباب انتخبها من مجموعة كبيرة من كتبهم المعتمدة‬
‫‪ .].19‬وقد قرر كثير من كتب التفسير عندهم في مقدماتها هذه المسألة كأصل من أصولهم‬
‫[تفسير‬ ‫كتفسير القمي [انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،].16 ،1/14 :‬والعياشي [انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،].1/11 :‬والصافي‬
‫الصافي‪ ].1/29 :‬وغيرها‪.‬‬
‫ومن نصوصهم في هذه المسألة‪" :‬أن للقرآن ظهرا وبطنا‪ ،‬وببطنه بطن إلى سبعة أبطن"‬
‫[المصدر السابق‪.].1/31 :‬‬

‫‪95‬‬
‫وعن جابر الجعفي قال‪" :‬سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني‪ ،‬ثم سألت ثانية‬
‫فأجابني بجواب آخر‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل‬
‫اليوم؟ فقال لي‪ :‬يا جابر‪ :‬إن للقرآن بطنا‪ ،‬وللبطن بطنا وظهرا‪ ،‬وللظهر ظهرا‪ ،‬يا جابر‪ ،‬وليس‬
‫شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن‪ ،‬إن الية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/11 :‬البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،300‬البرهان في‬ ‫وهو كلم متصل يتصرف على وجوه"‬
‫تفسير القرآن‪ ،21-1/20 :‬تفسير الصافي‪ ،1/29 :‬بحار النوار‪ ،92/95 :‬وسائل الشيعة‪.].18/142 :‬‬
‫وتقرر نصوص الشيعة أن لكل آية معنى باطنيا‪ ،‬بل قالوا أكثر من ذلك؛ فقالوا‪ :‬لكل آية‬
‫سبعة بطون‪ .‬ثم طاشت تقديراتهم فقالت‪ :‬بأن لكل آية سبعين باطنا‪ ،‬واستفاضت بشأن ذلك‬
‫أخبارهم؛ قال أحد شيوخهم‪ .." :‬لكل آية من كلم ال ظهر وبطن‪ ..‬بل لكل واحدة منها كما‬
‫يظهر من الخبار المستفيضة سبعة وسبعون بطنا" [أبو الحسن الشريف‪ /‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪ .].3‬وما‬
‫ندري ما كنه هذه البطون؟! والمعنى الذي يحاولون إثباته ل يعدو أحد أمرين‪ :‬إثبات إمامة‬
‫الثني عشر‪ ،‬أو الطعن في مخالفيهم وتكفيرهم‪ ،‬فلماذا تتعدد هذه البطون‪...‬؟!‬
‫والناظر في رواياتهم التي تذهب هذا المذهب الباطني والتي تتسع لعرضها المجلدات يجد‬
‫أنها ل تعدو هذين الموضوعين‪ .‬قالوا‪« :‬وقد دلت أحاديث متكاثرة كادت أن تكون متواترة على‬
‫أن بطونها وتأويلها بل كثير من تنزيلها وتفسيرها في فضل شأن السادة الطهار‪ ...‬بل الحق‬
‫المتبين أن أكثر آيات الفضل والنعام والمدح والكرام‪ ،‬بل كلها فيهم وفي أوليائهم نزلت‪ ،‬وأن‬
‫جل فقرات التوبيخ والتشنيع والتهديد والتفظيع؛ بل جملتها في مخالفيهم وأعدائهم‪ ...‬إن ال عز‬
‫وجل جعل جملة بطن القرآن في دعوة المامة والولية‪ ،‬كما جعل جل ظهره في دعوة التوحيد‬
‫والنبوة والرسالة‪[ "..‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪ .].3‬وسيأتي تفصيل ذلك في مسألة "أن جل القرآن نزل‬
‫فيهم وفي أعدائهم"‪.‬‬
‫نقد هذه المقالة‪:‬‬
‫ل شك أن للقرآن العظيم أسراره ولفتاته‪ ،‬وإيماءاته وإيحاءاته‪ ،‬وهو بحر عظيم ل تنفذ كنوزه‬
‫ول تنقضي عجائبه‪ ،‬ول ينتهي إعجازه‪ ..‬وكل ذلك مما يتسع له اللفظ ول يخرج عن إطار‬
‫المعنى العام‪ ..‬ولكن دعوى أولئك الباطنيين غريبة عن هذا المقصد‪ ،‬وهي تأويلت ‪ -‬كما‬
‫سيأتي ‪ -‬ل تتصل بمدلولت اللفاظ ول بمفهومها‪ ،‬ول بالسياق القرآن‪ ،‬بل هي مخالفة للنص‬
‫القرآني تماما‪ ،‬هدفها هو البحث في كتاب ال من أصل يؤيد شذوذهم‪ ،‬وغايتها الصد عن كتاب‬
‫ال ودينه‪ ،‬وحاصل هذا التجاه الباطني في تأويل نصوص الشريعة هو النحلل عن الدين‬
‫[انظر‪ :‬ابن حجر‪ /‬فتح الباري‪.].1/216 :‬‬
‫‪96‬‬
‫وعموم البشر على اختلف لغاتهم يعتبرون ظاهر الكلم هو العمدة في المعنى‪ ،‬وأسلوب‬
‫الحاجي واللغاز ل وجود له إل في الفكر الباطني‪ ،‬ولو اتخذ هذا السلوب قاعدة لما أمكن‬
‫التفاهم بحال‪ ،‬ولما حصل الثقة بمقال؛ لن المعاني الباطنية ل ضابط لها ول نظام‪.‬‬
‫والمتأمل لهذه المقالة يدرك خطورة هذا التجاه الباطني في تفسير القرآن‪ ،‬وأنه يقتضي‬
‫بطلن الثقة باللفاظ‪ ،‬ويسقط النتفاع بكلم ال وكلم رسوله‪ ،‬فإن ما يسبق إلى الفهم ل يوثق‬
‫به‪ ،‬والباطن ل ضابط له‪ ،‬بل تتعارض فيه الخواطر‪ ،‬ويمكن تنزيله على وجوه شتى‪ ،‬وبهذا‬
‫الطريق يحاول الباطنية التوصل إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها‪ ،‬وتنزيلها على رأيهم‪.‬‬
‫ولو كانت تلك التأويلت الباطنية هي معاني القرآن‪ ،‬ودللتها لما تحقق به العجاز‪ ،‬ولكن من‬
‫قبيل اللغاز‪ ،‬والعرب كانت تفهم القرآن من خلل معانيه الظاهرة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬من ادعى علما باطنا‪ ،‬أو علما بباطن وذلك يخالف العالم‬
‫الظاهر كان مخطئا‪ ،‬إما ملحدا زنديقا‪ ،‬وإما جاهلً ضالً‪ ...‬وأما الباطن المخالف للظاهر‬
‫المعلوم‪ ،‬فمثل ما يدعيه الباطنية القرامطة من السماعيلية والنصيرية وأمثالهم" ثم يقول‪:‬‬
‫صيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِينٍ} [يس‪ ،‬آية‪ ].12 :‬أنه علي‪..‬‬
‫ح َ‬
‫شيْءٍ أ ْ‬
‫"وهؤلء الباطنية قد يفسرون‪{ :‬وَ ُكلّ َ‬
‫جرَةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ فِي‬
‫وقوله‪{ :‬فَقَاتِلُواْ َأ ِئ ّمةَ ا ْلكُ ْفرِ} [التوبة‪ ،‬آية‪ ].12 :‬أنهم طلحة والزبير‪{ ،‬وَالشّ َ‬
‫ال ُقرْآنِ} [السراء‪ ،‬آية‪ ].60 :‬بأنها بنو أمية" [مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪.].237-13/236 :‬‬
‫هذه التأويلت التي ينقلها ابن تيمية وينسبها للباطنية موجودة بعينها عند الثني عشرية‪،‬‬
‫حصَ ْينَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِينٍ} جاء عندهم في خمس‬
‫شيْءٍ أ ْ‬
‫فالتأويل المذكور للية الولى‪{ :‬وَ ُكلّ َ‬
‫روايات أو أكثر [انظر‪ :‬اللوامع النورانية في أمساء علي وأهل بيته القرآنية‪ :‬هاشم البحراني‪ :‬ص ‪،].323-321‬‬
‫[انظر من ذلك‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/212 :‬ابن بابويه القمي‪ /‬معاني الخبار‪:‬‬ ‫وسجل في طائفة من كتبهم المعتمدة‬
‫ص ‪ ،95‬هاشم البحراني‪ /‬تفسير البرهان‪ 7-4/6 :‬الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪ ،4/247 :‬تفسير شبر‪ :‬ص ‪ ،].416‬وليس‬
‫[قال السلف في تفسير الية‪ :‬إن المام المبين ها هنا هو أم الكتاب‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫في الية أية دللة على هذا التأويل‬
‫وجميع الكائنات مكتوبة في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ‪( .‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ .].)3/591 :‬وكذلك‬
‫[انظر‪ :‬البرهان‪:‬‬ ‫الية الثانية‪{ :‬فَقَاتِلُواْ َأ ِئ ّمةَ ا ْلكُ ْفرِ} ورد تأويلها بذلك في طائفة من كتبهم المعتمدة‬
‫‪ ،107 ،2/106‬تفسير الصافي‪ ،2/324 :‬تفسير العياشي‪ ،78-2/77 :‬وانظر‪ :‬تفسير القمي‪ ].1/283 :‬وبلغت‬
‫جرَةَ‬
‫رواياتها عندهم أكثر من ثمان روايات [راجع المصادر السابقة‪ ،].‬ومثلها الية الثالثة‪{ :‬وَالشّ َ‬
‫ا ْلمَلْعُونَةَ} جاء تأويلها عند الثني عشرية بما قاله شيخ السلم في أكثر من اثنتي عشرة رواية‬
‫[انظر‪ :‬تفسير القمي‪:‬‬ ‫[انظر‪ :‬البرهان ‪ ،].425-2/424‬وتناقل هذا التأويل مجموعة من مصادرهم المعتمدة‬

‫‪97‬‬
‫‪ ،2/21‬تفسير العياشي‪ ،2/297 :‬تفسير الصافي‪ ،202-3/199 :‬البرهان‪ ،425-2/424 :‬تفسير شبر ص‪،284 :‬‬
‫وانظر‪ :‬مقتبس الثر (دائرة المعارف الشيعية)‪.].20/21 :‬‬
‫وسنجد أنهم قالوا بأكثر من هذا‪ ،‬وأعظم من هذا‪ ،‬ولكن نقلنا هذا لنبين أن ما يذكره علماء‬
‫السلم عن الباطنية من تأويلت منحرفة قد ورثته طائفة الثني عشرية‪ ،‬و أصبح منهجا من‬
‫مناهجها‪ .‬وكان علماء السلم يستنكرون هذا التأويل الباطني‪ ،‬لن "من فسر القرآن وتأوله على‬
‫غير التفسير المعروف من الصحابة والتابعين فهو مفتر على ال‪ ،‬ملحد في آيات ال‪ ،‬محرف‬
‫للكلم عن مواضعه‪ ،‬وهذا فتح لباب الزندقة واللحاد‪ ،‬وهو معلوم البطلن بالضطرار من دين‬
‫السلم" [الفتاوى‪.].13/243 :‬‬
‫وما وصل لعلماء السلم السابقين من تأويلت باطنية هي قليل من كثير مما كشفته اليوم‬
‫مطابع النجف وطهران‪ ،‬وما استجد بعدهم من مقالت صنعتها يد التلبيس والتزوير والتي لم‬
‫تتوقف إلى اليوم‪ ،‬حيث فسروا كثيرا من آيات القرآن على هذا النحو من التأويل الباطني‪،‬‬
‫وزعموا أن جل آيات القرآن العظيم نزل فيهم وفي أعدائهم‪ ،‬كما سيتبين هذا في المسألة التالية‪:‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬قولهم بأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم‪:‬‬
‫يقول الشيعة بأن‪" :‬جل القرآن إنما نزل فيهم (يعني في الئمة الثني عشرية) وفي أوليائهم‬
‫وأعدائهم" [تفسير الصافي‪ ،1/24 :‬وهذا النص جعله صاحب الصافي عنوانا للمقدمة الثانية‪ ،].‬مع أنك لو فتشت‬
‫في كتاب ال وأخذت معك قواميس اللغة العربية كلها وبحثت عن اسم من أسماء هؤلء الثني‬
‫عشرية فلن تجد لها ذكرا‪ ،‬ومع ذلك فإن شيخهم البحراني يزعم بأن عليا وحده ذكر في القرآن‬
‫(‪ )1154‬مرة ويؤلف في هذا الشأن كتابا سماه‪" :‬اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته‬
‫القرآنية" [وقد طبع في المطبعة العلمية بقم ‪1394‬هـ‪ ].‬يحطم فيه كل مقاييس لغة العرب‪ ،‬ويتجاوز فيه‬
‫أصول العقل والمنطق‪ ،‬ويفضح من خلله قومه على رؤوس الشهاد بتحريفاته التي سطرها في‬
‫هذا الكتاب وجمعها ‪ -‬وقد كانت متفرقة قد ل تعرف ‪ -‬من طائفة من مصادرهم هم المعتبرة‬
‫عندهم‪.‬‬
‫وتأتي بعض رواياتهم لتقول‪" :‬إن القرآن نزل أربعة أرباع‪ :‬ربع حلل‪ ،‬وربع حرام‪ ،‬وربع‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫سنن وأحكام‪ ،‬وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم"‬
‫‪ .].2/627‬وهذا يعني أنه ليس للئمة ذكر صريح في القرآن‪.‬‬
‫ولكن تأتي رواية أخرى لهم بتقسيم آخر لكتاب ال تجعل فيه نصيب الئمة وأعدائهم ثلث‬
‫القرآن‪ ،‬وكأنها تحاول أن تتلفى ما في الرواية السابقة من نسيان لذكر الئمة‪ ،‬إل أنها لم تجعل‬
‫للئمة وأعدائهم إل ثلث القرآن ل جله‪ ،‬تقول الرواية‪" :‬نزل القرآن أثلثا‪ :‬ثلث فينا وفي عدونا‪،‬‬
‫‪98‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/627 :‬البرهان‪ 1/21 :‬تفسير الصافي‪،1/24 :‬‬ ‫وثلث سنن وأمثال‪ ،‬وثلث فرائض وأحكام"‬
‫اللوامح النورانية‪ :‬ص ‪ .].6‬ولكن تأتي رواية ثالثة يزيد فيها نصيب الئمة ومخالفيهم من الثلث إلى‬
‫النصف؛ تقول الرواية‪" :‬نزل القرآن على أربعة أرباع‪ :‬ربع فينا‪ ،‬وربع في عدونا‪ ،‬وربع سنن‬
‫وأمثال‪ ،‬وربع في فرائض وأحكام" [أصول الكافي‪ ، 2/627 :‬البرهان‪.].1/21 :‬‬
‫ويلحظ أنه ليس للمة ميزة ينفردون بها في القرآن عن مخالفيهم بالنسبة للتقسيم المذكور‪،‬‬
‫وقد تفطن بعضهم لهذا فوضع رواية رابعة بنفس النص السابق‪ ،‬إل أنه زاد فيها‪" :‬ولنا كرائم‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/9 :‬تفسير فرات‪ ،2 ،1 :‬بحار النوار‪ ،24/305 :‬الكراجكي‪ /‬كنز الفوائد‪ :‬ص ‪،2‬‬ ‫القرآن"‬
‫البرهان‪ ،1/21 :‬اللوامح النورانية‪ :‬ص ‪ .].7‬وقد أشار إلى ذلك صاحب تفسير الصافي فقال‪" :‬وزاد‬
‫العياشي ولنا كرائم القرآن" [تفسير الصافي‪ .].1/24 :‬فانتهوا بهذا إلى القول بأن أكثر القرآن نزل‬
‫فيهم وفي أعدائهم‪.‬‬
‫يقول شيخهم الفيض الكاشاني (مؤلف الوافي أحد مصادرهم المعتمدة عندهم في الحديث)‬
‫يقول‪" :‬وردت أخبار جمة عن أهل البيت في تأويل كثير من آيات القرآن وبأوليائهم‪ ،‬وبأعدائهم‪،‬‬
‫حتى أن جماعة من أصحابنا صنفوا كتبا في تأويل القرآن على هذا النحو جمعوا فيها ما ورد‬
‫عنهم في تأويل القرآن آية آية‪ ،‬إما بهم أو بشيعتهم‪ ،‬أو بعدوهم‪ ،‬على ترتيب القرآن‪ .‬وقد رأيت‬
‫منها كتابا كاد يقرب من عشرين ألف بيت‪ ،‬وقد روي في الكافي‪ ،‬وفي تفسير العياشي‪ ،‬وعلي‬
‫[الكاشاني‪/‬‬ ‫بن إبراهيم القمي‪ ،‬والتفسير المسموع من أبي محمد الزكي أخبارا كثيرة من هذا القبيل‬
‫تفسير الصافي‪.].25-1/24 :‬‬
‫هذه شهادة أو اعتراف من أحد أساطينهم تؤكد شيوع هذه المقالة بينهم‪ ،‬وأنها أصبحت هي‬
‫القاعدة المتبعة في كتب التفسير المعتمدة عندهم‪ ،‬وفي أصح كتب الحديث لديهم‪ ..‬فهم بهذا‬
‫صرفوا كتاب ال عن معانيه‪ ،‬وحرفوه عن تنزيله‪ ،‬وجعلوا منه كتابا غير ما في أيدي الناس‪.‬‬
‫وهم يعتبرون هذا هو الصل والقاعدة حتى قال بعض شيوخهم‪" :‬إن الصل في تنزيل آيات‬
‫القرآن‪ ..‬إنما هو الرشاد إلى ولية النبي والئمة ‪ -‬صلوات ال عليهم ‪ -‬بحيث ل خير خبّر به‬
‫إل وهو فيهم وفي أتباعهم‪ ،‬وعارفيهم‪ ،‬ول سوء ذكر فيه إل وهو صادق على أعدائهم وفي‬
‫مخالفيهم" [أبو الحسن الشريف‪ /‬مرآة النوار (مقدمة البرهان) ص ‪ ،4‬وانظر‪ :‬اللوامح النورانية‪ :‬ص ‪.].548‬‬
‫ولهذا نرى شيوخهم يتسابقون في تحريف آيات القرآن العظيم‪ ،‬وتطبيق هذه العقيدة‪.‬‬
‫يعقد شيخهم الحر العاملي في كتابه‪ :‬الفصول المهمة في أصول الئمة بابا في هذا الشأن‬
‫بعنوان‪" :‬باب أن كل ما في القرآن من آيات التحليل والتحريم‪ ،‬فالمراد بها ظاهرها‪ ،‬والمراد‬
‫بباطنها أئمة العدل والجور" [الفصول المهمة في أصول الئمة‪ :‬ص ‪ ،].256‬فهو يعتبر آيات أحكام‬
‫‪99‬‬
‫الحلل المقصود بها أئمتهم‪ ،‬وآيات الحرام المقصود بها خلفاء المسلمين باستثناء المام علي‬
‫وبقية الئمة الثني عشرة‪ ،‬وهذا بل شك باب من أبواب الباحية‪ ،‬وهو ما عليه طوائف‬
‫ل من أصول الئمة‪.‬‬
‫الباطنية‪ ،‬ولكنه يعد هذه المقالة أص ً‬
‫وفي كتاب الكافي ‪ -‬أصح كتاب عندهم ‪ -‬روايات كثيرة في هذا‪.‬‬
‫وحسبك أن تقرأ‪" :‬باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية" لتفاجأ بإحدى وتسعين رواية‬
‫حشدها في هذا الباب‪ ،‬وحرف بها آيات القرآن عن معانيها [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ 1/412 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫[مثل‪ :‬باب أن الئمة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬العلمات التي ذكرها ال عز وجل‬ ‫وهذا باب من مجموعة أبواب‬
‫في كتابه (أصول الكافي‪ ،)1/206 :‬باب أن اليات التي ذكرها ال عز وجل في كتابه هم الئمة (المصدر السابق‪/ 1 :‬‬
‫‪ ،)207‬باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم هم الئمة (المصدر السابق‪ )1/210 :‬وغيرها من البواب‪].‬‬
‫على هذا النهج وكلها تضمنت عشرات الروايات التي تجعل من كتاب ال كتابا شيعيا ل‬
‫موضوع له سوى أئمة الشيعة وأتباعهم‪ ،‬وأعدائهم‪.‬‬
‫وفي كتاب "البحار" أحد مصادرهم المعتمدة عندهم في الحديث أبواب كثيرة هي بمثابة قواعد‬
‫وأصول في تفسير القرآن عندهم‪ ،‬وقد حشر في هذه البواب روايات كثيرة كلها تذهب هذا‬
‫المذهب في كتاب ال سبحانه‪ .‬ولعله يكفي أن تقرأ عناوين بعض هذه البواب لتدرك مدى‬
‫مجافاتها للغة العرب‪ ،‬ومناقضتها للعقل‪ ،‬ومنافاتها لصول السلم‪ ،‬وأنها من أعظم اللحادة في‬
‫كتاب ال‪ ،‬والتحريف لمعانيه‪.‬‬
‫ولنستعرض قسما من هذه العناوين فيما يلي‪ :‬قال المجلسي‪:‬‬
‫باب "تأويل المؤمنين واليمان والمسلمين والسلم بهم وبوليتهم عليهم والسلم‪ ،‬والكفار‬
‫والمشركين‪ ،‬والكفر والشرك‪ ،‬والجبت والطاغوت واللت والعزى‪ ،‬والصنام بأعدائهم‬
‫ومخالفيهم" [بحار النوار‪ ].390-23/354 :‬وقد ذكرت تحت هذا الباب مائة حديث لهم‪.‬‬
‫باب "أنهم عليهم السلم البرار والمتقون‪ ،‬والسابقون والمقربون‪ ،‬وشيعتهم أصحاب اليمين‪،‬‬
‫وأعداؤهم الفجار والشرار وأصحاب الشمال" [المصدر السابق‪ ،].9-24/1 :‬وذكر فيه (‪ )25‬رواية‬
‫لهم‪.‬‬
‫باب "أنهم عليهم السلم ووليتهم العدل والمعروف والحسان والقسط والميزان‪ ،‬وترك‬
‫[بحار النوار‪-24/187 :‬‬ ‫وليتهم وأعدائهم الكفر والفسوق والعصيان والفحشاء والمنكر والبغي"‬
‫‪ .].191‬وأورد فيه (‪ )14‬حديثا من أحاديثهم‪.‬‬
‫وأبواب أخرى على هذا النمط ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬تكشف عن محاولة لتغيير دين السلم؛ حيث‬
‫حصرت كل معاني السلم في بيعه رجل‪ ،‬وغيرت مفهوم الشرك في عبادة ال‪ ،‬والكفر به‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫والطواغيت والصنام إلى مفاهيم غريبة تكشف هوية واضع هذه "المفتريات"‪ ،‬فأعداء الئمة كل‬
‫خليفة من خلفاء المسلمين ‪ -‬باستثناء الثني عشر ‪ -‬من أبي بكر إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬وكل من‬
‫بايع هؤلء الخلفاء من الصحابة ومن بعدهم إلى نهاية الدنيا‪ ،‬هؤلء هم العداء الذين تؤول بهم‬
‫ألفاظ الكفر والشرك كما سيأتي في مبحث "المامة"‪.‬‬
‫فأين أركان اليمان‪ ،‬وأصول السلم‪ ،‬وشرائعه وأحكامه؟! كلها انحصرت في المامة‪،‬‬
‫وأصبح الشرك والكفر والصنام من المعروف‪ ،‬إذ ل شرك ول كفر إل الشرك مع المام أو‬
‫الكفر بوليته‪ ..‬كما تدل عليه هذه الروايات‪ .‬أليس هذا من أعظم الكفر والزندقة؟‪ ،‬وهل يبلغ كيد‬
‫عدو حاقد أبلغ من هذا؟!‪ ..‬وهو وإن كان كيد جاهل لوضوح فساده‪ ،‬وظهور بطلنه‪ ،‬لكن ل‬
‫ينقضي عجب المسلم العاقل كيف تعيش أمة تعد بالمليين أسيرة لهذه الترهات والباطيل؟!‬
‫ونمضي في استعراضنا لعناوين بعض البواب من البحار‪ ،‬يقول صاحب البحار‪:‬‬
‫باب أنهم الصلة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات‪ ،‬وأعداؤهم الفواحش والمعاصي‪،‬‬
‫وتضمن هذا الباب (‪ )17‬رواية [البحار‪ ،].304-24/286 :‬وهذا هو عين مذهب الباطنية الذين‬
‫«يجعلون الشرائع المأمور بها‪ ،‬والمحظورات المنهي عنها‪ :‬لها تأويلت باطنة تخالف ما يعرفه‬
‫المسلمون منها‪ ..‬والتي يعلم بالضطرار أنها كذب وافتراء على الرسول ‪ -‬صلوات ال عليهم‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم ابن‬ ‫‪ ،-‬وتحريف لكلم ال ورسوله عن مواضعه‪ ،‬وإلحاد في آيات ال"‬
‫تيمية‪.].3/29 :‬‬
‫ويستمر صاحب البحار ليقدم لنا الثني عشرية على حقيقتها من خلل أبوابه‪ ،‬لنه يكتب‬
‫كتابه في ظل الدولة الصفوية والتي ارتفعت فيها التقية إلى حد ما‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪-23/206 :‬‬ ‫باب أنهم عليهم السلم آيات ال وبيناته وكتابه‪ ..‬وفيه (‪ )20‬رواية‬
‫‪.].211‬‬
‫وباب أنهم السبع المثاني‪ ،‬وفيه (‪ )10‬روايات [بحار النوار‪.].118-24/114 :‬‬
‫وباب أنهم عليهم السلم الصافون والمسبحون وصاحب المقام المعلوم وحملة عرش الرحمن‪،‬‬
‫وأنهم السفرة الكرام البررة‪ ،‬وفيه (‪ )11‬رواية [بحار النوار‪.].91-24/87 :‬‬
‫وباب أنهم كلمات ال‪ ،‬وفيه (‪ )25‬رواية [بحار النوار‪.].184-24/173 :‬‬
‫وباب أنهم حرمات ال‪ ،‬وفيه (‪ )6‬روايات [بحار النوار‪.].186-24/185 :‬‬
‫وباب انهم الذكر وأهل الذكر‪ ،‬وفيه (‪ )65‬رواية [بحار النوار‪.].188-23/172 :‬‬
‫وباب أنهم أنوار ال‪ ،‬وفيه (‪ )42‬رواية [بحار النوار‪.].325-23/304 :‬‬
‫وباب أنهم خير أمة وخير أئمة أخرجت للناس‪ ،‬وفيه (‪ )24‬رواية [بحار النوار‪.].158-24/153 :‬‬
‫‪101‬‬
‫وباب أنهم المظلومون‪ ،‬وفيه (‪ )37‬رواية [بحار النوار‪.].231-24/221 :‬‬
‫وباب أنهم المستضعفون‪ ،‬وفيه (‪ )13‬رواية [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].173-24/167 :‬‬
‫[بحار النوار‪-24/247 :‬‬ ‫وباب أنهم أهل العراف الذين ذكرهم ال في القرآن‪ ،‬وفيه (‪ )20‬رواية‬
‫‪.].256‬‬
‫وباب تأويل الوالدين والولد والرحام وذوي القربى بهم ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬وفيه (‪ )23‬رواية‬
‫[بحار النوار‪.].272-257-24 :‬‬
‫فالئمة كما ترى في هذه البواب يكونون أحيانا ملئكة‪ ،‬وأحيانا كتبا سماوية‪ ،‬أو أنوارًا‬
‫إلهية‪ ..‬إلخ‪ ،‬ومع ذلك فهم المظلومون والمستضعفون‪ ،‬وهي دعاوي ل تحتاج إلى نقد فهي‬
‫مرفوضة لغة وعقلً‪ ،‬فضلً عن الشرع وأصول السلم‪ ،‬وهي عناوين يناقض بعضها بعضا‪..‬‬
‫ولكنه يمضي في هذا النهج حتى يفسر الجمادات ويؤولها بالئمة‪ ،‬يقول‪ :‬باب أنهم الماء المعين‪،‬‬
‫والبئر المعطلة‪ ،‬والقصر المشيد‪ ،‬وتأويل السحاب‪ ،‬والمطر‪ ،‬والظل‪ ،‬والفواكه وسائر المنافع‬
‫بعلمهم وبركاتهم‪ .‬وقد أورد في هذا الباب إحدى وعشرين رواية [البحار‪ ].110-24/100 :‬انتخبها ‪-‬‬
‫كعادته ‪ -‬من طائفة من كتبهم المعتمدة‪.‬‬
‫ويغلو ويشتط‪ ،‬ويتجاوز الحد‪ ،‬ليصل إلى أوصاف الرب جل جلله فيقول‪ :‬باب أنهم جنب ال‬
‫وروحه ويد ال‪ ،‬وأمثالها‪ ،‬ويذكر فيه ستا وثلثون رواية [البحار‪.].203-24/191 :‬‬
‫ويجعلهم هم الكعبة والقبلة‪ ..‬ويعقد بابا لهذا بعنوان‪ :‬باب أنهم ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬حزب ال‬
‫[ربما أن البهرة (إسماعيلية الهند واليمن) الذين يذهبون للحج‪ ،‬لن الكعبة ‪ -‬كما يقولون‪ -‬رمز علي‬ ‫وبقيته وكعبته‬
‫المام (إسلم بل مذاهب‪ :‬ص ‪ ،)240‬قد استقوا هذا «اللحاد» من هذه الروايات‪ ،‬فإن الروافض هم الباب والوسيلة‬
‫لغلو الفرق الباطنية‪ ].‬وقبلته‪ ،‬وأن الثارة من العلم علم الوصياء‪ ،‬ويقدم في هذا الباب سبع روايات‬
‫[البحار‪.].213-24/211 :‬‬
‫ويمضي في هذا الشطط في طائفة من البواب عرضها يمثل في الحقيقة أبلغ رد وأعظم نقد‬
‫لمذهب الشيعة‪ ،‬وهو ينسف بنيانهم من القواعد‪ ،‬وهو يؤكد عظمة هذا الدين السلمي‪ ،‬فبضدها‬
‫تتميز الشياء ‪ -‬فلول المر ما عرف طعم الحلو ‪ -‬فهذه التأويلت أشبه ما تكون بمحاولت‬
‫مسيلمة الكذاب‪ ،‬وهي تعطي الدليل القاطع على أنها ليست من عند ال سبحانه‪ ،‬يعرف هذا من‬
‫له أدنى صلة بلغة العرب فضلً عن دين السلم وقواعده وأصوله‪ ،‬لن ال سبحانه أنزل هذا‬
‫القرآن بلسان عربي مبين‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫وكتاب البحار المعتمد عند الشيعة يكاد يجعل الئمة هم كل شيء ورد به القرآن‪ ..‬فيمضي‬
‫في هذه البواب ليقرر ما شاء له هواه وتعصبه‪ ،‬ويصل به المر ليلقي كل ما في نفسه وما‬
‫يخطر بباله بل خلف من انكشاف فضيحته‪ ،‬ول حياء من زيادة وقاحته فيقول‪:‬‬
‫[المصدر السابق‪-24/97 :‬‬ ‫باب أنهم البحر واللؤلؤ والمرجان‪ ،‬ويضمن هذا الباب سبع روايات‬
‫‪.].99‬‬
‫فهل هم جماد؟ أو هذا عندهم رمز باطني‪ ،‬وإشارة سرية إليهم!! ولكنهم ليسوا بجماد‪ ،‬فهو‬
‫يعقد بابا بعنوان‪:‬‬
‫باب أنهم الناس‪ ،‬ول يذكر فيه سوى ثلث روايات [المصدر السابق‪ .].96-24/94 :‬ويقرر في هذا‬
‫الباب بأن غير الئمة ليسوا من الناس‪ ..‬ويعود ليتابع بسط مذهبهم الغريب الشاذ‪ ،‬والذي لم يكن‬
‫معروفا عن الثني عشرية عند علماء المسلمين السابقين‪ ،‬بل هذا المذهب مشتهر عن الباطنية‬
‫[وقد أشار بعض شيوخهم إلى أن المذهب يتطور ويتغير من زمن لخر‪ ،‬كما سيأتي الحديث عن ذلك في باب "الشيعة‬
‫المعاصرون وصلتهم بأسلفهم"‪ ..].‬يعود ليعقد بابا بعنوان‪ :‬باب نادر في تأويل النحل بهم‪ ،‬وذكر في‬
‫هذا سبع روايات [البحار‪.].113-24/110 :‬‬
‫وبابا آخر بعنوان‪ :‬باب في تأويل اليام والشهور بالئمة‪ ،‬ويتضمن هذا الباب أربعة أحاديث‬
‫[المصدر السابق‪.].243-24/238 :‬‬
‫ولو ذهبنا ننقل أحاديث تلك البواب‪ ،‬ونتعقبها بالتحليل والنقد لستوعب ذلك مجلدات‪.‬‬
‫وقد اخترنا هنا ذكر البواب حتى ل يقال بأننا نعمد إلى الروايات الشاذة عندهم فنذكرها‪ ،‬كما‬
‫أننا سنذكر بعد هذا أمثلة من روايات هذه البواب ونختار منها ‪ -‬في الغالب ‪ -‬ما يشترك في‬
‫ذكرها مجموعة من كتبهم المعتمدة‪ .‬وهذه البواب التي أوردناها هي قليل من كثير‪ ،‬وقد جاءت‬
‫في أكبر موسوعة حديثية عند الشيعة وهو كتاب البحار‪ ،‬والذي قال شيوخهم المعاصرون في‬
‫وصفه‪" :‬أجمع كتاب في فنون الحديث" [محسن المين‪ /‬أعيان الشيعة‪" ،].1/293 :‬لم يكتب قبله ول بعده‬
‫جامع مثله" [أغابزرك الطهراني‪ /‬الذريعة‪" ،].3/26 :‬وقد صار مصدرا لكل من طلب بابا من أبواب‬
‫علوم آل محمد صلى ال عليه وسلم" [المصدر السابق‪" ،].27-3/26 :‬هو المرجع الوحيد في تحقيق‬
‫معارف المذهب" [البهبودي‪ /‬مقدمة البحار‪ :‬ص ‪ .].19‬أما مؤلفه فهو عندهم‪" :‬شيخ السلم والمسلمين"‬
‫[الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪" ،].2/78 :‬رئيس الفقهاء والمحدثين‪ ،‬آية ال في العالمين‪ ،‬ملذ المحدثين في‬
‫كل العصار‪ ،‬ومعاذ المجتهدين في جميع المصار" [مقدمة البحار‪ :‬ص ‪ ].39‬إلى آخر اللقاب التي‬
‫خلعوها عليه‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وتلك الروايات مصدرها طائفة من كتبهم المعتمدة‪ ،‬لنه يقول‪« :‬اجتمع عندنا بحمد ال سوى‬
‫[الكتب الربعة هي‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ ،‬وسيأتي إن شاء ال‬ ‫الكتب الربعة‬
‫[اعتقادات‬ ‫حديث عنها في مبحث‪" :‬عقيدتهم في السنة"‪ ].‬نحو مائتي كتاب ولقد جمعتها في بحار النوار"‬
‫المجلسي ص‪( 24 :‬عن كتاب الفكر الشيعي‪ /‬مصطفى الشيبي ص‪ .].)61 :‬ويقول صاحب الذريعة‪" :‬وأكثر‬
‫مآخذ البحار من الكتب المعتمدة والصول المعتبرة" [الذريعة‪.].27-3/26 :‬‬
‫وإن من له أدنى صلة باللسان العربي ‪ -‬كما قلت ‪ -‬يدرك أن هذه البواب وتلك الروايات‬
‫إلحاد في كتاب ال‪ ،‬وتحريف لكلمه سبحانه عن مواضعه‪ .‬وأن مثل هذه التحريفات ل تلتبس‬
‫إل على أعجمي جاهل بالسلم ولغة العرب‪ ،‬ولعلها برهان واقعي على أن من حاول المساس‬
‫بكتاب ال سبحانه سقط إلى هذا الدرك الهابط‪ ،‬وليس هذا النهج في كتب الروايات والحاديث‬
‫[انظر‪ :‬مقدمة تفسير‬ ‫فحسب‪ ،‬فأنت إذا طالعت عمدة التفسير عند الطائفة "وأصل أصول التفاسير"‬
‫القمي‪ ].1/16 :‬لديها‪ ،‬وهو تفسير القمي ألفيته قد أخذ من تلك التفاسير الباطنية بنصيب وافر‪،‬‬
‫ومثله تفسير العياشي وهو من كتب التفسير القديمة المعتمدة عندهم‪ ،‬وعلى نفس الطريق تجد‬
‫تفسير البرهان‪ ،‬وتفسير الصافي وغيرها‪ ،‬وهي تعتمد على تفسير اليات ‪ -‬بما زعموا ‪ -‬أنه‬
‫المأثور عن جعفر الصادق أو بقية النثي عشر‪ .‬ولو ذهنا ندرس ونعرض كل كتاب تفسير على‬
‫حدة لطال الموضوع وخرجنا عن المقام‪ ،‬وحسبنا أن نذكر أمثلة من رواياتهم في هذا الباب ‪.‬‬
‫أصل هذه التأويلت وجذورها‪ ،‬وأمثلة لها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصل هذه التأويلت‪:‬‬
‫مضى القول بأن كتب الشيعة تزعم أن القرآن ل يحتج به إل بقيم‪ ،‬وأن هذا القيم ‪ -‬والمتمثل‬
‫بالثني عشر ‪ -‬عنده علم القرآن كله ول يشركه في ذلك أحد‪ ،‬ثم جعلت لهذا القيم وظيفة‬
‫"المشرع" في تخصيص عام النصوص‪ ،‬وتقييد مطلقها‪ ،‬وبيان مجملها‪ ،‬ونسخ ما شاء منها‪ ،‬لنه‬
‫مفوض في أمر الدين كله‪ ،‬ثم بررت ضرورة وجود هذا القيم لتأويل القرآن بقولها‪ :‬بأن للقرآن‬
‫معاني باطنة تخالف الظاهر‪ ،‬ثم كشفت عن علم هذا الباطن المدخر عند الئمة بأنه يعني الئمة‬
‫الثني عشر وأعداءهم (وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان)‪ ،‬ومعظم موضوعات القرآن ل‬
‫تتعدى ‪ -‬عندهم ‪ -‬هذا الشأن‪ ،‬ثم وضعت هذه النظريات موضع التنفيذ‪ ،‬حيث قام شيوخ الشيعة‬
‫بوضع مئات الروايات في تفسير معاني القرآن بالئمة أو مخالفيهم‪ ،‬أو بعقيدة أخرى من‬
‫عقائدهم التي شذوا بها عن جماعة المسلمين‪.‬‬
‫ويرى بعض الباحثين [جولد سيهر‪ /‬مذاهب التفسير السلمي ص‪ ].404-303 :‬أن أول كتاب وضع‬
‫الساس لهذا اللون من تفسير الشيعة هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة‬
‫‪104‬‬
‫[جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي‪ ،‬توفي سنة (‪127‬ه‍)‪ ،‬قال ابن حبان‪ :‬كان سبئيا من‬ ‫(جابر الجعفي)‬
‫أصحاب عبد ال بن سبأ‪ .‬كان يقول‪ :‬إن عليا يرجع إلى الدنيا‪ ،‬وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال‪ :‬جابر الجعفي‬
‫رافضي يشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال النسائي وغيره‪ :‬متروك‪ .‬وقال يحيى‪ :‬ل يكتب حديثه‬
‫ول كرامة‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬ضعيف رافضي‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬ميزان العتدال‪ ،380-1/379 :‬تقريب التهذيب ‪ ،1/123‬الضعفاء للعقيلي‪.)196-1/191 :‬‬
‫أما هذا الجعفي في كتب الشيعة فأخبارهم في شأنه متناقضة‪ ،‬فأخبار تجعله ممن انتهى إليه علم أهل البيت‪،‬‬
‫وتضفي عليه صفات أسطورية من علم الغيب ونحوه‪ ،‬وأخبار تطعن فيه‪ ..‬لكنهم يحملون أخبار الطعن فيه على التقية‪،‬‬
‫ويقولون بتوثيقه كعادتهم في توثيق من على مذهبهم‪ ،‬وإن كان كاذبا (انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،20/51 :‬رجال الكشي‪:‬‬
‫ص ‪ ،191‬جامع الرواة‪ .)1/144 :‬وانظر تفصيل ذلك في‪" :‬فصل عقيدتهم في السنة"‪.].‬‬
‫[الطوسي‪ /‬الفهرست ص‪ ،70 :‬أغا برزك‪ /‬الذريعة‪:‬‬ ‫وقد أشار إلى هذا التفسير طائفة من شيوخ الشيعة‬
‫‪ ،4/268‬العاملي‪ /‬أعيان الشعية‪ ،].1/196 :‬وكان هذا التفسير ‪ -‬كما تشير بعض رواياتهم ‪ -‬موضع‬
‫التداول السري‪ ،‬فيروي الكشي بسنده عن المفضل بن عمر الجعفي‪ ،‬قال‪" :‬سألت أبا عبد ال ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬عن تفسير جابر؟ فقال‪ :‬ل تحدث به السفلة فيذيعوه" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].192‬‬
‫وتجد روايات كثيرة متفرقة في كتب الشيعة مروية عن هذا الجعفي‪ ،‬وينسبها لجعفر بن‬
‫[قال المظفر (من شيوخ الشيعة المعاصرين) ‪" :‬روي عن الباقر خاصة سبعين ألف حديث‪ ..‬وقيل‪:‬‬ ‫محمد أو أبيه‬
‫إنه ممن انتهى إليه علم الئمة"‪( .‬محمد المظفر‪ /‬المام الصادق ص ‪ .)143‬ولكن في رجال الكشي عند ترجمته لجابر‬
‫الجعفي‪ .‬قال زرارة‪ :‬سألت أبا عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن أحاديث جابر فقال‪" :‬ما رأيته عند أبي قط إل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وما دخل علي قط" (رجال الكشي‪ :‬ص ‪ )191‬وهذه شهادة منهم تثبت كذب جابر في مروياته عن الصادق‬
‫وأبيه‪ ،‬وسيأتي مزيد بيان لهذا في فصل السنة‪ .].‬ويبدو أن الشيعة ل يمكن أن تثبت لها قدم‪ ،‬أو تحتج‬
‫بدليل من كتاب ال إل بمثل هذه التأويلت الباطنية‪ ،‬ولهذا بدأ هذا النهج مبكرا كما نلحظ‪ ،‬بل‬
‫يمكن أن يقال‪ :‬إن جذور هذه العقيدة قد نبتت في أروقة السبئية‪ ..‬لن ابن سبأ هو الذي حاول‬
‫أن يجد لقوله بالرجعة مستندا من كتاب ال بالتأويل الباطل وذلك حينما قال‪ :‬العجب ممن يزعم‬
‫عَليْكَ الْ ُقرْآنَ‬
‫أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع‪ .‬وقد قال ال عز وجل‪{ :‬إِنّ الّذِي َفرَضَ َ‬
‫َلرَادّكَ ِإلَى مَعَادٍ} [القصص‪ ،‬آية‪ ، 85 :‬وهذا النص في‪ :‬تاريخ الطبري ‪ ،4/34‬تاريخ ابن الثير (‪.].)3/77‬‬
‫وقد نقلت لنا بعض كتب أهل السنة نماذج من تأويلت الشيعة لكتاب ال‪ ،‬ولكن ما انكشف لنا‬
‫اليوم أمر ل يخطر على البال‪ .‬ويبدو أن ما نسبه بعض أئمة السنة لغلة الشيعة من تأويلت قد‬
‫[الفرق بين الفرق‪:‬‬ ‫ورثتها الثنا عشرية‪ .‬فالمام الشعري [مقالت السلميين‪ ،].1/73 :‬وكذلك البغدادي‬
‫ص ‪ ،].240‬والشهرستاني [الملل والنحل‪ ].1/177 :‬وغيرهم يحكون عن المغيرة بن سعيد أحد الغلة‬
‫[المغيرية‪ :‬أتباع المغيرة بن سعيد‪ ،‬عدّهم أصحاب‬ ‫باتفاق السنة والشيعة والذي تنسب إليه طائفة المغيرية‬

‫‪105‬‬
‫الفرق من غلة الشيعة‪ ،‬نسب إليه القول بألوهية علي‪ ،‬ودعوة النبوة‪ ،‬والتجسيم‪ ،‬وضللت أخرى‪ ،‬وقد جاء في كتب‬
‫الثني عشرية ذمة ولعنة عن الئمة‪ ..‬قتله خالد بن عبد ال القسري سنة (‪119‬ه‍)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ الطبري‪ ،130-7/128 :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،74-1/69 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪:‬‬
‫‪ ،242-238‬ابن حزم‪ /‬الفصل‪ ،44-5/43 :‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪ ، 178-176 :‬نشوان الحميري‪ /‬الحور العين‪:‬‬
‫ص ‪ ، 168‬الذهبي‪ /‬ميزان العتدال‪ ،162-4/160 :‬المقريزي‪ /‬الخطط‪. 2/353 :‬‬
‫وانظر من كتب الشيعة‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،55‬رجال الكشي‪ ،‬الروايات رقم‪،402 ،400 ،339 ،336 :‬‬
‫‪ ].549 ،544 ،543 ،542 ،511 ،408 ،407 ،406 ،405 ،404 ،403‬أنه ذهب في تأويل الشيطان في قول‬
‫شيْطَانِ إِذْ قَالَ ِللِنسَانِ اكْ ُفرْ} [الحشر‪ ،‬آية‪ ].16 :‬بعمر بن الخطاب ‪ -‬رضي‬
‫ال جل شأنه‪َ { :‬كمَ َثلِ ال ّ‬
‫ال عنه ‪.-‬‬
‫وهذا التأويل بعينه قد ورثته الثنا عشرية‪ ،‬ودونته في مصادرها المعتمدة‪ ،‬حيث جاء في‬
‫[تفسير‬ ‫تفسير العياشي [تفسير العياشي‪ ،].2/223 :‬والصافي [الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪ ،].3/84 :‬والقمي‬
‫[البحراني‪/‬‬ ‫القمي (انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،)3/84 :‬ولم أجده في الطبعة التي عندي من تفسير القمي‪ ،].‬والبرهان‬
‫البرهان‪ ،].2/309 :‬وبحار النوار [بحار النوار‪( 3/378 :‬ط‪ .‬كمباني)‪ ،].‬عن أبي جعفر في قول ال‪:‬‬
‫ضيَ ا َل ْمرُ} [إبراهيم‪ ،‬آية‪ ].22 :‬قال‪" :‬هو الثاني‪ ،‬وليس في القرآن شيء‪:‬‬
‫شيْطَانُ َلمّا ُق ِ‬
‫{وَقَالَ ال ّ‬
‫"وقال الشيطان" إل وهو الثاني" فكأن كتب الثني عشرية تزيد على المغيرة بوضع هذا اللحاد‬
‫في كتاب ال قاعدة مطردة‪.‬‬
‫[الكليني‪ /‬الكافي (المطبوع بهامش مرآة العقول)‬ ‫وفي الكافي عن أبي عبد ال قال‪" :‬وكان فلنا شيطانا‬
‫‪ ،].4/416 :‬قال المجلسي في شرحه على الكافي‪ :‬المراد بفلن عمر" [مرآة العقول‪.].4/416 :‬‬
‫فهذه الروايات التي تسندها كتب الشيعة الثني عشرية إلى أبي جعفر الباقر هي من أكاذيب‬
‫[كثير النواء‪ :‬شيعي (وروي أنه رجع عن‬ ‫المغيرة بن سيعد وأمثاله‪ ،‬فقد ذكر الذهبي عن كثير النواء‬
‫تشيعه‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬ضعفوه‪ ،‬ومشاه ابن حبان‪ :‬الكاشف‪ ].)3/3 :‬أن أبا جعفر قال‪" :‬برئ ال ورسوله من‬
‫المغيرة بن سعيد‪ ،‬وبيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت" [ميزان العتدال‪ ،].4/161 :‬وروى‬
‫[رجال الكشي‪:‬‬ ‫الكشي في رجاله عن أبي عبد ال قال‪" :‬لعن ال المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا"‬
‫[مضى الشارة إليها في ص‪ )250( :‬هامش رقم‪( :‬‬ ‫رقم ‪ .].336‬وساق الكشي روايات عديدة في هذا الباب‬
‫‪ .].)5‬وأشارت روايات الكشي إلى أن المغيرة بن سعيد كان يأخذ ضلله من مصدر يهودي‪،‬‬
‫ففي رجال الكشي أن أبا عبد ال قال يوما لصحابه‪" :‬لعن ال المغيرة بن سعيد ولعن يهودية‬
‫كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة (كذا) والمخاريق" [رجال الكشي‪ :‬رقم ‪.].403‬‬
‫ويلحظ أنه اتفق كل من الشعري‪ ،‬والبغدادي‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬ونشوان الحميري على أن جابر‬
‫الجعفي الذي وضع أول تفسير للشيعة على ذلك النهج الباطني كان خليفة المغيرة بن سعيد‬
‫‪106‬‬
‫[الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،1/73 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق ص‪ ،242 :‬ابن حزم‪ /‬المحلى‪ ،5/44 :‬نشوان‪/‬‬
‫الحور العين ص ‪ ].168‬الذي قال‪ :‬بأن المراد بالشيطان في القرآن هو أمير المؤمنين عمر ‪ -‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،-‬فهي عناصر خطرة يستقي بعضها من بعض عملت على إفساد التشيع‪.‬‬
‫ب‪ -‬أمثلة من تأويلت الشيعة ليات القرآن‪:‬‬
‫حين احتج شيخ الشيعة في زمنه ‪ -‬والذي إذا أطلق لقب "العلمة" عندهم انصرف إليه (ابن‬
‫حرَيْنِ‬
‫المطهر الحلي)‪ -‬على استحقاق علي للمامة بقوله‪" :‬البرهان الثلثة قوله تعالى‪َ { :‬مرَجَ ا ْلبَ ْ‬
‫يَ ْلتَ ِقيَانِ‪َ ،‬بيْ َن ُهمَا َب ْرزَخٌ ل يَبْ ِغيَانِ} قال‪ :‬علي وفاطمة‪{ ،‬بَ ْي َنهُمَا بَ ْر َزخٌ ل َيبْ ِغيَانِ} النبي صلى ال‬
‫خ ُرجُ مِ ْن ُهمَا الّل ْؤُلؤُ وَا ْل َمرْجَانُ}‪ ،‬الحسن والحسين"‪.‬‬
‫عليه وسلم‪{ ،‬يَ ْ‬
‫حينما احتج ابن المطهر بذلك قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن هذا وأمثاله إنما يقوله من ل‬
‫يعقل ما يقول‪ ،‬وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملحدة والقرامطة‬
‫الباطنية للقرآن‪ ،‬بل هو شر من كثير منه‪ .‬والتفسير بمثل هذا طريق الملحدة‪ ،‬بل هو شر من‬
‫كثير منه‪ ،‬والتفسير بمثل هذا طريق للملحدة على القرآن والطعن فيه‪ ،‬بل تفسير القرآن بمثل‬
‫هذا من أعظم القدح والطعن فيه" [منهاج السنة‪.].4/66 :‬‬
‫وأقول‪ :‬كيف لو رأى شيخ السلم ما أودع في الكافي والبحار‪ ،‬وتفسير العياشي‪ ،‬والقمي‪،‬‬
‫والبرهان‪ ،‬وتفسير الصافي وغيرها من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيرا؟!‪.‬‬
‫[كنت عملت قائمة من هذه‬ ‫وبين يدي مجموعة كبيرة من هذا اللون‪ ..‬يستغرق عرضها المجلدات‬
‫التأويلت رتبت موادها على حروف المعجم‪ ،‬فأذكر في كل مادة‪ :‬عدد المواضع التي ذكرت فيها في كتاب ال‪،‬‬
‫وتأويلت الشيعة لها في هذه المواضع‪ ..‬وخرجت من ذلك بمادة كبيرة جدا‪ ،‬إل أن المشرف رأى ‪ -‬ووافقته على ذلك‬
‫‪ -‬الستغناء عنها بما عرضنا هنا لسباب منهجية‪ ،].‬ركام هائل من الروايات‪ ..‬حجبت الشيعة عن نور‬
‫القرآن وهديه‪ ..‬فالتوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل‪ ..‬وجوهر رسالتهم‪ ..‬هو عندهم ولية‬
‫المام‪ ،‬فيرون عن أبي جعفر أنه قال‪" :‬ما بعث ال نبيا قط إل بوليتنا والبراءة من عدونا‪،‬‬
‫ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ}‬
‫عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ‬
‫وذلك قول ال في كتابه‪{ :‬وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً أَنِ ا ْ‬
‫[النحل‪ ،‬آية‪[ .].23 :‬تفسير العياشي‪ ،2/261 :‬البرهان‪ ،2/343 :‬تفسير الصافي‪ 3/134 :‬تفسير نور الثقلين‪.].3/60 :‬‬
‫ورواياتهم في هذا الباب كثيرة ‪ -‬كما سيأتي – [في مبحث‪ :‬عقيدتهم في توحيد اللوهية‪.].‬‬
‫والله في كتاب ال هو المام‪ ،‬فقوله تعالى‪َ { :‬ل َتتّخِذُواْ إِلـ َهيْنِ ا ْث َنيْنِ ِإ ّنمَا ُهوَ إِلهٌ وَاحِدٌ}‬
‫[النحل‪ ،‬آية‪ ].51 :‬قال أبو عبد ال ‪ -‬كما يزعمون ‪" :-‬يعني بذلك ل تتخذوا إمامين إنما هو إمام‬
‫واحد" [تفسير العياشي‪ ،2/261 :‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،2/373 :‬تفسير نور الثقلين‪ .].3/60 :‬والرب هو‬
‫المام عندهم‪ .‬وقد يلتمس لهم في هذا التأويل عذر؛ لن للرب في اللغة استعمالت أخرى كرب‬

‫‪107‬‬
‫البيت‪ ،‬ورب المال بمعنى صاحب‪ ،‬ولكن يمنع من ذلك أن تأويلهم للرب في المام جرى في‬
‫آيات هي نص في ال سبحانه ول تحتمل وجها آخر‪ .‬وفي قوله سبحانه عن المشركين‪:‬‬
‫[الفرقان‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ظهِيرًا}‬
‫ضرّهُمْ وَكَانَ ا ْلكَا ِفرُ عَلَى َر ّبهِ َ‬
‫{ َويَ ْعبُدُونَ مِن دُونِ الّل ِه مَا ل يَنفَ ُعهُمْ وَل يَ ُ‬
‫‪ .].55‬قال القمي في تفسيره‪" :‬الكافر‪ :‬الثاني (يعني عمر ‪ -‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ )-‬كان على‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم ظهيراط [تفسير القمي‪ .].2/115 :‬فاعتبر أمير المؤمنين عليا هو الرب‪.‬‬
‫وقال الكاشاني "في البصائر" [يعني بصائر الدرجات لشيخهم الصفار‪ ].‬عن الباقر ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬أنه‬
‫سئل عن تفسيرها فقال (كما يفترون)‪" :‬إن تفسيرها في بطن القرآن‪ :‬عليّ هو ربه في الولية‪،‬‬
‫[لحظ‬ ‫والرب هو الخالق الذي ل يوصف"‪ ،‬فهذا قد يفهم منه أن عليا هو الرب الذي ل يوصف‬
‫في هذا النص إشارة إلى مذهبهم في تعطيل ال من صفاته ‪ -‬كما سيأتي‪ ،-‬وانظر النص في‪ :‬تفسير الصافي‪،4/20 :‬‬
‫البرهان‪ ،3/172 :‬تفسير نور الثقلين‪ ،4/25 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪ - ].59‬كما يفترون ‪ ،-‬لن الية نص في‬
‫حق الباري سبحانه؟!‬
‫وقد حاول صاحب تفسير الصافي تفادي هذا المر فقال في توضيح النص السالف‪" :‬يعني أن‬
‫[تفسير الصافي‪ ،4/20 :‬مرآة النوار‪:‬‬ ‫الرب على الطلق الغير المقيد بالولية هو الخالق جل شأنه"‬
‫ص ‪ .].59‬ولكن نص الية ل يؤيده فيما ذهب إليه؛ إذ إن "الرب" الوارد في الية لم يقيد‬
‫بالولية‪ ..‬فهو ل ينصرف إل إلى الحق جل شأنه‪ ،‬وليس هناك أية قرينة صارفة للفظ عن‬
‫معناه؛ ولهذا قال طائفة من السلف في تفسيرها‪" :‬وكان الكافر معينا للشيطان على ربه مظاهرا‬
‫له على معصيته" [تفسير الطبري‪ ، 27-19/26 :‬تفسير ابن كثير‪.].3/338 :‬‬
‫ض ِبنُورِ َر ّبهَا} [الزمر‪ ،‬آية‪ ].69 :‬قال المفسرون‪ :‬أي أضاءت‬
‫شرَقَتِ ا َلرْ ُ‬
‫وفي قوله سبحانه‪{ :‬وََأ ْ‬
‫يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعل للخلئق لفصل القضاء [تفسير ابن كثير‪ .].4/70 :‬ولكن شيخ‬
‫المفسرين عند الشيعة (إبراهيم القمي) يروي بسنده عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد ال ‪-‬‬
‫ض ِبنُورِ َر ّبهَا} قال‪ :‬رب الرض يعني إمام‬
‫شرَقَتِ ا َلرْ ُ‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬يقول في قوله‪{ :‬وََأ ْ‬
‫الرض‪ ،‬فقلت‪ :‬فإذا خرج يكون ماذا؟ قال‪ :‬إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر‬
‫ويجتزون (كذا) بنور المام [تفسير القمي‪ ،2/253 :‬البرهان‪ ،4/87 :‬تفسير الصافي‪.].4/331 :‬‬
‫ويؤولون اليات المتعلقة بصفات ال سبحانه بالئمة‪ ،‬وعلى سبيل المثال قالوا‪" :‬إن الخبار‬
‫المستفيضة تدل على تأويل وجه ال بالئمة عليهم السلم" [مرآة النوار‪ :‬ص ‪ ].324‬يعنون أخبار‬
‫الشيعة‪ ،‬وقد ذكر المجلسي جملة من هذه الخبار في باب عقده بعنوان‪" :‬باب أنهم عليهم السلم‬
‫جنب ال ووجه ال ويد ال وأمثالها" [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].24/191 :‬‬

‫‪108‬‬
‫ج َههُ} [القصص‪ ،‬آية‪ ،].88 :‬وقوله‪:‬‬
‫فهل يعني أنهم يفسرون قوله سبحانه‪ُ { :‬كلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِلّ وَ ْ‬
‫جهُ رَبّكَ ذُو الْجَللِ وَالِ ْكرَامِ} [الرحمن‪ ،‬آية‪ ].27 :‬بهذا المعنى ‪ ،-‬وأن الئمة لهم البقاء‬
‫{ َويَبْقَى وَ ْ‬
‫الدائم‪ ،‬بل ينفردون بذلك؟! ما كنت أظن أن المر يصل بهم إلى هذا حتى وقعت عيني على‬
‫رواياته في كتبهم المعتمدة‪ ،‬ففي الية الولى يقول الصادق ‪ -‬كما يزعمون ‪" :-‬نحن وجه ال"‬
‫[انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/147 :‬الكراجكي‪ /‬كنز الفوائد ص ‪ ،219‬ابن شهراشوب‪ /‬مناقب آل أبي طالب‪ ،3/63 :‬بحار‬
‫النوار‪ ،24/193 :‬تفسير شبر‪ :‬ص ‪ ،].378‬وفي الية الثانية يقول‪" :‬نحن الوجه الذي يؤتى ال منه"‬
‫[تفسير القمي‪ ،2/345 :‬ابن شهراشوب‪ /‬مناقب آل أبي طالب‪ ،3/343 :‬الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪ ،5/110 :‬بحار‬
‫النوار‪ .].24/192 :‬ولكن الئمة ماتوا كالخرين‪ُ { :‬ك ّل مَنْ عَ َل ْيهَا فَانٍ} [الرحمن‪ ،‬آية‪ .].26 :‬وقد حاول‬
‫صاحب الكافي أن يجعل لئمة الشيعة ميزة ينفردون بها في حكم الموت العام فقال‪" :‬إن الئمة‬
‫يعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم" [أصول الكافي‪ .].1/258 :‬ولكنهم ماتوا على كل‬
‫حال‪ ،‬ولو كان الموت حسب اختيارهم لما كان للتقية وجود‪ ..‬ويقولون‪ :‬إن السماء الحسنى‬
‫سنَى} [العراف‪ ،‬آية‪ ].180 :‬هي الئمة‪ ،‬ويروون عن‬
‫ح ْ‬
‫سمَاءُ الْ ُ‬
‫الواردة في قوله سبحانه‪{ :‬وَ ِلّلهِ ا َل ْ‬
‫أبي عبد ال أنه قال‪ :‬نحن وال السماء الحسنى الذي ل يقبل من أحد إل بمعرفتنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫{فَادْعُو ُه ِبهَا} [تفسير العياشي‪ ،2/42 :‬تفسير الصافي‪ ،255-2/254 :‬البرهان‪.].2/51 :‬‬
‫وسيأتي المزيد من الشواهد في مبحث عقيدتهم في السماء والصفات ‪ -‬إن شاء ال ‪.-‬‬
‫وهذه التأويلت التي تفسر الله والرب و"ال" وصفاته بالمام هي من آثار السبئية التي‬
‫تذهب إلى القول بألوهية علي‪ ،‬وهذا الثر السام ل يزال ينخر في كيان الثني عشرية‪ ،‬ولهذا ل‬
‫[انظر‪ :‬الشيعة‬ ‫يزال إلى اليوم بعض شيوخ هذه الطائفة يصرح ويجاهر بهذه المقالة (كما سيأتي)‬
‫المعاصرون وصلتهم بأسلفهم من هذه الرسالة‪ .].‬وقد جاء في رجال الكشي بعض الروايات التي تفيد‬
‫استنكار جعفر لهذه التأويلت الباطنية التي تؤله الئمة‪ ،‬فقد ذكر عند جعفر ‪ -‬كما يروي الكشي‬
‫[الزخرف‪،‬‬ ‫سمَاءِ ِإَلهٌ وَفِي ا َلرْضِ ِإَلهٌ}‬
‫‪ -‬أن بعض الشيعة قال في قوله تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي فِي ال ّ‬
‫آية‪ ].84 :‬قال‪ :‬هو المام‪ ،‬فقال أبو عبد ال‪" :‬ل وال ل يأويني وإياه سقف بيت أبدًا‪ ،‬هم شر من‬
‫اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا‪ ،‬وال ما صغّر عظمة ال تصغيرهم شيء قط‪..‬‬
‫وال لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لخذتني الرض وما أنا إل عبد مملوك ل أقدر على‬
‫شيء ضر ول نفع" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].300‬‬
‫وكما يسمى المام بالرب والله عندهم‪ ،‬فهو أيضا يعبر عنه بالرسول‪ .‬قال صاحب مرآة‬
‫النوار‪" :‬قد ورد تأويل الرسول بالمام‪ ،‬والرسل بالئمة في بعض اليات بحيث يمكن سحبه‬
‫إلى غيرها" [مرآة النوار ص‪ .].163 :‬أي أنه يمكن اعتبار الرسل حينما وقعت في القرآن يراد بها‬

‫‪109‬‬
‫الئمة‪ ..‬ومما يدل على ذلك قولهم‪" :‬إن عمدة بعثة الرسل لجل الولية فيصح تأويل رسالة‬
‫الرسل بما يتعلق بها" [المصدر السابق‪ :‬ص ‪ .].163‬وهذا ليس بدليل؛ لنه مبني على تأويل باطني ل‬
‫يسلم لهم‪ ،‬ذلك أن عمدة بعثة الرسل هي التوحيد؛ لن ال يقول‪{ :‬وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً‬
‫ك مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي‬
‫ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ} [النحل‪ ،‬آية‪َ { ،].36 :‬ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َق ْبلِ َ‬
‫عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ‬
‫أَنِ ا ْ‬
‫عبُدُونِ} [النبياء‪ ،‬آية‪.].25 :‬‬
‫ِإَليْهِ َأ ّنهُ ل ِإَلهَ إِل َأنَاْ فَا ْ‬
‫ومن أمثله تأويلهم للرسول بالمام ما يرونه عن الصادق في تفسير قوله تعالى‪َ { :‬ولِ ُكلّ ُأ ّمةٍ‬
‫[مرآة النوار ص‪:‬‬ ‫ّرسُولٌ} [يونس‪ ،‬آية‪ .].47 :‬قال‪ :‬أي في كل قرن إمام يدعوهم إلى طريق الحق‬
‫‪ ،164‬وانظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/123 :‬البرهان‪ ،2/186 :‬تفسير الصافي‪ ،2/405 :‬بحار النوار‪.].307-24/306 :‬‬
‫والئمة أيضا يعبر عنهم بالملئكة في القرآن‪ ،‬جاء في أخبارهم ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬ما يدل على‬
‫أن المراد بالملئكة بحسب البطن في القرآن الئمة سواء كان المذكر بلفظ الملئكة أو غيرها‬
‫مما يفيد معناه كالذين يحملون العرش وأمثاله [مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].303‬‬
‫والئمة هم القرآن ‪ -‬كما مر [انظر‪ :‬ص (‪ )129-128‬من هذه الرسالة‪ - ].‬وهم الكتاب‪ ،‬ففي تفسير‬
‫القمي عن الصادق في قوله سبحانه‪{ :‬الم~‪َ ،‬ذلِكَ ا ْل ِكتَابُ لَ َريْبَ فِيهِ} [البقرة‪ ،‬آية‪ ].2 ،1 :‬قال‪:‬‬
‫[تفسير القمي‪ ،1/30 :‬تفسير العياشي‪ ،1/26 :‬البرهان‪ ،1/53 :‬تفسير الصافي‪-1/91 :‬‬ ‫الكتاب علي ول شك فيه‬
‫ي َبيْ َنهُمْ} [الشورى‪ ،‬آية‪ ].21 :‬قالوا‪:‬‬
‫صلِ لَ ُقضِ َ‬
‫‪ .].92‬وهم الكلمة في قوله سبحانه‪{ :‬وَ َلوْل كَ ِل َمةُ الْ َف ْ‬
‫الكلمة المام [تفسير القمي‪ ،2/274 :‬البرهان‪ ،4/121 :‬بحار النوار‪ ،].24/174 :‬وقوله سبحانه‪َ { :‬ل َتبْدِيلَ‬
‫ِلكَ ِلمَاتِ الّلهِ} [يونس‪ ،‬آية‪ ].64 :‬قالوا‪ :‬ل تغيير للمامة [تفسير القمي‪ ، 1/314 :‬بحار النوار‪.].24/175 :‬‬
‫ح ٍر مّا نَفِدَتْ َكِلمَاتُ الّلهِ} [لقمان‪ ،‬آية‪ ].27 :‬قال إمامهم (أبو الحسن‬
‫وفي قوله سبحانه‪...{ :‬سَبْ َعةُ َأبْ ُ‬
‫[بحار النوار‪ ،24/174 :‬تحف‬ ‫علي بن محمد) ‪ :‬نحن الكلمات التي ل تدرك فضائلنا ول تستقصى‬
‫العقول ص‪ ،355 :‬ابن شهراشوب‪ /‬مناقب آل أبي طالب‪ ،3/508 :‬الحتجاج ص ‪ .].552‬وأخبارهم في هذا‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪ :‬باب أنهم كلمات ال‪-24/173 :‬‬ ‫كثيرة أورد منها المجلسي في البحار(‪ )25‬رواية‬
‫‪.].185‬‬
‫وإطلق الكلمة على المام قد يوضح مدى التأثر بالنصرانية في إطلق الكلمة على المسيح ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬لكن تسمية المسيح كلمة ال؛ لن مثله عند ال كمثل آدم خلقه من تراب‪ ،‬ثم قال‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫له كن فيكون‪ ،‬فهو مخلوق بالكلمة‪ ،‬وأما علي فهو مخلوق كما خلق سائر الناس‬
‫‪.].3/18‬‬

‫‪110‬‬
‫صرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة‪ ،‬آية‪ .].6 :‬هو‬
‫والصراط المستقيم ‪ -‬في قوله تعالى ‪{ :-‬اه ِدنَـا ال ّ‬
‫[تفسير القمي‪ ،1/28 :‬تفسير العياشي‪ ،1/42 :‬البرهان‪ ،1/89 :‬تفسير الصافي‪ ،1/85 :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫أمير المؤمنين‬
‫‪ ].23/211‬عندهم‪.‬‬
‫شمْسِ َوضُحَاهَا} [الشمس‪ ،‬آية‪ ].1 :‬قال‪:‬‬
‫والشمس هي علي‪ ،‬فيروون عن الصادق في قوله‪{ :‬وَال ّ‬
‫[البرهان‪ ،4/467 :‬مرآة النوار ص‪ ،200 :‬وانظر‪ :‬تفسير‬ ‫"الشمس أمير المؤمنين‪ ،‬وضحاها‪ :‬قيام القائم"‬
‫القمي‪ ،2/242 :‬وفيه أن النهار هم الئمة‪ .].‬فهل يعني هذا أنه لما مات أمير المؤمنين اختفت الشمس‬
‫من الوجود؟!‪ ،‬والناس في ظلمة حتى يشرق ضحى القائم المنتظر؟‍!‬
‫والمسجد‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والكعبة‪ ،‬والقبلة هي المام والئمة‪ ،‬فيروون عن الصادق في قوله‬
‫[تفسير العياشي‪:‬‬ ‫تعالى‪{ :‬وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ ُك ّل َمسْجِدٍ} [العراف‪ ،‬آية‪ .].29 :‬قال‪ :‬يعني الئمة‬
‫‪ ،2/12‬البرهان‪ ،2/8 :‬تفسير الصافي‪ ،2/188 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪ ،175‬نور الثقلين‪ .]2/17 :‬وفي رواية أخرى‬
‫[تفسير‬ ‫خذُواْ زِي َنتَكُمْ عِندَ ُك ّل َمسْجِدٍ} [العراف‪ ،‬آية‪ ].31 :‬قال‪ :‬يعني الئمة‬
‫عنه في قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫[الجن‪،‬‬ ‫العياشي‪ ،2/13 :‬البرهان‪ .].2/9 :‬وفي قوله تعالى‪{ :‬وََأنّ ا ْل َمسَاجِدَ لِّلهِ فَل تَدْعُوا مَعَ الّلهِ أَحَدًا}‬
‫آية‪ ].18 :‬قال‪ :‬إن المام من آل محمد فل تتخذوا من غيرهم إماما [البرهان‪ ،].4/393 :‬ويقول‬
‫[انظر‪ :‬الكراجكي ‪ /‬كنز‬ ‫الصادق‪ -‬عندهم ‪.." :-‬نحن البلد الحرام‪ ،‬ونحن كعبة ال‪ ،‬ونحن قبلة ال"‬
‫الفوائد ص‪ ،2 :‬بحار النوار‪ ،24/303 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].213‬‬
‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ‬
‫والسجود‪ :‬هو ولية الئمة وبهذا يفسرون قوله تعالى‪{ :‬وَقَدْ كَانُوا يُدْ َ‬
‫[تفسير القمي‪،2/383 :‬‬ ‫سَا ِلمُونَ} [القلم‪ ،‬آية‪ .].43 :‬حيث قالوا‪" :‬أي يدعون إلى ولية علي في الدنيا"‬
‫البرهان‪ ،4/372 :‬تفسير الصافي‪ ،215-5/214 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].176‬‬
‫ولعل مثل هذه الروايات هي السبب في شيوع عبادة الئمة‪ ،‬وأضرحتهم‪ ،‬وعمارة المشاهد‬
‫وتعطيل المساجد‪ ،‬لن المشاهد هي المساجد‪ ،‬والمام هو كعبة ال وقبلته‪ ،‬ولهذا صنفوا كتبا‬
‫[مثل كتاب‪ :‬مناسك الزيارات للمفيد‪ ،‬وكتاب‬ ‫سموها‪" :‬مناسك المشاهد" أو "مناسك الزيارات"‪ ،‬أو "المزار"‬
‫المزار لمحمد علي بن الفضل‪ ،‬والمزار لمحمد المشهدي‪ ،‬والمزار لمحمد بن همام‪ ،‬والمزار لمحمد بن أحمد‪ .‬ذكرها‬
‫العاملي في وسائل الشيعة ونقل عنها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ، 49-20/48 :‬وانظر‪ :‬ابن تيمية‪ :‬منهاج السنة‪ ،1/175 :‬الفتاوى‪ ،].17/498 :‬واعتنوا‬
‫[كما في أصول الكافي‪،‬‬ ‫ببيان فضائلها وآدابها‪ ،‬وأخذت هذه المسائل في كتبهم المعتمدة قسما كبيرا‬
‫والوافي‪ ،‬والبحار‪ ،‬ووسائل الشيعة وغيرها‪ ،‬وسيأتي ذكر مواضعها وشيء من نصوصها‪ - ].‬كما سيأتي تفصيله‬
‫– [انظر‪" :‬فصل عقيدتهم في توحيد اللوهية"‪.].‬‬

‫‪111‬‬
‫والتوبة ومعناها معروف (الرجوع من المعاصي إلى طاعة ال) ولكن الشيعة تفسر التوبة‬
‫بالرجوع من ولية أبي بكر وعمر وبني أمية إلى ولية علي‪ ،‬ففي قوله سبحانه‪{ :‬فَاغْ ِفرْ لِلّذِينَ‬
‫سبِي َلكَ} [غافر‪ ،‬آية‪ ].7 :‬جاء تأويلها عندهم في ثلث روايات‪ ،‬تقول الولى‪{ :‬فَاغْ ِفرْ‬
‫تَابُوا وَا ّتبَعُوا َ‬
‫ن تَابُوا} من ولية فلن وفلن (يعنون أبا بكر وعمر) وبني أمية‪ ،‬وتقول الرواية الثانية‪:‬‬
‫ِللّذِي َ‬
‫ن تَابُوا} من ولية الطواغيت الثلثة (يعنون أبا بكر وعمر وعثمان) ومن بني أمية‪،‬‬
‫{فَاغْ ِفرْ ِللّذِي َ‬
‫ن تَابُوا} من ولية هؤلء وبني‬
‫سبِي َلكَ} يعني ولية علي‪ ،‬وتقول الثالثة‪{ :‬فَاغْ ِفرْ لِلّذِي َ‬
‫{وَا ّتبَعُوا َ‬
‫[البرهان‪ ،93-4/92 :‬تفسير الصافي‪ ،4/335 :‬وانظر‪ :‬تفسير‬ ‫سبِي َلكَ} هو أمير المؤمنين‬
‫أمية {وَا ّتبَعُوا َ‬
‫القمي‪.].2/255 :‬‬
‫وكل الروايات الثلث المذكورة منسوبة لبي جعفر محمد الباقر‪ ،‬وعلمه ودينه ينفيان صحة‬
‫ذلك عنه‪.‬‬
‫وهذه الخبار تقدّم لنا مفهوما جديدا للتوبة‪ ،‬إذ هي في حقيقتها موالة رجل‪ ،‬ومعاداة آخر‪،‬‬
‫وليس هناك ُبعْدٌ آخر غير هذا‪ ..‬فالتوبة ل تكون إل في مسألة ولية المام‪ ،‬وغيرها ل يستحق‬
‫النابة والرجوع‪ ،‬ولهذا لم يرد له ذكر‪ ،‬وكأن الشيعة بهذا تجعل من والى عليا ليس عليه ذنب‪،‬‬
‫وإن بلغت ذنوبه مثل قراب الرض‪ ،‬وتجعل موالة أفضل الخلق بعد النبيين أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان هو الكفر الذي ل ينفع معه عمل‪.‬‬
‫فهل هذا هو السلم‪ ..‬وهل الرسول وصحبه لم يجاهدوا إل لقرار هذا المر؟!‬
‫ثم ما تأثير مثل هذه الروايات على من يؤمن بها ويعتقد أنها صادرة من محمد الباقر؟ أل‬
‫تهون في نفسه المعصية‪ ،‬وتدفعه إلى ارتكاب كل موبقة‪ ..‬وتثبطه عن عمل الخير‪ ،‬واصطناع‬
‫المعروف‪ ..‬بلى‪ ،‬إن هذا وراد‪ ،‬بل وراد‪ ،‬بل قد يكون حاصلً‪ ،‬فقد اطلعت في الكافي على‬
‫شهادة هامة في هذا الباب تتضمن شكوى أحد الشيعة لمامه من سوء أخلق أبناء طائفته‪ ،‬وأنه‬
‫[نصه ما يلي‪:‬‬ ‫ليعجب من البون الشاسع بين ما يجده عند أصحابه وبين ما يراه عند أهل السنة‬
‫عن عبد ال بن أبي يعفور قال‪ :‬قلت لبي عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :-‬إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل‬
‫يتولونكم ويتولون فلنا وفلنا (يعني أبا بكر وعمر‪ ،‬وهو يشير بهذا لهل السنة) لهم أمانة وصدق ووفاء‪ ،‬وأقوام‬
‫يتولونكم (يعني الشيعة) ليس لهم تلك المانة ول الوفاء والصدق؟ فاستوى أبو عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬جالسا‬
‫فأقبل علي كالغضبان‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل دين لمن دان ال بولية إمام جائر ليس من ال‪ ،‬ول عتب على من دان بولية إمام‬
‫عادل من ال قلت‪ :‬ل دين لولئك ول عتب على هؤلء‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل تسمع لقول ال عز وجل‪{ :‬اللّهُ َوِليّ الّذِينَ آ َمنُواْ‬
‫ظلُمَاتِ ِإلَى النّ ُورِ} [البقرة‪ ]257 :‬يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لوليتهم كل إمام‬
‫ن ال ّ‬
‫خرِجُهُم ّم َ‬
‫يُ ْ‬
‫عادل من ال‪( ..‬أصول الكافي‪ ،].)1/375 :‬وقد نقل لنا الشوكاني ملحظات قيمة في هذا سجلها أثناء‬
‫[يقول الشوكاني‪" :‬جربنا وجرب غيرنا فلم يجدوا رافضيا يتنزه عن شيء من محرمات الدين‬ ‫خلطته مع الشيعة‬
‫‪112‬‬
‫كائنا ما كان" (طلب العلم ص ‪ ،)73‬وستأتي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬بقية ملحظاته في فصل‪" :‬أثرهم في العالم السلمي"‪،].‬‬
‫وسيأتي حديث في هذا الشأن في فصل "أثرهم في العالم السلمي"‪.‬‬
‫والصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬الحج‪ ،‬والصيام‪ ..‬أركان السلم ومبانيه العظام هي عند الشيعة بمعنى‬
‫الئمة في القرآن‪ ،‬فيروون عن أبي عبد ال‪" :‬نحن الصلة في كتاب ال عز وجل ونحن الزكاة‬
‫ونحن الصيام ونحن الحج" [بحار النوار‪ ..].24/303 :‬بل إن الدين كله هو عندهم ولية علي‪،‬‬
‫[البقرة‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫صطَفَى لَ ُكمُ الدّينَ}‬
‫ويروون عن جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّلهَ ا ْ‬
‫‪ .].132‬قال‪" :‬ولية علي ‪ -‬رضي ال عنه – {فَلَ تَمُوتُنّ إَلّ وَأَنتُم مّسْ ِلمُونَ} لولية علي"‬
‫[البرهان‪ ،1/156 :‬مرآة النوار ص‪ .].148 :‬وفي تفسير القمي في قوله تعالى‪{ :‬أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ‪}..‬‬
‫[الشورى‪ ،‬آية‪ ].13 :‬قال‪ :‬المام‪{ ،‬وَل َتتَفَرّقُوا فِيهِ}‪ ،‬كناية عن أمير المؤمنين ‪ -‬رضي ال عنه ‪،-‬‬
‫جتَبِي ِإَليْ ِه مَن َيشَاءُ} كناية‬
‫ن مَا تَدْعُوهُمْ ِإَليْهِ} من أمر ولية علي‪{ ،‬الّل ُه يَ ْ‬
‫شرِكِي َ‬
‫علَى ا ْل ُم ْ‬
‫{ َك ُبرَ َ‬
‫[تفسير القمي‪ ،2/274 :‬البرهان‪ ،4/120 :‬تفسير الصافي (‪ ،)369-4/368‬بحار‬ ‫عن علي ‪ -‬عليه السلم –‬
‫النوار‪.].36/84 :‬‬
‫وإذا كان المر كذلك لماذا ل يسمى دين (المنتظر) أو دين الولية‪ ،‬أو الولية نفسها‪ ..‬وحقيقة‬
‫المر أن هذا دين آخر غير دين السلم‪ ،‬هذا الدين معناه طاعة رجل وقد ورثته الثنا عشرية‬
‫[الكيسانية‪ :‬من غلة الشيعة‪ ،‬تقول بإمامة محمدين بن الحنفية‪ ،‬وسميت بالكيسانية‬ ‫‪ -‬فيما يظهر ‪ -‬عن الكيسانية‬
‫نسبة للمختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لن لقبة كيسان‪ ،‬وكذلك تسمى بالمختارية عند بعض أصحاب الفرق‪ ،‬وقد ادعى‬
‫المختار نزل الوحي عليه‪ ،‬وقال بالبداء‪ ،‬وضللت أخرى‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الكيسانية سميت بذلك نسبة إلى رجل يقال له‪:‬‬
‫كيسان ‪ ،‬وهو مولى لبطن من جبيلة في الكوفة‪ ،‬وقيل‪ :‬مولى لعلي بن أبي طالب‪.‬‬
‫والكيسانية فرق بلغت عند الشعري إحدى عشرة فرقة‪ .‬ويرجع محصّلها ‪ -‬كما يرى البغدادي ‪ -‬إلى فرقتين‪ :‬فرقة‬
‫تقول‪ :‬إن محمد بن الحنفية لم يمت وهو المهدي المنتظر‪ ،‬وفرقة أخرى ينقلون المامة بعد موته إلى غيره‪ ،‬ويختلفون‬
‫بعد ذلك في المنقول إليه‪.‬‬
‫انظر عن الكيسانية‪ :‬الشعري‪ /‬مقالت السلميين‪ ،1/91 :‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،53 ،38 ،23‬ابن‬
‫حزم‪ /‬الفصل ‪ ،43 ،41 ،40 ،36-5/35‬الرازي‪ /‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪ ،95-93‬نشوان الحميري‪/‬‬
‫الحور العين ص ‪ 157‬وما بعدها‪ ،‬ابن المرتضى‪ /‬المنية والمل‪ :‬ص ‪ .83-82‬وانظر‪ :‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل الشيعة‬
‫ص ‪ .27 ،24-23‬وانظر‪ :‬وداود القاضي‪ /‬الكيسانية في التاريخ والدب‪ - ].‬حيث إنهم ‪ -‬كما يقول‬
‫الشهرستاني‪" :‬يجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل‪ ،‬حتى حملهم ذلك على تأويل الركان‬
‫الشرعية من الصلة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك على الرجال‪ ...‬ومن اعتقد أن الدين‬
‫طاعة رجل ول رجل له‪ ،‬لنه (غائب في سردابه) فل دين له‪[ "..‬الملل والنحل‪ .].1/147 :‬فقد‬

‫‪113‬‬
‫انحصر الدين عندهم بولية رجل هو علي‪ ،‬وأصبح ما يدل عليه من الطاعة ل ورسوله واتباع‬
‫المعروف والنتهاء عن المنكر‪ ..‬خارجا عن معنى الدين حسب رواياتهم‪.‬‬
‫ولفظ المة ‪ -‬ومعناه معروف ‪ -‬وقد ورد هذا اللفظ (‪ )49‬مرة في كتاب ال‪ ،‬والشيعة تفسره‬
‫بالئمة أو بالشيعة‪ .‬قال في مرآة النوار‪" :‬إن ال يستفاد من رواياتنا على اختلف ألفاظها تأويل‬
‫[مرآة النوار‪:‬‬ ‫المة فيما يناسب بالئمة عليهما السلم وبأهل الحق والشيعة المحقة وإن قلوا‪"...‬‬
‫ص ‪ .].81‬ثم ساق طائفة من رواياتهم في هذا التأويل نقلها من مجموعة من كتبهم المعتمدة‪ ،‬وإذا‬
‫كانت المة بمعنى الئمة فهذا يعني أن القرآن نزل للئمة فقط‪ ،‬وأن المة غير مخاطبة بالقرآن‬
‫ول مكلفة به‪.‬‬
‫وليس ذلك فحسب بل إن الجمادات تفسر بالئمة‪.‬‬
‫فالبئر ‪ -‬ومعناه واضح ‪ -‬ولكن الشيعة تفسره في القرآن "بعلي‪-‬رضي ال عنه‪ ،-‬وبوليته‪،‬‬
‫[بحار‬ ‫وبالمام الصامت ‪ -‬يعنون القرآن ‪ -‬والمام الغائب‪ ،‬وبفاطمة وولدها المعطلين من الملك‬
‫النوار‪ ،105-36/104 :‬مرآة النوار‪ ،94 :‬وانظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/85 :‬البرهان‪ ،97-3/96 :‬أصول الكافي‪:‬‬
‫‪ ،1/427‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،].111‬وبذلك يفسرون قوله تعالى‪{ :‬فَ َكَأيّن مّن َقرْ َيةٍ أَ ْهلَ ْكنَاهَا وَ ِهيَ‬
‫صرٍ مّشِيدٍ} [الحج‪ ،‬آية‪ .].45 :‬وقد جاء في تفسير‬
‫شهَا َو ِب ْئرٍ مّ َعطّ َلةٍ وَ َق ْ‬
‫عرُو ِ‬
‫ظَا ِل َمةٌ َف ِهيَ خَا ِو َيةٌ عَلَى ُ‬
‫البرهان خمس روايات لهم في هذا المعنى [البرهان‪.].97-3/96 :‬‬
‫والبحر ‪ -‬وقد ورد في كتاب ال في أكثر من ثلثة وثلثين موضعا بالمعنى المعروف ‪،-‬‬
‫ولكن الشيعة تفسر البحر والبحار بالمام والئمة وأعدائهم‪ .‬وقد أورد صاحب مرآة النوار‬
‫جملة من روايات طائفته في هذا التأويل‪ ،‬ثم قال‪" :‬ول يخفى أن المستفاد من ذلك جواز تأويل‬
‫البحر والبحار العذبة‪ ..‬المشتملة على المدح والنفع بالمام والئمة‪ ،‬بل بفاطمة‪ ..‬وتأويل البحر‬
‫والبحار المالحة بأعدائهم [مرآة النوار‪ :‬ص ‪ .].94‬وقد جاء في تفسير القمي وغيره عن أبي عبد‬
‫حرَيْنِ يَ ْلتَقِيَانِ}‬
‫ن يَ ْلتَ ِقيَانِ} [الرحمن‪ ،‬آية‪ ].19 :‬قال‪َ { :‬مرَجَ ا ْلبَ ْ‬
‫ح َريْ ِ‬
‫ال في قوله سبحانه‪َ { :‬م َرجَ ا ْلبَ ْ‬
‫خ ُرجُ مِ ْن ُهمَا الّل ْؤُلؤُ وَا ْل َمرْجَانُ}‬
‫علي وفاطمة بحران عميقان ل يبغي أحدهما على صاحبه‪{ ،‬يَ ْ‬
‫[تفسير القمي‪ ،2/344 :‬تفسير فرات ص‪ ،177 :‬وابن بابويه‪ /‬الخصال ص ‪ ،65‬تفسير الصافي‪:‬‬ ‫الحسن والحسين‬
‫‪ ،5/109‬البرهان‪ ،‬وقد ذكر اثنتي عشرة رواية في هذا التأويل‪ ،4/265 :‬بحار النوار‪ ،‬وقد عقد لذلك بابا مستقلً‬
‫بعنوان‪ :‬باب أنهم ‪ -‬عليهم السلم ‪( -‬البحر واللؤلؤ والمرجان) ‪ ،24/97 :‬وانظر ما مضى من كلم ابن تيمية حول‬
‫هذا التأويل ص‪.].175 :‬‬
‫وتفسير المعاني والمثل العليا بالمامة والئمة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫[الحج‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫خ ْيرَ}‬
‫فالخير هو الولية‪ .‬يقول الكاظم ‪ -‬كما يدعون ‪ -‬في قوله تعالى‪{ :‬وَافْعَلُوا الْ َ‬
‫[البقرة‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫خ ْيرَاتِ}‬
‫ستَبِقُواْ الْ َ‬
‫‪ ].77‬قال‪ :‬الولية [مرآة النوار‪ :‬ص ‪ .].139‬وفي قوله سبحانه‪{ :‬فَا ْ‬
‫خ ْيرَاتِ} الولية [البرهان‪ ،1/163 :‬تفسير الصافي‪.].1/200 :‬‬
‫‪ ،].148‬قال أبو جعفر‪{ :‬الْ َ‬
‫واليات الكونية تؤول بالئمة‪ ،‬فالئمة هم العلمات في قوله تعالى‪{ :‬وَعَلمَاتٍ َوبِالنّجْمِ هُمْ‬
‫َيهْتَدُونَ} [النحل‪ ،‬آية‪ .].16 :‬قال أبو عبد ال ‪ -‬كما يروون ‪" :-‬النجم رسول ال‪ ،‬والعلمات هم‬
‫[تفسير القمي‪ ،1/383 :‬تفسير العياشي‪ ،2/255 :‬أصول الكافي‪ ،1/206 :‬البرهان‪،2/362 :‬‬ ‫الئمة عليهم السلم"‬
‫تفسير الصافي‪ ،3/129 :‬تفسير فرات‪ :‬ص ‪ ،84‬مجمع البيان‪ .].4/62 :‬وعقد الكليني بابا في هذا بعنوان‪:‬‬
‫"باب أن الئمة هم العلمات التي ذكرها ال عز وجل في كتابه" [أصول الكافي‪ .].1/206 :‬وتبعه‬
‫[بحار النوار‪-24/67 :‬‬ ‫المجلسي وعنون لبابه بقوله‪" :‬باب أنهم عليهم السلم النجوم والعلمات"‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الطبري‪:‬‬ ‫‪ .].82‬وسياق الية‪ ،‬وما ورد عن السلف ينفي ما ذهبوا إليه في تأويل الية‬
‫‪ ،14/92‬تفسير ابن كثير‪.].2/612 :‬‬
‫وأحوال اليوم الخر يفسرونها برجعة الئمة أو الولية‪ ،‬فالساعة‪ ،‬والقيامة‪ ،‬والنشور وغيرها‬
‫من السماء التي تتعلق باليوم الخر تفسر في الغالب عند هؤلء برجعة الئمة‪ .‬ويقدم صاحب‬
‫مرآة النوار قاعدة في هذا فيقول‪" :‬كل ما عبر به بيوم القيامة في ظاهر التنزيل فتأويله‬
‫بالرجعة" [مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].303‬‬
‫[بحار‬ ‫ويقول المجلسي عن لفظ الساعة في القرآن‪ :‬إن الساعة ظهرها القيامة‪ ،‬وبطنها الرجعة‬
‫النوار‪ .].24/334 :‬وقد ورد أيضا عندهم تأويل الساعة بالولية‪ ،‬فيروون عن الرضا في قوله‬
‫[النعماني‪ /‬الغيبة‪ :‬ص‬ ‫قال‪ :‬يعني كذبوا بولية علي‬ ‫[الفرقان‪ ،‬آية‪].11 :‬‬ ‫عةِ}‬
‫سبحانه‪َ { :‬بلْ كَ ّذبُوا بِالسّا َ‬
‫‪ ،54‬البرهان‪ ،3/157 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].182‬‬
‫والحياة الدنيا‪ :‬هي الرجعة‪ ،‬قال صاحب مرآة النوار‪ :‬جاء ما يدل على تأويل الدنيا بالرجعة‪،‬‬
‫صرُ ُرسُ َلنَا وَالّذِينَ‬
‫وبولية أبي بكر وعمر [مرآة النوار‪ :‬ص ‪ ،].150‬ففي قوله سبحانه‪ِ{ :‬إنّا َلنَن ُ‬
‫[تفسير القممي‪، 259-2/258 :‬‬ ‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا} [غافر‪ ،‬آية‪ .].51 :‬قال جعفر‪ :‬يعني في الرجعة‬
‫آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫[العلى‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫حيَاةَ ال ّد ْنيَا}‬
‫تفسير الصافي‪ ،4/345 :‬البرهان‪ ،].4/100 :‬وفي قوله سبحانه‪َ { :‬بلْ ُت ْؤ ِثرُونَ ا ْل َ‬
‫‪ .].16‬قال‪ :‬وليتهم [أصول الكافي‪ ،1/418 :‬البرهان‪( ].4/451 :‬يعني ولية أبي بكر وعمر وعثمان)‪.‬‬
‫والتأويلت الباطنية ل ضابط لها‪ ،‬فأنت ترى "أن الخرة تؤول بالرجعة‪ ،‬والحياة الدنيا تؤول بها‬
‫كذلك على ما بينهما من تفاوت‪ ،‬كما تلحظ أن الحياة الدنيا فسرتها تأويلتهم مرة بالرجعة‪ ،‬ومرة‬
‫بالولية على ما بينهما من اختلف‪ ..‬فهي أقوال عشوائية ل تستند إلى أصل ول فرع‪ ،‬بل ول‬
‫عقل"‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫وتأويلهم لكثير من آيات القرآن بالمامة والئمة يربو على الحصر وكأن القرآن لم ينزل إل‬
‫فيهم‪ ،‬ولقد تجاوزوا في هذه الدعاوى كل معقول‪ ،‬وأسفوا في تأويلتهم إلى ما يشبه هذيان‬
‫حلِ} [النحل‪ ،‬آية‪ .].68 :‬هم‬
‫المعتوهين حتى قالوا‪ :‬إن النحل في قوله سبحانه‪{ :‬وََأوْحَى َربّكَ إِلَى النّ ْ‬
‫الئمة‪ ،‬وروى القمي بإسناده إلى عبد ال قال‪ :‬نحن النحل التي أوحى ال إليها {أَنِ اتّخِذِي مِنَ‬
‫جرِ} يقول‪ :‬من العجم { َو ِممّا يَ ْع ِرشُونَ}‬
‫جبَا ِل ُبيُوتًا} أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة { َومِنَ الشّ َ‬
‫الْ ِ‬
‫يقول‪ :‬من الموالي‪[ "..‬تفسير القمي‪.].1/387 :‬‬
‫وجمع المجلسي رواياتهم في هذا المعنى في باب بعنوان‪" :‬باب نادر في تأويل النحل بهم‬
‫عليهم السلم" [بحار النوار‪ ،].113-24/110 :‬كما جاء بروايات تقول‪" :‬إن الئمة هم الماء المعين‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪-24/100 :‬‬ ‫والقصر المشيد السحاب والمطر والفواكه وسائر المنافع الظاهرة"‬
‫‪.].110‬‬
‫[بحار النوار‪].243-24/238 :‬‬ ‫وفي الباب الذي عقده بعنوان‪« :‬باب تأويل اليام والشهور بالئمة‬
‫جاء فيه‪" :‬نحن اليام؛ فالسبت اسم رسول ال‪ ،‬والحد كناية عن أمير المؤمنين‪ ،‬والثنين الحسن‬
‫والحسين‪ ،‬والثلثاء علي بن الحسين‪ ،‬ومحمد بن علي‪ ،‬وجعفر بن محمد‪ ،‬والربعاء موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا‪ ،‬والخميس‪ ،‬ابني الحسن بن علي‪ ،‬والجمعة ابن‬
‫ابني‪[ "..‬البحار‪ ،24/239 :‬الصدوق‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،396-395‬والنص منسوب لمامهم العاشر علي الهادي‪.].‬‬
‫[انظر‪ :‬سفينة البحار‪:‬‬ ‫ومن الطريف أن بعض اليام حظيت في أخبار الشيعة بالذم كيوم الثنين‬
‫‪ ،].1/137‬فهل يتوجه هذا الذم إلى بعض الئمة ؛ لن الئمة هم اليام؟!‬
‫شهُورِ‬
‫ويروي جابر الجعفي قال‪ :‬سألت أبا جعفر عن تأويل قول ال عز وجل‪{ :‬إِنّ عِدّةَ ال ّ‬
‫شهْرًا فِي ِكتَابِ الّلهِ‪[ }..‬التوبة‪ ،‬آية‪ ].36 :‬قال‪ :‬فتنفس سيدي الصعداء ثم قال‪:‬‬
‫شرَ َ‬
‫ع َ‬
‫عِندَ الّلهِ ا ْثنَا َ‬
‫"يا جابر‪ ،‬أما السنة فهي جدي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وشهورها اثنا عشر شهرا فهو‬
‫[أي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده من الئمة حتى يصل إليّ‪( ،‬المجلسي‪/‬‬ ‫أمير المؤمنين إلي‬
‫بحار النوار‪ .].)24/240 :‬وإلى ابني جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي‪ ،‬وإلى‬
‫ابنه الحسن وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إماما‪ ...‬والربعة الحرم الذين هم الدين‬
‫القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد‪ :‬علي أمير المؤمنين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وأبي علي بن‬
‫الحسين‪ ،‬وعلي بن موسى‪ ،‬وعلي بن محمد‪ ،‬فالقرار بهؤلء هو الدين القيم {فَلَ تَظْ ِلمُواْ فِيهِنّ‬
‫[الطوسي‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪ ،96‬ابن شهراشوب‪ /‬مناقب آل أبي طالب‪:‬‬ ‫أَن ُفسَكُمْ} أي‪ :‬قولوا بهم جميعا تهتدوا"‬
‫‪ ،1/244‬بحار النوار‪ ،24/240 :‬البرهان‪ ،123-2/122 :‬نور الثقلين‪ ،215-2/214 :‬اللوامع النورانية‪ :‬ص ‪.].141‬‬

‫‪116‬‬
‫والبعوضة (وهي حشرة صغيرة معروفة) ورد ذكرها في سورة البقرة [الية‪ .].26 :‬هي علي‬
‫عندهم [تفسير القمي‪ ،1/35 :‬البرهان‪.].1/70 :‬‬
‫ولفظ (الذباب) يؤول بعلي في تفسير الشيعة [انظر‪ :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪ ،].150‬كما أولوا البعوضة‬
‫وحاول بعضهم أن يلطف من هذا التأويل فزعم أنه ذباب العسل [نفس الموضع من المصدر السابق‪،].‬‬
‫خلُقُوا ُذبَابًا وَ َلوِ‬
‫ن مِن دُونِ الّلهِ لَن يَ ْ‬
‫ن تَ ْدعُو َ‬
‫وفاته أنهم يؤولون به قوله سبحانه‪{ :‬إِنّ الّذِي َ‬
‫ج َتمَعُوا َلهُ} [الحج‪ ،‬آية‪ .].73 :‬وما أدري ما السر في إطلق أسماء أحط الحشرات على أمير‬
‫اْ‬
‫المؤمنين علي ‪ -‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ -‬من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟!‪ .‬ولكن قد بدت‬
‫البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر‪ ،‬وتاريخهم الفعلي مع آل البيت أشد وأشنع‪.‬‬
‫وقبور الئمة لها نصيب من تأويلتهم‪ ،‬فالبقعة المباركة في قوله سبحانه‪َ { :‬فَلمّا َأتَاهَا نُودِي‬
‫[ابن قولويه‪ /‬كامل‬ ‫طئِ ا ْلوَادِ ا َل ْيمَنِ فِي ا ْلبُقْ َعةِ ا ْلمُبَارَ َكةِ} [القصص‪ ،‬آية‪ ].30 :‬هي كربلء‬
‫مِن شَا ِ‬
‫الزيارات‪ :‬ص ‪ ،49-48‬البرهان‪ ،3/336 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪ ،].99‬ومن المعروف أنها كانت في طور‬
‫سيناء بنص القرآن في الية التي قبلها‪{ :‬مِن جَانِبِ الطّورِ}‪.‬‬
‫وكما خصت هذه الروايات أئمة الشيعة بهذه اليات كذلك تخص أتباعها بآيات من كتاب ال‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/429 :‬البرهان‪ ،2/40 :‬مرآة النوار‪ :‬ص‬ ‫حتى تذهب إلى أن الشيعة هي الشيء‬
‫شيْءٍ} [العراف‪ ،‬آية‪ ].156 :‬لتقصر رحمة ال‬
‫حمَتِي َوسِعَتْ ُكلّ َ‬
‫‪ ].192‬في قوله سبحانه‪َ { :‬ورَ ْ‬
‫الواسعة على الشيعة‪ ،‬وتضيق ما وسعه ال على عباده‪.‬‬
‫ولفظ "الشر" و"الكفر" و"الردة" و"الضلل" في كتاب ال يؤولونه بغير ما يعرفه المسلمون من‬
‫هذه "اللفاظ"؛ حيث يفسرون هذه اللفاظ بترك بيعة الثني عشر (على الرغم من أنهم لم يتولوا‬
‫الحكم ما عدا أمير المؤمنين علي)‪ ،‬وشواهد هذا كثيرة بلغت عشرات الروايات‪ ،‬وقد أشرنا فيما‬
‫سلف إلى أن شيخهم المجلسي عقد أبوابا في بحاره تحمل عناوين في التأويل الباطني تضمن‬
‫بعضها مائة رواية‪ ،‬ولكن هنا نذكر مجرد أمثلة لهذه الحاديث‪ ،‬فقد روت كتب الشيعة في قوله‬
‫عمَلُكَ} [الزمر‪ ،‬آية‪.].65 :‬‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫شرَكْتَ َليَ ْ‬
‫سبحانه‪َ{ :‬لئِنْ َأ ْ‬
‫[انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/251 :‬تفسير فرات‪ :‬ص ‪،133‬‬ ‫قالت‪" :‬لئن أشركت في إمامة علي ولية غيره"‬
‫البرهان‪ ،4/83 :‬تفسير الصافي‪.].4/328 :‬‬
‫[أبو الحسن الشريف‪ /‬مرآة النوار‪:‬‬ ‫قال صاحب مرآة النوار‪" :‬فعلى هذا جميع المخالفين مشركون"‬
‫ص ‪ .].202‬وقال‪" :‬إن الخبار (أخبار الشيعة) متضافرة في تأويل الشرك بال‪ ،‬والشرك بعبادته‬
‫بالشرك في الولية والمامة" [نفس الموضع من المصدر السابق‪ ،].‬ولذلك حكموا على صحابة رسول‬
‫ال بالردة ‪ -‬كما سيأتي [في فصل المامة‪ - ].‬لمبايعتهم لبي بكر دون علي‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫وكذلك يؤولون الكفر بذلك‪ ،‬جاء في الكافي‪" :‬عن أبي عبد ال في قول ال عز وجل‪{ :‬إِنّ‬
‫[لحظ أنه جمع آيتين من‬ ‫الّذِينَ آ َمنُو ْا ثُمّ كَ َفرُواْ ثُمّ آ َمنُواْ ثُمّ كَ َفرُو ْا ثُمّ ازْدَادُواْ كُ ْفرًا لّن تُقْ َب َل َت ْوبَ ُتهُمْ}‬
‫سورتين على أنهما آية واحدة‪ ،‬مما يشير إلى أن واضع هذه الساطير‪ ،‬ومفتريها على أهل البيت أحد الزنادقة الجهلة؛‬
‫حيث إن قوله‪{ :‬لّن ُتقْبَ َل تَ ْو َبتُهُمْ} من آل عمران‪ ،‬آية‪ ،90 :‬وقوله‪ِ{ :‬إنّ الّذِينَ آ َمنُواْ‪ }..‬إلخ من النساء‪ ،‬آية‪.].137 :‬‬
‫[يعنون‪ :‬أبا بكر وعمر وعثمان كما جاء تفسير ذلك على لسان بعض‬ ‫قال‪ :‬نزلت في فلن وفلن وفلن‬
‫شيوخهم كما سيأتي في فصل‪" :‬المامة"‪ ].‬آمنوا بالنبي ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬في أول المر‪ ،‬وكفروا‬
‫حيث عرضت عليهم الولية‪ ..‬ثم آمنوا بالبيعة لمير المؤمنين ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ثم كفروا حيث‬
‫مضى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬فلم يقروا بالبيعة‪ ،‬ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/420« :‬تفسير القمي‪ ،1/159 :‬تفسير‬ ‫بالبيعة لهم فهؤلء لم يبق فيهم من اليمان شيء‬
‫العياشي‪ ،1/276 :‬البرهان‪ ،1/421 :‬تفسير الصافي‪ ،1/511 :‬بحار النوار‪ ،23/375 :‬مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].289‬‬
‫فأنت ترى أنهم خصوا أفضل الخلق بعد النبيين بهذا الحكم‪ ،‬فما بالك بمن دونهم من سائر أمة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد أشار بعض شيوخهم إلى وجه هذا التخصيص فقال‪" :‬ورد في‬
‫بعض الروايات تأويل الكفر برؤساء المخالفين‪ ،‬لسيما الثلثة‪( :‬يعنون الخلفاء الراشدين) مبالغة‬
‫بزيادة كفرهم وجحدهم" [مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].187‬‬
‫ولفظ‪" :‬الردة" يعني الردة عن بيعة أحد الثنى عشر‪ .‬جاء في أصول الكافي وغيره عن أبي‬
‫علَى أَ ْدبَارِهِم مّن بَعْ ِد مَا َت َبيّنَ َلهُمُ ا ْلهُدَى‪}..‬‬
‫عبد ال في قول ال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ ا ْرتَدّوا َ‬
‫[محمد‪ ،‬آية‪( .].25 :‬قال) فلن وفلن وفلن ارتدوا من اليمان في ترك ولية أمير المؤمنين‪..‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/420 :‬بحار النوار‪ ،23/375 :‬وانظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/308 :‬البرهان‪ ،4/186 :‬تفسير الصافي‪:‬‬
‫‪.].5/28‬‬
‫والضلل هو عدم معرفة المام‪ ،‬ففي قوله سبحانه‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُو ْا َنصِيبًا مّنَ‬
‫[تفسير القمي‪:‬‬ ‫لَلةَ‪[ }...‬النساء‪ ،‬آية‪ .].44 :‬قال‪" :‬يعني ضلوا في أمير المؤمنين"‬
‫شتَرُونَ الضّ َ‬
‫ب َي ْ‬
‫الْ ِكتَا ِ‬
‫علَيهِمْ وَلَ الضّالّينَ} [الفاتحة‪ ،‬آية‪ .].7 :‬قال‪:‬‬
‫‪ ].1/139‬وفي قوله سبحانه‪{ :‬غَيرِ المَغضُوبِ َ‬
‫"الضالين‪ :‬الذين ل يعرفون المام" [تفسير القمي‪.].1/29 :‬‬
‫إن تفسير الكفر والشرك‪ ،‬والردة والضلل بترك بيعة الثني عشر فضلً عن أنه ل سند له‬
‫من نقل أو عقل أو لغة أو شرع فإنه ‪ -‬ولعل ذلك هو هدف واضع الروايات ‪ -‬ينتهي بالمؤمن‬
‫به إلى تفضيل الكفر والكافرين على سائر المسلمين من غير الشيعة‪( ،‬لن رأس الكفر ترك‬
‫الولية)‪ ،‬وهذا ما يصدقه تاريخ الشيعة مع المسلمين‪ ،‬كما أنه يهون أمر الشرك واللحاد‪ ،‬وهذا‬

‫‪118‬‬
‫هدم لصول السلم‪ ،‬ومحاربة لرسالة محمد بن عبد ال ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬الذي بعث‬
‫لمحاربة الشرك والكفر والضلل‪ ،‬وإرساء قواعد التوحيد وشريعة السلم‪.‬‬
‫والكبائر وسائر المحرمات هي عندهم أعداء الئمة‪ .‬يقول أبو عبد ال ‪ -‬كما يزعمون ‪:-‬‬
‫"‪..‬وعدونا في كتاب ال عز وجل‪ :‬الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والنصاب‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫والزلم والصنام‪ ،‬والوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير‪"..‬‬
‫‪ .].24/303‬وقد أشرنا من قبل إلى أن تأويل المحرمات بأعداء الئمة قد جاء في أبواب عدة في‬
‫البحار تضمنت عشرات الحاديث‪.‬‬
‫وقد جاء في بعض مصادرهم المعتمدة عندهم ما يكشف واضع هذه السطورة‪ ،‬ويبين أن‬
‫أصل تأويل المحرمات بأعداء الئمة‪ ،‬وتأويل الفرائض بالئمة هو‪ :‬أبو الخطاب الذي تبرأ منه‬
‫الئمة ولعنوه‪ ،‬وففي رجال الكشي‪" :‬كتب أبو عبد ال إلى أبي الخطاب‪ :‬بلغني أنك تزعم أن‬
‫الزنا رجل وأن الخمر رجل وأن الصلة رجل وأن الصيام رجل وأن الفواحش رجل‪ ،‬وليس هو‬
‫كما تقول‪[ "..‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،291‬بحار النوار‪.].24/299 :‬‬
‫وتذكر كتب المقالت عن بعض غلة الشيعة القول بأن المحرمات كلها أسماء رجال أمرنا‬
‫ال تعالى بمعاداتهم‪ ،‬وأن الفرائض أسماء رجال أمرنا بموالتهم [الملل والنحل‪.].1/179 :‬‬
‫ويقول الشهرستاني‪" :‬إنما مقصودهم من حمل الفرائض والمحرمات على أسماء رجال‪ :‬هو‬
‫أن من ظفر بذلك الرجل وعرفه فقد سقط عنه التكليف وارتفع الخطاب" [الملل والنحل‪.].1/179 :‬‬
‫وكل ذلك ورثته الثنا عشرية وأحيته وتولى كبر نشره القمي (صاحب التفسير)‪ ،‬والكليني‪،‬‬
‫والعياشي‪ ،‬والكاشاني‪ ،‬والمجلسي‪ ،‬وغيرهم من شيوخ الدولة الصفوية الذين "أحيوا" كل أساطير‬
‫غلة الفرق الشيعية‪ ،‬وأدخلوه في المعتقد الثني عشري كروايات عن الئمة‪.‬‬
‫هذا وتأويلتهم في هذا الباب يستغرق ذكرها مجلدات‪ ،‬ولهم في كل عقيدة شذوا بها‬
‫كالرجعة‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والتقية وغيرها تأويلت وافتراءات تربو على الحصر‪ ،‬وسنأتي ‪ -‬إن شاء‬
‫ال ‪ -‬على شيء منها عند بحثنا لهذه المسائل‪ .‬وما ذكرناه هنا جزء قليل مما جمعناه ولم نذكره‬
‫خشيه الطالة‪ ..‬وما جمعناه هو كقطرة من بحر مظلم‪ ..‬عرضه ونقده يستوعب المجلدات‪..‬‬
‫وكل مثال من هذه المثلة ‪ -‬في الغالب ‪ -‬يكشف لنا عن عقيدة من عقائد القوم في اللوهية‬
‫والنبوة‪ ،‬والسماء والصفات‪ ،‬وأركان السلم وغيرها‪.‬‬
‫هذا وقبل أن أرفع القلم عن هذا الموضوع أسجل الملحظات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬فيما مضى من مباحث ذكرنا ما يقوله الشيعة من أن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم‪،‬‬
‫ثم قدمت أمثلة لتحريف الشيعة لمعاني القرآن‪ ..‬وكل ذلك يؤكد ما تذهب إليه الشيعة من القول‬
‫‪119‬‬
‫بأن أكثر القرآن قد اشتمل على ذكر الئمة الثني عشر ومخالفيهم‪ ..‬فهذه المسألة حشد لها‬
‫شيوخ الشيعة آلف النصوص كما أسلفنا الشارة إلى شيء منها‪ ..‬وبعد ذلك كله نجد من‬
‫نصوصهم نفسها ما ينقض هذه الدعاوى كلها جملة واحدة‪.‬‬
‫يقول هذا النص الذي يروونه عن أبي عبد ال جعفر الصادق‪" :‬لو قرئ القرآن كما أنزل‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/13 :‬بحار النوار‪ ،92/55 :‬تفسير الصافي‪ ،1/41 :‬اللوامع النورانية‪ :‬ص‬ ‫للفيتنا فيه مسلمين"‬
‫‪ .].547‬فهذا اعتراف منهم بأنه ليس لئمتهم ذكر في كتاب ال‪ ،‬ولم يرد لهم تسمية فيه‪ ..‬فكأنهم‬
‫يخربون بيوتهم بأيديهم‪ .‬ولعل السر في ذلك أن واضع هذا النص قد اهتم بتأييد مسألة التحريف‬
‫‪ -‬وسيأتي بحثها ‪ -‬ونسي ما وضع من قبل‪ ،‬والختلف والتناقض قد يكون عقوبة إلهية لمن‬
‫غ ْيرِ الّلهِ‬
‫يضع في الدين ما ليس منه‪ ،‬كما يؤخذ ذلك من قوله سبحانه ‪{ :‬وَ َلوْ كَانَ مِنْ عِندِ َ‬
‫ختِلَفًا َكثِيرًا} [النساء‪ ،‬آية‪ .].82 :‬فهو برهان أكيد على أنه ليس من عند ال سبحانه‪..‬‬
‫َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ‬
‫وقد مضى من قبل الشارة إلى نص آخر لهم يجعل من كتاب ال سبحانه أربعة أقسام وليس في‬
‫قسم منها ذكر للئمة [انظر‪ :‬ص (‪.].)157-156‬‬
‫وجاء في رجال الكشي نص هام ينسف كل ما بنوه من هذا التفسير الباطني‪ ،‬فقد نقل لبي‬
‫عبد ال جعفر ما يقوله أولئك الزنادقة من تأويل آيات ال سبحانه بتلك التأويلت الباطنية "حيث‬
‫قيل له‪ :‬روي عنكم أن الخمر والميسر والنصاب والزلم رجال؟ فقال‪ :‬ما كان ال عز وجل‬
‫ليخاطب خلقه بما ل يعملون" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].291‬أي يستحيل أن يخاطب ال سبحانه عباده‬
‫بما ل سبيل لهم إلى معرفته والهتداء إلى معناه؛ لن هذا يتنافى مع الحكمة في إنزال القرآن‬
‫لهداية الناس والدعوة إلى عبادة ال‪ ،‬ويتنزه ال سبحانه أن يأمر عباده بتدبر القرآن وهو غير‬
‫قابل للتدبر والفهم‪ ،‬ويتقدس سبحانه أن يخاطب عباده بألغاز وطلسم‪ .‬وهذا القول من أبي عبد‬
‫ال الذي ورد في أوثق كتب الرجال عند الشيعة يهدم كل ما بنوه من تلك التحريفات وذلك‬
‫اللحاد في كتاب ال وآياته‪.‬‬
‫هذا نقض للمسالة من نصوصهم نفسها‪ ،‬أو ما يسمى بالنقد الداخلي للنصوص‪ ،‬وإل فإن‬
‫عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ‬
‫المتأمل ليات القرآن بمقتضى اللغة العربية التي نزل بها‪ِ{ :‬إنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ‬
‫تَعْقِلُونَ} [يوسف‪ ،‬آية‪ ].2 :‬ل يجد فيه ذكرا لما يدعون‪ ،‬والروايات التي يذكرونها يكفي في بيان‬
‫فسادها مجرد عرضها‪ ،‬فهي تحمل بنفسها ما يهدم بنيانها من الساس‪ ،‬فهل يصدق أحد أن لعلي‬
‫في القرآن (‪ )1154‬اسما؟ وهل يدخل عقل أحد أن من أسماء علي البعوضة والذباب؟ وهل‬
‫يوافق مؤمن على القول بأن ما ورد من آيات عن اليوم الخر هي خاصة بعقيدة رجعة الئمة؟‬

‫‪120‬‬
‫وكيف تناقش من يقول بأن آيات اليمان والمؤمنين هي في الئمة الثني عشر‪ ،‬وآيات الكفر‬
‫والكافرين هي في الصحابة؟!‬
‫وإنني هنا أذهب إلى القول بأن هذا المستوى الذي هبط إليه هؤلء هو من معجزات هذا‬
‫الدين العظيم‪ ،‬فما من أحد ادعى نبوة أو وحيا وأراد أن يضع في الدين ما ليس منه إل وفضحه‬
‫ال على روؤس الشهاد‪ ،‬وتال إن هذه المقالت التي ل يمكن بحال أن تتفق مع العقل والنقل‬
‫ول اللغة والدين هي من أعظم فضائح القوم وعوراتهم‪ ..‬وبها يكشف ال سبحانه وتعالى كذبهم‬
‫وبهتانهم‪.‬‬
‫إن مطابع النجف وطهران وقم وبمبي قد أخرجت لنا تراثا شيعيا ضخما يمثل دينا بأكمله‪،‬‬
‫لعل أقرب تسمية له هو دين الولية‪ ،‬أو المامة‪ ،‬ولم تتوفر هذه الكتب للمسلم كما توفرت‬
‫اليوم‪ ..‬دين وضعه المجلسي والكليني وغيرهما من أساطين التشيع‪ ،‬وسينكشف من خلله أمور‬
‫كثيرة لم تكن معروفة من قبل‪ ..‬ويبدو من الطلع عليه عظمة هذا الدين اللهي وسر خلوده‪،‬‬
‫إذ بضدها تتميز الشياء فلول المر ما عرف طعم الحلو‪..‬‬
‫‪ -2‬هذه التأويلت الباطنية المستفيضة في كتب الثني عشرية هي مجهولة للكثير ممن يكتب‬
‫عن هذه الطائفة‪ ..‬وحسبك أن تجد ممن كتب عن الثني عشرية من يعتبرها بعيدة كل البعد عن‬
‫التجاه الباطني‪ ،‬ويظن أن التأويل الباطني مقصور أمره على طائفة السماعيلية‪ .‬يقول بعض‬
‫من كتب عن الفرق ‪" :‬جعل السماعيلية للئمة صفات لم تعرفها فرق الشيعة الخرى‪ ،‬ذلك أنهم‬
‫يقولون ظاهرا‪ :‬إن الئمة بشر كسائر الناس يأكلون وينامون ويموتون‪ ،‬ولكنهم في تأويلتهم‬
‫[مصطفى الشكعة‪ /‬إسلم بل مذاهب‪:‬‬ ‫الباطنية يقولون‪ :‬إن المام هو‪" :‬وجه ال" "ويد ال" "وجنب ال"‬
‫ص ‪.].248-247‬‬
‫ويلحظ أن هذا هو عين ما تذهب إليه طائفة الثني عشرية‪ ،‬وجاءت أخبار كثيرة عندهم في‬
‫إقرار هذا الغلو‪ ،‬وخصص المجلس لذلك بابا من أبواب بحاره ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬وهو «باب أنهم‬
‫‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬جنب ال ووجه ال ويد ال وأمثالها" [بحار النوار‪.].203-24/191 :‬‬
‫والسر في هذا الجهل المتفشي بين طبقة من الكتاب هو أن كتب الثني عشرية نوعان‪ :‬كتب‬
‫للدعاية للمذهب وضعت بأسلوب التقية‪ ..‬والنوع الثاني‪ -:‬وهو المعتبر عندهم ‪ -‬كتب الحديث‬
‫الثمانية المعتمدة عندهم وكتب الرجال الربعة‪ ،‬وما في درجة هذه الكتب من كتب شيوخهم‪.‬‬
‫فمن يعتمد على الول وحده يفوته الكثير من أمورهم‪ ،‬والتي قد تشير إليها كتب الدعاية إشارة‬
‫ل يفهمها إل شيوخهم‪ ،‬أو من هو على صلة وفهم لكتبهم المعتمدة‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -3‬يلحظ أن هذه التأويلت ليست عندهم آراء اجتهادية في تأويل القرآن قابلة للخذ والرد‬
‫والمناقشة والتعديل‪ ،‬بل هي في مقاييسهم نصوص شرعية لها سمة الوحي وأهميته‪ ،‬وقدسية‬
‫النص النبوي وشرعيته‪ .‬وقد جاءت عندهم نصوص كثيرة تحذر وتنذر من رد أمثال هذه‬
‫النصوص التي ل تتفق مع العمل والفطرة‪ ،‬ول مع المنطق واللغة‪ .‬وأن الواجب التسليم وعدم‬
‫العتراض‪ ،‬على لغة‪" :‬أطفئ مصباح عقلك واعتقد"‪ ،‬وقد حاولوا توطين أتباعهم على قبول‬
‫أمثال هذه النصوص فقالوا‪" :‬إن حديثنا تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم‪ ،‬ومن أنكر‬
‫فذروهم" [البحار‪" .].2/129 :‬وعن سفيان السمط قال‪ :‬قلت لبي عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ :-‬جعلت‬
‫فداك‪ ،‬إن رجلً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه‪ ،‬فقال أبو عبد ال‪:‬‬
‫يقول لك‪ :‬إني قلت لليل إنه نهار أو للنهار إنه ليل؟ قال‪ :‬فإن قال لك هذا إني قلته فل تكذب به‬
‫فإنك إنما تكذبني [البحار‪ ، 212-2/211 :‬البحراني‪ /‬اللوامع النورانية ص ‪.].550-549‬‬
‫وأمثال هذه الروايات كثيرة‪ ،‬ويلحظ أن في الرواية الخيرة ما يدل على أن من الشيعة من‬
‫يستبشع رواياتهم‪ ،‬ولكن يلزمون باليمان العمى بها‪ ،‬بل يعتبر من توقف في رواية من هذه‬
‫الروايات وقال‪" :‬كيف جاء هذا‪ ،‬وكيف كان‪ ،‬وكيف هو؟‪ ،‬فإن هذا وال الشرك بال العظيم‬
‫[انظر‪ :‬رجال الكشي ‪ :‬ص ‪ ].194‬وقد اهتم بهذه القضية صاحب البحار وذكر لها (‪ )116‬حديثا من‬
‫أحاديثهم في باب عقده بعنوان‪" :‬باب أن حديثهم ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬صعب مستصعب‪ ،‬وأن‬
‫كلمهم ذو وجوه كثيرة وفضيلة التدبر في أخبارهم ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬والتسليم لهم والنهي عن‬
‫رد أخبارهم" [انظر‪ :‬بحار النوار‪ 2/182 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ولعل أول من أرسى دعائم هذا المعتقد صاحب الكافي والذي خصه بباب مستقل بعنوان‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪-1/401 :‬‬ ‫"باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب" وذكر فيه خمس روايات‬
‫‪ .].402‬ولعل هذا السلوب هو الذي ساعد على تفشي تلك المقالت السطورية‪ ،‬وغياب الصوت‬
‫العاقل الذي يجهر بالحق‪ ..‬ويعري الباطل ويفضحه‪ .‬وهذا نوع من الستهواء الذي يطالب فيه‬
‫التباع باليمان بأقوال الئمة وإن خالفت العقل والنقل‪ ،‬وهو قريب من موقف الصوفية الذي‬
‫يطالب فيه الشيوخ مريديهم بالتسليم لهم حتى إنهم قالوا‪ :‬إن المريد بين يدي شيخه كالميت بين‬
‫يدي غاسله‪ ،‬وهذا الستهواء هو الذي لجأ إليه فرعون مع قومه‪ ،‬وأشار إليه ال سبحانه بقوله‪:‬‬
‫خفّ َق ْو َمهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف‪ ،‬آية‪[ ].54 :‬انظر‪ :‬المدخل إلى الثقافة السلمية‪ :‬ص ‪.].115-113‬‬
‫ستَ َ‬
‫{فَا ْ‬
‫‪ -4‬إن للتفسير عندهم وجوها‪ :‬ظاهرة‪ ،‬وباطنة‪ ،‬والجميع معتبر‪ .‬قال أبو عبد ال ‪ -‬كما‬
‫يزعمون ‪ :-‬إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء‪ ،‬وجاء قوم من بعدهم‬
‫فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفهم ذلك شيئا‪ ،‬ول إيمان بظاهر إل بباطن‪ ،‬ول باطن إل‬
‫‪122‬‬
‫بظاهر‪ ،‬ولهذا يلحظ أن بعض تفاسير الشيعة لم تذكر هذا التأويل‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬وإنما ذكرت ما‬
‫ظهر من الية الذي قد يوافق اللغة أو ما جاء عن السلف‪ ،‬ولكن قد ل يعني هذا مخالفتهم لذلك‬
‫التأويل الباطني لنهم يقولون بأن لكل آية معنى باطنا ومعنى ظاهرا‪ ،‬والكل مراد‪ ،‬فقد يكتفي‬
‫بعضهم بذكر الظاهر وحده‪ ،‬أو الباطن فقط‪ ،‬أو يذكر الوجهين جميعا؛ لن رواياتهم جاءت على‬
‫نفس المنهج كما تدل على ذلك رواية صاحب الكافي في تفسير قوله تعالى‪{ :‬ثُمّ ْليَ ْقضُوا تَفَ َثهُمْ}‬
‫[الحج‪ ،‬آية‪ :‬ص ‪.].29‬‬
‫قال‪ ..." :‬عن عبد ال بن سنان عن ذريح المحاربي قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‪ :‬إن ال أمرني‬
‫في كتابه بأمر فأحب أن أعمله‪ ،‬قال‪ :‬وما ذاك؟ قلت‪ :‬قول ال عز وجل‪{ :‬ثُمّ ْليَ ْقضُوا تَ َف َثهُمْ‬
‫وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال‪ْ { :‬ليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ} لقاء المام‪{ ،‬وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك‪ ،‬قال عبد‬
‫ال بن سنان‪ :‬فأتيت أبا عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فقلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬قول ال عز وجل‪{ :‬ثُمّ‬
‫ْليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال‪ :‬أخذ الشارب وقص الظفار وما أشبه ذلك‪ .‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫جعلت فداك‪ ،‬إن ذريحا المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له‪ْ { :‬ليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ} لقاء المام‬
‫{وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك‪ ،‬فقال‪ :‬صدق ذريح وصدقت‪ ،‬إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومن‬
‫[الكليني‪ /‬فروع الكافي‪ ،4/549 :‬وانظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪-2/290 :‬‬ ‫يحتمل ما يحتمل ذريح"‬
‫‪ ،291‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،340‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ص ‪ ،366‬الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪ ،3/376 :‬الحويزي‪ /‬تفسير‬
‫نور الثقلين‪ ،2/492 :‬البحراني‪ /‬البرهان‪ ،89-3/88 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪ ، 84-92/83 :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل‬
‫الشيعة‪ ،10/253 :‬الموسوي‪ /‬مفتاح الكتب البعة‪.].229-5/228 :‬‬
‫ففي هذا النص ‪ -‬الذي أورده صاحب الكافي‪ ،‬وذكره أيضا صاحب من ل يحضره الفقيه‬
‫وغيره ‪ -‬التصريح بأن للقرآن معاني ظاهرة تقال لعامة الناس‪ ،‬وله معانٍ باطنة ل تذكر إل‬
‫للخاصة ممن يستطيع احتمالها‪ ،‬وهم قلة ل توجد "فمن يحتمل ما يحتمل ذريح"‪ .‬وإذا كان الئمة‬
‫يضنون بهذا العلم الباطني‪ ،‬ويتحاشون ذكره عند شيعتهم إل من كان على مستوى ذريح فماذا‬
‫خالفت كتب الثني عشرية نهج أئمتها وأشاعت هذا "العلم" المضنون به على غير أهله للخاص‬
‫والعام؟!‬
‫هذا ما يؤخذ من أقوال هؤلء القوم‪ ..‬ولعل قائلً يقول‪ :‬لماذا ل يكون هذا التأويل الذي يتفق‬
‫وظاهر النص‪ ،‬وسياق القرآن‪ ،‬ولغة العرب‪ ،‬وما أثر من السلف‪ ،‬وما اتفق عليه جماعة‬
‫المسلمين هو الذي يعتقد صدوره عن أمثال محمد الباقر‪ ،‬وجعفر الصادق وغيرهما من أئمة‬
‫العلم والدين واللغة‪ ،‬وأن تلك التأويلت الباطنية التي ل تستند إلى أصل معتبر من نقل أو عقل‬
‫أو لغة هي من وضع زنديق ملحد أراد الساءة إلى كتاب ال ودينه‪ ،‬وإلى أهل البيت‪ ،‬ولسيما‬

‫‪123‬‬
‫أن تلك القوال الباطنية ل تذكر إل خلسة وفي الظلم‪ ،‬ول ينقلها إل قلة كما يشير إليه نهاية‬
‫الخبر‪ ،‬وتفسير القرآن ل يمكن أن يكون علما سريا ل يتحمله إل خاصة الناس‪ ،‬فال سبحانه‬
‫أنزل كتابه لعباده كافة ل لفئة معينة‪ ،‬وهؤلء الئمة كان عصرهم يمثل العصر الذهبي للمة في‬
‫وقت عزة السلم والمسلمين‪ ،‬فهل يصبح تفسير القرآن في عصرهم "سريا" وفي هذا العصر‬
‫يعلن هذا التفسير؟!‬
‫وأئمة أهل البيت هم أجرأ وأشجع من أن يجبنوا عن بيان الحق‪ ،‬وأن يتخلوا عن الصدع بأمر‬
‫ال وشرعه‪.‬‬
‫‪ -5‬هذه التأويلت الباطنية هي من باب اللحاد في كتاب ال وآياته ‪ -‬وقد قال تعالى‪{ :‬إِنّ‬
‫ن يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ل يَخْ َفوْنَ عَ َل ْينَا} [فصلت‪ ،‬آية‪ .].40 :‬قال ابن عباس‪ :‬هو أن يوضع الكلم‬
‫الّذِي َ‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫في غير موضعه [تفسير الطبري‪ ،24/123 :‬فتح القدير‪ ].4/520 :‬وذلك بالنحراف في تأويله‬
‫القاسمي‪ /‬محاسن التأويل‪ ،14/211 :‬اللوسي‪ /‬روح المعاني‪.].24/126 :‬‬
‫قال في الكليل‪" :‬ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما ل يدل عليه جوهر اللفظ كما‬
‫[السيوطي‪ /‬الكليل‪ :‬ص ‪( 354‬المطبوع على هامش جامع البيان في تفسير‬ ‫يفعله والتحادية والملحدة"‬
‫القرآن)‪ .].‬وهؤلء الذين يلحدون في آيات ال ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا‬
‫[محمد شاه‬ ‫عَل ْينَا}‬
‫بالباطل وأرادوا الخفاء لكنهم ل يخفون على ال كما قال تعالى‪{ :‬ل يَخْ َفوْنَ َ‬
‫الكشميري‪ /‬إكفار الملحدين‪ :‬ص ‪.].2‬‬
‫‪ -6‬ربط شيوخ الشيعة هذه التأويلت أو التحريفات بأئمة أهل البيت لتحظى بالقبول عند‬
‫الناس‪ ،‬ولنها تأويلت غير عاقلة قالوا‪ :‬بأن السياق القرآني غير منسجم مع النظر العقلي‪،‬‬
‫ونسبوا هذا القول لجعفر الصادق كما يروي ذلك جابر الجعفي أنه قال له‪" :‬يا جابر‪ ،‬إن للقرآن‬
‫بطنا وللبطن ظهرا‪ ،‬ثم قال‪ :‬وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه‪ ،‬إن الية لينزل أولها في‬
‫[تقدم تخريج هذا النص من كتب‬ ‫شيء وآخرها في شيء وهو كلم متصل يتصرف على وجوه"‬
‫الشيعة‪ :‬ص (‪ .].)152‬ولشك أن هذا الحكم هو برواياتهم أليق وأوفق‪ ،‬ول يتصل من قريب أو‬
‫بعيد بكتاب ال وتفسيره الصحيح‪.‬‬
‫‪ -7‬قامت مصادرهم في التفسير ‪ -‬غالبا ‪ -‬على هذا المنهج الباطني في التأويل الذي استقته‬
‫من أبي الخطاب وجابر الجعفي والمغيرة بن سعيد وغيرهم من الغلة‪ .‬ويلحظ أنه في القرن‬
‫الخامس بدأ اتجاه التفسير عندهم يحاول التخلص من تلك النزعة المغرقة في التأويل الباطني؛‬
‫حيث بدأ شيخ الطائفة عندهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة ‪460‬ه‍) يؤلف‬
‫لهم كتابا في تفسير القرآن يستضيء في تأليفه بأقوال أهل السنة‪ ،‬ويأخذ من مصادرهم في‬
‫‪124‬‬
‫التفسير‪ ،‬ويحاول فيه أن يتخلص أو يخفف من ذلك الغلو الظاهر في تفسير القمي والعياشي‬
‫وفي أصول الكافي وغيرها‪ ،‬وهو وإن كان يدافع عن أصول طائفته ويقرر مبادئهم المبتدعة‪،‬‬
‫إل أنه ل يهبط ذلك الهبوط الذي نزل إليه القمي ومن تأثر به‪ .‬ومثل الطوسي في هذا النهج‬
‫الفضل بن الحسن الطبرسي في "مجمع البيان" وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى ذلك حيث‬
‫قال‪" :‬الطوسي ومن معه في تفسيرهم يأخذون من تفاسير السنة‪ ،‬وما في تفسيرهم من علم‬
‫يستفاد إنما هو مأخوذ من تفاسير أهل السنة" [انظر‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ص ‪.].3/246‬‬
‫ولكن قد كشف لنا شيخ الشيعة في زمنه ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من‬
‫مجاميعهم الحديثية‪ ،‬وأستاذ كثير من علمائهم الكبار عندهم كمحمد حسين آل كاشف الغطا‪ ،‬وأغا‬
‫بزرك الطهراني وغيرهما وعالم الشيعة حسين النوري الطبرسي قد كشف لنا سرا عندهم بقي‬
‫دفينا‪ ،‬وأماط اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا وهي أن كتاب «التبيان» للطوسي إنما وضع‬
‫على أسلوب التقية والمداراة للخصوم وإليك نص كلمه‪:‬‬
‫"ثم ل يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع‬
‫المخالفين‪ ،‬فإنك تراه اقتصر في تفسير اليات على نقل كلم الحسن وقتادة والضحاك والسدي‬
‫وابن جريج والجبائي والزجاج‪ ،‬وابن زيد وأمثالهم‪ .‬ولم ينقل عن أحد من مفسري المامية‪ ،‬ولم‬
‫يذكر خبرا عن أحد من الئمة ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬إل قليلً في بعض المواضع لعله وافقه في‬
‫نقله المخالفون‪ .‬بل عد الولين في الطبقة الولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم ومدحت‬
‫مذاهبهم‪ .‬وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة‪ ..‬ومما يؤكد كون وضع هذا‬
‫الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجيل علي بن طاوس في سعد السعود وهذا لفظه‪" :‬ونحن‬
‫نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب «التبيان» وحملته التقية على‬
‫القتصار عليه من تفضيل المكي على المدني والخلف في أوقاته‪ ..‬الخ‪( .‬هكذا لم يكمل النوري‬
‫النص)" ثم قال هذا النوري معقبا على ما نقله على ابن طاوس‪" :‬وهو ‪ -‬يعني ابن طاوس ‪-‬‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪( 35‬والورقة‬ ‫أعرف بما قال من وجوه ل يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل"‬
‫‪ 17‬من النسخة المخطوطة من الكتاب المذكور)‪.].‬‬
‫فمن هذا النص يتبين أن التبيان للطوسي قد وضع على أسلوب التقية ‪ -‬كما هو رأي شيخ‬
‫الشيعة المعاصر ‪ -‬أو أن يكون التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع عقلي بإسفاف ما‬
‫عليه القوم من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيرا‪ ،‬وبتأثير نزعة معتدلة لختلطه مع بعض‬
‫علماء السنة في بغداد‪ ..‬ومعنى هذا أن شيعة اليوم ‪ -‬والذي يمثلهم هذا النوري الطبرسي والذي‬
‫ارتضوا كتابه (مستدرك الوسائل) مصدرا لهم في الحديث [انظر‪ :‬فصل "السنة" من هذه الرسالة‪،].‬‬
‫‪125‬‬
‫كدليل على كبير مقامهم عندهم ‪ -‬هم أشد غلوا وتطرفا‪ ،‬ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي‬
‫ومن سار على منهجه إنما ألفت للخصوم‪ ،‬والتزمت بروح التقية (لتبشر) بالعقيدة الشيعية مع‬
‫غير الشيعة‪.‬‬
‫ولعل القارئ يدرك من خلل هذا الرأي لشيخ الشيعة حول كتاب «التبيان» ‪ -‬أن التقية‬
‫أسهمت في (تكريس) الغلو عند هذه الطائفة‪ ،‬وفي وأد كل صوت عاقل ورأي معتدل بحمله‬
‫على التقية لنه يوافق ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬ما عند أهل السنة‪ ،‬فبقيت هذه الطائفة في هذه الدائرة‬
‫المغلقة‪ ،‬قد جعلت من التقية حصنا تلجأ إليه كلما هبت عليها نسمات الصلح‪ ،‬ورياح التغيير ‪-‬‬
‫كما سيأتي في مبحث التقية ‪.-‬‬
‫ثم ل ننسى أن نشير إلى أن ما قلناه عن كتاب الطوسي ينطبق على تفسير مجمع البيان‬
‫للطبرسي لنه سار على نهج الطوسي وأشار إلى ذلك في مقدمة تفسيره حيث قال‪ .." :‬إل ما‬
‫جمعه الشيخ الجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس ال روحه من كتاب‬
‫التبيان‪ ،‬فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويـلوح عليه رواء الصدق‪ ..‬وهو القدوة‬
‫أستضيء بأنواره وأطأ مواقع آثاره" [مجمع البيان‪.].1/20 :‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫هل الشيعة تقول بأن في كتاب ال نقصا أو تغييرا‪:‬‬
‫مدخل للموضوع‪:‬‬
‫وجاء في هذا المبحث بهذه الصيغة الستفهامية لثلث أسباب‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن طائفة من أعلم الثني عشرية يتبرأون من هذه المقالة ‪ -‬مثل الشريف المرتضى‪،‬‬
‫وابن بابويه القمي وغيرهما ‪.-‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن إجماع المسلمين كلهم قام على أن كتاب ال سبحانه محفوظ بحفظ ال له {ل يَ ْأتِيهِ‬
‫ن يَ َديْهِ وَل مِنْ خَ ْل ِفهِ}‪ .‬ومن قال بأن في القرآن نقصا و تحريفا فليس من أهل‬
‫ط ُل مِن َبيْ ِ‬
‫ا ْلبَا ِ‬
‫القبلة وليس من السلم في شيء‪ ،‬ومن هنا فإن العدل يقتضي أن نحتاط في دراستنا لهذه‬
‫المسألة أبلغ الحتياط‪ ،‬وأن نعدل في القول‪ ،‬فل نرمي طائفة بهذه المقالة إل بعد الدراسة‬
‫والتثبت‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن هناك طائفة من المفكرين يرمون الشيعة بالقول بهذا الكفر‪ ،‬ويعممون ذلك‪ ،‬ولشك‬
‫بأن الشيعة فرقٌ‪ ،‬والشيعة طبقات‪ ،‬فل يصح أن يقال مثلً بأن متقدمي الشيعة يقولون بهذه‬
‫[وقد انساق "إحسان إلهي ظهير" وراء مقالة صاحب فصل الخطاب بأنه ل يوجد من أنكر مقالة التحريف من‬ ‫المقالة‬

‫‪126‬‬
‫الشيعة في القرون المتقدمة إل هؤلء الربعة (يعني ابن بابويه القمي‪ ،‬والمرتضى‪ ،‬والطبرسي‪ ،‬والطوسي) فقال‬
‫إحسان‪" :‬والحاصل أن متقدمي الشيعة ومتأخريهم تقريبا جميعهم متفقون على أن القرآن محرف‪ ،‬مغير فيه"‪( .‬الشيعة‬
‫والسنة ص ‪( )122‬ط‪ .‬دار النصار)‪ .‬الحقيقة أن هذه القضية بدأت عند الشيعة متأخرة عن نشأة الشيعة نفسها‪ ،‬وأن‬
‫أوائل الشيعة ليسوا على هذا الضلل‪ ،‬وأن فرقا من الشيعة ليست على هذا "الباطل"‪ ،].‬ول يقبل أن يقال بأن‬
‫الزيدية تقول بهذه الفرية‪ ..‬فأسلوب التعميم غير مرضي ول مقبول‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فإن الباحث المسلم يعاني بل شك من قراءة تلك الحروف السوداء‪ ،‬ومن الستماع‬
‫لولئك القزام الذين يتطاولون على كلم ال سبحانه‪ ،‬يعاني من ذلك أبلغ المعاناة‪ .‬وليعلم‬
‫القارئ أن دراسة هذا الموضوع ليست من أجل الرد والدفاع‪ ،‬فكتاب ال ل تصل إلى مقامه‬
‫بغاث الحلم‪ ،‬ول تنال من عظمته دعوى حاقد‪ ،‬ومزاعم مغرض‪ .‬فهل تستر الشمس‪ ،‬أو‬
‫تحجب القمر كف إنسان؟! ثم ما أسهل الدعاء الكاذب على حاقد َموْتور‪ ،‬ومن ثم فليس علينا أن‬
‫نتتبع كل دعوى كاذبة لنردها‪:‬‬
‫لكان كل مثقال بدينار‬ ‫لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا‬
‫كما أن إهمال القول الكاذب قد يكون أحرى لماتته وانصراف النظار عنه‪ ،‬ما لم يتفش هذا‬
‫القول ويشتهر وتحمله طائفة‪ ،‬وتسير به كتب‪ ،‬فحينئذ يجب كشف المطبل وباطله‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن دراسة هذه المسألة ليست من أجل الرد والنقض‪ ،‬إنما هي لبيان هل الشيعة تقول‬
‫بهذه المقالة أو ل؟‪ ،-‬وفي ثبوت ذلك أكبر فضيحة للشيعة يهدم بنيانها من الساس ويزلزل‬
‫كيانها من القواعد‪ ،‬ولن يقبل منها قول ول يسمع منها كلمة‪ ..‬ومن ذا الذي يمس كتاب ال‬
‫[ولهذا رأينا المام بن احزم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬حينما احتج‬ ‫ويقبل منه مسلم قولً أو يرتضي منه حكما‬
‫النصارى بما ينسب إلى الرافضة من القول بنقص القرآن وتغييره‪ ..‬أجابهم ابن حزم بأن هؤلء ليسوا من المسلمين‬
‫وإنما هي فرقة طارئفة على السلم والمسلمين حدث أولها بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم بخمس وعشرين‬
‫سنة‪( .‬انظر‪ :‬الفصل‪ .].)2/80 :‬ومن ثم فنحن نكتب هذه الدارسة لبيان حقيقة نسبة هذه المسألة‬
‫للشيعة؛ لن من حاول المساس بكتاب ال والنيل من قدسيته فإنه بعيد عن السلم وإن تسمى‬
‫به‪ ،‬وأنه يجب كشفه لتعرف المة عدواته؛ لنه يحارب السلم في أصله العظيم وركنه المتين‪.‬‬
‫[إعجاز‬ ‫ثم إن حكاية قول من قال ذلك ‪ -‬كما يقول أبو بكر الباقلني ‪ -‬يغني عن الرد عليه‬
‫القرآن‪ :‬ص ‪ ، 24‬تحقيق أحمد صقر‪].‬؛ لما توافر لكتاب ال من وسائل الحفظ وأسباب الضبط التي‬
‫ن َنزّ ْلنَا‬
‫يستحيل معها أن يتطرق إليه نقص أو تغيير تحقيقا لوعد ال سبحانه في حفظه {ِإنّا نَحْ ُ‬
‫الذّ ْكرَ وَِإنّا َلهُ َلحَا ِفظُونَ} [الحجر‪ ،‬آية‪ .].9 :‬هذا ومن أمر هذه الدعوى والتي وجدت في محيط‬
‫الشيعة (وسندرس مدى موافقة الشيعة لها أو رفضها) أنها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها‪،‬‬
‫وبراهين زيفها وكذبها‪ ،‬لم يحكم واضعها الصنعة في صياغتها‪ ،‬ولم يجد الحيلة في حبكها‪،‬‬
‫‪127‬‬
‫فجاءت على صورة مفضوحة‪ ،‬وبطريقة مكشوفة‪ ،‬ولذلك نقضت نفسها بنفسها‪ ،‬فهي تقوم على‬
‫دعوى أن القرآن ناقص ومغير‪ ..‬وأن القرآن الكامل المحفوظ من أي تغيير هو عند أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬ثم أورثه الئمة من بعده وهو اليوم عند مهديهم المنتظر‪.‬‬
‫فهذه الدعوى ربطوها بأمير المؤمنين علي‪ ،‬ولكن عليا هو الذي حكّم القرآن في خلفته وقرأه‬
‫وتعبد به‪ ،‬ولو كان لديه غيره لخرجه للناس ولم يجز أن يتعبد ال بكتاب محرف وناقص‪ ،‬ولو‬
‫كان شيء مما يدعون لخرج علي القرآن الكامل الذي جمعه‪ ،‬وعارض به هذا القرآن المحرف‬
‫‪ -‬كما يدعون ‪ -‬ولتدارك المر حين أفضت إليه الخلفة‪ ،‬لن من أقر الخائن على خيانته كان‬
‫كفاعلها‪ ..‬وقد حارب علي معاوية على أقل من هذا المر‪ ،‬فكيف لم يفعل ذلك أمير المؤمنين؟!!‬
‫لم يجد أصحاب هذا الفتراء ما يجيبون به عن هذا السؤال الكبير الذي ينسف بنيانهم من‬
‫[وله منزلته عندهم‪ ،‬وصفوه بأنه السيد السند‪،‬‬ ‫القواعد سوى قولهم على لسان عالمهم نعمة ال الجزائري‬
‫والركن المعتمد‪ ،‬المحدث النبيه‪ ،‬المحقق‪ ،‬النحرير‪ ،‬المدقق العزيز النظير‪ ،‬وقالوا بأنه من أكابر متأخري علماء‬
‫المامية‪ ،‬محدث جليل القدر‪ ،‬ومحقق عظيم الشأن‪ ،‬إلى آخر أوصافهم‪ ،‬توفي سنة (‪1112‬ه‍) (انظر‪ :‬أمل المل‪:‬‬
‫‪ ،2/336‬الكنى واللقاب‪ ،3/298 :‬سفينة البحار‪ ،2/601 :‬مقدمة النوار النعمانية)‪" :].‬ولما جلس أمير المؤمنين‬
‫‪ -‬عليه السلم ‪ -‬على سرير الخلفة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من‬
‫إظهار الشنعة على ما سبقه" [النوار النعمانية‪.].2/362 :‬‬
‫هكذا يجيبون وبهذا يعتذرون‪ ..‬وأي قدح وسب لمير المؤمنين ممن يزعم التشيع له أبلغ من‬
‫هذا وأشد‪ ..‬إنهم يتهمون عليا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬بأنه راعى المجاملة لمن سبقه على هداية‬
‫المة‪ ،‬ولهذا لم يخرج ما عنده من القرآن‪ ..‬سبحانك هذا بهتان عظيم!‪.‬‬
‫كما أنهم ربطوا وجود المصحف بإمامهم المنتظر الذي لم يولد أصلً ول وجود له ‪ -‬كما‬
‫سيأتي ‪ -‬والمام الغائب والمصحف الغائب كلهما وهم وخيال‪.‬‬
‫والكلمات المفتراة والتي قدموها على أنها آيات ساقطة من المصحف انكشف بها كذبهم‬
‫وظهر بها بهتانهم‪ ،‬فهي أشبه ما تكون بمفتريات مسيلمة المتنبئ الكذاب وادعاءاته‪ ..‬ل تربطها‬
‫بلغة العرب‪ ،‬وبلغة اللسان العربي أدنى رابطة ‪ -‬كما سيأتي ‪ ،-‬ثم إنهم رجعوا على أنفسهم‬
‫وقالوا‪ :‬ل اعتماد على تلك الكلمات ول تعتبر من القرآن‪ ،‬ول يجوز القراءة بها‪ ،‬لن طريقها‬
‫آحاد‪ ،‬والئمة قرأوا هذا القرآن واستعملوه فل يترك ما أجمعوا عليه بمثل هذه الروايات‪ ..‬ثم‬
‫انفصل منهم طائفة عاقلة تبرأت من هذا الكفر لما رأت من تناقضه ووضوح بطلنه‪ ..‬وهاجمت‬
‫من قال به من أصحابها وكشفت كذبه وكفى ال المؤمنين القتال‪ ..‬وهذا الصراع الدائر بين‬
‫الطائفتين ينكشف من خلل كتاب فصل الخطاب كما سيأتي تفصيله إن شاء ال‪ ،‬فحملت هذه‬

‫‪128‬‬
‫المقالة أسباب فنائها في أحشائها‪ ،‬وانكشف عوارها وكذبها بكلمات أصحابها‪ ،‬وفي هذا آيات‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وبرهان من براهين عظمة هذا القرآن‪ ،‬وسر من أسرار إعجازه والتي ل تحيط بها‬
‫العقول‪ ،‬وشاهد من شواهد تحقيق وعد ال بحفظه لكتابه العزيز‪.‬‬
‫وفيما يلي نبدأ بدراسة هذه القضية عند الشيعة‪ ،‬ومتى بدأت‪ ،‬وكيف امتدت‪ ،‬ومن الذي تولى‬
‫كبر وضعها‪ ،‬وهل تقول الشيعة كلها بذلك أو فيها من أنكر وتبرأ؟ وسنذكر أولً ما تقوله كتب‬
‫السنة‪ ،‬ثم نرجع لتحقيق ذلك من كتب الشيعة الثني عشرية نفسها‪:‬‬
‫بداية هذا الفتراء ‪ -‬كما تقوله مصادر أهل السنة‪:‬‬
‫[محمد بن القاسم بن محمد‪ ..‬أبو بكر بن النباري‪ ،‬قال‬ ‫يقول المام أبو بكر محمد بن القاسم النباري‬
‫الخطيب البغدادي‪" :‬كان صدوقا فاضلً دينا خيرا من أهل السنة‪ ،‬وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن‪ ..‬والوقف‬
‫والبتداء والرد على من خالف مصحف العامة‪ ..‬وكان من أحفظ الناس للغة وتفسير القرآن"‪( .‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪:‬‬
‫‪" :].)186-3/181‬لم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون شرف القرآن وعلو منزلته‪ ..‬حتى نبغ في‬
‫زماننا هذا زائع عن الملة وهجم على المة بما يحاول به إبطال الشريعة‪ ..‬فزعم أن المصحف‬
‫الذي جمعه عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬باتفاق أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫تصويبه فيما فعل ل يشتمل على جميع القرآن‪ ،‬إذا كان قد سقط منه خمسمائة حرف‪( ..‬ثم ذكر‬
‫ابن البناري) أن هذا الزنديق أخذ يقرأ آيات من القرآن على غير وجهها زندقة وإلحادا‪ ،‬فكان‬
‫يقرأ‪( :‬ولقد نصركم ال ببدر بسيف علي وأنتم أذلة)" [تفسير القرطبي‪.].1/28 :‬‬
‫هذا النص قاله ابن النباري المولود سنة (‪271‬ه‍) والمتوفى سنة (‪328‬ه‍) وهو يشير إلى أن‬
‫هذا الفتراء بدأ في زمنه في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع‪ .‬ويدل النص المذكور أيضا‬
‫على‪ :‬أن مصدر هذا الفتراء من طائفة الشيعة كما تفيده تلك الزيادة المفتراة (بسيف علي) كما‬
‫يدل على أنه لم يكن للمة المسلمة في ماضيها عهد بهذه المفتريات حتى ظهر هذا الزائغ عن‬
‫الملة‪ ،‬وكأن ابن النباري بهذا يشير إلى شخص بعينه إل أنه لم يذكره باسمه‪ ..‬ولكن بدت‬
‫هويته المذهبية من خلل افتراءاته‪.‬‬
‫بينما نجد المطلي (ت ‪377‬ه‍) يشير إلى أن هذا الشخص صاحب هذه الفرية هو هشام بن‬
‫[هشام بن الحكم‪ :‬أصله كوفي‪ ،‬وسكن بغداد‪ ،‬وتربى في أحضان بعض الزنادقة‪ ،‬وكان في الصل على مذهب‬ ‫الحكم‬
‫الجهمية‪ ،‬ثم قال بالتجسيم‪ ..‬نقلت عنه مقالت ضالة وتنسب له كتب الفرق فرقة "الهشامية" من الشيعة‪ .‬توفي سنة (‬
‫‪179‬ه‍) كما في رجال الكشي‪ ،‬وقيل‪190( :‬ه‍) انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،280-255‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪،338‬‬
‫وانظر‪ :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،6/194 :‬وانظر عن الهشامية‪ :‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد‪ :‬ص ‪ ،24‬الشعري‪ /‬مقالت‬
‫السلميين‪ ،1/106 :‬البغدادي الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،65‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪1/184 :‬وغيرها‪ ].‬فإنه زعم‬

‫‪129‬‬
‫أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيام عثمان‪ ،‬وأما القرآن فقد صعد به إلى السماء لردة‬
‫الصحابة بزعمه [التنبيه والرد‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫ولكن هشام بن الحكم توفي سنة (‪190‬ه‍) وهذا يعني أن هذا الفتراء أقدم مما يذكره ابن‬
‫النباري‪ ،‬وإذا لحظنا أن هذه الفرية مرتبطة أشد الرتباط بمسألة المامة والئمة عند الشيعة‪،‬‬
‫وذلك حينما بدأ شيوخ الشيعة في الستدلل عليها فلم يجدوا في كتاب ال ما يثبت مزاعمهم في‬
‫ذلك فأدى بهم هذا إلى القول بهذه الفرية وغيرها‪ ..‬إذا أدركنا ذلك فإنه ل يبعد أن يكون ما‬
‫يقوله المطلي في أن هشاما هو الذي تولى كبر هذا الفتراء‪ ..‬ل يبعد أن يكون هذا واقعا لسيما‬
‫أن هشاما كان من أول من تكلم في المامة‪ ،‬حتى قال ابن النديم‪" :‬إن هشام بن الحكم ممن فتق‬
‫الكلم في المامة‪ ،‬وله من الكتب كتاب المامة" [الفهرست‪ :‬ص ‪ ،].175‬وقال ابن المطهر الحلي‪:‬‬
‫"وكان ممن فتق الكلم في المامة وهذب المذهب بالنظر" [رجال الحلي‪ :‬ص ‪.].178‬‬
‫ويشفع لتأهيل هشام بن الحكم ‪ -‬أيضا ‪ -‬لهذه الفرية ما جاء في رجال الكشي‪ -‬عمدة الشيعة‬
‫[رجال‬ ‫في كتب الرجال ‪ -‬ونصه‪" :‬هشان بن الحكم من غلمان أبي شاكر‪ ،‬وأبو شاكر زنديق"‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪ .].278‬وقال القاضي عبد الجبار (المعتزلي) ‪" :‬هشام‪ ..‬ليس من أهل القبلة‪ ،‬وهو‬
‫[انظر‪ :‬ابن النديم‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪].338‬‬ ‫معروف بعداوة النبياء‪ ،‬وقد أخذ مع أبي شاكر الديصاني‬
‫[الديصانية‪ :‬إحدى فرق الثنوية القائلين بالصلين النور والظلمة‪ ،‬وأن العالم صدر عنهما‪،‬‬ ‫صاحب الديصانية‬
‫وتعتبر أصلً للمانوية‪ ،‬وإنما اختلفت الفرقتان في كيفية اختلط النور بالظلمة (الملل والنحل‪ ،1/250 :‬الفهرست لبن‬
‫النديم‪ :‬ص ‪ ].)339-338‬وكان معروفا به وبصحبته‪ ،‬فادعى أنه من الشيعة‪ ،‬فخلصه بعض أصحاب‬
‫[انظر‪ :‬تثبيت دلئل النبوة‪ :‬ص‬ ‫المهدي حين ادعى أنه يتشيع لبني هاشم فلم يصلبه مع أبي شاكر‬
‫‪ ،].225‬فهو قد تربى في أحضان الزنادقة‪ ،‬والشيء من معدنه ل يستغرب‪ ..‬وقد أوعز إليه ‪-‬‬
‫[انظر‪ :‬رجال‬ ‫كما في رجال الكشي ‪ -‬بلزوم الصمت حين جدّ المهدي العباسي بتتبع الزنادقة"‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪ .].266-265‬قال هشام‪" :‬فكففت عن الكلم حتى مات المهدي" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].266‬‬
‫فتشير القرائن ‪ -‬كما ترى ‪ -‬إلى هشام وشيعته‪ ،‬فهذا يدل على أقل الفتراضات أن هذه‬
‫"الفرية" وجدت في عصر هشام‪ ،‬ومما يدل على وجود هذه الدعوى في تلك الفترة ما ذكره ابن‬
‫حزم عن الجاحظ قال‪" :‬أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قال لمحمد بن‬
‫[كذا في الطبعة المحققة من "الفصل" ولعل الصواب أبو جعفر‪ ،‬لن أباه علي كما هو المشهور في كتب‬ ‫جعفر‬
‫التراجم‪ ].‬الرافضي المعروف بشيطان الطاق‪ :‬ويحك! أما استحيت من ال أن تقول في كتابك في‬
‫ح ِبهِ لَ‬
‫المامة‪ :‬إن ال تعالى لم يقل قط في القرآن‪{ :‬ثَا ِنيَ ا ْث َنيْنِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ ِلصَا ِ‬

‫‪130‬‬
‫حزَنْ ِإنّ الّل َه مَ َعنَا} [التوبة‪ ،‬آية‪ .].40 :‬قال‪ :‬فضحك وال شيطان الطاق طويلً حتى كأنّا نحن‬
‫تَ ْ‬
‫الذي أذنبنا" [الفصل‪.].5/39 :‬‬
‫هذه الحكاية أوردها ابن حزم عن الجاحظ‪ ،‬وقد قال ابن حزم عن الجاحظ بأنه رغم مجونه‬
‫وضلله‪" :‬فإننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها‪ ،‬وإن كان كثيرا ليراد كذب‬
‫غيره" [الفصل‪ .].5/39 :‬وشيطان الطاق وهو محمد بن علي ابن النعمان أو جعفر الحول توفي‬
‫[نسب إليه أنه يقول‪ :‬إن ال ل يعلم شيئا حتى يكون‪ ،‬وضللت أخرى‪ ،‬تنسب له فرقة "الشيطانية" أو‬ ‫سنة (‪160‬ه‍)‬
‫النعمانية من غلة الشيعة‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،185‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،249‬لسان الميزان‪ ،301-5/300 :‬فرق الشيعة للنوبختي‪:‬‬
‫ص ‪ ،78‬سفينة البحار‪ ،1/333 :‬مقالت السلميين‪ ،1/111 :‬الملل والنحل‪ ،1/186 :‬النتصار لبن الخياط‪ :‬ص ‪-14‬‬
‫‪ ،].)48‬والمعروف أن شيطان الطاق معاصر لهشام بن الحكم‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬قيل إن هشام بن‬
‫الحكم شيخ الرافضة لما بلغه أنهم لقبوه شيطان الطاق سماه هو مؤمن الطاق" فقد يكون أحد‬
‫الشركاء في هذه "الجريمة" مع هشام بن الحكم‪ ،‬فهو شريك في التأليف حول مسألة المامة‬
‫والتي هي السبب والصل للقول بهذا الفتراء كما تدل عليه نصوص هذه الفرية‪.‬‬
‫شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة‪:‬‬
‫ثم فشت هذه المقالة في الشيعة الثني عشرية والذي يلقبهم الشعري وغيره بالرافضة كما‬
‫أسلفنا حتى أصبحت ‪ -‬كما يذكر الشعري ‪( -‬المتوفى سنة ‪330‬ه‍) مقالة لطائفة من هؤلء‬
‫الروافض زعموا‪" :‬أن القرآن قد نقص منه‪ ،‬وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان‪،‬‬
‫وكذلك ل يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه‪ ،‬فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير‬
‫منه‪ ،‬والمام يحيط علما به" [مقالت السلميين‪ ،].120-1/119 :‬بينما اتجهت فرقة أخرى من هؤلء‬
‫يصفهم الشعري بأنه ممن جمع القول بالعتزال والمامة إلى إنكار هذا القول وقالت‪" :‬إن‬
‫القرآن ما نقص منه‪ ،‬ول زيد فيه‪ ،‬وإنه على ما أنزل ال تعالى على نبيه ‪ -‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ -‬لم يغير ولم يبدل‪ ،‬ول زال على ما كان عليه" [مقالت السلميين‪ .].120-1/119 :‬وهناك‬
‫[كما يبدو من خلل النسخة المطبوعة من مقالت السلميين‬ ‫فرقة ثالثة سقط ‪ -‬فيما يظهر‪ -‬ذكر مذهبها‬
‫تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ج‪‍1‬ص ‪ )120‬وفي المطبوعة الخرى للمقالت تحقيق هلموت ريتر ذكر في‬
‫تحقيقه للكتاب بأنه قد وجد في بعض النسخ الخطية تعليقة في الهامش تقول‪" :‬سقط فرقة من الترتيب والعدد وهم الذين‬
‫يجوزون الزيادة ول يجوزون النقص منه (انظر‪ :‬هامش مقالت السلميين‪ :‬ص ‪ 47‬تحقيق هلموت ريتر) وقد يكون‬
‫هذا استنتاج من الناسخ؛ حيث ل يوجد من الشيعة قائل بذلك‪ ،‬فقد ذكر الطوسي في التبيان (‪ ،)1/15‬والطبرسي في‬
‫مجمع البيان (‪ )1/30‬أن الزيادة مجمع على بطلنها عندهم"‪.].‬‬

‫‪131‬‬
‫كما يشير البغدادي (المتوفى سنة ‪429‬ه‍) إلى أن من الرافضة من زعم أن الصحابة غيروا‬
‫بعض القرآن‪ ،‬وحرفوا بعضه‪ ،‬واعتبر ذلك من موجبات الحكم بكفرها وخروجهم عن السلم‬
‫[انظر‪ :‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].327‬‬
‫ويبدو أن هذا المنكر زاد انتشاره بين هؤلء القوم حتى إننا نجد ابن حزم (المتوفى ‪456‬ه‍)‬
‫ينسب هذه المقالة إلى طائفة المام كلها‪ ،‬ولم يستثن من أعلم المامية إل ثلثة نجوا من الوقوع‬
‫في هذه الهاوية [انظر‪ :‬الفصل‪.].5/40 :‬‬
‫[المعتمد‬ ‫وكذلك القاضي أبو يعلى (المتوفى سنة ‪458‬ه‍) ينسب هذه المقالة إلى طائفة الرافضة‬
‫في أصول الدين‪ :‬ص ‪ ،258‬ويشير القاضي أبو يعلى إلى جهل هؤلء الروافض وإنكارهم للقضايا الضرورية‬
‫ومكابرتهم في ذلك للحقاق المتواترة؛ حيث إن القرآن قد جمع بمحضر من الصحابة ‪ -‬بما فيهم علي رضي ال عنه‬
‫‪ -‬وأجمعوا عليه‪ ،‬ولم ينكره منكر‪ ،‬وإن مثل هذا لو كان لستحال كتمانه في مستقر العادة‪ ،‬ولوجب على عليّ وغيره‬
‫إنكاره ‪ ،‬وقد كان علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يقرأه ويستعمله‪( ..‬المعتمد‪ :‬ص ‪ ].)258‬والتي هي من ألقاب الثني‬
‫عشرية ‪ -‬كما سبق ‪ ،-‬بينما نجد شيخ السلم ابن تيمية (المتوفى سنة ‪728‬ه‍) يعزو هذه المقالة‬
‫‪ -‬فيما يظهر ‪ -‬للباطنية حيث قال‪" :‬وكذلك ‪ -‬أي يحكم بكفره ‪ -‬من زعم أن القرآن نقص منه‬
‫آيات وكتمت‪ ،‬أو زعم تأويلت باطنة تسقط العمال المشروعة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهؤلء يسمون‬
‫القرامطة والباطنية" [الصارم المسلول‪ :‬ص ‪.].586‬‬
‫فهل شيخ السلم ابن تيمية يعتبر الثني عشرية في عداد الباطنية‪ ،‬أو غاب عنه أنهم يذهبون‬
‫هذا المذهب فلم يذكرهم‪ ،‬أو أن الشيخ في هذه النسبة ركز على المعنى الخير وهو التأويل‬
‫الباطني الذي تعتمده القرامطة الباطنية؟‬
‫علي أي الحوال فإني لم أجد ‪ -‬فيما قرأت ‪ -‬لشيخ السلم أنه ينسب هذه الفرية لطائفة‬
‫الثني عشرية‪ ،‬ل في منهاج السنة الذي رد فيه على شيخهم ابن المطهر الحلي ول في غيره‬
‫من كتبه المنشورة التي اطلعت عليها‪.‬‬
‫ويكشف ‪ -‬ميرزا مخدوم الشيرازي (من القرن العاشر) وقد عاش بين الشيعة وقرأ الكثير من‬
‫[حيث يذكر أنه اضطر للبقاء بين ظهرانيهم‪ ،‬ولزمته مخالطتهم ومطالعة كتبهم‪ ..‬وقد اطلع‬ ‫كتبهم ‪ -‬كما يقول‬
‫بسبب ذلك على الكثير من ضللتهم وأباطيلهم‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬النواقض‪ :‬الورقة ‪( )165 ،115 ،110‬مخطوط) حتى قال‪« :‬لم يطلع أحد على تفصيل كتبهم وأقوالهم‬
‫وشروح عاداتهم وأعمالهم كما اطلعت عليه‪ ،‬فل يقدرون على أن يقولوا قد افترى علينا مثل ما يقولون في مقابلة ما‬
‫نسبه سلفنا في كتبهم الكلمية إلى الرافضة (المصدر السابق الورقة‪-87 :‬أ)‪" –].‬أنهم ذكروا في كتب حديثهم‬
‫وكلمهم أن عثمان – رضي ال عنه ‪ -‬نقص من آيات القرآن ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬ويشير إلى أمثلة‬
‫ش َرحْ} بعد قوله سبحانه‪َ { :‬ورَفَ ْعنَا َلكَ‬
‫مما قالوه في القرآن كقولهم‪ :‬إنه كان في سورة {أَلَمْ نَ ْ‬
‫‪132‬‬
‫[النواقض‪ /‬الورقة ‪( 103‬مخطوط) قال الشيخ محب‬ ‫ذِ ْكرَكَ} كان بعدها ‪ -‬كما يفترون – "وعليا صهرك"‬
‫ش َرحْ ‪ ‬مكية وإنما كان صهره الوحيد‬
‫الدين الخطيب‪« :‬وهم ل يخجلون من هذا الزعم مع عملمهم بأن سورة ‪َ ‬ألَمْ َن ْ‬
‫العاص بن الربيع الموي» (الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].)15‬‬
‫ويذكر مطهر بن عبد الرحمن بن علي بن إسماعيل في كتابه‪" :‬تكفير الشيعة" والذي ألفه سنة‬
‫(‪990‬ه‍) يذكر ما صنعه شيعة زمانه من إحراق المصاحف وإهانتها واختراعهم ‪ -‬كما يقول ‪-‬‬
‫[تكفير الشيعة‪ :‬الورقة ‪( 58‬مخطوط) ذكر ذلك في الفصل الذي عقده بعنوان‪" :‬فصل في أحوال‬ ‫مصحفا محدثا‬
‫طهماسب الزنيم وزندقته وبيان كفره وإلحاده" وطهماسب هذا هو‪ :‬طهماسب بن الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي‬
‫المولود سنة (‪919‬ه‍) وهو أحد سلطين الدولة الصفوية‪ ،‬وتولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة (‪930‬ه‍) وهو من الشيعة‬
‫الثني عشرية (انظر‪ :‬دائرة المعارف (الشيعية) ج‪ ‍6‬ص ‪.].)321‬‬
‫ويشير المام محمد بن عبد الوهاب (ت ‪1206‬ه‍) إلى ما ذكرته كتب الشيعة من القول بنقص‬
‫القرآن‪ ،‬ويذكر بأن شيعة زمنه ‪ -‬على ما قيل ‪ -‬أظهروا سورتين يزعمون أنهما من القرآن‬
‫الذي أخفاه عثمان‪ ،‬كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف إحداهما سورة النورين‬
‫والخرى سورة الولء [انظر‪ :‬رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪.].14‬‬
‫كما أن الصورة تتضح أكثر عند صاحب التحفة الثني عشرية شاه عبد العزيز الدهلوي‬
‫المتوفى سنة (‪1239‬ه‍) الذي يذكر بأن الثني عشرية تقول بأن الصحابة قد غيروا ونقصوا في‬
‫كتاب ال ما يتصل بفضل علي وأئمتهم الثني عشر وذلك أعدائهم‪ ،‬وينقل بعض الشواهد على‬
‫ذلك من كتبهم‪ ،‬ويبين أنهم خالفوا بذلك المنقول والمعقول‪ ،‬وما علم من الدين بالضرورة‪ ،‬وما‬
‫تواترت به التواريخ والوقائع‪ ،‬كما يبين براءة أهل البيت من هذه العقيدة‪ ،‬وأن من شيوخ الشيعة‬
‫[انظر‪ :‬مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪ ،82‬وانظر‬ ‫أنفسهم من بدأ يتبرأ من هذه العقيدة كابن بابويه‬
‫أيضا‪ :‬ص ‪.].52 ،50 ،30‬‬
‫كما يتعرض أبو الثناء اللوسي (المتوفى سنة ‪1270‬ه‍) لهذه الفرية في تفسيره‪ ،‬ويذكر بعض‬
‫شواهدها من كتبهم‪ ،‬ويبين فسادها؛ لما توافر لهذا الكتاب العظيم من أسباب الحفظ بما ل يبقى‬
‫في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء بعد من القرآن‪ ،‬وإل لوقع الشك في كثير من ضروريات‬
‫هذا الدين‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬بأنه لما تفطن بعض علمائهم لما في قولهم هذا من الفساد جعله قولً لبعض‬
‫أصحابه‪ ،‬واستشهد على ذلك بما قاله شيخ الشيعة الطبرسي في مجمع البيان من أن الشيعة تنكر‬
‫هذه المقالة‪ ،‬وأنها قول لقوم من أصحابها‪ ،‬والصحيح خلفه‪ ،‬ثم قال اللوسي‪ :‬وهو كلم دعاه‬

‫‪133‬‬
‫إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للطفال والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين‬
‫القتال [روح المعاني‪ 1/23 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ولعل اللوسي (أبا الثناء) أول من كتب بالعربية عن هذه القضية بذلك الستيعاب (النسبي)؛‬
‫حيث عرض لهذه الفرية مقرونة بالستشهاد المباشر من كتبهم‪ ،‬وعرض أحاديثهم كما جاءت‬
‫في أصول الكافي وغيره‪ ،‬وذكر الجناح الخر من الشيعة الذي أنكر هذه الفرية واستشهد‬
‫بكلمه‪ ،‬وناقشه‪.‬‬
‫وكذلك قام حفيده علمة العراق أبو المعالي اللوسي (ت ‪1342‬ه‍) ببيان وقوع الشيعة في هذا‬
‫الكفر عبر رسائله التي ألفها أو لخصها حول الشيعة‪.‬‬
‫هذا ويتولى الشيخ محمد رشيد رضا (المتوفى سنة ‪1354‬ه‍) بعد ذلك إثارة هذه المسألة‪،‬‬
‫وفضح الشيعة في هذا عبر مجلة المنار [انظر‪ :‬المجلد ‪ 29‬ص ‪ ،].436‬ثم في رسالته "السنة والشيعة"‬
‫وذلك حينما ألجأه إلى ذلك تعصب بعض شيوخ الشيعة وعدوانهم ‪ -‬كم يقول ‪ -‬فيذكر أن‬
‫رافضة الشيعة تزعم أن ما بين الدفتين ليس كلم ال بل حذف منه الصحابة ‪ -‬بزعمهم ‪-‬‬
‫بعض اليات وسورة الولية [السنة والشيعة‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫ومن بعد هؤلء يأتي الشيخ موسى جار ال (ت ‪1369‬ه‍) والذي عاش بين الشيعة فترة‪،‬‬
‫وتجول في مدنها‪ ،‬وحضر حلقات دروسها في البيوت والمساجد والمدارس‪ ،‬وقرأ في العديد من‬
‫أمهات كتبها [الوشيعة‪ :‬ص ‪ .].26-25‬ورأى أن "القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات قد‬
‫نزلت‪ ،‬وبتغيير ترتيب الكلمات واليات‪ ،‬أجمعت عليه كتب الشيعة" [المصدر السابق‪ :‬ص ‪ ].104‬وأن‬
‫هذه الكلمات واليات كانت كما يزعمون في علي وأولده‪ ،‬وأن الذي حذف ذلك هم صحابة‬
‫رسول ال‪ ،‬وينقل عن بعض شيوخ الشيعة أنهم قالوا بأن أخبار هذه الفرية متواترة عندهم ويلزم‬
‫[انظر‪ :‬المصدر السابق‪:‬‬ ‫من ردها رد سائر أخبارهم في المامة والرجعة وغيرها‪ ،‬والحكم ببطلنها"‬
‫ص ‪.].138‬‬
‫وقد لحظ من خلل حياته مع الشيعة في تلك الفترة تأثر المجتمع الشيعي بهذه العقيدة؛ حيث‬
‫إنه لم يجد من التلميذ ول من العلماء من يحفظ القرآن‪ ،‬ول من يعرف وجوه القرآن الدائية‪،‬‬
‫[وقد استفهم عن هذه‬ ‫بل ول من يقيم القرآن بعض القامة بلسانه وأنهم اتخذوا القرآن مهجورا‬
‫الظاهرة الخطيرة بعض شيوخ الشيعة في ورقة صغيرة كتب فيها هذه المسألة مع مسائل أخر فلم يجد إجابة (انظر‪:‬‬
‫الوشيعة ص‪ ،)28-27 :‬ثم كتب بعد ذلك رسالة ضمنها مجموعة من عقائد الشيعة الباطلة وقدمها لشيخ مجتهدي‬
‫الكاظمية ببغداد‪ ،‬ثم نسخت في كراريس‪ ،‬ووزعتها الرابطة العلمية لساتذة النجف‪ ،‬ثم يذكر بأنه بعدما راجع بهذه‬
‫المسائل مجتهدي الشيعة انتظر سنة وزيادة ولم يسمع جوابا من أحد إل من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة‪ ،‬فقد أجابه‬
‫بكتاب من تسعين صفحة بكلمات في الطعن على العصر الول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة‪( .‬الوشيعة‪ :‬ص‬
‫‪134‬‬
‫‪ ،].)118-117 ،98‬ويقول‪ :‬هل هذا بسبب أنهم ينتظرون ما وع َدتْهم به أساطيرهم من ظهور‬
‫القرآن الكامل مع منتظرهم الموعود؟ [انظر‪ :‬ص ‪.].112 ،31-30‬‬
‫ثم يقوم الستاذ محب الدين الخطيب (ت ‪1389‬ه‍) بمناسبة إنشاء دار التقريب بين المذاهب‬
‫السلمية التي أنشأها الشيعة في أرض الكنانة لبث عقيدة "الرفض" بين أهلها يقوم بالكتابة عن‬
‫الشيعة في مجلة الفتح‪ ،‬وفي رسالته "الخطوط العريضة" ويتحدث عن هذه الفرية‪ ،‬ويستشهد بما‬
‫جاء في كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب" الذي ألفه ميرزا حسين ابن‬
‫محمد تقي النوري الطبرسي أحد كبار علماء النجف‪ ،‬والذي بلغ من إجلل الشيعة له عند وفاته‬
‫سنة (‪1320‬ه‍) أنهم دفنوه في أشرف بقعة عندهم‪ ،‬ويقول بأن هذا الكتاب ينطوي على مئات‬
‫النصوص عن علمائهم في كتبهم المعتبرة يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف ومؤمنون به‪،‬‬
‫ويستشهد بما جاء في كتاب الكافي للكليني والذي يقول بأنه كصحيح البخاري عند أهل السنة‪.‬‬
‫كما ينشر صورة لما يسمى‪" :‬سورة الولية" ويقول بأنها منقولة فوتوغرافيا عن أحد مصاحف‬
‫إيران‪ ،‬ثم قال‪ :‬ويبقى أن هناك قرآنين أحدهما عام ومعلوم‪ ،‬والخر خاص مكتوم ومنه سورة‬
‫الولية‪ ،‬ثم يستشهد بما جاء في بعض نصوصهم من الفتوى بقراءة المصحف العثماني‪ ،‬ولكن‬
‫يقول‪ :‬إن خاصة الشيعة يعلم بعضهم بعضا ما يخالف ذلك مما يزعمون وجوده عند أئمتهم من‬
‫أهل البيت" [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].19-10‬‬
‫كما أن الشيخ محمود الملح (ت ‪1389‬ه‍) في العراق فضح الشيعة في هذه المسألة لمواجهة‬
‫[انظر كتابه‪" :‬الوحدة السلمية‬ ‫محاولة شيخ الشيعة الخالصي في نشر الرفض باسم الوحدة السلمية‬
‫بين الخذ والرد"‪.].‬‬
‫ومن بعد هؤلء نرى الشيخ إحسان إلهي ظهير يكتب عن هذه القضية في كتابه‪" :‬الشيعة‬
‫والسنة" ويذهب إلى القول بأن الشيعة كلها على هذا الكفر‪ ،‬وينقل الشواهد الكثيرة من كتبهم التي‬
‫تتضمن أخبار هذه السطورة‪ ،‬ويعد إنكار المنكرين لهذه المسألة تقية ل حقيقة‪ ،‬ويرى أنه قام‬
‫بدراسة هذه المسألة ببيان واضح‪ ،‬مستند‪ ،‬مفصل لم يسبق إليه [السنة والشيعة‪ :‬ص ‪.].14‬‬
‫ثم يحاول أن يتوسع أكثر في هذه المسألة فيخصص لها كتابا مفردا بعنوان "الشيعة والقرآن"‬
‫ينتهي فيه إلى نفس الحكم الذي انتهى إليه في كتابه السابق‪ ،‬ومعظم هذا الكتاب هو عبارة عن‬
‫نقل حرفي بدون أدنى تعليق لكتاب ل يوجد من كتب الشيعة أجمع لنصوص الفرية منه وهو‬
‫كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب"‪ ،‬والغريب أن إحسان ينتهي إلى‬
‫نفس النهاية التي انتهى إليها صاحب فصل الخطاب‪ ،‬مع أن صاحب فصل الخطاب ألف كتابه‬
‫‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬لقناع طائفة من قومه أنكرت هذا الكفر وأبت أن تهضمه‪ ،‬واحتجت بما قاله‬
‫‪135‬‬
‫بعض شيوخها السابقين من إنكار هذه الفرية‪ ،‬فرد عليها صاحب فصل الخطاب بكتابه هذا‪،‬‬
‫وعزا النكار من شيوخه السابقين إلى التقية أو إلى عدم توفير المصادر عندهم ‪ -‬كما سيأتي ‪-‬‬
‫[في فصل الخطاب يتبين أن هناك جناحين من‬ ‫فذهب إحسان إلى مذهب صاحب فصل الخطاب نفسه‬
‫الشيعة‪ ،‬جناح يقول بالتحريف‪ ،‬ويعتبر إنكار من أنكر تقية ويدعي إجماع الشيعة على ذلك الكفر‪ ،‬ويشايع هذا الجناح‬
‫صاحب فصل الخطاب والذي ألف هذا الكتاب كما قلنا من أجل الرد على من أنكر ذلك‪.‬‬
‫والجناح الخر المنكر لرأي أولئك ويدعي الجماع على خلفه ويسرد الدلة القوية التي تؤيد مذهبه‪ ،‬إل أن‬
‫صاحب الشيعة والقرآن أغفل ذكر أدلة هذه الطائفة واكتفى بسرد ما عند الطائفة الخرى بدون أي تعليق‪ ،‬وكأنه‬
‫اعتبر هذا النكار تقية فل لزوم لذكره‪ ،‬ول شك أن المانة تقتضي ذكر المذهبين‪ ،‬كما أن بذكرهما يتبين أمور كثيرة‬
‫تتصل باضطراب المذهب الشيعي وفساده‪ ،].‬ونعمة ال الجزائري من أن إنكار المنكرين على سبيل‬
‫التقية كما سيأتي بحثه ودراسته‪.‬‬
‫كما أن للستاذ محمد مال ال كتابا بعنوان‪« :‬الشيعة وتحريف القرآن» انتهى فيه إلى أن‬
‫شيوخ الشيعة اتفقوا على القول بهذه الفرية‪ ،‬واستشهد على ذلك بكلم اثني عشر شيخا من‬
‫شيوخهم يقولون بهذا الفتراء‪ ،‬ولم يشر إلى وجود خلف بينهم في هذا مع أن طائفة من‬
‫شيوخهم أنكروه‪ ،‬كما قام بالستشهاد بأكثر من مائتي رواية لهم قال بأنها نماذج من تحريفات‬
‫الشيعة للقرآن‪ ،‬كما قام بإعداد جدول لهذا في تعليقه على كتاب الخطوط العريضة ووضعه في‬
‫نهاية الكتاب‪ ،‬واستخرج ذلك من طائفة من كتب الشيعة في التفسير والحديث‪ ،‬إل أن فيها ما‬
‫ليس بصريح في هذا المر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل‪.‬‬
‫كما أنه وقع ‪ -‬كما وقع إحسان من قبله ‪ -‬بذكر بعض الروايات للشيعة والتي فيها ذكر‬
‫قراءة للية مروية عن السلف واعتبرها ‪ -‬بجهل ‪ -‬من قبيل التحريف‪ .‬والسبب في ذلك هو‬
‫[مثل‬ ‫اعتمادهم بدون تدبر على كتاب فصل الخطاب‪ ،..‬وهناك كتابات أخرى تشابه ما ذكرناه‬
‫كتاب‪ :‬وجاء دور المجوس (ص ‪ )114‬الذي يرى أنه إنكارهم للتحريف تقية‪ ،‬لنهم يعتقدون خيانة الخلفاء الثلثة‬
‫ونفاقهم‪ ،‬وغيرهم من جلة الصحابة‪ ،‬والقرآن وصلنا عن طريقهم‪ ،‬كما أنهم يترحمون على شيوخهم المجاهرين بهذه‬
‫الفرية ويجلونهم‪( .‬ص ‪ ،].)117‬لكن الدكتور علي أحمد السالوس وهو أحد المهتمين بقضية الشيعة‪،‬‬
‫ل يتفق مع الستاذ محب الدين الخطيب وغيره في نسبة هذا الجرم الشنيع إلى المامية عامة‬
‫ويرى أن ذلك خاص بالخباريين فقط‪ ،‬أما الصوليين منهم فهم يتبرؤون من هذه المقالة‪ ،‬لكن‬
‫هذا التقسيم لم يكد يسلم له بطريقة جازمة‪ ،‬حيث قام بمقابلة أحد مراجع الشيعة الخبارية وسأله‬
‫عن رأيه في ذلك فقال‪ :‬إن التحريف وقع في القرآن الكريم من جهة المعنى فقط‪.‬‬
‫يقول الدكتور السالوس‪ :‬وأعطاني كتيبا كتبه تعليقا على مقال يهاجم الشيعة‪ ،‬ومما جاء في‬
‫هذا الكتيب‪" :‬مذهبنا ‪ -‬ومذهب كل مسلم ‪ -‬بأن القرآن الكريم المتداول بين أيدينا ليس فيه أي‬

‫‪136‬‬
‫تحريف بزيادة أو نقصان‪ ،‬وما ذكر في بعض الحاديث بأن فيه تحريفا ونقصانا فهو مخالف‬
‫لعقيدتنا في القرآن الكريم الذي هو الذكر الحكيم‪ ،‬والذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه"‪.‬‬
‫وقال الدكتور‪ :‬لعل القائلين بهذه الفرية هم فريق من الخباريين ل كلهم‪ ،‬أو يكون الكلم في‬
‫ذلك الكتيب مبعثه التقية‪ ،‬ويستدل على ذلك بأنه قال في نفس ذلك الكتيب‪" :‬لم يقل الشيعة‬
‫وأئمتهم بما يحط من كرامة الخلفاء المرضيين‪ ..‬وقد أجري الفتح والخير للمسلمين على يد‬
‫أولئك الصالحين ‪ -‬عليهم سلم ال ورحمته ورضوانه أجمعين ‪ -‬ويقول بأنه من الواضح البين‬
‫أن هذا ليس رأي الشيعة" [انظر‪ :‬فقه الشيعة‪ :‬ص ‪.].148‬‬
‫هذا ولعلماء الهند وباكستان جهود في كشف هذه الفرية في كتب الشيعة وإعلنها للمسلمين‬
‫ل ‪ -‬ما كتبه الشيخ عبد الشكور فاروقي الكهنوي بعنوان‪« :‬إفسانة تحريف قرآن‪.‬‬
‫[انظر‪ -‬مث ً‬ ‫بغير اللغة العربية‬
‫ومعنى إفسانة‪ :‬حكاية أو رواية‪.].‬‬
‫هذا ونكتفي بهذه الشارة للدراسات التي قامت حول هذه "الفرية" وندع الجانب التفصيلي من‬
‫التقييم‪ ،‬والملحظات على بعض هذه الدراسات حتى ل نخرج من موضوعنا الساسي؛ لنني‬
‫سأحاول أن أكتب عن هذه القضية وفق منهج آخر‪ ،‬وذلك بدارسة أصولها وجذورها الساسية‪،‬‬
‫وتتبع مسارها التاريخي‪ ،‬وإفساح المجال للصوت المنكر لهذه السطورة‪ ،‬لسماعه وتحليله‪ ،‬فلم‬
‫أر من اعتنى بمثل ذلك‪ .‬بالضافة لمسائل أخرى قد تكون جديدة تتعلق بهذه القضية‪.‬‬
‫وقبل أن أرفع القلم أشير إلى أن تلك الدراسات والقوال قوبلت من طائفة من شيوخ الشيعة‬
‫بالنكار‪ ،‬وأخذوا ينادون ويصرخون بأنهم قد ظلموا في هذه القضية وأنهم أبرياء من هذه‬
‫[سالم البهنساوي في كتابه‪" :‬السنة المفترى‬ ‫التهمة‪ ،‬فما حقيقة المر؟ لقد رأينا من المنتمين لهل السنة‬
‫عليها"‪ .].‬من بلغ به الحماس إلى أن يجمع ما جاء في كتاب إحسان إلهي ظهير ومحب الدين‬
‫الخطيب من نصوص حول هذه الفرية‪ ،‬مقرونا بمصادره التي نقلت عنها ويعرضه على أحد‬
‫[وهو كما قال "محمد مهدي الصفي" ووصفه بأنه‪" :‬الخ الصديق المام" وهو يقيم في الكويت‪].‬‬ ‫شيوخ الشيعة‬
‫ويطلب منه الجابة على ذلك‪ ..‬فكان من جواب هذا الشيعي أن‪ :‬سلمة القرآن الكريم من‬
‫التحريف موضع اتفاق وإجماع علماء الشيعة المامية‪ ،‬ومن شذ منهم في هذه المسألة فل يعبأ‬
‫[لحظ الكذب على علماء السنة‪ ،‬فل يوجد من‬ ‫برأيه كما من شذ عن هذا الجماع من علماء السنة"‬
‫علمائهم من قال بهذا الفتراء‪.‬‬
‫ولكن هذه إشارة لها مغزى سيأتي الوقوف عندها وعند سائر أخطائه وتناقضاته في مبحث «الشيعة المعاصرون‬
‫وصلتهم بأسلفهم» إن شاء ال‪.].‬‬

‫‪137‬‬
‫ثم استدل ببعض أقوال شيوخهم في إنكار هذه الفرية‪ ،‬كما ذكر أن في كتب الحديث عندهم‬
‫الصحيح وغيره‪ ،‬وأن الروايات التي ذكرها في رسالته غير معتبرة إجمالً وقال‪" :‬وقد عرفنا‬
‫إجماع الطائفة واتفاقها قائم على رفض التحريف في كتاب ال‪ ،‬فهذه الروايات إذن مهما كثرت‬
‫فهي مردودة عندنا‪ ،‬ول تسل لماذا تثبت هذه الروايات في المجاميع عندنا‪ ،‬فهي مجاميع خاضعة‬
‫[الصفى‪ /‬البيان التوضيحي حول دعوى تحريف القرآن‪،‬‬ ‫للنقد والجتهاد‪ ،‬وليست صحاحا للخذ والعمل"‬
‫ضمن كتاب‪" :‬السنة المفترى عليها"‪ :‬ص ‪.].75-68‬‬
‫ولكثرة إنكار الشيعة وشيوخها لهذا الفرية ‪ -‬إن حقيقة أو تقية ‪ -‬قال الدكتور رشدي عليان‪:‬‬
‫"وأرى مادام المعتمدون من علماء الطائفة يذهبون إلى أنه ل تبديل ول تحريف ول نقص ول‬
‫زيادة في كتاب ال أن نكتفي بذلك ول داعي لترديد بعض الراء الشاذة وذكر الروايات الواهية‬
‫الموضوعة في ذلك" [العقل عند الشيعة المامية‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫وقال الشيخ رحمة ال الهندي في كتابه إظهار الحق بعد نقله لكلم طائفة من شيوخهم في‬
‫إنكار هذه الفرية‪" :‬فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة المامية الثني عشرية أن القرآن‬
‫الذي أنزله ال على نبيه هو ما بين الدفتين وهو مما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك‪"..‬‬
‫[إظهار الحق‪ :‬ص ‪.].77‬‬
‫وبعدما عرفنا ما جاء في كتب المنتمين لهل السنة‪ ،‬ولحظنا أن المتقدمين من أهل السنة‬
‫كالشعري يرى أن الشيعة فريقان‪ :‬فريق يقول بهذا الكفر وفريق ينكره‪ ،‬ثم نرى هذه الفرية عند‬
‫البغدادي وأبي يعلي تنسب إلى الرافضة عموما‪ ،‬ولكن نلحظ في بعض كتابات المتأخرين كأبي‬
‫الثناء اللوسي‪ ،‬والدكتور السالوس وغيرهما أن الشيعة في هذا طائفتان‪ ،‬ويميز بينهما الدكتور‬
‫السالسوس بالسم فيرى بأن الصوليين قد ردوا أخبار هذه السطورة بحكم منهجهم في نقد‬
‫النصوص‪ ،‬بينما قبلها الخباريون لنهم يقبلون كل ما نسب لئمتهم من روايات‪ ،‬كما ترى‬
‫إشارة إلى شيء من الخلف فيما جاء على لسان الشيخ رحمه ال الهندي‪ ،‬بينما يرى د‪ .‬رشدي‬
‫عليان أل يذكر سوى هذا القول عن الشيعة؛ لن ما سواه عندهم رأي شاذ موضوع‪ .‬بينما نرى‬
‫صنفا آخر من المعاصرين كالشيخ محب الدين الخطيب وإحسان إلهي ظهير وغيرهما يرى أن‬
‫الثني عشرية كلها على هذا‪ ،‬ومن أنكر منهم ذلك فإنكاره من قبيل التقية وليس بحقيقة‪.‬‬
‫وبعد هذا نرجع إلى مصادر الشيعة المعتمدة عندها نستنطقها علّنا نعرف جلية الخبر عندها‪،‬‬
‫هل ما يقال عنهم ليس بثابت عندهم؟ فلقد وجد من الطوائف ومن العلماء من افترى عليه وظلم‬
‫وقيل عنه ما ليس فيه‪ ،‬وما ورد في كتب الفرق والمقالت نقول عن المخالف‪ ،‬وقد تكون‬

‫‪138‬‬
‫تخريجات وإلزامات بعيدة عما يقتضيه المذهب‪ ،‬أو تكون ليست بثابتة‪ ،‬أو لها تأويل آخر‬
‫عندهم‪ ،‬ولذا قبل‪" :‬إن نقل المخالف ل يعتد به" [القاسمي‪ /‬تاريخ الجهمية والمعتزلة‪ :‬ص ‪.].22‬‬
‫والعدل والنصاف واجب ولزم {وَإِذَا حَ َك ْمتُم َبيْنَ النّاسِ أَن تَحْ ُكمُو ْا بِالْعَ ْدلِ} [النساء‪ ،‬آية‪،].58 :‬‬
‫علَى أَ ّل تَعْ ِدلُواْ اعْ ِدلُواْ ُهوَ أَ ْقرَبُ لِلتّ ْقوَى} [المائدة‪ ،‬آية‪.].8 :‬‬
‫شنَآنُ َق ْومٍ َ‬
‫ج ِرمَنّ ُكمْ َ‬
‫{ َولَ يَ ْ‬
‫ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية‪:‬‬
‫وقبل أن نأخذ بيد القارئ في رحلة تبدأ من نقطة الصفر من أول كتاب وضعه الشيعة وألفوه‪،‬‬
‫نعرض لصوتين مختلفتين ومتعارضين‪ ،‬هذان الصوتان المتعارضان كان لهما ‪ -‬في الغالب ‪-‬‬
‫وجود وصدى في كل الكتب الشيعية التي تعرضت لهذه القضية‪ ،‬فلنستمع إليهما ليتسنى إدراك‬
‫وتصور هذه المسألة عند هؤلء حتى ل يحصل غبش في تصورها في رحلة قد تطول مراحلها‬
‫بين محطات الكتب الشيعية المختلفة‪.‬‬
‫يقول شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمي (ت ‪381‬ه‍) صاحب من ل يحضره الفقيه‪ ..‬وهو‬
‫واحد من أهم كتبهم الربعة المعتمدة في الحديث‪ ،‬يقول‪" :‬اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله ال‬
‫تعالى على نبيه محمد وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك‪ ..‬ومن‬
‫نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].102-101‬‬
‫هذا قول شيخهم الملقب عندهم بالصدوق‪ ،‬ويشايعه في قوله هذا آخرون من شيعته‪ .‬ويقول‬
‫المفيد (ت ‪413‬ه‍)‪" :‬إن الخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى ال عليه‬
‫[أوائل المقالت‪ :‬ص‬ ‫وسلم باختلف القرآن وما أحدثه بعض الطاعنين فيه من الحذف والنقصان"‬
‫[يعني بهم كبار صحابة رسول صلى ال‬ ‫‪ ].54‬ويقول‪" :‬واتفقوا ‪ -‬أي المامية ‪ -‬على أن أئمة الضلل‬
‫عليه وسلم الذين رضي ال عنه ورضوا عنه ‪ ،‬وعلى رأسهم الخلفاء الثلثة قبل علي رضي ال عنهم‪ ].‬خالفوا في‬
‫[أوائل‬ ‫كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى ال عليه وسلم"‬
‫المقالت‪ :‬ص ‪ .].13‬ويقول بما قاله مفيدهم ‪ -‬الذي يلقبونه بركن السلم وآية ال الملك العلم ‪-‬‬
‫طائفة من شيوخهم‪.‬‬
‫هذان قولن مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهم يجمعهما وحدة الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬ويتفقان في الهوية المذهبية‪ ،‬بل إن هذا المفيد هو تلميذ لبن بابويه القمي‪ .‬فمن نصدق‬
‫منهما؟ وأي القولين يعبر عن مذهب الشيعة؟ ونجد أن تلميذين من تلمذة المفيد ومن أكبر‬
‫شيوخ الشيعة ‪ -‬وهما الطوسي‪ ،‬وابن المرتضى ‪ -‬يقولن بما قاله ابن بابويه وأن مذهب أهل‬
‫التحقيق من الشيعة إنكار هذه الفرية ‪ -‬كما سيأتي ‪ ،-‬وكل قول من هذين القولين يؤيده جناح‬

‫‪139‬‬
‫من الشيعة‪ ،‬بل يدعي حينا أن ل قول للشيعة سواه وغيره افتراء على الشيعة وكذب‪ ..‬والتعرف‬
‫على الحقيقة وسط هذا الركام من القوال المتعارضة والمتناقضة ليس بسهل المنال‪..‬‬
‫وإذا لحظنا أن من أركان الدين عند هؤلء «التقية» ولدين لمن ل تقية له؛ أدركنا أن‬
‫الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير‪ ،‬وركام من التناقضات والتعارضات‪ ،‬وعقبات من‬
‫التقية والكتمان‪ ..‬ولهذا سنرى في مبحث التقية أن الحقيقة التي تعبر عن مذهب الئمة قد تخفى‬
‫على شيوخ الشيعة أنفسهم فل يعلمون أي القولين تقية‪ ،‬فكان هذا من أسباب ضياع مذهب الئمة‬
‫واستمرار الغلو‪.‬‬
‫ولهذا سنبدأ بدراسة هذه القضية من بدايتها‪ ،‬والتحري في صدق القوال من تقيتها‪ ،‬بتحليل‬
‫القوال ومقارنتها مما صدر عن صاحبها في كتبه الخرى‪ ،‬وأسأل ال سبحانه أن يعصمنا من‬
‫اتهام الخرين بما ليس فيهم‪ ،‬وأن يجنبنا مواضع الزلل في أقوالنا وأحكامنا‪.‬‬
‫وسنتناول هذه القضية الخطيرة التي يترتب على رمي الشيعة بها انفصالها عن المسلمين‬
‫لمفارقتها للصل الذي يتفقون عليه ‪ -‬سنتناولها فيما يلي وفق التصوير التالي‪:‬‬
‫أقوم أولً بتتبع الكتب التي شاركت في وضع هذا الكفر بين الشيعة‪ ،‬وأعرض لها‪ ،‬وأتوقف‬
‫في أول المر لدراسة أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية‪ ،‬ومن الذي وضعه‪ ،‬ورأى شيوخ الشيعة‬
‫فيه؛ لما في ذلك من أهمية في بيان جذور هذا البلء‪ ،‬واكتشاف اليدي السبئية التي شاركت في‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬ثم نتحدث كيف امتدت منه إلى سائر كتب الشيعة‪.‬‬
‫وبعد ذلك نعرض لمضامين هذه الكتب ونصوصها المتصلة بقضية التحريف‪ ،‬وحجمها‬
‫ووزنها عندهم‪ ،‬وما يقولونه في مصحف علي‪ ،‬وما يقال بأن عندهم مصحفا سريا يتداولونه فيما‬
‫بينهم‪ ،‬وإنكار جملة من شيوخ الشيعة لهذا الكفر‪ ،‬وهل هذا النكار تقية أو حقيقة‪ .‬كل ذلك‬
‫نعرض له من كتب الشيعة نفسها‪ ،‬إل ما جاء عرضا في مناقشة بعض المسائل‪ ،‬وإن رأيت شيئا‬
‫من الطالة في هذا المبحث فللخطورة الكبرى له‪ ،‬واختلف الناس حول رمي الشيعة به ‪ -‬كما‬
‫سلف الشارة إلى ذلك ‪.-‬‬
‫بداية الفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة‪:‬‬
‫[تقول كتب الشيعة‪" :‬سليم بن قيس الهللي‬ ‫أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية هو‪" :‬كتاب سليم بن قيس‬
‫يكنى أبا صادق‪ ،‬كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان هاربا من الحجاج لنه طلبه ليقتله ولجأ إلى أبان بن أبي‬
‫عياش فأواه‪ ،‬فلما حضرته الوفاة أعطاه (سليم) كتابا وهو كتاب سليم بن قيس‪ .‬توفي سنة (‪90‬ه‍)"‪( .‬البرقي‪ /‬الرجال‪:‬‬
‫ص ‪ ،4-3‬الطوسي‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪ ،111‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،1/374 :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،167‬رجال الحلي‪:‬‬
‫[أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل‪ ،‬قال المام‬ ‫ص ‪ .].)83 ،82‬الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش‬

‫‪140‬‬
‫أحمد‪ :‬متروك الحديث ترك الناس حديثه منذ دهر‪ ،‬وقال‪ :‬ل يكتب حديثه كان منكر الحديث‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬ليس‬
‫حديثه بشيء‪ ،‬وقال ابن المديني‪ :‬كان ضعيفا‪ ،‬وقال شعبة‪ :‬ابن أبي عياش كان يكذب في الحديث‪ .‬توفي سنة (‪138‬ه‍)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬تهذيب التهذيب‪ ،101-1/97 :‬العقيلي‪ /‬الضعفاء‪ ،41-1/38 :‬ابن أبي حاتم‪ /‬الجرح والتعديل‪-2/295 :‬‬
‫‪ )296‬هذا بعض ما قاله أئمة أهل السنة‪ ،‬وفي كتب الشيعة‪ .‬يقول ابن المطهر الحلي‪ :‬أبان بن أبي عياش ضعيف جدا‪،‬‬
‫وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه‪ ،‬ومثل ذلك قال الردبيلي (انظر‪ :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،206‬جامع‬
‫[انظر‪ :‬الفهرست‪ :‬ص ‪ ،219‬الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ ،4/67 :‬رجال‬ ‫الرواة ‪ ،].)1/9 :‬لم يروه عنه غيره‬
‫الحلي‪ :‬ص ‪ ،83‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،1/374 :‬البروجردي‪ /‬البرهان‪ :‬ص ‪ ،].104‬وهو‪" :‬أول كتاب ظهر‬
‫للشيعة" كما يقول ابن النديم [الفهرست‪ :‬ص ‪ ،219‬وانظر‪ :‬الذريعة‪ ].2/152 :‬وغيره‪.‬‬
‫[يروون عن أبي عبد ال أنه قال فيه‪" :‬من لم‬ ‫وقد أكثر الشيعة من مدحه وتوثيقه والثناء على كتابه‬
‫يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم ابن قيس الهللي فليس عنده من أمرنا شيء ول يعلم من أسبابنا شيئا‪ ،‬وهو‬
‫أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد صلى ال عليه وآله" مقدمة كتاب سليم بن قيس ص‪ ،4 :‬أغا بزرك‬
‫الطهراني‪ /‬الذريعة‪ ،2/152 :‬وانظر‪ :‬هامش وسائل الشيعة‪ 2/42 :‬رقم (‪.)4‬‬
‫وقال النعماني‪" :‬وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الئمة ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬خلف في أن كتاب‬
‫سليم بن قيس الهللي أصل من أكبر كتب الصول التي رواه أهل العلم وحملة حديث أهل البيت ‪ -‬عليهم السلم‬
‫وأقدمها‪ ،‬لن جميع ما اشتمل عليه الصل إنما هو عن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله وسلم ‪ -‬وأمير المؤمنين‪،‬‬
‫والمقداد‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمير المؤمنين‬
‫عليه السلم وسمع منهما‪ ،‬وهو من الصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها"‪( .‬انظر‪ :‬النعماني‪ /‬الغيبية ص‬
‫‪61‬ط‪ .‬العلمي بيروت‪ ،‬وص ‪ 47‬ط‪ .‬إيران‪ ،‬وانظر‪ :‬وسائل الشيعة‪.)210-20 :‬‬
‫وقال المجلسي‪" :‬وهو أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في السلم"‪ ،‬ثم أورد المجلسي أربع روايات لهم‬
‫تفيد أن عليا ابن الحسين ‪ -‬برأه ال مما يفترون ‪ -‬قرئ عليه الكتاب وقال‪" :‬صدق سليم" (بحار النوار‪-1/156 :‬‬
‫‪ ،158‬وانظر في بعض الروايات التي أشرنا إليها‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ].)105-104‬رغم أنني لم أجد لمؤلفه‬
‫[رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له‬ ‫ذكرا فيما رجعت إليه من مصادر‬
‫ل في تاريخ الطبري كما يظهر ذلك من خلل فهرس العلم الذي وضعه أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫ذكرا‪ ،‬فلم أجده مث ً‬
‫وكذلك تاريخ ابن الثير كما يبدو من فهارسه التي وضعها إحسان عباس (أو سيف الدين الكاتب) وليس له ذكر في‬
‫شذرات الذهب لبن العماد الحنبلي‪ ،‬والبداية والنهاية لبن كثير‪ ،‬وطبقات ابن سعد‪ ،‬ول في مجموعة من كتب الرجال‬
‫مثل‪ :‬لسان الميزان‪ ،‬أو التاريخ الكبير والصغير للبخاري‪ ،‬أو تهذيب الكمال للمزي‪ ..‬إلخ مع أنه مؤلف أول كتاب في‬
‫السلم‪ ،‬ولحقه الحجاج لقتله‪ ..‬إلخ فمن برز في هذين التجاهين الفكري‪ ،‬والسياسي يستبعد أن ينسى‪ ،‬ونسيانه دليل‬
‫على أن ما تقوله الشيعة عنه مجرد دعوى‪ ،‬فقد يكون شخصية خيالية‪ ،‬أو نكرة من النكرات‪ ،].‬ولو صدق بعض‬
‫ما تذكره الشيعة فيه لكان شيئا مذكورا‪ ،‬ولكنه لم يذكر إل في كتب الشيعة وحدها‪ ،‬بل إن من‬
‫متقدمي الشيعة من قال‪" :‬إن سليما ل يعرف ول ذكر في خبر" [رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ].83‬وإن كان‬
‫هذا ليس بمرضي عند متأخري الشيعة‪ .‬ورغم أن الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه‬
‫[جاء في بعض روايات الكتاب مخاطبة علي هذه‬ ‫علي ووصفه بأوصاف ل يوصف بها إل رب العالمين‬
‫‪141‬‬
‫اللقاب‪" :‬يا أول‪ ،‬يا آخر‪ ،‬يا ظاهر‪ ،‬يا باطن ‪ ،‬يا من هو بكل شيء عليم"‪ ،‬ويقول‪" :‬إن هذا الوصف صدر من الشمس‬
‫لعلي وأنه سمعه أبو بكر وعمر والمهاجرون والنصار فصعقوا ثم أفاقوا بعد ساعات" (كتاب سليم بن قيس ص ‪38‬‬
‫ط‪ :‬العلمي‪ ،‬وص ‪ 32-31‬ط‪ :‬النجف)‪ ،‬وهذه الوصاف هي آثار السبئية التي تؤله عليا‪ ،‬والتي ورثتها الثنا عشرية‪،‬‬
‫واستبقت أقوالها في مصادرها‪ ،‬ونسبتها لل البيت‪ ،‬فأزرت على الل بهذا وأمثاله‪ ،‬وهي تدعي التشيع لهم‪ ..‬وهذه‬
‫علِيمٌ} [الحديد‪ ،‬آية‪].]3 :‬‬
‫شيْ ٍء َ‬
‫طنُ وَ ُهوَ بِ ُكلّ َ‬
‫خرُ وَالظّا ِهرُ وَا ْلبَا ِ‬
‫أوصاف لرب العالمين‪ :‬قال تعالى‪{ :‬هُ َو الَوّلُ وَال ِ‬
‫فإن كل ذلك لم يحد من مبالغات الشيعة في مدحه وتوثيقه في روايات ينسبونها لل البيت‪،‬‬
‫وأقوال صدرت من كبار شيوخهم [انظر‪ :‬ص(‪ )270‬هامش رقم‪ ].)5( :‬حتى اعتبروه أصلً من أصول‬
‫آل محمد وسرا من أسرارهم‪ ،‬رغم أنه يحمل برهان وضعه سندا ومتنا فهو من روايات أبان‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪)270‬‬ ‫وهو متروك أو ضعيف عند أهل السنة‪ ،‬وضعيف في كتب الرجال عند الشيعة‬
‫هامش رقم‪ ].)2( :‬أيضا‪ ،‬وسليم الذي يزعمون أنه مؤلف الكتاب مجهول‪ ،‬وقد ل يكون له وجود‬
‫في إل في خيالت الشيعة [انظر‪ :‬ص(‪ )271‬هامش رقم‪ ،].)1( :‬والكتاب مضطربة طرقه ولكنهم‬
‫يقولون‪" :‬ما يتراءى من الضطراب في الطريق غير قادح وهو واقع في أكثر طرق كتب‬
‫أصحابنا" [الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ .].4/68 :‬وجملة من متون الكتاب تجعله في عداد الكتب‬
‫الباطنية اللحادية‪ ،‬ومع ذلك فقد اعتمد النقل عنه أصحاب الكتب الربعة المعتمدة عندهم‬
‫[الكليني يعتمد عليه وأخرج له في عدة أبواب؛ كباب ما جاء في الثني عشرية (انظر‬ ‫وآخرون من شيوخهم‬
‫أصول الكافي‪ )1/252 :‬وباب دعائم الكفر (انظر‪ :‬المصدر السابق‪ )2/391 :‬وغيرها‪ .‬ومثله شيخهم ابن بابويه القمي‬
‫الملقب عندهم بالصدوق في من ل يحضره الفقيه (انظر‪ :‬روضات الجنات ‪ ،4/68‬الذريعة‪ )2/154 :‬ومثله الحتجاج‬
‫للطبرسي‪ ،‬والختصاص للمفيد‪ ،‬وتفسير فرات وغيرها‪ .‬انظر‪ :‬مقدمة كتاب سليم ابن قيس ص ‪ .].6‬وسجل في‬
‫هذا الكتاب جملة من عقائد غلة الشيعة‪.‬‬
‫والمفاجأة في هذا الموضوع أن بعض شيوخ الشيعة أماط اللثام عن حقيقة هذا الكتاب‪،‬‬
‫وكشف النقاب عن هويته؛ إذ قد رابهم شيء في هذا الكتاب فرأوا من الواجب كشفه قبل أن‬
‫يقوض أساس التشيع الثني عشري نفسه‪ ،‬ول يظن القارئ أن هذا الذي رابهم وأشكل عليهم هو‬
‫تأليه علي‪ ،‬أو الطعن في القرآن أو غير ذلك من المطاعن في السلم نفسه‪ ،‬إنما الخطر الذي‬
‫اكتشفوه في الكتاب‪" :‬هو أنه جعل الئمة ثلث عشر" وهذه طامة كبرى تهدد بنيان الثني‬
‫عشرية بالسقوط‪ ،‬ولسيما أن هذا وجد في كتاب يعتبر أبجد الشيعة‪ ،‬وأول كتاب ظهر لهم‪،‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ولهذا كفونا مؤنة نقض هذا الكتاب‪ .‬فقرر فريق منهم أن "الكتاب موضوع ل مرية فيه"‬
‫رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،83‬ابن داود‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪.].414 ،413‬‬
‫وبدأوا يبينون عيوب الكتاب وأمارات وضعه فقالوا‪ :‬إنه خالف التاريخ بقوله‪" :‬إن محمد بن‬
‫أبي بكر وعظ أباه عند الموت لنه غصب المامة من علي" مع أن محمد بن أبي بكر ولد في‬

‫‪142‬‬
‫[انظر‪ :‬الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪،4/67 :‬‬ ‫سنة حجة الوداع فكيف يعظ أباه وعمره ثلث سنوات‬
‫رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،].83‬كما أنه جعل الئمة ثلث عشر‪ ،‬وقالوا‪ :‬بأن سليما ل يعرف ول ذكر في‬
‫[انظر‪ :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،83‬الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪:‬‬ ‫خبر‪ ،‬وأن أسانيد الكتاب مختلفة مضطربة‬
‫[انظر‪ :‬رجال‬ ‫‪ ،4/67‬ابن داود‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪ ،].414-413‬واتهموا في وضع الكتاب أبان بن أبي عياش‬
‫الحلي‪ :‬ص ‪ ،206‬ابن داود‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪.].414-413‬‬
‫وحدد بعض المعاصرين تاريخ وضعه فقال‪ :‬إنه موضوع في آخر الدولة الموية لغرض‬
‫صحيح [هو‪ :‬أبو الحسن الشعراني‪ /‬في تعليقه على الكافي مع شرحه للمازندراني‪ -].374-2/373 :‬ولم يبين‬
‫دليله فيما ذهب إليه ‪ -‬وفريق منهم عزّ عليهم ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬أنه يفقدوا هذا الكتاب جملة واحدة‬
‫مع أنه أصل من أصولهم وعمدة لشيوخهم‪ ..‬فقال هذا الفريق‪" :‬والوجه عندي الحكم بتعديل‬
‫المشار إليه والتوقف في الفاسد من كتابه" [رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،83‬وسائل الشيعة‪ ].20/210 :‬مع أن هذا‬
‫الفاسد ينقض بنيان الثني عشرية من الساس وذلك في جعله الئمة ثلثة عشر‪.‬‬
‫ولهذا لم يرتض هذا القول من الدوائر الشيعية فرأى فريق منهم القيام بعمل جذري ينهي‬
‫المشكلة التي أقلقتهم من أساسها فقاموا بتعديل الكتاب ليتلءم والمنطق الشيعي‪.‬‬
‫وأشار الخوانساري إلى التغير في الكتاب فقال‪" :‬إن ما وصل إلينا من نسخ الكتاب هو أن‬
‫عبد ال بن عمر وعظ أباه عند الموت" [روضات الجنات‪ .].4/69 :‬وقال الحر العاملي‪" :‬والذي‬
‫[وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫وصل إلينا من نسخه ليس فيه شيء فاسد‪ ،‬ول شيء مما استدل به على الوضع"‬
‫‪ .].20/210‬وقد بحثت عن عيوب الكتاب في نظر الشيعة والتي أشار إليها الفرق الول في‬
‫طبعتين من طبعات الكتاب [ط‪ :‬النجف بالمطبعة الحيدرية‪ ،‬وطبعة العلمي ببيروت‪ ].‬فلم أجد لها ذكرا‬
‫فيه‪ ،‬وهذا يدل على أنهم يغيرون في كتبهم ويزيدون وينقصون‪ .‬ومع هذا فقد أصبح هذا الكتاب‬
‫عمدة عند متأخري الشيعة كما قرره المجلسي في البحار [بحار النوار‪ ،].1/32 :‬والحر العاملي في‬
‫الوسائل [وسائل الشيعة‪ ].20/210 :‬وغيرهما‪.‬‬
‫هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف اليدي السبئية التي‬
‫افترت هذه الفرية‪ ،‬إذ إننا نلحظ أن الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس الذي اتهموا في وضعه‬
‫أبان‪ ،‬وحدد بعضهم تاريخ وضعه بأنه في آخر الدولة الموية‪ .‬أما من تولى كبر هذا الوضع‬
‫لهذه الفرية فإن بعض شيوخ الشيعة يتهم فيه أبان‪ ،‬وقد سبق أن ذكرنا أن الملطي يتهم فيه هشان‬
‫بن الحكم‪ ،‬يعني أن هذه الفرية لم يكن لها وجود قبل القرن الثاني‪ ،‬وقد تتبعت الراء المنسوبة‬
‫لبن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة قد نقلت عن ابن سبأ لنها ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬لم‬
‫تخطر على باله لوضوح بطلنها أمام الجيل الذي عاصر التنزيل‪ ،‬ولنها وسيلة سريعة‬
‫‪143‬‬
‫لنكشاف كذبه‪ ،‬فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية‪ .‬لم يقل إن الصحابة حرفوا القرآن‬
‫ولكن عدل عن ذلك إلى القول‪" :‬بأن هذا القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي"‬
‫[الجوزجاني‪ /‬أحوال الرجال‪ :‬ص ‪ ،].38‬وهي مقالة مجملة لم يفصح فيها عن مراده‪ ،‬وقد يوضحها ما‬
‫جاء في رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية (ت ‪95‬ه‍) وهو قوله‪" :‬ومن خصومه هذه السبئية‬
‫التي أدركنا يقولوا (كذا) هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي ويزعمون أن نبي ال كتم‬
‫تسعة أعشار القرآن‪ ،‬ولو كان نبي ال كاتما شيئا مما أنزل ال لكتم شأن امرأة زيد {وَإِ ْذ تَقُولُ‬
‫[كتاب اليمان لمحمد بن أبي عمر المكي العدني‪ :‬ص ‪( 250-249‬مخطوط) والية رقم (‬ ‫عَل ْيهِ}‬
‫ِللّذِي َأنْ َعمَ الّلهُ َ‬
‫‪ )37‬من سورة الحزاب‪.].‬‬
‫فإذن لم تكن هذه القضية من مقالت السبئية بل حدثت فيما بعد‪ ،‬أما من هو الذي تولى كبر‬
‫وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الجابة الجازمة المحددة قد ل تكون ميسرة‪ ،‬ول يجدي في‬
‫هذا تتبع أسانيد روايات التحريف؛ لن في أخبارها ما هو عار من السند كالروايات التي جاءت‬
‫في كتاب الحتجاج للطبرسي‪ ،‬ولن مسألة السناد عندهم قد وجدت بعض القرائن ‪ -‬كما سيأتي‬
‫‪ -‬التي تدل على أنها صنعت متأخرة‪ ،‬كما أن من أساليبهم وضع السانيد الصحيحة لمتون‬
‫مكذوبة فل يعطي سلوك هذا المنهج نتيجة جازمة‪.‬‬
‫شيوع هذه الفرية في كتب الشيعة‪:‬‬
‫قد لحظنا أن البداية ‪ -‬إذا أخذنا بأقوالهم ‪ -‬كانت بكتاب سُليم وبدأت القضية بروايتين فقط‪،‬‬
‫وليس فيها الصراحة التي نجدها عند من بعده ‪ -‬كما سترى أثناء عرضنا لروايات التحريف بعد‬
‫نهاية هذه المسألة ‪ -‬فكأن المسألة في كتابه ل تزال في بدايتها لم يكثر الوضع والكذب حولها‪،‬‬
‫ولكنها بداية في كتاب قوبل بالرفض من بعض الشيعة؛ فهذا يعني الحكم بالموت على هذه‬
‫المقالة‪ ،‬لول أنه جاء في القرن الثالث من تلقف هذه السطورة وزاد عليها‪ ،‬وأرسى دعائمها‬
‫الباطلة‪.‬‬
‫جاء شيخهم علي بن إبراهيم القمي هو شيخ الكليني صاحب الكافي وحشا تفسيره بهذه‬
‫[انظر ‪ -‬على سبيل المثال ‪ :-‬تفسير القمي‪ ،159 ،142 ،123 ،122 ،118 ،110 ،100 ،1/48 :‬ج‪ ‍2‬ص‬ ‫السطورة‬
‫‪ ،125 ،111 ،21‬وغيرها كثير ‪ ،‬وسيأتي ذكر بعضها‪ ].‬وصرح بها في مقدمة تفسيره [تفسير القمي‪.].1/10 :‬‬
‫ولهذا قال شيخهم الكاشاني‪" :‬فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه" [تفسير الصافي‪ ].1/52 :‬وكذلك‬
‫قال شيخهم الخر النوري الطبرسي‪" :‬وقد صرح (يعني القمي) بهذا المعتقد في أول تفسيره‬
‫[الطبرسي‪ /‬فصل الخطاب‬ ‫ومل كتابه من أخباره مع التزامه في أوله أل يذكر فيه إل مشايخه وثقاته"‬
‫الورقة (‪( )13‬النسخة المخطوطة) وص ‪ 26‬من المطبوعة‪ .].‬ومع أن هذا الكتاب قد ملئ بهذه الزندقة فإن‬
‫‪144‬‬
‫[انظر نص ذلك عن‬ ‫كبير علماء الشيعة اليوم "الخوئي" يوثق روايات القمي كلها ‪ -‬كلما سلف –‬
‫الخوئي في مقدمة هذه الرسالة‪ ،‬أو معجم رجال الحديث للخوئي‪.].1/63 :‬‬
‫ومن بعد القمي جاء تلميذه الكليني المتوفى سنة (‪328‬ه‍) أو (‪329‬ه‍) الملقب عند الشيعة‬
‫بـ"ثقة السلم" ومؤلف أصح كتاب من كتبهم الربعة المعتمدة في الرواية عندهم‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬باب‬ ‫وقد روى الكليني في الكافي من أخبار هذه السطورة الشيء الكثير‬
‫فيه نكت ونتف في التنزيل في الولية من الجزء الول ص ‪ 413‬وما بعدها‪ ،‬وأرقام هذه الروايات كالتالي‪،23 ،8 :‬‬
‫‪. 64 ،60 ،59 ،58 ،45 ،32 ،31 ،28 ،27 ،26 ،25‬‬
‫وانظر‪ :‬الجزء الثاني من الكافي باب أن القرآن يرفع كما أنزل ص ‪ 619‬رقم ‪ ،2‬وباب النوادر ص ‪ 627‬وما بعدها‬
‫رقم‪ ،28 ،23 ،4 ،3 ،2 :‬وهذه الروايات المشار إليها صريحة في القول بهذا الفتراء ويبعد حملها أو يتعذر على أنها‬
‫[انظر‪ :‬مقدمة الكافي‪ :‬ص ‪ ،9‬وتفسير الصافي‬ ‫من قبيل التفسير أو القراءات‪ ].‬مع أنه التزم الصحة فيما يرويه‬
‫المقدمة السادسة ص ‪ ،52‬ط‪ :‬العلمي بيروت‪ ،‬وص ‪ 14‬ط‪ :‬المكتبة السلمية بطهران‪ ،].‬ولهذا قرر الكاتبون‬
‫عنه عن الشيعة‪" :‬أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن‪ ،‬لنه روى روايات في هذا‬
‫المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول كتابه أنه يثق بما رواه"‬
‫[الكاشاني‪ /‬تفسير الصافي‪ /‬المقدمة السادسة ص ‪ ،52‬ط‪ :‬العلمي‪ ،‬وص ‪ 14‬ط‪ :‬طهران‪ .].‬والكافي للكليني عند‬
‫شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحة‪ ،‬لن الكليني كان معاصرا للسفراء الربعة الذين‬
‫يدعون الصلة بمهديهم الغائب المنتظر‪ ،‬ولهذا كان التحقيق من صحة مدوناته أمر ميسورا له‬
‫[انظر‪ :‬محمد صالح الحائري‪ /‬منهاج عملي للتقريب ضمن كتاب‪:‬‬ ‫لنه يعيش معهم في بلد واحد وهو بغداد‬
‫"الوحدة السلمية" ص‪ ،233 :‬وبمثل هذا قال قدماء شيوخهم‪ .‬انظر‪ :‬ابن طاوس‪ /‬كشف المحجة ص ‪ ،159‬وراجع ما‬
‫جاء في مقدمة الرسالة‪.].‬‬
‫ولكن يلحظ أن ابن بابويه القمي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في‬
‫الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف‪ ،‬ويوثقونه هذا التوثيق‪.‬‬
‫وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض أحاديث الكافي بالضعف‪،‬‬
‫[كحكمه بصحة رواية‪" :‬أن القرآن الذي جاء به جبرائيل ‪-‬‬ ‫ولكنه حكم على روايات في التحريف بالصحة‬
‫عليه السلم ‪ -‬إلى محمد صلى ال عليه وسلم وآله وسلم سبعة عشر ألف آية"‪ .‬وآيات القرآن كما هو معروف ل‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫تتجاوز ستة آلف آية إل قليلً‪( .‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،].)2/536 :‬وكذلك الشافي شرح أصول الكافي‬
‫حكمه بالصحة على الرواية التي ذكرنها في الهامش السابق‪ ،‬الشافي شرح أصول الكافي‪ ،].7/227 :‬وقد صدر‬
‫[طبع سنة ‪1401‬ه‍ من تأليف أحد شيوخهم المعاصرين "محمد الباقر‬ ‫حديثا كتاب اسمه‪" :‬صحيح الكافي"‬
‫البهبودي" ويقع في ثلثة أجزاء‪ ].‬وقد راجعته فوجدت صاحبه قد جرده من الروايات التي تمس كتاب‬
‫[مثل‪ :‬باب أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة‬ ‫ال‪ ،‬وليس ذلك فحسب بل حذف أبوابا بكاملها مع أحاديثها‬
‫‪145‬‬
‫وهو من أبواب الكافي الصريحة في هذا الفتراء‪ ،‬حتى استظهر بعش الشيعة مذهبه في هذا من خلل عنوان هذا‬
‫الباب (انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ )27-26‬وأبواب أخرى‪ ،‬كما حذف كل روايات "باب فيه نكت ونتف من التنزيل‬
‫في الولية" والبالغة (‪ )92‬رواية‪ ،‬ما عدا روايتين فقط ليس فيهما الطعن في نص القرآن فيما انحراف في تأويله أي‬
‫تحريف لمعناه وفق المنهج الباطني في التفسير عندهم‪ ،‬وهذا الباب المشار إليه هو أكثر أبواب الكافي جمعا لخبار‬
‫هذه السطورة‪ ،‬حتى خصصه بذلك صاحب فصل الخطاب‪( .‬انظر‪ :‬ص ‪ 26‬من فصل الخطاب )‪ ].‬في ذلك‪ ،‬كما‬
‫[مثل باب أن الئمة إذا شاؤوا أن يعلموا‬ ‫حذف أبوابا تمثل جملة من العقائد التي تنتقد فيها الشيعة‬
‫علموا ‪ ،‬وباب أن الئمة يعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم‪ ،‬وباب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما‬
‫يكون وأنه ل يخفى عليهم الشيء صلوات ال عليهم‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫(قارن في هذا كتاب الحجة من صحيح الكافي‪ ،‬وكتاب الحجة من أصول الكافي)‪ ].‬وما ندري تصرفه هذا‬
‫تقية أم حقيقة‪ ..‬لسيما وأنه قد حذف أحاديث كثيرة لهم قد حكم عليهم بالصحة المجلسي في‬
‫مرآة العقول‪ ،‬وصاحب الشافي‪.‬‬
‫ومن طبقة الكليني أيضا العياشي له تفسير يسمى‪" :‬تفسير العياشي" وقد وجدت أسطورة‬
‫[انظر من ذلك المواضع التالية‪،1/13 :‬‬ ‫التحريف مكانها في هذا التفسير في مواضع كثيرة ومتفرقة فيه‬
‫‪ 206 ،169 ،168‬وغيرها‪ .].‬وهو من كتبهم المعتمدة ‪ -‬كما سلف [انظر مقدمة الرسالة‪ -].‬رغم أن‬
‫[بحار‬ ‫رواياته ل سند لها ول زمام‪ ،‬وزعم صاحب البحار أن الذي حذف أسانيده أحد النساخ‬
‫النوار‪.].1/128 :‬‬
‫[طبع في‬ ‫ومن القرن الثالث أيضا فرات بن إبراهيم الكوفي له تفسير يسمى‪" :‬تفسير فرات"‬
‫المطبعة الحيدرية بالنجف وكتب على صفحة العنوان "التفسير القيم الذي طالما تشوقت لرؤيته نفوس العلماء‪ ،‬ضم‬
‫(على صغر حجمه) ما لم تضمه التفاسير الكبيرة‪ ،‬مطابق تمام المطابقة لحاديث وأخبار النبي والئمة ‪ -‬رضي ال‬
‫[انظر من تفسير فرات‪ :‬ص ‪85 ،18‬‬ ‫عنهم ‪ .]."-‬وقد ارتضى لنفسه أن ينقل من أخبار هذه السطورة‬
‫وغيرها‪ ].‬وهو من كتبهم المعتبرة [انظر مقدمة الرسالة‪ ].‬عندهم‪ .‬ومن هذا القرن أيضا محمد بن‬
‫[قالوا‪ :‬كان في عصر السفراء الربعة لمهديهم المنتظر‪ ،‬وهو من تلمذة شيخهم الكليني صاحب‬ ‫إبراهيم النعماني‬
‫الكافي‪ ،‬ولعله تلقى عنه هذا الكفر‪ ،‬بل قالوا بأنه هو الذي كتب الكافي‪ ،‬وساعد الكليني في تأليفه‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،298‬أمل المل‪ :‬ص ‪ ،232‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ].)162‬روى في كتابه‪" :‬الغيبة"‬
‫طائفة من الروايات في هذا الفتراء [انظر ص ‪ 218‬من كتاب الغيبة‪ ].‬وهو عندهم من أجلّ الكتب‬
‫وأثبتها [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].1/30 :‬‬
‫ومن هذه الزمرة الحاقدة التي وجدت في هذه الفترة أبو القاسم الكوفي‪ ،‬وقد نسبته بعض كتب‬
‫[قال النجاشي‪" :‬علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي رجل من أهل كوفة كان يقول أنه من‬ ‫النثي عشرية إلى الغلو‬
‫آل أبي طالب‪ ،‬وغل في آخر أمره وفسد مذهبه وصنف كتبا كثيرة أكثرها على الفساد‪ :‬كتاب النبياء‪ ،‬كتاب‬

‫‪146‬‬
‫الوصياء‪ ،‬كتاب البدع المحدثة‪ ،‬كتاب التبديل والتحريف"‪ ،‬كما ذكر النجاشي بأن الغلة يدعون فيه منازل عظيمة‪.‬‬
‫توفي سنة (‪352‬ه‍)‪.‬‬
‫(رجال النجاشي ص‪ ،203 :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ )233‬وقد حاول الرافضي المعاصر المقدّم لكتاب الستغاثة والذي‬
‫لم يفصح عن اسمه أن يدفع عنه صفة الغلو (انظر‪ :‬ص ب من المقدمة)‪ ،].‬وشهد على نفسه في كتابه‪:‬‬
‫"الستغاثة" بأنه على هذا المنهج الضال [انظر‪ :‬الستغاثة (أو البدع المحدثة) ص‪ .].25 :‬وقد نسب له‬
‫النجاشي كتابا سماه‪" :‬التبديل والتحريف" [انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ].203‬وقد فقد هذا الكتاب مع‬
‫نظائر له‪ ،‬كما أشار إلى ذلك صاحب فصل الخطاب [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ].31-30‬وهو يروي‬
‫عن القمي مباشرة [انظر‪ :‬الستغاثة ص ‪ ].29‬بعض روايات التحريف‪ ،‬فقد يكون تلقى عنه هذا‬
‫الكفر‪.‬‬
‫ومن بعد هؤلء نرى شيخهم المفيد (ت ‪413‬ه‍) سجل في كتابه "أوائل المقالت" إجماع طائفته‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫على هذا المنكر [انظر‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ ،].51‬ونقل بعض أخباره في بعض كتبه كالرشاد‬
‫الرشاد ص ‪ ].365‬وهو من كتبهم المعتبرة [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].1/27 :‬‬
‫هذا الزخم من المصنفات وغيرها لتأييد هذا الكفر وإثباته ل يشك مسلم أنه كيد زنديق حاقد‬
‫على كتاب ال ودينه وأتباعه‪ ،‬وقد دفع هذا الفئة إليه ‪ -‬كما سيأتي في تحليل نصوص هذه‬
‫السطورة ورواياتها ‪ -‬خلو كتاب ال مما يثبت شذوذهم‪ ،‬وما ذهبوا إليه من عقائد ليس لها‬
‫أصل في كتاب ال‪ ،‬وليس في مقدورهم أن يفعلوا شيئا لتغيير بعض آيات ال‪ ،‬كما فعلوا في‬
‫السنة المطهرة حينما دسوا بعض الروايات والتي كشفها صيارفة هذا العلم وأربابه‪ ،‬فلما لم‬
‫يستطيعوا أن يحدثوا في كتاب ال أمرا لنه فوق منالهم حينئذ ادعوا أن في كتاب ال نقصا‬
‫وتغييرا ‪ -‬وما أسهل الدعوى على حاقد موتور ‪.-‬‬
‫وهي محاولة فيما يبدو لقناع أتباعهم الذين ضجوا من خلو كتاب ال من ذكر أئمتهم‬
‫[كما سيأتي بيان ذلك في المامة وغيرها‬ ‫وعقائدهم والتي لها تلك المكانة التي يسمعونها من رؤسائهم‬
‫من عقائدهم‪ ،].‬فادعوا هذه الدعوى ونشط شيوخهم في القرن الثالث والرابع في الحديث عنها‪،‬‬
‫ولكنهم فيما يبدو لم يحسبوا لهذه الدعوى حسابها فارتدت عليهم بأسوأ العواقب؛ فقد فضحتهم‬
‫أمام المل وكشفت القناع عن وجوههم وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم‪ ،‬وقطعت صلتهم بالسلم‬
‫والقرآن وأهل البيت‪.‬‬
‫ولهذا في القرن الرابع أعلن كبير شيوخهم ابن بابويه القمي صاحب "من ل يحضره الفقيه"‬
‫أحد صحاحهم الربعة في الحديث والموصوف عندهم بـ"رئيس المحدثين" المتوفى سنة (‬
‫[انظر‪ :‬كتاب العتقادات‪ :‬ص ‪ ،102-101‬وسيأتي نص كلمه إن‬ ‫‪381‬ه‍) أعلن براءة الشيعة من هذه العقيدة‬

‫‪147‬‬
‫شاء ال‪ ،].‬وكذلك الشريف المرتضى المتوفى سنة (‪436‬ه‍) كان ينكر هذه المقالة‪ ،‬ويكفر من قال‬
‫[التبيان‪:‬‬ ‫بها كما ذكر ذلك ابن حزم [الفصل‪ ،].5/22 :‬وقد نقل إنكاره أيضا شيوخ الشيعة كالطوسي‬
‫‪ ].1/3‬والطبرسي [مجمع البيان‪ ،].1/31 :‬وكذلك استنكر هذه المقالة وصلة الشيعة بها الطوسي‬
‫صاحب كتابين من كتب الحديث الربعة المعتمدة عندهم‪ ،‬وصاحب كتابين من كتب الرجال‬
‫الربعة المعتمدة عندهم [التبيان‪ ،].1/3 :‬وكذلك الطبرسي [مجمع البيان‪ .].1/31 :‬صاحب "مجمع‬
‫البيان"‪.‬‬
‫وسننقل ‪ -‬بمشيئة ال ‪ -‬كلماتهم في ذلك ونقدم دراسة مقارنة لها مع ما قالوه في كتبهم‬
‫الخرى‪ ،‬وما قاله الشيعة في إنكارهم‪ ،‬ولكن رغم هذا النكار من هؤلء فإن القضية ما تمت‪،‬‬
‫ففي القرن السادس تولى إثارة هذه القضية مرة أخرى الطبرسي صاحب الحتجاج فحشا كتبه‬
‫الحتجاج من هذا الكفر [انظر‪ :‬فصل الخطاب الورقة (‪ )32‬النسخة المخطوطة‪ ،].‬وسطر مجموعة من‬
‫رواياتهم في ذلك وجاء بها مجردة منكل إسناد‪ ،‬وزعم في مقدمة كتابه أنه لم يذكر إسنادا في‬
‫أكثر رواياته لنها محل إجماع قومه‪ ،‬أو مشهورة عندهم فقال‪" :‬ول نأتي في أكثر ما نورده من‬
‫الخبار بإسناد‪ ،‬إما لوجود الجماع عليه‪ ،‬أو موافقته لما دلت العقول إليه‪ ،‬أو لشتهاره في‬
‫السير والكتب بين المخالف والمؤالف" [الحتجاج‪ :‬ص ‪ ،].14‬وقد كان هذا الطبرسي المجاهر بهذا‬
‫الكفر من معاصري أبي الفضل الطبرسي صاحب مجمع البيان الذي ينكر هذه المقالة ويبرئ‬
‫[وقد خلط بعض الكاتبين بينهما فنسب كتاب الحتجاج لصاحب مجمع البيان مع أن صاحب الحتجاج‬ ‫الشيعة منها‬
‫يجاهر بهذا الكفر‪ ،‬وصاحب مجمع البيان يتبرأ منه‪ .‬وممن اشتبه عليه التفريق بين الرجلين‪ :‬نبيلة عبيد في كتابها‬
‫"نشأة الشيعة" ص ‪ ،40-39‬على الرغم من أنها شيعية‪.‬‬
‫كما اشتبه على بعضهم التفريق بين الطبرسي صاحب الحتجاج والطبرسي صاحب فصل الخطاب فظنهما‬
‫شخصية واحدة مع أن بينهما أكثر من ستة قرون‪ .‬وممن اشتبه عليه ذلك‪ :‬عبد المتعال الجبري‪ /‬حوار مع الشيعة‪:‬‬
‫ص ‪.].187‬‬
‫ويبدو أن إنكار أولئك الربعة كان له وقعه‪ ،‬أو أن القضية أصبحت سرية التداول‪ ،‬فلم نشاهد‬
‫نشاطا ملحوظا لبعثها وترويجها بشكل ظاهر وكبير إل في ظل الحكم الصفوي الذي شهد إثارة‬
‫لهذه السطورة واختراع روايات لها‪ ،‬وترويجها أشد مما كان في القرن الثالث‪ ،‬كان ذلك على‬
‫يد مجموعة من شيوخ الدولة الصفوية الذين نشطوا في بعث هذا الكفر‪ ،‬حتى يلحظ أن هذه‬
‫السطورة التي بدأت بروايتين في كتاب سليم بن قيس أصبحت كما يعترف شيخهم نعمة ال‬
‫الجزائري أكثر من ألفي رواية [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ /‬الورقة (‪( )125‬النسخة المخطوطة)‪ ،].‬حيث إن‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪ :‬كتاب القرآن‪ ،‬باب تأليف القرآن وأنه على‬ ‫شيوخ الدولة الصفوية كالمجسلي في بحاره‬

‫‪148‬‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الصافي‪ :‬المقدمة‬ ‫غير ما أنزل ال عز وجل‪ 92/66 :‬وما بعدها‪ ،].‬والكاشاني في تفسير الصافي‬
‫[البرهان في مواضع كثيرة‪ ،‬انظر ‪-‬‬ ‫السادسة‪ :‬ص ‪ ،].420 ،399 ،163 ،136 ،55-40‬والبحراني في البرهان‬
‫مثلً – ج‪ ‍1‬ص ‪ 15‬باب أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إل الئمة‪ ،‬وص ‪،294 ،277 ،170 ،140 ،102 ،70 ،34‬‬
‫[انظر‪ :‬النوار النعمانية‪ :‬ص‬ ‫‪ 308 ،295‬وغيرها كثير‪ ،].‬ونعمة ال الجزائري في النوار النعمانية‬
‫[انظر‪ :‬مرآة النوار لبي‬ ‫‪ ،].358-2/357‬وما سواها من كتبه‪ ،‬وأبي الحسن الشريف في مرآة النوار‬
‫[فقد شرح الكافي ووافق مؤلفه على بلياه حتى قال‪:‬‬ ‫الحسن الشريف‪ ،‬المقدمة الثانية‪ :‬ص ‪ ،].49-36‬والمازنداني‬
‫وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى‪( ..‬انظر‪ :‬شرح جامع الكافي‪ )11/76 :‬ولك أن تعرف أن‬
‫هذا التواتر المزعوم هو عند صنف آخر من شيوخ الشيعة نفسها من الكذب المعلوم‪ ].‬شارح الكافي وغيرهم‬
‫تولوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظل الحكم الصفوي الذي ارتفعت فيه التقية إلى حد‬
‫ما‪.‬‬
‫وفي آخر القرن الثالث عشر وقعت الفضيحة الكبرى للشيعة في هذا الباب؛ فقد ألف شيخهم‬
‫[يحظى بتعظيم الشيعة حتى جعلوا كتابه "مستدرك الوسائل"‬ ‫حسين النوري الطبرسي الذي يحظى بتعظيمهم‬
‫مصدرا من مصادرهم المعتمدة في الحديث‪ ،‬كما سيأتي عند الحديث عن عقيدتهم في السنة‪ ،‬وبعد أن مات هذا‬
‫الطبرسي وضعوه في أشرف بقعة عندهم "بين العترة والكتاب ‪ -‬كذا ‪ -‬يعني في اليوان الثالث عن يمين الداخل إلى‬
‫الصحن الشريف من باب القبلة (في النجفة)‪.‬‬
‫(أغا بزرك الطهراني‪ /‬أعلم الشيعة‪ ،‬القسم الثاني من الجزء الول ص ‪ ].)553‬مؤلفا في هذا الكفر جمع فيه‬
‫كل ما لهم من "أساطير" في هذا الباب وسماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب‬
‫ي صورة من النسخة المخطوطة‬
‫[وقد ارتكب جريمة تأليفه سنة ‪1292‬ه‍ وطبع في إيران سنة ‪1298‬ه‍‪ ،‬ولد ّ‬ ‫الرباب"‬
‫مصورة من المتحف العراقي‪ ،‬ونسخة من المطبوعة‪ .‬وسيأتي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬حديث عنه في الباب الرابع‪،].‬‬
‫فأصبح هذا الكتاب عارا على الشيعة أبد الدهر‪ ،‬فقد جمع فيه صاحبه رواياتهم المتفرقة وأقوال‬
‫شيوخهم المتناثرة لثبات أن الشيعة برواياتها وأقوال المحققين من شيوخها تقول بهذا الكفر‪..‬‬
‫وهو يؤلف كتابه هذا لمواجه جناح من الشيعة أبى أن يهضم هذه السطورة‪ ،‬ورفض قبول هذه‬
‫المقالة كما يظهر واضحا في رده عليهم في آخر كتابه المذكور [انظر‪ :‬فصل الخطاب ص ‪.].360‬‬
‫وقد كشف بهذا الكتاب ما كان خفيا وأبان ما كان مستورا‪ .‬لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما‬
‫في زوايا كتب القوم وخباياها من كيد حاقد‪ ،‬وعداوة مبيتة للقرآن وأهله‪ ،‬وقد أبان هذا الملحد‬
‫المسمى بالطبرسي عن غرضه المبيت ضد كتاب ال في مقدمة كتابه فقال‪:‬‬
‫"فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تفي الدين الطبرسي جعله ال من الواقفين ببابه‬
‫المتمسكين بكتابه (!)‪ :‬هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح‬
‫أهل الجور والعدوان‪ ،‬وسميته فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الرباب‪ ..‬وأودعت فيه من‬
‫‪149‬‬
‫بدايع الحكمة ما تقر به كل عين‪ ،‬وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني به في يوم ل‬
‫ينفع مال ول بنون" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].2‬‬
‫انظر كيف تتقنع "المجوسية" بمسوح الرياء والكذب لخداع الغرار والبسطاء عن الهدف‬
‫الخبيث الذي تسعى إليه‪ ،‬وقد رام بعضهم أن يتستر على هذا "الهدف" فقال‪" :‬وقد يقال‪ :‬إن نظره‬
‫في تأليف ذلك الكتاب إلى جمع تلك الخبار والشواذ والنوادر ولم يكن غرضه اعتقاد التحريف"‬
‫[محمد الطبطبائي‪ /‬هامش النوار النعمانية‪ ،].2/364 :‬ولكن هذه الدعوى ما تلبث أن تتلشى بمجرد‬
‫قراءة العنوان فضلً عن المقدمة والكتاب‪ ،‬فل يجدى شيئا مثل هذا الدفاع فهي تقية مكشوفة‬
‫[سيأتي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬عرض لموضوعات الكتاب ونقض لمزاعمه وشبهاته وكشف لمفترياته في باب الشيعة‬
‫المعاصرين‪ ،].‬هذا وبعد هذا العار الكبر الذي كساه صاحب فصل الخطاب على الشيعة وكتبها‪.‬‬
‫وبعد هذه الفضيحة والخزي قام فئة من شيوخ الشيعة المعاصرين يتبرؤون من هذه المقالة‬
‫وينكرونها كالبلغي في آلء الرحمن [آلء الرحمن‪ ،].32-1/17 :‬ومحسن المين في الشيعة بين‬
‫الحقائق والوهام [الشيعة بين الحقائق والوهام‪ :‬ص ‪ ،].160‬وعبد الحسين شرف الدين في أجوبة‬
‫مسائل جار ال [أجوبة مسائل جار ال‪ :‬ص ‪ ،].37-27‬والخوئي في تفسيره البيان [البيان‪ :‬ص ‪،].226‬‬
‫ومحمد حسين آل كاشف الغطا في أصل الشيعة وأصولها [أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪ ،].88‬ومحمد‬
‫جواد مغنية في الشيعة في الميزان [الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪ ،].58‬وفي عدد من كتبه‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬
‫وسنتوقف في مناقشة أقوالهم في فصل‪" :‬الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم"‪.‬‬
‫فهل ننتهي من هذا كله إلى أن ما قاله الشعري في المقالت من أن للشيعة في هذه المسألة‬
‫أكثر من قول وأنهم لم يتفقوا على هذا الضلل هو الواقع‪ ،‬وأن الثني عشرية فئتان‪ :‬فئة تغلو‬
‫في هذا وتشتط‪ ،‬وفئة تقول الحق كما ذكر ذلك بعض المنتمين لهل السنة ‪ -‬كما سبق ‪-‬‬
‫وبعض الكاتبين من الشيعة [تفسير الصافي‪ 53-1/52 :‬قوامع الفضول‪ :‬ص ‪ ].298‬أو أن القول الحق هو‬
‫تقية من الشيعة كما قال بذلك بعض أهل السنة كما سلف‪ ،‬وكما يزعمه من يقول بالتحريف من‬
‫الشيعة كنعمة ال الجزائري [النوار النعمانية‪ ،359-2/358 :‬وسيأتي نص كلمه ‪-‬إن شاء ال ‪ ،].-‬هذا كله‬
‫سنتناوله بالدراسة والبيان في مبحث تالٍ‪.‬‬
‫مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة‪:‬‬
‫بعد ما عرضنا للكتب التي نقلت هذه السطورة نبدأ الن في بيان بعض مضامينها‪ ،‬وصورة‬
‫البداية لهذه الفرية‪ ،‬وكيف تطورت وبماذا انتهت‪.‬‬
‫ونبدأ في ما تضمنه أول كتاب للشيعة‪ ،‬وأول كتاب تعرض لهذه الفرية وهو كتاب سليم بن‬
‫قيس؛ حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين طويلتين‬
‫‪150‬‬
‫يتعلقان بموضوع إمامة علي‪ ،‬فتذكر الراوية الولى والتي يرويها أبان بن عياش المتفق على‬
‫ضعفه ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬عن سليم وفيها‪" :‬أن عليا لزم بيته حتى جمعه وكان في الصحف‬
‫والرقاع" [كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص ‪ .].81‬واعتذر عن المسارعة إلى بيعة أبي بكر بانشغاله بجمع‬
‫القرآن فقال ‪ -‬لما بعث إليه أبو بكر لطلب البيعة ‪" :-‬إني آليت على نفسي يمينا أل أرتدي رداءً‬
‫[كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص ‪ ،81‬ولحظ في هذا النص المنقول أن عليا‬ ‫إل للصلة حتى أولف القرآن وأجمعه"‬
‫لم يعتذر عن المبادرة لبيعة أبي بكر إل بانشغاله بجمع القرآن‪ ،‬ولم يعتذر بشيء آخر‪ ،‬فكأن الواضع لهذه الحكاية نسي‬
‫القضية الساسية عندهم وهي مسألة المامة‪ ،‬وأن عليا لم يبايع في نظرهم بسبب أنه يرى أنه هو الوصي المنصوص‬
‫عليه‪ ...‬وهذه سمة مطردة في كثير من المسائل التي يريدون إثباتها‪ ..‬حيث يثبتونها من وجه تنتفي معه العقيدة‬
‫غ ْيرِ اللّهِ‬
‫ن عِندِ َ‬
‫الخرى‪ ،‬وهذه سمة الوضع والكذب على الدوام‪ :‬الختلف والتناقض‪ ،‬كما قال سبحانه‪َ { :‬ولَوْ كَانَ ِم ْ‬
‫ختِلَفًا َكثِيرًا} [النساء‪ ،‬آية‪ .]82 :‬فهذه الية تدل على أن كل من يزعم أنه من عند ال وهو ليس من عند‬
‫لَوَجَدُواْ فِي ِه ا ْ‬
‫ال فل محيص من وقوعه في فخ الختلف والتناقض‪ .].‬ومثل هذه الدعوى وردت في بعض كتب أهل‬
‫السنة ولكنها لم تثبت بسند صحيح‪ ،‬ولهذا قال ابن حجر‪ :‬وما يروى عن علي أنه قال‪" :‬آليت أل‬
‫آخذ ردائي إل للصلة حتى أجمع القرآن"‪ ،‬فجمعه فإسناده ضعيف لنقطاعه‪ ،‬وعلى تقدير أن‬
‫يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره‪ ،‬وما وقع في بعض طرقه‪" :‬حتى جمعته بين‬
‫اللوحين" فوهم من روايه" [فتح الباري‪ .13-9/12 :‬وانظر كتاب المصاحف لبن أبي داود ص ‪.].16‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وأصح منه وهو المعتمد ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن‬
‫عن عبد خير قال‪ :‬سمعت عليا يقول‪ :‬أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر ‪ -‬رحمة ال‬
‫على أبي بكر ‪ -‬وهو أول من جمع كتاب ال" [فتح الباري‪ :‬ص ‪.].9/12‬‬
‫هذا وتصف رواية سليم جمع علي للقرآن بأنه لم يكن كله قرآنا بل جمع "تنزيله وتأويله‬
‫والناسخ والمنسوخ منه" [كتاب سليم بن قيس ‪ :‬ص ‪ ،].81‬وهذا رغم أنه لم يصح من أصله إل أنه‬
‫يدل على أنه ليس وفق الصول التي أمر بها النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬لجمع القرآن‪ ،‬ومنها‬
‫[رواه مسلم‪ ،‬كتاب الزهد رقم ‪ 72‬ص ‪ ،2299-2298‬والدارمي‪،‬‬ ‫قوله‪" :‬ل تكتبوا عني شيئا غير القرآن"‬
‫مقدمة رقم ‪ 42‬ص ‪ ،119‬وأحمد في مسنده‪ .39 ،21 ،3/12 :‬قال أهل العلم‪ :‬إن النهي عن كتابة الحديث مع القرآن‬
‫في صحيفة واحدة لئل يختلط‪( .‬النووي‪ /‬شرح صحيح مسلم‪ ،18/130 :‬البي‪ /‬إكمال إكمال المعلم‪ .].)7/305 :‬فقد‬
‫أمر النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بكتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره خشية أن يختلط بشيء‬
‫آخر‪ ،‬وعلى أي الحوال فإن قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعلي مصحف مثل بعض‬
‫الصحابة كابن مسعود وغيره [انظر‪ :‬ابن أبي داود‪ /‬كتاب المصاحف‪ :‬ص ‪ 60‬وما بعدها‪ ..].‬وهذا ل‬
‫يتضمن الطعن في كتاب ال سبحانه‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ولكن الرواية لم تكتف بهذه الدعوى‪ ،‬بل قالت بأنه جاء به إلى الصحابة ودعاهم إليه فقال‬
‫[كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص‬ ‫عمر ‪ -‬كما يزعمون ‪" :-‬ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه"‬
‫‪ .].82‬وما دام قرآن علي المزعوم لم يكن كله قرآنا بل اشتمل على التفسير واليات المنسوخة‬
‫فإن الصل الرجوع إلى المصحف المام فهو يغني عن غيره‪ .‬لذا عادت هذه الزمرة التي‬
‫وضعت في هذا السطورة لتتوسع في سبكها‪ ،‬وعرضها‪ ،‬ولعب فيها الخيال الحاقد دوره أكثر‬
‫وأكثر فتحولت هذه الزيادة الخيرة عند الطبرسي (من القرن السادس) في الحتجاج إلى صورة‬
‫أخرى كطبيعة الكذب الذي يزيد وينقص‪ ،‬تحولت إلى صراع بين علي وصحابة رسول ال ‪-‬‬
‫رضي ال عن الجميع وبرأهم ال مما يفتري المفترون ‪.-‬‬
‫فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردوا مصحف علي حينما جاء به لول وهلة‪ ،‬فإن رواية‬
‫[الحتجاج‬ ‫الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه "فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحه فضائح القوم"‬
‫ص ‪ .].156‬وهي هنا تقدم لنا موضوعا من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني‬
‫الطعن في صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في حين أن رواية سليم ل تتعرض لكتاب ال‬
‫بطعن صريح‪ ،‬وهذا ل يطفئ الحقد الذي أكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الول‬
‫الذين فتحوا ديارهم ونشروا السلم بينهم‪ ،‬بل ل تتغذى قلوبهم الحاقدة إل على موائد سب‬
‫الصحابة‪ ،‬ول ترتوي نفوسهم السوداء إل بالطعن فيهم‪ .‬وآيات القرآن التي تثني عليهم وتعلي‬
‫من شأنهم هي قوارع من حديد على رؤوسهم‪ ،‬وشهب من نار تهوي على أفئدتهم‪ ،‬فكان من‬
‫الطبيعي أن يدعوا مثل هذه الدعوى‪..‬‬
‫وإذا كانت رواية سليم تكتفي بما أسلفنا فإن رواية الحتجاج تضيف إليها فصلً جديدا يقول‪:‬‬
‫"ثم أحضروا زيد بن ثابت ‪ -‬وكان قارئا للقرآن ‪ -‬فقال له عمر‪ :‬إن عليا جاء بالقرآن وفيه‬
‫فضائح المهاجرين والنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن (في حين أن رواية سليم تشير إلى أن‬
‫القرآن كان مجموعا عند أبي بكر وعمر) ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكا للمهاجرين‬
‫والنصار‪ ،‬فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال‪ :‬فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتهم وأظهر علي‬
‫القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتهم؟ فقال عمر‪ :‬فما الحيلة؟ قال زيد‪ :‬أنتم أعلم‬
‫[الحتجاج‪ :‬ص ‪ 156‬ط‪:‬‬ ‫بالحيلة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه‪ ،‬فدبر في قتله"‬
‫العلمي‪.].‬‬
‫ثم يشرح في موضع آخر محاولة القتل المزعومة وتكليف خالد بذلك وأن أبا بكر تأسف‬
‫وتراجع عن هذه المؤامرة خشية عواقبها فقال وهو في الصلة‪" :‬ل تقتله يا خالد" إلى آخر هذه‬
‫المسرحية المصنوعة [الحتجاج‪ :‬ص ‪ 90-89‬ط‪ :‬العلمي‪.].‬‬
‫‪152‬‬
‫ثم تواصل هذه السطورة فصولها فتذكر محاولة عمر لستدراج علي وخداعه بدعوته‬
‫إحضار القرآن حتى يعملوا به‪ ،‬وذلك محاولة عن عمر لتحريف مصحف علي‪ ،‬وأن عليا رفض‬
‫ذلك‪ ،‬وأن عمر سأله متى أوان ظهوره؟ فقال‪ :‬إنه سيظهر مع القائم من ولدي يظهره ويحمل‬
‫[الحتجاج‪ 228-1/255 :‬ط‪ :‬النجف‪ ،‬أو ص‪-155 :‬‬ ‫الناس عليه فتجري السنة به ‪ -‬صلوات ال عليه –‬
‫‪156‬من ط‪ :‬العلمي بيروت‪.].‬‬
‫والسؤال الذي ل تجيب عنه رواية الطبرسي‪ ،‬ول كتب الشيعة الخرى هو مادامت محاولتهم‬
‫لقتل علي أخفقت‪ ،‬وتدبيرهم لتحريف مصحفه قد فشلت‪ ،‬فلماذا لم يخرج علي القرآن الذي‬
‫معه؟!‪ ،‬وإذا كان يخشى منهم لن السلطة بأيديهم فلماذا لم يخرجه أثناء خلفته‪ ،‬لماذا يتسبب في‬
‫بقاء المة تائهة حائرة‪ ،‬ولماذا يتستر على خيانة الخائن وتحريف المحرف‪ ،‬ومن أقر خائنا على‬
‫خيانته كان كفاعلها؟ لم تجد هذه الزمرة ما تجيب به إل ما قالته على لسان عالمها نعمة ال‬
‫الجزائري من أنه فضّل مجاملة من سبقه على هداية المة [وسبق نقل النص ص‪،].)203-202 ( :‬‬
‫وهذا فوق أنه طعن في كتاب ال وهو من أبلغ القدح في علي ‪ -‬كما سبق ‪ -‬وأقول أيضا‪ :‬إذا‬
‫كانت مجاملة علي تبلغ هذا المبلغ فلماذا لم يقتد الشيعة بإمامهم ويدعوا السب والطعن الذي سوّد‬
‫صفحات المجلدات من كتبهم‪ ،‬فإما أن يكونوا كاذبين في اعتذارهم أو مجانبين لخطى إمامهم‪،‬‬
‫وما ندري أي المرين يطوّح بهما أكثر من الخر‪.‬‬
‫وأعود لذكر الرواية الخرى في كتاب سليم بن قيس وهي تشبه الرواية الولى وتزيد عليها‬
‫بسؤال وجه من طلحة ‪-‬رضي ال عنه ‪ -‬لعلي لماذا لم يخرج القرآن الذي معه؟‪ ،‬وسكوت علي‬
‫عن الجابة ومضيه في حديث عن أحقيته بالمامة‪ ،‬ولكن طلحة يسأله مرة أخرى عن هذا‬
‫فيقول‪" :‬ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه عن القرآن أل تظهر للناس‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫طلحة‪ ،‬عمدا كففت عن جوابك‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عما في كتب عمر وعثمان ‪ -‬كذا ‪ -‬أقرآن كله‬
‫أم فيه ما ليس بقرآن‪ ،‬قال طلحة‪ :‬بل قرآن كله‪ .‬قال‪ :‬إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم‬
‫الجنة‪ ،‬فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا‪ ،‬فقال طلحة‪ :‬حسبي‪ ،‬أما إذ هو قرآن فحسبي"‬
‫[كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص ‪.].124‬‬
‫فهذه الراوية عند سليم تعرض عن الطعن في كتاب ال بطريقة صريحة‪ ،‬بل تؤكد بأن كل ما‬
‫فيه قرآن‪ ،‬وأن فيه بيان حق أهل البيت وفرض طاعتهم‪ ،‬على حين أننا نجد روايات عندهم‬
‫تناقض هذا‪ ،‬وتقول‪" :‬لول أنه زيد في كتاب ال ونقص منه لما خفي حقنا على ذي حجى"‬
‫[البرهان‪ :‬مقدمة ص ‪ ،37‬بحار النوار‪ ،19/30 :‬تفسير الصافي‪ ،].1/41 :‬وتقول‪" :‬لو قرئ القرآن كما أنزل‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/13 :‬بحار النوار‪ ،92/55 :‬تفسير الصافي‪ ،1/41 :‬اللوامع النورانية‪ :‬ص‬ ‫للفينا فيه مسمين"‬
‫‪153‬‬
‫‪ ].547‬فهذا تطور آخر في هذه السطورة ينكشف من خلله بعض الدوافع لوضعها وهي أن‬
‫الئمة الثني عشر الذين جعلوا اليمان بهم هو السلم‪ ..‬وإنكار واحد منهم هو الكفر ل ذكر‬
‫لهم في كتاب ال‪ ،‬وهذا يهدد جمعهم بالفشل وبنيانهم بالنهيار‪ ،‬ففزعوا يبحثون عن حيلة‬
‫لمواجهة هذه المعضلة عندهم فلجؤوا إلى وسائل شتى‪ ،‬أخطرها هذه المقالة‪.‬‬
‫هذا وفي تطور آخر بدأت هذه السطورة تتخذ شكلً عمليا ويزاد في أخبارها ورواياتها على‬
‫يد علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير وتلميذه الكليني صاحب الكافي‪ ،‬وهذان الرجلن هما‬
‫ممن أرسى دعائم هذه العقيدة الباطلة وعمل على ترويجها ونشرها والكثار من الحديث عنها‪،‬‬
‫وقد اكتملت صورة هذه السطورة على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني تأخذ بهذه‬
‫السطورة إلى مرحلة عملية فبدؤوا بإقحام كلمة "في علي" بعد أي آية فيها لفظ‪" :‬أنزل ال‬
‫إليك"‪" ،‬وأنزلنا إليك"‪ ،‬وزيادة لفظ‪" :‬آل محمد حقهم" بعد لفظ‪" :‬ظلموا" حيثما وقع في القرآن‪،‬‬
‫وزيادة لفظ‪" :‬في ولية علي" بعد لفظ‪" :‬أشركوا" حيثما جاء في القرآن‪ ،‬وتغيير كلمة "أمة" بكلمة‬
‫أئمة حيثما وقعت‪.‬‬
‫وعلى هذا المنوال نسج القوم في القرآن كله‪ ،‬ومن شواهد هذا ما يروي الكليني عن القمي‬
‫بسنده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر قال‪ :‬نزل جبرائيل بهذه الية على محمد "بئسما اشتروا‬
‫[الية ‪ 90‬من سورة البقرة والكلم المحرف الذي ذكرته‬ ‫به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال (في علي) بغيا"‬
‫أعله في أصول الكافي‪.].1/417 :‬‬
‫وكذلك يقولون‪" :‬نزل جبرائيل بهذه الية على محمد هكذا‪" :‬وإن كنتم في ريب مما نزلنا (في‬
‫[الية ‪ 23‬من سورة البقرة‪ ،‬والكلم المحرف المذكور في أصول الكافي‪:‬‬ ‫علي) فأتوا بسورة من مثله"‬
‫‪.].1/417‬‬
‫ويروون عن أبي عبدال أنه قال‪" :‬نزل جبرائيل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬على محمد بهذه الية‬
‫هكذا‪" :‬يا أيها الذين أتوا الكاب آمنوا بما نزلنا (في علي) نورا مبينا" [أصول الكافي‪.].1/417 :‬‬
‫[فأول الية‪{ :‬يَا َأيّهَا الّذِينَ أُوتُو ْا الْكِتَابَ آ ِمنُو ْا بِمَا َنزّ ْلنَا ُمصَدّقًا لّمَا‬ ‫ويلحظ هنا أنه خلط بين أكثر من آية‬
‫مَعَكُم} هي الية ‪ 47‬من سورة النساء‪ ،‬فأقحم مع هذه الية قوله‪{ :‬نُورًا ّمبِينًا}‪ ،‬وهي جزء من آية أخرى في نفس‬
‫السورة وهي‪{ :‬يَا َأيّهَا النّاسُ َق ْد جَاءَكُم ُبرْهَا ٌن مّن ّربّكُمْ َوأَنزَ ْلنَا إَِليْكُ ْم نُورًا ّمبِينًا} الية ‪ 174‬من سورة النساء‪.].‬‬
‫وقال القمي‪" :‬وأما ما هو محرف فمنه قوله‪" :‬لكن ال يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله‬
‫بعلمه والملئكة يشهدون" [النساء‪ ،‬آية‪ ،].166 :‬وقوله‪" :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‬
‫(في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [المائدة‪ ،‬آية‪ ،].67 :‬وقوله‪" :‬إن الذين كفروا وظلموا (آل‬
‫محمد حقهم) لم يكن ال ليغفر لهم" [النساء‪ ،‬آية‪ ،168 :‬والكلم المقحم في تفسير القمي‪ .].1/159 :‬وقوله‪" :‬وسيعلم‬
‫‪154‬‬
‫[لحظ أن هؤلء بعيدون عن كتاب ال روحا وحسا‬ ‫الذين ظلموا (آل محمد حقهم) في غمرات الموت"‬
‫فيخطئون حتى في نقل اليات أو يتعمدون وينسبون ذلك لهل البيت زورا وبهتانا‪ ،‬فتأمل كيف خلط بين آيتين بطريقة‬
‫ب يَن َقِلبُونَ} [الشعراء‪ ،‬آية‪ ،]227 :‬وقوله‪َ { :‬ولَ ْو َترَى إِذِ‬
‫ظلَمُوا َأيّ مُن َقلَ ٍ‬
‫سيَ ْعلَمُ الّذِينَ َ‬
‫غبية جاهلة بين قوله سبحانه‪َ { :‬و َ‬
‫ت الْمَ ْوتِ} [النعام‪ ،‬آية‪ ]93 :‬فجعلها "وسيعلم الذين ظلموا في غمرات الموت"‪.‬‬
‫الظّالِمُونَ فِي غَ َمرَا ِ‬
‫ولشك أن رؤية الظالمين في غمرات الموت يعانون من سكراته وآلمه هي محل للعبرة والذكرى‪ ،‬وهي أبلغ‬
‫وأعظم من القول بأنهم سيعلمون في غيمرات الموت؛ لنه سيأتي من يقول بأنهم في غمرات الموت قد ذهلوا فهم ل‬
‫يكادون يفقهون شيئا ول يعلمون ‪ ،‬ول نسترسل أكثر من هذا فمثل هذه الساطير ل تستحق المناقشة‪ ].‬قال هذا‬
‫القمي ومثله كثير نذكره في مواضعه [تفسير القمي‪ ،].11-1/10 :‬وقد حشى كتابه بهذا الكفر كما‬
‫وعد [انظر مثلً‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،125 ،123 ،118 ،159 ،142 ،122 ،110 ،100 ،48‬وغيرها‪ ].‬وعلى نفس النسق‬
‫الذي أشرنا إليه‪.‬‬
‫ظَلمُواْ} [البقرة‪ ،‬آية‪ ].59 :‬تزيد‬
‫كما تزيد رواية أخرى له على قوله سبحانه‪َ { :‬فأَنزَ ْلنَا عَلَى الّذِينَ َ‬
‫كالعادة عبارة "آل محمد" [تفسير القمي‪.].1/48 :‬‬
‫خرِجَتْ‬
‫خ ْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْ‬
‫ويروي هذا القمي أيضا عن أبي عبد ال أنه قرأ عنده قوله سبحانه‪{ :‬كُنتُمْ َ‬
‫لِلنّاسِ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ].110 :‬قال أبو عبد ال‪" :‬خير أمة" يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين‬
‫‪ -‬عليهم السلم ‪-‬؟ فقال القارئ‪ :‬جعلت فداك كيف نزلت؟ قال‪ :‬نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت‬
‫[تفسير القمي‪].1/110 :‬‬ ‫عنِ ا ْلمُن َكرِ}"‬
‫للناس)‪ ،‬أل ترى مدح ال لهم {تَ ْأ ُمرُونَ بِا ْلمَ ْعرُوفِ َوتَ ْن َهوْنَ َ‬
‫وهذا يعني أن المة بما فيها الشيعة ل خير فيها ماعدا الئمة الثني عشر‪ .‬كما يلحظ أن‬
‫رواياتهم في تأويل القرآن‪ ،‬أثبتت المة‪ ،‬وأولتها بالئمة ‪ -‬كما سلف ‪ -‬وروايات التحريف‬
‫زعمت أن الصل الئمة ل المة أليس هذا تناقضا؟!‬
‫شرِكِينَ} (يزيدون)‬
‫ويروي الكليني عن الرضا في قول ال ‪ -‬عز وجل ‪َ { :-‬كبُرَ عَلَى ا ْلمُ ْ‬
‫بولية علي {مَا تَدْعُوهُمْ ِإَل ْيهِ} [الشورى‪ ،‬آية‪( ].13 :‬يزيدون) يا محمد من ولية علي‪ ،‬هكذا في‬
‫ستَ ْعَلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ‬
‫الكتاب مخطوطة [أصول الكافي‪ ،].1/418 :‬وفي قول ال عز وجل‪َ { :‬ف َ‬
‫مّبِينٍ} [الملك‪ ،‬آية‪( .].29 :‬يزيدون)‪ :‬يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولية علي ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬والئمة من بعده‪ ،‬من هو في ضلل مبين‪.‬‬
‫ثم يؤكدون هذا التحريف والكفر بقولهم‪" :‬هكذا نزلت" [أصول الكافي‪ ،].1/421 :‬وفي قوله‬
‫سبحانه‪َ { :‬فَلنُذِيقَنّ الّذِينَ كَ َفرُوا} (يزيدون)‪( :‬بتركهم ولية أمير المؤمنين عليه السلم) عذابا‬
‫شديدا في الدنيا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون [فصلت‪ ،‬آية‪ ،27 :‬والتحريف من الكافي‪.].1/421 :‬‬
‫والمثلة في هذه كثيرة‪ .‬وإذا قارنت بين ما جاء في تفسير القمي والكافي من هذه الروايات‪،‬‬
‫وبين ما ذكره شيوخهم المتأخرون كالمجلسي والجزائري‪ ،‬والنوري الطبرسي منها‪ ،‬لحظت أن‬
‫‪155‬‬
‫روايات التحريف زادت عند المتأخرين بشكل ملحوظ مما يدل على أن العمل يجري في كل‬
‫فترة على الزيادة في هذه المفتريات‪.‬‬
‫وهذه "الضافات" التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب ال أل يلحظ القارئ العربي أن السياق‬
‫ل يتقبلها‪ ،‬وأنها مقحمة إقحاما بل أدنى مناسبة‪ ،‬ولذلك يكاد النص يلفظها‪ ،‬وأنها من وضع‬
‫أعجمي ل صلة له بلغة العرب‪ ،‬ول معرفة له بأساليب العربية‪ ،‬ول ذوق له في اختيار اللفاظ‪،‬‬
‫وإدراك المعاني‪.‬‬
‫إن الكلمات المفتراة التي قدمها أولئك المفترون أمثلة لليات الساقطة بزعمهم‪ ،‬قد كشفت‬
‫القناع عن كفرهم‪ ،‬كما أنها فضحت كذبهم‪ ،‬وكشف افتراءهم‪ ،‬فهي محاولت أشبه بمحاولت‬
‫مسيلمة الكذاب في تقليد القرآن العظيم‪ ،‬كما ترى ذلك في المثلة التي قدمناها‪ ،‬وكما تراه في‬
‫اللف مثال أو أكثر‪ ،‬والذي قدمها صاحب فصل الخطاب [انظر‪ :‬فصل الخطاب ص ‪ 253‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وتكفي فصاحة القرآن وإعجازه البلغي الذي سحر أساتذة البيان وفرسان العربية وأعياهم‬
‫وأعجزهم أن يأتوا بسورة من مثله أو آية من مثله يكفي في كشف هذه المفتريات والكاذيب‪،‬‬
‫بل إن أغلب هذه المفتريات تنزل على مستوى أداء النسان العادي‪ ،‬وبها يتبين عظمة القرآن‬
‫وسحره‪ ،‬فلول المر ما عرف طعم الحلو‪ ،‬ولول الملوحة ما تبين طعم العذوبة‪ ،‬وبضدها تتميز‬
‫الشياء‪ ،‬ولذلك فهي ناطقة بذاتها على كذب واضعيها بغض النظر عن البراهين والدلة‬
‫الخرى على حفظ القرآن وسلمته‪.‬‬
‫إن هذه المحاولت الغبية لقحام كلم البشر في كلم ال سبحانه وتعالى عملت شرذمة من‬
‫هذه الطائفة قرونا متواصلةً‪ ..‬عملت جاهد ليجاد أكبر قدر ممكن منها‪ ،‬وهناك أمثلة عديدة لهذه‬
‫المحاولت ‪ -‬بالضافة لما مضى‪ -‬ذكر المجلسي جزءا منها في باب عقده بعنوان (باب‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫التحريف في اليات التي هي خلف ما أنزل ال عز وجل مما رواه مشايخنا‪)..‬‬
‫‪ 92/60‬وما بعدها‪ ،].‬كما أن كتب التفسير عندهم حوت من هذا الغثاء الشيء الكثير ‪ -‬كما أشرنا‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص‬ ‫من قبل [انظر‪ :‬ص (‪ )266‬من هذه الرسالة‪ -].‬وجمعها كلها صاحب فصل الخطاب‬
‫‪ 253‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وعدّ الرافضة هذه المفتريات جزءا مما سقط من كتاب ال‪ ،‬فقد روى الكليني في الكافي "أن‬
‫[أصول الكافي‪ :‬كتاب‬ ‫القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمد (ص) وآله وسلم سبعة عشر ألف آية"‬
‫فضل القرآن‪ ،‬باب النوادر‪ ،].2/134 :‬وآيات القرآن ‪ -‬كما هو معروف ‪ -‬ل تتجاوز ستة آلف آية إل‬
‫قليلً‪ ،‬فهذا يقتضي سقوط ما يقارب ثلثي القرآن‪ ،‬فما أعظم هذا الفتراء! وهذه الرواية وردت‬
‫[انظر‬ ‫في الكافي أصح كتاب عندهم‪ ،‬ولكن من الشيعة من يقول‪ :‬ليس كل ما في الكافي صحيحا‬
‫‪156‬‬
‫ل ‪ -‬محمد جواد مغنية‪ /‬العمل بالحديث وشروطه عند المامية ضمن كتاب دعوة التقريب ص ‪ ،383‬محسن‬
‫‪ -‬مث ً‬
‫المين‪ /‬الشيعة بين الحقائق والوهام ص ‪.].420-419‬‬
‫وإذا حملنا مثل هذا القول على الحقيقة ل على التقية‪ ،‬وإذا تجاوزنا ما يلحظ على السناد‬
‫عندهم‪ ،‬وما يلحظ على ضوابط وأصول التصحيح والتضعيف لديهم‪ ،‬وما يرى من اختلفهم‬
‫في هذا الشأن واضطرابهم فيه [سيأتي إيضاح هذا في فصل "عقيدتهم في السنة"‪ ،].‬وأن الحكم بالضعف‬
‫قد يكون على السناد فقط حيث قالوا‪" :‬إن أكثر أحاديث الصول في الكافي غير صحيحة‬
‫السناد ولكنها معتمدة لعتبار متونها‪ ،‬وموافقتها للعقائد الحقة ول ينظر في مثلها إلى السناد"‬
‫[الشعراني‪ /‬مقدمة شرح جامع‪ :‬ص‪ /‬يب‪ ،].‬إذا تجاوزنا ذلك كله وذهبنا نبتغي الجابة من شيوخهم عن‬
‫صحة إسناد هذه الرواية وذلك لنكون أكثر حيدة من قيامنا بمثل هذا عن طريق النظر في‬
‫السناد على ضوء كتب "الرجال" عندهم ‪ -‬نجد أن شيخهم المجلسي يقول عن الرواية السابقة‪:‬‬
‫"فالخبر صحيح" [مرآة العقول‪ ].2/536 :‬وشهادة المجلسي هذا في غاية العتبار عندهم‪ ،‬لنه‬
‫[راجع‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬وانظر‪ :‬محمد جواد مغنية‪/‬‬ ‫"الشارح المتتبع للكافي الذي بين صحيحه من ضعيفه"‬
‫العمل بالحديث وشروطه عند المامية ضمن كتاب دعوة التقريب‪ :‬ص ‪.].383‬‬
‫وإذا أردنا شهادة من شيوخهم المعاصرين على صحة هذه الرواية عندهم فإننا نجد شيخهم‬
‫عبد الحسين المظفر يقول‪" :‬إنه موثق كالصحيح" [الشافي شرح أصول الكافي‪ .].7/227 :‬ومن‬
‫النصاف أن نذكر بأن صاحب "صحيح الكافي" وهو من شيوخهم المعاصرين ‪ -‬أيضا ‪ -‬قد‬
‫أغفل ذكر هذه الرواية [انظر‪ :‬صحيح الكافي‪ /‬البهبودي‪ :‬كتاب فضل القرآن‪ ،‬باب النوادر‪ ].157-1/156 :‬فهل‬
‫يعني إغفاله لها أنها ليست بصحيحة في نظره؟ هذا ما يظهر من صنيعه حسب منهجه الذي‬
‫ألمح إليه في مقدمة كتابه‪ ،‬وقد يسلك مثل هذا العمل وأكثر وهو غير صادق بحكم عقيدة التقية‬
‫عندهم‪ ،‬حتى قال أحد شيوخهم المعاصرين‪" :‬لكل مجتهد إمامي أن يرفض أي حديث ل يرتضيه‬
‫في الكافي وغيره ويأخذ بحديث موجود في البخاري ومسلم‪ ،‬ول يحق لحد أن يحتج عليه من‬
‫[محمد جواد مغنية‪ /‬العمل بالحديث وشروطه عند المامية (ضمن كتاب دعوة التقريب‬ ‫وجهة دينية أو مذهبية"‬
‫ص ‪ ،].)384‬لن التقية تسمح له بذلك وإل فالحقيقة غير هذا‪ ،‬ولهذا فإن شيخهم المجلسي يعقد بابا‬
‫بعنوان‪" :‬الباب الثامن والعشرون ما ترويه العامة (أهل السنة) من أخبار الرسول صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬وأن الصحيح من ذلك عندهم (يعني شيعته) والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين إل‬
‫في حالة الحتجاج عليهم من كتبهم" [بحار النوار‪.].2/214 :‬‬
‫هذا عن صحة الرواية عندهم‪ ،‬أما عن معنى الرواية المذكورة عندهم فقد قال "المازندراني"‬
‫[محمد صالح بن أحمد المازندراني توفي سنة (‪1081‬ه‍) أو (‪1086‬ه‍)‪ ].‬شارح الكافي‪" :‬إن القرآن ستة آلف‬
‫‪157‬‬
‫[هذا العدد الذي ذكره ليات القرآن لم أجد له ذكرا ضمن القوال المأثورة في عدد الي وذلك فيما‬ ‫وخمسمائة"‬
‫رجعت إليه‪ .‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ ،65-1/64 :‬التقان‪ ،1/89 :‬الفيروزآبادي‪ /‬بصائر ذوي التمييز‪..].560-1/559 :‬‬
‫والزائد على ذلك مما سقط بالتحريف" [شرح جامع (للكافي) ‪ ..].11/76 :‬وقال المجلسي‪" :‬إن هذا‬
‫الخبر وكثير من الخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره" [مرآة العقول‪.].2/536 :‬‬
‫هذا قول شيوخ الدولة الصفوية في تفسير هذه الرواية‪ ،‬والذين ساروا في التشيع أشواطا‬
‫حثيثة في الغلو‪ ،‬وبلغوا بها "الوج" في ذلك‪ ،‬ولعلك تعجب إذا قارنت هذه التفسيرات لهذه‬
‫السطورة والتي تجسم هذا الكفر وتنشر هذا الغلو عن شيوخ وجدوا في القرن الثاني إبان الحكم‬
‫الصفوي‪ ،‬إذا قارنت هذه التفسيرات بما قاله ابن بابويه القمي من القرن الرابع الهجري عن هذه‬
‫الرواية في كتابه "العتقادات" وهو بشهادة شيوخهم المعاصرين "من الكتب المعتبرة الموثقة"‬
‫[الذريعة‪ ].13/101 :‬عندهم‪ ،‬حيث قال‪ .." :‬إنه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى‬
‫القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشرة ألف آية‪ ،‬وذلك مثل قول جبرائيل‪ ..‬عش ما شئت فإنك‬
‫ميت‪ ،‬وأحب ما شئت فإنك مفارقه‪ ،‬واعمل ما شئت فإنك ملقيه‪[ "..‬العتقادات‪ :‬ص ‪ .].102‬ثم ذكر‬
‫طائفة من أمثال هذه القوال‪.‬‬
‫فانظر إلى هذا الختلف والتباين بين نص الكليني‪ ،‬ونص ابن بابويه‪ ،‬هذا يقول‪" :‬نزل من‬
‫الوحي الذي ليس بقرآن" وذاك يقول‪" :‬إن القرآن الذي جاء به جبرائيل‪ "..‬أي إن ابن بابويه‬
‫يقول‪ :‬إن النقص في غير القرآن‪ ،‬والكليني يصرح بأن النقص في القرآن‪ ،‬ولذلك جاء تفسير‬
‫المجلسي والمازندراني للرواية بما يتمشى مع ظاهر النص اللحادي‪ ،‬بينما نلحظ أن ابن بابويه‬
‫حمل زيادة العدد المذكور في الرواية عن عدد آيات القرآن حمل ذلك على الحاديث القدسية؛‬
‫لن ذلك يمكن أن يتمشى مع ظاهر القول الذي ذكره‪ ،‬ولكن الجميع جبن عن رد الرواية‬
‫وتكذيبها‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬هل لرواية الكليني وجهٌ يمكن قبوله خلفا لما يراه ويفتريه المجلسي والمازندراني‬
‫وأضرابهما؟ لعله من الممكن لو كان لهؤلء إرادة خير لمذهبهم وأتباعهم أن يحملوا ما زاد عن‬
‫عدد آيات القرآن مما ذكرته الرواية أن يحملوا ذلك على منسوخ التلوة إذا لم يكن لديهم‬
‫الشجاعة على رد هذه الرواية وأمثالها‪ ،‬إذ لبد من تأويلها وأمثالها بنحو من العتبار وإل‬
‫فليضرب بها الجدار‪.‬‬
‫ثم إني رأيت صاحب الوافي ذكر هذا التأويل للرواية‪ ،‬حيث قال بعد ذكره لبعض الحتمالت‬
‫التي تؤيد ذلك الكفر قال بعد ذلك‪" :‬أو يكون ‪ -‬أي العد والزائد عما في القرآن ‪ -‬مما نسخ‬
‫[أبو القاسم الموسوي‬ ‫تلوته" [الكاشاني ‪ /‬الوافي‪ ،‬المجلد الثاني‪ .].1/274 :‬ولكن شيخ الشيعة اليوم "الخوئي"‬
‫‪158‬‬
‫الخوئي يلقبونه بالمام الكبر والية العظمى‪ ،‬زعيم الحوزة العلمية‪ ،‬يعيش حاليا في العراق‪ ،‬من تآليفه معجم رجال‬
‫الحديث‪ ،‬البيان في تفسير القرآن‪ .].‬ومرجعها الكبر ‪ -‬وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن ‪ -‬يرى أن‬
‫القول بنسخ التلوة هو قول بالتحريف [الخوئي‪ /‬البيان‪ :‬ص ‪ ،].210‬وكأنه أراد أن يوصد هذا الباب‪،‬‬
‫ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتو عقيدة في نفسه يكاد يخفيها‪ ..‬والفرق واضح بين‬
‫النسخ والتحريف‪ ،‬فالتحريف من صنع البشر وقد ذم ال فاعله‪ ،‬والنسخ من ال‪ .‬قال تعالى‪{ :‬مَا‬
‫خيْ ٍر ّم ْنهَا َأ ْو ِمثْ ِلهَا} [البقرة‪ ،‬آية‪ .].106 :‬وهو ل يستلزم مس كتاب‬
‫سهَا نَأْتِ بِ َ‬
‫سخْ مِنْ آ َيةٍ َأ ْو نُن ِ‬
‫نَن َ‬
‫ال سبحانه بأي حال‪.‬‬
‫وإذا كانت رواية الكليني تذهب إلى سقوط قرابة الثلثين فيعني هذا أنه لم يبق لدينا من كتاب‬
‫ال إل ما يتجاوزك الثلث بقليل‪ ،‬وإذا عرضنا روايته الخرى التي تقول‪" :‬نزل القرآن أثلثا‪،‬‬
‫ثلث فينا وفي عدونا‪ ،‬وثلث سنن وأمثال‪ ،‬وثلث فرائض وأحكام" [أصول الكافي‪ .].2/627 :‬فأي‬
‫الثلث الذي بقي لنا في نظرهم؟ أثلث السنن والمثال أم ثلث الفرائض والحكام؛ إذ ل ريب‬
‫عند هذه الزمرة الملحدة إن ثلث الولياء والعداء قد أسقط لنهم قالوا‪" :‬لو قرئ القرآن كما‬
‫أنزل للفينا مسمين"‪ ،‬وهو بيت القصيد والهدف الظاهر من كل هذه المحاولت‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن المة ضائعة كل هذه القرون الطويلة‪ ..‬منذ وفاة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ليس معها سوى ثلث كتابها‪ ..‬والئمة تقف موقف المتفرج‪ ..‬لديها القرآن الكامل ‪ -‬كما يزعمون‬
‫‪ -‬ول تبلغه للمة‪ ،‬لتتركها أسيرة ضللها‪ ،‬ل تعرف وليها من عدوها‪ ،‬وتعدهم بظهوره مع‬
‫منتظرهم‪ ،‬وتمر آلف السنين ول غائب يعود‪ ،‬ول مصحف يظهر‪ ،‬فإن كانت المة تهتدي‬
‫بدونه فما فائدة ظهوره مع المنتظر‪ ،‬وإن كان أساسا في هدايتها فلماذا يحول الئمة بينه وبين‬
‫المة‪ ،‬لتبقى المة في نظر هؤلء حائرة ضالة تائهة‪ ،‬وهل أنزل ال سبحانه كتابه ليبقى أسيرا‬
‫مع المنتظر ل سبيل للمة للوصول إليه؟ مع أن ال سبحانه لم يترك حفظ كتابه ل لنبي معصوم‬
‫ول لمنتظر موهوم‪ ،‬بل تكفل بحفظه سبحانه‪.‬‬
‫تقول رواياتهم ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬بأن عليا لم يستطع إخراجه خشية تحريفه‪ ،‬وهذا يعني أن المة‬
‫التي هي خير أمة أخرجت للناس كتب عليها الشقاء والضلل ل يستثنى من ذلك إل أصحاب‬
‫المنتظر‪ ،‬لنها ستبقى في معزل عن مصدر هدايتها‪ ،‬وأصل سعادتها وخيرها‪.‬‬
‫مع أن الئمة يملكون من وسائل التبليغ ما ل يملكه حتى النبياء‪ ،‬فعلي بزعمهم يملك قدرات‬
‫خارقة وكان بإمكانه بهذه القدرات نشر القرآن الكامل‪ .‬فقد قال المجلسي في الباب الذي عقده‬
‫بعنوان باب "جوامع معجزاته رضي ال عنه"‪" :‬إن عليا مر برجل يخبط‪ :‬هو هو‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫شاب‪ ،‬لو قرأت القرآن لكان خيرا لك‪ .‬فقال‪ :‬إني ل أحسنه ولوددت أن أحسن منه شيئا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪159‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫ادن مني‪ ،‬فدنا منه فتكلم بشيء خفي‪ ،‬فصور ال القرآن كله في قلبه فحفظه كله"‬
‫‪.].42/17‬‬
‫فإذن علي يستطيع إبلغ القرآن بهذه الطريقة "السحرية" إلى كل من يريد‪ ،‬ويستطيع أن يتخذ‬
‫كل التدابير الكفيلة بمنع أي محاولة ضده‪ ،‬لنه كما تقول أبواب الكافي‪" :‬يعلم ما كان وما يكون‬
‫ول يخفي عليه الشيء" [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].1/260 :‬كما أن الوصول إلى قتله بغير رضاه‬
‫واختياره أمر ممتنع‪ ،‬لن الئمة كما تقول أبواب الكافي أيضا‪" :‬يعلمون متى يموتون ول‬
‫يموتون إل باختيارهم" [أصول الكافي‪.].1/258 :‬‬
‫فلماذا لم يفعل؟‍! جاء في بعض رواياتهم أن أمير المؤمنين قال‪" :‬لو ثني لي الوسادة وعرف‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫لي حقي لخرجت لهم مصحفا كتبته وأمله علي رسول ال صلى ال عليه وسلم"‬
‫‪.].92/52‬‬
‫ونقف أولً عند قوله‪" :‬لو ثني لي الوسادة" وهذا كناية عن توليه الحكم ‪ -‬كما قرره المجلسي‬
‫[بحار النوار‪ -].92/52 :‬فكيف لم يخرج ما عنده بعد توليه الخلفة وهو يعد بهذا أم قد أخلف وعده‬
‫كما يفتري واضح هذه "الساطير"؟!‪.‬‬
‫ثم قوله‪" :‬وعرف لي حقي" كيف يعرف حقه ومصدر هذه المعرفة لم يظهر للناس؟‬
‫أما قوله‪" :‬أمله علي رسول ال" فهذا يناقض أساطيرهم الخرى التي تقول‪ :‬إن الجمع تم بعد‬
‫وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫والحقيقة أن كل هذه النصوص حول هذه الفرية هي من أبلغ الطعون في أهل البيت‪ ،‬ول يبلغ‬
‫مفتر ضد أهل البيت مبلغ هذه المفتريات‪ ،‬حتى لقد صدق فيهم قول إمامهم ‪ -‬كما تعترف بذلك‬
‫كتبهم ‪" :-‬لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].307‬‬
‫ومن أعجب الروايات لهذه السطورة أن عمالمهم في القرن السادس "الطبرسي" في كتابه‬
‫"الحتجاج" جعل القول بهذه الفرية هي الجابة المقنعة من أمير المؤمنين علي على اعتراض‬
‫أحد الزنادقة‪ ،‬فقد روى في كتابه الحتجاج وهو من كتبهم المعتبرة ‪ -‬كما قدمنا ‪ -‬أن عليا قال‬
‫لحد الزنادقة في محاورة طويلة منها "‪ ...‬إن الكناية عن أسماء الجرائر العظيمة من المنافقين‬
‫في القرآن ليست من فعله تعالى‪ ،‬وأنها من فعل المغيرين والمبدلين‪.‬‬
‫وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين‪ ،‬ول الزيادة في آياته على ما أثبتوه‬
‫من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر‪ ،‬والملل المنحرفة عن‬
‫قبلتنا‪ ،‬وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الصطلح على‬
‫الئتمار لهم‪ ،‬والرضا بهم‪ ..‬فلن الصبر على ولة المر مفروض لقول ال عز وجل لنبيه‬
‫‪160‬‬
‫سلِ} [الحقاف‪ ،‬الية‪ ..].35 :‬فحسبك‬
‫صبِرْ َكمَا صَ َبرَ ُأ ْولُوا الْ َعزْمِ مِنَ ال ّر ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪{ :‬فَا ْ‬
‫من الجواب عن هذا الموضوع ما سمعت‪ ،‬فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه‪.‬‬
‫ج َههُ} [القصص‪ ،‬آية‪ ].88 :‬فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه‬
‫شيْءٍ هَالِكٌ إِلّ وَ ْ‬
‫وأما قوله‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫لن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبق الوجه‪ ،‬هو أجل وأعظم من ذلك‪ ،‬إنما يهلك من‬
‫[الرحمن‪،‬‬ ‫جهُ َربّكَ ذُو ا ْلجَللِ وَا ِل ْكرَامِ}‬
‫عَل ْيهَا فَانٍ‪َ ،‬و َيبْقَى وَ ْ‬
‫ليس منه‪ ،‬أل ترى أنه قال‪ُ { :‬ك ّل مَنْ َ‬
‫آية‪ .].27 ،26 :‬ففصل بين خلقه ووجه‪.‬‬
‫وأما ظهورك على تناكر قوله‪{ :‬وَِإنْ خِ ْفتُمْ أَ ّل تُ ْقسِطُواْ فِي ا ْل َيتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مّنَ‬
‫ال ّنسَاءِ} [النساء‪ ،‬آية‪ ،].3 :‬وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء‪ ،‬ول كل النساء أيتام‪ ،‬فهو‬
‫مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن‪ ،‬وبين [كذاب في الحتجاج‪ ].‬القول في اليتامى‪،‬‬
‫وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن‪ ،‬وهذا وما أشبهه مما ظهرت‬
‫حوادث المنافقين فيه لهل النظر والتأمل‪ ،‬ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للسلم مساغا‬
‫إلى القدح في القرآن‪ ،‬ولو شرحت لك كل مما أسقط وحرّف وبدّل مما يجري هذا المجرى‬
‫[الحتجاج‪ :‬ص ‪-249‬‬ ‫لطال‪ ،‬وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الولياء ومثالب العداء"‬
‫‪.].254‬‬
‫هذا النص رغم طوله هو جزء من محاورة طويلة يزعم صاحب الحتجاج أنها جرت بين‬
‫أمير المؤمنين علي‪ ،‬وزنديق من الزنادقة‪ ،‬وأن عليا يناظره ويحاول أن يهديه إلى الحق‪ ،‬فهل‬
‫يمكن أن يكون أحد أشد زندقة‪ ،‬ممن يقول في كتاب ال سبحانه وصحابة رسول ال مثل هذا‬
‫القول‪ ،‬وهل يبلغ كيد حاقد أكثر من هذا‪..‬؟ يقول موسى جار ال‪" :‬هل يجد أشد الناس عداوة‬
‫مساغا أَهْدَم للقرآن وأهْدَم للدين من مثل هذا القول الذي يسنده شيوخ الشيعة إلى أمير المؤمنين‬
‫علي" [الوشيعة‪ :‬ص ‪.].123‬‬
‫ولحظ في هذه الرواية ذلك الحقد السود ضد خير جيل عرفته البشرية ضد صحابة رسول‬
‫الهدى صلى ال عليه وسلم حيث كنّت عنهم هذه الرواية بأنهم‪" :‬أصحاب الجرائر العظيمة من‬
‫المنافقين" لن تلك الزمرة الحاقدة التي قد أكل الغيظ قلوبها‪ ،‬ومل الحقد نفوسها ضد ذلك الجيل‬
‫القرآني الفريد‪ ،‬لم تجد في كتاب ال ما يطفئ هذا الحقد فقالت‪ :‬بأن القرآن مليء بأسماء‬
‫المنافقين ‪ -‬وتعني بهم صحابة رسول ال ‪ -‬وإسقاطهم من فعل المبدلين‪ .‬ورواياتهم في هذا‬
‫التجاه كثيرة‪.‬‬
‫ثم تقول تلك الرواية إنه ل يسوغ التصريح بأسماء المبدلين بسبب التقية مع أنه في نفس‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫الكتاب رواية تقول بأن الذين غيّروا ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬هم‪ :‬أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت‬
‫‪161‬‬
‫الحتجاج‪ :‬ص ‪ ،].156‬وشيخهم النوري الطبرسي يزيد آخرين فيقول‪" :‬والذين باشروا هذا المر‬
‫الجسيم هم أصحاب الصحيفة أبو بكر وعمر وعثمان أبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ ،‬واستعانوا بزيد بن ثابت" [فصل الخطاب‪ :‬الورقة (‪.].)73‬‬
‫هؤلء هم رواد الفتح السلمي‪ ،‬والطليعة من الرعيل الول الذين بنوا حضارة لم تعرف لها‬
‫الدنيا مثيلً‪ ،‬فهم قذى في عيون هؤلء‪ ،‬وشجى في حلوقهم‪ ،‬فلهذا خصتهم هذه الزمرة بهذا‬
‫الفتراء‪.‬‬
‫ثم تقول هذه السطورة‪ :‬ول يسوغ بحكم التقية الزيادة في آيات القرآن‪.‬‬
‫هل يعني هذا أن الخوف هو الذي قعد بهم عن إخراج مصحف مفترى وأنه لول الخوف‬
‫لفعلوا مثل هذا‪ ،‬وأنه يحتمل عند ارتفاع الخوف أن يفعلوا ذلك ويجاهروا به‪ ،‬ومع وجود الخوف‬
‫قد يكون موضع التداول السري بينهم‪..‬؟!‬
‫لكن صاحب فصل الخطاب قدّم من كتب قومه أكثر من ألف "شاهد" زعم أنها آيات من كتاب‬
‫ال أسقطت‪ ،‬واثبت تواطؤ معظم كتب الشيعة المعتمدة على هذا‪ ،‬وسجل بهذا أكبر فضيحة‬
‫لقومه‪ ،‬وكشف أكبر جريمة ارتكبتها طائفته‪ ،‬فهل ارتفعت التقية‪ ،‬مع أن في نصوصهم أن التقية‬
‫ملزمة لهم حتى رجعة مهديهم [انظر‪ :‬فصل التقية في هذه الرسالة‪ ،].‬أو هو قد خالف بهذا وصية‬
‫إمامه‪ ،‬وخطة قومه؟ إنها أوهام يضرب بعضها بعضا‪ ،‬وسيأتي بعد قليل تحقيق القول في هل‬
‫للشيعة مصحف سري متداول؟‬
‫ثم تذكر رواية الحتجاج بأن عليا واصل حديثه مع الزنديق وقال بأنه بسبب ظروف التقية ل‬
‫يستطيع أن يصرح بأكثر من هذا لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل‪.‬‬
‫فمعنى هذا أن الخطاب مع الزنادقة ترتفع فيه التقية‪ ،‬وتتم فيه المصارحة بالكفر‪ ،‬وأما مع‬
‫المؤمنين فالتقية واجبة‪ ،‬فهل تريد هذه الفئة أن تجعل أمير المؤمنين من حزب هذا الزنديق يتقى‬
‫صحابة رسول ال ويصارح بأمر كتاب ال الزنادقة الملحدين؟! وبعد هذا التصريح بالكفر‬
‫يقول‪ :‬إن الزيادة على هذا فيه تقوية لحجج أهل التعطيل‪،‬إذا كان المراد بأهل التعطيل هم أهل‬
‫اليمان من الصحب الكرام‪ ،‬ومن تبعهم‪ ،‬فل شك أن هذا يكفي لكشف ما عليه هذه الزمرة‬
‫الحاقدة‪ ،‬وإن كانت الخرى فكيف يكون الكفر بكتاب ال إذن؟!‬
‫ثم تزعم هذه "الزمرة" أن عليا قال للزنديق بأنه ل يستطيع أن يعلن ذلك ويفصله "لن الصبر‬
‫على ولة المر مفروض‪ "..‬إن مذهب الشيعة قائم على إنكار إمامة ما سوى الثني عشر‪ .‬وهذا‬
‫النص يثبت بأن هناك ولة أمر غيرهم مفروضة طاعتهم‪ ،‬وهذا ينقض المذهب من أصله‪،‬‬
‫ويكشف أن الوضع والفتراء ل محالة له من التناقض والختلف‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫ومن أعظم الفتراء على أمير المؤمنين علي القول بأنه يطيع غيره في معصية ال‪ ،‬ويرى‬
‫أن هذا المر مفروض!! ومن المعلوم في السلم أنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪:‬‬
‫علْمٌ فَل تُطِ ْع ُهمَا} [لقمان‪ ،‬آية‪.].15 :‬‬
‫ك ِبهِ ِ‬
‫ك بِي مَا َليْسَ لَ َ‬
‫شرِ َ‬
‫{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن ُت ْ‬
‫وهؤلء يزعمون أن عليا وافقهم وأطاعهم في تغيير القرآن بحكم شريعة التقية‪ ،‬وهذا سب‬
‫لعلي وتكفير له قبل أن يكون ذلك لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن هنا ندرك أن‬
‫هؤلء أعداء لهل البيت قبل أن يكونوا أعداء لسائر المسلمين‪.‬‬
‫ص َبرَ ُأوْلُوا‬
‫ص ِبرْ َكمَا َ‬
‫ولحظ كيف يستدل على طاعة الحاكم في الكفر بقوله سبحانه‪{ :‬فَا ْ‬
‫الْ َعزْمِ} فهذا يدل على أن واضع هذا النص من الجهلة؛ لن هذه الية تأمر بخلف ما يدعو إليه‬
‫تماما‪ ،‬ونسبة هذا الستدلل لعلي تجهيل له وافتراء عليه‪.‬‬
‫ج َههُ} فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه‪،‬‬
‫شيْءٍ هَالِكٌ إِلّ وَ ْ‬
‫ويظهر من قوله‪" :‬وأما قوله‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫لن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه‪ ..‬إلخ" [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪ ].6‬يظهر من‬
‫النص أن واضعه أعجمي ل صله له بلغة العرب‪ ،‬ول معرفة له بدللت ألفاظها‪ ..‬أو زنديق‬
‫يتجاهل‪.‬‬
‫ثم زعم صاحب الحتجاج أن عليا قال للزنديق بأنه "سقط أكثر من ثلث القرآن في موضع‬
‫من سورة النساء‪ ،‬وأنه لو شرح كل ما أسقط وحرّف وبدّل مما يجري هذا المجرى لطال‪،‬‬
‫وظهر ما تمنع التقية إظهاره"‪ ،‬وهذا من أعظم الكذب على أمير المؤمنين‪ ،‬بدليل أنه لم يعلن في‬
‫مدة خلفته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن‪ ،‬ولم يأمر المسلمين بإثباته والهتداء‬
‫بهديه والعمل بأحكامه‪ .‬فهؤلء الذين يدعون التشيع لمير المؤمنين‪ ،‬وينسبون له هذه الباطيل‬
‫هم بهذا أشد عداوة لمير المؤمنين من النصاب‪ ،‬لنهم ينسبون له الرضا بالكفر والقرار به‪.‬‬
‫وهم كلما أعيتهم الحيلة لثبات الحجة لجأوا إلى التقية‪ ،‬فهو هنا يستر عجزه عن شرح ما‬
‫أسقِط وبُدّل‪ ،‬بالتعلق بالتقية‪ ،‬وهي حيلة مكشوفة‪ ،‬وفرار من المواجهة‪ ،‬ثم إن غيره ممن حاول‬
‫أن يقدم شيئا من النموذج الساقط بزعمه افتضح أمره‪ ،‬وانكشف كيده‪ ،‬لن هذا "النموذج" بالنسبة‬
‫ليات القرآن أشبه ما يكون بعبث الصبيان ولعب الطفال‪ ،‬وأنى لهم أن يصلوا إلى شيء من‬
‫محاكاة القرآن العظيم‪.‬‬
‫هذا وما دامت شريعة هذه الزمرة تخص الزنادقة بهذه المقالت الملحدة حلول كتاب ال كما‬
‫في الرواية السابقة‪ ،‬فهل نصدق ما قيل بأن عند المستشرق "براين" مصحفا إيرانيا فيه زيادات‬
‫على كتاب ال‪ ،‬ومن هذه الزيادات "سورة" يسمونها "الولية" [انظر‪ :‬الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪ ].11‬وهذا‬
‫يعني أن عند هؤلء القوم مصاحف سرية يتداولونها‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟‬
‫هل عند الشيعة مصحف يحوي كل هذه المتفريات وتكون فيه قراءة الشيعة عوضا عن كتاب‬
‫ال سبحانه؟ ماذا تقول أساطيرهم‪ ،‬وماذا يقول واقعهم بهذا الخصوص؟ هل قول الشيخ محب‬
‫[انظر‪ :‬هامش‬ ‫الدين الخطيب بأن "للشيعة مصاحف خاصة تختلف عن المصحف المتداول‪"..‬‬
‫"مختصر التحفة الثني عشرية" ص ‪ .].32‬هل هذا واقع؟ وقد نشر محب الدين صورة "لسورة مفتراة"‬
‫[وقد نشر صورتها في‪ :‬الخطوط العريضة ص ‪ ،12‬ومختصر التحفة ص ‪ ،31‬ومجلة‬ ‫يسمونها سورة "الولية"‬
‫الفتح العدد (‪ )842‬ص ‪ ،9‬وقد نشرها قبله الشيعي الصل الستاذ أحمد الكسروي في كتابه‪" :‬الشيعة والتشيع"‪ ].‬وقال‬
‫[قال الشيخ محب الدين بأنه‬ ‫بأنها مصورة من مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق مستر براين‬
‫قد اطلع عليه وصورها منه من وصفه بـ"الثقة المأمون" محمد علي سعودي الذي كان ‪ -‬كما يقول الشيخ ‪ -‬كبير‬
‫خبراء وزراء العدل بمصر (هامش مختصر التحفة‪ :‬ص ‪ ،32‬الخطوط العريضة ص ‪ ،].)11‬وقبل ذلك أثبتها‬
‫شيخ الرافضة في كتابه "فصل الخطاب" [ص ‪ .].180‬ومن قبل قال صاحب تكفير الشيعة‪ :‬إنهم‬
‫أحدثوا مصحفا ‪ -‬كما سلف ‪ ،-‬فعل للشيعة مصحف سري يتداولونه كما يقول هؤلء؟‬
‫سأجيب من خلل استقراء نصوصهم وأقوال شيوخهم‪ ..‬فأقول‪ :‬لقد جاءت نصوص عندهم‬
‫تأمرهم بالعمل بالقرآن ريثما يخرج مصحفهم مع إمامهم المنتظر‪ .‬قال الكليني في الكافي ما‬
‫نصه‪ .." :‬عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه‪ ،‬عن‬
‫أبي الحسن ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك إنا نسمع اليات في القرآن‪ ،‬ليس هي‬
‫عندنا كما نسمعها‪ ،‬ول نحسن أن نقرأها كما بغلنا عنكم‪ ،‬فهل نأثم؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬اقرؤوا كما تعلمتم‬
‫فسيجيئكم من يعلمكم" [أصول الكافي‪.].2/619 :‬‬
‫ومن هذا النص نأخذ أنهم فيما بينهم يتلون مفترياتهم كما يدل عليه قوله‪" :‬كما نسمعها"‪" ،‬كما‬
‫[وهناك روايات كثيرة تزعم أن أئمتهم يقرأون بغير ما في القرآن‪ ،‬كما جاء في تفسيرات فرات "عن‬ ‫بلغنا عنكم"‬
‫حمران قال‪ :‬سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الية‪" :‬إن ال اصطفى آدم ونوحا و آل إبراهيم وآل محمد على العالمين" قلت‪:‬‬
‫ليس يقرأ كذا‪ ،‬قال‪ :‬أدخل حرف مكان حرف" (تفسير فرات ص ‪ ،18‬بحار النوار‪ )92/56 :‬ومثله نصوص كثيرة‬
‫تدل على أنهم ينسبون للئمة أنهم يقرأون بغير ما أنزل ال‪ ،‬وبخلف ما يقرأ المسلمون‪ ،‬فهل هؤلء شيعة لهل‬
‫البيت؟!]‪ ،‬ثم إنهم اشتكوا أنهم ل يحسنون قراءة ما يسمعون أو ما يبلغهم فوعدهم إمامهم بأنه‬
‫سيأتيهم من يعلمهم‪ ،‬وهذا الوعد كان في عهد إمامهم أبي الحسن ‪ -‬كما يفترون ‪ .-‬وعبارة‬
‫"سيأتيكم" توحي بأن هذا المعلّم سيأتي هؤلء الذين ل يحسنون القراءة‪ ،‬ولكن هذا المعلّم لم يأت‬
‫ومرّ ذلك الجيل ومرت بعده قرون متطاولة‪ ..‬وقد فسر شيوخ الشيعة فيما بعد المقصودَ بالمعلم‬

‫‪164‬‬
‫[انظر‪ :‬المازندراني ‪ /‬شرح جامع (على الكافي) ‪ ،11/47 :‬وهناك نصوص كثيرة للرافضة‬ ‫بأنهم مهديهم المنتظر‬
‫تصرح بأنه القائم أو المهدي كما سنذكر بعد قليل‪.].‬‬
‫والشيعة مأمورة بقراءة القرآن‪ ،‬وانتظر ما يأتي به منتظرهم وعدم قراءة تلك المفتريات‬
‫لنهم ل يحسنون قراءتها كما يدل النص المذكور‪ ،‬وبالتالي ل تجعل في مصحف متداول بينهم‪،‬‬
‫هذا ما تدل عليه رواية الكافي‪.‬‬
‫ويقول مفيدهم‪" :‬إن الخبر قد صح من أئمتنا ‪ -‬عيلهم السلم ‪ -‬أنهم أمروا بقراءة ما بين‬
‫الدفتين‪ ،‬وأن ل نتعداه‪ ،‬بل زيادة فيه ول نقصان منه‪ ،‬حتى يقوم القائم ‪-‬عليه السلم ‪ -‬فيقرأ‬
‫[بحار النوار‪:92 :‬‬ ‫الناس القرآن على ما أنزله ال تعالى وجمعه أمير المؤمنين ‪ -‬عليه السلم ‪"-‬‬
‫‪.].74‬‬
‫وقال شيخهم نعمة ال الجزائري‪" :‬قد روي في الخبار أنهم عليهم السلم أمروا شيعتهم‬
‫بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولنا صاحب‬
‫الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء‪ ،‬ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين‬
‫فيقرأ ويعمل بأحكامه" [النوار النعمانية‪ ].364-2/363 :‬فمادام المر كذلك‪ ،‬لماذا تروى عن كل إمام‬
‫طائفة من الزيادات على كتاب ال؟ ثم ما دام قد غير كيف يصبح العمل به؟!‬
‫وهذه النصوص التي تدعو إلى العمل بالقرآن يكاد يقابلها نصوص أخرى تدعو بأسلوب‬
‫"مقنع" وغير صريح إلى إهمال حفظ القرآن لنه مغير ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬ومن حفظه على تحريفه‬
‫يصعب عليه حفظه إذا جاء به منتظرهم‪ .‬فقد روى مفيدهم بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي‬
‫جعفر أنه قال‪ :‬إذا قام قائم آل محمد صلى ال عليه وآله ضرب فساطيط‪ ،‬ويعلم الناس القرآن‬
‫على ما أنزل ال عز وجل‪ ،‬فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم‪ ،‬لنه يخالف فيه التأليف‬
‫[المفيد‪ /‬الرشاد‪ :‬ص ‪.].413‬‬
‫هذه الرواية لمفيدهم الذي يقدسونه ويعظمونه حتى زعموا أنه فوق مستوى البشر‪ ،‬لن‬
‫[مقدمة الكتاب التي أحالت نصوص مخاطبة المهدي‬ ‫إمامهم المنتظر خاطبه بالخ السديد والمولى الرشيد‬
‫لمفيدهم‪ ،‬لكتاب الحتجاج ص ‪ ..].277‬وهذه الرواية جاءت في كتابه الرشاد وهو في قمة كتبهم‬
‫[المجلسي‪ /‬بحار النوار‪:‬‬ ‫المعتبرة حتى قال شيخهم المجلسي‪" :‬كتاب الرشاد أشهر من مؤلفه"‬
‫‪ ..].1/27‬وكذلك روى النعماني في الغيبة ما يشبه الرواية السابقة‪ ،‬فقد روى بإسناده (الكاذب)‬
‫إلى أمير المؤمنين علي قال‪" :‬كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن‬
‫كما أنزل‪ ،‬قلت‪ :‬يا أمير أو ليس هو كما أنزل؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬محي منه سبعون من قريش بأسمائهم‬

‫‪165‬‬
‫وأسماء آبائهم‪ ،‬وما ترك أبو لهب إل إزراء على رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬لنه عمه"‬
‫[النعماني‪ /‬الغيبة ص ‪ ،172 -171‬فصل الخطاب الونرقة (‪ ،)7‬بحار النوار‪.].92/60 :‬‬
‫وأورد النعماني روايتين [انظر‪ :‬الغيبة ص ‪ ،194‬بحار النوار‪ ].25/364 :‬بمعنى هذه الرواية‪.‬‬
‫ويبدو أن واضع هذه السطورة هو أعجمي زنديق‪ ،‬فهو يخص العجم بأسطورة التعليم‬
‫الموعودة‪ ،‬كما أن الحقد المرير الذي يحمله إزاء صحابة رسول ال ‪ -‬رضوان ال عليهم ‪-‬‬
‫الذين فتحوا ديار قومه ونشروا السلم بينهم واضح في هذه الرواية‪ ،‬ولذلك فإن دعوى التغيير‬
‫عنده تكمن في عدم وجود أسمائهم مع اسم أبي لهب‪.‬‬
‫ولقد كان لهذه الساطير التي تدعو إلى إهمال حفظ كتاب ال أثرها في مجتمعات الشيعة كما‬
‫شهد بذلك الشيخ موسى جار ال والذي عاش بين الشيعة فترة من الزمن فلم ير من تلميذ‬
‫الشيعة وعلمائهم من يحفظ القرآن‪ ،‬ول من يقيم القرآن بعض القامة بلسانه فضلً عن أن‬
‫يعرف وجوه قراءاته‪ ،‬ورأى أن هذا قد يكون من أثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب‬
‫[الوشيعة‪ :‬ص ‪ ،116‬وقد جاءت نصوص أخرى عندهم تدعو لتعلم هذا القرآن وحفظه‪ ،‬وتذكر‬ ‫بيد قائم آل محمد‬
‫ثواب من فعل ذلك؛ كقول أبي جعفر لحد أصحابه ويدعى سعد الخفاف‪" :‬يا سعد‪ ،‬تعلموا القرآن‪( "..‬أصول الكافي‪:‬‬
‫‪ .)2/596‬وعقد صاحب الكافي بابا بعنوان‪" :‬باب من حفظ القرآن ثم نسيه" وذكر فيه ست روايات تتحدث عن الثواب‬
‫الذي يضيع على من نسي شيئا من كتاب ال (أصول الكافي‪ )609-2/607 :‬وعقد بابا آخر بعنوان "باب في قراءته"‬
‫وفيه عن أبي عبد ال قال‪" :‬القرآن عهد ال إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل‬
‫يوم خمسين آية" (المصدر السابق‪.)2/609 :‬‬
‫كما عقد بابا بعنوان‪" :‬باب البيوت التي يقرا فيها القرآن" وجاء فيه‪" :‬عن ليث بن أبي سليم رفعه قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪" :‬نوروا بيوتكم بتلوة القرآن ول تتخذوها قبورا" (المصدر السابق‪.)2/610 :‬‬
‫وكذلك ذكر من البواب "باب ثواب قراءة القرآن" وجاء فيه سبع روايات تتحدث عن عظيم ثواب من قرأ القرآن‬
‫وتعلمه‪( ..‬المصدر السابق‪ )613-2/611 :‬وباب قراءة القرآن في المصحف‪ ،‬وذكر فيه خمس روايات تبين ثواب‬
‫القراءة في المصحف (المصدر السابق‪.)614-613 /2 :‬‬
‫وأبواب أخرى في هذا الموضوع‪ ،‬وهذه تنقض تلك الروايات‪ ،‬بل تثبت من كتبهم زيف وكذب ما يفترونه على آل‬
‫البيت من تلك "الكاذيب" إذ كيف يأمرون بقراءة القرآن‪ ،‬ويذكرون الثواب العظيم لمن قرأه‪ ،‬وأنه ينبغي للمسلم أن‬
‫يقرأه في كل يوم‪ ،‬وأن ينور بيته به‪ .‬وهو يقولون‪ :‬إنه مغير مبدل‪ ،‬ألي هذا يدل على عظيم التناقض في هذا‬
‫المذهب؟!‪ -].‬فهل يقوم الشيعة بجمع أساطيرهم في مصحف ليسهل حفظ المصحف الموعود حين‬
‫ظهوره؟ يقول المجلسي نقلً عن المفيد‪:‬‬
‫"‪ ..‬نهونا عليهم السلم عن قراءة مما وردت به الخبار من أحرف يزيد على الثابت في‬
‫المصحف‪ ،‬لنه لم يأت على التواتر وإنما جاء بالحاد‪ ،‬وقد يلغط الواحد فيما ينقله‪ ،‬ولنه متى‬
‫قرأ النسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلف‪ ،‬وأغرى به الجبارين‪،‬‬

‫‪166‬‬
‫وعرض نفسه للهلك‪ ،‬فمنعونا عليهم السلم من قراءة القرآن بخلف ما يثبت بين الدفتين لما‬
‫ذكرناه" [بحار النوار‪.].75 – 92/74 :‬‬
‫فهذا يعني أن (اليات المفتراة) والمتفرقة في كتبهم‪ ،‬والمخالفة لكتاب ال لم تصل عندهم إلى‬
‫وضعها في مصحف متداول بينهم لسببين‪ :‬أحدهما‪ :‬الخوف من المسلمين‪ ،‬والخر‪ :‬أن الطريق‬
‫لثبوتها عندهم طريق آحاد‪ ،‬والواحد قد يغلط فيما ينقله‪ ،‬ويلحظ أن عدم قبول الروايات التي‬
‫طريقها أحاد مما يختص به "الصوليون"‪ ،‬أما الخباريون من الشيعة فإنهم يرون صحة ما رواه‬
‫شيوخهم عن الئمة في العشرات من الكتب التي صنفوها‪ ،‬وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها‪،‬‬
‫وثبوت أحاديثها عن أهل العصمة" [وسائل الشيعة‪.].20/61 :‬‬
‫فهم يقرون بكل نص ورد في هذه "الفرية" في كتب شيوخهم‪ ،‬ولذلك قال شيخ الشيعة الذي‬
‫يصفونه بـ"إمام الفقهاء العظام رئيس السلم" جعفر كاشف الغطا‪" :‬وصدرت منهم ‪ -‬يعني من‬
‫الخباريين ‪ -‬أحكام غريبة وأقوال منكرة‪ ،‬منها قولهم بنقص القرآن مستندين إلى روايات‬
‫[جعفر كاشف الغطا‪ /‬حق المبين عن‪ :‬الطباطائي‪ /‬النوار النعمانية‬ ‫تقضي البديهة بتأويلها وطرحها‪"..‬‬
‫(الهامش) ‪.].2/359‬‬
‫إذن الخباريون يرون ثبوت هذه الساطير في كتب شيوخهم (ولك أن تعجب كيف يؤمنون‬
‫بكل حرف ورد في هذه الكتب المنسوبة لشيوخهم‪ ،‬والمنكرة في أسانيدها ومتونها‪ ،‬ويشكون في‬
‫كتاب ال سبحانه؟!‍ يصدقون بالكاذيب الواضحة‪ ،‬ويكذبون بالحقائق الثابتة‪ ،‬فأي عقوبة أعظم‬
‫من هذا المسخ‪ ،‬والنتكاس في الفطر والعقول والمقاييس‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن مسألة رد هذه الروايات لنها أخبار آحاد مما لم يتفق عليه الشيعة‪ ،‬وأن‬
‫السبب المانع الذي يتفق عليه الجميع هو الخوف‪ ،‬ومعنى هذا أن مسألة التداول السري لمصحف‬
‫مفترى من الخباريين أمر وارد‪ ،‬ولعل هذا يفسر ما نشره محب الدين الخطيب وأحمد‬
‫[وهذه‬ ‫الكسروي (الشيعي الصل) من صورة "لسورة" تسمى الولية مأخوذة من حصف إيراني"‬
‫المفتريات جمعها صاحب فصل الخطاب ورتبها على سور القرآن ولكن ليست كهيئة مصحف‪ ،‬وقد وصلني مصحف‬
‫من باكستان طبعه الشيعة وقد حشاه طابعه بتلك المفتريات‪ ،‬ولكن لم تمتد أيديهم إلى الصل‪ ،‬فقد طبع كطبعة تفسير‬
‫الجللين حيث وضع نص القرآن في الوسط‪ ،‬والتفسير في الحواشي‪.].‬‬
‫ولكن هذا يبقى مجرد جمع لتلك المفتريات‪ ،‬التي جاءت عندهم كأمثلة لما في مصحف علي‬
‫المزعوم‪ ،‬أما مصحف علي فهو غائب منتظر‪ ،‬كالمهدي المنتظر عندهم‪ ،‬لم يخرج إلى الن‪،‬‬
‫والعمل بالقرآن إلى أن يظهر‪ ،‬ولكن جمع هذه المفتريات هو محاولة لقناع المتشككين‬
‫والحائرين من بني قومهم‪ .‬والذي لحظته من كلم شيوخهم أن قولهم بموجود مصحف لعلي‬

‫‪167‬‬
‫أمر ل يختلفون فيه‪ ،‬حتى ليقول بذلك من يتظاهر بإنكار التحريف من القدامى والمعاصرين‬
‫كابن بابويه القمي في العتقادات كما سيأتي نص كلمه‪ ،‬والخوئي في البيان [البيان‪ :‬ص ‪.].223‬‬
‫لكن يبقى القول في زيادة مصحف علي المزعوم عما في كتاب ال وهل هي زيادة في النص‬
‫أو من قبيل التأويل أو الترتيب؟ كما سيأتي‪.‬‬
‫مصحف علي‪:‬‬
‫تقدم الشارة إلى أن مصحف علي "المزعوم"‪ :‬جاء الحديث عنه في أول كتاب وضعه‬
‫الشيعة‪ ،‬وأنه قد جاءت بعض الروايات عنه عند أهل السنة ولكنها كما قال ابن حجر ل تصح‪،‬‬
‫ولكن ما في كتب الشيعة صورة أخرى ‪ -‬كما سلف ‪ -‬وقد أكثر القوم من الحديث عن مصحف‬
‫علي المزعوم والذي يحتوي ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬على زيادات على كتاب ال‪.‬‬
‫وقد اهتم بإشاعة هذه الفرية الكليني ثقة دينهم في كتابه الكافي وعقد لها بابا خاصا بعنوان‪:‬‬
‫"باب أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة عليهم السلم" وذكر فيه ست روايات لهم‪ ،‬منها ما رواه‬
‫عن جابر الجعفي إنه سمع أبا جعفر يقول‪" :‬ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما‬
‫أنزل إل كذاب‪ ،‬وما جمعه وحفظه كما نزله ال تعالى إل علي بن أبي طالب والئمة من بعده"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/228 :‬لحظ أن هذه الرواية رواها جابر الجعفي وهو كذاب عن أهل السنة‪ ،‬كما أن كتب الشيعة‬
‫اعترفت بأنه ليس على صلة معروفة بأبي جعفر (انظر‪ :‬رجال الكشي ص ‪ )191‬فهذه الرواية من أكاذيبه‪ ،‬وتلقفها‬
‫الكليني الذي يعمل إشاعة هذا الكفر‪.‬‬
‫وإذا كان لم يجمع القرآن إل علي فأين ما جمعه؟ وإذا كان قد جمعه علي فما الحاجة لجمع الئمة من بعده؟ إل إذا‬
‫كانوا يرون أنهم قد شاركوا في الجمع وهم لم يوجدوا‪.‬‬
‫ولماذا لم ير هذا الكتاب المجموع ولم يعرفه أحد من المسلمين؟‬
‫وكيف يصدق مثل هذا الفك الذي نقله شرذمة من الكذابين وينكر إجماع الصحابة بما فيهم علي ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪ -‬على العمل بهذا القرآن العظيم وتحكيمه وعلى نهجهم أئمة المسلمين بما فيهم علماء أهل البيت؟ إنها خرافات ل‬
‫يصدقها عقل بريء من الهوى والغرض‪ ،‬ول تدخل قلبا خالطته بشاشة اليمان‪.].‬‬
‫وفي تفسير القمي ‪ -‬عمدة كتب التفسير عندهم ‪ -‬عن أبي جعفر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫[تفسير القمي‪ :‬ص ‪ 744‬ط‪:‬‬ ‫"ما أحد من هذه المة جمع القرآن إل وصي محمد صلى ال عليه وآله"‬
‫إيران‪ ،‬بحار النوار‪.].92/48 :‬‬
‫ويفهم من رواية الكليني أن كل إمام جمع القرآن‪ ،‬وكأننا أمام كتب متعددة ل كتاب واحد‪،‬‬
‫بينما تعارضها رواية القمي وتذكر بصيغة الحصر أنه لم يجمعه سوى علي‪ ،‬ثم هم يقولون في‬
‫رواياتهم وأبوابهم‪ :‬من ادعى أنه جمع القرآن غير الئمة فهو كذاب‪ .‬مع أنهم زعموا أن القرآن‬
‫كان مدونا مجموعا من عهد النبي صلى ال عليه وسلم ويستدلون على هذا برواية جاءت في‬

‫‪168‬‬
‫البحار [انظر‪ :‬المرعشي‪ /‬المعارف الجلية‪ :‬ص ‪ .].7‬فهل كان الحسن والحسين وبقية الئمة هم الذين‬
‫يتولون جمعه في عهد النبي صلى ال عليه وسلم؟!‬
‫وتذكر بعض هذه الساطير أن بعض الشيعة اطلع على هذا المصحف المزعوم فتقول‪.." :‬‬
‫عن ابن الحميد قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬فأخرج إليّ مصحفا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتصفحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب‪" :‬هذه جنهم التي كنتم بها تكذبان‪.‬‬
‫فاصليا فيها ل تموتان فيها ول تحييان" قال المجلسي‪" :‬يعني الولين" [بحار النوار‪.].92/48 :‬‬
‫يعنون حبيبي رسول ال‪ ،‬وصهريه وخليفتيه ووزيريه‪ ،‬وأفضل الخلق بعد النبيين أبا بكر وعمر‬
‫‪ -‬رضي ال عنهما ‪.-‬‬
‫وإذا كانت هذه الرواية تسمح لخواص الئمة بالطلع على ذلك المصحف المزعوم‪ ،‬فإن في‬
‫الكافي رواية أخرى تخالف ذلك حيث جاء فيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال‪ :‬دفع إليّ‬
‫أبو الحسن مصحفا وقال‪" :‬ل تنظر فيه‪ ،‬ففتحته وقرأت فيه‪ :‬لم يكن الذين كفروا؛ فوجدت فيها‬
‫[أصول‬ ‫اسم سبعين رجلً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال‪ :‬فعبث إليّ‪ :‬ابعث بالمصحف"‬
‫الكافي‪.].2/631 :‬‬
‫ففي هذه الرواية‪ :‬المام يستودع المصحف أحد خواصه ويحظر عليه النظر فيه‪ ،‬ولكن‬
‫يخالف أمر إمامه‪ ،‬ويخونه فيما استودعه ويقرأ في هذا المصحف‪ ،‬ويكشف بعض محتوياته‪.‬‬
‫فهذا المصحف الذي تتحدث عنه هذه الرواية مصحف سري محجوب عن الخاص والعام ل‬
‫يطلع عليه سوى المام‪ ،‬وهو يشير إلى أن من موضوعاته تكفير صحابة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهو ليس كتاب ال الذي نزل للناس كافة‪ ،‬والذي أثنى على الصحابة في جمل من‬
‫آياته‪ ..‬بل هو مصحف تتداوله اليدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض أخباره لهل البيت‬
‫لتسيء إليهم‪.‬‬
‫وهذه السطورة أراها تعرض مرة أخرى بصيغة مغايرة لتلك الرواية السابقة‪ ،‬حيث جاء في‬
‫[البزنطي هو نفسه الراوي للسطورة السابقة‪ ،‬وهذا الذي يروي هذه الساطير‪،‬‬ ‫بصائر الدرجات عن البزنطي‬
‫ويفتري على كتاب ال وعلى الصحابة والقرابة‪ ،‬هو ثقة عندهم (مع أنه قد خان إمامه وخالف أمره)‪ .‬جاء في معجم‬
‫رجال الحديث للخوئي‪" :‬أحمد بن محمد بن أبي نصر زيد مولى السكوني أبو جعفر‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو علي المعروف‬
‫بالبزنطي‪ ،‬كوفي ثقة لقي الرضا‪ ،‬وكان عظيم المنزلة عنده‪ ،‬روى عنه كتابا‪ ،‬ومات سنة ‪221‬هـ"‪.‬‬
‫(معجم رجال الحديث‪ .].)2/231 :‬أن الرضا عليه السلم أودع عنده ذلك المصحف المزعوم فقال‬
‫هذا البنزنطي‪ :‬وكنت يوما وحدي ففتحت المصحف لقرأ فيه‪ ،‬فلما نشرته نظرت فيه في "لم‬
‫يكن" فإذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه‪ ،‬فقدمت على قراءتها فلم أعرف شيئا فأخذت الدواة‬

‫‪169‬‬
‫والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها‪ ،‬فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها شيئا‪ ،‬معه منديل‬
‫وخيط وخاتمه فقال‪ :‬مولي يأمرك أن تضع المصحف في المنديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم‪،‬‬
‫قال‪ :‬ففعلت [بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،246‬عن بحار النوار‪.].92/51 :‬‬
‫هذا البزنطي يقول في هذه الرواية ‪ :‬لم أعرف منها شيئا‪ ،‬وفي الرواية التي قبلها يقول إنه‬
‫وجد فيها اسم سبعين رجلً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم!!‬
‫وتأتي رواية أخرى له في رجال الكشي لتصوغ هذه السطورة بصورة ثالثة فتقول‪" :‬عن‬
‫أحمد بن محمد بن أبي نصر قال‪ :‬لما أتي بأبي الحسن رضي ال عنه أخذ به على القادسية‪ ،‬ولم‬
‫يدخل الكوفة‪ ،‬أخذ به على برّاني البصرة‪ ،‬قال‪ :‬فبعث إليّ مصحفا وأنا بالقادسية ففتحته فوقعت‬
‫بين يديّ سورة "لم يكن" فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس‪ ،‬قال فحفظت منه أشياء قال‪:‬‬
‫فأتى مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال‪ :‬هات‪ :‬فدفعته إليه فجعله في المنديل‪ ،‬ووضع عليه‬
‫الطين وختمه فذهب عني ما كنت حفظت منه‪ ،‬فجهدت أن أذكر منه حرفا واحدا فلم أذكره"‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].589-588‬‬
‫هذه روايات ثلث كلها عن هذا البزنطي في رواية بصائر الدرجات يزعم أنه لم يفهم شيئا‬
‫مما قرأ وحاول أن يكتب ما قرأ فاستعجله رسول إمامه قبل أن يكتب‪ ،‬وفي رواية الكشيء يزعم‬
‫أنه حفظ جزءا مما قرأ‪ ،‬ولكن هذا المحفوظ فارقه بمفارقة المصحف‪ ،‬وفي رواية الكافي نراه‬
‫يعرف ما قرأه ويستذكر ما حفظ‪ ،‬وأن ذلك يتعلق بأعداء الئمة من قريش‪ .‬نصوص متناقضة‬
‫كالعادة في كل أسطورة‪.‬‬
‫وإذا كان يصعب كتابة شيء منه‪ ،‬أو حفظ جزء منه‪ ،‬فكيف حفظت وكتبت تلك "الساطي"؟‬
‫أنها أوهام يناقض بعضها بعضا‪.‬‬
‫وروايات الشيعة تقول بأن هذا المصحف عند إمامهم المنتظر‪ .‬قال شيخهم نعمة ال‬
‫الجزائري‪" :‬إنه قد استفاض في الخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إل أمير المؤمنين ‪ -‬إلى‬
‫أن قال‪- :‬وهو الن موجود عند مولنا المهدي رضي ال عنه مع الكتب السماوية ومواريث‬
‫النبياء" [النوار النعمانية‪ ،].362-2/360 :‬ومع ذلك فقد ارتبطت مصاحف قديمة عند الشيعة أيضا‬
‫بعقيدة أنها مكتوبة بخط علي‪ ،‬ويذكر ابن النديم ‪ -‬وهو شيعي ‪ -‬أنه رأى قرآنا بخط علي‬
‫يتوارثه بيت من البيوت المنتسبة للحسن [الفهرست‪ :‬ص ‪.].28‬‬
‫ويشير ابن عنبة ‪ -‬وهو ممن يدعي النسب العلوي ‪ -‬إلى وجود مصحفين بخط أمير‬
‫المؤمنين علي‪ ،‬أحدهما يقع في ثلثة مجلدات‪ ،‬والخر يقع في مجلد واحد‪ ،‬قد رآه بنفسه‪،‬‬

‫‪170‬‬
‫[عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب‪ :‬ص ‪-130‬‬ ‫ولكنهما احترقا ‪ -‬كما يذكر ‪ -‬حين احترق المشهد‬
‫‪.].131‬‬
‫وقال أبو عبد ال الزنجاني ‪ -‬من كبار شيوخ الشيعة المعاصرين ‪ :-‬ورأيت في شهر ذي‬
‫الحجة سنة ‪1353‬ه‍ في دار الكتب العلوية في النجف مصحفا بالخط الكوفي كتب على آخره‪:‬‬
‫كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة [الزنجاني‪ /‬تاريخ القرآن‪ :‬ص ‪ ،].68-67‬ولهذا‬
‫قال ميرزا مخدوم الشيرازي ‪ -‬وهو ممن عاش بين الشيعة‪ ،‬وقرأ الكثير من كتبها كما سلف ‪-‬‬
‫قال‪" :‬ومن الطرائف أنهم مع هذا (أي مع ما يدعونه من التحريف) يعتقدون في مصاحف كثيرة‬
‫كونها مكتوب علي والئمة من ولده‪ ،‬وليس فيها إل ما في سائر المصاحف المتواترة والتي ل‬
‫تحصى كثرة [النواقض‪ :‬الورقة ‪( 104‬مخطوط)‪.].‬‬
‫كما أن هذه المشاهدات المزعومة لمصحف علي‪ ،‬تناقض دعواهم أن المصحف الذي كتبه‬
‫علي عند مهديهم المنتظر‪.‬‬
‫ولشك بأن أمير المؤمنين علي ما كان يقرأ ويحكم إل بالمصحف الذي أجمع عليه الصحابة‪،‬‬
‫وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها ‪ -‬كما سلف [انظر‪ :‬ص (‪ -].)203‬ولهذا أخرج ابن أبي داود‬
‫بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال‪ :‬قال علي‪" :‬ل تقولوا في عثمان إل خيرا‪ ،‬فوال ما‬
‫فعل في المصاحف إل عن مل منا" [فتح الباري‪ .].13/18 :‬وقد نقلت ذلك كتب الشيعة كما سيأتي‬
‫بعد قليل‪ .‬وقد جاء في صحيح البخاري بأن أمير المؤمنين عثمان ‪ -‬حين جمع القرآن ‪ -‬أرسل‬
‫إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا‪ ،‬وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن‬
‫يحرق [صحيح البخاري ‪ -‬مع فتح الباري‪ .].13/11 :‬ولعل هذا ينفي وجود مصحف بخط علي ‪ -‬كما‬
‫يدعون ‪.-‬‬
‫ويلحظ أن من بين القراء المشهورين ما يرجع سند قراءته إلى أئمة أهل البيت‪ ،‬ولهذا استدل‬
‫الدكتور عبد الصبور شاهين على براءة أهل البيت‪ ،‬وزيف ادعاءات الشيعة أن من بين القراء‬
‫السبعة المشهورين حمزة الزيات‪ ،‬وسند قراءته هو‪ :‬حمزة الزيات‪ ،‬عن جعفر الصادق‪ ،‬وهو‬
‫قرأ على محمد الباقر‪ ،‬وهو قرأ على زين العابدين‪ ،‬وهو قرأ على أبيه الحسين‪ ،‬وهو قرأ على‬
‫أبيه علي بن أبي طالب ‪-‬كرم ال وجه – [عبد الصبور شاهين‪ /‬تاريخ القرآن‪ :‬ص ‪ ،].170‬فهؤلء‬
‫البرار من آل البيت لم يخرجوا على إجماع المسلمين على المصحف المام‪ ،‬وآية رضاهم به‪،‬‬
‫[عبد الصبور‬ ‫إقراؤهم الناس بمحتواه دون زيادة أو نقص أو ادعاء يمس كمال كتاب ال سبحانه‬
‫شاهين‪ /‬تاريخ القرآن‪ :‬ص ‪.].165‬‬

‫‪171‬‬
‫وقال الدكتور محمد بلتاجي‪" :‬ونضيف إلى ذلك أن قراءة علي بن أبي طالب للقرآن قد رويت‬
‫أيضا بطريق زيد بن علي أخي المام الباقر وعم المام الصادق‪ -‬وهذا ما يسلم به المامية‬
‫[مناهج التشريع السلمي‪ ،1/189 :‬وأحال في هذا العتراف إلى كتاب تأسيس الشيعة‬ ‫الثنا عشرية أنفسهم ‪"-‬‬
‫لعلوم السلم‪ :‬ص ‪ ،343 ،285‬والفهرست للطوسي ص ‪.].115‬‬
‫قلت‪ :‬أضيف ‪ -‬أيضا ‪ -‬إقرارا واعترافا آخر من شيخ الشيعة المجلسي حيث يقول‪" :‬والقراء‬
‫السبعة إلى قراءته (يعني قراءة علي) يرجعون‪ ،‬فأما حمزة والكسائي فيعولن على قراءة علي‪..‬‬
‫وأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عباس‪ ،‬وابن عباس قرأ على‬
‫أبي بن كعب وعلي‪ ،‬والذي قرأ هؤلء القراء يخالف قراءة أبي فهو إذا مأخوذ عن علي ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪.-‬‬
‫وأما عاصم فقراه على أبي الرحمن السلمي وقال أبو عبد الرحمن‪ :‬قرأت القرآن كله على‬
‫علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أفصح القراءات قراءة عاصم لنه أتى بالصل وذلك‬
‫أنه يظهر ما أدغمه غيره‪ ،‬ويحقق من الهمز ما لينه غيره‪ ..‬والعدد الكوفي في القرآن منسوب‬
‫إلى علي عليه السلم وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره‪ ،‬وإنما كتب عدد ذلك كل‬
‫مصر عن بعض التابعين" [بحار النوار‪ ، 54-53 /92 :‬مناقب آل آبي طالب‪.].43-42 /2 :‬‬
‫بل يقولون ‪ -‬كما ذكره شيخهم علي بن محمد الطاووسي العلوي الفاطمي في كتابه سعد‬
‫السعود‪" :‬ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مونا علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪"-‬‬
‫[عن تاريخ القرآن‪ /‬للزنجاني (وهو من الثني عشرية المعاصرين)‪ :‬ص ‪ ..].67‬يقولون‪ :‬وقال علي أيضا‪:‬‬
‫"أيها الناس ال ال إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حراق المصاحف فوال ما حرقها إل عن‬
‫مل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم" [عن تاريخ القرآن‪ /‬للزنجاني‪ :‬ص ‪ ].68‬بل قالوا‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬إنه ورد عن أهل البيت عليهم السلم أن عثمان بن عفان لما رأى اختلف‬
‫الصحابة في قراءة القرآن طلب من علي عليه السلم مصحف فاطمة الذي كانت هي ‪ -‬سلم‬
‫ال عليها ‪ -‬دونته بإشارة أبيها‪ ،‬وطابقه مع المصاحف الخرى التي كانت بيد الصحابة‪ ،‬فما‬
‫طابق منها مصحف فاطمة نشره وما لم يطابقه أحرقه‪ .‬فعلى هذا يكون المصحف الذي بأيدينا‬
‫[المرعشي‪ /‬المعارف‬ ‫مصحف فاطمة ل مصحف عثمان‪ ،‬وعثمان كان ناشره ل مدونه ومرتبه‬
‫الجلية‪ :‬ص ‪.].27‬‬
‫أليس هذا كله ينقض كل ما ادعوه‪ ،‬ويهدم كل ما بنوه‪ ..‬وهو دليل على اختلف أخبارهم‬
‫وتناقضها‪ ،‬والتناقض أمارة بطلن المذهب‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ويبدو من خلل النص الخير أن ذلك محاولة منهم للرجوع عن تلك المقالة بعدما جلبت‬
‫عليهم العار‪ ،‬وأورثتهم الذي والشماتة‪ ،‬وضرت مذهبهم ولم تنل من كتاب ال شيئا‪ ،‬لكن‬
‫الرجوع عن هذه المقالة يوقعهم في تناقض آخر وهو أن هذا القرآن العظيم وصل إلينا عن‬
‫طريق أبي بكر وعثمان وإخوانهم‪ ،‬وهؤلء لهم في مذهب الشيعة النصيب الوفى من اللعن‬
‫والتكفير‪ ،‬وكيف يجتمع حينئذ في قلب واحد وعقل واحد العتقاد بسلمة القرآن وخيانة جامعيه‪،‬‬
‫ولعلهم وضعوا المقالة الخيرة التي تقول إن عثمان قابل القرآن على مصحف فاطمة المزعوم‪،‬‬
‫وضعوها للخروج من هذا المأزق‪ ،‬ولكن هذا يوقعهم في تناقض ثالث وهو مخالفة أخبارهم التي‬
‫[انظر الحديث عن فاطمة في مبحث (اليمان‬ ‫تقول إن مصحف فاطمة غير القرآن ‪ -‬كما سيأتي –‬
‫بالكتب )‪ .].‬والثابت عن عثمان أنه أرسل إلى حفصة "أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في‬
‫المصاحف‪ ..‬إلخ" [انظر‪ :‬صحيح البخاري ‪ -‬مع فتح الباري ‪.].13/11 :-‬‬
‫وهؤلء جعلوا ذلك لفاطمة كعادتهم في نسبة فضائل النبياء‪ ،‬والصحابة إلى الثني عشر‪،‬‬
‫عن طريق تحوير الحاديث‪ ،‬وصياغتها في كتبهم وتركيبها على الئمة‪ ،‬أما في آيات القرآن‬
‫فطريق ذلك التأويل الباطني أو دعوى التحريف‪ ،‬كما رأينا‪.‬‬
‫حجم أخبار هذه السطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم‪:‬‬
‫لقد رأينا أن معظم كتب الشيعة انغمست في هذا المستنقع السن‪ ،‬وسقطت في تلك الهوة‬
‫الخطيرة‪ ،‬فما مقدار هذا السقوط وما مستواه؟ هل تلك الروايات السوداء التي وجدت طريقها‬
‫إلى كتب القوم‪ ،‬وتسللت إلى مراجعهم الحديثية لتكسو من يركن إليها ثوبا من الخزي والعار‪،‬‬
‫وتسلب من يده آخر علقة له بالسلم‪ ..‬هل تلك الروايات مجرد روايات شاذة مندسة في كتب‬
‫القوم لم تحظ برضى عقلئهم‪ ،‬ول قبول محققيهم‪ ،‬وأنها قد تسربت إلى كتب هؤلء‪ ،‬لن‬
‫الكذابين على الئمة – كما تقول كتب الشيعة – قد كثروا في صفوف الشيعة‪ ،‬وكان التشيع‬
‫مطية لكل من أراد الكيد للسلم وأهله‪ ،‬كما أثبتته الحداث والوقائع؟‬
‫قد لحظنا أن هذه السطورة بدأت بروايتين اثنتين في كتاب سليم بن قيس حسب النسخة‬
‫المطبوعة التي بين أيدينا‪ ،‬وما لبثت أن أخذت بعدا أكبر وزادت أخبارها‪ .‬وقد تولى كبر هذه‬
‫الفرية ووزر هذا الكفر شيخ الشيعة علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬فقد أكثر من الروايات في هذا‬
‫الباب‪ ،‬ونص في مقدمته على أنها كثيرة‪ ،‬وبدأت عنده محاولة التطبيق العملي لهذه الخرافة كما‬
‫سبق‪ .‬ويلحظ أن معظم روايات الكليني صاحب الكافي هي عن هذا القمي الذي تلقف هذه‬
‫[انظر مقدمة‬ ‫الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره الذي يحظى بتقدير الشيعة كلها‬

‫‪173‬‬
‫[انظر‪ :‬ميزان‬ ‫الرسالة‪ ،].‬وقد قال الذهبي وابن حجر عن تفسيره هذا‪" :‬وله تفسير فيه مصائب"‬
‫العتدال‪ ،3/111 :‬ولسان الميزان‪.].4/191 :‬‬
‫كانت دوائر الغلة في القرن الثالث تعمل على الكثار من صنع الروايات في هذا حتى أن‬
‫شيخهم المفيد الذي يلقبونه بركن السلم وآية ال الملك العلم والمتوفى سنة (‪413‬ه‍) يشهد‬
‫باستفاضتها عند طائفته (الثنا عشرية) يقول‪" :‬إن الخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى‬
‫من آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم باختلف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من‬
‫الحذف والنقصان" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].98‬‬
‫هذه الستفاضة هي ثمرة الوضع والكذب على أهل البيت والذي نشط في القرن الثالث على‬
‫يد شرذمة من شيوخهم‪.‬‬
‫ولو كان عند أهل البيت شيء لقرؤوا به دون ما سواه‪ ،‬ولخرجوه للناس ولم يسعهم كتمانه‪.‬‬
‫ولكن أهل البيت باعتراف الشيعة لم يقرؤوا إل بكتاب ال‪ ،‬فعلم براءتهم من هذا الفتراء‪..‬‬
‫وثبت أن دينا يستفيض فيه الباطل باطل‪.‬‬
‫هذا والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته‪ ،‬رغم أن شيخه ابن بابويه يقول‪ :‬إن من‬
‫نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب ‪ -‬كما سبق [انظر‪ :‬ص (‪ -].)219-218‬وسللة أهل‬
‫البيت (الشريف المرتضى وهو من معاصري المفيد بل من تلمذته يقول‪ :‬إن أخبارهم في هذا‬
‫[انظر‪ :‬مجمع‬ ‫ل يعتد بها‪ ،‬لنها أخبار ضعيفة ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته)‬
‫البيان‪ .].1/31 :‬فهل كل شيخ من هؤلء يمثل ومدرسة ونحلة والتشيع يجمعهم‪ ،‬أو هم يتلونون‬
‫تلون الحرباء بحكم التقية‪ ،‬أو أنهم قد أحكموا خطتهم‪ ،‬وأزمعوا أمرهم على أن يظهر منهم‬
‫حسب المناسبات والظروف صوتان مختلفان متعارضان حتى ل يتمكن أحد من الوقوف على‬
‫حقيقة المذهب؟!‬
‫ولهذا نجد أيضا في القرن السادس ظهور الطبرسي صاحب التفسير وإنكاره هذه المقالة كما‬
‫سيأتي‪ ،‬ومعاصره الطبرسي الخر صاحب الحتجاج يصرح بهذا الكفر ويروي فيه عشر‬
‫روايات‪ ،‬ويرى أن ما ذكره هو محل إجماع أو اشتهار بين طائفته كما سلف‪.‬‬
‫أم أن الوضع لهذا الروايات إنما وقع في العصور المتأخرة ونسب لشيوخهم القدامى ليحظى‬
‫بثقة التباع الغرار؟ سيأتي إن شاء ال دراسة هل النكار تقية أو حقيقة؟‪ ..‬هذا وفي ظل‬
‫الدولة الصفوة كثر الوضع الخبار هذه السطورة فتجاوزت مرحلة ما سجله القمي أو الكليني‪،‬‬
‫أو المفيد‪ ،‬أو فرات الكوفي‪ ،‬وغيرهم من شيوخهم في القرن الثالث والرابع تجاوزت الحجم الذي‬
‫سجلته هذه الزمرة إلى درجة أن شهد شيخهم المجلسي صاحب بحار النوار بأن أخبارهم في‬
‫‪174‬‬
‫هذا أصبحت تضاهي أخبار المامة؛ يقول‪" :‬وعندي أن الخبار في هذا الباب متواترة معنى‪،‬‬
‫وطرح جميعها يوجب رفع العتماد عن الخبار رأسا؛ بل ظني أن الخبار في هذا الباب ل‬
‫تقصر عن أخبار المامة" [مرأة العقول‪.].2/536 :‬‬
‫هذه شهادة من المجلسي المتوفى سنة (‪1111‬ه‍)على تضخم أخبار هذه السطورة‪ ،‬والتي كانت‬
‫مجرد روايتين في كتاب سليم بن قيس‪ ،‬وكانت عند ابن بابويه القمي المتوفى سنة (‪381‬ه‍) ل‬
‫تكاد توجد حتى قال‪ :‬إن من نسب للشيعة مثل هذا القول فهو كاذب‪ ،‬وشيخ الشيعة الطوسي أنكر‬
‫نسبة هذا إلى الشيعة [انظر‪ :‬تفسير التبيان‪ ،].1/3 :‬وقد أرهق نفسه النوري الطبرسي صاحب فصل‬
‫الخطاب ليجد وسيلة يتخلص بها من كلم الطوسي فقال‪" :‬والطوسي في إنكاره (يعني لتحريف‬
‫[فصل الخطاب الورقة ‪( 175‬النسخة‬ ‫القرآن) معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده"‬
‫المخطوطة)‪.].‬‬
‫وهذا العتذار ل يمكن أن يوافق عليه صاحب فصل الخطاب الذي يصر على أن يجعل كل‬
‫الشيعة على مذهبه في القول بتحريف القرآن‪ ،‬ذلك لن الطوسي هو شيخ الشيعة في زمنه‪ ،‬وهو‬
‫مؤلف كتابين من كتبهم الربعة المعتمدة في الحديث‪ ،‬وكتابين من كتبهم المعتمدة في الرجال‪،‬‬
‫فل يتصور أن يوصف بقلة التتبع‪ ،‬أو بقلة الكتب عنده‪ ،‬كما يقول هذا الطبرسي‪ .‬بل نحن نأخذ‬
‫منقول الطوسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أن الوضع لهذه السطورة لم يتسع‬
‫ويصل إلى هذا المستوى الموجود اليوم إل في ظل الحكم الصفوي‪ ،‬ول يستبعد أن تضاف‬
‫روايات من هذه الروايات إلى شيوخهم القدامى لخدمة هذه السطورة‪ ،‬ولسيما والشواهد قائمة‬
‫على أن الكذب في الشيعة كثير‪ ،‬كما تشهد بهذا كتب أهل السنة وتقر بذلك كتب الشيعة نفسها ‪-‬‬
‫كما سيأتي – [انظر‪ :‬فصل "اعتقادهم في السنة"‪.].‬‬
‫هذا وشهادة شيوخ الدولة الصفوية بكثرة هذه الخبار في زمنهم كثيرة‪ ،‬فكما شهد المجلسي‬
‫[أشار إلى ذلك‬ ‫يشهد شيخهم الخر نعمة ال الجزائري وهو من معاصري المجلسي‪ ،‬ومن تلمذته‬
‫في النوار النعمانية‪ ].4/232 :‬وموضع ثقة الشيعة وتقديرهم [انظر‪ :‬ص (‪ )202‬من هذه الرسالة‪ .].‬يقول‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ ،‬الورقة ‪( 125‬النسخة‬ ‫"إن الخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث"‬
‫المخطوطة) وص ‪ 251‬من المطبوعة‪ ،].‬كما أنه يضع أساطيره‪ ،‬وكتاب ال سبحانه في كفة ميزان‪،‬‬
‫ويرى أن القول بسلمة القرآن يؤدي إلى انعدام الثقة في أخبارهم فيقول ‪ -‬وهو يرد على‬
‫شيوخهم المتقدمين ‪ -‬في قولهم بتواتر القراءات السبع‪ ..‬يقول‪" :‬إن تسليم تواترها عن الوحي‬
‫اللهي‪ ،‬وكون الكل قد نزل به الروح المين يفضي إلى طرح الخبار المستفيضة‪ ،‬بل المتواترة‬
‫الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن" [النوار النعمانية‪.].357-356 /2 :‬‬
‫‪175‬‬
‫يعني والمحافظة على حرمة وسلمة أخباره وأساطيره أولى من القول بصيانة القرآن‬
‫وحفظه! وهذا هو نفس ما قاله شيخهم المجلسي حينما قال ‪ -‬كما مر ‪" :-‬وطرح جميعها (يعني‬
‫جميع أخبار التحريف) يوجب رفع العتماد على الخبار رأسا"‪.‬‬
‫هذا هو الخيار الصعب في نظر هذه الزمرة‪ ،‬هل تفقد أخبارها وبها قوام دينها‪ ،‬ومنها تقتات‬
‫رزقها باسم الخمس‪ ،‬وبها تستمد قداستها باسم النيابة عن المام أتخسر كل هذه المكاسب التي‬
‫تجنيها‪ ..‬أم تقول بتغير القرآن فتجني تكفير المسلمين لها‪ ،‬وصعوبة التبشير بدينها‪ ،‬وتقلص‬
‫أتباعها وضمور مكاسبها من بعد ذلك؟ إنه خيار صعب أمام هؤلء (الشيوخ) ‪ ..‬هل يخرجون‬
‫منه بالظهور أمام الناس بوجهين وقولين أو يرجعون إلى التقية والكتمان‪ ،‬أو يراعون الظروف‬
‫والمناسبات والجواء؟‬
‫الملحظ أن شيوخ الدولة الصفوية هم أجرأ على التصريح بهذا الكفر بحكم ووجود قوة‬
‫تسندهم فتخف التقية لديهم‪ ،‬ولهذا كثرت أقوالهم بتواتر هذا الكفر عندهم حتى زعم شيخهم أبو‬
‫الحسن الشريف وهو من تلمذة المجلسي بأنه‪" :‬يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب‬
‫التشيع" [مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫وقال ثقتهم محمد صالح المازندراني (ت ‪1081‬ه‍)‪ .." :‬وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت‬
‫من طرقنا بالتواتر معنى كلما يظهر لمن تأمل كتب الحاديث (يعني كتب أحاديثهم) من أولها‬
‫إلى آخرها" [المازندراني‪ /‬شرح جامع (على الكافي)‪.].11/76 :‬‬
‫ويقول شيخهم محسن الكاشاني‪" :‬المستفاد‪ ..‬من الروايات من طريق أهل البيت ‪ -‬عليهم‬
‫السلم ‪ -‬أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه‪ ،‬كما أنزل على محمد صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم‪ ،‬بل منه ما هو خلف ما أنزل ال‪ ،‬ومنه ما هو مغير محرف‪ ،‬وأنه قد حذف عنه أشياء‬
‫كثيرة منها اسم علي ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬في كثير من المواضع‪ ،‬ومنها غير ذلك‪ ،‬وأنه ليس أيضا‬
‫على الترتيب المرضي عند ال وعند رسوله صلى ال عليه وآله وسلم" [تفسير الصافي‪.].1/49 :‬‬
‫هذا بعض ما قاله شيوخهم في تلك الفترة عن حجم الروايات والخبار عندهم‪ ،‬وهي شهادة‬
‫خطيرة تؤكد هذه الفرية عندهم‪ ،‬واستفاضتها في كتبهم‪ ،‬وهذا بل شك دليل بطلن أخبارهم‬
‫كلها‪ ،‬فما دام الكذب عندهم يصل إلى حد التواتر فل ثقة بسائر أخبارهم‪ ،‬وكل من يذهب هذا‬
‫المذهب فإنه ليس من السلم في شيء‪ ،‬وإن دين هؤلء ليس دين الئمة‪ ،‬بل هو دين المجلسي‬
‫أو القمي أو الكليني أو العياشي أو غيرها‪ .‬وإن مثل هؤلء كمثل سائر الزنادقة الذين ظهروا في‬
‫التاريخ السلمي‪ ،‬وإن ذلك القناع الذي أضفوه على حقيقتهم المعادية للسلم وأهله قد انكشف‬

‫‪176‬‬
‫بهذه الدعوى‪ ،‬وإن أخبارهم التي نسبوها زورا وكذبا لهل البيت قد ظهر كذبها واستبان زيفها‬
‫بهذا الكفر المعلن‪.‬‬
‫وبناءً على حركة الوضع المستمرة عبر القرون‪ ،‬ولسيما في إبان الدولة الصفوية رأينا شيخ‬
‫الشيعة ومحدثها‪ ،‬وخبير رجالها‪ ،‬وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية (مستدرك‬
‫الوسائل) وأستاذ كثير من شيوخهم المعتبرين كمحمد حسين آل كاشف الغطا‪ ،‬وأغا بزرك‬
‫الطهراني وغيرهما‪ ..‬شيخ الشيعة حسين النوري الطبرسي يرى أنه ل ينبغي عندهم النظر في‬
‫أسانيد تلك الساطير لتواترها من طرقهم؛ يقول‪" :‬إن ملحظة السند في تلك الخبار الكثيرة‬
‫[فصل‬ ‫توجب سد باب التواتر المعنوي فيها بل هو أشبه بالوسواس الذي ينبغي الستعاذة منه"‬
‫الخطاب ‪ -‬الورقة ‪( 124‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫والخوئي مرجع الشيعة في العراق وغيره اليوم يقول‪" :‬إن كثرة الرويات (رواياتهم في‬
‫تحريف القرآن) من طريق أهل البيت تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين‪ ،‬ول أقل‬
‫من الطمئنان بذلك‪ ،‬وفيها ما روي بطريق معتبر" [الخوئي‪ /‬البيان ص ‪.].226‬‬
‫وبعد هذه العترافات من أساطين التشيع وشيوخه هل يشك أحد يقرأ هذه الدعاوى العريضة‬
‫في أن القوم قد وقعوا في درك مظلوم وفي مستنقع آسن؟ وكم يتألم المسلم وهو يقرأ مثل هذه‬
‫ح َوتْ هذا "الغثاء" وركنوا‬
‫الكلمات المظلمة‪ ،‬وكم يشفق على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب َ‬
‫في أمرهم على شيوخ يجاهرون بهذا الكفر قد باعوا أنفسهم للشيطان‪ ،‬وجعلوا نواصيهم بيده‪.‬‬
‫ولكن هل الشيعة كلهم على هذا الطريق المظلم؟ وهل هم جميعا قالوا بهذا الكفر واللحاد؟ هذا‬
‫ما سنتحدث عنه في الفقرة التالية‪:‬‬
‫هل الشيعة جميعا تعتقد صحة هذه الروايات وتقول بتواترها؟‬
‫وبعدما رأينا أن معظم كتب الشيعة سقطت في هذه الهوة المظلمة‪ ،‬وعرضنا لشيء من‬
‫مضامين هذه الروايات مما تتضح به صورتها وتتبين به حقيقتها‪ ،‬ثم حاولنا التعرف على القدر‬
‫الكمي‪ ،‬والوزن السنادي لهذه الروايات‪ ،‬ورأينا أن مهندسي التشيع عملوا جاهدين على الوضع‬
‫والزيادة لخبار هذه السطورة عبر القرون‪ ،‬حتى اعترف طائفة من شيوخهم المعتبرين عندهم‬
‫باستفاضتها وتواترها‪ ،‬وأنه ل ينبغي لذلك النظر في أسانيدها‪ ..‬فهل جميع شيوخ الثني عشرية‬
‫يتفقون معهم في هذا الحكم؟‬
‫يقول شيخهم المفيد (ت ‪413‬ه‍) في كتابه أوائل المقالت وهو من كتبهم المعتبرة عندهم‬
‫باعتراف شيوخهم المعاصرين [محمد جواد مغنية‪ :‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪ ،].14‬يقول‪" :‬واتفقوا ‪ -‬أي‬
‫المامية ‪ -‬على أن أئمة الضلل خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب‬
‫‪177‬‬
‫التنزيل وسنة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأجمعت المعتزلة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والمرجئة‪،‬‬
‫وأصحاب الحديث على خلف المامية" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].13‬‬
‫وهذه شهادة مهمة واعتراف صريح من مفيد الشيعة بأن سائر الفرق السلمية لم تقع في هذا‬
‫الكفر الذي وقعت فيه طائفته‪ .‬وهي شهادة تلجم أولئك الروافض الذين يحاولون من منطلق جبان‬
‫أن يصموا أهل السنة من هذه الفرية؛ كمحاولة مكشوفة لثبات هذا الكفر بطريق النسبة الكاذبة‬
‫لهل السنة‪ .‬وعصمة أهل السنة من هذا الضلل ل تحتاج إلى هذا العتراف‪ ،‬ولكن ذكرناه هنا‬
‫لنه صادر من المخالف وإنصاف المخالف أشد وقعا في النفس من إنصاف الموافق‪ ،‬ولن في‬
‫هذا وأمثاله ما يسكت أولئك المفترين الذين يفترون الكذب ول يؤمنون‪.‬‬
‫كما أن مفيدهم يعترف أيضا بأن إجماع طائفته قائم على هذا الكفر البين‪ ،‬ولم يذكر مفيدهم‬
‫وجود خلف بين علمائهم في هذا!! مع أن شيخه ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت‬
‫‪381‬ه‍) قد أنكر هذا في رسالته في "العتقادات" [العتقادات‪ :‬ص ‪ .].102-101‬وأنكر نسبة العتقاد‬
‫[انظر‪ :‬التبيان‪ ، 1/3 :‬مجمع البيان‪:‬‬ ‫بالتحريف إليهم ‪ -‬كما مر ‪ ،-‬وتبعه على ذلك الشريف المرتضى‬
‫‪( ].1/31‬ت ‪436‬ه‍)‪ ،‬والطوسي [انظر‪ :‬التبيان ‪( ].1/3 :‬ت ‪450‬ه‍) وهما من تلمذة المفيد‪ ،‬ورابعهم‬
‫الطبرسي (ت ‪ 548‬أو ‪561‬ه‍) فلِمَ لَمْ يشر المفيد إلى خلف شيخه القمي؟ هل تجاهل المفيد لذلك‬
‫من قبيل اقتناعه بأن مخالفته بسبب التقية أو ماذا؟! وليس ذلك فحسب بل إن المفيد نفسه‪ ،‬وفي‬
‫[حيث ذكر أن "جماعة من أهل المامة (قالت)‪:‬‬ ‫الكتاب ذاته ذكر أن طائفة من أهل المامة أنكرت ذلك‬
‫إنه لم ينقص من كلمة ول من آية ول من سورة" (انظر‪ :‬أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ ،)55‬وسنرى في مبحث "عقيدتهم في‬
‫الجماع " اضطرابهم في أمر الجماع حيث تجد الجماعات المتعارضة‪ ،‬ودعوى الشخص منهم للجماع مع نقله‬
‫للخلف فيه‪.].‬‬
‫ومثل دعوى المفيد يدعي النوري الطبرسي أن إجماع الشيعة قائم على هذا الكفر‪ ،‬إلى أن‬
‫جاء ابن بابويه القمي فخالف ذلك حتى قال‪" :‬إن ابن بابويه القمي أول من أحدث هذا القول في‬
‫الشيعة في عقائده" [فصل الخطاب‪ ،‬الورقة ‪( 111‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫ولعل القارئ يدرك محاولة هذا الطبرسي‪ ،‬لن يجعل الشيعة منذ نشأتها كانت على مذهبه‪،‬‬
‫وأن مخالفة هذا المذهب كانت طارئة‪ ،‬والحقيقة التي ل يماري فيها مسلم‪ ،‬ول يشك فيها من‬
‫سبر التطور العقدي عند هؤلء القوم أن أوائل الشيعة ما كانت على هذا الكفر‪ ،‬ما كان خلف‬
‫الشيعة في أول المر إل في مسألة المامة ومن أحق بالمامة‪ ،‬ثم ما لبثت أن انجرت من بدعة‬
‫إلى أخرى حتى رأينا شيوخهم في القرن الثالث يتسابقون للوقوع في هذا الكفر‪ ،‬فأورثهم ذلك‬
‫ذلً وعارا ومقتا من المسلمين‪ ،‬فأراد ابن بابويه الرجوع بهم إلى الصل ‪ -‬كما هو الظاهر ‪-‬‬

‫‪178‬‬
‫ولكن عقيدة التقية لديهم جعلت محاولة ابن بابويه ل تثمر ثمارها‪ ،‬وتبع ابن بابويه ثلثة آخرون‬
‫من شيوخهم‪ ،‬كلهم أنكروا هذا ‪ -‬كما مر ‪.-‬‬
‫ويذكر النوري الطبرسي بأنه ل يوجد من القرن الرابع إلى القرن السادس خامس لهؤلء‬
‫[فصل‬ ‫الربعة الذين ذكرناهم‪ ،‬ويقول إنه‪" :‬لم يعرف الخلف صريحا إل من هؤلء الربعة"‬
‫الخطاب‪( 15 :‬المخطوط) وص ‪.].34‬‬
‫إذن بعدما استشرى هذا البلء في المامية لم نجد من شيوخهم من يعلن إنكاره لهذا إل هؤلء‬
‫[وقد نقل الشيخ إحسان إلهي ظهير هذا القول‪ ،‬وتحدى الشيعة أن تأتي بخامس لهؤلء (الشيعة والسنة ص‬ ‫الربعة‬
‫‪ .)124‬والذي يجب ملحظته في هذا المر ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن مفيدهم ذكر أن الخلفة لهذا الكفر قد ذهب إليه جماعة من أهل المامة (انظر‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ ،)55‬فهل‬
‫هو يشير بهذا إلى خلف الثلثة (لن الطبرسي من القرن السادس) أو يشير إلى أكثر من ذلك ولسيما أن وصفهم‬
‫بأنهم جماعة‪ ،‬يشعر بكثرتهم؟‪.‬‬
‫وقد شك في هذا صاحب فصل الخطاب نفسه وقال‪" :‬ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما حكاه المفيد من جماعة‬
‫من أهل المامة‪ ،‬والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه" (انظر‪ :‬فصل الخطاب ص ‪.)33‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن أوائل الشيعة كلهم على خلف هذا الكفر‪ ،‬وقد استحدث هذا القول فئة من الزنادقة قد اندسوا في الروافض‪،‬‬
‫فقول النوري‪" :‬لم يعرف من القدماء موافق لهم" هو كذب ظاهر؛ إذ إن كل أوائل الشيعة وقدمائها معهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن الشعري في مقالت السلميين نسب النكار لهذه الفرية إلى طائفة منهم‪ ،‬وهو يشعر بأنهم ليسوا بثلثة‬
‫فقط (انظر مقالت السلميين‪ .].)120-119 /1 :‬وقد أشرنا من قبل إلى أن ابن حزم يذكر بأن المامية‬
‫كلها على هذا الباطل إل ثلثة‪ ،‬ومن هؤلء الثلثة الشريف المرتضى‪.‬‬
‫وقد تحدث شيوخهم أن المامية لم تتفق على هذا الكفر‪ .‬يقول صاحب "قوامع الفضول"‪" :‬إن‬
‫المحكي عن ظاهر الكليني وشيخه عليّ بن إبراهيم القمي والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي‬
‫صاحب الحتجاج وقوع التحريف والزيادة والنقصان فيه‪ ،‬بل وحكي ذلك عن أكثر الخباريين‪،‬‬
‫[يطلق لقب‬ ‫وعن السيد الصدوق [لقب يطلقونه على ابن بابويه القمي صاحب من ل يحضره الفقيه‪ ].‬والمحقق‬
‫المحقق على محمد بن محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬وعلى جعفر بن الحسن ابن يحيى المتوفى سنة (‪676‬ه‍) (انظر‪:‬‬
‫أغابزرك‪ /‬النوار الساطعة ص ‪ )146‬وهو هنا يريد الول (الطوسي)‪ ].‬إنكار ذلك‪ ،‬بل وحكي عن جمهور‬
‫المجتهدين‪ ،‬وظاهر الصدوق في اعتقاداته أن المراد بما ورد في الخبار الدالة على أن في‬
‫القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬كان زيادة لم يكن في غيرها أنها كانت‬
‫من باب الحاديث القدسية ل القرآن" [قوامع الفصول‪ :‬ص ‪.].298‬‬
‫وكذلك أشار الطبرسي في فصل الخطاب إلى مثل ذلك وتوسع في ذكر الذاهبين إلى‬
‫التحريف فمما قاله‪" :‬اعلم أن لهم في ذلك أقوالً مشورها اثنان‪ :‬الول وقع التغيير والنقصان‬
‫فيه"‪ ،‬ثم ذكر من قال بذلك من شيوخهم‪ ،‬ونقل كلمات بعضهم في هذا‪ ،‬ويلحظ أنه يحاول‬
‫‪179‬‬
‫المبالغة في جعل معظم رجالت طائفته على هذا القول‪ ،‬بل إنه ذكر مصنفات ل يوجد لها عين‬
‫ول أثر‪ ،‬وذكر أنها تسمى باسم "التحريف" أو "التبديل"‪ ،‬واستظهر أن أصحابها كانوا على مذهبه‬
‫[انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ ،].31-30 :‬ولمعارضه أن يقول‪ :‬ما المانع أن تكون هذه المصنفات لنقد‬
‫تحريف الشيعة لمعاني القرآن‪ ،‬أو لنقد دعواهم تحريف ألفاظه وأخذت ذلك السم‪.‬‬
‫ثم ذكر القول الثاني فقال‪" :‬الثاني‪ :‬عدم وقوع التغيير والنقصان فيه وأن جميع ما نزل على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين‪ ،‬وإليه ذهب الصدوق‬
‫في عقائده والسيد المرتضى‪ ،‬وشيخ الطائفة في التبيان‪ ،‬ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما‬
‫[فصل الخطاب‪:‬‬ ‫حكاه المفيد عن جماعة من أهل المامة‪ ،‬والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه"‬
‫ص ‪.].33‬‬
‫وقوله‪" :‬لم يعرف من القدماء موافق لهم" يعني قدماء شيوخه المامية‪ ،‬الرافضة‪ ،‬أم أسلفهم‬
‫من الشيعة فلم يصل بهم المر إلى هذا الحد ‪ -‬كما تقدم ‪.-‬‬
‫ثم قال هذا النوري‪" :‬ثم شاع هذا المذهب (يعني إنكار التحريف) بين الصوليين من أصحابنا‬
‫[فصل‬ ‫واشتهر بينهم حتى قال المحقق الكاظمي في شرح الوافية‪ :‬إنه حكي عليه الجماع"‬
‫الخطاب‪ :‬ص ‪ .].38‬ثم حاول رد دعوى الجماع‪ ..‬ليجعل جل الشيعة الثني عشرية على مذهبه‪.‬‬
‫فإذن هل ننتهي من هذا إلى أن الثني عشرية لم يتفقوا على هذا الكفر‪ ،‬بل لهم قولن في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬كما أشار إلى ذلك الشعري في مقالته كما سلف‪ ،‬أو أنه قول واحد والنكار تقية؟ هذا‬
‫ما سنعرض له في المسألة التالية‪:‬‬
‫هل إنكار المنكرين لهذا الكفر (من الشيعة) من قبيل التقية؟‬
‫بعدما بيّنا أن المامية لم تتفق على هذا الضلل‪ ،‬وأنه قد أنكر ذلك كبار محققيهم كالشريف‬
‫المترضى‪ ،‬وابن بابويه القمي والطوسي والطبرسي‪ ،‬ومن اتبعهم من المتأخرين‪ ،‬فإنه مع ذلك قد‬
‫برز ناعق من شيوخ الدولة الصفوية يقول‪ :‬إن إنكار هؤلء كان على سبيل التقية‪.‬‬
‫[ولهذا قال الخوانساري‪" :‬كان مع شرب‬ ‫يقول شيخهم نعمة ال الجزائري (وهو من الخبارين)‬
‫الخبارية كثير العتناء والعتداد بأرباب الجتهاد ‪( "..‬روضات الجنات‪ ].)8/150 :‬والذي قال عنه‬
‫[روضات الجنات‪:‬‬ ‫الخوانساري‪" :‬كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلئنا المتبحرين‪"..‬‬
‫‪" :].8/150‬والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لجل مصالح كثيرة‪ ،‬منها سد باب الطعن‬
‫عليهم بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف‬
‫لها" [الجزائري‪ /‬النوار النعمانية‪.].2/358 :‬‬

‫‪180‬‬
‫ثم قدم برهان دعواه بقوله‪" :‬كيف وهؤلء العلم رووا في مؤلفاتهم أخبارا تشتمل على‬
‫[الجزائري‪ /‬النوار النعمانية‪:‬‬ ‫وقوع تلك المور في القرآن‪ ،‬وأن الية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا"‬
‫‪.].359-2/358‬‬
‫وكذلك يرى هذا صاحب فصل الخطاب؛ فإنه نقل كلم الجزائري المذكور مؤيدا له‪ ،‬كما نقل‬
‫ما ذكره شيخهم ابن طاوس من أن كتاب التبيان الذي أنكر فيه الطوسي هذا الضلل موضوع‬
‫على غاية الحذر والمدارة للمخالفين [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪( 38‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫وقد نقلنا النص بتمامه فيما سبق [انظر‪ :‬ص (‪ ..].)198-197‬فهل ما يقوله هؤلء حقيقة؟‬
‫أقول‪ :‬ل شك أن الجزائري وصحاب فصل الخطاب وغيرهما هم ممن يجاهر بهذا الكفر‬
‫ويعلنه‪ ،‬ومن يفعل ذلك فليس من السلم في شيء‪ ،‬وإذا كنا نتثبت في خبر الفاسق‪ ،‬فما بالك‬
‫بأخبار هؤلء‪ ،‬فهم يودون أن يجعلوا كل شيعي على هذا الكفر فليس بغريب أن يحملوا آراء‬
‫المعارضين على التقية‪ .‬وأرى خطأ من يأخذ كلم هذا الجزائري ومن على شاكلته بإطلق‪،‬‬
‫ويحكم على طائفة بأكملها بهذا الكفر من غير دراسة وتحقيق‪.‬‬
‫وإذا كنا ل نأخذ بكلم هؤلء الفاكين الثمين فهذا ل يعني أيضا أن نتقبل بسذاجة ظاهرة‪،‬‬
‫وبسطحية غافلة ما يقوله أصحاب الرأي الخر بإطلق‪ ،‬ونحن نعلم أن التقية من أصولهم‪ ،‬وأنها‬
‫عندهم تسعة أعشار الدين‪ ،‬ول دين لمن ل تقية له ‪ -‬كما سيأتي ‪.-‬‬
‫وعلى هذا فلبد من دراسة متأنية وأمينة لهذا القضية‪ ،‬فأقول‪ :‬كما نقل شيخهم المفيد إجماع‬
‫طائفته على هذا الكفر كما أسلفنا‪ ،‬فإن من كبار شيوخهم المتأخرين من نقل إجماع الصوليين‬
‫من الشيعة على إنكار هذا الكفر [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪( 38‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫واعترف صاحب فصل الخطاب بأن مذهب إنكار التحريف قد شاع واشتهر بين أصحابه‬
‫فقال‪ .." :‬شاع هذا المذهب بين الصوليين من أصحابنا واشتهر بينهم حتى قال المحقق‬
‫الكاظمي في شرح الوافية‪ :‬إنه حكي عليه الجماع" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪( 38‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫وقد غضب من هذا المر صاحب فصل الخطاب‪ ،‬لنه ‪ -‬كما أسلفت ‪ -‬يريد أن يجعل مذهبه‬
‫هو الشهر والكثر‪ ..‬فقال‪ .." :‬إن دعواه ‪ -‬يعني دعوى الجماع ‪ -‬جرأة عظيمة (!) وكيف‬
‫يمكن دعوى الجماع بل الشهرة المطلقة على مسألة خالفها جمهور القدماء وجل المحدثين‬
‫وأساطين المتأخرين‪ ،‬بل رأينا كثيرا من كتب الصول خالية عن ذكر هذه المسألة‪ ،‬ولعل المتتبع‬
‫يجد صدق ما قلناه‪ ،‬ومع ذلك كله فالمتبع هو الدليل‪ ،‬وإن لم يذهب إليه إل قليل كما قال السيد‬
‫المرتضى ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في بعض مسائله‪ :‬ل يجب أن يوحش من المذهب قلة الذاهب إليه‬
‫والعاثر عليه‪ ،‬بل ينبغي أل يوحش منه إل ما ل دللة له تعضده ول حجة تعمده‪ ،‬وقال المفيد‬
‫‪181‬‬
‫في موضع من المقالت‪ :‬ولم يوحشني من خالف فيه؛ إذ بالحجة له أتم أنس ول وحشة من حق"‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].39-38‬‬
‫نلحظ من خلل هذه الكلمات أن هناك وميض نار مشتعلة بين فريقين وكل يدعي الشهرة‬
‫والحقية لمذهبه‪ ..‬وأن هذا الرجل قد ارتدى ثوب الواعظ كما يصنع الشيطان أحيانا وراح يدعو‬
‫قومه إلى نار جنهم وبئس المصير‪ ،‬وينادي بأن قوله هو الذي عليه الدليل من كتبهم‪ ،‬وهو‬
‫الصل الذي عليه قدماء الشيعة‪ ،‬وخلفه قول طارئ على مذهبهم‪ ،‬ودعوى الجماع عليه أو‬
‫الشهرة في نظره جرأة عظيمة‪.‬‬
‫إذن هناك ‪ -‬بلشك ‪ -‬فئة من الشيعة لم تعد تهضم هذا المعتقد‪ ،‬وقد كثر أتباعها‪ ،‬ولهؤلء ‪-‬‬
‫فيما يظهر ‪ -‬ألّف صاحب فصل الخطاب كتابه ليردهم عن هذا الطريق الذي سلكوه‪ ،‬ويرفع‬
‫عنهم تلك العماوة التي غشيتهم في نظره ويقول‪ :‬إن الدليل أحق أن يتبع‪ ،‬وإن لم يذهب إليه‬
‫أحد‪ .‬وكأنه استوحش من مذهبه‪ ،‬والكفر كهف موحش مخيف‪ ،‬وخاف تقلص أتباعه واندراس‬
‫أشياعه فراح يدعو إلى عدم الوحشة عند القلة فهي في نظره عنوان الحق على هذا القول‪ ،‬ومن‬
‫الغريب أن يستعير كلمات الشريف المرتضى الذي يتبرأ من هذا الكفر‪ ،‬ويكفر من قاله‪ ،‬ويعظ‬
‫بها قومه ويدعوهم إلى هذا اللحاد‪.‬‬
‫ومن خلل قراءتي لكتاب فصل الخطاب تبين لي أن فئة من الشيعة لم تعد تصدق بهذه‬
‫الخرافة‪ ،‬وقد هاجمهم صاحب فصل الخطاب في مواضع متعددة‪ ،‬وقال معلقا على كلم‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬الورقة ‪( 84‬النسخة المخطوطة) و‬ ‫بعضهم‪" :‬ليس لداء قلة التتبع دواء إل تعب المراجعة"‬
‫ص ‪( 169‬من المطبوعة)‪.].‬‬
‫كما ضاق ذرعا بأمر الصدوق صاحب "من ل يحضره الفقيه" أحد كتبهم الربعة المعتمدة في‬
‫إنكاره لهذه الخرافة‪ ،‬وقال‪ :‬إن أمره مضطرب‪ ،‬ويغير بعض الروايات لتوافق مذهبه في نفي‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬الورقة ‪120‬‬ ‫هذه الخرافة‪ ،‬وأنه غير في بعض الروايات تغييرات تورث سوء الظن‬
‫(من المخطوطة) و ص ‪( 240‬من المطبوعة)‪ ].‬به‪ ،‬كما سيأتي بعد قليل إيراد نصوصه في هذا‪ ،‬مع العلم‬
‫بأن كتابه "من ل يحضره الفقيه" هو أحد جوامعهم المعتمدة عندهم‪.‬‬
‫كما يعتذر أحيانا عن المنكرين من أصحابه لهذا العتقاد ‪ -‬الذي يؤكد أنه متواتر من طرقهم‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬الورقة ‪( 176‬النسخة‬ ‫الكاذبة ‪ -‬بقوله‪" :‬إن أخبار التحريف متفرقة فلهذا لم يعرفوها"‬
‫المخطوطة)‪.].‬‬
‫ولقائل أن يقول‪ :‬إنها لم تكن موجودة فلهذا لم يعرفوها ولدت فيما بعد‪ ،‬ونمت أخبارها‬
‫وكثرت أساطيرها فأخذت بها أنت ومن معك اغترارا أو تغريرا؛ إذ كيف يعقل أن تخفى على‬
‫‪182‬‬
‫أمثال ابن بابويه وغيره من مؤسسي مذهبكم ومؤلفي مجاميعكم المعتمدة‪ ،‬وكذلك اعتذر عن‬
‫الطوسي بنحو هذا ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬وحتى نعمة ال الجزائري الذي قال‪ :‬إن إنكارهم تقية لم يكن‬
‫على يقين من هذا‪ ،‬فتراه في شرح الصحيفة السجادية يتعجب من صنيعهم‪ ،‬ويحاول أن يرد‬
‫على حجتهم‪ ،‬حيث يقول‪" :‬وأخبارنا متواترة بوقوع التحريف والسقط منه بحيث ل يسعنا‬
‫إنكاره‪ ،‬والعجب العجيب من الصدوق وأمين السلم الطبرسي‪ ،‬والمرتضى في بعض كتبه‬
‫كيف أنكروه وزعموا أن ما أنزله ال تعالى هو هذا المكتوب مع أن فيه رد متواتر الخبار‬
‫(يعني أساطيرهم)"‪.‬‬
‫ثم حاول أن يجيب عما اعترض به عقلء قومه من أن القول بتحريف القرآن يلزم منه أل‬
‫يعمل به لرتفاع الثقة عنه‪ ،‬وهذا مخالف لما عليه الشيعة والئمة‪ ..‬فقال‪" :‬وما قيل من طرفهم‬
‫أنه يلزم عليه ارتفاع الموثوق باليات الحكامية‪ ،‬وينتفي جواز الستدلل بها لمكان جواز‬
‫التحريف عليها‪ .‬فجوابه‪ :‬أنهم عليهم السلم أمرونا في هذه العصار بتلوة هذا القرآن والعمل‬
‫بما تضمنته آياته لنه زمن هدنة‪ ،‬فإذا قامت دولتهم وظهر القرآن كما أنزل الذي ألفه أمير‬
‫المؤمنين بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم وشده في ردائه وأتى إلى أبي بكر وعمر وهما‬
‫في المسجد في جماعة من الناس فعرضه عليهم فقالوا‪ :‬ل حاجة لنا في قرآنك ول فيك عندنا‬
‫من القرآن ما يكفينا‪ .‬فقال‪ :‬لن تروه بعد هذا اليوم حتى يقوم قائمنا‪ .‬فعند ذلك يكون ذلك القرآن‬
‫هو المتداول بين الناس مع أن ما وقع من التحريف في اليات الحكامية أظهروه عليهم السلم‪،‬‬
‫فيقوم الظن بأن ما لم يعرفونا تحريفه لم يكن فيه تحريف" [شرح الصحيفة السجادية‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫وبعد هذا هل يحق لحد أن يجزم بالقول‪ :‬إن إنكار هؤلء كان على سبيل التقية‪ ،‬والخلف‬
‫جاري بينهم وبين قومهم على أشده‪ ،‬والصراع واضح من خلل ما كتبه صاحب فصل الخطاب‬
‫وغيره؟!‬
‫ولكن بقي أن ندرس البرهان الذي قدمه نعمة ال الجزائري في أن إنكار هؤلء المنكرين‬
‫كان على سبيل التقية بدليل أنهم "رووا في مؤلفاتهم أخبارا كثيرة تشتمل على وقوع تلك المور‬
‫في القرآن‪ ،‬وأن الية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا" [النوار النعمانية‪ ].359-2/358 :‬كما سبق نقله‪،‬‬
‫فهل هذا حقيقي بالنسبة لولئك المنكرين؟‬
‫نبدأ بابن بابويه القمي "الصدوق" (ت ‪381‬ه‍) باعتباره أول من أنكر على هؤلء الغلة‪ ،‬وأعلن‬
‫أن هذا ل يمثل مذهب الشيعة وذلك في رسالته "العتقادات"‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته‪:‬‬

‫‪183‬‬
‫يقول‪" :‬اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل ال تعالى على نبيه محمد وهو ما بين الدفتين وهو ما‬
‫[كذا في الصل‬ ‫في أيدي الناس‪ ،‬وليس بأكثر من ذلك‪ ،‬ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربعة عشر‬
‫وهو خطأ لغوي‪ ،‬والصحيح "أربعة عشرة سورة"‪ ].‬سورة‪ ،‬وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة‪،‬‬
‫ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب"‪ ،‬ثم استدل بما جاء في رواياتهم في ثواب‬
‫من قرأ سورة من القرآن‪ ،‬وثواب من ختم القرآن كله‪ ،‬وأن هذا ينفي تلك الدعاوى الباطلة‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬بل نقول‪ :‬إنه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه‬
‫مقدرا سبع عشرة ألف آية"‪ .‬واستشهد على ذلك ببعض الحاديث القدسية الواردة عندهم‪ ،‬ثم‬
‫قال‪" :‬ومثل هذا كثير كله وحي ليس بقرآن‪ ،‬ولو كان قرآنا لكان مقرونا به وموصولً إليه غير‬
‫مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين لما جمعه‪ ،‬فلما جاء به فقال لهم‪ :‬هذا كتاب ال ربكم كما‬
‫أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل حاجة لنا فيه‪ ،‬عندنا مثل‬
‫الذي عندك‪ .‬فانصرف وهو يقول‪ :‬فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلً فبئس ما‬
‫يشترون" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].103-101‬‬
‫هذا ما قاله ابن بابويه نقلته بطوله لندرة المصدر المنقول عنه‪ ،‬ولن معظم من ينقل عنه من‬
‫كتب الشيعة وغيرها يكتفي بنقل صدر كلمه مما ل يعطي تصورا كاملً عن مذهب الرجل‪.‬‬
‫ومن خلل الكلمات السابقة يلحظ ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن الرجل يعد هذا القول مذهب الشيعة المامية كلها‪ ،‬ولهذا قال صاحب فصل الخطاب‬
‫[فصل الخطاب‪:‬‬ ‫بعد نقله لهذا النص‪" :‬وظاهر قوله‪ :‬اعتقادنا‪ ،‬وقوله‪ :‬نسب إلينا‪ ،‬اعتقاد المامية"‬
‫ص ‪ ].33‬ثم انتقده في ذلك وقال‪" :‬وقد ذكر في هذا الكتاب ما لم يقل به غيره أو قال به قليل"‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].33‬‬
‫وقد سبق أن قلت‪ :‬إن صاحب فصل الخطاب متحمس لن يجعل جميع الشيعة على مذهبه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬في قوله‪" :‬ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب" تكذيب للكليني صاحب‬
‫الكافي وشيخه القمي صاحب التفسير والنعماني صاحب الغيبة وغيرهم الذين يجاهرون بهذا‬
‫المعتقد‪ ،‬ويعدونه من مذهب المامية‪ ،‬أو كأنه يعتبر من يقول بهذا ليس في عداد الشيعة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ل نرى إشارة منه إلى وجود رأي آخر في هذا عندهم‪ ،‬كما أشار إلى ذلك الشعري‬
‫وغيره‪ ،‬وكأنه يعتبر من يخالف في هذا خارج نطاق التشيع إل إن كان في المر تقية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬كأنه في قوله‪ ..." :‬ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه سبع عشرة ألف آية" يفسر فيه‬
‫رواية الكليني والتي تقول‪" :‬إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلم إلى محمد صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية" وآيات القرآن كما هو معروف ل تتجاوز ستة آلف آية‬
‫‪184‬‬
‫إل قليلً‪ ،‬لكن الكليني ينص كما ترى على أنها من القرآن‪ ،‬بينما ابن بابويه ينص على أنها‬
‫ليست من القرآن ويحملها على الحاديث القدسية ‪ -‬كما سلف ‪.-‬‬
‫خامسا‪ :‬لم يتحرر ‪ -‬كما ترى ‪ -‬من رواسب وآثاره الروايات السطورية والتي علقت في‬
‫ذهنه في هذا الباب‪ ..‬فتراه يكاد ينقص ما قرره‪ ..‬بالرواية الخيرة التي ذكرها في عرض علي‬
‫المصحف على الصحابة وردهم له‪ ..‬إن إقراره لهذه الخرافة يفتح الباب لن يقال فيه بأن إنكاره‬
‫كان على سبيل التقية وهو ما قيل فعلً من قبل بعض الشيعة‪ ،‬ومن لدن بعض أهل السنة‪ ،‬ولكنه‬
‫على أية حال لم يتجرأ أن يقول في كتاب ال شيئا وأراد إنقاذ سمعة طائفته من العار الذي‬
‫لحقها‪ ،‬ولم يستطع أن يجابه قومه بإنكار روايتهم رأسا‪ ،‬أو لم يتمكن من الخلص النهائي عن‬
‫تلك السموم‪ ،‬أو أراد النكار على سبيل التقية وزرع في كلمه ما ينبئ عن ذلك‪ .‬ال أعلم‬
‫بالسرائر‪.‬‬
‫لكن أرى من الشيعة من يذهب إلى القول بأن إنكاره تقية كنعمة ال الجزائري‪ ،‬ولكن ل يقدم‬
‫دليلً معينا على هذا القول‪ ،‬ويكتفي بمجرد الدعوى بأنه روى في كتبه بأن الية هكذا أنزلت ثم‬
‫غيرت إلى هذا‪ ..‬وبالرجوع إلى بعض كتب ابن بابويه المعروف عندهم بالصدوق للبحث عن‬
‫روايات هذه السطورة في كتبه‪ ،‬فنجد من روايات هذه السطورة حكاية الزنديق الذي جاء‬
‫لسؤال علي بن أبي طالب ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬والذي مر بنا نقل بعض نصوصه‪ ،‬والذي رواه‬
‫شيخهم الطبرسي (من القرن السادس) في كتابه الحتجاج وفيه تسعة مواضع كلها تدل على هذا‬
‫الكفر [انظر‪ :‬الحتجاج ص ‪ ].240‬كما شهد بذلك النوري الطبرسي [النوري‪ /‬فصل الخطاب ‪ :‬ص ‪،].240‬‬
‫نجد أن هذا الخبر يورده صدوقهم هذا في كتابه التوحيد وليس فيه ما يدل على أسطورة‬
‫التحريف [انظر‪ :‬التوحيد ص ‪ 255‬وما بعدها‪ .].‬فهل هذه السطورة زادت بعد قرنين من عصر ابن‬
‫بابويه لتحشى بهذا الكفر‪ ،‬أو أن ابن بابويه نفسه حذف ذلك‪ ..‬على آية حال هي تشهد بسلمته‬
‫من التلبس بحكاية هذا الكفر الذي حملته رواية الطبرسي‪.‬‬
‫وقد احتار صاحب فصل الخطاب في تعليل هذا فقال‪" :‬وساق (يعني صدوقهم) الخبر (خبر‬
‫الزنديق) مع نقصان كثير عما في الحتجاج‪ ،‬منه ما يتعلق بنقصان القرآن وتغييره‪ ،‬إما لعدم‬
‫الحاجة إليه كما يفعل ذلك كثيرا‪ ،‬أو لعدم موافقته لمذهبه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ .].240‬ولكن أل‬
‫يحتمل أن يكون الصل هو ما في كتاب التوحيد‪ ،‬وأن تلك المفتريات المتعلقة بالتحريف زيادة‬
‫بعد الصدوق من صاحب الحتجاج أو غيرها‪ ،‬هذا احتمال وارد ولسيما أن صدوقهم لم يشر‬
‫إلى أن حذف منه شيئا‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫ولقد اغتاظ ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬صاحب فصل الخطاب من صدوقهم بسبب ذلك وقال ‪ -‬نقلً عن‬
‫بعض شيوخه ‪ .." :-‬وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا‪ ،‬ول يحصل من فتواه علم ول ظن‬
‫[فصل الخطاب‪:‬‬ ‫ل يحصل من فتاوى وأساطين المتأخرين وكذلك الحال في تصحيحه وترجيحه"‬
‫ص ‪ ،].240‬ثم قال‪" :‬وقد ذكر صاحب البحار حديثا عنه في كتاب التوحيد‪ ..‬ثم قال‪ :‬هذا الخبر‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪،240‬‬ ‫مأخوذ من الكافي وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق"‬
‫والمجلسي يقول هذا عن صدوقهم مع أنه يعتبر جميع كتبه ما عدا أربعة "ل تقصر في الشتهار عن الكتب الربعة‬
‫التي عليها المدار في جميع العصار" (البحار‪ )1/26 :‬وقد أخرج له في بحاره عن سبعة عشر منها (البحار‪)1/73 :‬‬
‫وكتابه من ل يحضره الفقيه‪ ،‬أحد كتبهم الربعة المعتمدة‪ ،‬فما هذا التناقض؟!]‪ ..‬كل ذلك بسبب أن صدوقهم لم‬
‫ينقل ذلك الكفر الذي نقله صاحب الكافي‪ .‬وساق هذه "النتقادات" صاحب فصل الخطاب‪ ،‬لن‬
‫ابن بابويه لم يوافقه في مشربه‪.‬‬
‫ولكن لم تسلم كل كتب الصدوق من هذا "اللحاد" فقد جاء في كتابه "ثواب العمال" في ثواب‬
‫من قرأ سورة الحزاب‪ ،‬عن أبي عبد ال رضي ال عنه قال‪" :‬من كان كثير القراءة لسورة‬
‫الحزاب كان يوم القيامة في جوار رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأزواجه ‪ -‬إلى أن‬
‫قال‪ - :‬إن سورة الحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن‬
‫نقصوها وحرفوها" [ثواب العمال‪ :‬ص ‪ ،139‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪.].92/50 :‬‬
‫وفي كتاب الخصال جاء برواية تقول‪" :‬يجيء يوم القيامة ثلثة يشكون إلى ال عز وجل‪:‬‬
‫[الخصال‪-1/174 :‬‬ ‫المصحف‪ ،‬والمسجد‪ ،‬والعترة‪ .‬يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني‪"..‬‬
‫‪.].175‬‬
‫[إحسان إلهي‪ /‬الشيعة‬ ‫وقد وردت في بحار النوار [بحار النوار‪ .].92/49 :‬وعند بعض القائلين‬
‫والقرآن‪ :‬ص ‪" ].68‬حرفوني" وهي أدل على الوقوع في هذا الكفر‪ ،‬ولكنها خلف الصل‪.‬‬
‫وقد وردت بنحو ذلك في كتابه المالي‪ ،‬تقول الرواية التي يرويها صدوقهم بسنده عن جعفر‬
‫الصادق عن أبيه عن آبائه رضي ال عنهم قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪..." :‬‬
‫اذكروا وقوفكم بين يدي ال‪ ..‬فإنه لبد سائلكم عما عملتم بالثقلين من بعدي‪ :‬كتاب ال‪،‬‬
‫وعترتي‪ ،‬فانظروا أن ل تقولوا‪ :‬أما الكتاب فغيرنا وحرفنا‪[ "..‬أمالي الصدوق‪ :‬ص ‪ .].231‬وهذه‬
‫الرواية ل تدل على فعلهم ولكنها تحذرهم‪ ،‬ولكن إذا قرنتها بما قبلها‪ ،‬وأنهم قد فعلوا ‪ -‬كما‬
‫يزعمون ‪ -‬صارت من ذلك الكفر‪ ،‬وهناك روايات أخرى مماثلة نقلها صاحب فصل الخطاب‬
‫[مثل ما نقله عن بشارة المصطفى للصدوق‪،‬‬ ‫بالواسطة أدع نقلها لعدم وقوفي عليها في كتب الصدوق‬
‫بواسطة تفسير البرهان لمحدثهم "التوبلي" (فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].)158-157‬‬

‫‪186‬‬
‫كما أن ثمة روايات أخرى أوردها صاحب فصل الخطاب من كتب صدوقهم وهي قراءة‬
‫[مثل الروايات الثلث التي أوردها صاحب فصل الخطاب (ص ‪ )259‬عن معاني‬ ‫واردة ل تدين الرجل وحدها‬
‫الخبار (انظر‪ :‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ )331‬بأن في مصحف عائشة وحفصة "حافظوا على الصلوات والصلة‬
‫والوسطى وصلة العصر" وهذه قراءة ورادة‪ .‬انظرهما في مصحف عائشة ‪ -‬تفسير الطبري‪ 5/173 :‬وما بعدها رقم‬
‫‪( 5467 ،5466 ،5397 ،5394 ،5393‬تحقيق الخوين أحمد ومحمود شاكر) وانظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،1/304 :‬قال‬
‫الشيخ أحمد شاكر‪ :‬والخبر نقله الحافظ في الفتح‪ ،8/146 :‬والسيوطي‪ ،1/304 :‬ولم ينسباه لغير الطبري‪ ،‬وذكره ابن‬
‫حزم في المحلى‪ ،4/354 :‬ورواه عبد الرزاق في المصنف‪( 1/128 :‬تفسير الطبري ص ‪176‬الهامش ج‪ )‍5‬وانظر عن‬
‫وجود هذه القراءة في مصحف حفصة‪ :‬تفسير الطبري‪ 210 ،5/209 :‬رقم ‪ ،5463 ،5462 ،5406‬تفسير ابن كثير‪:‬‬
‫‪. 1/304‬‬
‫وقد جاء في صحيح مسلم ما يدل على نسخ هذه التلوة (صحيح مسلم‪ ،1/438 :‬كتاب المساجد ومواضع الصلة‪،‬‬
‫باب الدليل لمن قال‪ :‬الصلة الوسطى هي صلة العصر)‪ ،].‬فليس هذا بغريب من ذلك الطبرسي‪ ،‬ولكن قد‬
‫[مثل‪ :‬إحسان إلهي ظهير‪ /‬الشيعة‬ ‫اغتر بصنيعه هذا بعض الكاتبين من السنة‪ ،‬وسلك مسلكه بل تدبر‬
‫والقرآن ص ‪ ،96‬محمد مال ال‪ /‬الشيعة وتحريف القرآن‪ :‬ص ‪.].122‬‬
‫وننتهي من هذا إلى أنه جاء في كتب صدوقهم بعض روايات هذه الفرية‪ ،‬ومع ذلك فل نجزم‬
‫بالقول أنه هذه عقيدته وأن النكار تقية كما قال بعضهم‪ ،‬ذلك لنه ل يوثق بخلو كتبه من الدس‬
‫والزيادة عليه‪ ،‬وليس ذلك مجرد تخمين ل دليل عليه؛ بل إن الزيادة أمر ميسور عندهم‪ ،‬كما بدا‬
‫لنا ذلك في كتاب‪" :‬سليم بن قيس" والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم ‪ -‬كما سلف ‪-‬‬
‫وكما زادوا في روايات كتاب‪" :‬من ل يحضره الفقيه" لبن بابويه نفسه أكثر من الضعف كما‬
‫سيأتي في فصل‪" :‬اعتقادهم في السنة"‪.‬‬
‫‪ -2‬الطوسي وإنكاره للتحريف‪:‬‬
‫أما شيخهم الطوسي (ت ‪450‬ه‍) فقد قال‪" :‬وأما الكلم في زيادته ونقصانه مما ل يليق به‬
‫أيضا؛ لن الزيادة فيه مجمع على بطلنها‪ ،‬والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين‬
‫خلفه وهو الليق بالصحيح من مذهبنا‪ ،‬ورويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة‬
‫بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع‪ ،‬لكن طريقها الحاد التي ل‬
‫توجب علما‪ ،‬فالولى العراض عنها‪ ،‬وترك التشاغل بها‪ ،‬لنه يمكن تأويلها‪ ،‬ولو صحت لما‬
‫كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين‪ ،‬فإن ذلك معلوم صحته ل يعترضه أحد من‬
‫الئمة ول يدفعه‪ ،‬ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من‬
‫اختلف الخبار في الفروع إليه وعرضها عليه‪ ،‬فما وافقه عمل عليه‪ ،‬وما يخالفه يجتنب ولم‬
‫يتلفت إليه‪ ،‬وقد وردت عن النبي صلى ال عليه وآله رواية ل يدفعها أحد أنه قال‪ :‬إني مخلف‬

‫‪187‬‬
‫فيكم الثقلين‪ :‬كتاب ال وعترتي أهل بيتي‪ ،‬وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أنه موجود في كل عصر‪ ،‬لنه ل يجوز أن يأمر المة بالتمسك بما ل تقدر على التمسك‬
‫به‪ ،‬كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت‪ ،‬وإذا كان الموجود بيننا مجمعا‬
‫على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه" [التبيان‪.].1/3 :‬‬
‫هذا كلم شيخهم الطوسي صاحب كتابين من كتبهم المعتمدة في الحديث عندهم‪ ،‬وكتابين من‬
‫كتبهم المعتمدة في الرجال‪ ،‬فهل هذا النكار تقية‪..‬؟‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن مسألة التقية من أماراتها التناقض والختلف‪ ،‬ولكن التناقض صار قاعدة مطردة‬
‫في رواياتهم‪ ،‬بل وجد مثل ذلك في إجماعاتهم‪ ،‬كما وجد في كلم شيوخهم‪ ،‬وأصبح معرفة‬
‫حقيقة المذهب ليست متيسرة حتى على شيوخهم الذين ل يجدون دليلً على التمييز بين ما هو‬
‫تقية وما حقيقة إل بالستناد إلى أصل وضعه زنديق ملحد وهو قولهم‪" :‬إذا ورد عليكم حديثان‬
‫مختلفان فخذوا بما خالف القوم" [البحار‪ ].2/233 :‬يعني أهل السنة‪ ،‬فأوشك أن ينتهي بهم هذا‬
‫المهذب إلى مفارقة الدين رأسا [سيأتي إن شاء ال بحث في هذه المسألة في‪" :‬فصل الجماع"‪.].‬‬
‫ن مِنْ‬
‫وعليه‪ ،‬فإن قضية الختلف هي ظاهرة طبيعية لكل دين ليس من شرع ال { َو َلوْ كَا َ‬
‫ختِلَفًا َكثِيرًا}‪ :‬فهو حينما ينقل رواياتهم في كتبه فمن الطبيعي وجود‬
‫غيْرِ الّلهِ َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ‬
‫عِندِ َ‬
‫مثل هذا الختلف‪ ،‬وبالتالي فإنه ل يدين الرجل إدانة أكيدة بعد إنكاره‪ ،‬ول سيما أن العبرة‬
‫بالنسبة لبيان مذهبه بما رأى ل بما روى‪.‬‬
‫لقد لوحظ أن الطوسي هذا نقل في تهذيبه لرجال الكشي بعض روايات هذه السطورة كنقله‬
‫للرواية التي تقول‪" :‬ل تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا‪ ،‬فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن‬
‫الخائنين الذين خانوا ال ورسوله‪ ،‬وخانوا أماناتهم‪ ،‬إنهم اؤتمنوا على كتاب ال جل وعل‬
‫فحرّفوا وبدّلوه‪[ "..‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].4‬كما أنه قد نقل بعض أخبار هذه السطورة على أنها‬
‫[كما في تفسيره قوله سبحانه‪ِ{ :‬إنّ اللّ َه اصْطَفَى آدَمَ َونُوحًا وَآ َل ِإ ْبرَاهِيمَ وَآ َل عِ ْمرَانَ‬ ‫قراءة في تفسيره التبيان‬
‫عَلَى الْعَالَمِينَ} قال‪ :‬وفي قراءة أهل البيت‪{ :‬وآل محمد على العالمين} وهذا تلطف في التعبير‪ ،‬أو محاولة للتغير في‬
‫أساطيرهم التي تنص على أن هذه ليست قراءة‪ ،‬وإنما هي من باب التحريف بفعل الصحابة كما يفترون‪( ،‬وسيأتي‬
‫ذكر نصوصها بعد قليل في مناقشة الطبرسي)‪ .‬وهذا التغيير قد يكون الهدف منه التستر على الفضيحة‪ ،‬أو محاولة‬
‫لنتشال طائفة من قومه من تلك الوهدة التي تردوا فيها بفعل ذلك الساطير‪ ،‬وربما يكون ما عند الطوسي هو الصل‬
‫والزيادات التي تصرح بالتحريف هو ما جعل شيوخ الدولة الصفوية‪.‬‬
‫لكن يرد على ذلك أن تلك الروايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم‪ ،‬كتفسير القمي والعياشي وفرات‪،‬‬
‫إل إذا قلنا إن الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس‪.].‬‬

‫‪188‬‬
‫ولكن يرى أن كل هذه الروايات من قبيل روايات الحاد التي ل يعتمد عليها ‪ -‬كما ذكره في‬
‫إنكاره ‪ -‬ول تدفع ما تضافر من رواياتهم التي توجب العمل بالقرآن والرجوع إليه عند‬
‫التنازع‪.‬‬
‫أما صاحب فصل الخاطب فقد اختلفت أقواله في توجيه هذا النكار الذي يقلقه لمخالفته‬
‫لمذهبه؛ فهو مرة يرى أن هذا القول ل يمثل إل رأي الطوسي وفئة قليلة من الشيعة معه يقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬إنه ليس فيه حكاية إجماع عليه‪ ،‬بل قوله‪ :‬نصره المرتضى صريح في عدمه‪ ،‬بل في قلة‬
‫الذاهبين إليه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ،].38‬ثم يرجع ويقول‪ :‬بأن هذا القول منه تقية‪ ،‬لن هذا النكار‬
‫جاء في تفسير التبيان و"ل يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية‬
‫المدارة والمماشاة مع المخالفين" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ].38‬ويعلل ذلك باستناده لقوال أئمة أهل‬
‫السنة في التفسير [وقد مضى نقل النص بتمامه ص‪ ،].)199-198( :‬ول يكاد يجزم بهذا الحكم كما يشعر‬
‫به قوله‪ " :‬وهو ‪ -‬أي نقل الطوسي لقوال أئمة السنة ‪ -‬بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه‬
‫المماشاة‪ ،‬فمن المحتمل أن يكون هذا القول ‪ -‬يعني إنكار التحريف ‪ -‬منه (من الطوسي) فيه‬
‫(في تفسير البيان) على نحو ذلك (أي من المدارة والتقية)"‪.‬‬
‫وثم يتجه وجهة أخرى ويشير إلى أن في كلم الطوسي تناقضا يشعر أنه تقية فقال‪" :‬إن‬
‫إخباره بأن ما دل على النقصان روايات كثيرة يناقض قوله‪ :‬لكن طريقه الحاد‪ ،‬إل أن يحمل ما‬
‫ذكرنا" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ].38‬أي من التقية‪.‬‬
‫ثم يعرض عن هذا كله ويقول‪ :‬إن الطوسي "معذور (في إنكاره) لقلة تتبعه من قلة تلك الكتب‬
‫عنده" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].351‬‬
‫هذا جانب من حيرة الطبرسي في أمر الطوسي وغيره من المنكرين لهذه الفرية‪ ،‬فإذا كان‬
‫هذا أمر شيوخهم ل يكادون يقفون على حقيقة مذهب أئمتهم وشيوخهم القدامى بسبب أمر التقية‬
‫فنحن أعذر في عدم الوصول إليه نتيجة جازمة يقينية‪.‬‬
‫والطوسي كما يلحظ في إنكاره قد دس في الشهد سما‪ ،‬وتناقض في حكاية مذهبه كما ل‬
‫[من ذلك زعمه أن العامة ‪ -‬يعني بهم أهل السنة ‪ -‬قد شاركوا طائفته في رواية هذا الكفر‪ .‬وهذا كذب‪ ،‬وقد‬ ‫يخفى‬
‫شهد شيخهم المفيد بتفرد طائفته بهذا البلء (أوائل المقالت ص ‪ .)13‬وأجمل أهل السنة‪ ،‬بل المسلمون جميعا على‬
‫حنُ‬
‫صيانة كتاب ال عز وجل وسلمته من التحريف أو الزيادة أو النقص‪ ،‬محفوظ بحفظ ال له‪ .‬قال تعالى‪ِ{ :‬إنّا نَ ْ‬
‫َنزّ ْلنَا الذّ ْكرَ َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر‪ ،‬آية‪.]9 :‬‬
‫وانظر ما قاله في هذا علماء التفسير من أهل السنة حول هذه الية (انظر‪ :‬القرطبي‪ /‬جامع أحكام القرآن‪،10/65 :‬‬
‫النسفي‪ /‬مدارك التأويل‪ ،2/179 :‬تفسير الخازن‪ ،4/47 :‬تفسير ابن كثير‪ ،2/592 :‬تفسير البغوي‪ ،3/44 :‬البيضاوي‪/‬‬

‫‪189‬‬
‫أنوار التنزيل‪ ،1/538 :‬اللوسي‪ /‬روح المعاني‪ ،14/16 :‬صديق خان‪ /‬فتح البيان‪ ،169 ،5/168 :‬الشنقيطي‪ /‬أضواء‬
‫البيان‪ ،3/120 :‬سيد قطب‪ /‬في ظلل القرآن‪ 5/194 :‬وغيرها‪.‬‬
‫وانظر في نقل أئمة السنة لجماع المسلمين على حفظ كتاب ال وسلمته‪ ،‬وتكفيرهم لمن خالف ذلك‪ :‬انظر‪:‬‬
‫القاضي عياض‪ /‬الشفاء‪ ،305-2/304 :‬ابن قدامة‪ /‬لمعة العتقاد‪ :‬ص ‪ ،20‬البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،327‬ابن‬
‫حزم‪ /‬الفصل‪ 5/22 :‬وغيرها‪.].‬‬
‫‪ -3‬الشريف المترضى (ت ‪436‬ه‍) وإنكاره لهذه الفرية‪:‬‬
‫يقول‪" :‬إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب‬
‫المشهورة وأشعار العرب المسطورة‪ ،‬فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته‪،‬‬
‫وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما [لعلها "ما ذكرناه"‪ ].‬ذكرناه‪ ،‬لن القرآن معجزة النبوة‪ ،‬ومأخذ العلوم‬
‫الشرعية‪ ،‬والحكام الدينية‪ ،‬وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل‬
‫شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته‪ ،‬فكيف يجوز أن يكون مغيرا ومنقوصا مع‬
‫العناية الصادقة والضبط الشديد"‪.‬‬
‫ثم ذكر أنه لو رام أحد الزيادة أو النقص من كتاب مشهور ككتاب سيبوبه والمزني لعرف‬
‫ونقل‪ ،‬لن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتى لو أن‬
‫مدخلً أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف وميز وعلم أنه ملحق وليس‬
‫من أصل الكتاب‪ ،‬وكذلك القول في كتاب المزني‪.‬‬
‫ومعلوم أن العناية بالقرآن وضبطه أصدق من العناية بنقل كتاب سيبويه ودواوين الشعراء‪..‬‬
‫وإن من خالف ذلك من المامية والحشوية ل يعتد بخلفهم‪ ،‬فإن الخلف في ذلك مضاف إلى‬
‫قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع‬
‫على صحته [انظر‪ :‬مجمع البيان‪.].1/31 :‬‬
‫وكأن الجملة الخيرة تشير إلى ما ذهب إليه الخباريون من الشيعة من القول بهذا الضلل‬
‫[ويرى اللوسي أنه يلمز بهذا القول أهل السنة‪ ،‬ويعقب عليه بقوله‪ :‬وهو كذب أوسوء فهم‪ ،‬لنهم أجمعوا على عدم‬
‫وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم‪( ..‬روح المعاني‪.].)25-1/24 :‬‬
‫وهذه كلمات شيخهم الشريف المرتضى (الذي استثناه ابن حزم من القائلين بهذا الكفر كما‬
‫تقدم) نقلها عنه صاحب مجمع البيان وقال‪ :‬إن المرتضى "قد استوفى في الكلم في نصرة هذا‬
‫المذهب الحق في جواب المسائل الطرابلسيات" [انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ].1/31 :‬ولم يقع لنا هذا الكتاب‪،‬‬
‫وأغفل متأخرو الشيعة النقل عنه كما فعل الكاشاني في تفسير الصافي‪ ،‬والبحراني في البرهان‪،‬‬
‫والمجلسي في البحار وغيرهم‪ ،‬ولم أجد منه ‪ -‬فيما اطلعت عليه ‪ -‬إل هذا النص الذي حفظه‬
‫الطبرسي في مجمع البيان‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫ولكن قيل‪ :‬إن هذه النكار تقية‪ ،‬لنه كما قال صاحب فصل الخطاب‪" :‬قد عدّ هو في الشافعي‬
‫من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه وإبطاله ما شك‬
‫أنه من القرآن" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].33‬‬
‫وهذا بل شك يناقض إنكاره لهذه الفرية‪ ،‬وبيانه بالدليل العقلي والتاريخي استحالة حصولهم‪،‬‬
‫فإما أن يكون هذا النص مدسوسا عليه‪ ،‬فقد رأينا كيف يغيرون في كتبهم كما صنعوا بكتاب‬
‫سليم بن قيس وغيره‪ ،‬ل سيما أنه لو كانت هذه عقيدة الرجل لكثر حديثه عنها‪ ،‬ولكن لم يجد‬
‫صاحب فصل الخطاب عليه سوى هذا النص‪.‬‬
‫وإما أن يكون النكار على سبيل التقية‪ ،‬وهذا احتمال أضعف مما قبله لما ذكرنا‪ ،‬وهذا النص‬
‫علوة على أنه طعن في كتاب ال سبحانه‪ ،‬فهو حكم بالضلل على المة عامة بما فيها علي ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬من قوم يزعمون التشيع له وموالته!!‪.‬‬
‫وكيف يتصور مسلم مثل هذا في ذلك الجيل القرآني الفريد الذين بذلوا المهج وهجروا الهل‬
‫الولد‪ ،‬وفارقوا الوطان في سبيل ال وحده؟! ولمصلحة من‪ ،‬وفي سبيل من يضحون بسابقتهم‪،‬‬
‫وجهادهم‪ ،‬ويبيعون دينهم ودنياهم فيوافقوا أحدا على المساس بدينهم وكتابهم؟! إن هذا لبهتان‬
‫عظيم؛ بل الحق أن عمل عثمان هذا من أعظم مناقبه‪ ،‬ووقع بإجماع من المة‪ ،‬كما قال أمير‬
‫المؤمنين علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬ل تقولوا في عثمان إل خيرا فوال ما فعل في المصاحف‬
‫إل عن مل منها" [أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح كما قاله ابن حجر في فتح الباري‪ ].13/18 :‬فجزاه ال‬
‫عن المة خيرا‪.‬‬
‫‪ -4‬الطبرسي وإنكاره لهذه الفرية‪:‬‬
‫أما الطبرسي فيقول‪ .." :‬ومن ذلك الكلم في زيادة القرآن ونقصانه‪ ،‬فإنه ل يليق بالتفسير‪،‬‬
‫فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلنها‪ ،‬وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من‬
‫حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا‪ ،‬والصحيح من مذهب أصحابنا خلفه‪ ،‬وهو الذي‬
‫نصره المرتضى قدس ال وروحه‪ ،‬واستوفى الكلم فيه غاية الستيفاء في جواب المسائل‬
‫الطرابلسيات" ثم ساق بعض كلمه في ذلك [تقدم ذكره ص (‪.].)358‬‬
‫فهو يشير هنا إلى أن جماعة من أصحابه رووا روايات في نقص كتاب ال وتغييره‪ ،‬وأن‬
‫مذهب محققي الشيعة على خلفه‪ ،‬ويحاول ‪ -‬كعادة هؤلء ‪ -‬أن يشرك بعض أهل السنة الذي‬
‫عبر عنهم "بحشوية العامة" في هذا الكفر كنوع من الدفاع عن المذهب‪ ،‬وحفظ ماء الوجه‪ ،‬ولون‬
‫من النقد المبطن لهل السنة‪ ،‬وهو كما قال اللوسي‪" :‬كذب أو سوء فهم‪ ،‬لنهم أجمعوا على‬
‫عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر ونسخت تلوته ‪ -‬وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ ‪ -‬وما‬
‫لم يكن في العرضة الخيرة ولم يأل جهدا رضي ال عنه في تحقيق ذلك إل أنه لم ينتشر نوره‬
‫في الفاق إل زمن ذي النورين‪[ "..‬روح المعاني‪ ].1/25 :‬وقد ناقش اللوسي ما قاله الطبرسي وبين‬
‫أوهامه [روح المعاني‪.].25-1/24 :‬‬
‫وقد ذكر اللوسي أن كلمه هذا في إنكار هذه الفرية دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه‬
‫حتى للطفال‪ ،‬والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين القتال [روح المعاني‪.].1/24 :‬‬
‫وقد اكتشفت أثناء قراءتي في مجمع البيان أن الطبرسي قد قام بحيلة أو محاولة لستر هذا‬
‫العار‪ ،‬فأتى إلى بعض روايات أصحابه في هذه السطورة والتي فيها أن الية كذا ثم غيرت‬
‫إلى كذا‪ ،‬فغير صورة عرضها بما ينخدع به أهل السنة‪ ،‬أو بما ل تتضح به صورة هذا الخزي‪،‬‬
‫فعبر عن بعض هذه الساطير بأنها قراءة ورادة‪.‬‬
‫ولنعرض على سبيل المثال بعض المثلة لساطيرهم في التحريف كما جاءت في مصادرهم‪،‬‬
‫وتغيير الطبرسي لها‪:‬‬
‫ع ْمرَانَ‬
‫صطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ ِإ ْبرَاهِيمَ وَآلَ ِ‬
‫جاء في تفسير القمي في قوله سبحانه‪{ :‬إِنّ الّلهَ ا ْ‬
‫علَى ا ْلعَا َلمِينَ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ .].33 :‬قال العالم [كناية عن المام‪ -].‬رضي ال عنه ‪ -‬نزل‪" :‬وآل‬
‫َ‬
‫عمران وآل محمد على العالمين" فأسقطوا آل محمد من الكتاب [تفسير القمي‪.].1/100 :‬‬
‫وفي تفسير فرات عن حمران قال‪ :‬سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الية‪( :‬إن ال اصطفى آدم‬
‫ونوحا وآل إبراهيم وآل محمد على العالمين‪ :‬قلت‪ :‬ليس يقرأ هكذا‪ ،‬قال أدخل حرف مكان‬
‫حرف) [تفسير فرات‪ :‬ص ‪ ،18‬بحار النوار‪.].92/56 :‬‬
‫وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عن قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّلهَ‬
‫ع ْمرَانَ عَلَى الْعَا َلمِينَ} قال‪" :‬هو آل إبراهيم وآل محمد‬
‫اصْطَفَى آ َدمَ َونُوحًا وَآلَ ِإ ْبرَاهِيمَ وَآلَ ِ‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/168 :‬البرهان‪ ،1/278 :‬فصل الخطاب‪ :‬ص‬ ‫على العالمين فوضوا اسما مكان اسم"‬
‫‪.].244‬‬
‫والهدف من هذا الفتراء والتزوير هو محاولة إثبات قولهم باثني عشر إماما من كتاب ال‪،‬‬
‫وفاتهم أن آل محمد لفظ عام‪ ،‬والثني عشر عندهم هم عليّ وابناه وأولد أحد أبنائه فقط‪ ،‬وما‬
‫سواهم ينالون السب أو التفكير ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬فلم يتحقق الهدف لهم من التزوير ول من‬
‫التأويل‪ ،‬وهذه الساطير التي تفتري على كتاب ال‪ ،‬وصحابة رسول ال بما فيهم أهل بيته‪،‬‬
‫والتي تناقلتها كتب التفسير عندهم‪ ،‬نلحظ أن صاحب مجمع البيان يعبر عنها بقوله‪" :‬وفي‬
‫قراءة أهل البيت‪ :‬وآل محمد على العالمين" [مجمع البيان‪ .].2/62 :‬وكذلك فعل في عدة من مفترياتهم‬
‫‪192‬‬
‫[كما في قوله سبحانه {يَا َأيّهَا ال ّن ِبيّ جَاهِ ِد الْ ُكفّارَ وَالْ ُمنَا ِفقِينَ} [التوبة‪ ،‬آية‪ .]73 :‬جاء في تفسير‬ ‫جعلها قراءات‬
‫القمي‪" :‬إنما نزلت‪" :‬جاهد الكفار بالمنافقين" لن النبي صلى ال عليه وسلم لم يجاهد المنافقين بالسيف"‪( .‬تفسير القمي‪:‬‬
‫‪ ،)1/301‬وهي أسطورة وضعت لتوافق مذهب الرافضة في الصحابة في رميهم بالنفاق‪ ،‬وزعمت أن ال يأمر رسوله‬
‫بالعتماد على المنافقين في الجهاد‪ ،‬وجعلت الجهاد في السلم قائما على أكتاف المنافقين‪ ،‬فهي جهل فاضح بالسلم‪،‬‬
‫وتاريخ المسلمين‪ ،‬وتفسير القرآن‪ ،‬أو زندقة إلحاد‪ ،‬ومع ذلك فإن الطبرسي يعبر عن هذه السطورة بقوله‪" :‬وروي في‬
‫قراءة أهل البيت‪ :‬جاهد الكفار بالمنافقين"‪ ،‬وحاول أن يوجه الية بقوله‪" :‬وإنما كان يتألفهم لن المنافقين ل يظهرون‬
‫الكفر‪ ،‬وعلم ال تعالى بكفرهم ل يبيح قتلهم‪ ،‬إذ كانوا يظهرون اليمان" (مجمع البيان‪ ،)3/100 :‬ولكن هذا التعليل ل‬
‫ينسجم بحال مع معنى الية‪ ،‬فال يأمر نبيه بجاهد الكفار والمنافقين‪ ،‬فكيف تجعل تألف المنافقين هو جهاد للكفار بهم‪،‬‬
‫خبَالً} [التوبة‪ ،‬آية‪.]47 :‬‬
‫خرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُوكُ ْم ِإ ّل َ‬
‫ولم يقم الجهاد في السلم بالمنافقين {لَ ْو َ‬
‫وقد قال السلف في تفسير الية‪ :‬جاهد الكفار بالسيف والقتل‪ ،‬وكذلك جاهد المنافقين باللسان وترك الرفق‪ ،‬كما قال ابن‬
‫عباس‪ ،‬أو باليد أو اللسان أو القلب على حسب القدرة‪ ،‬ول تلقهم إل بوجه مكفهر كما قال ابن مسعود‪ ،‬أو بإقامة‬
‫الحدود عليهم كما قال الحسن وقتادة‪ .‬وكلها معان تدل على مجاهد المنافقين وعدم العفو عنهم‪.‬‬
‫ولهذا قال عطاء‪ :‬نسخت هذه الية كل شيء من العفو والصفح (انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ ،174-12/183 :‬تفسير‬
‫البغوي‪ )2/311 :‬وأنت ترى الفرق الكبير بين نص الية الذي يأمر بجهاد المنافقين‪ ،‬وبين تلك القراءة المفتراة التي‬
‫تأمر بالجهاد بهم‪.].‬‬
‫ك بِ َأ ّنهُمْ‬
‫وأحيانا يجعل تلك الفرية معنى للية؛ ففي أسطورتهم حول قوله جل شأنه‪{ :‬ذَِل َ‬
‫عمَا َلهُمْ} [سورة محمد‪ ،‬آية‪ ].9 :‬قالت السطورة‪" :‬عن أبي جعفر نزل‬
‫حبَطَ أَ ْ‬
‫َكرِهُوا مَا أَن َزلَ الّلهُ فَأَ ْ‬
‫جبرائيل على رسول ال صلى ال عليه وآله بهذه الية هكذا‪" :‬ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل ال‬
‫[انظر‪ :‬فصل‬ ‫(في علي) فأحبط أعمالهم" انظر إلى هذه الزيادة التي افتروها وهي قولهم‪" :‬في علي"‬
‫الخطاب‪ ].331 – 330 :‬تجدها تتحول عند الطبرسي إلى معنى للية يقول‪" :‬كرهوا ما أنزل ال في‬
‫حق علي رضي ال عنه" [مجمع البيان‪.].6/32 :‬‬
‫هذا بعض ما جاء في كتاب مجمع البيان‪ ،‬الذي سار في تأليفه على منهج الطوسي في‬
‫التبيان‪ ،‬وقرر ثقة الشيعة في العصور المتأخرة "النوري الطبرسي" أن كتاب التبيان موضوع‬
‫على أسلوب المداراة وتقية الخصوم‪ ،‬فإن صدق هذا الوصف انطبق على الثنين معا‪ ،‬لن‬
‫منهجهما واحد‪ ،‬وقد انخدع بأسلوب "مجمع البيان" قلة من المنتسبين لهل السنة ممن ينتمي لدار‬
‫التقريب في القاهرة‪ ،‬والتي كانت حية إلى وقت قريب قبل أن تتبين حقيقتها‪ ..‬فقاموا بإخراج هذا‬
‫الكتاب باسم التقريب وعمل على مراجعته وتصحيحه وضبطه ستة من الشيوخ المنتسبين لهل‬
‫السنة [انظر‪ :‬مجمع البيان‪( 10/575 :‬كلمة ختامية) ط‪ .‬دار التقريب‪ ،].‬وذلك لن من لم يتعرف على‬
‫نصوصهم ل يدرك "الخدعة" التي انطوى عليها هذا التفسير‪ ..‬ويبدو أن ذلك السلوب هو الذي‬
‫جعل بعض الشيعة يعتبر إنكار الطبرسي تقية‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫هؤلء هم الربعة الذين نقلت أقوالهم‪ ،‬وقد يكون هناك من أنكر غيرهم ولم تصلنا أقوالهم‪،‬‬
‫فإن المفيد في أوائل المقالت نسب النكار إلى جماعة من المامية ‪ -‬كما سلف ‪ -‬ول نجزم‬
‫بأن هؤلء الربعة ل يوجد لهم خامس في القرون المتقدمة كصاحب فصل الخطاب الذي يريد‬
‫أن يخنق هذا الصوت‪ ،‬ويجعل جل الشيعة على مذهبه [انظر‪ :‬ص (‪ )338‬هامش (‪ )2‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وفي النهاية أقول‪ :‬بأن هذا الموقف من كبار علماء الشيعة في رد وإنكار ما ورد في كتبهم‬
‫مما يمس كتاب ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل نقول‪ :‬إنه تقية فل سبيل إلى معرفة ذلك على وجه اليقين‪،‬‬
‫وإن كان البعض من السنة [انظر‪ :‬ص (‪ ].)213‬والشيعة [انظر‪ :‬ص (‪ ].)279‬قد ذهب إلى ذلك‪ ،‬فقد‬
‫لحظت الصراع الدائر بين الطائفتين في فصل الخطاب‪ ،‬كما تبين شيوع الكذب والدس فيكتبهم‬
‫كما بينا‪ ،‬ثم إن من يتبرأ من هذا الكفر (بعد إيمانه بال ورسوله) نقبل ذلك منه وال يتولى‬
‫السرائر‪.‬‬
‫وهذا النكار خطوة يجب أن تتلوها خطوات‪ ،‬وذلك بأن يعيدوا النظر في سائر ما شذوا به‬
‫عن جماعة المسلمين‪ ،‬وقد أشار شيخهم المجلسي ‪ -‬كما مر ‪ -‬إلى أنهم يجب أن يسلكوا هذا‬
‫المسلك‪ ،‬إذ يترتب في رأيه على إنكار أخبار التحريف التي تواترت من طرقهم بالكذب‬
‫والفتراء يترتب على ذلك رفع الثقة والعتماد في سائر أخبارهم‪ ..‬وهذا حق‪ ،‬فإن تواتر هذا‬
‫الكذب في كتبهم من أكبر الدلة على وضعها وفشو الكذب فيها‪.‬‬
‫نتائج الموضوع‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يحتمل أن هذه السطورة نشأت عند الشيعة في القرن الثاني‪ ،‬والذي تولى كبرها بعض‬
‫الغلة (وقد مر ذكر بعض أسمائهم)‪ ،‬وكان من أسبابها خلو كتاب ال مما يثبت بدعهم في‬
‫المامة‪ ،‬والصحابة وغيرهما‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أكثر كتب الشيعة المعتمدة عندهم قد روت هذا الكفر‪ ،‬وجاءت معظم هذه الروايات‬
‫صريحة في ذلك ل يمكن حملها على أنهم يقصدون تأويل الية‪ ،‬أو بيان القراءات التي وردت‬
‫فيها‪ ،‬بل جاءت تصرح بأن الية هكذا والصحابة – بزعمها ‪ -‬غير ذلك‪ ،‬مثل اللفاظ التالية‪:‬‬
‫"هذه الية مما غيروا وحروفوا‪[ "..‬بحار النوار‪ .].55 /92 :‬يعنون الصحابة‪ ،‬وقولهم‪" :‬أنزل ال‬
‫سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،290‬بحار النوار‪،].92/54 :‬‬
‫"كانت فيه أسماء رجال فألقيت" [تفسير العياشي‪ 1/12 :‬بحار النوار‪ ،].92/55 :‬وقولهم‪" :‬هكذا وال نزل‬
‫به جبرائيل على محمد ولكنه فيما حرف من كتاب ال" [بحار النوار‪ ،].92/56 :‬وقولهم‪" :‬بلى وال‬
‫[تفسير فرات‪ :‬ص ‪ ،177‬بحار النوار‪].91/56 :‬‬ ‫إنه لمثبت فيها وإن أول من غير ذلك لبن أروى"‬
‫ومثل ذلك كثير‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫فمن يقل من الشيعة‪ :‬إن رواياتهم الواردة في كتبهم من جنس روايات القراءات‪ ،‬ونسخ‬
‫التلوة فهو يتستر على هذا الكفر‪ ،‬ويساوي بين الحق والباطل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ادعى جمع من شيوخهم استفاضة هذه "الساطير" وكثرتها في كتبهم المعتمدة‪ ،‬وهذا‬
‫طعن في كتبهم ل في كتاب ال سبحانه‪ ،‬ولهذا حاول بعض عقلئهم الخروج بالمذهب من هذا‬
‫"المأزق" الذي وقع فيه‪ ،‬أو التستر على هذه الفضيحة‪ ..‬ولكن هذه السطورة كانت رواياتها تزيد‬
‫– عبر القرون – رغم إنكار المنكرين‪ ،‬وتبنى إشاعتها طائفة من الزنادقة الذين اندسوا في‬
‫الشيعة‪ ..‬ول ريب بأن من يقل بهذه السطورة فليس من السلم في شيء‪ ،‬ول علقة له بكتاب‬
‫ال ودينه‪ ،‬ول برسول السلم وأهل بيته‪ ،‬بل له دين آخر غير دين السلم‪.‬‬
‫لكن هؤلء القائلون بتغير القرآن الناقلون لتلك الساطير كالمجلسي في بحار النوار‪،‬‬
‫والطبرسي في فصل الخطاب نراهم يستشهدون من كتاب ال‪ ،‬ويفتتحون كل باب من أبواب‬
‫كتبهم بآيات من القرآن‪ ،‬كما يفعل المجلسي في بحاره‪ ،‬والطبرسي في "مستدرك الوسائل"‬
‫وغيرهما‪ ،‬بل إن الطبرسي الذي كتب في فصل الخطاب ما كتب قد عقد في كتابه‪" :‬مستدرك‬
‫الوسائل" بابا بعنوان‪" :‬باب استحباب الوضوء لمس كتابة القرآن ونسخه‪ ،‬وعدم جواز مس‬
‫المحدث والجنب كتابة القرآن" [مستدرك الوسائل‪ ،].1/43 :‬بل إن شيخ الشيعة المجلسي الذي قال ‪-‬‬
‫كما سلف ‪ -‬باستفاضة تلك الساطير وأنها ل تقصر عن أخبار المامة يقول مع ذلك‪" :‬بأن‬
‫الذي بين الدفتين كلم ال تعالى على الحقيقة من غير زيادة ول نقصان" [بحار النوار‪.].92/75 :‬‬
‫ثم استشعر التناقض بين هذا القول وبين أساطيرهم في تحريف القرآن فقال‪" :‬فإن قال قائل‪:‬‬
‫كيف يصحّ القول بأن الذي بين الدفتين هو كلم ال تعالى على الحقيقة من غير زيادة ول‬
‫نقصان‪ ،‬وأنتم تروون عن الئمة عليهم السلم أنهم قرؤوا‪" :‬كنتم خير أئمة أخرجت للناس" أو‬
‫"كذلك جعلناكم أئمة وسطا" وقرؤوا‪" :‬يسألونك النفال" وهذا بخلف ما في المصحف الذي في‬
‫أيدي الناس؟ قيل له‪ ..:‬إن الخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد ل يقطع على ال بصحتها‪،‬‬
‫فلذلك وقفنا فيها‪ ،‬ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به‪ ..‬مع أنه ل ننكر أن‬
‫تأتي القراءة على وجهين منزلتين أحدهما ما تضمنه المصحف‪ ،‬والثاني ما جاء به الخبر‪ ،‬كما‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى" ثم أشار إلى بعض القراءات‬
‫‪.].92/75‬‬
‫فما دام هذه نهاية الذين أثاروا تلك العقائد الكفرية‪ ،‬فلماذا أثاروا تلك المفتريات وتناقلوها‪..‬‬
‫والجواب واضح من خلل ما سبق أن عرضناه وهو إقناع قومهم وأتباعهم بصحة ما هم عليه‬
‫من معتقدات‪ ،‬وأن آيات من القرآن قد حذفها الصحابة تشهد لمذهبهم‪ ،‬ولهذا لحظنا أنهم أيضا‬
‫‪195‬‬
‫ادعوا نزول كتب إلهية غير القرآن‪ ،‬وفزعوا إلى التفسير الباطني؛ كل ذلك لثبات شذوذهم‪..‬‬
‫فإذن تحولت تلك الدعاوى إلى مجرد محاولت للتخلص من اللزامات الواردة عليهم بخلو كتاب‬
‫[كالدروز الذين اتخذوا‬ ‫ال مما يثبت عقائدهم‪ ،‬ولكن تلك الروايات كان لها آثارها على فرق الشيعة‬
‫لهم مصحفا سموه‪" :‬مصحف المنفرد بذاته"‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬مصطفى الشكعة‪ ،‬إسلم بل مذاهب‪ ،‬مقدمة الطبعة الخامسة‪ ،‬الخطيب‪ /‬عقيدة الدروز ص ‪،].)184-138‬‬
‫بل على الثني عشرية نفسها‪ ،‬فإن الخباريين منهم يقدّمون أخبارهم على كتاب ال كما سلف‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪ .].)116‬حتى أشيع بأن الثني عشرية لهم مصحف خاص بهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬كما أن لديهم روايات تقول بالتحريف‪ ،‬فإن عندهم روايات أخرى تنفي هذا الباطل‬
‫وتنكره مثل قول إمامهم‪" :‬واجتمعت المة قاطبة ل اختلف بينهم في ذلك أن القرآن حق ل‬
‫ريب فيه عند جميع فرقها‪ ،‬فهم في حالة الحتجاج عليه مصيبون‪ ،‬وعلى تصديق ما أنزل ال‬
‫[انظر‪ :‬الشعراني‪ /‬تعاليق‬ ‫مهتدون‪ ،‬لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تجتمع أمتي على ضللة"‬
‫علمية (على شرح الكافي للمازندراني) ‪ ،2/414‬وراجع تتمة النص في فصل‪ :‬اعتقادهم في الجماع‪ .].‬ومثل ما‬
‫جاء عندهم في ثواب قراءة القرآن [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬كتاب فضل القرآن‪ ،].2/611 :‬وفضل حامل‬
‫[أصول الكافي ‪ /‬باب الرد إلى الكتاب‬ ‫القرآن [أصول الكافي‪ ،].3/603 :‬ووجوب عرض أحاديثهم عليه‬
‫والسنة‪ ،].1/59 :‬والتمسك به إلى قيام الساعة‪ ،‬وهذا يبطل أن يكون محرفا أو مخفيا عند‬
‫منتظرهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تبين لنا أن هذه السطورة حملت بذاتها باطلها‪ ،‬وتبين من عناصر تكوينها فسادها‪،‬‬
‫وكان مجرد عرضها كافيا في الرد عليها‪ .‬ويكفي في بيان كذب الروافض‪ ..‬أن علي بن أبي‬
‫طالب الذي هو عند أكثرهم إله خالق‪ ،‬وعند بعضهم نبي ناطق‪ ،‬وعند سائرهم إمام معصوم ولي‬
‫المر وملك‪ ،‬فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعا ظاهر المر‪ ..‬والقرآن يقرا في‬
‫المساجد في كل مكان وهو يؤم الناس به‪ ،‬والمصاحف معه وبين يديه‪ .‬فلو رأى فيه تبديلً كما‬
‫تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك؟ ثم أتى ابنه الحسن وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك‪.‬‬
‫فكيف يسوغ لهؤلء النوكى أن يقولوا إن في المصحف حرفا زائدا أو ناقصا أو مبدلً مع‬
‫هذا؟!‬
‫ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل السلم أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما‬
‫خالفوه في رأي يسير رأوه ورأى خلفة فقط‪ ،‬فلح كذب الرافضة ببرهان ل محيد عنه‪ .‬والحمد‬
‫ل رب العالمين [ابن حزم‪ /‬الفصل‪.].217-2/216 :‬‬

‫‪196‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫اعتقادهم في السنة‪:‬‬
‫اعتبر المام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة‬
‫رسول الهدى ‪ -‬عليه الصلة والسلم [انظر‪ :‬الفرق بين الفرق ص‪ -].346 ،327 ،322 :‬على حين نجد‬
‫أن السيوطي يشير في كتابه "الحتجاج بالسنة" إلى ظهور دعوة شاذة في عصره تدعو إلى نبذ‬
‫السنة‪ ،‬والعراض عن الحتجاج بها والكتفاء بالقرآن‪ ،‬ويذكر أن مصدر هذه الدعوة رجل‬
‫رافضي‪ ،‬وقد كتب كتابه المذكور لنقض هذا التجاه وإبطاله‪.‬‬
‫إذا فالشيعة تحارب السنة‪ ،‬ولهذا فإن أهل السنة اختصوا بهذا السم لتباعهم سنة المصطفى‬
‫صلى ال عليه وسلم [المنتقى ص ‪ ،189‬منهاج السنة‪.].2/175 :‬‬
‫هذا ما جاء في بعض مصادر أهل السنة؛ ولكن الشيعة تروي عن أئمتها "أن كل شيء‬
‫[البهبودي‪ /‬صحيح الكافي‪:‬‬ ‫مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث ل يوافق كتاب ال فهو زخرف"‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي مع شرحه‪ ،‬باب الخذ بالسنة وشواهد الكتاب ‪،2/417‬‬ ‫‪ .].1/11‬وبهذا المعنى روايات أخر‬
‫وصحيح الكافي‪ ].1/11 :‬عندهم‪ .‬وهو يفيد أن الشيعة ل تنكر سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛‬
‫بل تعتمد عليها‪ ،‬وتجعلها مع كتاب ال الميزان والحكم‪.‬‬
‫غير أن الدارس لنصوص الشيعة ورواياتها قد ينتهي إلى الحكم بأن الشيعة تقول بالسنة‬
‫ظاهرا وتنكرها باطنا؛ إذ إن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاها مجانفا للسنة التي يعرفها‬
‫المسلمون‪ ،‬في الفهم والتطبيق‪ ،‬وفي السانيد‪ ،‬والمتون‪ ،‬ويتبين ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫قول المام كقول ال ورسوله‪:‬‬
‫[محمد تقي الحكيم‪/‬‬ ‫فالسنة عندهم هي‪" :‬كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ"‬
‫الصول العامة للفقه المقارن ص‪ ،].122 :‬ومن ل يعرف طبيعة مذهبهم ل يلمح مدى مجانبتهم للسنة‬
‫في هذا القول؛ إذ إن المعصوم هو رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ولكن الشيعة تعطي صفة‬
‫العصمة لخرين غير رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتجعل كلمهم مثل كلم ال وكلم‬
‫رسوله‪ ،‬وهم الئمة الثنا عشر‪ ،‬ل فرق عندهم في هذا بين هؤلء الثني عشر وبين من ل‬
‫ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى‪.‬‬
‫فهم "ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه‪ ،‬ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات‬
‫في الرواية؛ بل لنهم هم المنصوبون من ال تعالى على لسان النبي لتبليغ الحكام الواقعية‪ ،‬فل‬
‫[المظفر‪ /‬أصول الفقه المقارن‪ ،3/51 :‬وانظر‪:‬‬ ‫يحكمون إل عن الحكام الواقعية عند ال تعالى كما هي"‬
‫السالوس‪ /‬أثر المامة ص ‪.].274‬‬
‫‪197‬‬
‫ول فرق في كلم هؤلء الثني عشر بين سن الطفولة‪ ،‬وسن النضج العقلي؛ إذ إنهم ‪ -‬في‬
‫نظرهم ‪ -‬ل يخطئون عمدا ول سهوا ول نسيانا طوال حياتهم ‪ -‬كما سيأتي في مسألة العصمة‬
‫‪ ،-‬ولهاذ قال أحد شيوخهم المعاصرين‪" :‬إن العتقاد بعصمة الئمة جعل الحاديث التي تصدر‬
‫عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى ال عليه وسلم كما هو الحال‬
‫عند أهل السنة" [عبد ال فياض‪ /‬تاريخ المامية ص‪ ،].140 :‬ذلك إن المامة عندهم "استمرار للنبوة"‬
‫[محمد رضا المظفر‪ /‬عقائد المامية ص‪ ،].166 :‬وأن الئمة كالرسل "قولهم قول ال وأمرهم أمر ال‬
‫[ابن‬ ‫وطاعتهم طاعة ال ومعصيتهم معصية ال وإنهم لم ينطقوا إل عن ال تعالى وعن وحيه"‬
‫بابويه‪ /‬العتقادات ص‪.].106 :‬‬
‫وقد جاء في الكافي ما يعدونه حجة لهم في هذا المذهب وهو قول أبي عبد ال ‪ -‬كما يزعم‬
‫صاحب الكافي ‪" -‬حديثي حديث أبي‪ ،‬وحديث أبي حديث جدي‪ ،‬وحديث جدي حديث الحسين‪،‬‬
‫وحديث الحسين حديث الحسن‪ ،‬وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين‪ ،‬وحديث أمير المؤمنين‬
‫[أصول الكافي‪ ،‬كتاب‬ ‫حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحديث رسول ال قول ال عز وجل"‬
‫فضل العلم‪ ،‬باب رواية الكتب والحديث‪ ، 1/53 :‬وسائل الشيعة‪.].18/58 :‬‬
‫وذكر شارح الكافي أن هذا القول يدل على "أن حديث كل واحد من الئمة الظاهرين قول ال‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح جامع (على‬ ‫عز وجل‪ ،‬ول اختلف في أقوالهم كما ل اختلف في قوله تعالى"‬
‫الكافي) ‪.].2/272‬‬
‫بل قال‪" :‬يجوز من سمع حديثا عن أبي عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أن يرويه عن أبيه أو‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح جامع (على الكافي)‬ ‫عن أحد من أجداده‪ ،‬بل يجوز أن يقول‪ :‬قال ال تعالى"‬
‫‪ ،].2/272‬وهذا صريح في جواز نسبة أقوال البشر إلى ال سبحانه‪ .‬ثم ذكر أن بعض رواياتهم‬
‫تدل على جواز ذلك بل أولويته [المازندراني‪ /‬شرح جامع (على الكافي) ‪ ،].2/272‬كما جاء في الكافي‬
‫عن أبي بصير قال‪ :‬قلت لبي عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :-‬الحديث أسمعه منك أرويه عن‬
‫أبيك أو أسمعه عن أبيك أرويه عنك؟ قال‪ :‬سواء‪ ،‬إل أنك ترويه عن أبي أحب إليّ‪ .‬وقال أبو‬
‫[أصول الكافي (مع شرح جامع)‪:‬‬ ‫عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬لجميل‪ :‬ما سمعت مني فاروه عن أبي"‬
‫‪.].2/259‬‬
‫هذه الروايات صريحة في استساغتهم الكذب البواح الصراح حيث ينسبون – مثلً ‪ -‬لمير‬
‫المؤمنين علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ما لم يقله‪ ،‬بل قاله بعض أحفاده ممن لم يشتهر عنه العلم‪،‬‬
‫وحتى ما ينسب لمنتظره من أقوال يجوز نسبتها إلى أمير المؤمنين علي؛ بل النسبة إلى العلى‬
‫أولى كما يدل عليه صريح الرواية السابقة‪ ،‬وقد أخذ من ذلك شارح الكافي أولوية نسبة أقوال‬
‫‪198‬‬
‫الئمة إلى ال عز وجل‪ ،‬وهذا في غاية الجرأة على ال عز وجل‪ ،‬فالسنة عندهم ليست سنة‬
‫النبي فحسب؛ بل سنة الئمة‪ ،‬وأقوال هؤلء الئمة كأقوال ال ورسوله‪ ،‬ولهذا اعترفوا بأن هذا‬
‫مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة‪ ،‬قالوا‪" :‬وألحق الشيعة المامية كل ما يصدر عن أئمتهم‬
‫الثني عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة" [محمد تقي الحكيم‪ /‬سنة أهل البيت ص‪.].9 :‬‬
‫وهم يقولون بهذا القول من منطلقين خطيرين‪ ،‬وقاعدتين أساسيتين عندهم في هذه المسألة‪.‬‬
‫وقد أشار أحد شيوخهم المعاصرين إليهما حينما ذكر أن قول المام عندهم يجري مجرى قول‬
‫النبي‪ ،‬من كونه حجة على العباد واجب التباع‪ ،‬وأنهم ل يحكمون إل عن الحكام الواقعية عند‬
‫ال تعالى كما هي‪.‬‬
‫فبين أن ذلك يتحقق لهم من طريقين "من طريق اللهام كالنبي من طريق الوحي‪ ،‬أو من‬
‫طريق التلقي عن المعصوم قبله كما قال مولنا أمير المؤمنين ‪ -‬عليه السلم ‪" :-‬علمني رسول‬
‫[محمد رضا المظفر‪/‬‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب"‬
‫أصول الفقه‪ ،].3/51 :‬فعلم الئمة نوعان‪ :‬علم حادث وهذا يتحقق عن طريق اللهام وغيره‪ ،‬وعلم‬
‫مستودع عندهم ورثوه عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والكل يعتبر من السنة‪.‬‬
‫وفيما يلي توضيح لهذين الصلين الخطيرين عند الشيعة‪:‬‬
‫الصل الول‪ :‬علم الئمة يتحقق عن طريق اللهام والوحي‪:‬‬
‫علم الئمة يتحقق ‪ -‬في نظرهم ‪ -‬عن طريق اللهام‪ ،‬وحقيقته كما قال صاحب الكافي في‬
‫روايته عن أئمته‪" :‬النكت في القلوب" [أصول الكافي‪ ،].1/264 :‬وفي لفظ آخر له‪" :‬فقذف في‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫القلوب" وصرح أن ذلك هو اللهام حيث قال‪" :‬وأما النكت في القلوب فإلهام"‬
‫‪ ،].1/264‬أي أن العلم ينقدح في قلب المام فيلهم القول الذي ل يتصور فيه الخطأ لن المام‬
‫معصوم‪.‬‬
‫واللهام ليس هو الوسيلة الوحيدة في هذا‪ ،‬كما حاول أن يلطف من المر ذلك الشيعي‬
‫المعاصر الذي نقلنا كلمه آنفا‪ ،‬بل صرح صاحب الكافي في أن هناك طرقا أخرى غيره‪ ،‬حيث‬
‫ذكر في بعض رواياته أن من وجوه علوم الئمة "النقر في السماع" من قبل الملك‪ ،‬وفرّق بين‬
‫[أصول‬ ‫هذا واللهام حيث قال‪" :‬وأما النكت في القلوب فإلهام‪ ،‬وأما النقر في السماع فأمر الملك"‬
‫الكافي‪.].1/264 :‬‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح‬ ‫إذن هناك وسيلة أخرى غير اللهام‪ ،‬وهو نقر في السماع بتحديث الملك‬
‫جامع (على الكافي)‪ ،].6/44 :‬وهو يسمع الصوت ول يرى الملك كما جاء في الروايات الربع في‬
‫باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث من أصول الكافي‪ ،‬وكلها قالت‪ :‬إن "المام هو الذي‬
‫‪199‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،177-1/176 :‬وقد صحح هذه الروايات صاحب الشافي‬ ‫يسمع الكلم ول يرى الشخص"‬
‫شرح الكافي‪ .].3/29 :‬وذكر صاحب البحار (‪ )15‬رواية في هذا المعنى في باب عقدة بعنوان‪" :‬باب‬
‫أنهم محدثون مفهمون" [المجلسي‪ 26/73 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ولكن كيف يعلم أنه كلم الملك وهو ل يراه؟ قال إمامهم‪" :‬إنه يعطى السكنية والوقار حتى‬
‫يعلم أنه كلم الملك" [أصول الكافي‪ ،1/271 :‬بحار النوار‪ ،26/68 :‬الصفار‪ /‬بصائر الدرجات ص‪.].93 :‬‬
‫ثم بعد أبوابٍ عدة يعود صاحب الكافي ينقض ما قرره في الروايات السابقة‪ ،‬ويثبت تحقيق‬
‫رؤية المام للملك في روايات أربع في باب عقده بعنوان‪" :‬باب الئمة تدخل الملئكة بيوتهم‬
‫وتطأ بسطهم‪ ،‬وتأتيهم بالخبار عليهم السلم" [أصول الكافي‪ ،].394-1/393 :‬ثم ما تلبث أن تزيد هذه‬
‫الروايات الربع‪ ،‬لتصل إلى ست وعشرين رواية عند صاحب بحار النوار ليجمعها في باب‬
‫أكثر صراحة على التأكيد على رؤية المام للملك حيث جعل عنوانه "باب أن الملئكة تأتيهم‬
‫وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم" [بحار النوار‪ 26/355 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وتتحدث رواية أخرى لهم عن أنواع الوحي للمام فتذكر أن جعفرا قال‪" :‬إن منا لمن ينكت‬
‫في أذنه‪ ،‬وإن منا لمن يؤتى في منامه‪ ،‬وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت‬
‫[بحار النوار‪ ،26/358 :‬بصائر‬ ‫(كذا)‪ ،‬وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل"‬
‫الدرجات ص‪.].63 :‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪ 26/35 :‬وما بعدها‪ ،‬الروايات رقم‪:‬‬ ‫وثمة روايات أخرى في البحار بهذا المعنى‬
‫‪ .].130 ،112 ،111 ،110‬وكأنهم بهذا المقام أرفع من النبي الذي ل يأتيه إل جبرائيل‪ ،‬وتأتي‬
‫[وقد ورد في معاني الخبار‬ ‫روايات تبين هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنها الروح‬
‫لبن بابويه تفسير للروح بأنها ‪ -‬كما يقول إمامهم ‪" :-‬عمود من نور بيننا وبين ال عز وجل"‪ .‬عيون الخبار ص‪:‬‬
‫‪ ].354‬عندهم‪ ،‬وقد خصها صاحب الكافي بباب مستقل بعنوان‪" :‬باب الروح التي يسدد ال بها‬
‫الئمة"‪ ،‬وذكر فيها ست روايات [أصول الكافي‪ ،].274-1/273 :‬منها‪" :‬عن أبي بصير قال‪ :‬سألت أبا‬
‫ت تَ ْدرِي مَا‬
‫حيْنَا إِ َليْكَ رُوحًا مّنْ َأ ْمرِنَا مَا كُن َ‬
‫عبد ال عن قول ال تبارك وتعالى‪{ :‬وَكَ َذلِكَ َأوْ َ‬
‫الْ ِكتَابُ وَل الِيمَانُ} قال‪ :‬خلق من خلق ال عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬يخبره ويسدده وهو مع الئمة من بعده"‬
‫‪.].1/273‬‬
‫ح ْينَا}‪ ،‬وقد‬
‫ومعلوم أن الروح في هذه الية المراد بها القرآن‪ ،‬كما يدل عليه لفظ الية {َأوْ َ‬
‫سماه ال سبحانه روحا لتوقف الحياة الحقيقية على الهتداء به [شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪ .].4‬وكأن هذه‬
‫الدعاوى حول الوحي للمام قد غابت عن مفيدهم (المتوفى سنة ‪413‬ه‍) أو أنها صنعت فيما‬
‫‪200‬‬
‫بعد؛ إذ رأينا المفيد يقرر التفاق والجماع على "أنه من يزعم أن أحدا بعد نبينا يوحى إليه فقد‬
‫أخطأ وكفر‪[ "..‬أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ ،].39‬أو يكون قولهُ هذا تقية‪.‬‬
‫إذن المام يلهم‪ ،‬ويسمع صوت الملك‪ ،‬ويأتيه الملك في المنام واليقظة‪ ،‬وفي بيته ومجلسه‪ ،‬أو‬
‫يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدده‪ ،‬وليس ذلك نهاية المر‪ ،‬بل لدى الئمة‬
‫أرواح أخرى‪ ،‬ووسائل أخرى؛ لديهم خمسة أرواح‪ :‬روح القدس‪ ،‬وروح اليمان‪ ،‬وروح الحياة‪،‬‬
‫وروح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪.‬‬
‫ذكر ذلك صاحب الكافي في باب بعنوان‪" :‬باب فيه ذكر الرواح التي في الئمة عليهم‬
‫السلم" [أصول الكافي‪ ].1/271 :‬فذكر في ذلك ست روايات‪ ،‬بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب‬
‫البحار فبلغت رواياتها (‪ )74‬رواية [بحار النوار‪.].99-25/47 :‬‬
‫وقد ركزت رواياتهم على روح القدس‪ ،‬فذكرت أن هذه الروح تنتقل إلى الئمة بعد موت‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫النبياء "فإذا قبض النبي ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬انتقل روح القدس إلى المام"‬
‫‪" ].1/272‬وبروح القدس" عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى" [أصول الكافي‪،].1/272 :‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/272 :‬والزهو‪ :‬الرجاء الباطل‬ ‫"وروح القدس ل ينام ول يغفل ول يلهو ول يزهو"‬
‫والكذب والستخفاف (هامش الكافي‪ ،].)1/272 :‬وبروح القدس يستطيع أن يرى المام "ما غاب عنه في‬
‫[الغفاري‪ /‬تعاليق‬ ‫أقطار الرض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى"‬
‫على أصول الكافي‪( 1/272 :‬الهامش)‪.].‬‬
‫بل إن الئمة تذهب إلى عرش الرحمن ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬كل جمعة لتطوف به فتأخذ من‬
‫العلم ما شاءت‪.‬‬
‫قال أبو عبد ال‪" :‬إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله‪ -‬العرش‬
‫ووافى الئمة ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬معه ووافينا معهم‪ ،‬فل ترد أرواحنا إلى أبداننا إل بعلم مستفاد‪،‬‬
‫ولول ذلك لنفذنا" [أصول الكافي‪ ،1/254 :‬بحار النوار‪ ،89-26/88 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].36‬‬
‫وجاءت روايات أخرى بهذا المعنى ذكرها الكليني في باب خصصه لهذه الدعوى بعنوان‪:‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول‬ ‫"باب في أن الئمة عليهم السلم يزدادون في ليلة الجمعة"‪ .‬وذكر فيه ثلث روايات‬
‫الكافي‪ ،].1/253 :‬ثم جاء صاحب البحار فذكر في هذا الموضوع (‪ )37‬رواية في باب عقده في‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪-26/86 :‬‬ ‫هذا الشأن بعنوان‪" :‬باب أنهم يزدادون وأرواحهم تعرج إلى السماء"‬
‫‪.].97‬‬
‫بل جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر بأن ال تعالى ناجى عليا‪ ،‬وأن جبرائيل يملي‬
‫عليه‪[ ..‬بحار النوار‪ .].157-39/151 :‬كما جاءت فيه سبع عشرة رواية تتحدث عن تحف ال تعالى‬
‫‪201‬‬
‫وهداياه إلى علي [بحار النوار‪ .].129-39/118 :‬كما ذكر المجلسي‪" :‬أن ال ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬يرفع‬
‫[بحار النوار‪-26/132 :‬‬ ‫للمام عمودا ينظر به إلى أعمال العباد" واستشهد لذلك بست عشرة رواية‬
‫‪.].136‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪:‬‬ ‫كل هذه العلوم التي تتحقق لهم بهذه الوسائل يسمونها‪" :‬العلم الحادث"‬
‫‪ ].1/264‬وتحققها موقوف على مشيئة الئمة‪ ،‬كما أكدت ذلك روايات صاحب الكافي التي جاءت‬
‫[أصول‬ ‫في الباب الذي عقده بعنوان‪" :‬باب أن الئمة عليهم السلم إذا شاؤوا أن يعلموا علموا"‬
‫[أصول‬ ‫الكافي‪ ،].1/258 :‬وذكر فيه روايات ثلثا كلها تنطق بـ"أن المام إذا شاء أن يعلم أعلم"‬
‫الكافي‪ ،].1/258 :‬وفي لفظ آخر‪" :‬إذ أراد المام أن يعلم شيئا أعلمه ال ذلك" [أصول الكافي‪.].1/258 :‬‬
‫فالوحي للئمة ليس بمشيئة ال وحده كما هو الحال مع الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬بل تابع لمشيئة‬
‫المام!!‬
‫وهذا العلم الحادث الذي يحدث للئمة متى شاؤوا فيجعل كلمهم مثل كلم ال ورسوله‪ ،‬ليس‬
‫[انظر‪ :‬باب جهات‬ ‫هو كل ما عند الئمة‪ ،‬بل لديهم ما تسميه رواياتهم بالعلم الغابر‪ ،‬العلم المزبور‬
‫علوم الئمة‪ ،‬من أصول الكافي‪ ،].1/264 :‬وهو ما أودع الئمة من علوم ومن كتب وصحف‪ ،‬وهي‬
‫الساس الثاني لقولهم بأن كلم المام يجري مجرى كلم ال ورسوله‪ ،‬وهو ما سنبينه في‬
‫المبحث التالي‪.‬‬
‫الصل الثاني‪ :‬خزن العلم وإيداع الشريعة عند الئمة‪:‬‬
‫جاء في الكافي عن موسى جعفر قال ‪ -‬كما يزعمون ‪" :-‬مبلغ علمنا على ثلثة وجوه‪:‬‬
‫ماض وغابر وحادث‪ ،‬فأما الماضي فمفسّر‪ ،‬وأما الغابر فمزبور‪ ،‬وأما الحادث فقذف في القلوب‬
‫[أصول الكافي‪.1/264 :‬‬ ‫ونقر في السماع وهو أفضل علمنا ول نبي بعد نبيا"‬
‫وقد جاء في رواية أخرى لهم قول إمامهم‪ .." :‬أما الغابر فالعلم بما يكون‪ ،‬وأما المزبور فالعلم بما كان" (انظر‪:‬‬
‫بحار النوار‪ ،26/18 :‬المفيد‪ /‬الرشاد ص ‪ ،257‬الطبرسي‪ /‬الحتجاج ص‪ )203:‬وهذا التفسير كأنه يشير إلى‬
‫موضوع كل نوع‪ ،‬فنوع يتعلق بالحوادث الماضية‪ ،‬وآخر يتعلق بالحوادث المستقبلة‪ .].‬وفي البحار وبصائر‬
‫الدرجات ثلث روايات بهذا اللفظ [بحار النوار‪ ،26/59 :‬بصائر الدرجات ص ‪.].92‬‬
‫العلم الحادث هو ما تقدم بيانه‪ ،‬وهو كما أشارت الرواية يعد من أفضل علومهم‪ ،‬لنه كما‬
‫يقول بعض شيوخهم‪ :‬حصل لهم من ال بل واسطة [المازندراني‪ /‬شرح جامع‪].6/44 :‬؛ أي من ال‬
‫مباشرة بل واسطة ملك من الملئكة‪ ،‬وهذا يشبه قول غلة الصوفية مثل ابن عربي‪.‬‬
‫أما الماضي المفسّر والغابر المزور فقد أوضح شارح الكافي معناهما بقوله‪" :‬يعني‪ :‬الماضي‬
‫الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسرا لنا بالتفسير النبوي‪ ،‬والغابر المزبور الذي تعلق‬

‫‪202‬‬
‫علمنا به هو كل ما يكون مزبورا مكتوبا عندنا بخط علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وإملء الرسول‬
‫وإملء الملئكة مثل الجامعة وغيرها"‪.‬‬
‫فبهذا يتبين أن العلم المستودع عند الئمة نوعان‪ :‬كتب ورثوها عن النبي‪ ،‬أو علم تلقوه‬
‫مشافهة منه صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفحوى هذا العتقاد الذي يعتبر من ضرورات مذهبهم‬
‫وأركان دينهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بلغ جزءا من الشريعة وكتم الباقي وأودعه‬
‫المام عليا فأظهر علي منه جزءا في حياته‪ ،‬وعند موته أودعه الحسن وهكذا كل إمام يظهر‬
‫منه جزءا حسب الحاجة ثم يعهد الباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر‪.‬‬
‫وقد مر بنا ما قاله شيخهم وآيتهم محمد بن حسين آل كاشف الغطا (ت ‪1376‬ه‍) من أن‬
‫الحكام في السلم قسمان‪ :‬قسم أعلنه النبي صلى ال عليه وسلم للصحابة‪ ،‬وقسم كتمه أودعه‬
‫أوصياءه‪ ،‬كل وصي يخرج منه ما يحتاجه الناس في وقته ثم يعهد به إلى من بعده‪ ،‬حتى زعم‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قد يذكر حكما عاما ول يذكر مخصصه أصلً؛ بل يودعه عند‬
‫وصيه إلى وقته [انظر‪ :‬أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ ،77‬وانظر ص ‪ 146‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وقال شيخهم المعاصر بحر العلوم‪" :‬لما كان الكتاب العزيز متكفلً بالقواعد العامة دون‬
‫الدخول في تفصيلتها‪ ،‬احتاجوا إلى سنة النبي‪ ..‬والسنة لم يكمل بها التشريع!!‪ ،‬لن كثيرا من‬
‫الحوادث المستجدة لم تكن على عهده صلى ال عليه وسلم احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه‬
‫[بحر العلوم‪ /‬مصابيح الصول‪ :‬ص ‪ ،4‬وأقوال شيوخهم في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬فيقول‬ ‫ليؤدوها عنه في أوقاتها"‬
‫ل ‪ -‬آيتهم العظمى شهاب الدين النجفي‪" :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال‬
‫– مث ً‬
‫لتعليم جميع أحكام الدين‪ ..‬وقد قدّم الشتغال بالحروب على التمحص (كذا) ببيان تفاصل الحكام‪ ..‬لسيما مع عدم‬
‫كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون" (النجفي‪ /‬تعليقاته على إحقاق الحق‪-2/28 :‬‬
‫‪.)289‬‬
‫انظر‪ :‬كيف يطعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه قدّم الشتغال بالحروب على تبليغ شريعة ال‪ ،‬وال‬
‫يقول‪{ :‬يَا َأيّهَا ال ّرسُو ُل َبلّغْ مَا أُنزِ َل ِإلَ ْيكَ مِن ّربّكَ}‪ ..‬فهل أعرض رسول الهدى عن أمر ربه؟‍‍! وهل أمثال هؤلء من‬
‫ل عن أن يكونوا من أنصار أهل بيته؟! أليس إقراراهم لهذه العقيدة هو تكذيب لقول ال جل شأنه‪:‬‬
‫أتباع الرسول‪ ..‬فض ً‬
‫علَيْكُ ْم نِعْ َمتِي َو َرضِيتُ لَكُ ُم ا ِلسْلَمَ دِينًا} فال سبحانه أكمل لنا الدين‪ ،‬وكل قول‬
‫{ا ْليَوْمَ أَ ْك َملْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ َوَأتْمَ ْمتُ َ‬
‫خلف هذا كفر وضلل‪ ..‬ولكن الدين لم يكمل ولن يكمل هو دين الشيعة الذي يزيد فيه شيوخهم على مر الدهور ول‬
‫يزال في نقص واختلف لنه من وضع البشر‪.].‬‬
‫هذه بعض الخطوط العامة لهذه العقيدة الخطيرة في مذهب الشيعة‪ ،‬أما شواهدها فإن المقام‬
‫سيطول لو عرضت لها كلها فكيف بتحليها ونقدها‪ ..‬فلنذكر على سبيل الجمال‪..‬‬

‫‪203‬‬
‫فهم يزعمون أن الئمة هو خزنة علم ال ووحيه‪ ،‬وقد عقد صاحب الكافي بابا لهذا بعنوان‪:‬‬
‫"باب أن الئمة ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬ولة أمر ال وخزنة علمه" [أصول الكافي‪ ].193-1/192 :‬وضمن‬
‫هذا الباب ست روايات في هذا المعنى‪ ،‬وبابا آخر بعنوان‪" :‬أن الئمة ورثوا علم النبي وجميع‬
‫النبياء والوصياء الذين من قبلهم" [أصول الكافي‪ ،].226-1/223 :‬وفيه سبع روايات‪ ،‬وبابا ثالثا‬
‫بعنوان‪" :‬أن الئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملئكة والنبياء والرسل ‪ -‬عليهم‬
‫السلم ‪[ "-‬أصول الكافي‪ .].256-1/225 :‬وفيه أربع روايات‪.‬‬
‫وهذا العلم المستودع نوعان ‪ -‬كما سبق ‪( -‬مفسر‪ ،‬ومزبور)‪ ،‬أما المفسر فمما ذكروه فيه ما‬
‫جاء في أصول الكافي‪" :‬باب أن ال عز وجل لم يعلم نبيه علما إل أمره أن يعلمه أمير المؤمنين‬
‫وأنه كان شريكه في العلم"‪ ،‬وذكر فيه ثلث روايات [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].1/263 :‬وقريب من هذا‬
‫ما جاء في البحار في باب بعنوان‪" :‬باب أنه صلوات ال عليه كان شريك النبي ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وآله ‪ -‬في العلم دون النبوة‪ ،‬وأنه علم كلما علم صلى ال عليه وآله وأنه أعلم من سائر‬
‫[بحار النوار‪-40/208 :‬‬ ‫النبياء عليهم السلم" وقد استشهد لذلك باثنتي عشرة رواية من رواياتهم‬
‫‪.].212‬‬
‫كما قدم المجلسي اثنتين وثمانيني رواية تتحدث عن علم علي وأن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عمله ألف باب من العلم‪ ..‬في باب عقده لهذه الموضوع [بحار النوار‪ ،].200-40/127 :‬قالت إحدى‬
‫رواياته بأن النبي صلى ال عليه وسلم أسرّ إلى علي ألف حديث لم تعلمه المة‪ ،‬وزعمت أن‬
‫عليا أعلن ذلك للناس فقال‪" :‬أيها الناس‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أس ّر إليّ ألف‬
‫[بحار النوار‪ ،40/127 :‬ابن بابويه‪ /‬الخصال‪:‬‬ ‫حديث‪ ،‬في كل حديث ألف باب‪ ،‬لكل باب ألف مفتاح"‬
‫‪.].2/174‬‬
‫ومرة أخرى زعمت أن أبا عبد ال قال‪" :‬أوصى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وآله ‪ -‬إلى‬
‫[بحار النوار‪ ،40/129 :‬الخصال‪-2/175 :‬‬ ‫علي ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بألف باب كل باب يفتح ألف باب"‬
‫‪ ].176‬ثم زعمت أن عليا قال‪" :‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله علمني ألف باب من الحلل‬
‫والحرام‪ ،‬ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة‪ ،‬كل باب منها يفتح ألف باب فذلك ألف ألف‬
‫[بحار النوار‪ ،40/130 :‬الخصال‪ ،2/175:‬بصائر‬ ‫باب‪ ،‬حتى علمت المنايا والبليا‪ ،‬وفصل الخطاب"‬
‫الدرجات ص ‪ .].87‬كما قالت بأن رسول صلى ال عليه وسلم جلل عليا بثوبه ‪ -‬عند موته ‪ -‬وأنه‬
‫حدثه بألف حديث كل حديث يفتح ألف باب [بحار النوار‪ ،40/215 :‬بصائر الدرجات ص‪.].90-89 :‬‬
‫وهذا كله ليس بذاك العلم في نظر الئمة بالقياس لما عندهم من علوم‪ ،‬فقد قال أبو بصير‪:‬‬
‫"دخلت على أبي عبد ال فقلت له‪ :‬إن الشيعة يتحدثون أن رسول ال صلى ال عليه وآله علم‬
‫‪204‬‬
‫عليا بابا يفتح منه ألف باب‪ ،‬فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬علم وال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله عليا ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب‪ :‬قلت له‪ :‬هذا وال هو العلم‪.‬‬
‫[وهي رواية طويلة تتحدث عن العلوم الوهمية التي عند الئمة‪ .‬انظرها في أصول‬ ‫قال‪ :‬إنه لعلم وليس بذاك"‬
‫الكافي‪ 1/238 :‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪ ،40/130 :‬الخصال‪.].177-2/176 :‬‬
‫وقد استمر رسول ال صلى ال عليه وسلم طيلة حياته ‪ -‬كما تزعم روايات الشيعة ‪ -‬يعلم‬
‫عليا علوما وأسرارا ل يطلع عليها أحد سواه‪ ،‬وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوى إلى‬
‫مرحلة ل يصدقها عقل‪ ..‬حتى قالوا بأن عليا استمر في تلقي العلم من فم الرسول حتى بعد‬
‫موته ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ،-‬وعقد المجلسي لهذا بابا بعنوان‪" :‬باب ما علمه الرسول صلى‬
‫ال عليه وآله عند وفاته وبعده‪[ "..‬بحار النوار‪.].218-40/213 :‬‬
‫وقالت الرواية الولى في هذا الباب إن عليا قال‪" :‬أوصاني النبي صلى ال عليه وآله فقال‪:‬‬
‫[بئر غرس‪ :‬بئر بالمدينة‪( .‬انظر‪ :‬معجم البلدان‪،4/193 :‬‬ ‫إذا أنا متّ فغسلني بست قرب من بئر غرس‬
‫معجم ما استعجم‪ ،2/994 :‬المراصد‪ ،].)2/988 :‬فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني‪ ،‬ثم ضع‬
‫[بحار النوار‪ ،40/213 :‬بصائر‬ ‫فاك على فمي‪ ،‬قال‪ :‬ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة"‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪ .].80‬وقالت الرواية الثانية بأن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ -‬كما يفترون ‪:-‬‬
‫[بحار النوار‪ ،40/213 :‬بصائر‬ ‫"يا علي‪ ،‬إذا أنا متّ فاغسلني وكفني ثم أقعدني وسائلني واكتب"‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪.].80‬‬
‫ومضت بقية الروايات على هذا النسق المظلم‪ ،‬حتى قالوا بأن عليا كان إذا أخبر بشيء قال‪:‬‬
‫[بحار النوار‪ ،40/215 :‬الخرائج والجرائح‪:‬‬ ‫"هذا مما أخبرني به النبي صلى ال عليه وآله بعد موته"‬
‫ص ‪ .].132‬وهكذا يخربون بيوتهم بأيديهم‪ ،‬ويكشفون كذبهم بأنفسهم عبر مبالغتهم التي ل تكاد‬
‫تنتهي‪ ،‬وهذا جزء من رواياتهم عن العلم الذي خصه النبي صلى ال عليه وسلم لعلي وأورثه‬
‫الئمة من بعده‪.‬‬
‫ولم يكتف الخيال الشيعي بهذا؛ بل زعم أن عند الئمة العلم المزبور‪ ،‬أو الكتب التي ورثوها‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد جاء على ذكر بعضها صاحب الكافي في باب عقده بعنوان"‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫باب فيه ذكر الصحيفة‪ ،‬والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ‪ -‬عليها السلم ‪"-‬‬
‫[أصول‬ ‫‪ ،].242-1/238‬وفي باب آخر بعنوان‪" :‬ما أعطى الئمة عليهم السلم من اسم ال العظم"‬
‫الكافي‪ ،].1/230 :‬وفي باب ثالث بعنوان‪" :‬باب ما عند الئمة من آيات النبياء عليهم السلم"‬
‫[أصول الكافي‪.].232-1/231 :‬‬

‫‪205‬‬
‫أما شيخهم المجلسي فقد أكثر من الروايات في هذا الباب‪ ،‬وجمع ما في معظم كتب شيوخهم‬
‫المعتمدة عندهم‪ ،‬وسجل ذلك في بحاره في أبواب متعددة تضمنت روايات يصعب حصرها‪،‬‬
‫مثل‪" :‬باب جهات علومهم عليهم السلم وما عندهم من الكتب‪ ،"..‬وقد بلغت أخبار هذا الباب (‬
‫‪ )149‬خبرا انتخبها كعادته من مجموعة من كتبهم المعتمدة لديهم [بحار النوار‪ ،].66-26/18 :‬وباب‬
‫[بحار النوار‪( 156-26/155 :‬وفيه‬ ‫"في أن عندهم كتبا فيها أسماء الملوك الذين يملكون في الرض"‬
‫‪ 7‬روايات)‪ ،].‬وباب "في أن عندهم صلوات ال عليهم كتب النبياء عليهم السلم يقرءونها على‬
‫اختلف لغاتها" [بحار النوار‪( 189-26/180 :‬وفيه ‪ 27‬رواية)‪ ،].‬وباب "أن عندهم جميع علوم الملئكة‬
‫والنبياء وأنهم أعطوا ما أعطاه ال النبياء عليهم السلم‪ ،‬وأن كل إمام يعلم جميع علم المام‬
‫الذي قبله ول تبقى الرض بغير عالم" [بحار النوار‪( 179-26/159 :‬وفيه ‪63‬رواية)‪ ،].‬وباب "أنهم‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫عليهم السلم‪ ..‬عندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم"‬
‫‪( 132-26/117‬وفيه ‪ 40‬رواية)‪.].‬‬
‫وتحدثت روايات هذه البواب عما ورثه الئمة من صحف وغيرها‪ ،‬أو عن المصادر‬
‫الوهمية التي تزعم الرافضة عند أئمتهم الثني عشر والتي فيها ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬كل ما‬
‫يحتاجه الناس‪ ،‬ولو ذهبنا نعرض ونفصل ما احتوته هذه البواب‪ ،‬ونحلل معلوماتها‪ ،‬ونبين‬
‫ضروب تناقضاتها وأوهامها لكان بذاته بحثا مستقلً؛ ولكن نكتفي بالشارة والمثال‪.‬‬
‫لقد كان مما تضمنته هذه البواب روايات عديدة عن صحيفة تسمى الجامعة أو الصحيفة‪،‬‬
‫وصفوها بأنها "سبعون ذراعا بخط علي عليه السلم‪ ،‬وإملء رسول ال صلى ال عليهما وعلى‬
‫أولدهما – كذا ‪ -‬فيها من كل حلل وحرام" [أصول الكافي‪ ،1/239 :‬بحار النوار‪ ،].26/22 :‬وليس من‬
‫قضية إل هي فيها حتى أرش الخدش [أصول الكافي‪ ،1/239 :‬بحار النوار‪ ،].26/22 :‬وتكرر ذكر هذه‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪ 26/22 :‬وما بعدها‪ ،‬الروايات التالية‪ :‬رقم‬ ‫المعلومات وما في معناها في روايات كثيرة‬
‫‪ 90 ،80 ،78 ،65 ،61 ،25 ،23 ،22 ،18 ،17 ،15 ،13 ،11‬وغيرها‪.].‬‬
‫ومن العجب أن أئمتهم يعدون أتباعهم بأنهم سيحكمون بما في هذه الصحيفة لو تمكنوا من‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫الحكم حيث قالوا‪" :‬لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل ال لم نعد ما في هذه الصحيفة"‬
‫‪ ،23-26/22‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].39‬‬
‫أما القرآن فليس له ذكر‪ ،‬كما يخبرون بأنها هي دستورهم الذي يتبعون‪ ،‬حيث قالوا‪.." :‬‬
‫فنحن نتبع ما فيها ول نعدوها" [بحار النوار‪ ،23-26/22 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].39‬وزعم أبو بصير‬
‫(أحد رواتهم) بأنه رآها عند أبي جعفر [بحار النوار‪ ،26/23 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].39‬كما زعم‬

‫‪206‬‬
‫زرارة أنه استمع إلى نص من نصوصها يقول‪" :‬إن ما يحدث به المرسلون كصوت السلسلة أو‬
‫كمناجاة الرجل صاحبه" [بحار النوار‪ ،26/24 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].40-39‬‬
‫كما نقلت رواياتهم أخبارا عن كتاب يسمونه كتاب علي‪ ،‬ووصفوا شكله بأنه "مثل فخذي‬
‫الرجل مطوّى" [بحار النوار‪ ،26/51 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ].45‬وأنه "خط علي بيده وإملء رسول‬
‫ال" [بحار النوار‪ ،26/51 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].45‬ولم ينقلوا لنا من نصوصه وأحكامه إل هذا‬
‫الحكم الجائر الذي يقول‪" :‬إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفي عنها شيء‪ ،‬هذا‬
‫وال خط علي بيده وإملء رسول ال" [بحار النوار‪ ،26/51 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].45‬وهم يأخذون‬
‫بهذا النص من ذلك الكتاب الموهوم‪ ،‬ويعرضون عن نصوص القرآن العامة والتي لم تفرق بين‬
‫[وحاولوا التخلص من ذلك‬ ‫العقار وغيره‪ .‬ثم إن هذا يناقض ما يدّعونه بأن لفاطمة نصيبا في فدك‬
‫بزعمهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خصها بذلك في حياته‪( .‬انظر‪ :‬مقتبس الثر‪.].)23/179 :‬‬
‫ويبدو من خللهم رواياتهم أن هذا الكتاب ل يظهر له صوت إل في جو من اللحاد‬
‫[المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي‪ ،‬أحد الزنادقة‪ ،‬تقدم التعريف به ص‪( :‬‬ ‫والزندقة؛ إذ إنه ما إن قتل المغيرة‬
‫‪ ].)168‬والذي تعترف كتب الرافضة بغلوه حتى زاد حصرهم على إخفاء الكتاب‪ ،‬فقد قال‬
‫جعفرهم حينما نقل له نص في ولية علي‪ ..." :‬هذا مكتوب عندي في كتاب عليّ ولكن دفعته‬
‫[بحار النوار‪ ،53-26/52 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص‬ ‫أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة"‬
‫‪ ،45‬وانظر الحديث عن كتاب علي المزعوم في‪ :‬البحار‪ 26/24 :‬رقم‪.].59 ،55 ،54 :‬‬
‫[على اختلف‬ ‫كما تتحدث رواياتهم عن صحيفة فيها تسع عشرة صحيفة قد حباها أو خباها‬
‫[بحار النوار‪ ،26/24 :‬بصائر‬ ‫نسخهم ما بين اللفظين‪ ].‬رسول ال صلى ال عليه وآله عند الئمة‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].39‬ول تفصح عن شيء أكثر من هذا‪.‬‬
‫وتذكر أخبارهم بأنه‪" :‬في ذؤابة سيف علي صحيفة صغيرة‪ ،‬وأن عليا عليه السلم دعا إليه‬
‫الحسن فدفعها إليه ودفع إليه سكينا وقال له‪ :‬افتحها‪ ،‬فلم يستطيع أن يفتحها ففتحها له‪ ،‬ثم قال له‪:‬‬
‫اقرأ‪ ،‬فقرأ الحسن ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬اللف والباء والسين واللم وحرفا بعد حرف‪ ،‬ثم طواها‬
‫فدفعها إلى الحسين عليه السلم فلم يقدر أن يفتحها‪ ،‬ففتحها له ثم قال له‪ :‬اقرأ يا ُب َنيّ‪ ،‬فقرأها‬
‫كما قرأ الحسن عليه السلم‪ ،‬ثم طواها فدفعها إلى ابن الحنفية فلم يقدر على أن يفتحها ففتحها له‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫فقال له‪ :‬اقرأ‪ ،‬فلم يستخرج منها شيئا‪ ،‬فأخذها وطواها ثم علقها بذؤابة السيف"‬
‫‪ ، 26/56‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،89‬المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪.].284‬‬
‫وقد سئل أبو عبد ال عن ما في هذه الصحفية فقال‪" :‬هي الحرف التي يفتح كل حرف ألف‬
‫باب" [بحار النوار‪ ، 26/56 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،89‬المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪ .].284‬وقال أبو عبد ال ‪-‬‬
‫‪207‬‬
‫[بحار النوار‪ ، 26/56 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪،89‬‬ ‫عليه السلم ‪" :-‬فما خرج منها إل حرفان الساعة"‬
‫المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪ .].284‬ولم يفصح هذا النص عن معاني هذه الحروف المبهمة‪ ،‬والتي يفتح‬
‫بها آلف من البواب المغلقة ‪ -‬كم يزعمون ‪ ،-‬ولماذا لم يستفد منها الئمة‪ ،‬وهم في أخبار‬
‫الشيعة تتناوبهم المحن‪ ،‬ويعيشون في ظل الخوف والتقية‪ ،‬حتى ظل آخرهم قابعا في سردابه ‪-‬‬
‫فيما يزعمون ‪ -‬يمنعه الخوف من أعدائه كل هذه القرون المتطاولة؟!‬
‫وقد أشار شيخ السلم إلى ما يشبه هذه الدعوى حيث أشار إلى لون من استكشاف المستقبل‬
‫بواسطة "حساب الجمل من حروف المعجم" وأشار إلى أن هذا مما ورث عن اليهود‪ ،‬وأن طائفة‬
‫حاولت به استخرج مدة بقاء هذه المة" [فتاوى شيخ السلم‪( 4/82 :‬جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم)‪..].‬‬
‫فقد تكون تلك الدعوى السابقة كشبيهتها هذه ذات أصل يهودي‪ ..‬وهي على العموم ضرب من‬
‫الهوس والجنون‪ ،‬أو لون من الكيد للمة وإلهائها عن مهمتها في هذه الحياة‪ ،‬ونوع من التلبيس‬
‫على عوام الشيعة وخداعها‪ ،‬وإغراقها في جو من الطلسم واللغاز ل تبصر من خلله‬
‫طريقها‪ ،‬ول تهتدي بسبب ظلماته إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫ومزاعمهم في هذا الباب ل تكاد تنتهي‪.‬‬
‫فقد افتروا بأن عليا قال‪" :‬إن عندي صحفا كثيرة‪ ..‬وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة‪ ،‬وما‬
‫[في القاموس‪ :‬المبهرج‪:‬‬ ‫ورد عن العرب أشد عليهم منها‪ ،‬وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة‬
‫الباطل الرديء‪ ..‬والمبهرج من المياه‪ :‬المهمل الذي ل يمنع عنه‪ ،‬ومن الدماء‪ :‬المهدر (القاموس‪ ].)1/180 :‬ما لها‬
‫في دين ال من نصيب" [بحار النوار‪ ،26/37 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].41‬‬
‫ولعل القارئ يلحظ من خلل قراءة هذا النص وأمثاله هوية واضع هذه النصوص‪ ..‬وأنهم‬
‫صنف من الشعوبية الذين يكنون كل حقد وكراهية للعرب‪ ،‬ل لمجرد جنسيتهم؛ ولكن للدين الذي‬
‫يحملونه ويسعون في نشره‪ ،‬وأن هذا الصنف استغل التشيع ليحقق من خلله كيده وعدوانه ضد‬
‫طلَت الخدعة على طوائف الشيعة فأوسعوا مصادرهم لخبار هذا الصنف‬
‫المة ودينها‪ ..‬ولقد انْ َ‬
‫الحاقد‪ ،‬أو تعمدوا ذلك‪ ،‬والضحية هم التباع الجهلة الذين ينخدعون بهذه الساطير‪ ،‬لنها‬
‫منسوبة لل البيت‪ ،‬ولم يعلموا أن وراء الكمة ما وراءها‪.‬‬
‫ومن الكتب التي عند أئمتهم ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬كتاب يسمى‪" :‬ديوان الشيعة" أو الناموس أو‬
‫السمط على اختلف رواياتهم في تسميته‪ ،‬قد سُجل فيه الشيعة بأسمائهم وأسماء آبائهم‪ ،‬وكان‬
‫أتباع الئمة ‪ -‬كما تزعم روايات الشيعة ‪ -‬يذهبون إلى الئمة ليقفوا على أسمائهم في هذا‬
‫[انظر رواياتهم في هذا في‪ :‬بحار النوار‪-26/117 :‬‬ ‫الديوان؛ لن وجود السم فيه هو برهان النجاة‬
‫‪.].132‬‬
‫‪208‬‬
‫فمثلً هذه امرأة تدعى حبابة الوالبية ‪ -‬كما تقول روايتهم ‪ -‬جاءت لبي عبد ال وقالت له‪:‬‬
‫"إن لي ابن أخ وهو يعرف فضلكم وإني أحب أن تعلمني أمن شيعتكم؟ قال‪ :‬وما اسمه؟ قالت‪:‬‬
‫فلن ابن فلن‪ ،‬قالت‪ :‬فقال‪ :‬يا فلنه‪ ،‬هاتي الناموس‪ ،‬فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثم‬
‫نظر فيها فقال‪ :‬نعم هو ذا اسمه واسم أبيه ها هنا" [بحار النوار‪ ،26/121 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].46‬‬
‫ومن ليس له اسم في هذا الديوان فليس عندهم من أهل السلم؛ لن إمامهم قال‪" :‬إن شيعتنا‬
‫[بحار النوار‪،26/123 :‬‬ ‫مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم‪ ..‬ليس على ملة السلم غيرنا وغيرهم"‬
‫بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].47‬وأحيانا يقولون في رواياتهم بأنهم ورثوا ذلك من الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم لنه دُفع إليه ‪ -‬حينما أسري به ‪ -‬صحيفتان‪ :‬صحيفة فيها أصحاب اليمين‪ ،‬وأخرى‬
‫فيها أصحاب الشمال‪ ،‬وفيهما أسماء أهل الجنة‪ ،‬وأسماء أهل النار‪ .‬وقد دفعهما الرسول ‪ -‬كما‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫يزعمون ‪ -‬إلى عليّ‪ ،‬وتوارثها الئمة من عليّ‪ ،‬وهما اليوم عند منتظرهم‬
‫‪ ،125-26/124‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،52‬وإذا لحظنا أنهم يزعمون بأن لكبار شيوخهم صلة بالمنتظر المزعمون‪،‬‬
‫وهذا المنتظر عنده كل هذه العلوم‪ ،‬والتي منها سجل أسماء أهل الجنة وأهل النار‪ ،‬فل يستبعد ما يقال بأن بعض آياتهم‬
‫في دولتهم الحاضرة يصدرون صكوك الغفران والحرمان‪ ،‬ويغررون بأولئك المغفلين ويزجون بهم في أتون الحرب‬
‫تحت تأثير هذه الماني والوعود الكاذبة‪.].‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫كما أن لدى الئمة كتابا يقولون عنه بأنه‪" :‬وصية الحسين" وفيها ما يحتاج الناس‬
‫[أصول‬ ‫‪ ،26/54‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ].54‬أو "ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى"‬
‫الكافي‪.].1/304 :‬‬
‫[الجفر‪ :‬تقول رواياتهم في تفسيره بأنه‪" :‬وعاء من أدم فيه علم النبيين‬ ‫كما أن لدى الئمة الجفر البيض‬
‫والوصيين‪ ،‬وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل" (أصول الكافي ‪ )1/239‬ومرة تنعته بأنه‪" :‬جلد ثور ملئ علما"‬
‫(المصدر السابق‪ .)1/241 :‬وهل المسلمون بحاجة في دينهم إلى غير شريعة القرآن؟! لقد أكمل ال سبحانه لنا الدين‪،‬‬
‫سلَمِ دِينًا َفلَن ُيقْبَ َل ِمنْهُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.]85 :‬‬
‫غ ْيرَ ا ِل ْ‬
‫وختم بكتابه الكتاب‪ ،‬ونسخ بالسلم الديان كلها {وَمَن يَ ْبتَغِ َ‬
‫وتأتي روايات أخرى عندهم تجعل من هذه الجفر ألوانا؛ لكل لون مضمون يتناسب مع لونه‪ ،‬ونكهة توافق شكله‪،‬‬
‫فنهاك الجفر البيض‪ ،‬وهناك الجفر الحمر‪ ،‬والذي يحمل الموت الحمر والذي "سيبعث" به منتظرها‪ ،‬وتتوعد‬
‫الرافضة بهذا "الجفر" الصالحين من مسلف هذه المة وخلفها‪ ،‬لنه يحكي أسطورة النتقام الموعودة (انظر في الجفر‬
‫الحمر‪ :‬أصول الكافي ‪ ،)1/240‬وراجع‪ :‬فصل المهدية والغيبة‪ ].‬وفيه كما تقول رواياتهم‪" :‬زبور داود‪،‬‬
‫وتوراة موسى‪ ،‬وإنجيل عيسى‪ ،‬وصحف إبراهيم‪ ،‬والحلل والحرام‪ ،‬ومصحف فاطمة‪ ،‬وفيه ما‬
‫يتحاج الناس؛ حتى إن فيه الجلدة‪ ،‬ونصف الجلدة‪ ،‬وثلث الجلدة‪ ،‬وربع الجلدة‪ ،‬وأرش الخدش"‬
‫[بحار النوار‪ ،26/37 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].41‬‬
‫النقد‪:‬‬

‫‪209‬‬
‫هذا‪ ،‬ونكتفي بهذا لقدر من المصادر الوهمية التي تزعمها الرافضة‪ ،‬والتي يغني في بيان‬
‫فسادها مجرد عرضها وتصورها‪ ..‬والتي لو كان شيء منها موجودا لتغير وجه التاريخ‪ ،‬ولما‬
‫عجز الئمة ‪ -‬حسب منطق الروافض ‪ -‬عن الوصول إلى سدة الحكم‪ ،‬ولما عصفت بهن‬
‫المحن‪ ،‬ومات كل واحد منهم مقتولً أو مسموما ‪ -‬كما يزعمون ‪ ،-‬ولما غاب غائبهم في‬
‫سردابه‪ ،‬وظل مختفيا قابعًا في مكمنه خوف القتل!! وهذه المزاعم الخطيرة التي دونها الروافض‬
‫في المعتمد من كتبهم تحمل أمورًا خطيرة‪:‬‬
‫تحمل دعوى استمرار الوحي اللهي‪ ،‬وهو باطل‪ ..‬قامت الدلة النقلية والعقلية على بطلنه‪،‬‬
‫وأجمع المسلمون على أن "الوحي قد انقطع منذ مات النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والوحي ل‬
‫حمّدٌ َأبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَكِن ّرسُولَ الّلهِ وَخَاتَمَ‬
‫ن مُ َ‬
‫يكون إل لنبي‪ ،‬وقد قال ال سبحانه‪{ :‬مّا كَا َ‬
‫ال ّن ِبيّينَ} [الحزاب‪ ،‬آية‪ .].40 :‬وقد جاء في نهج البلغة عن علي قال في حق رسول ال صلى ال‬
‫[نهج البلغة‪:‬‬ ‫عليه وسلم‪" :‬أرسله على حين فترة من الرسل‪ ..‬فقفّى به الرسل‪ ،‬وختم به الوحي"‬
‫ص ‪.].191‬‬
‫فهذا قد يدل على أن هذه الدعاوي التي مضى عرضها من صنيع شيوخ الشيعة المتأخرين‪،‬‬
‫وقد لوحظ ‪ -‬كما سلف ‪ -‬أن مفيدهم (ت ‪413‬ه‍) يكفر من يذهب إلى القول بنسبة الوحي لغير‬
‫النبياء‪.‬‬
‫ثم هي تدعي أن الدين لم يكمل وهي مخالفة صريحة لقول ال سبحانه‪{ :‬ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ‬
‫دِينَكُمْ‪[ }..‬المائدة‪ ،‬آية‪ ،].3 :‬كما تزعم بأن رسول الهدى صلى ال عليه وسلم لم يبلغ جميع ماأنزل‬
‫ك مِن ّربّكَ َوإِن لّ ْم تَفْ َعلْ‬
‫إليه‪ ،‬وأنه لم يتمثل أمر ربه في قوله ‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬
‫َفمَا بَلّغْتَ ِرسَا َل َتهُ} [المائدة‪ ،‬آية‪ ].67 :‬وهذا إزراء بحق رسول ال‪ ،‬ولهذا وجد من فرق الشيعة من‬
‫يقع في رسول ال [وهي طائفة العلبائية‪ ،‬سيأتي التعريف بها ص (‪.].)619‬‬
‫وقد بلّغ النبي صلى ال عليه وسلم البلغ المبين‪ ،‬وبيّن الدين‪ ،‬وأقام الحجة على العالمين‪،‬‬
‫وأعلن ذلك بين المسلمين‪ ،‬ولم يسر لحد بشيء من الشريعة ويستكتمه إياه‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬لتُ َب ّينُ ّنهُ‬
‫لِلنّاسِ وَ َل تَ ْك ُتمُو َنهُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ].187 :‬فهو بيان للناس وليس لفئة معينة من أهل البيت‪ ،‬وقال‬
‫ن يَ ْك ُتمُونَ مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْل َب ّينَاتِ وَا ْلهُدَى مِن بَعْ ِد مَا بَ ّينّاهُ لِلنّاسِ فِي الْ ِكتَابِ‬
‫تعالى {إِنّ الّذِي َ‬
‫صلَحُواْ َو َبيّنُواْ} [البقرة‪ ،‬آية‪،].160-159 :‬‬
‫ن تَابُواْ وََأ ْ‬
‫عنُونَ‪ ،‬إِلّ الّذِي َ‬
‫أُولَـئِكَ يَل َع ُنهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ الّل ِ‬
‫ختَلَفُواْ فِيهِ} [النحل‪ ،‬آية‪.].64 :‬‬
‫عَليْكَ الْ ِكتَابَ إِلّ ِل ُتبَيّنَ َلهُمُ الّذِي ا ْ‬
‫وقال‪َ { :‬ومَا أَنزَ ْلنَا َ‬
‫"فالدين قد تم وكمل ل يزاد فيه ول ينقص منه ول يبدل" [ابن حزام‪ /‬المحلي‪ ].1/26 :‬ل من إمام‬
‫مزعوم‪ ،‬ول من غائب موهوم‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫وقد ودع المصطفى الدنيا بعد أن بلغ الدين كله وبين جميعه كما أمره ربه‪ ،‬وأعلم بذلك‬
‫المسلمين أجمع "فل سر في الدين عند أحد" [ابن حزام‪ /‬المحلي‪.].1/15 :‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل‬
‫[هذا جزء من حديث رواة ابن ماجه في سننه‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب اتباع الخلفاء الراشدين‪ ،1/16 :‬وأحمد في مسنده‪:‬‬ ‫هالك"‬
‫‪ ،4/126‬والحاكم في مستدركه‪ ،1/96 :‬وابن أبي عاصم في كتاب السنة باب ذكر قول النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"تركتكم على مثل البيضاء"‪ ،‬وروى عدة روايات في هذا المعنى صحح اللباني معظمها‪.].‬‬
‫[رواه ابن أبي‬ ‫قال أبو الدرداء رضي ال عنه‪" :‬صدق ال ورسوله فقد تركنا على مثل البيضاء‬
‫عاصم في كتاب السنة ‪.].1/26‬‬
‫وقال أبو ذر رضي ال عنه‪" :‬لقد تركنا محمد صلى ال عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه‬
‫في السماء إل ذكر لنا منه علما" [روى هذا الثر المام أحمد في مسنده ‪ .].5/153‬وقال عمر رضي ال‬
‫عنه‪" :‬قام فينا رسول ال مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار‬
‫[صحيح البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق‪ ،‬باب ما جاء في قوله‬ ‫منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه"‬
‫تعالى‪{ :‬وَهُ َو الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِي ُدهُ} ج‪.].‍4/73‬‬
‫وقال المام الشافعي‪" :‬فليست تنزل بأحد من أهل دين ال نازلة إل وفي كتاب ال الدليل على‬
‫سبيل الهدى فيها" [الرسالة‪ :‬ص ‪ ،].20‬بل قال جعفر الصادق ‪ -‬كما تنقل كتب الشيعة نفسها ‪" :-‬إن‬
‫ال تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى وال ما ترك ال شيئا يحتاج إليه العباد حتى ل‬
‫يستطيع عبد يقول‪ :‬لو كان هذا أنزل في القرآن؟ إل وقد أنزل ال فيه" [أصول الكافي‪ ،].1/59 :‬فكل‬
‫ما تنسبه الشيعة بعد هذا كذب‪.‬‬
‫والرافضة ليست على شيء في مخالفتها في هذا الصل العظيم الذي "هو أصل أصول العلم‬
‫[معارج‬ ‫واليمان‪ ،‬وكل من كان أعظم اعتصاما بهذا الصل كان أولى بالحق علما وعملً"‬
‫الوصول‪ :‬ص ‪ ،2‬وانظر‪ :‬موافقة صحيح المنقول‪.].1/13 :‬‬
‫وأين هذه "المصادر" اليوم؟ وماذا ينتظر "منتظرهم" حتى يخرج بها إلى الناس؟ وهل الناس‬
‫بحاجة إليها في دينهم؟ فإن كان الناس بحاجة فلم تبقى المة منذ اختفاء المام "المزعوم" منذ‬
‫أكثر من أحد عشر قرنا بعيدة عن مصدر هدايتها؟ وما ذنب كل هذه الجيال المتعاقبة لتحرم‬
‫من هذه "الفيوضات" والكنوز؟!‬
‫وإن لم تكن المة في حاجة إليها فلم كل هذه الدعاوى‪ ،‬ولم يصرف هؤلء الشيعة عن مصدر‬
‫هدايتهم وهو كتاب ال وسنة نبيه؟!‬

‫‪211‬‬
‫إن الحق الذي ل ريب فيه أن ال أكمل لنا ديننا {ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ دِينَكُمْ‪ }..‬وكل دعوى بعد‬
‫ذلك فهي باطل من القول وزور‪.‬‬
‫وكل هذه الدعاوى أرادت منها هذه الزمرة إثبات ما تزعمه في الئمة‪ ..‬فزادت وغلت في‬
‫ذلك‪ ..‬فانكشف بذلك أمرها‪ ..‬والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده‪.‬‬
‫ولو كان عند علي مثل هذه العلوم‪ ..‬لخرجها للناس أيام خلفته‪ ،‬ولرواها عنه أئمة أهل‬
‫السنة ولم يختص بها شرذمة من الرافضة‪.‬‬
‫بل إن هذه الدعاوى وجد لها أصل في عهد أمير المؤمنين وتولى كبرها بعض العناصر‬
‫السبئية‪ ،‬كما جاء في رسالة الرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية ‪ -‬كما سلف ‪ ،-‬وقد نفى أمير‬
‫المؤمنين علي هذه المزاعم نفيا قاطعا‪ ،‬وأعلن ذلك للمسلمين‪ ،‬ونفى أن يكون عندهم شيء أسره‬
‫الرسول لهم واختصوا به دون المسلمين‪ ..‬وأقسم على ذلك قسما مؤكدا‪ ،‬وكأنه ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪ -‬خشي أن يأتي من يقول بأن هذا النكار تقية‪ ،‬فأقسم على نفي ذلك ليهلك من هلك عن بينة‬
‫ويحيى من حيى عن بينة‪ ،‬وهذا من فراسة الرعيل الول ببركة صحبة النبي والتلقي عنه‬
‫والجهاد معه‪ ..‬وقد جاء الحديث عن علي في نفي تلك المزاعم في الصحاح والسنن والمسانيد‬
‫[وقد مر تخريجه ص‪.].)79( :‬‬
‫وقد وقفت على هذا النص في بعض كتب الشيعة‪ ،‬فقد جاء في تفسير الصافي‪" :‬أنه عليه‬
‫السلم سئل هل عندكم من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم شيء من الوحي سوى القرآن؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إل أن يعطى العبد فهما في كتابه" [تفسير الصافي‪.].1/19 :‬‬
‫ثم تطورت هذه المزاعم وكثرت في عصر جعفر الصادق وأبيه ‪ -‬رحمهما ال ‪ -‬وكان لكل‬
‫اتجاه شيعي نصيبه من هذه المزاعم‪ ،‬ولكن الثني عشرية استوعبت كل ما عند هذه الفرق‬
‫وزادت عليها على مر السنين‪ ،‬وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى هذا التجاه عند الشيعة في‬
‫نسبة هذه الوهام كالجفر ونحوه لبعض أهل البيت ولم يحدد فرقة الثني عشرية بذاتها إل أنه‬
‫[منهاج‬ ‫نسب القول بأن عليا أعطي علما باطنا مخالفا للظاهر نسب ذلك إلى القرامطة الباطنية‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫السنة‪ ،].4/179 :‬كما نسب القول بأن عليا يعلم المستقبلت إلى الغلة من الشيعة‬
‫‪ ،].4/179‬ويرى الشيخ أبو زهرة "بأن الخطابية هم أول من تكلم بالجفر واستنبط ذلك من كلم‬
‫للمقريزي" [المام الصادق‪ :‬ص ‪.].126‬‬
‫وأضيف بأنه جاء في كتب الشيعة أيضا ما يوافق ذلك وهو أن أبا الخطاب هو الذي نسب‬
‫علم الغيب إلى جعفر الصادق‪ ،‬وأن جعفرا كذبه في ذلك وتبرأ منه‪ ،‬وقدّم من حياته أمثلة لجهله‬

‫‪212‬‬
‫بما غاب عنه‪ ،‬وإن كان من أقرب الشياء إليه شأنه في ذلك شأن سائر البشر‪ ،‬وسيأتي نص‬
‫كلمه‪.‬‬
‫وهذه الدعاوى ينفيها واقع الئمة‪ ،‬فقد تلقوا العلم كغيرهم من بني البشر‪ ..‬ومن يراجع‬
‫[فقد أخذ ‪ -‬مثلً ‪ -‬علي بن الحسين العلم عن جابر وأنس (منهاج السنة‪:‬‬ ‫تراجمهم يجد هذا واضحا جليا‬
‫‪ ،)2/153‬وأخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية‪ ،‬وأخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة‪ ،‬وأبي رافع‬
‫مولى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وغيرهم من علماء أهل المدينة‪( .‬منهاج‬
‫السنة‪ ،)4/144 :‬وكان الحسن ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يأخذ عن أبيه وعن غيره حتى أخذ عن التابعين‪ ،‬وهذا من علمه‬
‫ودينه ‪ -‬رضي ال عنه ‪( -‬نفس الموضع من المصدر السابق) وهكذا سائر علماء أهل البيت‪.].‬‬
‫وقد أقرت الشيعة في أوثق كتاب عندها في علم الرجال وهو "رجال الكشي" أقرت بأن محمد‬
‫بن علي بن الحسين يروي عن جابر بن عبد ال‪ ،‬واعتذرت عن ذلك باعتذار غريب‪ ،‬حيث‬
‫قالت‪ :‬إنه يروي عنه ليصدقه الناس [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].28‬وهذا العتذار ل يقبل بالنظر إلى‬
‫دعاوى الشيعة في أئمتها‪ ،‬وأن عندهم من المعجزات والعلوم والكتب ما يجعلهم يستولون على‬
‫العقول والقلوب‪ ،‬كما أنهم من سللة الرسول فكيف ل يصدقهم الناس حينئذ؟!‬
‫ولو كان لمير المؤمنين بعض ما يدعون لدبر المر في خلفته على غير ما دبر‪ ،‬ولقد ندم‬
‫على أشياء مما فعلها [منهاج السنة‪ ،].4/180 :‬والشيعة يذكرون أن مسيرة الحسين إلى أهل الكوفة‪،‬‬
‫وخذلنهم له‪ ،‬وقتله كانت سبب ردة الناس إل ثلثة" [أصول الكافي‪ ،2/280 :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪،].123‬‬
‫ولو كان يعلم المستقبل وأنهم سيرتدون ما سار إليهم أو سار إلى غيرهم‪.‬‬
‫وقد تبرأ جعفر من ذلك الغلو ومن الغلة وروت ذلك كتب الشيعة نفسها‪ ،‬فقد نفى ما نسبه‬
‫إليه أبو الخطاب من العلم بالغيب وأقسم على ذلك يمينا مؤكدا‪ ،‬وقدم من واقع حياته مثالً عمليا‬
‫على ذلك فقال‪ .." :‬لقد قاسمت مع عبد ال بن الحسن حائطا بيني وبينه فأصابه السهل والشرب‪،‬‬
‫وأصابني الجبل" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪189-188‬ط‪ :‬إيران‪ ،‬بحار النوار‪ .].25/322 :‬وقال‪" :‬يا عجبا لقوام‬
‫يزعمون أنا نعلم الغيب‪ ،‬ما يعلم الغيب إل ال‪ ،‬لقد هممت بضرب جاريتي فلنة فهربت مني‬
‫فما عملت في أي بيوت الدار هي" [أصول الكافي‪ .].1/257 :‬ولقد كان واقع حياتهم العملية ‪ -‬كما‬
‫قلت ‪ -‬يكشف كل هذه الدعاوى حيث كانوا كسائر البشر يسهون‪ ،‬ويخطئون‪.‬‬
‫وقد اخترع مهندسو التشيع عقيدتين للخروج من هذا هما عقيدة التقية‪ ،‬والبداء‪ ،‬فإذا أجاب‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫المام بخلف الصواب قالوا‪ :‬التقية‪ ،‬وإذا أخبر بأمر ووقع خلفة قالوا‪ :‬قد بدا ال سبحانه‬
‫فصلي التقية‪ ،‬والبداء‪.].‬‬

‫‪213‬‬
‫وقد يقال بأن هذه الدعاوى مجرد حكايات ل رصيد لها من الواقع وقد حفظتها كتب الشيعة‬
‫ليبقى عارها عليها إلى البد‪ ،‬وليس لها أثر في واقع الحياة؛ لنه ل وجود للئمة‪ ..‬وأقول‪ :‬إن‬
‫هذه الساطير المكشوفة لها آثارها الخطيرة على نفسية وعقلية أولئك التباع الغرار‪ ،‬وقد‬
‫تؤدي بمن يؤمن بها ويعطي لعقله فرصة التأمل والتفكر فيها إلى متاهات اللحاد‪ ،‬كما أن هذا‬
‫الغلو قد تحول إلى واقع عملي واضح وهو الغول في قبور الئمة ‪ -‬كما سلف ‪.-‬‬
‫وجانب ثالث وهو أن في عقيدة هؤلء ‪ -‬كما سيأتي في المامة ‪ -‬أن آياتهم ومراجعهم لهم‬
‫حق النيابة عن الغائب وتمثيله بين الناس‪ ،‬وأنهم على صلة بهذا الغائب‪ ،‬وقد يظهر لبضعهم كما‬
‫يزعمون‪.‬‬
‫إذن هذه الدعاوى عادت بشكل واقعي‪ ،‬وارتدت بصورة خطيرة متمثلة في المرجع الشيعي‬
‫وهذا ما سنفصله في مبحث حكايات الرقع‪:‬‬
‫حكايات الرقاع‪:‬‬
‫مات الحسن العسكري (سنة ‪260‬ه‍) والذي تزعم الشيعة أنه إمامها الحادي عشر "ولم يعرف‬
‫له خلف ولم ير له ولد ظاهر" [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،].102‬كما تعترف كتب الشيعة‪ ،‬وقال ثقات‬
‫المؤرخين بأنه مات عقيما [انظر‪ :‬المنتقى ص ‪ .].31‬فكانت هذه الواقعة قاصمة الظهر للتشيع‪ ،‬لن‬
‫هذا مؤذن بنهايتهم‪ ،‬إذ إن أساس دينهم هو المام الذي يزعمون أن قوله قول ال ورسوله‬
‫والمام توفي ولم يخلف ولدا يتعلقون به‪ ،‬وحينئذ توقف النص المقدس سنة (‪260‬ه‍) وانقطع سيل‬
‫الموال الجارية التي تؤخذ من التباع باسم المام‪ ،‬فافترق الشيعة‪ ،‬وتشتت أمرهم‪ ،‬وعظم‬
‫الخطب عليهم‪ ،‬وضاقت بهم السبل‪ -‬كما سيأتي [سيأتي نقل صورة لذلك في فصل الغيبة‪.-].‬‬
‫إل أن تلك الزمرة التي أخذت على عاتقها تفرقة المة أخذت تنسج خيوطها وأوهامها‪،‬‬
‫وتضع شباك مؤامراتها للبحث عن وسيلة لستمرار دعوى التشيع ليستمر من خلل ذلك كيدهم‬
‫للمة ودينها‪ ،‬والستيلء على أموال الجهلة والمغفلين بأيسر طريق‪ ،‬والحصول على وجاهة‬
‫ومنزلة عندهم؛ فادعت دعوى في غاية الغرابة‪ ،‬ادعت أن للحسن ولدا قد اختفى فلم يعرفه أحد‪،‬‬
‫وكان سبب اختفائه خوف القتل‪ ،‬مع أنه لم يقتل أبوه وأجداده ‪ -‬من ِقبَلِ دولة الخلفة ‪ -‬وهم‬
‫كبار فكيف يقتل وهو طفل رضيع؟!‪ ،‬إل أن هذه الفكرة رغم سذاجتها‪ ،‬وظهور زيفها راقت‬
‫لشيوخ الشيعة‪ ،‬وأخذوا يشيعونها بين أتباعهم‪ ،‬وبدأت تتسلل للوساط الشيعية الشعبية بشرية‬
‫تامة‪ ..‬واختلف الشيوخ على النيابة‪ ،‬وكل يخرج "توقيعا" أي‪ :‬ورقة من الطفل يلعن بها الخر‬
‫ويزعم فيها أنه هو نائب الطفل‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫وكثر الذين يدعون النيابة وذلك بغية الستيلء على الموال التي تجبى باسم هذا "المنتظر"‪،‬‬
‫وقد ارتضت طائفة الثني عشرية أربعة من هؤلء واعتبرتهم هم النواب عن المام‪ .‬وكان‬
‫هؤلء الوكلء عن هذا الطفل الصغر يأخذون الموال‪ ،‬ويتلقون السئلة والطلبات ويخرجون‬
‫لصحابها بطريقة سرية أجوبة وإيصالت يزعمون أنها بخط هذا "الطفل" الذي قالوا عنه بأنه‬
‫سيظهر ووقتوا لظهوره وقتا حتى ل يسارع في تكذيبهم‪ ،‬ثم لما مضى ذلك الجيل قالوا‪ :‬إنا ال‬
‫بدا له وأنه ل توقيت لخروجه ‪ -‬كما سيأتي – [انظر‪ :‬فصل الغيبة‪.].‬‬
‫وكانت تلك الخطوط المجهولة‪ ،‬والتي خرجت على يد تلك الزمرة المتآمرة‪ ،‬والمنسوبة لذلك‬
‫الطفل المدعى‪ ..‬هي عندهم من أوثق السنن وأقوى النصوص‪ .‬ويسمونها "التوقيعات"‪،‬‬
‫"والتوقيعات هي خطوط الئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة"‪.‬‬
‫ويبدو أنه في ظل التحزب والتعصب يفقد العقل وظيفته‪ ،‬ويصاب الفكر بالشلل والتعطل‪ ..‬فقد‬
‫جعل هؤلء المفترون لهذا الطفل المزعوم وظيفة "المشرع" أي منصب النبياء والرسل‪ ،‬مع أن‬
‫مكانه ‪ -‬لو وجد ‪ -‬في حضانة وليه‪ ،‬وكانت بداية النقل الشرعي عن هذا الرضيع منذ ولدته‪،‬‬
‫وهو ما ل يكون إل في خيالته المعتوهين‪.‬‬
‫استمع لبن بابويه الملقب عندهم بالصدوق يروي عمن سموها "نسيما" وزعموا أنها خادمة‬
‫هذا الرضيع‪ ،‬أنها قالت‪:‬‬
‫"قال لي صاحب الزمان وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال لي‪ :‬رحمك ال‪،‬‬
‫قالت نسيم‪ :‬ففرحت بذلك‪ ،‬فقال لي ‪ -‬عليه السلم ‪ :-‬أل أبشرك في العطاس؟ قلت‪ :‬بلى يا‬
‫مولي‪ ،‬قال‪ :‬هو أمان من الموت ثلثة أيام" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ].416 ،407-،406‬فهذا النص ينقله‬
‫واحد من أكبر شيوخهم ويعتبره من سنة المعصومين والتي هي كقول ال ورسوله‪..‬‬
‫وقد تولى بث هذه الخبار مجموعة من هؤلء الفاكين الذين يدعون الصلة بهذا المنتظر‬
‫وارتضت هذه الطائفة أربعة منهم ‪ -‬كما سبق ‪ ،-‬وسميت فترة النيابة التي تعاقبوا عليها بالغيبة‬
‫الصغرى والتي استمرت زهاء سبعين سنة‪ ،‬كما كان في بلدان العالم السلمي مجموعة تمثل‬
‫هؤلء النواب‪ ،‬وكانوا يستلمون الوال ويخرجون للناس التوقيعات المزعومة‪.‬‬
‫وقد اهتم شيوخ الشيعة بهذه التوقيعات ودونوها في كتبهم الساسية‪ ،‬على أنها من الوحي‬
‫[أصول الكافي‪ 1/517 :‬وما بعدها (باب‬ ‫الذي ل يأتيه الباطل (!) كما فعل الكليني في أصول الكافي‬
‫[إكمال الدين‪ :‬ص ‪ 450‬وما بعدها (الباب التاسع والربعون ذكر‬ ‫مولد الصاحب)‪ ].‬وابن بابويه في إكمال الدين‬
‫التوقيعات الوراردة عن القائم)‪ ،].‬والطوسي في الغيبة [الغيبة ص ‪ 172‬وما بعدها‪ ،].‬والطبرسي في‬
‫[بحار النوار‪( 246-53/150 :‬باب ما خرج‬ ‫الحتجاج [الحتجاج‪ 2/277 :‬وما بعدها‪ ،].‬والمجلسي في البحار‬
‫‪215‬‬
‫من توقيعاته)‪ ،].‬وقد جمع شيخهم عبد ال بن جعفر الحميري الخبار المروية عن منتظرهم في‬
‫كتاب سماه‪" :‬قرب السناد" [وقد طبع في المطبعة السلمية بطهران‪.].‬‬
‫[أغا‬ ‫وذكر صاحب الذريعة كتابين لهم في هذا باسم‪" :‬التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة"‬
‫برزك الطهراني‪ /‬الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪.].501-4/500 :‬‬
‫وتحكي هذه "التوقيعات" رأي المام المزعوم في كثير من أمور الدين والحياة‪ ،‬وتصور قدرته‬
‫على علم الغيب المجهول‪ ..‬وتحقيقه لماني شيعته وشفائه لمراضهم‪ ،‬وحل لمشاكلهم‪ ،‬وإجابته‬
‫لسئلتهم واستلمه لما يقدمونه من أموال‪ ،‬وقد تصاغ أحداث ذلك أحيانا بثوب قصصي‪.‬‬
‫والمتأمل للفتاوى المنسوبة إليه في أمور الدين يرى في الكثير منها الجهل في أبسط مسائل‬
‫الشيعة‪ ،‬مما يدل على أن واضع هذه "التوقيعات" هو من المتآمرين الجهلة الذين ل يحسنون‬
‫الوضع‪ ،‬أو أن ال سبحانه شاء كشفهم وفضحهم على رؤوس الخلئق‪ ..‬فجاءت محاولتهم في‬
‫الكذب كمحاولة مسيلمة في محاكاة القرآن‪.‬‬
‫استمع إلى شيء من هذه التوقيعات‪:‬‬
‫"وكتب إليه صلوات ال عليه أيضا في سنة ثمان وثلثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل‪ ..‬سأل‬
‫عن البرص والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم؟ فأجاب عليه السلم‪ :‬إن كان ما بهم‬
‫حادث جازت شهادتهم‪ ،‬وإن كانت ولدة لم تجز" [بحار النوار‪.].53/164 :‬‬
‫فهل للبرص ونحوه أثر في قبول الشهادة وردها‪ ،‬وهل للتفريق بين ما هو أصلي وحادث‬
‫وجه معقول‪ ..‬وهل تستحق مثل هذه الفتاوى مناقشة‪ ..‬وكيف ينسب مثل ذلك لهل البيت‪ ،‬بل‬
‫وللسلم؟!‬
‫وسأل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلم‪ :‬يسبح به‬
‫فما من شيء من التسبيح أفضل منه‪ ،‬ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب‬
‫له التسبيح" [بحار النوار‪.].53/165 :‬‬
‫فهذا المبدأ من دين الوثنين‪ ،‬ل من دين التوحيد‪ ..‬وله يكتب التسبيح بالعبث بالمسبحة‪ ..‬فأي‬
‫شرعة هذه وأي فقيه يفتي بذلك؟!‬
‫[فهو يفتي لمن سأله هل يجوز أن يسجد‬ ‫والمثلة على هذا اللون من الفتاوى الجاهلة الغبية كثيرة‬
‫على القبر أم ل؟ فيقول‪" :‬والذي عليه العمل أن يضع خده اليمن على القبر‪ ،‬وأما الصلة فإنها خلفه ويجعل القبر‬
‫أمامه‪( .‬بحار النوار‪.)53/165 :‬‬
‫فكيف يجعل القبر قبلة؟ ولم يعفر خده بطين القبر؟!‪ ،‬والمسلم مأمور بالتوجه لبيت ال‪ ،‬والسجود ل وحده‪ .‬وقد جاء‬
‫اللعن لمن اتخذ القبور مساجد‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ومن المثلة أيضا التي وجهت بزعمهم للطفل المنتظر وجاء التوقيع بجوابها السؤال التالي‪" :‬قد اختلف أصحابنا في‬
‫مهر المرأة فقال بعضهم‪ :‬إذا دخل بها سقط المهر‪ ،‬ول شيء لها‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هو لزم في الدنيا والخرة‪ ،‬فكيف‬
‫ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟ فأجاب عليه السلم‪ :‬إن كان عليه بالمهر كتاب فيه دين‪ ،‬فهو لزم له في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها‪ ،‬وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط في الصداق‪.‬‬
‫(بحار النوار‪.)53/169 :‬‬
‫فهل هذا الجواب يخرج من فيّ عالم‪ ،‬بل من جاهل يملك ذرة من عقل؟ وهل هذا المبدأ من دين السلم؟ كيف‬
‫يقرر مثل هذا المبدأ الذي يبيح أخذ مال الغير إذا لم يكتب‪ ..‬فيسقط الصداق إذا لم يكن فيه كتاب‪ ..‬هذه شرعة‬
‫اللصوص والباحيين ل دين السلم‪ .‬هذا ومن أراد التوسع في هذه المثلة فليرجع لبحار النوار ج‪ ،‍53‬وإكمال الدين‬
‫لبن بابويه‪ ،‬والغيبة للطوسي وغيرها‪.].‬‬
‫وهذه "السنة" التي تخرج من المنتظر تحمل الخبار بالمغيبات‪ ،‬والقدرات الخارقة على تحقيق‬
‫المنيات‪ ..‬فهذا الشيعي الذي أصيب بمرض عضال أعيا الطباء شفاؤه‪ ..‬يتوجه لهذا المنتظر‬
‫عن طريق نوابه فيكتب رقعة يطلب فيها الشفاء فيأتي التوقيع بالدعوة له بالشفاء فما تأتي جمعة‬
‫حتى يشفى [أصول الكافي‪.].1/519 :‬‬
‫وهذا الرجل الذي ل تحمل زوجته‪ ،‬وقد بلغ به الحنين والشوق إلى الولد ما بلغ‪ ،‬فما أن يكتب‬
‫إلى الناحية المقدسة [كنابة عن مهديهم المنتظر‪ ].‬حتى يخرج التوقيع بأنه سيحمل له قبل الربعة‬
‫أشهر وسيولد له ابن [إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].460‬‬
‫وعن طريق هذا الطفل الغائب يعرفون متى يموتون‪ ،‬فهذا شيعي يكتب إليه يسأله كفنا فيأتي‬
‫التوقيع "إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين‪ ،‬فمات في سنة ثمانين وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/524 :‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].467 ،465‬‬
‫وقد جاءت توقيعات من المنتظر يؤخذ منها أن العمل بسنن السلم وشرائعه يتوقف على‬
‫إذن "القائم المنتظر"‪ ،‬فكأن "سنة" هذه "الرقاع" المزورة أبلغ من نصوص السلم عندهم‪ ،‬كما قد‬
‫يؤخذ من النصوص التالية‪" :‬ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع‪ .‬فلم يكتب شيئا‬
‫فمات المولود يوم الثامن‪[ "..‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].456‬‬
‫فهو يتوقف في ختان ابنه حتى يأتي له الذن من القائم‪.‬‬
‫والزواج مرتبط بأمر القائم في الغالب‪ ،‬قال أحدهم‪" :‬زوجت بأمره سرا فلما وطئتها علقت‬
‫وجاءت بابنة فاغتممت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك (يعني في رسالة إلى هذا الطفل‬
‫[نفس‬ ‫المنتظر) فورد‪ :‬ستكفاها‪ ،‬فعاشت أربع سنين ثم ماتت فورد‪ :‬ال ذو أناة وأنتم تستعجلون‬
‫الموضع من المصدر السابق‪ .‬ويلحظ أن هذا المنتظر المعصوم ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬أقر هذا المشتكي على غمه وحزنه مع‬
‫شرَ أَحَدُهُ ْم بِالُنثَى ظَلّ وَجْهُ ُه ُمسْ َودّا وَهُ َو كَظِيمٌ} [النحل‪ ،‬آية‪.]58 :‬‬
‫أن ذلك سنة أهل الجاهلية الذين { َوإِذَا ُب ّ‬

‫‪217‬‬
‫حنُ َن ْرزُقُهُمْ‬
‫ق نّ ْ‬
‫شيَةَ إِمْل ٍ‬
‫خ ْ‬
‫وقد اهتم بأمر رزقها مع أن ال سبحانه هو المتكفل بالرزق‪َ { :‬ولَ َت ْقتُلُو ْا أَوْلدَكُ ْم َ‬
‫َوِإيّاكُم} [السراء‪ ،‬آية‪ ]31 :‬ولكن النص عن هذا المنتظر اعتبر الموت هو الكافي‪.].‬‬
‫والحج متوقف على إذن هذا الطفل المزعوم‪ ،‬فهذا شيعي يقول‪" :‬تهيأت للحج‪ ،‬وودعت‬
‫الناس‪ ،‬وكنت ‪ -‬كذا ‪ -‬على الخروج فورد‪ :‬نحن لذلك كارهون‪ ،‬والمر إليك‪ ،‬قال‪ :‬فضاق‬
‫صدري واغتممت وكتبت‪ :‬أنا مقيم على السمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج‪ ،‬فوقع‪:‬‬
‫ل يضيقن صدرك فإنك ستحج من قابل إن شاء ال‪ ،‬قال‪ :‬ولما كان من قابل كتبت أستأذن‪،‬‬
‫فورد الذن" [أصول الكافي‪ .].1/522 :‬فهل أمر قائمهم فوق أمر ال وشرعه حتى يستأذن في ركن‬
‫من أركان السلم؟!!‬
‫وهذا التوقيعات التي تحمل كل هذه الباطيل‪ ،‬لها عند شيوخ الشيعة مكانة خاصة‪ ،‬ومزية‬
‫ظاهرة حتى إنهم رجحوا هذه التوقيعات على ما روي بإسناد صحيح عندهم في حال التعارض‪.‬‬
‫قال ابن بابويه في كتابه "من ل يحضره الفقيه" بعدما ذكر التوقيعات الواردة من الناحية‬
‫المقدسة في باب "الرجلين يوصى إليهما‪ "..‬قال‪ :‬هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن‬
‫علي‪ ،‬ثم ذكر أن في الكافي للكليني رواية بخلف ذلك التوقيع عن الصادق‪ ،‬ثم قال‪" :‬لست أفتي‬
‫بهذا الحديث بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي‪ ،"..‬وعقب على ذلك الحر العاملي فقال‪:‬‬
‫"‪ ..‬فإن خط المعصوم أقوى من النقل بوسائط"‪.‬‬
‫وكيف يجزمون بأن هذا هو خط الحسن أو "المنتظر" (الذي لم يولد) مع أن الخطوط تتشابه‪،‬‬
‫والكذب والتزوير على أهل البيت كثير؟ وكيف يعتمدون في هذا على قول واحد غير معصوم‬
‫هو "نائب المنتظر" مع أن العصمة من أصولهم؟ كما أن هذا النائب محل شك كبير‪ ،‬لن مسألة‬
‫"النيابة" يتصارع كثير من رؤسائهم على الفوز بها لنها وسيلة سهلة لجمع الموال‪.‬‬
‫فصار من المحتمل أن الذي فتح على الشيعة هذا الباب لص ماهر محتال لبس ثوب الكذب‬
‫وارتدى زي النفاق للكسب الحرام والتآمر والضلل‪ ..‬لكن صار نقل هذا الواحد وغير‬
‫المعصوم؛ بل والمشبوه هو عمدة عند شيوخهم‪ ،‬فهو يرجحون ما في هذه التوقيعات على ما‬
‫جاء في أصح كتبهم‪ .‬ومن يزعم الصلة بهذا المنتظر‪ ،‬أو يزعم أنه قد أرسل له برسالة يحظى‬
‫[انظر‪ :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪( 100‬ترجمة علي بن الجهم)‪ ،‬ووسائل‬ ‫بثقة القوم‪ ،‬كما نجد ذلك في تراجم رجالهم‬
‫الشيعة‪ ،20/332 :‬ترجمة محمد بن عبد ال بن جعفر الحميري‪ ،‬وكذلك ترجمة علي بن الحسين بن بابويه في المصدر‬
‫السابق‪ ،].20/262 :‬مع أن هذا بدللة العقل والتاريخ من أكبر البراهين على كذبهم‪.‬‬
‫كما يجري في هذه التوقيعات توثيق الرجال أو ذمهم‪ ،‬ويجعل ذلك أصلً عندهم في جرحه‬
‫وتعديله [انظر‪ :‬رجال الحلي ص ‪ ،].90‬فهي مصدر من مصادر دينهم‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫قال اللوسي ‪ -‬رحمه ال ‪" :-‬إنهم أخذوا مذهبهم من الرقاع المزورة التي ل يشك عاقل أنها‬
‫[كشف غياهب الجهالت‪:‬‬ ‫افتراء على ال تعالى ول يصدق بها إل من أعمى ال بصره وبصيرته"‬
‫ص ‪( 12‬مخطوط)‪.].‬‬
‫ثم تحدث اللوسي عن أحد رجال الرافضة الذي يدعي أنه اتصل بهذا المنتظر في غيبته‬
‫المزعومة ويدعى علي بن الحسين من موسى بن بابويه القمي‪ ،‬والذي زعم أنه وصلته رقاع‬
‫[الملقب بالصدوق بإطلق ‪ -‬عندهم ‪ -‬هو ابنه‬ ‫من هذا المنتظر وتعجب كيف تلقبه الرافضة بالصدوق‬
‫"صاحب من ل يحضره الفقيه"‪ ،].‬وقال‪" :‬ل يخفى عليك أن هذا من قبيل تسمية الشيء باسم ضده‪،‬‬
‫وهو وإن كان يظهر السلم فهو كافر في نفس المر"‪ ،‬ثم بين أن دعواه ل يخفى كذبها على‬
‫عاقل فهل يزعم أنه يكتب مسألة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلً فيكتب الجواب عنها‬
‫صاحب الزمان [انظر نص الشيعة على أن ابن بابويه ممن كاتب منتظرهم‪ :‬وسائل الشيعة‪.].20/262 :‬‬
‫ثم ذكر أن الرافضة لم تكتف بمجرد تصديق هذه "الخرافة" بل جعلوا هذه الرقاع من أقوى‬
‫دلئلهم‪ ،‬وأوثق حججهم وتعجب كيف يزعمون بعد هذا أنهم أتباع البيت وقد أثبتوا أحكام دينهم‬
‫بمثل هذه الترهات‪ ،‬واستنبطوا الحرام والحلل من نظائر هذه الخزعبلت‪ ،‬وقال‪ :‬إنهم في‬
‫الحقيقة أتباع الشياطين وأهل البيت بريئون منهم [كشف غياهب الجهالت‪ :‬ص ‪( 12‬مخطوط)‪.].‬‬
‫ذلك أن مثل هذه الرقاع ل يقام لها وزن في قضاء ول في منطق ول في عقل من عقول‬
‫البشر‪ ،‬فهي "رقاع " منسوبة لطفل مشكوك في وجوده أصلً ‪ -‬حتى عند طوائف من الشيعة‪،‬‬
‫بل وينكر بعضهم وجوده‪ ،‬وهو متيقن عدمه عند أهل التحقيق كما سيأتي ‪ -‬عليها خط مجهول‬
‫ووصلت بوسائط مجهولة‪ ،‬فهل يبنى على مثل ذلك حكم فضلً عن أن تكون مصدرا من‬
‫مصادر التشريع؟! إن ذلك لعار على الرافضة إلى البد‪ ،‬وبرهان دائم على كذبهم‪ ..‬وفضيحة‬
‫من ال سبحانه لمن أراد أن ينسب إلى الدين ما ليس منه‪..‬‬
‫وهذه التوقيعات جرت في فترة الغيبة الصغرى ‪ -‬كما يسمونها ‪ -‬والتي استمرت قرابة‬
‫سبعين سنة‪ ،‬تعاقب على دعوى النيابة عن المام الغائب فيها أربعة ممن يسمونهم بالسفراء‬
‫والنواب ‪ -‬كما سبق ‪ ..-‬وقد أعلن رابعهم وهو "السمريّ" انتهاء الصلة بالمام وانقطاع فترة‬
‫النيابة‪ .‬قالوا‪" :‬خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمريّ‪( :‬يعني خرجت ورقة من المنتظر‬
‫المزعوم) يا علي بن محمد السمريّ‪ ،‬اسمع أعظم ال أجر إخوانك فيك‪ ،‬فإنك ميت ما بينك وبين‬
‫ستة أيام‪ ،‬فأجمع أمرك‪ ،‬ول توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك‪ ،‬فقد وقعت الغيبة التامة‪ ،‬فل‬
‫ظهور إل بعد إذن ال تعالى ذكره‪ ..‬وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة‪ ،‬أل فمن ادعى‬
‫[ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ ،2/193 :‬الطوسي‪/‬‬ ‫المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر"‬
‫‪219‬‬
‫الغيبة‪ :‬ص ‪ .].257‬وهذا يعني أن النص المعصوم ‪-‬عندهم ‪ -‬قد انقطع بالغيبة الكبرى سنة (‬
‫‪329‬ه‍) ولكن شيوخ الشيعة ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬لم تقتنع بالعلن عن النقطاع التام عن المنتظر‪،‬‬
‫وكثرت الدعاوى عندهم في التصال بالمنتظر‪ ،‬ولقائه والخذ عنه (مع أن منتظرهم يقول‪ :‬بأن‬
‫من ادعى ذلك فهو كذاب)‪ ،‬وهذا يعني استمرار النص المقدس وأنه لم يتوقف‪ ،‬كما أعلن ذلك‬
‫الشيعة بعد وفاة السمريّ‪ ..‬فها هو شيخهم ابن المطهر الملقب بالعلمة يدّعي اللقاء بالمهدي‬
‫وأنه نسخ له كتابا في ليلة واحدة [بحار النوار‪.].51/361 :‬‬
‫ويفسر شيخهم النوري الطبرسي نص الكافي الذي يقول‪" :‬لبد لصاحب هذا المر من غيبة‪،‬‬
‫[النوري الطبرسي‪ /‬جنة المأوى‪( 53/320:‬المطبوع‬ ‫ولبد له في غيبته من عزلة‪ ،‬وما بثلثين من وحشة"‬
‫[النوري الطبرسي‪/‬‬ ‫مع بحار النوار)‪ ].‬بأنه في "كل عصر يوجد ثلثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه"‬
‫جنة المأوى‪( 53/320:‬المطبوع مع بحار النوار)‪ ،].‬بل قالوا‪ :‬إن بعض المجتهدين يتمكن من لقاء الغائب‬
‫ويأخذ منه بعض الحكام الشرعية‪ ،‬وقد ل يستطيع أن يعلن عن هذا اللقاء لمر المام له‬
‫[جنة‬ ‫بالكتمان فهو حينئذ يدعي حصول الجماع على هذا الحكم‪ ،‬وإن لم يوجد إجماع في الحقيقة‬
‫المأوى‪( 321-53/320 :‬ضمن بحار النوار)‪.].‬‬
‫وبهذا يفسرون دعاوى بعض شيوخهم الجماع على مسائل لم يقل بها سوى هؤلء الشيوخ‪،‬‬
‫وسيأتي في مبحث الجماع عندهم قولهم بتحقق الجماع بقول فئة يوجد فيها "عالم مجهول‬
‫النسب غير معروف" وأنه بقولها يحصل الجماع مهما خالف من خالف على اعتبار أن هذا‬
‫المجهول قد يكون المام‪.‬‬
‫وقرر شيوخهم بأن هذا المنتظر الذي لم يوجد "كان يجتمع بجملة من أهل العلم والتقوى الذين‬
‫كانوا يستحقون المقابلة كالعلمة السيد مهدي بحر العلوم النجفي فيما اشتهر عنه‪ ،‬والشيخ ميثم‬
‫البحراني فيما ينقل عنه‪[ "..‬محمد صالح‪ /‬حصائل الفكر‪ :‬ص ‪ ،].123‬وقد ألف بعض شيوخهم مصنفات‬
‫في حكايات وأحداث من اجتمع بهذا المنتظر‪ ،‬كما فعل المجلسي (ت ‪1111‬ه‍) في البحار‪ ،‬ثم جاء‬
‫بعده النوري الطبرسي (ت ‪1320‬ه‍) فكتب في ذلك كتابا سماه "جنة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجة‬
‫ومعجزاته في الغيبة الكبرى"‪ ،‬وقد أورد فيه تسعا وخمسين حكاية‪ ،‬وذكر من كان بعد المجلسي‬
‫ممن ادعى اللقاء بالمنتظر [انظر‪ :‬أغا بزرك‪ /‬الذريعة‪.].5/159 :‬‬
‫وهكذا صار بإمكان كل شيطان رجيم من النس والجن أن يحتال على هؤلء‪ ،‬ويتظاهر بأنه‬
‫المنتظر ويدس في دينهم ما يبعدهم عن الحق ما داموا فتحوا هذا الباب على أنفسهم ويعتبرون‬
‫ذلك من السنة‪ ،‬وبإمكان كل شيخ زنديق متلفع برداء الدروشة ومتوشح بالسواد متظاهر بالعلم‬
‫مدعٍ للسيادة ‪ -‬وما أكثر هؤلء عندهم ‪ -‬أن يزعم اللقاء بالمنتظر ليحظى بالتعظيم‪ ،‬وليغير من‬
‫‪220‬‬
‫دينهم ما شاء له إلحاده‪ ،‬ولسيما أن هؤلء يزعمون أن هذا المنتظر يتصور بصور مختلفة‪،‬‬
‫ويظهر بأشكال وأردية متنوعة [انظر‪ :‬تاريخ الغيبة الكبرى للصدر‪ :‬ص ‪ .].40‬فهذه اللقاءات المزعومة‬
‫ل تخلو من حالتين‪ :‬إما أن مدعيها كاذب أراد السمعة‪ ،‬أو قصد الضلل‪ ،‬أو أراد كل المرين‪،‬‬
‫[راجع للتعرف على هذا المعنى‪ ،‬وبيان كيد‬ ‫أو أنه صادق والذي مثل الدور أمامه شيطان من الشياطن‬
‫الشيطان لبني آدم‪ ،‬وتمثله لبعض الشيوخ المضلين لغرائهم‪( :‬الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)‪.].‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ .." :‬وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم ويكون المرئي جنبا"‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].13/95 :‬‬
‫وقد ضلت النصارى ‪ -‬كما يقول شيخ السلم ‪ -‬بمثل هذا حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن‬
‫صلب ‪ -‬كما يظنون ‪ -‬أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم وهذا مذكور في أناجيهم وذاك‬
‫[ويجوز أن يشتبه مثل هذا على‬ ‫الذي جاء كان شيطانا قال‪ :‬أنا المسيح ولم يكن هو المسيح نفسه‬
‫الحواريين‪ ،‬كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين‪ ،‬ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي‬
‫يجب عليهم تبليغه‪ ،‬ولم يرفع حتى بلغ رسالت ربه‪ ،‬فل حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء (المصدر السابق‪:‬‬
‫‪.].)13/94‬‬
‫كما قال شيخ السلم‪ :‬إن أصحاب الحلج لما قتل كان يأتيهم من يقول‪ :‬أنا الحلج‪ ،‬فيرونه‬
‫في صورته عيانا‪ ،‬وكذلك شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من‬
‫جهته رسائل وكتب مكتوبة‪ ،‬وقد ذكر شيخ السلم أنه اطلع على هذا الكتاب المنسوب للدسوقي‬
‫حيث أطلعه عليه بعض الصادقين من أتباع الدسوقي‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم‪ :‬فرأيته بخط الجن‪ ،‬وقد رأيت خط الجن غير مرة‪ .‬ثمر ذكر شيخ السلم‬
‫نماذج أخرى من هذا القبيل ثم قال‪ :‬وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد بن‬
‫الحنفية قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جنى في صورته‪ ..‬ثم قال‪ :‬وهذا باب واسع واقع كثيرا‬
‫وكلما كان القوم أجهل كان عندهم أكثر [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].95-13/94 :‬‬
‫مرويات الصحابة‪:‬‬
‫وبعدما لحظنا أن الثني عشرية حصرت نفسها في نطاق ضيق‪ ،‬وهو ما ينقل عن بعض‬
‫أهل البيت من روايات‪ ،‬ولم تكتف بأهل العلم منهم؛ بل أدخلت فيهم من لم يشتهر بعلم ‪ -‬كما‬
‫سيأتي ‪ -‬حتى عملت برقاع منسوبة لطفل مختلف في وجوده‪ ،‬وجعلت ما ينقل عن هؤلء ما‬
‫يقوله رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنها أيضا حرمت نفسها من مصدر عظيم للعلم واليمان‬
‫هو‪" :‬روايات الصحابة" رضوان ال عليهم‪ ،‬الذين فازوا بصحبة رسول ال‪ ،‬وشهدوا التنزيل‪،‬‬
‫وعرفوا التأويل وأنثى ال عليهم ورسوله‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫يقول محمد حسين آل كاشف الغطا ‪ -‬أحد مراجع شيعة هذا العصر ‪ -‬في تقرير مذهب‬
‫طائفته في ذلك‪" :‬إن الشيعة ل يعتبرون من السنة (أعني الحاديث النبوية) إل ما صح لهم من‬
‫طرق أهل البيت‪ ..‬أما ما يرويه مثل أبي هريرة‪ ،‬وسمرة بن جندب‪ ،‬وعمرو بن العاص‬
‫ونظائرهم فليس لهم عند المامية مقدار بعوضة" [أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪ ،].79‬فهو هنا يقرر أن‬
‫[قوله‪" :‬ما صلح لهم من طرق أهل البيت" هذا‬ ‫مذهب الشيعة هو قبول "ما صح لهم من طرق أهل البيت"‬
‫تعبير فيه شيء من التمويه والخداع‪ ،‬لن من ل يعرف طبيعة مذهب الشيعة يظن أن العمدة عندهم هو كلم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬الذي جاء من طرق آل البيت ‪ -‬في حين أنهم يعدون الواحد من الثني عشر كالرسول ل‬
‫ينطق عن الهوى‪ ،‬وقوله كقول ال ورسوله‪ ،‬ولذلك يندر وجود أقوال الرسول في مدوناتهم؛ لنهم اكتفوا بما جاء عن‬
‫أئمتهم‪ ،‬كما أن قوله‪ :‬أهل البيت‪ ،‬إنما يعني بعضهم‪ ،‬فليس كل آل البيت يصلحون – عندهم ‪ -‬طريقا للرواية‪ ،‬لن آل‬
‫البيت ليسوا جميعا أئمة‪ ،‬فالرواية عن ذرية فاطمة من ولد الحسين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ل تعتبر روايتهم؛ لن من بعد‬
‫الحسن من ذريته ليسوا أئمة عندهم‪ ،‬وغاية أمرهم أن يعتبروا مجرد رواة يخضعون للرد والقبول‪ ،‬ولذلك كفر الثنا‬
‫عشرية كل من خرج وادعى المامة من آل البيت (ما عدا الئمة الثني عشر عندهم)‪( .‬أصول الكافي‪ 1/372:‬رقم ‪،1‬‬
‫‪ .)3‬ويلحظ أن الطوسي في الستبصار يرد روايات زيد بن علي (الستبصار‪ .)1/66 :‬فتعبير آل كاشف الغطا فيه‬
‫شيء من التمويه والخداع‪ ،‬لن الكتاب وضع للدعاية للتشيع في العالم السلمي‪ ].‬دون ما سواه من روايات‬
‫صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وإذا عرفنا أن الثني عشرية تعني بأهل البيت "الئمة الثني عشر"‪ ،‬والذي أدرك الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم منهم وهو مميز هو أمير المؤمنين علي‪ ،‬وعليه فهل يتمكن أمير المؤمنين‬
‫من نقل سنة الرسول صلى ال عليه وسلم كلها للجيال‪ ..‬كيف وهو ل يكون مع الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم في كل الحيان‪ ..‬فقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يسافر ويستخلفه في‬
‫بعض الحيان كما في غزوة تبوك‪ ،‬كما كان علي يسافر ورسول ال في المدينة فقد بعثه رسول‬
‫ال إلى اليمن‪.‬‬
‫وكذلك ألحقه بأبي بكر حين أرسله لهل مكة‪ ،‬بالضافة إلى حال الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم في بيته والتي يختص بنقلها زوجاته أمهات المؤمنين‪ ..‬وهذا من أسرار وحكم تعددهن‪..‬‬
‫فإذن علي ل يمكن أن يستقل بنقل سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكيف يقولون بأنهم ل‬
‫يقبلون إل ما جاء عن طريقه؟! كما أن هذه المقالة‪ ،‬وهي حصر نقل سنة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بواحد يفضي إلى فقدان صفة التواتر في نقل شريعة القرآن‪ ،‬وسند سيد النام صلى‬
‫ال عليه وسلم "ولهذا اتفق المسلمون على أنه ل يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا؛ بل‬
‫[منهاج السنة‪،4/138 :‬‬ ‫يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب‪"..‬‬
‫ويقول شيخ السلم أيضا‪" :‬وخبر الواحد ل يفيد العلم بالقرآن والسنن المتواترة‪ ،‬وإذا قالوا‪ :‬ذلك الواحد المعصوم‬
‫يحصل العلم بخبره‪ ،‬قيل لهم‪ :‬فل بد من العلم بعصمته أولً‪ ،‬وعصمته ل تثبت بمجرد خبره قبل أن تعرف عصمته‬
‫‪222‬‬
‫لنه دور‪ ،‬ول تثبت بالجماع فإنه ل إجماع فيها‪ ،‬وعند المامية إنما يكون الجماع حجة‪ ،‬لن فيهم المام المعصوم‬
‫فيعود المر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه‪ ،‬فعلم أن عصمته لو كانت حقا لبد أن تعلم بطريق آخر غير خبره"‪.‬‬
‫(منهاج السنة‪.].)4/139 :‬‬
‫كما أن جل بلد السلم بلغهم العلم عن رسول ال من غير طريق علي ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫[قال شيخ السلم ابن تيمية‪ .." :‬فإن جميع مدائن السلم بلغهم العلم عن الرسول من غير علي‪ ،‬أما أهل المدينة‬
‫ومكة فالمر فيها ظاهر‪ ،‬وكذلك الشام والبصرة‪ ،‬فإن هؤلء لم يكونوا يروون عن علي إل شيئا قليلً‪ ،‬وإنما كان‬
‫ل عن علي‪ ،‬وفقهاء أهل المدينة تعلموا‬
‫غالب علمه في الكوفة‪ ،‬كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فض ً‬
‫الدين في خلفة عمر‪ ،‬وتعليم معاذ لهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من علي؛ ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل‬
‫أكثر مما رووا عن علي‪ ،‬وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل‪ ،‬ولما قدم علي الكوفة كان‬
‫شريح فيها قاضيًا‪ ،‬وهو عبيدة السلماني تفقها على غيره‪ ،‬فانتشر علم السلم في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة"‪.‬‬
‫(منهاج السنة‪ -].)4/139 :‬وعامة من بلغ عنه صلى ال عليه وسلم من غير أهل بيته ‪ -‬فضلً أن‬
‫يكون هو علي وحده ‪ -‬فقد بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة‬
‫يدعو الناس إلى السلم‪ ،‬ويعلم النصار القرآن‪ ،‬ويفقههم في الدين‪ ،‬وبعث العلء بن الحضرمي‬
‫إلى البحرين في مثل ذلك‪ ،‬وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن‪ ،‬وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة‪،‬‬
‫فأين قول من زعم أنه ل يبلغ عنه إل رجل من أهل بيته" [منهاج السنة‪.].3/15 :‬‬
‫وقد قال بعض أهل العلم إنه‪" :‬لم يرو عن علي إل خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة‬
‫يصح منها نحو خمسين حديثا" [ابن حزام‪ /‬الفصل‪ ،4/213 :‬منهاج السنة‪.].4/139 :‬‬
‫فهل سنة الرسول هي هذه فقط؟!‬
‫وقد أقر الروافض بأنه لم يبلغهم علم الحلل والحرام ومناسك الحج إل عن طريق أبي‬
‫جعفر‪ ..‬وهذا يعني أنه لم يبلغهم عن علي شيء في هذا‪ ،‬وأن أسلفهم كانوا يتعبدون فيما جاء‬
‫عن صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫تقول كتب الشيعة‪ .." :‬كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم ل يعرفون مناسك حجهم‬
‫وحللهم وحرامهم‪ ،‬حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجهم وحللهم وحرامهم‪،‬‬
‫[أصول الكافي‪،2/20 :‬‬ ‫حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس‪"..‬‬
‫تفسير العياشي‪ ،253-1/252 :‬البرهان‪ ،1/386 :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].425‬‬
‫ومن العجب أن الشيعة حكمت على من سمع من غير المام بالشرك‪ ،‬حيث جاء في أصول‬
‫الكافي‪ .." :‬من ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه ال فهو مشرك" [أصول الكافي‪..].1/377 :‬‬
‫فهم يحكمون على أسلفهم بالشرك لنهم تلقوا علم الحلل والحرام والمناسك من الناس‬
‫ويقولون‪ .." :‬كل ما لم يخرج من الئمة فهو باطل" [أصول الكافي‪ ].1/399 :‬وهذه جرأة عظيمة‬

‫‪223‬‬
‫على شريعة سيد المرسلين‪ ،‬التي نقلها الرعيل الول إلى الجيال‪ ،‬والمتمثلة بالسنة المطهرة التي‬
‫يتعبد بمقتضى بيانها المسلمون‪.‬‬
‫ولعل الرافضة حينما وضعت لنفسها أل تأخذ ما جاء عن طريق علي‪ ،‬ولم يكن عندها مما‬
‫يؤثر عن علي إل القليل‪ ،‬حتى إن علم الحلل والحرام ليس عندهم فيه شيء عن علي كما‬
‫يعترفون فعملت القواعد الشيعية على سد هذه الفجوة بالكذب‪ ،‬ولذلك قال الشعبي‪" :‬ما كذب على‬
‫أحد من هذه المة ما كذب على علي" [انظر‪ :‬الذهبي‪ /‬سير أعلم النبلء‪.].4/307 :‬‬
‫[قال ابن الجوزي‪ :‬إن الرافضة ثلثة أصناف‪:‬‬ ‫ولشيوع الكذب على علي من قبل الرافضة‬
‫‪-‬صنف سمعوا شيئا من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا‪.‬‬
‫‪-‬وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون‪ :‬قال جعفر وقال فلن‪.‬‬
‫‪-‬والصنف الثالث‪ :‬عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل وما ل يسوغ‪.‬‬
‫(ابن الجوزي‪ /‬الموضوعات ‪ ،1/338‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ].)4/119 :‬حتى ل يكاد يوثق برواية أحد‬
‫منهم‪ ،‬أعرض عنهم أهل الصحيح فل يروي البخاري ومسلم أحاديث علي إل عن أهل بيته‬
‫كأولده مثل الحسن والحسين‪ ،‬ومثل محمد بن الحنفية‪ ،‬وكاتبه عبيد ال بن أبي رافع أو أصحاب‬
‫ابن مسعود وغيرهم‪ ،‬مثل عبيدة السلماني‪ ،‬والحارث التيمي‪ ،‬وقيس بن عباد وأمثالهم‪ ،‬إذ هؤلء‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم‪:‬‬ ‫صادقون فيما يروونه عن علي‪ ،‬فلهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم‬
‫‪.].13/32‬‬
‫وقد اعترفت كتب الشيعة بكثرة الكذب على أهل البيت‪ ،‬حتى قال جعفر الصادق‪ -‬كما تروي‬
‫كتب الشيعة ‪ .." :-‬إن الناس أولعوا بالكذب علينا‪[ "..‬بحار النوار‪ .].2/246 :‬وكانت مصيبة جعفر‬
‫أن "اكتنفه ‪ -‬كما تقول كتب الشيعة ‪ -‬قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون‪:‬‬
‫حدثنا جعفر بن محمد‪ ،‬ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليستأكلوا‬
‫[انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،209-208‬بحار النوار‪،303-25/302 :‬‬ ‫الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم‪"..‬‬
‫وهذا جزء من نص سيأتي بتمامه‪ .].‬ولذلك قال بعض أهل العلم‪" :‬لم يكذب على أحد ما كذب على‬
‫جعفر الصادق مع براءته" [منهاج السنة‪.].4/143 :‬‬
‫ومن هنا ندرك كبير الخطر على الشيعة حينما قبلوا روايات الكذابين على الئمة وأعرضوا‬
‫عن روايات صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل وثقوا هؤلء الذين اكتنفوا جعفرا قالوا‪:‬‬
‫"روى عن المام الصادق أربعة آلف راو‪ .‬وذهب بعض علماء المامية إلى القول بتوثيق‬
‫[محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪ ،110‬وانظر‪ :‬محمد الحسين المظفر‪/‬‬ ‫الربعة آلف بدون استثناء"‬
‫المام الصادق‪ :‬ص ‪ ،144‬أغا بزرك‪ /‬الذريعة‪ ،2/129 :‬وانظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ .].20/72 :‬مع أن أبا عبد ال‬

‫‪224‬‬
‫يشكو ‪ -‬كما مر ‪ -‬من كثرة الكذابين عليه؛ بل ويذكر أنه ل يوجد له من هؤلء الذين يدعون‬
‫[أصول الكافي‪-2/242 :‬‬ ‫التشيع ول سبعة عشر رجلً من شيعته كما صرحت بذلك رواية الكافي‬
‫‪.].243‬‬
‫ولكن لماذا أعرضت طائفة الثني عشرية عن رواية صحابة رسول ال؟!‬
‫إن السبب يعود إلى البدعة الولى التي ابتدعها ابن سبأ من القول بأن عليا هو وصي رسول‬
‫ال‪ ،‬وأن الصحابة لم ينفذوا الوصية‪ ،‬ويولوه الخلفة‪ ..‬وترتب على ذلك عند طائفة الثني‬
‫عشرية أن الصحابة خرجوا من دين السلم‪ ،‬ول يستثنون من ذلك إل عددا ل يساوي أصابع‬
‫اليد ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬ولم يشفع للصحابة عند هؤلء ثناء ال ورسوله عليهم‪ ،‬ول صحبتهم‬
‫لرسول ال‪ ،‬وجهادهم في سبيل ال‪ ،‬وتضحياتهم‪ ،‬وسابقتهم‪ ،‬وبذلهم الرواح والمهج‪ ،‬ومفارقتهم‬
‫للهل والوطن‪ ،‬ونشرهم للسلم في أصقاع الرض‪..‬‬
‫ومن المفارقات العجيبة أن الشيعة تحكم على من زعم أنه رأى المنتظر الذي لم يوجد أصلً‬
‫‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬بالعدالة والصدق‪.‬‬
‫يقول الممقاني ‪ -‬وهو من آياتهم في هذا العصر ‪" :-‬تشرف الرجل برؤية الحجة ‪ -‬عجل ال‬
‫فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه ‪ -‬بعد غيبته فنستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من‬
‫مرتبة العدالة ضرورة" [تنقيح المقال‪.].1/211 :‬‬
‫ولكن لماذا ل يجرون مثل هذا الحكم في صحابة رسول ال‪ ،‬ويعتبرون تشرف الصحابة‬
‫برؤية رسول الهدى صلى ال عليه وسلم برهان عدالتهم‪ ،‬أليس رسول ال أعظم من منتظر‬
‫موهوم مشكوك في وجوده عند شيعة عصره‪ ،‬فكيف به اليوم بعد تعاقب القرون‪ ..‬أليس هذا هو‬
‫التناقض بعينه؟! فانظر وتعجب كيف يزكى رجل يدعي رؤية معدوم‪ ،‬والصل أن يعتبر هذا‬
‫دليل كذبه‪ ،‬ويطعن في صحابة رسول ال!! وكل خطيئة الصحابة التي من أجلها ردوا‬
‫رواياتهم‪ ،‬وحكموا بردتهم أنهم أنكروا النص على إمامة علي‪ ،‬وهذا أمر عظيم وخطب كبير‬
‫عندهم‪ ،‬فإن من أنكر إمامة واحد من الئمة ولو كان الغائب المزعوم فهو كإبليس كما نص على‬
‫ذلك صدوقهم ابن بابويه القمي [إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].13‬‬
‫فاليمان بأئمتهم هو مقياس القبول والرد عندهم‪ ،‬لنه هو أساس اليمان والكفر ‪ -‬كما سيأتي‬
‫‪ -‬ومع هذا الصل الذي َي ِزنُون به الناس واضح البطلن لنه لو كان بهذه المثابة التي يزعمون‬
‫لذكره ال سبحانه وتعالى في كتابه المبين‪ ،‬ولبينه رسوله صلى ال عليه وسلم لمن سأله عن‬
‫حقيقة اليمان والسلم‪ ،‬ولصبح ذلك من المور المجمع عليها بين المسلمين‪ ،‬فهل يخطر ببال‬
‫عاقل أن المة على توالي القرون من الصحابة ومن تبعهم بإحسان تجهل ركنا أساسيا من‬
‫‪225‬‬
‫أركان اليمان أو تجمع على إنكاره؟! وما كان ال ورسوله بتكاركي خير أمة أخرجت للناس‬
‫دون إكمال دينهم وتعريفهم بحقيقة إسلمهم‪ ،‬وما يدور بخلد مؤمن شيء من هذا قط‪..‬‬
‫أقول‪ :‬مع وضوح بطلن هذا الصل الذي يزنون به الناس فيردون به رواية من أنكر إمامة‬
‫إمام من الئمة‪ ،‬فإن هذا الصل لم يعلموا به إل في حق الصحابة حيث ردوا روايات الصحابة‬
‫ولكنهم لم يردوا روايات من أنكر بعض الئمة من أسلفهم من الشيعة‪ ،‬وقد أكد شيخهم الحر‬
‫العاملي على أن الطائفة المامية عملت بأخبار الفطحية [انظر‪ :‬ص (‪ )98‬من هذه الرسالة‪ ].‬مثل‪ :‬عبد‬
‫[الواقفة‪ :‬هم الذين واقفوا على موسى بن جعفر فلم يقولوا بإمامة من بعده‪ ،‬ذلك‬ ‫ال بن بكير‪ ،‬وأخبار الواقفة‬
‫أنهم زعموا أن موسى بن جعفر لم يمت بل هو حي‪ ،‬وينتظرون خروجه كما ينتظر الثنا عشرية غائبهم المزعوم‬
‫(القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،93‬الناشئ الكبر‪ /‬مسائل المامة ص ‪ .)47‬قال صاحب الزينة‪" :‬وقد ثبت على هذا‬
‫القول جماعة إلى يومنا هذا" (الزينة‪ :‬ص ‪ )290‬ولكنها انقرضت فيما بعد‪..‬‬
‫وربما يطلق الواقفي على من وقف على غير موسى بن جعفر؛ كمن وقف على علي أو الصادق أو الحسن‬
‫العسكري‪ ،‬فلم يقل بإمامة من بعده‪ ].‬مثل‪ :‬سماعة بن مهران‪ .‬وكثيرا ما تقرأ في تراجم رجالهم بأن‬
‫[الناووسية‪ :‬أتباع رجل يقال له ناووس‪ ،‬أو ابن الناووس‪ ،‬أو‬ ‫فلنا فطحي‪ ،‬وذاك واقفي وهذا من الناووسية‬
‫عجلن بن ناووس‪ ،‬وقيل‪ :‬نسبه إلى قرية ناووسا‪ ،‬وقالت هذه الفرقة بأن جعفر بن محمد لم يمت وهو حي ل يموت‬
‫حتى يظهر ويلي المر وهو القائم المهدي‪..‬‬
‫قال صاحب الزينة‪" :‬وقد انقرضت هذه الفرقة ول يوجد اليوم أحد يقول بهذا القول" (ولكن رجالها ل تزال رواياتهم‬
‫في كتب الثني عشرية)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص ‪ ،80‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص ‪ ،67‬الرازي‪ /‬الزينة ص ‪ ،286‬الشعري‪/‬‬
‫مقالت السلميين ‪ ،1/100‬الشهرستاني‪ ،167-1/166 :‬نشوان‪ /‬الحور العين ص ‪.].)162‬‬
‫وكل هذه الطوائف الثلث تنكر بعض أئمة الثني عشرية‪ ،‬ومع ذلك يعدون جملة من رجالها‬
‫ثقات‪ ..‬جاء في رجال الكشي ‪ -‬مثلً ‪" -‬في محمد بن الوليد الخزار‪ ،‬ومعاوية بن حكيم‪،‬‬
‫ومصدق بن صدقة‪ ،‬ومحمد بن سالم بن عبد الحميد قال أبو عمرو (الكشي)‪ :‬وهؤلء كلهم‬
‫فطحية وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول‪ ،‬وبعضهم أدرك الرضا ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫وكلهم كوفيون" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ].563‬كما كان الحسن بن علي بن فضال [رجال الكشي‪ :‬ص ‪،].565‬‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫وعلي بن حديد بن حكيم [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].570‬وعمرو بن سعيد المدايني‬
‫‪ ].612‬كلهم من الفطحية‪.‬‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫وكان أبو خالد السجستاني [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].612‬وعلي بن جعفر المروزي‬
‫‪ ،].616‬وعثمان بن عيسى [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ].597‬وحمزة بن بزيغ [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ].615‬كلهم من‬
‫الواقفة‪ ،‬ومع ذلك وثقوهم وعملوا بمروياتهم معرضين عن قول إمامهم‪" :‬الزيدية والواقفة‬

‫‪226‬‬
‫والنصاب بمنزلة واحدة" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪" ،].456‬والواقف عائد عن الحق ومقيم على سيئة إن‬
‫مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].456‬‬
‫وقال‪ :‬الواقفة "يعيشون حيارى ويموتون زنادقة" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].456‬وقال‪" :‬فإنهم كفار‬
‫مشركون زنادقة" [ رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].456‬ومع هذا فهي تقبل روايات هؤلء أو يقبل شيوخهم‬
‫روايات هؤلء لقيام نصوص المذهب الشاذة عليهم ويردون روايات الصحابة ‪ -‬رضوان ال‬
‫عليهم ‪ -‬أليس هذا هو التناقض بعينه؟! ذلك أننا إذا أدركنا أنهم ردوا روايات الصحابة لردهم‬
‫النص المزعوم على علي‪ ،‬وهؤلء من الواقفة والفطحية ينكرون مجموعة من الئمة ويجحدون‬
‫النصوص الواردة فيهم عن الئمة قبلهم‪ ،‬فالجميع يشتركون في نفس العلة المزعومة التي من‬
‫أجلها رفضوا مرويات الصحابة وهو إنكار أحد الئمة‪ ..‬إذا أدركنا ذلك ‪ -‬أدركنا عظيم‬
‫تناقضهم وأنهم ليس لهم ميزان ثابت‪ ،‬وأن الهوى المذهبي‪ ،‬والتعصب والتحزب قد أعمى‬
‫أبصار شيوخهم فأضلوا أتباعهم سواء السبيل وحرموهم من منبع العلم واليمان‪.‬‬
‫وهل ثمة مجال لمقارنة من أثنى ال عليهم ورسوله بمجموعة من حثالة الفاكين والمفترين‪،‬‬
‫إل لبيان أنهم في مذهبهم في رد روايات الصحابة ليسوا على شيء‪.‬‬
‫ولقد جاء في كتب الشيعة‪" :‬عن ابن حازم قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‪ ..‬فأخبرني عن أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صدقوا على محمد صلى ال عليه وسلم أم كذبوا؟ قال‪ :‬بل‬
‫صدقوا" [أصول الكافي‪ ،1/65 :‬بحار النوار‪.].2/228 :‬‬
‫والصحابة ليسوا بحاجة لمثل هذا بعد ثناء ال ورسوله‪ ،‬ولكن نستشهد بذلك لبيان أنهم‬
‫أعرضوا حتى عما جاء عن أئمتهم في كتبهم‪ ،‬الموافق لما جاء في كتاب ال وسنة رسوله‪،‬‬
‫[في‬ ‫واتبعوا روايات الكذابين عن الئمة‪ ،‬والتي اعترفت بكذبهم كتب الشيعة نفسها كما سيأتي‬
‫بيان "حال رجالهم" الذين نقلوا الروايات عن الئمة‪.].‬‬
‫بداية تدوين الحديث عندهم‪:‬‬
‫[الفهرست‪ :‬ص ‪].219‬‬ ‫قال ابن النديم‪" :‬إن أول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهللي"‬
‫[نفس الموضع من المصدر السابق‪ ،‬روضات الجنات‪،4/67 :‬‬ ‫رواه عن أبان بن أبي عياش لم يروه غيره‬
‫رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،83‬جامع الرواة‪ ،1/374 :‬البروجردي‪ /‬البرهان ص ‪ ،]. 104‬وقد كان لنا وقفة عند هذا‬
‫الكتاب في أثناء الحديث عن أسطورة "التحريف عند الشيعة" وقد قدّم لنا أحد أساطين الشيعة‬
‫المتأخرين اعترافا يقول‪" :‬بأن هذا الكتاب موضوع في آخر الدولة الموية‪ "..‬يعني ل صحة‬
‫لنسبته لسليم‪ .‬وقد تبين لنا أن "سليما" هذا ل ذكر له في مصادر أهل السنة مع تعظيم الشيعة‬
‫لمره‪ ،‬وقد يقال بأنه اسم ل مسمى له؛ إذ لو كان كما يقولون‪ ..‬لكان شيئا مذكورا‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫ويبدو أن أوسع جمع لثارهم ‪ -‬في العصور المتقدمة ‪ -‬هو ما قام به أبو جعفر القمي محمد‬
‫بن الحسن بن فروخ الصفار القمي (المتوفى سنة ‪290‬ه‍) في كتابه "بصائر الدرجات في علوم‬
‫‪1285‬ه‍ [انظر‪ :‬الذريعة‪:‬‬ ‫آل محمد وما خصهم ال به" وهو مجموعة لحاديثهم‪ ،‬وقد طبع سنة‬
‫‪.].3/124‬‬
‫[تاريخ الدب‬ ‫وهذا الصفار اعتبره بروكلمان "المؤسس الحقيقي لفقه المامية في بلد العجم"‬
‫العربي‪.].3/337 :‬‬
‫[مناهج‬ ‫ويرى الدكتور محمد البلتاجي أنه "أول من دوّن فقه وآثار المامية الثني عشرية"‬
‫التشريع السلمي‪ ،].1/201 :‬وفي كلم ابن النديم السالف ما ينفي دعوى الولية‪ .‬ويكاد شيخهم‬
‫المجلسي ينقل الكتاب بحذافيره في موسوعته البحار‪ ،‬عبر أبوابه المختلفة‪ .‬وقد امتل هذا الكتاب‬
‫بالغلو حيث فيه الطعن في كتاب ال سبحانه‪ ،‬والغلو في الئمة‪ ،‬وتكفير الصحابة‪ ..‬إلخ‪ ،‬مما‬
‫يؤكد أن معظم أخباره مفتراة على الئمة‪.‬‬
‫وفي أوائل الرابع الهجري جدد التأليف الكليني (المتوفى سنة ‪ 328‬أو ‪329‬ه‍) في كتابه‬
‫"الكافي" ثم تعاقب التأليف عندهم بعد ذلك‪.‬‬
‫الكتب الرئيسة عند الثني عشرية‪:‬‬
‫إن الكتب الرئيسة التي تعتبر مصادر الخبار عند الثني عشرية في ثمانية يسمونها‪:‬‬
‫"الجوامع الثمانية" [مفتاح الكتب الربعة‪ ،].1/5 :‬ويقولون بأنه هي المصادر المهمة للحاديث المروية‬
‫من الئمة [أعيان الشيعة‪ ،1/288 :‬مفتاح الكتب الربعة‪ .].1/5 :‬قال عالمهم المعاصر محمد صالح‬
‫الحائري‪" :‬وأما صحاح المامية فهي ثمانية‪ ،‬أربعة منها للمحمدين الثلثة الوائل‪ ،‬وثلثة بعدها‬
‫[الحائري‪ /‬منهاج عملي للتقريب‬ ‫للمحمدين الثلثة الواخر‪ ،‬وثامنها لحسين ‪ -‬المعاصر ‪ -‬النوري"‬
‫(مقال نشر في مجلة رسالة السلم في القاهرة‪ ،‬كما نشر مع مقالت أخرى منتخبة من المجلة باسم "الوحدة‬
‫السلمية" ص‪.].)233 :‬‬
‫[انظر في التعريف بالكافي‪ :‬الذريعة‪ ،17/245 :‬النوري‪/‬‬ ‫أول هذه المصادر وأصحها عندهم الكافي‬
‫مستدرك الوسائل‪ ،3/432 :‬مقدمة الكافي‪ ،‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،20/71 :‬وقد أشارت هذه المصادر إلى أن‬
‫هذا الكتاب أصح الكتب الربعة المعتمدة عندهم‪ ،‬وأنه كتبه في فترة الغيبة الصغرى التي بواسطتها يجد طريقا إلى‬
‫تحقيق منقولته‪ ،..‬مع أنه الكتاب الوحيد من بين الكتب الربعة الذي ورد فيه أساطير الطعن في كتاب ال‪ ،‬وبلغت‬
‫أحاديث الكافي كما يقول العاملي‪ 16099 :‬حديثا (أعيان الشيعة‪ )1/280 :‬وقد طبع عدة طبعات‪ ،‬وشرحه عدد من‬
‫شيوخهم‪ ،‬وقد رأيت من شروحه‪ :‬مرآة العقول للمجلسي‪ ،‬وقد اعتنى بالحكم على أحاديث الكافي من ناحية الصحة‬
‫والضعف‪ ..‬وقد صحح روايات هي كفر بإجماع المسلمين كروايات تحريف القرآن‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫كما اطلعت أيضا على شرح المازندراني للكافي المسمى "شرح جامع"‪ ،‬وكذلك الشافي شرح أصول الكافي‪].‬‬
‫[انظر في التعريف بهذا الكتاب‪:‬‬ ‫لمحمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬ثم كتاب‪" :‬من ل يحضره الفقيه"‬
‫الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ ،237-6/230 :‬وأعيان الشيعة‪ ،1/280 :‬مقدمة من ل يحضره الفقيه‪ ،‬وقد اشتمل على‬
‫‪ 176‬بابا أولها باب الطهارة وآخرها باب النوادر‪ ،‬وبلغت أحاديثه (‪ )9044‬وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ألفه بحذف‬
‫السانيد لئل تكثر طرقه‪ ،‬وأنه استخرجه من كتب مشهورة عندهم وعليها المعول‪ ،‬ولم يورد فيه إل ما يؤمن‬
‫بصحته‪ .].‬لشيخهم المشهور عندهم بالصدوق محمد بن بابويه القمي (المتوفى سنة ‪381‬ه‍)‪ ،‬ثم‬
‫[انظر في التعريف به‪ :‬النوري الطبرسي‪ /‬مستدرك الوسائل ‪ ،4/719‬الذريعة‪ ،4/504 :‬مقدمة‬ ‫تهذيب الحكام‬
‫تهذيب الحكام‪ .‬وقد ألفه لمعالجة التناقض والختلف الواقع في رواياتهم‪ ،‬وبلغت أبوابه (‪ )393‬بابا‪ ،‬أما عدد أحاديثه‬
‫[ويقع الكتاب في ثلثة أجزاء‪ ،‬جزآن منه في العبادات‪ ،‬والثالث في بقية‬ ‫فسيأتي الحديث عنها‪ ،].‬والستبصار‬
‫أبواب الفقه‪ ،‬وبلغت أبوابه (‪ )393‬بابا‪ ،‬وحصر المؤلف أحاديثه بـ(‪ )5511‬وقال‪ :‬حصرتها لئل يقع زيادة أو نقصان‪،‬‬
‫وقد جاء في الذريعة أن أحاديثه (‪ )6531‬وهو خلف ما قاله المؤلف‪( .‬انظر‪ :‬الذريعة‪ ،2/14 :‬أعيان الشيعة‪،1/280 :‬‬
‫حسن الخرسان‪ ،‬في تقيدمه للستبصار)‪ ،].‬كلهما لشيخهم المعروف بـ"شيخ الطائفة" أبي جعفر محمد‬
‫بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة ‪360‬ه‍)‪.‬‬
‫قال شيخهم الفيض الكاشاني (المتوفى سنة ‪1091‬ه‍)‪" :‬إن مدار الحكام الشرعية اليوم على‬
‫هذه الصول الربعة‪ ،‬وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها" [الوافي‪ .].1/11 :‬وقال أغا بزرك‬
‫الطهراني ‪ -‬من مجتهديهم المعاصرين ‪ -‬وهي‪" :‬الكتب الربعة والمجاميع الحديثية التي عليها‬
‫استنباط الحكام الشرعية حتى اليوم" [الذريعة‪ .].2/14 :‬هذه هي المصادر الربعة المتقدمة عندهم‪.‬‬
‫ثم ألف شيوخهم في القرن الحادي عشر وما بعده مجموعة من المدونات ارتضى المعاصرون‬
‫[ويقع في ‪ 3‬مجلدات كبار‪ ،‬وطبع في‬ ‫منها أربعة سموها بالمجاميع الربعة المتأخرة وهي‪ :‬الوافي‬
‫إيران‪ ،‬وبلغت أبوابه (‪ )273‬بابا‪ ،‬وقال شيخهم محمد بحر العلوم ‪ -‬من المعاصرين ‪ -‬بأنه يحتوي على نحو خمسين‬
‫ألف حديث‪( .‬لؤلؤة البحرين "الهامش" ص ‪ ،)122‬بينما يذكر محسن المين بأن مجموع ما في الكتب (‪ )44244‬حديثا‬
‫(أعيان الشيعة‪ ].)1/280 :‬لشيخهم محمد بن مرتضى المعروف بمل محسن الفيض الكاشاني‬
‫[قالوا بأنه أجمع كتاب‬ ‫(المتوفى سنة ‪1091‬ه‍)‪ ،‬وبحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار‬
‫في الحديث‪ ،‬جمعه مؤلفه من الكتب المعتمدة عندهم‪.‬‬
‫انظر في التعريف به‪ :‬الذريعة‪ ،3/27 :‬أعيان الشيعة‪ ].1/293 :‬لشيخهم محمد باقر المجلسي (المتوفى‬
‫[هو أجمع كتاب لحاديث الحكام عندهم‪ ،‬جمع فيه مؤلفه رواياتهم‬ ‫سنة ‪ 1110‬أو ‪1111‬ه‍)‪ ،‬ووسائل الشيعة‬
‫عن الئمة من كتبهم الربعة التي عليها المدار في جميع العصار ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬وزاد عليها روايات أخذها من‬
‫كتب الصحاب المعتبرة تزيد على ‪ 70‬كتابا‪ ،‬كما ذكر صاحب الذريعة‪ ،‬ولكن ذكر الشيرازي في مقدمة الوسائل بأنها‬
‫تزيد على ‪ ،180‬ول نسبة بين القولين‪ ،‬وقد ذكر الحر العاملي أسماء الكتب التي نقل عنها فبلغت ‪ -‬كما حسبتها ‪-‬‬

‫‪229‬‬
‫أكثر من ثمانين كتابا‪ ،‬وأشار إلى أنه رجع إلى كتب غيرها كثيرة‪ ،‬إل أنه أخذ منها بواسطة من نقل عنها (طبع في‬
‫ثلثة مجلدات عدة مرات‪ ،‬ثم طبع أخيرا بتصحيح وتعليق بعض شيوخهم في عشرين مجلدا)‪.‬‬
‫(الشيرازي‪ /‬مقدمة الوسائل‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،293-1/292 :‬الذريعة‪ ،353-4/352 :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪:‬‬
‫‪ ].)49-20/36 ،8-1/4‬إلى تحصيل مسائل الشريعة تأليف شيخهم محمد بن الحسن الحر العاملي‬
‫[قال أغا بزرك الطهراني‪" :‬أصبح كتاب المستدرك كسائر‬ ‫(المتوفى سنة ‪1104‬ه‍)‪ ،‬ومستدرك الوسائل‬
‫المجاميع الحديثية المتأخرة في أنه يجب على المجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها ويرجعوا إليها في استنباط الحكام‪،‬‬
‫وقد أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين" (الذريعة‪ ،)111-2/110 :‬ثم استشهد بعض أقوال شيوخهم المعاصرين‬
‫باعتماد المستدرك من مصادرهم الساسية (الذريعة‪.)2/111 :‬‬
‫ولكن يبدو أن بعض شيوخهم لم يوافق على ذلك فنجد صاحب أحسن الوديعة ينتقد بشدة هذا الكتاب ويقول بأنه‪:‬‬
‫"نقل منه عن الكتب الضعيفة الغيرة معتبرة‪ ...‬والصول الغير ثابتة صحة نسخها‪ ،‬حيث إنها وجدت مختلفة النسخ أشد‬
‫الختلف"‪ ،‬ثم قال بأن أخباره مقصورة على ما في البحار‪ ،‬وزعها على البواب المناسبة للوسائل‪ ،‬كما قابلته حرفا‬
‫بحرف (محمد مهدي الكاظمي‪ /‬أحسن الوديعة ص ‪ ].)74‬لحسين النوري الطبرسي (المتوفى سنة‬
‫‪1320‬ه‍)‪.‬‬
‫ملحوظات على الكتب الثمانية‪:‬‬
‫هناك كتب كثيرة عندهم قالوا‪ :‬إنها في العتبار والحتجاج كالكتب الربعة‪ ،‬كما ذكر ذلك‬
‫[انظر‪ :‬ج‪ ‍1‬ص ‪ ،26‬قال المجلسي بأن كتب الصدوق ما عدا خمسة فيها ل تقصر في‬ ‫المجلسي في مقدمة بحاره‬
‫الشتهار عن الكتب الربعة (نفس الموضع من المرجع السابق)‪ .‬وقال‪" :‬وكتاب بصائر الدرجات من الصول‬
‫المعتبرة التي روى عنها الكليني وغيره"‪( .‬السابق‪ ،)1/27 :‬وهكذا قال في عدد كبير من كتبهم‪ .].‬والحر العاملي‬
‫في الوسائل [انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪(‍20‬الخاتمة)‪ ،].‬وكما نجد ذلك في مقدمات تلك الكتب‪ .‬ويبدو أن‬
‫تخصيص ما سلف بالذكر‪ ،‬إما لنها مجاميع كبيرة‪ ،‬أو قد يكون لمجرد محاكاة أهل السنة‬
‫وللدعاية المذهبية‪ ،‬ومما يوضح ذلك أنهم اعتبروا مثلً من المجاميع الثمانية المتقدمة كتاب‬
‫الوافي‪ ،‬وعدوه أصلً مستقلً‪ ،‬مع أنه عبارة عن جمع لحاديث الكتب الربعة المتقدمة (الكافي‬
‫والتهذيب والستبصار ومن ل يحضره الفقيه) فكيف يعد أصلً خامسا‪ ،‬ومستقلً‪ ،‬وهو تكرار‬
‫لحاديث الكتب الربعة؟!‬
‫وكذلك اعتبروا "الستبصار" للطوسي مصدرا مستقلً من المصادر الربعة المتقدمة‪ ،‬وهو ل‬
‫يعدو أن يكون اختصارا لكتاب تهذيب الحكام لطوسي‪ ،‬كما صرح بذلك الطوسي في مقدمة‬
‫الستبصار [الستبصار‪ ،].3-1/2 :‬وكما يبدو واضحا لمن شاء المقارنة بين الكتابين‪ ،‬فالدعاية‬
‫المذهبية واضحة في صنيعهم هذا‪..‬‬
‫وتجد أن بحار النوار وضعه مؤلفه في خمس وعشرين مجلدا‪ ،‬ولما كبر المجلد الخامس‬
‫والعشرين جعل شطرا منه في مجلد آخر فصار المجموع (‪ )26‬مجلدا [انظر‪ :‬الذريعة‪ ،].3/27 :‬فقام‬
‫‪230‬‬
‫المعاصرون وزادوا فيه كتبا ليست من وضع المؤلف كجنة المأوى للنوري الطبرسي‪ ،‬وهداية‬
‫الخبار للمسترحمي‪ ،‬ومجلدات في الجازات ليبلغوا به في طبعة جديدة مائة وعشرة مجلدات‬
‫تبدأ من الصفر [حيث إن المجلد الول يحمل رقم صفر!‪ .].‬كلون من المظاهر الثقافية الشكلية‪ ،‬والدعاية‬
‫[وتجد أن مجموعة كبيرة منهم تكلف بالكتابة في موضع "ما"‪،‬‬ ‫المذهبية‪ .‬وهم مغرمون بهذا التجاه الدعائي‬
‫ويصرف لها المرتبات من الحوزات العلمية‪ ،‬فإذا انتهى العمل نسب لواحد منهم أو لحد شيوخهم كأنه هو الذي قام‬
‫بهذا العمل الذي ل يقوم به إل جمع من الناس‪ ،‬كما يلحظ ذلك في كتاب الغدير وغيره‪ ،‬ولهم هوس في ادعاء السبق‪،‬‬
‫حيث تجد في كتاب الشيعة وفنون السلم بأن للشيعة السبق في كل علم‪ ،‬مع أن الروافض لم يعرف عنهم شيء من‬
‫هذا إل ما أخذوه عن أهل السنة‪ ،‬ولهم مفردات تفضح أمرهم‪ ،‬وترى في أعيان الشيعة للعاملي احتسابه لكثير من أئمة‬
‫أهل السنة من طائفته لمجرد ما يذكر في تراجمهم من وجود ميل للتشيع عندهم‪ ،‬وهو أمر ل يدخلهم في مسلك‬
‫الروافض‪ ،‬إذ محبة أهل البيت الحقيقية هي في أهل السنة أكثر من الرافضة‪.].‬‬
‫أما موضوع هذه المدونات فإن التهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ ،‬ووسائل‬
‫الشيعة‪ ،‬ومستدرك الوسائل كلها في الفقه‪ ،‬وكذلك الكافي‪ ،‬فإن المجلدين الول والثاني في‬
‫الصول وسائر المجلدات الباقية في الفقه وهو مما يسمى "فروع الكافي"‪.‬‬
‫ويلحظ التشابه في كثير من مسائلهم الفقهية مع أهل السنة؛ مما يؤكد ما يقول بعض أهل‬
‫العلم من أخذهم لذلك من أهل السنة [انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية‪ ،].3/246 :‬ولهم مفردات غريبة‪،‬‬
‫ومسائل منكرة ل تخطر على البال تستحق أن يكتب فيها تأليف خاص‪ ،‬وقد جمع جزءا منها‬
‫[وقد وقفت عليه في طبعته الخيرة (‪1405‬ه‍‪ ،‬دار الضواء‪،‬‬ ‫شيخهم المرتضى في كتاب سماه "النتصار"‬
‫بيروت) وقد طبع قبل ذلك ضمن الجوامع الفقهية بطهران سنة ‪1267‬ه‍ ومستقلً سنة ‪1315‬ه‍‪ ،‬ويسمى‪" :‬مسائل‬
‫النفرادات في الفقه" (لؤلؤة البحرين ص ‪ .].)320‬وقد نقل ابن عقيل الحنبلي بعض هذه المسائل‪ ،‬وهو‬
‫يتعجب منها‪ ،‬وقد سجلها ابن الجوزي في المنتظم [المنتظم‪ ].8/120 :‬من خط ابن عقيل‪ ،‬كما أشار‬
‫إليها في الموضوعات بقوله‪" :‬ولقد وضعت الرافضة كتابا في الفقه وسموه مذهب المامية‪،‬‬
‫وذكروا فيه ما يخرق إجماع المسلمين بل دليل أصلً [الموضوعات‪.].1/338 :‬‬
‫أما بالنسبة للقسم الباقي من هذه المدونات وهي أصول الكافي‪ ،‬وبحار النوار فهي تتعلق‬
‫بمسائل‪ :‬التوحيد‪ ،‬والعدل‪ ،‬والمامة‪ ..‬وأكثر ما فيها يدور حول عقائدهم وآرائهم في المامة‬
‫والئمة الثني عشر والنص عليهم‪ ،‬وصفاتهم‪ ،‬وأحوالهم‪ ،‬وزيارة قبوهم‪ ،‬والحديث عن أعدائهم‪،‬‬
‫وعلى رأسهم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونلحظ أن كل شيء ‪ -‬في الغالب ‪-‬‬
‫يدور في فلك المامة والئمة‪.‬‬
‫والقارئ لهذه الحاديث في هذه المدونات وغيرها من كتب الرواية عندهم يجد أن هناك فرقا‬
‫واضحا وكبيرا بين الروايات التي ترد عن طريق أهل السنة ويطلق عليها الحديث‪ ،‬وبين‬
‫‪231‬‬
‫الروايات التي ترد عن طريق الشيعة ويطلق عليها اللفظ نفسه‪ ،‬فكتب السنة الستة وغيرها إذا‬
‫روت حديثا فهو منسوب إلى النبي صلى ال عليه وسلم وهي أحاديثه هو‪ .‬أما كتب الحديث عند‬
‫الشيعة فهي تأتي بالرواية عن أحد أئمتهم الثني عشر ويعتقدون ‪ -‬كما مر ‪ -‬أن ل فرق بين ما‬
‫يروونه عن النبي صلى ال عليه وسلم أو عن أحد أئمتهم‪.‬‬
‫كما أن القارئ لكتب الحديث عندهم ل يجد إل القليل النادر منها هو المسند إلى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وأكثر ما يروونه في الكافي‪ ،‬واقف عند جعفر الصادق‪ ،‬وقليل منها يعلو إلى‬
‫أبيه محمد الباقر‪ ،‬وأقل من ذلك ما يعلوا إلى أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ونادرا ما‬
‫يصل إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫كما يلحظ أن مدوناتهم الربع المتأخرة ألفت في القرن الحادي عشر وما بعده‪ ،‬وآخرها ألفه‬
‫النوري الطبرسي (المتوفى سنة ‪1320‬ه‍) وهو من معاصري الشيخ محمد عبده‪ .‬وقد جمع فيه‬
‫ثلثة وعشرين ألف حديث عن الئمة [الذريعة‪ .].21/7 :‬لم تعرف من قبل‪ ،‬فهي متأخرة عن‬
‫عصور الئمة بمئات السنين‪ ،‬فإذا كان هؤلء قد جمعوا تلك الحاديث عن طريق السند‬
‫والرواية فكيف يثق عاقل برواية لم تسجل طيلة أحد عشر قرنا أو ثلثة عشر قرنا!! وإذا كانت‬
‫[صرح بعض أصحاب هذه المدونات‬ ‫مدونة في كتب فلم يعثر على هذه الكتب إل في القرون المتأخرة‬
‫بأنه عثر على كتب لم تدون في كتبهم المعتمدة من قبل‪ .‬يقول المجلسي‪" :‬اجتمع عندنا بحمد ال سوى الكتب الربعة‬
‫نحو مائتي كتاب‪ ،‬ولقد جمعتها في بحار النوار (اعتقادات المجلسي ص ‪ ،24‬مصطفى الشيبي‪ /‬الفكر الشيعي ص‬
‫‪ ،)61‬وذكر شيخهم الحر العاملي بأنه توفر عنده أكثر من ثمانين كتابا عدا الكتب الربعة‪ ،‬وقد جمع ذلك في وسائل‬
‫الشيعة" (انظر‪ :‬الوسائل ج‪ ،‍1‬المقدمة‪ ،‬والذريعة‪.)353-4/352 :‬‬
‫أما شيخهم المعاصر النوري الطبرسي فهو أيضا قد عثر على كتب لم تدون من قبل رغم أنه من المعاصرين‪،‬‬
‫يقول أغا بزرك الطهراني‪" :‬والدافع لتأليفه عثور المؤلف على بعض الكتب المهمة التي لم تسجل في جوامع الشيعة‬
‫من قبل (الذريعة‪ )21/7 :‬وجعلوا هذه الحاديث المكتشفة والتي جمعها مستدرك الوسائل مما ل يستغنى عنه‪ ،‬قال‬
‫آيتهم الخراساني ‪ -‬كما ينقل صاحب الذريعة ‪ -‬بأن الحجة للمجتهد في عصرنا هذا ل تتم قبل الرجوع إلى‬
‫المستدرك‪ ،‬والطلع على ما فيه ما الحاديث" (الذريعة ‪ ،)2/111‬فهل يعني هذا أنه قبل تأليف المستدرك ل حجة‬
‫عندهم في قول شيخهم؟! فانظر وتعجب‪ ..‬وقد تستمر مسيرة الكتشاف للكتب والروايات‪ ،].‬ولم يجمع تلك‬
‫الروايات متقدموهم‪ ،‬ولم لم تذكر تلك الكتب وتسجل في كتبهم القديمة؟! كيف لم يسجلها الكليني‬
‫وهو بحضرة السفراء الربعة سفراء المهدي؟! وقد سماه الكافي لنه كاف للشيعة‪ ،‬وقد عرضه‬
‫على مهديهم ‪ -‬بواسطة السفراء ‪ -‬فقال‪ :‬كاف لشيعتنا – كما سلف [انظر‪ :‬مقدمة الرسالة‪ -].‬بل إن‬
‫الطوسي قال بأنه جمع في كتابه تهذيب الحكام جميع ما يتعلق بالفقه من أحاديث أصحابهم‬
‫وكتبهم وأصولهم‪ ،‬لم يتخلف عن ذلك إل نادر قليل وشاذ يسير [الستبصار‪.].1/2 :‬‬

‫‪232‬‬
‫فهل هذه الكتب وضعت فيما بعد في أيام الدولة الصفوية‪ ،‬ونسبت لشيوخهم الوائل؟ هذا ليس‬
‫ببعيد‪.‬‬
‫بل إن كتبهم الربعة الولى لم تخل من دس وزيادة‪ ،‬وآية ذلك أن كتاب تهذيب الحكام‬
‫[الذريعة‪:‬‬ ‫للطوسي بلغت أحاديثه (‪ )13950‬حديثا كما ذكر ذكر أغا بزرك الطهراني في الذريعة‬
‫‪ ،].4/504‬ومحسن العاملي في أعيان الشيعة [أعيان الشيعة‪ ].1/288 :‬وغيرهما من شيوخهم‬
‫المعاصرين‪ ،‬في حين أن الشيخ الطوسي نفسه صرح في كتابه عدة الصول بأن أحاديث‬
‫التهذيب وأخباره تزيد على (‪ ،)5000‬ومعنى ذلك أنها ل تصل إل إلى (‪ )6000‬في أقصى‬
‫الحوال [انظر‪ :‬المام الصادق‪ :‬ص ‪ .].485‬فهل زيد عليها أكثر من الضعف في العصور المختلفة؟!‬
‫الدليل المادي الملموس أمامنا يؤكد ذلك‪.‬‬
‫وأيضا تراهم اختلفوا هل كتاب الروضة ‪ -‬وهو أحد كتب الكافي التي تضم مجموعة من‬
‫البواب‪ ،‬وكل باب يتضمن عددا كبيرا من الحاديث ‪ -‬هل هو من تأليف الكليني أم مزيد فيما‬
‫بعد على كتابه الكافي [روضات الجنات‪ ،].176-6/188 :‬فكأن أمر الزيادة شيء طبيعي ووارد في‬
‫كل حال‪.‬‬
‫بل المر أخطر من ذلك فإن شيخهم الثقة عندهم حسين بن حيدر الكركي العاملي (المتوفى‬
‫سنة ‪1076‬ه‍) قال‪ :‬إن كتاب الكافي خمسون كتابا بالسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالئمة‬
‫[المصدر السابق‪ ،].6/114 :‬بينما نرى شيخهم الطوسي (المتوفى سنة ‪360‬ه‍) يقول‪" :‬كتاب الكافي‬
‫مشتمل على ثلثين كتابا‪ ،‬أخبرنا بجميع رواياته الشيخ‪[ "..‬الفهرست‪ :‬ص ‪.].161‬‬
‫فهل زيد على الكافي للكليني فيما بين القرن الخامس‪ ،‬والحادي عشر عشرون كتابا‪ ،‬مع أن‬
‫كل كتاب يضم عشرات البواب‪ ،‬وكل باب يشمل مجموعة من الحاديث؟! لعل هذا أمر‬
‫طبيعي‪ ،‬فمن كذب على رسول ال والصحابة والقرابة فمن باب أولى أن يكذب على شيوخه‪..‬‬
‫وشواهد هذا الباب كثيرة‪.‬‬
‫أما متون هذه الكتب ونصوصها فإنك تلحظ فيها ظاهرة الختلف والتضاد‪ ،‬ولقد تألم شيخهم‬
‫محمد بن الحسن الطوسي "لما آلت إليه أحاديثهم من الختلف والتباين والمنافاة والتضاد حتى‬
‫ل يكاد يتفق خبر إل وبإزائه ما يضاده‪ ،‬ول يسلم حديث إل وفي مقابلته ما ينافيه‪ "..‬واعترف‬
‫بأن هذا الختلف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الخرى‪ ،‬وأن هذا كان من أعظم الطعون‬
‫على مذهبهم‪ ،‬وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الختلف‬
‫والتناقض [تهذيب الحكام‪.].3-1/2 :‬‬

‫‪233‬‬
‫وقام شيخهم الطوسي بمحاولة يائسة لتدارك هذا الختلف وتوجيه هذا التناقض فلم يفلح؛ بل‬
‫زاد الطين بلة‪ ،‬حيث علق كثيرا من اختلف الروايات على التقية بل دليل سوى أن هذا الحديث‬
‫أو ذاك يوافق أهل السنة‪.‬‬
‫والواقع أنه بصنيعه هذا قد "كرس" الفرقة‪ ،‬وأضاع على طائفته كثيرا من سبل الهداية‪..‬‬
‫ومحاولته كانت في أحاديث الحكام‪ ،‬أما باقي مسال المذهب فلم يتعرض لها‪.‬‬
‫والدليل المادي على أن محاولته لم تنجح هو كثرة اختلفهم‪ ،‬وقد اشتكى بعض شيوخهم من‬
‫هذه الظاهرة وهو الفيض الكاشاني صاحب الوافي أحد الكتب الثمانية المعتمدة فقال عن اختلف‬
‫طائفته‪ .." :‬تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولً أو ثلثين قولً أو أزيد؛ بل لو‬
‫شئت أقول‪ :‬لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها" [الوافي‪ ،‬المقدمة‪ :‬ص ‪.].9‬‬
‫ومن الملحظ أن اختلفهم هو اختلف في الحاديث أو النصوص وليس اختلفا في‬
‫الستنباط‪ ،‬ول شك أن التناقض أمارة على بطلن المذهب‪ ،‬وكذب الروايات‪ ..‬وأن ذلك ليس‬
‫[النساء‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ختِلَفًا َكثِيرًا}‬
‫غ ْيرِ الّلهِ َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ‬
‫من عند ال لقوله سبحانه‪{ :‬وَ َلوْ كَانَ مِنْ عِندِ َ‬
‫‪..].82‬‬
‫وقد عزت بعض راياتهم ظاهرة الختلف إلى كثرة الكذب على الئمة‪ ..‬فهذا الفيض بن‬
‫المختار يشكو لبي عبد ال ‪ -‬كما تقول رواياتهم ‪ -‬كثرة اختلفهم ويقول‪" :‬ما هذا الختلف‬
‫الذي بين شيعتكم‪ ..‬إني لجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أن أشك في اختلفهم في حديثهم‪ .‬فقال‬
‫أبو عبد ال‪ :‬هو ما ذكرت يا فيض إن الناس أولعوا بالكذب علينا‪ ..‬وإني أحدث أحدهم بالحديث‬
‫فل يخرج من عندي حتى يتأوله على غيره تأويله‪ ،‬وذلك أنهم ل يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند‬
‫ال وإنما يطلبون الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا" [مضى ذكره وتخريجه من كتب الشيعة‪ :‬ص ‪.].90‬‬
‫[تروي كتب الشيعة عن جعفر الصادق قال‪" :‬إن لكل‬ ‫وقد كثرت شكاوى الئمة من كثرة الكذابين عليهم‬
‫رجل منا‪ ،‬رجل يكذب عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها‪ ،‬فاتقوا ال‬
‫ول تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا"‪ .‬وقد اعترف المغيرة بن سعيد كما تروي كتب الشيعة بذلك حيث قال‪:‬‬
‫"دسست في أخباركم أخبارا كثيرة تقرب من مائة ألف حديث"‪.‬‬
‫وعن الصادق قال‪" :‬إنا أهل بيت صادقون ل نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه"‪ .‬وعن أنس أنه قال‪:‬‬
‫"وافيت العراق فوجدت قطعة من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد ال ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬متوافرين فسمعت منهم وأخذت‬
‫كتبهم وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة‪ ..‬وقال‪ :‬إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد‬
‫ال‪ ،‬لعن ال أبا الخطاب‪ ،‬وكذلك أصحاب أبي الخطاب يسدون من هذه الحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي‬
‫عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فل تقبلوا علينا خلف القرآن" (انظر النصوص السابقة في‪ :‬تنقيح المقال‪.)175-1/174 :‬‬
‫فإذا وضعت مع هذه النصوص شهادة أئمة السنة بكذب الروافض (انظر‪ :‬المنتقى ص ‪ ،23-21‬ميزان العتدال‪:‬‬
‫‪ )28-1/27‬تبين شيوع الكذب وكثرته عندهم‪ ،‬وإذا عرفت مدى بضاعتهم في علم السناد‪ ،‬والجرح والتعديل تحقق لك‬
‫‪234‬‬
‫الخطر الكبير الذي يعيشه هؤلء من خلل اعتمادهم في التلقي على ذلك المدونات‪ ،]..‬وقد حف بهم ول سيما‬
‫جعفر الصادق مجموعة من المتآمرين والمتكسبين والمحتالين‪ ..‬وكانوا يستقبلون بعض الوفود‬
‫القادمة من أصقاع العالم السلمي ويأكلون أموالهم باسم الئمة‪ ،‬ويقدمون لهم تواقيع مزورة‬
‫باستلمهم ويحدثون عنهم بما لم يقولوا [انظر‪ :‬التحفة الثني عشرية‪ ،‬الورقة (‪( )92‬مخطوط)‪.].‬‬
‫[انظر‪ :‬ميزان العتدال ترجمة زرارة‪:‬‬ ‫وإذا كذب الئمة أقوالهم قالوا‪ :‬إن هذا التكذيب منهم تقية‬
‫‪ ،70-2/69‬وسيأتي عند الحديث عن حال رجالهم بأن شيوخ الشيعة يحملون الطعن والتكذيب الصادر من جعفر‬
‫الصادق وغيره في حق معظم رواتهم بأنه تقية‪.].‬‬
‫واستمع إلى شريك بن عبد ال القاضي (ت ‪178-177‬ه‍) يصف القوام الذين التصقوا بجعفر‬
‫وادعوا الرواية عنه ‪ -‬كما تنقل ذلك كتب الشيعة نفسها ‪" -‬قال أبو عمرو الكشي‪ :‬قال يحيى بن‬
‫عبد الحميد الحمّاني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ :-‬قلت‬
‫لشريك‪ :‬إن أقواما يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف الحديث‪ ،‬فقال ‪ :‬أخبرك القصة‪ ،‬كان‬
‫جعفر بن محمد رجلً صالحا مسلما ورعا فاكتنفه قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده‬
‫ويقولون‪ :‬حدثنا جعفر بن محمد‪ ،‬ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر‪،‬‬
‫ليستأكلوا الناس بذلك‪ ،‬ويأخذوا منهم الدراهم‪ ،‬كانوا يأتون من ذلك بكل منكر‪ ،‬فسمعت العوم‬
‫بذلك فمنهم من هلك ومنهم من أنكر" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،209-208‬بحار النوار‪.].303-20/302 :‬‬
‫ويبدو أن النكار كان من طائفة من المتقدمين‪ ..‬إذ إن المتأخرين ‪ -‬ولسيما في العهد الصفوي‬
‫وما بعده ‪ -‬قد أصبحت الساطير الكثيرة التي تروى عن جعفر جزءا من عقائدهم بل نكير‪.‬‬
‫أما معاني هذه الروايات‪ ،‬ومادتها فإن فيها ما يحكم المرء بوضعه بمجرد النظر في متنه‬
‫لمخالفته لصول السلم وضروراته‪ ،‬وما علم بالتواتر‪ ،‬وما أجمع المسلمون عليه‪ ..‬مع مخالفته‬
‫لصريح العقل‪ ،‬وقد رأيت في رواياتهم ما يلغى هذا المبدأ أعني مبدأ نقد المتن لظهور القرائن‬
‫التي تدل على ذلك‪ ،‬فقد جاء في بصائر الدرجات عن سفيان السمط قال‪" :‬قلت لبي عبد ال ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ :-‬جعلت فداك؛ إن رجلً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه‪،‬‬
‫فقال أبو عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ :-‬يقول لك‪ :‬إني قلت لليل إنه نهار‪ ،‬وللنهار إنه ليل‪ ،‬قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن قال لك هذا إني قلته فل تكذب به فإنك إنما تكذبني" [بحار النوار‪.].212-2/211 :‬‬
‫[بحار‬ ‫وجاء أيضا "إن حديثنا تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم‪ ،‬ومن أنكر فذروهم"‬
‫النوار‪.].2/192 :‬‬
‫وقد ذكر شيخهم المجلسي في التجاه (‪ )116‬حديثا في باب بعنوان "باب إن حديثهم ‪ -‬عليهم‬
‫السلم ‪ -‬صعب مستصعب‪ ،‬وإن كلمهم ذو وجوه كثيرة‪ ،‬وفضيلة التدبر في أخبارهم ‪ -‬رضي‬
‫‪235‬‬
‫ال عنهم ‪ -‬والتسليم لهم والنهي عن رد أخبارهم" [انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،].212-2/182 :‬وإذا قارنت‬
‫[قارن ذلك بما‬ ‫هذا بما يذهب إليه أهل السنة استبان بصورة أعظم ضللهم‪ ،‬وبضدها تتميز الشياء‬
‫قاله أئمة السنة في هذا الباب‪ ،‬قال الربيع بن خثيم (المتوفى سنة ‪ 61‬أو ‪63‬ه‍) والذي قال فيه ابن مسعود‪" :‬لو رآك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لحبك" (تقريب التهذيب‪ )1/244 :‬قال الربيع‪" :‬إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء‬
‫النهار يعرف‪ ،‬وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل ننكره" (رواه الخطيب البغدادي في الكافية ص ‪ ،)605‬وقال‬
‫أبو الحسن علي بن عروة المتوفى سنة ‪837‬ه‍‪ ،‬صاحب الكواكب الدراري في ‪ 120‬مجلدا‪( .‬انظر‪ :‬السخاوي‪ /‬الضوء‬
‫اللمع‪ ،)215-5/214 :‬قال ابن عروة‪" :‬القلب إذا كان تقيا نظيفا زاكيا كان له تمييز بين الحق والباطل‪ ،‬والصدق‬
‫والكذب‪ ،‬والهدى والضلل ول سيما إذا كان قد حصل له إضاءة وذوق من النور النبوي‪ ،‬فإنه حينئذ تظهر له خبايا‬
‫المور‪ ،‬ودسائس الشياء‪ ،‬والصحيح من السقيم‪ ،‬ولو ركب على متن ألفاظ موضوعة على الرسول إسناد صحيح أو‬
‫متن صحيح إسناد ضعيف لميز ذلك وعرفه‪ .‬فإن ألفاظ الرسول ل تخفى على عاقل ذاقها" (القاسمي‪ /‬قواعد التحديث‬
‫ص ‪ ،165‬وقد نقل ذلك عن مخطوطة الكواكب الدراري لبن عروة)‪.‬‬
‫وقد اعتنى أئمة الحديث بالمتن كما اعتنوا بالسناد‪ ،‬ووضعوا علمات لمعرفة الحديث الموضوع بدون النظر إلى‬
‫إسناده‪ ،‬وعامة علوم الحديث تعرضت لذلك‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬وأهل الحديث كثيرا ما يحكمون بالوضع باعتبار‬
‫أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث‪( ..‬القتراح‪ :‬ص ‪ ..)231‬كما ذكر اين الصلح بأنهم قد يعرفون كون الحديث‬
‫موضوعا بقرينة النص المروي‪ ،‬فقد وضعت أحاديث ‪ -‬كما يقول ‪ -‬طويلة تشهد لوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها‬
‫(علوم الحديث‪ /‬لبن الصلح ص‪.)89 :‬‬
‫وقد كتب ابن القيم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬كتابا مستقلً في هذا الشأن إجابة لسؤال يقول‪" :‬هل يمكن معرفة الحديث‬
‫الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟" فأورد ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬قواعد عدة في هذا الشأن بلغت (‪ )44‬قاعدة‬
‫ومثل لها بـ (‪ )273‬حديثا وبيّن وجه وضعها من خلل نقد المتن فقط وذلك في كتابه "المنار المنيف"‪.].‬‬
‫والغالب في النقد المتن عندهم أنه يعمل به إذا كان الحديث يوافق أهل السنة والذين يسمونهم‬
‫[انظر‪ :‬مبحث‬ ‫بالعامة فيردّ الحديث حينئذ‪ ،‬لن مخالفة العامة كما تقول رواياتهم فيها الرشاد‬
‫الجماع من هذه الرسالة‪ .].‬فيزدادون بهذا ضللً على ضللهم‪ ..‬مع أنه قد جاء عن بعض الئمة‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬باب الخذ بالسنة‬ ‫وفي كتب الشيعة نفسها‪" :‬ل تقبلوا علينا خلف كتاب ربنا"‬
‫وشواهد الكتاب‪ ،71-1/69 :‬وفيه مجموعة أحاديث في هذا المعنى‪ ،].‬إل أن هذا المبدأ لم يعمل به شيوخهم‪..‬‬
‫بل إن الصل الذي أمر الئمة بالرجوع إليه (وهو القرآن) قد كثرت أساطيرهم التي تتعرض‬
‫له‪.‬‬
‫أما مدى صحة هذه الروايات عندهم‪ ،‬والتي تضمنتها تلك المدونات والتعرف على أسانيدهم‬
‫ورجالهم الذين ارتضوا رواياتهم عن الئمة‪ ،‬وأقسام الحديث عندهم‪ ،‬ومقاييس نقد السند لديهم‪،‬‬
‫فهذا موضوع هام وكبير يستحق أن يكتب فيه كتابة مستقلة‪ ..‬وذلك لهميته في كشف حقيقة هذه‬
‫المدونات أمام المخدوعين والمغفلين‪ ..‬وتعرية الباطل واكتشاف اليدي السبئية التي أسهمت في‬

‫‪236‬‬
‫صنع هذا "الضلل" ونسبته لبعض علماء أهل البيت‪ ..‬وهو مبحث واسع الطراف متعدد‬
‫الجوانب ل يكفي هذا الحيز لتفصيل القول فيه‪ ..‬فسنكتفي بالعرض المجمل‪ ،‬والشارة واللمحة‪.‬‬
‫مدى صحة روايات هذه المدونات‪:‬‬
‫لقد جاء على لسان جملة من أعلم أهل السنة بأن الرافضة من أعظم الطوائف افتراء للكذب‪،‬‬
‫[منهاج السنة‪ ،4/51 :‬وراجع‪ :‬المنتقى (مختصر منهاج السنة‪ :‬ص ‪ ،23-21‬ميزان العتدال‪:‬‬ ‫وتكذيبا للصدق‬
‫‪ ..].)28-1/27‬وحينما قال ابن المطهر‪ :‬فإن لهم أحاديثهم التي رواها رجالهم الثقات‪ ،‬قال شيخ‬
‫السلم‪" :‬من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الحاديث في الزمان القديم ثقات‪ ،‬وأنتم لم تدركوها‪،‬‬
‫ولم تعلموا أحوالهم ول لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة‬
‫وغيره‪ ،‬ول لكم أسانيد تعرفون رجالها" [منهاج السنة‪.].4/110 :‬‬
‫ولكن هل أئمة السلم على علم بهذه المدونات؟‬
‫الحقيقة أنه لم يكن للمة المسلمة مصادر في التلقي معروفة مشهورة غير أمهات مصادر‬
‫المسلمين من الصحاح والسنن والمسانيد‪..‬‬
‫والملحوظ أن أئمة السلم الذين لهم عناية بأمر الروافض كالشعري وابن حزم‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬
‫لم يرد عنهم ‪ -‬في حدود تتبعي ‪ -‬ذكر لسماء هذه المدونات وبالخص أخطر كتاب لهم وهو‬
‫في أصول الكافي‪ ،‬رغم أن صاحبه قد توفي سنة ‪329‬ه‍‪ .‬فهل مرد ذلك إلى أن تلك المدونات‬
‫سرية التداول بينهم‪ ،‬أو لحتقار علماء السلم لهم‪ ،‬فلم يلتفتوا إلى كتب الحديث عندهم؟ أو أن‬
‫هذه الكتب صنفت في إبان الدولة الصفوية‪ ،‬ونسبت لشيوخهم الوائل؟‬
‫قد جاء في أصول الكافي ما يفيد أن كتب الحديث عندهم كانت موضع التداول السري بينهم‪،‬‬
‫ولهذا لم تكن متصلة السند بسبب ظروف التقية كما يدعون‪.‬‬
‫يقول نص الكافي‪" :‬إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد ال ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬وكانت‬
‫التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم‪ ،‬فلما ماتوا صارت الكتب إلينا‪( .‬قال أحد أئمتهم)‪:‬‬
‫حدثوا بها فإنها حق" [أصول الكافي‪ ،‬كتاب فضل العلم‪ ،‬باب رواية الكتب والحديث‪ ،].1/53 :‬وتلحظ في‬
‫[كما في خبر "لوح‬ ‫بعض رواياتهم ‪ -‬مثلً ‪ -‬المر بكتمان هذا النص وعدم إذاعته عند غير أهله‬
‫فاطمة" المزعوم‪ ،‬وفي آخره قال إمامهم‪" :‬لو لم تسمع في دهرك إل هذا الحديث لكفاك فَصُنْ ُه إل عن أهله" وهو نص‬
‫يرويه أبو بصير عن جعفر الصادق‪( .‬انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،)528-1/527 :‬الكاشاني‪ /‬الوافي‪ ،‬المجلد الول ج‪ ‍2‬ص‬
‫‪ ،72‬الطبرسي‪ /‬الحتجاج‪ ،87-1/84 :‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،304-301‬الطبرسي (وهو صاحب مجمع‬
‫البيان)‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪ 152‬وما بعدها‪ ،‬الكراجكي‪ /‬الستنصار‪ :‬ص ‪.].18‬‬

‫‪237‬‬
‫وفي عصر السيوطي قام أحد الروافض يدعو إلى الحتجاج بالقرآن فقط دون السنة‪ ،‬وألف‬
‫في الرد عليه كتابه "الحتجاج بالسنة"‪ ،‬فلم لم يدع هذا الرافضي إلى كتب أصحابه؟ قد يلتمس‬
‫من هذا الصنيع أنه يتكتم عليها‪ ..‬وعلى أية حال لم يكن لكتبهم ذلك الذيوع والنتشار إل بعد‬
‫ظهور الطباعة وتفشي أمر الرافضة‪.‬‬
‫ولعل أولى الشارات لمصادر الشيعة الربعة الولى جاءت في كتاب النواقض في الرد على‬
‫الروافض‪ ،‬حيث ذكر بأنه من هفوات الروافض إنكارهم كتب الحاديث الصحاح التي تلقتها‬
‫المة بالقبول‪ ،‬وإيمانهم بمقابل ذك بأربعة كتب جمع فيها كثير من الكاذيب مع بعض الحاديث‬
‫وأقوال الئمة [النواقض‪ :‬ص ‪( 110 ،109‬مخطوط)‪.].‬‬
‫وصاحب النواقض (مخدوم الشيرازي) من القرن العاشر‪ ،‬ولكن ل يعني هذا ظهور أمر هذه‬
‫المدونات؛ لن الشيرازي هذا عاش في وسط الرافضة‪ ،‬واضطر أن يتلقى تعليمه بينهم‪ ..‬فعرف‬
‫[انظر‪ :‬المصدر السابق‪ :‬الورقة ‪ ،151 ،87‬وانظر‪ :‬ص (‬ ‫من أمورهم ‪ -‬كما يقول ‪ -‬ما يخفى على الكثير‬
‫‪ )209‬من هذه الرسالة‪ ،‬هامش رقم (‪.].)2‬‬
‫‪ -‬أما مدى صحة ما في هذه المدونات في نظر هذه الطائفة‪ ،‬فهم في هذا فريقان‪ :‬صنف‬
‫يرى صحتها‪ ،‬ويقطع بثبوت كل حرف فيها عن الئمة‪ ،‬وفريق يرى أن فيها الصحيح وغيره‪..‬‬
‫يبين ذلك شيخهم الممقاني فيقول‪:‬‬
‫"إن كون مجموع ما بين دفتي كل واحد من الكتب الربعة من حيث المجموع متواترا مما ل‬
‫يعتريه شك ول شبهة‪ ،‬بل هي عند التأمل فوق حد التواتر‪ ،‬ولكن هل هي متواترة بالنسبة إلى‬
‫خصوص كل حديث وبعبارة أخرى هل كل حديث وكلمة بجميع حركاتها وسكناتها العرابية‬
‫والبنائية‪ ،‬وبهذا الترتيب للكلمات والحروف على القطع أم ل؟ فالمعروف بين أصحابنا‬
‫المجتهدين الثاني كما هو قضية عدها أخبار آحاد‪ ،‬واعتبارهم صحة سندها أو ما يقوم مقام‬
‫الصحة‪ ،‬وجل الخبار على الول كما يقتضيه قولهم بوجوب العمل بالعلم‪ ،‬وأنها قطعية‬
‫الصدور" [تنقيح المقال‪( 1/183 :‬ط ‪1349‬ه‍)‪.].‬‬
‫إذن الكتب الربعة عند الخباريين من الثني عشرية أعظم من القرآن عند المسلمين‪ ..‬ولهذا‬
‫قبلوا رواياتها التي تتعرض لكتاب ال‪ ،‬وجعلوها هي الحاكمة على كتاب ال وذلك هو الضلل‬
‫العظيم‪ ،‬والكفر الصراح‪.‬‬
‫أما الصوليون أو المجتهدون كما يسمون فإنهم يعتبرونها من قبيل الحاد‪ ،‬وينظرون حين‬
‫الحكم عليها إلى السند‪ ،‬ولذلك قال جعفر النجفي (ت ‪1227‬ه‍)‪ -‬شيخ الشيعة المامية‪ ،‬ورئيس‬

‫‪238‬‬
‫المذهب ‪ -‬في زمنه [الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪( 272‬الهامش)‪ ].‬قال في كتابه "كشف الغطا" عن مؤلفي‬
‫الكتب الربعة‪:‬‬
‫" والمحمدون الثلثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم‪ ،‬وبعضهم يكذب رواية بعض‪..‬‬
‫ورواياتهم بعضها يضاد بعضا‪ ..‬ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار‬
‫التجسيم والتشبيه وقدم العالم‪ ،‬وثبوت المكان‪ ،‬والزمان" [كشف الغطا‪ :‬ص ‪.].40‬‬
‫ولكن أصحاب الكتب الربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم ل يذكرون إل الصحيح‪ ،‬فيجيب‬
‫صاحب كشف الغطا عن ذلك بقوله‪" :‬فلبد من تخصيص ما ذكر في المقدمات أو تأويله على‬
‫ضرب من المجازات أو الحمل على العدول عما فات‪ ،‬حيث ذكروا في تضاعيف كتبهم خلف‬
‫ما ذكروه في أوائلها [كشف الغطا‪ :‬ص ‪ ،].40‬أي أنهم عدلوا عن شرط الصحة الذي ذكروه في‬
‫مقدمات كتبهم!!"‪.‬‬
‫ثم يأتي العتراض الكثر صعوبة وهو أن هذه الكتب الربعة مأخوذة كما يقولون من أصول‬
‫معروضة على الئمة‪ ،‬وأصول الكافي كتب في عصر الغيبة الصغرى‪ ،‬وكان بالمكان الوصول‬
‫[مضى‬ ‫إلى حكم المام على أحاديثه‪ ،‬بل قالوا بأنه عرض على مهديهم فقال بأنه كاف لشيعتنا‬
‫تخريجه من كتبهم ص‪ )120( :‬من هذه الرسالة‪ .].‬كما أن صاحب من ل يحضره الفقيه "أدرك من الغيبة‬
‫الصغرى نيفا وعشرين سنة" [الصدر‪ /‬الشيعة‪ :‬ص ‪ ،].125‬فلم لم يعترض الئمة على ما فيها من‬
‫موضوعات؟ لم يجد صاحب كشف الغطا جوابا على ذلك إل الفزع إلى التقية التي هي متعقلهم‬
‫إذا أعيتهم الحيل فقال‪" :‬وأنه ل يجب على الئمة المبادرة إليهم بالنكار ول تمييز الخطأ من‬
‫الصواب لمنع التقية المتفرعة على يوم السقيفة" [كشف الغطا‪ :‬ص ‪.].40‬‬
‫ومع ذلك فإن لسائل أن يقول‪ :‬إذا كان الصوليون من الشيعة قد سلكوا مسلك التصحيح‬
‫والتضعيف من خلل دراسة السناد فهل للشيعة بصر بالرجال ودراية بعلم الجرح والتعديل؟‬
‫والجواب على ذلك أنه‪ :‬من خلل النظر في كتب الرجال عندهم يتبين بأنه لم يكن لهم كتاب‬
‫في أحوال الرجال حتى ألف الكشي في المائة الرابعة كتابا لهم في ذلك‪ ،‬جاء في غاية‬
‫الختصار‪ ،‬وليس فيه ما يغني في هذا الباب‪ ،‬وقد أورد فيه أخبارا متعارضة في الجرح‬
‫والتعديل [انظر ‪ -‬مث ًل ‪ :-‬ترجمة زرارة بن أعين‪ ،‬وأبي بصير‪ ،‬وجابر الجعفي وغيرهم‪ ].‬وليس في كتب‬
‫رجالهم الموجودة إل في حال بعض رواتهم [الشيرازي‪ /‬النواقض ص ‪( 113‬مخطوط)‪ .].‬كما "أنه في‬
‫[الممقاني‪/‬‬ ‫كثير من السانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال وآبائهم أو كناهم‪ ،‬أو ألقابهم"‬
‫تنقيح المقال‪.].1/177 :‬‬

‫‪239‬‬
‫وقد كان التأليف في أصول الحديث وعلومه معدوما عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي‬
‫[انظر‪ :‬القمي‪ /‬الكنى‬ ‫[النواقض‪ :‬ص ‪ ].112-111‬الملقب عندهم بالشهيد الثاني (المقتول سنة ‪965‬ه‍)‬
‫واللقاب‪ ،].2/344 :‬وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها‪.‬‬
‫قال شيخهم الحائري‪" :‬ومن المعلومات التي ل يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث‬
‫[مقتبس الثر‪ ،3/73 :‬وقال الحر العاملي في‬ ‫من علمائنا قبل الشهيد الثاني وإنما هو من علوم العامة‪"..‬‬
‫ترجمة شيخهم المذكور‪ :‬وهو أول من صنف من المامية في دراية الحديث؛ لكنه نقل الصطلحات من كتب العامة‪،‬‬
‫كما ذكره ولده وغيره (أمل المل‪ ،].)1/86 :‬يعني أهل السنة‪( .‬وسيأتي أن تقسيم الحديث إلى صحيح‬
‫وغيره لم يوجد عندهم أيضا إل في القرن السابع)‪.‬‬
‫ويرى صاحب التحفة أن سبب تأليفهم في ذلك هو ما لحظوه في وراياتهم من تناقض‬
‫[التحفة الثنا عشرية‪ :‬ص ‪105‬‬ ‫وتهافت‪ ،‬وأنهم قد استعانوا في وضع هذه الصول بما كتبه أهل السنة‬
‫(مخطوط)‪ ،].‬غير أن لهم بعض المقاييس الخاصة بهم لم تسلم من ضلل كالعادة في كل ما‬
‫انفردوا به عن المسلمين‪ .‬فتجدهم مثلً يوثقون من ادعى رؤية غائبهم المعدوم الذي لم يولد‬
‫[كما تقوله طوائف من الشيعة‪ ،‬وكما ثبت ذلك عند ثقات المؤرخين وعلماء النسب ‪ -‬كما سيأتي في مبحث‬ ‫أصلً‬
‫الغيبة ‪ ،].-‬ويعتبرون ذلك دللة على كونه فوق العدالة‪ ،‬على حين ل تؤثر عندهم صحبة الرسول‬
‫شيئا في التزكية والتعديل ‪ -‬كما سلف ‪ -‬فهم بهذا يجعلون الكذب والضلل دليل العدالة‪ ،‬وعدوا‬
‫برهان العدالة أمارة على الكذب فانظر وتعجب‪ ..‬ويوثقون الكليني الذي أخرج أساطير "تحريف‬
‫[انظر‪ :‬تفسير‬ ‫القرآن" وأوسع لها في كتابه الكافي‪ ،‬ولذلك قال عنه الكاشاني في تفسيره الصافي‬
‫الصافي‪ ،1/52 :‬ط‪ :‬العلمي بيروت‪ ،‬وص‪ 14 :‬ط‪ :‬المكتبة السلمية طهران‪ ،].‬والنوري الطبرسي في فصل‬
‫الخطاب [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ 30‬وما بعدها (النسخة المطبوعة)‪ ،].‬ومحمود النجفي الطهراني في‬
‫قوامع الفضول [انظر‪ :‬قوامع الفضول‪ :‬ص ‪ ،].298‬بأنه كان يقول يتحريف القرآن‪.‬‬
‫وقال أبو زهرة‪ :‬فإن من هذا اعتقاده فليس من أهل القبلة [المام الصادق‪ :‬ص ‪.].440‬‬
‫[رجال الحلي‪ :‬ص‬ ‫ومع ذلك يقول ابن المطهر الحلي بأنه من أوثق الناس في الحديث وأثبتهم‬
‫‪ .].45‬بينما يعدون القول بالقياس ‪ -‬والذي هو من مبادئ الفقه السلمي ‪ -‬قدح في الرجل‬
‫عندهم تترك روايته من أجله [رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ].145‬فانظر كيف يوثقون الكفار‪ ،‬ويردون روايات‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ومن كان على غير مذهب المامية فروايته ل ترتقي للصحة ‪ -‬عندهم ‪ -‬كما سيأتي في‬
‫تعريف الصحيح عندهم‪ ،‬ولكن المامي مقبولة روايته ولو كان مذموما على لسان الئمة؛ بل‬

‫‪240‬‬
‫[رجال الحلي‪:‬‬ ‫صرح ابن المطهر الحلي بأن "الطعن في دين الرجل ل يوجب الطعن في حديثه"‬
‫ص ‪ ،].137‬فإذا كانت هذه بعض مقاييسهم فما حال رجالهم؟‬
‫رجال أسانيدهم‪:‬‬
‫إن مصنفي هذه المدونات لم يحصل لهم ملقاة الئمة‪ ،‬وما أخذوا أقوالهم إل بواسطة رجال‬
‫بينهم وبين الئمة‪ ،‬فما حال هؤلء الرجال الذين رووا كل ذلك الضلل عن جعفر وغيره؟‬
‫لقد شهد طائفة من أعلم السنة بأن الروافض من أكذب الناس في الحديث واتقوا الرواية‬
‫عنهم‪ ..‬لكن الثني عشرية ل تقبل هذه الشهادات‪ ،‬فهي ل تقبل "روايات العامة" كما يقولون‬
‫فضلً عن الخذ بجرحهم‪.‬‬
‫وقد استقرأ صاحب التحفة الثني عشرية أحوال رجالهم في الكتب الربعة من خلل ما تقوله‬
‫[انظر‪ :‬التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪ 107 ،97‬وما بعدها (مخطوط)‪ ،‬ومختصر التحفة‬ ‫عنهم كتب الشيعة نفسها‬
‫[الصواقع ‪ -‬بتقديم القاف على العين ‪ -‬المحرقة‬ ‫ص ‪ ،].69‬كما فعل مثل ذلك صاحب "الصواقع المحرقة"‬
‫لخوان الشياطين والزندقة من تأليف نصير الدين محمد الشهير بخواجه نصر ال الهندي المكي‪ ،‬وقد قام الشيخ‬
‫محمود اللوسي باختصار الكتاب باسم "مختصر الصواقع‪ "..‬وانظر (ما أشرنا إليه في) مختصر الصواقع‪ :‬ص ‪112‬‬

‫(مخطوط)‪ .].‬وقدم اللوسي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في "كشف غياهب الجهالت" إلمامة موجزة بأحوالهم‬
‫[كشف غياهب الجاهلت‪ :‬ص ‪( 10‬مخطوط)‪ ،].‬كما صدر حديثا كتاب بعنوان‪" :‬رجال الشيعة" درس فيه‬
‫مؤلفه مجموعة كبيرة من رجالهم من خلل مصادر الشيعة‪ ،‬وما قد يوجد في مصادر السنة‪،‬‬
‫وهي خطوة تستحق الشادة [وقد نشرته‪ :‬دار الرقام ‪ -‬الكويت عام ‪1403‬ه‍ تأليف عبد الرحمن الزرعي‪.].‬‬
‫وتبين من خلل ذلك أن رجال كتبهم في الغالب ما بين كافر ل يؤمن بال ول بالنبياء ول‬
‫بالبعث والمعاد‪ ،‬ومنهم من كان من النصارى ويعلن بذلك جهارا وَيتَزيّا بزيّهم‪ ،‬ولم يدع‬
‫صحبتهم‪ ،‬ومنهم من أعلن جعفر الصادق كذبهم ونص على ذلك باعتراف كتب الشيعة وقال‪:‬‬
‫"يروون عنا الكاذيب ويفترون علينا أهل البيت" [انظر‪ :‬التحفة ص ‪ .].97‬إلى غير ذلك من أحوال‬
‫رجالهم‪ ،‬وأنواع ضللهم‪ .‬وقد ذكرت هذه المصنفات جملة من أسماء هؤلء الرجال الذين ذهبوا‬
‫[ولعل بعض أقسام "السنة" في الجامعات السلمية تقوم بدراسة متأنية وشاملة لحوال‬ ‫لهذه المذاهب الملحدة‬
‫هؤلء الرجال الذين قام على رواياتهم مذهب الثني عشرية لكشف حالهم‪ ...‬وبيان الحقيقة‪.]..‬‬
‫ولقد لخص شيخ الطائفة‪ ،‬وصاحب كتابين [وهما‪ :‬التهذيب والستبصار‪ ].‬من كتبهم الربعة في‬
‫[وهي‪ :‬الفهرست للطوسي‪،‬‬ ‫الحديث‪ ،‬وصاحب كتابين أو ثلثة من كتبهم الربعة المعتمدة في الرجال‬
‫ورجال الطوسي‪ ،‬والكتاب الثالث وهو رجال الكشي‪ ،‬والذي قام بتهذيبه الطوسي‪ ،‬وقد فقد الصل اليوم عند الشيعة فل‬
‫يوجد إل تهذيب الطوسي‪ ،‬بالضافة إلى كتاب الرجال للنجاشي‪ ].‬لخص الطوسي أحوال رجالهم باعتراف‬

‫‪241‬‬
‫مهمّ أجراه ال سبحانه على لسانه‪ ،‬يقول الطوسي‪" :‬إن كثيرا من مصنفي أصحابنا ينتحلون‬
‫المذاهب الفاسدة ‪ -‬ومع هذا يقول‪ :‬إن كتبهم معتمدة ‪[ "-‬الفهرست‪ :‬ص ‪ ].25-24‬فكأن المهم عندهم‬
‫تشيع الرجل ول يضر بعد ذلك انتحاله لي مذهب فاسد‪ .‬ولكنهم يردون روايات الزيدية‪ .‬كما‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ردوا روايات زيد بن علي وهو من أهل البيت كما فعل الطوسي في الستبصار‬
‫الستبصار‪ ].66-1/65 :‬مع أن الزيدية شيعة‪.‬‬
‫إذن المقصود عندهم هو المام أو الغالي‪ ،‬ولهذا ارتضوا أمر الجارودية مع أنها من غلة‬
‫الزيدية‪ ،‬ولكن ارتضوا مذهبها لنها تكفر معظم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم وترد‬
‫[كما قرر ذلك شيخهم المفيد في أوائل المقالت‪ ،‬وقد مضى ذكر كلمه‬ ‫مروياتهم فتشاركهم في عموم مذهبهم‬
‫ص‪ .].)41( :‬ثم بعد ذلك ل يضر أن يكونوا من أصحاب المذاهب الفاسدة‪ ،‬والنحل الزائفة‪.‬‬
‫بل قرر جملة من علماء الرجال عندهم كابن الغضائري‪ ،‬وابن المطهر الحلي بأن القدح في‬
‫دين الرجل ل يؤثر في صحة حديثه [رجال الحلى‪ :‬ص ‪ - ].137‬كما مر ‪.-‬‬
‫ولكن هناك جملة من رجالهم ورواة مذهبهم هم من الغلة كما نص على ذلك شيوخ المذهب‬
‫القدامى‪ ،‬فلم يكونوا يأخذون برواياتهم‪ ،‬ولكن هذا القدح في هؤلء الرجال لم يرتضه الشيعة‬
‫المتأخرون بحجة غريبة‪ ،‬وهي أن المذهب يتطور ويتغير فأصبح ما يعتبر عند القدامى غلوا هو‬
‫اليوم من ضرورات المذهب الشيعي‪ ،‬فصارت مقاييسهم في نقد مذهب الرجل تتغير من عصر‬
‫لعصر تبعا لتغير المذهب وتطوره‪ .‬قال الممقاني ‪ -‬أكبر شيوخهم في علم الرجال في هذا‬
‫العصر ‪" :-‬إن القدماء ‪ -‬يعني من الشيعة ‪ -‬كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب‬
‫الشيعة غلوا وارتفاعا‪ ،‬وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما ل يخفى على من أحاط خبرا‬
‫بكلماتهم" [تنقيح المقال‪ ،3/23 :‬وراجع ما ذكره محب الدين الخطيب في ذلك في حاشية المنتقى‪ :‬ص ‪.].193‬‬
‫وأمر آخر أخطر من هذا‪ ،‬لقد جاءت روايات بأسانيد ثابتة وصحيحة لديهم تذم وتعلن‬
‫مجموعة من الكذابين الذين قام الدين الشيعي على رواياتهم‪ ،‬تذمهم بأعيانهم‪ ..‬فلم يقبل شيوخ‬
‫الشيعة الذم الوارد فيهم (لنهم لو قبلوا ذلك لصبحوا من أهل السنة وتخلوا عن شذوذهم) وقد‬
‫فزعوا إلى التقية لمواجهة هذا الذم‪ ،‬وهذا ليس له تفسير إل رد قول المام من وجه خفي‪ ،‬وإذا‬
‫كان منكر نص المام كافرا في المذهب الشيعي فهم خرجوا بهذا عن الدين رأسا‪.‬‬
‫وقد اعترف محمد رضا المظفر ‪ -‬وهو من شيوخهم وآياتهم المعاصرين ‪ -‬اعترف بأن جلّ‬
‫رواتهم قد ورد فيهم الذم من الئمة ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها‪ ،‬قال وهو يتحدث عما جاء‬
‫في هشام بن سالم الجواليقي من ذم قال‪" :‬وجاءت فيه مطاعن‪ ،‬كما جاءت في غيره من أجلة‬
‫[محمد الحسين المظفر‪ /‬المام‬ ‫أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات والجواب عنها عامة مفهوم"‬
‫‪242‬‬
‫الصادق‪ :‬ص ‪( ].178‬أي العلة المعروفة السائرة عندهم وهي التقية) ثم قال‪" :‬وكيف يصح في‬
‫أمثال هؤلء العاظم قدح؟ وهل قام دين الحق وظهر أمر أهل البيت إل بصوارم حججهم"‬
‫[محمد الحسين المظفر‪ /‬المام الصادق‪ :‬ص ‪.].178‬‬
‫لحظ كيف يصنع التعصب بأهله‪ ..‬فهم يدافعون عن هؤلء الذين جاء ذمهم عن أئمة أهل‬
‫البيت‪ ،‬ويردون النصوص المروية عن علماء أهل البيت في الطعن فيهم والتحذير منهم‪ ،‬والتي‬
‫تنقلها كتب الشيعة نفسها‪ ..‬فكأنهم بهذا يكذبون أهل البيت‪ ..‬بل ويصدقون ما يقوله هؤلء‬
‫الفاكون حيث زعموا أن ذم الئمة لهم جاء على سبيل التقية‪ ..‬فهم ل يتبعون أهل البيت في‬
‫أقوالهم التي تتفق مع نقل المة‪ ،‬بل يقتفون أثر أعدائهم ويأخذون بأقوالهم‪ ،‬ويفزعون إلى التقية‬
‫في رد أقوال الئمة‪.‬‬
‫وهناك مجموعة من رجالهم تميزوا بالكثار من الرواية في كتبهم‪ ،‬وهم يحظون بتوثيق‬
‫شيوخهم على الرغم من أنهم قد لعنوا أو كفروا أو كذبوا على ألسنة الئمة وباعتراف كتب‬
‫الشيعة نفسها‪.‬‬
‫وفي ظني أن جمع ما ورد في هؤلء الرجال الذين شاعت رواياتهم في كتب الثني‬
‫عشرية‪ ..‬جمع ما ورد فيهم من ذك في كتب الشيعة وما قد يوجد من ذلك في كتب السنة يسهم‬
‫في إيضاح الرؤية وكشف الكذب على أهل البيت‪ ،‬ويسقط الكثير من تلك الروايات السوداء التي‬
‫أخذت بالشيعة بعيدا عن جماعة المسلمين‪ ،‬ويكشف المر أمام عوام الشيعة وجهالهم الذين ل‬
‫يعرفون عن مذهبهم إل أنه مأخوذ عن أهل البيت‪ ،‬كما خدعهم بذلك شيوخهم‪ ،‬وما علموا أن‬
‫تلك الروايات جاءت بواسطة حثالة من الكذابين الذين تبرأ الئمة منهن وكذبوهم‪ .‬فالعوام في‬
‫الغالب في غفلة من مذهبهم وما يراد بهم‪.‬‬
‫ويأتي على رأس هؤلء الذين تميزوا بكثرة الرواية عندهم جابر الجعفي‪ ،‬قال الحر العاملي‪:‬‬
‫"روى سبعين ألف حديث عن الباقر ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وروى مائة وأربعين ألف حديث‪،‬‬
‫[وسائل‬ ‫والظاهر أنه ما روي بطريق المشافهة عن الئمة عليهم السلم أكثر مما روى جابر"‬
‫الشيعة‪.].20/151 :‬‬
‫إذا فجابر يأخذ المرتبة الولى في الرواية من ناحية العدد‪ ،‬وإذا لحظنا أن مجموع أحاديث‬
‫كتبهم الربعة لم تبلغ سوى (‪[ )44244‬أعيان الشيعة‪ ،].1/280 :‬أدركنا ضخامة ما رواه جابر‬
‫الجعفي‪ ،‬وأن رواياته تأخذ النصيب الكبر في المدونات الشيعية‪ ،‬فهو أحد أركان دينهم‪.‬‬
‫ولكن جاء في رجال الكشي ‪ -‬أصل كتب الرجال عندهم ‪ -‬عن زرارة بن أعين قال‪" :‬سألت‬
‫أبا عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬عن أحاديث جابر؟ فقال ما رأيته عن أبي قط إل مرة واحدة‪ ،‬وما‬
‫‪243‬‬
‫دخل عليّ قط" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،191‬وقد مضى الستشهاد به‪ .].‬فالمام الصادق هنا يكذب مما‬
‫يزعمه جابر من روايته عنه وعن أبيه‪ ..‬فكيف إذا يروي هذا العدد الضخم من الحاديث عمن‬
‫لم يلتق به‪ ،‬أو لم يلتق به إل مرة واحدة مع أنه صرح بالسماع والتحديث؟!‬
‫ولم يجد شيخهم الخوئي مخرجا من هذه الرواية التي تكذب جابرا إل أن يفزع إلى التقية‬
‫فيقول بأنه‪" :‬لبد من حمله إلى نحو من التورية" [معجم رجال الحديث‪ .].5/25 :‬لنه يرى أنه من‬
‫[معجم رجال‬ ‫ثقاتهم‪ ،‬حيث يقول‪" :‬الذي ينبغي أن يقال‪ :‬إن الرجل لبد من عده من الثقات الجلء"‬
‫الحديث‪.].4/25 :‬‬
‫واستشهد لذلك بتوثيق بعض شيوخهم له كابن قولويه وعلي بن إبراهيم والمفيد‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ويقول الصادق في صحيحة زياد إنه كان يصدق علينا [المصدر السابق‪ .].4/25 :‬وقد جاء في جامع‬
‫الرواة الشارة إلى أن هذه الرواية التي يصفها الخوئي بالصحيحة قد رويت عندهم بطريق‬
‫مجهول [الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ ،].1/144 :‬وما أدري لم يؤول الرواية الخرى ويأخذ بهذه الرواية‬
‫بل دليل؟‬
‫كما أن المفيد الذي يعتبره الخوئي ممن وثقه كان ينشد أشعارا كثيرة عنه يستدل بها على‬
‫اختلطه كما أشار إلى ذلك النجاشي [النجاشي‪ /‬الرجال ص ‪.].100‬‬
‫كما أن النجاشي قال عنه‪" :‬وكان في نفسه مختلطا" [النجاشي‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪ .].100‬وقال هاشم‬
‫[الموضوعات في الثار‬ ‫معروف‪" :‬إن جابر الجعفي من المتهمين عند أكثر المؤلفين في الرجال"‬
‫والخبار‪ :‬ص ‪ ].334‬وقال وهو يحكم على بعض رواياتهم‪" :‬في سند هذه الرواية صباح المزني‪،‬‬
‫وجابر الجعفي وهما ضعيفان‪ ،‬وقد ورد في جابر قدح ومدح والكثر على أنه كان مخلطا"‬
‫[المصدر السابق‪ :‬ص ‪.].184‬‬
‫كما أن النجاشي (ت ‪450‬ه‍) وهو خبير رجالهم وصاحب أحد كتبهم الربعة في الرجال ذكر‬
‫أنه‪" :‬قلّ ما يورد عنه شيء في الحلل والحرام" [النجاشي‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪ ،].100‬ولكن الخوئي يقول‪:‬‬
‫[الخوئي‪ /‬معجم رجال الحديث‪:‬‬ ‫"فإن الروايات عنه في الكتب الربعة كثيرة في الحلل والحرام‬
‫‪ ..].4/26‬فهذا قد يشير إلى شيء آخر وهو أن الرجل بالضافة إلى كذبه في نفسه‪ ،‬قد كثر الذين‬
‫يكذبون عليه‪ ،‬وهذا ما صرح به النجاشي في رجاله حينما قال‪" :‬روى عنه جماعة غمز فيهم‬
‫وضعفوا منهم عمرو بن شمر‪ ،‬ومفضل بن صالح‪[ "..‬النجاشي‪ /‬الرجال‪ :‬ص ‪.].100‬‬
‫وقال هاشم معروف في ترجمة عمر بن شمر‪" :‬ضعفه المؤلفون في الرجال ونسبوا إليه أنه‬
‫دس أحاديث في كتب جابر الجعفي" [دراسات في الحديث‪ :‬ص ‪ ،].195‬و"أنه كان يضع الحاديث في‬

‫‪244‬‬
‫كتب جابر الجعفي وينسبها إليه" [هاشم معروف‪ /‬الموضوعات والثار‪ :‬ص ‪ .].234‬فهذا جانب آخر‬
‫يكشف كذب هذه الروايات الكثيرة المنتشرة في كتبهم عن جابر‪.‬‬
‫كما جاء في رواياتهم مما يثبت أن جابرا أحد المجانين‪ ،‬وإن زعموا أنه افتعل ذلك خشية‬
‫بطش الخليفة [انظر ذلك في رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ..].195-194‬كما صورته رواياتهم بأنه واحد من أمهر‬
‫[انظر مخاريقه التي ينقلونها عنه في ذلك في رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫السحرة والمشعوذين وإن لم تسمه بذلك‬
‫‪.].197‬‬
‫وإذا لحظنا أن جابرا قد شاركت رواياته في كثير من أركان الكفر في المذهب الشيعي فهو‬
‫الذي روى في الكافي أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة‪ ..‬إلخ‪ ،‬وهو أول من وضع التأويل‬
‫الباطني في كتاب ‪ -‬كما سلف ‪ .-‬وجاء في رواياتهم ما يشير إلى وجوب كتمان تلك التأويلت‬
‫إلى غير ذلك مما أسهم به في تشييد الكفر والضلل‪ ،‬كما أن رواياته هي من أكبر الدلة على‬
‫كذبه وبهتانه‪ ،‬وقد شهد علماء السنة بأنه أحد الكذابين المفترين‪.‬‬
‫قال المام أبو حنيفة‪" :‬ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي"‪ .‬وقال ابن حبان‪" :‬كان سبئيا‬
‫من أصحاب عبد ال ابن سبأ‪ ،‬وكان يقول‪" :‬إن عليا عليه السلم يرجع إلى الدنيا"‪ .‬وقال جرير‬
‫بن عبد الحميد‪" :‬ل أستحل أن أحدث عن جابر الجعفي"‪ ،‬وقال‪" :‬هو كذاب يؤمن بالرجعة"‪ .‬وقال‬
‫[انظر‪ :‬العقيلي‪ /‬الضعفاء الكبير‪،1/196 :‬‬ ‫زائدة‪ :‬رافضي يشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ابن حبان‪ /‬المجروحين‪ ،1/208 :‬ميزان العتدال‪.].1/379 :‬‬
‫[الفهرست‪ :‬ص ‪،104‬‬ ‫ومثل جابر الجعفي‪ ،‬زرارة بن أعين (ت ‪150‬ه‍)‪ ،‬وثقه شيوخهم كالطوسي‬
‫[رجال الحلي‪:‬‬ ‫رجال الطوسي‪ :‬ص ‪ ،].350 ،201‬والنجاشي [رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،].133 ،132‬وابن المطهر‬
‫ص ‪ ،].76‬وغيرهم [انظر‪ :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،20/196 :‬الردبيلي‪ /‬جامع الرواة‪ .].1/324 :‬واعتبروه‬
‫[لحظ استدللهم بمبدأ‬ ‫أحد الرجال الستة ‪ -‬من أصحاب أبي جعفر‪ ،‬وأبي عبد ال ‪ -‬الذين أجعمعت‬
‫[انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪:‬‬ ‫الجماع وهم ل يقولون به كما سيأتي في فصل الجماع‪ ].‬العصابة على تصديقهم‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫‪ ،].7/219‬وله روايات كثيرة في كتب الشيعة‪ ،‬كما أن له إخوة وأبناء شاركوا في ذلك‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫الفهرست للطوسي‪ :‬ص ‪ ].104‬ولهذا قال الطوسي‪" :‬ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف"‬
‫الفهرست للطوسي‪ :‬ص ‪.].104‬‬
‫وذكر الخوئي مجموع رواياته في كتبهم الربعة فقال‪" :‬وقع بعنوان زرارة في إسناد كثير من‬
‫الروايات تبلغ ألفين وأربعة وتسعين موردا‪ ،‬فقد روى عن أبي جعفر ‪ -‬عليه السلم ‪،-‬‬
‫ورواياته عنه تبلغ ألفا ومائتين وستة وثلثين موردا‪ ،‬وروى عن أبي جعفر وأبي عبد ال ‪-‬‬
‫عليهما لسلم ‪ -‬ورواياته عنهما بهذا العنوان تبلغ اثنين وثمانين موردا‪ ،‬وروى عن أبي عبد ال‬
‫‪245‬‬
‫‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ورواياته عنه بهذا العنوان‪ ،‬وقد يعبر عنه بالصادق ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬تبلغ‬
‫أربعمائة وتسعة وأربعين موردا‪ ،‬وروى عن أحدهما عليهما السلم ورواياته عنهما بهذا العنوان‬
‫تبلغ ستة وخمسين موردا‪[ "..‬الخوئي‪ /‬معجم رجال الحديث‪.].7/247 :‬‬
‫[انظر‪ :‬لسان الميزان‪:‬‬ ‫هذا ما يقولون‪ ،‬ولكن يقول سفيان الثوري بأن زارة‪" :‬ما رأى أبا جعفر"‬
‫‪ .].2/474‬ويقول سفيان بن عيينة ‪ -‬حينما قيل له‪ :‬روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر كتابا ‪: -‬‬
‫"ما هو ما رأى أبا جعفر ولكنه كان يتتبع حديثه" [انظر‪ :‬لسان الميزان‪.].2/474 :‬‬
‫وقد جاء في ميزان العتدال أن زرارة نسب لجعفر الصادق علم أهل الجنة وأهل النار‪،‬‬
‫وقال لبن السماك‪ :‬إذا لقيته فاسأله هل أنا من أهل النار أم من أهل الجنة؟ ولما بلغ ذلك جعفرا‬
‫[انظر ميزان العتدال‪-2/69 :‬‬ ‫قال‪ :‬أخبره أنه من أهل النار‪ ،‬فمن ادعى علي علم هذا فهو من أهلها‬
‫‪ ،70‬لسان الميزان‪ ،].474-2/473 :‬غير أن بعض آياتهم وشيوخهم في هذا العصر يقول‪" :‬لم نجد أثرا‬
‫مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين‪ ،‬ومحمد بن مسلم‪ ،‬ومؤمن الطارق وأمثالهم‪ ،‬مع أنا قد‬
‫[الموسوي‪ /‬المراجعات‪ :‬ص‬ ‫استفرغنا الوسع والطاقة بالبحث عن ذلك وما هو إل البغي والعدوان"‬
‫‪.].313‬‬
‫فكأنه يشير إلى أنه ل أصل لما يذكر عن زرارة من ذم‪ ،‬وأن ذلك من عدوان الخصوم‪ ،‬وأنه‬
‫بحث عن ذلك في مصادره واستفرغ الوسع في التقصي فلم يجد له أي أثر‪ ..‬فهل هذا حق؟ لبد‬
‫من الرجوع لمصادرهم المعتمدة في الرجال لجل التثبت من صحة هذه الدعوى‪ ،‬لسيما وأن‬
‫عقيدة التقية هي شبهة تمنع الباحث من التصديق‪ ،‬وأولى ما يرجع إليه في هذا الشأن كتب‬
‫الرجال المعتمدة عندهم‪ ..‬ففي الفهرست للطوسي يتبين أن زرارة من أسرة نصرانية‪ ،‬إذ إن جده‬
‫[الطوسي‪/‬‬ ‫"سنسن" كان راهبا في بلد الروم‪ ،‬وكان أبوه عبدا روميا لرجل من بني شبيان"‬
‫الفهرست‪ :‬ص ‪ ،104‬ابن النديم‪ /‬الفهرست ص ‪ ،220‬والذي جاء في فهرست ابن النديم أنه اسم جده سنبس ل سنسن‬
‫كما في فهرست الطوسي‪.].‬‬
‫ويبدو تأثير زرارة في مذهب الشيعة أشبه بتأثير ابن سبأ‪ ،‬بل قال أبو عبد ال‪" :‬ما أحدث أحد‬
‫في السلم ما أحدث زرارة من البدع عليه لعنة ال" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].149‬وقال‪ .." :‬زرارة‬
‫شر من اليهود والنصارى‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنّ مع ال ثالث ثلثة" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].160‬‬
‫ونقل الكشي أن أبا عبد ال لعنه ثلثا [السابق‪ :‬ص ‪ ،].150-149‬وقال‪" :‬إن ال نكس قلب‬
‫زرارة‪[ "..‬السابق‪ :‬ص ‪ .].160‬وذكر روايات أخرى في ذمه‪.‬‬
‫ولذلك كان زرارة ‪ -‬كما ينقل الكشي ‪ -‬يقول‪" :‬وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة " وعلل‬
‫لذلك راوي الخبر عن زرارة بقوله‪" :‬لن أبا عبد ال أخرج مخازيه" [السابق‪ :‬ص ‪ ].145-144‬وقد‬
‫‪246‬‬
‫[انظر‪ :‬السابق‪ :‬ص‬ ‫بلغ تطاول زرارة على أبي عبد ال ‪ -‬كما في رجال الكشي‪ -‬أن كذبه في قوله‬
‫[حتى قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عن التشهد ‪ -‬إلى أن قال ‪ -‬فلما خرجت ضرطت في‬ ‫‪ ].158‬وأساء في القول له‬
‫لحيته وقلت ل يفلح أبدا‪ .‬السابق‪ :‬ص ‪ ،].159‬وكان يتعمد الكذب‪ ،‬ويصر على نسبته إليه‪ ،‬ففي رجال‬
‫الكشي "‪ ..‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فقال‪ :‬كيف‬
‫تركت زرارة؟ قلت‪ :‬تركته ل يصلى العصر حتى تغيب الشمس فقال‪ :‬فأنت رسولي إليه فقل‬
‫له‪ :‬فليصل في مواقيت أصحابي فإني قد حرقت‪ .‬قال‪ :‬فأبلغته ذلك فقال (يعني زرارة)‪ :‬أنا وال‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،143‬الحر العاملي‪/‬‬ ‫أعلم أنك لم تكذب عليه‪ ،‬ولكن أمرني بشيء فأكره أن أدعه"‬
‫وسائل الشيعة‪ ،3/113 :‬الخوئي‪ /‬معجم رجال الحديث‪.].7/222 :‬‬
‫فهو يزعم أن جعفر الصادق هو الذي أمره إل يصلي العصر حتى تغيب الشمس!! وجعفر‬
‫بريء من هذا الفتراء‪.‬‬
‫فهذا هو زرارة كما تصفه كتب الشيعة نفسها‪ ،‬ومع ذلك يقول كبير شيوخهم في هذا العصر‬
‫بأنه قد استفرغ الوسع والطاقة في البحث فلم يجد شيئا في ذمه‪ ،‬فهل يخفى عليه ذلك أم أن في‬
‫التقية متسعا لن يقول ما يشاء ول أحد ينكر عليه؟!‬
‫وكيف يذهب شيوخ الشيعة إلى توثيق زرارة مع هذا التجريح‪ ،‬وهذا التكفير واللعن الذي‬
‫[لن‬ ‫صدر عن "المعصوم" في اعتقادهم‪ ..‬والذي يتفق في روايته الكشي‪ ،‬وشيخ الطائفة الطوسي‬
‫رجال الكشي من تأليف الكشي‪ ،‬وتهذيب واختيارات الطوسي‪ ،‬والمتداول هو اختيارات الطوسي‪ ،‬لن الصل مفقود ‪-‬‬
‫كما مر ‪].-‬؟‬
‫يجيب على ذلك شيخهم الحر العاملي فيقول‪" :‬روي أحاديث في ذمه (أي زرارة) ينبغي‬
‫[وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫حملها على التقية‪ ،‬بل يتعين‪ ،‬وكذا ما ورد في حق أمثاله من أجلء المامية"‬
‫‪ ،].20/196‬ويحتجون لذلك بما يروونه عن محمد بن عبد ال بن زرارة وابنيه الحسن والحسين‬
‫عن عبد ال بن زرارة‪ ،‬قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال (جعفر الصادق)‪" :‬اقرأ على والدك السلم وقل‬
‫له‪ :‬إنما أعيبك دفاعا مني عنك‪ ،‬فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه‪،‬‬
‫لدخال الذى فيمن نحبه ونقربه‪ ،‬فيذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا‪ ،‬ويرون إدخال الذى‬
‫عليه وقتله‪[ "..‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،138‬وسائل الشيعة‪ ،20/196 :‬معجم رجال الحديث‪.].7/245 :‬‬
‫يحتجون بهذا ول يلتفتون إلى أن رواية البن مجروحة‪ ،‬لنه يدافع عن أبيه‪ ،‬ثم لو كان ذلك‬
‫الذم تقية لم يصل إلى هذا الحد من اللعن والتكفير‪ ،‬ثم إن جعفرا كان في عصره محل الجلل‬
‫والتكريم فكيف يهان من يحبه ويقربه؟‪ ،‬وإذا كانت التقية من جعفر للدفاع عن زرارة فلماذا‬
‫يفتري زرارة عليه بأنه أمره أل يصلي العصر إل بعد غروب الشمس ويكذبه‪ ،‬ويسيء إليه‪،‬‬
‫‪247‬‬
‫فهل في هذا تقية؟!‪ ،‬ولذلك حاول شيخهم أن يتخلص من روايات ذم زرارة في كتبهم بحمل قسم‬
‫منها على التقية [معجم رجال الحديث‪ .].7/245 :‬والتخلص من القسم الخر في الطعن في سنده‪.‬‬
‫وقد لحظت أن طعنه في بعض رجال تلك الروايات ل يستقيم مع ما جاء عنه في كتب‬
‫الرجال عندهم فهو ‪ -‬مثلً ‪ -‬قد ردّ روايات في ذم زرارة بحجة أن فيها جبرائيل بن أحمد هو‬
‫‪ -‬كما يقول – مجهول [السابق‪ ،].7/241 :‬في حين أنه ليس بمجهول عندهم‪ ،‬لنه كما يقول‬
‫الردبيلي‪ :‬كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان [جامع الرواة‪.].1/146 :‬‬
‫ثم إنه قام بالطعن في روايات الذم فقط وأهمل النظر في روايات المدح وهذا تحيز ظاهر‪.‬‬
‫ولكن شيوخهم يجرون هذا الحكم في كل رجل ذمه الئمة وارتضى شيوخهم أخباره مثل‬
‫[قال الحر العاملي‪ :‬روى الكشي وغيره فيه مدحا وذما‪ ،‬ولعل وجه الذم يأتي في‬ ‫أحمد بن محمد المروزي‬
‫زرارة (أي حمل الذم على التقية)‪( .‬وسائل الشيعة‪ ،20/127 :‬انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،562-559‬جامع الرواة‪:‬‬
‫[قال الحر العاملي‪" :‬وفيه ذم يسير ضعيف السند والدللة‪ ،‬ويأتي‬ ‫‪ ،].)49-1/48‬وإسماعيل بن جابر الجعفي‬
‫[قال‬ ‫وجهه في زرارة" (وسائل الشيعة‪ ،20/139 :‬وانظر رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].)199‬وبريد بن معاوية العجلي‬
‫الحر العاملي‪" :‬وجه من وجوه أصحابنا‪ ،‬ثقة فقيه‪ ،‬وعدّه الكشي من أصحاب الجماع (أي ممن أجمعت الشيعة على‬
‫تصحيح رواياتهم) وفيه بعض الذم يأتي الوجه في مثله في زرارة"‪( .‬وسائل الشيعة‪ ،146-20/145 :‬وانظر‪ :‬رجال‬
‫النجاشي‪ :‬ص ‪ ،87‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،27-26‬جامع الرواة‪ ،119-1/117 :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪" 148‬وفيه قال أبو‬
‫[قال الحر العاملي‪" :‬كوفى ثقة‪ ،‬وفيه مدح‪ ،‬وفيه ذم‬ ‫عبد ال‪ :‬لعن ال بريدا")‪ ،].‬وحريز بن عبد ال السجستاني‬
‫محمول على التقية لما يأتي في زرارة" (وسائل الشيعة‪ ،20/162 :‬وانظر‪ :‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،111‬رجال الطوسي‪:‬‬
‫ص ‪ ،181‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،63‬جامع الراواة ‪ ].)187-1/182‬وغيرهم‪.‬‬
‫ولشك بأن أمر التقية في مثل هذه الحالت ليس بمؤكد‪ ،‬فكان أقل الحوال أن يتوقف في‬
‫هؤلء‪ ،‬وإذا كان شيوخ الشيعة لم يقبلوا ما قيل في رواتهم من قبل أهل السنة‪ ،‬لنهم خصوم ‪-‬‬
‫على حد زعمهم ‪ -‬فإنهم أيضا لم يقبلوا ما ورد عن أئمتهم وادعو أنه صدر منهم مجاملة‬
‫ومصانعة لهل السنة‪ ..‬فضاعت الحقيقة حينئذ‪ ،‬وقام مذهب الشيعة على أهواء الشيوخ‪ ،‬والرواة‬
‫الكذبة‪.‬‬
‫أقسام الحديث عند الشيعة‪:‬‬
‫ومع تأخر التأليف عندهم في علم الرجال‪ ،‬واشتماله على ما ل يغني في بيان الحال‪ ،‬فإن‬
‫القارئ لكتب الشيعة المتأخرة‪ ،‬كمرآة العقول للمجلسي‪ ،‬والمعاصرة مثل الشافي في شرح‬
‫أصول الكافي‪ ،‬يجد أنهم يذكرون أحيانا أن هذا الحديث صحيح وذاك ضعيف‪ ،‬وإن كانوا ل‬
‫يلتزمون هذا في الكثير من مصنفاتهم‪ .‬وقد مرّ أن هذا مسلك طائفة من الثني عشرية وهم‬
‫الصوليون‪.‬‬
‫‪248‬‬
‫والعهد بالشيعة أنهم ل بصر لهم بهذه المور ول معرفة لهم بهذا الشأن‪ ،‬وقد شنع عليهم أهل‬
‫السنة لجهلهم بذلك‪ ،‬فمتى بدأ هذا التقسيم عند الشيعة وما سببه؟‬
‫لقد ظهر لي أثناء دراستي لعلم الجرح والتعديل عندهم أن تقسيم الحديث إلى صحيح‪،‬‬
‫[الصحيح عندهم‪ :‬ما اتصل سنده إلى المصوم بنقل المامي العدل عن مثله في‬ ‫وحسن‪ ،‬وموثق‪ ،‬وضعيف‬
‫جميع الطبقات‪.‬‬
‫والحسن‪ :‬ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح من غير نصل على عدالته مع تحقيق ذلك في جميع مراتبه أو في‬
‫بعضها مع كون الباقي من رجال الصحيح‪.‬‬
‫والموثوق‪ :‬ما دخل في طريقه من نص الصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته‪.‬‬
‫والضعيف‪ :‬ما ل يجتمع فيه شروط أحد الثلثة المتقدمين بأن يشمل طريقه على مجروح أو مجهول الحال أو ما دون‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والمرسل‪ :‬ما رواه عن المعصوم من لم يدركه‪.‬‬
‫(زين الدين العاملي‪ /‬الدراية‪ :‬ص ‪ ،47 ،24 ،23 ،21 ،19‬وانظر‪ :‬الممقاني مقياس الهداية ص‪ ،)35-33 :‬بهاء الدين‬
‫العاملي‪ /‬الوجيزة‪ :‬ص ‪. 5‬‬
‫ويلحظ أن المعصوم ‪ -‬كما أشرنا من قبل ‪ -‬ليس هو الرسول صلى ال عليه وسلم فحسب‪ ،‬بل أئمتهم لهم هذه الصفة‬
‫التي يختص بها الرسل‪ ،‬كما أنهم يشترطون إمامية الراوي في الحكم بصحة الحديثة أو حسنه‪ ،‬وما سوى المامي فل‬
‫يقبل خبره بقول علمتهم ابن المطهر الحلي‪" :‬ل تقبل رواية الكافر وإن علم من دينه التحرز عن الكذب"‪.‬‬
‫وكذلك "المخالف ل يقبل روايته أيضا لندراجه تحت اسم الفاسق" (ابن المطهر‪ /‬تهذيب الموصول‪ :‬ص ‪ )78-77‬وهم‬
‫يجرون حكم الكفر أو الفسق على سائر المسلمين من غير طائفتهم‪ .‬قال الممقاني‪ .." :‬والخبار في فسقهم بل كفرهم‬
‫ل تحصى كثرة" (تنقيح المقال‪ )3/207 :‬وراجع مبحث المامة من هذه الرسالة ص (‪ )749‬وما بعدها‪.‬‬
‫ولكنهم متناقضون في تطبيق هذه الشروط‪ ..‬وقد تعقبهم في ذلك صاحب التحفة وغيره‪ ،‬كما كشف أمرهم إخوانهم‬
‫من الخباريين‪ ].‬قد جاء متأخرا جدا عندهم‪ .‬ولعل هذه "القضية" تحتاج إلى شيء من التفصيل‬
‫باعتبارها في نظري جديدة لم أر من نبه عليها من قبل فأقول‪:‬‬
‫يلحظ أن بداية تقويم الشيعة للحديث وتقسيمه إلى صحيح وغيره‪ ،‬قد كانت في القرن السابع‬
‫(مع أن بداية دراسة أحوال الرجال عندهم كانت في القرن الرابع‪ -‬كما مر ‪ ،)-‬وجاءت متوافقة‬
‫مع حملة شيخ السلم ابن تيمية عليهم في منهاج السنة حينما شنع على الشيعة قصورهم في‬
‫معرفة علم الرجال‪ ،‬وقلة خبرتهم في ذلك‪ ،‬كما انبرى يكشف استدللت الشيعة من كتب السنة‬
‫ويبين جهلهم وكذبهم في هذا الباب حيث يستدلون بالضعيف والموضوع‪ ،‬وينقلون من المصادر‬
‫غير المعتمدة‪.‬‬
‫فهل الشيعة تنبهوا إلى ضعف هذا الجانب عندهم فاتجهوا إلى تمحيص أحاديثهم‪ ،‬أو إنهم رأوا‬
‫أن تقليدهم لهل السنة في هذا الباب فيه مجال للتخلص من إلزامات أهل السنة ونقدهم لما جاء‬
‫في كتب الشيعة من كفر وضلل‪ ،‬فما أن يقول لهم السنيّ‪ :‬لقد جاء في كتابكم الكافي مثلً كذا‬
‫‪249‬‬
‫وكذا من الكفر حتى يجد الشيعي الجواب حاضرا وميسورا‪ ،‬حينما يحكم على الحديث الوضع‬
‫وفي التقية متسع‪..‬؟‬
‫إن التوافق الزمني بين رد شيخ السلم ووضعهم لهذا الصطلح قد ينبئ عن تأثيرهم بنقد‬
‫شيخ السلم لهم‪ ،‬حيث اعترفوا بـ"أن هذا الصطلح (وهو من تقسيم الحديث عندهم إلى‬
‫[وسائل الشيعة‪ ،20/102 :‬وانظر‪ :‬الكاشاني‪/‬‬ ‫صحيح وموثق وضعيف) مستحدث في زمن العلمة"‬
‫الوافي‪ /‬المقدمة الثانية‪.].‬‬
‫والعلمة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الذي رد عليه شيخ السلم‪ .‬بل‬
‫هناك ما يؤكد الموضوع أكثر‪ ،‬وهو أن ابن المطهر الحلي هذا هو ‪ -‬كما يقول صاحب الوافي‪:‬‬
‫"أول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك" [الوافي‪ /‬المقدمة الثانية‪.].1/11 :‬‬
‫إذن أل يدل هذا على أن لبن تيمية‪ ،‬ومنهاج السنة أثرا في ذلك‪ ،‬وإن بدء ابن المطهر في‬
‫وضع هذه المقاييس لشيعته إنما هو سبب النقد الموجه له من ابن تيمية؟‬
‫وقد اعترف شيخهم "الحر العاملي" بأن سبب وضع الشيعة لهذا الصطلح واتجاههم للعناية‬
‫بالسند هو النقد الموجه لهم من أهل السنة فقال‪" :‬والفائدة في ذكره (أي السند)‪ ...‬دفع تعيير‬
‫[وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫(يعني أهل السنة) الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة‪ ،‬بل منقولة من أصول قدمائهم"‬
‫‪.].20/100‬‬
‫وكأن هذا النص الخطير يفيد ‪ -‬أيضا ‪ -‬أن السناد عندهم غير موجود‪ ،‬وأن رواياتهم كانت‬
‫بل زمام ول خطام حتى شنع الناس عليهم بذلك فاتجهوا حينئذ لذكر السناد‪ .‬فالسانيد التي‬
‫نراها في رواياتهم هي صنعت فيما بعد وركبت على نصوص أخذت من أصول قدمائهم‪،‬‬
‫ووضعت هذه السانيد لتوقي نقد أهل السنة‪ ،‬وقولهم بأن أسانيد الشيعة غير معنعنة‪ .‬ول يستبعد‬
‫أن يقوم من يتولى صناعة تلك السانيد بوضع أسماء رجال ل مسمى لهم‪.‬‬
‫وقد لحظت في دراستي لكتاب سليم بن قيس ‪ -‬أول كتاب ظهر لهم ‪ -‬أنهم يضعون روايات‬
‫أو كتبا لشخاص ل وجود لهم‪ ،‬حتى قال بعض شيوخهم وهو يعترف بأن كتاب سليم بن قيس‬
‫موضوع عليه‪" :‬والحق أن هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية‪ ،‬وطرائف‬
‫[أبو الحسن الشعراني‪ /‬تعليقات علمية (على شرح الكافي للمازندراني)‪:‬‬ ‫بن طاوس‪ ،‬والرحلة المدرسية"‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪ )26‬من‬ ‫‪ .].374-2/373‬وتبين لنا فيما سلف أن سليم بن قيس قد يكون اسما ل مسمى له‬
‫هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وقد رأيت صاحب الحور العين يقدم شهادة مهمة لحد علماء الشيعة الزيدية في هذا الشأن‬
‫[أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني‪ ،‬وقد قال ذلك في كتابه‬ ‫حيث قال‪ :‬قال السيد أبو طالب‬
‫‪250‬‬
‫الدعامة‪ ،‬وقد توفي سنة (‪424‬ه‍)‪( .‬انظر‪ :‬معجم المؤلفين‪" :].)1932-13/192 :‬إن كثيرا من أسانيد الثني‬
‫عشرية مبنية على أسام ل مسمى لها من الرجال‪ ،‬قال‪ :‬وقد عرفت من رواتهم المكثرين من‬
‫كان يستحل وضع السانيد للخبار المنقطعة إذا وقعت إليه‪ .‬وحكي عن بعضهم‪ :‬أنه كان يجمع‬
‫روايات بزرجمهر‪ ،‬وينسبها للئمة بأسانيد يضعها‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ألحق الحكمة بأهلها"‬
‫[الحور العين‪ :‬ص ‪.].153‬‬
‫وقد ذكروا أن من رجالهم حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي قالوا بأنه‪" :‬روى جميع‬
‫مصنفات الشيعة وأصولهم‪ ..‬وروى ألف كتاب من كتب الشيعة" [وسائل الشيعة‪ ،].20/185 :‬ولو كان‬
‫هذا واقعا لنتشر ذكره في كتب الرجال والتاريخ ولكني لم أجد له أي ذكر أو إشارة‪.‬‬
‫ومما يؤيد هذا وأنه ل سند لهم في الحقيقة النص التالي الذي جاء في أصح كتبهم‪ ،‬حيث‬
‫قالوا‪" :‬إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد ال ‪ -‬عليهما السلم ‪ ،-‬وكانت التقية شديدة‬
‫فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم‪ ،‬فلما ماتوا صارت الكتب إلينا"‪ .‬ولما سألوا إمامهم عن ذلك قال‪:‬‬
‫"حدثوا بها فإنها حق" [أصول الكافي‪ ،‬كتاب فضل العلم‪ ،‬باب رواية الكتب والحديث‪ ،].1/53 :‬فهذا اعتراف‬
‫خطير بانقطاع أسانيدهم‪.‬‬
‫ومن يضمن لهم ول سيما في ظروف الخوف والتقية التي تشير إليها هذه الرواية‪ ،‬من‬
‫يضمن أن ل تكون هذه الكتب التي صارت إليهم من وضع زنديق ملحد أراد إضلل الشيعة‬
‫وإبعادهم عن "حظيرة" الجماعة بنسبة روايات تلك الكتب إلى بعض أهل البيت‪ ..‬وليس هذا‬
‫ببعيد‪ ..‬ومما يثبت ذلك كثرة النصوص عندهم والتي تتناول أقدس ما عند المسلمين وهو كتاب‬
‫ال سبحانه بالطعن مما ل يوجد عند طائفة من طوائف الضلل والكفر إل عند هذه الطائفة‪.‬‬
‫ويؤكد شيخهم الحر العاملي أن الصطلح الجديد (وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح‬
‫وغيره) والذي وضعه ابن المطهر هو محاولة لتقليد أهل السنة حيث قال‪" :‬والصطلح الجديد‬
‫[وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫موافق لعتقاد العامة واصطلحهم‪ ،‬بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع"‬
‫‪.].20/100‬‬
‫وهذا يفيد تأخر الشيعة في الهتمام بهذه القضية‪ ،‬وإن الدافع لذلك ليس هو الوصول إلى‬
‫صحة الحديث بقدر ما هو توقي نقد المذهب من قبل الخصوم والدفاع عنه‪ .‬ولذلك جاء علم‬
‫الجرح والتعديل عندهم مليئا بالتناقضات والختلفات حتى قال شيخهم الفيض الكاشاني‪" :‬في‬
‫الجرح والتعديل وشرايطهما اختلفات وتناقضات واشتباهات ل تكاد ترتفع بما تطمئن إليه‬
‫النفوس كما ل يخفى إلى الخبير بها" [الوافي‪ ،‬المقدمة الثانية‪.].12-1/11 :‬‬

‫‪251‬‬
‫وهذه العترافات الخطيرة من الكاشاني‪ ،‬والحر العاملي لم تظهر إل في ظل الخلف الذي‬
‫دار ويدور بين الخباريين والصوليين‪ ..‬والذي ‪ -‬كما نلحظ ‪ -‬ارتفعت فيه التقية لسيما وأن‬
‫[نزق نزقا من باب تعب‪ :‬خف وطاش (المصباح‬ ‫في الشيعة ‪ -‬كما يقول الكافي ‪ -‬خصلتين‪" :‬النزق‬
‫المنير‪ :‬ص ‪ ].)734‬وقلة الكتمان" [أصول الكافي‪ ،].222-2/221 :‬فجاءت هذه القرارات لتكشف أن‬
‫"السناد" خصيصة من خصائص أهل السنة‪ ،‬وأن اتجاه الشيعة لذلك إنما هو من باب التقليد‬
‫وصيانة المهذب من النقد‪ ..‬وكان وضع هذا الصطلح على يد ابن المطهر الذي حظي بنقد‬
‫قوي من شيخ السلم ابن تيمية مما يدل على أثر ذلك في الشيعة‪.‬‬
‫وقد صار هذا الصطلح مثل عقيدة التقية يتسترون به على غلوهم‪ ،‬فإذا وجه إليه نقده ادعوا‬
‫أن في رواياتهم الصحيح وغيره‪ ،‬كما تلحظ هذه الظاهرة في كتابات ثلة من شيوخهم‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫ومنهج التصحيح والتضعيف الذي وضعه المتأخرون إن طبقوه لم يبق لهم من حديثهم إل‬
‫القليل‪ ،‬كما كشف ذلك شيخهم يوسف البحراني المتوفى (‪1186‬ه‍) حيث قال‪" :‬والواجب إما الخذ‬
‫بهذه الخبار‪ ،‬كما هو عليه متقدمو علمائنا البرار‪ ،‬أو تحصيل دين غير هذا الدين‪ ،‬وشريعة‬
‫أخرى غير هذه الشريعة‪ ،‬لنقصانها وعدم تمامها‪ ،‬لعدم الدليل على جملة من أحكامها‪ ،‬ول أراهم‬
‫يلتزمون شيئا من المرين‪ ،‬مع أنه ل ثالث لهما في البين‪ ،‬وهذا بحمد ال ظاهر لكل ناظر‪ ،‬غير‬
‫متعسف ول مكابر" [لؤلؤة البحرين‪ :‬ص ‪.].47‬‬
‫فهذا نص مهم يكشف أخبارهم في ضوء علم الجرح والتعديل الخاص بهم‪ ،‬وأنهم لو‬
‫استخدموه بدقة لسقطت معظم رواياتهم‪ ..‬وليس لهم إل الخذ برواياتهم بدون تفتيش‪ ،‬كما فعل‬
‫قدماؤهم‪ ،‬وقبولها بأكاذيبها وأساطيرها‪ ،‬أو البحث عن مذهب سوى مذهب الشيعة‪ ،‬لن مذهبهم‬
‫ناقص ل يفي بمتطلبات الحياة‪.‬‬
‫وإذا أخذنا هذا العتراف‪ ،‬ووضعناه مع إقرارهم الذي جاء في أخبارهم بأنهم كانوا ل‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/20 :‬ومضى ذكر النص‬ ‫يعرفون مناسك الحج والحلل والحرام حتى جاء أبو جعفر‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪ )362‬من‬ ‫بحروفه ص (‪ ،].)346‬وأنه في عهد أبي جعفر وابنه كثر الكذابون على الئمة‬
‫هذه الرسالة‪ -].‬تكاملت الصورة في أن معظم رواياتهم مكذوبة‪ ،‬ولو طبق علم الجرح والتعديل‬
‫لنكشف أمرها بذلك وظلوا كما كانوا من قبل أبي جعفر ل يعرفون الكثير من أمور دينهم إل‬
‫عن طريق كتب المسلمين‪.‬‬
‫ولكن يبدو أنهم لم يلتزموا بتطبيق هذه الصول التي وضعوها‪ .‬فتراهم مثلً يحكمون بصحة‬
‫كتاب نهج البلغة‪ ،‬حتى قال أحد شيوخهم المعاصرين‪" :‬إن الشيعة على كثرة فرقهم واختلفها‬
‫‪252‬‬
‫متفقون متسالمون على أن ما نهج البلغة هو من كلم أمير المؤمنين ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫اعتمادا على رواية الشريف ودرايته ووثاقته"‪ ..‬حتى كاد أن يكون إنكار نسبته إليه ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪ -‬عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات اللهم إل شاذا منهم‪ ..‬وأن جميع ما فيه‬
‫من الخطب والكتب والوصايا والحكم والداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم [الهادي كاشف الغطا‪ /‬مدراك نهج البلغة‪ :‬ص ‪ ].191-190‬مع أن كتاب النهج مطعون في سنده‬
‫ومتنه‪ ،‬فقد جمع بعد أمير المؤمنين بثلثة قرون ونصف بل سند‪ ،‬وقد نسبت الشيعة تأليف نهج‬
‫[محمد بن الحسين بن موسى الرضي أبو الحسن‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬رافضي جلد‪.‬‬ ‫البلغة إلى الشريف الرضي‬
‫(ميزان العتدال‪ .].)3/523 :‬وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصا فيما يوافق بدعته‬
‫فيكف إذا لم يسند كما فعل في النهج؟‪ ،‬وأما المتهم ‪ -‬عند المحدثين ‪ -‬بوضح النهج فهو أخوه‬
‫[علي بن الحسين العلوي الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي‪ ..‬المتوفى سنة (‪436‬هـ) (انظر‪ :‬ميزان‬ ‫علي‬
‫العتدال‪.].)3/124 :‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراه على علي‪،‬‬
‫[ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ،4/24 :‬المنتقى‬ ‫ولهذا ل يوجد غالبها في كتاب متقدم ول لها إسناد معروف"‬
‫من منهاج العتدال ص ‪.].430‬‬
‫[انظر في نقد نهج‬ ‫كما أن علمات الوضع لنصوص الكتاب كثيرة ليس هذا موضع تفصليها‬
‫البلغة‪ :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ،4/159 :‬المنتقى من منهاج العتدال‪ :‬ص ‪ ،509-508‬الذهبي‪ /‬ميزان العتدال‬
‫(ترجمة علي بن الحسين الشريف المرتضى‪ ،)3/124 :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،4/223 :‬مختصر التحفة الثني‬
‫عشرية‪ :‬ص ‪ ،36‬محب الدين الخطيب‪ /‬حاشية مختصر التحفة‪ :‬ص ‪ ، 58‬وحاشية المنتقى‪ :‬ص ‪ ،430‬أحمد أمين‪/‬‬
‫فجر السلم‪ :‬ص ‪ ،178‬أحمد زكي صفوت‪ /‬ترجمة علي بن أبي طالب‪ :‬ص ‪ ،162-125‬الزعبي‪ /‬البينات في الرد‬
‫على أباطيل المراجعات‪ :‬ص ‪ ،40-36‬مجلة المقتطف المجلد ‪ 42‬ج‪ ‍3‬ص ‪ 248‬عدد (‪ )25‬ربيع الول عام ‪1331‬هـ‪،‬‬
‫الوادعي‪ /‬رياض الجنة‪ :‬ص ‪.].163-162‬‬
‫والغرض هنا أن الشيعة يشترطون في الحكم بالصحة اتصال السند فأين اتصال السند هنا؟‬
‫ومن قديم كان شيوخهم ل يعملون بمقاييس الصحة والضعف التي وضعوها بأنفسهم‪ .‬قال الحر‬
‫العاملي عن شيخهم الطوسي إنه "يقول‪ :‬هذا ضعيف‪ ،‬لن روايه فلن ضعيف‪ ،‬ثم نراه يعلم‬
‫برواية ذلك الرواي بعينه‪ ،‬بل برواية من هو أضعف منه في مواضع ل تحصى‪ .‬وكثيرا ما‬
‫يضعف الحديث بأنه مرسل ثم يستدل بالحديث المرسل‪ ،‬بل كثيرا ما يعمل بالمراسيل وبرواية‬
‫الضعفاء‪ ،‬ويرد المسند ورواية الثقات" [وسائل الشيعة‪.].20/111 :‬‬
‫وإذا كان شيخهم البحراني المتوفى سنة (‪1186‬ه‍) يقرر بأن تطبيق منهجهم في الجرح‬
‫[محمد بن علي‬ ‫والتعديل (على ما فيه) يلغي الكثير من أحاديثهم ‪ -‬كما مر ‪ -‬فإن شيخهم الردبيلي‬
‫‪253‬‬
‫الردبيلي الغروي الحائري‪ .].‬والمتوفى سنة (‪1101‬ه‍) يؤلف كتابه جامع الرواة ويدعي دعوى في‬
‫غاية الغرابة‪ ،‬حيث زعم ‪ -‬وهو في القرن الحادي عشر ‪ -‬أنه بتأليفه لكتابه المذكور تتغير‬
‫أحكامه في اثني عشر ألف حديث عن الئمة في العصور الولى‪ ،‬تتغير من القول بضعفها أو‬
‫إرسالها أو جهالتها إلى القول بصحتها‪ ،‬حيث قال‪" :‬بسبب نسختي هذه يمكن أن يصير قريبا من‬
‫اثني عشر ألف حديث أو أكثر من الخبار التي كانت بحسب المشهور بين علمائنا ‪ -‬رضوان‬
‫ال عليهم ‪ -‬مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة معلومة الحال وصحيحة لعناية ال تعالى‪ ،‬وتوجه ‪-‬‬
‫كذا ‪ -‬سيدنا محمد وآله الطاهرين" [الردبيلي‪ /‬مقدمة جامع الرواة‪.].‬‬
‫ويستدل بهذا القول صاحب فصل الخطاب على أنه ل مانع من أن تصبح أحاديث التحريف‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص‬ ‫ضعيفة عند قدمائهم لعدم علمهم بطرق صحتها فتتحول عندهم إلى صحيحة‬
‫‪.].354‬‬
‫ونجد شيخهم المجلسي في كتابه مرآه العقول يضعف جملة من أحاديث الكافي مع أنه يقول‪:‬‬
‫فإننا ل نحتاج إلى سند لهذه الصول الربعة‪ ،‬وإذا أوردنا سندا فليس إل للتيمن والتبرك‬
‫[رسالة لزوم نقد رجال من ل يحضره الفقيه‪ ،‬عن أبي زهرة‪ /‬المام الصادق‪ :‬ص ‪-470‬‬ ‫والقتداء بسنة السلف‬
‫‪ ،].471‬وهذا تناقض غريب‪ .‬ولكن شيخهم هاشم معروف يرى "أن اتصاف هذا المقدار من‬
‫[قالوا بأن عدد الضعيف من روايات الكافي (‪ )9485‬حديثا‪ ،‬والصحيح (‪،)5072‬‬ ‫مرويات الكافي بالضعف‬
‫الحسن (‪ ،)144‬والموثق (‪ ،)178‬القوى (‪( .)302‬انظر‪ :‬الذريعة‪ ،246-17/245 :‬النوري‪ /‬مستدرك الوسائل‪ :‬الفائدة‬
‫الرابعة)‪ ].‬ل يعني عدم جواز العتماد عليها في أمور الدين‪ ،‬ذلك لن وصف الرواية بالضعف‬
‫من حيث سندها‪ ،‬ل يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في أحد الصول الربعمائة‪ ،‬أو في‬
‫بعض الكتب المعتبرة‪ ..‬أو لكونها معمولً بها عند العلماء وقد نص أكثر الفقهاء على أن الرواية‬
‫الضعيفة إذا اشتهر العمل بها والعتماد عليها تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة‪ ،‬وربما‬
‫تترجح عليها في مقام التعارض" [هاشم معروف‪ /‬دراسات في الحديث والمحدثين‪ :‬ص ‪ .].137‬ولهذا قال‬
‫شيخهم الشعراني ‪ -‬كما مر ‪ -‬بأن أسانيد الكافي وإن كان أكثرها ضعيفا فإن مضامينها‬
‫صحيحة [الشعراني‪ /‬تعاليق علمية (على شرح الكافي للمازندراني) ‪.].2/123‬‬
‫ويلحظ أن هذا مع ما قبله محاولة للتخلص من تطبيق مبادئ الجرح والتعديل التي وضعها‬
‫لهم ابن المطهر في القرن السابع وانتهت بهم إلى سقوط كثير من رواياتهم‪ ،‬كما كشف ذلك‬
‫شيخهم البحراني‪ ،‬فطفقوا يبحثون عما يسند رواياتهم بأي قرينة‪ ..‬وإل فما معنى وجودها في‬
‫كتاب معتبر وهل هناك أكثر اعتبارا عندهم من الكافي المعروض على مهديهم؟!‪ ،‬أمام قوله‪:‬‬
‫[ادعى شيوخ الشيعة بأن أسلفهم كانوا يعتمدون على أربعمائة‬ ‫"كوجودها في أحد الصول الربعمائة"‬
‫‪254‬‬
‫مصنف يسمونها الصول‪ ،‬ثم لخصت هذه الكتب وجمعت في كتب خاصة أحسنها الكتب الربعة‪( .‬الوسائل‬
‫‪ .]..)20/67‬فإن شيوخهم يقولون بأن الكتب الربعة وغيرها من كتبهم المعتمدة كالخصال‪،‬‬
‫والمالي‪ ،‬ومدينة العلم‪ ..‬منقولة من الصول الربعمائة [الوسائل‪.]20/67 :‬‬
‫فكيف يجعلون علمة صحة أخبارهم عن الئمة في الكافي وجودها في أحد الصول‪،‬‬
‫والكافي برمته منقولة منها ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬أليس هذا تناقضا؟!‪.‬‬
‫تقويم حال الئمة الذين تدعي فيهم الشيعة كل تلك الدعاوى‪:‬‬
‫الملحظ أن روايات الشيعة في كتبها كلها منسوبة إلى الئمة الثني عشر‪ ،‬ومعظمها مروي‬
‫عن جعفر الصادق‪ ،‬وقليل منها (بل نادرٌ ول يكاد يوجد إل بكلفة) مروي عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬بل أشار شيخهم الحر العاملي إلى أنهم يتجنبون رواية ما يرفع إلى النبي خشية‬
‫أن يكون من روايات أهل السنة [انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪.].20/391 :‬‬
‫إذن هذه الطائفة "ل تعتني بحديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعرفة صحيحه من‬
‫سقيمه والبحث عن معانيه‪ ،‬ول تعتني بآثار الصحابة والتابعين حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم‬
‫وترد ما تنازعوا فيه إلى ال والرسول" [منهاج السنة‪.].3/40 :‬‬
‫بل عمدتها ما تزعم روايته عن بعض أهل البيت وليس كل أهل البيت‪ ،‬فقد رد الطوسي‬
‫روايات زيد بن علي بن الحسين [انظر‪ :‬الستبصار‪ ..].1/66 :‬وكفر هؤلء جملة من أهل البيت ل‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/372 :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫لشيء إل لنهم لم يصدقوا بدعوى إمامة الثني عشر‬
‫‪ .].114-25/112‬ويا ليتهم أخذوا بما يقوله أمير المؤمنين علي‪ ،‬أو قنعوا بمراسيل التابعين كعلي‬
‫بن الحسين؛ بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعكسريين فيقولون‪ :‬كل ما قاله واحد من أولئك‬
‫فالنبي قد قاله‪.‬‬
‫وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كان في زمانهما من الهاشميين ليس‬
‫عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم‪ ،‬ويحتاج إليهم في أهل العلم‪ ،‬ول كان أهل العلم‬
‫يأخذون عنهم‪ ،‬كما يأخذون عن علماء زمانهم‪ ،‬وكما كان أهل العلم في زمن علي بن الحسين‬
‫وابنه أبي جعفر وابن ابنه جعفر بن محمد‪ ،‬فأن هؤلء الثلثة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬قد أخذ أهل‬
‫العلم عنهم كما كانوا يأخذون عن أمثالهم بخلف العسكريين ونحوهما فإنه لم يأخذ أهل العلم‬
‫المعروفون بالعلم عنهم شيئا‪ .‬فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلء هو قول الرسول‬
‫الذي بعثه ال إلى جميع العالمين‪ ،‬بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن‪ ،‬وهذا مما ل يبنى عليه‬
‫دينه إل من كان أبعد الناس من طريقة أهل العلم واليمان [منهاج السنة‪.].41-3/40 :‬‬

‫‪255‬‬
‫وقد تحدث ابن حزم عن هذه الدعوى للروافض وقال‪" :‬وأما من بعد جعفر بن محمد فما‬
‫عرفنا لهم علما أصلً‪ ،‬ل من رواية ول من فتيا على قرب عهدهم منا‪ ،‬ولو كان عندهم من ذلك‬
‫شيء لعرف كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر وعن غيره منهم ممن حدث الناس عنه"‬
‫[الفصل‪ .].4/175 :‬وأما من قبل جعفر فلهم ما لنظرائهم من العلم والفضل‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬بأن من يدعي الروافض أن قوله كقول ال ورسوله‪" :‬منهم من‬
‫كان خليفة راشدا تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله‪ ،‬وهو علي‪ ،‬ومنهم أئمة في العلم والدين يجب‬
‫لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين‪ ،‬وأبي جعفر الباقر‪ ،‬وجعفر بن‬
‫محمد الصادق‪ ،‬ومنهم دون ذلك" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].19/69 :‬‬
‫ثم فصل القول في من هم دون ذلك في موضع آخر؛ فذكر بأن موسى بن جعفر ليس له كثير‬
‫رواية‪ ،‬وقد روى عن أبيه‪ ،‬وروى عنه أخوه علي‪ ،‬وروى له الترمذي وابن ماجه‪ ،‬وأما من بعد‬
‫موسى فلم يؤخذ عنهم من العلم‪ ،‬وليس لهم رواية في الكتب المهات من الحديث‪ ،‬ول فتاوى في‬
‫الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف‪ ،‬ول لهم تفسير ول غيره‪ ،‬ول لهم أقوال معروفة‪،‬‬
‫ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له أهل ‪ -‬رضي ال عنهم – [منهاج السنة‪.].2/155 :‬‬
‫فكأن شيخ السلم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬يستدرك على ابن حزم‪ ..‬فيزيد موسى بن جعفر‪ ،‬ويبين أنه‬
‫كان له رواية في كتب السنة‪ ،‬إل أنها ليست كثيرة‪ .‬وقد حدّد الذهبي رواياته في الكتب الستة‬
‫فقال‪ :‬له عند الترمذي وابن ماجه حديثان [سير أعلم النبلء‪.].6/270 :‬‬
‫ولكن يلحظ أيضا أن ابنه علي بن موسى الرضا؛ له رواية في سنن ابن ماجه‪ ،‬كما أشار إلى‬
‫[الذهبي‪/‬‬ ‫ذلك الذهبي‪ ،‬وابن حجر حيث رمزا له – عند ذكر ترجمته – بالقاف إشارة إلى ذلك‬
‫[المزي‪/‬‬ ‫الكاشف‪ ،2/296 :‬ابن حجر‪ /‬تقرير التهذيب‪ .].45-2/44 :‬وقد ذكر المزي بأنها رواية وحدة فقط‬
‫تهذيب الكمال‪( 2/993 :‬المخطوط)‪ .].‬وبالرجوع إلى سنن ابن ماجه تبين أن تلك الرواية جاءت من‬
‫[انظر‪ :‬سنن ابن ماجه‪ 26-1/25 :‬رقم (‪ ،)45‬وقد حكم عليها ابن الجوزي بالوضع‬ ‫طريق أبي الصلت الهروي‬
‫(الموضوعات‪ ،)129-1/128 :‬وانظر‪ :‬السخاوي‪ /‬المقاصد الحسنة‪ :‬ص ‪ ،140‬الكناني‪ /‬تنزيه الشريعة‪،152-1/515 :‬‬
‫البوصيري‪ /‬مصباح الزجاجة ص ‪ ].12‬وهو ممن ل يحتج له‪ ،‬حتى قال فيه الدارقطني‪" :‬رافضي‬
‫خبيث متهم بوضع حديث اليمان في القلب" [ميزان العتدال‪ .].2/616 :‬وهو الحديث الذي جاء في‬
‫سنن ابن ماجه من طريق أبي الصلت عن علي بن موسى‪ ،‬ولذلك قال ابن السمعاني‪ :‬إن الخلل‬
‫[النساب‪ ،6/134 :‬وانظر‪ :‬تهذيب‬ ‫في روايات علي الرضا من رواته‪ ،‬فإنه ما روى عنه إل متروك‬
‫التهذيب‪.].7/389 :‬‬
‫وقال فيه ابن حجر‪ :‬إنه صدوق والخلل ممن روى عنه [تقريب التهذيب‪.].2/45 :‬‬
‫‪256‬‬
‫ولعل هذا ما أشار إليه شيخ السلم حينما قال‪" :‬لم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث‬
‫شيئا‪ ،‬ول روى له حديثا في كتب السنة‪ ،‬وإنما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخا عن‬
‫[منهاج السنة‪ ،2/156 :‬وفي تهذيب التهذيب ذكر أمثلة‬ ‫آبائه فيها من الكاذيب ما نزه ال عنه الصادقين"‬
‫لهذه المنكرات والكاذيب التي يرويها أبو الصلت الهروي عن علي الرضا (تهذيب التهذيب‪ )389-7/388 :‬كحديثهم‬
‫الذي يقول‪" :‬السبت لنا‪ ،‬والحد لشيعتنا‪ ،‬والثنين لبني أمية‪ "..‬إلخ‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ )7/388‬وترويه كتب الثني عشرية في مصادرها المعتمدة عندهم‪( .‬انظر‪ :‬عيون‬
‫الخبار‪ :‬ص ‪ ،207‬وسائل الشيعة‪.].)8/258 :‬‬
‫وأما من بعد علي الرضا ‪ -‬وهو من يعده الثنا عشرية إمامهم الثامن ‪ -‬فلم يؤثر عنهم في‬
‫كتب السنة من العلم شيء‪ ،‬وحينما ادعى ابن المطهر الحلي أن الحسن العسكري (إمامهم‬
‫الحادي عشر) قد "روت عنه العامة (يعني أهل السنة) كثيرا"؛ نفى ذلك شيخ السلم ابن تيمية‬
‫وقال‪ :‬بأن ذلك من الدعاوى المجردة‪ ،‬والكاذيب المثبتة‪ ،‬فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين‬
‫كانوا في زمن هذا الحسن بن عليّ العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم‪.‬‬
‫وقال‪" :‬بأن شيوخ أهل كتب السنة (البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه) كانوا‬
‫موجودين في ذلك الزمان وقريبا منه مثله وبعده‪ ،‬وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء‬
‫شيوخ الكل ‪ -‬يعني شيوخ هؤلء الئمة ‪ ،-‬فليس في هؤلء الئمة من روى عن الحسن بن‬
‫علي العسكري مع ورايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬روت عنه العامة‬
‫كثيرا‪ ،‬وأين هذه الروايات؟" [منهاج السنة‪.].164-2/163 :‬‬
‫وقد رأيت الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن بن علي العسكري يذكر بأن ابن الجوزي‬
‫ضعفه في الموضوعات [لسان الميزان‪ .].2/240 :‬فانظر الفرق بين هذا‪ ،‬وبين من يعد كلمه وحيا‬
‫يوحى‪.‬‬
‫وقد أثار ابن حزام على الشيعة ما ثبت تاريخيا من أن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه‬
‫وهو ابن ثلث سنوات‪ ،‬ثم قال‪" :‬فنسألهم من أين علم هذا الصغير جميع علومه الشريعة وقد‬
‫تعذر تعليم أبيه له لصغره؟ فلم يبق إل أن يدّعوا له الوحي فهذه نبوة وكفر صريح‪ ،‬وهم ل‬
‫يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة‪ ،‬وأن يدعوا له معجزة تصحيح قوله‪.‬‬
‫فهذه دعوة باطلة‪ ،‬ماظهر منها قط شيء‪ ،‬أو يدّعوا له اللهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى"‬
‫[الفصل‪.].4/172 :‬‬
‫وكأن ابن حزم يتنبأ بما ستضيفه الشيعة‪ ،‬أو هو يكشف شيئا يتسترون عليه‪ ،‬فقد قالوا باللهام‬
‫والوحي للمام ‪ -‬كما سلف ‪ -‬وجاء في روايتهم ما يؤكد القول بإمامة الطفال‪ ،‬ففي أصول‬

‫‪257‬‬
‫الكافي "عن ابن بزيع قال‪ :‬سألته يعني أبا جعفر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن شيء من أمر المام‪،‬‬
‫[أصول الكافي‪،384-1/383 :‬‬ ‫فقلت‪ :‬يكون ابن أقل من سبع سنين؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وأقل من خمس سنين"‬
‫بحار النوار‪.].25/103 :‬‬
‫وقالوا بأن الجواد كان إماما وهو ابن خمس سنوات [بحار النوار‪ ،].25/103 :‬وقد مضى‬
‫احتجاجهم بروايات منسوبة لمنتظرهم وهو ابن ليلة واحدة‪.‬‬
‫ويكفي مجرد تصور هذا لمعرفة مدى بطلن رواياتهم التي ينسبونها للئمة‪ ،‬إذ قد علم بنص‬
‫القرآن والسنة المتواترة وإجماع المة‪ ،‬أن مثل هذا يجب أن يكون تحت ولية غيره في نفسه‬
‫وماله‪ ،‬فتكون نفسه محضونة ومكفولة لمن يستحق كفالته الشرعية‪ ،‬وهو قبل السبع ل يؤمر‬
‫بالصلة‪ ،‬فإذا بلغ السبع أمر بها‪ ..‬فكيف يكون مثل هذا إماما معصوما‪ ،‬قوله قول ال ورسوله؟‪،‬‬
‫وهل يؤمن بهذا إل من أعمى ال قلبه‪..‬‬
‫ولذلك اعترفت كتب الفرق عند الشيعة‪ ،‬بأن طوائف من الشيعة أنكروا إمامة الجواد‬
‫لستصغارهم لسنه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يجوز المام إل بالغا‪ ،‬ولو جاز أن يأمر ال عز وجل بطاعة‬
‫غير بالغ لجاز أن يكلف ال غير بالغ‪ ،‬فكما ل يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك ل يفهم‬
‫القضاء بين الناس دقيقه وجليله وغامض الحكام وشرائع الدين‪ ،‬وجميع ما أتى به النبي ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وآله ‪ ،-‬وما تحتاج إليه المة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير‬
‫بالغ [النوبختي‪ /‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪ ،88-87‬القمي‪ /‬المقالت والفرق ص ‪.].95‬‬
‫وقد أدى بهم القول بإمامة طفل في حكم الحضانة‪ ..‬إلى قبول رواية الكذابين الذين نسبوا‬
‫لبعض الئمة أقوالً لم تصدر منهم‪ ،‬لنهم لم يدركوهم إل في مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫قال الممقاني في ترجمة المعلى بن خنيس‪" :‬إن المعلى قتل لربع وثلثين ومائة‪ ،‬والكاظم‬
‫[تنقيح المقال‬ ‫طفل لنه ولد سنة ‪ 28‬أو ‪ 29‬ومائة‪ ،‬فعمره عند قتل المعلى ست أو سبع سنين"‬
‫للممقاتي‪ ،‬ترجمة المعلى‪ .].‬ولكنه يروي عن الكاظم والشيعة تقبل روايته‪ .‬يقول الممقاني في توجيه‬
‫ذلك‪" :‬وفيه أن صغرهم ل يمنع من علمهم بالحكام‪ ،‬أل ترى إلى إمامة الجواد وهو صغير‬
‫فيمكن أن يكون المعلى سأل الكاظم وهو صغير فروى عنه" [تنقيح المقال للممقاتي‪ ،‬ترجمة المعلى‪.].‬‬
‫ثم إنهم فيما ينقلونه عن بعض علماء أهل البيت ل ينظرون في السناد إليهم هل ثبت النقل‬
‫إليهم أم ل‪ ،‬فإنهم ل معرفة لهم بصناعة الحديث والسناد [منهاج السنة‪ ].3/246 :‬فهم في حقيقة‬
‫المر "ليس لهم أئمة يباشرونهم بالخطاب إل شيوخهم الذين يأكلون أموالهم بالباطل ويصدونهم‬
‫عن سبيل ال" [منهاج السنة‪ ،2/134 :‬المنتقى‪ :‬ص ‪ ،].163‬ولهذا وجدوا كتبا منسوبة لوائلهم‪ ،‬مقطوعة‬

‫‪258‬‬
‫السناد‪ ،‬بسبب الخوف من دولة الخلفة السلمية ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬وقيل لهم اعملوا بها فإنها‬
‫صادقة ‪ -‬كما مر ‪.-‬‬
‫وكان شيوخهم يقبلون بما جاء في هذه الكتب بل تمحيص‪ ..‬حتى إذا جاء القرن السابع بدأ‬
‫ابن المطهر بتقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره‪ .‬وفي القرن ألف أول كتاب عندهم في‬
‫مصطلح الحديث‪ ..‬وخالفهم في ذلك طائفة منهم وهم الخبارون‪ ،‬الذين رفضوا ذلك وقالوا‪ :‬إنه‬
‫مجرد محاكاة وتقليد لهل السنة‪ ..‬وفضحوا أمر الشيعة في هذا الباب‪.‬‬
‫وقد شهد طائفة من أعلم المسلمين بأن صناعة الكذب رائجة في الوساط الشيعية‪ ،‬وأنهم‬
‫[ص‪ )362( :‬هامش (‪،)3‬‬ ‫يرون ذلك من الدين بحكم عقيدة التقية ‪ -‬كما سلف الشارة إلى ذلك‬
‫وانظر‪ :‬فصل التقية‪ ،-].‬وقد بلغ التعصب المذهبي مداه حينما قبلوا روايات الكذابين‪ ،‬ومن أنكر‬
‫إمامة بعض الئمة‪ ..‬لمجرد النتساب للتشيع‪ ،‬وردوا روايات الصحابة الذين أثنى ال عليهم‬
‫ورسوله‪..‬‬
‫وكانت مقاييسهم في توثيق الرجال في غاية العجب؛ فمن زعم أنه رأى المنتظر‪ ،‬أو أكثر من‬
‫[لنهم رووا عن أئمتهم‪" :‬اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا"‪( .‬أصول الكافي‪:‬‬ ‫الفتراء على أهل البيت‬
‫[ضمان المام الجنة لحد رواتهم من أعلى درجات التوثيق‪( .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ .].)1/50‬أو زعم أنهم ضمنوا له الجنة‬
‫وسائل الشيعة‪ 20/118 :‬رقم (‪ ،)20‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ 381‬رقم (‪ ،)714‬ص ‪ 567‬رقم (‪ ،)1073‬رجال الحلي‪ :‬ص‬
‫‪.)158 ،98‬‬
‫ومن نماذج هذه التوثيقات ما جاء في ترجمة إبراهيم بن أبي محمود والذي قال عنه الكشي بأنه‪" :‬روى عنه أحمد بن‬
‫محمد بن عيسى مسائل موسى ‪ -‬رضي ال عنه ‪( -‬يعني موسى الكاظم) قدر خمس وعشرين ورقة‪ ،‬وعاش بعد‬
‫الرضا"‪.‬‬
‫جاء فيها النص التالي الذي يدل على توثيق الرجل بزعمهم‪" :‬روى الكشي يسنده عن إبراهيم ابن أبي محمود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫دخلت على أبي جعفر ‪ -‬إلى أن قال ‪ -‬فقلت‪ :‬جعلت فداك تضمن لي عن ربك أن تدخلني الجنة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأخذت رجله فقبلتها" (رجال الكشي‪ :‬ص ‪.)567‬‬
‫ولشك بأن من يعتقد في الئمة هذا العتقاد فليس من السلم في شيء‪ ،‬فضلً عن أن يؤخذ من ذلك توثيق‬
‫للرجل‪ ،‬وقد أفتى جعفر الصادق بكفر من اعتقد منهم ذلك‪( .‬انظر‪ :‬ميزان العتدال‪ .].)70-1/69 :‬أو أنه كان‬
‫[في رجال الحلي‪ ،‬وفي ترجمة رجل من رواتهم يدعى واصل‪ ،‬استدل على وثاقته بما رواه الكشي قال‪:‬‬ ‫يغلو فيهم‬
‫"حدثني واصل‪ ،‬قال‪ :‬طليت أبا الحسن ‪ -‬رضي ال عنه – بالنورة‪ ،‬فسددت مخرج الماء من الحمام إلى البئر‪ ،‬ثم‬
‫جمعت ذلك الماء‪ ،‬وتلك النورة‪ ،‬وذلك الشعر فشربته كله"‪( .‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .)614‬قال ابن المطهر‪ :‬وهذا يدل‬
‫على علو اعتقاده‪ ،‬والسند صحيح (رجال الحلي‪ :‬ص ‪ .].)178-177‬هو الثقة المأمون‪.‬‬
‫فكيف يجعل الكذب أصلً للتوثيق والتعديل‪ ..‬وإذا تدبرت رجال السند على ضوء كتب‬
‫الرجال عندهم رأيت أن كبارهم‪ ،‬والمكثرين من الرواية عندهم قد نالوا من ذم الئمة‪ ،‬وحاق‬
‫‪259‬‬
‫[انظر ما‬ ‫بهم لعنهم‪ ،‬وكان الئمة يتبرؤون منهم ويكذبونهم‪ ..‬وقد نقلت ذلك كتب الشيعة نفسها‬
‫سبق‪ :‬ص (‪.].)374‬‬
‫ولكن شيوخ الشيعة أعرضوا عن وصايا الئمة وأقوالهم بل مبرر إل دعوى التقية التي هي‬
‫في مثل هذا المقام كنسيج العنكبوت أو أوْهَى‪..‬‬
‫ومن بعد السند‪ ..‬المتن‪ ..‬فكثير من متون هذه الروايات كما رأينا في أبواب هذه الرسالة‬
‫وفصولها‪ ..‬وكما يظهر ذلك لمن راجع أصول الكافي‪ ،‬أو البحار‪ ،‬أو تفسير القمي‪ ،‬والعياشي‪،‬‬
‫أو رجال الكشي ‪ -‬كثير من متونها هي معروف كذبها من السلم بالضرورة‪ ،‬لنها تنال من‬
‫كتاب ربنا‪ ،‬وتحارب سنة نبينا‪ ،‬وتكفر خير القرون ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وتقول بعقائدنا ليس لها‬
‫في كتاب ال برهان‪..‬‬
‫فيكفي في الحكم على أحاديثهم؛ النظر في متونها "وكل متن يباين المعقول‪ ،‬أو يخالف‬
‫المنقول‪ ،‬أو يناقض الصول فاعلم أنه موضوع [ابن الجوزي‪ /‬الموضوعات‪ ].1/106 :‬على الرسول"‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫عقيدتهم في الجماع‪:‬‬
‫الجماع من أصول أهل السنة‪ ،‬وهو الصل الثالث بعد الكتابة والسنة الذي يعتمد عليه في‬
‫[انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،3/157 :‬وراجع في هذا‪ :‬المدي‪ /‬الحكام في أصول الحكام‪:‬‬ ‫العلم والدين‬
‫‪ ،1/200‬الغزالي‪ /‬المستصفى‪ 1/173 :‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬الرسالة للشافعي‪ :‬ص ‪ 403‬رقم ‪ ،1105‬وص ‪ 471‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬ابن عبد البر‪ /‬التمهيد‪ ،].4/267 :‬ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬فمن قال بالكتاب والسنة‬
‫والجماع كان من أهل السنة والجماعة" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].3/346 :‬‬
‫وأهل السنة َي ِزنُون بهذه الصول الثلثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال‪ ..‬مما تعلق‬
‫بالدين [المصدر السابق‪ ،].3/157 :‬وسموا أهل الجماعة‪ ،‬لن الجماعة هي الجتماع وضدها الفرقة‬
‫[وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين (انظر‪ :‬المصدر السابق‪ .].)3/157 :‬والجماع الذي‬
‫[المصدر السابق‪:‬‬ ‫ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح‪ ،‬إذ بعدهم كثر الختلف وانتشرت المة‬
‫‪.].3/157‬‬
‫والشيعة ل ترى إجماع الصحابة والسلف أو إجماع المة إجماعا‪ ،‬ولها في هذا الباب عقائد‬
‫مخالفة نذكرها فيما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الحجة في قول المام ل في الجماع‪:‬‬

‫‪260‬‬
‫نقلت كتب الصول عند أهل السنة أن الشيعة تقول‪" :‬إن الجماع حجة ل لكونه إجماعا‪ ،‬بل‬
‫لشتماله على قول المام المعصوم‪ ،‬وقوله بانفراده عندهم حجة" [السنوي‪ /‬نهاية السول‪.].3/247 :‬‬
‫ونستطلع فيما يلي رأي الشيعة من مصادرها‪ ،‬يقول ابن المطهر الحلي‪" :‬الجماع إنما هو‬
‫حجة عندنا لشتماله على قول المعصوم‪ ،‬فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول المام في جملة‬
‫[ابن المطهر‪ /‬تهذيب الوصول إلى علم الصول‪ :‬ص ‪،70‬‬ ‫أقوالها‪ ،‬فإجماعها حجة لجله ل لجل الجماع"‬
‫[انظر‪ :‬المفيد‪ /‬أوائل المقالت ص ‪ ،100-99‬قوامع‬ ‫ط‪ :‬طهران ‪1308‬هـ‪ .].‬وبمثل هذا قال عدد من شيوخهم‬
‫الفضول ص ‪ ،305‬حسين معتوق‪ /‬المرجعية الدينية العليا ص ‪ ،16‬وراجع كتب الصول عندهم عامة‪.].‬‬
‫إذن الجماع ليس حجة عندهم بدون وجود المام الذي يعتقدون عصمته‪ ،‬فمدار حجية‬
‫الجماع هو على قوله ل على نفس الجماع‪ ،‬فهم في الحقيقة لم يقولوا بحجة الجماع‪ ،‬وإنما‬
‫قالوا بحجية قول المعصوم‪ ،‬ودعواهم الحتجاج بالجماع تسمية ل مسمى لها‪ ،‬فقول ابن‬
‫المطهر‪" :‬الجماع حجة عندنا" من لغو القول؛ إذ الصل أن يقول‪ :‬الجماع ليس بحجة عندنا‪،‬‬
‫لن الحجة في قول المام المعصوم‪ ..‬لن هذا هو مقتضى مذهبهم‪ ،‬فهم جعلوا المام بمثابة‬
‫النبي أو أعظم؛ فهو عندهم ينكت في أذنه‪ ،‬ويأتيه الملك‪ ،‬بل يرى خلقا أعظم من جبرائيل‬
‫وميكائيل‪ ،‬إلى آخر ما فصلنا القول فيه عنهم في معتقدهم في السنة‪ ،‬فهم ليسوا بحاجة للجماع‬
‫والمام حاضر بينهم‪ ،‬كما أن الصحابة ليسوا بحاجة للجماع والرسول حاضر بينهم‪.‬‬
‫فعندهم في كل عصر نبي يسمى المام‪ ،‬والحجة في قوله ل في الجماع‪ ،‬ولهذا قالوا‪" :‬ونحن‬
‫لما ثبت عندنا بالدلة العقلية والنقلية كما هو مستقصى في كتب أصحابنا المامية أن زمان‬
‫التكليف ل يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه‪ ،‬فمتى اجتمعت المة‬
‫على قول كان داخلً في جملتها لنه سيدها‪ ،‬والخطأ مأمون على قوله‪ ،‬فيكون ذلك الجماع‬
‫حجة‪ .‬فحجية الجماع عندنا إنما هو باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم"‬
‫[النحاريري‪ /‬معالم الدين‪ :‬ص ‪.].406‬‬
‫[أصول‬ ‫والرض ل تخلو من إمام‪ ،‬لنه ‪ -‬كما يزعمون ‪" -‬لو خلت الرض من إمام لساخت"‬
‫الكافي‪ ،].1/179 :‬ومعنى هذا استمرار تعطيل مبدأ الجماع‪.‬‬
‫وأنت إذا تأملت أقوالهم في الجماع ل تكاد تلمس فرقا بين مفهوم السنة عندهم‪ ،‬والجماع إل‬
‫باللفظ فقط؛ لن السنة قول المعصوم‪ ،‬والجماع المعتبر عندهم هو الكاشف عن قول المعصوم‪.‬‬
‫ولك أن تعجب لماذا يعدون الجماع أصلً يقررونه في كتبهم الصولية‪ .‬وهو اسم بل مسمى‬
‫حتى قرروا بأنه ل عبرة بأقوال ففقهائهم ولو بلغوا المائة‪ ،‬قالوا‪" :‬أما الجماع فعندنا هو حجة‬

‫‪261‬‬
‫بانضمام المعصوم‪ ،‬فلو خل المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة‪ ،‬ولو كان في اثنين لكان‬
‫قولهما حجة‪ ،‬ل باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله" [معالم الدين‪ :‬ص ‪.].405‬‬
‫فمعنى هذا أن الجماع لغو ل فائدة في القول فيه أصلً‪ ،‬وإنما نهاية أمرهم أنهم سموا السنة‬
‫باسم الجماع‪.‬‬
‫ويبدو أن هذا العتراض أثير على الشيعة في عصور متقدمة‪ ،‬فقد نقل بعض شيوخ الشيعة‬
‫عن الشريف المرتضى أنه قال‪" :‬إننا لسنا بادئين بالحكم بحجية الجماع حتى يرد كونه لغوا‪،‬‬
‫وإنما بدأ بذلك المخالفون‪ ،‬وعرضوه علينا‪ ،‬فلم نجد بدا من موافقتهم عليه‪ ..‬فوافقناهم في أصل‬
‫الحكم لكونه حقا في نفسه‪ ،‬وإن خالفناهم في علته ودليله" [قوامع الفضول‪ :‬ص ‪ .].305‬أي‪ :‬إنهم‬
‫قلدوا لمجرد التقليد والمحاكاة‪.‬‬
‫وقال صاحب قوامع الفضول أيضا‪" :‬تنعدم فائدة الجماع لو علم حال شخص المام خروجا‬
‫أو دخولً [يعني خروجا من الجماع أو دخولً فيه‪ ].‬أو حال قوله تقية أو نحوها‪ ،‬لكن الذي يسهل‬
‫الخطب هو أن عقد باب الجماع منهم دوننا كي يتجه علينا ذلك" [قوامع الفضول‪ :‬ص ‪.].305‬‬
‫ومادام أهل السنة اعتبروا هذا أصلً‪ ،‬فلماذا تجارونهم وعقيدتكم في المام تناقض القول به‬
‫أصلً؟!‬
‫ويقول محمد رضا المظفر‪" :‬إن الجماع ل قيمة علمية له عند المامية ما لم يكشف عن قول‬
‫المعصوم‪ ..‬فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف ل الكاشف‪،‬‬
‫فيدخل حينئذ في السنة‪ ،‬ول يكون دليلً مستقلً في مقابلها" [المظفر‪ /‬أصول الفقه ‪.].3/92‬‬
‫ويقول رضا الصدر‪" :‬وأما الجماع عندنا ‪ -‬معاشر المامية ‪ -‬فليس بحجة مستقلة تجاه‬
‫[رضا الصدر‪ /‬الجتهاد‬ ‫السنة‪ ،‬بل يعد حاكيا لها‪ ،‬إذ منه يستكشف رأي المعصومين عليهم السلم"‬
‫والتقليد‪ :‬ص ‪.].17‬‬
‫ويذكر شيخهم محمد جواد مغنية (وهو من شيخهم المعاصرين)‪" :‬أن ثمة تباينا بين موقف‬
‫متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم في مسألة الجماع‪ ،‬حيث اتفق المتقدمون (من الشيعة)‬
‫على أن مصادر التشريع أربعة‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والعقل‪ ،‬وغالوا في العتماد على‬
‫الجماع حتى كادوا يجعلونه دليلً على كل أصل وكل فرع‪ ،‬وعد المتأخرون لفظ الجماع مع‬
‫هذه المصادر ولكنهم أهملوه‪ ،‬بل لم يعتمدوا عليه إل منضما مع دليل آخر في أصل معتبر"‬
‫[مغنية‪ /‬أصول الفقه للشيعة المامية بين القديم والحديث‪ /‬بحث بمجلة رسالة السلم‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬العدد الثالث‪ :‬ص‬
‫‪ .].286-284‬ولكن هذا الكلم ليس على إطلقه‪ ،‬إذ من المتأخرين من يعد الجماع دليلً مستقلً"‬

‫‪262‬‬
‫[فقد ذهب شيخهم الشعراني والذي وصفوه بالعالم المتبحر إلى القول "بحجية الجماع‪ ،‬وكونه دليلً مستقلً"‪.‬‬
‫(الشعراني‪ /‬تعاليق علمية "على شرح جامع للمازندراني"‪.)2/414 :‬‬
‫إذن ما يقول مغنية غير مسلم‪ ،‬لكن الخلف ‪ -‬فيما ألحظ ‪ -‬دائر في هذا الصل بين الصوليين والخباريين‪ ،‬فنجد‬
‫الحر العاملي – وهو من الخباريين ‪ -‬يرى أن "كل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الصول فهو من العامة‬
‫(يعني أهل السنة) ل دليل عليه‪ ،‬ول وجه له أصلً" (الفصول المهمة‪ :‬ص ‪.)214‬‬
‫وبإزاء ذلك فإن الصوليين من الشيعة قد بحثوا هذا "الصل" وقرروا القول به في كتب أصول الفقه عندهم‪ ،‬وإن كان‬
‫مذهبهم في المام ل يستجيب للقول به‪.‬‬
‫يقول شيخهم المعاصر ‪ -‬الشعراني ‪ -‬في التأكيد على القول بهذا الصل‪" :‬روى الطبرسي في الحتجاج عن أبي‬
‫الحسن علي بن محمد العسكري في حديث طويل قال‪" :‬اجتمعت المة قاطبة ل اختلف بينهم في ذلك على أن القرآن‬
‫حق ل ريب فيه عند جميع فرقها‪ ،‬فهم في حالة الجتماع عليه مصيبون‪ ،‬وعلى تصديق ما أنزل ال مهتدون؛ لقول‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تجتمع أمتي على الضللة‪ ."..‬قال الشعراني‪ :‬وهو يدل على حجية الجماع‪ ،‬وكونه‬
‫ل مستقلً‪ ،‬وإمكان العلم به‪ ،‬وتصديق لصحة الحديث المشهور "ل تجتمع أمتي على ضللة"‪( .‬الشعراني‪ /‬تعاليق‬
‫دلي ً‬
‫علمية‪.].)2/414 :‬‬
‫هذا وإمامهم انقطع ظهوره منذ القرن الثالث‪ ،‬فكيف الطريق للوصول لرأيه الكاشف عن‬
‫حجية الجماع؟‬
‫يرى شيخهم الحر العاملي ومن سلك سبيله من الخباريين أن يتعذر الوصول لرأيه بعد‬
‫غيبته‪ ،‬وبالتالي ل يثبت الجماع‪ ،‬لنه ل يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ول يظن به بعد‬
‫[عن مقتبس الثر للحائري‪ :‬ص‬ ‫غيبته‪ ،‬فل يدرى في البر أم في البحر‪ ،‬في المغرب أم في المشرق‬
‫‪ .].63‬بينما يذهب الصوليون إلى ثبوت الجماع‪ ،‬وإمكانية معرفة رأي المام‪.‬‬
‫يقول شيخهم الهمداني في مصباح الفقيه‪" :‬إن المدار على حجية الجماع على ما استقر عليه‬
‫رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل‪ ،‬بل ول على اتفاقهم في عصر واحد‪ ،‬بل على استكشاف‬
‫[الحدس في اللغة‪ :‬الظن والتخمين (مختار الصحاح مادة‪ :‬حدس) وقد يراد‬ ‫رأي المعصوم بطريق الحدس‬
‫بالحدس المصطلح الفلسفي وهو الدراك المباشر لموضوع التفكير‪..‬‬
‫وهو أشبه عندهم بالرؤية المباشرة واللهام‪( .‬المعجم الفلسفي‪ :‬ص ‪ .].)70-69‬من فتوى علماء الشيعة‬
‫الحافظين للشريعة‪ ،‬وهذا مما يختلف باختلف الموارد‪ ،‬فرب مسألة ل يحصل فيها الجزم‬
‫بموافقة المام‪ ،‬وإن اتفقت فيها آراء جميع العلم‪ ..‬ورب مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة‬
‫ولو من الشهرة" [مصباح الفقيه‪ :‬ص ‪ ،436‬الجتهاد والتقليد‪ :‬ص ‪.].17‬‬
‫فمن هنا يتبين أن الطريق ‪ -‬عندهم ‪ -‬لكتشاف قول المام هو الحدس‪ ،‬فانظر كيف يجعلون‬
‫اكتشاف قول المعصوم بطريق الحدس والظن هو العمدة‪ ،‬وإجماع السلف ليس بعمدة‪ ،‬إنها‬
‫مفارقات في غاية الغرابة‪ ،‬واتفاق جميع أعلمهم ل يحصل به الجزم بموافقة المام‪ ،‬ومجرد‬

‫‪263‬‬
‫الشهرة يحصل بها الجزم ولو لم يحصل اتفاق‪ .‬إنها مقاييس مقلوبة‪ ،‬كما أنه اعتراف منهم بأن‬
‫شيوخهم قد يتفقون على ضللة‪.‬‬
‫ومع إنكارهم حجية الجماع في الحقيقة‪ ،‬فقد أثبتوا العمل بقول طائفة مجهولة وترك ما تقوله‬
‫الطائفة المعروفة‪ ،‬وهذه من ثمار الشذوذ‪ ،‬وقد عللوا لهذا المسلك الشاذ بأن المام مع الطائفة‬
‫المجهولة‪.‬‬
‫يقول صاحب معالم الدين‪" :‬إذا اختلفت المامية على قولين‪ ،‬فإن كانت إحدى الطائفتين‬
‫معلومة النسب ولم يكن المام أحدهم كان الحق مع الطائفة الخرى‪ ،‬وإن لم تكن معلومة‬
‫النسب‪[ "..‬معالم الدين‪ :‬ص ‪ .].406‬حتى اعتبروا وجود هذه الطائفة المجهولة شرطا لتحقق الجماع‬
‫في عصور الغيبة‪ .‬قالوا‪" :‬الحق امتناع الطلع عادة على حصول الجماع في زماننا هذا وما‬
‫ضاهاه من غير جهة النقل‪ ،‬إذ ل سبيل إلى العلم بقول المام‪ ،‬كيف وهو موقوف على وجود‬
‫المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله رضي ال عنه مستورا بين أقوالهم‪ ،‬وهذا‬
‫مقطوع بانتفائه‪ ،‬فكل إجماع يدعى في كلم الصحاب مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا‪،‬‬
‫وليس مستندا إلى نقل متواتر وآحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم‪ ،‬فلبد أن يراد به ما‬
‫ذكره الشهيد من الشهرة" [معالم الدين‪ :‬ص ‪ .].406‬العمدة عندهم قول الطائفة المجهولة‪ ،‬وهذا عزيز‬
‫الوجود‪ ،‬فمنذ ما يقارب عصر شيخ طائفة الطوسي لم يطلع على مثل هذا‪ ،‬والجماع الموجود‬
‫[الجماع في اصطلح الثني عشرية ينقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫هو الجماع المنقول‬
‫‪-1‬الجماع المحصل‪ :‬والمقصود به الجماع الذي يحصله الفقيه بتتبع أقوال أهل الفتوى‪.‬‬
‫‪-2‬الجماع المنقول‪ :‬والمقصود به الجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء‬
‫سواء أكان النقل به بواسطة أم بوسائط‪ ،‬ثم النقل تارة يقع على نحو التواتر‪ ،‬وهذا حكمه حكم المحصل من‬
‫جهة الحجية‪ ،‬وأخرى يقع على نحو خبر الواحد‪ ،‬وإذا أطلق قول الجماع المنقول في لسان الصوليين فالمراد‬
‫منه الخير‪ ،‬وقد وقع الخلف بينهم في حجيته (المظفر‪ /‬أصول الفقه‪ .)3/101 :‬وقال العملي في مقتبس‬
‫الثر‪ :‬للجماع في اصطلحات الفقهاء (يعني فقهاء الجعفرية) إطلقات منها يقولون‪ :‬الجماع‪ :‬هو القطع‬
‫برأي المام رضي ال عنه‪.‬‬
‫ومنها الجماع المحصل‪ ،‬وعلق عليه بقوله‪ :‬وهو غير حاصل‪ ،‬ومنها الجماع المنقول بخبر الواحد وعقب عليه‬
‫بقوله‪ :‬وهو مقبول‪( .‬مقتبس الثر‪ .].)3/62 :‬وكأنه قبل عصر الشيخ قد وجد مثل هذا الجماع‪.‬‬
‫وهؤلء الذين يرفضون إجماع الصحابة‪ ،‬يبحثون عن قول طائفة مجهولة ليأخذوا به‪ .‬ثم هم‬
‫قد أصابوا في عدم العتداد بأقوال شيخهم وإن اتفقت كلمتهم‪ ،‬ولكنهم ضلوا في إعراضهم عما‬
‫أجمع عليه الصحابة والسلف‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫وهم في وصولهم إلى ما يسمى "بالجماع" عندهم‪ ،‬يتخبطون أيما تخطب حتى صارت‬
‫إجماعاتهم المتعارضة كرواياتهم المتضاربة التي تلحظها أثناء مراجعتك لكتاب الستبصار أو‬
‫البحار أو غيرهما‪ ،‬بل إن العالم الواحد تتضارب أقواله في دعوى الجماع‪ ،‬انظر ‪ -‬مثلً ‪ -‬ابن‬
‫بابويه القمي صاحب "من ل يحضره الفقيه" أحد الكتب الربعة التي عليها مدار العمل عندهم‪،‬‬
‫[جامع المقال‬ ‫قالوا إنه‪ .." :‬ليدعي الجماع في مسألة ويدعي إجماعا آخر على خلفها وهو كثير"‬
‫فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال‪ /‬الطريحي‪ :‬ص ‪ .].15‬حتى قال صاحب جامع المقال‪" :‬ومن هذه‬
‫[الموضع نفسه من المصدر‬ ‫طريقته في دعوى الجماع كيف يتم العتماد عليه والوثوق بنقله"‬
‫السابق‪.].‬‬
‫بل إنهم يدعون الجماع في أمر ل قائل به‪ ،‬يقول شيخهم النوري الطبرسي‪" :‬ربما يدعي‬
‫الشيخ والسيد إجماع المامية على أمر وإن لم يظهر له قائل" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ .].34‬كما ذكر‬
‫شيخهم الطبرسي وأكد على وجود "الجماعات المتعارضة من شخص واحد ومن معاصرين أو‬
‫متقاربي العصر‪ ،‬ورجوع المدعي عن الفتوى التي ادعى الجماع فيها ودعوى الجماع في‬
‫مسائل غير معنونة (كذا) في كلم من تقدم على المدعي‪ ،‬وفي مسائل قد اشتهر خلفها بعد‬
‫المدعي‪ ،‬بل في زمانه‪ ،‬بل ما قبله" [الموضع نفسه من المصدر السابق‪.].‬‬
‫هذا قول الطبرسي وهو الخبير المتتبع لكتبهم‪ ،‬واضطر ليكشف هذا لنصرة مذهبه الذي ألف‬
‫فصل الخطاب من أجله‪ ،‬ويرد دعوى الجماع على خلفه فاستفدنا من هذا العتراف غير‬
‫المقصود لذاته لنبين اضطرابهم في هذا الصل‪ ،‬واضطرابهم في تحديده وفي تطبيقه‪.‬‬
‫ثم إنهم ‪ -‬وهم يقولون بأن الجماع وهو ما يكشف عن قول المعصوم ‪ -‬ل يطبقون هذا‪ ،‬بل‬
‫يتتبعون اتفاق أصحابهم ل قول معصومهم‪ .‬ولهذا قال صاحب معالم الدين حينما ذكر ما قاله‬
‫أحد كبار شيوخهم من أن العمدة هو كلم المعصوم ل اتفاق الفقهاء بدونه‪ ،‬فقال‪" :‬والعجب من‬
‫غفلة الصحاب عن هذا الصل وتساهلهم في دعوى الجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهية‪،‬‬
‫حتى جعلوه عبارة عن مجرد اتفاق الجماعة من الصحاب فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه‬
‫[معالم الدين‪ :‬ص ‪-405‬‬ ‫الصطلح من غير قرينة جلية‪ ،‬ول دليل على الحجية معتدا – كذا ‪ -‬به"‬
‫‪.].406‬‬
‫فهم ل يقولون بالجماع على الحقيقية‪ ،‬ومع ذلك يجعلونه من أصول أدلتهم‪ ،‬ويتناقضون في‬
‫دعواه وتطبيقه أيما تناقض‪ .‬والتناقض في القول دليل بطلنه‪.‬‬
‫وحتى يتجلى لك الفرق جليا بين مذهب أهل السنة في القول بحجية الجماع‪ ،‬وبين مذهب‬
‫الشيعة في ذلك‪ ،‬فلك أن تتصور أنه لو صدر من إمامهم محمد الجواد‪ ،‬والذي قالوا بإمامته وهو‬
‫‪265‬‬
‫ابن خمس سنين [انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،].25/103 :‬لو صدر منه وهو في هذا العمر قول أو رأي‪ ،‬أو‬
‫نسب إليه عن طريق جماعة من الروافض أنه يقول في أمر شرعي بحكم‪ ،‬أو قول‪ ،‬وخالفته في‬
‫[وقد جاء في أصول الكافي‬ ‫ذلك المة السلمية جمعيا‪ ،‬فإن الحاجة في رأيه ل في إجماع المة"‬
‫القول بإمامة المام‪ ،‬ولو كان عمره ثلث سنين‪.‬‬
‫انظر (أصول الكافي‪ ،‬كتاب الحجة‪ ،‬باب الشارة والنص على أبي جعفر الثاني‪ ،)1/321 :‬وانظر‪( :‬المفيد‪ /‬الرشاد‬
‫ص ‪ ،298‬الطبرسي‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪ .331‬وفيهما "ولو كان ابن أقل من ثلث سنين"‪ ،‬وبحار النوار‪-25/102 :‬‬
‫‪.].)103‬‬
‫ولو أثر عن منتظرهم الذي قال التاريخ بأنه ل وجود له ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬قول‪ ،‬ولو عن‬
‫طريق حكايات الرقاع‪ ،‬وخالفه في هذا القول أو ذلك الحكم المسلمون جميعا‪ ،‬فإن القول هذا‬
‫المعدوم الذي لم يوجد‪ ،‬ول عبرة بقول المسلمين جميعا‪ .‬قال مفيدهم في تقرير هذا‪" :‬فلو قال‬
‫[أوائل المقالت ‪:‬‬ ‫(يعني المام) قولً لم يوافقه عليه أحد من النام لكان كافيًا في الحجة والبرهان"‬
‫ص ‪.].100‬‬
‫وهذا مذهب في غاية البطلن ل يحتاج إلى مناقشة‪.‬‬
‫ولهذا قرر المفيد أن هذا مما شذت به طائفته‪ ،‬فقال‪" :‬وهذا مذهب أهل المامة خاصة‪،‬‬
‫ويخالفهم فيه المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحديث‪[ "..‬المصدر السابق ونفس الصفحة‪.].‬‬
‫ثنايا‪ :‬ما خالف العامة ففيه الرشاد‪:‬‬
‫الجماع عند جمهور المسلمين ينظر فيه إلى إجماع المة‪ ،‬لن المة ل يمكن أن تجتمع على‬
‫غ ْيرَ سَبِيلِ‬
‫ضللة‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ومَن ُيشَاقِقِ ال ّرسُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّنَ َلهُ ا ْلهُدَى َويَ ّتبِعْ َ‬
‫[النساء‪ ،‬آية‪ ،115 :‬فمن خرج من إجماع المة‬ ‫ت َمصِيرًا}‬
‫ج َهنّمَ َوسَاءَ ْ‬
‫ن ُنوَّل ِه مَا َتوَلّى َو ُنصْ ِلهِ َ‬
‫ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫فقد اتبع غير سبيل المؤمنين (انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ .)19/194 :‬ولذلك عوّل المام الشافعي ‪ -‬رحمه ال‬
‫‪ -‬في الحتجاج على كون الجماع حجة تحرم مخالفته بهذه الية الكريمة‪ ،‬وذلك بعد التروي والفكر الطويل‪ ،‬وهو‬
‫من أحسن الستنباطات وأقواها‪ ،‬وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدللة منها (تفسير ابن كثير‪.)1/590 :‬‬
‫ولشيخ السلم تحقيق بديع حول هذه الية والجماع (انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ 192 ،179 ،19/178 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬تفسير القاسمي‪ 5/459 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫سبِي ِل الْمُؤْ ِمنِينَ} هذا ملزم للصفة الولى‪ ،‬ولكن قد تكون المخالفة لنص‬
‫غيْ َر َ‬
‫قال المام ابن كثير‪" :‬قوله { َو َي ّتبِعْ َ‬
‫الشارع‪ ،‬وقد تكون لما اجتمعت عليه المة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا‪ ،‬فإنه قد ضمنت لهم العصمة في‬
‫اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك‪ ..‬ومن العلماء من ادعى تواتر معناها"‪.‬‬
‫(تفسير ابن كثير‪ .].)1/590 :‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر ال‬
‫[رواه مسلم في كتاب‬ ‫ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر ال وهو ظاهرون على الناس"‬
‫‪266‬‬
‫الجهاد‪ ،‬باب قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم"‬
‫‪.2/1524‬‬
‫والحديث بهذا المعنى أخرجه ‪ -‬أيضا ‪ -‬البخاري في كتاب العتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب قول النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" ‪.].8/149‬‬
‫[قال‬ ‫وروي عنه صلى ال عليه وسلم عدة روايات في أن هذه المة "ل تجتمع على ضللة"‬
‫السخاوي‪" :‬حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره (المقاصد الحسنة ص ‪)460‬‬
‫فروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن ال أجاركم من ثلث خلل (ومنها) وأن ل يجتمعوا على ضللة" رواه‬
‫أبو داود في سننه‪( 4/452 :‬رقم ‪ .)4253‬قال الحافظ في التلخيص‪ :‬في إسناده انقطاع‪ ،‬وقال في موضع آخر‪ :‬سنده‬
‫حسن (عون المعبود‪.)11/326 :‬‬
‫وروى المام أحمد عن أبي بصرة الغفاري رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬سألت ال عز‬
‫وجل أن ل يجمع أمتي على ضللة فأعطانيها" (المسند ‪ )6/396‬قال الحافظ في التلخيص‪ .." :‬رجاله ثقات لكن فيه‬
‫راو لم يسم" (عون المعبود‪ .)11/326:‬وروى الترمذي عن ابن عمر "أن ال تعالى ل يجمع أمتي ‪ -‬أو قال‪ :‬أمة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم ‪ -‬على ضللة‪ ،‬ويد ال مع الجماعة‪ ،‬ومن شذ شذ إلى النار"‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬حديث‬
‫غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي ‪ ( )4/466‬رقم ‪ .)2167‬وقال ابن حجر في تخريج المختصر‪ :‬حديث غريب‬
‫خرجه أبو نعيم في الحلية‪ ،‬والللكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلوم‪ ،‬فقد قال الحاكم‪ :‬لو كان محفوظا‬
‫حكمت بصحته على شرط الصحيح‪ ،‬لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة فذكرها‪ ،‬وذلك مقتضي‬
‫للضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف (عن فيض القدير ‪ .)2/271‬ورواه ابن ماجه بلفظ‪" :‬إن أمتي ل تجتمع‬
‫على ضللة" (سنن ابن ماجه ‪ -‬كتاب الفتن ‪ -‬باب السواد العظم ‪( )2/1303‬رقم ‪.)3950‬‬
‫وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالصحة (فيض القدير‪ .)2/431 :‬لكن قال السندي‪" :‬وفي الزوائد في إسناده‬
‫أبو خلف العمى‪ ،‬واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف" (حاشية السندي على سنن ابن ماجه‪ ،)2/464 :‬وقال العراقي‬
‫في تخريج أحاديث البيضاوي‪" :‬جاء الحديث بطرق في كلها نظر" (المصدر السابق)‪ .‬وقال ابن حجر‪" :‬له طرق ل‬
‫يخلو واحد منها من مقال" (عن فيض القدير‪ )2/200 :‬وقد أورده أصحاب الصول محتجين به‪( .‬انظر‪ :‬المستصفى‪:‬‬
‫‪ ،1/175‬والحكام للمدي‪.].)1/219 :‬‬
‫هذا بالنسبة لجمهور المسلمين‪ ،‬أما طائفة الشيعة فالنظر عندهم في الجماع إلى المام ل إلى‬
‫المة‪ ،‬والعتبار بمن دان بإمامة الثني عشر بشرط أن يكون من ضمنهم المام‪ ،‬أو يكون‬
‫إجماعهم كاشفا عن قول المام ‪ -‬كما قدمنا ‪ -‬ول يلتفت إلى اتفاق العلماء المجتهدين من أمة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫بل المر أعظم من عدم اعتبار إجماعهم‪ ،‬حيث تعدى ذلك إلى القول بأن مخالفة إجماع‬
‫ل من أصول الترجيح عندهم‪ ،‬وأساسا من أسس‬
‫المسلمين فيه الرشاد‪ ،‬وصار مبدأ المخالفة أص ً‬
‫مذهبهم‪ ،‬وجاءت عندهم نصوص كثيرة تؤكد هذا المبدأ وتدعو إليه‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫ففي أصول الكافي سؤال أحد أئمتهم يقول‪ :‬إذا "‪ ..‬وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة (يعني‬
‫أهل السنة) والخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال‪ :‬ما خالف العامة ففيه الرشاد‪ ،‬فقلت‬
‫(القائل هو الراوي)‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬فإن وافقها الخبران جميعا؟ قال‪ :‬ينظر إلى ما هم إليه أميل‬
‫حكامهم وقضاتها فيترك ويؤخذ بالخر‪ ،‬قلت‪ :‬فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال‪ :‬إذا كان‬
‫ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك‪ ،‬فإن الوقوف عند الشبهات خير من القتحام في الهلكات" [الكليني‪/‬‬
‫أصول الكافي‪ ،68-1/67 :‬ابن باوبيه القمي‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪ ،3/5 :‬الطوسي‪ /‬التهذيب‪،6/301 :‬‬
‫الطبرسي‪ /‬الحتجاج ص ‪ ،194‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].76-18/75 :‬‬
‫وذكر ثقتهم الكليني أن من وجوه التمييز عند اختلف رواياتهم قول إمامهم‪" :‬دعوا ما وافق‬
‫القوم فإن الرشد في خلفهم" [أصول الكافي‪ /‬خطبة الكتاب ص ‪ ،8‬وانظر‪ :‬وسائل الشيعة‪.].18/80 :‬‬
‫وقال أبو عبد ال ‪ -‬كما يفترون ‪" :-‬إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم"‬
‫[وسائل الشيعة‪.].18/85 :‬‬
‫وعن الحسن بن الجهم قال‪ :‬قلت للعبد الصالح [هذا اللقب المراد به المام‪ -].‬رضي ال عنه ‪:-‬‬
‫"هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إل التسليم لكم؟ فقال‪ :‬ل وال ل يسعكم إل التسليم لنا‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫فيروى عن أبي عبد ال شيء‪ ،‬ويروى عنه خلفه فأيهما نأخذ؟ فقال‪ :‬خذ بما خالف القوم‬
‫(إشارة لهل السنة) وما وافق القوم فاجتنبه" [وسائل الشيعة‪.].18/85 :‬‬
‫ويعللون الخذ بهذا المبدأ بما يرويه أبو بصير عن أبي عبد ال قال‪" :‬ما أنتم وال على شيء‬
‫[الموضع‬ ‫مما هم فيه‪ ،‬ول هم على شيء مما أنتم فيه‪ ،‬فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء"‬
‫نفسه من المصدر السابق‪.].‬‬
‫ويغرر هؤلء الزنادقة الذين يبغون في المة الفرقة والخلف‪ ،‬بأولئك التباع الجهال الذين‬
‫تعطلت ملكة التفكير عندهم بعدما شحنت نفوسهم بما يسمى "محن آل البيت" و"خدرت" عقولهم‬
‫بما يقال لهم من ثواب كبير ينتظرهم بمجرد حب آل البيت‪ ،‬غرر هؤلء الزنادقة بأولئك التباع‬
‫فقالوا‪ :‬إن الصل في هذا المبدأ "أن عليا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬لم يكن يدين ال بدين إل خالف –‬
‫كذا ‪ -‬عليه المة إلى غيره إرادة لبطال أمره‪ ،‬وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي‬
‫[ابن بابويه‪/‬‬ ‫ل يعلمونه‪ ،‬فإذا أفتاهم جعلوا له ‪ -‬كذا ‪ -‬من عندهم ليلتبسوا ‪ -‬كذا ‪ -‬على الناس"‬
‫علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،531‬وسائل الشيعة‪.].18/83 :‬‬
‫مع أنهم يقولون بأن عمر كان يستشيره في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬ويأخذ بقوله ويعمل بفتواه‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة حيث نقل كلم ابن المطهر في ذلك‪:‬‬ ‫وأن الصحابة كانت ترجع إليه في مشكلتهم‬
‫[مناقب آل أبي طالب‪،493-1/492 :‬‬ ‫‪ ،].4/160‬وأن عمر قال‪ :‬ل عشت في أمة لست لها يا أبا الحسن‬
‫‪268‬‬
‫[الرشاد للمفيد ص ‪-97‬‬ ‫الصادقي‪ /‬علي والحاكمون‪ :‬ص ‪ .].120‬ل عشت لمعضلة ل يكون لها أبا الحسن‬
‫‪ ،98‬مناقب آل أبي طالب‪.].1/494 :‬‬
‫فأي القولين نأخذ به ونصدقه؟ ولكن هذا هو دأب هؤلء الوضّاع التناقض‪ ،‬وهذه ثمار‬
‫الكذب‪.‬‬
‫كما يوصون أتباعهم بالوصية التالية والتي تعمق الخلف وتضمن استمراره‪ ،‬وتكفل لهذه‬
‫الفئة العزلة عن جماعة المسلمين وإجماعهم‪ :‬عن علي ابن أسباط قال‪ :‬قلت للرضا ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪ :-‬يحدث المر ل أجد بدّا من معرفته‪ ،‬وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من‬
‫مواليك‪ ،‬قال‪ :‬ائت فقيه البلد‪ ،‬فاستفته عن أمرك‪ ،‬فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلفه‪ ،‬فإن الحق فيه"‬
‫[ابن بابويه‪ /‬علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،531‬الطوسي‪ /‬التهذيب‪ ،6/295 :‬وسائل الشيعة‪ ،83-18/82 :‬وبحار النوار‪:‬‬
‫‪.].2/233‬‬
‫وعلق على هذا النص أحد شيوخهم‪ ،‬فقال‪" :‬من جملة نعماء ال على هذه الطائفة المحقة أنه‬
‫خلى بين الشيطان وبين علماء العامة‪ ،‬فأضلهم في جميع المسائل النظرية حتى يكون الخذ‬
‫[الحر العاملي‪ :‬اليقاظ‬ ‫بخلفهم ضابطة لنا‪ ،‬ونظيره ما ورد في حق النساء شاوروهن وخالفوهن"‬
‫من الهجعة ص ‪.].71-70‬‬
‫هذه النصوص في منتهى الخطورة‪ ،‬وهي من وضع زنديق ملحد أراد الكيد للمة ودينها‪،‬‬
‫وأراد أن يفتح للقوم بابا واسعا للخروج من السلم‪ ،‬حيث يتجهون إلى مخالفة كل أمر من‬
‫الدين عليه أمة السلم‪ .‬وكيف يدعو قوم هذه عقائدهم إلى التقريب؟! وكيف يزعمون إمكانية‬
‫اللقاء مع أهل السنة الذين يكون الرشد في خلفهم؟!‬
‫الجانب النقدي لهذه المقالة‪:‬‬
‫بالضافة إلى ما ألمحنا إليه في أثناء العرض نوضح هذه المسألة أكثر‪ ،‬فأقول‪ :‬أما ثبوت‬
‫حجية الجماع‪ ،‬فقد تكفلت كتب الصول ببيانه‪ ،‬والستدلل عليه بما يغني ويكفي‪.‬‬
‫والشيعة تقر بالجماع اسما‪ ،‬وتخالفه في الحقيقة ‪ -‬كما سلف ‪.-‬‬
‫وقد نقل شخيهم المعاصر مغنية اتفاق شيعته القدماء على القول بالجماع‪ ،‬وأن المتأخرين‬
‫عدوه من أصول أدلتهم‪ ،‬ولكن لم يعتمدوا عليه [انظر‪ :‬ص ( ‪ ،].)406‬وهذا يعني أنهم خالفوا‬
‫الجماع الذي عدوه من أصول أدلتهم‪ ،‬أو أن قدماء الشيعة قد أجمعوا على ضللة‪ ،‬أو أن‬
‫متأخريهم خالفوا الحق الذي أجمع عليه متقدموهم‪ ..‬والحقيقة أن مآل الجميع إلى النكار‪ ،‬وإن‬
‫كثر ادعاء بعضهم في هذا الباب لسيما في كتب الصول عندهم‪ ،‬ذلك أن دعوى الجماع عند‬
‫التمحيص مجرد لغو ل حقيقة له‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫ولكن بالضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن حيرتهم في الوصول إلى هذا الجماع الذي يدعونه برهان جلي‬
‫يدل على أنهم ليسوا على شيء‪ ،‬ومن أوضح المثلة على ذلك اشتراطهم وجود عالم مجهول‬
‫النسب لتحقق الجماع على اعتبار أن يكون هو المام الغائب‪ ،‬وقد اعتبر شيخ السلم ابن‬
‫تيمية ذلك من أعظم الجهل‪ ،‬حيث قال‪" :‬رأيت في كتب شيوخهم أنهم إذا اختلفوا في مسألة على‬
‫قولين‪ ،‬وكان أحد القولين يعرف قائله‪ ،‬والخر ل يعرف قائله‪ ،‬فالصواب عندهم القول الذي ل‬
‫يعرف قائله‪ .‬قالوا‪ :‬لن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم‪ ،‬فهل هذا إل من أعظم‬
‫الجهل"‪.‬‬
‫وتعجب كيف يجعلون عدم العلم بالقول وصحته‪ ،‬دليلً على صحته‪ ،‬وقال‪" :‬من أين يعرف‬
‫أن القول الخر الذي لم يعرف قائله إنما قاله المعصوم؟ ولم ل يجوز أن يكون المعصوم قد‬
‫وافق القول الذي يعرف قائله‪ ،‬وأن القول الخر قد قاله من ل يدري ما يقول‪ ،‬بل قاله شيطان‬
‫من شياطين الجن والنس؟ فهم أثبتوا الجهل بالجهل‪ ،‬حيث جعلوا عدم العلم بالقائل دليلً على‬
‫أنه قول المعصوم‪ .‬وهذه حال من أعرض عن نور السنة التي بعث ال بها رسوله‪ ،‬فإنه يقع في‬
‫ظلمات البدع‪ ،‬ظلمات بعضها فوق بعض" [منهاج السنة‪.].266-3/265 :‬‬
‫[لنه من الخباريين الذين ل‬ ‫وقد انتقدهم شيخهم الحر العالي "صاحب الوسائل" على هذا المسلك‬
‫يقولون بدليل الجماع‪ ،].‬فقال‪" :‬وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب‪ ،‬وأي‬
‫[عن مقتبس الثر‪:‬‬ ‫دليل دل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به"‬
‫‪.].3/63‬‬
‫وأمر آخر ل يقل عن هذا‪ ،‬وهو كيف يجعل قول طفل عمره خمس سنين لم يخرج عن طور‬
‫الحضانة بمنزلة إجماع المة بأسرها‪ ،‬بل يرفض إجماع المة ويؤخذ بقول صبي أو معدوم؟!‬
‫هذا في غاية الفساد‪.‬‬
‫وإذا بحثت عن إجماعهم (السمي) الذي يكشف عن رأي المعصوم ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬لم تجد‬
‫إل روايات يعارض بعضها بعضا‪ ،‬كما ترى ذلك في روايات التهذيب والستبصار‪ .‬وقد صرح‬
‫به شيخ الطائفة في مقدمة التهذيب‪ ،‬وذكر أن هذا من أسباب خروج الكثير من التشيع ‪ -‬كما مر‬
‫– [انظر‪ :‬ص (‪.].)361‬‬
‫ثم يلحظ أن أهم مسألة عند الشيعة وهي مسألة المام قد تضاربت في تعيينه فرق الشيعة‪،‬‬
‫واختلفت مذاهبهم‪ ،‬واضطربت اتجاهاتهم حوله بشكل كبير‪ ،‬كما حفلت ببيانه وتفصيله كتب‬
‫المقالت عند الفريقين‪ ،‬فأين تحقق الجماع وأصل المذهب تنخر فيه الختلفات‪ ،‬وتدور في‬
‫شانه المنازعات؟‬
‫‪270‬‬
‫وترى كذلك أن دعوى الجماع عندهم متعارضة متضاربة‪ .‬وما انفردت به الشيعة عن‬
‫الجماعة وادعت الجماع عليه هي أقوال في غاية الفساد سواء في الصول أو الفروع‪،‬‬
‫كإيمانهم بذلك المنتظر الذي لم يولد‪ ،‬ومبالغاتهم في أوصاف المام ومعجزاته‪ ،‬وإلى آخر ما‬
‫شذوا به مما سيأتي بسطه وبيانه‪ .‬بل قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه ال ‪" :-‬الشيعة ليس‬
‫لهم قول واحد يتفقون عليه" [منهاج السنة‪.].2/129 :‬‬
‫وهذا حق اعترفت به الشيعة نفسها‪ ،‬حيث جاء في أصول الكافي‪" :‬عن زرارة بن أعين عن‬
‫أبي جعفر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬سألته عن مسألة فأجابني‪ ،‬ثم جاءه رجل فسأله عنها‪،‬‬
‫فأجابه بخلف ما أجابني‪ ،‬ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلف ما أجابني وأجاب صاحبي‪ ،‬فلما‬
‫خرج الرجلن قلت‪ :‬يا ابن رسول ال‪ ،‬رجلن من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألن فأجبت‬
‫كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال‪ :‬يا زرارة‪ ،‬إن هذا خير لنا ولكم‪ ،‬ولو اجتمعتم‬
‫على أمر واحد لصدقكم الناس علينا‪ ،‬ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي‪.].1/65 :‬‬
‫فهذا يؤكد أن من أصول مذهبهم بحكم عقيدة التقية اختلف أقوالهم وتباين آرائهم‪ ،‬حتى ل‬
‫يقف ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬العداء على حقيقة مذهبهم‪ ،‬فكان من أثر ذلك أن ضاع المذهب‪ ،‬ولم يعرف‬
‫حقيقة رأي الئمة‪ ،‬فكيف يمكن تحقق الجماع على قول أو حكم في ظل هذا الختلف‬
‫والضطراب؟!‬
‫والمام أبو جعفر بريء من هذا‪ ،‬لكن هذا من اختراع الزنادقة حتى ل يعرف الشيعة رأي‬
‫أبي جعفر وغيره من علماء آل البيت ليتسنى لهم نشر كفرهم وغلوهم‪ ،‬وكلما كذب هذا الغلو‬
‫أئمة أهل البيت قالوا‪ :‬هذا تقية‪.‬‬
‫قال علمة الهند صاحب التحفة الثني عشرية‪ :‬وأما الجماع فدعواهم أنه من أدلتهم باطل‪،‬‬
‫لنه كونه حجة ليس بالصالة‪ ،‬بل لكون قول المعصوم في ضمنه‪ ،‬فمدار حجيته على قول‬
‫المعصوم ل على نفس الجماع‪.‬‬
‫وهم ينازعون في ثبوت عصمة المام‪ ،‬كما ينازعون في تعيينه‪ .‬وأيضا إجماع الصدر الول‬
‫‪ -‬يعني قبل حدوث الختلف في المة ‪ -‬غير معتبر عندهم‪ ،‬لنهم أجمعوا على خلفة أبي بكر‬
‫وعمر‪ ..‬ومنع ميراث النبي صلى ال عليه وسلم وحرمة المتعة‪ ،‬وهذا باطل في نظرهم‪ ،‬فإذا‬
‫كان هذا الجماع غير معتبر عندهم فبعد حدوث الختلف في المة وتفرقهم بفرق مختلفة كيف‬
‫يتصور الجماع‪ ،‬ولسيما في المسائل الخلفية المحتاجة إلى الستدلل وإقامة الحجة القاطعة‪.‬‬
‫ثم أشار صاحب التحفة إلى صور من التناقض عندهم‪ ،‬حيث إن بعضهم نقل إجماع فرقتهم‬
‫على أمر وكذبهم وأنكر عليهم بذلك الخرون منهم‪ .‬وأن شيخهم (الشهيد الثاني) وهو من أجلة‬
‫‪271‬‬
‫علمائهم قد أفرد فصلً مستقل ًفي أن شيخ الطائفة قد ادعى في مواضع إجماع الفرقة مع أنه‬
‫[جمع شيخهم زين الدين العاملي‪ ،‬الملقب عندهم بالشهيد الثاني أربعين مسألة‬ ‫قال هو بخلفه في مواضع أخر‬
‫ادعى فيها شيخ الطائفة الطوسي الجماع‪ ،‬وقد خالف أكثرها في موارد أخرى‪ ،‬كما أن بعض شيوخهم يدعي الجماع‬
‫فيما يتفرد به‪ ،‬وعلل شيوخهم المجلسي لهذه الظاهرة عندهم بقوله‪ :‬إنهم لما رجعوا إلى الفروع ونسوا ما أسسوه في‬
‫الصول‪ ،‬فادعوا الجماع في أكثر المسائل سواء أهر فيها الخلف أم ل‪ ،‬وافق الروايات المنقولة أم ل‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪.)323‬‬
‫وقد ل يكون مرد ذلك النسيان كما يقول المجلسي‪ ،‬بل سبب ذلك أن كتب الفروع عندهم منقولة في الغالب من‬
‫[انظر‪ :‬التحفة‬ ‫كتب أهل السنة‪ ،‬فانفصلت عن آرائهم في مسائل المامة‪ .].‬ثم نقل صاحب التحفة نص كلمه‬
‫الثني عشرية ‪ -‬الورقة ‪( 118‬مخطوط)‪ ،‬ومختصر التحفة ص ‪.].51‬‬
‫وأقول‪ :‬إن مذهبهم بأن الجماع حجة من جهة كشفه عن رأي المعصوم فقط ل من جهة أن‬
‫المة ل تجتمع على ضللة‪ ،‬كما عليه أهل السنة‪ ،‬فوق أن هذا إنكار للجماع على الحقيقة‪ ،‬فإن‬
‫[انظر‪ :‬الشعراني‪ /‬تعاليق‬ ‫في ذلك مخالفة للحديث الثابت عندهم وهو‪" :‬ل تجتمع أمتي على ضللة"‬
‫علمية (على شرح الكافي للمازندراني)‪ .].2/414 :‬كما أن هذا الحديث أيضا ورد من طرق أهل السنة‬
‫كما سبق تخريجه" [انظر‪ :‬ص (‪ )412‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫فلماذا ل يؤخذ بهذا النص الذي يستدل به كل الفريقين‪ ،‬وليس ذلك فحسب بل قد ورد أيضا‬
‫في الحتجاج ‪ -‬وهو من كتبهم المعتمدة كما قرر ذلك المجلسي وغيره ‪ -‬رواية عن أبي الحسن‬
‫علي بن محمد العسكري ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في حديث طويل قال‪" :‬واجتمعت المة قاطبة ل‬
‫اختلف بينهم في ذلك على أن القرآن حق ل ريب فيه عند جميع فرقها‪ ،‬فهم في حالة الجتماع‬
‫عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل ال مهتدون لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تجتمع‬
‫أمتي على الضللة" فأخبر أن ما أجمعت عليه المة‪ ،‬ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق‪ ،‬فهذا‬
‫معنى الحديث‪ ،‬ل ما تأوله الجاهلون‪ ،‬ول ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب‪ ،‬واتباع حكم‬
‫الحاديث المزورة‪ ،‬والروايات المزخرفة‪ ،‬واتباع الهواء المردية المهلكة التي تخالف نص‬
‫الكتاب‪ ،‬وتحقيق اليات الواضحات النيرات‪[ "..‬بحار النوار‪.].2/225 :‬‬
‫فأنت ترى في هذا النص إمامهم لم يقل‪ :‬انظروا إلى ما اتفق عليه الجماعة التي فيها‬
‫المعصوم‪ ،‬ودعوا رأي الجماعة الخرى‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ابحثوا عن الجماعة أو الشخص المجهول‬
‫النسب‪ ،‬فقد يكون المنتظر من ضمن تلك الجماعة‪ ،‬أو يكون هو نفسا المجهول النسب‪ ،‬بل قال‪:‬‬
‫بأن ما أجتمعت عليه المة ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق‪ ،‬وبين أن أساس إصابة الحق هو‬
‫العتماد على الكتاب والسنة‪ ،‬وأن إصابة الحق في حالة الجماع محققة لقول النبي صلى ال‬

‫‪272‬‬
‫عليه وسلم‪" :‬ل تجتمع أمتي على ضللة" وهذا الحديث هو أحد حجج جمهور المسلمين في‬
‫إثبات حجية الجماع‪.‬‬
‫وحذر من اتباع غير ذلك من الروايات المكذوبة‪.‬‬
‫فلماذا تشذ هذه الطائفة‪ ،‬وتأخذ بتلك الروايات المكذوبة‪ ،‬وتدع قول إمامهم‪ ،‬وتفارق المة‪،‬‬
‫وتنبذ إجماعها‪ ،‬وتأخذ برأي طفل صغير أو معدوم‪ ،‬وتدع ما أجمع عليه أمة السلم‪ ،‬كل ذلك‬
‫لن زنديقا وضع لها أصلً يقول بأن ما خالف العامة فيه الرشاد "فجمعوا مخالفة أهل السنة‬
‫والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول وأصحابه رضوان ال عليهم أجمعين أصلً‬
‫للنجاة‪ ،‬فصار كلما فعل أهل السنة شيئا تركوه‪ ،‬وإن تركوا شيئا فعلوه‪ ،‬فخرجوا بذلك عن الدين‬
‫رأسا‪ ،‬وذلك هو الضلل المبين باليقين" [اللوسي‪ /‬كشف غياهب الجاهلت‪ /‬الورقة (‪.].)6‬‬
‫غ ْيرَ‬
‫وال سبحانه وتعالى يقول‪َ { :‬ومَن ُيشَاقِقِ ال ّرسُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّنَ َلهُ ا ْلهُدَى َويَ ّتبِعْ َ‬
‫ت َمصِيرًا} [النساء‪ ،‬آية ‪.].115 :‬‬
‫ج َهنّمَ َوسَاءَ ْ‬
‫ن ُنوَّل ِه مَا َتوَلّى َو ُنصْ ِلهِ َ‬
‫سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي َ‬
‫ولو كان هذا الصل؛ أعني قولهم‪ :‬ما خالف العامة ‪ -‬أي أهل السنة ‪ -‬فيه الرشاد‪ ،‬لو كان‬
‫هذا من عند الئمة كما تزعم هذه الزمة لكان الئمة أسبق الناس إلى تطبيقه على أنفسهم‪،‬‬
‫والواقع الذي يوافقنا شيوخ الشيعة عليه أن عليا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬لم يشذ عن الصحابة‪ ،‬بل‬
‫إنه كما يقول شيخهم الشريف المرتضى‪" :‬دخل في آرائهم‪ ،‬وصلى مقتديا بهم‪ ،‬وأخذ عطيتهم‪،‬‬
‫ونكح سبيهم‪ ،‬وأنكحهم‪ ،‬ودخل في الشورى" [المرتضى‪ /‬تنزيه النبياء‪ :‬ص ‪ .].132‬وغير ذلك‪ .‬ولم‬
‫يذهب إلى مخالفتهم في شيء مما أجمعوا عليه‪ ،‬وكان رضي ال عنه يكره الختلف‪ ،‬كما روى‬
‫البخاري عن علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال‪" :‬اقضوا كما كنتم تقضون‪ ،‬فإني أكره الختلف‬
‫حتى يكون الناس جماعة" [صحيح البخاري (مع فتح الباري)‪.].7/71 :‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قوله‪" :‬فإني أكره الختلف" أي‪ :‬الذي يؤدي إلى النزاع‪ .‬قال ابن التين‪ :‬يعني‬
‫مخالفة أبي بكر وعمر‪ ،‬وقال غيره‪ :‬المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة‪ ،‬ويؤيده قوله‬
‫بعد ذلك "حتى يكون الناس جماعة" [فتح الباري‪.].7/73 :‬‬
‫وكل ما ينفرد به الشيعة وتشذ به ليس من "هدي" علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وكان علي ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬مع المة في إجماعها‪ ،‬لن فيه الرشاد‪ ،‬ل في مخالفتهم كما تدعيه هذه الزمرة‬
‫الحاقدة على المة‪ ،‬والتي تبغي فيها الفرقة والشتات‪ ،‬ولهذا لم نجد إجابة عن موافقة علي ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬للمة إل بدعوى التقية‪ ،‬أي نفاق عليّ للصحابة ‪ -‬برأه ال مما يفترون ‪-‬‬
‫وهي دعوى تتناقض مع العقل والتاريخ‪ ،‬فضلً عن الشرع والدين‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫فلم يستطع شيوخ الشيعة ‪ -‬كما ترى ‪ -‬أن يثبتوا على علي تطبيقه لهذا الصل المفترى‪ ،‬بل‬
‫أقروا بموافقته للمة على لسان شيخهم الشريف المترضى‪ ،‬وحتى إبّان خلفته‪ ،‬وامتلكه لزمام‬
‫المور والتي تنتفي معها "التقية" لم يقدروا على إنكار موافقته للمة‪.‬‬
‫يقول شيخهم نعمة ال الجزائري‪" :‬ولما جلس أمير المؤمنين ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬على سرير‬
‫الخلفة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا؛ لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه‪،‬‬
‫كما لم يقدر على النهي عن صلة الضحى‪ ،‬وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة‬
‫[النوار النعمانية‪:‬‬ ‫النساء‪ ..‬وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء‪ ،‬ومعاوية عن المارة"‬
‫‪.].2/362‬‬
‫فثبت بنقل الفريقين أن أمير المؤمنين لم يفارق إجماع المة‪ ،‬وأن المامية قد خالفت سريته‬
‫حينما وضعت لنفسها مبدأ مخالفة المة‪ ،‬فليست له بشيعة‪ ،‬وليس لها بإمام‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫أصول مذهب الشّيعة‬
‫الجزء الثّاني‬
‫الباب الثاني‬
‫عقيدتهم في أصول الدين‬
‫وفيه أربعة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬عقيدتهم في توحيد اللوهية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عقيدتهم في توحيد الربوبية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬عقيدتهم في أسماء ال وصفاته‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬عقيدتهم في اليمان وأركانه‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫عقيدتهم في توحيد اللوهية‬
‫والمقصود بتوحيد اللوهيّة‪ :‬إفراد ال تعالى بالعبادة؛ لنّه سبحانه المستحقّ أن يُعبد وحده ل‬
‫[انظر في تعريف‬ ‫شريك له‪ ،‬وإخلص العبادة له‪ ،‬وعدم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره‬
‫توحيد اللوهيّة‪ :‬شرح الطّحاويّة‪ :‬ص ‪ ،16‬لوامع النوار‪ ،1/29 :‬تيسير العزيز الحميد‪ :‬ص ‪ 36‬وغيرها‪.].‬‬
‫وهذا التوحيد هو الذي دعت الرسل إليه؛ لن إقرار أقوامهم بتوحيد الربوبية معلوم‪ ،‬كما‬
‫عبُدُواْ‬
‫أخبر ال – عز وجل – عن أنبيائه نوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وصالح‪ ،‬وشعيب أنهم قالوا لقومهم‪{ :‬ا ْ‬
‫غ ْيرُهُ} [العراف‪ ،‬آية‪ ،]85 ،73 ،65 ،59 :‬وأخبر سبحانه أن هذه دعوة الرسل‬
‫الّل َه مَا لَكُم مّنْ ِإلَـهٍ َ‬
‫[النحل‪،‬‬ ‫ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ}‬
‫عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ‬
‫عامة‪ ،‬فقال جل شأنه‪{ :‬وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً أَنِ ا ْ‬
‫ك مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي ِإَل ْيهِ َأنّهُ ل إِ َلهَ إِل َأنَا‬
‫آية‪ .]36 :‬وقال سبحانه‪َ { :‬ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َق ْبلِ َ‬
‫عبُدُونِ} [النبياء‪ ،‬آية ‪.]25‬‬
‫فَا ْ‬
‫ك ِبهِ َويَغْ ِفرُ مَا دُونَ ذَِلكَ‬
‫وهو أصل النّجاة‪ ،‬وأساس قبول العبادات‪{ :‬إِنّ الّلهَ َل يَغْ ِفرُ أَن ُيشْرَ َ‬
‫ِلمَن َيشَاء} [النّساء‪ ،‬آية‪.]116 ،48 :‬‬
‫فهل حافظت الشيعة على هذا الصل الصيل‪ ،‬والركن المتين‪ ،‬أو أن اعتقادها في الئمة قد‬
‫أثر على عقيدتها في توحيد ال سبحانه؟ هذا ما سنتناوله بالحديث فيما يلي‪ ،‬حيث سأعرض‬
‫لسبعة مباحث – إن شاء ال ‪.-‬‬

‫‪275‬‬
‫أولها‪ :‬اعتقادهم أن نصوص القرآن الواردة في أعظم أصل من أصول الدين‪ ،‬والذي وقع فيه‬
‫الضلل في العالم ين‪ ،‬و هو توح يد العبادة‪ ،‬اعتقاد هم أن الغا ية م نه تقر ير ول ية عل يّ والئ مة‬
‫وعدم إشراك أحد معهم في المامة‪.‬‬

‫والمبحث الثاني‪ :‬اعتقادهم أن أصل قبول العمال هو اليمان بإمامة الثني عشر ووليتهم‬
‫وليس توحيد ال عز وجل‪.‬‬
‫والمبحث الثالث‪ :‬اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق‪ ،‬حتى صاروا يعبدونهم‬
‫ويدعونهم رغبًا ورهبًا‪.‬‬
‫والمبحث الرابع‪ :‬اعتقادهم أن للئمة حق التشريع والتحليل والتحريم‪.‬‬
‫والمبحث الخامس‪ :‬اعتقادهم أن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء‪ ،‬وأمان من كل خوف‪.‬‬
‫والمبحث السادس‪ :‬دعاؤهم بالطلسم والرموز لكشف البليا ورفع الملمات‪ ،‬واستعانتهم‬
‫بالمجهول لطلب الهداية‪.‬‬
‫[هذه المسائل الربع الخيرة يمكن إلحاقها بوجه‬ ‫والمبحث السابع‪ :‬استخارتهم بما يشبه رقاع الجاهلية‬
‫آخر في توحيد الربوبية‪ ،‬ول شك أن توحيد اللوهية متضمن لتوحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد‬
‫اللوهية‪.].‬‬

‫المبحث الول‬
‫نصوص التوحيد جعلوها في ولية الئمة‬
‫فأول ما نفاجأ به أن نصوص القرآن التي تأمر بعبادة ال وحده‪ ،‬غيروا معناها إلى اليمان‬
‫بإمامة علي والئمة‪ ،‬والنصوص التي تنهى عن الشرك جعلوا المقصود بها الشرك في ولية‬
‫الئمة‪.‬‬
‫عمَلُكَ}‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫ن مِنْ َقبْلِكَ َلئِنْ َأشْرَكْتَ َليَ ْ‬
‫حيَ إِ َليْكَ َوإِلَى الّذِي َ‬
‫أ ـ ففي قوله سبحانه‪َ { :‬ولَقَدْ أُو ِ‬
‫[الزمر‪ ،‬آية‪.].65 :‬‬
‫جاء في الكافي [أصول الكافي‪ 1/427 :‬رقم (‪ – ].)76‬أصح كتاب عندهم في الرواية – وفي تفسير‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫القمي [تفسير القمي‪ – ].2/251 :‬عمدة تفاسيرهم – وفي غيرهما من مصادرهم المعتمدة‬
‫[هذا لفظ‬ ‫البرهان‪ ،4/83 :‬وتفسير الصافي‪ ].4/328 :‬تفسيرها بما يلي‪" :‬يعني إن أشركت في الولية غيره"‬
‫الكليني في الكافي‪ ،].‬وفي لفظ آخر‪" :‬لئن أمرت بولية أحد مع ولية علي من بعدك ليحبطن عملك"‬
‫[هذا لفظ القمي في تفسيره‪ .].‬وقد ساق صاحب البرهان في تفسير القرآن أربع روايات لهم في تفسير‬
‫الية السابقة بالمعنى المذكور [البرهان‪.].4/83 :‬‬
‫‪276‬‬
‫وقد جاء في سبب نزولها عندهم‪ ..." :‬إن ال عز وجل حيث أوحى إلى نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يقيم عليًا للناس علمًا اندس إليه معاذ بن جبل فقال‪ :‬أشرك في وليته الول والثاني‬
‫(يعنون أبا بكر وعمر) حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك‪ ،‬فلما أنزل ال عز وجل‪{ :‬يَا‬
‫ك مِن ّربّكَ} [المائدة‪ ،‬آية‪ ].67 :‬شكا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّغْ مَا أُن ِزلَ ِإَليْ َ‬
‫شرَكْتَ‬
‫إلى جبرائيل فقال‪ :‬إن الناس يكذبوني ول يقبلون مني‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪َ { :‬لئِنْ َأ ْ‬
‫سرِينَ} [البرهان‪.].4/83 :‬‬
‫ن مِنَ الْخَا ِ‬
‫عمَلُكَ وَ َلتَكُونَ ّ‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫َليَ ْ‬
‫وحتى يدرك القارئ مدى تحريفهم ليات ال‪ ،‬وتآمرهم لتغيير دين السلم بتغيير أصله‬
‫العظيم وهو التوحيد‪ ،‬نسوق الية وما قبلها وما بعدها‪ ،‬ونتبع ذلك ببيان معناها‪.‬‬
‫ن مِنْ‬
‫حيَ إِ َليْكَ وَِإلَى الّذِي َ‬
‫عبُدُ َأ ّيهَا الْجَاهِلُونَ ‪ ،‬وَلَ َقدْ أُو ِ‬
‫قال تعالى‪ُ { :‬قلْ أَفَ َغ ْيرَ الّل ِه تَ ْأ ُمرُونّي َأ ْ‬
‫عبُدْ وَكُن مّنْ الشّا ِكرِينَ}‪.‬‬
‫سرِينَ‪َ ،‬بلِ الّلهَ فَا ْ‬
‫ن مِنَ ا ْلخَا ِ‬
‫عمَُلكَ وَ َلتَكُونَ ّ‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫شرَكْتَ َليَ ْ‬
‫َقبْلِكَ َلئِنْ َأ ْ‬
‫فالية كما هو واضح من سياقها تتعلق بتوحيد ال في عبادته‪ ،‬فهم غيروا المر فاعتبروا‬
‫الية متعلقة بعلي‪ ،‬مع أنه ليس له ذكر في الية أصلً‪ ،‬فكأنهم جعلوه هو المعبر عنه بلفظ‬
‫الجللة (ال) وجعلوا "العبادة" هي الولية‪ .‬والية واضحة المعنى بينة الدللة‪ ،‬ليس بين معناها‬
‫وتأويلهم المذكور أدنى صلة‪.‬‬
‫قال أهل العلم في تفسيرها‪:‬‬
‫إن ال سبحانه أمر نبيه أن يقول هذا للمشركين لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الصنام‪،‬‬
‫[وقد نقل ابن كثير وغيره عن بعض السلف أن هذا هو سبب نزولها‪ .‬انظر‪ :‬تفسير ابن‬ ‫وقالوا‪ :‬هو دين آبائك‬
‫كثير‪ ،4/67 :‬تفسري البغوي‪ .].4/284 :‬والمعنى‪ :‬قل يا محمد لمشركي قومك‪ ،‬أتأمرونني بعبادة‬
‫غير ال أيها الجاهلون بال ول تصلح العبادة لشي سواه سبحانه‪ .‬ولما كان المر بعبادة غير ال‬
‫ل يصدر إل من غبي جاهل ناداهم بالوصف المقتضي ذلك فقال‪َ{ :‬أ ّيهَا الْجَاهِلُونَ}‪ .‬ثم بين‬
‫سبحانه أنه قد أوحى إلى نبيه وإلى الرسل من قبله‪ :‬لئن أشركت بال ليبطلن عملك‪ .‬وهذا في‬
‫بيان خطر الشرك وشناعته‪ ،‬وكونه بحيث ينهى عنه من ل يكاد يباشره فكيف بمن عداه؟‬
‫عبُدْ} ل تعبد ما أمرك به المشركون بل اعبد ال وحده دون كل ما‬
‫ثم قال سبحانه‪َ { :‬بلِ الّلهَ فَا ْ‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ ،24/24 :‬تفسير القرطبي‪ ،277-15/276 :‬البحر المحيط‬ ‫سواه من اللهة والوثان‬
‫لبي حيان‪ ،7/438 :‬فتح القدير للشوكاني‪ ،4/474 :‬روح المعاني لللوسي‪.].24-24/23 :‬‬
‫فالمعنى كما ترى واضح جلي‪ ،‬ل يلتبس إل على صاح هوى مغرض‪ ،‬قد أعماه هواه عن‬
‫رؤية الحق‪ ،...‬فهذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات كان جل همها‪ ،‬وغاية قصدها البحث‬

‫‪277‬‬
‫عن سند لدعواهم في المامة‪ ،‬فكانت تخبط في هذا المر خبط عشواء‪ ،‬ل تستند في الستدلل‬
‫إلى أصل من لغة أو عقل فضلً عن الشرع والدين‪.‬‬
‫وفي ظني أنه ل يبعد أن يكون من بينها من يتعمد سلوك هذه المسالك‪ ..‬حتى يبعد ناشئة‬
‫الشيعة‪ ،‬وعقلءها عن دين السلم‪ ،‬لنهم إذا رأوا أن هذه الدلة‪ ،‬والمسائل وأمثالها فاسدة في‬
‫العقل‪ ،‬وظنوا أن هذا هو السلم شكوا في السلم نفسه‪ ،‬وهذه إحدى الهداف البعيدة لتلك‬
‫الزمرة الحاقدة التي رامت الكيد للمة ودينها‪ ،‬وإبعاد الشيعة عن دين السلم‪ ،‬ول سيما أنك‬
‫تجد في النص الشيعي السالف الذكر النيل من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حيث نسبوا إليه‬
‫عليه الصلة والسلم المخالفة بعدم امتثال أمر ربه ابتداء‪ ،‬وهو تنقص لمقام المعصوم (من قوم‬
‫[انظر‪ :‬محمد بن عبد‬ ‫بالغوا في دعوى عصمة من دون النبي وهم الئمة) وتنقص النبياء كفر‬
‫الوهاب‪ /‬رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪.].6‬‬
‫كذلك يظهر في النص الساءة للمعصوم عليه الصلة والسلم بتصويره في موقف الخائف‬
‫الوجل من قومه‪ ،‬المتردد في تنفيذ أمر ربه‪ ،‬حتى إنه لم يفارق هذا الموقف إل حينما نزل عليه‬
‫التهديد بإحباط عمله‪.‬‬
‫سبِيلٍ} [غافر‪ ،‬آية‪ ].12 :‬فكان جوابهم { َذلِكُم‬
‫ج مّن َ‬
‫خرُو ٍ‬
‫ب ـ وفي قوله سبحانه‪َ { :‬ف َهلْ إِلَى ُ‬
‫عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َف ْرتُمْ} أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي ال في‬
‫بِ َأنّهُ إِذَا ُد ِ‬
‫شرَكْ بِهِ} غيره من الصنام أو غيرها‬
‫الدنيا وحده دون غيره كفرتم به وتركتم توحيده {وَإِن ُي ْ‬
‫{ ُتؤْ ِمنُوا} بالشراك به وتجيبوا الداعي إليه‪ ،‬فبين سبحانه لهم السبب الباعث على عدم إجابتهم‬
‫إلى الخروج من النار وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد ال وإشراك غيره به في العبادة التي‬
‫رأسها الدعاء‪ ،‬فهي مع ما قبله خبر عن جزاء المشركين في الخرة‪ ،‬وأن مصيرهم إلى النار ل‬
‫يخرجون منها‪ ،‬وأنهم يطلبون الرجعة إلى الدنيا ول يجابون بسبب إشراكهم بال في عبادته‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ ،24/48 :‬تفسير البغوي‪ ،94-4/93 :‬تفسير ابن كثير‪ ،80-4/79 :‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ ،4/484‬تفسير القاسمي‪ ،14/227 :‬ابن سعدي‪ /‬تيسير الكريم الرحمن ‪ 6/512‬وغيرها‪.].‬‬
‫ولكن الشيعة تروي عن أئمتها في تأويل الية غير ما فهمه المسلمون منها‪ .‬تقول‪" :‬عن أبي‬
‫شرَكْ‬
‫عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َفرْتُمْ} بأن لعلي ولية {وَإِن ُي ْ‬
‫جعفر في قوله عز وجل‪{ :‬ذَِلكُم بِ َأ ّنهُ إِذَا دُ ِ‬
‫حكْمُ لِّلهِ الْ َعِليّ ا ْل َكبِيرِ}"‬
‫[البرقي‪ /‬كنز جامع الفوايد ص ‪ ،277‬بحار‬ ‫بِهِ} من ليست له ولية { ُتؤْ ِمنُوا فَالْ ُ‬
‫النوار‪ ،23/364 :‬وانظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،2/256 :‬أصول الكافي‪ ،1/421 :‬البرهان ‪ ،94-4/93‬تفسير‬
‫الصافي‪.].4/337 :‬‬

‫‪278‬‬
‫ومعلوم أن هذا التأويل من جنس تأويلت الباطنية‪ ،‬إذ ل دللة عليه من لفظ الية ول سياقها‬
‫مطلقًا‪ ،‬ولذلك فإن صاحب مجمع البيان أعرض عن تأويلت طائفته حب رواياتها عن أئمتها‬
‫وفسر الية بمقتضى ظاهرها‪ ،‬وما قاله السلف في تفسيرها [انظر‪ :‬مجمع البيان‪ .].5/186 :‬لكن‬
‫مثل هذه الصوات المعتدلة سرعان ما تموت في جو التقية الخانق‪.‬‬
‫ج‍ ـ وتمضي رواياتهم على ذلك المنهج الضال‪ ،‬والتأويل الفاسد‪ ،‬ففي قوله سبحانه‪...{ :‬‬
‫أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ َبلْ أَ ْك َثرُهُمْ ل يَ ْعَلمُونَ} [النمل‪ ،‬آية‪ ].61:‬قال أبو عبد ال – كما يفترون ‪" :-‬أي إمام‬
‫هدى مع إمام ضلل في قرن واحد" [بحار النوار‪ ،23/391 :‬كنز جامع الفوايد‪ :‬ص ‪.].207‬‬
‫إن هذه الروايات وأمثالها هي التربة الصالحة لنشوء التجاهات الغالية التي تؤله عليًا‪ ،‬والتي‬
‫ل تزال تظهر في هذه الطائفة بين آونة وأخرى‪ ،‬وإل فالية ل صلة لها بإمامهم‪ ،‬بل هي لتقرير‬
‫خ ْيرٌ َأمّا‬
‫عبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَى آلّلهُ َ‬
‫حمْدُ لِّلهِ َوسَلمٌ عَلَى ِ‬
‫وحدانية ال‪ ،‬فال جل شأنه قال‪ُ { :‬قلِ الْ َ‬
‫سمَاء مَاء َفأَنبَ ْتنَا ِبهِ حَدَائِقَ ذَاتَ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضَ وَأَن َزلَ لَكُم مّنَ ال ّ‬
‫شرِكُونَ ‪َ ،‬أمّنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫يُ ْ‬
‫[النمل‪ ،‬آية‪-59 :‬‬ ‫جرَهَا أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ يَعْدِلُونَ} اليات‬
‫َبهْجَ ٍة مّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ‬
‫‪.].60‬‬
‫يقول ال في آخر كل آية‪{ :‬أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ} أي‪ :‬أإله مع ال فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار‬
‫يتضمن نفي ذلك‪ ،‬وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير ال؟ فاحتج عليهم بذلك‪ ،‬وأن ذلك‬
‫يستلزم أل يعبد إل ال وحده [شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫د ـ وإذا كان ال جل شأنه يقول‪َ { :‬ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي إِ َل ْيهِ َأ ّنهُ ل‬
‫عبُدُونِ} [النبياء‪ ،‬آية‪ ،]25 :‬فإن تلك الزمرة التي وضعت روايات الشيعة قالت وكأنها‬
‫ِإَلهَ إِل َأنَا فَا ْ‬
‫تضاهي معنى هذه الية أو تعارضه‪ ،‬قالت‪" :‬ما بعث ال نبيًا قط إل بوليتنا والبراء من أعدائنا"‬
‫[البرهان‪ ،2/367 :‬تفسير العياشي (انظر‪ :‬المصدر السابق)‪ ،‬تفسير الصافي‪.].3/134 :‬‬
‫رقم (‬ ‫وفي رواية أخرى‪" :‬وليتنا ولية ال التي لم يبعث نبيًا قط إل بها" [أصول الكافي‪1/437 :‬‬
‫[ونسبوا هذه الروايات وأمثالها لجعفر‬ ‫‪ ،].)3‬فجعلوا أمر إمامة أئمة لم يخلقوا هو أصل دعوة النبياء‬
‫الصادق وأبيه – برأهما ال مما يفترون ‪ ،-‬وذلك إمعانًا في التغرير بأولئك التباع الغرار ممن حجبوا عقولهم عن‬
‫رؤية الحق‪ ،‬وعطلوا ملكة التفكير عندهم‪ ،‬بإيحاءات متنوعة عبر مراحل العمر الممتدة في موضوع محن آل البيت‪،‬‬
‫وحب آل البيت‪ ،‬والصراع بين الل والصحاب‪ ،‬ليخرج من ذلك الناشئ وقد شحنت عاطفته ونفسيته بالحقد والكراهية‬
‫للصحابة‪ ،‬ولكل مسلم من غير طائفته‪ ..‬وإن دراسة الثار النفسية والتربوية لهذه الروايات على أولئك التباع ومقارنة‬
‫ذلك بالحركات التاريخية لهم لهو موضوع حقيق بالدراسة ليتبين ضخامة الخطر لهذه الساطير‪ ..‬ورصد مكامن‬
‫الضرر‪ ،‬التعرف على توجهات أولئك الباطنيين ضد المة ودينها‪!!].‬‬

‫‪279‬‬
‫هذا ورواياتهم في تأويل نصوص التوحيد والنهي عن الشرك بالمعنى المبتدع عندهم ل تكاد‬
‫[ومن أمثلة هذه التأويلت‪:‬‬ ‫تخلو منها آية من آيات القرآن المتعلقة بالتوحيد‪ ،‬والنهي عن الشرك‬
‫حبّ اللّهِ} [البقرة‪ ،‬آية‪]165 :‬‬
‫حبّونَهُ ْم كَ ُ‬
‫تحريفهم لمعنى قوله سبحانه‪{ :‬وَ ِمنَ النّاسِ مَن َيتّخِذُ مِن دُونِ اللّ ِه أَندَادا يُ ِ‬
‫بقولهم‪" :‬هم أولياء فلن وفلن اتخذوهم أئمة دون المام الذي جعله ال للناس إمامًا" (الغيبة للنعماني ص ‪ ،83‬بحار‬
‫حنِيفًا} [الروم‪ ،‬آية‪ ]30:‬بقولهم‪" :‬هي‬
‫النوار‪ ،23/359 :‬البرهان‪ ،)1/172 :‬وقوله سبحانه‪َ { :‬فأَقِمْ وَجْ َهكَ لِلدّينِ َ‬
‫الولية" (تفسير القمي‪ ،2/154 :‬أصول الكافي‪ ،419 ،1/418 :‬كنز جامع الفوايد‪ :‬ص ‪ ،224‬بحار النوار‪:‬‬
‫خرَةِ ُهمْ كَا ِفرُونَ}‬
‫ن ل يُ ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُم بِال ِ‬
‫‪ ،23/365‬البرهان‪ ،)3/261 :‬وقوله سبحانه‪{ :‬وَ َويْ ٌل ّللْ ُمشْرِكِينَ‪ ،‬الّذِي َ‬
‫[فصلت‪ ،‬آية‪ ]7 ،6 :‬قالوا‪" :‬وويل للمشركين الذين أشركوا بالمام الول‪ ،‬وهم بالئمة الخرين كافرون‪( "...‬تفسير‬
‫القمي‪ ،2/262 :‬بحار النوار‪ ،84-83 /23 :‬البرهان‪ ،4/106 :‬تفسير الصافي‪ .)4/353 :‬وأمثال ذلك من‬
‫التأويلت الخطرة لعظم ركن من أكان الدين‪ ،].‬ولهذا جعل أحد شيوخهم هذا التأويل قاعدة مطردة في‬
‫القرآن فقال‪" :‬كل ما ورد ظاهره في الذين أشركوا مع ال سبحانه ربًا غيره من الصنام التي‬
‫صنعوها بأيديهم ثم عظموها وأحبوها والتزموا عبادتها وجعلوهم شركاء ربهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند ال بغير أمر من ال بل بآرائهم وأهوائهم‪ ،‬فبطنه وارد في الذين نصبوا أئمة‬
‫[مرآة‬ ‫بأيديهم وعظموهم وأحبوهم والتزموا طاعتهم وجعلوهم شركاء إمامهم الذي عينه ال لهم‪"..‬‬
‫النوار‪ :‬ص ‪ ،100‬وانظر‪ :‬ص ‪ 58‬من المرجع المذكور‪.].‬‬
‫ووضعهم هذا قاعدة يعني أن أخبارهم تواطأت وتضافرت لثبات هذا المنكر‪ ،‬وهذا ما‬
‫صرحوا به فقالوا‪" :‬إن الخبار متضافرة إنّ الخبار متضافرة في تأويل الشّرك بال والشّرك‬
‫بعبادته بالشّرك في الولية والمامة؛ أي يشرك مع المام من ليس من أهل المامة‪ ،‬وأن يتّخذ‬
‫مع ولية آل محمد رضي ال عنهم (أي الئمّة الثنا عشر) ولية غيرهم" [مرآة النوار‪ :‬ص ‪.].202‬‬
‫وهكذا ل تكاد تخلو آية من آيات القرآن من موضوع التوحيد والنهي عن الشرك إل وراموا‬
‫تحريفها وتعطيل معناها وتحويلها إلى ولية علي والئمة ولو كانت صريحة واضحة بينة‪.‬‬
‫[للعلمة ابن القيم حدث قيم عن فساد التأويل‪ ،‬وما‬ ‫وهذه التأويلت هي مفتاح كل شر‪ ،‬وباب كل فتنة‬
‫جره على المة من المصائب "وإن أصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده ال ورسوله بكلمه‪،‬‬
‫ول دل على أنه مراده"‪( .‬انظر‪ :‬أعلم الموقعين‪ ،].)254-4/250 :‬كيف وهي تتعلق بأصل الدين‪ ،‬وما اتفقت‬
‫عليه دعوة المرسلين‪ ،‬وبه نزلت الكتب‪ ،‬ومن أجله أرسلت الرسل‪ ،‬وبه انقسم الناس إلى فريقين‪:‬‬
‫فريق في الجنة‪ ،‬وفريق في الجحيم‪.‬‬
‫وقبل أن نرفع القلم في هذه المسألة أشير إلى رواية من كتبهم تنقض تأويلتهم‪ ،‬وتبين أصلها‬
‫ومنبتها‪ ،‬فقد جاء في تفسيرهم "البرهان"‪ :‬عن حبيب بن معلى الخثعمي قال‪ :‬ذكرت لبي عبد ال‬
‫رضي ل عنه ما يقول أبو الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬أجل إليّ ما يقل‪ .‬قال‪ :‬في قوله عز وجل‪{ :‬إِذَا ذُ ِكرَ‬

‫‪280‬‬
‫[يعني بهما‪ :‬أبا بكر وعمر‬ ‫ن مِن دُو ِنهِ} فلن وفلن‬
‫الّلهُ وَحْدَهُ} أنه أمير المؤمنين {وَِإذَا ُذ ِكرَ الّذِي َ‬
‫رضي ال عنهما‪ .].‬قال أبو عبد ال‪ :‬من قال هذا فهو مشرك بال عز وجل ثلثًا أنا إلى ال منهم‬
‫بريء ثلثًا‪ ،‬بل عني ال بذلك نفسه‪ ،‬قال‪ :‬فالية الخرى التي في حم قول ال عز وجل‪َ { :‬ذلِكُم‬
‫عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َف ْرتُمْ} ثم قلت‪ :‬زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين صلى ال عليه‬
‫بِ َأنّهُ إِذَا ُد ِ‬
‫وسلم‪ .‬قال أبو عبد ال‪ :‬من قال هذا فهو مشرك بال عز وجل ثلثًا أنا إلى ال منهم بريء‬
‫ثلثًا‪ ،‬بل عني ال بذلك نفسه‪ ،‬قال‪ :‬فالية الخرى التي في حم قول ال عز وجل‪َ { :‬ذلِكُم بِ َأ ّنهُ‬
‫عيَ الّلهُ َوحْدَهُ َك َفرْتُمْ} ثم قلت‪ :‬زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫إِذَا دُ ِ‬
‫قال أبو عبد ال‪ :‬من قال هذا فهو مشرك بال ثلثًا أنا إلى ال منهم بريء ثلثًا‪ ،‬بل عني ال‬
‫بذلك نفسه" [البرهان‪.].4/78 :‬‬
‫وقد مرّ أن الية الخيرة التي أشارت إليها الرواية جاء تأويلها بمثل ما قال أبو الخطاب في‬
‫عدد من مصادرهم المعتمدة كالكافي‪ ،‬والبرهان‪ ،‬والبحار‪ ،‬وتفسير الصافي وغيرها كما سلف‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ .].)430‬أما الية الولى فقد جاء تأويلها بمثل هذا المنكر الذي أنكره أبو عبد ال –‬
‫باعترافهم – في رواية ينسبونها لبي عبد ال خرجها صاحب الكافي [روضة الكافي‪ :‬ص ‪.].304‬‬
‫وذكرها صاحب البحار [ذكرها في موضعين ص ‪ ،362‬وص ‪ 368‬من الجزء الثالث والعشرين‪ .].‬وغيرهما‬
‫[انظر‪ :‬البرقي‪ /‬كنز جامع الفوايد‪ :‬ص ‪.].271‬‬
‫فأبو عبد ال يحكم على شيوخ الشيعة الذين ارتضوا هذا التأويل بالشرك‪.‬‬
‫وقد جاءت عندهم روايات كثيرة ليست من قبيل التأويل لليات‪ ،‬بل هي أحاديث مستقلة عن‬
‫أئمتهم تؤصل هذا المنكر‪ ،‬وتثبت قاعدته‪ ،‬كقولهم‪" :‬من أشرك مع إمام إمامته من عند ال من‬
‫ليست إمامته من ال كان مشركًا" [النّعماني‪ /‬الغيبة ص ‪ ،82‬بحار النوار‪.].22/78 :‬‬
‫وفي هذا المعنى عدة روايات [انظر – مث ًل ‪ :-‬أصول الكافي‪.].1/437 :‬‬
‫وأكد ذلك شيوخهم‪ ،‬قال صدوقهم ابن بابويه‪ .." :‬إن ال هو الذي ل يخليهم في كل زمان من‬
‫[علل الشرائع ص ‪،14‬‬ ‫إمام معصوم‪ ،‬فمن عبد ربًا لم يقم لهم الحجة‪ ،‬فإنما عبد غير ال عز وجل"‬
‫بحار النوار‪.].23/83 :‬‬
‫وهو يعني أن من آمن بال سبحانه ربًا‪ ،‬وأخلص له العبادة‪ ،‬ولكن اعتقد أنه لم يول عليًا‪ ،‬ولم‬
‫ينص على إمامته‪ ،‬فقد عبد غير ال!!‪.‬‬
‫وأخذوا من هذه النصوص وغيرها الحكم بتكفير من عداهم من المسلمين‪.‬‬
‫قال المجلسي‪" :‬اعلم أنّ إطلق لفظ الشّرك والكفر – يعني في نصوصهم – على من لم يعتقد‬
‫إمامة أمير المؤمنين والئمّة من ولده عليهم السّلم‪ ،‬وفضّل عليهم غيرهم يدلّ أنّهم كفّار‬
‫‪281‬‬
‫[بحار النوار‪ ،390 /23 :‬وسيأتي – إن شاء ال – حديث عن تكفيرهم للصّحابة وغيرهم ممّن‬ ‫مخلّدون في النار"‬
‫لم يؤمن بأئمّتهم في الباب الثّالث‪.].‬‬
‫وكل ذلك دعاوى ل سند لها من كتاب ال سبحانه وهي غير دين السلم تمامًا ولو كان‬
‫شيء مما يقولون حقًا لكان له ذكر في كتاب ال في آيات كثيرة صريحة مبينة ل لبس فيها ول‬
‫غموض تبين للمة هذا المر‪ ،‬ولو كان شيء من ذلك واقعًا لبينه الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫بيانًا واضحًا وشافيًا كافيًا‪ ،‬ولنقلته المة بأجمعها‪ ..‬وأصبح من المور المشهورة المعروفة‪ ..‬ولم‬
‫يستقل بنقله حثالة من الكذابين‪.‬‬
‫ولو كان شيء من ذلك حقًا لما أعرض عنه صحابة رسول ال‪ ،‬ولما تخلفوا عن القيام به‪،‬‬
‫وهم الذين بذلوا المال والنفس وهجروا الهل والولد وفارقوا الوطان واعتزلوا القرابة‬
‫والعشيرة‪ ،‬وبذلوا حياتهم لهذا الدين‪.‬‬
‫وآيات القرآن صريحة واضحة في أن أصل هذا الدين وأساسه هو توحيد ال سبحانه وإفراده‬
‫[السراء‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫جل شأنه بالعبودية‪ ،‬وشواهد هذا في القرآن كثير {وَ َقضَى َربّكَ أَ ّل تَ ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ}‬
‫سرَائِيلَ لَ تَ ْعبُدُونَ إِلّ الّلهَ} [البقرة‪ ،‬آية‪ُ { .].83:‬قلْ ِإ ّنمَا ُأ ِمرْتُ َأنْ‬
‫ق َبنِي ِإ ْ‬
‫‪{ .].23‬وَإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَا َ‬
‫ك ِبهِ} [الرعد‪ ،‬آية‪ ].36:‬وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫شرِ َ‬
‫عبُدَ الّلهَ وَل ُأ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫أما ولية الثني عشر فليس لها ذكر على وجه الطلق في كتاب ال‪ .‬وقد اعترفت بذلك‬
‫نصوصهم – كما سلف ‪ .-‬فهذه التحريفات والتأويلت الخطرة ابتداع في الدين كبير‪ ،‬وإغفال‬
‫لصل الدين العظيم‪ ..‬وفتح لبواب الشرك‪ ،‬وتيسير لسبابه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الولية أصل قبول العمال عندهم‬
‫إن التوحيد هو أصل قبول العمال‪ ،‬والشرك بال سبحانه هو سبب بطلنها‪ .‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ‬
‫ك ِبهِ َويَغْ ِف ُر مَا دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء} [النساء‪ ،‬آية‪ ،].116 ،48 :‬ولكن الشيعة‬
‫شرَ َ‬
‫الّلهَ َل يَغْ ِفرُ أَن ُي ْ‬
‫جعلوا ذلك كله لولية الثني عشر‪ ،‬وجاءت رواياتهم لتجعل المغفرة والرضوان والجنات لمن‬
‫اعتقد المامة وإن جاء بقراب الرض خطايا‪ ،‬والطرد والبعاد والنار لمن لقي ال ل يدين‬
‫ل نصب عليّا علمًا بينه وبين خلقه فمن عرفه كان‬
‫بإمامة الثني عشر‪ ،‬فقالوا‪" :‬إنّ ال عزّ وج ّ‬
‫مؤمنًا‪ ،‬ومن أنكره كان كافرًا‪ ،‬ومن جهله كان ضالً‪ ،‬ومن نصب معه شيئًا كان مشركًا‪ ،‬ومن‬
‫جاء بوليته دخل الجنّة" [أصول الكافي‪.].437 /1 :‬‬

‫‪282‬‬
‫وقالوا في رواياتهم‪ ..." :‬فإن من أقر بوليتنا ثم مات عليها قبلت منه صلته‪ ،‬وصومه‪،‬‬
‫وزكاته‪ ،‬وحجه‪ ،‬وإن لم يقر بوليتنا بين يدي ال جل جلله لم يقبل ال عز وجل شيئًا من‬
‫أعماله" [أمالي الصدوق‪ :‬ص ‪.].155 ،154‬‬
‫وقال أبو عبد ال – كما يزعمون ‪" :-‬من خالفكم وإن تعبد منسوب إلى هذه الية‪{ :‬وُجُوهٌ‬
‫[اليات من سورة الغاشية ‪ ،4-2‬والنص في تفسير‬ ‫صبَةٌ‪َ ،‬تصْلَى نَارًا حَا ِميَةً}"‬
‫َيوْ َمئِذٍ خَاشِ َعةٌ‪ ،‬عَامِ َل ٌة نّا ِ‬
‫القمي‪.].2/419 :‬‬
‫وزعموا أن جبرائيل نزل على النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬السلم يقرئك‬
‫السلم ويقول‪" :‬خلقت السماوات السبع وما فيهن‪ ،‬والرضين السبع وما عليهن‪ ،‬وما خلقت‬
‫موضعًا أعظم من الركن والمقام‪ ،‬ولو أن عبدًا دعاني هناك منذ خلقت السّماوات والرضين ثم‬
‫لقيني جاحدًا لولية علي لكببته في سقر" [أمالي الصّدوق‪ :‬ص ‪ ،290‬بحار النوار‪.].27/167 :‬‬
‫ول تترك رواياتهم وجهًا من أوجه المبالغة في عبادة جاحد الولية وعدم نفعها له إل وتذكره‬
‫[الخصال‪،1/41 :‬‬ ‫حتى قالت‪ ..." :‬لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل ال منه إل بوليتنا أهل البيت"‬
‫المحاسن‪ :‬ص ‪ ،224‬بحار النوار‪.].168 ،27/167 :‬‬
‫وزعمت أن ال قال – كما يفترون ‪" :-‬يا محمد‪ ،‬لو أنّ عبدًا يعبدني حتى ينقطع ويصير‬
‫كالشّنّ ثم أتاني جاحدًا لوليتهم ما أسكنته جنّتي ول أظللته تحت عرشي" [بحار النوار‪.].169 /27 :‬‬
‫وادعت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال‬
‫الجبال ولم يجئ بولية علي بن أبي طالب لكبّه ال عزّ وجلّ بالنّار" [أمالي الشّيخ الطّوسي‪.]1/314 :‬‬
‫"ولو أن عبدًا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيًا ما قبل ال ذلك منه حتى يلقاه بوليتي وولية‬
‫أهل بيتي" [بحار النوار‪.].27/172 :‬‬
‫بل إنهم جعلوا التوحيد ل يقبل إل بالولية‪ ،‬ففي أخبارهم "قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬من قال‪ :‬ل إله إل ال دخل الجنّة‪ ،‬فقال رجلن من أصحابه‪ :‬فنحن نقول‪ :‬ل إله إل ال‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنّما تقبل شهادة أن ل إله إل ال من هذا وشيعته‪ ،‬ووضع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على رأس عليّ وقال لهما‪ :‬من علمة ذلك أل تجلسا مجلسه‬
‫ول تكذبا قوله ‪[ "...‬بحار النوار‪ .].201 /27 :‬فهذا يقتضي عندهم أن الولية مقدمة على الشهادة‬
‫وهي أساس قبولهم‪ ..‬ول تقبل الشهادة إل من شيعة علي‪.‬‬
‫واعتقاد المامة هو مناط عفو ال ومغفرته‪ ،‬وإنكارها هو سبب سخط ال وعقابه‪ ،‬وجاءت‬
‫عندهم بهذا المعنى روايات كثيرة؛ فقد رووا "عن علي رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن جبرائيل عن ال عز وجل قال‪ :‬وعزتي وجللي لعذبن كل رعية في السلم‬
‫‪283‬‬
‫دانت بولية إمام جائر ليس من ال عز وجل‪ ،‬وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية‪ ،‬ولعفون‬
‫عن كل رعية دانت بولية إمام عادل من ال تعالى‪ ،‬وإن كانت الرعية في أعمالها طالحة سيئة"‬
‫[النعماني‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪ ،83‬بحار النوار‪.].27/201 :‬‬
‫ورواياتهم في هذه المسألة كثيرة جاء على أكثرها صاحب البحار‪ ،‬فقد ذكر مثلً عشرين‬
‫[بحار‬ ‫رواية في "باب أنهم عليهم السلم أهل العراف‪ ..‬ل يدخل الجنة إل من عرفهم وعرفوه"‬
‫[المرجع‬ ‫النوار‪ ].256-24/247 :‬وإحدى وسبعين رواية في "باب أنه ل تقبل العمال إل بالولية"‬
‫السابق‪ ].202-27/166 :‬وغيرها‪.‬‬
‫وكل هذه الروايات ليست من السلم في شيء‪ ،‬فأمامنا كتاب ال سبحانه ليس فيه مما يدعون‬
‫شيء‪ ،‬وهو الفيصل الول‪ ،‬والمرجع الول في كل خلف‪.‬‬

‫القرآن العظيم ذكر أن اصل قبول العمال هو التوحيد وسبب الحرمان هو الشرك‪ ،‬قال‬
‫ج ّنةَ َومَ ْأوَاهُ النّارُ} [المائدة‪ ،‬آية‪{ ،].72 :‬إِنّ الّلهَ‬
‫علَيهِ الْ َ‬
‫حرّمَ الّلهُ َ‬
‫ك بِالّلهِ فَقَدْ َ‬
‫شرِ ْ‬
‫تعالى‪ِ{ :‬إ ّنهُ مَن يُ ْ‬
‫ك بِهِ َويَغْ ِف ُر مَا دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء} [النساء‪ ،‬آية‪.].116 ،48 :‬‬
‫شرَ َ‬
‫َل يَغْ ِفرُ أَن ُي ْ‬
‫ن بِالّلهِ‬
‫وكل ما ذكر من مبالغات الشيعة تكذبها آيات القرآن؛ فال سبحانه يقول‪{ :‬مَنْ آ َم َ‬
‫جرُهُمْ عِندَ َر ّبهِمْ} [البقرة‪ ،‬آية‪ .].62:‬ولم يذكر سبحانه من‬
‫ع ِملَ صَالِحا َف َلهُمْ َأ ْ‬
‫خرِ َو َ‬
‫وَا ْل َيوْمِ ال ِ‬
‫خ ْوفٌ‬
‫ع ِم َل صَالِحًا فَلَ َ‬
‫خرِ و َ‬
‫ضمن ذلك الولية‪ ،‬وكذلك قال سبحانه‪{ :‬مَنْ آمَنَ بِالّلهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ‬
‫عَل ْيهِمْ} [المائدة‪ ،‬آية‪.].69:‬‬
‫َ‬
‫[انظر في فصل‬ ‫وهم يزعمون أو ولية الثني عشر أعظم من الصلة وسائر أركان السلم‬
‫المامة من الباب الثالث في هذا الكتاب‪ .].‬والصلة ذكرت في القرآن بلفظ صريح واضح في أكثر من‬
‫ثمانين موضعًا‪ ،‬ولم تذكر وليتهم مرة واحدة‪ ..‬فهل أراد جل شأنه ضلل عبادة‪ ،‬أو لم يبين لهم‬
‫حتّى‬
‫ضلّ َق ْومًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ َ‬
‫طريق الوصول إليه!! سبحانه هذا بهتان عظيم‪َ { :‬ومَا كَانَ الّلهُ ِليُ ِ‬
‫يُ َبيّنَ َلهُم مّا َيتّقُونَ} [التوبة‪ ،‬آية‪.].115:‬‬
‫وقد جاء في رواياتهم ما ينقض ما قالوه‪ ،‬وإن كانت ل تلبث تأويلتهم‪ ،‬أو تقيتهم من وأد مثل‬
‫هذه النصوص المعتدلة‪ ،‬ولكن أذكر ذلك لقامة الحجة عليهم من كتبهم‪ ،‬ولبيان ما عليه‬
‫نصوصهم من تناقض‪ ..‬جاء في تفسير فرات‪" :‬قال علي بن أبي طالب‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫[الشورى‪،‬‬ ‫جرًا إِل ا ْل َموَدّةَ فِي الْ ُق ْربَى}‬
‫عَليْهِ أَ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول لما نزلت‪{ :‬قُل ل َأسْ َألُ ُكمْ َ‬
‫آية‪ ].23:‬قال جبرائيل‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن لكل دين أصلً ودعامة‪ ،‬وفرعًا وبنيانًا‪ ،‬وإن أصل الدين‬

‫‪284‬‬
‫ودعامته قول‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وإن فرعه وبنيانه محبتكم أهل البيت وموالتكم فيما وافق الحق‬
‫ودعا إليه" [تفسير فرات‪ :‬ص ‪ ،149-148‬بحار النوار‪.].23/247 :‬‬
‫فهذا النص يخالف ما تذهب إليه أخبارهم‪ ،‬حين يجعل أصل الدين شهادة التوحيد‪ ،‬ل الولية‪،‬‬
‫ويعد محبة أهل البيت هي الفرع وهي مشروطة بمن وافق الحق منهم ودعا إليه‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق‬
‫يقول الثنا عشرية‪ :‬إن الئمة الثني عشر هم الواسطة بين ال وخلقه‪ .‬قال المجلسي عن‬
‫أئمته‪" :‬فإنهم حجب الرب‪ ،‬والوسائط بينه وبين الخلق" [بحار النوار‪.].23/97 :‬‬
‫وعقد لذلك بابًا بعنوان "باب أن الناس ل يهتدون إل بهم‪ ،‬وأنهم الوسائل بين الخلق وبين ال‪،‬‬
‫وأنه ل يدخل الجنة إل من عرفهم" [المصدر السابق‪.].23/97 :‬‬
‫[السّابق‪:‬‬ ‫وجاء في أخبارهم أن أبا عبد ال قال‪" :‬نحن السّبب بينكم وبين ال عزّ وجلّ"‬
‫‪.].23/101‬‬
‫وجاء في كتاب "عقائد المامية" أن الئمة الثني عشر هم‪" :‬أبواب ال والسبل إليه‪ ...‬إنهم‬
‫كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" [عقائد المامة‪ /‬للمظفر‪ :‬ص ‪.].99-98‬‬
‫وإذا كان المسلمون يعتقدون أن الرسل هم الواسطة بين ال والناس في تبليغ أمر ال‬
‫وشرعه‪ ،‬فإن الثني عشرية تعتقد أن هذا المعنى موجود في الئمة‪ ،‬لنهم يتلقون من ال – كما‬
‫مر في فصل عقيدتهم في السنة – وتزيد على ذلك فتجعل لهم من خصائص اللوهية ما يخرج‬
‫بمن يؤمن به من دين التوحيد إلى دين المشركين حين تجعل هداية الخلق إليهم‪ ،‬وأن الدعاء ل‬
‫يقبل إل بأسمائهم‪ ،‬وأنه يستغاث بهم عد الشدائد والملمات‪ ،‬ويحج إلى مشاهدهم‪ ،‬والحج إليهم‬
‫أفضل من الحج إلى بيت ال‪ ،‬وكربلء أفضل من الكعبة‪ ،‬ولزيارة أضرحة الئمة مناسك وآداب‬
‫سموها "مناسك المشاهد" وجعلوها تحج كما يحج بيت ال الذي جعله ال قيامًا للناس‪ ،‬ويطاف‬
‫بها كما يطاف بالبيت‪ ،‬وتتخذ قبلة كبيت ال الحرام‪.‬‬
‫وسأعرض – إن شاء ال – لهذه المسائل من خلل النقل المين – بحول ال – من كتب‬
‫الشيعة المعتمدة عندها‪.‬‬
‫وقبل أن أعرض لهذه المسائل أبين أن دعوى « الواسطة » للئمة غريبة على نصوص‬
‫السلم‪ ،‬بل هي منكرة‪ ،‬لنها عين دين المشركين‪ ،‬وقد بعث الرسل لتخليص البشرية من هذا‬
‫الشرك‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫وليس بين المسلم في عبادته لربه ودعائه له‪ ،‬حجب تمنعه‪ ،‬ول واسطة تحجبه‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ستَجِيبُواْ لِي وَ ْل ُي ْؤمِنُو ْا بِي‬
‫عوَةَ الدّاعِ ِإذَا َدعَانِ َف ْليَ ْ‬
‫عنّي فَ ِإنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َد ْ‬
‫عبَادِي َ‬
‫{وَإِذَا سَأَ َلكَ ِ‬
‫َلعَّلهُ ْم َي ْرشُدُونَ} [البقرة‪ ،‬آية‪.].186 :‬‬
‫ج َهنّمَ‬
‫خلُونَ َ‬
‫عبَا َدتِي سَيَدْ ُ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ عَنْ ِ‬
‫ن َي ْ‬
‫ستَجِبْ لَ ُكمْ ِإنّ الّذِي َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬ادْعُونِي َأ ْ‬
‫خرِينَ} [غافر‪ ،‬آية‪.].60:‬‬
‫دَا ِ‬
‫وقال أهل العلم‪" :‬إن من جعل بينه وبين ال وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَ َفرَ‬
‫إجماعًا؛ لن ذلك كفعل عابدي الصنام الذين قالوا‪{ :‬مَا نَ ْعبُدُهُمْ إِل ِليُ َق ّربُونَا إِلَى الّلهِ زُلْفَى}‬
‫[الزمر‪ ،‬آية‪[ "].3:‬انظر‪ :‬البهوتي‪ /‬كشاف القناع‪.].169-6/168 :‬‬
‫وحينما سئل شيخ السلم ابن تيمية عمن قال‪ :‬لبد لنا من واسطة بيننا وبين ال فإننا ل نقدر‬
‫أن نصل إليه إل بذلك‪.‬‬
‫أجاب – رحمه ال – بقوله‪ :‬إن أراد أنه لبد لنا من واسطة تبلغنا أمر ال فهذا حق فإن‬
‫الخلق ل يعلمون ما يحبه ال ويرضاه ويأمر به وينهى عنه إل بواسطة الرسل الذين أرسلهم ال‬
‫إلى عباده‪ ،‬وهذا ما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى‪ ،‬فإنهم يثبتون‬
‫الوسائط بين ال وبين عباده‪ ،‬وهم الرسل الذين بلغوا عن ال أوامره ونواهيه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬الّلهُ‬
‫يَصْطَفِي مِنَ ا ْلمَلئِ َكةِ ُرسُلً َومِنَ النّاسِ}‪ ،‬ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل‪.‬‬
‫وإن أرادوا بالواسطة‪ :‬أنه لبد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين ال في جلب المنافع ودفع‬
‫المضار‪ ،‬مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم‪ ،‬يسألون ذلك ويرجعون إليه‬
‫فيه‪ ،‬فهذا من أعظم الشرك الذي كفّر ال به المشركين‪ ،‬حيث اتخذوا من دون ال أولياء وشفعاء‬
‫يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار‪ ،‬فمن جعل النبياء أو الملئكة أو الئمة والولياء‬
‫وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران‬
‫الذنوب‪ ،‬وهداية القلوب وتفريج الكربات‪ ،‬وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬فمن أثبت وسائط بين ال وبين خلقه كالحجاب الذي بين الملك ورعيته‪ ،‬بحيث‬
‫يكونون هم يرفعون إلى ال حوائج خلقه‪ ،‬وأن ال إنما يهدي عباده وينصرهم ويرزقهم‬
‫بتوسطهم‪ ،‬بمعنى أن الخلق يسألوهم وهم يسألون ال‪ ،‬كما أن الوسائط عند الملوك يسألون‬
‫الملوك حوائج الناس لقربهم منهم‪ ،‬والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك‪ ،‬أو لن‬
‫طلبهم من الوسائل أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب‪ ،‬فمن أثبتهم‬
‫[انظر‪ :‬ابن تيمية‪/‬‬ ‫وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب‪ ،‬فإن تاب وإل قتل‬

‫‪286‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬جمع الشيخ عبد الرحمن بن‬ ‫الواسطة بين الخلق والحق (ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم‪1/121 :‬‬
‫قاسم) وانظر‪ :‬أبا بطين‪ /‬النتصار لحزب ال الموحدين ص ‪.].31-30‬‬
‫وأعود – الن – لعرض المسائل التي أشرت إليها آنفًا من خلل كتب الشيعة نفسها لتتضح‬
‫حقيقة الشرك والدعوة إليه الكامنة في المذهب المامي الثني عشري‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬قولهم‪ :‬ل هداية للناس إل بالئمة‪:‬‬
‫قال أبو عبد ال‪" :‬بلية الناس عظيمة؛ إن دعوناهم لم يجيبونا‪ ،‬وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا"‬
‫[أمالي الصدوق‪ :‬ص ‪ ،363‬بحار النوار‪.].23/99 :‬‬
‫فهذا النص يقرر أن هداية الناس ل تتحقق إل بالئمة‪ ،‬وأن الناس في بلء وضلل دائم لنهم‬
‫يرفضون إجابة دعوة الئمة‪.‬‬
‫وكل الحكمين (حصر الهداية بالئمة‪ ،‬والحكم بالضلل على الناس) باطل من القول وزور‬
‫لمخالفته للنقل والعقل والواقع‪.‬‬
‫[بحار‬ ‫ع ِرفَ ال‪ ،‬و ِبنَا وُحّدَ ال"‬
‫عبِدَ ال‪ ،‬و ِبنَا ُ‬
‫ومرة أخرى تقول أخبارهم‪" :‬قال أبو جعفر‪ِ :‬بنَا ُ‬
‫النوار‪.].23/103 :‬‬
‫فهي ل تنفي الهداية عن المة‪ ،‬ولكن تجعل مصدرها الئمة‪.‬‬
‫والحق أن الهداية بمعنى التوفيق إلى الحق وقبوله‪ ،‬ل يملكها إل رب العباد‪ ،‬ومقلب القلوب‬
‫والبصار‪ ،‬والذي يحول بين المرء وقلبه‪ ،‬والذي إذا قال للشيء‪ :‬كن فيكون‪ ..‬والشيعة في‬
‫إطلقها هذه العبارات بل أي قيد تجعل لئمتها مشاركة ل جل شأنه في هذه الهداية‪ ،‬وهو شرك‬
‫أكبر؛ فال سبحانه هو الهادي وحده ل شريك له‪.‬‬
‫[الكهف‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬مَن َيهْدِ الّلهُ َف ُهوَ ا ْل ُم ْهتَدِي َومَن يُضْ ِللْ فَلَن تَجِدَ َلهُ وَ ِليّا ّم ْرشِدًا}‬
‫ح َببْتَ وَلَ ِكنّ الّل َه َيهْدِي مَن َيشَاء}‬
‫‪ .].17‬ويقول لنبيه – عليه السلم ‪ِ{ :-‬إنّكَ ل َتهْدِي مَنْ أَ ْ‬
‫[القصص‪ ،‬آية‪.].56 :‬‬
‫أما هداية الدللة على الحق والرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬ول‬
‫[يوسف‪،‬‬ ‫سبِيلِي أَدْعُو إِلَى الّلهِ عَلَى َبصِيرَةٍ َأنَاْ وَمَنِ ا ّتبَ َعنِي}‬
‫تنحصر في الثني عشر‪ُ { .‬قلْ هَـذِهِ َ‬
‫آية‪ .].108:‬وإطلق القول بأن هداية العباد ل تتم إل بالئمة جرأة على ال سبحانه‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬قولهم‪ :‬ل يقبل الدعاء إل بأسماء الئمة‪:‬‬

‫قالوا‪ :‬ل يفلح من دعا ال بغير الئمة‪ ،‬ومن فعل ذلك فقد هلك‪.‬‬
‫[الطّبري‪/‬‬ ‫جاء في أخبارهم عن الئمة‪" :‬من دعا ال بنا أفلح‪ ،‬ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك"‬
‫بشارة المصطفى‪ :‬ص ‪ ،119-117‬البحار‪ ،23/103 :‬وسائل الشّيعة‪ .].4/1142 :‬وبلغت جرأتهم في هذا‬
‫‪287‬‬
‫الباب أن قالوا‪" :‬إنّ دعاء النبياء استجيب بالتّوسل والستشفاع بهم صلوات ال عليهم أجمعين"‬
‫[وهذا أحد أبواب بحار النوار‪.]26/319 :‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫وقد استشهد على ذلك المجلسي بإحدى عشرة رواية من رواياتهم‬
‫‪ .].334-26/319‬كما عرض لروايات كثيرة مماثلة في أبواب أحوال النبياء‪ ،‬وبالخص في‬
‫أحوال آدم وموسى وإبراهيم‪ ،‬وكذا في أبواب معجزات النبي [بحار النوار‪.].26/334 :‬‬
‫ل ‪ :-‬تفسير‬ ‫وجاءت روايات كثيرة في هذا المعنى في عدد من مصادرهم المعتمدة‬
‫[انظر– مث ً‬
‫العياشي‪ ،1/41 :‬ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ ،1/130 :‬معاني الخبار ص ‪ ،42‬الطبرسي‪ /‬الحتجاج‪ :‬ص ‪،28 ،27‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسير الحسن العسكري‪ :‬ص ‪ ،118 ،117‬وسائل الشيعة‪ 4/1139 :‬وغيرها‪ .].‬وهذا "الزعم" الخطير‬
‫يهدف بطريقة ماكرة‪ ،‬وأسلوب مقنع إلى "تأليه الئمة" وأنهم ملجأ المحتاجين ومفزع الملهوفين‬
‫وأمان الخائفين وقبلة الداعين‪ ،‬ول تستجاب الدعوات إل بذكر أسمائهم‪ ،‬فأي فرق بين هذا وبين‬
‫ما يزعمه المشركون في أصنامهم؟!‬
‫نعم هناك فرق‪ ،‬وهو أن المشركين في وقت الشدة يخلصون الدعاء ل {فَِإذَا رَ ِكبُوا فِي الْ ُفلْكِ‬
‫عوُا الّل َه مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ} [العنكبوت‪ ،‬آية‪ .]65 :‬هذه الية تبني ما هو الشّرك وما هو التّوحيد‪،‬‬
‫دَ َ‬
‫فهي تتعلّق بالخلص في الدّعاء عند اضطراب الموج ول تتعلّق بالمامة‪ .‬أما هؤلء فإنهم‬
‫يشركون في الرخاء والشدة‪ ،‬بل يزعمون أن الشدة ل ترفع إل بالدعاء بأسماء الئمة‪.‬‬
‫تقول إحدى رواياتهم‪" :‬عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬لمّا أشرف نوح عليه السّلم على الغرق‬
‫دعا ال بحقّنا فدفع ال عنه الغرق‪ ،‬ولمّا رمي إبراهيم في النّار دعا ال بحقّنا فجعل ال النّار‬
‫عليه بردًا وسلمًا‪ ،‬وإنّ موسى عليه السّلم لمّا ضرب طريقًا في البحر دعا ال بحقّنا فجعله‬
‫[بحار‬ ‫يبسًا‪ ،‬وإنّ عيسى عليه السّلم لمّا أراد اليهود قتله دعا ال بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه ال"‬
‫النوار‪ ،26/325 :‬وسائل الشّيعة‪.].4/1143 :‬‬
‫وكما أن الستجابة لدعاء النبياء بسبب الئمة‪ ،‬فإن ما جرى لبعض النبياء هي بزعمهم‬
‫بسبب موقفهم من الئمة‪ ،‬فآدم عليه السلم – كما يفترون – "‪ ..‬لما أسكنه ال الجنة مثّل له‬
‫النبي وعلي والحسن والحسين صلوات ال عليهم فنظر إليهم بحسد‪ ،‬ثم عرضت عليه الولية‬
‫فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها‪ ،‬فلما تاب إلى ال من حسده وأقر بالولية ودعا بحق الخمسة‬
‫محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات ال عليهم غفر ال له‪ ،‬وذلك قوله‪َ { :‬ف َتلَقّى آدَمُ‬
‫مِن ّربّهِ َكِلمَاتٍ} [البقرة‪ ،‬آية‪ ،37 :‬والنص المذكور في‪ :‬تفسير العياشي‪ ،1/41 :‬بحار النوار‪.].26/326 :‬‬
‫"كما ادعوا أنّ يونس عليه السّلم حبسه ال في بطن الحوت لنكاره ولية علي بن أبي طالب‬
‫ولم يخرجه حتى قبلها" [تفسير فرات ص ‪ ،13‬بحار النوار‪.].334-26/333 :‬‬
‫‪288‬‬
‫سنَى فَا ْدعُو ُه ِبهَا}‬
‫ح ْ‬
‫سمَاء الْ ُ‬
‫هذا ما تقوله الشيعة وتفتريه‪ ،‬ولكن يقول ال سبحانه‪َ { :‬ولِّلهِ ا َل ْ‬
‫[العراف‪ ،‬آية‪ .].180:‬ولم يقل سبحانه‪ :‬فادعوه بأسماء الئمة أو مقامات الئمة أو مشاهدهم‪.‬‬
‫ستَجِبْ لَكُمْ} [غافر‪ ،‬آية‪ .]60:‬ولو كان أساس قبول‬
‫كما قال جل شأنه‪{ :‬وَقَالَ َربّكُمُ ا ْدعُونِي َأ ْ‬
‫الدعاء ذكر أسماء الئمة لقال‪ :‬ادعوني بأسماء الئمة أستجب لكم‪ ،‬بل إن هذا المر الذي تدعيه‬
‫الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء وعدم قبوله‪ ،‬لن الخلص في الدعاء ل أصل في الجابة‬
‫والقبول‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَادْعُوا الّلهَ مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ َو َلوْ َكرِهَ الْكَا ِفرُونَ} [غافر‪ ،‬آية‪.].14:‬‬
‫{وَادْعُوهُ مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ} [العراف‪ ،‬آية‪.].29:‬‬
‫عبَادٌ َأ ْمثَالُ ُكمْ فَادْعُو ُهمْ‬
‫ن تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ ِ‬
‫وهؤلء الئمة هم من سائر البشر {إِنّ الّذِي َ‬
‫ستَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [العراف‪ ،‬آية‪.].194:‬‬
‫فَ ْل َي ْ‬
‫ولم يجعل ال عز وجل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليًا صالحًا ول ملكًا مقربًا ول نبيًا‬
‫عبْدا لّّلهِ وَلَ ا ْلمَلئِكَةُ ا ْلمُ َق ّربُونَ‬
‫مرسلً‪ ،‬بل الجميع عباد ال {لّن َيسْتَن ِكفَ ا ْل َمسِيحُ أَن يَكُونَ َ‬
‫[مريم‪،‬‬ ‫عبْدًا}‬
‫حمَنِ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ إِل آتِي الرّ ْ‬
‫‪[ }...‬النساء‪ ،‬آية‪ .].172:‬الية‪{ ،‬إِن ُك ّل مَن فِي ال ّ‬
‫آية‪.].93:‬‬
‫وتربيـة الشيعـي مـن خلل أدعيتـه ومناجاتـه ل على هذا المنهـج هـي تربيـة خطيرة‪ ..‬حيـث‬
‫تزرع في قل به ومشاعره التجاه إلى غ ير الوا حد القهار‪ ،‬وتن مي في نف سه التو جه إلى الب شر ل‬
‫إلى خالق البشـر‪ ،‬ويترعرع فـي هذا المحضـن الوثنـي لينشـأ أولده وأحفاده على هذه الطريـق‪،‬‬
‫ولربما ينسى ذكر ال سبحانه أصلً؛ لن ذكر الئمة في لسانه‪ ،‬ووجودهم في قلبه حين الدعاء‬
‫والتوجه‪.‬‬

‫ويتركز ذلك من خلل الكلمة والقدوة‪.‬‬


‫وقد صرحت بعض رواياتهم بشيء من هذا المعنى‪ ،‬حيث تقول بأن بعض الشّيعة كتب إلى‬
‫ن الرّجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي إلى‬
‫إمامه يشتكي أو يسأل ويقول‪" :‬إ ّ‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫ربّه" فجاء الجواب‪" :‬إذا كانت لك حاجة فحرّك شفتيك‪ ،‬فإنّ الجواب يأتيك"‬
‫‪ .].94/22‬فهم أسرع إجابة وأقضى للحاجة‪ ،‬وهذا شرك يهون عند شرك الجاهلية الولى‪..‬‬
‫وواقع مشاهد الشيعة ومزاراتهم يعبر عن الثمرات المرة لهذه الساطير‪.‬‬
‫ودعوى أن دعاء النبياء استجيب بالتوسل بالئمة هي دعوى جاهلة غبية؛ إذ ليس للئمة‬
‫وجود في حياة النبياء عليهم السلم‪ ،‬وهي دعوة للشرك بال سبحانه؛ إذ إنهم جعلوا مفتاح‬
‫الجابة وأساس القبول هو ذكر أسماء الئمة‪ ،‬فهي كقول المشركين بأن أصنامهم تقربهم إلى ال‬

‫‪289‬‬
‫زلفى‪ ..‬وهي زعم باطل‪ ،‬إذ إن النبياء عليهم السلم – كما جاء في قول أصدق القائلين – إنما‬
‫دعوا ال عز وجل باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه‪ .‬قال سبحانه عن يونس‪َ { :‬فنَادَى فِي‬
‫ت مِنَ الظّا ِلمِينَ} [النبياء‪ ،‬آية‪.].87:‬‬
‫سبْحَانَكَ ِإنّي كُن ُ‬
‫الظُّلمَاتِ أَن ل ِإَلهَ إِل أَنتَ ُ‬
‫سنَا‬
‫والكلمات التي قالها آدم عليه السلم وزوجه هي كما قال ال سبحانه‪{ :‬قَالَ َربّنَا ظَ َل ْمنَا أَنفُ َ‬
‫سرِينَ} [العراف‪ :‬آية‪.].23:‬‬
‫ن مِنَ ا ْلخَا ِ‬
‫ح ْمنَا َلنَكُونَ ّ‬
‫وَإِن لّمْ تَغْ ِفرْ َلنَا َو َترْ َ‬
‫وهذه المقالة من الشيعة معلوم فسادها من الدين بالضرورة‪ ،‬وهي من وضع زنديق ملحد أراد‬
‫إدخال الشرك في دين السلم { ُيرِيدُونَ ِليُطْ ِفؤُوا نُورَ الّل ِه بِأَ ْفوَا ِههِمْ وَالّل ُه ُمتِ ّم نُورِهِ َو َلوْ َكرِهَ‬
‫الْكَا ِفرُونَ} [الصف‪ ،‬آية‪.].8:‬‬
‫ونقلت كتب الشيعة نفسها ما يناقض هذه الدعوى عن الئمة في مناجاتهم ل ودعائهم له‪،‬‬
‫فأمير المؤمنين كان يقول كما تنقل كتب الشيعة‪" :‬إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي‪ ،‬ثم‬
‫أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي‪ ،‬ثم قال‪ :‬آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها‬
‫[أمالي‬ ‫وأنت محصيها‪ ،‬فتقول‪ :‬خذوه! فيا له من مأخوذ ل تنجيه عشيرته‪ ،‬ول تنفعه قبيلته"‬
‫الصّدوق ص ‪ ،48‬بحار النوار‪.].94/92 :‬‬
‫وما من إمام إل قد رووا عنه الكثير من أمثال هذا الدعاء‪ ،‬مما ل يتسع المجال لعرضه وقد‬
‫أتى على أكثره المجلسي في بحاره [ول سيما في الجزء الرابع والتسعين‪.].‬‬
‫[الستغاثة‪ :‬طلب الغوث‪ ،‬وهو إزالة الشدة‪ ،‬كالستنصار طلب النصر‪ ،‬والفرق بين‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬الستغاثة‬
‫الدعاء والستغاثة‪ :‬أن الدعاء عام في كل الحوال‪ ،‬والستغاثة هي الدعاء ل في حالة الشدائد (انظر‪ :‬ابن تيمية‪ /‬الرد‬
‫على البكري ص ‪ ،88‬سليمان بن عبد الوهاب‪ /‬تيسير العزيز الحميد‪ :‬ص ‪ ،215-214‬ابن سعدي‪ /‬القول السديد‬
‫ص ‪ ].)49-48‬بالئمة‪:‬‬
‫ل يستغاث إل بال وحده‪ ،‬ولكن الشيعة تدعو إلى الستغاثة بأئمتها فيما ل يقدر عليه إل ال‬
‫وحده‪ ،‬وقد خصصت بعض رواياتها وظيفة كل إمام في هذا الباب فقالت‪ .." :‬أمّا عليّ بن‬
‫الحسين فللنّجاة من السّلطين ونفث الشّياطين‪ ،‬وأمّا محمّد بن علي وجعفر بن محمّد فللخرة‬
‫وما تبتغيه من طاعة ال عزّ وجلّ‪ ،‬وأمّا موسى بن جعفر فالتمس به العافية من ال عزّ وجلّ‪،‬‬
‫وأمّا عليّ بن موسى فاطلب به السّلمة في البراري والبحار‪ ،‬وأمّا محمّد بن علي فاستنزل به‬
‫الرّزق من ال تعالى‪ ،‬وأمّا عليّ بن محمّد فللنّوافل وبرّ الخوان وما تبتغيه من طاعة ال عزّ‬
‫وجلّ‪ ،‬وأمّا الحسن بن عليّ فللخرة‪ ،‬وأمّا صاحب الزّمان فإذا بلغ منك السّيف الذّبح فاستعن به‬
‫فإنّه يعينك" [بحار النوار‪.].94/33 :‬‬

‫‪290‬‬
‫ثم جاء صاحب البحار بدعاء يتضمن الستغاثة بالئمة على هذا النحو السالف الذكر اعتبره‬
‫من قبيل الشرح لهذا النص [انظر‪ :‬المصدر السابق‪.].94/33 :‬‬
‫[بحار‬ ‫وقد قرر المجلسي أنهم – كما يزعم – "الشّفاء الكبر والدّواء العظم لمن استشفى بهم"‬
‫النوار‪.].94/33 :‬‬
‫وأدعيتهم تنسج على هذا المنوال‪ ،‬حيث الئمة عندهم هم المستغاث والمرتجى‪ ،‬فيتوجه‬
‫الشيعي للمام ويقول – كما جاء في رواياتهم – عن إمامهم المنتظر‪:‬‬
‫"‪ ..‬أركان البلد‪ ،‬وقضاة الحكام‪ ،‬وأبواب اليمان‪ ..‬منائح العطاء‪ ،‬بكم إنفاذه محتومًا مقرونًا‪،‬‬
‫فما شيء منه إل وأنتم له السّبب وإليه السّبيل‪ ..‬فل نجاة ول مفزع إل أنتم‪ ،‬ول مذهب عنكم يا‬
‫أعين ال النّاظرة‪[ "..‬بحار النوار‪.].94/37 :‬‬
‫ول يخفى ما في هذا النص من تأليه للئمة‪ ،‬حيث جعلهم سبب كل شيء‪ ،‬ول مفزع إل‬
‫إليهم‪ ،‬وبهم العطاء محتومًا‪!!...‬‬
‫وأدعية كثيرة تسير على هذا الضلل في الغلو بالئمة إلى مقام خالق الرض والسماوات‪،‬‬
‫وهي قد جمعت في كتب الدعية عندهم كمفاتيح الجنان وعمدة الزائر وغيرهما‪ ،‬وقد وردت في‬
‫كتبهم المعتمدة في أبواب المزار‪ ،‬والدعية‪ ،‬ودراستها وجمعها وتحليلها يحتاج إلى بحث‬
‫مستقل‪ ،‬وترى في تلك الدعية السبئية قد أطلت بوجهها المظلم الذي يؤله عليًا من خلل هاتيك‬
‫الدعوات والستغاثات‪.‬‬
‫وهناك "رقاع" تكتب‪ ،‬وتوضع على قبول الئمة‪ ،‬لن قبور الئمة وأضرحتهم التي ل تنفع‬
‫ول تضر هي – بزعمهم – مناط الرجاء ومفزع الحاجات‪ .‬قالوا‪" :‬إذا كان لك حاجة إلى ال عزّ‬
‫وجلّ فاكتب رقعة على بركة ال‪ ،‬واطرحها على قبر من قبور الئمّة إن شئت‪ ،‬أو فشدّها‬
‫واختمها واعجن طينًا نظيفًا واجعلها فيه‪ ،‬واطرحها في نهر جارٍ‪ ،‬أو بئر عميقة‪ ،‬أو غدير ماء‪،‬‬
‫سيّد عليه السّلم وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه" [بحار النوار‪.].94/29 :‬‬
‫فإنّها تصل إلى ال ّ‬
‫ثم ذكروا أنه يكتب في هذه الرّقعة‪" :‬بسم ال الرّحمن الرّحيم‪ ،‬كتبت إليك يا مولي صلوات‬
‫ال عليك مستغيثًا‪ ،..‬فأغثني يا مولي صلوات ال عليك عند اللّهف‪ ،‬وقدّم المسألة ل عزّ وجلّ‬
‫في أمري قبل حلول التّلف وشماتة العداء‪ ،‬فبك بسطت النّعمة عليّ‪ ،‬واسأل ال (الخطاب للمام‬
‫في قبره) جلّ جلله لي نصرًا عزيزًا‪[ "..‬بحار النوار‪.].30-94/29 :‬‬
‫[وهم أربعة‪ :‬عثمان بن‬ ‫ثم ذكروا بأنه يصعد النّهر أو الغدير وينادي على أحد أبواب المنتظر‬
‫سعيد‪ ،‬أو ابنه محمد‪ ،‬أو الحسن بن روح‪ ،‬أو علي السّمري‪( .‬بحار النوار‪ ،)94/30 :‬وانظر‪ :‬فصل الغيبة من هذه‬
‫الرسالة‪ ].‬فينادي أحدهم ويقول‪" :‬يا فلن بن فلن سلم ال عليك‪ ،‬أشهد أنّ وفاتك في سبيل ال‬
‫‪291‬‬
‫وأنت حيّ عند ال مرزوق‪ ،‬وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند ال جلّ وعزّ‪ ،‬وهذه رقعتي‬
‫وحاجتي إلى مولنا عليه السّلم فسلّمها إليه فأنت الثّقة المين" [بحار النوار‪.].94/3 :‬‬
‫قالوا‪" :‬ثم ارم بها في النّهر وكأنّك تخيل لك أنّك تسلّمها إليه" [بحار النوار‪.].94/3 :‬‬
‫وهناك رسائل أيضًا تبعث إلى المنتظر المعدوم لطلب الستغاثة‪.‬‬
‫وقد قرر المحققون من أهل العلم بالنساب والتواريخ أن هذا المنتظر الذي تنتظره الرافضة‬
‫لم يولد أصلً؛ لن الحسن العسكري مات عقيمًا – كما سيأتي – ولهذا قال شيخ السلم ابن‬
‫[مجموع فتاوى شيخ‬ ‫تيمية عن هذا المنتظر‪" :‬وهو شيء ل حقيقة له ولم يكن هذا في الوجود قط"‬
‫السلم‪ .].28/401 :‬ومع هذا فقد وضعوا من الروايات في مشروعية إرسال رقاع إلى هذا‬
‫المعدوم لطلب الستغاثة والنجدة فيما ل يقدر عليه إل ال‪ ،‬فمن ذلك أيضًا‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬تكتب رقعة إلى صاحب الزّمان وتكتب فيها "بسم ال الرّحمن الرّحيم‪ ،‬توسّلت بحجّة‬
‫[جاء عندهم روايات تنهى عن التّصريح باسمه (أصول الكافي ‪،1/332‬‬ ‫ال الخلف الصّالح محمد بن الحسن‬
‫‪ )333‬فهذه الرّواية تناقض ما قرّروه‪ ،‬وتناقضهم ل يكاد ينتهي‪ ].‬بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن‬
‫جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ ،‬النّبأ العظيم‪ ،‬والصّراط المستقيم‪،‬‬
‫والحبل المتين‪ ،‬عصمة الملجأ‪ ،‬وقسيم الجنّة والنّار أتوسّل إليك بآبائك الطّاهرين‪ ..‬وأمّهاتك‬
‫الطّاهرات‪ ،‬الباقيات الصّالحات‪ ..‬أن تكون وسيلتي إلى ال عزّ وجلّ في كشف ضرّي وحلّ‬
‫عقدي وفرج حسرتي‪ ،‬وكشف بليّتي‪[ "...‬بحار النوار‪.].94/29 :‬‬
‫قالوا‪ " :‬ثم تك تب رق عة أخرى ل سبحانه وتط يب الرّقعت ين‪ ،‬وتُج مل رق عة الباري تعالى في‬
‫رق عة المام ر ضي ال ع نه وتطرحه ما في نهرٍ جارٍ أو بئر ماء ب عد أن تجعله ما في ط ين حرّ‬
‫[طين حرّ‪ :‬أي ل رمل فيه (بحار النوار‪[ "..].)94/28 :‬بحار النوار‪.].94/28 :‬‬

‫انظر في هذا النص وصفه لهذا المعدوم بأنه عصمة الملجأ‪ ،‬وفارج الحسرة‪ ،‬وكاشف البلية‪.‬‬
‫وهي صفات ل تطلق إل على من يجيب المضطر إذا دعاه‪ ،‬ويكشف السوء‪ ،‬ومن يهدي من‬
‫يعتصم به إلى صراط مستقيم وهو الخالق جل عله‪ .‬ولكن هؤلء جعلوا لهذا المعدوم خصائص‬
‫الرب عز وجل‪.‬‬
‫وتأمل قوله في نهاية النص‪" :‬وتجعل رقعة الباري في رقعة المام" فكأنهم يجعلون هذا‬
‫المعدوم هو المقدّم في طلب الحاجات!!‬
‫ثم ساق المجلسي استغاثة أخرى بهذا المنتظر‪ ،‬وفيها "ارجع فيما أنت بسبيله إلى ال تعالى‪،‬‬
‫واستعن بصاحب الزمان [هذا من ألقاب مهديهم المنتظر‪ ].‬عليه السلم‪ ،‬واتخذه لك مفزعًا‪ ،‬فإنه نعم‬

‫‪292‬‬
‫المعين‪ ،‬وهو عصمة أوليائه المؤمنين‪ ..‬وقل‪ :‬السلم عليك يا إمام المسلمين والمؤمنين‪ ،‬السلم‬
‫عليك يا وارث علم النبيين‪ ،‬السلم عليك يا عصمة الدين‪ ،‬السلم عليك يا معز المؤمنين‬
‫المستضعفين‪ ،‬السلم عليك يا مذل الكافرين المتكبرين الظالمين‪ ،‬السلم عليك يا مولي يا‬
‫صاحب الزمان‪ ..‬يا مولي‪ ،‬حاجتي كذا وكذا فاشفع لي في نجاحها" [بحار النوار‪.].32-94/31 :‬‬
‫وصاحب الزمان عندهم قد عجز عن الخروج إلى شيعته خوف القتل كما تقرر نصوصهم‬
‫المعتبرة – كما سيأتي – فكيف يوصف بهذه الوصاف‪ ،‬ويطلب منه هذا الحاجات مما ل يقدر‬
‫عليه إل كاشف الملمات وهو عاجز عن حماية نفسه قد قبع في سردابه وتوارى عن النظار؟!‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قولهم‪ :‬إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت ال‪:‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من‬
‫الحج إلى البيت العتيق‪ ،‬فيرون الشراك بال أعظم من عبادة ال وحده‪ ،‬وهذا من أعظم اليمان‬
‫بالطاغوت" [منهاج السنة‪.].2/124 :‬‬
‫هذه المسألة التي قال عنها عالم من أكبر علماء أهل السنة المعنيين بتتبع أمر الرافضة والرد‬
‫عليهم بأنه قد وصله خبرها عن طريق بعض الثقات هي اليوم مقررة ومعلنة في المعتمد من‬
‫كتب الثني عشرية في عشرات من الروايات تنص على أن زيارة المشهد أفضل من الحج إلى‬
‫بيت ال الحرام‪.‬‬

‫جاء في الكافي وغيره‪" :‬إنّ زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجّة‪ ،‬وأفضل من عشرين‬
‫[فروع الكافي‪ ،1/324 :‬ابن بابويه‪ /‬ثواب العمال‪ :‬ص ‪ ،52‬الطّوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪،2/16 :‬‬ ‫عمرة وحجّة"‬
‫ابن قولويه‪ /‬كامل الزّيارات‪ :‬ص ‪ ،161‬الح ّر العاملي‪ /‬وسائل الشّيعة‪.].10/348 :‬‬
‫وحينما قال أحد الشّيعة لمامه‪" :‬إنّي حججت تسع عشرة حجّة‪ ،‬وتسع عشرة عمرة" أجابه‬
‫المام – بأسلوب يشبه السخرية ‪ -‬قائلً‪" :‬حجّ حجّة أخرى‪ ،‬واعتمر عمرة أخرى‪ ،‬تكتب لك‬
‫[الطّوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،2/16 :‬وسائل الشّيعة ‪ ،10/348‬بحار النوار‪:‬‬ ‫زيارة قبر الحسين عليه السّلم"‬
‫‪.].101/38‬‬
‫فكأنه يقول له‪ :‬علم تبذل كل هذا الجهد‪ ،‬وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا‪ ،‬ثم تراه‬
‫وجهه لكمال عشرين حجة وعمرة ليتحقق له بذلك فضل زيارة واحدة لقبر الحسين‪ ،‬ولم يوجهه‬
‫لزيارة الحسين‪ ،‬وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية وإبداء التحسر‪.‬‬
‫وتذهب رواياتهم إلى المبالغة بالقول بأفضلية زيرة قبر الحسين وقبور سائر الئمة على‬
‫الركن الخمس من أركان السلم حج بيت ال الحرام‪ ،‬وتصل في ذلك إلى درك من العته‬

‫‪293‬‬
‫والجنون‪ ،‬أو الزندقة واللحاد ل يكاد يصل إليه أحد في هذا الباب‪ ،‬حتى ليقول القائل بأن هذا‬
‫دين المشركين ل دين المسلمين الموحدين؛ لن هؤلء يقدمون لنا دينًا آخر غير ما يعرفه‬
‫المسلمون؛ دين شيوخهم وآياتهم ل دين رب العالمي‪ ،‬وتخرصات وأوهام رجالهم‪ ،‬ل وحي سيد‬
‫المرسلين‪ ،‬فهي أشبه ما تكون بمؤامرة لتغيير دين المسلمين‪ ،‬وتغيير قبلة المسلمين‪ ،‬بيت رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وتقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة وأساليب متنوعة لتؤثر في قلوب السذج‬
‫[ولذلك قال أيوب‬ ‫والجهلة‪ ،‬وتخدع عقول الناشئة والعجم‪ ،‬فما أسرع تأثير البدعة في هؤلء‬
‫السختياني – كما يروي الللكائي ‪ :-‬إن من سعادة الحدث والعجمي أن يوفقهما ال لعالم من أهل السنة‪( .‬شرح‬
‫أصول اعتقاد أهل السنة‪..].)1/60 :‬‬
‫فهذا أحد العراب يشد الرحل من اليمن لزيارة الحسين – كما تزعم أساطيرهم – فيلتقي‬
‫بجعفرهم الذي يسمونه بالصادق‪ ،‬لن جعفر بن عبد ال بريء من افتراءات هؤلء وأكاذيبهم‪،‬‬
‫فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين فقال هذا العرابي‪ :‬إنه يرى البركة من ذلك في نفسه‬
‫وأهله وأولده وأمواله وقضاء حوائجه‪ ،‬فقال أبو عبد ال – كما تقول الرواية ‪ :-‬أفل أزيدك من‬
‫فضله فضلً يا أخا اليمن؟ قال‪ :‬زدني يا ابن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬إن زيارة‬
‫أبي عبد ال عليه السلم – يعني نفسه – تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وآله فتعجب من ذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬أي وال وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فتعجب‪ ،‬فلم يزل أبو عبد ال عليه السلم يزيد حتى قال‪ :‬ثلثين حجة‬
‫[ابن بابويه القمي‪ /‬ثواب العمال ص ‪،52‬‬ ‫مبرورة متقبلة زاكية مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].351-10/350 :‬‬
‫بهذا السلوب الغريب الذي أشبه ما يكون بلعب الطفال ومحاوراتهم يقرر جعفرهم أن زيارة‬
‫الضريح أفضل من ثلثين حجة‪.‬‬
‫ويفترون أيضًا على رسول ال بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا السلوب الذي بلفظه يكشف‬
‫كذبهم فضلً عن معناه‪ ،‬حيث تقول روايتهم‪" :‬كان الحسين عليه السلم ذات يوم في حجر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو يلعبه ويضاحكه‪ ،‬وإن عائشة قالت‪ :‬يا رسول ال ما أشد إعجابك‬
‫بهذا الصبي!! فقال لها‪ :‬وكيف ل أحبه وأعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني‪ ،‬أما إن أمتي‬
‫ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب ال له حجة من حججي‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال حجة من‬
‫حججك؟!‪ ،‬قال‪ :‬نعم وحجتين‪ ،‬قالت‪ :‬حجتين؟ قال‪ :‬نعم وأربعًا‪ .‬فلم تزل تزاده وهو يزيد حتى‬

‫‪294‬‬
‫[وسائل الشيعة‪-10/351 :‬‬ ‫بلغ سبعين حجة من حجج رسول ال صلى ال عليه وسلم بأعمارها"‬
‫‪.].352‬‬
‫وتذهب رواية أخرى إلى أن "من زار قبر أبي عبد ال كتب ال له ثمانين حجة مبرورة"‬
‫[ثواب العمال ص ‪ ،52‬كامل الزيارات ص ‪ ،162‬وسائل الشيعة‪.].10/350 :‬‬
‫وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول‪" :‬من أتى قبر الحسين عليه السّلم عارفًا بحقّه كان كمن‬
‫[ثواب العمال‪ :‬ص ‪ ،52‬وسائل الشّيعة‪:‬‬ ‫حجّ مائة حجّة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم"‬
‫‪.].10/350‬‬
‫وتتنافس رواياتهم في المبالغة في العداد لتتجاوز المئات إلى مرحلة اللف‪ ،‬وتتجاوز ذلك‬
‫إلى ذكر أصناف من الثواب والجر‪ ،‬وكأن الدين هو مجرد زيارة قبر‪ ،‬والوقوف على ضريح‪.‬‬
‫فقد جاء في "وسائل الشيعة" وغيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال‪" :‬لو يعلم الناس ما‬
‫في زيارة الحسين عليه السلم من الفضل لماتوا شوقًا‪ ،‬وتقطعت أنفسهم عليه حسرات‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وما فيه؟ قال‪ :‬من زاره تشوقًا إليه كتب ال له ألف حجّة متقبّلة‪ ،‬وألف عمرة مبرورة‪ ،‬وأجر‬
‫ألف شهيد من شهداء بدر‪ ،‬وأجر ألف صائم‪ ،‬وثواب ألف صدقة مقبولة‪ ،‬وثواب ألف نسمة أريد‬
‫بها وجه ال‪ ،‬ولم يزل محفوظًا سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان‪،‬ووكل به ملك كريم يحفظه من‬
‫بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه‪ ،‬فإن مات سنته‬
‫حضرته ملئكة الرّحمن يحضرون غسله وأكفانه والستغفار له ويشيّعونه إلى قبره بالستغفار‬
‫له‪ ،‬ويفسح له في قبره م ّد بصره‪ ،‬ويؤمنه ال من ضغطة القبر‪ ،‬ومن منكر ونكير يروعانه‪،‬‬
‫ويفتح له باب إلى الجنة‪ ،‬ويعطى كتابه بيمينه ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬وينادي مناد هذا من زار الحسين شوقًا إليه‪ ،‬فل يبقى أحد يوم القيامة إل‬
‫[كامل الزّيارات ص ‪ ،143‬وسائل الشّيعة‪،1/353 :‬‬ ‫تمنّى يومئذ أنّه كان من زوّار الحسين عليه السّلم"‬
‫بحار النوار‪.].101/18 :‬‬
‫وفي رواية أخرى‪" :‬إن الرجل منكم ليغتسل في الفرات ثم يأتي قبر الحسين عارفًا بحقه‬
‫فيعطيه ال بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة‪ ،‬ومائة عمرة مبرورة‪ ،‬مائة غزوة مع‬
‫نبي مرسل أو إمام عادل" [وسائل الشيعة‪ ،10/379 :‬كامل الزيارات ص ‪.].185‬‬
‫ورواية ثالثة تقول‪" :‬من زار الحسين عليه السلم يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيًا لقي ال‬
‫عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة‪ ،‬وألفي ألف عمرة‪ ،‬وألفي ألف غزوة‪ ،‬وثواب كل‬
‫حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع‬
‫الئمة الراشدين صلوات ال عليهم‪[ "..‬بحار النوار‪ ،101/290 :‬كامل الزيارات ص ‪ 176‬ما بعدها‪.].‬‬
‫‪295‬‬
‫ثم ذكرت الرواية أن هذا الفضل كله يحصل أيضًا لمن لم يستطع زيارة قبره في هذا اليوم‪،‬‬
‫ولكن صعد على سطح داره وأومأ إليه بالسلم ثم دعا على قاتله وندب الحسين وبكاه ولم ينتشر‬
‫في يومه هذا في حاجة [بحار النوار‪ ،101/290 :‬كامل الزيارات ص ‪.].176‬‬
‫وعلى غرار هذا عشرات من المثلة تكل اليد من نقلها‪ ،‬ويتعب الفؤاد من تأملها‪ ،‬لنها‬
‫روايات الهدف منها صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة المخاليق الضعفاء‪،‬‬
‫وغايتها التحلل من تكاليف السلم وشرائع الدين إلى مجرد نقل القدم إلى قبر ليحصل بذلك‬
‫على كل الجر‪ ،‬حتى تنتهي بمعتقدها إلى ضرب من الباحية‪ ،‬والعراض عن أوامر ال‬
‫وشرائعه‪ ،‬والتعدي على محارمه‪.‬‬
‫فلو كان شيء من هذا حقًا لذكره القرآن العظيم في آياته‪ ،..‬لماذا يذكر الحج في آيات عدة‬
‫من القرآن‪ ،‬ول تذكر زيارة قبر المام مطلقًا‪ ..‬وهي أفضل من الحج إلى بيت ال الحرام –‬
‫بزعمهم ‪-‬؟!‬
‫وقد تنبه أحد الشيعة لذلك وتعجب لماذا تخص زيارة الحسين بهذا الفضل الذي يربو على‬
‫فضل الحج مئات المرات وليس لها ذكر في القرآن؟! أليس هذا دليل الوضع والفتراء؟!!‬
‫فقال – بعد أن استمع من إمامه لفضائل زيارة قبر الحسين المزعومة – قال‪" :‬قد فرض ال‬
‫[بحار النوار‪ ،101/33 :‬كامل‬ ‫على الناس حج البيت‪ ،‬ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلم"‬
‫الزيارات ص ‪.].266‬‬
‫فأجاب إمامهم بجواب يبدو فيه الضطراب‪ ،‬حيث قال‪" :‬وإن كان كذلك فإن هذا شيء جعله‬
‫ال هكذا" [بحار النوار‪ ،101/33 :‬كامل الزيارات ص ‪ .].266‬وهذا اعتراف منهم وهم أرباب التأويل‬
‫الباطني بخلو القرآن من هذه البدعة‪ ،‬وهذا كافٍ في نقض مزاعمه من كتبهم‪ .‬فالقرار هو سيد‬
‫الدلة‪ ،‬وبأيديهم يهدمون بيوتهم‪.‬‬
‫وكأن إمامهم في جوابه هذا يقول‪ :‬ل جواب عندي‪ ،‬المر هكذا‪ ،‬لم يبين ال لعباده سبيل‬
‫عبادتهم وما يتقون‪.‬‬
‫ثم حاول بعد هذه الكلمة المضطربة أن يتلمس جوابًا بعيدًا عن الموضوع فأردف قائلً‪" :‬أما‬
‫سمعت قول أمير المؤمنين‪ :‬إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم‪ ،‬ولكن ال فرض هذا‬
‫على العباد" [بحار النوار‪ ،101/33 :‬كامل الزيارات ص ‪ .].266‬وهذا اعتراف منهم أيضًا بأن زيارة‬
‫قبر الحسين كباطن القدم (والصح كباطن الخف) لم تدخل فيما فرض ال‪ ،‬ثم واصل العتذار‬
‫فقال‪" :‬أوما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لجل الحرم ولكن ال صنع ذلك في‬
‫غير الحرم" [بحار النوار‪ ،101/33 :‬كامل الزيارات ص ‪.].266‬‬
‫‪296‬‬
‫وهذا كسابقه اعتراف بأن الزيارة لم تفرض‪ ،‬وإن كانت في نظر هذه الزمرة أحق‪ ..‬ثم هي‬
‫في اعتذارها تحاول أن تجعل من نفسها رقيبة على تشريع رب العالمين‪ ،‬فكأنها تشير بأن ال‬
‫سبحانه لم يفعل ما هو أولى وأحق (تعالى ال عما يقوله الظالمون)‪ ،‬حيث لم يجعل موقف‬
‫عرفات في الحرم بل جعله في الحل‪ ،‬وهكذا تتطاول هذه الزمرة الملحدة التي وضعت هذه‬
‫الخبار‪ ،‬وخدعت بها الغرار تتطاول على شرع ال وحكمته‪ ،‬وتضع من نفسها وصية على‬
‫أمر ال‪.‬‬
‫ورواياتهم في هذا كثيرة للغاية – كما أشرنا من قبل – وإنني الن أمام زخم هائل من‬
‫الروايات التي ل تخطر ببال من لم يخض غمار هذه الساطير؛ روايات كثيرة ما أدري ما آخذ‬
‫منها وما أدع‪ ،‬فكل منها يثير العجب والستنكار لكل من كان على صلة بكتاب ربه‪ ،‬أو على‬
‫أدنى وعي بأمر دينه‪ ،‬ولم يلجم عقله التعصب ويغلق فكره الهوى وتأخذه العزة بالثم تعصبًا‬
‫لبدعته وطائفته‪.‬‬
‫ولو حاول الشيعي أن يتخلى عن هذه الساطير التي تشده إلى الظلم ولو لحظة ثم يتفكر في‬
‫أمر هذا الخطر الكبر الذي يأخذ به ليلقيه في غياهب الشرك وظلماته‪ ،‬لينسى ربه وخالقه‪،‬‬
‫ن تَدْعُونَ‬
‫ويتعلق بقبر مخلوق قد أرم ل يملك لنفسه نفعًا ول ضرًا ول حياة ول نشورًا {إِنّ الّذِي َ‬
‫عبَادٌ َأ ْمثَاُلكُمْ} [العراف‪ ،‬آية‪.].194:‬‬
‫مِن دُونِ الّلهِ ِ‬
‫والعجب أنه ورد عندهم بعض الروايات في تخفيف هذا الغلو الذي يجعل من الشخوص إلى‬
‫القبر أفضل من حج بيت ال الحرام‪ ،‬ولكن شيخ الشيعة المجلسي رد ذلك بحجة التقية‪.‬‬
‫تقول روايتهم‪ « :‬عن حنان قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬ما تقول في زيارة قبر الحسين‬
‫صلوات ال عليه فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال‪ :‬تعدل حجة وعمرة؟ قال فقال‪ :‬ما أضعف هذا‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫الحديث ما تعدل هذا كله ولكن زوروه ول تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة‬
‫‪ ،101/35‬قرب السناد ص ‪..].48‬‬
‫قال المجلسي في تأويل هذا النص الذي ينقض عشرات الروايات التي جاء بها‪ ،‬ويكشف‬
‫ضلل ما عليه طائفته قال‪" :‬لعل المراد أنها ل تعدل الواجبين من الحج والعمرة والظهر أنه‬
‫محمول على التقية" [بحار النوار‪ ،101/35 :‬قرب السناد ص ‪ ،].48‬أي إن جعفرًا يقول هذا الكلم‬
‫على سبيل الكذب مجاملة لهل السنة أو خوفًا منهم وليس من دين الشيعة‪ ..‬وهكذا يفعل‬
‫شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت ل توافق أهواءهم يبطلون مفعولها بهذه الحجة الجاهزة‬
‫"التقية" فصار التشيع يكتسب غلوه على مر اليام بفعل شيوخه وصار دينهم دين شيوخ الرافضة‬
‫ل دين الئمة‪..‬‬
‫‪297‬‬
‫زيارة كربلء يوم عرفة أفضل من سائر اليام‪:‬‬
‫مما يكشف أن هذه الروايات هي ثمرة مؤامرة ضد المة لصرفها عن بيت ربها‪ ،‬والعمل‬
‫على إفساد أمرها‪ ،‬وتفريق اجتماعها‪ ..‬والحيلولة دون تلقيها في هذا المؤتمر السنوي العام‪ ..‬أن‬
‫هذه الروايات خصت زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫"من أتى قبر الحسين عارفًا بحقّه في غير يوم عيد كتب ال له عشرين حجّة وعشرين عمرة‬
‫مبرورات مقبولت‪ ..‬ومن أتاه في يوم عيد كتب ال له مائة حجّة ومائة عمرة‪ ..‬ومن أتاه يوم‬
‫عرفة عارفًا بحقّه كتب ال له ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبّلت‪ ،‬وألف غزوة مع نبي‬
‫[انظر‪ :‬الكليني‪ /‬فروع الكافي‪ ،1/324 :‬ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪،1/182 :‬‬ ‫مرسل أو إمام عادل"‬
‫الطّوسي‪ /‬التّهذيب‪ ،2/16 :‬ابن قولويه‪ /‬كامل الزّيارات ص ‪ ،169‬ابن بابويه‪ /‬ثواب العمال ص ‪ ،50‬الحرّ‬
‫العاملي‪ /‬وسائل الشّيعة‪.].10/359 :‬‬
‫وتكاد بعض رواياتهم تصرح بالهدف‪ ،‬فهذا جعفرهم يقول‪" :‬لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته‬
‫وبفضل قبره لتركتم الحجّ رأسًا وما حجّ منكم أحد‪ ،‬ويحك أما علمت أنّ ال اتّخذ كربلء حرمًا‬
‫آمنًا مباركًا قبل أن يتّخذ مكّة حرمًا‪[ "..‬بحار النوار‪ ،101/33 :‬كامل الزّيارات ص ‪.].266‬‬
‫فأنت تلحظ أنه صرح من طرف خفي أن ترك الحج وزيارة كربلء أولى‪ .‬وقال‪" :‬إنّ ال‬
‫يبدأ بالنّظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي عشيّة عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف"‪( ،‬قال‬
‫الراوي‪ :‬وكيف ذلك؟) قال أبو عبد ال – كما يزعمون ‪ :-‬لنّ في أولئك أولد زنا وليس في‬
‫هؤلء أولد زنا [الفيض الكاشاني‪ /‬الوافي‪ /‬المجلّد الثّاني‪ ،].8/222 :‬وأولد الزّنا عند الشّيعة هم غير‬
‫ل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي جعفر قال‪" :‬وال إنّ النّاس كلّهم أولد بغايا ما‬
‫[يد ّ‬ ‫الشّيعة من المسلمين‬
‫ط‪ :‬لكنو ‪1886‬م‪ ،‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪ ،)24/311 :‬وعن‬ ‫خلل شيعتنا" (الكليني‪ /‬الرّوضة من الكافي‪ :‬ص ‪135‬‬
‫إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد قال‪ :‬ما من مولود يولد إل وإبليس من البالسة بحضرته‪ ،‬فإن علم ال أنّ‬
‫المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشّيطان‪ ،‬وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشّيطان إصبعه في دبر الغلم فكان‬
‫مأبونًا‪ ،‬وفي فرج الجارية فكانت فاجرة (تفسير العيّاشي‪ ،2/218 :‬البرهان ‪ .)2/139‬وعقد المجلسي في البحار بابًا‬
‫حديثًا (بحار النوار‪:‬‬ ‫لهذا العتقاد بعنوان‪" :‬باب أنّه يدعى النّاس بأسماء أمّهاتهم إل الشّيعة" وذكر فيها ‪12‬‬
‫‪ ،)7/237‬وانظر‪ :‬تفسير نور الثّقلين‪.].2/513 :‬‬
‫ويظهر من روايتهم أن لهذه الساطير تأثيرها حتى قال أحد نقلة هذه السطورة ورواتها بعد‬
‫[وسائل‬ ‫سماعه دعاء من جعفرهم لزوار قبر الحسين قال‪" :‬وال لقد تمنيت أني زرته ولم أحج‪"..‬‬
‫الشيعة‪ ،10/321 :‬فروع الكافي‪ ،335 :‬ثواب العمال ص ‪.].35‬‬
‫وتتحدث رواية أخرى أن من أراد "أن يتنفل بالحج والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنيا أو عائق‬
‫فأتى الحسين بن علي في يوم عرفة أجزأه ذلك من أداء حجته وضاعف ال له بذلك أضعافًا‬
‫‪298‬‬
‫مضاعفة (قال الراوي)‪ :‬قلت‪ :‬كم تعدل حجة وكم تعدل عمرة؟ قال‪ :‬ل يحصى ذلك‪ .‬قلت‪ :‬مائة‪.‬‬
‫[الوافي‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ومن يحصي ذلك؟ قلت‪ :‬ألف‪ .‬قال‪ :‬وأكثر‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها‬
‫المجلد الثاني‪.].8/223 :‬‬
‫وأنت تلحظ أن صدر النص يشير إلى أن الحج أفضل‪ ،‬وأن زيارة الحسين هي البديل عند‬
‫حصول عائق بينما عجزه يشير إلى خلف ذلك‪.‬‬

‫قال شيخهم الفيضي الكاشاني في التعليق عما تذكره رواياتهم من فضائل زيارة قبر الحسين‪:‬‬
‫"إن هذا ليس بكثير على من جعله ال إمامًا للمؤمنين‪ ،‬وله خلق السّماوات والرضين‪ ،‬وجعله‬
‫صراطه وسبيله‪ ،‬وعينه‪ ،‬ودليله‪ ،‬وبابه الذي يؤتى منه‪ ،‬وحبله المتّصل بينه وبين عباده من‬
‫رسل وأنبياء وحجج وأولياء‪ ،‬هذا مع أنّ مقابرهم رضي ال عنهم فيها أيضًا إنفاق أموال‪،‬‬
‫ورجاء آمال‪ ،‬وإشخاص أبدان‪ ،‬وهجران أوطان‪ ،‬وتحمّل مشاق‪ ،‬وتجديد ميثاق‪ ،‬وشهود شعائر‪،‬‬
‫وحضور مشاعر" [الوافي‪ ،‬المجلّد الثّاني‪.].8/224 :‬‬
‫تأمل هذا الغلو‪ ،‬حيث جعل الحسين هو الحبل والواسطة بين ال وعباده‪ ،‬وأنه عين ال‬
‫وبابه!! ولحظ توجيهه لفضل زيارة قبر الحسين بفعل أسباب الوقوع في الشرك نفسه من شد‬
‫الرحال إلى القبر‪ ،‬وإنفاق الموال لها أو عندها طلبًا لشفاعتها‪ ،‬وتعلق المال عليها‪ ،‬إلى آخر ما‬
‫[ولكن لماذا لم يعمل‬ ‫ذكره من أعمال الشرك وأسبابه‪ ،‬ومع ذلك فهذا عندهم من أفضل الطاعات!!‬
‫شيوخهم بهذه الروايات ويدعوا الحج‪..‬؟ الواقع أنهم لم يفعلوا‪ ،‬لعل ذلك لسباب منها ليتمكن هؤلء من نقل شرهم‬
‫لسائر العالم السلم عبر هذا المؤتمر العظيم‪ ..‬وخشية التشنيع عليهم من قبل المسلمين فيفقدوا الرضية الصالحة‬
‫لنشر دعوتهم‪ ،‬سيما أنهم يرون الفريضة لبد منها‪ ،‬على الرغم من أن هذه الروايات ل تجعل في قلب المؤمن بها أي‬
‫حنين إلى حج بيت ال الحرام‪.].‬‬
‫زيارة قبر الحسين أفضل العمال‪:‬‬
‫ليست زيارة قبر الحسين عن هؤلء أفضل من الحج فحسب‪ ،‬بل أفضل العمال‪ ،‬جاء في‬
‫[كامل الزّيارات ص ‪ ،146‬بحار النوار‪:‬‬ ‫رواياتهم أنّ زيارة قبر الحسين "أفضل ما يكون من العمال"‬
‫[كامل الزّيارات ص ‪،146‬‬ ‫‪ .].101/49‬وفي رواية أخرى "من أحبّ العمال زيارة قبر الحسين"‬
‫بحار النوار‪ ،].101/49 :‬وأنشأ المجلسي بابًا خاصًا بهذا العنوان ذكر فيه جملة من جنس هذه‬
‫الروايات [وهو بعنوان "باب أن زيارته عليه السلم من أفضل العمال" بحار النوار‪.].101/49 :‬‬
‫وهكذا تنسى شرائع السلم وأوامره‪ ،‬ويهتم هؤلء بالقبور والضرحة ويجعلونها من أفضل‬
‫العمال بل دليل إل ما صنعته أوهامهم وأوحاه لهم شياطينهم‪ ،‬ليشرعوا من الدين ما لم يشرعه‬
‫ال‪.‬‬
‫‪299‬‬
‫قولهم‪ :‬إن كربلء أفضل من الكعبة‪:‬‬
‫قبلة المسلمين‪ ،‬وأقدس مقدساتهم‪ ،‬وأفضل البقاع بيت ال الحرام‪ ،‬مهوى أفئدة المسلمين‪ ،‬الذي‬
‫ل يشرع الطواف إل به‪ ..‬والذي جعله ال مثابة للناس وأمنًا‪ ..‬ملتقى المسلمين العام‪ ،‬وقبلتهم‬
‫التي يتجهون إليها جميعًا‪ ..‬تقول روايات الثني عشرية بأنها ليست إل ذنبًا ذليلً مهينًا لرض‬
‫كربلء [سيأتي بعد أسطر سياق النص بتمامه وتخريجه من كتبهم‪.].‬‬
‫إن وراء الكمة ما وراءها‪ ..‬لقد أقضّ مضاجع العداء اجتماع المسلمين في هذا الملتقى‬
‫الطاهر‪ ،‬وأرّق أجفانهم تلقيهم وتوجيههم لهذا المكان الواحد‪..‬‬
‫فراموا الكيد لذلك بكل وسيلة‪ ..‬وراحوا يبحثون عما يصرفون به قلوب المسلمين‪ ..‬وكان‬
‫المدخل الميسر لهم عن طريق التشيع‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن قبر الحسين أفضل من الكعبة البيت الحرام‪..‬‬
‫ووضعوا من الروايات ما يحتالون به لثبات هذه المقالة‪ ،‬ونسبوها لبعض آل البيت زورًا‬
‫وبهتانًا‪ ..‬علها تجد طريقها لقلوب المغفلين‪ ،‬وعقول الجاهلين‪ ،‬ويميل إليها أهل الهواء‪،‬‬
‫والبتداع‪ ،‬وأصحاب الحقاد المتوارثة‪ ،‬والثارات القديمة‪ ،‬ومن يبغي في المة الفرقة والشتات‪.‬‬
‫لقد اعتبر الشيعة كربلء وغيرها من أماكن قبور أئمتهم المزعومة حرمًا مقدسًا؛ فالكوفة‬
‫حرم‪ ،‬وقُمّ حرم‪ ،‬وغيرها‪ ،‬جاء في رواياتهم "إنّ الكوفة حرم ال وحرم رسول ال صلى ال‬
‫[الوافي‪ /‬باب‬ ‫عليه وسلم حرم أمير المؤمنين‪ ،‬وإنّ الصّلة فيها بألف صلة والدّرهم بألف درهم"‬
‫فضل الكوفة ومساجدها‪ ،‬المجلّد الثّاني‪.].8/215 :‬‬
‫ويروون عن جعفرهم "إنّ ل حرمًا هو مكّة‪ ،‬ولرسوله حرمًا وهو المدينة‪ ،‬ولمير المؤمنين‬
‫[قم‪ :‬بالضّم والتّشديد كلمة فارسيّة‪ ،‬وهي مدينة مقدّسة عند الشّيعة‬ ‫حرمًا وهو الكوفة‪ ،‬ولنا حرمًا وهو قم‬
‫مشهورة في إيران‪ ،‬وأهلها كلّهم شيعة إماميّة (انظر‪ :‬معجم البلدان‪ )4/397 :‬ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر‬
‫وما‬ ‫فاطمة بنت موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) فيها‪ ،‬انظر‪ :‬عبد ال ّرزّاق الحسيني‪ /‬مشاهد العترة‪ :‬ص ‪162‬‬
‫بعدها‪ ،].‬ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمّى فاطمة‪ ،‬من زارها وجبت له الجنّة" [بحار النوار‪:‬‬
‫‪.]102/267‬‬
‫وقال علي بن الحسن – كما يفترون علي ‪" :-‬اتّخذ ال أرض كربلء حرمًا آمنًا مباركًا قبل‬
‫أن يخلق ال أرض الكعبة ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام‪ ،‬وقدّسها وبارك عليها‪ ،‬فما‬
‫زالت قبل خلق ال الخلق مقدّسة مباركة ول تزال كذلك حتى يجعلها ال أفضل أرض في‬
‫الجنّة‪ ،‬وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنّة" [بحار النوار‪.].101/107 :‬‬
‫وتقديسهم لرض كربلء لنه ضمت جسد الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫فهل كان الحسين مدفونًا فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام‪ ،‬أو هي معدة‬
‫لستقباله منذ غابر الزمان؟! وإذا كان كل هذا الفضل بوجود جسد الحسين فلماذا لم تفضل‬
‫المدينة وفيها جسد رسول ال؟! إن هذا تناقض في بنية المذهب‪ ..‬وهو يكشف أنه ليس الهدف‬
‫تقديس الحسين‪ ،‬ولكن الكيد للمة ودينها‪.‬‬
‫وقد جاءت روايات كثيرة عندهم تفضل كربلء على بيت ال‪.‬‬
‫فتتحدث بعض هذه الساطير عن محاورة جرت بين كربلء والكعبة يتبين منها أن هؤلء‬
‫الوضاعين ل عقل عندهم فضلً عن الدين‪ ،‬قال جعفرهم‪" :‬إن أرض الكعبة قالت‪ :‬من مثلي وقد‬
‫بني بيت ال على ظهري يأتيني الناس من كل فجر عميق وجعلت حرم ال وأمنه‪.‬‬
‫فأوحى ال إليها – كما يفترون – أن كفي وقرّي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت أرض‬
‫كربلء إل بمنزلة البرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر‪ ،‬ولول تربة كربلء ما‬
‫فضلتك‪ ،‬ولول من تضمنه أرض كربلء ما خلقتك ول خلقت البيت الذي به افتخرت‪ ،‬فقرّي‬
‫واستقري وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلً مهينًا غير مستنكف ول مستكبر لرض كربلء وإل سخت‬
‫بك وهويت بك في نار جهنم" [كامل الزيارات‪ :‬ص ‪ ،270‬بحار النوار‪.].101/109 :‬‬
‫ولكن الكعبة لم تأخذ بالنصيحة كما تقول روايات الشيعة!! فلم تتواضع لرض كربلء‪،‬‬
‫وتصبح كالذنب الذليل المهين لها‪ ،‬فحلت بها العقوبة‪ ،‬بل إن العقوبة – كما يقولون – وقعت‬
‫على كل ماء وأرض ما عدا كربلء‪ ،‬قالوا في رواياتهم‪:‬‬
‫"‪ ..‬فما من ماء ول أرض إل عوقبت لترك التواضع ل‪ ،‬حتى سلط ال على الكعبة‬
‫[كامل الزيارات‪ :‬ص ‪ ،270‬بحار النوار‪:‬‬ ‫المشركين‪ ،‬وأرسل إلى زمزم ماء مالحًا حتى أفسد طعمه‪"..‬‬
‫‪.].101/109‬‬
‫أما كربلء فقد نجت من العقوبة على الرغم أنها افتخرت وقالت‪" :‬أنا أرض ال المقدسة‬
‫المباركة‪ ،‬الشفاء في تربتي ومائي ول فخر‪[ "..‬كامل الزيارات‪ :‬ص ‪ ،270‬بحار النوار‪.].101/109 :‬‬
‫هذا جزء مما يدعونه حول كربلء‪ ،‬وجمعه كله وتحليله يستغرق مؤلفًا خاصًا‪ ،‬وهي كلمة ل‬
‫يمكن أن تخضع للمناقشة بالعقل والمنطق؛ فهي من جنس هذيان المحمومين وكلمات المجانين‪،‬‬
‫ولو لم أجدها في كتبهم المعتمدة‪ ،‬وبروايات عديدة لما أثبتها‪ ..‬وهذه الدعاوى والمخاريق هي‬
‫إساءة بالغة لهل البيت الذين يزعمون محبتهم والتشيع لهم‪ ،‬ولكنهم كانوا عليهم أشد من‬
‫أعدائهم‪ ،‬وهي فضيحة من فضائح دين الشيعة قد تنتهي بقارئها والمؤمن بها من مثقفي الشيعة‬
‫وعقلئهم إلى درب اللحاد والضلل‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫ولقد خاب واضع هذه الساطير وفشل في تحقيق أهدافه‪ ،‬فلم يتجه المسلمون إلى كربلء‪،‬‬
‫وظلت هذه الروايات ل تؤثر إل بأولئك الذين أصمهم التعصب عن سماع الحق وأعمى قلوبهم‪،‬‬
‫فهاموا في أودية من الضلل‪.‬‬
‫فما دام كتاب ال سبحانه بين المسلمين فلن يغتر بمثل هذه المؤامرات إل من اتخذ كتاب ال‬
‫مهجورًا‪ ،‬ولم ير الحق إل فيما قاله الحجة والسيد والية وما سارت عليه طائفته‪ ،‬وإن كان ل‬
‫شاهد له من كتاب ال سبحانه‪.‬‬
‫والذي يروي هذه السطورة السالفة الذكر عن جعفر الصادق رجل يدعى صفوان الجمال‪،‬‬
‫وهو كما يزعم شيوخ الشيعة من رجال جعفر وهو ثقة عندهم [معجم رجال الحديث‪ ،].9/121 :‬فقد‬
‫يكون هو الذي باء بإثم هذا الفك‪ ،‬إذا لم يكن السند مصنوعًا‪ ،‬ولم أجد لهذا الرجل ذكرًا في‬
‫الكتب التي رجعت إليها من كتب الرجال عند أهل السنة‪.‬‬
‫زوار الحسين تأتيهم الملئكة ويناجيهم ال‪:‬‬
‫وصلت مبالغات الشيعة في الحديث عن فضائل زيارة قبر الحسين والئمة الخرين إلى‬
‫درجة ل تتصور ول يقبلها ذو عقل‪ ،‬قال جعفرهم‪" :‬من خرج من منزله يريد زيارة الحسين‬
‫كتب ال له بكلّ خطوة حسنة‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬وإذا قضى مناسكه‪ ..‬أتاه ملك فقال له‪ :‬أنا رسول‬
‫[الطّوسي‪ /‬تهذيب التّهذيب‪،2/14 :‬‬ ‫ال‪ ،‬ربّك يقرئك السّلم ويقول لك‪ :‬استأنف فقد غفر لك ما مضى"‬
‫ابن قولويه‪ /‬كامل الزّيارات‪ :‬ص ‪ ،132‬ثواب العمال‪ :‬ص ‪ ،51‬وسائل الشّيعة‪.].342-341 /10 :‬‬
‫فالملئكة تقابل زوار القبر‪ ،‬وتبلغهم سلم ال وتوزع عليهم صكوك الغفران!!‬
‫هذه دعاوى فوق الجنون بدرجات‪ ،‬وأعظم منها وأكبر جرأتهم على القول بأن ال يناجي‬
‫زوار الحسين‪ ،‬قالت رواياتهم‪ .." :‬فإذا أتاه (يعني أتى الزّائر قبر الحسين) ناجاه ال فقال‪:‬‬
‫[كامل الزّيارات‪ :‬ص ‪ ،132‬وسائل الشّيعة‪ ،342 /10 :‬وانظر‪ :‬ثواب‬ ‫عبدي‪ ،‬سلني أعطك‪ ،‬ادعني أجبك"‬
‫العمال ص ‪.].51‬‬
‫وهكذا يفترون الكذب على ال‪ ،‬وإنما يفتري الكذب على ال الذين ل يؤمنون‪ ،‬ويزعمون وهم‬
‫الذين سلكوا مسلك أهل التعطيل في كلم ال سبحانه‪ ،‬أن ال يناجي ويكلم زوار الحسين‪ ..‬وهذه‬
‫فرية خطيرة‪ ..‬وبهتان عظيم‪.‬‬
‫ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة‪ ،‬بل زعموا أن ال – تعالى عما يقوله الظالمون‬
‫علوًا كبيرًا – يزور قبور الئمة مع الشيعة‪ ،‬ففي البحار للمجلسي "إنّ قبر أمير المؤمنين يزوره‬
‫ال مع الملئكة ويزوره النبياء ويزوره المؤمنون" [بحار النوار‪.].100/258 :‬‬
‫كبرت كلمة تخرج من أفواههم‪ ،‬وتسطرها أقلمهم‪ ،‬إن يقولون إل كذبًا‪.‬‬
‫‪302‬‬
‫مناسك المشاهد‪:‬‬
‫[انظر روايات ذلك في تهذيب الحكام للطوسي‪،2/14 :‬‬ ‫زيارة الضرحة فريضة من فرائض مذهبهم‬
‫وفي كامل الزيارات لبن قولويه ص ‪ ،194‬ووسائل الشيعة للحر العاملي‪ ،].337-10/333 :‬يكفر تاركها‬
‫[ففي الوسائل "عن هارون بن خارجة عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين‬
‫عليه السلم من غير علة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رجل من أهل النار"‪( .‬وسائل الشيعة‪ ،337-10/336 :‬كامل الزيارات‪ :‬ص‬
‫‪ .].)193‬وقد عقد لذلك المجلسي بابًا بعنوان‪" :‬باب أن زيارته [يعني‪ :‬زيارة الحسين‪ .].‬واجبة‬
‫مفترضة مأمور بها‪ ،‬وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها" وذكر فيه (‪ )40‬حديثًا من‬
‫أحاديثهم [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].11-1 /101 :‬‬
‫ومن هنا وضعوا لها مناسك كماسك الحج إلى بيت ال الحرام‪.‬‬

‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا‬
‫سماه "مناسك المشاهد" جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله ال‬
‫قيامًا للناس‪ ،‬وهو أول بيت وضع للناس‪ ،‬فل يطاف إل به ول يصلى إل إليه ولم يأمر إل‬
‫بحجه" [منهاج السنة‪ ،1/175 :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].17/498 :‬‬
‫ولكن كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه "الذريعة" أن ما صنفه شيوخهم‬
‫في المزار ومناسكه قد بلغ ستين كتابًا [انظر‪ :‬الذريعة‪ ،].326-20/316 :‬كلها ألفت لرساء قواعد‬
‫هذا الشرك وتشييد بنائه‪ ،‬وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الخبار المعتمدة عندهم من أبواب‬
‫خاصة بالمشاهد – كما سيأتي – ومن هذه المناسك ما يلي‪:‬‬
‫أ ـ الطواف بها‪:‬‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم‪:‬‬ ‫اتفق المسلمون على أنه ل يشرع الطواف إل بالبيت المعمور‬
‫‪ …].4/521‬ولكن شيوخ الشيعة شرعوا لتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الئمة‪ ،‬ووضعوا‬
‫من الروايات على آل البيت ما يسندون به هذا الشرك‪ ،‬فقال المجلسي بأنه ورد في بعض‬
‫زيارات الئمة "إل أن نطوف حول مشاهدكم"‪ ،‬وفي بعض الروايات "قبّل جوانب القبر"‪ ،‬كما قال‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫بأن الرضا كان – على حد زعمه – يطوف بقبر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ].100/126‬وأخذ من ذلك "شرعية" هذا "النسك الوثني" في مذهبهم‪ ،‬ولم يلتفت إلى نصوص‬
‫القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك والوعيد عليه بنار جهنم وبئس المصير‪ ،‬ولكن‬
‫أشكل عليه روايات لهم تناقض – كالعادة – مذهبهم في المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام‬
‫التخلص منا بالتأويل‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫فقد جاء في رواياتهم ما ينهى عن الطواف بالقبور كقول إمامهم‪" :‬ل تشرب وأنت قائم ول‬
‫تطف بقبر‪.. ،‬فإن من فعل ذلك فل يلومنّ إل نفسه‪ ،‬ومن فعل شيئًا من ذلك لم يكن يفارقه إل ما‬
‫شاء ال" [ابن بابويه‪ /‬علل الشّرائع‪ :‬ص ‪ ،283‬بحار النوار‪ .].100/126 :‬وقد أجهد المجلسي نفسه قال‬
‫في تأويل هذه الرّواية فقال‪" :‬يحتمل أن يكون النّهي عن الطّواف بالعدد المخصوص الذي يُطاف‬
‫بالبيت" [بحار النوار‪.].100/126 :‬‬
‫فأنت ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب ال سبحانه وما عليه المسلمون‪،‬‬
‫وما جاء عندهم أيضًا‪" :‬ول تطف على قبر" فينصح لنفسه وطائفته بالنهي عن هذه البدعة فيقر‬
‫بذلك‪ ،‬ويؤول ما يخالفه‪ ،‬لنه شذوذ وانحراف وباب من أبواب الشرك بال‪ ،‬لم يفعل ذلك بل‬
‫تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على المعنى الحق حتى قال‪" :‬يحتمل أن يكون المراد بالطواف‬
‫المنفي هنا التغوط" [بحار النوار‪.].100/127 :‬‬
‫فدين الشيعة هو دين المجلسي ل دين الئمة‪ ،‬وعمل الشيعة بما قاله شيوخهم ل ما قاله‬
‫إمامهم‪ ..‬فأعرضوا عن قول المام‪" :‬ول تطف بقبر"‪ ،‬كما أعرضوا من قبل عن قول ال‬
‫ورسوله وإجماع المسلمين‪ ،‬فضلّوا وأضلّوا قومهم سواء السّبيل‪.‬‬
‫ب ـ الصلة عند الضريح‪:‬‬
‫من مناسك المشاهد والضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الئمة‪ ،‬وربما يتخذونها قبلة‬
‫– كما سيأتي – وكل ركعة تؤدى عند القبور تفضل على الحج إلى بيت ال الحرام مئات‬
‫المرات‪ ،‬جاء في أخبارهم‪" :‬الصّلة في حرم الحسين لك بكلّ ركعة تركعها عنده كثواب من حجّ‬
‫ألف حجّة‪ ،‬واعتمر ألف عمرة‪ ،‬وأعتق ألف رقبة‪ ،‬وكأنّما وقف في سبيل ال ألف ألف مرّة مع‬
‫نبي مرسل" [الوافي‪ /‬المجلّد الثّاني‪.].8/234 :‬‬
‫[يعد‬ ‫وليس هذا خاصًا بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك‪ ،‬ففي البحار‪" :‬من زار الرضا‬
‫مرقد علي الرضا أهم الماكن المقدسة في إيران‪ ،‬ومن أضخم الماكن المقدسة لدى الشيعة‪ ،‬وعليه قبة ضخمة مكسوة‬
‫بالذهب (عبد ال فياض‪ /‬مشاهداتي في إيران ص ‪ )102‬لن الضرحة والهتمام بها وتقديم أنواع من العبادات لها‬
‫من أصول دينهم‪ ].‬أو واحدًا من الئمة فصلى عنده‪ ..‬فإنه يكتب له (ثم ذكر ما جاء في النص‬
‫السابق وزاد) وله بكل خطة مائة حجة‪ ،‬ومائة عمرة‪ ،‬وعتق مائة رقبة في سبل ال‪ ،‬وكتب له‬
‫مائة حسنة‪ ،‬وحط عنه مائة سيئة [بحار النوار‪.].138-100/137 :‬‬
‫انظر كيف يفضلون الصلة عند القبور على الحج إلى بيت ال الحرام‪ ،‬فيقدمون الشرك على‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫وقديمًا كان المشركون يقولون بأن دينهم أفضل من دين ال‪ ،‬وأنهم أهدى من الذين آمنوا‬
‫سبيلً‪.‬‬
‫واتخاذ القبور مساجد ملعون فاعلها على لسان رسول الهدى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫[أخرجه البخاري في الصلة‪ ،‬في باب‬ ‫"لعنة ال على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"‬
‫‪( 1/532 :55‬البخاري مع فتح الباري)‪ ،‬وفي الجنائز‪ ،‬باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور‪،3/200 :‬‬
‫وباب ما جاء في قبر النبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر‪ ،3/255 :‬وفي النبياء‪ ،‬باب ما ذكر عن بني‬
‫إسرائيل ‪ ،6/294‬وفي المغازي‪ ،‬في باب مرض النبي صلى ال عليه وسلم ووفاته ‪ ،8/140‬وفي اللباس في باب‬
‫الكسية والخمائل‪ .10/277 :‬والحديث بهذا المعنى في مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب النهي عن بناء المساجد على‬
‫القبور‪ ،377-376 :‬وأحمد‪ ،275 ،255 ،252 ،229 ،146 ،121 ،84 ،6/80 ،1/218 :‬والدارمي‪،‬‬
‫كتاب الصلة‪ ،‬باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد‪ 1/326 :‬وغيرها‪.].‬‬
‫وفي الصحيحين أيضًا أنه ذكر له في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة‪ ،‬وذكر له من حسنها‬
‫وتصاوير فيها فقال‪" :‬إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا‪ ،‬وصوروا‬
‫[أخرجه البخاري في الصلة‪ ،‬باب هل تنبش قبور مشركي‬ ‫فيه تلك التصاوير‪ ،‬أولئك شرار الخلق عند ال"‬
‫الجاهلية‪ ،‬ويتخذ مكانها مساجد‪( 1/523 :‬البخاري مع فتح الباري)‪ ،‬وباب الصلة في البيعة‪ ،1/531 :‬وفي الجنائز‬
‫في باب بناء المسجد على القبر‪ ،3/208 :‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب النهي عن بناء المساجد على القبور‪:‬‬
‫‪ ،376-1/375‬وأبو عوانة في مسنده‪ ،410-1/400 :‬وأحمد‪ ،6/51 :‬والبيهقي‪.].4/80 :‬‬
‫وقد ثبت أيضًا النهي عن اتخاذ القبور مساجد في كتب الثني عشرية نفسها‪ ،‬ولكن شيوخهم‬
‫يؤولونه – كما سيأتي ‪.-‬‬
‫ج‍ ـ النكباب على القبر‪:‬‬
‫من مناسك المشاهد عندهم النكباب على القبر‪ ،‬ووضع الخد عليه‪ ،‬وتقبيل العتاب‪ .‬ومناجاة‬
‫صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون‪.‬‬
‫قال المجلسي‪" :‬باب ما يستحب فعله عند قبره عليه السلم‪[ "..‬بحار النوار‪ ].101/285 :‬ثم‬
‫ذكر أن شيخ طائفتهم الطّوسي قال في وصفه لعمال زيارة يوم الجمعة‪ .." :‬ثم تنكبّ على القبر‬
‫[بحار‬ ‫وتقول‪ :‬مولي إمامي‪ ،‬مظلوم استعدى على ظالمه‪ ،‬النّصر‪ ،‬النّصر حتى ينقطع النّفس"‬
‫النوار‪.].101/285 :‬‬
‫وفي أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على النكاب على القبر‪ ،‬ودعائه‪ ،‬فهذه‬
‫زيارة للحسين أوصى بها جعفر الصادق – كما يزعمون – وأمر قبل بدء هذه الزيارة بصيام‬
‫ثلثة أيام ثم الغتسال‪ ،‬ولبس ثوبين طاهرين‪ ،‬ثم صلة ركعتين‪ ،‬ثم قال‪" :‬فإذا أتيت الباب فقف‬
‫خارج القبّة‪ ،‬وأوم بطرفك نحو القبر وقل‪ :‬يا مولي يا أبا عبد ال يا ابن رسول ال عبدك وابن‬

‫‪305‬‬
‫عبدك وابن أمتك‪ ،‬الذّليل بين يديك‪ ،‬المقصّر في علو قدرك‪ ،‬المعترف بحقّك‪ ،‬جاءك مستجيرًا‬
‫جهًا إلى مقامك – إلى أن قال‪ -:‬ثمّ انكبّ على القبر وقُل‪ :‬يا‬
‫بذمّتك‪ ،‬قاصدًا إلى حرمك‪ ،‬متو ّ‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫مولي أتيتك خائفًا فآمنّي‪ ،‬وأتيتك مستجيرًا فأجرني‪ ..‬ثم انكبّ على القبر ثانية"‬
‫‪ 261-101/257‬عن المزار الكبير لمحمد المشهدي‪ :‬ص ‪ ..]144-143‬إلى آخر الزيارة التي يدعو‬
‫فيها مخلوقًا من دون ال سبحانه‪ ،‬ويتضرع إليه وكأنه يتضرع أمام ال‪ ،‬فماذا يكون الشرك إذا‬
‫لم يكن هذا شركًا؟! ومثل ذلك قال مفيدهم‪" :‬فإذا أردت الخروج فانكبّ على القبر وقبّله – إلى‬
‫جنّة من‬
‫أن قال‪ -:‬ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل‪ :‬السّلم عليك يا أبا عبد ال‪ ،‬أنت لي ُ‬
‫العذاب" [بحار النوار‪ 261-101/257 :‬عن المزار الكبير ص ‪.].154‬‬
‫وهكذا أصبح في دينهم الشرك بال من المستحبات‪ ،‬فهو سجود على القبر أو لصاحب القبر‬
‫يسمونه "النكباب"‪ ،‬ودعاء للميت الذي ل يملك لنفسه نفعًا ول ضرًا وكأنهم يدعون خالق‬
‫ستَجِيبُ‬
‫ض ّل مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ الّل ِه مَن ل يَ ْ‬
‫السماوات والرض القادر على كل شيء { َومَنْ َأ َ‬
‫َلهُ ِإلَى يَومِ الْ ِقيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ} [الحقاف‪ ،‬آية‪ ،].5:‬وهم يعدون هذا من أفضل‬
‫القربات‪ ،‬ويوهمون التباع بأن هذا الشرك "يوجب غفران الذّنوب ودخول الجنّة‪ ،‬والعتق من‬
‫[هذا من عناوين بحار النوار‪ ،‬وقد ضمّ (‪)37‬‬ ‫النّار‪ ،‬وحطّ السّيئات‪ ،‬ورفع الدّرجات‪ ،‬وإجابة الدّعوات"‬
‫رواية في هذا المعنى‪ ].28-21 /101 :‬و"توجب طول العمر وحفظ النّفس والمال‪ ،‬وزيادة الرّزق‬
‫وتنفّس الكرب‪ ،‬وقضاء الحوائج" [هذا أحد عناوين بحار النوار أيضًا وفيه (‪ )17‬رواية‪.].48-45 /101 :‬‬
‫[وهذا من عناوين صاحب البحار وقد ضمّنه (‪ )84‬وراية‪/101 :‬‬ ‫ج والعمرة والجهاد والعتاق"‬
‫و"تعدل الح ّ‬
‫‪ ].44-28‬إلى آخر الفضائل الموهومة‪ ..‬فشرعوا من الدّين ما لم يأذن به ال‪.‬‬
‫ولهم تعلق بكل عمل يتصل بالشرك بال من قريب أو بعيد‪ ،‬حتى وإن لم يوجد نص يعتمدون‬
‫عليه من كتبهم المليئة بما يغني في باب الشرك وأسبابه‪ ،‬يقول المجلسي – مثلً ‪" :-‬وأمّا تقبيل‬
‫[بحار النوار‪ ،100/136 :‬عمدة الزّائر‪ :‬ص‬ ‫العتاب فلم نقف على نصّ يعتدّ به ولكن عليه الماميّة"‬
‫‪ ].29‬أي أنهم يتعبدون بذلك مجاراة لسلفهم وتقليدًا لهم‪ ،‬فكأن الشرك وأعماله المنتشرة في‬
‫أمهات كتبهم لم تمل ما في نفوسهم‪ ،‬فتعلقوا بما عليه من سبقهم كحال المشركين الذين قالوا‪:‬‬
‫علَى آثَارِهِم ّم ْهتَدُونَ} [الزخرف‪ ،‬آية‪.].23:‬‬
‫علَى ُأمّةٍ وَِإنّا َ‬
‫ج ْدنَا آبَاءنَا َ‬
‫{ِإنّا وَ َ‬
‫وكل إمام ينسب له من المبادئ الشركية الجديدة‪ ،‬حتى "المنتظر" الذي لم يولد له قوانين‬
‫جديدة في هذا الباب منها استقبال القبر في الصلة واستدبار الكعبة – كما سيأتي – ومنها في‬
‫مسألتنا هذه وضع الخد على القبر‪ ،‬فقد خرجت الرواية فيها – كما يقولون – من الناحية‬

‫‪306‬‬
‫المقدسة‪ ،‬أي من قبل المهدي المنتظر المزعوم بواسطة سفرائه الكذبة حيث قال مهديهم‪..." :‬‬
‫والذي عليه العمل أن يضع خدّه اليمن على القبر" [عمدة الزّائر‪ :‬ص ‪.].31‬‬
‫ولهذا قرر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الضرحة "وضع الخدّ اليمن عند الفراغ من‬
‫الزّيارة والدّعاء" [بحار النوار‪ ،100/134 :‬عمدة الزّائر‪ :‬ص ‪ .].30‬وقالوا‪" :‬ل كراهة في تقبيل‬
‫الضّرايح؛ بل هو سنّة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى" [بحار النوار‪.].100/136 :‬‬
‫هذه مبادئ جديدة ابتدعها شيوخ السوء من الرافضة "وقد اتفق المسلمون على أنه ل يشرع‬
‫الستلم والتقبيل إل للركنين اليمانيين‪ ،‬فالحجر السود يستلم ويقبل‪ ،‬واليماني يستلم‪ ،‬وقد قيل إنه‬
‫يقبل وهو ضعيف‪ ،‬وأما غير ذلك فل يشرع استلمه ول تقبيله كجوانب البيت‪ ،‬والصخرة‬
‫والحجرة النبوية‪ ،‬وسائر قبور النبياء والصالحين" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].4/521 :‬‬
‫والهدف من هذه المبادئ الصد عن دين ال سبحانه‪ ،‬والدعوة إلى الشرك بال وتهيئة أسبابه‪،‬‬
‫وقد وضعت أدعية تقال أثناء هذه العمال فيها من الشرك بال سبحانه‪ ،‬وتأليه الئمة ما يستقل‬
‫عنده فعل المشركين‪.‬‬
‫د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت ال‪:‬‬
‫قال شيخ الشيعة المجلسي‪" :‬إنّ استقبال القبر أمر لزم‪ ،‬وإن لم يكن موافقًا للقبلة‪ ..‬واستقبال‬
‫القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة وهو وجه ال‪ ،‬أي جهته التي أمر النّاس باستقبالها في تلك‬
‫الحالة" [بحار النوار‪.].101/369 :‬‬
‫وحينما وجد المجلسي في روايات قومه نصين متعارضين – كالعادة ‪-‬‬
‫الول‪ :‬عن أبي جعفر محمد الباقر يقول‪" :‬إنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ..‬قال‪ :‬ل‬
‫[ابن‬ ‫تتّخذوا قبري قبلة ول مسجدًا‪ ،‬فإنّ ال عزّ وجلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"‬
‫بابويه‪ /‬علل الشّرائع ص ‪ ،358‬بحار النوار‪.].100/128 :‬‬
‫والثاني‪ :‬من مهديهم المنتظر (الذي ل وجود له كما يقول أهل العلم) ونصه‪" :‬كتب الحميري‬
‫[عبد ال بن جعفر بن مالك الحميري‪ ،‬أحد الكذّابين الذين يزعمون مكاتبة المنتظر الذي لم يوجد ولكنّه عندهم من‬
‫[النّاحية المقدّسة‬ ‫الثّقات‪( .‬انظر‪ :‬الفهرست للطّوسي ص ‪ ،132‬رجال الحلي ص ‪ ].)106‬إلى النّاحية المقدّسة‬
‫رمز عندهم على مهديهم المنتظر‪ ].‬يسأل عن الرّجل يزور قبور الئمّة عليهم السّلم‪ ..‬هل يجوز لمن‬
‫صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه‬
‫أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم ل؟ فأجاب (المهدي‬
‫المزعوم)‪ .. :‬أمّا الصّلة فإنّها خلفه ويجعل القبر أمامه‪ ،‬ول يجوز أن يصلي بين يديه ول عن‬

‫‪307‬‬
‫[الحتجاج للطبرسي‪:‬‬ ‫يمينه ول عن يساره؛ لن المام صلى ال عليه ل يتقدم عليه ول يساوى"‬
‫‪ 2/312‬ط‪ :‬النجف‪ ،‬بحار النوار‪.].100/128 :‬‬
‫حينما وجد المجلسي هذين النصين رجح لقومه العمل بالنص الثاني فقال‪" :‬يمكن حمل الخبر‬
‫السّابق على التّقية أو على أنّه ل يجوز أن يجعل قبورهم بمنزلة الكعبة يتوجّه إليها من كلّ‬
‫[أي أنّها قبلة – في مذهبهم – من جهة واحدة‪ ،‬وليست كالكعبة قبلة من كلّ الجهات‪ ،‬وليس ذلك لفضليّة‬ ‫جانب‬
‫الكعبة عندهم‪ ،‬ولكن خشية التّقدّم على الضّريح كما يشير إليه "التّوقيع"‪ .].‬ومن الصحاب من حمل الخبر‬
‫الوّل على الصّلة جماعة‪ ،‬والخبر الثّاني على الصّلة فرادى‪ ،‬وستأتي الخبار المؤيدة للخبر‬
‫الثاني (يعني في اتخاذ القبر قبلة) في أبواب الزيارات" [بحار النوار‪.].100/128 :‬‬
‫انظر كيف يؤيد شيوخهم الشرك بال سبحانه‪ ،‬ويردون الحق ولو جاء في كتبهم‪ ،‬فيرجّح‬
‫المجلسي ما جاء عن المنتظر الذي ل حقيقة له‪ ،‬ويردّ ما روي عن أبي جعفر عن رسول الهدى‬
‫سنّة وإجماع المّة‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم والموافق للكتاب وال ّ‬
‫وقد توقف المجلسي أيضًا عند قول إمامه وهو يبين طريقة زيارة القبر من البعيد عنه قال‪:‬‬
‫"اغتسل يوم الجمعة أو أي يوم شئت‪ ،‬والبس أطهر ثيابك واصعد إلى أعلى موضع في دارك أو‬
‫الصّحراء فاستقبل القبلة بوجهك بعدما تبيّن أنّ القبر هنالك"‪ .‬توقف المجلسي عند هذا النص‪،‬‬
‫لن استقبال القبر في دينه أمر لزم فقال‪" :‬قوله‪ :‬فاستقبل القبلة بوجهك لعله عليه السلم إنما‬
‫قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر والقبلة معًا‪ ...‬ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر‬
‫مجازًا‪ ..‬ول يبعد أن تكون القبلة تصحيف القبر" [بحار النوار‪.].101/369 :‬‬
‫كل هذه التكلفات والتأولت لنه يقول بأن طائفته "حكموا باستقبال القبر مطلقًا (أي في كل‬
‫أنواع الزيارات)‪ ،‬وهو الموافق للخبار الخر في زيارة البعيد" [بحار النوار‪.].370-101/369 :‬‬
‫[بحار‬ ‫وقال‪ :‬إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلة واستدبار الكعبة‬
‫النوار‪ ،].100/135 :‬وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها‪" :‬إن ركعتي الزيارة لبد منهما‬
‫عند كل قبر" [بحار النوار‪ .].100/134 :‬وهذا ليس بغريب من قوم زعموا أن كربلء أفضل من‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫فماذا نسمي هذا الدين الذي يأمر أتباعه باستدبار الكعبة واستقبال قبور الئمة؟ وما ذا نسمي‬
‫هؤلء الشيوخ الذين يدعون لهذا الدين؟‬
‫فليسم بأي اسم إل السلم دين التوحيد الذي نهى رسوله عليه الصلة والسلم عن الصلة‬
‫في المقابر فكيف باتخاذ القبور قبلة!!‬

‫‪308‬‬
‫ومن العجب أن هذا النهي عن اتخاذ القبور مسجدًا وقبلة ورد في كتب الشيعة نفسها‪ ،‬كما‬
‫[روت كتب الشيعة أن علي بن الحسين قال‪ :‬قال النّبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل‬ ‫جاء في الوسائل للحر العاملي‬
‫ل لعن اليهود حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (من ل يحضره الفقيه‬
‫تتّخذوا قبري قبلة ول مسجدًا فإنّ ال عزّ وج ّ‬
‫‪ ،1/57‬وسائل الشّيعة‪ )3/455 :‬ولكن هؤلء دينهم دين شيوخهم الذين وضعوا مبدأ خالفوا العامة (يعني أهل السنة)‬
‫[وقد ذكر صاحب‬ ‫فأضلوا قومهم سواء السبيل‪ ].‬وغيره‪ ،‬كما ورد أيضًا بطلن الصلة إلى غير القبلة‬
‫الوسائل في هذا المعنى خمس روايات (انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ )3/227 :‬وانظر في بطلن الصلة إلى غير القبلة‬
‫عندهم‪ :‬من ل يحضره الفقيه‪ ،1/79،122 :‬وتهذيب الحكام‪ ،218 ،192 ،178 ،1/146 :‬وفروع الكافي‪:‬‬
‫‪..].1/83‬‬
‫والتناقض في هذا المذهب من أعجب العجب‪.‬‬
‫هذا بعض ما جاء في مصادرهم المعتمدة حول المشاهد‪ ،‬وهو قليل من كثير‪ ،‬حيث إن لهم‬
‫عناية ظاهرة‪ ،‬واهتمامًا واسعًا بأمر المشاهد ومناسكها كاهتمامهم بمسألة المامة‪ ،‬وقد خصصت‬
‫مصادرهم المعتمدة له قسمًا خاصًا مما ل تجده في كتب المسلمين الموحدين‪.‬‬
‫ففي بحار النوار للمجلسي‪ ،‬كتاب مستقبل سماه "كتب المزار" يتضمن أبوابًا كثيرة‪ ،‬اشتملت‬
‫[هي المجلدات‪].102 ،101 ،100 :‬‬ ‫على مئات الروايات‪ ،‬وقد استغرق ذلك حوالي ثلثة مجلدات‬
‫من طبعة البحار الخيرة‪.‬‬
‫[انظرها في‪:‬‬ ‫وكذلك في وسائل الشيعة للحر العاملي ذكر (‪ )106‬بابًا بعنوان‪ :‬أبواب المزار"‬
‫‪ 10/251‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وفي الوافي للكاشاني الجامع لصولهم الربعة عقد ثلثة وثلثين بابًا بعنوان "أبواب‬
‫المزارات والمشاهد" [انظرها في المجلد الثاني‪ 8/193 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وفي كتاب من ل يحضره الفقيه لبن بابويه (أحد مصادرهم المعتمدة) أبواب عدة حول‬
‫[انظر‪ :‬من ل‬ ‫المشاهد وتعظيمها كباب تربة الحسين وحريم قبره‪ ،‬وأبواب زيارة الئمة وفضلها‬
‫يحضره الفقيه‪ 2/338 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫وفي مستدرك السائل ستة وثمانون بابًا حوت (‪ )276‬رواية في الزيارات والمشاهد‬
‫النوري الطبرسي‪ /‬مستدرك الوسائل‪.].234-2/189 :‬‬
‫هذا عدا ما اشتملت عليه كتبهم الخرى التي هي في منزلة المصادر الثمانية عندهم كثواب‬
‫العمال لبن بابويه وغيره‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫وهذا غير ما ألف في المزارات من كتب خاصة به في الماضي والحاضر مثل‪ :‬كامل‬
‫الزيارات لبن قولويه‪ ،‬ومفاتيح الجنان لعباس القمي‪ ،‬وعمدة الزائر لحيدر الحسيني‪ ،‬وضياء‬
‫الصالحين للجوهري وغيرها‪.‬‬
‫وكلها تتحدث عن الفضائل المزعومة لمن شد الرحل لزيارة أضرحة الئمة وطاف بها‪،‬‬
‫ودعا في رحابها‪ ،‬واستغاث بمن فيها‪ ،‬وتذكر مئات الدعية التي فيها من الغلو في الئمة ما‬
‫يصل بهم إلى مقام الخالق جل شأنه‪ ،‬وفيها من الشرك بال ما ال به عليم‪.‬‬
‫وكان لهتمامهم بهذا المعول الهادم لصل التوحيد أثره في ديار الشيعة‪ ،‬حيث عمرت بيوت‬
‫الشرك التي يسمونها المشاهد‪ ،‬وعطلت بيوت التوحيد وهي المساجد وبقي هذا الهتمام إلى‬
‫اليوم كما سيأتي – إن شاء ال – [انظر‪ :‬الفصل الثالث من الباب الرابع‪ .‬ص(‪ )1071‬وما بعدها‪.].‬‬
‫الجانب النقدي ( لمسألة المشاهد عند الشيعة )‪:‬‬
‫إن للمسلمين كعبة واحدة يتجهون إليها في صلتهم ودعائهم‪ ،‬ويحجون إليها‪ ،‬ويطوفون بها‪،‬‬
‫[وكثير من هذه‬ ‫أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد وكعبات عبارة عن أضرحة الموتى من الئمة‬
‫القبور (المنسوبة للئمة) لم يدفن فيها من ينسبونها إليهم؛ فل مكان قبر أمير المؤمنين علي رضي ال عنه في النجف‬
‫هو مكان قبره حقيقة‪ ،‬ول مكان الحسين في كربلء وغيرها هو مكان دفنه حقيقة‪ .‬وهذه حقائق يعرفها التاريخ‬
‫ويقررها وإن كابروا فيها (محب الدين الخطيب‪ /‬المنتقى (الهامش) ص ‪ .)158‬وانظر للتفصيل‪( :‬مجموع فتاوى شيخ‬
‫وما بعدها) قال شيخ السلم‪" :‬وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق‬ ‫السلم‪27/446 :‬‬
‫ل يكاد يوقف منه على العلم إل في قليل منها بعد بحث شديد‪ ،‬وهذا لن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة‬
‫[غلو الرافضة بالمشاهد تجاوز مشاهد أئمتهم إلى آخرين‪ .‬انظر –‬ ‫السلم" (المصدر السابق ‪ ].)27/447‬وغيرهم‬
‫مثلً ‪ :-‬باب فضل زيارة عبد العظيم الحسني من بحار النوار‪ ،102/268 :‬وقد جاء فيه أن الحسن العسكري قال‪:‬‬
‫بأن من زار قبر عبد العظيم كان كمن زار قبر الحسين (انظر‪ :‬الموضع نفسه من المصدر السابق‪ ،‬وثواب العمال‬
‫ص ‪ ،89‬وكامل الزيارات ص ‪ ،)324‬وكذلك عقد المجلسي بابًا في زيارة فاطمة بنت موسى بقم (انظر‪ :‬بحار‬
‫النوار‪ ،].)102/265 :‬وهي قبور تنافس بيت ال بل تفضل عليه‪ ،‬ويقام فيها الشرك ويهدم‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن الشرك والمشاهد منتشرة في كثير من بلد السنة‪ .‬وقد أثار شيخ السلم ابن‬
‫تيمية هذا السؤال في أثناء حديثه عن غلو الشيعة في أئمتها وما عندها من الشرك والبدعة حيث‬
‫قال‪" :‬فإن قيل‪ :‬ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من‬
‫المنتسبين إلى السنة‪ ،"..‬وأجاب رحمه ال عن ذلك‪ :‬بأن هذا كله مما نهى ال عنه ورسوله‪،‬‬
‫وكل ما نهى ال عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسبًا إلى السنة أو‬

‫‪310‬‬
‫التشيع‪ ،‬ولكن ما عند الرافضة من هذه المور المخالفة للكتاب والسنة أكثر مما عند أهل السنة‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].178-1/177 :‬‬
‫وأضيف أيضًا أن الفرق بين الشيعة وأهل السنة في ذلك أن ما عند أهل السنة هو انحراف‬
‫في واقعهم تنكره أصولهم‪ ،‬وما عند الشيعة هو ما يتفق مع أصولهم بل هو ما تدعو إليه وتحث‬
‫عليه أحاديثهم ورواياتهم – كما رأينا – فهو معروف في أصول الشيعة منكر في أصول أهل‬
‫السنة‪.‬‬
‫ونتيجة هذا الفرق أن ما عند أهل السنة قابل للصلح وما عند الشيعة غير قابل حتى تغير‬
‫أصولهم أولً‪ ،‬وهذه النتيجة ليست نظرية أو خيالية بل ظهرت بشكل واقع في تأثير حركة الشيخ‬
‫محمد بن عبد الوهاب في العالم السلمي في محاربة الشرك‪ ،‬واستعصاء الشيعة على هذا‬
‫الصلح‪.‬‬
‫وقد شهد بهذه الحقيقة شاهد من أهلها‪:‬‬
‫[انظر الحديث عنه في "فكرة التقريب بين‬ ‫يقول العالم اليراني – الشيعي الصل – أحمد الكسروي‬
‫أهل السنة والشيعة" ص‪ 555:‬وما بعدها‪" : ].‬ومما يرى من لجاج الشيعة أنه قد انقضى منذ ظهور‬
‫الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عامًا‪ ،‬وجرت في تلك المدة مباحثات ومجادلت كثيرة بينهم‬
‫وبين الطوائف الخرى من المسلمين‪ ،‬وانتشرت رسالت وطبعت كتب‪ ،‬وظهر جليًا أن ليست‬
‫زيارة القبب‪ ،‬والتوسل بالموتى‪ ،‬ونذر النذور للقبور وأمثالها إل الشرك‪ ،‬ول فرق بين هذه وبين‬
‫عبادة الوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام السلم يجادلها ويبغي قلع‬
‫جذورها‪ ،‬يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن‪ ،‬فأثرت الوهابية في سائر طوائف المسلمين غير‬
‫الروافض أو الشيعة المامية‪ ،‬فإن هؤلء لم يكترثوا بما كان‪ ،‬ولم يعتنوا بالكتب المنتشرة‬
‫والدلئل المذكورة أدنى اعتناء‪ ،‬ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إل اللعن والسب كالخرين"‬
‫[الكسروي‪ /‬الشيعة ص ‪.].89‬‬
‫إن الشرك قد ألبس في مصادر الشيعة المعتمدة ثوب الحق‪ ،‬وأصبح هو الدين‪ ،‬وهذا هو‬
‫الخطر الكبر‪ ،‬والداء العظم‪ .‬لقد عقدت أمهات كتبهم "أبوابًا" كثيرة ضمنتها مئات من الروايات‬
‫تجسد الشرك وترسي قواعده‪ ،‬وألفت في هذا كتبٌ مستقلة جمعت من الشر في هذا السبيل‬
‫فأوعت – كما مر ‪.-‬‬
‫لقد غلت الرافضة بالئمة وقبورهم‪ ،‬وصنعوا صنيع النصارى في غلوهم في المسيح‪ ..‬فترك‬
‫هؤلء الروافض عبادة ال وحده ل شريك له فتراهم يعطلون المساجد التي أمر ال أن ترفع‬
‫ويذكر فيها اسمه‪ ..‬ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين‪،‬‬
‫‪311‬‬
‫ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق‪ ،‬بل السفر إليها والطواف بها والصلة عندها‬
‫وتقديم القرابين في رحابها والنكباب على الضريح والستغاثة به‪ ،‬وطلب الشفاء منه‪ ،‬أو‬
‫التوسل به وطلب شفاعته هي عندهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات – كما مضى ذكر‬
‫بعض شواهده – ومن أضل ممن يفضل الشرك على التوحيد‪ ،‬ويعمر المشاهد ويعطل المساجد‪،‬‬
‫[الجرجاني‪ /‬المعارضة في الرد على‬ ‫و"يعتاض عن أرض مكة والحرم وعفرة ومنى بأرض كربلء"‬
‫الرافضة الورقة (‪ ].)71‬ويستبدل الباطل بالحق‪ ،‬ويرى أنه أهدى من الذين آمنوا سبيلً؟!‬
‫وقد علم بالضطرار من دين السلم أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمر بما ذكروه من‬
‫أمر المشاهد ول شرع ول شرع لمته مناسك عند قبور النبياء والصالحين‪ ،‬بل هذا من دين‬
‫المشركين [منهاج السنة‪ ].1/175 :‬الذين قال ال تعالى فيهم‪{ :‬وَقَالُوا ل تَ َذرُنّ آِل َهتَكُمْ وَل تَ َذرُنّ وَدّا‬
‫سوَاعًا وَل يَغُوثَ َويَعُوقَ َو َنسْرًا} [نوح‪ ،‬آية‪.].23:‬‬
‫وَل ُ‬
‫قال ابن عباس وغيره‪ :‬هؤلء‪ ..‬أسماء رجال صالحين من قوم نوح‪ ،‬فلما هلكوا أوحى‬
‫الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم‪،‬‬
‫[أخرجه البخاري في تفسير سورة نوح‬ ‫ففعلوا‪ ،‬فلم تعبد‪ ،‬حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت‬
‫(البخاري مع الفتح‪ .)8/667 :‬قال اللباني‪" :‬وهو موقوف على ابن عباس في حكم المرفوع" (شرح العقيدة‬
‫الطحاوية ص ‪– 80‬الهامش‪.].)-‬‬
‫وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي ال عنه – لبي الهياج السدي‪" :‬أل‬
‫أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ أن ل تدع تمثالً إل طمسته‪ ،‬ول‬
‫قبرًا مشرفًا إل سويته"‬
‫[أخرجه مسلم في الجنائز‪ ،‬باب المر بتسوية القبر (‪ ،1/666 :)969‬وأبو داود‪:‬‬
‫‪ ،)3218( 3/548‬والترمذي‪ ،)1049( 3/366 :‬والنسائي ‪ ،89 ،4/88‬وأحمد ‪ 129 ،1/96‬ومواضع‬
‫أخرى‪ ،‬وأبو داود الطيالسي ‪ ،1/168‬والحاكم‪ ،1/369 :‬والبيهقي في سننه‪.].4/3 :‬‬
‫وهذا المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة‪ ،‬فقد روى الكليني عن أبي عبد ال قال‪ :‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السّلم‪ :‬بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة فقال‪ :‬ل تدع‬
‫[فروع الكافي‪ ،2/227 :‬وسائل الشّيعة‪ .]2/869 :‬وفي رواية‬ ‫صورة إل محوتها ول قبرًا إل سوّيته‬
‫أخرى « بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصّور" [فروع الكافي‪ ،2/226 :‬وسائل‬
‫الشّيعة‪.].2/870 :‬‬
‫وعن أبي عبد ال قال‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يصلى على قبر أو يقعد عليه‬
‫أو يبنى عليه [الطوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،1/130 :‬وسائل الشيعة‪ .].2/869 :‬وعن أبي عبد ال قال‪ :‬ل‬
‫[تهذيب الحكام‪ ،1/130 :‬البرقي‪/‬‬ ‫تبنوا على القبور‪ ..‬فإنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم كره ذلك‬

‫‪312‬‬
‫المحاسن‪ :‬ص ‪ ،612‬وسائل الشّيعة‪ ،].2/870 :‬وعنه أيضًا عن آبائه عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫[ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪ ،2/194 :‬أمالي الصّدوق ص ‪ ،253‬وسائل‬ ‫وسلم نهى أن يجصّص المقابر‬
‫الشّيعة‪.]2/870 :‬‬
‫وقد زعم الحرّ العاملي أنّ هذا النهي يشمل كل قبر "غير قبر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫[كما هو صريح الباب الذي عقده لهذه الحاديث وهو‬ ‫والئمة عليهم السلم وأن هذا النّهي لمجرّد الكراهة"‬
‫"باب كراهة البناء على القبر في غير قبر النّبيّ والئمّة‪( "..‬وسائل الشّيعة ‪ )2/869‬والغريب أنّه لم يذكر ما يدلّ‬
‫على هذا العنوان؛ إذ كلّ أحاديث الباب السّبعة تناقض ما ذهب إليه‪.].‬‬
‫وصيغة العموم واضحة في هذه الروايات‪ ،‬كما أن دللة التحريم بينة‪ ،‬ول دليل عند العاملي‬
‫سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي جملة من رواياتها‪ ،‬والشذوذ دليل على البطلن‬
‫لمخالفته لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وإجماع المة بما فيهم أهل البيت الذين‬
‫أثر عنهم التحذير من ذلك‪ ،‬لن ذلك وسيلة للشرك بال‪ ،‬ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي‬
‫ل تفرق بين قبر وقبر‪ ،‬وقد يكون الخطر في قبور الئمة أشد لعظيم الفتتان بهم‪ ،‬ولهذا كان‬
‫[انظر‪ :‬كتاب التوحيد (مع شرحه تيسير العزيز الحميد) باب ما جاء أن‬ ‫أصل الشرك هو الغلو في الصالحين‬
‫سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ص ‪..].305‬‬
‫وتناقض كتب الشيعة نفسها حينما تنقل أدعية الئمة‪ ،‬ومناجاتهم ل سبحانه‪ ،‬وتضرعهم‬
‫بالستكانة إليه‪ ،‬وإخلص الدعاء له وحده‪ ،‬وإظهار الضعف والفتقار إليه سبحانه‪ ،‬مما يكشف‬
‫باطل الشيعة‪ ،‬ويبين أن ما تفعله في مزاراتها‪ ،‬وتدعو إليه في رواياتها ليس من هدي الئمة‪.‬‬
‫فهذا جعفر الصادق كان من دعائه كما تعترف كتب الشيعة‪" :‬اللّهم إنّي أصبحت ل أملك‬
‫ل مصرعي‪ ،‬واستكان مضجعي‪،‬‬
‫لنفسي ضرّا ول نفعًا ول حياة ول موتًا ول نشورًا‪ ،‬قد ذ ّ‬
‫وظهر ضري‪ ،‬وانقطع عذري‪ ،‬وقل ناصري‪ ،‬وأسلمني أهلي ووالدي وولدي بعد قيام حجتك‬
‫عليّ‪ ،‬وظهور براهينك عندي‪ ،‬ووضوح أدلتك لي‪.‬‬
‫اللهم وقد‪ ..‬أعيت الحيل‪ ،‬وتغلقت الطرق‪ ،‬وضاقت المذاهب‪ ،‬ودرست المال إل منك‪،‬‬
‫وانقطع الرّجاء إل من جهتك‪[ "..‬بحار النوار‪ ،86/318 :‬مهج الدّعوات ص ‪.].216‬‬
‫هذا ما يجأر به جعفر ويلجأ به إلى ال فهو ل يملك شيئًا من النفع‪ ،‬أو الضر لنفسه فكيف‬
‫لغيره‪ ،‬وإذا كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز‪.‬‬
‫ل ‪ :-‬باب الدعية والذكار من البحار‪:‬‬
‫[انظر – مث ً‬ ‫وكثير من الئمة نقل عنهم أمثال هذه الدعوات‬
‫‪ 86/240‬وما بعدها‪ ،‬وانظر أيضًا‪ :‬باب أدعية المناجاة في الجزء ‪ 94‬ص ‪ 89‬وما بعدها‪.].‬‬

‫‪313‬‬
‫كما تنقل كتب الشيعة أن أمير المؤمنين عليًا صور حالته في القبر في مناجاته لربه فقال‪:‬‬
‫"إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حقرتها‪ ،‬وانصرف عنها المشيعون من جيرتها‪ ..‬ولم يخف‬
‫على الناظرين ضرّ فاقتها‪ ..‬قد توسدت الثرى وعجز حيلتها‪[ "..‬بحار النوار‪ .].94-94/93 :‬فليس‬
‫له حيلة في نفسه إل برحمة من ال وفضل‪ ،‬فكيف يطلب منه في قبره الشفاعة والغفران وينسى‬
‫ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم‪.‬‬

‫والحسين لم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل فكيف يطلب منه ما ل يقدر عليه إل ال؟!‬
‫وقد نقلت كتب الشيعة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يعوذه هو والحسن بهذه العوذة وهو‬
‫هذا الدعاء‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ :‬أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وخواتيم عملي‪،‬‬
‫[بحار النوار‪ ،94/264 :‬مهج الدعوات‪ :‬ص‬ ‫وما رزقني ربي وخولني بعزة ربي وعظمة ال‪ ..‬إلخ‬
‫‪ ].13‬فهو أضعف من أن يقي نفسه شر ما يصيبها إل بحفظ ال‪ ،‬فإذا كان ذلك في حياته فهو‬
‫بعد موته أعجز‪ ،‬وال سبحانه لم يجعل بينه وبين خلقه واسطة إل الرسل للبلغ والبيان‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫قولهم‪ :‬إن المام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء‬
‫من أصول التوحيد اليمان بأن ال سبحانه هو المشرع وحده سبحانه‪ ،‬يحل ما يشاء ويحرم‬
‫ما يشاء‪ ،‬ل شريك له في ذلك‪ ،‬ورسل ال يبلغون شرع ال لعباده‪ ،‬ومن ادعى أن له إمامًا يحل‬
‫ن مَا‬
‫شرَكَاء شَرَعُوا َلهُم مّنَ الدّي ِ‬
‫ما يشاء ويحرم ما يشاء فهو داخل في قوله سبحانه‪{ :‬أَمْ َلهُمْ ُ‬
‫َل ْم يَأْذَن بِهِ الّلهُ} [الشورى‪ ،‬آية‪ ].21:‬فأشرك مع ال غيره‪.‬‬
‫والشيعة تزعم في رواياتهم أن ال سبحانه وتعالى "خلق محمّدًا وعليّا وفاطمة فمكثوا ألف‬
‫دهر ثم خلق جميع الشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورهم إليها‪ ،‬فهم‬
‫يحلّون ما يشاءون ويحرّمون ما يشاءون" [أصول الكافي‪ ،1/441 :‬بحار النوار‪.].25/340 :‬‬
‫وقد بين شيخهم المجلسي بعض فقرات هذا النص فقال‪" :‬وأجرى طاعتهم عليها‪ ،‬أي أوجب‬
‫وألزم على جميع الشياء طاعتهم حتى الجمادات من السّماويّات والرضيّات‪ ،‬كشقّ القمر‬
‫وإقبال الشّجر وتسبيح الحصى وأمثالها ممّا ل يحصي‪ ،‬وفوّض أمورها إليهم من التّحليل‬
‫والتّحريم والعطاء والمنع‪[ "..‬بحار النوار‪ .].342-341 /25 :‬ثم بين أن ظاهر هذا النص يدل‬
‫على تفويض الحكام "أحكام التحليل والتحريم إليهم"‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫وجاءت الرواية عندهم صريحة بهذا فيما ذكره المفيد في الختصاص‪ ،‬والمجلسي في البحار‬
‫[الظّالمون في معتقدهم‬ ‫وغيرهم عن أبي جعفر قال‪" :‬من أحللنا له شيئًا أصابه من أعمال الظّالمين‬
‫هم خلفاء الدّولة السلميّة‪ ،‬ما عدا أمير المؤمنين عليّا وابنه الحسن رضي ال عنهما؛ لنّ بقيّة أئمّتهم لم يتولّوا‬
‫الخلفة ول يومًا واحدًا‪ ،‬وكلّ خليفة من غيرهم هو ظالم غاصب لحقّ الئمّة على حدّ زعمهم‪ ].‬فهو حلل لن‬
‫[الختصاص‪ :‬ص ‪ ،330‬بحار‬ ‫الئمة منا مفوض إليهم‪ ،‬فما أحلوا فهو حلل‪ ،‬وما حرموا فهو حرام"‬
‫النوار‪ ،25/334 :‬وانظر‪ :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].113‬‬
‫هكذا يصرحون بأن للئمة حق التشريع والتحليل والتحريم فما أحلوه من بين مال المسلمين‬
‫فهو حلل‪ ،‬وما حرموه فهو حرام‪ ...‬فجعل هؤلء من أئمتهم أربابًا من دون ال‪ ،‬لن جعلهم‬
‫جهة تحريم وتحليل وتشريع هو شرك في توحيد الربوبية‪ ،‬لن الحاكمية والتشريع ل‪ ،‬كما أن‬
‫طاعتهم في تشريعهم المخالف لشريعة رب العالمين‪ ،‬والتي قد تنسخ أو تقيد أو تخصص ما جاء‬
‫به خاتم النبيين [انظر‪ :‬ما سلف حول هذا الموضوع ص‪ 144:‬وما بعدها‪ ].‬هو عبودية لهم من دون ال‪..‬‬
‫وحق التشريع ل يملكها إل رب العباد‪ ،‬والرسل عليهم الصلة والسلم إنما هم مبلغون عن ال‬
‫سبحانه ل يحرمون ول يحلون إل ما يأمرهم ال به‪ ،‬ويوحيه إليهم‪.‬‬
‫وقد قال ال جل شأنه فيمن اتبع مشايخه فيما يحلون ويحرمون من دون شرع ال وحكمه قال‬
‫حبَارَهُمْ َورُ ْهبَا َنهُمْ َأ ْربَابًا مّن دُونِ الّلهِ} [التوبة‪ ،‬آية‪ ].31:‬فجعل سبحانه اتباعهم‬
‫خذُواْ َأ ْ‬
‫سبحانه‪{ :‬اتّ َ‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الطبري‪:‬‬ ‫فيما يحلون من الحرام‪ ،‬ويحرمون من الحلل ‪ -‬كما جاء في تفسير الية‬
‫‪ ،114-10/113‬تفسير ابن كثير‪ .374-2/373 :‬وقد جاء في أصول الكافي ما يقر بهذا في تأويل الية‪ ،‬حيث‬
‫قال أبو عبد ال‪" :‬أما وال ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم‪ ،‬ولو دعوهم ما أجابوهم‪ ،‬ولكن أحلوا لهم حرامًا‪ ،‬وحرموا‬
‫عليهم حللً من حيث ل يشعرون" (أصول الكافي‪ ،1/53 :‬ومثله في‪ :‬مجمع البيان للطبرسي‪،49-3/48 :‬‬
‫والبرهان للبحراني‪ ،121-2/120 :‬وتفسير الصافي للكاشاني‪ -].)2/336 :‬عبادة لهم‪ ،‬حيث "تلقوا الحلل‬
‫[ابن عطية‪ /‬المحرر الوجيز‪:‬‬ ‫والحرام من جهتهم وهو أمر ل يتلقى إل من جهة ال عز وجل"‬
‫‪.].8/166‬‬
‫وقد شابه اعتقاد الشيعة في أئمتهم ومشايخهم اعتقاد النصارى في رؤسائهم؛ فالجميع اتخذوا‬
‫أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون ال سبحانه‪.‬‬
‫والشيعة حينما اعتقدت في أئمتها أنهم جهة تشريع أكملت ذلك بدعواها أن الناس جميعًا عبيد‬
‫للئمة لتتضح صورة الشرك أكثر‪ .‬قال الرضا‪" :‬الناس عبيد لنا في الطاعة‪ ،‬موالٍ لنا في الدين‬
‫فليبلغ الشاهد الغائب" [المفيد‪ /‬المالي ص ‪ ،48‬بحار النوار‪.].25/279 :‬‬

‫‪315‬‬
‫حكْمَ وَال ّنبُوّ َة ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ‬
‫شرٍ أَن ُي ْؤتِ َيهُ الّلهُ الْ ِكتَابَ وَالْ ُ‬
‫مع أن ال سبحانه يقول‪{ :‬مَا كَانَ ِل َب َ‬
‫عبَادًا لّي مِن دُونِ الّلهِ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].79:‬‬
‫كُونُواْ ِ‬
‫فالناس جميعًا عب يد ل وحده ل ل حد سواه‪ ،‬ولو كان من عباد ال المر سلين الذ ين آتا هم ال‬
‫الكتاب والحكم والنبوة‪ ،‬فكيف بأئمة الشيعة‪ ،‬أو من تدعي فيه المامة‪.‬‬

‫وبما أن الئمة – حسب اعتقاد الشيعة – جهة تحليل وتحريم‪ ،‬جهة تحليل وتحريم‪ ،‬فإن لهم‬
‫الخيار في أن يبينوا للناس أمر الحلل والحرام وأن يكتموا‪.‬‬
‫جاء في الكافي وغيره‪" :‬عن معلى بن محمد عن الوشاء قال‪ :‬سألت الرضا رضي ال عنه‬
‫[النحل‪ ،‬آية‪ ،43:‬النبياء‪ ،‬آية‪].7:‬‬ ‫فقلت له‪ :‬جعلت فداك {فَاسْ َألُواْ أَ ْهلَ الذّ ْكرِ إِن كُنتُمْ َل تَ ْعَلمُونَ}‬
‫فقال‪ :‬نحن أهل الذكر‪ ،‬ونحن المسؤولون‪ ،‬قلت‪ :‬فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬حقًا علينا أن نسألكم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬حقًا عليكم أن تجيبونا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ذاك إلينا إن شئنا‬
‫فعلنا وإن شئنا لم نفعل" [أصول الكافي‪ ،211-1/210 :‬تفسير القمي‪ ،2/68 :‬بحار النوار‪.].23/174 :‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم‬ ‫وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم‬
‫هم الئمة عليهم السلم‪ ،212-1/210 :‬بحار النوار‪ ،‬باب أنهم عليهم السلم الذكر وأهل الذكر وأنهم المسؤولون‪،‬‬
‫وأنه فرض على شيعتهم المسألة ولم يفرض عليهم الجواب‪ ،188-23/172 :‬وانظر‪ :‬تفسير العياشي‪،2/261 :‬‬
‫قرب السناد للحميري ص ‪.].153 ،152‬‬
‫مع أن هذا لم يكن لرسول الهدى صلى ال عليه وسلم أفضل الرسل أجمعين‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} [النحل‪ ،‬آية‪ ،].44:‬وقال تعالى‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ‬
‫{وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫ك مِن ّربّكَ َوإِن لّ ْم تَفْ َعلْ َفمَا بَلّ ْغتَ ِرسَا َل َتهُ} [المائدة‪ ،‬آية‪.].67 :‬‬
‫بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬
‫ن يَ ْك ُتمُونَ‬
‫وقد جاء الوعيد الشديد لمن كتم ما أنزل ال من الهدى والحق‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِي َ‬
‫مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْلبَ ّينَاتِ وَا ْلهُدَى مِن بَعْدِ مَا َبيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْ ِكتَابِ أُولَـئِكَ يَل َع ُنهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ‬
‫عنُونَ} [البقرة‪ :‬آية‪.].159:‬‬
‫الل ِ‬
‫وقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬من‬
‫[أخرجه أحمد‪،353 ،344 ،305 ،2/263 :‬‬ ‫سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"‬
‫‪ ،508 ،499 ،495‬وأبو داود في العلم‪ ،‬باب كراهية منع العلم‪ ،)3658( 4/67 :‬والترمذي في العلم‪ ،‬باب ما‬
‫جاء في كتمان العلم‪ ،)2649( 5/29 :‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وأخرجه ابن ماجه في المقدمة‪ ،‬باب من سئل‬
‫عن علم فكتمه‪ ،)261( 1/96 :‬والحاكم‪ ،1/101 :‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وابن حبان‪ .].1/260 :‬فهل بيان‬
‫ما يحتاج الناس إليه من الحق والهدى خاضع للرادات والمزاج والهوى حتى يقال‪" :‬ليس علينا‬
‫الجواب إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا" [أصول الكافي‪].1/212 :‬؟!‬

‫‪316‬‬
‫ولن البيان والتعليم خاضع لرادة أئمة الشيعة‪ ،‬فقد ظل الشيعة – كما تقول أخبارهم – "ل‬
‫يعرفون مناسك حجهم وحللهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر (محمد الباقر) ففتح لهم‪ ،‬وبين‬
‫مناسك حجهم وحللهم وحرامهم" [أصول الكافي‪.].2/20 :‬‬
‫"ولم يكتف الشيعة بذلك بل زعموا أن لئمتهم "حق" إضلل الناس‪ ،‬وإجابتهم بالجوبة‬
‫المختلفة المتناقضة‪ ،‬لنه قد فوض إليهم ذلك‪ .‬جاء في الختصاص للمفيد عن موسى بن أشيم‬
‫قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال فسألته عن مسألة فأجابني فيها بجواب‪ ،‬فأنا جالس إذ دخل رجل‬
‫فسأله عنها بعينها فأجابه بخلف ما أجابني وخلف ما أجاب به صاحبي‪ ،‬ففزعت من ذلك‬
‫وعظم عليّ‪ ،‬فلما خرج القوم نظر إليّ وقال‪ :‬يا ابن أشيم إن ال فوض إلى داود أمر ملكه فقال‪:‬‬
‫حسَابٍ} [سورة ص‪ ،‬آية‪ ،].39 :‬وفوض إلى محمد صلى ال‬
‫ك بِ َغ ْيرِ ِ‬
‫{هَذَا عَطَا ُؤنَا فَامْنُنْ َأوْ َأ ْمسِ ْ‬
‫ع ْنهُ فَان َتهُوا} [الحشر‪ ،‬آية‪،].7:‬‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَا ُكمْ َ‬
‫عليه وسلم أمر دينه فقال‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ فَ ُ‬
‫وإن ال فوض إلى الئمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد صلى ال عليه وسلم فل تجزع"‬
‫[الختصاص‪ :‬ص ‪ ،330-329‬بحار النوار‪.].23/185 :‬‬
‫وهكذا يفترون الكذب‪ ..‬فالئمة – كما تقول أخبارهم – هم المشرعون‪ ،‬وأمر التحليل‬
‫والتحريم بأيديهم‪ ،‬ولهم حق كتمان ما يحتاج الناس إليه حتى أركان السلم وأصوله إن شاءوا‬
‫أجابوا الناس‪ ،‬وإن شاءوا منعوهم‪ ،‬ولذلك ظل الشيعة في جهل في أمر الحج – كما يشهدون‬
‫على أنفسهم – إلى زمن الباقر؛ لنهم ل يأخذون مما رواه الصحابة عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وإنما يأخذون ما جاء عن الئمة‪ ،‬والئمة كتموا أمر المناسك عليهم‪.‬‬
‫وتستمر مسيرة الفتراء بأيدي هؤلء القوم على دين ال وكتابه‪ ،‬ورسوله وأهل بيته‪ ،‬وهم‬
‫يتسترون على هذه الدعاوى المنكرة‪ ،‬والتجاهات الكافرة بدعوى التشيع لل البيت‪ ،‬فهل هؤلء‬
‫شيعة لعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وهم يفترون عليهم‪ ..‬كل هذه الفتراءات‪،‬‬
‫ويرمونهم بأنهم لم يبينوا للناس أمر الحلل والحرام‪ ،‬والحج‪ ،‬وأن من شرعتهم كتمان الحق‪،‬‬
‫وإضلل الناس بالجوبة المتناقضة ؟!‬

‫المبحث الخامس‬
‫قولهم‪ :‬إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء‬
‫تقول الشيعة – مخالفة بذلك النقل والعقل‪ ،‬والطب والحكمة بأن تربة الحسين هي الكفيلة‬
‫لشفاء الدواء والسقام بشتى أنواعها وأشكالها‪ ،‬وكأنهم بهذا اعتقدوا فيما ل ينفع بالحس‬
‫والمشاهدة‪ ،‬وبالطبع والعقل‪ ،‬اعتقدوا فيه النفع‪ ،‬وزعموا أن الشفاء يتحقق من تراب قبر ل من‬
‫‪317‬‬
‫[يونس‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫شفَ َلهُ إِلّ ُهوَ}‬
‫ضرّ فَلَ كَا ِ‬
‫سسْكَ الّلهُ ِب ُ‬
‫رب الرباب‪ ،‬مخالفين بذلك قول ال‪{ :‬وَإِن َيمْ َ‬
‫شفُ السّوءَ} [النمل‪ ،‬آية‪ ،].62:‬وقوله‪{ :‬وَإِذَا‬
‫طرّ إِذَا دَعَاهُ َويَ ْك ِ‬
‫‪ ،].107‬وقوله‪َ{ :‬أمّن يُجِيبُ ا ْل ُمضْ َ‬
‫َمرِضْتُ َف ُه َو َيشْفِينِ} [الشعراء‪ ،‬آية‪.].80:‬‬
‫فهم باعتقادهم بهذا التراب الدواء والشفاء قد شابهوا المشركين في اعتقادهم بأحجارهم النفع‬
‫والضر‪.‬‬
‫ولقد ذكر صاحب البحار ما يصل إلى ثلث وثمانين رواية عن تربة الحسين وفضلها وآدابها‬
‫وأحكامها [انظر‪ :‬ج‍ ‪/101‬ص ‪ ،].140-118‬فجعلت هذه الرّوايات من هذه التّربة البلسم الشّافي من‬
‫[ جاء في أخبارهم‪ .." :‬عن الحارث بن المغيرة قال‪ :‬قلت لبي عبد ال – عليه السّلم ‪ :-‬إنّ رجل كثير‬ ‫كلّ داء‬
‫العلل والمراض‪ ،‬وما تركت دواء إل تداويت به‪ ،‬فقال لي‪ :‬أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي فإنّ فيه شفاء من‬
‫كلّ داء وأمنًا نم كلّ خوف" (أمالي الطّوسي‪ ،1/326 :‬وبحار النوار‪ ،101/119 :‬وانظر شواهد أخرى في هذا‬
‫المعنى في‪ :‬وسائل الشّيعة‪ ،10/415 :‬كامل الزّيارات ص ‪ 285 ،278‬وغيرهما)‪ ،].‬والحصن الحصين من‬
‫[وقد اخترعا في ذلك‬ ‫كلّ خوف‪ ،‬يشرب منها المريض فيتحوّل إلى صحيح‪ ،‬كأن لم يكن به بأس‬
‫حكايات وأساطير‪ ،‬كلّ واحد من أصحاب هذه الحكايات يسوق قصّة مرضه‪ ،‬وتعذّر شفائه‪ ،‬وما إن يأكل من طين‬
‫الحسين حتى ينهض كأن لم يكن به علّة‪ .‬يقول أحدهم في نهاية حكايته‪" :‬فلمّا استقر الشّراب في جوفي فكأنّما نشطت‬
‫من عقال"‪( .‬بحار النوار‪ ،121-120 /101 :‬كامل الزّيارات‪ :‬ص ‪ .].)275‬ويحنّك بها الطّفل فتكون‬
‫[قال أبو عبد ال‪" :‬حنّكوا أولدكم بتربة الحسين فإنّه أمان"‪( .‬كامل الزّيارات ص ‪ ،278‬بحار‬ ‫مأمنه من الخطار‬
‫[انظر‪ :‬مبحث اعتقادهم في اليوم‬ ‫النوار‪ ،].)101/124 :‬وتوضع مع الميّت في قبره لتقيه من العذاب‬
‫الخر‪ :‬ص(‪ ،].)631‬ويمسك بها الرّجل يعبث بها ساهيًا يقلّبها فيكتب له أجر المسبّحين‪ ،‬لنّها‬
‫[جاء في تهذيب الحكام للطّوسي "عن محمّد الحميري قال‪ :‬كتبت إلى‬ ‫تسبّح بيد الرّجل من غير أن يسبّح‬
‫الفقيه (إمامهم المنتظر) أسأله هل يجوز أن يسبّح الرّجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب‪ ،‬وقرأت التّوقيع ومنه‬
‫ن المُسبّح ينسى التّسبيح ويدير السّبحة تكتب له‬
‫نسخت‪ :‬تسبّح به فما من شيء من التّسبيح أفضل منه‪ ،‬ومن فضله أ ّ‬
‫ذلك التّسبيح" (تهذيب الحكام‪ ،6/75 /‬بحار النوار‪ .)133-132 /101 :‬وفي رواية أخرى عندهم‪" :‬إذا قلبها‬
‫ذاكرًا ال كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة‪ ،‬وإذا قلّبها ساهيًا يعبث بها كتب ال له عشرين حسنة" (تهذيب الحكام‬
‫‪ ،6/75‬بحار النوار ‪.].)132 /101‬‬
‫إنّ ال جعل تربة جدّي الحسين رضي ال عنه شفاء من كلّ داء‪ ،‬وأمانًا من كلّ خوف‪ ،‬فإذا‬
‫تناولها أحدكم فليقبّلها ويعضها على عينه وليمرّها على سائر جسده وليقل‪" :‬اللّهمّ بحقّ هذه‬
‫التّربة وبحقّ من حلّ بها وثوى فيها‪ ..‬إلخ" [أمالي الطّوسي‪ ،1/326 :‬بحار النوار‪.].101/119 :‬‬
‫وما أن يحس الشيعي بألم المرض وشدته حتى يتجه إلى طينة الضريح وعليه أن يختار‬
‫الوقت المناسب‪ ،‬فيتجه إليه – كما تقول أخبارهم – في جنح الليل البهيم وليكن في آخره‪،‬‬

‫‪318‬‬
‫ويغتسل ويلبس أطهر ثيابه‪ ،‬وإذا وصل فليقف عند الرأس ويصلي‪ ،‬وإذا فرغ من صلته سجد‬
‫سجدة طويلة يكرر فيها كلمة واحدة ألف مرة‪ ،‬هذه الكلمة هي "شكرًا"‪ ،‬ثم يقوم ويتعلق بالضريح‬
‫ويقول‪" :‬يا مولي يا ابن رسول ال إني آخذ من تربتك بإذنك اللهم فاجعلها شفاء من كل داء‪،‬‬
‫[بحار النوار‪ ،101/37 :‬وقد نقل ذلك‬ ‫وعزًا من كل ذل‪ ،‬وأمنًا من كل خوف‪ ،‬وغنىً من كل فقر‪"..‬‬
‫عن مصباح الزائر ص ‪.].136‬‬
‫ثم بعد ذلك يأخذ من الطينة "بثلث أصابع ثلث قبضات" وتوصيه الرواية بأن يجعل ذلك في‬
‫خرقة نظيفة ويختمها بخاتم فصه عقيق‪ ..‬ثم يستعمل منها وقت الحاجة مثل الحمصة فإنه يشفي‬
‫[بحار النوار‪ ،101/37 :‬وقد نقل ذلك عن مصباح الزائر ص ‪.].136‬‬
‫وتزيد رواية أخرى بأن عليه أن يتباكى ويقول‪" :‬بسم ال وبال وبحق هذه التربة المباركة‪،‬‬
‫وبحق الوصي الذي تواريه وبحق جده وأبيه‪ ،‬وأمه وأخيه‪ ،‬وبحق أولده الصادقين‪ ،‬وبحق‬
‫الملئكة المقيمين عند قبره ينتظرون نصرته‪ ،‬صلّ عليهم أجمعين‪ ،‬واجعل لي ولهلي وولدي‬
‫وإخوتي وأخواتي فيه الشفاء من كل داء‪[ "..‬بحار النوار‪.].101/138 :‬‬
‫وتتحدث بعض الروايات عن طرق أخرى للستشفاء بها فتقول‪ :‬قال أبو عبد ال‪ :‬إن ال‬
‫جعل تربة جدي الحسين رضي ال عنه شفاء من كل داء‪ ،‬وأمانًا من كل خوف‪ ،‬فإذا تناولها‬
‫أحدكم فليقبلها ويضعها على عنه وليمرها على سائر جسده وليقل‪" :‬اللهم بحق هذه التربة وبحق‬
‫من حل بها وثوى فيها‪ ..‬إلخ" [أمالي الطوسي‪ ،1/326 :‬بحار النوار‪.].101/119 :‬‬
‫وتذكر رواية أخرى طريقة تناولها ببيان المقدار والصفة‪ ،‬حيث قال جعفرهم – حينما سئل‬
‫عن كيفية تناولها ‪" :-‬إذا تناول التّربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه وقدره مثل الحمّصة‬
‫(ط‪ :‬إيران ‪1376‬ه‍)‪ ،‬بحار النوار‪:‬‬ ‫فليقبّلها وليضعها على عينه‪[ "..‬مكارم الخلق ص ‪189‬‬
‫‪ ].101/120‬فهذا هو المستشفى المتنقل مع كل شيعي‪.‬‬
‫ويبدو أن هذه الطي نة زادت مرض هم مرضًا‪ ،‬و من تعلق بش يء و كل إل يه‪ ،‬ولهذا ش كا ب عض‬
‫الشي عة لما مه ما يجده من ض عف القدرة‪ ،‬فعزاه إما مه بقوله‪" :‬كذلك ج عل ال أولياء نا وأ هل‬
‫مودتنا وجعل البلء إليهم سريعًا" [كامل الزيارات ص ‪ ،275‬بحار النوار‪.].101/121 :‬‬

‫هذا وكما أن الشيعي يتجه حين نزول المرض به إلى صنمه والذي يسميه "بالطينة"‪ ،‬فإنه‬
‫أيضًا يلجأ إلى هذا الصنم وقت الخوف ومداهمة العدو‪ ،‬فيصطحبه معه في ظروف الخوف‪.‬‬
‫يقول إمامهم‪" :‬إذا خفت سلطانًا أو غير سلطان فل تخرجنّ من منزلك إل ومعك من طين قبر‬
‫الحسين" [أمالي الطّوسي‪ ،1/325 :‬بحار النوار‪ ]101/118 :‬وأمره أن يقول‪" :‬اللّهمّ إنّي أخذته من‬

‫‪319‬‬
‫[أمالي الطّوسي‪،1/325 :‬‬ ‫قبر وليّك وابن وليّك‪ ،‬فاجعله لي أمنًا وحرزًا ِلمَا أخاف وما ل أخاف"‬
‫بحار النوار‪.].101/118 :‬‬
‫ول ينسى راوي هذه السطورة أن يذكر طائفته بأنه فعل ذلك فكانت له المان من كل ما‬
‫خاف وما لم يخف ولم ير مكروهًا [أمالي الطّوسي‪ ،1/325 :‬بحار النوار‪.].101/118 :‬‬
‫وهذه الطينة هي أمل الحور العين‪ ،‬ولذلك فالحور كما تقول أساطيرهم يطلبن من الملئكة‬
‫[بحار النوار‪ ،101/134 :‬وقد‬ ‫حينما يهبطون إلى الرض أن تكون هداياهن من طين قبر الحسين‬
‫نقل ذلك عن كتاب المزار الكبير لشيخهم محمد المهدي‪ :‬ص ‪.].119‬‬
‫[مصباح التّهجّد‬ ‫كما تصف رواياتهم السّجود على هذه الطّينة بأنّها "تخرق الحُجُب السّبع"‬
‫للطّوسي‪ :‬ص ‪ ،511‬بحار النوار‪.].101/135 :‬‬
‫هذا جزء من دعاواهم حول طينة الحسين‪ ،‬وكأنهم في اعتقادهم بهذه الطينة فعلوا أكثر من‬
‫المشركين الذين قالوا في أصنامهم بأنها تقربهم إلى ال زلفى‪ ،‬فقد جعلوا لهذه الطينة خواص ل‬
‫يقدر عليها إل رب العزة جل عله‪ ،‬اتخذوها ربًا وإلهًا مع ال سبحانه‪.‬‬
‫ودعوى الستشفاء بهذه الطينة منكر من القول وزور‪ ،‬وهي من دين الشيعة ل من دين‬
‫[آل عمران‪،‬‬ ‫سرِينَ}‬
‫خرَ ِة مِنَ الْخَا ِ‬
‫لمِ دِينًا َفلَن يُ ْق َب َل مِ ْنهُ وَ ُهوَ فِي ال ِ‬
‫غ ْيرَ ا ِلسْ َ‬
‫السلم { َومَن يَ ْبتَغِ َ‬
‫آية‪ ،].85:‬وليس لها ذكر في كتاب ربنا ول سنة نبينا‪ ،‬وال سبحانه بيّن في كتابه أن القرآن‬
‫العظيم شفاء لعباده المؤمنين { ُقلْ ُهوَ ِللّذِينَ آ َمنُوا هُدًى َوشِفَاء} [فصلت‪ ،‬آية‪َ { .].44:‬و ُننَ ّز ُل مِنَ‬
‫ح َمةٌ لّ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ} [السراء‪ ،‬آية‪.].82:‬‬
‫ن مَا ُهوَ شِفَاء َورَ ْ‬
‫الْ ُقرْآ ِ‬
‫وسنة المصطفى صلى ال عليه وسلم بينت من الدعية والوراد التي فيها اللجوء إلى ال‬
‫وحده ل إلى تراب ول صنم‪ ،‬بل ول ملك مقرب ول نبي مرسل وإنما إلى ال وحده‪ ،‬ويتحقق‬
‫[راجع كتب الذكار مثل‪ :‬الذكار للنووي‪ ،‬والكلم الطيب‬ ‫بسببها – بإذنه تعالى – الحفظ للمسلم والمان‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬والوابل الصيب لبن القيم‪ ،‬وتحفة الذاكرين للشوكاني وغيرها‪.].‬‬
‫كما أن المسلم مأمور بالخذ بالسباب الطبيعية للشفاء‪..‬‬
‫أما أكل التراب فهو بدعة كبرى‪ ،‬وأضحوكة ليس لها مثيل إل في دين هؤلء القوم‪.‬‬

‫المبحث السادس‬
‫دعاؤهم بالطلسم والرموز‪ ،‬واستغاثتهم بالمجهول‬
‫ومن ضللهم وشركهم دعاؤهم بالرموز والطلسم والحروف‪ ،‬واعتبار ذلك من أحراز الئمة‬
‫وأدعيتهم وحجبهم‪ ،‬فيكتبونها ويتمتمون بها‪ ..‬من أجل الشفاء‪ ،‬والسلمة‪ ،‬وقد جمع من ذلك‬
‫‪320‬‬
‫المجلسي فأكثر‪ ،‬فقد أورد في كتابه طائفة من اللفاظ التي ل معنى لها‪ ،‬ووضع صور بعض‬
‫[من أمثلة تلك الطلسم‬ ‫الطلسم برسم غريب في كتابه البحار على أن ذلك من هدي الئمة للشفاء‬
‫قالوا‪ :‬حرز لمير المؤمنين صلوات ال عليه للمسحور‪ ،‬والتوابع (الجني يتبع النسان حيث ذهب) والمصروع والسم‬
‫والسلطان والشيطان وجميع ما يخافه النسان‪ ..‬وهذه كتابته‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬أي كنوش أي كنوش أرشش‬
‫عطنيطنيطح يا مطيطرون فريالسنون ما وما ساما طيطشا لوش خيطوش‪ ...‬إلى آخر هذه الطلسم‪ ،‬ثم رسم رموزًا‬
‫ج‍ ‪ .)94‬وتكر رسم مثل هذه الرموز في ص ‪،229‬‬ ‫غريبة على شكل خطوط متداخلة‪( ...‬بحار النوار‪ :‬ص ‪193‬‬
‫وص ‪ 297 ،265‬من الجزء نفسه‪ .‬ومن عوذات الئمة وأحرازهم باللفاظ قولهم كما يزعمون‪" :‬أعوذه بيا أهيا‬
‫شراهيا‪ "..‬إلخ (المصدر السابق‪.].)94/222:‬‬
‫[ومن دعواتهم‬ ‫والحجية بالحروف التي ل معنى لها هي من عوذات الئمة كما يفترون‬
‫بالحروف‪" :‬اللهم بالعين والميم والفاء والحاءين بنور أبو الشباح‪ ..‬اكفني شر من دب ومشى‪ "..‬واعتبروا هذا من‬
‫الحجب التي احتجب بها الئمة ممن أراد الساءة إليهم (بحار النوار‪ .].)373-94/372 :‬وال سبحانه يقول‪:‬‬
‫سنَى فَادْعُوهُ ِبهَا} [العراف‪ ،‬آية‪ .].180:‬وكتابة الحجبة والحروز بهذه‬
‫ح ْ‬
‫سمَاء الْ ُ‬
‫{وَ ِلّلهِ ا َل ْ‬
‫الطلسم والحروف هي من الشرك بالواحد القهار‪ ،‬لنها دعاء لغير ال سبحانه لنها ليست من‬
‫أسمائه سبحانه وصفاته‪ ،‬وأسماء ال سبحانه هي ما ورد في الكتاب والسنة وهي توفيقية ل‬
‫يجوز أن ندعو ال سبحانه بغيرها‪.‬‬
‫كما أن هذه الطلسم ل معنى لها معروف‪ ،‬ولهذا قال المام الصغاني‪" :‬وربما يكون التلفظ‬
‫ب مِن‬
‫طنَا فِي ال ِكتَا ِ‬
‫بتلك الكلمات كفرًا لنا ل نعرف معناها بالعربية‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪{ :‬مّا َفرّ ْ‬
‫شيْءٍ} [النعام‪ ،‬آية‪ .].38:‬وهو يقول‪" :‬آهيا شراهيا‪[ "..‬موضوعات الصغاني‪ :‬ص ‪ ].63‬ثم ذكر أنه قد‬
‫َ‬
‫ضل بهذه الدعوات المجهولت خلق كثير [موضوعات الصغاني‪ :‬ص ‪.].63‬‬
‫أما الستعانة بالمجهول فإنهم يستغيثون به عند الضلل في الطريق كما استغاثوا من قبل‬
‫بالميت‪ ،‬والمعدوم – كما سلف ‪ ،-‬و"الستعانة بالموات أو الغائبين عن نظر من استعان بهم‬
‫من ملئكة أو جن أو إنس في جلب نفع أو دفع ضر نوع من الشرك الكبر الذي ل يغفره ال‬
‫إل لمن تاب منه؛ لن هذا النوع من الستعانة قرب وعبادة‪ ،‬وهي ل تجوز إل ل خالصة‬
‫لوجهه الكريم‪.‬‬
‫[الفاتحة‪ ،‬آية‪].5:‬‬ ‫ك َنسْتَعِينُ}‬
‫ك نَ ْعبُدُ وِإيّا َ‬
‫ومن أدلة ذلك ما علم ال عباده أن يقولوه في آية‪ِ{ :‬إيّا َ‬
‫أي ل نعبد إل إياك ول نستعين إل بك‪ ،‬وقوله سبحانه‪{ :‬وَ َقضَى َربّكَ أَ ّل تَ ْعبُدُواْ ِإلّ ِإيّاهُ}‬
‫[السراء‪ ،‬آية‪ ].23:‬وغيرها" [هذه فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‪ ،‬انظر‪ :‬جريدة الجزيرة‪ ،‬الجمعة ‪6‬‬
‫رجب ‪1407‬ه‍‪ ،‬العدد (‪ ،)5272‬ركن الدعوة والفتاء‪ ،‬تحت إشراف الرئاسة العامة لدارات البحوث العلمية ص‪:‬‬
‫‪.].8‬‬

‫‪321‬‬
‫جاء في مصادرهم المعتمدة "عن أبي بصير عن أبي عبد ال قال‪ :‬إذا ضللت الطريق فناد‪ :‬يا‬
‫[ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪،2/195 :‬‬ ‫صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم ال"‬
‫البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪( 362‬وفيه أخطأتم الطريق)‪ ،‬وسائل الشيعة‪.].8/325 :‬‬
‫قال ابن بابويه في باب‪ :‬دعاء الضال عن الطريق بعد ذكره للرواية السالفة‪" :‬وروي أن البر‬
‫[من ل يحضره الفقيه‪ ،2/195 :‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،362‬وانظر‪:‬‬ ‫موكل به صالح‪ ،‬والبحر موكل به حمزة"‬
‫وسائل الشيعة‪.].8/325 :‬‬
‫ومن هو صالح أو حمزة؟ جاء ما يكشف عن هوية "صالح" في الخصال لبن بابويه بإسناده‬
‫عن علي في حديث الربعمائة قال‪" :‬ومن ضل منكم في سفر وخاف على نفسه فليناد‪ :‬يا صالح‬
‫أغثني‪ ،‬فإن في إخوانكم من الجن جنيًا يسمى صالح يسبح في البلد لمكانكم محتسبًا نفسه لكم‪،‬‬
‫[الخصال‪ ،2/618 :‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫فإذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم وحبس عليه دابته"‬
‫‪.].8/325‬‬
‫وهذا ورثوه فيما يبدو عن أهل الجاهلية الولى‪ ،‬فهو من دينها‪ ،‬كما يدل على ذلك قوله‬
‫جنّ َفزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن‪ ،‬آية‪.].6 :‬‬
‫ن ِبرِجَا ٍل مّنَ الْ ِ‬
‫سبحانه‪{ :‬وََأ ّنهُ كَانَ رِجَا ٌل مّنَ الِنسِ يَعُوذُو َ‬
‫قال أهل العلم‪" :‬كانت عادة العرب في جاهليتها إذا نزلت مكانًا يعوذون بعظيم ذلك المكان أن‬
‫يصيبهم بشيء يسوءهم‪ ،‬كما كان أحدهم يدخل بلد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامته‬
‫وخفارته‪ ،‬فلما رأت الجن أن النس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقًا أي خوفًا وإرهابًا‬
‫وذعرًا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذًا بهم‪ ،‬كما قال قتادة { َفزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي إثمًا‪،‬‬
‫وازدادت الجن عليهم بذلك جرأة‪ ...‬فإذا عاذوا بهم من دون ال رهقتهم الجن الذى عند ذلك"‬
‫[تفسير ابن كثير‪ ،455-4/454 :‬وانظر‪ :‬تفسير الطبري ‪ ،29/108‬فتح القدير‪ ،5/305 :‬وقد جاء هذا المعنى‬
‫في كتب التفسير عند الشيعة‪ :‬انظر‪ :‬البرهان‪ ،4/391 :‬تفسير القمي (المصدر السابق)‪ ،‬تفسير الصافي‪-5/234 :‬‬
‫‪ ،235‬تفسير شبر ص ‪.].535‬‬
‫فلما جاء السلم عاذوا بال وحده وتركوهم [انظر‪ :‬تفسير الطبري‪ .].29/109 :‬والستعاذة بالجن‬
‫[انظر‪ :‬كتاب التوحيد (مع شرح فتح المجيد)‪ ،‬باب من الشرك الستعاذة‬ ‫من الشرك‪ ،‬لنه استعاذة بغير ال‬
‫بغير ال ص ‪.].175‬‬
‫ب ِبهِ مَن‬
‫خيْرٍ َفلَ رَآدّ لِ َفضْ ِل ِه ُيصَي ُ‬
‫شفَ َلهُ إِلّ ُهوَ وَإِن ُيرِدْكَ بِ َ‬
‫سسْكَ الّل ُه ِبضُرّ َفلَ كَا ِ‬
‫{وَإِن يَ ْم َ‬
‫عبَادِهِ وَ ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} [يونس‪ ،‬آية‪.].107:‬‬
‫يَشَاء مِنْ ِ‬

‫المبحث السابع‬

‫‪322‬‬
‫استخارتهم بما يشبه أزلم الجاهلية‬
‫كانت العرب في جاهليتها إذا أراد أحدهم سفرًا أو غزوًا ونحو ذلك أجال القداح وهي‬
‫الزلم‪ ،‬وكانت عبارة عن قداح ثلثة‪ ،‬على أحدها مكتوب افعل‪ ،‬وعلى الخر ل تفعل‪ ،‬والثالث‬
‫غفل ليس عليه شيء‪ ،‬ومن الناس من قال‪ :‬مكتوب على الواحد أمرني ربي‪ ،‬وعلى الخر نهاني‬
‫ربي‪ ،‬والثالث غفل ليس عليه شيء‪ ،‬فإذا أجالها فطلع سهم المر فعله‪ ،‬أو النهي تركه‪ ،‬وإن طلع‬
‫الفارغ أعاد [تفسير ابن كثير‪ ،2/12 :‬تفسير الطبري‪( 9/510 :‬ط‪ :‬المحققة)‪.].‬‬
‫وقد ابتلي فئات من الناس بالزلم‪ ،‬كما ابتلوا بالنصاب‪ ،‬فالنصاب للشرك في العبادة‬
‫والزلم للتكهن وطلب علم ما استأثر ال به‪ ،‬هذا للعلم وتلك للعمل ودين ال وشرعه مضاد‬
‫لهذا وهذا‪.‬‬
‫وقد أدخلت طائفة الثني عشرية الستخارة بالزلم في دينها وأضافت عليها بعض‬
‫الضافات وسموها الرقاع‪ .‬وعقد الحر العاملي لهذا بابًا بعنوان "باب استحباب الستخارة‬
‫بالرقاع وكيفيتها" [وسائل الشيعة‪ ].213-5/208 :‬وذكر في هذا الباب جملة من أحاديثهم في ذلك‬
‫بلغت خمس روايات‪ ،‬أما المجلسي فقد ذكر أنواعًا من الستخارات تدخل في هذا المعنى في‬
‫أبواب ثلثة وهي باب الستخارة بالرقاع [بحار النوار‪ ،].234-91/226 :‬وباب الستخارة‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫بالبنادق [بحار النوار‪ ،].240-91/235 :‬وباب الستخارة بالسبحة والحصى‬
‫‪.].251-91/247‬‬
‫وفي هذه الستخارات تذكر كتب الشيعة كيفية قد تختلف في البداية عن طرق أهل الجاهلية‬
‫حيث الصلة والدعاء‪ ،‬وهي صلة على طريقة مبتدعة‪ ،‬ثم دعاء معين ولكنها تنتهي بما يشبه‬
‫عمل الجاهلية حيث استكشاف ما هو خير عن طريق تحريك السبحة‪ ،‬أو كتاب افعل أو ل تفعل‬
‫في رقاع معينة واختبار ذلك عدة مرات‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما جاء عند الكليني [الفروع من الكافي‪ ،].1/131 :‬والطوسي [التهذيب‪،].1/306 :‬‬
‫والحر العاملي [وسائل الشيعة‪ ].5/208 :‬وغيهم [انظر‪ :‬المقنعة ص ‪ ،36‬المصباح ص ‪ ].372‬عن هارون‬
‫بن خارجة عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا أردت أمرًا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلث‬
‫منها‪ « :‬بسم ال الرحمن الرحيم خيرة من ال العزيز الحكيم لفلن بن فلنة هكذا النسبة للم‪،‬‬
‫وال يقول‪{ :‬ادْعُوهُمْ لبَا ِئهِمْ} [الحزاب‪ ،‬آية‪ ].5 :‬افعل‪ ،‬وفي ثلث منها‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫خيرة من ال العزيز الحكيم لفلن بن فلنة ل تفعل‪ ،‬ثم ضعها تحت مصلك‪ ،‬ثم صل ركعتين‪،‬‬
‫فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة‪ :‬أستخير ال برحمته خيرة في عافية‪ ،‬ثم استو‬
‫جالسًا وقل‪ :‬اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري‪ ،‬في يسر منك وعافية‪ ،‬ثم اضرب بيدك‬
‫‪323‬‬
‫إلى الرقاع فشوشها وأخرج واحدة‪ ،‬فإن خرج ثلث متواليات افعل‪ .‬فافعل المر الذي تريده‪،‬‬
‫وإن خرج ثلث متواليات ل تفعل فل تفعله‪ ،‬وإن خرجت واحدة افعل والخرى ل تفعل فأخرج‬
‫من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة ل تحتاج إليها »‪.‬‬
‫أما الستخارة بالبنادق فيفسرها ما جاء في روايتهم التي تقول‪ .." :‬انوِ الحاجة في نفسك ثم‬
‫اكتب رقعتين‪ ،‬في واحدة ل‪ ،‬وفي واحدة نعم‪ ،‬واجعلهما في بندقتين من طين‪ ،‬ثم صلّ ركعتين‬
‫واجعلهما تحت ذيلك وقل‪ :‬يا ال‪ ،‬إني أشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر‬
‫علي مما فيه صلح وحسن عاقبة‪ ،‬ثم أدخل يدك فإن كان فيها نعم فافعل‪ ،‬وإن كان فيها ل‪ ،‬ل‬
‫تفعل" [الفروع من الكافي‪ ،1/132 :‬التهذيب‪ ،1/306 :‬وسائل الشيعة‪.].5/209 :‬‬
‫وجاء في أخبارهم أن "استخارة مولنا أمير المؤمنين وهي أن تضمر ما شئت وتكتب هذه‬
‫[أي متساويتين بأن تزنهما بالميزان‪ ،‬قاله شيخهم‬ ‫الستخارة وتجعلهما في مثل البندق ويكون بالميزان‬
‫المجلسي‪ :‬البحار‪ :‬أبو ‪ ].91/239‬وتضعهما في إناء فيه ماء ويكون على ظهر إحداهما افعل‬
‫[بحار النوار‪ ،91/238 :‬باب‬ ‫والخرى ل تفعل‪ ،‬فأيهما طلع على وجه الماء فافعل به‪ ،‬ول تخالفه‬
‫الستخارة بالبنادق‪.].‬‬
‫ول شك بأن أمير المؤمنين عليًا بريء من لوثات الجاهلية وأوهامها‪ ،‬وهذا مما دسته الشيعة‬
‫عليه‪ ،‬ولذلك لم ينقله عنه سواها‪..‬‬
‫أما الستخارة بالسبحة والحصى فقد قال شيخهم المجلسي‪" :‬سمعت والدي يروي عن شيخه‬
‫البهائي‪ ..‬أنه كان يقول‪ :‬سمعنا مذاكرة عن مشايخنا عن القائم صلوات ال عليه في الستخارة‬
‫بالسبحة أنه يأخذها‪ ،‬ويصلي على النبي وآله صلوات ال عليهم ثلث مرات‪ ،‬ويقبض على‬
‫[بحار‬ ‫السبحة‪ ،‬ويعد اثنتين اثنتين‪ ،‬فإن بقت واحدة فهو افعل‪ ،‬وإن بقيت اثنتان فهو ل تفعل"‬
‫النوار‪.].91/250 :‬‬
‫هذا النواع من الستخارة ذات أصل جاهلي حاولوا إلباسه ثوب السلم‪.‬‬
‫وقد أمر ال المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في‬
‫المر الذي يريدونه [ابن كثير‪ /‬التفسير‪ ،].2/13 :‬لما روى المام أحمد والبخاري وأهل السنن عن‬
‫جابر بن عبد ال قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا الستخارة كما يعلمنا السورة‬
‫من القرآن يقول‪" :‬إذا همّ أحدكم بالمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل‪ :‬اللهم إني‬
‫أستخيرك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول‬
‫في التهجد‪ ،‬باب ما جاء في التطوع مثنى‬ ‫أعلم وأنت علم الغيوب‪ "...‬الحديث [أخرجه البخاري‪2/51 :‬‬

‫‪324‬‬
‫(‪ ،)1538‬والترمذي‪/2 :‬‬ ‫مثنى‪ ،‬و ‪ ،8/168‬باب قول ال تعالى‪{ :‬قُ ْل هُ َو ا ْلقَا ِدرُ}‪ ،‬وأبو داود ‪188 ،2/187‬‬
‫‪ ،)480( 349‬والنسائي ‪ ،81-6/80‬وابن ماجه‪ ،)1383( 1/440 :‬وأحمد‪.].3/344 :‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫وهذه الستخارة جاءت أيضًا في كتب الشيعة بنفس النص السابق‬
‫‪ ،91/265‬مكارم الخلق ص ‪ ].372‬الوارد في أمهات كتب المسلمين (مصادر أهل السنة)‪ ،‬ولكن‬
‫عقيدة التقية التي كانت من أهم العوامل التي نأت بالشيعة عن النضواء تحت لواء الجماعة‪..‬‬
‫جعلت بعض شيوخ الشيعة يرجح العمل برقاع الجاهلية على غيرها ل لشيء إل لنها مما شذت‬
‫به طائفته عن هدي المصطفى صلى ال عليه وسلم وما عليه أهل السنة‪ ،‬ذلك أن ما يتفق من‬
‫رواياتهم مع إجماع المسلمين يصبح العمل به عند الشيعة موضع تردد لحتمالت التقية‬
‫المزعومة‪.‬‬
‫قال الحر العاملي‪" :‬قد رجح ابن طاووس العمل باستخارة الرقاع بوجوه كثيرة منها‪ ..‬أنها ل‬
‫تحتمل التقية لنه لم ينقله أحد من العامة" [وسائل الشيعة‪ ].5/211 :‬ويعني بالعامة أهل السنة‪ ،‬وهذا‬
‫اعتراف منهم أن استخارة الرقاع مما شذت به طائفتهم‪.‬‬
‫[وهو شيخهم جعفر‬ ‫ويبدو أن بعض شيوخهم رابهم أمر هذه الرقاع وشعروا بشذوذه فقال بعضهم‬
‫بن الحسن الحلي (ت ‪676‬ه‍) الملقب عندهم بالمحقق‪" : ].‬وأما الرقاع وما يتضمن افعل ول تفعل ففي‬
‫[قال شيخهم ابن إدريس‪:‬‬ ‫حيز الشذوذ" [انظر‪ :‬بحار النوار‪ ].91/287 :‬كما طعن بعضهم في إسنادها‬
‫"إنه من شواذ الخبار‪ ،‬لن رواتها فطحية ملعونون مثل‪ :‬زرعة وسماعة" (بحار النوار‪.].)91/287 :‬‬
‫ولكن هذا الصوت الذي ينكر هذا التجاه في الستخارة لم يرق لبعض متأخري الشيعة‪ ،‬فقد‬
‫ردوه وقالوا‪" :‬إنه ل مأخذ له مع اشتهارها بين الصحاب‪ ،‬وكيف تكون شاذة وقد دونها‬
‫المحدثون في كتبهم‪ ،‬والمصنفون في مصنفاتهم" [بحار النوار‪ ،].91/288 :‬ثم قالوا بأنه قد ألف‬
‫أحد شيوخهم [وهو رضي الدين الحسن علي بن طاووس الحسني‪ ].‬كتابًا ضخمًا في الستخارات واعتمد‬
‫فيه على رواية الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب [بحار النوار‪ ،].91/288:‬وقالوا بأنه لم‬
‫[اختلفت أقوالهم في أول من أنكرها؛ فذكر شيخهم الملقب بالشهيد بأنه لم ينكرها من شيوخهم سوى‬ ‫ينكرها إل قلة‬
‫ابن إدريس ومن أخذ مأخذه كالشيخ نجم الدين (بحار النوار‪ .)91/288 :‬بينما قال المجلسي بأن أصل النكار كان‬
‫من شيخهم المفيد‪ ،‬وذلك حينما ذكر رواية الستخارة بالرقاع قال‪" :‬وهذه الرواية شاذة‪ ..‬أوردناها للرخصة دون‬
‫تحقيق العمل"‪ .‬ثم أنكر بعض متأخريهم وجود هذا الكلم في نسخة المفيد وقالوا بأنه مما ألحق في كلمه وليس منه‪.‬‬
‫(بحار النوار‪ ].)288-91/287 :‬منهم ل عبرة بإنكاره‪.‬‬
‫هذه حكاية الستخارة بالرقاع‪ ،‬والبنادق‪ ،‬والسبحة‪ ،‬والحصى‪ ،‬وما دار حولها من جدل‪..‬‬
‫وهي عين استخارة المشركين "افعل أو ل تفعل" سوى أنهم أضافوا إليها صلةً ودعاءً‪،‬‬

‫‪325‬‬
‫[انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫وخصصت بعض رواياتهم موضع هذه الستخارة بأن تكون عند قبر الحسين‬
‫‪ ،5/220‬بحار النوار‪ ].101/285 :‬ليتسع باب الشرك أكثر‪ .‬وهذه بدعة انفرد بها هؤلء القوم‪،‬‬
‫جعلتهم يتعلقون‪ ،‬ويأتمرون بما تهديهم إليه هذه الزلم‪.‬‬
‫عَليْكُمُ ا ْل َميْ َتةُ وَالْدّمُ} ‪ -‬إلى قوله سبحانه –‪{ :‬وَأَن‬
‫ح ّرمَتْ َ‬
‫مع أن ال سبحانه يقول‪ُ { :‬‬
‫ستَ ْقسِمُو ْا بِا َلزْلَمِ َذلِكُمْ ِفسْقٌ‪[ }...‬المائدة‪ ،‬آية‪ ].3:‬أي حرم عليكم أيها المؤمنون الستقسام‬
‫تَ ْ‬
‫بالزلم‪ ،‬والستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الزلم [تفسير ابن كثير‪ .].2/12 :‬قال ابن‬
‫عباس‪" :‬هي قداح كانوا يستقسمون بها في المور" [تفسير الطبري‪ ].6/78 :‬أي يطلبون بها علم ما‬
‫قسم لهم [ابن القيم‪ /‬إغاثة اللهفان‪ .].1/227 :‬وقوله سبحانه‪{ :‬ذَِلكُمْ ِفسْقٌ} أي تعاطيه فسق وغيّ‬
‫وضللة وجهالة وشرك" [تفسير ابن كثير‪.].2/13 :‬‬
‫وهؤلء الروافض في استخارتهم تلك ساروا في خطا المشركين‪ ،‬ورجحوا العمل بهذه‬
‫"الزلم" [انظر‪ :‬الحر العاملي‪ /‬اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪ ].71-70 ،3‬على الستخارة الشرعية‪ ،‬لن‬
‫انفرادهم بها عن المسلمين دليل الصحة عندهم‪ ،‬كما هي قاعدتهم‪ ،‬كما ألزموا أتباعهم العمل‬
‫ل ‪" :-‬وإن وجد في كلها (أي الرقاع) ل تفعل فليحذر عن القدام‬
‫[قالوا – مث ً‬ ‫بنتيجتها‪ ،‬وتوعدوا على مخالفتها‬
‫على ذلك المر"‪( .‬بحار النوار‪ .].)91/228 :‬فكأنهم اعتقدوا أنها تأتيهم بالخبر عن ال‪ ،‬وهذا‬
‫كالستقسام بالزلم عند المشركين‪ .‬قال ابن القيم‪" :‬الستقسام هو إلزام أنفسهم بما تأمر به‬
‫القداح كقسم اليمين‪[ "..‬إغاثة اللهفان‪.].1/227 :‬‬
‫فكيف يزعم الرافضي أن ما خرج من هذه الرقاع التي يستقسم بها هي عين ما أراد ال فيلزم‬
‫نفسها بها‪ ..‬أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهدًا؟‍! فهذه الرقاع تدفعه للمضي في أمره أو‬
‫تمنعه بل بينة ول برهان كحال أهل الشرك‪ ،‬ولعله "ل فرق بين ذلك وبين قول المنجم‪ :‬ل‬
‫[لقمان‪ ،‬آية‪].34:‬‬ ‫س مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدًا}‬
‫تخرج من أجل نجم كذا"‪ .‬وال سبحانه يقول‪َ { :‬ومَا تَ ْدرِي نَفْ ٌ‬
‫[إغاثة اللهفان‪ .].1/227 :‬فهؤلء يقولون‪ :‬اعمل أو ل تعمل‪ ،‬بأمر الحصى والجمادات‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫عقيدتهم في توحيد الربوبية‬
‫وتوحيد الربوبية هو إفراد ال سبحانه بالملك والخلق والتدبير‪ ،‬فيؤمن العبد بأنه سبحانه‬
‫الخالق الرازق‪ ،‬المحيي‪ ،‬المميت‪ ،‬النافع‪ ،‬الضار‪ ،‬المالك‪ ،‬المدبر‪ ،‬له الخلق والمر كله‪ ،‬كما قال‬
‫خلْقُ وَا َل ْم ُر َتبَارَكَ الّلهُ رَبّ ا ْلعَا َلمِينَ} [العراف‪ ،‬آية‪ .].54:‬وقال‪َ { :‬ولِّل ِه مُلْكُ‬
‫سبحانه‪{ :‬أَلَ َلهُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَِإلَى الّلهِ ا ْلمَصِيرُ} [النور‪ ،‬آية‪ .].42:‬ل شريك له في ذلك سبحانه ول نظير‬
‫ال ّ‬
‫‪326‬‬
‫[انظر في معنى توحيد الربوبية‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،10/33 :‬وعلي بن أبي العز‪ /‬شرح العقيدة الطحاوية‬
‫(ضمن مجموع‪ :‬عقيدة الفرقة الناجية)‪ ،‬السفاريني‪ /‬لوامع النوار البهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،17‬المقريزي‪ /‬تجريد التوحيد ص ‪81‬‬
‫‪ ،129-1/128‬وسليمان بن عبد الوهاب‪ /‬تيسير العزيز الحميد ص ‪ ،33‬عبد الرحمن بن سعدي‪ /‬سؤال وجواب‬
‫في أهم المهمات ص ‪ ،5‬محمد خليل هراس‪ /‬دعوة التوحيد‪ :‬ص ‪ 27‬وما بعدها‪ ،‬عبد العزيز بن باز‪ /‬تعليق على‬
‫العقيدة الطحاوية‪ ،‬نشر في مجلة البحوث السلمية‪ ،‬العدد‪1406 )15( :‬ه‍‪.].‬‬
‫وليس المقصود هنا دراسة هذا الصل‪ ،‬وإنما القصد معرفة اعتقاد الشيعة فيه‪ ..‬وهل تأثر‬
‫هذا الصل الصيل والركن العظيم عندهم بما يدعونه في المام؟‬
‫لقد بين القرآن العظيم أن مشركي قريش مع كفرهم بعبادته سبحانه وصرفهم أنواعًا من‬
‫العبادات لغيره‪ ،‬إل أنهم يؤمنون بأن ال سبحانه هو خالقهم ورازقهم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَ َلئِن سَ َأ ْل َتهُم‬
‫سمَاء وَا َلرْضِ َأمّن‬
‫خلَ َقهُمْ َليَقُولُنّ الّلهُ} [الزخرف‪ ،‬آية‪ ،].87 :‬وقال‪ُ { :‬ق ْل مَن َي ْرزُقُكُم مّنَ ال ّ‬
‫مّنْ َ‬
‫حيّ َومَن يُدَ ّبرُ ا َل ْمرَ‬
‫ت مِنَ ا ْل َ‬
‫خ ِرجُ ا ْلمَيّ َ‬
‫ي مِنَ ا ْل َميّتِ وَيُ ْ‬
‫حّ‬‫خ ِرجُ الْ َ‬
‫سمْعَ وا َلبْصَارَ َومَن يُ ْ‬
‫يَمِْلكُ ال ّ‬
‫ل َتتّقُونَ} [يونس‪ ،‬آية‪.].31 :‬‬
‫سيَقُولُونَ الّلهُ فَ ُقلْ أَ َف َ‬
‫َف َ‬
‫ن َأكْثَرُ ُهمْ بِالّلهِ‬
‫َومَا ُي ْؤمِ ُ‬ ‫ولكنهم مع ذلك أشركوا مع ال غيره في عبادته‪ ،‬ولهذا قال سبحانه‪:‬‬
‫[يوسف‪ ،‬آية‪ ].106:‬قال مجاهد‪" :‬إيمانهم بال قولهم‪ :‬إن ال خلقنا ويرزقنا‬ ‫ِإلّ وَهُم ّمشْ ِركُونَ‬
‫[تفسير الطبري‪ ،78-231/77 :‬وانظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪:‬‬ ‫ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره"‬
‫‪.].2/532‬‬
‫فهل كانت الشيعة أكثر كفرًا من المشركين في هذا؟‬
‫لقد بين أهل العلم أن اليمان بربوبية ال سبحانه أمر قد فطر عليه البشر وأن الشرك في‬
‫الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والفعال لم يثبت عن طائفة من الطوائف‬
‫[انظر‪ :‬مجموع‬ ‫في التاريخ البشري‪ ،‬وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقًا خلق بعض العالم‬
‫فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،97-3/96 :‬شرح العقيدة الطحاوية‪ :‬ص ‪.].18-17‬‬
‫ولهذا كان السؤال‪ :‬هل تأثر هذا الصل في دين الشيعة؟‪ ،‬بمعنى هل وجد الشراك الجزئي‬
‫عندهم‪ ،‬باعتبار ما يولونه الئمة من اهتمام‪ ،‬وما يعطونهم من أوصاف‪ ،‬وما يضفونه عليهم من‬
‫ألقاب؟‬
‫سيتبين هذا من خلل التتبع لما جاء عن أئمتهم في كتبهم المعتمدة‪ ،‬ورواياتهم المعتبرة‬
‫عندهم‪ ،‬حيث أعرض خمسة مباحث‪ :‬أولها‪ :‬قولهم‪ :‬إن الرب هو المام‪ ،‬وثانيها‪ :‬اعتقادهم أن‬
‫الدنيا والخرة للمام‪ ،‬وفي المبحث الثالث‪ :‬قولهم‪ :‬إن السحاب والرعد هو من أمر الئمة‪،‬‬
‫ومسخر للئمة وهو ما أسميته (إسناد الحوادث الكونية إلى الئمة)‪ ،‬وفي المبحث الرابع‪ :‬قولهم‬

‫‪327‬‬
‫بحلول جزء إلهي في الئمة‪ ،‬وفي الخامس‪ :‬زعمهم تأثير اليام بالنفع والضر‪ ،‬وسيأتي أيضًا في‬
‫أقوالهم بأركان اليمان مبحث قولهم بالقدر وأن العبد يخلق فعله‪ ،‬وهذا شرك في الربوبية‪ ،‬وقد‬
‫أرجأت عرضه إلى هناك حتى يكتمل النظر في أقوالهم في أركان اليمان‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫قولهم‪ :‬إن الرب هو المام‬
‫جاء في أخبارهم أن عليًا – كما يفترون عليه – قال‪ :‬أنا رب الرض الذي يسكن الرض به‬
‫[مرآة النوار ص ‪ ،59‬وقد نقل ذلك عن بصائر الدرجات للصفار‪.].‬‬
‫فانظر إلى هذا التطاول والغلو‪ ..‬فهل رب الرض إل الواحد القهار‪ ،‬وهل يمسك السماوات‬
‫والرض إل خالقهما سبحانه ومبدعهما‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضَ أَن َتزُول َوَلئِن زَا َلتَا ِإنْ َأ ْمسَ َك ُهمَا مِنْ أَحَ ٍد مّن بَ ْعدِهِ‪}..‬‬
‫{إِنّ الّل َه ُيمْسِكُ ال ّ‬
‫[فاطر‪ ،‬آية‪.].41:‬‬
‫وقال إمامهم‪" :‬أنا رب الرض" يعني إمام الرض‪ ،‬وزعم أنه هو المقصود بقوله سبحانه‪:‬‬
‫ض ِبنُورِ َر ّبهَا} [الزمر‪ ،‬آية‪[ ].69:‬مرّ تخريج هذا النص ص‪.].)0172:‬‬
‫شرَقَتِ ا َلرْ ُ‬
‫{وََأ ْ‬
‫[الكهف‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫س ْوفَ نُعَ ّذبُ ُه ثُ ّم ُيرَدّ ِإلَى َربّهِ َفيُعَ ّذ ُبهُ عَذَابًا نّ ْكرًا}‬
‫وفي قوله سبحانه‪َ{ :‬أمّا مَن ظَ َلمَ َف َ‬
‫‪ ].87‬قالوا‪ :‬يرد إلى أمير المؤمنين فيعذبه عذابًا نكرًا [مرآة النوار ص ‪ ،59‬وقد عزاه إلى كنز الفوائد‪.].‬‬
‫وفي قوله سبحانه‪{ :‬وَل ُيشْرِكْ بِ ِعبَادَةِ َر ّبهِ أَحَدًا} [الكهف‪ :‬آية‪ .].110:‬جاء في تفسير العياشي‪:‬‬
‫يعني التسليم لعلي رضي ال عنه ول يشرك معه في الخلفة من ليس له ذلك ول هو من أهله‬
‫[تفسير العياشي‪ ،2/353 :‬البرهان‪ ،2/497 :‬تفسير الصافي ‪ ،].3/270‬وبنحو ذلك جاء تأويلها عند‬
‫القمي في تفسيره [انظر‪ :‬تفسير القمي‪.].2/47 :‬‬
‫ول تظن أن هذا التأويل من باب أن رب تأتي في اللغة بمعنى صاحب أو سيد‪ ،‬إذ إن هذه‬
‫اليات نص في الرب سبحانه ل يحتمل سواه‪ ،‬فالضافة عرفته وخصصته‪.‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫وقد قال أئمة اللغة‪ :‬إن الرب إذا دخلت عليه (أل) ل يطلق إلى على ال سبحانه‬
‫المصباح المنير‪ :‬ص ‪.].254‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫السماء والصفات نوعان‪ :‬نوع يختص به الرب‪ ،‬مثل الله ورب العالمين ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ل‬
‫يثبت للعبد بحال‪ ،‬ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا ل أندادًا‪ ،‬والثاني‪ :‬ما يوصف به العبد‬
‫[منهاج‬ ‫في الجملة كالحي والعالم والقادر إل أنه ل يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلً‬
‫‪328‬‬
‫السنة‪ ..].1/342 :‬ولكن هؤلء جعلوا لفظ الرب الخاص بال سبحانه اسمًا لمامهم عبر تأويلتهم‬
‫الكثيرة‪.‬‬
‫وهذه التأويلت وضعها لهم زنديق ملحد أراد بذلك صرف الشيعة من ربها‪ ..‬وقد تكون‬
‫فرقهم التي قالت بربوبية عليّ‪ ،‬والرجال الذين ذهبوا هذا المذهب والذي نسمع نعيقهم إلى يومنا‬
‫هذا قد شربوا من هذا المستنقع السن الذي احتفظت به كتب الثني عشرية المعتمدة عندها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫قولهم بأن الدنيا والخرة كلها للمام‬
‫يتصرف بها كيف يشاء‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪:‬‬ ‫عقد صاحب الكافي لهذا بابًا بعنوان‪" :‬باب أن الرض كلها للمام"‬
‫‪ ،]410-1/407‬ومما جاء فيه‪ :‬عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪" :‬أما علمت أن‬
‫[أصول‬ ‫الدنيا والخرة للمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء‪ ،‬جائز له ذلك من ال‪"..‬‬
‫الكافي‪.].1/409 :‬‬
‫أليس في هذا النص شرك في ربوبية ال سبحانه؛ لن ال جل شأنه يقول‪{ :‬أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الّلهَ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ} [البقرة‪ ،‬آية‪ ].107:‬ويقول سبحانه‪{ :‬وَ ِلّلهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫َل ُه مُ ْلكُ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ َومَا‬
‫َومَا َبيْ َن ُهمَا وَإِ َل ْيهِ ا ْلمَصِيرُ} [المائدة‪ ،‬آية‪ .].18:‬ويقول جل شأنه‪ِ { :‬لّلهِ مُلْكُ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَلَمْ يَتّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن ّلهُ‬
‫فِيهِنّ} [المائدة‪ ،‬آية‪ .].120 :‬وقال‪{ :‬الّذِي َلهُ مُلْكُ ال ّ‬
‫خرَةُ وَالُولَى} [النجم‪ ،‬آية‪.].25 :‬‬
‫شرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ} [الفرقان‪ ،‬آية‪ ،].2 :‬وقال سبحانه‪َ { :‬فلِّلهِ الَ ِ‬
‫َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ ُقلِ الّلهُ} [سبأ‪ ،‬آية‪ ،].24 :‬وقال‬
‫كما قال سبحانه‪ُ { :‬قلْ مَن َيرْزُقُكُم مّنَ ال ّ‬
‫سمَاء وَا َلرْضِ} [فاطر‪ ،‬آية‪.].3 :‬‬
‫غ ْيرُ الّل ِه َي ْرزُقُكُم مّنَ ال ّ‬
‫سبحانه‪َ { :‬ه ْل مِنْ خَالِقٍ َ‬
‫عبُدُوهُ وَاشْ ُكرُوا َلهُ} [العنكبوت‪ ،‬آية‪ ].17 :‬فهو سبحانه قد‬
‫وقال‪{ :‬فَا ْبتَغُوا عِندَ الّلهِ ال ّرزْقَ وَا ْ‬
‫تفرد بالملك والرزق والتدبير ل شريك له في ذلك‪.‬‬
‫فكيف تدعي هذه الزمرة ما ل سلطان للبشر عليه‪ ،‬وتعطي الئمة ما هو من مقتضيات‬
‫ربوبية ال سبحاه‪ ،‬ما لهم بذلك من برهان إل اتباع ما تمليه شياطينهم‪ ،‬وتسطره زنادقتهم‪ ،‬ومن‬
‫العجب أنهم يعطون أئمتهم ملك ال وعلمه وحقوقه وأفعاله‪ ..‬ويقولون‪ :‬إن ذلك من ال أو "جائز‬
‫له ذلك من ال" فهل هذا إل مجرد تستر على اللحاد‪ ،‬ومحاولة لخفاء الهدف الخطير الذي‬
‫تسعى إليه شياطينهم في تأليه الئمة‪ ،‬وإضفاء صفات الربوبية عليهم؟!‬

‫‪329‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫إسناد الحوادث الكونية إلى الئمة‬
‫كل ما يجري في هذا الكون فهو بأمر ال وتقديره ل شريك له سبحانه‪ ،‬لكن في كتب الثني‬
‫عشرية ما يثير العجب في هذا؛ حيث تدعي بأن لئمتها أمرًا في ذلك‪ ،‬تقول روايتهم‪:‬‬
‫"عن سماعة بن مهران قال‪ :‬كنت عند أبي عبد ال عليه السلم فأرعدت السماء وأبرقت‪،‬‬
‫فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر‬
‫[المفيد‪ /‬الختصاص ص ‪ ،327‬بحار‬ ‫صاحبكم‪ ،‬قلت‪ :‬من صاحبنا؟ قال‪ :‬أمير المؤمنين عليه السلم"‬
‫النوار‪ ،27/33 :‬البرهان‪.].2/482 :‬‬
‫يعني كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي‪ ،‬ل من أمر الواحد القهار‪..‬‬
‫فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه الرواية‪ ،‬وال جل شأنه يقول‪ُ { :‬هوَ الّذِي ُيرِيكُمُ ا ْلبَرْقَ‬
‫طمَعًا وَ ُي ْنشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ} [الرعد‪ ،‬آية‪].12:‬؟ أليست هذه هي السبئية قد أطلت برأسها‬
‫خوْفًا وَ َ‬
‫َ‬
‫المشوه من خلل كتب الثني عشرية؟ أليس هذا ادعاء لربوبية علي‪ ،‬أو أن له شركًا في‬
‫الربوبية؟ كيف يتجرأ قلم المجلسي ومن قبله المفيد على كتابة هذه السطورة ونسبتها إلى‬
‫جعفر؟ فإن هذا اللحاد ل يخفى على أمثالهم‪ ،‬ول يؤمن بهذا ويدعو إليه إل كل زنديق وملحد‪،‬‬
‫والعجب من قوم يستقون دينهم من كتب حوت هذا الغثاء‪ ،‬ويعظمون شيوخًا يجاهرون بهذا‬
‫البلء‪ ،‬أليس في هذه الطائفة من صاحب عقل ودين يعلن الصيحة والنكير على هذا الضلل‬
‫المنتشر‪ ،‬والكفر المبين يبرئ "أهل البيت الطهار" من هذا الدرن القاتل وينقي ثوب التشيع مما‬
‫لطخه به شيوخ الدولة الصفوية من كفر وضلل‪.‬‬
‫أم أن كل صوت صادق إما أن يعاجل بالقتل كما فعلوا مع الكسروي‪ ،‬أو يحمل قوله على‬
‫التقية كما صنعوا في الكثير من رواياتهم‪ ،‬وطائفة من أقوال شيوخهم‪ ،‬فهل وصل هذا المذهب‬
‫في سبيل عودته إلى نور الحق إلى طريق مسدود‪..‬؟‬
‫أحسب أن أولئك التباع الغرار ل يظنون بان هناك إسلمًا إل هذا؛ لن طوائف من السنة‬
‫والشيعة أوهموهم بأن ل فرق بين المذهبين إل في بعض مسائل الفروع فأوصدوا أمامهم مجال‬
‫النظر والتفكير والبحث بهذا الوهم الشائع الكبير [راجع فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة‪.].‬‬
‫ويقولون بأن السحاب هو المطية الذلول لعلي يسيرها كيف شاء‪.‬‬
‫تقول روايتهم‪ .." :‬ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة وبرق فصاحبكم يركبه‪ ،‬أما أنه‬
‫سيركب السحاب‪ ،‬ويرقى في السباب أسباب؛ السماوات والرضين السبع‪ ،‬خمس عوامر وثنتان‬
‫خراب" [الختصاص‪ :‬ص ‪ ،199‬وانظر‪ :‬رواية أخرى مثلها ص ‪ ،327‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪.].27/32 :‬‬
‫‪330‬‬
‫حتّى إِذَا‬
‫وكأنهم بهذا يقولون إن عليًا هو الذي يسير السحاب؛ فيكفرون بقول ال سبحانه‪َ { :‬‬
‫سلُ‬
‫أَ َقلّتْ سَحَابًا ثِقَالً سُ ْقنَاهُ ِلبَلَدٍ مّيّتٍ َفأَنزَ ْلنَا ِبهِ ا ْلمَاء} [العراف‪ ،‬آية‪ ،].57:‬وقوله‪{ :‬الّلهُ الّذِي ُيرْ ِ‬
‫ف َيشَاء} [الروم‪ ،‬آية‪.].48:‬‬
‫سمَاء َكيْ َ‬
‫ال ّريَاحَ َفتُثِيرُ سَحَابًا َف َي ْبسُطُهُ فِي ال ّ‬
‫ويبدو أن قول الثني عشية‪ :‬إن عليًا يركب السحاب امتداد للمذهب السبئي الذي يقول بأن‬
‫[الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪:‬‬ ‫عليًا‪" :‬هو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته والبرق تبسمه"‬
‫‪.].1/174‬‬
‫وينقل لنا المجلسي رواية طويلة في ثماني صفحات [انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،].40-27/33 :‬تجعل‬
‫لعلي قدرات مطلقة‪ ،‬فهو ينقل أصحابه إلى عالم السماوات والرض‪ ،‬ويعرض عليهم معجزات‬
‫أعظم من معجزات النبياء‪ ،‬ويمر بأقوام فيهلكهم بصعقة واحدة‪ .‬ويتعاظم حتى يقول‪ :‬إني لملك‬
‫من ملكوت السماوات والرض ما ل يحتملون العلم ببعضه‪..‬‬
‫يقول المجلسي – في حديثه هذا ‪ :-‬إن عليًا أومأ إلى سحابتين فأصبحت كل سحابة كأنها‬
‫بساط موضوع فركب على سحابة بمفرده‪ ،‬وركب بعض أصحابه – كما تقول الرواية –‬
‫كسلمان والمقداد‪ ..‬السحابة الخرى‪ ،‬وقال علي وهو فوق السحابة‪" :‬أنا عين ال في أرضه‪ ،‬أنا‬
‫لسان ال الناطق في خلقه‪ ،‬أنا نور ال الذي ل يطفأ‪ ،‬أنا رب ال الذي يؤتى منه‪ ،‬وحجته على‬
‫عباده" [بحار النوار‪.].27/34 :‬‬
‫ومضت القصة الطويلة في سرد غريب‪ ،‬أصحاب علي يسألونه عن معجزات النبياء فيقول‪:‬‬
‫أنا أريكم أعظم منها حتى قال‪" :‬والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لملك من ملكوت السماوات‬
‫والرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم‪ ،‬إن اسم ال العظم على اثنين وسبعين حرفًا‪،‬‬
‫وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به فخسف ال عز وجل الرض ما بينه وبين‬
‫عرش بلقيس‪ ،‬حتى تناول السرير‪ ،‬ثم عادت الرض كما كانت أسرع من طرف النظر‪ ،‬وعندنا‬
‫[بحار‬ ‫نحن وال اثنان وسبعون حرفًا وحرف واحد عند ال عز وجل استأثر به في علم الغيب"‬
‫النوار‪.].27/37 :‬‬
‫ثم تذكر هذه السطورة بأنهم مروا على عوالم غريبة فزار النبياء‪ ،‬فكان من النبياء من‬
‫يبكي لما رأى أمير المؤمنين‪ ،‬ولما قيل له‪ :‬ما بكاؤك؟ قال‪" :‬إن أمير المؤمين كان يمر بي عند‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫كل غداة فيجلس فتزداد عبادتي بنظري إليه فقطع ذلك منذ عشرة أيام فأقلقني ذلك"‬
‫‪.].27/37‬‬

‫‪331‬‬
‫وتقول القصة بأن عليًا كان يقول لصحابه‪" :‬غضوا أعينكم" فينقلهم إلى مدينة أسواقها قائمة‪،‬‬
‫وأهلها أعظم من طول النخل‪ ،‬ويقول‪" :‬إن هؤلء من قوم عاد‪ ،‬ثم يصعق فيهم عليّ صعقة‬
‫فتهلكهم" [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].27/39 :‬‬
‫وهكذا تمضي القصة حتى يعودوا تقلهم السحاب ثم يهبطون في دار أمير المؤمنين في أقل‬
‫من طرف النظر‪ ،‬قالوا‪" :‬وكان وصولنا إلى المدينة وقت الظهر والمؤذن يؤذن‪ ،‬وكان خروجنا‬
‫منها وقت علت الشمس" [بحار النوار‪ .].27/40 :‬فقال أمير المؤمنين‪" :‬لو أنني أردت أن أجوب‬
‫الدنيا بأسرها والسماوات السبع وأرجع في أقل من الطرف لفعلت بما عندي من اسم ال‬
‫العظم‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا أمير المؤمنين أنت وال الية العظمى والمعجز الباهر" [بحار النوار‪.].27/40 :‬‬
‫هذه الرواية الطويلة بكل ما فيها من "بليا" لم يتجاسر شيخهم المجلسي على ردها‪ ،‬بالرغم‬
‫من انه قال بأن هذا النص‪" :‬لم نره في الصول التي عندنا" [بحار النوار‪ ،].27/40 :‬إل أنه قال‬
‫بأننا "ل نردها‪ ،‬ونرد علمها إليهم عليهم السلم" [بحار النوار‪.].27/40 :‬‬
‫فانظر إلى نص ل يوجد في أصولهم المعتبرة‪ ،‬وحوى من الغلو ما ل يخطر بالبال‪ ،‬ومع ذلك‬
‫لم يتجرأ على رده‪ ..‬فكيف إذن بالروايات الخرى المثبتة في أصولهم‪ .‬فقبولها من باب أولى‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫الجزء اللهي الذي حل في الئمة‬
‫وترد عندهم رايات تدعي بأن جزءًا من النور اللهي حل بعليّ‪.‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/440 :‬وبحار النوار‪:‬‬ ‫قال أبو عبد ال‪" :‬ثم مسحنا بيمينه فأضى نوره فينا"‬
‫‪.." .].442-1/441‬ولكن ال خلطنا بنفسه‪[ "..‬أصول الكافي‪ .].1/435 :‬كانوا قبل خلق الخلق‬
‫أنوارًا‪.‬‬
‫وهذا الجزء اللهي الذي في الئمة – كما يزعمون – أعطوا به قدرات مطلقة‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫من يقرأ ما يسمونه معجزات الئمة – وتبلغ مئات الروايات – يلحظ أن الئمة أصبحوا كرب‬
‫[انظر‪ :‬بحار‬ ‫العالمين – تعالى ال وتقدس عما يقولون – في الحياء والماتة والخلق والرزق‬
‫النوار‪ ،‬باب جوامع معجزاته (يعنون عليًا)‪ ،50-42/17 :‬وفيه ‪ 17‬رواية‪ ،‬وباب ما ورد من غرائب معجزاته‪:‬‬
‫‪ ،56-42/50‬وحتى قبره جعلوا له معجزات ل يقدر عليها إل رب العباد‪ ،‬وعقد لهذا صاحب البحار بابًا بعنوان‬
‫باب "ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات"‪ ..].339-42/311 :‬إل أن رواياتهم تربط‬
‫هذا بأنه من ال كنوع من التلبيس واليهام‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫حيِي الموتى‪ .‬جاء في الكافي عن أبي عبد ال قال‪" :‬إنّ أمير المؤمنين‬
‫فهذا – مثلً – عليّ يُ ْ‬
‫له خؤولة في بني مخزوم وإنّ شابّا منهم أتاه فقال‪ :‬يا خالي إنّ أخي مات وقد حزنت عليه حزنًا‬
‫شديدًا‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬تشتهي أن تراه؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فأرني قبره‪ ،‬قال‪ :‬فخرج ومعه بردة رسول‬
‫ال متّزرًا بها‪ ،‬فلمّا انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول‬
‫بلسان الفرس‪ ،‬فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال‪ :‬بلى‪،‬‬
‫[أصول الكافي‪،1/457 :‬‬ ‫ولكنا متنا على سنة فلن وفلن (أي أبو بكر وعمر) فانقلبت ألسنتنا"‬
‫وانظر‪ :‬بحار النوار‪ ،41/192 :‬بصائر الدرجات ص ‪.].76‬‬
‫[بحار النوار‪،41/194 :‬‬ ‫بل إن عليًا – كما يزعمون – أحيى موتى مقبرة الجبانة بأجمعهم‬
‫وعزاه إلى الخرائج والجرائح‪ ،‬ول يوجد في النسخة المطبوعة‪ ،].‬وضرب الحجر فخرجت منه مائة ناقة‬
‫[بحار النوار‪ ،41/198 :‬وعزاه إلى الخرائج والجرائح‪ ،‬وليس في النسخة المطبوعة‪.].‬‬
‫وقال سلمان – كما يفترون ‪" :-‬لو أقسم أبو الحسن على ال أن يحيي الوّلين والخرين‬
‫لحياهم" [بحار النوار‪ ،41/201 :‬الخرائج والجرائح ص ‪.]82‬‬
‫هذا الغلو هو بل شك ارتضعوه من أفاويق المذاهب الوثنية التي تدعي في أصنامها‬
‫ومعبوداتها ما للرب سبحانه من أفعال‪ ،‬ويكفي في فساده مجرد تصوره؛ إذ هو مخالف للنقل‬
‫والعقل والسنن الكونية كما هو منقوض بواقع الئمة وإقراراتهم‪ ،‬ورسول الهدى صلى ال عليه‬
‫[العراف‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ضرّا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ}‬
‫وسلم يقول – كما أمره ربه ‪{ :-‬قُل لّ َأمْلِكُ ِلنَ ْفسِي نَفْعًا وَ َل َ‬
‫‪.].188‬‬
‫ومن الطريف أن كتب الشيعة مع تعظيم الئمة والغلو فيهم تروي ما يخالف هذا‪ ،‬لتثبت‬
‫تناقضها فيما تقول كالعادة في كل كذب وباطل‪ ،‬فقد جاء في رجال الكشي أن جعفر بن محمد‬
‫قال‪" :‬فوال ما نحن إل عبيد الذي خلقنا واصطفانا‪ ،‬ما نقدر على ضرّ ول نفع‪ ،‬وإن رحمنا‬
‫فبرحمته‪ ،‬وإنّ عذّبنا فبذنوبنا‪ ،‬وال ما لنا على ال حجّة‪ ،‬ول معنا من ال براءة‪ ،‬وإنّا لميّتون‬
‫ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون‪ ،‬ويلهم! ما لهم لعنهم ال فقد آذوا ال‬
‫وآذوا رسوله صلى ال عليه وسلم في قبره‪ ،‬وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي‬
‫بن الحسين ومحمد بن علي صلوات ال عليهم‪ ..‬أشهدكم أنّي امرؤ ولدني رسول ال صلى ال‬
‫[رجال‬ ‫عليه وسلم وما معي براءة من ال‪ ،‬إن أطعته رحمني‪ ،‬وإن عصيته عذّبني عذابًا شديدًا"‬
‫الكشّي‪ :‬ص ‪.].226-225‬‬

‫‪333‬‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪ ،151‬وراجع‪ :‬مبحث‬ ‫ولكن شيوخ الشيعة يعدون مثل هذه القرارات من باب التقية‬
‫التقية في هذا الكتاب‪ ].‬فأضلوا قومهم سواء السبيل‪ ،‬وأصبح مذهب الشّيعة مذهب الشّيوخ ل مذهب‬
‫الئمّة‪.‬‬
‫وهذه المقالة التي عرضت لبعض شواهدها عندهم والتي تزعم حلول جزء إلهي بالئمة‪ ،‬قد‬
‫[وحقيقتها أن وجود الكائنات هو‬ ‫تطورت عند بعض شيوخهم واتسع نطاقها إلى القول "بوحدة الوجود"‬
‫عين وجود ال‪( .‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ].)1/140 :‬وعدوا ذلك أعلى مقامات التوحيد‪ ،‬فهو‬
‫[مهدي بن أبي ذر الكاشاني النراقي‪ ،‬المتوفى سنة (‪1209‬ه‍) (انظر‪:‬‬ ‫الغاية في التوحيد عند شيخهم النراقي‬
‫الذريعة‪ ،5/58 :‬وانظر نص النراقي في ذلك في كتابه‪ :‬جامع السعادات ص ‪ ،].)133-132‬كما أن شيخهم‬
‫الكاشاني – صاحب الوافي أحد أصولهم الربعة المتأخرة – كان يقول بعقيدة وحدة الوجود‪ ،‬وله‬
‫[لؤلؤة البحرين‪ :‬ص‬ ‫رسالة في ذلك‪ ،‬جرى فيها مجرى ابن عربي وعبر عنه ببعض العارفين‬
‫‪.].121‬‬
‫والتجاه الصوفي المتطرف قد تغلغل في كيان المذهب الثني عشري‪ ،‬وعشعش في عقول‬
‫أساطين المذهب من المتأخرين‪ ،‬وبين الفكار الصوفية الغالية والعقائد الشيعية المتطرفة تشابه‬
‫[راجع في ذلك‪ :‬الصلة بين التصوف والتشيع‪ /‬لمصطفى كامل الشيبي‪ ،‬والفكر الشيعي والنزعات الصوفية‬ ‫وتلق‬
‫للمؤلف نفسه‪ ،‬والفكر الصوفي‪ /‬عبد الرحمن عبد الخالق ص ‪ ،389‬وقد غاظت هذه الحقيقة بعض متعصبي الشيعة‬
‫الثني عشرية وهو هاشم معروف الحسيني فرد على الشيبي بكتاب سماه‪" :‬بين التصوف والتشيع"‪.].‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫قولهم بتأثير اليام والليالي بالنفع والضر‬
‫[النحل‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ضرّ فَ ِإَليْ ِه تَجْ َأرُونَ}‬
‫قال ال سبحانه‪َ { :‬ومَا بِكُم مّن نّ ْعمَةٍ َفمِنَ الّلهِ ثُمّ إِذَا َمسّكُمُ ال ّ‬
‫‪ .].53‬فالضر والنفع من ال وحده‪ ،‬وليس للنواء واليام والليالي وغيرها تأثير في ذلك‪،‬‬
‫والشيعة تخالف هذا بدعواها أن في بعض اليام شؤمًا ل تقضى فيه الحاجات‪ .‬قال أبو عبد ال‪:‬‬
‫[من ل‬ ‫"ل تخرج يوم الجمعة في حاجة‪ ،‬فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك"‬
‫يحضره الفقيه‪ ،1/95 :‬وسائل الشيعة‪.].8/253 :‬‬
‫وقال‪" :‬السبت لنا‪ ،‬والحد لبني أمية" [من ل يحضره الفقيه‪ ،2/342 :‬وسائل الشيعة‪.].8/253 :‬‬
‫وقال‪ .." :‬فأي يوم أعظم شؤمًا من يوم الثنين‪ ..‬ل تخرجوا يوم الثنين واخرجوا يوم‬
‫[من ل يحضره الفقيه‪ ،1/95 :‬الروضة‪ :‬ص ‪ ،314‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،347‬وسائل الشيعة‪،8/254 :‬‬ ‫الثلثاء"‬
‫وانظر‪ :‬الخصال‪.].2/26 :‬‬
‫‪334‬‬
‫[المحاسن‪ :‬ص ‪ ،346‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫وقال أبو عبد ال‪" :‬ل تسافر يوم الثنين ول تطلب فيه حاجة"‬
‫‪.].8/255‬‬
‫وقال‪" :‬آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر" [الخصال‪ ،2/27 :‬وسائل الشيعة‪.].8/257 :‬‬
‫وقال أمير المؤمنين علي – كما يفترون ‪" :-‬يوم السبت يوم مكر وخديعة‪ ،‬ويوم الحد يوم‬
‫غرس وبناء‪ ،‬ويوم الثنين يوم سفر وطلب‪ ،‬ويوم الثلثاء يوم حرب ودم‪ ،‬ويوم الربعاء يوم‬
‫شؤم يتطير فيه الناس‪ ،‬ويوم الخميس يوم الدخول على المراء وقضاء الحوائج‪ ،‬ويوم الجمعة‬
‫[علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،199‬الخصال‪ .2/28 :‬عيون الخبار ص ‪ ،137‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫يوم خطبة ونكاح"‬
‫‪.].8/258‬‬
‫[ومثل هذا النوع قد ذكره علماء الحديث من أهل السنة في كتب‬ ‫وثمة أحاديث أخر عندهم بهذه المعاني‬
‫الموضوعات (انظر‪ :‬ابن الجوزي‪ /‬الموضوعات‪ :‬ص ‪ ،74-71‬ابن عراق‪ /‬تنزيه الشريعة المرفوعة‪،56-2/53 :‬‬
‫الشوكاني‪ /‬الفوائد المجموعة‪ :‬ص ‪ ،].)438-437‬ومن مجموع هذه الروايات يتبين أن الجمعة‪،‬‬
‫والحد‪ ،‬والثنين‪ ،‬والربعاء أيام فيها شؤم ذاتي فل يناسب قضاء الحاجات فيها‪.‬‬
‫ولكن تلحظ أن الرواية الخيرة اعتبرت يوم الثنين يوم سفر وطلب‪ ،‬وهذا يخالف ما مضى‬
‫من روايات‪ ،‬ولذلك حمل شيخهم الحر العاملي هذا على التقية [وسائل الشيعة‪.].8/258 :‬‬
‫فعلى هذا كل هذه اليام الربعة أيام مشؤومة فلم يبق أمام الشيعي من وقت للعمل من‬
‫السبوع سوى أيام ثلثة‪.‬‬
‫[وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير‪ ،‬فإذا خرج أحدهم لمر‪ ،‬فإن‬ ‫وهذا نوع من التطير‬
‫رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر‪ ،‬وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع‪ ،‬وربما كان أحدهم يهي الطير ليطير‬
‫فيعتمدها وكانوا يسمونه السانح والبارح‪ ،‬فالسانح ما ولك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك‪ ،‬والبارح بالعكس‪.‬‬
‫وكانوا يتيمنون بالسانح‪ ،‬ويتشاءمون بالبارح‪( .‬فتح الباري ‪ ،213-10/212‬وانظر‪ :‬لسان العرب‪.)4/512 :‬‬
‫ويفرق بعضهم بين الطيرة والتطير فيقول‪ :‬التطير‪ :‬هو الظن السيئ الذي في القلب‪ ،‬والطيرة‪ :‬هو الفعل المرتب على‬
‫الظن السيئ‪ ،‬وقد نسب ذلك صاحب عون المعبود إلى عز الدين بن عبد السلم (عون المعبود ‪ ،].)10/406‬وهو‬
‫التشاؤم ببعض اليام‪ ،‬أو الطيور والسماء‪ ،‬واللفاظ والبقاع وغيرها‪ ،‬وهو من عمل الجاهلية‬
‫والمشركين‪ ،‬وقد ذمهم ال تعالى به ومقتهم‪ ،‬وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫التطير وأخبر أنه شرك‪ ،‬وأنه ل تأثير له في جلب نفع ول دفع ضر‪ ،‬وهي من إلقاء الشيطان‬
‫وتخويفه ووسوسته‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬أَل ِإ ّنمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ َولَـ ِكنّ أَ ْك َثرَهُمْ َل يَعْ َلمُونَ} [العراف‪ ،‬آية‪.].131:‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪{ :‬أَل ِإنّمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ} يقول‪ :‬مصائبهم عند ال‬
‫{وَلَـ ِكنّ َأ ْك َثرَهُمْ َل يَعْ َلمُونَ}‪.‬‬
‫‪335‬‬
‫[تفسير ابن‬ ‫وقال ابن جريج عن ابن عباس قال‪{" :‬أَل ِإنّمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ} أي‪ :‬من قبل ال"‬
‫كثير‪.].2/257 :‬‬
‫وعن ابن مسعود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الطيرة شرك الطيرة شرك ثلثًا"‬
‫[رواه أبو داود في الطب‪ ،‬باب في الطيرة‪ 4/230 :‬رقم(‪ ،)3910‬والترمذي في السير‪ ،‬باب ما جاء في الطيرة‪:‬‬
‫‪ ،161-4/160‬رقم (‪ ،)1614‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وابن ماجه في الطب‪ ،‬باب من كان يعجبه الفأل‬
‫ويكره الطيرة‪ ،2/1170 :‬رقم (‪ ،)3538‬ورواه ابن حبان في صحيحه "موارد الظمآن" رقم (‪.].)1427‬‬
‫وهذا صريح في تحريم الطيرة‪ ،‬وأنها من الشرك‪ ،‬لما فيها من تعلق القلب بغير ال تعالى‬
‫[فتح المجيد‪ :‬ص ‪.].361‬‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬وإنما جعل ذلك شركًا لعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضرًا فكأنهم‬
‫أشركوه مع ال تعالى" [فتح الباري‪ ،10/213 :‬وانظر‪ :‬ابن منظور‪ /‬لسان العرب‪ .].4/513 :‬وهي دعوة‬
‫باطلة لضاعة الوقات وتأجيل الحاجات‪ ،‬وصرف للقلوب عن الخالق البارئ إلى مخلوقات ل‬
‫تضر ول تنفع‪.‬‬
‫غير أنه ل يكاد يوجد شذوذ عند الشيعة إل وفيه من رواياتهم نفسها ما يرد هذا الشذوذ‬
‫ويبطله‪ ،‬فقد جاء في رواياتهم ما ينقض هذه الدعاوى‪ ،‬وأبلغ ما يكون نقض الخصم لكلمه‬
‫[روضة الكافي‪ :‬ص ‪ ،196‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬فقد روت كتب الشيعة أن أبا عبد ال قال‪ :‬ل طيرة‬
‫‪.].18/262‬‬
‫وقال‪ :‬كفارة الطيرة التوكل [روضة الكافي‪ :‬ص ‪ ،198‬وسائل الشيعة‪.].8/262 :‬‬
‫وقال أبو الحسن الثاني رضي ال عنه‪" :‬من خرج يوم الربعاء‪ ..‬خلفًا على أهل الطيرة‬
‫[من ل يحضره الفقيه‪ ،1/95 :‬الخصال‪:‬‬ ‫وقي من كل آفة وعوفي من كل عاهة وقضى ال له حاجته"‬
‫‪.].2/27‬‬
‫وجاء عندهم أيضًا‪" :‬إذا تطيرت فامض" [تحف العقول‪ :‬ص ‪ ،50‬ط‪.].2:‬‬
‫وجاء في البحار وغيره "في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يحب الفأل‪ ،‬ويكره‬
‫الطيرة‪ ،‬وكان عليه السلم يأمر من رأى شيئًا يكرهه‪ ،‬ويتطير منه أن يقول‪" :‬اللهم ل يؤتي‬
‫[بحار النوار‪،3-95/2 :‬‬ ‫الخير إل أنت ول يدفع السيئات إل أنت ول حول ول قوة إل بك"‬
‫الطبرسي‪ /‬مكارم الخلق ص ‪.].403‬‬
‫فهذا تناقض‪ ،‬والتناقض علمة بطلن المذهب‪ ،‬ولكن مبدأ التقية‪ ،‬ومخالفة العامة يعطل‬
‫الستفادة من هذه النصوص وأمثالها‪ ،‬ولذلك تلحظ أن شيخهم الحر العاملي حمل حديثهم الذي‬
‫يقول "بأن يوم الثنين" يوم سفر وطلب على التقية‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫عقيدتهم في أسماء ال وصفاته‬
‫للشيعة في هذا الفصل أربع ضللت‪:‬‬
‫الضللة الولى‪ :‬ضللة الغلو في الثبات (وما يسمى بالتجسيم)‪.‬‬
‫الضللة الثانية‪ :‬تعطيلهم الحق جل شأنه من أسمائه وصفاته‪.‬‬
‫الضللة الثالثة‪ :‬وصف الئمة بأسماء ال وصفاته‪.‬‬
‫الضللة الرابعة‪ :‬تحريف اليات بدافع عقيدة التعطيل للسماء والصفات‪.‬‬
‫وسأتوقف عند كل مسألة من هذه المسائل الربع وأبين مذهب الشيعة فيها من خلل‬
‫مصادرها – إن شاء ال ‪.-‬‬

‫المبحث الوّل‬
‫الغلو في الثبات [التّجسيم]‬
‫[وفي كتاب ال سبحانه أدلة على تلبس اليهود بهذا الضلل‪ .‬قال‬ ‫اشتهرت ضللة التّجسيم بين اليهود‬
‫ن اللّهِ} [التوبة‪ ،‬آية‪.].30 :‬‬
‫ع َزيْ ٌر ابْ ُ‬
‫تعالى‪{ :‬وَقَا َلتِ ا ْليَهُو ُد ُ‬
‫وفي التوراة المتداولة اليوم بين اليهود أمثلة عديدة لفشو ضللة وصف ال سبحانه بصفات المخلوقين بينهم منها ما‬
‫يلي‪" :‬وسمعا (يعني آدم وحواء) صوت الرب الله ماشيًا" (سفر التكوين‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬فقرة ‪ ،)8‬ومنها‪" :‬ثم صعد‬
‫موسى وهارون‪ ..‬وسبعون رجلً من شيوخ بني إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت قدميه كصنعة بلط‪ ..‬وكذات‬
‫السماء صفاء" (سفر الخروج‪ ،‬الفصل الرابع والعشرون‪ ،‬فقرة‪ .)11 ،10 ،9 :‬وأمثلة كثيرة على هذا النمط وأشد‪،‬‬
‫فقرة ‪ ،22‬وسفر تثنية‪ ،‬الفصل ‪ ،34‬فقرة ‪،10‬‬ ‫وللمزيد من أمثلة هذه الفتراءات انظر‪ :‬سفر التكوين‪ ،‬الفصل ‪32‬‬
‫سفر القضاة‪ ،‬الفصل ‪ ،6‬فقرة ‪ ،11‬سفر الخروج‪ ،‬فصل ‪ ،24‬فقرة ‪ ..4‬إلخ‪ ،].‬أوّل من ابتدع ذلك بين‬
‫المسلمين هم الرّوافض‪ ،‬ولهذا قال الرّازي‪" :‬اليهود أكثرهم مشبّهة‪ ،‬وكان بدء ظهور التّشبيه في‬
‫السلم من الرّوافض مثل هشام بن الحكم‪ ،‬وهشام بن سالم الجواليقي‪ ،‬ويونس بن عبد الرحمن‬
‫القمي وأبي جعفر الحول" [اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين‪ :‬ص ‪.].97‬‬
‫وكل هؤلء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الثنا عشرية في الطليعة من شيوخها‪ ،‬والثقات‬
‫[انظر‪ :‬محسن المين‪ /‬أعيان الشيعة‪ ،1/106 :‬وهؤلء في كتب الفرق أصحاب طوائف منسوبة‬ ‫من نقلة مذهبها‬
‫لسمائهم‪ .‬قال الشعري‪" :‬الهشامية أصحاب هشام بن الحكم‪( "..‬مقالت السلميين‪ )1/106 :‬و"اليونسية أصحاب‬
‫يونس بن عبد الرحمن القمي" (السابق‪ ،)1/110 :‬و"الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجوليقي" (السابق‪،)1/109 :‬‬
‫والجميع ينتظمهم سلك الرفض‪.].‬‬

‫‪337‬‬
‫وقد حدد شيخ السلم ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلء فقال‪" :‬وأول من‬
‫عرف في السلم أنه قال‪ :‬إن ال جسم هو هشام بن الحكم" [منهاج السنة‪.].1/20 :‬‬
‫وقبل ذلك يذكر الشعري في مقالت السلميين أنّ أوائل الشّيعة كانوا مُجسّمة‪ ،‬ثم بيّن‬
‫مذاهبهم في التّجسيم‪ ،‬ونقل بعض أقوالهم في ذلك‪ ،‬إل أنّه يقول بأنّه قد عدل عنه قوم من‬
‫متأخّريهم إلى التّعطيل [انظر‪ :‬مقالت السلميّين‪.]109-106 /1 :‬‬
‫وهذا يدل على أن اتجاه الثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة‪ ،‬وسيأتي ما قيل‬
‫في تحديد ذلك [في المبحث الثاني‪.].‬‬
‫وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم‬
‫وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين‪.‬‬
‫يقول عبد القاهر البغدادي‪" :‬زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل‬
‫عريض عميق وأن طوله مثل عرضه‪[ "..‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].65‬‬
‫ويقول‪ :‬إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لنه زعم أن معبوده على‬
‫صورة النسان‪ ..‬وأنه ذو حواس خمس كحواس النسان [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،].69-68‬وكذلك‬
‫ذكر أن يونس بن عبد الرحمن القمي مفرط أيضًا في باب التشبيه‪ ،‬وساق بعض أقواله في ذلك‬
‫[الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].70‬‬
‫وقال ابن حزم‪" :‬قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه" [الفصل‪.].5/40 :‬‬
‫وقد نقل السفراييني مقالة هشام بن الحكم‪ ،‬وهشام الجواليقي وأتباعهما في التجسيم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫[التبصير في الدين‪/‬‬ ‫"والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في السلم حظ"‬
‫‪.].24‬‬
‫وقد استفاض عن هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها‬
‫[انظر – بالضافة لما مضى ‪ :-‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد ص ‪ ،24‬الشهرساني‪ /‬الملل والنحل‪،187 ،1/184 :‬‬
‫‪ ،188‬السكسكي‪ /‬البرهان ص ‪ ،41‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،6/194 :‬محمود البشبيشي‪ /‬الفرق السلمية ص‬
‫‪ ،58‬علي مصطفى الغرابي‪ /‬تاريخ الفرق السلمية ص ‪ .].300‬وتحدثت عن ذلك أيضًا بعض كتب‬
‫المعتزلة والزيدية‪ .‬وممن نقل ذلك عن الروافض من المعتزلة الجاحظ حيث قال‪ :‬وتكلمت هذه‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫الرافضة وجعلت له صورة وجسدًا‪ ،‬وكفرت من قال بالرؤية على غير التجسيم والتصوير‬
‫رسالة الجاحظ في بني أمية ص ‪( 99‬ضمن كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم‪ ،‬المطبعة‬
‫[تثبيت‬ ‫البراهيمية القاهرة ‪1937‬م)‪ ،].‬وكذلك ابن الخياط [النتصار‪ :‬ص ‪ ،].14‬والقاضي عبد الجبار‬
‫دلئل النبوة‪.].1/225 :‬‬

‫‪338‬‬
‫[يلحظ أن الزيدية هم يوافقون المعتزلة في العقيدة؛ ولذلك قال الشهرستاني‪" :‬أما في الصول‬ ‫ومن الزيدية‬
‫فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة" (انظر‪ :‬الملل والنحل ‪ ،11/162‬المقبلي‪ /‬العلم الشامخ‪.].)319 :‬‬
‫[يلحظ أنّ الزّيديّة هم يوافقون المعتزلة في العقيدة؛ ولذلك قال الشّهرستاني‪" :‬أمّا في الصول‬ ‫ومن الزّيديّة‬
‫فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة" (انظر‪ :‬المِلَل والنّحَل ‪ ،11/162‬المقبلي‪ /‬العلم الشّامخ‪ ].)319 :‬ابن‬
‫[المنية‬ ‫المرتضى اليماني حيث قال بأن جل الروافض على التجسيم إل من اختلف منهم بالمعتزلة‬
‫والمل ص ‪ ،19‬وانظر‪ :‬نشوان الحميري‪ /‬الحور العين ص ‪.].149-148‬‬
‫إذًا تشبيه ال سبحانه بخلقه كان في اليهود‪ ،‬وتسرّب إلى التّشيّع‪ ،‬لنّ التّشيّع كان مأوى لكلّ‬
‫[انظر ما سلف من الحديث عن‬ ‫من أراد الكيد للسلم وأهله‪ ،‬وأول من تولى كبره هشام بن الحكم‬
‫هشام وصلته بفرية دعوى التحريف للقرآن التي استشرى داؤها في مذهب الثني عشرية ص(‪ ،].)214-213‬ثم‬
‫تعدى أثره إلى آخرين عرفوا بكتب الفرق بمذاهب ضالة غالية منسوبة إليهم [انظر‪ :‬ص (‪ )528‬هامش رقم‪.].)3( :‬‬
‫ولكن شيوخ الثني عشرية يدافعون عن هؤلء الضلل الذين استفاض خبر فتنتهم‪ ،‬واستطار‬
‫[انظر‪ :‬المجلسي في دفاعه عن هؤلء في بحار‬ ‫شرهم ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها‬
‫النوار‪.].292-3/290 :‬‬
‫[يع ني هشام بن الحكم‪ ،‬وهشام بن سالم الجواليقي‪].‬‬ ‫حتى قال المجلسي‪" :‬ولعل المخالفين نسبوا إليهما‬
‫هذين القولين [يشير إلى ما نسب إليهما من القول بالجسم‪ ،‬والقول بالصورة‪ ].‬معاندة" [بحار النوار‪.].3/288 :‬‬

‫وأقول‪ :‬أما إنكار بعض الشيعة لذلك فقد عهد منهم التكذيب بالحقائق الواضحات‪ ،‬والتصديق‬
‫بالكاذيب البينات‪.‬‬
‫وأما دفاعهم عن هؤلء الضلل فالشيء من معدنه ل يستغرب‪ ،‬فهم يدافعون عن أصحابهم‪،‬‬
‫وقد تخصص طغام منهم للدفاع عن شذاذ الفاق‪ ،‬ومن استفاض شره‪ ،‬وتناقل الناس أخبار‬
‫مروقه وضلله‪ ،‬في حين أنهم يتناولون من أثنى ال عليهم ورسوله بالذم والتفكي‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فل يكون‬
‫حجة عليهم‪.‬‬
‫ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلل قد استفاضت من أصحاب المقالت على اختلف‬
‫اتجاهاتهم‪ ،‬وهم أصدق من الرافضة مقالً‪ ،‬وأوثق نقلً‪ ،‬وهي تثبت أن الرافضة هم الصل في‬
‫إدخال هذه البدعة على المسلمين‪ .‬لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم‪ ،‬ول‬
‫شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوهمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة‪ ،‬وإل فالواقع‬
‫خلف ذلك‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫إذ قد جاء في رواياتهم في كتبهم المعتمدة ما يدل على أن متكلمي الشيعة كهشام بن الحكم‪،‬‬
‫وهشام بن سالم الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأمثالهم لم يكتفوا بمجرد إثبات‬
‫الصفات كما دل عليه القرآن والسنة‪ ،‬بل تجاوزوا ذلك حتى ابتدعوا الغلو في الثبات والتجسيم‪.‬‬
‫جاء في أصول الكافي للكليني‪ ،‬وفي التوحيد لبن بابويه وغيرهما ما يدل على أن الشيعة في‬
‫سنة (‪255‬ه‍) قد تاهوا في بيداء مظلمة‪ ،‬إذ قد غرقوا في خلفهم في التجسيم؛ فمن قائل‪ :‬إنه‬
‫صورة‪ ،‬ومن قائل‪ :‬إنه جسم‪ ،‬وقد صوروا هذا الواقع لمامهم فحكم عليهم بأنهم بمعزل عن‬
‫التوحيد‪ ،‬تقول الرواية كما يرويها صدوقهم القمي عن سهل قال‪ :‬كتبت إلى أبي محمد سنة (‬
‫[لفظ "الجسم" وأمثاله من‬ ‫‪255‬ه‍) قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول‪ :‬هو جسم‬
‫اللفاظ المبتدعة التي لم نفي لفظها ول إثباته في الكتاب والسنة‪ ..‬الحق التوقف في مثل هذه اللفاظ فل يثبت اللفظ ول‬
‫ينفى لعدم ورود دليل النفي أو الثبات‪ .‬وأما المعنى فإن أراد حقًا قيل وإن أراد باطلً رد‪ ،‬وإن اشتمل كلمه على حق‬
‫(بتحقيق محمد بن عودة‬ ‫وباطل فل بد من الستفصال وتبيين الحق من الباطل‪ .‬وال أعلم‪ .‬انظر‪ :‬التدمرية ص ‪65‬‬
‫السعودي) وانظر معنى الجسم في اللغة وعند النظار والمتكلمين في‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪-12/316‬‬
‫‪ ،].318‬ومنهم من يقول‪ :‬هو صورة‪ ،‬فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ول‬
‫أجوزه فعلت متطولً على عبدك؟‬
‫فوقع بخطه‪ :‬سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول‪ ،‬ال تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد‬
‫ولم يكن له كفوًا أحد‪ .‬خالق وليس بمخلوق‪ ،‬يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الجسام ويصور‬
‫ما يشاء وليس بمصوّر‪ ،‬جل ثناؤه وتقدست أسماؤه‪ ،‬وتعالى أن يكون له شبيه هو ل غيره ليس‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/103 :‬التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪ ،102-101‬بحار‬ ‫كمثله شيء وهو السميع البصير‬
‫النوار‪.].3/261 :‬‬
‫وقد كان لهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند‬
‫الشيعة كما تذكر ذلك مجموعة من رواياتهم‪.‬‬
‫جاء في أصول الكافي وغيره‪ ..‬عن محمد بن الفرج الرّخجي قال‪" :‬كتبت إلى أبي الحسن‬
‫عليه السلم أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة‪ ،‬فكتب‪ :‬دع‬
‫عنك حيرة الحيران واستعذ بال من الشيطان‪ ،‬ليس القول ما قال الهشامان"‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬
‫‪ ،1/105‬وانظر هذه الرواية في التوحيد لصدوقهم ابن بابويه ص ‪ ،97‬وفي "أمالي الصدوق"‪ :‬ص ‪ ،228‬وبحار‬
‫النوار‪ ،3/288 :‬والحر العاملي‪ /‬الفصول المهمة ص ‪.].15‬‬
‫وكان الئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما‪ ،‬وحينما جاء بعض الشيعة إلى إمامهم وقال له‪" :‬إني‬
‫أقول بقول هشام" قال إمامهم (أبو الحسن علي بن محمد)‪" :‬ما لكم ولقول هشام؟ إنه ليس منا من‬

‫‪340‬‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التوحيد‪ :‬ص ‪ ،104‬بحار النوار‪:‬‬ ‫زعم أن ال جسم‪ ،‬ونحن منه براء في الدنيا والخرة"‬
‫‪.].3/291‬‬
‫وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه‪ ،‬فهذا أحد رجالهم‬
‫[سمته الرواية‪ :‬يعقوب السراج وهو من ثقاتهم (انظر‪ :‬الفهرست للطوسي ص ‪ ].)214‬ينقل لبي عبد ال – كما‬
‫تقول الرواية – ما عليه طائفة من الشيعة من التجسيم فيقول‪" :‬إن بعض أصحابنا يزعم أن ال‬
‫صورة مثل النسان‪ ،‬وقال آخر‪ :‬إنه في صورة أمرد جعد قطط! فخرّ أبو عبد ال عليه السلم‬
‫ساجدًا ثم رفع رأسه فقال‪ :‬سبحان الذي ليس كمثله شيء ول تدركه البصار ول يحيط به‬
‫علم‪[ "..‬ابن بابويه‪ /‬التوحيد ص ‪ ،104-103‬بحار النوار‪.].3/304 :‬‬
‫وروى ابن بابويه عن إبراهيم بن محمد الخراز ومحمد بن الحسين قال‪" :‬دخلنا على أبي‬
‫الحسن الرضا عليه السلم فحكينا له ما روي أن محمدًا رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في‬
‫[يعني محمد بن‬ ‫سن أبناء ثلثين سنة‪ ،‬رجله في خضره وقلنا‪ :‬إن هشام بن سالم وصاحب الطاق‬
‫علي بن النعمان أبو جعفر؛ لنه يلقب بشيطان الطاق‪ ،‬والشيعة يقولون عنه‪" :‬مؤمن الطاق" (سبقت ترجمته ص‪:‬‬
‫[هو‪ :‬علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار‪ ،‬من وجوه متكلمي الشيعة‪ ،‬وتلميذ‬ ‫‪ ].)207‬والميثمي‬
‫هشام بن الحكم‪ ،‬له كتب منها كتاب "المامة"‪ ،‬انظر‪ :‬رجال النجاشي ص ‪ ].176‬يقولون‪ :‬إنه أجوف إلى السرة‬
‫والباقي صمد‪ ،‬فخر ساجدًا ثم قال‪ :‬سبحانك ما عرفوك ول وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك‪،‬‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التوحيد ص ‪ ،114-113‬بحار‬ ‫سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك‪"..‬‬
‫النوار‪ ،4/40 :‬أصول الكافي‪.].1/101 :‬‬
‫فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في الثبات‪ ،‬حتى شبهوا ال جل شأنه بخلقه وهو كفر‬
‫شيْءٌ} [الشورى‪ ،‬آية‪ ].11:‬وعطلوا صفاته‬
‫بال سبحانه؛ لنه تكذيب لقوله سبحانه‪َ { :‬ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ‬
‫اللئقة به سبحانه فوصفوه بغير ما وصف به نفسه‪ ،‬وإمامهم كان ينكر عليهم هذا المنهج‬
‫الضال‪ ،‬ويأمر باللتزام في وصف ال‪ ،‬بما وصف به نفسه‪ .‬ورواياتهم في هذا الباب كثيرة‬
‫[لمعرفة المزيد من الشواهد انظر كتاب‪ :‬التوحيد لبن بابويه‪ ،‬باب أنه عز وجل ليس بجسم ول صورة ص‪-97:‬‬
‫‪ ،104‬وفيه عشرون رواية‪ ،‬وأصول الكافي‪ :‬باب النهي عن الجسم والصورة‪ ،106-1/104 :‬وفيه ثماني‬
‫روايات‪ ،‬وفي بحار النوار‪ ،‬في باب نفي الجسم والصورة والتشبيه وفيه (‪ )47‬رواية‪ ،‬وفي ترجمة هشام ابن الحكم‪،‬‬
‫وهشام بن سالم‪ ،‬ويونس بن عبد الرحمن في رجال الكشي أمثلة أخرى لهذا التجاه‪ ،‬وانظر بعض روايات هذه المسألة‬
‫أيضًا عند‪ :‬الطبطبائي‪ /‬مجالس الموحدين في أصول الدين‪ :‬ص ‪.].23‬‬
‫فهذا التجاه إلى الغلو في الثبات‪ ،‬قد طرأ على الثبات الحق الذي عليه علماء أهل البيت‪،‬‬
‫وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان‪ :‬اتجاه التجسيم الذي تزعمه هشام‪ ،‬واتجاه التنزيه الذي عليه‬

‫‪341‬‬
‫أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها‪ ،‬وكما هو "ثابت مستفيض في كتب أهل العلم"‬
‫[منهاج السنة‪.].20/144 :‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫التعطيل عندهم‬
‫بعد هذا الغلو في الثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة؛ حيث تأثر بمذهب‬
‫المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة‪ ،‬وكثر التجاه إلى‬
‫التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة‪:‬‬ ‫المرتضى‪ ،‬وأبي جعفر الطوسي‪ ،‬واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة‬
‫‪.].1/229‬‬
‫وكثير مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة‪ ،‬وكذلك ما يذكرونه في تفسير‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة‬
‫‪.].1/356‬‬
‫ولهذا ل يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب السماء‬
‫والصفات فرقًا‪ ،‬فالعقل – كما يزعمون – هو عمدتهم فيما ذهبوا إليه‪ ،‬والمسائل التي يقررها‬
‫المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون كمسألة خلق القرآن‪ ،‬ونفي رؤية‬
‫المؤمنين لربهم في الخرة‪ ،‬وإنكار الصفات‪.‬‬
‫بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا‪ ،‬هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة‬
‫المتأخرون‪.‬‬
‫والفرق الذي قد يلمسه القارئ في هذه المسألة هو أن الشيعة أسندوا روايات إلى الئمة‬
‫تصرح بنفي الصفات وتقول بالتعطيل‪ ،‬مع أنهم كما قال شيخ السلم ابن تيمية قد "أسسوا دينهم‬
‫[منهاج السنة‪ ،79-2/78 :‬تحقيق‬ ‫على أن باب التوحيد والصفات ل يتبع فيه ما رأوه بقياس عقولهم"‬
‫د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬أو ج‪ ‍1/232‬من ط‪ :‬الميرية‪ .].‬وهذا تلمسه في طريقة احتجاجهم على مذهبهم في‬
‫التعطيل كما في النكت العتقادية للمفيد‪ ،‬ونهج المسترشدين لبن المطهر وغيرها من كتبهم‬
‫الكلمية حيث اعتمدوا المنهج العقلي الكلمي البحث في صفات ال‪.‬‬
‫وهذا مخالف للمنهج الشرعي والعلمي والعقلي؛ إذ إن صفات ال سبحانه من الغيب الذي‬
‫يتوقف العلم به على الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫ومع اعتمادهم الدليل العقلي كمنهج أهل العتزال فإنك تلحظ أنهم جاءوا بروايات كثيرة عن‬
‫الئمة يسندون بها مذهبهم في التعطيل‪ ،‬ويفترون على أمير المؤمنين علي – رضي ال عنه –‬
‫وبعض علماء أهل البيت كمحمد الباقر وجعفر الصادق بأنهم يقولون بالتعطيل‪ .‬واعتبر بعض‬
‫شيوخهم المعاصرين أن هذا هو عمدتهم في نفي الصفات؛ حيث قال – تحت عنوان طريقة‬
‫معرفة الصفات ‪" :-‬هل يبقى مجال للبحث عن الصفات وهل له طريق إل الذعان بكلمة أمير‬
‫[الزنجاني‪ /‬عقائد المامية الثني عشرية‬ ‫المؤمنين رضي ال عنه‪ :‬كمال الخلص نفي الصفات عنه"‬
‫ص ‪.].28‬‬
‫فترى القوم ليس لهم منهج ثابت‪ ،‬ذلك أن مسالك التقليد عرضة لتناقض‪ ،‬فهم حينًا يعتمدون‬
‫العقل‪ ،‬وتارة يعتمدون الخبر‪ ..‬فهم بين مشرب أخباري‪ ،‬ومشرب اعتزالي عقلي يتأرجحون‪.‬‬
‫هذا والثابت عن علي رضي ال عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات ل‪..‬‬
‫والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم [منهاج السنة‪ .].2/144 :‬وهذا أيضًا ما تعترف‬
‫به بعض روايات لهم موجودة وسط ركام هائل من التعطيل‪ ،‬وسيرد شيء منها بعد قليل‪.‬‬
‫ولكن المثلة على رواياتهم التي نسبوها لهل البيت والتي تصرح بنفي الصفات كثيرة‪ ،‬منها‬
‫قولهم‪" :‬وكمال التوحيد نفي الصفات عنه" [التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪ ،].57‬وقولهم‪" :‬وحمد ال نفي‬
‫[التوحيد لبن‬ ‫الصفات عنه" [التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪" ،].35-34‬ول نفي (للتشبيه) مع إثبات الصفات"‬
‫بابويه‪ :‬ص ‪.].40‬‬
‫[ابن المطهر‪/‬‬ ‫وصرح علمتهم ابن المطهر بأن مذهبهم في السماء والصفات كمذهب المعتزلة‬
‫[الطبطبائي‪ /‬مجالس الموحدين في أصول‬ ‫نهج المسترشدين ص ‪ ،].32‬ومنهم من قال‪" :‬وكمذهب الفلسفة"‬
‫الدين ص ‪.].21‬‬
‫كما وصفت مجموعة من رواياتهم رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات‬
‫الثابتة له سبحانه‪ ،‬فقد روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى‪" :‬ل يوصف‬
‫بزمان ول مكان‪ ،‬ول كيفية‪ ،‬ول حركة‪ ،‬ول انتقال‪ ،‬ول بشيء من صفات الجسام‪ ،‬وليس حسًا‬
‫ول جسمانيًا ول صورة‪[ "..‬انظر‪ :‬التوحيد‪ /‬لبن بابويه ص ‪ 31‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وشيوخهم ساروا على هذا النهج الضال من تعطيل الصفات الواردة في الكتاب والسنة‬
‫ووصفه سبحانه بالسلوب‪ .‬قال شيخهم محمد الحسيني الشهير بالقزويني (ت ‪1300‬ه‍) والذي‬
‫يلقبونه بالمام الثالث عشر لنه قابل منتظرهم – المزعوم – ثلث مرات‪ .‬قال في وصف ال‬
‫سبحانه‪ .." :‬ل جزء له‪ ،‬وما ل جزء له ل تركيب فيه‪ ،‬وما ليس بمركب ليس بجوهر ول‬
‫عرض‪ ،‬وما ليس بجوهر ليس بعقل ول نفس ول مادة ول صورة ول جسم‪ ،‬وما ليس بجسم‬
‫‪343‬‬
‫ليس في مكان ول في زمان ول في جهة‪ ،‬ول في وقت‪ ،‬وما ليس في جهة ل كم له ول كيف‬
‫ول رتبة‪ ،‬وما ل كم له ول كيف له ول جهة ل وضع له‪ ،‬وما ليس له وضع ول في وقت ول‬
‫في مكان ل إضافة له ول نسبة‪ ،‬وما ل نسبة له ل فعل فيه ول انفعال‪ ،‬وما ليس بجسم ول لون‬
‫[قلئد الخرائد في أصول العقائد ص ‪ ،50‬وانظر في مثل هذه‬ ‫ول في مكان ول جهة ل يرى ول يدرك‪"..‬‬
‫الطريقة‪ :‬ابن المطهر‪ /‬نهج المسترشدين ص ‪ ،47-45‬الطبطبائي‪ /‬مجالس الموحدين في أصول الدين ص ‪.].21‬‬
‫فأنت ترى أن هذا النفي المحض الذي استقاه من ركام الفلسفة وغثاء الملحدة يتضمن نفي‬
‫حمْدُ لِّلهِ رَبّ‬
‫علَى ا ْل ُم ْرسَلِينَ‪ ،‬وَالْ َ‬
‫عمّا يَصِفُونَ‪َ ،‬وسَلمٌ َ‬
‫الوجود الحق {سُبْحَانَ َربّكَ رَبّ ا ْل ِعزّةِ َ‬
‫الْعَا َلمِينَ} [الصافات‪ ،‬آية‪.].182-180 :‬‬
‫وليس هذا بجديد‪ ،‬فهو سبيل من زاغ وحاد عن منهج الرسل عليهم السلم "من الكفار‬
‫[ذهب جملة من الصابئة إلى وصف‬ ‫والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلء من الصابئة‬
‫ال سبحانه بالسلوب‪ ،‬ولذلك قال البيروني عن صابئة حران‪ :‬إنهم يصفون ال سبحانه بالسلب ل باليجاب كقولهم‪ :‬ل‬
‫يحد ول يرى ول يظلم ول يجور‪ ،‬ويسمونه بالسماء الحسنى مجازًا إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة‪ ،‬وينسبون التدبير‬
‫إلى الفلك وأجرامه (الثار الباقية عن القرون الخالية ص ‪.)205‬‬
‫وطائفة الصابئة عمومًا اختلف في أمرها فقد أخرج الطبري بسنده عن مجاهد وغيره أنهم قالوا‪" :‬الصابئون قوم‬
‫من تحقيق أحمد ومحمود شاكر)‪.‬‬ ‫بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين"‪( .‬انظر‪ :‬تفسير الطبري‪2/146 :‬‬
‫وهذا ما رجحه ابن كثير (انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،)1/107 :‬واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب في‬
‫زمان إبراهيم (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪ )143‬ويذكر الشهرستاني أن الفرق في زمان إبراهيم‬
‫يرجعون إلى صنفين‪ :‬صابئة وحنفاء (الملل والنحل‪ .)1/230 :‬وأنهم بحكم ميلهم عن سنن الحق وزيغهم عن نهج‬
‫النبياء قيل لهم الصابئة‪ ،‬لن صبأ في اللغة بمعنى مال وزاغ (المصدر السابق‪ )2/5 :‬وانظر عن الصابئة (بالضافة‬
‫لما أشي إليه من مصادر)‪ :‬التبصير في الدين للسفراييني ص ‪ ،59‬الرد على المنطقيين لبن تيمية ص ‪-287‬‬
‫[الجهمية‪ :‬أتباع الجهم بن سفوان‪ .‬من‬ ‫‪ ،457-454 ،289‬الخطط للمقريزي‪ ].2/344 :‬والمتفلسفة والجهمية‬
‫ضللته القول بنفي الصفات وبدع أخرى كالقول بالرجاء‪ ،‬والجبر‪ ،‬وفناء الجنة والنار‪( .‬انظر عن الجهم والجهمية‪:‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬الشعري‪/‬‬ ‫الرد على الجهمية للمام أحمد ص ‪ 64‬وما بعدها‪ ،‬خلق أفعال العباد للبخاري ص ‪118‬‬
‫مقالت السلميين‪ 1/214 :‬وما بعدها‪ ،‬التنبيه والرد‪ /‬للملطي ص ‪ ،218‬التبصير في الدين‪ /‬للسفراييني ص ‪،63‬‬
‫والبدء والتاريخ‪ /‬للمقدسي‪ ،5/146 :‬تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي وغيرها)‪ .‬ومصطلح الجهمية لم يعد مختصًا‬
‫بالجهمية المحضة أتباع جهم بن صفوان‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات‬
‫وقال‪ :‬إن القرآن مخلوق وإن ال ل يرى في الخرة – جهميًا" (مجموع الفتاوى‪ ،)12/119 :‬وقال في موضع آخر‪:‬‬
‫"ومن الجهمية‪ :‬المتفلسفة والمعتزلة الذين يقولون‪ :‬إن كلم ال مخلوق‪( "..‬المصدر السابق‪ ].)12/524 :‬والباطنية‬
‫[الباطنية‪ :‬من ألقاب السماعيلية ومر التعريف بها ص‪ ].)97( :‬ونحوهم‪ .‬فإنهم يصفونه سبحانه بالصفات‬
‫السلبية على وجه التفصيل ول يثبتون إل وجودًا مطلقًا ل حقيقة له عند التحصيل‪ ،‬فقولهم‬

‫‪344‬‬
‫يستلزم غاية التعطيل وهو نفي الوجود الحق؛ لنهم يعطلون السماء والصفات تعطيلً يستلزم‬
‫نفي الذات‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬التدمرية لبن‬ ‫كما يستلزم غاية التمثيل حيث يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات‬
‫تيمية‪ :‬ص ‪.].16‬‬
‫وهؤلء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من‬
‫التحريفات والتعطيلت [انظر‪ :‬التدمرية لبن تيمية‪ :‬ص ‪.].19‬‬
‫وال سبحانه بعث رسله في صفاته بإثبات مفصل‪ ،‬ونفي مجمل [التدمرية لبن تيمية‪ :‬ص ‪.].8‬‬
‫ولهذا يأتي الثبات للصفات في كتاب ال مفصلً‪ ،‬والنفي مجملً [شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫سمِيعُ ال َبصِيرُ} [الشورى‪ ،‬آية‪ .].11:‬فالنفي جاء مجملً‬
‫شيْءٌ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ‬
‫[مريم‪،‬‬ ‫شيْءٌ} وهذه طريقة القرآن في النفي غالبًا‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ه ْل تَ ْعلَمُ َلهُ سَ ِميّا}‬
‫{ َليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ‬
‫[التدمرية ص ‪ ،8‬وانظر‪ :‬لسان العرب‪،‬‬ ‫آية‪ ].65 :‬أي نظيرًا يستحق مثل اسمه‪ ،‬ويقال‪ :‬مساميًا يساميه‬
‫مادة "سما"‪.].‬‬
‫وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس‪ :‬هل تعلم له مثلً أو شبيهًا [تفسير الطبري‪.].16/106 :‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬وَلَمْ يَكُن ّلهُ كُ ُفوًا أَحَدٌ} [الخلص‪ ،‬آية‪.].4:‬‬
‫سمِيعُ ال َبصِيرُ} وكآخر سورة الحشر‪ُ { :‬هوَ الّلهُ الّذِي‬
‫أما في الثبات فيأتي التفصيل {وَ ُهوَ ال ّ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ ‪ُ ،‬هوَ الّلهُ الّذِي ل ِإَلهَ إِل ُهوَ ا ْل َملِكُ‬
‫شهَادَةِ ُهوَ الرّ ْ‬
‫ل ِإَلهَ إِل ُهوَ عَالِمُ ا ْل َغيْبِ وَال ّ‬
‫شرِكُونَ ‪ُ ،‬هوَ الّلهُ‬
‫عمّا ُي ْ‬
‫جبّارُ ا ْلمُتَ َك ّبرُ سُبْحَانَ الّلهِ َ‬
‫الْقُدّوسُ السّلمُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ الْ َعزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ ا ْل َعزِيزُ‬
‫س ّبحُ َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫حسْنَى يُ َ‬
‫سمَاء ا ْل ُ‬
‫ص ّورُ َلهُ ا َل ْ‬
‫الْخَالِقُ ا ْلبَا ِرئُ ا ْلمُ َ‬
‫الْحَكِيمُ} [الحشر‪ ،‬آية‪.].24-22:‬‬
‫وشواهد هذا كثيرة [وقد استعرض أكثرها شيخ السلم في السلم التدمرية ص ‪ 8‬وما بعدها‪.].‬‬
‫فطريقة هؤلء في النفي المحض ل تتفق مع طريقة القرآن‪ ،‬كما ل تتفق مع الفطر السليمة‬
‫[قال‬ ‫والعقول الصريحة‪ ،‬بل هي منكرة في مدح البشر للبشر فكيف يوصف بها رب العالمين‬
‫شارح الطحاوية‪" :‬وهذا النفي المجرد مع كونه ل مدح فيه‪ ،‬فيه إساءة أدب‪ ،‬فإنك لو قلت للسلطان‪ :‬أنت لست بزبال‬
‫ول حجام ول حائك! لدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقًا‪ ،‬وإنما تكون مادحًا إذا أجملت النفي‪ ،‬فقلت‪ :‬أنت لست‬
‫مثل أحد من رعيتك‪ ،‬أنت أعلى منهم وأشرف وأجل‪ ،‬فإذا أجملت في النفي‪ ،‬أجملت في الدب" (علي بن أبي العز‪/‬‬
‫شرح الطحاوية‪].)50 /‬؟!‬
‫والشيعة تروي عن أئمتها "أن الخالق ل يوصف إل بما وصف به نفسه" ولكنها تعرض عن‬
‫ذلك كما أعرضت عن كتاب ال سبحانه‪ ،‬وعن مقتضى العقل والفطرة‪ ،‬وتؤثر في ذلك التقليد‬

‫‪345‬‬
‫المحض‪ ،‬والخذ من "نفايا" الفلسفات البائدة وإل فكيف يتجرأ عاقل على العتماد في أمر غيبي‬
‫ل سبيل للوصول إلى المعرفة فيه على سبيل التفصيل إل بخبر السماء على العقل القاصر‬
‫والفكر العاثر‪ ،‬وتحكيم خيالت البشر المتناقضة‪ ،‬وتصوراتهم المتعارضة؟!‬
‫وهؤلء المعطلة قد رد عليهم أئمة السلم وبينوا باطلهم‪ ،‬ولن نكرر القول ونبدئ فيه‬
‫ونعيد‪ ..‬ولكن الذي يمكن أن يضاف في هذا المجال بعد ظهور الكتاب الشيعي وانتشاره هو‬
‫تصوير هذه المسألة من كتب الشيعة ومن خلل روايات الشيعة عن أئمتها‪ ،‬وكلم شيوخهم‬
‫المبني على مجاراة أهل التعطيل‪ ،‬ليتبين مدى تناقضهم‪ ،‬وانفصالهم عن أئمتهم‪ ،‬ومدى تدخل‬
‫اليدي السبئية لتحوير مذهب الئمة‪ ،‬ووضع روايات تحاكي مذهب التعطيل‪ ،‬وتصدق مذهبهم‬
‫في التقليد‪ ،‬وسأختار ثلثة مسائل في ذلك‪:‬‬
‫الولى‪ :‬مسألة خلق القرآن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مسألة الرؤية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬مسألة النزول اللهي‪.‬‬
‫ثم أبين بعد ذلك من خلل نصوص الشيعة نفسها أن مذهب الئمة كان وسطًا بين غلو‬
‫الممثلة‪ ،‬وجفاء المعطلة‪ .‬وهو ما يتفق مع مذهب أهل السنة‪ ،‬وهو الموافق للنقل الصحيح والعقل‬
‫الصريح‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ المسألة الولى‪ :‬قولهم بأن القرآن مخلوق‪:‬‬
‫[انظر في‬ ‫القرآن كلم ال منزل غير مخلوق‪ ،‬وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع السلف‬
‫تقرير مذهب السلف في ذلك والرد على المخالفين‪ :‬الرد على الزنادقة والجهمية للمام أحمد‪ ،‬كتاب خلق أفعال العباد‬
‫للبخاري‪ ،‬والرد على الجهمية للدارمي‪ ،‬وكتاب رد عثمان بن سعيد على المريسي العنيد‪ ،‬والختلف في اللفظ والرد‬
‫على الجهمية والمشبهة لبن قتيبة‪ ،‬والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد‪ ،‬والرد على الجهمية لبن منده‬
‫وغيرها‪ ،].‬والثنا عشرية حذت حذو الجهمية في القول بخلق القرآن‪ ،‬فقد عقد شيخ الشيعة في‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫زمنه المجلسي في البحار في كتاب القرآن بابًا بعنوان‪" :‬باب أنّ القرآن مخلوق"‬
‫‪ ]121-117 /92‬أورد فيه إحدى عشرة رواية‪ ،‬ومعظم هذه الروايات تخالف ما ذهب إليه‪،‬‬
‫ولكن لشيوخ الشيعة مسلكًا في تأويلها سنذكره بعد قليل‪.‬‬
‫[أعيان الشّيعة‪:‬‬ ‫ويقول آية الشيعة محسن المين‪" :‬قالت الشّيعة والمعتزلة‪ :‬القرآن مخلوق"‬
‫‪.]1/461‬‬
‫وهذا بناءً على إنكارهم لصفة الكلم ل وزعمهم أن ال سبحانه "يوجد الكلم في بعض‬
‫مخلوقاته كالشجرة حين كلم موسى‪ ،‬وكجبرائيل حين أنزل بالقرآن" [أعيان الشيعة‪.].1/453 :‬‬

‫‪346‬‬
‫[وقد سئل شيخ السلم عمن قال ذلك فأتى بكفره وأنه‬ ‫هذا بعض ما يقوله شيوخهم في هذا المر‬
‫يستتاب‪ ،‬فإن تاب وإل قتل‪ ،‬وقال بأنه يكفر ولو قال‪ :‬أنا ل أُكذّب قوله تعالى‪{ :‬وَ َكلّ َم اللّهُ مُوسَى تَ ْكلِيمًا} [النساء‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪ .]164‬بل أٌقر بأن هذا اللفظ حق‪ ،‬ولكن أنفي معناه وحقيقته‪ ،‬وقال بأن هؤلء هم الجهمية الذين اتفق السلف والئمة‬
‫على أنهم من شر أهل الهواء والبدع‪ ،‬حتى أخرجهم كثير من الئمة عن الثنتين والسبعين فرقة‪( ،‬انظر‪ :‬مجموعة‬
‫الرسائل والمسائل لبن تيمية‪ ،1/474 :‬أو مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،12/502 :‬وقال في موضع آخر‪ :‬إن‬
‫سلف المة وأئمتها َكفّروا الجهمية الذين قالوا‪ :‬إن ال خلق كلمًا في بعض الجسام سمعه موسى وفسر التكليم بذلك‪.‬‬
‫(مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].)12/533 :‬‬
‫وإذا رجعت إلى الروايات التي ينقلونها عن (آل البيت) وجدتها تخالف في أكثرها ما يذهب‬
‫إليه هؤلء‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ما جاء في تفسير العياشي‪" :‬عن الرضا أنه سئل عن القرآن فقال‪ ...:‬إنه كلم ال غير‬
‫مخلوق‪[ "..‬تفسير العياشي‪.].1/8 :‬‬
‫وفي رجال الكشي‪ ..." :‬إن الكلم ليس بمخلوق‪[ "..‬رجال الكشي‪:‬ص ‪.].490‬‬
‫وفي "التوحيد" لبن بابويه القمي قيل لبي الحسن موسى رضي ال عنه‪" :‬يا ابن رسول ال‪،‬‬
‫ما تقول في القرآن؛ فقد اختلف فيه من قبلنا فقال قوم‪ :‬إنه مخلوق‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إنه غير مخلوق؟‬
‫فقال رضي ال عنه‪ :‬أما إني ل أقول في ذلك ما يقولون‪ ،‬ولكني أقول‪ :‬إنه كلم ال عز وجل"‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التوحيد ص ‪.].224‬‬
‫[انظر في ذلك‪ :‬البحار‪ ،121-92/117 :‬التوحيد‪ :‬ص ‪-223‬‬ ‫وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم‬
‫‪.].229‬‬
‫ولكن يلحظ أن شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمي قد ذهب في تأويل هذه النصوص إلى‬
‫اتجاه آخر فأثبت أن قول الئمة‪ :‬القرآن غير مخلوق يعني "أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ل‬
‫يعني به أنه غير محدث" [انظر‪ :‬التوحيد ص ‪ ،225‬البحار‪ .].92/119 :‬وقال‪" :‬وإنما امتنعنا من‬
‫إطلق المخلوق عليه لن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبًا‪ ،‬ويقال‪ :‬كلم مخلوق أي مكذوب"‬
‫[التوحيد ص ‪ ،225‬البحار‪.].92/119 :‬‬
‫ول شك أن هذا التأويل ل يسلم له لنه من الواضح أن النصوص السابقة ترد على ما ذهب‬
‫إليه أهل العتزال من القول بأن القرآن مخلوق‪ ،‬فقال السلف ردًا عليهم‪ :‬إنه غير مخلوق ولم‬
‫يريدوا بذلك أنه غير مكذوب كما يزعم ابن بابويه وغيره‪ ،‬فإن أحدًا من المسلمين لم يقل‪ :‬إنه‬
‫مكذوب‪ ،‬بل هذا كفر ظاهر يعلمه كل مسلم‪ ،‬وإنما قالوا‪ :‬إنه مخلوق خلقه في غيره فرد السلف‬

‫‪347‬‬
‫[انظر‪ :‬مجموع فتاوى‬ ‫هذا القول‪ ،‬كما تواترت الثار عنهم بذلك‪ ،‬وصنف في ذلك مصنفات متعددة‬
‫شيخ السلم‪.].12/301 :‬‬
‫وفي كتاب تفسير الصراط المستقيم ليتهم البروجردي نقل نصًا عن ابن بابويه – أيضًا –‬
‫يحيل فيه النصوص التي فيها المعنى السابق على التقية فقال‪" :‬ولعلّ المنع من إطلق الخلق‬
‫على القرآن إمّا للتّقية مماشاة مع العامّة‪ ،‬أو لكونه موهمًا لمعنى آخر أطلق الكفّار عليه بهذا‬
‫المعنى في قولهم‪ :‬إن هذا إل اختلق" [تفسير الصّراط المستقيم‪.].1/304 :‬‬
‫فلم يجد هؤلء الشيوخ ما يلوذون به إل القول "بالتقية" أو ما ماثلها‪ ..‬وهذا المنهج يثبت أنهم‬
‫ليسوا على شيء‪ ،‬وأن احتمال التقية في كل نص قد أفسد عليهم أمرهم وأضاع حقيقة المذهب‪،‬‬
‫[راجع كتاب "درة‬‫فأصبح دينهم دين المجلسي‪ ،‬أو الكليني‪ ،‬أو ابن بابويه القمي ل روايات الئمة‬
‫نجفية" لشيخهم هاشم البحراني ص ‪ 60‬وما بعدها‪ ،‬فقد عرض لختلف الروايات عندهم من أجل التقية‪ ،‬وكشف عن‬
‫حيرتهم بأي القوال يؤخذ هل يؤخذ بالول أو بالخير أو يتوقف أو يخير في الخذ بأيهما شاء أو ماذا يفعل بهذه‬
‫القوال المتعارضة المتناقضة؟! فقد جعلت التقية كما يقول هذا البحراني‪" :‬مناط كلم ل تخلو من شوب وريب وتردد‬
‫لكثرة الختلفات في تعارض الدلة وتدافع المارات" (درة نجفية‪ :‬ص ‪ ،61‬وانظر‪ :‬فصل "التقية" في هذه‬
‫الرسالة)‪.].‬‬
‫وتسنى لكل شيخ‪ ،‬أو زنديق أو مفتر يلبس ثوب المشيخة‪ ،‬ويتظاهر بالعلم أن يأخذ ما شاءت‬
‫له زندقته أو جهله وهواه وتعصبه واحدًا من هذه القوال المتعارضة المتضاربة ويعرض عن‬
‫القوال الخرى ولو كانت حقًا‪ ،‬ويجد ما يبرر هذا التصرف من الحتجاج بالتقية‪ ،‬أو دعوى أن‬
‫في ذلك مخالفة للعامة – أي أهل السنة – ففي خلفهم الرشاد – كما يفترون ‪ ،-‬وهكذا يضيع‬
‫العلم والحق والدين بهذه الطريقة الماركة‪ ،‬ويكتب على المة الفرقة والخلف بهذه الساليب‬
‫التي هي من وحي الشيطان ومكره‪ ...‬ولو أحسن محسن للشيعة وأراد بها الخير من شيوخها‬
‫لسلك بها طريق الجماعة وأخذ من رواياتهم ما يتفق وكتاب ال‪ ،‬وما عليه أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫وتخلص من مكر القمي والكليني والمجلسي‪ ،‬ول سيما‪ ،‬والئمة تشتكي من كثرة الكذابين عليها‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،136-135‬وللطلع على المزيد من‬ ‫حتى قالوا‪" :‬بأن الناس أولعوا بالكذب علينا"‬
‫الشواهد ارجع إلى فصل "عقيدتهم في السنة" ص‪.].)362( :‬‬
‫ولو أردت أن تطبيق هذه النظرية – أعني ما تتفق فيه روايات أهل السنة مع روايات الشيعة‬
‫عن أهل البيت في هذه المسألة – لوجدت أن كتب الشيعة روت – كما سبق – روايات عن أهل‬
‫البيت بأن كلم ال منزل غير مخلوق‪ ،‬وكتب أهل السنة روت مثل هذا؛ فقد أخرج البخاري في‬
‫(ضمن مجموعة عقائد السلف تحقيق‬ ‫كتاب أفعال العباد [خلق أفعال العباد ص ‪( 36‬تحقيق البدر)‪ ،‬وص ‪135‬‬

‫‪348‬‬
‫تحقيق د‪ /‬محمد رشاد‬ ‫النشار وعمار الطالبي)‪ ].‬وابن أبي حاتم [كما في منهاج السنة لبن تيمية‪188-2/187 :‬‬
‫سالم‪ ،].‬وأبو سعيد الدارمي [الرد على الجهمية ص ‪ ،].101‬والجري في الشريعة [الشريعة‪ :‬ص ‪،].77‬‬
‫[العتقاد‪ :‬ص ‪ ،36‬وقال البيهقي بعد ذكره‪" :‬فهو عن جعفر صحيح مشهور‪ ،‬وقد روي‬ ‫والبيهقي في العتقاد‬
‫ذلك عن جعفر بن محمد عن أبيه علي بن الحسين‪ ،‬وروي عن الزهري عن علي بن الحسين‪ ،‬ورويناه من أوجه عن‬
‫مالك بن أنس وهو مذهب كافة أهل العلم قديمًا وحديثًا" (المصدر السابق‪ :‬ص ‪ ،].)39‬والسماء والصفات‬
‫[شرح أصول اعتقاد أهل‬ ‫[السماء والصفات‪ :‬ص ‪ ،].247‬والللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫ط‪:‬‬ ‫السنة‪ ،].242-241 ،2/238 :‬وابو داود في مسائل المام أحمد [مسائل المام أحمد‪ :‬ص ‪265‬‬
‫بيروت‪ ،‬أو ص ‪( 107-106‬ضمن مجموعة عقائد السلف)‪ ].‬عن جعفر الصادق أنه قال حينما سئل عن‬
‫القرآن قال‪" :‬ليس بخالق ول مخلوق"‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬إنه قد استفاض ذلك عن‬
‫جعفر [منهاج السنة‪.].1/278 :‬‬
‫فلماذا ل يؤخذ بالمعنى المتفق عليه ويترك الباطل الذي ل يسنده إل أقوال شيوخ يبغون في‬
‫المة الفرقة والخلف‪ ،‬وينشدون الشذوذ والعزلة ليتسنى لهم تحصيل الموال الطائلة باسم‬
‫الخمس‪ ،‬وتتحقق لهم الوجاهة الجتماعية‪ ،‬والمنزلة (المقدسة) باسم النيابة عن المام الغائب؟‬
‫ولهذا ما برحوا يؤكدون على القول‪ :‬إن ما خالف العامة ففيه الرشاد‪.‬‬
‫تحقيق د‪/‬‬ ‫"والعامة" أو أهل السنة بالمعنى العام يدخل فيه المعتزلة [انظر‪ :‬منهاج السنة‪2/163 :‬‬
‫محمد رشاد سالم‪ ،].‬وهم قلدوا المعتزلة في هذا‪ ،‬ذلك أن مسألة خلق القرآن من عقائد أهل‬
‫العتزال‪ ،‬قال عبد الجبار في شرح الصول الخمسة‪" :‬وأما مذهبنا في ذلك (أي في القرآن)‬
‫[شرح الصول الخمسة‪ :‬ص ‪ ،528‬وانظر‪:‬‬ ‫فهو أن القرآن كلم ال تعالى ووحيه وهو مخلوق محدث"‬
‫المحيط بالتكليف ص ‪.].331‬‬
‫وقد تلقته الشيعة فيما تلقته من آراء المعتزلة‪ ..‬فهي بضاعة اعتزالية‪ ،‬فلم يتحقق لهم مخالفة‬
‫العامة‪.‬‬
‫[قال ابن حجر‪" :‬الجعد بن درهم عداده في التابعين‪ ،‬مبتدع‬ ‫وأول من قال بهذه المقالة هو الجعد بن درهم‬
‫ضال زعم أن ال لم يتخذ إبراهيم خليلً‪ ،‬ولم يكلم موسى‪ ،‬فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر‪ ،‬وللجعد أخبار كثيرة في‬
‫الزندقة" (لسان الميزان ‪ ،2/105‬ميزان العتدال‪ ،1/399 :‬ابن نباتة‪ /‬سرح العيون‪ :‬ص ‪.].)294-293‬‬
‫قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ :‬سمعت أبي يقول‪" :‬أول من أتى بخلق القرآن جعد بن درهم‬
‫[الللكائي‪ /‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة ص ‪ .382‬ويلحظ أن النص المذكور له تتمة هي "وقاله (أي خلق القرآن)‬
‫في سنة نيف وعشرين ومائة" ولم يتعقب المحقق هذا النص بشيء زعم أن الجعد قتل نحو سنة ‪118‬ه‍‪ ].‬فهو أول‬
‫[انظر‪ :‬ابن تيمية‪ :‬بيان‬ ‫من قال بمبدأ التعطيل في هذه المة‪ ،‬ثم تلقى ذلك عنه الجهم بن صفوان"‬

‫‪349‬‬
‫تلبيس الجهمية‪ ،1/127 :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،5/20 :‬وانظر‪ :‬درء تعارض العقل والنقل ‪ ،5/244‬ابن‬
‫نباتة‪ ،‬سرح العيون‪ :‬ص ‪.].293‬‬
‫ويشير البعض إلى أن هذه المقالة ترتد في أصولها إلى مؤثرات أجنبية‪ ،‬فقد ذكر ابن الثير‪،‬‬
‫وشيخ السلم ابن تيمية وغيرهما أن الجعد أخذ ذلك – أي القول بخلق القرآن – عن أبان بن‬
‫سمعان‪ ،‬وأخذه هذا من طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وكان يقول بخلق التوراة‪ ،‬وكان طالوت زنديقًا‪ ،‬وهو أول من صنف لهم في ذلك ثم‬
‫[انظر‪ :‬ابن الثير‪ /‬الكامل‪ ،5/294 :‬ابن تيمية‪ /‬الحموية (ضمن مجموع فتاوى شيخ‬ ‫أظهره الجعد بن درهم‬
‫السلم‪ ،)5/20/21 :‬ابن نباتة‪ /‬سرح العيون‪ :‬ص ‪ ،293‬السفاريني‪ /‬لوامع النوار‪ ،].1/23 :‬كما يذكر‬
‫الخطيب البغدادي أن والد بشر المريسي وهو أحد كبار القائلين بخلق القرآن من المعتزلة كان‬
‫يهوديًا [تاريخ بغداد‪.].7/61 :‬‬
‫ومن هنا يظهر الثر اليهودي في ظهور هذه المقالة‪.‬‬
‫ويشير شيخ السلم – رحمه ال – إلى مؤثرات أخرى حيث يذكر أن الجعد بن درهم كان‬
‫من أهل حران‪ ،‬وكان فيهم من بقايا الصابئين والفلسفة خصوم إبراهيم عليه السلم؛ لهذا أنكر‬
‫تكليم موسى وخلة إبراهيم موافقة لفرعون والنمرود بناء على أصل هؤلء النفاة وهو أن الرب‬
‫تعالى ل يقوم به كلم‪ ،‬ول محبة لغيره‪ ،‬فقتله المسلمون‪ ،‬ثم انتشرت مقالته فيمن ضل من هذا‬
‫الوجه [درء تعارض العقل والنقل‪.].176-7/175 :‬‬
‫وتلك الروايات الواردة في كتب الشيعة والتي تنص على أن القرآن منزل غير مخلوق قد‬
‫[انظر‪ :‬منهاج‬ ‫تمثل مذهب قدماء الشيعة الذين كانوا على هذا العتقاد كما أشار إلى ذلك أهل العلم‬
‫[انظر‪ :‬الشعري‪/‬‬ ‫السنة‪].1/296 :‬؛ لن القول بأن القرآن مخلوق هو من إحداث متأخري الشيعة‬
‫مقالت السلميين‪.].1/114 :‬‬
‫كما أن العتقاد بأن القرآن منزل غير مخلوق‪ ،‬هو الثابت عن أهل البيت‪ ،‬إذ ليس من أئمة‬
‫أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من يقول بخلق القرآن‪،‬‬
‫ولكن المامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم [منهاج السنة‪.].1/296 :‬‬
‫أما قولهم بأن كلم ال لموسى خلقه في شجرة؛ فهو مخالف لصريح قوله سبحانه‪{ :‬وَكَلّمَ ال‬
‫مُوسَى تَكْ ِلمًا} [النساء‪ ،‬آية‪ ].164 :‬فالتأكيد بالمصدر "تكليمًا" ينفي التأويل الذي يشيرون إليه‪ ،‬ولذا‬
‫قال غير واحد من العلماء‪ :‬التوكيد بالمصدر ينفي المجاز [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].12/515 :‬‬
‫ولو كان المر على ما يدعون لم يكن في ذلك مزية لموسى عليه السلم‪ ،‬وفضيلة اختص‬
‫بها‪ ،‬ونوه ال سبحانه بذكرها فإن "من سمع كلم ال من مالك أو من نبي أتاه به من عند ال‬
‫‪350‬‬
‫أفضل مرتبة في سماع الكلم من موسى؛ لنهم سمعون من نبي‪ ،‬وموسى سمعه من شجرة‪..‬‬
‫ويلزمهم أن تكون الشجرة هي التي قالت‪( :‬إنني أنا ال ل إله إل أنا فاعبدني) وهذا ظاهر‬
‫الفساد" [البيهقي‪ /‬العتقاد ص ‪.].33‬‬
‫والرد على الجهمية القائلين بنفي الصفات كثير في كلم التابعين وتابعيهم‪ ،‬والئمة المشاهير‪،‬‬
‫وفي مسألة القرآن آثار كثيرة جدًا [مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،].12/418 :‬وهي مذكورة في الكتب‬
‫المتخصصة في ذلك [انظر‪ :‬ص (‪ )541‬هامش (‪ .].)1‬ولكن الذي يمكن أن يضاف فيما يتصل بنقد‬
‫المذهب الشيعي في ذلك بعد ظهور كتبهم وانتشارها أنهم وهم ينفون هذه الفضيلة لموسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬وينكرون مناجاة ال له ومناداته‪ ،‬ويزعمون أن الشجرة هي التي كلمت موسى عليه‬
‫السلم – لم يأخذوا بهذا المنهج فيما يتصل بالمام‪ ،‬ونسوا هذه القضية في حديثهم عن فضائل‬
‫الئمة‪ ..‬لقد جاء في كتابهم المعتمد عندهم "بحار النوار" باب بعنوان "باب أنّ ال تعالى ناجاه‬
‫صلوات ال عليه‪[ "..‬بحار النوار‪ ].39/151 :‬وساق فيه مجموعة من رواياتهم في هذا المعنى عزاها‬
‫– كعادته – إلى طائفة من كتبهم المعتمدة‪.‬‬
‫تقول إحدى هذه الروايات‪" :‬لمّا بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر‬
‫ن ال – بزعمهم –‬
‫[لحظ هنا أ ّ‬ ‫وأنزل ال عليه‪ :‬تترك من ناجيته غير مرّة‪ ،‬وتبعث من لم أناجه؟‬
‫عاتب رسول ال‪ ،‬وبيّن خطأه‪ ..‬وهذا يناقض دعوى العصمة المطلقة التي يصفون بها الرّسول والئمّة‪ ..‬والتّناقض‬
‫سمة عامّة وظاهرة مطردة في نصوصهم] فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذ براءة منه‬
‫ودفعها إلى علي رضي ال عنه فقال له علي‪ :‬أوصني يا رسول ال‪ ،‬فقال له‪ :‬إنّ ال يُوصيك‬
‫ويناجيك‪ ،‬قال‪ :‬فناجاه يوم براءة قبل صلة الولى إلى صلة العصر" [بحار النوار‪.].39/155 :‬‬
‫وتقول رواية أخرى‪ .." :‬إنّ ال ناجاه (يعني عليّا) يوم الطّائف ويوم عقبة تبوك‪ ،‬ويوم حنين"‬
‫[بحار النوار‪ ،39/154 :‬الختصاص‪ :‬ص ‪.].328‬‬
‫وفي بصائر الدرجات‪ ،‬والختصاص وبحار النوار‪ ،‬رواية تقول‪" :‬عن أبي عبد ال قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل الطائف‪ :‬لبعثن إليكم رجلً كنفسي يفتح ال به الخيبر‪،‬‬
‫سوطه سيفه"‪ ،‬ثم تذكر الرواية اختيار علي لهذه المهمة‪ ،‬وأن الرسول لحق به ولما وصلها كان‬
‫علي على رأس الجبل فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬اثبت‪ ،‬فثبت‪ ،‬فسمعنا مثل صرير‬
‫الزجل [قالوا‪ :‬معناه "صوت الرّعد"‪ ،‬انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،39/156 :‬الختصاص‪ :‬ص ‪( 200‬الهامش)‪ ].‬فقيل‪:‬‬
‫[المفيد‪ /‬الختصاص‪ :‬ص ‪-200‬‬ ‫يا رسول ال‪ ،‬ما هذا؟ قال‪ :‬إنّ ال يناجي عليّا رضي ال عنه"‬
‫صفّار‪ /‬بصائر الدّرجات (انظر الموضع نفسه من المصدر السّابق)‪.].‬‬
‫‪ ،201‬بحار النوار‪ ،156-155 /39 :‬ال ّ‬

‫‪351‬‬
‫وبغض النظر عما في هذه الرواية من أخطاء تاريخية في خلطها بين فتح خيبر والطائف‪،‬‬
‫فلعل القارئ يلحظ هذا التشبيه لكلم الحق جل شأنه‪ ...‬فعنصر التجسيم والتمثيل واضح في‬
‫قوله‪" :‬مثل صرير الزجل" ول تشير الرواية إلى أن هذا قد سمعه علي من شجرة ونحوها‪ ،‬فما‬
‫بالهم يذهبون تارة إلى التعطيل المحض‪ ،‬وتارة إلى التجسيم‪ ،‬هل هذه الروايات تمثل الدوار‬
‫التي مرت بها مراحل التشيع حينما كان الشيعة مجسمة‪ ،‬ثم تحولوا إلى مرحلة التعطيل في‬
‫المائة الثالثة حينما هبت عليهم أعاصير العتزال؟!‬
‫أم أن وضّاع هذه الروايات يمثلون على نحلة وكل يضع ما تمليه عليه عقيدته؟!‬
‫والتشيع يحتضن الجميع بل تفريق؛ فحب علي حسنة ل تضر معها سيئة كما يقولون‪.‬‬
‫ول يجدون ما يلجؤون إليه في تعليله سوى القول بالتقية‪ ،‬ول يكاد يجزم شيخ من مشايخم‬
‫بمعرفة أي القولين تقية إل بالقول بأن ما خالف العامة (يعني أهل السنة) فيه الرشاد‪ .‬وليتهم‬
‫قالوا‪ :‬ما وافق القرآن هو الحق وما سواه تقية‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬أليس يكفي في بيان فساد مذهبهم أنه عنصر غريب على المة‪ ،‬وأنه خلف ما عليه‬
‫أهل البيت‪ ،‬وخلف ما اتفقت فيه روايات لهم مع ما جاء عند أهل السنة‪ ،‬وأن رواياتهم كلها‬
‫متعارضة متناقضة؟!‬
‫‪ 2‬ـ مسألة الرؤية‪:‬‬
‫الرؤية حق لهل الجنة‪ ،‬بغير إحاطة ول كيفية‪ ،‬كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَ ْو َمئِذٍ‬
‫ظرَةٌ} [القيامة‪ ،‬آية‪ ،23 ،22 :‬والنص عن الطحاوية (انظر‪ :‬شرح الطحاوية ص ‪.].)146‬‬
‫ضرَةٌ‪ ،‬إِلَى َر ّبهَا نَا ِ‬
‫نّا ِ‬
‫وأما الحاديث عن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها‬
‫أصحاب الصحاح والمسانيد والسن [علي بن أبي العز‪ /‬شرح الطحاوية ص ‪.].151‬‬
‫وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون‪ ،‬وأئمة السلم المعروفون بالمامة في الدين‪،‬‬
‫[علي بن أبي العز‪ /‬شرح الطحاوية ص‬ ‫وسائر طوائف أهل الكلم المنسوبين إلى السنة والجماعة‬
‫‪.].146‬‬
‫[علي بن أبي العز‪ /‬شرح‬ ‫وخالف في ذلك الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والمامية‬
‫الطحاوية ص ‪ ].146‬وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة وإجماع السلف‬
‫[انظر‪ :‬الرد على الزنادقة‬
‫والجهمية للمم أحمد ص ‪ ،85‬رد المام الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص ‪ ،413‬شرح أصول‬
‫اعتقاد أهل السنة لللكائي‪ ،3/454 :‬وانظر التصديق بالظر إلى ال في الخرة للجري‪ ،‬ضوء الساري إلى معرفة‬
‫رؤية الباري لبي شامة‪ ،‬والتبصرة للشيرازي ص ‪ ،229‬شرح الطحاوية ص ‪ ،146‬مختصر الصواعق المرسلة‬
‫ص ‪.].179‬‬

‫‪352‬‬
‫وأذكر فيما يلي قول الشيعة من مصادرها‪:‬‬
‫لقد ذهبت الشيعة المامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية‪ ،‬وجاءت روايات عديدة‬
‫ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص‬
‫من رؤية المؤمين لربهم في الخرة‪ ،‬فتفتري – مثلً – على أبي عبد ال جعفر الصادق بأنه‬
‫سئل "عن ال تبارك وتعالى هل يرى في المعاد ؟ فقال‪ :‬سبحان ال وتعالى عن ذلك علوًا‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫كبيرًا‪ ..‬إن البصار ل تدرك إل ما له لون وكيفية‪ ،‬وال خالق اللوان والكيفية"‬
‫‪ ،4/31‬وعزاه إلى أمالي الصدوق‪.].‬‬
‫ويظهر أن الحجة التي احتج بها هؤلء الذين وضعوا هذه الرواية على جعفر تتضمن نفي‬
‫الوجود الحق‪ ،‬لن ما ل كيفية له مطلقًا ل وجود له‪ .‬ولهذا قال بعض السلف حينما سئل عن‬
‫[جاء هذا الثر – بهذا المعنى – عن أم سلمة‪ ،‬فأخرجه‬ ‫الستواء قال‪ :‬الستواء معلوم والكيف مجهول‬
‫الللكائي بسنده عن أم سلمة موقوفًا (شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪ ،)3/297 :‬وذكره ابن حجر (فتح الباري‪:‬‬
‫‪ .)13/406‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ « :‬روي هذا الجواب عن أم سلمة رضي ال عنها‪ :‬موقوفًا ومرفوعًا‪ ،‬ولكن‬
‫ليس إسناده مما يعتمد عليه » (الفتاوى‪ ،)5/365 :‬كما ثبت مثل هذا الجواب عن ربيعة شيخ مالك‪ ،‬وروي من غير‬
‫وجه عن مالك (المصدر السابق) فأخرجه الللكائي عنهما (شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪ .)3/398 :‬والبيهقي‬
‫(السماء والصفات ص ‪ ،)409-408‬وذكره البغوي (شرح السنة‪ )1/171 :‬والسيوطي (الدر المنثور‪:‬‬
‫‪ ..].)3/91‬ولم يقل‪ :‬ل كيفية له‪.‬‬
‫فالمنفي هنا علم البشر بالكيفية ل ذات الكيفية‪ ،‬كما أن هذا يناقض ما رواه صاحب الكافي‬
‫عن أبي عبد ال أنه قال‪ .." :‬ولكن لبد من إثبات أن له كيفية ل يستحقها غيره ول يشارك فيها‬
‫ول يحاط بها ول يعلمها غيره" [أصول الكافي‪.].1/85 :‬‬
‫وقال شيخهم وآيتهم جعفر النّجفي صاحب كشف الغطا‪" :‬ولو نسب إلى ال بعض الصّفات‪..‬‬
‫كالرّؤية حكم بارتداده" [كشف الغطا‪ :‬ص ‪ .].417‬وجعل الحرّ العاملي نفي الرؤية من أصول‬
‫الئمة‪ ،‬وعقد لذلك بابًا بعنوان "باب أنّ ال سبحانه ل تراه عين ول يدركه بصر في الدّنيا ول‬
‫في الخرة" [الفصول المهمّة في أصول الئمّة‪ :‬ص ‪.].12‬‬
‫فنفيهم لرؤية المؤمنين لربهم في الخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية‪ ،‬وهو أيضًا‬
‫خروج عن مذهب أهل البيت‪ ،‬وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك‪ ،‬فقد روى ابن بابويه القمّي‬
‫عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السّلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬أخبرني عن ال عزّ وجلّ هل يراه‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التّوحيد ص ‪ ،117‬بحار النوار‪ ،4/44 :‬وانظر‪ :‬رجال الكشّي‬ ‫المؤمنون يوم القيامة؟ قال‪ :‬نعم‬
‫ص ‪( 450‬رقم ‪.].)848‬‬
‫‪ 3‬ـ ومثل مسألة "الرؤية" مسألة أخرى هي "نزول الرب جل شأنه"‪:‬‬
‫‪353‬‬
‫والذي استفاضت به السنة عن النبي صلى ال عليه وسلم واتفق سلف المة وأئمتها وأهل‬
‫[ابن تيمية‪ /‬شرح حديث النزول‪ :‬ص ‪ ،6‬وانظر‪:‬‬‫العلم بالسنة والحديث على تسديق ذلك وتلقيه بالقبول‬
‫الرد على الجهمية للمام أبي سعيد الدارمي‪ :‬ص ‪ ،284‬ورد المام عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص ‪،377‬‬
‫السنة‪ /‬لبن أبي عاصم‪ ،1/216 :‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪ /‬الللكائي‪ ].3/434 :‬وإثباته على ما يليق‬
‫بجلله سبحانه ويختص بعظمته‪.‬‬
‫[انظر رواياته في أصول‬ ‫وقد جاءت عند الثني عشرية روايات نسبوها لهل البيت تنكر ذلك‬
‫الكافي‪ ،127-1/125 :‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪ ].314 ،3/311 :‬في حين يوجد روايات أخرى تثبت‬
‫النزول اللهي وهي التي تتفق مع نقل أهل السنة عنهم‪ .‬جاء في كتب الشيعة "قال سائل لبي‬
‫ن الرّوايات قد صحّت‬
‫عبد ال‪ :‬تقول إنّه ينزل إلى السّماء الدّنيا؟ قال أبو عبد ال‪ :‬نقول بذلك‪ ،‬ل ّ‬
‫[بحار النوار‪ .3/331 :‬وقد عزاه المجلسي إلى كتاب التّوحيد لبن بابويه‪ ،‬وقد رجعت إلى كتاب‬ ‫به والخبار"‬
‫ل على النّزول قد حذف‪ ،‬لكن محقّق الكتاب أشار في الحاشية إلى وجود‬
‫التّوحيد فوجدت الرّواية إل أنّ النّصّ الذي يد ّ‬
‫هذا النّصّ في بعض النّسخ الخطّيّة للكتاب‪ ،‬ولكنّه لم يثبته في الصّلب لعدم موافقته لمشربه (انظر‪ :‬التّوحيد لبن بابويه‬
‫ص ‪ .].)248‬ومثل هذا المعنى جاء في تفسير القمي أصل أصول التفاسير عندهم كما أثبت ذلك‬
‫صاحب البحار [بحار النوار‪ ،].3/315 :‬وإن كان ناشر الكتاب والمعلق عليه أضاف إليه ما يغير‬
‫معناه [قال‪" :‬ينزل أمره" انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ].2/204 :‬ولم يتفطن أن بقية النص تكشف ما زاده فيه‬
‫[حيث جاء النص‪" :‬إن الرب تبارك وتعالى ينزل كله ليلة… فإذا طلع الفجر عاد الرب إلى عرشه"‪( .‬انظر‪ :‬بحار‬
‫النوار‪ ،3/315 :‬تفسير القمي‪ )2/204 :‬ول يخفى ما فيه من الغلو في الثبات في قوله‪" :‬ثم عاد الرب إلى‬
‫عرشه"‪.].‬‬
‫واختلف رواياتهم بهذه الصورة يدل على أن جانبًا منها باطل بل ريب‪ ،‬ول شك بأن‬
‫الروايات التي تتفق مع كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وإجماع السلف هي‬
‫الصواب‪ ،‬وإن أعرض عنه شيوخ الشيعة مجاراة لهل العتزال‪.‬‬
‫ثم إن اختلف شيوخ المامية المتقدمين عن متأخريهم في هذا الباب يلزم منه أن أحدهما‬
‫على ضلل‪ ،‬وعليه "لزم ضرورة أن شيوخ المامية ضلوا في التوحيد إما متقدموهم وإما‬
‫متأخروهم" [منهاج السنة‪ .].1/275 :‬وقد جاءت روايات تدل على أن الئمة – باعتراف كتب‬
‫الشيعة – قد أخذوا بالمنهج الوسط بين غلو متقدمي الشيعة في الثبات‪ ،‬وبين غلو متأخريهم في‬
‫التعطيل‪.‬‬
‫وعقد صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى" وذكر‬
‫فيه اثنتي عشرة رواية عن الئمة [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ].104-1/100 :‬افتتح الباب برواية "عبد‬
‫الرحيم بن عتيك القصير قال‪ :‬كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫‪354‬‬
‫"إن قومًا بالعراق يصفون ال بالصورة وبالتخطيط فكتب إليّ‪ :‬سألت رحمك ال عن التوحيد وما‬
‫ذهب إليه من قبلك‪ ،‬فتعالى ال الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪ ،‬وتعالى عما يصفه‬
‫الواصفون المشبهون ال بخلقه المفترون على ال‪ ،‬فاعلم رحمك ال أن المذهب الصحيح في‬
‫التوحيد ما نزل به القرآن من صفات ال جل وعز‪ ،‬فانف عن ال تعالى البطلن والتشبيه فل‬
‫[مذهب السلف بين مذهبين‪ ،‬وهدي بين ضللتين‪ :‬هو إثبات الصفات‪ ،‬ونفي مماثلة المخلوقات‪ ،‬فقوله‬ ‫نفي ول تشبيه‬
‫شيْءٌ} رد على أهل التشبيه‪ ،‬والتمثيل‪ .‬وقوله‪{ :‬وَهُ َو السّمِيعُ البَصِيرُ} رد على أهل النفي‬
‫تعالى‪َ { :‬ليْسَ كَ ِم ْثلِهِ َ‬
‫والتعطيل (انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ )5/196 :‬لكن لفظ التشبيه صار في كلم الناس لفظًا مجملً يراد به‬
‫المعنى الصحيح وهو ما نفاه القرآن ودل عليه العقل من أن صفات الرب ل يوصف بها شيء من المخلوقات‪ ،‬ول‬
‫يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته‪ ،‬ويراد به معنى باطل وهو أن ل يثبت ل شيء من الصفات (انظر‪:‬‬
‫شرح الطحاوية ص ‪ ..].)40‬ل تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان" [أصول الكافي‪ .].1/100 :‬وعن‬
‫[السابق‪:‬‬ ‫المفضل قال‪ :‬سألت أبا الحسن عن شيء من الصفة فقال‪" :‬ل تجاوز ما في القرآن"‬
‫‪.].1/102‬‬
‫لحظ أن هذا النص الذي ورد في أصح كتبهم الربعة يأمرهم باتباع ما نزل به القرآن من‬
‫صفات ال سبحانه‪ .‬فمن قلد أهل العتزال‪ ،‬أو حكم العقل وأعرض عن كتاب ال‪ ،‬لم يتبع كتاب‬
‫ال‪ ،‬ولم يأخذ بوصية إمامه‪.‬‬
‫قال الرضا‪" :‬للناس في التوحيد ثلثة مذاهب‪ :‬نفي‪ ،‬وتشبيه‪ ،‬وإثبات بغير تشبيه؛ فمذهب النفي‬
‫ل يجوز‪ ،‬ومذهب التشبيه ل يجوز؛ لن ال تبارك وتعالى ل يشبه شيء والسبيل في الطريقة‬
‫الثالثة إثبات بل تشبيه" [بحار النوار‪.].3/263 :‬‬
‫فأوائل الشيعة أخذوا بالتشبيه وأواخرهم أخذوا بالنفي‪ ،‬وأعرضوا عن المذهب الوسط‪ ،‬وهو‬
‫مذهب الئمة كما تقر به "نقولهم" فدل على أنهم ليسوا على شيء في هذا الباب فلم يأخذوا‬
‫بمنهج القرآن والسنة ولم يأخذوا بطريقة الئمة الذين يزعمون أنهم قدوتهم‪ ،‬بل ساروا مع أهل‬
‫شيْءٌ} ثم أخذوا بمسلك أهل التعطيل وأعرضوا عن‬
‫التمثيل أولً‪ ،‬وخالفوا قول ال‪َ{ :‬ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ‬
‫نصوص الصفات الواردة عن ال ورسوله‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫وصفهم الئمة بأسماء ال وصفاته‬

‫‪355‬‬
‫وهو ما انفردت به الشيعة‪ ،‬وشذت به عن المة‪ ...‬فإذا كان شيوخ الشيعة المتقدمون قد‬
‫شبهوا الخالق سبحانه بصفات المخلوقين‪ ،‬ثم واجه هذه الموجة الغالية في التجسيم موقف آخر‬
‫قد يمثل ردة فعل له‪ ،‬وهو موقف التعطيل‪..‬‬
‫فشبهوا ال سبحانه بالمعدومات والجمادات والممتنعات‪ ،‬وعطلوا نصوص السماء والصفات‪.‬‬
‫فهم لم يصفوا ال سبحانه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم ل‬
‫في مذهبهم الول ول في مذهبهم الخير‪ ..‬إذا كان المر كذلك فإنهم لم يكتفوا بذلك‪ ،‬بل تطور‬
‫المر إلى أن السماء والصفات الواجبة ل سبحانه وصفوا بها بعض البشر (الئمة) فخرجوا‬
‫بمذهب ثالث وهو تشبيه المخلوق بالخالق‪ ،‬فشابهوا النصارى في ذلك كما شابهوا اليهود في‬
‫المذهب الول (التجسيم)‪.‬‬
‫لقد خرجوا ببدعة ثالثة أحدثوها في أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حيث زعموا أن الئمة‬
‫هم أسماء ال‪ ،‬فأسماء ال سبحانه التي ذكرها في كتابه هي – على حد زعمهم – عبارة عن‬
‫الئمة الثني عشر‪ ،‬وهذا يتضمن تعطيل ال من أسمائه الحسنى‪ ،‬وإعطاءها بعض البشر‪،‬‬
‫ويزعمون أن النص من "المعصوم" قد ورد بذلك‪ ،‬وهذا إفك عظيم افتروه؛ فويل لهم مما‬
‫يفترون‪.‬‬
‫سمَاء‬
‫روى الكليني في أصل الكافي عن أبي عبد ال في قول ال عز وجل‪َ { :‬ولِّلهِ ا َل ْ‬
‫سنَى فَادْعُو ُه ِبهَا} [العراف‪ ،‬آية‪ ].180 :‬قال‪" :‬نحن وال السماء الحسنى التي ل يقبل ال من‬
‫ح ْ‬
‫الْ ُ‬
‫العباد عملً إل بمعرفتنا" [أصول الكافي‪.].144-1/143 :‬‬
‫وهذا المعنى تناقله أساطين المذهب في روايات عديدة منسوبة لجعفر الصادق وغيره‬
‫[انظر‪:‬‬
‫تفسير العياشي‪ ،2/42 :‬المفيد‪ /‬الختصاص‪ :‬ص ‪ ،252‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪ ،94/22 :‬النوري الطبرسي‪/‬‬
‫مستدرك الوسائل‪ ،1/371 :‬البرهان‪ ،2/52 :‬تفسير الصافي ‪.].255-2/254‬‬
‫سنَى} وهؤلء يقولون‪ :‬نحن السماء الحسنى‪ ،‬فأي‬
‫ح ْ‬
‫سمَاء الْ ُ‬
‫ال سبحانه يقول‪{ :‬وَ ِلّلهِ ا َل ْ‬
‫محاداة ل وكتابه أعظم من هذا! إن من معين هذه النصوص المظلمة تستقي طوائف الباطنية‬
‫الملحدة والتي تذهب لتأليه الئمة‪ ..‬ومن مائها السن ترتوي‪.‬‬
‫وتفصل روايات أخرى لهم ما أجملته الرواية السابقة فيروون عن أبي جعفر أنه قال‪" :‬نحن‬
‫وجه ال نتقلب في الرض بين أظهركم‪ ،‬ونحن عين ال في خلقه‪ ،‬ويده المبسوطة بالرحمة على‬
‫عباده‪ ،‬عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا" [أصول الكافي‪ ،1/143 :‬البرهان‪.].3/240 :‬‬
‫وعن أبي عبد ال‪" :‬إن ال خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده‪ ،‬ولسانه الناطق في‬
‫خلقه‪ ،‬ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة‪ ،‬ووجهه الذي يؤتى منه‪ ،‬وبابه الذي يدل‬
‫‪356‬‬
‫عليه‪ ،‬وخزانه في سمائه وأرضه‪ ،‬بنا أثمرت الشجار وأينعت الثمار‪ ،‬وجرت النهار‪ ،‬وبنا‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫ينزل غيث السماء وينبت عشب الرض‪ ،‬وبعبادتنا عبد ال ولولنا ما عُبد ال"‬
‫‪ ،1/144‬ابن بابويه‪ /‬التوحيد ص ‪ ،152-151‬بحار النوار ‪ ،24/197‬البرهان‪.].241-3/240 :‬‬
‫وزعموا أن أمير المؤمنين عليًا قال‪" :‬أنا عين ال وأنا يد ال وأنا حبيب ال وأنا باب ال"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/145 :‬بحار النوار‪ .].24/194 :‬وقال – كما يفترون ‪" :-‬أنا علم ال‪ ،‬وأنا قلب ال‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التّوحيد ص‬ ‫الواعي‪ ،‬ولسان ال النّاطق‪ ،‬وعين ال النّاظرة‪ ،‬وأنا جنب ال وأنا يد ال"‬
‫‪ ،164‬بحار النوار‪.].24/198 :‬‬
‫وفي التوحيد لبن بابويه أنّ أبا عبد ال قال‪" :‬إنّ ل عزّ وجلّ خلقًا من رحمته‪ ،‬خلقهم من‬
‫سيّئات‪،‬‬
‫نوره‪ ..‬فهم عين ال النّاظرة وأذنه السّامعة‪ ،‬ولسانه النّاطق في خلقه بإذنه‪ ..‬بهم يمحو ال ّ‬
‫وبهم يدفع الضّيم‪ ،‬وبهم يُنزّل الرّحمة‪ ،‬وبهم يحيي ميتًا‪ ،‬وبهم يميت حيّا‪ ،‬وبهم يبتلي خلقه‪ ،‬وبهم‬
‫يقضي في خلقه قضيّته" [التّوحيد‪ :‬ص ‪.].167‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫وقد ذكر المجلسي ستًا وثلثين رواية تقول إن الئمة هم وجه ال ويد ال‬
‫‪ .].203-24/191‬وفي رجال الكشّي وغيره قال علي – كما يفترون ‪" :-‬أنا وجه ال‪ ،‬أنا جنب‬
‫رقم (‪ ،)374‬وانظر‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬وأنا الوّل‪ ،‬وأنا الخر‪ ،‬وأنا الظّاهر‪ ،‬وأنا الباطن‪[ "..‬رجال الكشّي ص ‪221‬‬
‫بحار النوار‪ ،94/180 :‬بصائر الدّرجات ص ‪.]151‬‬
‫وجاءت عندهم روايات عديدة في كثير من مصادرهم المعتمدة تفسر قوله سبحانه‪َ { :‬ويَبْقَى‬
‫ج َههُ}‬
‫جهُ رَبّكَ ذُو الْجَللِ وَالِ ْكرَامِ} [الرحمن‪ ،‬آية‪ .].27 :‬وقوله سبحانه‪ُ { :‬كلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِل وَ ْ‬
‫وَ ْ‬
‫[مضى تخريج هذا النّص من كتبهم ص‬ ‫[القصص‪ ،‬آية‪ ].88 :‬بما رووه عن جعفر أنّه قال‪" :‬نحن وجه ال"‬
‫‪" ]173-172‬نحن الوجه الذي يؤتى ال منه" [مضى تخريجه من كتبهم ص ‪" ،]173-172‬نحن وجه‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التّوحيد ص ‪ ،150‬بحار النوار‪ ،24/201 :‬تفسير الصّافي‪ ،4/108 :‬البرهان‪:‬‬ ‫ال الذي ل يهلك"‬
‫شيْ ٍء هَا ِلكٌ إِل وَجْهَهُ}‬ ‫‪ ،].3/241‬وروايات أخرى بهذا المعنى‬
‫[انظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬التوحيد‪ ،‬باب تفسير {كُ ّل َ‬
‫ص ‪ ،153-149‬وبحار النوار‪ 24/191 :‬وما بعدها‪ ،‬وفي تفسير البرهان ثلث عشرة رواية بهذا المعنى نقلها‬
‫من مختلف كتبهم المعتمدة عندهم (انظر‪ :‬البرهان ‪.].)242-30/240‬‬
‫وجاء في تفسير العياشي‪ ،‬رواية طويلة تقشعر منها أبدان المؤمنين تصف ما يجري في يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وتقول نهاية الرواية – على لسان الئمة ‪" :-‬ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربّنا‪"..‬‬
‫[تفسير العيّاشي‪ ،2/312 :‬البحراني‪ /‬البرهان‪ ،2/439 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪( 3/302 :‬ط‪:‬كمباني)‪.].‬‬
‫هذا ونصوصهم التي تفسر أسماء ال عز وجل وصفاته بالمام والئمة كثيرة‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫كما أنهم أضفوا على الئمة أيضًا بعض صفات الرب سبحانه كالعلم بالغيب‪ ،‬وعقد لذلك‬
‫صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ل يخفى عليهم‬
‫الشيء" [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ .].262-1/260 :‬وضمنه طائفة من رواياتهم‪ .‬وعقد بابًا آخر بعنوان‬
‫"باب أن الئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا" [أصول الكافي‪ ].1/258 :‬وذكر فيه جملة من أحاديثهم‪،‬‬
‫ومن روايات هذه البواب‪:‬‬
‫قال أبو عبد ال – كما يفترون ‪" :-‬إنّي لعلم ما في السّماوات وما في الرض وأعلم ما في‬
‫الجنّة وأعلم ما في النّار‪ ،‬وأعلم ما كان وما يكون‪[ "..‬أصول الكافي‪" .].1/261 :‬وعن سيف التمار‬
‫قال‪ :‬كنا مع أبي عبد ال رضي ال عنه جماعة من الشيعة في الحجر فقال‪ :‬علينا عين؟ فالتفتنا‬
‫ب الكعبة وربّ البنية – ثلث مرّات‬
‫يمنة ويسرة فلم نر أحدًا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ليس علينا عين‪ .‬فقال‪ :‬ور ّ‬
‫– لو كنت بين موسى والخضر لخبرتهما أنّي أعلم منهما ولنبأتهما بما ليس في أيديهما‪ ،‬لنّ‬
‫موسى والخضر عليهما السّلم أعطيا علم ما كان ولم يُعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى‬
‫[أصول الكافي‪-1/260 :‬‬ ‫تقوم السّاعة‪ ،‬وقد ورثناه من رسول ال صلى ال عليه وسلم وراثة"‬
‫‪.].261‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه كلمات ل تحتاج إلى تعليق‪ ،‬وأقول هي "زبالة" المذاهب الباطنية‪ ،‬التي كان لها‬
‫وجود في تاريخ المسلمين‪ ،‬والتي تذهب إلى تأليه عليّ والئمة‪ .‬قد استوعبتها الثنا عشرية في‬
‫بنية مذهبها‪.‬‬
‫وهم يلصقون هذه المفتريات بأهل البيت ليتخذوا منهم "عكازة" يعتمدون عليها لنشر مذهبهم‪.‬‬
‫وإل فمن يقول‪" :‬أنا الول والخر والظاهر والباطن" [انظر‪ :‬ص (‪].)558‬؛ هل يختلف عن‬
‫فرعون الذي قال‪" :‬أنا ربكم العلى"؟! وكيف يتجرأ أساطين المذهب كالكشي والطوسي على‬
‫نقل هذا اللحاد‪ ،‬وكيف يعدون الكليني ثقة إسلمهم وهو ينقل هو وأضرابه هذا الكفر البواح؟!‬
‫وهل ثمة عذر لمعتذر؟‬
‫وقد حاول شيخهم المجلسي اللجوء إلى المجاز لتفسير بعض نصوصهم الواردة في هذا الباب‬
‫حيث قال‪" :‬إن تلك المجازات شائعة في كلم العرب‪ ،‬فيقال‪ :‬لفلن وجه عند الناس‪ ،‬ولفلن يد‬
‫على فلن وأمثال ذلك‪ ،‬والوجه يطلق على الجهة‪ ،‬فالئمة الجهة التي أمر ال بالتوجه إليها‪ ،‬ول‬
‫يتوجه إليه تعالى إل بالتوجه إليهم‪ ،‬وكل شيء هالك باطل مضمحل إل دينهم وطريقتهم‬
‫وطاعتهم‪ ،‬وهم عين ال أي شاهده على عباده‪ ،‬فكما أن الرجل ينظر بعينه ليطلع على المور‬
‫فكذلك خلقهم ال ليكونوا شهداء من ال عليهم ناظرين في أمورهم‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫وإطلق اليد على النعمة والرحمة والقدرة شائع‪ ،‬فهم نعمة ال التامة‪ ،‬ورحمته المبسوطة‪،‬‬
‫ومظاهر قدرته الكاملة‪ .‬والجنب‪ :‬الجانب والناحية وهم الجانب الذي أمر الخلق بالتوجه إليهم‪..‬‬
‫ويحتمل أن يكون كناية عن أن قرب ال تعالى ل يحصل إل بالتقرب بهم‪ ،‬كما أن قرب الملك‬
‫يكون بجنبه" اه‍ [بحار النوار‪.].24/202 :‬‬
‫إن هذا العتذار دليل على رضا شيوخهم بهذا الكفر البين‪ ،‬وإل فكيف يلتمس لهذا اللحاد‬
‫الظاهر مخرجًا؟! لم ل يضرب به الجدار‪ ،‬وينقي "ثوب التشيع" من أدران رؤوس الملحدة‪،‬‬
‫وزبانية الكفر؟ وهل يصح تأويل المجلسي إل إذا صح تأويل قول فرعون "أنا ربكم العلى" إل‬
‫إذا كان هذا التأويل لمجرد التستر على الباطل‪ ،‬والدفاع بالهوى عن مقالت الملحدة‪.‬‬
‫[انظر في مسألة المجاز‪ :‬ابن تيمية‪ /‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪:‬‬ ‫إن التعلق بالمجاز – على فرض القول‬
‫‪ ،119-7/87‬مختصر الصواعق المرسلة ص ‪ 242‬وما بعدها‪ ].‬به – ل مكان له هنا؛ لن المجاز في‬
‫اللغة يلحظ فيه وجود علقة بين المعنى الصلي والمعنى المجازي‪ ،‬مع وجود قرينة تمنع‬
‫ل ‪ :-‬المراغي‪ /‬علوم البلغة ص ‪ ،296‬حفني‬
‫[راجع‪ :‬كتب البلغة العربية‪ :‬انظر – مث ً‬ ‫إرادة المعنى الصلي‬
‫ناصف وزملؤه‪ /‬البلغة ص ‪( 341‬ضمن قواعد اللغة)‪ .].‬والصل في الكلم الحقيقة "ول يصار إلى‬
‫المجاز إل إذا تعذر حمل الكلم على حقيقته" [أبو شامة‪ /‬ضوء الساري ص ‪.].106‬‬
‫ولذلك فإن فرقًا كثيرة في الثني عشرية وغيرها عدت ذلك الكلم حقيقة‪ ،‬واعتقدت في الئمة‬
‫اللوهية بمقتضى هذا الكفر الذي ينقله لهم شيوخ الثني عشرية‪ ،‬وكان حق هذه المقالة الرفض‬
‫والتكذيب؛ لنه ل معنى لدعوى المجاز‪ ،‬فهل توجد علقة وقرينة لجعل معاني أسماء ال‬
‫الحسنى وصفاته العليا للئمة ؟! فأين العلقة في قولهم بأن أسماء ال "الول والخر والظاهر‬
‫سنَى فَا ْدعُو ُه ِبهَا} أين‬
‫ح ْ‬
‫سمَاء الْ ُ‬
‫والباطن" هي أوصاف للئمة ؟!! وقوله سبحانه‪َ { :‬ولِّلهِ ا َل ْ‬
‫القرينة الصارفة لهذه الية عن معناها الصلي وهو أسماء ال سبحانه؟! ل يوجد شيء من ذلك‬
‫إل إن كانت هي زعمهم أن في الئمة جزءا إلهيًا‪ ،‬فقد أخرج صاحب الكافي عن الئمة أنهم‬
‫قالوا‪" :‬إنّ ال خلطنا بنفسه" [أصول الكافي‪.].1/146 :‬‬
‫فإذا كانت هذه هي القرينة فهي تؤكد مبدأ الغلو ول تنفيه‪ ،‬وتعطي الئمة جزءا من صفات‬
‫ال سبحانه‪ .‬وأنت تلحظ في كلمات المجلسي مظاهر الغلو في الئمة وتكاد تكون مجرد صدى‬
‫لتلك الروايات‪.‬‬
‫فهل يمكن أن يقارن قول العرب‪ :‬لفلن وجه عند الناس بقول إمامهم – كما يفترون ‪" :-‬أنا‬
‫وجه ال"؟! وهل يقبل أن تجعل قرينة ذلك أن عليًا والئمة هم الجهة التي أمر ال بالتوجه‬
‫إليها‪ ..‬هل عندهم من برهان بهذا فيخرجوه لنا؟‬
‫‪359‬‬
‫ل يتوجه الناس بعبادتهم ودعائهم إل إلى ال وحده‪ ،‬ول يستقبل المسلمون في صلواتهم إل‬
‫إلى بيت ال‪ ،‬ول واسطة بين ال وخلقه إل في تبليغ وحيه سبحانه‪ ،‬ول واسطة في التبليغ إل‬
‫رسل الهدى عليهم السلم‪ ،‬وكل يؤخذ من قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فكيف يقال بعد هذا‪ :‬إن الئمة هم الجهة التي يتوجه الناس إليها ؟!‬
‫أما دعوى "أن الئمة يعلمون ما كان وما يكون ول يخفى عليهم الشيء" فهذه صفة للحق جل‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ الْ َغيْبَ إِل‬
‫شأنه ل يشاركه فيها أحد سبحانه‪ .‬قال تعالى‪{ :‬قُل ل يَ ْعلَ ُم مَن فِي ال ّ‬
‫الّلهُ} [النمل‪ ،‬آية‪{ .].65 :‬وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْ َغيْبِ لَ يَعْ َل ُمهَا إِلّ ُهوَ} [النعام‪ ،‬آية‪{ .].59 :‬إِنّ الّلهَ لَ‬
‫سمَاء} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].5 :‬‬
‫شيْءٌ فِي ا َلرْضِ وَلَ فِي ال ّ‬
‫يَخْ َفىَ عَ َل ْيهِ َ‬
‫علَمُ‬
‫وال سبحانه أمر أفضل الخلق رسول الهدى صلى ال عليه وسلم أن يقول‪{ :‬وَ َلوْ كُنتُ أَ ْ‬
‫سنِيَ السّوءُ} [العراف‪ ،‬آية‪{ ،].188 :‬قُل لّ أَقُولُ َلكُمْ عِندِي‬
‫خيْرِ َومَا َم ّ‬
‫ت مِنَ ا ْل َ‬
‫ستَ ْكثَرْ ُ‬
‫الْ َغيْبَ َل ْ‬
‫علَمُ ا ْل َغيْبَ} [النعام‪ ،‬آية‪ ].50 :‬فأمره سبحانه أن يفوض المور إليه‪ ،‬وأن يخبر‬
‫خزَآئِنُ الّلهِ وَل أَ ْ‬
‫َ‬
‫عن نفسه أنه ل يعلم بغيب المستقبل‪ ،‬ول اطلع له على شيء من ذلك إل بما أطلعه ال عليه‬
‫[الجن‪،‬‬ ‫غيْ ِبهِ أَحَدًا ‪ ،‬إِل مَنِ ا ْر َتضَى مِن ّرسُولٍ‪}...‬‬
‫ظ ِهرُ عَلَى َ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬عَالِمُ الْ َغيْبِ فَل يُ ْ‬
‫آية‪ ،27 ،26 :‬والنص عن تفسير ابن كثير‪.].2/293 :‬‬
‫وقد ذكر علماء السلم أن من ادعى شيئًا من علم الغيب فقد كفر‪ ،‬فقد أضاف ال سبحانه‬
‫علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه‪ ،‬فل يظهر على غيبه إل من اصطفى من رسله‬
‫[انظر هذا المعنى في تفسير القرطبي‪ ،].3 ،7/2 :‬وهذا هو الغيب المطلق المحجوب عن جميع الخلق‬
‫[ذكر أهل العلم أن الغيب ينقسم إلى قسمين‪ :‬غيب "مطلق" أو حقيقي وهو ما يعلمه وحده سبحانه دون ما سواه‪ ،‬وهو‬
‫ض الْغَ ْيبَ إِل اللّهُ}‪ .‬وغيب‬
‫المقصود عند الطلق‪ ،‬وفيه يقول ال عز وجل‪{ :‬قُل ل يَ ْعلَمُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَا َلرْ ِ‬
‫"إضافي" أو مقيد وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض؛ كالذي يعلمه الملئكة عن أمر عالمهم وغيره‬
‫ول يعلمه البشر مثلً‪ .‬وأما ما يعلمه البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها ول يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك السباب‬
‫أو عجزهم عن استعمالها فل يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب ال؛ لنه غيب عمن غاب عنه من‬
‫المخلوقين‪ ،‬ليس هو غيبًا عمن شهده‪ .‬والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا‪ ،‬فيكون غيبًا مقيدًا ليس غيبًا مطلقًا‬
‫غاب عن المخلوقين قاطبة‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،16/110 :‬تفسير المنار‪.].)7/422 :‬‬
‫وقد عثرت وسط هذا الركام من هذه الدعاوى الغبية الملحدة حول الئمة على بعض‬
‫النصوص التي روتها كتب الشيعة والتي تجرد الئمة من هذه الصفات التي خلعوها عليهم‪،‬‬
‫وهي ل تنبغي إل للحق جل شأنه‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫قال أبو عبد ال – كما يروي صاحب الكافي ‪" :-‬يا عجبًا لقوام يزعمون أنا نعلم الغيب‪ ،‬ما‬
‫يعلم الغيب إل ال عز وجل‪ ،‬لقد هممت بضرب جاريتي فلنة فهربت مني‪ ،‬فما علمت في أي‬
‫بيوت الدار هي‪[ "..‬أصول الكافي‪.].1/257 :‬‬
‫ولو كان أبو عبد ال – كما يزعم الكليني في أبوابه التي عقدها بعد ذكره لهذا النص – لو‬
‫كان يعلم ما يكون ول يخفى عليه الشيء‪ ،‬وإذا شاء أن يعلم – علم لم يخف عليه موضع‬
‫الجارية‪.‬‬
‫وكان الئمة من قديم يشكون من مزاعم هؤلء الذين جمع أقوالهم صاحب الكافي وأسندها‬
‫للئمة‪ ،‬ولهذا جاء في حديث لهم ذكره صاحب البحار وصاحب الحتجاج عن بعض أئمتهم‬
‫قال‪" :‬تعالى ال عز وجل عما يصفون سبحانه وبحمده‪ ،‬ليس نحن شركاء في علمه ول في‬
‫قدرته‪ ،‬بل ل يعلم الغيب غيره‪ ،‬كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى‪{ :‬قُل ل يَ ْعلَ ُم مَن فِي‬
‫سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ الْ َغيْبَ إِل الّلهُ}‪ ...‬قد آذانا جهلء الشيعة وحمقاؤهم‪ ،‬ومن دينه جناح‬
‫ال ّ‬
‫البعوضة أرجح منه‪ ،‬وأشهد ال الذي ل إله إل هو وكفى به شهيدًا‪ ...‬أني بريء إلى ال وإلى‬
‫رسوله ممن يقول‪ :‬إنا نعلم الغيب أو نشارك ال في ملكه‪ ،‬أو يحلنا محلً سوى المحل الذي‬
‫رضيه ال لنا"‪.‬‬
‫وروايات الشيعة تكشف نفسها بنفسها وتتناقض نصوصها‪.‬‬
‫وقول الئمة‪ :‬إنهم مصدر الرزق وإنزال الغيث‪ ..‬إلخ والذي يرويه شيوخ الثني عشرية هو‬
‫من مخلفات غلة الشيعة والذين أنكر الئمة مذهبهم‪.‬‬
‫فقد جاء في أخبارهم أن أبا عبد ال قال حينما قيل له‪ :‬إن المفضل بن عمر يقول‪ :‬إنكم‬
‫تقدرون أرزاق العباد‪ .‬فقال‪" :‬وال ما يقدر أرزاقنا إل ال‪ ،‬ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق‬
‫صدري وأبلغت إليّ الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم؛ فعندها طابت نفسي‪ ،‬لعنه ال وبرئ‬
‫منه »‬
‫[بحار النوار‪ ،25/301 :‬رجال الكشي ص ‪ ،323‬وانظر رواية في هذا المعنى في بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،25/32‬ورجال الكشي ص ‪ ،325-324‬وأخرى أيضًا في البحار‪ ،25/316 :‬ورجال الكشي ص ‪-518‬‬
‫‪.].519‬‬
‫ولكن هذه الروايات هي كالشعرة البيضاء في الثور السود‪ ،‬وفي التقية متسع لكل نص‬
‫تضيق به نفوس شيوخ الشيعة‪ ،‬وإذا أردت مثالً على ذلك فاسمع ما يقوله شارح الكافي تعقيبًا‬
‫على قول أبي عبد ال الذي نقلناه آنفًا (والذي يتعجب فيه أبو عبد ال من قوم نسبوا له العلم‬
‫بالغيب‪ ،‬ويذكر للرد عليهم بأن جاريته قد اختفت في داره فلم يدر أين هي فكيف يقال عنه إنه‬
‫يعلم ما كان وما يكون)‪ .‬قال شارح الكافي‪ .." ..‬الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو أل يتخذه‬
‫‪361‬‬
‫الجهال إلهًا‪ ،‬أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب‬
‫حفظًا لنفسه‪ ،‬وإل فهو رضي ال عنه كان عالمًا بما كان وما يكون‪ ،‬فكيف يخفى عليه مكان‬
‫الجارية؟ فإن قلت‪ :‬إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب‪ ،‬قلت‪ :‬إنما يوجب الكذب لو لم يقصد‬
‫التورية وقد قصدها‪ ،‬فإن المعنى ما علمت علمًا غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار"‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح جامع (على الكافي)‪.].31-6/30 :‬‬
‫انظر التكلف العجيب في رد هذه الرواية لثبات أن المام يعلم ما كان وما يكون حتى‬
‫ل من أصولهم وهو العصمة‪.‬‬
‫ارتكب في سبيل ذلك نسبة المام إلى الكذب‪ ،‬وهدم أص ً‬
‫وإذا كان المام أراد بهذا القول أل يتخذه الجهال إلهًا فهل أنت بإثباتك لضد قوله تريد أن‬
‫تدعو إلى تأليه المام‪ ،‬وأين الدليل على وجود بعض الحاضرين الذين يخشى من وجودهم المام‬
‫وسلسلة السند كلهم شيعة ؟! وعلى أي وجه من وجوه اللغة يعتبر هذا من قبيل التورية؟!‬
‫أما شيخهم الخر الشعراني المعلق على الشرح فلم يعجبه هذا التكليف في تأويل الرواية‪،‬‬
‫ورام ردها بأقصر طريق وهو الحكم بأن الرواية كذب [تعاليق علمية (على الكافي وشرحه) ‪.].6/31 :‬‬
‫وهكذا يشيع الزنادقة عن علماء أهل البيت مثل هذه الشاعات الكاذبة‪ ،‬فإذا أنكروا على‬
‫هؤلء الزنادقة فريتهم‪ ،‬وفضحوا باطلهم أمام المل حمل شيوخ الشيعة هذا التكذيب والنكار‬
‫على التقية‪ ..‬فصارت التقية حيلة بيد غلة الشيعة لبقاء التشيع في دائرة الغلو‪ ،‬ورد الحق‪،‬‬
‫والساءة لهل البيت‪.‬‬
‫وقد ادعى زارة بن أعين أن جعفر بن محمد يعلم أهل الجنة وأهل النار‪ ،‬فأنكر ذلك جعفر لما‬
‫بلغه ذلك‪ ،‬وكفّر من قاله‪ ،‬ولكن زرارة حينما نقل له موقف جعفر قال لمحدثه‪" :‬لقد عمل معك‬
‫بالتقية" [انظر قصة ذلك في ميزان العتدال‪ ،‬ترجمة زرارة بن أعين‪.].70-2/69 :‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫دعوى التحريف لتأييد مذهبهم في التعطيل‬
‫وهو مسلك لم يسلكه أحد غيرهم‪ ،‬وشذوذ اختصوا به عن سواهم؛ حيث راموا التخلص من‬
‫آيات الثبات للسماء والصفات في كتاب ال سبحانه بدعوى خطيرة‪ ،‬سبق أ عرضنا لها‬
‫مفصلة‪ ،‬ولذلك سنشير إليها هنا باقتضاب ونقتصر على ما يتصل منها بباب السماء والصفات‪،‬‬
‫هذه الدعوى هي تحريفهم للية عما أنزل ال‪ ،‬فمثلً روى ابن بابويه عن الرضا علي بن موسى‬
‫ضيَ ا َل ْمرُ‬
‫ظرُونَ إِلّ أَن يَ ْأتِ َيهُمُ الّلهُ فِي ظُ َللٍ مّنَ الْ َغمَامِ وَا ْلمَلئِ َكةُ وَ ُق ِ‬
‫في قول ال سبحانه‪َ { :‬ه ْل يَن ُ‬
‫وَإِلَى الّلهِ ُترْجَعُ المُورُ} [البقرة‪ ،‬آية‪ .].210 :‬قال الرضا‪" :‬إنها هل ينظرون إل أن يأتيهم ال‬
‫‪362‬‬
‫[التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪ ،163‬بحار النوار‪،3/319 :‬‬ ‫بالملئكة في ظلل من الغمام‪ ،‬وهكذا نزلت"‬
‫البرهان‪ .].1/208 :‬قال الرضا‪" :‬إنها هل ينظرون إل أن يأتيهم ال بالملئكة في ظلل من الغمام‪،‬‬
‫وهكذا نزلت" [الحتجاج‪ :‬ص ‪.].253‬‬
‫وهدف الشيعة من هذا التحريف واضح‪ ،‬فهم يحاولون بذلك نفي التيان عن ال سبحانه كقول‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫وفي الحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين علي قال يخاطب أحد الزنادقة لقناعه‬
‫ج َههُ} فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه؛ لن‬
‫شيْءٍ هَالِكٌ إِل وَ ْ‬
‫بالسلم !!‪" :‬وأما قوله‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه‪ ،‬هو أجل وأعظم من ذلك" [الحتجاج‪ :‬ص ‪.].253‬‬
‫وواضح أن واضع هذه السطورة أعجمي جاهل ل يفقه من أمر العربية شيئًا‪ ،‬وزنديق حاقد‬
‫في افترائه على كتاب ال‪ ،‬وتعطيله لصفات ال‪ ،‬ونسبة هذا الكفر لمير المؤمنين علي‪ .‬ومن‬
‫كبير مكره وحقده زعمه أن هذه إجابة أمير المؤمنين لقناع أحد الزنادقة‪.‬‬
‫إن هذا المنهج في التعطيل يدل على أن هذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات ل ترعى في‬
‫سبيل الدفاع عن مبادئها أية حرمة‪ ،‬ول تقف عند حد‪.‬‬
‫وإذا كانت فرق العطلة من المعتزلة وغيرها لم تحاول أن تمس لفظ كتاب ال سبحانه‪،‬‬
‫ورامت البحث عن تأويل للمعنى‪ ،‬فإن هذه الفئة قد تخطت الحدود وتجاوزت المبادئ فرامت‬
‫إثبات مبدئها‪ ،‬يما يخرجها عن السلم أصلً‪ ،‬فدل على أن هناك فئات من أهل التعطيل تريد‬
‫الكيد للمة بمحاربة أصل دينها وهو كتاب ال العظيم‪ .‬ولقد انكشف بهذه الوسيلة أمرها وافتضح‬
‫شأنها‪ .‬وال من ورائهم محيط‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫اعتقادهم في اليمان وأركانه‬
‫وفي هذا الفصل عرض لمبحثين الول‪ :‬قولهم في اليمان والوعد والوعيد‪ ،‬والثاني‪ :‬قولهم‬
‫في أركان اليمان‪.‬‬
‫وفي المبحث الول خمس مسائل‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬مفهوم اليمان عندهم‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬قولهم بشهادة ثالثة مع الشهادتين‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬القول بالرجاء‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬بيان قولهم بالوعد‪.‬‬
‫‪363‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬بيان قولهم بالوعيد‪.‬‬
‫وفي المبحث الثاني‪ :‬بيان لقولهم في أركان اليمان‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫قولهم في اليمان والوعد والوعيد‬
‫المسألة الولى‪ :‬مفهوم اليمان عندهم‪:‬‬
‫[وقد نسب الشعري هذا‬ ‫لقد أدخل الثنا عشرية اليمان بالئمة الثني عشر في مسمى اليمان‬
‫المذهب إلى جمهور الرافضة‪ ،‬انظر‪ :‬مقالت السلميين‪ ،].1/125 :‬بل جعلوه هو اليمان بعينه‪.‬‬
‫جاء في أصول الكافي‪" :‬السلم هو الظاهر الذي عليه الناس‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله" ثم ذكر بقية أركان السلم‪ ،‬ثم قال‪" :‬اليمان معرفة هذا‬
‫المر مع هذا‪ ،‬فإن أقر بها ولم يعرف هذا المر كان مسلمًا وكان ضالً" [أصول الكافي‪.].2/24 :‬‬
‫ويقولون بأن الثواب في الخرة ليس على السلم‪ ،‬إنما هو على اليمان‪ .‬وعقد لذلك صاحب‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫الكافي بابًا بعنوان‪" :‬باب أن السلم يحقن به الدم وأن الثواب على اليمان"‬
‫‪.].2/24‬‬
‫سمَاعِيلَ‬
‫ويفسرون قوله سبحانه‪{ :‬قُولُواْ آ َمنّا بِالّلهِ َومَآ أُنزِلَ ِإَل ْينَا َومَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإ ْبرَاهِيمَ وَِإ ْ‬
‫سبَاطِ َومَا أُو ِتيَ مُوسَى َوعِيسَى َومَا أُو ِتيَ ال ّن ِبيّونَ مِن ّر ّبهِمْ َل نُ َفرّقُ بَيْنَ‬
‫وَِإسْحَقَ َويَعْقُوبَ وَال ْ‬
‫أَحَدٍ مّ ْنهُمْ َونَحْنُ َل ُه ُمسْ ِلمُونَ ‪َ ،‬فإِنْ آ َمنُو ْا ِب ِمثْ ِل مَا آمَنتُم ِبهِ فَقَدِ ا ْهتَدَواْ وّإِن َتوَّلوْاْ َفِإنّمَا هُمْ فِي‬
‫شِقَاقٍ‪[ }...‬البقرة‪ ،‬آية‪ – ].137 ،136 :‬بما يرونه عن أبي جعفر قال‪" :‬إنما عني بذلك عليًا‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬وفاطمة‪ .‬وجرت بعدهم في الئمة‪ .‬قال‪ :‬ثم يرجع القول من ال في الناس‬
‫فقال‪َ { :‬فإِنْ آ َمنُواْ} يعني الناس {بِ ِم ْثلِ مَا آمَنتُم بِهِ} يعني عليًا وفاطمة والحسن والحسين والئمة‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/62 :‬تفسير الصافي‪:‬‬ ‫من بعدهم‪{ ،‬فَقَدِ ا ْهتَدَواْ وّإِن َتوَّلوْاْ َفِإ ّنمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}"‬
‫‪ ،1/92‬البرهان‪.].1/157 :‬‬
‫ولهذا قال ابن المطهر الحلي‪" :‬إن مسألة المامة (إمامة الثني عشر) هي أحد أركان اليمان‬
‫[منهاج الكرامة في معرفة المامة‪:‬‬ ‫المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن"‬
‫ص ‪.].1‬‬
‫وقال محمد جواد العاملي‪" :‬اليمان عندنا إنما يتحقق بالعتراف بإمامة الئمة الثني عشر‬
‫عليهم السلم‪ ،‬إل من مات في عهد أحدهم فل يشترط في إيمانه إل معرفة إمام زمانه ومن قبله"‬
‫[مفتاح الكرامة‪.].2/80 :‬‬
‫‪364‬‬
‫وقال أمير محمد القزويني (من شيوخهم المعاصرين)‪" :‬إن من يكفر بولية علي وإمامته –‬
‫[الشيعة في عقائدهم وأحكامهم‪ :‬ص‬ ‫رضي ال عنه – فقد أسقط اليمان من حسابه وأحبط بذلك علمه"‬
‫‪.].24‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬الشهادة الثالثة‪:‬‬
‫وبمقتضى هذا اليمان الذي ل يعرفه سوى الثني عشرية‪ ،‬فإنهم اخترعوا "شهادة ثالثة" هي‬
‫شعار هذا اليمان الجديد‪ ،‬هي قولهم‪" :‬أشهد أن عليًا ولي ال" يرددونها في أذانهم وبعد صلتهم‪،‬‬
‫ويلقنونها موتاهم‪.‬‬
‫فالقرار بالئمة مع الشهادتين يقال بعد كل صلة‪ ،‬وعقد الحر العاملي بابًا في هذا المعنى‬
‫[انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ :‬باب استحباب الشهادتين والقرار بالئمة بعد كل صلة‪.].4/1038 :‬‬
‫[يعني‬‫وجاء في أخبارهم عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلم قال‪" :‬لو أدركت عكرمة‬
‫عكرمة مولى ابن عباس العلمة الحافظ المفسر (انظر‪ :‬سير أعلم النبلء‪ .)5/12 :‬هذا قدره عند هؤلء (انظر‪:‬‬
‫رجال الكشي‪ :‬ص ‪ 216‬حيث قال بأن هذا يدل على ذمه)‪ ].‬عند الموت لنفعته‪ ،‬فقيل لبي عبد ال عليه‬
‫[فروع الكافي‪ ،1/34 :‬من ل يحضره الفقيه‪،1/41 :‬‬ ‫السلم‪ :‬بماذا كان ينفعه؟ قال‪ :‬يلقنه ما أنتم عليه"‬
‫تهذيب الحكام‪ ،1/82 :‬ورجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،216‬وسائل الشيعة‪ ،].2/665 :‬وعن أبي بصير عن أبي‬
‫[فروع الكافي‪،1/34 :‬‬ ‫جعفر قال‪ ..." :‬لقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن ل إله إل ال والولية"‬
‫تهذيب الحكام‪ ،1/82 :‬وسائل الشيعة‪.].2/665 :‬‬
‫[انظر أخبارهم في ذلك في‪ :‬فروع الكافي‪ ،1/53 :‬تهذيب الحكام‪:‬‬ ‫ويلقن هذه الشهادة عند إدخاله للقبر‬
‫‪ ،1/91‬وسائل الشيعة‪ ،].2/843 :‬وكذلك عند انصراف الناس عنه‪ ،‬وبوّب لذلك المجلسي فقال‪:‬‬
‫"باب استحباب تلقين الولي الميت الشهادتين والقرار بالئمة عليهم السلم بأسمائهم بعد‬
‫انصراف الناس" [وسائل الشيعة‪ ،].2/862 :‬وساق في ذلك جملة من رواياتهم‪.‬‬
‫وهذه الشهادة الجديدة هي إقرار بمسألة المامة التي يرى ابن المطهر أنها "أهم المطالب في‬
‫أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين" [منهاج الكرامة‪ :‬ص ‪.].1‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإن العتقاد بأن اليمان بالثني عشر هو ركن اليمان‪ ،‬أو هو اليمان نفسه وهو أهم‬
‫مطالب الدين‪ ...‬إن هذا "العتقاد" إحدى الدلئل البينة‪ ،‬والمارات الواضحة على بطلن‬
‫مذهبهم‪ ،‬وأنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به ال‪ .‬فل جاء في القرآن ول ثبت في السنة شيء‬
‫وما بعدها‪ ،‬وقد مضى في هذه الرسالة شيء من‬ ‫من ذلك [انظر ما ساقه ابن تيمية من ذلك في منهاج السنة‪1/20 :‬‬
‫ذلك‪ ،‬وسيأتي تفصيل في فصل المامة‪ ،].‬ولهذا رأى شيخ السلم أن قولهم بأن المامة – فضلً عن‬
‫القول بإمامة الثني عشر التي ل يوافقهم أحد من المسلمين عليها إل من ارتضى مذهبهم من‬
‫‪365‬‬
‫الروافض – أهم مطالب الدين هو كفر‪ ،‬لنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن اليمان بال‬
‫ورسوله أهم من مسألة المامة [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].1/20 :‬‬
‫وإذا كانت المامة بهذه المثابة التي يزعمون‪ ،‬فأبعد الناس عنها الرافضة الذين يرون أن كل‬
‫[انظر‪ :‬الغيبة للنعماني‪ ،‬باب في‬ ‫راية ترفع قبل قيام "المعدوم" والذي يسمونه المنتظر هي راية جاهلية‬
‫أن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت‪ ،‬ص ‪ ،].7‬ويكفرون بما وراءه من الخلفاء ما عدا خلفة‬
‫علي والحسن‪.‬‬
‫كما أن مجرد المعرفة للئمة ل يحصل بها نيل درجة الكرامة‪ ،‬لن هذا ل يحصل بمجرد‬
‫معرفة الرسول صلى ال عليه وسلم إذا لم يطع أمره ويتبع قوله [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].1/31 :‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬القول بالرجاء‪:‬‬
‫هذا وإذا كان اليمان عندهم هو القرار بالئمة الثني عشر‪ ،‬فقد أصبح معرفة الئمة عندهم‬
‫[المرجئة‪ :‬هم الذي يؤخرون العمل عن‬ ‫كافية في اليمان ودخول الجنان‪ ،‬فأخذوا بمذهب المرجئة‬
‫اليمان‪ ،‬ويجعلون اليمان هو مجرد المعرفة بال سبحانه‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إنه ل يدخل النار أحد من أهل القبلة مهما‬
‫ارتكب من المعاصي‪.‬‬
‫انظر عن المرجئة‪ :‬مقالت السلميين‪ ،234-1/213 :‬الملل والنحل‪ ،146-1/139 :‬الفرق بين الفرق ص‬
‫‪ ،207-202‬التنبيه والرد ص ‪ ،43‬التبصير في الدين ص ‪ ،59‬البدء والتاريخ‪ ،5/144 :‬اعتقادات فرق المسلمين‬
‫والمشركين ص ‪ ،107‬الخطط للمقريزي‪ ].350-2/349 :‬رأسًا‪ .‬ولهذا عقد صاحب الكافي بابًا بعنوان‪:‬‬
‫"باب أن اليمان ل يضر معه سيئة‪ ،‬والكفر ل ينفع معه حسنة" [أصول الكافي‪ ،].2/463 :‬وذكر‬
‫فيه ستة أحاديث منها قول أبي عبد ال‪" :‬اليمان ل يضر معه عمل‪ ،‬وكذلك الكفر ل ينفع معه‬
‫عمل" [أصول الكافي‪ ].2/464 :‬واليمان حسب مصطلحهم هو حب الئمة أو معرفتهم‪.‬‬
‫وحين قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه ال ‪" :-‬إن أكثر الشيعة يعتقدون أن حب علي‬
‫حسنة ل يضر معها سيئة" [منهاج السنة‪.].1/31 :‬‬
‫رد عليه بعض شيوخهم وآياتهم في هذا العصر فقال‪" :‬ما نسبه إلى كثير من الشيعة من القول‬
‫بأن حـب علي حسـنة ليـس يضـر معـه سـيئة‪ ،‬فإنـه بهتان منـه‪ ،‬فإنهـم جميعًا متفقون على ذلك‪،‬‬
‫[محمد مهدي الكاظمي‪ /‬منهاج الشريعة‬ ‫فتخصيصه الكثير منهم بهذه العقيدة ليس له وجه سوى الكذب"‬
‫في الرد على ابن تيمية‪.].1/98 :‬‬

‫قال شيخ السلم‪" :‬وإذا كانت السيئات ل تضر مع حب علي‪ ،‬فل حاجة إلى المام المعصوم‬
‫الذي هو ل طف في التكل يف‪ ،‬فإ نه إذا لم يو جد إن ما تو جد سيئات ومعاص‪ ،‬فإذا كان حب علي‬
‫كافيًا فسواء وجد المام أو لم يوجد" [منهاج السنة‪ ].1/31 :‬فصارت مسألة إمامة المعصوم المبنية‬

‫‪366‬‬
‫على قاعدة الل طف منقو ضة بم سألة المح بة المجردة‪ ،‬و كل قول عند هم ل بد أن يهدم قولً آ خر‬
‫وهكذا الشأن في كل دين ليس من عند ال سبحانه‪.‬‬

‫ولعلهم يفارقون المرجئة من حيث إن المرجئة تقول‪ :‬اليمان هو المعرفة بال‪ ،‬وهم يقولون‪:‬‬
‫اليمان معرفة المام أو حبه‪.‬‬
‫وأخبارهم في هذا الباب كثيرة في عشرات من الحاديث‪ ،‬فقد جاء عندهم "وهل الدين إل‬
‫الحب" [تفسير العياشي‪ ،1/167 :‬بحار النوار‪ .].27/95 :‬وذكر المجلسي (‪ )154‬رواية في باب‬
‫بعنوان‪" :‬باب ثواب حبهم ووليتهم وأنهم أمان من النار" [بحار النوار‪ ،].144-27/73 :‬كما جاء‬
‫في عنوان آخر‪" :‬أن وليته (يعني عليًا) عليه السلم حصن من عذاب الجبار‪ ،‬وأنه لو اجتمع‬
‫الناس على حبه ما خلق ال النار" [بحار النوار‪ ،].39/32 :‬وجاء في أحاديثهم "ل يدخل الجنة إل‬
‫[علل‬ ‫من أحبه من الولين والخرين‪ ،‬ول يدخل النار إل من أبغضه من الولين والخرين"‬
‫الشرائع‪ :‬ص ‪.].162‬‬
‫وعلى هذا التقدير سقط اليمان بال ورسوله‪ ،‬وجميع العقائد الدينية‪ ،‬وجميع التكليفات‬
‫والحكام الشرعية‪ ،‬ولم يبق في شريعة السلم غير حب علي‪ ،‬وهذه المفتريات قد أضلت كثيرًا‬
‫ممن يحب الباحة ويتبع الشهوات [نقض عقائد الشيعة للسويدي‪ ،‬الورقة‪( 34 :‬مخطوط)‪.].‬‬
‫وهذه الروايات يلزم منها أن القرآن لم ينزل لهداية الخلق‪ ،‬بل لضللتهم؛ إذ لم يذكر فيه حب‬
‫علي وبغضه مع أنه هو أصل دخول الجنة أو دخول النار‪.‬‬

‫قال السويدي‪" :‬وإذا كان حب ال ورسوله صلى ال عليه وسلم غير كاف في النجاة‬
‫والخلص من العذاب بل إيمان وعمل صالح فكيف يكون حب علي كافيًا‪ ،‬وهذا مخالف لقوله‬
‫شرّا َيرَهُ}‬
‫ج َز ِبهِ} [النساء‪ ،‬آية‪ ].123 :‬وقوله‪َ { :‬ومَن يَ ْع َم ْل ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ‬
‫سبحانه‪{ :‬مَن يَ ْع َملْ سُوءًا يُ ْ‬
‫[الزلزلة‪ ،‬آية‪].8 :‬؟ بل مخالف لصولهم ورواياتهم‪ ،‬أما المخالفة للصول‪ ،‬فلنه إذا ارتكب‬
‫رافضي الكبائر ولم يعاقبه ال على ذلك يلزم ترك الواجب على ال تعالى عندهم‪.‬‬
‫وأما المخالفة للروايات فلن عليًا والسجاد والئمة الخرين قد روي عنهم في أدعيتهم‬
‫الواردة عندهم بطرق صحيحة البكاء والستعاذة من عذاب ال تعالى‪ ،‬وإذا كان مثل هؤلء‬
‫الئمة الكرام خاشعين خائفين من عذاب ال فكيف يصح لغيرهم أن يغتر بمحبتهم ويتكل عليهم‬
‫في ترك العمل [نقض عقائد الشيعة‪ ،‬الورقة‪].35 ،34 :‬؟"‪ .‬وانظر في قولهم‪" :‬إنه ل يدخل النار إل‬
‫من أبغضه من الولين والخرين" تجد أنه يدل صراحة على أنه ل يدخل النار مثل فرعون‬

‫‪367‬‬
‫وهامان وقارون وسائر رؤساء الكفر وأتباعهم من المم الماضية لنهم لم يبغضوا عليًا‪ ،‬بل لم‬
‫يعرفوه‪ ،‬فانظر كيف أدى بهم الغلو‪.‬‬
‫ول شك أن هذه مقالة ل يتكلف في رد ها‪ ،‬ل نه معلوم بطلن ها من ال سلم بالضرورة‪ ،‬ولو‬
‫كان المر كما يزعمون لما أرسلت الرسل‪ ،‬وأنزلت الكتب‪ ،‬وشرعت الشرائع‪.‬‬

‫لكن هذه العقيدة بقيت آثارها في المجتمعات الشيعية من الستهانة بشرائع ال‪ ،‬والجرأة على‬
‫حدود ال‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قولهم في الوعد‪:‬‬
‫[العتقادات‪:‬‬ ‫قال ابن بابويه‪" :‬اعتقادنا في الوعد أن من وعد ال على عمل ثوابًا فهو منجزه"‬
‫ص ‪ ،94‬وانظر‪ :‬أوائل المقالت ص ‪ ،57‬العتقادات للمجلسي ص ‪.].100‬‬
‫وقد توسعوا في مفهوم الوعد فاخترعوا روايات وأخبارًا ونسبوها لجعفر الصادق وغيره‬
‫تثبت الوعد بالثواب على أعمال ما أنزل ال بها من سلطان‪ .‬بل إن الدليل والبرهان قام على‬
‫منعها وتحريمها أو اعتبارها ضربًا من الشرك أو اللحاد كلعن صحابة رسول ال صلى ال‬
‫من هذه‬ ‫عليه وسلم وقد جعلوه من أفضل القربات [انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،27/218 :‬وراجع ص ‪730‬‬
‫الرسالة‪ .].‬ولطم الخدود وشق الجيوب‪ ،‬وتعذيب النفس‪ ،‬وضربها بالسكاكين والسيوف باسم عزاء‬
‫وما بعدها‪ ،‬مبحث‬‫الحسين وهو عندهم من عظيم الطاعات [انظر‪ :‬عقائد المامية للزنجاني‪1/289 :‬‬
‫(المواكب الحسينية)‪ ،‬وانظر‪ :‬اليات البينات‪ /‬لمحمد حسين آل كاشف الغطاء ص ‪ 4‬وما بعدها‪ ،‬فصل (المواكب‬
‫الحسينية)‪ ،‬ودائرة المعارف (الشيعية)‪.].21/706 :‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫والحج إلى الضرحة والطواف بها ودعائها والستغاثة بها من أجل العبادات عندهم‬
‫فصل عقيدتهم في توحيد اللوهية‪ .].‬واستحداثهم لعبادات ما نزل بها من عند ال نص‪ ،‬وترتيب عظيم‬
‫ل ‪ :-‬بحار النوار‪ ،‬باب أعمال يوم الغدير وليلته وأدعيتهما‪ ،323-98/298 :‬وباب‬
‫[انظر – مث ً‬ ‫الثواب عليها‬
‫وغيرها‪ ،‬وانظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬باب استحباب صوم يوم النيروز‬‫عمل يوم النيروز وما يتعلق بذلك‪98/419 :‬‬
‫والغسل فيه‪ ،‬ولبس أنظف الثياب والطيب‪ ،7/346 :‬وباب استحباب صوم يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة‪ ،‬وقال‬
‫بأنه كفارة سبعين سنة‪ ،7/333 :‬وأبواب صلة جعفر‪ ،197 ،5/194 :‬وصلة فاطمة‪ ،5/243 :‬وصلة يوم‬
‫المباهلة‪ ،‬وتعدل مائة ألف حجة – على حد زعمهم ‪.].5/287 :-‬‬
‫وجاءت أخبارهم تقول بأن الئمة يملكون الضمان لشيعتهم بدخول الجنة‪ ،‬وقد شهدوا بذلك‬
‫لبعض أتباعهم على وجه التعيين‪ ،‬فهم يعدون بالثواب ويحققونه!!‪.‬‬
‫ومن نصوصهم في هذا ما جاء في رجال الكشي‪ .." :‬عن زياد القندي عن علي بن يقطين‪،‬‬
‫أن أبا الحسن قد ضمن له الجنة" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].430‬وفي رواية أخرى "عن عبد الرحمن‬

‫‪368‬‬
‫الحجاج‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبي الحسن رضي ال عنه‪ :‬إن علي بن يقطين أرسلني إليك برسالة أسألك‬
‫[لحظ أن المام المزعوم يستفهم عن المقصود بالدعاء وهو الذي يعلم‬ ‫الدعاء له‪ ،‬فقال‪ :‬في أمر الخرة‬
‫المصير ويضمنه‪ ،‬وهذا من كذب المغفلين‪ ،‬أو أن ال سبحانه أراد لمرهم أن يفتضح بهذا الختلف والتناقض الشائع‬
‫في الكثير من أخبارهم‪].‬؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فوضع يده على صدره ثم قال‪ :‬ضمنت لعلي بن يقطين أل‬
‫تمسه النار" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،431‬وأورد الكشي عدة روايات مشابهة لما ذكر‪ :‬ص ‪.].432-431‬‬
‫فانظر إلى هذا "التألي" على ال‪ ،‬وكأن لديهم خزائن رحمة ال‪ ،‬وبيدهم مقاليد كل شيء‪ ،‬فهم‬
‫يضمنون ول يستثنون‪ ،‬ويوزعون صكوك الغفران والحرمان‪ ،‬فهل لهم مع ال تدبير؟ أو هم‬
‫رسل يوحى إليهم‪ ،‬أو اطلعوا على الغيب‪ ،‬أو اتخذوا عند الرحمن عهدًا؟! إن مثل هذه المزاعم‬
‫تبين أن واضعي هذه الساطير هم فئة من الزنادقة الذين ل يؤمنون بقرآن ول سنة‪ ،‬وهدفهم‬
‫إفساد هذا الدين‪ ،‬فلم يجدوا مكانًا لتحقيق ذلك إل في محيط التشيع‪.‬‬
‫وعلي بن يقطين الذي ضمن له هؤلء الزنادقة "جنتهم" قد يكون شريكًا لهم في المذهب‪ ،‬فقد‬
‫ذكر الطبري في حوادث سنة ‪169‬ه‍ بأنه قتل على الزندقة [تاريخ الطبري‪.].8/190 :‬‬
‫وأخبار ضمان الئمة لتباعهم الجنة مستفيضة أخبارها في كتب الثني عشرية‬
‫[انظر مثل ذلك‬
‫في‪ :‬أصول الكافي‪ ،475 ،1/474 :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،484 ،448-447‬ورجال الحلي‪ :‬ص ‪،185 ،98‬‬
‫وكل هذه الصفحات المشار إليها تحمل ضمان الئمة لبعض أتباعهم الجنة‪ ،‬وهذا "الضمان" يعدونه توثيقًا للرجل‪،‬‬
‫ولذلك تكثر أخباره في كتب الرجال عندهم‪ ،‬كما أن الشهادة بالنار يعتبرونها من علمات القدح‪ ،‬ولذلك يتداولون‬
‫أخبارها في كتب رجالهم أيضًا‪.].‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬قولهم في الوعيد‪:‬‬
‫قال المفيد‪" :‬اتفقت المامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون‬
‫[أوائل المقالت‪:‬‬ ‫مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بال تعالى والقرار بفرائضه من أهل الصلة"‬
‫ص ‪ ،].14‬وأنهم بارتكاب الكبيرة ل يخرجون عن السلم‪ ،‬وإن كانوا يفسقون بما فعلوه من‬
‫الكبائر والثام [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].15‬‬
‫وهذا القول في ظاهره موافق لمذهب أهل السنة‪ ،‬لكنهم خرجوا عن تحقيق هذا المذهب من‬
‫طريق آخر‪ ،‬حيث توسعوا في مفهوم الكفر والمكفرات‪ ،‬ولذلك "اتفقت المامية على أن أصحاب‬
‫البدع كلهم كفار‪ ،‬وأن على المام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم‬
‫فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب وإل قتلهم لردتهم عن اليمان‪ ،‬وأن من مات منهم‬
‫على تلك البدعة فهو من أهل النار" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].16‬‬

‫‪369‬‬
‫واتفقت على القول بكفر من حارب أمير المؤمنين عليًا وأنهم "كفار ضلل ملعونون بحربهم‬
‫أمير المؤمنين وأنهم بذلك في النار مخلدون" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].10‬‬
‫وهكذا حكمهم في كل من خالفهم‪ ،‬ولذلك قال ابن بابويه‪" :‬واعتقادنا فيمن خالفنا في شيء‬
‫[العتقادات‪ :‬ص ‪ ،116‬وانظر‪:‬‬ ‫واحد من أمور الدين كاعتقادنا فيمن خالفنا في جميع أمور الدين"‬
‫العتقادات للمجلسي‪ :‬ص ‪.].100‬‬
‫فهم من هذا الباب وعيدية‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم بأن متأخري الشيعة وعيدية في باب‬
‫السماء والحكام [الفتاوى‪.].6/55 :‬‬
‫ويذكر الشعري بأن طائفة من الروافض "يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون‪ :‬إنهم‬
‫يعذبون‪ ،‬ول يقولون بإثبات الوعيد في من قال بقولهم‪ ،‬ويزعمون أن ال سبحانه يدخلهم الجنة‪،‬‬
‫وإن أدخلهم النار أخرجهم منها‪ ،‬ورووا في أئمتهم أن ما كان بين ال وبين الشيعة من المعاصي‬
‫سألوا ال فيهم فصفح عنهم‪ ،‬وما كان بين الشيعة وبين الئمة تجاوزوا عنه‪ ،‬وما كان بين الشيعة‬
‫وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم" [مقالت السلميين‪.].1/126 :‬‬
‫وهذا المعنى الذي يتحدث عنه الشعري قد تبنى المجلسي إشاعته في باب عقده بعنوان‪:‬‬
‫"باب الصفح عن الشيعة" وذكر فيه سبعًا وتسعين رواية [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].149-68/98 :‬‬
‫وبعدما ذكر هذه الروايات كلها كأنه استقلها فقال‪ :‬قد مرت أخبار كثيرة من هذا الباب في‬
‫أبواب المعاد من الحوض والشفاعة وأحوال المؤمنين والمجرمين في القيامة وغيرها‪ ،‬وأبواب‬
‫فضائل الئمة [بحار النوار‪.].68/149 :‬‬
‫وقد صدر الباب المذكور بحديث يحكي نفس المذهب الذي أشار إليه الشعري‪ ،‬يقول حديثهم‪:‬‬
‫"إذا كان يوم القيامة ولينا حساب شيعتنا‪ ،‬فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين ال عز وجل حكمنا‬
‫فيها فأجابنا‪ ،‬ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا‪ ،‬ومن كانت مظلمته‬
‫فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح" [بحار النوار‪ ،68/99 :‬عيون أخبار الرضا‪.].2/68 :‬‬
‫فهم وعيدية بالنسبة لمن خالفهم‪ ،‬كما أنهم مرجئة فيمن دان بقولهم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫قولهم في أركان اليمان‬
‫أركان اليمان تشمل‪ :‬اليمان بال‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬واليمان بالقدر‪،‬‬
‫كما في قوله تعالى‪ّ{ :‬ليْسَ ا ْل ِبرّ أَن ُتوَلّواْ وُجُو َهكُمْ ِق َبلَ ا ْل َمشْرِقِ وَا ْلمَ ْغرِبِ وَلَـكِنّ ا ْل ِب ّر مَنْ آمَنَ‬
‫خرِ وَا ْلمَلئِ َكةِ وَالْ ِكتَابِ وَال ّنبِيّينَ‪[ }...‬البقرة‪ ،‬آية‪.].177 :‬‬
‫بِالّلهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ‬
‫‪370‬‬
‫شيْءٍ خَلَ ْقنَاهُ بِقَ َدرٍ} [القمر‪ ،‬آية‪.].49 :‬‬
‫وقوله‪ِ{ :‬إنّا ُكلّ َ‬
‫وقد سبق الحديث مفصلً عن انحراف الشيعة في باب اليمان بال‪ ،‬في ربوبيته‪ ،‬وإلهيته‪،‬‬
‫وأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫وهنا سيكون الحديث عن قولهم في بقية أركان اليمان‪ ،‬حيث يبدو أن مسألة المامة كان لها‬
‫أثرها على ذلك‪ ،‬فهم مع إثبات أركان اليمان من اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله والقدر‬
‫واليوم الخر‪ ،‬يبدو أثر المامة واضحًا في بيانهم لهذه الركان‪ ،‬وحديثهم عنها‪ ،‬كما سيتبين في‬
‫الصفحات التالية‪:‬‬
‫اليمان بالملئكة‪:‬‬
‫وقد نال هذا الركن من أركان اليمان نصيبه‪ ،‬فالملئكة خلقوا من نور الئمة وهم خدم‬
‫للئمة‪ ،‬ومنهم طوائف قد كلفوا – بزعمهم – للعكوف على قبر الحسين‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫تقول أخبارهم‪" :‬خلق ال من نور وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك يستغفرون له‬
‫ولمحبيه إلى يوم القيامة" [كنز جامع الفوايد‪ :‬ص ‪ ،334‬بحار النوار‪.].23/320 :‬‬
‫وأحيانًا يقولون‪" :‬خلق ال الملئكة من نور علي" [المعالم الزلفى‪ :‬ص ‪.].249‬‬
‫وقد زعموا أن من ملئكة الرحمن من ل وظيفة لهم إل البكاء على قبر الحسين‪ ،‬والتردد‬
‫لزيارته‪ ،‬قالوا‪" :‬وكّل ال بقبر الحسين أربعة آلف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة‪"..‬‬
‫[وسائل الشيعة‪ ،10/318 :‬فروع الكافي‪ ،1/325 :‬ثواب العمال‪ :‬ص ‪ ،49‬كامل الزيارات‪ :‬ص ‪.].189‬‬
‫وزيارة قبر الحسين هي أمنية أهل السماء‪ ،‬قالوا‪" :‬وليس شيء في السماوات إل وهم يسألون‬
‫[الطوسي‪ /‬التهذيب‪ ،2/16 :‬ثواب‬ ‫ال أن يؤذن لهم في زيارة الحسين ففوج ينزل وفوج يعرج"‬
‫العمال‪ :‬ص ‪ ،54‬وسائل الشيعة‪.].10/322 :‬‬
‫[بحار النوار‪ ،26/335 :‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص‬ ‫وقالوا‪" :‬إن الملئكة لخدامنا وخدام محبينا"‬
‫‪ ،147‬عيون أخبار الرضا‪ ،1/262 :‬علل الشرائع‪ :‬ص ‪.].13‬‬
‫وجاء في آخر حديث طويل لهم "إن جبرائيل دعا أن يكون خادمًا للئمة‪ ،‬قالوا‪ :‬فجبريل‬
‫خادمنا" [بحار النوار‪ ،345-26/344 :‬إرشاد القلوب‪ :‬ص ‪ ،214‬كنز جامع الفوايد‪ :‬ص ‪.].483‬‬
‫وقد قال شيخ السلم – رحمه ال – وهو يرد على ابن المطهر نقله لمثل هذا اللقب للملئكة‬
‫قال‪" :‬فتسمية جبريل رسول ال إلى محمد صلى ال عليه وسلم خادمًا عبارة من ل يعرف قدر‬
‫الملئكة وقدر إرسال ال لهم إلى النبياء‪[ "..‬منهاج السنة‪.].2/158 :‬‬

‫‪371‬‬
‫وكيف يطلق هذا اللقب "الوضيع" فيمن وصفه ال بقوله‪ِ{ :‬إ ّنهُ لَ َق ْولُ َرسُولٍ َكرِيمٍ‪ ،‬ذِي ُقوّةٍ‬
‫عِندَ ذِي ا ْل َعرْشِ مَكِينٍ} [التكوير‪ ،‬آية‪ .]19/20 :‬فالمراد بالرسول الكريم هنا جبريل‪ ،‬وذي العرش‬
‫رب العزة سبحانه‪.‬‬
‫ولهم دعاوى في هذا الباب كثيرة‪ ،‬وكأنه ل وظيفة للملئكة إل أمر أئمتهم الثني عشر‪ ،‬أو‬
‫كأنهم ملئكة الئمة ل ملئكة ال!‪.‬‬
‫قال أبو عبد ال‪" :‬إن الملئكة لتنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا‪ ،‬وتحضر موائدنا‪،‬‬
‫وتأتينا من كل نبات في زمانه رطب ويابس‪ ،‬وتقلب علينا أجنحتها‪ ،‬وتقلب أجنحتها على‬
‫صبياننا‪ ،‬وتمنع الدواب أن تصل إلينا‪ ،‬وتأتينا في وقت كل صلة لتصليها معنا‪ ،‬وما من يوم‬
‫يأتي علينا ول ليل إل وأخبار أهل الرض عندنا‪ ،‬وما يحدث فيها‪ ،‬وما من ملك يموت في‬
‫[بحار النوار‪،26/356 :‬‬ ‫الرض ويقوم غيره إل وتأتينا بخبره وكيف كانت سيرته في الدنيا"‬
‫بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].27‬‬
‫ويقولون بأن وسائد وقلئد أولدهم يأخذونها من أجنحة الملئكة‪ ،‬بل إن الملئكة تتولى‬
‫[بحار النوار‪ ،26/354 :‬بصائر‬ ‫رعاية أطفالهم‪ ،‬حتى قال أبو عبد ال‪" :‬هم ألطف بصبياننا منا بهم"‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪.].26‬‬
‫والملئكة في أخبار الشيعة مكلفون بمسألة الولية‪ ،‬ولكنهم يقولون أنه لم يستجب منهم إل‬
‫طائفة المقربين [بحار النوار‪ ،26/340 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].20‬رغم أن العقوبة تحل بمن‬
‫يخالف منهم في أمر الولية – في زعمهم – حتى إن أحد الملئكة عوقب بكسر جناحه لرفضه‬
‫[بحار النوار‪ ،26/341 :‬بصائر‬ ‫ولية أمير المؤمنين ولم يبرأ إل حينما تمسح وتمرغ بمهد الحسين‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪.].20‬‬
‫[انظر‪ :‬تفسير الحسن العسكري ص ‪،153‬‬ ‫ولم تشرف الملئكة – بزعمهم – إل بقبولها ولية علي‬
‫الحتجاج للطبرسي‪ :‬ص ‪ ،31‬بحار النوار‪.].26/338 :‬‬
‫وحياة الملئكة موقوفة على الئمة والصلة عليهم‪ ،‬لنه "ليس لهم طعام ول شراب إل‬
‫الصلة على علي بن أبي طالب ومحبيه‪ ،‬والستغفار لشيعته المذنبين" [بحار النوار‪،].26/349 :‬‬
‫وكانت الملئكة ل تعرف تسبيحًا ول تقديسًا من قبل تسبيحنا (يعني تسبيح الئمة) وتسبيح‬
‫شيعتنا [جامع الخبار لبن بابويه‪ :‬ص ‪ ،9‬بحار النوار‪.].26/344 :‬‬
‫ولذلك فإن الملئكة تراعي أمر الشيعة على وجه الخصوص‪ ،‬فإذا خل الشيعي بصاحبه‬
‫اعتزلهم الحفظة فلم يكتبوا عليهم شيئًا‪ ،‬يقولون‪ :‬إذا التقى الشيعي مع الشيعي يتساءلن‪ ،‬قالت‬
‫الحفظة‪ :‬اعتزلوا بنا‪ ،‬فإن لهم سرًا وقد ستره ال عليهما [وسائل الشيعة‪ ،].564-8/563 :‬مع أن ال‬
‫‪372‬‬
‫شمَالِ قَعِيدٌ ‪ ،‬مَا يَلْفِظُ مِن َق ْولٍ إِل لَ َد ْيهِ‬
‫عنِ ال ّ‬
‫عنِ ا ْليَمِينِ وَ َ‬
‫سبحانه يقول‪{ :‬إِ ْذ َيتَلَقّى ا ْل ُمتَلَ ّقيَانِ َ‬
‫جوَاهُم‬
‫سرّهُمْ َونَ ْ‬
‫سبُونَ َأنّا ل َنسْمَعُ ِ‬
‫ح َ‬
‫عتِيدٌ} [سورة ق‪ ،‬آية‪ .].18-17 :‬وقال سبحانه‪{ :‬أَ ْم يَ ْ‬
‫رَقِيبٌ َ‬
‫بَلَى َورُسُُلنَا لَ َد ْيهِ ْم يَ ْك ُتبُونَ} [الزخرف‪ ،‬آية‪.].80 :‬‬
‫هذا ومزاعمهم في هذا الباب متنوعة‪ ،‬وفيها من التطاول على مقام الملئكة المقربين‪،‬‬
‫والكذب عليهم‪ ،‬مع مبالغات غريبة‪ ،‬ومجازفات طاغية‪ ،‬أقرب ما تكون إلى إنكار الملئكة؛ لن‬
‫إنكار وظائفهم وخصائصهم وما شرفهم ال به‪ ،‬ووضع دين الولية هو شرعتهم‪ ،‬والشرك عند‬
‫قبر الحسين هو عمل طائفة منهم قد يهون عنده إنكارهم أصلً‪ ،‬ولقد اقتربوا من النكار حينما‬
‫أولوا أسماء وألقاب الملئكة في القرآن بالئمة‪ ،‬أو جعلوا وظائف الملئكة للئمة‪.‬‬
‫وبهذا عقد المجلسي بابًا بعنوان "باب أنهم عليهم السلم الصافون والمسبحون وصاحب المقام‬
‫المعلوم وحملة عرش الرحمن وأنهم السفرة الكرام البررة" [بحار النوار‪.].24/87 :‬‬
‫سبِقُو َنهُ بِالْ َق ْولِ وَهُم‬
‫عبَا ٌد مّ ْك َرمُونَ‪ ،‬ل َي ْ‬
‫هذا ما يقولونه في الملئكة‪ ،‬وال سبحانه يقول‪َ { :‬بلْ ِ‬
‫ج ْبرِيلَ َومِيكَالَ‬
‫ع ُدوّا لّّلهِ َومَلئِ َكتِهِ َو ُرسُ ِلهِ وَ ِ‬
‫بِ َأ ْمرِهِ يَ ْعمَلُونَ} [النبياء‪ ،‬آية‪{ .].27-26 :‬مَن كَانَ َ‬
‫فَِإنّ الّلهَ عَ ُدوّ لّلْكَا ِفرِينَ} [البقرة‪ ،‬آية‪.].98 :‬‬
‫اليمان بالكتب‪:‬‬
‫والشيعة قد تأثر هذا الجانب عندها بمقتضى عقائدها التي انفردت بها عن سائر المسلمين في‬
‫مسألة المامة وغيرها‪ ،‬فآمنت بكتب ما أنزل بها من سلطان‪ ،‬حيث ادعت أن ال سبحانه أنزل‬
‫على أئمتها كتبًا من السماء‪ ،‬كما أنزل كتبه على أنبيائه‪.‬‬
‫كما زعمت بأن لدى الئمة الثني عشر الكتب السماوية التي نزلت على جميع النبياء فهم‬
‫يقرأونها ويحتكمون إليها‪.‬‬
‫وإليك بيان هاتين القضيتين‪ ،‬من خلل النقل المين من كتب الشيعة المعتمدة‪:‬‬
‫[هناك كتب أخرى يزعمون أنها مودعة عند‬ ‫المسألة الولى‪ :‬دعواهم تنزل كتب إلهية على الئمة‬
‫الئمة‪ ،‬سبق ذكرها في فصل عقيدتهم في السنة‪ ،‬وهي كهذه الكتب في القدسية‪ ،‬إل أنها ل توصف بأوصاف هذه‬
‫الكتب من القول بنزولها من عند ال ونحوه‪:].‬‬
‫تضم نت ك تب الشي عة المعتمدة عند ها دعاوى عري ضة‪ ،‬ومزا عم خطيرة ل يس ل ها وجود في‬
‫عالم الواقع‪ ،‬ول يرى لها عين ول أثر‪ ،‬وليس لها في كتب المة شاهد ول خبر‪.‬‬

‫تلك المزاعم والدعاوى تتضمن أن هناك كتبًا مقدسة نزلت من السماء بوحي من رب العزة‬
‫جل عله إلى "الئمة"‪ .‬وأحيانًا تورد كتب الشيعة نصوصًا وأخبارًا يزعمون أنها مأخوذة من‬
‫تلك الكتب‪ ،‬وعلى هذه الروايات المدعى أخذها من تلك الكتب تبنى عقائد ومبادئ‪.‬‬
‫‪373‬‬
‫وكأن الذين وضعوا أصول التشيع لم يكتفوا لتأييد أصولهم بكل ما مضى من دعاوى حول‬
‫كتاب ال‪ ،‬وخافوا أل تكون وافية بالغرض فيفرّ أتباعهم من حولهم‪ ،‬وتضيع مصادر الثروة‬
‫عليهم فيخسروا المال والجاه والتقديس الذي يجنونه من أولئك التباع باسم الخمس والنيابة عن‬
‫المام‪.‬‬
‫فافتعلوا هذه الدعوى ليضمنوا بها – مع أخواتها – تحقيق تلك الهداف‪ ،‬وليسددوا بها سهمًا‬
‫آخر ضد المة ودينها‪.‬‬
‫وهذه الدعوى ل تكاد تختلف عن دعوى أكثر المتنبئين بتنزل كتب‪ ،‬أو وحي عليهم‪.‬‬
‫ولعل جذور هذه المقالة بدأت في عصر علي – رضي ال عنه – كما أشارت إلى ذلك إحدى‬
‫روايات المام البخاري – رضي ال عنه – عن أبي جحيفة قال‪" :‬قلت لعليّ‪ :‬هل عندكم كتاب؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬إل كتاب ال‪ ،‬أو فهم أعطيه رجل مسلم‪ ،‬أو ما في هذه الصحيفة‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فما في‬
‫[صحيح البخاري (مع الفتح)‪.1/204 :‬‬ ‫هذه الصحيفة؟ قال‪ :‬العقل وفكاك السير ول يقتل مسلم بكافر"‬
‫وسبق تخريجه ‪ :‬ص(‪.].)79‬‬
‫وفي رواية أخرى للبخاري جاء السؤال‪" :‬هل عندكم شيء من الوحي إل ما في كتاب ال"‬
‫[صحيح البخاري (مع الفتح)‪( .].6/167 :‬وهي تفسر المراد بالكتاب)‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك‪ ،‬لن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن‬
‫عند أهل البيت – لسيما عليًا – أشياء من الوحي خصهم النبي صلى ال عليه وسلم بها لم يطلع‬
‫غيرهم عليها‪ ،‬وقد سأل عليًا عن هذه المسألة أيضًا قيس بن عباد‪ ،‬والشتر النخعي‪ ،‬وحديثهما‬
‫في مسند النسائي" [فتح الباري‪.].1/204 :‬‬
‫فإذن نواة هذه المقالة ظهرت في عصر متقدم‪ ..‬أما من تولى كبرها فإن في رسالة "الرجاء"‬
‫للحسن بن محمد بن الحنفية ما يشير إلى أن السبئيين – أتباع عبد ال بن سبأ – قد بدأوا في‬
‫إشاعة مثل هذه المقالت حيث قال‪" :‬هدينا لوحي ضل عنه الناس‪ ،‬وزعموا أن نبي ال كتم‬
‫تسعة أعشار القرآن" [رسالة الرجاء (ضمن كتاب اليمان) محمد بن يحيى العدني‪ :‬ص ‪250-249‬‬
‫(مخطوط)‪.].‬‬
‫وفي كتاب أحوال الرجال أن عبد ال بن سبأ زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه‬
‫عند علي [الجوزجاني‪ /‬أحوال الرجال‪ :‬ص ‪.].38‬‬
‫إذن كانت دعوى السبئيين تشير إلى علم مخزون عند علي‪ ،‬فهذه أصل الدعوى‪ ،‬وقد تطورت‬
‫واتخذت صورًا وأشكالً متعددة كلها ترجع إلى دعوى أن عند آل البيت ما ليس عند الناس‪،‬‬

‫‪374‬‬
‫والتي نفاها أمير المؤمنين علي نفيًا قاطعًا‪ ،‬وما تفرع من الباطل فهو باطل‪ ،‬فالفرع له حكم‬
‫أصله‪.‬‬
‫وإليك بكل أمانة بعض ما وجدناه في كتبهم المعتبرة عندهم من هذه الدعاوى والمزاعم‪:‬‬
‫أ ـ "مصحف فاطمة"‪:‬‬
‫تدعي كتب الشيعة نزول مصحف على فاطمة بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫تقول إحدى روايات الكافي عن مصحف فاطمة‪ .." :‬إن ال تعالى لما قبض نبيه صلى ال‬
‫عليه وسلم دخل على فاطمة عليها السلم من وفاته من الحزن ما ل يعلمه إل ال عز وجل‪،‬‬
‫فأرسل ال إليها ملكًا يسلي غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي ال عنه فقال‪:‬‬
‫إذا أحسست بذلك‪ ،‬وسمعت الصوت قولي لي‪ ،‬فأعلمته بذلك‪ ،‬فجعل أمير المؤمنين رضي ال‬
‫عنه يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفًا‪ ..‬أما إنه ليس فيه شيء من الحلل والحرام‬
‫ولكن فيه علم ما يكون" [أصول الكافي‪ ،1/240 :‬بحار النوار‪ ،26/44 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫تفيد هذه الرواية بأن الغرض من هذا المصحف أمر يخص فاطمة وحدها وهو تسليتها‬
‫وتعزيتها بعد وفاة أبيها صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن موضوعه "علم ما يكون"‪ ،‬وما أدري كيف‬
‫يكون تعزيتها بإخبارها بما يكون وفيه – على ما تنقله الشيعة – قتل أبنائها وأحفادها‪ ،‬وملحقة‬
‫المحن لهل البيت؟!‬
‫ثم كيف تعطى فاطمة "علم ما يكون" "علم الغيب" ورسول الهدى يقول كما أمره ال‪{ :‬وَ َلوْ‬
‫خيْرِ} فهل هي أفضل من رسول ال؟‬
‫ت مِنَ ا ْل َ‬
‫ستَ ْكثَرْ ُ‬
‫كُنتُ َأعْ َلمُ الْ َغيْبَ َل ْ‬
‫وتقول هذه الرواية بأن عليًا هو الذي كتب ما أمله الملك رغم أن رواياتهم الخرى تقول‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )236‬من هذا‬ ‫بأن بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم كان منشغلً بجمع القرآن‬
‫الكتاب‪.].‬‬
‫والكذب ل محالة له من التناقض والختلف‪.‬‬

‫ويقولون بأن مصحفهم هذا ثلثة أضعاف القرآن‪.‬‬

‫جاء في الكافي "عن أبي بصير قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال‪ ...‬ثم ذكر حديثًا طويلً في ذكر‬
‫العلم الذي أود عه الر سول صلى ال عل يه و سلم ع ند أئ مة الشي عة – ك ما يزعمون – وف يه قول‬
‫أ بي ع بد ال‪" :‬وإ نّ عند نا لم صحف فاط مة علي ها ال سّلم‪ .‬قلت (القول للرّاوي)‪ :‬و ما م صحف‬
‫فاط مة علي ها ال سّلم؟ قال‪ :‬م صحف ف يه م ثل قرآن كم هذا ثلث مرّات ما ف يه من قرآن كم حرف‬
‫واحد" [أصول الكافي‪.].1/239 :‬‬

‫‪375‬‬
‫فهذه ال سطورة ال تي يروي ها "ث قة ال سلم عند هم" ب سند صحيح عند هم ك ما يقرره شيوخ هم‬
‫[انظـر‪ :‬الشّافـي شرح أصـول الكافـي‪ .].3/197 :‬تقول‪" :‬إن مصـحفهم يفوق المصـحف فـي حجمـه‪،‬‬
‫ويخال فه في ماد ته‪ "..‬ف هل مع نى هذا أ كتاب ال أ قل من م صحف فاط مة‪ ،‬وأن م صحف فاط مة‬
‫ح َمةً‬
‫شيْءٍ وَهُدًى َورَ ْ‬
‫أكمـل وأوفـى مـن كتاب ال سـبحانه الذي أنزله ال سـبحانه {تِ ْبيَان ًا لّ ُكلّ َ‬
‫شرَى ِل ْلمُ سْ ِلمِينَ} [الن حل‪ ،‬آ ية‪ ،].89 :‬وجعله د ستورًا ومنهاج حياة لل مة إلى أن تقوم ال ساعة؟!‬
‫َوبُ ْ‬
‫وهل المة محتاجة إلى كتاب آخر غير كتاب ال ليكمل به دينها؟! وإذا فقدته فهي لم تستكمل‬
‫أسباب الهداية والخير‪ ،‬وهي اليوم قد فقدته‪ ،‬إذ ل وجود له باعتراف الجميع‪..‬‬

‫ثم ك يف يكون كتاب ت سلية وتعز ية ك ما تقول روايت هم ال سابقة أك مل من كتاب ال سبحانه؟‬
‫أليس هذا الزعم غاية في التحلل من العقل والجرأة على الكذب؟‬

‫هذا وتختلف أسـاطيرهم في وصـف مصـحف فاطمـة كطبي عة الكاذيـب‪ ،‬فإذا كانـت الروايـة‬
‫المذكورة تذكـر بأن هذا المصـحف مـن إملء أحـد الملئكـة‪ ،‬والمصـحف كان نزوله بعـد وفاة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ..‬فإن رواية أخرى عندهم تقول‪" :‬وخلفت فاطمة عليها ال سّلم ما‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫وخطـ عليـّ"‬
‫ّ‬ ‫هـو قرآن‪ ،‬ولكن ّه كلم مـن كلم ال أنزله عليهـا إملء رسـول ال‬
‫‪ ،26/42‬عن بصائر الدّرجات‪ :‬ص ‪.].42‬‬

‫فهذا يع ني أن الم صحف كان في حياة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم والمملي هو ر سول‬
‫ال‪ ،‬والكلم كلم ال‪.‬‬

‫وهذه الرواية يكاد آخرها يناقض أولها‪ ،‬إذ كيف ينزل على فاطمة ثم يكون من إملء رسول‬
‫ال وخط عليّ؟!‬

‫وتقول رواية أخرى‪" :‬مصحف فاطمة عليها السلم ما فيه شيء من كتاب ال وإنما هو شيء‬
‫ألقـي عليهـا" [بحار النوار‪ ،26/48 :‬بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].43‬فهذا يشيـر إلى أن المصـحف ألقـي‬
‫علي ها من ال سماء ولم ي كن المملي ر سول ال ول خط علي‪ ،‬ولم يح ضر ملك يحدث ها ويؤن سها‬
‫ليكتب عل يّ ما يقوله الملك – بدون علمه كما يبدو – ليجتمع من ذلك مصحف فاطمة‪ ،‬لم يحدث‬
‫شيء من ذلك إنما هو شيء ألقي عليها ثم إنه بعد وفاة أبيها ل في حياته‪.‬‬

‫وكان الئ مة – ك ما تز عم ك تب الشي عة – يتخذون من م صحف فاط مة و سيلة لمعر فة علم‬


‫الغيب‪ ،‬واستطلع ما يكون‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫يقول أبو عبد ال – كما يزعمون ‪" :-‬تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني‬
‫نظرت في مصحف فاطمة عليها السلم‪[ "...‬أصول الكافي‪ .].1/240 :‬أي فأخذت ذلك منه‪.‬‬

‫وليس في هذه السنة التي حددتها هذه السطورة أحداث بارزة – كما يظهر من كتب التواريخ‬
‫اللهم إل قتل بعض الرؤوس الضالة كالجهم بن صفوان وغيره‪ ،‬وهذا ضد ما تزعمه السطورة‬
‫من ظهورهم‪ ،‬وتقول أيضًا‪ :‬قال أبو عبد ال‪" :‬إني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلم قبيل‬
‫فلم أجد لبني فلن فيها إل كغبار النعل" [بحار النوار‪ ،26/48:‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].44‬‬

‫وهذه السطورة مغلفة بشيء من التقية‪ ،‬فلم يفصح عن اسم بني فلن‪ ،‬ول المشار إليه بقوله‬
‫فيها‪ ،‬ولم يوضح شيخهم المجلسي ذلك كعادته‪ ،‬وقد يشيرون بذلك إلى الخلفة‪ ،‬وببني فلن إلى‬
‫أولد الح سن بن علي بن أ بي طالب ر ضي ال عن هم‪ ،‬ف هم دائمًا حول ها يدندنون كقول هم "أولد‬
‫الحسن يحملهم الحسد وطلب الدنيا في النكار" [أصول الكافي‪.].306-1/305 :‬‬

‫والمقصود أن مصحف فاطمة أداة عندهم لستطلع ما يحدث في هذه الكون‪ ،‬ولو كان شيء‬
‫من ذلك لتغير وجه التاريخ‪ ..‬ولما حصل للئمة ما حصل مما تصوره كتب الشيعة من المحن‪،‬‬
‫ول ما غاب منتظر هم واخت فى خوفًا من الق تل‪ ،‬ول ما كان للتق ية أد نى حا جة‪ ،‬إذ بمعر فة أ سباب‬
‫وقوع المكروه يتقون المكروه‪ ،‬وبمعرفة أسباب المرغوب والمحبوب يفوزون بالمحبوب‪.‬‬

‫فإن زعموا أنهم ل قدرة لهم على تغيير شيء من ذلك فهم إذن كسائر الناس يجري فيها قدر‬
‫ال‪ ،‬وعلمهم بما يحدث يزيدهم حزنًا ل يؤنسهم ويزيل وحشتهم – كما تزعم روايتهم – ما دام‬
‫أنهم ل حيلة لهم في التغيير‪.‬‬

‫وإذا كانت هذه الروايات تجعل موضوع مصحف فاطمة هو "علم ما يكون"‪ ..‬فإن حديثًا آخر‬
‫من أحاديثهم – يقول كما يروي ثقة السلم عندهم ‪ :-‬إن أبا عبد ال قال عن مصحف فاطمة‪:‬‬
‫" ما أز عم أن ف يه قرآنًا‪ ،‬وف يه ما يحتاج الناس إلي نا ول نحتاج إلى أ حد حتى ف يه الجلدة ونصف‬
‫الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش" [أصول الكافي‪.].1/240 :‬‬

‫فهذا النص يجعل من مصحف فاطمة بالضافة إلى علم ما يكون‪ ،‬علم الحدود والديات‪ ،‬ففيه‬
‫حتى أرش الخدش‪ ،‬بل فيه التشريع كله فل يحتاج فيه الئمة معه إلى أحد‪ ،‬فهي يعني هذا أنهم‬
‫ل يحتاجون إلى كتاب ال‪ ،‬وأنهم استغنوا عن شريعة القرآن بمصحف فاطمة فلهم دينهم ولمة‬
‫السلم دينها؟!‬

‫‪377‬‬
‫وهل التشريع السلمي العظيم لم يكمل بكتاب ال وسنة رسوله ليحتاج بعد ذلك إلى مصحف‬
‫فاطمة‪ ،‬أو أن مصحف فاطمة يغني عن الجميع؟!‬

‫إن المغزى من هذه النصوص واضح‪ ،‬فإعطاء الئمة علم ما يكون من إضفاء لصفة اللوهية‬
‫عليهم بمنحهم ما هو من خصائص الله "وهو علم الغيب"‪ ،‬وجعل مصحف فاطمة يحوي علم‬
‫الحدود والديات هو اتهام "مبطن" بقصور التشريع السلمي‪.‬‬

‫ثم عند هم روا ية أخرى تقول‪ :‬إن علم التشر يع موجود في الجام عة ل في م صحف فاط مة‪،‬‬
‫يقولون‪" :‬إن عند نا ل صحيفة يقال ل ها الجام عة ما من حلل ول حرام إل و هو في ها ح تى أرش‬
‫الخدش" [بحار النوار‪ ،26/23 :‬عـن بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].390‬وكذا فـي صـحيفة عندهـم تسـمى‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫صـحيفة الحدود فيهـا مـن الحدود "ثلث جلدة مـن تعدى ذلك كان عليـه حدّ جلدة"‬
‫‪ ،20-26/19‬عن بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].38‬‬

‫أ ما علم ما يكون ف هو ال خر قالوا بأن و سيلته غ ير م صحف فاط مة؛ ل نه في الج فر‪ ،‬وخلق‬
‫أعظم من جبرائيل وميكائيل [بحار النوار‪ ،26/19 :‬أمالي ابن الطوسي‪ :‬ص ‪ ..]260‬إلخ حتى قاالوا‪" :‬ما‬
‫ينقلب طائر في الهواء إل وعندنا فيه علم" [بحار النوار‪ ،26/19 :‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ص ‪.].200‬‬

‫ثم رجعوا وقالوا‪ :‬إن العلم كله إن ما يؤ خذ من كتاب ال‪ ،‬كقوله روايت هم بأن أ با ع بد ال قال‪:‬‬
‫"إني أعلم ما في السماوات وما في الرض‪ ،‬وأعلم ما في الجنة‪ ،‬وأعلم ما في النار‪ ،‬وأعلم ما‬
‫كان و ما يكون"‪ .‬قال (الراوي)‪ :‬ثم م كث هني هة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه م نه فقال‪:‬‬
‫[مضى تخريجه‬ ‫"علمت ذلك من كتاب ال عز وجل‪ ،‬إن ال عز وجل يقول‪ :‬فيه تبيان كل شيء"‬
‫من كتب الشيعة‪ ،‬والتعليق عليه ص(‪.].)136‬‬

‫وقد مضى ما نقله بعض شيوخهم المعاصرين من القول بإيمان الشيعة بسلمة كتاب ال‪ ،‬لنه‬
‫قو بل على م صحف فاط مة [ان ظر‪ :‬ص(‪ .].)267‬ول كن قال شيخ هم ال خر الخنيزي‪ :‬إن م صحف‬
‫فاطمة غير القرآن وعلى ذلك تدل نصوصهم [الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية‪.].1/47 :‬‬

‫أقوال وروايات يكذب بعضه الخر‪ ،‬ول يخجلون من ذلك لن دينهم التقية‪.‬‬

‫[قال عالم هم المجل سي عن الكتاب "دلئل‬ ‫و في كتاب "دلئل المامة" و هو من كتبهم المعتمدة عند هم‬
‫المامة"‪ :‬من الكتب المعتبرة المشهورة‪ ،‬أخذ منه جملة من تأخر عنه كالسيد ابن طاووس وغيره‪ ..‬ومؤلفه من ثقات‬
‫رواتنا المامية (محمد بن جرير بن رستم الطبري) وليس هو ابن جرير صاحب التاريخ المخالف (المجلسي‪ /‬البحار‬
‫‪ )40-1/39‬وقالت مقدمة الكتاب‪" :‬وهذا الكتاب لم يزل مصدرًا من مصادر الشيعة في المامة والحديث تركن إليه‬

‫‪378‬‬
‫وتعتمد عليه في أجيالها المتعاقبة منذ تأليف إلى وقتنا الحاضر" (من مقدمة الكتاب‪ :‬ص ‪ ].)5‬ترد رواية تصف‬
‫هذا المصحف المزعوم بأن فيه "خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة‪ ،‬وفيه خبر سماء سماء‪،‬‬
‫وعدد مـا السـماوات مـن الملئكـة وغيـر ذلك‪ ،‬وعدد كـل مـن خلق ال مرسـلً وغيـر مرسـل‪،‬‬
‫وأسماءهم‪ ،‬وأسماء من أرسل إليهم‪ ،‬وأسماء من كذب ومن أجاب‪ ،‬وأسماء جميع من خلق ال‬
‫من المؤمنين والكافرين‪ ،‬وصفة كل من كذب‪ ،‬وصفة القرون الولى وقصصهم‪ ،‬ومن ولي من‬
‫الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم‪ ،‬وأسماء الئمة وصفتهم وما يملك كل واحد واحد‪...‬‬

‫فيه أسماء جميع ما خلق ال وآجالهم‪ ،‬وصفة أهل الجنة وعدد من يدخلها‪ ،‬وعدد من يدخل‬
‫النار‪ ،‬وأسـماء هؤلء وهؤلء‪ ،‬وفيـه علم القرآن كمـا أنزل‪ ،‬وعلم التوراة كمـا أنزلت‪ ،‬وعلم‬
‫[محمد بن جرير بن رستم‬ ‫النجيل كما أنزل‪ ،‬وعلم الزبور‪ ،‬وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلد"‬
‫الطبري‪ /‬دلئل النبوة‪ :‬ص ‪.].28-27‬‬

‫[محمد بن جر ير بن ر ستم ال طبري‪ /‬دلئل النبوة‪ :‬ص ‪-27‬‬ ‫هذه المواضيع كلها في "ورقتين من أوله"‬
‫‪ .].28‬يقول الراوي‪" :‬إن إمامهـم قال‪ :‬ومـا وصـفت لك بعـد مـا فـي الورقـة الثالثـة ول تكلمـت‬
‫بحرف منه" [محمد بن جرير بن رستم الطبري‪ /‬دلئل النبوة‪ :‬ص ‪.].28-27‬‬

‫و ما ندري بأي ح جم يكون هذا "الورق"؟! ك ما ل ندري لماذا لم ي ستفد أئمت هم من هذه العلوم‬
‫في سبيل استرداد المامة التي حرموها – كما تزعم الشيعة –؟‬

‫ولماذا ل يخرج منتظرهم من سردابه‪ ،‬وكيف يخاف القتل – كما يعللون سر اختفائه – فيظل‬
‫مختفيًا – وكل هذه العلوم عنده؟!‬

‫وتصـف روا ية "دلئل الما مة" صفة نزول هذا الم صحف على خلف ما جاء في الروا ية‬
‫السالفة عن الكافي من أن عليًا كتب ما سمعه من الملك حتى أثبت بذلك مصحفًا‪ ،‬تقول رواية‬
‫"الدلئل" إ نه نزل جملة واحدة من ال سماء بوا سطة ثل ثة من الملئ كة و هم "جبرائ يل وإ سرافيل‬
‫وميكائيل… فهبطوا به وهي قائمة تصلي‪ ،‬فلما زالوا قيامًا حتى قعدت‪ ،‬ولما فرغت من صلتها‬
‫[مح مد بن جر ير بن‬ ‫سلموا علي ها وقالوا‪ :‬ال سلم يقرئك ال سلم‪ ،‬ووضعوا الم صحف في حجر ها"‬
‫رستم الطبري‪ /‬دلئل النبوة‪ :‬ص ‪.].28-27‬‬

‫فقالت‪ :‬ل السلم ومنه السلم وإليه السلم وعليكم يا رسل ال السلم‪ ،‬ثم عرجوا إلى السماء‬
‫فما زالت من بعد صلة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره "ولقد كانت عليها‬

‫‪379‬‬
‫ال سلم مفرو ضة الطا عة على جم يع من خلق ال من ال جن وال نس والط ير والو حش وال نبياء‬
‫والملئكة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيها؟‬

‫قال‪ :‬دفعته إلى أمير المؤمنين‪ ،‬فلما مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم عند أهله حتى‬
‫يدفعوه إلى صاحب هذا المر‪[ "...‬محمد بن جرير بن رستم الطبري‪ /‬دلئل النبوة‪ :‬ص ‪.].28-27‬‬

‫هذا بعض ما جاء في كتبهم عن مصحف فاطمة المزعوم‪ ،‬وهو يبين أن لفاطمة مصحفًا نزل‬
‫عليها بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم فيه علم الغيب وعلم الحدود والديات وغيرها مما‬
‫سلف ذكره‪ ،‬وأنه اليوم عند إمامهم الغائب! وهو وحي كالقرآن‪ ،‬إل أنه مثله ثلث مرات ما فيه‬
‫من قرآننا حرف واحد‪ ،‬فهل نزل هذا المصحف ليكمل القرآن؟!‬

‫هذا ومثل هذا المصحف المزعوم "مصاحف كثيرة" تدعي الشيعة فيها ما يشبه دعواها حول‬
‫م صحف فاط مة‪ ،‬وهذا موضوع وا سع يحتاج إلى ب حث م ستقل‪ ،‬ولذلك سنذكر في ما يلي ب عض‬
‫أسماء هذه المصاحف وشيئًا مما يعرّف بها وندع التفصيل والتحليل‪.‬‬

‫ب ـ كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت – كما يزعمون ‪:-‬‬

‫"عن أبي عبد ال الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن ال عز وجل أنزل على نبيه كتابًا قبل أن‬
‫يأتيه الموت فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬هذا الكتاب وصيتك إلى النجيب من أهل بيتك‪ ،‬فقال‪ :‬ومن النجيب‬
‫من أهلي يا جبرائ يل؟ فقال‪ :‬علي بن أ بي طالب عل يه ال سلم‪ ،‬وكان على الكتاب خوات يم من‬
‫ذهب‪ ،‬فدفعه النبي صلى ال عليه وسلم إلى عل يّ عليه السلم وأمره أن يفك خاتمًا منها ويعمل‬
‫بما فيه‪ ،‬ففك عليه السلم خاتمًا وعمل بما فيه‪ ،‬ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلم ففك خاتمًا‬
‫وعمل بما فيه‪ ،‬ثم دفعه إلى الحسين عليه السلم ففك خاتمًا فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة‬
‫فل شهادة لهم إل معك وأشر نفسك ل عز وجل ففعل‪.‬‬

‫ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه السلم ففك خاتمًا فوجد فيه‪ :‬اصمت والزم منزلك واعبد‬
‫ر بك ح تى يأت يك اليق ين فف عل‪ ،‬ثم دف عه إلى مح مد بن علي عل يه ال سلم ف فك خاتمًا فو جد ف يه‪:‬‬
‫حدث الناس وأفتهـم ول تخافـن إل ال فإنـه ل سـبيل لحـد عليـك‪ ،‬ثـم دفعـه إليّـ ففككـت خاتمًا‬
‫فوجدت ف يه‪ :‬حدّث الناس وأفت هم وان شر علوم أ هل بي تك‪ ،‬و صدق آباءك ال صالحين ول تخا فن‬
‫أحدًا إل ال وأ نت في حرز وأمان ففعلت‪ ،‬ثم ادف عه إلى مو سى بن جع فر وكذلك يدف عه مو سى‬
‫[بحار النوار‪ ،193-36/192 :‬وانظـر‪:‬‬ ‫إلى الذي بعده‪ ،‬ثم كذلك أبدًا إلى قيام المهدي عل يه ال سلم"‬
‫‪380‬‬
‫ابـن بابويـه‪ /‬إكمال الديـن‪ /‬ص ‪ ،376‬أمالي الصـدوق‪ :‬ص ‪ ،240‬أمالي الشيـخ‪ :‬ص ‪ ،282‬أصـول الكافـي‪:‬‬
‫‪.].1/280‬‬

‫إن هذا الكلم ممكن أن يؤخذ منه أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يجهل من هو النجيب‬
‫من أ هل بي ته إلى و قت وفا ته ف هو ي سأل من هو النج يب‪ ،‬وهذا يع ني أ نه لم يعلن للناس‪ ،‬وبهذا‬
‫تسقط أخبار الشيعة كلها‪ ،‬أو يقال إن هناك مجموعة من النجباء من أهل البيت والسؤال للتعرف‬
‫على المقصود منهم‪ ،‬وهذا أيضًا يلغي دعاوى الشيعة في أفضلية عليّ‪.‬‬

‫ثم إن الكتاب لم يفصح عما أمر به علي والحسن‪ ،‬وبين ما أمر به الحسين وهو خروجه إلى‬
‫الموت‪ ،‬وهذا يخالف الوا قع تاريخيًا من أن الح سين لم ي كن في ذها به يتو قع ما حصل له‪ ،‬وأن‬
‫الذي تولى كبر ما ح صل للح سين ر ضي ال – ب عد قتله – هم الذ ين غرروا به وخدعوه‪ ،‬فل ما‬
‫خرج إلي هم خذلوه وتخلوا عن ن صرته‪ ،‬و هم يزعمون التش يع له‪ .‬و قد كتبوا إل يه كتبًا عديدة في‬
‫توج هه إلى طرف هم‪ ،‬فل ما قرب من ديار هم تقاع سوا عن ن صرته‪ ،‬بل ر جع أكثر هم مع العداء‬
‫خوفًا وطمعًا و صاروا سببًا لشهاد ته وشهادة كث ير م من م عه [مخت صر التح فة‪ :‬ص ‪ ..].62‬ولذلك‬
‫حك مت ك تب الشي عة بردة من ب عد الح سين إل ثل ثة [أ صول الكا في‪ ،].2/380 :‬ف هل هذه الروا ية‬
‫محاولة للدفاع عن هذه الفئة؟!‬

‫ثـم كيـف يفرقون بيـن الئمـة فـي وجوب الدعوة ونشـر العلم‪ ،‬وأن فيهـم مـن يسـعه الصـمت‬
‫ولزوم البيت ومنهم من يلزمه نشر العلم وإظهار الدعوة؟!‬

‫ثم هذه الرواية تعترف بأن الشيعة لم يكن لديهم من يحدثها وينشر العلم بينها حتى جاء أبو‬
‫جعفر الصادق‪ ،‬وهذا ما تؤكده روايتهم التي تقول‪" :‬كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم ل‬
‫يعرفون مناسك حجهم وحللهم وحرامهم‪ ،‬حتى كان أبو جعفر ففتح لهم‪ ،‬وبين لهم مناسك حهم‬
‫وحللهم وحرامهم‪[ "..‬أصول الكافي‪.].2/20 :‬‬

‫وهذا يعني الحكم بأن أوائل الشيعة من قبل أبي جعفر كانوا يعبدون ال على جهل‪.‬‬

‫ثم هل كان علي بن الح سين م من لزم بي ته وآ ثر ال صمت‪ ،‬أو هو قد خان الو صية وخالف‬
‫الكتاب المختوم بالذهب فنشر العلم‪ ،‬ودعا إلى سبيل ال على بصيرة؟!!‬

‫ل قد كان علي بن الح سين من كبار التابع ين و ساداتهم علمًا ودينًا‪ ،‬و هو الذي قال في م ثل‬
‫هؤلء المفتر ين‪" :‬أحبو نا حب ال سلم‪ ،‬فوال مازال ب نا ما تقولون ح تى بغضتمو نا إلى الناس"‬
‫[طبقات ابن سعد‪.].5/214 :‬‬
‫‪381‬‬
‫[الخزر جي‪ /‬الخل صة‪ :‬ص ‪].273‬‬ ‫قال الزهري‪" :‬ما رأيت قرشيًا أفضل منه وما رأيت أفقه منه‬
‫وكان ثقة مأمونًا كثير الحديث‪[ "..‬منهاج السنة‪.].2/153 :‬‬

‫وقد اعترف شيخهم المفيد بنشره للعلم‪ ،‬قال‪" :‬وقد روى عنه فقهاء العامة – يعني أهل السنة‬
‫– من العلوم ما ل تحصى كثرة‪ ،‬وحفظ عنه من المواعظ والدعية والحلل والحرام‪ ،‬والمغازي‬
‫[المف يد‪ /‬الرشاد‪:‬‬ ‫واليام ما هو مشهور ب ين العلماء‪ ،‬ولو ق صدنا إلى شرح ذلك لطال به الخطاب"‬
‫ص ‪ ،293-292‬عباس القمي‪ /‬النوار البهية‪ :‬ص ‪.].112‬‬

‫وهكذا تتناقض أخبارهم وتتعارض أقوالهم وهو دليل الكذب والفتراء‪.‬‬

‫ج‍ ـ "لوح فاطمة"‪:‬‬

‫وهذا – ك ما يؤ خذ من روايات هم – غي م صحف فاط مة‪ ،‬لن م صحف فاط مة نزل ب عد وفاة‬
‫الر سول صلى ال عل يه و سلم بوا سطة الملك وكت به عل يّ من فم الملك و سلمه لفاط مة‪ ،‬أو نزل‬
‫جملة واحدة ثلثة من الملئكة… إلى آخر ما بينا من أوصاف القوم لهذا الكتاب‪.‬‬

‫أ ما لوح فاط مة فله صفات أخرى من ها‪ :‬أ نه نزل على الر سول صلى ال عل يه و سلم وأهداه‬
‫لفاطمـة‪ ،‬إلى غيـر ذلك مـن أوصـافه‪ ،‬وقـد نقلوا عـن لوح فاطمـة بعـض النصـوص التـي تؤيـد‬
‫عقائد هم‪ .‬ويبدو أن هذا ال خبر عن « لوح فاط مة » وال نص المنقول م نه على در جة عال ية من‬
‫السرية‪ ،‬ففي نهاية النص – كما سيأتي – أمر بكتمانه عن غير أهله فهو سر من أسرارهم‪ ،‬ول‬
‫ندري كيف تسرب ولماذا تسرب ومتى؟‬

‫وإليك النص‪:‬‬

‫روى صاحب الوافي عن الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد ال قال‪ :‬قال أبي لجابر بن عبد‬
‫ال النصاري‪ :‬إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر‪ :‬في‬
‫أي الحوال أحب بت‪ ،‬فخل به في ب عض اليام فقال له‪ :‬يا جابر‪ ،‬أ خبرني عن اللوح الذي رأي ته‬
‫في يد أمي فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح‬
‫مكتوب‪ ،‬فقال جابر‪ :‬أش هد بال أ ني دخلت على أ مك فاط مة علي ها ال سلم في حياة ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فهنيتها بولدة الحسين فرأيت في يديها لوحًا أخضر ظننت أنه من زمرد‬
‫ورأيت فيه كتابًا أبيض شبه لون الشمس فقلت لها‪:‬‬

‫‪382‬‬
‫أبي وأ مي أنت يا بنت رسول ال ما هذا اللوح؟ فقالت‪ :‬هذا لوح أهداه ال تعالى إلى رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الوصياء من ولدي‪ ،‬وأعطانيه‬
‫أبي ليبشرني بذلك‪ .‬قال جابر‪ :‬فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلم فقرأته واستنسخته‪ ،‬فقال أبي‪:‬‬
‫فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من‬
‫رق فقال‪ :‬يا جابر‪ ،‬ان ظر في كتا بك لقرأ عل يه‪ ،‬فن ظر جابر في ن سخته وقرأ أ بي‪ ،‬ف ما خالف‬
‫حرف حرفًا‪ ،‬فقال جابر‪ :‬أشهد بال أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبًا‪:‬‬

‫"بسم ال الرحمن الرحيم هذا كتاب من ال العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه‬
‫ودليله‪ ،‬نزل به الروح الم ين من ع ند رب العالم ين‪ ،‬ع ظم يا مح مد أ سمائي واش كر نعمائي‪"..‬‬
‫[ان ظر ن صه في ك تب الشي عة‪ :‬الكلي ني‪ ،‬الكا في‪ ،528 ،1/527 :‬الف يض الكاشا ني‪ /‬الوا في‪ ،‬أبواب العهود بالح جج‬
‫والنصـوص عليهـم صـلوات ال وسـلمه‪ ،‬المجلد الول‪ ،2/72 :‬وان ظر‪ :‬الطبرسـي‪ /‬الحتجاج‪ ،87-1/84 :‬وابـن‬
‫بابويـه القمـي‪ /‬إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ ،304-301‬الطبرسـي (صـاحب مجمـع البيان)‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪،152‬‬
‫الكراجكي‪ /‬الستنصار‪ :‬ص ‪.].18‬‬

‫د ـ دعواهم نزول اثنتي عشرة صحيفة من السماء تتضمن صفات الئمة‪:‬‬

‫في حديث طويل من أحاديثهم – يرويه صدوقهم ابن بابويه القمي – أن رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم قال – ك ما يفترون ‪" :-‬إن ال تبارك وتعالى أنزل عل يّ اث ني ع شر خاتمًا‪ ،‬واث ني‬
‫[ا بن بابو يه الق مي‪ /‬إكمال الد ين ص‬ ‫ع شر صحيفة‪ ،‬ا سم كل إمام على خات مه و صفته في صحيفته"‬
‫‪.].263‬‬

‫[وهناك ك تب أخرى غ ير ما ذ كر‪ :‬ك صحيفة فاط مة‪ ..‬و هي ك ما يزعمون‬ ‫ومزاعم هم في هذا الباب كثيرة‬
‫"صحيفة بيضاء من درة‪ ..‬فيها أسماء الئمة" ومحظور لمسها على سائر الناس "قد نهي أن يمسها إل يمسها إل نبي‬
‫أو وصي نبي أو أهل بيت نبي" ثم ذكروا بعض نصوصها ومنها "أبو القاسم محمد بن عبد ال المصطفى أمه آمنة‪،‬‬
‫أ بو الح سن علي بن أ بي طالب المرت ضى أ مه فاط مة ب نت أ سد‪ "...‬ثم ذ كر بق ية الث ني ع شر بذ كر ا سمه وا سم أ مه‬
‫(انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،194-36/193 :‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،178‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ص ‪.].)25 ،24‬‬

‫وهكذا يحاول القوم أن ي سلكوا كل وسيلة لت ثبيت معتقد هم في الئمة‪ ..‬ب عد أن زلزل دعوا هم‬
‫خلو كتاب ال سلم العظ يم "م ما يثبت ها" فراحوا يزعمون تنزل ك تب إله ية مع القرآن فكا نت هذه‬
‫الدعوى فضيحة تضاف لقائمة فضائحهم وأكاذيبهم‪.‬‬

‫صورة لحد الكتب المزعومة ص ‪.729‬‬


‫‪383‬‬
‫نقد هذه المقالة‪:‬‬

‫سمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُو سَى َأ ْك َبرَ‬


‫عَليْهِ مْ ِكتَابًا مّ نَ ال ّ‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬يَ سْأَُلكَ أَ ْهلُ ا ْل ِكتَا بِ أَن تُ َن ّزلَ َ‬
‫ظ ْل ِمهِمْ‪[ }..‬النساء‪ ،‬آية‪.].153 :‬‬
‫ج ْهرَةً َفأَخَ َذ ْتهُمُ الصّاعِ َق ُة بِ ُ‬
‫مِن َذلِكَ فَقَالُواْ َأ ِرنَا الّلهِ َ‬

‫ج ّن ٌة مّن‬
‫ض يَنبُوعًا‪َ ،‬أوْ تَكُو نَ لَ كَ َ‬
‫جرَ َلنَا مِ نَ ا َلرْ ِ‬
‫حتّى تَفْ ُ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬وَقَالُواْ لَن ّنؤْمِ نَ لَ كَ َ‬
‫عمْ تَ عَ َليْنَا كِ سَفًا َأ ْو َت ْأتِ يَ‬
‫سمَاء كَمَا زَ َ‬
‫جرَ ا َلنْهَارَ خِللَهَا تَفْجِيرًا‪َ ،‬أ ْو تُ سْقِطَ ال ّ‬
‫عنَ بٍ َفتُفَ ّ‬
‫نّخِيلٍ وَ ِ‬
‫سمَاء َولَن ّن ْؤمِ نَ ِلرُ ِقيّ كَ‬
‫خرُ فٍ َأوْ تَرْقَى فِي ال ّ‬
‫ت مّ ن زُ ْ‬
‫ك َبيْ ٌ‬
‫بِاللّ هِ وَا ْلمَلئِ َكةِ َقبِيلً ‪َ ،‬أوْ يَكُو نَ لَ َ‬
‫[السراء‪ ،‬آية‪.].93-90 :‬‬ ‫سبْحَانَ رَبّي َهلْ كُنتُ إَ ّل َبشَرًا رّسُولً‬
‫حتّى ُت َن ّزلَ عَ َل ْينَا ِكتَابًا نّ ْق َرؤُهُ ُقلْ ُ‬
‫َ‬

‫وقال سبحانه‪َ { :‬و َلوْ نَزّ ْلنَا عَ َليْكَ ِكتَابًا فِي ِقرْطَاسٍ فَ َلمَسُو ُه بِ َأيْدِيهِمْ لَقَالَ الّذِينَ كَ َفرُواْ ِإنْ هَـذَا‬
‫ح ٌر ّمبِينٌ} [النعام‪ ،‬آية‪.].7 :‬‬
‫إِلّ سِ ْ‬

‫فالذين طلبوا من الر سول صلى ال عليه و سلم صحيفة مكتوبة من ال سماء هم الكفار وأ هل‬
‫الكتاب‪ ..‬فلم يجابوا‪..‬‬

‫فأراد الكلي ني وأمثاله م من أشاع هذه الفر ية أن ي صوروا خ ير أ مة أخر جت للناس بأن هم أ شد‬
‫كفرًا مـن اليهود والذيـن كفروا؛ لنهـم أنزل عليهـم كتـب مـن السـماء فلم يؤمنوا أي لم يعرفوا‬
‫الئمة الثني عشر‪.‬‬

‫وال ية صريحة في بطلن ما يد عي هؤلء الروا فض‪ ،‬إذ لو كان ش يء من دعاوي الشي عة‬
‫واقعًا لشارت إل يه اليات‪ ،‬ولم تن كر على هؤلء دعوا هم‪ ،‬أو لقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫لهم‪ :‬دونكم ما نزل على فاطمة‪ ،‬أو ما نزل عل يّ‪ ،‬أو ما سينزل على الئمة‪ ،‬ولكن شيئًا من ذلك‬
‫لم يحدث فما أجرأ هؤلء على الكذب المكشوف‪.‬‬

‫ولماذا تنقـل المـة القرآن والسـنة‪ ..‬وتترك هذه الكتـب المزعومـة لينفرد بنقلهـا هؤلء؟ ول‬
‫يعرف أ حد من ال مة ول علماء التار يخ‪ ،‬ول أ هل الديان شيئًا عن أ مر هذه "الك تب"؟ وك يف‬
‫تختلف الشيعة في أمر تعيين المام إلى عشرات الفرق وعندها هذه الصحف المنزلة؟‬

‫و قد وق فت على نص عند هم جاء في الكا في‪ ،‬ينا قض هذه الدعوى و هو عن أ بي ع بد ال –‬


‫الذي يفترون عليه كل تلك الفتراءات – قال‪" :‬إن ال عز ذكره ختم بنبيكم النبيين فل نبي بعده‬
‫أبدًا‪ ،‬وختم بكتابكم الكتب فل كتاب بعده أبدًا‪ ،‬وأنزل فيه تبيان كل شيء وخلقكم وخلق السماوات‬

‫‪384‬‬
‫والرض ون بأ ما قبل كم وف صل ما بينكم و خبر ما بعد كم وأمر الج نة والنار و ما أن تم صائرون‬
‫إل يه" [ صحيح الكا في‪ ،1/31 :‬أو أ صول الكا في‪ ،1/269 :‬وان ظر‪ :‬مفتاح الك تب الرب عة‪ ].65-8/64 :‬وهذا‬
‫نص ل يحتاج إلى تعليق فهو يكذب كل هذه الدعاوى وينفي وقوعها نفيًا قاطعًا‪.‬‬

‫و في حد يث آ خر عند هم قال الر ضا‪" :‬شري عة مح مد صلى ال عل يه و سلم ل تن سخ إلى يوم‬


‫[بحار‬ ‫القيامة‪ ،‬فمن ادعى بعده نبوة‪ ،‬أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه"‬
‫النوار‪ ،79/221 :‬و ‪ ،35-11/34‬وعزاه إلى علل الشرائع لبن بابويه‪.].‬‬

‫ونحن هنا نخاطبهم بعقليتهم وإل فإن هذه المقالة يكفي في معرفة فسادها مجرد عرضها‪ ،‬وإن‬
‫إجماع ال مة قائم على أ نه ل كتاب إل كتاب ال سبحانه‪ ،‬و كل من اد عى أ نه عنده كتاب إل هي‬
‫فهو كاذب زنديق‪.‬‬

‫شيْءٍ‬
‫َابـ ِتبْيَانًا لّ ُكلّ َ‬
‫ْكـ الْ ِكت َ‬
‫ومـا الحاجـة لنزول هذه الكتـب وال سـبحانه يقول‪َ { :‬ونَزّلْنَا عَ َلي َ‬
‫ن ِيهْدِي ِللّتِي هِ يَ أَ ْقوَ مُ}‬
‫حمَةً َو ُبشْرَى ِل ْلمُ سْ ِلمِينَ} [الن حل‪ ،‬آ ية‪{ ،].89 :‬إِنّ هَ ـذَا الْ ُقرْآ َ‬
‫وَهُدًى َورَ ْ‬
‫[السراء‪ :‬آية‪.].9 :‬‬

‫وأ ين هذه الم صاحف وال صحف اليوم‪ ،‬و هل ل ها من أ ثر‪ ،‬و ما فائدة خزن ها ع ند المنت ظر‪..‬‬
‫ولكن يبدو أن منهدسي بناء التشيع وضعوا أمثال هذه الروايات خوفًا من أن يفقد المذهب أتباعه‬
‫لعدم وجود ما يشهد له من كتاب ال‪ .‬كما كان لهم هدف أبعد من ذلك وهو الكيد للمة ودينها‪،‬‬
‫والخذ بالشيعة بعيدًا عن المسلمين لتستقل بكتبها عن كتاب ال‪.‬‬

‫و من الغر يب أن من شيوخ الشيعة القدا مى والمعاصرين من أن كر ما ين سب لمذهب الشي عة‬


‫الثني عشرية من القول بالتحريف‪ ،‬وعدّ رواياتهم وإن كثرت من قبيل الساطير التي تسربت‬
‫للمذ هب‪ ...‬ول كن لم يقفوا ن فس المو قف – في حدود اطلعي – من هذه الفرية ال تي تولى كبر‬
‫إشاعتهـا الكلينـي وأضرابـه‪ ،‬فقـد أغمـض عنهـا شيوخ الشيعـة‪ ،‬وهـي قـد ل تقـل خطورة عـن‬
‫"الدعوى" الولى بل إن ابن بابويه‪ ،‬والطبرسي وهما ممن أنكر "أسطورة التحريف" قد شاركا‬
‫في إشاعة هذه "الضللة"‪ ...‬فهل لن الولى عرفها المسلمون عن الشيعة‪ ،‬والخرى كانت غير‬
‫معروفة؟!‬

‫وهذه الدعوة تتضمـن أمورًا في غا ية الخطورة منهـا‪ :‬أن الو حي لم ينقطـع والنبوة لم تخ تم‪،‬‬
‫وأن الئ مة بمنزلة ال نبياء أو أع ظم‪ ،‬ف هم تنزل علي هم الك تب المتعددة من ال سماء‪ ،‬وهذا ما لم‬

‫‪385‬‬
‫يتح قق للر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ومن ها تضل يل ال صحابة وال مة جميعًا بأن ها ردت الك تب‬
‫المنزلة‪.‬‬

‫وهذه الدعوى إحدى المعالم الواضحـة على أن هذا المذهـب قـد ابتلي بشرذمـة مـن الكذابيـن‬
‫الذ ين ل يتورعون عن أي كذب‪ ،‬ف هم كذبوا على ر سول ال بو ضع الحاد يث‪ ،‬وكذبوا على ال‬
‫سبحانه بوضع هذه "الكتب"!!‬

‫وإنما يفتري الكذب على ال الذين ل يؤمنون‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬دعواهم بأن جميع الكتب السماوية عند الئمة‪:‬‬

‫تد عي الشي عة بأن ع ند الئ مة الث ني ع شر كل كتاب نزل من ال سماء وأن هم يقرؤون ها على‬
‫اختلف لغات ها‪ ،‬وع قد صاحب الكا في بابًا لهذا الموضوع بعنوان‪" :‬باب أن الئ مة عند هم جم يع‬
‫[أ صول الكا في‪:‬‬ ‫الك تب ال تي نزلت من ع ند ال عز و جل وأن هم يعرفون ها على اختلف أل سنتها"‬
‫‪ .].1/227‬وضمنه طائفة من رواياتهم‪ .‬ومثله فعل صاحب البحر فذكر بابًا بعنوان‪" :‬باب في أنّ‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫عندهم صلوات ال عليهم كتب النبياء عليهم ال سّلم يقرؤونها على اختلف لغاتها"‬
‫‪ ].26/180‬وذكر في هذا الباب (‪ )27‬حديثًا من أحاديثهم‪.‬‬

‫[أصول الكافي (مع‬ ‫تقول هذه الروايات عن الئمة‪" :‬كل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم"‬
‫[أصول الكافي (مع شرح‬ ‫شرح جامع للمازندراني)‪" ،].5/355 :‬إن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى"‬
‫[أصول‬ ‫جامع للمازندراني)‪" ،].5/354 :‬إن عندنا علم التوراة والنجيل والزبور وبيان ما في اللواح"‬
‫الكافي (مع شرح جامع للمازندراني)‪ .].5/354 :‬وتأتي رواية أخرى تفسر المراد باللواح وأنها ألواح‬
‫موسى‪ ،‬وتصف هذه اللواح بأنها زبرجدة من الجنة وفيها تبيان كل شيء هو كائن إلى أن تقوم‬
‫الساعة‪ ،‬وأنها مكتوبة بالعبرانية وأن الرسول صلى ال عليه وسلم دفعها إلي أمير المؤمنين علي‬
‫وقال‪" :‬دونك هذه ففيها علم الولين والخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها‬
‫إليك‪ .‬قال يا رسول ال لست أحسن قراءتها‪ ،‬قال‪ :‬إن جبرائيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت‬
‫رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قراءتها قال‪ :‬فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه ال‬
‫كل شيء فيها فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ينسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر‬
‫وفيه علم الولين والخرين‪ ،‬وهو عندنا" [بحار النوار‪.].188-26/187 :‬‬
‫وإذا كانت هذه الرواية تحدد مضمون الجفر بأنه (ألواح موسى)‪ ،‬فإن رواية أخرى لهم تخرج‬
‫عن هذا التحديد وتقول بأن أبا عبد ال قال‪" :‬إنّ عندي الجفر البيض‪ ..‬فيه‪ :‬زبور داود‪ ،‬وتوراة‬

‫‪386‬‬
‫موسى‪ ،‬وإنجيل عيسى‪ ،‬وصحف إبراهيم‪ ،‬والحلل والحرام‪ ،‬ومصحف فاطمة‪ .‬ما أزعم أنّ فيه‬
‫قرآنًا وفيه ما يحتاج النّاس إلينا ول نحتاج إلى أحد‪ ،‬حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة‬
‫وأرش الخدش" [أصول الكافي‪.].1/340 :‬‬
‫وكأن شارح الكافي استكثر أن يكون كل ذلك مكتوبًا في الجفر الذي هو جلد شاة – كما‬
‫تفسره الرواية السابقة – فقال‪" :‬الظاهر أن الجفر وعاء فيه هذه الصحف ل أنها مكتوبة فيه"‬
‫[شرح جامع‪ /‬للمازندراني‪ .].5/389 :‬في حين أن صريح الرواية السابقة يخالف هذا حيث نصت على‬
‫أن عليًا (نسخها في جلد شاة)‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن جلد الشاة يستحيل أن يستوعب كل هذه الكتب‪ ،‬والتي يتضمن أحدها وهو‬
‫ألواح موسى‪ ،‬علم الولين والخرين‪ ،‬وهذا يكشف أن هذه الدعاوي من وضع جاهل ل يحسن‬
‫أن يضع‪.‬‬
‫وكل عاقل يدرك أن لو كان عند الئمة علم الولين والخرين لتغير وجه التاريخ‪.‬‬
‫والزعم بأن عند الئمة الكتب السماوية كلها لم يأخذ الشك النظري فحسب‪ ،‬بل تجاوز ذلك‬
‫إلى محيط العمل‪ ،‬فها هو أبو الحسن – بزعمهم – يقرأ النجيل أمام نصراني يقال له بريه‬
‫فيقول هذا النصراني بعد سماعه لقراءة إنجيله عن المام‪ :‬إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة‪ ،‬ثم‬
‫إن النصراني – كما تقول الرواية – آمن وحسن إسلمه‪ .‬وقال للمام‪" :‬أنى لكم التوراة‬
‫والنجيل وكتب النبياء؟ فقال‪ :‬هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها‪ ،‬ونقولها كما‬
‫[أصول الكافي (مع شرح‬ ‫قالوا‪ :‬إن ال ل يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول ل أدري"‬
‫جامع)‪ ،5/359 :‬بحار النوار‪ ،182 ،26/181 :‬التوحيد للصدوق‪ :‬ص ‪.].288-286‬‬
‫فيؤخذ من هذه الرواية أن الئمة يقرؤون التوراة والنجيل وغيرهما‪ ،‬كما قرأها النبياء‪،‬‬
‫حتى يجدوا ما يجيبون فيه على أسئلة الناس‪.‬‬
‫بل المر تعدى مجرد القراءة والفتوى إلى مجال الحكم والقضاء‪ ،‬ووضع صاحب الكافي لهذا‬
‫بابًا بعنوان‪" :‬باب في الئمة أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ول يسألون البينة‬
‫عليهم السلم" [أصول الكافي‪.].1/393 :‬‬
‫ومن الروايات التي ذكرها في هذا الباب‪ .." :‬عن جعيد الهمداني عن علي بن الحسن رضي‬
‫ال عنه قال‪ :‬سألته بأي حكم تحكمون؟ قال‪ :‬حكم آل داود فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس"‬
‫[أصول الكافي‪ :‬ص‪.].398/‬‬
‫وترد عندهم نصوص كثيرة تقول بأن مهديهم المنتظر يحكم بحكم آل داود ول يسأل بينة‬
‫[أصول الكافي‪ 1/398 :‬وما بعدها‪ ،].‬ويذكرون جملة من الحكام التي يحكم بها مهديهم بموجب شريعته‬
‫‪387‬‬
‫الخاصة مثل "كونه ل يقبل الجزية من أهل الكتاب‪ ،‬ويقتل كل من بلغ عشرين سنة ولم يتفقه في‬
‫[انظر‪ :‬الشعراني‪ /‬تعاليق علمية (على شرح‬ ‫الدين‪ ،‬وأنه ل يقبل البينة‪ ،‬ويحكم بحكم آل داود وأمثالها"‬
‫الكافي للمازندراني)‪ .].6/393 :‬كما سيأتي – إن شاء ال – تفصيله في عقيدتهم في المهدي المنتظر‪.‬‬
‫وجاءت عندهم عدة روايات تذكر بأن عليًا يقول‪ :‬لو تمكنت من المر لحكمت لكل طائفة‬
‫بكتابها [توجد هذه الروايات في البحار‪ 26/180 :‬وما بعدها‪ 40/136 ،‬وما بعدها‪ ،].‬فمن هذه الروايات‪ :‬زعمهم‬
‫[قال المجلسي‪ :‬ثني الوسادة عبارة عن التمكن في المر ونفاذ الحكم‪.‬‬ ‫أن عليًا قال‪" :‬لو ثنيت لي وسادة"‬
‫[قال المجلسي‪ :‬ذكر ابن صوحان‬ ‫(البحار‪ ،].)40/137 :‬أو "لو ثنى الناس لي وسادة كما ثني لبن صوحان‬
‫في الخبر غريب‪ ،‬ولعله كان ابن أبي سفيان‪ ،‬وعلى تقديره كأن المراد به لو كان لي بين أصحابي نفاذ أمر وقبول‬
‫حكم كنفاذ أمر ابن صوحان (البحار‪ ].)26/182 :‬لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة‪ ،‬ولحكمت بين أهل‬
‫[البحار‪:‬‬ ‫النجيل بالنجيل ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور‪ ،‬ولحكمت بين أهل الفرقان بالفرقان"‬
‫‪.].26/182‬‬
‫نقد هذه المقالة‪:‬‬
‫بعث ال محمدًا صلى ال عليه وسلم إلى جميع الثقلين‪ ،‬وختم به النبوات‪ ،‬ونسخ برسالته‬
‫[آل‬ ‫سرِينَ}‬
‫خرَ ِة مِنَ الْخَا ِ‬
‫لمِ دِينًا َفلَن يُ ْق َب َل مِ ْنهُ وَ ُهوَ فِي ال ِ‬
‫غ ْيرَ ا ِلسْ َ‬
‫سائر الرسالت { َومَن يَ ْبتَغِ َ‬
‫[شرح‬ ‫عمران‪ :‬آية‪" .].85 :‬ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه صلى ال عليه وسلم"‬
‫الطحاوية‪ :‬ص ‪" ].513‬وإذا نزل عيسى عليه السلم إلى الرض فإنما يحكم بشريعة محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،4/316 :‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪ .].513‬فقد نسخ ال سبحانه بكتابه‬
‫ن يَ َد ْيهِ مِنَ الْ ِكتَابِ‬
‫ق ُمصَدّقًا ّلمَا َبيْ َ‬
‫ب بِالْحَ ّ‬
‫الكتب السماوية كلها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَأَنزَ ْلنَا إِ َليْكَ ا ْل ِكتَا َ‬
‫ك مِنَ ا ْلحَقّ ِل ُكلّ جَ َع ْلنَا‬
‫عمّا جَاء َ‬
‫َومُ َه ْيمِنًا عَ َل ْيهِ فَاحْكُم بَ ْي َنهُم ِبمَا أَن َزلَ الّلهُ وَ َل َتتّبِعْ أَ ْهوَاء ُهمْ َ‬
‫حدَةً وَلَـكِن ّل َيبُْلوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْ َتبِقُوا‬
‫عةً َو ِم ْنهَاجًا وَ َلوْ شَاء الّلهُ َلجَعَ َلكُمْ ُأمّةً وَا ِ‬
‫شرْ َ‬
‫مِن ُكمْ ِ‬
‫ختَلِفُونَ‪ ،‬وَأَنِ احْكُم َبيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ الّلهُ‬
‫جمِيعًا َف ُينَ ّبئُكُم ِبمَا كُنتُمْ فِي ِه تَ ْ‬
‫خ ْيرَاتِ ِإلَى ال مَرْجِ ُعكُمْ َ‬
‫ال َ‬
‫ح َذرْهُمْ أَن يَ ْفتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَن َزلَ الّلهُ ِإَليْكَ‪[ }..‬المائدة‪ ،‬آية ‪.].49-48‬‬
‫وَ َل َتتّبِعْ أَ ْهوَاء ُهمْ وَا ْ‬
‫حكُم َبيْ َنهُم ِبمَا أَن َزلَ الّلهُ}‪" :‬وهذا أمر من ال تعالى لنبيه‬
‫قال ابن جرير في قوله سبحانه‪{ :‬فَا ْ‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهل الملل بكتابه‬
‫الذي أنزله إليه وهو القرآن الذي خصه بشريعته‪ ،‬فال سبحانه أنزل القرآن مصدقًا ما بين يديه‬
‫[تفسير ابن‬ ‫من الكتب ومهيمنًا عليه‪ ،‬رقيبًا على ما قبله من سائر الكتب قبله صلى ال عليه وسلم‬
‫جرير الطبري‪ ،269-6/268 :‬وانظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].19/218 :‬‬

‫‪388‬‬
‫وكتب الشيعة تقول بأن الئمة يحكمون بحكم آل داود‪ ،‬ويحكمون لكل أصحاب دين بكتابه‪،‬‬
‫فهل هذا خروج عن شريعة السلم‪ ،‬أو دعوة إلى وحدة الديان؟! وقد يكون هذا من الدلة على‬
‫أن التشيع مأوى النحل والديان‪ ،‬وكل صاحب دين يجد فيه بغيته‪ ،‬وينفث من خلله سمومه‬
‫على السلم‪.‬‬
‫أما قول الشيعة بأن كتب النبياء عند أئمتهم فهذا ما ل يملكون عليه دليلً سوى دعاوى ل‬
‫يصدقها الواقع‪ ،‬كيف والمصطفى صلى ال عليه وسلم ل يملك ذلك‪ ،‬كما يدل على ذلك ما جاء‬
‫في الصحيحين وغيرهما‪" :‬إن اليهود جاءوا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكروا له أن‬
‫رجلً منهم وامرأة زنيا‪ :‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما تجدون في التوراة في‬
‫شأن الرجم؟ فقالوا‪ :‬نفضحهم ويجدلون‪ .‬فقال عبد ال بن سلم‪ :‬كذبتم‪ ،‬إن فيها الرجم‪ .‬فأتوا‬
‫بالتوراة فنشروها‪ ،‬فوضع أحدهم يده على آية الرجم‪ ،‬فقرأ ما قبلها وما بعدها‪ .‬فقال له عبد ال‬
‫بن سلم‪ :‬ارفع يدك‪ ،‬فرفع يده‪ ،‬فإذا فيها آية الرجم‪ ،‬فقال‪ :‬صدق يا محمد‪ ،‬فيها آية الرجم‪ .‬فأمر‬
‫[أخرجه البخاري (مع الفتح) في كتاب المناقب‪ ،‬باب قول ال‬ ‫بهما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجما"‬
‫(ح ‪ )3635‬وفي مواضع أخرى‪ ،‬وأخرجه‬ ‫‪ ]146‬ج‪ ‍6‬ص ‪631‬‬ ‫تعالى‪{ :‬يَ ْعرِفُونَهُ كَمَا يَ ْعرِفُونَ َأ ْبنَاءهُمُ‪[ }...‬البقرة‪ ،‬آية‪:‬‬
‫بهذا المعنى مسلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب رجم اليهوديين‪( ،4/593 :‬ح ‪ ،)4446‬وابن ماجه في الحدود‪ ،‬باب رجم اليهودي‬
‫(ح ‪ ،)2558‬ومالك في الموطأ‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب ما جاء في الرجم‪ ،2/819 :‬وأحمد‪،2/5 :‬‬ ‫‪855-2/854‬‬ ‫واليهودية‪:‬‬
‫والشافعي في الرسالة فقرة ‪ ،692‬بتحقيق أحمد شاكر‪.].‬‬
‫قال أهل العلم‪" :‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما تجدون في التوراة في شأن الرجم" يحتمل أن‬
‫يكون قد علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع‪ ...‬ويحتمل أن يكون علم بذلك‬
‫بخبر عبد ال بن سلم ومن أسلم من علماء اليهود على وجه حصل له به العلم بصحة ما نقلوه‪،‬‬
‫[الباجي‪/‬‬ ‫ويحتمل أن يسألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يستعلم صحة ذلك من قبل ال تعالى"‬
‫المنتقي‪ ،7/133 :‬فتح الباري‪ ،12/168 :‬عون المعبد‪.].12/131 :‬‬
‫ولم يذكروا احتمال أن تكون التوراة موجودة عنده بل هذا من بدع الشيعة‪ ..‬ولو كان المر‬
‫على ما زعمت كتب الشيعة لظهر التوراة الموجودة عنده ولم يأمرهم بالتيان بها‪ ،‬لو لطلبها‬
‫من ابن أخيه علي‪.‬‬
‫وأمر آخر وهو أن الشيعة تزعم أن الكتب السماوية السابقة والموجودة عند الئمة لم تصل‬
‫إليها يد التحريف والتبديل‪.‬‬
‫وقد بين ال سبحانه لنا أهل الكتاب حرفوا الكلم عن مواضعه ومن بعد مواضعه‪ ،‬وأنهم نسوا‬
‫حظًا مما ذكروا به‪ ،‬وإنما أوتوا نصيبًا من الكتاب؛ إذ نسوا نصيبًا آخر وأضاعوه‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫ولما خرجت أمة القرآن من المية وعرفوا تاريخ أهل الكتاب ظهر لهم أن اليهود فقدوا‬
‫التوراة التي كتبها موسى ثم لم يجدوها‪ ،‬وإنما كتب لهم بعض علمائهم ما حفظوه منها ممزوجًا‬
‫مما ليس منها‪ ،‬والتوراة التي بين أيديهم تثبت ذلك [تفسير المنار‪.].6/396 :‬‬
‫"وأما الناجيل فالضطراب فيها أعظم منه في التوراة‪ ،‬ونسخ الزبور يخالف بعضها بعضًا‬
‫مخالفة كثيرة في كثير من اللفاظ والمعاني‪ ،‬ويقطع من رآها أن كثيرًا منها كذب على زبور‬
‫داود عليه السلم" [ابن تيمية‪ /‬دقائق التفسير‪.].3/58 :‬‬
‫ولسنا في مقام دراسة هذه المسألة وبسطها‪ ،‬وإنما الغرض الشارة إلى نتيجة الدراسات التي‬
‫قامت حول الكتب السابقة والتي تقول بأنه لم يبق منها كتاب على ما أنزل لم يصل إليه‬
‫تحريف‪ ..‬إل أن كتب الشيعة تدعي أن عندها هذه الكتب وغيرها من الكتب السماوية لم ينلها‬
‫تغيير‪ ..‬ولو كان عند الئمة الكتب الصلية غير المحرفة لكان واجب المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر يحتم عليهم أن يواجهوا بها اليهود والنصارى ليردوهم إلى الحق وليظهروا ما فيها‬
‫من الخبار من ظهور النبي صلى ال عليه وسلم ووجوب اتباعه‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لرجع أكثر‬
‫اليهود والنصارى عن كفرهم ولنقل ذلك واشتهر‪.‬‬
‫ولعل من سمع هذه الدعوى يسأل‪ :‬أين هذه الكتب السماوية‪ ،‬في أي مكان توجد وعند من؟‬
‫وما الهدف من وجودها عند أئمتهم؟ هل ليكملوا بها شريعة السلم؟!‬
‫ولم لم يحتجوا بها على تحريف أهل الكتاب ويقيموا الحجة عليهم؟ هل هذا تقصير منهم؟‬
‫هذه أسئلة ل جواب عليها يرتضى‪ ،‬لنها تدور على أسطورة ل حقيقة لها‪ ..‬وليست هذه‬
‫الدعوى بغريبة على قوم ادعوا لئمتهم كل شيء‪ ..‬ولكن الغريب أن تجد من يصدق بها في‬
‫عالم اليوم‪.‬‬
‫ولذلك فإن الشيعة تقول في كل وهم من هذه الوهام – أعني الكتب السرية والمصاحف‬
‫السماوية ومواريث النبياء‪ ..‬إلخ ‪ :-‬إن مستقرها ومستودعها عند الغائب الموهوم المهدي‬
‫المنتظر [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].1/221 :‬فتعلق أتباعهم بهذا السراب الخادع أساطير يتبع بعضها‬
‫بعضًا‪.‬‬
‫اليمان بالرسل‪:‬‬
‫[بل قالوا‪:‬‬ ‫وضلل الشيعة في هذا الركن يتمثل في عقائد متعددة كقولهم بأن الئمّة يُوحى إليهم‬
‫"إنّ الئمّة عليهم السّلم ل يتكلّمون إل بالوحي" (بحار النوار‪ ،].)54/237 ،17/155 :‬كما سبق إثباته في "فصل‬
‫السنة"‪ ،‬وفي مسألة اليمان بالكتب‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫وكقولهم بعصمة الئمة‪ ،‬وضرورة اتباع قولهم [انظر فصل العصمة‪ ،].‬فهم أعطوهم بهذا معنى‬
‫النبوة‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬فمن جعل بعد الرسول معصومًا يجب اليمان بكل ما‬
‫يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها" [منهاج السنة‪.].3/174 :‬‬
‫وبالغوا في الضللة حينما زعموا أن النبياء عليهم السلم هم أتباع لعلي‪ ،‬وأن منهم من‬
‫عوقب لرفضه ولية علي‪ ،‬حتى جاء في أخبارهم "عن حبّة العرني قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السّلم‪ :‬إنّ ال عرض وليتي على أهل السّماوات وأهل الرض أقرّ بها من أقرّ‪ ،‬وأنكرها‬
‫[بحار النوار‪ ،26/282 :‬بصائر‬ ‫من أنكر‪ ،‬أنكرها يونس فحبسه ال في بطن الحوت حتى أقرّ بها"‬
‫الدّرجات‪ :‬ص ‪.].22‬‬
‫ولهم في هذا المعنى روايات كثيرة [ذكرها المجلسي في "باب تفضيلهم على النبياء" ‪.].319-26/267‬‬
‫من هنا قرروا‪ :‬بأن الئمة هم أفضل من النبياء‪ ،‬وأن الئمة جاءوا بالمعجزات لقامة الحجة‬
‫على الخلق أجمعين‪ .‬وسأعرض لهاتين المسألتين بشيء من التفصيل في الصفحات التالية‪.‬‬

‫تفضيلهم الئمة على النبياء والرسل‪:‬‬


‫الرّسل أفضل البشر وأحقّهم بالرّسالة؛ حيث أعدّهم ال تعالى لكمال العبوديّة والتّبليغ والدّعوة‬
‫ث يَجْ َعلُ ِرسَا َلتَهُ} [النعام‪ ،‬آية‪ ،].124:‬فهم قد امتازوا "برتبة الرّسالة عن‬
‫حيْ ُ‬
‫والجهاد {الّلهُ َأعْلَمُ َ‬
‫سائر النّاس" [الحليمي‪ /‬المنهاج في شعب اليمان‪.].1/238 :‬‬
‫ع بِِإذْنِ الّلهِ}‬
‫وقد أوجب ال على الخلق متابعتهم‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن ّرسُولٍ ِإلّ ِليُطَا َ‬
‫سنّة‪" :‬ول‬
‫[النّساء‪ ،‬آية‪ .].64 :‬ول يفضل أحد من البشر عليهم‪ .‬قال الطّحّاوي في بيان اعتقاد أهل ال ّ‬
‫نفضّل أحدًا من الولياء على أحد من النبياء عليهم السّلم ونقول‪ :‬نبي واحد أفضل من جميع‬
‫[انظر‪ :‬العقيدة الطّحاويّة (مع شرح علي بن أبي العزّ) ص ‪ ،493‬قال الشّيخ ابن أبي العزّ‪" :‬ويشير الشّيخ‬ ‫الولياء"‬
‫إلى الرّ ّد إلى التّحاديّة وجهلة المتصوّفة" (شرح الطّحاويّة ص ‪ ،)493‬واللّقاء والتّشابه بين الصّوفيّة والرّافضة كثير‪.].‬‬
‫وتفضيل الئمة على النبياء هو مذهب غلة الروافض‪ ،‬كما نبه على ذلك عبد القاهر‬
‫البغدادي [البغدادي‪ /‬أصول الدين‪ :‬ص ‪ ،].298‬والقاضي عياض [القاضي عياض‪ /‬الشفاء‪ :‬ص ‪ ،].1078‬وشيخ‬
‫السلم ابن تيمية [ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪.].1/177 :‬‬
‫وقد ذكر المام محمد بن عبد الوهاب أن "من اعتقد في غير النبياء كونه أفضل منهم‬
‫[رسالة في الرد على‬ ‫ومساويًا لهم فقد كفر"‪ ،‬وقد نقل الجماع على ذلك غير واحد من العلماء‬
‫الرافضة‪ :‬ص ‪ .].29‬ولذلك قال القاضي عياض‪" :‬نقطع بتفكير غلة الرّافضة في قولهم‪ :‬إنّ الئمّة‬
‫أفضل من النبياء" [الشّفا‪ :‬ص ‪ .].1078‬وهذا المذهب بعينه قد غدا من أصول الثني عشرية‪ ،‬فقد‬

‫‪391‬‬
‫ن تفضيل الئمّة الثني عشر على النبياء من أصول مذهب الشّيعة التي‬
‫قرّر صاحب الوسائل أ ّ‬
‫[انظر‪ :‬الفصول المهمّة في أصول الئمّة "باب أنّ النّبيّ والئمّة الثني عشر – عليهم السّلم – أفضل‬ ‫نسبها للئمّة‬
‫من سائر المخلوقات من النبياء والوصياء السّابقين والملئكة وغيرهم"‪ :‬ص ‪ ،].151‬وقال بأن الروايات عندهم‬
‫في ذلك أكثر من أن تحصى [انظر‪ :‬الفصول المهمّة في أصول الئمّة‪ :‬ص ‪ ،].154‬وفي بحار النوار‬
‫للمجلسي عقد بابًا بعنوان "باب تفضيلهم عليهم السّلم على النبياء وعلى جميع الخلق وأخذ‬
‫ن أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم‬
‫ميثاقهم عنهم وعن الملئكة وعن سائر الخلق‪ ،‬وأ ّ‬
‫صلوات ال عليهم" [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].26/267 :‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار‬ ‫واستشهد لهذا الصل بثمانية وثمانين حديثًا من أحاديثهم المنسوبة للثني عشر‬
‫النوار‪ .].26/267 :‬وقال‪" :‬والخبار – يعني أخبارهم – في ذلك أكثر من أن تحصى وإنما أوردنا‬
‫في هذا الباب قليلً منها وهي متفرقة في البواب لسيما باب صفات النبياء وأصنافهم عليهم‬
‫السلم‪ ،‬وباب أنهم عليهم السلم كلمة ال‪ ،‬وباب بدو أنوارهم‪ ،‬وباب أنهم أعلم من النبياء‪،‬‬
‫وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة صلوات ال عليهما" [بحار النوار‪.].298-26/297 :‬‬
‫وقد قرّر شيخهم ابن بابويه في اعتقاداته التي تسمّى دين الشّيعة الماميّة هذا المبدأ عندهم‬
‫فقال‪" :‬يجب أن يعتقد أنّ ال عزّ وجلّ لم يخلق خلقًا أفضل من محمّد صلى ال عليه وسلم‬
‫والئمّة‪ ،‬وأنّهم أحبّ الخلق إلى ال عزّ وجلّ وأكرمهم وأوّلهم إقرارًا به ِلمَا أخذ ال ميثاق‬
‫النّبيّين في الذّر‪ ،‬وأنّ ال تعالى أعطى كلّ نبيّ على قدر معرفته نبيّنا صلى ال عليه وسلم‬
‫وسبقه إلى القرار به‪ ،‬ويعتقد أنّ ال تعالى خلق جميع ما خلق له ولهل بيته عليهم السّلم وأنّه‬
‫لولهم ما خلق السّماء ول الرض ول الجنّة ول النّار ول آدم ول حوّاء ول الملئكة ول شيئًا‬
‫ممّا خلق صلوات ال عليهم أجمعين" [اعتقادات ابن بابويه‪ :‬ص ‪.].107-106‬‬
‫وقد نقل صاحب البحار هذا النّصّ وعقّب عليه بقوله‪" :‬اعلم أنّ ما ذكره رحمه ال من فضل‬
‫نبيّنا وأئمّتنا صلوات ال عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمّتنا أفضل من سائل النبياء هو‬
‫الذي ل يرتاب فيه من تتبّع أخبارهم عليهم السّلم على وجه الذعان واليقين‪ ،‬والخبار في ذلك‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫أكثر من أن تُحصى‪ ..‬وعليه عمدة الماميّة ول يأبى ذلك إل جاهل بالخبار"‬
‫‪.]298-26/297‬‬
‫[مثل كتاب تفضيل الئمّة على النبياء‪ ،‬وكتاب تفضيل‬ ‫وقد ألّف بعض شيوخهم في هذا المذهب مؤلّفات‬
‫علي عليه السّلم على أولي العزم من الرّسل (كلهما لشيخهم هاشم البحراني‪ ،‬المتوفّى سنة ‪ ،)1107‬وتفضيل الئمّة‬
‫على غير جدّهم من النبياء لشيخهم محمّد كاظم الهزار‪ ،‬وتفضيل أمير المؤمنين علي على من عدا خاتم النّبيّين‪/‬‬

‫‪392‬‬
‫لمحمّد باقر المجلسي (المتوفّى سنة ‪1111‬ه‍) ومن الظّريف أنّ أحد شيوخهم ألّف كتابًا بعنوان‪ « :‬تفضيل القائم‬
‫المهدي على سائر الئمّة » من تأليف فارسي يدعى فتحعلياشه (ت ‪1250‬ه‍)‪ ،‬وانظر‪ :‬الذّريعة ‪.].360-358 /4‬‬
‫وهذه المقالة هي التي يجاهر بها الخميني ومن يشايعه في هذا العصر كما قرّر ذلك في كتابه‬
‫الحكومة السلميّة – كما سيأتي – [في فصل دولة اليات من الباب الرّابع‪.].‬‬
‫وتعزو رواياتهم هذه الفضلية إلى أمور يرونها في الئمة مغرقة في الغلو والضلل تقشعر‬
‫من سماعها أبدان المؤمنين (وقد مر بعضها في فصلي اعتقادهم في توحيد اللوهية والربوبية)‪.‬‬
‫وليس الئمة أفضل من النبياء فحسب؛ بل ما استحق النبياء ما هم فيه من فضل – بزعمهم‬
‫– إل بسبب الولية ‪ .‬قال إمامهم "ما استوجب آدم أن يخلقه ال بيده وينفخ فيه من روحه إل‬
‫بولية علي عليه السّلم‪ ،‬وما كلّهم ال موسى تكليمًا إل بولية علي عليه السّلم‪ ،‬ول أقام ال‬
‫عيسى بن مريم آية للعالمين إل بالخضوع لعليّ عليه السّلم"‪ ،‬ثم قال‪ :‬أجمل المر ما استأهل‬
‫خلق من ال النّظر إليه إل بالعبوديّة لنا [الختصاص‪ :‬ص ‪ :250‬بحار النوار‪.].26/294 :‬‬
‫ولو ذهبت أنقل من أحاديث "بحارهم" وغيره من هذا "اللون" لستغرق ذلك صفحات طويلة‬
‫[انظر‪ :‬الكثير منها في الجزء السادس والعشرين من البحار‪ ،‬ول سيما "باب تفضيل الئمة على النبياء" ص‪-267:‬‬
‫‪ ،319‬وباب أن دعاء النبياء استجيب بالتوسل والستشفاع بهم صلوات ال عليهم أجمعين‪ :‬ص ‪ ،334-319‬من‬
‫نفس الجزء‪.].‬‬
‫ويبدو أن هذا هو المذهب الذي استقر عليه مذهب الثني عشرية عبر التغيرات والتطورات‬
‫[انظر‪ :‬نص كلمه‬ ‫التي تلحق المذهب‪ ،‬والذي أشار الممقاني إلى طبيعتها وهو التطور نحو الغلو‬
‫ص(‪ ،].)1104 ،394‬فإن الشيعة في هذه المسألة (أعني مسألة تفضيل النبياء على الئمة) كانوا‬
‫ثلث فرق – كما يقول الشعري ‪:-‬‬
‫فرقة‪ :‬يقولون بأن النبياء أفضل من الئمة‪ ،‬غير أن بعض هؤلء جوزوا أن يكون الئمة‬
‫أفضل من الملئكة‪.‬‬
‫والفرقة الثانية‪ :‬يزعمون أن الئمة أفضل من النبياء والملئكة‪.‬‬
‫والفرقة الثالثة‪ :‬وهم القائلون بالعتزال والمامة‪ ،‬يقولون‪ :‬إن الملئكة والنبياء أفضل من‬
‫الئمة [مقالت السلميين‪.].1/120 :‬‬
‫ويضيف المفيد في أوائل المقالت مذهبًا رابعًا لهم وهو أفضلية الئمة على سائر النبياء ما‬
‫عدا أولي العزم [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ .].43-42‬ثم ل يبوح بذكر المذهب الذي يعتمده من هذه‬
‫المذاهب بل يذكر توقفه للنظر في ذلك [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].43‬‬

‫‪393‬‬
‫ولكن يظهر أن كل هذه المذاهب تلشت بسعي شيوخ الدولة الصفوية ومن تبعهم واستقر‬
‫المذهب على الغلو في الئمة‪ ،‬حتى إن المجلسي يقول في عنوان الباب الذي عقده في بحاره‬
‫ن أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم صلوات ال عليهم" ول يستثني في‬
‫لهذا الغرض‪" :‬إ ّ‬
‫ذلك أحدًا من المرسلين‪ ،‬حتى نبيّنا محمّد صلى ال عليه وسلم [انظر‪ :‬ص(‪.].)615‬‬
‫وجاءت عندهم نصوص تعقد مقارنات بين رسول ال وعلي‪ ،‬وتنتهي بأن لعلي فضل التميز‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حيث شاركه علي في خصائصه‪ ،‬وانفرد علي بفضائل لم‬
‫يشاركه فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وعقد لهذه النصوص صاحب البحار بابًا بعنوان‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،39/89 :‬ومن أمثلة ذلك‬ ‫"باب قول الرسول لعلي‪ :‬أعطيت ثلثًا ما أعط" ‪ -‬كذا –‬
‫ما جاء في أخبارهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أعطيت ثلثًا وعلي مشاركي فيها‪ ،‬وأعطي علي ثلثًا‬
‫ولم أشاركه فيها‪ ،‬فقيل يا رسول ال‪ :‬وما هي الثلث التي شاركك فيها علي عليه السلم؟ قال‪ :‬لي لواء الحمد وعلي‬
‫حامله‪ ،‬والكوثر لي وعلي ساقيه‪ ،‬ولي الجنة والنار وعلي قسيمهما‪ ،‬وأما الثلث التي أعطيها علي ولم أشاركه فيها‬
‫فإنه أعطي ابن عم مثلي ولم أعط مثله‪ ،‬وأعطي زوجته فاطمة ولم أعط مثلها‪ ،‬وأعطي ولديه الحسن والحسين ولم‬
‫أعط مثلهما‪( .‬بحار النوار‪ ،39/90 :‬وانظر في هذا المعنى‪ :‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ص ‪ ،212‬مناقب آل أبي طالب‪:‬‬
‫‪.].)2/47‬‬
‫وقد جاء في الكافي والبحار وغيرهما نصوص كثيرة تقول بأن لعلي والئمة من الفضل‬
‫ووجوب الطاعة كرسول ال‪ ،‬ولكنها ما تلبث أن تنتقل بالقارئ إلى أن الئمة أفضل من رسول‬
‫ال‪ ،‬بل تذهب إلى القول بأن عليًا والئمة انفردوا بخصائص ل يشاركهم فيها أحد من الخلق‪،‬‬
‫وإذا تدبرت تلك الخصائص وجدت أنها من صفات الرب جل شأنه‪ ،‬وبحسبك أن تعرف أن من‬
‫هذه الوصاف التي يتنطع بها الروافض ما ينسبونه لعلي أنه قال‪" :‬لم يفتني ما سبقني ولم‬
‫يعزب عني ما غاب عني‪ ...‬إلخ" [أصول الكافي‪1/197 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬وقد ذكر جملة من أحاديثهم بهذا‬
‫المعنى المذكور‪ ،‬وانظر‪ :‬ص ‪ 624-623‬من هذه الرسالة‪ ،‬حيث سأذكر – إن شاء ال – بعض نصوص هذه‬
‫"الفرية" والمراجع الشيعية التي تناقلتها‪.].‬‬
‫فما أعظم افتراءهم على ال‪ ،‬وعلى دينه‪ ،‬وعلى نبيه‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأهل البيت‪ .‬ولقد أنكر أمير‬
‫المؤمنين علي – رضي ال عنه – تفضيله على الشيخين أبي بكر وعمر‪ ،‬وهدد من يتفوه بذلك‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة‪ ،4/137 :‬وروي ذلك عن علي بأسانيد جيدة (الفتاوى‪:‬‬ ‫بأنه سيجلده حد المفتري‬
‫‪ .].)28/475‬وتواتر عنه من ثمانين وجهًا أنه كان يقول على منبر الكوفة‪ :‬خير هذه المة بعد‬
‫[انظر‪ :‬تلخيص‬ ‫نبيها أبو بكر وعمر [منهاج السنة‪ .].138-4/137 :‬ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها‬
‫الشافي‪ ،2/428 :‬عن الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص ‪ ..].52‬فما حاله رضي ال عنه مع هذا الصنف الذي‬
‫يدعي التشيع له ويفضله على أنبياء ال؟ ل شك أن إنكاره عليهم أعظم وأشد‪ ،‬وقد قرر بعض‬
‫‪394‬‬
‫أهل العلم بأن من فضّل عليًا – فكيف ممن بعده – على نبي ال إبراهيم أو محمد فإنه أشد كفرًا‬
‫من اليهود والنصارى [منهاج السنة‪.].4/69 :‬‬
‫وقد روت كتب الشيعة أنه عندما قيل لمير المؤمنين‪ :‬أنت نبي‪ ،‬قال‪" :‬ويلك إنما أنا عبد من‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التوحيد‪ :‬ص ‪ ،175 ،174‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪،8/283 :‬‬ ‫عبيد محمد صلى ال عليه وسلم"‬
‫الطبرسي‪ /‬الحتجاج (انظر‪ :‬منهاج السنة‪ .].)4/69 :‬قال ابن بابويه‪ :‬يعني بذلك عبد طاعته ل غير ذلك‬
‫[التوحيد ص ‪.].175‬‬
‫ويحتمل أن هذا التجاه الغالي الذي استقر عليه المذهب الثني عشري كان من آثار فرقة من‬
‫[العلبائية‪:‬‬ ‫فرق الشيعة تذهب إلى تفضيل علي على محمد صلى ال عليه وسلم يقال لها العلبائية‬
‫من فرق الشيعة‪ ،‬وهم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسي‪ ،‬أو السدي‪ ،‬كان يفضل عليًا على النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وكان يقول بذم محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه‪.‬‬
‫(الملل والنحل‪ ،1/175 :‬وانظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،571‬إل أنه سماها‪ :‬العليائية‪ :‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪.].)25/305‬‬
‫وفي ظني أن عقيدة عصمة المام عندهم تؤدي إلى ظهور هذا المذهب وأمثاله؛ ذلك أنهم‬
‫يصفون الئمة بأوصاف ل يتصف بها أحد من أنبياء ال ورسله – كما سيأتي – وإن من يرجع‬
‫إلى كتاب ال سبحانه يجد أنه ليس لئمتهم الثني عشر ذكر‪ ،‬فضلً عن أن يقدموا على أنبياء‬
‫ال ورسله‪.‬‬
‫كما أنه يلحظ "أن النبياء لكونهم أرفع رتبة يقدمون بالذكر على غيرهم من صالحي عباد‬
‫شهَدَاء‬
‫ك مَعَ الّذِينَ َأنْ َعمَ الّلهُ عَ َل ْيهِم مّنَ ال ّنبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَال ّ‬
‫ال‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَُأ ْولَـئِ َ‬
‫وَالصّالِحِينَ} [النّساء‪ ،‬آية‪[ ].69 :‬مختصر الصّواقع‪ :‬ص ‪ .].187‬فرتب ال سبحانه عباده السعداء‬
‫المنعم عليهم أربع مراتب [مجموع فتاوى شيخ السلم‪" .].11/221 :‬وكتاب ال يدل في جميع آياته‬
‫على اصطفاء النبياء واختيارهم على جميع العالم" [مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].101‬‬
‫وقد أجمع أهل القرون الثلثة على تفضيل النبياء على من سواهم‪ ،‬وهذا الجماع حجة –‬
‫حتى عند الشيعة – لن فيهم الئمة [مختصر الصواقع‪ :‬ص ‪.].187-186‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬اتفق سلف المة وأئمتها وسائر أولياء ال تعالى على أن النبياء‬
‫أفضل من الولياء الذي ليسوا بأنبياء" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].11/221 :‬‬
‫والعقل يدل صريحًا على أن جعل النبي واجب الطاعة وجعله أمرًا وناهيًا وحاكمًا على‬
‫الطلق والمام نائبًا وتابعًا له ل يعقل بدون فضيلة النبي عليه‪ ،‬ولما كان هذا المعنى موجودًا‬

‫‪395‬‬
‫[مختصر‬ ‫في حق كل نبي مفقودًا في حق كل إمام لم يكن إمام أفضل من نبي أصلً‪ ،‬بل يستحيل‬
‫التحفة‪ :‬ص ‪.].101‬‬
‫ثم إنّه قد ورد في كتب الشّيعة نفسها ما يتّفق مع النّصّ والجماع والعقل‪ ،‬وينفي ذلك‬
‫الشّذوذ؛ وهو ما رواه الكليني عن هشام الحول عن زيد بن علي أنّ النبياء أفضل من الئمّة‪،‬‬
‫وأنّ من قال غير ذلك فهو ضالّ [انظر‪ :‬مختصر الصّواقع‪ :‬ص ‪.].187‬‬
‫[انظر‪ :‬مختصر‬ ‫وروى ابن بابويه عن الصّادق ما ينصّ على أنّ النبياء أحبّ إلى ال من علي‬
‫التّحفة‪ :‬ص ‪.].100‬‬
‫ول شك أن هذا المذهب واضح البطلن‪ ،‬يدرك بطلنه بصري العقل وبما علم من الدين‬
‫بالضرورة‪ ،‬وبالتاريخ والسير والفطر‪ ،‬ول يحتاج إلى تكلف في إبطاله وهو أحد البراهين على‬
‫فساد المذهب الرافضي‪.‬‬
‫معجزات المام‪:‬‬
‫[المعجزات‪ :‬هي اليات والبراهين التي ل يقدر عليها إل ال والتي يجريها‬ ‫يرى أهل السنة "أن المعجزات‬
‫ال تعالى على أيدي أنبيائه فتدل على صدقهم‪ .‬وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية بأن لفظ المعجزات لم يكن موجودًا في‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وإنما فيه لفظ الية‪ ،‬والبينة والبرهان (الجواب الصحيح‪ )4/67 :‬وقال رحمه ال‪ :‬المعجزة تعم كل‬
‫خارق للعادة في اللغة‪ ،‬وعرف الئمة المتقدمين كالمام أحمد بن حنبل وغيره يسمونها اليات‪ .‬لكن كثيرًا من‬
‫المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبي‪ ،‬والكرامة للولي وجماعهما المر الخارق للعادة (انظر‪ :‬قاعدة‬
‫من مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،‬وراجع‬ ‫في المعجزات والكرامات ص ‪ ،2‬مطبعة المنار‪ ،‬أو ‪312-11/311‬‬
‫النبوات لبن تيمية‪ ،‬وانظر‪ :‬التعريفات للجرجاني‪ :‬ص ‪ ،282‬شرح العقيدة الطحاوية‪ :‬ص ‪ ].)495‬ل يأتي بها‬
‫أحد إل النبياء عليهم السلم [ابن حزم‪ /‬المحلى‪ ،].1/35 :‬خلفًا للروافض الذين جعلوا علمة‬
‫[عقائد الماميّة‪ :‬ص‬ ‫المام عندهم صدور المعجزة منه‪ ،‬لنهم يقولون‪" :‬إنّ المامة استمرار للنّبوّة‬
‫‪ ].94‬فكما أنّ ال سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة ويؤيّده بالمعجزة‪ ..‬فكذلك‬
‫يختار للمامة" [أصل الشّيعة وأصولها‪ :‬ص ‪.].58‬‬
‫وقد امتلت كتب الحديث عندهم بالحديث عن هذه المعجزات‪ ،‬ورواية قصصها وأحداثها –‬
‫المزعومة – وقد يقال بأن غاية ما هنالك بأنهم سموا الكرامات معجزات‪.‬‬
‫ول شك أن "من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الولياء وما يجري على‬
‫أيديهم من خوارق العادة في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن‬
‫سالف المم في سورة الكهف وغيرها‪ ،‬وعن صدر هذه المة من الصحابة والتابعين وسائر‬
‫قرون المة‪ ،‬وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].3/156 :‬‬

‫‪396‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فتسمية الكرامات بمعجزات مجرد اختلف في الصطلح ولهذا حينما‬
‫قال ابن المطهر الحلي عن أمير المؤمنين علي‪" :‬وظهرت منه معجزات كثيرة" عقب على ذلك‬
‫شيخ السلم بقوله‪:‬‬
‫"فكأنه يسمي كرامات الولياء معجزات وهذا اصطلح كثير من الناس فيقال‪ :‬علي أفضل من‬
‫كثير ممن له كرامات‪ ،‬والكرامات متواترة عن كثير من عوام أهل السنة الذين يفضلون أبا بكر‬
‫وعمر فكيف ل تكون الكرامات ثابتة لعلي رضي ال عنه‪ ،‬وليس في مجرد الكرامات ما يدل‬
‫على أنه أفضل من غيره" [منهاج السنة‪.].2/149 :‬‬
‫وقد رأى شيخ السلم أن اهتمام الروافض بأمر ما ينسب للئمة من كرامات إنما سببه أن‬
‫"الرافضة لجهلهم وظلمهم وبعدهم عن طريق أولياء ال ليس لهم من كرامات الولياء المتقين ما‬
‫يعتد به‪ ،‬فهو لفلسهم منها إذا سمعوا شيئًا من خوارق العادات عظموه تعظيم المفلس للقليل من‬
‫النقد‪ ،‬والجائع للكسرة من الخبر‪[ "..‬منهاج السنة‪.].4/196 :‬‬
‫ولكن المامية هل ترى هذه الخوارق من كرامات أولياء ال وتسميها معجزات؟‬
‫إن المتأمل للمذهب المامي يرى أنهم يذهبون في هذه الكرامات إلى مذهب آخر؛ فهم يرون‬
‫أنها معجزات لثبات المامة وإقامة الحجة – كما يزعمون – على الخلق‪ ،‬لن الئمة كما تقول‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/192 :‬وانظر‪:‬‬ ‫رواياتهم هم الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الرض‬
‫المظفر‪ /‬علم المام‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫[وهو عنوان باب في‬ ‫بل يقول ثقة إسلمهم الكليني‪" :‬إن الحجة ل تقوم ل على خلقه إل بإمام"‬
‫الكافي تضمن أربعة أحاديث بهذا المعنى‪( .‬أصول الكافي‪ ].)1/177 :‬وجاءت روايات كثيرة عندهم بهذا‬
‫[أصول‬ ‫المعنى‪ ،‬ولذا قالوا "فنحن حجج ال في عباده" [أصول الكافي‪" ،].1/193 :‬ولولنا ما عبد ال"‬
‫الكافي‪" ،].1/193 :‬الوصياء هم أبواب ال عز وجل التي يؤتى منها ولولهم ما عرف ال عز‬
‫وجل‪ ،‬وبهم احتج ال تبارك وتعالى على خلقه" [أصول الكافي‪ .].1/193 :‬ولذلك قال البحراني في‬
‫كتابه الذي صنفه في معجزات الئمة‪" :‬إن ال أظهر على أيديهم المعاجز والدلئل لنهم حجته‬
‫على عباده" [هاشم البحراني‪ /‬ينابيع المعاجز‪ :‬ص ‪( 2‬المقدمة)‪.].‬‬
‫فهـم يجعلون الئمـة كالنـبياء والرسـل الذيـن يقيـم ال بهـم الحجـة على خلقـه فهـم يحتاجون‬
‫للمعجزات لثبات رسالتهم كما يحتاج النبياء‪.‬‬

‫بل هم في الفضل‪ ،‬ووجوب الطاعة‪ ،‬وتحقق المعجزات قد يصلون إلى مرتبة أفضل الرسل‬
‫والنبياء أو أعظم‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫ي رضي ال عنه آخذ به وما نهي عنه‬
‫قال أبو عبد ال – كما يزعمون ‪" :-‬ما جاء به عل ّ‬
‫أنتهي عنه‪ ،‬جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫وكذلك يجري لئمة الهدى واحدًا بعد واحد‪.‬‬
‫كان أمير المؤمنين كثيرًا ما يقول‪" :‬لقد أعطيت خصالً ما سبقني إليها أحد قبلي‪ ،‬علمت‬
‫المنايا والبليا والنساب وفصل الخطاب‪ ،‬فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي‬
‫[أصول الكافي‪ ،197-1/196 :‬وروايات أخرى‬ ‫أبشر بإذن ال وأودي عنه كلّ ذلك مكّنني فيه بعلمه"‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬وكلّها ساقها في "باب أنّ الئمّة هم أركان الرض"‪ .‬وانظر‪" :‬فصل العصمة"‪.].‬‬
‫فأنت ترى أن النص يؤكد بأن من أخذ عن أحد من الئمة فكأنما أخذ عن رسول ال‪ ،‬أو‬
‫[ونبرئ جعفرًا من هذه الزندقة‬ ‫أفضل؛ ولذلك فإن جعفرًا يفضل الخذ عن عليّ ل عن رسول ال‬
‫وسائر أئمة أهل البيت‪ ،‬فإن من اعتقد أن له طريقًا إلى ال ل يحتاج فيه إلى محمد فهو كافر ملحد‪.‬‬
‫(انظر حول هذا المعنى‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].)11/225 :‬‬
‫ثم يبرهن على ما تميز به عليّ من معجزات وصفات ليست لمحمد صلى ال عليه وسلم في‬
‫قوله‪( :‬أنا قسيم ال‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ويؤكد هذا المعنى في خاتمة النص وهو قوله‪" :‬لقد أعطيت خصالً‬
‫ما سبقني إليها أحد‪ "..‬ويضفي على علي صفات الجبار جل عله حينما يقول‪" :‬علمت المنايا‬
‫والبليا"‪ ،‬وكذلك حينما يقول‪" :‬فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني"‪ ،‬فالذي ل‬
‫ن ال ّربّ عندهم يبدو له كما زعموا‪.‬‬
‫يعزب عنه شيء ول يفوته شيء هو ال ّربّ جلّ جلله‪ .‬لك ّ‬
‫فهذه ليست معجزات‪ ،‬هذه افتراءات وتأليه للئمة‪.‬‬
‫ولكن الشيعة المامية ترى أن هذه معجزات جرت للئمة لقامة الحجة على الخلق‪ ..‬وليست‬
‫أيضًا من قبيل الكرامات بل هي كمعجزات النبياء أو أعظم‪ ،‬وقد بوّب صاحب البحار لهذا‬
‫المعنى بابًا بعنوان "إنّهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص وجميع معجزات‬
‫النبياء" [بحار النوار‪ .].31-27/29 :‬وأورد فيه جملة من أحاديثهم‪ ،‬ولهذا عرف شيخهم القزويني‬
‫المعجزة التي تحصل للئمة بأنها "ما كان خارقًا للعادة أو صارفًا للقدرة عند التحدي مع عدم‬
‫المعارضة‪ ،‬والمطابقة للدعوى" [قلئد الخرائد‪ :‬ص ‪.].72‬‬
‫فهي معجزة خارقة للعادة المقصود بها التحدي لقامة الدعوى‪.‬‬
‫وقد صنفوا المصنفات في معجزات الئمة كما يكتب أهل السنة في معجزات رسول ال‬
‫[مثل كتاب "عيون المعجزات" لشيخهم حسين بن عبد الوهاب (من القرن الخامس) وقد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‬
‫نشرته مؤسسة العلمي للمطبوعات في طبعة ثالثة عام ‪1403‬ه‍‪ ،‬وقد جاء فيه من معجزاتهم ‪ :‬أنهم يحيون الموتى‬
‫ص ‪ ،32‬ويتحدثون مع الحيوانات‪ ،‬وتشهد لهم بالمامة ص ‪ ،32 ،25 ،22 ،17‬ويحدثون بما كان وما يكون ص‬

‫‪398‬‬
‫‪ ،57‬ويرون أعمال العباد بواسطة عمود من نور يكون معهم منذ ولدتهم ص ‪ ،80‬وأمثال ذلك‪ .‬ومثل كتاب "ينابيع‬
‫المعاجز وأصول الدّلئل" لشيخهم هاشم البحراني‪ ،‬وذكر فيه (‪ )21‬بابًا ومن عناوين هذه البواب "الباب الخامس"‪ :‬أنّ‬
‫عندهم عليهم السّلم علم ما في السّماء‪ ،‬وعلم ما في الرض‪ ،‬وعلم ما كان‪ ،‬وعلم ما يكون‪ ،‬وما يحدث باللّيل والنّهار‪،‬‬
‫وساعة وساعة‪ ،‬وعندهم علم النّبيّين‪ ،‬وزيادة ص ‪ ،42-35‬الباب السّادس‪ :‬أنّهم عليهم السّلم إذا شاؤوا أن يعلموا‬
‫علموا‪ ،‬وأنّ قلوبهم مورد إرادة ال‪ ،‬وإذا شاء شيئًا شاؤوه ص‪.46-43 :‬‬
‫وللبحراني أيضًا كتاب آخر في نفس الموضوع ولعله أوسع ما كتب عندهم سماه "مدينة المعاجز" يذكر عند كل‬
‫إمام ما ينسبون له من معجزات؛ فمثلً عقد الباب الوّل في معجزات أمير المؤمنين فذكر (‪ )550‬معجزة‪ ،‬منها ذكر‬
‫– على ح ّد زعمهم ‪ ،-‬مناجاة ال له ص ‪ ،9‬وعروجه للسّماء ص ‪ ،12‬وكلم الرض معه ص‬ ‫معاجز ميلده ص ‪5‬‬
‫‪ ،16‬وكلم إبليس معه ص ‪ ،16‬وذكر له معجزات قبل جوده‪ ،‬فكر أنّه حضر عند فرعون‪ ،‬وقال في التّعقيب على‬
‫ذلك بأنّ الرّسول قال لعليّ‪ :‬إنّ ال أيّد بك النّبيّين سرّا‪ ،‬وأيّدني بك جهرًا‪ .‬وهكذا يذكر لكل إمام معجزاته حتى إمامهم‬
‫المنتظر الذي ل وجود له قال بأن من معجزاته‪ :‬قراءته وقت ولدته الكتب المنزلة‪ ،‬والصعود إلى سرادق العرش‪.‬‬
‫ويمضي في ذكر حكايات ل يصدق بها عاقل‪ ،‬تجعلك تعجب غاية العجب من شيوخ استغفلوا أتباعهم إلى هذا الحد‪..‬‬
‫ومن أتباع انقادوا لهذه "الترهات"‪ ،].‬بل إن أخبارهم في ذلك تخرج بالئمة من طور البشر إلى مقام‬
‫الخالق جل عله‪.‬‬
‫وللقوم ولع غريب وتعلق عجيب بسرد الحكايات وغرائب الساطير والتي هي أحيانًا أشبه‬
‫بعمل السحرة والمشعوذين‪ ،‬وحينًا هي من ضروب الخيال‪ ،‬وغرائب الحلم‪ .‬ويزعمون أن هذا‬
‫[انظر – مثلً‬ ‫من أصول ثبوت إمامتهم‪ .‬بل جعلوا لتباع الئمة معجزات تضاهي معجزات الئمة‬
‫‪ :-‬حسين عبد الوهاب‪ /‬عيون المعجزات‪ ،‬شهادة الكاظم – كما يزعمون – بأن رشيدًا الهجري يعلم علم المنايا ص‬
‫‪ ،101‬وفي رجال الكشي "وكان إذا لقي الرجل قال له‪ :‬فلن أنت تموت بميتة كذا‪ ،‬وتقتل أنت يا فلن بقتلة كذا وكذا‬
‫فيكون كما يقول" (رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].)76‬‬
‫وقد يقال‪ :‬تلك حكايات وأساطير ذهبت مع ذهاب الئمة وليس لها وجود واقعي‪ ،‬وأقول‪ :‬إن‬
‫هذه المعجزات ل تزال تولد عند الشيعة وتتجدد ل بقراءة هذه الساطير في المجالس وتخدير‬
‫العقول وتكبيل الفكار بها فحسب‪ ،‬بل اتخذت صورة واقعية تتمثل في جانبين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما ينسبونه للغائب المنتظر من معجزات وخوارق ينقلها جملة من شيوخهم الذين‬
‫يزعمون الصلة به‪ ،‬فهذا ابن المطهر الحلي يستعير كتابًا كبيرًا ليرد عليه – كما يقولون – ول‬
‫[مضى‬ ‫يسمح له صاحب الكتاب باستعارته إل ليلة واحدة فيأتيه هذا المنتظر فينسخ له الكتاب كله‬
‫ص (‪ )340‬من هذه الرسالة‪ .].‬وحكاياتهم في هذا الباب كثيرة سجل جملة منها شيخهم النوري‬
‫الطبرسي في كتابه جنة المأوى‪ ،‬فالمعجزات تجري الن علي أيدي غائبهم‪ ،‬ويظهرها في‬
‫أشخاص شيوخهم وآياتهم‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫الثاني‪ :‬ما يدعونه من حصول الخوارق عند قبورهم فأضلوا قومهم سواء السبيل وأغروهم‬
‫بالشرك وفتحوا لهم أبوابه‪ .‬وقد عقد المجلسي جملة من أبواب بحاره لهذا الغرض مثل "الباب‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫التاسع والعشرون ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات"‬
‫‪ ،].42/311‬ومثل "الباب الخمسون جور الخلفاء على قبره الشريف وما ظهر من المعجزات‬
‫عند ضريحه ومن تربته وزيارته" [بحار النوار‪ .].45/390 :‬وهكذا يذكر عند الحديث عن كل‬
‫[مثل‪" :‬المعجزات" لشيخهم محمد علي‬ ‫إمام معجزاته المزعومة‪ .‬وقد ألفوا في هذه الخرافات مصنفات‬
‫البلداوي‪ ،‬جمع فيه المعجزات التي ظهرت عند المشهدين الكاظميين والعسكريين‪( .‬انظر‪ :‬الذريعة‪.].)21/215 :‬‬
‫وقد تحدثت أساطيرهم عن معجزات جرت من الضرحة‪ ،‬وساق الكثير منها المجلسي في‬
‫أبوابه التي عقدها في أخبار كل إمام‪ .‬وجاء بقصص خيالية تثير العجب من هؤلء القوم الذين‬
‫ألفوا الخرافة‪ ،‬ووجدت طريقها لقلوبهم بكل يسر‪.‬‬
‫قصص تتحدث عن شفاء الضريح للمراض المستعصية‪ ،‬فتذكر أن أعمى أبصر بمجرد‬
‫مجاورته للضريح [بحار النوار‪.].42/317 :‬‬
‫وأن الحيوانات تذهب لضرحة أئمتهم طلبًا للشفاء‪ ،‬فهذا حيوان يتمرغ على القبر لشفاء‬
‫جرحه فيشفى [بحار النوار‪.].42/312 :‬‬
‫بل جعلوا أئمتهم وهم رهائن قبورهم يتصرفون تصرف الحياء فجاءوا بقصص تتحدث عن‬
‫أن الضريح يودع المانات فيحفظها [بحار النوار‪.].42/318 :‬‬

‫ويبدو أن وا ضع هذا ب عض ال سدنة الل صوص الذي لم يك فه ما يأ خذ من هؤلء الغرار من‬


‫أموال يبذلونها على عتبات الضريح فحاول أن يأخذ المزيد بالسرقة والخداع‪.‬‬

‫والضريح يخاطب فيستجيب‪ ..‬فهذا أحد زوار القبر يتمزق رداؤه عند الضريح فيقول‪" :‬ما‬
‫أعرف عوض هذا إل منك‪ ،‬فيتحقق له ما أراد" [بحار النوار‪.].42/316 :‬‬
‫كل هذه الساطير تصاغ في قالب قصصي خيالي للتأثير على السذج من العامة‪ ،‬وهي‬
‫قصص كثيرة وطويلة تنتهي بمثل هذه الغرائب التي تدعو للشرك بال سبحانه‪ ،‬وتشل العقل‪،‬‬
‫وتعطل التفكير‪ ،‬وتثبط عن العمل الصالح‪ ،‬وقد تنأى بعقلئهم إلى الكفر بالدين أصلً إذا رأى‬
‫هذه الخرافات الباطلة بضرورة العقل‪.‬‬
‫وقد استنكر جعفر الصّادق ما ينسبه له شيعة الكوفة من تلك المبالغات فقال – كما تروي‬
‫كتب الشيعة ‪" :-‬وال لو أقررت بما يقول فيّ أهل الكوفة لخذتني الرض‪ ،‬وما أنا إل عبد‬
‫مملوك ل أقدر على شيء بضرّ ول بنفع" [تنقيح المقال‪.].3/332 :‬‬

‫‪400‬‬
‫ول يستبعد أن تلك الدعاوى الغالية في الئمة والتي ترفع الئمة إلى مقام اللوهية ويسمونها‬
‫معجزات ل يستبعد أن هذه موروثة عن المجوسية الذين دخلوا في سلك التشيع للكيد للسلم أو‬
‫لظهار عقائدهم باسم السلم ذلك أن "المجوس تدعي لزرادشت من المعجزات واليات أكثر‬
‫مما يدعيه النصارى" [تثبيت دلئل النبوة‪.].1/185 :‬‬
‫أما قولهم بأن الئمة هم الحجة على الناس ول تقوم الحجة على خلقه إل بهم‪ ،‬ولهذا جرت‬
‫المعجزات على أيديهم لثبات المامة‪ ..‬فهذا إذا بحثت عنه في كتاب ال سبحانه لم تجد ما يدل‬
‫ل يَكُونَ‬
‫عليه البتة‪ ،‬بل تجد ما يخالفه وهو أن حجة ال على عباده قامت بالرسل‪ .‬قال تعالى‪ِ { :‬لئَ ّ‬
‫سلِ} [النساء‪ ،‬آية‪ ].165 :‬ولم يذكر الئمة‪.‬‬
‫جةٌ بَعْدَ ال ّر ُ‬
‫حّ‬‫لِلنّاسِ عَلَى الّلهِ ُ‬
‫فعلم أن هذه الدعوى هي محض اختلق‪ ،‬وأما تلك المعجزات التي ينسبونها للضرحة أو‬
‫الغائب المنتظر فهي كذب وبهتان‪ ،‬أو من وحي شيطان‪ ،‬فالغائب ل وجود له إل في خيالت‬
‫طائفة الثني عشرية كما يقرره طوائف من الشيعة‪ ،‬وكما يذكر ذلك أهل العلم بالنساب‬
‫والتواريخ‪.‬‬
‫أما معجزات الضرحة فإنها دعوى شيطانية للشرك‪ ،‬وهؤلء أموات قد أفضوا إلى ما قدموا‬
‫ل يملكون لنفسهم نفعًا ول ضرًا‪ ..‬وهم في حياتهم يلجؤون إلى ال سبحانه ينفون عن أنفسهم‬
‫الحول والقوة‪.‬‬
‫وقد نقلت كتب الشيعة نفسها أحاديث كثيرة في هذا المعنى‪ ،‬وال سبحانه أمر نبيه أن يقول‪:‬‬
‫ضرّا‬
‫ضرّا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ} [العراف‪ ،‬آية‪{ ،].188 :‬قُل لّ َأمِْلكُ ِلنَفْسِي َ‬
‫{قُل لّ َأمْلِكُ ِلنَ ْفسِي نَفْعًا وَ َل َ‬
‫خزَآئِنُ الّلهِ وَل َأعْ َلمُ الْ َغيْبَ}‬
‫وَ َل نَفْعًا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ} [يونس‪ ،‬آية‪{ ،].49 :‬قُل لّ َأقُولُ لَ ُكمْ عِندِي َ‬
‫شرًا ّرسُولً} [السراء‪ :‬آية‪ُ { ،].93 :‬قلْ ِإ ّنمَا َأنَا َبشَرٌ‬
‫سبْحَانَ َربّي َهلْ كُنتُ إَ ّل َب َ‬
‫[النعام‪ ،‬آية‪ُ { ،].50 :‬قلْ ُ‬
‫مّثُْلكُمْ} [الكهف‪ ،‬آية‪.].110 :‬‬
‫فهذا هو رسول الهدى وخاتم النبياء وسيد الولين والخرين فكيف بمن دونه‪.‬‬
‫اليمان باليوم الخر‪:‬‬
‫لهم في الركن العظيم أقوال منكرة‪ ،‬وبدع كثيرة‪ .‬فآيات القرآن في اليوم الخر أوّلوا معناها‬
‫بالرجعة [انظر‪ :‬فصل "الرجعة"‪ .].‬وهذه حيلة ماكرة من واضعي هذه النصوص لنكار أمر اليوم‬
‫الخر بالكلية‪ ،‬وأقل ما فيها أنها تصرف قلوب الشيعة‪ ،‬عن ذلك اليوم‪ ،‬أو تمحو معاني اليوم‬
‫الخر من نفوسهم‪ ،‬لنهم ل يقرأون في آيات اليوم الخر إل تأويلت شيوخهم له بالرجعة‪.‬‬
‫ومن بدعهم أيضًا قولهم بأن أمر الخرة للمام‪ .‬يقول صاحب الكافي في أخباره‪" :‬الخرة‬
‫للمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من ال" [أصول الكافي‪.].1/409 :‬‬
‫‪401‬‬
‫أما لماذا أمر الخرة للمام فإن هذا فرع عن تصورهم لمر الجنة والنار‪ ،‬إذ يقولون‪" :‬لول‬
‫[قال ابن بابويه‪" :‬ويجب أن يعتقد أنّه لولهم َلمَا خلق ال سبحانه السّماء والرض‬ ‫الئمّة ما خلقت الجنّة والنّار"‬
‫ول الجنّة ول النّار‪ ،‬ول آدم ول حوّاء‪ ،‬ول الملئكة‪ ،‬ول شيئًا ممّا خلق" (العتقادات‪ :‬ص ‪ ].)107-106‬و"إنّ ال‬
‫[المعالم الزلفى‪ :‬ص ‪ ،249‬وانظر‪ :‬نزهة البرار‪ ،‬ومنار النظار في خلق الجنّة‬ ‫خلق الجنّة من نور الحسين"‬
‫والنّار‪ /‬لهاشم البحراني أيضًا‪ :‬ص ‪ .].395‬وعقد شيخهم البحراني بابًا في ذلك بهذا العنوان المذكور‬
‫[المعالم الزّلفى‪ :‬ص ‪.].249‬‬
‫ومرة يقولون بأنّ الجنّة هي من مهر فاطمة في زواجها على عليّ‪.‬‬
‫وما أدري كيف تكون مهرها وهي مخلوقة من نور ابنها؟!‬
‫والصل في المهر أن يدفع من قبل الزوج‪ ،‬فقد روى الشّيخ الطّوسي في مجالسه عن أبي‬
‫بصير عن أبي عبد ال قال‪" :‬إنّ ال تعالى أمهر فاطمة رضي ال عنها ربع الدّنيا فربعها لها‪،‬‬
‫وأمهرها الجنّة والنّار‪ ،‬تدخل أعداءها النّار وتدخل أولياءها الجنّة" [المعالم الزّلفى‪ :‬ص ‪ .].350‬وعقد‬
‫[المعالم الزّلفى‪ :‬ص‬ ‫لذلك صاحب المعالم الزّلفى بابًا بعنوان "الباب الرّابع أنّ الجنّة في مهر فاطمة"‬
‫‪ ].319-317‬أي أن الجنة جزء من مهر فاطمة‪.‬‬
‫ثم إن المهر الصل أن يصل إلى صاحبه في الدنيا‪ ،‬ولذلك قالوا‪ :‬إن الئمة يأكلون في الدنيا‬
‫من نعيم الجنة‪ ،‬وخصّص لهذه المسألة شيخهم البحراني بابًا بعنوان "باب أنّ طعام الجنّة في‬
‫الدّنيا ل يأكله إل نبي أو وصي نبي"‪ .‬أورد فيه روايات كثيرة من كتبهم المعتمدة عندهم تتضمن‬
‫أن الفواكه والرمان والطباق المليئة بأنواع الطعام تأتيهم من الجنة يأكلون منها‪ ،‬وصاغ هذه‬
‫المزاعم في قصص طويلة‪.‬‬
‫وفات عليهم أن يزيدوا في قولهم عمن يأكل طعام الجنة ل يأكله إل نبي‪ ،‬أو وصي نبي "أن‬
‫يزيدوا أو بنت نبي"‪ ،‬لنهم بهذا قد حرموا فاطمة من مهرها‪ ،‬ومما خلق من نور ولدها‪ ،‬لنها‬
‫ليست من الوصياء باتفاقهم فل تأكل من طعام الجنة‪ ،‬ويبدو أنهم لم يزيدوا ذلك خشية أن تدخل‬
‫فيه بنات النبي الخريات‪ ،‬وليس لهن نصيب من الود في دين الشيعة‪.‬‬
‫وما دام أمر الخرة في نظر هذه الزمرة للمام بهذه الوجوه المذكورة‪ ،‬فإن كل مراحل الحياة‬
‫الخروية صبغتها الشيعة بآثار غلوهم في المام والئمة‪ .‬فالئمة يحضرون عند الموت‪ .‬قال‬
‫المجلسي في بيان اعتقادات طائفته‪" :‬يجب القرار بحضور النبي والئمة الثني عشر صلوات‬
‫ال عليهم عند موت البرار والفجار والمؤمنين والكفار‪ ،‬فينفعون المؤمنين بشفاعتهم في تسهيل‬
‫غمرات الموت وسكراته عليهم‪ ،‬ويشددون على المنافقين ومبغضي أهل البيت صلوات ال‬

‫‪402‬‬
‫عليهم‪ ،‬ول يجوز التفكر في كيفية ذلك إنهم يحضرون – كذا – في الجساد الصلية أو المثالية‬
‫أو بغير ذلك" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].94-93‬‬
‫وحينما يوضع الميت في قبره‪ ،‬يجعل معه تربة من تراب الحسين‪ ،‬لنها بزعمهم أمان له‪،‬‬
‫وعقد لهذا الحر العاملي بابًا بعنوان "باب استحباب وضع التّربة الحسينيّة مع الميّت في الحنوط‬
‫والكفن وفي القبر" [وسائل الشّيعة‪ ،].2/742 :‬وكذلك خصّص لها صاحب مستدرك الوسائل بابًا بنفس‬
‫العنوان المذكور [مستدرك الوسائل‪.].1/106 :‬‬
‫ومن وصاياهم في ذلك قولهم‪" :‬ويجعل معه شيء من تربة الحسين فقد روي أنّها أمان"‬
‫[وسائل الشيعة‪ ،2/742 :‬مستدرك الوسائل‪:‬‬ ‫[مستدرك الوسائل‪ ،].1/106 :‬ولهم في هذه المسألة أحاديث كثيرة‬
‫‪ ،1/106‬الطّوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،2/27 :‬الطّبرسي‪ /‬الحتجاج‪ :‬ص ‪ ،274‬الكفعمي‪ /‬المصباح‪ :‬ص ‪.].511‬‬
‫والتكليف بزعمهم ورفع الدرجات وعمل الحسنات يحصل من الميت الشيعي وهو في قبره‪.‬‬
‫روى الكليني في الكافي عن حفص قال‪ :‬سمعت موسى بن جعفر يقول‪ :‬الرجل أيحب البقاء في‬
‫الدنيا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬لقراءة قل هو ال أحد‪ .‬فسكت عنه فقال له بعد ساعة‪ :‬يا‬
‫حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علم في قبره ليرفع ال به من درجته‪،‬‬
‫فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن [أصول الكافي‪ ،2/606 :‬المعالم الزلفى‪ :‬ص ‪.].133‬‬
‫فالشيعي في قبره يعلم القرآن ويشتغل بقراءته فيستمر عمل الحسنات منه حتى بعد موته!‬
‫وهذه فريدة من فرائدهم‪ .‬فهل هذه دعوة مبطنة وحيلة أخرى لهجر القرآن وتعلمه وقراءته‬
‫بانتظار حصول ذلك في القبر؟‬
‫وأول ما يسأل عنه في القبر هو حب الثني عشر قالوا‪" :‬أول ما يسأل عنه العبد حبنا أهل‬
‫البيت" [بحار النوار‪ ،27/79 :‬عيون أخبار الرضا‪ :‬ص ‪ ].222‬فيسأله ملكان عن "من يعتقده من الئمّة‬
‫واحد بعد واحد‪ ،‬فإن لم يجب عن واحد منهم يضربانه بعمود من نار يمتلئ قبره نارًا إلى يوم‬
‫القيامة" [العتقادات‪ /‬للمجلسي‪ :‬ص ‪ ،].95‬وأما "إذا كان في حياته معتقدًا بهم (يعني الثني عشر) فإنه‬
‫[محمد الحسيني‬ ‫يستطيع الرد على أسئلتهم (يعني أسئلة الملئكة) ويكون في رغد إلى يوم الحشر"‬
‫الجللي‪ /‬السلم عقيدة ودستور‪ :‬ص ‪.].77‬‬
‫ويعتقد الشيعة بحشر بعد الموت ل يشاركهم في القول به أحد‪ ،‬يقول المجلسي في‬
‫العتقادات‪" :‬يحشر ال تعالى في زمن القائم أو قبيله جماعة من المؤمنين لتقر أعينهم برؤية‬
‫أئمتهم ودولتهم‪ ،‬وجماعة من الكافرين والمخالفين للنتقام عاجلً في الدنيا" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].98‬‬
‫ل منكرة؛ ففي أخبارهم أن حشر الناس‬
‫أما اعتقادهم في الحشر يوم القيامة‪ ،‬فإن لهم فيه أقوا ً‬
‫يوم القيامة ل يشمل الجميع كما هو اعتقاد المسلمين‪ ،‬بل هناك فئة ل يشملها الحشر‪ ،‬ول‬
‫‪403‬‬
‫تتعرض لهول ذلك اليوم‪ ،‬ول تقف ذلك الموقف العظيم‪ ،‬ول تمر على الصراط بل ينتقلون من‬
‫قبورهم إلى الجنة بل وسائط‪.‬‬
‫أولئك هم أهل مدينة "قم"‪ ،‬تقول أخبارهم‪" :‬إن أهل مدينة قم يحاسبون في حفرهم ويحشون من‬
‫حفرهم إلى الجنة" [بحار النور‪ ،60/218 :‬عباس القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪.].3/71 :‬‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إن أحد أبواب الجنة قد خصص – بزعمهم – لهل "قم" عن أبي‬
‫[بحار‬ ‫الحسن الرضا قال‪" :‬إنّ للجنّة ثمانية أبواب‪ ،‬ولهل قم واحد منها فطوبى لهم ثم طوبى"‬
‫النوار‪ ،60/215 :‬سفينة البحار‪ ].1/446 :‬و"هم خيار شيعتنا من بين سائر البلد خمّر ال تعالى وليتنا‬
‫في طينتهم" [بحار النوار‪.].60/216 :‬‬
‫قال شيخهم عباس القمي (من المعاصرين)‪" :‬وقد وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت‬
‫في مدح قم وأهلها‪ ،‬وأنها فتح إليها بابًا – كذا – من أبواب الجنة" [الكنى واللقاب‪.].3/7 :‬‬
‫وخصّوا (قم) بفضائل أخرى [بحار النوار‪ ،].221-212 /60 :‬حتى أغروا شيعتهم بشراء أرضها‪،‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫وخدعوهم بقولهم‪ :‬إنّ قم يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم‬
‫‪ .].60/215‬فحاولوا التأثير عليهم من الجانب المادي‪ ،‬والجانب الروحي‪ ..‬وقد يكون في الموضوع‬
‫جانب سياسي‪ ،‬حيث إن قم في إيران وهي مركز الدولة الصفوية‪ ،‬بالضافة إلى الهدف المقيت‬
‫الذي تسعى إليه هذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات‪ ،‬لشاعة الكفر والزندقة‪ ،‬إبعاد الشيعة‬
‫عن السلم‪ ،‬وقد تجد من يساندها من شياطين الجن أيضًا‪ ،‬وما أسهل ذلك‪ ،‬لنهم سيأتون إليهم‬
‫بثوب "المهدي المنتظر" المزعوم ويضعون في دينهم ما يشاءون‪.‬‬
‫وقد زاد أحد شيوخهم المعاصرين في عدد أبواب الجنة المفتوحة على قم – كما يفترون –‬
‫[محمد مهدي‬ ‫فذكر بأن في أخبارهم أن الرضا قال‪ :‬للجنّة ثمانية أبواب فثلثة منها لهل قم‬
‫الكاظمي‪ /‬أحسن الوديعة‪ :‬ص ‪.].314-313‬‬
‫وجعلوا أمور الحساب‪ ،‬والصراط والميزان‪ ،‬والجنة والنار بيد الئمة‪ ،‬قال أبو عبد ال‪" :‬إلينا‬
‫الصّراط وإلينا الميزان وإلينا حساب شيعتنا" [رجال الكشّي‪ :‬ص ‪.].337‬‬
‫وعدّ الحرّ العاملي من أصول الئمّة اليمان بأنّ حساب جميع الخلق يوم القيامة إلى الئمّة‬
‫[الفصول المهمّة في أصول الئمّة‪ :‬ص ‪.].171‬‬
‫[المعالم‬ ‫وجاءت عندهم روايات كثيرة تقول‪" :‬ل يجوز الصّراط أحد إل ومعه ولية من علي"‬
‫الزّلفى‪ :‬ص ‪ ].239‬أو "جواز فيه ولية علي" [بحار النوار‪ ،8/68 :‬البرهان‪ ،].4/17 :‬أو "كتاب فيه براءة‬
‫بولية علي" [بحار النوار‪.].8/66 :‬‬

‫‪404‬‬
‫وفي كتاب العتقادات لبن بابويه في "باب العتقاد في الصراط" قال‪ .." :‬والصراط في‬
‫وجه آخر اسم حجج ال فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه ال جوازًا على الصراط الذي هو‬
‫جسر جهنم يوم القيامة‪ ..‬قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعلي‪ :‬يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد‬
‫أنا وأنت وجبرائيل على الصّراط فل يجوز على الصّراط إل من كانت معه براءة بوليتك"‬
‫[العتقادات‪ :‬ص ‪.].95‬‬
‫ن على الصّراط عقبة اسمها الولية "يوقف جميع الخلئق عندها فيسألون عن ولية‬
‫وقال بأ ّ‬
‫[العتقادات‪ :‬ص‬ ‫أمير المؤمنين والئمّة من بعده فمن أتى بها نجا وجاوز‪ ،‬ولن لم يأت بها بقي"‬
‫‪.].96‬‬
‫[بحار‬ ‫وعقد المجلسي بابًا بعنوان "باب أنّه عليه السّلم قسيم الجنّة والنّار وجواز الصّراط"‬
‫(باب علي قسيم الجنّة‬ ‫النوار‪ .].39/193 :‬وعقد البحراني بابًا بنحو ذلك [المعالم الزّلفى‪ :‬ص ‪167‬‬
‫والنّار)‪ .].‬وساقا فيهما روايات عدة عن أساطين المذهب‪ ،‬وكتبهم المعتمدة عندهم‪.‬‬
‫والمعلومات التي تقدمها الثنا عشرية في معنى أنه قسيم الجنة والنار ل تعطى إل للخواص‪،‬‬
‫ذلك أن المأمون – كما تقول أخبارهم – سأل عن معنى أن عليًا قسيم الجنة والنار فأجابه الرضا‬
‫بأن حب علي إيمان وبغضه كفر فصار حينئذ قسيم الجنة والنار‪ ،‬ولكنه حينما لحق به أبو‬
‫الصلت الهروي قال له الرضا‪" :‬إنما كلمته من حيث هو‪ ،‬ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن‬
‫عليّ رضي ال عنه أنّه قال‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا علي أنت قسيم الجنّة‬
‫[ابن بابويه‪ :‬عيون أخبار الرّضا‪ :‬ص ‪ ،239‬بحار‬ ‫والنّار يوم القيامة‪ ،‬تقول للنّار هذا لي وهذا لك"‬
‫النوار‪.].39/194 :‬‬
‫ويقولون بأنه صاحب الجنة والنار‪ ،‬قالت أخبارهم‪" :‬إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه‬
‫الخلئق يصعده رجل يقوم ملك عن يمينه وملك عن شماله‪ ،‬ينادي الذي عن يمينه‪ :‬يا معشر‬
‫الخلئق‪ ،‬هذا عليّ بن أبي طالب صاحب الجنّة يدخلها من يشاء‪ ،‬وينادي الذي عن يساره‪ :‬يا‬
‫[بحار النوار‪،39/200 :‬‬ ‫معشر الخلئق‪ ،‬هذا عليّ بن أبي طالب صاحب النّار يدخلها من يشاء"‬
‫بصائر الدّرجات‪ :‬ص ‪.].122‬‬
‫بل وصلوا إلى القول بأنه ديان الناس يوم القيامة‪" ،‬عن المفصل بن عمر الجعفي عن أبي‬
‫[بحار‬ ‫عبد ال قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لديّان الناس يوم القيامة‪"..‬‬
‫النوار‪ ،39/200 :‬بصائر الدّرجات‪ :‬ص ‪ ،122‬وانظر‪ :‬تفسير فرات‪ :‬ص ‪.].13‬‬
‫وهذه الجنة التي يتحدثون عنها هي قصر على الروافض ل يشاركهم فيها أحد لنها لئمتهم‪،‬‬
‫كما أن النار التي مفاتيحها بيد الئمة هي لعدائهم‪ ،‬قالوا‪" :‬إنما خلقت الجنة لهل البيت‪ ،‬والنار‬
‫‪405‬‬
‫لمن عاداهم" [المعالم الزلفى‪ :‬ص ‪ .].251‬ولكنهم ينسون هذا ويقولون بأن "الشيعة يدخلون‬
‫[المعالم الزلفى‪ :‬ص ‪ ،255‬وانظر بمعنى هذا الخبر‪ :‬ابن‬ ‫الجنة قبل سائر الناس من المم بثمانين عامًا"‬
‫قولويه‪ /‬كامل الزيارات‪ :‬ص ‪ ،137‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].10/331 :‬‬
‫ومن أصولهم "أن الناس يدعون بأسماء أمهاتهم يوم القيامة إل الشيعة فيدعون بأسماء آبائهم"‬
‫[الفصول المهمة في أصول الئمة‪ :‬ص ‪.].124‬‬
‫هذا ويعتقدون بجنة غير جنة الخلد‪ ،‬يسمونها جنة الدنيا‪ ،‬وكذلك بنار يعذب بها الناس غير‬
‫نار الخرة‪ .‬يقول المجلسي‪" :‬ويجب أن يعتقد أن ل تعالى في الدنيا جنة ونارًا سوى جنة الخلد‬
‫[العتقادات للمجلسي‪ :‬ص ‪ ،98‬ويقول بأنها هي جنة آدم (الفصول المهمة في أصول الئمة‪ :‬ص‬ ‫ونار الخلد"‬
‫‪ ).124‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف المة وأهل السنة والجماعة هي جنة‬
‫الخلد‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنها جنة في الرض فهو من المتفلسفة والملحدين‪ ،‬أو من إخوانهم المبتدعين‪ ،‬فإن هذا يقوله من‬
‫يقوله من المتفلسفة والمعتزلة‪( .‬الفتاوى‪ ،].)4/347 :‬وأهل القبور قد ينتقلون إليهما‪ ،‬وذلك أنهم "بعد‬
‫السؤال وضغطة القبر ينتقلون إلى أجسادهم المثالية فقد يكونون على قبورهم‪ ،‬ويطلعون على‬
‫زوارهم‪ ،‬وقد ينتقلون إلى النجف" [العتقادات للمجلسي‪ :‬ص ‪.].97‬‬
‫ومزاعمهم في هذا الباب يصعب حصرها‪ ..‬بدع كثيرة منكرة‪ ..‬وما ذكرته مجرد إشارات لو‬
‫قمنا باستعراض نصوصها وتحليلها لستغرق ذلك صفحات كثيرة‪.‬‬
‫وكلها بدع ليس عليها من كتاب ال برهان‪ ،‬وليس لها في كتب المة شاهد ول خبر‪ ..‬ويكفي‬
‫في بيان وضعها‪ ،‬ومعرفة كذبها مجرد عرضها‪ ..‬فهم جعلوا الخرة للئمة وال سبحانه يقول‪:‬‬
‫خرَةُ وَالُولَى} [النجم‪ ،‬آية‪ ].25:‬وما أشبه قولهم هذا بمزاعم يهود في قولهم إن الخرة‬
‫{فَ ِلّلهِ الَ ِ‬
‫صةً مّن دُونِ النّاسِ َف َتمَ ّنوُاْ ا ْل َموْتَ‬
‫خرَةُ عِندَ الّلهِ خَا ِل َ‬
‫لهم‪ .‬قال تعالى‪ُ { :‬قلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ الَ ِ‬
‫[البقرة‪ ،‬آية‪-94 :‬‬ ‫إِن كُنتُ ْم صَادِقِينَ‪ ،‬وَلَن يَ َتمَ ّنوْهُ َأبَدًا بِمَا قَ ّدمَتْ َأيْدِيهِمْ وَالّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِمينَ}‬
‫‪.].95‬‬
‫حمْدُ فِي الُولَى‬
‫كما جعلوا للئمة الحكم والمر في يوم القيامة وال جل شأنه يقول‪َ { :‬لهُ الْ َ‬
‫خرَةِ وَ َلهُ الْحُ ْكمُ وَِإَليْ ِه ُترْجَعُونَ} [القصص‪ ،‬آية‪.].70 :‬‬
‫وَال ِ‬
‫ج ّنةَ إِ ّل مَن كَانَ هُودا َأ ْو َنصَارَى ِتلْكَ‬
‫خلَ الْ َ‬
‫وقالوا بأن الجنة لهم كما قال اليهود‪{ :‬لَن يَدْ ُ‬
‫جرُهُ‬
‫حسِنٌ َفَلهُ أَ ْ‬
‫ج َههُ ِلّلهِ وَ ُهوَ مُ ْ‬
‫سلَمَ وَ ْ‬
‫َأمَا ِن ّيهُمْ ُقلْ هَاتُواْ بُرْهَانَ ُكمْ إِن كُنتُ ْم صَادِقِينَ ‪ ،‬بَلَى مَنْ َأ ْ‬
‫ح َزنُونَ} [البقرة‪ ،‬آية‪.].112-111 :‬‬
‫عَليْهِمْ وَلَ هُ ْم يَ ْ‬
‫خ ْوفٌ َ‬
‫عِندَ َر ّبهِ وَلَ َ‬

‫‪406‬‬
‫ونقول لهم في كل مزاعمهم التي مرت‪{ :‬هَاتُوا ُبرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} بل أنتم بش كسائر‬
‫البشر‪ ،‬وما تدعونه إنما هو كيد عاجز‪ ،‬وصنعة حاقد‪ ،‬وتدبير زنديق‪ ،‬وبين أيدينا كتاب ال‬
‫سبحانه لم يدع لهذه التخرصات والوهام سبيلً إلى قلب من احتكم إليه وجعله إمامه وقائده‪.‬‬
‫وأما من أغلق عقله‪ ،‬وأخذته العزة بالثم‪ ،‬وأعمى تفكيره التعصب فسيجد مغبة ذلك في يوم‬
‫[البقرة‪،‬‬ ‫صرُونَ}‬
‫عةٌ وَلَ هُ ْم يُن َ‬
‫شيْئا وَلَ يُقْ َب ُل ِم ْنهَا عَ ْدلٌ وَلَ تَنفَ ُعهَا شَفَا َ‬
‫جزِي نَفْسٌ عَن نّفْسٍ َ‬
‫{ ّل تَ ْ‬
‫آية‪.].123 :‬‬
‫اليمان بالقدر‪:‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية بأن "قدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات القدر‪ ،‬وإنما شاع‬
‫فيهم نفي القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة" [منهاج السنة‪.].2/29 :‬‬
‫وهذا كان في أواخر المائة الثالثة‪ ،‬وكثر بينهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه‬
‫[منهاج السنة‪.].1/229 :‬‬
‫كما أن "سائر علماء أهل البيت متفقون على إثبات القدر" [منهاج السنة‪.].2/29 :‬‬
‫ويذكر الشعري أن الرافضة في أفعال العباد ثلثة فرق‪ :‬فرقة يقولون بأن أعمال العباد‬
‫مخلوقة ل‪ ،‬وأخرى تقابلها فتنفي أن تكون أعمال العباد مخلوقة ل‪ ،‬وثالثة تتوسط وتقول‪ :‬ل‬
‫جبر كما قال الجهمي‪ ،‬ول تفويض كما قال المعتزلة؛ لن الرواية عن الئمة – كما زعموا –‬
‫[مقالت السلميين‪:‬‬ ‫جاءت بذلك‪ ،‬ولم يتكلفوا أن يقولوا في أعمال العباد هل هي مخلوقة أو ل شيئًا‬
‫‪.].115 ،1/114‬‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫واعتبر شيخ السلم هذه الطائفة متوقفة بينما الولى مثبتة والثانية نافية‬
‫‪ ،].1/286‬ول يذكر صاحب التحفة الثني عشرية عن المامية إل قولهم‪" :‬إن العبد يخلق فعله"‬
‫[مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].90‬‬
‫هذا ما تقوله مصادر أهل السنة‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى مصادر الشيعة يتبين ما يلي‪:‬‬
‫نرى ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق‪ ،‬يقول في عقائده التي سجلها على أنها تمثل‬
‫عقائد الشيعة واشتهرت باسم عقائد الصدوق يقول‪" :‬اعتقادنا في أفعال العباد أنها مخلوقة خلق‬
‫تقدير ل خلق تكوين‪ ،‬ومعنى ذلك أنه لم يزل ال عالمًا بمقاديرها" [عقائد الصدوق‪ :‬ص ‪.].75‬‬
‫وهذا فيه إثبات علم ال عز وجل بأعمال العباد فقط ل إثبات عموم مشيئته سبحانه‪ ،‬وهو ل‬
‫يقتضي أن ال خالق أفعال العباد‪ ،‬ومع ذلك فقد تعقبه شيخهم المفيد فقال‪" :‬الصحيح عن آل‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم أن أفعال العباد غير مخلوقة ل‪ ،‬والذي ذكره أبو جعفر قد جاء به‬
‫‪407‬‬
‫حديث غير معمول به‪ ،‬ول مرضي السناد‪ ،‬والخبار الصحيحة بخلفه‪ ،‬وليس يعرف في لغة‬
‫العرب أن العلم بالشيء هو خلق له" [شرح عقائد الصدوق‪ :‬ص ‪.].12‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقد روي عن أبي الحسن أنه سئل عن أفعال العباد فقيل له‪ :‬هل هي مخلوقة ل‬
‫تعالى؟ فقال عليه السلم‪ :‬لو كان خالقًا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه‪{ :‬أَنّ الّلهَ َبرِي ٌء مّنَ‬
‫[شرح‬ ‫شرِكِينَ َو َرسُوُلهُ} ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم"‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫عقائد الصدوق‪ :‬ص ‪.].13‬‬
‫ويبدو في هذا الستدلل الذي عزاه مفيدهم إلى الرضا التكلف الواضح‪ ،‬فبراءة ال عز وجل‬
‫من المشركين لعدم رضاه سبحانه عن عملهم‪ ،‬ول ينفي هذا قدرة ال سبحانه ومشيئته الشاملة‬
‫شرَكُواْ} [النعام‪ ،‬آية‪ .].107 :‬وجاء في رواياتهم ما ينقض‬
‫النافذة‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و َلوْ شَاء الّل ُه مَا َأ ْ‬
‫[الحر العاملي‪/‬‬ ‫هذا ويتفق مع الحق‪ ،‬حيث قالوا‪" :‬ما خلل ال فهو مخلوق‪ ،‬وال خالق كل شيء"‬
‫الفصول المهمة‪ :‬ص ‪.].35‬‬
‫ثم إن المفيد يذهب إلى معنى أن العباد خالقون لفعالهم‪ ،‬لكنه ل يستحسن هذا التعبير فيقول‪:‬‬
‫"أقول‪ :‬إن الخلق يفعلون‪ ،‬ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون‪ ،‬ول أطلق القول عليهم‬
‫بأنهم يخلقون ول هم خالقون‪ ،‬ول أتعدى ذكر ذلك فيما ذكره ال تعالى ول أتجاوز به مواضعه‬
‫من القرآن‪ ،‬وعلى هذا القول إجماع المامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة‬
‫وأصحاب الحديث‪ ،‬وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون‬
‫فخرجوا بذلك عن إجماع المسلمين" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫فهو يلتزم – كما يزعم – منهج القرآن؛ لنه سماهم فاعلين وعاملين ولم يسمهم خالقين‪ ،‬غير‬
‫أن إجماع طائفته لم يستمر – إن كان قد حصل – إذ إن طائفة من شيوخهم سلكوا مسلك معتزلة‬
‫[وقالوا بأنه قيل لبي الحسن‪ :‬هل غير الخالق الجليل خالق؟ قال‪ :‬إن ال تبارك‬ ‫البصرة في إطلق لفظ "الخلق"‬
‫سنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون‪ ،‬آية‪ .]14 :‬إن في عباده خالقين وغير خالقين‪ ،‬منهم عيسى‬
‫ح َ‬
‫وتعالى يقول‪َ { :‬ف َتبَا َركَ اللّ ُه أَ ْ‬
‫عليه السلم خلق من الطين كهيئة الطير (الفصول المهمة ص ‪ ،)81‬ومثل هذا التوجيه نسب لبعض السلف حيث قال‬
‫خلُقُ لَكُم ّمنَ الطّينِ} فأخبر ال عن نفسه أنه‬
‫ابن جريج‪ :‬إنما جمع الخالقين؛ لن عيسى كان يخلق كما قال‪َ{ :‬أنّي أَ ْ‬
‫أحسن الخالقين (تفسير الطبري‪ ،12/11 :‬تفسير البغوي‪ ،)3/304 :‬ولكن عيسى عليه السلم إنما كان يخلق بإذن‬
‫ال فل خالق مع ال‪ ،‬ولذلك فإن أكثر أهل العلم قال‪ :‬إن الخلق بمعنى التقدير كما يدل على ذلك لغة العرب‪ ،‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬يصنعون ويصنع ال وال خير الصانعين (تفسير البغوي ‪.)3/304‬‬
‫قال ابن جرير الطبري – بعد أن ذكر قول ابن جريج وقول مجاهد ‪" :-‬وأولى القولين في ذلك بالصواب قول‬
‫مجاهد؛ لن العرب تسمي كل صانع خالقًا" (انظر‪ :‬تفسير الطبري ‪.)12/11‬‬
‫والقضية عند هؤلء الروافض ليست في إطلق اللفظ الذي له معنى في اللغة غير اليجاد‪ ،‬ولكن في قولهم بأن‬
‫العبد هو الذي يخلق فعله‪ ،‬كما أن توجيه إمامهم بأن عيسى يخلق ليس بدليل لهم في قولهم إن كل إنسان يخلق فعله؛‬
‫‪408‬‬
‫لن ذلك معجزة لعيسى بأمر ال‪ ،‬وورد به النص {َأنّي أَ ْخلُقُ لَكُم} وهم يعممون إطلق اللفظ‪ .].‬والفرق اللفظي‬
‫بينهم وبين معتزلة البصرة قد توارى فيما بعد على يد ثلة من أساطين المذهب‪.‬‬
‫فقد عقد شيخهم الحرّ العاملي (ت ‪1104‬ه‍) صاحب الشيعة في كتابه الذي يتحدث فيه عن‬
‫[الفصول المهمّة‬ ‫أصول أئمته عقد بابًا بعنوان "باب أنّ ال سبحانه خالق كلّ شيء إل أفعال العباد"‬
‫في أصول الئمّة‪ :‬ص ‪ ،].80‬وقال‪" :‬أقول‪ :‬مذهب الماميّة والمعتزلة أنّ أفعال العباد صادرة عنهم‬
‫وهم خالقون لها" [الفصول المهمّة في أصول الئمّة‪ :‬ص ‪.].81‬‬
‫وكذلك قال شيخهم الطبطبائي‪" :‬ذهبت المامية والمعتزلة إلى أن أفعال العباد وحركاتهم‬
‫واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها‪ ،‬وما في اليات من أنه تعالى خالق كل شيء وأمثالها‬
‫إما مخصص بما سوى أفعال العباد‪ ،‬أو مؤول بأن المعنى أنه خالق كل شيء إما بل واسطة أو‬
‫بواسطة مخلوقاته" [مجالس الموحدين في بيان أصول الدين‪ /‬محمد صادق الطبطبائيك ص ‪.].21‬‬
‫وقال القزويني‪" :‬وأفعال العباد مخلوقة لهم" [قلئد الخرائد‪ :‬ص ‪.]60‬‬
‫[مثل ابن المطهر الحلي في كتابه نهج المسترشدين‪ :‬ص ‪ ،52‬حيث قال‪ :‬البحث الرابع‪ :‬في‬ ‫وغير هؤلء كثير‬
‫خلق العمال‪ ،‬وقرر أن هذا مذهب طائفته ومذهب المعتزلة‪ ،‬ومثل ذلك صرح في كتابه "الباب الحادي عشر" (مع‬
‫شرحه للمقداد) ص ‪ ،32‬وكتابه‪ :‬كشف المراد ص ‪ ،332‬وكذلك شيخ الشيعة المجلسي صاحب البحار قال‪" :‬وذهبت‬
‫المامية والمعتزلة إلى أن أفعال العباد وحركاتهم واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها"‪( .‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،)4/148‬والمقداد الحلي ( انظر‪ :‬النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر‪ :‬ص ‪ .].)33-32‬وهو كما‬
‫ترى عين مذهب أهل العتزال‪ ،‬فهل مقالة هؤلء طارئة على المذهب الشيعي كما قاله شيخ‬
‫السلم ابن تيمية وغيره‪ ،‬وإن قدماء الشيعة لم يكونوا على هذا المعتقد‪ ،‬أو أن هذا هو مذهب‬
‫القدمين ومن بعدهم؟‬
‫لعل أفضل مرجع يرجع إليه لستقراء هذه الحقيقة هو كتب الحديث عند الشيعة‪.‬‬
‫وقد رجعت إلى مصادر الشيعة المعتمدة في الرواية وبالذات إلى مراجعها الرئيسة؛ فرأيت‬
‫مجموعة كبيرة من الروايات تخالف ما هو شائع عن مذهب الشيعة من القول بمذهب المعتزلة‬
‫في أفعال العباد‪ ،‬وتعارض ما قرره طائفة من شيوخهم في هذه المسألة من الخذ بمسلك أهل‬
‫العتزال‪ ،‬كما سبق ذكر بعض شواهده من أقوال المفيد‪ ،‬وابن المطهر‪ ،‬والحر العاملي‬
‫وأضرابهم مما سجلوه في كتب العقيدة التي كتبوها لتعبر عن مذهب الشيعة‪.‬‬
‫فمن رواياتهم التي وصفنا‪:‬‬

‫‪409‬‬
‫"قال أبو جعفر وأبو عبد ال »‪ :‬إن ال أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب‪ ،‬ثم يعذبهم‬
‫عليها‪ ،‬وال أعز من أن يريد أمرًا فل يكون‪ ،‬قال‪ :‬فسئل عليهما السلم هل بين الجبر والقدر‬
‫منزلة ثالثة؟ قال‪ :‬نعم أوسع ما بين السماء والرض" [أصول الكافي‪.].1/159 :‬‬
‫يعني أن بين القول بالجبر والقول بنفي القدر منزلة ثالثة وسط‪.‬‬
‫وجاءت عندهم مجموعة من الروايات تقول بأن مذهبهم في القدر هو أمر بين المرين ل‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ /‬باب الجبر والقدر والمر بين المرين‪ ،1/155 :‬وانظر‪ :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫جبر ول تفويض‬
‫‪ ،56 ،5/22‬الفصول المهمة‪ :‬ص ‪.].72‬‬
‫ولهذا قال المجلسي‪" :‬اعلم أنّ الذي استفاض عن الئمّة هو نفي الجبر والتّفويض وإثبات مر‬
‫بين المرين" [بحار النوار‪.].5/82 :‬‬
‫ونفي الجبر واضح القصد وهو الخروج عن مذهب الجبرية‪ ،‬ولكن ماذا يريدون بالتفويض؟‬
‫يقول المجلسي‪" :‬وأما التفويض فهو ما ذهب إليه المعتزلة من أنه تعالى أوجد العباد‪ ،‬وأقدرهم‬
‫على تلك الفعال وفوض إليهم الختيار‪ ،‬فهم مستقلون بإيجادها وفق مشيئتهم وقدرتهم وليس ل‬
‫في أفعالهم صنع" [بحار النوار‪.].5/83 :‬‬
‫كذلك عندهم روايات أخرى تنتقد مذهب المعتزلة‪ ،‬وتشنع على القائلين به‪ ،‬فهو رد على‬
‫الشيعة نفسها في سلوكها مسلك المعتزلة‪ ،‬جاء في تفسير القمي – في التشنيع على القدرية نفاة‬
‫القدر من المعتزلة ومن نهج سبيلهم – قول إمامهم‪" :‬القدرة الذين يقولون ل قدر‪ ،‬ويزعمون أنهم‬
‫قادرون على الهدى والضللة‪ ،‬وذلك إليهم إن شاءوا اهتدوا‪ ،‬وإن شاءوا ضلوا‪ ،‬وهم مجوس‬
‫هذه المة‪ ،‬وكذب أعداء ال؛ المشيئة والقدرة ل { َكمَا بَدََأكُ ْم تَعُودُونَ‪َ ،‬فرِيقًا هَدَى َو َفرِيقًا حَقّ‬
‫لَلةُ} [العراف‪ ،‬آية‪ .].30 ،29 :‬من خلقه ال شقيًا يوم خلقه كذلك يعود إليه شقيًا‪ ،‬ومن‬
‫عَل ْيهِمُ الضّ َ‬
‫َ‬
‫خلقه سعيدًا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدًا‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الشقي من‬
‫[تفسير القمر‪ ،227-1/226 :‬بحار النوار‪:‬‬ ‫شقي في بطن أمه‪ ،‬والسعيد من سعد في بطن أمه"‬
‫‪.].5/9‬‬
‫وقال أبو عبد ال‪" :‬إنك لتسأل عن كلم أهل القدر وما هو من ديني ول دين آبائي ول وجدت‬
‫أحدًا من أهل بيتي يقول به" [بحار النوار‪ ،5/56 :‬البرهان‪.].1/398 :‬‬
‫وقال‪" :‬ويح هذه القدرية أما يقرأون هذه الية‪{ :‬إِل ا ْمرََأ َتهُ قَ ّد ْرنَاهَا مِنَ الْغَا ِبرِينَ} ويحهم من‬
‫وما‬ ‫قدّرها إل ال تبارك وتعالى" [بحار النوار‪ ].5/56 :‬وغيرها كثير [انظر‪ :‬بحار النوار‪5/116 ،‬‬
‫بعدها رقم ‪ ،69 ،61 ،60 ،59 ،58 ،57 ،54 ،53 ،52 ،51 ،50 ،49‬وغيرها‪.].‬‬

‫‪410‬‬
‫هذه الروايات تعبر عن مذهب الئمة في إثبات القدر‪ ،‬وقد تشير إلى ما عليه قدماء الشيعة‬
‫من الثبات‪ ،‬وقد أعرض عن هذه الروايات الشيعة المتأخرون بل دليل سوى تقليد أهل‬
‫العتزال‪ ،‬وأغمضوا النظر عما يعارض ذلك من روايات كثيرة عندهم‪ ،‬بل إن الشيعة جعلوا‬
‫من أصولهم العدل كالمعتزلة سواءً بسواء‪ .‬وهذه الكلمة في ظاهرها لفظ جميل‪ ،‬ولكنها تخفي‬
‫وراءها معنىً خطيرًا‪ ،‬وهو إنكار قدر ال عز وجل‪.‬‬
‫قال أحد شيوخهم‪" :‬أمّا الماميّة فالعدل من أركان اليمان عندهم بل ومن أصول السلم"‬
‫[هاشم معروف‪ /‬الشّيعة بين الشاعرة والمعتزلة‪ :‬ص ‪ ،240‬عبد المير قبلن‪ /‬عقيدة المؤمن‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫مع أن أقوال الئمة – كما أثبتته كتبهم المعتمدة عندهم – ل تصرح بنفي القدر في أكثر‬
‫رواياتهم – كما مضى – بل تهاجم المعتزلة وتنتقد مذهبها في القدر‪ ،‬كما تقرر جملة أن الحق‬
‫ليس مع المعتزلة القدرية‪ ،‬ول مع الجبرية بل الحق منزلة أخرى ثالثة‪ ،‬وهذا حق‪ ،‬ولكن تفسير‬
‫هذه المنزلة‪ ،‬أو المر بين المرين ما هو؟‬
‫لقد أحجمت بعض رواياتهم عن تفيسر هذا واكتفت بإطلق هذا القول‪ .‬ولما سئل أبو عبد ال‬
‫عن معناه لم يجب وقالت رواياتهم في وصف موقفه من هذا السؤال‪" :‬فقلب يده مرتين أو ثلثًا‬
‫[ابن بابويه‪ /‬التوحيد‪ :‬ص ‪ ،363‬بحار النوار‪ ،5/53 :‬وجاءت روايات أخر‬ ‫ثم قال‪ :‬لو أجبتك فيه لكفرت"‬
‫شبيهة بهذا منها ما يقول بأن ذلك "سر من أسرار ال"‪( .‬بحار النوار‪ )5/116 :‬أو "أن بينهما ما بين السماء‬
‫والرض" (المصدر السابق ‪ ،)5/116‬وما ماثل ذلك‪.].‬‬
‫وقد حمل بعض شيوخهم هذا الموقف من "جعفر" على التقية "لنه – بزعمهم – كان يعلم أنه‬
‫ل يدركه عقل السائل فيشك فيه أو يجحده فيكفر" [المجلسي‪ /‬بحار النوار‪.].54-5/53 :‬‬
‫ولعل هذا التوقف هو ما أشار إليه الشعري من أنه أحد مذاهب الرافضة الثلثة‪ .‬كما أن‬
‫[شرح‬ ‫المذهب الول قد جاء على لسان شيخهم المفيد في قوله‪" :‬إن أفعال العباد غير مخلوقة ل"‬
‫عقائد الصدوق‪ :‬ص ‪ .].12-10‬وقد لوحظ أن المذهب الثالث وهو الثبات قد نطقت به طائفة من‬
‫رواياتهم‪ ،‬فأنت ترى أن المذاهب الثلثة للرافضة التي أشار إليها الشعري في مقالته قد‬
‫وجدت كلها ضمن مقالت الثني عشرية ورواياتهم‪.‬‬
‫وذكر صدوقهم في عقائده رواية تفسر قولهم بالمر بين المرين؛ حيث قال‪ :‬قيل لبي عبد‬
‫ال‪" :‬ما أمر بين المرين؟ فقال‪ :‬ذلك مثل رجل رأيته على المعصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل‬
‫[عقائد الصدوق‪ :‬ص‬ ‫تلك المعصية فليس حيث ل يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية"‬
‫‪.].75‬‬

‫‪411‬‬
‫فهو هنا يفسر القدر بالمر والنهي فحسب‪ ..‬وهو ل يكفي في بيان المذهب الحق في القدر‪..‬‬
‫إذ كان ال سبحانه ل سلطان له على العبد إل أمره أو نهيه‪.‬‬
‫ولكن نجد من شيوخهم من فسر ذلك بمقتضى مذهب أهل السنة وقال بما جاء في رواياتهم‬
‫من الثبات‪ ،‬وأعرض عما قاله طائفة من شيوخه وجعل ذلك هو معتقد طائفته فقال بعدما ذكر‬
‫ضلل الجبرية فيما ذهبوا إليه ‪,‬ان من قال بقولهم فقد نسب الظلم إليه تعالى عن ذلك‪ ،‬وضلل‬
‫القدرية فيما أخذوا به من نفي القدر‪ ،‬وأن من قال بذلك فقد أشرك مع ال غيره في الخلق –‬
‫قال‪ « :‬واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الطهار عليهم السلم من المر بين المرين‬
‫والطريق الوسط بين القولين‪ ..‬فقد قال إمامنا الصادق عليه السلم لبيان الطريق الوسط كلمته‬
‫المشهورة‪" :‬ل جبر ول تفويض ولكن أمر بين المرين"‪.‬‬
‫ما أجمل هذا المغزى‪ ،‬وما أدق معناه وخلصته‪" :‬أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن‬
‫أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا‪ ،‬ومن جهة أخرى هي مقدورة ل تعالى وداخلة في‬
‫سلطانه لنه هو مفيض الوجود ومعطيه‪ ،‬فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا على‬
‫المعاصي‪ ،‬لن لنا القدرة والختيار فيما نفعل‪ ،‬ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد‬
‫أخرجها عن سلطانه‪ ،‬بل له الخلق والمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد"‬
‫[المظفر‪ /‬عقائد‬
‫المامية‪ :‬ص ‪ ،68-67‬وقريب من ذلك ما ذكره شيخهم الزنجاني‪ /‬في عقائد الشيعة المامية الثني عشرية‪:‬‬
‫‪.].176-3/175‬‬
‫وهذه الكلمات ل تخالف ما قاله أهل السنة في باب أفعال العباد‪ ،‬وهي تفيد أن من شيوخ‬
‫الشيعة المتأخرين من يذهب إلى ما ذهب إليه أوائلهم‪ ،‬وما قررته معظم رواياتهم إذا لم يكن قد‬
‫جعل لكلماته ضربًا من التأويل أو لونًا من التقاء فذاك علمه عند ال‪.‬‬
‫وهذا ل ينفي أن شيوخ المذهب وأساطين الطّائفة قد ذهبوا في الغالب إلى ما ذهب إليه أهل‬
‫العتزال‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬قد كان في القديم الثبات هو الصل والنفي طارئ نتيجة التأثر بالتجاه‬
‫العتزالي‪ ،‬وعند المتأخرين النفي هو الكثير الغالب‪ ،‬والثبات موجود عند البعض‪.‬‬
‫ول شك بأن من قال بالنفي فقد قال بجزء من الدلة وعطل الباقي‪ ،‬ومن قال بالجبر فقد عمل‬
‫بالجزء الخر وعطل ما سواه‪ ،‬ومن أخذ بالقول الوسط فقد أعمل الدلة كلها‪ ،‬وآيات القرآن‬
‫أثبتت للعبد فعلً وقدرة ومشيئة‪ ،‬ولكنها تابعة لقدرة ال ومشيئته‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ومَا َتشَاؤُونَ إِل‬
‫أَن يَشَاء الّلهُ} [النسان‪ ،‬آية‪ ،30 :‬التكوير‪ ،‬آية‪.].29 :‬‬
‫قال شيخ السلم‪:‬‬
‫‪412‬‬
‫"فجمهور أهل السنة من السلف والخلف يقولون‪ :‬إن العبد له قدرة وإرادة وفعل‪ ،‬وال خالق‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ذلك كله كما هو خالق كل شيء‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة" ثم ساق الدلة في ذلك‬
‫منهاج السنة‪.].21-1/20 :‬‬
‫والروايات الكثيرة عند الرافضة – والتي مضى بعضها – هي أكبر شاهد من مذهبهم نفسه‬
‫[ولتفصيل القول في القدر‪ ،‬ونقض‬ ‫على بطلن ما ذهب إليه شيوخهم من الخذ بمذهب أهل العتزال‬
‫شبهات المعتزلة ومن قلدهم من الرافضة انظر‪ :‬منهاج السنة النبوية‪ 356 ،285 ،45-1/39 :‬وما بعدها‪ .‬وج‍‬
‫‪ 2/2‬وما بعدها‪ ،‬مجموع فتاوى شيخ السلم ج‪ ،‍8‬وفي مواضع متفرقة أخرى راجع المجلد ‪ 36‬ص ‪،153-143‬‬
‫وانظر شرح الطحاوية ص ‪ 217‬وما بعدها‪ ،352-347 ،‬وراجع رسالة الشيخ عبد الرحمن المحمود‪ /‬القضاء‬
‫والقدر‪.].‬‬

‫الباب الثالث‬
‫أصولهم ومعتقداتهم [الخرى] التي تفردوا بها‬
‫وفيه ثمانية فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬المامة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عصمة المام‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التقية‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬المهدية والغيبة‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬الرجعة‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬الظهور‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬البداء‪.‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬الطينة‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫المامة‬
‫المامة عند الشيعة هي الصل الذي تدور عليه أحاديثهم وترجع إليه عقائدهم‪ ،‬وتلمس أثره‬
‫في فقههم وأصولهم‪ ،‬وتفاسيرهم وسائر علومهم‪.‬‬
‫ولقد اهتم الشيعة بأمرها في القديم والحديث‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫وفيما يلي عرض لهم جوانبها‪ :‬مفهومها‪ ،‬ومنشئها‪ ،‬ومنزلتها في مذهبهم‪ ،‬وكتمانهم لها في‬
‫بادئ المر‪ ،‬ثم بدء شيوخ الشيعة في الستدلل عليها‪ ،‬وعرض لما يعدونه أقوى أدلتهم فيها‬
‫ومناقشته‪ ،‬ثم حديث عن تكفيرهم لمنكرها‪ ،‬حتى كفروا الصحابة‪ ،‬وأهل البيت‪ ،‬وحكام المسلمين‪،‬‬
‫وقضاتهم‪ ،‬والمصار السلمية وشعوبها‪ ،‬والفرق السلمية بكل اتجاهاتها‪ ،‬والمة جميعًا‪ ،‬كل‬
‫ذلك على سبيل التعيين والتخصيص‪.‬‬
‫وسيتبين هذا في الصفحات التالية‪ ،‬ومن خلل ما قالته كتبهم المعتمدة عندهم‪.‬‬
‫[المامة‪ ،‬في اللغة‪ :‬التقدم‪ ،‬تقول‪ :‬أ ّم القوم‪ ،‬وأ ّم بهم تقدمهم وهي المامة‪ ،‬والمام كل من ائتم به‬ ‫مفهوم المامة‬
‫قوم كانوا على الصراط المستقيم‪ ،‬أو كانوا ضالين‪ ،‬ويطلق المام على الخليفة‪ ،‬وعلى العالم المقتدى به‪ ،‬وعلى من‬
‫يؤتم به في الصلة (انظر‪ :‬اللسان‪ ،‬والقاموس‪ ،‬والمصباح‪ ،‬مادة‪ :‬أمّ‪ ،‬وراجع في تعريف المامة عند أهل السنة‪:‬‬
‫الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ ،5‬مقدمة ابن خلدون‪ ].)518-2/516 :‬عند الشيعة ومنشؤها‪:‬‬
‫لعل أول من تحدث عن مفهوم المامة بالصورة الموجودة عند الشيعة هو ابن سبأ‪ ،‬الذي بدأ‬
‫يشيع القول بأن المامة هي وصاية من النبي‪ ،‬ومحصورة بالوصي‪ ،‬وإذا تولها سواه يجب‬
‫البراءة منه وتكفيره‪ ،‬فقد اعترف كتب الشّيعة بأنّ ابن سبأ "كان أوّل من أشهر القول بفرض‬
‫[رجال الكشّي‪ :‬ص ‪،109-108‬‬ ‫إمامة عليّ‪ ،‬وأظهر البراءة من أعدائه‪ ،‬وكاشف مخالفيه وكفّرهم"‬
‫القمّي‪ /‬المقالت وال ِفرَق‪ :‬ص ‪ ،20‬النّوبختي‪ِ /‬فرَق الشّيعة ص ‪ ،22‬الرّازي‪ /‬الزّينة‪ :‬ص ‪ ،305‬وانظر‪ :‬المِلَل‬
‫ص على إمامة عليّ رضي ال‬‫والنّحَل‪ ،1/174 :‬حيث قال الشّهرستاني عن ابن سبأ‪" :‬وهو أوّل من أظهر القول بالنّ ّ‬
‫عنه"‪ ].‬لنه كان يهودي الصل‪ ،‬يرى أن يوشع بن نون هو وصي موسى‪ ،‬فلما أسلم أظهر هذه‬
‫[رجال الكشّي‪ :‬ص ‪ ،109-108‬القمّي‪ /‬المقالت وال ِفرَق‪ :‬ص ‪ ،20‬النّوبختي‪/‬‬ ‫المقالة في علي بن أبي طالب‬
‫فِرَق الشّيعة ص ‪ ،22‬الرّازي‪ /‬الزّينة‪ :‬ص ‪ ،305‬وانظر‪ :‬المِلَل والنّحَل‪.].1/174 :‬‬
‫وهذا ما تواضع عليه شيوخ الشيعة‪ ،‬فابن بابويه القمي يسجّل عقائد الشّيعة في القرن الرّابع‬
‫ل نبي وصيّا أوصى إليه بأمر ال تعالى" [عقائد الصّدوق‪ :‬ص ‪.].106‬‬
‫ويقول بأنّهم‪" :‬يعتقدون بأنّ لك ّ‬
‫[عقائد الصدوق‪ :‬ص‬ ‫ويذكر أن عدد الوصياء "مائة ألف وصي‪ ،‬وأربعة وعشرون ألف وصي"‬
‫[بحار النوار‪،342 /39 :‬‬ ‫‪ ،].106‬كما يذكر المجلسي في أخباره "أن عليًا هو آخر الوصياء"‬
‫ومعنى هذا أنّه ل وصيّ بعد عليّ‪ ،‬وأنّ إمامة من بعده باطلة‪ ،‬لنّهم ليسوا بأوصياء‪ ،‬وهذا ينقض مذهب الثني‬
‫عشريّة من أصله‪ ،].‬وجاء في بعض عناوين البواب في الكافي "باب أن المامة عهد من ال عز‬
‫وجل معهود من واحد إلى واحد" [أصول الكافي‪ .].1/227 :‬و"باب ما نص ال عز وجل ورسوله‬
‫على الئمة واحدًا فواحدًا" [أصول الكافي‪ ].1/286 :‬وقد ضمنها مجموعة من أخبارهم التي يعدونها‬
‫من الدلة التي ل يرقى إليها الشك‪ .‬ولهذا قال شيخهم مقدار الحلي (ت ‪ )821‬بأن مستحق‬

‫‪414‬‬
‫[النافع‬ ‫المامة عندهم لبد أن "يكون شخصًا معهودًا من ال تعالى ورسوله ل أي شخص اتفق"‬
‫يوم الحشر‪ :‬ص ‪.].47‬‬
‫ويقرّر محمد حسين آل كاشف الغطا أحد مراجع الشيعة في هذا العصر‪" :‬أنّ المامة منصب‬
‫إلهي كالنّبوّة‪ ،‬فكما أنّ ال سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة ويؤيّد بالمعجزة‬
‫التي هي كنصّ من ال عليه‪ ..‬فكذلك يختار للمامة من يشاء ويأمر نبيّه بالنّصّ عليه وأن‬
‫ينصبه إمامًا للنّاس من بعده" [أصل الشّيعة وأصولها‪ :‬ص ‪.].58‬‬
‫فأنت ترى أن مفهوم المامة عندهم كمفهوم النّبوّة‪ ،‬فكما يصطفي ال سبحانه من خلقه أنبياء‪،‬‬
‫يختار سبحانه أئمّة‪ ،‬وينصّ عليهم‪ ،‬ويعلم الخلق بهم‪ ،‬ويقيم بهم الحجّة‪ ،‬ويؤيّدهم بالمعجزات‪،‬‬
‫وينزّل عليهم الكتاب‪ ،‬ويُوحي إليهم‪ ،‬ول يقولون أو يفعلون إل بأمر ال ووحيه‪ ..‬أي إنّ المامة‬
‫هي النّبوّة‪ ،‬والمام هو النّبيّ‪ ،‬والتّغيير في السم فقط‪ .‬ولذلك قال المجلسي‪" :‬إنّ استنباط الفرق‬
‫بين النّبيّ والمام من تلك الخبار ل يخلو من إشكال" [بحار النوار‪ ،].26/82 :‬ثم قال‪" :‬ول‬
‫نعرف جهة لعدم اتّصافهم بالنّبوّة إل رعاية خاتم النبياء‪ ،‬ول يصل عقولنا فرق بين النّبوّة‬
‫والمامة" [بحار النوار‪.].26/82 :‬‬
‫هذا قولهم في مفهوم المامة‪ ،‬ويكفي في نقده أنه ل سند لهم فيه إل ابن سبأ واليهودية‪.‬‬
‫منزلة المامة عندهم‪:‬‬
‫مسألة المامة عند أهل السنة ليست من أصول الدين التي ل يسع المكلف الجهل بها‪ ،‬كما‬
‫[انظر‪ :‬المدي‪ /‬غاية المرام‪ :‬ص ‪ ،363‬الغزالي‪ /‬القتصاد‪ :‬ص ‪ ،134‬مقدمة ابن‬ ‫قرره جمع من أهل العلم‬
‫خلدون‪ ..].3/1080 :‬ولكنها عند الشيعة (بمفهومها السبئي) لها شأن آخر‪ ،‬فالنوبختي يذكر بأن‬
‫من فرق الشيعة من يذهب إلى أن المامة من أجل المور بعد النبوة [فرق الشيعة‪ :‬ص ‪،].19‬‬
‫ولكنها عند آل كاشف الغطاء‪" :‬منصب إلهي كالنبوة" [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ .].58‬وفي أحاديث الكليني‬
‫في الكافي تعلو على مرتبة النبوة [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].1/175 :‬وهذا ما يجاهر به جملة من‬
‫شيوخهم‪ .‬قال شيخهم نعمة ال الجزائري‪" :‬المامة العامّة التي هي فوق درجة النّبوّة‬
‫والرّسالة‪[ "..‬زهر الرّبيع‪ :‬ص ‪.].12‬‬
‫وقال هادي الطّهراني – أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر ‪" :-‬المام أجلّ من النّبوّة‪،‬‬
‫فإنّها مرتبة ثالثة شرّف ال تعالى بها إبراهيم بعد النّبوّة والخلة‪[ "..‬ودايع النّبوّة‪ :‬ص ‪.].114‬‬
‫وفي الكافي روايات تجعل المامة أعظم أركان السلم‪.‬‬
‫روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال‪" :‬بني السلم على خمس‪ :‬على الصّلة والزّكاة‬
‫والصّوم والحجّ والولية‪ ،‬ولم يناد بشيء كما نودي بالولية‪ ،‬فأخذ النّاس بأربع وتركوا هذه –‬
‫‪415‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،‬كتاب اليمان والكفر‪ ،‬باب دعائم السلم‪ ،2/18 :‬رقم ‪ ،3‬قال في شرح الكافي‬ ‫يعني الولية –"‬
‫رقم‬ ‫في بيان درجة هذا الحديث عندهم‪" :‬موثق كالصّحيح" فهو معتبر عندهم‪( .‬الشّافي شرح الكافي‪5/28 :‬‬
‫‪.].)1487‬‬
‫فأنت ترى أنهم أسقطوا الشّهادتين من أركان السلم‪ ،‬ووضعوا مكانهما الولية‪ ،‬وعدوها من‬
‫أعظم الركان‪ ،‬كما يدل عليه قولهم‪" :‬ولم يناد بشيء كما نودي بالولية" وكما يدل عليه حديثهم‬
‫الخر‪.‬‬
‫وقد ذكر فيه نص الرواية السابقة وزاد‪" :‬قلت (الراوي)‪ :‬وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال‪:‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،‬كتاب اليمان والكفر‪ ،‬باب دعائم السلم‪ ،2/18 :‬وهو حديث صحيح السند حسب‬ ‫الولية أفضل"‬
‫ما صرح به شيوخهم (انظر‪ :‬الشافي‪ )5/59 :‬وقد ورد حديثهم هذا في‪ :‬تفسير العياشي‪ ،1/191 :‬البرهان‪:‬‬
‫‪ ،1/303‬بحار النوار‪ .].1/394 :‬ورواية ثالثة بنحو الرواية الولى‪ ،‬مع زيادة تقول‪" :‬فرخص لهم‬
‫[قال المجلسي‪ :‬قوله‪ :‬فرخص لهم في أشياء؛ كقصر الصلة في السفر‪ ،‬وترك‬ ‫في أشياء من الفرائض الربع‬
‫الصيام في السفر والمرض‪ ،‬والحج والزكاة مع عدم الستطاعة" (مرآة العقول‪.].)4/369 :‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم السّماء مائة وعشرين‬
‫حتى قالوا في أخبارهم أيضًا بأنه‪" :‬عرج بالنّب ّ‬
‫مرّة‪ ،‬ما من مرّة إل وقد أوصى ال عزّ وجلّ فيها إلى النّبيّ بالولية لعليّ والئمّة من بعده أكثر‬
‫ممّا أوصاه بالفرائض" [ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،601-600‬بحار النوار‪" ].23/69 :‬وما وكّد على‬
‫[الحميري‪ /‬قرب‬ ‫العباد في شيء ما وكد عليهم بالقرار بالمامة‪ ،‬وما جحد العباد شيئًا ما جحدوها"‬
‫السناد‪ :‬ص ‪ ،123‬بحار النوار‪.].23/69 :‬‬
‫وبهذا الضلل يهذي شيوخهم‪ ،‬قال أحد مراجعهم في هذا العصر‪" :‬إن أعظم ما بعث ال‬
‫[هادي الطهراني‪ /‬ودايع النبوة‪ :‬ص ‪ ،115‬وانظر في هذا‬ ‫تعالى نبيه من الدين إنما هو أمر المامة"‬
‫المعنى‪ :‬محمد حسين آل كاشف الغطا‪ /‬راسالة عين الميزان‪ :‬ص ‪.].4‬‬
‫هذه منزلة إمامة الثني عشر عندهم‪ ،‬وما أدري أين سند هذه المنزلة المزعومة‪ ،‬وكتاب‬
‫السلم العظيم – كتاب ال – تذكر فيه مرات‪ ،‬وتؤكد كرات أركان السلم‪ :‬الشهادتان‪،‬‬
‫والصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج ول ذكر فيه لشأن ولية أئمتهم؟!‬
‫سرية هذا المبدأ‪:‬‬
‫وكانت مسألة المامة بمفهوم الشيعة تعني أن هناك خلية سرية وضعت لتباعها هذا المبدأ‬
‫لتعمل على تقويض أركان الخلفة السلمية‪ ..‬ولذلك فإنها ما إن كشفت هذا الوجه في عهد‬
‫الخلفة الراشدة‪ ..‬حتى وقف منها أمير المؤمنين عليّ موقفًا حازمًا وصارمًا‪ ..‬فتعقب ابن سبأ‬
‫ونفاه إلى المدائن‪ ،‬ونفى ما حاول إشاعته من أفكار في المجتمع السلمي‪ ..‬كما تعترف بذلك‬

‫‪416‬‬
‫[انظر‪ :‬القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،20‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪ ،23-22‬وفي رجال‬ ‫كتب الشيعة نفسها‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪ :107‬أن عليًا قتله‪.].‬‬
‫فعادت هذه الخلية تدعو لهذا المبدأ في سرية تامة‪ ،‬وكانت تقول في عصر علي الرضا كما‬
‫يظهر من إسناد النص إليه‪ ،‬تقول‪" :‬ولية ال أسرها إلى جبرائيل‪ ،‬وأسرها جبرائيل إلى محمد‪،‬‬
‫وأسرها محمد إلى عليّ‪ ،‬وأسرها علي إلى من شاء ال‪ ،‬ثم أنتم تذيعون ذلك‪ ،‬من الذي أمسك‬
‫حرفًا سمعه؟" [أي لم يوجد أحد أمسك كلمًا سمعه (المازندراني‪ /‬شرح جامع‪.].)9/123 :‬‬
‫قال أبو جعفر رضي ال عنه‪" :‬في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكًا لنفسه مقبلً‬
‫على شأنه عارفًا بأهل زمانه‪ ،‬فاتقوا ال‪ ،‬ول تذيعوا حديثنا" [أصول الكافي‪.].2/224 :‬‬
‫فهذا النص يشير إلى أن الولية من السرار في أصل التنزيل اللهي ويحذر من إظهار‬
‫الحديث عنها‪ ..‬أي إنه في العهد السلمي الزاهر المتقدم ل صوت مسموعًا للولية وشأنها‪..‬‬
‫ويعلل شارح الكافي ذلك بقوله‪" :‬لما كانت التقية شديدة في عصرهم عليهم السلم أمروا شيعتهم‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح جامع‪:‬‬ ‫بكتمان أسرارهم وإمامتهم وأحاديثهم وأحكامهم المختصة بمذهبهم‪."..‬‬
‫‪.].9/118‬‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫وعند حديث الكليني الذي يقول‪ .." :‬ول تبثّوا سرّنا‪ ،‬ول تذيعوا أمرنا"‬
‫‪ .].2/222‬قال شارح الكافي‪" :‬وهو أمر المامة والخلفة‪[ "..‬المازندراني‪ /‬شرح جامع‪.].9/119 :‬‬
‫وقال عند حديث آخر يسندونه لجعفر ويقول‪" :‬المذيع حديثنا كالجاحد له" [أصول الكافي‪.].2/224 :‬‬
‫قال‪" :‬واعلم أنّه عليه السّلم كان خائفًا من أعداء الدّين على نفسه المقدّسة وعلى شيعته‪ ،‬وكان‬
‫[شرح جامع‪:‬‬ ‫في تقية شديدة منهم فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالّ على إمامته أو إمامة آبائه"‬
‫‪.].10/26‬‬
‫[علّق مُصحّح‬ ‫وكان هناك ميثاق دائم بينهم على الكتمان‪ ،‬قالوا‪" :‬إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق‬
‫الكافي عند هذا فقال‪" :‬أي بالعهد الذي أخذه ال ورسوله على الئمّة عليهم السّلم أن يكتموه من غير أهله" (أصول‬
‫الكافي‪ ،2/227 :‬هامش رقم(‪ ].)1‬فمن هتك علينا أذلّه ال" [أصول الكافي‪.].2/227 :‬‬
‫وتحدد بعض نصوصهم بدء إذاعة أمر الولية بأنه كان على يد طائفة الكيسانية فتقول‪" :‬ما‬
‫[كيسان‪ :‬لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه الكيسانية‪.‬‬ ‫زال سرنا مكتومًا حتى صار في يد ولد كيسان‬
‫(شرح جامع‪ ].)122-9/121 :‬فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد" [أصول الكافي‪.].2/223 :‬‬
‫وهذه الخلية التي وضعت الخطوط الساسية لمر الولية على وفق المنهج السبئي ل تنسى‬
‫أن توصي أتباعها بأن يتستروا بالتجاه الشيعي المعتدل لنشر فكرتهم بين الناس‪ ،‬فقد جاء في‬
‫أصول الكافي‪" :‬كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنه ل يصيبكم أمر تخصون به أبدًا‪ ،‬ول تزال‬
‫‪417‬‬
‫الزيدية لكم وقاء أبدًا" [أصول الكافي‪ .].2/225 :‬ويحتمل أن المراد أن الزيدية لظهارها طلب‬
‫[شرح جامع‪:‬‬ ‫الولية هي التي يوقع بها وتسلمون أنتم للتزامكم بالتقية كما أشار إليه شارح الكافي‬
‫‪.].9/126‬‬
‫وإذا كانت الولية صنو النّبوّة أو أعظم فلماذا تكون س ّريّة مُحاطة بالكتمان‪ ،‬حتى إنّ رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم والذي أمره ال أن يبلّغ ما أنزل ال – يخفي أمرها ويسرّها إلى‬
‫عليّ‪ ،..‬ثم يسرّها عليّ إلى من شاء؟!‬
‫ول تحدد هذه الرواية الشخاص الذين أسرها عليّ إليهم‪ ..‬وتترك المر لمشيئته يختار ما‬
‫يريد‪ ،‬أما غير علي فل خيرة له في الختيار! فكيف تكون الولية التي هي أصل النجاة عندهم‪،‬‬
‫وأساس قبول العمال‪ ،‬والفيصل بين اليمان والكفر كيف تظل سرية حتى يتولى نشرها ولد‬
‫كيسان؟! ويعدون ذلك خروجًا عن الصل المأمور به‪.‬‬
‫إن هذه النصوص تدل على أن واضعي هذه الفكرة هم من أعداء المة‪ ،‬واستغلوا هذه‬
‫المسألة لتنفيذ أغراضهم‪ ،‬ولذلك أحاطوها بجو من السرية والكتمان‪ ،‬ونسبوها لل البيت‪ ،‬لتجد‬
‫طريقها إلى قلوب الناس الذين آلمهم ما جرى من أحداث على بعض علماء أهل البيت‪ ،‬والتي‬
‫كانت هذه الزمر الحاقدة المدعية للتشيع أحد أسبابها الرئيسة‪.‬‬
‫حصر الئمة بعدد معين‪:‬‬
‫كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند عليّ‪ ،‬ولكن جاء فيما بعد من عممها في مجموعة من‬
‫أولده‪ ..‬وكانت "الخليا" الشيعية تعمل بصمت وسرية‪ ..‬ومع ذلك فقد كانت تصل بعض هذه‬
‫الدعاوى إلى بعض أهل البيت‪ ،‬فينفون ذلك نفيًا قاطعًا‪ ،‬كما فعل جدهم أمير المؤمنين عليّ‪،‬‬
‫ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت "عقيدة التقية" حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في‬
‫مأمن من تأثر التباع بمواقف أهل البيت الصادقة والمعلنة للناس‪.‬‬
‫ترد رواية في "رجال الكشي" ‪ -‬أهم كتاب عندهم ‪" :-‬في الرجال" تكشف بأن شيطان الطاق‬
‫[وتلقبه الشيعة مؤمن الطاق (انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ )185‬وانظر ترجمته ص(‪ )207‬من هذه الرسالة‪ ].‬هو‬
‫الذي بدأ يشيع القول بأن المامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت‪ ،‬وأنه حينما علم‬
‫بذلك زيد بن عليّ بعث إليه ليقف على حقيقة الشاعة‪ ،‬فقال له زيد‪" :‬بلغني أنك تزعم أن في آل‬
‫محمد إمامًا مفترض الطاعة؟ قال شيطان الطاق‪ :‬نعم‪ ،‬وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها‪ ،‬أفترى أنه كان يشفق عليّ‬
‫من حر اللقمة‪ ،‬ول يشفق علي من حر النار؟ قال (شيطان الطاق)‪ :‬قلت له‪ :‬كره أن يخبرك‬
‫فتكفر فل يكون له فيك الشفاعة‪ ،‬ل وال فيك المشيّة – كذا –" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].186‬‬
‫‪418‬‬
‫وفي رواية الكليني في الكافي‪ :‬قال زيد بن علي لبي جعفر‪" :‬يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي‬
‫على الخوان فيلقمني البضعة السمينة‪ ،‬ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد‪ ،‬شفقة عليّ‪ ،‬ولم يشفق‬
‫عليّ من حر النار‪ ،‬إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فأجابه شيطان الطاق‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬من‬
‫شفقته عليك من حر النار لم يخبرك‪ ،‬خاف عليك أن ل تقبله فتدخل النار‪ ،‬وأخبرني أنا‪ ،‬فإن‬
‫قبلت نجوت‪ ،‬وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار‪[ "..‬أصول الكافي‪.].1/174 :‬‬
‫[انظر‪ :‬تنقيح المقال‪:‬‬ ‫وينقل الستاذ محب الدين الخطيب هذا النص من تنقيح المقال للمقاني‬
‫‪ ،].1/470‬ويأخذ منه أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر المامة‬
‫[مجلة الفتح ص ‪ ،5‬العدد (‪ ،)862‬خاتمة‬ ‫والتشريع وادعى العصمة لناس مخصوصين من آل البيت‬
‫العام الثامن عشر‪ ،‬ذو الحجة ‪1367‬ه‍‪.].‬‬
‫كما نقل الستاذ محب هذا النص أيضًا من تنقيح المقال في تعليقه على مختصر التحفة وعقب‬
‫على ذلك بقوله‪" :‬وهكذا اخترع شيطان الطاق أكذوبة المامة‪ ،‬التي صارت من أصول الديانة‬
‫عند الشيعة‪ ،‬واتهم المام عليًا زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن ابنه الذي‬
‫هو من صفوة آل محمد‪ ،‬كما اتهم المام زيدًا بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته‬
‫لليمان بإمامة أبيه‪ ..‬والشيعة هم الذين يروون هذا الخبر في أوثق المصادر عندهم ويعلنون فيه‬
‫أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد المام زيد ما ل يعرفه المام زيد من والده‬
‫مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم‪.‬‬
‫وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذي روى عنه الجاحظ في كتابه عن المامة‪ :‬أن ال لم‬
‫(الهامش)‪ ،‬وقد‬ ‫يقل‪{ :‬ثَا ِنيَ ا ْث َنيْنِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ} [انظر‪ :‬مختصر التحفة الثني عشرية ص ‪196-195‬‬
‫مرّ نقل ما رواه الجاحظ عن شيطان الطاق بتمامه في هذا الكتاب‪ :‬ص(‪.].)206‬‬
‫وتذكر كتب الشيعة أنه بلغ جعفرًا ما يقوله شيطان الطاق‪ ،‬وما يجادل به في أمر المامة‬
‫فقال‪" :‬لو شاء ظريف من مخاصميه أن يخصمه فعل؟ قلت (القائل هو الراوي)‪ :‬كيف ذاك؟‬
‫فقال‪ :‬يقول‪ :‬أخبرني عن كلمك هذا من كلم إمامك؟ فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬كذب علينا‪ ،‬وإن قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال له‪ :‬كيف تتكلم بكلم لم يتكلم به إمامك‪ ،‬ثم قال (أي جعفر الصادق) ‪ :‬إنهم يتكلمون بكلم‬
‫إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضللة‪ ،‬وإن برئت منه شق علي‪ ،‬نحن قليل وعدونا‬
‫كثير‪ ،‬قلت (أي الراوي) ‪ :‬جعلت فداك فأبلغه عنك ذلك؟ قال‪ :‬أما إنهم قد دخلوا في أمر ما‬
‫يمنعهم عن الرجوع عنه إل الحميّة‪ ،‬قال‪ :‬فأبلغت أبا جعفر الحول ذاك فقال‪ :‬صدق بأبي وأمي‬
‫ما يمنعني من الرجوع عنه إل الحمية" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].191-190‬‬

‫‪419‬‬
‫ولقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم [مضى التعريف به‪( ].‬المتوفى سنة‬
‫‪ )179‬بل يرى القاضي عبد الجبار الهمداني أن الذي ادعى النص‪ ،‬وجرأ الناس على شتم أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان والمهاجرين والنصار هشام بن الحكم وهو ابتدأه ووضعه‪ ،‬وما ادعى هذا‬
‫[تثبيت دلئل النبوة‪ ،1/225 :‬ولعل القاضي يريد النص على أناس بأعيانهم من أهل البيت‪ ،‬إذ إن‬ ‫النص أحد قبله‬
‫النص على علي وحده‪ ،‬قد سبقه إليه "ابن سبأ"‪.].‬‬
‫وفي رجال الكشي ما يفيد أن مؤامرة هشام بن الحكم في مسألة المامة وصل خبرها إلى‬
‫هارون الرشيد‪ ،‬حيث قال له يحيى بن خالد البرمكي‪" :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إني قد استنبطت أمر‬
‫هشام فإذا هو يزعم أن ل في أرضه إمامًا غيرك مفروض الطاعة‪ ،‬قال‪ :‬سبحانه ال! قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ويزعم أن لو أمره بالخروج لخرج" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ..].258‬فيظهر أن هارون – كما يدل عليه‬
‫هذا النص – فوجئ بهذه المقالة مما يدل على جدتها‪.‬‬
‫وقد أشاع هشام بن الحكم أن ما يقول به في المامة إنما هو عن أمر موسى الكاظم‪ ،‬فأساء‬
‫إليه أبلغ الساءة حتى سجنه المهدي العباسي ثم أخرجه "وأخذ عليه العهد أن ل يخرج عليه ول‬
‫[ابن كثير‪ /‬البداية والنهاية‪:‬‬ ‫على أحد من أولده‪ ،‬فقال‪ :‬وال ما هذا من شأني ول حدثت فيه نفسي"‬
‫‪.].10/183‬‬
‫وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى أن موسى الكاظم – رحمه ال – متهم بالتطلع للملك‪،‬‬
‫ولذلك سجنه المهدي ثم الرشيد [منهاج السنة‪.].2/155 :‬‬
‫ويبدو أن الذي يعمل على ترويج هذه الشاعة في الخفاء ضده هو هشام بن الحكم ومن لف‬
‫لفه‪ ..‬ولذلك أقرت روايات الشيعة بأن سبب سجن موسى هو هشام بسبب ما ينسبه له من‬
‫أقوال‪ ،‬وما يشيعه عنه من افتراءات تدور حول المامة وأحقيته بها‪ ..‬ولذلك لما بلغ هارون‬
‫شيء من ذلك عن هشام قال لعامله‪" :‬شد يدك بهذا وأصحابه‪ ،‬وبعث إلى أبي الحسن موسى‬
‫عليه السلم فحبسه‪ ،‬فكان هذا سبب حبسه مع غيره من السباب" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].262‬‬
‫[لن الشيعة تزعم أنه‬ ‫واتهمت نصوص الشيعة هشامًا بأنه هو الذي شارك في قتل موسى الكاظم‬
‫[رجال‬ ‫قتل مسمومًا في سجن الرشيد‪ ].‬فقالت‪" :‬هشام بن الحكم‪ ..‬ضال مضل شرك في دم أبي الحسن"‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪.].268‬‬
‫وقد طلب منه أبو الحسن – كما تقول روايتهم – أن يكف عن الكلم‪ ،‬ولكنه أمسك عن الكلم‬
‫شهرًا ثم عاد‪ ،‬فقال له أبو الحسن‪" :‬أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬وكيف‬
‫تشرك في دمي‪ ،‬فإن سكت وإل فهو الذبح؟ فما سكت حتى كان من أمره ما كان (صلى ال‬
‫عليه)" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].279 ،271-270‬‬
‫‪420‬‬
‫ولذلك قال أبو الحسن الرضا – كما تروي كتب الشيعة ‪ ..." :-‬هشام بن الحكم فهو الذي‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫صنع بأبي الحسن ما صنع وقال لهم وأخبرهم‪ ،‬أترى ال يغفر له ما ركب منا"‬
‫‪.].278‬‬
‫وكشفت كتب الشيعة بأن هشامًا قد تربى في أحضان بعض الزنادقة‪ ،‬ففي رجال الكشي "‪..‬‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .278‬وهو‪ :‬أبو شاكر الديصاني‬ ‫وهشام من غلمان أبي شاكر‪ ،‬وأبو شاكر زنديق"‬
‫صاحب الديصانية‪ ،‬مر التعريف بها ص‪ ،205:‬وهو الذي ساهم في إضلل هشام بن الحكم (انظر‪ :‬الرافعي‪ /‬تحت‬
‫راية القرآن‪ :‬ص ‪ ،].)176‬ومع ذلك فإن أحد آيات الشيعة في هذا العصر يقول عن هشام صاحب‬
‫كل هذه البليا التي تنقلها أوثق كتب الشيعة في الرجال يقول عنه‪" :‬لم يعثر أحد من سلفنا على‬
‫شيء مما نسبه الخصم إليه‪[ "..‬عبد الحسين الموسوي‪ /‬المراجعات‪ :‬ص ‪ ].313‬وما أدري هل يخفى‬
‫عليه المر؟ أو ينكر تقية؛ لنه يظن أن الناس ل علم لهم بما فيه كتبهم‪.‬‬
‫فإذًا هشام بن الحكم‪ ،‬وشيطان الطاق وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير‬
‫المؤمنين عليّ ثم عمومها على آخرين من سللة أهل البيت‪ ،‬واستغلوا بعض ما جرى على أهل‬
‫البيت‪ ،‬كمقتل علي والحسين‪ ،‬في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم‪ ،‬والدخول إلى قلوبهم لتحقيق‬
‫أغراضهم ضد الدولة السلمية في ظل هذا الستار‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬بحار النوار‪].100/259 :‬‬ ‫ويبدو أن عقيدة حصر المامة بأناس معينين سرت في الكوفة‬
‫بسعي مجموعة من أتباع هشام والشيطان‪ ،‬وكان بعض من تعرض عليه هذه الدعوة في‬
‫المجتمع السلمي‪ ،‬يذهب إلى جعفر يسأله عن حقيقة المر‪ ،‬فيروي الكشي بسنده عن سعيد‬
‫العرج‪ .‬قال‪ :‬كنا عند أبي عبد ال رضي ال عنه فاستأذن له رجلن‪ ،‬فأذن لهما‪ ،‬فقال أحدهما‪:‬‬
‫أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال‪ :‬ما أعرف ذلك فينا‪ ،‬قال‪ :‬بالكوفة قوم يزعمون أن فيكم إمامًا‬
‫مفترض الطاعة‪ ،‬وهم ل يكذبون أصحاب ورع واجتهاد‪ ..‬منهم عبد ال بن يعفور وفلن‬
‫[ل يخفى ما في‬ ‫وفلن‪ ،‬فقال أبو عبد ال رضي ال عنه‪ :‬ما أمرتهم بذلك‪ ،‬ول قلت لهم أن يقولوه‬
‫هذه الكلمة من تلميح إلى أن إنكار جعفر كان على سبيل التقية‪ ،].‬قال‪ :‬فما ذنبي! واحمر وجهه وغضب‬
‫غضبًا شديدًا‪ ،‬قال‪ :‬فلما رأيا الغضب في وجهه قاما فخرجا‪ ،‬قال‪ :‬أتعرفون الرجلين؟ قلنا‪ :‬نعم‬
‫هما رجلن من الزيدية [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].427‬‬
‫إذن فكرة حصر الئمة بعدد معي قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن يدعي الصلة‬
‫بأهل البيت أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم‪.‬‬
‫ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الئمة‪ ،‬قال في مختصر التحفة‪" :‬اعلم‬
‫أن المامية قائلون بانحصار الئمة‪ ،‬ولكنهم مختلفون في مقدارهم‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬خمسة‪،‬‬
‫‪421‬‬
‫[مختصر التحفة‪:‬‬ ‫وبعضهم‪ :‬سبعة‪ ،‬وبعضهم‪ :‬ثمانية‪ ،‬وبعضهم‪ :‬اثنا عشر‪ ،‬وبعضهم‪ :‬ثلث عشر"‬
‫ص ‪ .].193‬وأقوالهم في هذا كثيرة وأظن أنني لو قمت بنقل اتجاهاتهم في ذلك من خلل كتب‬
‫الفرق لقطع القارئ القراءة من الملل لكثرة خلفهم الذي يمضي على وتيرة واحدة‪ ،‬إذ بعد وفاة‬
‫كل إمام من أهل البيت تنشأ بعده فرق‪ ..‬منهم من يتوقف عليه ويجعل عدد الئمة ينتهي به‪،‬‬
‫ومنهم من يذهب يلتمس رجلً آخر من أهل البيت يتخذه إمامًا‪ ،‬ويكتسب من خلل ذلك‪ ،‬ويحقق‬
‫ما في نفسه من موروثات دينية سابقة‪ ،‬أو تطلعات عرقية وشعوبية‪ ،‬وينفذ من وراء ذلك أحقاده‬
‫ومطامعه‪..‬‬
‫وبحسب القارئ أن يطلع على كتب الفرق ليجد ذلك‪ ..‬بل إن كتب الفرق عند الشيعة نقلت‬
‫صورة هذا التباين والتناقض سواء كانت من كتب السماعيلية كمسائل المامة للناشئ الكبر‪،‬‬
‫أو الزينة لبي حاتم الرازي‪ ،‬أو من كتب الثني عشرية مثل‪ :‬المقالت والفرق للشعري القمي‪،‬‬
‫وفرق الشيعة للنوبختي‪ ،‬أو من كتب الزيدية كالمنية والمل للمرتضى‪.‬‬
‫وقضية المامة عندهم ليس بالمر الفرعي الذي يكون فيه الخلف أمرًا عاديًا‪ ،‬بل هي أساس‬
‫الدين وأصله المتين‪ ،‬ول دين لمن لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم بعضًا‪ ،‬بل إن أتباع‬
‫[ولذلك كانوا يشتكون من ذلك (انظر‪ :‬رجال‬ ‫المام الواحد يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪ ،)4499-498‬وانظر‪ :‬ص(‪ )747‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫أما الثنا عشرية فقد استقر قولهم – فيما بعد – بحصر المامة في اثني عشر إمامًا‪ ،‬و"لم‬
‫يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر‬
‫ي رضي ال عنهم من يقول بإمامة الثني عشر‪[ "..‬منهاج السنة‪ ].2/111 :‬وإنما‬
‫وعثمان وعل ّ‬
‫عرف العتقاد باثني عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري كما سبق [مضى ص(‪.].)103‬‬
‫وتجد في بعض الروايات عند الثني عشرية ملمح من الحيرة والتردد في عدد الئمة‪ ،‬مما‬
‫يدل على أن تلك الروايات موضوعة قبل وفاة الحسن العسكري‪ ،‬وأنه قبل ذلك لم تعرف عقيدة‬
‫اليمان بالثني عشر الذين تنتسب إليهم الثنا عشرية‪ ،‬أو أنها موضوعة قبل تحدد هذه العقيدة‬
‫عند الجعفرية‪ ،‬ول شك أن تلك الروايات نقد واضح للتجاه الثني عشري‪.‬‬
‫فقد جاء في روايات الكافي أن عليًا يسر بالولية إلى من شاء [مضى ذكر النص ص(‪.].)658‬‬
‫وقال شارح الكافي‪ :‬إلى من شاء من الئمة المعصومين [المازندراني‪ /‬شرح جامع‪ ،].9/123 :‬ول‬
‫تحدد هذه الرواية العدد‪ ،‬ول تعين الشخص‪ ،‬فكأن المر غير مستقر في تلك الفترة التي وضع‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫فيها الخبر‪ ،‬بينما تجد روايات عندهم تجعل الئمة سبعة وتقول‪" :‬سابعنا قائمنا"‬
‫‪ .].373‬وهذا ما استقر عليه المر عند السماعيلية‪.‬‬
‫‪422‬‬
‫ولكن لما زاد عدد الئمة أكثر عند الموسوية أو القطعية والتي سميت بالثني عشرية صار‬
‫هذا النص النف الذكر مبعث شك في عقيدة المامة لدى أتباع هذه الطائفة وحاول مؤسسو‬
‫المذهب التخلص منه‪ ،‬ونفي شك التباع بالرواية التالية‪" :‬عن داود الرقي قال‪ :‬قلت لبي الحسن‬
‫الرضا رضي ال عنه‪ :‬جعلت فداك إنه وال ما يلج في صدري من أمرك شيء إل حديثًا سمعته‬
‫من ذريح يرويه عن أبي جعفر رضي ال عنه‪ .‬قال لي‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬سابعنا‬
‫قائمنا إن ال‪ .‬قال‪ :‬صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر رضي ال عنه‪ ،‬فازددت وال شكًا‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا داود بن أبي خالد‪ ،‬أما وال لول أن موسى قال للعالم‪ :‬ستجدني إن شاء ال صابرًا ما‬
‫سأله عن شيء‪ ،‬وكذلك أبو جعفر عليه السلم لول أن قال‪ :‬إن شاء ال لكان كما قال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقطعت عليه" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].374-373‬‬
‫فكأنهم يجعلون هذا من باب البداء وتغير المشيئة والذي هو من عقائدهم – كما سيأتي –‬
‫لنهم يجدون به وسيلة للتخلص من أمثال هذه القوال‪.‬‬
‫ولقد كان أول كتاب ظهر للشيعة وهو كتاب سليم بن قيس قرر أن عدد الئمة ثلثة عشر‪،‬‬
‫وكان هذا من أسباب القدح فيه عند طائفة من شيوخ الثني عشرية‪.‬‬
‫كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأن الئمة‬
‫ثلثة عشر‪ .‬فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫إني واثني عشر إمامًا من ولدي وأنت يا علي زرّ الرض – يعني أوتادها وجبالها – بنا أوتد‬
‫ال الرض أن تسيخ بأهلها‪ ،‬فإذا ذهب الثنا عشر من ولدي ساخت الرض بأهلها ولم ينظروا‬
‫[أصول الكافي‪.].1/534 :‬‬
‫فهذا النص أفاد أن أئمتهم – بدون علي – اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلثة عشر‪ .‬وهذا‬
‫ينسف بنيان الثني عشرية‪ ..‬ولهذا يظهر أن شيخهم الطوسي في الغيبة تصرف في النص‬
‫وغير فيه فأورده بهذا اللفظ‪" :‬إني وأحد عشر من ولدي" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].92‬‬
‫كذلك روت كتب الشيعة الثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر قال‪" :‬دخلت على فاطمة‬
‫وبين يديها لوح فيه أسماء الوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم‪ ،‬ثلثة منهم‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/532 :‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،264‬المفيد‪ /‬الرشاد‪ :‬ص‬ ‫محمد وثلثة منهم علي"‬
‫‪ ،393‬الطوسي‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪.].92‬‬
‫فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلهم من أولد فاطمة‪ ،‬فإذن علي ليس من أئمتهم لنه‬
‫زوج فاطمة ل ولدها‪ ،‬أو يكون مجموع أئمتهم ثلثة عشر‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫ومما يدل أيضًا على أنهم لم يعتبروا عليًا من أئمتهم قوله‪ :‬ثلثة منهم علي‪ ،‬فإن المسمى‬
‫بعلي من الئمة عند الثني عشرية أربعة‪ :‬أمير المؤمنين علي‪ ،‬وعلي بن الحسين‪ ،‬وعلي‬
‫الرضا‪ ،‬وعلي الهادي‪.‬‬
‫ولذلك فإن ابن بابويه غير في النص فيما يبدو – في كتابه الخصال – حيث جاء النص عنده‬
‫بدون لفظة "من ولدها"‪ ،‬ولكن لم يفطن لباقي النص وهو قوله‪" :‬ثلثة منهم علي" فأثبته كما جاء‬
‫في المصادر الثني عشرية الخرى [انظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪].478-477‬؛ ولكنه في كتابه‬
‫[انظر‪ :‬ابن بابويه‪/‬‬ ‫عيون أخبار الرضا غير النص في الموضعين بما يتفق ومذهبه أو غيّره غيره‬
‫عيون أخبار الرضا‪.].2/52 :‬‬
‫ومن العجب أن بعض شيوخهم حكم بوضع كتاب سليم بن قيس لنه اشتمل على أن الئمة‬
‫ثلثة عشر ولم يحكم بمثل ذلك على الكافي الذي ورد فيه مثل ذلك‪ ،‬والمصادر الخرى التي‬
‫شاركته في هذا التجاه‪.‬‬
‫والقول بأن الئمة ثلثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به‪ ،‬ولعل تلك النصوص من‬
‫آثارها‪ ،‬وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في رده على من خالف التجاه الثني عشري‪ ،‬الذي ينتمي‬
‫[حيث ذكر بأن هبة ال "كان‬ ‫إليه [الغيبة‪ :‬ص ‪ ،].137‬وكذلك النجاشي في ترجمة هبة ال أحمد بن محمد‬
‫يتعاطى الكلم‪ ،‬ويحضر مجلس أبي الحسين ابن الشيبة العلوي الزيدي المذهب‪ ،‬فعمل له كتابًا‪ ،‬وذكر أن الئمة ثلثة‬
‫عشر مع زيد بن علي بن الحسين‪ ،‬واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهللي‪ :‬إن الئمة اثنا عشر من ولد أمير‬
‫المؤمنين" (رجال النجاشي‪ :‬ص ‪.].)343‬‬
‫وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها على الحق‪ ،‬وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر‪ ،‬وتبطل‬
‫ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الخرى‪ ،‬وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر‬
‫إحدى فرقهم لم يقع الختلف قط بينهم‪ ...‬فإن هذه مزاعم افتروها على أهل البيت على وفق‬
‫مصلحة الوقت‪ ،‬فكل طائفة تقرر إمامًا تدعو إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف‬
‫والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها‪ ،‬ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بل دليل‪،‬‬
‫[الصافات‪،‬‬ ‫علَى آثَارِهِ ْم ُي ْهرَعُونَ}‬
‫وسقطوا في ورطة الضلل‪ِ{ ،‬إ ّنهُمْ َألْ َفوْا آبَاءهُ ْم ضَالّينَ‪َ ،‬ف ُهمْ َ‬
‫آية‪[ ].70-69 :‬مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].200‬‬
‫نقد حصرهم الئمة بعدد معين‪:‬‬
‫[النساء‪،‬‬ ‫قال ال تعالى‪{ :‬يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ أَطِيعُواْ الّلهَ وَأَطِيعُواْ ال ّرسُولَ وَُأوْلِي ا َلمْ ِر مِنكُمْ}‬
‫آية‪ .].59 :‬ولم يحصر سبحانه أولي المر بعدد معين وهذا واضح جلي‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫وأمر تعيين الئمة من أعظم أمور الدين عندهم‪ ،‬وهو صنو النبوة أو أعظم‪ ..‬فكيف ل يبين‬
‫ال ذلك في كتابه‪ ،‬ويذكر الئمة بأسمائهم وأعيانهم؟‬
‫ل يوجد لئمتهم ذكر في كتاب ال‪ ،‬وليس هناك نص صحيح متواتر في تعيين أئمتهم‪ ..‬ولو‬
‫وجد لما تخبط الشيعة وتاهوا في أمر تعيين المام كما حكت ذلك كتب المقالت؛ فإن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في الحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقت ولة المور في عدد معين‪،‬‬
‫ففي الصحيحين عن أبي ذر قال‪" :‬إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا حبشيًا‬
‫[منهاج السنة النبوية‪ ،2/105 :‬والحديث المذكور أخرجه البخاري بلفظ‪ :‬قال النبي صلى ال‬ ‫مجدع الطراف"‬
‫عليه وسلم لبي ذر‪" :‬اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة" (صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب الذان‪ ،‬باب‬
‫باللفظ الذي ذكره‬
‫إمامة المفتون والمبتدع‪ ،‬ج‪ ‍2‬ص ‪ ،188‬ح ‪ ،)696‬وأخرجه مسلم بإسناده إلى أبي ذؤءصر ‪23‬‬
‫شيخ السلم‪( .‬صحيح مسلم‪ /‬كتاب المارة‪ ،‬باب وجوب طاعة المراء في غير معصية‪ ،1468 ،2/1467 :‬ح‬
‫‪.].)1837‬‬
‫أما كتب الشيعة الثني عشرية فهي طافحة بالروايات التي تحدد الئمة باثني عشر‪،‬‬
‫والملحظ أن هذه الروايات كانت موضع التداول السري‪ ،‬وكان الئمة يكذبون رواتها‪ ،‬مما يثير‬
‫الشكوك في صدقها‪ ،‬ل سيما وكتاب ال سبحانه – والذي أمر الئمة بالرجوع إليه في الحكم‬
‫على ما ينسب إليهم من أقوال – ل شاهد فيه لهذه الروايات إل عن طريق التأويلت الباطنية‪،‬‬
‫والروايات الموضوعة‪ ،‬فيصبح عمدتهم في النهاية هذه الروايات‪ ..‬التي تؤكد الشواهد كذبها‪،‬‬
‫كما أن الوائل الذين جمعوا هذه الروايات وهم‪ :‬الصفار وإبراهيم القمي والكليني هم من الغلة‬
‫الذين يجب اعتبارهم خارج الصف السلمي لنقلهم أساطير نقص القرآن وتحريفه‪ ،‬فهم بهذا‬
‫غير مأمونين وكتبهم غير موثوقة‪.‬‬
‫وكتاب النّ هج الذي هو أ صح كتاب ع ند الشي عة ل ذ كر ف يه للئمّة الث ني ع شر بأ سمائهم‬
‫وأعيانهم؛ بل جاء فيه ما ينقض مبدأ حصر الئمّة‪ ،‬حيث قال صاحب نهج البلغة‪ .." :‬إنّه ل بدّ‬
‫للنّاس من أمير برّ أو فاجر‪ ..‬يقاتل به العدو‪ ،‬وتأمن ال سّبل‪ ،‬ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى‬
‫يستريح بر‪ ،‬ويستراح من فاجر" [نهج البلغة‪ :‬ص ‪.].82‬‬

‫فلم يحدد الئ مة بعدد معيـن‪ .‬فأيـن تذ هب الشيعـة‪ ،‬وهـي تز عم أنهـا ت صدق ب كل حرف في‬
‫النهج؟!‬

‫كمـا أن اختلف أقوال فرق الشيعـة فـي هذا المـر‪ ،‬وتبايـن مذاهبهـم فـي تحديـد عدد الئمـة‬
‫وأعيان هم يك شف حقي قة هذه الدعوى‪ ،‬إذ كل طائ فة تد حض مزا عم الخرى وتكذب ها‪ ،‬وك فى ال‬

‫‪425‬‬
‫ل – ما كت به أ بو حا تم الرازي في التشك يك بإما مة أئ مة الث ني عشر ية ب عد جع فر‬
‫[ان ظر – مث ً‬ ‫المؤمن ين القتال‬
‫الصادق في كتاب "الزينة" ص‪( ،233-232:‬مخطوط)‪.].‬‬

‫ومسألة حصر الئمة بعدد معين ل يقبلها العقل ومنطق الواقع؛ إذ بعد انتهاء العدد المعين هل‬
‫ت ظل ال مة بدون إمام؟ ولذلك فإن ع صر الئ مة الظاهر ين ع ند الث ني عشر ية ل يتعدى قرن ين‬
‫ونصف إل قليلً‪.‬‬

‫وقد اضطر الشّيعة للخروج عن حصر الئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن المام‪ ،‬واختلف قولهم‬
‫في حدود النيابة [انظر‪ :‬محمد مغنية‪ /‬الخميني والحكومة السلميّة‪ :‬ص ‪ ..].68‬وفي هذا العصر اضطرّوا‬
‫للخروج نهائيّا عن هذا الصل الذي هو قاعدة دينهم‪ ،‬فجعلوا رئاسة الدّولة تتمّ عن طريق‬
‫النتخاب‪ ..‬لكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه‬
‫الشيعي [انظر‪ :‬الخميني‪ /‬الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].48‬‬
‫سنّة عن جابر بن‬
‫هذا ويحتجّ الثنا عشريّة في أمر تحدي عدد الئمّة بما جاء في كتب ال ّ‬
‫سمرة قال‪" :‬يكون اثنا عشر أميرًا – فقال كلمة لم أسمعها‪ ،‬فقال أبي‪ :‬إنّه قال‪ :‬كلّهم من قريش"‬
‫هذا لفظ البخاري [صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬باب الستخلف‪ ،].8/127 :‬وفي مسلم عن جابر قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬ل يزال السلم عزيزًا إلى اثني عشر خليفة" ثم‬
‫[صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المارة‪ ،‬باب‬ ‫قال كلمة لم أفهمها‪ .‬فقلت لبي‪ :‬ما قال؟ فقال‪" :‬كلّهم من قريش"‬
‫النّاس تبع لقريش والخلفة في قريش‪ .].2/1453 :‬وفي لفظ‪" :‬ل يزال هذا الدّين عزيزًا منيعًا إلى اثني‬
‫عشر خليفة" [صحيح مسلم‪ ،].2/1453 ،‬وفي لفظ آخر‪" :‬ل يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا‬
‫عشر رجلً" [صحيح مسلم‪ ،‬ص ‪ ..].1452‬وعند أبي داود‪" :‬ل يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون‬
‫عليكم اثنا عشر خليفة‪ ،‬كلّهم تجتمع عليهم المّة" [سنن أبي داود‪ ،‬أوّل كتاب المهدي‪.].4/471 :‬‬
‫وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق السود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال‪" :‬وزاد فلما‬
‫[سنن أبي داود‪ ،4/472 :‬وأخرج‬ ‫رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا‪ :‬ثم يكون ماذا؟ قال‪ :‬الهرج"‬
‫البزار هذه الزيادة من وجه آخر فقال فيها‪" :‬ثم رجع إلى منزله فأتيته فقلت‪ :‬ثم يكون ماذا؟ قال‪ :‬الهرج"‪( .‬ابن حجر‪/‬‬
‫فتح الباري‪.].)13/211 :‬‬
‫يتعلق الثنا عشرية بهذا النص ويحتجون به على أهل السنة‪ ،‬ل ليمانهم بما جاء في كتب‬
‫[انظر ممن يحتج بذلك من شيوخهم‪ :‬ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،470‬الطوسي‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪،88‬‬ ‫أهل السنة‬
‫الربلي‪ /‬كشف الغمة‪ :‬ص ‪ ،57-56‬البياضي‪ /‬الصراط المستقيم‪ ،2/100 :‬شبر‪ /‬حق اليقين‪ :‬ص ‪،338‬‬
‫السماوي‪ /‬المامة‪ ،1/147 :‬وغيرهم كثير‪ ،].‬ولكن للحتجاج عليهم بما يسلمون به‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫وبالتأمل في النص بكل حيدة وموضوعية نجد أن هؤلء الثني عشر وصفوا بأنّهم يتولّون‬
‫الخلفة‪ ،‬وأن السلم في عهدهم يكون في عزة ومنعة‪ ،‬وأن الناس تجتمع عليهم ول يزال أمر‬
‫الناس ماضيًا وصالحًا في عهدهم‪.‬‬
‫وكلّ هذه الوصاف ل تنطبق على من تدّعي الثنا عشريّة فيهم المامة‪ ،‬فلم يتولّ الخلفة‬
‫منهم إل أمير المؤمنين علي والحسن مدّة قليلة‪ ،‬ولم تجتمع في عهدهما المة‪ ،‬كما لم يقم أمر‬
‫المة في مدة أحد من هؤلء الثني عشر – في نظر الشيعة أنفسهم – بل ما زال أمر المة‬
‫[منهاج السنة‪ ،4/210 :‬المنتقى (مختصر منهاج السنة)‪ :‬ص‬ ‫فاسدًا‪ ..‬ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون‬
‫‪ ،533‬وستأتي أحاديثهم في أن الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ارتدوا إل ثلثة‪ ،‬وبعد الحسين ارتدوا إل‬
‫ثلثة‪ ..‬إلخ‪ ،].‬وأن الئمّة أنفسهم كانوا يتستّرون في أمور دينهم بالتّقية [مختصر الصواقع‪ :‬ص ‪231‬‬
‫(مخطوط)‪ ،].‬وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخلفة عهد تقية‪ ،‬كما صرّح بذلك‬
‫شيخهم المفيد [ص ‪ 44-43‬من هذه الرّسالة‪ ].‬فلم يستطع أن يظهر القرآن‪ ،‬ول أن يحكم بجملة من‬
‫أحكام السلم‪ ،‬كما صرح بذلك شيخهم الجزائري [انظر‪ :‬ص ‪ 203-202‬من هذه الرسالة‪،].‬‬
‫[ص‬ ‫واضطرّ إلى ممالة الصّحابة ومجاراتهم على حساب الدّين‪ ،‬كما أقرّ بذلك شيخهم المرتضى‬
‫‪ 421‬من هذه الرّسالة‪ ..].‬فالحديث في جانب ومزاعم هؤلء في جانب آخر‪.‬‬
‫ثم إنه ليس في الحديث حصر للئمة بهذا العدد؛ بل نبوءة منه صلى ال عليه وسلم بأن‬
‫السلم ل يزال عزيزًا في عصر هؤلء‪.‬‬
‫وكان عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية عصر عزة ومنعة‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم‪" :‬إن‬
‫السلم وشرائعه في زمن بني أميّة أظهر وأوسع ممّا كان بعدهم‪ ،‬ثم استشهد بحديث "ل يزال‬
‫هذا المر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش"‪ .‬ثم قال‪ :‬وهكذا كان‪ ،‬فكان الخلفاء أبو‬
‫بكر وعثمان وعلي‪ ،‬ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم‬
‫عبد الملك وأولده الربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل من النقص ما هو باق‬
‫إلى الن" ثم شرح ذلك‪[ ..‬منهاج السنة‪.].4/206 :‬‬
‫ونجد أن الثني عشرية ترى دوام "ولية المنتظر‪ ..‬إلى آخر الدهر‪ ،‬وحينئذ فل يبقى زمان‬
‫يخلو عندهم من الثني عشر‪ ،‬وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين‪ :‬نوع يقوم فيه أمر المة‪،‬‬
‫ونوع ل يقوم بل هو قائم في الزمان كلها وهو خلف الحديث [منهاج السنة‪ ،].4/210 :‬وخلف‬
‫ما يعتقده هؤلء بأن عصر الثني عشر إلى أن يخرج المنتظر هو عصر تقية من تركها من‬
‫الشيعة بمنزلة من ترك الصلة" [انظره بنصه في فصل "التقية"‪.].‬‬

‫‪427‬‬
‫كما أن المة لم تجتمع عليهم لنهم لم يتولوا حكمًا – ما عدا عليًا والحسن – بل الشيعة‬
‫أنفسهم مختلفون في شأنهم وفي أعدادهم وأعيانهم اختلفًا ل يكاد يحصى إل بكلفة‪ ،‬كما حفلت‬
‫بتصوير ذلك كتب الفرق والمقالت‪.‬‬
‫ثم إنه قال في الحديث‪" :‬كلهم من قريش" وهذا يعني أنهم ل يختصون بعلي وأولده "ولو‬
‫كانوا مختصين بعلي وأولده لذكر ما يميزون به‪ ،‬أل ترى أنه لم يقل‪ :‬كلهم من ولد إسماعيل‬
‫ول من العرب‪ ،‬وإن كانوا كذلك‪ ،‬لنه قصد القبيلة التي يمتازون بها‪ ،‬فلو امتازوا بكونهم من‬
‫بني هاشم‪ ،‬أو من قبيل علي لذكروا بذلك‪ ،‬فلما جعلهم من قريش مطلقًا علم أنهم من قريش‪ ،‬بل‬
‫ل يختصون بقبيلة‪ ،‬بل بنو تيم وبنو عدي‪ ،‬وبنو عبد شمس‪ ،‬وبنو هاشم‪ ،‬فإن الخلفاء الراشدين‬
‫كانوا من هذه القبائل" [منهاج السنة‪.].4/211 :‬‬
‫فإذن لم يبق من الوصاف التي تنطبق على ما يريدون إل مجرد العدد‪ ،‬والعدد ل يدل على‬
‫شيء‪ ..‬أل ترى أن هذا الرقم وصف به هؤلء الخلفاء الصلحاء كما وصف به أضدادهم‪ ،‬فقد‬
‫[صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صفات المنافقين وأحكامهم‪:‬‬ ‫جاء في صحيح مسلم "في أمتي اثنا عشر منافقًا"‬
‫‪( ،2144-3/2143‬ح ‪.].)2779‬‬
‫ويبد أن هذا الرقم الذي تدعيه الشيعة الثني عشرية يعود في الصل إلى زعم يهودي قديم‬
‫[قال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي‪ :‬فقد وجدت في كتاب دانيال‪:‬‬ ‫ورد في كتاب دانيال‬
‫إذا مات المهدي ملك بعده خم سة رجال من ولد ال سبط ال كبر‪ ،‬ثم خمسة من ولد ال سبط ال صغر‪ ،‬ثم يوصي آخر هم‬
‫بالخلفة لرجل من ولد السبط الكبر‪ ،‬ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكًا‪ ،‬كل واحد منهم إمام مهدي‪( .‬انظر‪:‬‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫فتح الباري‪ ،].)13/213 :‬كما أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى أن في التوراة مثل ذلك‬
‫‪.].4/210‬‬

‫استدللهم على مسألة المامة‪:‬‬

‫[الحر العاملي‪:‬‬ ‫من أصول الروافض "أنه ل يجوز للرعية اختيار إمام‪ ،‬بل لبد فيه من النص"‬
‫الف صول المه مة في أ صول الئ مة ص ‪ ،142‬وان ظر‪ :‬ا بن المط هر‪ /‬ن هج الم سترشدين‪ :‬ص ‪" .].63‬فالما مة ل‬
‫تكون إل بالنّ صّ" [المظفّر‪ /‬عقائد الماميّة‪ :‬ص ‪ .].103‬وأن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على‬
‫علي وأولده [الكلي ني‪ /‬أ صول الكا في‪ :‬باب ما نص ال ور سوله على الئ مة‪ 1/286 :‬و ما بعد ها‪ ،].‬فهم الئمة‬
‫إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬

‫و قد رأي نا بدايات هذه العقيدة على أيدي ال سبئية‪ ،‬والهشام ية والشيطان ية‪ .‬إل أن شيوخ الشي عة‬
‫ادعوا أن هذا المر هو من شرع ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأقوال أئمة أهل البيت‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫وأخذوا يسـتدلون على ذلك "بنصـوص ينقلونهـا ويؤولونهـا على مقتضـى مذهبهـم ل يعرفهـا‬
‫جهابذة السنة ول نقلة الشريعة‪ ،‬بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلتهم‬
‫الفاسدة" [ابن خلدون‪ /‬المقدمة‪( 2/527 :‬تحقيق د‪ .‬علي عبد الواحد وافي)‪.].‬‬

‫وبالغوا كعادتهم في جمع الروايات وحشد النصوص في ذلك حتى ألف شيخهم ابن المطهر‬
‫[إل أ نه لم يبلغ ما ير يد فلم ي صل إلى اللف ين‪ ،‬ك ما عنون به‬ ‫كتابًا سماه "اللفين في إمامة أمير المؤمنين"‬
‫كتابه‪ ،‬حيث لم يذكر إل ألفًا وثمانيًا وثلثين‪ ،‬مما يعدها أدلة على مقصوده‪( .‬العلمي‪ /‬مقدمة اللفين‪ :‬ص ‪.].)10‬‬

‫[الذري عة إلى ت صانيف الشي عة‪:‬‬ ‫و قل من مؤل في الشي عة من لم يتكلم عن هذه القض ية وي ستدل ل ها‬
‫‪ ،].1/320‬لنها عب دينهم وعماده‪.‬‬

‫وإذا علمت أن كل هذه الروايات تفرد بنقلها حسب منطق الشيعة آحاد الناس‪ ،‬بل الواحد وهو‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/377 :‬وقد مرّ بنصه‬ ‫علي لنه هو الباب‪ ،‬ومن ادعى سماعًا من غيره فقد أشرك‬
‫ص ‪ ،].346‬ك ما أن ما سوى علي وبض عه ن فر من ال صحابة ثل ثة أو أرب عة أو سبعة ما سوى‬
‫هؤلء محكوم عليهم في كتب الشيعة بالردة‪ ،‬فل تقبل روايتهم‪ ..‬وتفرد الواحد بالنقل موضع شك‬
‫ول سيما والجم الغفير على خلفه‪ ..‬فاضطروا حينئذ للقول بالعصمة‪ .‬ولكن العصمة كيف تثبت‬
‫بخبر من ادعاها وهو واحد‪ ..‬فاضطروا حينئذ للقول ببدعة أخرى وهي إثبات المعجزة للئمة‪،‬‬
‫فصارت قضية المامة ترتكز عندهم على ثلث شعب‪ :‬النص‪ ،‬والعصمة‪ ،‬والمعجزة‪.‬‬

‫قال شيخهـم المفيـد‪" :‬إن المامـة توجـب لصـاحبها عنـد الثنـي عشريـة‪ :‬العصـمة‪ ،‬والنـص‪،‬‬
‫والمعجزة‪[ "...‬العيون‪.].2/127 :‬‬

‫وقد مضى القول بأن المعجزات ل يأتي بها إل النبياء‪ ،‬وأن الشيعة قالت بها في حق الئمة؛‬
‫لنهم أعطتهم معنى النبوة دون اسمها‪ ،‬وزعمت أنهم هم الحجة على العباد‪ ،‬وليس لهم في ذلك‬
‫ل يَكُو نَ لِلنّا سِ عَلَى‬
‫من برهان إل اتباع ما وض عه زناد قة الع صور الماض ية‪ ..‬قال تعالى‪ِ { :‬لئَ ّ‬
‫سلِ} [النساء‪ ،‬آية‪ ،].165 :‬ولم يقل سبحانه‪ :‬والئمة‪ ،‬فحجة ال قامت على عباده‬
‫ج ٌة بَعْدَ الرّ ُ‬
‫اللّ هِ حُ ّ‬
‫بالرسل وأيدهم سبحانه باليات‪.‬‬

‫ول يملك الشي عة في باب معجزات الئ مة إل دعاوى مجردة ل يع جز عن تأليف ها المحتالون‬
‫والمتآمرون [انظر‪ :‬ص ‪ 625-624‬من هذه الرسالة‪.].‬‬

‫أما مسألة العصمة فلهميتها في المذهب الشيعي‪ ،‬فقد خصص لها الفصل التالي لهذا الفصل‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫ثم إن المعجزة على تقد ير ال صدور موقو فة على ال خبر‪ ،‬وك يف يو ثق ب خبر مرتد ين؟! وكذا‬
‫الشأن في العصمة‪ ،‬ومع ذلك فإن الشيعة تولي مسألة الخبر المتمثل في دعوى النص والوصية‬
‫أهمية كبرى‪ ،‬فهي الحجر الول في بناء المذهب‪ ،‬والقاعدة الساسية في كيانهم العقدي‪.‬‬

‫ول شك أن النص على عين من يتولى إمامة المسلمين إلى أن تقوم الساعة غير ممكن‪ ،‬إل‬
‫في ع قل الراف ضة‪ ،‬و قد انت هى ب هم هذا القول إلى ال ستسلم لو هم كبير‪ ،‬ح يث اضطروا إلى‬
‫القول بحياة واحد من البشر قرونًا مديدة (وهو مهديهم الذي ينتظرونه) فأصبحوا ضحكة المم‪..‬‬

‫ي الرضا – والذي يدعون إمامته – برد هو من أبلغ الردود وأقواها في هذه‬


‫وقد رد عليهم عل ّ‬
‫المسألة‪ ،‬والشيعة تنقله في أوثق كتبها في الرجال‪ ،‬حيث قال‪" :‬لو كان ال يمدّ في أجل أحد من‬
‫[رجال الك شي‪ :‬ص‬ ‫ب ني آدم لحا جة الخلق إل يه ل مد ال في أ جل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم"‬
‫‪.].458‬‬

‫لكنهم يخالفون هذا الصل الواضح ويعتقدون أن بقاء المنتظر كل هذه القرون إنما هو لحاجة‬
‫الخلق بل والكون كله إليه‪ ،‬ولو خلت منه الرض لساخت بأهلها‪.‬‬

‫وبعد هذا التأصيل لقضية النص‪ ،‬ل أعتقد أننا بحاجة إلى أن نتتبع النصوص في هذه المسألة؛‬
‫لن هذه القض ية انت هت عند هم اليوم إلى اليمان بهذا المنت ظر الذي ل ي سمع له حس ول خبر‬
‫ول يرى له ع ين ول أ ثر‪ .‬ولو كان للناس ف يه حا جة لب قي ر سول ال و هو أف ضل م نه‪ ،‬ول كن‬
‫المة في غنى بقرآنها وسنة نبيها عن كل منتظر موهوم وكتاب مزعوم‪ ،‬وسيأتي نقض مسألة‬
‫الغيبة‪.‬‬

‫ول كن الشي عة ترى أن القرآن نص على "إمامت هم"‪ ،‬وكذلك تز عم أن أ مر "ال نص" مت فق عل يه‬
‫بين أهل السنة والشيعة‪ ،‬فهي تريد أن تشرك السنة في "أوهامها" وتخدع بذلك أتباعها‪ ..‬وما دام‬
‫ال مر كذلك فلندرس ما تقد مه ك تب الشي عة في هذا الباب‪ ،‬و سنختار أقوى أدلت ها في ذلك من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ثم نعرج بعد ذلك على أدلتها الخاصة بها‪.‬‬

‫ونختـم القول بنقـد "مسـألة النـص" مـن الكتاب والسـنة‪ ،‬والعتبار العقلي‪ ،‬والمور المعلمـة‬
‫والمتفق عليها‪.‬‬

‫أدلتهم من القرآن‪:‬‬

‫‪430‬‬
‫قال شيخ الطائفة – كما يلقبونه – الطوسي‪" :‬وأما النص على إمامته من القرآن فأقوى ما يدل‬
‫عليه قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّنمَا وَ ِليّ ُك مُ اللّ هُ َورَ سُوُلهُ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ الّذِي نَ يُقِيمُو نَ ال صّلَةَ َو ُي ْؤتُو نَ الزّكَاةَ‬
‫وَهُ مْ رَاكِعُو نَ} [المائدة‪ ،‬آية‪[ "].55 :‬تلخيص الشافي‪ .].2/10 :‬وقال الطبرسي‪" :‬وهذه الية من أوضح‬
‫الدلئل على صحة إمامة علي بعد النبي بل فصل" [مجمع البيان‪.].2/128 :‬‬

‫ويكاد شيوخهـم يتفقون على أن هذا أقوى دليـل عندهـم؛ حيـث يجعلون له الصـدارة فـي مقام‬
‫ل ‪ :-‬ا بن المط هر الحلي في منهاج الكرا مة‪ ،‬ح يث اع تبره البرهان الول‬
‫[ان ظر – مث ً‬ ‫ال ستدلل في م صنفاتهم‬
‫(ص‪ ،)147:‬وشبر في حق اليقين‪ ،1/144 :‬والزنجاني في عقائد المامية الثني عشرية‪.].82-1/81 :‬‬

‫أ ما ك يف ي ستدلون بهذه ال ية على مبتغا هم؟ فإن هم يقولون‪" :‬ات فق المف سرون والمحدثون من‬
‫العامة والخاصة أنها نزلت في علي لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصلة بمحضر من‬
‫[قوله‪" :‬ال صحاح ال ستة" ت سمية غ ير سليمة؛ لن أ هل ال سنة ل‬ ‫ال صحابة و هو مذكور في ال صحاح ال ستة"‬
‫يعدون جميع الكتب الستة "صحاحًا" ولذا يسمونها "الكتب الستة"‪ ،‬ولكن الروافض أصحاب مبالغات‪ ،‬وليس هذا بكثير‬
‫على من يتعمد الكذب على ال ورسوله‪.].‬‬

‫و"إن ما" للح صر باتفاق أ هل الل غة‪ ،‬والولي بمع نى الولى بالت صرف المرادف للمام والخلي فة‬
‫[شبر‪ /‬حق اليقين‪ ،1/144 :‬الزنجاني‪ /‬عقائد المامية الثني عشرية‪.].82-1/81 :‬‬

‫فأ نت ترى أن الشي عة تعت مد في ا ستدللها بال ية ب ما روي في سبب نزول ها؛ ل نه ل يس في‬
‫نصها ما يدل على مرادها‪ ،‬فصار استدللهم بالرواية ل بالقرآن‪ ،‬فهل الرواية ثابتة‪ ،‬وهل وجه‬
‫استدللهم سليم؛ يتبين هذا بالوجوه التالية‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أن زعم هم بأن أ هل ال سنة أجمعوا على أن ها نزلت في عل يّ هو " من أع ظم الدعاوى‬
‫الكاذبة‪ ،‬بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه‪ ،‬وأن عليًا لم يتصدق‬
‫بخاتمـه فـي الصـلة‪ ،‬وأجمـع أهـل العلم بالحديـث على أن القصـة المرويـة فـي ذلك مـن الكذب‬
‫الموضوع" [منهاج ال سنة‪ .].4/4 :‬وقوله‪ :‬إن ها "مذكورة في ال صحاح ال ستة" كذب؛ إذ ل وجود لهذه‬
‫[وهو من الكذب الذي ل يستحي الشيعة من إثباته‪ ،‬والغريب أن هذا الزعم يجري على‬ ‫الرواية في الكتب الستة‬
‫ألسنة آياتهم في هذا العصر كشبر‪ ،‬والزنجاني‪ ،‬فهل يخفى عليهم أن هذا ل وجود له في الكتب الستة؟!‪.‬‬

‫و قد توفرت اليوم الفهارس والمعا جم ال تي تك شف الحقي قة را جع‪ :‬المع جم المفهرس للفاظ الحد يث‪ ،‬ومفتاح كنوز‬
‫السنة‪ ،‬لفظ "علي بن أبي طالب"‪ ،‬وراجع الكتب المعنية بجميع الروايات المتعلقة بتف سير اليات و سبب نزولها مثل‪:‬‬
‫وغيره‪ ،‬أو المعنية بجمع روايات الكتب الستة كجامع الصول فل تجد لدعواهم أصلً‪.‬‬ ‫الدر المنثور‪106-3/104 :‬‬

‫‪431‬‬
‫ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وجمهور المة لم تسمع هذا الخبر ول هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة‬
‫ل الصحاح ول السنن ول الجوامع ول المعجمات ول شيء من المهات" (منهاج السنة‪.].)4/5 :‬‬

‫و قد ساق ا بن كث ير الثار التي تروى في أن هذه ال ية نزلت في علي ح ين تصدق بخات مه‪،‬‬
‫[تفسير ابن‬ ‫وعقب عليها بقوله‪" :‬وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها‪ ،‬جهالة رجالها"‬
‫كثير‪.].77-2/76 :‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن هذا الدليل الذب يستدلون به ينقض مذهب الثني عشرية؛ لنه يقصر الولية على‬
‫أمير المؤمنين بصيغة الح صر "إن ما" فيدل على سلب الما مة عن با قي الئ مة‪ ،‬فإن أجابوا عن‬
‫الن قض بأن المراد حصر ال ية في ب عض الوقات‪ ،‬أع ني وقت إمام ته ل وقت إمامة من بعده‪،‬‬
‫وافقوا أ هل ال سنة في أن الول ية العا مة كا نت له و قت كو نه إمامًأ ل قبله‪ ،‬و هو زمان خل فة‬
‫الثلثة [انظر‪ :‬روح المعاني‪.].6/168 :‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أن ال تعالى ل يث ني على الن سان إل ب ما هو محمود عنده‪ ،‬إ ما وا جب وإ ما م ستحب‪،‬‬
‫والتصدق أثناء الصلة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة‪ ،‬ولو كان مستحبًا لفعله الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ولحض عليه‪ ،‬ولكرر فعله‪ ،‬وإن في الصلة لشُغلً‪ ،‬وإعطاء السائل ل يفوت؛ إذ‬
‫يمكن للمتصدق إذا سلم أن يعطيه؛ بل إن الشتغال بإعطاء السائلين يبطل الصلة كما هو رأي‬
‫جملة من أهل العلم [انظر‪ :‬منهاج السنة‪ :‬ج‪ ‍1‬ص ‪ ،208‬ج‪ ‍4‬ص ‪.].5‬‬

‫رابعًا‪ :‬أنـه لو قدر أن هذا مشروع فـي الصـلة لم يختـص بالركوع‪ ،‬فكيـف يقال‪ :‬ل ولي إل‬
‫الذين يتصدقون في حال الركوع‪ ،‬فإن قيل‪ :‬هذه أراد بها التعريف بعلي‪ ،‬قيل له‪ :‬أوصاف علي‬
‫التي يعرف بها كثيرة ظاهرة‪ ،‬فكيف يترك تعريفه بالمور المعروفة ويعرف بهذا المر الذي ل‬
‫يعرفه إل من سمعه وصدق به؟! وجمهور المة ل تسمع هذا الخبر ول هو في شيء من كتب‬
‫المسلمين المعتمدة [منهاج السنة‪.].4/5 :‬‬

‫خام سًا‪ :‬وقولهم‪ :‬إن عليًا أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت الية – مخالف للواقع؛‬
‫ذلك أن عليًا رضي ال عنه لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فإنه كان فقيرًا‪ ،‬وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولً وعلي لم يكن من هؤلء‪.‬‬

‫كذلك فإن إعطاء الخا تم في الزكاة ل يجزي ع ند كث ير من الفقهاء إل إذا ق يل بوجوب الزكاة‬
‫في الحلي‪ ،‬وقيل إنه يخرج من جنس الحلي‪ ،‬ومن جوز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلة متعذر‪،‬‬
‫والقيم تختلف باختلف الحوال [منهاج السنة‪.].4/5 :‬‬

‫‪432‬‬
‫سادسًا‪ :‬ل ما تبين أن الروايات ال تي أولوا بمقتضا ها ال ية باطلة سندًا ومتنًا‪ ،‬فل متم سك ل هم‬
‫حينئذ بالية بوجه سائغ؛ بل إن الية حجة عليهم؛ لنها جاءت بالمر بموالة المؤمنين‪ ،‬والنهي‬
‫[ح تى وإن ث بت أن ل ها سبب نزول خاص (را جع ك تب التف سير في سبب النزول)‪ ،‬فال عبرة‬ ‫عن موالة الكافر ين‬
‫بعموم الل فظ ل بخ صوص ال سبب‪ ،].‬وليس للرافضة – فيما يظهر من نصوص وتاريخها – من ذلك‬
‫نصيب‪.‬‬

‫وهذا المع نى يدرك بوضوح من سياق اليات؛ إذ ق بل هذه ال ية الكري مة جاء قوله سبحانه‪:‬‬
‫ضهُمْ َأوْ ِليَاء بَعْضٍ َومَن َي َتوَّلهُم مّنكُمْ‬
‫{يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ لَ تَتّخِذُواْ ا ْل َيهُودَ وَالنّصَارَى َأوْ ِليَاء بَ ْع ُ‬
‫فَ ِإنّ ُه ِمنْهُ مْ إِنّ اللّ هَ َل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الظّا ِلمِي نَ} [المائدة‪ ،‬آيـة‪ .].51 :‬فهذا ن هي صريح عن موالة‬
‫اليهود والنصارى بالود والمحبة والنصرة‪ ..‬ول يراد بذلك باتفاق الجميع الولية بمعنى المارة‪،‬‬
‫ول يس هذا بوارد أ صلً‪ ،‬ثم أردف ذلك بذ كر من ت جب موال ته و هو ال ور سوله والمؤمنون‪،‬‬
‫فواضح من ذلك أن موالة المحبة والنصرة التي نهى عنها في الولى هي بعينها التي أمر بها‬
‫المؤمنين في هذه الية بحكم المقابلة كما هو بين جلي من لغة العرب‪.‬‬

‫قال الرازي‪" :‬ل ما ن هى في اليات المتقد مة عن موالة الكفار‪ ،‬أ مر في هذه ال ية بموالة من‬
‫تجب موالته" [تفسير الفخر الرازي‪.].12/25 :‬‬

‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفًا عن سلف أن‬
‫هذه الية نزلت في النهي عن موالة الكفار‪ ،‬والمر بموالة المؤمنين" [منهاج السنة‪.].4/5 :‬‬

‫سابعًا‪ :‬قولهم‪" :‬إن المراد بقوله‪ِ{ :‬إنّمَا َوِليّكُمُ} المارة – ل يتفق مع قوله سبحانه‪ِ{ :‬إ ّنمَا وَ ِليّ ُكمُ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ}؛ فإن ال سـبحانه ل يوصـف بأنـه متول على عباده‪ ،‬وأنـه أميـر‬
‫ّهـ َورَسـُوُلهُ وَالّذ َ‬
‫الل ُ‬
‫علي هم‪ ،‬فإ نه خالق هم ورازق هم ورب هم ومليك هم له الخلق وال مر‪ ،‬ل يقال‪ :‬إن ال أم ير المؤمن ين‬
‫[ بل الر سول صلى ال عل يه و سلم أيضًا ل يقال إ نه‬ ‫ك ما ي سمى المتولي م ثل علي وغيره أم ير المؤمن ين‬
‫متول على الناس‪ ،‬وأنه أمير عليهم‪ ،‬فإن قدره أجل من هذا‪ ،‬بل أبو بكر الصديق رضي ال عنه لم يكونوا يسمونه إل‬
‫خليفة رسول ال‪ ،‬وأول من سمي من الخلفاء أمير المؤمنين عمر‪( .‬منهاج السنة‪ ،].)4/9 :‬وأما الولية المخالفة‬
‫للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه‪ ،‬ويرضى عنهم ويرضون عنه‪ ،‬ومن عادى‬
‫[وهذه الولية من رحمته وإحسانه ليست كولية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه‪ .‬قال‬ ‫له وليًا فقد بارزه بالمحاربة‬
‫ن الذّلّ} ‪[ .‬السراء‪ :‬آية‪:‬‬
‫شرِي كٌ فِي الْمُلْ كِ َولَ مْ يَكُن لّ هُ َوِليّ مّ َ‬
‫تعالى‪{ :‬وَقُ ِل الْحَمْ ُد لِلّ هِ الّذِي لَ ْم يَتّخِذْ َولَدًا َولَم يَكُن لّ هُ َ‬
‫‪.]111‬‬

‫‪433‬‬
‫فال تعالى لم ي كن له ولي من الذل؛ بل هو القائل‪{ :‬مَن كَا نَ ُيرِي ُد الْ ِعزّةَ َفلِلّ هِ الْ ِعزّ ُة جَمِيعًا}‪[ .‬فا طر‪ ،‬آ ية‪،]10 :‬‬
‫ُمـ‬
‫(منهاج السـنة‪ ،].)4/9 :‬فهذه الوليـة هـي المقصـودة فـي اليـة [منهاج السـنة‪ ،].4/9 :‬وقوله‪{ :‬وَه ْ‬
‫رَاكِعُونـَ} أي خاضعون لربهـم منقادون لمره‪ ،‬والركوع فـي أصـل اللغـة بمعنـى الخضوع‪ ،‬أي‬
‫[انظـر‪:‬‬ ‫يقيمون الصـلة ويؤتون الزكاة فـي حال الركوع وهـو الخشوع والخبات والتواضـع ل"‬
‫الكشاف للزمخشري‪ ،1/624 :‬تفسير الرازي‪.].12/25 :‬‬

‫ثامنًا‪ :‬إن الفرق بين الولية بالفتح‪ ،‬والولية بالكسر معروف في اللغة‪ ،‬فالولية ضد العداوة‬
‫وهي المذكورة في هذه النصوص‪ ،‬ليست هي الولية بالكسر التي هي المارة‪ ،‬وهؤلء الجهال‬
‫يجعلون الولي هو الم ير ول يفرقون ب ين اللفظ ين‪ ،‬مع أ نه وا ضح "أن الولء بالف تح و هو ضد‬
‫[المقدسي‪ /‬رسالة في‬ ‫العداوة‪ ،‬والسم منه مولى وولي‪ ،‬والولية بالكسر والسم منها والي ومتولي"‬
‫الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪ ،221-220‬وراجع مختار الصحاح‪ ،‬مادة "ولي"‪.].‬‬

‫ولهذا قال الفقهاء‪ :‬إذا اجت مع في الجنازة الوالي والولي فق يل‪ :‬يقدم الوالي و هو قول أكثر هم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬يقدم الولي‪ :‬فلفظ الولي والولية غير لفظ الوالي [منهاج السنة‪.].4/8 :‬‬

‫ولو أراد سبحانه الولية التي هي المارة لقال‪( :‬إنما يتولى عليكم)‪..‬‬

‫فتبين أن الية دلت على الموالة المخالفة للمعادة الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض‬
‫[منهاج السنة‪ .4/8 :‬وللمزيد من التفصيل راجع‪ :‬تفسير الفخر الرازي‪ 12/25 :‬وما بعدها‪ ،‬تفسري اللوسي‪6/167 :‬‬

‫وما بعدها‪ ،].‬ولهذا جاء قوله‪{ :‬وَالّذِينَ آ َمنُوا} بصيغة الجمع‪.‬‬

‫وإذا كانـت هذه أقوى أدلتهـم – كمـا يقوله شيوخهـم – تـبين أنهـم ليسـوا على شيـء؛ ذلك أن‬
‫الصل أن يستعمل في هذا المر العظيم – والذي هو عند الشيعة أعظم أمور الدين‪ ،‬ومنكره في‬
‫عداد الكافر ين – صيغة واض حة جل ية‪ ،‬يفهم ها الناس بمختلف طبقات هم‪ ،‬يدرك ها العا مي‪ ،‬ك ما‬
‫يدرك ها العالم‪ ،‬ويفهم ها الل حق‪ ،‬ك ما يفهم ها الحا ضر‪ ،‬ويعرف ها البدوي‪ ،‬ك ما يعرف ها الحضري‪،‬‬
‫فلما لم يستعمل مثل ذلك في كتاب ال دل على أنه ل نص كما يزعمون‪ ،‬فليست الية المذكورة‬
‫– وغير ها م ما ي ستدلون به – من ألفاظ ال ستخلف المعرو فة في ل غة العرب‪ ،‬والقرآن نزل‬
‫بلسان عربي مبين‪ .‬فأين يذهب الشيعة بعد هذا؟ إما إلى الكفر بالقرآن وهو كفر بالسلم‪ ،‬وإما‬
‫ترك الغلو والتطرف والتعصب والرجوع إلى الحق‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪.‬‬

‫هذه أقوى آيـة يسـتدلون بهـا مـن كتاب ال‪ ،‬ويسـمونها آيـة الوليـة‪ ،‬ولهـم تعلق بآيات أخرى‬
‫[و قد قدّم الدكتور‬ ‫ذكر ها ا بن المط هر الحلي‪ ،‬وأجاب علي ها ش يخ ال سلم ا بن تيم ية بأجو بة جام عة‬

‫‪434‬‬
‫علي ال سالوس – في ر سالة له بعنوان‪" :‬الما مة ع ند الجعفر ية والدلة من القرآن العظ يم"‪ -‬عرضًا ومناق شة لليات‬
‫القرآن ية الكري مة ال تي ي ستدل ب ها المام ية لقول هم بالما مة‪ ،‬وانت هى من ذلك إلى أن ا ستدللتهم تنب ني على روايات‬
‫متصـلة بأسـباب النزول‪ ،‬وتأويلت انفردوا بهـا‪ ،‬ولم يصـح شيـء مـن هذا ول ذاك بمـا يمكـن أن يكون دليلً يؤيـد‬
‫مذهب هم‪ ،].‬و من يرا جع ك تب التف سير والحد يث عند هم يل حظ أن هم أجروا القرآن في فلك الول ية‬
‫والئمة كما مضى نقل صورة من ذلك وهذا برهان عجزهم وفشلهم‪.‬‬

‫وقد تبين أن القرآن ليس في ظاهره ما يدل على ما يذهبون إليه من النص على عل يّ أو بقية‬
‫الث ني ع شر‪ ،‬وأن كل ما ي ستدلون به من آيات يحاولون أن ي صرفوا معنا ها إلى ما يريدون‬
‫بمقتضـى روايات موضوعـة‪ ،‬وتأويلت باطلة‪ ..‬فهـم فـي الحقيقـة ل يسـتدلون بالقرآن‪ ،‬وإنمـا‬
‫يستدلون بالخبار‪ ،‬فدعواهم أخذ الدلة من القرآن دعوى ل حقيقة لها‪.‬‬

‫أدلتم من السنة‪:‬‬

‫أما السنة المطهرة فقد تعلق الشيعة في إثبات النص من طرق أهل السنة بما ورد في فضائل‬
‫علي – رضي ال عنه ‪ ،-‬ويلحظ أن باب الفضائل مما كثر فيه الكذب‪ ،‬ويقال بأن الشيعة هم‬
‫الصل فيه‪.‬‬

‫[شرح نهج البلغة لبن‬ ‫يقول ابن أبي الحديد‪" :‬الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة"‬
‫أبي الحديد‪( 2/134 :‬عن السنة ومكانتها في التشريع‪ :‬ص ‪.].)76‬‬

‫ولهذا ت جد في ك تب الموضوعات الحاد يث الموضو عة في حق علي أك ثر من غيره من‬


‫الخلفاء الربعة‪.‬‬

‫والفضائل الواردة فـي حـق علي رضـي ال عنـه ليسـت مـن ألفاظ النصـوص والوصـايا‬
‫وال ستخلف‪ ،‬ل في لغة العرب ول في عرف هم ول في شريعة ال سلم ول في عقول العقلء‪،‬‬
‫إن ما هي فضائل أدخل ها هؤلء في الدعاوى‪ .‬و قد قام ا بن حزم بح صر الحاد يث الواردة في‬
‫فضائل علي فقال‪ :‬وأما الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنت‬
‫[ونصّ الحديث – كما أخرجه البخاري ‪" :-‬أنّ رسول‬ ‫منّي بمنزلة هارون من موسى إل أنّه ل نبيّ بعدي"‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم خرج إلى تبوك‪ ،‬وا ستخلف عليّ ا‪ ،‬فقال‪ :‬أتخلف ني في ال صّبيان والنّ ساء؟ فقال‪ :‬أل تر ضى أن‬
‫تكون منّي بمنزلة هارون من موسـى إل أنّه ل يس نبيّ بعدي" صحيح البخاري – مع الف تح – كتاب المغازي‪ ،‬باب‬
‫(ح ‪ ،)4416‬ورواه مسـلم فـي فضائل الصـّحابة‪ ،‬باب مـن فضائل علي بـن أبـي طالب‪:‬‬ ‫غزوة تبوك‪8/12 :‬‬
‫‪( ،2/1870‬ح ‪ ،)2404‬والتّرمذي‪ :‬كتاب المناقب‪( 641-640 /5 :‬ح ‪ ،)3731 ،3730‬وابن ماجه‪ ،‬المقدّمة‪:‬‬
‫‪( 43-1/42‬ح ‪ ،)115‬وأحمــد‪،330 ،185 ،184 ،182 ،179 ،177 ،175 ،174 ،173 ،1/170 :‬‬

‫‪435‬‬
‫[يقول ا بن حزم في إثبات ذلك‪:‬‬ ‫وج‪ ‍3‬ص ‪ ،338 ،32‬وج‪ ‍6‬ص ‪ 369‬و ‪ .]438‬وهذا ل ح جة فيه للرافضة‬
‫ل على من سواه ول استحقاق المامة بعده عليه ال سّلم؛ لنّ هارون لم يل أمر نبيّ إسرائيل‬
‫« وهذا ل يوجب له فض ً‬
‫بعد موسى عليه السّلم‪ ،‬وإنّما ولي المر بعد موسى عليه السّلم يوشع بن نون‪ ،‬فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه‬
‫في طلب الخضر عليهما السلم‪ ،‬كما ولي المر بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه‬
‫إلى المدينة‪.‬‬

‫وإذا لم يكن علي نبيًا كما كان هارون نبيًا‪ ،‬ول كان هارون خليفة‪ ،‬بعد موت موسى على بني إسرائيل‪ ،‬فصح أن‬
‫كونه – رضي ال عنه – من رسول ال صلى ال عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط‪.‬‬

‫وأيضًا فإنمـا قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم هذا القول إذ اسـتخلفه على المدينـة فـي غزوة تبوك‪ ،‬فقال‬
‫المنافقون‪ :‬استقله (كذا في الصل المحقق من الفصل‪ ،‬ولعلها استثقله) فخلفه‪ ،‬فلحق علي برسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فشكى ذلك إليه‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم حينئذ‪" :‬أنت مني بمنزلة هارون من موسى"‪ ،‬يريد عليه‬
‫السلم أنه استخلفه على المدينة مختارًا لستخلفه‪ ،‬ثم قد استخلف عليه السلم قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في‬
‫ل على غيره‪ ،‬ول ولية المر‬
‫ل سوى علي رضي ال عنه‪ ،‬فصح أن هذا الستخلف ل يوجب لعلي فض ً‬
‫أسفاره رجا ً‬
‫بعده‪ ،‬كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين"‪( .‬الفصل‪.)160-4/159 :‬‬

‫وتشبيه علي بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى‪ ،‬وتشبيه عمر بنوح وموسى (كما روى ذلك‬
‫(ح ‪ ،)3632‬والحاكم في مستدركه‪ ،22-3/21 :‬وروى الترمذي في كتاب الجهاد‬ ‫المام أحمد في مسنده‪1/383 :‬‬
‫طرفًا منه ‪ .)4/213‬فإن هؤلء الربعة أفضل من هارون‪ ،‬وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين ل بواحد‪ ،‬فكان هذا‬
‫التشبيه أعظم من تشبيه علي‪ ،‬مع أن استخلف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة‪ ،‬وهذا التشبيه ليس لهذين فيه‬
‫شبيه‪ ،‬فلم يكن الستخلف من الخصائص‪ ،‬ول التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص (المنتقى‪ :‬ص ‪-314‬‬
‫‪.)315‬‬

‫وانظر في إبطال احتجاج الرافضة بهذا الحديث‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،15/174 :‬المامة والرد على‬
‫و ما بعد ها‪ ،‬المنت قى ص ‪،314 ،311 ،213 ،212‬‬
‫الراف ضة ل بي نع يم ص‪ ،222-221:‬منهاج ال سنة‪4/87 :‬‬
‫فتـح الباري‪ ،7/74 :‬المقدسـي‪ /‬الرد على الرافضـة ص ‪ ،208-201‬مختصـر التحفـة الثنـي عشريـة ص ‪-163‬‬
‫‪ ،164‬السالوس‪ /‬المامة عند الجعفرية في ضوء السنة ص ‪ ،34-33‬وغيرها‪.].‬‬

‫وقوله عليـه السـلم‪" :‬لعطيـن الرايـة غدًا رجلً يحـب ال ورسـوله‪ ،‬ويحبـه ال ورسـوله"‬
‫[أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب مناقب علي بن أبي طالب‪( 7/70 :‬البخاري مع الفتح)‪ ،‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫فضائل ال صحابة‪ ،‬باب من فضائل علي بن أ بي طالب‪ ،].1873-2/1871 :‬وهذه صفة واج بة ل كل م سلم‬
‫[أي ل يس هذا الو صف من خ صائص علي؛ بل غيره ي حب ال ور سوله‪ ،‬ويح به ال ور سوله‪ ،‬ول كن ف يه‬ ‫وفا ضل‬
‫الشهادة لعي نه بذلك‪ ،‬ك ما ش هد لعيان العشرة بالج نة‪ ،‬ف هو ل يس من خ صائصه فضلً عن أن يكون ن صًا على إمام ته‬
‫وعصمته‪ .‬والرافضة الذين يقولون‪ :‬إن الصحابة ارتدوا بعد موته صلى ال عليه وسلم ل يمكنهم الستدلل بهذا؛ لن‬
‫الخوارج تقول لهـم‪ :‬هـو ممـن ارتـد أيضًا‪ ،‬قال الشعري‪ :‬أجمعـت الخوارج على كفـر علي‪( .‬المقالت‪،)1/167 :‬‬

‫‪436‬‬
‫وأ هل ال سنة يبطلون قول الخوارج بأدلة كثيرة لكن ها مشتر كة تدل على إيمان الثل ثة‪( ..‬ان ظر‪ :‬منهاج ال سنة‪،4/98 :‬‬
‫‪.].)99‬‬

‫[أخرجه الترمذي‪ ،‬في كتاب‬ ‫وعهده عليه السلم‪" :‬أن عليًا ل يحبه إل مؤمن ول يبغضه إل منافق"‬
‫المناقب‪( 5/643 :‬ح ‪ .)3736‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .].‬وقد صح مثل هذا في النصار‪-‬‬
‫[الحد يث أخر جه م سلم ب سنده عن أ بي‬ ‫ر ضي ال عنهم – أنه ل يبغضهم من يؤمن بال واليوم الخر‬
‫هريرة‪ ،‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪" :‬ل يب غض الن صار ر جل يؤ من بال واليوم ال خر" (كتاب اليمان‪،‬‬
‫باب الدليل على أن حب النصار وعلي رضي ال عنهم من اليمان وعلماته‪ ،‬وبغضهم من علمات النفاق‪ :‬ج‪ ‍1‬ص‬
‫(ح ‪ ،)130‬وهناك أحاديث في النصار مطابقة للفظ الوارد في علي رضي ال عنه‪ ،‬منها ما أخرجه الشيخان أن‬ ‫‪86‬‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال‪" :‬الن صار ل يحب هم إل مؤ من ول يبغض هم إل منا فق" البخاري – مع الف تح – كتاب‬
‫(ح ‪ ،)3784 ،3783‬وم سلم‪ ،‬في المو ضع ال سابق (ح‬ ‫منا قب الن صار‪ ،‬باب حب الن صار من اليمان‪7/113 :‬‬
‫‪ ،)129‬والترمذي‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب فضل النصار وقريش‪( 5/712 :‬ح ‪.].)3900‬‬

‫وأمّا "من كنت موله فعليّ موله" [سيأتي تخريجه‪ ،‬والتعليق عليه‪ ،].‬فل يصح من طريق الثقات‬
‫أصلً‪.‬‬
‫"وأما سائر الحاديث التي تتعلق بها الرافضة فموضوعة‪ ،‬يعرف ذلك من له أدنى علم‬
‫بالخبار ونقلتها" [الفصل‪.].4/224 :‬‬
‫وقد نقل هذا النص عن ابن حزم شيخ السلم ابن تيمية وعقب عليه بقوله‪ « :‬فإن قيل‪ :‬لم‬
‫[راجع‪ :‬صحيح البخاري – مع الفتح –‬ ‫يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله‪" :‬أنت مني وأنا منك"‬
‫كتاب الصلح‪( 304-5/303 :‬ح ‪ ،)2699‬وكتاب المغازي‪ ،‬باب عمرة القضاء‪( 7/499 :‬ح ‪.].)4251‬‬
‫[وهو في مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال‪ ...« :‬ولما نزلت هذه الية‪َ { :‬فقُ ْل تَعَالَ ْواْ‬ ‫وحديث المباهلة‬
‫نَ ْدعُ َأ ْبنَاءنَا َوَأ ْبنَاءكُمْ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ]61 :‬دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال‪:‬‬
‫"اللهم هؤلء أهلي" "‪.‬‬
‫(صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ .)2/1871 :‬وهذا "ل‬
‫دللة فيه على المامة ول على الفضلية‪ ..‬والمباهلة إنما تحصل بالقربين إليه‪ ،‬وإل فلو باهلها بالبعدين في النسب‪،‬‬
‫وإن كانوا أفضل عند ال لم يحصل المقصود" (انظر تفصيل الرد على الروافض في احتجاجهم بهذا الحديث في‪:‬‬
‫[وهو في مسلم‬ ‫منهاج السنة‪ ،36-4/34 :‬المقدسي‪ /‬رسالة في الرد على الرافضة ص ‪ ].)245-243‬والكساء‬
‫من حديث عائشة – رضي ال عنها – قالت‪ :‬خرج النبي صلى ال عليه وسلم غداة وعليه مرط (يعني كساء) مرحّل‬
‫(هو الموشى المنقوش عليه صور رجال البل) من شعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ .‬ثم جاء الحسين فدخل‬
‫س أَهْ َل الْ َبيْتِ َويُطَ ّهرَكُمْ‬
‫معه‪ .‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها‪ .‬ثم جاء علي فأدخله‪ .‬ثم قال‪ِ{ :‬إنّمَا يُرِي ُد اللّهُ ِليُذْ ِهبَ عَنكُ ُم الرّجْ َ‬
‫تَطْهِيرًا} [الحزاب‪ ،‬آية‪( .]33:‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل أهل بيت النبي صلى ال عليه‬
‫(ح ‪ ،)2424‬وانظر‪ :‬في الرد على تعلق الرافضة بهذا الحديث‪ :‬منهاج السنة‪،25-4/20 :‬‬ ‫وسلم‪2/1883 :‬‬

‫‪437‬‬
‫وانظر‪ :‬المقدسي‪ ،‬رسالة في الرد على الرافضة ص ‪ ،246‬مختصر التحفة‪ :‬ص ‪].)156-155‬؟ قيل‪ :‬مقصود‬
‫ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي ل يذكر فيه إل علي‪ ،‬وأما تلك ففيها ذكر غيره‪،‬‬
‫فإنه قال لجعفر‪" :‬أشبهت خلقي وخلقي"‪ .‬وقال لزيد‪" :‬أنت أخونا ومولنا"‪ ،‬وحديث المباهلة‬
‫والكساء فيهما ذكر علي‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وحسن‪ ،‬وحسين رضي ال عنهم فل يرد هذا على ابن حزم"‬
‫[منهاج السنة‪.].4/86 :‬‬
‫ولكن الرافضة قد توسعوا في هذا الباب‪ ،‬واختلقوا الروايات‪ ،‬وزادوا على النصوص‬
‫الصحيحة نصوصًا كاذبة‪ ..‬وقد ذكرت كتب الموضوعات جملة من الروايات التي يستند إليها‬
‫الروافض [انظر مثلً‪ :‬الموضوعات لبن الجوزي‪ 1/338 :‬وما بعدها‪ ،].‬قال ابن الجوزي‪" :‬فضائله –‬
‫يعني عليًا – الصحيحة كثيرة‪ ،‬غير أن الرافضة لم تقنع‪ ،‬فوضعت له ما يضع ول يرفع"‬
‫[الموضوعات لبن الجوزي‪..].1/338 :‬‬
‫وتجدهم في كتبهم يحتجون بكثير من الروايات التي يعزونها لكتب أهل السنة من باب الخداع‬
‫والكذب إذ ل وجود لها أصلً‪ ،‬ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ورأيت كثيرًا من ذلك المعزو‬
‫الذي عزاه أولئك (يعني بهم شيوخ الروافض الذين اطلع على كتبهم) إلى المسند والصحيحين‬
‫وغيرهما باطلً ل حقيقة له" [منهاج السنة‪.].4/27 :‬‬
‫وقد جمع ابن المطهر الحلي جل ما يحتجون به في هذا الباب‪ ،‬وكشف شيخ السلم ما فيها‬
‫[ول سيما في المجلد الخير منه‪ ،‬وقد قام د‪ .‬علي السالوس بجمع كل‬ ‫من حق وباطل في "منهاج السنة"‬
‫الحاديث المتصلة بالمامة والموجودة في الكتب الستة والموطأ ومسند أحمد ودرسها سندًا ومتنًا‪ ،‬وانتهى إلى أن‬
‫السنة النبوية ل تؤيد ما ذهب إليه الجعفرية في مسألة المامة؛ بل تنقضه بأحاديث صحيحة ثابتة‪( .‬انظر‪ :‬المامة عند‬
‫الجعفرية في ضوء السنة)‪.].‬‬
‫لكن للروافض وسائل خفية ماكرة في طريقتهم في الحتجاج من كتب أهل السنة‪ ،‬لعل أول‬
‫من تولى كشفها وشرحها علمة الهند شاه عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الثني عشرية‬
‫[انظر‪ :‬التحفة الثني عشرية‪ ،‬الورقة ‪ 44‬وما بعدها‪ ،‬ومختصر التحفة الثني عشرية ص ‪ 32‬وما بعدها‪ ،].‬وكذلك‬
‫فعل شيخ العلماء العلم فريد دهره ووحيد عصره – كما يصفه اللوسي – الشيخ محمد‬
‫الشهير بخواجة نصر ال الهندي المكي في كتابه "الصواعق المحرقة" وقد اختصره اللوسي –‬
‫رحمه ال – وسماه "السيوف المشرقة" [انظر‪ :‬السيوف المشرقة‪ ،‬ومختصر الصواقع المحرقة‪ ،‬الورقة ‪50‬‬
‫وما بعدها‪.].‬‬

‫‪438‬‬
‫[انظر‪ :‬نقض‬ ‫والشيخ السويدي – رحمه ال – قد ساهم في ذلك في كتابه "نقض عقائد الشيعة"‬
‫عقائد الشيعة‪ ،‬وهو مخطوط غير مرقم الصفحات وبالعد ينظر الورقة ‪ 25‬وما بعدها‪ ،].‬وقد أوردت طائفة من‬
‫هذه الوسائل في رسالتي "فكرة التقريب" [فكرة التقريب‪ :‬ص ‪ 52‬وما بعدها‪ ].‬مما ل حاجة لعادته‪.‬‬
‫هذا وكما ذكرنا ما يراه الشيعة أنه أقوى أدلتهم من القرآن في إثبات المامة بحسب‬
‫مفهومهم‪ ،‬نذكر أيضًا ما يرونه أقوى أدلتهم من السنة ونبين ما فيه‪.‬‬
‫عمدة أدلتهم من السنة‪:‬‬
‫عمدة أدلتهم هو ما يسمونه "حديث الغدير"‪ ،‬وقد بلغ من اهتمام الروافض بأمره أن ألف أحد‬
‫شيوخهم المعاصرين كتابًا من ستة عشر مجلدًا‪ ،‬يثبت به صحة هذا الحديث وشهرته سماه‪:‬‬
‫"الغدير في الكتاب والسنة والدب"‪ .‬فهم يرون أن النبي صلى ال عليه وسلم عندما وصل إلى‬
‫[خمّ‪ :‬واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير‪ ،‬وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة‪( .‬معجم البلدان‪:‬‬ ‫غدير خم‬
‫‪ ].)2/389‬بعد منصرفه من حجة الوداع بيّن للمسلمين أن وصيته وخليفته من بعده علي بن أبي‬
‫ك مِن ّربّكَ َوإِن‬
‫طالب؛ حيث أمره ال عز وجل بذلك في قوله‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬
‫لّ ْم تَفْ َعلْ َفمَا َبلّغْتَ ِرسَا َلتَهُ} [المائدة‪ :‬آية‪.].67 :‬‬
‫[بحار النوار‪-37/108 :‬‬ ‫وقد أورد شيخهم المجلسي في هذا المعنى (‪ )105‬من أحاديثهم‬
‫‪ ،].253‬وقال‪" :‬إنا ومخالفينا قد روينا عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قام يوم غدير خم وقد‬
‫جمع المسلمون فقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا‪ :‬اللهم بلى‪ ،‬قال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬من كنت موله فعلي موله اللهم وال من واله‪ ،‬وعاد من عاداه‪ ،‬وانصر من‬
‫نصره‪ ،‬واخذل من خذله‪[ "..‬بحار النوار‪.].37/225 :‬‬
‫ل – مجمع‬
‫[انظر – مث ً‬ ‫وقد أوردت كتب التفسير عندهم هذا الحديث للحتجاج به على إمامة علي‬
‫البيان‪ ،153-2/152 :‬تفسير الصافي‪ ،71-2/51 :‬البرهان‪ ].491-1/488 :‬عند قوله سبحانه‪{ :‬يَا َأ ّيهَا‬
‫ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا أُن ِزلَ إِ َليْكَ‪ }..‬الية [المائدة‪ ،‬آية‪ .].67 :‬وكذلك سائر كتبهم التي تتحدث عن مسألة‬
‫[انظر‪ :‬ابن المطهر‪ /‬كشف المراد‪ :‬ص ‪ ،395‬القزويني‪ /‬الشيعة في عقائدهم‪ :‬ص ‪ ،71‬الصادقي‪ /‬علي‬ ‫المامة‬
‫والحاكمون‪ :‬ص ‪ ،76-55‬خليل ياسين‪ /‬المام علي‪ :‬ص ‪ ،292‬الزنجاني‪ /‬عقائد المامية الثني عشرية‪،1/90 :‬‬
‫الصفهاني‪ /‬عقيدة الشيعة في المامة‪ :‬ص ‪.].55‬‬
‫وهم يذكرون هذا الخبر في طليعة الخبار التي يحتجون بها على أهل السنة‪ .‬قال شيخهم عبد‬
‫ال شبر‪" :‬ما روى العامة بأسرهم بطرق متواترة وأسانيد متضافرة تنيف على مائة طريق‬
‫واتفقوا على صحته واعترفوا بوقوعه وهو حديث الغدير‪ ،‬ثم ذكر ملخصه بنحو ما ذكرناه آنفًا"‬

‫‪439‬‬
‫[حق اليقين‪ ،1/153 :‬وقال الصادقي‪" :‬إن قصة الغدير لمن أثبت الثار التي يتناقلها الرواة‪( "..‬علي والحاكمون‪ :‬ص‬
‫‪ )72‬وهي "حجة على الحاضر والغائب لئل يكون للناس حجة بعد هذه الحجة البالغة" (علي والحاكمون‪ :‬ص ‪.].)73‬‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة‪-4/9 :‬‬ ‫والحديث احتج به ابن المطهر‪ ،‬وأجاب عليه شيخ السلم جوابًا شافيًا‬
‫‪ ،87-84 ،16‬المنتقى‪ :‬ص ‪ ،].468-466 ،425-422‬كما ناقش المام محمد بن عبد الوهاب‬
‫[انظر‪ :‬رسالة في الرد على الرافضة‪:‬‬ ‫شيخهم المفيد في إيراده لهذا الحديث بالصورة التي تراها الشيعة‬
‫[انظر‪ :‬أبو نعيم‪/‬‬‫ص ‪ .].7-6‬وتعرض لهذا الحديث معظم أهل السنة الذين ردوا على الروافض‬
‫المامة والرد على الرافضة‪ :‬ص ‪ ،13‬المقدسي‪ /‬رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪ ،224-221‬الطفيلي‪/‬‬
‫المناظرة بين أهل السنة والرافضة‪ :‬ص ‪ ،16-15‬اللوسي‪ /‬روح المعاني‪ .].199-6/192 :‬ونوجز جواب‬
‫أهل السنة فيما يلي‪:‬‬
‫أن الحديث زاد الوضّاعون فيه‪ ،‬ول يصحّ منه في نظر طائفة من أهل العلم في الحديث إل‬
‫[محمّد بن عبد الوهاب‪ /‬رسالة في الرّد على الرّافضة ص ‪ .13‬والحديث‬‫قوله‪" :‬من كنت موله فعليّ موله"‬
‫أخرجه ابن ماجه‪ .1/43 :‬وأخرجه الترمذي بسنده عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من كنت موله فعلي موله"‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح الترمذي‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب علي بن أبي طالب‪( 5/633 :‬ح‬
‫‪ ،)3713‬وابن ماجه بسنده عن البراء بن عازب قال‪" :‬أقبلنا مع رسول ال في حجته التي حج‪ ،‬فنزل في بعض‬
‫الطرق فأمر الصلة جامعة"‪ .‬فأخذ بيد علي فقال‪" :‬ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪" :‬ألست أولى‬
‫بكل مؤمن من نفسه؟"‪ .‬قالوا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪" :‬فهذا ولي من أنا موله‪ ،‬اللهم وال من واله‪ ،‬اللهم عاد من عاداه"‪ .‬ابن ماجه‪:‬‬
‫‪ ،1/43‬المقدمة (ح ‪ .)116‬لكن قال في الزوائد‪ :‬إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان (أحد رجال سند ابن‬
‫ماجه)‪( ،‬الزوائد‪ :‬ص ‪ .)69‬وأخرجه المام أحمد ‪ ،1/84‬قال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬الحديث متنه صحيح‪ ،‬ورد عن‬
‫طرق كثيرة‪ ،‬وطرقه أو أكثرها في مجمع الزوائد (انظر‪ :‬المسند‪2/56 :‬؛ تحقيق شاكر‪ ،‬ومجمع الزوائد‪-9/103 :‬‬
‫‪ ،].)109‬بينما يرى بعض أهل العلم أن الحديث ل يصح منه شيء البتة‪ .‬قال ابن حزم‪" :‬وأما‬
‫[ابن حزم‪ /‬الفصل‪ ،4/224 :‬وانظر‪:‬‬ ‫من كنت موله فعلي موله فل يصح من طريق الثقات أصلً »‬
‫ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ،4/86 :‬والذهبي‪ /‬المنتقى (مختصر منهاج السنة) ص ‪ .].467‬ونقل عن البخاري‬
‫وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه [منهاج السنة‪.].4/86 :‬‬
‫قال شيخ السلم‪" :‬وأما قوله‪" :‬من كنت موله فعلي موله" فليس هو في الصّحاح‪ ،‬لكن هو‬
‫ممّا رواه أهل العلم وتنازع النّاس في صحّته [منهاج السنة‪ .].4/86 :‬وأمّا قوله‪" :‬اللّهمّ وال من‬
‫واله وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" فهو كذب باتفاق أهل المعرفة‬
‫بالحديث" [منهاج السنة‪ .].4/16 :‬ثم بين شيخ السلم أن الكذب يعرف من مجرد النظر في متنها‪،‬‬
‫[فإنه قاتل معه أقوام يوم "صفين"‬ ‫لن قوله‪" :‬اللهم انصر من نصره‪ "..‬خلف الواقع التاريخي الثابت‬
‫فما انتصروا‪ ،‬وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا‪ « :‬كسعد » الذي فتح العراق لم يقاتل معه‪ ،‬وكذلك أصحاب معاوية وبني‬
‫أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيرًا من بلد الكفار ونصرهم ال‪( .‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ].)4/418 :‬فل تصح‬
‫‪440‬‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأما قوله‪" :‬اللهم وال من واله وعاد من عاداه" فهو‬
‫مخالف لصل السلم‪ ،‬فإنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على‬
‫بعض [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].4/418 :‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – بعد ذكره لخلف أهل العلم في ثبوت قوله‪" :‬من كنت موله‬
‫فعلي موله"‪ :-‬إن لم يكن النبي صلى ال عليه وسلم قاله فل كلم‪ ،‬فإن قاله فلم يرد به قطعًا‬
‫الخلفة بعده؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه‪ ،‬وهذا المر العظيم يجب أن يبلغ بلغًا مبينًا‪..‬‬
‫والموالة ضد المعاداة‪ .‬وهذا حكم ثابت لكل مؤمن [وإنما خص بذلك علي لسبب سيأتي بيانه‪ ،].‬فعلي‬
‫رضي ال عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه‪ ،‬وفي هذا الحديث إثبات إيمان‬
‫علي في الباطن‪ ،‬والشهادة له بأنه يستحق الموالة باطنًا وظاهرًا‪ ،‬ويرد ما يقوله فيه أعداؤه من‬
‫الخوارج والنواصب‪ ،‬ولكن ليس فيه أنه ليس من المؤمنين مولى غيره‪ ،‬فكيف ورسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم له موال وهم صالحو المؤمنين [منهاج السنة‪.].4/86 :‬‬
‫[وهي‬ ‫قال الفيروزآبادي صاحب القاموس‪" :‬وأما ما يظنه من يظن من الرافضة أن في الية‬
‫قوله سبحانه‪ِ{ :‬إنّمَا َوِليّكُمُ اللّهُ َو َرسُولُهُ‪ }..‬انظر‪ :‬استدلل الروافض بها ونقده ص(‪ )678‬وما بعدها‪ ].‬أو في‬
‫الحديث دللة على أن عليًا – رضي ال عنه – هو الخليفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم فمن‬
‫الجهل المقطوع بخطأ صاحبه؛ فإن الولية بالفتح هي ضد العداوة‪ ،‬والسم منها مولى ووليّ‪،‬‬
‫والولية بكسر الواو هي المارة‪ ،‬والسم منها والي ومتولي‪ ..‬والموالة ضد المعاداة وهي من‬
‫ج ْبرِيلُ َوصَا ِلحُ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ‬
‫عَليْهِ َفإِنّ الّلهَ ُهوَ َموْلهُ وَ ِ‬
‫الطرفين كقوله تعالى‪{ :‬وَإِن تَظَا َهرَا َ‬
‫ك بِ َأنّ الّل َه َموْلَى الّذِينَ آ َمنُوا وَأَنّ الْكَا ِفرِينَ‬
‫ظهِيرٌ} [التحريم‪ ،‬آية‪ ،].4:‬وقال‪{ :‬ذَِل َ‬
‫وَا ْلمَلئِ َك ُة بَعْدَ ذَِلكَ َ‬
‫ل َموْلَى َل ُهمْ} [محمد‪ ،‬آية‪ .].11:‬وقال تعالى‪{ :‬وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بَ ْعضُهُمْ َأوْ ِليَاء بَعْضٍ}‬
‫[انظر‪ :‬المعجم‬ ‫[التوبة‪ ،‬آية‪[ "].71 :‬القضاب المشتهر‪ ،‬الورقة(‪ .].)13‬واليات في هذا المعنى كثيرة‬
‫المفهرس‪ ،‬مادة "ولي"‪.].‬‬
‫ويبدو أن الرافضة وجدوا أن الحديث ل يخدم أغراضهم‪ ،‬فزادوا فيه زيادات فاحشة‪.‬‬
‫وقد رأى المام محمد بن عبد الوهاب في جملة من الزيادات التي زادها الروافض في هذا‬
‫الحديث ما هو كفر بإجماع المسلمين [انظر‪ :‬رسالة في الرد على الرافضة ص ‪ 6‬وما بعدها‪ ،].‬ومن يقرأ‬
‫زياداتها في ذلك من خلل ما جمعه المجلسي في بحاره يرى من الكفر والضلل ما يستغرق‬
‫شرحه الصفحات الطوال‪ ،‬ويكفي في الحكم بكذبه مجرد النظر إلى متنه‪.‬‬
‫ومن المعلوم لغة وعقلً وعرفًا‪ ،‬فضلً عن الشرع أن الستخلف ل يكون بمثل هذه اللفاظ‪،‬‬
‫لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب – كما يروي البيهقي – حينما قيل له‪ :‬ألم يقل‬
‫‪441‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي‪ :‬من كنت موله فعلي موله؟ فقال‪ :‬أما وال إن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إن كان يعني المرة والسلطان والقيام على الناس بعده لفصح لهم بذلك‪،‬‬
‫كما أفصح لهم بالصلة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت‪ ،‬ولقال لهم‪ :‬إن هذا ولي أمركم من‬
‫بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فما كان من وراء هذا شيء‪ ،‬فإن أنصح الناس للمسلمين رسول ال‬
‫[البيهقي‪ /‬العتقاد‪ :‬ص ‪ ،183-182‬وانظر‪ :‬تهذيب تاريخ دمشق‪ ،4/169 :‬أبو حامد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‬
‫المقدسي‪ /‬رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪.].223-222‬‬
‫والمعنى الذي في الحديث يعمّ كلّ مؤمن‪ ،‬ولكن خصّ بذلك عليّا – رضي ال عنه – لنّه قد‬
‫نقم منه بعض أصحابه‪ ،‬وأكثروا الشّكاية ضدّه حينما أرسله النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى اليمن‬
‫قبل خروجه من المدينة لحجّة الوداع [سيرة ابن هشام‪ ،2/603 :‬البداية والنّهاية‪،].105-5/104 :‬‬
‫ولذلك قال البيهقي‪" :‬ليس فيه إن صح إسناده نص على ولية علي بعده فقد ذكرنا من طرقه في‬
‫كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى ال عليه وسلم من ذلك‪ ،‬وهو أنه لما بعثه إلى‬
‫اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه‪ ،‬فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يذكر اختصاصه‬
‫به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالته وترك معاداته فقال‪ :‬من كنت وليه فعلي وليه‪،‬‬
‫وفي بعض الروايات‪ :‬من كنت موله فعلي موله‪ ،‬والمراد به ولء السلم ومودته‪ .‬وعلى‬
‫[العتقاد‪ :‬ص ‪ ،181‬ونشير في ختام القول‬ ‫المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا ول يعادي بعضهم بعضًا"‬
‫عن حديث الغدير إلى الملحظات التالية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن قوله سبحانه‪{ :‬يَا َأيّهَا ال ّرسُو ُل َبلّغْ مَا أُنزِ َل ِإلَ ْيكَ مِن ّربّكَ} [المائدة‪ ،‬آية‪ ]67:‬نزلت قبل حجّة بمدّة طويلة‪،‬‬
‫ويوم الغدير إنّما كان ثمان عشر ذي الحجّة بعد رجوعه من الحجّ‪ ،‬فقولهم بأنّه حينما نزلت عليه هذه الية خطب‬
‫خطبة الغدير هو من وضع من ل يعرف كيف يضع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنّ الذي واه مسلم بأنّه بغدير خم قال‪" :‬إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب‪ .‬وأنا تارك فيكم‬
‫ث على كتاب ال ورغّب فيه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ثقلين‪ :‬أوّلهما كتاب ال فيه الهدى والنّور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به" فح ّ‬
‫"وأهل بيتي أذكركم ال في أهل بيتي‪( "..‬صحيح مسلم كتاب فضائل الصّحابة‪ ،‬باب من فضائل عليّ بن أبي طالب –‬
‫(ح ‪.)2408‬‬ ‫رضي ال عنه – ‪2/1883‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيميّة‪ :‬وهذا ما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري‪ ،‬وليس فيه إل الوصيّة باتّباع كتاب ال‪،‬‬
‫وهذا أمر قد تقدّمت الوصيّة به في حجّة الوداع‪ ،‬وهو لم يأمر باتّباع العترة ولكن قال‪" :‬أذكّركم ال في أهل بيتي"‪،‬‬
‫وتذكر المة لهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم المر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم‪ ،‬والمتناع من ظلمهم‪ ،‬وهذا أمر قد‬
‫تقدم بيانه قبل غدير خم‪ ،‬فعلم أنه لم يكن في الغدير أمر بشرع نزل ل في حق علي ول غيره‪( .‬منهاج السنة‪:‬‬
‫‪.)4/85‬‬

‫‪442‬‬
‫وقال الفيروزآبادي‪ :‬إن قوله‪" :‬أذكركم ال في أهل بيتي" ليس مما يختص بعلي – رضي ال عنه – بل هو مشترك‬
‫بين جميع أهل البيت‪ :‬آل علي‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل عباس‪ ،‬وأبعد الناس من قبول هذه الوصية هم الرافضة‬
‫فإنهم يعادون جمهور آل البيت‪ ،‬ويعاونون الكفار على أهل البيت‪( .‬القضاب المشتهر‪ ،‬الورقة ‪.].)13‬‬
‫وبعد أن عرضنا لهم دليل عندهم من كتاب ال‪ ،‬وأقوى دليل عندهم من سنة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ندع استعراض باقي أدلتهم إلى كتب أهل السنة التي تتبعت شبه الروافض‬
‫التي يثيرونها من كتب السنة وأتت عليها من القواعد‪.‬‬
‫ول شك أن التعرف على هذه الشبه والرد عليها أمر ميسور‪ ،‬إذ يكفي الرجوع إلى منهاج‬
‫السنة وما ماثله من كتب أهل السنة‪ ..‬ولكن استعراضها كلها في بحثنا يستوعب المجلدات ولن‬
‫يأتي بجديد‪ ..‬ولذلك اقتصرنا على أقوى دليل عندهم من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وسبب آخر في غاية الهمية وهو أن هؤلء الروافض ل يؤمنون أصلً بما جاء عن طريق‬
‫أهل السنة ولو كان في غاية الصحة – كما سلف – لكن هم يثيرون هذه الشبهات ليحققوا بها‬
‫أمرين – فيما أرى ‪:-‬‬
‫الول‪ :‬إقناع المتشككين والحائرين من أتباعهم‪ ،‬وذلك بخداعهم أن هذه العقائد متفق عليها‬
‫بين السنة والشيعة‪ ،‬ولكن أهل السنة يكابرون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إشغال أهل السنة بهذه المسائل والدفاع عنها حتى ل يتمكنوا من الوصول إلى كتب‬
‫الروافض المعتمدة في الحديث والرجال والتفسير ودراستها بعين بصيرة ناقدة‪ ..‬وكشف المر‬
‫أمام التباع الجهلة‪.‬‬
‫ولذلك أقول‪ :‬إن علماء السنة قدموا جهدًا عظيمًا في مواجهة المر الول‪ ،‬أما الثاني فإن عدم‬
‫توفر كتب الروافض – فيما يظهر – حال بينهم وبين نقدها‪ ،‬وكشف ما فيها‪ ،‬إل في العصور‬
‫المتأخرة‪ ،‬حيث بدأ علماء الهند والباكستان السهام في ذلك‪ .‬والموضوع ل يزال بحاجة إلى‬
‫مواصلة هذا الطريق وتضافر الجهود‪ ،‬بدراسات علمية موضوعية تبين الحقيقة وتكشف الزيف‬
‫أمام أولئك المغرورين والمخدوعين‪.‬‬
‫ونعود الن إلى مسألة النص في كتب الشيعة بعد أن أشرنا إلى أقوى أدلتهم من طريق‬
‫السنة‪.‬‬
‫النص في كتب الشيعة‪:‬‬
‫أصل قول الرافضة هو دعوى النص [انظر‪ :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ..].3/356 :‬وقد تنوعت‬
‫احتجاجاتهم على مسألة النص؛ فهي تارة كتب إلهية تنزل من السماء في النص على علي‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )586‬من هذه‬ ‫والئمة‪ ،‬ولكن هذه الكتب غابت منذ سنة ‪260‬ه‍ مع الغائب المنتظر‬

‫‪443‬‬
‫الرسالة‪ ..].‬وهي أخرى نصوص صريحة في القرآن في النص على الثني عشر‪ ،‬ولكن هذه‬
‫النصوص اختفت من القرآن بفعل الصحابة [انظر‪ :‬ص(‪ )200‬وما بعدها من هذه الرسالة‪ ،].‬وهي ثالثة‬
‫نصوص صريحة من الرسول صلى ال عليه وسلم ولكن المة أجمعت على كتمانها‪ ،‬وكان أول‬
‫من أظهر القول بها – كما في رجال الكشي وغيره – ابن سبأ [انظر‪ :‬ص (‪ )654‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وهي تارة رابعة تأويلت باطنية ليات القرآن بالئمة‪ ،‬ولكن ل يعرف هذه التأويلت إل‬
‫الئمة [انظر‪ :‬ص ‪ 149-133‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫ويدعمون ذلك بدعاوى غريبـة فـي الئمـة مـن معجزات خارقـة‪ ،‬وعصـمة مطلقـة وكتـب‬
‫موروثـة‪ ،‬وعلوم متلقاة عـن الوحـي السـماوي‪ ..‬وعلمات فـي الئمـة ينفردون بهـا دون سـائر‬
‫البشر‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫وقد تفرد بنقل دعوى النص في بدايتها ابن سبأ‪ ،‬ثم عممت هذه الدعوى على آخرين من آل‬
‫محمد اختلفت فرق الشيعة في أعدادهم وأعيانهم اختلفًا كبيرًا‪ ،‬وقد تولى كبرها هشام بن الحكم‬
‫وشيطان الطاق كما يقوله طائفة من أهل العلم‪ ،‬ثم كان استقرار القول باثني عشر إمامًا بعد سنة‬
‫(‪260‬ه‍) على يد ثلة ممن ادعوا واخترعوا فكرة المام الغائب‪ ،‬والنيابة عنه والرتزاق باسمه‬
‫كما سيأتي في مسألة الغيبة‪.‬‬
‫ورواياتهم في النص على الئمة قد استحوذت على حيز كبير من كتبهم المعتمدة في الكافي‬
‫والبحار وكتب التفسير‪ ،‬وعامة كتب شيوخهم كالمفيد وابن بابويه‪ ،‬والطوسي‪ ،‬وابن المطهر‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وما دام قد قام ما يشبه التفاق بين كتب السنة والشيعة على أن الذي تولى كبر فرية النص‬
‫هو ابن سبأ‪ ،‬ونقلت كتب الشيعة أن أحاديث النص كانت موضوع التداول السري بين العناصر‬
‫المنتسبة للتشيع [كما سلف ص (‪ ،].)658‬ولم تعلن ذلك أمام علماء السلم بما فيهم أئمة أهل‬
‫البيت‪ ،‬وهذا الجو السري مجال واسع للوضع والفتراء‪.‬‬
‫و قد كا نت بدا ية التدو ين من عنا صر لي ست من ال سلم في ش يء لفترائ ها على كتاب ال‬
‫كالصفار وإبراهيم القمي والكليني‪ ،‬فما دام المر كذلك فهل يثق المسلم بمثل هذه النصوص التي‬
‫تكاثرت على مر الزمان؟!‬

‫وبعض الشيعة الصوليين قد ل يثقون بكل ما جاء في هذه المدونات‪ ،‬حتى قال جعفر آل‬
‫كاشف الغطا في كتابه "كشف الغطا" والذي تعتمد عليه الشيعة اليوم‪ ،‬قال‪ :‬المحمدون الثلثة‬

‫‪444‬‬
‫[مر نقل النص ص ‪ ،368‬وهو يعني بالمحمدين الثلثة أصحاب الكتب‬ ‫كيف يوثق بتحصيل العلم عليهم‬
‫الربعة‪.].‬‬
‫والكتاب الوحيد الذي تطمئن الشيعة إلى كل كلمة فيه هو كتاب نهج البلغة مع أنه لم يجمع‬
‫[انظر‪ :‬ص (‬ ‫إل في القرن الرابع عن أمير المؤمنين في القرن الول وليس له سند معروف‬
‫‪ .].)389‬فإذا كان هذا هو عمدة كتبه فما حال الكتب الخرى؟ ولذلك قال شيخ السلم ابن‬
‫[منهاج‬ ‫تيمية‪" :‬ليس أحد من المامية ينقل هذا النص بإسناد متصل فضلً عن أن يكون متواترًا"‬
‫السنة‪.].4/210 :‬‬
‫ومع ذلك إذا أردنا أن نحتكم إلى نهج البلغة نجد فيه ما ينفي دعوى النص ويهدم كل ما‬
‫زعموه في هذا الباب‪ ،‬أو يثبت التناقض‪ ،‬والتناقض دليل بطلن المذهب‪.‬‬
‫جاء في نهج البلغة أن أمير المؤمنين عليًا قال – لما أراده الناس على البيعة ‪" :-‬دعوني‬
‫والتمسوا غيري فإنّنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان ل تقوم له القلوب ول تثبت عليه العقول‪،‬‬
‫وإن تركتموني فإنّي كأحدكم‪ ،‬ولعليّ أسمعكم وأطوعكم لمن وليّتموه أمركم‪ ،‬وأنا لكم وزيرًا خير‬
‫[نهج البلغة‪ :‬ص ‪ .136‬وقال المفيد في الرشاد‪ :‬ومما حفظ العلماء من كلم أمير المؤمنين أنه‬ ‫منّي لكم أميرًا"‬
‫قال‪ ..." :‬أتيتموني فقلتم‪ :‬بايعنا‪ ،‬فقلت‪ :‬ل أفعل‪ ،‬فقلتم‪ :‬بلى‪ ،‬فقلت‪ :‬ل‪ ،‬وقبضت يدي فبسطتموها‪ ،‬ونازعتكم فجذبتموه‬
‫– كذا – وتداككتم عليّ تداك البل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت أنكم قاتلي‪ ،‬وإن بعضكم قاتل بعضًا‬
‫ط‪:‬‬ ‫لدي فبسطت يدي فبايعتموني‪( ."...‬الرشاد‪ :‬ص ‪ 131-130‬ط‪ :‬العلمي بيروت‪ ،‬وص‪144-143 :‬‬
‫الحيدرية بالنجف)‪ .‬فهل يقول مثل هذا الكلم من يتطلع للخلفة‪ ،‬ويطوف بفاطمة على بيوت الصحابة يطالب‬
‫بالبيعة‪ ...‬إلى آخر أساطير الشيعة في هذا الباب؟ وهل يبقى لدعوى النص على المامة وكفر من خالفه بعد هذا القول‬
‫مكان؟! إذ هل يخطر بالبال أن يدعو علي الناس إلى الكفر‪ ،‬ذلك أن من لم يبايع المام المنصوص عليه هو كافر في‬
‫قواميس الشيعة‪ ..‬وعليّ هنا يرفض البيعة؟!]‪.‬‬
‫وهذا النص يدل على أنه لم يكن منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول وإل لما جاز أن‬
‫[محمود شكري اللوسي‪ /‬تعليقات على ردود الشيعة‬ ‫يقول‪" :‬دعوني‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولعلّي‪ ..‬إلخ‪ ،‬وأنا لكم‪ ..‬إلخ"‬
‫(مخطوط)‪.].‬‬
‫فكيف يرفض المام المعصوم مبايعته بالمامة في قوله‪" :‬دعوني" مع أن ذلك أهم ركن من‬
‫أركان الدين؟ وكيف يأمرهم بمبايعة غيره في قوله‪" :‬التمسوا غيري" مع أن كتب الشيعة تقول‪:‬‬
‫ثلثة ل ينظر ال إليهم ول يكلمهم ولهم عذاب أليم‪" :‬من بايع إمامًا ليس من عند ال‪"..‬؟!‬
‫فهل يأمرهم بالكفر بعد اليمان‪ ..‬أو أن دعاوى الشيعة في هذا الباب ل صلة لها بالمام‬
‫عليّ‪ ،‬وإنما هي دسيسة حاقد‪ ،‬وصنيعة كافر موتور‪ ..‬أراد تفرقة المة وبث النزاع والخلف‬
‫في صفوفها؟‬
‫‪445‬‬
‫إن ابن المطهر الحلي يقرر بأن من طلب القالة فليس بإمام؛ إذ "لو كان إمامًا لم يجز له‬
‫طلب القالة" [ابن المطهر‪ /‬منهاج الكرامة‪ :‬ص ‪ ].195‬فكيف بمن يرد بيعته‪ ،‬ويأمر بمبايعة غيره‪ ..‬أل‬
‫تكون من باب أولى أل يكون عنده نص بإمامته من لدن رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!‬
‫وهذا المعنى الذي جاء في النهج يتفق مع ما أثبتته القرائن والحداث التاريخية من أن الخلفاء‬
‫الراشدين رضوان ال عليهم ما كانوا يتطلعون لمنصب الخلفة‪ ،‬ول يستشرفونه‪ ..‬لن ذلك في‬
‫نظرهم أمانة عظيمة‪ ،‬وتكليف باهظ‪.‬‬
‫"وقد اتفق أهل السنة والشيعة على أن عليًا لم يدع إلى مبايعته في خلفة أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان ول بايعه على ذلك أحد" [منهاج السنة‪ ].1/225 :‬ولكن الشيعة تفسر ذلك بتفسير ل يليق‬
‫بمقام أمير المؤمنين؛ إذ "تعتقد أنه كان يريد ذلك‪ ،‬وتعتقد أنه المام المستحق للمامة دون غيره‬
‫ولكن كان عاجزًا عنه" [منهاج السنة‪ ].1/225 :‬فكان يلوذ بالتقية‪ ،‬وتخلى عن أعظم أمر من أمور‬
‫الدين كما يراها هؤلء‪ ،‬وهذا ما حدا بطائفة من الشيعة وهي الكاملية إلى تكفيره – رضي ال‬
‫عنه – لتخليه عن المطالبة بهذا المر‪ ،‬وهذا لن من وضع هذا العتقاد ل يقصد نصرة أمير‬
‫المؤمنين ومشايعته وإنما يرمي إلى تفرقة المة والكيد لها‪ ..‬ولهذا كانت النتيجة لمقالته الحكم‬
‫بالضلل على جميع المة بما فيهم أمير المؤمنين علي‪.‬‬
‫ثم قرر أمير المؤمنين – كما يذكر صاحب النهج – في قوله‪" :‬ولعليّ أسمعكم وأطوعكم ِلمَن‬
‫وليّتموه أمركم" بأنه رضي ال عنه سيكون أكثر سمعًا وطاعة لمن وله المسلمون واختاروه‬
‫خليفة‪ ..‬وهذا ينقض دعوى التّقية في مبايعته لمن سبقه وطاعته لهم رضي ال عنه‪ ،‬إذ إن من‬
‫يتعامل معهم بالتقية ل يكون كأحد المسلمين المبايعين فضلً عن أن يكون أكثرهم سمعًا وطاعة‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬لمن وليتموه" يقتضي أن أمر الولية يعود إلى رأي جمهور المسلمين واتفاقهم‪ ،‬ل‬
‫إلى نص مزعوم‪ ،‬كما ل ينحصر في شخص معلوم‪.‬‬
‫ثم يدفع أمر مبايعته مرة أخرى وبطريق آخر في قوله‪" :‬وأنا لكم وزيرًا خير مني لكم أميرًا"‬
‫وهذا أيضًا ينفي ما نسبه الروافض إليه – رضي ال عنه – من التفاخر بالفضائل والتظاهر‬
‫بالخوارق والمعجزات‪ ..‬والطعن في الخلفاء السابقين للحتجاج على أحقيته بالمامة‪ .‬لذلك‬
‫تنسف الوصية من القواعد‪.‬‬
‫وهو يشير في نص آخر إلى أن قبوله للخلفة ل عن رغبة بها ول تطلع إليها‪ ،‬ولكنه‬
‫استجابة لحمل المسلمين له على ذلك‪ ،‬ولم يدّع نصّا ول وصيّة فهو يقول‪" :‬وال ما كانت لي في‬
‫الخلفة رغبة ول في الولية إربة [الربة – بكسر الهمزة ‪ :-‬الغرض والطّلبة]‪ ،‬ولكنّكم دعوتموني‬
‫إليها‪ ،‬وحملتوني عليها‪[ "..‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪.].322‬‬
‫‪446‬‬
‫ويذكر أن ثبوت خلفته تم بمبايعة المهاجرين والنصار الذين كانت الشورى لهم‪ ،‬وكان‬
‫إجماعهم هو المعتبر في هذا المقام‪ ،‬ولو كان هؤلء مرتدين كما تصفهم كتب الشيعة لم يجز‬
‫اعتبار بيعتهم وإجماعهم‪ ،‬ولو كان ثمة نص لم يحتج إلى بيعتهم وإجماعهم‪.‬‬
‫يقول أمير المؤمنين – كما في النهج ‪" :-‬إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان‬
‫على ما بايعوهم عليه (فطرقة بيعته ل تختلف عمّن سبقه) فلم يكن للشّاهد أن يختار ول للغائب‬
‫أن َيرُدّ (وهذا يوحي بأن بيعته لم تكن ثابتة من قبل كما يزعم المامية‪ ،‬وإنما بعد ثبوتها بالبيعة‬
‫لم يكن ثمة مجال للرد حينئذ) وإنّما الشّورى للمهاجرين والنصار‪ ،‬فإن اجتمعوا على رجل‬
‫وسمّوه إمامًا كان ذلك رضى (فإجماعهم هو الصل في الختيار ل النص)‪ ،‬فإن خرج عن‬
‫أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه‪ ،‬فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل‬
‫المؤمنين وولّه ما تولّى"‪[ .‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪ ،367-366‬وقارن ما ذكره المفيد عنه في الرشاد ص ‪130‬‬
‫ط‪ :‬العلمي بيروت‪ ،‬وص ‪ 143‬ط‪ :‬الحيدريّة النّجف‪.].‬‬
‫فهذا نص صريح – أيضًا – في عدم وجود نص‪ ،‬فالشورى – في أمر المامة – هي‬
‫للمهاجرين والنصار‪ ،‬ومن أجمعوا عليه هو المام‪ ،‬ومن خرج عن ذلك وجب قتاله لتباعه‬
‫غير سبيل المؤمنين‪ ،‬ولو كان هناك نص في المام لم يقل علي رضي ال عنه ذلك‪.‬‬
‫فهذه النصوص من كتاب نهج البلغة الذي ترى الشيعة أنه من الكلم الذي ل ريب فيه‪ ،‬ول‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه فهو من كلم المعصوم على وجه اليقين عندهم‪ .‬ول‬
‫يشك الشيعة في كلمة منه‪ ،‬وهي تهدم كل ما بنوه من دعاوى حول النص على عليّ والئمة‪.‬‬
‫وهذا المعنى المروي عن علي في النهج يتفق مع ما جاء عن طريق أهل السنة عن أمير‬
‫المؤمنين فيأخذ صفة الجماع عند الفريقين‪ ،‬فقد روى المام أحمد في مسنده عن وكيع عن‬
‫العمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد ال بن سبع قال‪ :‬سمعت عليّا يقول‪( :‬وذكر أنّه سيقتل)‬
‫قالوا‪ :‬فاستخلف علينا‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ما تقول لربّك إذا أتيته؟ قال‪ :‬أقول‪" :‬اللّهمّ تركتني فيهما ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت‬
‫رقم (‪ ،)1078‬وقال أحمد شاكر‪:‬‬ ‫فيهم‪ ،‬فإن شئت أصلحتهم‪ ،‬وإن شئت أفسدتهم" [مسند أحمد‪2/242 :‬‬
‫إسناده صحيح‪ ،‬والحديث في مجمع الزّوائد‪ .9/137 :‬وقال الهيثمي‪ :‬رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصّحيح‪،‬‬
‫ورواه البزّار بإسناد حسن‪.].‬‬
‫وروى المام أحمد مثله عن أسود بن عامر بن العمش عن سلمة بن كهيل عن عبد ال بن‬
‫سبع [المسند‪ 2/340 :‬رقم(‪ .)1339‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ .].‬وفي هذا الباب روايات أخرى‬
‫[انظر‪ :‬الدارقطني‪ /‬السنن الكبرى‪ ،8/149 :‬وراجع‪ :‬البداية والنهاية‪.].325-7/324 ،251-5/250 :‬‬
‫‪447‬‬
‫وقد قال العباس لعلي – رضي ال عنهما ‪ .." :-‬فاذهب بنا إليه (يعني إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم) فنسأله فيمن هذا المر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه‬
‫بنا‪[ "..‬صحيح البخاري‪ /‬كتاب الستئذان‪.].7/136 :‬‬
‫وقد كان هذا كما جاء في بعض الروايات "يوم الثنين يوم الوفاة‪ ،‬فدل على أنه عليه السلم‬
‫توفي عن غير وصية في المارة" [ابن كثير‪ /‬البداية والنهاية‪.].5/251 :‬‬
‫وقد جاء في صحيح البخاري أنّهم "ذكروا عند عائشة أنّ عليّا – رضي ال عنه وعنها –‬
‫صيَ إليه؟! وقد كنت مسندته إلى صدري‪ ،‬أو قالت‪ :‬حجري فدعا‬
‫كان وصيّا فقالت‪ :‬متى أُو ِ‬
‫[صحيح البخاري‪ /‬كتاب‬ ‫بالطّست‪ ،‬فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنّه قد مات فمتى أوصى إليه"‬
‫الوصايا‪ ،3/186 :‬وكتاب المغازي ‪ ،5/143‬ومسلم‪ ،‬كتاب الوصيّة‪ ،‬باب ترك الوصيّة ِلمَن ليس له شيء يُوصي‬
‫فيه‪( 2/1257 :‬ح ‪ ،)1636‬والنّسائي‪ ،‬كتاب الحباس‪ ،‬باب هل أوصى النّبيّ صلى ال عليه وسلم‪،6/240 :‬‬
‫وأحمد‪.]6/32 :‬‬
‫وقد صح عن ابن عباس أنه صلى ال عليه وسلم لم يوص "أخرجه ابن أبي شيبة من طريق‬
‫(ح ‪ ،)10988‬وقد صححه الحافظ ابن حجر (فتح‬ ‫أرقم بن شرحبيل عنه" [مصنف ابن أبي شيبة‪11/207 :‬‬
‫الباري‪.].)5/361 :‬‬
‫الستدلل بالمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص‪:‬‬
‫إن لدى أهل السنة أدلة ثابتة صحيحة عندهم في أن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينص‬
‫على عليّ بالمامة‪.‬‬
‫وما تنسبه الشيعة من نصوص لهل السنة هي باطلة في أصلها أو في دللتها‪ ،‬ول حجة فيها‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ولدى الشيعة أدلتهم في ثبوت النص سجلوها في كتبهم الخاصة بهم‪ ،‬وأهل السنة ل يؤمنون‬
‫بها‪ ،‬ويرون أنها وضعت على الئمة من قبل بعض الروافض‪.‬‬
‫وما في كتب الشيعة من أدلة تنقض ما ادعوه في هذا الباب كما في نهج البلغة وغيره‬
‫يلجؤون في ردها إلى التأويل أو دعوى التقية‪ ،‬فليرجع في الحكم في هذه المسألة التي هي أصل‬
‫الصول عند الشيعة إلى المور المعلومة والمتواترة والمتفق عليها "نقدر – كما يقول شيخ‬
‫السلم ابن تيمية – أن الخبار المتنازع فيها لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح‪ ،‬ونترك‬
‫الستدلل بها في الطرفين‪ ،‬ونرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر وما يعلم من العقول‬
‫[قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن أهل العلم يعلمون‬ ‫والعادات وما دلت عليه النصوص المتفق عليها"‬

‫‪448‬‬
‫بالضطرار أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي‪ ،‬ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا‬
‫العلم" (منهاج السنة‪ )4/14 :‬ويكفي نقل ما ذكره شيخ السلم في مواضع متفرقة من المنهاج فهي كنز عظيم‪: ].‬‬
‫أولً‪ :‬لندع جانب الرّوايات المخ َتلَف فيها ونحتكم إلى كتاب ال سبحانه عن طريق فهمه من‬
‫سنّة والشّيعة‬
‫خلل اللّغة العربيّة‪ .‬فال سبحانه أنزل القرآن بلسان عربي مبين‪ ،‬وقد اتّفق أهل ال ّ‬
‫ن اللّغة العربيّة‬
‫على حدود العربيّة‪ ،‬واتّفقوا على ما وضع لمفرداتها من المعاني‪ ،‬ومعنى هذا أ ّ‬
‫يمكن أن تكون المرجع في الحكومة في هذا المر‪.‬‬
‫فهل نجد في كتاب ال ذِكرًا للئمّة الثني عشر بأسمائهم‪ ،‬كما ذكر رسول الهدى صلى ال‬
‫عليه وسلم باسمه ووصفه؛ لنّ المام عندهم كالنّبي‪ ،‬ومنكر المام كمنكر النبي أو أعظم‪.‬‬
‫وهل نجد لمامة الثني عشر ذكرًا صريحًا في كتاب ال كما ذكرت أركان السلم صريحة‬
‫واضحة في مواضع متفرقة من كتاب ال من غير حاجة لمعرفة أصلها إلى تأويل باطني أو‬
‫روايات موضوعة‪ ،‬والمامة عندهم أعظم أركان السلم؟!‬
‫فكيف ل تذكر ول يشار إليها؟ أليس هذا دليلً على أنّ مزاعم الماميّة في هذا الباب ل أصل‬
‫لها؟ وحينئذ لبد من رفض هذه المزاعم لمناقضتها لكتاب ال‪.‬‬
‫وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية في مناقشته لبن المطهر الحلي إلى هذا المنهج فقال‪" :‬فإن‬
‫تركوا الرواية رأسًا أمكن أن تترك الرواية" [منهاج السنة‪ ،].1/32 :‬ثم طبق هذا المنهج في‬
‫الحتجاج لبطال دعوى الروافض في المامة فقال‪" :‬وهب أنا ل نحتج بالحديث فقد قال ال‬
‫تعالى‪ِ{ :‬إ ّنمَا ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ الّذِينَ ِإذَا ُذ ِكرَ الّلهُ وَجَِلتْ ُقلُو ُبهُمْ َوإِذَا تُ ِليَتْ عَ َل ْيهِمْ آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا‬
‫وَعَلَى َر ّبهِ ْم َي َتوَكّلُونَ‪ ،‬الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَةَ َو ِممّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَ‪ُ ،‬أوْلَـئِكَ هُمُ ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ حَقّا‬
‫ّلهُمْ َدرَجَاتٌ عِندَ َر ّبهِمْ َومَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ َكرِيمٌ} [النفال‪ ،‬آية‪ .].4-2 :‬فشهد لهؤلء باليمان من غير‬
‫ذكر للمامة‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ِ{ :‬إنّمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ آ َمنُوا بِالّلهِ َو َرسُو ِل ِه ثُمّ لَ ْم َي ْرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِ َأ ْموَا ِلهِمْ‬
‫سبِيلِ الّلهِ ُأ ْوَلئِكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ} [الحجرات‪ ،‬آية‪ ].15 :‬فجعلهم صادقين في اليمان‬
‫سهِمْ فِي َ‬
‫وَأَن ُف ِ‬
‫من غير ذكر المامة‪.‬‬
‫وساق شيخ السلم شواهد أخرى من هذا القبيل [انظر‪ :‬منهاج السنة‪ ،].1/33 :‬وهي وغيرها‬
‫تبين أن إمامة الثني عشر التي تجعلها الثنا عشرية أصل الدين وأساسه‪ ،‬ليس لها أصل في‬
‫كتاب ال سبحانه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله‪ ،‬فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من‬
‫حديثه‪ ،‬لسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي من الكذب الذي ل أصل له فكيف ل ينقل الحق‬
‫‪449‬‬
‫الذي قد بلغ للناس؟! ولن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه‪ ،‬فل يجوز‬
‫عليهم كتمان ما أمرهم ال بتبليغه [منهاج السنة‪.].4/14 :‬‬
‫ولو كتم الصّحابة مسألة النّصّ عليه لكتموا فضائل علي ومناقبه ولم ينقلوا منها شيئًا‪ ،‬وهذا‬
‫خلف الواقع‪َ ،‬ف ُعلِمَ أنّه لو كان شيء من ذلك لنقل؛ لنّ "النّصّ على الخلفة واقعة عظيمة‪،‬‬
‫والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جدًا‪ ،‬فلو حصلت هذه الشهرة لعرفها المخالف والموافق‪،‬‬
‫[الرازي‪ /‬أصول‬ ‫وحيث لم يصل خبر هذا النص إلى أحد من الفقهاء والمحدثين علمنا أنه كذب"‬
‫الدين‪ :‬ص ‪ ،].137‬وإنما تفرد بنقله الشيعة "وهم فيه مدعون وفيما نقلوه متهمون ل سيما مع ما‬
‫ظهر من كذبهم وفسقهم وبدعتهم وسلوكهم طرق الضللة والبهث بادعاء المحال ومخالفة‬
‫العقول‪ ،‬وسب أصحاب الرسول" [المدي‪ /‬غاية المرام‪ :‬ص ‪.].377‬‬
‫والصحابة رضوان ال عليهم نقلوا إلينا ما صدر عنه صلى ال عليه وسلم من قوله وفعله‪،‬‬
‫وأمره ونهيه‪ ،‬وأكله وشربه‪ ،‬وقعوده‪ ،‬ونومه‪ ،‬وسائر أحواله عليه الصلة والسلم‪ ،‬فكيف‬
‫يتصور أن ينص النبي صلى ال عليه وسلم على علي بالخلفة ول ينقل ذلك بحال؟!‬
‫قال ابن حزم‪" :‬وبرهان ضروري وهو أن رسول ال مات وجمهور الصحابة رضوان ال‬
‫عليهم‪ ،‬حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين‪ ،‬فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة‬
‫يذكر فيها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نص عليه‪.‬‬
‫ومن المحال الممتنع الذي ل يمكن البتة اتّفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم‬
‫وال ّنيّات والنساب‪ ..‬على طيّ عهد عهده رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم‪ ،‬وما وجدنا قطّ‬
‫رواية عن أحد في النّصّ المدّعى إل رواية واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنّى أبا الحمراء‬
‫ل يعرف من هو في الخلق [الفصل‪.]4/161 :‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن المامة من المفرضات التي تتعلق بها مصالح الناس كلهم‪ ،‬فإذا قيل فيها‪ :‬إن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم نص على أحد بعينه‪ ،‬والصحابة غيروا وبدلوا‪ ،‬أمكن حينئذ لكل ملحد أن‬
‫يقول‪ :‬إن الصلوات الخمس كانت عشرًا وإنما الصحابة كتموها وجعلوها خمسًا بأهوائهم‪ ،‬وهكذا‬
‫إذا ادعى مدع تغيير ما نص عليه النبي صلى ال عليه وسلم أمكن ذلك في جميع الفرائض‬
‫[دفع شبه الخوارج والرافضة‪ :‬الورقة(‬ ‫ويتعدى ذلك إلى أن يحصل الثقة بشيء من أمور الدين أصلً‬
‫‪.].)15‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن قول الروافض بالنص على علي كقول من يزعم النص على العباس‪ ،‬فإن قالوا‪:‬‬
‫ليس النص على العباس بصحيح‪ ،‬قيل‪ :‬ول النص على عليّ صحيح‪ ،‬وبإبطالهم النص على‬
‫العباس يبطل النص على عليّ‪ ،‬لن الكل لم يرد به نص صحيح صريح‪ ،‬وهناك فرق شيعية‬
‫‪450‬‬
‫كثيرة تنازع الروافض في النص على الكثير ممن تدعي إمامته‪ ،‬حتى ينازعها في إمامها الثاني‬
‫عشر عشرون فرقة‪ ،‬والكل يزعم بطلن نص الخر‪.‬‬
‫والنص في اللغة مأخوذ من المنصة وهي الظاهر على الفرس لظهوره‪ ،‬فأين ظهور النص‪،‬‬
‫ولو كان لذلك أصل لظهر واشتهر ونقل وتداولته اللسنة وشاع بين الخاص والعام‪ ،‬فإن قالوا‪:‬‬
‫فقد نص ولكنهم كتموه‪ ،‬قيل لهم‪ :‬فقد نص على عمه العباس ولكنهم كتموه‪ ،‬وأيضًا فإذا أمكن أن‬
‫يكتم مثل هذا ول يظهر يسوغ لقائل أن يقول‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم كان له ابن ونص‬
‫[دفع‬ ‫عليه وأن الصحابة حسدوه وقتلوه‪ ،‬وما أشبه هذه الدواعي الفاسدة التي ل يصير إليها عاقل‬
‫شبه الخوارج والرافضة‪ :‬الورقة ‪ 14‬ب‪.].‬‬
‫خامسًا‪ :‬أنا رأينا أبا بكر حيث نص على عمر ما اختلف فيه اثنان‪ ،‬ول وقع في ذلك خفاء‪،‬‬
‫وكذلك حيث نص عمر على ستة أنفس من قريش ظهر ذلك عنهم ظهورًا ل يسع جحده‪ ،‬ل‬
‫يمكن رده‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل‪ ،‬ومبادرة الخلق إلى امتثال أمره أكثر‪،‬‬
‫وتشوف النفوس إلى نقل ما صدر عنه أعظم‪ ،‬فمن المحال البين أن ينص أبو بكر على واحد‬
‫ول يقع خلف فيمن استخلفه‪ ،‬ول أمكن أحد أن يكتمه‪ ،‬وكذلك عمر‪ ،‬بل معاوية حيث نص على‬
‫يزيد‪ ،‬اشتهر ذلك ونقل عنه اشتهارًا ظاهرًا متواترًا ل نزاع فيه ول مراء‪ ،‬فكيف نقل نص‬
‫[دفع شبه الخوارج والرافضة‪ :‬الورقة‬ ‫معاوية‪ ،‬وكتم نص رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما نقله أحد‬
‫‪( 15-14‬مخطوط)‪ ،].‬باعتراف الشيعة الذين يقرون بأن مسألة الولية وأحاديثها سر من‬
‫أسرارهم؟!‬
‫سادسًا‪ :‬كيف يقبل المهاجرون والنصار والمسلمون جميعًا أمر أبي بكر في عمر حين‬
‫استخلفه‪ ،‬ولم يختلف اثنان على إمامة عمر‪ ،‬ول يقبلون أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫علي‪ ،‬فهل صار المسلمون أطوع لبي بكر من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!‬
‫"كيف يحتمل عقل عاقل‪ ،‬أو يشتبه على بر أو فاجر – إل من أراد ال فتنته – أن المهاجرين‬
‫والنصار وجميع التابعين لهم بإحسان علموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد نص على‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وأمرهم أن يوالوه فعصوه وتركوا أمر الرسول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وأمرهم أبو بكر أن يولوا عمر بن الخطاب فاتبعوه وأطاعوه‪ ،‬وأمرهم عمر بن الخطاب أن‬
‫[أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه‪ /‬إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط‬ ‫يولوا الستة فلم يخالفوه ولم يعصوه"‬
‫غير مرقم الصفحات)‪.].‬‬
‫وكيف يتصور أن يقوم المسلمون بالصلة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغيرها من‬
‫فرائض السلم ويتركون فريضة واحدة تحبط عملهم كله وهي بيعة علي‪ ،‬وأي مصلحة لهم في‬
‫‪451‬‬
‫[أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه‪ /‬إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط‬ ‫مبايعة أبي بكر وترك مبايعة علي؟‬
‫غير مرقم الصفحات)‪.].‬‬
‫ستّة الذي‬
‫سابعًا‪ :‬لو كان النّصّ على عليّ صحيحًا لم يجز لعليّ رضي ال عنه أن يدخل مع ال ّ‬
‫نصّ عليهم عمر‪ ،‬وكان يقول‪ :‬أنا المنصوص عليّ فل حاجة لي إلى الدّخول فيمن نصّ عليه‬
‫[دفع شبه الخوارج والرّوافض‪ :‬الورقة ‪ ،15‬وقد أخرج البخاري في صحيحه قصّة البيعة والتّفاق على عثمان‬ ‫عمر‬
‫بن عفّان – رضي ال عنه ‪( -‬انظر‪ :‬البخاري‪ /‬فضائل الصحاب‪ ،‬باب قصّة البيعة والتّفاق على عثمان‪4/204 :‬‬
‫وما بعدها)‪ ،].‬ولم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان‪ ،‬ول يجوز أن يظنّ بعليّ – رضي ال‬
‫عنه – أنّه أمسك عن ذكر النّصّ عليه خوف الموت‪ ،‬وهو السد شجاعة‪ ،‬وقد عرض نفسه‬
‫للموت بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مرّات‪ ،‬ثم يوم الجمل‪ ،‬وصفّين‪ ،‬فما الذي جبنه‬
‫بين هاتين الحالتين؟ [الفصل‪ ].4/162 :‬وألجأه إلى التّقية‪.‬‬
‫وإذا كان منصوصًا عليه بالمامة‪ ،‬ومفوضًا إليه أمر المة بعد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقد قلد أمرًا يجب عليه القيام به‪ ،‬ومدافعة المبطل عنه بكل وجه‪ ،‬وإن أهمل ذلك وتركه‬
‫من غير سبب‪ ،‬فقد خالف وحاشاه من ذلك‪ ،‬ولو كان مغلوبًا عليه فل بد أن يجري سبب يوجب‬
‫عذره من أخذ حقه سيما مع التفويض إليه‪.‬‬
‫ورأينا عثمان بن عفان وهو أضعف عندكم من علي لم يسلمها إلى غير أهلها‪ ،‬ورضي بحكم‬
‫ال وقضائه‪ ،‬ولم يضيع ما جعل إليه‪ ،‬ورأينا أبا بكر حيث ارتدت قبائل العرب‪ ،‬ومنعوا الزكاة‬
‫لم يهمل أمر المة ولو أهمله لنهدم السلم‪ ،‬فقاتلهم ونصره ال عليهم‪ ..‬وما كان في صحابة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من يسكت عن حق رآه [دفع شبه الخوارج والرافضة‪ :‬الورقة ‪16‬أ‪.].‬‬
‫فكيف ينسب هؤلء الروافض إلى أمير المؤمنين علي الرضى بالباطل‪ ،‬والجبن والخوف عن‬
‫المطالبة بحقه‪ ،‬حتى ارتد الناس كلهم بسبب تأخره عن إعلن حقه والدعوة إليه‪ ،‬ولم يبق منهم‬
‫إل النزر اليسير – كما يقولون – وهو أسد ال وأسد رسوله؟!‬
‫بل لم ينقل أنه دعا إلى نفسه‪ ،‬وجادل من أجل بيعته‪ ،‬فضلً عن القتال‪ ،‬ولو وقع ذلك‬
‫لشتهر‪ ،‬وقد وقعت مناسبات مهمة‪ ،‬وأحداث خطيرة توجب إظهار النص كحادثة السقيفة‪،‬‬
‫[قال شيخهم البياضي‪ :‬إنما عدل عن ذلك النص لوجهين‪:‬‬ ‫وحادثة الشورى‪ ،‬فلم يفعل شيئًا من ذلك‬
‫أ ـ لو ذكره فأنكروه حكم بكفرهم حيث أنكروا متواترًا‪.‬‬
‫ب ـ أنهم قصدوا في الشورى الفضل فاحتج عليهم بما يوجب تقديمه (الصراط المستقيم‪ .)1/299 :‬فتأمل‬
‫جوابه تجد أنه متناقض‪ ،‬حيث زعم أن عليًا تخلى عن إعلن النص خشية إنكاره‪ ،‬فيرتد منكره‪ ،‬مع أنهم يكفرون‬
‫الصحابة لنكارهم النص بزعمهم‪ ،‬ثم هي حجة باردة ساقطة لنها تعني أن أصل الدين وجوهره ل يدعى إليه لئل‬
‫ينكر فيكفر منكره‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫أما اعتذاره من عدم ذكره للنص في حادثة الشورى‪ ،‬فيكفي إقراره بأنه لم يظه رالنص إذ زعمه بأنه ل موجب‬
‫لذكر النص ل يتفق مع العقل والمنطق‪ ،‬لسيما وأن المر يتعلق بمنصب المامة‪ .‬وهي أصل الصول عندهم‪ ،].‬بل‬
‫[قال البياضي‪" :‬قالوا‪ :‬طلب علي بيعة‬ ‫إنه دعا أصحابه إلى بيعته كما تقر الرافضة ولم يدّع نصًا‬
‫أصحابه دليل على عدم نصه‪ .‬قلنا‪ :‬الخلفة حقه فله التوصل إليها بما يمكنه" (الصراط المستقيم‪.)1/299 :‬‬
‫وهذا إقرار منهم بأن عليًا حين واتته الخلفة بعد عثمان لم يذكر نصًا لصحابه‪ ،‬ولو كان ثمة نص لظهره ولم‬
‫يحتج المر إلى بيعة وانتخاب‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬هي حقه فله التوصل إليه بما يمكنه" حجة منقوضة عندهم‪ ،‬لن القضية تتعلق عندهم بإيمان الناس‪ ،‬أو‬
‫كفرهم‪ ،‬وهي منصبة كالنبوة أو أعظم وليست حقًا شخصيًا‪ ،‬لكن الروافض يتحدثون في كل مسألة بما يوجب – في‬
‫نظرهم – ردها‪ ،‬وينسون ما قرروه من قبل‪.].‬‬
‫وقد ذكر شيخ السلم بأن من الطرق التي نعلم منها بالضطرار أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما مات وطلب بعض النصار‬
‫[وهذا يقر به الشيعة‪ .‬انظر‪ :‬الصراط المستقيم‪].1/299 :‬‬ ‫أن يكون منهم أمير‪ ،‬ومن المهاجرين أمير‬
‫[أخرجه المام أحمد‪ ،4/421 ،3/129 :‬وأبو‬ ‫فأنكروا ذلك عليه وقالوا‪ :‬المارة ل تكون إل في قريش‬
‫داود الطيالسي ص ‪( 125‬ح ‪ ،)2133 ،926‬ورواه المام مسلم بلفظ "الناس تبع لقريش" وفي لفظ آخر "ل يزال‬
‫هذا المر في قريش ما بقي من الناس اثنان" (صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المارة‪( 1452-2/1451 :‬ح ‪،1818‬‬
‫‪.].)1820‬‬
‫وروى الصحابة في متفرقة الحاديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أن المامة في قريش‪،‬‬
‫ولم يرو واحد منهم ل في ذلك المجلس ول غيره ما يدل على إمامة علي‪ ،‬وبايع المسلمون أبا‬
‫بكر‪ ،‬وكان أكثر بني عبد مناف من بني أمية وبني هاشم وغيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن‬
‫أبي طالب يختارون وليته‪ ،‬ولم يذكر أحد منهم هذا النص‪ ،‬وهكذا جرى المر في عهد عمر‬
‫وعثمان‪ ،‬وفي عهده أيضًا لما صارت له ولية لم يذكر هو ول أحد من أهل بيته ول من‬
‫الصحابة المعروفين هذا النص‪.‬‬
‫ولو كان للنص وجود ما حصل الختلف في عهده‪ ،‬إذ لم تتفق المة فيه ل عليه ول على‬
‫غيره‪.‬‬
‫وقد جرى تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه فضلً عن‬
‫غيرهم من احتج في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهاره‪ ،‬وقد احتجوا‬
‫[أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب‬‫بقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬تقتل عمارًا الفئة الباغية"‬
‫مسح الغبار عن الناس‪ ،3/207 :‬ومسلم كتاب الفتن ‪( 3/2235‬ح ‪ ،)2915‬والترمذي‪ :‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب‬
‫عمار بن ياسر‪( 5/669 :‬ح ‪ ،)3800‬وأحمد‪ ،206 ،164 ،2/161 :‬وج‪ ‍3‬ص ‪ ،90 ،28 ،22 ،5‬وج‪ ‍4‬ص‬
‫‪ ،97‬وج‪ ‍5‬ص ‪ ،306 ،214‬ج‪ ‍6‬ص ‪ ،].315 ،311 ،300 ،289‬وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو‬
‫‪453‬‬
‫ثلثة ونحوهم‪ ،‬وليس هذا متواترًا‪ ،‬والنص عند القائلين به متواتر‪ ،‬فيا ل العجب كيف ساغ عند‬
‫الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث‪ ،‬ولم يحتج أحد منهم بالنص [منهاج السنة‪].15-4/14 :‬؟!‬
‫أما دعوى النص على إمامة الثني عشر‪ ،‬وأن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على ذلك‬
‫فهي أعظم استحالة‪ ،‬وأوضح بطلنًا‪ ،‬وأظهر كذبًا‪ ،‬فلم ينقله إل الثنا عشرية‪ ،‬وسائر فرق‬
‫الشيعة تكذبها وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة‪.‬‬
‫والنصوص التي ينقلها الثنا عشرية تعارضها نصوص القائلين بإمامة غير الثني عشر من‬
‫فرق الشيعة البالغة الكثرة‪ ،‬فإن كل طائفة تدعي من النص غير ما تدعيه الثنا عشرية‪.‬‬
‫وهذه الدعوى لم تظهر إل بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم بأكثر من مائتين وخمسين‬
‫سنة‪ ،‬فهو من اختلق متأخري الشيعة‪ ،‬ومن قبلهم يخالفهم في ذلك‪.‬‬
‫وأهل السنة وعلماؤهم وهم أضعاف أضعاف الشيعة يعلمون أن هذا كذب على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم علمًا يقينًا ل يخالطه الريب‪ ،‬ويباهلون الشيعة على ذلك‪.‬‬
‫والمنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا وأنهم لم يكونوا يدعون أنه منصوص‬
‫[انظر‪ :‬منهاج السنة‪:‬‬ ‫عليهم بل يكذبون من يقول ذلك‪ ،‬فضلً عن أن يثبتوا النص على اثني عشر‬
‫‪.].210-4/209‬‬
‫ولو كان المر في المامة على ما يقول هؤلء الروافض َلمَا كان الحسن رضي ال عنه في‬
‫سعة من أن يسلّمها إلى معاوية رضي ال عنه‪ ،‬فيعينه على الضّلل وعلى إبطال الحقّ وهدم‬
‫الدّين‪ ،‬فيكون شريكه في كلّ مظلمة‪ ،‬ويبطل عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ويوافقه على‬
‫ذلك أخوه الحسين رضي ال عنهما‪ ،‬فما نقض قطّ بيعة معاوية إلى أن مات‪ ،‬فكيف استحلّ‬
‫الحسن والحسين رضي ال عنهما إبطال عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهما طائعين‬
‫غير مكرهين؟ مع أنّ الحسن معه أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه‪.‬‬
‫فتال لول أن الحسن رضي ال عنه علم أنه في سعة من إسلمهم إلى معاوية‪ ،‬وفي سعة من‬
‫أن ل يسلمها لما جمع بين المرين‪ ،‬فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي سحقه‪ ،‬وسلمها بعد ذلك‬
‫لغير ضرورة‪ ،‬وذلك له مباح؛ بل هو الفضل بل شك‪ ،‬لن جده رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قد خطب بذلك على المنبر وقال‪" :‬إن ابني هذا سيد‪ ،‬ولعل ال أن يصلح به بين طائفتين‬
‫[ابن حزم‪ :‬الفصل‪ ،173-4/172 :‬والحديث رواه‬ ‫عظيمتين من المسلمين" رويناه من طريق البخاري‬
‫البخاري في كتاب الصلح‪ ،‬باب قول النبي صلى ال عليه وسلم للحسن بن علي رضي ال عنهما‪" :‬ابني هذا سيد ولعل‬
‫(ح‬ ‫ال أن يصلح به بين فئتين عظيمتين"‪ ،3/169 :‬وأبو داود‪ ،‬كتاب السنة‪ ،‬باب ما يدل على ترك الفتنة‪5/48 :‬‬

‫‪454‬‬
‫(ح ‪ ،)3773‬والنسائي‪،‬‬ ‫‪ ،)4662‬الترمذي‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلم‪5/658 :‬‬
‫كتاب الجمعة‪ ،‬باب مخاطبة المام رعيته وهو على المنبر‪ ،3/107 :‬وأحمد‪.].51 ،49 ،44 ،38-5/37 :‬‬
‫هذا والبراهين المعلومة الضرورية في هذا الباب كثيرة‪ ،‬ويكفي بعضها لمعرفة الحق لمن‬
‫تجرد عن الهوى والتعصب‪.‬‬

‫حكم من أنكر إمامة أحد الثنى عشر‪:‬‬


‫المامة صنو النبوة أو أعظم‪ ،‬وهي أصل الدين وقاعدته الساسية عندهم‪..‬‬
‫لهذا جاء حكم الشيعة الثني عشرية على من أنكر إمامة واحد من أئمتهم الثني عشر مكملً‬
‫لهذا الغلو‪ ،‬حيث حكموا عليه بالكفر والخلود في النار‪.‬‬
‫قال ابن بابويه‪" :‬واعتقادنا فمن جحد إمامة أمير المؤمنين والئمّة من بعده أنّه بمنزلة من‬
‫جحد نبوّة النبياء"‪.‬‬
‫واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الئمة أنه بمنزلة من آمن بجميع‬
‫النبياء ثم أنكر نبوة محمد صلى ال عليه وسلم [العتقادات‪ :‬ص ‪ ،111‬بحار النوار‪.].27/62 :‬‬
‫فهذا النص يقتضي أن الثني عشرية تكفر كل فرق المسلمين حتى فرق الشيعة التي وجدت‬
‫على مدار التاريخ‪ ،‬مع أنها تتلقى عنهم دينها‪ ،‬لن رواتهم من رجالها‪.‬‬
‫وقال شيخهم الطّوسي‪" :‬ودفع المامة كفر‪ ،‬كما أنّ دفع النّبوّة كفر‪ ،‬لنّ الجهل بهما على حدّ‬
‫واحد" [الطّوسي‪ /‬تلخيص الشّافي‪ ،4/131 :‬بحار النوار‪.].8/368 :‬‬
‫وهذا فيما يبدو لم يقنع ابن المطهّر الحلّي فرأى أن إنكار إمامة الثني عشر أعظم من إنكار‬
‫النبوة‪ ،‬فقال‪" :‬المامة لطف عامّ‪ ،‬والنّبوّة لطف خاصّ لمكان خلو الزّمان من نبيّ حيّ بخلف‬
‫المام‪ ،‬وإنكار اللّطف العامّ شرّ من إنكار اللّطف الخاصّ" [ابن المطهر الحلي‪ /‬اللفين‪ :‬ص ‪.].3‬‬
‫فهو يجعل من لم يؤمن بأئمتهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى‪ ،‬وقد بنى ذلك على أن الزمان‬
‫ل يخلو من إمام‪ ،‬وهو إشارة إلى عقيدتهم باليمان بوجود إمامهم المنتظر الغائب‪ ،‬والذي أنكره‬
‫طوائف من الشيعة‪ ،‬وقرر المحققون من علماء النسب والتاريخ أنه لم يولد أصلً – كما سيأتي‬
‫– ولكن شيخ الشيعة يرى أن إنكاره أعظم الكفر‪.‬‬
‫وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة السلم فيقول‪" :‬اتّفقت الماميّة‬
‫على أنّ من أنكر إمامة أحد من الئمّة وجحد ما أوجبه ال تعالى له من فرض الطّاعة فهو كافر‬
‫ضالّ مُستحقّ للخلود في النّار" [المسائل للمفيد‪ ،‬وقد نقل ذلك عنه المجلسي في البحار‪.].8/366 :‬‬

‫‪455‬‬
‫وبلغ المر بشيخهم نعمة ال الجزائري أن يعلن انفصال الشيعة عن المسلمين بسبب قضية‬
‫المامة فيقول‪" :‬لم نجتمع معهم على إله ول نبي ول على إمام‪ ،‬وذلك أنهم يقولون‪ :‬إن ربهم هو‬
‫الذي كان محمد صلى ال عليه وسلم نبيه‪ ،‬وخليفته بعده أبو بكر‪ ،‬ونحن ل نقول بهذا الرب ول‬
‫[النوار‬ ‫بذلك النبي‪ ،‬بل نقول إن الرب الذي خليفته نبيه أبو بكر ليس ربنا ول ذلك النبي نبينا"‬
‫النعمانية‪.].2/279 :‬‬
‫وبعد هذا التكفير العام‪ ،‬خصصوا باللعن والحكم بالردة جميع فئات المسلمين ما عدا الثني‬
‫عشرية فتناول تكفيرهم‪:‬‬
‫‪-1‬الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬وعلى رأسهم خير هذه المة بعد خاتم‬
‫النبياء أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪-2‬أهل البيت‪.‬‬
‫‪-3‬خلفاء المسلمين وحكوماتهم‪.‬‬
‫‪-4‬المصار السلمية وأهلها‪.‬‬
‫‪-5‬قضاة المسلمين‪.‬‬
‫‪-6‬أئمة المسلمين وعلمائهم‪.‬‬
‫‪-7‬الفرق السلمية‪.‬‬
‫‪-8‬المة‪.‬‬
‫وسأذكر عقيدتهم في هذه الفئات تفصيلً فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصحابة رضوان ال عليهم‪:‬‬
‫كتب الشيعة مليئة باللعن والتفكير لمن رضي ال عنهم ورضوا عنه‪ ،‬من المهاجرين‬
‫والنصار‪ ،‬وأهل بدر‪ ،‬وبيعة الرضوان‪ ،‬وسائر الصحابة أجمعين‪ ،‬ول تستثني منهم إل النزر‬
‫اليسير الذي ل يبلغ عدد أصابع اليد‪ ،‬وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من‬
‫المور التي ل تحجب بالتقية‪.‬‬
‫وإ كانت من قبل قد تخفى على بعض أئمة السلم‪ .‬فقد جاء في شرح مسلم للنووي بأن‬
‫[شرح مسلم للنووي‪:‬‬ ‫المامية يقولون بأن الصحابة مخطئون في تقديم غير علي ل كفار‬
‫‪.].15/174‬‬
‫ولكن من أهل العلم وأصحاب المقالت من اطلع على هذا المر عند المامية‪ ،‬قال القاضي‬
‫عبد الجبار‪" :‬وأما المامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الثني عشر النص الجلي‪ ،‬الذي‬

‫‪456‬‬
‫[شرح الصول الخمسة‪ :‬ص‬ ‫يكفر من أنكره‪ ،‬ويجب تكفيره‪ ،‬فكفروا لذلك صحابة النبي عليه السلم"‬
‫‪.].761‬‬
‫[منهاج‬ ‫وقريب من هذا المعنى قال عبد القاهر البغدادي [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،].321‬وابن تيمية‬
‫السنة‪ ].4/128 :‬وغيرهما [انظر‪ :‬البزدوي‪ /‬أصول الدين‪ :‬ص ‪.].248-247‬‬
‫ولكن العدد الذي تستثنيه الرافضة من حكمها العام بالتكفير لم أجد من أشار إليه بما يتفق مع‬
‫ما جاء في كتب الثني عشرية‪ ،‬فيقول عبد القاهر البغدادي‪" :‬وأما المامية فقد زعم أكثرهم‬
‫[تلحظ أن عبد القاهر ل يعمم هذا المذهب على المامية كلها‪ ،‬وقد أشار الشعري إلى أنهم اختلفوا في ذلك على‬
‫فرقتين‪( .‬انظر‪ :‬مقالت السلميين‪ ].)129-1/128 :‬أن الصحابة ارتدت بعد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم سوى علي وابنيه ومقدار ثلثة عشر منهم"‪.‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن الرافضة تقول‪ :‬إن المهاجرين والنصار كتموا النص‪،‬‬
‫فكفروا إل نفرًا قليلً‪ ..‬إما بضعة عشر أو أكثر‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازال‬
‫منافقين‪ .‬وقد يقولون‪ :‬بل آمنوا ثم كفروا" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].3/356 :‬‬
‫وستجد أن العدد الذي تستثنيه الثني عشرية أقل مما يذكرون‪.‬‬
‫هذا ما جاء في كتب أهل السنة وغيرهم حول مذهب الشيعة في الصحابة‪ ،‬وسنرى فيما يلي‬
‫ماذا تقول الشيعة من خلل مصادرها المعتمدة عندها‪.‬‬
‫تقول كتب الثني عشرية‪ :‬إن الصحابة بسبب توليتهم لبي بكر قد ارتدوا إل ثلثة‪ ،‬وتزيد‬
‫بعض رواياتهم ثلثة أو أربعة آخرين رجعوا إلى إمامة علي‪ ،‬ليصبح المجموع سبعة‪ ،‬ول‬
‫يزيدون على ذلك‪.‬‬
‫ولقد تداولت الشيعة أنباء هذه "السطورة" في المعتمد من كتبها‪ ،‬فسجلوا ذلك في أول كتاب‬
‫ظهر لهم وهو كتاب سليم بن قيس [انظر‪ :‬كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص ‪ ،].75-74‬ثم تتابعت كتبهم في‬
‫تقرير ذلك وإشاعته وعلى رأسها الكافي [الكليني‪ /‬الكافي‪ ].2/244 :‬أوثق كتبهم الربعة‪ ،‬ورجال‬
‫الكشي [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ].11 ،9 ،8 ،7 ،6‬عمدتهم في كتب الرجال‪ ،‬وغيرها من مصادرهم‬
‫كتفسير العياشي [تفسير العياشي‪ ،].1/199 :‬والبرهان [هاشم البحران‪ /‬البرهان‪ ،].1/319 :‬والصافي‬
‫[محسن الكاشاني‪ /‬الصافي‪ ،].1/389 :‬وتفسير نور الثقلين [الحويزيني‪ /‬نور الثقلين‪،].1/396 :‬‬
‫والختصاص [المفيد‪ /‬الختصاص‪ :‬ص ‪ ،].5-4‬والسرائر [ابن إدريس‪ /‬السرائر‪ :‬ص ‪ ،].468‬وبحار‬
‫النوار [بحار النوار‪.].440 ،352 ،351 ،22/345 :‬‬
‫وليست هذه مجرد آراء لبعض شيوخهم‪ ،‬ولكنها روايات عن معصوميهم تحمل صفة‬
‫"العصمة" والقدسية عندهم‪.‬‬
‫‪457‬‬
‫أما السب لذلك الجيل القرآن الفريد‪ ،‬على ألسنة شيوخهم فهو قد سود معظم كتبهم‪.‬‬
‫ولو ذهبت أسرد للقارئ ما رأيت من هذا الغثاء لبلغ مجلدات‪ ،‬وسأكتفي بذكر بعض‬
‫النصوص التي فيها التصريح بالتكفير؛ إذ هو يكشف ويغني عما دونه من سب وطعن‪.‬‬
‫روى ثقتهم الكليني في الكافي‪" :‬عن حمران بن أعين قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السّلم‪:‬‬
‫جعلت فداك‪ ،‬ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال‪ :‬أل أحدّثك بأعجب من ذلك‪،‬‬
‫[علّق هنا شيخهم المعاصر "علي أكبر الغفاري"‬ ‫المهاجرون والنصار ذهبوا إل – وأشار بيده – ثلثة"‬
‫–‬ ‫فقال‪" :‬يعني أشار عليه السّلم بثلث من أصابع يده‪ .‬والمراد بالثّلثة سلمان وأبو ذرّ والمقداد"‪( .‬الكافي‪2/244 :‬‬
‫الهامش)‪ .‬فانظر كيف لم تمح هذه المعاني الخرافيّة من عقول هؤلء الشّيوخ على مرّ السّنين‪ ..‬وسيأتي مزيد بيان في‬
‫باب الشّيعة المعاصرين‪[ ].‬أصول الكافي‪ ،‬كتاب اليمان والكفر‪ ،‬باب قلّة عدد المؤمنين‪ ،2/244 :‬وانظر‪ :‬رجال‬
‫الكشّي‪ :‬ص ‪ ،7‬بحار النوار‪.].22/345 :‬‬
‫فالتكفير – كما ترى – يتناول أفضل صحابة رسول ال وهم المهاجرون والنصار‪ ،‬ويبين‬
‫أن الشيعة في عصر أبي جعفر ل يرون أحدًا من المسلمين على السلم إل قلة شاذة تقول‬
‫برأيهم‪ ،‬وهي ل تشكل بالنسبة إلى مجموع المسلمين شيئًا‪ ،‬حتى إنها لو اجتمعت على أكل شاة‬
‫لما أتت عليها‪ ،‬وقد شكوا ذلك إلى إمامهم‪ ،‬فقال لهم معزيًا بأن الشيعة الوائل كانوا ل‬
‫يتجاوزون الثلثة والباقي في حكم المرتدين‪.‬‬
‫وهذا النص قد يبين أن الرافضة إلى عهد أبي جعفر محمد الباقر‪ ،‬كانوا قلة شاذة بالنسبة‬
‫للمسلمين‪ ،‬وأن دعوتهم لم تجد القبول‪ ،‬ولم تحظ بالنتشار‪ ،‬وكانت تعيش في سراديب التقية‬
‫والكتمان‪ ،‬ويعزي رؤساؤها أتباعهم بما يفترونه على أهل البيت من أمثال هذه المفتريات‪.‬‬
‫ولم تكشف رواية الكافي أسماء الثلثة الذين سلموا من الردة‪ ،‬حيث قالوا بمذهب الرافضة‪،‬‬
‫لكن مذهب الرفض لم يظهر أصله إل بعد مقتل عثمان‪ ،‬فهؤلء ليسوا بصحابة‪ ،‬ول يبعد أن‬
‫يكون هؤلء من السبئيين الذين بدأ النشاط الرافضي على أكتافهم‪ ،‬ول يستبعد أن هؤلء السبئيين‬
‫يتخذون أسماء "مستعارة" وقد تكون أسماء صحابة لهم مكانتهم‪.‬‬
‫وهذا ما جاء في رجال الكشي "‪ ..‬عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى ال عليه وسلم إل ثلثة‪ ،‬فقلت‪ :‬ومن الثلثة؟ فقال‪:‬‬
‫المقداد بن السود‪ ،‬وأبو ذر الغفاري‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬ثم عرف الناس بعد يسير‪ ،‬وقال‪ :‬هؤلء‬
‫الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا لبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع"‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،6‬الكافي‪ ،‬كتاب الروضة‪( 322-12/321 :‬مع شرح جامع للمازندراني)‪.].‬‬

‫‪458‬‬
‫فهذا النص بالضافة إلى تكفيره لصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قد يشير إلى الخلية‬
‫الولى لمذهب الرفض وأنها تتقنع بهذه السماء المستعارة‪ .‬وحتى هؤلء الثلثة الذين تستثنيهم‬
‫أخبار الشيعة‪ ،‬لم يسلموا من شك في "معرفة" المام التي هي أصل اليمان باستثناء واحد منهم‪،‬‬
‫ولذلك حينما قال أبو جعفر‪ :‬ارتد الناس إل ثلثة‪ ،‬أردف قائلً‪ « :‬إن أردت الذي لم يشك‪ ،‬ولم‬
‫يدخله شيء فالمقداد‪.‬‬
‫فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين عليه السلم اسم ال العظم‬
‫[لببه‪ :‬جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره (رجال‬ ‫لو تكلم به لخذتهم الرض‪ ،‬وهو هكذا‪ ،‬فلبب‬
‫[وجأ يوجأ‪ :‬ضربه باليد والسكين (رجال الكشي –الهامش‪ -‬ص ‪].)11‬‬ ‫الكشي –الهامش‪ -‬ص ‪ ].)11‬ووجئت‬
‫عنقه حتى تركت كالسلقة [في نسخة أخرى "كالسلعة"‪ .‬والسلعة‪ :‬خراج كهيئة الغدة‪( .‬المصباح‪ :‬ص ‪،].)337‬‬
‫فمر به أمير المؤمنين عليه السلم فقال له‪ :‬يا أبا عبد ال‪ ،‬هذا من ذاك‪ ،‬بايع‪ ،‬فبايع‪.‬‬
‫وأما أبو ذر فأمر أمير المؤمنين عليه السلم بالسكوت‪ ،‬ولم يأخذه في ال لومة لئم‪ ،‬فأبى إل‬
‫أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،11‬بحار النوار‪ – ].22/440 :‬كذا ‪.-‬‬
‫وهؤلء الثلثة الذين نجوا من الردة‪ ،‬لم يسلموا أيضًا من قدح الشيعة وعيبهم‪ ،‬فتذكر أخبارهم‬
‫بأن العلقة بين هؤلء الثلثة طيبة في الظاهر‪ ،‬ولكن لو علم كل واحد منهم بما في قلب الخر‬
‫لقتله‪ ،‬أو ترحم على قاتله؛ لن كلً منهم أجنبي في باطنه واعتقاده عن صاحبه‪ ،‬ففي رجال‬
‫الكشي "قال أمير المؤمنين‪ :‬يا أبا ذر‪ ،‬إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت‪ :‬رحم ال قاتل سلمان"‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].15‬‬
‫وعن أبي بصير قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال رضي ال عنه يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬يا سلمان‪ ،‬لو عرض علمك على مقداد لكفر‪ ،‬يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].11‬‬
‫ولذلك فإن التعامل قائم بينهم (وهم خلص الشيعة في زعم الروافض) على أساس التقية‬
‫والكتمان‪" ،‬فعن جعفر عن أبيه رضي ال عنه قال‪ :‬ذكرت التقية يومًا عند علي عليه السلم‬
‫علِمَ أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله‪ ،‬وقد آخر رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما‬
‫فقال‪ :‬إن َ‬
‫فما ظنك بساير الخلق" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].17‬‬
‫جمِيعًا وَ ُقلُو ُبهُمْ شَتّى} ويبرأ‬
‫س ُبهُمْ َ‬
‫ح َ‬
‫وهذه النصوص تنطبق على أهل البدعة والكفر؛ لنك {تَ ْ‬
‫منها صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬لكن هذه النصوص يؤخذ منها تكفير الشيعة‬
‫لصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كما يؤخذ منها أيضًا الصورة غير المنظورة في‬

‫‪459‬‬
‫الظاهر لهل الرفض؛ حيث قتلهم وتناكر قلوبهم‪ ،‬وإضمار السوء لبعضهم‪ ،‬واعتقادهم بأنه ليس‬
‫على اليمان سواهم‪ ،‬وهذه خصائص الرعيل الول عندهم فما ظنك بسائرهم؟‬
‫وتقول نصوص الشيعة‪ :‬إن هؤلء الثلثة قد لحق بهم أربعة آخرون‪ ،‬ليصل عدد المؤمنين‬
‫(أو قل‪ :‬الروافض) في عصر الصحابة إلى سبعة‪ ،‬ولكنهم لم يتجاوزوا هذا العدد‪.‬‬
‫وهذا ما تتحدث عنه أخبارهم حيث تقول‪" :‬عن الحارث بن المغيرة النصري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد ال رضي ال عنه فلم يزل يسأله حتى قال له‪ :‬فهلك الناس إذًا‬
‫[أي‪ :‬بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ومبايعة الناس لبي بكر (في منظور الروافض)‪].‬؟ فقال‪ :‬إي وال يا‬
‫ابن أعين هلك الناس أجمعون‪ ،‬قلت‪ :‬من في الشرق ومن في الغرب؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬إنها فتحت‬
‫[قال شيخهم الردبيلي‪ :‬أبو ساسان اسمه‬ ‫على الضلل إي وال هلكوا إل ثلثة‪ .‬ثم لحق أبو ساسان‬
‫الحصين بن المنذر‪ ،‬وقد يقال‪ :‬أبو سنان‪ ،‬ثم ساق الرواية المذكورة عن الكشي (جامع الرواة‪ .)2/387 :‬وقد ذكر‬
‫ابن حجر بأنه يسمى "حضين" ‪ -‬بالضاد المعجمة مصغرًا – ابن المنذر بن الحارث الرقاشي‪ ،‬وقال‪ :‬كان من أمراء‬
‫علي بصفين‪ ،‬وهو ثقة‪ ،‬مات على رأس المائة (تقريب التهذيب‪ ،].)1/185 :‬وعمار [يعني‪ :‬عمار بن ياسر‪،].‬‬
‫[قال الردبيلي‪" :‬شتيرة" من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم‪ ،‬ثم ساق رواية الكشي مرة أخرى‪( .‬جامع‬ ‫وشتيرة‬
‫[قال الردبيلي‪ :‬أبو عمرة النصاري اسمه ثعلبة بن عمرو‪ ،‬من الصفياء من‬ ‫الرواة‪ ،].)1/398 :‬وأبو عمرة‬
‫أصحاب أمير المؤمنين (جامع الرواة‪ .)2/408 :‬قال ابن عبد البر‪ :‬أبو عمرة النصاري اختلف في اسمه؛ فقيل‪:‬‬
‫عمرو بن محصن‪ ،‬وقيل‪ :‬ثعلبة بن عمرو بن محصن‪ ،‬وقيل‪ :‬بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك‪ .‬قال ابن عبد البر‪:‬‬
‫وهو الصواب إن شاء ال‪ ،‬قتل بصفين وهو يقاتل مع علي رضي ال عنهما‪.‬‬
‫[رجال‬ ‫(الستيعاب‪ ،134-4/133 :‬وانظر‪ :‬الصابة‪ ،4/441 :‬أسد الغابة‪ ].)5/263 :‬وصاروا سبعة"‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪.].7‬‬
‫وتؤكد جملة من نصوصهم على أن العدد لم يزد على ذلك‪ .‬قال أبو جعفر‪" :‬وكانوا سبعة‪ ،‬فلم‬
‫يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلم إل هؤلء السبعة" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].12-11‬‬

‫[المفيد‪ /‬الختصاص‪:‬‬ ‫وكان أبو عبد ال يقسم على ذلك فيقول‪" :‬فوال ما وفى بها إل سبعة نفر"‬
‫ص ‪ ،63‬الحميري‪ /‬قرب السناد‪ :‬ص ‪ ،38‬بحار النوار‪.].22/322 :‬‬
‫ل – بين ما جاء في الرواية‬
‫[قارن – مث ً‬ ‫وتتفاوت أخبارهم وتختلف في تعيين بعض هؤلء السبعة‬
‫التي عند الكشي والطوسي في تعيين السبعة كما سقتها‪ ،‬وبين ما جاء في قرب السناد للحميري وفيه‪" :‬فوال ما وفى‬
‫بها إل سبعة نفر‪ :‬سلمان‪ ،‬وأبو ذر‪ ،‬وعمار‪ ،‬والمقداد بن السود الكندي‪ ،‬وجابر بن عبد ال النصاري‪ ،‬ومولى‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يقال له الثبيت‪ ،‬وزيد بن أرقم" (قرب السناد‪ :‬ص ‪ ،38‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،].)22/322‬فيما يبدو أنه اختلف بين الفرق الشيعية في تعيين آحادهم‪ ،‬وكل يضع من جهته‪،‬‬
‫أو لن من طبيعة الكذب الختلف والتناقض‪.‬‬
‫‪460‬‬
‫وإن كان يحتمل – كما قلت – أن الرافضة تكفر الصحابة كلهم‪ ،‬وأن هؤلء السبعة رموز‬
‫على "الخلية الولى للرفض" لن صفاتهم‪ ،‬وعلقاتهم‪ ،‬ومذهبهم ليست من الصحابة في شيء‪.‬‬
‫والرافضة تؤول أحيانًا [لن تأويلها في غالب نصوصهم بالئمة‪ ].‬آيات اليمان والثناء على الصحابة‬
‫بهذا العدد اليسير الذي تستثنيه من الصل العام في التكفير‪ ،‬ففي تفسير القمي في قوله سبحانه‪:‬‬
‫{ِإ ّنمَا ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ الّذِينَ ِإذَا ُذ ِكرَ الّلهُ وَجَِلتْ ُقلُو ُبهُمْ َوإِذَا تُ ِليَتْ عَ َل ْيهِمْ آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى‬
‫ن يُقِيمُونَ الصّلَةَ َومِمّا َرزَ ْقنَا ُه ْم يُنفِقُونَ‪ُ ،‬أوْلَـئِكَ هُمُ ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ حَقّا ّلهُمْ‬
‫َربّهِ ْم َي َتوَكّلُونَ‪ ،‬الّذِي َ‬
‫َدرَجَاتٌ عِندَ َر ّبهِمْ َومَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ َكرِيمٌ} [النفال‪ ،‬آية‪ .].4-2:‬قال‪" :‬فإنها نزلت في أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ ،‬وأبي ذر وسلمان والمقداد" [تفسير القمي‪ ،1/255 :‬بحار النوار‪.].22/322 :‬‬
‫وفاتهم أن الشيعة إنما تثني على هؤلء الثلثة‪ ،‬وتدخلهم في عداد المؤمنين‪ ،‬ل لهذه‬
‫الوصاف المذكورة في الية ولكن لنهم آمنوا بإمامة علي‪ ،‬وكفروا بإمامة أبي بكر‪ ،‬وهذا‬
‫الصل الذي تزن به الشيعة من خالفها ليس له ذكر في هذه الية التي جعلوها نصًا في إيمان‬
‫الثلثة‪ ،‬وكذلك الشأن في آيات القرآن كلها فهي رد عليهم ل حجة لهم‪.‬‬
‫وجعلوا آيات الكفر والكافرين والشرك والمشركين في سائر الصحابة أجمعين‪ ،‬كما نجد ذلك‬
‫[انظر في الكافي‪ :‬باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية‪:‬‬ ‫في عدد من أبواب الكافي وبحار النوار‬
‫‪ ،436-1/412‬وفيه (‪ )92‬رواية‪ ،‬وراجع ما مر حول ذلك ص ‪ 158‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ومع هذا الحكم العام في التكفير لصحاب محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنصاره‬
‫وأحبابه‪ ،‬وأصفيائه‪ ،‬فإنهم يخصون‪ ،‬كبار الصحابة رضوان ال عليهم بمزيد من الطعن‬
‫والتكفير‪ ،‬ولهم في ذلك أقوال ونصوص تقشعر من سماعها جلود المؤمنين‪.‬‬
‫فهم يخصون الخلفاء الثلثة أبا بكر وعمر وعثمان‪ ،‬وزراء رسول ال وأصهاره بالنصيب‬
‫الوفى من التكفير‪ ،‬وقد عقد شيخهم المجلسي في كتابه البحار – الذي عده بعض شيوخهم‬
‫[البهبودي‪ /‬مقدمة البحار‪ ،‬ج صفر ص ‪].19‬‬ ‫المعاصرين المرجع الوحيد في تحقيق معارف المذهب –‬
‫من الطّبعة‬ ‫‪ -‬بابًا بعنوان "باب كفر الثّلثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم" [بحار النوار‪252-8/208 :‬‬
‫الحجريّة‪ .].‬وعقد شيخهم الخر البحراني عدة أبواب في هذا الموضوع منها‪" :‬الباب ‪ :97‬اللّذان‬
‫تقدّما على أمير المؤمنين عليهما مثل ذنوب أمّة محمّد إلى يوم القيامة [المعالم الزّلفى‪ :‬ص ‪.].324‬‬
‫[المعالم‬ ‫والباب ‪ 98‬أن إبليس أرفع مكانًا في النار من عمر‪ ،‬وأن إبليس شرف عليه في النار »‬
‫الزلفى‪ :‬ص ‪.].325‬‬
‫وجاءت رواياتهم مغرقة في هذا الكفر تضرب في كل اتجاه فيه‪ ،‬فهي مرة ل تكفر الشيخين‬
‫فحسب؛ بل ترى أن من أعظم الكفر الحكم بإسلمهما حتى روى صاحب الكافي‪" :‬ثلثة ل‬
‫‪461‬‬
‫[هذا نصّ في‬ ‫يكلّمهم ال يوم القيامة ول يزكّيهم ولهم عذاب أليم‪ :‬من ادّعى إمامة من ال ليست له‬
‫ل من ل يؤمن بأئمّتهم‬
‫[هذا تكفير لك ّ‬ ‫تكفير كلّ خلفاء المسلمين إلى أن تقوم السّاعة!]‪ ،‬ومن جحد إمامًا من ال‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫الثني عشر من جميع المسلمين الوّلين والخرين!‪ ،].‬ومن زعم أنّ لهما في السلم نصيبًا"‬
‫‪ ،374 ،1/373‬النّعماني‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪ ،70‬تفسير العيّاشي‪ ،1/178 :‬بحار النوار‪ ،].25/111 :‬وحينًا‬
‫تنعتهم بأنّهم الجبت والطّاغوت [أصول الكافي‪ ،].1/429 :‬وتارة تصبّ عليهم اللّعنات ول سيّما في‬
‫أدعية الزّيارات [من ل يحضره الفقيه‪ ،].2/354 :‬و"أذكار" ما بعد الصّلوات حيث يستبدلونها باللّعن‬
‫على الشّيخين وسائر المسلمين [مستدرك الوسائل‪.].10/342 :‬‬
‫وقد نقل بعض من كتب عن الشيعة في هذا العصر شيئًا من سوآت الشيعة وعواتها في تكفير‬
‫[كما في كتابات الشيخ موسى جار ال في الوشيعة‪ ،‬وإحسان إلهي ظهير في "السنة‬ ‫صديق المة وفاروقها‬
‫والشيعة" وغيرهما‪ ،].‬ولكن الذي يمكن أن أضيفه هنا‪ ،‬أن ما كتبه شيوخ الشّيعة في ظل الدّولة‬
‫الصّفويّة كان فيه التّكفير لفضل أصحاب محمّد صلى ال عليه وسلم صريحًا ومكشوفًا‪ ،‬وما‬
‫كتبه أوائل الشّيعة في عصر الكليني وما بعده كان بلغة الرّمز والشارة‪ ،‬وقد كشف أقنعة هذه‬
‫الرموز شيوخ الشيعة المتأخرون حينما ارتفعت التقية إلى حد ما وظهرت الثنا عشرية على‬
‫حقيقتها‪.‬‬
‫فمن مصطلحاتهم الخاصة‪ :‬تسمية الشيخين بالفصيل ورمع‪ ،‬وذلك لنهم ل يجرؤون على‬
‫التصريح بالسم في إبان قوة دولة السلم‪.‬‬
‫جاء في تفسير العيّاشي‪ .." :‬قلت (الراوي يقول لمامهم) ‪ :‬ومن أعداء ال أصلحك ال؟ قال‪:‬‬
‫الوثان الربعة‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬من هم؟ قال‪ :‬أبو الفصيل‪ ،‬ورمع‪ ،‬ونعثل‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬ومن دان‬
‫دينهم‪ ،‬فمن عادى هؤلء فقد عادى أعداء ال" [تفسير العيّاشي‪ ،2/116 :‬بحار النوار‪.].27/58 :‬‬
‫قال شيخهم المجلسي في بيانه لهذه المصطلحات‪" :‬أبو الفصيل أبو بكر؛ لنّ الفصيل والبكر‬
‫متقاربان في المعنى‪ ،‬ورمع مقلوب عمر‪ ،‬ونعثل هو عثمان" [بحار النوار‪.].27/58 :‬‬
‫جزْ ٌء مّ ْقسُومٌ} [الحجر‪ ،‬آية‪ ].44 :‬روى‬
‫ب ّم ْنهُمْ ُ‬
‫سبْ َعةُ َأ ْبوَابٍ لّ ُك ّل بَا ٍ‬
‫وعند قوله سبحانه‪َ { :‬لهَا َ‬
‫العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه السلم قال‪" :‬يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب‪،‬‬
‫بابها الول للظالم وهو زريق‪ ،‬وبابها الثاني لحبتر‪ ،‬والباب الثالث للثالث‪ ،‬والرابع لمعاوية‪،‬‬
‫والباب الخامس لعبد الملك‪ ،‬والباب السادس لعسكر بن هوسر‪ ،‬والباب السابع لبي سلمة‪ ،‬فهم‬
‫أبواب لمن اتبعهم" [تفسير العياشي‪ ،2/243 :‬البرهان‪.].2/345 :‬‬
‫قال المجلسي في تفسير هذا النص‪" :‬زريق كناية عن الول؛ لن العرب تتشام بزرقة العين‪،‬‬
‫والحبتر هو الثعلب‪ ،‬ولعله إنما كنى عنه لحيلته ومكره‪ ،‬وفي غيره من الخبار وقع بالعكس‬
‫‪462‬‬
‫وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضًا المراد ذلك‪ ،‬إنما قدم الثاني لنه‬
‫أشقى وأفظ وأغلظ‪ ،‬وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس‪ ،‬وكذا‬
‫أبي سلمة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي‪ ،‬ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وساير‬
‫أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكرًا وروي أنه كان شيطانًا" [البحار‪.].8/220 ،4/378 :‬‬
‫كما يردّ في كثير من نصوصهم الشارة إلى هذين العظيمين بلقب "فلن وفلن"‪ ،‬كما في‬
‫[البقرة‪ ،‬آية‪،168 :‬‬ ‫شيْطَانِ}‬
‫طوَاتِ ال ّ‬
‫روايتهم التي تقول‪ :‬عن أبي عبد ال في قوله‪{ :‬وَ َل َت ّتبِعُواْ خُ ُ‬
‫[تفسير العياشي‪،1/102 :‬‬ ‫‪ ،208‬النعام‪ ،‬آية‪ ].142 :‬قال‪ :‬وخطوات الشّيطان وال ولية فلن وفلن‬
‫البرهان‪ ،1/208 :‬تفسير الصّافي‪.].1/242 :‬‬
‫ي يَ ْغشَا ُه َموْجٌ} يعني نعثل‬
‫جّ‬ ‫وفي قوله سبحانه‪َ..{ :‬أوْ َكظُُلمَاتٍ} قالوا‪ :‬فلن وفلن {فِي بَ ْ‬
‫حرٍ لّ ّ‬
‫[تفسير‬ ‫ق بَعْضٍ} [النور‪ ،‬آية‪ ].40 :‬معاوية‪..‬‬
‫ضهَا َفوْ َ‬
‫ت بَ ْع ُ‬
‫{مّن َفوْ ِق ِه َم ْوجٌ} طلحة والزبير {ظُُلمَا ٌ‬
‫القمي‪ ،2/106 :‬بحار النوار‪.].305-23/304 :‬‬
‫قال المجلسي‪ :‬المراد بفلن وفلن أبو بكر وعمر‪ ،‬ونعثل هو عثمان [بحار النوار‪.].23/306 :‬‬
‫ومن مصطلحاتهم أيضًا للرمز للشيخين ما جاء في تأويلهم سورة الليل وفيها {وَال ّنهَارِ إِذَا‬
‫[كنز الفوائد‪ :‬ص ‪-389‬‬ ‫جَلّاهَا} هو قيام القائم {وَالّل ْيلِ ِإذَا يَ ْغشَاهَا} حبتر ودلم غشيًا عليه الحق‬
‫‪ ،390‬بحار النوار‪.].73-24/72 :‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫قال شيخ الدولة الصفوية – في زمنه – (المجلسي)‪ :‬حبتر ودلم‪ :‬أبو بكر وعمر‬
‫‪.].24/73‬‬
‫وتجد بعض النصوص التي فيها الرمز للشيخين في كتب أوائلهم‪ ،‬ولكن حينما ينقلها عنهم‬
‫[انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،1/301 :‬حيث رمز‬ ‫بعض شيوخ الدولة الصفوية يستبدل الرمز بالسم الصريح‬
‫للشيخين بفلن وفلن‪ ،‬ولكن حينما ينقل شيخهم الكاشاني هذا النص يصرح بالسمين‪( .‬تفسير الصافي‪.].)2/359 :‬‬
‫كما تطاولوا بالسب والتكفير‪ ،‬وعلى سبيل التعيين على كثير من صحابة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ويختارون منهم أعيانهم وخيارهم‪ ،‬فكما طعنوا وكفروا الخلفاء الثلثة‪ ،‬فكذلك‬
‫يفعلون في آخرين من فضلء الصحابة وعظمائهم كعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد بن أبي‬
‫وقاص‪ ،‬وأبي عبيدة بن الجراح‪ ،‬وسالم مولى أبي حذيفة‪ ،‬جاء في تفسير القمي والصافي‪" :‬عن‬
‫الصادق‪ :‬لما أقام رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من‬
‫[هكذا في تفسير الصافي‪ ،‬أما في تفسير القمي فقال‪" :‬وهم‪ :‬الول والثاني‪..‬‬ ‫المنافقين وهم‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‬
‫إلخ"‪ ،].‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وأبو عبيدة‪ ،‬وسالم مولى أبي حذيفة‪،‬‬
‫والمغيرة بن شعبة‪ .‬قال عمر [هكذا في تفسير الصافي‪ ،‬وفي تفسير القمي "قال الثاني"‪ : ].‬أما ترون عينه‬
‫‪463‬‬
‫[ل يخفى على عاقل أن واضع هذا‬ ‫كأنما عين مجنون يعني النبي‪ ،‬الساعة يقوم ويقول‪ :‬قال لي ربي‬
‫القول قد رام الطعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم نفسه وفي نبوته بادئ ذي بدء‪ ،‬لنه يريد أن يقال‪ :‬إذا كان‬
‫كبار صحابته لم يؤمنوا به‪ ،‬وهم الذين عاصروه وتلقوا عنه‪ ،‬وشاهدوا معجزاته‪ ..‬فغيرهم أحق‪ ،‬كذلك يريد أن يقال‪:‬‬
‫رجل سوء له أصحاب سوء‪ ،‬كما كشف عن هذا الهدف بعض السلف‪ ،‬كما يريدون الطعن في السلم ذاته بطريقة‬
‫ماكرة خفية على الغرار والدهماء وهو الطعن في الناقل لبطال المنقول‪ ].‬فلما قام قال‪ :‬أيها الناس من أولى‬
‫بكم من أنفسكم؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله‪ .‬قال‪ :‬اللهم فاشهد‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل من كنت موله فعلي موله‪،‬‬
‫[هكذا في الصل المنقول منه بدون‬ ‫وسلموا عليه بإمرة أمير المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول ال‬
‫ذكر للصلة على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولحظ‪ :‬الرسول يعلمه جبريل‪ ،‬وأئمتهم يعلمون ما كان وما يكون ول‬
‫يخفى عليهم شيء‪ ،‬كما بوب عليه صاحب الكافي‪( .‬أصول الكافي‪ ].)1/260 :‬بمقالة القوم فدعاهم وسألهم‬
‫[تفسير القمي‪،1/301 :‬‬ ‫ن بِالّل ِه مَا قَالُواْ وَلَ َقدْ قَالُواْ كَ ِل َمةَ الْكُ ْفرِ}"‬
‫حلِفُو َ‬
‫فأنكروا وحلفوا فأنزل ال‪{ :‬يَ ْ‬
‫تفسير الصافي‪.].2/359 :‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ومثل هؤلء أيضًا يتناولون آخرين من فضلء الصحابة ونقلة الشريعة كأبي هريرة‬
‫بحار النوار‪ ،22/242 :‬الخصال‪ .1/190 :‬وقد ألف الرافضي المعاصر عبد الحسين الموسوي كتابًا في أبي‬
‫هريرة – رضي ال عنه – انتهى فيه إلى القول بأنه كان منافقًا كافرًا (انظر‪ :‬الموسوي‪ /‬أبو هريرة) وانظر في الرد‬
‫وما بعدها‪ ،‬عبد المنعم العزي‪ /‬دفاع عن‬ ‫على افتراءاته‪ :‬محمد عجاج الخطيب‪ ،‬أبو هريرة راوية السلم ص ‪201‬‬
‫[انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫أبي هريرة‪ ،‬عبد الرحمن الزرعي‪ /‬أبو هريرة وأقلم الحاقدين‪ ،].‬وأنس بن مالك‬
‫[وقالوا فهيما‪" :‬كانا إمامين‬ ‫‪ ،].45‬والبراء بن عازب [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].45‬وطلحة والزبير بن العوام‬
‫من أئمة الكفر" انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،78-2/77 :‬البرهان‪ ،2/107 :‬تفسير الصافي‪ ].2/324 :‬وغيرهم‪.‬‬
‫أما كلم شيوخهم في هؤلء العظماء فقد سود الصفحات‪ ،‬فإنه ل يخلو مصنف من مصنفاتهم‬
‫في مسألة المامة ونحوها إل وفيه من التكفير والسب واللعن ما ل يخطر ببال مسلم‪ ،‬لنهم ل‬
‫يرونهم على السلم أصلً‪ ،‬وفضلً عن ذلك فإنهم يرونهم من ألد أعدائهم‪ ،‬ومن الظالمين لهم‪،‬‬
‫لنهـم بايعوا أباب بكـر وعمـر وعثمان وكانوا فـي عهدهـم على كلمـة سـواء‪ ،‬وكانوا بنعمـة ال‬
‫إخوانًا فأقاموا دولة ال سلم‪ ،‬وفتحوا البلد ونشروا ال سلم ب ين العباد‪ ،‬وأطفأوا نار المجو سية‪،‬‬
‫ـم‪،‬‬
‫ـن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وخالقهـ‬
‫ـة‪ ،‬وأخرجوا الناس مـ‬
‫وحطموا طاغوت الوثنيـ‬
‫فأوغروا بذلك صدور الزناد قة الحاقد ين من أ صحاب تلك البلد المفتو حة‪ ،‬وأتباع تلك الديانات‬
‫الموضوعة‪ ،‬فكان من كيدهم الدخول لفساد أمر هذه المة من طريق التشيع‪ ،‬وكان من الطبيعي‬
‫أن تكون مسألة المامة هي هدفهم‪ ،‬وشغلهم الشاغل‪ ،‬فكان من أمرهم ما كان‪ ،‬ثم أصبح كيدهم‬
‫وخلصة مكرهم عقيدة لهؤلء الشيع كفروا بها الحاكم والمحكوم‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫قال ابن بابويه في العتقادات‪" :‬فمن ادعى المامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون‪ ،‬ومن‬
‫وضع المامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون" [العتقادات‪ :‬ص ‪ ،113-112‬بحار النوار‪.].27/62 :‬‬
‫فهذا تكفير للحاكم والمحكوم في مختلف العصور (ما عدا حكم علي والحسن) وحينما سئل‬
‫شيخهم المفيد الملقب عندهم بركن السلم وآية ال الملك العلم عما ورد عن أمير المؤمنين‬
‫علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬ل أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إل جلدته حد‬
‫المفتري‪ .‬فأجاب‪ :‬عليه من ال ما يستحق "إن الوجه فيه أن المفاضل بينه وبين الرجلين إنما‬
‫وجب عليه حد المفتري‪ ،‬لن المفاضلة ل تكون إل بين متقاربين في الفضل‪ ،‬وكان الرجلن‬
‫بجحدهما النص قد خرجا عن اليمان بطل أن يكون لهما فضل في السلم فكيف يحصل لهما‬
‫من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين؟ ومتى فضل إنسان أمير المؤمنين عليهما فقد افترى‬
‫بالتفضيل لمير المؤمنين عليهما‪ ،‬من حيث كذب في إثبات فضل لهم في الدين‪ ،‬وجرى في هذا‬
‫الباب مجرى من فضل المسلم البر التقي على الكافر المرتد‪ ،‬ومجرى من فضل جبرائيل على‬
‫إبليس‪ ،‬ورسوله ال على أبي جهل بن هشام" [العيون والمحاسن‪.].123-2/122 :‬‬
‫فانظر كيف عدّ أفضل المة بعد نبيها بمنزلة إبليس وأبي جهل‪ .‬وهذا موضع إجماع طائفته‬
‫[العيون والمحاسن‪:‬‬ ‫حيث يقول‪" :‬فقد حصل الجماع على كفره (يعني عمر) بعد إظهاره اليمان"‬
‫‪.].1/9‬‬
‫[انظر كيف يستخدم كلمة "دين" وكأنّه‬ ‫وقال شيخهم المجلسي‪" :‬وممّا ع ّد من ضروريّات دين الماميّة‬
‫ن ما سطّره المجلس في بحاره‬
‫يلوح بأنّ ما عليه الماميّة دين مستقلّ بذاته‪ ،‬منفصل عن دين السلم‪ ،‬ول ريب أ ّ‬
‫وعقائده هو في الغالب دين آخر ل يمتّ لدين السلم بصلة‪ ].‬استحلل المتعة‪ ،‬وحجّ التّمتّع‪ ،‬والبراءة من‬
‫أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية" [العتقادات للمجلسي‪ :‬ص ‪.].91-90‬‬
‫[انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪:‬‬ ‫ومن لم يبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان فهو عدو وإن أحب عليًا‬
‫‪.].5/389‬‬
‫ل صلة بلعن الخلفاء الثّلثة وغيرهم من فضلء الصّحابة‪،‬‬
‫ولذلك يتعبّدون ال سبحانه بعد ك ّ‬
‫وبعض أمّهات المؤمنين رضوان ال عليهم أجمعين‪ .‬وعقد لذلك الحرّ العاملي بابًا بعنوان‪" :‬باب‬
‫استحباب لعن أعداء الدّين عقيب الصّلة بأسمائهم"‪ ،‬وذكر فيه ما روى الكليني عن ابن ثوير‬
‫والسّراج قال‪ :‬سمعنا أبا عبد ال رضي ال عنه وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرّجال‬
‫وأربعًا من النّساء‪ ،‬فلنًا وفلنًا وفلنًا (الخلفاء الثّلثة) ويسمّيهم ومعاوية‪ ،‬وفلنة وفلنة‬
‫[فروع الكافي‪ ،1/95 :‬الطّوسي‪/‬‬ ‫(عائشة‪ ،‬وحفصة رضي ال عنهما) وهندًا وأمّ الحكم أخت معاوية‬
‫التّهذيب‪ ،1/227 :‬وسائل الشّيعة‪.].4/1037 :‬‬
‫‪465‬‬
‫وفي مستدرك الوسائل لشيخهم النّوري الطّبرسي عقد بابًا بعنوان‪" :‬باب استحباب لعن أعداء‬
‫الدّين عُقيب الصّلة بأسمائهم" [مستدرك الوسائل‪ .].1/342 :‬وساق فيه جملة من رواياتهم ومنها‪:‬‬
‫"عن أبي عبد ال أنّه قال‪ :‬إنّ من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن ل ينصرف الرّجل فيهم حتى‬
‫يدعو بهذا الدّعاء‪ :‬اللّهمّ‪ ..‬ضاعف لعنتك وبأسك ونكالك وعذابك على اللّذين كفرا نعمتك‪،‬‬
‫وخوّفا رسولك‪ ..‬وحل عقده في وصيه‪ ،‬ونبذا عهده في خليفته من بعده‪ ،‬وادعيا مقامه‪ ،‬وغيّرا‬
‫أحكامه‪ ،‬وبدّل سنّته‪ ،‬وقلبا دينه‪ ،‬وصغّرا قدر حجّتك وحججك‪ ،‬وبدءا بظلمهم‪ ،‬وطرقا طريق‬
‫الغدر عليهم‪ ،‬والخلف عن أمرهم‪ ،‬والقتل لهم‪ ..‬ومنعا خليفتك من س ّد الثّلم‪ ،‬وتقويم العوج‪،‬‬
‫وإمضاء الحكام‪ ،‬وإظهار دين السلم‪ ،‬وإقامة حدود القرآن‪ ،‬اللّهمّ العنهما‪ ،‬وابنتيهما‪ ،‬وكلّ من‬
‫مال ميلهم‪ ،‬وحذا حذوهم‪ ،‬وسلك طريقتهم وتصدّر ببدعتهم لعنًا ل يخطر على البال‪ ،‬ويستعيذ‬
‫منه أهل النّار‪ ،‬العن اللّهمّ من دان بقولهم‪ ،‬واتّبع أمرهم‪ ،‬ودعا إلى وليتهم‪ ،‬وشكّ في كفرهم من‬
‫الوّلين والخرين" [مستدرك الوسائل‪.].1/342 :‬‬
‫فانظر كيف لعنوا في هذه "الكلمات المظلمة" المسلمين جميعًا من الوّلين والخرين‪ ،‬وخصّوا‬
‫بمزيد من اللّعن والتّكفير من أقاما دولة السلم بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونشرا دين‬
‫ال في العالمين‪ ،‬وعدوهما وجميع من ابتعهما (أي جميع المسلمين) من أعداء الدين‪ ،‬فأي دين‬
‫يعتقده هؤلء الذين يعدون صحابة رسول ال ومن اتبعهم بإحسان هم أعداء للدين؟ فليكن أي‬
‫دين ونحلة إل دين السلم‪ ،‬إن هذه "اللعنات" تؤكد أن واضعها من أتباع تلك الديانات التي‬
‫قضى عليها السلم بقيادة أبي بكر وعمر وإخوانهما رضوان ال عليهم جميعًا‪.‬‬
‫وفي مزاراتهم يجري أيضًا – بواسطة الدعية التي وضعها لولئك التباع زنادقة العصور‬
‫البائدة ‪ -‬غرس الحقاد وبثّ الضّغائن‪ ،‬وتأجيج العداوة في لعنات متتالية ومتتابعة على خير‬
‫القرون‪ ،‬ففي زيارة فاطمة – مثلً – يلعنون أبا بكر وبقيّة الصّحابة رضوان ال عليهم في دعاء‬
‫يقولون فيه‪" :‬السّلم عليك يا فاطمة يا سيّدة نساء العالمين‪ ،‬لعن ال مانعك إرثك‪ ،‬ودافعك عن‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫حقّك‪ ،‬والرّادّ عليك قولك‪ ،‬لعن ال أشياعهم وأتباعهم وألحقهم بدرك الجحيم"‬
‫‪ ،100/197‬باب زيارة فاطمة‪ ،‬وانظر‪ :‬ص ‪ 198‬رقم ‪ ،16‬وانظر‪ :‬ص ‪ 200‬من الجزء نفسه‪.].‬‬
‫وتلحظ أن واضع هذا الدعاء يقصد فيه لعن صديق هذه المة ثم يلحق فيه كل من شايعه‪،‬‬
‫فيدخل فيهم أمير المؤمنين علي‪ ،‬لنه من شيعة أبي بكر وأعوانه ووزرائه‪ .‬ول تخفى هذه‬
‫الحقيقة على واضع هذا الدعاء‪ ،‬ولكنه عدو للجميع ويتستر بالتشيع لن العقل الشيعي في غيبوبة‬
‫بفعل العواطف المشحونة – زورًا – بظلم آل البيت وقهرهم وضياع حقهم‪ ،‬وصراعهم مع‬
‫أعدائهم وهم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد حشدوا في ذلك ركامًا هائلً من‬
‫‪466‬‬
‫الساطير ل تبقى في قلب من يؤمن بها إل الحقد‪ ،‬والتعطش لسفك الدماء‪ ،‬والرغبة في النتقام‬
‫[انظر بعض أخبار هذا الصراع المزعوم‪ ،‬في إثبات الوصية الذي ينسبونه للمسعودي صاحب مروج الذهب ص‬
‫‪ 122‬وما بعدها‪ ..].‬وواقعهم يشهد بذلك‪.‬‬
‫مثالب الصحابة (المزعومة)‪:‬‬

‫ومع اللعن والتكفير لخير القرون‪ ،‬فإن الشيعة ملت الصفحات فيما يسمونه بمثالب الصحابة‬
‫ومعايبهم [انظر‪ :‬ابن المطهر الحلي‪ /‬منهاج الكرامة‪ :‬ص ‪ ،].132‬وانشغل بعض أهل السنة في الرد‬
‫وما‬ ‫عليهم [وقد أجاب شيخ السلم عما يثيره الروافض في هذا الباب بجواب مفصل (انظر‪ :‬منهاج السنة ‪3/19‬‬
‫بعدها) وبجواب مجمل ملخصه ما يلي‪ :‬أن المثالب التي تنقل عن الصحابة نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما هو كذب‪ ،‬إما كذب كله‪ ،‬وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطع‪ ،‬وأكثر‬
‫المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب‪ ،‬يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى‪،‬‬
‫وهشام بن السائب الكلبي‪ ،‬وأمثالهما من الكذابين الذين شهد الئمة بكذبهم‪ ،‬وسقوط أخبارهم‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬ما هو صدق‪ ،‬وأكثر هذه المور لهم فيها معاذير تخرجها من أن تكون ذنوبًا‪ ،‬وتجعلها من موارد‬
‫الجتهاد التي إن أصاب المجتهد فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر‪ ،‬وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫وما قدّر من هذه المور ذنبًا محققًا‪ ،‬فإن ذلك ل يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة‪ ،‬لن‬
‫الذنب المحقق يرتفع عقابه في الخرة بأسباب متعددة‪ ،‬منها‪ :‬التوبة‪ ،‬ومنها الحسنات الماحية للذنوب؛ فإن الحسنات‬
‫يذهبن السيئات‪ ،‬ومنها المصائب المكفرة‪( ..‬منهاج السنة‪ ،].)3/19 :‬والحقيقة المهمة في هذا الموضوع أن‬
‫إثارة الشيعة لهذه القضايا هو في حقيقة أمره تستر على السبب الحقيقي من موقفهم من‬
‫الصحابة‪ ،‬ذلك أن الصحابة رضوان ال عليهم لو كانوا في عصمة من كل خطأ‪ ،‬وفي حرز من‬
‫كل ذنب‪ ،‬لما رضي عنهم المامية‪ ،‬لن ذنب الصحابة عند هؤلء هو بيعتهم لبي بكر دون‬
‫علي‪ ،‬وكل ذنب يغتفر إل هذا المر‪ ،‬كما أن من جاء بقراب الرض خطايا ومعه "جواز‬
‫الولية" فقد نجا‪.‬‬
‫وقد تنبه إلى هذه الحقيقة المهمة القاضية عبد الجبار فقال‪" :‬وكثيرًا تسأل المامية عما كان‬
‫من عثمان في تولية أقاربه وغير ذلك‪ ،‬وفي سير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة‪ ،‬وما ذاك‬
‫إل لضعفهم وانقطاعهم؛ لن عثمان لو لم يول أقاربه ولم يصنع ما صنع لكان كافرًا مشركًا‬
‫عندهم بادعائه المامة لنفسه ولبي بكر وعمر‪ ،‬ولو كان طلحة والزبير وعائشة في عسكر أمير‬
‫المؤمنين وفي المحاربين معه ما كانوا إل مشركين باعتقادهم إمامة أبي بكر وعمر وعثمان‪،‬‬
‫فمن يكلم المامية في إثارتهم لهذه المسائل كمن يكلم اليهود في وجوب النية في الطهارة‪ ،‬أو‬
‫يكلم النصارى في استحللهم الخمر‪ ،‬وإنما يكلم في هذا من قال‪ :‬ل ذنب لعثمان إل ما أتاه من‬

‫‪467‬‬
‫الحمى‪ ،‬وتولية القارب‪ ،‬ولول ذلك لكان مثل عمر‪ ،‬ومن قال‪ :‬ل ذنب لطلحة والزبير وعائشة‬
‫إل مسيرهم إلى البصرة‪ ،‬ولول ذلك لكانوا مثل أبي عبيدة وعبد الرحمن وابن مسعود‪.‬‬
‫[تثبيت دلئل‬ ‫فاعرف هذا ول تكلمهم فيه البتة‪ ،‬وكلمهم فيما يدعونه من النص فهو الصل"‬
‫النبوة‪.].1/294 :‬‬

‫‪ 2‬ـ تكفيرهم أهل البيت‪:‬‬


‫هذه الرّوايات التي تحكم بالرّدة على ذلك المجتمع المثالي الفريد‪ ،‬ول تستثني منهم جميعًا إل‬
‫سبعة في أكثر تقديراتها‪ ،‬ل تذكر من ضمن هؤلء السّبعة أحدًا من أهل بيت رسول ال باستثناء‬
‫بعض روايات عندهم جاء فيها استثناء علي فقط‪ ،‬وهي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر‬
‫قال‪ :‬صار الناس كلهم أهل جاهلية إل أربعة‪ :‬علي‪ ،‬والمقداد‪ ،‬وسلمان‪ ،‬وأبو ذر‪ .‬فقلت‪ :‬فعمار؟‬
‫[تفسير العياشي‪ ،1/199 :‬البرهان‪،1/319 :‬‬ ‫فقال‪ :‬إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلء الثلثة‬
‫تفسير الصافي‪.].1/389 :‬‬
‫فالحكم بالرّدّة في هذه النّصوص شامل للصّحابة وأهل البيت النّبويّ من زوجات رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وقرابته‪ ،‬مع أن واضعها يزعم التشيع لهل بيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فهل هذا إل دليل واضح على أن التشيع إنما هو ستار لتنفيد أغراض خبيثة ضد السلم‬
‫وأهله‪ ،‬وأن واضعي هذه الروايات أعداء للصحابة وللقرابة؟‬
‫ول يستعبد – كما سبق – أن تلك السماء التي تستثنى هي «أسماء مستعارة» للزنادقة الذين‬
‫يشكلون الخلية الولى "للرفض"‪ ،‬ول يعني بهم الصحابة‪ ،‬وإل لماذا لم يذكر أحد معهم من أهل‬
‫البيت؟ ولماذا هؤلء الصحابة الذين يستثنون ما ظهر منهم منابذة ومناوأة للخليفتين الراشدين بل‬
‫ظهر منهم الحب والمؤازرة؟!‬
‫لقد حكموا بالردة في نصوصهم التي مر ذكرها‪ ،‬على الحسن والحسين وآل عقيل وآل جعفر‪،‬‬
‫وآل العباس‪ ،‬وزوجات رسول ال أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫بل إن الشيعة خصت بالطعن والتكفير جملة من أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عمَى َف ُهوَ فِي‬
‫كعم النبي العباس‪ ،‬حتى قالوا بأنه نزل فيه قوله سبحانه‪َ { :‬ومَن كَانَ فِي هَـذِهِ َأ ْ‬
‫سبِيلً} [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،53‬والية (‪ )72‬من سورة السراء‪.].‬‬
‫ضلّ َ‬
‫عمَى وََأ َ‬
‫خرَةِ َأ ْ‬
‫ال ِ‬
‫وكابنه عبد ال بن عباس حبر المة وترجمان القرآن‪ ،‬فقد جاء في الكافي ما يتضمن تكفيره‪،‬‬
‫وأنه جاهل سخيف العقل [أصول الكافي‪ .].1/247 :‬وفي رجال الكشي‪" :‬اللهم العن ابني فلن واعم‬

‫‪468‬‬
‫[رجال الكشي‪:‬‬ ‫أبصارهما‪ ،‬كما عميت قلوبهما‪ ..‬واجعل عمى أبصارهم دليلً على عمى قلوبهما"‬
‫ص ‪.].53‬‬
‫وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال‪" :‬هما عبد ال بن عباس وعبيد ال بن عباس"‬
‫[رجال الكشي‪ :‬ص ‪( 53‬الهامش)‪.].‬‬
‫وبنات النبي صلى ال عليه وسلم يشملهن سخط الشيعة وحنقهم‪ ،‬فل يذكرن فيمن استثنى من‬
‫[انظر‪ :‬جعفر‬ ‫التكفير‪ ،‬بل ونفى بعضهم أن يكن بنات للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ما عدا فاطمة‬
‫النجفي‪ /‬كشف الغطاء‪ :‬ص ‪ ،5‬حسن المين‪ /‬دائرة المعارف السلمية‪ ،‬الشيعة‪ – ].1/27 :‬فهل يحب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم من يقول فيه وفي بناته هذا القول؟!‬
‫وقد نص صاحب الكافي في رواياته على أن كل من لم يؤمن بالثني عشر فهو كافر‪ ،‬وإن‬
‫[انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬باب من ادعى المامة وليس لها بأهل‪ ،‬ومن جحد الئمة أو بعضهم‪ ،‬ومن أثبت‬ ‫كان علويًا فاطميًا‬
‫المامة لمن ليس لها بأهل‪ ،].374-1/372 :‬وهذا يشمل في الحقيقة التكفير لجيل الصحابة ومن‬
‫بعدهم بما فيهم الل والصحاب؛ لنهم لم يعرفوا فكرة "الثني عشر" التي لم توجد إل بعد سنة‬
‫(‪260‬ه‍)‪.‬‬
‫كما باءوا بتفكير أمهات المؤمنين أزواج رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ إذ لم يستثنوا واحدة‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/300 :‬رجال الكشي‪ :‬ص‬ ‫منهن في نصوصهم‪ ..‬ولكنهم يخصون منهن عائشة‬
‫‪ ،60-57‬بحار النوار‪ ].53/90 :‬وحفصة [انظر‪ :‬بحار النوار‪ -].22/246 :‬رضي ال عنهن جميعًا‬
‫– بالذم واللعن والتكفير‪.‬‬
‫وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا بعنوان "باب أحوال عائشة وحفصة" ذكر فيه (‪ )17‬رواية‬
‫[حيث قال‪" :‬قد مر بعض‬ ‫[بحار النوار‪ ،].247-22/227 :‬وأحال في بقية الروايات إلى أبواب أخرى‬
‫أحوال عائشة في باب تزويج خديجة‪ ،‬وفي باب أحوال أولده صلى ال عليه وسلم في قصص مارية وأنها قذفتها‬
‫فنزلت فيها آيات الفك (انظر كيف يقلبون الحقائق) وسيأتي أكثر أحوالها في قصة الجمل" (بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،].)22/245‬وقد آذوا فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم في أهل بيته أبلغ اليذاء‪.‬‬
‫حتى اتهموا في أخبارهم من برأها ال من سبع سماوات؛ عائشة الصديقة بنت الصديق‬
‫[ونص ذلك‪:‬‬ ‫بالفاحشة‪ ،‬فقد جاء في أصل أصول التفاسير عندهم (تفسير القمي) هذا القذف الشنيع‬
‫ض َربَ اللّهُ َمثَل} [التّحريم‪ ،‬آية‪ ]11:‬ثم ضرب ال فيهما (يعني عائشة وحفصة‬
‫"قال علي بن إبراهيم في قوله‪َ { :‬و َ‬
‫عبَا ِدنَا‬
‫ن ِ‬
‫ت عَبْ َد ْينِ ِم ْ‬
‫ضرَبَ اللّهُ َمثَل ّللّذِينَ َك َفرُوا اِ ْم َرأَ َة نُوحٍ َواِ ْم َرأَ َة لُوطٍ كَا َنتَا تَحْ َ‬
‫زوجتي رسول ال مثلً فقال‪َ { :‬‬
‫صَالِحَ ْينِ فَخَا َنتَاهُمَا} [التّحريم‪ ،‬آية ‪ ]10‬قال‪ :‬وال ما عنى بقوله {فَخَا َنتَاهُمَا} إل الفاحشة‪ ،‬وليقيمنّ الح ّد على فلنة فيما‬
‫ل لك أن تخرجين –‬
‫أتت في طريق البصرة‪ ،‬وكان فلن يحبّها‪ ،‬فلمّا أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلن‪ :‬ل يح ّ‬
‫كذا – من غير محرم فزوّجت نفسها من فلن‪..‬‬

‫‪469‬‬
‫هذا نصّ القمّي كما نقله عنه المجلسي في بحار النوار‪ ،22/240 :‬أمّا تفسير القمّي فقد جاء فيه النّصّ‪ ،‬إل أنّ‬
‫المصحّح حذف اسم البصرة الذي ورد مرّتين ووضع مكانه نقط (انظر‪ :‬تفسير القمّي ‪.)2/377‬‬
‫والنص فيه عدم التصريح بالسماء‪ ،‬فقوله‪" :‬ليقيمن الحد" من الذي يقيم؟ وقوله‪" :‬فلن‪ ،‬وفلنة" من هما؟ لكن شيخ‬
‫الشيعة المجلسي كشف هذه التّقية وحلّ رموزها وذلك لنه يعيش في ظل الدولة الصفوية فقال‪ :‬قوله‪ :‬وليقيمنّ الح ّد أي‬
‫القائم عليه السّلم في الرّجعة كما سيأتي (وقد نقلت ذلك عن المجلسي في فصل الغيبة‪ ،‬وصرّح بالسم وأنّها عائشة أمّ‬
‫المؤمنين‪ ،‬إل أنه قال بأنه بسبب ما قالته في مارية‪ ،‬فلم يجرؤ أن يصرح مع ذكر السم بما صرح به هنا من القذف‬
‫الصريح) والمراد بفلن طلحة (بحار النوار‪.)22/241 :‬‬
‫هذا النص كما ترى قد جاء في تفسير القمي الذي يوثقه شيوخهم المعاصرون‪ ،‬ولم يتعقبه المصحح والمعلق على‬
‫تفسير القمي بشيء‪ ،‬فهو عار يلف السابقين والمعاصرين من شيوخهم‪ ،‬إل أن المعلق على البحار عقب على النص‬
‫المذكور بالدفاع عن شيخهم القمي ل الدفاع عن عائشة أم المؤمنين‪ ،‬وأم المؤمنين ل تحتاج إلى شهادة أحد بعد شهادة‬
‫ال لها‪ ..‬ولكن نذكر ذلك لبيان عظيم جرمهم‪ ].‬المتضمن تكذيب القرآن العظيم‪ ،‬قال ابن كثير في تفسير‬
‫سورة النور‪" :‬أجمع أهل العلم – رحمهم ال – قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به‬
‫[تفسير ابن كثير‪ ،290-3/289 :‬وانظر‪:‬‬ ‫بعد هذا الذي ذكر في الية فإنه كافر‪ ،‬لنه معاند للقرآن"‬
‫الصارم المسلول لبن تيمية ص ‪.].571‬‬
‫[تفسير‬ ‫وقال القرطبي‪" :‬فكل من سبها مما برأها ال منه مكذب ل‪ ،‬ومن كذب ال فهو كافر"‬
‫القرطبي‪.].12/206 :‬‬
‫هذا وظاهرة التكفير عند الشيعة ل تخص جيل الصحابة‪ ،‬وإن كان الصحابة ينالهم النصيب‬
‫الوفى من السب والتكفير باعتبار أنهم حملة الشريعة‪ ،‬ونقلة الكتاب والسنة‪ ،‬والمبلغون عن‬
‫رسول ال دين ال‪ ،‬ولذلك صار "الطعن فيهم طعن في الدين" [ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ .].1/5 :‬وكان‬
‫هذا هو هدف الزنادقة من وراء الحملة الضارية عليهم‪ ،‬ولكن سلسلة التكفير عند الشيعة‬
‫مستمرة‪.‬‬
‫فكما قالت كتب الشيعة‪ :‬إن الناس ارتدوا بعد وفاة الرسول إل ثلثة‪ ،‬قالت أيضًا‪" :‬ارتد الناس‬
‫[رجال الكشي‪:‬‬ ‫بعد قتل الحسين إل ثلثة‪ :‬أبو خالد الكابلي‪ ،‬ويحيى أم الطويل‪ ،‬وجبير بن مطعم"‬
‫ص ‪ ،123‬أصول الكافي‪.].2/380 :‬‬
‫فأنت ترى أن هذا النص ل يستثني أحدًا من أهل البيت ول الحسن بن علي الذي تعده الثنا‬
‫عشرية إمامها‪ ،‬ويبدو أنها ل تستثنيه لنها عليه ساخطة لقيامه بمصالحة معاوية حتى خاطبه‬
‫بعض الشيعة بقوله‪" :‬يا مذل المؤمنين" [انظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،].111‬ووثب عليه أهل عسكره‬
‫فانتهبوا فسطاطه‪ ،‬وأخذوا متاعه‪ ،‬وطعنه ابن بشير السدي في خاصرته فردوه جريحًا إلى‬
‫المدائن [انظر‪ :‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.].113‬‬
‫‪ 3‬ـ تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم‪:‬‬
‫‪470‬‬
‫في دين الثني عشرية أن كل حكومة غير حكومة الثني عشر باطلة‪ ،‬وصاحبها ظالم‬
‫وطاغوت يعبد من دون ال‪ ،‬ومن يبايعه فإنما يعبد غير ال‪.‬‬
‫وقد أثبت الكليني هذا المعنى في عدة أبواب مثل‪ :‬باب من ادعى المامة وليس لها بأهل‪،‬‬
‫ومن جحد الئمة أو بعضهم‪ ،‬ومن أثبت المامة لمن ليس لها بأهل‪ ،‬وذكر فيه اثني عشر حديثًا‬
‫عن أئمتهم [الكافي‪ ،].374-1/372 :‬وباب فيمن دان ال عز وجل بغير إمام من ال جل جلله‪،‬‬
‫وفيه خمسة أحاديث [الكافي‪.].376-1/374 :‬‬
‫وفي البحار "باب عقاب من ادعى المامة بغير حق أو رفع راية جور‪ ،‬أو أطاع إمامًا جائرًا"‬
‫[بحار النوار‪ 25/110 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وكل خلفاء المسلمين ما عدا عليًا والحسن طواغيت – حسب اعتقادهم – وإن كانوا يدعون‬
‫إلى الحق‪ ،‬ويحسنون لهل البيت‪ ،‬ويقيمون دين ال‪ ،‬ذلك أنهم يقولون‪" :‬كل راية ترفع قبل راية‬
‫[الكافي‪ :‬بشرحه للمازندراني‪،12/371 :‬‬ ‫القائم [هو‪ :‬مهديهم المنتظر‪ ].‬رضي ال عنه صاحبها طاغوت"‬
‫[المازندراني‪ /‬شرح‬ ‫بحار النوار‪ .].25/113 :‬قال شارح الكافي‪" :‬وإن كان رافعها يدعو إلى الحق"‬
‫جامع‪ ،].12/371 :‬وحكم المجلسي على هذه الرواية بالصحة [مرآة العقول‪ ].4/378 :‬حسب‬
‫مقاييسهم‪.‬‬
‫أما من قبل سنة (‪260‬ه‍) فيقول شيخهم المجلسي عن الخلفاء الراشدين‪" :‬إنهم لم يكونوا إل‬
‫غاصبين جائرين مرتدين عن الدين‪ ،‬لعنة ال عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من‬
‫الولين والخرين" [بحار النوار‪.].4/385 :‬‬
‫‪ 4‬ـ الحكم على المصار السلمية بأنها دار كفر‪:‬‬
‫جاء في أخبارهم تخصيص كثير من بلد المسلمين بالسب‪ ،‬وتفكير أهلها على وجه التعيين‪،‬‬
‫ويخصون منها غالبًا ما كان أكثر التزامًا بالسلم واتباعًا للسنة‪ ،‬فقد صرحوا بكفر أهالي مكة‬
‫والمدينة في القرون المفضلة‪ ،‬ففي عصر جعفر الصادق كانوا يقولون عن أهل مكة والمدينة‪:‬‬
‫"أهل الشّام شرّ من أهل الرّوم (يعني شرّ من النّصارى)‪ ،‬وأهل المدينة شرّ من أهل مكّة‪ ،‬وأهل‬
‫مكّة يكفرون بال جهرة" [أصول الكافي‪.].2/409 :‬‬
‫"وعن أبي بصير‪ ،‬عن أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬إن أهل مكة ليكفرون بال جهرة‪ ،‬وإن أهل‬
‫المدينة أخبث من أهل مكة‪ ،‬أخبث منهم سبعين ضعفًا" [أصول الكافي‪.].2/410 :‬‬
‫ومن المعلوم أن أهل المدينة كانوا – ول سيما في القرون المفضلة – يتأسون بأثر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أكثر من سائر المصار‪ ،‬ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن‬
‫[اشتهر عن مالك وأصحابه‪ ،‬أن إجماع‬ ‫إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب اتباعها غير المدينة‬
‫‪471‬‬
‫أهلها حجة‪ ،‬وإن كان بقية الئمة ينازعونهم في ذلك‪ ،‬والمراد إجماعهم في تلك العصار‪ ،‬المفضلة‪ ،‬أما بعد ذلك فقد‬
‫اتفق الناس على أن إجماعهم ليس بحجة (مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].)20/300 :‬‬
‫وقد ظل أهل المدينة متمسكين بمذهبهم القديم‪ ،‬منتسبين إلى مذهب مالك إلى أوائل المائة‬
‫السادسة أو قبل ذلك أو بعد ذلك‪ ،‬فإنهم قدم إليهم من رافضة المشرق من أفسد مذهب كثير منهم‬
‫[انظر‪ :‬الفتاوى‪.].300-20/299 :‬‬
‫وهذا اللتزام بالسلم قد أغاظ هؤلء الزنادقة‪ ،‬فعبروا عن حقدهم بهذه الكلمات‪ ،‬والتاريخ‬
‫يعيد نفسه‪ ،‬ففي هذا العصر خطب خطيبهم وقال‪ :‬بأن مكة يحكمها شرذمة أشرّ من اليهود‬
‫[وسيأتي ذكر ذلك بنصه في فصل «دولة اليات» من الباب الرابع ص ‪.].1174‬‬
‫وقد كشف شيخهم المعاصر والذي علق على نصوص الكافي عن وجه هذه الكلمات‪ ،‬وأبان‬
‫عن فحوى هذه النصوص فقال‪" :‬لعل هذا الكلم في زمن بني أمية وأتباعهم‪ ،‬كانوا منافقين‬
‫يظهرون السلم ويبطنون الكفر‪ ،‬والمنافقون شر من الكفار وهم في الدرك السفل من النار‪..‬‬
‫ويحتمل أن يكون هذا مبنيًا على أن المخالفين غير المستضعفين مطلقًا شر من سائر الكفار كما‬
‫يظهر من كثير من الخبار" [علي أكبر الغفاري‪ /‬أصول الكافي‪( 410-2/409 :‬الهامش)‪.].‬‬
‫فهو يرى أن هذا التكفير حق‪ ،‬ويخرج الحكم عليهم بأنهم شر من الكفار بأحد أمرين‪ :‬إما‬
‫باتباعهم للمويين أي‪ :‬بمقتضى مبايعتهم لخلفاء المسلمين من المويين‪ ،‬وهذا نفاق أكبر عندهم‪،‬‬
‫أو لن المخالف شر من الكافر‪ ..‬وبهذا التخريج الخير يشمل التفكير ديار المسلمين في كل‬
‫الزمان‪.‬‬
‫وقالوا أيضًا عن مصر وأهلها‪" :‬أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السّلم‪ ،‬فجعل ال‬
‫منهم القردة والخنازير" [بحار النوار‪ ،60/208 :‬تفسير القمّي‪ :‬ص ‪ 596‬ط‪ :‬إيران‪" ].‬وما غضب ال‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫على بني إسرائيل إل أدخلهم مصر‪ ،‬ول رضي عنهم إل أخرجهم منها إلى غيرها"‬
‫‪ ،209-208 /60‬قرب السناد‪ :‬ص ‪ ،220‬تفسير العياشي‪ ،1/304 :‬البرهان‪.].1/456 :‬‬
‫[تفسير العياشي‪،1/305 :‬‬ ‫"بئس البلد مصر! أما إنها سجن من سخط ال عليه من بني إسرائيل"‬
‫بحار النوار‪ ،60/210:‬البرهان‪.].1/457 :‬‬
‫"انتحوا مصر ل تطلبوا المكث فيها ( لنه ) يورث الدياثة" [بحار النوار‪.].60/211 :‬‬
‫وجاءت عندهم عدة روايات في ذم مصر‪ ،‬وهجاء أهلها‪ ،‬والتحذير من سكناها‪ ،‬ونسبوا هذه‬
‫الروايات إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإلى محمد الباقر‪ ،‬وإلى علي الرضا‪ ،‬وهذا رأي‬
‫الروافض في مصر في تلك العصور السلمية الزاهرة‪ ،‬وقد عقب المجلسي على هذه‬

‫‪472‬‬
‫النصوص بقوله بأن مصر صارت من شر البلد في تلك الزمنة‪ ،‬لن أهلها صاروا من أشقى‬
‫الناس وأكفرهم [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].5/208 :‬‬
‫كل ذلك لنها لم تأخذ بنهج الروافض‪ ،‬ويحتمل أن هذه الروايات قبل أو بعد الحقبة‬
‫السماعيلية من تاريخ مصر‪ ،‬لن من يشاركهم في رفضهم‪ ..‬ويقيم دولة تسمح بكفرهم ل‬
‫ينالون منه بمثل هذا‪.‬‬
‫ول يبعد أن هذه النصوص هي تعبير عن حقد الرافضة وغيظهم على مصر وأهلها بسبب‬
‫سقوط دولة إخوانهم السماعيليين على يد القائد العظيم صلح الدين الذي طهر أرض الكنانة‬
‫من دنسهم ورجسهم‪.‬‬
‫وأين هذه الكلمات المظلمة في حق مصر وأهلها من الباب الذي عقده مسلم في صحيحه "باب‬
‫وصية النبي صلى ال عليه وسلم بأهل مصر" [صحيح مسلم‪.].2/2970 :‬‬
‫[انظر‪ :‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،507-506‬بحار النوار‪:‬‬ ‫وجاء عندهم ذم كثير من بلدان السلم وأهلها‬
‫‪ 60/206‬وما بعدها‪ .].‬ولم يستثن من ديار المسلمين إل من يقول بمذهبهم وهي قليلة في تلك‬
‫الزمان‪ ،‬حتى جاء عندهم "إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة"‬
‫[بحار النوار‪ ،60/209 :‬وعزاه إلى بصائر الدرجات‪.].‬‬

‫‪ 5‬ـ قضاة المسلمين‪:‬‬


‫تعد أخبارهم قضاة المسلمين طواغيت لرتباطهم بالمامة الباطلة بزعمهم‪ ،‬فقد جاء في‬
‫الكافي عن عمر بن حنظلة قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن رجلين من أصحابنا بينهما‬
‫منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال‪ :‬من تحاكم إليهم‬
‫في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت‪ ،‬وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا‪ ،‬وإن كان حقًا ثابتًا‬
‫له؛ لنه أخذ بحكم الطاغوت‪ ،‬وقد أمر ال أن يكفر به‪ .‬قال تعالى‪ُ { :‬يرِيدُونَ أَن يَتَحَا َكمُواْ ِإلَى‬
‫الطّاغُوتِ وَقَدْ ُأ ِمرُواْ أَن يَكْ ُفرُواْ بِهِ} [النساء‪ ،‬آية‪[ ].60 :‬أصول الكافي‪.].1/67 :‬‬
‫فأنت ترى أنهم اعتبروا قضاة المسلمين وحكامهم طواغيت‪ ،‬واعتبروا أحكامهم باطلة‪ ،‬ومن‬
‫يأخذ حقه بواسطتها فإنما يأكل الحرام‪ ،‬وهذا الحكم يعم قضاة المسلمين على مدى القرون‬
‫وتعاقب الجيال‪ ،‬وهذه الرواية تحكم على القضاء والقضاة في عصر جعفر الصادق‪ ،‬كما يظهر‬
‫من إسنادهم للرواية إلى جعفر‪ ،‬فإذا كان هذا نظرهم في قضاة المسلمين في القرون المفضلة فما‬
‫بالك فيمن بعدهم‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫ويبدو أنهم يريدون قضاة يحكمون بحكايات الرقاع‪ ،‬وبالجفر والجامعة‪ ،‬ومصحف فاطمة‪،‬‬
‫[انظر‪" :‬فصل السنة‪ ،‬ومبحث اليمان‬ ‫وحكم آل داود‪ ،‬ول يسألون البينة‪ ،‬كما جاء ذلك في أخبارهم‬
‫بالكتب‪ ،‬وفصل الغيبة"‪ ].‬ل في حكم الكتاب والسنة وإجماع سلف المة‪ ،‬فهم الذين تتناولهم الية التي‬
‫استدلوا بها‪ ،‬لنها نزلت في بعض المنافقين الذين فضلوا حكم الطاغوت على حكم محمد بن عبد‬
‫وما بعدها (من الجزاء المحققة)‪ ،‬تفسير البغوي‪:‬‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم [انظر‪ :‬تفسير الطبري‪8/507 :‬‬
‫‪ .].1/446‬وهؤلء الروافض من جنس أولئك المنافقين‪.‬‬
‫وهذه النظرة لم يتغير منها شيء في نفوس شيوخهم في هذا العصر؛ فها هو الخميني يعقب‬
‫على حديثهم هذا فيقول – مؤكدًا معناه ‪" :-‬المام عليه السلم نفسه ينهى عن الرجوع إلى‬
‫السلطين وقضاتهم ويعتبر الرجوع إليهم رجوعًا إلى الطاغوت" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].74‬‬
‫ويقول المعلق على الكافي‪ :‬والية بتأييد الخبر تدل على عدم الترافع إلى حكم الجور مطلقًا‪،‬‬
‫وربمـا قيـل بجواز التوسـل بهـم إلى أخـذ الحـق المعلوم‪ ،‬اضطرارًا مـع عدم إمكان الترافـع إلى‬
‫الفقيه العدل [أصول الكافي‪( 1/67 :‬الهامش)‪.].‬‬

‫ولكن يظهر أن هذه المبادئ التي وضعها الزنادقة لم تجد القبول لدى بعض أتباعهم‪ ،‬لنه يجد‬
‫في ظل قضاة الم سلمين العدل والن صاف ما ل ي جد ع ند قو مه‪ ،‬و قد اعترف بعض هم لش يخ‬
‫[منهاج‬‫ال سلم ابن تيمية فقال له‪ :‬أن تم (يع ني أ هل ال سنة) تنصفوننا ما ل ينصف بعض نا بعضًا‬
‫السنة‪ .3/39 :‬وقد حدثني بعض قضاة السنة وقد تولى القضاء في بعض المناطق التي يقطنها شيعة بأنه يجد رغبة‬
‫في التحاكم إلى أهل السنة لستخلص حقوقهم ول يرجعون لشيوخهم‪ .‬ويبدو أنهم ل يلجأون إلى شيوخهم إل مكرهين‬
‫تحت سياط الوعيد والتهديد بإصدار صكوك الحرمان‪ ،‬والوعيد بالنيران‪.].‬‬

‫وقد اشتكى بعض رجالهم لمامه بأنهم يجدون عند أهل السنة كثرة المانة‪ ،‬وحسن الخلق‪،‬‬
‫وحسن السمت‪ ،‬ويجدون على الضد من ذلك في الشيعة فيغتمون لذلك [أصول الكافي‪.].2/4 :‬‬
‫‪ 6‬ـ أئمة المسلمين وعلماؤهم‪:‬‬
‫حذروا من التلقي عن شيوخ المسلمين وعلمائهم‪ ،‬وعدوهم كملل أهل الشرك "عن هارون بن‬
‫[هذا اللّقب يطلق عندهم في‬ ‫خارجة قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السّلم‪ :‬إنّا نأتي هؤلء المخالفين‬
‫الغالب على أهل السّنّة‪ ،‬وقد يتناول كلّ مخالف‪ ].‬فنسمع منهم الحديث يكون حجّة لنا عليهم؟ قال‪ :‬ل تأتهم‬
‫ول تسمع منهم‪ ،‬لعنهم ال ولعن مللهم المشركة" [بحار النوار‪ ،2/216 :‬وعزاه للسّرائر لبن إدريس‪.].‬‬
‫وجاء في الكافي عن سدير عن أبي جعفر قال‪ .." :‬يا سدير فأريك الصّادّين عن دين ال‪ ،‬ثم‬
‫نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثّوري في ذلك الزّمان وهم حلق في المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬هؤلء‬

‫‪474‬‬
‫الصّادّون عن دين ال بل هدى من ال ول كتاب مبين‪ ،‬إنّ هؤلء الخابث لو جلسوا في بيوتهم‬
‫فجال النّاس‪ ،‬فلم يجدوا أحدًا يخبرهم عن ال تبارك وتعالى وعن رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫حتى يأتونا فنخبرهم عن ال تبارك وتعالى وعن رسوله صلى ال عليه وسلم"‬
‫‪ ،393-1/392‬تفسير نور الثّقلين‪.].4/132 :‬‬
‫فيبدوا أن الغيظ أخذ من هؤلء الباطنيين مأخذه‪ ،‬وهم يرون أئمة أهل السنة يعلمون الناس‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬ويدعون إلى دين السلم والناس مقبلون عليهم‪ ،‬ينهلون من علمهم ويأخذون‬
‫عنهم‪ ،‬فترى حلقهم في المسجد‪ ،‬عامرة بالرواد‪ ،‬مزدانة بالعلم‪ ..‬تغمرها السكينة‪ ،‬وتحفها‬
‫الرحمة‪ ،‬وتغشاها الملئكة‪ ،‬وكان هؤلء العلماء العلم للمتقين أئمة وقادة‪ ،‬وأولئك الباطنيون قد‬
‫قبعوا في بيوتهم‪ ،‬ل يلتفت إليهم‪ ،‬ول يحفل بهم‪ ،‬قد استولت عليهم الذلة‪ ،‬والمسكنة وباءوا‬
‫بغضب الناس‪ ،‬واحتقارهم‪ .‬فكانت أمنياتهم التي وضعوها على ألسنة أهل البيت للتغرير‬
‫بالتباع‪ ،‬ومحاولة إيجاد الفتنة والعزلة بين أهل البيت وأئمة المسلمين‪ ،‬كانت هذه المنيات تكفر‬
‫أئمة المسلمين وتتمنى أن تخلو الرض منهم لتتهيأ لهم الفرصة لتحقيق أغراضهم‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ الفرق السلمية‪:‬‬


‫ويخصون كثيرًا من الفرق السلمية بالتكفير والطعن‪ ،‬ول سيما أهل السنة والذين يلقبونهم‬
‫حينًا بالنواصب‪ ،‬وأحيانًا بالمرجئة‪ .‬جاء في الكافي‪" :‬عن أبي مسروق قال‪ :‬سألني أبو عبد ال‬
‫[صارت الشيعة قدرية فيما بعد – كما سلف – فاللعن‬ ‫عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت‪ :‬مرجئة وقدرية‬
‫[أصول‬ ‫يشملهم‪ ،].‬وحرورية‪ .‬فقال‪ :‬لعن ال تلك الملل الكافرة المشركة التي ل تعبد ال على شيء"‬
‫الكافي‪.].409 ،2/387 :‬‬
‫ويعنون بالمرجئة أهل السنة‪ ،‬ولهذا تجد شيخهم المجلسي يشرح حديثهم الذي يقول‪" :‬اللهم‬
‫العن المرجئة فهم أعداؤنا في الدنيا والخرة" [فروع الكافي (مع شرحه مرآة العقول‪.].)4/371 :‬‬
‫ويرجح أن المراد بالرجاء في هذا النص تأخير عليّ عن الدرجة الولى إلى الدرجة الرابعة‬
‫[مرآة العقول‪.].4/371 :‬‬
‫ويكفي أن تعرف أن الزيدية وهي من الشيعة نالهم من الذم والتكفير مال يخطر بالبال‪ .‬قالوا‬
‫– مثلً – عن الزيدية عن عمر بن يزيد قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عن الصدقة على الناصب وعلى‬
‫الزيدية قال‪ :‬ل تصدّق عليهم بشيء ول تسقهم من الماء إن استطعت‪ ،‬وقال لي‪ :‬الزيدية هم‬
‫النصاب [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،199‬بحار النوار‪.].72/179 :‬‬

‫‪475‬‬
‫وفي الكافي "عن عبد ال بن المغيرة قال‪ :‬قلت لبي الحسن رضي ال عنه‪ :‬إنّ لي جارين‬
‫أحدهما ناصب والخر زيدي ول بدّ من معاشرتهما فمن أعاشر؟ فقال‪ :‬هما سيان‪ ،‬من كذب‬
‫بآية من كتاب ال فقد نبذ السلم وراء ظهره هو المكذّب بجميع القرآن والنبياء والمرسلين‪ ،‬ثم‬
‫(مع شرحه‬ ‫قال‪ :‬إنّ هذا نصب لك‪ ،‬وهذا الزّيدي نصب لنا" [الكافي‪ /‬كتاب الرّوضة‪12/304 :‬‬
‫للمازندراني)‪ ،‬مفتاح الكتب الربعة‪.]8/76 :‬‬
‫ولم يشفع للزيدية عندهم أنهم "دعوا إلى ولية علي" [بحار النوار‪ ].72/181 :‬وكانوا شيعة‪:‬‬
‫لنهم "خلطوها بولية أبي بكر وعمر" [بحار النوار‪ ].72/181 :‬وهذا عندهم ذنب ل يغفر‪ ،‬بل إن‬
‫مجرد محبة أبي بكر عندهم هي من الكفر‪ .‬جاء في البحار "عن أبي علي الخراساني عن مولى‬
‫لعليّ بن الحسين عليه السّلم قال‪ :‬كنت معه عليه السّلم في بعض خلواته فقلت‪ :‬إنّ لي عليك‬
‫[بحار‬ ‫حقّا أل تخبرني عن هذين الرّجلين‪ :‬عن أبي بكر وعمر؟ فقال‪ :‬كافران كافر من أحبّهما"‬
‫النوار‪.].138-137 /72 :‬‬
‫وعدوا مجرد العتقاد بإمامة أبي بكر وعمر من النصب الذي هو أعظم الكفر عندهم‪.‬‬
‫ولهذا قال الملجسي‪" :‬قد يطلق الناصب على مطلق المخالف غير المستضعف كما هو ظاهر‬
‫من كثير من الخبار" [مرآة العقول‪.].4/72 :‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬ل تجوز الصلة على المخالف لجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار‬
‫إمامة إل للتقية‪ ،‬فإن فعل (يعني صلى عليه تقية) لعنه بعد الرابعة" [مرآة العقول‪.].73-4/72 :‬‬
‫وقد قال المفيد بأن كل أهل البدع كفار [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ ،].15‬ولهذا عقد المجلسي بابًا‬
‫بعنوان‪" :‬باب كفر المخالفين والنصاب" [بحار النوار‪.].72/131 :‬‬
‫وقال المجلسي‪" :‬كتب أخبارنا مشحونة بالخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية‪،‬‬
‫والواقفة" [بحار النوار‪.].37/34 :‬‬
‫وهذه الفرق التي يذكر كلها شيعة‪ ،‬فما بالك بمن دونهم – في رأيهم ‪.-‬‬
‫بل إن رجال الثني عشرية يكفر بعضهم بعضًا‪ ،‬استمع إلى ما يرويه الكشي‪ ،‬ويوافقه عليه‬
‫شيخ طائفتهم الطوسي [لن رجال الكشي من اختياره وتهذيبه‪ ،].‬عن حال أصحابهم من التكفير‬
‫والختلف والتنابذ‪ ،‬حيث يقول في روايته بأنه في سنة (‪190‬ه‍) اجتمع ستة عشر رجلً في‬
‫باب أبي الحسن الثاني‪ ،‬فقال له أحدهم ويدعى جعفر بن عيسى‪" :‬يا سيدي‪ ،‬نشكو إلى ال وإليك‬
‫[هذا من اللفاظ المنهي عنها لدخولها في دائرة الشرك‪ ،‬بل يقال‪" :‬نشكو إلى ال ثم إليك" وضلل هؤلء أكبر من ذلك‪،‬‬
‫ولكن هذا لتنبيه القارئ‪ ].‬ما نحن فيه من أصحابنا‪ ،‬فقال‪ :‬وما أنتم فيه منهم؟ فقال جعفر‪ :‬هم وال‬
‫يزندقونا ويكفرونا ويتبرؤون منا‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا كان أصحاب علي بن الحسين‪ ،‬ومحمد بن علي‪،‬‬
‫‪476‬‬
‫وأصحاب جعفر‪ ،‬وموسى‪ :‬صلوات ال عليهم‪ ،‬ولقد كان أصحاب زرارة يكفرون غيرهم‪،‬‬
‫[رجال‬ ‫وكذلك غيرهم كانوا يكفرونهم‪ "..‬وقال يونس‪" :‬جعلت فداك إنهم يزعمون أنا زنادقة"‬
‫الكشي‪ :‬ص ‪.].499-498‬‬
‫وهذا حال "رعيلهم الول" الذين ينتسبون زورًا لهل البيت‪ ،‬فما حال من بعدهم؟!‬

‫‪ 8‬ـ المة كلها‪:‬‬


‫ولعن المة السلمية وتكفيرها مما استفاض في كتب الشيعة‪ ،‬ولذلك فإن أدعية الزيارة‬
‫والمشاهد التي يلهج بها الشيعة ويرددونها ل تخلو من لعن لهذه المة المباركة الوسط‪.‬‬
‫ففي زيارة أمير المؤمنين علي يقولون‪" :‬لعن ال من خالفك‪ ،‬ولعن ال من افترى عليك‬
‫[الظلم والغضب عندهم هو تولية أبي بكر وعمر وعثمان الخلفة (انظر‬ ‫وظلمك‪ ،‬ولعن ال من غصبك‬
‫[أي من رضي بخلفة أبي‬ ‫العتقادات لبن بابويه ص ‪ ،].)113-112‬ولعن ال من بلغه ذلك فرضي به‬
‫بكر لنه رضي – بزعمهم – بالظلم والغصب‪ ،‬فيشمل جميع أمة محمد ما عدا غلة الشيعة‪ ،].‬أنا إلى ال منهم‬
‫[الولية لعلي ممتدة‬ ‫بريء‪ ،‬لعن ال أمة خالفتك [بتوليتها لبي بكر‪ ].‬وأمة جحدتك‪ ،‬وجحدت وليتك‬
‫عندهم منذ وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمن أقر بخلفة الثلثة فقد جحد الولية‪( .‬انظر‪ :‬الرشاد للمفيد ص‬
‫‪ ،].)12‬وأمة تظاهرت عليك‪ ،‬وأمة حادت عنك وخذلتك‪ ،‬الحمد ل الذي جعل النار مثواهم وبئس‬
‫الورد المورد‪ ،‬وبئس ورد الواردين‪ ..‬اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة‪ ،‬واللت‬
‫[الجوابيت‪ ..‬إلخ هم في اعتقادهم خلفاء المسلمين ول سيما الخلفاء الثلثة‪،‬‬ ‫والعزى‪ ،‬وكل ند يدعى دون ال‬
‫والخلفاء المويون‪ ،‬والند الذي يدعى من دون ال هو المام الذي يبايع دون أئمتهم الثني عشر (انظر‪ :‬عقيدتهم في‬
‫توحيد اللوهية)‪ ،].‬وكل مفتر‪ ،‬اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم‪ ،‬وأولياءهم‪ ،‬وأعوانهم‪ ،‬ومحبيهم لعنًا‬
‫كثيرًا" [ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪..].2/354 :‬‬
‫وهذه اللعنات التي تجري على ألسنة هؤلء مكان التسبيح والتهليل لها آثارها في تعبئة‬
‫نفوسهم حقدًا وكراهية للمة ودينها‪..‬‬
‫والمة عند هؤلء الروافض لها ألقاب وشناعات وخواص ل توجد في كتب طائفة من‬
‫الطوائف‪ ،‬ل لشيء إل لن المة ارتضت من رضيه الصحابة والمهاجرون لهم خليفة‪.‬‬
‫[قالوا بأنه يحضر المولود أحد الشياطين‬ ‫فهي أحيانًا تقذف المة السلمية جميعًا وتتهمها بالفجور‬
‫ليتولى الفجور به‪ ،‬ول يسلم من ذلك إل شيعتهم‪ ،‬وقد مضى ذكر نصوصهم في ذلك ص‪ 460:‬هامش‪ ،].4 :‬وحينًا‬
‫[قالوا‪ :‬إن الناس كلهم أولد بغايا ما عدا شيعتنا‪ ،‬وقد مضى تخريج ذلك من كتبهم‬ ‫تدعي بأنهم كلهم أولد زنا‬
‫ص‪ 460:‬هامش‪ ،].4 :‬ولذلك فإنهم يوم القيامة يظهرون على حقيقتهم فيدعون بأسماء أمهاتهم‬

‫‪477‬‬
‫[وهذا أحد عناوين بحار النوار‪ ،].7/237 :‬ومرة تقول بأنهم خلق منكوس وهم ليسوا من البشر‪ ،‬بل‬
‫[ومن شواهد ذلك "عن أبي بصير قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬أنا مولك ومن‬ ‫هم قردة وكلب وخنازير‬
‫شيعتك‪ ،‬ضعيف البصر‪ ،‬اضمن لي الجنة‪ .‬قال‪ :‬أول أعطيك علمة الئمة؟ قلت‪ :‬وما عليك أن تجمعها لي؟ قال‪:‬‬
‫وتحب ذلك؟ قلت‪ :‬كيف ل أحب؟ فما زاد أن مسح على بصير فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالسًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا أبا محمد هذا بصرك‪ ،‬فانظر ما ترى بعينك‪ ،‬قال‪ :‬فوال ما أبصرت إل كلبًا وخنزيرًا وقدرًا‪ ،‬قلت‪ :‬ما هذا‬
‫الخلق الممسوخ؟ قال‪ :‬هذا الذي ترى‪ ،‬هذا السواد العظم‪ ،‬ولو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إل‬
‫في هذه الصورة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على ال‪ ،‬وإن أحببت ضمنت لك على‬
‫ال الجنة ورددتك على حالك الول‪ ،‬قلت‪ :‬ل حاجة في إلى النظر إلى هذا الخلق المنكوس‪ ،‬ردني فما للجنة عوض‪،‬‬
‫فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت" (بحار النوار‪ ،27/30 :‬وعزاه إلى الخرائج والجرائح للراوندي)‪.‬‬
‫فانظر إلى هذه المخاريق التي ل تشيع إل في مجتمعات السحرة والمشعوذين‪ ،‬وانظر إلى دعواهم أن الئمة‬
‫خ ُرجُ ِمنْ َأفْوَاهِهِ ْم إِن َيقُولُونَ إِل‬
‫يملكون الضمان بالجنة‪ ،‬ثم زعمهم بأن كل الناس كلب وخنازير { َك ُب َرتْ َكلِمَ ًة تَ ْ‬
‫كَ ِذبًا}‪ ،].‬ولهم أقوال ولعنات في المة كثيرة منكرة‪.‬‬
‫هذه نصوص الثني عشرية لم تدع أحدًا من أمة محمد صلى ال عليه وسلم إل وتناولته‬
‫بالطعن والتكفير‪ ،‬وخصت بذلك صحابة رسول ال من المهاجرين والنصار وأهل البيت‬
‫النبوي‪ ،‬والمصار السلمية وأهلها‪ ،‬والفرق السلمية‪ ،‬وأمة محمد وتلعن الجميع في دعواتها‬
‫وصلواتها وزياراتها‪ ،‬فهل استثنت الشيعة أحدًا؟ نعم‪ ،‬إنها استثنت الفئة التالية ودافعت عنهم‬
‫وأثنت عليهم‪.‬‬

‫الفئة التي تستثنيها الشيعة من عموم اللعن والتكفير للمة‪:‬‬


‫وإذا كفرت الثنا عشرية الصحابة والقرابة‪ ،‬والخلفاء‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والئمة والفرق السلمية‬
‫بما فيها فرق من الشيعة‪ .‬فمن تثني عليه؟‬
‫لقد رأيتها تثني على أقزام التاريخ‪ ،‬وحثالة البشر‪ ،‬بل تمدح وتدافع عن الكفرة الملحدين‪،‬‬
‫والزنادقة والمنافقين‪( ،‬والرواح جنود مجندة‪ ،‬فما تعارف منها ائتلف)‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬عبد ال العليلي‪ /‬المام الحسين‪ ،‬مقدمة‬ ‫فهي تدافع عن المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب‬
‫الطبعة الثانية‪ :‬ص ‪ ،19 ،4 ،3‬وراجع‪ :‬المنتقى‪ :‬ص ‪ ،].273-271‬وعن الزنادقة‪ :‬كالمختار بن أبي‬
‫عبيد [انظر‪ :‬ابن إدريس‪ /‬السرائر‪ :‬ص ‪ ،475‬وانظر‪ :‬حسين البرقي‪ /‬تاريخ الكوفة‪ :‬ص ‪ ،].62‬والنصير‬
‫الطوسي [انظر‪ :‬الخوانساري‪ /‬روضات الجنات‪ ،301-6/300 :‬الخميني‪ /‬الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪،].128‬‬
‫وعن الكذابين والمفترين كجابر الجعفي [انظر‪ :‬ص(‪ )378-375‬من هذه الرسالة‪ ،].‬وزرارة بن أعين‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )382-378‬من هذه الرسالة‪ ،].‬وعن المجوس الحاقدين مثل أبي لؤلؤة المجوسي – قاتل‬
‫[عباس القمي‪ /‬الكنى واللقاب‪:‬‬ ‫عمر بن الخطاب رضي ال عنه – حتى إنها تسميه بابا شجاع الدين‬
‫‪478‬‬
‫‪ ،2/55‬وتعد يوم مقتل عمر رضي ال عنه من أعظم أعيادها‪ ،‬وتقول‪" :‬إن هذا يوم عيد وهو من خيار العياد" انظر‬
‫وما بعدها‪ ،‬فصل "نور سماوي يكشف عن ثواب يوم قتل‬ ‫أخبارهم في ذلك في النوار النعمانية للجزائري‪1/108 :‬‬
‫عمر بن الخطاب"‪ ،‬وهذا اعتقادهم في عظيم السلم وفاروق هذه المة‪ ،‬وسبب هذا الحق أنه هو الذي فتح بلد فارس‬
‫وأخضعها لحكم السلم‪ ،‬ولذلك عظموا قاتله ويوم مقتله‪.].‬‬
‫كما تتلقى دينها عن الكفرة الذين يعتقدون في كتاب ال النقص والتحريف وفي صحابة رسول‬
‫ال الكفر والردة‪ :‬كإبراهيم القمي‪ ،‬والكليني وأمثالهما وتجعل منهم ثقات دينها‪ ،‬وعمدة رواياتها‪.‬‬
‫النقد‪:‬‬
‫هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد هل يحتاج إلى نقد؟ إن بطلنه أوضح من أن‬
‫يبين‪ ،‬وكذبه أجلى من أن يكشف‪ ،‬وتكفير المة امتداد لتكفير الصحابة‪ ،‬والسبب واحد ل يختلف‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن من يحقد على صحابة رسول ال ويسبهم ويكفرهم يحقد على المة جميعًا‬
‫ويكفرها‪ ،‬كما قال بعض السلف‪" :‬ل يغلّ قلب أحد على أحد من أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل كان قلبه على المسلمين أغلّ" [البانة لبن بطّة‪ :‬ص ‪ ].41‬فإذا لم يرض عن أبي بكر‬
‫وعمر وعثمان‪ ،‬وأهل بدر وبيعة الرضوان‪ ،‬والمهاجرين والنصار وهم في الذروة من الفضل‬
‫والحسان‪ ،‬فهل يرضى بعد ذلك عن أحد بعدهم؟!‬
‫ومبنى هذا الموقف هو دعوى الروافض أن الصحابة رضوان ال عليهم أنكروا النص على‬
‫إمامة علي وبايعوا أبا بكر‪ ،‬وقد مضى بيان بطلن النص بالنقل والعقل وبالمور المتواترة‬
‫المعلومة‪ .‬وما بني على الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫ولقد كان حكمهم بردة ذلك "الجيل القرآني الفريد" من الظواهر الواضحة على بطلن مذهب‬
‫الرفض من أساسه‪ ،‬وأنه إنما وضع أصوله شرذمة من الزنادقة‪ ،‬وبطلن هذه المقالة معروف‬
‫بداهة‪ ،‬ولذلك قال أحمد الكسروي (اليراني والشيعي الصل) ‪" :‬وأما ما قالوا من ارتداد‬
‫المسلمين بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان‪ ،‬فلقائل أن‬
‫يقول‪ :‬كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي آمنوا به حين كذبه الخرون‪ ،‬ودافعوا عنه‬
‫واحتملوا الذى في سبيله ثم ناصروه في حروبه‪ ،‬ولم يرغبوا عنه بأنفسهم‪ ،‬ثم أي نفع لهم في‬
‫خلفة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لجله؟! فأي المرين أسهل احتمالً‪ :‬أكذب رجلً أو رجلين‬
‫من ذوي الغراض الفاسدة‪ ،‬أو ارتداد بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم‬
‫جواب" [التشيع والشيعة‪ :‬ص ‪.].66‬‬
‫ومع وضوح بطلن مذهبهم – كما ترى – لمخالفته للشرع والعقل والتاريخ‪ ،‬وما علم من‬
‫السلم بالضرورة‪ ،‬فإنه لبد من وقفة ولو سريعة في الرد عليه؛ لنه وجد في الماضي ويوجد‬

‫‪479‬‬
‫اليوم من يتجاهل الدلئل والبراهين في ذلك‪ ،‬وحسبك أن تعرف أن أحد آيات الشيعة في هذا‬
‫[انظر – مثلً‬ ‫العصر‪ ،‬ومن يرفع شعار الوحدة السلمية‪ ،‬ويرددها في نشراته وخطبه ورحلته‬
‫‪ :-‬السلم فوق كل شيء‪ :‬ص ‪ ].65‬وهو شيخهم محمد الخالصي قد كتب رسالة للشيخ محمد بهجة‬
‫البيطار في تاريخ ‪ 26‬ربيع الول سنة ‪1382‬ه‍ يقول فيها‪:‬‬
‫"لم أذكر الصحابة بخير لني ل أريد أن أتعرض لعذاب ال وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته‬
‫في مدح من ذمه الكتاب والسنة‪ ،‬والطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد‪ ،‬والحاديث‬
‫المتواترة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو أن كتاب ال وسنته لم‬
‫[رسالة السلم والصحابة الكرام بين السنة‬ ‫تذكر الصحابة بخير‪ ،‬ول تدل على فضل لهم لنهم صحابة"‬
‫والشيعة للشيخ محمد بهجة البيطار‪ :‬ص ‪.].6‬‬
‫فالخالصي هنا ل يذكر الصحابة بخير مع تواتر النصوص في فضلهم‪ ،‬ولكنه يقول عن‬
‫أئمته‪ :‬إن "الئمة الثني عشر أركان اليمان ول يقبل ال تعالى العمال من العباد إل بوليتهم"‬
‫[الخالصي‪ /‬العتصام بحبل ال‪ :‬ص ‪ ].43‬مع أن الثني عشر ل ذكر لهم ول لمامتهم أصلً في كتاب‬
‫ال سبحانه‪ .‬فانظر كيف يكذبون بالحقائق الواضحات‪ ،‬ويصدقون بالكذب الصريح‪.‬‬
‫وإذا كان المر وصل إلى هذا الحد فإننا نسوق الدلة والبراهين على نقض مذهب الرافضة‪،‬‬
‫وبيان فضل الصحابة من الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال الئمة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمور المعلومة‬
‫المتواترة‪ ..‬ونكشف – من خلل كتب الشيعة نفسها – مؤسس وواضع هذه العقيدة في المذهب‬
‫الشيعي‪.‬‬
‫وهو بالتالي نقض لمذهبهم في تكفير المة جميعًا‪ ،‬لن السبب الذي كفروا به الصحابة هو‬
‫السبب بعينه الذي كفروا به سائر المسلمين‪ ،‬ولكن الصحابة – رضوان ال عليهم – يختصون‬
‫بالمزيد من السب واللعن والتكفير قديمًا وحديثًا بهدف إبطال الشريعة التي ينقلونها للمة‪.‬‬

‫أ ـ القرآن الكريم‪:‬‬
‫لقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عنهم‪ ،‬وأثنى ال عليهم في آيات كثيرة جلية‬
‫واضحة‪ ،‬ل نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن بالثني‬
‫عشر‪.‬‬
‫خرِجَتْ لِلنّاسِ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].110 :‬‬
‫خ ْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْ‬
‫ـ قال جل شأنه ‪{ :‬كُنتُمْ َ‬

‫‪480‬‬
‫"وكفى فخرًا لهم أن ال تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس‪ ،‬فإنهم أول داخل في هذا‬
‫الخطاب‪ ،‬ول مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم ال عز وجل لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫ونصرته" [ابن حجر الهيثمي‪ /‬الصواعق المحرقة‪ :‬ص ‪.].7‬‬
‫ولهذا جاء تأويلها عن السلف بأقوال "مقتضاها أن الية نزلت في الصحابة‪ ،‬قال ال لهم كنتم‬
‫[ابن عطية‪ /‬المحرر الوجيز‪ ،3/193 :‬ولهذا قال علمة الشيعة الزيدية محمد بن إبراهيم الوزير بعدما‬ ‫خير أمة"‬
‫ذكر من أحوال أولئك الصحب العظام ما لم تر أمة من أمم الرض مثله‪ .‬قال‪" :‬وهذه الشياء تنبه الغافل‪ ،‬وتقوي‬
‫ت لِلنّاسِ} كفاية وغنية" (الروض الباسم‪،57-1/56 :‬‬
‫خرِجَ ْ‬
‫خ ْيرَ أُمّ ٍة أُ ْ‬
‫بصيرة العاقل‪ ،‬وإل ففي قوله تعالى‪{ :‬كُنتُمْ َ‬
‫وانظر‪ :‬محب الدين الخطيب‪ /‬الجيل المثالي‪ :‬ص ‪.].)19‬‬
‫حسَانٍ‬
‫جرِينَ وَالَنصَارِ وَالّذِينَ ا ّتبَعُوهُم بِإِ ْ‬
‫ـ وقال سبحانه‪{ :‬وَالسّابِقُونَ ا َلوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَا ِ‬
‫ح َتهَا ا َل ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا ذَلِكَ الْ َف ْوزُ‬
‫جرِي تَ ْ‬
‫جنّاتٍ تَ ْ‬
‫عنْهُ وََأعَدّ َل ُهمْ َ‬
‫عنْهُمْ َورَضُواْ َ‬
‫ّرضِيَ الّلهُ َ‬
‫الْعَظِيمُ} [التّوبة‪ :‬آية‪.].100 :‬‬
‫فالية صريحة الدللة على رضاء ال سبحانه عن المهاجرين والنصار‪ ،‬والتابعين لهم‬
‫بإحسان‪ ،‬وتبشيرهم بالفوز العظيم‪ ،‬والخلود في جنات النعيم‪ ،‬ولهذا قال ابن كثير عند هذه الية‪:‬‬
‫"فيا ويل من أبغضهم أو سبهم‪ ،‬أو أبغض أو سب بعضهم ول سيما سيد الصحابة بعد الرسول‬
‫وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الكبر والخليفة العظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي ال عنه‪،‬‬
‫[بل تجاوزوا‬ ‫فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم‬
‫مرحلة السب إلى الحكم بالردة والتكفير‪ ،].‬عياذًا بال من ذلك‪ .‬وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة‪،‬‬
‫[تفسير ابن كثير‪:‬‬ ‫وقلوبهم منكوسة‪ ،‬فأين هؤلء من اليمان بالقرآن‪ ،‬إذ يسبون من رضي ال عنهم"‬
‫‪.].2/410‬‬
‫جرَةِ فَ َعلِمَ مَا فِي‬
‫ك تَحْتَ الشّ َ‬
‫ضيَ الّلهُ عَنِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ‬
‫ـ وقال سبحانه‪{ :‬لَقَدْ َر ِ‬
‫قُلُو ِبهِمْ فَأَن َزلَ السّكِي َنةَ عَ َل ْيهِمْ وََأثَا َبهُمْ َفتْحًا َقرِيبًا} [الفتح‪ ،‬آية‪.].18 :‬‬
‫قال ابن حزم‪" :‬فمن أخبرنا ال سبحانه أنه علم ما في قلوبهم‪ ،‬ورضي عنهم‪ ،‬وأنزل السكينة‬
‫عليهم فل يحل لحد التوقف في أمرهم ول الشك فيهم البتة" [الفصل‪.].4/225 :‬‬
‫[التّنعيم‪ :‬على ثلثة أميال أو أربعة من مكّة‬ ‫"والذين بايعوا تحت الشّجرة بالحديبيّة عند جبل التّنعيم‬
‫ن على يمينه جبل نعيم كزبير‪ ،‬وعلى يساره جبل ناعم‪ ،‬والوادي اسمه نعمان بالفتح‪( .‬انظر‪ :‬تاج‬
‫المشرّفة‪ ،‬سمّي به ل ّ‬
‫العروس‪ ،‬مادّة "نعم"‪ ،‬ومعجم البلدان‪ ،‬لفظ "تنعيم")‪ ].‬كانوا أكثر من ألف وأربعمائة‪ ،‬بايعوه لما صده‬
‫المشركون عن العمرة [منهاج السنة‪( 16-2/15 :‬تحقيق د‪ .‬رشاد سالم)‪...].‬‬

‫‪481‬‬
‫وهؤلء كما يقول شيخ السلم ابن تيميّة هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال‬
‫عنهم [منهاج السّنّة‪.].1/206 :‬‬
‫ولقد خاب وخسر من رد قول ربه أنه رضي عنه المبايعين تحت الشجرة‪ ..‬وقد علم كل أحد‬
‫له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وطلحة والزبير وعمارًا والمغيرة بن شعبة رضي‬
‫ال عنهم من أهل هذه الصفة‪ ،‬وقد انتظمت الخوارج والروافض البراءة منهم خلفًا ل عز وجل‬
‫وعنادًا [الفصل‪.].4/226 :‬‬
‫حمَاء َبيْ َنهُ ْم َترَاهُمْ رُكّعًا‬
‫حمّدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَالّذِينَ مَ َعهُ َأشِدّاء عَلَى الْكُفّارِ رُ َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬مّ َ‬
‫ك َمثَُلهُمْ فِي‬
‫ل مّنَ الّلهِ َو ِرضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِم مّنْ َأثَرِ السّجُودِ َذلِ َ‬
‫سُجّدًا َي ْبتَغُونَ َفضْ ً‬
‫علَى سُوقِ ِه يُعْجِبُ‬
‫ستَغَْلظَ فَاسْ َتوَى َ‬
‫طأَهُ فَآ َزرَهُ فَا ْ‬
‫خ َرجَ شَ ْ‬
‫ال ّت ْورَاةِ َو َمثَُلهُمْ فِي الِنجِيلِ َك َزرْعٍ َأ ْ‬
‫عظِيمًا}‬
‫جرًا َ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْنهُم مّغْ ِفرَةً وََأ ْ‬
‫ال ّزرّاعَ ِليَغِيظَ بِهِمُ ا ْلكُفّارَ َوعَدَ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا َو َ‬
‫[الفتح‪ ،‬آية‪.].29 :‬‬
‫فانظر إلى عظيم مقام الصحابة‪ ،‬حيث أثنى ال عليهم بهذه الوصاف‪ ،‬وأخبر أن صفتهم‬
‫مذكورة في التوراة والنجيل‪ ،‬حتى ذكر بعض أهل العلم أنّ ظاهر هذه الية يُوجب أنّ‬
‫ظ ِبهِمُ الْكُفّارَ}‪،‬‬
‫الرّوافض كفّار؛ لنّ في قلوبهم غيظًا من الصّحابة وعداوة لهم‪ ،‬وال يقول‪ِ { :‬ليَغِي َ‬
‫[انظر‪ :‬السفراييني‪ /‬التّبصير في الدّين‪ :‬ص ‪،25‬‬ ‫فبيّن أنّ من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفّار‬
‫تفسير ابن كثير‪ ،4/219 :‬تفسير القاسمي‪.].15/104 :‬‬
‫ج ًة مّنَ الّذِينَ‬
‫عظَمُ َدرَ َ‬
‫ق مِن َق ْبلِ الْ َف ْتحِ َوقَا َتلَ ُأوْ َلئِكَ أَ ْ‬
‫س َتوِي مِنكُم مّنْ أَنفَ َ‬
‫ـ وقال تعالى‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫حسْنَى} [الحديد‪ ،‬آية‪.].10 :‬‬
‫أَنفَقُوا مِن بَ ْعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلً وَعَدَ الّلهُ ا ْل ُ‬
‫ع ْنهَا‬
‫حسْنَى ُأوْ َلئِكَ َ‬
‫سبَقَتْ َلهُم مّنّا ا ْل ُ‬
‫وقد حكم ال لمن وعد بالحسنى بقوله‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫ح ُز ُنهُمُ ا ْل َفزَعُ ا َل ْك َبرُ}‬
‫سهُمْ خَالِدُونَ‪ ،‬ل يَ ْ‬
‫ش َتهَتْ أَن ُف ُ‬
‫سهَا وَهُمْ فِي مَا ا ْ‬
‫حسِي َ‬
‫سمَعُونَ َ‬
‫مُبْعَدُونَ ‪ ،‬ل يَ ْ‬
‫[النبياء‪ ،‬آية‪.].103 ،102 ،101 :‬‬
‫فجاء النص أن من صحب النبي صلى ال عليه وسلم فقد وعده ال تعالى بالحسنى‪ ،‬وقد نص‬
‫خِلفُ ا ْلمِيعَادَ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ].9 :‬وصح بالنص أن كل من سبقت له من‬
‫ال سبحانه‪{ :‬إِنّ الّلهَ َل يُ ْ‬
‫ال تعالى الحسنى‪ ،‬فإنه مبعد عن النار ل يسمع حسيسها‪ ،‬وهو فيما اشتهى خالد ل يحزنه الفزع‬
‫الكبر‪ ..‬وليس المنافقون ول سائر الكفار من أصحابه صلى ال عليه وسلم [المحلى‪.].1/42 :‬‬
‫خرِجُوا مِن دِيارِ ِهمْ وََأ ْموَا ِلهِمْ يَ ْبتَغُونَ َفضْلً مّنَ‬
‫جرِينَ الّذِينَ ُأ ْ‬
‫ـ وقال سبحانه‪{ :‬لِلْفُ َقرَاء ا ْلمُهَا ِ‬
‫ن َت َب ّوؤُوا الدّارَ وَالِيمَانَ مِن‬
‫الّلهِ َو ِرضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الّلهَ َورَسُو َلهُ ُأ ْوَلئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ‪ ،‬وَالّذِي َ‬
‫سهِمْ‬
‫علَى أَن ُف ِ‬
‫ج ًة ّممّا أُوتُوا َو ُيؤْ ِثرُونَ َ‬
‫جرَ إِ َل ْيهِمْ وَل يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ‬
‫ن مَنْ هَا َ‬
‫حبّو َ‬
‫َقبْ ِلهِ ْم يُ ِ‬
‫‪482‬‬
‫سهِ َفُأوْ َلئِكَ هُمُ ا ْلمُفْلِحُونَ‪ ،‬وَالّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ‬
‫ح نَفْ ِ‬
‫شّ‬‫صةٌ َومَن يُوقَ ُ‬
‫خصَا َ‬
‫وَ َلوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬
‫ج َعلْ فِي ُقلُوبِنَا غِلً لّلّذِينَ آ َمنُوا‬
‫سبَقُونَا بِالِيمَانِ وَل تَ ْ‬
‫خوَا ِننَا الّذِينَ َ‬
‫يَقُولُونَ َر ّبنَا اغْ ِفرْ َلنَا وَلِ ْ‬
‫َربّنَا ِإنّكَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ} [الحشر‪ ،‬اليات‪.].10 ،9 ،8 :‬‬
‫وهذه اليات تتضمّن الثّناء على المهاجرين والنصار‪ ،‬وعلى الذين جاءوا من بعدهم‬
‫يستغفرون لهم‪ ،‬ويسألون ال أل يجعل في قلوبهم غلّ لهم‪ ،‬وتتضمّن أنّ هؤلء الصناف هم‬
‫المستحقّون للفيء‪.‬‬
‫ول ريب أن هؤلء الرّافضة خارجون من الصناف الثلثة‪ ،‬فإنهم لم يستغفروا للسّابقين‪،‬‬
‫وفي قلوبهم غلّ عليهم‪ .‬ففي اليات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم‬
‫وإخراج الرافضة من ذلك‪ ،‬وهذا ينقض مذهب الرافضة [منهاج السنة‪.].1/204 :‬‬
‫[وحبذا لو قام أحد طلبة قسم القرآن وعلومه بتسجيل موضوع في "الصحابة في‬ ‫واليات في هذا الباب كثيرة‬
‫القرآن الكريم" لظهار عظيم ثناء ال على هذا الجيل القرآني الفريد‪.].‬‬

‫ب ـ السنة المطهرة‪:‬‬
‫وكتب السنة مليئة بالثناء على الصحب‪ ،‬وبيان فضلهم عن سيد الخلق صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪1‬ـ فنصوص تثني عليهم جميعًا كقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تسبّوا أصحابي‪ ،‬ل تسبّوا‬
‫أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل ُأحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ول نصيفه"‬
‫[أخرجه البخاري‪ ،‬باب فضائل أصحاب النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ .4/195‬ومسلم‪ ،‬واللّفظ له‪ ،‬في كتابه فضائل‬
‫الصّحابة‪ ،‬باب تحريم سبّ الصّحابة رضي ال عنهم‪( 2/1967 :‬ح ‪ ،)2540‬وأبو داود في كتاب السّنّة‪ ،‬باب في‬
‫ب أصحاب رسول ال‪( 5/45 :‬ح ‪ ،)4658‬والتّرمذي في كتاب المناقب‪ ،‬باب ‪696-5/695 :59‬‬ ‫النّهي عن س ّ‬
‫(ح ‪.].)3861‬‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬خير النّاس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،»،‬قال‬
‫[أخرجه البخاري‪ ،3/151 :‬في كتاب الشّهادات‪ ،‬باب ل‬ ‫عمران‪ :‬فل أدري أذكر بعد قرنه قرني أو ثلثة"‬
‫يشهد على شهادة جور إذا شهد‪ ..‬واللّفظ له‪ ،‬ومسلم بنحوه في كتاب فضائل الصّحابة‪ ،‬باب فضل الصّحابة ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪( 2/1962 :‬ح ‪.].)2533‬‬
‫‪2‬ـ ونصوص تثني على جماعات منهم على سبيل التعيين كأهل بدر‪ ،‬وقد قال فيهم صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .." :‬وما يدريك لعلّ ال اطّلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"‬
‫[أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصّحابة‪ ،‬باب من فضائل أهل بدر‪( 2/1941 :‬ح ‪.].)2494‬‬
‫وأصحاب الشّجرة أهل بيعة الرّضوان‪ ،‬وقد قال فيهم صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يدخل النّار –‬
‫[أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصّحابة‪ ،‬باب‬ ‫إن شاء ال – من أصحاب الشّجرة أحد‪ ،‬الذين بايعوا تحتها"‬

‫‪483‬‬
‫[راجع‪ :‬جامع الصول‪ ،‬الباب الرّابع في‬‫من فضائل أصحاب الشّجرة‪( 2/1942 :‬ح ‪ .].)2496‬وغيرهما‬
‫فضائل الصّحابة ومناقبهم‪ ،‬وفيه خمسة فصول‪ 8/547 :‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬فضائل الصّحابة للمام أحمد‪ ،‬وفضائل‬
‫الصّحابة للنّسائي‪ ،‬وانظر‪ :‬الشّوكاني‪ /‬درّ السّحابة في مناقب القرابة والصّحابة‪ ،‬الكبيسي‪ /‬صحابة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم في الكتاب وال ّسنّة‪ :‬ص ‪.].161‬‬
‫‪3‬ـ ونصوص تثني على آحادهم وهي كثيرة ذكرتها كتب الصحاح‪ ،‬والسنن والمسانيد‪.‬‬

‫ولكن الشيعة قد رضيت لنفسها أن تنأى عن هذا المورد العظيم فهي ل تعرج في مقام‬
‫الستدلل عليها‪ ،‬ول تحتج بها‪ ،‬ول معنى لحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم ل يصدقونها‪ ،‬كما أنه‬
‫ل معنى لحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن ل نصدقها‪ ،‬وإنما ينبغي أن يحتج الخصوم بعضهم‬
‫[الفصل‪:‬‬ ‫على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به‪ ،‬سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه‬
‫‪.].4/159‬‬
‫ولذا أكتفي في هذا المقام بالحالة على الكتب المهات في أبواب فضائل الصحابة؛ ففيها‬
‫أحاديث كثيرة في فضل الصحابة والثناء عليهم‪ ،‬والنهي عن سبهم وأقيم عليهم الحجة من كتبهم‬
‫أيضًا‪ ،‬من أقوال الئمة التي يعدونها كأحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ج‍ ـ ثناء الئمة على الصحابة رضوان ال عليهم‪:‬‬


‫في الخصال لبن بابويه القمي‪ « :‬عن أبي عبد ال قال‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫[هذا من وضع الجهّال‪ ،‬فعدد الصّحابة الذين شهدوا معه صلى ال عليه وسلم حنينًا‬ ‫عليه وسلم اثني عشر ألفًا‬
‫اثنا عشر ألفًا سوى التباع والنّساء‪ ،‬وجاءت إليه هوازن مسلمين‪ ،‬وترك مكّة مملوءة ناسًا‪ ،‬وكذلك المدينة أيضًا‪ ،‬وكلّ‬
‫من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين‪ ،‬فهؤلء كلّهم لهم صحبة‪ ،‬وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما ل‬
‫يحصيهم ديوان‪ ،‬وكذلك حجّة الوداع وكلّهم له صحبة‪( .‬ابن الثير‪ /‬أسد الغابة‪.)1/12 :‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن رآه وسمع منه زيادة عن مائة ألف إنسان من رجل وامرأة‪.‬‬
‫قال أبو زرعة‪ :‬توفي النّب ّ‬
‫(تدريب الرّاوي‪ ،2/221 :‬الصابة‪ :‬ص ‪ ،4‬الذهبي‪ /‬تجريد أسماء الصّحابة صلى ال عليه وسلم‪ :‬ص(ب)‪ ،‬والمعتمد‬
‫أنّه ليس هناك تحديد ثابت لهم‪ .‬انظر‪ :‬السّخاوي‪ /‬فتح المغيث‪ ،].)3/111 :‬ثمانية آلف في المدينة وألفان من‬
‫أهل مكّة‪ ،‬وألفان من الطّلقاء‪ ،‬لم يرد فيهم قدري‪ ،‬ول مرجئ‪ ،‬ول حروري‪ ،‬ول معتزلي‪ ،‬ول‬
‫[ابن بابويه القمي‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،640-639‬وانظر‪:‬‬ ‫صاحب رأي‪ ،‬كانوا يبكون اللّيل والنّهار »‬
‫المجلسي‪ /‬البحار‪.].22/305 :‬‬

‫وفي البحار للمجلسي‪:‬‬

‫‪484‬‬
‫عن الصّادق عن آبائه عن علي عليه السّلم قال‪" :‬أوصيكم بأصحاب نبيّكم ل تسبّوهم‪ ،‬الذين‬
‫[المجلسي‪ :‬البحار‬ ‫لم يحدثا بعده حدثًا ولم يؤووا مُح ِدثًا‪ ،‬فإنّ رسول ال أوصى بهم الخير"‬
‫‪.].306-22/305‬‬
‫وفي البحار أيضًا‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬طوبى لمن رآني‪ ،‬وطوبى لمن رأى من‬
‫رآني‪ ،‬وطوبى لمن رأى من رأى من رآني" [أمالي الصدوق‪ ،241-240 :‬بحار النوار‪.].22/305 :‬‬
‫وعن موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنا أمنة‬
‫لصحابي‪ ،‬فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون‪ ،‬وأصحابي أمنة لمّتي‪ ،‬فإذا قبض أصحابي‬
‫دنا من أمّتي ما يوعدون‪ ،‬ول يزال هذا الدّين ظاهرًا على الديان كلّها ما دام فيكم من قد رآني"‬
‫[المجلسي‪ /‬البحار‪ ،310-309 /22 :‬وعزاه إلى نوادر الرّواندي‪ :‬ص ‪.].23‬‬
‫وفي معاني الخبار لشيخهم ابن بابويه القمي (الصدوق) ‪" :‬عن جعفر بن محمد عن آبائه‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما وجدتم في كتاب ال عز وجل فالعمل‬
‫لكم به‪ ،‬ل عذر لكم في تركه‪ ،‬وما لم يكن في كتاب ال عز وجل‪ ،‬وكانت فيه سنة مني فل عذر‬
‫لكم في ترك سنتي‪ ،‬وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به‪ ،‬فإنما مثل أصحابي‬
‫فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي‪ ،‬وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم (ثم زاد دعاة التفرقة‬
‫[ابن بابويه‪/‬‬ ‫على هذا النص الزيادة التالية) فقيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ومن أصحابك؟ قال‪ :‬أهل بيتي"‬
‫معاني الخبار‪ ،157-156 :‬المجلسي‪ /‬البحار‪.].307 :‬‬
‫ول شك أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جدًا‪ ،‬وقد لحظ صدوقهم هذا البعد فعقب‬
‫على النص السالف بقوله‪" :‬إن أهل البيت ل يختلفون‪ ،‬ولكن يفتون الشيعة بمر الحق‪ ،‬وربما‬
‫[ابن بابويه‪ /‬معاني الخبار‪:‬‬ ‫أفتوهم بالتقية‪ ،‬فما يختلف من قولهم فهو للتقية‪ ،‬والتقية رحمة للشيعة"‬
‫‪ ،157-156‬المجلسي‪ /‬البحار‪.].307 :‬‬
‫فهو هنا يحمل "النص الذي يثني على الصحابة" على التقية‪ ،‬والعقل والمنطق يعترض على‬
‫هذا "التأويل" فلم يكون الثناء على الصحابة الذي أثنى عليهم ال ورسوله‪ ،‬وشهد التاريخ بفضلهم‬
‫وجهادهم تقية‪ ،‬ويكون السب لهم هو الحقيقة وهو مذهب الئمة؟ إنه ل دليل لهم على هذا‬
‫المذهب سوى أنه يتمشى مع منطق أعداء المة‪.‬‬
‫ثم إن النص السابق يرويه "جعفر الصادق" عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهل رسول‬
‫ال يكذب على المة – تقية – أو أن جعفرًا يكذب على رسول ال من أجل التقية؟! وكل‬
‫المرين طعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم وأهل بيته ومخالفة صريحة للنصوص‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫وفي نهج البلغة يقول علي رضي ال عنه في أبي بكر أو عمر رضي ال عنهما على‬
‫اختلف بين شيوخ الشيعة في ذلك [انظر‪ :‬ميثم البحراني‪ /‬شرح نهج البلغة‪" : ].4/97 :‬ل بلء فلن‬
‫[وهو كناية عن‬ ‫[أي عمله الحسن في سبيل ال (ميثم البحراني‪ /‬شرح نهج البلغة‪ ].)4/97 :‬فلقد قوم الود‬
‫تقويمه لعوجاج الخلق عن سبيل ال إلى الستقامة‪( .‬مثيم البحراني‪ /‬شرح نهج البلغة‪ ،].)4/97 :‬وداوى ال َعمَد‬
‫سنّة‪ ..‬وخلف‬
‫[العمد بالتّحريك‪ :‬العلّة‪ .‬انظر‪ :‬صبحي الصّالح في تعليقه على نهج البلغة ص‪ ،].671:‬وأقام ال ّ‬
‫الفتنة [تركها خلفًا ل هو أدركها ول هي أدركته (المصدر السّابق)‪ ،].‬ذهب نقي الثّوب‪ ،‬قليل العيب‪ ،‬أصاب‬
‫(تحقيق صبحي‬ ‫خيرها وسبق شرّها‪ ،‬أدّى إلى ال طاعته واتّقاه بحقّه" [نهج البلغة‪ :‬ص ‪350‬‬
‫الصّالح)‪.].‬‬
‫وهذا نصّ عظيم يهدم كلّ ما بنوه وزعموه عن عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي ال‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وقد احتار "الروافض" بمثل هذا النص؛ لنه في نهج البلغة وما في النهج عندهم قطعي‬
‫[ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ المامية‪ ،‬من أهل‬ ‫الثبوت‪ ،‬وصور شيخهم ميثم البحراني‬
‫البحرين‪ ،‬من كتبه‪" :‬شرح نهج البلغة"‪ ،‬توفي في البحرين سنة ‪679‬ه‍ (معجم المؤلفين‪ ].)13/55 :‬ذلك بقوله‪:‬‬
‫"واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالً فقالوا‪ :‬إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين‬
‫تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلفة‪ ،‬فإما أن ل يكون هذا الكلم من‬
‫كلمه رضي ال عنه‪ ،‬وإما أن يكون إجماعنا خطأ"‪.‬‬
‫ثم حملوا هذا الكلم على التقية وأنه إنما قال هذا المدح من أجل "استصلح من يعتقد صحة‬
‫خلفة الشيخين واستجلب قلوبهم بمثل هذا الكلم"‪ .‬أي‪ :‬أن عليًا – في زعمهم – أراد خداع‬
‫الصحابة‪ ،‬وأظهر لهم خلف ما يبطن فهو خطب هذه الخطبة العامة أمام الناس‪ ،‬وهي مبنية‬
‫على الكذب‪ ،‬هذا هو جواب من يزعم التشيع لعلي [ميثم البحراني‪ /‬شرح نهج البلغة‪.].4/98 :‬‬
‫ل يرضى هذا "الجواب"‪ ،‬وإننا نقول بأن إجماع الشيعة ضلل‪ ،‬وقول علي‬
‫وما أعتقد أن عاق ً‬
‫هو الحق والصدق‪ ،‬وهو الذي ل يخاف في ال لومة لئم‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬هذه النصوص المنقولة من كتبهم تناقض ما سلف من تكفير الشيعة للصحابة‪،‬‬
‫وأقول‪ :‬نعم‪ ،‬لن هذا المذهب يحمل في رواياته هذه الصورة المتناقضة‪ ،‬لكن شيوخهم وضعوا‬
‫أصولً وأقوالً نسبوها للئمة للتخلص من هذه الخبار‪ ،‬والخروج من هذا التناقض‪ ،‬فمن‬
‫أصولهم أن هذا التناقض أمر مقصود لخفاء حقيقة المذهب حتى ل يقضى على المذهب وأهله‬
‫من قبل العامة (يعني أهل السنة) [انظر‪ :‬أصول الكافي‪.].1/65 :‬‬

‫‪486‬‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪ )413‬من هذه‬ ‫وقالوا عند الختلف‪" :‬خذوا بما خالف العامة‪ ،‬فإن فيه الرشاد"‬
‫الرسالة‪ .].‬ولذلك يحمل شيوخهم أمثال هذه الروايات على التقية‪ ،‬ولنها روايات قليلة بالنسبة‬
‫لخبارهم الكثيرة التي تفكر وتلعن‪ ،‬فهم ل يأخذون بها‪ ،‬فمفيدهم يقول‪" :‬ما خرج للتقية ل يكثر‬
‫روايته عنهم كما تكثر روايات المعمول به" [تصحيح العتقاد ‪ :‬ص ‪.].71‬‬
‫ولذلك تجد في تعقيب ابن بابويه إشارة إلى أن مدح الصحابة في الرواية التي ذكرها إنما هو‬
‫على سبيل التقية‪ ،‬وكذلك في تعقيب ميثم‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإني إنما ذكرت هذه الخبار وأمثالها لثبات تناقض المذهب أمام‬
‫العقلء‪ ،‬وتبصير من يريد الحق من أتباع المذهب إلى أن هذه الروايات هي الحقيقة ل التقية؛‬
‫لتفاقها مع كتاب ال سبحانه وإجماع المة‪.‬‬
‫وبيان أن عقيدة التقية جعلت من المذهب ألعوبة بأيدي الشيوخ يوجهونه وفق إرادتهم‪ ،‬فلم يعد‬
‫مذهب أهل البيت‪ ،‬إنما مذهب الكليني والقمي والمجلسي وأضرابهم‪.‬‬

‫دللة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه‪:‬‬


‫أولً‪ :‬قد عرف بالتواتر الذي ل يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي‬
‫ال عنهم كان لهم بالنبي صلى ال عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس‬
‫اختصاصًا به‪ ،‬وصحبة له وقربًا إليه‪ ،‬وقد صاهرهم كلهم‪ ،‬وكان يحبهم ويثني عليهم‪ ،‬وحينئذ‬
‫فإما أن يكونوا على الستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته‪ ،‬وإما أن يكونوا بخلف ذلك‬
‫في حياته أو بعد موته‪ ،‬فإن كانوا على غير الستقامة مع هذا القرب فأحد المرين لزم‪ ،‬إما‬
‫عدم علمه بأحوالهم‪ ،‬أو مداهنته لهم‪ ،‬وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم كما قل‪:‬‬
‫وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم‬ ‫فإن كنت ل تدري فتلك مصيبة‬
‫وإن كانوا انحرفوا بعد الستقامة فهذا خذلن من ال للرسول في خواص أمته‪ ،‬وأكابر‬
‫أصحابه‪ ،‬ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله‪ ،‬فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا‬
‫ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى ال عليه وسلم كما قال مالك وغيره‪:‬‬
‫إنّما أراد هؤلء الرّافضة الطّعن في الرّسول صلى ال عليه وسلم ليقول القائل‪ :‬رجل سوء كان‬
‫له أصحاب سوء‪ ،‬ولو كان رجلً صالحًا لكان أصحابه صالحين‪ ،‬ولهذا قال أهل العلم‪ :‬إن‬
‫الرافضة دسيسة الزندقة [منهاج ال ّسنّة‪.].4/123 :‬‬

‫‪487‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهرة‪ ،‬ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل السلم‬
‫كانت أقوى‪ ،‬حيث كان السلم إذ ذاك قليلً‪ ،‬والكفار مستولون على عامة الرض‪ ،‬وكان‬
‫المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الذى ما ل يعلمه إل ال‪،‬‬
‫وهم صابرون على الذى متجرعون لمرارة البلوى‪ ،‬وقد اتبعوه صلى ال عليه وسلم وهو وحيد‬
‫فقير‪ ،‬ذليل خائف‪ ،‬مقهور مغلوب‪ ،‬وأهل الرض يد واحدة في عداوته‪ ،‬وقد خرجوا من ديارهم‬
‫وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبًا ل ورسوله‪.‬‬
‫وهذا كله فعلوه طوعًا واختيارً‪ ،‬فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف السلم‪ ،‬كيف‬
‫يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلمه [منهاج السنة‪].4/128 :‬؟! لسيما والسبب الذي‬
‫تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي‪ ،‬ل يوجد فيه ما يدفعهم إلى‬
‫التضحية بإيمانهم‪ ،‬وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر‪ ،‬فما الذي حملهم‬
‫على ذلك وهم يعلمون أنه كفر بربهم‪ ،‬ورجوع عن دينهم‪ ،‬وتركوا اتباع قول رسول ال في بيعة‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وقد علموا أنها طاعة نبيهم‪ ،‬والثبات على دينهم‪ ،‬هل يعقل أن يطيع‬
‫المهاجرون والنصار أبا بكر في الكفر بال‪ ،‬ويتركوا اتباع قول رسول ال في علي؟ وهم الذين‬
‫خرجوا من ديارهم يبتغون فضلً من ال ورضوانًا‪ ،‬وينصرون ال ورسوله‪ ،‬أولئك هم‬
‫الصادقون‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن‬
‫القيام بأمر ال‪ ،‬ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة‪ ،‬بل بطلنها ما دام نقلتها مرتدين‪ ،‬ويؤدي إلى‬
‫القدح في القرآن العظيم‪ ،‬لنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم‪ ،‬وهذا هو‬
‫هدف واضع هذه المقالة‪ ،‬ولذلك قال أبو زرعة‪ « :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك أن الرسول صلى ال عليه وسلم حق‬
‫والقرآن حق‪ ،‬وإنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول ال‪ ،‬وإنما يريدون أن يجرحوا‬
‫شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة‪ ،‬والجرح بهم أولى وهم زنادقة" [الكفاية‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫ولذلك اعترفت كتب الشّيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت إنه‪" :‬أوّل من أظهر‬
‫الطّعن في أبي بكر عمر وعثمان والصّحابة‪ ،‬وتبرأ منهم‪ ،‬وادّعى أنّ عليّا عليه السّلم أمره‬
‫بذلك" [القمي‪ /‬المقالت والفِرَق‪ :‬ص ‪ ،20‬النّوبختي‪ /‬فِرَق الشّيعة‪ :‬ص ‪.].20-19‬‬
‫رابعًا‪ :‬أنّ عليّا رضي ال عنه لم يكفّر أحدًا ممّن قاتله حتى ول الخوارج‪ ،‬ول سبى ذرية أحد‬
‫منهم‪ ،‬ول غنم ماله‪ ،‬ول حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر‬
‫الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين‪ ،‬بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما‬
‫‪488‬‬
‫ممن قاتله‪ ،‬ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين‪ ،‬وقد ثبت بالنّقل‬
‫[وهذا‬ ‫الصّحيح أنّ مناديه نادى يوم الجمل‪ :‬ل يتبع مدبر‪ ،‬ول يجهز على جريح‪ ،‬ول يغنم مال‬
‫ممّا أنكرته الخوارج عليه حتى ناظرهم ابن عبّاس – رضي ال عنه – في ذلك‪( .‬منهاج ال ّسنّة‪..].)4/181 :‬‬
‫واستفاضت الثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية‪ :‬إنهم جميعًا مسلمون ليسوا كفارًا ول‬
‫منافقين [منهاج السنة‪.].4/181 :‬‬
‫وهذا ثبت بنقل الشّيعة نفسها‪ ،‬فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم‪" :‬عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا‬
‫– عليه السّلم – لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشّرك‪ ،‬ول إلى النّفاق‪ ،‬ولكنّه يقول‪ :‬هم‬
‫بغوا علينا" [قرب السناد‪ :‬ص ‪ ،62‬وسائل الشّيعة‪.].11/62 :‬‬
‫ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ ل دين الئمة‪ ،‬فقد قال الحر العاملي في‬
‫التعليق على النص السابق‪" :‬أقول‪ :‬هذا محمول على التّقية" [وسائل الشّيعة‪.].11/62 :‬‬
‫وجاء في كتاب علي إلى أهل المصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين‪" :‬وكان بدء‬
‫أمرنا التقينا والقوم من أهل الشّام‪ ،‬والظّاهر أنّ ربّنا واحد‪ ،‬ودعوتنا في السلم واحدة‪ ،‬ول‬
‫نستزيدهم في اليمان بال‪ ،‬والتّصديق برسوله‪ ،‬ول يستزيدوننا‪ ،‬المر واحد إل ما اختلفنا فيه‬
‫من دم عثمان ونحن منه براء" [نهج البلغة‪ :‬ص ‪.].448‬‬
‫وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال‪" :‬إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين‪ ،‬ولكنّكم لو‬
‫وصفتم أعمالهم‪ ،‬وذكرتم حالهم‪ ،‬كان أصوب في القول‪ ،‬وأبلغ في العذر‪ ،‬وقلتم مكان سبّكم‬
‫إياهم‪ :‬اللّهم احقن دماءنا ودماءهم‪ ،‬وأصلح ذات بيننا وبينهم" [نهج البلغة‪ :‬ص ‪.].323‬‬
‫فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة‪.‬‬
‫خامسًا‪" :‬إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد‪ ،‬إنما استثنتهم‬
‫لنهم بزعمها على مذهب الرفض من تفكير أبي بكر وعمر‪ ،‬وإنكار بيعتهما‪ ،‬وهذا من جملة‬
‫نصب الرافضة وتلبيسهم؛ لنه لم يعهد لبي بكر وعمر رضي ال عنهما منازع في إمامتهما ل‬
‫هؤلء ول غيرهم‪ .‬وهذا سلمان كان أميرًا على مدائن كسرى من قبل عمر يدعو إلى إمامته‬
‫وطاعته‪ ..‬وهذا عمّار كان أميرًا من قبل عثمان – رضي ال عنه – على الكوفة‪ ،‬وهذا المقداد‬
‫[أبو المحاسن الواسطي‪/‬‬ ‫وغيره كانوا في عساكر الصّحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة"‬
‫المناظرة‪ :‬الورقة(‪ ،)66‬وانظر‪ :‬ص(‪ )67-66‬من هذه الرّسالة‪.].‬‬
‫سادسًا‪ :‬من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة‬
‫رضوان ال عليهم‪ ،‬وأنهم لم يؤثروا على ال شيئًا‪ ،‬وبلغ المكروه بهم كل مبلغ‪ ،‬وبذلوا النفوس‬
‫في ال حتى أيد ال تعالى بهم نبيه‪ ،‬وأظهر بهم دينه‪ ،‬فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف‬
‫‪489‬‬
‫[التنبيه والرد‪ :‬ص‬ ‫ال ساعة في عمره؟ أم كيف يجترئ على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم‬
‫‪].11-10‬؟! ولهذا قال الخطيب البغدادي‪" :‬على أنه لو لم يرد من ال عز وجل فيهم شيء مما‬
‫ذكرناه لوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة‪ ،‬وبذل المهج والموال‪،‬‬
‫وقتل الباء والولد‪ ،‬والمناصحة في الدين‪ ،‬وقوة اليمان واليقين القطع على عدالتهم والعتقاد‬
‫بنزاهتهم" [الكفاية‪ :‬ص ‪ ،49‬وانظر مثل هذا المعنى‪ :‬اليجي‪ /‬المواقف‪ :‬ص ‪.].413‬‬
‫ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبه من أذى‬
‫واضطهاد‪ ،‬حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة‪ ،‬وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة‪،‬‬
‫وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب‪ ،‬وعانوا من فراق الوطن والهل والعشيرة‬
‫فهاجروا إلى الحبشة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته‪ ،‬وحاربوا الهل والعشيرة‪ ،‬إلى‬
‫آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم‪.‬‬
‫من يتأمل شيئًا من هذه الحوال‪ ،‬يعرف عظمة ذلك الجيل‪ ،‬وقوة إيمانه‪ ،‬وصدق بلئه‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬قامت القرائن العملية‪ ،‬والدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علقته مع‬
‫إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة‪،‬‬
‫والخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة‪ ،‬والصفوة من جيل الصحابة رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫وتأتي في مقدمة هذه الدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لمير المؤمنين‬
‫عمر [انظر‪ :‬عقد أم كلثوم للشيخ فاروقي‪ ،‬محمد صديق‪ /‬التحقيق الجلي في تزويج أم كلثوم بنت علي‪ .].‬فإذا كان‬
‫عمر فاروق هذه المة قد صار عند الثني عشرية أشد كفرًا من إبليس‪ ،‬أفل يرجعون إلى‬
‫عقولهم ويتدبروا فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟! إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‬
‫كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي ال عنه كافرًا أو فاسقًا‬
‫معرضًا بنته للزنا‪ ،‬لن وطء الكافر للمسلمة زنا محض [السمعاني‪ /‬النساب‪.].1/347 :‬‬
‫والعاقل المنصف البريء من الغرض‪ ،‬الصادق في تشيعه ل يملك إل الذعان لهذه الحقيقة‪،‬‬
‫حقيقة الولء والحب بين الخلفاء الربعة رضوان ال عليهم‪ ،‬ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد‬
‫بن بويه – وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول ال ‪" :-‬إن عليًا – عليه السلم – زوج ابنته أم‬
‫كلثوم من عمر بن الخطاب‪ ،‬استعظم ذلك وقال‪ :‬ما علمت بهذا‪ ،‬وتاب وتصدق بأكثر ماله‬
‫[ابن الجوزي‪ /‬المنتظم‪].39-7/38 :‬‬ ‫وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشي عليه"‬
‫لشعوره بعظيم جرمه فيما سلف من عمره‪ ،‬الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلء الطهار‬
‫مغترًا بشبهات الروافض‪.‬‬

‫‪490‬‬
‫وقـد حاول شيوخ الشّيعـة إبطال مفعول هذا الدّليـل فوضعوا روايات الئمّة تقول‪" :‬ذلك فرج‬
‫غصـبناه" [فروع الكافـي‪ ،2/10 :‬وسـائل الشّيعـة‪ ،].435-434 /7 :‬فزادوا الطيـن بلة‪ ،‬حيـث صـوّروا‬
‫أم ير المؤمن ين في صورة "ال ّديّوث" الذي ل ينا فح عن عر ضه‪ ،‬وي قر الفاح شة في أهله‪ ،‬و هل‬
‫يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟! "إ نّ أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه‪ ،‬ويقتل‬
‫دون حرمـه‪ ،‬فضلً عـن بنـي هاشـم الذيـن هـم سـادات العرب وأعلهـا نسـبًا وأعظمهـا مروءة‬
‫وحم ية‪ ،‬فك يف يثبتون لم ير المؤمن ين م ثل هذه المنق صة الشني عة‪ ،‬و هو الشجاع ال صنديد‪ ،‬ل يث‬
‫بني غالب‪ ،‬أسد ال في المشارق والمغارب؟!" [السويدي‪ /‬مؤتمر النّجف‪ :‬ص ‪.].86‬‬

‫ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه‪ ،‬فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬النوار النّعمانيّة‪:‬‬ ‫حيث زعم أنّ أم كلثوم لم تكن بنت علي ولكنّها ج ّنيّة تصوّرت بصورتها‬
‫‪ ،84-83 /1‬وقد جاء مثل هذا التّوجيه في كتب السماعيليّة‪ .‬انظر‪ :‬الهفت الشّريف‪ :‬ص ‪ 84‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ومن القرائن أيضًا علقات القربى القائمة بينهم‪ ،‬ووشائج الصلة‪ ،‬وكذلك مظاهر المحبة‪ ،‬حتى‬
‫إنّ عليّا والحسن والحسين يسمّون بعض أولدهم باسم أبي بكر وعمر‪ ،‬وهل يطيق أحد أن‬
‫يسمي أولده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في‬
‫[انظر ما سجّله محبّ الدّين الخطيب من علقات‬ ‫أرجاء بيته‪ ،‬يرددها مع أهلها في يومه مرات وكرات؟!‬
‫المصاهرة بين الل والصحاب وأولد آل البيت الذين يحملون أسماء الخلفاء الثّلثة وغيرهم من الصّحابة في كتابه‪:‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬أو "نشأة التّشيّع وتطوّره"‪ :‬ص‬‫"حملة رسالة السلم الوّلون وما كانوا عليه من المحبّة والتّعاون" ص‪11:‬‬
‫‪ 12‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬ما سجّله إحسان إلهي ظهير ممّا نقله من كتب الشّيعة في هذا الباب في كتابه "الشّيعة وأهل‬
‫البيت"‪ ،‬ممّا ل حاجة لتكرار نقله هنا‪.].‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫عصمة المام‬
‫مسألة عصمة المام لها أهمية كبرى عند الشيعة [عبد ال فياض‪ /‬تاريخ المامية‪ :‬ص ‪ ،].157‬وهي‬
‫من المبادئ الولية في كيانهم العقدي [باقر شريف القرشي‪ /‬حياة المام موسى بن جعفر‪.].1/111 :‬‬
‫والعصمة في كلم العرب‪ :‬تعني المنع‪ ،‬وعصمة ال عبده‪ :‬أن يعصمه مما يوبقه‪ ،‬واعتصم‬
‫فلن بال إذا امتنع به [تهذيب اللغة‪ :‬مادة "عصم"‪.].‬‬

‫أما معنى العصمة عند الشيعة فيختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته‪ ،‬لكن يظهر أن مذهب‬
‫الشيعة في عصمة الئمة قد استقر على ما قرره شيخ الشيعة – في زمنه – المجلسي – صاحب‬
‫بحار النوار (المتوفى سنة ‪1111‬ه‍) في قوله‪" :‬اعلم أنّ الماميّة اتّفقوا على عصمة الئمّة –‬
‫‪491‬‬
‫عليهم السّلم – من الذّنوب – صغيرها وكبيرها – فل يقع منهم ذنب أصلً ل عمدًا ول نسيانًا‬
‫[بحار النوار‪ ،25/211 :‬وانظر‪ :‬مرآة العقول‪:‬‬ ‫ول الخطأ في التّأويل ول للسهاء من ال سبحانه"‬
‫‪.].4/352‬‬
‫فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الوجه المتصورة‪ :‬العصمة من المعصية كلها –‬
‫صغيرة أو كبيرة – العصمة من الخطأ‪ ،‬والعصمة من السهو والنسيان‪.‬‬
‫وهذه الصّورة للعصمة التي يرسمها المجلسي‪ ،‬ويعلن اتفاق الشيعة عليها لم تتحقّق لنبياء ال‬
‫سنّة‪ ،‬وإجماع المة [انظر‪ :‬فكرة التقريب‪ :‬ص ‪299‬‬
‫ورسله كما يدلّ على ذلك صريح القرآن‪ ،‬وال ّ‬
‫(الهامش)‪ ،].‬فهي غريبة على الصول السلمية‪ ،‬بل إنّ النّفي المطلق للسّهو والنّسيان عن الئمّة‬
‫تشبيه لهم بمن ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬ولهذا قيل للرّضا – وهو المام الثّامن الذي تدعي الشيعة‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لم يقع عليه السّهو في‬
‫عصمته ‪" :-‬إنّ في الكوفة قومًا يزعمون أنّ النّب ّ‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫صلته‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا – لعنهم ال – إنّ الذي ل يسهو هو ال الذي ل إله إل هو"‬
‫‪ ،25/350‬وانظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬عيون أخبار الرّضا‪ :‬ص ‪.].326‬‬
‫وهذا النص – إن صح – من الممكن أن نستقرئ منه بأن نفي السهو – والذي أصبح من‬
‫أسس مفهوم العصمة عند الثني عشرية المتأخرين – كان في عصر الرضا عقيدة لقوم‬
‫ينتسبون للتشيع‪ ،‬لم يذكر لهم اسم لقلتهم أو حقارتهم أو شناعة قولهم‪ ،‬وكانوا يخصون بهذه‬
‫العقيدة أفضل الخليفة محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وقد قوبل هذا التجاه الغالي باللعن‬
‫والتكذيب والتفكير من إمام الشيعة نفسه؛ لن في هذا تشبيهًا للرسول صلى ال عليه وسلم بمن‬
‫ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬فماذا يقول الرضا إذًا فيمن يطلق هذا الوصف عليه‪ ،‬وعلى آخرين معه‬
‫من أجداده وأبنائه؟‬
‫ل شك أن إنكاره عليهم أشد وأعظم‪ ،‬كما يمكن أن يؤخذ من هذا النص تأخر شيوع هذا‬
‫التجاه عن عصر الرضا‪.‬‬
‫وهذا يدعونا لبحث بواكير النشأة لهذه العقيدة وتطورها‪.‬‬

‫نشأة هذه العقيدة وتطورها‬


‫[مجموع فتاوى شيخ‬ ‫إن شيخ السلم ابن تيمية يقرر أن معتقد العصمة كان من آراء ابن سبأ‬
‫السلم‪ ،4/518 :‬منهاج السنة‪ ،].4/60 :‬ولكن لم أجد لفظ "العصم" مأثورًا عن ابن سبأ – في حدود‬
‫اطلعي ‪ ،-‬ول شك أن ابن سبأ قد نقل عنه ما يؤدي إلى القول بالعصمة وأعظم‪ ،‬فقد نقل عنه‬
‫[انظر‪ :‬مقالت السلميين‪ ،1/86 :‬التنبيه والرد‪ :‬ص ‪ ،18‬الفرق بين الفرق‪:‬‬ ‫القول بألوهية أمير المؤمنين‬
‫‪492‬‬
‫ص ‪ ،21‬الملل والنحل‪ ،1/174 :‬وانظر في كتب الشيعة‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ ،107-106‬الرازي‪ /‬الزينة‪ :‬ص‬
‫‪ ،305‬تنقيح المقال‪ ،].2/183 :‬لكنه لم يقل بالعصمة حسب النظرية المامية‪ ،‬وكانت آراؤه في‬
‫[القمي‪/‬‬ ‫الغالب خاصة بأمير المؤمنين علي‪ ،‬حتى إنه كان أول من قال بالتوقف من الشيعة‬
‫المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ – ].20‬أي انتظار ظهور المام علي ورجعته ‪.-‬‬
‫ويرى القاضي عبد الجبار أن القول بعصمة المام وأنه ل يجوز عليه الخطأ والزلل في حال‬
‫من الحوال ول يلحقه سهو ول غفلة لم يعرف في عصر الصحابة والتابعين لهم إلى زمن‬
‫هشام بن الحكم حيث ابتدع هذا القول [تثبيت دلئل النبوة‪.].2/528 :‬‬
‫ويتفق معه محب الدين الخطيب في تحديد الحقبة الزمنية التي نشأت فيها عقيدة العصمة‪،‬‬
‫لكنه يعزوها إلى شخص آخر من معاصري هشام بن الحكم فيقول‪" :‬وأول من اخترع لهم هذه‬
‫[في رجال‬ ‫العقيدة الضالة خبيث يسميه المسلمون شيطان الطاق وتسميه الشعية "مؤمن آل محمد"‬
‫[مجلة الفتح‪ :‬المجلد (‪ )18‬ص‬ ‫الكشي‪ :‬ص ‪« ،185‬مؤمن الطاق»‪ ،].‬واسمه محمد بن علي الحول"‬
‫‪.].277‬‬
‫وقد أشار دونلدسن إلى احتمال أن فكرة العصمة قد بدأت عند الشيعة في عصر جعفر‬
‫الصادق [دونلدسن‪ /‬عقيدة الشيعة‪ :‬ص ‪ ،329‬محمود صبحي‪ /‬نظرية المامة‪ :‬ص ‪ ،].134‬ويلحظ أن هشام‬
‫بن الحكم‪ ،‬وشيطان الطاق من المعاصرين لجعفر‪ ،‬فلعل هذه العقيدة عرفت عند الشيعة في‬
‫عصر جعفر الصادق‪ ،‬ولكنها تطورت‪ ،‬ومرت بمراحل حتى استقرت على تلك الصورة التي‬
‫يعرضها المجلسي‪.‬‬
‫أطوار عقيدة العصمة‪:‬‬
‫وإذا حاولنا أن نرجع إلى النصوص الشيعية التي ورد فيها النص على العصمة لنستقرئ من‬
‫خللها الطوار التي مرت بها هذه العقيدة نجد ما يلي‪ :‬تنسب كتب الشيعة إلى زين العابدين‬
‫[ابن بابويه‪/‬‬ ‫علي بن الحسين أنّه قال‪" :‬المعصوم هو من اعتصم بحبل ال‪ ،‬وحبل ال هو القرآن"‬
‫معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،132‬بحار النوار‪.].25/194 :‬‬
‫وسواء صحت نسبة هذا النص إلى علي بن الحسين أم لم تصح فإنه يطلعنا على تلك النظرة‬
‫السليمة للعصمة‪ ،‬وربطها بهذا المعنى السلمي الجميل في تلك الفترة المبكرة من تاريخ‬
‫التشيع‪ ،‬فالعتصام بالقرآن والتمسك به هو العصمة والنجاة‪ ،‬وهذا المعنى ليس مقصورًا على‬
‫جمِيعًا} [آل عمران‪ ،‬آية‪َ { ،].103 :‬ومَن يَ ْعتَصِم‬
‫ح ْبلِ الّلهِ َ‬
‫صمُو ْا بِ َ‬
‫ع َت ِ‬
‫أناس معينين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَا ْ‬
‫ستَقِيمٍ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].101 :‬‬
‫ط ّم ْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫بِالّلهِ فَقَدْ ُه ِديَ إِلَى ِ‬

‫‪493‬‬
‫وبعد ذلك نجد أن هشام بن الحكم الذي ينسب له القاضي عبد الجبار اختراع عقيدة العصمة‬
‫يسأله أحد رجال الشيعة ويدعى حسين الشقر فيقول‪ :‬ما معنى قولكم‪" :‬إن المام ل يكون إل‬
‫معصومًا؟" فقال هشام‪ :‬سألت أبا عبد ال (جعفر الصادق) عن ذلك فقال‪" :‬المعصوم هو الممتنع‬
‫بال من جميع محارم ال‪ ،‬وقال تبارك وتعالى‪َ { :‬ومَن يَ ْع َتصِم بِالّلهِ فَقَدْ هُ ِديَ ِإلَى صِرَاطٍ‬
‫ستَقِيمٍ} [آل عمران‪ ،‬آية‪ ،101 :‬والنص عن معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،132‬بحار النوار‪.].195-25/194 :‬‬
‫مّ ْ‬
‫ويقول شيعي آخر يدعى ابن أبي عمير‪ :‬ما استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي‬
‫إياه شيئًا أحسن من هذا الكلم في عصمة المام وهو‪ :‬أن المام ل يذنب؛ لن منافذ الذنوب‬
‫الحرص والحسد والغضب والشهوة‪ ،‬وهذه الوجه منتفية عن المام [بحار النوار‪193-25/192 :‬‬
‫"باختصار"‪ ،‬وانظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ ،1/215 :‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،133‬أمالي الصدوق‪ :‬ص ‪-375‬‬
‫‪.].376‬‬
‫ولكن هذا المفهوم – على كل حال – ليس من غلوّ المجلسي في العصمة‪ ،‬ول يترتب عليه‬
‫من الثار ما يترتب على عصمة الشيعة في صياغتها الخيرة والتي تزيد على ذلك‪ ،‬بجعل كلم‬
‫المام وحيًا يوحى ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬وتنفي عنه العوارض البشرية من‬
‫السهو والغفلة والنسيان لتخرج به من طور المخلوقين إلى صفات خالق البشر‪.‬‬
‫كما يلحظ أن الحكم بامتناع المام من المعصية ولزوم فعله للطّاعة يعني أنّه مجبور من ال‬
‫– سبحانه – على ذلك‪ ،‬وهذا يتعارض مع مذهب الثني عشريّة في القدر‪ ،‬من القول بالح ّريّة‬
‫والختيار‪ ،‬وأنّ العبد يخلق فعله‪ ،‬ممّا يدلّ على أنّ مفهوم العصمة هذا سابق لمذهبهم في القدر‬
‫والذي أخذوه عن المعتزلة في المائة الثّالثة‪.‬‬
‫ولهذا نجد أنه بعد تأثر الشيعة بالفكر العتزالي اصطبغ مفهوم العصمة عندهم ببعض الفكار‬
‫العتزالية كفكرة اللطف اللهي‪ ،‬وفكرة الختيار النساني‪ ،‬كما نلحظ هذا في تعريف المفيد‬
‫(المتوفى سنة ‪413‬ه‍) للعصمة حيث قال‪" :‬بأنها لطف يفعله ال – تعالى – بالمكلف بحيث يمنع‬
‫[المفيد‪ /‬النكت العتقادية‪ :‬ص ‪ ،34-33‬تصحيح‬ ‫منه وقوع المعصية‪ ،‬وترك الطاعة مع قدرته عليها"‬
‫العتقاد‪ :‬ص ‪ ،106‬الجيلني‪ /‬توفيق التطبيق‪ :‬ص ‪ ،].16‬فليس معنى العصمة أن يجبر ال المام على‬
‫ترك المعصية بل يفعل به ألطافًا يترك معها المعصية مختارًا‪ .‬فتلحظ الستعانة بمصطلحات‬
‫المعتزلة لتحديد مفهوم العصمة‪.‬‬
‫ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك‪ ..‬ففي القرن الرابع يقرر ابن‬
‫بابويه (المتوفى سنة ‪381‬ه‍) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه العتقادات الذي يسمى "دين‬
‫الشيعة المامية" فيقول‪" :‬اعتقادنا في‪ ..‬الئمة‪ ..‬أنهم معصومون مطهرون من كل دنس‪ ،‬وأنهم‬
‫‪494‬‬
‫ل يذنبون ذنبًا صغيرًا ول كبيرًا‪ ،‬ول يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ،‬ومن نفى‬
‫عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم‪ ،‬ومن جهلهم فهو كافر‪ ،‬واعتقادنا فيهم أنهم‬
‫معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها‪ ،‬ل يوصفون في‬
‫شيء من أحوالهم بنقص ول عصيان ول جهل" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].109-108‬‬
‫فهو هنا ينفي المعصية‪ ،‬وأيضًا الجهل والنقص‪ ،‬ويثبت الكمال الذي يلزمهم من أول حياتهم‬
‫إلى آخرها‪ ،‬ويكفر من خالف ذلك‪.‬‬
‫فهذا طور آخر انتقل إليه مسألة العصمة‪ ،‬ولكنه لم يصرح بنفي السهو عن الئمة كما فعل‬
‫المجلسي وشيوخ الشيعة المتأخرون‪ ،‬بل إنّه نصّ في كتابه "من ل يحضره الفقيه" على أنّ نفي‬
‫ي صلى ال عليه وسلم هو مذهب الغلة والمفوّضة‪ ،‬يقول‪" :‬إنّ الغلة والمفوّة –‬
‫السّهو عن النّب ّ‬
‫لعنهم ال – ينكرون سهو النّبيّ ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يقولون‪ :‬لو جاز أن يسهو في الصّلة‬
‫لجاز أن يسهو في التّبليغ؛ لن الصلة فريضة كما أن التبليغ فريضة‪ ..‬وليس سهو النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم كسهونا؛ لن سهوه من ال عز وجل وإنّما أسهاه ال ليعلم أنّه بشر مخلوق فل‬
‫يتّخذ ربًا معبودًا دونه‪ ،‬وليعلم النّاس بسهوه حكم السّهو‪ ،‬وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد‬
‫بن الوليد يقول‪ :‬أوّل درجة في الغلو نفي السّهو عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأنا أحتسب‬
‫[من ل يحضره الفقيه‪:‬‬ ‫الجر في تصنيف كتاب مفرد في إثبات سهو النّبيّ والرّد على مُنكريه"‬
‫‪.].1/234‬‬
‫فأنت ترى أن ابن بابويه وهو رئيس الشّيعة – كما يسمّونه – ينكر على من نفى السّهو عن‬
‫المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكيف بمن هو أقل منه كالئمة؟! ويعدّ نفي السّهو علمة الغلو‪،‬‬
‫ويشير إلى أن هذا القول من مذاهب الغلة‪ ..‬ويلمح إلى ما ينطوي عليه نفي السهو من تشبيه‬
‫المخلوق بالخالق جل شأنه‪.‬‬
‫ولكن نفي السّهو هو ممّا أضافه الشّيعة المتأخّرون إلى مسألة العصمة‪ ،‬في تطور آخر لهذه‬
‫القضية‪ ،‬ولذلك فإن نصوصهم الموضوعة سلفًا عن الئمة تخالف ذلك‪ ،‬فأبو عبد ال كان يقول‬
‫– لمّا ذكر له السّهو ‪" :-‬أو ينفلت من لك أحد؟ ربّما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلتي"‬
‫[بحار النوار‪.].25/351 :‬‬
‫والرضا يلعن من ينفي السهو عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كما مرّ – ويقول‪ :‬إن الذي ل‬
‫يسهو هو ال سبحانه‪ ،‬وكتب الشيعة روت أخبارًا في سهوه صلى ال عليه وسلم في صلته‬
‫[انظر‪ :‬من ل يحضره الفقيه‪.].1/233 :‬‬

‫‪495‬‬
‫ومن الغريب أنهم يحتجّون بإجماعهم رغم أنّه منقوض بمخالفة شيعة القرن الرّابع من قبلهم‪،‬‬
‫وبنصوصهم‪.‬‬
‫ولكن شهوة الغلو تقول‪" :‬إنّ أصحابنا الماميّة أجمعوا على عصمة الئمّة – صلوات ال‬
‫عليهم – من الذّنوب الصّغيرة والكبيرة عمدًا وخطأ ونسيانًا من وقت ولدتهم إلى أن يلقوا ال‬
‫عزّ وجلّ" [بحار النوار‪.].351-350 /25 :‬‬
‫وإذا قيل لهم كيف ينعقد إجماعكم‪ ،‬وشيخكم الصّدوق ابن بابويه وشيخه ابن الوليد قد خالفا‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫هذا المذهب؟ قالوا‪" :‬إن خروجهما ل يخل بالجماع لكونهما معروفي النسب"‬
‫‪ ،].25/351‬أما القسم الخر الذين قالوا بالعصمة المطلقة ففيهم من ل تعرف هويته ونسبه أو‬
‫كلهم كذلك‪ ،‬فيحتمل أن يكون المام الغائب خرج من مخبئه وأدلى بصوته معهم‪ ،‬وقوله هو‬
‫العمدة في الجماع [انظر‪ :‬فصل الجماع‪ ،].‬أي أنه يكفي في إثبات حجية الجماع في هذه المسألة‬
‫وجود الظن بأن الغائب المعصوم يوجد مع الفئة المجهولة التي قررت نفي السهو‪.‬‬
‫ولك أن تعجب كيف يردون النصوص الصريحة في إثبات السهو والواردة في كتبهم عن‬
‫الئمة ويتعلقون بإجماع يكشف عن قول المعصوم الغائب على سبيل الظن والحتمال؟!‬
‫ولكن مذهب الشيعة هو مذهب الشيوخ ل مذهب الئمة‪.‬‬
‫ولقد احتار المجلسي – وهو يرى النصوص التي تخالف إجماع أصحابه ‪ -‬فقال‪" :‬المسألة في‬
‫غاية الشكال لدللة كثير من الخبار واليات على صدور السّهو عنهم‪ ،‬وإطباق الصحاب إل‬
‫من شذ منهم على عدم الجواز" [بحار النوار‪.].25/351 :‬‬
‫وهذا اعتراف من المجلسي بأن إجماع الشيعة المتأخرين على عصمة الئمة بإطلق يخالف‬
‫رواياتهم‪ ،‬وهذا دليل واقعي واعتراف صريح في أنهم يجمعون على ضللة‪ ،‬وعلى غير دليل‬
‫حتى من كتبهم‪.‬‬

‫استدللهم على عصمة أئمتهم‬


‫استدللهم بالقرآن‪:‬‬
‫رغم أن كتاب ال سبحانه ليس فيه ذكر للثني عشر أصلً – كما مرّ – فضلً عن‬
‫عصمتهم‪ ،‬إل أن الثني عشرية تتعلق بالقرآن لتقرير العصمة‪ ،‬ويتفق شيوخهم على الستدلل‬
‫علُكَ لِلنّاسِ ِإمَامًا قَالَ‬
‫بقوله – سبحانه ‪{ :-‬وَِإذِ ا ْبتَلَى ِإ ْبرَاهِيمَ َربّ ُه بِكَ ِلمَاتٍ َفَأتَ ّمهُنّ قَالَ ِإنّي جَا ِ‬
‫عهْدِي الظّا ِلمِينَ} [البقرة‪ ،‬آية‪.].124 :‬‬
‫َومِن ُذ ّريّتِي قَالَ َل َينَالُ َ‬

‫‪496‬‬
‫وبهذه الية صدر المجلسي بابه الذي عقده في بحاره بشأن العصمة بعنوان "باب‪ ..‬لزوم‬
‫عصمة المام" [بحار النوار‪.].25/191 :‬‬
‫وجملة من شيوخ الشيعة المعاصرين يجعلون هذه الية أصل استدللهم من القرآن‪ ،‬ول‬
‫يستدلون بسواها مثل محسن المين [انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،].1/458 :‬ومحمد حسين آل كاشف الغطا‪،‬‬
‫والذي يقول بأنّ هذه الية صريحة في لزوم العصمة [أصل الشّيعة‪ :‬ص ‪.].59‬‬
‫ويتولى صاحب مجمع البيان سياق وجهة استدلل أصحابه بهذه الية على مرادهم فيقول‪:‬‬
‫"استدل أصحابنا بهذه الية على أن المام ل يكون إل معصومًا من القبايح؛ لنّ ال – سبحانه‬
‫[اختلف السّلف في معنى العهد – كم سيأتي – ولكن الرّوافض‬ ‫– نفى أن ينال عهده – الذي هو المامة‬
‫يأخذون بما يوافق هواهم ويقطعون به بل دليل‪ – ].‬ظالم‪ ،‬ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالمًا إمّا لنفسه‪،‬‬
‫وإما لغيره‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إنما نفى أن ينال ظالم في حال ظلمه‪ ،‬فإذا تاب فل يسمى ظالمًا فيصح أن يناله‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن الظّالم وإن تاب فل يخرج من أن تكون ال ية قد تناول ته في حال كو نه ظالمًا‪،‬‬
‫فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه ل ينالها‪ ،‬والية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت فيجب‬
‫[الطّبر سي‪ /‬مج مع البيان‪:‬‬ ‫أن تكون محمولة على الوقات كل ها‪ ،‬فل ينال ها الظّالم وإن تاب في ما ب عد"‬
‫‪ ،1/201‬وانظر‪ :‬الطّوسي‪ /‬التّبيان‪ ،1/449 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪.].25/191 :‬‬

‫نقد استدللهم‪:‬‬

‫أولً‪ :‬اختلف السلف في معنى العهد على أقوال‪:‬‬

‫عهْدِي الظّا ِلمِينَ} "أي نبوتي"‪ ،‬وقال مجاهد‪:‬‬


‫قال ابن عباس والسدي‪ :‬إنه النبوة‪ ،‬قال‪َ { :‬ل َينَالُ َ‬
‫المامـة‪ ،‬أي ل أجعـل إمام ًا ظالم ًا يقتدى بـه‪ ،‬وقال قتادة وإبراهيـم النّخعـي وعطاء والحسـن‬
‫وعكر مة‪ :‬ل ينال ع هد ال في الخرة الظّالم ين فأمّا في الدّن يا ف قد ناله الظّالم فأ من به وأ كل‬
‫وعاش‪ ..‬قال الزّجّاج‪ :‬وهذا قول ح سن‪ ،‬أي ل ينال أماني الظّالمين؛ أي‪ :‬ل أؤمنهم من عذابي‪.‬‬
‫والمراد بالظّالم‪ :‬المشرك‪ ،..‬وقال الربيـع بـن أنـس والضحاك‪ ،‬عهـد ال الذي عهـد إلى عباده‪:‬‬
‫عَليْهِ َوعَلَى إِسْحَقَ َومِن ُذ ّريّ ِت ِهمَا‬
‫دينه‪ ،‬يقول‪ :‬ل ينال دينه الظالمين‪ ،‬أل ترى أنه قال‪َ { :‬وبَارَ ْكنَا َ‬
‫مُحْ سِنٌ وَظَالِ مٌ ّلنَفْ سِ ِه ُمبِي نٌ} يقول‪ :‬ل يس كلّ ذرّي تك يا إبراه يم على الح قّ‪ ..‬وروي عن ا بن‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫عهْدِي الظّا ِلمِينَ}‪ ،‬قال‪ :‬ليس للظالمين عهد‪ ،‬وإن عادته فانقضه‬ ‫عباس – أيضًا – { َل َينَالُ َ‬
‫تفسـير الطـبري‪ :‬ج‪( ‍2‬مـن الجزاء المحققـة) ص ‪ 20‬ومـا بعدهـا‪ ،‬تفسـير البغوي‪ ،1/112 :‬ابـن عطيـة‪ /‬المحرر‬

‫‪497‬‬
‫الوج يز‪ ،1/250 :‬القر طبي‪ /‬الجا مع لحكام القرآن‪ ،2/108 :‬تف سير ا بن كث ير‪ ،173-1/172 :‬الشوكا ني‪ /‬ف تح‬
‫القدير‪ ،1/138 :‬اللوسي‪ /‬روح المعاني‪ ،1/377 :‬تفسير القاسمي‪.].246-2/245 :‬‬

‫فالية – كما ترى – اختلف السلف في تأويلها‪ ،‬فهي ليست في مسألة المامة أصلً في قول‬
‫أكثرهـم‪ ،‬والذيـن فسـروها بالمامـة قصـدوا إمامـة العلم والصـلح والقتداء‪ ،‬ل المامـة بمفهوم‬
‫الرافضة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬لو كانت الية في المامة فهي ل تدلّ على العصمة بحال؛ إذ ل يمكن أن يقال بأنّ غير‬
‫الظّالم مع صوم ل يخ طئ ول ين سى ول ي سهو‪ ..‬إلخ ك ما هو مفهوم الع صمة ع ند الشي عة‪ ،‬إذ‬
‫يكون قياس مذهبهم من سها فهو ظالم ومن أخطأ فهو ظالم‪ ..‬وهذا ل يوافقهم عليه أحد ول يتّفق‬
‫مع أصول السلم‪ ،‬فبيّن إثبات العصمة‪ ،‬ونفي الظّلم فرق كبير؛ ل نّ نفي الظّلم إثبات للعدل‪ ،‬ل‬
‫للعصمة الشّيعيّة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ل ي سلم ل هم أن من ارت كب ظلمًا ثم تاب م نه لح قه و صف الظلم ولز مه‪ ،‬ول تجدي‬
‫التو بة في رف عه‪ ،‬فإن أع ظم الظّلم الشّرك‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬الّذِي نَ آ َمنُواْ َولَ ْم يَ ْلبِ سُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْ مٍ}‬
‫شرْ كَ لَظُ ْل مٌ عَظِي مٌ} [لقمان‪ ،‬آية‪ ].13:‬ومع هذا قال –‬
‫[النعام‪ :‬آية‪ ،].82 :‬ثم ف سّر الظّلم بقوله‪{ :‬إِنّ ال ّ‬
‫[النفال‪ :‬آيـة‪:‬‬ ‫جلّ شأ نه – في ح قّ الكفّار‪{ :‬قُل ِللّذِينَـ كَ َفرُواْ إِن يَن َتهُواْ يُغَ َفرْ لَهُم مّ ا قَدْ سَـَلفَ}‬
‫‪.].38‬‬

‫لكن قياس قول هؤلء أ نّ من أشرك ولو لحظة‪ ،‬أو ارتكب معصية ولو صغيرة فهو ظالم ل‬
‫[هم‬ ‫ينف كّ عنه وصف الظّلم‪ ،‬ومؤدّى هذا أ نّ المشرك ولو أسلم فهو مشرك ل نّ الظّلم هو الشّرك‬
‫يعنون بالظّلم الشّرك؛ ل نّ مرادهم إبطال خلفة أبي بكر وعمر؛ لنّهما قد أ سلما بعد شرك‪ ،‬والشّرك لم ينف كّ عنهما‬
‫بعد إيمانهما في زعمهم‪ ،‬ولذلك قال الكليني‪" :‬هذه الية أبطلت إمامة ك ّل ظالم"‪( .‬أصول الكافي‪.].)1/199 :‬‬

‫فصاروا بهذا أشدّ من الخوارج الوعيديّة؛ لن الخوارج ل يثبتون الوعيد لصاحب الكبيرة إل‬
‫في حالة عدم توبته‪.‬‬

‫ومن المعلوم في بدائه العقول فضلً عن الشرع والعرف والل غة "أن من ك فر أو ظلم ث مّ تاب‬
‫وأصـلح ل يصـحّ أن يطلق عليـه أن ّه كافـر أو ظالم‪ ..‬وإل جاز أن يُقال‪ :‬صـبي لشيـخ‪ ،‬ونائم‬
‫لم ستيقظ‪ ،‬وغ ني لفق ير‪ ،‬وجائع لشبعان‪ ،‬و حي لم يت‪ ،‬وبالع كس‪ ،‬وأيضًا لو اطرد ذلك يلزم من‬
‫حلف ل يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إل أنه كان كافرًا قبل سنين متطاولة‬
‫أن يحنث‪ ،‬ول قائل به" [اللوسي‪ /‬روح المعاني‪.].1/377 :‬‬

‫‪498‬‬
‫ومن المعروف أنه قد يكون التائب من الظلم أفضل ممن لم يقع فيه‪ .‬ومن اعتقد أن كل من لم‬
‫يكفر ولم يقتل ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضلله‪ ،‬وتاب بعد ذنوبه‪،‬‬
‫فهو مخالف لما علم بالضطرار من دين السلم‪ ،‬فمن المعلوم أن السابقين أفضل من أولدهم‪،‬‬
‫وهل يشبه أبناء المهاجرين والنصار بآبائهم عاقل [انظر‪ :‬منهاج السنة‪].303-1/302 :‬؟!‬

‫كما أن استدللهم هذا يؤدي إلى أن جميع المسلمين وكذلك الشيعة وأهل البيت – إل من تعتقد‬
‫الشيعة عصمتهم – جميعهم ظلمة لنهم غير معصومين‪ ،‬وقد قال شيخهم الطوسي بأن الظّلم اسم‬
‫ق اللّ عن لقوله – تعالى ‪{ :-‬أَلَ لَ ْع َنةُ اللّ هِ عَلَى الظّا ِلمِي نَ}‬
‫ذ مّ فل يجوز أن يطلق إل على م ستح ّ‬
‫[التّبيان‪ ،1/158 :‬والية رقم ‪ 18‬من سورة هود‪.].‬‬

‫رابعًا‪ :‬وأخ تم القول ب ما قرره أ حد علماء الشي عة الزيد ية في ن قض ا ستدلل الشي عة الث ني‬
‫عشر ية بهذه ال ية ح يث قال‪" :‬اح تج الراف ضة بال ية على أن الما مة ل ي ستحقها من ظلم مرة‪،‬‬
‫ورام الطعن في إمامة أبي بكر وعمر‪ ،‬وهذا ل يصح لن العهد إن حمل على النبوة فل حجة‪،‬‬
‫وإن حمل على المامة فمن تاب من الظّلم ل يوصف بأنّه ظالم‪ ،‬ولم يمنعه – تعالى – من نيل‬
‫العهد إل حال كونه ظالمًا" [يوسف بن أحمد الزّيدي‪ /‬الثّمرات اليانعة‪ :‬ج‪ ‍1‬الورقة ‪( 60‬مخطوط)‪.].‬‬

‫أدلتهم من السنة‪:‬‬

‫ويتمسكون بروايات من طرق أهل السنة للحتجاج بها على أهل السنة‪ ،‬وإقناع قومهم بأن ما‬
‫هم عليه موضع إجماع‪ ،‬وهي ما بين كذب‪ ،‬أو بعيد عن استدللهم‪ ،‬وقد مضى الحديث فيها في‬
‫فصل المامة‪.‬‬

‫والروايات التي يحتجون بها هي تتعلق بأهل البيت‪ ،‬ول حجة للثني عشرية في ذلك أصلً‬
‫ل ما ث بت من أن الثني عشرية ليس ل ها عل قة بأ هل البيت إل العل قة المزعومة بعلي وب عض‬
‫أولده‪ ،‬وهما الحسن والحسين‪ ،‬وبعض ذرية الحسين‪ ،‬وقد انقطع النسل الذين يقولون بإمامتهم‬
‫لوفاة الح سن الع سكري عقيمًا‪ ،‬فعلقت هم م نذ سنة ‪260‬ه‍ بشيوخ يزعمون النيا بة عن معدوم ل‬
‫وجود له‪ ،‬وهم الذين انتهوا بالمذهب إلى هذه النهاية المفزعة التي مر علينا جملة من صورها‪.‬‬

‫و قد سلف ذ كر الشوا هد في تكفير هم ل هل الب يت‪ ،‬ولذلك فإ نّ تم سّكهم بالقول بع صمة أ هل‬
‫البيت هو من خداع العناوين‪.‬‬

‫غير أن الثني عشرية تقيم معتقدها في العصمة وغيرها بما يرويه صاحب الكافي‪ ،‬وإبراهيم‬
‫القمـي‪ ،‬والمجلسـي وأضرابهـم مـن روايات منكرة فـي متنهـا فضلً عـن إسـنادها‪ ،‬تثبـت لهؤلء‬
‫‪499‬‬
‫الثني عشر العصمة المزعومة‪ ،‬وقد ساق المجلسي في بابه الذي عقده في شأن العصمة ثلثًا‬
‫وعشريـن روايـة مـن روايات شيوخـه كالقمـي‪ ،‬والعياشـي والمفيـد وغيرهـم‪ ،‬وقـد ذكرهـا بعـد‬
‫استدلله بآية البقرة‪ ،‬التي تبين لنا أن استدللهم فيها باطل‪.‬‬

‫أما الكليني في الكافي فقد عقد مجموعة من البواب في معنى العصمة المزعومة‪ ،‬ساق فيها‬
‫أخبارًا بسنده عن الثني عشر يدّعون فيها أنهم معصومون بل وشركاء في النبوة‪ ،‬بل ويتصفون‬
‫ب صفات اللوه ية‪ ،‬و قد مر في باب اعتقاد هم في أ صول الد ين أمثلة من ذلك‪ ،‬وت جد ذلك في‬
‫الكا في في باب "أن الئ مة هم أركان الرض" وأث بت ف يه ثل ثة روايات تقول بأن الئ مة الث ني‬
‫ع شر كر سول ال في وجوب الطا عة‪ ،‬و في الف ضل‪ ،‬و في التكليف‪ ،‬فعلي "جرى له من الطاعة‬
‫بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ما لرسول ال صلى ال عليه وسلم" [أصول الكافي‪،].1/198 :‬‬
‫كذا سائر الثني عشر‪ ،‬ثم ما تلبث أن ترفعهم عن مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مقام‬
‫رب العالمين حيث تقول بأن عليًا قال‪" :‬أُعطيت خصالً لم يعطه نّ أحد قبلي‪ :‬علّمت علم المنايا‬
‫والبليا‪ ..‬فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي" [أصول الكافي‪.].1/197 :‬‬

‫س مّاذَا تَكْ سِبُ غَدًا َومَا تَ ْدرِي‬


‫والذي يعلم المنايا والبليا هو ال – سبحانه – { َومَا تَ ْدرِي نَفْ ٌ‬
‫ض َتمُوتُ} [لقمان‪ ،‬آية‪.].34:‬‬
‫نَفْسٌ بِ َأيّ َأرْ ٍ‬

‫والذي ل يعزب ع نه ش يء‪ ،‬ول يفو ته شيء هو الخالق – جل عله – قال تعالى‪{ :‬ل يَ ْعزُ بُ‬
‫سمَاوَاتِ وَل فِي ا َلرْضِ} [سبأ‪ ،‬آية‪.].3:‬‬
‫ع ْنهُ مِثْقَالُ َذرّةٍ فِي ال ّ‬
‫َ‬

‫فالمر تعدى حدود العصمة إلى دعوى الرسالة واللوهية‪ ،‬وهذا خروج عن السلم رأسًا‪.‬‬

‫[انظر‪ :‬من أصول الكافي‪ ،‬باب فرض طاعة الئمة‪،1/185 :‬‬ ‫وقد تتابعت أبواب الكافي في هذا المعنى‬
‫وقد ذكر فيه (‪ )17‬رواية لهم‪ ،‬وباب أن الئمة ولة أمر ال وخزنة علمه‪ ،1/192 :‬وأورد فيه (‪ )6‬روايات‪ ،‬وباب‬
‫أن الئمة خلفاء ال – عز وجل – في أرضه‪ ،‬وأبوابه التي منها يؤتى‪ ،1/193 :‬وفيه ثلثة روايات‪ ،‬وغيرها من‬
‫البواب والخبار التـي يعرف كذبهـا بالضطرار مـن ديـن السـلم‪ ،].‬و هي ل تخرج عن دعاوى المتنبئ ين‬
‫والملحدين على مدار التاريخ سوى أنهم نسبوا هذه المفتريات إلى جملة من أهل البيت الطهار‪.‬‬

‫أدلتهم العقليّة على مسألة العصمة‪:‬‬

‫نستطيع أن نرجع أدلتهم العقلية التي يستدلون بها على عصمة المام إلى أصل واحد‪ ،‬وهو‬
‫أنّ المّة كلّها معرّضة للخطأ والضّلل‪ ،‬والعاصم لها من الضّلل هو المام‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫ولهذا رتبوا أدلتهـم على هذا السـاس فقالوا‪ :‬إن المـة لبـد لهـا مـن رئيـس معصـوم يسـدد‬
‫خطأها‪ ،‬فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدّده فيلزم التّسلسل فحينئذ يلزم القول بعصمة المام؛‬
‫لن الثقـة عندهـم بالمام ل بالمـة‪ ..‬وقالوا بأنـه هـو الحافـظ للشرع‪ ،‬ول اعتماد على الكتاب‬
‫[انظـر‪ :‬ابـن المطهـر‪ /‬كشـف المراد‪ :‬ص ‪ ،391-390‬وانظـر‪ :‬نهـج‬ ‫والسـنة والجماع بدونـه… إلخ‬
‫المسـترشدين‪ :‬ص ‪ ،63‬وانظـر‪ :‬اللفيـن‪ :‬ص ‪ 56‬ومـا بعدهـا‪ ،‬القزوينـي‪ /‬الشيعـة فـي عقائدهـم‪ :‬ص ‪،369-368‬‬
‫الزنجاني‪ /‬عقائد المامية‪ :‬ص ‪ ،77‬هاشم معروف الحسيني‪ /‬أصول التشيع‪ :‬ص ‪.].132-131‬‬

‫والحقيقة غير هذا تمامًا‪ ،‬فالمّة معصومة بكتاب ربّها وسنّة نبيّها صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول‬
‫تج مع المّة على ضللة‪ ،‬وع صمة المّة مغن ية عن ع صمة المام‪ ،‬وهذا م ما ذكره العلماء في‬
‫حك مة ع صمة ال مة قالوا‪ :‬لن من كان من ال مم قبل نا كانوا إذا بدلوا دين هم ب عث ال نبيًا يبين‬
‫ال حق‪ ،‬وهذه المّة ل نبي ب عد نبيّ ها‪ ،‬فكا نت ع صمتها تقوم مقام النّبوّة‪ ،‬فل يم كن أ حد من هم أن‬
‫يبدّل شيئًا من الدّين إل أقام ال من يبيّن خطأه فيما بدّله‪ ،‬ولذلك فإ نّ ال – سبحانه – قرن سبيل‬
‫المؤمن ين بطا عة ر سوله في قوله – عزّ وجلّ ‪{ :-‬وَمَن ُيشَاقِ قِ الرّ سُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّ نَ لَ هُ‬
‫[النّ ساء‪ ،‬آ ية‪:‬‬ ‫ت مَ صِيرًا}‬
‫ج َهنّ مَ وَ سَاء ْ‬
‫سبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ نُوَلّ ِه مَا َتوَلّى َونُ صْ ِلهِ َ‬
‫غ ْيرَ َ‬
‫ا ْلهُدَى َويَ ّتبِ عْ َ‬
‫‪.].155‬‬

‫فع صمة ال مة وحفظ ها من الضلل – ك ما جاءت بذلك الن صوص الشرع ية – تخالف تمامًا‬
‫مـن "يوجـب عصـمة واحـد مـن المسـلمين‪ ،‬ويجوز على مجموع المسـلمين – إذا لم يكـن فيهـم‬
‫معصوم – الخطأ" [المنتقى (مختصر منهاج السنة)‪ :‬ص ‪.].410‬‬

‫و كل ما سطروه وملوا به ال صفحات من أدلة عقل ية تؤ كد الحا جة إلى مع صوم قد تحق قت‬
‫بالر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ولذلك فإن ال مة ترد ع ند التنازع إلى ما جاء به الر سول من‬
‫[النّساء‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫شيْءٍ َفرُدّوهُ ِإلَى اللّهِ وَالرّسُولِ}‬
‫عتُمْ فِي َ‬
‫الكتاب والسنة ول ترد إلى المام { َفإِن تَنَازَ ْ‬
‫[ابن عبد‬ ‫‪" .].59‬قال العلماء‪ :‬إلى كتاب ال‪ ،‬وإلى نبيّه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن قبض فإلى سنّته"‬
‫البرّ‪ /‬التّمهيـد‪ ،].4/264 :‬وهـي بهدي الكتاب والسـنة ل تجمـع على ضللة؛ لنهـا لن تخلو مـن‬
‫متمسك بهما إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬

‫ح ْينَا ِإلَى نُو حٍ‬


‫حيْنَا إِ َليْ كَ َكمَا َأوْ َ‬
‫ولهذا فإن الحجة على المة قامت بالرسل‪ ،‬قال تعالى‪ِ{ :‬إنّا َأوْ َ‬
‫سلِ} [النّ ساء‪ ،‬آية‪،].165:‬‬
‫ج ٌة بَعْدَ الرّ ُ‬
‫ل يَكُو نَ لِلنّا سِ عَلَى اللّ هِ حُ ّ‬
‫ن مِن بَعْدِ هِ} إلى قوله‪ِ { :‬لئَ ّ‬
‫وَال ّن ِبيّي َ‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ولم يقل – سبحانه ‪ :-‬والئمة‪ ،‬وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسل كالئمة‬
‫ابن تيمية‪ /‬الفتاوى‪.].19/66 :‬‬
‫‪501‬‬
‫وأدلّتهم العقليّة التي تؤكّد الحاجة إلى إمام معصوم‪ ،‬وأ نّ المّة بدونه ل إيمان لها ول أمان‪،‬‬
‫هذه الح جج هي أيضًا تؤدّي في النّها ية إلى إبطال عصمة الئمّة عند هم؛ ل نّ أئمّت هم لم يتحقّق‬
‫بهام مقاصد المامة التي يتحدّثون عنها‪.‬‬

‫والواقع أنّه يكفي من ذلك انتهاء ظهور المام عندهم منذ سنة (‪260‬ه‍)‪ ،‬سواء كان لم يوجد‬
‫أ صلً – ك ما يقوله أك ثر الفرق الشّيعيّة ال تي وجدت إ ثر وفاة الح سن‪ ،‬وك ما تقوله أ سرة الح سن‬
‫وعلى رأ سهم أخوه جع فر‪ ،‬وك ما يؤكّده علماء النّ سب والتّار يخ‪ ،‬ك ما سيأتي – أو هو مخ تف لم‬
‫يظهر – كما تقوله الثنا عشريّة – فإ نّ هذا الغائب الموعود أو المعدوم لم ينتفع به في دين ول‬
‫دنيا‪.‬‬

‫وهذه ثلمة ل تسد‪ ،‬وفتق ل يرتق في المذهب الثني عشري ل يبقي ول يذر لحججهم وزنًا‬
‫ول أثرًا‪ ،‬وكذلك أجداده من قبل إذ لم يتول منهم أحد ما عدا أمير المؤمنين علي‪ ،‬والحسن قبله‬
‫تنازله‪ ،‬ولهذا قال أ هل العلم‪ :‬إن دعوى الع صمة عند هم ل يس علي ها دل يل إل زعم هم بأن ال لم‬
‫يخل العالم من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف‪ ..‬وكذلك أجداده المتقدمون لم‬
‫يحصل بهم المصلحة والل طف الحاصلة من إمام مع صوم ذي سلطان ك ما كان النبي صلى ال‬
‫عليـه وسـلم بعـد الهجرة‪ ،‬فإنـه كان إمام المؤمنيـن الذي يجـب عليهـم طاعتـه‪ ،‬ويحصـل بذلك‬
‫سعادتهم‪ ،‬ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعى له العصمة إل علي – رضي ال عنه – ومن‬
‫المعلوم أن المصلحة واللّطف الذي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثّلثة أعظم من المصلحة‬
‫واللّطف الذي كان في خلفة علي زمن القتل والفتنة والفتراق [منهاج السّنّة‪.].2/104 :‬‬

‫أما من دون علي فإنما كان يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه‪ ،‬وكان‬
‫علي بن الحسين وابنه أبو جعفر‪ ،‬وابنه جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم ال كما علمه‬
‫علماء زمانهم‪ ،‬وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع للمة‪ ،‬وهذا معروف عند أهل العلم‪،‬‬
‫ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولية من‬
‫القوة والسلطان‪ ،‬وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل‪.‬‬

‫وأما من بعد الثلثة كالعسكريين فهؤلء لم يظهر عليهم علم تستفيده المة‪ ،‬ول كان لهم يد‬
‫ت ستعين ب ها ال مة؛ بل كانوا كأمثال هم من الهاشمي ين ل هم حر مة ومكا نة‪ ،‬وفي هم من معر فة ما‬
‫يحتاجون إليه في السلم والدين ما في أمثالهم‪ ،‬وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين‪ ..‬ولذلك‬
‫لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلثة [منهاج السنة‪.].3/248 :‬‬

‫‪502‬‬
‫نقد عام لمبدأ "عصمة الئمة"‪:‬‬

‫دعوى الع صمة للئمّة تضا هي المشار كة في النّبوّة‪ ،‬فإ نّ المع صوم ي جب اتّبا عه في كلّ ما‬
‫يقول‪ ،‬ول يجوز أن يخالف في شيء‪ ،‬وهذه خا صّة النبياء ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم‬
‫سمَاعِيلَ وَإِ سْحَقَ‬
‫فقال – تعالى ‪{ :-‬قُولُواْ آ َمنّ ا بِاللّ هِ وَمَآ أُنزِلَ ِإَليْنَا وَمَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإ ْبرَاهِي مَ وَإِ ْ‬
‫ن مِن رّ ّبهِ مْ لَ نُ َفرّ قُ َبيْ نَ أَحَدٍ‬
‫ي مُو سَى وَعِي سَى وَمَا أُوتِ يَ ال ّنبِيّو َ‬
‫سبَاطِ وَمَا أُوتِ َ‬
‫َويَعْقُو بَ وَال ْ‬
‫مّ ْنهُ مْ َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْ ِلمُونَ} [البقرة‪ ،‬آية‪ ]136:‬فأمرنا أن نقول‪ :‬آمنا بما أوتي النبيون‪ ..‬فاليمان بما‬
‫جاء به ال نبيون م ما أمر نا أن نقوله ونؤ من به‪ ،‬وهذا ما ات فق عل يه الم سلمون‪ ..‬ف من ج عل ب عد‬
‫[منهاج‬ ‫الرّسول معصومًا يجب اليمان بكلّ ما يقوله فقد أعطاه معنى النّبوّة‪ ،‬وإن لم يعطه لفظها‬
‫السّنّة‪.].3/174 :‬‬

‫وهذا مخالف لدين السلم‪ ،‬للكتاب والسنة وإجماع سلف المة وأئمتها‪.‬‬

‫شيْءٍ‬
‫عتُ مْ فِي َ‬
‫أ ما القرآن فقال – سبحانه ‪{ :-‬وََأطِيعُواْ الرّ سُولَ وَُأ ْولِي ا َل ْمرِ مِنكُ مْ فَإِن َتنَازَ ْ‬
‫َفرُدّو هُ إِلَى اللّ هِ وَالرّ سُولِ} [النّ ساء‪ ،‬آ ية‪ ،].59:‬فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إل إلى ال والرسول‪،‬‬
‫ولو كان للناس معصوم غير الرسول صلى ال عليه وسلم لمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن أن ل‬
‫معصوم إل الرسول صلى ال عليه وسلم [منهاج السنة‪.].2/105 :‬‬

‫ك مَ عَ الّذِي نَ َأنْعَ مَ اللّ هُ عَ َل ْيهِم مّ نَ ال ّن ِبيّي نَ‬


‫وقال – تعالى ‪َ { :-‬ومَن يُطِ عِ اللّ هَ وَالرّ سُولَ فَُأ ْولَـئِ َ‬
‫شهَدَاء وَال صّالِحِينَ وَحَ سُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا} [النّساء‪ ،‬آية‪ ،].69 :‬وقال‪َ { :‬ومَن يَعْ صِ‬
‫وَال صّدّيقِينَ وَال ّ‬
‫ج َهنّ مَ خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدًا} [الجن‪ ،‬آية‪ ].23:‬فدل القرآن – في غير موضع‬
‫اللّ هَ َورَ سُو َلهُ فَإِنّ لَ ُه نَارَ َ‬
‫– على أن من أطاع الر سول كان من أ هل ال سعادة‪ ،‬ولم يشترط في ذلك طا عة مع صوم آ خر‪،‬‬
‫ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم‪.‬‬

‫وقد اتفق أهل العلم أهل الكتاب والسنة على أن كل شخص – سوى الرسول – فإنه يؤخذ من‬
‫قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر‪ ،‬واتباعه فيما‬
‫أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر‪ ،‬وأل يعبد ال إل بما شرع فإنه المعصوم الذي ل ينطق عن‬
‫الهوى إن هو إل وحي يوحى [منهاج السنة‪.].3/175 :‬‬

‫والسـنة المطهرة دلت على ذلك‪ ،‬ولكنهـم – كمـا سـلف – ل يرجعون إل إلى أقوال أئمتهـم‪،‬‬
‫وإليك ما ينقض مذهبهم من أقوالهم‪:‬‬

‫‪503‬‬
‫جاء في نهج البلغة – الذي ل تشك الشيعة في كلمة منه – ما يهدم كل ما بنوه من دعاوى‬
‫فـي عصـمة الئمـة؛ حيـث قال أميـر المؤمنيـن – كمـا يروي صـاحب النهـج ‪" :-‬ل تخالطونـي‬
‫بالمصانعة‪ ،‬ول تظنوا بي استثقالً في حق قيل لي‪ ،‬ول التماس إعظام النفس‪ ،‬فإنه من استثقل‬
‫الحـق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليـه‪ ،‬كان العمـل بهمـا أثقـل عليـه‪ ،‬فل تكفوا عـن مقالة‬
‫[نهج البلغة‪:‬‬ ‫بحق‪ ،‬أو مشهورة بعد‪ ،‬فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ول آمن ذلك من فعلي"‬
‫ص ‪.].335‬‬

‫فأمير المؤمنين يطلب من أصحابه أل يترددوا في إبداء النصيحة والمشورة‪ ،‬ول يمنعهم من‬
‫ذلك المجاملة والمصـانعة‪ ،‬أو أن يظـن بـه أنـه ل يقبـل الحـق إذا قيـل له‪ ،‬اسـتثقالً له وتعظيمًا‬
‫لنف سه‪ ،‬فإن الح كم الذي ل يق بل مشورة الرع ية ول ير ضى أن يقال له‪ :‬أخطأت هو عن الع مل‬
‫بال حق والعدل أب عد؛ لن من يثقله ا ستماع الن صيحة ف هو عن الع مل ب ها أع جز‪ ،‬فل تكفوا عن‬
‫مقالة بحـق ول مشورة بعدل فالجماعـة أقرب إلى الحـق والعصـمة‪ ،‬والفرد ل يأمـن على نفسـه‬
‫الوقوع في الخطأ‪.‬‬

‫ف هو ه نا لم يدّع ما تز عم الشي عة ف يه من أ نه ل يخ طئ بل أ كد أ نه ل يأ من على نف سه من‬


‫الخطـأ‪ ،‬كمـا لم يعلن اسـتغناءه عـن مشورة الرعيـة بـل طلب منهـم المشورة بالحـق والعدل لن‬
‫المـة ل تجتمـع على ضللة‪ ،‬وكـل فرد لوحده معرض للضللة‪ ،‬فعلم أن دعوى العصـمة مـن‬
‫مخترعات غلة الشيعة‪.‬‬

‫وجاء في نهج البلغة – أيضًا ‪" :-‬لبدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن‪،‬‬
‫[نهج البلغة‪:‬‬ ‫ويجمع به الفيء‪ ،‬ويقاتل به العدو‪ ،‬وتأمن به ال سّبل‪ ،‬ويؤخذ به للضّعيف من القوي"‬
‫ص ‪.].82‬‬

‫فأ نت ترى أ نه لم يشترط الع صمة في الم ير‪ ،‬ولم ي شر ل ها من قر يب أو بع يد‪ ،‬بل رأى أ نه‬
‫لبدّ مـن نصـب أميـر تناط بـه مصـالح العباد والبلد‪ ،‬ولم يقـل أنـه ل يلي أمـر الناس إل إمام‬
‫معصوم‪ ،‬وكل راية تقوم غير راية المعصوم فهي راية جاهلية – كما تقول كتب الشيعة ‪ -‬ولم‬
‫يحصر المارة في الثني عشر المعصومين عند الشيعة ويكفر من تولها من خلفاء المسلمين‬
‫كما تذهب إليه الشيعة‪ ،‬بل رأى ضرورة قيام المام ولو كان فاجرًا‪ ،‬وجعل إمارته شرعية بدليل‬
‫أ نه أجاز الجهاد في ظل إمارة الفا جر؛ فأ ين هذا م ما تقرره الشري عة بم نع الجهاد ح تى يخرج‬
‫المنتظر [انظر‪ :‬فصل الغيبة والمهدية‪ :‬ص ‪ ..].824‬لن المامة الشرعية محصورة في الثني عشر؟!‬

‫‪504‬‬
‫وكان الئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون ال منها‪..‬‬

‫فأم ير المؤمن ين يقول في دعائه – ك ما في ن هج البل غة ‪" :-‬اللّه مّ اغ فر لي ما أ نت أعلم به‬


‫منّي‪ ،‬فإن عدت فعد عل يّ بالمغفرة‪ ،‬اللّه مّ اغفر لي ما وأيت [وأيت‪ :‬وعدت‪ ].‬من نفسي ولم تجد له‬
‫وفاء عندي‪ ،‬اللّه مّ اغ فر لي ما تقرّ بت به إل يك بل ساني‪ ،‬ثم خال فه قل بي‪ ،‬اللّه مّ اغ فر لي رمزات‬
‫اللحاظ‪ ،‬وسقطات اللفاظ‪ ،‬وشهوات الجنان‪ ،‬وهفوات اللّسان" [نهج البلغة‪ :‬ص ‪.].104‬‬

‫فأ نت ترى القرار بالذ نب‪ ،‬وبالعودة إل يه ب عد التو بة‪ ،‬والعتراف ب سقطات اللفاظ وشهوات‬
‫الجنان‪ ،‬ومخال فة القلب لل سان‪ ..‬كل ذلك ين في ما تدع يه الشي عة من الع صمة‪ ،‬إذ لو كان علي‬
‫والئ مة مع صومين لكان ا ستغفارهم من ذنوب هم عبثًا‪ ..‬و كل أئمتهم قد نقلت عنهم ك تب الشي عة‬
‫السـتغفار إلى ال – سـبحانه – مـن الذنوب والمعاصـي‪ ،‬ولو كانوا معصـومين لمـا كانـت لهـم‬
‫ذنوب‪.‬‬

‫[بحار‬ ‫قال أبو عبد ال – كما تروي كتب الشيعة ‪" :-‬إنّا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى ال متابًا"‬
‫النوار‪.].25/207 :‬‬

‫وكان أ بو الح سن (مو سى الكا ظم) يقول – ح سب روايات الشي عة ‪" :-‬ر بّ ع صيتك بل ساني‬
‫[كمـه ب صره‪ :‬اعتر ته ظلمـة‬ ‫ولو شئت وعزّ تك لخر ستني‪ ،‬وع صيتك بب صري ولو شئت لكمهت ني‬
‫تطمـس عليـه‪ ،‬عمـى أو صـار أعشـى (بحار النوار‪– 25/203 :‬الهامـش‪ ،].)-‬وع صيتك ب سمعي ولو شئت‬
‫[كنع يده‪ :‬أشلّها وأيبسها‪( .‬بحار النوار‪:‬‬ ‫وعزّتك لصممتني‪ ،‬وعصيتك بيدي ولو شئت وعزّتك لكنعتني‬
‫‪-25/203‬الهامـش‪ ،].)-‬وعصـيتك بفرجـي ولو شئت وعزّتـك لعقمتنـي‪ ،‬وعصـيتك برجلي ولو‬
‫شئت وعزّ تك لجذمت ني‪ ،‬وع صيتك بجم يع جوار حي ال تي أنع مت ب ها عل يّ ولم ي كن هذا جزاك‬
‫منّي" [بحار النوار‪.].25/203 :‬‬

‫ولقد احتار شيوخ الشيعة في توجيه مثل هذه الدعية والتي تتنافى ومقرراتهم في العصمة‪.‬‬

‫ولقـد نقـل لنـا أحدهـم صـورة لهذا التردد حول الحديـث السـابق فقال‪" :‬كنـت أفكـر فـي معناه‬
‫وأقول‪ :‬ك يف يتنزل على ما تعتقده الشي عة من القول بالع صمة؟ و ما ات ضح لي ما يد فع التردد‬
‫الذي يوجبه" ثم يذكر بأنه توجه بالسؤال عن هذا إلى شيخهم رضي الدين أبي الحسن علي بن‬
‫ن الوزير مؤيّد‬
‫موسى بن طاووس العلوي الحسني وذكر له هذا الشكال‪ ،‬فقال ابن طاووس‪" :‬إ ّ‬
‫الدّيـن العلقمـي سـألني عنـه فقلت‪ :‬كان يقول هذا ليعلم النّاس"‪ ،‬ويبدو أن ابـن العلقمـي اقتنـع‬

‫‪505‬‬
‫بالجواب ول كن صاحب الشكال ا ستدرك على جواب ا بن طاووس وقال‪" :‬إنّي فكّرت ب عد ذلك‬
‫فقلت‪ :‬هذا كان يقوله في سجدته في اللّيل وليس عنده من يعلّمه"‪.‬‬

‫يقول‪" :‬ثم خطر ببالي جواب آخر وهو أنه كان يقول ذلك على سبيل التواضع"‪.‬‬

‫ول كن لم يقن عه هذا الجواب‪ ..‬وا ستقر جواب ال سائل على أن اشتغال هم بالمباحات من "المأ كل‬
‫والمشرب والتفرغ إلى النكاح يعدو نه ذنبًا‪ ،‬ويعتقدو نه خطيئة وي ستغفرون ال م نه"‪ .‬ويذ كر أن‬
‫[بحار‬ ‫هذا هو الجواب الذي ل شيء بعده ويتمنى حياة ابن العلقمي ليهديه إليه ويكشف حيرته به‬
‫النوار‪.].205-25/203 :‬‬

‫وهذا الجواب الذي يرى أنه هو الكاشف لهذه المعضلة عندهم ل يتفق وشريعة السلم التي‬
‫خرَ جَ ِل ِعبَادِ هِ‬
‫حرّ مَ زِينَةَ اللّ هِ اّلتِ يَ أَ ْ‬
‫تن هى عن تحر يم ما أ حل ال وتر فض الرهبان ية { ُقلْ مَ نْ َ‬
‫طيّبَاتِ مِنَ ال ّرزْقِ} [العراف‪ ،‬آية‪.].32 :‬‬
‫وَا ْل ّ‬

‫وك يف ي عد الئ مة هذه المور ذنوبًا‪ ،‬ك يف يجعلون النكاح الذي هو من شرائع ال سلم ذنبًا‬
‫يستغفرون ال منه‪ ،‬وال – سبحانه – يقول‪{ :‬فَانكِحُواْ مَا طَا بَ َلكُم مّ نَ النّ سَاء} [النساء‪ ،‬آية‪.].3 :‬‬
‫[العراف‪ ،‬آية‪،160:‬‬ ‫ت مَا َرزَ ْقنَا ُك مْ}‬
‫ط ّيبَا ِ‬
‫ويعتبرون الكل والشرب معاصي وال يقول‪{ :‬كُلُو ْا مِن َ‬
‫طه‪ ،‬آية‪.].81:‬‬

‫ولكن الجواب الذي يكشف هذه المعضلة‪ ،‬ويتفق مع واقع الئمة وشرائع السلم هو بطلن‬
‫دعوى العصمة بالصورة التي تراها الشيعة وأن الئمة ليسوا بمعصومين من الخطأ والعصيان‪،‬‬
‫وهذا كما يتفق مع النصوص الشرعية ينسجم مع واقع الئمة‪ ،‬وبه تتحقق إمكانية القدوة‪.‬‬

‫ولهذا فإن أ نبياء ال – سبحانه – كانوا ك سائر الب شر يأكلون الطعام ويمشون في ال سواق‪..‬‬
‫وي سعون في ن شر الدعوة‪ ،‬ويعانون من أذى قوم هم‪ ،‬و من تكال يف الجهاد‪ ،‬كل ذلك لتتح قق ب هم‬
‫القدوة‪ ،‬وليكونوا لمن بعدهم أسوة‪.‬‬

‫وأمر آخر يبطل دعوى العصمة ومن كتب الشيعة نفسها؛ ذلك هو الختلف والتّناقض حيال‬
‫بعض المواقف والمسائل‪ ،‬وأعمال المعصومين ل تتناقض ول تختلف بل يصدق بعضها بعضًا‬
‫ويشهد بعضها لبعض‪ ..‬والختلف ناقض للعصمة التي هي شرط للمامة عندهم‪ ،‬وهو ناقض‬
‫بالتالي ل صل الما مة نف سها‪ ،‬ولذلك فإن ظاهرة الختلف في أعمال الئ مة كا نت سببًا مباشرًا‬
‫لخروج بعض الشيعة من نطاق التشيع حيث رابهم أمر هذا التناقض‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما يذكره القمي والنوبختي من أنه بعد قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه‬
‫وقالت‪ :‬قد اختلف علي نا ف عل الح سن وف عل الح سين‪ ،‬ل نه إن كان الذي فعله الح سن حقًا واجبًا‬
‫صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن‬
‫وقوت هم ‪ -‬ف ما فعله الح سين من محارب ته يز يد بن معاو ية مع قلة أن صار الح سين وضعف هم‪،‬‬
‫وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقُتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب‪ ،‬لن الحسين كان أعذر‬
‫في القعود من محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية‪،‬‬
‫وإن كان ما فعله الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه‪ ،‬فقعود‬
‫الحسـن وتركـه مجاهدة معاويـة وقتاله ومعـه العدد الكثيـر باطـل‪ ،‬فشكوا فـي إمامتهمـا ورجعوا‬
‫فدخلوا في مقالة العوام" [القمي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،25‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].26-25‬‬

‫أ ما المثلة على الختلف والتّنا قض في أقوال الئمّة ف هو باب وا سع‪ ،‬وكان هو ال خر من‬
‫أ سباب ان صراف ب عض الشي عة من التش يع‪ ،‬و قد ش هد بذلك ش يخ الطّائ فة الطّو سي وقال بأ نّ‬
‫أخبارهم متناقضة متباينة مختلفة حتى ل يوجد خبر إل بإزائه ما يضادّه‪ ،‬ول رواية إل ويوجد‬
‫ما يخالفها‪ ،‬وعدّ ذلك من أعظم الطّعون على المذهب الشّيعي‪ ،‬ومن أسباب مفارقة بعض الشّيعة‬
‫للمذهب [انظر‪ :‬ص ‪ 361‬من هذه الرّسالة‪.].‬‬

‫وكتابا التهذيب والستبصار – وهما المصدران المعتمدان من المصادر الربعة عند الشيعة‬
‫– يشهدان بهذا التناقـض والختلف عـبر رواياتهمـا الكثيرة‪ ،‬وقـد حاول الطوسـي درء هذا‬
‫الختلف ومعالجة هذا التناقض بحمله على التقية فما أفلح إذ زاد الطين بلة‪.‬‬

‫وقـد أوجـد الشّيعـة عقيدة التّقيـة والبداء لتغطيـة هذا الختلف فـي أخبار الئمةّ وأعمالهـم‪..‬‬
‫فاكت شف ب عض الشيعة هذه المحاولة‪ ،‬وعرف سبب و ضع هات ين العقيدتين‪ ،‬فترك التش يع وقال‪:‬‬
‫إن أئ مة الراف ضة وضعوا لشيعت هم مقالت ين ل يظهرون معه ما من أئمت هم على كذب أبدًا‪ ،‬وه ما‬
‫[المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،78‬فرق الشيعـة‪ :‬ص ‪ ،56-55‬والقائل هـو‪ :‬سـليمان بـن‬ ‫القول بالبداء وإجازة التق ية‬
‫جرير الذي تنسب له طائفة السليمانية من الزيدية‪.].‬‬

‫وتنقل كتب الشيعة أن المام في مجلس واحد وفي مسألة واحدة يجيب بثلثة أجوبة مختلفة‬
‫متباي نة‪ ،‬ويح يل ذلك على التق ية‪ ،‬أو على حر ية المام في الفتوى وأن له أن يج يب على الزيادة‬
‫والنقصان‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫و قد ذ هب ر جل من الشي عة يد عى ع مر بن رياح لي سأل إما مه‪ ،‬فل ما أفتاه عاد إل يه من قا بل‬
‫ف سأله عن ن فس الم سألة فأفتاه بخلف الجواب الول فا ستنكر ذلك وقال‪ :‬هذا خلف ما أجبت ني‬
‫في هذه الم سألة العام الما ضي‪ ،‬فقال له‪( :‬أي المام)‪ :‬إن جواب نا خرج على التق ية‪ ،‬فتش كك في‬
‫أمره وإمامته‪ .‬ثم خرج من عنده ولقي أحد الشيعة (ويدعى محمد بن قيس) وقص عليه ما حدث‬
‫وقال له‪ :‬وقد علم ال أني ما سألته عنها إل وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقوله‬
‫في العمل به‪ ،‬فل وجه لتقائه إياي وهذه حالي‪ ،‬فقال له محمد بن قيس‪ :‬فلعله حضرك من اتقاه؟‬
‫فقال‪ :‬ما ح ضر مجل سه في واحدة من الم سألتين غيري ول كن جواب يه جميعًا خر جا على و جه‬
‫التبخ يت – كذا – ولم يح فظ ما أجاب به في العام الم ضي فيج يب بمثله‪ ،‬فر جع عن إمام ته‬
‫وقال‪ :‬ل يكون إمامًا من يفتي بالباطل [فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].61-59‬‬

‫و قد روى الكلي ني عن زرارة بن أع ين عن أ بي جع فر – ر ضي ال ع نه – قال (زرارة)‪:‬‬


‫"سألته عن مسألة فأجابني‪ ،‬ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلف ما أجابني‪ ،‬ثم جاءه رجل‬
‫فسأله عنها فأجابه بخلف ما أجابني وأجاب صاحبي‪ ،‬فل ما خرج الرجلن قلت‪ :‬يا ابن رسول‬
‫ال‪ ،‬رجلن من أ هل العراق من شيعت كم قد ما ي سألن فأج بت كل وا حد منه ما بغ ير ما أج بت‬
‫صاحبيه؟ فقال‪ :‬يا زرارة إن هذا خ ير ل نا ول كم‪ ،‬ولو اجتمع تم على أ مر وا حد ل صدقكم الناس‬
‫علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي‪.].1/65 :‬‬

‫وأحيانًا يف تي في تف سير آ ية من كتاب ال بثل ثة أجو بة مختل فة متباي نة‪ ،‬ويز عم أن هذا قد‬
‫فوض إليه‪ ،‬يقولون فيه ما يشاؤون [انظر‪ :‬أصول الكافي‪.].266-1/265 :‬‬

‫فأنـت ترى اختلف الجواب فـي مسـألة واحدة وفـي مجلس واحـد‪ ،‬والختلف ينفـي دعوى‬
‫الع صمة‪ ..‬هذا بح سب المن طق الشي عي‪ ،‬وإل فإن شيئًا من ذلك لم يحدث من أ بي جع فر مح مد‬
‫البا قر‪ ،‬فدي نه وعل مه وور عه ين في أن يف تي في د ين ال بالكذب خوفًا وتق ية‪ ،‬ول كن هذه الروا ية‬
‫وأمثالها هي حيلة ممن اخترع عقيدة العصمة والغلو في الئمة لستر الخلف والتناقص الحاصل‬
‫في روايتهم والتي هي في الغالب – أيضًا – من صنع أيديهم‪ ،‬فيحصل فيها من التناقض ما يليق‬
‫بجهلهم‪.‬‬

‫ثم إن المعصوم الذي يدعون اتباعه لم يعصمهم من الخلف في أصل الدين عندهم وأساسه‬
‫وهو المامة؛ فتجدهم مختلفين متنابذين متلعنين يكفر بعضهم بعضًا لختلفهم في عدد الئمة‪،‬‬
‫وفـي تحديـد أعيانهـم‪ ،‬وفـي الوقـف وانتظار عودة المام‪ ،‬أو المضـي إلى إمام آخـر‪ ..‬هذا عدا‬

‫‪508‬‬
‫الروايات المختلفة المتناقضة في الكثير من أمور الدين – أصوله وفروعه – فما منعت العصمة‬
‫المزعومة أهل الطائفة من الختلف‪ ..‬وعدم وجود أثرها يدل على انعدام أصلها‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬و قد يكون مبدأ الع صمة ورث ته الشي عة عن المذ هب المجو سي‪ ،‬ذلك أن المجوس تد عي‬
‫في منتظر هم الذي ينتظرون وأ صحابه أن هم ل يكذبون‪ ،‬ول يع صون ال‪ ،‬ول ي قع من هم خطيئة‬
‫صغيرة ول كبيرة [تثبيت دلئل النبوة‪.].1/179 :‬‬

‫و قد يقال بأن اعتقاد هم في ع صمة الئ مة أ مر ل يؤ ثر اليوم لن الئ مة قد انت هى وجود هم‬
‫الفعلي منذ عام ‪260‬ه‍‪ ..‬ولم يبق إل النتظار للغائب الموعود‪.‬‬

‫وأقول‪ :‬إن هذه العقيدة لها آثارها اليوم في واقع الشيعة‪ ،‬ويتمثل ذلك في جوانب منها‪:‬‬

‫أولً‪ :‬علمهم بما يؤثر عن الئمة الثني عشر كما يعلم سائر المسلمين بالقرآن والسنة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬غلوهم في قبورهم وأضرحتهم؛ فالغلو في عصمتهم إلى حد وصفهم بصفات اللوهية‬
‫تحول إلى غلو في قبورهم ومشاهدهم فيطاف بها وتدعى من دون ال سبحانه‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أن المجت هد الشي عي أ صبح له ش يء من هذه ال صفة‪ ،‬ف هم يرون أن الراد عل يه كالراد‬
‫على ال‪ ،‬وهو على حد الشرك بال [سيأتي – إن شاء ال – ذكر بعض نصوصهم في ذلك في فصل الغيبة‪،].‬‬
‫وهذا مـن الخطورة بمكان؛ لن آيات الشيعـة اليوم هـم الذيـن يقودون الحكـم فـي دولة الشيعـة‪..‬‬
‫فينفذ الشعب تعاليمهم على أنها من شرع ال‪ ،‬ول يعترض عليهم خشية الوقوع في الشرك‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬حمل هذا العتقاد الفاسد والدينونة به‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫[ا ّتقَيْ تُ الشيء‪ ،‬و َتقَيتُه أتقِيه وأتّقيه تقَى و َتقِيّةً وتقاء‪ :‬حَذِرته‪( ،‬لسان العرب مادة‪ :‬وقي)‪ .‬ولهذا قال ابن حجر‪:‬‬ ‫التقية‬
‫التق ية‪ :‬الحذر من إظهار ما في الن فس من معت قد وغيره للغ ير (ف تح الباري‪ ،)12/314 :‬وهذا يع ني الكتمان‪ ،‬و قد‬
‫يضطر لظهار خلف ما في النفس بلسانه‪ ،‬قال ابن عباس‪" :‬التقية باللسان‪ ،‬والقلب مطمئن باليمان" وقال أبو عالية‪:‬‬
‫التقية باللسان وليس بالعمل (تفسير الطبري‪ ،315-6/314 :‬تحيق شاكر‪ ،‬فتح الباري‪.)12/314 :‬‬

‫فالتق ية‪ :‬إظهار خلف ما في البا طن (ان ظر‪ :‬النهاية ل بن الثير‪ ،)1/193 :‬وأك ثر العرب ينطقون التقيّة «تقاة»‪،‬‬
‫ولهذا جاء في القرآن‪ِ{ :‬إ ّل أَن َتتّقُو ْا ِمنْهُ مْ ُتقَاةً} [آل عمران‪ ،‬آ ية‪ .]28 :‬وإن كان نطق ها تق ية صوابًا ك ما قال الفراء‪،‬‬
‫وقد قرئ‪" :‬تقية" (انظر‪ :‬معاني القرآن للفراء ص ‪ ،205‬تفسير الطبري‪].)6/317 :‬‬

‫‪509‬‬
‫تعريفها‪:‬‬

‫يعرف المفيد التقية عندهم بقوله‪" :‬التقية كتمان الحق‪ ،‬وستر العتقاد فيه‪ ،‬وكتمان المخالفين‪،‬‬
‫(مل حق بكتاب‬ ‫وترك مظاهرت هم ب ما يع قب ضررًا في الد ين أو الدن يا" [شرح عقائد ال صدوق‪ :‬ص ‪261‬‬
‫أوائل المقالت)‪.].‬‬

‫فالمفيد يعرف التقية بأنها الكتمان للعتقاد خشية الضرر من المخالفين – وهم أهل السنة كما‬
‫هو الغالب في إطلق هذا اللفظ عندهم – أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي يرونه باطلً)‪،‬‬
‫وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق‪ ،‬من هنا يرى بعض أهل السنة‪ :‬أن أصحاب هذه‬
‫العقيدة هـم شـر مـن المنافقيـن؛ لن المنافقيـن يعتقدون أن مـا يبطنون مـن كفـر هـو باطـل‪،‬‬
‫ويتظاهرون بالسلم خوفًا‪ ،‬وأما هؤلء فيرون أن ما يبطنون هو الحق‪ ،‬وأن طريقتهم هي منهج‬
‫الرسل والئمة [ابن تيمية‪ :‬رسالة في علم الظاهر والباطن‪ ،‬ضمن مجموعة الرسائل المنيرية‪.].1/248 :‬‬

‫[آل عمران‪،‬‬ ‫والتقية في السلم غالبًا إنما هي مع الكفار‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِلّ أَن َتتّقُو ْا ِم ْنهُ ْم تُقَاةً}‬
‫آية‪ .].28:‬قال ابن جرير الطبري‪" :‬التقية التي ذكرها ال في هذه الية إنما هي تقية من الكفار ل‬
‫من غيرهم" [تفسير الطبري‪( 6/316 :‬تحقيق شاكر)‪.].‬‬

‫ولهذا يرى ب عض ال سلف أ نه ل تق ية ب عد أن أ عز ال ال سلم‪ ،‬قال معاذ بن ج بل‪ ،‬ومجا هد‪:‬‬


‫كانت التقية في جدة السلم قبل قوة المسلمين‪ ،‬أما اليوم فقد أعز ال المسلمين أ يتقوا منهم تقاة‬
‫[انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ ،4/57 :‬فتح القدير للشوكاني‪.].1/331 :‬‬

‫ولكـن تقيـة الشي عة هـي مع الم سلمين ولسـيما أهـل ال سنة حتـى إن هم يرون ع صر القرون‬
‫المفضلة عهد تقية كما قرره شيخهم المفيد [مضى نص قوله ص‪ ،].)44-43( :‬وكما تلحظ ذلك في‬
‫ن صوصهم ال تي ين سبونها للئ مة؛ لن هم يرون أ هل ال سنة أ شد كفرًا من اليهود والن صارى؛ لن‬
‫منكر إمامة الثني عشر أشد من منكر النبوة [انظر‪ :‬ص(‪ )714‬من هذا الكتاب‪.].‬‬

‫والتقيـة رخصـة فـي حالة الضطرار‪ ،‬ولذلك اسـتثناها ال – سـبحانه – مـن مبدأ النهـي عـن‬
‫موالة الكفار فقال – سبحانه ‪{ :-‬لّ يَتّخِذِ ا ْل ُم ْؤمِنُو نَ الْكَا ِفرِي نَ َأوْ ِليَاء مِن ُدوْ نِ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ وَمَن‬
‫ّهـ‬
‫ْسـهُ َوإِلَى الل ِ‬
‫ّهـ نَف َ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ُمـ تُقَاةً وَيُحَ ّذرُك ُ‬
‫شيْءٍ إِلّ أَن تَتّقُو ْا ِم ْنه ْ‬
‫ّهـ فِي َ‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫ْسـ م َ‬
‫ِكـ َفَلي َ‬
‫يَفْ َعلْ ذَل َ‬
‫ا ْلمَصِيرُ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].28 :‬‬

‫فنهى ال – سبحانه – عن موالة الكفار‪ ،‬وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقال‪َ { :‬ومَن يَفْ َعلْ َذلِ كَ‬
‫شيْءٍ} أي ومن يرتكب نهي ال في هذا فقد برئ من ال‪ ،‬ثم قال – سبحانه‬
‫س مِ نَ اللّ هِ فِي َ‬
‫فَ َليْ َ‬
‫‪510‬‬
‫ُمـ تُقَاةً} أي‪ :‬إل مـن خاف فـي بعـض البلدان والوقات مـن شرهـم فله أن‬
‫‪{ :-‬إِلّ أَن َتتّقُو ْا ِم ْنه ْ‬
‫[تفسير ابن كثير‪ ،1/371 :‬وراجع في هذا المعنى كتب التفسير عند آيتي‪ :‬آل‬ ‫يتقيهم بظاهره ل بباطنه ونيته‬
‫عمران‪ ،‬آية‪ ،28 :‬والنحل‪ ،‬آية‪.].106:‬‬

‫وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة‪ ،‬قال ابن المنذر‪" :‬أجمعوا على أن‬
‫من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن باليمان أنه ل يحكم عليه‬
‫بالكفر" [فتح الباري‪.].12/314 :‬‬

‫ول كن من اختار العزي مة في هذا المقام ف هو أف ضل‪ ،‬قال ا بن بطال‪" :‬وأجمعوا على أن من‬
‫أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند ال" [ف تح الباري‪ .].12/317 :‬ولكن التقية التي‬
‫عند الشيعة خلف ذلك‪ ،‬فهي عندهم ليست رخصة بل هي ركن من أركان دينهم كالصلة أو‬
‫أع ظم‪ ،‬قال ا بن بابو يه‪" :‬اعتقاد نا في التق ية أن ها واج بة‪ ،‬من ترك ها بمنزلة من ترك ال صلة"‬
‫[العتقادات‪ :‬ص ‪.].114‬‬

‫[ابـن إدريـس‪ /‬السـرائر‪ :‬ص‬‫قال ال صادق‪" :‬لو قلت أن تارك التق ية كتارك ال صلة لك نت صادقًا"‬
‫‪ ،479‬ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪ ،2/80 :‬جامع الخبار‪ :‬ص ‪ ،110‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪،7/94 :‬‬
‫بحار النوار‪.].75/412،414 :‬‬

‫[جا مع الخبار‪:‬‬ ‫بل نسبوا إلى النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬تارك التقية كتارك الصلة"‬
‫ص ‪ ،110‬بحار النوار‪ ].412-75 :‬ثم زادوا في درجة التقية فجعلوها "تسعة أعشار الدين"‪.‬‬

‫ثم لم يكف هم ذلك فجعلو ها هي الد ين كله ول د ين ل من ل تق ية له‪ ،‬جاء في أ صول الكا في‬
‫[أصول‬ ‫وغيره أن جعفر بن محمد قال‪" :‬إن تسعة أعشار الدين في التقية ول دين لمن ل تقية له"‬
‫الكافي‪ ،2/217 :‬البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،259‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،11/460 :‬المجلسي‪ /‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪.].75/423‬‬

‫وعدّوا ترك التق ية ذنبًا ل يغ فر على حد الشرك بال‪ ،‬قالت أخبار هم‪" :‬يغ فر ال للمؤ من كل‬
‫[تفسير‬ ‫ذنب‪ ،‬يظهر منه في الدنيا والخرة‪ ،‬ما خل ذنبين‪ :‬ترك التقية‪ ،‬وتضييع حقوق الخوان"‬
‫الحسن العسكري‪ :‬ص ‪ ،130‬وسائل الشيعة‪ ،11/474 :‬بحار النوار‪.].75/415 :‬‬

‫والتقية في دين السلم دين الجهاد والدعوة‪ ،‬ل تمثل نهجًا عامًا في سلوك المسلم‪ ،‬ول سمة‬
‫مـن سـمات المجتمـع السـلمي‪ ،‬بـل هـي – غالبًا – حالة فرديـة مؤقتـة‪ ،‬مقرونـة بالضطرار‪،‬‬
‫مرتبطة بالعجز عن الهجرة‪ ،‬وتزول بزوال حالة الكراه‪.‬‬
‫‪511‬‬
‫ولكنها في المذهب الشيعي تعد طبيعة ذاتية في بنية المذهب‪ ،‬يقول أبو عبد ال‪" :‬إنكم على‬
‫دين من كتمه أعزه ال‪ ،‬ومن أذا عه أذله ال" [أ صول الكا في‪ ،].1/222 :‬وقال‪ .." :‬أبى ال – عز‬
‫وجل – لنا ولكم في دينه إل التقية" [أصول الكافي‪.].2/218 :‬‬

‫والتق ية عند هم حالة م ستمرة‪ ،‬و سلوك جما عي دائم‪ ،‬قال ا بن بابو يه في كتا به "العتقادات"‬
‫المسـمى ديـن الماميـة‪" :‬والتقيـة واجبـة ل يجوز رفعهـا إلى أن يخرج القائم‪ ،‬فمـن تركهـا قبـل‬
‫خروجـه فقـد خرج عـن ديـن ال – تعالى – وعـن ديـن الماميـة وخالف ال ورسـوله والئمـة"‬
‫[العتقادات‪ :‬ص ‪.].115-114‬‬

‫وروت كتب الشيعة عن علي بن موسى الرضا – عليه السلم – قال‪" :‬ل إيمان لمن ل تقية‬
‫[وكأن هم يف سرون قوله – سبحانه ‪{ :-‬إِنّ أَ ْكرَمَكُ ْم عِندَ اللّ هِ َأ ْتقَاكُ مْ}‬ ‫له‪ ،‬وإن أكرمكم عند ال أعملكم بالتقية"‬
‫[الحجرات‪ ..].]13 :‬فق يل له‪ :‬يا ا بن ر سول ال إلى م تى؟ قال‪" :‬إلى يوم الو قت المعلوم و هو يوم‬
‫خروج قائمنـا‪ ،‬فمـن ترك التقيـة قبـل خروج قائمنـا فليـس منـا"‬
‫[ابـن بابويـه‪ /‬إكمال الديـن‪ :‬ص ‪،355‬‬
‫الطبرسي‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪ ،408‬أبو القاسم الرازي‪ /‬كفاية الثر‪ :‬ص ‪ ،323‬وسائل الشيعة‪،466 ،11/465 :‬‬
‫وانظر في هذا المعنى‪ :‬جامع الخبار‪ :‬ص ‪ ،110‬وبحار النوار‪.].75/412 :‬‬

‫والتقية ملزمة للشيعي في كل ديار المسلمين حتى إنهم يسمون دار السلم "دار التقية"‪ ،‬جاء‬
‫في رواياتهم‪ .." :‬والتقية في دار التقية واجبة" [جامع الخبار‪ :‬ص ‪ ،110‬بحار النوار‪.].75/411:‬‬

‫وي سمونها "دولة البا طل"‪ .‬قالوا‪ " :‬من كان يؤ من بال واليوم ال خر فل يتكلم في دولة البا طل‬
‫إل بالتقية" [جامع الخبار‪ :‬ص ‪ ،110‬بحار النوار‪.].75/412:‬‬

‫ويسمونها‪" :‬دولة الظالمين" قالوا‪" :‬التقية فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين‪ ،‬فمن تركها‬
‫فقد خالف دين المامية وفارقه" [بحار النوار‪.].75/421 :‬‬

‫ويؤكدون على أن تكون عشرة الشي عة مع أ هل ال سنة التق ية‪ ،‬و قد تر جم لذلك ال حر العاملي‬
‫فقال‪" :‬باب وجوب عشرة العامة (أهل السنة) بالتقية" [وسائل الشيعة‪.].11/470 :‬‬

‫ونسبوا لبي عبد ال أنه قال‪" :‬من صلى معهم في الصف الول فكأنما صلى مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في الصف الول" [بحار النوار‪ :‬باب التقية‪ ].75/421 :‬وقال‪" :‬من صلى خلف‬
‫المنافقين بتقية كان كمن صلى خلف الئمة" [جامع الخبار‪ :‬ص ‪ ،110‬بحار النوار‪.].75/412:‬‬

‫‪512‬‬
‫وقال صاحب كشف الغطاء‪" :‬التقية إذا وجبت فمتى أتي بالعبادة على خلفها بطلت‪ ،‬وقد ورد‬
‫[جع فر النج في‪ /‬ك شف‬ ‫في ها ال حث العظ يم‪ ،‬وأن ها من د ين آل مح مد‪ ،‬و من ل تق ية له ل إيمان له"‬
‫الغطاء‪ :‬ص ‪.].61‬‬

‫بل إن التقية تجري حتى وإن لم يوجد ما يبررها‪ ،‬فأخبارهم تحث الشيعي على استعمال التقية‬
‫مع من يأمن جانبه حتى تصبح له سجية وطبيعة فيمكنه التعامل بها حينئذ مع من يحذره ويخافه‬
‫بدون تكلف ول تصـنع‪ ،‬فقـد روت كتبهـم‪" :‬عليكـم بالتقيـة فإنـه ليـس منـا مـن لم يجعلهـا شعاره‬
‫[أمالي الطوسـي‪ ،1/199 :‬وسـائل الشيعـة‪:‬‬ ‫ودثاره مـع مـن يأمنـه‪ ،‬لتكون سـجيته مـع مـن يحذره"‬
‫‪ ،11/466‬بحار النوار‪.].75/395 :‬‬

‫ولن التقية ل تعني – بهذه الصورة – سوى الكذب والنفاق‪ ،‬وهو مما تكرهه الفطرة السليمة‬
‫وتمجـه النفوس السـوية ول تقبله العقول‪ ،‬حاولت روايات الشيعـة أن تحببهـا للتباع‪ ،‬وتغريهـم‬
‫بالتزامهـا؛ فزعموا أنهـا عبادة ل‪ ،‬بـل هـي أحـب العبادات إليـه‪ ،‬روى الكلينـي‪ .." :‬عـن هشام‬
‫الكندي قال‪ :‬سمعت أ با ع بد ال يقول‪ :‬وال ما ع بد ال بش يء أ حب إل يه من الخ بء‪ ،‬فقلت‪ :‬ما‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/219 :‬وانظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ ،162‬و سائل الشيعة‪:‬‬ ‫الخبء؟ قال‪ :‬التقية"‬
‫‪.].11/462‬‬

‫وجاء في الكافي وغيره‪ .." :‬عن محمد بن مروان عن أبي عبد ال – رضي ال عنه – قال‪:‬‬
‫كان أبي – عليه السلم – يقول‪ :‬وأي شيء أقر لعيني من التقية" [أصول الكافي‪ ،].2/220 :‬وفي‬
‫[ا بن بابو يه‪ /‬الخ صال‪ :‬ص ‪ ،22‬جا مع الخبار‪ :‬ص‬ ‫روا ية‪ " :‬ما خلق ال شيئًا أ قر لع ين أب يك من التق ية"‬
‫‪ ،110‬البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،258‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،464 ،11/460 :‬بحار النوار‪.].75/394 :‬‬

‫هذه هي معالم التقية عند الشيعة الثني عشرية‪ ،‬وقد ذكر صاحب الكافي أخبارها في "باب‬
‫[أصـول‬ ‫التقيـة" [أصـول الكافـي‪ ،].2/217 :‬و"باب الكتمان" [أصـول الكافـي‪ ].2/221 :‬و"باب الذاعـة"‬
‫الكافي‪.].2/369 :‬‬

‫وذ كر المجل سي في بحاره من روايات هم في ها مائة وت سع روايات في باب عقده بعنوان "باب‬
‫التقية والمداراة" [بحار النوار‪.].443-75/393 :‬‬

‫أما سبب هذا الغلو في أمر التقية فيعود إلى عدة أمور منها‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أن الشي عة ت عد إما مة الخلفاء الثل ثة باطلة‪ ،‬و هم و من بايع هم في عداد الكفار‪ ،‬مع أن‬
‫عليًا بايعهم‪ ،‬وصلى خلفهم‪ ،‬وجاهد معهم‪ ،‬وزوجهم وتسرى من جهادهم‪ ،‬ولما ولي الخلفة سار‬
‫‪513‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫على نهجهم ولم يغير شيئًا مما فعله أبو بكر وعمر‪ ،‬كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها‬
‫ص ‪ ،].422‬وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه‪ ..‬فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم‬
‫بالقول بالتقية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أنهـم قالوا بعصـمة الئمـة وأنهـم ل يسـهون ول يخطئون ول ينسـون‪ ،‬وهذه الدعوى‬
‫خلف ما هو معلوم من حالهم‪ ..‬حتى إن روايات الشيعة نفسها المنسوبة للئمة مختلفة متناقضة‬
‫[ان ظر‪ :‬ص‬ ‫ح تى ل يو جد خبر من ها إل وبإزائه ما يناق ضه‪ ،‬ك ما اعترف بذلك شيخ هم الطو سي‬
‫‪ .].360‬وهذا ينقض مبدأ العصمة من أصله‪.‬‬

‫فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض والختلف والتستر على كذبهم‪ ،‬روى صاحب الكافي عن‬
‫منصور بن حازم قال‪" :‬قلت لبي عبد ال – عليه السلم ‪ :-‬ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني‬
‫فيهـا بالجواب‪ ،‬ثـم يجيئك غيري فتجيبـه فيهـا بجواب آخـر؟ فقال‪ :‬إنـا نجيـب الناس على الزيادة‬
‫والنقصان‪[ "..‬أصول الكافي‪.].1/65 :‬‬

‫قال شارح الكافي‪" :‬أي زيادة حكم عند التقية‪ ،‬ونقصانه عند عدمها‪ ..‬ولم يكن ذلك مستندًا إلى‬
‫الن سيان والج هل بل لعلم هم بأن اختلف كلمت هم أ صلح ل هم‪ ،‬وأن فع لبقائ هم إذ لو اتفقوا لعرفوا‬
‫بالتشيع وصار ذلك سببًا لقتلهم‪ ،‬وقتل الئمة عليهم السلم" [المازندراني‪ /‬شرح جامع‪.].2/397 :‬‬

‫ولذلك رأى سـليمان بـن جريـر الزيدي فـي مقالة التقيـة أنهـا مجرد تسـتر على الختلف‬
‫والتنا قض؛ إذ ل ما رأوا في أقوال الئ مة في الم سألة الواحدة عدة أجو بة مختل فة متضادة‪ ،‬و في‬
‫[ح سب مقالة شيوخ ال سوء‬ ‫م سائل مختل فة أجو بة متف قة‪ ،‬فل ما وقفوا على ذلك من هم‪ ،‬قالت ل هم أئمت هم‬
‫عنهم‪ : ].‬إنما أجبنا بهذا للتقية‪ ،‬ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا‪ ،‬لن ذلك إلينا‪ ،‬ونحن نعلم بما‬
‫يصلحكم‪ ،‬وما فيه بقاؤنا وبقاؤكم‪ ،‬وكف عدوكم عنا وعنكم‪ ،‬قال‪ :‬فمتى يظهر من هؤلء على‬
‫[الق مي‪ /‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،78‬النوبخ تي‪ /‬فرق الشي عة‪ :‬ص‬ ‫كذب‪ ،‬وم تى يعرف ل هم حق من با طل؟!‬
‫‪.].66-65‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تسهيل مهمة الكذابين على الئمة ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت بحيث‬
‫يوهمون التباع أن ما ينقله (واض عو مبدأ التق ية) عن الئ مة هو مذهب هم‪ ،‬وأن ما اشت هر وذاع‬
‫عنهم‪ ،‬وما يقولونه‪ ،‬ويفعلونه أمام المسلمين ل يمثل مذهبهم وإنما يفعلونه تقية فيسهل عليهم بهذه‬
‫الحيلة رد أقوال هم‪ ،‬والدس علي هم‪ ،‬وتكذ يب ما يروى عن هم من حق‪ ،‬فتجد هم مثلً يردون كلم‬
‫المام محمد الباقر أو جعفر الصادق الذي قاله أمام مل من الناس‪ ،‬أو نقله العدول من المسلمين‬

‫‪514‬‬
‫بحجة أ نه حضره بعض أهل ال سنة فاتقى في كل مه‪ ،‬ويقبلون ما ينفرد بنقله الكذبة أمثال جابر‬
‫الجعفي بحجة أنه ل يوجد أحد يتقيه في كلمه‪.‬‬

‫وبحسبك أن تعرف أن المام زيد بن علي وهو من أهل البيت يروي عن علي – رضي ال‬
‫عنه – كما تنقله كتب الثني عشرية نفسها – أنه غسل رجليه في الوضوء‪ ،‬ولكن من يلقبونه ب‍‬
‫"ش يخ الطائ فة" ل يأ خذ بهذا الحد يث ول ي جد ح جة يح تج ب ها سوى دعوى التق ية‪ ،‬ف هو يورد‬
‫الحديث في الستبصار عن زيد بن علي عن جده علي بن أبي طالب قال‪" :‬جلست أتوضأ فأقبل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين ابتدأت الوضوء – إلى أن قال – وغسلت قدمي‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫يا علي خلل بين الصابع ل تخلل بالنار" [الستبصار‪ .].1/65/66 :‬فأنت ترى أن عليًا كان يغسل‬
‫رجليه في وضوئه‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم أكد عليه بأن يخلل أصابعه‪ ،‬والشيعة‬
‫تخالف سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهدي علي في ذلك‪ ،‬ول تلتفت لمثل هذه الروايات‪،‬‬
‫وإن جاءت في كتبها بروايات أئمة أهل البيت‪ ،‬ول يكلف شيوخ الشيعة أنفسهم بالتفكر في أمر‬
‫هذه الروايات ودراسـتها‪ ،‬فلديهـم هذه الحجـة الجاهزة "التقيـة"‪ ،‬ولهذا قال الطوسـي‪" :‬هذا خـبر‬
‫موافق للعامة (يعني أهل السنة) وقد ورد مورد التقية لن المعلوم الذي ل يتخالج منه الشك من‬
‫مذا هب أئمتنا – علي هم ال سلم – القول بالم سح على الرجلين‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن رواة هذا ال خبر كل هم‬
‫عامة‪ ،‬ورجال الزيدية‪ ،‬وما يختصون به ل يعمل به" [الستبصار‪.].66-1/65 :‬‬

‫ثم ساق رواية أخرى عن أبي عبد ال جعفر الصادق في النص على غسل الرجلين وحملها‬
‫على التقية [الستبصار‪.].1/65 :‬‬

‫(مثل ما جاء عندهم‬ ‫وفي الذان حمل ما لم يتفق ومذهب شيوخه على التقية [الستبصار‪1/308 :‬‬
‫أنه يقول في أذان الفجر‪ :‬الصلة خير من النوم)‪.].‬‬

‫[انظـر‪:‬‬ ‫وفـي قسـمة المواريـث يقررون أن المرأة ل ترث مـن العقار والدور والرضيـن شيئًا‬
‫ال ستبصار للطو سي‪ ،‬باب في أن المرأة ل ترث من العقار والدور شيئًا‪ .].155-4/151 :‬ول ما يأ تي عند هم‬
‫نص عن الئمة يخالف ذلك وهو حديث أبي يعفور عن أبي عبد ال قال‪" :‬سألته عن الرجل هل‬
‫يرث من دار امرأ ته أو أرض ها من التر بة شيئًا؟ أو يكون في ذلك منزلة المرأة فل يرث من‬
‫ذلك شيئًا؟ فقال‪ :‬يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت" [الستبصار‪.].4/154 :‬‬

‫قال الطوسي‪" :‬نحمله على التقية‪ ،‬لن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة‪ ،‬وليس يوافقنا‬
‫عليها أحد من العامة‪ ،‬وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه" [الستبصار‪.].4/155 :‬‬

‫‪515‬‬
‫وفي النكاح‪" :‬جاءت عندهم روايات في تحريم المتعة‪ ،‬ففي كتبهم عن زيد بن علي عن آبائه‬
‫عن علي – عل يه ال سلم – قال‪ :‬حرّم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يوم خ يبر لحوم الح مر‬
‫[انظر‪ :‬الطوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،2/184 :‬الستبصار‪ ،3/132 :‬الحر العاملي‪ /‬وسائل‬ ‫الهلية ونكاح المتعة"‬
‫الشيعة‪.].7/441 :‬‬

‫[إذا أطلق الشيـخ فـي كتـب الشيعـة فالمراد بـه "شيخهـم‬ ‫قال شيخ هم ال حر العاملي‪" :‬أقول‪ :‬حمله الش يخ‬
‫الطوسي"‪ ].‬وغيره على التقية يعني في الرواية‪ ،‬لن إباحة المتعة من ضروريات مذهب المامية"‬
‫[وسائل الشيعة‪.].7/441 :‬‬

‫رابعًا‪ :‬وضـع مبدأ التقيـة لعزل الشيعـة عـن المسـلمين لذلك‪ ،‬جاءت أخبارهـم فيهـا على هذا‬
‫النمط‪ ،‬يقول إمامهم (أبو عبد ال)‪" :‬ما سمعتَ مني يشبه قول الناس فيه التقية‪ ،‬وما سمعت مني‬
‫ل يشبه قول الناس فل تقية فيه" [بحار النوار‪ ،2/252 :‬وعزاه إلى تهذيب الحكام للطوسي‪.].‬‬

‫وهذا مبدأ خطيـر‪ ،‬تطـبيقه يخرج بالشيعـة مـن السـلم رأسـًا وينظمهـم فـي سـلك الملحدة‬
‫والزنادقـة‪ ،‬لنهـم جعلوا مخالفـة المسـلمين هـي القاعدة‪ ،‬فتكون النتيجـة أنهـم يوافقون الكافريـن‬
‫ويخالفون المسلمين‪ ،‬فانظر إلى أي مدى لعب بهم زنادقة القرون البائدة‪.‬‬

‫وكان من آثار عقيدة التقية ضياع مذهب الئمة عند الشيعة‪ ،‬حتى إن شيوخهم ل يعلمون في‬
‫[انظـر‪ :‬احتجاج السـويدي على علماء الشيعـة فـي هذا النـص‪،‬‬ ‫الكثيـر مـن أقوالهـم أيهـا تقيـة وأيهـا حقيقـة‬
‫وانقطاع هم وعجز هم عن الجا بة (مؤت مر الن جف‪ :‬ص ‪ ،].)106‬ووضعوا ل هم ميزانًا‪ ،‬أخرج المذ هب إلى‬
‫دائرة الغلو‪ ،‬وهو أن ما خالف العامة فيه الرشاد [انظر‪ :‬فصل الجماع‪.].‬‬

‫و قد اعترف صاحب الحدائق بأ نه لم يُعلم من أحكام دين هم إل القل يل ب سبب التق ية ح يث قال‪:‬‬
‫"فلم يعلم من أحكام الديـن على اليقيـن إل القليـل لمتزاج أخباره بأخبار التقيـة‪ ،‬ك ما قـد اعترف‬
‫بذلك ثقة السلم محمد بن يعقوب الكليني في جامعه الكافي‪ ،‬حتى إنه تخطأ العمل بالترجيحات‬
‫[يوسـف البحرانـي‪/‬‬ ‫المرو ية ع ند تعارض الخبار والت جأ إلى مجرد الرد والت سليم للئ مة البرار"‬
‫الحدائق الناضرة‪.].1/5 :‬‬

‫أما تطبيق التقية عندهم فإنه خير كاشف بأن تقيتهم غير مرتبطة بحالة الضرورة‪.‬‬

‫و قد اعترف – أيضًا – صاحب الحدائق بأن الئ مة "يخالفون ب ين الحكام وإن لم يحضر هم‬
‫أ حد من أولئك النام‪ ،‬فترا هم يجيبون في الم سألة الواحدة بأجو بة متعددة‪ ،‬وإن لم ي كن ب ها قائل‬
‫من المخالفين" [الحدائق الناضرة‪.].1/5 :‬‬
‫‪516‬‬
‫والمثلة في هذا الباب كثيرة جدًا‪.‬‬

‫روى الكليني "‪ ...‬عن موسى بن أشيم قال‪ :‬كنت عند أبي عبد ال فسأله رجل عن آية من‬
‫كتاب ال – عز وجل – فأخبره بها‪ ،‬ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الية فأخبره بخلف ما‬
‫أ خبر به الول‪ ،‬قال‪ :‬فدخل ني من ذلك ما شاء ال ح تى كأن قل بي يشرح بال سكاكين فقلت في‬
‫نفسي‪ :‬تركت أبا قتادة بالشام ل يخطئ في الواو وشبهه‪ ،‬وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله‪.‬‬
‫فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الية فأخبره بخلف ما أخبرني وأخبر صاحبي‪،‬‬
‫ف سكنت نف سي فعل مت أن ذلك م نه تق ية‪ ،‬قال‪ :‬ثم الت فت إل يّ فقال لي‪ :‬يا ا بن أش يم إن ال فوض‬
‫عنْ هُ فَان َتهُوا} ف ما فوض إلى ر سول ال‬
‫خذُو هُ وَمَا َنهَا ُك مْ َ‬
‫إلى نبيه فقال‪{ :‬وَمَا آتَاكُ مُ الرّ سُولُ فَ ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقد فوضه إلينا" [أصول الكافي‪.].266-1/265 :‬‬

‫فانظر كيف نسبوا إلى جعفر أنه يضل بتأويل القرآن على غير تأويله؛ بل وإشاعة التأويلت‬
‫المختل فة المتناق ضة ب ين ال مة‪ ،‬ثم يزعمون أ نه قد فوض له أ مر الد ين‪ ،‬يف عل ما يشاء‪ ..‬فهذه‬
‫ليست تقية‪ ،‬هذا إلحاد في كتاب ال وصد عن دينه‪ ،‬ثم هل هناك حاجة للتقية في تفسير القرآن‬
‫وفي القرون المفضلة ومن عالم أهل البيت في عصره؟!‬

‫ويزعمون أن أئمتهم كانوا يفتون بتحريم الحلل وتحليل الحرام بموجب التقية بل مبرر‪ ،‬ففي‬
‫الكا في " عن أبان بن تغلب قال‪ :‬سمعت أ با ع بد ال يقول‪ :‬كان أ بي – عل يه ال سلم – يف تي في‬
‫زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلل‪ ،‬وكان يتقيهم‪ ،‬وأنا ل أتقيهم وهو حرام ما‬
‫قتل" [فروع الكافي‪ ،‬باب صيد البزاة والصقور‪.].6/208 :‬‬

‫ومما يدل صراحة على أن التقية ليست إل الكذب الصريح بل مبرر ما رواه شيخهم الكليني‬
‫عن محمد بن مسلم قال‪ :‬دخلت على أبي عبد ال – عليه السلم – (جعفر الصادق) وعنده أبو‬
‫حنيفة فقلت له‪ :‬جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا ابن مسلم هاتها إن العالم بها جالس‪،‬‬
‫وأومأ بيده إلى أبي حنيفة (فعرض الراوي الرؤيا على أبي حنيفة فأجابه أبو حنيفة عليها – كما‬
‫يزعمون) فقال أبو عبد ال – عليه السلم ‪ :-‬أصبت وال يا أبا حنيفة‪.‬‬

‫قال (الراوي)‪ :‬ثـم خرج أبـو حنيفـة مـن عنده فقلت له‪ :‬جعلت فداك إنـي كرهـت تعـبير هذا‬
‫النا صب‪ ،‬فقال‪ :‬يا ا بن م سلم ل ي سؤك ال ف ما يوا طئ ت عبيرهم تعبير نا‪ ،‬ول تعبير نا ت عبيرهم‬
‫وليس التعبير كما عبره‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬جعلت فداك‪ :‬فقولك‪ :‬أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟‬
‫قال‪ :‬نعم حلفت علي أنه أصاب الخطأ [روضة الكافي‪ .8/292 :‬ط‪ :‬إيران‪.].‬‬

‫‪517‬‬
‫فهل استعمال التقية في هذا النص له مسوغ؟ هل أبو حنيفة ذو سلطة وقوة حتى يخشى منه‬
‫ويت قى‪ ،‬و هل من ضرورة لمد حه والق سم على صواب إجاب ته ثم ل ما خرج يح كم عل يه بالنصب‬
‫ويخطـئ فـي جوابـه‪ ،‬هـل لهذا تفسـير غيـر أن الخداع والكذب بل مسـوغ ونحـن نـبرئ جعفـر‬
‫الصادق من هذا الفتراء ونقول‪ :‬إن هذا سب وطعن في جعفر ممن يزعم التشيع له ومحبته‪.‬‬

‫وكلمـا كان الرافضـي أبرع فـي الكذب والخداع كلمـا عظـم مقامـه عندهـم ونال أعلى شهادة‪،‬‬
‫ولذلك أثنى محمد باقر الصدر على الحسين بن روح [وهو الباب الثالث من أبواب مهديهم‪ ،].‬وقال بأنه‬
‫قام بمهمة "البابية" خير قيام لنه "كان من مسلكه اللتزام بالتقية المضاعفة‪ ،‬بنحو ملفت للنظر‬
‫بإظهار العتقاد بمذهب أهل السنة" [تاريخ الغيبة الصغرى‪ :‬ص ‪.].411‬‬

‫وجاء في الغيبة للطوسي‪ .." :‬عن عبد ال بن غالب قال‪ :‬ما رأيت من هو أعقل من الشيخ‬
‫أ بي القا سم الح سين بن روح‪ ،‬ولعهدي به يومًا في دار ا بن ي سار‪ ،‬وكان له م حل ع ند ال سيد‬
‫والمقتدر عظيم‪ ،‬وكانت العامة – أيضًا – تعظمه‪ ..‬وعهدي به وقد تناظر اثنان‪ ،‬فزعم واحد أن‬
‫[كذا ورد بدون ذكر‬ ‫أبا بكر أفضل الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم وسلم ثم عمر ثم علي‬
‫عثمان‪ ،‬فكأن مجلسهم يسوده اتجاه شيعي عام‪ ،‬ومع ذلك تجري فيه التقية‪ ،].‬وقال الخر‪ :‬بل علي أفضل من‬
‫عمر‪ ،‬فزاد الكلم بينهما‪ ،‬فقال أبو القاسم – رضي ال عنه ‪ :-‬الذي اجتمعت الصحابة عليه هو‬
‫تقديم الصديق ثم بعده الفاروق‪ ،‬ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي‪ ،‬وأصحاب الحديث‬
‫على ذلك‪ ،‬وهو الصحيح عندنا‪.‬‬

‫فبقي من حضر المجلس متعجبًا من هذا القول‪ ،‬وكاد العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم‪،‬‬
‫وكثر الدعاء له‪ ،‬والطعن على من يرميه بالرفض‪ ،‬فوقع عل يّ الضحك‪ ،‬فلم أزل أتصبر وأمنع‬
‫نفسي‪ ،‬وأدس كمي في فمي‪ ،‬فخشيت أن أفتضح فوثبت عن المجلس‪ ،‬ونظر إل يّ ففطن بي‪ ،‬فلما‬
‫ح صلت في منزلي فإذا الباب يطرق‪ ،‬فخر جت مبادرًا فإذا بأ بي القا سم الح سين ا بن روح راكبًا‬
‫بغلتـه قـد وافانـي مـن المجلس قبـل مضيـه إلى داره فقال لي‪ :‬يـا أبـا عبـد ال – أيدك ال – لم‬
‫ضح كت؟ فأردت أن ته تف بي كأن الذي قل ته عندك ل يس ب حق‪ ،‬فقلت‪ :‬كذلك هو عندي‪ ،‬فقال‬
‫لي‪ :‬اتق ال أيها الشيخ فإني ل أجعلك في حل تستعظم هذا القول مني؟ فقلت‪ :‬يا سيدي‪ ،‬رجل‬
‫يرى بأ نه صاحب المام ووكيله يقول ذلك القول يتع جب م نه ويض حك من قوله هذا‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫وحيا تك [الحلف بغ ير ال من شري عة "نائب المع صوم وبا به"‪ ].‬لئن عدت لهجر نك وودع ني وان صرف"‬
‫[الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].237-236‬‬

‫‪518‬‬
‫نقلت هذه القصة رغم طولها؛ لنها تصور كيف يخادعون أهل السنة‪ ،‬ويقولون بألسنتهم ما‬
‫ل يس في قلوب هم‪ ،‬ويتندرون في ما بين هم على ت صديق ب عض أ هل ال سنة لنفاق هم وكذب هم‪ ،‬وعقل ية‬
‫[ان ظر‪ :‬مح مد با قر ال صدر‪ /‬تار يخ الغي بة ال صغرى‪:‬‬ ‫شي عة هذا الع صر ل تزال تؤ من بهذا النفاق وجدواه‬
‫ص ‪ ،385‬ف قد ن قل هذه الحاد ثة عن ا بن روح مؤيدًا لمنه جه‪ .‬مثنيًا على م سلكه‪ ،].‬و قد جاءت عند هم أخبار‬
‫كثيرة على هذا النهج‪ ،‬لول ضيق المجال لعرضت لها‪ ،‬وأعقبتها بالنقد والتحليل‪ ،‬وهي تستحق‬
‫[انظـر‪ :‬جملة منهـا فـي بحار النوار‪:‬‬ ‫درا سة خا صة ل ما في ها من ك شف لح يل الروا فض وأ ساليبهم‬
‫‪ 75/402‬وما بعدها‪.].‬‬

‫استدللهم على التقية‪:‬‬

‫[ال ية (‪ِ{ :)28‬إ ّل أَن‬ ‫ي ستدل الث نا عشر ية [ان ظر‪ :‬الشي عة في الميزان‪ :‬ص ‪ ].50-49‬بآي تي آل عمران‬
‫َتتّقُو ْا ِمنْهُ ْم ُتقَاةً}‪ ،].‬والنحل [الية (‪{ :)106‬مَن َك َف َر بِاللّ ِه مِن بَعْ ِد إيمَانِ ِه ِإلّ مَ ْن أُ ْكرِ هَ وَ َق ْلبُ هُ مُطْ َم ِئنّ بِالِيمَا نِ}‪،].‬‬
‫[وهي اليات التي يؤلونها بحسب المنهج الباطني عندهم كتأويلهم قوله – سبحانه ‪{ :-‬فَمَا ا سْطَاعُوا أَن‬ ‫وغيرهما‬
‫يَظْ َهرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ َن ْقبًا} [الكهف‪ ،]97 :‬بقولهم‪ :‬ما استطاعوا له نقبًا إذا عمل بالتقية‪.‬‬

‫وفي قوله‪َ { :‬فإِذَا جَاء َوعْ ُد َربّي جَ َعلَ هُ دَكّاء} [الكهف‪ .]98 :‬قالوا‪" :‬رفع التقية ع ند الكشف فينتقم من أعداء ال"‪.‬‬
‫(انظر في تأويلهم لليتين بذلك في‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/351 :‬البرهان‪ ،2/486 :‬البحار‪ .)5/168 :‬وغيرها من‬
‫اليات (را جع‪ :‬فكرة التقر يب‪ :‬ص ‪ ].)221-220‬على عقيدت هم في التق ية‪ ،‬ول كن ا ستدللهم (باليت ين)‬
‫واقع في غير موقعه كما تبين أثناء توضيح معالم التقية عندهم‪ ،‬ولذلك قرر أهل العلم من خلل‬
‫معرفتهم بواقع الشيعة أن تقيتهم إنما هي الكذب والنفاق ليس إل‪ .‬وقد تبينت لنا هذه الحقيقة من‬
‫خلل "النص الشيعي" أيضًا‪.‬‬

‫فأ نت ترى أن التق ية عند هم هي الكذب والنفاق‪ ،‬و مع هذا يع تبرون ذلك من الد ين‪ ،‬بل هو‬
‫الدين كله‪.‬‬

‫وأن حالهـم مـن جنـس حال المنافقيـن ل مـن جنـس حال المكره الذي أكره وقلبـه مطمئن‬
‫باليمان‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية موضحًا الفرق ب ين تق ية النفاق‪ ،‬والتق ية في ال سلم‪ :‬التق ية‪...‬‬
‫ليسـت بأن أكذب وأقول بلسـاني مـا ليـس فـي قلبـي فإن هذا نفاق‪ ،‬ولكـن أفعـل مـا أقدر عليـه‪..‬‬
‫فالمؤ من إذا كان ب ين الكفار والفجار‪ ،‬لم ي كن عليه أن يجاهد هم بيده مع عجزه‪ ،‬ولكن إن أمكنه‬
‫بل سانه‪ ،‬وإل فبقلبه مع أنه ل يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه‪ ،‬إما أن يظهر دينه وإما أن‬

‫‪519‬‬
‫يكتمه‪ ،‬وهو مع هذا ل يوافقهم على دينهم كله‪ ،‬بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون؛ حيث لم‬
‫يكن موافقًا لهم على جميع دينهم‪ ،‬ول كان يكذب‪ ،‬ول يقول بلسانه ما ليس في قلبه‪ ،‬بل كان يكتم‬
‫إيمانه‪ ،‬وكتمان الدين شيء‪ ،‬وإظهار الدين الباطل شيء آخر‪ ،‬فهذا لم يبحه ال قط إل لمن أكره‬
‫بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر [منهاج السنة‪ ].3/260 :‬فيعذره ال في ذلك‪ ،‬والمنافق والكذاب ل‬
‫يعذر بحال‪.‬‬

‫ثم إن المؤمن الذي يعيش بين الكفار مضطرًا ويكتم إيمانه يعاملهم – بمقتضى اليمان الذي‬
‫يحمله – بصدق وأمانة ونصح وإرادة للخير بهم‪ ،‬وإن لم يكن موافقًا لهم على دينهم‪ ،‬كما كان‬
‫يو سف ال صديق ي سير في أ هل م صر وكانوا كفارًا‪ ..‬بخلف الراف ضي الذي ل يترك شرًا يقدر‬
‫عليه إل فعله بمن يخالفه [منهاج السنة‪.].3/260 :‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫المهدية والغيبة‬
‫في هذا الفصل سأتناول – بحول ال – مسألة المهدية والغيبة عند الفرق الشيعية بوجه عام‪،‬‬
‫ثم نشأة هذه الفكرة عند الثني عشرية وتطورها‪ ،‬وبعد ذلك أبين الخطوط العريضة لهذه العقيدة‬
‫عند هم‪ ،‬و ما ي ستدلون به ل سناد هذا المعت قد ودفاع هم عن طول ز من الغي بة الذي م ضى عل يه‬
‫الن أكثر من أحد عشر قرنًا‪ ،‬ومناقشة ذلك‪.‬‬

‫يلي ذلك بيان لمـا يتخيله الثنـا عشريـة لدولة المهدي بعـد عودتـه مـن غيبتـه‪ ،‬وهـي خيالت‬
‫صاغوها على ش كل روايات عن أئ مة أ هل الب يت لتأ خذ صفة الع صمة والقدا سة ع ند أتباع هم‪،‬‬
‫فأبين ما قالوه حول شريعته‪ ،‬وسيرته‪ ،‬وجنده‪.‬‬

‫ثم أعرض بعد هذا للشيعة في فترة الغيبة‪ ،‬والمبادئ التي شرعوها‪ ،‬والشرائع التي عطلوها‬
‫بسبب هذه العقيدة‪ ،‬ومحاولة شيوخهم لمواجهة فقد إمامهم باختراع عقيدة "النيابة عن المهدي"‪.‬‬

‫وأختم الموضوع بنقد لصل هذه الفكرة ومناقشتها‪.‬‬

‫المهدية والغيبة عند فرق الشيعة‬

‫‪520‬‬
‫فكرة اليمان بالمام الخ في أو الغائب تو جد لدى مع ظم فرق الشي عة‪ ،‬ح يث تعت قد في إمام ها‬
‫ب عد مو ته أ نه لم ي مت‪ ،‬وتقول بخلوده‪ ،‬واختفائه عن الناس‪ ،‬وعود ته إلى الظهور في الم ستقبل‬
‫مهديًا‪ ،‬ول تختلف هذه الفرق إل في تحد يد المام الذي قدرت له العودة‪ ،‬ك ما تختلف في تحد يد‬
‫الئمة وأعيانهم والتي يعتبر المام الغائب واحدًا منهم‪.‬‬

‫وتعتـبر السـبئية – كمـا يقول القمـي‪ ،‬والنوبختـي‪ ،‬والشهرسـتاني وغيرهـم – أول فرقـة قالت‬
‫[الق مي‪ /‬المقالت وال فر‪ :‬ص ‪ ،20-19‬النوبخ تي‪/‬‬ ‫بالو قف على علي [أي لم ت سق الما مة ل من بعده‪ ].‬وغيب ته‬
‫فرق الشي عة‪ :‬ص ‪ ،22‬الشهر ستاني‪ /‬الملل والن حل‪ ،].1/174 :‬ح يث زع مت "أن عليًا لم يق تل ولم ي مت‪،‬‬
‫ول يقتـل ول يموت حتـى يسـوق العرب بعصـاه‪ ،‬ويمل الرض عدلً وقسـطًا كمـا ملئت ظلمًا‬
‫وجورًا" [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،19‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪ ،22‬مقالت السلميين‪.].1/86 :‬‬

‫ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه‪" :‬كذبت‪ ،‬لو جئنا بدماغه في سبعين‬
‫ل لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل‪ ،‬ول يموت حتى يملك الرض"‬
‫صرة‪ ،‬وأقمت على قتله سبعين عد ً‬
‫[فرق الشيعـة‪ :‬ص ‪ ،23‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ].21‬وظلت تنتظـر عودتـه مـن غيبتـه‪ ،‬ثـم انتقلت هذه‬
‫[الكرب ية‪ :‬أتباع أ بي كر يب الضر ير‪ ،‬و قد م ضى‬ ‫"الفكرة" من السبئية إلى بعض فرق الكيسانية كالكرب ية‬
‫التعر يف بالكي سانية‪ ].‬ح يث قالت ل ما مات مح مد بن الحنف ية – و هو الذي تد عي أ نه إمام ها ‪ :-‬إ نه‬
‫حي لم يمت وهو في جبل رضوى بين مكة والمدينة عن يمينه أسد وعن يساره نمر موكلن به‬
‫[وقد تغنى شعراؤهم بذلك حتى قال شاعرهم (كثير عزة) ‪:‬‬ ‫يحفظانه إلى أوان خروجه وقيامه‬
‫ولة الحق أربعة سواء‬ ‫أل إن الئمة من قريش‬

‫هم السباط ليس بهم خفاء‬ ‫علي والثلثة من بنيه‬

‫وسبط غيبته كربلء‬ ‫فسبط سبط إيمان وب ّر‬

‫يقود الخيل يقدمها اللواء‬ ‫وسبط ل يذوق الموت حتى‬

‫برضوا عنده عسل وماء‬ ‫تغيب ل يرى عنا زمان‬

‫(انظر‪ :‬مسائل المامة ص ‪ ،26‬مقالت السلميين‪ ،93-1/92 :‬الفرق بين الفرق ص ‪ ،)41‬وقد أوردت كتب‬
‫المقالت أيضًا أشعارًا في هذا المع نى لشعراء آخر ين (ان ظر‪ :‬م سائل الما مة ص ‪ ،)29 ،28 ،27 ،26‬و قد ن ظم‬
‫[مسائل‬ ‫البغدادي بعض البيان في الرد عليها الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪ ،].)43-41‬وقالوا‪ :‬إنه المهدي المنتظر‬
‫المامـة‪ :‬ص ‪ ،26‬فرق الشيعـة‪ :‬ص ‪ ،27‬مقالت السـلميين‪ ،1/92 :‬الفرق بيـن الفرق‪ :‬ص ‪ ،39‬التبصـير فـي‬
‫الدين‪ :‬ص ‪ .].19-18‬وزعموا أنه سيغيب عنهم سبعين عامًا في جبل رضوى ثم يظهر فيقيم لهم‬
‫الملك‪ ،‬ويقتل لهم الجبابرة من بني أمية [م سائل الما مة‪ :‬ص ‪ ...].27‬فلما مضت سبعون سنة ولم‬
‫‪521‬‬
‫ينالوا مـن أمانيهـم شيئًا حاول بعـض شعرائهـم توطيـن أصـحابه على هذه العقيدة‪ ،‬وأن يرضوا‬
‫[يقول شاعرهم في ذلك‪:‬‬ ‫بالنتظار ولو غاب مهديهم مدة عمر نوح عليه السلم‬
‫منا النفوس بأنه سيؤوب‬ ‫لو غاب عنا عمر نوح أيقنت‬

‫قد كان يأمل يوسفًا يعقوب‬ ‫إنـي لرجـوه وآملـه كمـا‬

‫(المصدر السابق‪ :‬ص ‪.].)29‬‬

‫ثم شاع التو قف على المام وانتظار عود ته مهديًا ب عد ذلك ب ين فرق الشي عة‪ ..‬فب عد وفاة كل‬
‫إمام من آل البيت تظهر فرقة من أتباعه تدعي فيه هذه الدعوى‪ ..‬وتنتظر عودته‪ ،‬وتختلف فيما‬
‫بين ها اختلفًا شديدًا في تحد يد المام الذي وق فت عل يه وقدرت له العودة – في زعمهم – ولذلك‬
‫قال ال سمعاني‪" :‬ثـم إنهـم فـي انتظارهـم المام الذي انتظروه مختلفون اختلفًا يلوح عل يه حمـق‬
‫بليغ" [النساب‪.].1/345 :‬‬

‫وحتى بعض فرق الزيدية وهي الجارودية تاهت في وهم هذا النتظار للمام الذي قد مات‪،‬‬
‫[مقالت‬ ‫مـع اختلف فروع هذه الطائفـة فـي تحديـد المام المنتظـر‪ ،‬كمـا نقـل ذلك الشعري‬
‫[الملل والنحـل‪:‬‬ ‫السـلميين‪ ].142-1/141 :‬والبغدادي [الفرق بيـن الفرق‪ :‬ص ‪ ].32-31‬والشهرسـتاني‬
‫‪ ].159-1/158‬وغيرهم [نشوان‪ /‬الحور العين‪ :‬ص ‪ .].156‬ولذلك فإنه ل صحة لما قاله بعضهم من‬
‫أن الزيدية كلها تنكر هذا التجاه كما قاله أحمد أمين [ضحى السلم‪ ،].3/243 :‬وأشار إليه جولد‬
‫سيهر [العقيدة والشريعة‪ :‬ص ‪.].211‬‬

‫هذه عقيدة الغيبة عند فرق الشيعة‪ ،‬ارتبطت بأفراد من أهل البيت معروفين وجدوا في التاريخ‬
‫فعلً وعاشوا حياتهـم كسـائر الناس‪ ،‬فلمـا ماتوا ادعـت فيهـم هذه الفرق تلك الدعوى‪ ،‬حيـث لم‬
‫تصدق بموتهم‪ ،‬وزعمت أنهم غابوا‪ ،‬وسيعودون للظهور مرة أخرى‪ .‬أما هذه الفكرة عند الثني‬
‫عشر ية فتختلف من ح يث إن ها ارتب طت عند هم "بشخ صية خيال ية" ل وجود ل ها ع ند أك ثر فرق‬
‫[وتتداول الشيعـة‬ ‫الشيعـة المعاصـرة لظهور هذه "الدعوى" وهـي عنـد أصـحابها شخصـية رمزيـة‬
‫أخبارها بالرمز إليه بدون ذكر اسمها‪ ،].‬لم يرها الناس‪ ،‬ولم يعرفوها‪ ،‬ول يعلمون مكانها‪ ،‬غابت – كما‬
‫يدعون – بعد ولدتها‪ ،‬ولم يظهر حملها‪ ،‬وأحيطت ولدتها بسياج من السرية والكتمان‪ ،‬بل إن‬
‫عائلتهـا‪ ،‬ووكيلهـا وأقرب الناس إليهـا لم يعلموا بأمـر هذا الحمـل وذلك المولود‪ ،‬وكانوا له‬
‫منكرين‪ ،‬بل لم يظهر للشيعة التي تدعيه إل من خلل نواب يدعون الصلة به‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫هذه الشخصية هي شخصية المهدي المنتظر عندهم‪ ،‬ويشكّل اليمان بها عند الثني عشريّة‬
‫ال صل الذي ينب ني عل يه مذهب هم‪ ،‬والقاعدة ال تي تقوم علي ها بن ية التّشيّع عند هم؛ إذ ب عد انتهاء‬
‫وجود أئمّة الشّي عة بوفاة الح سن الع سكري أ صبح اليمان بغي بة اب نه المزعوم هو المحور الذي‬
‫تدور عليه عقائدهم‪ ،‬والساس الذي يمسك بنيان الشّيعة من النهيار‪.‬‬

‫ولكن كيف ومتى بدأت هذه الفكرة عند الثني عشرية؟‬

‫نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الثني عشرية وتطورها‬

‫حال الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري‪:‬‬

‫لبد في الحديث عن النشأة أن نتناول حال الشيعة بعد وفاة الحسن لعلقته الوثيقة بنشأة هذه‬
‫الفكرة‪.‬‬

‫إذ ب عد وفاة الح سن – إمام هم الحادي ع شر – سنة (‪260‬ه‍) "لم ير له خلف‪ ،‬ولم يعرف له‬
‫[المقالت والفِرَق‪ :‬ص ‪ ،102‬فِرَق الشّيعة‪ :‬ص‬ ‫ولد ظاهر‪ ،‬فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمّه"‬
‫‪( 96‬وفيها‪" :‬ولم ير له أثر")‪ ].‬كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها‪.‬‬

‫وب سبب ذلك اضطرب أ مر الشّي عة‪ ،‬وتفرّق جمع هم‪ ،‬لنّ هم أ صبحوا بل إمام‪ ،‬ول د ين عند هم‬
‫بدون إمام‪ ،‬لنّه هو الحجّة على أ هل الرض [أ صول الكا في‪ .].1/188 :‬وح تى كتاب ال سبحانه‬
‫ل يس ح جة عند هم إل به – ك ما سلف ‪ ،-‬وبالمام بقاء الكون‪ ،‬إذ "لو بق يت الرض بغ ير إمام‬
‫لساخت" [أصول الكافي‪ ،].1/179 :‬وهو أمان النّاس "ولو أ نّ المام رفع من الرض ساعة َلمَاجَ تْ‬
‫بأهلهـا كمـا يموج البحـر بأهله" [أصـول الكافـي‪ .].1/179 :‬ولكـن المام مات بل عقـب‪ ،‬وبقيـت‬
‫الرض بل إمام‪ ،‬ولم يحدث ش يء من هذه الكوارث‪ ..‬فتحيرت الشي عة واختل فت في أع ظم أ مر‬
‫[فِرَق الشّيعة‪ :‬ص ‪،96‬‬ ‫عندها وهو تعيين المام‪ ،‬فافترقت إلى أربع عشرة فرقة كما يقول النّوبختي‬
‫[المقالت والفِرَق‪ :‬ص‬ ‫المفيـد‪ /‬الفصـول المختارة‪ :‬ص ‪ ،].258‬أو خمـس عشرة فرقـة كمـا ينقـل القم ّي‬
‫‪ ،].102‬وه ما من الث ني عشريّة‪ .‬وممّن عا صر أحداث الختلف‪ ،‬إذ ه ما من القرن الثّالث‪،‬‬
‫فمعلوماتهما مهمة في تصوير ما آل إليه أمر الشيعة بعد الحسن العسكري‪.‬‬

‫و من بعده ما زادت الفر قة واتّ سع الختلف‪ ،‬ح يث يذ كر الم سعودي الشّي عي (المتوفّى سنة‬
‫[مروج ال ّذ هب‪:‬‬ ‫‪346‬ه‍) ما بل غه اختلف شي عة الح سن ب عد وفا ته‪ ،‬وأنّه و صل إلى عشر ين فر قة‬

‫‪523‬‬
‫[وعندي أن هذا الختلف لم يتوقف إل بعد‬ ‫‪ ،4/190‬وانظر‪ :‬ال صّواعق المحرقة‪ :‬ص ‪ ]168‬فما بالك بما بعده‬
‫قيام السمري – كما سيأتي – بإلغاء فكرة البابية واختراع فكرة النيابة العامة عن المهدي من جم يع شيوخهم‪ ،‬فاتفقوا‬
‫حينئذ على دعوى غيبة المولود لتفاقهم على قسمة الغنائم التي تجبى باسمه فيما بينهم باسم النيابة‪.].‬‬

‫وقد ذهبت هذه الفرق مذاهب شتّى في أمر المامة‪ ،‬فمنهم من قال‪" :‬إ نّ الحسن بن علي ح يّ‬
‫لم يمت‪ ،‬وإنّما غاب وهو القائم‪ ،‬ول يجوز أن يموت ول ولد له ظاهر‪ ،‬لنّ الرض ل تخلو من‬
‫إمام" [فرق الشّيعـة‪ :‬ص ‪ ،96‬المقالت وال ِفرَق‪ :‬ص ‪ .].106‬فوقفـت هذه الفِرقـة على الحسـن العسـكري‬
‫وقالت بمهديته وانتظاره كما هي العادة عند الشّيعة بعد وفاة كلّ إمام تدّعي إمامته‪ ،‬وذهبت فرقة‬
‫[ ِفرَق الشّيعة‪:‬‬ ‫أخرى إلى القرار بموته‪ ،‬ولكنّها زعمت أنّه ح يّ بعد موته‪ ،‬ولكنّه غائب وسيظهر‬
‫ص ‪ ،97‬المقالت وال ِفرَق‪ :‬ص ‪ ،].107‬بين ما ِفرَق أخرى حاولت أن تم ضي بالما مة من الح سن إلى‬
‫[ان ظر‪ :‬المقالت‬ ‫أخ يه جع فر [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،].110‬وأخرى أبطلت إما مة الح سن بمو ته عقيمًا‬
‫والفرق‪ :‬ص ‪ ،109‬فرق الشّيعة‪ :‬ص ‪.].101-100‬‬

‫أما الثنا عشريّة فقد ذهبت إلى الزّعم بأن للحسن العسكري ولدًا "كان قد أخفى (أي الحسن)‬
‫مولده‪ ،‬وسـتر أمره لصـعوبة الوقـت وشدّة طلب السـّلطان له‪ ..‬فلم يظهـر ولده فـي حياتـه‪ ،‬ول‬
‫عرفه الجمهور بعد وفاته" [المفيد‪ /‬الرشاد‪1005 :‬آ‪.].3+‬‬

‫ويقابـل ذلك اتجاه آخـر يقول‪" :‬إن الحسـن بـن علي قـد صـحت وفاتـه كمـا صـحت وفاة آبائه‬
‫بتواطؤ الخبار التي ل يجوز تكذيب مثلها‪ ،‬وكثرة المشاهدين لموته‪ ،‬وتواتر ذلك عن الولي له‬
‫والعدو‪ ،‬وهذا ما ل يجب الرتياب فيه‪ ،‬وصح بمثل هذه السباب أنه ل ولد له‪ ،‬فلما صح عندنا‬
‫الوجهان ثبت أنه ل إمام بعد الحسن بن علي‪ ،‬وأن المامة انقطعت‪ ..‬كما جاز أن تنقطع النبوة‬
‫بعد محمد‪ ،‬فكذلك جائز أن تنقطع المامة‪ ،‬لن الرسالة والنبوة أعظم خطرًا وأجل‪ ،‬والخلق إليها‬
‫أحوج‪ ،‬والح جة ب ها ألزم‪ ،‬والعذر ب ها أق طع‪ ،‬لن مع ها البراه ين الظاهرة والعلم الباهرة‪ ،‬ف قد‬
‫انقطعت‪ ،‬فكذلك يجوز أن تنقطع المامة" [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،108-107‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].105‬‬

‫وقطعـت كذلك فرقـة أخرى بموت الحسـن بـن علي وأنـه ل خلف له‪ ،‬وقالت‪ :‬إن ال سـيبعث‬
‫قائمًا من آل محمد ممن قد مضى‪ ،‬إن شاء بعث الحسن بن علي‪ ،‬وإن شاء بعث غيره‪ ،‬ونحن‬
‫الن في زمن فترة انقطعت فيه المامة [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،108‬وانظر‪ :‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].105‬‬

‫‪524‬‬
‫وهكذا تضاربـت أقوالهـم‪ ،‬واختلفـت اتجاهات هم‪ ،‬وتفرقوا شيعًا وأحزابًا كل حزب بمـا لديهـم‬
‫فرحون‪ ..‬وبلغت الحيرة في تلك الفترة أن اختار بعضهم التوقف وقال‪" :‬نحن ل ندري ما نقول‬
‫في ذلك وقد اشتبه علينا المر‪[ "..‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،116-115‬وانظر‪ :‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].108‬‬

‫هذه بعض ملمح الخلف الذي دب بين الشيعة بعد وفاة الحسن‪.‬‬

‫أسباب القول بالغيبة‪:‬‬

‫ول عل القارئ يع جب من ذلك الصـرار الشد يد على القول بإما مة أ حد من آل الب يت ح تى‬
‫ينكرون موت من مات‪ ،‬أو يدعون أنه حي بعد موته‪ ،‬أو يخترعون ولدًا لمن ل عقب له‪ ،‬وقليل‬
‫منهـم ثاب إلى رشده لمـا انكشـف له الغطاء بموت المام عقيم ًا فترك التحزب والتشيـع وقال‬
‫بانقطاع المامة‪ ،‬ورجع إلى شئون حياته‪ .‬ولعل هذه الفئة هي التي تتشيع عن صدق‪ ،‬فلما تبين‬
‫لها المر‪ ،‬وسقط القناع رجعت‪.‬‬

‫إن أهم سبب لهذا الصرار يتبين من خلل اختلف هذه الفرق ونزاعها فيما بينها للدفاع عن‬
‫رأيها والفوز بأكثر قدر من التباع‪ ،‬حيث إن كل طائفة تنادي بمهدي لها وتكذب الخرى‪ ،‬ومن‬
‫خلل تلك الخصومة تتسرب الحقيقة‪.‬‬

‫لنسـتمع – مثلً – إلى مـا ترويـه الثنـا عشريـة – التـي تقول بالغيبـة والوقـف على البـن‬
‫المزعوم للحسن للعسكري – في كشف حقيقة دعوى الطائفة الخرى التي تقول بالغيبة والوقف‬
‫على موسى الكاظم تقول‪" :‬مات أبو إبراهيم (موسى الكاظم) وليس من قوامه [نوابه ووكلؤه‪ ].‬أحد‬
‫إل وعنده المال الكثير‪ ،‬وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعًا في الموال‪ ،‬كان عند زياد‬
‫[الغيبـة‬ ‫بـن مروان القندي سـبعون ألف دينار‪ ،‬وعنـد علي بـن أبـي حمزة ثلثون ألف دينار‪"..‬‬
‫للطّوسي‪ :‬ص ‪.].43-42‬‬

‫و ما بعد ها‪ ،‬ورجال الكشـي‪/‬‬ ‫وجاء عند هم روايات أ خر بهذا المع نى [ان ظر‪ :‬المصـدر السـابق‪ :‬ص ‪43‬‬
‫الروايات ر قم‪ ].893 ،888 ،871 ،759 :‬تك شف ما خ في‪ ..‬وأن وراء دعوى غي بة المام وانتظار‬
‫رجعتـه الرغبـة فـي السـتئثار بالموال‪ ،‬وأن هناك فئات منتفعـة بدعوى التّشيّع تغرّر بالسّـذّج‪،‬‬
‫وتأخذ أموالهم باسم أنّهم نوّاب المام‪ ،‬فإذا ما توفّي المام أنكروا موته لتبقى الموال في أيديهم‪،‬‬
‫ويستمرّ دفع الموال إليهم باسم خمس المام الغائب‪.‬‬

‫وهكذا تدور عمليات النهـب والسـلب‪ ..‬والضحيـة هـم أولئك السـذج المغفلون الذيـن يدفعون‬
‫أموالهم إلى من زعموا أنهم نواب المام في بلدان العالم السلمي‪ .‬والذين استمرأوا هذه الغنيمة‬
‫‪525‬‬
‫الباردة فظلوا يذكون في النفوس محبة آل البيت‪ ،‬واستشعار ظلم آل البيت‪ ،‬والحديث عن محن‬
‫آل البيـت‪ ،‬والمطالبـة بحـق آل البيـت‪ ..‬ليفرقوا المـة‪ ،‬ويتخذوا مـن تلك الموال وسـيلة لتغذيـة‬
‫جمعياتهم السرية التي تعمل على تقويض كيان الدولة السلمية‪.‬‬

‫ولعل من أسباب القول بالمهدية والغيبة أيضًا تطلع الشيعة إلى قيام كيان سياسي لهم مستقل‬
‫عن دولة السلم‪ ،‬وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة المامة‪ ،‬ولما خابت آمالهم‪ ،‬وغلبوا على‬
‫أمرهم وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى المال والحلم كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم‬
‫من الحباط وشيعت هم من اليأس‪ ،‬وأخذوا يبثون الرجاء وال مل في نفوس أ صحابهم‪ ،‬ويمنون هم‬
‫بأن ال مر سيكون في النها ية ل هم‪ .‬ولذلك فإن القول بالمهد ية والغي بة ين شط دعا ته ب عد وفاة كل‬
‫إمام لمواجهة عوامل اليأس وفقدان المل‪ ،‬بالضافة إلى تحقيق المكاسب المادية‪.‬‬

‫كما أن التشيع كان مهوى قلوب أصحاب النحل والهواء والمذاهب المتطرفة؛ لنهم يجدون‬
‫من خلله الجو المناسب لتحقيق أهدافهم‪ ،‬والعودة إلى معتقداتهم‪.‬‬

‫فان ضم إلى ر كب التش يع أ صناف من أ صحاب هذه التجاهات الغال ية‪ ..‬وكان هذا «الخل يط»‬
‫يش طح "بالشي عة" ن حو معتقدا ته المورو ثة‪ ،‬ول سيما ب عد أن عزلت الشي عة نف سها عن أ صول‬
‫المة‪ ،‬وإجماعها‪.‬‬

‫ولهذا فإن مسـألة المهديـة والغيبـة حسـب العتقاد الشيعـي لهـا جذورهـا فـي بعـض الديانات‬
‫والنحـل‪ ،‬ممـا ل يسـتبعد معـه أن لتباع تلك الديانات دورًا فـي تأسـيس هذه الفكرة فـي أذهان‬
‫الشيعة‪.‬‬

‫ويميـل بعـض المسـتشرقين أنهـا ذات أصـل يهودي‪ ،‬لن اليهود يعتقدون بأن إيليـا رفـع إلى‬
‫ال سماء و سيعود في آ خر الزمان‪ ،‬ولذلك فإن إيل يا هو – ح سب رأي هم – النموذج الول لئ مة‬
‫الشيعة المختفين الغائبين [جولد سيهر‪ /‬العقيدة والشريعة‪ :‬ص ‪.].192‬‬

‫وفـي نظري أن هذا ل يكفـي لظهار الثـر اليهودي‪ ،‬لن فـي السـلم أن عيسـى رفـع إلى‬
‫السـماء وسـيعود فـي آخـر الزمان‪ ،‬فليسـت هذه الفكرة التـي عرضوهـا غريبـة على الصـول‬
‫السـلمية‪ ،‬ولكـن لن المسـتشرقين ينكرون مسـألة المهديـة أصـلً قالوا هذا القول‪ .‬إنمـا يـبرز‬
‫إيضاح الثر اليهودي أكثر من أوجه أخرى هي أن نظرية الغيبة ترجع في أصولها إلى ابن سبأ‬
‫وهو حبر من أحبار اليهود‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫كذلك ما صرح به بعض شعراء الشيعة من أن فكرة المهدية مستمدة من أخبار كعب الحبار‬
‫الذي كان على د ين اليهود ية ق بل إ سلمه‪ ،‬ويبدو ذلك بوضوح في ما قاله شا عر الكي سانية كث ير‬
‫عزة في ابن الحنفية‪:‬‬

‫أخو الحبار في الحقب الخوالي [ديوان كثير عزة‪.].1/275 :‬‬ ‫هو المهدي خبرناه كعب‬

‫ويقول فان فلو تن‪" :‬وأ ما ن حن معا شر الغربي ين ف قد ا سترعت عقيدة المهدي المنت ظر بو جه‬
‫خاص أنظار المستشرقين منا" [السيادة العربية والسرائيليات‪ :‬ص ‪.].110‬‬

‫ثم يربط هذه العقيدة بالسرائيليات ويردها إلى أصول يهودية ونصرانية‪ ،‬لنه يرى أنها تخل‬
‫تحـت نطاق التنبـؤ ببعـض الشخاص والحوادث المعينـة‪ ،‬وهـو التنبـؤ الذي أفاضـت فيـه كتـب‬
‫إ سرائيلية لم ت كن معرو فة ع ند العرب في بادي ال مر‪ ،‬وإن ما و صلت إلي هم عن طر يق اليهود‬
‫والمسيحيين الذين اعتنقوا السلم [السيادة العربية والسرائيليات‪ :‬ص ‪.].112‬‬

‫ويبدو أن ربطـه هذه العقيدة باليهوديـة والنصـرانية لمجرد أنهـا تدخـل فـي نطاق الخبار‬
‫بالمغيبات الذي ل يعرفـه العرب كمـا يقول هـو ربـط ضعيـف‪ ،‬ذلك أن مـن معجزات رسـول‬
‫السلم العربي الهاشمي الخبار ببعض المغيبات‪ ،‬لكن هؤلء يحللون هذه المسائل وفق عقليتهم‬
‫الكافرة‪ ،‬واتجاههم المنكر لنبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وأرجـح فـي هذه المسـألة أن عقيدة الثنـي عشريـة فـي المهديـة والغيبـة ترجـع إلى أصـول‬
‫مجوسية‪ ،‬فالشّيعة أكثرهم من الفرس‪ ،‬والفرس من أديانهم المجوسيّة‪ ،‬والمجوس تدّعي أ نّ لهم‬
‫منتظرًا حيّا باقيًا مهديّا من ولد بشتاسف بن بهراسف يُقال له‪ :‬أبشاوثن‪ ،‬وأنّه في حصن عظيم‬
‫من [لعلها "بين"‪ ].‬خراسان والصّين [تثبيت دلئل النّبوّة‪.].1/179 :‬‬

‫وهذا مطابق لجوهر المذهب الثني عشري‪.‬‬

‫واضع مبدأ الغيبة عند الثني عشرية‪:‬‬

‫إذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النص على علي بالمامة – كما تذكره كتب الفرق عند‬
‫الشي عة وغير ها – فإن هناك ا بن سبأ آ خر هو الذي و ضع البد يل "لفكرة الما مة" ب عد انتهائ ها‬
‫حسيًا بانقطاع نسل الحسن‪ ،‬أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة‪ ،‬لكنه هو الوجه البارز‬
‫[ويرى الستاذ محب الدين الخطيب أن مؤسس‬ ‫لهذه الدعوى‪ .‬هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد العمري‬
‫فكرة الغيبة هو محمد بن نصير من موالي بني نمير (الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪ ،)37‬وقد ورد في كتب الثني عشرية‬
‫أ نه م من اد عى الباب ية للغائب‪ ،‬و قد سبقه في ذلك ر جل آ خر يد عى الشري عي‪ ،‬وتله آخرون ادعوا كدعواه‪( .‬ان ظر‪:‬‬
‫‪527‬‬
‫الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،].)244‬و قد قام بدوره في منت هى ال سرية ح يث "كان يت جر في ال سمن تغطية‬
‫على المر"‪ ،‬وكان يتلقى الموال التي تؤخذ من التباع با سم الزكاة والخمس وحق أهل البيت‬
‫[الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،215-214‬محمد الصدر‪ /‬تاريخ‬ ‫فيضعها "في جراب السمن وزقاقة‪ ..‬تقية وخوفًا"‬
‫الغيبة الصغرى‪ :‬ص ‪ .].397-396‬وقد زعم – في دعواه – أن للحسن ولدًا قد اختفى وعمره أربع‬
‫[ان ظر‪ :‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،258‬و قد اختلفوا في عمره حين ما غاب لختلف روايات هم في ذلك – ك ما‬ ‫سنوات‬
‫سيأتي ‪ ،-‬قال المجل سي‪ :‬أك ثر الروايات على أ نه ا بن أ قل من خ مس سنين بأش هر أو ب سنة وأش هر‪( .‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،].)25/123‬وزعم أنه ل يلتقي به أحد سواه فهو السفير بينه وبين الشيعة يستلم أموالهم ويتلقى‬
‫أسئلتهم ومشكلتهم ليوصلهم للمام الغائب‪.‬‬

‫ومـن الغريـب أن الشيعـة تزعـم أنهـا ل تقبـل إل قول معصـوم حتـى ترفـض الجماع بدون‬
‫المعصوم‪ ،‬وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل واحد غير معصوم وقد ادعى مثل دعواه‬
‫آخرون‪ ،‬كـل يزعـم أنـه الباب للغائب وكان النزاع بينهمـا على أشده‪ ،‬وكـل واحـد منهـم يخرج‬
‫توقيعًا يز عم أ نه صدر عن الغائب المنت ظر يتض من ل عن ال خر وتكذي به‪ ،‬و قد جاء على ذ كر‬
‫[الغي بة‪ :‬ص‬ ‫أ سمائهم الطو سي في مب حث بعنوان‪" :‬ذ كر المذموم ين الذ ين ادعوا الباب ية لعن هم ال"‬
‫‪.].244‬‬

‫ولعثمان بن سعيد – كما تنقل كتب الشيعة – وكلء في معظم الديار السلمية يدعون لمامة‬
‫هذا المعدوم والقول ببابية عثمان بن سعيد‪ .‬وقد جاء على ذكر هؤلء الوكلء ابن بابويه القمي‪،‬‬
‫وهو أج مع نص ل سمائهم‪ ،‬ك ما يذ كر مح مد با قر الصدر [تار يخ الغي بة ال صغرى‪ :‬ص ‪ .].60‬وهناك‬
‫وكلء آخرون غير مرضيين من عثمان بن سعيد ومن يشايعه‪ ،‬وقد ذكر منهم الطوسي سبعة‬
‫في مبحث بعنوان "ذكر المذمومين من وكلء الئمة" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].214-213‬‬

‫والفرق عند هم ب ين الباب والوك يل‪ :‬أن الباب يلت قي بالمام الغائب‪ ،‬والوك يل يلت قي بالباب ول‬
‫يرى المام‪ ،‬ويكون الواسطة بين الشيعة والباب [انظر‪ :‬الصدر‪ /‬تاريخ الغيبة الصغرى‪ :‬ص ‪.].609‬‬

‫ولمـا توفـي عثمان بـن سـعيد الباب الول المعتمـد عنـد الثنـي عشريـة‪ ،‬عيـن مـن بعده ابنـه‬
‫محمدًا‪ ،‬ولكن خالفه في ذلك طائفة منهم‪ ،‬فلم ترتض بابية ابنه‪ ،‬ونشأ نزاع بينهم ولعن بعضهم‬
‫بعضًا‪.‬‬

‫فهذا أحد المخالفين ويدعى أحمد بن هلل الكرخي لما قيل له‪" :‬أل تقبل أمر أبي جعفر محمد‬
‫[يعنون إمامهم المنتظر‪ ،‬لنهم يعتبرون‬ ‫بن عثمان وترجع إليه‪ ،‬وقد نص عليه المام المفترض الطاعة‬
‫قول الباب الول هو قول المام‪ ،‬لنه بابه وسفيره الوحيد‪ ،‬فاعتبروا تعيين عثمان بن سعيد لبنه نصًا مقدسًا من المام‬
‫‪528‬‬
‫يلعن مخالفه‪].‬؟ فقال لهم‪ :‬لم أسمعه ينص عليه بالوكالة‪ ،‬ولست أنكر أباه – يعني عثمان بن سعيد‬
‫[يلحظ أ نه سماه وكيلً مع أن الث ني عشرية تسميه بالباب‪ ،‬وتفرق ب ين‬ ‫– فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل‬
‫الوك يل والباب‪ ].‬صاحب الزمان فل أجسر عليه‪ .‬فقالوا‪ :‬قد سمعه غيرك‪ ،‬فقال‪ :‬أنتم وما سمعتم‪..‬‬
‫فلعنوه وتبرؤوا منه" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].245‬‬

‫وتك شف ب عض أوراق هم سبب هذا التنازع بين هم‪ ،‬يذ كر الطو سي – مثلً – عن ر جل يد عى‬
‫محمد بن علي بن بلل بأنه رفض بابية محمد بن عثمان العمري‪ ،‬وأنه جرى بينه وبين العمري‬
‫ق صة معر فة – ك ما يقول – ح يث تم سك الول "بالموال ال تي كا نت عنده للمام‪ ،‬وامت نع من‬
‫تسليمها وادعى أنه الوكيل حتى تبرأت منه الجماعة ولعنوه" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].245‬‬

‫فأت تلحظ أنه شارك عثمان بن سعيد في الوكالة‪ ،‬فلما توفي استأثر بالمال‪.‬‬

‫ف هو تزا حم وتكالب على الباب ية والوكالة من أ جل ج مع الموال‪ ..‬وإل لو كان هناك «إمام»‬
‫غائب‪ ،‬ي سير أم شيع ته عن طر يق البواب ل ما صارت الموال إلى هذا الر جل المحتال‪ ،‬ول ما‬
‫كان محل ثقة المام صاحب الزمان‪ ،‬لن المام عندهم يعلم ما كان وما يكون‪ ..‬فلماذا لم يصدر‬
‫أمره من البداية في التحذير من التعامل معه حتى ل يأخذ أموال الناس؟! لكن الحقيقة أنه ل إمام‬
‫غائب؛ بل ع صابات تأ كل أموال الناس بالبا طل با سم التش يع والتد ين‪ ،‬وأن نزاع ها كان ل جل‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ثم توفي محمد بن عثمان بن سعيد [ان ظر ع نه‪ :‬الغي بة للطو سي‪ ،223 :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪( ].149‬ت‬
‫[الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،223‬رجال الحلي‪:‬‬ ‫‪ 304‬أو ‪30‬ه‍) بعد أن تولى البابية "نحوًا من خمسين سنة‬
‫ص ‪ ،].149‬يح مل الناس إل يه أموال هم‪ ،‬ويخرج إلي هم التوقيعات بال خط الذي كان يخرج في حياة‬
‫الح سن عل يه ال سلم إلي هم بالمهمات في أ مر الد ين والدن يا وفي ما ي سألونه من الم سائل بالجو بة‬
‫العجية" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].223‬‬

‫وتولى بعده رجل يدعى أبا القاسم الحسين بن روح‪ ،‬وقد كان كما تذكر رواياتهم يقوم بمهمة‬
‫البابيـة فـي آخـر حياة محمـد بـن عثمان؛ حيـث كان يحيـل إليـه اسـتلم الموال التـي يأتـي بهـا‬
‫الشياع‪ ،‬ولذلك قال رجل يدعى (محمد بن علي السود) ‪ :‬كنت أحمل الموال التي تحصل في‬
‫باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فيقبضها مني فحملت إليه شيئًا من الموال‬
‫في آ خر أيا مه ق بل مو ته ب سنتين أو ثلث سنين‪ ،‬فأ مر بت سليمه إلى أ بي القا سم الرو حي فك نت‬
‫أطالبـه بالقبوض‪ ،‬فشكـا ذلك إلى أبـي جعفـر (محمـد بـن عثمان) فأمرنـي أل أطالبـه بالقبوض‪،‬‬

‫‪529‬‬
‫وقال‪ :‬كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إل يّ‪ ،‬فكنت أحمد بعد ذلك الموال إليه ول أطالبه‬
‫بالقبوض [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].226-225‬‬

‫ولما تردد أحدهم في تسليم أمواله إلى أبي القاسم بن روح غضب منه الباب محمد بن عثمان‬
‫وقال له‪ :‬لم لم تمت ثل ما قل ته لك؟ ول كن الر جل حاول أن يلط فه ويهدئ من غض به خش ية أن‬
‫يخرج له توقيعًا بلعنـه والبراءة منـه كعادة [وهـي كصـكوك الحرمان عنـد النصـارى‪ ].‬البواب فيمـن‬
‫ير فض د فع الموال إلي هم‪ ،‬فقال له متلطفًا‪" :‬لم أج سر على ما ر سمته لي" إل أن الباب أجا به‬
‫و هو غا ضب وقال له‪ " :‬قم ك ما أقوال لك" يقول الر جل‪" :‬فلم ي كن عندي غ ير المبادرة‪ ،‬ف صرت‬
‫إلى أبي القاسم بن روح وهو دار ضيقة فعرّفته ما جرى فسر به وشكر ال عز وجل‪ ،‬ودفعت‬
‫[الغي بة للطو سي‪ :‬ص‬ ‫إل يه الدنان ير‪ ،‬و ما زلت أح مد إل يه ما يح صل في يدي ب عد ذلك من الدنان ير"‬
‫‪.].224‬‬

‫فأنت تلحظ ما تحيط به الرموز الشيعية نفسها من صفة القداسة‪ ،‬وما تضفي به على قولها‬
‫من العصمة ووجوب الطاعة المطلقة‪ ،‬وإل فاللعن والطرد من رحمة ال‪.‬‬

‫ك ما تل حظ بأن ل غة المال هي ال سائدة في التوقيعات المن سوبة للمنت ظر وعلى أل سنة البواب‬
‫والوكلء‪.‬‬

‫وكان اختيار أبي القاسم لنه أحفظ لسر المكان الذي يقيم فيه الغائب‪ ،‬حيث إن اختيار الباب‬
‫يتم من قبل الدوائر الشيعية حسب مواصفات خاصة لعل من أبرزها حفظ السر‪ ،‬وعدم الظهور‬
‫والشهرة‪ ،‬يدل على ذلك ما جاء في الغيبة للطوس "أن سهلً النوبختي سئل فقيل له‪ :‬كيف صار‬
‫[ل حظ أ نه‬ ‫هذا المر إلى الش يخ أ بي القا سم الح سين بن روح دو نك؟ فقال‪ :‬هم أعلم و ما اختاروه‬
‫عزا الختيار – فيما يظهر – إلى شيوخ الشيعة‪ ،‬وهم يزعمون أن ذلك إلى المام الغائب‪ ،].‬ولكن أنا رجل ألقى‬
‫الخصوم وأناظرهم‪ ،‬ولو علمت بمكانه [أي مكان المهدي الغائب لنه ل يعلم بمكانه سوى الباب‪ ].‬كما علم‬
‫أبو القاسم وضغطتني الحجة على مكانه لعلي كنت أدل على مكانه‪ ،‬وأبو القاسم فلو كانت الحجة‬
‫[يعني القاسم المنتظر الغائب‪ ].‬تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].240‬‬

‫ورغم ذلك فقد أثار تعيين أبي القاسم بن روح نزاعًا كبيرًا بين الخليا السرية‪ ،‬فانفصل عدد‬
‫من رؤسائهم وادعوا البابية لنفسهم‪ ..‬وكثر التلعن بينهم‪.‬‬

‫وقـد اضطـر بعضهـم لن يكشـف حقيقـة دعوى البابيـة تلك بسـبب أنـه لم ينجـح فـي اقتناص‬
‫[ان ظر‬ ‫مجمو عة أ كبر من التباع‪ ،‬و من هؤلء مح مد بن علي الشلمغا ني المقتول سنة (‪323‬ه‍)‬
‫‪530‬‬
‫ع نه‪ :‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،248‬البدا ية والنها ية ل بن كث ير‪ ،11/179 :‬الكا مل‪ ].8/290 :‬و هو م من اد عى‬
‫النيابة عن مهدي الروافض‪ ،‬ونافس أبا القاسم الحسين بن روح عليها‪ ،‬وفضح أمرهم فقال‪" :‬ما‬
‫دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح إل ونحن نعلم فيما دخلنا فيه‪ ،‬لقد كنا نتهارش على هذا‬
‫المر كما تتهارش الكلب على الجيف" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].241‬‬

‫ويعقب على ذلك أحمد الكروي اليراني (الشيعي الصل)‪" :‬لقد صدق فيما قال‪ ،‬فإن التخاصم‬
‫لم ي كن إل ل جل الموال‪ ،‬كان الر جل يج مع المال ويط مع ف يه فيد عي الباب ية لكيل ي سلمه إلى‬
‫آخر" [التشيع والشيعة‪ :‬ص ‪.].33‬‬

‫ثم ما لبث ابن روح أن توفي سنة (‪326‬ه‍) فانتقلت البابية بوصية منه إلى رجل رابع يدعى‪:‬‬
‫أ با الح سن علي بن مح مد ال سمري [ان ظر‪ :‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ .].244‬والذي تولى من صب الباب ية‬
‫وكان قد انقضى على غيبة المام قرابة سبعين عامًا لم يتحقق فيها أمل الشيعة في رجعته رغم‬
‫انتظارهم إياه وتلهفهم عليه‪.‬‬

‫و قد تخل فت وعود الشي عة بالظهور للغائب الم ستور‪ ،‬و ساد ال شك الو ساط الشيع ية‪ ،‬وبدأت‬
‫تتك شف حقي قة ال مر ب عد النزاع الحاد الذي و قع ب ين أدعياء الباب ية‪ ،‬ولذلك اخت فى نشاط الباب‬
‫تمامًا‪ ،‬فل ت جد له في ك تب الشي عة م ثل ما ت جد ل سلفه من الرقاع والتوقيعات ال تي ين سبونها‬
‫للغائب المنتظر‪ .‬وقد اعترف بذلك ب عض الشيعة وإن حاول أن يتستر على تلك السباب فيعزو‬
‫المر إلى كثرة الضغوط على الشيعة [محمد باقر الصدر‪ /‬تاريخ الغيبة الصغرى‪ :‬ص ‪.].414‬‬

‫[ل نه تو في سنة (‪329‬ه‍)‪ ،‬ان ظر‪ :‬الغي بة‬ ‫و قد ا ستمر ال سمري في من صبه (الشكلي) ثلث سنوات‬
‫للطوسـي‪ :‬ص ‪ ،243‬تاريـخ الغيبـة الصـغرى للصـدر‪ :‬ص ‪ ،].413‬ورب ما أدرك ته "الخي بة وش عر بتفا هة‬
‫منصبه كوكيل معتمد للمام الغائب [رونلدسن‪ /‬عقيدة الشيعة‪ ،‬ص ‪ ،].257‬فلما قيل له وهو على فراش‬
‫الموت‪ :‬من و صيك من بعدك؟ قال‪ :‬ل أ مر هو بال غه" [الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ .].242‬وهكذا انت هت‬
‫دعوى الصلة المباشرة بالغائب‪ ،‬لن أوراقها انكشفت بسبب التنافس عليها‪.‬‬

‫ووصـلت دعوى الغيبـة إلى طريـق مسـدود‪ ،‬إذ لم تنجـح فكرة البابيـة الخاصـة‪ ،‬ولكـن أخرج‬
‫شيوخ الشي عة توقيعًا من سوبًا لل سمري عن المنت ظر يعلن ف يه انقطاع الباب ية المباشرة‪ ،‬واختراع‬
‫مبدأ النيابة العامة التي يشترك فيها شيوخ الشيعة – كما سيأتي ‪.-‬‬

‫‪531‬‬
‫وب عد هذا التغي ير خر جت قض ية غي بة المهدي من طريق ها الم سدود‪ ،‬واخت فت ظوا هر النزاع‬
‫على منصب البابية واقتسمت الغنيمة بين الجميع بالسوية‪ ،‬وقررت عقيدة النيابة والتي سنتحدث‬
‫عنها بعد استعراضنا لقضية المهدي عند الشيعة‪.‬‬

‫هؤلء البواب الربعـة‪ :‬عثمان بـن سـعيد‪ ،‬وابنـه‪ ،‬وابـن روح‪ ،‬والسـمري‪ ،‬هـم المؤسـسون‬
‫لقضية الغيبة والمهدية‪ ،‬أو هم الوجوه البارزة التي رسمت نظرية المهدي عند الثني عشرية‪،‬‬
‫[يقول شيخ هم‬ ‫وت سمى فترة عمل هم بالباب ية‪" :‬الغيبة الصغرى" والتي ا ستمرت سبعين سنة أو تز يد‬
‫وآيتهم جعفر النجفي أن الغيبة الصغرى استمرت ‪ 74‬سنة‪( .‬انظر‪ :‬كشف الغطا‪ :‬ص ‪ )13‬ويبدو أن هذا التحديد غير‬
‫متفق عليه بينهم‪ ،‬ففي تنقيح المقال للمامقاني رد – فيما يظهر – لهذا التحديد حيث قال‪" :‬وما قيل إن مدة الغيبة أربع‬
‫وسبعون سنة اشتباه بل شبهة‪ ،‬إل أن يحسبها من سنة الولدة" (أي ولدة منتظرهم المزعومة) ثم ذكر أن مدتها ثمان‬
‫أو تسع وستون سنة إل شهرًا (تنقيح المقال‪ )1/189 :‬بينما يذكر الصدر أن مدتها سبعون سنة (انظر‪ :‬تاريخ الغيبة‬
‫الصغرى‪ :‬ص ‪.].)345‬‬

‫وسـنتناول نظريـة المهديـة والغيبـة كمـا جاءت فـي كتـب الثنـي عشريـة‪ ،‬ونتعرف على‬
‫مضامينها‪ ،‬حيث أصبحت اليوم هي أساس المذهب الشيعي‪.‬‬

‫الخطوط العامة لقصة المهدية عند الثني عشرية‬

‫قصـة المهدي فـي كتـب الشيعـة قصـة غريبـة‪ ،‬نسـج الخيال خيوطهـا وبلغ مداه فـي صـياغة‬
‫أحداثها‪ ،‬وتحولت إلى أسطورة كبرى ل تجد إلى العقل منفذًا‪ ،‬ول في الفطر السليمة قبولً حتى‬
‫أنكرتها أكثر الفرق الشيعية التي عاصرت ولدتها [انظر‪ :‬ص ‪ 830-828‬من هذه الرسالة‪ .].‬ولنعرض‬
‫لخطوط ها العا مة بدءًا من اختيار الح سن لم المهدي المزعوم‪ ،‬إلى ولدة المهدي‪ ،‬واختفائه‪ ،‬ثم‬
‫عودته‪ ،‬وسيرته‪.‬‬

‫أ ما اقتران الح سن بأم المهدي ف قد صاغت ك تب الشي عة أحدا ثه ب ما يش به ق صص ألف ليلة‬


‫وليلة‪ ،‬فاختيار الحسن العسكري للجارية التي ينسبون لها الولد قد تم – كما تصوره كتب الشيعة‬
‫– عن دراية بالغيب المستور‪ ،‬فهو يبعث خادمه لسوق بيع الجواري‪ ،‬ويعطيه أوصاف الجارية‪،‬‬
‫ونوع لباسها‪ ،‬والكلم الذي ستنطق به أثناء بيعها‪ ،‬وما يحدث أثناء المساومة‪ ،‬ويرسل معه كتابًا‬
‫لها بالرومية ما إن تنظر إليه حتى تبكي بكاءً شديدًا وتتمسح به‪ ،‬وحينما يعجب الخادم من كل‬
‫ذلك تكشف له عن هويتها وأنها مليكة بنت يوشع بن قيصر ملك الروم‪ .‬وتسرد له قصة حياتها‪،‬‬
‫ووقوف الكوارث أمام زواجها من خطابها‪ ،‬وأنها رأت في منامها أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪532‬‬
‫وسلم جاء يخطبها من المسيح وقال له‪" :‬يا روح ال جئتك خاطبًا من وصيك شمعون فتاته مليكة‬
‫لبني هذا‪ ،‬وأومأ بيده إلى أبي محمد" (الحسن العسكري)‪ .‬ثم تتابع الرؤى عليها حتى تزورها‬
‫في المنام أم الح سن الع سكري‪ ،‬ومع ها مر يم ب نت عمران‪ ،‬وألف و صيفة من و صائف الجنان‬
‫[ل حظ إطلق هذا الل قب على أم الح سن الع سكري؛ ف هل هي أف ضل من‬ ‫فتقول ل ها مر يم‪ :‬هذه سيدة الن ساء‬
‫فاطمـة؟!] أم زو جك أ بي مح مد عل يه ال سلم‪ ،‬فتتعلق ب ها أم المهدي وتب كي وتش كو إلي ها امتناع‬
‫الحسن العسكري من زيارتها‪ ،‬لكن أم الحسن قالت لها‪ :‬إن ابني محمد ل يزورك وأنت مشركة‬
‫بال [أبو محمد ل يزورها وهي مشركة‪ ،‬وسيدة النساء‪ ،‬ومريم‪ ،‬ووصائف الجنة يزرنها وهي مشركة!]‪ .‬ثم تمضي‬
‫أحداث القصة حتى تسلم بتأثير هذه المنامات‪ ،‬فتبدأ زيارات الحسن العسكري لها في الحلم‪.‬‬

‫ثم تذكر قصة وقوعها في أسر المسلمين‪ ،‬واختيارها لسم "نرجس" إخفاءً لحقيقتها‪ ،‬ثم طلبها‬
‫من مالكها أل يبعها إل لمن ترضاه وهو الذي يحمل المواصفات التي أوحي إليه بها في المنام‪،‬‬
‫ثم تلت قي بعد ذلك بالح سن ول ت جد غراب في لقائه لن ها تعر فه وتتصل به ق بل ذلك من خلل‬
‫الرؤى والحلم‪ ،‬فيزف لهـا البشرى بولد يملك الدنيـا شرقًا وغربًا ويمل الرض قسـطًا وعدلً‬
‫[انظر‪ :‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪( 400-395‬باب ما روي في نرجس أم القائم)‪.].‬‬

‫أما حملها بالمهدي فأغرب وأعجب‪ ،‬إذ لم يظهر عليها أثر الحمل مع أن حكيمة بنت محمد‬
‫[حكي مة ب نت مح مد بن علي بن مو سى بن جع فر ال صادق‪ – ].‬ك ما يقولون – حاولت التث بت من حمل ها‬
‫فوث بت إلي ها – ك ما تز عم روايات هم – فقلبت ها ظهرًا لب طن فلم تر في ها أثرًا للح مل‪ ،‬وعادت إلى‬
‫الح سن وأ خبرته‪ ،‬لك نه أ كد ل ها وجود الح مل وقال ل ها‪" :‬إذا كان و قت الف جر يظ هر لك الح بل"‬
‫[إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ .].404‬والغرب مـن ذلك أن أم الولد نفسـها حتـى ليلة ولدتهـا لم تعلم بأمـر‬
‫حملها حتى قالت لحكيمة‪" :‬يا مولتي ما أرى بي شيئًا من هذا" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].404‬‬

‫ويبدو أن نفـي ظهور أثـر الحمـل عليهـا هـي حيلة أو محاولة للتخلص ممـا ثبـت حتـى لدى‬
‫الشيعة من قيام جعفر (أخي الحسن العسكري) بحبس نساء الحسن وإمائه – بعد وفاة الحسن –‬
‫لستبرائهن حتى ثبت للقضاي والسلطان براءة أرحامهن من الحمل‪ ،‬وتم بعد ذلك قسمة ميراث‬
‫الحسن [انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].74‬‬

‫وهذه الروا ية ال تي تن في تبين أمارات الح مل ح تى لم الول يد تث بت في آخر ها ما ين قض هذا‬


‫الز عم و هو أن المولود كان يتكلم و هو في ب طن أ مه ح تى قالت حكي مة‪" :‬فأجاب ني الجن ين من‬
‫بطن ها يقرأ م ثل ما أقرأ و سلم علي" [إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ ،].404‬وكذلك يروي الطو سي عن حكي مة‬

‫‪533‬‬
‫نفسها أنها قالت حينما استدعاها الحسن إلى بيته للشراف على ولدة المهدي من جاريته فقالت‪:‬‬
‫"جعلت فداك يا سيدي الخلف م من هو؟ قال‪ :‬من سوسن – تقول – فأدرت نظري في هن فلم أر‬
‫جار ية علي ها أ ثر غ ير سوسن‪[ "..‬الغيبـة‪ :‬ص ‪ ].141‬ف هي في هذه الروا ية تدرك حمل ها بمجرد‬
‫الن ظر إلي ها‪ ،‬و في روا ية ا بن بابو يه تقلب ها ظهرًا ل بط فل ت جد أثرًا‪ ،‬و هي ه نا ت سميها سوسن‪،‬‬
‫[تسمى ريحانة‪ ،‬وصقيل‪( .‬إكمال‬ ‫وهناك تسميها نرجس‪ ،‬كما تسمى في بعض رواياتهم بأسماء أخرى‬
‫الدين‪ :‬ص ‪ .].)408‬وكل يضع كما يشاء‪ ،‬وكتب الثني عشرية تستوعب الجميع‪.‬‬

‫وحينما ولد "سقط‪ ..‬من بطن أمه جائيًا على ركبتيه‪ ،‬رافعًا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال‪:‬‬
‫الحمد ل رب العالمين وصلى ال على محمد وآله‪ ،‬زعمت الظلمة أن حجة ال داحضة‪ ،‬لو أذن‬
‫لنا في الكلم لزال الشك" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،406‬وانظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].147‬‬

‫وفي رواية أخرى أنه سقط ساجدًا ل وهو يتشهد‪ ،‬ويدعو بقوله‪" :‬اللهم أنجز لي ما وعدتني‪"..‬‬
‫[إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ .].405-404‬ثم عرج بهذا المولود إلى ال سماء بوا سطة طيور خ ضر‪ ،‬وحين ما‬
‫تب كي الم نر جس خوفًا على ولد ها يجيب ها الح سن بقوله‪ " :‬سيعاد إل يك ك ما رد مو سى إلى أ مه"‬
‫[إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].405‬‬

‫أما نموه فهو مخالف تمامًا لسنة ال في خلقه‪ ،‬وخارج عن النواميس الطبيعية التي يخضع لها‬
‫الكائن الحي بأمر ال‪ ،‬يصور ذلك الخبر المروي على لسان حكيمة بنت محمد‪ ،‬حيث تقول‪" :‬لما‬
‫كان ب عد أربع ين يومًا [يع ني من مولده‪ ].‬دخلت على أ بي مح مد عل يه ال سلم فإذا مول نا ال صاحب‬
‫يم شي في الدار فلم أر وجهًا أح سن من وج هه‪ ،‬ول ل غة أف صح من لغ ته‪ ،‬فقال أ بو مح مد عل يه‬
‫السلم‪ :‬هذا المولود الكريم على ال عز وجل‪ ،‬فقلت‪ :‬سيدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون‬
‫يومًا‪ ،‬فتبسم وقال‪ :‬يا عمتي أما علمت أنا معاشر الئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة"‬
‫[الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].144‬‬

‫و في روا ية الق مي "إن ال صبي م نا إذا كان أ تى عل يه ش هر كان ك من أ تى عل يه سنة‪ ،‬وإن‬


‫[كذا في‬ ‫الصبي منا يتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن‪ ،‬ويعبد ربه عز وجل عند الرضاع‪ ،‬تطيعه‬
‫الصل المنقول عنه ولعله "تطعمه"‪ ].‬الملئكة وتنزل إليه صباحًا ومساءً" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].405‬‬

‫ولكن هذا المولود الذي يحمل كل هذه الظواهر الخارقة ل يعلم به أحد ول يرى له أثر‪ ،‬فما‬
‫فائدة إجراء هذه الخوارق إذن؟‬

‫‪534‬‬
‫ثم ما لبث أن غاب ولم يعلم بأمره ول غيبته أحد إل "حكيمة" والتي تقول – كما تنسب إليها‬
‫الرواية ‪ :-‬إن الحسن أمرها أل تفشي هذا الخبر في أمر هذا المولود حتى ترى اختلف شيعته‬
‫ب عد وفا ته‪ ،‬ح يث قال – الح سن ‪" :-‬فإذا غ يب ال شخ صي وتوفا ني ورأ يت شيع تي قد اختلفوا‬
‫فأخبري الثقات منهم فإن ولي ال يغيبه ال عن خلقه ويحجبه عن عباده فل يراه أحد حتى يقدم‬
‫له جبرائيل عليه السلم فرسه ليقضي ال أمرًا كان مفعولً" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].142‬‬

‫فمسألة المهدي وغيبته ت سربت إلى الشي عة عن طريق حكي مة كما تقوله رواية شيخ الطائ فة‬
‫و ما أدري ك يف يق بل الشي عة قول امرأة واحدة غ ير مع صومة في أ صل المذ هب‪ ،‬و هم الذ ين‬
‫يردون إجماع المة بأسرها إذا لم يكن المعصوم فيهم ولو في مسألة فرعية؟!‬

‫وتلحظ أن إمامهم يأمر بحجب أمر المهدي وغيبته إل عن الثقات من شيعته‪ ،‬مع أن من لم‬
‫يعرف المام – عندهم – فإنما يعرف ويعبد غير ال [أصول الكافي‪ ،].1/181 :‬وإن مات على هذه‬
‫الحالة مات ميتة كفر ونفاق [أصول الكافي‪.].1/184 :‬‬

‫أ ما و قت غي بة المهدي فإن روايات الشي عة تتضارب في تحديده‪ .‬فيروي الطو سي أن حكي مة‬
‫قالت‪ .." :‬فلما كان بعد ثلث (من مولده) اشتقت إلى ولي ال فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي‬
‫كانت سوسن فيها‪ ،‬فلم أر أثرًا ول سمعت ذكرًا‪ ،‬فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمد عليه‬
‫ال سلم فا ستحيت أن أبدأ بال سؤال فبدأ ني فقال‪ :‬هو يا ع مة في ك نف ال وحرزه و ستره وغ يه‬
‫حتى يأذن ال له" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].142‬‬

‫وفي رواية ثانية أن حكيمة فقدته بعد سبعة أيام [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،].142‬وفي رواية ثالثة‪:‬‬
‫أن ها رأ ته ب عد أربع ين يومًا يم شي في الدار ثم فقد ته ب عد ذلك [الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،].144‬و في‬
‫روا ية أخرى أن حكي مة كا نت تختلف إلى دار الع سكري‪ ،‬تزوره كل أربع ين يومًا‪ ،‬وق بل وفا ته‬
‫[لن مولده كما تقول رواياتهم في سنة‬ ‫بأيام قلئل – كان عمر المهدي آنذاك خمس سنوات على الكثر‬
‫‪ 255‬أو ‪ ،256‬ووفاة العسكري سنة ‪260‬ه‍‪ -].‬زارت دار العسكري كعادتها‪ ،‬تقول‪ :‬ف‍ "رأيته رجلً فلم‬
‫أعر فه‪ ،‬فقلت ل بن أ خي عل يه ال سلم‪ :‬من هذا الذي تأمر ني أن أجلس ب ين يد يه؟ فقال لي‪ :‬هذا‬
‫[إكمال الديـن‪ :‬ص‬ ‫ا بن نر جس‪ ،‬هذا خليف تي من بعدي و عن قل يل تفقدو ني فا سمعي له وأطيعـي"‬
‫‪.].406-405‬‬

‫وهكذا غاب المهدي ولم يعلم بأمره أحد سوى حكيمة التي أودعت خبره ثقات الشيعة – كما‬
‫تقول رواياتهم ‪.-‬‬

‫‪535‬‬
‫أمـا مكان الغيبـة فإنـه كان موضـع السـرية والكتمان‪ ،‬ولمـا تناهـى إلى شيعتـه خـبر الغيبـة‬
‫المزعومة حاولوا التعرف على مكانه إل أن الباب الذي يدعي الصلة به رفض البوح بشيء من‬
‫[أصـول‬ ‫ذلك وأخرج "توقيع ًا" سـريًا ينسـبه للمهدي يقول فيـه‪ .." :‬إن عرفوا المكان دلوا عليـه"‬
‫الكا في‪ ].1/333 :‬فهذا ال نص يش ير إلى أ نه في مكان مع ين‪ ،‬و في مخ بأ سري ل يعر فه إل الباب‪،‬‬
‫وأن سب كتمان مكان غيبته عن شيعته هو خوفه من إخبارهم للغير بمكانه‪.‬‬

‫ول كن دلت ب عض روايات الكا في على البلد الذي يخت في ف يه‪ ،‬ح يث قالت‪" :‬ل بد ل صاحب هذا‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/340 :‬الغي بة‬ ‫ال مر من غي بة‪ ،‬ول بد له في غيبته من عزلة‪ ،‬ون عم المنزل طي بة"‬
‫للنعماني‪ :‬ص ‪ ،125‬بحار النوار‪.].52/153 :‬‬

‫[انظـر‪ :‬معجـم مـا اسـتعجم‪:‬‬ ‫ف هي تش ير إلى أ نه يخت بئ بالمدي نة المنورة‪ ،‬لن طي بة من أ سمائها‬
‫‪ ،].2/900‬ولما قال أحدهم للحسن العسكري‪ :‬إن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال‪ :‬بالمدينة‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/328 :‬وقال المازندرا ني في شرح الكا في‪ :‬يحت مل أن يراد بالمد ية سر من رأى (شرح جا مع‪:‬‬
‫‪ )6/208‬وهذا الحتمال قد ل يرد في الرواية التي قبلها‪.].‬‬

‫بينما يروي الطوسي في الغيبة أنه مقيم بجبل يدعى رضوى‪ ،‬حيث يقول في روايته‪ .." :‬عن‬
‫[الروحاء‪:‬‬ ‫عبد العلى مولى آل سام قال‪ :‬خرجت مع أبي عبد ال عليه السلم فلما نزلنا الروحاء‬
‫بفتح أوله‪ :‬ممدود‪ :‬قرية جامعة لمزينة‪ ،‬بينما وبين المدينة أحد وأربعون ميلً‪( .‬معجم ما استعجب‪ ].)1/681 :‬نظر‬
‫[رضوى‪ :‬وهـو جبـل‬ ‫إلى جبلهـا مطلً عليهـا‪ ،‬فقال لي‪ :‬ترى هذا الجبـل؟ هذا جبـل يدعـى رضوى‬
‫بالمدي نة ف يه أشجار ومياه كثيرة‪ ،‬و هو الج بل الذي يز عم الكي سانية أن مح مد بن الحنف ية به مق يم حي يرزق (مع جم‬
‫البلدان‪ ].)3/51 :‬من جبال فارس أحب نا فنقله ال إلي نا‪ ،‬أ ما إن ف يه كل شجرة مط عم‪ ،‬ون عم أمان‬
‫[الغيبة‪ :‬ص‬ ‫للخائف مرتين‪ ،‬أما إن لصاحب هذا المر فيه غيبتين واحدة قصيرة والخرى طويلة"‬
‫‪.].103‬‬

‫وتذكر روايات أخرى أنه يختفي في بعض وديان مكة‪ ،‬فقد جاء في تفسير العياشي وغيره أن‬
‫أبا جعفر قال‪" :‬يكون لصاحب هذا المر غيبة في بعض هذه الشعاب – ثم أومأ بيده إلى ناحية‬
‫[ذي طوى‪ :‬بفتـح أوله‪ ،‬مقصـور منون‪ ،‬على وزن فعـل‪ :‬واد بمكـة‪( .‬انظـر‪ :‬معجـم مـا اسـتعجم‪:‬‬ ‫ذي طوى‬
‫‪[ ".. -].)2/896‬تفسير العياشي‪ ،2/56 :‬البرهان‪ ،82-2/81 :‬بحار النوار‪.].52/341 :‬‬

‫[قال‬ ‫غير أن أحاديثهم في الدعية والزيارة لمقامات الئمة تلوح إلى أنه مقيم بسرداب سامراء‬
‫ياقوت‪ :‬سامراء بلد على دجلة فوق بغداد بثلث ين فر سخًا يقال ل ها‪ :‬سر من رأى فخفف ها الناس وقالوا‪ :‬سامراء وفي ها‬
‫السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخر منه (معجم البلدان ‪ ،].)3/173‬ولذلك جاء فيها‬
‫‪536‬‬
‫"ثم ائت سرداب الغيبة وقف بين البابين‪ ،‬ماسكًا جانب الباب بيدك‪ ،‬ثم تنحنح كالمستأذن‪ ،‬وسم‬
‫وانزل‪ ،‬وعليك السكينة والوقار‪ ،‬وصل ركعتين في عرضة السرداب وقل‪ ..:‬اللهم طال النتظار‬
‫وش مت ب نا الفجار‪ ،‬و صعب علي نا النت صار‪ ،‬الل هم أر نا و جه ول يك الميمون‪ ،‬في حيات نا وب عد‬
‫المنون‪ ،‬اللهـم إنـي أديـن لك بالرجعـة‪ ،‬بيـن يدي صـاحب هذه البقعـة‪ ،‬الغوث الغوث الغوث يـا‬
‫صاحب الزمان‪ ،‬قط عت في و صلتك الخلف‪ ،‬وهجرت لزيار تك الوطان‪ ،‬وأخف يت أمري على‬
‫أ هل البلدان لتكون شفيعًا ع ند ر بك ور بي‪ ..‬يا مولي يا ا بن الح سن بن علي جئ تك زائرًا لك"‬
‫[علي بن طاووس‪ /‬م صباح الزائر‪ :‬ص ‪ ،229‬مح مد المشهدي‪ /‬المزار ال كبير‪ :‬ص ‪ ،216‬المجل سي‪ /‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪ ،102-102/102‬الشيرازي‪ /‬كلمة المهدي‪ :‬ص ‪.].472-471‬‬

‫وتش ير ب عض أخبار هم إلى أن م عه في غيب ته ثلث ين من أوليائه يؤن سونه في وحد ته "و ما‬
‫بثلثين من وحشة" [أصول الكافي‪.].1/340 :‬‬

‫وتخ صيص ال سرداب بتلك ادع ية والمناجاة وال ستئذان ع ند الدخول‪ ..‬يدل على أن واض عي‬
‫تلك الروايات يوهمون أتباع هم بوجوده في ال سرداب‪ ،‬ولهذا قال ا بن خلكان‪" :‬والشي عة ينتظرون‬
‫خروجه في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى" [وفيات العيان‪ .].4/176 :‬وذكر ابن الثير‬
‫أنهم يعتقدون أن المنتظر بسرداب سامراء [الكامل‪.].5/373 :‬‬

‫ورغم ذلك فإن بعض الشيعة المعاصرين ينفي ما هو واقع ويقول‪" :‬لم يرد خبر ول وجد في‬
‫كتاب من كتب الشيعة أن المهدي غاب في السرداب‪ ..‬ول أنه عند ظهوره يخرج منه‪ ،‬بل يكون‬
‫خروجه بمكة ويبايع بين الركن والمقام" [محسن المين‪ /‬البرهان على وجود صاحب الزمان‪ :‬ص ‪.].102‬‬

‫ولكن عمل الشيعة يخالف ذلك‪ ،‬ويتفق مع ما جاء في كتب الزيارة عندهم‪ .‬فقد ظل الشيعة –‬
‫كمـا يقول الشيعـي أميـر علي – إلى أواخـر القرن الرا بع عشـر الميلدي الذي صنف فيـه ا بن‬
‫خلدون تاري خه ال كبير يجتمعون في كل ليلة ب عد صلة المغرب بباب سرداب سامراء فيهتفون‬
‫باسـمه ويدعونـه للخروج حتـى تشتبـك النجوم ثـم ينفضون إلى بيوتهـم بعـد طول النتظار وهـم‬
‫[أم ير علي‪ /‬روح ال سلم‪ ،1/210 :‬وان ظر‪ :‬مقد مة ا بن خلدون‪-2/531 :‬‬ ‫يشعرون بخي بة ال مل والحزن‬
‫‪ ،532‬وانظر‪ :‬ابن القيم‪ /‬المنار المنيف‪ :‬ص ‪.].152‬‬

‫وكان هذا النتظار مثار سخرية الساخرين حتى قيل‪:‬‬

‫كلمتموه بجهلكم ما آنا‬ ‫ما آن للسرداب أن يلد الذي‬

‫‪537‬‬
‫[انظر‪ :‬الصواعق المحرقة‪ :‬ص ‪،168‬‬ ‫ثلثتم العنقاء والغيلنا‬ ‫فعلى عقولكم العفاء فإنكم‬
‫المنار المنيف‪ :‬ص ‪.].152‬‬

‫[المنار‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬ولقد أصبح هؤلء عارًا على بني آدم‪ ،‬وضحكة يسخر منهم كل عاقل"‬
‫المنيـف‪ :‬ص ‪ .].153-152‬ولهذا جاء في أدعيتهـم ما يش عر بأن هم صاروا بهذا العتقاد مو ضع‬
‫السخرية والشماتة فيدعو أحدهم ويقول – مناجيًا الغائب ‪" :-‬طال النتظار وشمت بنا الفجار‪"..‬‬
‫[مضى تخريج هذا النص ص‪.].848:‬‬

‫وقد جاء في بعض أدعية الزيارات عندهم ما ينبئ عن حيرتهم في مكانه الذي يختفي فيه‪،‬‬
‫فهـم يهتفون بـه ويقولون‪ .." :‬ليـت شعري أي اسـتقر بـك النوى‪ ،‬بـل أي أرض تقلك أو ثرى‪،‬‬
‫أبرضوى أم غيرها‪ ،‬أم ذي طوى‪[ "..‬بحار النوار‪.].102/108 :‬‬

‫هذا وتذكر روايات أخرى لهم أنه ليس له مكان ثابت بل هو يعيش بين الناس "يشهد الموسم‬
‫فيراهم ول يرونه" [أصول الكافي‪ ،338-1/337 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].116‬‬

‫وهكذا تختلف أخبارهـم فـي تحديـد مكانـه‪ ،‬وكـل زمرة تذهـب فـي هذا مذهبًا على اختلف‬
‫الفصائل الشيعية أو على اختلف الحوال والزمنة‪ ،‬أو حتى تستمر لعبة التلبيس والتزوير‪.‬‬

‫ومن الطبيعي أن تختلف مادام غائبهم ل وجود له‪.‬‬

‫وإذا كان مكانه موضع السرية في بعض أخبارهم‪ ،‬فإن اسمه أيضًا قد حجب عن شيعته‪ ،‬فقد‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫جاء في "توقيعات" المنتظر التي تصدر عن "بابه"‪" :‬إن دللتم على السم أذاعوه‪"..‬‬
‫‪.].1/333‬‬

‫فهذا النص يشير إلى أنه مجهول السم‪ ،‬كما هو مجهول المكان والولدة والنشأة‪ ..‬ولكن ورد‬
‫في كتب الشيعة أن اسمه محمد‪ ،‬غير أن روايات الشيعة كانت تحرم تسميته باسمه حيث جاء‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/333 :‬الرشاد‪ :‬ص ‪ ،394‬إكمال الد ين‪ :‬ص ‪].608‬‬ ‫في ها‪" :‬ول ي حل ل كم ذكره با سمه"‬
‫بل اعتبرت من يسميه باسمه في عداد الكافرين‪ ،‬وقالت‪" :‬صاحب هذا المر ل يسميه باسمه إل‬
‫كا فر" [أ صول الكا في‪ ،1/333 :‬إكمال الد ين‪ :‬ص ‪ ،].607‬ولذلك تل حظ ح ين يرد ذكره في روايات هم‬
‫يكتب اسمه بالحروف المقطعة هكذا‪ :‬م ح م د [انظر – مث ًل – أ صول لكافي‪ .].1/329 :‬ولما قالوا‪:‬‬
‫ك يف نذكره؟ قال الح سن الع سكري‪" :‬قولوا‪ :‬الح جة من آل مح مد صلوات ال عل يه و سلمه"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/33 :‬الرشاد‪ :‬ص ‪.].394‬‬

‫‪538‬‬
‫وكانت الدوائر الشيعية القديمة ل تذكره فيما بينها إل بالرمز الذي ل يعرفه سواهم كالغريم‪.‬‬
‫ولهذا قال المفيد عن إطلق هذا اللقب عليه‪" :‬هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديمًا بينها‪ ،‬ويكون‬
‫خطاب ها عل يه ال سلم – كذا – للتق ية" [الرشاد‪ :‬ص ‪ .].400‬ورموز هم ال تي يطلقون ها عل يه كثيرة‬
‫مثل‪" :‬القائم والخلف‪ ،‬والسيد‪ ،‬والناحية المقدسة‪ ،‬والصاحب‪ ،‬وصاحب الزمان‪ ،‬وصاحب العصر‬
‫[ان ظر‪ :‬أ صول الكا في‪ ،1/333:‬ويرى ب عض‬ ‫[ان ظر‪ :‬ح صائل الف كر‪ :‬ص ‪ ،].35‬و صاحب ال مر وغير ها"‬
‫شيوخ هم أن الن هي عن الت صريح بال سم خاص بز من الخوف والتق ية (ان ظر‪ :‬المازندرا ني‪ /‬شرح جا مع‪-6/216 :‬‬
‫‪.].)217‬‬

‫وعمل ية الكتمان تلك تن بئ عن تنظ يم سري دا خل الدولة ال سلمية‪ ،‬يت خذ أتبا عه ل غة الر مز‬
‫والشارة للتفاهم فيما بينهم‪ ،‬وهي من جانب آخر محاولة للتستر على الكذب‪ ،‬وإخفاء الحقيقة‪ ،‬ثم‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬باب ما نص ال‬ ‫هي تنقض مايدعونه أن مهديهم قد ذكر باسمه‪ ،‬ووصفه من قبل‬
‫عز وجل ورسوله على الئمة واحدًا واحدًا‪ 1/286 :‬وما بعدها‪.].‬‬

‫أ ما مدة الغي بة‪ :‬فإن مختر عي هذه الفكرة كانوا يمنون أتباع هم بق صر المدة‪ ،‬و سرعة العودة‬
‫لغائب هم‪ ،‬ح تى أكدوا في روايات هم بأن ها ل تعدو ست سنين في أق صى الحوال‪ ،‬ف قد جاء في‬
‫الكا في عن علي بن أ بي طالب – ك ما يفترون – أ نه قال عن منتظر هم‪" :‬تكون له غي بة وحيرة‬
‫يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون" [أصول الكافي‪.].1/338 :‬‬

‫[أ صول‬ ‫ول ما سئل كم تكون الحيرة والغي بة‪ ،‬قال‪ " :‬ستة أيام أو ستة أش هر‪ ،‬أو ست سنين‪"..‬‬
‫الكافي‪.].1/338 :‬‬

‫ويبدو أن هذا النـص قـد وضـع فـي اليام الولى لنشوء فكرة الغيبـة‪ ،‬لتسـكين النفوس الثائرة‬
‫وتهدئة القلوب الحائرة التـي أفاقـت على الحقيقـة المرة حينمـا مات المام بل عقـب‪ ،‬وانجلت‬
‫الخد عة و تبينت الحقي قة‪ ،‬فرب طت حينئذ دعوى الغي بة بهذا الو عد القر يب لتكون أقرب للت صديق‬
‫وأسهل‪ ،‬وليضمنوا الكسب الحاضر للمال الجاهز الذي ينتظر ظهور المام ليدفع إليه باسم حق‬
‫آل الب يت‪ ،..‬و في البداء والتق ية مت سع للتأو يل‪ ،‬والرجوع عن الكلم‪ ..‬في الم ستقبل‪ ..‬وهذا ما‬
‫و قع بالن سبة لمو قف شيوخ هم المتأخر ين من هذا ال نص‪ ،‬ح يث قال بعض هم‪ :‬يحت مل أن يكون‬
‫المراد أن الغيبـة والحيرة فـي ذلك القدر مـن الزمان أمـر محتوم ويجري فيهمـا البداء بعـد ذلك‬
‫[ح يث قال بعضهم‪:‬‬ ‫[المازندراني‪ /‬شرح جامع (على الكافي)‪ ،].6/237 :‬ومنهم من حاول التخلص بغير هذا‬
‫يحتمل أن المقصود تحديد مدة الحيرة بهذه الفترة ل الغيبة (نفس الموضع من المصدر السابق) مع أن الحيرة والشك‬
‫قد صاحبتهم في أ مر الغي بة ك ما يظ هر ذلك لك من الك تب ال تي أل فت في هذه الم سألة‪ ،‬وأن ال سبب في تأليف ها يعود‬

‫‪539‬‬
‫لعنصر الشك في الغيبة الذي سيطر على أذهان الكثير منهم‪( .‬انظر – مث ًل ‪ :-‬إكمال الدين‪ /‬لبن بابويه‪ :‬ص ‪،].)2‬‬
‫ولكن لم يجرؤ أحد منهم على الطعن في مسألة الغيبة ذاتها‪.‬‬

‫كما جاء عندهم توقيت ظهور هذا المر في السبعين من الغيبة‪ ،‬ثم غير إلى مائة وأربعين‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي (مع شرحه للمازندراني)‪ ،6/314 :‬وانظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪:‬‬ ‫ثم أخر إلى غير أمد معين‬
‫ص ‪ ،263‬والغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪ ،].197‬ون سبوا للئ مة ا ستطلع و قت خروج الغائب من الحروف‬
‫المقطعة في أوائل السور [انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/2 :‬البرهان‪ ،2/3 :‬بحار النوار‪.].109-62/106 :‬‬

‫ويظهـر مـن رواياتهـم أن الرموز التـي تديـر دفـة التشيـع كانـت تمنـي أتباعهـا بقرب الفرج‬
‫والظهور للغائب الم ستور‪ ،‬ح تى كان من الشي عة من يتو قع خروج الغائب ب ين لح ظة وأخرى‪،‬‬
‫ف قد جاء في أخبار هم أن من هم من ترك الب يع والشراء والع مل بانتظار الغائب واشتكوا من هذه‬
‫الحالة حتى قال بعضهم‪" :‬لقد تركنا أسواقنا انتظارًا لهذا المر حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل‬
‫في يده" [انظر‪ :‬روضة الكافي‪ ،8/80 :‬عن مفتاح الكتب الربعة‪.].3/331 :‬‬

‫ولكـن الهدف مـن هذه الوعود هـو مـا أشرنـا إليـه مـن محاولتهـم إمرار "لعبتهـم" وإزالة شـك‬
‫التباع وحيرتهم‪ ،‬وهذا ديدنهم في تعليل الشيعة بالماني‪ ،‬وتخديرهم بالوعود حتى اعترفوا في‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/369 :‬الغي بة للنعما ني‪ :‬ص‬ ‫أخبار هم‪" :‬إن الشي عة تر بى بالما ني م نذ مائ تي سنة"‬
‫‪ ،198‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،208-207‬بحار النوار‪ .52/102 :‬وال خبر مروي عن علي الر ضا‪ .].‬و سبب‬
‫ذلك أنـه لو قيـل لهـم‪" :‬إن هذا المـر ل يكون إل مائتـي سـنة أو ثلثمائة سـنة لقسـت القلوب‪،‬‬
‫ولرجعت عامة الناس عن السلم (يعني مذهبهم)‪ ،‬ولكن قالوا‪ :‬ما أسرعه وما أقربه تألفًا لقلوب‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/369 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،198‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪،208-207‬‬ ‫الناس وتقريبًا للفرج"‬
‫بحار النوار‪.].52/102 :‬‬

‫واختلفت رواياتهم التي وضعت لمعالجة مشكلة تحديد فترة الغيبة في طريقة معالجتها‪ ،‬فهي‬
‫تارة أ مر بالت سليم وتقول‪" :‬إذا حدثنا كم بحد يث فجاء على خلف ما حدثنا كم به فقولوا‪ :‬صدق‬
‫ال‪ ،‬وإذا حدثنا كم بحد يث فجاء على خلف ما حدثنا كم به فقولوا‪ :‬صدق ال‪ ،‬تؤجروا مرت ين"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/369 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،198‬بحار النوار‪.].52/118 :‬‬

‫و هي تارة تعزو سبب إخلف الو عد للظهور الذي حدد ته الئ مة بإفشاء الشيعة ل سره‪ ،‬ولذلك‬
‫حين ما قال بعض هم‪ " :‬ما لهذا ال مر أ مد ينت هي إل يه وير يح أبدان نا؟ قال (إمام هم)‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن كم‬
‫أذع تم فأخره ال" [الغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪ ،194‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص ‪ ،263‬بحار النوار‪ .].52/117 :‬وتقول‬

‫‪540‬‬
‫روايات هم‪" :‬إن ال تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا ال مر‪ ..‬إلى أربع ين ومائة‪ ،‬فحدثنا كم" فأذع تم‬
‫[أصول‬ ‫الحديث‪ ،‬فكشفتم قناع الستر [في بعض النسخ قناع السر‪ ].‬ولم يجعل ال له بعد ذلك وقتًا عندنا‬
‫الكافي‪ ،1/368 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،197‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،263‬بحار النوار‪.].52/117 :‬‬

‫[مـن المعلوم أن جعفرًا مات قبـل نشوء فكرة‬ ‫وهـي تارة تعزو ذلك لقتـل الحسـين‪ .‬يقول أبـو عبـد ال‬
‫الغيبـة‪ ،‬ولكنهـم ينسـبون لجميـع الئمـة أخبارًا فـي وقوع الغيبـة‪" : ].‬إن ال تبارك وتعالى قد كان و قت هذا‬
‫[قال شارح الكافي‪ :‬في السبعين من الغيبة على الظاهر (المازندراني‪ /‬شرح جامع‪].)6/314 :‬‬ ‫المر في السبعين‬
‫[أصول‬ ‫فلما أن قتل الحسين صلوات ال عليه اشتد غضب ال تعالى على أهل الرض‪ ،‬فأخره‪"..‬‬
‫الكافي‪ ،1/368 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،197‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،263‬بحار النوار‪.].52/117 :‬‬

‫و هم ينظمون ذلك كله في عقيدة البداء‪ ،‬ولذلك قال المازندرا ني‪" :‬توق يت ظهور هذا ال مر‪..‬‬
‫توقيت بدائي فلذلك جرى فيه البداء" [شرح جامع‪ ،6/314 :‬وراجع الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].264-263‬‬

‫و هي حينًا تن فض ال يد من أخبار التوق يت كل ها وتقول‪" :‬كذب الوقاتون‪ ،‬وهلك الم ستعجلون‪،‬‬


‫[أصول الكافي‪ ،1/368 :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،262‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،198‬بحار النوار‪:‬‬ ‫ونجا المسلمون"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/368 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص‬ ‫‪" ،].104-52/103‬كذب الوقاتون‪ ،‬إنا أهل بيت ل نوقت"‬
‫[الغيبـة للطوسـي‪ :‬ص ‪ ،262‬بحار النوار‪:‬‬ ‫‪" ].198‬مـا وقتنـا فيمـا مضـى ول نوقـت فيمـا يسـتقبل"‬
‫[الغيبـة‬ ‫‪" ،].52/103‬مـن وقـت لك مـن الناس شيئًا فل تهابـن أن تكذبـه فلسـنا نوقـت لحـد وقتًا"‬
‫للنعمانـي‪ :‬ص ‪ ،195‬الغيبـة للطوسـي‪ :‬ص ‪ ،262‬بحار النوار‪" ].52/104 :‬أبـى ال إل أن يخالف وقـت‬
‫الموقتين" [أصول الكافي‪ ،1/368 :‬وانظر‪ :‬الغيبة للنعمان‪ :‬ص ‪.].198‬‬

‫وهكذا تتضارب أخبارهم وتتناقض‪ ،‬لن الوضع يتم حسب الظروف والمناسبات‪.‬‬

‫أما سبب غيبته‪ :‬فقد جاء في الكافي عن زرارة قال‪" :‬سمعت أبا عبد ال يقول‪ :‬إن للقائم عليه‬
‫السـلم غيبـة قبـل أن يقوم‪ ،‬قلت‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬إنـه يخاف – وأومـأ بيده إلى بطنـه – يعنـي القتـل"‬
‫[أصول الكافي‪ ،1/338 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،118‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].449‬‬

‫[ان ظر‪ :‬أ صول الكا في ‪ ،340 ،1/337‬الغي بة للنعما ني‪:‬‬ ‫وجاءت عند هم روايات عدة في هذا المع نى‬
‫ص ‪ ،118‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ .].449‬وأكد ذلك شيخ الطائفة الطوسي بقوله‪" :‬ل علة تمنع من ظهوره‬
‫إل خوفه على نفسه من القتل‪ ،‬لنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الستتار وكان يتحمل المشاق‬
‫والذى‪ ،‬فإن منازل الئمة وكذلك النبياء عليهم السلم إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في‬
‫ذات ال تعالى" [الغيبة لطلوسي‪ ،‬فصل في ذكر العلة المانعة لصاحب المر من الظهور‪ :‬ص ‪.].199‬‬
‫‪541‬‬
‫ولكن هذا التعليل للغيبة الذي يؤكده شيخ الطائفة ل يتصور في حق الئمة – على ما يعتقد‬
‫الشيعة – لن الئمة "يعلمون متى يموتون‪ ،‬ول يموتون إل باختيار منهم"‪ .‬كما أثبت ذلك الكليني‬
‫في الكافي في روايات عديدة‪ ،‬وبوب لها بهذا اللفظ المذكور [أصول الكافي‪ .].1/258 :‬وأثبت ذلك‬
‫المجلسي في بحار النوار وبوب له بلفظ‪" :‬أنهم عليهم السلم يعلمون متى يموتون وأنه ل يقع‬
‫[و قد رج عت إلى‬ ‫ذلك إل باختيار هم" [بحار النوار‪ .].27/285 :‬فك يف يخرجون من هذا التنا قض؟!‬
‫شرح الكافي للمازندراني لطلع على ما يقوله في روايات الكافي التي تعلل غيبته بخوفه من القتل‪ ..‬فوجدته مر عليها‬
‫ولم يتعقبها بشيء‪.].‬‬

‫ك ما أن الئ مة – على حد ما يعت قد الشي عة – "يعلمون ما كان و ما يكون ول يخ فى علي هم‬


‫الشيء" [أصول الكافي‪ ،].1/260 :‬كما قرر ذلك الكليني في باب يحمل العنوان المذكور‪.‬‬

‫فبوسعهم أن يحترزوا من الخطر بما ل يخطر على بال أحد‪.‬‬

‫ثـم لماذا لم يقتـل واحـد مـن أولئك النواب الربعـة الذيـن يدعون الصـلة بالمام مباشرة وهـم‬
‫ليسوا كالمام ل يموتون إل باختيار منهم؟!‬

‫كذلك قـد توفـر المـن التام للمام فـي أثناء قيام بعـض الدول الشيعيـة فلماذا لم يخرج إليهـم‪،‬‬
‫ويأن سوا بطلعته‪ ،‬وي ستفيدوا من عل مه‪ ،‬و سلحه‪ ،‬وقو ته‪ ..‬وإذا مازالت الدولة ر جع إلى مكمنه؟‬
‫ولذلك قال أحمد الكسروي – الشيعي الصل ‪" :-‬إذا كان منتظرهم قد اختفى لخوفه على نفسه‬
‫فلم لم يظهـر عندمـا اسـتولى آل بويـه الشيعيون على بغداد‪ ،‬وصـيروا خلفاء بنـي العباس طوع‬
‫أمرهم؟‬

‫فلم لم يظهر عندما قام الشاه إسماعيل الصفوي وأجرى من دماء السنيين أنهارًا؟‬

‫فلم لم يظ هر عند ما كان كريمخان الزندي و هو من أ كبر سلطين إيران يضرب على ال سكة‬
‫اسم إمامكم (صاحب الزمان) ويعد نفسه وكيلً عنه؟‬

‫[التشيع‬ ‫وبعد‪ ،‬فلم ل يظهر اليوم وقد كمل عدد الشيعيين ستين مليونًا وأكثرهم من منتظريه؟"‬
‫والشيعة‪ :‬ص ‪.].42‬‬

‫وكذلك اليوم – مـن بعـد الكسـروي – قامـت دولة اليات فلم ل يخرج إليهـم ول سـيما وهـم‬
‫يجأرون بالدعوات‪ ،‬والستغاثة لخروجه منذ مئات السنين‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫كمـا وضعـت روايات تعلل الغيبـة بامتحان قلوب الشيعـة واختبارهـم‪ ،‬وقـد يكون هذا التعليـل‬
‫الذي تحمله تلك الروايات محاولة منهم لمعالجة ظاهرة الشك الذي تسلل إلى قلوب الشيعة‪ ،‬حيث‬
‫لم تجـد هذه المسـألة طريقهـا إلى عقول كثيـر منهـم حتـى اضطرهـم ذلك إلى نبـذ عقيدة التشيـع‬
‫ورفضها‪.‬‬

‫كمـا مـل الشي عة النتظار للغائب الموعود حتـى قال قائل هم‪ " :‬قد طال هذا المـر علينـا حتـى‬
‫ضاقت قلوبنا ومتنا كمدًا‪[ "..‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ].120‬وأطل عليهم شبخ الشك الرهيب وقد شهد‬
‫بذلك ابن بابويه القمي حيث قال‪" :‬رجعت إلى نيسابور‪ ،‬وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليّ‬
‫[إكمال الد ين‪ :‬ص‬ ‫من الشيعة قد حيرتهم الغيبة‪ ،‬ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلم الشبهة"‬
‫‪.].2‬‬

‫و قد صورت روايات هم – ال تي وض عت لمعاجلة هذا ال مر ك ما يظ هر – حيرت هم في أ مر‬


‫الغائب‪ ،‬وطول غيبتـه وانقطاع أخباره‪ ،‬جاء فـي الكافـي "عـن زرارة قال‪ :‬سـمعت أبـا عبـد ال‬
‫يقول‪ :‬إن للغلم غيبة قبل أن يقوم‪ ..‬وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولدته‪ ،‬منهم من يقول‪:‬‬
‫مات أبوه بل خلف‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬حمل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو‬
‫[أصول الكافي‪:‬‬ ‫المنتظر‪ ،‬غير أن ال عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة‪ ،‬فعند ذلك يرتاب المبطلون"‬
‫‪ ..].1/337‬فعللوا هذا الختلف بأنه امتحان للشيعة‪.‬‬

‫وقد نقلت لنا كتب الفرق أن هذا ما حدث لهم بعد موت الحسن العسكري – كما سبق – فكأن‬
‫هذه الروا ية وأمثال ها اختر عت لمواج هة نز عة الحيرة وال شك ال تي داهمت هم ب عد موت إمام هم‬
‫عقيمًا‪.‬‬

‫وقد أكثروا من الروايات التي تجري هذا المجرى‪ ،‬وتصور واقعهم أبلغ تصوير‪.‬‬

‫فقد جاء في الكافي‪" :‬ل وال ل يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا‪ ،‬ل وال ل يكون ما‬
‫تمدون إل يه أعين كم ح تى تمحصوا‪ ،‬ل وال ل يكون ما تمدون إل يه أعين كم حتى تميزوا‪ ،‬ل وال‬
‫ل يكون ما تمدون إليه أعينكم إل بعد إياس‪ ،‬ل وال ل يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى‬
‫من يشقى ويسعد من يسعد" [أصول الكافي‪.].1/370 :‬‬

‫فهم يدعون أن ما حل بهم بسبب دعوى الغيبة إنما هو من أجل التمحيص والبتلء‪ ،‬وأنه إذا‬
‫تـم ذلك رجـع القائم‪ ،‬ونسـبوا إلى جعفـر الصـادق‪ :‬أنـه دخـل عليـه بعـض أصـحابه وهـو يبكـي‬
‫كالثكلى‪ ،‬لنه نظر – كما يقولون – في كتاب الجفر المشتمل على علم البليا والمنايا‪ ،‬وعلم ما‬
‫‪543‬‬
‫كان وما يكون إلى يوم القيامة فقال‪" :‬تأملت فيه مولد قائمنا عليه السلم‪ ،‬وغيبته وإبطاءه وطول‬
‫عمى وبلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان‪ ،‬وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته‬
‫وارتداد أكثرهم عن دينه‪[ "..‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].106-105‬‬

‫فهذه الرواية المنسوبة إلى جعفر تتحدث عن درة كثير من الشيعة بسبب دعوى الغيبة التي‬
‫طال أمدها‪ ،‬وهي قد وضعت – كغيره – بعدما حل بهم هذا المر لحضهم على البقاء في نطاق‬
‫التشيع‪ ،‬وذلك بدعوى أن هذا أمر أخبرت به الئمة وهو من أمارات رجعة المام المفقود‪.‬‬

‫وقد شهد شيخهم النعماني وهو من شيوخ القرن الثالث‪ ،‬وممن عايش واقع الشيعة في الفترة‬
‫المبكرة لدعوى الغيبة‪ ،‬فشهادته في ذلك في غاية الهمية‪ ،‬شهد بشك جميع الشيعة في أمر الغيبة‬
‫– إل القل يل – يقول‪" :‬فإ نا رأي نا طوائف من الع صابة المن سوبة إلى التش يع‪ ،‬المنتم ية إلى نبي نا‬
‫محمد وآله صلى ال عليهم ممن يقول بالمامة‪ ..‬قد تفرقت كلمتها‪ ،‬وتشعبت مذاهبها‪ ،‬واستهانت‬
‫بفرائض ال عـز وجـل‪ ،‬وخفـت إلى محارم ال تعالى فطال بعضهـم غلوًا‪ ،‬وانخفـض بعضهـم‬
‫تق صيرًا‪ ،‬وشكوا جميعًا إلى القل يل في إمام زمان هم وولي أمر هم وح جة رب هم‪ ..‬للمح نة الواق عة‬
‫بهذه الغيبة" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].11‬‬

‫وقد أخذ بعضهم يلعن بعضًا‪ ،‬ويبرأ منه ويشهد عليه بالكفر‪ ،‬كما تصور ذلك رواية النعماني‬
‫ال تي تقول‪" :‬ل يكون ال مر الذي ينت ظر ح تى يبرأ بعض كم من ب عض ويت فل بعض كم في وجوه‬
‫[الغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪،138-137‬‬ ‫ب عض‪ ،‬فيش هد بعض كم على ب عض بالك فر ويل عن بعض كم بعضًا"‬
‫بحار النوار‪ ].115-52/114 :‬وجعلت الروايـة هذه الظاهرة الخطيرة خيرًا‪ ،‬لنهـا مؤذنـة بخروج‬
‫[الغيبـة للنعمانـي‪ :‬ص ‪،138‬‬ ‫القائم فقالت‪" :‬الخيـر كله فـي ذلك الزمان‪ ،‬يقوم قائمنـا ويدفـع ذلك كله"‬
‫بحار النوار‪ :‬ص ‪.].115‬‬

‫فيبدو من خلل هذه النصوص أن محدثي الشيعة عملوا على مواجهة هذه النكسة بوضع هذه‬
‫الروايات على أ هل الب يت وجعلو ها تش ير إلى ما يل حق الشي عة من التمح يص والبتلء والردة‬
‫عند وقوع الغيبة وذلك من أجل إغرائهم بالبقاء داخل نطاق التشيع المامي‪.‬‬

‫ورغـم هذه العترافات والشهادات فإن فكرة الغيبـة التـي اضطرت الماميـة للقول بهـا قـد‬
‫أحد ثت هزة عني فة زلزلت كيان التش يع الما مي وكادت أن تؤدي إلى سقوطه بذهاب أتبا عه‪..‬‬
‫[أصول‬ ‫رغم ذلك فإنهم يقولون في رواياتهم‪" :‬لو علم ال أنهم يرتابون ما خيب حجته طرفة عين"‬

‫‪544‬‬
‫الكا في‪ ،1/333 :‬الغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪ ].107‬فأي ري بة أ شد من شك الجم يع إل القل يل‪ ،‬و من التفرق‬
‫والتلعن؟!‪.‬‬

‫ويلحظ كثرة التكذيب للغيبة من لدن الشيعة‪ ،‬ول سيما في مراحل نشأتها‪ ،‬ولعل السبب يعود‬
‫إلى وضوح كذبهـا لمـن عاصـرها وعايـش ظروفهـا‪ ،‬ولذلك فقـد نشـط مؤسـسو هذه الفكرة لسـد‬
‫الثغرات ال تي ت هب علي هم من ها رياح ال شك‪ ،‬وت سديد الفجوات ال تي تت ضح من ها صورة الكذب‪،‬‬
‫فعالجوا مشكلة التكذيب والتلعن والتفرق بوضع روايات على أهل البيت تنبئ بحدوثها وتبشر‬
‫بالخير عند وقوعها لنها مؤذنة بعودة القائم (ولكنها وقعت ولم يخرج القائم)‪ ،‬حاولوا معالجة ما‬
‫ترامى إلى أسماع الشيعة من تكذيب أسرة الحسن لهذه الدعوات بوضع روايات تقول‪" :‬إن للقائم‬
‫غيبة ويجحده أهله" وحينما سأل زرارة – الموضوع عليه الخبر [لنه مات قبل نشوء فكرة الغيبة‪– ].‬‬
‫[الغيبـة‬ ‫عـن سـبب ذلك قال أبـو جعفـر – فيمـا تزعـم الروايـة ‪" :-‬يخاف‪ ،‬وأومـأ بيده إلى بطنـه"‬
‫للنعماني‪ :‬ص ‪.].118‬‬

‫ومـن الفجوات كذلك أنـه ل أحـد مـن أسـرة الحسـن ول غيرهـم‪ ،‬يعلم بولدتـه ول بمنشئه‬
‫[أصـول الكافـي‪:‬‬ ‫فوضعوا روايات تقول‪" :‬يب عث ال لهذا ال مر غلمًا م نا‪ ،‬خ في الولدة والمن شأ"‬
‫‪ ،342-1/341‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].112‬‬

‫ومن تتبع رواياتهم بهذه الطريقة وجد العجب‪.‬‬

‫ك ما قاموا من ج هة أخرى بو ضع روايات تج عل من انتظار الفرج بخروج القائم من أف ضل‬


‫العمال وأعظم ها وذلك – في ما يظ هر – لطرد الملل من طول النتظار‪ ،‬وإزالة ال سى النا تج‬
‫عن شدة الترقب‪ ،‬والشعور بالحرمان من صحبة القائم المام‪ .‬جاء في الكا في‪" :‬أقرب ما يكون‬
‫العباد من ال جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة ال جل وعز ولم يظهر لهم ولم‬
‫يعلموا مكا نه و هم في ذلك يعلمون أ نه لم تب طل ح جة ال جل ذكره ول ميثا قه‪ ،‬فعند ها فتوقعوا‬
‫الفرج صباحًا ومساءً" [أصول الكافي‪ ،1/333 :‬بحار النوار‪.].52/145 :‬‬

‫فجعلوا الغيبة أمارة على ظهور الفرج مع أنه قد مضى اليوم على الغيبة أكثر من ألف ومائة‬
‫سـنة‪ ،‬ولم يقـع شيـء مـن هذه الوعود‪ ،‬فمـا تأثيـر ذلك على مـن يقرأ أمثال هذه المانـي مـن‬
‫الشيعة؟! أل يزداد الشك ويضعف اليقين‪ ،‬وقد يبحث عن مذهب آخر سوى السلم‪ ،‬لنه قيل له‬
‫– زورًا وبهتانًا – إن هذا المهدي الموعود متفق عليه بين السنة والشيعة‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫ول هم روايات كثيرة في عقيدة النتظار‪ ،‬و قد ذ كر المجل سي من ها (‪ )77‬روا ية في باب عقده‬
‫بعنوان "باب فضل انتظار الفرج‪ ،‬ومدح الشيعة في زمن الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان"‬
‫[بحار النوار‪ ،150-52/122 :‬وانظـر‪ :‬إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ 603‬ومـا بعدهـا‪ ].‬ح تى ن سبوا إلى ر سول ال‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال‪" :‬أفضـل أعمال أمتـي انتظار فرج ال عـز وجـل"‬
‫‪ ].52/122‬يعنون به خروج منتظرهم‪.‬‬

‫وجعلوا النتظار أحـب العمال إلى ال [بحار النوار‪ ].52/122 :‬و"المنتظرون لظهوره أفضـل‬
‫أ هل كل زمان" [بحار النوار‪ ،].52/122 :‬وزعموا أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال عن هم‬
‫لصحابه‪" :‬سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‬
‫ن حن ك نا معك ببدر وأ حد وحن ين ونزل في نا القرآن‪ .‬فقال‪ :‬إنكم لو تحملوا ما حملوا لم ت صبروا‬
‫صبرهم" [بحار النوار‪ .].52/130 :‬وغاب عن واضع الرواية من زلة الصحابة عند الرافضة‪.‬‬

‫وجاءت عندهم روايات تطفئ ذلك التطلع لخروجه وتقول "من عرف هذا المر ثم مات قبل‬
‫أن يقوم القائم عليه السلم كان له مثل أجر من قتل معه" [بحار النوار‪.].52/131 :‬‬

‫وبجا نب هذا الترغ يب فهناك التهد يد والوع يد بالك فر والخلود في النار ل من أن كر غي بة القائم‬
‫حتى جعلوا إنكارها كالكفر برسالة محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل عدّوا ذلك مثل كفر إبليس‪.‬‬

‫روى صدوقهم بسنده المزعوم "عن ابن أبي يعفور قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬من أقر‬
‫بالئ مة من آبائي وولدي‪ ،‬وج حد المهدي من ولدي كان ك من أ قر بجم يع ال نبياء وج حد محمدًا‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ .‬فقلت‪ :‬يا سيدي و من المهدي من ولدك؟ قال‪ :‬الخا مس من ولد ال سابع‪،‬‬
‫يغيب عنهم شخصه ول يحل لهم تسميته" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،].388‬وافتروا على رسول ال صلى‬
‫[إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ ،390‬لطـف ال‬ ‫ال عل يه و سلم أ نه قال‪ " :‬من أن كر القائم من ولدي ف قد أنكر ني"‬
‫الصافي‪ /‬منتخب الثر‪ :‬ص ‪.].492‬‬

‫وقال صدوقهم‪" :‬مثل من أنكر القائم عليه السلم في غيبته مثل إبليس في امتناعه في السجود‬
‫لدم" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].13‬‬

‫وم سألة الغيبة صارت بف عل شيوخ الشيعة م صدر ح قد‪ ،‬ضد ال صحابة و من تبع هم بإح سان‪،‬‬
‫حتى قال شيخهم الجزائري‪" :‬إني كلما أشكلت عل يّ مسألة أوجبت على نفسي لعنهم‪ ،‬لنهم سبب‬
‫في استتار الحجة" [شرح الصحيفة السجادية‪ :‬ص ‪.].37‬‬

‫‪546‬‬
‫فتل حظ أن هم يحاولون توج يه ال سخط والح قد الكا من في نفوس الش يع من مرارة النتظار‪،‬‬
‫[إكمال الد ين‪ :‬ص‬ ‫ولو عة العتقاد بأن "المام الغائب مقموع مقهور مزا حم في ح قه قد غلب قهرًا"‬
‫‪.].12‬‬

‫وأ نه ب سبب غيب ته – ك ما يزعمون – "جرى على شيع ته من أعداء ال ما جرى من سفك‬
‫الدماء ونهب الموال‪[ "..‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].12‬‬

‫فيوجهون هذا الحقد الناتج من هذا الشعور إلى سب ولعن لخير جيل عرفته البشرية‪ ..‬ومن‬
‫اقتفى أثرهم‪.‬‬

‫الستدلل على وقوع الغيبة‬

‫ع ني المام ية عنا ية شديدة بالبره نة على صحة عقيدت هم في غي بة المهدي‪ ..‬و قد اتجهوا إلى‬
‫كتاب ال سبحانه يبحثون فيه عن سند لعقيدتهم‪ ،‬فلما لم يجدوا فيه ما يريدون استنجدوا كعادتهم‬
‫بالتأويـل الباطنـي المتسـم بالتكلف الشديـد والشطـط البالغ وأولوا عدة آيات مـن كتاب ال بهذا‬
‫المنهج‪.‬‬

‫جلّى}‬
‫جاء في أ صل أ صول التف سير عند هم (تف سير الق مي) في قوله سبحانه‪{ :‬وَال ّنهَارِ إِذَا تَ َ‬
‫[الليل‪ ،‬آية‪ .].2 :‬قال‪ :‬النهار هو القائم عليه السلم منا أهل البيت [تفسير القمي‪..].2/425 :‬‬

‫غ ْورًا َفمَن يَ ْأتِيكُم‬


‫ح مَاؤُ ُكمْ َ‬
‫صبَ َ‬
‫وجاء في أصح كتبهم الربعة في قوله سبحانه‪ُ { :‬قلْ َأرََأ ْيتُمْ إِنْ َأ ْ‬
‫[أ صول الكا في‪:‬‬ ‫بِمَاء مّعِي نٍ} [الملك‪ ،‬آ ية‪ ،].30 :‬قال‪ :‬إذا غاب عن كم إمام كم ف من يأتي كم بإمام جد يد‬
‫‪ ،1/339‬وانظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/76 :‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،339‬البرهان‪ .].2/102 :‬وفي تفسير العياشي‬
‫س َيوْ مَ الْحَجّ الَ ْك َبرِ} [التو بة‪ ،‬آ ية‪ .].3 :‬قال‪:‬‬
‫في قوله سبحانه‪{ :‬وَأَذَا نٌ مّ نَ اللّ هِ َورَ سُو ِلهِ ِإلَى النّا ِ‬
‫"خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه" [تفسير العياشي‪ ،2/76 :‬البرهان‪.].2/102 :‬‬

‫والمثلة في مثل هذا اللون من التأويل كثيرة حتى ألفوا في هذا كتبًا مستقلة مثل "ما نزل من‬
‫القرآن في صاحب الزمان" [للراف ضي ع بد العز يز الجلودي (ان ظر‪ :‬الذري عة ‪ ،].)19/30‬و"المح جة في ما‬
‫[نشر سنة (‪1403‬ه‍)‬ ‫نزل في القائم الحجة" [لشيخهم هاشم البحراني‪ ،].‬وقد نشر الخير في طبعة حديثة‬
‫[يد عى مح مد من ير الميل ني‪،‬‬ ‫عن مؤ سسة الوفاء‪ ،‬بيروت‪ ].‬قام على تحقيقها بعض الروافض المعاصرين‬
‫وقد أرجع نصوص الكتاب إلى مجموعة من كتبهم المعتمدة عندهم‪ ،].‬وقد أول فيه مؤلفه أكثر من (‪)120‬‬

‫‪547‬‬
‫آية من كتاب ال بمهديهم المنتظر في تأويلت هي من فضائحهم التي ل تستر‪ ،‬ولكن المحقق لم‬
‫يقتنـع بهذا العدد فأضاف إليـه تأويـل اثنتـي عشرة آيـة أخرى مـن كتاب ال ووضعهـا فـي آخـر‬
‫الكتاب تحت عنوان "مستدرك المحجة"‪.‬‬

‫والنظر الموضوعي المنصف يرى في هذه التأويلت الباطنية التي يراد الحتجاج بها لمسألة‬
‫غي بة مهدي هم غلوًا شديدًا وأن ها تحر يف لكتاب ال ل ا ستدلل به‪ ،‬و هي تدل دللة ظاهرة على‬
‫فساد الفكرة التي يحاول تقريرها من أصلها‪.‬‬

‫ويلتمس المامية من الغيبة التي وقعت لبعض النبياء دليلً على صحة وقوع غيبة مهديهم؛‬
‫فيحتجون – مثلً – بغيبة "موسى بن عمران عليه السلم من وطنه وهربه من فرعون ورهطه‬
‫كما نطق به القرآن"‪ ،‬وغيبة يوسف عليه السلم‪ ،‬واستتار خبره عن أبيه – كما جاءت به سورة‬
‫في القرآن – إلى أن كشف ال أمره وظهر خبره وجمع بينه وبين أبيه وإخوته‪ ،‬وقصة يونس‬
‫بن متى نبي ال عليه السلم مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلفهم له‪ ،‬واستخفافهم بحقوقه‪،‬‬
‫وغيبته عنهم وعن كل أحد حتى لم يعلم أحد من الخلق مستقره‪ ،‬وستره ال تعالى وأمسك عليه‬
‫رم قه بضرب من الم صلحة‪ ،‬إلى أن انق ضت تلك المدة ورده ال تعالى إلى قو مه‪ ،‬وج مع بين هم‬
‫وبينه [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].77‬‬

‫وكذلك ا ستتار نبي نا مح مد صلى ال عل يه و سلم في الغار‪ ،‬و قد اح تج ب ها الطو سي على من‬
‫[انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪:‬‬ ‫قال‪" :‬إذا كان (إمامكم) مكلفًا للقيام بالمر وتحمل أعباء المامة كيف يغاب؟"‬
‫ص ‪ ].13‬فيجي به الطو سي بقوله‪" :‬أل يس ال نبي صلى ال عل يه و سلم قد اخت فى في الش عب ثلث‬
‫سنين لم يصل إليه أحد واختفى في الغار ثلثة أيام" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].13‬‬

‫والواقع أن هذه المقارنات التي يقوم بها المامية لقناع أتباعهم والمتشككين في أمر الغيبة ل‬
‫تجدي في نزع فتيل الشك المشتعل في أفئدة القوم كلما تأملوا أمر الغيبة بعين عقولهم‪ ،‬رغم أنهم‬
‫يعولون على هذه المقارنات كثيرًا‪ ،‬حتى إن ابن بابويه ألف في شأنه كتابًا لقناع كبير شيوخهم‬
‫الذي داخله الشك في أمر الغيبة ولقناع الحافين به من الشيعة الذين داهمهم الريب والحيرة في‬
‫شأنها كما أشار إلى ذلك في كتابه [انظر‪ :‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].4-2‬‬

‫أقول‪ :‬إن هذه المقارنات غيـر مجديـة فـي إثبات فكرة غيبـة إمامهـم لسـباب كثيرة‪ ،‬منهـا أن‬
‫[أ ما غي بة الش عب فلي ست بغي بة‪ ،‬بل ح صار ومقاط عة فل تد خل في‬ ‫غي بة مو سى ويو سف ويو نس ومح مد‬
‫موضوعنا‪ ].‬عليهم السلم قد أخبر ال سبحانه بها في كتابه بنص واضح صريح ل لبس فيه ول‬

‫‪548‬‬
‫غموض‪ ،‬أما غيبة مهديهم فتنتهي رواياته إلى حكيمة إن صحت النسبة إليها‪ ،‬ثم أخبار البواب‬
‫الربعة المطعون في شهادتهم‪ ،‬لنهم يجرون المصلحة إليهم‪ ،‬حيث المال المتدفق‪.‬‬

‫ولهذا ادعى كثيرون هذه البابية‪ ،‬كذلك غيبة النبياء معروفة لدى قومهم لنهم عاشوا بينهم‪،‬‬
‫وعرفوا‪ ،‬أما غائبهم فلم يعرفه أحد ولم ير له أثر‪ ،‬وكان أهله أنفسهم ينكرون وجوده‪ .‬كما شهد‬
‫ثقات المؤرخين أن الحسن العسكري لم يعقب – كما سيأتي ‪.-‬‬

‫ثم إن غيبة هؤلء النبياء محدودة الزمان والمكان‪ ،‬ما لبثوا أن عادوا إلى قومهم وأهلهم‪.‬‬

‫أما منتظرهم فقد مضت القرون ولم يعرف له أثر ولم يعلم له مكان‪.‬‬

‫كذلك رسل ال الذين غابوا قد أقاموا الحجة على قومهم‪ ،‬وبلغوا رسالت ال في جيلهم‪ ،‬أما‬
‫غائبهم فقد مرت الجيال ولم نسمع منه شيئًا‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك أن الغي بة لل نبياء كا نت طبيع ية في جملت ها‪ ،‬فغيبة يو سف هي مفار قة لبيه‬
‫وظهوره عند قوم آخرين‪ ،‬كما ي سافر المرء من بلد إلى بلد‪ .‬وهي موقوته بزمن محدود‪ ،‬وهي‬
‫حوادث ا ستثنائية ح تى بالن سبة لل نبياء علي هم ال سلم‪ ،‬فإن هم جم غف ير‪ ،‬ولم ين قل أن هذا حدث‬
‫لغير المذكورين‪.‬‬

‫أ ما احتجاج الث ني عشر ية باختفاء ال نبي صلى ال عل يه و سلم في الغار "فإن هذا ال ستدلل‬
‫وا قع في غ ير موق عه‪ ،‬لن ا ستتار ال نبي صلى ال عل يه و سلم لم ي كن لخفاء دعوى النبوة‪ ،‬بل‬
‫كا نت من ج نس التور ية في الحرب‪ ،‬ح تى ل ي سد الكفار عل يه الطر يق‪ ،‬ثم هذا الختفاء كان‬
‫ثلث أيام‪ ،‬فقياس ذلك على غيبة مهديهم في غاية الحماقة‪ ،‬فرق واضح بين الختفاء الذي كان‬
‫مقد مة عاجلة لظهور الد ين وب ين الختفاء المتطاول الذي لز مه الخذلن وترك الدعوة وانتشار‬
‫الطغيان" [مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].119‬‬

‫دفاعهم عن طول أمد الغيبة‪:‬‬

‫إن ممـا يعرف بـه كذب دعوى الشيعـة وجود إمامهـا‪ ،‬هـو اسـتبعاد بقائه حيًا طول هذه المدة‬
‫ال تي تجاوزت الن ألف ومائة سنة‪ .‬فإن تعم ير وا حد من الم سلمين هذه المدة هو – ك ما يقول‬
‫ش يخ ال سلم ا بن تيم ية – أ مر يعرف كذ به بالعادة المطردة في أ مة مح مد‪ ،‬فل يعرف أ حد ولد‬
‫في ز من ال سلم عاش مائة وعشر ين سنة فضلً عن هذا الع مر‪ ،‬و قد ث بت في ال صحيح عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في آخر عمره "أريأتكم ليلتكم هذه‪ ،‬فإن على رأس مائة سنة‬

‫‪549‬‬
‫[منهاج ال سنة‪ ،2/65 :‬وان ظر الحد يث في‪:‬‬ ‫منها ل يبقى على و جه الرض ممن هو اليوم عليها أحد"‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب السمر في العلم‪ ،1/37 :‬ومسند أحمد‪ .].131 ،2/121 :‬فمن كان في ذاك‬
‫الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعًا‪ ،‬وإذا كانت العمار في ذلك العصر ل‬
‫تتجاوز هذا ال حد ف ما بعده من الع صار أولى بذلك في العادة الغال بة العا مة‪ ...‬ثم أعمار هذه‬
‫[منهاج السنة‪.2/165 :‬‬ ‫المة ما بين الستين إلى السبعين‪ ،‬وقليل ممن يجوز ذلك‬
‫وانظر الحديث في سنن الترمذي‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب ما جاء في فناء أعمال هذه المة ما بين الستين إلى السبعين‪:‬‬
‫(‪ ،)3550‬وقال‬ ‫‪ ،)2331( 4/566‬وكتاب الدعوات‪ ،‬باب فـي دعاء النـبي صـلى ال عليـه وسـلم‪5/553 :‬‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حد يث حسن غر يب ل يعرف إل من هذا الو جه‪ ،‬قال ا بن ح جر‪ :‬و هو عجيب منه ف قد رواه في الز هد‬
‫أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة (فيض القدير‪ .)2/11 :‬ورواه ابن ماجه في كتاب الزهد‪ ،‬باب المل والجل‪:‬‬
‫(‪ .)4236‬ورواه ا بن حبان (ان ظر‪ :‬ف يض القد ير‪ ،)2/11 :‬والحا كم (الم ستدرك‪ ،)2/427 :‬والخط يب‬ ‫‪2/1415‬‬
‫(تاريخ بغداد‪ ،)12/48 ،6/397 :‬وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالحسن (الجامع الصغير ص ‪ ،)48‬وقال‬
‫ابن حجر في الفتح‪ :‬سنده حسن (انظر‪ :‬فيض القدير‪ ،)2/11 :‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ووافقه الذهبي‬
‫(المسـتدرك ‪ ،)2/427‬وتعقـب ذلك اللبانـي وقال‪ :‬الصـواب أنـه حسـن لذاتـه وصـحيح لغيره‪ .‬سـلسلة الحاديـث‬
‫الصـحيحة‪ ،)757( 2/397 :‬وانظـر‪ :‬صـحيح الجامـع (لللبانـي) ‪ ].)1084( 1/354‬كمـا ثبـت ذلك فـي‬
‫الحديث الصحيح [منهاج السنة‪.].2/165 :‬‬

‫هذا العتراض يأ خذ بخناق المام ية‪ ،‬ويج تث جذور اعتقاد هم من أ ساسه‪ ..‬و قد حاول شيوخ‬
‫الشيعة دفعه بإجراء مقارنات بين مهديهم وبعض النبياء عليهم السلم الذي زادت أعمارهم عن‬
‫المعدل الطبيعي المألوف للبشر‪ ،‬فالمهدي عندهم شبيه بنوح عليه السلم الذي لبث في قومه ألف‬
‫سنة إل خمسين عامًا [انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].79‬‬

‫وأسندوا هذه المقارنة إلى بعض آل البيت لتحظى بالقبول عند أتباعهم‪ ،‬فروى ابن بابويه –‬
‫[إكمال‬ ‫بسنده – أن علي بن الحسين قال‪" :‬في القائم سنة من نوح عليه السلم وهو طول العمر"‬
‫[عقائد‬ ‫الديـن‪ :‬ص ‪ .].488‬وكذلك يقولون إن بقاء مهدي هم هو كبقاء عي سى بن مر يم عل يه ال سلم‬
‫[الحائري‪ /‬إلزام الناصـب‪:‬‬ ‫الماميـة‪ :‬ص ‪ .].108‬والخضـر وإلياس‪ ،‬ويعقدون المقارنـة حتـى بإبليـس‬
‫‪ .].1/283‬ويسـندون جملة مـن هذه المقارنات إلى بعـض آل البيـت لتكسـب صـفة القطـع عـن‬
‫[انظر هذه الروايات في‪ :‬أصول الكافي‪ ،337-1/336 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص‬ ‫أتباعهم؛ لنها من قول المعصوم‬
‫‪ 108‬ومـا بعدهـا‪ ،‬إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ 134‬ومـا بعدهـا‪ ،‬إلزام الناصـب‪ ،].1/285 :‬وكذلك يحتجون بأخبار‬
‫المعمرين من البشر [انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ 79‬وما بعدها‪ ،].‬وفاتهم أن يعقدوا المقارنة مع جبرائيل‬
‫وملك الموت‪ ،‬والملئكة عمومًا وبالسماوات والرض‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫وهذا الدفاع قد أبطله الشيعة أنفسهم؛ لنهم يقولون بأن مهديهم هو الحاكم الشرعي للمة منذ‬
‫أ حد ع شر قرنًا أو يز يد‪ ،‬و هو الق يم على القرآن ول يح تج بالقرآن إل به‪ ،‬ول هداة للب شر إل‬
‫بواسطته‪ ..‬وهو الذي معه القرآن الكامل ومصحف فاطمة والجفر والجامعة‪ ،‬وما يحتاجه الناس‬
‫فـي دينهـم ودنياهـم‪ ،‬فمهديهـم مسـؤول عـن المـة‪ ،‬ومعـه وسـائل هدايتهـم وسـعادتها فـي الدنيـا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫أما غيره ممن يعقدون المقارنة به فيختلفون عنه اختلفًا كثيرًا‪ ،‬فإن نوحًا عليه السلم قد لبث‬
‫في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا يدعوهم إلى ال سبحانه حتى أوحى ال إليه {َأنّ هُ لَن ُي ْؤمِ نَ‬
‫ِكـ إِ ّل مَن قَدْ آمَنـَ} [هود‪ ،‬آيـة‪ ].36 :‬ولم يكـن غائبًا فـي سـردابه أو فـي مخبئه ل يعلم‬
‫مِن َق ْوم َ‬
‫م ستقره ومكا نه‪ ،‬يرى الناس في ضلل هم وكفر هم ويتوارى عن النظار فل يرو نه مع تعا قب‬
‫الجيال وكر القرون‪ .‬على أن عمر المهدي – الن – قد زاد عن هذه المدة‪.‬‬

‫وكذلك عيسى عليه السلم قد بلغ رسالة ربه‪ ،‬وأقام الحجة وأدى المانة قبل رفعه إلى السماء‬
‫فلم ي كن يض ير أتبا عه أن يغ يب عن هم بخلف منتظر هم الذي غاب م نذ طفول ته وترك شيع ته‬
‫يختلفون في وجوده وبابيته‪ ،‬وتعميهم التقية عن معرفة حقيقة مذهبه‪ ،‬ويختلفون ويتنازعون حتى‬
‫يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا‪.‬‬

‫[انظر‪ :‬المنتقى ص ‪،26‬‬ ‫أما الخضر وإلياس فإن الذي عليه المحققون من أهل العلم أنهما قد ماتا‬
‫ويرى ابن حزم أن القول بحياة إلياس والخضر‪ ..‬فكرة مأخوذة عن اليهودية‪ ،‬فاليهود هم الذين قالوا بحياة إلياس وحياة‬
‫فنحاس بن العازار ا بن هارون عل يه ال سلم‪ ،‬و سار في سبيلهما ب عض ال صوفية فاد عى أ نه يل قى إلياس في الفلوات‬
‫(الفصل‪ ،)5/37 :‬وكذلك قال الصوفية بحياة الخضر‪ ،‬ولهم حكايات في الجتماع به والخذ عنه (انظر‪ :‬ابن عربي‪/‬‬
‫الفتوحات المكيـة‪ ،1/241 :‬ابـن عطاء ال السـكندري‪ /‬لطائف المنـن‪ :‬ص ‪ ،53-52‬وطبقات الشعرانـي‪،1/97 :‬‬
‫‪ ،2/5‬وان ظر‪ :‬الف صل‪ ،38-5/37 :‬ا بن ح جر‪ /‬تهذ يب التهذ يب‪ ،7/477 :‬و قد اع تبر ا بن حزم دعاوى ال صوفية‬
‫الخذ عن الخضر خروجًا عن عقيدة ختم النبوة (انظر‪ :‬الفصل‪.)5/38 :‬‬

‫ودعوى بقاء الخضر إلى اليوم مخالف للدليل‪ ،‬وما عليه أهل التحقيق‪ ،‬انظر في ذلك‪ :‬منهاج السنة‪ ،1/28 :‬ا بن‬
‫القيم‪ /‬المنار المنيف‪ :‬ص ‪ ،76-67‬وانظر عن الخضر‪ :‬ابن كثير‪ /‬البداية والنهاية‪ ،337-1/325 :‬ابن حجر‪ /‬فتح‬
‫ال صابة‪ .335-2/286 :‬ول بن ح جر ر سالة في تحق يق أ مر الخ ضر‪ ،‬قال في خاتمت ها‪:‬‬ ‫الباري‪312-6/309 :‬‬
‫والذي تم يل إل يه الن فس من ح يث الدلة القو ية خلف ما يعتقده العوام من ا ستمرار حيا ته (الز هر الن ضر في ن بأ‬
‫الخضـر‪ ،‬ضمـن مجموعـة الرسـائل المنيريـة‪ ،].)2/234 :‬وعلى تقد ير حيات ها فل ت سلم له ما المقار نة‪،‬‬
‫لنهمـا ليسـا بمكلفيـن فـي هدايـة هذه المـة وقيادتهـا بخلف إمامهـم الذي هـو مسـؤول – فـي‬
‫اعتقادهم – عن المسلمين جميعًا في كل أمورهم‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫أما إبليس فالخبر في بقائه ورد به القرآن بخلف مهديهم الذي أنكره حتى أهله وطوائف من‬
‫شيعته‪ ،‬ثم إن إبليس يمارس مهمته في إضلل الخلق عن سبيل ال‪ ،‬ول شك أن ضلل الشيعة‬
‫باتباع هذا "المعدوم" من أعماله‪ ،‬أ ما منتظر هم فل يس له أ ثر ول خبر‪ .‬ك ما أن إبل يس ل يس من‬
‫جنس الناس‪ ..‬فل تسلم لهم المقارنة في كل الحوال‪.‬‬

‫أما بقية المعمرين من البشر فإنهم مهما بلغوا من العمر فل يصلوا إلى بعض ما يدعونه في‬
‫غائب هم‪ ،‬و كل المثلة ال تي ضرب ها شيوخ هم في القرن الرا بع ل يس ل ها قي مة اليوم لتجاوز ع مر‬
‫منتظرهم أضعافها‪ ،‬كما أن هؤلء ليس لهم مهمة غائبهم ومسؤولياته‪.‬‬

‫ويحاول بعض المعاصرين من شيوخهم أن يستنجد بلغة العلم الحديث في التدليل على إمكانية‬
‫بقاء منتظرهم‪ ،‬فيقول المظفر‪" :‬وطول الحياة أكثر من العمل الطبيعي أو الذي يتخيل أنه العمر‬
‫الطبيعي ل يمنع منها الطب ول يحيلها‪ ،‬غير أن الطب بعد لم يتوصل إلى ما يمكنه من تعميرة‬
‫حياة النسان وإذا عجز عنه الطب فإن ال قادر على كل شيء" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].108‬‬

‫ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا‪" :‬بأن أكابر فلسفة الغرب قالوا بإمكان الخلود في الدنيا‬
‫[هذه‬ ‫للنسان" [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ .].70‬ثم قال‪" :‬قال بعض كبار علماء أوروبا‪ :‬لول سيف ابن ملجم‬
‫مقالة شيعية اعتزالية مبنية على مذهب المعتزلة الذين يقولون بأن القاتل قد قطع على المقتول أجله‪ ،‬وهي مقالة مخالفة‬
‫ل ما ث بت في الكتاب وال سنة بأن كل من مات ف قد ا ستكمل أجله (ان ظر‪ :‬مجموع فتاوى ش يخ ال سلم ‪ ،8/516‬شرح‬
‫الطحاو ية‪ ].‬لكان علي بن أ بي طالب من الخالد ين‪ ،‬ل نه قد ج مع جميع صفات الكمال والعتدال"‬
‫[أصل الشيعة‪ :‬ص ‪.].70‬‬

‫هذا ما تقوله – نظريات بعض الكفار – إن صدق هؤلء في نقلهم – ولكن ال سبحانه يقول‬
‫خلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُ مُ ا ْلخَالِدُو نَ} [النبياء‪ ،‬آية‪ ،].34 :‬ويقول‪ُ { :‬كلّ‬
‫لنبيه‪َ { :‬ومَا جَ َع ْلنَا ِل َبشَ ٍر مّن َقبْلِ كَ الْ ُ‬
‫نَفْ سٍ ذَآئِقَةُ ا ْل َموْ تِ} [آل عمران‪ ،‬آيـة‪ ،185 :‬النـبياء‪ ،‬آيـة‪ ،35 :‬العنكبوت‪ ،‬آيـة‪ ،].57 :‬ويقول سبحانه‪:‬‬
‫سبُوقِينَ} [الواقعة‪ ،‬آية‪ .].60 :‬وهو سبحانه أعلم بمن خلق‪،‬‬
‫{نَحْ نُ قَ ّد ْرنَا بَ ْينَكُ مُ ا ْل َموْ تَ َومَا نَحْ نُ بِمَ ْ‬
‫وأصـدق القائليـن‪ ،‬فل عـبرة بعـد ذلك بقول كافـر يحاول أن يتشبـث بالبقاء فـي هذه الحياة ولو‬
‫بالوهام‪.‬‬

‫ولعلي الر ضا – ك ما تن قل ك تب الشي عة – كل مة صادقة قال ها في الرد على الفرق الشيع ية‬
‫الكثيرة التي تقول بحياة بعض آل البيت ول تصدق بموتهم وتدعي أنها غيبة وسيرجعون‪ ،‬وهي‬
‫من أقوى الردود على الث ني عشر ية من كلم هم أنف سهم‪ ،‬ف قد جاء في رجال الك شي أن عليًا‬
‫الرضا قيل له‪ :‬إن قومًا وقفوا على أبيك ويزعمون أنه لم يمت‪ ،‬قال‪" :‬كذبوا وهم كفار بما أنزل‬
‫‪552‬‬
‫ال عز و جل على محمد صلى ال عليه و سلم‪ ،‬ولو كان ال يمد في أجل أحد لمدّ ال في أجل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].458‬‬

‫ولكنهـم يخالفون قول إمامهـم ويزعمون أن ال مدّ فـي عمره لحاجـة البشـر إليـه؛ بـل لحاجـة‬
‫الكون و كل ش يء في الحياة إل يه؛ إذ لوله – ك ما يفترون – ل ساخت الرض‪ ،‬وما جت بأهل ها‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪.].1/179 :‬‬

‫المهدي بعد عودته المزعومة‬

‫أ ـ شريعة مهديهم المنتظر‪:‬‬

‫يشير ابن بابويه في العتقادات التي تسمى دين المامية إلى أن المهدي إذا رجع من غيبته‬
‫ينسخ شريعة السلم فيما يتعلق بأحكام الميراث‪ ،‬فيذكر عن الصادق أنه يقول‪" :‬إن ال آخى بين‬
‫الرواح فـي الظلة قبـل أن يخلق البدان بألفـي عام‪ ،‬فلو قـد قام قائمنـا أهـل البيـت أورث الخ‬
‫الذي آخى بينهما في الظلة ولم يرث الخ من الولدة" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].83‬‬

‫لعـل هذه الروايـة تكشـف عمـا يختلج فـي نفوس أرباب تلك العصـابة مـن رغبـة فـي إحلل‬
‫العلقة الحزبية والتنظيمية بين أفرادها محل القرابة والولدة في الميراث‪ ،‬ونهب أموال الناس‬
‫باسـم هذه العلقـة والخوة! ومـا تحلم بـه عنـد قيام دولتهـا الموعودة مـن تطـبيق هذه التطلعات‬
‫والتي أرادت إعطائها صيغة مقبولة بنسبها لل البيت‪.‬‬

‫ك ما تف صح هذه الروا ية عن مو قف واض عي هذه الروايات من ت طبيق الشري عة ال سلمية‬


‫ورغبت هم في تعطيل ها‪ ..‬ثم هي تع كس مضمونًا إلحاديًا ي سعى لهدم الشري عة‪ ،‬والخروج على‬
‫عقيدة ختم النبوة‪.‬‬

‫وهذه الدعوى فضلً عن أنها خروج عن شريعة السلم فهي مخالفة لمنطق العقل‪ ،‬فالتوارث‬
‫منوط بالعل قة الظاهرة من الولدة والقرا بة‪ ،‬أ ما المؤاخاة الزل ية المزعو مة فل يدرك ها الب شر‪،‬‬
‫فكيف تكون أساسًا لقسمة الميراث؟‪.‬‬

‫وكذلك يغيـر منتظرهـم شريعـة السـلم فيمـا يتعلق بأخـذ الجزيرة مـن أهـل الكتاب‪ ،‬وتنـص‬
‫رواياتهم أن منتظرهم بهذا المنهج يخالف هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم فتقول‪" :‬ول يقبل‬
‫صاحب هذا ال مر الجز ية ك ما قبل ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم" [بحار النوار‪.].52/349 :‬‬

‫‪553‬‬
‫ويك في هذا العتراف في تأك يد خرو جه عن سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وتبديله ل ها‬
‫عمدًا‪ ..‬ف هل أراد وا ضع هذه الروايات أن يهون من شأن التشر يع ال سلمي في نفوس التباع‬
‫ويغري بالخروج عليه؟!‬

‫بل إن الح كم والقضاء في دولة المنت ظر يقام على غ ير شري عة المصـطفى صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ .‬جاء في الكافي وغيره‪ ،‬قال أبو عبد ال‪" :‬إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان‬
‫ول ي سأل بي نة" [أ صول الكا في‪ ،].1/397 :‬و في ل فظ آ خر‪" :‬إذا قام قائم آل مح مد ح كم ب ين الناس‬
‫[المفيـد‪ /‬الرشاد‪ :‬ص ‪ ،413‬الطبرسـي‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص‬ ‫بحكـم داود عليـه السـلم ول يحتاج إلى بينـة"‬
‫‪.].433‬‬

‫وقد تبنى ثقة إسلمهم الكليني هذه العقيدة وبوب لها بابًا خاصًا بعنوان‪" :‬باب في الئمة عليهم‬
‫[أصـول الكافـي‪:‬‬ ‫السـلم أنهـم إذا ظهـر أمرهـم حكموا بحكـم داود وآل داود ول يسـألون البينـة"‬
‫‪ .].1/397‬ول يخفى ما في هذا التجاه من عنصر يهودي‪ .‬ولهذا علق بعضهم على هذا العنوان‬
‫[م حب الد ين الخط يب‪ /‬في تعلي قه على‬ ‫بقوله‪" :‬أي ين سخون الد ين المحمدي ويرجعون إلى د ين اليهود"‬
‫المنتقى‪ :‬ص ‪( 302‬هامش ‪.].)4‬‬

‫وان ظر ك يف يحلم واض عو هذه الروايات – الذ ين لب سوا ثوب التش يع زورًا وبهتانًا – بدولة‬
‫تحكم بغير شريعة السلم‪.‬‬

‫وتش ير ب عض روايات هم إلى أ نه أيضًا يح كم بح كم آدم مرة‪ ،‬ومرة بح كم داود‪ ،‬ومرة بقضاء‬
‫إبراهيم‪ .‬ولكن يعارضه في هذا التجاه للحكم بغير شريعة السلم بعض أتباعه‪ ،‬إل أنه يواجه‬
‫هذه المعارضة بشدة حيث يأمر بهم فتضرب أعناقهم [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].52/389 :‬‬

‫وتقدم روايات هم ب عض أحكا مه وأقضي ته فتقول‪ :‬إ نه يح كم بثلث لم يح كم ب ها أ حد قبله؛ يق تل‬


‫[ابن بابويه‪ /‬الخصال‪ :‬ص ‪ ،169‬بحار‬ ‫الشيخ الزاني‪ ،‬ويقتل مانع الزكاة‪ ،‬ويورث الخ أخاه في الظلة‬
‫النوار‪ ،52/359 :‬الكاظمي‪ /‬بشارة السلم‪ :‬ص ‪ ،].275‬وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين‬
‫[الطبرسي‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪ ،431‬بحار النوار‪ ..].52/152 :‬إلخ‪.‬‬

‫وتقوم دولة المنتظر على الحكم لهل كل دين بكتابهم‪ ،‬مع أن السلم لم يجز لحد أن يحكم‬
‫بغير شريعة القرآن باتفاق المسلمين [انظر‪ :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة النبوية‪ ،3/127 :‬المنتقى‪ :‬ص ‪.].343‬‬

‫جاء في أخبار هم "إذا قام القائم ق سم بال سوية‪ ،‬وعدل في الرع ية‪ ،‬وا ستخرج التوراة و سائر‬
‫كتـب ال تعالى مـن غار بأنطاكيـة‪ ،‬حتـى يحكـم بيـن أهـل التوراة بالتوراة‪ ،‬وبيـن أهـل النجيـل‬
‫‪554‬‬
‫[الغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪ ،157‬وان ظر‪:‬‬ ‫بالنج يل‪ ،‬وب ين أهل الزبور بالزبور‪ ،‬وب ين أ هل القرآن بالقرآن"‬
‫بحار النوار‪.].52/351 :‬‬

‫وهذا القانون الذي يط مح إلى ت طبيقه واض عو هذه الروايات ويعدون بتنفيذه على يد المنت ظر‬
‫هو شبيه – إلى حد كبير – بفكرة الديا نة العالم ية ال تي تر فع شعار ها الما سونية‪ ..‬و هي فكرة‬
‫إلحادية تقوم أساسًا على إنكار الديان السماوية تحت دعوى حرية الفكر والعقيدة‪.‬‬

‫وفي حومة هذه الفكار التي تسعى لنسخ شريعة القرآن وابتداع أحكام جديدة لم يأذن بها ال‪،‬‬
‫والرجوع إلى حكم داود ل شريعة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ..‬وتطبيق شرائع الديان ل حكم‬
‫القرآن – نلتقـي بعـد ذلك بفكرة مسـمومة تعـد نتيجـة لهذه المقدمات والتغييرات التـي سـبقتها‪،‬‬
‫وفحوى هذه الفكرة هو إلغاء المهدي الحكم بالقرآن وإحلل كتاب آخر محله‪ ،‬وهذا ما تشير إليه‬
‫روا ية النعما ني عن أ بي ب صير قال‪ :‬قال أ بو جع فر ر ضي ال ع نه‪" :‬يقوم القائم بأ مر جد يد‪،‬‬
‫ـب‪:‬‬
‫ـي‪ :‬ص ‪ ،154‬بحار النوار‪ ،52/354 :‬إلزام الناصـ‬
‫ـة للنعمانـ‬
‫[الغيبـ‬ ‫وكتاب جديـد‪ ،‬وقضاء جديـد"‬
‫[الغي بة للنعما ني‪ :‬ص‬ ‫‪" ،].2/283‬لكأ ني أن ظر إل يه ب ين الركن والمقام يبا يع الناس على كتاب جد يد"‬
‫‪ ،176‬بحار النوار‪.].52/135 :‬‬

‫وت صف روايات أخرى عند هم ما يقوم به منتظر هم من محاولة ل صرف الناس عن القرآن‬
‫بدعوى أ نه محرف وإخراج كتاب آ خر مخالف له‪ ،‬و سعيه لتضل يل الناس بدعوى أن كتا به هو‬
‫الكتاب الكامل الذي أنزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيام "العجم" بالسعي لنشره بين‬
‫الناس‪ ،‬وتعليمهم إياه‪ ،‬ومواجهتهم صعوبة بالغة لتغيير ما في أفئدة الناس وأذهانهم من كتاب ال‬
‫[وقد مضى نقل نص ذلك بحروفه ص‪.].)258-257( :‬‬

‫[ولذلك نرى شيخهـم النعمانـي يصـدر روايات‬ ‫هذه هي الروايات ال تي كا نت مو ضع التداول ال سري‬
‫الغيبة بما روي عندهم في صون سر آل محمد عمن ليس من أهله‪ ،‬كما أشار إلى ذلك في بداية كتابه (انظر‪ :‬الغيبة‬
‫ص ‪ ].)17‬في إبان قوة الدولة ال سلمية عن حكو مة المهدي ب عد رجع ته‪ ،‬و قد يقول من لم ي سلم‬
‫بأ مر منتظر هم إ نه خيالت ل حقي قة ل ها‪ ،‬لن القائم المنت ظر ل وجود له‪ ،‬فل تح قق لهذه الدولة‬
‫الموعودة‪ ..‬فالحديث عنها قد يكون حديثًا خياليًا‪.‬‬

‫وهذا حـق؛ لكـن القيمـة الواقعيـة لهذه الروايات أنهـا تفصـح عـن مكنون نفوس واضعيهـا‪،‬‬
‫وأهدافها ضد شريعة السلم‪ ،‬فهي "إسقاطات" نفسية تنطوي على مدلولت خطيرة تحدد رغبات‬
‫واض عي تلك الخبار وتطلعات هم إلى نوع ية الح كم الذي ينشدو نه‪ ،‬و هي أحلم قد تك شف عن‬

‫‪555‬‬
‫خ طط تلك العنا صر ال تي اند ست في صفوف الدولة ال سلمية مكت سبة م سوح التش يع لتغي ير‬
‫شري عة القرآن‪ ،‬وإن منازعت هم لح كم ولة الم سلمين ت حت ستار (ل ح كم إل للئ مة) ير مي إلى‬
‫إزالة الحكومة السلمية لقامة دولة أخرى في مكانها تحكم بحكم القائم الموعود‪.‬‬

‫ب ـ سيرة القائم المنتظر‪:‬‬

‫أ ما سيرته فتح مل سمات من شريع ته الجديدة‪ ،‬ح يث يتولى مضاي قة الم سلمين في مقد ساتهم‬
‫وم ساجدهم‪ ،‬فيقوم بعمل ية هدم وتخر يب في الحرم ين الشريف ين‪ ،‬ح يث ت نص أخبار هم "أن القائم‬
‫يهدم الم سجد الحرام ح تى يرده إلى أ ساسه‪ ،‬وم سجد الر سول صلى ال عل يه و سلم إلى أ ساسه‪،‬‬
‫ويرد البيت إلى موضعه وإقامته على أساسه" [الطوسي‪ /‬الغيبة ص ‪ ،282‬بحار النوار‪.].52/338 :‬‬

‫كذلك يتجه إلى قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وصاحبيه ويبدأ – كما تقول أخبارهم –‬
‫"بكسـر الحائط الذي على القـبر‪ ...‬ثـم يخرجهمـا (يعنـي صـاحبي رسـول ال) غضيـن رطـبين‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫فيلعنهمـا ويتـبرأ منهمـا ويصـلبهما ثـم ينزلهمـا ويحرّقهمـا ثـم يذريهمـا فـي الريـح"‬
‫‪ .].52/386‬و في روا ية أخرى "أول ما يبدأ به القائم‪ ..‬يخرج هذ ين ر طبين غض ين فيحرّقه ما‬
‫ويذريهما في الريح‪ ،‬ويكسر المسجد" [بحار النوار‪.].52/386 :‬‬

‫ونسبوا إلى ال – سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون – أنه قال لنبيه – حينما أسرى به ‪:-‬‬
‫"وهذا القائم‪ ...‬هو الذي يش في قلوب شيع تك من الظالم ين والجاحد ين والكافر ين‪ ،‬فيخرج اللت‬
‫[ا بن بابو يه‪ /‬عيون أخبار الر ضا‪ ،1/58 :‬بحار‬ ‫والعزى (يعنون خليف تي ر سول ال) طري ين فيحرقه ما"‬
‫النوار‪.].52/379 :‬‬

‫وتشير بعض رواياتهم إلى أن هذا العمل يثير المسلمين‪ ،‬حيث تقول‪ .." :‬ثم يحدث حدثًا فإذا‬
‫فعـل ذلك قالت قريـش‪ :‬اخرجوا بنـا إلى هذا الطاغيـة‪ ،‬فوال لو كان محمديًا مـا فعـل‪ ،‬ولو كان‬
‫علويًا ما فعل‪ ،‬ولو كان فاطميًا ما فعل‪[ "..‬تفسير العياشي‪ ،2/58 :‬بحار النوار‪.].52/342 :‬‬

‫قال شيخهم وفخرهم [لن من ألقابه عند هم "ف خر المة" كما تجد ذلك في صدور كت به‪ ].‬المجلسي‪" :‬لعل‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫المراد بإحداث الحدث إحراق الشيخين الملعونين فلذا يسمونه عليه السلم بالطاغية"‬
‫‪.].52/346‬‬

‫ول يخ فى أن هذه "الوعود" ب صنائع المنت ظر ال تي تط فح ب ها روايات هم إن ما ت نم عن دخائل‬


‫نفوسهم وما تكنه صدورهم من مناوأة لدين السلم وسعي في الكيد له حتى يتمنوا أن تتاح لهم‬
‫فرصة لهدم الحرمين‪ ،‬ونبش القبرين الطاهرين‪ ،‬وحينما يحسون بعجزهم عن تحقيق ذلك لقوة‬
‫‪556‬‬
‫الدولة السـلمية آنذاك يعزون أنفسـهم ويعللونهـا‪ ،‬ويشفون غيـظ قلوبهـم على السـلم ورواده‬
‫الذين فتحوا ديارهم‪ ،‬وأزالوا ملكهم‪ ،‬ونشروا السلم بينهم‪ ..‬بهذه الحلم والمال‪ ..‬فهي تكشف‬
‫في الحقيقة ماذا يتمنون تحقيقه لو واتتهم فرصة الحكم والتسلط‪.‬‬

‫ولذلك فإن المعا صرين من هم يتمنون ف تح م كة والمدي نة‪ ،‬ك ما جاء على أل سنة آيات هم‪ ،‬ليحققوا‬
‫أحلم هم ال تي أف صحت عن ها أخبار هم – ك ما سيأتي [ في باب الشي عة المعا صرين و صلتهم بأ سلفهم‪-].‬‬
‫ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين‪.‬‬

‫ولم يك تف منتظر هم بهذا؛ بل إ نه يقوم بق تل عام شا مل للج نس العر بي وا ستئصال وجوده‪،‬‬


‫ولذلك فإن أخبارهم تعد العرب بملحمة على يد غائبهم – إذا رجع – ل تبقي ول تذر على رجل‬
‫أو امرأة ول صغير ول كبير بل تأخذهم جميعًا فل تغادر منهم أحدًا‪ .‬فيروي النعماني‪ .." :‬عن‬
‫الحارث بن المغيرة وذر يح المحار بي قال‪ :‬قال أ بو ع بد ال عل يه ال سلم‪ :‬ما ب قي بين نا وب ين‬
‫العرب إل الذبح" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،155‬بحار النوار‪.].52/349 :‬‬

‫وكأن روايتهم هذه ل تفرق بين من يتشيع وغيره‪ :‬لكن تؤكد أخبارهم أنه لن يتشيع أحد من‬
‫العرب للقائم‪ ،‬ولهذا تحذر منهم فتقول‪" :‬اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم‬
‫منهم واحد" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،284‬بحار النوار‪.].52/333 :‬‬

‫ولكن في الشيعة من العرب كثير غير أن أخبارهم تقول بأنهم سيمحصون فل يبقى منهم إل‬
‫النزر اليسير [انظر‪ :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،137‬بحار النوار‪.].52/114 :‬‬

‫[بهرج الدماء‪ :‬أهدرها‪ ،‬وفي الطبعة‬ ‫وتقول رواياتهم بأن القائم "يبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب"‬
‫الخرى للبحار يهرج‪ ،‬ومعنى الهرج‪ :‬الفتنة والختلط والقتل (انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،52/333 :‬هامش ‪.].)1‬‬

‫ويخ صون قبيلة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قر يش ال تي من ها صفوة أ صحابه بالذ كر‬
‫التفصيلي لعمليات القتل التي يجريها علي ها القائم‪ ،‬ففي الرشاد للمفيد "عن عبد ال بن المغيرة‬
‫عن أ بي ع بد ال عل يه ال سلم قال‪ :‬إذا قام القائم من آل مح مد عل يه ال سلم أقام خم سمائة من‬
‫قر يش فضرب أعناق هم‪ ،‬ثم أقام خم سمائة فضرب أعناق هم‪ ،‬ثم خم سمائة أخرى ح تى يف عل ذلك‬
‫[الرشاد‪ :‬ص ‪ ،411‬بحار‬ ‫سـت مرات‪ .‬قلت‪ :‬ويبلغ عدد هؤلء هذا؟ قال‪ :‬نعـم منهـم ومـن مواليهـم"‬
‫النوار‪.].52/338 :‬‬

‫‪557‬‬
‫ول يخفـى أن تخصـيص العرب بالقتـل يدل على تغلغـل التجاه الشعوبـي لدى واضعـي هذه‬
‫الروايات‪ ..‬وهي تبين مدى العداوة للجنس العربي لدى مؤسسي "الرفض" والرغ بة في التشفي‬
‫منهم بقتلهم‪ ،‬وذلك – في حقيقة المر – ل يعود لجنسيتهم بل للدين الذي يحملونه‪.‬‬

‫ول تنسى رواياتهم أن تخص البيت النبوي الطاهر ببائقة من بوائق منتظرهم حيث يزعمون‬
‫أن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعث من قبرها قبل‬
‫يوم القيا مة [وذلك ح سب عقيدت هم في الرج عة ال تي سنتحدث عن ها ب عد هذا المب حث إن شاء ال‪ ،].‬وذلك لن ها‬
‫ارتكبت – كما يفترون – حدًا في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولكن رسول ال لم يقم‬
‫عليها الحد – كما يزعمون ‪.-‬‬

‫[جزء من حد يث رواه‬ ‫و هو الذي يقول‪" :‬وأ يم ال لو أن فاط مة اب نة مح مد سرقت لقط عت يد ها"‬


‫البخاري‪ ،‬كتاب ال نبياء‪ ،4/151 :‬كتاب فضائل ال صحاب‪ ،‬باب ذ كر أ سامة بن ز يد‪ ،4/214 :‬كتاب الحدود‪ ،‬باب‬
‫كراه ية الشفا عة في ال حد‪ ،8/16 :‬وم سلم‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب ق طع يد ال سارق‪ ،)1688( 2/1315 :‬وأ بو داود‪،‬‬
‫كتاب الحدود‪ ،‬باب فـي الحـد يشفـع فيـه‪ ،)4373( 4/537 :‬والترمذي‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب مـا جاء فـي كراهيـة أن‬
‫يشفع في الحدود‪ ،)1430( 38-4/37 :‬والنسائي‪ ،‬كتاب قطع السارق‪ ،‬باب ذكر المخزومية التي سرقت ‪،8/72‬‬
‫وابـن ماجـه‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب الشفاعـة والحدود‪ )2547( 2/851 :‬والدارمـي‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب الشفاعـة فـي‬
‫الحدود دون السـلطان‪ ،1/569 :‬وغيرهـم]‪ ،‬وقـد أخذتـه الرحمـة بهـا‪ ،‬مـع أن ال سـبحانه يقول‪{ :‬وَل‬
‫ن بِاللّ هِ} [النور‪ ،‬آية‪ ].2 :‬فلم يقم عليها الحد ولكن‬
‫تَأْخُ ْذكُم ِب ِهمَا رَأْ َفةٌ فِي دِي نِ اللّ هِ إِن كُنتُ ْم ُتؤْ ِمنُو َ‬
‫[و نص‬ ‫قائم هم يتولى تنف يذ ما ع جز أف ضل الخلي قة عن تنفيذه وذلك في ع صر الرج عة المزعوم‬
‫ال سطورة (المن سوبة ل بي جع فر) يقول‪ :‬أ ما لو قام قائم نا ل قد ردّت إل يه الحميراء (ت صغير حمراء و هو ل قب لعائ شة‬
‫رضي ال عنها) حتى يجلدها الحد‪ ،‬وحتى ينتقم لبنة محمد فاطمة عليها السلم منها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬جعلت فداك ولم يجلدها الحدّ؟ قال‪ :‬لفريتها على أم إبراهيم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فك يف أخره ال للقائم عل يه ال سلم؟ فقال له‪ :‬إن ال تبارك وتعالى ب عث محمدًا صلى ال عل يه و سلم رح مة‪،‬‬
‫وبعـث القائم عليـه السـلم نقمـة (علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،580-579‬بحار النوار‪ .)315 ،52/314 :‬ثـم علق على‬
‫ذلك شيخهم المعاصر بنص يبين الفرية المزعومة وأن عائشة قالت – كما يفترون ‪" :-‬إن إبراهيم ليس منك وإنه ابن‬
‫فلن القبطـي" وأن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم كلف عليًا برجمهـا ولكـن عليًا اكتشـف براءتهـا‪( .‬بحار النوار‪:‬‬
‫‪ – 52/315‬الهامش ‪ – ].)-‬كما يفترون ‪.-‬‬

‫وهذا يعنـي أن القائم أكمـل مـن خاتـم النـبيين‪ ،‬وأقدر على تحقيـق ديـن ال ممـن أرسـل قدوة‬
‫للعالمين‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫وهو ما صرحت به أخبارهم حيث روى شيخهم ابن بابويه‪ .." :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قال أبو‬
‫ظهِرَ هُ‬
‫سلَ رَ سُو َل ُه بِا ْلهُدَى وَدِي نِ الْحَقّ ِليُ ْ‬
‫ع بد ال عليه السلم في قوله عز و جل‪ُ { :‬هوَ الّذِي َأرْ َ‬
‫شرِكُونَ} [التوبة‪ ،‬آية‪.].33 :‬‬
‫علَى الدّينِ ُكّلهِ َو َلوْ َكرِهَ ا ْل ُم ْ‬
‫َ‬

‫[إكمال الدين‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬وال ما نزل تأويلها بعد ول ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلم‪"..‬‬
‫ص ‪ ،628‬بحار النوار‪ ].52/324 :‬أي أن القائم سيحقق ما عجز عنه النبياء‪.‬‬

‫وهذا ما صرح به بعض شيوخهم الكبار عندهم [وهو "الخميني"‪ – ].‬في هذا العصر – واستنكره‬
‫العالم السلمي – كما سيأتي – [في باب‪ :‬الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم‪.].‬‬

‫ذلك أن هم يزعمون أن ما ع ند القائم أضعاف ما ع ند ال نبياء من العلم‪ ،‬ح تى جاء في بحار‬


‫النوار وغيره "عن أبان عن أبي عبد ال قال‪ :‬العلم سبعة وعشرون حرفًا فجميع ما جاءت به‬
‫الرسـل حرفان‪ ،‬فلم يعرف الناس حتـى اليوم غيـر الحرفيـن‪ ،‬فإذا قام قائمنـا أخرج الخمسـة‬
‫[بحار‬‫والعشر ين حرفًا فبث ها في الناس‪ ،‬و ضم إلي ها الحرف ين ح تى يبث ها سبعة وعشر ين حرفًا"‬
‫النوار‪ ،52/336 :‬و هي مرو ية في الخرائج للراوندي ك ما أشار إلى ذلك المجل سي (ن فس المو ضع من الم صدر‬
‫السابق)‪.].‬‬

‫وعمل ية الجتياح الدموي الره يب ال تي تحلم ب ها الشي عة الث نا عشر ية على يد مهدي هم تكاد‬
‫تتناول كـل الفئات والجناس البشريـة باسـتثناء طائفتهـم‪ ،‬حيـث يخرج قائمهـم "موتورًا غضبان‬
‫أ سفًا‪ ..‬يجرد ال سيف على عات قه" [بحار النوار‪ ].52/361 :‬ويبدأ الق تل‪ ،‬فيح صد أ هل ال سنة الذ ين‬
‫[قال شيخهم الطريحي‪" :‬وسماهم مرجئة لنهم زعموا أن ال تعالى‬ ‫تلقبهم أخبار الشيعة – أحيانًا – بالمرجئة‬
‫أ خر ن صب المام‪ ،‬ليكون ن صبه باختيار ال مة ب عد ال نبي صلى ال عل يه و سلم" (مج مع البحر ين‪،178-1/177 :‬‬
‫وان ظر‪ :‬مرآة العقول‪ ].)4/371 :‬ح تى قال إمام هم‪" :‬و يح هذه المرجئة‪ ،‬إلى من يلجؤون غدًا إذا قام‬
‫قائمنا" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،190‬بحار النوار‪ ].52/357 :‬ولم يستثن من ذلك إل من تاب‪ ،‬أي دخل‬
‫بمذهبهم فقال‪" :‬من تاب تاب ال عليه‪ ،‬ومن أسر نفاقًا فل يبعد ال غيره‪ ،‬ومن أظهر شيئًا أحرق‬
‫ال د مه‪ .‬ثم قال‪ :‬يذبح هم والذي نف سي بيده ك ما يذ بح الق صاب شا ته – وأو مأ بيده إلى حل قه –"‬
‫[بحار النوار‪ ،52/357 :‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].191-190‬‬

‫وتسميهم أحيانًا بالنواصب وتقول‪" :‬فإذا قام القائم عرضوا كل ناصب عليه فإن أقر بالسلم‬
‫[تف سير فرات‪ :‬ص‬ ‫و هي الول ية وإل ضر بت عن قه أو أ قر بالجز ية فأدا ها ك ما يؤدي أ هل الذ مة"‬
‫‪ ،100‬بحار النوار‪ ،52/373 :‬وقوله‪" :‬أو أقر بالجزية"‪ ،‬يناقض رواياتهم التي تقول بأنه ل يقبل الجزية كما سبق‬
‫ذكر بعضها في بيان "شرعته"‪.].‬‬
‫‪559‬‬
‫لكن بعض رواياتهم تقول بأن الجزية ل تقبل منهم كما تقبل من أهل الذمة‪ ،‬فقد سئل إمامهم‬
‫عن وضع أهل الذمة في دولة القائم فقال‪" :‬يسالمهم كما سالمهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ويؤدون الجزيـة عـن يـد وهـم صـاغرون" [بحار النوار‪ .].52/376 :‬أمـا غيرهـم مـن المخالفيـن‬
‫للراف ضة فقال ف يه‪ " :‬ما ل من خالف نا في دولت نا من ن صيب‪ ،‬إن ال قد أ حل ل نا دماء هم ع ند قيام‬
‫قائم نا" [بحار النوار‪ .].52/376 :‬ح تى إن قائم نا يتت بع الشي عة الزيد ية غ ير الغلة‪ ،‬فيقتل هم‪ .‬تقول‬
‫أخبارهم‪" :‬إذا قام القائم عليه السلم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلف أنفس – كذا‬
‫[البترية‪ :‬هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي‪ ،‬وأصحاب كثير النوى‪ ،‬وكان كثير يلقب بالبتر‪،‬‬ ‫– يدعون البترية‬
‫وقد يسمون "الصالحية" نسبة للحسن بن صالح‪ ،‬ومن مذهبهم – كما يقول الشعري – أنهم ينكرون رجعة الموات قبل‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ول يرون لعلي إمامة إل حين بويع‪ ،‬وهي فرقة من الزيدية‪( .‬انظر‪ :‬مقالت السلميين‪ ،1/144 :‬الملل‬
‫والنحل‪ ،1/161 :‬الخطط‪ ].)2/352 :‬عليهم السلح فيقولون له‪ :‬ارجع من حيث جئت فل حاجة لنا‬
‫[الرشاد‪ :‬ص ‪ ،412-411‬بحار النوار‪:‬‬ ‫في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم"‬
‫‪ ..].)52/338‬بـل إنـه يقتـل مـن ل ذنـب له‪ .‬تقول رواياتهـم‪" :‬إذا خرج القائم قتـل ذراري قتلة‬
‫الحسـين بفعـل آبائهـا" [علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،229‬عيون أخبار الرضـا‪ ،1/273 :‬بحار النوار‪.].52/313 :‬‬
‫وهكذا فإن قائمهـم "ليـس شأنـه إل القتـل ل يسـتبقي أحدًا" [بحار النوار‪" ].52/231 :‬ول يسـتتيب‬
‫[بحار النوار‪ ،52/349 :‬وفـي لفـظ‪" :‬ول يسـتنيب أحدًا" أي يتولى ذلك بنفسـه (انظـر‪ :‬نفـس الموضـع مـن‬ ‫أحدًا"‬
‫المصدر السابق)‪.].‬‬

‫وت صور ب عض روايات هم مبلغ ما ي صل إل يه من سفك دماء الناس ( من غ ير طائف ته) ح تى‬
‫تقول‪" :‬لو يعلم الناس مـا يصـنع القائم إذا خرج لحـب أكثرهـم أل يروه ممـا يقتـل مـن الناس‪..‬‬
‫[الغي بة للنعما ني‪:‬‬ ‫حتى يقول كثير من الناس‪ :‬ليس هذا من آل محمد‪ ،‬لو كان من آل محمد لرحم"‬
‫ص ‪ ،154‬بحار النوار‪.].52/354 :‬‬

‫وهذا قول يد ين القائم بالخروج عن سنن الرح مة والعدل ال تي عرف ب ها أ هل الب يت‪ .‬بل إ نه‬
‫خرج عن سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهذا ما يصرحون به؛ فقد سئل الباقر – على‬
‫حد زعمهم – أيسير القائم بسيرة محمد؟ فقال‪" :‬هيهات! إن رسول ال صلى ال عليه وسلم سار‬
‫في أم ته بالل ين وكان يتألف الناس‪ ،‬والقائم أ مر أن ي سير بالق تل وأل ي ستتيب أحدًا‪ ،‬فو يل ل من‬
‫ناوأه" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،153‬بحار النوار‪.].52/353 :‬‬

‫‪560‬‬
‫فالشيعـة تزعـم أنـه أمـر بسـيرة تخالف سـيرة رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ،‬وقـد أجمـع‬
‫المسلمون أن كل ما خالف سيرته صلى ال عليه وسلم؟ فهو ليس من السلم‪ ،‬فهل بعث برسالة‬
‫غير رسالة السلم؟!‬

‫وك يف يؤ مر بخلف سيرة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم؟ ف هل هو نبي أو حي إل يه من‬


‫جد يد؟ ول نبي ب عد خا تم ال نبياء‪ ،‬ول و حي ب عد وفا ته‪ ،‬و كل من اد عى خلف ذلك ف هو مف تر‬
‫دجال؛ لمعارضته للنصوص القطعية وإجماع المة على ختم الوحي والنبوة بوفاة سيد المرسلين‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ولكن هذه الروايات تصور ما في قلوب واضعيها من حقد على الناس ولسيما أمة السلم‬
‫ال تي تخالف هم في نهج هم‪ ،‬وأن هم يتمنون يومًا قريبًا آتيًا يحققون ف يه هذه "الحلم" ال تي تك شف‬
‫حقيقتها هذه الروايات ويترجمها واقع الشيعة في العهد الصفوي وفي دولة اليات القائمة‪ ،‬وفي‬
‫منظماتهم في لبنان – كما سيأتي – [في باب أثر الشيعة في العالم السلمي‪.].‬‬

‫ومعلوم أن أم ير المؤمن ين عليًا الذي يزعمون التش يع له لم يك فر مخالف يه‪ ،‬ولم يقا تل إل من‬
‫ب غى عل يه‪ ،‬فقائم هم الذي يف عل هذه الفاع يل و من تب عه في نه جه‪ ،‬ل يس من شي عة علي‪ ،‬و قد‬
‫اعترفوا في رواياتهم أن قائمهم ل يأخذ بسيرة علي‪ ،‬فقد سئل الصادق – كما يزعمون – "أيسير‬
‫القائم بخلف سيرة علي؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وذاك أن عليًا سار بالمن والكف لعلمه أن شيعته سيظهر‬
‫عليهم من بعده‪ ،‬أما القائم فيسير بالسيف والسبي‪ ،‬لنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده‬
‫أبدًا" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،153‬بحار النوار‪.].52/353 :‬‬

‫وقال صـادقهم يخاطـب بعـض الشيعـة‪" :‬كيـف أنـت إذا رأيـت أصـحاب القائم قـد ضربوا‬
‫فساطيطهم في مسجد الكوفة‪ ،‬ثم أخرج المثال الجديد‪ ،‬على العرب شديد‪.‬‬

‫قال (الراوي)‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك ما هو؟ قال‪ :‬الذّ بح‪ ،‬قال‪ :‬قلت بأي ش يء ي سير في هم؛ ب ما‬
‫سار علي بن أ بي طالب في أ هل ال سواد؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إن عليًا سار ب ما في الج فر الب يض‪ ،‬و هو‬
‫الكف‪ ،‬وهو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده‪ ،‬وأن القائم يسير بما في الجفر الحمر وهو‬
‫[بحار النوار‪ ،52/318 :‬وهذه الروا ية في ب صائر الدرجات‬ ‫الذ بح‪ ،‬و هو يعلم أ نه ل يظ هر على شيع ته"‬
‫كما أشار إلى ذلك المجلسي (نفس الموضع من المصدر السابق)‪.].‬‬

‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫وهكذا "يقوم المزعوم بأمـر جديـد‪ ،‬وكتاب جديـد‪ ،‬وسـنة جديدة‪ ،‬وقضاء جديـد"‬
‫‪.].52/231‬‬
‫‪561‬‬
‫وهذا كاف في إيضاح أن ما تحلم به الشيعة ليس له أصل في كتاب ال وسنة نبيه‪ ،‬بل هي‬
‫بدعة جديدة يخرج بها قائمهم‪.‬‬

‫وبينمـا الناس فـي عصـر القائم يعيشون بيـن الدماء والشلء‪ ،‬وفـي خوف ورعـب مـن قائم‬
‫الشيعة الذي كان بعثه نقمة عليهم‪ ،‬كما أن بعث محمد صلى ال عليه وسلم رحمة‬
‫[روى الكليني في‬
‫الكا في‪" :‬إن ال ب عث محمدًا صلى ال عل يه و سلم رح مة ويب عث القائم نق مة"‪( .‬بحار النوار‪ ،52/376 :‬ح يث عزاه‬
‫إلى الكافـي‪ ،‬كتاب الروضـة‪ :‬ص ‪ ،].)233‬فإن عسـكر القائم وأصـحابه يعيشون فـي حياة أخرى حافلة‬
‫بألوان النعيم وأنواع المسرات‪ ،‬فهو يأمرهم في ميسرهم أل يحملوا "طعامًا ول شرابًا ول علفًا‪،‬‬
‫[وهذا يدل على شكهم في أمر القائم‬ ‫فيقول أصحابه‪ :‬إنه يريد أن يقتلنا يقتل دوابنا من الجوع والعطش‬
‫فكيـف يكونون مـن أصـحابه؟!‪ ].‬في سير وي سيرون م عه؛ فأول منزل ينزله يضرب الح جر فين بع م نه‬
‫[الغيبـة‬ ‫طعام وشراب وعلف فيأكلون ويشربون ودوابهـم حتـى ينزلوا النجـف مـن ظهـر الكوفـة"‬
‫للنعما ني‪ :‬ص ‪ ،].158‬وهكذا "ل ينزل منزلً إل انبعث م نه عيون‪ ،‬ف من كان جائعًا ش بع و من كان‬
‫ظمآن روي" [الغي بة للنعما ني‪ :‬ص ‪ ،].158‬وإ نه إذا قام اجتم عت إل يه أموال الدن يا من ب طن الرض‬
‫وظهر ها‪ ،‬فيع طي أ صحابه ما لم يع طه أ حد كان قبله‪ ،‬ويتضا عف الرزق على يد يه فيرزق في‬
‫الشهر رزقين ويعطي في السنة عطاءين [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ ،].158‬حتى إن أحدًا من الشيعة ل‬
‫يجد لديناره ودرهمه موضعًا يصرفه فيه [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].76‬‬

‫وهذه روايات تصور التطلعات والماني التي كانت تفيض بها قلوب الشيعة انتظارًا لهذا الغد‬
‫المأمول‪ ،‬ويصور النزعة المادية التي يشتركون فيها مع اليهود! وهو حلم النظام الشيوعي في‬
‫العالم حسب رأي ماركس‪.‬‬

‫أما عن جند القائم وأصحابه الذين يشاركونه في مجازره‪ ،‬ويرفلون في نعيمه ويتبوءون جنته‬
‫فهذا ما سيتبين في الفقرة التالية‪.‬‬

‫ج‍ ـ جند القائم‪:‬‬

‫تشير بعض رواياتهم إلى أن جند القائم من الموالي والعجم ويبلغ عددهم اثني عشر ألفًا‪ ،‬وأنه‬
‫يمنحهم القائم سلحًا من عنده عبارة عن سيف وبيضة ذات وجهين‪ ،‬ثم يقول لهم‪" :‬من لم يكن‬
‫عل يه م ثل ما علي كم فاقتلوه" [بحار النوار‪ .].52/377 :‬وتذ كر روا ية للنعما ني أن "أ صحاب القائم‬
‫ثلثمائة وثلثة عشر رجلً أولد العجم" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].214‬‬

‫‪562‬‬
‫بينما تقول رواية في البحارك "إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين‬
‫رجلً‪ ،‬خم سة وعشر ين من قوم مو سى الذين يقضون بال حق وبه يعدلون‪ ،‬و سبعة من أ صحاب‬
‫ال كف‪ ،‬ويو شع و صي مو سى‪ ،‬ومؤ من آل فرعون‪ ،‬و سلمان الفار سي‪ ،‬وأ با دجا نة الن صاري‬
‫[هكذا ورد النص في بحار النوار‪ ،52/346 :‬ولم تتعقبه لجنة التصحيح بشيء‪ ،‬مع أنه ذكر أن‬ ‫ومالك الشتر"‬
‫مجموع العدد (‪ )27‬ولمـا فصـّل زاد العدد إلى (‪ ،)37‬وفـي تفسـير العياشـي‪ ،1/32 :‬قال‪" :‬وخمسـة عشـر مـن قوم‬
‫موسى" فيتوافق بهذا مع المجموع الكلي (‪ ،)27‬أما في تفسير البرهان ‪ 2/41‬فقد زاد واوًا لتلتئم العبارة فقال‪" :‬سبعة‬
‫وعشرين رج ًل وخمسة وعشرين من قوم موسى‪ ..‬إلخ" وواضح أن الواو مقحمة‪.].‬‬

‫وواضح في هذا النص تغلغل العنصر اليهودي في المجموعة التي وضعت دين التشيع‪.‬‬

‫ك ما يظ هر أن التش يع استوعب مجموعة من العنصر المختل فة‪ ،‬كل يصنع ما يشاء له هواه‪،‬‬
‫ومـا تملي عليـه عنصـريته‪ ..‬فالعجـم يضعون روايات فـي صـالحهم‪ ،‬واليهود كذلك‪ ..‬وهكذا‪،‬‬
‫وموسوعات الثني عشرية استوعبت الجميع بل تمييز‪.‬‬

‫وجاء في ب عض أخبار هم البيان التف صيلي ل سماء جنده واحدًا واحدًا ومو طن كل جندي أو‬
‫قبيلته أو حرف ته في روا ية طويلة‪ .‬من ها قوله‪" :‬و من أ هل الشام رجل ين يقال له ما إبراه يم بن‬
‫[هكذا وردت في الصل‪ ،‬فيما يبدو أنه اهتمام من المحقق المعاصر في‬ ‫الصباح‪ ،‬ويوسف بن جريا" (صريا)‬
‫الثبيت من السم بإثباته في الصل حسب ما جاء في اختلف النسختين‪.].‬‬

‫فيوسف عطار من أهل دمشق‪ ،‬وإبراهيم قصاب من قرية صويقان "ومضى في ذكرهم على‬
‫[انظر‪ :‬البحراني‪ /‬الحجة‪ :‬ص ‪ ،46‬وأحال‬ ‫هذا النسق حتى ذكر (‪ )313‬رجلً ليبلغ بهم عدة أهل بدر"‬
‫المحقق أيضًا على دلئل المامة ص ‪.].314‬‬

‫كما يقول‪" :‬ونسي موقفهم المخزي من أهل بدر وسائر الصحابة"‪.‬‬

‫ول تملك نفسك وأنت تقرأ تلك السماء من ابتسامة تغالبك‪ ،‬وأنت تلمح بوضوح التكلف في‬
‫الكذب‪ ،‬والمحاولت الغبية لستره‪ ،‬ول ينقضي العجب من تلك الجرأة على الكذب‪ ،‬وخفة العقل‪،‬‬
‫والغرب كيف ل ي ستحي شي عة هذا العصر من إخراج هذا "العار" للناس‪ ،‬وطب عه وتحقيقه ؟!‪،‬‬
‫أو أن ال سبحانه أراد أن يكشف أمرهم ويفضح زيفهم‪.‬‬

‫الشيعة وغيبة مهديهم‪:‬‬

‫في ظل الغيبة التي دانت بها الشيعة‪ ،‬وعاشت في حكمها منذ أكثر من ألف ومائة سنة أوقف‬
‫شيوخ الشيعة – بحكم نيابتهم عن المنتظر – العمل بجملة من أحكام الدين‪ ،‬كما استحدثوا عقائد‬
‫‪563‬‬
‫وأحكامًا لم يأذن بها ال سبحانه‪ .‬لقد أوقف الشيعة بسبب الغيبة للمنتظر إقامة صلة الجمعة‪ ،‬كما‬
‫[مفتاح الكرا مة‪ /‬كتاب ال صلة‪:‬‬ ‫منعوا إقامة إمام للمسلمين وقالوا‪" :‬الجمعة والحكومة لمام المسلمين"‬
‫‪ ].2/69‬والمام هو هذا المنتظر‪.‬‬

‫[يقول كاظـم الكفائي – وهـو مـن شيوخهـم‬ ‫ولهذا فإن معظـم الشيعـة إلى اليوم ل يصـلون الجمعـة‬
‫المعا صرين ‪ " :-‬في العراق الن‪ :‬الشي عة ل ي صلون الجم عة إل الش يخ الخال صي في الم سجد ال صفوي في ال صحن‬
‫الكاظمي (كتب هذا القول بخطه للدكتور علي السالوس‪ ،‬ونشره الخير في كتابه فقه الشيعة ص ‪ ،)264‬وفي الكويت‬
‫ل يقيم الجمعة إل الشيخ إبراهيم جمال الدين مرجع الخباريين هناك" (انظر‪ :‬السالوس فقه الشيعة ص ‪.)203‬‬

‫وحين ما سأل ب عض أفراد الشي عة كبير شيوخ هم و هو مح سن الحك يم عن دليل هم في شرط ية وجوب المام ل صلة‬
‫الجمعة‪ ،‬كان جوابه بأن ل يسأل هذا السؤال‪ ،‬كما أن بعض شيوخهم يقول بوجوب صلة الجمعة ول يقيمها (انظر‪:‬‬
‫مح مد ع بد الر ضا ال سدي‪ /‬نص الكتاب ومتوا تر الخبار عن وجوب الجم عة في جم يع الع صار‪ :‬ص ‪،24/27‬‬
‫[البهباني في‬ ‫‪ ،].)28‬حتى قال بعض المتأخرين‪" :‬إن الشيعة من زمان الئمة كانوا تاركين للجمعة"‬
‫تعليقه على المدارك‪ ،‬كما نقل ذلك عنه شيخهم الخالصي في كتابه الجمعة‪ :‬ص ‪.].131‬‬

‫كما أن الشيعة ل ترى بيعة شرعية إل للقائم المنتظر‪ ،‬ولذلك فإنهم يجددون البيعة له كل يوم‪،‬‬
‫ففي دعاء لهم يسمونه "دعاء العهد" وفيه‪" :‬اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا‪ ،‬وما عشت‬
‫[عباس القمـي‪ /‬مفتاح‬ ‫من أيا مي عهدًا أو عقدًا أو بي عة له في عن قي ل أحول عن ها ول أزول أبدًا"‬
‫الجنان‪ :‬ص ‪.].538‬‬

‫وفي دعاء يومي آخر للغائب المنتظر يتضمن القرار له بالبيعة فيقول‪" :‬اللهم هذه بيعة له في‬
‫عنقي إلى يوم القيامة" [عباس القمي‪ /‬مفتاح الجنان‪ :‬ص ‪.].538‬‬

‫[بحار النوار‪،102/111 :‬‬ ‫قال المجلسي‪ .." :‬ويصفق بيده اليمنى على اليسرى كتصفيق البيعة"‬
‫وانظر‪ :‬مفتاح الجنان‪ :‬ص ‪.].539-538‬‬

‫كذلك م نع الشي عة الجهاد مع ولي أ مر الم سلمين‪ ،‬ل نه ل جهاد إل مع المام‪ ،‬ف قد جاء في‬
‫الكا في وغيره عن أ بي ع بد ال قال‪" :‬القتال مع غ ير المام المفترض طاع ته حرام م ثل المي تة‬
‫والدم ولحم الخنزير" [فروع الكافي‪ ،1/334 :‬تهذيب الحكام‪ ،2/45 :‬وسائل الشيعة‪.].11/32 :‬‬

‫والمام المفترض الطاعة على المسلمين منذ سنة ‪260‬ه‍ إلى اليوم هو منتظرهم الغائب في‬
‫السرداب‪ .‬وما قبل سنة ‪260‬ه‍ هم بقية الئمة الثني عشر‪ ،‬فالجهاد مع أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫وبقية خلفاء المسلمين إلى اليوم هو حرام كحرمة الميتة والدم‪.‬‬

‫‪564‬‬
‫وجنود ال سلم الذ ين يرابطون على الثغور‪ ،‬ويجاهدون في سبيل ال‪ ،‬ول يريدون علوًا في‬
‫الرض ول ف سادًا والذ ين فتحوا بلد الفرس وغير ها! ما هم في اعتقاد الشي عة إل قتلة‪ ،‬الو يل‬
‫لهم‪ ،‬يتعجلون مصيرهم‪ .‬روى شيخهم الطوسي في التهذيب‪ .." :‬عن عبد ال بن سنان قال‪ :‬قلت‬
‫ل بي ع بد ال عل يه ال سلم‪ :‬جعلت فداك ما تقول في هؤلء الذ ين يقتلون في هذه الثغور؟ قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬الويل يتعجلون قتلة في الدنيا‪ ،‬وقتلة في الخرة‪ ،‬وال ما الشهيد إل شيعتنا ولو ماتوا على‬
‫فرشهم" [التهذيب‪ ،2/42 :‬وسائل الشيعة‪.].11/21 :‬‬

‫فأنت ترى أن الشيعة ترى أن جهاد المسلمين على مرور التاريخ جهاد باطل ل أجر فيه ول‬
‫ثواب‪ ،‬ح تى يصفون المجاهدين الم سلمين "بالقتلة" ويجردونهم من ال سماء ال تي شرف هم ال ب ها‬
‫"كالمجاهد" و"الشهيد"‪.‬‬

‫فهـل يشـك عاقـل متجرد مـن الهوى والتعصـب أن واضـع هذا المبدأ عدو موتور‪ ،‬وزنديـق‬
‫حا قد‪ ..‬يتر بص بالمة الدوائر ويب غي في ها الف شل‪ ،‬ول يريد ل ها أن تب قى مجاهدة في سبيل ال‪،‬‬
‫رافعـة رايـة ال‪ ،‬ليحتفـظ بدينـه ودياره‪ ،‬وقـد بلغ بـه التآمـر لشاعـة هذا المبدأ أن نسـبه لجعفـر‬
‫ال صادق وغيره من أ هل الب يت ح تى ي جد الرواج ب ين التباع الجهلة من جا نب‪ ،‬وح تى ي سيء‬
‫لهل بيت رسول ال من جانب آخر‪.‬‬

‫كذلك صرح الشيعة أيضًا بمنع إقامة حدود ال سبحانه في دولة السلم بسبب غيبة إمامهم‪،‬‬
‫لن أ مر الحدود موكول – ك ما يقولون – إلى المام المن صوص عل يه‪ ،‬ولم ي نص ال سبحانه –‬
‫بزعمهم – إل على اثني عشر إمامًا آخرهم قد غاب منذ منتصف القرن الثالث تقريبًا ولبد من‬
‫انتظار عود ته‪ ،‬ح تى يق يم الحدود‪ ،‬إل أ نه بح كم التفو يض الذي أجراه لشيوخ الشي عة ب عد قرا بة‬
‫سبعين سنة من غيب ته ي حق للش يخ الشي عي ف قط من دون سائر قضاة الم سلمين أن يتولى إقا مة‬
‫الحدود‪ ،‬وإذا لم يوجد في قطر من أقطار السلم أحد من شيوخهم فل يجوز إقامة الحدود‪ ،‬لنه‬
‫ل يتولها إل المنتظر أو نائبه من مراجع الشيعة وآياتهم‪.‬‬

‫روى شيخهم ابن بابويه وغيره‪ .." :‬عن حفص بن غياث قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫[ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره‬ ‫من يقيم الحدود‪ :‬السلطان أو القاضي؟ فقال‪ :‬إقامة الحدود من إليه الحكم"‬
‫الفقيه‪ ،4/51 :‬تهذيب الحكام‪ ،10/155 :‬وسائل الشيعة‪ – ].18/338 :‬كذا ‪.-‬‬

‫‪565‬‬
‫وقال المف يد‪" :‬فأ ما إقا مة الحدود ف هو إلى سلطان ال سلم المن صوب من ق بل ال‪ ،‬و هم أئ مة‬
‫الهدى من آل مح مد علي هم ال سلم‪ ،‬و من ن صبوه لذلك من المراء والحكام‪ ،‬و قد فوضوا الن ظر‬
‫فيه إلى فقهاء شيعتهم مع المكان" [المقنعة‪ :‬ص ‪ ،130‬وسائل الشيعة‪.].18/338 :‬‬

‫وتحذر روايات الشي عة من الرجوع إلى محا كم الم سلمين وقضات هم ح تى تقول‪ " :‬من تحا كم‬
‫إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى طاغوت‪ ،‬وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا‪ ،‬وإن كان حقه‬
‫ثابتًا‪ ،‬لنه أخذه بحكم الطاغوت" [فروع الكافي‪ ،7/412 :‬التهذيب‪ ،6/218 :‬وسائل الشيعة‪.].18/4 :‬‬

‫هذه جملة من شرائع ال سلم حرمت ها الشي عة ب سبب غي بة مهدي هم‪ ،‬وأوق فت الع مل ب ها ح تى‬
‫خروجه من غيبته‪.‬‬

‫ك ما أن هم شرعوا لنف سهم أحكامًا في فترة اختفاء هذا المنت ظر لم يأذن ب ها ال سبحانه‪ ،‬و من‬
‫ذلك‪ :‬مسألة التقية والتي هي في السلم رخصة عارضة عند الضرورة جعلوها فرضًا لزمًا‬
‫ودائمًا في فترة الغيبة ل يجوز الخروج عنها حتى يعود المنتظر الذي لن يعود أبدًا‪ ،‬لنه لم يولد‬
‫كما يؤكد ذلك المؤرخون‪ ،‬وأهل العلم بالنساب‪ ،‬وفرق كثيرة من الشيعة نفسها‪ ،‬ومن ترك التقية‬
‫قبل عودة المنتظر كان كمن ترك الصلة [انظر‪ :‬فصل التقية‪.].‬‬

‫كذلك جعلوا الستشهاد في سبيل ال يحصل بمجرد اعتناق التشيع‪ ،‬وانتظار عودة الغائب‪ ،‬ل‬
‫في الجهاد في سبيل ال‪ ،‬فالشيعي شهيد ولو مات على فراشه‪.‬‬

‫قال إمامهم‪" :‬إذا مات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدًا‪ ،‬ومن أدرك قائمنا فقتل معه‪،‬‬
‫[بحار النوار‪ ،52/123 :‬و هو مروي في أمالي الطو سي (ان ظر‪ :‬الم صدر ال سابق‪:‬‬ ‫كان له أ جر شهيد ين‪"..‬‬
‫‪.].)123-52/122‬‬

‫وع قد شيخ هم البحرا ني في المعالم الزل فى بابًا بعنوان‪" :‬الباب ‪ 59‬في أن شي عة آل مح مد‬
‫شهداء وإن ماتوا على فرشهـم" [المعالم الزلفـى فـي بيان أحوال النشأة الولى والخرى‪ :‬ص ‪ ].101‬وأورد‬
‫فيه جملة من أخبارهم‪.‬‬

‫ثم زادت مبالغاتهم – كالعادة – إلى أكثر من هذا القدر حتى روى ابن بابويه بسنده إلى علي‬
‫بن الحسين قال‪" :‬من ثبت على موالتنا في غيبة قائمنا أعطاه ال عز وجل أجر ألف شهيد من‬
‫شهداء بدر وأحد" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،315‬بحار النوار‪.].52/125 :‬‬

‫‪566‬‬
‫ومن أحكامهم فرضية البيعة للغائب المنتظر‪ ،‬حتى شرع عندهم تجديد البيعة مرات وكرات‬
‫عبر الدعية في الزيارات لمشاهد الئمة – كما مر ‪ ،-‬لن "من أصبح من هذه المة ل إمام له‬
‫من ال جل و عز ظاهرًا [هذه الكل مة تؤ كد أن إمام هم المخت في ل يس بإمام‪ ،‬ل نه ل يس بظا هر‪ ].‬عادلً أ صبح‬
‫ضالً تائهًا‪ ،‬وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق" [أصول الكافي‪.].1/375 :‬‬

‫أمـا المبدأ الكـبر الذي اخترعوه فـي ظـل الغيبـة فهـو مبدأ نيابـة الفقيـه الشيعـي عـن الغائب‬
‫المنتظر‪.‬‬

‫وقد استحل الفقيه الشيعي باسم النيابة أمورًا كثيرة‪.‬‬

‫واختلف شيوخ الشيعة في حدود النيا بة بين م قل ومستكثر‪ ،‬حتى بلغت النيا بة ال حد القصى‬
‫لوظائف المام الغائب وهـو رئاسـة الدولة‪ ،‬والسـتفتاء على تشكيـل الحكومـة فـي دولة "اليات"‬
‫الحاضرة‪ ،‬وهم الذين ل يؤمنون إل بالمام المنصوص عليه‪ ..‬ولخطورة عقيدة النيابة‪ ،‬ولنها –‬
‫في اعتقادي – تم ثل الخروج المق نع للمهدي‪ ،‬على يد مجمو عة كبيرة من شيوخ هم كل يز عم‬
‫أحقيته في النيابة سنخصها بالحديث التالي‪.‬‬

‫النيابة عن المنتظر‪:‬‬

‫أر سيت دعائم فكرة الغي بة لولد للح سن الع سكري – ك ما سلف – وكان ل بد من وجود وك يل‬
‫مفوض يتولى شئون التباع فــي أثناء فترة الحتجاب‪ ،‬ويكون الواســطة والباب للغائب فــي‬
‫السرداب‪ ،‬أو في جبال رضوى‪ ،‬أو وديان مكة‪.‬‬

‫فكان أول زع يم تولى شئون الشي عة – ك ما كش فت ذلك أوراق الث ني عشر ية – هي امرأة‪..‬‬
‫[البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب‬ ‫و ما أفلح قوم ولوا أمر هم امرأة ك ما قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫كتاب النـبي صـلى ال عليـه وسـلم إلى كسـرى وقيصـر‪ ،5/136 :‬وكتاب الفتـن‪ ،8/97 :‬والترمذي‪ ،‬كتاب الفتـن‪:‬‬
‫‪ ،)2262( 528-4/527‬والنسائي‪ /‬باب النهي عن استعمال النساء في الحكم‪ ،8/227 :‬وأحمد‪،].51 ،5/43 :‬‬
‫إذ بعد وفاة الحسن العسكري‪ ،‬وإشاعة وجود الولد المختفي‪ ،‬وبقاء الشيعة بدون إمام ظاهر‪ ،‬بدأ‬
‫الشيعة يتساءلون إلى من يرجعون؟‬

‫[وهو كما تقول‬ ‫ففي سنة (‪262‬ه‍) أي بعد وفاة الحسن العسكري بسنتين‪ ،،‬توجه بعض الشيعة‬
‫الرواية‪ :‬أحمد بن إبراهيم‪ ،‬وانظر‪ :‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ].16‬إلى بيت الحسن العسكري وسأل – كما تقول‬
‫[يلحظ‬ ‫الرواية – خديجة بنت محمد بن علي الرضا عن ولد الحسن العسكري المزعوم‪ ،‬فسمته له‬
‫أن هم يحرمون ت سميته ح تى قالوا‪ :‬من سماه با سمه ف هو كا فر – ك ما سلف ‪ ،].-‬يقول راوي الخبر‪" :‬قلت ل ها‪:‬‬
‫‪567‬‬
‫فأيـن الولد؟ قالت‪ :‬مسـتور‪ ،‬فقلت‪ :‬إلى مـن تفزع الشيعـة؟ قالت‪ :‬إلى الجدة أم أبـي محمـد عليـه‬
‫السلم" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].138‬‬

‫ويبدو أن رجال الشيعة أرادوا أن تبقى النيابة عن الغائب في بيت الحسن العسكري‪ ،‬فأشاعوا‬
‫ب ين أتباع هم في بدا ية ال مر أن أم الح سن الع سكري هي الوكيلة عن المنت ظر‪ ،‬ف هي الرئي سة‬
‫العا مة للم سلمين (بالنيا بة)‪ .‬ويظ هر أن هذا "التعي ين" كان الق صد م نه إيجاد ال جو المنا سب لن مو‬
‫هذه الفكرة ب ين التباع لن أم الح سن هي الو صية للح سن ب عد وفا ته ك ما تذ كر أخبار الشي عة‪،‬‬
‫فكان من ال طبيعي أن تتولى عن اب نه‪ ،‬إل أن محار بة ب يت الح سن الع سكري لفكرة الولد – ك ما‬
‫سيأتي – قد و جه رجال الشي عة إلى اختيار ر جل من خارج أ هل الب يت‪ ،‬ولهذا جاء في الغي بة‬
‫للطو سي "ولد الخلف المهدي صلوات ال عل يه سنة ست وخم سين ومائت ين‪ ،‬ووكيله عثمان بن‬
‫سعيد‪ ،‬فلما مات عثمان بن سعيد‪ ،‬أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان‪ ،‬وأوصى أبو جعفر‬
‫إلى أبي القاسم الحسين بن روح‪ ،‬وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري‪"..‬‬
‫[الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].242-241‬‬

‫فهؤلء النواب الرب عة‪ ،‬ويزاحم هم على م سألة النيا بة آخرون‪ ،‬هم من خارج ب يت الح سن‪،‬‬
‫وتمثـل نيابتهـم صـلة شخصـية مباشرة بالمهدي المنتظـر‪ .‬ولذلك تسـمى فترة نيابتهـم فـي عرف‬
‫الشيعة بالغيبة الصغرى‪.‬‬

‫وهؤلء النواب الربعة لهم ما للمام من حق الطاعة‪ ،‬وثقة الرواية‪ ،‬جاء في الغيبة للطوسي‬
‫أن الحسن العسكري قال‪" :‬هذا إمامكم من بعدي (وأشار إلى ابنه) وخليفتي عليكم‪ ،‬أطيعوه‪ ،‬ول‬
‫تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديان كم‪ ،‬أل وإن كم ل ترونه من بعد يوم كم هذا ح تى ي تم له عمر‬
‫[الغيبة‬ ‫فاقبلوا من عثمان (الباب الول) ما يقوله‪ ،‬وانتهوا إلى أمره فهو خليفة إمامكم والمر إليه‬
‫للطوسي‪ :‬ص ‪ ،].217‬فما قاله لكم فعنّي يقوله‪ ،‬ما أدى إليكم فعني يؤديه" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].15‬‬

‫وهكذا أ صبح للباب حق النيا بة عن المام وال مر إل يه‪ ،‬لقوله صفة القدا سة والع صمة‪ ،‬ل نه‬
‫ين طق عن المام‪ ،‬ويؤدي ع نه‪ ،‬ولذلك فإن من خالف هؤلء البواب حلت به اللع نة‪ ،‬وا ستحق‬
‫[ان ظر‪:‬‬ ‫النار‪ .‬ك ما جاء في التواقيع ال تي خرجت من المتنظر في حق من خالف هؤلء البواب‬
‫الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].244‬‬

‫‪568‬‬
‫إذن مسألة النيابة لهؤلء الربعة تخولهم التشريع‪ ،‬لنهم ينطقون عن المعصوم‪ ،‬وللمعصوم‬
‫حق تخصيص‪ ،‬أو تقييد‪ ،‬أو نسخ نصوص الشريعة – كما مر – ولذلك كان للتوقيعات الصادرة‬
‫منهم نفس المنزلة التي لكلم المام أو أقوى كما سلف [انظر‪ :‬ص(‪.].)338‬‬

‫وكذلك تخولهـم إصـدار صـكوك الغفران أو الحرمان‪ ،‬وأخـذ أموال الوقـف والزكاة والخمـس‬
‫با سم المام‪ .‬ول كن هذه النيا بة انت هت إذ "ل ما حضرت ال سمري الوفاة سئل أن يو صي فقال‪ :‬ل‬
‫أمر هو بالغه‪ .‬فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد السمري" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].242-241‬‬

‫وقد يكون من أهداف موافقة القواعد الشيعية لغلق السمري للبابية وإشاعة ذلك بين التباع‬
‫هو المحافظة على فكرة غيبة المهدي من افتضاح حقيقتها وانكشاف أمرها؛ حيث كثر الراغبون‬
‫فيها من شيوخ الشيعة ول سيما في عهد سلفه أبي القاسم بن روح‪ ،‬وعظم النزاع بينهم ووصل‬
‫المر إلى التلعن والتكفير والتبري‪ ،‬كما يلحظ ذلك في التوقيعات التي خرجت على يد البواب‬
‫منسوبة للمنتظر [انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،244‬وما بعدها‪.].‬‬

‫فأغلق السمري حكاية البابية‪.‬‬

‫وهنا حصل تطور آخر في مسألة النيابة‪ ،‬وفي المذهب الشيعي عمومًا‪ ،‬حيث جعلت النيابة‬
‫حقًا مطلقًا للشيوخ‪ ،‬فقد أصدرت الدوائر الثنا عشرية "توقيعًا" منسوبًا للمنتظر الموهوم‪ .‬وخرج‬
‫ب عد إعلن انتهاء الباب ية على يد ال سمري‪ .‬يقول التوق يع‪" :‬أ ما الوقائع الحاد ثة فارجعوا في ها إلى‬
‫رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة ال"‬
‫[الكافي – مع شرحه مرآة العقول ‪ ،4/55 :-‬إكمال الدين‪:‬‬
‫ص ‪ ،451‬الغيبـة للطوسـي‪ :‬ص ‪ ،177‬الحتجاج للطبرسـي‪ :‬ص ‪ ،163‬وسـائل الشيعـة‪ ،18/101 :‬محمـد مكـي‬
‫العاملي‪ /‬الدرة الطاهرة‪ :‬ص ‪ ].47‬فأعلن انقطاع الصـلة المباشرة بالمهدي وفوض أمـر النيابـة عـن‬
‫المنتظر إلى رواة حديثهم وواضعي أخبارهم‪.‬‬

‫ولقد حقق هذا العلن مجموعة من الهداف‪ ،‬فقد أصبحت دعوى البابية غير مقصورة على‬
‫وا حد‪ ،‬والذي قد تك شف حقي قة أمره ب سهولة‪ ،‬وبمجرد مراق بة مجمو عة له‪ ،‬ولذلك يل حظ كثرة‬
‫الشك والتكذيب في فترات الغيبة الولى‪.‬‬

‫كما أن ذلك خفف التنافس على البابية التي كان لها آثارها‪ ،‬فبقيت مشاعة بين شيوخ الشيعة‪،‬‬
‫وأطلق على انقطاع البابيـة الخاصـة وتحولهـا إلى نيابـة عامـة «الغيبـة الكـبرى» فصـار للمام‬
‫[جاءت عند هم روايات‬ ‫غيبتان صغرى و كبرى ر غم أن ل هم روايات ل تتحدث إل عن غي بة واحدة‬

‫‪569‬‬
‫صنعت – فيما يبدو – في الفترة الولى من موت الحسن العسكري تحكي غيبة البن المزعوم للحسن العسكري‪ ،‬يقول‬
‫بعضها‪" :‬إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فل تنكروها" (أصول الكافي‪.)1/340 :‬‬

‫فكأن هذه الروا ية تل قي فكرة الغي بة على التباع بدون تأك يد لتتح سس ردة الف عل وتح سب ل ها ح سابها‪ ،‬و هي تذ كر‬
‫بأن له غيبة واحدة‪.‬‬

‫وتؤكد بعض رواياتهم بأنه بعد هذه الغيبة سيظهر‪ .‬جاء في الكافي « عن أم هاني قالت‪ :‬سألت أبا جعفر محمد بن‬
‫خنّسِ‪ ،‬الْجَوَا ِر الْكُنّسِ} [التكوير‪ :‬آية‪ ]16،17 :‬قالت‪ :‬فقال‪ :‬إمام‬
‫علي عليهما السلم عن قول ال تعالى‪{ :‬فَل أُقْسِ ُم بِالْ ُ‬
‫يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر‪ ،‬فما بعد غيبته إل الظهور"‪( .‬أصول الكافي‪.)1/341 :‬‬

‫فإعلن السمري البابية قد يراد منه إشعارهم بقرب الظهور‪ ..‬ولكن مرت اليام والسنون ولم يظهر‪.].‬‬

‫ولكن وضعت روايات تناسب هذا الوضع وتتحدث عن غيبتين‪ ،‬يقول بعضها‪" :‬قال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬للقائم غيبتان أحدهما قصيرة والخرى طويلة‪ ،‬الولى ل يعلم بمكانه إل خاصة‬
‫شيعته‪ ،‬والخرى ل يعلم إل خاصة مواليه في دينه" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].113‬‬

‫فأ نت ترى أن هذه الروا ية أثب تت له غيبت ين الولى يت صل به خا صة شيع ته‪ ،‬وهذا قد يكون‬
‫إشارة إلى ال سفراء الذ ين تناوبوا على دعوى الباب ية‪ ،‬والخرى يت صل به خا صة موال يه‪ ،‬و قد‬
‫أشارت رواية في الكافي إلى أن عددهم ثلثون [انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،].1/340 :‬فلم تنف رواياتهم‬
‫الصلة المباشرة بالمنتظر في الحالتين‪ ،‬رغم أن السمري حينما حل وظيفة البابية أصدر توقيعًا‬
‫[مضـى ذكره بنصـه ص(‬ ‫على ل سان المنت ظر يقول ف يه‪ " :‬من اد عى المشاهدة للمنت ظر ف هو كاذب"‬
‫‪.].)340‬‬

‫وإن شيوخهـم يقولون بأنـه وقعـت فـي الغيبـة الكـبرى المحروميـة العظمـى مـن المام‪ .‬يقول‬
‫شيخهم النعماني بعد ذكره لخبارهم في الغيبتين‪" :‬هذه الحاديث التي يذكر فيها أن للقائم غيبتين‬
‫أحاديث قد صحت عندنا‪ ..‬فأما الغيبة الولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين المام عليه‬
‫ال سلم وب ين الخلق من صوبين ظاهر ين موجودي الشخاص والعيان يخرج على أيدي هم الشفاء‬
‫[تقدم في ف صل ال سنة ذ كر نماذج من هذه الجو بة ال صادرة عن المام‬ ‫من العلم وعويص الحكمة والجوبة‬
‫المزعوم‪ ،‬و قد تبين ل نا ما في ها من ج هل و سطحية‪ ،‬ولول ض يق المجال وخش ية الخروج عن المق صود لعرضنا ها‬
‫بأكمل ها ودر سناها درا سة نقد ية فاح صة‪ ،‬وأر جو أن يي سر ال سبحانه درا سة م ستقلة لم سألة الغي بة يرا عى في ها هذا‬
‫الجانب‪ ].‬عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلت والمشكلت وهي الغيبة القصيرة التي انقضت‬
‫أيامها وتصرمت مدتها‪.‬‬

‫والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط" [الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪.].115‬‬

‫‪570‬‬
‫ول كن شيوخ الشي عة يدعون في فترة الغي بة الثان ية النيا بة عن المام المنت ظر وي ستندون في‬
‫ذلك على التوق يع الذي أظهره ال سمري عن منتظر هم‪ ،‬والذي يحيل هم إلى رواة حديث هم في كل‬
‫الحوادث الواقعة الجديدة‪.‬‬

‫فيلحظ أنه لم يحلهم على الكتاب والسنة‪ ،‬وإنما أرجعهم إلى الشيوخ‪.‬‬

‫و قد تبوأ شيوخ الشي عة بذلك من صب الباب ية عن الغائب وا ستمدوا القدا سة ب ين التباع بف ضل‬
‫هذه النيابـة عـن المام الذي أضفوا عليـه تلك الصـفات الخارقـة‪ ،‬والفضائل الكاملة‪ ..‬ولذلك‬
‫يطلقون على شيوخهم الذين وصلوا إلى منصب "النيابة عن المام" اسم "المراجع وآيات ال" فهم‬
‫مظاهـر للمام المعصـوم‪ ،‬ولذلك يقرر أحـد شيوخهـم المعاصـرين بأن الراد على النائب كالراد‬
‫على ال تعالى وهو على حد الشرك بال وذلك بمقتضى عقيدة النيابة‪.‬‬

‫يقول شيخهم المظفر‪" :‬عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط‪ ،‬أنه نائب للمام عليه السلم في‬
‫حال غيبته‪ ،‬و هو الحاكم والرئيس الملطق‪ ،‬له ما للمام في الفصل في القضا يا والحكومة بين‬
‫ـد‬
‫ـو على حـ‬
‫ـه راد على المام‪ ،‬والراد على المام راد على ال تعالى‪ ،‬وهـ‬
‫الناس‪ ،‬والراد عليـ‬
‫الشرك بال كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت – عليهم السلم ‪ .-‬فليس المجتهد الجامع‬
‫للشرائط مرجعًا في الفتيا فقط‪ ،‬بل له الولية العامة‪ ،‬فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضايا‪،‬‬
‫وذلك مـن مختصـاته ل يجوز لحـد أن يتولهـا دونـه إل بإذنـه‪ ،‬كمـا ل تجوز إقامـة الحدود‬
‫والتعزيرات إل بأمره وحكمه‪ .‬ويرجع إليه في الموال التي هي من حقوق المام ومختصاته‪.‬‬

‫وهذه المنزلة أو الرئاسة أعطاها المام عليه السلم للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائبًا عنه‬
‫في حال الغيبة ولذلك يسمى (نائب المام)" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].57‬‬

‫فأنـت ترى أن شيوخ الشيعـة تخلوا عـن آل البيـت رأسـًا‪ ،‬وتعلقوا بهذا المعدوم‪ ،‬ووضعوا‬
‫أنفسـهم مكان المام مـن أهـل البيـت باسـم هذا المعدوم‪ ،‬وهذه غنيمـة كـبيرة‪ ،‬لذلك مـا إن اتفقوا‬
‫علي ها ب عد إخفاق فكرة الباب ية المباشرة‪ ،‬ح تى اخت فت الخلفات على من صب الباب ية‪ ،‬ورج عت‬
‫فرق شيعية كثيرة‪ ،‬ودانت بهذه الفكرة‪ ،‬لنها تجعل من كل واحد من تلك الرموز الشيعية "إمامًا"‬
‫"ومهديًا" "وحاكمًا مطلقًا مطاعًا" "وجابيًا للموال" ول يقاسمهم في ذلك أحد من أهل البيت‪ ،‬ول‬
‫يفضحهم ويكشف أوراقهم رجل من أهل البيت‪.‬‬

‫ويبدو من التوق يع المن سوب للمنت ظر أ نه يج عل لشيوخ الشي عة حق النيا بة في الفتوى حول‬
‫المسائل الجديدة‪ ،‬إذ هو يقول‪ :‬فأما المسائل الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا – كما سلف –‬
‫‪571‬‬
‫ول يخلوهم النيابة العامة‪ ،‬ولكن الشيوخ توسعوا في مفهوم النيابة حتى وصلت إلى قمة غلوها‬
‫في هذا العصر على يد الخميني [انظر‪ :‬فصل "دولة اليات" من الباب الرابع‪.].‬‬

‫ك ما نل حظ شيئًا من هذا في تقر ير شيخ هم المظ فر لعقيدت هم في هذا الشأن‪ ،‬وك ما تراه في‬
‫دولتهم الحاضرة‪.‬‬

‫وقد كان لهؤلء الشيوخ دعاوى عريضة حول الصلة بالمهدي بعد غيبته الكبرى – كما سلف‬
‫– [ص ‪ 340‬وما بعدها‪.].‬‬

‫نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الثني عشرية‪:‬‬

‫إن فرق المسـلمين تخالف الثنـي عشريـة فـي خلق المهدي ووجوده فكيـف ببلوغـه‪ ،‬فكيـف‬
‫برشده‪ ،‬فكيف بإمامته‪ ،‬فكيف بعصمته‪ ،‬فكيف بمهديته؟! والشيعة ل يقدرون ببرهان واضح على‬
‫إثبات واحدة من هذه المور [أ بو المحا سن الوا سطي‪ /‬المناظرة ب ين أ هل ال سنة والراف ضة‪ ،‬الور قة (‪– ].)59‬‬
‫كما سلف أثناء استعراضنا لعقيدتهم وأدلتهم ‪.-‬‬

‫فأ هل ال سنة يقررون بمقت ضى الن صوص الشرع ية‪ ،‬والحقائق التاريخ ية‪ ..‬والدلئل العقل ية أن‬
‫مسألة غيبة المهدي عند الثني عشرية ل تعدو أن تكون وهمًا من الوهام‪ ،‬إذ "ليس له عين ول‬
‫أثر‪ ،‬ول يعرف له حس ول خبر‪ ،‬لم ينتفع به أحد ل في الدنيا ول في الدين‪ ،‬بل حصل باعتقاد‬
‫وجوده من الشر والفساد ما ل يحصيه إل رب العباد" [منهاج السنة‪.].4/213 :‬‬

‫و قد ذ كر أ هل العلم بالن ساب والتوار يخ أن الح سن بن علي الع سكري لم ي كن له ن سل ول‬


‫عقب [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].2/164 :‬‬

‫ثم إن هم يقولون‪ :‬إن المهدي د خل ال سرداب ب عد موت أب يه‪ ،‬وعمره سنتان أو ثلث أو خ مس‬
‫على اختلف رواياتهم‪ ،‬وأصبح من ذلك الوقت هو المام على المسلمين رغم طفولته واختفائه‪،‬‬
‫مع أن الوا جب في ح كم ال الثا بت ب نص القرآن وال سنة والجماع أن يكون هذا اليت يم – على‬
‫فرض وجوده – ع ند من ي ستحق حضان ته من قراب ته‪ ،‬وأن يكون ماله ع ند من يحف ظه ح تى‬
‫يؤ نس م نه الر شد‪ ،‬فك يف يكون من ي ستحق الح جر عل يه في بد نه وماله إمامًا لجم يع الم سلمين‬
‫معصومًا ل يكون أحد مؤمنًا إل باليمان به؟! [منهاج السنة‪" .].2/164 :‬فكيف إذا كان معدومًا أو‬
‫مفقودًا مـع طول هذه الغيبـة؟! والمرأة إذا غاب وليهـا‪ ،‬زوجهـا الحاكـم أو الولي الحاضـر لئل‬
‫تض يع م صلحة المرأة بغي بة الولي الموجود‪ ،‬فك يف تض يع م صلحة ال مة مع هذا المام المفقود‬
‫على طول الدهور" [منهاج السنة‪ ،1/30 :‬المنتقى‪ :‬ص ‪ ،31‬رسالة رأس الحسين‪ :‬ص ‪.].6‬‬
‫‪572‬‬
‫وبغض النظر عن موقف أهل السنة من مهدي الثني عشرية وغيبته‪ ..‬فإن المتأمل لنصوص‬
‫المهدية والغيبة في كتب الثني عشرية المعتمدة‪ ،‬يلحظ ملحظة جديرة بالهتمام وهي أن هذه‬
‫الدعوى لم تلق قبولً لدى الشيعـة أنفسـهم إل فـي العصـور المتأخرة نسـبيًا‪ ،‬وذلك حيـن جدت‬
‫الدعاية الشيعية في ترويج هذه العقدية‪ ،‬وألغت فكرة البابية التي انكشف بواسطتها أمر الغيبة‪،‬‬
‫ولذلك فإن شيخهم النعماني وهو من معاصري الغيبة الصغرى يقرر أن جميع الشيعة في شك‬
‫من أمر الغيبة إل قليلً منهم‪.‬‬

‫ذلك أن أمارات الشك واضحة بيّنة لهم‪ ،‬حيث إن الحسن العسكري – كما يعترفون – توفي‬
‫[انظر‪ :‬ص(‬ ‫ولم ير له أثر‪ ،‬ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم أخوه جعفر وأمه ما ظهر من ميراثه‬
‫‪.].)828‬‬

‫وقد ورد في الكافي – أصح كتب الحديث عندهم – وغيره عن أحمد بن عبد ال بن خاقان‬
‫[كان أميرًا على الضياع والخراج بقم في خلفة المعتمد على ال أحمد بن المتوكل‪( .‬انظر‪ :‬أصول الكافي‪،1/503 :‬‬
‫إكمال الدين ص ‪ ].)39‬قال‪ ...:‬لما مات الحسن العسكري سنة ستين ومائتين ضجت سر من رأى‬
‫ض جة واحدة مات ا بن الر ضا‪ ،‬وبعث ال سلطان إلى داره من يفتش ها ويفتش حجر ها وخ تم على‬
‫جميع ما فيها‪ ،‬وطلبوا أثر ولده‪ ،‬وجاءوا بنساء يعرفن الحمل‪ ،‬فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن‬
‫فذ كر بعض هن أن هناك جار ية ب ها ح مل‪ ،‬فوض عت تلك الجار ية في حجرة وو كل ب ها ب عض‬
‫النسوة‪ ،‬ثم أخذوا ب عد ذلك في تهيئ ته‪ ...‬فلما فرغوا من ذلك بعث ال سلطان إلى أ بي عي سى بن‬
‫المتو كل لل صلة عل يه‪ ،‬فل ما د نا أ بو عي سى م نه ك شف عن وج هه فعر ضه على ب ني ها شم من‬
‫العلوية والعباسية والقواد والكتاب‪ ...‬ثم قال‪ :‬هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا‪ ،‬مات حتف‬
‫أنفه على فراشه‪ ،‬حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته‪ ..‬ثم صلى عليه‪ ..‬وبعد دفنه‬
‫أخـذ السـلطان والناس فـي طلب ولده وكثـر التفتيـش فـي المنازل والدور‪ ،‬وتوقفوا عـن قسـمة‬
‫ميرا ثه‪ ،‬ولم يزل الذ ين وكلوا بح فظ الجار ية ال تي و هم علي ها الح مل ملزم ين ل ها ح تى تبين‬
‫[أصول الكافي‪،1/505 :‬‬ ‫بطلن الحمل‪ ،‬فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر‬
‫إكمال الدين‪ :‬ص ‪.].42-41‬‬

‫فأنت تلحظ أن الثني عشرية ساقوا هذه الرواية للدللة عن بطلن قول من قال من الشيعة‬
‫بالوقف على الحسن العسكري في إنكار وفاته‪ ،‬ولكن تبين من خللها بطلن دعوى الولد‪ ،‬لن‬
‫أسرة الحسن‪ ،‬ونقابة أهل البيت‪ ،‬والسلطان حققوا علنيًا في حقيقة المر وذلك لبطال ما يزعمه‬
‫الشي عة في هذا المجال‪ ،‬ولهذا قرر الق مي والنوبخ تي وغيره ما بأن الشي عة افترقوا – ب عد وفاة‬

‫‪573‬‬
‫[المقالت والفرق‪ :‬ص ‪-102‬‬ ‫الحسـن العسـكري – إلى فرق عديدة أنكـر أكثرهـا وجود الولد أصـلً‬
‫‪ ،116‬فرق الشي عة‪ :‬ص ‪ ].112-96‬ح تى قال بعض هم‪ :‬إ نا قد طلب نا الولد ب كل و جه فلم نجده‪ ،‬ولو‬
‫جاز لنا دعوى أن للحسن ولدًا خفيًا لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف‪ ،‬ولجاز‬
‫أن يقال في النبي صلى ال عليه وسلم أنه خلف ابنًا نبيًا رسولً‪ ،‬لن مجيء الخبر بوفاة الحسن‬
‫بل عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى ال عليه وسلم لم يخلف ولدًا من صلبه‪ ،‬فالولد قد بطل‬
‫ل محالة [المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،115-114‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].104-103‬‬

‫وهذا الواقع – في نظري – هو الذي حدًا بشيوخ الشيعة إلى وضع روايات تجعل من لوزام‬
‫منتظر هم اختفاء حمله‪ ،‬وولد ته‪ ،‬وال شك ف يه‪ ..‬كمحاولة من شيوخ هم لتجاوز هذه المرحلة ال تي‬
‫كاد أن ينكشف فيها أمر التشيع‪.‬‬

‫وعلوة على إنكار جل الشي عة لذلك‪ ،‬فإن ل هل الب يت موقفًا صريحًا حا سمًا في هذا ال مر‪.‬‬
‫وهو من البراهين الواضحة على بطلن هذه الدعوى‪ ،‬حيث جاء في تاريخ الطبري في حوادث‬
‫سنة ‪302‬ه‍ أن رجلً اد عى – في ز من الخلي فة المقتدر – أ نه مح مد بن الح سن بن علي بن‬
‫موسى بن جعفر‪ ،‬فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد‬
‫بن عبد الصمد المعروف بان طومار‪.‬‬

‫فقال له ا بن طومار‪ :‬لم يع قب الح سن‪ .‬و قد ضج ب نو ها شم من دعوى هذا المد عي وقالوا‪:‬‬
‫ي جب أن يشهر هذا ب ين الناس‪ ،‬ويعاقب أ شد عقوبة‪ .‬فحمل على ج مل وشهر يوم التروية ويوم‬
‫[تاريخ الطبري‪ ،27-13/26 :‬المطبعة الحسينية‬ ‫عرفة‪ ،‬ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي‬
‫ط‪ :‬الولى‪ ،‬أو ج‪ ‍11‬ص ‪ 50-49‬من طبعة دار المعارف‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو الفضل إبراهيم‪.].‬‬

‫وهذه الشهادة من بني هاشم‪ ،‬وعلى رأسهم نقيب الطالبيين مهمة لنها من نقيب العلويين الذي‬
‫[محب الدين الخطيب في تعليقه‬ ‫كان عظيم العناية بتسجيل أسماء مواليد هذه السرة في سجل رسمي‬
‫على المنتقى‪ :‬ص ‪ ،].173‬ولقدم فترتها الزمنية حيث إنها واقع في زمن الغيبة الصغرى التي كثر‬
‫فيها ادعاء هذا الولد وادعاء بابيته من العديد من الرموز الشيعية‪.‬‬

‫وعلوة على شهادة نقيب الطالبيين وبني هاشم‪ ،‬فإن أقرب الناس إلى الحسن العسكري وهو‬
‫أخوه جعفر يؤكد أن أخاه مات ول نسل له ول عقب [انظر‪ :‬الصواعق المحرقة‪ :‬ص ‪.].168‬‬

‫والشيعة يعترفون بذلك‪ ،‬بل ينقلون أنه حبس جواري أخيه وحلئله حتى ثبت له براءتهن من‬
‫الحمل [انظر‪ :‬الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪ ،].75‬وأنه شنع على من ادعى ذلك وأبلغ دولة الخلفة السلمية‬
‫‪574‬‬
‫[سفينة البحار‪ :‬ص ‪ ].162‬بتآمره‪ ،‬ولكن الطوسي يقول‪ :‬إن هذا النكار من جعفر "ليس بشبهة يعتمد‬
‫على مثل ها أ حد من المح صلين لتفاق ال كل على أن جعفرًا لم ي كن له ع صمة كع صمة ال نبياء‬
‫فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل‪ ،‬والغلط غير ممتنع منه" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].75‬‬

‫فالطوسي ل يقبل النكار من جعفر‪ ،‬لنه غير معصوم‪ ،‬ولكن الطوسي ومعه طائفة الثني‬
‫عشرية يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد ودعوى بابيته وهو غير معصوم‪ ،‬أليس‬
‫هذا تناقضًا؟!‪.‬‬

‫كيف يكذب جعفر وهو أخو الحسن العسكري ومن سللة أهل البيت‪ ،‬وعميد السرة بعد وفاة‬
‫الحسن‪ ،‬ويصدق رجل أجنبي عن أهل البيت‪ ،‬وهو متهم في دعواه‪ ،‬لنه يجر المصلحة لنفسه‬
‫من المال والجاه باسم البابية‪ ،‬ومن هذا شأنه أل يشك في قوله وترد شهادته؟!‬

‫ولموقف جعفر المتميز ضد محاولت الرموز الشيعية اختراع ولد لخيه‪ ،‬ضاق الشيعة ذرعًا‬
‫بأمره‪ ،‬حتـى لقبوه "بجعفـر الكذاب"‬
‫[انظـر‪ :‬ابـن بابويـه‪ /‬إكمال الديـن‪ :‬ص ‪ ،312‬سـفينة البحار‪،1/162 :‬‬
‫أصول الكافي‪( 1/504 :‬هامش ‪ ،)2‬مقتبس الثر‪ ،14/314 :‬قالوا‪ :‬إنه يلقب جعفر بن محمد بالصادق في مقابل‬
‫جع فر هذا الذي يلقبو نه بالكاذب أو الكذاب (مقت بس ال ثر‪ )14/314 :‬ف قد يكون شيوع إطلق ل قب «ال صادق» على‬
‫جعفر‪ ،‬وتمييزه بذلك بين آبائه وأقرانه مصدره الشيعة‪ ،‬نكاية بحفيدة جعفر‪ ].‬ووضعوا روايات نسبوها لوائل‬
‫أهل البيت تتنبأ بالغيب فتتحدث بما سيقع من جعفر‪ ،‬وتندد به‪.‬‬

‫فنسبوا للسجاد أنه قال‪" :‬كأني بجعفر الكذاب قد حمل طاغية زمانه‪ ،‬على تفتيش أمر ولي ال‬
‫المغ يب في ح فظ ال جهلً م نه بولد ته‪ ،‬وحر صًا على قتله إن ظ فر به طمعًا في ميراث أب يه‬
‫حتى يأخذه بغير حقه" [إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،312‬سفينة البحار‪.].1/162 :‬‬

‫نلحظ في هذه الرواية أنهم اتهموا جعفرًا بأنه أنكر ولدته طمعًا في الميراث‪ ،‬على حد المثل‬
‫القائل‪ :‬رمتني بدائها وانسلت‪ ،‬ذلك أن صانعي هذه الروايات هم الذين ادعوا الولد وقالوا ببابيته‬
‫حر صًا على الموال – ك ما سلف – كذلك فإن الروا ية تتنا قض حين ما تقول بأن جعفرًا يج هل‬
‫ولدته‪ ،‬ثم تقول بأنه يحرص على قتله‪ ،‬فإذا كان يجهل أنه ولد له ولد فكيف يحرص على قتل‬
‫مجهول وجوده؟! ثـم انظـر كيـف يدافعون عـن عثمان بـن سـعيد‪ ،‬ويتهمون جعفرًا وهـم يدعون‬
‫التشيع للل‪.‬‬

‫وليس جعفر هو وحده من أسرة الرضا الذي ينكر هذه الدعوى‪ .‬بل يظهر من روايات الشيعة‬
‫أن النكار كان من ب يت الولد المزعوم و من ب ني ع مه‪ ،‬يدل على ذلك ما جاء في ك تب الشي عة‬

‫‪575‬‬
‫[الباب الثا ني‬ ‫" عن إ سحاق بن يعقوب [ل حظ ال سماء يهود ية‪ ].‬قال‪ :‬سألت مح مد بن عثمان العمري‬
‫لمهدي الث ني عشر ية‪ ].‬أن يو صل لي كتابًا قد سألت ف يه م سائل أشكلت علي‪ ،‬فورد التوق يع ب خط‬
‫[وما يدريهم أنه خط صاحب الزمان – على فرض وجوده – والخطوط تتشابه‪ ،‬والرجل‬ ‫مولنا صاحب الزمان‬
‫الذي خر جت على يده "الرق عة" غ ير مع صوم‪ ،‬ومشكوك في أمره ل نه ي جر الم صلحة لنف سه‪ ،‬ونا قل هذا التوق يع عن‬
‫محمد بن عثمان أحد السماء اليهودية‪ ].‬صلى ال عليه‪ :‬أما ما سألت عنه أرشدك ال من أمر المنكرين‬
‫لي من أهل بيت نا وبني عم نا‪ .‬فاعلم أ نه ليس بين ال عز و جل وبين أ حد قرابة‪ ،‬ومن أنكرني‬
‫[إكمال‬‫فل يس م ني و سبيله سبيل ا بن نوح‪ ،‬وأ ما سبيل ع مي جع فر وولده ف سبيل أخوة يو سف‪"..‬‬
‫ـفينة‬
‫ـف ‪1386‬ه‍‪ ،‬وص ‪ 470-469‬ط‪ :‬بيروت ‪1401‬ه‍‪ ،‬سـ‬ ‫ـن‪ :‬ص ‪ ،451‬الحتجاج‪ 2/283 :‬ط‪ :‬النجـ‬ ‫الديـ‬
‫البحار‪ ،1/163 :‬مقتبس الثر‪.].14/316 :‬‬

‫فيدل هذا على أن إنكار وجود الولد صـدر مـن أهـل بيتـه وعمومتـه‪ ،‬والدعوى جاءت مـن‬
‫الخارج‪ ..‬فأيه ما أقرب للت صديق؛ أيكذب أشراف أ هل الب يت‪ ،‬وي صدق سمان ل يعرف له شأن‬
‫في دين ول علم ول نسب ول مقام ول أصل؟!‪.‬‬

‫وقد يقال بأن أهل بيته وعمومته يتسترون عليه صيانة له‪ ،‬لكن التوقيع الصادر عن المنتظر‬
‫المزعوم يدل على أن النكار حقيقي لنه يحكم عليهم بأنهم كابن نوح في الكفر‪ ،‬إذ ليس بين ال‬
‫وبين أحد قرابة‪ ،‬مع أن مذهبهم قائم على أن قرابة أئمتهم من الرسول صلى ال عليه وسلم هي‬
‫التي خولتهم تلك المكانة‪..‬‬

‫[انظر‪ :‬مراجع هذه المسألة‬ ‫كذلك حملتهم على جعفر ووصفه "بالكذاب" ورميه بكل عيب ونقيصة‬
‫في ص(‪ )903‬هامش رقم (‪ ].)1‬يدل على أن النكار من أسرة الحسن حقيقي‪ ،‬ولذلك صنع أصحاب‬
‫هذه الدعوة تلك الروايات التـي تهاجـم جعفرًا‪ ،‬وأهـل بيـت المنتظـر وبنـي عمـه وتندد بإنكارهـم‬
‫وتف يض بالح قد علي هم‪ .‬و قد كان لموقف هم أثره في ذلك الو قت‪ ،‬ح يث شك جم يع الشي عة في هذه‬
‫الدعوى إل القليل‪ ،‬كما شهد بذلك شيخهم النعماني وغيره‪.‬‬

‫وعلوة على ذلك كله فإن الح سن الع سكري نف سه المن سوب له هذا الولد قد ن فى ذلك وأنكره‬
‫حيث أسند وصيته في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته‪ ،‬وأوكل لها النظر في أوقافه وصدقاته‬
‫[أ صول الكا في‪:‬‬ ‫وأش هد على ذلك وجوه الدولة وشهود القضاء‪ ،‬ك ما يروي ذلك الكلي ني في الكا في‬
‫[ان ظر‪ :‬الغي بة للطو سي‪ :‬ص‬ ‫‪ ،].1/505‬وا بن بابو يه في إكمال الد ين [إكمال الد ين‪ :‬ص ‪ ].42‬وغيره ما‬
‫‪ ،].75‬ولو كان له ولد هو إمام الم سلمين‪ ،‬يح مل تلك الو صاف الكاملة والخار قة ل ما و سعه إل‬

‫‪576‬‬
‫توكيله‪ ،‬فمن هو وكيل ورئيس على المة‪ ،‬ومن هو أمان للكون والناس ل يعجزه مع غيبته أن‬
‫يقوم بأعباء النظر على أوقاف أبيه وصدقاته‪ ..‬فلمّا لم يفعل دل على أنه ل ولد له أصلً‪.‬‬

‫وليس ينال من هذه الشهادة العملية للحسن العسكري قول الطوسي‪ :‬إن الحسن فعل ذلك قصدًا‬
‫إلى إخفاء ولدة ابنـه وسـترًا له عـن سـلطان الوقـت [الغيبـة‪ :‬ص ‪ ،].75‬لن هذا القول دعوى بل‬
‫برهان‪.‬‬

‫وبهذا يثبت بطلن وجوده‪ ،‬وبطلن ما ترتب على ذلك‪.‬‬

‫فهذه شهادة أهل السنة‪ ،‬وأكثر فرق الشيعة‪ ،‬ونقابة آل أبي طالب‪ ،‬وأسرة آل أبي طالب وأخيه‬
‫جعفـر‪ ،‬والحسـن العسـكري‪ ،‬وكـل هذه الشهادات والبينات تنفـي دعوى الولد‪ ،‬وهـي ترد دعوى‬
‫الجانب البعداء في نواياهم مم ادعى البابية والمشاهدة‪ .‬فكيف إذا أضيف إلى ذلك استبعاد بقائه‬
‫– على فرض وجوده – مئات السنين ولو مدّ ال في عمر أحد من خلقه لحاجة الناس إليه لمد‬
‫في عمر رسول ال صلى ال عليه وسلم كما قال أبو الحسن الرضا‪ ،‬وهو مع طول هذه المدة ل‬
‫يعرف أحد مكانه‪ ،‬ول يعلم مستقره ومقامه‪ ،‬ول يأتي بخبره من يوثق بقوله‪.‬‬

‫وكل من اتفق له الستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الغراض يكون‬
‫مدة استتاره قريبة‪ ،‬ول يخفى على الكل‪.‬‬

‫وكيف يغيب المسؤول الول عن المة هذه الغيبة الطويلة؟ أليس هذا كله دليلً واضحًا جليًا‬
‫على أن حكاية الغيبة أسطورة من الساطير التي صنعها المرتزقة والزنادقة والحاقدون؟!‪.‬‬

‫ويبدو أن هذه المقالة كان الدافـع وراءهـا ماديًا وسـياسيًا‪ ،‬فالرغبـة فـي السـتئثار بالموال‪،‬‬
‫ومحاولة الطا حة بدولة الخل فة كا نا هدف ين أ ساسيين في اختراع هذه الفكرة‪ ،‬والدل يل على ذلك‬
‫أن لغـة المال تسـود توجيهات الفرق الشيعيـة‪ ،‬وهـي مصـدر نزاعهـم واختلفهـم‪ ،‬كمـا حفظـت‬
‫نصوص ذلك كتب الثني عشرية – كما مر ‪.-‬‬

‫كذلك فإن قضية "المامة والخلفة" هي حديث هذه الخليا الشيعية وهم في فلكها يسيرون‪..‬‬
‫وابتداع فكرة المام الخفي يخلصهم من أهل البيت‪ ،‬ويجعل الزعامة في أيديهم‪.‬‬

‫ولم يتكلفوا شيئًا من عناء التفك ير والب حث والتأ مل للو صول إلى هذه الغا ية‪ ،‬إذ إن هم وجدوا‬
‫هذه الفكرة في الديا نة المجو سية‪ ،‬ذلك أن "المجوس" تد عي أن ل هم منتظرًا حيًا باقيًا مهديًا‪– ..‬‬
‫كما مر ‪.-‬‬

‫‪577‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫الرجعة‬

‫[مضى تخريجه‬ ‫الرجعة من أصول المذهب الشيعي‪ ،‬فمن رواياتهم "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا"‬
‫فـي كتـب الشيعـة ص‪ .].)46( :‬وقال ا بن بابو يه في العتقادات‪" :‬واعتقاد نا في الرج عة أن ها حق"‬
‫[أوائل‬ ‫[العتقادات‪ :‬ص ‪ .].90‬وقال المفيد‪" :‬واتفقت المامية على وجوب رجعة كثير من الموات"‬
‫المقالت‪ :‬ص ‪.].51‬‬

‫وقال الطبرسـي والحـر العاملي وغيرهمـا مـن شيوخ الشيعـة‪ :‬بأنهـا موضوع "إجماع الشيعـة‬
‫المام ية‬
‫[الطبر سي‪ /‬مج مع البيان‪ ،5/252 :‬ال حر العاملي‪ /‬اليقاظ من الهج عة‪ :‬ص ‪ ،33‬الحويزي‪ /‬نور الثقل ين‪:‬‬
‫‪ ،4/101‬المجلسـي‪ /‬بحار النوار‪( 53/123 :‬وقـد ذكـر المجلسـي أنهـم أجمعوا على القول بهـا فـي جميـع‬
‫العصار)‪ ،].‬وأنها من ضروريات مذهبهم" [اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪ ،].60‬وأنهم "مأمورون بالقرار‬
‫بالرجعـة واعتقادهـا وتجديـد العتراف بهـا فـي الدعيـة والزيارات ويوم الجمعـة وكـل وقـت‬
‫كالقرار بالتوحيد والنبوة والمامة والقيامة" [اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪.].64‬‬

‫ومعنى الرجعة‪ :‬الرجوع إلى الدنيا بعد الموت [القاموس‪ ،3/28 :‬مجمع البحرين‪.].4/334 :‬‬

‫[النهايـة‪:‬‬ ‫ويشيـر ابـن الثيـر‪ :‬أن هذا مذهـب قوم مـن العرب فـي الجاهليـة معروف عندهـم‬
‫‪.].3/202‬‬

‫وقد ذهبت فرق شيعية كثيرة إلى القول برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة‪ ،‬ومنهم من يقر بموتهم‬
‫ثم رجعتهم‪ ،‬ومنهم من ينكر موتهم ويقول بأنهم غابوا وسيرجعون – كما مر في مبحث الغيبة‬
‫– وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ‪ ،‬إل أنه قال بأنه غاب وسيرجع ولم يصدق بموته‪.‬‬

‫وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة المام عند السبئية‪ ،‬والكيسانية وغيرها‪ ،‬ولكنها صارت‬
‫عند الثني عشرية عامة للمام وكثير من الناس‪ .‬ويشير اللوسي إلى أن تحول مفهوم الرجعة‬
‫[روح المعانـي‪:‬‬ ‫عنـد الشيعـة مـن رجعـة المام فقـط إلى ذلك المعنـى العام كان فـي القرن الثالث‬
‫‪ ،20/27‬وانظر‪ :‬أحمد أمين‪ /‬ضحى السلم‪.].3/237 :‬‬

‫[وقد ذكرها كفرقة بهذا السم ابن‬‫وقد اشتهرت بعض الفرق الشيعية باسم "الرجعية" لقولهم بالرجعة‬
‫الجوزي في تلب يس إبل يس‪ :‬ص ‪ ،22‬والقر طبي في "بيان الفرق" الور قة ‪ 3‬أ (مخطوط)‪ ،‬و صاحب الر سالة الفرق ية‬

‫‪578‬‬
‫(مخطوط غ ير مر قم ال صفحات)‪ ،‬وال سلخي في شرح‪ ..‬الثنت ين وال سبعين فر قة‪/‬‬ ‫المشهور بعالم مح مد أفندي‪ :‬ص ‪2‬‬
‫الورقة ‪13‬ب (مخطوط)‪ ].‬واهتمامهم بها‪.‬‬

‫أما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عن الثني عشرية فهو يشمل ثلثة أصناف‪:‬‬

‫الول‪ :‬الئمة الثني عشر‪ ،‬حيث يخرج المهدي من مخبئه‪ ،‬ويرجع من غيبته‪ ،‬وباقي الئمة‬
‫يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ولة المسلمين الذين اغتصبوا الخلفة – في نظرهم – من أصحابها الشرعيين (الئمة‬
‫الثنـي عشـر) فيبعـث خلفاء المسـلمين وفـي مقدمتهـم أبـو بكـر وعمـر وعثمان‪ ..‬مـن قبورهـم‬
‫ويرجعون لهذه الدنيا – ك ما يحلم الشي عة – للقتصاص منهم بأخذ هم الخل فة من أهل ها فتجري‬
‫عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬عا مة الناس‪ ،‬وي خص من هم‪ :‬من م حض اليمان محضًا‪ ،‬و هم الشي عة عمومًا‪ ،‬لن‬
‫[ان ظر‪ :‬ص(‬ ‫اليمان خاص بالشي عة‪ ،‬ك ما تت فق على ذلك روايات هم وأقوال شيوخ هم – ك ما سلف‬
‫[الم ستضعفون‪:‬‬ ‫‪ – ].)573-572‬و من م حض الك فر محضًا‪ ،‬و هم كل الناس ما عدا الم ستضعفين‬
‫مصطلح عند الشيعة يرد في مصادرهم على ألسنة شيوخهم القدامى والمعاصرين‪ ،‬وهم كما يقول المجلسي‪ :‬ضعفاء‬
‫العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم‪ ،‬ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمن الفترة‪ ،‬أو كان في موضع‬
‫لم يأت غل يه خبر الح جة ف هم المرجون ل مر ال‪ ،‬إ ما يعذب هم وإ ما يتوب علي هم‪ ،‬فير جى ل هم النجاة من النار (بحار‬
‫النوار‪ ،8/363 :‬والعتقادات للمجلسي‪ :‬ص ‪.].)100‬‬

‫ولهذا قالوا في تعر يف الجر عة‪ :‬إن ها "رج عة كث ير من الموات إلى الدن يا ق بل يوم القيا مة‬
‫[الحـر العاملي‪ /‬اليقاظ مـن الهجعـة‬ ‫[المفيـد‪ /‬أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ ].51‬وعودتهـم إلى الحياة بعـد الموت"‬
‫بالبرهان على الرجعة‪ ].‬في صورهم التي كانوا عليها [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪.].95‬‬

‫والراجعون إلى الدنيا هم‪" :‬النبي الخاتم‪ ،‬وسائر النبياء‪ ،‬والئمة المعصومون‪ ،‬ومن محض‬
‫[جواد تارا‪/‬‬ ‫في السلم‪ ،‬ومن محض في الكفر‪ ،‬دون الطبقة الجاهلية المعبر عنها بالمستضعفين"‬
‫دائرة المعارف العلوية‪.].1/253 :‬‬

‫أو بعبارة شيخهـم المفيـد‪" :‬مـن علت درجتـه فـي اليمان‪ ،‬ومـن بلغ الغايـة فـي الفسـاد‪ ،‬كلهـم‬
‫يرجعون بعـد موتهـم" [أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ .].95‬وكذا مـن كان له قصـاص وإن لم يكـن ماحض ًا‬
‫فيرجع ويقتص من قاتله [كريم بن إبراهيم‪ /‬الفطرة السليمة‪ :‬ص ‪.].383‬‬

‫‪579‬‬
‫وز من الرج عة العا مة هو ك ما يذ كر شيخ هم المف يد وغيره "ع ند قيام مهدي آل مح مد علي هم‬
‫ال سلم" [ان ظر‪ :‬أوائل المقالت‪ :‬ص ‪ ،95‬ال حر العاملي‪ /‬اليقاظ من الهج عة‪ :‬ص ‪ ].58‬ورجو عه من غيب ته‪،‬‬
‫ولكـن بعـض شيوخهـم يقول‪ :‬إن الرجعـة العامـة غيـر مرتبطـة بأمـر ظهور المهدي‪ .‬ذلك أن‬
‫الرج عة – ك ما يقول – "غ ير الظهور‪ ،‬لن المام عل يه ال سلم حي غائب و سيظهر إن شاء ال‬
‫[كريم بن إبراهيم‪ /‬الفطرة‬ ‫ولم يسلب الملك فيرجع إليه‪ ،‬فمبدأ الرجعة من رجوع الحسين إلى الدنيا"‬
‫السليمة‪ :‬ص ‪.].383‬‬

‫وهذا قد يتفق مع رواياتهم التي تقول "أول من تنشق الرض عنه ويرجع إلى الدنيا‪ ،‬الحسين‬
‫بن علي عليه السلم" [بحار النوار‪.].53/39 :‬‬

‫وقـد ذكرت بعـض رواياتهـم أن الرجعـة تبدأ بعـد هدم الحجرة النبويـة وإخراج الجسـدين‬
‫الطاهر ين للخليفت ين الراشد ين – ك ما يحلم القوم – ح يث جاء في أخبار هم أن منتظر هم يقول‪:‬‬
‫"وأج يء إلى يثرب‪ ،‬فأهدم الحجرة‪ ،‬وأخرج من ب ها وه ما طريّان‪ ،‬فآ مر به ما تجاه البق يع وآ مر‬
‫بخشبتين يصلبان عليهما فتورقان من تحتهما‪ ،‬فيفتتن الناس بهما أشدّ من الولى‪ ،‬فينادي منادي‬
‫الفتنة من السماء‪ :‬يا سماء انبذي‪ ،‬ويا أرض خذي فيومئذ ل يبقى على وجه الرض إل مؤمن‬
‫(أي إل شيعي) ثم يكون بعد ذلك الكرة والرجعة" [بحار النوار‪.].105-53/104 :‬‬

‫[ان ظر‪ :‬اليقاظ من الهج عة‪ :‬ص ‪].58‬‬ ‫والغرض من الرجعة هو انتقام الئمة والشيعة من أعدائ هم‬
‫وهم سائر المسلمين من غير الشيعة ما عدا المستضعفين‪ ،‬ولذلك فإن سيوف الشيعة تقطر دمًا‬
‫من كثرة القتل للمسلمين حتى قال أبو عبد ال‪" :‬كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز‬
‫[بحار النوار‪ ،53/40 :‬وعزاه إلى الخت صاص للمف يد‪ ،‬ولم‬ ‫يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة"‬
‫أجده في الطبعة التي بين يدي‪.].‬‬

‫ول شك بأن تحديد موضع القتل العام بالمسجد الحرام يدل دللة أكيدة أن المقصود بالقتل هم‬
‫المسـلمون‪ ،‬وأن هذا مـا تحلم بـه الماميـة‪ ..‬وهذا الخـبر وأمثاله يعطينـا – بغـض النظـر عـن‬
‫العنصر الخرافي فيه – صورة لتفكير تلك الزمر الشيعية التي وضعت تلك الروايات‪ ،‬وأهدافها‬
‫ومخططاتها‪ ،‬فهي "إسقاطات" لرغبات مكبوتة‪ ،‬ونوازع مقهورة لفرقة تتربص بالمة الدوائر‪.‬‬

‫كما أن هذه الخبار السرية [لن الرجعة كانت سرًا من السرار كما سيأتي‪ ].‬قد توضح لنا بعض ما‬
‫[انظر خبر ذلك في حوادث سنة‬‫جرى في التاريخ من قيام القرامطة بقتل حجاج بيت ال داخل الحرم‬
‫‪317‬ه‍‪ ،‬في المنتظم لبن الجوزي‪ 6/222 :‬وما بعدها‪ ،‬والبداية والنهاية لبن كثير‪ ،11/160 :‬وتاريخ ابن خلدون‬

‫‪580‬‬
‫(العبر) ‪ ،].3/191 :‬وأنها كانت تتخذ من مثل هذه الخبار المنسوبة لل البيت سندًا لها لدفع تلك‬
‫العناصر التخريبية للقيام بدورها الدموي‪.‬‬

‫ك ما أن ها تك شف ل نا فحوى الما ني ال تي يعلن ها شي عة هذا الع صر وي صرحون في ها بتحرق هم‬


‫وتلهفهم لفتح مكة والمدينة وكأنها بأيدي كفار [سيأتي نص كلمهم في باب الشيعة المعاصرين‪.].‬‬

‫كذلك يتحقـق فـي الرجعـة حسـاب الناس على يـد الحسـين‪ :‬يقول أبـو عبـد ال‪" :‬إن الذي يلي‬
‫حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السلم‪ ،‬فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى‬
‫الجنة وبعث إلى النار" [بحار النوار‪ ،‬باب الرجعة‪.].53/43 :‬‬

‫وفـي الرجعـة يتحول صـفوة الخلق وهـم أنـبياء ال ورسـله إلى جنـد لعلي كمـا يقول هؤلء‬
‫الفاكون حيث قالوا‪" :‬لم يبعث ال نبيًا ول رسولً إل رد جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي‬
‫علي بن أبي طالب أمير المؤمنين" [بحار النوار‪.].53/41 :‬‬

‫ك ما يحلم الشي عة بأن حيات هم في الرج عة ستكون في نع يم ل يخ طر على البال ح تى "يكون‬


‫أكلهـم وشربهـم مـن الجنـة [بحار النوار‪ ،].53/116 :‬ول يسـألون ال حاجـة مـن حوائج الدنيـا‬
‫والخرة إلى وتقضى لهم" [بحار النوار‪.].53/116 :‬‬

‫ويخير الشيعي وهو في قبره بين الرجعة أو القامة في القبر‪ .‬ويقال له‪ « :‬يا هذا إنه قد ظهر‬
‫[الغيبة للطوسي‪ :‬ص‬ ‫صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق‪ ،‬وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم »‬
‫‪ ،276‬بحار النوار‪.].53/92 :‬‬

‫وتنت هي الرج عة بالن سبة للشي عة بالق تل ل من مات من ق بل‪ ،‬وبالموت ل من ق تل‪ ،‬وهذه النها ية‬
‫إحدى أغراض الرجعة فهم يقولون في أخبارهم‪" :‬ليس أحد من المؤمنين قتل إل سيرجع حتى‬
‫يموت‪ ،‬ول أحد من المؤمنين مات إل سيرجع حتى يقتل"‬
‫[تفسير القمي‪ ،2/131 :‬البرهان‪،3/211 :‬‬
‫تفسير الصافي‪ ،4/76 :‬بحار النوار‪ ،53/40 :‬وانظر‪ :‬ص ‪ 137 ،77 ،53 ،41 ،39‬من نفس الجزء‪ ،‬وانظر‪:‬‬
‫رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].408-407‬‬

‫هذا وكانت عقيدة الرجعة سرًا من أسرار المذهب الشيعي‪ ،‬ولذلك قال أبو الحسين الخياط –‬
‫أحد شيوخ المعتزلة [كان حيًا ق بل سنة ‪300‬ه‍ (ان ظر‪ :‬مع جم المؤلف ين‪" :- ].)5/223 :‬بأنهم قد تواصلوا‬
‫بكتمان ها وأل يذكرو ها في مجال سهم ول في كتب هم إل في ما قد أ سروه من الك تب ولم يظهروه"‬
‫[النتصار‪ :‬ص ‪.].97‬‬

‫‪581‬‬
‫و قد وجدت في ك تب الث ني عشر ية ما أشار إليه الخياط من التواصي بكتمان أمر الرج عة‪،‬‬
‫[قال المجلسي‪ :‬أي‬ ‫حيث روت بعض كتب الشيعة عن أبي جعفر قال‪" :‬ل تقولوا الجبت والطاغوت‬
‫ل تسموا الملعونين بهذين السمين‪ ،‬أو ل تتعرضوا لهما بوجه‪( .‬بحار النوار‪ ،)53/40 :‬وهو يشير بهذا إلى خليفتي‬
‫رسول ال وصهريه وحبيبيه أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪ ،].‬ول تقولوا الرجعة‪ ،‬فإن قالوا لكم فإنكم قد‬
‫كنتم تقولون ذلك فقولوا‪ :‬أما اليوم فل نقول" [بحار النوار‪.].53/39 :‬‬

‫وفي رواية أخرى ينسبونها للصادق‪" :‬ل تقولوا الجبت والطاغوت وتقولوا الرجعة‪ ،‬فإن قالوا‪:‬‬
‫قد كن تم تقولون؟ قولوا‪ :‬الن ل نقول‪ ،‬وهذا من باب التق ية ال تي تع بد ال ب ها عباده في ز من‬
‫الوصياء" [بحار النوار‪.].116-53/115 :‬‬

‫هذه تعميمات سـرية‪ ،‬تتبادلهـا الخليـا الشيعيـة‪ ،‬وحتـى تعطيهـا صـفة القطـع والقوة‪ ،‬أسـندتها‬
‫لبعض علماء آل البيت‪ ،‬للتعزيز بالحداث والعاجم وسائر التباع من الجهال‪.‬‬

‫استدللهم على الرجعة‪:‬‬

‫اتجه شيوخ الشيعة إلى كتاب ال سبحانه ليأخذوا منه الدليل على ثبوت الرجعة التي ينفردون‬
‫بالقول بها عن سائر المسلمين‪ ..‬ولما لم يجدوا بغيتهم تعلقوا كعادتهم بالتأويل الباطني‪ ،‬وركبوا‬
‫م تن الش طط‪ ،‬وتع سفوا أي ما تع سف في هذا ال سبيل‪ ،‬ح تى أ صبح ا ستدللهم ح جة علي هم‪ ،‬ودليلً‬
‫على زيف معتقدهم‪ ،‬وبرهانًا على بطلن مذهبهم‪.‬‬

‫وحتى تتبين هذه الحقيقة نستعرض أقوى أدلتهم وأشهرها – حسب نظرهم ‪.-‬‬

‫حرَامٌ عَلَى َق ْر َيةٍ‬


‫يرى شيخ المفسرين عندهم أن من أعظم الدلة على الرجعة قوله سبحانه‪{ :‬وَ َ‬
‫أَ ْهلَ ْكنَاهَا َأ ّنهُ مْ ل َيرْجِعُو نَ} [ال نبياء‪ ،‬آ ية‪].95 :‬؛ حيث يقول ما نصه‪" :‬هذه الية من أعظم الدلة‬
‫على الرج عة؛ لن أحدًا من أ هل ال سلم ل ين كر أن الناس كل هم يرجعون يوم القيا مة من هلك‬
‫[تفسير القمي‪ ،2/76 :‬وقد وُضع عنوان في أعلى الصفحة لهذا الدليل المزعوم على الرجعة يقول‪:‬‬ ‫ومن لم يهلك"‬
‫"أعظم آية دالة على الرجعة" (بحار النوار)‪.].‬‬

‫مع أن الية حجة عليهم‪ ،‬فهي تدل على نفي الرجعة إلى الدنيا؛ إذ معناها كما صرح به ابن‬
‫عباس وأبـو جعفـر الباقـر وقتادة وغيـر واحـد‪ :‬حرام على أهـل كـل قريـة أهلكوا بذنوبهـم أنهـم‬
‫يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة [انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،].3/205 :‬وهذا كقوله سبحانه‪{ :‬أَلَ ْم َي َروْا‬
‫كَ مْ أَهْ َلكْنَا َقبْلَهُم مّ نْ الْ ُقرُو نِ َأ ّنهُ مْ إِ َل ْيهِ مْ َل َيرْجِعُو نَ} [ يس‪ ،‬آ ية‪ ،].31 :‬وقوله‪{ :‬فَل يَ سْتَطِيعُونَ‬
‫صيَةً وَل إِلَى أَ ْهِلهِ ْم َيرْجِعُو نَ} [يس‪ ،‬آية‪ ،].50 :‬وزيادة "ل" هنا لتأكيد معنى النفي من "حرام"‪،‬‬
‫َتوْ ِ‬
‫‪582‬‬
‫وهذا مـن أسـاليب التنزيـل البديعـة البالغـة النهايـة فـي الدقـة‪ .‬وسـر الخبار بعدم الرجوع مـع‬
‫وضوحه‪ ،‬هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم ويلوعهم من الهلك المؤبد‪ ،‬وفوات أمنيتهم الكبرى‬
‫وهي حياتهم الدنيا [تفسير القاسمي‪.].11/293 :‬‬

‫[من المفسرين من يذهب‬ ‫وإذا كان المقصود إثبات الرجعة فهي رجعة للناس ليوم القيامة بل ريب‬
‫لهذا ويرى أن الية لتقرير اليمان بالبعث‪ ،‬وهي تتمة وتقرير لما قبلها وهو قوله تعالى‪{ :‬كُ ّل ِإلَ ْينَا رَاجِعُونَ} [النبياء‪،‬‬
‫آية‪ ]93 :‬فتكون "ل" فيها على بابها‪ ،‬وهي مع "حرام" من قبيل نفي النفي‪ ،‬فيدل على الثبات‪.‬‬

‫والمع نى‪ :‬وحرام على القر ية المهل كة عدم رجوع ها إلى الخرة‪ ،‬بل وا جب رجع ها للجزاء‪ ،‬فيكون الغرض إبطال‬
‫[فتح‬ ‫قول من ينكر البعث‪( .‬انظر‪ :‬تفسير القاسمي‪ ،].)11/293 :‬أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء‬
‫القدير‪.].3/426 :‬‬

‫وتخصيص امتناع رجوعهم بالذكر مع شمول المتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله‬
‫ـي‪:‬‬
‫[روح المعانـ‬ ‫تعالى‪ُ { :‬كلّ ِإَليْنَـا رَاجِعُونـَ}؛ لنهـم المنكرون للبعـث والرجوع دون غيرهـم‬
‫‪.].17/91‬‬

‫[روح المعا ني‪:‬‬ ‫و من أش هر اليات ال تي ي ستدل ب ها المام ية على الرج عة – ك ما يقول اللو سي‬
‫ب بِآيَاتِنَا} [الن مل‪ ،‬آ ية‪.].83 :‬‬
‫حشُ ُر مِن ُكلّ ُأ ّمةٍ َفوْجًا مّمّ ن يُكَذّ ُ‬
‫‪ – ].20/26‬قوله تعالى‪َ { :‬ويَوْ مَ نَ ْ‬
‫[انظر‪ :‬تفسير‬ ‫والية كما يقول المفسرون في يوم الجزاء والحساب‪ ،‬يوم يقوم الناس لرب العالمين‬
‫الطبري‪ ،20/17 :‬تفسير البغوي‪ ،3/430 :‬ابن الجوزي‪ /‬زاد المسير‪ ،6/194 :‬القرطبي‪ /‬الجامع لحكام القرآن‪:‬‬
‫‪ ،13/238‬البحر المحيط لبي حيان‪ ،7/98 :‬تفسير ابن كثير‪ ،3/393 :‬الشوكاني‪ /‬فتح القدير‪154-4/153 :‬‬
‫وغيرها‪ ،].‬إل أن هؤلء يجعلونها في عقيدتهم في الرجعة‪ ،‬ولذا قال شيخهم شبر بأنها فسرت في‬
‫أخبارهم في الرجعة [تفسير شبر‪ :‬ص ‪.].369‬‬

‫وقال الطبر سي‪" :‬ا ستدل بهذه ال ية على صحة الرج عة من ذ هب إلى ذلك من المام ية بأن‬
‫قال‪ :‬إن دخول " من" في الكلم يو جب التبع يض فدل بذلك على أ نه يح شر قوم دون قوم ول يس‬
‫[الك هف‪ ،‬آ ية‪:‬‬ ‫شرْنَا ُه مْ َفلَ ْم نُغَا ِد ْر مِ ْنهُ مْ أَحَدًا}‬
‫ح َ‬
‫ذلك صفة يوم القيا مة الذي يقول ف يه سبحانه‪{ :‬وَ َ‬
‫‪[ "].47‬تفسير الطبرسي‪.].252-5/251 :‬‬

‫[ان ظر‪ :‬الب حر المح يط ل بي حيان‪ ،7/98 :‬روح المعا ني‬ ‫أ ما كون " من (الولى) للتبع يض فهذا شائع"‬
‫لللوسي‪].20/26 :‬؛ لن كل أمة منقسمة إلى مصدق ومكذب‪ ،‬أي ويوم يجمع من كل أمة من أمم‬
‫[روح المعاني‪ ،20/26 :‬وانظر‬ ‫النبياء‪ ،‬أو من أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة مكذبة بآياتنا‬
‫في مع نى ال ية الم صادر السابقة في ها مش رقم (‪ )5‬من الصفحة ال سابقة‪ ].‬وهذا ل يدل على مسألة الرجعة‬
‫‪583‬‬
‫إلى الدن يا ب عد الموت بحال من الحوال‪ ،‬ول كن الشي عة تتعلق ب كل آيات اليوم ال خر المتضم نة‬
‫لرجوع الناس لربهم لتجعلها في عقيدتهم في الرجعة كما هو دأبها‪.‬‬

‫وتخ صيص المكذب ين بهذا الح شر ل يدل على ما يزعمون؛ لن هذا ح شر للمكذب ين للتوب يخ‬
‫والعذاب‪ ،‬بعد الحشر الكلي الشامل لكافة الخلق [ان ظر‪ :‬ف تح القدي‪ ،4/154 :‬روح المعا ني‪،].20/26 :‬‬
‫أ ما « من» الثان ية ف هي بيان ية ج يء ب ها لبيان "فوجًا" [روح المعانـي‪ ،].20/26 :‬ولهذا فإن ب عض‬
‫مفسري الشيعة المعاصرين أدرك ضلل قومه في هذا التأويل فقال في تفسير الية‪« :‬من» هنا‬
‫بيانية وليست للتبعيض تمامًا كخاتم من حديد‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن في المم مصدقين ومكذبين بآيات‬
‫ال وبيناته‪ ،‬وهو يحشر للحساب والجزاء جميع المكذبين بل استثناء‪ ،‬وخصهم بالحشر مع أنه‬
‫يعم الجميع؛ لنه تعالى قصد التهديد والوعيد [محمد جواد مغنية‪ /‬التفسير المبين‪ :‬ص ‪.].441‬‬

‫[عبس‪ ،‬آية‪].17 :‬‬ ‫ن مَا َأكْ َفرَ هُ}‬


‫ومن اليات التي يتأولونها في الرجعة قوله تعالى‪ُ { :‬ق ِتلَ الِن سَا ُ‬
‫ن مَا َأكْ َفرَ هُ} قال‪ :‬هو أم ير المؤمن ين‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫اليات؛ ح يث جاء في تف سير الق مي { ُق ِتلَ الِن سَا ُ‬
‫[ع بس‪ ،‬آ ية‪،21 :‬‬ ‫شرَ هُ}‬
‫أكفره أي ماذا ف عل وأذ نب ح تى قتلوه‪{ "..‬ثُمّ َأمَاتَ هُ فَ َأ ْق َبرَ هُ‪ ،‬ثُمّ إِذَا شَاء أَن َ‬
‫ض مَا َأمَرَ هُ} [عبس‪ ،‬آية‪ ،].23 :‬أي لم يقض أمير المؤمنين ما‬
‫‪ ].22‬قال‪ :‬في الرجعة {كَل َلمّا يَقْ ِ‬
‫قد أمره‪ ،‬وسيرجع حتى يقضي ما أمره" [تفسير القمي‪.].2/405 :‬‬

‫فيلحظ هنا عدة أمور‪:‬‬

‫ن مَا َأكْ َفرَ هُ} بعلي بن أبي‬


‫‪ 1‬ـ أوّل شيخهم الق مي "الن سان" في قوله سبحانه‪ُ { :‬ق ِتلَ الِن سَا ُ‬
‫طالب – مع أن الية تدل بنصها وسياقها على أن المراد "بالنسان" هنا الكافر‪ ،‬ولهذا قال السلف‬
‫في تفسيرها‪" :‬لعن النسان الكافر ما أكفره" [تفسير الطبري‪.].30/54 :‬‬

‫ف هل و ضع م ثل هذا التأو يل لل ساءة لم ير المؤمن ين من طرف خ في‪ ،‬أو أ نه أ ثر من آثار‬


‫[الكاملية‪ :‬هم الذين كفروا عليًا – رضي ال عنه – لنه ترك منازعة الصحابة ومنعهم من مبايعة‬ ‫طائفة الكاملية‬
‫أبي بكر‪ ،‬وكفروا سائر الصحابة؛ لنها لم تسلم المامة لعلي‪ ،‬وقد وردت عند الناشئ الكبر باسم الكميلية‪ .‬وقال بأنهم‬
‫أ صحاب كم يل بن زياد‪ ،‬وح كى مذهب هم على ما ذ كر‪ ،‬و قد وردت ع ند الشعري‪ ،‬والبغدادي والشهر ستاني الكامل ية‪.‬‬
‫وقال الشعري‪ :‬أنهـم أتباع أبـي كامـل (مسـائل المامـة‪ :‬ص ‪ ،45‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،14‬مقالت السـلميين‪:‬‬
‫‪ ،1/89‬الفرق بيـن الفرق‪ :‬ص ‪ ،54‬الملل والنحـل‪ ].)1/174 :‬مـن الشيعـة التـي تذهـب إلى تكفيـر أميـر‬
‫المؤمن ين وبق ية ال صحابة رضوان ال علي هم أجمع ين‪ ،‬وتلقف ته الث نا عشر ية وغيرت ف يه أو أن‬
‫مخترع هذا النص أعجمي جاهل بلغة القرآن وإنما كتب ما أمله عليه تعصبه وزندقته؟!‬

‫‪584‬‬
‫على أية حال فهذا التأويل يدل على مدى إفلس أصحاب هذا العتقاد في العثور على ما يدل‬
‫على مبدئهم‪.‬‬

‫شرَ هُ} و هي نص صريح في الب عث والنشور أوله‬


‫‪ 2‬ـ أوّل قول سبحانه‪{ :‬ثُمّ إِذَا شَاء أَن َ‬
‫بالرج عة‪ ،‬وهذا فضلً عن أ نه تحر يف لمعا ني القرآن‪ ،‬فإ نه ي صرف من ي صدق بهذه الروايات‬
‫عـن اليمان باليوم الخـر إلى هذه العقيدة المبتدعـة‪ ،‬ولهذا يلحـظ أن طوائف مـن غلة الشيعـة‬
‫[انظـر‪ :‬الفرق بيـن الفرق‪ :‬ص ‪ ،272‬وانظـر‪ :‬فلهوزن‪/‬‬ ‫أنكرت اليمان باليوم الخـر وقالت بالتناسـخ‬
‫الخوارج والشيعة‪ :‬ص ‪( 248‬ترجمة عبد الرحمن بدوي)‪ ،‬وعبد الرحمن الوكيل‪ /‬البهائية‪ :‬ص ‪( 45‬الهامش)‪.].‬‬

‫ويلحظ أن الثني عشرية قد عمدت إلى كل نص في اليوم الخر فجعلته في الرجعة‪ ،‬وقد‬
‫مر بنا أن هذا قد أصبح قاعدة عامة عندهم [انظر‪ :‬ص(‪.].)183‬‬

‫‪ 3‬ـ جعلت هذه الروايات الغرض من الرجعة أن عليًا لم يقض ما أمره ال به‪.‬‬

‫وهذا بهتان كبير في حق أم ير المؤمن ين وأ نه قد تخلى عن أوا مر ال سبحانه‪ ،‬ليقضي ها في‬


‫الرجعـة‪ ،‬فهـل أرادوا بهذا تشـبيهه بالمشركيـن الذيـن ابتعدوا عـن شرع ال سـبحانه فغذا عاينوا‬
‫العذاب تمنوا الرجعة‪ ..‬فكم أساء هؤلء إلى أهل البيت‪.‬‬

‫[آل عمران‪ ،‬آ ية‪:‬‬ ‫و من اليات ال تي جعلو ها في الرج عة قوله تعالى‪ُ { :‬ك ّل نَفْ سٍ ذَآئِقَةُ ا ْل َموْ تِ}‬
‫[تفسير‬ ‫‪].185‬؛ حيث قال في تأويلها‪" :‬لم يذق الموت من قتل‪ ،‬ولبد أن يرجع حتى يذوق الموت"‬
‫العياشي‪ ،1/210 :‬بحار النوار‪.].53/71 :‬‬

‫فهذه الروايـة تجعـل الرجعـة لجميـع الناس حتـى يتحقـق لكـل أحـد منهـم موت وقتـل – كمـا‬
‫يعتقدون – بينما هم قالوا بأن الرجعة خاصة بمن محض اليمان‪ ،‬ومحض الكفر – كما سلف –‬
‫ك ما أن هذا التأو يل يح مل جهلً بل غة العرب ال تي نزل ب ها القرآن؛ ح يث عدّ الق تل ونحوه ل يس‬
‫من قبيل الموت الذي تنص عليه الية وهذا مبلغ علمهم‪.‬‬

‫ويتعلق الشيعة بآيات كثيرة يؤولونها بمثل هذا التأويل الباطني‪ ،‬وتسابق شيوخهم كعادتهم في‬
‫الكثار من هذه التأويلت‪ ،‬وال تي أ سندوها للل ح تى تكت سب الرواج ع ند التباع‪ ..‬ف قد بلغ –‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫مثلً – عدد اليات التي أولوها بالرجعة حسب ما جمعه شيخهم الحر العاملي (‪ )72‬آية‬
‫الحـر العاملي‪ /‬اليقاظ مـن الهجعـة بالبرهان على الرجعـة‪ :‬ص ‪ ،].98-72‬وصـل فيهـا التأويـل الباطنـي‬
‫[وإل يك أمثلة من أدل ته – بالضا فة لما مضى – ل تحتاج إلى تعليق‪ ،‬وتدل على مبلغ‬ ‫المتعسف الغاية القصوى‬
‫إفلسهم‪ ،‬وأنهم يخبطون خبط عشواء‪ .‬قال الحر العاملي‪" :‬الباب الثالث في جملة من اليات القرآنية الدالة على صحة‬
‫‪585‬‬
‫الرجعة" ومن اليات التي استدل بها قوله تعالى‪َ { :‬وَلقَ ْد آ َتيْنَا دَاوُو َد ِمنّا َفضْلً} [سبأ‪ ،‬آية‪ ]10 :‬انظر‪ :‬المصدر السابق‬
‫ص ‪ ،92‬وقوله‪{ :‬أَ َولَ ْم يَ سِيرُوا فِي ا َلرْ ضِ} [الروم‪ ،‬آ ية‪ ]9 :‬ال سابق ص ‪ ،93‬وقوله‪َ { :‬و ُيرِيكُ مْ آيَاتِ هِ} [غا فر‪ ،‬آ ية‪:‬‬
‫صيْنَا الِن سَانَ بِوَالِ َديْ هِ إِحْ سَانًا حَ َملَتْ ُه أُمّ هُ ُكرْهًا وَ َوضَ َعتْ ُه ُكرْهًا} [الحقاف‪ ،‬آ ية‪:‬‬
‫‪ ]81‬ال سابق ص ‪ ،93‬وقوله‪{ :‬وَوَ ّ‬
‫‪ ،]15‬ال سابق ص ‪ ،94‬وقوله‪{ :‬وَفِي ال سّمَاء ِرزْقُ ُك مْ وَمَا تُوعَدُو نَ} [الذاريات‪ ،‬آية‪ ]22 :‬ال سابق ص ‪ ،95‬هذا مبلغ‬
‫استدللهم وغاية احتجاجهم‪ ،‬فجمعوا بين بدعة الرجعة وتحريف آيات القرآن‪ ،].‬مع أن العاملي لم يذكر كل ما‬
‫عند هم‪ ،‬و قد اعتذر عن ذلك – في نها ية ا ستدلله باليات ال تي ذكر ها – بعدم حضور الك تب‬
‫عنده [انظر‪ :‬اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪.].98‬‬

‫كما يستدل الشيعة ببعض ما أخبر ال به سبحانه من معجزات النبياء كإحياء الموتى لعيسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬أو بما أخبر ال به سبحانه في كتابه من إحياء الموتى كقوله سبحانه‪َ{ :‬ألَ ْم َترَ ِإلَى‬
‫[البقرة‪ ،‬آ ية‪:‬‬ ‫حيَاهُ مْ}‬
‫خرَجُواْ مِن ِديَارِهِ مْ وَ ُه مْ ُألُو فٌ حَ َذرَ ا ْل َموْ تِ فَقَالَ َلهُ مُ اللّ هُ مُوتُو ْا ثُمّ َأ ْ‬
‫الّذِي نَ َ‬
‫‪[ ].243‬انظر‪ :‬بحار النوار‪ ،53/129 :‬اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪.].131‬‬

‫وكأنهم بهذا النهج يستدلون على قدرة ال سبحانه التي ليست هي موضع الخلف؛ ذلك أنه ل‬
‫أحد ينكر ما وقع مما ورد به الخبر الثابت القطعي المتواتر‪ ،‬ولكن الذي ينكر هو دعوى الرجعة‬
‫إلى الدنيا بعد الموت للحساب والجزاء قبل يوم الحساب والجزاء‪ ،‬هذا هو المنكر العظم الذي‬
‫ليس عليه دليل‪ ،‬والذي أريد به إضعاف جانب اليوم الخر في النفوس‪ ،‬وإل فمعجزات النبياء‬
‫وآيات ال في خلقه ليست محل خلف‪.‬‬

‫ويأ خذ الشذوذ في ال ستدلل على صحة الرج عة مداه ال كبر حين ما يقررون أن أو ضح دل يل‬
‫[اليقاظ من‬ ‫على صحتها‪ ،‬وأظهر برهان على ثبوتها هو أنه ل قائل بها من غير الشيعة المامية‬
‫الهج عة‪ :‬ص ‪].3‬؛ حيث "لم يقل بصحتها أحد من العامة (وهم ما سوى الشيعة المامية) وكل ما‬
‫كان كذلك ف هو حق" [اليقاظ من الهج عة‪ :‬ص ‪].69‬؛ لن الئ مة قالوا في حق العا مة‪" :‬وال ما هم‬
‫على شيء مما أنتم عليه‪ ،‬ول أنتم على شيء مما هم عليه فخالفوهم فما هم من الحنيفية على‬
‫شيء" [اليقاظ من الهجعة‪ :‬ص ‪!!!].70‬‬

‫[مجمـع البيان‪:‬‬ ‫ولهذا أشار الطبرسـي وغيره بأن المعول فـي ثبوتهـا إجماع الماميـة عليهـا‬
‫‪ ،5/252‬وانظر‪ :‬نور الثقلين‪ ،4/101 :‬بحار النوار‪.].53/127 :‬‬

‫ويلحظ على هذا الستدلل ما يلي‪:‬‬

‫أن الجماع غيـر حجـة عنـد الشيعـة – كمـا سـلف – فكيـف يجعلونـه عمدة ثبوت عقيدة‬
‫الرج عة ؟! ل كن لعل هم يعدّون عدم وجود مخالف من الشي عة في أ مر الجر عة دليلً على دخول‬
‫‪586‬‬
‫المع صوم مع المجمع ين فيكون الجماع ح جة بهذا العتبار‪ ،‬لن ح جة الجماع عند هم إن ما هو‬
‫بكشفه عن قول المعصوم‪.‬‬

‫ل كن الشي عة الزيد ية ينقلون روايات عن أئ مة أ هل الب يت تبين براءتهـم من عقيدة الرج عة‬
‫وتعارض روايات الماميـة‪ ،‬ولذلك فإن الزيديـة الحقـة ينكرون هذه الدعوى إنكارًا شديدًا‪ ،‬وقـد‬
‫[اللوسي‪ /‬روح المعاني‪ ،20/27 :‬وانظر‪ :‬أحمد صبحي‪ /‬الزيدية‪ :‬ص‬ ‫ردوها في كتبهم على وجه مستوفى‬
‫‪ ،].77‬فكيف يجزم المامية بنسبة الرجعة إلى الئمة والنقل عنهم مختلف بين فرق الشيعة نفسها‬
‫؟! بل إن من المامية من أنكر الرجعة وأول أخبارهم برجوع دولة الشيعة كما نقل ذلك شيوخ‬
‫الشيعـة [انظـر‪ :‬مجمـع البيان‪ ،5/252 :‬بحار النوار‪ ،].53/127 :‬فأيـن بعـد هذا إجماع الشيعـة‪ ،‬وأيـن‬
‫صدق النقل عن الئمة؟!‬

‫ثم إن ال صحابة ب ما في هم أم ير المؤمن ين علي لم يؤ ثر عن هم ش يء في خرا فة الرج عة‪ ،‬ك ما‬


‫اتفقت على ذلك مصادر أهل السنة والشيعة الزيدية‪ ،‬ولو وجد شيء من ذلك لعرف واشتهر‪.‬‬

‫وإن ما نسبت خرا فة الرج عة في ذلك العصر إلى ابن سبأ‪ ،‬كما تقر بذلك ك تب الشيعة‪ ،‬وابن‬
‫سبأ أحد الكذابين الملعونين على ألسنة الئمة‪ ،‬كما تروي كتب الثني عشرية وغيرها‪.‬‬

‫أما من بعد عصر الصابة فقد تحمل وزر روايتها جابر الجعفي وهو متهم في كتب الشيعة‬
‫فضلً عن كتب أهل السنة – كما سلف [انظر‪ :‬ص(‪.- ].)378-375‬‬

‫نقد مقالة الرجعة‪:‬‬

‫فكرة الرج عة إلى الدن يا ب عد الموت مخال فة صريحة ل نص القرآن‪ ،‬وباطلة بدللة آيات عديدة‬
‫ع َملُ صَاِلحًا فِيمَا َترَكْ تُ كَل ِإنّهَا‬
‫من كتاب ال سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬قَالَ رَبّ ارْجِعُو نِ ‪ ،‬لَعَلّي أَ ْ‬
‫َكِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا َومِن َورَائِهِم َب ْرزَ خٌ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُو نَ} [المؤمنون‪ ،‬آ ية‪ .].100-99 :‬فقوله سبحانه‪:‬‬
‫{ َومِن َورَا ِئهِم َبرْ َزخٌ ِإلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ} صريح في نفي الرجعة مطلقًا [مختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].201‬‬

‫وقال سبحانه‪َ{ :‬ألَ ْم َي َروْا َك مْ أَ ْهلَ ْكنَا َقبْ َلهُم مّ نْ الْ ُقرُو نِ َأ ّنهُ مْ ِإَل ْيهِ مْ َل َيرْجِعُو نَ} [يس‪ ،‬آية‪.].31 :‬‬
‫جلٍ َقرِي بٍ‬
‫خرْنَا ِإلَى أَ َ‬
‫س َيوْ َم يَ ْأتِيهِ مُ ا ْلعَذَا بُ َفيَقُولُ الّذِي نَ ظَ َلمُواْ َربّنَا أَ ّ‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬وَأَن ِذرِ النّا َ‬
‫س ْمتُم مّن َق ْب ُل مَا لَكُم مّن َزوَالٍ} [إبراهيم‪ ،‬آية‪.].44 :‬‬
‫سلَ َأوَ َل ْم تَكُونُواْ أَ ْق َ‬
‫ع َوتَكَ وَ َن ّتبِعِ ال ّر ُ‬
‫نّجِبْ دَ ْ‬

‫َسـمِ ْعنَا‬
‫ْصـرْنَا و َ‬
‫ِمـ َربّن َا َأب َ‬
‫ُوسـهِمْ عِندَ َر ّبه ْ‬
‫ُونـ نَاكِسـُو ُرؤ ِ‬
‫جرِم َ‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و َلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُ ْ‬
‫ج ْعنَا نَ ْع َملْ صَاِلحًا ِإنّا مُو ِقنُونَ} [السجدة‪ ،‬آية‪.].12 :‬‬
‫فَارْ ِ‬

‫‪587‬‬
‫ب بِآيَا تِ َربّنَا َونَكُو نَ‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و َلوْ تَ َرىَ ِإذْ وُقِفُواْ عَلَى النّارِ فَقَالُو ْا يَا َل ْيتَنَا ُنرَدّ وَ َل نُكَذّ َ‬
‫ُمـ‬
‫ْهـ وَِإ ّنه ْ‬
‫عن ُ‬‫ُونـ مِن َق ْبلُ وَ َلوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا ُنهُواْ َ‬
‫ِينـ ‪َ ،‬بلْ بَدَا لَهُم مّاـ كَانُو ْا يُخْف َ‬
‫ِنـ ا ْل ُمؤْ ِمن َ‬
‫م َ‬
‫َلكَا ِذبُونَ} [النعام‪ ،‬آية‪.].28-27 :‬‬

‫فهؤلء جميعًا يسألون الرجوع عند الموت‪ ،‬وعند العرض على الجبار جل عله‪ ،‬وعند رؤية‬
‫النار فل يجابون‪ ،‬لما سبق في قضائه أنهم إليها ل يرجعون ولذلك عدّ أهل العلم القول بالرجعة‬
‫إلى الدنيا بعد الموت من أشد مراحل الغلو في بدعة التشيع‪.‬‬

‫قال ابن حجر‪ :‬التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة‪ ،‬فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو‬
‫غال فـي تشيعـه ويطلع عليـه رافضـي‪ ،‬وإل فشيعـي‪ ،‬فإن انضاف إلى ذلك السـب أو التصـريح‬
‫[هدي ال ساري مقد مة ف تح‬ ‫بالب غض فغال في الر فض‪ ،‬وإن اعت قد الرج عة إلى الدن يا فأ شد في الغلو‬
‫الباري‪ :‬ص ‪.].459‬‬

‫وقد جاء في مسند أحمد أن عاصم بن ضمرة (وكان من أصحاب علي رضي ال عنه) قال‬
‫للحسن بن علي‪ :‬إن الشيعة يزعمون أن عليًا يرجع‪ .‬قال الحسن‪ :‬كذب أولئك الكذابون‪ ،‬لو علمنا‬
‫ر قم(‪ ،)1265‬وقال أح مد شا كر‪ :‬إ سناده‬ ‫ذاك ما تزوج ن ساؤه‪ ،‬ول ق سمنا ميرا ثه [م سند أح مد‪2/312 :‬‬
‫صحيح‪ ،‬وانظر‪ :‬طبقات ابن سعد‪.].3/39 :‬‬

‫والقول بالرج عة ب عد الموت إلى الدن يا لمجازاة الم سيئين وإثا بة المح سنين ينا في طبي عة هذه‬
‫خلَ‬
‫حزِ حَ عَ نِ النّارِ وَأُدْ ِ‬
‫الدن يا وأن ها لي ست دار جزاء {وَِإنّمَا ُتوَ ّفوْ نَ ُأجُورَكُ ْم َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ فَمَن زُ ْ‬
‫حيَاةُ ال ّد ْنيَا إِ ّل َمتَاعُ ا ْل ُغرُورِ} [آل عمران‪ ،‬آية‪.].185 :‬‬
‫جنّةَ َفقَدْ فَازَ وَما الْ َ‬
‫الْ َ‬

‫كمـا أنـه يضعـف جانـب اليمان بيوم البعـث والجزاء‪ ،‬ويبدوا أن هذا مـن أهداف واضـع هذا‬
‫المبدأ [وقد ذكر بعضهم أن ابن سبأ قال بالرجعة وإبطال الخرة (السكسكي‪ /‬البرهان‪ :‬ص ‪.].)50‬‬

‫وقد تمثل هذا عمليًا في تأويلت الثني عشرية ليات اليوم الخر بالرجعة‪ ،‬وفي تأثير هذه‬
‫التأويلت‪ ،‬وهذا المذ هب على ب عض الفرق المنت سبة للتش يع‪ ،‬وإنكار ها لليوم ال خر‪ ،‬واعتقاد ها‬
‫بالتناسخ الذي ربما تكون عقيدة الرجعة هي البوابة إليه‪ ،‬كما أن تأويلتهم تدعو له‪.‬‬

‫ويرى ب عض الباحث ين أن عقيدة الرج عة ت سربت عن طر يق المؤثرات اليهود ية والم سيحية‬


‫[انظر‪ :‬جولد سيهر‪ /‬العقيدة والشريعة‪ :‬ص ‪ ،215‬أحمد أمين‪ /‬فجر السلم‪ :‬ص ‪ ،270‬محمد عمارة‪ /‬الخلفة‪ :‬ص‬
‫‪ ،].159‬ودخلت التش يع بتأث ير اتباع تلك الديانات‪ .‬و قد ا ستنتج شيخ هم ال صادقي ( من شيوخ هم‬
‫[ونقل بعض‬ ‫المعاصرين) أن مبدأ الرجعة عند قومه يرجع في أصله إلى ما ورد في كتب اليهود‬
‫‪588‬‬
‫[ان ظر‪ :‬ر سول‬ ‫ن صوص اليهود في ذلك‪ ،‬وأرجع ها إلى كتاب دانيال‪ ].13-12/1 :‬واع تبر ذلك بشارة للشي عة‬
‫السلم في الكتب السماوية‪ :‬ص ‪.].241-239‬‬

‫وقد كان لبن سبأ اليهودي – كما تنقل ذلك كتب الشيعة‪ ،‬والسنة على السواء – دور التأسيس‬
‫لمبدأ الرجعة‪ ،‬إل أنها رجعة خاصة بعلي‪ ،‬كما أنه ينفي وقوع الموت عليه أصلً كحال الثني‬
‫عشرية مع مهديهم الذي يزعمون وجوده‪.‬‬

‫ل كن يبدو أن الذي تح مل كبر نشره‪ ،‬وتعم يم مفهو مه وتأو يل آيات من القرآن ف يه هو جابر‬
‫الجعفي حتى امتدحته روايات الشيعة بفقهه في أمر الرجعة؛ حيث جاء في تفسير القمي أن أبا‬
‫جع فر قال‪" :‬ر حم ال جابرًا بلغ فق هه أ نه كان يعرف تأو يل هذه ال ية {إِنّ الّذِي َفرَ ضَ عَ َليْ كَ‬
‫[القصص‪ ،‬آية‪ ،85 :‬قال ابن كثير في تفسير الية‪ :‬يقول تعالى آمرًا رسوله صلوات‬ ‫الْ ُقرْآ نَ َلرَادّ كَ ِإلَى مَعَادٍ}‬
‫ال وسلمه عليه ببلغ الرسالة‪ ،‬وتلوة القرآن على الناس‪ ،‬ومخبرًا بأنه سيرده إلى معاد وهو يوم القيامة فيسأله عما‬
‫ْكـ ا ْل ُقرْآنـَ} أي‪ :‬افترض عليـك أداءه إلى الناس (تفسـير ابـن كثيـر‬
‫علَي َ‬
‫َضـ َ‬
‫اسـترعاه مـن أعباء النبوة‪ ،‬ومعنـى { َفر َ‬
‫‪ ،)3/419‬كما فسر "المعاد" بأقوال أخرى ترجع – كما يقول ابن كثير – إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة (تفسير‬
‫ا بن كث ير‪ )3/420 :‬وان ظر في مع نى ال ية‪ :‬تف سير ال طبري‪ ،126-20/123 :‬تف سير البغوي‪،459-3/458 :‬‬
‫زاد المسير‪ ].251-6/249 :‬يعني الرجعة" [تفسير القمي‪.].2/147 :‬‬

‫وعقيدة الرج عة ع ند المام ية هي – ك ما قال ال سويدي رح مه ال – خلف ما علم من الدين‬


‫بالضرورة من أنه ل حشر قبل يوم القيامة‪ ،‬وأن ال تعالى كلما توعد كافرًا أو ظالمًا إنما توعده‬
‫بيوم القيا مة [ولكـن الشيعـة تتوعـد كـل مـا سـوى الشيعـة بالرجعـة‪ ،].‬ك ما أن ها خلف اليات والحاد يث‬
‫المتواترة الم صرحة بأ نه ل رجوع إلى الدن يا ق بل يوم القيا مة [السـويدي‪ /‬نقـض عقائد الشيعـة‪ :‬ص ‪1‬‬
‫(مخطوط)‪.].‬‬

‫ولكـن شيوخ الماميـة يصـرون على القول بهـا‪ ،‬ويعتـبرون شذوذهـم عـن المـة فيهـا دليـل‬
‫س ّولَ َلهُمْ وََأمْلَى َلهُمْ}‪.‬‬
‫شيْطَانُ َ‬
‫صحتها‪{ ..‬ال ّ‬

‫الفصل السادس‬

‫الظهور‬

‫أي ظهور الئمـة بعـد موتهـم لبعـض الناس ثـم عودتهـم لقبورهـم‪ ،‬وهذه العقيدة غيـر رجعـة‬
‫الئ مة‪ ،‬و قد بوب ل ها المجل سي بعنوان "باب أن هم يظهرون ب عد موت هم‪ ،‬ويظ هر من هم الغرائب"‬

‫‪589‬‬
‫[بحار النوار‪ ،304-27/303 :‬بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ..].78‬فالئمـة يظهرون بعـد موتهـم‪ ،‬ويراهـم‬
‫بعض الناس‪ ،‬وهذا الظهور غير مرتبط بوقت معين كالرجعة بل هو خاضع لرادة الئمة‪ ،‬حتى‬
‫ن سبوا لم ير المؤمن ين أ نه قال‪" :‬يموت من مات م نا ول يس بم يت"‪ .‬وتذ كر أ ساطيرهم أن أ با‬
‫[بحار النوار‪ ،27/303 :‬ب صائر‬ ‫الح سن الر ضا كان يقا بل أباه ب عد مو ته‪ ،‬ويتل قى و صاياه وأقواله‬
‫الدرجات‪ :‬ص ‪.].78‬‬

‫ويزعم بعض الشيعة أنه دخل على أبي عبد ال فقال له (أي أبو عبد ال) ‪ :‬تشتهي أن ترى‬
‫[بحار‬ ‫أبا جعفر (بعد موته)؟ قال‪" :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قم فادخل الب يت‪ ،‬فدخلت فإذا هو أبو جعفر"‬
‫النوار‪ ،27/303 :‬بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،].78‬ويزعـم آخـر بأنـه دخـل على أبـي الحسـن فقال له‪:‬‬
‫أتحب أن ترى أبا عبد ال؟ يقول‪ :‬فقلت‪ :‬وددت وال‪ ،‬فقال‪ :‬قم وادخل ذلك البيت‪ ،‬فدخلت البيت‬
‫فإذا أبو عبد ال عليه السلم قاعد [بحار النوار‪ ،27/303 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].78‬‬

‫"وقال أبو عبد ال – كما يفترون ‪ :-‬أتى قوم من الشيعة الحسن بن علي عليه السلم بعد قتل‬
‫أم ير المؤمن ين عل يه ال سلم ف سألوه فقال‪ :‬تعرفون أم ير المؤمن ين إذا رأيتموه؟ قالوا‪ :‬ن عم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فارفعوا ال ستر‪ ،‬فعرفوه [كذا في ال صل‪ ،‬و قد تكون "فرفعوه"‪ ].‬فإذا هم بأم ير المؤمن ين عل يه ال سلم ل‬
‫ينكرونه" [بحار النوار‪ ،27/303 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].78‬بل وتمتد عقيدتهم هذه لتدعي أيضًا أن‬
‫الموات من الول ين يظهرون ل هم‪ ،‬جاء في ب صائر الدرجات "‪ ..‬عن عثمان بن عي سى عمّن‬
‫أخبره!! عن عباية السدي قال‪ :‬دخلت على أمير المؤمنين عليه السلم وعنده رجل رث الهيئة‪،‬‬
‫وأمير المؤمنين عليه السلم مقبل عليه يكلمه‪ ،‬فلما قام الرجل قلت‪ :‬أي أمير المؤمنين‪ ،‬من هذا‬
‫[بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ ،81‬بحار النوار‪:‬‬ ‫الذي أشغلك عنـا؟ قال‪ :‬هذا وصـي موسـى عليـه السـلم"‬
‫‪.].27/305‬‬

‫وتز عم روايات هم أن عليًا كان يذ هب إلى م قبرة اليهود وأ نه خا طب أ هل القبور "فأجابوه من‬
‫جوف القبور‪ :‬لب يك لب يك مطاع‪ ،‬فقال‪ :‬ك يف ترون العذاب؟ فقالوا‪ :‬بع صياننا لك كهارون‪ ،‬فن حن‬
‫ومن عصاك في العذاب‪[ "..‬كنز الفوائد‪ :‬ص ‪ ،82‬بحار النوار‪.].27/306 :‬‬

‫[ان ظر‪ :‬بحار‬ ‫ك ما تد عي روايات هم بأن ر سول ال ظ هر ب عد مو ته ليأ مر أ با ب كر بطا عة علي‬


‫النوار‪ ،304 /27 :‬بصـائر الدرجات‪ :‬ص ‪ .].78‬وأن أ با ب كر وع مر يظهران للئ مة في كل مو سم‬
‫[ان ظر‪ :‬بحار النوار‪ ،306-27/305 :‬ب صائر الدرجات‪ :‬ص‬ ‫ح تى يرمونه ما بالحجارة أثناء رم الجمار‬
‫‪ ،].82‬ولهذا قام محمد الباقر – كما يفترون عليه – برمي خمسة أحجار في غير موضع الجمار‬

‫‪590‬‬
‫[هكذا في الم صدر المنقول‬ ‫ول ما ق يل له في ذلك قال‪" :‬إذا كان كل مو سم أخر جا الفا سقين الغا صبين‬
‫ع نه‪ ،‬و في ن سخة أخرى – ك ما أشار في الها مش – أخر جا الفا سقان الغا صبان‪( .‬ان ظر‪ :‬بحار النوار‪،27/305 :‬‬
‫تعليقه رقم (‪ ،].)6‬ثم يفرق بينهما ههنا ل يراهما إل إمام عدل‪ ،‬فرميت الول اثنتين والخر ثلثة‪،‬‬
‫لن الخر أخبث من الول" [بحار النوار‪ ،306-27/305 :‬بصائر الدرجات‪ :‬ص ‪.].82‬‬

‫هذه بعض أخبارهم في هذه "المقالة"‪ .‬وقد ذكر المجلسي بأنه "أورد أكثر أخبار هذا الباب في‬
‫باب البرزخ‪ ،‬وباب كفـر الثلثـة‪ ،‬وباب كفـر معاويـة‪ ،‬وأبواب معجزات أميـر المؤمنيـن وسـائل‬
‫الئمة عليهم السلم" [بحار النوار‪ ].27/307 :‬فأخبارهم في شأن هذه الخرافة متكاثرة‪ ،‬وقد ذكر‬
‫المجل سي أن هذا الظهور قد يكون في أج سادهم ال صلية‪ ،‬ثم قال‪" :‬واليمام الجمالي في تلك‬
‫[بحار‬ ‫المور كاف للمتد ين الم سلم ل ما ورد عن هم‪ ،‬ورد علم تفا صيلها إلي هم صلوات ال علي هم"‬
‫النوار‪.].27/307 :‬‬

‫نقد هذه المقالة‪:‬‬

‫هذه المقالة لم أر من تعرض ل ها من ض من معتقدات الشي عة‪ ..‬مع أن ها من مقالت هم ال تي‬


‫ا ستفاضت أخبارها عندهم‪ ،‬وهي مقالة يكفي عرضها لبيان ف سادها‪ ،‬فهي ل تتفق بأي حال مع‬
‫النقـل الصـحيح ول مـع العقـل الصـريح ول الفطـر السـليمة‪ ،‬وهـي تقدح فـي المذهـب الشيعـي‪،‬‬
‫وتلح قه في المذا هب الخراف ية ال تي تعش عش في أذهان جملة من الب شر‪ .‬و هي مقالة من ض من‬
‫مقالت عديدة في هذا المذهب‪ ،‬تعتبر من البراهين على بطلنه‪ ،‬مثلها في ذلك مثل عقيدة الغيبة‬
‫والرجعة والبداء‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫وكثرة أخبار هم عند هم دل يل واق عي حا سم على ا ستفاضة الكذب عند هم‪ ،‬وأ نه ل عبرة ول‬
‫صحة لرواياتهم ولو كثرت ما دامت تكثر في تأييد المقالت الخرافية التي يكذبها الواقع‪ ،‬والتي‬
‫لو حدث شيء منها لستفاض نقله بين المسلمين‪ ،‬ولم تنفرد بنقله شرذمة من الروافض‪.‬‬

‫ورجعـة الموات قبـل يوم القيامـة باطلة بالنقـل وإجماع المسـلمين – كمـا سـلف – وهذه‬
‫الخرافات تعتبر من فضائحهم وعوراتهم التي هي قائمة في مذهبهم‪ ،‬ولعلها من حكمة الباري‬
‫سبحانه؛ إذ ما من قوم أرادوا أن ينسبوا ل دينًا ما أنزله إل وفضحهم على رؤوس الشهاد‪ ،‬كما‬
‫أثبتت ذلك الوقائع واليام‪.‬‬

‫الفصل السابع‬
‫‪591‬‬
‫البداء‬

‫من أ صول الث ني عشرية القول البداء على ال سبحانه وتعالى ح تى بالغوا في أمره‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫[أصول الكافي‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب البداء‪ ،1/146 :‬ابن بابويه‪ /‬التوحيد‪ ،‬باب‬ ‫"ما عبد ال بشيء مثل البداء"‬
‫البداء‪ :‬ص ‪ ،332‬بحار النوار‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب البداء‪ ].4/107 :‬و"ما عظم ال عز وجل بمثل البداء"‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/146 :‬التوح يد ل بن بابو يه ص ‪ ،333‬بحار النوار‪" ،].4/107 :‬ولو علم الناس ما في‬
‫[أ صول الكا في‪ ،1/148 :‬التوح يد ل بن بابو يه‪ :‬ص‬ ‫القول بالبداء من ال جر ما افتروا من الكلم ف يه"‬
‫[أصول‬ ‫‪ ،334‬بحار النوار‪ « ،].4/108 :‬وما بعث ال نبيًا قط إل بتحريم الخمر وأن يقر ل بالبداء"‬
‫الكافي‪ ،1/148 :‬التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪ ،334‬بحار النوار‪.].4/108 :‬‬

‫ويبدو أن الذي أر سى أ سس هذا المعت قد ع ند الث ني عشريّة هو الملقّب عند هم بث قة ال سلم‬


‫وهو شيخهم الكليني (ت ‪ 328‬أو ‪329‬ه‍) حيث وضع هذا المعتقد في قسم الصول من الكافي‪،‬‬
‫وجعله ضمن كتاب التوحيد‪ ،‬وخصّص له بابًا بعنوان "باب البداء" وذكر فيه ستّة عشر حديثًا من‬
‫الحاديث المنسوبة للئمة‪.‬‬

‫وجاء من بعده ابن بابويه (ت ‪381‬ه‍)‪ ،‬وسجل ذلك ضمن عقائد طائفته‪ ،‬وعقد له بابًا خا صًا‬
‫بعنوان "باب البداء" وذلك في كتاب "العتقادات" الذي ي سمى د ين المام ية [العتقادات‪ :‬ص ‪.].89‬‬
‫ومثل ذلك فعل في كتابه "التوحيد" [التوحيد‪ :‬ص ‪.].331‬‬

‫و قد اهت مّ شيخ هم المجل سي (ت ‪1111‬ه‍) بأمر البداء وبوّب له في بحاره بعنوان "باب النّ سخ‬
‫والبداء"‪ ،‬وذكر (‪ )70‬حديثًا من أحاديثهم عن الئمة [بحار النوار‪.].129-4/92 :‬‬

‫ل ‪ :-‬المظفـر‪ /‬عقائد‬
‫[انظـر – مث ً‬ ‫وكذلك جاءت هذه المقالة ضمـن كتـب العقيدة عنـد المعاصـرين‬
‫المامية‪ ،69 :‬الزنجاني‪ /‬عقائد المامية الثني عشرية‪ .].1/34 :‬وألف شيوخهم في شأنها مؤلفات مستقلة‬
‫بلغت (‪ )25‬مصنفًا كما في الذريعة [انظر‪ :‬الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪.].57-3/53 :‬‬

‫ولعل القارئ المسلم يعجب من أمر هذه العقيدة‪ ،‬التي ل يعرفها المسلمون‪ ،‬وليس له ذكر في‬
‫كتاب ال سبحانه‪ ،‬وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم مع أنها من أعظم ما عبد ال به‪ ،‬ومن أصول‬
‫رسالت الرسل‪ ،‬وفيها من الجر ما لو علم به المسلم لصبحت تجري على لسانه دائمًا كشهادة‬
‫التوحيد (كما يزعمون)‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫إذا رجعـت إلى اللغـة العربيـة لتعرف معنـى البداء تجـد أن القاموس يقول‪ :‬بدا بدوًا وبدوًا‬
‫[القاموس المحيـط‪ ،‬مادة‪ :‬بدو (‬ ‫وبداءة‪ :‬ظهـر‪ .‬وبدا له فـي المـر بدوًا وبداء وبداة‪ :‬نشـأ له فيـه رأي‬
‫‪ .].)4/302‬فالبداء في اللغة – كما ترى – له معنيان‪:‬‬

‫الول‪ :‬الظهور بعد الخفاء‪ .‬تقول‪ :‬بدا سور المدينة أي‪ :‬ظهر‪.‬‬

‫والثانــي‪ :‬نشأة الراي الجديــد‪ .‬قال الفراء‪ :‬بدا لي بداء أي‪ :‬ظهــر لي رأي آخــر‪ ،‬وقال‬
‫[الصحاح (‪ ،)6/2278‬ولسان العرب (‪،)14/66‬‬ ‫الجوهري‪ :‬بدا له في المر بداء أي‪ :‬نشأ له فيه رأي‬
‫وانظر هذا المعنى في كتب الشيعة مثل‪ :‬مجمع البحرين للطريحي‪.].1/45 :‬‬

‫وكل المعنيين وردا في القرآن‪ ،‬فمن الول قوله تعالى‪{ :‬وَإِن ُتبْدُو ْا مَا فِي أَنفُ سِ ُكمْ َأ ْو تُخْفُو هُ‬
‫يُحَا سِبْكُم بِ هِ اللّ هُ} [البقرة‪ ،‬آيـة‪ .].284 :‬و من الثا ني قوله‪{ :‬ثُمّ بَدَا لَهُم مّ ن بَعْدِ مَا رََأوُاْ اليَا تِ‬
‫حتّى حِينٍ} [يوسف‪ ،‬آية‪.].35 :‬‬
‫جنُ ّنهُ َ‬
‫َل َيسْ ُ‬

‫وواضح أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلهما محال على ال سبحانه‪.‬‬
‫ونسـبته إلى ال سـبحانه مـن أعظـم الكفـر‪ ،‬فكيـف تجعـل الشيعـة الثنـا عشريـة هذا مـن أعظـم‬
‫العبادات‪ ،‬وتدعي أنه ما عظم ال عز وجل بمثل البداء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬

‫وهذا المع نى المن كر يو جد في ك تب اليهود‪ ،‬ف قد جاء في التوراة ال تي حرف ها اليهود و فق ما‬
‫[جاء في التوراة‪" :‬فرأى‬ ‫شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى ال سبحانه‬
‫الرب أنـه كثـر سـوء الناس على الرض‪ .‬فندم الرب خلقـه النسـان على الرض وتنكـد بقلبـه‪ ،‬وقال الرب‪ :‬لمحون‬
‫النسان الذي خلقته عن وجه الرض‪( "..‬سفر التكوين‪ ،‬الفصل السادس‪ ،‬فقرة‪ )5 :‬ومثل هذا المعنى الباطل وما أشبه‬
‫فقرة‪ ،14 ،12 :‬و سفر قضاة‪ ،‬الف صل الثا ني‪ ،‬فقرة‪،18 :‬‬ ‫يتكرر في تورات هم (ان ظر‪ :‬سفر الخروج‪ ،‬الف صل‪32 :‬‬
‫و سفر صموئيل الول‪ ،‬الف صل الخا مس عشرة فقرة‪ ،34 ،10 :‬و سفر صموئيل الثا ني‪ ،‬الف صل‪ ،24 :‬فقرة‪،16 :‬‬
‫و سفر أخبار اليام الول‪ ،‬الف صل‪ ،21 :‬فقرة‪ ،1 :‬و سفر أرم يا‪ ،‬الف صل‪ ،42 :‬فقرة‪ ،10 :‬و سفر عاموس‪ ،‬الف صل‪:‬‬
‫‪ ،7‬فقرة‪ ،3 :‬وسفر يونان‪ ،‬الفصل‪ ،3 :‬فقرة‪ 10 :‬وغيرها)‪.‬‬

‫هذا ما جاء في توراة اليهود‪ ،‬مع أنهم ينكرون النسخ‪ ،‬لنه بزعمهم يستلزم البداء (انظر‪ :‬مسائل المامة‪ :‬ص ‪،75‬‬
‫مناهل العرفان‪ ،)2/78 :‬فانظر إلى تناقضهم وردهم للحق وقبولهم بالباطل‪.].‬‬

‫ويبدو أن ا بن سبأ اليهودي قد حاول إشا عة هذه المقالة‪ ،‬ال تي ارتضع ها من «تورا ته» في‬
‫المجتمع السلمي الذي حاول التأثير فيه باسم التشيع وتحت مظلة الدعوة إلى ولية علي‪ ،‬ذلك‬
‫أن فرق السبيئة "كلهم يقولون بالبداء وأن ال تبدو له البداوات" [الملطي‪ /‬التنبيه والرد‪ :‬ص ‪.].19‬‬

‫‪593‬‬
‫ثم انت قل هذه المقالة إلى فر قة "الكي سانية" أو "المختار ية" أتباع المختار بن أ بي عب يد الثق في‬
‫وهي الفرقة التي اشتهرت بالقول "بالبداء" والهتمام به‪ ،‬والتزامه عقيدة‪.‬‬

‫ويذ كر أ صحاب المقالت أن ال سبب الذي جوزت لجله الكي سانية البداء على ال تعالى هو‪:‬‬
‫أن مصعب بن الزبير أرسل جيشًا قويًا لقتال المختار وأتباعه فبعث المختار إلى قتالهم أحمد بن‬
‫شم يط مع ثل ثة آلف من المقاتلة وقال ل هم‪ :‬أو حي إلي أن الظ فر يكون ل كم‪ ،‬فهزم ا بن شم يط‬
‫[و هو من قواد المختار‪ ،‬وق تل سنة (‪67‬ه‍)‪ ].‬في من كان معه فعادوا إليه فقالوا‪ :‬أ ين الظ فر الذي‬
‫قد وعدتنا؟ فقال المختار‪ :‬هكذا كان قد وعدني ثم بدا فإنه سبحانه وتعالى قد قال‪{ :‬يَمْحُو اللّهُ مَا‬
‫[الرعـد‪ ،‬آيـة‪[ ].39 :‬السـفراييني‪ /‬التبصـير فـي الديـن‪ :‬ص ‪ ،20‬وانظـر‪:‬‬ ‫يَشَاء َويُ ْثبِ تُ وَعِندَ هُ أُمّ الْ ِكتَا بِ}‬
‫البغدادي‪ /‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].52-50‬‬

‫فالسـبب كمـا ترى أن المختار كان يدعـي علم الغيـب ومـا يحدث بالمسـتقبل‪ ،‬فكان إذا وقـع‬
‫خلف ما أخبر به قال‪ :‬قد بدا لربكم‪.‬‬

‫وتجد هذا المعنى في أخبار الثني عشرية‪ ،‬فإنهم قد أشاعوا بين أتباعهم أن أئمتهم "يعلمون ما‬
‫[أصول الكافي‪ ،‬باب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ل‬ ‫كان وما يكون ول يخفى عليهم الشيء"‬
‫يخفى عليهم الشيء‪ .].1/260 :‬فإذا نسبوا إلى الئمة أخبارًا لم تقع قالوا‪ :‬هذا من باب البداء‪.‬‬

‫جاء في البحار في باب البداء "عن أبي حمزة الثمالي قال‪ :‬قال أبو جعفر وأبو عبد ال عليهما‬
‫ال سلم‪ :‬يا أ با حمزة إن حدثناك بأ مر أ نه يج يء من هاه نا فجاء من هاه نا‪ ،‬فإن ال ي صنع ما‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫يشاء‪ ،‬وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غدًا بخلفه فإن ال يمحو ما يشاء ويثبت"‬
‫‪ ،4/119‬تفسير العياشي‪ ،2/217 :‬البرهان‪.].2/299 :‬‬

‫وكان شيوخ الشّي عة يمنون أتباع هم بأ نّ ال مر سيعود إلي هم‪ ،‬والدّولة ستكون ل هم‪ ،‬ح تى إنّ هم‬
‫حدّدوا ذلك بسبعين سنة في رواية نسبوها لبي جعفر‪ ،‬فلمّا مضت السّبعون ولم يتحقّق شيء من‬
‫تلك الوعود اشتكى التباع من ذلك‪ ،‬فحاول مؤسّسو المذهب الخروج من هذا المأزق بالقول بأنّه‬
‫[انظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،2/218 :‬الغيبة للطّوسي‪ :‬ص ‪،263‬‬ ‫قد بدا ل سبحانه ما اقتضى تغيير هذا الوعد‬
‫بحار النوار‪.].4/214 :‬‬

‫أنـ المامـة‬
‫وكانـت روايات الشّيعـة فـي حياة جعفـر الصـّادق تتحدّث بأخبار تنسـبها لجعفـر ّ‬
‫ستكون بعد مو ته لبنه إ سماعيل‪ ،‬ولكن و قع ما لم يكن بالح سبان‪ ،‬إذ مات إ سماعيل ق بل موت‬
‫أب يه فكا نت قا صمة الظّ هر ل هم‪ ،‬وحدث أ كبر انشقاق باق إلى اليوم في المذ هب الشّي عي‪ ،‬و هو‬
‫‪594‬‬
‫خروج طائفة كبيرة منهم ثبتت على القول بإمامة إسماعيل وهم السماعيليّة‪ ،‬رغم أنّهم فزعوا‬
‫إلى عقيدة البداء لمعال جة هذه المعضلة فن سبوا روايات لجع فر تقول‪ " :‬ما بدا ل بداء ك ما بدا له‬
‫[التّوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪،336‬‬ ‫في إسماعيل ابني‪ ..‬إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنّه ليس بإمام بعدي"‬
‫وانظر مثل هذا المعنى في أصول الكافي ‪.].1/327‬‬

‫واستجاب لهذا التّأويل طائفة الثني عشريّة الذين قالوا بإمامة موسى دون إسماعيل‪.‬‬

‫ومؤسـسو التشيـع يدعون فـي الئمـة أنهـم يعلمون الحوادث الماضيـة والمسـتقبلة والجال‬
‫والرزاق‪ ..‬إلخ‪ .‬ولكـن التباع وسـائر الناس ل يرون فيهـم شيئًا مـن هذه الدعاوى‪ ،‬والئمـة ل‬
‫يخـبرون الناس بشيـء مـن ذلك‪ ،‬لنهـم ل يملكون ذلك أصـلً ول يدعونـه فـي أنفسـهم فلم يجـد‬
‫مؤ سسو التش يع تعليلً يبررون به هذا الع جز إل عقيدة البداء فنقلوا عن هم أن هم ل ي خبرون عن‬
‫ل – أن علي بـن الحسـين قال‪ :‬لول البداء لحدثتكـم بمـا‬
‫[زعموا – مث ً‬ ‫الغيـب مخافـة أن يبدو له تعالى فيغيره‬
‫يكون إلى يوم القيامة‪( .‬تفسير العياشي‪ ،2/215 :‬بحار النوار‪.].)4/118 :‬‬

‫وزعموا أن الئمـة يعطون علم "الجال والرزاق والبليـا والعراض والمراض ويشترط‬
‫(لهم) فيه البداء" [تفسير القمي‪ ،2/290 :‬بحار النوار‪ .].4/101 :‬وهذه حيلة أخرى منهم ليستروا بها‬
‫كذبهم إذا أخبروا خلف الواقع‪.‬‬

‫وقد أمر الشيعة بمقتضى هذه العقيدة بالتسليم بالتناقض والختلف والكذب‪ ،‬ففي رواية طويلة‬
‫في تف سير الق مي ت خبر عن نها ية دولة ب ني العباس‪ ،‬قال في ها إمام هم‪" :‬إذا حدثنا كم بش يء فكان‬
‫ك ما نقول فقولوا‪ :‬صدق ال ور سوله‪ ،‬وإن كان بخلف ذلك فقولوا‪ :‬صدق ال ور سوله تؤجروا‬
‫مرتين‪[ "..‬تفسير القمي‪ ،311-1/310 :‬بحار النوار‪.].4/99 :‬‬

‫وقـد كان لعقيدة البداء فـي إبان نشأتهـا أثرهـا فـي ظهور بوادر الشـك لدى العقلء مـن أتباع‬
‫المذهب‪ ،‬وقد اكتشف بعضهم حقيقة اللعبة‪ ،‬فتخلى عن المذهب المامي أصلً‪ ،‬وقد حفظت لنا‬
‫بعض كتب الفرق قصة أحد هؤلء وهو سليمان بن جرير الذي تنسب إليه فرقة السليمانية من‬
‫الزيديـة‪ ،‬فقال – كمـا تنقـل ذلك كتـب الفرق عنـد الشيعـة نفسـها ‪" :-‬إن أئمـة الرافضـة وضعوا‬
‫لشيعتهم مقالتين‪ ،‬ل يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدًا وهما القول بالبداء وإجازة التقية"‬
‫[المقالت والفرق للقمي‪ :‬ص ‪ ،78‬فرق الشيعة للنوبختي‪ :‬ص ‪.].64‬‬

‫ثم كشف – من خلل حياته في المجتمع الشيعي‪ ،‬ومخالطته لهم – كيف يتخذون من عقيدة‬
‫البداء وسيلة للتستر على كذبهم في دعوى علم الئمة للغيب فقال‪" :‬إ نّ أئمّتهم لمّا أحلّوا أنفسهم‬
‫‪595‬‬
‫من شيعت هم محلّ ال نبياء من رعيّت ها في العلم في ما كان ويكون‪ ،‬والخبار ب ما يكون في غد‪،‬‬
‫وقالوا لشيعت هم إنّه سيكون غدًا و في غابر اليّام كذا وكذا‪ ،‬فإن جاء ذلك الشّ يء على ما قالوه‪،‬‬
‫قالوا ل هم‪ :‬ألم نعلّم كم أ نّ هذا يكون فن حن نعلم من ق بل ال عزّ وجلّ ما علم ته ال نبياء‪ ،‬وبين نا‬
‫وبين ال عزّ وجلّ مثل تلك السباب التي علمت بها النبياء عن ال ما علمت‪ ،‬وإن لم يكن ذلك‬
‫[المقالت‬ ‫الشّيـء الذي قالوا إنّه يكون على مـا قالوه‪ ،‬قالوا لشيعتهـم‪ :‬بدا ل فـي ذلك فلم يكوّنـه"‬
‫والفِرَق للقمـي‪ :‬ص ‪ ،78‬فرق الشّيعـة للنّوبختـي‪ :‬ص ‪ ،65-64‬وانظـر فـي هذا المعنـى‪ :‬محصـّل أفكار المتقدّميـن‬
‫ن ذلك من أولئك‬ ‫قأ ّ‬ ‫والمتأخّر ين للرّازي‪ :‬ص ‪ ،249‬و سليمان بن جر ير ين سب الخداع إلى ب عض أ هل الب يت‪ ،‬والح ّ‬
‫الزّنادقة المنتسبين إلى أهل البيت لكل أموال النّاس بالباطل والتّآمر والتّخريب‪.].‬‬

‫ثم شرح أيضًا ك يف يخدعون أتباع هم بمقت ضى عقيدة التق ية‪ ،‬فتأ ثر بقوله طائ فة من الشي عة‬
‫واتبعوه [انظر‪ :‬المقالت والفرق‪ :‬ص ‪ ،78‬فرق الشيعة‪ :‬ص ‪.].65‬‬

‫فأنـت ترى بعـد هذا العرض أنـه لو سـقطت عقديـة البداء لنتقـض ديـن الثنـي عشريـة مـن‬
‫أصله‪ ،‬لن أخبارهم ووعودهم التي لم يتحقق منها شيء تنفي عنهم صفة المامة‪.‬‬

‫وهذا سر مغالة شيوخهم بأمر البداء‪ ،‬ودفاعهم عنه‪ ،‬وجعله من أعظم العبادات‪.‬‬

‫[انظر‪:‬‬ ‫لكن مقالة البداء ارتدت عليهم بأوخم العواقب وهي إضافة سبب جديد لكفرهم وردتهم‬
‫الغزالي‪ /‬المستصفى‪ ].1/110 :‬لنهم بهذا المعتقد نزهوا المخلوق وهو المام عن الخلف في الوعد‪،‬‬
‫والختلف فـي القول‪ ،‬والتغيـر فـي الرأي‪ ،‬ونشأة رأي جديـد‪ ،‬ونسـبوا ذلك إلى عالم الغيـب‬
‫والشهادة‪ .‬تعالى ال عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا [الوشيعة‪ :‬ص ‪.].182‬‬

‫فنزهوا المخلوق دون الخالق‪ ،‬لن غلوهم في المام – فيما يظهر – لم يجعل للحق جل شأنه‬
‫في قلوبهم وقارًا‪ ،‬فتاهوا في بيداء هذا الضلل والكفر واللحاد‪.‬‬

‫ولقد حاول شيوخ الشيعة أن يجدوا مخلصًا من وصمة هذا العار‪ ،‬ومهربًا من التكفير‪.‬‬

‫فالنصـير الطوسـي الذي يلقبـه المجلسـي بالمحقـق (المتوفـى سـنة ‪672‬ه‍) أنكـر وجود البداء‬
‫كعقيدة للث ني عشر ية وقال عن طائف ته‪" :‬إن هم ل يقولون بالبداء‪ ،‬وإن ما القول بالبداء ما كان إل‬
‫في رواية رووها عن جعفر الصادق أنه جعل إسماعيل القائم مقامه‪ ،‬فظهر من إسماعيل ما لم‬
‫يرت ضه م نه‪ ،‬فج عل القائم مو سى ف سئل عن ذلك فقال‪ :‬بدا ل في أ مر إ سماعيل‪ ،‬وهذه روا ية‪،‬‬
‫وعندهم أن خبر الواحد ل يوجب علمًا ول عملً" [الطوسي‪ /‬تلخيص المحصل‪ :‬ص ‪.].250‬‬

‫‪596‬‬
‫ولكـن هذا – كمـا ترى – مخالف للواقـع؛ إذ إن البداء مـن عقائدهـم المقررة‪ ،‬ورواياتهـم‬
‫وأخبار هم ف يه كثيرة‪ ،‬ولذلك قال المجل سي بأن هذا الجواب عج يب من الطو سي‪ ،‬وعزا ذلك «‬
‫لعدم إحاطته بالخبار" [بحار النوار‪.].4/123 :‬‬

‫وصنف من الشيعة يقر بالبداء كعقيدة ويحاول أن يجد له تأويلً مقبولً‪.‬‬

‫فا بن بابو يه الق مي يو جه "أحاديث هم" في البداء توجيهًا «تبدو» عل يه مل مح الضطراب‪ ،‬ف هو‬
‫في البدا ية يقول‪" :‬ل يس البداء ك ما يظ نه جهال الناس بأ نه بداء ندا مة تعالى ال عن ذلك‪ ،‬ول كن‬
‫ي جب علي نا أن ن قر ل عز و جل بأن له البداء معناه أن له أن يبدأ بش يء من خل قه فيخل قه ق بل‬
‫شيء ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره" [التوحيد‪ :‬ص ‪.].335‬‬

‫فأنت ترى أن حديثه هنا خارج الموضوع تمامًا لنه تكلم عن البدء ل البداء ول يخالف مسلم‬
‫في هذا المر الذي يقوله‪ ،‬ولو كان هذا مقصودهم بالبداء لما أنكره عليهم أحد‪ ،‬ولما وجدوا فيه‬
‫مخرجًا لتناقض رواياتهم‪ ،‬وتخلف وعودهم‪.‬‬

‫ق ثُمّ يُعِيدُ هُ}‬


‫ن مِن طِي نٍ} [السـجدة‪ ،‬آيـة‪ ].7 :‬و هو {يَبْدَأُ ا ْلخَلْ َ‬
‫فال سبحانه‪َ { :‬وبَدَأَ خَلْ قَ الِن سَا ِ‬
‫ختَارُ} [القصص‪ ،‬آية‪ ].68 :‬وليس هذا من البداء‪.‬‬
‫ق مَا َيشَاء َويَ ْ‬
‫[يونس‪ ،‬آية‪َ { ،].4 :‬ورَبّكَ يَخْلُ ُ‬

‫ولكنه رجع وفسر البداء بالنسخ‪ ،‬فقال بعد الكلم السابق مباشرة‪" :‬أو يأمر بأمر ثم ينهى عن‬
‫مثله‪ ،‬أو ين هى عن شيء ثم يأ مر بمثل ما ن هى عنه‪ ،‬وذلك مثل ن سخ الشرايع‪ ،‬وتحويل القبلة‪،‬‬
‫وعدة المتوفى عنها زوجها" [التوحيد‪ :‬ص ‪.].335‬‬

‫وهذا ج هل أو تجا هل؛ إذ ل بداء في الن سخ‪ ،‬والح كم كان مؤقتًا في علم ال‪ ،‬وأ جل الح كم‪،‬‬
‫وانتهاء الحكم عند حلول الجل معلوم ل قبل الحكم‪ .‬نعم بدا لنا ذلك من ال بعد نزول الناسخ‪،‬‬
‫والبداء لنا في علمنا ل ل [الوشيعة‪ :‬ص ‪.].183‬‬

‫" من أ جل ذلك تنزه ال سبحانه عن أن يو صف بالبداء؛ لن البداء ينا في إحا طة علم ال ب كل‬
‫ش يء‪ ،‬ولم يتنزه عن الن سخ؛ لن الن سخ ل يعدو أن يكون بيانًا لمدة الح كم الول على ن حو ما‬
‫[مصطفى زيد‪ /‬النسخ في القرآن‪:‬‬ ‫سبق في علم ال تعالى‪ ،‬وإن كان رفعه لهذا الحكم بداء بالنسبة لنا"‬
‫‪" .].1/20‬فإن ال سبحانه قدر في علمه الزلي لكل حكم ميقاتًا وزمانًا معلومًا فإذا انتهى زمانه‬
‫[محمد أبو زهرة‪ /‬المام‬ ‫حل محله حكم آخر بأمره ونهيه سبحانه‪ ،‬فليس فيه تغيير في علمه الزلي"‬
‫[البقرة‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫خ ْي ٍر ّمنْهَا َأ ْو ِمثْ ِلهَا}‬
‫ت بِ َ‬
‫سهَا نَأْ ِ‬
‫خ مِنْ آ َيةٍ َأوْ نُن ِ‬
‫الصادق‪ :‬ص ‪ .].241‬قال تعالى‪{ :‬مَا نَنسَ ْ‬
‫‪.].106‬‬
‫‪597‬‬
‫وقد شنع عبد القاهر البغدادي على الشيعة؛ حيث "جعلت النسخ من قبيل البداء فزعمت أنه إذا‬
‫أمر سبحانه بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لنه بدا له منه" [الملل والنحل‪ :‬ص ‪.].52‬‬

‫وقد تمادت الشيعة في هذا الغي‪ ،‬وساق صاحب البحار بعض الروايات المنسوخة واعتبرها‬
‫[راجع أيضًا في التفريق بين‬ ‫من قبيل البداء [بحار النوار‪ ،].84-93/83 :‬مع أنه ل صلة للنسخ بالبداء‬
‫النسخ والبداء والرد على أوهام الرافضة واليهود في عدم التفريق بينهما‪ :‬الناسخ والمنسوخ لبي جعفر النحاس‪ :‬ص‬
‫‪ ،44‬المعتمـد فـي أصـول الفقـه لبـي الحسـين البصـري‪ ،369-1/368 :‬اليضاح لناسـخ القرآن ومنسـوخه لمكـي‬
‫القيسـي‪ :‬ص ‪ ،99-98‬الحكام فـي أصـول الحكام لبـن حزم‪ ،69-4/68 :‬المدي‪ /‬الحكام فـي أصـول الحكام‪:‬‬
‫‪ ،112-3/109‬دراسات الحكام والنسخ في القرآن‪ /‬محمد حمزة‪ :‬ص ‪.].59‬‬

‫ثم إن ابن بابويه عاد في نهاية توجيهه لعقيدة البداء إلى القول بأن البداء "إنما هو ظهور أمر‪،‬‬
‫يقول العرب‪ :‬بدا لي شخص في طريقي أي‪ :‬ظهر‪ .‬قال ال عز وجل‪َ { :‬وبَدَا َلهُم مّ نَ اللّ ِه مَا لَ مْ‬
‫سبُونَ} [الز مر‪ ،‬آ ية‪ ].47 :‬أي‪ :‬ظ هر ل هم‪ ،‬وم تى ظ هر ل تعالى ذكره من ع بد صلة‬
‫حتَ ِ‬
‫يَكُونُوا يَ ْ‬
‫لرحمه زاد في عمره‪ .‬ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره" [التوحيد‪ :‬ص ‪.].336‬‬

‫فهذا عودة منه لتقرير ذلك المنكر في معتقدهم في البداء‪ ،‬بعد تلون وتقلب‪.‬‬

‫وزيادة عمر من وصل رحمه ليست من باب البداء‪ ،‬وظهور ما لم يكن في علم ال‪ ،‬بل صلة‬
‫الرحم سبب لطول العمر‪ ،‬وال قدر الجل وسببه فهو سبحانه "قدر أن هذا يصل رحمه فيعيش‬
‫بهذا السـبب إلى هذه الغايـة‪ ،‬ولول ذلك السـبب لم يصـل إلى هذه الغايـة‪ ،‬ولكـن قدر هذا السـبب‬
‫وقضاه‪ ،‬وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا" [شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.].92‬‬

‫ولكن شيخ الطائفة الطوسي يسلك في تأويل البداء طريقًا أسلم من طريق ابن بابويه‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪" :‬قوله‪ :‬بدا ل فيه معناه بدا من ال فيه‪ ،‬وهكذا القول في جميع ما يروي من أنه بدا ل في‬
‫إ سماعيل معناه أ نه بدا من ال‪ ،‬فإن الناس كانوا يظنون في إ سماعيل بن جع فر أ نه المام ب عد‬
‫أبيه‪ ،‬فلما مات علموا بطلن ذلك" [الغيبة للطوسي‪ :‬ص ‪.].55‬‬

‫هذا اعتذار الطوسي‪ ،‬ول شك بأن البداء إذا كان للخلق بأن يقع لهم ما لم يحتسبوا‪ ،‬فليس فيه‬
‫ما يمس العقيدة السلمية‪.‬‬

‫وقد تابع الطوسي في العتذار نفسه أحد مراجع الشيعة في هذا العصر وهو محمد حسين آل‬
‫كا شف الغ طا فقال‪" :‬البداء وإن كان في جو هر معناه هو ظهور الش يء ب عد خفائه‪ ،‬ول كن ل يس‬
‫المراد به هنا ظهور الشيء ل جل شأنه وأي ذي حريجة ومسكة يقول بهذه المضلة‪ ،‬بل المراد‬

‫‪598‬‬
‫ظهور الشيء من ال لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم‪ ،‬وقولنا‪( :‬بدا ل) أي بدا حكم ال أو‬
‫شأن ال" [الدين والسلم‪ :‬ص ‪.].173‬‬

‫ول كن المطلع على روايات هم ل يرى أن ها تت فق مع هذا التأو يل‪ ،‬إذ تدل على ن سبة البداء إلى‬
‫ال ل إلى الخلق‪ ،‬ولذلك اعتذر أئمتهم عن الخبار بالمغيبات خشية البداء‪ ..‬ونسبوا إلى نبي ال‬
‫لوط أنه كان يستحث الملئكة لنزال العقوبة بقومه خشية أن يبدو ل‪ ،‬ويقول‪" :‬تأخذونهم الساعة‬
‫فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم‪ .‬فقالوا‪ :‬يا لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" [فروع‬
‫الكافي‪ .].5/546 :‬فهل مثل هذا "اللحاد" يقبل التأويل؟!‪.‬‬

‫وجاء في الكا في "‪ ..‬عن أ بي ها شم الجعفري قال‪ :‬ك نت ع ند أ بي الح سن عل يه ال سلم ب عد‬
‫مضي ابنه أبو جعفر وإني لفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني‪ :‬أبا جعفر وأبا محمد في‬
‫هذا الو قت كا بي الح سن مو سى وإ سماعيل اب ني جع فر بن مح مد علي هم ال سلم‪ ،‬وإن ق صتهما‬
‫كقصتهما‪ ،‬إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلم‪ ،‬فأقبل علي أبو الحسن قبل أن‬
‫أنطق فقال‪ :‬نعم يا أبا هاسم بدا ل في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلم ما لم يكن يعرف‬
‫له‪ ،‬كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن‬
‫كره المبطلون" [أصول الكافي‪.].1/327 :‬‬

‫فانظـر إلى قوله "بدا ل‪ ..‬مـا يكـن يعرف له‪ "..‬تجـد أنهـم ينسـبون "البداء" إلى ال صـراحة‪،‬‬
‫فهؤلء القوم ل يرجون ل وقارًا‪ ،‬و قد اتخذوا من عقيدة البداء و سيلة لبقاء فر صة الختيار في‬
‫أهل البيت‪ ،‬والرجوع عن الختيار بدون تثريب عليهم من أتباعهم‪ ..‬ولم يراعوا في هذه الحيلة‬
‫حق ال جل شأنه‪ ،‬لن واضعي هذه النصوص قد فرغت نفوسهم من خوف ال ورجائه‪ .‬ثم إن‬
‫التأويل للبداء بظهور المر للناس من ال ل يسوغ كل هذه المغالة في البداء وجعله من أعظم‬
‫الطاعات وأصول العتقادات‪ ،‬كما أن لفظ البداء يحمل معنى باطلً في لغة العرب التي نزل بها‬
‫القرآن‪ ،‬فكيف يعد أصل في الدين وهو بهذه المثابة‪ ،‬ويلتمس له تأويل ومخرجٌ؟!‬

‫استدللهم على البداء‪:‬‬

‫وبعد أن استقرت مسألة البداء عندهم كعقيدة بمقتضى روايات الكليني وأضرابه‪ ،‬حاول شيخ‬
‫الشيعة – كعادتهم – البحث في كتاب ال عن سند لدعواهم‪.‬‬

‫وكأنه لم يكفهم أن نسبوا هذه الفرية إلى ال‪ ،‬حتى زعموا أن كتاب ال أثبت فريتهم‪ ،‬فتعلقوا‬
‫بقوله سبحانه‪َ { :‬يمْحُو الّل ُه مَا َيشَاء َو ُيثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ ا ْل ِكتَابِ} [الرعد‪ ،‬آية‪.].39 :‬‬
‫‪599‬‬
‫[ان ظر‪ :‬ص(‬ ‫ويل حظ أن أول من ا ستدل بهذه ال ية على فر ية البداء هو المختار بن أ بي عب يد‬
‫‪ ].)940‬وتابعه شيوخ الشيعة‪ ،‬ووضعوا روايات في ذلك أسندوها لبعض علماء آل البيت لتحظى‬
‫بالقبول [انظر‪ :‬أصل الكافي‪ ،1/146 :‬التوحيد لبن بابويه‪ :‬ص ‪ 333‬وما بعدها‪.].‬‬

‫وا ستدللهم بهذه ال ية على أن الم حو والثبات بداء ش طط في ال ستدلل‪ ،‬وتع سف بالغ‪ ،‬ذلك‬
‫أن المحو والثبات بعلمه وقدرته وإرادته‪ ،‬من غير أن يكون له بداء في شيء‪ ،‬وكيف يتوهم له‬
‫البداء وعنده أم الكتاب‪ ،‬وله في الزل العلم المحيط {وَعِندَ ُه مَفَا ِتحُ الْ َغيْبِ َل يَ ْعَل ُمهَا إِلّ ُهوَ َويَعْلَمُ‬
‫ح ّبةٍ فِي ظُُلمَا تِ ا َلرْ ضِ وَلَ رَطْ بٍ وَلَ‬
‫ط مِن َورَ َقةٍ ِإ ّل يَعْ َلمُهَا وَلَ َ‬
‫حرِ وَمَا تَ سْقُ ُ‬
‫مَا فِي ا ْل َبرّ وَا ْلبَ ْ‬
‫ب ّمبِينٍ} [النعام‪ ،‬آية‪..{ ،].59 :‬وَقَالَ الّذِينَ َك َفرُوا لَا تَ ْأتِينَا السّا َ‬
‫عةُ ُق ْل بَلَى َو َربّي‬ ‫يَابِسٍ إِلّ فِي ِكتَا ٍ‬
‫سمَاوَاتِ وَل فِي ا َلرْ ضِ وَل أَ صْ َغ ُر مِن ذَلِ كَ‬
‫عنْ هُ ِمثْقَالُ َذرّةٍ فِي ال ّ‬
‫َلتَ ْأ ِت َينّكُ مْ عَاِل مِ الْ َغيْ بِ ل يَ ْعزُ بُ َ‬
‫ب ّمبِينٍ} [سبأ‪ ،‬آية‪.].3 :‬‬
‫وَل َأ ْكبَرُ إِل فِي ِكتَا ٍ‬

‫[وانظر في الرد عليهم أيضًا‪ :‬المستصفى‬ ‫وأمثالها من اليات‪ ،‬وتوهم البداء ل تكذيب لكل هذه اليات‬
‫للغزالي‪ ،1/110 :‬مختصر الصواعق‪ ،1/110 :‬الحكام للمدي‪.].3/111 :‬‬

‫وقـد اختلف المفسـرون فـي المراد بالذي يمحـو ويثبـت على ثمانيـة أقوال (ابـن الجوزي‪ /‬زاد المسـير‪-4/337 :‬‬
‫‪ )338‬فمن هم من قال‪ :‬يم حو ال ما يشاء من الشرائع وين سخه‪ ،‬ويث بت ما يشاء فل ين سخه‪ ،‬قال شارح الطحاو ية‪:‬‬
‫والسياق أدل على هذا الوجه (شرح الطحاوية ص ‪.)94‬‬

‫قال ا بن جر ير ال طبري‪" :‬وأولى القوال ال تي ذكرت في تأو يل ال ية‪ ..‬أن ال تعالى ذكره تو عد المشرك ين الذ ين‬
‫سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم اليات بالعقو بة‪ ،‬وتهدد هم ب ها‪ ،‬وقال ل هم‪{ :‬وَمَا كَا نَ ِلرَ سُو ٍل أَن َي ْأتِ يَ بِآيَةٍ ِإلّ‬
‫ن اللّهِ لِكُ ّل أَجَ ٍل ِكتَابٌ} [الرعد‪ ،‬آية‪ .]38 :‬يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلً مثبتًا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت‬
‫بِإِذْ ِ‬
‫ذلك ال جل‪ ،‬ثم قال ل هم‪ :‬فإذا جاء ذلك ال جل يج يء ال ب من شاء م من قد د نا أجله‪ ،‬وانق طع رز قه‪ ..‬في قض ذلك في‬
‫خل قه‪ ،‬فذلك محوه‪ ،‬ويث بت ما شاء م من ب قي أجله ورز قه‪ ..‬فيتر كه على ما هو عل يه فل يمحوه" (تف سير ال طبري‪:‬‬
‫‪.)13/170‬‬

‫ورجح بعضهم عموم المحو والثبات في جميع الشياء (انظر‪ :‬فتح القدير‪ .)3/88 :‬واعترض ابن جزي على من‬
‫قال بالعموم فـي تأويـل اليـة بقوله‪" :‬وهذا ترده القاعدة المتقررة أن القضاء ل يبدل وأن علم ال ل يتغيـر" (التسـهيل‬
‫‪.)2/136‬‬

‫ولكن قال الشوكاني‪ :‬بأن القول بالعموم ل ينافي ذلك "لن المحو والثبات هو من جملة ما قضاه ال وقدره" (فتح‬
‫القدير‪.)3/88 :‬‬

‫ورجح القاسمي أن المراد‪ :‬اليات (التي تسمى المعجزات) (انظر‪ :‬تفسير القاسمي‪.)373-13/372 :‬‬

‫‪600‬‬
‫وان ظر أيضًا في تأو يل ال ية‪ :‬تف سير البغوي‪ ،23-3/22 :‬تف سير ا بن كث ير‪ ،561-2/559 :‬تف سير اللو سي‪:‬‬
‫‪ ،172-169 /13‬السعدي‪ /‬تيسير الكريم الرحمن‪.117-4/116 :‬‬

‫هذه أقوال مفسري المسلمين في تأويل الية‪ ،‬لم يقل أحد منهم بمثل شناعة الرافضة‪.].‬‬

‫وقد بين ال تعالى في آخر الية أن كل ما يكون منه من محو وإثبات وتغيير‪ ،‬واقع بمشيئته‬
‫ومسطور عنده في أم الكتاب [عبد الرزاق عفيفي‪ /‬في تعليقه على الحكام للمدي‪( 3/111 :‬الهامش)‪.].‬‬

‫روايات في كتب الثني عشرية تنقض عقيدة البداء‪:‬‬

‫إن نقض الخصم كلمه بنفسه‪ ،‬من أبلغ النقض‪ ،‬لنه يقضي على نفسه بسلحه‪ ،‬وإن ظهور‬
‫تناقضه من أوضح أمارات بطلن معتقده‪ ،‬وأنت تجد في كتب الثني عشرية روايات عن الئمة‬
‫ترمي من قال بالبداء بالخزي‪ ،‬وتناقض ما سلف من روايات‪.‬‬

‫وهذه الروايات قد تكون روايات وثي قة ال صلة بعلماء آل الب يت لن ها ت عبر عن المع نى ال حق‬
‫وهو ما يليق بأولئك الصفوة‪ ،‬وقد تكون من آثار الشيعة المعتدلة بقيت آثارها في كتب الثني‬
‫عشرية‪ ،‬ول يبعد أن تكون هذه الروايات ستارًا وضعه أولئك الزنادقة على عقيدتهم في البداء‪.‬‬

‫وعلى أية حال فإن إثبات مثل هذه الروايات تبين مدى تناقض هذه الطائفة في رواياتها‪ ،‬وأن‬
‫دين ها قائم على ال خذ بالجا نب الشاذ‪ ،‬والمخالف للجما عة من أخبار هم‪ ،‬لن ما خالف الجما عة‬
‫ففيه الرشاد كما هو قانون أولئك الزنادقة‪ ،‬الذي يخرج من أخذ به عن الدين رأسًا‪.‬‬

‫جاء في كتاب التّوحيد لبن بابويه‪ .." :‬عن منصور بن حازم قال‪ :‬سألت أبا عبد ال – عليه‬
‫ال سّلم – هل يكون اليوم شيء لم ي كن في علم ال تعالى بال مس؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬من قال هذا فأخزاه‬
‫ال‪ ،‬قلت‪ :‬أرأيـت مـا كان ومـا هـو كائن إلى يوم القيامـة أليـس فـي علم ال؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قبـل أن‬
‫رقم (‪ ،)10‬وانظر قريبًا من هذا المعنى رواية أخرى‬ ‫يخلق الخلق" [التّوحيد‪ :‬ص ‪ ،334‬أصول الكافي‪1/148 :‬‬
‫في الكافي‪( 1/148 :‬رقم ‪.].)9‬‬

‫ول شك بأن عقيدة البداء بمقتضى معناها اللّغوي‪ ،‬وبموجب روايات الثني عشريّة‪ ،‬وحسب‬
‫تأويل بعض شيوخهم تقتضي أن يكون في علم ال اليوم ما لم يكن في المس‪.‬‬

‫وح سب الث ني عشر ية عارًا وفضي حة أن تن سب إلى ال حق جل شأ نه هذه العقيدة‪ ،‬على ح ين‬
‫تبرئ أئمتها منها‪ ،‬فإذا وقع الخلف في قول المام نسبت ذلك إلى ال ل إلى المام‪.‬‬

‫‪601‬‬
‫وإذا رجعـت إلى معتقدهـم فـي توحيـد اللوهيـة والربوبيـة‪ ،‬والسـماء والصـفات‪ ،‬وجدت أن‬
‫المام قد حل م حل الرب سبحانه في قلوب هم وعقول هم‪ ،‬بتأث ير ذلك الركام المظلم من الخبار‪..‬‬
‫فعقيدة البداء أثر لغلوهم في المام‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬

‫الطينة‬

‫هذه العقيدة من مقالتهم السرية‪ ،‬وعقائدهم التي يتواصون بكتمانها حتى من عامتهم‪ ،‬لنه لو‬
‫اطلع العامـي الشيعـي على هذه العقيدة "تعمـد أفعال الكبار لحصـول اللذة الدنيويـة‪ ،‬ولعلمـه بأن‬
‫وبالها الخروي إنما هو على غيره" [انظر‪ :‬النوار النعمنية‪.].1/295 :‬‬

‫وكانت هذه المقالة موضع إنكار من بعض عقلء الشّيعة المتقدّمين كالمرتضى وابن إدريس‪،‬‬
‫سنّة‬
‫لنّها في نظرهم وإن تسللت أخبارها في كتب الشيعة إل "أنّها أخبار آحاد مخالفة للكتاب وال ّ‬
‫والجماع فوجب ردّها" [النوار النّعمانيّة‪.].1/293 :‬‬

‫لكن هذه الخبار تكاثرت على مر الزمن حتى قال شيخهم نعمة ال الجزائري (ت ‪1112‬ه‍)‪:‬‬
‫"إ نّ أ صحابنا قد رووا هذه الخبار بال سانيد المتكثّرة في ال صول وغير ها‪ ،‬فلم ي بق مجال في‬
‫[النوار‬ ‫إنكارهـا‪ ،‬والحكـم عليهـا بأنّهـا أخبار آحاد‪ ،‬بـل صـارت أخبارًا مسـتفيضة‪ ،‬بـل متواترة"‬
‫النّعمانيّة‪ ،].1/293 :‬قال هذا في الرد على من أنكرها من شيوخهم السابقين‪.‬‬

‫والذي تولى كبر إرساء هذه العقيدة – فيما يظهر – هو شيخهم الكليني الذي بوّب لها بعنوان‬
‫"باب طينة المؤمن والكافر"‪ ،‬وضمّن ذلك سبعة أحاديث في أمر الطّينة [أصول الكافي‪.].6-2 /2 :‬‬

‫ث مّ ما زالت تكثر هذه الخبار من بعد الكليني حتى سجّل منها شيخهم المجلسي سبعة وستّين‬
‫حديثًا في باب عقده بعنوان "باب الطّينة والميثاق" [بحار النوار‪.].276-5/225 :‬‬

‫وكأن القارئ يتطلع إلى معر فة تفا صيل هذه المقالة ال تي تج عل الشي عي يعت قد بأن كل بائ قة‬
‫يرتكب ها فذنب ها على أ هل ال سنة‪ ،‬و كل ع مر صالح يعمله أ هل ال سنة فثوا به للشي عة‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫شيوخ الشيعة يكتمون ذلك عن عوامهم حتى ل يفسدوا عليهم البلد والعباد‪.‬‬

‫هذه العقيدة أو سع تف صيل ل ها هو روا ية ا بن بابو يه في علل الشّرائع ح يث ا ستغرقت عنده‬


‫خمس صفحات وختم بها كتابه [علل الشّرائع‪ :‬ص ‪ ،].610-606‬ورأى بعض شيوخهم المعاصرين‬
‫‪602‬‬
‫[بحار النوار‬ ‫أنـ هذا كمسـك الختام فقال‪" :‬إن ّه ختـم بهذا الحديـث الشّريـف كتاب علل الشّرائع"‬
‫ّ‬
‫(الهامش)‪.].5/233 :‬‬

‫سنّي خلق من طينة أخرى‪ ،‬وجرى‬


‫وملخص ذلك يقول بأ نّ الشّيعي خلق من طينة خا صّة وال ّ‬
‫س ّنيّ‪،‬‬
‫المزج بين الطينتين بوجه معين‪ ،‬فما في الشّيعي من معاصٍ وجرائم هو من تأثّره بطينة ال ّ‬
‫س ّنيّ من صلح وأمانة هو بسبب تأثّره بطينة الشّيعي‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة فإنّ سيّئات‬
‫وما في ال ّ‬
‫سنّة تُعطى للشّيعة‪.‬‬
‫سنّة‪ ،‬وحسنات أهل ال ّ‬
‫وموبقات الشّيعة تُوضع على أهل ال ّ‬

‫وعلى هذا المعنى تدور أكثر من ستّين رواية من رواياتهم‪.‬‬

‫ويم كن أن ي ستنبط سبب القول بهذه العقيدة من ال سئلة ال تي وج هت للئ مة‪ ،‬والشكاوى ال تي‬
‫رفعت إليهم‪ ،‬فالشيعة يشكون من انغماس قومهم بالموبقات والكبائر‪ ،‬ومن سوء معاملة بعضهم‬
‫لبعض‪ ،‬ومن الهم والقلق الذي يجدونه ول يعرفون سببه‪.‬‬

‫ولكن يعزو إمامهم ذلك كله لتأثر طينة الشيعي بطينة السني في الخلقة الولى‪.‬‬

‫ولنستمع إلى بعض هذه السئلة المثيرة التي تكشف واقع المجتمع الشيعي المغلق‪:‬‬

‫روى ابن بابويه بسنده‪" :‬عن أبي إسحاق اللّيثي قال‪ :‬قلت لبي جعفر محمد بن علي الباقر –‬
‫عل يه ال سّلم ‪ :-‬يا بن ر سول ال‪ ،‬أ خبرني عن المؤ من الم ستبصر [يع ني الرّاف ضي‪ ].‬إذا بلغ في‬
‫المعرفة وكمل هل يزني؟ قال‪ :‬اللّه مّ ل‪ ،‬قلت‪ :‬فيشرب الخ مر؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قلت‪ :‬فيأتي بكبيرة من‬
‫هذه الكبائر أو فاحشـة مـن هذه الفواحـش؟ قال‪ :‬ل‪ ،..‬قلت‪ :‬يـا ابـن رسـول ال‪ ،‬إنّي أجـد مـن‬
‫شيعتكـم مـن يشرب الخمـر‪ ،‬ويقطـع الطّريـق‪ ،‬ويخيـف السـّبيل‪ ،‬ويزنـي‪ ،‬ويلوط‪ ،‬ويأكـل الرّبـا‪،‬‬
‫ويرتكب الفواحش ويتهاون بال صّلة وال صّيام‪ ،‬والزّكاة‪ ،‬ويقطع الرّحم‪ ،‬ويأتي الكبائر‪ ،‬فكيف هذا‬
‫ولِ مَ ذاك؟ فقال‪ :‬يا إبراهيم‪ ،‬هل يختلج في صدرك شيء غير هذا؟ قلت‪ :‬نعم يا ابن رسول ال‬
‫أخرى أع ظم من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬و ما هو يا أ با إ سحاق؟ قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا ا بن ر سول ال‪ ،‬وأ جد من‬
‫أعدائكم ومناصبيكم [يشير إلى أهل السنة‪ ].‬من يكثر من الصلة والصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين‬
‫ال حج والعمرة‪ ،‬ويحرص على الجهاد‪ ،‬ويأ ثر – كذا – على البر‪ ،‬وعلى صلة الرحام‪ ،‬ويق ضي‬
‫حقوق إخوانه‪ ،‬ويواسيهم من ماله‪ ،‬ويتجنب شرب الخمر والزنا‪ ،‬واللواط وسائر الفواحش‪ ،‬فما‬
‫ذاك؟ ولِ مَ ذاك؟ ف سّره لي يا ا بن ر سول ال وبره نه وبي نه‪ ،‬ف قد وال ك ثر فكري وأ سهر ليلي‪،‬‬
‫وضاق ذرعي" [علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،607-606‬بحار النوار‪.].229-5/228 :‬‬

‫‪603‬‬
‫هذا وا حد من ال سئلة والشكاوى ال تي تك شف انزعاج الشي عة من واقع هم المل يء بالمعا صي‬
‫والموبقات بالمقار نة بوا قع سلف هذه ال مة‪ ،‬وأئ مة أ هل ال سنة ومع ظم عامت هم من ت قى وأما نة‬
‫وصلح‪ ،‬وقد أجيب السائل بمقتضى عقدية الطينة وهي أن المعاصي الموجودة عند الشيعة هي‬
‫بسبب طينة أهل السنة‪ ،‬والعمال الصالحة التي تسود المجتمع السني بسبب طينة الشيعي‪.‬‬

‫ويأ تي سائل آ خر يد عى إ سحاق الق مي فيقول ل بي جع فر البا قر‪" :‬جعلت فداك أرى المؤ من‬
‫الموحد الذي يقول بقولي‪ ،‬ويدين ال بوليتكم‪ ،‬وليس بيني وبينه خلف‪ ،‬يشرب السكر‪ ،‬ويزني‪،‬‬
‫ويلوط‪ ،‬وآتيه في حاجة واحدة فأصيبه معبس الوجه‪ ،‬كالح اللون‪ ،‬ثقيلً في حاجتي‪ ،‬بطيئًا فيها‪،‬‬
‫وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه‪ ،‬ويعرفني بذلك [أي يعرف أ نه رافضي‪ ،].‬فآتيه في حاجة‪،‬‬
‫فأصيبه طلق الوجه‪ ،‬حسن البشر‪ ،‬متسرعًا في حاجتي‪ ،‬فرحًا بها‪ ،‬يحب قضاءها‪ ،‬كثير الصلة‪،‬‬
‫[علل الشرائع‪،490-489 :‬‬ ‫كثيـر الصـوم‪ ،‬كثيـر الصـدقة‪ ،‬يؤدي الزكاة‪ ،‬ويُسـتودَع فيؤدي المانـة"‬
‫بحار النوار‪.].247-5/246 :‬‬

‫فهذا ال سائل يز يد عن سابقه بشكواه من سوء معاملة أ صحابه‪ ،‬وجَفاء طبع هم‪ ،‬وقلة وفائ هم‪،‬‬
‫على ح ين ي جد أ هل ال سنة و هم خ صومه أح سن له من أ صحابه وأق ضى للحا جة‪ ،‬وأف ضل في‬
‫الخلق والمعاملة والعبادة‪.‬‬

‫وقريب من ذلك ما شكاه بعض الشيعة إلى أبي عبد ال فقال‪" :‬أرى الرجل من أصحابنا ممن‬
‫يقول بقولنا خبيث اللسان‪ ،‬خبيث الخلطة‪ ،‬قليل الوفاء بالميعاد فيغمني غمًا شديدًا‪ ،‬وأرى الرجل‬
‫من المخالفين علينا حسن السمت‪ ،‬حسن الهدي [الهدي‪ :‬الطريقة‪ ،‬السيرة (بحار النوار‪ ،].)5/251 :‬وفيًا‬
‫بالميعاد فأغتم غمًا" [البرقي‪ /‬المحاسن‪ :‬ص ‪ ،138-137‬بحار النوار‪.].5/251 :‬‬

‫ويأتي سائل رابع يشكو ما يجده من قلق وهم ل يعرف له تفسيرًا‪ .‬تقول روايتهم‪" :‬عن أبي‬
‫ب صير قال‪ :‬دخلت على أ بي ع بد ال‪ ،‬وم عي ر جل من أ صحابنا فقلت له‪ :‬جعلت فداك يا ا بن‬
‫[بحار النوار‪ ،5/242 :‬وعزاه إلى‬ ‫ر سول ال‪ ،‬إ ني لغ تم وأحزن من غ ير أن أعرف لذلك سببًا‪"..‬‬
‫علل الشرائع‪ :‬ص ‪.].42‬‬

‫ويبدو أن مصدر القلق تلك العقيدة غير الواضحة والمستقرة التي تأخذ بها الروافض‪ ،‬ولكن‬
‫"إمامه" يفسر هذا القلق بمقتضى عقيدة الطينة‪.‬‬

‫‪604‬‬
‫[تجدها في أبواب الطينة في الكافي والبحار‪ ،‬وسيأتي «نماذج» أخرى‬ ‫هذه السئلة والشكاوى وغيرها كثير‬
‫فـي باب أثـر الشيعـة فـي العالم السـلمي‪ ].‬تو ضح طبي عة التركي بة الشيع ية في نف سيتها‪ ،‬وعلقات ها‪،‬‬
‫وخلقها‪ ،‬ومعاملتها ودينها‪..‬‬

‫وقد احتال شيوخ الشيعة لمواجهة هذا الحساس الذي ينتاب بعض الصادقين من الشيعة‪ ،‬إزاء‬
‫هذه الظواهـر المقلقـة والمخيفـة فكانـت محاولة الخروج مـن إلحاح هذه التسـاؤلت والشكاوى‬
‫بقولهم بهذه العقيدة‪.‬‬

‫[والجواب المذكور هو على السؤال الذي قالوا إنه سأله‬‫ولنستمع إلى بعض الجوبة على تلك الشكاوى‬
‫إ سحاق الق مي‪ ،‬و قد م ضى ن صه‪ :‬ص(‪ ،)958‬وبا قي الجو بة نكت في ب ما م ضى من إحالت علي ها‪ ،‬خش ية الطالة‬
‫والتكرار‪ ،‬لن ها تر جع في النها ية إلى مع نى وا حد ونتي جة واحدة غالبًا‪ .].‬يقول (إمام هم)‪ " :‬يا إ سحاق (راوي‬
‫الخبر) ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت‪ :‬ل وال‪ ،‬جعلت فداك إل أن تخبرني‪ ،‬فقال‪ :‬يا إسحاق‪،‬‬
‫إن ال – عز وجل – لما كان متفردًا بالوحدانية ابتدأ الشياء ل من شيء‪ ،‬فأجرى الماء العذب‬
‫[أي نشح ماؤه ونشف‪( .‬بحار النوار‪/5/230 :‬‬ ‫على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها‪ ،‬ثم نضب‬
‫هامش ‪ ].)3‬الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت‪ ،‬فلو أن طينة‬
‫شيعت نا تر كت ك ما تر كت طينت نا ل ما ز نى أ حد من هم‪ ،‬و سرق‪ ،‬ول لط‪ ،‬ول شرب الم سكر ول‬
‫اكت سب شيئًا م ما ذكرت‪ ،‬ول كن ال – عز و جل – أجرى الماء المالح على أرض ملعو نة من‬
‫ح مأ م سنون [الح مأ‪ :‬الط ين ال سود والمتغ ير‪ ،‬والم سنون‪ :‬المن تن‪( .‬بحار النوار‪ ،5/247 :‬ها مش ‪ ،].)2‬و هي‬
‫طينة خبال [الخبال‪ :‬الفساد‪ ،‬النقصان‪( ،‬بحار النوار‪ ،5/247 :‬هامش رقم ‪ ،].)3‬وهي طينة أعدائنا‪ ،‬فلو أن‬
‫ال – عز و جل – ترك طينت هم ك ما أخذ ها لم ترو ها في خلق الدمي ين‪ ،‬ولم يقرّوا بالشهادت ين‪،‬‬
‫ولم ي صوموا ولم ي صلوا‪ ،‬ولم يزكوا‪ ،‬ولم يحجوا الب يت‪ ،‬ولم تروا أحدًا من هم بح سن خلق‪ ،‬ول كن‬
‫ال – تبارك وتعالى – جمـع الطينتيـن – طينت كم وطينت هم – فخلطه ما وعركهمـا عرك الديـم‪،‬‬
‫ومزجه ما بالماء ين ف ما رأ يت من أخ يك من شر ل فظ‪ ،‬أو ز نا‪ ،‬أو ش يء م ما ذكرت من شرب‬
‫م سكر أو غيره‪ ،‬ل يس من جوهري ته ول يس من إيما نه‪ ،‬إن ما هو بم سحة النا صب اجترح هذه‬
‫السيئات التي ذكرت‪ ،‬وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن خلق‪ ،‬أو صوم‪ ،‬أو صلة‪،‬‬
‫أو حج ب يت‪ ،‬أو صدقة‪ ،‬أو معروف فل يس من جوهري ته‪ ،‬إن ما تلك الفاع يل من م سحة اليمان‬
‫اكتسبها وهو اكتساب مسحة اليمان‪.‬‬

‫قلت‪ :‬جعلت فداك فإذا كان يوم القيا مة َفمَ هْ؟ قال لي‪ :‬يا إ سحاق أيج مع ال الخ ير وال شر في‬
‫موضـع واحـد؟ إذا كان يوم القيامـة نزع ال – عزّ وجلّ – مسـحة اليمان منهـم فردّهـا إلى‬

‫‪605‬‬
‫سيّئات فردّها على أعدائنا‪ ،‬وعاد كلّ شيء‬
‫شيعتنا‪ ،‬ونزع مسحة النّاصب بجميع ما اكتسبوا من ال ّ‬
‫إلى عنصره الوّل‪.‬‬

‫قلت‪ :‬جعلت فداك تُؤخذ حسناتهم فتردّ إلينا‪ ،‬وتُؤخذ سيّئاتنا فتر ّد إليهم؟ قال‪ :‬إي وال الذي ل‬
‫إله إل هو [علل الشّرائع‪ :‬ص ‪ ،491-490‬بحار النوار‪.].248-5/247 :‬‬

‫هذه عقيدة الطينة عندهم‪ ،‬وقد جاء في سياق رواية القمّي في أوّلها قوله‪" :‬خذ إليك بيانًا شافيًا‬
‫فيما سألت‪ ،‬وعلمًا مكنونًا من خزائن ال وسرّه" [علل الشّرائع‪ :‬ص ‪ ،607‬بحار النوار‪.].5/229 :‬‬

‫وجاء في خاتمتها‪" :‬خذها إليك يا أبا إسحاق‪ ،‬فوال إنّه َلمِن غرر أحاديثنا‪ ،‬وباطن سرايرنا‪،‬‬
‫ومكنون خزائننا‪ ،‬وانصرف ول تطلع على سرّنا أحدًا إل مؤمنًا مستبصرًا‪ ،‬فإنّك إن أذعت سرّنا‬
‫بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك" [علل الشّرائع‪ :‬ص ‪ ،610‬بحار النوار‪.].5/233 :‬‬

‫فهي – كما ترى – عقيدة سرية في إبّان قوة الدولة السلمية‪ ،‬يؤكّد على سريتها في بدايتها‬
‫ونهايتها‪ ،‬فهل خطر ببال مخترع هذه العقيدة أنها ستقع في أيدي أهل السنة‪ ،‬ويعلنونها أمام المل‬
‫كإحدى الفضائح‪..‬؟‬

‫نقد هذه العقيدة‪:‬‬

‫أولً‪ :‬إن هذه الرّوايات ناقضـت نفسـها بنفسـها‪ ،‬فالشّيعـي كمـا ترى فـي عرض الشّكاوى‬
‫وال سئلة هو أغرق في الجري مة‪ ،‬وأك ثر إيغالً في المعا صي والموبقات‪ ،‬وأ سوأ معاملة‪ ،‬وأردأ‬
‫خلقًا ودينًا‪ ،‬فكيف يكون مَنْ هذه حاله أفضل طينة‪ ،‬وأطهر خلقة؟‬

‫جهَ كَ لِلدّي نِ‬


‫ثانيًا‪ :‬قد خلق ال سبحانه النّاس جميعًا على فطرة ال سلم‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬فأَ ِق مْ وَ ْ‬
‫خلْقِ الّلهِ َذلِكَ الدّينُ ا ْل َقيّمُ} [الرّوم‪ ،‬آية‪.].30:‬‬
‫عَل ْيهَا ل َتبْدِيلَ لِ َ‬
‫طرَ النّاسَ َ‬
‫طرَةَ الّلهِ اّلتِي َف َ‬
‫حنِيفًا فِ ْ‬
‫َ‬

‫والتّفريق بينهما ممّا شذّت به أساطير الشّيعة‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ناقضت الشّيعة في أخبار الطّينة مذهبها في أفعال العباد؛ ل نّ مقتضى هذه الخبار أن‬
‫يكون العبد مجبورًا على فعله وليس له اختيار له؛ إذ أفعاله بمقتضى الطّينة‪ .‬مع أ نّ مذهبهم أ نّ‬
‫العبد يخلق فعله كمذهب المعتزلة [انظر‪ :‬ص(‪ ،)638‬وما بعدها‪.].‬‬

‫رابعًا‪ :‬تقرر أخبار طينتهـم « أن موبقات الشيعـة وأوزارهـا يتحملهـا أهـل السـنة‪ ،‬وحسـنات‬
‫الم سلمين جميعًا تع طى للشي عة‪ ،‬وهذا مخالف للعدل الرّبا ني ول يت فق مع الع قل ال صريح ول‬
‫الفطرة ال سليمة‪ ،‬فضلً عن ن صوص الشرع وأ صول ال سلم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَل َت ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ‬
‫‪606‬‬
‫ئ بِمَا‬
‫خرَى} [النعام‪ ،‬آيـة‪ ،164 :‬فاطـر‪ ،‬آيـة‪ ،18:‬والزّمـر‪ ،‬آيـة‪ ،].7:‬وقال – عز و جل ‪ُ { :-‬كلّ ا ْم ِر ٍ‬
‫أُ ْ‬
‫[الطّور‪ :‬آ ية‪:‬‬ ‫سبَتْ رَهِي َنةٌ}‬
‫س ِبمَا كَ َ‬
‫كَ سَبَ رَهِي نٌ} [الطور‪ :‬آ ية‪ .].21 :‬وقال – عز وجل ‪ُ { :-‬ك ّل نَفْ ٍ‬
‫شرّا َيرَهـُ}‬
‫َهـ ‪ ،‬وَم َن يَ ْع َملْ ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ‬
‫خ ْيرًا يَر ُ‬
‫‪ ،].21‬وقال – تعالى ‪{ :-‬فَم َن يَ ْع َملْ ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ‬
‫ْمـ ا ْل َيوْمـَ}‬
‫ظل َ‬‫َسـبَتْ ل ُ‬
‫ْسـ بِمَا ك َ‬
‫جزَى ُك ّل نَف ٍ‬
‫ْمـ تُ ْ‬
‫[الزلزلة‪ ،‬اليتان‪ ،].8 ،7 :‬وقوله – سـبحانه ‪{ :-‬ا ْليَو َ‬
‫[غافر‪ ،‬آية‪ ].17 :‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫وهذه المقالة ظاهرة البطلن‪ ،‬يكفي مجرد تصورها لمعرفة فسادها‪ ،‬وهي من فضائح المذهب‬
‫الثني عشري وعوراته‪.‬‬

‫ول يستحي الشيعة إلى اليوم من التجاهر بهذه العقيدة وإعلنها‪ ،‬فتجد أخبار هذه «الفرية» في‬
‫[بحار النوار‪،5/233 :‬‬ ‫بحار النوار [النوار النّعمانيّـة‪ ،1/287 :‬تعليقـه رقـم(‪ ،].)1‬والنوار النّعماني ّة‬
‫هامش (‪ ،].)3‬يعلق عليها المحقق الشيعي بما يؤكد رضاه عن هذه الساطير واعتقادها‪.‬‬

‫وإذا لم تستح فاصنع ما شئت‪.‬‬

‫‪607‬‬
‫الجزء الثالث‬
‫الباب الرابع‬
‫الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم‬
‫ويشتمل علي أربعة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الصلة في مصادر التلقي‪.‬‬
‫الفص الثاني‪ :‬صلتهم بالفرق القديمة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬دولة اليات‪.‬‬

‫الباب الرابع‬
‫الشعية المعاصرون وصلتهم بأسلفهم‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫سأتناول بمشيئة ال في هذا الباب بيان مذهب المعاصرين من الثني عشرية‪ ،‬ولذلك ل تجد فيه إل‬
‫كلم هؤلء المعاصرين‪ ،‬اللهم إل ما جاء عرضا في مناقشة بعض القوال‪ ،‬وأعني بالمعاصرين‪ ،‬من‬
‫عاش في المائة سنة الخيرة من زمننا‪.‬‬
‫وسأوضح مدى موافقتهم ورضاهم عن مصادرهم القديمة التي ورد فيها تلك الطامات التي مرّ ذكر‬
‫جملة منها‪.‬‬
‫ونوع علقتهم بالفرق الشيعية القديمة‪ ،‬وهل هي علقة رضى وقبول أو رفض وإنكار؟‬
‫ثم أوضح جملة من آرائهم العقدية؛ ليتبين من خللها هل حدث تغير في المذهب الثني عشري في‬
‫هذا العصر‪.‬‬
‫ثم يكون الحديث بعد هذا عن "دولة اليات" وحقيقة التشيع من خللها‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫الصلة في مصادر التلقي‬

‫إن وحدة مصادر التلقي هي العامل الول والخير في اتفاق العتقاد والوجهة عند أية طائفة من‬
‫الطوائف‪ ..‬وهي التي تصل اللحقين بالسابقين‪.‬‬
‫والشعية المعاصرون قد اعتمدوا في التلقي على أصولهم القديمة المجموعة في الكتب الربعة‬
‫الولى‪ ،‬وهي‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ .‬كما قرر ذلك طائفة من‬

‫‪608‬‬
‫[أعيان‬ ‫شيوخهم كآغا بزرك الطهراني في الذريعة [الذريعة‪ ،].17/245 :‬ومحسن المين في أعيان الشيعة‬
‫الشيعة‪ ،].1/280 :‬وغيرهما [انظر‪ :‬مقدمة سفينة البحار‪.].‬‬
‫قال شيخهم وآيتهم في هذا العصر عبد الحسين الموسوي عن كتبهم الربعة‪" :‬وهي‪ :‬الكافي‬
‫والتهذيب والستبصار ومن ل يحضره الفقيه‪ ،‬وهي متواترة‪ ،‬ومضامينها مقطوع بصحتها‪ ،‬والكافي‬
‫أقدمها وأحسنها وأتقنها" [المرجعات‪ :‬ص ‪( 311‬المراجعة ‪.].)110‬‬
‫فبعد هذا هل يختلف المعاصرون عن طبقة الكليني وأمثالها من الغابرين وهم يرجعون إلى َمعِين‬
‫واحد ومصدر واحد؟‬
‫بالطبيعي لن يختلفوا‪ ،‬ول سيما في الصول الساسية‪ ،‬لكن المر لم يقتصر على هذا الحد‪.‬‬
‫بل عدّ شيوخهم المعاصرون ما جمعه متأخروهم في القرن الثاني عشر والثالث عشر والتي كان‬
‫آخرها ما جمعه شيخهم النوري المتوفى سنة (‪1320‬ه‍) في مستدرك الوسائل – عدوها مصادر للتلقي‬
‫سموها "الكتب الربعة المتأخرة"‪ ،‬وبغض النظر عن اعتمادهم لروايات سجلت في القرن الرابع عشر‬
‫عن الئمة في العصر الول‪.‬‬
‫وما يقال في ذلك‪ ،‬فإن تلك الكتب – ما عدا مستدرك الوسائل – قد ألفت وجمعت إبان الحكم‬
‫الصفوي‪ ،‬لذلك حوت من الغلو والبلء ما لم يخطر ببال الشيعة السابقين كما ترى في البحار‬
‫للمجلسي‪ ،‬وأصبحت – مع ذلك – عمدة عند شيعة هذا العصر‪ ،‬وهذا يعني بطبيعة الحال تطورا‬
‫خطيرا عند المعاصرين ينقلهم إلي دركات من الضلل والتطرف‪.‬‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إن المعاصرين اعتمدوا عشرات المصادر التي وصلتهم منسوبة لسابقيهم‬
‫واعتبروها في المنزلة والحتجاج كالكتب الربعة الولى‪ .‬كما تجد ذلك في مقدمات تلك المصادر‪،‬‬
‫وهذا منهم متابعة لشيخ الدولة الصفوية المجلسي الذي عدها في "بحاره" بهذه المنزلة‪.‬‬
‫وليس هذا فقط‪ ،‬بل إن بعض المصادر السماعيلية قد أصبحت عمدة عند المعاصرين من الثني‬
‫عشرية مثل كتاب "دعائم السلم" للقاضي النعمان بن محمد بن منصور‪ ،‬المتوفى سنة (‪363‬ه‍) وهو‬
‫[قال الشيعي الثنا عشري ابن شهراشوب (‪588‬ه‍)‪:‬‬ ‫إسماعيلي كما تؤكد ذلك بعض مصادر الثني عشرية نفسها‬
‫القاضي النعمان بن محمد ليس بإمامي (معالم العلماء ص ‪ .)139‬وأنت تلحظ أن الثني عشرية ‪ -‬كما سلف ‪ -‬تعتبر من ينكر‬
‫إماما من الئمة كمن جحد كمن جحد نبوة أحد النبياء‪ ،‬أي‪ :‬أنه كافر‪ ،‬والسماعيلي ينكر إمامة كل الئمة بعد جعفر الصادق‪..‬‬
‫ومع ذلك تتلقى الثنا عشرية عن السماعيلية‪ ،‬ومعنى ذلك أنها تتلقى دينها من كفار‪ .].‬ومع ذلك فإن كبار شيوخهم‬
‫المعاصرين يرجعون إليه [مثل الخميني في كتابه "الحكومة السلمية" انظر‪ :‬ص ‪ 67‬من الحكومة‪.].‬‬
‫ويشيـر بعـض علماء الثنـي عشريـة المعاصـرون إلى وحدة الصـل فـي التلقـي بيـن السـماعيلية‬
‫والث ني عشر ية فيقول‪" :‬وإذا لم ي كن الفاطميون على المذ هب الث ني عشري فإن هذا المذ هب قد اشتد‬
‫أزره ووجد منطلقا في عهدهم فقد عظم نفوذه ونشط دعاته‪ ...‬ذلك أن الثني عشرية والسماعيلية وإن‬

‫‪609‬‬
‫اختلفوا من جهات‪ ،‬فإنهم يلتقون في هذه الشعائر بخاصة في تدريس علوم آل البيت والتفقة بها وحمل‬
‫الناس عليها [محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪.].163‬‬
‫وقد جاء في دائرة المعارف عن انفتاح الثني عشرية على الغلة هذا القول‪" :‬على أن الحدود لم‬
‫تقفل تماما أمام الغلة‪ ،‬يدل على ذلك التقدير الذي دام طويلً للكتاب الكبر للسماعيلية وهو كتاب‬
‫"دعائم السلم" " [دائرة المعارف السلمية‪.].14/72 :‬‬
‫[من المثلة لذلك‬ ‫ومن يطالع بعض الكتب السماعيلية يرى وفاقا في جملة من الروايات بين الطائفين‬
‫أنه يرد حديثهم "من لم يؤمن برجعتنا فليس منا" في كتب السماعيلية‪ .‬انظر‪ :‬ص ‪ 49‬من مسائل مجموعة ضمن كتاب "أربعة‬
‫كتب إسماعيلية"‪ ،‬كما جاء ذلك في كتب الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].46‬‬
‫وهذا كله يع ني أن هذه الطائفة في الع صر الحا ضر قد وض عت نف سها في ب حر مظلم عم يق تتقلب‬
‫بها أمواجه‪ ،‬حينما ارتضت أن تضع معظم ما وصلها من كتب السابقين مصادر معتمدة لها‪.‬‬
‫وقد قامت في هذا العصر حركة نشطة لبعث التراث العشبي القديم وتعريف الناس به وترويجه‬
‫بينهم‪ .‬وهذا التراث مليء بالطعن في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومليء باللعن‬
‫والتفكير والتخليد بالنار لرجال الصدر الول للسلم‪ ،‬وفي مقدمتهم الخلفاء الثلثة‪ ،‬وبعض أمهات‬
‫المؤمنين ومن معهم المهاجرين والنصار ممن رضي ال عنهم ورضوا عنه بنص القرآن‪.‬‬
‫وحركة النشر هذه قام بها علماء من أشهر مجتهدي الشيعة في هذا العصر وعلى كثير من هذه‬
‫الكتب تصحيحاتهم‪ ،‬وتعليقاتهم وتقريضاتهم‪ ،‬ومع هذا لم نر اعتراضا ول انتقادا من أحد منهم لما في‬
‫هذه الكتب من كفر وإلحاد‪ ،‬أليس في ذلك إقرارا من هؤلء لما فيها؟‬
‫وقد توجه د‪ .‬علي السالوس إلي أحد علماء الشيعة المعاصرين وسأله عن رأيهم فيما اشتمل عليه‬
‫أصول الكافي من روايات طافحة بالغلو فأجابه – كتابة بخطه ‪:-‬‬
‫"أما الروايات التي ذكرها شيخنا الكليني في كتابة الكافي فهي موثوقة الصدور عندنا‪ ..‬وما ورد في‬
‫الكافي أن الئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملئكة والنبياء والرسل‪ ،‬وأنهم إذا شاء أن‬
‫يعلموا علموا‪ ،‬ويعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم‪ ،‬ويعلمون علم ما كان وما يكون‬
‫ول يخفى عليهم الشيء‪ ،‬لشك أنهم أولياء ال وعباده الذين أخلصوا في الطاعة‪ ،‬ثم ذكر قولً عن‬
‫[حديث لكاظم الكفائي نشرة علي السالوسي بخط الكفائي‪.‬‬ ‫أئمتهم وهو‪" :‬قولوا فينا ما شئتم ونزهونا عن الربوبية"‬
‫(انظر‪ :‬فقة الشيعة‪ :‬ص ‪.].)265‬‬
‫وهذا ل يحتاج إلى تعليق إذ أقر وصف أئمته بما ل ينبغي إل للخالق جل شأنه‪ ،‬وليس هذا هو رأي‬
‫الكفائي وحده في مضامين أصول الكافي المتضمنة للغلو في الئمة‪ ،‬بل للخنيزي الذي ألف كتابا يدعو‬
‫[أبو‬ ‫فيه إلى وحدة أهل السنة والمامية جواب عن هذه المسائل ل يخالف جواب الكفائي في حقيقته‬
‫الحسن الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية‪ ،].28-1/27 :‬مع أنه يقرر ذلك في كتاب قد وضع بأسلوب التقية؛ لنه‬

‫‪610‬‬
‫منشور للدعوة للوحدة المزعومة بينهم وبين أهل السنة‪ ،‬والتي هي في حقيقتها تبشير بالرفض في‬
‫صفوف أهل السنة‪.‬‬
‫وكذلك أجاب شيخهم الخر لطف ال الصافي على محب الدين الخطيب الذي عرض في خطوطه‬
‫العريضة بعض عناوين أبواب أبواب الكافي الطافحة بالغلو [انظر الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪ ،].29‬فقال‬
‫الصافي‪ :‬بأن البواب المعنونة في الكافي ليست إل عناوين لبعض ما ورثوا عن جدهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم [مع محب الدين في خطوطه العريضة‪ :‬ص ‪.].149‬‬
‫بل إن تلك المصنفات التي حوت ذلك الغلو هي موضع الفخر والتباهي عند المعاصرين‪.‬‬
‫استمع لحد آياتهم يتحدث عما تركه أئمته من آثار تدل بزعمه على إمامتهم يقول‪" :‬إن لهم آثارا‬
‫تدل على تلك المامة المقصودة‪ ،‬ول أريد أن أدلك على مجاميع عديدة رويت عنهم وألفت في‬
‫عصورهم أو ما قاربها‪ ..‬أمثال تحف العقول‪ ،‬وبصائر الدرجات‪ ،‬والخرائج والجرائح‪ ،‬واحتجاج‬
‫الطبرسي‪ ،‬والخصال والتوحيد للصدوق‪ ..‬إلى ما يكثر تعداده‪ .‬بل إنما أريد أن أدلك على أثر واحد‬
‫جامع‪ ،‬وفيه القدح المعلى لكل إمام‪ ،‬أل وهو أصول الكافي لثقة السلم محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬وقد‬
‫ألّف هذا الكتاب النفيس في عشرين عاما وأثبت فيه لكل إمام في كتبه وأبوابه من الحاديث ما ينبيك‬
‫على أن ذلك الفرات السائغ يمتد من ينبوع الفيض اللهي‪ ،‬وإن الناس فارغة الحقائب عن مثل تلك‬
‫النفائس" [الشيعة والمامة‪ /‬لمحمد رضا المظفر‪ :‬ص ‪.].101‬‬
‫[مع‬ ‫ثم مضى يعظم من أمر أصول الكافي حتى طلب من القارىء أن يراجع أبوابه ليعرف الحقيقة‬
‫محب الدين الخطيب في خطوطه العريضة‪ :‬ص ‪.].102‬‬
‫وقد ثبتت الحقيقة – فيما مر من فصول – أن هذا الكافي قد جمع من الغلو والكفر ما ل يخطر‬
‫بالبال‪ ،‬ويكفي النظر في أبوابه فضلً عن مراجعة أخباره‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫صلتهم بالفرق القديمة‬

‫ما صلة هؤلء بالفرق الشيعية القديمة التي يرد ذكرها في كتب الفرق والمقالت؟‬
‫لقد لحظت أن شيوخ الشيعة المعاصرين و"آياتها" إذا تحدثوا عن طائفتهم ورجالها ودولها نسبوا‬
‫لها كل الفرق والدول والرجال المنتمين للتشيع‪ ،‬وإن كانوا من السماعيلية والباطنية‪ ،‬أو من الزنادقة‬
‫الدهرية‪ ،‬أو من المجسمة الغلة‪.‬‬
‫فهم إذا تحدثوا – مثلً ‪ -‬عن دول الشيعة ذكروا الدولة الفاطمية في صدر دولهم مع أنها غير اثني‬
‫[انظر‪ :‬الشيعة في الميزان‪ ،‬مبحث دول الشيعة‪ :‬ص ‪ 127‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،45-1/44 :‬وانظر‪ :‬دول‬ ‫عشرية‬
‫الشيعة‪ /‬لمحمد جواد مغنية‪.].‬‬

‫‪611‬‬
‫وإذا جاء ذكر رجالهم رأيت منهم كثيرا من رؤوس الضلل والزندقة ممن تنسب إليهم فرق خاصة‬
‫ليست من الثني عشرية‪ ،‬بل تحمل النسبة لسمائهم بأعيانها‪.‬‬
‫لهذا ترى – على سبيل المثال – شيخ الشيعة محسن المين يقول عن الهشامية أتباع هشام بن‬
‫الحكم‪ ،‬واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي‪ ،‬والشيطانية أتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق‬
‫[أعيان الشيعة‬ ‫وغيرهم‪" :‬أنهم عند الشيعة المامية كلهم ثقات صحيحو العقيدة فكلهم إمامية واثنا عشرية"‬
‫‪.].1/21‬‬
‫بل الخطر من ذلك أننا نجد الثني عشرية تحاول أن تحتضن كل فرقة تنتسب إلى التشيع‪ ،‬وإن‬
‫كانت من فرق الكفر باعتراف كتب الشيعة القديمة نفسها‪.‬‬
‫فتلحظ ‪ -‬مثلً – أنهم يضفون صفة الشرعية على بعض الغلة الكفرة باتفاق المسلمين كالنصيرية‪.‬‬
‫وقد كتب أحد علماء الثني عشرية المعاصرين وهو المدعو حسن الشيرازي رسالة سماها‬
‫(العلويون شيعة أهل البيت) ‪ -‬والعلويون لقب للنصيرة ‪ -‬وذكر في رسالته هذه أنه التقى بالنصيريين‬
‫في سوريا ولبنان‪ ،‬وذلك بأمر من مرجعهم الديني محمد الشيرازي وقال‪ :‬بأنه وجدهم كما يظن من‬
‫شيعة أهل البيت الذين يتمتعون بصفاء الخلص وبراءة اللتزام بالحق‪ ،‬وينتمون إلى علي بن أبي‬
‫طالب بالولية‪ ،‬وبعضهم ينتمي إليه بالولية والنسب‪ ...‬وقال بأن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان‬
‫مثل كلمتي المامية والجعفرية [حسن الشيرازي‪ /‬العلويون شيعة أهل البيت‪ :‬ص ‪.].3-2‬‬
‫هذا ولم ينكر على هذا الشيرازي أحد من شيوخ الثني عشرية‪ ،‬مع أنه قد عرف واشتهر عن‬
‫النصيرية الكفر والزندقه [انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ 35/145 :‬وما بعدها‪ ،].‬بل إن كتب الشيعة‬
‫القديمة تكفر النصيرية وتعتبرها فرقة خارجة عن السلم [انظر ذلك في بحار النوار‪.].25/285 :‬‬
‫والمعاصرون يرونها من الجعفرية وإن تسمت بغير هذا السم‪ .‬وذهب بعض كبار مراجع الشيعة‬
‫في هذا العصر إلى أنه ل يوجد اليوم على ظهر الرض فرقة من الفرق الغالية مع وجود النصيرية‬
‫والدروز والغاخانية وغيرها‪ ،‬فكأنه يحكم علية بعدم الغلو‪.‬‬
‫يقول محمد حسين آل كاشف الغطا‪:‬‬
‫[أصل الشيعة وأصولها ص ‪ ،38‬وانظر‪:‬‬ ‫"إن جميع الفرق الغالية قد بادت ول يوجد منها اليوم نافخ ضرمة"‬
‫دعوة التقريب‪ :‬ص ‪.].75‬‬
‫وقد علق د‪ .‬سليمان دنيا –رحمة ال ‪-‬على ذلك بقوله‪" :‬فيما يكون الغاخانية‪ ،‬أليسوا قائلين‬
‫بالحلول؟! أم ليسوا مع قولهم بالحلول ملحدة؟! أم ليسوا منتسبين إلى الشيعة‪ ،‬ثم أليسوا على رقعة‬
‫الرض اليوم [بين السنة والشيعة‪ :‬ص ‪.].37‬‬
‫والواقع أن أسماء الكثير من الفرق الشيعية قد اختفى وبقيت آراؤها وعقائدها في كتب الثني‬
‫عشرية‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫والمعاصرون اليوم حينما يقررون أن الكتب الثمانية وما في منزلتها هي مصادرهم في التلقي‪ ،‬إنما‬
‫هم بهذا يرتضون كل آراء وعقائد الفرق الشيعية التي وجدت علي مدار التاريخ‪ ..‬ذلك أن هذه‬
‫المدونات هي النهر الذي انسكبت فيه كل الجداول والروافد الشيعية الخرى‪ ،‬وهذه حقيقة واقعة‬
‫شواهدها كثيرة؛ حيث نلحظ أنه ما من عقيدة من عقائد تلك الفرق إل ولها شاهد ودليل في كتب‬
‫الثني عشرية‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬الشهرستاني‪ /‬الملل والنحل‪:‬‬ ‫فأنت تلحظ أن عقيدة البداء اعتبرها أصحاب الفرق من عقائد الغلة‬
‫[المختارية‪ :‬أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي‪ ،‬ومن مذهبه أنه يقول بالبداء على ال تعالى‬ ‫ونسبوها للمختارية‬ ‫‪].1/173‬‬

‫(الملل والنحل‪ .)148-1/147 :‬وانظر‪ :‬التعريف بالكيسانية‪ ،].‬ومع ذلك ‪ -‬كما مر ‪ -‬قد ورد في صحيحهم الكافي‬
‫ستة عشر حديثا في البدء‪ ،‬وفي البحار في باب البدء والنسخ أكثر من سبعين حديثا‪ ،‬وصار البداء من‬
‫عقائد الثني عشرية‪ ،‬وإن حاول شيوخهم أن يلتمسوا مخلصا لينجو من تكفير المسلمين لهم لقولهم‬
‫بهذه العقيدة الضالة‪.‬‬
‫ومثل ذلك عقيدة الرجعة اعتبروها من عقائد الغلة‪.‬‬
‫وقد ذكرت كتب السنة‪ ،‬واعترفت الكتب الثني عشرية أن الرجعة من أصول عقيدة ابن سبأ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك هي من أصول عقائد الثني عشرية [انظر‪ :‬فصل الرجعة‪.].‬‬
‫وعقيدة "تأليه الئمة" هي من عقائد الفرق الغالية كالسبئية وغيرها‪ ،‬وتجد عند الثني عشرية في‬
‫الكافي والبحار‪ ،‬وفي كتب التفسير بالمأثور كتفسير القمي والعياشي‪ ،‬وكتب الرجل كرجال الكشي‬
‫نصوصا كثيرة تؤله الئمة ‪ -‬كما مر نقل بعضه ‪.-‬‬
‫ومسألة تفضيل الئمة على النباء كان مذهبا لغلة الروافض‪ ،‬كما قرر ذلك المام عبد القاهر‬
‫البغدادي (ت ‪429‬ه‍)‪ ،‬والقاضي عياض (‪544‬ه‍)‪ ،‬وشيخ السلم ابن تيمية (ت ‪728‬ه‍)‪ ،‬فورثت هذه‬
‫العقيدة طائفة الثني عشرية [انظر‪ :‬ص(‪ )614‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وبسط هذا الموضوع يحتاج لبحث مستقل‪ ،‬وإن دراسة آراء الفرق الشيعية القديمة ومقارنتها بما‬
‫جاء في كتب الثني عشرية ومدوناتهم لهي دراسة جديدة تكشف الصلت بين هذه الطائفة والفرق‬
‫القديمة‪.‬‬
‫لقد تسللت آراء الفرق الشيعية الغالية إلى كتب الثني عشرية على شكل روايات منسوبة للئمة‬
‫وارتضى ذلك المعاصرون‪.‬‬
‫وكان السبب وراء حدوث هذا "التسرب" هو شيوخ الشيعة أنفسهم الذين حملهم التعصب على قبول‬
‫رواية الشيعي أيًا كان مذهبه والعراض عن رواية ما يسمونهم بالعامة وهم "أهل السنة"‪ .‬وقد اعترف‬
‫شيخهم الطوسي بأن معظم رجالهم في الحديث من أصحاب المذهب الفاسدة‪ ،‬ومع ذلك قال بأن كتبهم‬
‫معتمدة‪ .‬ومن يراجع تراجم رجالهم يلحظ ذلك‪ ..‬حيث فيهم الواقفي‪ ،‬والفطحي [انظر‪ :‬فصل السنة‪..].‬‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫‪613‬‬
‫وقد أقر بعض مفكري الشيعة في العصر الحاضر بأن الفكر الثني عشري قد استوعب آراء‬
‫وعقائد الفرق الشيعة القديمة‪ ،‬حيث قال‪" :‬ولكن يجب أن نشير قبل أن نضع القلم بأن ما مر بنا من‬
‫أفكار الشيعة مما كان خاصا بفرقة بعينها لم يلبث أن دخل كله في التشيع الثني عشري ودعم بالحجج‬
‫العقلية وبالنصوص‪ .‬والتشيع الحالي إنما هو زبدة الحركات الشيعية كلها من عمار إلى حجر بن عدي‬
‫إلى المختار وكيسان إلى محمد بن الحنفية وأبي هاشم إلى بيان ابن سمعان‪ ،‬والغلة الكوفيين إلى‬
‫الغلة من أنصار عبد ال بن الحارث إلى الزيديين والسماعيليين‪ ،‬ثم المامية التي صادرت اثنا‬
‫[مصطفى الشيبي‪ /‬الصلة بين التصوف والتشيع‪ :‬ص‬ ‫عشرية‪ ،‬وقام بعملية المزج متكلمو الشيعة ومصنوفها"‬
‫‪.].235‬‬
‫إذن التشيع الحالي قد استوعب خلصة التجاهات الشيعية بكل ما فيها من غلو وتطرف‪ .‬حتي‬
‫رأينا النزعة السبئية بكل غلوها في علي تطل علينا من خلل رويات الثني عشرية‪ ،‬يدرك هذا من‬
‫راجع مجرد عناوين أبواب الكافي والبحار‪.‬‬
‫كما أن التجاه الباطني واضح في كتب الثني عشرية من خلل تأويلهم ليات القرآن وأركان‬
‫السلم وما قالوه في التقية والكتمان‪ ..‬فأصبحت الثنا عشرية هي المصب الخير لكل الروافد‬
‫الشيعية بكل ما فيها من شطحات‪ ،‬ويجد كل صاحب غلو وتطرف بغيته وما يؤيد مذهبه في كتب هذه‬
‫الطائفة‪.‬‬
‫ولقد صدر إقرار خطير‪ ،‬وبيان مثير من أكبر شيخ من شيوخهم المعاصرين في علم الرجال‬
‫يتضمن العتراف بتغير المذهب وتطوره‪ ،‬وأن ما عليه المذهب الثنا عشري في العصر الحاضر‬
‫يعتبر غلوًا وتطرفًا عند قدماء الشيعة‪ ،‬وأن شيعة العصر الحاضر يعتقدون عقائد يرونها من‬
‫ضرورات المذهب وأركانه‪ ،‬وهي عند قدماء السيعة من الغلو والكفر‪.‬‬
‫[عبد ال بن محمد حسن الممقاني‪ ،‬من كبار شيوخ الشيعة‪ ،‬ولد بالنجف سنة‬ ‫يقول هذا الشيخ وهو عبد ال الممقاني‬
‫(‪1290‬ه‍) وتوفي بها سنة (‪1351‬ه‍)‪ .‬ومن كتبه‪" :‬تنقيح المقال في عالم الرجال" في ثلثة مجلدات‪( .‬معجم المؤلفين‪].)6/116 :‬‬
‫في معرض دفاعه عن المفضل بن عمرو الجعفي فيما رمي به من قبل بعض علماء الشيعة القدماء‪،‬‬
‫يقول‪" :‬إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو ل يعتمد عليه ول يركن إليه لوضوح كون‬
‫القول بأدنكى مراتب فضائلهم (يعني الئمة) غلوا عند القدماء‪ ،‬وكون ما نعده اليوم من ضروريات‬
‫مذهب التشيع غلوا عند هؤلء‪ ،‬وكفاك في ذلك عدّ الصدوق نفي السهو عنهم غلوًا‪ ،‬مع أنه اليوم من‬
‫ضروريات المذهب‪ ،‬وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي (أي علم الغيب) بتوسط جبرائيل والنبي‬
‫غلوا عندهم ومن ضروريات المذهب اليوم" [تنقيح المقال‪ ،3/240 :‬وانظر‪ :‬ص(‪ )374–373‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫من هذا النص يتبين أن شيعة العصر الحاضر لم يكتفوا بمتابعة سابقيهم حتى زادوا عليهم في الغلو‬
‫والتطرف حتى أن شيوخ الشيعة في القرن الرابع كالصدوق وغيره يرون أن من يعتقد أن الئمة ل‬
‫يسهون‪ ،‬أو أن الئمة يعلمون ما يأتي أو حسب عبارة الكليني‪ :‬يعلمون ما كان وما يكون‪ ،‬ول يخفى‬
‫‪614‬‬
‫عليهم الشيء‪ .‬من يعتقد هذه العقائد وأمثالها هو في نظر كبار شيوخ الشيعة في ذلك العصر من الغلة‬
‫الذين ل تقابل رواياتهم عن الئمة‪ ،‬ولكن المذهب تغير وأصبح ذلك اليوم من ضرورات مذهب‬
‫التشيع‪ ،‬كما يعترف الممقاني‪ ،‬ومعنى هذا أن الشيعة المتقدمين يعتبرون ‪ -‬بناء على ذلك –‬
‫المعاصرين من الغلة ول يثقون بأقوالهم‪.‬‬
‫ولحظ أن الحكم بغلو أصحاب هذه العقائد صدر من قبل شيوخ الشيعة ل من قبل علماء السنة‪ ،‬ثم‬
‫إن هذا رأيهم في القرن الرابع بعدما تغير التشيع وتطور‪ ،‬فكيف يكون موقف الشيعة الول الذين كان‬
‫تشيعهم هو في تقديم علي على عثمان فقط؟!‬
‫ولعل هذه الظواهر هي التي دعت الشيخ محب الدين الخطيب يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة‬
‫يتطور‪ ،‬وأشار في هذا إلى كلم الممقاني السالف الذكر‪ ،‬ثم قال‪" :‬هذا تقرير علمي في أكبر وأحدث‬
‫كتاب لهم في الجرح والتعديل يعترفون فيه بأن مذهبهم الن غير مذهبهم قديما‪ ،‬فما كانوا يعدونه قديما‬
‫من الغلو وينبذونه وينبذون أهله بسبب ذلك صار الن ‪ -‬أي الغلو – من ضروريات المذهب‪،‬‬
‫فمذهبهم اليوم غير مذهبهم قبل الصفويين‪ ،‬ومذهبهم قبل الصفويين غير مذهبهم قبل ابن المطهر‪.‬‬
‫ومذهبهم قبل ابن المطهر غير مذهبهم قبل آل بويه‪ ،‬ومذهبهم قبل آل بويه غير مذهبهم قبل الشيطان‬
‫[هامش‬ ‫الطاق‪ ،‬ومذهبهم قبل شيطان الطاق غير مذهبهم في حياة الحسن والحسي وعلي بن الحسين"‬
‫المنتقى‪ :‬ص ‪.].193‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين‬
‫ومادامت وحدة المصدر في التلقي موجودة‪ ،‬فهل نحتاج للحديث عن الصلة العقدية بين القدامى‬
‫والمعاصرين‪ ،‬ول سيما أن تلك المصدر قد استوعبت – كما بينا – معظم ما تناقلته كتب الفرق‬
‫والمقالت من آراء غلة الشيعة‪ ،‬وما لم تنقله؟‍!‍‬
‫فهل هناك من داع لدراسة هذه الصلة العقدية؟‬
‫الواقع أن هناك حاجة‪ ..‬ذلك أن المعاصرين قد أكثروا من طبع الكتيبات والرسائل‪ ،‬وبعث الدعاة‬
‫للعالم السلمي‪ ..‬لبيان أن مذهب الشيعة ل يختلف عن مذهب أهل السنة‪ ..‬وأن هذه الطائفة مظلومة‬
‫مفترى عليها من قبل الخصوم والعداء‪ ،‬فنسب إليها عقائد وأقول هي بريئة منها‪ ..‬ونشط دعاة منهم‬
‫للدعوة للتقريب بين أهل السنة والشيعة‪ ،‬ورفعت شعارات الواحدة السلمية‪ ..‬وأقيمت مراكز وألفت‬
‫كتب‪ ،‬وتخصص دعاة لهذا الغرض‪..‬‬
‫وقيل بأن المعاصرين قد تخلوا عن ذلك التطرف والغلو المعهود عند سابقيهم‪.‬‬
‫وأنه قد آن الوان لن تلتقي السنة والشيعة على كلمة سواء فكيد العداء كبير ووضع العالم‬
‫السلمي خطير‪.‬‬
‫‪615‬‬
‫ثم ما أكثر ما يقول بعض شيعة العصر الحاضر حينما تقول لهم بأن عندكم حديث يقول بكذا‪ ،‬أو‬
‫أن شيخكم فلن يقول بكذا‪ ..‬فيقولون‪ :‬ليس كل ما ورد في كتبنا نرتضيه‪.‬‬
‫أو ما يقول به الشيخ فلن هو المسؤول عن قوله ول حجة إل في كلم المعصوم‪.‬‬
‫أو يقولون بأن أهل السنة يقولون مثل ذلك‪ ،‬وكثيرا ما يفترون ويتجاوزون ويتحايلون في هذا بشكل‬
‫عجيب‪ ،‬ولهذا دعت الحاجة لبيان رأي المعاصرين في القضايا الساسية والخطيرة التي تفصل بينهم‬
‫وبين الجماعة‪ ،‬أو تحول بينهم وبين السلم‪.‬‬
‫وهناك أقلم شيعية كثيرة قد وظفت للكتابة للعالم السلمي‪ ،‬والرد على ما يثار حول الشيعة‪،‬‬
‫وأعطتهم عقيدة التقية حرية القول وإطلق الحكام بل تأثم بينما هناك كتب خاصة ل تنشر في العالم‬
‫[مثل كتاب "فصل الخطاب" للمجوسي النوري الطبرسي‪ ،‬وبعض أجزاء بحار النوار‪ ،‬وكتاب "نبوة أبي طالب"‬ ‫السلمي‬
‫تأليف الرافضي مزمل حسين المثيمي الغديري‪ ،‬الحوزة العلمية "قم" وغيرها‪.].‬‬
‫أو بعبارة أخرى أن هناك وجها ظاهرا للثني عشرية تقدمه وسائل العلم الشيعية المختلفة‬
‫للترويج للمذهب ونشره في العالم السلمي‪ ،‬ووجه باطن ل يظهر إل في الحوزات العلمية وفي‬
‫المجتمعات الشيعية‪ ،‬وفي أمهات مصادرهم كالكافي وتفسير القمي‪.‬‬
‫وقد صدّق من صدّق ذلك السلوب "الدعائي" أو الوجه المعلن‪ ..‬وتأثر بذلك من تأثر‪ ..‬ووجد‬
‫التشيع طريقه إلى قلوب أعداد غير قليلة من شباب العالم السلمي‪ ،‬والمنتسبين للحركات السلمية‪،‬‬
‫الذين أرق عيونهم الواقع المفجع للعالم السلمي‪ ،‬فطفقوا يبحثون عن طريق ومخلص‪ ..‬وكانت‬
‫صورة العدو الظاهر أمامهم بكل غطرسته وكيده قد حجبت عنهم العدو الكامن بينهم‪ ،‬والمتستر‬
‫بإسلمهم فصدقوا ما يقال‪ ..‬وتعجلوا الخطى‪ ..‬وظنوا أن كل ما يقال من خلف بين السنة والشيعة هي‬
‫ضجة مفتعلة‪ ،‬ل رصيد لها من الواقع [انظر‪ :‬السنة والشيعة ضجة مفتعلة‪.].‬‬
‫ولذلك لبد من استماع لما يقوله شيوخ الشيعة المعاصرون في عقائدهم الخطرة التي تفصل بينهم‬
‫وبين المسلمين‪ ،‬وسأختار من هذه الراء ما فيه دعوى جديدة أو تغيير‪ ،‬أو زيادة تطور وغلو عما‬
‫مضى ذكره عن سابقيهم لتتضح مدى صلة السابقين باللحقين وذلك من خلل المباحث التالية‪:‬‬

‫المبحث الول‬
‫عقيدة المعاصرين في كتاب ال‬
‫ونتحدث عن ذلك في مجالين‪:‬‬
‫المجال الول‪:‬‬
‫ما امتلت به كتب الشيعة من أساطير تقول بأن في كتاب ال نقصا وتحريفا‪.‬‬

‫‪616‬‬
‫وما تفوه به بعض زنادقتهم من القول بهذا مما عرضنا له فيما سبق‪ ..‬فماذا يقول شيعة العصر‬
‫الحاضر عن هذه القضية التي تحول بينهم وبين السلم‪ ..‬وهم يسطون في الدعوة للتقارب مع أهل‬
‫السنة‪ ..‬ويرفعون شعار الوحدة السلمية؟!‬
‫المجال الثاني‪:‬‬
‫ماذا يقول شيعة العصر الحاضر عن ذلك التأويل الباطني لكتب ال والذي هو تحريف لمعناه‬
‫وإلحاد في آياته‪ ..‬والذي يجعل من كتاب ال كتابا آخر غير ما في أيدي المسلمين مما عرضنا صورة‬
‫له فيما سلف‪.‬‬
‫المجال الول‪:‬‬
‫نستطلع فيما يلي آراء المعاصرين في "فرية التحريف" التي شاع الحديث عنها في كتب لشيعة‪.‬‬
‫فمإذا نجد؟‬
‫نجد وجوها أربعة مختلفة‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬إنكار وجودها في كتبهم أصلً‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬العتراف بوجودها ومحاولة تبريره‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬المجاهرة‪ ،‬والحتجاج علي هذا الفتراء‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬التظاهر بإنكار هذه الفرية‪ ،‬ومحاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية‪.‬‬

‫الوجه الول‪ :‬إنكار وجودها في كتبهم أصلً‪:‬‬


‫لقد اتجه صنف من شيوخهم إلى إنكار وجودها أصلً‪ ،‬ومن هؤلء عبد الحسين الميني النجفي في‬
‫كتابه الغدير‪ ،‬وذلك حينما رد على ابن حزم ما نسبه إلى الشيعة من القول بهذه المقالة‪ ،‬فقال هذا‬
‫النجفي‪" :‬ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثقة به‪ ،‬أو حكاية عن عالم من‬
‫علمائهم تقيم له الجامعة وزنا‪ ،‬بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهالهم‪ ،‬أو قروي من بسطائهم أو‬
‫ثرثار‪ ،‬كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه‪ ،‬وهذه فرق الشيعة في مقدمتهم المامية مجمعة‬
‫[الغدير‪ ،95–3/94 :‬وبمثل هذا النكار قال شيخهم الخر‪:‬‬ ‫على أن ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب ل ريب فيه"‬
‫لطف ال الصافي في كتابه "مع الخطيب في خطوطه العريضة"‪ :‬ص ‪.].71‬‬
‫ويقول عبد الحسين شرف الدين الموسوي‪" :‬نسب إلى الشيعة القول بالتحريف بإسقاط كلمات وآيات‬
‫فأقول‪ :‬نعوذ بال من هذا القول ونبرأ إلى ال من هذا الجهل‪ .‬وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل‬
‫[أجوبة مسائل جار ال‪:‬‬ ‫بمذهبنا أو مفتر علينا‪ ،‬فإن القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته‬
‫ص ‪.].29-28‬‬
‫كما نفى لطف ال الصافي أن يكون كتاب فصل الخطاب قد ألف لثبات هذه الفرية‪ ،‬وقال بأن‬
‫القصد من تأليفه محاربتها [مع الخطيب في خطوطه العريضة‪ :‬ص ‪ ،].66-64‬كما نهض بعضهم للدفاع عن‬

‫‪617‬‬
‫[يقول صاحب عقيدة الشيعة في دفاعه عن الكليني‪" :‬النقص ل يدعيه أحد من‬ ‫الكليني الذي هو أحد أعمدة هذا الكفر‬
‫علماء المامية حتى ثقة السلم المام الكليني رضي ال عنه (!) فإنه يعتقد بنزاهة القرآن وصيانته عن النقص والزيادة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فقد تهجم الشيخ أبو زهرة وتحامل علية وأكثر من الطعن فيه‪( .‬عقيدة الشيعة ص ‪ ،)162‬وقال‪" :‬أن الكليني ل يقول بنقص‬
‫القرآن‪ ،‬فكيف يجوز لمسلم أن ينسب إليه هذا القول‪ ،‬وكيف جاز للشيخ أبو زهرة أن ينسبه إليه دون تورع‪ ،‬وكيف جاز له أن‬
‫يهاجمه بتلك المهاجمة القاسية؟"‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الصل في نسبة ذلك إلي الكليني هم شيوخ الشيعة‪ ،‬وكتابه الكافي شاهد علي ذلك وهو عار عليه‪ .‬وعلى الشيعة‬
‫أبد الدهر‪ ،‬ولو وقع الكافي في أيدي أئمة السلم لكان لهم حكم على الثني عشرية غير هذا الحكم‪ ،‬وقد اعتمد أبو زهرة –‬
‫رحمة ال – على ما قاله الكاشاني في تفسير الصافي حينما نسب ذلك إلى الكليني (تفسير الصافي ‪ /1‬المقدمة السادسة ص ‪.)52‬‬
‫والكاشاني هذا من أعمدة المذهب الثني عشري‪ ،‬فهو صاحب الوافي الجامع لكتبهم الربعة‪ ،‬والذي يعدونه من المصادر‬
‫المعتمدة عندهم‪ ،‬كما نسب ذلك أيضا إلي الكليني خاتمة شيوخهم ومحدثيهم النوري في كتابه‪ :‬فصل الخطاب (انظر‪ :‬فصل‬
‫الخطاب ص ‪ )31-30‬وغيرهما – كما مر ‪.-‬‬
‫فهل يظن هؤلء أن هذا يخفى على أهل السنة‪ ،‬وكيف يدافعون عن مثل الكليني الذي سطر هذا الكفر‪ ،‬ويقعون في صحابة‬
‫رسول ال الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه؟!]‪.‬‬
‫النقد‪:‬‬
‫إن إنكار ما هو واقع ل يجدي شيئا في الدفاع‪ ،‬وسيؤول من جانب الشيعة ومن جانب المطلعين‬
‫على كتبهم من أهل السنة بأنه تقية‪ ..‬فالمسألة اليوم لم تعد تقبل مثل هذا السلوب في الرد‪ ،‬فقد‬
‫فضحتهم مطلبع النجف وطهران‪ ،‬وقد كشف المستور‪ ،‬وأبان المخفي شيخهم الطبرسي فيما جمعه في‬
‫كتابه "فصل الخطاب" فل ينفع مثل هذا الموقف‪.‬‬
‫وهذا المسلك في النكار يسلكونه في كل مسألة ينفردون بها عن المسلمين‪ ،‬كما نبه على ذلك‬
‫شيخهم الطوسي في الستبصار في أكثر من موضع بأن ما كان موضع إجماع من أهل السنة تجري‬
‫فيه التقية [انظر‪ :‬الستبصار‪ ،].4/155 :‬وبهذا المبدأ هدموا كل الروايات التي تتفق مع المسلمين وتعبر عن‬
‫مذهب البيت وعاشوا مع المسلمين بالخداع والتزوير‪ ،‬يوافقونهم في الظاهر ويخالفونهم في الباطن‪.‬‬
‫ولكن هذه التقية سرعان ما تنكشف في الوقت الحاضر‪ ،‬إذ إن كتبهم أصبحت بمتناول الكثيرين‪.‬‬
‫فالنجفي الذي طلب ‪ -‬في رده على ابن حزم – أن يثبت دعواه بكلم أي فرد من أفراد الشيعة هل‬
‫يجهل ما جاء في الكافي والبحار‪ ،‬وما صرح به شيوخهم في هذا الضلل مما مضى ذكره‪ ..‬وهل‬
‫يتصور أن هذا القول ينخدع به أحد في حوزته كتاب من كتبهم التي سارت على هذا الكفر؟‪.‬‬
‫ومن العجيب أنه وهو ينكر وجود تلك المقالة في كتبهم في الجزء الثالث من كتابه نراه في الجزء‬
‫التاسع من الكتاب نفسه يصرح هو بهذا الكفر‪ ،‬حيث قال وهو ‪ -‬يتحدث عن بيعة المهاجرين‬
‫والنصار لصديق هذه المة تلك البيعة العظيمة التي جمعت المة – وأحبطت مؤامرات أعدائها ‪-‬‬
‫قال‪ .." :‬بيعة عمت شؤمها السلم وزرعت في قلوب أهلها الثام‪ ..‬وحرفت القرآن وبدلت الحكام"‬
‫[الغدير‪.].9/388 :‬‬

‫‪618‬‬
‫[ونص هذه الية المزعومة‪( :‬اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته فمن لم يأتم به‬ ‫بل أورد آية مفتراة في نفس الكتاب‬
‫وممن كان من ولدي(؟!) من صلبه إلى يوم القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إن إبليس أخرج أدم "عليه‬
‫السلم" من الجنة مع كونه صفوة ال بالحسد فل تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم)‪( .‬المصدر السابق‪.)216-1/214 :‬‬
‫وهي واضحة الفتراء في ركاكة لفظها‪ ،‬ومعناها‪ ،‬ومع ذلك يزعم هذا الرافضي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫أنها نزلت في علي‪ ،‬وحاول أن يموه ويخدع القراء فنسب هذا الفتراء لمحمد بن جرير الطبري السني‪ ،‬وهو محمد بن جرير‬
‫الطبري الرافضي إن صحت النسبة إليه‪ ..‬فالرجل افترى على ال وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين‪ ...].‬وهكذا يثبت الرجل‬
‫ما نفاه‪ .‬وهذا السلوب‪ :‬الثبات مرة والنكار مرة أخرى‪ ،‬والظهور أمام الناس بأقوال مختلفة‬
‫ونصوص متناقضة مسلك لهم مطرد في أحديثهم وفي كلم شيوخهم‪ ،‬وقد ورد في أخبارهم بيان‬
‫للسبب في هذا "النهج" وهو عدم وقوف العامة (أهل السنة) على حقيقة مذهبم فل يتعرضون له بشيء‬
‫[انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،1/65 :‬وبحار النوار‪.].2/236 :‬‬
‫أما أسلوب عبد الحسين في نفيه لهذا السطورة ففيه شيء من المكر والمراوغة قد ل ينتبه له إل‬
‫من اعتاد على أساليبهم وحيلهم‪ ..‬تأمل قوله‪" :‬فإن القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته‬
‫وكلماته" ماذا يعني بالقرآن المتواتر من طرقهم؟ هل هو القرآن الذي بين أيدنا أو القرآن الغائب مع‬
‫المنتظر كما يدعون؟!‬
‫إن تخصيصه بأنه متواتر من طريقهم يلمس منه الشارة للمعنى الخير؛ ذلك أن القرآن العظيم‬
‫كان من أسباب حفظه تلك العناية التي بذلها عظيما السلم أبو بكر وعمر‪ ،‬وأتمها أخوهما ذو النورين‬
‫حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ‬
‫عثمان بن عفان في جمعه وتوحيد رسمه‪ ..‬تحقيقًا لوعده عز وجل‪{ :‬إِنّا نَ ْ‬
‫لَحَا ِفظُونَ} [الحجر‪ ،‬آية‪.].9 :‬‬
‫ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلثة معروفة‪ ،‬فهذا القرآن إذًا غير متواتر من طرقهم‪.‬‬
‫أما المحاولة الغبية من لطف ال الصافي وأغا بزرك الطهراني في التستر على فضيحة الشيعة‬
‫الثني عشرية الكبرى‪ ،‬والعار الذي ل يستر‪ :‬وهو "كتاب فصل الخطاب" فهي محاولة يائسة‪ ،‬ل سيما‬
‫وأن هذا الكتاب قد خرج من الدوائر الشيعية ووصل إلى أيدي السنة‪ ،‬بل قد وصل إلى أعداء المسلمين‬
‫[وقد صرح بهذا بعض الشيعة وهو‪ :‬محمد مهدي الصفهاني في كتابه أحسن‬ ‫ليستفيدوا منه في الكيد لهذا المة ودينها‬
‫الوديعة‪ :‬ص ‪.].90‬‬
‫وقد نص في مقدمته على غرضه‪ ،‬وأقام الحجج المزعومة على مراده ‪ -‬كما سيأتي ‪.-‬‬
‫فهل يمكن التستر عليه وقد جمع كل أساطيرهم‪ ،‬وأقوال شيوخهم بعد أن كانت متفرقة؟‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬العتراف بوجودها ومحاولة تبريره‪:‬‬


‫وقد أتخذ هذا العتراف صورا متعددة‪ ،‬فصنف منهم يعترف بأن عندهم بعض الروايات في‬
‫تحريف القرآن ولكنه يقول‪ :‬إنها "ضعيفة شاذة وأخبار آحاد ل تفيد علما ول عملً ‪ ،‬فإما أن تؤول‬
‫بنحو من العتبار أو يضرب بها الجدار" [محمد حسين آل كاشف الغطاء‪ /‬أصل الشيعة‪ :‬ص ‪.].64-63‬‬
‫‪619‬‬
‫وصنف يقول بأنها ثابتة‪ ،‬ولكن "المراد في كثير من رويات التحريف من قولهم عليه السلم‪ :‬كذا‬
‫نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل" [الطبطبائي‪ /‬الميزان في تفسير القرآن‪.].108 /12 :‬‬
‫وصنف ثالث يقول بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس فيه تحريف‪ ،‬ولكنه ناقص قد سقط منه ما‬
‫يختص بولية علي "وكان الولى أن يعنون المبحث تنقيص – كذا – الوحي أو يصرح بنزول وحي‬
‫آخر وعدمه حتي ل يتمكن الكفار من التمويه على ضعفاء العقول بأن في كتاب السلم تحريفا‬
‫باعتراف طائفة من المسلمين" [أغابزرك الطهراني‪ /‬الذريعة‪.!!!].314-3/313 :‬‬
‫وصنف رابع يقول‪ :‬نحن معاشر الشيعة نعتقد بأن هذا القرآن الذي بين أيدينا الجامع بين الدفتين‬
‫(كذا يعني المجموع) هو الذي أنزله ال تعالى على قلب خاتم النبياء صلى ال عليه وسلم من غير أن‬
‫حنُ َن ّزلْنَا الذّكْرَ‬
‫يدخله شيء بالنقص أو بالزيادة‪ ،‬كيف وقد كفل ‪ -‬كذا – الشارع بنفسه تعالى‪{ :‬إِنّا َن ْ‬
‫َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر ‪ .]9‬على أننا معاشر الشيعة (الثني عشرية) نعترف بأن هناك قرآن كتبه‬
‫المام علي رضي ال عنه بيده الشريفة‪ ،‬بعد أن فرغ من كفن رسول ال صلى ال عليه وسلم وتنفيذ‬
‫وصاياه‪ ،‬فجاء به إلي المسجد فنبذه الفارق عمر بن الخطاب قائلً للمسلمين‪ :‬حسبنا كتاب ال وعندكم‬
‫القرآن‪ ،‬فرده المام إلى بيته ولم يزل كل إمام يحتفظ عليه كوديعة إلهية إلى أن ظل محفوظًا عند‬
‫المام المهدي القائم عجل ال تعالى فرجنا بظهوره [الخراساني‪ /‬السلم على ضوء التشيع‪ :‬ص ‪.].204‬‬
‫واتجاه خامس يقول‪" :‬وقع بعض علمائنا المتقدمين بالشتباه فقالوا بالتحريف ولهم عذرهم‪ ،‬كما لهم‬
‫اجتهادهم‪ ،‬وإن أخطأوا بالرأي‪ ،‬غير أنا حينما فحصنا ذلك ثبت لنا عدم التحريف فقلنا به وأجمعنا‬
‫علية" [الشيعة والسنة في الميزان‪ ،‬محاكمة بقلم س خ‪ ،‬نشر نادي الخاقاني ص ‪.].49-48‬‬
‫وفريق سادس يقول بأن هذه الفرية‪ ،‬إنما ذهب إليها من ل تمييز عنده بين صحيح الخبار وسقيمها‬
‫[انظر‪ :‬الطبطبائي‪ /‬في تعليقه على النوار‬ ‫من الشيعة وهم الخباريون‪ ،‬أما الصوليون فهم ينكرون هذا الباطل‬
‫النعمانية‪.].2/359 :‬‬
‫النقد‪:‬‬
‫نبدأ في مناقشة الراء السابقة علي حسب ترتيب عرضها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن القول بأن تلك "الساطير" هي في مقياس الشيعة روايات ضعيفة شاذة يرد عليه ما ردده‬
‫طائفة من شيوخهم من القول باستفاضتها وتواترها كالمفيد والكاشاني‪ ،‬ونعمة ال الجزائري وغيرهم‪،‬‬
‫بل إن المجلسي جعل أخبارها كأخبار المامة في الكثرة والستفاضة – كما سلف ‪ ،-‬كما أن هذه‬
‫المقالة قد أصبحت مذهبا لطائفة من كبار شيوخهم‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هذا الحكم من كبير علماء الشيعة على تلك الروايات بالشذوذ مع كثرتها التي اعترف‬
‫بها شيوخهم تدل على شيوع الكذب في هذا المذهب بشكل كبير‪ ،‬وهذا الحكم المعلن – إن كان بصدق‬
‫– ينبغي أن يكون دافعا للحكم على عقائد الشيعة الخرى التي شذّت بها عن المسلمين ‪ ،‬كما ينبغي أن‬
‫يكون منطلقا لنقد رواياتهم وجرح رجالهم ‪ ،‬فمن روى تلك الروايات وجعلها مذهبه ل ينبغي أن يوثق‬
‫‪620‬‬
‫به كالكليني وإبراهيم القمي الذين كان لهما النصيب الكبر في تأسيس هذا الكفر في مذهب الشيعة‬
‫[ولكن صاحب هذا القول – الذي نناقشه – وهو محمد حسين آل كاشف الغطاء يعظم بعض ملحدي الشيعة‪،‬‬ ‫وإشاعته بينهم‬
‫الذين يجاهرون بهذا الكفر فيقول عن النوري الطبرسي صاحب فصل الخطاب‪" :‬حجة ال على العالمين‪ ،‬معجب الملئكة بتقواه‪،‬‬
‫من لو تجلى ال لخلقه لقال‪ :‬هذا نوري‪ ،‬مولنا ثقة السلم حسين النوري" (محمد آل كاشف الغطاء‪ /‬مقدمة كشف الستار‬
‫جاء بعد اقتراف النوري الطبرسي لجريمته‪.].‬‬ ‫لحسين النوري الطبرسي‪ ،‬مطبعة مؤيد العلماء الجديدة بقم ‪ .)1318‬وهذا المديح‬

‫ثانيا‪ :‬أما القول بأن المقصود بروأيات الشيعة في هذا هو تحريف بعض النصوص التي نزلت‬
‫لتفسير آيات القرآن فهذا تأكيد للسطورة وليس دفاعا عنها؛ ذلك أن من حرّف وردّ وأسقط النصوص‬
‫النازلة من عند ال والتي تفسر القرآن وتبينة‪ ،‬هو لرد وتحريف اليات أقرب‪ ،‬ومن لم يكن بأمين على‬
‫المعنى كيف يؤتمن على اللفظ؟ ثم إذا فقدت المعاني ما قيمة اللفاظ؟ ثم كيف يكون تفسير الصحابة‬
‫هو تحريف نظر هذه الفئة‪ ،‬و"تحريفات" القمي والكليني والمجلسي لمعاني القرآن هي التفسير‪ ،‬والتي‬
‫ل يشك من له أدنى صلة بلغة العرب أنها إلحاد في آيات ال وتحريف لها‪ ،‬وإذا فقدت معاني القرآن‬
‫وغابت مع المنتظر فكيف تهتدي المة بآياته أم تبقى المة ضائعة تائهة؟!‬
‫ثم إنك ترى أن "النموذج" الذي أخرجوه لنا على أنه من معاني القرآن الوارد عن المة يكفي مجرد‬
‫تأمله لمعرفة كذبة فكيف يجعل هو "التفسير اللهي" الذي رده الصحابة كما يفترون؟!‬
‫على أن هذا "التأول لنصوص السطورة" ل يتلءم مع كثير من تلك الروايات؛ إذ إن في رواياتهم‬
‫[مثل ما يفترونه أن‬ ‫"المفتراة" التصريح بأن النص القرآني قد شابه – بزعمهم – تغيير في ألفاظه وكلماته‬
‫عليا قال‪ :‬وأما ما حرف من كتاب فقوله‪" :‬كنتم خير (أئمة) أخرجت للناس" فحرفت إلى خير أمة‪ ،‬ومنهم الزناة واللطة‬
‫والسراق وقطاع الطريق والظلمة وشراب الخمر والمضيعون لفرائض ال والعدوان عن حدوده أفترى ال تعالى مدح من هذه‬
‫صفته (يعني واضح هذه الرواية – لعنه ال – صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لن القرآن العظيم أثنى عليهم‪ ،‬ودين‬
‫الشيعة يقوم علي سبهم فطعنوا في كتاب ال لهذا السبب‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪( :‬أن تكون أمة هي أربى من (أئمة) فجعلوها أمة‪ ...‬وقوله تعالى‪( :‬وكذلك جعلناكم (أئمة) وسطًا (بين‬
‫الرسول وبين الناس) فحرفوها وجعلوها أمة‪ .‬ومثله في سورة عم "ويقول الكافر يا ليتني كنت (ترابيا) فحرفوها وقالوا ترابا‬
‫وذلك أن الرسول كان يكثر من مخاطبتي بأبي تراب‪ ،‬ومثل هذا كثير‪.‬‬
‫(بحار النوار‪.)28-93/26 :‬‬
‫فهذا التأويل ليس بمخرج سليم من هذا‬ ‫فهل هذا الرواية وأمثالها تتفق مع تأويلهم لها بأنها من قبيل التفسير؟]‬

‫العار والكفر‪ ..‬والموقف الحق هو ردها ورد مرويات من اعتقدها لنه ليس من أهل القبلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أما القول بأن القرآن ناقص وليس بمحرف فهذا كسابقه ليس بدفاع ولكنه تأكيد لساطيرهم‬
‫وطعن في كتاب ال بما يشبه الدفاع فكيف تهتدي المة بقرآن ناقص‪ ،‬ومن قدر واستطاع على إسقاط‬
‫قسم منه هو قادر على تحريف ما بقي‪ ..‬ولكن الشيء من معدنه ل يستغرب فصاحب هذا القول هو‬
‫أغا بزرك الطهراني وهو تلميذ النوري صاحب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الرباب"‪.‬‬
‫ولذلك ترى هذا الطهراني يحاول خداع المسلمين بزعمه أن مؤلف فصل الخطاب شافهه أنه أراد‬
‫[ذكر ذلك كتابه أعلم الشيعة‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬من القسم الثاني‪ :‬ص ‪].550‬‬ ‫الدفاع عن القرآن وإنما أخطأ في العنوان‬
‫‪621‬‬
‫فهو يحاول أن يتستر على معتقده الباطل بأساليب من المكر والمراوغة‪ ،‬وهاهو ينكشف بهذا الدفاع‬
‫فهو يصرح بأن للقرآن بقية‪ ،‬وأن للوحي اللهي تكملة‪ ،‬وأن الولى أن ُيعَنون بدل التحريف بعنوان‬
‫"نقص القرآن أو نزول وحي إلهي آخر"‪ ،‬ويزعم أن في هذا دفاعا عن القرآن أمام العداء؟ وهذا هو‬
‫مبلغ دفاعه عن القرآن والسلم – سبحانك هذا بهتان عظيم ـ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أما ما قاله المصنف الرابع بوجود قرآن عند منتظرهم‪ ..‬فهذا يعني أن الدين لم يكمل‪ ،‬وال‬
‫ثم ما فائدة العبادة من كتاب غائب مع منتظر مضى عل‬ ‫[المائدة ‪]3‬‬ ‫يقول {الْ َيوْمَ أَ ْك َم ْلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}‬
‫احتجابه – المزعوم – قرون‪ ،‬فإن كان لبد منه فما حكم الشيعة على ما مضى من القرون بما فيهم‬
‫أسلفهم من الشيعة هل هم على ضلل‪ ..‬وإن كانت المة تهتدي بدونه فما قيمة كل هذه الدعاوى؟!‬
‫الحقيقة أن كل هذه "الترهات" لقناع أتباعهم بما عليه الرافضة من شذوذ ل شاهد لها من كتاب ال‪،‬‬
‫فحالوا التلبيس على التباع والتغرير بهم بأن دليلها يوجد في القرآن الخر‪ ،‬أو الكامل‪ ،‬أو المفسر‬
‫الغائب مع المنتظر‪.‬‬
‫ثم إن مسألة وجود قرآن آخر‪ ،‬ومسألة الطعن في كتاب ال سبحانه هما في كتب الشيعة الساسية‬
‫مسألة واحدة ل تنفصل إحداهما عن الخرى‪ ،‬فهم يزعمون أن عليا جمع القرآن بتمامه وجاء به إلى‬
‫الصحابة فردوه وألفوا قرآنا حذفوا منه ما يتصل بولية علي‪ ..‬وبقي القرآن المزعوم يتوارثه المة‬
‫حتى وصل إلى المنتظر؟‬
‫فهذا الرافضي ومن على منهجه أراد الخداع والتلبيس‪ ،‬فتراه يتدرج بالقارئ المسلم لقناعه بهذه‬
‫الفرية بإطلعه علي أحد وجوهها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أما الفئة الخامسة الذين يقولون بأن القول بالتحريف رأي خاطئ‪ ،‬وضلل سابق كنا نذهب‬
‫إليه ثم تبين لنا الحق فعدلنا عنه‪ .‬فإنه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا الملف الفاسد‪ ..‬ولكن هذا القول‬
‫قد يكون للتقية أثر فيه‪ ..‬ذلك أن أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر‪ ،‬هي محل تقدير‬
‫عند هؤلء‪ ،‬وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كالكليني وكتابة‬
‫الكافي‪ ،‬والقمي وتفسيره وغيرهما ممن ذهب إلى هذا الكفر‪ ،‬فكيف يكونون إلى اليوم موضع القدوة‪،‬‬
‫ومحل الثقة‪ ،‬تعتمد كتابهم كمصادر في تلقي العقيدة والشريعة‪ ،‬ويوثق بأقوالهم ويقتدى بأفعالهم؟!‬
‫ثم إن القول بأن الثني عشرية أجمعهم رجعوا عن هذا منقوض بصنيع عالمهم المعاصر حسين‬
‫النوري الطبرسي في كتابه "فصل الخطاب"‪ ،‬والذي ألفه لثبات هذه الفرية ‪ -‬كما سلف ‪.-‬‬
‫وهو منقوض أيضا بكتاب تحريف القرآن لسيدهم علي تقي بن السيد أبي الحسن النقوي اللكنهوي –‬
‫وغيرهما من‬ ‫[الذريعة إلي تصانيف الشيعة‪].3/394 :‬‬ ‫المعاصر –المولود سنة (‪1323‬ه‍) وهو بالردية‬
‫مؤلفاتهم في هذا الضلل‪ ،‬وهو معارض أيضا بما قدمناه عن أغا بزرك الطهراني والميني النجفي‬
‫وغيرهما‪ .‬فل تزال فئة منهم يتيهون في هذا الضلل ويضربون فيه بسهم‪ ..‬ثم لِمَ يقال في أمر أجمع‬

‫‪622‬‬
‫عليه المسلمون وهو سلمة كتاب ال سبحانه وحفظ ال له لِمَ يقال إن من خالف فيه له عذره‬
‫واجتهاده‪ ،‬وهل هي مسألة اجتهادية‪ ،‬وهل فيها عذر وتأويل سائغ‪..‬؟‬
‫سادسا‪ :‬أما ما ذهبت إليه الطائفة الخيرة من أن هذه المقالة لم يقال بة كل الثني عشرية وإنما هي‬
‫مقالة لفرقة منهم وهم الخباريون الذين ل يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه‪ ..‬فهذا قول قاله أيضا‬
‫بعض شيوخ الشيعة القدامى وهو الشريف المرتضى‪ ،‬حيث قال‪" :‬من خالف في ذلك من المامية ل‬
‫يعتد بخلفهم‪ ،‬فإن الخلف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث (من الشيعة) نقلوا أخبارا‬
‫[نقل ذلك عنه‪ :‬الطوسي في التبيان‪:‬‬ ‫ضعيفة وظنوا صحتها ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته"‬
‫‪ ،1/3‬والطبرسي في مجمع البيان‪.].1/15 :‬‬
‫كما أن القول بأن هذه الفرية خاصة بالخباريين قالها وأكدها مرجع الشيعة الكبر في عصره‬
‫جعفر النجفي المتوفى سنة (‪1227‬ه‍)‪.‬‬
‫ولكنه وهو من الصوليين يذهب في روايات التحريف الواردة في كتب الشيعة مذهبا ل يقل‬
‫خطورة عن رأي إخوانه الخباريين‪ ،‬حيث قال بعد أن ذكر أن تلك الفرية هي رأي للخباريين وهو‬
‫باطل بدلله العقل والنقل وما علم من الدين بالضرورة‪ ،‬قال‪" :‬فل بد من تنزيل تلك الخبار‪ ،‬إما على‬
‫قبل‬ ‫[لنهم يعتقدون – كما سلف – أن القرآن مخلوق على نفس منهج أهل العتزال‪].‬‬ ‫النقص من الكلمات المخلوقة‬
‫النزول إلى سماء الدنيا‪ ،‬أو بعد النزول إليها قبل النزول إلى الرض‪ ،‬أو على أن نقص المعنى في‬
‫تفسيره‪ ،‬والذي يقوى في نظر القاصر التنزيل على أن النقص بعد النزول إلى الرض‪ ،‬فيكون القرآن‬
‫قسمين‪ :‬قسم قرأه النبي صلى ال عليه وسلم على الناس وكتبوه وظهر بينهم وقام به العجاز‪ ،‬وقسم‬
‫أخفاه ولم يظهر عليه أحد سوى أمير المؤمنين رضي ال عنه‪ ،‬ثم منه إلى باقي الئمة الطاهرين‪ ،‬وهو‬
‫الن محفوظ عند صاحب الزمان جعلت فداه" [كشف الغطاء‪ :‬ص ‪.].299‬‬
‫لم يجرؤ صاحب كشف الغطاء – كما ترى ‪ -‬أن يكذب تلك الساطير كما فعل المرتضى‪ ،‬بل تاه‬
‫في بيداء من التكلفات والتمحلت حتى وقع في شر مما فر منه‪ ،‬أو كاد‪.‬‬
‫لقد زعم أن النبي صلى ال عليه وسلم كتم قسما من القرآن أنزله ال عليه‪ ،‬ولم يبلغ به أحدا من‬
‫أمته سوى علي‪ ،‬وأن عليا أخفاه عند أبنائه وهو اليوم عند المنتظر فماذا بعد هذا الفتراء ؟!‬
‫الوجه الثالث‪ :‬المجاهرة بهذا الكفر والستدلل به‪:‬‬
‫والذي تولى كبر هذا البلء المدعو حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة (‪1320‬ه‍)‪ ،‬الذي ألف‬
‫كتابه "فصل الخطاب" لثبات هذه السطورة‪.‬‬
‫ولربما الول مرة في التاريخ يحدث هذا الجمع "لساطير" الشيعة المتفرقة وأقوال شيوخها‪ ،‬واليات‬
‫المفتراة التي يزعمونها في كتاب واحد يطبع وينشر‪ ..‬ليصبح فضيحة لهم أبد الدهر‪ ..‬ولو كان‬
‫للمسلمين قوة وسلطان لعقدت المحاكم لهذا الكتاب وصاحبه وحكم في ضوئه على دخول الثني‬
‫عشرية في السلم أو خروجها منه‪ ،‬وارتاح المسلمين من شر أولئك المرتزقة الذين ينتشرون في‬
‫‪623‬‬
‫العالم السلمي لنشر التشيع‪ ..‬وأفاق من غرّر به شيوخ الشيعة من أولئك التباع الجهلة‪ ..‬الذين ل‬
‫يدركون من التشيع إل أنه حب آل البيت الذي سيدخلهم الجنة بغير حساب!‬
‫ولقد قام الستاذ إحسان إلهي ظهير بنشر قسم كبير من الكتاب في كتابه الشيعة والقرآن‪ ..‬مع ذكر‬
‫أدلة هذا المفتري وشبهه‪ ،‬ومع أن ذلك يعد كشافا لحقيقة الثني عشرية في هذا العصر‪ ،‬إل أن الستاذ‬
‫إحسان قد اكتفى بنقل النصوص دون تعليق أو نقد‪ ..‬وهذا من الخطورة بمكان‪ ،‬ول سيما أن المؤلف‬
‫قد ذكر اثنتي عشرة شبهة لثبات فريته‪ ،‬وهي وإن كانت أشبه بخيوط العنكبوت إل أن فيها ما قد‬
‫يخفى على بعض من ل علقة له بالعلم الشرعي‪ ،‬فكان من الواجب أن تكشف ترهاته وأن تدك‬
‫شبهاته‪ .‬ويؤتى عليها من القواعد‪ .‬وفيما يلي عرض موجز لمحتويات هذا الكتاب باعتبار أن مؤلفه‬
‫[وقد سبقت الشارة إلى الكتاب في أثناء الحديث عن كتب الشيعة التي قالت بهذه السطورة‪ :‬ص ‪ ،233‬وفي‬ ‫من المعاصرين‬
‫هذا الموضع نناقش شبهات الكتاب ومحتوياته‪ ..].‬مع نقده وكشف شبهاته وأغاليطه ‪ -‬بحول ال ‪.-‬‬
‫بناء على أن كتاب إحسان قد سار بها في كل مكان في العالم السلمي ولم تحظ منه بنقد ول رد‬
‫على أساس أن المر أوضح من أن يبين‪ ،‬ومجرد عرض هذه الفرية كاف في بيان بطلنها‪ ..‬وأقول‪:‬‬
‫إن هذا حق باعتبار أصل الفرية ومنطلقها‪ ،‬ولكن الشبه التي أثارها لبد من أبطالها وكشف ضللها‪.‬‬
‫لقد قام المؤلف بكشف الغطاء عن عقيدة الشيعة الثني عشرية في تحريف القرآن وجمع ما تفرق‬
‫من أخبارهم فيها‪ ،‬ونقل تصريحات شيخهم بتواترها‪ ،‬وأنها تزيد على ألفي حديث‪ ،‬واتهم صحابة‬
‫رسول ال بتحريفه والتواطؤ على ذلك ولم يستثن من ذلك سوى أمير المؤمنين علي‪ ،‬وهذا الستثناء‬
‫صوري‪ ،‬إذ إن لزم قوله تواطؤ الجميع‪ ،‬لن القرآن الذي عند علي والسالم من التحريف بزعمهم لم‬
‫يظهره علي ول إبان خلفته‪..‬‬
‫ثم قدّم – من كتبهم – (‪ )1062‬رواية معظمها تقول في آيات من كتاب ال أنها خطأ ويذكر‬
‫تصويبها من كتبهم السطورية‪ ،‬فيرد ما أجمعت عليه المة ويرتضي ما قاله حثالة من الفاكين‪.‬‬
‫كما لم يجبن عن ذكر بعض "سور" بكاملها تتناقلها الدوائر الشيعية وليس لها ذكر في المصحف‪،‬‬
‫وعلمة الكذب والفتراء واضحة بيّنة في نصها ومعناها ل يخفى إل على أعجمي جاهل ول يروّجها‬
‫إل زنديق مغرّض‪.‬‬
‫كما رد على من أنكر التحريف من طائفته وبيّن أن إنكار القدامى كان تقية وأن من أنكر أخبار‬
‫التحريف يلزمه رد أخبار المامة لما بينهما من تلزم‪.‬‬
‫وهذا الكتاب الذي حوى هذا الكفر قد طبع في إيران سنة (‪1298‬ه‍) وما إن خرج حتى انزعج كثير‬
‫من الشيعة لظهوره‪ ،‬وقد وصف أحد شيوخهم ذلك فقال‪" :‬فل تدخل مجلسا في الحوزة العلمية إل‬
‫[المرعشي‪ /‬المعارف الجلية‪:‬‬ ‫وتسمع الضجة والعجة ضد ذلك الكتاب ومؤلفه وناشره يسلقونه بألسنة حداد"‬
‫ص ‪.].21‬‬

‫‪624‬‬
‫ويرى الستاذ محب الدين الخطيب أن سبب الضجة أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة‬
‫القرآن محصورا بين خاصتهم ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم‪ ،‬وأن ل يجمع ذلك كله في‬
‫كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار‬
‫الجميع‪ ،‬ويقول‪ :‬ولما أبدى عقلؤهم هذه الملحظات خالفهم فيها مؤلفه‪ ،‬وألّف كتابا آخر سماه (رد‬
‫بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب) [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].11‬‬
‫وإذا كان غلة الشيعة يحاولون التستر علي هذه الفضيحة في معظم الحيان بحكم عقيدة التقية التي‬
‫أصبحت لهم حصنا وملذا‪ ،‬وأن تلك الضجة التي حدثت قد شارك فيها من يذهب إلى هذا الكفر ويرى‬
‫وجوب التستر عليه صيانة لسمعة قومه‪ ،‬ووقاية لدينهم من فضيحة تزلزل كيانهم‪ ،‬وتمنع انتشار‬
‫عقيدتهم‪ ،‬فإنني ل أجزم كالستاذ محب الدين في تعميم هذا الحكم على كل الشيعة‪ ،‬بل إن هناك فئة‬
‫من الشيعة ل تزال تنكر هذا الكفر وتتبرأ منه‪ ،‬وقد كتبوا ردودا على كتاب فصل الخطاب من هذا‬
‫المنطلق – فيما يظهر – مثل ما كتبه شيخهم وآيتهم محمد حسين المرعشي في كتابه الموسوم ب‍"رسالة‬
‫[ل يزال هذا الكتاب‬ ‫حفظ الكتاب الشريف من شبهة القول بالتحريف" وهو رد على كتاب فصل الخطاب‬
‫مخطوطا (انظر‪ :‬المعارف الجلية‪ :‬ص ‪.].)21‬‬
‫كما أنني ألحظ من خلل كتاب فصل الخطاب أنه يرد على المنكرين لهذا الفرية من قومه‪،‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫ويجادلهم في هذا المر‪ ،‬ومن يقرأ الكتاب يرى أنه ألف لقناع من خالف هذا الكفر من الشيعة‬
‫فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ 360‬وما بعدها‪.].‬‬
‫ثم أن ما كتبه صاحب فصل الخطاب بعنوان "رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب‪ "..‬كما يقول‬
‫محب – رحمه ال – ليس – فيما يبدو – للرد على من قال‪ :‬إن هذه القضية ينبغي أن تكون سرية‬
‫بينهم؛ ذلك أن ما يشير إليه محب صورته الظاهرة كالتي‪:‬‬
‫لما ظهر كتاب "فصل الخطاب" قام بالرد عليه شيخهم محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب‬
‫الطهراني بكتاب سماه "كشف الرتياب في عدم تحريف الكتاب" وقد نقل لنا صاحب الذريعة أول رد‬
‫لصاحب كشف الرتياب‪ ،‬وهو يفيد إنكار التحريف ل الدعوة إلى التستر عليها‪ .‬قال صاحب الذريعة‪:‬‬
‫[ل حظ أنه يسميها شبهات؛ لن صاحب الذريعة على مذهب صاحب فصل الخطاب في هذا الكفر‪ ،‬فهو‬ ‫"وأول شبهات"‬
‫يسمي أدلة كشف الرتياب شبهات إمعانًا في الكفر‪ ،‬كيف وصاحب فصل الخطاب هو شيخ لصاحب الذريعة وقد أعظم الثناء‬
‫"كشف الرتياب" هو أنه إذا ثبت تحريف القرآن فلليهود أن‬ ‫عليه وغل في مديحه في ترجمته التي كتبها عنه‪].‬‬

‫[انظر‪ :‬أغا بزرك الطهراني‪ /‬الذريعة إلى تصانيف‬ ‫يقولوا‪ :‬إذا ل فرق بين كتابنا وكتابكم في عدم العتبار"‬
‫الشيعة‪ 18/9 :‬حرف الكاف‪ 10/12 ،‬حرف الراء‪.].‬‬
‫فكتب الطبرسي ردا عليه – وهو ما يشير إليه محب فيما يبدو – في كتاب سماه "الرد على كشف‬
‫قال صاحب الذريعة‪" :‬وكان يوصي كل من عنده فصل‬ ‫[انظر‪ :‬المصدر السابق‪].10/211 :‬‬ ‫الرتياب"‬

‫‪625‬‬
‫الخطاب أن يضم إليه هذه الرسالة التي هي في دفع الشبهات التي أوردها الشيخ محمود عليه وهي‬
‫فارسية لم تطبع بعد"‪.‬‬
‫وكان جواب الطبرسي في رده على دليل صاحب كشف الرتياب محاولة منه للتراجع‪ ،‬وبرهانا‬
‫على التناقض‪ ،‬حيث قال‪" :‬هذه مغالطة لفظية حيث إن المراد بالتحريف‪ ...‬غير ما حملت عليه ظاهرا‬
‫للفظ‪ ،‬أعني التغيير والتبديل والزيادة والتنقيص وغيرها المحقق والثابت جميعها في كتب اليهود‬
‫وغيرهم‪ ،‬بل المراد من التحريف خصوص التنقيص فقط في غير آيات الحكام جزما‪ ،‬وأما الزيادة‬
‫فالجماع المحقق الثابت من جميع فرق المسلمين والتفاق العام من كل منتحل للسلم على عدم زيادة‬
‫كلم واحد في القرآن المجموع فيما بين هاتين الدفتين ولو بمقدار أقصر آية يصدق عليه كلم فصيح‪،‬‬
‫بل الجماع والتفاق من جميع أهل القبلة على عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن‪ ،‬بحيث ل‬
‫نعرف مكانها‪ ،‬فأين التنقيص الجمالي المراد لنا عما حملت ظاهر اللفظ وهل هذا إل مغالطة لفظية؟"‬
‫[الذريعة‪.].10/221 :‬‬
‫هذا جزء مما دار في الرسالتين‪ ،‬نقله لنا صاحب الذريعة وهو يكشف أن الحوار كان في مسألة‬
‫وقوع التحريف من عدمه‪ ،‬ل في وجوب التستر على هذه الفرية‪ ،‬وهو ل ينفي أن يوجد اتجاهٌ عند‬
‫الشيعة يرى ضرورة التستر صيانة لحرمة المذهب‪..‬‬
‫ولكنه ينفي تعميم الحكم بهذا على الجميع‪.‬‬
‫هذا وفي كلم صاحب الذريعة الذي لخصه‪ ،‬من الرسالة الفارسية لصاحب فصل الخطاب ونقلناه‬
‫مع صياغته التي يبدو علها أثر العجمة تخليط وتناقض وتقية وضح دليلها في أثناء كلمه كما هي‬
‫[لحظ مثلً أنه نفى الزيادة مطلقا ثم عاد بعد ذلك وقال‪" :‬بل الجماع والتفاق على‬ ‫عادة هؤلء الروافض في الغالب‬
‫عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن بحيث ل نعرف مكانها" انظر إلى قوله‪" :‬ل نعرف مكانها" فهو يشير بهذه الجملة من‬
‫طرف خفي إلى ما يذهب إليه صاحب هذا الخطاب ويوافقه هو علي هذا المذهب من افترائهم بالقول بالزيادة في كلم ال‪.‬‬
‫قال صاحب فصل الخطاب وهو يذكر صور التغيير في القرآن الذي أوحاه إليه شيطانه ودفعه إليه حقده على السلم وأهله‪:‬‬
‫ن الَنفَالِ}" (فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ،)25‬كما أن قوله بالنقيصة ل‬
‫س َألُونَكَ عَ ِ‬
‫"السابعة زيادة كلمة كزيادة عن في قوله تعالى‪{ :‬يَ ْ‬
‫يخرجه عن تكذيب قول ال تعالى‪{ :‬إِنّا نَ ْحنُ نَ ّزلْنَا ال ّذكْرَ وَِإنّا لَ ُه لَحَافِظُونَ}‪.].‬‬
‫وهذا الكتاب رتبه مؤلفه – عليه من ال ما يستحق – على ثلث مقدمات وبابين‪.‬‬
‫ففي المقدمة الولى نقل مجموعة من أخبارهم التي تتحدث عن جمع القرآن – حسب تصور هؤلء‬
‫الزنادقة – كرواية ثقة دينهم التي تقول‪" :‬ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله‪ ،‬كما أنزل إل‬
‫كذاب‪ ،‬وما جمعه وحفظه كما أنزل ال إل علي بن أبي طالب والئمة من بعده"‪.‬‬
‫وهذا مبني على مذهب الشيعة في القول بعصمة رجل واحد وهو علي‪ ،‬وضلل المة بأجمعها‪،‬‬
‫وهو من آثار البيئة الفارسية التي تحيط ملوكها بهالة من التقديس‪.‬‬

‫‪626‬‬
‫وما أسخف عقلً يرد ما أجمع عليه الصحابة كلهم‪ ،‬ويدعي أن ل ثقة إل بقل واحد منهم‪ ،‬مع أن‬
‫هذه الدعوى ل وجود لها غل في خيالت هؤلء الزنادقة‪ ،‬فلم يعرف علي والمة إل هذا القرآن‪.‬‬
‫ثم يواصل نقله عن "قرآن علي" الذي لم يُنقص منه حرف كما يزعمون‪ ..‬فينقل مجموعة من‬
‫رواياتهم ينتهي القارئ لها إلى أن العقل الشيعي‪ ..‬من أسرع العقول إلى تصديق الخرافة‪ ،‬فهو يؤمن‬
‫بكتاب ل وجود له إل في أساطيرهم ويكفر بقرآن أجمعت علية المة‪ ..‬بما فيهم الئمة‪.‬‬
‫تتحدث هذه الساطير عن جمع عليّ للقرآن وعرضه على الصحابة ورد الصحابة له‪..‬‬
‫فيورد من هذه الروايات خبر الشيعي الذي التقى بمنتظرهم – والذي لم يولد أصلً – وفيه يقول له‬
‫المنتظر‪" :‬لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وآله من دار الفناء وفعل صنما‬
‫قريش ما فعل من نصب الخلفة جمع‬ ‫[يعنون بهما صديق هذه المة وفار وقها‪ ،‬ومن أقاما السلم بعد رسول ال‪].‬‬

‫أمير المؤمنين رضي ال عنه القرآن كله ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫هذا كتاب ال سبحانه أمرني رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم‬
‫[يعني الفاروق عمر رضي ال عنه وأرضاه‪،‬‬ ‫العرض بين يدي ال تعالى‪ ،‬فقال له فرعون هذه المة ونمرودها‬
‫والذي فتح بلد فارس‪ ،‬ونشر السلم فيها‪ ،‬فكان جزاؤه عند هؤلء الحاقدين السب والتكفير‪ :].‬لسنا محتاجين إلى قرآنك‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬أخبرني حبيبي محمد صلى ال عليه وآله بقولك هذا وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم‪،‬‬
‫فرجع أمير المؤمنين إلى منزله‪ ..‬فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم‪ :‬كل من عنده قرآن من آية‬
‫أو سورة فليأت بها‪ ،‬فجاءه أبو عبيدة بن الجراح‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وسعيد بن أبي وقاص‪ ،‬ومعاوية بن أبي‬
‫سفيان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وطلحة بن عبيد ال‪ ،‬وأبو سعيد الخدري‪ ،‬وحسان بن ثابت‪،‬‬
‫وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت عنهم بعد وفاة‬
‫سيد المرسلين صلى ال عليه وآله‪ ،‬فلذا ترى اليات غير مرتبطة‪ ،‬والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين‬
‫بخطه محفوظ عند صاحب المر عجل ال فرجه وفيه كل شيء حتى أرش الخدش‪ .‬وأما هذا القرآن‬
‫[فصل الخطاب‪:‬‬ ‫فل شك ول شبهة في صحته‪ ،‬وأنه من كلم ال سبحانه‪ ،‬هكذا صدر عن صاحب المر"‬
‫ص ‪.].10-9‬‬
‫وهذا النص نقلناه رغم طوله‪ ،‬لن معظم حكاياتهم تدور على ما جاء فيه‪ .‬فالمسألة أصلً نابعة من‬
‫حقد هذه "الفئة" على صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبغضها للدين الذي يحملونه‪.‬‬
‫فأنت ترى أن الحديث عن مثالب الصحابة وأن من جمع القرآن – بزعمهم – قد أسقطها فأباح‬
‫هؤلء بالسر المكنون وكشفوا المستور‪ ،‬وما تخفي قلوبهم أعظم‪.‬‬
‫ثم إذا رفض الصحابة القرآن – كما يزعمون – فلم يحجب عن الجيال والقرون التي بعدهم؟ وإذا‬
‫قامت الحجة على الصحابة فإنها لم تقم على من بعدهم‪ ..‬وكيف لم يُقم عليّ الحجة وهو في قوة‬
‫سلطانه إبان خلفته؟‬

‫‪627‬‬
‫إن أساطيرهم تنقض نفسها بنفسها‪ .‬وإذا امتنع الصحابة عن قبوله – كما يزعمون – أليس في المة‬
‫من يقبله عبر مراحل القرون كلها‪ ،‬وفيهم من صحب الئمة‪ ،‬والتقي بالمنتظر‪ ..‬وقامت للشيعة دول‬
‫وسلطان؟ فلماذا يحجب عنهم ويظل مع الغائب في سرادبه؟ أل يؤكد هذا لكل عاقل خرافة هذه‬
‫الدعوى بغض النظر عن جميع الدلة الخرى‪ ،‬بل إن صاحب فصل الخطاب ينقل في هذه المقدمة‬
‫أخبارا تقول إن عليا امتنع عن تسليم القرآن الذي جمعه للصحابة حينما طلبوا منه ذلك‪ ،‬واحتج بأنه ل‬
‫يمسه إل المطهرون‪ ،‬وأن المطهرين هم الئمة الثني عشر [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].7‬‬
‫وهذه قاصمة الظهر‪ ..‬فعليّ كما يفترون – هو الذي رفض إبلغ القرآن‪ ،‬وادعى أنه خاص به‬
‫وبولده‪ ..‬وهذا ل يقول به أحد من المسلمين فضلً عن أمير المؤمنين‪ ،‬فهو كلم المقصود به الساءة‬
‫إلى أهل البيت والطعن فيهم‪ ،‬ولذلك ذهبت بعض فرق الشيعة كالكاملية إلى تفكير أمير المؤمنين عليّ‪.‬‬
‫وهذه الثار التي جمعتها كتب الثني عشرية تؤدي إلى هذا المذهب‪ ،‬فهؤلء يشايعون الشيطان ول‬
‫يشايعون أمير المؤمنين‪ ،‬ومن ينزه أمير المؤمنين من هذه الباطيل وأمثالها هم شيعته وأنصاره على‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫أما المقدمة الثانية عنده فتتضمن صور التحريف التي يزعم وقوعها في كتاب ال سبحانه أو‬
‫امتناعها‪ ،‬فعرض مجموعة من الصور التي أوحاها له شيطانه‪ :‬في السورة‪ ،‬والية‪ ،‬والكلمة‪،‬‬
‫والحرف‪.‬‬
‫وقرر "أن زيادة السورة وتبديلها بأخرى أمر ممتنع [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪].24‬؛ لن ال يقول‪{ :‬وَإِن كُنتُمْ‬
‫فهو يقول بأن القرآن الذي بين أيدي‬ ‫[البقرة ‪]23‬‬ ‫علَى عَ ْبدِنَا َف ْأتُواْ ِبسُو َرةٍ مّن مّ ْث ِلهِ}‬
‫فِي رَ ْيبٍ ّممّا نَ ّزلْنَا َ‬
‫المسلمين ل زيادة فيه أصلً؛ لن البشر عاجزون عن التيان بسورة من مثله‪ ..‬ولكنه ينقض هذا‬
‫حينما يزعم أن "نقصان السورة جائز كسورة الولية" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].24‬‬
‫فهو بهذا يزعم أن في كتاب ال نقصا‪ ،‬ويمثل لذلك بسورة الولية‪ ،‬ول شك أن هذه الدعوى تتضمن‬
‫زيادة سورة على كتاب ال‪ ،‬وهو قد قرر امتناعها‪ ..‬ثم إن هذه السورة المفتراة يشهد نصها على‬
‫[وهو شيخهم‪ :‬محمد جواد البلغي في تفسيره آلء الرحمن ص‬ ‫كذبها‪ ..‬وقد كشف ذلك بعض شيوخ الشيعة أنفسهم‬
‫‪ .].25-24‬وهي عبارة عن نص ملفق‪ ،‬وتركيب متهافت‪ ،‬ومعنى ساقط يتضح من خلله أن واضعه‬
‫أعجمي جاهل – كما سيأتي ‪.-‬‬
‫ويقول‪ :‬إن زيادة آية على القرآن‪ ،‬أو تبديل آية بأخرى هو أيضا منتف بالجماع‪ ،‬ثم يناقض ذلك‬
‫بزعمه أن نقصان الية غير ممتنع [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].24‬‬
‫أما زيادة كلمة في القرآن فيرى على ضوء أساطيرهم أنها ممكنة‪ ،‬ويمثل لذلك بقوله‪ :‬كزيادة "عن"‬
‫عنِ الَنفَالِ} [النفال ‪ .]1‬فهو يفتري أن القرآن زيادة كلمة "عن"‪ ،‬وغرض‬
‫س َألُو َنكَ َ‬
‫في قوله تعالى‪َ { :‬ي ْ‬
‫الرافضة في هذا الزعم أن النفال كانت خاصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم هي للئمة الثني‬

‫‪628‬‬
‫عشر المعصومين من بعده‪ ،‬والصحابة إنما كانوا يسألون الرسول أن يعطيهم منها على سبيل الصدقة‬
‫ولم يكن سؤالها عن حكمها‪ ،‬وهذا ل يتأتى للرافضة إل بحذف كلمة "عن"‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬نقصانها – أي الكلمة – وهو كثير ك‍ "في عليّ" في مواضع‪ ،‬أي أن اسم علي ورد‬
‫بزعمهم في القرآن‪ ،‬وحذفه الصحابة‪ ،‬وهذه دعوى لسكات أتباعهم الذين داهمهم الشك في مذهبهم‬
‫الذي ل شاهد له من كتاب ال‪ ،‬وهذا أحد الساليب القريبة التي دفعت الرافضة للقول بهذه الفرية‪..‬‬
‫وأما السباب البعيدة وجذور هذه المقالة فهي هدم التشيع أصلً وإبعاد الشيعة عن السلم كليا‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يذكر من الصور للتغير المزعوم في كتاب ال تبديل الكلمات ويقرر علي هدي من‬
‫صطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ‬
‫خرافاتهم وقوعه فيقول ‪ " :‬كتبديل آل محمد بعد قوله تعالى‪ِ{ :‬إنّ الّلهَ ا ْ‬
‫إِ ْبرَاهِيمَ} [آل عمران ‪ .]23‬بآل عمران" وواضح غرض الشيعة من ذلك فهي تبحث بأي وسيلة عما يثبت‬
‫ذكر أئمتهم في كتاب ال؛ إذ كيف يذكر آل عمران ول يذكر أئمتهم‪..‬؟‬
‫ثم يتحدث عن الحرف فيرى بمقتضى أساطيرهم أن زيادته ونقصانه أمر ممكن وواقع‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"نقصان الحرف كنقصان "همزة" من قوله تعالى‪{ :‬كُنتُمْ خَيْرَ ُأ ّمةٍ} [آل عمران ‪ ،]110‬و"يا" في قوله تعالى‪:‬‬
‫{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ ‪."]40‬‬
‫والهدف من خلل هذا الفتراء مكشوف‪ ،‬فأمة محمد في قاموس هؤلء القوم الذين أكل الحقد قلوبهم‬
‫عليها؛ لنها فتحت ديارهم وأسقطت عروشهم‪ ،‬ونشرت السلم بينهم‪ ،‬هذه المة في اعتقادهم ملعونة‬
‫ضالة ظالمة‪ ..‬ويؤلمهم أن يثني ال سبحانه عليها‪ ،‬فحاولوا أن يجعلوا الثناء خاصا بالثني عشر الذين‬
‫لم يولد آخرهم أصلً‪ ..‬فقالوا‪ :‬إنها ليست المة‪ ،‬بل الئمة‪.‬‬
‫وكذلك أرادوا من افترائهم بزيادة الياء في قوله "ترابا" أرادوا ترابيا والهدف النسبة إلى علي الذي‬
‫كان يلقب بأبي تراب‪ ،‬وأن الكافر يقول‪ :‬يا ليتني كنت ترابيا أي‪ :‬من شيعة علي‪ ،‬وما أدري ِلمَ ل‬
‫يتمنى أن يكون من شيعة محمد‪ ،‬وهل عليّ أفضل من محمد؟!‬
‫إلى آخر هذيانه‪ ..‬الذي عاد على الشيعة بأسوأ العواقب‪ ..‬وأورثها العار إلى البد‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬وعقدها لذكر أقول شيوخ طائفته في تغيير القرآن وعدمه فقال‪" :‬اعلم أن لهم في‬
‫ذلك أقوالً مشهورها اثنان‪ :‬الول‪ :‬وقوع التغيير والنقصان فيه" ثم ذكر من قال به من شيوخهم‬
‫كالقمي في تفسيره‪ ،‬والكليني في الكافي وهما كما قال ممن غل وأكثرا من الرواية في هذا المذهب‪،‬‬
‫ومثل المجلسي في مرآة العقول‪ ،‬والصفار في بصائر الدرجات‪ ،‬والنعماني في الغيبة‪ ،‬والعياشي‬
‫وفرات الكوفي في تفسيرهما‪ ،‬ومفيدهم في المسائل السروية‪ ،‬ومحدثهم البحراني في الدرر النجفية‪.‬‬
‫وأخذ على هذا المنوال يعدد من مشاهير علماء مذهبه ممن قال بهذه السطورة مع تفخيمهم‬
‫باللقاب‪ ،‬أو نعت بعضهم بأنه "ممن لم يعثر له على زلة"‪ ،‬مع أنه يكفيه مقالته هذه إغراقا في الضلل‬
‫وزلةً إلى الكفر‪ ..‬فذكر أسماء شيوخهم وكتبهم في هذا الكفر واستشهد ببعض كلماتهم التي كشفت‬

‫‪629‬‬
‫حقيقة التشيع في عصوره المتأخرة؛ كنقله لقول شيخهم أبي الحسن الشريف صاحب مرآة النوار‪،‬‬
‫والذي ذكر فيه أن هذه المقالة من ضروريات مذهب التشيع [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].32‬‬
‫ثم قال‪" :‬الثاني‪ :‬عدم وقع التغيير والنقصان فيه‪ ،‬وأن جميع ما نزل على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين‪ ،‬وإليه ذهب الصدوق في عقائده‪ ،‬والسيد المرتضى‪،‬‬
‫وشيخ الطائفة في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما حكاه المفيد عن جماعة من أهل‬
‫المامة والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].33‬‬
‫وأنت تلحظ – كما أسلفنا – أنه يريد أن يجعل هذه المقالة هي الصل في التشيع‪ ..‬وإل فإن قدماء‬
‫شيوخ الذهب كانوا بعيدين عن هذا الكفر‪ ..‬وقد مضى الحديث عن الصل في الفتراء وبدايته‪.‬‬
‫ثم ذكر بعض كلمات المنكرين وناقش إنكارهم لبعض ما جاء في كتبهم من القول بهذه الفرية‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ 33‬وما‬ ‫ليصل إلى أن النكار ليس على حقيقته‪ ،‬بل هو من باب الخداع لهل السنة‬
‫بعدها‪.].‬‬
‫وفي الباب الول‪ :‬عرض ما يسميه ب‍"الدلة التي استدلوا بها‪ ،‬ويمكن الستدلل بها على وقوع‬
‫التغيير والنقصان في القرآن"‪.‬‬
‫فذكر اثنتي عشرة شبهة بعدد أئمته‪..‬‬
‫الشبهة الولى‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل الول‪ :‬أن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده‪ ،‬فهذه المة أيضا‬
‫لبد وأن يغيروا القرآن بعد نبينا صلى ال عليه وآله؛ لن كل ما وقع في بني إسرائيل لبد وأن يقع‬
‫في هذه المة على ما أخبر به الصادق المصدوق صلوات ال عليه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].36‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة من وجوه‪:‬‬
‫•الوجه الول‪:‬‬
‫سلمنا أن كل ما وقع في بني إسرائيل سيقع في أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لكننا نقول‪ :‬يخرج‬
‫من هذا العموم ما دل الليل على خروجه‪ ،‬وتحريف القرآن مستثنى من هذا العموم بنص القرآن‪{ :‬إِنّا‬
‫حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر ‪ .]9‬وهل هناك أقوى من أن يخص عموم حديث بنص من‬
‫نَ ْ‬
‫القرآن‪ ..‬فأين عقول هؤلء القوم؟ ولهذا قال الباقلني‪" :‬أول جهلكم أنكم قطعتم بخبر واحد على أن‬
‫غيّر و ُبدّل مع ردكم لما هو أقوى منه" [نكت النتصار‪ :‬ص ‪.].104‬‬
‫القرآن ُ‬
‫ثم إن ال سبحانه قد استحفظ أهل الكتاب التوراة واستودعهم إياها فخانوا المانة‪ ،‬ولم يحفظوها‪ ،‬بل‬
‫ضيعوها عمدا‪.‬‬
‫والقرآن الكريم لم يكل ال حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه‪ ،‬بل تولى حفظه جل وعل بنفسه‬
‫طلُ‬
‫حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ}‪ ،‬وقوله‪{ :‬ل َيأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫الكريمة المقدسة كما أوضحة بقوله‪{ :‬إِنّا نَ ْ‬

‫‪630‬‬
‫[انظر‪ :‬الشنقيطي‪ /‬أضواء البيان‪-2/100 :‬‬ ‫إلى غير ذلك من اليات‬ ‫[فصلت ‪]42‬‬ ‫خلْ ِفهِ}‬
‫مِن بَ ْينِ َيدَ ْيهِ وَل ِمنْ َ‬
‫‪.].101‬‬
‫وذلك لن القرآن العظيم هو آخر الكتب‪ ،‬فل كتاب بعده‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم هو آخر‬
‫الرسل فل نبي بعده‪ ،‬وبموته انقطع الوحي‪ ..‬فمن رحمة ال بعباده أن حفظ كتابه ليبقي هداية للمة‬
‫ونورا إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫•الوجه الثاني‪:‬‬
‫أن زعمه أن كل ما وقع في بني إسرائيل لبد أن يقع في هذه المة‪ ،‬هذه المقدمة غير مسلّمة له‬
‫على الطلق‪ ،‬فالنتيجة التي اعتمدها بناءً على هذه المقدمة‪ ،‬نتيجة كاذبة؛ لنها مبنية على مقدمة‬
‫ليست مسلمة له على إطلقها بدليل أن بني إسرائيل قتلوا أنبياءهم ولم يتحقق ذلك في هذه المة‪ ،‬وإن‬
‫حاول فئة من المنافقين ذلك‪ ،‬وبنو إسرائيل عبدوا العجل ولم يحصل من المة نظيره‪ ،‬فتلك المقدمة‬
‫ليست على إطلقها‪ ،‬وتحريف القرآن أولى مما ذكرنا لستثنائه من هذا العموم بالنص كما بينا‪ ،‬وإن‬
‫حاول فئات من المنافقين الذين تستروا بالتشيع ذلك‪.‬‬
‫كذلك أمتنا تختلف عن بني إسرائيل؛ حيث ل تزال طائفة ظاهرة علي الحق ل يضرهم من خالفهم‪،‬‬
‫ول من خذلهم حتى تقوم الساعة‪ ،‬ولهذا ل يسلط ال عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم‪ ،‬كما ثبت هذا‬
‫وهذا في الحاديث الصحيحة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حيث أخبر أنه ل تزال طائفة من أمته‬
‫ظاهرة على الحق ل يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وأخبر أنه سأل ربه أن ل يسلط عليهم عدوا‬
‫من غيرهم فأعطاه ذلك‪ ،‬وسأله أن ل يهلكهم بسنة عامة فأعطاه ذلك وسأله أن ل يجعل بأسهم بينهم‬
‫[رواه مسلم‪ ،‬كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب هلك هذه المة بعضهم ببعض‪( 3/2216 :‬ح ‪،)2890‬‬ ‫شديدا فمنعه ذلك‬
‫والترمزي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ما جاء في سؤال النبي صلى ال عليه وسلم ثلثًا في أمته‪( ،472–4/471 :‬ح ‪،)2176 ،2175‬‬
‫وابن ماجه في كتاب الفتن‪ ،‬باب ما يكون من الفتن‪( 2/303 :‬ح ‪ ،)3951‬وأحمد‪،240 ،5/108 ،156 ،3/146 ،181 ،1/175 :‬‬
‫‪.].6/396 ،243‬‬
‫خلْف فيهم حتى ل تقوم بالحق منهم طائفة ظاهرة منصورة ولهذا كان العدو يسلط‬
‫ومن قبلنا كان ال ُ‬
‫[مناهج السنة‪:‬‬ ‫عليهم فيجتاحهم كما سلط على بني إسرائيل وخرب بيت المقدس مرتين ولم يبق لهم ملك‬
‫‪.].3/242‬‬
‫* الوجه الثالث‪:‬‬
‫لو سلمنا جدلً أن القرآن لم يخرج من ذلك العموم بالنص المذكور‪ ،‬فإن التحريف هو ما تقوم به‬
‫الشيعة من تحريف للمعنى‪ ،‬ومحاولة لتحريف اللفظ‪ ،‬وما قدمناه عنهم هو الدليل‪ ،‬لكنهم لم يحققوا‬
‫[في هذا الموضوع أملى علي د‪ .‬محمد رشاد سالم –‬ ‫أهدافهم؛ لن ال هو الذي تكفل بحفظه بنص الية السابقة‬
‫رحمه ال – فقال‪" :‬وجه الشبه بين فعل المتين أن من أمة محمد من حاول تحريف القرآن بالفعل مثل الشيعة الرافضة‪ ،‬أو‬
‫تأويله تأويلً باطلً متعسفا كالجهمية‪ ..‬لكن النتيجة مختلفة؛ فقد تم التحريف بالفعل في أمة بني إسرائيل الذين كتموا التوراة‬

‫‪631‬‬
‫وأخفوها‪ ،‬وأظهروا التوراة المحرفة‪ ،‬وكذلك فعل النصارى في إنجيلهم‪ ،‬أما أمة محمد فقد تكفل ال سبحانه بحفظ كتابهم‬
‫القرآن"‪.].‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل الثاني أن كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه‪،‬‬
‫وقد أشار إلى ذلك العلمة المجلسي في مرآة العقول‪ ،‬حيث قال‪ :‬والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن‬
‫متفرقا منتشرا عند الناس وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع أن يكون جمعه كاملً موافقا للواقع"‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].97‬‬
‫والجواب‪ :‬إن هذه الشبهة مبنية على العقلية المامية التي تحتم على جميع المة إذا أجمعت الخطأ‪،‬‬
‫وتجعل رأي واحد منها (ليس بنبي) هو الصواب‪ ،‬كما يلحظ ذلك في قوله‪" :‬وتصدى غير المعصوم‬
‫لجمعه"‪ .‬وهو رأي منقوض وباطل كما أسلفنا في الحديث عن العصمة‪ ،‬وما بني على باطل فهو‬
‫باطل‪.‬‬
‫وصياغته لهذه الشبهة تدل على أن كثيرا من شيوخ المامية قوم ُبهْتٌ يكذبون بالحقائق الواضحات‬
‫ويصدقون بالكاذيب والخرافات‪ .‬فجمع القرآن جاء على أدق الطرق وأوثقها ضبطًا وإتقانا‪ ،‬فكتبة‬
‫الوحي يكتبون‪ ،‬والحفظة يحفظون‪ ،‬والمة بأكملها تردد آيات القرآن في صلواتها وحلقاتها‪ ،‬كلما نزل‬
‫شيء من القرآن هبوا لحفظه وكتابته وتعلمه والعمل به‪ ،‬فالممتنع هو أن يزاد في القرآن حرف أو‬
‫ينقص منه حرف آخر‪ ،‬ولذا أجمعت المة على ذلك والجماع معصوم‪.‬‬
‫فلنحكّم عقولنا؛ ما جاءت هذه الدعوى إل من طائفة الثني عشرية من بين فرق الشيعة كلها‪ ،‬وهي‬
‫تتحدث عن قرآن جمعه عليّ هو الكامل في نظرها وترفض ما أجمع عليه المسلمون‪ ..‬فأيهما نصدق‬
‫أبالقرآن أم بكتاب غائب لم ير ولم يعرف‪ ،‬معلق خروجه على منتظر موهوم‪ ..‬تولى جمعه –‬
‫باعترافهم – فرد واحد‪..‬؟‬
‫أخرج لنا الشيعة منه آيات يستحيل أن تكون من كلم رب العزة جل عله لسقوطها عن أداء‬
‫النسان العادي‪ ،‬فكيف بكلم رب العالمين المعجز؟ ورأينا من تنسب الشيعة إليه هذا الكتاب المزعوم‬
‫يتعبد ويقرأ بالقرآن الذي بأيدي المسلمين‪ ،‬والشيعة تفتري عليه بأن ذلك منه تقية‪ .‬فهل تجوز التقية في‬
‫مثل هذا الذي يترتب عليه ضياع الدين وضلل الجيال؟‍‍! إنها مقالة تنطق الشواهد بكذبها‪ ،‬وهي من‬
‫تقدير ال سبحانه لينكشف أمر هذه الطائفة للمسلمين جميعا‪ ،‬بعدما عاشت بينهم بالتقية قرونا متطاولة‪.‬‬
‫ثم إن من العلوم أن جمع المة للقرآن في زمن الصديق وأمير المؤمنين عثمان قد تم بإجماع‬
‫الصحابة‪ ،‬وكان أمير المؤمنين عليّ على رأس الكتبة وأغلب القراءات المتداولة ترجع بالسند المتواتر‬
‫إليه باعتراف الشيعة نفسها كما سلف نقل ذلك عنهم [انظر‪ :‬ص ‪ 267 – 266‬من هذه الرسالة‪ ،].‬وليس في‬
‫الطرق إلى علي ّما يخالف قرآن المة‪ ،‬وقد أثنى أمير المؤمنين على الصديق‪ ،‬وعلى ذي النورين فيما‬
‫فهل تنكر ضوء الشمس ليس دونها‬ ‫[انظر‪ :‬ص ‪ 265 – 236‬من هذه الرسالة‪].‬‬ ‫قاما به من أمر المصحف‬
‫‪632‬‬
‫سحاب وتصدق أساطير نقلها شرذمة من أعداء المة والدين؟! ومن أضل ممن يدعو أتباعه للعراض‬
‫عن كتاب ال وانتظار كتاب موهوم مفترى عند إمام مخترع أو هارب في سردابه منذ أكثر من ألف‬
‫عام‪ ..‬وكيف تقوم الحجة على العباد بمثل هذا الكتاب الموهوم‪ ..‬والشيعة ل علم لها بهذا المصحف‬
‫ول صلة لها به‪ ،‬إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬إن أكثر العامة وجماعة من الخاصة ذكروا في أقسام اليات المنسوخة ما نسخت‬
‫تلوتها دون حكمها‪ ،‬وما نسخت تلوتها وحكمها معا وذكروا للقسمين أمثلة ورووا أخبارًا ظاهرة بل‬
‫صريحة في وجود بعض اليات والكلمات التي ليس لها في القرآن المتداول أثر ول عين وأنه كان‬
‫منه في عصر النبي صلى ال عليه وآله يتلونه الصحاب وحملوها على أحد القسمين من غير أن‬
‫تكون فيها دللة وإشارة على ذلك‪ ،‬وحيث إن نسخ التلوة غير واقع عندنا‪ ،‬فهذه اليات والكلمات لبد‬
‫وأن تكون مما سقط أو سقطوها من الكتاب جهلً أو عمدا‪ ،‬ل بإذن من ال ورسوله وهو المطلوب"‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ .].106‬هذه الشبهة تتكرر على ألسنة المعاصرين من الشيعة كثيًرا‪ ،‬ويحاولون أن‬
‫ينفذوا من خللها إلى فكر القارئ للتأثير عليه بإيهامه أن اليات المنسوخة تلوة الواردة من طرق‬
‫السنة هي كأخبار التحريف عند الشيعة‪ ،‬فل تكاد تقرأ كتابا من كتب هذه الطائفة‪ ،‬ويأتي الحديث عن‬
‫[مثل‬ ‫هذه الفرية إل وتجدهم يبررون ما شاع من أساطير في كتبهم بالخبار المنسوخة عند أهل السنة‬
‫عبد الحسين الموسوي في أجوبة مسائل جار ال‪ ،‬ومحسن المين في كتابه الشيعة بين الحقائق والوهام‪ ،‬وعبد الحسين الرشتي‬
‫في "كشف الشتباه" والخنيزي في "الدعوة إلى وحدة أهل السنة والمامية" وغيرهم‪.].‬‬
‫ول شك أن حجتهم داحضة؛ ذلك أن النسخ من ال سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬مَا نَنسَخْ ِمنْ آ َيةٍ أَوْ نُنسِهَا‬
‫َن ْأتِ ِبخَيْرٍ مّ ْنهَا َأوْ مِ ْثلِهَا} [البقرة ‪ .]106‬أما التحريف فمن فعل البشر‪ ،‬وشتان بين هذا وذاك‪ ،‬ولذلك وجد‬
‫من شيوخ الشيعة الكثير ممن يذهب إلى هذا المذهب الباطل بمقتضى دللة أساطيرهم‪ ،‬ولم يوجد أحد‬
‫من علماء السنة يقول بهذه الفرية‪ ،‬فالنسخ شيء آخر غيرها‪.‬‬
‫بل إن هذه السطورة ل مكان لها أصلً عند المسلمين‪ ،‬ولذلك نجد الحديث عن النحراف فيما‬
‫يتصل بالقرآن عند أهل السنة في مسألة خلق القرآن وما شابه ذلك من القوال الباطلة التي وجدت في‬
‫محيط السنة العام‪ ،‬أما تلك القضية فغير واردة أصلً عندهم‪ ،‬فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف؟ إن‬
‫ذلك إل ضلل مبين وكيد متعمد‪ ..‬لن غاية ما تدل عليه تلك الثار أن ذلك كان قرآنا ثم رفع في حياة‬
‫الرسول والوحي ينزل‪ ،‬ولهذا وضعت في باب النسخ من مباحث علوم القرآن عند أهل السنة‪ ،‬ولم‬
‫يكن يخطر ببال أحد منهم أن ذلك يدل على تحريف المنزّل‪ ،‬بخلف أخبار هذه السطورة عند الثني‬
‫عشرية التي تنسب التحريف إلى صحابة رسول ال الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه لنها تصدق‬
‫خبر شرذمة من الفاكين وتكذب بالضرورات والخبار المتواترات وشهادة ال ورسوله لهم‪.‬‬

‫‪633‬‬
‫والصحابة عند أهل السنة هم أتقى وأخشى ل من يفعلوا شيئًا من ذلك‪ ،‬ولو فرضنا جدلً أنهم‬
‫حاولوا فعل هذا لم يمكنهم ال سبحانه وتعالى وإل لزم الخلف في قوله وهو محال‪ .‬بل يستحيل أن يقع‬
‫منه شيء من ذلك ولو على سبيل السهو؛ لن ال هو الذي وعد بحفظه‪.‬‬
‫ونسخ التلوة يقر به الروافض أنفسهم‪ ،‬وإن أنكره هذا النوري الطبرسي لتأييد مذهبه الباطل ونسب‬
‫النكار للشيعة كلها‪ ،‬فإن صدق في هذه النسبة فهو ينصرف إلى بعض المعاصرين من طائفته‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أنهم أكثر غلوا من السابقين في ذلك‪ ،‬فقد قرر شيخهم الطبرسي (ت ‪548‬ه‍) في هذه المسألة‬
‫[مجمع‬ ‫ثبوت نسخ التلوة‪ ،‬حيث قال في مجمع البيان‪" :‬ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم"‬
‫البيان‪ .].1/180 :‬والطبرسي قد أنكر التحريف‪ ،‬ويستشهد شيوخ الشيعة بإنكاره على براءة مذهبهم من‬
‫هذا العار‪ ،‬ولم يقل أحد بأن إثباته لنسخ التلوة قول بالتحريف‪.‬‬
‫ومن قبله شيخهم الطوسي (ت ‪460‬ه‍) في تفسيره التبيان‪ ،‬حيث قال‪" :‬ل يخلو النسخ في القرآن‬
‫الكريم من أقسام ثلثة‪ :‬أحدهم نسخ حكمه دون لفظه‪...‬‬
‫والثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم‪ ،‬فإن وجوب الرجم على المحصنة ل خلف فيه‪،‬‬
‫والية التي كانت متضمنة له منسوخة بل خلف وهي قوله‪" :‬والشيخ والشيخة إذا زنيا" [التبيان‪.].1/13 :‬‬
‫وقال في موضع آخر‪" :‬وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن‪ ،‬وفيما ذكرناه دليل على بطلن قولهم‪،‬‬
‫وجاءت أخبار متضافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلوتها" [التبيان‪.].1/394 :‬‬
‫ومن قبلهما شيخ الشيعة "المرتضى" (ت ‪436‬ه‍) وهو ممن ينكرون هذه الفرية وهو الذي استثناه ابن‬
‫حزم من جمهور المامية القائلين بهذه السطورة‪.‬‬
‫والشيعة المعاصرون يستدلون بإنكاره على براءة مذهب الشيعة من هذا الكفر‪ ،‬وهو يقر بنسخ‬
‫التلوة‪ ،‬ففي كتابه الذريعة قال‪" :‬فصل في جواز نسخ الحكم دون التلوة‪ ،‬ونسخ التلوة دونه" ثم تكلم‬
‫عن ذلك [الذريعة إلى أصول الشيعة‪ :‬ص ‪.].429– 428‬‬
‫إذن القرار بنسخ التلوة أمر مشترك بين الفريقين وهو شيء أخر غير التحريف‪.‬‬
‫ومن المكر والكيد الذي ل يكاد يخلو منه كتاب شيعي معاصر ناقش هذه القضية التظاهر بإنكار‬
‫الشيعة لهذه الفرية والستدلل بإنكار المرتضى والطبرسي وغيرهما‪ ،‬ثم يحاولون نسبة هذه الفرية إلى‬
‫أهل السنة‪ ،‬لنهم قالوا بنسخ التلوة‪ ..‬مع أن الطبرسي والمرتضى يقولن بذلك‪ ،‬ولكن ذلك مكر‬
‫مقصود لتحقيق هدف ل يجرؤون على إظهاره وهو اعتقادهم هذا الكفر‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل الرابع أنه كان لمير المؤمنين قرآنا مخصوصا – كذا – مخالف الموجود في‬
‫الترتيب‪ ،‬وفيه زيادة ليست من الحاديث القدسية‪ ،‬ول من التفسير والتأويل"‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬لو كان لمير المؤمنين مصحف لخرجه للمسلمين‪ ،‬ولم يسعه كتمانه‪ ،‬وإذا لم يستطع ذلك‬
‫في خلفة من سبقه – على حد تفكيركم – فإنه يستطيع إخراجه إبان خلفته‪ ..‬وكتمان ذلك كفر‬
‫‪634‬‬
‫وضلل‪ ..‬فمن ألصق ذلك بأمير المؤمنين فهو ليس من شيعته‪ ،‬بل من عدوه؛ لنه يدعي أنه كتم‬
‫إظهار الحق وبيانه خوفا وجبنا‪ ،‬وهو أسد ال وأسد رسوله‪ ..‬وكتمان أصل الدين وأساسه خروج عن‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولو لم يستطيع عليّ إخراجه لخرجه الحسن إبان خلفته‪ ،‬ولكن الذي يشهد به الجميع حتى‬
‫الروافض أن عليا لم يقرأ في صلته‪ ،‬ويحكم في خلفته إل بهذا القرآن‪ ،‬وكذلك سائر علماء أهل‬
‫البيت – كما مر [ص ‪ 265‬وما بعدها‪ –].‬وهذا يبطل كل دعاوى الروافض الذين أقض مضاجعهم وأرق‬
‫عيونهم وفض جمعهم وشتت أمرهم خلو كتاب السلم العظيم مما يثبت شذوذهم فادعوا قرآنا غائبا‬
‫لما لم يجدوا في كتاب المسلمين ضالتهم‪ ،‬كما ادعوا إماما غائبا لما مات إمامهم من غير عقب‪.‬‬
‫وإذا كان لمير المؤمنين مصحف فهو أمر طبيعي ل يدل على ما يذهب إليه هذا المجوسي‪ ،‬فهو‬
‫كبعض الصحابة الذين اتخذوا لنفسهم مصاحف خاصة كتبوها لهم ولكنها ل تصل إلى مستوى‬
‫المصحف المام الذي يكتبه كتبة الوحي بإشراف رسول الهدى صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وإذا كان لعليّ كما يدعون مصحف يخالف المصحف المام‪ ،‬فما يخالف المصحف الذي أجمع عليه‬
‫المسلمين ل اعتداد به‪ ،‬لن الجماع معصوم والعبرة بما أجمع عليه أهل السلم‪ ،‬مع أن أمير‬
‫المؤمنين كان على رأس المجمعين والجامعين وثناؤه على أبي بكر وعثمان في ذلك مشهور – كما‬
‫قدمنا ‪.-‬‬
‫قال الباقلني‪" :‬فإن قالوا‪ :‬فإنما لم يغير ذلك ولم ينكره لجل التقية قيل لهم‪ :‬ومن كان أقوى منه‬
‫[نكت‬ ‫جانبا وهو في بني هاشم مع عظم قدره وشجاعته وامتناع جانبه‪ .‬هذا غاية المتناع والباطل"‬
‫النتصار‪ :‬ص ‪.].108‬‬
‫ثم أشار إلى تناقض الروافض‪ ،‬حيث إن مقالتهم هذه في عليّ تنقض ما يزعمونه من شجاعته‬
‫وصدعه بالحق‪ ،‬وعدم سكوته عن باطل‪.‬‬
‫وذكر بأن واقع أمير المؤمنين في خلفته ينفي مجرد تصور التقية في هذا الباب "فأي تقية بعد أن‬
‫شهر سيفه وقاتل بصفين ونصب الحرب بينة وبين مخالفيه فيما هو دون تغيير القرآن وتحريفه‪ ،‬هذا‬
‫مما يعلم بطلنه ويقطع على استحالته" [نكت النتصار‪ :‬ص ‪.].108‬‬
‫الشبهة الخامسة‪:‬‬
‫قال الملحد‪ :‬الخامس أنه كان لعبد ال بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود"‪.‬‬
‫ثم ذكر نماذج مما جاء في مصحف ابن مسعود – كما تزعم رواياتهم – ومما ذكره "وكفى ال‬
‫المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].136‬‬
‫أقول‪ :‬ل خلف أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم يكتبون فيها ما يسمعون من‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم من القرآن‪ ..‬وهذا ل يطعن في المصحف المام‪ ،‬ول يدل على ما يذهب‬
‫إلية هؤلء الطغام؛ لن العمدة والصل هو ما أجمع عليه المسلمون ول عبرة بما انفرد به أحدهم‪.‬‬
‫‪635‬‬
‫وأنت تلحظ أنه جعل مصحف ابن مسعود هو المعتبر والهدف واضح؛ لنه ورد فيه – كما يزعم‬
‫– ذكر علي‪ ..‬ولكن ما استشهد به من نماذج يدل على أن ما ينسبونه لبن مسعود أو لمصحفه هو من‬
‫افتراءاتهم‪ ،‬فقوله‪{ :‬وَرَفَعْنَا َلكَ ذِكْ َركَ} هذه الية من سورة "النشراح" وهي مكية بكل آياتها كما هو‬
‫معلوم‪ ،‬والزيادة التي زادوها وهي قولهم‪( :‬وجعلنا عليا صهرك) كشفت كذبهم؛ ذلك أن صهره الوحيد‬
‫في مكة هو العاص بن الربيع الموي‪ ،‬فهم وضعوا ولم يحسنوا الوضع لجهلهم بالتاريخ‪ ..‬فهل يكتب‬
‫ابن مسعود ما يخالف الواقع وما سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم؟!‪.‬‬
‫وكذلك الشاهد الخر "وكفى ال المؤمنين القتال بعلي" فهو مخالف لنص القرآن وللواقع‪ ،‬فال‬
‫علَيْهِمْ رِيحًا‬
‫سلْنَا َ‬
‫سبحانه أخبر بمن كفى عباده المؤمنين‪ ،‬وذلك في قوله سبحانه‪ِ{ :‬إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ َفأَ ْر َ‬
‫َوجُنُودًا لّمْ تَرَ ْوهَا} [الحزاب ‪.]9‬‬
‫ولذلك قال السلف في تأويل قوله سبحانه‪{ :‬وَكَفَى الّلهُ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ الْقِتَالَ} [الحزاب ‪ ]25‬أي‪ :‬بجنود‬
‫من الملئكة‪ ،‬والرياح التي بعثها عليها [تفسير الطبري‪ ،21/148 :‬فتح القدير‪.].4/272 :‬‬
‫أما مخالفة الواقع فإن عليا لم يكن كافيا من دون المؤمنين‪ ،‬ولو لم يكن مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل علي لما أقام دينه‪ ،‬وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الرض‪ ..‬في حربه‬
‫مع معاوية [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].4/56 :‬‬
‫ولذا قال الباقلني‪" :‬فأما ادعاؤهم أن ابن مسعود قرأ‪" :‬وكفى ال المؤمنين القتال بعلي" وما أشبه‬
‫ذلك من الحاديث فإنه إفك وزور ول يصح‪[ "..‬نكت النتصار‪ :‬ص ‪ ،107‬وانظر‪ :‬روح المعاني‪.].21/175 :‬‬
‫وقال ابن حزم‪" :‬وأما قولهم [يعني النصارى؛ لنهم يعترضون علي أمة السلم بشبه هؤلء الروافض‪ :].‬إن‬
‫مصحف عبد ال بن مسعود رضي ال عنه خلف مصحفنا فباطل وكذب وإفك‪ ،‬مصحف عبد ال بن‬
‫مسعود إنما فيه قراءته بل شك‪ ،‬وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل السلم‪ ،‬في‬
‫شرق الرض وغربها" [الفصل‪.].2/212 :‬‬
‫الشبهة السادسة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل السادس أن الموجود غير مشتمل لتمام ما في مصحف أبيّ المعتبر عندنا"‪.‬‬
‫انظر مبلغ تعنت وتعصب هذا الملحد‪ ،‬فمصحف أبيّ معتبر عندهم دون مصحف المة!!‬
‫وما الدليل على اعتبار وصحة ما في مصحف أبيّ دون مصحف المة؟!‍ ل دليل لديهم إل رغبة‬
‫هؤلء المجوس في الطعن في كتاب ال وأنّى لهم ذلك‪ ..‬فل مصحف إل هذا القرآن وكلماتهم عادت‬
‫عليهم بأسوأ العواقب‪..‬‬
‫وإذا كان لبن مسعود وأبيّ بن كعب وعائشة وسالم مولى حذيفة مصاحف كما جاءت به الخبار‬
‫في كتب السنة والشيعة‪ ..‬فهذه المصاحف الخاصة هي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم‬
‫كتابة مصحف تلتزم به المة‪ ،‬لهذا كانت هذه المصاحف الخاصة غير حجة على المة‪ ،‬فما عدا‬
‫مصحف عثمان ل يقطع عليه‪ ،‬وإنما يجري مجرى الحاد [البرهان‪.].1/222 :‬‬
‫‪636‬‬
‫وإذا نقل منه ما يخالف المصحف المام فهذا طبيعي‪ ،‬لن الواحد منهم كان يكتب لنفسه‪ ،‬ولذلك قد‬
‫يكتبون تفسيرا لبعض اليات في نفس المصحف وهم آمنون من اللبس‪ ،‬لنهم إنما يكتبون لنفسهم‪.‬‬
‫قال ابن الجزري‪" :‬ربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحا وبيانا‪ ،‬لنهم محققون لما تلقوه‬
‫[ابن‬ ‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قرآنا فهم آمنوا من اللتباس‪ ،‬وربما كان بعضهم يكتبه معه"‬
‫الجزري‪ /‬النشر‪ ،1/32 :‬السيوطي‪ /‬التقان‪.].1/77 :‬‬
‫وربما كتبوا ما نسخت تلوته "ولذلك نص كثير من العلماء على أن الحروف التي وردت عن أبيّ‬
‫وابن مسعود وغيرهما مما يخالف هذه المصاحف منسوخة‪ ...‬ول شك أن القرآن نسخ منه وغُيّر فيه‬
‫في العرضة الخيرة" [ابن الجزري‪ /‬النشر‪.].1/32 :‬‬
‫ذلك أنهم يكتبون لنفسهم ل للمة‪ ،‬كما ل ننسى ما يضعه الروافض في هذا الباب‪ ،‬وينسبونه لهذا‬
‫المصاحف [ولهذا ذكر أهل العلم أن من أنواع القراءات ما هو موضوع‪( .‬انظر‪ :‬التقان‪ .].)1/77 :‬أما القرآن فقد قام‬
‫به الحفظة من الصحابة‪ ،‬وجمعوا ما في الصحف التي كتبها كتاب الوحي بإشراف النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم على حسب ما استقر في العرضة الخيرة من جبريل على النبي صلى ال عليه وسلم على‬
‫ما هو عليه الن من غير زيادة ول نقصان "ولذلك لم يختلف عليهم اثنان حتى إن علي بن أبي طالب‬
‫لم ينكر حرفا ول غيره" [النشر‪.].1/33 :‬‬
‫الشبهة السابعة‪:‬‬
‫[فصل الخطاب‪:‬‬ ‫قال الملحد‪" :‬السابع أن عثمان لما جمع القرآن ثانيا أسقط بعض الكلمات واليات‪"..‬‬
‫ص ‪.].150‬‬
‫ثم يحاول أن يقيم الدليل على هذه الدعوى بأن "العلم بمطابقة ما جمعه لتمام المنزل‪ ..‬متوقف‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪].154‬‬ ‫على‪ ..‬عدالة الناسخين أو الكاتبين أو صدقهم أو العرض علي الصحيح التمام‪"..‬‬
‫وهذا في نظره ل يثبت‪.‬‬
‫فأنت تلحظ أنه بنى دعواه على عقيدة الرافضة في الصحابة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع المة‬
‫وما تواترت به الحداث والوقائع [انظر‪ :‬نقض عقيدتهم في الصحابة‪ :‬ص(‪ )752‬وما بعدها‪.].‬‬
‫كما اعتبر الوهم الذي تدعيه الشيعة من وجود مصحف جمعه علي وتوارثه الئمة هو الصل في‬
‫تصديق المصحف المام‪ ..‬وكل ذلك غير مسلّم له‪ ،‬كما ل يسلّم له احتجاجه بذلك "الغثيان" من القوال‬
‫والروايات التي نقلها من كتبهم لثبات هذه المقالة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن "القرآن كله كتب في عهد النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلم يأمر أبو بكر إل بكتابة‬
‫ما كان مكتوبا‪ ،‬ولذلك توقف عن كتابة الية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة‪ ،‬مع أنه كان‬
‫يستحضرها هو ومن ذكر معه" [فتح الباري‪].13-9/12 :‬؛ لنهم كانوا يعتمدون في جمع القرآن على الحفظ‬
‫والكتابة معا؛ ولم يعتمدوا على الحفظ وحده؛ حيث إن "قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي‬

‫‪637‬‬
‫[أبو شامة‪ /‬المرشد الوجيز‪ :‬ص ‪ ،57‬وانظر التقان للسيوطي‪:‬‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ..‬ل من مجرد حفظهم"‬
‫ص ‪.].58‬‬
‫طهّ َرةً} [البينة‪،‬‬
‫صحُفًا مّ َ‬
‫وقد أعلم ال تعالى في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله‪{ :‬يَ ْتلُو ُ‬
‫‪ ...]2‬الية‪ ،‬فكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد‪ ،‬ثم‬
‫[فتح الباري‬ ‫كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عثمان بالنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلى المصار‬
‫‪.].9/13 :‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية يلخص عملية جمع القرآن‪" :‬لما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم عارضه جبريل بالقرآن مرتين‪ ،‬والعرضة الخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره‪،‬‬
‫وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف‪ ،‬وكتبها أبو بكر‬
‫وعمر في خلفة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها‪ ،‬ثم أمر عثمان في خلفته بكتابتها‬
‫[مجموعة‬ ‫في المصاحف‪ ،‬وإرسالها إلى المصار‪ ،‬وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة عليّ وغيره"‬
‫فتاوى شيخ السلم‪.].13/395 :‬‬
‫فالذي ُيخَطّئ أبا بكر وعثمان قد خطأ علًيا‪ ،‬وجميع الصحابة؛ لن الحقيقة التي يتفق عليها‬
‫[انظر‪ :‬المرشد الوجيز لبي شامة‪:‬‬ ‫المسلمون أن أمير المؤمنين عثمان جمع القرآن بموافقة الصحابة جميعا‬
‫ص ‪.].53‬‬
‫ولو حدث هذا الذي تقوله الشيعة لما جاز لحد السكوت على تغيير أصل السلم وأساسه‪ ،‬ولضل‬
‫الجميع بسبب ذلك بما فيهم علي رضي ال عنه‪ ،‬والبراهين المتفق عليها والتي ل يختلف فيها اثنان أن‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم لم يسكتوا على ما هو أقل من ذلك‪.‬‬
‫لقد قاتلوا من منع الزكاة‪ ،‬وقاتل علي – رضي ال عنه – معاوية على أقل من هذا المر العظيم‬
‫والشأن الخطير‪ ،‬ولو حصل الذي تقوله الرافضة لتناقله أعداد السلم الذين يتربصون بأمة السلم‬
‫الدوائر‪ ،‬ولم تنفرد بنقله طائفة الروافض‪.‬‬
‫وهذه الطائفة التي نقلت هذا الكفر قد نقلت ما يثبت خلفه‪ ،‬روى ابن طاوس وهو من كبار شيوخ‬
‫وهذا‬ ‫[تاريخ القرآن للزنجاني ص ‪].67‬‬ ‫الشيعة أن "عثمان جمع المصحف برأي مولنا علي ابن أبي طالب"‬
‫ينقض ما افتراه الشيعة عبر القرون؛ لنه يتفق مع إجماع المة‪ ،‬وهو اعتراف منهم وإقرار‪..‬‬
‫واعتراف المخالف أشد وقعا في النفس من اعتراف الموافق‪.‬‬
‫ولم يملك صاحب فصل الخطاب – وهو الحريص على إثبات هذه الفرية – حيال هذا النص إل أن‬
‫يقول‪" :‬إنه من الغرابة بمكان" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ .].153‬وليس بغريب إل عند هذا الملحد ومن يشايعه‪.‬‬

‫‪638‬‬
‫وقد أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح – كما قال ابن حجر – عن أمير المؤمنين علي رضي ال‬
‫[فتح‬ ‫عنه قال‪" :‬ل تقولوا في عثمان إل خيرا فوا ل ما فعل ما فعل في المصاحف إل عن مل منا"‬
‫الباري‪ ،9/18 :‬وانظر‪ :‬ابن أبي داود‪ /‬كتاب المصاحف‪ :‬ص ‪ ،19‬أبو شامة‪ /‬المرشد الوجيز‪ :‬ص ‪.].53‬‬
‫وبعد هذا كله فإن "النموذج" الذي يخرجه لنا هؤلء "الكذبة" ويزعمون أن عثمان أسقطه‪ ،‬هو أكبر‬
‫شاهد على حقيقة قولهم‪..‬‬
‫فقد جاء صاحب فصل الخطاب بأربع روايات عن أربعة من كتبهم تقول إن علي بن موسى الرضا‬
‫قال‪" :‬ل وال ل يرى في النار منكم اثنان أبدا‪ ،‬ل وال ول واحدا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أصلحك ال‪ ،‬أين هذا من‬
‫كتاب ال تعالى؟ قال‪ :‬هو في الرحمن وهو في قوله تبارك وتعالى‪ :‬ل يسئل عن ذنبه منكم إنس ول‬
‫جان‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ليس فيها منكم؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬وال إنه لمثبت فيها وإن أول من غيّر ذلك لبن أروى"‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].157‬‬
‫والروايات الثلث الخر ل تخرج عن هذا المعنى‪ ،‬ويعنون بابن أروى عثمان‪.‬‬
‫فهذا "المثال" الذي تقدمه كتب الروافض كشاهد لما أسقطه عثمان يكشف الحقيقة المخبأة‪ ..‬فوقت‬
‫تنزل القرآن ل يوجد شيعة‪ ،‬ول مرجئة ول غيرهما من الفرق‪.‬‬
‫والية كما ل يدعون تثبيت أن الشيعي ل يسأل عن ذنبه‪ ..‬وهذه دعوى خطيرة ل يسندها دليل‪ ،‬بل‬
‫هي مناقضة لنصوص التنزيل‪ ،‬وما علم من السلم بالضرورة‪ ..‬ولها آثارها الخطيرة من التحلل من‬
‫التكاليف الشرعية‪ ..‬والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات‪.‬‬
‫وإمامهم يقسم على شيعته أنه لن يدخل النار منهم واحد‪ ..‬أطلع الغيب‪ ،‬أم اتخذ عند ال عهدا؟!‬
‫وهم بهذه الدعوى أكثر غلوا من يهود‪ ،‬الذين قالوا‪{ :‬لَن َت َمسّنَا النّارُ ِإلّ َأيّامًا مّعْدُو َدةً}‪ ،‬ورد ال‬
‫علَى الّلهِ مَا لَ‬
‫خلِفَ الّلهُ عَ ْه َدهُ أَمْ تَقُولُونَ َ‬
‫خذْتُمْ عِندَ الّلهِ عَ ْهدًا َفلَن ُي ْ‬
‫عليهم بقوله سبحانه‪{ :‬قُلْ أَتّ َ‬
‫[البقرة‪،‬‬ ‫طتْ ِبهِ خَطِيـئَ ُتهُ َفأُ ْولَـ ِئكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَا ِلدُونَ}‬
‫سبَ سَيّ َئةً َوأَحَا َ‬
‫تَ ْع َلمُونَ‪َ ،‬بلَى مَن َك َ‬
‫‪.]81 ،80‬‬
‫وهي تكشف كذب هذه الدعاوى كلها‪ ..‬وأن الغرض من دعوى التحريف تحقيق شذوذ ل سند له‬
‫من كتاب أو سنة صحيحة‪ .‬ثم هي تكشف أن واضع هذه الرواية زنديق جاهل بمعاني كتاب ال‪ ،‬فالية‬
‫في المجرمين وهو ظنّ أنها في الصالحين فأولها في شيعته‪ ..‬وحاول أن يؤكد ذلك بزيادة قوله‪" :‬منكم"‬
‫وعلل ذلك بأنة لو لم يضع هذه الزيادة لسقط العقاب عن الخلق‪ ،‬وهو ل يسقط إل عن شيعته – كما‬
‫سأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ} [القصص‪.]78 ،‬‬
‫يفتري – مع أن الية هي كقوله سبحانه‪{ :‬وَل ُي ْ‬
‫فهي في أهل الجرائم والذنوب‪.‬‬
‫ولهذا قال ابن عباس في تفسيرها‪ :‬ل يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟؛ لنه أعلم بذلك منهم‪ .‬وقال‬
‫[تفسير الطبري‪ ،143 – 27/142 :‬تفسير ابن كثير‬ ‫مجاهد‪ :‬ل يسأل الملئكة عن المجرم‪ ،‬يعرفون بسيماهم‬
‫‪.].4/294‬‬
‫‪639‬‬
‫ونختم القول بما قاله الجاحظ في دحض شبهتهم حول جمع أمير المؤمنين عثمان رضي ال عنه‪.‬‬
‫قال الجاحظ‪:‬‬
‫"والذي يخطئ عثمان في ذلك فقد خطأ عليا وعبد الرحمن وسعدا‪ ،‬والزبير وطلحة وعلية‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫ولو لم يكن ذلك رأي علي لغيّره‪ ،‬ولو لم يمكنه التغيير لقال فيه‪ ،‬ولو لم يمكنه في زمن عثمان‬
‫لمكنه في زمن نفسه‪ ،‬وكان ل أقل من إظهار الحجة إن لم يملك تحويل المة‪ ،‬وكان ل أقل من‬
‫التجربة إن لم يكن من النّجاح على ثقة‪ ،‬بل لم يكن لعثمان في ذلك ما لم يكن لجميع الصحابة‪ ،‬وأهل‬
‫القدم والقدوة‪ ،‬ومع أن الوجه فيما صنعوا واضح‪ ،‬بل ل نجد لما صنعوا وجها غير الصابة‬
‫والحتياط‪ ،‬والشفاق والنظر للعواقب‪ ،‬وحسم طعن الطاعن‪.‬‬
‫ولو لم يكن ما صنعوا ل تعالى فيه رضا لما اجتمع عليه أول المة وآخرها‪ ،‬وإن أمرا اجتمعت‬
‫عليه المعتزلة والشيعة‪ ،‬والخوارج والمرجئة‪ ،‬لظاهر الصواب‪ ،‬واضح البرهان‪ ،‬على اختلف‬
‫أهوائهم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هذه الروافض بأسرها تأبى ذلك وتنكره‪ ،‬وطعن فيه‪ ،‬وترى تغييره‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إن الروافض ليست منا بسبيل‪ ،‬لن من كان أذانه غير أذاننا‪ ،‬وصلته غير صلتنا‪ ،‬وطلقه‬
‫غير طلقنا‪ ،‬وعتقه غير عتقنا‪ ،‬وحجته غير حجتنا‪ ،‬وفقهاؤه غير فقهائنا‪ ،‬وإمامه غير إمامنا‪ ،‬وقراءته‬
‫[رسائل الجاحظ‪ ،‬رسالة‬ ‫غير قراءتنا‪ ،‬وحلله غير حللنا‪ ،‬وحرامه غير حرامنا‪ ،‬فل نحن منه ول هو منا‬
‫حجج النبوة‪.].234–3/233 :‬‬
‫الشبهة الثامنة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الثامن في أخبار كثيرة دالة صريحا على وقوع النقصان زيادة على ما مر رواها‬
‫المخالفون" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].162‬‬
‫ثم ذكر ما جاء عن طريق أهل السنة من أخبار نسخ التلوة‪.‬‬
‫ول مستمسك له في ذلك كما أسلفنا؛ لن النسخ من ال سبحانه والتحريف من البشر‪ ..‬ولذلك جاء‬
‫الحديث عنها في كتب أهل السنة في باب النسخ‪ ..‬ول نعيد هنا ما قلناه سابقا‪ ..‬وهو يعيد الدلة‬
‫ويكررها بصور مختلفة ليصل بالدلة إلى عدد أئمته الثني عشر‪.‬‬
‫[بالغة اليرانية لمؤلفه‬ ‫وقد أورد في هذا الموضع سورة مفتراة قال بأنه وجدها في كتاب دبستان مذاهب‬
‫محسن فاني الكشميري‪ ،‬وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة‪ ،‬ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على ال المستشرق نولدكه في‬
‫كتابه "تاريخ المصاحف"‪ ،2/102 :‬ونشرتها الجريدة السيوية الفرنسية سنة ‪1842‬م (ص ‪( )439–431‬انظر‪ :‬الخطوط العريضة‬
‫ولم يجدها في غيره من كتب الشيعة‪ ،‬وقال‪ :‬لعلها سورة "الولية" التي أشار إليها بعض‬ ‫ص ‪].)13‬‬

‫وهي عبارات ركيكة‪ ،‬وألفاظ ساقطة‪،‬‬ ‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪].180‬‬ ‫شيوخ الشيعة‪ ،‬ثم أورد نصها بتمامه‬
‫ومعان متهافتة‪ ،‬وسياق مفكك‪ ،‬وجمل ينبو بعضها عن بعض‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫فهي عبارة عن كلمات ملفقة تلفيقا رديئا من بعض ألفاظ القرآن‪ ،‬وموضوعها هو المر الذي أقلق‬
‫الشيعة وهو خلو كتاب ال من شذوذهم‪ ،‬ولذلك فهي تذكر مسألة الوصية لعلي بالمامة‪ ،‬وتكفير‬
‫الصحابة لعصيانهم الوصي‪ .‬تقول كلماتها"‬
‫"يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي‪ .‬إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم‬
‫جنات نعيم‪ .‬والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في‬
‫الجحيم‪ .‬ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول يسقون من حميم‪ .‬إن ال الذي نور السموات والرض‬
‫بما شاء واصطفى من الملئكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل ال ما يشاء‪ ...‬إن عليا من‬
‫المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين‪ ..‬فإنه وذريته الصابرون‪ ،‬وإن عدوهم إمام المجرمين‪ ...‬يا أيها‬
‫الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذه وكن من الشاكرين بأن عليا قانتا بالليل ‪ .‬يحذر‬
‫الخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون‪ .‬سيجعل الغلل في‬
‫إلخ‪.‬‬ ‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪].181–180‬‬ ‫أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون"‬
‫هذه بعض كلماتها وهي ل تحتاج إلى نقد‪.‬‬
‫فهي من هذر الكلم وسقط المتاع‪ ،‬تلفيق مهلهل مضطرب المعاني واللفاظ‪ ،‬وإن أقل الدباء ليأبى‬
‫نسبتها إليه فضلً عن أن تكون من كتاب ال الذي أعجز أرباب البيان وفرسان الفصاحة‪.‬‬
‫وقد نقد هذه "السورة المخترعة" الشيخ يوسف الدجوي في كتابه‪" :‬الجواب المنيف في الرد على‬
‫مدعي التحريف في القرآن الشريف" [انظر‪ :‬الجواب المنيف‪ :‬ص ‪ 174‬وما بعدها‪.].‬‬
‫[انظر‪ :‬آلء‬ ‫وقد ردها – أيضا – وبيّن زيفها أحد شيوخ الشيعة وهو البلغي في تفسيره آلء الرحمن‬
‫الرحمن‪ :‬ص ‪.].25-24‬‬
‫وبطلنها أوضح من أن يبيّن‪ ،‬فل حاجة إلى نقل ما قاله‪ ،‬فأنت تلحظ أن المر ظاهر من مجرد‬
‫النظر في ألفاظها‪ ،‬انظر إلى قوله – مثلً ‪" :-‬واصطفى من الملئكة‪ ،‬وجعل من المؤمنين أولئك في‬
‫خلقه" تجد أنها من وضع أعجمي ل يستطيع أن ينبئ عما يريد‪.‬‬
‫فماذا اصطفى من الملئكة؟ لم يكمل المعنى‪.‬‬
‫ولعله يريد اصطفي من الملئكة رسلً إلى الوصياء‪ ،‬فلم يستطيع إكمال الجملة‪.‬‬
‫وماذا جعل من المؤمنين؟‬
‫وما معنى أولئك في خلقه؟‬
‫وأنت ترى أنه ما رام أحد محاكاة القرآن إل وابتله ال بالعي‪ ،‬وفضحه على رؤوس الشهاد‪.‬‬
‫الشبهة التاسعة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬إنه تعالى ذكر أسامي أوصيائه وشمائلهم في كتبه المباركة السالفة‪ ،‬فل بد أن يذكرها‬
‫في كتاب المهيمن عليها" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].184‬‬

‫‪641‬‬
‫وكونها لم توجد فهذا دليل تحريفه بزعمه‪ ،‬ثم ساق مجموعة من رواياتهم تذكر بأن أئمتهم الثني‬
‫عشر قد جاء ذكرهم في الكتب السماوية السابقة [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].204–184‬‬
‫وأقول‪ :‬إن هذه الدعوى مبنية على أن أسماء الئمة الثني عشر قد ذكرت في كتب النبياء‬
‫علّق ثبوتها على خرافة أخرى‪ ،‬فمن يسلّم‬
‫السابقة‪ ..‬فهي دعوى باطلة بنيت على باطل‪ ،‬وخرافة ُ‬
‫بذكرهم في الكتب السماوية حتى يسلم بذكرهم في القرآن! "وهذه كتب النبياء التي أخرج الناس ما‬
‫فيها من ذكر النبي صلى ال عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ – فضلً عن سائر أئمتهم –‬
‫وهؤلء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم" [منهاج السنة‪.].4/46 :‬‬
‫لقد جاءت البشارة في الكتب السابقة بخاتم المرسلين‪ .‬قال تعالى‪{ :‬اّلذِينَ يَتّبِعُونَ ال ّرسُولَ النّبِيّ‬
‫جدُو َنهُ مَكْتُوبًا عِن َدهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالِنْجِيلِ} [العراف‪.]157 ،‬‬
‫ا ُلمّيّ اّلذِي يَ ِ‬
‫ح ّمدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَاّلذِينَ مَ َعهُ‬
‫وجاء ذكر الصحابة والثناء عليهم في التوراة والنجيل‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬مّ َ‬
‫ضلًا ّمنَ الّلهِ وَ ِرضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي‬
‫جدًا يَ ْبتَغُونَ َف ْ‬
‫حمَاءُ بَيْ َنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُ ّ‬
‫علَى الْكُفّارِ ُر َ‬
‫شدّاءُ َ‬
‫َأ ِ‬
‫ط َأهُ} [الفتح‪.]29 ،‬‬
‫ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ َذ ِلكَ مَ َثلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ َومَ َثلُهُمْ فِي الِنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ شَ ْ‬
‫وقد عز على هذه الزمرة أن يذكر رسول الهدى صلى ال عليه وسلم وصحابته ول يذكر أئمتهم‪،‬‬
‫والصحابة عندهم أهل ردة‪ ،‬وأئمتهم أفضل من النبياء والرسل‪ ..‬فكيف يقولون لتباعهم؟ لقد اخترعوا‬
‫روايات تقول بأن الئمة قد ذكروا في الكتب السماوية ولكن لِمَ لم يذكروا في كتاب ال؟ هذا ما لم‬
‫يجدوا له جوابًا إل القول بالتحريف الذي ارتد عليهم بأسوأ العواقب‪.‬‬
‫الدليل العاشر‪:‬‬
‫قال فيه‪" :‬ل إشكال ول اختلف بين أهل السلم في تطرق اختلفات كثيرة وتغيرات غير‬
‫محصورة في كلمات القرآن وحروفه بالزيادة والنقصان واستقرار آراء المخالفين على اختيار سبعة‬
‫من القراء منهم أو عشرة على ما بينهم من الختلف‪ ..‬واعتنائهم بتوجيه قراءاتهم وإرجاعها إلى‬
‫الرسول‪ ،‬كما زعموا فيكون القرآن في نفسه وعند نزوله مبنيا على الختلف وموضوعا على‬
‫المغايرة‪ ،‬وحيث إن القرآن ل تغير فيه ول اختلف فتكون هذه القراءات هي قراءة بغير ما أنزل ال"‪.‬‬
‫وأورد جملة من أخبارهم تقول‪ :‬بأن "القرآن واحد نزل من عند واحد وإنما الختلف من الرواة"‪.‬‬
‫وطعن على الرواة السبعة وقال بعدم الحتجاج بقراءتهم‪ ..‬لن "أول طبقات القراء هم الذين استبدوا‬
‫الراء ولم يبايعوا إمام زمانهم أمير المؤمنين" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].210‬‬
‫يحاول هذا الملحد أن يتمسك بما ورد من القراءات لثبات فرية طائفته وأسطورتهم‪ ،‬ول مستمسك‬
‫له به‪ ،‬ذلك أن اختلف القراءات ل يؤدي إلى شيء من ذلك كما افترى‪ ،‬لن ذلك كان يمكن لو أن كل‬
‫واحد من القراء المختلفين في قراءة بعض اليات كان يقرأ من عند نفسه ما يراه‪ ،‬لكن الحاديث‬
‫صريحة الدللة في أن كل واحد منهم قد أخذ قراءته من الرسول صلى ال عليه وسلم وهي مخالفة‬

‫‪642‬‬
‫[انظر‪ :‬صحيح البخاري – مع الفتح ‪:-‬‬ ‫لقراءة صاحبه‪ ،‬وأن النبي أقر كلً منهم وأخبر بأنها هكذا أنزلت‬
‫فبان أن الجميع نازل من عند ال‪ ،‬والفرق بين ذلك وأسطورة الشيعة فرق واضح جلي‪.‬‬ ‫‪].9/22‬‬

‫وقد اختلط على هذا الفاك المر في مسألة القراءات والقرآن فظن التلزم بينهما‪ ،‬وهو جهل‬
‫واضح؛ فالقرآن متواتر بإجماع المسلمين يتناقله الجيال عن الجيال حتى يبلغوا به النبي صلى ال‬
‫[هو ما زيد في القراءات علي وجه‬ ‫عليه وسلم بينما القراءات فيها المتواتر والحاد والشاذ‪ ،‬ومنها المدرج‬
‫والموضوع‪.‬‬ ‫التفسير (التقان‪ :‬ص ‪].)77‬‬

‫ولم يقل أحد أن القرآن أخذ عن السبعة أو العشرة؛ إذ إن القراءات "مذهب من مذاهب النطق في‬
‫القرآن يذهب به إمام من المة القراء مذهبا يخالف غيره"‪.‬‬
‫قال الزركشي‪" :‬واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان‪ ،‬فالقرآن هو الوحي المنزل على‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم للبيان والعجاز‪ ،‬والقراءات اختلف الوحي المذكور في كتابه الحروف أو‬
‫كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما" [البرهان‪.].1/318 :‬‬
‫[وهذا ل نزاع فيه بين أهل العلم‪ ،‬وإنما يظن أنهما شيء واحد بعض الجهلة‪ ،‬لن‬ ‫والقراءات غير الحرف السبعة‬
‫أول من جمع القراءات السبع أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬المرشد الوجيز لبي شامة ص ‪ ،146‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪ ،13/390 :‬النشر لبن الجزري‪:‬‬
‫التي أنكرها هذا الرافضي – وخلط بينها وبين القراءات السبع – مع أن الحديث في الحرف‬ ‫‪].)1/24‬‬

‫[والحديث بهذا المعنى أخرجه البخاري‪ ،‬في كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‬ ‫السبعة ثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنزل على سبعة أحرف‪ :‬ج‪( ‍9‬من البخاري مع شرحه فتح الباري) ص ‪ 23‬ح ‪ ،4992‬ومسلم كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب بيان‬
‫أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (ح ‪ ،)818‬وأبو داود‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب أنزل القرآن على سبعة أحرف‪( 2/158 :‬ح‬
‫‪.].)1475‬‬
‫وقد جاءت الرواية بنزول القرآن على سبعة أحرف في كتب الشيعة نفسها في جملة أحاديث حتى‬
‫بوّب القمي لها في كتابه الخصال [الخصال "نزل القرآن على سبعة أحرف"‪ :‬ص ‪.].358‬‬
‫والمتأمل لسانيد تلك القراءات يرى أن جملة منها متصلة بمن ترى الشيعة إمامتهم كأمير المؤمنين‬
‫عليّ‪ ،‬وجعفر وغيرهما‪ .‬وقد مر بنا نقل اعتراف الشيعة بذلك [ص ‪.].267 – 266‬‬
‫الشبهة الحادية عشرة‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل الحادي عشر‪ :‬في ذكر الخبار المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول‬
‫النقصان في الموجود من القرآن‪ ،‬وأنه أقل مما نزل إعجازا على قلب سيد النس والجان‪ ،‬وهي‬
‫متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول عند الصحاب"‪ ،‬وذكر أخبارا كثيرة من كتب طائفته في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وهذه الروايات الكثيرة التي استشهد بها ل تدل على تحريف القرآن الذي أجمعت عليه المة‪،‬‬
‫وتكفل ال بحفظه وقامت القرائن والبراهين القطعية على سلمته؛ إنما تشهد على كذب هذه الروايات‬

‫‪643‬‬
‫وسقوط تلك الحاديث‪ ،‬التي ينسبونها للئمة وأنه ل ثقة برواياتها بعد هذا‪ ،‬وأن كتبهم هي المحرفة‬
‫المفتراة‪ ..‬وقد انكشف أمرها بهذه الفرية‪ ..‬وبانت حقيقتها بهذه السطورة‪.‬‬
‫ودللة أخباره على مطلوبه إنما يلزم بها أهل ملته‪ ،‬أما أمة السلم فل‪.‬‬
‫وقد شهد شاهد من أهلها بأن أخبارهم في هذا الباب إنما رواها الغلة والكذابون والمطعون في‬
‫دينهم ممن ل تحل الرواية عنهم‪ ،‬والذي شهد بذلك شيخهم البلغي في آلء الرحمن‪ ،‬حيث قال‪" :‬هذا‬
‫الروايات‬ ‫[كذا في الصل‪ ،‬ولعلها "جمع"‪].‬‬ ‫وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جميع‬
‫التي استدل بها على النقيصة"‪.‬‬
‫وفي جملة ما أورده من الروايات ما ل يتيسر احتمال صدقها‪ ،‬ومنها ما هو مختلف باختلف يؤول‬
‫به إلى التنافي والتعارض‪ ..‬هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار‪ ،‬وقد‬
‫وصف علماء الرجال كلً منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية‪ ،‬وإما بأنه‬
‫مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء‪ ،‬وإما بأنه كذب متهم ل أستحل‬
‫أن أروي من تفسيره حديثا واحدا‪ ،‬وأنه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلم‪ ،‬وإما‬
‫بأنه كان غالبا كذابا‪ ،‬وإما بأنه ضعيف ل يلتفت إليه ول يعول عليه ومن الكذابين‪ ،‬وإما بأنه فاسد‬
‫الرواية يرمى بالغلو‪.‬‬
‫ومن الواضح أن أمثال هؤلء ل تجدي كثرتهم شيئا [البلغي‪ /‬آلء الرحمن‪ :‬ص ‪.].26‬‬
‫كذلك يذكر مرجع الشيعة في زمنه ميرزا مهدي الشيرازي بأن أخبارهم في ذلك شاذة ضعيفة في‬
‫إسنادها‪ ،‬متناقضة في متونها؛ حيث قال‪" :‬وأما ما ورد في الخبار التي ظاهرها وقوع التحريف في‬
‫[جاء في‬ ‫بعض الي فل يثبت بها ذلك (حيث) إنها شاذة ضعيفة السانيد‪ ،‬فإن كثيرا منها عن السياري‬
‫ترجمته عندهم‪ :‬أحمد بن محمد بن سيار‪ ،‬أبو عبد ال الكاتب البصري‪ ،‬يعرف بالسياري‪ ،‬ضعيف الحديث‪ ،‬مجفو الرواية‪ ،‬كثير‬
‫المراسيل‪.‬‬
‫(الفهرست للطوسي‪ :‬ص ‪ ،51‬رجال النجاشي‪ :‬ص ‪ ،62‬رجال الحلي‪ :‬ص ‪ ،)203‬قال ابن حجر‪" :‬كان في أواخر المائة‬
‫الذي ضعفه علماء الرجل كما في الفهرست لشيخ الطائفة‪ ،‬والخلصة‬ ‫الثالثة"‪( .‬لسان الميزان‪].)1/252 :‬‬

‫للعلمة‪ ،‬والرجل للنجاشي أنه "ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية" [المعارف الجليلة‪ :‬ص ‪.].18‬‬
‫ثم بيّن تناقض متنها بقوله‪" :‬معارضة بعضها مع البعض من وجهين أحدهما‪ :‬تعارضها في تعيين‬
‫الساقط‪ ..‬وثانيهما‪ :‬ما ورد في روايات من سقوط اسم علي في مواضع كثيرة‪ ،‬مع أن بعض الروايات‬
‫تدل على أن ال تعالى لم يسم عليا في القرآن" [المعارف الجليلة‪ :‬ص ‪.].18‬‬
‫هذا قول البلغي والشيرازي في رجالهم وأسانيدهم‪.‬‬
‫ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض‪ ،‬ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم‪ ،‬وشعورهم بتفاهة قولهم‬
‫وسقوطه‪ ،‬ومحاولتهم التستر على مذهبهم‪ ،‬أو نفي هذا الكفر والعار الذي ألحقه بالطائفة شيوخهم‬
‫الوائل‪ ،‬بوضعهم هذا اللحاد والكفر في أصولهم أمثال الكليني وإبراهيم القمي‪ ،‬والمجلسي وأضربهم‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫ونأخذ أقوالهم في الحكم على أسانيدهم لهذا السبب‪.‬‬
‫الشبهة الثانية عشر‪:‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الدليل الثاني عشر الخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على‬
‫تغيير بعض الكلمات واليات والسور بإحدى الصور المتقدمة وهي كثيرة جدا (يعني حسب‬
‫أساطيرهم)‪ ،‬حتى قال السيد نعمة ال الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكي عنه‪ :‬أن الخبار الدالة‬
‫علي ذلك تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلمة المجلسي‬
‫وغيرهم‪ ،‬بل الشيخ أيضا صرح في التبيان بكثرتها‪ ،‬بل ادعى تواترها جماعة ونحن نذكر ما يصدق‬
‫دعواهم" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].252-251‬‬
‫ثم أخذ في ذكر ما جاء في أخبارهم مما يزعمون أنه هو القرآن السالم من التحريف‪ ،‬فذكر (‬
‫‪ )1062‬مثالً على ترتيب سور القرآن‪ ،‬وعلى مدى مائة صفحة‪ ،‬وسأذكر شيئًا منها لتتبين حقيقة‬
‫الهداف المتوخاة من هذه الفتراءات‪ .‬وقبل ذلك أقول‪ :‬إن كثيرة أخبارهم في هذا الباب إنما يلزم بها‬
‫أهل دينه‪ ،‬أما أمة السلم فل‪ ..‬وهذه الكثرة التي يحكيها تدل على أن دين الشيعة سداه ولحمته‬
‫الكذب‪ ،‬والكيد للسلم بمحاربة ركنه العظيم‪ ،‬وأصله الذي يقوم عليه هو القرآن‪.‬‬
‫وهذا الملحد يحكي كثرة هذا الباطل عندهم واستفاضته‪ ،‬وآخرون يدعون ندرته وشذوذه‪ ،‬والكل من‬
‫شيوخهم المعتبرين عندهم‪ ..‬أليس هذا عنوان تاقض هذا المذهب وأصحابه؟!‬
‫وهذه الدعوى يعدها دليلً على إثبات مراده‪ ،‬وهي عنوان كفره‪ ،‬ووصمة عار يلطخ بها قومه إلى‬
‫البد‪ ،‬وإذا لم تستح فاصنع ما شئت‪ ،‬وليس بعد الكفر ذنب‪.‬‬
‫وهو بهذه الدعوى يريد أن يصرف قومه عن كتاب ال‪ ،‬لن كتابهم المزعوم ل زال مع غائبهم‬
‫الموهوم رهين العزلة الدائمة‪ ،‬والغيبة البدية‪ ،‬لنه لم يولد أصلً‪.‬‬
‫أما المثلة التي ساقها فهي محاولة يائسة لوضع سند لعقائدهم في كتاب ال‪ ،‬وإقناع أتباعهم‬
‫والحائرين من بني قومهم الذين حيرهم وزلزل بنيانهم خلو أصل السلم العظيم من أمر ولية الثني‬
‫عشر‪ ،‬وهي عندهم الدين كله‪ ،‬فمما قال هذا الملحد‪:‬‬
‫‪1‬ـ سورة البقرة‪ ..." :‬عن جابر الجعفي عن أبي عبد ال في قول ال عز وجل‪( :‬وإذا قيل لهم‬
‫آمنوا بما أنزل ال (في علي) قالوا نؤمن بما أنزل علينا) [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].254‬‬
‫فأنت ترى أنهم أقحموا "في علي" على الية الكريمة‪ ،‬ولم يفطن هؤلء الزنادقة أن الية في بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬وأن ما زادوه يكاد يلفظه السياق‪ ،‬وأن لفظ الية يكذبهم؛ فقولهم‪" :‬بما أنزل علينا" نص‬
‫صريح في أنها ليست في هذه المة‪ .‬ولكن هؤلء إما أنهم زنادقة أعاجم ل يفقهون معنى اليات‪ ،‬وإما‬
‫أن هذا أمر مقصود لضلل الشيعة والخروج بهم إلى طريق الكفر واللحاد‪..‬‬

‫‪645‬‬
‫‪ 2‬ـ سورة النعام‪ :‬روى الكليني عن أبي عبد ال‪" :‬إن الذين فارقوا أمير المؤمنين وصاروا‬
‫أحزابا" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪ ..].262‬يحاولون بذلك تغيير قوله سبحانه‪ِ{ :‬إنّ اّلذِينَ فَرّقُواْ دِي َنهُمْ وَكَانُواْ‬
‫يءٍ} [النعام‪.]159 ،‬‬
‫ستَ مِ ْنهُمْ فِي شَ ْ‬
‫شِيَعًا ّل ْ‬
‫ولم يعرف هؤلء الملحدون كيف يضعون؛ إذ إن الية مكية‪ ،‬ولم يكن ثمة أمير للمؤمنين في حياة‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والجميع أتباع لرسول ال ل أتباع لعلي حتى يفارقوه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة براءة‪ :‬قال الملحد‪" :‬روى الكليني والعياشي عن أبي الحسن الرضا أن الحسين بن‬
‫الجهم قال له‪ :‬إنهم يحتجون علينا بقول ال‪{ :‬ثَانِيَ اثْ َن ْينِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ} قال‪ :‬وما لهم في ذلك‪ ،‬لقد‬
‫قال ال‪( :‬فأنزل ال سكينته على رسوله)‪ ..‬وما ذكر فيها بخير قال‪ :‬قلت له‪ :‬وهكذا قراءتها؟ قال‪:‬‬
‫هكذا قراءتها‪ ،‬وعن أبي جعفر مثله‪ ،‬أل ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله وجعل كلمة الذين‬
‫كفروا السفلى‪ ،‬وهو الكلم الذي تكلم به عتيق (يعني أبا بكر)"‪ .‬قال الملحد‪" :‬والية تدل على عدم‬
‫إيمان الصاحب" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].266‬‬
‫علَ ْيهِ} [التوبة‪.]40 ،‬‬
‫فترى هؤلء الزنادقة حاولوا تحريف قوله سبحانه‪َ { :‬فأَن َزلَ الّلهُ سَكِي َن َتهُ َ‬
‫بحذفهم "عليه" وزيادتهم (على رسوله)‪ ،‬وهدف الرافضة تكفير أبي بكر بتحريف النص الذي هو‬
‫أعظم مناقب الصديق رضي ال عنه‪ ،‬وغاب عن هؤلء العاجم أن هذا التغيير ل يؤدي الغرض الذي‬
‫علَيْهِ} أي على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو أشهر القولين‬
‫سكِينَ َتهُ َ‬
‫[قال ابن كثير في قوله‪َ { :‬فأَن َز َل اللّهُ َ‬ ‫يذهبون إليه‬
‫(تفسير ابن كثير‪ ،)2/384 :‬وقيل‪ :‬على أبي بكر وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس‪ ،‬وحبيب بن ثابت (زاد المسير‪:‬‬
‫‪.].)3/41‬‬
‫فأنت ترى أن "تحريفاتهم" وأساطيرهم‪ ،‬تسير في فلك الولية وتكفير الصحابة‪.‬‬
‫وعلى هذا المنوال تجري غالب أساطير هذا الملحد التي ذكرها‪.‬‬
‫[بإمكان القارئ الرجوع للتوسع في الرد على أباطيل الروافض‬ ‫وبعد أن عرض هذا الملحد شبهاته الثني عشر‬
‫في هذا الباب إلى "النتصار" للباقلني (يوجد الجزء الول منه في ‪ 304‬ورقة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة) أو إلى‬
‫"نكت النتصار لنقل القرآن" تحقيق د‪ .‬محمد زغلول‪ .‬فشبهات هذا الرافضي ليست جديدة؛ إذ قال بها أسلفه من الزندقة‪ ،‬ورد‬
‫عليها علماء المسلمين‪ ،‬ويبدو لي أن هذا الرافضي أخذ هذه الشبهات مما كتبه بعض علماء المسلمين بدون ردودهم ليضل قومة‬
‫سواء السبيل‪( .‬قارن شبهاته بما جاء في نكت النتصار للباقلني)‪ ،].‬حاول أن يرد على الجناح الخر من الشيعة‬
‫الذي أبى أن يوافق على هذه السطورة‪ ،‬لوضوح فسادها‪ ،‬وعقد الباب الخر لكتابه في هذا الشأن‪،‬‬
‫حيث عرض أدلتهم وحاول الجابة عليها‪.‬‬
‫وسأذكر فيما يلي حجج المنكرين لهذه الفرية من الشيعة‪ ،‬وأشير إلى إجابات هذا الملحد عليها‪،‬‬
‫وأناقشه فيما يقول‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا الباب الذي عقده أبطل به افتراءاته؛ لنه لم يستطيع أن يجيب على أدلة قومه‬
‫المنكرين لكفره – كما سترى –‪:‬‬

‫‪646‬‬
‫قال الملحد‪" :‬الباب الثاني في ذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقا في كتاب ال تعالى‪ ،‬وأن‬
‫الموجود هو تمام ما أنزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ..‬وهي أمور عديدة‪:‬‬
‫حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر‪:]9 ،‬‬
‫الول‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬إِنّا نَ ْ‬
‫قال الملحد‪" :‬واعترض بأن المراد الحفظ من تطرق شبه المعاندين؛ حيث ل يوجد فيه بحمد ال‬
‫مدخل إلى القدح فيه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].360‬‬
‫فانظر إلى هذا العتراض البله من هذا الملحد؛ حيث عدّ قولهم "بالتحريف" ليس من شبه المعاندين‬
‫فل يدخل في عموم الحفظ!‪.‬‬
‫إن الحفظ أقرب معانيه‪ :‬الحفظ من التغيير والتبديل‪ ،‬والية ظاهرة في العموم وإن كره الكافرون‪.‬‬
‫وقال‪" :‬واعترض أيضا‪ :‬بأن الضمير في قوله‪" :‬له" راجع النبي صلى ال عليه وسلم ل إلى القرآن‬
‫فل شاهد عليه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].360‬‬
‫ومن الواضح الجلي أن الضمير يعود إلى الذكر‪ ،‬والضمير في لغة العرب يعود إلى أقرب مذكور‪،‬‬
‫ثم هل يحفظ ال رسوله ويضيع كتابه؟!‪ ،‬فما لهؤلء‬ ‫[تفسير ابن كثير‪].2/592 :‬‬ ‫"فهو واضح من السياق"‬
‫القوم ل يكادون يفقهون حديثا‪.‬‬
‫[أي‪ :‬ولم يقتصر على مجرد الحفظ من تطرق شبه المعاندين كما‬ ‫وقال الملحد‪" :‬لو سلم شموله للحفظ من التغيير‬
‫أيضا فإنما هو القرآن في الجملة‪ ،‬ل لكل فرد‪ ،‬فإن ذلك واقع‪ ،‬ربما مزق كما‬ ‫يفهم المر هؤلء الملحدة‪].‬‬

‫صنع الوليد وغيره" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].360‬‬


‫وهذا اعتراض جاهل زعم أن احتراق نسخة من القرآن هو تغيير له‪ ،‬ولهذا رد على هذا بعض‬
‫شيوخهم المنكرين لهذا الكفر‪ ،‬فقال‪" :‬هذا كلم لم يصدر عن روية‪ ،‬فإن المراد من حيث هو؛ أعني ما‬
‫أرسل به محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل ما رسم فيه من النسخ‪ ،‬فإن جميعها يؤول إلى التلف وهو في‬
‫الصدور‪ ،‬والصحف محفوظة‪ ،‬حتى لو فرض – ونعوذ بال – تلف كل نسخة على وجه الرض‪..‬‬
‫لكان أيضا محفوظا" [وهذا قاله محسن الكاظمي في شرح الوافية‪ ،‬ونقلة عند صاحب فصل الخطاب ص ‪.].360‬‬
‫خ ْل ِفهِ تَنزِيلٌ ّمنْ حَكِيمٍ‬
‫طلُ مِن َب ْينِ َيدَ ْيهِ وَل ِمنْ َ‬
‫الثاني‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وَإِ ّنهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ‪ ،‬ل َيأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ} [فصلت‪.]42 ،‬‬
‫َ‬
‫وقد تلجلج الملحد واضطرب في الجابة عن الية‪ ،‬فهو تارة يقول‪" :‬إن الحذف والتغيير وإن كان‬
‫باطلً لكن ليس المراد من الية" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].362‬‬
‫أما لماذا ل يكون مرادا مع أن التغيير فيه هو من أبطل الباطل‪ ،‬فإن شهوة التعصب عند هذا الملحد‬
‫تقول‪" :‬ظاهرها (يعني الية) أن ل يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلنه من تناقض أحكامه أو كذب‬
‫في إخباراته وقصصه" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].362‬‬
‫فانظر إلى هذا التأويل الذي يدل على عقلية سقيمة‪ ،‬أو زندقة مقنعة‪ ،‬أو كلهم معا‪ ،‬فإن القرآن لو‬
‫وقع فيه – معاذ ال – ما يراه الملحد من التغيير لوقع فيه التناقض في أحكامه والكذب في أخباره‪.‬‬
‫‪647‬‬
‫فلنه منقوض بمنسوج التلوة والحكم أو التلوة‬ ‫[ما مضى هو الوجه الول عنده‪].‬‬ ‫ثم قال‪" :‬وأما ثانيا‬
‫فقط" [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].362‬‬
‫وهذه عودة على حجته التي نقضناها‪ ..‬وكأنه بهذا يكذب رب العالمين لنه يزعم أن النسخ من‬
‫الباطل وقد وقع في كتاب ال‪ ،‬فانظر ما أعظم جرمه؟!‬
‫والنسخ حق لنه جاء من عند الحق‪ ،‬وقد أقر به حتى شيوخ هذا الملحد المتقدمين كالمرتضى‬
‫والطبرسي [انظر‪ :‬ص(‪ )1020‬من هذه الرسالة‪ ،].‬فكأن هذا ومن يشايعه من المعاصرين قد ركبوا طورًا من‬
‫الغلو لم يخطر ببال أسلفهم‪.‬‬
‫[فصل‬ ‫ثم قال الملحد‪" :‬فيكفي في انتفاء الباطل عنه انتفائه من ذلك الفرد المحفوظ عند أهل البيت"‬
‫الخطاب‪ :‬ص ‪.].363‬‬
‫فتعجب من نظرة هؤلء الروافض‪ ،‬كيف يؤولون آيات حفظ ال لكتابه‪ ،‬بكتابهم الموهوم‪ ،‬مع‬
‫غائبهم المزعوم‪ ،‬والذي لم تعرف المة عنهما شيئا‪ ،‬ولم تر لهما أثرًا‪.‬‬
‫ثم ماذا يجدي حفظه عند منتظرهم‪ ،‬وهل يغني ذلك شيئا للناس؟ وإل لغنى عدم تغيره عند ال‪..‬‬
‫ول شك أن ال سبحانه حفظ القرآن بعد نزوله ليبقى للمة دستورا ومنهج حياة إلى أن تقوم الساعة‪،‬‬
‫ول معنى ول حكمة من الحفظ إل هذا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الخبار الكثيرة الواردة – عندهم – في بيان ثواب سور القرآن [فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].363‬‬
‫قال الصدوق‪" :‬وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن‪ ،‬وثواب من ختم القرآن كله‪،‬‬
‫وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة‪ ،‬والنهي عن قراءة سورتين في ركعة فريضة (هذا حسب‬
‫رواياتهم) تصديق لما قلناه في أمر القرآن‪ ،‬وأن مبلغه ما في أيدي الناس‪ ،‬وكل ما روي من النهي عن‬
‫قراءة القرآن كله في ليلة واحدة‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلثة أيام تصديق لما قلناه"‬
‫[العتقادات‪ :‬ص ‪ ،102‬فصل الخطاب‪.363 :‬‬
‫وقد حاول الجابة عن ذلك فقال بأن المر بقراءة القرآن وختمه‪ ...‬إلخ ل يعني عدم تحريفه‪ ،‬واحتج على هذه الدعوى‬
‫بمقتضى أصولهم المنكرة‪ .‬وهو باطل بني على باطل‪ ،‬فقال بأنه كالحث على التمسك باتباع المام‪ ..‬وعدم القدرة على ذلك لعدم‬
‫تمكنه لظهار ما أودع عنده لخوف أو تقية‪( .‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.)363‬‬
‫وهذا مبني على مذهب الروافض في الغيبة والتقية وولية المام‪ ،‬وقد تقدم بطلن ذلك ومخالفته للنقل والعقل وما علم‬
‫بالضرورة والتواتر‪ ،‬وإثارة هذا الموضوع أص ًل مبني على شذوذهم الذي لم يجدوا له شاهدا في كتاب ال‪.].‬‬
‫الرابع‪ :‬الخبار المتواترة عن النبي صلى ال عليه وسلم والئمة بعرض أخبارهم عليه والعرض‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.364‬‬ ‫على المحرف ل وجه له‪ ،‬وعلى المنزل المحفوظ ل يستطاع‬
‫وهذا الوجه كشف تناقض الشيعة بشكل كبير‪ ،‬وقد استغلق المر على صاحب فصل الخطاب فاضطر إلى الجابة على هذا‬
‫الوجه بالعتراف ببعض الحق‪ ،‬حيث قال‪" :‬هو قرينة على أن الساقط لم يضر بالموجود وتمامه من المنزل للعجاز‪ ،‬فل مانع‬
‫من العرض عليه مضافا إلى اختصاص ذلك بآيات الحكام لعدم دخول نقص على الخلفاء من جهتها"‪( .‬فصل الخطاب‪ :‬ص‬
‫‪.)364‬‬

‫‪648‬‬
‫وهذه الجابة ل تكفي في إزالة التناقض بين نصوصهم التي تأمر بالعرض على القرآن‪ ،‬ونصوصهم التي تقول بالتحريف‬
‫ودعوى تخصيص ذلك بآيات الحكام ل دليل عليه‪ ،‬لن أخبارهم في وجوب عرض جميع رواياتهم على القرآن عامة شاملة لم‬
‫تخصص ذلك في آيات الحكام‪.].‬‬
‫الخامس‪ :‬من الدلة التي استدل بها الجناح المناهض لخرافة التحريف عند أصحابهم – بأنه قد ورد‬
‫عندهم‪ ..‬متواترا – المر بالتمسك بالكتاب والعترة‪ ،‬وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر‪ ،‬لنه ل‬
‫[انظر‪ :‬الطوسي‪ /‬التبيان‪ ،1/3 :‬فصل الخطاب‪ :‬ص‬ ‫يجوز أن تؤمر المة بالتمسك بما ل تقدر على التمسك به‬
‫‪.364‬‬
‫وقد رد الملحد هذا الدليل بمقتضى خرافات الشيعة‪ ،‬حيث جاء المر عندهم بالتمسك بالعترة‪ ،‬ومع ذلك غاب المام منذ‬
‫قرون‪ ،‬فالكتاب كذلك‪ ،‬وقد رد على ذلك أحد شيوخهم (وهو محسن كاظمي في شرح الوافية) فقال‪" :‬إن التمسك بهم‪ ..‬ممكن مع‬
‫الغيبة (يعني غيبة منتظرهم) للعلم بهم وبطريقتهم‪ ،‬وهذا بخلف التمسك بالكتاب فإنه إنما يتحقق بالخذ به‪ ،‬ول يمكن إل‬
‫بالطلع عليه" (انظر‪ :‬فصل الخطاب ص ‪.)365‬‬
‫ولم يرتض الملحد هذا الجواب فقال‪" :‬إن العلم بجميع طريقة المام في الغيب لم يدعه أحد من العلم" ثم ذكر كلما مفاده‬
‫أنه يكفي العلم ببعض طريقة المام‪ ،‬وكذلك يكفي العلم ببعض القرآن السالم من التحريف‪( .‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.)365‬‬
‫وهكذا فإن المذهب يهدم بعضه بعضا‪.].‬‬
‫[وهنا انكشف – أيضا – هذا الملحد في جوابه‬ ‫السادس‪ :‬أنه لو سقط منه شيء لم تبق ثقة في الرجوع إليه‬
‫عن هذا الدليل فقال‪ :‬إن هذا ل يقدح "لحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهر من الظواهر الغير المتعلقة – كذلك –‬
‫بالحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيما إلى ظاهر الكتاب" (فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.)365‬‬
‫كأنه يشير إلى أن رجوعهم إلى القرآن إنما هو فقط في آيات الحكام أو أنهم يرجعون إلى تأويلتهم الباطنية ليات القرآن‬
‫إل في آيات الحكام فيرجعون إلي الظواهر‪ ..‬ثم قال‪" :‬إن إرشاد الئمة إلى التمسك بها (يعني آيات الحكام) وتقريرهم‬
‫الصحاب عليه وتمسكهم بها في غير واحد من الموارد كاشف عن عدم سقوط ما يوجب الجمال – كذا – في الموجود من‬
‫آيات الحكام وغير مناف للسقوط في غيرها" (السابق ص ‪.)365‬‬
‫فهو هنا يجعل أخباره وأساطيره هي الحاكمة على القرآن‪ ،‬فيقبل حكمها بالرجوع إلى آيات الحكام‪ ،‬ويفسر المر برواياتها‬
‫بالتمسك بالكتاب بذلك‪.‬‬
‫والحقيقة أن صورة التناقض عندهم واضحة‪ ،‬فالمر بالتمسك بالكتاب عام يشمل آيات الحكام وغيرها‪ ،‬وأساطير التحريف‬
‫عامة كذلك‪ ..‬والتناقض دليل سقوط أخبارهم وأنهم ليسوا على شيء‪.].‬‬
‫السابع‪ :‬أن سقوط شيء منه مع شدة هذا الضبط والهتمام خارج عن مجاري العادات‪ .‬قال السيد‬
‫[محسن بن السيد العرجي الحسيني الكاظمي المتوفى سنة ‪1227‬ه‍‪ ،‬له كتاب "شرح الوافية" أو "المحصول"‬ ‫شارح الوافية‬
‫فيه‪ :‬أن طول المدة أدعى‬ ‫أشار صاحب الذريعة إلى أنه رأى عدة نسخ منه عند بعض شيوخهم‪( .‬الذريعة‪].)20/151 :‬‬

‫لضبط ما تمد إليه العناق‪ ،‬ول يرو إل لداع‪ ،‬وأنى يخفى مثله وهو صلى عليه وآله إذا تغشاه الوحي‬
‫ثقل حتى إذا كان راكبا ارتدت قوائم الدابة‪ ،‬فإذا تسرى عنه تل عليهم ما نزل عليه فليكن كخطيب‬
‫مصقع أو كشاعر مغلق ينشد البيت بعد البيت‪ ،‬ويلقي الكلم بعد الكلم في مظان الحكمة‪ ،‬ومحل‬
‫الحاجة خصوصا إذا كان لوروده شاهد معلوم وعلمة بينة وهو صلى ال عليه وآله إنما يأتيهم بالوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬والترغيب والتهديد‪ ،‬والتكاليف الحادثة‪ ،‬وأقاصيص المم السافلة‪ ،‬والقاويل الغريبة‪ ،‬وهناك‬

‫‪649‬‬
‫أمم من الناس يتطلعون لما برز منه رغبة أو رهبة‪ ،‬وقد كلفهم بتلقيه وتلوته‪ ،‬وحفظه والنظر في‬
‫معانيه‪ ،‬ووعدهم على ذلك الجنات‪ ..‬وجعل تلوته من أعظم أنواع العبادات‪ ..‬ولهذا كان منهم من‬
‫[كتاب‬ ‫يقطع الليل بتلوته‪ .‬على أنه لم يقنع بهذا كله حتى وكل لكتابته وحفظه وحراسته أربعة عشر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم عديدون أحصى أسماءهم عدد من العلماء‪ ،‬وقد ذكر منهم أبو شامة نحوا من خمسة وعشرون اسما‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬المرشد الوجيز ص ‪ .)46‬وذكر منهم ابن القيم سبعة عشر صاحبيا‪( .‬زاد المعاد ‪.)1/117‬‬
‫ولعل من أكثرهم استيعابا الحافظ العراقي‪ ،‬إذ ذكر اثنين وأربعين كاتبا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪( .‬انظر‪ :‬التراتيب‬
‫الدارية للكتاني‪ ،)1/116 :‬وعدهم البرهان الحلبي في حواشي الشفا فأوصلهم إلى ثلثة وأربعين (المصدر السابق‪،1/117 :‬‬
‫يعرضون عليه‪ ،‬ويدرسونه لديه‪ ،‬لنه معجز النبوة ومأخذ‬ ‫وانظر‪ :‬الصباغ‪ /‬لمحات في علوم القرآن‪ :‬ص ‪].)67‬‬

‫الحكام ومأخذ الحكام الشرعية‪ ،‬ومرجع المة‪ ،‬وشاهد الئمة‪ ،‬حتى إن جماعة منهم كعبد ال بن‬
‫مسعود‪ ،‬وأبي بن كعب ختموه عليه عدة ختمات‪.‬‬
‫وما زال يفشو أمره وينتشر ضياؤه‪ ،‬ويعلو سناؤه يوما فيوما وعاما فعاما وقرنا فقرنا حتى صار‬
‫من أعظم المتواترات ظهورا‪ ،‬ومن هنا تعرف سرّ ما قال سيدنا المرتضى فيما حكى عنه شيخنا أبو‬
‫علي في المجمع أن‪ :‬العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان‪ ،‬والحوادث الكبار‪ ،‬والوقايع العظام‪( ...‬ثم‬
‫نقل ما سبق أن نقلنا عن الشريف المرتضى) [ص‪.].)293–292(:‬‬
‫وقال‪ :‬إن القرآن المجيد ليس بذلك الكثير الذي ل يمكن جمعه ول بالمبثوث الذي ل يضم نشره؛‬
‫وإنما هو بمنزلة ديوان شعر لعظيم من الشعراء قد اشتمل على نفائس الشعر وطرف الحكمة وشوارد‬
‫المثال‪ ،‬وله حملة وحفاظ‪ ،‬وناس يتناشدونه في مجامعهم‪ ،‬ويكتبونه في دفاترهم بحيث إذا ذهب عليهم‬
‫بيت منه فضلً عن قصيدة أو مقطوعة افتقدوه‪ ...‬ونادى منادي السلطان في حملته وحفاظه والذين‬
‫يتناشدونه ويكتبونه أن ائتونا بما عندكم‪ ..‬أتراه يشذ عليه بعد هذا شيء؟‬
‫والكتاب العزيز أجلّ مما ضربنا‪ ،‬وحملته وكتابه وحفظته أكثر مما قلناه‪ ،‬وتوجه الرغبات إليه أشد‪،‬‬
‫وله قراء كثيرون وحفاظ‪ .‬وجمعيه في أيام النبي صلى ال عليه وسلم وآله – فضلً عما بعده –‬
‫جماعة حتى قال القرطبي‪ :‬قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء‪ ،‬وقتل في عهد النبي صلى ال عليه‬
‫وآله في بئر معونة مثل ذلك‪ ،‬وروى البخاري عن قتادة قال‪ :‬سألت أنس بن مالك‪ :‬من جمع القرآن‬
‫على عهد رسول ال صلى ال عليه وآله؟ فقال‪ :‬أربعة من النصار‪ :‬أبيّ بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪،‬‬
‫وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو زيد‪ ،‬قلت‪ :‬من أبو زيد؟ قال‪ :‬أحد عمومتي‪.‬‬
‫هذا كله مضافا إلى شدة اعتناء ال جل ذكره بشأنه وصدق وعد ال بحفظه وإظهار هذا الدين الذي‬
‫هو من أعظم أركانه‪ ،‬حتى جعل أشد الناس إباء لظهوره‪ ،‬وأقلهم احتفالً بمكانه من السعادة في حفظه‬
‫وصيانته كما حفظ بيضة السلم مع تهالكهم في استئصال ذريته [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].367–365‬‬
‫وتوفر الدواعي على نشره للمسلمين والكفار والمنافقين للتحدي والعجاز واشتماله على أمهات‬
‫الحكام‪ ،‬والقراءة في المصحف والعلم بما فيه والتعلم والتعليم لنفسهم ولولدهم‪ ،‬وللختم في شهر‬

‫‪650‬‬
‫رمضان‪ ،‬وفي كل شهر مرة‪ ،‬وفي كل سبعة أيام أو ثلث أو ليلة كله‪ ،‬أو قراءة شيء منه في كل ليلة‪،‬‬
‫والحفظ وشرف الحمل والنظر فيه والتفكر في معانيه‪ ،‬وأمثاله‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ..‬إلى غير ذلك مما ل‬
‫تحصى (يعني من دواعي حفظه) مع كثرة المسلمين وغلبتهم حتى في غزوة تبوك كان عسكر السلم‬
‫ثلثين ألفا‪ ،‬وفي حجة الوداع اجتمع سبعون ألفا [انظر‪ :‬فصل الخطاب‪ :‬ص ‪.].367‬‬
‫وقد ضاق ذرعا صاحب فصل الخطاب وهو ينقل هذه الكلمات عن شيوخه المنكرين لهذه الفرية‬
‫وعقب عليها بقوله‪" :‬انتهى ما أوردنا نقله من الكلمات التي تشبه بكلم من ل عهد له بمباحث المامة‪،‬‬
‫[فصل الخطاب‪ :‬ص‬ ‫وحال أصحاب النبي صلى ال عليه وآله في الضللة والغواية في حياته وبعد وفاته"‬
‫‪.].367‬‬
‫ولجملة من شيوخهم كلمات من هذا القبيل في دحض هذه الفرية لظهور فسادها‪ ،‬ولذلك قال‬
‫اللوسي بعدما ذكر إنكار الطبرسي لهذا الكفر‪" :‬وهو كلم دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى‬
‫للطفال‪ ،‬والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين القتال" [روح المعاني‪.].1/24 :‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا الكتاب الذي كتبه صاحبه وصوبه سهما إلى كتاب ال سبحانه‪ ،‬لم يضر كتاب ال شيئا‪،‬‬
‫بل ارتد إلى طائفته وعاد عليها بأسوأ العواقب‪ ،‬فقد أصبح فضيحة الشيعة الكبرى‪ ،‬وكان من أعظم‬
‫الدلة والبراهين على سقوط أخبارهم وتهافت رواياتها‪ ،‬وأنه ل عبرة بتواترها واستفاضتها‪ ،‬ولهذا قال‬
‫أحد شيوخ الشيعة المعاصرين‪:‬‬
‫"ما أجاد في تأليفه‪ ،‬ول وافق الصواب في جمعه‪ ،‬وليته لم يؤلفه‪ ،‬وإن ألفه لم ينشره‪ ،‬وقد صار‬
‫ضرره أكثر من نفعه‪ ،‬بل ل نفع يتصور من نشره‪ ،‬فإنه جهز السلح للعدو وهيأه‪."..‬‬
‫ثم قال‪" :‬ويقال‪ :‬إن بعض أعداد الدين وخصماء المذهب حرضه على تأليف ذلك الكتاب وهو –‬
‫[الطبطبائي‪ /‬النوار النعمانية‪:‬‬ ‫رحمه ال – لم يشعر بذلك الغرض الفاسد‪ ،‬وليس هذا الحدس أو النقل ببعيد"‬
‫‪( 2/364‬الهامش)‪.].‬‬
‫هكذا يتمنون أن تكون هذه المسألة مستورة ل مفضوحة‪ ،‬وأن تبقى رواياتها متفرقة ل مجموعة‪،‬‬
‫لنه قد صار ضرره عليهم أكثر من نفعه‪ ،‬بل ل نفع من نشره‪ ،‬وليبق سري التداول بينهم‪ .‬فهل هذا‬
‫يدلنا على أن لديهم كتبا ل تحظى بالنشر‪ ،‬لن معلوماتها مثيرة للعالم السلمي‪ ،‬وآثارها خطيرة فبقيت‬
‫[بل قد يكون واقعا‪ ،‬حتى أنك ترى أن بعض أجزاء البحار قد منع طبعها‪،‬‬ ‫رهينة التداول بينهم؟ إن هذا ليس ببعيد‬
‫بأمر من "حوزاتهم"‪.].‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬التظاهر بإنكار هذه الفرية مع محاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية‪:‬‬
‫درج بعض شيوخهم المعاصرين على التظاهر بإنكار هذه الفرية‪ ،‬والدفاع عن كتاب ال سبحانه‪..‬‬
‫لكنك تلحظ المنكر في فلتات لسانه‪ ،‬وترى الباطل يحاول دسه في الخفاء هنا وهناك‪ ..‬ومن أخبث من‬
‫[أبو القاسم الموسمي الخوئي‪ ،‬مرجع الشيعة الحالي في العراق وبعض القطار‬ ‫سلك هذا الطريق شيخهم الخوئي‬

‫‪651‬‬
‫في تفسيره "البيان"؛ فهو يقرر‪" :‬أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم‪ ،‬بل المتسالم عليه‬ ‫الخرى‪].‬‬

‫بينهم هو القول بعدم التحريف" [البيان‪ :‬ص ‪.].226‬‬


‫ولكنه يقطع بصحة جملة من روايات التحريف فيقول‪" :‬إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور‬
‫[البيان‪:‬‬ ‫بعضها عن المعصومين‪ ،‬ول أقل من الطمئنان بذلك‪ ،‬وفيـها مـا روي بطـريـق معتبر"‬
‫ص ‪.].222‬‬
‫وبتتبع رواياتهم وأساطيرهم بهذا الخصوص ويعتبر رواياتهم التي تتحدث عن مصحف لعلي فيه‬
‫زيادات ليست في كتاب ال القرآن وقد ذكرت فيها أسماء الئمة‪ ،‬وأساطيرهم التي تقول بنقص‬
‫القرآن‪ ،‬كل ذلك يعتبره ثابتا عندهم‪ ،‬ولكنه يرى أنه من قبيل التفسير الذي نزل من عند ال وأن تلك‬
‫الزيادات كانت تفسيرا بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلم‪ ،‬أو بعنوان التنزيل من ال شرحا للمراد‬
‫[البيان‪ :‬ص ‪ 223‬وما بعدها‪.].‬‬
‫أما أساطيرهم التي دلت على التحريف بعنوانه (على حسب تعبيره) وبلغت عندهم باعترافه عشرين‬
‫رواية وهو يعني بذلك أساطيرهم التي تقول بأن الصحابة حرفوا القرآن وبدلوه‪ ،‬حيث استشهد لذلك‬
‫بقوله‪ :‬ما عن الكافي والصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال‪ :‬كتبت إلى أبي الحسن كتابا – إلى‬
‫أن ذكر جوابه بتمامه وفيه قوله عليه السلم ‪ :-‬اؤتمنوا على كتاب ال فحرفوه وبدلوه‪.‬‬
‫وكان موقفه من هذه الساطير هو قبولها‪ ،‬ولكنه يقول بأنها ل تدل على تحريف ألفاظ القرآن "فهي‬
‫ظاهرة الدللة على أن المراد بالتحريف حمل اليات على غير معانيها‪ ..‬ولول هذا التحريف لم تزل‬
‫حقوق العترة محفوظة وحرمة النبي منهم مرعية‪ ،‬ولما انتهى المر إلى ما انتهى إليه من اهتضام‬
‫حقوقهم وإيذاء النبي صلى ال عليه وسلم فيهم [البيان‪ :‬ص ‪.].229‬‬
‫فهو يزعم بأن المة وفي طليعتهم الصحابة حملوا آيات القرآن على غير معانيها الحقيقية‪ ،‬أما‬
‫تحريفات الكليني والقمي والعياشي ليات القرآن فهي التفسير الحقيقي عنده لكتاب ال‪ ،‬فإذا كان هذا‬
‫مبلغ علم أكبر مراجع الشيعة اليوم‪ ،‬وغاية دفاعه عن كتاب ال‪ ،‬فإن أمر الشيعة اليوم في غاية‬
‫الخطورة‪.‬‬
‫وهو ل ينسى وهو يضع هذه "السموم" هنا وهناك أن يحاول إطفاء غضب القارئ ولسيما حينما‬
‫يجد أن تأويله عند من عرف نصوصهم وخبر أخبارهم بعيد التصديق فيقول‪" :‬وإذا لم يتم هذا الحمل‬
‫فل بد من طرح هذه الروايات" [البيان‪ :‬ص ‪.].231–230‬‬
‫ويقول عن أساطير نقص القرآن عندهم‪ :‬أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند‪ ..‬ثم نقل عن‬
‫بعض علمائهم قوله‪" :‬إن نقصان الكتاب مما ل أصل له وإل لشتهر وتواتر نظرًا إلى العادة في‬
‫الحوادث العظيمة وهذا منها بل أعظمها" [البيان‪ :‬ص ‪.].233‬‬
‫ثم يقول عن أساطيرهم التي دلت – كما يقول – علي وقوع التحريف في القرآن بالزيادة النقصان‪:‬‬
‫وإن المة بعد النبي صلى ال عليه وسلم غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى‪ ،‬وذكر‬
‫‪652‬‬
‫لذلك أمثلة‪ ،‬ومما أورده "ما عن العياشي عن هشام بن سالم قال‪ :‬سألت أبا عبد ال رضي ال عنه قوله‬
‫عمْرَانَ} قال‪ :‬هو آل إبراهيم وآل محمد على‬
‫صطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ ِإبْرَاهِيمَ وَآلَ ِ‬
‫تعالى‪ِ{ :‬إنّ الّلهَ ا ْ‬
‫العالمين فوضعوا اسمًا مكان اسم‪ ،‬أي أنهم غيروا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران"‪.‬‬
‫وكان جوابه عن ذلك أنها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ول‬
‫حرفا واحدا حتى من القائلين بالتحريف [البيان‪ :‬ص ‪.].233–232‬‬
‫لحظ مبلغ الخداع؛ فهو بهذا التعقيب على الزمرة الخيرة من أساطيرهم يوهم القارئ أن ما سبق‬
‫عرضه من أنواع أساطيرهم ليس بطلنها موضوع اتفاق بين المسلمين‪ ..‬وهو يجعل من يرمي كتاب‬
‫ال سبحانه بهذه الفرية ممن يعد قوله ضمن إجماع المسلمين‪.‬‬
‫إن هذه المحاولة من شيخ الشيعة هي مجرد غطاء جميل خادع لتحقيق هدف خبيث‪ ،‬فهي مؤامرة‬
‫الهدف منها المساس بكتاب ال بطرق خفية ماكرة‪ ،‬ولذلك لم يثر كتابه فصل الخطاب‪ ،‬بل اعتبر‬
‫البعض منهم ذلك من قبيل الدفاع عن القرآن‪ ،‬ولقد لحظت أنه يحاول أن يثبت "أسطورته" من طرق‬
‫أهل السنة بأسلوب غريب ماكر‪ ،‬حيث قال – وهو يتظاهر بالدفاع عن كتاب ال ‪ :-‬إن القول بنسخ‬
‫التلوة هو بعينه القول بالتحريف‪ ،‬وعليه فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلوة عند علماء أهل السنة‬
‫يستلزم – في زعمه – اشتهار القول بالتحريف [البيان‪ :‬ص ‪.].201‬‬
‫وقال‪" :‬إن اللتزام بصحة هذه الروايات (يعني‪ :‬روايات نسخ التلوة) التزام بوقوع التحريف في‬
‫القرآن" [البيان‪ :‬ص ‪ .].201‬وقال‪" :‬فيمكن أن يدعي أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة‬
‫لنهم يقولون بجواز نسخ التلوة" [البيان‪ :‬ص ‪.].206‬‬
‫وهذا الكيد الذي سطره شيخ الشيعة في العصر الحاضر ليس جديدا‪ ،‬فقد ردده بعض الملحدة من‬
‫قبل‪ ،‬ورد عليهم أهل السنة [انظر‪ :‬الباقلني‪ /‬نكت النتصار‪ :‬ص ‪ ،103‬حيث دحض هذه الشبهة‪.].‬‬
‫والمر واضح بيّن‪ ،‬والفرق جليّ بين النسخ والتحريف ل يخفى إل على مغرض صاحب هوى –‬
‫كما أسلفنا – ذلك أن التحريف من صنع البشر‪ ،‬وقد ذم ال فاعله‪ ،‬قال تعالى‪ُ { :‬يحَرّفُونَ الْ َكلِمَ عَن‬
‫مّوَاضِ ِعهِ‪[ }..‬النساء ‪ ،46‬المائدة ‪.]13‬‬
‫خيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِ ْثلِهَا}‬
‫والنسخ من ال سبحانه‪ .‬قال عز وجل‪{ :‬مَا نَنسَخْ ِمنْ آ َيةٍ أَوْ نُنسِهَا َن ْأتِ بِ َ‬
‫[البقرة ‪ .]106‬وهو ل يستلزم مس كتاب ال سبحانه بأي حال‪ ،‬وعلماء الشيعة القدامى الذين ينكرون هذه‬
‫الفرية يقرون به كالطبرسي في مجمع البيان والمرتضى في الذريعة وغيرهما – كما سلف ‪.-‬‬
‫وترى أنه يخادع في القول حينما يقرر‪" :‬أن القول بعدم التحريف هو المشهور بل المتسالم عليه بين‬
‫علماء الشيعة ومحققيهم" [البيان‪ :‬ص ‪ .].200‬ويستدل على ذلك بما قاله الطبرسي في مجمع البيان في‬
‫إنكار هذه الفرية [انظر‪ :‬ص(‪ )1020‬من هذا الكتاب‪ ،].‬مع أن الطبرسي قرر بعد هذا بصفحات نسخ التلوة‬
‫واستدل له‪ ،‬في حين أن الخوئي يرى أن نسخ التلوة قول بالتحريف‪ ،‬أليس هذا تناقضا؟!‬

‫‪653‬‬
‫بل تراه يقول بأن القول بعدم التحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم‪ ،‬في حين أن مذهب جملة‬
‫من أساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني‪ ،‬والقمي‪ ،‬والطبرسي صاحب الحتجاج وغيرهم‬
‫وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم‪ ،‬أليس‬ ‫[انظر‪ :‬ص(‪ )247‬وما بعدها‪].‬‬ ‫من رؤوس هذا الكفر‬
‫هذا خداعا؟!‬
‫بل المر أشد من هذا‪ ،‬ذلك أن شيخهم إبراهيم القمي قد أكثر من أخبار هذه السطورة في تفسيره‪،‬‬
‫وكان هذا معتقده مع آخرين من شيوخهم‪ .‬قال الكاشاني‪" :‬وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة‬
‫السلم محمد بن يعقوب الكليني أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن‪ ..‬وكذلك أستاذه علي بن‬
‫[تفسير‬ ‫إبراهيم القمي‪ ،‬فإن تفسيره مملو منه وله غلو فيه"‪ .‬ثم ذكر بقية من سار في اللحاد من شيوخهم‬
‫الصافي‪ ،‬المقدمة السادسة‪.].1/52 :‬‬
‫فأنت ترى أنه يعترف بأن تفسير القمي مملو من هذا الكفر‪ .‬ومع ذلك فإن هذا الخوئي الذي يتظاهر‬
‫بالنكار يذهب إلى صحة تفسير هذا القمي‪ ،‬ويقرر أن روايات تفسيره كلها ثابتة وصادرة من‬
‫[معجم رجال الحديث‪:‬‬ ‫المعصومين‪ ،‬لنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات – كما يزعم – من الشيعة‬
‫‪ ،1/63‬ط‪ :‬الولى بالنجف ‪1398‬هـ‪ ،‬أو ص ‪ 49‬ط‪ :‬الثالثة‪ :‬بيروت ‪1403‬هـ‪ ،‬وقد نقل ذلك بنصه في المقدمة‪.].‬‬
‫فتبين من خلل ذلك أن الخوئي صاحب البيان هو في غايته كصاحب فصل الخطاب‪ ،‬إل أن‬
‫الخير استخدم الطريقة المكشوفة‪ ،‬والول سلك مسلك المكر والحتيال‪.‬‬
‫المجال الثاني‪( :‬اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال)‪ :‬هل تخلص شيعة العصر الحاضر من لوثة‬
‫ذلك التجاه المغرق في التأويل الباطني الذي درج عليه شيوخهم القدامى في تأويل كتاب ال كالقمي‬
‫والكليني والعياشي والكاشاني والبحراني وأضرابهم‪ ..‬أو هم على آثارهم يهرعون؟‬
‫إن المتتبع لما يكتبه شيعة العصر الحاضر في تفسير كتاب ال يجد أن العقلية الشيعية المعاصرة ل‬
‫تزال في الغالب تعيش أسيرة لتلك التأويلت التي وضعها علماؤهم السابقون والتي عرضنا لها فيما‬
‫مضى‪ ..‬وآية ذلك أن تلك التفاسير الباطنية تأخذ المكانة الولى عندهم في الوثاقة والعتماد‪ ،‬ول أدل‬
‫على هذا من توثيق أكبر مراجع الشيعة في العصر الحاضر وهو الخوئي لسانيد وروايات القمي في‬
‫تفسيره [انظر‪ :‬ص ‪ ..].18‬وتفسير القمي قد بلغ الغاية في التأويل الباطني وأربى على النهاية‪.‬‬
‫وكذلك الطبطبائي وهو من كبار شيوخهم المعاصرين يقرر أن تفسير العياشي محل ثقة الشيعة‬
‫واعتمادهم‪ ..‬إلى عصرنا هذا [انظر‪ :‬ما سبق نقله عن الطبطبائي في المقدمة‪ ،].‬وتفسير العياشي على خطى‬
‫القمي في المنهج الباطني الغالي الذي يكفر الصحابة‪ ،‬ويفسر كل آيات القرآن بالئمة وأعدائهم‪ ،‬ويدس‬
‫أساطير التحريف في تفسيره‪.‬‬
‫وهكذا سائر التفاسير ذات التجاه الغالي تحظى بتوثيق الشيعة واعتمادهم‪ ..‬كتفسير البرهان‪،‬‬
‫وتفسير الصافي‪ ،‬ومرآة النوار وغيرها [انظر‪ :‬مقدمات هذا التفاسير‪.].‬‬
‫فماذا بقي بعد هذا؟‬
‫‪654‬‬
‫أما اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال‪ ،‬فقد أخذ وجهين مختلفين‪ :‬وجه غال متطرف‪ ،‬ووجه‬
‫معتدل متوسط‪ ،‬إذا ما قسناه بالتجاه الغالي‪ :‬فقد ظهرت ملمح التطرف والغلو في تأويل كثير من‬
‫آيات القرآن بعقائدهم التي شذوا بها عن أمة السلم‪ ،‬فهذا أحد علمائهم المعاصرين ويدعا "علي محمد‬
‫دخيل" يتحدث عن غيبة مهديهم المنتظر – وهو كما يقول بعض كتاب الشيعة من أشهر الكتاب‬
‫المامية الذين عالجوا الغيبة [عبد ال الفياض‪ /‬تاريخ المامية‪ :‬ص ‪ –].162‬فيعقد فصلً بعنوان‪" :‬المهدي في‬
‫القرآن الكريم" ويورد في هذا الفصل خمسين آية من القرآن كلها يزعم تأويلها بالمهدي ويتوصل بذلك‬
‫إلى أن موضوع المهدي ل يختلف عن ضروريات السلم الخرى‪ ،‬وإنكاره إنكار لضرورة من‬
‫ضروريات الدين [علي دخيل‪ /‬المام المهدي (عبد ال الفياض‪ /‬تاريخ المامية‪ :‬ص ‪.].)162‬‬
‫[انظر‪ :‬هاشم البحراني‪/‬‬ ‫بل بلغت تأويلت شيوخهم المتأخرين ليات القرآن بالمهدي إلى (‪ )120‬آية‬
‫ولم يقنع بعض المعاصرين بذلك فوضع مستدركًا لهم ليبلغ بها إلى (‬ ‫المحجة فيما نزل في القائم بالحجة‪].‬‬

‫‪ ) 132‬آية [انظر‪ :‬محمد منير الميلني‪ /‬مستدرك الحجة‪.].‬‬


‫ونجد شيخهم المعاصر – محمد رضا الطبيسي النجفي (ت ‪1365‬ه‍) – يفسر (‪ )76‬آية من كتاب ال‬
‫بعقيدة الرجعة عندهم [انظر ذلك في كتابه "الشيعة والراجعة" مطبعة الداب‪ /‬النجف ‪1385‬ه‍‪ ،].‬وهذا شطط لم يبلغ‬
‫[انظر‪ :‬تاريخ الطبري‪:‬‬ ‫مداه شيوخهم القدامى‪ .‬حيث بدأ التأويل بمسألة الرجعة في آية واحدة عند ابن سبأ‬
‫[انظر‪ :‬جواد تارا‪ /‬دائرة‬ ‫‪ .].4/340‬ثم لم يزل المر يزيد‪ ،‬ففسر شيوخهم القدامى بالرجعة عشرين آية ونيفا‬
‫المعارف العلوية‪ :‬ص ‪.].256‬‬
‫وفي القرن الثاني عشر تطور المر إلى تأويل (‪ )64‬آية بتلك العقيدة الباطلة على يد شيخهم الحر‬
‫العالمي [انظر‪ :‬الحر العاملي‪ /‬اليقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة‪ :‬ص ‪ ،].98–72‬ثم كانت نهاية الشطط على‬
‫يد هذا الطبيسي وغيره من شيوخهم المعاصرين‪.‬‬
‫وقد يستمر طريق التأويل إلي أرقام أخرى‪ .‬وفي تفسير الميزان للمام العظم عندهم محمد حسين‬
‫الطبطبائي كثير من التفسيرات الباطنية التي يختارها من كتب التفسير القديمة عندهم‪ .‬يذكرها تحت‬
‫عنوان "بحث روائي"‪ ..‬ومن المثلة التي نقلها مقرًا لها ما ذكره عن تفسيرهم البرهان في قوله‬
‫سبحانه‪{ :‬ضَ َربَ الّلهُ مَ َثلً ّللّذِينَ َكفَرُوا ِامْ َرَأةَ نُوحٍ وَِامْرََأةَ لُوطٍ} [التحريم ‪ .]10‬قال‪" :‬الية مثل ضربه ال‬
‫لعائشة وحفصة أن تظاهرتا على رسول ال وأفشتا سره" [الطبطبائي‪ /‬الميزان‪.].19/346 :‬‬
‫فانظر كيف يحرف معاني القرآن‪ ،‬ويكفر أمهات المؤمنين بذلك‪.‬‬
‫نقل ما يروونه عن (الصادق) أنه قال‪" :‬نحن‬ ‫[الرحمن ‪]27‬‬ ‫جهُ رَ ّبكَ}‬
‫وعند قوله سبحانه‪{ :‬وَيَبْقَى َو ْ‬
‫وجه ال" [الميزان‪ .].19/103 :‬وهكذا يلتقي التأويل الباطني الغابر بالحاضر‪ ..‬صورة واحدة ووجه واحد‪.‬‬
‫والمثلة كثيرة‪.‬‬
‫ولكن هناك وجه معاصر معتدل‪ ،‬ومظاهر اعتداله تكمن في ثلث ظواهر‪ ،‬الولى‪ :‬اختفاء ذلك‬
‫الغلو بتفسير كثير من آيات القرآن بالمامة وما يدور في فلكها‪ ..‬والثانية‪ :‬تطهره من ملمح أسطورة‬
‫‪655‬‬
‫التحريف وأخبارها وآثارها في تفسيره‪ ،‬والثالثة‪ :‬التنزه عن ذلك التكفير الصريح الواضح لخير جيل‬
‫عرفته البشرية‪ ..‬جيل الصحابة رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا التجاه تفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية‪ ،‬والتفسير المبين له أيضًا‪.‬‬
‫خرِجُوا مِن‬
‫جرِينَ اّلذِينَ أُ ْ‬
‫فأنت تلحظ ثناءه على الصحابة في تفسير قوله تعالى‪ِ { :‬للْفُقَرَاء ا ْلمُهَا ِ‬
‫الية‪.‬‬ ‫[الحشر ‪]8‬‬ ‫دِيا ِرهِمْ وََأمْوَالِهِمْ}‬
‫حيث قال‪" :‬ل لشيء إل لوقوفهم مع الحق‪ ،‬وإعلء كلمة السلم وتضحيتهم في سبيله‬
‫صرُونَ الّلهَ َو َرسُو َلهُ ُأوْ َلئِكَ ُهمُ الصّادِقُونَ} إيمانًا وقولً‬
‫ضوَانًا َويَن ُ‬
‫ل مّنَ الّلهِ َو ِر ْ‬
‫{يَ ْبتَغُونَ َفضْ ً‬
‫وعملً‪ ،‬وبهؤلء المهاجرين وأمثالهم من النصار استقام السلم وانتشر في شرق الرض‬
‫وغربها‪ ،‬ول بدع فإن قائدهم محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولن تكون المة فاسدة وقائدها صالحا‬
‫ن مِن َقبْ ِلهِمْ}‪ ،‬المراد بالذين‪ :‬النصار‪ ،‬وتبوءوا‪ :‬سكنوا‪ ،‬والدار‪:‬‬
‫ن تَ َب ّوؤُوا الدّارَ وَالِيمَا َ‬
‫{وَالّذِي َ‬
‫دار الهجرة وهي المدينة‪ ،‬واليمان مفعول لفعل محذوف أي‪ :‬وأخلصوا اليمان‪ ،‬وقد أثنى ال‬
‫جةً مّمّا أُوتُوا‬
‫جرَ ِإَل ْيهِمْ وَل يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ‬
‫ن مَنْ هَا َ‬
‫حبّو َ‬
‫على النصار بأنهم‪{ :‬يُ ِ‬
‫سهِ فَُأ ْوَلئِكَ هُمُ ا ْلمُ ْفلِحُونَ}‪.‬‬
‫ح نَفْ ِ‬
‫شّ‬‫صةٌ َومَن يُوقَ ُ‬
‫خصَا َ‬
‫سهِمْ وَ َلوْ كَانَ بِهِمْ َ‬
‫علَى أَن ُف ِ‬
‫َويُ ْؤ ِثرُونَ َ‬
‫{وَالّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ} جاء في التفاسير‪ :‬أن المراد بالذين جاءوا من بعد الصحابة التابعون‬
‫لهم بإحسان أخذا بقرينة السياق‪ ،‬ومع هذا فإن الثناء يعم ويشمل كل من سار بسيرة الصحابة إلى يوم‬
‫[التفسير المبين‪ :‬ص ‪ ،631‬وقارن هذا التفسير المتناسب مع سياق اليات ومفهوماتها بما سجله البحراني من روايات‬ ‫القيامة"‬
‫عن أئمته في تفسير هذه الية‪( .‬انظر‪ :‬البرهان‪.].)319–4/316 :‬‬
‫فإذا قرأت هذا الكلم ل تعرف أن قائله من الروافض الذي يكفرون صحابة رسول ال‬
‫ويشتمونهم‪ ...‬وقد مر بنا أن له كلما في الطعن في بعض صحابة رسول ال‪ ..‬ولكنه لم يصرح‬
‫بالتكفير كغيره من شيعته‪.‬‬
‫حنُ َن ّزلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ}‪ .‬قال‪" :‬المراد بالذكر هنا القرآن الكريم‪،‬‬
‫وعند قوله سبحانه‪{ :‬إِنّا َن ْ‬
‫وضمير "له" يعود إليه‪ ،‬والمعنى أن القرآن موجود فعلً بين الدفتين‪ ،‬المألوف لدى كل الناس‪ ،‬وهو‬
‫بالذات الذي نزل على محمد صلى ال عليه وسلم بل تقليم وتطعيم‪ ،‬على العكس من الكتاب المعروف‬
‫بالتوراة‪ ،‬فإنه غير الذي جاء به موسى عليه السلم‪ ،‬وكذلك الكتاب المعروف بالنجيل فهو غير الذي‬
‫جاء به عيسى عليه السلم" [التفسير المبين‪ :‬ص ‪.].286‬‬
‫في حين أن الرجل لم يدع التأويل لبعض اليات بمقتضى أصول عقيدته‪ ،‬لكنه لم يجاهر بالغلو في‬
‫التأويل كالخرين من طائفته‪ ،‬فنجده مثلً في تفسيره الكاشف يوؤل قوله سبحانه‪{ :‬الْيَوْمَ أَ ْك َم ْلتُ لَكُمْ‬
‫بقوله‪" :‬معنى الية أن ال سبحانه أكمل الدين مع هذا اليوم بالنص على علي‬ ‫[المائدة ‪]3‬‬ ‫دِينَكُمْ}‬
‫بالخلفة"‪.‬‬

‫‪656‬‬
‫هذا التجاه المعتدل إنما هو ثمرة اعتماده على جمع الجوامع لشيخهم الطبرسي‪ ،‬كما ألملح إلى ذلك‬
‫في المقدمة‪ ..‬والطبرسي قد اعتمد في الغالب على مرويات أهل السنة وتفاسيرهم‪ ،‬كما أشار شيخ‬
‫السلم ابن تيمية [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].3/246 :‬‬
‫فإذن هناك وجهان للتجاه الشيعي في تأويل القرآن‪ :‬اتجاه غال‪ ،‬واتجاه معتدل‪ .‬كما كان لهم في‬
‫القرون الماضية كتب تفسير باطنية غالبة كتفسير القمي والعياشي والكاشاني والبحراني وغيرهم‪،‬‬
‫وكتب تفسير معتدلة مثل تفسير التبيان للطوسي‪ ،‬ومجمع البيان‪ ،‬وجمع الجوامع للطبرسي‪..‬‬
‫وقد جاء في أخبارهم بالمر لهم بظهورهم بوجهين مختلفين حتى ل يعرف الناس حقيقة مذهبهم‪.‬‬
‫وقال إمامهم‪" :‬إن هذا خير لنا ولكم‪ ،‬ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا (أي لعرف‬
‫الناس المذهب) ولكان أقل لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي‪.].1/65 :‬‬
‫وأنت إذا قارنت بين المنهجين وجدت التجاه الغالي المتطرف يستقي مادته من روايات الشيعة‬
‫وأخبارهم‪ ،‬أما التجاه المعتدل فتلحظ أنه قد فتح قلبه وعقله لروايات أهل السنة وآثارهم في التفسير‪،‬‬
‫فتخلص من لوثة الغلو والتطرف‪ ،‬إما تقية أو اقتناعا‪ ،‬لكنك ل تجد تفسيرا شيعيا اعتمد على رواياتهم‬
‫فقط يخلو من الطريقة الباطنية في التفسير‪.‬‬
‫فأي الطريقين هو الذي يمثل مذهب الشيعة؟!‬
‫لقد ذكرت فيما سلف محاولة بعض شيوخ الشيعة قطع الطريق على هذا التجاه المعتدل بحمله على‬
‫التقية [انظر‪ :‬ص(‪ )198‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وقد صرح شيخهم المجلسي بأن اعتمادهم على مرويات أهل السنة إنما هو للحتجاج عليهم‪ ،‬وعقد‬
‫لذلك بابا بعنوان " الباب الثامن والعشرون ما ترويه العامة (يعني أهل السنة) من أخبار الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وأن الصحيح من ذلك عندهم (يعني شيعته) والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين"‬
‫ثم استثنى من ذلك مقام الحتجاج عليهم لنشر التشيع‪.‬‬ ‫[بحار النوار‪].2/214 :‬‬

‫بل إن مرجع الشيعة في العراق "الخوئي" يعتبر ما جاء عن الصحابة في تفسير القرآن هو معنى‬
‫[انظر‪ :‬حملة لساطيرهم التي تقول بتحريف الصحابة لكتاب ال "على أن المراد حمل‬ ‫التحريف الذي جاء به رواياتهم‬
‫اليات على غير معانيها" (البيان ص ‪.].)229‬‬
‫وحين أشار محب الدين الخطيب إلى أن القرآن الذي ينبغي أن يكون الجامع لنا ولهم على التقارب‬
‫نحو الوحدة‪ ،‬قد قامت أصول الدين عندهم على تأويل آياته وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها‬
‫الصحابة عن النبي صلى ال عليه وسلم وإلى غير ما فهمه منها أئمة السلم عن الجيل الذي نزل‬
‫عليه القرآن [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].10‬‬
‫ردّ عليه أحد شيوخ الشيعة بقوله‪" :‬إن الشيعة ترى من الكيد للسلم أن يأخذوا‪ ..‬تفسيرهم للقرآن‬
‫عمن تقصدهم وتعنيهم بالذات أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب‪ ..‬وأنس بن مالك ممن أتقنوا صناعة‬
‫التلفيق والدس والكذب والفتراء" [عبد الواحد النصاري‪ /‬أضواء على خطوط محب الدين‪ :‬ص ‪.].65‬‬
‫‪657‬‬
‫فهذا الجواب ينسبه المؤلف للشيعة‪ ..‬فإذا كانت الشيعة تعتقد أن تلقي الدين عن طريق الصحابة هو‬
‫من الكيد للسلم فلهم دينهم ولنا ديننا‪ ..‬إذ إن قولهم هذا يؤدي إلى رفض السلم كلية‪.‬‬
‫أليس هذا يعني أن ذلك الطريق المعتدل والوجه الخر هو من باب التقية‪..‬؟!‬
‫إن بعض أصحاب ذلك التجاه المعتدل وهو شيخهم محمد جواد مغنية ل يقر بوجود اتجاه باطني‬
‫في التفسير عندهم‪ .‬ويقول بأن الثني عشرية أبعد الناس من هذه البدع والضللت‪ ،‬وأن كتبهم تشهد‬
‫بذلك وهي في متناول كل يد [تفسير الكاشف‪ ،].7/104 :‬وكذلك شيخهم الخر محسن المين يقر بوجودها‪،‬‬
‫ولكنه يقول بأنها روايات شاذة [انظر‪ :‬الشيعة بين الحقائق والوهام‪ :‬ص ‪ .].420–419‬ومثل ذلك يقول الخنيزي‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية‪:‬‬ ‫مع إنكاره لبعض ما هو واقع في كتبهم من روايات‬
‫‪.].202–1/178‬‬
‫وهذا النكار لما هو واقع وموجود أمارة التقية‪ ،‬والمر ليس مجرد روايات شاذة – كما يزعمون –‬
‫بل تفاسير كاملة تخصصت في التأويل الباطني يأتي في طليعتها تفسير القمي الموثق من كبار‬
‫شيوخهم‪ ،‬وأبواب كاملة في الكافي أصح كتاب عندهم في الحديث‪ ،‬وفي البحار وغيرهما‪ ،‬أبواب تضم‬
‫عشرات الحاديث كلها تفسير اليات تفسيرا باطنيا‪ ،‬فلم هذه "الجرأة" في إنكار الحقائق الواضحات‪،‬‬
‫وهل يظنون أنهم يخدمون دينهم بهذه الوسيلة؟!‬
‫كما أن هذا النكار منقوض بصنيع من شيوخهم المعاصرين الذين ل يزالون يهذون في هذا‬
‫الضلل‪.‬‬
‫بل إن شيوخهم وآيتهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي يرى أن تلك التأويلت الباطنية لليات‬
‫[وذلك حينما قال الشيخ موسى جار ال بأن "في كتب‬ ‫والواردة في حق الئمة هي مسلمة عندهم بحكم الضرورة‬
‫الشيعة أبواب في آيات وسور نزلت في الئمة والشيعة‪ ،‬وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر‪ ،‬وكفر من اتبعهما‪،‬‬
‫واليات تزيد على المئة‪ ،‬بل فيها سور مستقلة‪ ..‬يذكر ذلك أكبر إمام للشيعة في أقداس كتبها في أصول الكافي"‪( .‬الوشيعة‪ :‬ص‬
‫‪ ،27‬وانظر‪ :‬ص ‪.)65‬‬
‫فأجاب شيخهم عبد الحسين على ذلك بقوله‪ :‬أما ما نزل في فضل الئمة من أهل البيت وشيعتهم فمسلّم بحكم الضرورة من‬
‫علم التفسير المأثور من السنن‪ ،‬وبحكم ما ثبت في السنة المقدسة من أسباب النزول‪.‬‬
‫وأما نزول شيء من القرآن في كفر فلن وفلن‪ ،‬فإنه مما نبرأ إلى ال منه‪ ،‬والبلء فيه إنما جاء من بعض غلة المفوضة‬
‫وربما كان في كتبهم فرآه هذا الرجل فرمى البريء بحجر المسيء شأن الجهال بحقائق الحوال‪( .‬أجوبة مسائل جار ال‪ :‬ص‬
‫‪.)67‬‬
‫فأنت تلحظ أن هذه "الية" عندهم قد اعتبر ما جاء في الكافي من تأويلت للقرآن بالمام والمامة مسلم بحكم الضرورة‪،‬‬
‫لكنه استعمل التقية‪ ،‬حينما نفى تأويلهم ليات الكفر والكافرين بأبي بكر وعمر‪ ،‬وزعم أن ذلك ل يوجد في الكافي‪.‬‬
‫وهذه "تقية" بل ريب‪ ،‬لنه أنكر وجود ذلك في الكافي وهو موجود ويتمثل في عشرات الرويات تفسير آيات الكفر والكفار‬
‫بالشيخين رضي ال عنهما‪( .‬انظر‪ :‬أصول الكافي‪ ،‬باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية‪.)1/412 :‬‬

‫‪658‬‬
‫لكن هذا الرجل يريد أن يخدع الناس وينكر ما هو واقع ويلصق ذلك بالفوضة والتي لم يقل الكاتبون عنها أن هذا مسلكها‬
‫واعتقادها (انظر في بيان عقيدة الفوضة شرح عقائد الصدوق للمفيد‪ :‬ص ‪ )258‬ثم إن هذه الفرقة اندرست ول توجد هي ول‬
‫كتبها كما يقوله مرجع الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطا (انظر‪ :‬أصل الشيعة‪ :‬ص ‪.].)38‬‬
‫إذن الصورة في مجال التأويل متشابهة بين الوائل والواخر‪ ،‬والجديد عند المعاصرين أنهم‬
‫ارتضوا ما كتبه أسلفهم‪ ،‬حتى المتأخرون منهم فقد اعتبروا ما كتبه المجلسي وغيره من المتأخرين‬
‫مراجع معتمدة في الرواية فاتسع بذلك نطاق التأويل عندهم وازداد بفضل جهود شيوخ الدولة الصفوية‬
‫الذي أربوا على النهاية في هذا‪.‬‬
‫لكن بعض المعاصرين كتب بعض التفاسير المعتدلة كما فعل بعض شيوخهم القدمين‪ ..‬وأنكر‬
‫وجود التأويلت المتطرفة عندهم‪ ..‬وإذا كان النكار في القديم قد يصدق‪ ،‬فإنه اليوم بعد ظهور حركة‬
‫الطبع ل يجدي ول يفيد‪ ،‬ويحمل على التقية ل محالة‪.‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫أما ظهورهم بوجهين مختلفين فهذا أمر قد قرر في مذهبهم حتى ل يقف الناس على حقيقتهم‬
‫أصول الكافي‪ .1/65 :‬ومضى نصه ص‪.].)1060( :‬‬

‫‪659‬‬
‫السنة عند المعاصرين‪:‬‬
‫إن الشيعة المعاصرين لم يتغير شيء من مواقفهم حول المسائل التي تحدثنا عنها في مبحث السنة‪،‬‬
‫فل يزالون يعتبرون أقوال أئمتهم الثني عشر كأقوال ال ورسوله‪.‬‬
‫[الحكومة السلمية‪ :‬ص‬ ‫يقول شيخهم الخميني‪" :‬إن تعاليم الئمة كتعاليم القرآن يجب تنفيذها واتباعها"‬
‫‪.].13‬‬
‫ويقول محمد جواد مغنية‪" :‬قول المعصوم وأمره تماما كالتنزيل من ال العزيز العليم‪َ { :‬ومَا َينْطِقُ‬
‫عنِ الْ َهوَى‪ِ ،‬إنْ هُوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم ‪[ "]4 ،3‬محمد جواد مغنية‪ /‬الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪.].59‬‬
‫َ‬
‫فكأنهم بهذا قد اعتبروا هؤلء الئمة بما فيهم الغائب الذي لم يوجد أصلً‪ ،‬والحسن العسكري الذي‬
‫عده ابن الجوزي من الضعفاء في الموضوعات‪ ..‬اعتبروا هؤلء كأنبياء ال ورسله‪ ..‬وهذا مبني على‬
‫دعوى عصمتهم التي تبين لنا زيفها وبطلنها فيما مضى‪.‬‬
‫أما دعواهم أن الرسول كتم جزءا من الشيعة وأودعها عليا فهذا ل يكفون عن التصريح به في‬
‫كتبهم "الدعائية" كما سجل ذلك شيخهم محمد حسين آل كاشف الغطا في كتابه "أصل الشيعة وأصولها"‬
‫[انظر‪ :‬أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪ ،77‬ونقلت نص ذلك ص (‪.].)146‬‬
‫أما تلك الكتب الوهمية كالجفر والجامعة والتي تتحدث عنها كتب الرواية عندهم‪ ..‬فلما نعى الشيخ‬
‫موسى جار ال على الشيعة المعاصرين تصديقهم بمثل هذه الوهام‪ .‬أجابه أحد مراجع الشيعة‬
‫المعاصرين وهو محسن المين – بل حياء – بقوله‪" :‬إن ضاعت صحيفة الفرائض والجفر والجامعة‬
‫[الشيعة بين الحقائق والوهام‪:‬‬ ‫وما ذكر معها عنده وعند أمثاله (يعني موسى جار ال) فلم تضع عند أهلها"‬
‫ص ‪.].254‬‬
‫بل إن من شيوخهم الكبار عندهم في هذا العصر من يتباهى بذكر تلك الكنوز الوهمية‪ ،‬والسماء‬
‫التي ل مسمى لها ويذهب يعدد هذه "الكتب" بكل خفة عقل‪.‬‬
‫ويفتخر بكثرة هذه الوهام التي ل حقيقة لها‪ ..‬وإذا سئل أين هذه "الكتب المزعومة" أجاب بأنها‬
‫[انظر‪ :‬محمد آصف المحسني‪ /‬صراط الحق‪ ،3/347 :‬محسن‬ ‫المنتظر‪ ..‬ولول خشية الطالة لنقلنا كلمهم في ذلك‬
‫المين‪ /‬أعيان الشيعة‪.].184–1/154 :‬‬
‫ومنتظر الشيعة الذي تزعم غيبته وحياته منذ مئات السنين حتى أصبحت هذه الدعوى عار عليها‬
‫وفضيحة لها تزداد على مر السنين‪.‬‬
‫هذا المنتظر الذي لم يولد أصلً نسب له بعض الفاكين "رقاعا" صدرت عنه مضى الحديث عنها‬
‫[انظر‪ :‬ص (‪.].)332‬‬

‫‪660‬‬
‫وكان يظن بشيعة العصر الحاضر‪ ،‬ول سيما وهم يرفعون شعار التقريب‪ ،‬ودعوة الوحدة مع أهل‬
‫السنة أنهم قد ارتفعوا بمذهبهم قومهم عن ترهات الماضي لكن لم يحصل شيء من ذلك واعتبروا هذه‬
‫الرقاع من "السنة التي ل يأتيها الباطل" [الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية‪.].2/112 :‬‬
‫وأدهى من ذلك أن هذا المنتظر يزعمون أنه على صلة مباشرة ببعض شيوخهم حتى الن‪ ،‬وهذا‬
‫يعني استمرار حكاية التوقيعات‪ ،‬وخروج الفتاوى المعصومة والنصوص التي هي كالوحي اللهي –‬
‫كما يزعمون ‪.-‬‬
‫قال شيخهم محمد تقي المدرسي‪" :‬ل نستبعد ‪ -‬بل هو كائن فعلً – وجود علقات سرية بين المام‬
‫(ع) وبين مراجع الشيعة‪ ،‬وهذا هو السر العظيم"‬ ‫[يعني إمامهم الغائب الذي ل حقيقة له إل في خيال الشيعة‪].‬‬

‫[الفكر السلمي مواجهة حضارية‪ :‬ص ‪.].305‬‬


‫ومع اعتماد على هذه الوهام‪ ،‬وقبولهم لمرويات الكذابين‪ ،‬فإنهم ل يزالون في غيهم يعمهون في‬
‫إعراضهم‪ ،‬عن سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم التي نقلها أصحابه – رضي ال عنهم – بل حجة‬
‫وبرهان إل دعوى أنهم ردوا إمامة علي المنصوصة بزعمهم حتى قال أحد مراجعهم وآياتهم في هذا‬
‫العصر‪" :‬إن ما يرونه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب وعمر بن العاص ونظائرهم ليس لهم عند‬
‫المامية مقدار بعوضة" [محمد حسين آل كاشف الغطا‪ /‬أصل الشيعة وأصولها‪ :‬ص ‪.].79‬‬
‫بل صرح بعض معاصريهم أن الشيعة ترى أن قبول رواية صحابة رسول ال من الكيد للسلم‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪.].)1061‬‬
‫ولذا قال بعض معاصريهم‪" :‬إن الشيعة ل تعول على تلك السانيد (أي أسانيد أهل السنة)‪ ،‬بل ل‬
‫[عبد ال السبيتي‪ /‬تحت‬ ‫تعتبرها ول تعرج في مقام الستدلل عليها فل تبالي بها وافقت مذهبها أو خالفته"‬
‫راية الحق‪ :‬ص ‪.].146‬‬
‫وقال‪" :‬إن لدى الشيعة أحاديث أخرجوها من طرقهم المعتبرة عندهم ودونوها في كتب لهم‬
‫مخصوصة وهي كافية وافيه لفروع الدين وأصوله‪ ،‬عليها مدار علمهم وعملهم‪ ،‬وهي ل سواها الحجة‬
‫عندهم" [عبد ال السبيتي‪ /‬تحت راية الحق‪ :‬ص ‪.].162‬‬
‫ولن هذا هو حقيقة موقفهم من السنة النبوية‪ ..‬فإن لهم نشاطا واسعا لمحاربة السنة والتشكيك‬
‫فيها‪ ..‬ولكبار شيوخهم حملت مسعورة ضد المكثرين من الرواية من صحابة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كما صنع آيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي في كتابه (أبو هريرة) وغيره‪ ،‬ولهم سب‬
‫وتجريح لكبار محدثي المة‪ ،‬ولمهات كتب المسلمين ما ل يوجد مثله في كتب طائفة من طوائف‬
‫الكفر‪ ،‬كما تجد ذلك في كتاب الغدير لشيخهم الميني‪ ..‬والمجال ل يتسع لنقل شواهد من هذا الغثاء‪.‬‬
‫الجماع عند المعاصرين‪:‬‬
‫ل جديد في حديثهم في ذلك حتى نثبته‪ ،‬اللهم إل محاولة صياغة مذهبهم في "الجماع" بأسلوب‬
‫خادع قد يغتر به من ل علم له بحقيقة مقالتهم‪ ..‬يقول – مثلً ‪ :-‬محمد جواد مغنية‪ :‬إجماع الصحابة‬
‫‪661‬‬
‫بأن تتفق كلمة الصحاب جميعا على حكم شرعي‪ ،‬وقد أوجب السنة والشيعة الخذ بهذا الجماع‬
‫[الشيعة‬ ‫واعتباره أصلً من أصول الشريعة‪ ،‬ثم يذكر أن الشيعة قالوا بحجته لوجود المام مع الصحابة‬
‫في الميزان‪ :‬ص ‪.].321‬‬
‫انظر إلى هذا التحايل رغم أن مؤدى قوله أن الشيعة ترى أن الحجة في قول المعصوم ل في‬
‫[انظر ما سللف عن عقيدته في "الجماع"‬ ‫الجماع نفسه‪ ،‬لكنه استعمل هذا السلوب الملتوي للخداع والتغرير‬
‫[مثل الشيخ محمد الغزالي الذي نقل كلم مغنية هذا واحتج به في أنه ل‬ ‫ص(‪ )403‬وما بعدها‪ ،].‬وقد انخدع بذلك البعض‬
‫فرق في أصول الحكام بين السنة والشيعة (انظر‪ :‬ليس من السلم‪ :‬ص ‪.].)80–79‬‬
‫اعتقادهم في أصول الدين‪:‬‬
‫ففي مقام توحيد الربوبية وإفراد ال جل شأنه بأفعاله فإن للمعاصرين كلمات في إعطاء الئمة ما‬
‫للرب جل شأنه بأفعاله مما لم يؤثر عن أسلفهم من الثني عشرية‪.‬‬
‫فهذا أحد شيوخهم ويدعى عبد الحسين العاملي قالوا‪ :‬إنه كان آية من آياتهم التي ينسبونها ‪ -‬زورا‬
‫– إلى ال سبحانه‪ .‬يقول هذا العاملي في مدح أمير المؤمنين علي – برأه ال مما يفترون ‪:-‬‬
‫وعنـوان قدرتــه الساميـــة‬ ‫أبـا حسـن أنـت عيــن اللـه‬
‫فهل عنـدك تعـزب مـن خافيـة‬ ‫وأنـت المحيـط يعـلم الغــيوب‬
‫وعلـة إيجـادهـا البـاقـيــة‬ ‫وأنـت مـدير رحـى الكـائنـات‬
‫[ديون‬ ‫وإن شـئت تفسـح بالنـاصيـة‬ ‫لـك المـر إن شـئت تنجـي غدا‬
‫الحسين‪ /‬الجزء الول من القسم الثاني الخاص في‬
‫الدب العربي‪ :‬ص ‪].48‬‬
‫انظر كيف جعل مخلوقًا من مخلوقات ال هو الله بعينه‪ ،‬والمتصف بما للرب من تدبير وإحياء‬
‫وإماتة‪ ..‬فهو مدبر أمر الكائنات وعلة إيجادها ومظهر القدرة اللهية‪ ..‬وهو المحيط بعلم الغيب‪ ،‬بل‬
‫[بل صرح شاعرهم الخر‬ ‫هو مالك يوم الدين‪ ،‬إذ له المر في ذلك اليوم‪ ،‬ونجاة العباد‪ ،‬وهلكهم بمشيئته‬
‫بأن عليا تجمعت فيه كل صفات الله‪ ،‬حيث قال‪ :‬جميع صفات الرب فيه تجمعت‪ ..‬وما اجتمعت إل لسر وحكمة‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬الحائري‪ /‬مقتبس الثر‪.].)1/246 :‬‬
‫وهذا ثمرة مرة (طبيعية) لروايات الكليني والقمي والمجلسي‪ ..‬التي سلف عرض أمثلة من موادها‬
‫التي تتجه إلى هذا التجاه‪.‬‬
‫واثنا عشرية اليوم تمثل في رواياتها‪ ،‬وبلسان طائفة من شيوخها السبئية وغيرها من الفرق التي‬
‫تؤله عليا‪ ،‬والتي كنا نظن أنها بادت وانقرضت‪ ،‬فإذا بها تعيش في أحضان الثني عشرية حتى يقال‬
‫بأن السبئية هي السم القدام والثنا عشرية هي السم الحدث لحقيقة واحدة‪ ..‬وتلك الكلمات لم تصدر‬
‫عن عامي من عوامهم‪ ،‬أو كاتب صغير من كتابهم‪ ،‬بل صدرت من آية من آياتهم يرجع لقوله‬
‫اللف‪.‬‬

‫‪662‬‬
‫وتجد أن محمد حسيين آل كاشف الغطا أحد كبار مراجع الشيعة وآياتهم‪ ،‬ومن ينادي بالتقريب بين‬
‫أهل السنة والشيعة يقول في مدح أئمته‪:‬‬
‫أمـلك فعرشـه ميقـاتهـا‬ ‫يا كعبـة ال إن حجت لهـا الـ‬
‫أشياء بل ذرئت بهـا ذراتهـا‬ ‫أنتم مشيئته التي خلقت بهـا الـ‬
‫[ديوان شعراء الحسين‪/‬‬ ‫ما لم تقله في المسيح غلتهـا‬ ‫أنا في الورى قال لكم إن لم أقل‬
‫جمع محمد باقر النجفي‪ :‬ص ‪( 12‬ط‪ :‬طهران ‪1374‬ه‍)‪].‬‬
‫لقد جعل أئمته هم الكعبة التي تحج إليها الملئكة‪ ،‬وجعل عرش الرحمن هو ميقاتها‪ ،‬وجعلهم هم‬
‫مشيئة ال وقدرته التي خلقت بها الشياء‪ .‬وقطع على نفسه عهدا أن يقول في أئمته ما لم تقله غلة‬
‫النصرانية في المسيح‪ ،‬ولعله بهذه الوصاف قد وصل إلى ما أراد‪.‬‬
‫هذا ما يقوله كبير مراجع الشيعة في هذا العصر‪ ،‬ومن يمثلهم في مؤتمرات ومن يعتبر عند بعض‬
‫أهل السنة الذين لم يطلعوا على حقيقته من معتدلي الشيعة ولهذا قدموه إماما لهم في مؤتمر القدس‬
‫[انظر‪ :‬في مؤتمر القدس الول مجلة الزهر‪ ،‬المجلد ‪ ،979 ،638 ،25/506‬المسلمين‪ ،‬المجلد السادس ص ‪ .45‬وانظر‪:‬‬ ‫الول‬
‫تعليق محمد رشيد رضا في المنار على تقديم محمد حسين آل كاشف الغطا إماما لهم في الصلة في مجلة المنار‪ :‬المجلد ‪29‬‬

‫ص ‪ ،].628‬لن له وجهين وقولين والتقية ل تنتهي أسرارها وأساليبها عندهم‪.‬‬


‫[لمن أراد المزيد من المثلة والشواهد ينظر‪:‬‬ ‫ولو ذهبت أسجل ما وجدته لهم في هذا التجاه لطال بنا المقام‬
‫الحائري‪ /‬مقتبس الثر‪ ،248–245 ،1/153 :‬محسن المين‪ /‬أعيان الشيعة‪ ،5/219 :‬وديون الحسين لمجموعة من شيوخ‬
‫الروافض في مواضع كثيرة‪ ،‬وعبد الحسين الميني‪ /‬الغدير‪ 67–7/34 :‬وغيرها‪ ..].‬وأقول‪ :‬إن المادة الشعرية الكبيرة‬
‫التي تركها شعراء الشيعة وأدباؤها فيها من هذا "الغلو" ما ل يخطر على البال‪ ..‬ويبدو أن لهيب‬
‫العاطفة وجذوة الحماس يغطي سلطان التقية فتظهر الحقيقة عارية بل خداع أو تزوير‪ ..‬ولهذا فإن هذا‬
‫الموضوع يستحق دراسة خاصة‪.‬‬
‫وفي مقام توحيد اللوهية فإن مزارات الشيعة ومشاهدها اليوم قد أصبحت من أكبر مظاهر الشرك‬
‫بال تعالى‪ ،‬ول أمل في تغيير هذا المنكر عندهم‪ ،‬لنه مؤيد بتلك الروايات المنسوبة زورا لهل‬
‫البيت‪ ،‬عكس المر عند أهل السنة والذي هو انحرف في واقعهم تنكره أصولهم‪ ،‬وقد رأى هذا الشرك‬
‫كل من زار تلك المشاهد‪.‬‬
‫يقول الشيخ موسى جار ال بعد زيارة له ليران والعراق استمرت عدة أشهر بأنه رأى المشاهد‬
‫والقبور عندهم معبودة [الوشيعة‪ :‬المقدمة ص (ط)‪.].‬‬
‫ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي بعد زيارة له إلى إيران عن مشهد علي الرضا‪" :‬فإذا دخل غريب‬
‫في مشهد سيدنا علي الرضا لم يشعر إل وأنه داخل الحرم فهو غاص بالحجيج مدوي بالبكاء‬
‫والضجيج‪ ،‬عامر بالرجل والنساء‪ ،‬مزخوف بأفخر الزخارف والزينات‪ ،‬قد تدفقت إليه ثروة الثرياء‪،‬‬

‫‪663‬‬
‫[أبو الحسن الندوي‪ /‬من نهر كإبل إلى نهر اليرموك‪ :‬ص ‪ ،93‬مجلة العتصام‪ ،‬السنة (‪ ،)41‬العدد (‬ ‫وتبرعات الفقراء"‬
‫‪.].)3‬‬
‫وقد ذكر صاحب التحفة الثني عشرية بأنهم ل يزالون يغلون في قبور الئمة ويطوفون حولها‪ ،‬بل‬
‫ويصلون إليها مستدبرين القبلة‪ ،‬إلى غير ذلك من المور التي يستقل لديها فعل المشركين مع أصنامهم‬
‫[انظر‪ :‬مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪ .].300‬ثم قال‪ :‬إن حصل لك ريب من ذلك فاذهب إلى بعض‬
‫مشاهدهم لترى الحقيقة بعينك [مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].300‬‬
‫وتجد شيخهم المعاصر محمد المظفر في كتابه الذي ألفه لبيان عقائد طائفته وسماه "عقائد المامية"‬
‫والذي ارتضاه شيعته فلم نر أحدًا أنكر عليه شيئًا مما جاء فيه‪ ،‬وقد صاغه بأسلوب يغلب عليه طابع‬
‫الدعاية للتشيع‪ ،‬ومع ذلك تجده لم يحجم عن التأكد على عقيدة الرافضة في قبور الئمة فذكر أن مما‬
‫امتازت به طائفته واختصت به في أضرحة أئمتهم "تشيدها وإقامة العمارات الضخمة عليها‪ ،‬ولجلها‬
‫يضحون بكل غال ورخيص عن إيمان وطيب نفس" [محمد رضا المظفر‪ /‬عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].133‬‬
‫ثم صرح بأن سبب ذلك ما زعمه من "وصايا" الئمة وحثهم شيعتهم على الزيارة‪ ،‬وترغيبهم فيما‬
‫لها من الثواب الجزيل عند ال تعالى‪ ..‬وباعتبار أن هاتيك القبور – كما يزعم ‪ -‬من خير المواقع‬
‫[لو كانت من خير المواقع وفيها كل ذلك الفضل الذي يتحدثون عنه لورد ذكر ذلك في الكتاب الكريم‬ ‫لستجابة الدعاء‬
‫والسنة المطهرة‪ ،‬ولصبحت من المور المعلومة المشهورة‪ ،‬ولما خفيت على المة‪ ،‬واختص بنقلها حثالة من الكذابين‬
‫المعروفين بالفتراء على أهل البيت‪ ،..‬ولو كان شيء مما قالوه حقا لما ورد النهي الصريح المؤكد بالنهي عن اتخاذ القبور‬
‫مساجد‪ ،].‬والنقطاع إلى ال تعالى [محمد رضا المظفر‪ /‬عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].133‬‬
‫[محمد رضا‬ ‫ثم ذكر آداب ومناسك الزيارة عندهم بل حياء ول خوف من إعلن هذه المظاهر الوثنية‬
‫المظفر‪ /‬عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].139–135‬‬
‫وما فتئ ثلة شيوخهم المعاصرين يجاهرون – بل وجل أو خجل – بأن كربلء أفضل من الكعبة‬
‫المشرفة‪ ،‬فهذا كبير مراجع الشيعة ومن يتزعم الدعوة للتقريب بين السنة والشيعة يدعي أن كربلء‬
‫أفضل من الكعبة البيت الحرم الذي جعله ال قياما للناس ومثابة وأمنًا وبارك فيه بنص التنزيل اللهي‪.‬‬
‫فيترنم مرجع الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطاء مخالفا لنص القرآن وإجماع المسلمين يترنم‬
‫بهذا البيت الوثني وهو قوله‪:‬‬
‫لكربلء بان علو الرتبة‬ ‫ومن حديث كربلء والكعبة‬
‫[محمد‬ ‫وهو يرى أن هذا من ضرورات مذهبهم فيقول بأن كربلء "أشرف بقاع الرض بالضرورة"‬
‫حسين آل كاشف الغطاء‪ /‬الرض والتربة الحسينية‪ :‬ص ‪ .].56–55‬لنه قد شهدت بذلك آثارهم وأخبارهم – كما‬
‫يقرر ‪.-‬‬
‫وهذه الشهادة التي يعتمدها يجب أن تنجعل برهان ودليلً على كذب هذه الخبار‪ ،‬ومروق من‬
‫وضعها عن الدين‪ ،‬وخروج من صدق بها عن إجماع المسلمين‪ ..‬وأين كربلء من قول ال تعالى‪:‬‬

‫‪664‬‬
‫ضعَ لِلنّاسِ َلّلذِي بِبَ ّكةَ مُبَارَكًا َو ُهدًى ّللْعَالَمِينَ‪ ،‬فِيهِ آيَاتٌ بَيّـنَاتٌ مّقَامُ ِإبْرَاهِيمَ َومَن‬
‫{ِإنّ َأوّلَ بَ ْيتٍ ُو ِ‬
‫عنِ‬
‫حجّ ا ْلبَ ْيتِ َمنِ اسْ َتطَاعَ ِإلَ ْيهِ سَبِيلً َومَن َكفَرَ َف ِإنّ ال غَ ِنيّ َ‬
‫علَى النّاسِ ِ‬
‫خ َلهُ كَانَ آمِنًا َو ِلّلهِ َ‬
‫دَ َ‬
‫الْعَا َلمِينَ} [آل عمران ‪.]97–96‬‬
‫فهل بعد هذا يبقى قول لقائل‪:‬‬
‫علَى ُقلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد ‪.]24‬‬
‫{أَفَل يَ َتدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ َ‬
‫[كقول آيتهم ميرزا حسين الحائري‪" :‬كربلء تلك التربية‬ ‫هذا وأقوال شيوخهم المعاصرين في هذا المعنى كثيرة‬
‫الطيبة الطاهرة‪ ،‬والرض المقدسة التي قال في حقها رب السموات والرضين (انظر كيف يفترون الكذب على رب العالمين)‬
‫مخاطبا للكعبة حينما افتخرت على سائر البقاع‪ :‬قري واستقري لول أرض كربلء وما ضمته لما خلقتك‪ ،‬ثم يقول هذا‬
‫"الرافضي"‪ :‬وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعدما صارت مدفنا للمام رضي ال عنه مزارا للمسلمين (!) وكعبة للموحدين‬
‫(!) ومطافا للملوك والسلطين ومسجدا للمصلين (الحائري‪ /‬أحكام الشيعة‪.)1/32 :‬‬
‫ويقول د‪ /‬عبد الجواد آل طعمة في كتاب له يسمى تاريخ كربلء بأن نصوصهم قد اعتبرت كربلء أفضل بقاع الرض‬
‫فهي تعتبر عند الشيعة أرض ال المختارة المقدسة المباركة‪ ،‬وهي في مقاييسهم حرم ال وحرم رسوله وقبة السلم‪ ،‬وفي‬
‫تربتها الشفاء‪ ،‬وأن هذه المزايا لم تجتمع لي بقعة حتى الكعبة‪( .‬تاريخ كربلء‪ :‬ص ‪ ،116–115‬والكتاب موثق من عدد من‬
‫آياتهم‪ ،‬انظر‪ :‬مقدمات الكتاب)‪.‬‬
‫ويقول آيتهم العظمى محمد الشيرازي بأننا "نقبل أضرحتهم كما نقبل الحجر السود‪ ،‬وكما نقبل جلد القرآن الكريم"‪( .‬مقالة‬
‫الشيعة‪ /‬المرجع الديني عندهم محمد الشيرازي‪ :‬ص ‪.].)8‬‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )445‬من‬ ‫وإذا كانت كتب الشيعة القديمة تقرر بأن ال قد تاب على النبياء بتوسلهم بالئمة‬
‫[وهو مذهب‬ ‫هذا الكتاب‪ ،].‬فإن هذا المعنى المتناهي في الغلو والذي يتضمن تفضيل الئمة على النبياء‬
‫غلة الروافض كما يقوله القاضي عياض‪ ،‬والبغدادي‪ ،‬وشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الجماع على‬
‫كفر من ذهب إلى ذلك انظر‪ :‬ص(‪ )614‬من هذه الرسالة‪ .].‬والمتناهي في السذاجة والغفلة؛ إذ يفترض وجود‬
‫هؤلء الئمة في حياة النبياء السابقين‪ ،‬والموغل في الدعوة إلى الشرك بال سبحانه وعبادة غيره جل‬
‫شأنه‪ ..‬فإن هذا المعنى الذي يحمل هذه "البليا" وغيرها يقرره بعض كبار شيوخهم ويوصي ابنه‬
‫بالعمل بمقتضاه فيقول آيتهم وحجتهم عبد ال الممقاني‪" :‬وعليك بني بالتوسل بالنبي وآله صلى ال‬
‫[لحظ‬ ‫عليهم أجمعين‪ ،‬فإني قد استقصيت الخبار فوجدت أنه ما تاب ال على نبي من أنبيائه من الزلة‬
‫إل بالتوسل بهم [مرآة الرشاد‪ :‬ص ‪.].104‬‬ ‫اعترافهم بزلت النبياء مع أنهم يدعون العصمة المطلقة في الئمة!]‬

‫واذا كانت مصادرهم القديمة تجعل زيارة قبر الحسين أفضل من الحج إلى بيت ال سبحانه‪ ،‬فإن‬
‫هذا المعنى الخطير يتكرر على ألسنة شيوخهم المعاصرين‪ ،‬ويدعون إلى هذا‪ ،‬لن فيه – كما يخدعون‬
‫[عقائد المامية‪ :‬ص‬ ‫أتباعهم – " الثواب الجزيل عند ال باعتبار أنها من أفضل الطاعات والقربات‪"..‬‬
‫‪.].133‬‬
‫ولهذا يو صي آيت هم ع بد ال الممقا ني اب نه بزيارة الح سين في كل يوم يقول‪" :‬وعل يك ب ني بزيار ته‬
‫(يع ني قبر الح سين) في كل يوم من الب عد مرة‪ ،‬والم ضي إل يه في كل ش هر مرة‪ ،‬وإن ك نت في بلدة‬
‫بعيدة ففي السنة مرة" [مرآة الرشاد‪ :‬ص ‪.].114–105‬‬
‫‪665‬‬
‫لحـظ أن هذا الشيـخ لم يوص ابنـه بالصـلة‪ ..‬بـل أوصـاه بالتجاه إلى القـبر حيـث ترفـع للشرك‬
‫رايات‪ ،‬لن ذلك عندهم من أفضل القربات‪ ..‬وهذه شرعة المشركين‪.‬‬

‫على هذه الوصية بقوله‪" :‬قد ورد أن من زاره – عارفا بحقه –‬ ‫[محيي الدين الممقاني‪].‬‬ ‫وقد علق البن‬
‫كتب ال له ثواب ألف حجة وألف عمرة"‪.‬‬

‫إلي أن قال‪" :‬وكأنمـا زار ال (!!)‪ .‬وحـق على ال أل يعذبـه بالنار‪ ،‬أل وإن الجابـة تحـت قبتـه‬
‫ومن زار قبر الحسين عليه السلم ليله النصف من‬ ‫[مرآة الرشاد‪ :‬ص ‪( 110‬الحاشية)‪].‬‬ ‫والشفاء في تربيه‪"..‬‬
‫شعبان وليلة الف طر‪ ،‬وليله عر فة في سنة واحدة ك تب ال له ألف ح جة مبرورة‪ ،‬وألف عمرة متقبلة‪،‬‬
‫"و من أتاه يوم عرفـة‬ ‫[مرآة الرشاد‪ :‬ص ‪( 113‬الحاشيـة)‪].‬‬ ‫وقض يت له ألف حا جة من حوائج الدن يا والخرة‬
‫عارفا بح قه ك تب ال له ألف ح جة‪ ،‬وألف عمرة متقبلت‪ ،‬وألف غزوة مع نبي مر سل أو إمام عادل"‬
‫[مرآة الرشاد‪ :‬ص ‪( 113‬الحاشية)‪.].‬‬

‫وهكذا تتفق كتب الشيعة قديمها وجديدها على هذا العتقاد الوثني وينسبون هذا لئمة أهل البيت بل‬
‫ولل سلم‪ ،‬ول يعلم الم سلمون كل هم بهذا ال مر‪ ،‬بل ينفرد بنقله الروا فض دون غير هم‪ ..‬ول شك أن هم‬
‫بشذوذ هم هذا يعلنون كذب هم‪ ،‬ويفضحون مذهب هم‪ ..‬ول قد كان لهذه "الن صوص" أثر ها الخط ير في دن يا‬
‫الشيعـة‪ ،‬حيـث أحيـت عقيدة المشركيـن فـي مزارات الشيعـة ومشاهدهـا فأصـبحت المشاهـد معمورة‬
‫والمساجد مهجورة‪ ،‬وعلماؤهم يؤيدون هذا المنكر ويسعون لتثبيته واستمراره‪.‬‬

‫بل قد جاءت روايات لهم صريحة في التحذير من هذا المنكر الذي يفعلونه‪.‬‬

‫ولكن مراجعهم تتستر على مثل هذه النصوص ول تود أن تظهر لولئك التباع الغرار‪ ،‬بل إنها‬
‫تنكر وجودها عندهم إمعانا في حجب هذا "النور" عن شيعتهم وأتباعهم‪.‬‬

‫يقول مجتهد الشيعة الكبر – كما يصفونه – محسن المين في كتابه "الحصون المنيعة" وهو يدافع‬
‫عن اتخاذ الشيعة للقبور مساجد‪ ..‬يقول في رده للنصوص الواردة في أمهات كتب المسلمين في النهي‬
‫عن اتخاذ القبور م ساجد والبناء علي ها بأن ذلك م ما انفرد أ هل ال سنة بنقلة و هو معارض ب ما زع مه‬
‫متواترا من طرق أهل البيت [محسن المين‪ /‬الحصون المنيعة‪ :‬ص ‪.].27‬‬

‫أقول‪ :‬إن هذا النهي قد جاء أيضا من طرق الشيعة بروايات كثيرة أخرجها الحر العالمي في وسائل‬
‫– فإ ما أن كان هذا المد عو‬ ‫[انظـر مـا نقلتـه عـن كتبهـم المعتمدة فـي ذلك‪ :‬ص ‪].481‬‬ ‫الشي عة وغيره – ك ما مر‬
‫بالمين غير أمين وأراد التكتم على حقيقة موجودة في كتبهم‪ ،‬أو هو جاهل بما في مدوناتهم‪ ..‬مع أنه‬
‫آية من آياتهم المنسوبة زوارا إلى ال سبحانه‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫وفـي باب السـماء والصـفات‪ :‬يقرر شيوخهـم المعاصـرين مذهـب المتأخريـن عنـد الشيعـة وهـو‬
‫[انظـر‪ :‬محسـن‬ ‫التعط يل‪ ،‬ويقتفون أ ثر المعتزلة في ذلك حذو القذة بالقذة فيقولون – مثل – بخلق القرآن‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫المين‪ /‬أعيان الشيعة‪ ،1/461 :‬الميني النجفي‪ /‬الغدير‪ ،].3/139 :‬وينكرون رؤية المؤمنين لربهم في الخرة‬
‫[انظـر‪ :‬الغديـر‪].3/139 :‬‬ ‫محسـن الميـن‪ /‬أعيان الشيعـة‪ ،1/463 :‬عقائد الماميـة‪ :‬ص ‪ ،].59‬وينكرون صفاته سبحانه‬
‫الثابتة له بالكتاب والسنة‪ ،‬ويصفون ال سبحانه بالسلوب بقول شيخهم المظفر في كتابه عقائد المامية‬
‫تحت عنوان عقيدتنا في ال‪ .." :‬ليس هو بجسم ول صورة‪ ،‬وليس جوهرا ول عرضا‪ ،‬وليس له ثقل‬
‫أو خفة‪ ،‬ول حركة أو سكون‪ ،‬ول مكان ول زمان‪ ،‬ول يشار إليه" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].59‬‬

‫وأ نت ترى أن هم في و صفهم له سبحانه بهذه الصـفات ال سلبية المح ضة قد نفوا الوجود ال حق له‬
‫تعالى‪ ،‬ول جد يد عند هم في ذلك‪ ،‬فهذه كلمات ردد ها الجهم ية من قبل هم و هم على آثار هم يهرعون‪،‬‬
‫ومن هنا يخطئ من يظن أن الجهمية المعطلة قد توارت عن الوجود واندثرت‪.‬‬

‫وهم يكفرون من يخالفهم في تعطيلهم‪ .‬يقول المظفر‪" :‬ومن قال‪ ..‬إنه ينزل إلى السماء الدنيا‪ ،‬أو إنه‬
‫يظهر إلى أ هل الج نة كالقمر‪ ،‬أو نحو ذلك فإ نه بمنزلة الكا فر به‪ ..‬وكذلك يلحق بالكا فر من قال‪ :‬إ نه‬
‫يتراءى لخلقه يوم القيامة" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].60–59‬‬

‫ويزعمون أن العقل دلهم على هذا التعطيل [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].60‬‬

‫و هل كان العقل م صدرا للتل قي في أ مر غ يبي‪ ،‬و هل يوا فق العقل ال سوي على و صف ال سبحانه‬
‫بهذه الصفات السلبية التي ليس عليها دليل‪ ،‬ويرد ما نزل به الوحي؟‬

‫ثم ما ح صيلة الفكار والفل سفات ال تي تحد ثت عن هذه الم سألة بمعزل عن الو حي الل هي؟ إن ها لم‬
‫تخلف سووي ركام من التناقضات‪ ،‬وعبث كعبث الطفال‪ ،‬وعادت على أصحابها بالحيرة والقلق‪.‬‬

‫و ما نها ية من ج عل الع قل دليله وقائده من المتكلم ين في التار يخ ال سلمي؟ ألي ست هي الحيرة‬


‫والضياع‪ .‬وقد وجد من جرب الطرق الكلمية والمناهج الفلسفية أنها ل تروي غليلً ول تشفي عليلً‪،‬‬
‫[ان ظر‪ :‬أمثلة من‬ ‫وأن أقرب الطرق طري قة القرآن‪ ،‬ولكن هم ح ين أعراضوا عن ها كان سعيهم في ضلل‬
‫حيرتهم‪ ،‬وثمرة تجربتهم في‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،11–5/10 :‬ابن أبي العز‪ /‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪ ،172–169‬مل علي‬
‫في الفقـه الكـبر‪ :‬ص ‪ ،].12-10‬وأضاعوا الج هد والو قت‪ ،‬وأشغلوا ال مة‪ ،‬و صرفوها عن وظائف ها‬ ‫القاري‪/‬‬

‫الواجبة‪.‬‬

‫ومنهج أهل السنة في السماء والصفات منهج عظيم للتزامه بالكتاب والسنة‪ ،‬وحفظه لوقت المسلم‬
‫وجهده وطاقته وعقله من أن يبددها في البحث عما لم يكلف به‪ ،‬ول سبيل للوصول إلى معرفة كيفيته‪.‬‬

‫‪667‬‬
‫ب قي أن نض يف اتجاها آ خر لمعا صريهم في عقيدت هم في التوح يد و هو اقتفاء أ ثر ال صوفية الذ ين‬
‫يذهبون إلى القول بأن التوحيد مراتب أدناها مرتبة عندهم هو مدلول كلمة السلم العظيمة‪" :‬ل إله إل‬
‫ال" فشرعوا من الدين ما لم يأذن به ال‪ ،‬ووصلوا عن طريق هذه المراتب إلى الكفر البواح‪ ،‬والقول‬
‫بالتحاد‪ ،‬وأن المخلوق عيـن الخالق؛ فخرجوا بذلك عـن العقـل والنقـل‪ ،‬والديـن‪ ،‬وفاقوا النصـارى فـي‬
‫شركهـم الذيـن قالوا بحلول الله فـي عيسـى؛ لن النصـارى قالوا بحلول خاص وهؤلء قالوا بالحلول‬
‫العام‪.‬‬

‫ولكـن شيوخ الشيعـة الذيـن ينقلون لهذه الطائفـة على مـر العصـور وكـر الدهور حثالة المذاهـب‬
‫المبتدعـة‪ ،‬وزبالة الفكار البشريـة السـاقطة‪ ،‬وغثاء النفوس المعقدة‪ ..‬أخذوا بهذا التجاه الصـوفي‬
‫المريب‪ ،‬ونقلوه إلى قومهم‪ ،‬بل عدوه هو عقيدتهم المعتمدة‪.‬‬

‫[و قد و صفه شيخ هم الخوئي في تقري ظه للكتاب بأ نه "ر كن ال سلم‪ ،‬عماد‬ ‫يقول شيخ هم وآيت هم إبراه يم الزنجا ني‬
‫[والكتاب موثـق مـن كبار شيوخهـم وآياتهـم كالخوئي‪ ،‬وحسـن‬ ‫فـي كتاب عقائد الماميـة الثنـي عشريـة‬ ‫العلماء‪]."..‬‬

‫ت حت عنوان "عقيدة الشي عة في التوح يد"‪" :‬إن مرا تب التوح يد أر بع‪ ..‬توح يد العوام وتوح يد‬ ‫المو سوي‪].‬‬

‫[عقائد‬ ‫الخواص‪ ،‬وتوحيـد خاص الخاص‪ ،‬وتوحيـد أخـص الخواص‪ ،‬والول مدلول كلمـة ل إله إل ال"‬
‫المامية الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].24‬‬

‫ويذكر بأن شيعته تمتاز عن المسلمين جميعا بعقيدة توحيد خاص الخاص‪ ،‬وتوحيد أخص الخواص‬
‫[عقائد المامية الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].24‬‬

‫ويقول بأن المقام ل يتسع لشرح وتفاصيل هذه المراتب‪ ،‬لكنه يقول بأنهم أخذوها عن أمير المؤمنين‬
‫علي في قوله‪" :‬أول الد ين معرف ته وكمال معرف ته الت صديق به‪ ،‬وكمال الت صديق به توحيده‪ ،‬وكمال‬
‫توحيده‪ ..‬ن في ال صفات ع نه‪ ..‬ف من و صف ال سبحانه ف قد قر نه‪ ،‬و من قر نه ف قد ثناه‪ ،‬و من ثناه ف قد‬
‫جزأه‪ ،‬ومن جزأه فقد جهله‪ ،‬ومن جهله فقد أشار إليه‪ ،‬ومن أشار إليه فقد حده‪ ،‬ومن حده فقد عده‪"..‬‬
‫[عقائد المامية الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].24‬‬

‫وهذا النص الذي ينسبه – زوارا وافتراءً – إلى أمير المؤمنين علي يتضمن تعطيل ال سبحانه من‬
‫صفاته الثابتة بالكتاب والسنة‪ .‬والعتقاد بأن نفي الصفات هو كمال التوحيد‪ ،‬هو اعتقاد الجهمية الذين‬
‫جعلوا من أصولهم "التوحيد" وضمنوه نفي الصفات‪ ،‬وكان مؤدى قولهم ونهاية أمرهم‪ ،‬تعطيل الذات؛‬
‫لن نفـي الصـفات يؤدي إلى نفـي الذات‪ ،‬لن ذات مجردة عـن الصـفات‪ ،‬ل يتصـور لهـا وجود فـي‬
‫الخارج‪.‬‬

‫[ان ظر‪ :‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪].16‬‬ ‫ولن مذهب الجهمية في تعطيل الصفات مؤد لمذهب الحلول والتحاد‬
‫صار – فيما يظهر – هو عمدته‪ ،‬في ما ذهب إليه من القول بالتوحيد الخاص وخاص الخاص‪.‬‬
‫‪668‬‬
‫وح سبك أن تعرف مبلغ ضلل هم في اعتبار هم التوح يد الذي جاءت به الر سل ونزلت به الك تب‪،‬‬
‫وأمر ال به الولين والخرين هو في المرتبة الدنيا من مراتب توحيدهم‪ ،‬وهم عندهم مقام يليق بالعوام‬
‫ويناسب حالهم‪ ،‬وهل عندهم بذلك من علم فيخرجوه لنا؟ [انظر‪ :‬شرح الطحاوية‪ :‬ص ‪.].16‬‬

‫وهذا كلم ال المنزل على رسوله صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وهذا سنة الر سول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وهذا كلم خ ير القرون ب عد الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ .‬هل جاء هذا التق سيم عن أ حد من هم؟ إن‬
‫يتبعون في ذلك إل أقوال شيوخهم وزنادقتهم‪ ،‬وما لهم بذلك من علم إل اتباع الظن وما تهوى النفس‬
‫وما تمليه عليهم شياطين النس والجن‪.‬‬

‫وحسبك أيضا أن تدرك أن مبلغ أمرهم في سلوك هذه المقامات والتي باعترافهم ليست من مدلول‬
‫[ذكر شيخ‬ ‫معنى ل إله إل ال هو الوصول بالسالك إلى مقام اللحاد وهو ما يسمى بالحلول أو التحاد‬
‫السلم أن مبدأ حدوث قول التحادية وأمثاله في أمة محمد صلى ال عليه وسلم هو زمن حدوث دولة التتار‪( .‬مجموع فتاوى‬
‫شيخ السلم‪.].)2/171 :‬‬

‫المامة‪:‬‬
‫[محمد حسين آل كاشف الغطا‪ /‬أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ ،58‬خليل ياسين‪ /‬المام علي‪:‬‬ ‫المامة بإقرار المعاصرين كالنبوة‬
‫ص ‪ ،327‬باقر القرشي‪ /‬الرسول العظم مع خلفائه‪ :‬ص ‪ ،].18‬واستمرار للنبوة [المظفر‪ /‬عقائد المامية‪ :‬ص ‪ ،].94‬أو‬
‫"تنصيب من ال كالنبوة" [السماوي‪ /‬المامة‪.].1/65 :‬‬
‫وهي من أركان السلم عندهم‪ .‬قال كاشف الغطا‪" :‬إن الشيعة زادوا في أركان السلم ركنا آخر‬
‫وهو المامة" [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ ،58‬وهذا اعتراف منه أن المامة زيادة من الشيعة على أركان السلم‪ …].‬إلخ‪.‬‬
‫ول أجد عندهم تغييرا لشيء من غلوهم الذي جاء الحديث عنه فيما سبق‪ ،‬لكن ثمة دعوى جديدة‬
‫في كتبهم التي تكتب للعالم السلمي حول ثلث مسائل‪ :‬الولى تفكيرهم لمنكر المامة‪ ،‬والثانية‬
‫حكمهم على حكومات المسلمين بأنها حكومات كافرة‪ ،‬والثالثة تكفيرهم للصحابة‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬موقف المعاصرين من تكفير أصولهم للمسلمين‪:‬‬
‫تجد في هذه المسألة موقفين للمعاصرين قد يظن من ليس على دراية بأصولهم أنهما مختلفان‪:‬‬
‫الموقف الول‪ :‬يقول بأن منكر المامة ل يخرج عن السلم‪ ،‬وينكر على من يقول بأن الشيعة‬
‫يكفرون غيرهم‪.‬‬
‫والموقف الثاني‪ :‬يجاهر بالتكفير بدون تقية ول مواربة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للموقف الول فيقول محسن المين ‪ -‬في الرد على موسى جار ال الذي قال‪" :‬إن كتب‬
‫[الوشيعة ص ‪ ،105‬وقد مر إثبات ذلك من كتب الشيعة ص(‬ ‫الشيعة صرحت أن كل الفرق كافرة وأهلها نواصب"‬
‫‪ -‬قال محسن المين‪ :‬سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم‪ ،‬ل يعتقد أحد من الشيعة بذلك‪ ،‬بل هي‬ ‫‪].)745‬‬

‫‪669‬‬
‫متفقة على أن السلم هو ما عليه جميع فرق المسلمين من القرار بالشهادتين إل من أنكر ضروريًا‬
‫من ضروريات الدين كوجوب الصلة وحرمة الخمر وغير ذلك‪ ،‬وعمدة الخلف بين المسلمين هو في‬
‫أمر الخلفة‪ ،‬وهي ليست من ضروريات الدين بالبديهة؛ لن ضروري الدين ما يكون ضروريًا عند‬
‫جميع المسلمين وهي ليست كذلك [محسن المين‪ /‬الشيعة بين الحقائق والوهام‪ :‬ص ‪ ،176‬أعيان الشيعة‪.].1/457 :‬‬
‫ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا‪" :‬ومن لم يؤمن بالمامة فهو مسلم‪ ،‬ومؤمن بالمعنى العم‪،‬‬
‫[إذن‬ ‫تترتب عليه جميع أحكام السلم من حرمة دمه وماله وعرضه‪ ،‬ووجوب حفظه‪ ،‬وحرمة غيبته‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ل أنه بعدم العتقاد‬ ‫لماذا تسبون الصحابة رضوان ال عليهم وهم بإقراركم ل يخالفون إل بالمامة؟]‬

‫بالمامة يخرج من كونه مسلما ‪ -‬معاذ ال ‪ -‬نعم يظهر أثر التدين بالمامة في منازل القرب‪،‬‬
‫والكرامة يوم القيامة [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪.].59-58‬‬
‫[انظر‪ :‬عبد الحسين الموسوي‪ /‬أجوبة مسائل جار ال‪ :‬ص‬ ‫وبمثل هذا الرأي قال آخرون من شيعة هذا العصر‬
‫‪ ،39‬محمد حسين الزين العاملي‪ /‬الشيعة في التاريخ‪ :‬ص ‪ ،32‬الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية‪ ،2/260 :‬محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة‬
‫في الميزان‪ :‬ص ‪ ،269‬لطف ال الصافي‪ /‬مع محب الدين في خطوطه العريضة‪ :‬ص ‪.].95‬‬
‫أما فيما يتعلق بالموقف الثاني‪ ،‬فإنه ل يزال "طغام" من شيوخهم وآياتهم يهذون في هذا الضلل‪،‬‬
‫[والذي وصفوه بأنه "شيخ الفقهاء والمجتهدين‪،‬‬ ‫ويصرحون بتكفير المسلمين مثل‪ :‬شيخهم علي اليزدي الحائري‬
‫وحجة السلم والمسلمين‪ ،‬وآية ال الكبرى في العالمين" والسلم منه بريء‪ ،‬ومن كتبه إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب‪،‬‬
‫فأهل السنة وكل المسلمين الذين يخالفونه في مهديهم المعدوم هم جميعا في رأيه نواصب‪ ،‬وقد هلك سنة (‪1333‬ه‍)‪ ،].‬وشيخهم‬
‫[وهو الذي يحكم على المة جميعا بالكفر ما عدا طائفته‪ ،‬ويرى أن سبب كفر المة هو أبو بكر‬ ‫عبد الحسين المرشتي‬
‫وعمر ويقول‪" :‬إن أبا بكر وعمر هما السببان لضلل هذه المة إلى يوم القيامة" (كشف الشتباه ص ‪ .)98‬فانظر كيف يعيش‬
‫هؤلء الشيوخ أسارى لفكر زنادقة القرون البائدة‪ ،‬وهذا القول الذي يجاهر به الرشتي يكتبه للرد على بعض أهل السنة وهو‬
‫الشيخ موسى جار ال‪ ،‬ومعنى ذلك أن للتقية ظللً وأثرا‪ ،‬وأن ما خفي كان أعظم‪ ،].‬وشيخهم عبد الهادي الفضلي‬
‫[والذي يقرر أن المامة ركن من أركان الدين (التربية الدينية ص ‪ )63‬أي فمنكر إمامتهم منكر لركن الدين فهو في عداد‬
‫الكافرين‪ ،‬وهو يفتري هذا المنكر مع أنه يعيش في وسط أهل السنة‪ ،‬ويأكل من خيراتهم‪ ،‬بعد أن عاش طريدا منبوذا من بلده‪.‬‬
‫(فهو عراقي الصل يعيش في السعودية‪ ،‬ويعمل في بعض جامعاتها)‪.].‬‬
‫وقد يسلك بعض هؤلء الشيوخ المسلكين جميعا‪ ،‬أي يخرج تارة بوجه التكفير‪ ،‬وحينا بالوجه الخر‬
‫حسب المناسبات والحوال‪ ،‬وفي التقية متسع‪ ،‬وهو هؤلء محمد رضا المظفر الذي يشير في كتابه‬
‫"عقائد المامية" إلى أن المسلم عندهم هو من يشهد الشهادتين أيا كان مذهبه [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].155‬‬
‫ولكنه في كتابه "السقيفة" يحكم بردة المسلمين بأجمعهم بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"مات النبي صلى ال عليه وسلم ولبد أن يكون المسلمون كلهم ‪ -‬ل أدري الن ‪ -‬قد انقبلوا على‬
‫أعقابهم" [السقيفة‪ :‬ص ‪.].19‬‬
‫فانظر كيف يحكم على الصحابة والقرابة والمة جميعا بالردة‪ ،‬ويشك في إيمان واحد منهم‪ ..‬ولم‬
‫يلغ غلو أحد من الشيعة السابقين ذلك إل ما ينسب إلى طائفة "الكاملية" الذين يكفرون عليا لتخليه عن‬
‫‪670‬‬
‫المطالبة بحقه‪ ،‬ويكفون الصحابة لعدم مبايعتهم لعلي‪ ،‬لكن هذه الطائفة ل وجود لها اليوم بهذا السم‪،‬‬
‫وكان يظن أنه ل قائل بمذهبها في هذا الزمن‪ .‬ثم ما لبث هذا الظن أن توارى‪ ،‬فها هي تعيش في‬
‫أحضان الثني عشرية في هذا العصر‪ ،‬ويجاهر بمذهبها بعض الشيوخ الكبار عندهم‪.‬‬
‫والمذهب الثنا عشري مؤهل لخراج كثير من فرق الغلو‪ ،‬بمدوناته التي جمعت من الشذوذ‬
‫فأوعت‪.‬‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً‪ :‬عبد الحسين الموسوي‪،‬‬ ‫وهذا الموقف من شيخهم المظفر له أمثاله عند شيوخهم المعاصرين‬
‫حيث يزعم أن الشيعة ل تكفر المسلمين في عدة من كتبه (انظر‪ :‬رسالته إلى المجمع العلمي العربي بدمشق ط‪ :‬النجف ‪1387‬ه‍‪،‬‬
‫وكتابه أجوبة مسائل جار ال‪ :‬ص ‪ ،39‬وغيرها من كتبه) ولكنه يكفر أبا هريرة الصحابي الجليل‪ ،‬راوية السلم‪ ،‬بل إنه يكفر‬
‫كل من لم يؤمن بأئمته الثني عشر‪ ،‬لنه يزعم أن "وليتهم من أصول الدين" (الفصول المهمة ص ‪ )32‬وأن الخبار التي‬
‫وردت بإيمان مطلق الموحدين تخصص بولية الثني عشر‪ ،‬لنهم باب حطة ل يغفر إل لمن دخلها (المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)32‬‬
‫ويقرر أن من تأول أو أخطأ فيها ل يعذر بإجماعهم (المصدر السابق‪ :‬ص ‪.].)45‬‬
‫هذان موقفان في الظاهر مختلفان‪ ،‬وهما في الحقيقة متفقان‪ ،‬فالذين يحكمون بإسلم المة ل‬
‫يختلفون عمن يحكم بكفرها‪ ،‬أما كيف ذلك فإليك البيان‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬إننا نحكم بإسلم الناس في ظاهر‬
‫المر فقط‪ ،‬أما في الباطن فهم كافرون وهم مخلدون في النار بإجماع الطائفة‪.‬‬
‫وقد صرح بهذه "الحقيقة" شيوخهم القدامى‪ ،‬والمعاصرون‪ ،‬وتجد إذا تأملت في كلم القائلين بأنهم ل‬
‫يكفرون المسلمين إشارات إلى هذا المهذب يدركها من عرف عقيدتهم في هذا المر‪ ،‬وطريقتهم في‬
‫التقية‪.‬‬
‫وممن صرح بذلك من شيوخهم السابقين زين الدين بن علي العاملي المقلب عندهم بالشهيد الثاني‬
‫(المتوفى سنة ‪966‬ه‍) حيث يقول‪" :‬إن القائلين بإسلم أهل الخلف (يعني أهل السنة وسائر المسلمين‬
‫من غير طائفتهم) يريدون‪ ..‬صحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر‪ ،‬ل أنهم مسلمون في‬
‫نفس المر‪ ،‬ولذا نقلوا الجماع على دخولهم النار" [انظر‪ :‬بحار النوار‪.].8/368 :‬‬
‫[يعني طائفته‪ ،‬لنهم‬ ‫هو التخفيف عن المؤمن‬ ‫[يعني الحكم بإسلمهم ظاهرا‪].‬‬ ‫ويقول‪" :‬كأن الحكمة في ذلك‬
‫[انظر‪ :‬بحار‬ ‫لمسيس الحاجة إلى مخالطتهم في أكثر الزمنة والمكنة"‬ ‫يرون أن وصف اليمان خاص بهم‪].‬‬

‫النوار‪.].8/368 :‬‬
‫ويقول شيخهم المجلسي‪" :‬ويظهر من بعض الخبار بل كثير منها أنهم في الدنيا أيضا في حكم‬
‫الكفار‪ ،‬لكن لما علم ال أن أئمة الجور وأتباعهم يستولون على الشيعة وهم يبتلون بمعاشرتهم‪ ..‬أجرى‬
‫ال عليهم حكم السلم توسعة‪ ،‬فإذا ظهر القائم يجري عليهم حكم سائر الكفار في جميع المور‪ ،‬وفي‬
‫الخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبدا مع الكفار‪ ،‬وبه يجمع بين الخبار كما أشار إليه المفيد والشهيد‬
‫الثاني" [بحار النوار‪.].370-8/369 :‬‬

‫‪671‬‬
‫أما أقوال المعاصرين فيقول آيتهم العظمى شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي‪" :‬أصول دين‬
‫السلم على قسمين‪:‬‬
‫قسم يترتب عليه جريان حكم المسلم وهو الشهادة بالوحدانية والشهادة بالرسالة‪.‬‬
‫وقسم‪ :‬يتوقف عليه النجاة في الخرة‪ ،‬والتخلص من عذاب ال‪ ،‬والفوز برضوانه‪ ،‬والدخول في‬
‫الجنة‪ ،‬فيحرم دخولها على من لم يعترف به ويساق إلى النار في زمرة الكافرين ويسمى هذا القسم‬
‫بأصول اليمان"‪.‬‬
‫ثم ذكر أن من هذا القسم "العتقاد بالمامة‪ ،‬والعتراف بالمام"‪ ،‬وقال‪" :‬إن الدليل على ذلك هو‬
‫ارتداد جماعة من الصحابة بعد ارتحال النبي صلى ال عليه وسلم إلى الكفر‪ ،‬ومن المعلوم أنه لم‬
‫يصدر بعد ارتحال النبي من الصحابة ما يصلح أن يكون موجبا للرتداد إلى الكفر‪ ،‬ولم يعدلوا عن‬
‫[شهاب الدين النجفي‪ /‬من تعليقاته على كتاب إحقاق الحق‬ ‫الشهادة بالوحدانية والنبوة غير أنهم أنكروا المامة"‬
‫للتستري‪.].295-2/294 :‬‬
‫وبعد هذا البيان تتجلى سحابة التقية‪ ،‬ويتضح أن حكم بعض شيوخهم المعاصرين على مخالفيهم‬
‫بالسلم إنما يعنون به "السلم الظاهر" كما اصطلحوا عليه‪ ،‬وأنت إذا تأملت كلمهم أدركت مغزاهم؛‬
‫فانظر إلى قول آل كاشف الغطاء تجده أشار إلى هذا المذهب بقوله‪" :‬نعم يظهر أثر التدين بالمامة في‬
‫[فتحي عبد‬ ‫منازل القرب والكرامة يوم القيامة"‪ ،‬ومع ذلك فقد اعتد بكلمه بعض المنتسبين لهل السنة"‬
‫العزيز‪ /‬الخميني الحل السلمي والبديل‪ :‬ص ‪.].59-58‬‬
‫أما محسن المين فإنه رمز له المذهب الباطل في عدة جمل من كلمه كقوله‪" :‬السلم هو ما عليه‬
‫جماعة الناس من الفرق كلها"‪ ،‬فل شك بأن من الفرق ما هو خارج عن السلم بالتفاق‪ ،‬ولكن يريد‬
‫هنا مصطلح السلم عندهم‪.‬‬
‫وكقوله‪" :‬إل من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب الصلة وحرمة الخمر"‪.‬‬
‫فالمامة عندهم أعظم من وجوب الصلة وحرمة الخمر ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬بل خلف بينهم‪ ،‬فنبه‬
‫بالدنى على العلى تقية‪.‬‬
‫أما قوله‪" :‬وعمدة الخلف بين المسلمين هو في أمر الخلفة وهي ليست من ضروريات الدين‪"..‬‬
‫[الزعبي‪ /‬ل سنة ول‬ ‫فهذا فيه "تقية" قد ل يتنبه لها من لم يتعامل مع "أساليبهم" ولهذا فات هذا على البعض‬
‫شيعة‪ :‬ص ‪.].84‬‬
‫فهو هنا يعني الخلفة عند المسلمين ل مسألة المامة عندهم‪ ،‬ولذا عبر بالخلفة‪.‬‬
‫وعندهم أنهما متغايران تماما‪ ،‬قال أحد شيوخهم المعاصرين‪" :‬المامة تعني رئاسة دين‪ ،‬والخلفة‬
‫ولذلك قالوا‪ :‬إن‬ ‫[محمد علي الحسني‪ /‬في ظلل التشيع‪ :‬ص ‪].38‬‬ ‫رئاسة دولة‪ ،‬كما فهم من النصوص الواردة"‬
‫إمامة علي بدأت بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم [المفيد‪ /‬الرشاد‪ :‬ص ‪ ،12‬ومضى نص ذلك‪ :‬ص(‪،].)41‬‬
‫وأن الصحابة في خلفتهم "فصلوا الدين عن الدولة" [انظر‪ :‬الصادقي‪ /‬علي والحاكمون‪ :‬ص ‪.].83‬‬
‫‪672‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬موقفهم من الحكومات السلمية‪:‬‬
‫[الوشيعة‪:‬‬ ‫لما قال الشيخ موسى جار ال‪" :‬إن الشيعة تعتبر الحكومات السلمية وقضاتها طواغيت"‬
‫ص ‪ ،105‬ومضى إثبات ذلك من كتب الشيعة‪ :‬ص(‪.].)738‬‬
‫أجابه أحد آيات الشيعة بقوله‪" :‬الطواغيت من الحكومات وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون‬
‫الغاشمون المستحلون من آل محمد ما حرم ال ورسوله‪ ..‬أما غيرهم من حكومات السلم فإن من‬
‫مذهب الشيعة وجوب مؤازرتهم في أمر يتوقف عليه عز السلم ومنعته‪ ،‬وحماية ثغوره وحفظ‬
‫بيضته‪ ،‬ول يجوز عندهم شق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم بمخالفته‪ ،‬بل يجب أن تعامل سلطانها‬
‫القائم بأمورها والحامي لثغورها معاملة الخلفاء بالحق" [أجوبة مسائل جار ال‪ :‬ص ‪.].39-38‬‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً ‪ :-‬لطف ال الصافي‪ /‬مع محب الدين الخطيب في‬ ‫وبمثل هذا "السلوب" قال آخرون من شيوخهم‬
‫خطوطه العريضة‪ :‬ص ‪.].90-89‬‬
‫فهل هذا القول يعتبر خروجا من شيعة هذا العصر عن أصل مذهبهم الذي مضى الحديث عنه في‬
‫هذه المسألة؟ أو أن في المر تقية ومداراة‪ ،‬لن الخطاب مع سنيّ وموجه لهل السنة وما يكون كذلك‬
‫تجري فيه التقية؟‬
‫وللجواب على ذلك أقول‪ :‬ل يزال جمع من شيوخهم المعاصرين يصرح بأن مذهبهم ل يعترف إل‬
‫بحكومة الثني عشر‪ ،‬ول يذكرون في ذلك خلفا بينهم‪.‬‬
‫يقول شيخهم محمد جواد مغنية‪ :‬إن شروط المامة "لم تتوافر في واحد ممن تولى الخلفة غير‬
‫المام علي وولده الحسن بخاصة من جاء بعدهما ‪ -‬كذا ‪ -‬فمن الطبيعي إذن ‪ -‬كما يقول ‪ -‬أن ل‬
‫يعترفوا بإمامة أي حاكم غير علي وأبنائه‪ ،‬وأن ينظروا إليه نظرهم إلى من غضب أهل البيت حقهم‬
‫اللهي ودفعهم عن مقامهم ومراتبهم التي رتبهم ال فيها‪ ،‬وكان الحاكم يرى في الشيعة العدو الللدود‬
‫والحزب المعارض لحكمه‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬فمبدأ التشيع ل ينفصل بحال عن معارضة الحاكم إذا لم تتوفر فيه الشروط وهي‪ :‬النص‪:‬‬
‫والحكمة‪ ،‬والفضلية‪ ..‬ومن هنا كانوا يمثلون الحزب المعارض دينا وإيمانا" [الشيعة والحاكمون‪ :‬ص ‪.].24‬‬
‫فأنت ترى أنه ينسب إلى عموم الشيعة رفض أي حكومة غير حكومة الئمة المنصوص عليهم‬
‫بزعمهم‪ ،‬ولذلك يحكمون بهذا الحكم حتى على الخلفة الراشدة وخلفة النبوة‪ .‬يقول شيخهم الصادقي‬
‫[علي‬ ‫[وهو ممثل الحوزة العلمية في النجف كما يقول عن نفسه‪" :].‬الخلفاء الثلثة شركاء في التآمر على السلم"‬
‫ويقول شيخهم الخر‪" :‬تلعبت اليادي الثيمة بالسلم والمسلمين من‬ ‫والحاكمون‪ :‬ص ‪ ،78‬وانظر‪ :‬ص ‪].83‬‬

‫[محمد علي الحسني‪ /‬في ظلل‬ ‫الحكام والحاكمين منذ وفاة النبي الكريم محمد صلى ال عليه وآله وسلم"‬
‫التشيع‪ :‬ص ‪.].558‬‬
‫كما أنهم يرون أن حكم المة السلمية بيد الغائب المنتظر‪ ،‬وكل من تولى الحكم سواه فهو‬
‫غاصب‪ ،‬ويستثنى بعضهم ولية الفقيه الشيعي‪ ،‬لن له حق النيابة‪ ،‬يقول شيخهم عبد الهادي الفضلي‪:‬‬
‫‪673‬‬
‫"إن دولة المنتظر هي دولة السلم" [في انتظار المام‪ :‬ص ‪ .].57‬ول يوجد دولة للسلم غيرها‪ ،‬لذلك‬
‫يقول‪" :‬إن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه المام المنتظر عليه السلم‬
‫بالقضاء على الكفر" [في انتظار المام‪ :‬ص ‪.].67‬‬
‫ولكن ل يعني انتظارهم لعودة مهديهم موادعة الحكومات السلمية‪.‬‬
‫فهو يقول‪" :‬إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من النتظار هو‪ :‬وجوب‬
‫التمهيد والتوطئة بظهور المام المنتظر" [في انتظار المام‪ :‬ص ‪ .].69‬ثم يشرح معنى التوطئة بقوله‪" :‬إن‬
‫التوطئة لظهور المام المنتظر تكون بالعمل السياسي عن طريق إثارة الوعي السياسي‪ ،‬والقيام بالثورة‬
‫المسلحة" [في انتظار المام‪ :‬ص ‪.].70‬‬
‫فأنت ترى من خلل هذه "القوال" رفضهم لي حكومة إسلمية إل حكومة شيعية‪ ،‬والمر بتهيئة‬
‫الناس لقبول ثوراتهم عن طريق نشر معتقداتهم بمختلف الوسائل وهو ما يسميه الفضلي "بالوعي‬
‫السياسي"‪.‬‬
‫وغير خفي أن هذا المنهج الذي صار إليه شيوخ الثني عشرية غير متفق مع خط الثني عشرية‬
‫التي كانت عليه أولً‪ ،‬ولذلك جاء في الغيبة للنعماني‪" :‬عن أبي الجاورد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت له عليه السلم‪ :‬أوصني‪ ،‬فقال‪ :‬أوصيك بتقوى ال‪ ،‬وأن تلزم بيتك‪ ،‬وإياك والخوارج منا‪،‬‬
‫فإنهم ليسوى على شيء ول إلى شيء‪[ "..‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص ‪ .129‬وبحار النوار‪.].52/136 :‬‬
‫قال المجلسي‪" :‬والخوارج منا أي مثل زيد وبني الحسن" [بحار النوار‪ .].52/136 :‬فروايتهم تمنع‬
‫الخروج ولو كان عن طريق أهل البيت‪ ،‬فكيف ممن عداهم من شيوخ الشيعة؟ وأمرهم أبو عبد ال ‪-‬‬
‫حسب رواياتهم ‪ -‬بعد غيبة مهديهم بالكف عن إثارة الفتن فقالوا‪" :‬كونوا أحلس بيوتكم فإن الفتنة على‬
‫من أثارها" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].131‬‬
‫وقال الباقر‪" :‬اسكنوا ما سكنت السموات والرض‪ ،‬أي ول تخرجوا على أحد" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].134‬‬
‫وعقد شيخهم النعماني بابا في هذا الشأن بعنوان "باب ما روي فيما أمر به الشيعة من الصبر‬
‫والكف والنتظار في حال الغيبة وترك الستعجال بأمر ال وتدبيره" [الغيبة‪ :‬ص ‪.].129‬‬
‫ثم ساق مجموعة من رواياتهم في ذلك‪ ،‬وعقب عليها بقوله‪" :‬انظروا رحمكم ال إلى هذا التأديب‬
‫من الئمة عليهم السلم إلى أمرهم ورسمهم في الصبر والكف‪ ،‬والنتظار للفرج‪ ،‬وذكرهم هلك‬
‫المستعجلين‪[ "..‬الغيبة‪ :‬ص ‪.].134‬‬
‫هذا ما يقرر شيوخ الثني عشرية في القرن الثالث‪ ..‬فإما أن المعاصرين ل يعرفون مذهبهم‪ ،‬وإما‬
‫أنهم ل يهتمون بأمر "النتظار" لعلمهم أن ذلك المنتظر لن يخرج‪ ،‬لنه لم يوجد‪ ،‬ولذلك دعوا إلى‬
‫الثورة وتأسيس الدولة‪.‬‬
‫هذا ما يقوله ويجاهر به الشيوخ المعاصرين‪ ،‬فزادوا على حكمهم بكفر الحكومات السلمية‪ ،‬إلى‬
‫الدعوة إلى الخروج عليها‪ ،‬قبل خروج منتظرهم‪.‬‬
‫‪674‬‬
‫[تحرير الوسيلة‪:‬‬ ‫بل إن شيخهم الخميني يقرر بأنه ل يجوز البدء في الجهاد حتى يخرج المنتظر‬
‫‪.].1/482‬‬
‫ولكنه يخالف ذلك بتصدير ثورته بالقوة ‪ -‬كما سيأتي [انظر‪ :‬فصل دولة اليات ص ‪ -].1172‬لن مذهبهم‬
‫يتغير حسب الحوال والظروف فهو تابع لهواء الشيوخ‪ ،‬والتأويلت عندهم باب واسع‪ ..‬بل ل حدود‬
‫لها ول قيود‪..‬‬
‫ومن منطلق هذا العتقاد يرون أن حكم الكفار للديار السلمية أولى من حكم المسلمين‪ ،‬وقد نقل‬
‫الشيخ رشيد رضا أن الرافضي (أبو بكر العطاس) قال‪" :‬إنه يفضل أن يكون النكليز حكاما في‬
‫الراضي المقدسة على ابن سعود" [المنار ‪ -‬المجلد (‪ )9‬ص(‪.].)605‬‬
‫وقد كشف لنا آيتهم حسين الخراساني أن كل شيعي يتمنى فتح مكة والمدنية‪ ،‬وإزالة الحكم الوهابي‬
‫‪ -‬كما يسميه ‪ -‬عنها‪ .‬وقال‪" :‬إن طوائف الشيعة يترقبون من حين وآخر أن يوما قريبا آت يفتح ال‬
‫لهم تلك الراضي المقدسة لمرة أخرى ‪ -‬كذا ‪ -‬ليدخلوها آمنين مطمئنين فيطوفوا ببيت ربهم‪ ،‬ويؤدوا‬
‫مناسكهم‪ ،‬ويزوروا قبور سادتهم ومشايخهم‪ ..‬ول يكون هناك سلطان جائر يتجاوز عليهم بهتك‬
‫أعراضهم‪ ،‬وذهاب حرمة إسلمهم‪ ،‬وسفك دمائهم المحقونة‪ ،‬ونهب أموالهم المحترمة ظلما وعدونا‪،‬‬
‫حقق ال تعالى آمالنا" [السلم على ضوء التشيع‪ :‬ص ‪.].133-132‬‬
‫هكذا يتمنى هذا الرافضي فتح الديار المقدسة‪ ،‬وكأنها بيد كفار‪ ،‬ويعلل هذا التمني بأنه يريد الحج‬
‫والزيارة‪ ،‬وكأنه وطائفته قد منعوا من ذلك‪ ،‬والواقع أنه يريد إقامة الشرك وهدم التوحيد في الحرمين‬
‫الطاهرين‪.‬‬
‫فإذا كان هذا ا يجاهر به شيوخهم‪ ،‬وذاك ما استقرت عليه أصولهم فما حقيقة قول عبد الحسين‬
‫وأضرابه؟‬
‫الواقع أن قوله ل يختلف عن قول من استشهدنا بكلمه من شيوخهم‪ ،‬إل أنه صاغ كلمه بأسلوب‬
‫التورية‪ ،‬وبطريقة تخدع من ل يعرف أساليبهم في التقية؛ فهو يقول‪" :‬إن الطواغيت من الحكومات‬
‫وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون لل محمد"‪ .‬وهو في هذا لم يخرج عن مذهبه‪ ،‬فهم يعدون كل‬
‫من تولى الحكم من المسلمين غير أمير المؤمنين على والحسن هو ظالم لل محمد‪ ،‬لن منصب‬
‫المامة مختص بهم‪ ،‬وحق من حقوقهم ل يشركون فيه أحد‪ .‬ومن يتوله من غيرهم فهم ظالم لهم‪،‬‬
‫ولذلك قال ابن بابويه‪" :‬فمن ادعى المامة وهو غير إمام فهو الظالم الملعون" [العتقادات‪ :‬ص ‪.].112‬‬
‫ولهذا يعدون أبا بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أول ظالم لهم‪.‬‬
‫وفي قوله‪" :‬وإن الشيعة ترى وجوب مؤازرتهم ‪ -‬أي الحكام ‪ -‬في أمر يتوقف عليه عز السلم"‪.‬‬
‫فهو في هذا أيضا لم يخرج عن طريقة الروافض‪ ،‬ومراده بـ"عز السلم" انتصار مذهب طائفته‪ ،‬أي‬
‫أن الدخول في حكومات المسلمين للطاحة بها‪ ،‬أو التمكين للشيعة من القيام بمذهبهم‪ ،‬أو استغلل‬

‫‪675‬‬
‫مواردها لتمويل نشاطهم واجب‪ ..‬ولهذا ترى شيخهم الخميني يؤيد ما صنعه النصير الطوسي من‬
‫دخوله في العمل وزيرا لهولكو بقصد هدم دول الخلفة السلمية‪ ،‬وإظهار مذهب الشيعة فيقول‪:‬‬
‫"إن من باب التقية الجائزة دخول الشيعي في ركب السلطين‪ ،‬إذا كان في دخوله الشكلي نصر‬
‫للسلم والمسلمين مثل دخول نصير الدين الطوسي" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].142‬‬
‫فمذهب القوم ‪ -‬كما ترى ‪ -‬لم يزدد إل غلوا وتطرفا‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬موقف المعاصرين من الصحابة رضوان ال عليهم‪:‬‬
‫هل تغير شيء في مذهب هذه الطائفة في أمر الصحابة عما عرضناه من قبل في ضوء أصولهم –‬
‫ولسيما ‪ -‬بعد قيام دعوات التقارب والوحدة‪ ..‬وتكالب العدو الكافر على المة من كل حدب‬
‫وصوب‪ ..‬ومضي القرون المتطاولة ولم تعرف المة أشرف ول أعظم ول أفضل من ذلك الجيل‬
‫القرآني الفريد جيل الصحابة رضوان ال عليهم؟‬
‫فهل تفتحت عقول الشيعة وقلوبهم على الحقيقة‪ ،‬وعرفت خطورة تلك السطورة التي تتناقلها كتبهم‬
‫القديمة من حكاية ردة الصحابة‪ ،‬ومن افتعال ذلك الصراع المكذوب بين الل والصحاب؟! أما آن لها‬
‫أن تؤمن بالتنزيل اللهي‪ ،‬والسنة المطهرة‪ ،‬وإجماع المة‪ ،‬وما علم من الدين والتاريخ بالضرورة‬
‫وتوازن بالعقل بين الخذ بذلك‪ ،‬أو الغترار بنقل حثالة من الكذابين استفاض ذمهم وتكذيبهم‪ ..‬فهل‬
‫يقبل عقل سليم تصديق شرذمة من الكذابين‪ ،‬وتكذيب الصحابة أجمعين الذين رضي ال عنهم ورضوا‬
‫عنه؟!‬
‫إن تلك الصفحات السوداء التي تتضمن الطعن واللعن والتكفير لولئك الصحب العظام وهم الذين‬
‫تلقوا هذا الدين‪ ،‬ونقلوه لنا‪ ،‬هي في الحقيقة طعن في دين السلم ورسول السلم‪ ..‬وإن على‬
‫الصادقين المخلصين من الشيعة وهم يريدون التقارب مع المسلمين أن يعلنوا براءتهم من تلك القوال‬
‫الشاذة الملحدة التي تتناول خيار صحابة رسول ال باللعن والتكفير ويبينوا لقوامهم أولً وللمسلمين‬
‫عامة أن تلك الروايات والقوال هي آراء لبعض الطوائف المنحرفة الضالة القديمة يبوؤن بإثمها وإثم‬
‫من اتبعهم فيها إلى يوم القيامة حتى يزيلوا تلك النفرة التي سكنت في قلوب أهل السنة منذ أقدم‬
‫العصور إلى الن‪.‬‬
‫وإن أجدى طريق لزالتها هو بيان أنهم ل يعتقدون صحة تلك الراء التي يستوحش منها المؤمنون‬
‫في كل بقاع الرض‪ ،‬فأي مؤمن صادق اليمان يعلم أن فرقة من الفرق تدين بلعن صدّيق هذه المة‬
‫الذي لو وزن إيمانه بإيمان المة لرجح بهم‪ ،‬أو فاروقها الذي لم َي ْفرِ في السلم فريه أحد‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يقبل على دراسة مذهبها‪ ،‬إل إذا أوتي قدرة فكرية خاصة‪.‬‬
‫وأي مؤمن يثق بآراء هذه الطائفة إذا كان يعلم أنها تدين بهذا اللعن! إن إزالة هذه الدران والبليا‬
‫[انظر‪ :‬محمد أبو زهرة‪ /‬المام‬ ‫هي من أركان التقارب وأسسه‪ ،‬وإن عليهم أن يعلنوا هذه الزالة والتغيير‬

‫‪676‬‬
‫الصادق‪ :‬ص ‪ ،].12‬إذا كانوا صادقين في رغبتهم في التآلف مع المسلمين‪ ،‬وليس المر مؤامرة لنشر‬
‫معتقداهم في ديار السنة‪.‬‬
‫فماذا يقول شيعة العصر الحاضر في هذه المسألة؟ لقد خرج من شيعة العصر الحاضر رجل يدعى‬
‫[يعني بالشيعة والشيعي‪:‬‬ ‫"أحمد الكسروي" قال عنه الستاذ محمود الملح بأنه‪" :‬لم يظهر في عالم الشيعة‬
‫أحد في عياره منذ ظهور اسم شيعي على وجه‬ ‫الرافضة والرافضي‪ ،‬ل مطلق شيعي‪ ،‬وإل فل يصح هذا الطلق‪].‬‬

‫الرض" [محمود الملح‪ /‬الوجيز على الوجيز (ضمن مجموع السنة) ص ‪ .].278‬وقد عمل أستاذا في جامعة‬
‫[انظر عن الكسروي‪ :‬يحيى ذكاء‪ ،‬مقدمة "كاروند كسروي" أي مقالت‬ ‫طهران‪ ،‬كما تولى عدة مناصب قضائية‬
‫الكسروي‪ ،‬ومقدمة كتاب التشيع والشيعة‪ ،‬ومعجم المؤلفين‪.].2/53 :‬‬
‫وقد اكتشف الكسروي بطلن مذهب الشيعة حول الصحابة‪ ،‬وتخلص من تلك الساطير التي‬
‫وضعتها تلك الزمرة الحاقدة حول الصحابة وارتدادهم لمخالفتهم النص على إمامة علي ‪ -‬كما‬
‫يزعمون ‪ -‬وبين ضلل طائفته في هذا المذهب فقال‪" :‬وأما ما قالوا عن ارتداد المسلمين بعد موت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم إل ثلثة أو أربعة منهم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان‪ ،‬فلقائل أن يقول‪:‬‬
‫كيف ارتدوا وهو كانوا أصحاب النبي‪ ،‬آمنوا به حين كذبه الخرون ودافعون عنه‪ ،‬واحتملوا الذى في‬
‫سبيله ثم ناصروه في حروبه ولم يرغبوا عنه بأنفسهم‪ .‬ثم أي نفع لهم في خلفة أبي بكر ليرتدوا عن‬
‫دينهم لجله فأي المرين أسهل احتمالً‪ :‬أكذب رجل أو رجلين من ذوي الغراض الفاسدة‪ ،‬أو ارتداد‬
‫[التشيع والشيعة‪ :‬ص ‪ ،66‬وقد مر ذكره‪ ،‬وأعدناه‬ ‫بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب"‬
‫هنا لهميته ومناسبته‪.].‬‬
‫وقد كان لهذا التجاه عند الكسروي أثره في التفاف بعض المثقفين حوله وإقبال الشباب عليه فأحاط‬
‫به اللف منهم‪ ،‬وقاموا بنصرته وبث آرائه ونشر كتبه‪.‬‬
‫[انظر ما مر من مصادر‬ ‫إل أن خصومه من الروافض عاجلوه بالقتل قبل انتشار دعوته وظهورها‬
‫ترجمته‪.‬‬
‫وقد حثني بعض الخوان بأن له اتجاها إلحاديا‪ ،‬ولم يتوفر لي أدلة على ذلك‪ ،‬وقد يكون هذا من دعاية بعض الروافض‬
‫ضده‪ ..‬والرجل يحاكم بمقتضى ما خلفه من نصوص‪ ،‬ولو أر في كتابه الذي اطلعت عليه مظهرا من هذه المظاهر‪ ..‬ولم تقع‬
‫لي رسائله ومقالته لتعرف على ذلك‪ ..‬وقد تقدم ثناء الستاذ الملح عليه‪.‬‬
‫ولم أنقل عنه هنا إل ما هو حق‪ .‬وقد لقت دعوته تلك رواجا في المجتمعات الشيعية‪.].‬‬
‫وقد ظهرت كتابات لبعض المعاصرين من الشيعة ممن يتظاهر بالدعوة للتقارب وهي موضوعة‬
‫للدفاع عن معتقد التشيع والدعاية للشيعة‪ ،‬وموجهة لبلد السنة‪.‬‬
‫وقد تضمنت القول بأن الشيعة ل تسب فضلً عن أن تكفر الخلفاء الثلثة وأنها تقدر أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫فالخنيزي في كتابه الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية يقول‪" :‬بأن المامية ‪ -‬في هذا‬
‫العصر ‪ -‬ل تمس كرامة الخلفاء البتة فهذه كتاباتهم‪ ،‬وهذه كتبهم تنفي علنا السب عن الخلفاء وتثني‬
‫عليهم" [الدعوة السلمية‪.].257-1/256 :‬‬
‫وقال الخنيزي‪ :‬وممن صرح بنفي السب محمد باقر أحد مشاهير المجتهدين في كربلء في‬
‫منظموته المطبوعة في بمبي قال‪:‬‬
‫عثمان والـذي تولـى أولً‬ ‫فل َنسُـبّ عمرا كل ول‬
‫حكم به قضى المام الصادق‬ ‫ومن تولى سبهم ففاسـق‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫ونحن أيم ال ل نسب [الدعوة السلمية‪.].1/8 :‬‬ ‫وعندنا فل يحل السبّ‬
‫ولذلك فإن الخنيزي يقلب عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ويترضى عنه [الدعوة السلمية‪.].1/9 :‬‬
‫[الدعوة السلمية‪:‬‬ ‫ويطلق على عائشة وحفصة أمهات المؤمنين‪ ..‬وكذا يلقب أبا بكر بأمير المؤمنين‬
‫‪.].1/13‬‬
‫ويقول‪" :‬إن جعفر الصادق يقول مفتخرا‪ :‬ولدني أبو بكر مرتين‪ ،‬لن أمه أم فروة بنت القاسم بن‬
‫محمد بن أبي بكر وأمها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬فهي بكرية أما وأبا"‪ .‬ويقول‪ :‬إن من قضاء‬
‫جعفر الصادق "فسق من سب الخلفاء الثلثة" [الدعوة السلمية‪.].1/74 :‬‬
‫ويرى الشيعي أحمد مغنية أن الشيعة تثني على عمر بن الخطاب وتترضى عنه‪ ،‬وأن القول بأن‬
‫الشيعة تنال من عمر هو من أحط أنواع الدس‪ ،‬ثم يكشف السبب في وجود مثل هذه الشاعة عنهم‬
‫فيقول‪" :‬إن المفرقين وجدوا في اتفاق السمين‪ :‬عمر بن الخطاب الخليفة العظيم‪ ،‬عمر بن سعد قاتل‬
‫الحسين ميدانا واسعا يتسابق فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس‪ ..‬وكان‬
‫طبيعيا أن يكون لعنة اللعنات عمر بن سعد‪ ،‬لنه بطل الجريمة وقائد المجرمين الجبناء‪ ،‬ومَنْ من‬
‫المسلمين ل يلعن عمر بن سعد قاتل ابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!‬
‫إن أولئك الثمين المفرقين استغلوا كلمة (عمر) وقالوا‪ :‬إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن‬
‫الخطاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وإني في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار أصحاب الغابات‬
‫والمصالح الرخيصة ل أنكر وجود أفراد بالمس من سواد الشيعة وبسطائها ل يفرقون بين هذين‬
‫[أحمد مغنية‪ :‬المام جعفر الصادق‪:‬‬ ‫السمين‪ ،‬بل ل يعرفون أن في دنيا التاريخ السلمي عمرين تقيا وشقيا"‬
‫ص ‪.].114-113‬‬
‫فهو يرى أن وجود هذا التشابه في السماء‪ ،‬واستغلل المفرقين من العداء لذلك‪ ،‬ووجود بعض‬
‫عوام الشيعة في الماضي الذين ل يفرقون بين العمرين‪ ..‬كل ذلك ساعد على نسبة سب عمر إلى‬
‫الشيعة‪ ..‬أما كتب الشيعة‪ ،‬وشيوخها فهي بريئة من هذه التهمة‪ ..‬لنها ترى فيه الخليفة النقي العظيم‬
‫خليفة رسول ال‪.‬‬
‫‪678‬‬
‫وهذا أحد روافض العراق قد لجأ إلى مصر لنشر التشيع وأنشأ جمعية لهذا الغرض سمها "جمعية‬
‫[انظر‪ :‬كتيبه‪ :‬مع المام علي في نهجه‪ :‬ص‬ ‫أهل البيت" وسمى نفسه ب‍"إمام التشيع في جمهورية مصر العربية"‬
‫‪ .].64‬على الرغم بأنه ل يوجد في مصر شيعة بعد جهود العظيم صلح الدين اليوبي‪ ..‬وقد أصدر‬
‫في مصر كتابا بعنوان "تقدير المامية للصحابة" وفي هذه الكتيب نفى أن تكون الشيعة ترمي الشيخين‬
‫ومن بايعيهما بلعن أو تفكير" [تقدير المامية للصحابة‪ :‬ص ‪.].36‬‬
‫وقال‪ :‬بأن الشيعة لو كفرتهما لكفرت عليا‪ ،‬لنه بابيعهما‪ ،‬ولكفّرت سلمان وعمارا لنهما بايعوهما؛‬
‫[تقدير المامية‬ ‫بل إن سلمان تولى على المدائن لعمر فكيف يتصور منه أن يلي لعمر لو كان يرى كفره‬
‫للصحابة‪ :‬ص ‪].39-37‬؟!‍ ثم قال‪ :‬بأن الشيعة تؤمن بالقرآن وقد جاء فيه الثناء على الصحاب واستدل‬
‫بالية المائة من سورة التوبة‪ ،‬والية التاسعة والعشرين من سورة الفتح‪ ،‬ثم أردف ذلك ببعض ما جاء‬
‫في نهج البلغة والصحيفة السجادية من الثناء عليهم [تقدير المامية للصحابة‪ :‬ص ‪ 43-39‬من ط‪ :‬القاهرة‪.].‬‬
‫ونقل بعد هذا أقوال بعض شيوخهم المعاصرين في مدح الصحابة‪ ،‬واستدل بقول باقر الصدر‪" :‬إن‬
‫الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية‪ ،‬حتى إن‬
‫[تقدير‬ ‫تاريخ النسان لم يشهد جيلً عقائديا أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأ الرسول القائد"‬
‫المامية للصحابة‪ :‬ص ‪ ،46-43‬وأرجع كلم الصدر إلى كتابه‪ :‬التشيع ظاهرة طبيعية ص ‪.].80‬‬
‫ثم ختم حديثه عن هذه المسألة بقوله‪" :‬إن من ينسب إليهم ذلك (أي الصحابة) فهو إما أن يكون‬
‫خصما سيء النية‪ ،‬وإما لم يطلع على مذهب الشيعة إل من خلل كتب خصومها‪ ،‬ولم يتمكن من‬
‫الطلع على كتب أصحاب المذهب نفسه" [تقدير المامية للصحابة‪ :‬ص ‪.].47-46‬‬
‫وفي تفسير الكاشف لرئيس المحكمة الجعفرية في بيروت محمد جواد مغنية يقول‪ :‬إن الشيعة ل‬
‫ينالون من الصحابة‪ ،‬ويستدل بقوة زين العابدين علي بن الحسين في الصحيفة السجادية من دعاء له‬
‫في الصلة على أتباع الرسل وهو‪" :‬اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلو‬
‫البلء الحسن في نصره‪ ..‬وفارقوا الزواج والولد في إظهار كلمته وقاتلوا الباء والبناء في تثبيت‬
‫نبوته‪[ "..‬الصحيفة السجادية‪ :‬ص ‪.].44-43‬‬
‫ثم قال جواد‪ :‬هذه المناجاة جاءت في الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة وتقدس كل حرف منها‬
‫[قال ابن تيمية عن صحيفتهم التي ينسبونها لعلي بن الحسن‪ ،‬ويقدسون كل حرف فيها ‪ -‬على حد تعبيره‪ ،‬وكأنها وحي سماوي‬
‫‪ -‬قال‪ :‬إن أكثرها كذب على علي بن الحسين (منهاج السنة‪ .].)3/209 :‬وهي رد مفحم لمن قال‪ :‬إن الشيعة ينالون‬
‫من مقام الصحابة [تفسير الكاشف‪.].10/515 :‬‬
‫[مثل حسين يوسف مكي العاملي الذي قال‪" :‬ل‬ ‫وبمثل هذه القوال قال آخرون من شيعة العصر الحاضر‬
‫نسوغ لحد أن يسبهما (يعني الشيخين) ول أن يتحامل على مقامهما‪ ،‬ول أفتينا لحد بجواز سبهما‪ ،‬فلهما عندنا من المقام ما‬
‫يقتضي الجلل والحترام‪ ،‬وإننا نحرص كل الحرص على تدعيم قواعد المودة واللفة بين المسلمين"‪( .‬عقيدة الشيعة في المام‬
‫الصادق‪ :‬ص ‪ /19‬بيروت‪ ،‬دار الندلس ط‪ :‬الولى ‪1382‬ه‍‪ ،‬وانظر‪ :‬ص ‪ 30‬من المصدر السابق)‪.].‬‬

‫‪679‬‬
‫النقد‪:‬‬
‫هل تغير موقف الشيعة المعاصرين نحو الصحابة؟‬
‫هل حقيقة ما يقول هؤلء أو تقية ومصانعة؟‬
‫إننا نقول للخنيزي وأحمد مغنية‪ ،‬والرفاعي‪ ،‬ومحمد جواد مغنية وغيرهم ممن يقول إننا نقدر‬
‫الصحابة‪ ،‬ول ننقصهم ونترضى عنهم‪ :‬تلك كلمات طيبة تنزل على قلوبنا بردا وسلما‪ ،‬ومرحبا بهذه‬
‫الروح الكريمة الجامعة الموحدة بين المسلمين‪.‬‬
‫وإننا لنفتح صدورنا لكل كلمة توفق ول تفرق‪ ..‬ونستبشر بكل محاولة صادقة لرفع تلك الدران‬
‫والصفحات السوداء التي تمس صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولكن أل يعلم الخنيزي وغيره أن المكتبة الشيعية المعاصرة قد أخرجت كتبا مليئة بالسب والطعن‬
‫والتكفير لخيار صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلم القول بأن شيعة العصر الحاضر ل‬
‫يسبون‪ ،‬وأن سب الشيخين عندهم فسق؟‬
‫فهذا أحد آيات الشيعة ويدعى "حسين الخراساني" يقول في كتابه "السلم على ضوء التشيع" والذي‬
‫أهداه إلى مكتبة دار التقريب بالقاهرة‪ ،‬وجاء على غلفه بأنه قد نشر باللغات الثلثة العربية والفارسية‬
‫والنجليزية‪ ،‬وحاز على رضى وزارة المعارف اليرانية‪ ،‬يقول في هذا الكتاب‪ :‬تجويز الشيعة لعن‬
‫الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما‪ ،‬فإنما فعلوا ذلك أسوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم واقتفاء‬
‫الثره" [السلم على ضوء التشيع‪ :‬ص ‪( 88‬الهامش)‪" ،.].‬فإنهم ول شك ‪ -‬كما يفتري ‪ -‬قد أصبحوا مطرودين‬
‫[السلم على‬ ‫من حضرة النبوي ‪ -‬كذا‪ -‬وملعونين من ال تعالى بواسطة سفيره صلى ال عليه وسلم"‬
‫ضوء التشيع‪ :‬ص ‪.].88‬‬
‫فانظر كيف يعلن أحد آياتهم ل واحد من عوامهم‪ ،‬أن اتجاه الشيعة هو اللعن والتكفير لعظيمي هذه‬
‫المة وأفضل الخلق بعد النبيين‪ ،‬ومن أمر الرسول صلى ال عليه وسلم أمته بالقتداء بهما‪ ،‬وأنهم‬
‫يرون لعنهما شريعة ودينا‪ ،‬فكيف ينكر أولئك وجود السب‪ ،‬مع اللعن والتكفير الصريح والذي يجاهر‬
‫به‪ ،‬ويطبع باللغات المختلفة؟‬
‫وقد وقع بيدي كتاب من كتب الدعية عندهم باللغة الردية موثق من ستة من شيوخ الشيعة‪،‬‬
‫وصف كل منهم بأنه "آية عظمى" منهم الخوئي والخميني وشريعتمداري‪ ..‬وفي هذا الكتاب الموثق من‬
‫هؤلء اليات دعاء بالعربية بحدود صفحتين يتضمن لعن أبي بكر وعمر رضي ال عنهما وابنتيهما‬
‫أمهات المؤمنين وحفصة رضي ال عنهما‪ ،‬ومما جاء في هذا الدعاء‪:‬‬
‫"اللهم العن صنمي قريش وجبتيها‪ ،‬وطاغوتيها‪ ،‬وإفكيها‪ ،‬وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك‬
‫وجحدا إنعامك وعصيا رسولك‪ ،‬وقلبا دينك‪ ،‬وحرفا كتابك‪ ،‬وأحبا أعدائك‪ ،‬وجحدا آلئك ‪ -‬كذا ‪-‬‬

‫‪680‬‬
‫[منصور حسين‪ /‬تحفة العوام مقبول‪ :‬ص ‪ ،424-423‬وانظره بتمامه في ملحق‬ ‫وعطل أحكامك‪ ،‬وألحدا في آياتك‪"..‬‬
‫الوثائق من رسالتي "فكرة التقريب"‪.].‬‬
‫هكذا يوجه هؤلء اليات كل شيعي على وجه الرض‪ ،‬لن يدعو بهذا الدعاء ويتعبد ال بهذا اللعن‬
‫ليزرعوا الحقد والكراهية في نفوس أتباعهم ضد خير القرون ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪..‬‬
‫وليضعوا العقبات والعراقيل في وجه كل تآلف وتقارب‪ ..‬وحتى يضمنوا أن باطلهم ل ينكشف‪،‬‬
‫يخدعون ويخادعون بقولهم‪ :‬إننا ل نسب‪ ..‬وهيا إلى التقارب والتعاون‪.‬‬
‫إذن الشيعة لم تترك السب واللعن‪ ،‬ول يزال طائفة من شيوخهم يهذون بهذا الضلل‪ ،‬وعوامهم‬
‫على أثرهم يهرعون يشتمون ويكفرون‪.‬‬
‫وقد كشف لنا الشيخ موسى جار ال حينما زار ديار الشيعة في إيران والعراق وحضر مجالسها‪،‬‬
‫ومحافلها وحلقات درسها في البيوت والمساجد والمدارس فاطلع على ما يدور في واقع الشيعة من‬
‫تكفير لمن رضي ال عنهم ورضوا عنه حتى قال‪:‬‬
‫"كان أول شيء سمعته وأنكرته هو لعن الصديق والفاروق‪ ،‬وأمهات المؤمنين‪ :‬السيدة عائشة‬
‫والسيدة حفصة‪ ،‬ولعن العصر الول كافة‪ ،‬وكنت أسمع هذا في كل خطبة وفي كل حفلة ومجلس في‬
‫البداية والنهاية‪ ،‬وأقراه في ديابيج الكتب والرسائل وفي أدعية الزيارات كلها‪ ،‬حتى في السقية ما كان‬
‫يسقي ساق إل ويعلن‪ ،‬وما كان يشرب شارب إل ويعلن‪ .‬وأول كل حركة وكل عمل هو الصلة على‬
‫محمد وآل محمد‪ ،‬واللعن على الصديق والفاروق عثمان الذين غصبوا حق علي ‪ -‬بزعمهم ‪-‬‬
‫وظلموه‪ ،‬حتى أصبح السب واللعن عندهم أعرف معروف يلتذ به الخطيب‪ ،‬ويفرح عنده السامع‪،‬‬
‫وترتاح إليه الجماعة" [موسى جار ال‪ /‬الوشيعة‪ :‬ص ‪.].27‬‬
‫وهذا الواقع المظلم الذي تجري ألسنة أهله باللعن والتكفير والسب ليس بغريب على من يرتضع‬
‫منذ طفولته كره أصحابه رسول ال صلى ال عليه وسلم ويلقن من صغره أن ما يقع له من مصائب‬
‫هو بسببهم‪ ،‬وتجرى أمامه في كل عام "التمثيليات" التي تصور ما جرى على أهل البيت من ظلم ‪-‬‬
‫كما يزعمون ‪ -‬من قبل الصحابة أو بسببهم‪ ،‬وقد أشار صاحب الوشيعة إلى ما شاهده من أعمالهم في‬
‫[موسى جار ال‪ /‬الوشيعة‪ :‬ص‬ ‫ذلك‪ .‬وقال بأن كل هذه التمثيليات واللعاب فيها إغراء وعداوة وبغضاء‬
‫‪ ،].26‬بل هي مدرسة لزرع الحقد والكراهية ضد خير القرون وأتباعهم‪.‬‬
‫وهذا ليس من أفعال عوامهم‪ ،‬بل شيوخهم وآياتهم يغرونهم بذلك ويدفعونهم إليه بمختلف الوسائل‪،‬‬
‫فقد قدم إلى آيتهم ومرجعهم محمد آل كاشف الغطاء السؤال التالي‪:‬‬
‫"ما يقول مولنا حجة السلم‪ ..‬في المواكب المشجية التي اعتاد الجعفريون اتخاذها في العشر من‬
‫المحرم تمثيلً لفاجعة ألطف وإعلما لما انتهك فيها من حرمة الرسول صلى ال عليه وسلم في عترته‬
‫المجاهدين بالتمثيل للشهداء وجهادهم‪ ،‬وماجرى عليهم‪ ،‬وما جرى على الطفال من القتل والقسوة‪،‬‬

‫‪681‬‬
‫وبإعلنهم الحزن لذلك بأنواعه من ندب‪ ،‬ونداء وعويل‪ ،‬وبكاء‪ ،‬وضرب بالكف على الصدور‪،‬‬
‫وبالسلسل على الظهور‪ ،‬فهل هذه العمال مباحة في الشرع أم ل أفتونا مأجورين"؟‬
‫فأجاب آيتهم على ذلك بقوله‪:‬‬
‫"بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬قال سبحانه وتعالى‪َ { :‬ذ ِلكَ َومَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ الّلهِ َفإِنّهَا مِن تَقْوَى ا ْل ُقلُوبِ‪،‬‬
‫سمّى} [الحج ‪ ،]33 ،32‬ول ريب أن تلك المواكب المحزنة‪ ،‬وتمثيل هاتيك‬
‫جلٍ ّم َ‬
‫لَكُمْ فِيهَا مَنَا ِفعُ ِإلَى أَ َ‬
‫الفاجعة المشجية من أعظم شعائر الفرقة الجعفرية‪[ "..‬اليات البينات‪ :‬ص ‪.].5‬‬
‫فهو يعد هذه "البدعة الخطيرة في دينهم" والتي هي من أعظم الباطل‪ ،‬من شعائر ال‪ ،‬فإذا كان هذا‬
‫رأي مرجعهم فما بالك بمن دونه مع أنه يجري فيها تعذيب للنفس وقتلها وتكفير للمسلمين من‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬والنياحة ولطم الخدود‪ ،..‬والشرك بدعاء المخلوق‪ ..‬إلخ مما يعلم بطلنه من‬
‫السلم بالضرورة‪ ،‬ومع ذلك يتفاخر شيخهم محسن المين أنه أقام مجلسا للعزاء في دمشق ‪ -‬كما‬
‫يزعم ‪ -‬حضره عدد كبير‪" ،‬وختم باللطم المهيج المؤثر" [رسالة التنزيه لعمال الشبيه‪ :‬ص ‪.].30‬‬
‫وهذه العمال التي تجري منهم في المحرم من كل عام ل موضوع لها إل سب الصحابة‪ ،‬وإعلن‬
‫الشرك بال؛ حيث تسمع أصواتهم تردد "يا حسين يا حسين" وتصب اللعنات على العصر الول‪،‬‬
‫ولسيما الخلفاء الثلثة رضوان ال عليهم‪ ،‬فتزرع في نفوسهم أحقادا ل حدود لها‪ ،‬ولذلك ترى‬
‫المعاصرين منهم يكتبون عن الصراع المزعوم بين الل والصحاب وكأنه واقع الساعة‪ ،‬كأنه خطر‬
‫محيط بالمة يهدد وجودها‪.‬‬
‫هذا ول تزال مظاهر الطعن والتكفير للصحابة موجودة ومستمرة عبر روافد أخرى‪ ،‬وشيوخهم‬
‫يمدونهم بهذا الغي ويدفعونهم إليه‪ ،‬ول يقصرون‪ ،‬فمن هذه المظاهر الموجودة‪ ،‬والروافد الجارية التي‬
‫ل تنبت إل أشجار الحنظل‪ ،‬ول تزرع إل الفرقة والحقد والبغضاء والتي لم تتوقف حتى هذه الساعة‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ل تزال تقوم حركة نشطة لبعث التراث الرافضي القديم ونشره بين الناس وترويجه بينهم‪،‬‬
‫وهذا التراث مليء باللعن والتكفير والتخليد بالنار للمهاجرين والنصار الذين رضي ال عنهم ورضوا‬
‫[في حين أن‬ ‫عنه‪ ،‬وفي مقدمته الخلفاء الثلثة وبقية العشرة المبشرين بالجنة ما عدا أمير المؤمنين عليا‬
‫أمير المؤمنين يناله من ذلك أمور كثيرة بشكل غير مباشر كما يظهر ذلك في نصوصهم‪.].‬‬
‫فكيف يقال أن شيعة هذا العصر ل يسبون وهم قد ألبسوا تلك الصفحات السوداء المظلمة ثيابا‬
‫جديدة ونشروها بين أتباعهم بل نقد ول اعتراض؟‬
‫ثانيا‪ :‬ول يزال أيضا هناك مجموعة كبيرة من شيوخهم المعاصرين قد تفرغوا لهذا "الباطل" فل همّ‬
‫لهم فيما يكتبون وينشرون إل سب رجال الصدر الول وتجريحهم وكأنه ل همّ للشيعة في هذا العصر‬
‫إل هذا‪.‬‬

‫‪682‬‬
‫وقد تخصصت كتب عندهم لهذا تفوق ماجاء في كتبهم القديمة في البذاءة وسوء المقال‪ ،‬مثل كتاب‬
‫الغدير ‪ -‬لشيخهم المعاصر عبد الحسين الميني النجفي‪ -‬المليء بالدس والكذب والطعن فيمن رضي‬
‫ال عنهم ورضوا عنه‪ ..‬وعليه تفريظات عدد من آياتهم‪.‬‬
‫وكانت حملته ضد صحابة رسول ال ول سيما الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫محل رضى أعداء المة‪ ،‬كما تجد ذلك ‪ -‬مثلً ‪ -‬في كلمات بولس سلمة الشاعر النصراني الذي‬
‫استكتبه هذا الرافضي في مقدمة الجزء السابع من الكتاب‪ ،‬فكتب كلمات يظهر فيها رضاه وغبطته بما‬
‫قام به هذا "الفاك" ضد المة ودينها‪ ،‬وإشادته بحملته المسعورة ضد فاروق هذه المة وعظيمها‬
‫الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي ال عنه وأرضاه والتي كانت فتوحاته وجهاده ونشره للسلم‬
‫[صدر الرافضي الجزء السابع من كتابه بتقريظ هذا النصراني فكتب له‬ ‫شجى وغصة في حلوق العداء إلى اليوم‬
‫النصراني بعد ذلك يقول‪" :‬وقد شرفتموني بإدراج رسالتي في المقدمة وقد اطلعت على هذا السفر النفيس فحسبت أن للئ‬
‫البحار قد اجتمعت في غديركم‪ .‬ولقد لفت نظري على الخص ما ذكرتموه بشأن الخليفة الثاني‪ ،‬فلله دركم ما أقوى حجتكم"‬
‫(الغدير‪/7 :‬ح) وقد ابتهج هذا الرافض الرافضي المغفل‪ ،‬أو الزنديق المرتدي ثوب السلم بثناء هذا الكافر فبادله الثناء وقال‬
‫عن رسالته تلك‪" :‬أتانا من بحاثة المسيحيين القاضي الحر والشاعر النبي الستاذ بولس سلمة‪ ...‬الخالد الذكر فشكرا له ثم‬
‫شكرا" (الغدير‪ :‬ج ‪/7‬ص ح)‪ .‬لحظ هذا الرافضي الذي يرمي الصحابة بكل مذمة ونقيصة‪ ..‬وهو يمتدح الكفار ويتقرب إليهم‪..‬‬
‫وهذه عادة الروافض من قديم الزمان‪.].‬‬
‫ومثل كتاب (أبو هريرة) لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي اتهم فيه أبا هريرة ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬رواية السلم بالكذب والنفاق في حين تجده يدافع عن الكذابين الوضاعين أمثال‬
‫جابر الجعفي [انظر‪ :‬المراجعات‪ :‬ص ‪ .].75‬وغيره [كدفاعه عن هشام بن الحكم‪ ،‬انظر‪ :‬المراجعات‪ :‬ص ‪.].313 ،312‬‬
‫ومثل كتاب السقيفة لشيخهم محمد رضا المظفر الذي صور فيه الصحابة عصابة ل هدف لها إل‬
‫التآمر على السلم حتى قال‪ :‬ممات النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولبد أن يكون المسلمون كلهم (ل‬
‫[السقيفة‪ :‬ص ‪ ،19‬ونسب خيار الصحابة إلى التآمر على علي رضي ال عنه‪.‬‬ ‫أدري الن) قد انقلبوا على أعقابهم‬
‫انظر‪ :‬ص ‪ 85‬من السقيفة‪.].‬‬
‫[مثل كتاب "النص والجتهاد" لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي أراد أن يعتذر عن الصحابة‬ ‫وغيرها كثير‬
‫لمخالفتهم ‪ -‬بزعمه ‪ -‬النص على علي فاعتذر عنهم اعتذارا ماكرا خبيثا‪ ،‬حيث زعم أنهم يدينون بمبدأ فصل الدين عن الدولة‪،‬‬
‫ولذلك لم يأخذوا بالنص وهذه فرية مكشوفة يكشفها ثناء ال عليهم ورسوله‪ ،‬وورعهم وزهدهم وجهادهم‪ ،..‬ومثل كتاب‪" :‬المام‬
‫الصادق والمذاهب الربعة" لسد حيدر الذي يهاجم فيه خلفاء المسلمين‪ ،‬ويفتري على أئمة المسلمين كالمام أحمد وغيره‬
‫افتراءات لتأييد مذهب الرافضة‪ ،‬ويتحدث عن المحن المزعومة لل البيت‪ .‬ومثل كتاب "علي ومناوئوه" للدكتور نوري جعفر‬
‫والذي يفتعل وجود صراع بين علي والصحابة‪ ،‬ويقول إنه كالصراع بين النبي وكفار قريش‪ ،‬يقول‪" :‬وإذا كان النصر قد كتاب‬
‫للنبي في نزاعه مع مناوئيه لعتصامهم بالوثان‪ ،‬فإن النصر لم يكن في متناول المام لتقمص مناوئيه رداء السلم" (علي‬
‫ومناوئوه ص ‪.)12‬‬
‫فالتفكير كما ترى لم يتغير عن زنادقة الماضي‪ ،‬وإن كان الكاتب يحمل شهادة علمية‪ ..‬ومن غرائب "إصداراتهم" كتاب‬
‫"الرسول العظم مع خلفائه" لشيخهم مهدي القرشي‪ ،‬والذي صور فيه حسب خياله‪ ،‬ومعتقده ما يجري يوم القيامة لبي بكر‬

‫‪683‬‬
‫وعمر والصحابة‪ ،‬وكان يضع محاورات من عنده يزعم أنها ستجري بين الرسول وصحابته يحاسبهم فيها على تركهم بيعة‬
‫علي‪.].‬‬
‫ثالثا‪ :‬تلك الدعية التي يرددها الشيعة كل يوم وهي ل تكاد تخلو من لعن خيار هذه المة وروادها‬
‫وأحباء رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصهاره وبعض زوجاته أمهات المؤمنين‪ ..‬ول تختلف كتب‬
‫الدعية المؤلفة حديثا عما تراه في كتبهم القديمة‪ ،‬كما نجد في كتاب "مفاتيح الجنان" لشيخهم المعاصر‬
‫عباس القمي‪ ،‬و"ضياء الصالحين" لشيخهم محمد الجوهري وغيرهما‪.‬‬
‫وبعد هذا كله فهل يبقى لنكار هؤلء المنكرين تفسير إل التقية والكذب؟ فالخنيزي الذي يقول إن‬
‫الشيعة ل تسب‪ ،‬هل يتجاهل ما سطره شيوخهم القدامى والمعاصرون في ذلك؟! بل إن الخنيزي نفسه‬
‫ارتكب جريمة السب فهو يطعن في الصديق رضي ال عنه [الدعوة السلمية‪ ،].1/12 :‬ويزعم بأن ما ورد‬
‫[الدعوة السلمية‪-1/5 :‬‬ ‫عندهم في الكافي من سب للصحابة وتكفيرهم يوجد مثله في صحيح البخاري‬
‫‪ .].14‬وهي دعوى ل حقيقة لها‪ ..‬إل البحث عن مسوغ لمذهبهم في الصحابة‪ ،‬ولو كان في صحيح‬
‫البخاري مثل مما يوجد في الكافي لكان في السنة من هو كالشيعة يطعن ويكفر‪ ،‬ولكن الرجل يريد‬
‫إثبات معتقده الباطل بأي وسيلة‪.‬‬
‫أما الستاذ أحمد مغنية الذي يرى أن الشيعة إنما تلعن عمر بن سعد ل عمر بن الخطاب وإنما وقع‬
‫الوهم في التشابه في السماء فهل خفي عليه أن عمر بن الخطاب قد تعرض للعن والتكفير في كتب‬
‫الشيعة المعتمدة وعلى رأسها الكافي والبحار‪ ،‬وتفسير القمي والعياشي وغيرهما؟ كما سلف نقل ذلك‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )723‬وما بعدها‪ .].‬فل حاجة لعادته‪.‬‬
‫وهل غاب عنه أن شيعة العصر الحاضر أيضا ل يزالون على هذا النهج يتخبطون كما رأينا من‬
‫صاحب "الغدير" و"السقيفة" و"السلم على ضوء التشيع"‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬
‫بل إن من يلهج بالدعوة للوحدة السلمية منهم ل يزال في هذا الضلل يهذي ويفتري؛ فهذا آيتهم‬
‫محمد الخالصي من كبار مراجع الروافض في العراق وممن يتزعم الدعوة إلى الوحدة السلمية بين‬
‫السنة والشيعة يشكك في إيمان أبي بكر وعمر رضي ال عنهما فيقول‪" :‬وإن قالوا‪ :‬إن أبا بكر وعمر‬
‫عنِ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ‬
‫ضيَ الّلهُ َ‬
‫من أهل بيعة الرضوان الذين نص على الرضى عنهم القرآن في قوله‪{ :‬لَ َقدْ رَ ِ‬
‫حتَ الشّجَ َرةِ} [الفتح ‪.]18‬‬
‫ِإذْ ُيبَايِعُو َنكَ تَ ْ‬
‫قلنا‪ :‬لو أنه قال‪ :‬لقد رضي عن الذين يبايعونك تحت الشجرة لكان في الية دللة على الرضى عن‬
‫عنِ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ ِإذْ يُبَايِعُو َنكَ} فل دللة فيها إل على الرضى‬
‫ضيَ الّلهُ َ‬
‫كل من بايع ولكن لما قال‪{ :‬لَ َقدْ رَ ِ‬
‫عمن محض اليمان" [الخالصي‪ /‬إيحاء الشريعة في مذهب الشيعة‪.].64-1/63 :‬‬
‫ومعنى هذا أن أبا بكر وعمر لم يمحضا اليمان فلم يشملهما رضى ال في زعم هذا الرافضي‪،‬‬
‫وهل هناك فهم أسقم من هذا الفهم الذي يجعل وصفهم باليمان دليلً على خروج خيارهم من اليمان؟‬

‫‪684‬‬
‫[انظر مثلً ‪ -‬شهاب الدين النجفي‪ /‬تعليقاته على إحقاق‬ ‫ولهذا الخالصي أمثاله من روافض العصر الحاضر‬
‫الحق للتستري‪2/291 :‬وغيرها من المواضع‪.].‬‬
‫فهل خفي ذلك على أحمد مغنية أو أراد خداع أهل السنة؟! ال أعلم بالحقيقة‪ ..‬والتقية بلية الشيعة‬
‫ومصيبتها‪.‬‬
‫أما الرفاعي الذي يقول بأن الشيعة تقدر الصحابة‪ ..‬وأن من نسب إلى الشيعة خلف ذلك فهو‬
‫خصم سيء النية‪ ..‬فهل يخفى عليه أن الذي نسب إلى الشيعة هذا المذهب هو كتبهم‪ ..‬والذي سجل‬
‫عليهم هذا العار هو مشايخهم أمثال الكليني والقمي والعياشي والمجلسي‪ ،‬وليس خصما سيء النية أو‬
‫جاهلً بما في كتبهم؟!‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪،17 ،15‬‬ ‫والرفاعي نفسه قد رجع في كتيبه الذي سماه "تقدير المامية للصحابة" إلى البحار‬
‫‪ .].19‬للمجلسي‪ ،‬والذي حوى من السب واللعن والتكفير ما تقشعر منه جلود المؤمنين؛ حتى إنه عقد‬
‫(أي الخلفاء قبل علي) فكيف يقول‬ ‫[بحار النوار‪ ،252-2/208 :‬الطبعة الحجرية‪].‬‬ ‫بابا بعنوان باب كفر الثلثة‬
‫بأن الشيعة تقدر الصحابة؟ وإذا كان يؤمن بمبدأ تقدير الصحابة فعليه أن ينشر ذلك في الوسط الشيعي‬
‫ل في القاهرة‪ ،‬وأن يجاهد من أجل إقناع إخوانه المامية حتى يغيروا هذا البلء الذي عم وطم في‬
‫كتبهم أو يعرضوا عنها ويعلنوا فسادها‪ ،‬أما نفي ما هو واقع فل يجدي في الدفاع لنه سيؤول من قبل‬
‫الشيعة والمطلعين على كتبهم من غير الشيعة بأنه تقية‪.‬‬
‫وهذا الرفاعي الذي يكتب في القاهرة بين أهل السنة "تقدير المامية للصحابة" ويتجاهل ما جاء في‬
‫كتبهم قديمها وحديثها‪ ،‬وما يجري في واقعهم من عوامهم وشيوخهم‪ ..‬هو نفسه يسب خيار صحابة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فهو من الذين يقولون ما ل يفعلون‪ ،‬كما هو من الذين ينكرون ما‬
‫[انظر تعليقه على كتيب‬ ‫يعرفون‪ ..‬فيتهم فاروق هذه المة بالتآمر وأنه أول من قال بالرجعة من المسلمين‬
‫[انظر تعليقه‬ ‫التشيع‪ /‬لمحمد باقر الصدر‪ :‬ص ‪ .].31-30‬كما يسب أبا بكر وعمر وأبا عبيدة رضوان ال عليهم‬
‫على كتيب التشيع‪ /‬لمحمد باقر الصدر‪ :‬ص ‪.].46‬‬
‫والغريب أنه يستدل بما جاء في رسالة محمد باقر الصدر والتي سماها "التشيع ظاهرة طبيعية في‬
‫إطار الدعوة السلمية" مع أن هذه الرسالة محاولة يائسة وعاجزة لثبات أصالة مذهب الرافضة‪..‬‬
‫وأن الصحابة رضوان ال عليهم ليسوا بأهل لحمل الرسالة وتبليغ الشريعة ‪ -‬كما يفتري ‪ -‬وأن‬
‫الجدير بحملها والمبلغ لها هو علي‪ ..‬وهذا مع ما فيه من النيل من صحابة رسول ال فهي دعوى‬
‫جاهلية غبية‪ ،‬أو حاقدة مغرضة تحاول النيل من السنة المطهرة‪ ،‬وتواتر هذا الدين‪.‬‬
‫فهي تزعم أن نقل الواحد أوثق من نقل المجموع‪ ..‬وهذا "إفراز" لعقيدة عصمة الئمة‪ ،‬وتكفير‬
‫الصاحبة‪ ..‬والثناء المزعوم على الصحابة الذي نقله من رسالة الصدر قد قاله الصدر من باب تخدير‬
‫القارئ حتى يتقبل ما يفتريه على استدلله ويبطله‪ ،‬فالصدر يقول‪" :‬وبالرغم من أن الصحابة بوصفهم‬
‫الطليعة المؤمنة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية‪ ..‬بالرغم من ذلك نجد من الضروري‬
‫‪685‬‬
‫التسليم بوجود اتجاه واسع منذ كان النبي حيا يميل إلى تقديم الجتهاد في تقدير المصلحة واستنتاجها‬
‫من الظروف على التعبد بحرفية النص الديني‪ ،‬وقد تحمل الرسول صلى ال عليه وسلم المرارة في‬
‫كثير من الحالت بسبب هذا التجاه‪[ "..‬التشيع‪ :‬ص ‪.].80‬‬
‫فهل ترى في هذا النص مدحا؟ إنه يزعم أن الصحابة رضوان ال عليهم يجتهدون مع وجود‬
‫النص؛ بل يرفضون أوامر رسول ال‪ ،‬ويتبعون مصالحهم‪ ..‬فهل هذا تقدير للصحابة؟! إن من‬
‫حذَرِ اّلذِينَ يُخَالِفُونَ‬
‫المعروف إنه ل اجتهاد مع النص‪ ،‬وأن مخالفة أمر رسول ال جرم عظيم‪َ { :‬فلْيَ ْ‬
‫عذَابٌ َألِيمٌ} [النور ‪..]63‬‬
‫عنْ َأمْ ِرهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْ َنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ َ‬
‫َ‬
‫وكل هذه الدعاوى من هذا الرافضي لتأييد فريته وهي دعوى النص على علي وأن الصحابة‬
‫أعرضوا عن العمل بها لمصلحة راعوها‪ ،‬فأي مصلحة لهم في بيعة أبي بكر؟!‬
‫ول يستدل الرفاعي من رسالة الصدر فحسب؛ بل ينشر باطلها‪ ،‬ويتحفه بتقريظه وتأييده‪ ،‬ويقول في‬
‫كتيب آخر‪ :‬إن المامية يقدرون الصحابة‪ ،‬فأي تقدير هذا؟! إل إن كان يريد أن تقدير المامية‬
‫للصحابة هو السب واللعن والتكفير‪.‬‬
‫فما أجرأ هؤلء على الكذب!!‬
‫وأما محمد جواد مغنية الذي يقول بأن الشيعة ل تنال من مقام الصحابة ويستدل بقول علي بن‬
‫الحسين‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إنكم لم تقتفوا أثر المام علي بن الحسين‪..‬؛ لن ما جاء في كتبكم قديمها وحديثها‪ ،‬وما‬
‫يحدث في واقعكم دليل على مفارقتكم لنهجه‪..‬؛ لنه كان باعترافكم‪ ،‬وبنقلكم عنه‪ ،‬كان يترضى عن‬
‫الصحابة‪ ..‬رضي ال عن الجميع‪ ،‬فأنتم ليس بإمامكم اقتدتم‪ ،‬ول بقولكم صدقتم والتزمتم‪ ..‬ومغنية‬
‫الذي يكتب هذا الكلم‪ ..‬هو الذي يقول في كتابه "في ظلل نهج البلغة" عن الخليفة الراشد ذي‬
‫النورين صاحب الجود والحياء‪ ،‬وصهر النبي صلى ال عليه وسلم في ابنتيه‪ ،‬ومجهز جيش العسرة‪،‬‬
‫وصاحب الهجرتين والمبشر بالجنة من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬يقول هذا الرافضي فيه‪ ":‬إن‬
‫عثمان انحرف عن سنة الرسول وخالف شريعة السلم‪ ،‬واستأثر هو وذووه بأموال المسلمين فامتلكوا‬
‫[مغنية‪ /‬في‬ ‫القصور والمزارع والرياش والخيول والعبيد والماء‪ ،‬ومن حولهم مليين الجياع والمعدمين"‬
‫ظلل نهج البلغة‪ .].2/264 :‬ويقول‪" :‬وكان الزبير وطلحة وعائشة وراء ما حدث لعثمان وعليهم تقع‬
‫التبعة في دمه‪[ "..‬مغنية‪ /‬في ظلل نهج البلغة‪ .].293-1/292 :‬ويتهم عمر رضي ال عنه وأهل الشورى‬
‫[مغنية‪ /‬في ظلل نهج البلغة‪:‬‬ ‫الذين فوض لهم عمر اختيار خليفة من بعده يتهم الجميع بالخيانة والتآمر‬
‫‪.].3-2/2‬‬
‫فأي احترام لمقام الصحابة وهذا الكلم الحاقد يوجه لخيارهم !!‬
‫وأي إيذاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم أشد من هذا اليذاء الذي يوجه له بسب بعض زوجاته‪،‬‬
‫وأصهاره‪ ،‬وخيار أصحابه‪.‬‬
‫‪686‬‬
‫وبعد كهذا كله‪ ..‬فكيف نفسر هذا التناقض من هؤلء الراوفض؟ هل هذا تقية؟ والتقية عندهم تسعة‬
‫أعشار الدين ول دين لمن ل تقية له‪ ،‬أو هي مؤامرة للدعاية للشيعة والتشيع؟‬
‫وقبل أن أرفع القلم في هذا الموضوع أحاول أن أكشف بعض الحقائق المهمة والسرار الخفية في‬
‫حقيقة ثنائهم على الصحابة والتي قد ل يهتدي إليها من لم يدمن المطالعة في كتبهم ويتأمل في أساليبهم‬
‫ومصطلحاتهم‪.‬‬
‫حقيقة ثناء الروافض على الصحابة‪:‬‬
‫إن هؤلء الروافض ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬أنهم يوالون أهل البيت ويعنون بهم أئمتهم الثني عشر‬
‫ويتناولون البقية ول سيما من خرج منهم لطلب المامة بالسب والتجريح بل التكفير والتخليد بالنار‪.‬‬
‫فكذلك يزعمون ‪ -‬أحيانا ‪ -‬أنهم يوالون الصحابة ويريدون بهم الثلثة أو الربعة أو السبعة الذين لم‬
‫يرتدوا كما تصور ذلك أساطيرهم‪.‬‬
‫والذي ل يعرف هذه الحقيقة قد ينخدع بكلمهم في هذا الباب ول يتصور أن للصحابة عندهم‬
‫تفسيرا معينا‪.‬‬
‫وهناك تفسير آخر لهم في الصحابة جاء بيانه في بعض رواياتهم‪ ،‬تقول رواياتهم بعد ثناء على‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫الصحابة وأمر بالرجوع لقوالهم وإجماعهم‪ :‬فقيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ومن أصحابك؟ قال‪ :‬أهل بيتي‬
‫ص(‪ .].)762‬فهم يفسرون الصحابة بأهل البيت‪.‬‬
‫ثم هناك مسلك ثالث يسلكونه في الثناء على الصحابة وهو حمله على التقية‪ ،‬وقد أشار إليه شيخهم‬
‫الطوسي‪ ،‬حيث قال بعد أن سب عائشة أم المؤمنين رضي ال عنها‪" :‬فإن قيل‪ :‬أليس قد روي عن أبي‬
‫جعفر محمد بن علي الباقر أن سائلً سأله عن عائشة وعن مسيرها في تلك الحرب‪ ،‬فاستغفر لها وقال‬
‫له (الراوي)‪ :‬تستغفر لها وتتولها؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أما علمت ما كانت تقول‪ :‬يا ليتني كنت شجرة‪ ،‬ليتني‬
‫كنت مدرة" قال الطوسي‪" :‬ل حجة في ذلك على مذاهبنا لنا نجيز عليه صلوات ال عليه التورية‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون السائل من أهل العداوة واتقاه بهذا القول وروى فيه تورية يخرجه من أن يكون كذبا‪،‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإنه علق توبتها بتمنيها أن تكون شجرة ومدرة وقد بينا أن ذلك ل يكون توبة وهو عليه السلم‬
‫بهذا أعلم" [الطوسي‪ /‬الستفياء في المامة‪ ،‬الورقة ‪( 288‬النسخة المخطوطة)‪.].‬‬
‫إن على الذين يقولون بتقدير الشيعة للصحابة أن يعلنوا خطأ هذه المسالك وعدم صحتها‪ ،‬وأن‬
‫يعترفوا ببطلن تلك الروايات السوداء‪ ،‬وأن يصدقوا ول يتناقضوا‪ ،‬حتى يقبل منهم موقفهم‪ ،‬ثم لِمَ‬
‫يذهبون للرد على أهل السنة إذا قالوا‪ :‬إن مذهب الشيعة الطعن في الصحابة وتكفيرهم ول يردون‬
‫على أنفسهم وعلى كتبهم وعلى مشايخهم المعاصرين الذين ل يزالون يهذون في هذا الضلل؟‬
‫وأي فائدة اليوم في اللعن والسب والتكفير الذي ملوا به كتبهم‪ ،‬وأسواقهم‪ ،‬ومزاراتهم‪ ،‬وقد انقضى‬
‫العصر الول بكل ما فيه؟! ل هدف في الحقيقة إل الطعن في القرآن والسنة والدين بعامة‪ ،‬وإل إثارة‬
‫الفتنة وتفرقة المة‪.‬‬
‫‪687‬‬
‫وماذا يبقى من أمجادنا وتاريخنا إذا كان أولئك السادة القادة التقياء الصفياء الوفياء الرواد الذين‬
‫نشروا السلم وأقاموا دولته‪ ،‬وفتحوا البلد وأرشدوا العباد‪ ،‬وبنوا حضارة لم تعرف لها الدنيا مثيلً‪،‬‬
‫إذا كان هؤلء الرواد الوائل لكل معالم الخير والعدل والفضائل يستحقون اللعن من أحفادهم‪ ،‬وتشويه‬
‫تاريخهم‪ ،‬وهم الذين أثنى ال عليهم ورسوله‪ ،‬وسجل التاريخ الصادق مفاخرهم بمداد من نور‪ .‬فمن‬
‫الذي يستحق الثناء والمديح وأين أمجادنا وتاريخنا إذا كان أولئك كذلك؟!‬

‫العصمة‪:‬‬
‫الجديد في هذه المسألة عند المعاصرين هو أخذهم برأي المتأخرين من الشيعة في دعوى العصمة‬
‫المطلقة للئمة‪ ،‬والذي يمثل نهاية الغلو والشطط حيث إن هؤلء يزعمون أن الئمة ل يسهون ول‬
‫ينسون‪.‬‬
‫وهذا المذهب كان في نظر الشيعة في القرن الرابع بمثل التجاه الغالي المتطرف حتى اعتبر‬
‫شيخهم ابن بابويه القمي ‪ -‬صاحب من ل يحضره الفقيه أحد أصولهم الربعة المعتمدة ‪ -‬اعتبر علمة‬
‫الغلو في التشيع هو نفي السهو عن الئمة‪ .‬وقال‪" :‬إن الغلة والمفوضة لعنهم ال ينكرون سهو النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪[ "..‬ابن بابويه‪ /‬من ل يحضره الفقيه‪.].1/234 :‬‬
‫ومن ينكر سهو الئمة أغرق في الغلو والتطرف‪.‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫وأقر شيخهم المجلسي "بدللة كثير من الخبار واليات على صدور السهو منهم"‬
‫‪ .].25/351‬ولكن متأخريهم لم يبالوا بذلك وأطبقوا على مخالفته باعتقاد أن الئمة ل يسهون‪ ،‬ولهذا رأى‬
‫المجلسي أن هذه "المسألة في غاية الشكال" [بحار النوار‪ ،].25/351 :‬لن أصحابه أطبقوا على مخالفة‬
‫أخبارهم الكثيرة [بحار النوار‪.].25/351 :‬‬
‫وقد سار المعاصرون على خطى المتأخرين مخالفين لخبار الشيعة نفسها‪ ،‬وما قاله كبار شيوخهم‪،‬‬
‫فهذا شيخ الشيعة المعاصر ومن يلقب عندهم بـ"الية العظمى" (عبد ال الممقاني) يؤكد أن نفي السهو‬
‫عن الئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي" [الممقاني‪ /‬تنقيح المقال‪ .].3/240 :‬وهو ل ينكر أن من‬
‫شيوخهم السابقين من يعتبر ذلك غلوا‪ ،‬لكنه يقول‪" :‬إن ما يعتبر غلوا في الماضي أصبح اليوم من‬
‫ضرورات المذهب" [الممقاني‪ /‬تنقيح المقال‪.].3/240 :‬‬
‫وهذه المقالة‪ :‬أن الئمة ل يسهون ‪ -‬يتكرر التأكيد عليها في أقوال شيوخهم المعاصرين؛ فالمظفر‬
‫يعتبرها من عقائد المامية الثابتة‪ ،‬ول يذكر أدنى خلف بينهم في ذلك [عقائد المامية‪ :‬ص ‪،].95‬‬
‫والخنيزي وهو يكتب كتابه في "الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية" يؤكد على هذه‬
‫المقالة ول يتقي في ذلك [الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية‪ ،].1/92 :‬والخميني في كتابه "الحكومة السلمية" ينفي‬
‫مجرد تصور السهو في أئمته [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].91‬‬

‫‪688‬‬
‫وإذا كانت دعوى عصمة الئمة تعني الرتفاع بالئمة إلى مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫حيٌ يُوحَى} [النجم ‪ .]4-3‬فإن دعوى أن الئمة ل‬
‫عنِ الْهَوَى‪ِ ،‬إنْ هُوَ إِلّ وَ ْ‬
‫القول والفعل‪َ { :‬ومَا يَ ْنطِقُ َ‬
‫يسهون أول يتصور فيهم السهو هو تأليه لهم‪.‬‬
‫ولهذا قال شيخهم ابن بابويه‪ :‬إن ال سبحانه أسهى نبيه "ليعلم أنه بشر مخلوق فل يتخذ ربا معبودا‬
‫دونه" [من ل يحضره الفقيه‪.].1/234 :‬‬
‫وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الرد لهذه الروايات (روايات سهو النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في صلته) يفضي إلى إبطال الدين والشريعة‪ .‬يقول ابن بوبايه‪" :‬ولو جاز أن‬
‫ترد الخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الخبار‪ ،‬وفي ردها إبطال الدين والشريعة‪،‬‬
‫وأنا احتسب الجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى ال عليه وآله والرد على‬
‫منكريه إن شاء ال تعالى" [بحار النوار‪.].17/111 :‬‬
‫ولكن الزمرة المتأخرة والمعاصرة لم تبال بما قاله ابن بابويه‪ ،‬كما لم تبال في قوله برد أسطورتهم‬
‫في التحريف‪ ،‬ولم تراع أي قول يخالف ما تواضع عليه شيوخ الدولة الصفوية‪.‬‬
‫لقد عد الشيعة المعاصرون على لسان شيخهم "الممقاني" نفس السهو عن الئمة من ضرورات‬
‫المذهب الشيعي ‪ -‬كما مر ‪.-‬‬
‫[محسن المين‪ /‬كشف‬ ‫وقد قرر شيخهم محسن المين أن منكر ما هو ضروري في التشيع كافر عندهم‬
‫الرتياب‪ ،‬المقدمة الثانية‪ ،‬وهو أيضا مقرر عندهم في‪ :‬مهذب الحكام‪.].393-1/388 :‬‬
‫ومعنى هذا أن متأخريهم يكفرون متقدميهم لنكارهم ما هو من ضروريات مذهب التشيع‪،‬‬
‫ومتقدموهم يلعنون متأخريهم لخذهم بمذهب الغلة المفوضة الملعونين على لسان الئمة‪.‬‬
‫[وهي كتابات محمد جواد مغنية التي نرى‬ ‫وليس ذلك فحسب؛ بل إننا نجد في الكتابات الموجهة لديار السنة‬
‫القول بأن العتقاد‬ ‫فيها التحرر من بعض غلو الشيعة وتعصباتهم‪ ..‬وهي تنشر في ديار السنة فاحتمال التقية فيها وارد‪].‬‬

‫بأن الئمة يسهون هو مذهب جميع الشيعة [محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪ ،].273-272‬ونرى في‬
‫[محمد آصف المحسني‪ /‬صراط الحق‪:‬‬ ‫كتابات شيعية معاصرة أخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم‬
‫‪ ..].3/121‬وأن ذلك من ضرورات مذهب التشيع [كما سبق نقله عن الممقاني في تنقيح المقال‪.].‬‬
‫فمن نصدق‪ ،‬ومن هو الذي يعبر عن مذهب الشيعة؟‬
‫وهكذا يكفر بعضهم بعضا وينقض بعضهم بعضا‪ ،‬وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الطائفة‪.‬‬

‫الرجعة‪:‬‬
‫الجديد في مذهب المعاصرين في هذه المسألة ظهور فئة من شيوخهم‪ ،‬ول سيما ممن يتظاهر منهم‬
‫بالدعوة للوحدة والتقريب بينهم وبين السنة يرى أن الرجعة خرافة ل حقيقة لها‪ .‬ويقول‪" :‬فالحق الذي‬

‫‪689‬‬
‫[الخنيزي‪ /‬الدعوة السلمية إلى وحدة أهل‬ ‫عليه المحققون هو أن ل رجعة سوى ظهور المام الثاني عشر"‬
‫السنة والمامية‪ .].2/94 :‬يعني مهديهم المنتظر‪.‬‬
‫وصنف آخر ل ينكرها ولكن يرى أن مسألة الرجعة وإن وردت في بعض أخبارهم إل أنها ليست‬
‫من أصول مذهبهم ول من الضرورات عندهم‪ ،‬ول من معتقداتهم‪ ،‬بل وليست بذات بال عندهم‪ .‬يقول‬
‫[هاشم الحسيني‪/‬‬ ‫هاشم الحسيني‪" :‬إن الرجعة ليست من معتقدات المامية ول من الضرورات عندهم"‬
‫الشعية بين الشاعرة والمعتزلة‪ :‬ص ‪.].237‬‬
‫ويقول محمد حسين آل كاشف الغطاء‪" :‬وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلزم ول إنكارها‬
‫بضار‪ ،‬وإن كانت ضرورية عندهم" [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪ .].35‬وقال‪" :‬وليس لها (يعني الرجعة) عندي من‬
‫الهتمام قدر صغير أو كبير" [أصل الشيعة‪ :‬ص ‪.].36‬‬
‫ولعل القارئ يدرك التناقض في هذا الكلم‪ ،‬ولعله تناقض مقصود كأمارة على التقية كعادتهم في‬
‫التلعب بالكلم‪ ،‬إذ كيف تكون ضرورية عندهم مع أن اعتقادها ليس بلزم‪ ،‬وإنكارها ليس بضار‬
‫[انظر‪ :‬السبزواري‪ /‬مهذب الحكام‪:‬‬ ‫وليس لها اهتمام عنده مع أن منكر الضروري كافر كما يقرره شيوخهم‬
‫‪ ،1/388‬وما بعدها‪ ،‬محسن المين‪ /‬كشف الرتياب المقدمة الثانية‪.].‬‬
‫وقريب من ذلك صنع شيخهم محمد رضا المظفر حينما قال‪" :‬إن الرجعة ليست من الصول التي‬
‫مع أنه يقول‪" :‬إن الرجعة من المور‬ ‫[عقائد المامية‪ :‬ص ‪].113‬‬ ‫يجب العتقاد بها والنظر فيها‪"..‬‬
‫الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الخبار المتواترة" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].113‬‬
‫هذا ما يقوله طائفة المعاصرين في أمر الرجعة‪ ،‬صنف ينكرها‪ ،‬وأخر يهون من شأنها‪ ،‬وثالث‬
‫يتردد أو يتناقض في بيان مذهبهم فيها‪ ،‬وكل يزعم بأن ما يقوله هو مذهب الشيعة فمن نأخذ بقوله؟‬
‫وكلهم من كبار شيوخ الشيعة الثني عشرية‪ ،‬وفي عصر واحد ومع هذا ترى الختلف والتباين في‬
‫أقوالهم هل هذا من آثار التقية عندهم لن أمر الرجعة اعتبرها بعض علماء السنة علمة على الغلو‬
‫في الرفض؟ ولهذا قال شيخهم المظفر‪" :‬إن العتقاد بالرجعة من أكبر ما تنبز به الشيعة المامية‬
‫ويشنع به عليهم" [عقائد المامية‪ :‬ص ‪.].110‬‬
‫وما هكذا شأنه تجري فيه التقية عندهم‪.‬‬
‫والكتابات التي نقلت منها تلك القوال المتناقضة هي كتب شيعية موجهة لهل السنة كما يبدو من‬
‫مقدماتها ومنهجها وأسلوبها في الحديث عن العقائد الشيعية بينما نجد كتبا أخرى معاصرة لشيوخ‬
‫آخرين ل تزال تغالي في أمر الرجعة وتعتبر منكرها خارجا عن رتبة المؤمنين‪.‬‬
‫قالوا‪:‬‬
‫[إبراهيم الزنجاني‪ /‬عقائد الثني عشرية‪:‬‬ ‫"تضافرت الخبار (يعني أخبارهم) ليس منا من لم يؤمن برجعتنا"‬
‫ص ‪( 240‬ط‪ :‬الولى)‪ ،‬وانظر‪ :‬عبد ال شبر‪ /‬حق اليقين‪ .].2/3 :‬وقالوا‪" :‬إن ثبوت الرجعة مما اجتمعت عليه‬
‫[عقائد الثني عشرية‪ :‬ص ‪ ،239‬ط‪ :‬الولى‪ ،‬حق‬ ‫الشيعة الحقة والفرقة المحقة‪ ،‬بل هي من ضروريات مذهبهم"‬
‫‪690‬‬
‫[عقائد‬ ‫اليقين‪" .].2/3 :‬ومنكرها خارج من رتبة المؤمنين‪ ،‬فإنها من ضرورات مذهب الئمة الطاهرين"‬
‫الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].241‬‬
‫وقال الزنجاني في كتابه عقائد الثني عشرية‪" :‬إن اعتقادي‪ ..‬واعتقاد علماء الثني عشرية قدس ال‬
‫أسرارهم من أن ال تعالى يعيد عند ظهور المام الثاني جماعة من الشيعة إلى الدنيا ليفوزوا بثواب‬
‫نصرته ومشاهدة دولته‪ ،‬ويعيد جماعة من الظلمة والغاصبين والظالمين لحق آل محمد عليهم السلم‬
‫لينتقم منهم" [عقائد الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].239‬‬
‫"‪ ...‬وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين" [عقائد الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].240‬‬
‫وبعد‪ ،‬فكيف نفسر هذا التناقض؟ هل هم قد اختلفت آراؤهم في هذه المسألة على حقيقة‪ ،‬أم وهم‬
‫استحلوا بعقدية التقية كل شيء‪..‬؟‪.‬‬
‫وإذا أخذنا كل شي على ظاهره نقول‪ :‬إن هناك فئة قد تحررت من ربقة التقليد‪ ،‬وخرجت على‬
‫أساطيرهم رغم دعوى التواتر والستفاضة ولكن هذه الفئة يخنق صوتها ويمحى أثرها باسم العقيدة‬
‫الخطيرة وهي التقية ولن يؤثر في هذه الطائفة مصلح ما دامت هذه العقيدة من أصولها‪ ..‬وسيكون‬
‫مذهبهم مذهب الغلة ل المعتدلين وقول الشيوخ‪ ،‬ل روايات الئمة‪.‬‬
‫هذا ول تزال الصور السطورية التي تحكيها أخبارهم عما يجري في تلك الرجعة تتردد في‬
‫كلماتهم‪ ..‬وهي بغض النظر عن الجانب الخرافي فيها‪ ،‬إل أنها تمثل مشاعر مكبوتة ورغبات خفية‬
‫وأحقادا مبيتة ضد هذه المة‪.‬‬
‫إن ذلك الشيعي ليستمتع بتلك الصور الخيالية للمجازر المرتقبة والتي ينتظر حصولها في الرجعة‬
‫المزعومة غاية الستمتاع‪ ،‬ولذلك يهتم في أدعيته اليومية بالتوجه بالدعاء‪ ،‬لن يشارك في هذه العودة‬
‫[كما في الدعاء الذي يسمونه دعاء العهد وفيه‪" :‬اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي‬ ‫التي يجرى فيها النتقام الموعود‬
‫جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر‬
‫والبادي"‪ .‬انظر‪ :‬الزنجاني‪ /‬عقائد المامية الثني عشرية‪ :‬ص ‪ 236‬ط‪ :‬الولى‪ ،‬وجعل هذا الدعاء من أدلة ثبوت الرجعة‬
‫عندهم‪.].‬‬
‫فلم يتغير شعور المعاصرين في هذه القضية على الرغم من تغير الزمان‪ ،‬وكر القرون‪ ..‬واستمع‬
‫إلى أحد آياتهم يجيب عما يجري ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬لخليفتي رسول ال وحبيبيه وصهريه ‪ -‬أبي بكر وعمر‬
‫‪ -‬رضي ال عنهما في رجعتهم المزعومة‪.‬‬
‫يقول‪" :‬وأما مسألة نبش قبر صاحبي رسول ال وإخراجهما حيين وهما طريان وصلبهما على‬
‫خشبة وإحراقهما‪ ،‬لن جميع ما ارتكبه البشر من المظالم والجنايات والثام من آدم إلى يوم القيامة‬
‫منهما فأوزارهما عليهما‪ ،‬فمسألة عويصة جدا‪ ،‬وليس عندي شيء يرفع هذا الشكال‪ ،‬وقد صح عن‬
‫أئمتنا أن حديثنا صعب مستصعب" [الرشتي‪ /‬كشف الشتباه‪ :‬ص ‪.].131‬‬

‫‪691‬‬
‫هل يخطر بالبال أن هذه الخرافة تجد طريقها إلى رجل علم عندهم بلغ في مقاييسهم مرحلة "الية‬
‫العظمى" ول يتجرأ على تكذيب هذه السطورة‪ ،‬ويعتبرها من المور العويصة المشكلة‪ ،‬ول يجد ملجأ‬
‫يلجأ إليه إل خرافة أخرى وهي أن دينهم صعب مستصعب؟!‬
‫ل شك أن هذا الدين الصعب المستصعب ليس هو السلم‪ ..‬لنه خلف الفطرة‪ ،‬ل تقبله العقول‬
‫لشذوذه ومخالفته للصول‪.‬‬
‫فننتهي من هذا إلى أن خرافة الرجعة وما يجري فيها ل تزال تتغلغل في عقول هذه الطائفة‪.‬‬

‫التقية‪:‬‬
‫هل يوجد تغير في مذهب المعاصرين يختلف عن السابقين فنسجله هنا أو لم يتغير مذهب‬
‫المعاصرين‪ ،‬عما ذكرناه عن سلفهم‪ ،‬وعما جاء في كتبهم المعتمدة في أمر التقية؟‬
‫لقد قال بعض شيوخهم المعاصرين‪ :‬إن المر قد تغير‪ ..‬وأنه ل تقية اليوم عند الشيعة‪ ..‬لن الشيعة‬
‫إنما التزمت بالتقية بسبب الظلم الواقع عليها في العصور البائدة‪ ،‬أما وقد ارتفع الظلم اليوم فل تقية‬
‫ول كذب ول نفاق‪ ،‬بل صدق وصراحة ووضوح‪.‬‬
‫يقول شيخهم محمد جواد مغنية‪" :‬إن التقية كانت عند الشيعة حيث كان العهد البائد عهد الضغط‬
‫[مغنية‪/‬‬ ‫والطغيان‪ ،‬أما اليوم حيث ل تعرض للظلم في الجهر بالتشيع فقد أصبحت التقية في خبر كان"‬
‫الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪ ،345 ،52‬أهل البيت‪ :‬ص ‪.].67 ،66‬‬
‫ويقول‪" :‬قال لي بعض أستاذة الفلسفة في مصر‪ :‬أنتم الشيعة تقولون بالتقية‪..‬‬
‫فقلت له‪ :‬لعن ال من أحوجنا إليها‪ ،‬اذهب الن أنى شئت من بلد الشيعة فل تجد للتقية عينا ول‬
‫أثرا‪ ،‬ولو كانت دينا ومذهبا في كل حال لحافظوا عليها محافظتهم على تعاليم الدين ومبادئ الشريعة"‬
‫[الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫وكذلك يقول مجموعة من أعلمهم المعاصرين ممن يوصفون عندهم "بالمراجع واليات" بأن التقية‬
‫عند الشيعة ل تستعمل إل في حال الضرورة‪ ،‬وذلك عند الخوف على النفس‪ ،‬أوالمال‪ ،‬أو العرض‪،‬‬
‫[انظر‪ :‬أقوالهم في ذلك‪:‬‬ ‫ول تختص الشيعة بهذا‪ ..‬وإنما تميز الشيعة بهذا العتقاد لكثرة وقوع الظلم عليهم‬
‫محمد حسين كاشف الغطا‪ /‬أصل الشيعة ص ‪ ،153-150‬عبد الحسين الموسوي‪ /‬أجوبة ومسائل جار ال ص ‪ ،70-68‬عبد‬
‫الحسين الرشتي‪ /‬كشف الشتباه ص ‪ ،130‬محسن المين‪ /‬الشيعة بين الحقائق والوهام ص ‪ ،158‬وما بعدها‪ ،‬القزويني‪ /‬الشيعة‬
‫في عقائدهم وأحكامهم ص ‪ ،346‬هاشم الحسيني‪ /‬دراسات في الحديث والمحدثين ص ‪ 326‬وما بعدها‪ ،‬وغيرها‪.].‬‬
‫فهل ما يقوله هؤلء حقيقة‪ ،‬أو أن المر تقية على التقية‪ ،‬وتستر على هذا المعتقد مادام أمرهم قد‬
‫افتضح‪ ،‬ومذهبهم قد انكشف أمام المسلمين؟ فلنتعرف على حقيقة المر‪ ،‬وجلية الخبر‪..‬‬
‫إننا لو قلنا معهم بأن التقية عندهم قد ارتفعت كليا‪ ،‬ولم يعد للشيعة سر تكتمه‪ ،‬ول معتقد تتقيه بل‬
‫تجاهر بكل ما عندها أمام المسلمين بكل الصراحة والوضوح‪ ..‬فإن أثر التقية لم ينته‪ ،‬وإعمال‬

‫‪692‬‬
‫شيوخهم للتقية في نصوصهم لم يتوقف‪ ،‬وهذا هو الخطر الكبر والداء العظم والذي قد ل يعرفه من‬
‫ليس على صلة بكتبهم الساسية‪.‬‬
‫إن الخطورة تتمثل في أن مبدأ التقية عندهم قد عطل تعطيلً تاما إمكانية استفادة الشيعة مما في‬
‫كتبهم المعتمدة من نصوص توافق ما عند المسلمين‪ ،‬وتخالف ما شذوا به من عقائد وآراء‪ ..‬ذلك أنه‬
‫ما من رأي ‪ -‬في الغالب ‪ -‬شذوا به عن المسلمين إل وتجد عندهم بعض الروايات التي تنقضه من‬
‫أصله‪ ،‬ولكن الشيخ الشيعي يتعامل مع تلك الروايات التي تنقض شذوذهم وتوافق ما عند المسلمين‬
‫وتخالف ما درج عليه قومه بأنها إنما خرجت من المام مخرج التقية‪ ..‬ول يختلف في تطبيق هذا‬
‫المنهج شيوخهم المعاصرون عن شيوخهم القدامى‪..‬‬
‫ولذلك تجد أن من قواعدهم الصولية ‪ -‬والتي كما قررتها كتبهم القديمة [انظر‪ :‬ص ‪ 411‬وما بعدها‪.].‬‬
‫[انظر‪ :‬تعارض الدلة‪ /‬تقرير لبحاث محمد باقر الصدر‪ /‬نشرها محمود الهاشمي ص ‪ ،3‬وانظر‬ ‫قررتا كتبهم الحديثة‬
‫أيضا‪ :‬مجلة رسالة السلم التي تصدرها كلية أصول الدين ببغداد‪ ،‬العدد (‪ )4-3‬السنة الخامسة‪ ،‬شوال ‪1391‬ه‍ بحث وظيفة‬
‫المجتهد عند تعارض الدلة‪ ،‬داود العطار‪ ،‬مدرس التفسير وعلوم القرآن في الكلية ص ‪( 133‬والكلية شيعية‪ ،‬ومجلتها تعتمد في‬
‫أيضا‪ -‬المر بالخذ بما خالف العامة ‪ -‬أي أهل السنة‪ -‬وذلك عند اختلف‬ ‫أبحاثها على كتب الشيعة)‪].‬‬

‫الحاديث في كتبهم بحجة أن الحاديث التي توافق ما عند أهل السنة محمولة على التقية‪.‬‬
‫وإذا لوحظ أن أحاديثهم متناقضة ومتضادة ويوجد فيها في مختلف أبواب العقائد والحكام ما يوافق‬
‫ما عند المسلمين أدركنا خطورة معتقد التقية عندهم وآثاره السيئة في إبقاء الخلف بين المسلمين‪..‬‬
‫وتناقض أحاديثهم ليست دعوى ندعيها‪ ،‬بل حقيقة يقررها شيوخهم حتى اعترف الطوسي بأنه ل يكاد‬
‫يوجد عندهم حديث إل وفي مقابله ما يضاده [انظر‪ :‬الطوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،1/2 :‬وقد مضى بنصه‪.].‬‬
‫وهذا ما يعترف به الطوسي صاحب كتابين من أصولهم الربعة المعتمدة في الحديث‪ ،‬وصاحب‬
‫كتابين من كتبهم الربعة المعتمدة في الرجال‪.‬‬
‫ولم يجد الطوسي ما ينقذه وشيعته من التناقض في رواياتهم إل القول في كل ما يوافق جمهور‬
‫المسلمين ويخالف شذوذهم‪ ،‬بأن ذلك ورد على سبيل التقية‪ ،‬ويتمثل هذا في عشرات المثلة في كتابي‬
‫التهذيب‪ ،‬والستبصار [انظر‪ :‬الستبصار‪ 66 ،65 ،64 ،63 ،62 ،61 ،1/60 :‬إلخ‪.].‬‬
‫فكانت عقيدة التقية حيلة لرد السنن الثابتة‪ ،‬ومنفذا للغلو‪ ،‬ووسيلة لبقاء الفرقة والخلف‪ ،‬فكيف‬
‫[إن جمع نصوصهم‬ ‫يقال‪ :‬إن التقية ارتفعت اليوم وشيوخ الشيعة كلهم يعلمون بموجبها في رد النصوص‬
‫المتفرقة في كتبهم والتي تخالف شذوذهم والتي ردوها بحجة التقية‪ ..‬إن القيام بهذا عمل نافع في هذا العصر‪ ..‬وقد بدأ بعض‬
‫علماء الهند وباكستان هذا "المشروع" انظر مثلً‪ :‬مناقب الخلفاء الربعة في مؤلفات الشيعة‪ /‬للشيخ عبد الستار التونسوي‪ ،‬ولعل‬
‫أول من بدأ ذلك شاه عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الثني عشرية‪].‬؟!‬

‫‪693‬‬
‫وكما كان معتقد التقية سدا منيعا حال دون استفادة الشيعة من الروايات التي رووها في كتبهم عن‬
‫الئمة والتي توافق ما عند المة‪ ..‬كذلك فإن مبدأ التقية منع تأثير كل صوت عاقل معتدل ينشأ بينهم‪،‬‬
‫وحرمهم من النتفاع به‪.‬‬
‫ولعل من وضع هذه العقيدة أراد لهذه الطائفة أن تبقى هكذا لتستعصي على الصلح وتمتنع عن‬
‫الهداية‪ ..‬وهذا ليس مجرد كلم نظري ل يسنده الواقع‪ ..‬بل إن واقع الشيعة يشهد بذلك‪ ..‬فمثلً من‬
‫أعظم مصائب الشيعة وبلياها‪ :‬أساطير نقص القرآن وتحريفه والتي سرت في مذهبهم وفشت في‬
‫كبتهم‪ ..‬وحينما تصدى لذلك شيخهم المرتضى وابن بابويه القمي‪ ،‬والطبرسي‪ ..‬ونفوا عن مذهب‬
‫الشيعة هذه المقالة‪ ..‬حمل ذلك طائفة من متأخري شيوخهم كنعمة ال الجزائري‪ ،‬والنوري الطبرسي‪-‬‬
‫حملوا ذلك على التقية [انظر‪ :‬ص(‪ )279‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫فكيف يقال‪ :‬إن التقية انتهت في مذهب الشيعة‪ ..‬وهي تستخدم في كل آن لزهاق الحق وإبطاله؟!‬
‫ولما قام شيخهم الطوسي بتفسير كتاب ال‪ ..‬وحاول التخلص من تلك النزعة الباطنية المغرقة في‬
‫التأويل‪ ..‬والمألوفة عندهم ورغب الستفادة من آثار السلف في تفسير القرآن‪ ..‬حمل شيوخهم صنيعه‬
‫هذا على التقية [انظر‪ :‬ص(‪ )199-198‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫فأنت تلحظ أن هذه العقيدة قد أصبحت معولً هداما يستخدمه غلة الشيعة لبقاء هذه الطائفة في‬
‫دائرة الغلو والبعد بها عن جماعة المسلمين أو السلم كله‪ ..‬فكيف يقال إن عهد التقية قد انتهى‬
‫وآثارها السامة تسري في كيان المذهب‪ ،‬وتعمل فيه هدما وتخريبا؟!‬
‫وإذا كان اليوم حيث ساد الكفر والضعف أمر المسلمين قد ارتفعت التقية عند الشيعة فيه كما كان‬
‫يقول شيعة هذا الزمن‪ ..‬فما هو العصر الذي لزمته فيه الشيعة مبدأ التقية؟‬
‫إنهم يعتبرون عهد الخلفاء الثلثة وعصر السلم الذهبي هو عهد تقية وكأنهم يقولون بأن وضع‬
‫المسلمين في وقتنا هذا أفضل من وضعهم في عهد الخلفة الراشدة ولهذا قرر المفيد بأن عليا كان‬
‫يعيش في عهد الخلفاء الثلثة مستعملً للتقية والمداراة‪ ،‬ويشبّه حاله بحال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو يعيش بين ظهراني المشركين قبل الهجرة [وقد مضى نقل النص في ذلك عن مفيدهم ص‪..].44-43 :‬‬
‫فيعتبر الصحابة رضوان ال عليهم في عهد الخلفة الراشدة كالمشركين الذين عاصرهم الرسول‬
‫صلوات ال وسلمه عليه وعلقة علي معهم كعلقة رسول ال مع المشركين!!‬
‫فالوقت الذي يضعف فيه أمر المسلمين هو وقت عز الشيعة وتخلصها من التقية‪ ..‬لن لهم دينا غير‬
‫دين الصحابة‪ ..‬الذي تلقوه عن نبيهم‪.‬‬
‫والقرن الذي شهد له الرسول بالخيرية‪ ،‬والجيل الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه هو عهد تقية‪،‬‬
‫وجيل كفر في قواميس هذه الزمرة الحاقدة‪ ..‬التي أضلت قومها سواء السبيل‪ ..‬ولما احتارت هذه‬
‫"الزمر" المتواطئة على الضلل في عهد الخلفة الفعلي لمير المؤمنين علي رضي ال عنه‪ ،‬لن له‬
‫أقوالً وأعمالً تخالف ما قالوه لتباعهم‪ ،‬اعتبروا عهد علي ‪ -‬أيضا ‪ -‬عهد تقية لنه ل مخرج لهم إل‬
‫‪694‬‬
‫ذلك‪ ..‬يقول شيخهم نعمة ال الجزائري الموصوف عندهم بـ"السيد السند والركن المعتمد"‪ :‬ولما جلس‬
‫[هو القرآن‬ ‫رضي ال عنه لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن‬ ‫[أي جلس على كرسي الخلفة‪].‬‬ ‫أمير المؤمنين‬
‫وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشيعة‬ ‫الغائب مع مهديهم المنتظر ‪ -‬كما يفترون ‪ -‬راجع ص ‪ 257‬وما بعدها و ‪].874‬‬

‫على من سبقه كما لم يقدر على النهي عن صلة الضحى‪ ،‬وكما لم يقدر على إجراء متعة النساء‪ ،‬كما‬
‫لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن المارة [نعمة ال الجزائري‪ /‬النوار النعمانية‪.].2/362 :‬‬
‫هكذا يصرفون "الوقائع" التي تثبت مذهب علي الحقيقي عن مدلولها بدعوى التقية‪ ..‬فأي ضرورة‬
‫لستعمال التقية حينئذ‪ ،‬ولسيما أن المر يتعلق بأصل هذا الدين وهو القرآن‪ ..‬وأي حاجة للتقية في‬
‫عهد عز السلم والمسلمين‪ ..‬فكيف يقال بعد هذا إن عهد التقية انقضى ودين الشيعة قائم عليها‬
‫وشيوخ الشيعة يوجهون سفينة التشيع إلى بحر الهلك تحت علم "التقية"؟‍‬
‫ثم إن المتأمل لنصوصهم ل يجد أن التقية يلجأ إليها عند الضرورة‪ ،‬بل إنها قد استغلت للكذب‬
‫والخداع وتحليل الحرام وتحريم الحلل‪ ،‬حتى إن رواياتهم تقول بأن الئمة كانت تستعملها في مجلس‬
‫[انظر‪ :‬فصل التقية من هذه‬ ‫ل يوجد به من يتقونه‪ ،‬وليس هناك أدنى مسوغ لها‪ ،‬كم سلف ذكر شواهد ذلك‬
‫الرسالة‪ 805 :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وإذا كانت التقية ل تزال تعمل عملها في المذهب الشيعي‪ ،‬وإنها استعملت كما تقرر رواياتهم‪ -‬في‬
‫غير ضرورة‪ ،‬بل تمارس عن حب ورغبة ل عن خوف ورهبة‪ ،‬وتستعمل في جو شيعي خالص‪..‬‬
‫ويفسر القرآن على غير وجهه باسم التقية حتى إن إمامهم فسر آية من كتاب ال في مجلس واحد‬
‫بثلثة تفسيرات مختلفة متباينة‪ ..‬واعتبر ذلك من قبيل التقية كما سلف [انظر‪ :‬ص(‪ )815‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫مع أنه ل يتصور عاقل أن يتقي في تفسير القرآن في عهد عز السلم والمسلمين! فإذن التقية لم‬
‫تستعمل في مجال الضرورة‪ ..‬ولم ينته أثرها في مذهبهم‪.‬‬
‫وقد أكد شيخهم المعاصر محمد صادق روحاني والملقب عندهم ب"الية العظمى" بأن للتقية في دين‬
‫الشيعة مجالت غير مجال الضرورة‪ ،‬وذلك حينما قسم التقية عندهم إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫[محمد صادق روحاني‪ /‬رسالة في‬ ‫التقية الخوفية‪ ،‬والتقية الكراهية‪ ،‬والتقية الكتمانية‪ ،‬والتقية المداراتية‬
‫التقية (ضمن كتاب المر بالعروف والنهي عن المنكر له أيضا)‪ :‬ص ‪.].149-148‬‬
‫فهؤلء الذين يقولون إن الشيعة ل تعمل بالتقية إل عند الضرورة إنما ينطبق كلمهم على تقية‬
‫الخوف والكراه‪ ،‬ل تقية الكتمان والمداراة‪ ..‬وهذا يدل على أن التقية ل تزال تستخدم عند الشيعة‪،‬‬
‫لن مجالها أوسع من مجال الضرورة والخوف‪ ..‬فاستحلوا باسم تقية الكتمان والمداراة الكذب والخداع‬
‫والتزوير‪ ..‬كما سيأتي شواهد من ذلك في أعمال المعاصرين‪.‬‬
‫ومع ذلك كله فإن في كتب الشيعة المعتمدة نصوصا ثابتة عندهم تؤكد أن التقية ل يجوز رفعها‬
‫بحال من الحوال حتى يرجع مهديهم المنتظر من غيبته وتاركها في زمن الغيبة كتارك الصلة؛ بل‬
‫من تركها عندهم فقد فارق دين المامية!!‬
‫‪695‬‬
‫فكيف يقول مغنية‪ :‬إن زمن التقية قد انتهى‪ ،‬فهل يجهل حقيقة مذهبه أو ماذا؟‬
‫وقد تناقلت كتبهم المعتمدة روايتهم التي تقول‪" :‬فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا"‬
‫[الطبرسي‪ /‬أعلم الورى‪ :‬ص ‪ ،408‬ابن بابويه‪ /‬إكمال الدين‪ :‬ص ‪ ،210‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،466-11/465 :‬وانظر‪:‬‬
‫أصول الكافي‪.].1/217 :‬‬
‫وقرر شيخهم وآيتهم في هذا العصر محمد باقر الصدر أن أخبارهم في هذا الشأن هي "من الكثرة‬
‫وعلل المر بالتقية إلى خروج القائم بقوله‪:‬‬ ‫[تاريخ الغيبة الكبرى‪ :‬ص ‪].353‬‬ ‫إلى حد الستفاضة بل التواتر"‬
‫لن تركها يؤدي "إلى بطء وجود العدد الكافي من المخلصين الممحصين‪ ،‬الذين يشكل وجودهم أحد‬
‫للمهدي عندهم‪.‬‬ ‫[تاريخ الغيبة الكبرى‪ :‬ص ‪].354-353‬‬ ‫الشرائط الساسية للظهور"‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )807‬من‬ ‫ورواياتهم تجعل التقية تسعة أعشار الدين عندهم‪ ،‬وتنفي اليمان عمن ل تقية له‬
‫هذه الرسالة‪ .]..‬ول تستثني وقتا دون وقت‪.‬‬
‫إذن هل يجهل مغنية وغيره من شيوخ الشيعة هذه الحقائق في مذهبهم حتى يقولوا‪ :‬انتهى عهد‬
‫التقية‪ ،‬وإن التقية ليست بدين لهم؟! أعتقد أن القارئ لنصوصهم والتي عرضنا شيئا منها ينتهي إلى‬
‫[الستاذ محمود الملح عالم عراقي معاصر تصدى لمؤامرات الشيعة‬ ‫الحكم الذي انتهى إليه الستاذ محمود الملح‬
‫في العراق لنشر التشيع باسم الوحدة السلمية وذلك عبر صفحات جريدة السجل‪ ،‬وعبر رسائل أصدرها في هذا الشأن‪ ،‬من‬
‫حينما قال‪ :‬إن قول مغنية‪ :‬انتهى عهد التقية اليوم عند الشيعة إنما‬ ‫كتبه "الوحدة السلمية بين الخذ والرد"‪].‬‬

‫هو تقية على التقية [مجموع السنة‪.].1/111 :‬‬


‫وفي كتاب الوافي الجامع لكتبهم الربعة المعتمدة في الحديث ما يشير إلى أن ما يقوله مغنية وغيره‬
‫من المدافعين عن التشيع حول ارتفاع التقية إنما هو جزء من أعمال التقية وتكاليفها وهو أمر مطلوب‬
‫من كل رافضي حتى يمكن أن يستفيدوا من عقيدة التقية‪ .‬يقول الوافي‪ :‬عن حسان بن أبي علي قال‪:‬‬
‫سمعت أبا عبد ال يقول‪:‬‬
‫ل تذكروا سرنا بخلف علنيتنا‪ ،‬ول علنيتنا بخلف سرنا‪ ،‬حسبكم أن تقولوا ما نقول وتصمتوا‬
‫عما نصمت‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫قال صاحب الوافي في شرح هذا النص‪" :‬يعني ل تظهروا للناس ما نكتمه عنهم‪ ،‬ول تقولوا لهم إن‬
‫سرنا غير موافق لعلنيتنا‪ ،‬وإنا نكتم عنهم غير ما نظهر لهم‪ ،‬ونظهر غير ما نكتم‪ ،‬فإن ذلك مفوت‬
‫لمصلحة التقية التي بها بقاؤنا وبقاء أمرنا؛ بل كونوا على ما نحن عليه‪ ،‬قائلين ما نقول‪ ،‬صامتين عما‬
‫[الفيض الكاشاني‪ /‬الوافي‪ ،‬كتاب الحجة‪ ،‬باب النوادر‪ ،‬المجلد الول‪:‬‬ ‫نصمت‪ ،‬موافقين لنا غير مخالفين عن أمرنا"‬
‫‪.].2/60‬‬
‫فكأنه يقول بأسلوب مغنية‪ :‬ل تقولوا للناس إن عهد التقية باق‪ ،‬وإن ظاهرنا يخالف باطننا‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يلغي فائدة التقية‪.‬‬

‫‪696‬‬
‫وهل ينتظر من مغنية وهو يتحدث ‪ -‬كما يقول ‪ -‬لساتذة الفلسفة في مصر ‪ -‬هل ينتظر منه أن‬
‫يقول‪ :‬إن التقية باقية‪ ..‬وإننا نتعامل معكم بموجبها‪ ..‬إن ما قاله ينسجم مع مذهبه الذي يوجب التكتم‬
‫على التقية ذاتها‪.‬‬
‫ومن يقرأ في المكتبة الشيعية المعاصرة ويتأمل ويقارن يرى أن العمل بالتقية لم يتوقف‪.‬‬
‫وقد رأينا فيما سلف كيف أنهم ينفون عن مذهبهم ما هو من أصوله كمسألة الرجعة‪ ،‬وينكرون‬
‫وجود نصوص توجد في العشرات من كتبهم‪ ..‬كما أنكر عبد الحسين النجفي وجود قول أو نص لهم‬
‫في نقص القرآن أو تحريفه ‪ -‬كما سلف ‪ -‬بل إن الشيخ الواحد يتناقض في أقواله‪ ،‬لنه يتحدث‬
‫بموجب التقية حسب المقام‪ ،‬وحسب من يتحدث إليه‪ ..‬فهذا مغنية ‪ -‬نفسه ‪ -‬والذي يقول بارتفاع التقية‬
‫يقول‪ :‬إن الشيعة ل ينالون من مقام الصحابة وذلك في تفسيره الكاشف‪ ،‬ثم في كتابه "في ظلل نهج‬
‫البلغة" يتناول كبار الصحابة بالنقد والتجريح‪ ..‬كما مضى [انظر‪ :‬ص(‪ )1109‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫ويقول‪ :‬إن المامة ليست أصلً من أصول دين السلم‪ ،‬وإنما هي أصل لمذهب التشيع فمنكرها‬
‫[مع‬ ‫مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة والمعاد ولكنه ليس شيعيا‪ ..‬يقول هذا في كتابه "مع الشيعة المامية"‬
‫الشيعة المامية‪ :‬ص ‪( 268‬ضمن كتاب الشيعة في الميزان)‪ .].‬ولكنه يقول في كتابه الخر "الشيعة والتشيع" في‬
‫[وتنسج الشيعة حول هذا العيد أساطير كثيرة تدول حول النص على علي بالمامة‪ ،‬وانظر‬ ‫عيد لهم يسمونه "عيد الغدير"‬
‫في مناقشة ذلك‪ :‬ابن تيمية‪ /‬منهاج السنة‪ ،87-4/84 :‬المنتقى‪ :‬ص ‪.].466‬‬
‫يقول‪" :‬إن احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم‪ ،‬وسنة النبي العظيم بالذات‪ ،‬احتفال بالسلم‬
‫ويوم السلم‪ ..‬إن النهي عن يوم الغدير تعبير ثان عن النهي بالخذ بالكتاب والسنة وتعاليم السلم‬
‫ومبادئه" [الشيعة والتشيع‪ :‬ص ‪( 258‬ضمن كتاب الشيعة في الميزان)‪ ..].‬ثم استشهد بما قاله شيخهم المعاصر عبد‬
‫[الشيعة والتشيع‬ ‫ال العليلي وهو‪" :‬أن عيد الغدير جزء من السلم‪ ،‬فمن أنكره فقد أنكر السلم بالذات"‬
‫(الهامش) ص ‪ ،258‬وقد قال العليلي هذا الكلم في خطبة أذاعتها محطة الذاعة اللبنانية في ‪ 18‬ذي الحجة سنة ‪1380‬ه‍‬
‫(الشيعة والتشيع ص ‪.].)258‬‬
‫وبالمقارنة بين النصين تتضح الحقيقة؛ فهو في النص الول يقول‪ :‬إن من أنكر المامة فهو مسلم‪،‬‬
‫وفي النص الخر يحكم على منكر عيد الغدير والذي هو بدعة من بدع الشيعة ما أنزل ال به من‬
‫سلطان‪ ،‬يحكم على أن منكره منكر للسلم بالذات‪ ..‬فهل من وجه لتأويل هذا التناقض الواضح إل‬
‫التقية التي تغلغلت في أعماقهم‪.‬‬
‫ولكن أي القولين هو الحقيقة والذي يمثل مذهب الشيعة‪ ..‬إن النص الخير بل شك هو الذي يتفق‬
‫مع ما جاء في مصادرهم القديمة‪ ..‬ولعل ما قاله فيه هو حقيقة مذهبه‪ ،‬وقد انكشف في ظل الحماس‬
‫وفورة العاطفة التي صاحبت الحتفال بالعيد المزعوم‪.‬‬

‫‪697‬‬
‫ولقد أخرجت المكتبة الشيعية "المعاصرة" كتبا للدعوة للتشيع ونشره بين أهل السنة‪ ..‬ولعل المطلع‬
‫على هذه الكتب يدرك أن واضعها أحد رجلين‪ ،‬إما زنديق ملحد هدفه إضلل عباد ال بالكذب‬
‫والخداع‪ ،‬أو رافضي جاهل استحل باسم التقية كل شيء‪.‬‬
‫لكن العقد العام الذي ينتظمها‪ ،‬والصل الذي تنتمي له هو التقية‪ ،‬ولذلك لم نر انتقادا لها في الوسط‬
‫الشيعي كله على الرغم من ظهور عنصر "الكذب فيها"‪.‬‬
‫ومن أبرز المثلة على ذلك كتاب يسمى "المراجعات" وضعه آيتهم العظمى عبد الحسين شرف‬
‫الدين الموسوي‪.‬‬
‫ولقد اهتم دعاة "الرفض" بهذا الكتاب‪ ،‬وجعلوه وسيلة من أهم وسائلهم التي يخدعون بها الناس‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أدق يخدعون به أتباعهم وشيعتهم‪ ،‬لن أهل السنة ول سيما أهل العلم فيهم ل يعلمون شيئا عن‬
‫هذا الكتاب ول غيره من عشرات الكتب التي تخرجها مطابع الروافض‪ ..‬اللهم إل من له عناية‬
‫واهتمام خاص بمذهب الشيعة‪.‬‬
‫ولقد زاد كلفهم بهذا الكتاب وعنايتهم بترويجه ونشره حتى طبع هذا الكتاب أكثر من مائة مرة كما‬
‫زعم ذلك بعض الروافض [أحمد مغنية‪ /‬الخميني أقواله وأفعاله‪ :‬ص ‪ ..].45‬وقد تكون فتنة هذا الكتاب بين‬
‫التباع الغرار مثل فتنة كتاب ابن المطهر الحلي الذي كشف باطله شيخ السلم في منهاج السنة‪..‬‬
‫ولعل ال يهيء السباب لتعقب هذه "الكذوبة" وفضحها في دراسة مستقلة‪ ..‬وسأشير هنا بإيجاز إلى‬
‫بعض ما فيه‪:‬‬
‫الكتاب عبارة عن مراسلت بين شيخ الزهر سليم البشري وهو ‪ -‬بزعم الرافضي ‪ -‬يمثل أهل‬
‫السنة ويستدل لمذهبها‪ ..‬وبين عبد الحسين وهو يمثل الشيعة ويستدل لمذهبها‪ ..‬وانتهت هذه‬
‫المراسلت بإقرار شيخ الزهر بصحة مذهب الروافض وبطلن مذهب أهل السنة‪ ..‬والكتاب بل شك‬
‫مكيدة رافضية‪ ،‬ومؤامرة مصنوعة لترويج مذهب الرفض‪.‬‬
‫والذي يعرف مذهب الرافضة عن كثب ويتعامل مع كتبها ل يستنكر هذا السلوب‪ ،‬إذ ل جديد‬
‫فيها‪ ..‬فهو أسلوب قديم درج عليه الروافض‪ ..‬فقد كان من دأبهم وضع بعض المؤلفات المشتملة على‬
‫مطاعن في الصحابة‪ ،‬وبطلن مذهب أهل السنة‪ ،‬وغيرها مما يؤيد مذهبهم‪ ..‬ونسبة ذلك لبعض‬
‫مشاهير أهل السنة‪.‬‬
‫وقد عقد الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة" مبحثا بعنوان "النسخ الموضوعة" وبعد عرضه لها‬
‫ذكر أن أكثرها من وضع الرافضة وهي موجودة عند أتباعهم [الفوائد المجموعة‪ :‬ص ‪.].425‬‬
‫كما أشار اصحب التحفة الثني عشرية لهذا السلوب ومثل له بكتاب سر العالمين‪ ،‬وقال إنهم‬
‫نسبوه إلى المام أبو حامد الغزالي وشحنوه بالهذيان‪ ،‬وذكروا في خطبته عن لسان المام وصيته‬
‫بكتمان هذا السر وحفظ هذه المانة‪.‬‬

‫‪698‬‬
‫[مختصر التحفة الثني عشرية‪:‬‬ ‫"وما ذكر في هذا الكتاب فيه عقيدتي؛ وما ذكر في غيره فهو للمداهنة"‬
‫ص ‪ ،33‬وانظر‪ :‬السويدي‪ /‬نقض عقائد الشيعة‪ :‬ص ‪.].25‬‬
‫وقد رأيتهم في بعض مؤلفاتهم المعاصرة يرجعون لهذا الكتاب ويحتجون ببعض ما فيه على أهل‬
‫[انظر مثلً ‪ -‬مصادر كتاب "كشف الشتباه" للرافضي عبد الحسين الرشتي والمطبوع في المطبعة العسكرية بطهران في‬ ‫السنة‬
‫‪1368‬ه‍‪.].‬‬
‫[طبع في بومباي سنة ‪1314‬ه‍‪ ،‬وفي القاهرة سنة ‪1324‬ه‍‪ ،‬وسنة ‪1327‬ه‍‪ ،‬وفي‬ ‫وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات‬
‫طهران‪ ،‬بغير تاريخ‪( .‬انظر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ /‬مؤلفات الغزالي ص ‪.].)225‬‬
‫وقد ذكر د‪ .‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬أن ثلثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول‬
‫(جولد تسيهر‪ ،‬بويج‪ ،‬ومكدونلد) [مؤلفات الغزالي‪ :‬ص ‪ ،].271‬ويذهب عبد الرحمن بدوي إلى هذا الرأي‬
‫ويقطع به ويحتج لذلك فيقول‪" :‬والمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص ‪ 82‬من‬
‫قوله‪" :‬أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ السلم" فإن المعري توفي‬
‫[مؤلفات الغزالي‪ :‬ص ‪ ،271‬والغريب أني‬ ‫سنة (‪448‬ه‍) بينما ولد الغزالي سنة (‪450‬ه‍)‪ ،‬فكيف ينشده لنفسه"‬
‫رأيت الذهبي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬ينسب هذا الكتاب إلى أبي حامد الغزالي (ميزان العتدال‪ ،)1/500 :‬فقد يكون هذا المر قد فات‬
‫على المام الذهبي‪ ،‬أو يكون للغزالي كتاب بهذا العنوان قد ُفقِد فألف الروافض كتابا يحمل اسم ذلك الكتاب المفقود ونسبوه‬
‫للغزالي‪!].‬؟‬
‫والغرض من فتح صفحة الماضي هنا هو الشارة إلى أن كتاب المراجعات هو حلقة من حلقات‪،‬‬
‫ومؤامرة من سلسلة مؤامرات ضاربة جذورها في أعماق الزمن مرد على فعلها الروافض‪ ..‬حتى ل‬
‫يفقدوا أتباعهم‪ ،‬ولينشروا "الفتنة" والرفض بين المسلمين‪.‬‬
‫وأرجح القول إلى كتاب "المراجعات" للشارة على سبيل اليجاز إلى بعض المارات التي تؤكد‬
‫وضعه‪:‬‬
‫أولً‪ :‬مما يقطع بوضعه أن أسلوب الرسائل المسجلة في كتاب المراجعات والتي تمثل شخصيتين‬
‫مختلفتين فكرا وثقافة وعلما ووضعا اجتماعيا هو أسلوب واحد ل تغاير فيه ول تمايز مما يقطع بأن‬
‫واضعها هو شخص واحد وهو عبد الحسين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن شيخ الزهر وهو في ذلك الوقت شيخ الزهر بالعلم والمكانة ل في المنصب والوظيفة‬
‫ظهر في هذه الرسائل بصورة تلميذ صغير‪ ،‬أو طالب مبتدئ‪ ،‬وظيفته التسليم لكل ما يقوله هذا‬
‫الرافضي؛ بل والثناء والتعظيم لكل حرف يسطره‪ ،‬حتى ولو كان جواب الشيعي هو تفسير باطني ل‬
‫تربطه بآيات القرآن أدنى رابطة [انظر تأويلته الباطنية لكتاب ال في "مراجعاته" ص‪ ،].73-62 :‬يدرك ضلله‬
‫صغار أهل العلم عند أهل السنة؛ بل قد ينكره عوامهم‪ ،‬أو توثيق لحديث موضوع‪ ،‬أو تأكيد على‬
‫خرافة من الخرافات‪.‬‬

‫‪699‬‬
‫لقد نقل هذا الرافضي إقرار شيخ الزهر بصحة وتواتر أحاديث هي عند أهل الحديث ضعيفة؛ بل‬
‫موضوعة‪ ،‬ول يجهل ضعفها‪ ،‬أو وضعها صغار المتعلمين‪ ،‬فضلً عن شيخ الزهر وفي ذلك الوقت‬
‫بالذات الذي ل يصل إلى منصب المشيخة إل من ارتوى من معين العلم وتضلع في علوم السلم‬
‫[انظر ما نسبه إليه من ذلك ‪ -‬مثلً ‪ -‬في ص ‪ 60-55‬من المراجعات‪ ،‬وانظر البينات في الرد على أباطيل المراجعات‪ :‬ص ‪45‬‬

‫وما بعدها‪.].‬‬
‫وليس ذلك فحسب؛ بل إن هذا الرافضي صور شيخ الزهر بصورة العاجز عن معرفة مواضع‬
‫[انظر‪-‬‬ ‫أحاديث في كتب أهل السنة ل في كتب الشيعة‪ ،‬فنجده يطلب من هذا الرافضي أن يذكرها له‬
‫مثلً ‪ :-‬المراجعات‪ :‬ص ‪.].237‬‬
‫فهل يجهل شيخ الزهر مثل ذلك‪ ،‬وهل يعجز عن البحث ولديه المكتبات‪ ،‬وهل يضطر إلى تكليف‬
‫هذا الرافضي ولديه علماء الزهر وطلبه‪ ،‬ومتى صار الرافضي أمينا في نقل الحديث عند محدثي‬
‫السنة؟!!‬
‫ثالثا‪ :‬ولقد جاء نشر الرافضي للكتاب خاليا من أي توثيق‪ ،‬فلم يرد فيه ما يثبت صحة تلك الرسائل‬
‫بأي وسيلة من وسائل التوثيق كأن يثبت صورا لبعض الرسائل المتبادلة والتي بلغت ‪ -‬حسب مدعاه‬
‫‪ 112 -‬رسالة نصيب شيخ الزهر منها ‪ 56‬رسالة‪.‬‬
‫وهذه الرسائل كانت خطية فِلمَ لم يثبت ولو رسالة واحدة تشهد لقوله‪ ..‬ولسيما في رسائل حملت‬
‫أمرا في غاية الخطورة وهو تحول شيخ الزهر من مذهب أهل السنة إلى مذهب الرافضة‪ ..‬وانتقاله‬
‫من الحق إلى الباطل‪ ،‬وعجز الرافضي عن إقامة هذا الدليل برهان بطلن دعواه‪ ،‬وكذب نسبه تلك‬
‫الرسائل إلى الشيخ سليم‪ ..‬بل انتفاء الموضوع من أساسه‪.‬‬
‫ولقد جاءت هذه الدعوى‪ ،‬من هذا الرافضي فقط‪ ،‬ولم يصدر من الشيخ سليم أي شيء يدل على‬
‫ذلك‪ ،‬ولم يوجد لما يدعيه هذا الرافضي من نسبته إلى الرفض أي أثر في حياته‪.‬‬
‫[توفي‬ ‫بل إن هذا الرافضي لم يتجرأ على إخراج هذا "الكتاب" إل بعد عشرين سنة من وفاة البشري‬
‫البشري سنة ‪1335‬ه‍ (انظر ترجمته في العلم‪ ،].)3/180 :‬وأمام عجزه عن إقامة الدليل على دعواه‪ ..‬اضطر‬
‫الرافضي أن يفضح نفسه في مقدمته لنه ل سبيل له لن يصنع رسائل تحاكي أسلوب البشري‪ ،‬ول‬
‫أن ينشر صورة لرسالة من تلك الرسائل بخط البشري فاعترف بوضع هذه الرسائل فقال‪" :‬وأنا ل‬
‫أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا‪ ،‬ول أن شيئا من ألفاظ هذه‬
‫المراجعات خطه غير قلمي" [انظر‪ :‬مقدمة المراجعات‪ :‬ص ‪ .].27‬فإذا كان لم يخط هذه المراجعات غير قلمه‬
‫فلم يبهت شيخ الزهر بهذا "المنكر"؟‬
‫ثم إنه أضاف إلى ذلك فضيحة أخرى بقوله‪" :‬إنه زاد في هذه الرسائل ما يقتضيه المقام والنصح‬
‫والرشاد" [مقدمة المراجعات‪ :‬ص ‪ ،].27‬وهذا اعتراف آخر بأنه نسب إلى شيخ الزهر ما لم يقله‪ ،‬ولكن‬
‫سوغ هذا الكذب بأنه مما يقتضيه "النصح" وهذا عند أصحاب التقية مشروع‪.‬‬
‫‪700‬‬
‫ومادام القوم كذبوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته وأهل بيته فهل يستكثر منهم بعد‬
‫ذلك أن يكذبوا على الخرين‪..‬؟!‬
‫هذه صورة من صور التقية‪ ،‬ومثال بارز من أمثلتها في هذا العصر‪.‬‬
‫والمثلة في هذا الباب كثيرة‪ ..‬وصنوف الكذب باسم التقية متنوعة ومختلفة تحتاج لبحث مستقل‬
‫[ومن المثلة ‪ -‬أيضا ‪ -‬كتاب يسمى‪" :‬لماذا اخترت مذهب الشيعة" وهو يتضمن قصة مخترعة ومؤامرة مصنوعة تحكي أن‬
‫عالما من كبار علماء السنة يدعى "محمد مرعي النطاكي" قد ترك مذهب السنة وأخذ بمذهب الروافض بعد أن تبين له بطلن‬
‫الول‪ ،‬والكتاب مليء بالدس والكذب والفتراء كما هي عادة الروافض بحكم عقيدة "التقية" عندهم‪.‬‬
‫وهل يغتر من تضلع بعلوم الشريعة بعقيدة الرفض فيؤمن بخرافتهم في انتظار الغائب والذي يرتقبون خروجه من أحد عشر‬
‫قرنا‪ ،‬أو بأسطورة الرجعة التي ينتقمون فيها من أحباب رسول ال وأصهاره وبعض زوجاته أمهات المؤمنين أو بفرية البداء‪..‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫ل يغتر أحد بمثل هذا المذهب‪ ،‬ولهذا حكى بعض السلف أنهم إنما يخشون البدعة على العجمي أو الحدث‪ ..‬أما من ارتوى‬
‫من معين العلم الشرعي فل ينخدع بأكاذيب الروافض‪( .‬انظر‪ :‬مقدمة الرسالة ص‪ )6:‬ولهذا قال أهل العلم بأن شيوخ الرافضة‬
‫أحد الرجلين‪ :‬إما جاهل‪ ،‬وإما زنديق (انظر‪ :‬منهاج السنة‪.)4/77 :‬‬
‫وهذا "الباطني" المدعو بالنطاكي يدعي بأنه نزيل حلب ويشغل قاضي القضاة على مذهب أهل السنة‪ ،‬مع أنه ل يعرفه من‬
‫رجال العلم في حلب أحد‪ ..‬كما أجابني غير واحد من أهل العلم فيها منهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وغيره‪.].‬‬
‫وهذا السلوب في الوضع له خطورته‪ ..‬وقد امتهنه الروافض‪ ،‬وأصبح من أعمال التقية عندهم‪،‬‬
‫ولهذا ذكر السويدي أنه على هذه الطريقة نسبت كتب كثيرة ول يعرفها إل من كان عارفا بمذاق كلم‬
‫أهل السنة [السويدي‪ /‬نقض عقائد الشيعة‪ :‬ص ‪( 25‬مخطوط)‪.].‬‬
‫وقد أجرى ال سبحانه ال على لسان بعض الروافض فأنطقهم بكشف هذه الحقيقة فاعترف أحد‬
‫أساطينهم المعاصرين عند الحديث عن كتاب سليم بن قيس بأن هذا الكتاب وجملة أخرى من كتبهم‬
‫[الشعراني‪ /‬تعليقات علمية (على الكافي مع شرحه‬ ‫موضوعة (أي مكذوبة على من نسبت إليه) لغرض صحيح‬
‫للمازراني) ‪ .].374-2/373‬فأنهم يستجيزون لنفسهم هذا "الوضع" مادام الغرض صحيحا عندهم‪.‬‬
‫[وهذا الباب يستحق دراسة خاصة لخطورته من جانب‪ ،‬ولهميته في كشف حقيقة‬ ‫ول نسترسل في دراسة ذلك‬
‫لضيق المجال‪ ،‬ولن هذا الباب خاص بالمعاصرين‪.‬‬ ‫مذهبهم من جانب آخر‪].‬‬

‫شيوخ الشيعة يعملون بالتقية مع أتباعهم‪:‬‬


‫والشيعة التي تزعم على لسان بعض علمائها ارتفاع التقية ل تزال تمارس التقية‪ ،‬ل مع أهل السنة‬
‫فحسب كما بينا‪ ،‬بل ما أتباعها‪ ..‬فإن من شيوخ المعاصرين من يعمل بالتقية (بإظهاره خلف ما‬
‫يبطن) مع أتباعه من الشيعة‪.‬‬
‫وهذه ليست دعوى ندعيها‪ ،‬بل حقيقة ثابتة باعترافهم‪ ..‬لقد أحجم ثلثة من كبار علماء الشيعة عن‬
‫إعلن مسألة فرعية فقهية في دينهم خوفا من العوام‪ ..‬وكانوا يفتون بخطئها‪ ،‬ويقولون بخلفها سرا‬
‫[مع أنهم مافتئوا يتبجحون بفتح باب الجتهاد عندهم‪ ..‬وإذا كان هذا موقفهم في مسألة فرعية فكيف يرجى‬ ‫ولخواصهم فقط‬
‫منهم إعادة النظر في أصولهم التي شذوا بها عن أمة السلم؟!]‪.‬‬
‫‪701‬‬
‫ومن الطريف أن الذي كشف هذه الحقيقة هو من يقول بارتفاع التقية وهو شيخهم محمد جواد‬
‫مغنية‪ ،‬حيث قال‪" :‬أحدث القول بنجاسة أهل الكتاب مشكلة اجتماعية للشيعة‪ ،‬وأوقعهم في ضيق وشدة‬
‫وبخاصة إذا سافروا إلى بلد مسيحي كالغرب‪ ،‬أو كان فيه مسيحيون كلبنان‪ ..‬وقد عاصرت ثلثة‬
‫مراجع كبار من أهل الفتيا والتقليد‪ :‬الول‪ :‬كان في النجف الشرف وهو الشيخ محمد رضا آل يس‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬في قم وهو السيد صدر الدين الصدر‪ .‬والثالث‪ :‬في لبنان وهو السيد محسن المين‪ ،‬وقد أفتوا‬
‫جميعا بالطهارة‪ ،‬وأسروا بذلك إلى من يثقون به‪ ،‬ولم يعلنوا خوفا من المهوشين‪ ،‬على أن يس كان‬
‫أجرأ الجميع‪ ،‬وأنا على يقين بأن كثيرا من فقهاء اليوم والمس يقولون بالطهارة‪ ،‬ولكنهم يخشون أهل‬
‫الجهل‪ ،‬وال أحق أن يخشوه" [مغنية‪ /‬فقه المام جعفر الصادق‪ :‬ص ‪.].33-31‬‬
‫[مغنية‪/‬‬ ‫ويذكر مغنية في تفسيره "الكاشف" إن إمامهم الكبر السيد الخوئي أسرّ برأيه لمن يثق به‬
‫الكاشف‪.].6/18 :‬‬
‫وكذلك يقول الرافضي "كاظم الكفائي" بأن إمامهم "الغطا" أفتى بالطهارة لخاصته‪ ،‬لن عقول العامة‬
‫ل تحتمله [نقل ذلك د‪ .‬علي السالوس (انظر‪ :‬فقه المامية ص ‪ -81‬الهامش)‪.].‬‬
‫وقد علق على ذلك د‪ .‬علي السالوس فقال‪ :‬وهكذا يضيع العلم‪ ،‬ويفترى على السلم‪ ،‬لن أناسا‬
‫[علي السالوس‪ /‬فقه المامية‪ :‬ص ‪81‬‬ ‫ائتمنوا على العلم فضيّعوه وزيّفوه‪ ،‬لنهم يخشون الناس ول يخشون ال‬
‫(الهامش)‪.].‬‬
‫وأقول‪ :‬إن من أسباب مراعاة (أو تقية) علماء الشيعة لجهال الشيعة وعوامهم هو أن هؤلء هم‬
‫مصدر رزقهم الذي يسلبونه منهم باسم الخمس‪.‬‬
‫وإذا كان هذا موقف خمسة من كبار مراجع الشيعة في العصر الحاضر إزاء مسألة فرعية‬
‫يجزمون بخطئها‪ ،‬فكيف يرجى أن يستجيبوا لتعديل أصولهم؟!‬
‫ومن هذه الحقائق يتبين أن الشيعة ل يتركون تقيتهم‪ ..‬ول يتخلون عنها حتى يقوم القائم كما تؤكده‬
‫نصوصهم وأفعالهم‪.‬‬
‫وإن كان استعمال "التقية" عندهم يخف ويشتد بحسب الظروف والحوال‪ ..‬أعني أنه كلما كانت‬
‫للشيعة دولة وقوة كان التزامها بالتقية أضعف‪ ،‬ونجد هذا واضحا في مقارنة بين ما كتبه شيوخ الدولة‬
‫الصفوية‪ ،‬مثل‪ :‬كتابات المجلسي في بحار النوار‪ ،‬ونعمة ال الجزائري في النوار النعمانية‪،‬‬
‫والكاشاني في تفسير الصافي‪ ،‬والبحراني في تفسير البرهان وغيرهم‪ ،‬بحيث تجد منهم الجرأة على‬
‫إعلن كثير من الفكار التي كانت موضع السرية عند الشيعة‪ ..‬بالمقارنة إلى سابقيهم إبان قوة الدولة‬
‫السلمية‪ ،‬حيث نجد في الغالب في نهاية كل نص من نصوصهم المر بحفظ السر وكتمان المبدأ‬
‫[انظر – مثلً ‪ :-‬نص عقيدة الطينة ص(‪ )961-960‬من هذه الرسالة‪ .].‬حتى إن مسألة الولية كانت موضع السرية‬
‫عندهم في بادئ المر [انظر‪ :‬ص(‪ )658‬من هذه الرسالة‪..].‬‬

‫‪702‬‬
‫وبعد‪ ،‬هذه جملة من آراء المعاصرين وعقائدهم تبين نهجهم العقدي في هذا العصر‪ ..‬وما لم يكن‬
‫فيه جديد أو دعوى جديدة عما مضى لم أتعرض له‪ ،‬لن الصلة مادامت قائمة ووثيقة في أصول‬
‫التلقي فل أمل في تغيير إلى الفضل‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن المعاصرين هم أخطر من سابقين؛ لنهم ورثوا كل ما صنعته القرون من الدس‬
‫والتزوير‪ ،‬واعتبروا تلك مصادر معتمدة‪ ..‬ووفرت لهم "الطباعة الحديثة" انتشار الكتب عنهم‪ ..‬وكان‬
‫ضعف المسلمين سببا في زيادة نشاطهم‪ ،‬وكان فشو الجهل وضعف السنة عاملً من عوامل التأثر‬
‫بهم‪ ،‬وتأثير ضللهم‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫دولة اليات‬
‫وبعد أن تبين صلة الشيعة المعاصرين بقدمائهم‪ ،‬وأن الرتباط قائم ووثيق بينم‪ ،‬بل إن ما كان يعد‬
‫غلوا عند الماضين أصبح ضروريا عند المعاصرين‪ ،‬فهل ثمة حاجة بعد ذلك للوقوف عند دولتهم؟‬
‫أليس المر قد اتضح لكل ذي عينين؟ إن سبب تخصيص دولتهم الحاضرة بالدارسة والتقويم‪ ،‬يعود‬
‫إلى أمرين أساسيين‪:‬‬
‫الول‪:‬‬
‫أنها طرحت بلسان زعيمها‪ ،‬ونص دستورها فكرة جديدة في محيط التشيع الثني عشري‪ ،‬أثارت‬
‫جدلً بين شيوخ الشيعة بين مؤيد ومعارض‪ ،‬تلك هي فكرة نقل وظائف المهدي وصلحياته بعد طول‬
‫غيبته‪ ،‬وتأخر خروجه إلى الفقيه الشيعي بالكامل كما سيأتي تفصيله والحديث عن آثاره‪ ،‬حيث إن‬
‫الخميني استولى تماما على وظائف مهديهم المنتظر بعد قيام دولته‪.‬‬
‫السبب الثاني‪:‬‬
‫بأنه قيل إن هذه الدولة هي التي تمثل السلم في هذا العصر‪ ،‬وشيوخها هم المراجع للمسلمين‪،‬‬
‫ومؤسسها من المجددين‪ ،‬وراجع هذا على بعض المسلمين‪ ،‬وقيل بعد قيام دولتهم بأنه قد عاد "المذهب‬
‫الشيعي إلى نقائه الصيل ولء ل ورسوله صلى ال عليه وسلم وحبا لل بيته حبا صادقا لوجه ال ل‬
‫[مجلة‬ ‫يفقد صاحبه احترام غيرهم من المسلمين وخصوصا صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم"‬
‫البلغ‪ ،‬العدد (‪ 9 ،)512‬ذي القعدة ‪1399‬هـ‪.].‬‬
‫وزعمت بعض الصحف "أن ردود الفعل التي أحدثتها (حركة الخميني) كان مبعثها أن حركة‬
‫[مجلة العتصام‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬السنة الثانية والربعون‪ ،‬ربيع أول‬ ‫الخميني حركة إسلمية مائة في المائة"‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫‪1399‬هـ‪ ..].‬ورشحت مجلة المعرفة التونسية الخميني لنيل جائزة الملك فيصل لخدمة السلم‬
‫مجلة المعرفة التونسية ‪ ،‬العدد (‪ ، )9‬السنة الخامسة ‪ ،‬ذي الحجة ‪1399‬هـ‪.].‬‬

‫‪703‬‬
‫[انظر‪ :‬الرائد اللمانية‪ ،‬العدد (‪ )34‬ذي الحجة ‪1398‬هـ‪ ،‬ص‬ ‫ومضت على هذا النهج مجلت أخرى كالرائد‬
‫[انظر‪ :‬الرسالة اللبنانية‪،‬‬ ‫‪ ،].26-25‬والدعوة [انظر‪ :‬الدعوة المصرية‪ ،‬العدد (‪ )30‬في ‪1/12/1398‬هـ‪ ،‬ص ‪ ،].8‬والرسالة‬
‫وغيرها‪ .‬وهذه‬ ‫[انظر‪ :‬المان اللبنانية‪ ،‬العدد (‪ 9 ،)31‬شوال ‪1399‬هـ‪].‬‬ ‫العدد (‪ ،)31‬جمادى الثانية ‪1399‬هـ‪ ،].‬والمان‬
‫المجلت كلها منتسبة لهل السنة‪.‬‬
‫وقد كتب بعض المنتمين لهل السنة كتابات عن الخميني وثورته‪ ،‬يشيد بها ويعدها المثال الصادق‬
‫[مثل‪" :‬الخميني الحل السلمي والبديل"‪ ،‬تأليف فتحي عبد العزيز‪ ،‬ونشرته دار المختار السلمي‪،‬‬ ‫للحكومة السلمية‬
‫و"مع ثورة إيران" وهو البحث الثالث من البحوث التي يصدرها المركز السلمي في آخن‪ ،‬وكتاب‪" :‬نحو ثورة إسلمية" لمحمد‬
‫عنبر‪.].‬‬
‫وأصدرت بعض الحركات السلمية بيانات تثني وتؤيد المنهج الخميني حتى جاء في بيان التنظيم‬
‫[انظر‪ :‬الشيعة‬ ‫الدولي للخوان المسلمين وصف حكم الخميني بأنه "الحكم السلمي الوحيد في العالم"‬
‫والسنة ضجة مفتعلة‪ ،‬وهو من سلسلة الكتب التي تصدرها دار المختار السلمي‪ :‬ص ‪.].52‬‬
‫فكانت فتنة مدلهمة ل تزال آثارها باقية‪ ،‬وإن أفاق البعض‪ ،‬وتبينت له الحقيقة‪ ،‬إل أن منهم من ل‬
‫[انظر‪ :‬الشيعة والسنة ضجة مفتعلة‪ ،‬وهو من سلسلة‬ ‫يزال يعد ما يثار عن شيعة الخميني إنما هي "ضجة مفتعلة"‬
‫الكتب التي تصدرها دار المختار السلمي‪ :‬ص ‪.].52‬‬
‫وقد استغل الشيعة هذا الجو بالدعاية لمذهبهم ونشره‪ ،‬وساهمت هذه الحملة العلمية الدعائية في‬
‫الصحف السلمية على إخفاء الحقيقة أمام شباب المسلمين‪ ،‬لنها هي ل تعرف شيئا من الخلف بين‬
‫الشيعة والسنة إل أنه خلف حول من يستحق الولية‪ :‬عليّ أم أبو بكر‪ ،‬وتلك أمة خلت‪ ،‬وليس هذا‬
‫الخلف بأمر ذي بال اليوم‪.‬‬
‫فكان هذا الوضع مجالً خصبا لنشر الفتنة والرفض‪ ..‬ومن هنا فإنه لبد من بيان الحقيقة ونشرها‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫ولبد من نقد دعوى الجديد والتجديد‪ ،‬وحكاية التغيير وتقويمها‪ ،‬ولعل دراسة فكر مؤسسها‪ ،‬ومواد‬
‫[وقد كتبت عن مسألة‬ ‫دستورها‪ ،‬هي التي يمكن على ضوئها إصدار حكم موضوعي محايد في أمرها‬
‫الخميني والتقريب في رسالتي للماجستير‪ ،‬وفي هذه الدراسة أكمل الموضوع بكشف جوانب جديدة‪ ،‬لعلها لم تطرق من قبل فيما‬
‫نشر من كتب حول الخميني‪.].‬‬

‫فكر مؤسسها‬
‫[وهو باللغة الفارسية‪ ،‬وتم تعريب أجزاء من‬ ‫من خلل الرجوع إلى ما كتبه الخميني في كشف السرار‬
‫الكتاب من قبل أحد أبناء هذه اللغة‪ ،‬وقد أرسل لي صورة من هذه الترجمة أحد أساتذة الجامعة السلمية جزاه ال خيرا‪،].‬‬
‫وتحرير الوسيلة‪ ،‬والحكومة السلمية‪ ،‬ومصباح المامة والولية‪ ،‬ورسائل التعدد والترجيح والتقية‪،‬‬
‫ودروس في الجهاد والرفض‪ ،‬وسر الصلة‪ ..‬وغيرها‪.‬‬

‫‪704‬‬
‫يتبين أن له مجموعة من التجاهات‪ ،‬لعل أهمها ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬التجاه الوثني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التجاه الصوفي الغالي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬دعوى النبوة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الغلو في الرفض‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬عموم ولية الفقيه (أو النيابة الكاملة عن المنتظر)‪.‬‬
‫أولً‪ :‬التجاه الوثني [لم أجد أحدا كتب عن هذا التجاه عند الخميني رغم خطورته الكبرى‪:].‬‬
‫في كتابه كشف السرار ظهر الخميني داعيا للشرك ومدافعا عن ملة المشركين حيث يقول تحت‬
‫عنوان‪" :‬أليس من الشرك طلب الحاجة من الموتى"‪:‬‬
‫"يمكن أن يقال إن التوسل إلى الموتى وطلب الحاجة منهم شرك؛ لن النبي والمام ليس إل جمادين‬
‫فل يتوقع منهما النفع والضرر‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن الشرك هو طلب الحاجة من غير ال‪ ،‬مع العتقاد بأن هذا الغير هو إله ورب‪ ،‬وأما‬
‫إذا طلب الحاجة من الغير من غير هذا العتقاد فذلك ليس بشرك‪ ،‬ول فرق في هذا المعنى بين الحي‬
‫والميت‪ ،‬ولهذا لو طلب أحد حاجته من الحجر والمدر ل يكون شركا‪ ،‬مع أنه قد فعل باطلً‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى نحن نستمد من أرواح النبياء المقدسة والئمة الذين أعطاهم ال قدرة‪.‬‬
‫لقد ثبت بالبراهين القطعية والدلة العقلية المحكمة حياة الروح بعد الموت‪ ،‬والحاطة الكاملة‬
‫للرواح على هذا العالم" [كشف السرار‪ :‬ص ‪ .].30‬ثم ذكر أقوالً للفلسفة في إثبات ادعائه‪.‬‬
‫فقد اشتمل هذا النص على ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اعتقاده أن دعاء الحجار والصنام والضرحة من دون ال ل يكون شركا‪ ،‬إل إذا اعتقد‬
‫الداعي أنها هي الله والرب‪.‬‬
‫وهذا باطل من القول وزور؛ لن هذه هو الشرك الكبر بعينه‪ ،‬والذي أرسل ال الرسل‪ ،‬وأنزل‬
‫الكتب لبطاله‪ ،‬وهو شرك المشركين الذين جاهدهم الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ذلك أنه غير خاف‬
‫أن المشركين ما كانوا يعتقدون في "أصنامهم" أنها الرب بل كانوا يقولون كما قال ال عنهم‪{ :‬مَا‬
‫نَعْ ُب ُدهُمْ إِل لِيُقَرّبُونَا ِإلَى الّلهِ ُزلْفَى} [الزمر ‪ .]3‬وقال سبحانه‪{ :‬وَيَعْ ُبدُونَ مِن دُونِ الّلهِ مَا لَ يَضُ ّرهُمْ وَلَ‬
‫سمَاوَاتِ وَلَ فِي الَ ْرضِ‬
‫يَنفَعُهُمْ َويَقُولُونَ هَـؤُلءِ شُفَعَا ُؤنَا عِندَ الّلهِ قُلْ أَتُ َنبّئُونَ الّلهَ ِبمَا لَ يَ ْعلَمُ فِي ال ّ‬
‫عمّا ُيشْرِكُونَ} [يونس ‪.]18‬‬
‫سُبْحَا َنهُ وَتَعَالَى َ‬
‫وقال سبحانه ‪{ :‬قُل ّل َمنِ الَ ْرضُ َومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَ ْع َلمُونَ‪ ،‬سَ َيقُولُونَ ِلّلهِ قُلْ أَ َفلَ َتذَكّرُونَ‪ُ ،‬قلْ مَن‬
‫سمَاوَاتِ السّ ْبعِ وَ َربّ الْعَ ْرشِ الْ َعظِيمِ‪ ،‬سَ َيقُولُونَ ِللّهِ قُلْ أَ َفلَ تَتّقُونَ‪ُ ،‬قلْ مَن ِب َيدِهِ َملَكُوتُ كُلّ‬
‫ّربّ ال ّ‬
‫علَ ْيهِ إِن كُنتُمْ تَ ْع َلمُونَ‪ ،‬سَ َيقُولُونَ ِلّلهِ ُقلْ َفأَنّى ُتسْحَرُونَ} [المؤمنون ‪..]89-84‬‬
‫يءٍ َوهُوَ يُجِيرُ وَل ُيجَارُ َ‬
‫شَ ْ‬

‫‪705‬‬
‫فثبت بهذا أن مشركي العرب كانوا مقرين بأن ال وحده خالق كل شيء‪ ،‬وكانوا مع هذا مشركين‪،‬‬
‫وكان شركهم من هذا الشرك الذي يدعو إليه خميني‪.‬‬
‫ب‪ -‬اعتقاده أن المة الموات لهم قدرة على النفع والضر‪ .‬ويقول بأنهم يستمدون منهم ذلك‪ .‬وهذا‬
‫من الشرك الكبر بل ريب‪ ،‬فالموات ل يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا‪ ..‬وهل يوجد فرق بين هذا‬
‫[انظر‪ :‬شرح‬ ‫وشرك مشركي قريش‪ ..‬وغيرهم من مشكري المم الذي كان غالب شركهم من هذه الباب‬
‫الطحاوية‪ :‬ص ‪.].20‬‬
‫إن الفرق أن هؤلء يسمون شركهم إسلما ويرون أنه من دين محمد صلى ال عليه وسلم كما ترى‬
‫في دفاع هذا الرجل وغيره‪.‬‬
‫جـ‪ -‬دعواه الحاطة الكاملة للرواح على هذا العالم‪ ،‬ثم خاص في ركام الفلسفة لثبات مدعاه‪.‬‬
‫يءٍ مّحِيطًا} [النساء ‪ ،]126‬والروح مخلوقة مدبّرة‪،‬‬
‫الحاطة بهذا العالم ل وحده {وَكَانَ الّلهُ بِكُلّ شَ ْ‬
‫وهي بعد مفارقتها للجسد في نعيم أو عذاب‪ ،‬وليس لها من أمر الحاطة بالعالم نصيب‪ ،‬ولكن الشيء‬
‫من معدنه ل يستغرب‪ ،‬فمن يجمع بين إلحاد الفلسفة وغلو الرافضة ل يخرج منه إل هذا وأشنع‪.‬‬
‫اعتقاده تأثير الكواكب واليام على حركة النسان‪:‬‬
‫ل يزال فكر الخميني أسير أوهام الشرك والمشركين‪ ،‬فهو يزعم أن هناك أياما منحوسة من كل‬
‫شهر يجب أن يتوقف الشيعي فيها عن كل عمل‪ ،‬وأن لنتقال القمر إلى بعض البراج تأثيرا سلبيا‬
‫على عمل النسان‪ ،‬فليتوقف الشيعي عن القيام بمشروع معين حتى يتجاوز القمر ذلك البرج المعين‪.‬‬
‫ولشك بأن من يعتقد في اليام والكواكب تأثيرا في جلب سعادة‪ ،‬أو إحداث ضرر أو منعه فهو‬
‫مشرك كافر‪ ،‬وهو اعتقاد الصابئة في الكواكب‪.‬‬
‫ومما يشهد لتجاه خميني هذا ما جاء في تحرير الوسيلة؛ حيث يقول‪" :‬يكره إيقاعه (يعني الزواج)‬
‫والقمر في برج العقرب‪ ،‬وفي محاق الشهر‪ ،‬وفي أحد اليام المنحوسة في كل شهر وهي سبعة‪ :‬يوم‬
‫[تحرير الوسيلة‪:‬‬ ‫‪ ،3‬ويوم ‪ ،5‬ويوم ‪ ،13‬ويوم ‪ ،16‬ويوم ‪ ،21‬ويوم ‪ ،24‬ويوم ‪( 25‬وذلك من كل شهر)"‬
‫‪.].2/238‬‬
‫هذا معتقد الخميني‪ ،‬فيصدق فيه ومن تبعه قول صاحب التحفة الثني عشرية‪" :‬إن الصابئين كانوا‬
‫يحترزون عن أيام يكون القمر بها في العقرب‪ ،‬أو الطرف‪ ،‬أو المحاق‪ ،‬وكذلك الرافضة‪ ..‬وكانت‬
‫الصابئة يعتقدون أن جميع الكواكب فاعلة مختارة‪ ،‬وأنها هي المدبر للعالم السفلي‪ ،‬وكذلك الرافضة"‬
‫[مختصر التحفة‪ :‬ص ‪ ،299‬وراجع‪ :‬باب ما جاء في التنجيم من كتاب التوحيد مع شرحه فتح المجيد ص ‪.].365‬‬
‫حقيقة الشرك عند الخميني‪:‬‬
‫وإذا كانت وثنية المشركين ليست عنده بشرك‪ ..‬فما هو المر الذي يكون شركا في نظره؟‬

‫‪706‬‬
‫يقول‪" :‬توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلمي بأنه شرك‪ ،‬والحاكم أو السلطة فيه‬
‫طاغوت‪ ،‬ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم‪ ،‬ونبعدها تماما عن حياتنا"‬
‫[الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪ ،34-33‬وانظر‪ :‬اعتقادهم في توحيد اللوهية ص(‪ )425‬وما بعدها من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫فأنت ترى أن مفهوم الشرك عنده هو أن يتولى على بلد المسلمين أحد من أهل السنة فحاكمها‬
‫حينئذ مشرك‪ ،‬وأهلها مشركون‪ ،‬فدين هؤلء "الولية" ل التوحيد‪ ،‬ولذلك فإن الشرك قد ضرب بجرانه‬
‫في أقطارهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الغلو في التصوف (أو القول بالحلول والتحاد) ‪:‬‬
‫وتتمثل "صورة التصوف عنده" في أوضح مظاهرها في كتابه "مصباح الهداية إلى الخلفة والولية"‬
‫ثم كتابه الخر "سر الصلة"‪ ..‬وفيما يلي بيان لبعض اتجاهاته الصوفية الغالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬قوله بالحلول الخاص‪:‬‬
‫يقول عن أمير المؤمنين علي‪" :‬خليفته (يعني خليفة الرسول صلى ال عليه وسلم) القائم مقامه في‬
‫الملك والملكوت‪ ،‬المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللهوت‪ ،‬أصل شجرة طوبى‪ ،‬وحقيقة سدرة‬
‫المنتهى‪ ،‬الرفيق العلى في مقام أو أدنى‪ ،‬معلم الروحانيين‪ ،‬ومؤيد النبياء والمرسلين علي أمير‬
‫المؤمنين" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].1‬‬
‫فانظر إلى قوله‪" :‬المتحد‪ ..‬باللهوت" تجده كقول النصارى باتحاد اللهوت بالناسوت‪ ،‬ومن قبل‬
‫[انظر القول بالحلول عند عدد من فرق غلة الشيعة في‪ :‬مقالت السلميين‪:‬‬ ‫زعمت غلة الشيعة أن ال حلّ في علي‬
‫ول تزال مثل‬ ‫‪ ،86-1/83‬وأشار الشهرستاني إلى أن غلة الشيعة كلهم متفقون على القول بالحلول (الملل والنحل‪].)1/175 :‬‬

‫هذه الفكار الغالية واللحادية تعشعش في أذهان هؤلء الشيوخ كما ترى‪.‬‬
‫ومن منطلق دعوى حلول الرب بعلي ‪ -‬كما يفتري ‪ -‬ينسب الخميني لمير المؤمنين علي أنه‬
‫يقول‪" :‬كنت من النبياء باطنيا ومع رسول ال ظاهرا" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].142‬‬
‫ويعلق عليه فيقول‪" :‬فإنه عليه السلم صاحب الولية المطلقة الكلية والولية باطن الخلفة‪ ..‬فهو‬
‫عليه السلم بمقام وليته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت‪ ،‬ومع كل الشياء معيّة قيّومية ظليّة إلهية‬
‫[مصباح‬ ‫ظل المعية القيومية الحقة اللهية‪ ،‬إل أن الولية لما كانت في النبياء أكثر خصهم بالذكر"‬
‫الهداية‪ :‬ص ‪.].142‬‬
‫فأنت ترى أن الخميني يعلق على تلك الكلمة الموغلة في الغلو والمنوسبة زورا لمير المؤمنين‪ ،‬بما‬
‫هو أشد منها غلوا وتطرفا؛ فهو عنده ليس قائما على النبياء فحسب‪ ،‬بل على كل نفس ويختار الية‬
‫علَى كُلّ نَفْسٍ ِبمَا َكسَ َبتْ}‬
‫المختصة بال سبحانه ليصف بها المخلوق‪ .‬قال تعالى‪{ :‬أَ َف َمنْ هُوَ قَآئِمٌ َ‬
‫[الرعد ‪.]33‬‬

‫‪707‬‬
‫ش ْأنٍ َومَا َت ْتلُو‬
‫أي أنه سبحانه‪" :‬حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة" قال تعالى‪َ { :‬ومَا تَكُونُ فِي َ‬
‫[يونس ‪[ .]61‬تفسير ابن كثير‪:‬‬ ‫علَيْكُمْ شُهُودًا ِإذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}‬
‫عمَلٍ إِلّ ُكنّا َ‬
‫مِ ْنهُ مِن قُرْآنٍ وَلَ تَ ْع َملُونَ ِمنْ َ‬
‫‪.].2/556‬‬
‫وقد تبينت الحقيقة لكل ذي عينين‪ ،‬فماذا بعد القول بأن عليا هو القائم على كل نفس غلوا‪ ،‬إذ هو‬
‫تأليه صريح؟!‬
‫قال‪" :‬أي‬ ‫[الرعد ‪]2‬‬ ‫وقال في قوله عز وجل‪ُ { :‬يدَبّرُ ا َلمْرَ ُيفَصّلُ اليَاتِ لَ َعلّكُم ِبلِقَاءِ َربّكُمْ تُوقِنُونَ}‬
‫ربكم الذي هو المام" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].145‬‬
‫ب‪ -‬قوله بالحلول والتحاد الكلي‪:‬‬
‫وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي‪ ،‬أو الحلول الخاص بعليّ إلى القول بالحلول العام‪..‬‬
‫فهو يقول ‪ -‬بعد أن تحدث عن التوحيد ومقاماته حسب تصوره ‪" :-‬النتيجة لكل المقامات والتوحيدات‬
‫الصرفة‪[ "..‬مصباح‬ ‫عدم رؤية فعل وصفة حتى من ال تعالى‪ ،‬ونفى الكثرة بالكلية‪ ،‬وشهود الوحدة‬
‫الهداية‪ :‬ص ‪.].134‬‬
‫ويبدو أن قوله‪" :‬عدم رؤية فعل وصفة حتى من ال تعالى" للتأكيد على مذهب التحادية‪ ،‬لن رؤية‬
‫فعل متميز‪ ،‬وإثبات صفة معنية ل يعني إثبات الغيرية والتثنية وهذا شرك عندهم‪.‬‬
‫[مصباح‬ ‫ثم ينقل عن أحد أئمته أنه قال‪" :‬لنا مع ال حالت هو هو ونحن نحن‪ ،‬وهو نحن‪ ،‬ونحن هو"‬
‫الهداية‪ :‬ص ‪.].114‬‬
‫ثم يعلق على ذلك بقوله‪" :‬وكلمات أهل المعرفة خصوصا الشيخ الكبير محي الدين مشحونة بأمثال‬
‫ذلك مثل قوله‪ :‬الحق خلق‪ ،‬والخلق حق‪ ،‬والحق حق‪ ،‬والخلق خلق"‪.‬‬
‫[في الصل المنقول عنه "المشيئة" وهو تصحيف‬ ‫وقال في نصوصه‪" :‬إن الحق المنزه هو الحق المشبه"‬
‫واضح‪ ..].‬ثم نقل جملة من كلمات ابن عربي [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪ ..].114‬وقال‪" :‬ل ظهور ول وجود إل‬
‫له تبارك وتعالى والعالم خيال في خيال عند الحرار" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].123‬‬
‫وقال‪" :‬وإذا نظف دار التحقق من غبار الكثرة‪ ،‬وطوى الحجب النورانية والظلمانية ونال مقام‬
‫التوحيد الذاتي‪ ،‬والفناء الكلي تحصل له الستعاذة الحقيقية‪."..‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إِيّاكَ نَعْ ُبدُ} رجوع العبد إلى الحق بالفناء الكلي المطلق" [سر الصلة‪ :‬ص ‪.].178‬‬
‫ثم تراه كثيرا ما يستدل على مذهبه في وحدة الوجوع بقول ابن عربي والذي يصفه بالشيخ الكبير‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً ‪ :-‬ص ‪ 112 ،94 ،84‬من مصباح الهداية‪ ،].‬والقونوي‪ ،‬ويصفه بـ"خليفة الشيخ الكبير محيي الدين"‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪ 110‬من مصباح الهداية‪.].‬‬
‫وهكذا تبين أن الخميني قد أخذ منهج أهل الحلول والتحاد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬دعوى النبوة‪:‬‬


‫‪708‬‬
‫أفرزت لوثات التصوف‪ ،‬وخيالت الفلسفة عنده دعوى غريبة‪ ،‬وكفرا صريحا‪ ،‬حيث رسم للسالك‬
‫أسفارا أربعة‪:‬‬
‫ينتهي السفر الول إلى مقام الفناء "وفيه السر الخفيّ والخفى‪ ..‬ويصدر عنه الشطح‪ ،‬فيحكم بكفره‪،‬‬
‫كما يقول‪.‬‬ ‫[مصباح الهداية‪ :‬ص ‪].148‬‬ ‫فإن تداركته العناية اللهية‪ ..‬فيقر بالعبودية بعد الظهور بالربوبية"‬
‫وينتهي السفر الثاني عنده إلى أن "تصير وليته تامة‪ ،‬وتفنى ذاته وصفاته وأفعاله في ذات الحق‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬وفيه يحصل الفناء عن الفنائية أيضا الذي هو مقام الخفى‪ ،‬وتتم دائرة الولية"‬
‫[مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].149-148‬‬
‫أما في السفر الثالث فإنه "يحصل له الصحو التام ويبقى بإبقاء ال‪ ،‬ويسافر في عوالم الجبروت‬
‫والملكوت والناسوت‪ ،‬ويحصل له حظ من النبوة‪ ،‬وليست له نبوة التشريع‪ ،‬وحينئذ ينتهي السفر الثالث‬
‫ويأخذ في السفر الرابع" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].149‬‬
‫وبالسفر الرابع "يكون نبيا بنبوة التشريع" [مصباح الهداية‪ :‬ص ‪.].149‬‬
‫فمراحل السفر عنده‪ :‬الفناء‪ ،‬والولية وفيها الفناء عن الفناء‪ ،‬والنبوة بل تشريع‪ ،‬ثم النبوة الكاملة‪،‬‬
‫وهي تتضمن أن النبوة مكتسبة عن طريق "رياضات" ومجاهدات أهل التصوف‪ .‬وهي دعوى ترتد إلى‬
‫أصول فلسفية صوفية قديمة‪ ،‬ولذا قال القاضي عياض‪" :‬ونكفر‪ ...‬من ادعى النبوة لنفسه‪ ،‬أو جوز‬
‫اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلسفة وغلة الصوفية" [الشفاء‪.].1071-2/1070 :‬‬
‫فهذه المقالة كفر صريح‪ ،‬وإلحاد مكشوف‪ ،‬كفر بالنبوة وبالنبياء‪ ،‬وخروج عن دين السلم‪ ،‬ويبدو‬
‫أنه يدعي لنفسه سلوك هذه "المقامات"‪ ..‬وقد ذكر في كتابه الحكومة السلمية "أن الفقيه الرافضي‬
‫بمنزلة موسى وعيسى" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].95‬‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫وينبغي أن ل يغيب عن البال أن مقام المامة عندهم أعلى من مقام النبوة ‪ -‬كما سبق ذكره‬
‫ص(‪ -].)565‬وسيأتي ذكر ذلك أيضا من كلم الخميني نفسه‪ ،‬ومع ذلك فإن الخميني ل يدعى في إيران‬
‫[مصطلح المام عند الشيعة يختلف تماما في مفهومه‬ ‫إل "بالمام" أي بالوصف الذي فوق وصف النبوة عندهم‬
‫عند أهل السنة‪ ،‬ولذلك ل يلفت استعمال الشيعة له أنظار أهل السنة‪.].‬‬
‫[جان ليون‬ ‫ولهذا قال مرتضى كتبي [مرتضى كتبي‪ :‬أستاذ العلوم الجتماعية في جامعة طهران‪ ،].‬وجان ليون‬
‫فاندورن‪ :‬صحافي فرنسي‪" :].‬بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب اليراني لم يعد روح ال الخميني آية ال‪،‬‬
‫[المجتمع والدين عند المام الخميني‪ ،‬وقد نشر هذا البحث‬ ‫إنما المام‪ ،‬وهو لقب نادرًا ما أعطي في تاريخ الشيعة"‬
‫في‪" :‬اللوموند الفرنسية" ثم طبع في كتاب باسم "إيران" ص ‪.].216‬‬
‫وقد أكد هذا المعنى أحد المسئولين اليرانيين ويدعى فخر الدين الحجازي حين قال‪" :‬إن الخميني‬
‫أعظم من النبي موسى وهارون" فنال بهذا القول رضى الخميني فعينه نائبا عن طهران‪ ،‬ورئيسا‬
‫لمؤسسة المستضعفين أعظم مؤسسة مالية في البلد" [موسى الموسوي‪ /‬الثورة البائسة‪ :‬ص ‪.].147‬‬

‫‪709‬‬
‫ونجد محمد جواد مغنية يلمح إلى شيء من تفضيل الخميني على نبي ال موسى عليه السلم حين‬
‫قال‪" :‬وقال السيد المعلم (يعني الخميني) ص(‪ )111‬من الحكومة السلمية‪" :‬لماذا الخوف؟ فليكن حبسا‬
‫أو نفيا أو قتلً فإن أولياء ال يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة ال"‪.‬‬
‫ثم علق على ذلك مغنية بقوله ‪ ":‬وليست هذه الكلمات مجرد سورة من سورات الغضب كما فعل‬
‫موسى (ع) حين ألقى اللواح ‪ -‬التوراة ‪ -‬وأخذ برأس أخيه يجره‪ ،‬بل تنبني أيضا على العلم والمنطق‬
‫الصارم دون أن تلفحه نار العاطفة" [الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪.].107‬‬
‫هذا نص مغنية بحروفه‪ ،‬وهو يفيد ‪ -‬كما يظهر ‪ -‬أن الخميني أكمل من نبي ال موسى عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وأن فعل الخميني مبني على العلم والمنطق‪ ،‬وموسى على الغضب والعاطفة‪.‬‬
‫وموسى عليه السلم أكرم وأعظم من أن يقارن بصفوة الصالحين‪ ،‬فكيف يفضل عليه الخميني‪ ،‬أو‬
‫يذكر معه في مقارنة؟! ولكنه منطق الغلة الذين فرغت قلوبهم من توقير أنبياء ال ورسله‪ ،‬لن‬
‫غلوهم في أئمتهم ونواب الئمة قد استفرغ من نفوسهم عظمة الرسالة والرسل‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن الخميني أدخل اسمه في أذان الصلة وقدمه على الشهادتين‪.‬‬
‫[وهو حفيد شيخهم أبي الحسن الموسوي الصبهاني‪ ،‬وهو أستاذ يحمل الدكتوراه من جامعة‬ ‫يقول د‪ .‬موسى الموسوي‬
‫"أدخل الخميني اسمه في أذان‬ ‫طهران‪ ،‬وجامعة باريس‪ ،‬وعمل في عدة جامعات كأستاذ في القتصاد والفلسفة‪].‬‬

‫الصلوات‪ ،‬وقدم اسمه على اسم النبي الكريم‪ ،‬فأذان الصلوات في إيران بعد استلم الخميني للحكم‪،‬‬
‫وفي كل جوامعها كما يلي‪" :‬ال أكبر‪ ،‬ال أكبر (خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد‪ ،‬ثم أشهد أن‬
‫محمدا رسول ال" [الثورة البائسة‪ :‬ص ‪ ،163-162‬وانظر‪ :‬عبد الجبار العمر‪ /‬الخميني بين الدين والدولة‪ :‬ص ‪( ..].6‬بل‬
‫لم تذكر شهادة أن ل إله إل ال أصلً وقد كون هذا سهوا من المؤلف)‪.‬‬
‫وإذا كان شيخهم ابن بابويه في القرن الرابع يرى أن قول الشيعة في الذان‪" :‬أشهد أن عليا ولي‬
‫[المفوضة‪ :‬من غلة الشيعة‪ ،‬زعموا أن ال خلق محمدا ثم فوض له خلق العالم وتدبيره‪،‬‬ ‫ال‪ ..‬هو من وضع المفوضة"‬
‫ثم فوض محمد تدبير العالم إلى علي فهو المدبر الثاني‪.‬‬
‫(انظر عن المفوضة‪ :‬مقالت السلميين للشعري‪ ،1/88 :‬الفرق بين الفرق للبغدادي‪ :‬ص ‪ ،251‬اعتقادات فرق المسلمين‬
‫والمشركين للرازي‪ :‬ص ‪ ،90‬الخطط للمقريزي‪ ،2/351 :‬ومن كتب الشيعة‪ :‬انظر المفيد‪ /‬تصحيح العتقاد‪ :‬ص ‪،65-64‬‬
‫لعنهم ال تعالى [انظر‪ :‬من ل يحضره الفقيه‪.].189-1/188 :‬‬ ‫المجلسين‪ /‬بحار النوار‪].)25/345 :‬‬

‫عرفت انفصال المعاصرين عن الغابرين‪ ،‬وأن المعاصرين قد امحت الفوارق بينهم وبين الغلة‪،‬‬
‫ولم يعد لديهم حدود يتوقفون عندها في السير بمذهبهم قدما نحو الغلو والزندقة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الغلو في الرفض‪:‬‬


‫بالنسبة لتجاه الخميني في التشيع فإنه يأخذ بالمذهب الغالي والمتطرف وهو مذهب غلة الروافض‬
‫[ومن شغفه باسم الرافضة يسمي أحد كتبه "دروس في الجهاد والرفض"‪ .].‬ومما يدل على ذلك أنه يعتمد مقالة‬
‫غلتهم في تفضيل الئمة على أنبياء ال ورسله؛ فيقول‪:‬‬
‫‪710‬‬
‫"إن من ضرورات مذهبنا أن لئمتنا مقاما ل يبلغه ملك مقرب ول نبي مرسل‪ ..‬وقد ورد عنهم (ع)‬
‫أن لنا مع ال حالت ل يسعها ملك مقرب ول نبي مرسل" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].52‬‬
‫وهذا هو مذهب غلة الرافضة كما يقرر ذلك عبد القاهر البغدادي [انظر‪ :‬أصول الدين‪ :‬ص ‪،].298‬‬
‫والقاضي عياض [الشفاء‪ .].2/290 :‬وشيخ السلم ابن تيمية [منهاج السنة‪.].1/177 :‬‬
‫وترى الخميني ينسب هذا المذهب لكل المعاصرين‪ ،‬وأن هذا من الضرورات عندهم؛ فالمعاصرون‬
‫هم ‪ -‬بناء على ذلك ‪ -‬من غلة الروافض في حكم أئمة السلم‪.‬‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل عقيدة الخميني في أئمته هي عقيدة الغلة في حكم كبار شيوخ الشيعة في‬
‫[الحكومة‬ ‫القرن الرابع؛ يدل على ذلك أنه يذهب إلى القول بأن أئمته "ل يتصور فيهم السهو والغفلة"‬
‫السلمية‪ :‬ص ‪.].91‬‬
‫وهذا في نظر شيخهم ابن بابويه الملقب برئيس المحدثين هو مذهب الغلة والمفوضة في الئمة‪،‬‬
‫والذين هم في نظر ابن بابويه وغيره يستحقون اللعن حيث قال‪" :‬إن الغلة والمفوضة ‪ -‬لعنهم ال‬
‫ينكرون سهو النبي صلى ال عليه وسلم‪[ "..‬من ل يحضره الفقيه‪.].1/234 :‬‬
‫[من‬ ‫ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد أنه كان يعد نفي السهو عن النبي والمام من الغلو‬
‫ل يحضره الفقيه‪ .].1/234 :‬وفي كتابه العتقادات حكم على هؤلء الغلة والمفوضة بقوله‪" :‬اعتقادنا في‬
‫[العتقادات‪ :‬ص‬ ‫الغلة والمفوضة أنهم كفار بال جل اسمه‪ ،‬وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس"‬
‫‪.].109‬‬
‫هذا والخميني في بقية عقائده ل يختلف عن عقائد الثني عشرية التي تحدثت عنها صفحات هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫[حتى إنه يقرر في كتابه تحرير الوسيلة مشروعية‬ ‫وذلك في تكفيره لصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫التبري من أعداء الئمة في الصلة ‪ -‬وأعداء الئمة في قاموس الشيعة هم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم إل ثلثة أو‬
‫سبعة ‪( -‬تحرير الوسيلة‪ )1/169 :‬وهو في كتابه‪ :‬كشف السرار يصرح بتكفير الشيخين (انظر‪ :‬كشف السرار‪ :‬ص ‪ 112‬وما‬
‫بعدها) وانظر‪ :‬الندوي‪ /‬صورتان متضادتان‪ :‬ص ‪ ،58-57‬محمد منظور النعماني‪ /‬الثورة اليرانية في ميزان السلم‪ :‬ص ‪48‬‬

‫[تقدم تعريف‬ ‫ولهل السنة عموما‪ ،‬حتى ينعتهم بالنواصب ‪ -‬ما عدا من يسمونهم بالمستضعفين‬ ‫وما بعدها‪].‬‬

‫هذا المصطلح عندهم ص‪ -].)913( :‬بل هو يأخذ بالرأي المتطرف من آراء قومه في ذلك‪ ،‬وهو معاملتهم‬
‫كالحربي حيث قال‪" :‬والقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به‪،‬‬
‫[تحرير الوسيلة‪،1/352 :‬‬ ‫بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد‪ ،‬وبأي نحو كان‪ ،‬ووجوب إخراج خمسه"‬
‫وانظر‪ :‬وجاء دور المجوس‪ :‬ص ‪.].186‬‬
‫وهو يريد بالناصب أهل السنة وما يحلق بهم ‪ -‬في نظرهم ‪ -‬من الشيعة الزيدية ما عدا الجارودية‬
‫‪ -‬كما مر ‪ -‬ل الخوارج فقط والذين هم يسمون بالنواصب عند أهل السنة لجماعهم على تكفير أمير‬

‫‪711‬‬
‫المؤمنين علي‪ ،‬ولذلك يذكر الخوارج كقسم آخر مع النواصب فيقول مثلً‪" :‬وأما النواصب والخوارج‬
‫لعنهم ال تعالى فهما نجسان‪[ "..‬تحرير الوسيلة‪ :‬ص ‪.].1/118‬‬
‫وفي عقيدتهم في القرآن يلمح الخميني إلى تصديقه بخرافة وجود قرآن لعلي عرضه على الصحابة‬
‫فرفضوه‪ ،‬وأنه متضمن لزيادات ليست في القرآن فيقول‪" :‬ولعل القرآن الذي جمعه (يعني عليا) وأراد‬
‫هو القرآن‬ ‫[هكذا في النص بدون ذكر الصلة عليه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪].-‬‬ ‫تبليغه على الناس بعد رسول ال‬
‫[رسالة في التعادل‬ ‫الكريم مع جميع الخصوصيات الدخيلة في فهمه المضبوطة عنده بتعليم رسول ال"‬
‫والترجيح‪ :‬ص ‪( 26‬ضمن الجزء الثاني من الرسائل للخميني)‪.].‬‬
‫وهو يترحم على المجوسي الملحد صاحب فصل الخطاب‪ ،‬ويتلقى عن كتابه‪ :‬مستدرك الوسائل‬
‫ويحتج به [انظر‪ :‬الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪ ،].77‬كما يتلقى من أصولهم التي حوت هذا الكفر‪ ،‬كالكافي للكليني‬
‫وغيرهما‪.‬‬ ‫[انظر‪ :‬الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪].77‬‬ ‫[انظر‪ :‬الحكومة السلمية‪ .].94 ،63 ،62 :‬والحتجاج للطبرسي‬
‫هذا وقد ذكر الندوي في ترجمته لبعض نصوص كشف السرار ما يتضمن مجاهرة الخميني بهذا‬
‫الكفر [انظر‪ :‬صورتان متضادتان‪ :‬ص ‪ .].58‬وفي النص المترجم الذي بين يدي من كشف السرار يجيب‬
‫الخميني على من يقول‪ :‬لماذا لم يذكر الئمة في القرآن بقوله‪:‬‬
‫"إن الذين لم يكن ارتباطهم بالسلم والقرآن إل لجل الرئاسة والدنيا‪ ،‬وكانوا يجعلون القرآن وسيلة‬
‫لمقاصدهم الفاسدة‪ ،‬كان من الممكن أن يحرفوا هذا الكتاب السماوي في حالة ذكر اسم المام في‬
‫[كشف السرار‪:‬‬ ‫القرآن وأن يمسحوا هذه اليات منه وأن يلصقوا وصمة العار هذه على حياة المسلمين"‬
‫ص ‪ ..].114‬فهو هنا لم يصرح بوقوع التحريف إل بالتمليح‪ ،‬ولكنه يزعم صراحة أنه بإمكان أحد من‬
‫حنُ َن ّزلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ}‬
‫الناس تحريف كتاب ال‪ ،‬وفي هذا تكذيب لقوله سبحانه‪{ :‬إِنّا َن ْ‬
‫[الحجر ‪..]9‬‬
‫وانظر إلى هذه العقلية المتعصبة والمغلقة‪ ،‬والتي تزعم أن ال سبحانه لم يذكر في كتابه ما هو ‪-‬‬
‫حسب اعتقادهم ‪ -‬أصل الدين وأساسه المتين خشية تحريف الصحابة له‪.‬‬
‫وكذلك يقول الخميني بخرافة الغيبة ويزعم رجعته‪ ،‬بل يقول‪ :‬لقد جاء النبياء جميعا من أجل‬
‫إرساء قواعد العدالة في العالم لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم النبياء الذي جاء لصلح‬
‫[من خطاب ألقاه‬ ‫البشرية‪ ..‬لم ينجح في ذلك‪ ،‬وإن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر"‬
‫الخميني بمناسبة ذكرى مولد المام المهدي ‪ -‬كما يعتقدون ‪ -‬في الخامس عشر من شهر شعبان ‪1400‬هـ‪ ،‬وأذيع في راديو‬
‫طهران‪( .‬الرأي العام الكويتية بتاريخ ‪ 17‬شعبان ‪1400‬هـ‪ ،‬وانظر‪ :‬مجلة المجتمع الكويتية‪ ،‬العدد (‪ )488‬في ‪8/7/1980‬م‪،‬‬
‫وانظر‪ :‬أحمد الفغاني‪ /‬سراب في إيران‪ :‬ص ‪ 42-41‬ونهج الخميني‪ :‬ص ‪.].)47-45‬‬
‫وقد استنكر المسلمون ذلك وأصدرت رابطة العالم السلمي بيانًا تنكر هذه المقالة وتوضح أنها‬
‫تحوي مناقضة صريح للسلم وما جاء به القرآن والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬وما أجمعت عليه المة‬
‫[انظر‪ :‬الستنكار في جديدة المدينة (السعودية) ‪ 4‬رمضان ‪1400‬هـ‪ ،‬وجريدة أخبار العالم السلمي بتاريخ ‪ 9‬رمضان‬

‫‪712‬‬
‫[فقد أصدر علماء المغرب بيانا في ذلك نشر في مجلة (دعوى الحق)‬ ‫‪1400‬هـ‪ .].‬كما جرى النكار من جهات عديدة‬
‫العدد الرابع‪ ،‬الصادر في‪ :‬شعبان ‪ -‬رمضان ‪1400‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬نهج الخميني‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫وقد نشرت مجلة الجماعة السلمية بباكستان خطاب الخميني‪ ،‬وعلقت عليه بقولها‪" :‬هذا نفي‬
‫[وذلك في عددها الصادر في ‪ 29‬ذي الحجة ‪1404‬ه‍‪،‬‬ ‫للسلم‪ ،‬وتاريخ السلم‪ ،‬وأمر ل يحتمله حتى الصدقاء"‬
‫انظر‪ :‬نهج خميني في ميزان الفكر السلمي‪ :‬ص ‪ .].52‬وهو في تصريحه هذا لم يخرج عن طبيعة مذهبه‬
‫المفرطة في الغلو‪ ،‬فهو يرى أن الئمة (والمهدي منهم) أفضل من النبياء‪ ،‬ويرى أن صحابة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم بسبب بيعة أبي بكر دون علي‪،‬‬
‫وجوهر الرسالة عندهم هو إمامة علي‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬يعتبر الرسول لول تعيينه الخليفة من بعده غير‬
‫مبلغ للرسالة" فمن هنا قال‪ :‬إن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينجح لنه لم يتول علي الخلفة بعده‬
‫مباشرة!‬
‫وقد أصدر الخميني بيانا يجيب فيه على المنكرين‪ ،‬وليس في جوابه إل التأكيد على هذا المنكر‪،‬‬
‫حيث قال‪" :‬ونقول بأن النبياء لم يوفقوا في تنفيذ مقاصدهم‪ ،‬وأن ال سيبعث في آخر الزمان شخصا‬
‫[الخميني‪ /‬مسألة المهدي‬ ‫يقوم بتنفيذ مسائل النبياء"‪ ،‬ثم ينكر على المنكرين بأنهم يسعون لتفريق المسلمين"‬
‫المنتظر مع رسالة أخرى ص ‪ ،22‬مركز العلم العالم للثورة السلمية في إيران‪.].‬‬
‫ويقول خميني إن "تعاليم الئمة كتعاليم القرآن" [الحكومية السلمية‪ :‬ص ‪ ،].113‬بل هو يعمل حتى‬
‫بحكايات الرقاع ويعطيها نفس القدسية التي توليها المة لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫إلى آخر قائمة العقائد التي‬ ‫[وقد استدل بها على مذهبه في عموم ولية الفقيه (انظر‪ :‬الحكومة السلمية ص ‪].)77-76‬‬

‫تقول بها الثنا عشرية‪ ،‬ويتابعهم فيها خميني‪ ،‬وقد يأخذ بأشدها تطرفا مما ل حاجة إلى تفصيله‬
‫واستقصائه‪ .‬إذ الغرض بيان أنه لم يكن كما يتوهم أصحاب تلك النظرة السطحية الساذجة‪ ..‬لكن رأيت‬
‫[انظر‪ :‬أحمد جلي‪ /‬دراسة عن الفرق‪ :‬ص‬ ‫بعضهم يقول‪ :‬بأن الخميني قد تخلى عن بعض عقيدته في التقية‬
‫‪ ،].155-154‬وأنه قد أمر أتباعه بالصلة مع أهل السنة مما يعد اعتدالً في صورته الظاهرة‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك يوجد في رسالته في التعادل والترجيح‪ ،‬وفي رسالته في التقية‪ ،‬وحسبك أن تعلم‬
‫من هذا إيمانه بأن أصل دينهم يقوم على مخالفة أهل السنة‪ ،‬وأن هذا الصل هو من المرجحات عنده‬
‫في حالة اختلف الروايات‪ ..‬فهو يقول‪" :‬إن أخبارهم المرة بالخذ بخلف العامة‪ ..‬كقوله‪" :‬ما خالف‬
‫العامة ففيه الرشاد"‪ ..‬وقوله‪" :‬دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلفهم" هي من أصول الترجيح‪،‬‬
‫وليس الترجيح بها بمحض التعبد‪ ،‬بل "لكون المخالفة لهم طريقا إلى الواقع‪ ،‬والرشد في مخالفتهم"‬
‫[انظر‪ :‬رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].71‬‬
‫ثم عقد مبحثا بعنوان "في الخبار الواردة بمخالفة العامة" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪ .].80‬وذكر أن‬
‫أخبارهم في هذا الباب نوعان‪ :‬الول يأمر بالخذ بما خالف العامة في حالة تعارض الروايات عن‬
‫الئمة‪ ،‬والنوع الثاني يأمر بالمخالفة مطلقا‪.‬‬
‫‪713‬‬
‫فذكر من النوع الول خمس روايات‪:‬‬
‫قال‪" :‬عن الحسن بن الجهم قال‪ :‬قلت للعبد الصالح [يعني المام‪ ...].‬يروى عن أبي عبد ال عليه‬
‫[رسالة‬ ‫السلم شيء ويروى عنه خلفه فبأيهما نأخذ؟ فقال‪ :‬خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتبنه"‬
‫التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].80‬‬
‫والروايات الباقية ل تخرج عن هذا المعنى‪ ،‬وفي بعضهما المر بالعرض على كتب الحديث عند‬
‫أهل السنة فيقول‪" :‬فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم‬
‫فخذوه" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].81-80‬‬
‫وعقب الخميني على هذا النوع من الخبار بقوله‪" :‬ول يخفى وضوح دللة هذه الخبار على أن‬
‫مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضهما‪ ،‬بل صحة بضعها على‬
‫الظاهر واشتهار مضمونها بين الصحاب‪ ،‬بل هذا المرجع هو المتداول العام الشايع في جميع أبواب‬
‫الفقه وألسنة الفقهاء" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].82‬‬
‫فأنت ترى خميني يؤكد على رفض أي خبر عندهم يوافق أهل السنة وكأنهم من اليهود والنصارى‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪)715-714‬‬ ‫المنهي عنه التشبه بهم‪ ،‬ولكن في كتبهم ما يصرح أنهم أكفر من اليهود والنصارى‬
‫من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫أما النوع الثاني‪ :‬وهو أخبارهم التي تأمرهم بمخالفة أهل السنة مطلقا وذلك بالبحث عن أعمال أهل‬
‫السنة وأقوالهم وعقائدهم لمخالفتها‪ ،‬فذكر من هذا النوع خمس روايات‪.‬‬
‫الرواية الولى‪ :‬وهي التي تأمر الشيعي بسؤال مفتي البلد للعمل بخلف فتواه‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ائت‬
‫فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلفه‪ ،‬فإن الحق فيه" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].82‬‬
‫وهذه الرواية وما أشببها من هذا النوع أثارات إشكالً عند الشيعة وهو أن في أخبار أهل السنة –‬
‫ول سيما في الفقه ‪ -‬ما هو موافق لخبار الشيعة فإذا عمل بهذه الروايات بإطلق‪ ،‬فقد يترتب على‬
‫ذلك الخروج من المذهبين رأسا‪ ،‬ولذلك عقب الخميني على كل رواية من هذه الروايات بما يحاول به‬
‫أن يتخلص به من هذا الشكال‪ ،‬فعقب على الرواية السابقة بقوله‪:‬‬
‫"موردها صورة الضطرار وعدم طريق إلى الواقع فأرشده إلى طريق يرجع إليه لدى سد الطرق‪،‬‬
‫ول يستفاد منها جواز رد الخبر من طريقنا إذا كان موافقا لهم" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪.].82‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقوله‪ ..‬ما أنتم وال على شيء مما هم فيه‪ ،‬ول هم على شيء مما أنتم فيه فخالفوهم فما‬
‫هم من الحنيفية على شيء‪.‬‬
‫فالظاهر منها المخالفة في عقائدهم وفي أمر المامة وما يرتبط بها‪ ،‬ول تدلن على رد الخبر‬
‫الموافق لهم" [رسالة التعادل والترجيح‪ :‬ص ‪( .].83‬يعني الموافق للمة)‪.‬‬
‫فترى الخميني يعد مخالفة أهل السنة من أصول الترجيح عندهم‪ ،‬فأين الذين يمدون أيديهم للتقارب‬
‫معه؟ وأين الذين يزعمون أنه تخلى عن تقيته مع أهل السنة؟!‬
‫‪714‬‬
‫أما أمره لطائفته بالصلة مع أهل السنة فهو جزء من عمله بالتقية‪ ،‬وهو ما فصل القول فيه في‬
‫رسالته في التقية‪ ،‬ولكن جملة من أهل السنة الذين يأخذون المور بظواهرها ول معرفة لهم بخفايا‬
‫المذهب الشيعي يشيدون بهذه الخطورة‪ ،‬ويعدونها من مناقب الخميني‪ ،‬ومساعيه في جمع المسلمين"‬
‫[انظر‪ :‬ما كتبه في ذلك الشيخ محمد المجذوب في جريدة المدينة المنورة العدد (‪ 1 ،)4808‬ربيع الول ‪1400‬هـ‪.].‬‬
‫مع أنه عقد في رسالته في التقية مبحثا خاصا في ذلك بعنوان "في الروايات الدالة على صحة‬
‫الصلة مع العامة"‪ ..‬وقال فيه‪" :‬إنه قد وردت روايات خاصة تدل على صحة الصلة مع الناس‬
‫والترغيب في الحضور في مساجدهم والقتداء بهم والعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي‬
‫عبد ال أنه قال‪" :‬من صلى معهم في الصف الول كان كمن صلى خلف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في الصف الول"‪.‬‬
‫وعقب عليه الخميني بقوله‪" :‬ول ريب أن الصلة معه ‪ -‬يعني مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫[رسالة في التقية‪ :‬ص ‪( 108‬ضمن الجزء الثاني من‬ ‫صحيحة ذات فضيلة جمة فذلك الصلة معهم حال التقية"‬
‫الرسائل)‪.].‬‬
‫ثم قال‪" :‬وموثقة سماعه قال‪ :‬سألته عن مناكحتهم والصلة خلفهم؟ فقال‪ :‬هذا أمر شديد لن‬
‫[رسالة في التقية‪ :‬ص ‪198‬‬ ‫تستطيعوا ذلك‪ ،‬قد أنكح رسول ال صلى ال عليه وسلم وصلى علي وراءهم"‬
‫(ضمن الجزء الثاني من الرسائل)‪.].‬‬
‫ثم أشار إلى أن هذا النوع من التقية ليس مرتبطا بالضرورة‪ ،‬وهو خاص بمعاملة أهل السنة‪ ،‬لنه‬
‫يرى أن التقية تكون اضطرارية في حال الخوف‪ ،‬وتكون للمداراة وهي حينئذ من أفضل العمال‬
‫عندهم‪ ..‬والحالة الولى المر فيها واضح‪ ،‬لكن الحالة الثانية يبينها بقوله‪" :‬وأما التقية المداراتية‬
‫المرغوب فيها – كذا ‪ -‬مما تكون العبادة معها أحب العبادات وأفضلها‪ ،‬فالظاهر اختصاصها بالتقية‬
‫عن العامة‪ ،‬كما هو مصب الرويات على كثرتها" [رسالة في التقية‪.].200 :‬‬
‫فالتقية مع أهل السنة من أفضل العمال‪ ،‬وهي مشروعة بإطلق عندهم‪ ..‬ثم يشير بعد ذلك إلى‬
‫نوع ثالث من أنواع التقية عندهم وهو الكتمان المقابل للذاعة كما يقول‪" :‬فتكون على حد تعبيره‬
‫بمعنى التحفظ عن إفشاء المذهب وعن إفشاء سر أهل البيت" [رسالة في التقية‪ :‬ص ‪.].184‬‬
‫فهل بعد هذا يقال‪ :‬بأن الخميني قد تخلى عن التقية والمخادعة؟‬
‫لكن من قال ذلك خفي عليه أن التقية عندهم أنواع‪ ،‬وأن التقية مع أهل السنة من أفضل العمال‬
‫عندهم‪ ،‬وليست مشروطة بالضرورة‪.‬‬
‫وأخيرا حسبك أن تعرف أنه يعد عصر الخلفاء الراشدين عصر تقية فيقول‪" :‬إن من بعد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى زمان خلفة أمير المؤمنين ومن بعده إلى زمن الغيبة كان الئمة وشيعتهم‬
‫مبتلين بالتقية أكثر من مائتي سنة" [رسالة في التقية‪ :‬ص ‪.].296‬‬

‫‪715‬‬
‫فتبين أن خميني من غلة الروافض؛ بل هو يأخذ من آرائهم ما هو أكثر شذوذا‪ ،‬ويتعمد مخالفة‬
‫أهل السنة‪ ،‬وإن خرج عن ذلك فهو تقية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬قوله بعموم ولية الفقيه‪:‬‬


‫تعتقد الثنا عشرية أن الولية العامة على المسلمين منوطة بأشخاص معينين بأسمائهم وعددهم‪ ،‬قد‬
‫اختارهم ال كما يختار أنبياءه [انظر‪ :‬فصل المامة‪ ..].‬وهؤلء الئمة أمرهم كأمر ال‪ ،‬وعصمتهم‬
‫كعصمة رسل ال‪ ،‬وفضلهم فوق فضل أنبياء ال‪.‬‬
‫ولكن آخر هؤلء الئمة ‪ -‬حسب اعتقادهم ‪ -‬غائب منذ سنة (‪260‬ه‍) ولذا فإن الثني عشرية تحرم‬
‫أن يلي أحد منصبه في الخلفة حتى يخرج من مخبئه‪ ،‬حتى تقول‪" :‬كل راية ترفع قبل أن يقوم القائم‬
‫فصاحبها طاغوت وإن كان يدعو إلى الحق" [مضى تخريجه من كتب الشيعة ص(‪.].)738‬‬
‫وعلى هذا مضى شيعة القرون الماضية‪ ..‬وقد استطاعوا أن يأخذوا "مرسوما إماميا" وتوقيعا من‬
‫الغائب ‪ -‬على حد زعمهم ‪ -‬يسمح لشيوخهم أن يتولوا بعض الصلحيات الخاصة به‪ ،‬ل كل‬
‫حديثنا‪[ "..‬مضى تخريجه من‬ ‫الصلحيات وهذا التوقيع يقول‪" :‬أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة‬
‫كتب الشيعة ص(‪.].)894‬‬
‫وواضح من خلل هذا "النص" أنه يأمرهم بالرجوع في معرفة أحكام الحوادث الواقعة والجديدة إلى‬
‫شيوخهم‪.‬‬
‫ولذلك استقر الرأي عند الشيعة على أن ولية فقهائهم خاصة بمسائل الفتاء وأمثالها‪ ،‬كما ينص‬
‫عليه "توقيع المنتظر"‪ .‬أما الولية العامة التي تشمل السياسة وإقامة الدولة‪ ،‬فهي من خصائص الغائب‬
‫وهي موقوفة حتى يرجع من غيبته‪ ،‬ولذلك عاش أتباع هذا المذهب وهم ينظرون إلى خلفاء المسلمين‬
‫على أنهم غاصبون مستبدون‪ ،‬ويتحسرون لنهم قد استولوا على سلطان إمامهم‪ ،‬ويدعون ال في كل‬
‫لحظة أن يعجل بفرجه حتى يقيم دولتهم‪ ،‬ويتعاملون مع الحكومات القائمة بمقتضى عقيدة التقية‪ ،‬لكن‬
‫غيبة الحجة طالت‪ ،‬وتوالت قرون قاربت الثني عشر دون أن يظهر‪ ،‬والشيعة محرمون من دولة‬
‫شرعية حسب اعتقادهم‪ ،‬فبدأت فكرة القول بنقل وظائف المهدي للفقيه تداعب أفكار المتأخرين منهم‪.‬‬
‫(ت‬ ‫[أحمد بن محمد بن مهدي النراقي الكاشاني (‪1245-1185‬ه‍)‪].‬‬ ‫وقد أشار الخميني إلى أن شيوخهم النراقي‬
‫(ت ‪1355‬ه‍) قد ذهبا إلى أن للفقيه‬ ‫[حسين بن عبد الرحمن النجفي النائيني (‪1355-1273‬ه‍)‪].‬‬ ‫‪1245‬ه‍) والنائيني‬
‫جميع ما للمام من الوظائف والعمال في مجال الحكم والدارة والسياسة [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].74‬‬
‫ولم يذكر الخميني أحدا من شيوخهم نادى بهذه الفكرة قبل هؤلء‪ ،‬ولو وجد لذكره‪ ،‬لنه يبحث عما‬
‫يبرر مذهبه‪.‬‬
‫فإذن عقيدة عموم ولية الفقيه لم توجد عند الثني عشرية قبل القرن الثالث عشر‪.‬‬

‫‪716‬‬
‫وقد التقط الخميني هذا الخيط الذي وضعه من قبله‪ ،‬وراح ينادي بهذه الفكرة‪ ،‬وضرورة إقامة دولة‬
‫برئاسة نائب المام لتطبيق المذهب الشيعي‪ ،‬فهو يقول‪" :‬واليوم ‪ -‬في عهد الغيبة ‪ -‬ل يوجد نص على‬
‫شخص معين يدير شؤون الدولة‪ ،‬فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام السلم معطلة؟ أم نرغب بأنفسنا‬
‫عن السلم؟ أم نقول‪ :‬إن السلم جاء ليحكم الناي قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو‬
‫نقول‪ :‬إن السلم قد أهمل أمور تنظيم الدولة؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور‬
‫السلم وانتهاكها‪ ،‬ويعني تخاذلنا عن أرضنا‪ ،‬هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة ضرورة من‬
‫ضرورات الحياة؟" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].48‬‬
‫ويقول في موضع آخر‪" :‬قد مر على الغيبة الكبرى لمامنا المهدي أكثر من ألف عام‪ ،‬وقد تمر‬
‫ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم المام المنتظر في طول هذه المدة المديدة‪ ،‬هل تبقى أحكام‬
‫السلم معطلة؟ يعمل الناي من خللها ما يشاؤون؟ أل يلزم من ذلك الهرج والمرج؛ القوانين التي‬
‫صدع بها نبي السلم صلى ال عليه وسلم وجهد في نشرها‪ ،‬وبيانها وتنفيذها طيلة ثلثة وعشرين‬
‫عاما‪ ،‬هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد ال عمر الشريعة بمائتي عام مثلً؟ الذهاب إلى هذا‬
‫الرأي أسوأ في نظري من العتقاد بأن السلم منسوخ" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].26‬‬
‫ثم يقول‪" :‬إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكمة السلمية فهو ينكر‬
‫ضرورة تنفيذ أحكام السلم‪ ،‬ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها‪ ،‬وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين‬
‫السلمي الحنيف" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].27-26‬‬
‫فخميني يرى لهذه المبرارات التي ذكرها خروج الفقيه الشيعي وأتباعه للستيلء على الحكم في‬
‫بلد السلم نيابة عن المهدي‪ ،‬وهو يخرج بهذا عن مقررات دينهم ويخالف وصايا أئمته الكثيرة في‬
‫ضرورة انتظار الغائب وعدم التعجيل بالخروج [انظر‪ :‬ص ‪ 1090-1089‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫حتى قال أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر‪" :‬وقد توافرت عنهم ( ع) حرمة الخروج على‬
‫[محمد الحسيني البغدادي النجفي (يلقب بالية العظمى‪ ،‬والمرجع الديني العلى) في كتابه‬ ‫أعدائهم وسلطين عصرهم"‬
‫"وجوب النهضة لحفظ البيضة"‪ :‬ص ‪ ،].93‬ذلك أن منصب المامة ل يصلح عندهم إل للمنصوص عليه من‬
‫عند ال ول يعني رضاهم بهذه الحكومات‪.‬‬
‫وهذه المبررات التي ساقها الخميني لبيان ضرورة إقامة الدولة الشيعية‪ ،‬ونيابة الفقيه عن المهدي‬
‫في رئاستها كان ينبغي أن توجه جهة أخرى لو كان لشيوخ الشيعة صدق في القول ونصح لتباعهم‪،‬‬
‫هذه الوجهة هي نقد المذهب من أصله الذي قام على خرافة الغيبة وانتظار الغائب‪ ،‬والذي انتهى بهم‬
‫إلى هذه النهاية‪.‬‬
‫وعلى كل فهذه شهادة مهمة وخطيرة من هذه الحجة والية على فساد مذهب الرافضة من أصله‪،‬‬
‫وأن إجماع طائفته كل القرون الماضية كان على ضللة‪ ،‬وأن رأيهم في النص على إمام معين‪ ،‬والذي‬
‫نازعوا من أجله أهل السنة طويلً وكفروهم أمر فاسد أثبت التاريخ والواقع فساده بوضوح تام‪ ،‬وهاهم‬
‫‪717‬‬
‫يضطرون للخروج عليه بقوله‪" :‬بعموم ولية الفقيه" بعد أن تطاول عليهم الدهر‪ ،‬ويئسوا من خروج‬
‫من يسمونه "صاحب الزمان"‪ ،‬فاستولوا حينئذ على صلحياته كلها‪ ،‬وأفرغ الخميني كل مهامه ووظائفه‬
‫لنفسه‪ ،‬ولبعض الفقهاء من بني جنسه ودينه‪ ،‬لنه يرى ضرورة تولي مهام منصب الغائب في رئاسة‬
‫الدولة‪ .‬ومن أجل إقناع طائفته بهذا المبدأ ألف كتابه "الحكومة السلمية" أو "ولية الفقيه"‪.‬‬
‫وهو ل يوافق على ولية كل أجد أمور الدولة ؛ بل يخصص ذلك بفقهاء الشيعة‪ ،‬ويحصر الحكم‬
‫والسلطان بهم‪ ،‬حيث يقول ‪ ":‬وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن المام (ع) حال‬
‫غيبته‪،‬إل أن خصائص الحاكم الشرعي‪ ..‬موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر‪ ،‬فإذا أجمعوا‬
‫أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].49-48‬‬
‫وأقول‪ :‬إذا كانت حكومة اليات والفقهاء ل مثيل لها في العدل ‪ -‬كما يقول ‪ -‬فيما حاجتهم بخروج‬
‫المنتظر إذا؟‬
‫وهو يرى أن ولية الفقيه الشيعي كولية رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يقول‪" :‬فال جعل الرسول‬
‫وليا للمؤمنين جميعا‪ ..‬ومن بعده كان المام (ع) وليا‪ ،‬ومعنى وليتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في‬
‫الجميع" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].51‬‬
‫ثم يقول‪" :‬نفس هذه الولية والحاكمية موجودة لدى الفقيه‪ ،‬بفارق واحد هو أن ولية الفقيه على‬
‫الفقهاء الخرين ل تكون حيث يستطيع عزلهم أو نصبهم‪ ،‬لن الفقهاء في الولية متساوون من ناحية‬
‫الهلية" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].51‬‬
‫فنظرية الخميني ‪ -‬كما ترى ‪ -‬ترتكز على أصلين‪:‬‬
‫الول‪ :‬القول بالولية العامة للفقيه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه ل يلي رئاسة الدولة إل الفقيه الشيعي‪.‬‬
‫وهذا خروج عن دعوى تعيين الئمة‪ ،‬وحصرهم باثني عشر‪ ،‬لن الفقهاء ل يحصرون بعدد معين‪،‬‬
‫وغير منصوص على أعيانهم فيعني هذا أنهم عادوا لمفهوم المامة حسب مذهب أهل السنة ‪ -‬إلى حد‬
‫ما [أقول‪ :‬إلى حد ما؛ لنهم خرجوا من حصر المامة بالشخص إلى حصرها بالنوع وهو الفقيه الشيعي‪ -].‬وأقروا بضلل‬
‫أسلفهم وفساد مذهبهم بمقتضى هذا القول‪.‬‬
‫لكنهم يعدون هذا المبدأ (ولية الفقيه) نيابة عن المهدي حتى يرجع‪ ،‬فهم لم يتخلوا عن أصل‬
‫مذهبهم‪ ،‬ولهذا أصبح هذا التجاه ‪ -‬في نظري ‪ -‬ل يختلف عن مذهب البابية‪ ،‬لنه يزعم أن الفقيه‬
‫الشيعي هو الذي يمثل المهدي‪ ،‬كما أن الباب يزعم ذلك‪ ،‬ولعل الفارق أن الخميني يعد كل فقهائهم‬
‫أبوابا‪.‬‬
‫وإن شئت قل‪ :‬إن الخميني أخرج "المهدي المنتظر" عند الروافض‪ ،‬لن صلحياته ووظائفه أناطها‬
‫بالفقيه؛ بل إنه بهذا المبدأ لم يخرج "مهديا" واحدا بل أخرج العشرات‪ ،‬لن كثيرا من شيوخهم وآياتهم‬

‫‪718‬‬
‫لهم الحقية بهذا المنصب فهو يقول‪" :‬إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي‬
‫تؤهلهم للنيابة عن المام المعصوم" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].113‬‬
‫وبمقتضى هذه النيابة يكون أمرهم كأمر الرسول حيث يقول‪" :‬هم الحجة على الناس كما كان‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم حجة ال عليهم‪ ،‬وكل من يتخلف عن طاعتهم‪ ،‬فإن ال يؤاخذه ويحاسبه‬
‫على ذلك" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].80‬‬
‫ويقول‪" :‬وعلى كل فقد فوض إليهم (يعني إلى شيوخ الروافض) النبياء جميع ما فوض إليهم‪،‬‬
‫وائتمنوهم على ما اؤتمنوا عليه" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].80‬‬
‫[يريد أن يقول‪ :‬كل ما‬ ‫بل أشار إلى أن دولة الفقيه الشيعي كدولة مهديهم الموعودة‪ ،‬وقال‪" :‬كل ما يفقدنا‬
‫[وهذه من مواريث المهدي عن النبياء والئمة (انظر‪ :‬أصول‬ ‫هو عصا موسى‪ ،‬وسيف علي بن أبي طالب"‬ ‫نفقده‪].‬‬

‫(ع) وعزيمتهما الجبارة‪ ،‬وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلمي سنحصل على عصا‬ ‫الكافي‪].)1/231 :‬‬

‫موسى‪ ،‬وسيف علي بن أبي طالب" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].135‬‬


‫والجمع بين عصا موسى‪ ،‬وسيف علي بن أبي طالب كناية ‪ -‬فيما يبدو لي ‪ -‬عن تعاون اليهود مع‬
‫الشيعة في دولة اليات‪ ،‬وهذا ما وقع بعضه في دولة الخميني‪ ،‬كما في فضائح صفقات السلحة‪،‬‬
‫والتعاون السري بينهما الذي تناقلته وكالت النبياء واشتهر أمره‪.‬‬
‫والخميني يقرر أن تشكيل الحكومة الشيعية لم يقع من شيعته الماضيين حيث يقول‪" :‬في السابق لم‬
‫ويقول‪" :‬ولم‬ ‫[الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪].40‬‬ ‫نعمل ولم ننهض سوية لتشكيل حكومة تحطم الخائنين المفسدين"‬
‫تسنح الفرصة لئمتنا للخذ بزمام المور‪ ،‬وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة‪ ،‬فعلى الفقهاء‬
‫العدول أن يتحينوا هم الفرص وينتهزوها من أجل تنظيم وتشكيل حكومة‪[ "...‬الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].54‬‬
‫وقد قامت حكومات شيعية‪ ،‬ولكنها ليست محكومة من قبل "اليات" و"نواب المعصوم"‪ ،‬ولذا عدوا‬
‫حكومتهم أول دولة إسلمية (يعني شيعية)‪.‬‬
‫قال بعض الروافض‪" :‬إن الخميني أسس الجمهورية السلمية العظمى في إيران‪ ..‬لول مرة في‬
‫تاريخ السلم وحقق حلم النبياء والرسول العظم صلى ال عليه وسلم والئمة المعصومين عليهم‬
‫السلم" [أحمد الفهري (ويلقبونه بالعلمة) في تقديمه لكتاب سر الصلة للخميني‪ :‬ص ‪.].10‬‬
‫ويرى آيتهم "الطالقاني" أن حكومة الرسول صلى ال عليه وسلم وخلفائه ل تصل إلى مقام دولتهم‪،‬‬
‫وأنها تمهيد لقيامها‪ ،‬حيث يقول‪" :‬إننا نعتقد أن الجمهورية السلمية هي المؤهلة للحياة في هذا‬
‫الزمان‪ ،‬ولم تكن مؤهلة للحياة في فجر السلم‪ ..‬إن التحولت الجتماعية والسياسية التي شهدها‬
‫العالم منذ الرسول والخلفاء الراشدين وحتى اليوم هي التي توفر الساس الموضوعي لقيام الجمهورية‬
‫[نشرت ذلك جريدة السفير اللبنانية بتاريخ ‪31/3/1979‬م وقد نقل ذلك‪ :‬محمد جواد مغنية‪ ،‬واعتبره فهما جديدا‬ ‫السلمية"‬
‫للجمهورية السلمية ل يقوله إل من عاش السلم بقلبه وعقله (‍!) (انظر‪ :‬الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪.].)113‬‬

‫‪719‬‬
‫فأنت ترى أن طبيعة النظرة الشيعية دائما تجنح إلى الغلو‪ ،‬وتقديس الشخاص‪ ،‬والتطرف في‬
‫العتقادات‪ ..‬كما ترى في نظرة طالقاني إلى جمهورية خميني‪ ،‬بل ادعى بعضهم أن خميني قد بشر‬
‫به أئمتهم من قبل [محمد جواد مغنية‪ /‬الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪.].39-38‬‬
‫هذا وقد مضى ما ترويه الشيعة عن سيرة مهديهم بعد عودته من غيبته ‪ -‬حسب اعتقادهم ‪ -‬وأنه‬
‫ل همّ له ول عمل إل القتل والنتقام‪ ،‬حتى يقولون‪ :‬إنه بعث "بالجفر الحمر" وبالذبح‪ ،‬وإنه يخص‬
‫ونجد اليوم هذه السيرة المزعومة قد بدت ملحمها في‬ ‫[انظر‪ :‬ص ‪ 875‬وما بعدها‪].‬‬ ‫العرب بمجازره‪ ..‬إلخ‬
‫دولة اليات‪ ،‬حيث بدأ الخميني وأعوانه مشروع دولة المهدي بمجازرهم الرهيبة في داخل إيران‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫والحقيقة أن واضعي روايات القتل العام الموعود بعد خروج الغائب المفقود يدركون أن مسألة‬
‫الغيبة والمهدية ل تعدو أن تكون وهما من الوهام‪ ،‬ولكنهم يعبرون عما تكنه صدورهم‪ ،‬وتجيش به‬
‫نفوسهم من أحقاد‪ ،‬وكذلك معظم شيوخ الشيعة غالبهم زنادقة يعرفون أن المهدي خرافة‪ ،‬ولذلك فهم إذا‬
‫واتتهم فرصة لتحقيق أمانيهم في قتل المسلمين اهتبلوها‪ ،‬ولم ينتظروا فيها خروج مهديهم‪ ،‬لنهم‬
‫يعرفون أنه لن يخرج أبدا؛ لنه لم يوجد أصلً!‬
‫ول أدل على ذلك من أن الخميني نفسه يقرر في كتابه تحرير الوسيلة أنه ل يجوز بسبب غيبة‬
‫مهديهم البدء في الجهاد فيقول‪" :‬في عصر غيبة ولي المر وسلطان العصر عجل ال فرجه الشريف‬
‫يقوم نوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للمام‬
‫عليه السلم إل البدأة بالجهاد" [تحرير الوسيلة‪.].1/284 :‬‬
‫ولكنه حينما أقام دولته قرر في دستورها‪" :‬أن جيش الجمهورية السلمية‪ ..‬ل يحتملن فقط‬
‫مسؤولية حفظ وحراسة الحدود‪ ،‬وإنما يتكفلن أيضا بحمل رسالة عقائدية أي الجهاد في سبيل ال‪،‬‬
‫[الدستور لجمهورية إيران السلمية‪ :‬ص‬ ‫والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون ال في كافة أرجاء العالم"‬
‫‪ ،16‬منشورات مؤسسة الشهيد‪ ،‬وانظر‪ :‬الطبعة الخرى من الدستور‪ ،‬التي أصدرتها وزارة الرشاد اليرانية‪ :‬ص ‪.].10‬‬
‫فأنت ترى التناقض واضحا‪ ،‬فهو في تحرير الوسيلة يجعل الجهاد من وظائف المهدي‪ ،‬وفي دستور‬
‫دولتهم بعد قيامها يجعل الجهاد منوطا بجيشها‪ ،‬ومن وظائف الفقيه‪ ،‬وذلك بمقتضى مذهبه الجديد في‬
‫ولية الفقيه‪ ،‬والتي نقلت فيها صلحيات المهدي كلها للشيخ الشيعي‪ .‬وقد نص أيضا على ذلك‬
‫دستورهم فقال‪" :‬وفي زمن غيبة المام عجل ال تعالى فرجه تعتبر ولية المر وإمامة المة في‬
‫جمهورية إيران السلمية بيد الفقيه‪[ "..‬دستور الجمهورية السلمية في إيران‪ :‬ص ‪ ،18‬ط‪ :‬وزارة الرشاد‪.].‬‬
‫ولذلك بعد قيام دولتهم أول ما بدأوا به قتال الشعوب السلمية بجنودهم‪ ،‬وبالمنظمات التابعة لهم‬
‫في الولء في بعض أقطار المسلمين‪.‬‬

‫‪720‬‬
‫ومع ذلك يزعم الخميني أحيانا أن هذا يدخل في نطاق الدفاع‪ ،‬والتأويل ليس له حدود فيقول‪" :‬إننا ل‬
‫نريد أن نرفع السلح ونهاجم أحدا‪ ،‬فالعراق يهاجمنا منذ مدة‪ ،‬بينما نحن ل نهاجمه‪ ،‬وإنما ندافع فقط‪،‬‬
‫فالدفاع أمر واجب" [خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر‪ :‬ص ‪.].10-9‬‬
‫ولكنه يقرر أنه يريد أن يصدر ثورته حيث يقول‪" :‬إننا نريد أن نصدر ثورتنا السلمية إلى كافة‬
‫البلد السلمية" [خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر‪ :‬ص ‪ .].10‬وهو ل يريد التصدير‬
‫السلمي فحسب؛ بل يريد فرض مذهبه على المسلمين بالقوة‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك قبل قيام دولته‪ ،‬وقرر‬
‫أن سبيل ذلك هو إقامة دولة شيعية تتولى هذا المر فيقول‪" :‬ونحن ل نملك الوسيلة إلى توحيد المة‬
‫السلمية [يعني على مذهب الروافض‪ ،].‬وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة‬
‫لهم‪ ،‬إل أن نسعى إلى إقامة حكومتنا السلمية‪ ،‬وهذه بدورها سوف تتكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن‬
‫من تحطيم رؤوس الخيانة‪ ،‬وتدمر الوثان والصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الرض"‬
‫[الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].35‬‬
‫وهؤلء الروافض ل ينتقدون الحكومات لهذه السباب التي يذكرها‪ ،‬إذ لو كانت الحكومة أفضل‬
‫حكومة على وجه الرض لما نالت إل سخطهم ومقتهم‪ ،‬إل أن تكون على مذهب الرفض‪ ،‬وحسبك في‬
‫هذا نظرتهم إلى خلفة الخلفاء الثلثة الراشدين ‪ -‬رضوان ال عليهم ‪.-‬‬
‫ول تزال مهمة المهدي الموعودة في قتل المسلمين‪ ،‬تظهر على ألسنة حجتهم وآياتهم‪ ،‬وأنه سيبدأها‬
‫خميني لنه ينوب عن مهديهم في كل وظائفه‪ .‬وقد كشف بعض شيوخهم عن ذلك؛ لنهم كما يقول‬
‫إمامهم‪" :‬مبتلون بالنزق وقلة الكتمان" [أصول الكافي‪.].1/222 :‬‬
‫ففي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبادان في ‪17/3/1979‬م تأييدا لقامة الجمهورية السلمية‪،‬‬
‫ألقى د‪ .‬محمد مهدي صادقي خطبة في هذا الحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية‪ ،‬ووصفتها‬
‫الذاعة بأنها مهمة ومما جاء في هذه الخطبة‪:‬‬
‫"أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم ال المن يحتلها‬
‫شرذمة أشد من اليهود‪ "..‬وذكر قبل ذلك بأنه حين تثبت ثورته سينتقلون "إلى القدس وإلى مكة‬
‫[أذيعت هذه الخطبة من صوت الثورة السلمية من عبادان الساعة‬ ‫المكرمة‪ ،‬وإلى أفغانستان‪ ،‬وإلى مختلف البلد"‬
‫‪ 12‬ظهرا من يوم ‪17/3/1979‬م‪ ،‬انظر‪ :‬وجاء دور المجوس‪ :‬ص ‪.].347-344‬‬
‫فتراهم يعتبرون الوضع في مكة‪ ،‬كوضع القدس الذي يحتله اليهود‪ ،‬ووضع أفغانستان التي يحتلها‬
‫الشيوعيون‪ ..‬على حين تجدهم يتعاطفون مع الحكم النصيري الكافر في سوريا ول يمسونهم بنقد‪.‬‬
‫وقد نشرت مجلة الشهيد ‪ -‬لسان علماء الشيعة في قم ‪ -‬في العدد (‪ )46‬الصادر بتاريخ ‪ 16‬شوال‬
‫‪1400‬هـ صورة تمثل الكعبة المشرفة‪ ،‬وإلى جانبها صور تمثل المسجد القصى المبارك وبينهما (يد‬
‫[انظر‪ :‬مجلة الشهيد‪ ،‬العدد المذكور‪ ،‬وانظر‪ :‬جريدة‬ ‫قابضة على البندقية) وتحتها تعليق نصه‪" :‬سنحرر القبلتين"‬
‫المدينة السعودية الصادرة في ‪ 27‬ذي القعدة ‪1400‬هـ‪ ،‬وانظر ما كتبه الشيخ محمد عبد القادر آزاد‪ /‬رئيس مجلس علماء‬

‫‪721‬‬
‫باكستان عما شاهده في أثناء زيارته ليران‪ ،‬حتى يقول بأنه رأى على جدران فندق هيلتون في طهران‪ ،‬والذي يقيمون فيه‬
‫شعارات مكتوبًا عليها‪" :‬سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار"‪( :‬انظر‪ :‬الفتنة الخمينية للشيخ محمد آزاد‪ :‬ص ‪.].)9‬‬

‫معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب الخميني في ولية الفقيه‪:‬‬


‫أثار مذهب الخميني ‪ -‬في نقله لوظائف مهديهم بالكامل للفقيه‪ ،‬وحصر الولية به ‪ -‬ثائرة جملة من‬
‫[انظر‪:‬‬ ‫شيوخ الشيعة‪ ،‬ونشب صراع حاد بين الخميني وأحد مراجعهم الكبار عندهم وهو "شريعتمداري"‬
‫كما أعلن طائفة من‬ ‫عبد الجبار العمر‪ /‬الخميني بين الدين والدولة‪ ،‬مبحث الخميني وشريعتمداري ص ‪ 144‬وما بعدها‪].‬‬

‫شيوخهم معارضتهم لهذا المذهب [انظر‪ :‬الخميني بين الدين والدولة ص ‪.].154-153‬‬
‫وقد تعجب شيخهم محمد جواد مغنية أن يذهب الخميني هذا المذهب‪ ،‬ويساوي في الصلحيات بين‬
‫المعصوم والفقهاء فقال‪:‬‬
‫وأمره تماما كالتنزيل من ال‬ ‫[الئمة عندهم معصومون كرسول ال صلى ال عليه وسلم‪].‬‬ ‫"قول المعصوم‬
‫عنِ الْ َهوَى‪ِ ،‬إنْ هُوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم ‪ .]3‬ومعنى هذا أن للمعصوم حق‬
‫العزيز العليم { َومَا َينْطِقُ َ‬
‫الطاعة والولية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل‪ ،‬وأن السلطة الروحية والزمنية ‪ -‬مع وجوده‬
‫‪ -‬تنحصر به وحده ل شريك له‪ ،‬وإل كانت الولية عليه وليست له‪ ،‬علما بأنه ل أحد فوق المعصوم‬
‫عن الخطأ والخطيئة إل من له الخلق والمر جل وعز‪..‬‬
‫أبعد هذا يقال‪ :‬إذا غاب المعصوم انتقلت وليته بالكامل إلى الفقيه؟" [الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪.].59‬‬
‫فهذا في نظره غاية الغلو‪ ،‬إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم؟ ثم يوضح ذلك بقوله‪" :‬حكم‬
‫المعصوم منزه عن الشك والشهبات؛ لنه دليل ل مدلول‪ ،‬وواقعي ل ظاهري‪ ..‬أما الفقيه فحكمه‬
‫مدلول يعتمد على الظاهر‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور‪ ،‬والعواطف‬
‫الشخصية‪ ،‬والتأثير المحيط والبيئة‪ ،‬وتعيير الظروف القتصادية والمكانة الجتماعية‪ ،‬وقد عاينت‬
‫وعانيت الكثير من الحكام الجائرة‪ ،‬ول يتسع المجال للشواهد والمثال سوى أني عرفت فقيها بالزهد‬
‫[الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص‬ ‫والتقوى قبل الرياسة‪ ،‬وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الولد والصهار"‬
‫‪.].60-59‬‬
‫وهذه شهادة منه على قومه من فئة الشيوخ‪ ،‬وأنه ما إن تتاح لهم فرصة رئاسة حتى تزول الصورة‬
‫التي يتظاهرن بها من الزهد والتعبد‪ ،‬وهؤلء الشيوخ الذين هذا وصفهم‪ ،‬يرى الخميني أنهم هم الولة‬
‫على المة‪.‬‬
‫وأصحاب هذا التجاه المعارض لخط الخميني يرون‪" :‬أن ولية الفقيه أضعف وأضيق من ولية‬
‫المعصوم" [الخميني والدولة السلمية‪ :‬ص ‪ ،].61‬فهي ل تتعدى ما ثبت في أخبارهم ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬من‬
‫[الخميني والدولة‬ ‫"ولية الفتوى والقضاء وعلى الوقاف العامة‪ ،‬وأموال الغائب وإرث من ل وراث له"‬
‫السلمية‪ :‬ص ‪.].60‬‬

‫‪722‬‬
‫وقد استدل مغنية على هذا المذهب بجملة من أقوال شيوخهم الكبار عندهم‪ ،‬ونقض ما ساقه الخميني‬
‫من أدلة لثبات مذهبه‪ ،‬وبين أنها ل تدل على ما يريد من القول بعموم الولية‪ .‬ول مجال لستعراض‬
‫ذلك‪ ،‬ول فائدة منه‪ ،‬لكن الفائدة هنا أن الخميني يحكم على مذهب طائفته بمقتضى قولهم بقصور ولية‬
‫الفقيه عن الحكم والولية‪ ،‬بأن هذا يعطل أحكام السلم‪ ،‬وأنه بمثابة القول بنسخ الدين‪ ،‬لكن الخميني‬
‫ل ترتقي أدلته في تأييد مذهبه إلى ما يريد فتبقى أحكامه على مذهب طائفته صادقة‪ ،‬وأنه مبني على‬
‫ما يخالف أصول الشرع‪ ،‬ومنطق العقل وطبيعة الشياء‪.‬‬
‫والتجاه المخالف للخميني يرجع أمر الولية إلى عموم الناس‪ ،‬ول يخصها بشيوخ الشيعة‪ ،‬بل يبقى‬
‫هؤلء الشيوخ في وضعهم الذي وضعوا فيه ووليتهم الخاصة حتى يخرج الغائب فيتولى أمور الدين‬
‫والدينا‪ .‬وهذه بلغة هذا العصر فصل الدين عن الدولة‪ ،‬فصار المذهب دائرا بين غلو في الفقيه‪ ،‬أو‬
‫دعوة إلى فصل الدين عن الدولة‪ ،‬وهكذا كل مذهب باطل لبد أن يخرج أمثال هذه التناقضات‪.‬‬
‫وكل الرأيين استقرا على بطلن المذهب في دعوى النص والتعيين؛ لن كليهما لم يحدد الرئيس‬
‫بشخص معين‪ ،‬إل التعيين الشكلي للغائب المفقود والذي لن يعود؛ لنه ل حقيقة له في الوجود‪.‬‬

‫دستور دولة اليات‪:‬‬


‫أعلنت الجمهورية السلمية في إيران دستورها‪ ،‬في كتاب أصدرته وزارة الرشاد السلمي ونشر‬
‫في طبعته الولى عام ‪1406‬هـ‪ ،‬وكانت مواد هذا الدستور قد نشرت من قبل في مجلة الشهيد‬
‫اليرانية في إصدار خاص [طبعة مؤسسة الشهيد‪ ،‬قم سنة ‪1979‬م‪.].‬‬
‫وهذا عرض لبعض مواد الدستور ليتبين هل هو يمثل الدستور لدولة إسلمية ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬أو‬
‫ل؟‬
‫يقرر الدستور في "الصل الثاني عشر"‪ :‬أن المذهب الجعفري دين للدولة يقول‪" :‬الدين الرسمي‬
‫ليران هو السلم‪ ،‬والمذهب الجعفري الثني عشري‪ ،‬وهذا الصل يبقى إلى البد غير قابل للتغيير"‬
‫[الدستور‪ :‬ص ‪ ،].20‬وكذلك ينص الدستور على فكرة الثني عشرية في المامة‪ ،‬بحيث يربط مذهب‬
‫خميني في ولية الفقيه بقضية المامة فيقول‪" :‬إن ولية الفقيه اعتمادا (يعني معتمدة) على استمرار‬
‫ولية المر والمامة" [الدستور‪ :‬ص ‪.].9‬‬
‫فتراهم يعلنونها طائفية متعصبة في دستورهم وهم يسمون أنفسهم "بالجمهورية السلمية"‪ ،‬ولعل‬
‫قولهم هذا يوحي أن مذهبهم ل يدخل في اسم السلم‪ ،‬بل لبد من النص عليه مع السلم كدين آخر‬
‫مشارك له‪ ،‬مع أنك تراهم كثيرا ما يدعون بأن مذهبهم ل يختلف عن المذاهب السلمية إل في‬
‫الفروع‪ ،‬وإذا كان المر في تصورهم كذلك فلماذا ينص على المذهب الجعفري بذاته في دستورهم؟‬
‫ثم لماذا تكون هذه المادة غير قابلة للتغيير إلى البد؟ أطلعوا الغيب أم اتخذوا عند الرحمن عهدا‪،‬‬
‫ولماذا ل يفتحون عقولهم وقلوبهم لرؤية الحق الذي عند أهل السنة‪ ،‬ويتخلصون من داء التعصب‬

‫‪723‬‬
‫المقيت‪ ،‬فيجب أن تسمى هذه الدولة بموجب هذه المادة "الجمهورية الجعفرية" ذلك أن الدولة السلمية‬
‫تقوم على أساس السلم ل المذهب‪ ،‬وحين يتبنى الخليفة شيئا من هذا المذهب أو ذاك‪ ،‬فإنما يتبناه بناء‬
‫على قوة الدليل‪ ،‬وليس بناء على الوراثة أو التعصب‪ ،‬ولكنهم برهنوا بهذه المادة على متابعتهم لما قاله‬
‫بعض شيوخهم وهو أن الثني عشرية دين ل مذهب [انظر‪ :‬ص ‪ 729‬هامش (‪.].)4‬‬
‫وجاء في بعض مواد الصل الثاني من الدستور ما يضع أخبارهم عن الئمة موضع سنة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير حيث يقول‪:‬‬
‫"يقوم نظام الجمهورية السلمية على أساس الجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط على‬
‫أساس الكتاب وسنة المعصومين سلم ال عليهم أجمعين" [الدستور‪ :‬ص ‪.].16-15‬‬
‫فليس في هذه المادة اعتراف بسنة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لنهم ل يؤمنون بها‪ ،‬بل يأخذون‬
‫بسنة المعصومين الذين يعدونهم أفضل من النبياء والمرسلين‪.‬‬
‫فهل يبقى للدستور صفته السلمية وهو يلغي سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم من حسابه؟‬
‫وهم سيأخذون بمقتضى هذه المادة بما جاء في أصول الكافي‪ ،‬والبحار للمجلسي وغيرهما بكل ما‬
‫فيها من كفر وضلل‪ ،‬لن هذه هي المصادر التي نقلت لهم سنة المعصومين‪.‬‬
‫وترى في بعض مواد الدستور النعرة الفارسية‪ ،‬واللوثة القومية‪ ،‬يقول الصل الخامس عشر من‬
‫الدستور‪:‬‬
‫"اللغة والكتابة الرسمية والعامة هي الفارسية لشعب إيران‪ ،‬فيجب أن تكون الوثائق والمراسلت‬
‫والمتون الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة"‪.‬‬
‫فترى أن هذه المادة موضوعة على أساس القومية اليرانية‪ ،‬لن للسلم لغة واحدة هي العربية ل‬
‫باعتبارها لغة العرب‪ ،‬بل باعتبارها لغة القرآن والسنة ولغة دولة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫والصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ويقرر الصل السادس من الدستور‪ :‬بأن مرجعهم رأي المة (ل الكتاب والسنة) فيقول‪" :‬يجب أن‬
‫تدار شئون البلد في جمهور إيران السلمية على رأي المة‪[ "..‬الدستور‪ :‬ص ‪.].18‬‬
‫ولشك أن دولة الخلفة في السلم تدار شئونها بهدي من الكتاب والسنة‪ ،‬وليس الرأي العام هو‬
‫أساس الحكم في السلم‪ ،‬إنما هو أساس في النظمة الوضعية‪.‬‬
‫ويوضح هذا المبدأ أكثر ما جاء في الصل التاسع والخمسين عندهم والذي يقول‪" :‬ممارسة السلطة‬
‫التشريعية قد تتم أحيانا عن طريق الستفتاء الشعبي العام وذلك في القضايا القتصادية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫والجتماعية‪ ،‬والثقافية الهامة‪ ،‬ويجري هذا الستفتاء العام بناء على طلب أكثر من ثلثي مجموع‬
‫أعضاء المجلس" [الدستور‪ :‬ص ‪.].46‬‬

‫‪724‬‬
‫ول غرابة أن يلجأوا إلى استفتاء الناس في شئونهم بعد أن حرموا أنفسهم من المصدر الثاني في‬
‫التشريع وهو "السنة المطهرة"‪ .‬ولقد اقترح عليهم شيخهم يوسف البحراني صاحب الحدائق أن يبحثوا‬
‫لهم عن مذهب غير هذا المذهب لعدم وفائه بما يريدون [انظر‪ :‬نص كلمه بحروفه وتمامه‪ :‬ص(‪.].)388‬‬
‫[مما يجدر تسجيله هنا هو أنه‬ ‫هذا بعض ما جاء في دستورهم حسب الطبعة الخيرة منه عام ‪1406‬هـ‬
‫نشر الدستور في جريدة السفير اللبنانية مترجما بقلم محمد صادق الحسيني بصورة مغايرة للنشر الرسمي الخير للدستور‪،‬‬
‫والتغيير الذي جرى قد يكون للتقية أثر فيه‪ ،‬وذلك من أجل صيانة سمعة المذهب من النقد‪.‬‬
‫وقد قام حزب التحرير ‪ -‬وهو كما يظهر من الحزاب المتعاطفة مع ثورة إيران والموالية لها‪ ،‬بل الذي يرى فيها الحكم‬
‫السلمي المنشود ‪ -‬بدراسة مواد الدستور‪ ،‬كما نشرته جريدة السفير بعد أن سأل السفارة اليرانية في بيروت عن مدى‬
‫اعتمادهم لما نشر فأفادوه بأن الترجمة المنشورة في السفير "ترجمة دقيقة وأمينة"‪ ..‬وقد تبين له بعد الدراسة ‪ -‬كما نشر ذلك في‬
‫كتيب صغير ‪ -‬أن الدستور ل صلة له بالسلم إل بالسم‪ ،‬حتى ذكر أنه جاء في "الفصل الثامن المتعلق بالسلطة القضائية" في‬
‫مواده رقم ‪ 136 ،135 ،132 ،131‬ما يدل على أن القانون المدني الوضعي‪ ..‬هو الذي سيوضع في المحاكم (انظر‪ :‬نص نقض‬
‫مشروع الدستور اليراني‪ ،‬والذي نشره حزب التحرير ص ‪ )48‬وانتهى الحزب من نظره في الدستور إلى أنه "ليس دستورا‬
‫إسلميا‪ ،‬ولم يأخذ أحكامه من كتاب ال وسنة رسوله‪ ،‬ويتبين أن واضعه يتميز بعقلية غربية‪ ،‬ول يتمتع بعقلية إسلمية"‬
‫(المصدر السابق‪ :‬ص ‪ )52‬وقال بأنه "إذا وضع هذا الدستور موضع التنفيذ فإنه ل يجعل الدولة دولة إسلمية" وقال بأنه يجب‬
‫أن يكون الدستور منبثقا من العقيدة السلمية‪ ،‬ومأخوذة كل مواده من كتاب ال وسنة رسوله (المصدر السابق)‪.‬‬
‫هذا حكم حزب التحرير مع أنه موال للحكومة اليرانية‪ ،‬وفي اتجاهه شبه بالتجاه الرافضي‪ ،‬لنه يرجئ تطبيق بعض‬
‫أحكام السلم حتى تقوم دولة الخلفة‪ ،‬كما يرجئ الشيعة تطبيق أحكام مذهبهم حتى يعود الغائب‪ ..‬ومع ذلك فإنه يحكم على‬
‫دستورهم بهذا الحكم‪ .‬ولول ضيق المجال لعرضت أوجه نقدهم للدستور‪ ،‬وقد أرسل هذا النقد إلى خميني‪ ،‬مشفوعا بدستور‬
‫إسلمي مقترح‪ ،‬ويبدو أن الشيعة استفادوا من ذلك في تغيير بعض المواد التي تثير النقد لدستورهم‪ ،‬كما يتبين ذلك في نشرته‬
‫الخيرة‪ ،‬ومع ذلك لم يسلم من ضلل كما تبين أثناء النقد (وانظر في التعريف بحزب التحرير‪ :‬كتاب الجماعة السلمية في‬
‫ضوء الكتاب والسنة‪ /‬تأليف سليم الهللي‪ ،‬وزياد الدبيج ص‪ 137:‬وما بعدها)‪.].‬‬
‫وقد تبين أنه ل يمثل دستور دولة إسلمية‪ ،‬وإنما يمثل دولة فارسية‪ ،‬عنصرية‪ ،‬ورافضية جعفرية‪،‬‬
‫ول يأخذ أحكامه من الكتاب والسنة‪ ،‬وإنما يرتبط بروايات الكليني وأضرابه والتي يسمونها سنة‬
‫المعصومين‪.‬‬

‫الباب الخامس‬
‫أثرهم في العالم السلمي والحكم عليهم‬
‫ويشمل على‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬أثرهم في العالم السلمي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الحكم عليهم‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫أثرهم في العام السلمي‬

‫‪725‬‬
‫أثر الشيعة في العالم السلمي في مراحل التاريخ المختلفة وحقبه المتطاولة‪ ..‬موضوع واسع‬
‫كبير‪ ،‬بل موضوعات متعددة‪ ،‬وجوانب مختلفة تقتضي رسائل عديدة‪ ،‬وتستدعي جهودا كبيرة‪ ..‬وإن‬
‫مراجعة الحداث التاريخية ‪ -‬مثلً ‪ -‬التي جرت في العراق في القرن الرابع والخامس وما بعدها‬
‫والتي كان للشيعة فيها دور وأثر لموضوع واسع‪ ،‬فيكف بدراسة ذلك في العالم السلمي‪ ،‬وإن رصد‬
‫حركات الشيعة المتزايدة في الواقع المعاصر في مختلف أصقاع العالم السلمي وما تحدثه من آثار‬
‫ليحتاج إلى دراسات ميدانية وصلت واسعة‪ ،‬ورحلت متعددة‪.‬‬
‫وشيء من ذلك ل يمكن تحقيقه في رسالة بل في فصل من رسالة‪ ،‬هي معنية بالساس‪ ،‬بدراسة‬
‫أصولهم ونقدها‪.‬‬
‫لهذه السباب سنكتفي في هذا الفصل بالشارة الدالة‪ ،‬واللمحة المعبرة‪ ،‬والكلمة الموجزة‪ ،‬ونكتفي‬
‫بالجزء عن الكل‪ ،‬وبالمثال الواحد مثلً في بلد واحد وزمن واحد عن الستقصاء وبالتفصيل‪.‬‬
‫ولعلي أحاول أن أبرز بعض آثارهم وفق مجالت محددة حتى ل يتشعب بنا الحديث وهي‬
‫المجالت التالية‪:‬‬
‫‪-1‬المجال العقدي والفكري‪.‬‬
‫‪ -2‬السياسي‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتماعي‪.‬‬
‫‪ -4‬القتصادي‪.‬‬
‫وهذا مجرد تقسيم لتوضيح هذه الثار‪ ،‬وإل فإنها مترابطة ومتصلة الحلقات‪.‬‬
‫ذلك أن شؤم البدعة خطير على المة‪ ،‬يؤثر في جميع جوانب حياتها‪ ،‬ومن يدرس تاريخ هذه‬
‫المة‪ ،‬والتجاهات البدعية التي ظهرت يجد أثرها السلبي على الدولة السلمية كلها‪ .‬استمع ‪ -‬مثلً ‪-‬‬
‫لما يقوله شيخ السلم ابن تيمية عن أسباب سقوط الدولة الموية يقول ‪ -‬رحمه ال ‪:-‬‬
‫[يعني الجعد بن درهم أول من أحدث مقالة‬ ‫"إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل"‬
‫[مجموع فتاوى شيخ السلم‪:‬‬ ‫وغيره من السباب‬ ‫التعطيل لسماء ال وصفاته‪ .‬انظر‪ :‬ص(‪ )546‬من هذه الرسالة‪].‬‬

‫‪ .].13/182‬وقال‪" :‬وهذا الجعد إليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية‪ ،‬وكان شؤمه‬
‫عاد عليه حتى زالت الدولة‪ ،‬فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسول صلى ال عليه وسلم انتقم‬
‫ال ممن خالف الرسل‪ ،‬وانتصر لهم" [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].13/177 :‬‬
‫وهذا التفسير السلمي لحداث التاريخ يخالف ما درج عليه جملة من المؤرخين الذين ل يفسرون‬
‫أحداث التاريخ إل بأسبابه مادية بحتة‪ ،‬وهو من العمل الذي ل يفقهه إل أهل اليمان‪.‬‬

‫المجال العقدي والفكري‬


‫وهو موضوع واسع كبير‪ ،‬نشير فيما يلي إلى بعض معالمه‪:‬‬
‫‪726‬‬
‫إحداث الشرك في أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫لقد كان لعقيدتهم في المامة والمام الثر الواضح في إحداث "الشرك" و"الشركيات في العالم‬
‫السلمي"‪ ،‬بل قرر طائفة من أهل العلم أن الشيعة هم أول من أحدث الشرك وعبادة القبور في المة‬
‫المحمدية‪ .‬فقد تحول غلو الشيعة في أئمتها إلى غلو في قبورها‪ ،‬ووضعوا روايات لمساندة مسيرتهم‬
‫الوثنية‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأول من وضع هذه الحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على‬
‫القبور أهل البدع من الروافض ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد التي يشرك فيها‬
‫ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل ال به سلطانا‪ ،‬فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون‬
‫المشاهد" [انظر‪ :‬الرد على الخنائي‪ :‬ص ‪.].47‬‬
‫واليوم أصبحت مشاهد الشيعة ومزاراتها موطنا للشرك‪ ،‬وعبادة غير ال سبحانه‪ ..‬وتحدث الكثير‬
‫ممن زار ديار الشيعة عن هذه المظاهر الشوكية [انظر‪ :‬ص(‪ )1072-1071‬من هذه الرسالة‪ ،].‬وقد سرى هذا‬
‫"البلء" إلى بعض ديار السنة‪ .‬والرافضة هم الصل فيه‪ ،‬وكتبهم تشهد له وتؤيده‪.‬‬
‫ول حاجة بنا إلى استعراض أسماء المشاهد وأماكنها‪ ،‬وصور ما يجري فيها لشهرة ذلك وذيوعه‪.‬‬
‫الصد عن دين ال‪:‬‬
‫كان التجاه الرافضي ‪ -‬بكل شذوذه وضللته التي مرّ ذكرها ‪ -‬ول يزال مصحوبا بدعاية كبيرة‬
‫من شيوخ الروافض الذين يبحثون عن تكثير سوادهم بأي وسيلة‪.‬‬
‫وكانت هذه الدعاية مرتكزة على "أكذوبة كبرى" أتقن الشيعة "اللعب فيها" وخداع أتباعهم‪ ،‬والجهلة‬
‫من أتباع المسلمين بها‪ ..‬هذه الكذوبة تقول بأن شذوذ الشيعة هذا مؤيد بروايات عند أهل السنة‪..‬‬
‫ولذلك يكثر قولهم‪ :‬ل خلف بين السنة والشيعة من هذا المنطلق‪.‬‬
‫وما أكثر ما نقرأ في كتبهم مثل هذا التجاه في الستدلل والحتجاج من طريق من يسمونهم‬
‫[ل يخلو ‪ -‬غالبا – كتاب من كتبهم المتأخرة والمعاصرة من هذا السلوب‪ ،‬ومن أشدها غلوا وأعظمها كذبا كتاب‬ ‫بالعامة‬
‫"غاية المرام" وهو كله قائم على هذا المسلك‪ ،‬وهو بكذبه الجلي الواضح عار على الشيعة إلى البد ‪ ،‬ومع ذلك يعده أحد‬
‫مراجعهم في هذا العصر موضع الفخر (محسن العاملي‪ /‬الشيعة‪ :‬ص ‪ ،124‬وانظر‪ :‬ملحق الوثائق والنصوص من رسالة فكرة‬
‫التقريب)‪.].‬‬
‫وهذه "الكذوبة" قد انخدع بها من أزاغ ال قلبه فظن أن دين السلم ليس إل ما يقوله أولئك‬
‫المبتدعون ورأوا ذلك فاسدا في العقل فخرجوا من السلم إلى مهاوي اللحاد والزندقة‪.‬‬
‫[الخرمية‪ :‬فرقتان‪ :‬فرقة منهم‬ ‫ولهذا كان غلتهم طاعنين في دين السلم بالكلية باليد واللسان كالخرمية‬
‫كانوا قبل دولة السلم وهم أتباع مزدك الباحي دعاة الشتراك في الموال والبضاع‪ ،‬الذين أفسدوا بلد الفرس فقضى عليهم‬
‫أنو شروان الملك الساساني الملقب بالعادل والذي توفي قبل بعثة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫والفرقة الثانية من الخرمية ظهروا في دولة السلم كالبابكية أتباع بابك الخرمي الذي ظهر بناحية أذربيجان‪ ،‬وكثر أتباعه‪،‬‬
‫وكان يستحل المحرمات كلها وهزم كثيرا من عساكر بني العباس في مدة عشرين سنة إلى أن أسر مع أخيه إسحاق وصالب‬
‫"بسر من رأى" في أيام المعتصم سنة (‪223‬ه‍)‪.‬‬
‫ول شك في أن الخرمية الذين ظهروا في السلم هم امتداد للديانة الفارسية القديمة "المزدكية" الولى‪ ،‬وهم الذين زادوا في‬
‫انحراف التشيع‪ ،‬ولذلك قال النوبختي الشيعي‪ :‬ومنهم كان بدء الغلو في القول حتى قالوا‪ :‬إن الئمة آلهة وإنهم أنبياء وإنهم‬
‫رسل‪ ،‬وقالوا بالتناسخ وإبطال القيامة‪( ،‬انظر‪ :‬النوبختي‪ /‬فرق الشيعة ص ‪ ،36‬ابن النديم‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪،344-342‬‬
‫السفراييني‪ /‬التبصير في الدين‪ :‬ص ‪ ،80-79‬الملطي‪ /‬التنبيه والرد‪ :‬ص ‪ ،22‬الغزالي‪ /‬فضائح الباطنية‪ :‬ص ‪ 14‬وما بعدها)‪].‬‬
‫[القرامطة‪ :‬إحدى فرق السماعيلية التي سبق التعريف بها ص‪ .97 :‬وهم يسمون‬ ‫أتباع بابك الخرمي‪ ،‬وقرامطة‬
‫البحرين‬ ‫بالقرامطة نسبة إلى رجل يقال له‪ :‬حمدان قرمط كان أحد دعاتهم في بداية أمرهم (فضائح الباطنية‪ :‬ص ‪].)12‬‬

‫أتباع أبي سعيد الجنابي وغيرهم [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].1/114 :‬‬


‫ولشك في أن إظهار بدعة الرفض على أنها السلم هو من أعظم أسباب الصد عن سبيل ال‪ ،‬إذ‬
‫كيف يقبل عاقل خرافة الغيبة والرجعة والطعن في الصحابة والتأويلت الباطنية؟!‬
‫ول يبعد اليوم أن إقامة دولة اليات في إيران وسيلة لهذا الغرض لمواجهة تطلعات المسلمين لعودة‬
‫الخلفة ووحدة المة‪ ،‬وللحد من انتشار مظاهر الصحوة السلمية في العالم‪ ..‬فإن إقامة دولة تشوه‬
‫السلم‪ ،‬وتعطي صورة مخالفة لتطلعات المسلمين وآمالهم من شأنه أن يحبط المال ويطفئ وقدة‬
‫التطلعات وشعلة الحماس في شباب المسلمين‪.‬‬
‫والمستعمر الكافر معنيّ بمعرفة هذه التجاهات البدعية‪ ..‬على يد ثلة ممن يسمون "بالمستشرقين"‬
‫والذين يعمل معظمهم كمستشارين في وزارات الخارجية‪ ،‬وبالتالي فإن سياسات الدول الكبرى تتخذ‬
‫منهجها من تقارير المستشرقين المبنية على دراسة تاريخية وطائفية لمة السلم‪ ..‬والمستعمر الكافر‬
‫لم ينس تاريخه معنا‪ ،‬كما شهدت بذلك مواقفة وأقوال بعض قادته‪ ،‬وكما كشف ذلك بعض الوربيين‬
‫[وقد تحدث عن ذلك في‬ ‫الذين دخلوا في السلم كالستاذ محمد أسد في كتابه "السلم على مفترق الطرق"‬
‫فصل بعنوان "شبح الحروب الصليبية" وقال‪" :‬إن الحروب الصليبية هي التي عينت في المقام الول والمقام الهم موقف أوربة‬
‫من السلم لبضعة قرن تتلو" (السلم على مفترق الطرق‪ :‬ص ‪ .)55‬وقال‪" :‬لقد استفادت أوربا أكثر مما استفاد العالم السلمي‬
‫منها‪ ،‬ولكنها لم تعترف بهذا الجميل وذلك بأن تنقص من بغضائها للسلم‪ ،‬بل كان المر على العكس‪ ،‬فإن تلك البغضاء قد‬
‫نمت مع تقدم الزمن ثم استحالت عادة‪ ،‬ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبي كلما ذكرت كلمة مسلم‪ .‬ولقد دخلت في‬
‫المثال السائرة عندهم حتى نزلت في قلب كل أوربي رجلً أو امرأة"‪( .‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)60-59‬‬
‫ويقول بأن هذه المشاعر العدائية ظلت حية بعد جميع أدوار التبادل الثقافي واستمرت في تطور رغم أن الشعور الديني الذي‬
‫كان سبب هذا العداء قد أخلى مكانه‪ .‬ويقول بأن هذا ليس بغريب إذ إنه من المقرر في علم النفس أن النسان قد يفقد جميع‬
‫العتقادات الدينية في تلقنها في أثناء طفولته‪ ،‬بينما تظل عنده بعض الخرافات الخاصة تتحدى كل تعليل عقلي (المصدر السابق‪:‬‬
‫ص ‪.)61-60‬‬
‫وأقول‪ :‬إن مقررات علم النفس هذه إنما تنطبق على أديان أوروبا ل دين الفطرة دين السلم‪.].‬‬

‫‪728‬‬
‫وسواء كان قيام دولة اليات‪ ،‬أو تصاعد المد الشيعي في العالم السلمي مقصودا للعدو الكافر أو‬
‫غير مقصود فإنه بل شك له آثاره في الصد عن سبيل ال‪ ،‬وظهور الزندقة المقنعة التي ينخدع بها‬
‫المسلمون‪ ،‬وهذا هو الداء الكبر‪ ،‬وهذا ما يتضح بالمسألة التالية‪:‬‬

‫ظهور فرق الزندقة واللحاد‪:‬‬


‫يذكر شيخ السلم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬أن مبدأ ضلل السماعيلية والنصيرية وغيرهم من الزنادقة‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫الملحدة المنافقين تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث‬
‫‪.].4/3‬‬
‫وكان أئمة العبيديين إنما يقيمون مبدأ دعواهم بالكاذيب التي اختلقتها الرافضة ليستجيب لهم بذلك‬
‫الشيعة الضلل‪ ،‬ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة إلى القدح في علي ثم في اللهية كما رتبه‬
‫لهم صاحب البلغ الكبر والناموس العظم‪ ،‬ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر واللحاد‬
‫[منهاج السنة‪.].4/3 :‬‬
‫"فالرافضة هم الباب لهؤلء الملحدين منهم يدخلون إلى سائر أصناف اللحاد في أسماء ال‪ ،‬وآيات‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫كتابه المبين‪ ،‬كما قرر ذلك روؤس الملحدة من القرامطة والباطنية وغيرهم من المنافقين"‬
‫‪.].1/3‬‬
‫وقد تبين ‪ -‬فيما مضى ‪ -‬كيف أن روايات الثني عشرية وأحاديثها التي يزعمون تلقيها عن آل‬
‫البيت هي المناخ الملئم‪ ،‬والتربة الصالحة لظهور الفكار الغالية وخروج الفرق الملحدة‪ ،‬لنها جمعت‬
‫"حثالة" آراء وأقوال الفرق الشيعية الشاذة بمختلف اتجاهاتها‪ ،‬والتي فرقت المة وأفسدت عليها أمرها‪،‬‬
‫والتي وصلتنا أقوالها بواسطة كتب الفرق والمقالت‪ ،‬ثم وجدنا روايات الثني عشرية تشهد لهذه‬
‫التجاهات وتؤيدها [انظر‪ :‬ص(‪ )980-979‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫ومن هنا انبثق من الثني عشرية فرق كثيرة اشتهر غلوها وكفرها كالشيخية والكشفية والبابية‬
‫وغيرها‪ .‬وقد قال صاحب المنتقى بأن "الرفض مأوى شر الطوائف‪[ "..‬انظر‪ :‬المنتقى‪ :‬ص ‪.].77‬‬
‫ثم ذكر جملة من فرق الزندقة واللحاد الذين يعيشون تحت مظلة الرفض‪ ،‬ولذا قال الغزالي‪" :‬إن‬
‫مذهب الباطنية ظاهره الرفض‪ ،‬وباطنه الكفر المحض" [فضائح الباطنية‪ :‬ص ‪.].37‬‬
‫فهم كفرة يتظاهرون بالتشيع‪ ..‬ويبدو أن هؤلء يشكلون السواد العظم منهم حتى ذكر شيخ السلم‬
‫ابن تيمية أن "كثيرا من أئمة الرافضة وعامتهم زنادقة وملحدة ليس لهم غرض في العلم ول في‬
‫الدين" [منهاج السنة‪.].4/70 :‬‬
‫فجو التشيع مناخ خصب لمختلف النحل والهواء‪ ،‬وقد سجل محب الدين الخطيب أن التشيع كان‬
‫عاملً من عوامل انتشار الشيوعية والبهائية في إيران [الخطوط العريضة‪ :‬ص ‪.].45-44‬‬
‫محاولة إضلل المسلمين في سنة نبيهم‪:‬‬

‫‪729‬‬
‫ومن آثارهم الفكرية أن طائفة منهم اندسوا في رجال الحديث وحاولوا إدخال بعض الروايات التي‬
‫تخدم التشيع‪ ..‬حتى وُجدت مادة من هذه اللون في معاجم أهل السنة ودواوين الحديث عندهم‪ ،‬لكن تنبه‬
‫لذلك رجال الحديث فبينوا الحق وكشفوا الكيد الرافضي‪ ،‬وقد بين الشيخ السويدي هذا الثر الذي تركه‬
‫هؤلء الروافض حينما قال‪" :‬إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث‪ ،‬وسمعوا الحاديث من ثقات‬
‫المحدثين وحفظوا أسانيد أهل السنة الصحيحة‪ ،‬وتحلوا في الظاهر بحلي التقوى والورع بحيث كانوا‬
‫يعدون من محدثي أهل السنة‪ ،‬فكانوا يروون الحاديث صحاحا وحسانا‪ ،‬ثم أدرجوا في تلك الحاديث‬
‫موضوعات مطابقة لمذهبهم‪ ،‬وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنة‪ ،‬فضلً عن العوام ولكن‬
‫قيض ال ‪ -‬بفضله ‪ -‬أئمة الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ‬
‫والحمد ل على ذلك‪.‬‬
‫وقد أقرت طائفة منهم بالوضع بعدما انكشف حالهم‪ ،‬ثم قال السويدي‪" :‬وتلك الحاديث الموضوعة‬
‫[التفضيلية أو المفضلة هم الذين‬ ‫إلى الن موجودة في المعاجم والمصنفات وقد تمسك بها أكثر التفضيلية‬
‫[السويدي‪/‬‬ ‫يفضلون عليا على أبي بكر وعمر من الزيدية وغيرهم‪( .‬انظر‪ :‬التسعينية لبن تيمية‪ :‬ص ‪ .].)40‬والمتشيعة"‬
‫نقض عقائد الشيعة (مخطوط غير مرقم الصفحات‪ ،‬وبالعد ينظر ص ‪ ،26-25‬وانظر‪ :‬اللوسي‪ /‬السيوف المشرقة‪ :‬ص ‪50‬‬

‫(مخطوط)‪ ،‬ومختصر التحفة‪ :‬ص ‪.].32‬‬


‫ويقول اللوسي بأن ممن يستخدم هذه الوسيلة جابر الجعفي [السيوف المشرقة‪ :‬ص ‪ ،].50‬وذكر ابن القيم‬
‫أن الحافظ أبا يعلى قال في كتابه الرشاد‪ :‬وضعت الرافضة من فضائل علي رضي ال عنه وأهل‬
‫البيت نحو ثلثمائة ألف حديث‪ ،‬وعقب على ذلك ابن القيم بقوله‪ :‬ول نستبعد هذا؛ فإنك لو تتبعت ما‬
‫عندهم من ذلك لوجدت المر كما قال [المنار المنيف‪ :‬ص ‪.].116‬‬
‫دخولهم في مذهب أهل السنة ‪ -‬في الظاهر ‪ -‬للضلل‪:‬‬
‫ومن الثار الفكرية التي تركها الكيد الرافضي هو ما وقع بسبب قيام طائفة من شيوخهم بالدخول‬
‫في مذهب أهل السنة في الظاهر وتلقبوا بالحنفي والشافعي زيادة في الضلل‪ ،‬وألفوا مصنفات تؤيد‬
‫[ولهم في ذلك مسالك مختلفة كشفها صاحب التحفة الثني عشرية‪ :‬فهم قد يؤلفون كتابا في فضائل‬ ‫المذهب الرافضي‬
‫الخلفاء الربعة‪ ،‬فإذا جاءوا لذكر فضائل علي ضمنوه ما يؤيد مذهب الرفض من دعوة النص‪ ،‬والقدح في الصحابة (انظر‪:‬‬
‫تفصيل ذلك في التحفة الثني عشرية‪ /‬الورقة‪ 46 :‬مخطوط)‪.‬‬
‫ويؤلفون كتابا في فقه بعض الماذهب ينشرونها في الوساط التي ل تعتنق هذا المذهب‪ ،‬ويضمنون هذا المهذب شناعات‬
‫عظيمة مثل‪ :‬الخذ بالقياس مع رد الحاديث‪ ،‬أو إقرار بعض الفواحش‪ ،‬ويشير صاحب التحفة في هذا الصدد إلى كتاب ألفوه‬
‫ونسبوه للمام مالك وهو‪" :‬المختصر" وضعوا فيه على المام جواز اللواط بالبعيد‪( .‬انظر‪ :‬تفصيل ذلك في المصدر السابق‪/‬‬
‫الورقة ‪ 45‬ب)‪.‬‬
‫وقد يؤلفون كتبا يزعمون فيها أنهم كانوا على مذهب أهل السنة ثم تبين لهم بطلنه فرجعوا (مثل كتابهم "لماذا اخترت‬
‫مذهب الشيعة" والذي نسبوه لمن أسموه مرعي النطاكي)‪ .‬ولهم مسالك بسطها يحتاج لمؤلف مستقل‪.].‬‬

‫‪730‬‬
‫كما قام بعض شيوخهم المتسترين بالنتساب للسنة بابتداع بعض الفكار المشابهة للفكر الشيعي‬
‫وطرحها في الوسط السلمي‪ ..‬ويرى الشيخ محمد أبو زهرة بأن الطوفي نجم الدين (المتوفى سنة‬
‫‪716‬هـ) قد تعمد الترويج للمذهب الشيعي بهذه الوسيلة في بحثه عن المصلحة الذي قرر فيه بأن‬
‫المصلحة تقدم على النص؛ لن هذا مسلك شيعي حيث عند الشيعة أن للمام أن يخصص أو ينسخ‬
‫النص بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فالطوفي قد أتى بالفكرة كلها‪ ،‬وإن لم يذكر كلمة المام وأبدلها بالمصلحة ليروج القول وينشر‬
‫الفكرة‪ ،‬ثم يقرر أبو زهرة بأن الطوفي في تهوينه في شأن النص ونشر فكرة نسخه أو تخصيصه‬
‫[انظر‪ :‬ابن‬ ‫بالمصالح المرسلة قد أراد تهوين القدسية التي تعطيها الجماعة السلمية لنصوص الشارع‬
‫حنبل‪ :‬ص ‪ ،326‬وقد ترجم أبو زهرة للطوفي‪ ،‬وأثبت أنه من الشيعة (المصدر السابق‪ :‬ص ‪ .)325-324‬وقد اعتمد أبو زهرة‬
‫في حكمه على الطوفي بما جاء عنه في طبقات الحنابلة لبي يعلى‪.].‬‬
‫بل إن الروافض استغلوا التشابه في أسماء بعض أعلمهم مع أعلم أهل السنة وقاموا بدس فكري‬
‫رخيص يضلل الباحثين عن الحق‪ ..‬حيث ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه‬
‫موافقا لحد منهم في السم واللقب لسندوا حديث رواية ذلك الشيعي أو قوله إليه‪.‬‬
‫ومن ذلك محمد بن جرير الطبري المام السني المشهور صاحب التفسير والتاريخ‪ ،‬فإنه يوافقه في‬
‫[وله مصنفات في مذهب الرفض مثل‪ :‬المسترشد في‬ ‫هذا السم محمد بن جرير بن رستم الطبري من شيوخهم‬
‫المامة‪ ،‬ونور المعجزات في مناقب الئمة الثني عشر (انظر في ترجمته‪ :‬جامع الرواة‪ ،83-2/82 :‬بحار النوار‪،1/177 :‬‬
‫تنقيح المقال‪ ،2/91 :‬وانظر‪ :‬ابن حجر‪ /‬لسان الميزان‪ ،].)5/103 :‬وكلهما في بغداد‪ ،‬وفي عصر واحد‪ ،‬بل كانت‬
‫وفاتهما في سنة واحدة‪ ،‬وهي سنة (‪310‬هـ)‪ .‬وقد استغل الروافض هذا التشابه فنسبوا للمام ابن‬
‫مع أنه‬ ‫[انظر‪ :‬ابن النديم‪ /‬الفهرست‪ :‬ص ‪].335‬‬ ‫جرير بعض ما يؤيد مذهبهم مثل‪ :‬كتاب المسترشد في المامة‬
‫لهذا الرافضي [انظر‪ :‬طبقات أعلم الشيعة في المائة الرابعة‪ :‬ص ‪ ،252‬ابن شهراشوب‪ /‬معالم العلماء‪ :‬ص ‪ ،].106‬وهم‬
‫[انظر‪ :‬الميني النجفي‪/‬‬ ‫إلى اليوم يسندون بعض الخبار التي تؤيد مذهبهم إلى ابن جرير الطبري المام‬
‫الغدير‪.].216-1/214 :‬‬
‫ولقد ألحق صنيع الروافض هذا ‪ -‬أيضا ‪ -‬الذى بالمام الطبري في حياته وقد أشار ابن كثير إلى‬
‫أن بعض العوام اتهمه بالرفض‪ ،‬ومن الجهلة من رماه باللحاد [انظر‪ :‬البداية والنهاية‪ .].11/146 :‬وقد نسب‬
‫إليه كتاب عن حديث غدير خم يقع في مجلدين‪ ،‬ونسب إليه القول بجواز المسح على القدمين في‬
‫الوضوء [انظر‪ :‬البداية والنهاية‪.].11/146 :‬‬
‫ويبدو أن هذه المحاولة من الروافض قد انكشف أمرها لبعض علماء السنة من قديم‪ ،‬فقد قال ابن‬
‫كثير‪ :‬ومن العلماء من يزعم أن ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك‪ ،‬وينزهون أبا جعفر‬
‫من هذه الصفات [انظر‪ :‬البداية والنهاية‪.].11/146 :‬‬

‫‪731‬‬
‫وهذا القول الذي نسبه ابن كثير لبعض أهل العلم هو عين الحقيقة كما تبين ذلك من خلل كتب‬
‫[انظر أيضا في‬ ‫التراجم‪ ،‬ومن خلل آثارهما‪ ،‬وأين الثرى من الثريا‪..‬؟ فالفرق بين آثار الرجلين ل يقاس‬
‫التفرقة بين الرجلين مجلة المجمع العلمي العراقي‪ ،‬المجلد التاسع‪ :‬ص ‪ ،].345‬وعقيدة المام ابن جرير ل تلتقي مع‬
‫الرفض بوجه [انظر ‪ -‬مثلً ‪ -‬جزء في العتقاد لبن جرير الطبري‪ :‬ص ‪ ،].7-6‬فهو أحد أئمة السلم علما‬
‫وعملً بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫[وهو أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن علي الطبري‪ ،‬من علماء‬ ‫وهناك رافضي آخر يدعى بأبي جعفر الطبري‬
‫المامية في القرن السادس (انظر‪ :‬طبقات أعلم الشيعة (في القرن السادس) ص ‪ ،].)278 ،242‬وهو غير الول‪ ،‬وإن‬
‫[فنسب كتاب بشارة المصطفى للول (ابن رستم) في حين أنه للخير (ابن‬ ‫كان الستاذ فؤاد سزكين قد خلط بينهما‬
‫رغم أنه يفصلهما عن بعض أكثر من قرنين‪ .‬وقد نشرت ‪ -‬لهذا‬ ‫أبي القاسم) (انظر‪ :‬تاريخ التراث‪].)260 :‬‬

‫الرافضي الخير ‪ -‬جريدة المدينة المنورة حكاية موضوعة بعنوان‪" :‬عقد الزهراء" وما كانت لتأخذ‬
‫[جريدة المدينة‪ /‬عدد (‪ )4621‬الثلثاء ‪ 24‬رجب‬ ‫طريقها للنشر لول استغلل الروافض للتشابه في السماء‬
‫‪1399‬ه‍‪ ،‬ص‪ ،7 :‬اختيار محمد سالم محمد‪ ،‬نقلً عن كتاب بشارة المصطفى‪ ،‬وكتاب "بشارة المصطفى" هذا قد تناهى في الغلو‪،‬‬
‫ففيه تأويل الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر (ص ‪ ،)238‬وفيه قوله بأن من شك في تقديم علي وتفضيله ووجوب طاعته‪،‬‬
‫ووليته محكوم بكفره وإن أظهر السلم (ص ‪.].)51‬‬
‫[كابن قتيبة؛ فإنهما رجلن‪ :‬أحدهما عبد ال بن قتيبة رافضي غال‪ ،‬وعبد ال بن مسلم بن‬ ‫ومثل ابن جرير آخرون‬
‫قتيبة من ثقات أهل السنة‪ ،‬وقد صنف كتابا سماه بالمعارف فصنف ذلك الرافضي كتابا وسماه بالمعارف قصدا للضلل‪ .‬انظر‪:‬‬
‫مختصر التحفة الثني عشرية ص ‪ ،32‬مختصر الصواقع ص ‪( 51‬مخطوط)‪ ،‬والسويدي‪ /‬نقض عقائد الشيعة‪ :‬ص ‪25‬‬
‫(مخطوط)‪.‬‬
‫وقد احتار الباحثون في نسبة كتاب المامة والسياسة إلى ابن قتيبة السني لما فيه من أباطيل‪ ،‬وحاول بعضهم التعرف على‬
‫المؤلف فلم يفلح حتى قال‪" :‬لقد حاولت كثيرا أن أتعرف على شخصية المؤلف الحقيقي لكتاب المامة والسياسة ولكني لم أعثر‬
‫على شيء" (عبد ال عسيلن‪ /‬المامة والسياسة‪ :‬ص ‪.)20‬‬
‫بل قد طرح افتراض أن يكون المؤلف من أتباع المام مالك (المصدر السابق ص‪ )20 :‬رغم أن الكتاب فيه المسحة‬
‫الرافضية جلية واضحة‪ ،‬حيث الطعن في الصحابة ودعوى أن عليا رفض بيعة أبي بكر لنه ‪ -‬كما يزعم ‪ -‬أحق بالمر‪ ،‬وقد‬
‫ساق د‪ .‬عبد ال عسيلن أمثلة لذلك من الكتاب المذكور (المصدر السابق‪ :‬ص ‪ ،)19 ،18 ،17‬وغاب عنه وعن الكثيرين‬
‫الدسائس الرافضية‪ ،‬وأن ابن قتيبة رجلن‪ ،‬وكتاب المامة والسياسة هو لذلك الرافضي‪ ،‬بل لم أر من نبه على ذلك مع‬
‫أهميته‪ ،].‬والمقام ل يحتمل البسط‪ ،‬فإن هذا المر يستحق دراسة خاصة‪.‬‬
‫نشر الرفض في العالم السلمي‪:‬‬
‫مما يبين مدى الثر الرافضي في نشر عقائدهم في أوساط المسلمين ما سجل في نصوصهم القديمة‬
‫من أنه لم يقبل فكرتهم إل أهل مدينة واحدة هي الكوفة‪.‬‬
‫[بحار النوار‪:‬‬ ‫قال أبو عبد ال‪" :‬إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة"‬
‫‪ ،100/259 ،60/209‬وعزاه إلى بصائر الدرجات‪.].‬‬

‫‪732‬‬
‫[انظر‪ :‬مقدمة الرسالة‪ :‬ص‬ ‫فالتشيع لم يجد موطنا في بلد السلم إل في الكوفة لبعدها عن العلم وأهله‬
‫‪ .].6‬وهذا من آثار ابن سبأ‪ ،‬فقد كان له نشاط مبكر في الكوفة‪ ،‬وما غادرها حتى ترك فيها خلية تعمل‬
‫على نهجه [انظر‪ :‬سليمان العودة‪ /‬عبد ال بن سبأ‪ :‬ص ‪.].49‬‬
‫وقد لحظ شيخ الكوفة وعالمها أبو إسحاق السبيعي (ت ‪127‬ه‍) التغير الذي طرأ على هذه البلدة‪،‬‬
‫فقد غادر الكوفة وهم على السنة‪ ،‬ل يشك أحد منهم في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما‪ ،‬ولكنه حينما‬
‫عاد إليها وجد فيها ما ينكر من القول "بالرفض" [انظر‪ :‬ص (‪.].)54‬‬
‫ثم ما لبث أن سرى داء الرفض إلى العالم السلمي حتى يذكر بعض الباحثين بأن الشيعة يشكلون‬
‫عشرة في المائة من مجموع المسلمين اليوم [روم لندو‪ /‬السلم والعرب‪ :‬ص ‪.].95‬‬
‫ودعاة التشيع في العصر يشكون خليا سرية نشطة تسرح في العالم السلمي لنشر الرفض‬
‫بموجب خطة مدروسة‪ ،‬وتموين مالي من الحوزات العلمية التي تستمد رصيدها المالي من عرق‬
‫وجهد أولئك التباع الغرار الذين خدرت أفكارهم‪ ،‬وشحنت عواطفهم بتلك الدعوى الجميلة الخادعة‬
‫"حب آل البيت" والتي ليس لشيوخ الشيعة نصيب منها إل السم والدعوى‪ ،‬فاستولوا على الموال‬
‫الكبيرة باسم خمس المام‪ ،‬وهذه الخليا السرية تتخذ شعارات أشبه ما تكون بشعارات الماسونية فهي‬
‫وأخرى باسم "جمعية أهل‬ ‫[انظر‪ :‬فكرة التقريب ص ‪].511‬‬ ‫تارة ترفع شعار "التقريب بين المذاهب السلمية"‬
‫البيت" [انظر‪ :‬فكرة التقريب ص ‪.].514‬‬
‫وبعد قيام دولة اليات في إيران تحولت السفارات للحكومة اليرانية إلى مراكز للدعوة إلى‬
‫الرفض‪ ،‬واستغلوا المراكز السلمية‪ ،‬والمساجد ول سيما في أيام الجمع للدعوة للتجاه الرافضي‪.‬‬
‫وقد نشرت مجلة المجتمع تحقيقا عما يجري من نشاط رافضي في أوربا قالت فيه‪" :‬تحولت‬
‫السفارات والقنصليات اليرانية في أوربا إلى مراكز لنشر عقيدتهم في أوساط المسلمين (ل الكفار)‬
‫المقيمين في أوربا‪ ،‬وتؤكد ذلك عشرات بل مئات وآلف الكتيبات والمنشورات الخاصة بالفكر‬
‫الشيعي‪ ،‬وتوزيع هذه الكتيبات على المسلمين الوربيين في أماكن تجمعهم وخاصة عند أبواب‬
‫المساجد‪ ،‬أو في البريد‪ ،‬أو من خلل وسائل أخرى‪ ..‬وحتى المراكز الثقافية والمكتبات تبدو وكأنها‬
‫أقيمت من أجل نشر دعوة التشيع دعوة التشيع اليراني بين القلية المسلمة في أوربا‪ ،‬فبالضافة إلى‬
‫ما تحتويه هذه المكتبات من كتب ونشرات حول الثورة اليرانية ومنهجها العقائدي‪ ..‬نجد أن القائمين‬
‫على هذه المكتبات ينظمون دروسا وندوات تتعلق في معظمها بالقضية العقدية‪.‬‬
‫ثم أشارت المجلة إلى أسماء بعض المكتبات في أوربا والتي تقوم بتنظيم محاضرات عقدية في فكر‬
‫الثورة اليرانية أيام الخميس والسبت من كل أسبوع‪ ،‬وتوزع خلل ذلك المجلت والكتيبات‬
‫والتسجيلت الصوتية‪ ..‬ويدعا إلى حضور هذه المحاضرات المسلمون كوسيلة من وسائل نشر المنهج‬
‫الشيعي على الطريقة اليرانية‪.‬‬

‫‪733‬‬
‫كما بدأت المراكز اليرانية بدفع بعض الشباب الذين غررت بهم وجعلتهم عملء للمنهجية اليرانية‬
‫إلى بعض مساجد المسلمين للتصال بالمصلين وخاصة أيام الجمع‪ ،‬حيث يتواجد عدد كبير من‬
‫المسلمين في صلة الجمعة‪ ..‬وأشارت المجلة إلى أن هذه التصالت غالبا من تؤدي إلى وقوع بعض‬
‫المصادمات والفتن داخل المسجد‪ ،‬وقدمت لذلك بعض المثلة‪ ،‬كما أشارت إلى أن هذه النشاطات‬
‫[انظر‪ :‬مجلة المجتمع‪ ،‬العدد‪ ،760 :‬السنة‬ ‫اليرانية بما تحدثه من فتن سيكون لها آثارها السلبية على المسلمين‬
‫السابعة عشرة ‪ 15‬رجب ‪1406‬ه‍‪.].‬‬
‫ونشاط "الروافض" متعدد الوجوه‪ ،‬متنوع الوسائل ل يراعى فيه مبدأ كحال أهل السنة‪ ،‬لن‬
‫الروافض يرون في "التقية" تسعة أعشار الدين‪ .‬وقد اعترف بعض علمائهم المعاصرين من حيث ل‬
‫[محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة‬ ‫يدري أن التقية عندهم هي ‪ -‬كما يقول بالحرف الواحد ‪" -‬الغاية تبرر الواسطة"‬
‫[أسلوب في‬ ‫يعني في سبيل الغاية التي تنشدها استخدم أي وسيلة‪ ،‬أي هي "الميكافيلية"‬ ‫في الميزان‪ :‬ص ‪].49‬‬
‫المعاملت يتسم بالخداع والمراوغة والغدر والنانية مبنى على مبدأ "الغاية تبرر الواسطة" وهو ينسب إلى المفكر اليطالي‬
‫(نيكول ماكيافلي ‪1527-1469‬م) رائد هذا المبدأ‪ ،‬والذي سجله في كتابه "المير" وقدمه لحد ملوك "أوربا" في القرون الوسطى‪.‬‬
‫التي اعتمدها الذين ل دين لهم في تحقيق أهدافهم‪..‬‬ ‫(انظر‪ :‬أحمد عطية‪ /‬القاموس السياسي‪ :‬ص ‪].)1106-1105‬‬

‫أما في السلم فإن الغاية ل تبرر ول تبيح الوسيلة المحرمة‪.‬‬


‫ولذلك فإن وسائل الروافض لنشر مذهبهم قد اكتست بألوان من الخداع والتغرير راح ضحيتها جملة‬
‫من القبائل المسلمة والفراد المسلمين‪ ..‬فقد دفعوا مجموعة من شيوخ القبائل إلى اعتناق الرفض عن‬
‫[في سنة ‪1326‬ه‍ كشف الشيخ العلمة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد لصديقه‬ ‫طريق إغرائهم بالمتعة‬
‫الشيخ رشيد رضا‪ ،‬ونشرتها مجلة المنار في المجلد السادس عشر‪ ،‬كشف أثناء سياحته في تلك الديار ما يقوم به علماء الشيعة‬
‫من دعوة العراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلل متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون الستمتاع بكثير من النساء‬
‫في كل وقت‪.‬‬
‫وقد نشرت الرسالة في مجلة المنار ولم يفصح عن اسم كاتبها في أول المر‪ ،‬ثم بيّن الشيخ رشيد فيما بعد اسم كاتب‬
‫الرسالة‪ ،‬حيث أشار إلى ذلك في المجلد (‪ ،)29‬وقال بأننا لم ننشر اسم الكاتب حينذاك لئل تؤذيه الحكومة الحميدية كما هو‬
‫معلوم من حالها (انظر‪ :‬مجلة المنار‪ ،‬المجلد (‪ ،)29‬وانظر أيضا‪ :‬المجلد‪ :‬الثاني ص ‪.].)687‬‬
‫وقد قدّم الحيدري في "عنوان المجد" بيانا خطيرا بالقبائل السنية التي ترفضت بجهود الروافض‬
‫وخداعهم فقال‪" :‬وأما العشائر العظام في العراق الذين ترفضوا من قريب فكثيرون‪ ،‬منهم ربيعة‪..‬‬
‫ترفضوا منذ سبعين سنة‪ ،‬وتميم وهي عشيرة عظيمة ترفضوا في نواحي العراق منذ ستين سنة بسبب‬
‫تردد شياطين الرافضة إليهم‪ .‬والخزاعل ترفضوا منذ أكثر من مائة وخمسين سنة وهي عشيرة عظيمة‬
‫من بني خزاعة فحرفت وسميت خزاعل‪ ..‬وعشيرة زبيد وهي كثيرة القبائل وقد ترفضت منذ ستين‬
‫سنة بتردد الرافضة إليهم وعدم العلماء عندهم‪.‬‬
‫ومن العشائر المترفضة بنو عمير وهم بطن من تميم‪ ،‬والخزرج وهم بطن من بني مزيقيا من‬
‫الزد‪ ،‬وشمرطوكه وهي كثيرة‪ ،‬والدوار‪ ،‬والدفافعة‪.‬‬

‫‪734‬‬
‫ومن المترفضة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها ل تحصى وترفضوا من قريب‪ ،‬وعشيرة‬
‫بني لم وهي كثيرة العدد‪ ،‬وعشائر الديوانية‪ ،‬وهم خمس عشائر‪ :‬آل أقرع‪ ،‬آل بدير‪ ،‬وعفج‪ ،‬والجبور‪،‬‬
‫وجليحة‪ ،‬والقرع ست عشرة قبيلة‪ ،‬وكل قبيلة كثيرة العدد‪ ،‬وآل بدير ثلث عشرة قبيلة وهي أيضًا‬
‫كثيرة العدد‪ ،‬وعفج ثماني قبائل كثيرة العدد‪ ،‬وجليحة أربع قبائل كثيرة العداد‪ ،‬والجبور كذلك‪ .‬ومن‬
‫عشائر العراق العظيمة المترفضة منذ مائة سنة فأقل عشيرة كعب وهي عشيرة عظمية ذات بطون‬
‫كثيرة‪[ "..‬عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد‪ :‬ص ‪.].118-112‬‬
‫وهكذا مضى الحيدري على هذا المنوال يذكر قبائل أهل السنة التي اعتنقت الرفض في غفلة من‬
‫أهل السنة‪ ،‬ولنهم انخدعوا بأقاويل الروافض‪ :‬دعونا نلتق ونتعاون‪ ،‬وهيا إلى الوحدة والتقارب‪،‬‬
‫والمذهب الشيعي ل يعدو الخلف بينه وبين أهل السنة الخلف بين المذاهب السنية نفسها‪ ،‬فهيأ أهل‬
‫السنة بسكوتهم الرضية لشيوخ الرافضة لنشر مذهبهم‪ ،‬وإل لو أعلن الحق وُبيّن لما انخدع بالرفض‬
‫أحد‪.‬‬
‫وهم ل يزالون إلى اليوم ينشرون معتقدهم على كل المستويات‪.‬‬
‫ولهم اهتمامات بالتصال ببعض رؤساء الدول الذين يتوسمون فيهم الستجابة لمذهبهم‪ ،‬كما فعل‬
‫[خدا (بالفارسية) ال‪ .‬وبنده‪ :‬عبد‪ .‬أي عبد ال‪.‬‬ ‫قديما ابن المطهر الحلي مع خدا‬
‫وخدا بنده هو الثامن من ملوك اليلخانية‪ ،‬والسادس من ذرية جنكيز خان واسمه الحقيقي الجايتو بن أرغون بن أبغا بن‬
‫هولكو‪ .‬قال ابن كثير‪" :‬أقام سنة على السنة‪ ،‬ثم تحول إلى الرفض وأقام شعائره في بلده"‪( .‬البداية والنهاية‪ )14/77 :‬ذلك أنه‬
‫كان حديث عهد بدين السلم‪ ،‬ول معرفة له بالعقيدة السلمية‪ ،‬وتاريخ السلم‪ ،‬فالتقى بابن المطهر الحلي فزين له مذهب‬
‫الرافضة الباطل‪ ،‬فدخل فيه جميع عشائره وقبائله وأتباعه‪.‬‬
‫وقد صنف ابن المطهر تصانيف كثيرة كنهج الحق‪ ،‬ومنهاج الكرامة وغيرهما لدعوة السلطان المذكور‪ ،‬وإغرائه بالتمسك‬
‫بالمذهب الرافضي‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وقد جرت في أيامه فتن كبار‪ ،‬ومصائب عظام فأراح ال منه البلد والعباد"‪ .‬وقصم عمره وهو ابن ست‬
‫وثلثين سنة‪ .‬وبعدما توفي السلطان المذكور تاب انه في سنة ‪710‬ه‍ من الرفض ورجع عن هذه العقيدة الخبيئة بإرشاد أهل‬
‫السنة‪ ،‬وأبعد الروافض‪ ،‬فهرب الحلي إلى الحلة وسائر علمائهم (انظر‪ :‬التحفة الثني عشرية‪ /‬الورقة ‪" 43‬مخطوط" وتعليقات‬
‫بنده‪ ،‬وقد كان لذلك آثاره المعروفة تاريخيا‪ ،‬وكما فعلوا حديثا‬ ‫محب الدين الخطيب على المنتقى ص ‪].)19-18‬‬

‫مع الزعيم الليبي‪ ،‬حيث بدت من الخير بوادر التجاه الرافضي في الرأي والولء‪.‬‬
‫كما قاموا بشراء بعض أصحاب القلم والعقول الخاوية من اليمان واستكتبوها للدعاية للتشيع‬
‫[كما ترى ذلك في بعض كتبهم التي ترسل للعالم السلمي للدعاية للتشيع‪ ،‬ويستكتب فيها أمثال‬ ‫والتقديم لكتب الشيعة‬
‫هؤلء كما في كتاب "أصل الشيعة"‪ ،‬و"عقائد المامية" وغيرهما‪.].‬‬
‫ويقومون بانتقاء الذكياء من الطلب والطالبات في العالم السلمي ويعطونهم منحا دراسية في قم‬
‫ليغسلوا أدمغتهم ويربوهم على الرفض حتى يعودا لبلدانهم ناشرين للرفض داعين له‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫يقول شيخ الزهر‪" :‬النباء التي تصلني من كافة أنحاء العالم السلمي تدل على أن هذه الحركة‬
‫اليرانية الخومينية الن تنشر العنف‪ ،‬وتحاول أن تستقطب الشباب بوجه خاص في كثير من البلدان‬
‫السلمية بالغراءات المتعددة المالية والدراسية في إيران وغير ذلك من السبل بقصد إحداث الفرقة‬
‫باستقطاب هؤلء الشباب‪ ،‬ودفعهم إلى إثارة الخلفات في بلدهم وبين شعوبهم‪ ..‬وأعتقد أنه على‬
‫الشعوب السلمية أن تكون حذرة فيما تساق إليه بواسطة الخمينية أو غيرها‪ ،‬فهي حركة من‬
‫[أخبار اليوم‪ ،‬العدد‪)2160( :‬‬ ‫الحركات الموفدة لتفتيت المة السلمية وبث الصراع والخلف فيما بينها"‬
‫السنة ‪ ،42‬السبت ‪ 11‬رجب ‪1406‬ه‍‪.].‬‬
‫ظهور اتجاه رافضي عند بعض الكتاب المنتسبين للسنة‪:‬‬
‫وظهر في كتابات بعض المفكرين من المنتسبين لهل السنة "لوثات" من الفكر الرافضي‪ ،‬وبرزت‬
‫كتابات لهؤلء متأثرة بالشبهات التي يثيرها "الروافض" في أمر المامة والصحابة‪ ،‬والمطالع لما يكتبه‬
‫ثلة من المفكرين والدباء حول تاريخ صد السلم‪ ،‬أو "نشأة الفكر الفلسفي في السلم" أو "مسائل‬
‫المامة والخلفة" يدرك مدى تأثير الكيد الرافضي في تحوير الحقائق أمام هؤلء‪.‬‬
‫وأنا ل أشك أن هناك من هذا الصنف "زمرة" مرتزقة قد أغراها بريق المال ودفعها "متاع الغرور"‬
‫لتقول ما قالت‪ ،‬ولتكتب ما سطرت‪ ،‬والروافض يدفعون المال "للرموز المشهورة" حتى يكتبوا للناس ما‬
‫يتفق والمذهب الرافضي ومن قديم قال بعض السلف‪ :‬لو أردت أن يملؤوا داري ورقا وأكذب على‬
‫علي لفعلوا وال ل كذبت عليه أبدا [وهو الشعبي‪ .‬انظر‪ :‬السنة للمام عبد ال بن أحمد‪.].2/549 :‬‬
‫فكيف اليوم وقد كثر المال في أيديهم‪ ،‬وقلت المانة في نفوس الكثيرين وغرتهم الدنيا وغرهم بال‬
‫[على حد المثل القائل‪" :‬كل إناء بما فيه ينضح" والقائل‪" :‬رمتني بدائها وانسلت" يتهم رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت‬ ‫الغرور‬
‫محمد جواد مغنية الستاذ محمد حسين هيكل بأنه قد حذف في الطبعة الثانية لكتابه‪" :‬حياة محمد" نصا من نصوص مقابل ‪500‬‬
‫جنيه‪ .‬كل ذلك لن هيكل حذف نصا موضوعا تبين له ضعفه فتدراكه في طبعة تالية فأول هذا الرافضي بمقتضى صنيع قومه‬
‫وما يفعلون‪ ،‬فانظر وتعجب (انظر‪ :‬محمد جواد مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪" 18‬الهامش")‪.].‬‬
‫وإذا أردت مثالً على هذا التأثر الفكري بالمنهج الرافضي فإليك ذلك‪ :‬هذا د‪ .‬علي سامي النشار‬
‫صاحب كتاب "شهداء السلم في عصر النبوة" يكتب كتابا باسم "نشأة الفكر الفلسفي في السلم"‬
‫ويضع فيه ما تقر به عيون الروافض فيكفر فيه بعض صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول‬
‫مثلً عن معاوية رضي ال عنه‪" :‬ومهما قيل في معاوية‪ ،‬ومهما حاول علماء المذهب السلفي المتأخر‪،‬‬
‫وبعض أهل السنة من وضعه في نسق صحابة رسول ال‪ ،‬فإن الرجل لم يؤمن أبدا بالسلم‪ ،‬ولقد كان‬
‫يطلق نفثاته على السلم كثيرا ولكنه لم يستطع أكثر من هذا" [نشأة الفكر الفلسفي‪.].2/19 :‬‬
‫فانظر إلى عظيم افترائه‪ ..‬وهل يعهد مثل هذا القول إل من الروافض وأشباههم‪ ..‬وكيف يتفوه‬
‫مسلم بهذه المقالة في صحابي جاهد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث شهد معه غزوة حنين‬

‫‪736‬‬
‫[انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم‪ ،].4/458 :‬وكان أمينا عنده يكتب له الوحي‪ ،‬وكان متوليا على المسلمين‬
‫أربعين سنة نائبا ومستقلً يقيم معهم شعائر السلم [مجموع فتاوى شيخ السلم‪].4/472 :‬؟‪.‬‬
‫ثم هو يفتري على أهل السنة حين يزعم أن القول بصحبة معاوية هو قول للبعض من أهل السنة‪،‬‬
‫وكأن الكثرية على مذهبه‪ ،‬وهذا كذب واختلق كمسلك الروافض في الكذب‪ ،‬فإن إيمان معاوية رضي‬
‫ال عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].4/477 :‬‬
‫وقال أيضا عن أبيه (أبو سفيان بن حرب)‪" :‬ولقد كان أبو سفيان زنديقا أي ممن يؤمنون بالمجوسية‬
‫الفارسية" [نشأة الفكر الفلسفي‪ ،].2/31 :‬مع أن أبا سفيان قد استعمله النبي صلى ال عليه وسلم نائبا له‪،‬‬
‫وتوفي النبي صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان عامله في نجران‪ ،‬فكيف يكون زنديقا والنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يأتمنه على أحوال المسلمين في العلم والعمل؟! [مجموع فتاوى شيخ السلم‪.].35/66 ،4/454 :‬‬
‫ويوافق أهل الرفض في قولهم بأن قلة من الصحابة كانوا يرون الحق لعلي‪ ،‬وأن المر قد نزع‬
‫منه‪ ..‬يقول‪" :‬وقد أحسّ قلة من خلص الصحابة أن المر نزع من علي للمرة الثالثة‪ ،‬وأنه إذا كان‬
‫المر قد سلب منه أولً لكي يعطى للصاحب الول‪ ،‬ثم يأخذ منه ثانيا لكي يعطى للصاحب الثاني فقد‬
‫أخذ منه ثالثا لكي يعطى لشيخ متهاوٍ متهالك ل يحسن المر ول يقيم العدل يترك المر لبقايا قريش‬
‫الضالة" [نشأة الفكر الفلسفي في السلم‪ .].1/228 :‬وهو يقصد بهذا الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن‬
‫عفان رضي ال عنه‪ ،‬الذي اتفق الصحابة على خلفته‪ ..‬فكأنه يزري بهم جميعا بهذه الفرية‪.‬‬
‫ويقول عن الرافضة التي تتسمى بالثني عشرية والتي قالت كل ما مضى من كفر وشنيعة‪،‬‬
‫واستفاض ذمهم ومقتهم في كلم أئمة السلم‪ .‬يقول‪" :‬إن الفكار الفلسفية للشيعة الثني عشرية هي‬
‫في مجموعها إسلمية بحتة" [نشأة الفكر الفلسفي في السلم‪.].1/13 :‬‬
‫[حدثني د‪ .‬محمد رشاد سالم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬أنه طرأ على حياة الرجل‬ ‫فانظر إلى هذه المفارقات الغريبة وتعجب‬
‫بسبب‪ :‬علقة مصاهرة مع زوجة كافرة مشبوهة‪ ،‬وسفر لوربا بإلزام عبد الناصر‪ ،‬ووضع مالي سيء ما كان له أثره على‬
‫فكره ونهجه‪ ،‬ول يستكثر مثل هذا على من ينال من صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.].‬‬
‫ويقول ‪ -‬وكأنه المتحدث أحد الروافض ‪ -‬بأن شيعة علي الذين أحبوه عن يقين وإيمان‪ ،‬وساروا‬
‫في ركب المام وهم على إيمان مطلق بأنه الثر الباقي لحقيقة السلم الكبرى‪ ،‬وبجانب هذا "العثمانية"‬
‫و"الموية" الذين كرهوا السلم أشد الكراهية‪ ،‬وامتلت صدورهم بالحقد الدفين نحو رسول ال وآله‬
‫وأصحابه [نشأة الفكر الفلسفي في السلم‪.].229-228/:1 :‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا مثال واحد أكتفي به‪ ،‬لن هذه المسألة تستحق دراسة نقدية مستقلة‪.‬‬

‫تشويه تاريخ المسلمين‪:‬‬


‫للرافضة كتابات في التاريخ تعمدوا الساءة فيها لتاريخ المة السلمية كما في روايات وأخبار‬
‫[محمد بن السائب بن بشبر الكلبي‪ ،‬قال ابن حبان‪ :‬كان الكلبي سبئيا من أولئك الذين يقولون‪ :‬إن عليا لم يمت وإنه‬ ‫الكلبي‬

‫‪737‬‬
‫راجع إلى الدنيا‪ ،‬توفي سنة (‪146‬ه‍) (ميزان العتدال‪ ،3/558 :‬وانظر‪ :‬ابن أبي حاتم‪ /‬الجرح والتعديل‪ ،271-7/270 :‬تهذيب‬
‫[لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الزدي (أبو مخنف) من أهل الكوفة‪ ،‬قال ابن عدي‪:‬‬ ‫التهذيب‪ ،].)9/178 :‬وأبي مخنف‬
‫شيعي محترق صاحب أخبارهم‪ ،‬توفي سنة (‪157‬ه‍)‪ ،‬له تصانيف كثيرة منها‪" :‬الردة"‪ ،‬و"الجمل"‪ ،‬و"صفين" وغيرها‪.‬‬
‫[نصر بن‬ ‫(انظر‪ :‬ميزان العتدال‪ ،420-3/419 :‬العلم للرزكلي ‪ ،].)111-6/110‬ونصر بن مزاحم المنقري‬
‫مزاحم بن سيار المنقري الكوفي‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬رافضي جلد تركوه‪ ،‬توفي سنة ‪212‬ه‍‪ ،‬ومن كتبه‪ :‬وقعة صفين‪ ،‬وهو مطبوع‪،‬‬
‫والجمل‪ ،‬ومقتل الحسين‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬ميزان العتدال‪ ،4/253 :‬العقيلي‪ /‬الضعفاء الكبير ‪ ،4/30‬ابن أبي حاتم‪ /‬الجرح والتعديل‪ ،8/468 :‬لسان الميزان‪:‬‬
‫‪ ،6/157‬العلم‪ ،].)8/350 :‬والتي توجد حتى عند الطبري في تاريخه‪ ،‬لكن الطبري يذكرها مسندة لهؤلء‬
‫[انظر‪ :‬روايات الكلبي في تاريخ الطبري‪،3/168 ،465 ،370 ،272 ،238 ،2/237 ،1/355 :‬‬ ‫فيعرف أهل العلم حالها‬
‫‪.364 ،349 ،6/103 ،5/449 ،368 ،4/108 ،425 ،286 ،274‬‬
‫وروايات أبي مخنف وهي كثيرة جدا في أكثر من ‪ 300‬موضع‪ .‬وقال المستشرق بل ‪ A.Bel‬في دائرة المعارف السلمية‪:‬‬
‫‪ :1/399‬صنف (يعني أبا مخنف) ‪ 32‬رسالة في التاريخ‪ ،‬عن حوادث مختلفة وقعت في إبان القرن الول للهجرة‪ ،‬وقد حفظ لنا‬
‫الطبر معظمها في تاريخه‪ ،‬أما المصنفات التي وصلت إلينا منسوبة إليه فهي من وضع المتأخرين‪( .‬انظر‪ :‬العلم‪-6/111 :‬‬
‫الهامش)‪.‬‬
‫وروايات نصر بن مزاحم‪( .487 ،485 ،465 ،4/458 :‬انظر‪ :‬فهارس الطبري التي وضعها أبو الفضل إبراهيم في ج‪‍10‬‬
‫من التاريخ)‪.].‬‬
‫وكما في كتابات المسعودي في مروج الذهب‪ ،‬واليعقوبي في تاريخه‪ ..‬وقد أشار الستاذ محب‬
‫الدين الخطيب في حاشية العواصم إلى أن التدوين التاريخي إنما بدأ بعد الدولة الموية‪ ،‬وكان للصابع‬
‫الباطنية والشعوبية المتلفعة برداء التشيع دور في طمس معالم الخير فيه وتسويد صفحاته الناصعة‬
‫[انظر‪ :‬العواصم من القواصم (الحاشية) ص‪.].177:‬‬
‫ويظهر هذا الكيد لمن تدبر كتاب العواصم من القواصم لبن العربي مع الحاشية الممتازة التي‬
‫وضعها عليه العلمة محب الدين الخطيب‪.‬‬
‫لقد سوّد شيوخ الروافض آلف الصفحات بسب أفضل قرن عرفته البشرية‪ ،‬وصرفوا أوقاتهم‬
‫وجهودهم لتشويه تاريخ المسلمين‪.‬‬
‫وكانت هذه المادة "الرافضية" الكبيرة والتي تجدها في كتب التاريخ التي وضعها الروافض‪ ،‬أو‬
‫شاركوا في بعض أخبارها‪ ،‬وتراها في كتب الحديث عندهم كالكافي‪ ،‬والبحار‪ ،‬وفي ما كتب شيوخهم‬
‫في القديم كإحقاق الحق‪ ،‬وفي الحديث ككتاب الغدير‪.‬‬
‫هذه المادة السوداء المظلمة الكريهة الشائهة هي المرجع لما كتبه أعداء المسلمين من المستشرقين‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وجاء ذلك الجيل المهزوم روحيا‪ ،‬والذي يرى في الغرب قدوته وامثولته من المستغربين فتلقف ما‬
‫كتبته القلم الستشراقية وجعلها مصدره ومنهله‪ ..‬وتبنى أفكارهم ونشر شبهاتهم في ديار المسلمين‪.‬‬
‫وكان لذلك أثره الخطير في أفكار المسلمين وثقافاتهم‪ ،‬وكان الرفض هو الصل في هذا الشر كله‪.‬‬
‫‪738‬‬
‫وإن دراسة آراء المستشرقين وصلتها بالشيعة لهي موضوع هام يستحق الدراسة والتتبع‪ ..‬ول‬
‫يمكن بحال أن نخوض غماره في هذا البحث لضيق المجال‪ ،‬وحسبنا أن نشير إليه وننبه عليه‪.‬‬
‫لقد بدأت استفادة العدو الكافر من شبهات الروافض وأكاذيبهم ومفترياتهم على السلم والمسلمين‬
‫منذ وقت ليس بالقريب‪.‬‬
‫ففي عصر المام ابن حزم (ت ‪456‬ه‍) كان النصارى يتخذون من فرية الروافض حول كتاب ال‬
‫سبحانه حجة لهم في مجادلة أهل السلم‪ ،‬وقد أجاب ابن حزم عن ذلك بكل حزم فأبان أنه ل عبرة‬
‫بأقوال هذه الفئة‪ ،‬لن الروافض ليسوا من المسلمين [انظر‪ :‬ص(‪ )1256‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫أثرهم في الدب العربي‪:‬‬
‫لم يسلم الدب ودولة الشعر والنثر من تأثير أهل التشيع فيه‪ ،‬وقد ترك التشيع بصماته "السوداء"‬
‫على الدب العربي‪ ..‬وقد استغل "شعراء" الشيعة وخطباؤها ما يسمى بمحن آل البيت في إثارة‬
‫عواطف الناس واستجاشة مشاعرهم وإلهاب العواطف والنفوس‪ ،‬وتحريكها ضد المة ودينها‪.‬‬
‫وتلمس في بعض ما وصلنا من "أدب" بعض التجاهات العقدية عند الشيعة‪ ،‬وتلمح المبالغة في‬
‫تصوير ما جرى على أهل البيت من محن‪ ،‬واستغلل ذلك في نشر التشيع‪ ،‬والطعن في الصحابة‬
‫رضوان ال عليه‪.‬‬
‫وقد أجهد رواد التشيع أنفسهم في نشر الخرافات والساطير عن أئمتهم في ثوب قصصي مثير‪ ،‬أو‬
‫في خطبة أو في شعر مبالغ في الغلو في مدح الئمة‪.‬‬
‫ولقد تأثرت عقائد العامة وتصوراتهم‪ ،‬حتى أثر ذلك على عقيدة التوحيد عندهم فاتخذوا من الئمة‬
‫أربابا من دون ال‪.‬‬
‫يقول الستاذ محمد سيد كيلني‪:‬‬
‫"فترى أن التشيع قد أخرج لونا من الدب كان سببا في الهبوط بالمسلمين إلى هوة سحيقة من‬
‫التأخر والنحطاط‪ ،‬وقد أفلح الوهابيون في القضاء على كثير من هذه الخرافات في داخل بلدهم‪ ،‬أما‬
‫[أثر التشيع في الدب‬ ‫في القطار السلمية الخرى فالحال باقية كما هي عليه حتى بين طبقة المتعلمين"‬
‫العربي‪ /‬محمد سيد كيلني‪ :‬ص ‪ ،43‬دار الكتاب العربي بمصر‪.].‬‬
‫[وتسمى القصيدة الهائية‬ ‫ويكفي هذا مطالعة القصيدة المشهورة والمعتمدة عندهم وهي "القصيدة الزرية"‬
‫لشيخهم محمد كاظم الزري المتوفى سنة ‪1211‬ه‍ (الذريعة‪ ،)17/135 :‬وللستاذ محمود الملح نقد لهذه القصيدة سماه "الرزية‬
‫ل عن المظفر ‪ :-‬إن شيخهم صاحب الجواهر‬
‫في القصيدة الزرية" ذكر أنه قدم لها شيخهم محمد رضا المظفر‪ ،‬وقال ‪ -‬نق ً‬
‫(وهو محمد بن حسن بن باقر النجفي المتوفى سنة ‪1266‬ه‍‪ ،‬والجواهر هو شرح "شرائع السلم" من كتبهم المعتمدة في الفقه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محمد جواد مغنية‪ /‬مقدمته لـ "شرائع السلم") كان يتمنى أن تكتب في ديوان أعماله "القصيدة الزرية" مكان كتابه‬
‫"جواهر الكلم" ثم ذكر بعض أبياتها وهي تعج بالكفر الصريح‪ ،‬كقوله عن علي‪:‬‬
‫ففي عين كل شيء تراها‬ ‫وهو الية في المحيط في الكون‬
‫وقوله‪:‬‬

‫‪739‬‬
‫أنت مولى بقائها وفناها‬ ‫كل ما في القضاء من كائنات‬
‫(انظر‪ :‬الرزية في القصيدة الزرية‪ :‬ص ‪.].)35-33‬‬
‫كما اتخذوا من حرفة الدب وسيلة للنيل من المة بالساءة لسمعة خلفائها‪ ،‬وتشويه صورة المجتمع‬
‫المسلم‪ ،‬حيث نجد تضخيم الجانب الهزلي والمنحرف والضال في المجتمع‪ ،‬بل تصوير المجتمع‬
‫وخليفته بصورة هابطة كما فعلوا مع الخليفة هارون الرشيد وأخباره مع أبي نواس‪ ،‬وهو الخليفة الذي‬
‫يغزو عاما ويحج عاما‪ ،‬كما وجدوا في الدب متنفسا لهم‪ ،‬حيث ترتفع التقية في جو العاطفة والخيال‪..‬‬
‫فيصبوا أحقادهم وكرههم للخليفة والمة في قصة أو شعر أو مثل أو خطبة‪ ..‬ويكفي كمثال على ذلك‬
‫كله الطلع على كتاب الغاني للرافضي أبي الفرج الصفهاني‪.‬‬

‫المجال السياسي‬
‫الشيعة ‪ -‬كما تؤكد أصولهم ‪ -‬ل يؤمنون بشرعية أي دولة في العالم السلمي‪ ،‬ويرون أن الخليفة‬
‫على العالم السلمي طاغوت‪ ،‬ودولته غير شرعية‪ ،‬ول يستثنون من ذلك إل خلفة أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب وخلفة الحسن (وقد مضى أنهم يقولـون في رواياتهم‪ :‬كل راية ترفع قبل قيام‬
‫القائم فصاحبها طاغوت) [انظر‪ :‬ص(‪.].)738‬‬
‫ولهذا وجد العدو المتربص بالمة المسلمة ضالته المنشودة في الشيعة‪ ،‬وحقق الكثير من أغراضه‬
‫بواسطتها‪ ،‬لوجود هذه العقيدة التي من ثمارها فقدان الولء والطاعة‪ ،‬وإضمار العداء والكراهية للمير‬
‫والمأمورين من المسلمين‪.‬‬
‫ولذا كانت الزمر الرافضية أداة مطيعة بيد العدو‪ ،‬ومركبا ذلولً سخره للوصول إلى مآربه‪.‬‬
‫وكانت عقيدة التقية تيسر للعناصر الشيعية إحكام الخطط‪ ،‬وترتيب المؤامرات‪ ،‬فهم أشبه ما يكونون‬
‫بخلية سرية ماسونية تلبس للمة المسلمة رداء السلم‪ ،‬وترتدي ثوب المودة والطاعة لمام المسلمين‬
‫في الظاهر‪ ،‬وتعمل على الكيد له وللمة في الباطن‪ ،‬فقد قالوا‪" :‬خالطوهم بالبرانية وظاهروهم‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/220 :‬و"البرانية" هي العلنية‪ ،‬و"الجوانية" هي السر والباطني‪.‬‬ ‫بالجوانية إذا كانت المرة صبيانية"‬
‫(هامش الكافي‪.].)221-2/220 :‬‬
‫ولقد كان الشيعة في مختلف فترات التاريخ موضع استغلل من الملحدين يسخرونهم في خدمة‬
‫أغراضهم وتنفيذ مخططاتهم‪ ،‬وقد انضم رؤوس الزنادقة إلى ركب التشيع حتى يمكنهم الستفادة من‬
‫أولئك الرعاع‪ ،‬ولذا ذكر شيخ السلم "أن أكثر معتنقي التشيع ل يعتقدون دين السلم‪ ،‬إنما يتظاهرون‬
‫بالتشيع لقلة عقل الشيعة وجهلهم ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم" [انظر‪ :‬منهاج السنة‪.].2/48 :‬‬
‫وقد شهدت الوقائع والحداث أن التشيع كان مأوى لكل من يريد الكيد للسلم وأهله‪.‬‬
‫لقد وجدت طوائف من الفرس الذين قضى المسلمون على دولتهم في سبع نسين في التشيع ضالتهم‬
‫المنشودة‪ ،‬كذلك وجد يهود الفرصة سانحة لتحقيق أهدافهم عن طريق التشيع‪.‬‬

‫‪740‬‬
‫وإلى اليوم يتستر بالتشيع أعداء السلم والمتآمرين على أهله‪ ..‬وقد برزت أثناء الخلف بين‬
‫الفصائل الشيعية المنبثقة من الثني عشرية "اعترافات" من القوم أنفسهم تصدق هذا القول‪ ..‬فقد نقل‬
‫أحد الباحثين الشيعة بأن السفير الروسي في إيران ‪ -‬كنياز دكوركي كان يحضر دروس شيخهم‬
‫صاحب الكشفية إحدى فرق‬ ‫[انظر‪ :‬ترجمته في العلم للزركلي‪ ،6/67 :‬وانظر‪ :‬أحسن الوديعة‪].1/72 :‬‬ ‫الرشتي‬
‫الثني عشرية ‪ -‬كما مر [انظر‪ :‬ص(‪ )112‬من هذه الرسالة‪ -].‬والتي يلقيها في كربلء باسم مستعار هو‬
‫"الشيخ عيسى اللنكراني" وقد كشفت ذلك مجلة الشرق التي أصدرتها وزارة الخارجية الروسية‬
‫(السوفياتية) لسنة ‪1925-1924‬م [انظر‪ :‬آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص ‪.].53‬‬
‫كم كان الجنرال النكليزي المتقاعد جعيفر عليخان (ويبدو أنه اتخذ هذا السم للتمويه) كان يتزيا‬
‫بالزي الشيعي ويحضر هو الخر دروس كاظم الرشتي [آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص ‪.].53‬‬
‫ويعلل الباحث الشيعي هذه الظاهرة بأن العداء "كانوا على علم مسبق بأن سكان هذين القطرين ‪-‬‬
‫[آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص‬ ‫العراق وإيران ‪ -‬من المحبين لهل البيت فجاءوهم من الناحية العقائدية‬
‫‪ ..].53‬فأشاعوا بينهم ‪ -‬كما يقول ‪ -‬من خلل المذهب الكشفي الغلو في الئمة وجعلهم شركاء ل في‬
‫[آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص‬ ‫خلقه ورزقه‪ ..‬ونفي العقاب عن كل مرتكتب معصية صغيرة كانت أو كبيرة‬
‫‪.].54‬‬
‫ثم يقول‪" :‬وهكذا وجد الستعمار في هذه الديار العربية المسلمة أرضا خصبة لغرس شجرة العقيدة‬
‫الحنظلية" [انظر‪ :‬آل طعمة‪ /‬مدينة الحسين‪ :‬ص ‪.].54‬‬
‫وأقول‪ :‬ومن قبل كان للتجاه الصفوي دوره الخطير في بذر أصول الغلو على يد ثلة من شيوخ‬
‫السوء أمثال المجلسي والجزائري والكاشاني وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا العدو الذي لبس ثوب التشيع زروا‪ ،‬واندس في صفوف الشيعة قد يجد المكانة الرفيعة بينهم‪،‬‬
‫كيف وعقيدتهم في الجماع تجعل لقول الفئة المجهولة‪ ،‬ورأي الشخص المجهول الحقية على غيره‬
‫[وهو ل يعدم حينئذ شيئا من شهواته التي كان يمارسها قبل دخوله‬ ‫على احتمال أن يكون هذا المجهول هو المهدي‬
‫في التجاه الشيعي‪ ،‬فالشهوات الجنسية تتحقق له عن طريق المتعة وعارية الفرج واللواط بالنساء المقررة في شرعتهم‪.‬‬
‫والتكاليف الشريعة قد تخف بجمع الصلوات‪ ..‬وقد تسقط بحب آل البيت‪.‬‬
‫والجهاد معطل حتى يخرج المنتظر فل خوف على النفس ‪ ،‬وإن وصل إلى مرحلة الية والحجة والمرجعية فالذهب الرنان‬
‫يبذل تحت قديمه باسم الخمس‪.‬‬
‫و"البابوية" أو التقديس والتعظيم يناله باسم النيابة عن المنتظر‪.‬‬
‫فماذا يضيره حينئذ أن يندس في صفوفهم‪ ،‬ويعمل لقومه بين ظرانيهم متسترا بزي رجال الدين المتوشحين بالسواد عندهم‪،‬‬
‫وقد ينتسب إلى العترة ليجد الحظوة‪.].‬‬
‫هذا ومن يتتبع أحداث التاريخ وملحمه يرى أن معول مدعي التشيع كان من أخطر المعاول التي‬
‫أتت على الدولة السلمية من أطرافها‪ ،‬ذلك أنهم مع المسلمين في الظاهر‪ ،‬وهم من أعظم العداء لهم‬
‫في الباطن‪ ،‬حتى قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إن أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة‪ ،‬ومن انضوى إليهم‪،‬‬
‫‪741‬‬
‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫وكثير من السيوف التي سلت في السلم إنما كان من جهتهم‪ ،‬وبهم تسترت الزنادقة"‬
‫‪.].3/243‬‬
‫ولنهم يرون أن المسلمين أكفر من اليهود والنصارى [انظر‪ :‬ص ‪ 715-714‬من هذه الرسالة‪ ،].‬فهم‬
‫يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود والنصارى والمشركين‪ ،‬ويعادون أولياء‬
‫ال الذين هم خيار أهل الدين وسادات المتقين [منهاج السنة‪.].4/110 :‬‬
‫وقال شيخ السلم‪" :‬فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على‬
‫المسلمين" [منهاج السنة‪.].3/38 :‬‬
‫فقد شهد الناس أنه لما دخل هولكوا ملك الكفار الترك الشام سنة ‪658‬هـ كانت الرافضة الذين‬
‫كانوا بالشام من أعظم الناس أنصارا وأعوانا على إقامة ملكه وتنفيذ أمره في زوال ملك المسلمين‪،‬‬
‫وهكذا يعرف الناس عامة وخاصة ما كان بالعراق لما قدم هولكو إلى العراق وسفك فيها من الدماء‬
‫ما ل يحصيه إل ال‪ ،‬فكان وزير الخليفة ابن العلقمي والرافضة هم بطانته الذين عاونوه على ذلك‬
‫بأنواع كثيرة باطنة وظاهرة يطول وصفها [وسيأتي تفصيل بعض أحداثها في آخر هذا المبحث‪.].‬‬
‫وقبل ذلك كانت إعانتهم لجد هولكو هو جنكيز خان‪ ،‬فإن الرافضة أعانته على المسلمين‪.‬‬
‫وقد رآهم المسلمون بسواحل الشام وغيرها إذا اقتتل المسلمون والنصارى هواهم مع النصارى‬
‫يناصرونهم بحسب المكان‪ ،‬ويكرهون فتح مدائنهم كما كرهوا فتح عكا وغيرها‪ ،‬ويختارون إدالتهم‬
‫[هو أخو خدابنده‪ ،‬من أحفاد جنكيز خان ملك الترك‬ ‫على المسلمين حتى إنهم لما انكسر المسلمون سنة غازان‬
‫الكفار المسمون بالتتار‪ ،‬أما الواقعة التي يشير إليها شيخ السلم فانظر تفاصيل أحداثها في البداية والنهاية لبن كثير‪.].14/6 :‬‬
‫سنة تسع وتسعين وخمسمائة‪ ،‬وخلت الشم من جيش المسلمين عاثوا في البلد‪ ،‬وسعوا في أنواع من‬
‫الفساد من القتل وأخذ الموال‪ ،‬وحمل راية الصليب‪ ،‬وتفضيل النصارى على المسلمين وحمل السبي‬
‫والموال والسلح من المسلمين إلى النصارى بقبرص وغيرها‪ ،‬فهذا وأمثاله قد عاينه الناس‪ ،‬وتواتر‬
‫[منهاج السنة‪ ،3/244 :‬وانظر‪ :‬ص ‪39-38‬من نفس الجزء‪ ،‬وانظر‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،111-110‬والمنتقى‪ :‬ص‬ ‫عند من لم يعاينه‬
‫‪ ،332-329‬وتعليقات محب الدين الخطيب في هذا الموضوع‪.].‬‬
‫وقال‪" :‬وكذلك كانوا من أعظم السباب في استيلء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه‬
‫المسلمون منهم" [منهج السنة‪.].4/110 :‬‬
‫والحديث في هذا الباب ممتد‪ ،‬وقد حفلت كتب التاريخ بتصوير أحداثه المريرة‪.‬‬
‫وإذا كان هذا تأثير الشيعة الذين يعيشون داخل الدولة السلمية‪ ،‬فإن تأثير دول الشيعة التي قامت‬
‫[وقد ظهرت في العراق وقسم من إيران سنة ‪ ،334‬وانقرضت سنة‬ ‫أشد‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم عن دولة بني بويه‬
‫بأن هذه‬ ‫‪437‬هـ‪ ،‬والثنا عشرية تعدها من دولها‪( .‬انظر‪ :‬الشيعة في التاريخ ص ‪ ،98‬والشيعة في الميزان‪ :‬ص ‪].)148-138‬‬

‫الدولة قد انتظمت أصناف المذاهب المذمومة‪ :‬قوم منهم زنادقة‪ ،‬وفيهم قرامطة كثيرة ومتفلسفة‪،‬‬
‫ومعتزلة‪ ،‬ورافضة‪.‬‬
‫‪742‬‬
‫وقد حصل لهل السلم والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف‪ ،‬حتى استولى النصارى على‬
‫ثغور السلم‪ ،‬وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك‪ ،‬وجرت حوادث‬
‫كثيرة [مجوع فتاوى شيخ السلم‪.].4/22 :‬‬
‫وقال عن دولة خدا بنده [انظر‪ :‬ص ‪ 1203‬هامش (‪ )1‬من هذه الرسالة‪" :].‬وانظر ما حصل لهم في دولة‬
‫[يعني كتاب "منهاج الكرامة" الذي وضعه ابن المطهر الحلي ورد عليه‬ ‫السلطان خدا بنده الذي صنف له هذا الكتاب‬
‫كيف ظهر فيهم من الشر الذي لو دام وقوي أبطلوا به عامة شرائع السلم‬ ‫شيخ السلم في منهاج السنة‪].‬‬

‫[منهاج السنة‪:‬‬ ‫لكن يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ويأبى ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون"‬
‫‪ ،].3/244‬وكذلك كان المر أشد في الدولة الصفوية من بعد شيخ السلم‪.‬‬
‫وإلى اليوم يجري الثر الرافضي في أرض المسلمين فسادا من دولة اليات في إيران‪ ،‬ومن‬
‫منظماتهم في لبنان [انظر‪ :‬أمل والمخيمات الفلسطينية للدكتور محمد الغريب‪ ،].‬وفي خلياهم في دول الخليج‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ويذكر إحسان إلهي ظهير أن انفصال باكستان الشرقية كان وراءه الكيد الرافضي‪ ،‬حيث قال‪" :‬وها‬
‫هي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء "قزلباش" الشيعة يحيى خان في أيدي الهندوس"‬
‫[الشيعة والسنة‪ :‬ص ‪.].11‬‬
‫[انظر‪ :‬مظالم الشيعة‪ :‬ص ‪ ،10-9‬وقد قال‬ ‫وقد عارض شيوخ الشيعة في باكستان تطبيق الشريعة السلمية‬
‫زعيم الشيعة مفتي جعفر حسين في مؤتمر صحفي بأن الشيعة يرفضون تطبيق الحدود السلمية لنها ستكون على مذهب أهل‬
‫السنة‪( .‬البناء الكويتية في ‪1/5/1979‬م)‪].‬؛ لنها تحد من شهواتهم التي يمارسونها باسم المتعة‪ ،‬وتعاقبهم على‬
‫جرائمهم التي يستسهلون ارتكابها بحجة أن حب علي ل تضر معه سيئة‪.‬‬
‫وبعد‪ ..‬هذه إشارات لقضايا كبيرة‪ ،‬شرحها ودراستها يحتاج لمؤلفات‪.‬‬
‫وحسبي أن أختار مثالين منها للوقوف عندها قليلً لخذ العبرة‪:‬‬
‫الول‪ :‬يتصل بتأثير الشيعة داخل الدولة السلمية‪ ،‬وسأتوقف عند حادثة ابن العلقمي وتآمره‬
‫لسقاط الدولة السلمية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في تأثير دول الشيعة على المسلمين‪ ،‬وسأتوقف عند الدولة الصفوية‪.‬‬

‫مؤامرة ابن العلقمي الرافضي‪:‬‬


‫وملخص الحادثة أن ابن العلقمي كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم‪ ،‬وكان الخليفة على مذهب‬
‫أهل السنة‪ ،‬كما كان أبوه وجده‪ ،‬ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ‪ ،‬فكان هذا الوزير الرافضي يخطط‬
‫للقضاء على دولة الخلفة‪ ،‬وإبادة أهل السنة‪ ،‬وإقامة دولة على مذهب الرافضة‪ ،‬فاستغل منصبه‪،‬‬
‫وغفلة الخليفة لتنفيذ مؤامراته ضد دولة الخلفة‪ ،‬وكانت خيوط مؤامراته تتمثل في ثلث مراحل‪:‬‬

‫‪743‬‬
‫المرحلة الولى‪ :‬إضعاف الجيش‪ ،‬ومضايقة الناس‪ ..‬حيث سعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين‪،‬‬
‫وضعفتهم‪:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش‪ ،‬وإسقاط اسمهم من الديوان‪،‬‬
‫فكانت العساكر في أخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل‪ ..‬فلم يزل يجتهد في تقليلهم‪ ،‬إلى أن‬
‫لم يبق سوى عشرة آلف" [البداية والنهاية‪.].13/202 :‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬مكاتبة التتار‪ :‬يقول ابن كثير‪" :‬ثم كاتب التتار‪ ،‬وأطمعهم في أخذ البلد‪ ،‬وسهل‬
‫عليهم ذلك‪ ،‬وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف ا لرجال" [البداية والنهاية‪.].13/202 :‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس‪:‬‬
‫وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم‪،‬‬ ‫[منهاج السنة‪].3/38 :‬‬ ‫فقد نهى العامة عن قتالهم‬
‫وأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق‬
‫لهم‪ ،‬ونصفه للخليفة‪ ،‬فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والمراء والعيان‪..‬‬
‫فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومعن معه من قواد المة وطلئعها بدون أي جهد من التتر‪ .‬وقد أشار‬
‫أولئك المل من الرافضة وغيرهم على المنافقين على هولكو أن ل يصالح الخليفة‪ ،‬وقال الوزير ابن‬
‫العلقمي‪ :‬متى وقع الصلح على المناصفة ل يستمر هذا إل عاما أو عامين‪ ،‬ثم يعود المر إلى ما كان‬
‫عليه قبل ذلك‪ ،‬وحسنوا له قتل الخليفة‪ ،‬ويقال إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي‪ ،‬ونصير الدين‬
‫[وكان النصير عند هولكوا قد استصحبه في خدمته لما فتح قلع اللموت‪ ،‬وانتزعها من أيدي السماعيلية (ابن‬ ‫الطوسي‬
‫كثير‪ /‬البداية والنهاية‪.].) )13/201( :‬‬
‫ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول‬
‫والشبان‪ ،‬ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى‪ ،‬ومن التجأ إليهم‪ ،‬وإلى دار الوزير‬
‫ابن العلقمي الرافضي [البداية والنهاية‪.].202-13/201 :‬‬
‫وقد قتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أو أكثر أو أقل‪ ،‬ولم ير في السلم‬
‫ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر‪ ،‬وقتلوا الهاشميين‪ ،‬وسبوا نساءهم من العباسيين وغير‬
‫العباسيين‪ ،‬فهل يكون مواليا لل رسول ال صلى ال عليه وسلم من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم‬
‫وعلى سائر المسلمين [منهاج السنة‪.].3/38 :‬؟‬
‫وقتل الخطباء والئمة‪ ،‬وحملة القرآن‪ ،‬وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد‬
‫[البداية والنهاية‪.].13/203 :‬‬
‫وكان هدف ابن العلقمي "أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة‪ ،‬وأن يعطل المساجد‬
‫والمدارس‪ ،‬وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون بهذا مذهبهم فلم يقدره ال على ذلك‪ ،‬بل أزال‬
‫نعمته عنه وقصف عمره بعد شعور يسيرة من هذه الحادثة‪ ،‬وأتبعه بولده" [البداية والنهاية‪.].203-13/202 :‬‬

‫‪744‬‬
‫فتأمل هذه الحادثة الكبرى والخيانة العظمى‪ ،‬واعتبر بطيبة بعض أهل السنة إلى حد الغفلة بتقريب‬
‫أعدى أعدائهم‪ ،‬وعظيم حقد هؤلء الروافض وغلهم على أهل السنة‪ ،‬فهذا الرافضي كان وزيرا‬
‫للمستعصم أربع عشرة سنة‪ ،‬وقد حصل له من التعظيم والوجاهة ما لم يحصل لغيره من الوزراء‪ ،‬فلم‬
‫يجد هذا التسامح والتقدير في إزالة الحقد والغل الذي يحمله لهل السنة‪ ،‬وقد كشف متأخروا الرافضة‬
‫القناع عن قلوبهم‪ ،‬وباحوا بالسر المكنون فعدوا جريمة ابن العلقمي والنصير الطوسي في قتل‬
‫المسلمين من عظيم مناقبهما عندهم‪ .‬فقال الخميني في الشادة بما حققه نصير الطوسي‪ .." :‬ويشعر‬
‫الناس (يعني شيعته) بالخسارة‪ ..‬بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممن قدم خدمات‬
‫جليلة للسلم" [الحكومة السلمية‪ :‬ص ‪.].128‬‬
‫والخدمات التي يعني هنا هي ما كشفها الخوانساري من قبله في قوله في ترجمة النصير الطوسي‪:‬‬
‫"ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم‪ ..‬هولكو خان‪..‬‬
‫ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الستعداد إلى دار السلم بغداد لرشاد العباد وإصلح‬
‫البلد‪ ..‬بإبادة ملك بني العباس‪ ،‬وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام‪ ،‬إلى أن أسال من دمائهم‬
‫[روضات الجنات‪:‬‬ ‫القذار كأمثال النهار‪ ،‬فانهار بها في ماء دجلة‪ ،‬ومنها إلى نار جهنم دار البوار"‬
‫‪ ،301-6/300‬وانظر أيضا في ثناء الروافض على النصير الطوسي النوري الطبرسي‪ /‬مستدرك الوسائل‪ ،3/483 :‬القمي‪/‬‬
‫الكنى واللقاب‪.].1/356 :‬‬
‫فهم يعدون تدبيره ليقاع القتل العام بالمسلمين‪ ،‬من أعظم مناقبه‪ ،‬وهذا القتل هو الطريق عندهم‬
‫لرشاد العباد وإصلح البلد‪ ،‬ويرون مصير المسلمين الذي استشهدوا في هذه "الكارثة" إلى النار‪،‬‬
‫ومعنى هذا أن هولكو الوثني وهو الذي يصفه بالمؤيد‪ ،‬وجنده هم عندهم من أصحاب الجنة؛ لنهم‬
‫شفوا غيظ هؤلء الروافض من المسلمين‪ ،‬فانظر إلى عظيم هذا الحقد!! حتى صار قتل المسلمين من‬
‫أغلى أمانيهم‪ ..‬وصار الكفار عندهم أقرب إليهم من أمة السلم‪.‬‬
‫[وانظر أيضا في قصة تآمره‪ :‬ابن شاكر الكتبي‪ /‬فوات‬ ‫هذه قصة ابن العلقمي أوردتها معظم كتب التاريخ‬
‫الوفيات‪ ،2/313 :‬الذهبي‪ /‬العبر‪ ،5/225 :‬السبكي‪ /‬طبقات الشافعية‪ 263-8/262 :‬وغيرها‪ ،].‬وأقرتها كتب الرافضة‪،‬‬
‫وأشادت بها‪ ..‬ومع ذلك فقد حاول الراوفض المعاصرين توهين القصة والطعن في ثبوتها‪ ،‬وحجته أن‬
‫الذين ذكروا الحادثة غير معاصرين للواقعة‪ ،‬وحينما جاء على من ذكر الحادثة من معاصريها مثل‪:‬‬
‫أبي شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل (ت ‪665‬هـ) كان جوابه عن ذلك بأنه وإن عاصر‬
‫[انظر‪ :‬محمد الشيخ الساعدي‪/‬‬ ‫الحادثة معاصرة زمانية‪ ،‬لكنه من دمشق فلم تتوفر فيه المعاصرة المكانية‬
‫مؤيد الدين بن العلقمي وأسرار سقوط الدولة العباسية‪ ،‬وقد ساعدت جامعة بغداد على نشر الكتاب‪.].‬‬
‫وهي محاولة لرد ما استفاض أمره عند المؤرخين‪ ،‬كمحاولتهم في إنكار وجود ابن سبأ‪ ،‬وقد بحثت‬
‫في كتب التاريخ فوجدت شهادة هامة لحد كبار المؤرخين تتوفر فيه ثلث صفات‪ :‬الولى‪ :‬أن الشيعة‬
‫يعدونه من رجالهم‪ ،‬والثانية‪ :‬أنه من بغداد‪ ،‬والثالثة‪ :‬أنه متوفى سنة ‪674‬هـ‪.‬‬
‫‪745‬‬
‫فهو شيعي بغدادي معاصر للحادثة؛ ذلك هو المام الفقيه علي بن أنجب المعروف بابن الساعي‬
‫الذي شهد بجريمة ابن العلقمي فقال‪ ..." :‬وفي أيامه (يعني المستعصم) استولت التتار على بغداد‪،‬‬
‫وقتلوا الخليفة‪ ،‬وبه انقضت الدولة العباسية من أرض العراق‪ ،‬وسببه أن وزير الخليفة مؤيد الدين ابن‬
‫العلقمي كان رافضيا‪ ..‬ثم ساق القصة [مختصر أخبار الخلفاء‪ :‬ص ‪ ..].137-136‬وابن الساعي هذا ذكره‬
‫محسن المين من رجال الشيعة فقال‪" :‬علي بن أنجب البغدادي المعروف بابن الساعي له أخبار‬
‫الخلفاء ت ‪674‬هـ" [أعيان الشيعة‪.].1/305 :‬‬
‫ويكفي دللة على صلة الروافض بنكبة المسلمين وتمني حصول أمثالها هذا التشفي الذي صدر‬
‫على ألسنة شيوخهم المتأخرين والمعاصرين كالخوانساري‪ ،‬والخميني وأمثالهما‪.‬‬

‫[استمر ملك الدولة الصفوية من سنة ‪1905‬إلى سنة ‪1148‬هـ (مغنية‪ /‬الشيعة في الميزان‪ :‬ص‬ ‫الدولة الصفوية‬
‫‪:].)182‬‬
‫في الدولة الصفوية‪ ،‬والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي فرض التشيع الثني عشري على‬
‫اليرانيين قسرا‪ ،‬وجعل المذهب الرسمي ليران‪ ..‬وكان إسماعيل قاسيا متعطشا للدماء إلى حد ل يكاد‬
‫يصدق [علي الوردي‪ /‬لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث‪ :‬ص ‪ ،].56‬ويشيع عن نفسه أنه معصوم وليس‬
‫[كامل مصطفى الشيبي‪/‬‬ ‫بينه وبين المهدي فاصل‪ ،‬وأنه ل يتحرك إل بمقتضى أوامر الئمة الثني عشر‬
‫الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري‪ :‬ص ‪.].413‬‬
‫ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة‪ ،‬وكان يتخذ سب الخلفاء الثلثة وسيلة لمتحان اليرانيين‪،‬‬
‫فمن يسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلً‪" :‬بيش باد كم باد"‪ ..‬هذه العبارة تعني في اللغة‬
‫الذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه‪ ،‬أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه‬
‫العبارة قطعت رقبته حالً‪ ،‬وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع‪ ،‬والسواق وعلى المنابر منذرا‬
‫[كامل مصطفى الشيبي‪ /‬الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري‪:‬‬ ‫المعاندين بقطع رقابهم‬
‫ص ‪ ،].58‬وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق الرفض فورا بقوة السلح‪.‬‬
‫ويروى عنه أنه عندما فتح تبريز في بداية أمره وأراد فرض التشيع على أهلها بالقوة‪ ،‬أشار عليه‬
‫بعض شيوخهم أن يتريث‪ ،‬لن ثلثي سكان المدنية من أهل السنة‪ ،‬وأنهم ل يصبرون على سب الخلفاء‬
‫الثلثة على المنابر‪ ،‬ولكنه أجابهم‪" :‬إذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون ال فل‬
‫[كامل مصطفى الشيبي‪ /‬الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري‪:‬‬ ‫أبقي منهم أحدا حيا"‬
‫ص ‪ ،58‬وانظر‪ :‬تاريخ الصفويين‪ :‬ص ‪.].55‬‬
‫ومن ناحية أخرى اتخذ مسألة قتل الحسين وسيلة للتأثير النفسي‪ ،‬بالضافة إلى أسلوب التهديد‬
‫[الشيبي‪ /‬الفكر‬ ‫والرهاب فأمر بتنظيم الحتفال بذكر مقتل الحسين على النحو الذي يتبع الن عندهم‬
‫الشيعي‪ :‬ص ‪ .].415‬وأضاف إليه فيما يقال مجالس التعزية‪.‬‬
‫‪746‬‬
‫وهي التي يسمونها الن "الشبيه" ويجرى فيها تمثيل مقتل الحسين‪ ..‬فكان لهذا أثره على أولئك‬
‫العاجم حتى رأى بعضهم أنه من أهل العوامل في نشر التشيع في إيران‪ ،‬لن ما فيه من مظاهر‬
‫الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة العلم ودق الطبول وغيرهما يؤدي إلى تغلغل في العقيدة في‬
‫أعماق النفس والضرب على أوتارها الكامنة" [الوردي‪ /‬لمحات اجتماعية‪ :‬ص ‪.].59‬‬
‫ولقد آزر شيوخ الروافض سلطين الصفويين في الخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو وفرض ذلك‬
‫على مسلمي إيران بقوة الحديد والنار‪.‬‬
‫وكان من أبرز هؤلء الشيوخ شيخهم علي الكركي [علي بن هلل الكركي‪ ،‬هلك سنة (‪948‬هـ)‪ ،].‬الذي‬
‫يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني الذي قربه الشاه طهماسب‪ ،‬ابن الشاه إسماعيل وجعله المر المطاع في‬
‫الدولة‪ ،‬فاستحدث هذا الكركي بدعا جديدة في التشيع‪ ،‬فكان منها‪" :‬التربة التي يسجد عليها الشيعة الن‬
‫[الفكر الشيعي‪ :‬ص ‪ 416‬عن ترجمته في روضات الجنات ص‬ ‫في صلواتهم‪ .‬وقد ألف فيها رسالة سنة (‪933‬هـ)‬
‫‪ ،].404‬كما ألف رسالة في تجويز السجود للعبد [لمحات اجتماعية‪ :‬ص ‪ ،].63‬وذلك مسايرة للسلطان‬
‫[ولذا قال الحيدري بأن‬ ‫إسماعيل الصفوي الذي كان يغلو فيه أصحابه حتى إنهم يعبدونه ويسجدون له‬
‫إسماعيل خرج عن جادة الرفض‪ ،‬وادعى الربوبية‪ ،‬وكان يسجد له عسكره (عنوان المجد‪ :‬ص ‪.].)117-116‬‬
‫وكانت بدعه الكثيرة في المذهب الشيعي داعية للمصنفين من غير الشيعة إلى تلقيبه بمخترع الشيعة‬
‫[النواقض‪ /‬الورقة‪98 :‬ب‪ .].‬وقد ألف رسالة في لعن الشيخين ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬سماها "نفحات‬
‫اللهوت في لعن الجبت والطاغوت" [الفكر الشيعي‪ :‬ص ‪.].416‬‬
‫ويقال‪ :‬إنه هو الذي شرع السب في المساجد أيام الجمع [الفكر الشيعي‪ :‬ص ‪.].416‬‬
‫كذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية المجلسي‪ ،‬والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في‬
‫[دونلد سن‪/‬‬ ‫إيران حتى يقال بأن كتابه "حق اليقين" كان سببا في تشيع سبعين ألف سني من اليرانيين"‬
‫عقيدة الشيعة‪ :‬ص ‪.].302‬‬
‫والقرب أن هذا من مبالغات الشيعة‪ ،‬فإن الرفض في إيران لم يجد مكانه إل بالقوة والرهاب‪ ،‬ل‬
‫بالفكر والقناع‪.‬‬
‫ثم نشأ الجيل اللحق في جو المآتم الحسينية السنوية التي طورها الصفويون ليمتلئ الناشئ بتأثيرها‬
‫حقدا وغيظا حتى ل يكاد يستمع بسبب ذلك إلى حجة أو برهان‪.‬‬
‫وكان لكتاب المجلسي "بحار النوار" أثره في إشاعة الغلو بين الشيعة‪ ،‬حيث "جاء قراء التعزية‪،‬‬
‫وخطباء المنابر فصاروا يأخذون منه ما يروق لهم وبذا ملؤوا أذهان العامة بالغلو والخرافة"‪.‬‬
‫وقد كان هذا الكتاب من أوائل المؤلفات التي طبعت على نطاق واسع في العهد القاجاري‪ ،‬وقد‬
‫وردت منه إلى العراق نسخ كثيرة مما أدى إلى انتشار معلوماته الغثة في أوساط الشعب العراقي على‬
‫منوال ما حدث في إيران [لمحات اجتماعية‪ :‬ص ‪.].78-77‬‬

‫‪747‬‬
‫كذلك ل ينسى الجانب الخر من آثر الدولة الصفوية‪ ،‬وذلك في حروبها لدولة الخلفة السلمية‪،‬‬
‫وتعاونها مع العداء من البرتغال ثم النجليز ضد المسلمين‪ ،‬وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول‬
‫[انظر تفاصيل ذلك في‪ :‬تاريخ الصفويين ص ‪ 93‬وما بعدها‪ ،‬وانظر‪:‬‬ ‫المبشرين والقسس‪ ،‬مع محاربتهم للسنة وأهلها‬
‫حاضر المعالم السلمي للدكتور جميل المصري‪ :‬ص ‪.].117‬‬
‫هذه بعض أثار دولهم وأفرادهم في هذا المجال‪..‬‬
‫ومن كلمات شيخ السلم ابن تيمية (الخالدة) والمهمة في هذا الموضوع‪ ،‬والتي إذا طبقتها على‬
‫الواقع‪ ،‬وإذا استقرأت من خللها وقائع التاريخ رأيت صدقها كالشمس قوله ‪ -‬رحمه ال ‪:-‬‬
‫"فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه‪ ،‬وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في‬
‫السلم‪ ،‬فإنه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة‪ ،‬وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا‪ ،‬وأنهم ل يقعدون‬
‫عما يمكنهم من الفتن والشرور وإيقاع الفساد بين المة" [منهاج السنة‪.].3/243 :‬‬
‫ونحن قد علمنا بالمعاينة والتواتر أن الفتن والشرور العظيمة التي ل تشابهها فتن‪ ،‬إنما تخرج عنهم‬
‫[منهاج السنة‪.].3/245 :‬‬

‫المجال الجتماعي‬
‫وهو باب واسع سأشير لبعض معالمه‪.‬‬
‫أولً‪ :‬علقتهم مع المسلمين‪:‬‬
‫الشيعة يعيشون مع المسلمين‪ ،‬ويحملون الهوية السلمية‪ ،‬ول يوجد تمييز لهم عن غيرهم‪،‬‬
‫والصل في علقة المسلمين الحب والمودة والتكافل واليثار‪.‬‬
‫والسلم أرسى دعائم الود بين المسلم وأخيه‪ ،‬وقدم جيل الصحابة رضوان ال عليهم أعظم صور‬
‫المحبة والوفاء امتثالً لهدي القرآن والسنة‪ ،‬ول شك في أن صورة التلحم تلك كانت هدفا من أهداف‬
‫العدو المتربص بالمة‪.‬‬
‫وكانت مؤامراته في تقويض البناء المتماسك كثيرة‪ ..‬ولقد اندس هؤلء في التشيع وأعملوا من‬
‫خلله الهدم والتخريب لهذا الساس المتين في المجتمع السلمي‪.‬‬
‫ولهذا كان من الشائع والمستفيض أن علقة الشيعي مع غيره مبنية على حب اليذاء بأي وسيلة‪،‬‬
‫واتخاذ ذلك قربة عند ال‪.‬‬
‫وإن إضمار العداء والكره من صفاتهم‪.‬‬
‫وإن عدم الوفاء ومراعاة الحقوق من طبيعتهم‪.‬‬
‫وإن الغدر والخيانة والمكر والخديعة من أعمالهم المعروفة عنهم‪ ،‬والتي تصل إلى حد القتل‪.‬‬
‫قال شيخ السلم‪" :‬وأما الرافضي فل يعاشر أحدا إل استعمل معه النفاق؛ فإن دينه الذي في قلبه‬
‫دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة‪ ،‬وغش الناس‪ ،‬وإرادة السوء بهم‪ ،‬فهو ل يألوهم خبالً ول يترك‬
‫‪748‬‬
‫شرا يقدر عليه إل فعله بهم‪ ،‬وهو ممقوت عند من ل يعرفه‪ ،‬وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على‬
‫وجهه سيما النفاق وفي لحن القول‪ ،‬ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن ل حاجة به إليه لما في قلبه‬
‫من النفاق الذي يضعف قلبه‪[ "..‬منهاج السنة‪.].3/260 :‬‬
‫وقد قدّم العلمة الشوكاني مشاهدات شخصية من خلل معايشته للرافضة في اليمن‪ ،‬وكشف من‬
‫خلل ذلك أمورا عجيبة وأكد أنه "ل أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير‬
‫الرفض‪ ،‬بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له‪ ،‬لنه عنده مباح الدم والمال‪ ،‬وكل ما يظهره‬
‫من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة" [طلب العلم‪ :‬ص ‪.].71-70‬‬
‫وبيّن حقيقة ذلك بالتجربة العملية مع هذه الطائفة فقال‪" :‬وقد جربنا هذا تجريبا كثيرا فلم نجد‬
‫رافضيا يخلص المودة لغير رافضي‪ ،‬وإن آثره بجميع ما يملكه‪ ،‬وكان له بمنزلة الخول‪ ،‬وتودد إليه‬
‫بكل ممكن‪ ،‬ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ول غيرها ما نجده عند هؤلء من العداوة لمن‬
‫خالفهم‪ ،‬ثم لم نجد عند أحد ما نجد عندهم من التجري على شتم العراض المحترمة‪ ،‬فإنه يلعن أقبح‬
‫اللعن‪ ،‬ويسب أفظع السب كل من تجري بينه وبينه أدنى خصومة وأحقر جدال‪ ،‬وأقل اختلف‪ ،‬ولعل‬
‫سبب هذا وال أعلم أنهم لما تجرّؤا على سب السلف الصالح هان عليهم سب من عداهم‪ ،‬ول جرم‪،‬‬
‫فكل شديد ذنب يهون ما دونه" [طلب العلم‪ :‬ص ‪.].71‬‬
‫وقد أشار الشوكاني ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬إلى أنهم ل يتورعون من اقتراف أي جريمة في المجتمع‬
‫السلمي‪ ،‬ول يتنزهون عن فعل أي محرم‪ ،‬فقال‪ :‬وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلً رافضيا‬
‫يتنزه عن محرمات الدين كائنا من كان ول تغتر بالظواهر؛ فإن الرجل قد يترك المعصية في المل‬
‫ويكون أعف الناس عنها في الظاهر‪ ،‬وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من ل يخاف نارا ول‬
‫يرجو جنة‪.‬‬
‫ثم استشهد على ذلك ببعض مشاهداته الشخصية فقال‪" :‬وقد رأيت منهم من كان مؤذنا ملزما‬
‫للجماعات فانكشف سارقا‪ ،‬وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء‪ ،‬وله سمت حسن وهدي‬
‫عجيب وملزمة للطاعة‪ ،‬وكنت أكثر التعجب منه كيف يكون مثله رافضيا ثم سمعت بعد ذلك عنه‬
‫بأمور تقشعر لها الجلود وترجف منها القلوب"‪ ،‬ثم ذكر رجلً ثالثا كان به رفض يسير ثم تطور به‬
‫الرفض حتى ألف في مثالب جماعة من الصحابة‪ .‬قال الشوكاني‪" :‬وكنت أعرف عنه في مبادئ أمره‬
‫صلبة وعفة‪ ،‬فقلت‪ :‬إذا كان ولبد من رافضي عفيف فهذا‪ ،‬ثم سمعت عنه بفواقر‪ ،‬نسأل ال الستر‬
‫والسلمة" [طلب العلم‪ :‬ص ‪.].73‬‬
‫ثم قال ‪ -‬رحمه ال ‪" :-‬وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين ومن يقدرون‬
‫على ظلمه كائنا من كان فل يحتاج إلى برهان‪ ،‬بل يكفى مدعيه إحالة منكره على الستقرار والتتبع‬
‫فإنه سيظفر عند ذلك بصحة ما ذكرناه" [طلب العلم‪ :‬ص ‪.].74‬‬

‫‪749‬‬
‫هذه "مشاهدات" مهمة سجلها الشوكاني‪ ،‬وبيّن كيف يفعل "الرفض" بصاحبه وأثر ذلك في علقته مع‬
‫المسلمين‪ ،‬لنه يقيم مع هذه "الفئة" من الرافضة في اليمن والتي خرجت من نطاق الزيدية إلى الرفض‬
‫[الزيدية الجارودية‪ :‬هي وإن تسمت بالزيدية فهي رافضة تكفر صحابة رسول ال‬ ‫كما هو معروف عن الجارودية"‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ولذلك فإن شيخ المامية "المفيد" في كتابه "أوائل المقالت" أخرج الزيدية من دائرة التشيع واستثنى منهم‬
‫"الجارودية" لنهم على مذهبه‪ .‬انظر‪ :‬ص(‪ )42‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫هذه "الشهادة" من الشوكاني قد يقول قائل‪ :‬إنها من خصم للرافضة‪ ،‬فل تؤخذ عليهم‪ ..‬والحقيقة أن‬
‫أهل السنة أعدل وأنصف وأتقى من الوقوع في ظلم هذه الطوائف والكذب عليها‪ ،‬كما أثبتت ذلك‬
‫الوقائع "بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض‪ ،‬وهذا ما يعترفون هم به ويقولون‪:‬‬
‫أنتم تتصفوننا ما ل ينصف بعضنا بعضا" [منهاج السنة‪.].3/39 :‬‬
‫وقد وقفت على نص مهم في الكافي للكليني يشهد لكلم الشوكاني ويعترف بصدق ما قاله‪،‬‬
‫والعتراف سيد الدلة‪ ..‬ويبيّن طبيعة الرافضي في علقاته مع الناس‪.‬‬
‫جاء في الكافي أن أحد الشيعة ويسمى عبد ال بن كيسان قال لمامهم‪" :‬إني‪ ..‬نشأت في أرض‬
‫[هيئة أهل‬ ‫فارس‪ ،‬وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك‪ ،‬فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت‬
‫الخير‪ /‬هامش الكافي‪ ،].2/4 :‬وحسن الخلق‪ ،‬وكثرة أمانة‪ ،‬ثم أفتشه فأتبينه من عدواتكم (يعني من أهل‬
‫[الزعارة‪ :‬سوء الخلق‪ ،‬وفي بضع النسخ‬ ‫السنة) وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/4 :‬تفسير نور الثقلين‪:‬‬ ‫ثم أفتشه فأتبينه عن وليتكم"‬ ‫(للكافي) الدعارة‪ :‬وهو الفساد والفسوق والخبث‪].‬‬

‫‪.].4/47‬‬
‫فهذه الرواية تعترف لهل السنة بحسن الخلق‪ ،‬وكثرة المانة وحسن السمت‪ ،‬بينما تصف الرافضة‬
‫بضد هذه الوصاف‪.‬‬
‫وفي خبر أخر في الكافي أن رجلً شكا لمامه ما يجده في أصحابه من الرافضة من "النزق والحدّة‬
‫والطيش" وأنه يغتم لذلك غما شديدا‪ ،‬بينما يرى من خالفهم من أهل السنة حسن السمت‪ ،‬قال إمامهم‪ :‬ل‬
‫[من المعلوم في اللغة أن السمت يطلق على الوقار والهيئة‪ ،‬كما يطلق‬ ‫تقل حسن السمت‪ ،‬فإن السمت سمت الطريق‬
‫على الطريق‪ .‬قال في المصباح‪ :‬السمت الطريق‪ ،‬والقصد‪ ،‬والسكينة والوقار والهيئة‪ ،].‬ولكن قل‪ :‬حسن السيما؛ فإن ال‬
‫عز وجل يقول‪{ :‬سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ} [الفتح ‪ ]29‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فأراه حسن السيما وله‬
‫[أصول الكافي‪ ،2/11 :‬وقد كان جواب إمامهم على هذه الشكاوى بالعتراف بها وتعليلها بطبيعة الطينة‬ ‫وقار فأغتم ذلك‬
‫التي خلق منها كل فريق‪.‬‬
‫وهو يؤكد المر ول ينفيه‪ .‬وانظر ما سبق في عقيدتهم في الطينة‪ :‬ص(‪ )956‬وما بعدها‪.].‬‬
‫وهذا شيعي ثالث يقال له عبد ال بن أبي يعفور ل ينقضي عجبه من ذلك البون الواسع بين أخلق‬
‫أهل السنة وبين خلق شيعته‪ ..‬ويرفع ذلك لمامه فيقول‪" :‬إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل‬
‫لهم‬ ‫[المراد بفلن وفلن أبي بكر وعمر كما قاله شراح الكافي‪ ،‬وهذا إشارة لهل السنة‪].‬‬ ‫يتولونكم ويتولون فلنا وفلنا‬

‫‪750‬‬
‫أمانة وصدق ووفاء‪ ،‬وأقوام يتولونكم (يعني الرافضة) ليس لهم تلك المانة ول الوفاء والصدق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاستوى أبو عبد ال جالسا فأقبل عليّ كالغضبان‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل دين لمن دان ال بولية إمام جائر ليس‬
‫من ال‪ ،‬ول عتب على من دان بولية إمام عادل من ال‪ .‬قلت‪ :‬ل دين لولئك ول عتب على هؤلء‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم" [أصول الكافي‪.].1/375 :‬‬
‫وهذا الجواب الذي ينفي العتب والذم عنهم‪ ،‬وان اقترفوا الموبقات هو الذي أدى بهم إلى هذا الدرك‬
‫الهابط من التعامل والتساهل في ارتكاب المنكرات‪ ،‬لن الدين عندهم "ولية المام" وحب علي حسنة‬
‫ل يضر معها سيئة‪ ،‬وما لم يصلح هذا الساس فستبقى هذه "الخصيصة فيهم"‪.‬‬
‫ومن الملحظ أن كتبهم تقرر مبدأ الغيلة‪ ،‬وتصفية الخصوم بهذا السلوب وتشترط أن يأمن الشيعي‬
‫الضرر عليه‪.‬‬
‫تقول كتب الشيعة‪ :‬عن داود بن فرقد قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬ما تقول في قتل‬
‫الناصب؟ فقال‪" :‬حلل الدم‪ ،‬ولكن أتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا‪ ،‬أو تغرقه في ماء لكيل‬
‫[ابن بابويه‪ /‬علل الشرائع‪ :‬ص ‪ ،200‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪ ،18/463 :‬المجلسي‪ /‬بحار‬ ‫يشهد به عليك فافعل"‬
‫النوار‪.].27/231 :‬‬
‫وفي رجال الكشي يحكي أحد الشيعة لمامه كيف استطاع أن يقتل مجموعة من مخالفيه فيقول‪:‬‬
‫"منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتى أقتله‪ ،‬ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج عليّ قتلته‪،‬‬
‫ومنهم من كنت أصحبه في الطريق فإذا خل لي قتلته" [رجال الكشي‪ :‬ص ‪ .].343-342‬وذكر أنه قتل بهذه‬
‫الطريقة ثلثة عشر مسلما‪ ،‬لنه يزعم أنهم يتبرأون من علي [رجال الكشي‪ :‬ص ‪.].343-342‬‬
‫[وقد وصفه الجزائري بأنه من‬ ‫ويقول شيخهم نعمة ال الجزائري أنه في إخبارهم "أن عليّ بن يقطين‬
‫وهو‬ ‫خواص الشيعة (النوار النعمانية‪ )2/308 :‬وقد ذكر الطبري أنه قتل على الزندقة (انظر‪ :‬ص(‪ )579‬من هذه الرسالة)‪].‬‬

‫وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين‪ ،‬فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على‬
‫المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبا‪ ،‬فأراد الخلص من تبعات دمائهم‪ ،‬فأرسل إلى‬
‫المام مولنا الكاظم (ع) فكتب إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إليّ قبل قتلهم لما كان عليك‬
‫[التيس من المعز‪].‬‬ ‫شيء من دمائهم‪ .‬وحيث إنك لم تتقدم إليّ فكفر عن كل رجل قتلت منهم بتيس‪ ،‬والتيس‬
‫خير منه" [النوار النعمانية‪.].2/308 :‬‬
‫فانظر كيف يعيشون وسط المسلمين وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل‪ .‬وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم‬
‫السوداء‪ ..‬وإمامه هنا يقره على قتل خمسمائة مسلم لمجرد أنهم ليسوا بروافض‪ ،‬ويأمره بالتكفير‬
‫بتيس‪ ،‬لنه لم يستأذنه قبل ذلك‪ ..‬فالشيعي إذا استأذن إمامه أو نائبه وهو الفقيه فليفعل كما يريد‪ ،‬وإن‬
‫لم يستأذن فالمر ل يعدو ذبح تيس‪.‬‬

‫‪751‬‬
‫وقد علق شيخهم الجزائري على دية التيس بقوله‪" :‬فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي ل تعادل دية‬
‫أخيهم الصغر وهو كلب الصيد‪ ،‬فإن ديته عشرون درهما‪ ،‬ول دية أخيهم الكبر وهو اليهودي أو‬
‫المجوسي‪ ،‬فإنهما ثمانمأة – كذا ‪ -‬درهم‪ ،‬وحالهم في الخرة أخس وأنجس" [النوار النعمانية‪.].2/308 :‬‬
‫وهذا قول من الشناعة بمكان‪ ،‬ول يحتاج إلى تعليق فهو ينطق بنفسه على حقدهم على أهل السنة‪،‬‬
‫وأنهم أكفر عندهم من المجوس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفتن الداخلية‪:‬‬
‫وهي فتنتهم التي يثيرونها بسبب سبهم للصحابة عبر مآتمهم السنوية‪ ،‬فمنذ أن اخترع البوبهيون‬
‫إقامة المآتم بذكرى مقتل الحسين وذلك في بغداد في القرن الرابع الهجري‪ ،‬والشيعة تثير في هذه‬
‫الذكرى السنوية فتنا ل حدود لها‪ ..‬وينشب صراع عنيف بين السنة والشيعة بسبب تجرؤ الروافض‬
‫على شتم الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬وقد بدأت فتنة في سنة ‪338‬هـ‪ ،‬وذلك لول في تاريخ بغداد‬
‫ل ‪ -‬حوادث سنة ‪،406‬‬
‫[انظر ‪ -‬مث ً‬ ‫[عبد الرزاق الحصان‪ /‬المهدي والمهدوية‪ :‬ص ‪ ،].74‬ثم توالت الفتن بينهما بعد ذلك‬
‫‪ ...510 ،486 ،482 ،481 ،478 ،447 ،445 ،444 ،443 ،439 ،425 ،422 ،421 ،408‬إلخ في البداية والنهاية وغيرها من‬
‫كتب التاريخ‪ ،].‬وقتل فيها خلق كثير من المسلمين‪ ،‬ول تزال لهذه البدعة آثارها في العالم السلمي الذي‬
‫يوجد فيه شيعة‪.‬‬
‫فكم أزهقت من أرواح‪ ،‬وكم زرعت من أحقاد‪ ،‬وكم أحدثت من فرقة وفتن ومحن ومع ذلك كله‬
‫فإنه شيخ الشيعة اليوم الخميني يذكي أوار هذه الفتنة ويقول‪" :‬في تلفزيون إيران بالحرف الواحد"‪" :‬إن‬
‫[نقل ذلك العالم السني‬ ‫شعار الفرقة الناجية وعلمتهم الخاصة من أول السلم إلى يومنا هذا إقامة المآتم"‬
‫اليراني محمد ضيائي في مجلة "المجتمع" العدد (‪ ،)589‬السنة الثالثة عشرة‪ ،‬في ‪ 18‬ذي الحجة ‪1402‬هـ‪.].‬‬
‫ويقول‪" :‬إن البكاء على سيد الشهداء (ع) وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت السلم عن‬
‫[جريدة "الطلعات" العدد (‪ )15901‬في تاريخ ‪16/8/1399‬هـ (عن كتاب إقناع اللئم على إقامة المآتم‬ ‫أربعة عشر قرنا"‬
‫صفحة الغلف)‪.].‬‬
‫وقد مضى قول بعض شيوخهم‪ :‬إن إقامة المآتم من تعظيم شعائر ال [انظر‪ :‬ص(‪.].)1102‬‬
‫والحسين رضي ال عنه أكرمه ال تعالى بالشهادة في ذلك اليوم‪ ..‬وله أسوة حسنة بمن سبقه من‬
‫[مجموع فتاوى شيخ‬ ‫الشهداء‪ ..‬وقتله مصيبة عظيمة‪ ،‬وال سبحانه قد شرع السترجاع عند المصيبة‬
‫السلم‪ ..].4/511 :‬وليس ما تفعله الرافضة من السلم في شيء‪ ،‬إنما غرض المخترعين لهذه البدعة‪،‬‬
‫والمشجعين عليها‪ ،‬هو إشغال أمة السلم في نفسها حتى ل تتفرغ لنشر دين ال في الرض‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الباحية‪:‬‬
‫ومن آثارهم في المجال الجتماعي‪ ،‬تلك الباحية التي يدعون إليها‪ ،‬ويسهلون أسبابها ويمارسونها‬
‫[جاء في كتبهم‪" :‬عن الحسن العطار قال‪ :‬سالت أبا عبد ال عليه السلم‬ ‫وسط المجتمع السلمي باسم عارية الفرج‬
‫عن عارية الفرج قال‪ :‬ل بأس‪( .‬وسائل الشيعة‪ ،537-7/536 :‬تهذيب الحكام للطوسي‪ ،2/185 :‬والستبصار ‪ ،].)3/141‬أو‬
‫‪752‬‬
‫[قال الطوسي‪ :‬يجوز‬ ‫التي يسمونها بالمتعة والتي يقارفون باسمها الزنا‪ ،‬لن متعتهم تعني التفاق السري‬
‫أن يتمتع بها من غير إذن أبيها وبل شهود‪ ،‬ول إعلن‪( .‬النهاية‪ :‬ص ‪ .].)490‬على فعل الفاحشة مع أي امرأة تتفق‬
‫المومسات [قال الطوسي‪ :‬ل بأس أن يتمتع الرجل بالفاجرة (النهاية‪ :‬ص ‪ ،)490‬وقال الخميني‪ :‬يجوز‬ ‫لهم ولو كانت من‬
‫التمتع بالزانية‪( .‬تحرير الوسيلة‪ ،)2/292 :‬وجاء في أخبارهم "عن إسحاق بن جرير قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬رفعت راية؟ قلت‪ :‬ل لو رفعت راية أخذها السلطان‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم تزوجها متعة‪ ،‬قال‪ :‬ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا‪ ،‬فلقيت موله فقلت له‪ :‬ما قال لك؟ فقال‪ :‬إنما قال لي‪:‬‬
‫ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنما يخرجها من حرام إلى حلل (وسائل الشيعة‪ ،14/455 :‬تهذيب الحكام‪:‬‬
‫[جاء في أخبارهم‪ :‬عن محمد بن عبد ال الشعري قال‪ :‬قلت للرضاع‪ :‬الرجل يتزوج‬ ‫‪ ،].)2/249‬أو من ذوات الزواج‬
‫بالمرأة فيقع في قلبه لها زوجا‪ ،‬فقال‪ :‬وما عليه‪( ..‬وسائل الشيعة‪ ،14/457 :‬عن تهذيب الحكام‪ ،)2/187 :‬وقيل له (أي جعفر‬
‫كما يزعمون) إن فلنا تزوج امرأة متعة‪ ،‬فقيل له إن لها زوجا‪ ،‬فسألها‪ ،‬فقال أبو عبد ال (ع)‪ :‬ولم سألها؟ (الموضع نفسه من‬
‫المصدرين السابقين)‪ ،‬ولذا قال شيخهم الطوسي‪" :‬وليس على الرجل أن يسألها هل لها زوج أم ل" (النهاية‪ :‬ص ‪،].)490‬‬
‫[انظر‪ :‬النهاية للطوسي‪ :‬ص ‪ ،491‬الخميني‪ /‬تحرير‬ ‫ولذلك قالوا‪ :‬ممكن أن يتفق معها على يوم أو مرة أو مرتين‬
‫الوسيلة‪ ،2/290 :‬وجاء في أخبارهم عن خلف بن حماد‪ ،‬قال‪ :‬أرسلت إلى أبي الحسن (ع) كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن‬
‫يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ فقال‪ :‬نعم‪( .‬فروع الكافي‪ ،2/46 :‬وسائل الشيعة‪ ،].)14/479 :‬وقد صرح بعضهم للشيخ‬
‫[المتعة الدورية أن يستمتع‬ ‫محمد نصيف بأنه يجري عندهم استعمال المتعة الدورية بحيلة وضعها شيوخهم‬
‫جماعة بامرأة واحدة ويقرروا الدورة والنوبة لكل منهم (انظر‪ :‬مختصر التحفة الثني عشرية ص ‪ )227‬وانظر ما ذكره الشيخ‬
‫العاني عن شيوع استعمالها في بعض مدارس مدراس النجف (الذريعة لزالة شبه كتاب الشيعة ص ‪ )46-45‬وقد استطاع الشيخ‬
‫محمد نصيف رحمه ال أن يكتشف إقرار شيوخ الشيعة بأمر المتعة الدورية في حوار له مع شيخهم أحمد سرحان‪ ،‬حيث قال‬
‫نصيف للشيعي‪ :‬إن أهل السنة ثبت عندهم نسخ المتعة‪ ،‬ولم يثبت عند الشيعة ذلك‪ ،‬لكني لم أعرف دليلكم على جواز المتعة‬
‫الدورية‪ ،‬فأجاب الشيعي بأن المتمتع بالمرأة يعقد عليها بعد نهاية متعته منها عقد زواج دائم ثم يطلقها قبل الدخول فتصبح ل‬
‫عدة عليها‪ ،‬فيتمتع بها آخر ويفعل كالول‪ ..‬فتدور المرأة على مجموعة من الرجال بهذه الطريقة بل عدة‪( .‬انظر‪ :‬مجلة الفتح‬
‫العدد ‪ ،845‬الصادر في رجب سنة ‪1366‬هـ)‪.].‬‬
‫ولذا قال اللوسي‪" :‬من نظر إلى أحوال الرافضة في المتعة في هذا الزمان ل يحتاج في حكمه‬
‫عليهم بالزنا إلى برهان‪ ،‬فإن المرأة الواحدة تزني بعشرين رجلً في يوم وليلة‪ ،‬وتقول إنها متمتعة‪،‬‬
‫وقد هيئت عندهم أسواق عديدة للمتعة توقف فيها النساء ولهن قوادون يأتون بالرجال إلى النساء‬
‫وبالنساء إلى الرجال فيختارون ما يرضـون ويعيـنون أجرة الزنا ويأخذون بأيديهن إلى لعنة ال‬
‫تعالى وغضبه‪[ "..‬كشف غياهب الجهالت‪ /‬الورقة ‪( 3‬مخطوط)‪.].‬‬
‫ثم ذكر رحمه ال بعض تفاصيل وحكايات ما يجري هنالك [كشف غياهب الجهالت‪ /‬الورقة ‪( 3‬مخطوط)‪.].‬‬
‫وهذه الفاحشة يدفعون إليها النساء والرجال دفعا بالتهديد والترغيب فهم يعدونها من أفضل أعمالهم‬
‫[جاءت عندهم أخبار كثيرة في اعتبارها أعظم عبادة‪ ،‬حتى قالوا في حديثهم الموضوع على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫من تمتع مرة فدرجته كدرجة الحسين‪ ،‬ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن‪ ،‬ومن تمتع ثلث مرات فدرجته كدرجة علي‪،‬‬
‫ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي (تفسير منهج صادقين‪ :‬ص ‪.)356‬‬

‫‪753‬‬
‫بل لم يدعوا بابا من أبواب الغراء بالفاحشة إل وفتحوه‪ ،‬ومن يقرأ أخبارهم في ذلك يجزم بأن واضعيها من الباحيين الذين‬
‫يريدون أن يتمتعوا بنساء المسلمين‪ ،‬ومما قالوه‪ :‬إذا تزوجها متعة "لم يكلمها كلمة إل كتب ال لها بها حسنة‪ ،‬ولم يمد يده إليها‬
‫إل كتب ال له حسنة ‪ -‬إلى أن يقول ‪ :-‬فإذا اغتسل غفر ال له‪ ..‬بعدد الشعر" (وسائل الشيعة‪ ،14/442 :‬من ل يحضره الفقيه‪:‬‬
‫‪.)2/151‬‬
‫وزعموا أن امرأة كانت ترد الخطاب لنها ل رغبة لها في الزواج ولكنها أرسلت لبن عم لها لتتزوجه متعة رغبة في‬
‫عصيان عمر كما تقول الرواية‪ ...‬فهي تفضل الزنا على شرعة الزواج‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬أخبارهم في فضل المتعة المزعوم في وسائل الشيعة‪ ،‬باب استحباب المتعة‪ 14/442 :‬وما بعدها)‪.].‬‬
‫[من رواياتهم في ذلك أن من خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة‬ ‫والذي يتنزه عنها فالويل له يوم القيامة‬
‫وهو أجدع "يعني مقطوع النف والذن" (تفسير منهج الصادقين‪ :‬ص ‪.].)356‬‬
‫كذلك يبيح شيوخهم اللواط بالنساء حتى قال شيخهم الخميني "والقوى والظهر جواز وطئ الزوجة‬
‫مع الدبر" [تحرير الوسيلة‪ .].2/241 :‬فأين هذا الهبوط من قول ابن نجيم‪" :‬استحلل اللواطة بزوجته كفر‬
‫عند الجمهور" [الشباه والنظائر‪ :‬ص ‪.].191‬‬
‫فهذه الصور بمجموعها ل تبعد عن إباحية الخرمية من أتباع مزدك وبابك‪ ،‬وقد ل تقل عن "إباحية‬
‫أوربا"‪.‬‬
‫وقد استغلوا هذه الفوضى الخلقية في إغراء طلب المتعة الرخيصة في اعتناق مذهبهم كما سلف‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪.].1201‬‬
‫بل جاء في أخبارهم ما يبيح الزنا الصريح إذا كان بأجرة "عن عبد الرحمن ابن كثير عن أبي عبد‬
‫ال قال‪ :‬جاءت امرأة إلى عمر فقالت‪ :‬إني زنيت فطهرني فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير‬
‫المؤمنين (ع) فقال‪ :‬كيف زنيت؟ قالت‪ :‬مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستقيت أعرابيا فأبى أن‬
‫يسقيني إل أن أمكنه من نفسي‪ ،‬فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي فقال‬
‫أمير المؤمنين‪" :‬تزويج وربّ الكعبة" [فروع الكافي‪ ،2/48 :‬وسائل الشيعة‪.].472-14/471 :‬‬
‫وهم ل يخصون إباحيتهم ببني قومهم‪ ،‬بل يوصي إمامهم بأن يعرض التمتع على نساء أهل السنة‬
‫[انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪، 14/452 :‬‬ ‫[انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،14/452 :‬وفروع الكافي‪ ،].2/44 :‬ونساء اليهود والنصارى‬
‫تهذيب الحكام‪ ،2/188 :‬من ل يحضره الفقيه‪.].2/148 :‬‬
‫فإباحيتهم شاملة ل تذر مجتمعا أتت عليه إل أفسدته‪ ..‬فهم "زناة" يعيشون بين المسلمين‪ ،‬ويحملون‬
‫اسم السلم‪ ،‬ويسعون في الرض فسادا وأقوالهم تشهد على آثارهم‪.‬‬

‫المجال القتصادي‬
‫لقد كان للتشيع أثره في المجال القتصادي في حياة المسلمين في صور عديدة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قامت‬
‫الرموز الشيعية في قديم الزمان بأخذ أموال المسلمين بدعوى خادعة ما أنزل ال بها من سلطان وهو‬
‫حق آل البيت‪ ..‬حيث توظف هذه الموال في تحقيق رغباتها وتستغلها للتآمر ضد المة والكيد لها‪.‬‬

‫‪754‬‬
‫استمع لهذا القرار الخطير‪:‬‬
‫قالت كتب الشيعة‪" :‬مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إل وعنده المال الكثير‪ ،‬فكان ذلك‬
‫سبب وقوفهم وجحودهم موته‪ ،‬وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار‪ ،‬وعند علي بن أبي حمزة‬
‫ثلثون ألف دينار‪ ،‬وكان أحد القوام عثمان بن عيسى وكان يكون بمصر وكان عنده مال كثير وست‬
‫جواري‪ .‬قال‪ :‬فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلم فيهن وفي المال‪ .‬فكتب إليه‪ :‬أن أباك لم يمت‪،‬‬
‫فكتب إليه‪ :‬إن أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه وقد صحت الخبار بموته‪ .‬فكتب إليه‪ :‬إن لم يكن أبوك‬
‫مات فليس لك من ذلك شيء‪ ،‬وإن كان مات فلم يأمرني بدفع شيء إليك‪ ،‬وقد أعتقت الجواري‬
‫[المامة‪ /‬علي بن الحسين بن بابويه (والد الصدوق) ص ‪ ،75‬وانظر‪ :‬رجال الكشي‪ :‬ص ‪ 493‬رقم ‪ ،946‬وص‬ ‫وتزوجتهن"‬
‫‪ 598‬رقم ‪ ،1120‬بحار النوار‪ ،48/253 :‬الطوسي‪ /‬الغيبة‪ :‬ص ‪.].43‬‬
‫هذا النص مأخوذ من كتب الثني عشرية‪ ،‬وندع الجانب الذي وضعوا من أجله النص وهو‬
‫الستدلل على بطلن الوقف بما قاله إمامهم الرضا ونأخذ منه ما يكشف لنا عما يدور في الخفاء من‬
‫التكالب وراء جمع المال‪ ،‬وأن أولئك الذين راحوا يجوبون المصار كل يدعو لمام من الئمة إنما‬
‫كان غرضهم الستئثار بأكبر قدر من المال‪.‬‬
‫فكانوا يحققون من وراء تلك الدعوات المزعومة للئمة المال الوفير الذي تتداوله تلك العناصر‬
‫السرية فيما بينها‪.‬‬
‫والمتأمل للحركات الشيعية الكثيرة التي ظهرت في تاريخ المة المسلمة وكانت من أقوى العوامل‬
‫التي شغلت المة عن أعدائها‪ ،‬وصرفت جهودها عن بناء الدولة السلمية الكبرى‪ ،‬المتأمل لهذه‬
‫الحركات وكثرتها وقوتها ل ينبغي أن يفوته أن المادة الممولة لهذه الحركات هي ما أخذ من أولئك‬
‫التباع الغرار باسم آل البيت وحقهم من الخمس‪.‬‬
‫بل إن الحركات الشيعية في العالم السلمي إلى اليوم إنما تمول من هذا المورد‪ ،‬وآيات الشيعة‬
‫يعتبرون من كبار الرأسماليين في العالم‪ ،‬ومنصب الية والمرجع منصب تهفو إليه القلوب وتتطلع له‬
‫النظار‪ ،‬لنه مصب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة‪.‬‬
‫وهذا الجانب التمويلي هو الذي غذى ويغذي دور النشر التي تقذف سنويا بمئات النشرات والكتب‬
‫والمراجع المليئة بما هو ضد المة ودينها‪.‬‬
‫وهذا المال المتدفق على اليات والمراجع من أولئك التباع المخدوعين هو الذي جعل أمر الشيعة‬
‫يكبر وخطرهم يعظم‪ ،‬وأصبح هؤلء اليات أو المراجع يوجهون فتاواهم على رغبات رجل الشارع‪،‬‬
‫بل ويكتمون الحقيقة مجاراة لهم [انظر‪ :‬ص ‪ 1036-1035‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وقد اهتم "شيوخ" التشيع بالقضية المالية التي يسلبونها باسم الخمس وأولوها عناية غير عادية‪،‬‬
‫[حيث قالوا‪" :‬ومن منع منه درهما أو أقل كان مندرجا‬ ‫واعتبروا من يستحل منعهم درهما منها في عداد الكافرين‬
‫ل لذلك كان من الكافرين‪ ،‬ففي الخبر عن أبي‬
‫في الظالمين لهم (أي لهل البيت بزعمهم) والغاصبين لحقهم‪ ،‬بل من كان مستح ً‬

‫‪755‬‬
‫بصير قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال (ع)‪ :‬من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم‪..‬‬
‫(اليزدي‪ /‬العروة الوثقى وبهامشها تعليقات مراجعهم في هذا العصر ‪.)2/366‬‬
‫قال د‪ .‬علي السالوس في السخرية بهذا المبدأ‪" :‬إن مسلمي اليوم إن أردوا أل يحكم عليهم الجعفرية بالكفر‪ ،‬فعليهم أن يجعلوا‬
‫خمس مكاسبهم ورؤوس أموالهم ويبعثوا به إلى علماء الجعفرية"‪ .‬علي السالوس‪ /‬أثر المامة في الفقه الجعفري ص ‪394‬‬

‫(الهامش)‪.].‬‬
‫والمطالع لكتب الفقه السلمي ل يجد فيها كتابا مستقلً بعنوان "الخمس" وإنما يلحظ الحديث عن‬
‫خمس الغنائم في كتاب الجهاد‪ ،‬وفي كتاب الزكاة يوجد حديث عن خمس الركاز والمعدن‪.‬‬
‫ولكن المر مختلف عند هؤلء‪ ،‬فالخمس له كتاب مستقل‪ ،‬حيث أوجبوا على أتباعهم "فيما يفضل‬
‫عن مؤنة السنل من أرباح التجارات‪ ،‬ومن سائر التكسبات من الصناعات‪ ،‬والزراعات‪ ،‬واليجارات‪،‬‬
‫حتى الخياطة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والنجارة‪ ،‬والصيد‪ ،‬وحيازة المباحات‪ ،‬وأجرة العبادات الستيجارية من الحج‬
‫[العروة‬ ‫والصوم والصلة ‪ -‬كذا ‪ -‬والزيـارات وتعليم الطفال وغير ذلك من العمال التي لها أجرة‬
‫الوثقى‪ ،].2/389 :‬وقالوا‪ :‬بل الحوط ثبوته في مطلق الفائدة‪ ،‬وإن لم تحصل بالكتساب كالهبة والهدية‪،‬‬
‫والجائزة‪ ،‬والمال الموصى به ونحوها [العروة الوثقى‪ ..].2/389 :‬كما جعلوا الحوط إخراج خمس رأس‬
‫المال وكذا في اللت المحتاج إليها في كسبه مثل‪ :‬آلت النجارة للنجار‪ ،‬وآلت النساجة للنساج‪،‬‬
‫وآلت الزراعة للزراع‪ ،‬وهكذا فالحوط خمسها أيضا أولً [العروة الوثقى‪ .].395-2/394 :‬حتى قالوا‪" :‬لو‬
‫زاد ما اشتراه وادخره للمؤنة من مثل الحنطة والشعير ونحوها مما يصرف عينه فيها يجب إخراج‬
‫خمسه عند تمام الحول‪ ..‬ولو استغنى عن الفرش والواني واللبسة والعبد والفرس والكتب وما كان‬
‫مبناه على بقاء عينه فالحوط إخراج الخمس‪[ "..‬العروة الوثقى‪.].396-2/395 :‬‬
‫وهذا المال المتدفق يصرف لمن؟‬
‫[انظر‪ :‬علي كاشف الغطا‪ /‬النور الساطع "وجوب دفع الخمس للفقيه‬ ‫قالوا بأنه في زمن الغيبة يدفع للفقيه الشيعي‬
‫زمن الغيبة"‪.].1/439 :‬‬
‫فمخرجو الخمس الن يعطونه فقهاءهم‪ ،‬فقد قرر شيخوهم أن الخمس يقسم "ستة أسهم‪ :‬سهم ل‪،‬‬
‫[العروة الوثقى‪:‬‬ ‫وسهم للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسهم للمام‪ ،‬وهذه الثلثة الن لصاحب الزمان"‬
‫‪ ،2/403‬هدية العباد‪ :‬ص ‪( .].178‬مهديهم المنتظر) وهو غائب ولن يرجع من غيبته لنه لم يولد أصلً‪.‬‬
‫فاستحق نصيبه حينئذ الفقيه الشيعي‪ ،‬حيث قالوا بأن "النصف من الخمس الذي للمام (ع) أمره في‬
‫زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط" [العروة الوثقى‪ ،2/405 :‬هدية العباد‪ :‬ص ‪.].179‬‬
‫[العروة الوثقى‪ ،2/403 :‬هدية العباد‪ :‬ص ‪].179‬‬ ‫والثلثة السهم الخرى "لليتام والمساكين وأبناء السبيل"‬
‫في هؤلء‪ ،‬أي‪ :‬بشرط أن يكونوا روافض‬ ‫[العروة الوثقى‪ ،2/403 :‬هدية العباد‪ :‬ص ‪].179‬‬ ‫قالوا‪ :‬بشرط اليمان‬
‫لن اسم اليمان مختص بهم كما يفترون‪ .‬وهذا النصف الخر الذي قرروا صرفه لهؤلء الصناف‬
‫الثلثة قالوا فيه‪" :‬الحوط فيه أيضا الدفع إلى المجتهد" [العروة الوثقى‪ ،2/405 :‬هدية العباد‪ :‬ص ‪.].179‬‬

‫‪756‬‬
‫فأصبحت النتيجة أنه يصرف لشيوخهم الروافض لينفقوا منه على أنفسهم‪ ،‬وعلى الصناف الثلثة‬
‫المذكورة‪ ،‬جاء في كتاب النور الساطع‪" :‬أن الفقيه يأخذ نصف الخمس لنفسه‪ ،‬ويقسم النصف الخر‬
‫منه على قدر الكفاية‪ ،‬فإن فضل كان له‪ ،‬وإن أعوز أتمه من نصيبه" [النور الساطع‪.].1/439 :‬‬
‫قال الدكتور علي السالوس‪" :‬ومن واقع الجعفرية في هذا اليام نجد أن من أراد أن يحج يقوم كل‬
‫ممتلكاته جميعا ثم يدفع خمس قيمتها إلى الفقهاء الذين أفتوا بوجوب هذا الخمس وعدم قبول حج من لم‬
‫يدفع‪ ،‬واستحل هؤلء الفقهاء أموال الناس بالباطل" [أثر المامة في الفقه الجعفري‪ :‬ص ‪.].391‬‬
‫قلت‪ :‬ولعل هذا هو أحد العوامل في حرص حكومة اليات على زيادة حصتهم من عدد الحجاج في‬
‫كل عام‪.‬‬
‫هذا العتقاد في الخمس هو أثر من آثار عقيدة المام عندهم‪ ،‬وأن المال كله للمام والذي وضعه‬
‫زنادقة العصور القديمة واستمر العمل به إلى اليوم‪ ..‬مع أن مسألة الخمس بدعة ابتدعها هؤلء لم تكن‬
‫على عهد النبي صلى ال عليه وسلم ول خلفائه الراشدين حتى أمير المؤمنين علي الذي يدعون التشيع‬
‫له‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم‪،‬‬
‫ويصرف إلى من يرونه هو نائب المام المعصوم أو إلى غيره‪ ،‬فهذا قول لم يقله أحد من الصحابة ل‬
‫علي ول غيره‪ ،‬ول أحد من التابعين لهم بإحسان‪ ،‬ول أحد من القرابة ل بني هاشم ول غيرهم‪.‬‬
‫وكل من نقل هذا عن علي أو علماء أهل بيته كالحسن والحسين وعلي بن الحسين وأبي جعفر‬
‫الباقر وجعفر بن محمد فقد كذب عليهم‪ ،‬فإن هذا خلف المتواتر من سيرة علي رضي ال عنه‪ ،‬فإنه‬
‫قد تولى الخلفة أربع سنين وبعض أخرى‪ ،‬ولم يأخذ من المسلمين من أموالهم شيئا‪ ،‬بل لم يكن في‬
‫وليته قط خمس مقسوم‪.‬‬
‫وأما المسلمون فما خمس ل هو ول غيره أموالهم‪ ،‬وأما الكفار فمتى غنمت منهم أموال خمست‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬ولكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال الكفار بسبب ما وقع بينهم من الفتنة‬
‫والختلف‪.‬‬
‫وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يخمس أموال المسلمين‪ ،‬ول طلب‬
‫أحدا قط من المسلمين بخمس ماله‪[ "..‬منهاج السنة‪.].3/154 :‬‬
‫وهذه الموال التي يأخذها شيوخ الشيعة باسم فريضة إسلمية وحق من حقوق آل البيت‪ ،‬وهي‬
‫تتدفق اليوم عليهم كالسيل من كل قطر‪ ،‬هي من أكبر العوامل على بقاء خرافة الثني عشرية إلى‬
‫اليوم‪ ،‬وإليها يعزى هذا النشاط في حماس شيوخهم في الدفاع عن مذهبهم‪ ،‬لنهم يرون فيمن يمس‬
‫مذهبهم‪ ،‬أنه يحاول قطع هذه الموال التي تجري عليهم‪.‬‬

‫‪757‬‬
‫ولهذا قال د‪ .‬علي السالوس‪" :‬وأعتقد أنه لول هذه الموال لما ظل الخلف قائما بين الجعفرية‬
‫وسائر المة السلمية إلى هذا الحد‪ ،‬فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلف حرصهم‬
‫على هذه الموال" [أثر المامة‪ :‬ص ‪.].408‬‬
‫ومن آثارهم الظاهرة أيضا‪ :‬أنهم في البلدان التي يتواجدون فيها يحاولون السيطرة على معظم‬
‫العمال التجارية والشركات ومواد التموين‪ ،‬حتى يتحكموا بأقوات الناس وضرورياتهم‪ ،‬والواقع أكبر‬
‫شاهد [انظر في ذلك‪" :‬وجاء دور المجوس" ص ‪ 312‬وما بعدها‪.].‬‬
‫هذا ومن الصور الخرى الظاهرة في تأثير الشيعة على اقتصاد المة أن تلك الزمر الشيعية كانت‬
‫تشكل خليا مخربة لقتصاد الدولة السلمية وشعوبها‪ ،‬ذلك أن مال المسلمين عندهم ل حرمة له‪،‬‬
‫يجوز أخذه ول شبهة في ذلك‪.‬‬
‫بل إن أحاديثهم تأمرهم بذلك كما جاء في أخبارهم "خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا‬
‫الخمس" [الطوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪ ،1/384 :‬ابن إدريس‪ /‬السرائر‪ :‬ص ‪ ،484‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].6/340 :‬‬
‫[الطوسي‪ /‬تهذيب الحكام‪:‬‬ ‫وقال أبو عبد ال ‪ -‬كما يفترون ‪" :-‬مال الناصب وكل شيء يملكه حلل"‬
‫‪ ،2/48‬الحر العاملي‪ /‬وسائل الشيعة‪.].11/60 :‬‬
‫[وقد نصوا في أخبارهم على أن النصب هو‬ ‫وشيوخهم توسعوا في معنى "الناصبي" ليشمل ما عدا الجعفرية‬
‫تقديم أبي بكر وعمر على علي‪( .‬انظر‪ :‬السرائر‪ :‬ص ‪ ،471‬وسائل الشيعة‪ ،342-6/341 :‬بشارة المصطفى‪ :‬ص ‪ ،51‬وراجع‬
‫أيضا‪ :‬المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية‪ ،‬المسألة السادسة‪ :‬ص ‪ 138‬وما بعدها)‪.].‬‬
‫وجاء في كتب الفقه عندهم "إذا أغار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالحوط بل القوى‬
‫[اليزدي‪/‬‬ ‫إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة"‬
‫العروة الوثقى (وبهامشه تعليقات مراجع الشيعة في العصر الحاضر) ‪ ،].368-2/367‬و"لو أخذوا منهم بالربا أو‬
‫بالدعوى بالباطلة فالقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة من مؤنة السنة وإن كان الحوط‬
‫إخراج خمسه مطلقا" [اليزدي‪ /‬العروة الوثقى‪ :‬ص ‪ ،368‬وانظر أيضا‪( :‬شريعتمداري)‪ /‬هداية العباد‪ :‬ص ‪.].168‬‬
‫وقد مر بنا مفهوم الكافر عند الثني عشرية وأنه يشمل معظم المسلمين‪ ،‬بل جميعهم ما عدا طائفتهم‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪ 714‬وما بعدها‪ ،].‬وهذا يعني أنهم يبيحون الستيلء على أموال المسلمين بالغارة‪ ،‬والسرقة‪،‬‬
‫والغيلة‪ ،‬ويستحلون أخذ أموالهم عن طريق الربا والدعاوى الباطلة‪ ،‬وهذا تترجمه الحداث التاريخية‬
‫التي جرت منهم‪ ..‬كما يصدقه واقع دولة اليات اليوم في "اللصوصية" التي يمارسونها في الخليج‬
‫وتهديدهم لحرية الملحة فيه‪ ،‬واستيلئهم على بعض البواخر المارة بمياه الخليج‪ ..‬واعتبارها غنائم‬
‫وهي ملك للمسلمين‪.‬‬
‫هذه آثارهم وسلبياتهم فهل لهم شيء من اليجابيات في تاريخ هذه المة؟‬
‫إن الجابة العليمة الدقيقة تقتضي تقصي أحوالهم‪ ،‬ودراسة سيرهم‪ ،‬ومعرفة تفاصيل تاريخهم‪ ..‬وقد‬
‫كفانا علماء السلم مؤنة ذلك‪ ،‬فشهدوا بأنه "ل يوجد في أئمة الفقه الذين يرجع إليهم رافضي‪ ،‬ول في‬
‫‪758‬‬
‫الملوك الذين نصروا السلم وأقاموه وجاهدوا عدوه من هو رافضي‪ ،‬ول في الوزراء الذين لهم سيرة‬
‫محمودة من هو رافضي‪ ،‬وأكثر ما نجد الرافضي إما في الزنادقة المنافقين الملحدين‪ ،‬وإما في جهال‬
‫ليس لهم علم بالمنقولت ول بالمعقولت‪ ،‬قد نشأوا بالبوادي والجبال‪ ،‬وتحيزوا عن المسلمين فلم‬
‫يجالسوا أهل العمل والدين‪ ،‬وإما في ذوي الهواء ممن قد حصل له بذلك رياسة ومال‪ ،‬أو له نسب‬
‫يتعصب له كفعل أهل الجاهلية‪ ،‬وأما من هو عند المسلمين من أهل العلم والدين فليس في هؤلء‬
‫رافضي" [منهاج السنة‪.].1/223 :‬‬
‫ولكن لهم مصنفات في التفسير والحديث والفقه‪ ،‬إل يعتبر ذلك منهم إضافة أثر حميد للفكر‬
‫السلمي؟ وأقول‪ :‬إن المتأمل لهذه المدونات يرى أن الصالح في هذه المصنفات هو مما أخذوه عن‬
‫أهل السنة "فمن صنف منهم في تفسير القرآن فمن تفاسير أهل السنة يأخذ" [منهاج السنة‪ .].3/246 :‬وإذا‬
‫نقل من قومه أتى بظلمات بعضها فوق بعض كما في تفسير القمي والبرهان وغيرهما‪.‬‬
‫"وأما في الحديث فهم من أبعد الناس عن معرفته ل إسناده ول متنه‪ ..‬وأي كتاب وجدوا فيه ما‬
‫يوافق هواهم نقلوه من غير معرفة بالحديث" [منهاج السنة‪.].3/246 :‬‬
‫وأما في الفقه فهم من أبعد الناس عن الفقه‪ ،‬وما في كتبهم من "إفادة" فهي ليس من شيوخهم؛ إذ هم‬
‫عيال على أهل السنة في هذا الجانب‪ ،‬وقد كشف شيخ السلم ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬كيف يسرقون "المادة‬
‫العلمية" من فقهاء المسلمين فقال‪" :‬وإذا صنف واحد منهم كتابا في الخلف وأصول الفقه كالموسوي‬
‫وغيره؛ فإذا كانت المسألة فيها نزاع بين العلماء أخذوا حجة من يوافقهم‪ ،‬واحتجوا مما احتج به أولئك‪،‬‬
‫وأجابوا عما يعارضهم بما يجيب به أولئك‪ ،‬فيظن الجاهل أن هذا قد صنف كتابا عظيما في الخلف‬
‫والفقه والصول‪ ،‬ول يدري الجاهل أن عامته استعارة من كلم علماء أهل السنة الذين يكفرونهم‬
‫[منهاج‬ ‫ويعادونهم‪ ،‬وما انفردوا به فل يساوي مداده‪ ،‬فإن المداد ينفع ول يضر‪ ،‬وهذا يضر ول ينفع"‬
‫السنة‪.].3/246 :‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫الحكم عليهم‬
‫ويشتمل على‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬حكم بعض أهل العلم عليهم بأنهم مبتدعة ل كفار‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القول بتكفيرهم‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫الحكم عليهم بأنهم مبتدعة وليسوا بكفرة‬

‫‪759‬‬
‫[يحيى بن شرف بن حسن بن حسين النووي‪ .‬قال ابن كثير‪ :‬شيخ المذهب (يعني الشافعي) وكبير‬ ‫قال المام النووي‬
‫الفقهاء في زمانه‪ ،‬توفي سنة ‪676‬هـ‪( .‬البداية والنهاية‪" :].)279-3/278 :‬إن المذهب الصحيح المختار الذي قاله‬
‫الكثرون والمحققون أن الخوارج ل يكفرون كسائر أهل البدع" [شرح النووي على صحيح مسلم‪.].2/50 :‬‬
‫من هذا النص أن النووي ل يرى تكفير الروافض‬ ‫[ستأتي ترجمته‪].‬‬ ‫وقد فهم الشيخ مل علي القاري‬
‫لدخولهم في "أهل البدع" ولكنه أشار إلى أن الرافضة يتطور مذهبها ويتغير‪ ،‬وأن متأخري الرافضة‬
‫ليسوا كسابقيهم‪ ،‬وأن رافضة زمانه غير الرافضة الذين تحدث عنهم النووي وغيره من أهل العلم‪.‬‬
‫فعقب على كلم النووي هذا وقال‪:‬‬
‫"قلت‪ :‬وهذا في غير حق الرافضة الخارجة في زماننا فإنهم يعتقدون كفر أكثر الصحابة فضلً عن‬
‫سائر أهل السنة والجماعة‪ ،‬فهم كفرة بالجماع بل نزاع" [مرقاة المفاتيح‪.].9/137 :‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الدليل على أن المامية في عصر النووي ل يكفرون الصحابة‪ ،‬أو أن المام ‪ -‬رحمه‬
‫ال ‪ -‬لم يعرف ذلك عنهم وهذا القرب لوجود روايات تكفر الصحابة في أصول الرافضة الموضوعة‬
‫من قِبَل النووي‪ ،‬الدليل على ذلك أن النووي يذكر في شرح مسلم أن المامية ل يكفرون الصحابة‪،‬‬
‫ويرى أن التكفير إنما هو عند غلة الشيعة [انظر‪ :‬النووي‪ /‬شرح مسلم‪.].15/173 :‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫القول بكفرهم‬
‫وقد ذهب إلى هذا كبار أئمة السلم كالمام مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفيما يلي نصوص فتاوى أئمة السلم وعلمائه في الروافض المسمون بالثني عشرية والجعفرية‬
‫[انظر‪ :‬ص ‪ 109 ،107 ،103‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫وفي مقالتهم التي اشتهروا بها‪ ،‬وثبتت في مدوناتهم الساسية‪.‬‬
‫وأبدأ بذكر فتوى المام مالك‪ ،‬ثم المام أحمد‪ ،‬ثم المام البخاري‪ ،‬ثم أذكر بعد ذلك فتاوى الئمة‬
‫الباقين حسب تاريخ وفياتهم‪ ..‬وقد اخترت فتاوى الئمة الكبار‪ ،‬أو من عاش مع الروافض في بلد‬
‫واحد‪ ،‬أو كتب عنهم ودرس مذهبهم من علماء المسلمين‪.‬‬
‫المام مالك‪:‬‬
‫[وقد‬ ‫روى الخلل عن أبي بكر المروذي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال يقول‪ :‬قال المام مالك‪ :‬الذي يشتم‬
‫ثبت فيما مضى ص ‪ 716‬وما بعدها‪ ،‬أنهم يرون اللعن للصحابة دينا وشرعة ويصرحون بتكفيرهم إل ما يتجاوز أصابع اليد‪].‬‬
‫[الخلل‪ /‬السنة‪،2/557 :‬‬ ‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ليس لهم اسم ‪ -‬أو قال ‪ :-‬نصيب في السلم‬
‫قال محقق الرسالة‪ :‬إسناده صحيح‪.].‬‬
‫حمَاءُ‬
‫علَى الْكُفّارِ رُ َ‬
‫ح ّمدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَاّلذِينَ مَ َعهُ َأشِدّاءُ َ‬
‫وقال ابن كثير ‪ -‬عند قوله سبحانه ‪{ :-‬مّ َ‬
‫ضلًا ّمنَ الّلهِ َورِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَ ِلكَ‬
‫جدًا يَ ْبتَغُونَ َف ْ‬
‫بَيْ َنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُ ّ‬

‫‪760‬‬
‫جبُ‬
‫علَى سُو ِقهِ يُعْ ِ‬
‫ط َأهُ فَآزَ َرهُ فَاسْتَ ْغلَظَ فَاسْتَوَى َ‬
‫شْ‬‫مَ َثلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ َومَ َثلُهُمْ فِي الِنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ‬
‫قال‪" :‬ومن هذه الية انتزع المام مالك رحمة ال عليه وفي‬ ‫الْ ُكفّارَ‪[ }..‬الفتح ‪]29‬‬ ‫الزّرّاعَ لِيَغِيظَ ِبهِمُ‬
‫رواية عنه بتكفير الروافض الذي يبغضون الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬قال‪ :‬لنهم يغيظونهم ومن غاظ‬
‫الصحابة رضي ال عنهم فهو كافر لهذه الية‪ ،‬ووافقه طائفة من العلماء رضي ال عنهم على ذلك"‬
‫[تفسير ابن كثير‪ ،4/219 :‬وانظر‪ :‬روح المعاني لللوسي‪ ،26/116 :‬وانظر أيضا في استنباط وجه تكفيرهم من الية‪ :‬الصارم‬
‫المسلول‪ :‬ص ‪.].579‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله‪ ،‬فمنت نقص واحدا منهم‪ ،‬أو طعن‬
‫[وقد مضى قول مرجع الشيعة في هذا العصر أن روايات الصحابة كأبي هريرة وعمرو بن العاص وسمرة‬ ‫عليه في روايته‬
‫فقد ردّ على ال رب العالمين‪ ،‬وأبطل شرائع‬ ‫بن جندب ل تساوي عندهم جناح بعوضة (انظر‪ :‬ص ‪].)343‬‬

‫المسلمين" [تفسير القرطبي‪.].16/297 :‬‬


‫المام أحمد‪:‬‬
‫رويت عنه روايات عديدة في تكفيرهم‪..‬‬
‫روى الخلل عن أبي بكر المروذي قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ قال‪:‬‬
‫[الخلل‪ /‬السنة‪ 2/557 :‬قال محقق الرسالة‪" :‬إسناده صحيح" وانظر‪ :‬شرح السنة لبن بطة‪ :‬ص ‪،161‬‬ ‫ما أراه على السلم‬
‫الصارم المسلول‪ :‬ص ‪.].571‬‬
‫وقال الخلل‪ :‬أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال قال‪ :‬من شتم أخاف عليه‬
‫الكفر مثل الروافض‪ ،‬ثم قال‪ :‬من شتم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ل نأمن أن يكون قد مرق‬
‫عن الدين [الخلل‪ /‬السنة‪ 2/558 :‬قال محقق الرسالة‪" :‬إسناده صحيح"‪.].‬‬
‫وقال‪ :‬أخبرنا عبد ال بن أحمد بن حنبل قال‪ :‬سألت أبي عن رجل شتم رجلً من أصحاب النبي‬
‫[الخلل‪ /‬السنة‪ ،2/558 :‬وانظر‪ :‬مناقب المام أحمد لبن الجوزي‪:‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬ما أراه على السلم‬
‫ص ‪.].214‬‬
‫وجاء في كتاب السنة للمام أحمد قوله عن الرافضة‪" :‬هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم ويسبونهم‪ ،‬ويتنقصون ويكفرون الئمة إل أربعة‪ :‬علي‪ ،‬وعمار‪ ،‬والمقداد‪ ،‬وسلمان‪،‬‬
‫وليست الرافضة من السلم في شيء" [السنة للمام أحمد‪ :‬ص ‪ ،82‬تصحيح الشيخ إسماعيل النصاري‪.].‬‬
‫والثنا عشرية تكفر الصحابة إل قليلً ل يتجاوز عدد أصابع اليد وتلعنهم في دعواتها وزياراتها‪،‬‬
‫ومشاهدها‪ ،‬وأمهات كتبها‪ ..‬وتكفر أتباعهم إلى يوم الدين [انظر‪ :‬ص(‪ )716‬وما بعدها من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫قال ابن عبد القوي‪" :‬وكان المام أحمد يكفر من تبرأ منهم (أي الصحابة) ومن سب عائشة أم‬
‫المؤمنين ورماها مما برّأها ال منه وكان يقرأ‪{ :‬يَ ِعظُكُمُ الّلهُ أَن تَعُودُوا ِلمِ ْثلِهِ أَ َبدًا إِن كُنتُم مّ ْؤمِنِينَ}‬
‫[الية رقم (‪ )17‬من سورة النور‪ ،‬والنص من كتاب ما يذهب إليه المام أحمد‪ /‬للمام أبي محمد رزق ال بن عبد القوي‬
‫التميمي‪ ،‬المتوفى سنة (‪480‬هـ) الورقة ‪.].21‬‬

‫‪761‬‬
‫ولكن ذكر شيخ السلم ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن في تكفير الروافض نزاعا عن أحمد‬
‫وغيره [الفتاوى‪.].3/352 :‬‬
‫وما مضى من نصوص عن المام أحمد صريحة في قوله بتكفيرهم‪ ،‬وقد نبه شيخ السلم ابن‬
‫تيمية إلى وجه من لم يكفر الروافض في سبهم للصحابة‪ ،‬وبه يزول التعارض المتوهم في نصوص‬
‫أحمد‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫"وأما من سبهم سبا ل يقدح في عدالتهم ول في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن‪ ،‬أو قلة‬
‫العلم‪ ،‬أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير‪ ،‬ول نحكم بكفره بمجرد ذلك‪،‬‬
‫[الصارم المسلول‪ :‬ص ‪ ،586‬وانظر‪ :‬ص ‪ 571‬في توجيه‬ ‫وعلى هذا يحمل كلم من لم يكفرهم من أهل العلم"‬
‫القاضي أبي يعلى لرواية عدم التكفير‪.].‬‬
‫يعني‪ :‬فمن سبهم سبا يقدح في عدالتهم ودينهم فيحكم بكفره عند أهل العلم‪ .‬فكيف الحال إذن بمن‬
‫يحكم بردتهم؟‬
‫البخاري (ت ‪256‬هـ)‪:‬‬
‫قال ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافض‪ ،‬أم صليت خلف اليهود والنصارى‪،‬‬
‫[المام البخاري‪ /‬خلق أفعال العباد‪:‬‬ ‫ول يسلم عليهم ول يعادون ول يناكحون ول يشهدون ول تؤكل ذبائحهم‬
‫ص ‪.].125‬‬
‫[عبد ال بن إدريس بن زيد بن عبد الرحمن الودي‪ :‬قال أبو حاتم‪ :‬هو حجة يحتج بها‪ ،‬وهو إمام‬ ‫عبد ال بن إدريس‬
‫من أئمة المسلمين‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬كان نسيجا ًوحده‪ ،‬وقال ابن سعد‪ :‬كان ثقة مأمونا كثير الحديث‪ ،‬حجة‪ ،‬صاحب سنة وجماعة‪،‬‬
‫توفي سنة (‪192‬هـ)‪( .‬تهذيب التهذيب‪ ،145-5/144 :‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم‪ )9-5/8 :‬وهو من أعيان أئمة الكوفة‬
‫(الصارم المسلول‪ :‬ص ‪ .)570‬والكوفة مطلع الرفض هو أدرى بهم وبمذاهبهم‪ ،‬لن أهل البيت أدرى بما فيه‪:].‬‬
‫[الصارم المسلول‪ :‬ص ‪ ،570‬السيف المسلول على من سب الرسول‪ /‬علي بن‬ ‫قال‪" :‬ليس لرافضي شفعة إل لمسلم"‬
‫عبد الكافي السبكي‪ ،‬الورقة ‪71‬أ (مخطوط)‪.].‬‬
‫[المام الحافظ العلم عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري‪ ،‬البصري‪( ،‬ت‬ ‫عبد الرحمن بن مهدي‬
‫‪198‬هـ) (تهذيب التهذيب‪:].)281-6/279 :‬‬
‫[خلق أفعال العباد للبخاري‪:‬‬ ‫قال البخاري‪ :‬قال عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬هما ملتان‪ :‬الجهمية والرافضية‬
‫ص ‪ ،125‬وانظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪.].35/415 :‬‬
‫[محمد بن يوسف الفريابي‪ ،‬روى عنه البخاري (‪ )26‬حديثا‪ ،‬وكان من أفضل أهل زمانه‪ ،‬توفي سنة (‪212‬هـ)‪.‬‬ ‫الفريابي‬
‫(تهذيب التهذيب‪:].)9/535 :‬‬
‫روى الخلل‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن هارون بن زياد‬
‫قال‪ :‬سمعت الفرياني ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر‪ :‬قال‪ :‬كافر‪ ،‬قال‪ :‬فيصلي عليه؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬وسألته‬
‫كيف يصنع به وهو يقول‪ :‬ل إله إل ال؟ قال‪ :‬ل تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في‬

‫‪762‬‬
‫[الخلل‪ /‬السنة‪ ،2/566 :‬قال محقق الكتاب‪" :‬في إسناده موسى بن هارون بن زياد لم أتوصل إلى معرفته"‪ .‬وقد نسبه‬ ‫حفرته‬
‫شيخ السلم ابن تيمية في الصارم المسلوم ص ‪ 570‬إلى الفريابي على سبيل الجزم‪.].‬‬
‫[أحمد بن يونس هو‪ :‬ابن عبد ال‪ ،‬ينسب إلى جده‪ ،‬وهو إمام من أئمة السنة‪ ،‬ومن أهل الكوفة منبت‬ ‫أحمد بن يونس‬
‫الرفض فهو أخبر بالروافض ومذاهبهم أيضا‪ ،‬قال أحمد بن حنبل لرجل‪ :‬اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ السلم‪ ،‬وقد‬
‫أخرج له أصحاب الكتب الستة‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬كان ثقة متقنا‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬كان ثقة‪ ،‬وقال ابن سعد‪ :‬كان ثقة صدوقا صاحب‬
‫سنة وجماعة‪ ،‬وذكر ابن حجر أن ابن يونس قال‪ :‬أتيت حماد بن زيد فسألته أن يملي عليّ شيئا من فضائل عثمان رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬فقال‪ :‬من أنت؟ قلت‪ :‬من أهل الكوفة‪ ،‬فقال‪ :‬كوفي يطلب فضائل عثمان‪ ،‬وال ل أمليتها عليك إل وأنا قائم وأنت جالس‪.‬‬
‫وقد توفي سنة (‪227‬هـ) (تهذيب التهذيب‪ ،1/50 :‬تقريب التهذيب‪.].)1/29 :‬‬
‫قال‪ :‬لو أن يهوديا ذبح شاة‪ ،‬وذبح رافضي لكلت ذبيحة اليهودي‪ ،‬ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لنه‬
‫[الصارم المسلول ص ‪ ،570‬ومثل هذا المعنى قاله أبو بكر بن هانئ (الموضع نفسه من المصدر‬ ‫مرتد عن السلم‬
‫السابق)‪ ،‬وانظر‪ :‬السيف المسلول على من سب الرسول‪ /‬علي بن عبد الكافي السبكي‪ :‬الورقة ‪71‬أ (مخطوط)‪.].‬‬
‫[عبد ال بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولء أبو زرعة الرازي من حفاظ الحديث‬ ‫أبو زرعة الرازي‬
‫وكبار الئمة‪ ،‬كان يحفظ مائة ألف حديث‪ ،‬ويقال‪ :‬كل حديث ل يعرفه أبو زرعة ليس له أصل‪ .‬توفي سنة ‪264‬هـ‪:].‬‬
‫قال‪ :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪،‬‬
‫لن مؤدى قوله إلى إبطال القرآن والسنة [انظر‪ :‬الكفاية ص ‪ ،49‬ومضى نصه بتمامه ص(‪.].)767‬‬
‫[أبو محمد عبد ال بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬صاحب المصنفات البديعة‪ ،‬المحتوية على علوم جمة نافعة كما‬ ‫ابن قتيبة‬
‫يقول ابن كثير‪ .‬توفي سنة (‪276‬هـ) (انظر‪ :‬وفيات العيان‪ ،44-3/42 :‬تاريخ بغداد‪ ،171-10/170 :‬البداية والنهاية‪:‬‬
‫‪:].)11/48‬‬
‫قال‪ :‬بأن غلو الرافضة في حب علي المتمثل في تقديمه على من قدمه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وصحابته عليه‪ ،‬وادعائهم له شركة النبي صلى ال عليه وسلم في نبوته‪ ،‬وعلم الغيب للئمة من‬
‫[الختلف في‬ ‫ولده وتلك القاويل والمور السرية قد جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة‬
‫اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة‪ :‬ص ‪ ،47‬مطبعة السعادة بمصر ‪1349‬هـ‪.].‬‬
‫[عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي‪ ،‬التميمي السفراييني‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬كان يلقب "صدر‬ ‫عبد القادر البغدادي‬
‫السلم" في عصره‪ ،‬ويدرس في سبعة عشر فنا‪ ،‬توفي سنة (‪429‬هـ) (انظر‪ :‬السبكي‪ /‬طبقات الشافعية‪ ،145-5/136 :‬القفطي‪/‬‬
‫إنباه الرواة‪ ،186 ،2/185 :‬السيوطي‪ /‬بغية الوعاة‪:].)2/105 :‬‬
‫يقول‪" :‬وأما أهل الهواء الجارودية الهاشمية والجهمية‪ ،‬والمامية الذين أكفروا خيار الصحـابة‪..‬‬
‫فإنـا نكفرهم‪ ،‬ول تجوز الصلة عليهم عندنا ول الصلة خلفهم" [الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪.].357‬‬
‫وقال‪" :‬وتكفير هؤلء واجب في إجازتهم على ال البداء‪ ،‬وقولهم بأنه قد يريد شيئا ثم يبدو له‪ ،‬وقد‬
‫زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه‪ ،‬فإنما نسخه لنه بدا له فيه‪..‬‬
‫[الملل والنحل‪ :‬ص‬ ‫وما رأينا ول سمعنا بنوع من الكفر إل وجدنا شعبة منه في مذهب الراوافض‪"..‬‬
‫‪ ،53-52‬تحقيق ألبير نصري نادر‪.].‬‬
‫‪763‬‬
‫[محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء أبو يعلى‪ ،‬عالم عصره في الصول والفروع‪ ،‬توفي‬ ‫القاضي أبو يعلى‬
‫سنة (‪458‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬طبقات الحنابلة‪:].)230-2/193 :‬‬
‫ن كفر الصحابة‪ ،‬أو فسهم بمعنى يستوجب به النار فهو كافر‬
‫قال‪ :‬وأما الرافضة فالحكم فيهم‪ ..‬إ ْ‬
‫[المعتمد‪ :‬ص ‪.].267‬‬
‫والروافض كما تبين بعد انتشار أصولهم يكفرون أكثر الصحابة‪.‬‬
‫ابن حزم‪:‬‬
‫قال‪ :‬وأما قولهم (يعني النصارى) في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من‬
‫المسلمين [يعني فل حاجة في كلمهم على المسلمين‪ ،‬ول على كتابهم‪ ،].‬إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بخمس وعشرين سنة‪ .‬وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى‬
‫في الكذب والكفر [الفصل‪.].2/213 :‬‬
‫وقال‪" :‬ومن قول المامية قديما وحديثا أن القرآن مبدل‪[ "..‬واستثنى ثلثة منهم ‪ -‬كما مر ‪.].-‬‬
‫[الفصل‪:‬‬ ‫ثم قال‪ :‬القول بأن بين اللوحين تبديلً كفر صريح وتكذيب لرسول ال صلى ال عليه وسلم"‬
‫‪.].5/40‬‬
‫وقال‪" :‬ول خلف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة‪ ،‬والمعتزلة والخوارج‪،‬‬
‫والمرجئة والزيدية في وجوب الخذ بما في القرآن وأنه المتلو عندنا‪ ..‬وإنما خالف في ذلك قوم من‬
‫غلة الروافض وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل السلم وليس كلمنا مع هؤلء‪ ،‬وإنما كلمنا‬
‫مع أهل ملتنا" [الحكام في أصول الحكام‪.].1/96 :‬‬
‫وقال‪" :‬واعلموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها‪ ،‬ول أطلع‬
‫أخص الناس به من ابنة أو ابن عم أو زوجة أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الحمر‬
‫والسود ورعاة الغنم‪ ،‬ول كان عنده عليه السلم سر ول رمز ول باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه‪،‬‬
‫[الفصل‪ ،275-2/274 :‬وهذا العتقاد الذي يكفر ابن‬ ‫فلو كتمهم شيئا لما بلغ كما أمر‪ ،‬ومن قال هذا فهو كافر‪"..‬‬
‫حزم معتقده قد أصبح اليوم من أصول الثني عشرية‪ ،‬ويؤكد على القول به شيوخهم المعاصرون‪ ،‬والغابرون‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬ص(‪ )315‬من هذه الرسالة)‪.].‬‬
‫[أبو المظفر شهفور بن طاهر بن محمد بن السفراييني‪ ،‬المام الصولي الفقيه المفسر‪ ،‬له تصانيف منها‪:‬‬ ‫السفراييني‬
‫"التفسير الكبير" و"التبصير في الدين" توفي عام ‪417‬هـ‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،5/11 :‬العلم‪:].)3/260 :‬‬
‫نقل جملة من عقائدهم كتكفير الصحابة‪ ،‬وقولهم‪ :‬إن القرآن قد غيّر عما كان‪ ،‬ووقع فيها الزيادة‬
‫والنقصان‪ ،‬وانتظارهم لمهدي يخرج إليهم ويعلمهم الشريعة‪ ..‬وقال‪ :‬بأن جميع الفرق المامية التي‬
‫ذكرناها متفقون على هذا‪ ،‬ثم حكم عليهم بقوله‪:‬‬

‫‪764‬‬
‫"وليسوا في الحال على شيء من الدين‪ ،‬ول مزيد على هذا النوع من الكفر إذ ل بقاء فيه على‬
‫شيء من الدين" [التبصير في الدين‪ :‬ص ‪.].25-24‬‬
‫[محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي‪ ،‬قال ابن كثير‪ :‬كان من أذكياء العالم في كل ما‬ ‫أبو حامد الغزالي‬
‫يتكلم فيه‪ ،‬وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة‪ .‬من كتبه‪ :‬فضائح الباطنية‪ ،‬توفي سنة (‪505‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬البداية والنهاية‪ ،174-12/173 :‬مرآة الجنان‪:].)192-3/177 :‬‬
‫[من درس مذهب الرافضة في البداء عرف أنه ليس بقصور فهم‪ ،‬ولكنه نهج متعمد‬ ‫قال‪" :‬ولجل قصور فهم الروافض‬
‫ساقهم إليه غلوهم في الئمة‪ ،‬وهذا القول من الغزالي يشبه كلم المدي (في الحكام‪ )3/109 :‬حيث قال‪ :‬إن الرافضة خفي‬
‫عليها الفرق بين النسخ والبداء‪ ،‬وقد علق على ذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي فقال‪:‬‬
‫"من تبين حال الرافضة ووقف على فساد دخيلتهم‪ ،‬وزندقتهم بإبطال الكفر وإظهار السلم‪ ،‬وأنهم ورثوا مبادئهم عن اليهود‪،‬‬
‫ونهجوا في الكيد للسلم منهجهم عرف أن ما قالوه من الزور والبهتان (يعني في أمر البداء) إنما كان عن قصد سيء وحسد‬
‫للحق وأهله وعصبة ممقوته دفعتهم إلى الدس والخداع وإعمال معاول الهدم سرا وعلنا للشرائع ودولها القائمة عليها"‪.‬‬
‫عنه ارتكبوا البداء‪ ،‬ونقلوا عن علي رضي ال عنه‬ ‫(الحكام في أصول الحكام‪ - 110-3/109 :‬الهامش)‪].‬‬

‫[وهذه الرواية موجودة عن المجلسي في البحار‪،‬‬ ‫أنه كان ل يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره‬
‫وعزاها إلى "قرب السناد" (بحار النوار‪ ،)4/97 :‬وفي خبر آخر نسبوا هذا القول إلى علي بن الحسين (انظر‪ :‬تفسير العياشي‪:‬‬
‫‪ ،2/215‬بحار النوار‪ ،4/118 :‬البرهان‪ ،2/299 :‬تفسير الصافي‪ ،].)3/75 :‬وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال‪ :‬ما‬
‫[انظر‪ :‬هذه الرواية في كتاب التوحيد لبن بابويه ص‬ ‫بدا ل في شيء كما بدا له في إسماعيل أي في أمره بذبحه‬
‫‪ ...].336‬وهذا هو الكفر الصريح‪ ،‬ونسبة الله تعالى إلى الجهل والتغير‪ ،‬ويدل على استحالته ما دل‬
‫على أنه محيط بكل شيء علما" [المستصفى‪.].1/110 :‬‬
‫ويقول الغزالي‪ :‬فلو صرح مصرح بكفر أبي بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬فقد خالف الجماع‬
‫وخرقه‪ ،‬ورد ما جاء في حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم‬
‫وتقدمهم على سائر الخلق في أخبار كثيرة‪ ..‬ثم قال‪" :‬فقائل ذلك إن بلغته الخبار واعتقد مع ذلك‬
‫كفرهم فهو كافر‪ ..‬بتكذيبه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمن كذبه بكلمة من أقاويله فهو كافر‬
‫بالجماع" [فضائح الباطنية‪ :‬ص ‪.].149‬‬
‫[عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي عالم المغرب‪ ،‬وإمام أهل الحديث في وقته‪ ،‬توفي سنة‬ ‫القاضي عياض‬
‫( ‪544‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬وفيات العيان‪ ،3/483 :‬والعبر للذهبي‪ ،2/467 :‬الضبي‪ /‬بغية الملتمس ص ‪ ،437‬النباهي‪ /‬تاريخ قضاة الندلس‪:‬‬
‫ص ‪:].)101‬‬
‫[انظر‪ )614( :‬من هذه‬ ‫قال رحمه ال‪" :‬نقطع بتكفير غلة الرافضة في قولهم إن الئمة أفضل من النبياء"‬
‫الرسالة‪ ،‬والشيعة المعاصرون يعدون هذا الكفر من ضرورات مذهبم ومنكر الضروري كافر عندهم (انظر‪ :‬ص ‪ )1116‬من‬
‫هذه الرسالة)‪.‬‬
‫يقول شيخهم الممقاني‪" :‬ومن ضروريات مذهبنا أن الئمة عليهم السلم أفضل من أنبياء بني إسرائيل كما نطقت بذلك النصوص‬
‫المتواترة‪ ..‬ول شبهة عند كل ممارس لخبار أهل البيت عليهم السلم (يعني أئمته الثني عشر) أنه كان يصدر من الئمة‬

‫‪765‬‬
‫عليهم السلم خوارق للعادة نظير ما كان يصدر من النبياء بل أزيد‪ ،‬وأن النبياء والسلف انفتحت لهم باب أو بابان من العلم‪،‬‬
‫وانفتحت للئمة عليهم السلم بسبب العبادة والطاعة التي تذر العبد مثل ال إذا قال لشيء كن فيكون جميع البواب" (تنقيح‬
‫المثال‪.)3/232 :‬‬
‫فانظر كيف فضلهم في البداية على النبياء‪ ،‬وانتهى إلى أنهم مثل ال تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪ ..‬فماذا بعد‬
‫هذا من زندقة وإلحاد؟‪.].‬‬
‫وكذلك يحكم بكفر من قال‪ :‬بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلى ال عليه وسلم وبعده‪ ،‬وأن كل‬
‫إمام يقول مقام النبي صلى ال عليه وسلم في النبوة والحجة‪ ،‬وأشار بأن هذا مذهب أكثر الرافضة‬
‫[ونجد ذلك عند الثني عشرية في زعمهم أن المامة أرفع درجة من النبوة‪ .‬انظر‪ :‬ص(‪ )656‬وأن الئمة حجة على الناس‬
‫[وهذا ما يقول به‬ ‫وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة‬ ‫كالرسل‪ .‬انظر‪( :‬ص ‪].)623‬‬

‫الروافض‪ .‬انظر‪ :‬ص ‪ 310‬وما بعدها‪.].‬‬


‫وقال‪ :‬وكذلك نكفر "من أنكر القرآن أو حرفا منه‪ ،‬أو غير شيئا منه‪ ،‬أو زاد فيه كفعل الباطنية أو‬
‫[هنا ملحظة مهمة وهي أن بعض الئمة ينسبون القول بتغيير القرآن إلى السماعيلية‪ ،‬في حين أنه من أقوال‬ ‫السماعيلية"‬
‫الثني عشرية‪ ،‬والسماعيلية لم تخض في القرآن بهذا القول‪ ،‬وإنما سلكت التأويل الباطني‪.].‬‬
‫[المام الحافظ المحدث أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني‪ ،‬مصنف النساب وغيره‪،‬‬ ‫السمعاني‬
‫رحل وسمع الكثير حتى كتب عن أربعة آلف شيخ‪ ،‬قال ابن كثير‪ :‬وذكر له ابن خلكان مصنفات عديدة منها كتابه الذي جمع‬
‫فيه ألف حديث عن مائة شيخ وتكلم عليها إسنادا ومتنا وهو مفيد جدا‪ ،‬توفي سنة (‪562‬هـ)‪.‬‬
‫(ت ‪562‬هـ)‪:‬‬ ‫(وفيات العيان‪ ،3/209 :‬البداية والنهاية‪].)12/175 :‬‬

‫قال رحمه ال‪" :‬واجتمعت المة على تكفير المامية‪ ،‬لنهم يعتقدون تضليل الصحابة‪ ،‬وينكرون‬
‫[قوله‪" :‬إلى ما يليق بهم" كذا في الصل‪ ،‬وإذا كان الضمير يعود إلى الرافضة‪،‬‬ ‫إجماعهم وينسبون إلى ما يليق بهم"‬
‫فالعبارة مستقيمة أي ينسبون الصحابة إلى ضلل يليق بالرافضة أنفسهم‪ ،‬إما إذا كان الضمير يعود إلى الصحابة‪ ،‬ففي العبارة‬
‫تصحيف‪ ،‬ولعل صحتها "إلى ما ل يليق بهم"‪[ ].‬النساب‪.].6/341 :‬‬
‫[محمد بن عمر بن الحسين المعروف بالفخر الرازي‪ ،‬مفسر متكلم فقيه أصولي‪ ،‬من تصانيفه‪ :‬التفسير الكبير‪،‬‬ ‫الرازي‬
‫والمحصول‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬سب له نوع تشيع‪ ،‬توفي سنة (‪606‬هـ) (لسان الميزان‪ ،4/426 :‬السيوطي‪ /‬طبقات المفسرين‪ :‬ص‬
‫‪ ،115‬عيون النباء‪ :‬ص ‪:].)427-414‬‬
‫يذكر الرازي أن أصحابه من الشاعرة يكفرون الروافض من ثلثة وجوه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنهم كفروا سادات المسلمين‪ ،‬وكل من كفر مسلما فهو كافر لقوله عليه السلم‪" :‬من قال‬
‫فإذن يجب تكفيرهم‪.‬‬ ‫[سيأتي تخريجه‪].‬‬ ‫لخيه‪ :‬يا كافر فقد باء بها أحدهما"‬
‫وثانيها‪ :‬أنهم كفروا قوما نص الرسول عليه السلم بالثناء عليهم وتعظيم شأنهم‪ ،‬فيكون تكفيرهم‬
‫تكذيبا للرسول عليه السلم‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬إجماع المة على تكفير من كفر سادات الصحابة [الرازي‪ /‬نهاية العقول‪ ،‬الورقة ‪( 212‬مخطوط)‪.].‬‬
‫ابن تيمية‪:‬‬

‫‪766‬‬
‫قال رحمه ال‪ :‬من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت‪ ،‬أو زعم أن له تأويلت باطنة تسقط‬
‫العمال المشروعة‪ ،‬فل خلف في كفرهم‪.‬‬
‫ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول ال عليه الصلة والسلم إل نفرا قليلً ل يبلغون بضعة‬
‫عشر نفسا‪ ،‬أو إنهم فسقوا عامتهم‪ ،‬فهذا ل ريب أيضا في كفره؛ لنه مكذب لما نصه القرآن في غير‬
‫موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم‪.‬‬
‫بل من يشكك في كفر مثل هذا؟ فإن كفره متعين‪ ،‬فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة‬
‫وخيرها هو‬ ‫[آل عمران ‪]110‬‬ ‫جتْ لِلنّاسِ}‬
‫كفار أو فساق‪ ،‬وأن هذه الية التي هي‪{ :‬كُنتُمْ خَيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َ‬
‫القرن الول‪ ،‬كان عامتهم كفارا‪ ،‬أو فساقا‪ ،‬ومضمونها أن هذه المة شر المم‪ ،‬وأن سابقي هذه المة‬
‫هم شرارها وكفر هذه مما يعلم بالضطرار من دين السلم [الصارم المسلول‪ :‬ص ‪.].587-586‬‬
‫[مجموع فتاوى شيخ‬ ‫وقال شيخ السلم‪" :‬إنهم شر من عامة أهل الهواء‪ ،‬وأحق بالقتال من الخوارج"‬
‫السلم‪.].28/482 :‬‬
‫وأنهم كفروا بما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم بما ل يحصيه إل ال‪ ،‬فتارة يكذبون‬
‫بالنصوص الثابتة عنه‪ ،‬وتارة يكذبون بمعاني التنزيل‪.‬‬
‫فإن ال قد ذكر في كتابه من الثناء على الصحابة‪ ،‬والرضوان عليهم والستغفار لهم ما هم كافرون‬
‫بحقيقته‪ ،‬وذكر في كتابه من المر بالجمعة والمر بالجهاد وبطاعة أولي المر ما هم خارجون عنه‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من موالة المؤمنين وموادتهم والصلح بينهم ما هم عنه خارجون‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من النهي عن موالة الكفار وموادتهم ما هو خارجون عنه‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وتحريم الغيبة والهمز واللمز ما هو‬
‫أعظم الناس استحللً له‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من المر بالجماعة والئتلف‪ ،‬والنهي عن الفرقة والختلف ما هم أبعد الناس‬
‫عنه‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من طاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم ومحبته واتباع حكمه ما هم خارجون‬
‫عنه وذكر في كتابه من حقوق أزواجه ما هم براء منه‪.‬‬
‫وذكر في كتابه من توحيده وإخلص الملك له وعبادته وحده ل شريك له ما هم خارجون عنه‪،‬‬
‫فإنهم مشركون لنهم أشد الناس تعظيما للمقابر التي اتخذت أوثانا من دون ال‪.‬‬
‫وقد ذكر في كتابه من أسمائه وصفاته ما هم كافرون به‪.‬‬
‫وذكر في كتابه أنه على كل شيء قدير وأنه خالق كل شيء وأنه ما شاء ال ل قوة إل بال ما هم‬
‫كافرون به‪.‬‬
‫ثم قال شيخ السلم‪ :‬ومن اعتقد من المنتسبين إلى العلم أو غيره أن قتال هؤلء بمنزلة قتال البغاة‬
‫الخارجين عن المام بتأويل سائغ‪ ..‬فهو غالط جاهل بحقيقة شريعة السلم‪ ..‬لن هؤلء خارجون عن‬
‫‪767‬‬
‫نفس شريعة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسنته شرا من خروج الحرورية‪ ،‬وليس لهم تأويل سائغ‬
‫[انظر‪ :‬الفتاوى ‪ ،].485-28/484‬فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب‬
‫كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الجتهاد‪ .‬وهؤلء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والجماع‪ ،‬ولكن‬
‫[انظر‪ :‬الفتاوى‬ ‫لهم تأويل من جنس تأويل اليهود والنصارى‪ ،‬وتأويلهم شر تأويلت أهل الهواء‬
‫‪.].28/486‬‬
‫ولكن شيخ السلم وهو يكفر أصحاب هذه المقالت‪ ،‬إل أن تكفيره للمعين مشروط عنده بقيام‬
‫الحجة وبلوغ الرسالة‪ ،‬ولذلك أفتى في الرافضة الذين تم القبض عليهم بالفتوى التالية‪:‬‬
‫فتوى شيخ السلم في الرافضة بعد الستيلء عليهم‪:‬‬
‫يقول ‪ -‬رحمه ال ‪" :-‬وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير فيه ألوف من الرافضة يسفكون‬
‫دماء الناس ويأخذون أموالهم‪ ،‬وقتلوا خلقا عظيما‪ ،‬وأخذوا أموالهم‪ ،‬ولما انكسر المسلمون سنة غازان‬
‫أخذوا الخيل والسلح والسارى وباعوهم للكفار والنصارى بقبرص‪،‬‬ ‫[انظر ص‪ )1216( :‬من هذه الرسالة‪].‬‬

‫وأخذوا من مر بهم من الجند وكانوا أضرّ على المسلمين من جميع العداء‪ ،‬وحمل بعضهم أمرائهم‬
‫راية النصارى‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أيما خير المسلمون أو النصارى؟ فقال‪ :‬بل النصارى‪ ،‬فقالوا له‪ :‬مع من‬
‫تحشر يوم القيامة؟ فقال‪ :‬مع النصارى‪ ،‬وسلموا إليهم بعض بلد المسلمين‪.‬‬
‫[لعله من جاء في‬ ‫ومع هذا فلما استشار أهل ولة المر في غزوهم وكتبت جوابا مبسوطا في غزوهم‬
‫الفتاوى‪ ..].28/398 :‬وذهبنا إلى ناحيتهم‪ ،‬وحضر عندي جماعة منهم وجري بيني وبينهم مناظرات‬
‫ومفاوضات يطول وصفها‪ ،‬فلما فتح المسلمون بلدهم‪ ،‬وتمكن المسلمون منهم نهيتهم عن قلتهم‪ ،‬وعن‬
‫سبيهم‪ ،‬وأنزلناهم في بلد المسلمين متفرقين لئل يجتمعوا" [منهاج السنة‪.].3/39 :‬‬
‫وهذه الفتوى من إمام أهل السنة في وقته تبين أن أهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به‬
‫الرسول‪ ،‬ول يكفرون كل من خالفهم فيه؛ بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق بخلف أهل الهواء الذين‬
‫يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه [منهاج السنة‪.].3/39 :‬‬
‫[المام المحدث المفتي البارع ‪ -‬كما قال الذهبي ‪ -‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير‪ ،‬قال الشوكاني‪ :‬له‬ ‫ابن كثير‬
‫تصانيف مفيدة منها‪ :‬التفسير‪ ،‬من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها‪ ،‬توفي سنة (‪774‬هـ)‪.‬‬
‫(ابن حجر‪ /‬الدرر الكامنة‪ ،374-1/373 :‬الشوكاني‪ /‬البدر الطالع (‪:].) )1/153‬‬
‫ساق ابن كثير بعض الحاديث الثابتة في السنة‪ ،‬والمتضمنة نفي دعوى النص والوصية التي‬
‫تدعيها الرافضة لعلي‪ ،‬ثم عقب عليها بقوله‪:‬‬
‫"ولو كان المر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع ل ولرسوله في حياته‬
‫وبعد وفاته‪ ،‬من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه‪ ،‬ويؤخروا من قدمه بنصه‪ ،‬حاشا وكل‪ ،‬ومن‬
‫ظن بالصحابة رضوان ال عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور‪ ،‬والتواطؤ على معاندة الرسول‬

‫‪768‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومضادتهم في حكمه ونصه‪ ،‬ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة‬
‫السلم‪ ،‬وكفر بإجماع الئمة العلم‪ ،‬وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام" [البداية والنهاية‪.].5/252 :‬‬
‫ومن الثابت عن الرافضة ‪ -‬كما مر ‪ -‬أنها تدعي أن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على علي‪،‬‬
‫وأن الصحابة ردوا النص‪ ،‬وارتدوا بسبب ذلك‪ ،‬وهذا ما يقوله المعاصرون وأسلفهم من الروافض‬
‫[انظر‪ :‬ص(‪ )716‬و ص(‪ )1099‬من هذه الرسالة‪.].‬‬
‫[محمد بن خليل بن يوسف الرملي المقدسي‪ ،‬من فقهاء الشافعية‪ ،‬توفي سنة (‪888‬هـ)‪.‬‬ ‫أبو حامد محمد المقدسي‬
‫(انظر‪ :‬السخاوي‪ /‬الضوء اللمع‪ ،7/234 :‬الشوكاني‪ /‬البدر الطالع‪:].)2/169 :‬‬
‫قال ‪ -‬بعد حديثه عن فرق الشيعة وعقائدهم ‪" :-‬ل يخفى على كل ذي بصيرة وفهم من المسلمين‬
‫أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من عقائد هذه الطائفة الرافضة على اختلف أصنافها كفر صريح‪،‬‬
‫وعناد‪ ،‬مع جهل قبيح ل يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين السلم"‬
‫[رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪.].200‬‬
‫[يوسف الجمال أبو المحاسن الواسطي من علماء القرن التاسع‪( .‬انظر‪ :‬السخاوي‪/‬‬ ‫أبو المحاسن يوسف الواسطي‬
‫الضوء اللمع‪:].)339-10/338 :‬‬
‫وقد ذكر جملة من مكفراتهم‪ ،‬فمنها قوله‪:‬‬
‫"إنهم يكفرون بتكفيرهم لصحابة سول ال صلى ال عليه وسلم الثابت تعديلهم وتزكيتهم في القرآن‬
‫وبشهادة ال تعالى لهم أنهم ل يكفرون بقوله‬ ‫[البقرة ‪]143‬‬ ‫علَى النّاسِ}‬
‫بقوله تعالى‪{ :‬لّتَكُونُواْ شُ َهدَاءَ َ‬
‫تعالى‪َ { :‬فإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلءِ فَ َقدْ وَ ّكلْنَا ِبهَا َق ْومًا لّ ْيسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [النعام ‪.]89‬‬
‫ويكفرون باستغنائهم عن حج بيت ال الحرام بزيارة قبر الحسين لزعمهم أنها تغفر الذنوب‬
‫وتسميتهم لها بالحج الكبر‪ ،‬ومن ذلك أنهم يكفرون بترك جهاد الكفار والغزو لهم الذي يزعمون أنه ل‬
‫يجوز إل مع المام المعصوم وهو غائب" [المناظرة بين أهل السنة والرافضة‪ /‬الورقة ‪( 66‬مخطوط)‪.].‬‬
‫"وأنهم يكفرون بإعابتهم السنن المتواتر فعلها عن النبي صلى ال عليه وسلم من الجماعة والضحى‬
‫والوتر والرواتب قبل المكتوبات من الصلوات الخمس وبعدها‪ ،‬وغير ذلك من السنن المؤكدات"‬
‫[المناظرة بين أهل السنة والرافضة‪ /‬الورقة ‪( 67‬مخطوط)‪.].‬‬
‫[علي بن سلطان بن محمد الهروي المعروف بالقاري الحنفي‪ ،‬أحد صدور العلم‪ ،‬ألف‬ ‫علي بن سلطان بن محمد القاري‬
‫التآليف الكثيرة النافعة منها‪ :‬شرحه المشكاة وهو أكبرها‪ ،‬وشرح الشفاء‪ ،‬والنخبة وغيرها‪ .‬توفي سنة (‪1014‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬خلصة الثر‪ ،186-3/185 :‬البدر الطالع‪:].)446-1/445 :‬‬
‫قال‪" :‬وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالجماع إل إذا اعتقد أنه مباح كما عليه‬
‫بعض الشيعة وأصحابهم‪ ،‬أو يترتب عليه ثواب كما هو دأب كلمهم أو اعتقد كفر الصحابة وأهل‬
‫السنة فإنه كافر بالجماع" [شم العوارض في ذم الروافض‪ /‬الورقة ‪ 6‬أ (مخطوط)]‪.‬‬

‫‪769‬‬
‫ثم ساق مجموعة من الدلة من الكتاب والسنة تتضمن الثناء على الصحابة رضوان ال عليهم‪،‬‬
‫واستنبط منها كفر الرافضة في مذهبها في الصحابة" [شم العوارض في ذم الروافض‪ /‬الورقة ‪.]254-252‬‬
‫ثم ذكر بأن من مكفرات الرافضة ما يدعونه في كتاب ال من نقص وتغيير‪ ،‬وعرض بعض أقوالهم‬
‫في ذلك [شم العوارض في ذم الروافض‪ /‬الورقة ‪ 259‬أ]‪.‬‬
‫[محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن أحمد التميمي النجدي‪ ،‬المام المجدد للسلم في الجزيرة‬ ‫محمد بن عبد الوهاب‬
‫العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة‪ ،‬كانت دعوته إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع هي الشعلة الولى لليقظة الحديثة في‬
‫العالم السلمي كله‪ ،‬تأثر بها رجال الصلح في الهند‪ ،‬ومصر والعراق والشام وغيرها‪ .‬توفي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬سنة (‬
‫‪1206‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬عبد العزيز بن باز‪ /‬الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته‪ /‬وسليمان الندوي‪ /‬محمد بن عبد الوهاب مصلح‬
‫مظلوم ومفترى عليه‪ ،‬وبهجة الثري‪ /‬محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث وغيرها‪ .‬وانظر‪ :‬أحمد‬
‫أمين‪ /‬زعماء الصلح‪ :‬ص ‪ ،10‬مجلة الزهراء‪:].)98-3/82 :‬‬
‫حكم المام محمد بن عبد الوهاب على جملة من عقائد الثني عشرية بأنها كفر‪ ،‬ومن ذلك قال ‪-‬‬
‫رحمه ال ‪ -‬بعد أن عرض عقيدة الثني عشرية في سب الصحابة ولعنهم‪ ،‬وما قاله ال ورسوله في‬
‫الثناء عليهم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫"فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم‪ ،‬والحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على‬
‫كمالهم؛ فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم‪ ،‬وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين‪ ،‬أو اعتقد حقية‬
‫سبهم وإباحته‪ ،‬أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم‪ ،‬أو حليته فقد كفر بال تعالى ورسوله‪ ...‬والجهل‬
‫بالتواتر القاطع ليس بعذر‪ ،‬وتأويله وصرفه من غير دليل معتبر غير مفيد‪ ،‬كمن أنكر فرضية‬
‫الصلوات الخمس جهلً لفرضيتها‪ ،‬فإنه بهذا الجهل يصير كافرا‪ ،‬وكذا لو أولها على غير المعنى الذي‬
‫نعرفه فقد كفر‪ ،‬لن العلم الحاصل من نصوص القرآن والحاديث الدالة على فضلهم قطعي‪.‬‬
‫ومن خص بعضهم بالسب فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء فإن اعتقد حقية سبه‬
‫أو إباحته فقد كفر لتكذيبه ما ثبت قطعيا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ومكذبه كافر‪ ،‬وإن سبه‬
‫من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق؛ لن سباب المسلم فسوق‪ ،‬وقد حكم بعض فيمن سب‬
‫الشيخين بالكفر مطلقا‪.‬‬
‫وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله‪ ،‬فالظاهر أن سابه فاسق إل أن يسبه من حيث‬
‫صحبته لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن ذلك كفر‪.‬‬
‫وغالب هؤلء الرافضة الذين يسبون الصحابة يعتقدون حقية سبهم أو إباحته بل وجـوبه‪ ،‬لنهـم‬
‫[رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪-18‬‬ ‫يتـقربون بذلك إلى ال تعـالى ويرون ذلك من أجل أمور دينهم"‬
‫‪[ .].19‬بل تجاوزوا أمر السب إلى التكفير‪ ،‬بل قالوا بأن من اعتقد في أبي بكر وعمر السلم فل ينظر ال إليه ول يكلمه وله‬
‫عذاب أليم (انظر‪ :‬ص ‪ 724‬من هذه الرسالة)‪.‬‬
‫فشناعاتهم في أمر الصحابة تزيد وتغلو على مر اليام حتى استقرت اليوم على الغلو الذي ما بعده شيء‪.].‬‬
‫‪770‬‬
‫ثم قال ‪ -‬رحمه ال ‪" :-‬وما صح عن العلماء من أنه ل يكفر أهل القبلة فمحمول على من لم يكن‬
‫بدعته مكفرة‪ ..‬ول شك أن تكذيب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما ثبت عنه قطعا كفر‪ ،‬والجهل‬
‫في مثل ذلك ليس بعذر" [رسالة في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪.].20‬‬
‫وقال – رحمه ال – بعد عرض ما جاء في كتبهم من دعواهم نقص القرآن وتغييره‪" :‬يلزم من هذا‬
‫تكفير الصحابة حتى علي‪ ،‬حيث رضوا بذلك‪ ...‬وتكذيب قوله تعالى‪{ :‬ل َي ْأتِيهِ ا ْلبَاطِلُ مِن بَ ْينِ َيدَ ْيهِ‬
‫[الحجر‬ ‫حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ}‬
‫وقوله‪{ :‬إِنّا نَ ْ‬ ‫[فصلت ‪]42‬‬ ‫حمِيدٍ}‬
‫خلْ ِفهِ تَنزِيلٌ ّمنْ حَكِيمٍ َ‬
‫وَل ِمنْ َ‬
‫[رسالة في الرد على‬ ‫‪ .]9‬ومن اعتقد عدم صحة حفظه من السقاط‪ ،‬واعتقد ما ليس منه أنه فقد كفر"‬
‫الرفضة‪ :‬ص ‪.].15-14‬‬
‫وقال الشيخ ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬فيمن اتخذ بينه وبين ال وسائط‪ ...‬كحال الرافضة في أئمتها‪" :‬ومن‬
‫[رسالة نواقض السلم‪:‬‬ ‫جعل بينه وبين ال وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة‪ ،‬ويتوكل عليهم كفر إجماعا"‬
‫ص ‪( 283‬ضمن الجامع الفريد ط‪ :‬الجميح)‪.].‬‬
‫[رسالة‬ ‫وكذلك قال بأن من فضل الئمة على النبياء كفر بالجماع كما نقله غير واحد من أهل العلم‬
‫في الرد على الرافضة‪ :‬ص ‪ ،29‬وانظر‪ :‬ص ‪ 614‬من هذا الكتاب‪.].‬‬
‫[عبد العزيز بن أحمد (ولي ال) بن عبد الرحيم العمري الفاروقي الملقب سراج الهند‪ ،‬قال‬ ‫شاه عبد العزيز الدهلوي‬
‫محب الدين الخطيب‪" :‬كان كبير علماء الهند في عصره ‪ ،‬وكان رحمه ال مطلعا على كتب الشيعة مبحرا فيها"‪ .‬توفي سنة (‬
‫‪1239‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬العلم‪ ،4/138 :‬مقدمة مختصر التحفة الثني عشرية لمحب الدين الخطيب‪ /‬ص‪ :‬يب)‪:].‬‬
‫قال ‪ -‬بعد دراسة مستفيضة لمذهب الثني عشرية من خلل مصادرهم المعتمدة قال‪" :‬ومن‬
‫استكشف عقائدهم الخبيثة وما انطووا عليه؛ علم أن ليس لهم في السلم نصيب وتحقق كفرهم لديه"‬
‫[مختصر التحفة الثني عشرية‪ :‬ص ‪.].300‬‬
‫[المام محمد بن علي بن محمد بن عبد ال الشوكاني‪ ،‬علمة اليمن‪ ،‬صاحب فتح القدير‪ ،‬ونيل‬ ‫محمد بن علي الشوكاني‬
‫الوطار وغيرهما من المؤلفات النافعة‪ .‬توفي سنة (‪1250‬هـ)‪.‬‬
‫(انظر في ترجمته‪ :‬البدر الطالع‪:].)225-2/214 :‬‬
‫قال‪ :‬إن أصل دعوة الروافض كياد الدين‪ ،‬ومخالفة شريعة المسلمين‪.‬‬
‫والعجب كل العجب من علماء السلم‪ ،‬وسلطين الدين‪ ،‬كيف تركوهم على هذا المنكر البالغ في‬
‫القبح إلى غايته ونهايته‪ ،‬فإن هؤلء المخذولين لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها طعنوا‬
‫في أعراض الحاملين لها‪ ،‬الذين ل طريق لنا إليها إل من طريقهم‪ ،‬واستزلوا أهل العقول الضعيفة بهذه‬
‫الذريعة الملعونة‪ ،‬والوسيلة الشيطانية‪ ،‬فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة‪ ،‬ويضمرون العناد‬
‫للشريعة‪ ،‬ورفع أحكامها عن العباد‪.‬‬

‫‪771‬‬
‫وليس في الكبائر أشنع من هذه الوسيلة إل ما توسلوا بها إليه‪ ،‬فإنه أقبح منها‪ ،‬لنه عناد ل عز‬
‫وجل ولرسوله صلى ال عليه وسلم ولشريعته‪.‬‬
‫فكان حاصل ما هم فيه من ذلك أربع كبائر كل واحدة منها كفر بواح‪:‬‬
‫الولى‪ :‬العناد ل عز وجل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬العناد لرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬العناد لشريعتهم المطهرة ومحاولة إبطالها‪.‬‬
‫والرابعة‪ :‬تكفير الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬الموصوفين في كتاب ال سبحانه بأنهم أشداء على‬
‫الكفار‪ ،‬وأن ال تعالى يغيظ بهم الكفار‪ ،‬وأنه قد رضي عنهم‪ ،‬مع أنه قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة‬
‫أن من كفر مسلما كفر كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫[الحديث‬ ‫قال‪" :‬إذا قال الرجل لخيه‪ :‬يا كفر‪ ،‬فقد باء بهما أحدهما‪ ،‬فإن كان كما قال وإل رجعت عليه"‬
‫بنحوه في صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب من كفر أخاه من غير تأويل فهو كما قال‪ :‬ج‪ ،‍7/97‬ومسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب‬
‫بيان حال إيمان من قال لخيه المسلم‪ :‬يا كافر‪ ،1/79 :‬وأبي داود كتاب السنة‪ ،‬باب زيادة اليمان ونقصانه‪( 5/64 :‬ح ‪)4687‬‬
‫والترمذي كتاب اليمان‪ ،‬باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر‪( 5/22 :‬ح ‪ ،)2637‬ومالك في الموطأ‪ ،‬كتاب الكلم‪ ،‬باب ما يكره‬
‫من الكلم‪ :‬ص ‪ ،984‬وأحمد‪ ،47 ،44 ،23 ،2/18 :‬والطيالسي‪ :‬ص ‪( 252‬ح ‪.}.)1842‬‬
‫وبهذا يتبين أن كل رافضي خبيث يصير كافرا بتكفيره لصحابي واحد‪ ،‬فكيف بمن كفر كل‬
‫الصحابة‪ ،‬واستثنى أفرادا يسيرة تغطية لما هو فيه من الضلل على الطغام الذين ل يعلقون الحجج؟!‬
‫[الشوكاني‪ /‬نثر الجوهر على حديث أبي ذر‪ ،‬الورقة‪( 16-15 :‬مخطوط)‪.].‬‬
‫شيوخ وعلماء الدولة العثمانية‪:‬‬
‫نقل زين العابدين بن يوسف السكوبي في رسالة كتبها أيام السلطان العثماني محمد خان بن‬
‫[السكوبي‪ /‬الرد على الشيعة‪ :‬الورقة‬ ‫السلطان إبراهيم خان أن علماء الدولة المتأخرين جميعا أفتوا بكفرهم‬
‫‪5‬ب‪.].‬‬
‫[ما وراء النهر‪ :‬يراد نهر جيحون بخراسان‪ ،‬فما كان في شرقيه يقال له بلد الهياطلة‪ ،‬وفي‬ ‫علماء ما وراء النهر‬
‫السلم سموه ما رواء النهر‪ ،‬وما كان في غربيه فهو خراسان وولية خوارزم‪( .‬معجم البلدان‪:].)5/45 :‬‬
‫قال اللوسي ‪ -‬صاحب التفسير ‪" :-‬ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الثني عشرية‬
‫وحكموا بإباحة دمائهم وأموالهم وفروج نسائهم‪ ،‬حيث إنهم يسبون الصحابة رضي ال عنهم ل سيما‬
‫الشيخين وهما السمع والبصر منه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وينكرون خلفة الصديق‪ ،‬ويقذفون عائشة أم‬
‫المؤمنين رضي ال عنها مما برأها ال تعالى منه‪ ،‬ويفضلون بأسرهم عليا كرم ال وجه‪ ..‬على غير‬
‫أولي العزم من المرسلين‪ ،‬ومنهم من يفضله عليه أيضا‪ ..‬ويجحدون سلمة القرآن العظيم من الزيادة‬
‫والنقص" [نهج السلمة‪ :‬ص ‪( 30 ،29‬مخطوط)‪.].‬‬
‫هذه بعض فتاوى أئمة المسلمين وعلمائهم في هذه المسألة‪.‬‬

‫‪772‬‬
‫وأكتفي بهذا القدر‪ ،‬وفي الكتب الفقهية أقوال كثيرة في تكفيرهم‪ ،‬يمكن الرجوع إليها بيسر ولذا ل‬
‫[انظر ‪ -‬مثلً ‪ -‬العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية لبن عابدين‪ ،‬وقد ساق فيها فتوى الشيخ نوح‬ ‫داعي لذكرها‬
‫الحنفي‪ ،‬حيث كفرهم لوجوه كثيرة‪ ،‬وهي فتوى طويلة (انظر‪ :‬العقود الدرية‪ :‬ص ‪ .)92‬وكذلك ذكر ما قاله أبو السعود المفسر‬
‫ونقل فيه إجماع علمائهم على تكفيرهم (المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)93‬‬
‫وفي الفتاوى البزازية للشيخ محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز المتوفى سنة (‪827‬هـ) قال‪ :‬يجب إكفار الكيسانية في‬
‫إجازتهم البداء على ال تعالى‪ ،‬وإكفار الروافض في قولهم برجعة الموات‪ ..‬إلخ‪( .‬الفتاوى البزازية المطبوعة على هامش‬
‫الفتاوى الهندية‪.)6/318 :‬‬
‫وفي الشباه والنظائر لبن نجيم قال‪ :‬سب الشيخين ولعنهما كفر‪( .‬الشباه والنظائر ص ‪ .)190‬وانظر‪ :‬نواقض الروافض‬
‫لمخدوم الشيرازي حيث ساق أقوال أصحاب المذاهب الربعة في تكفير الرافضة‪ /‬الورقة‪187 :‬أ وما بعدها‪ ،‬وتكفير الشيعة‪،‬‬
‫لمطهر بن عبد الرحمن بن إسماعيل‪ /‬الورقة‪.].51 :‬‬
‫ويلحظ هنا عدة أمور‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن هذا حكمهم ‪ -‬رحمة ال عليهم ‪ -‬قبل انتشار كتب الروافض‪ ،‬ومجاهرتهم بعقائدهم بمثل‬
‫ما هو واقع اليوم‪ ..‬ولهذا تضمنت صفحات هذا البحث عقائد للثني عشرية كان ينسبها علماء السلم‬
‫للقرامطة الباطنية كمسألة نقص القرآن وتحريفه‪ ،‬والذي استفاض أمرها في كتبهم‪ ،‬وكذلك جملة مما‬
‫جاء في اعتقادهم في أصول الدين‪ ،‬وهناك عقائد لم تكن معروفة كعقيدة الطينة ونحوها‪..‬‬
‫ومعنى هذا أن حكمهم اليوم عليهم أشد‪.‬‬
‫ثانيا أن الرافضة المتأخرين والمعاصرين جمعوا أخس المذاهب وأخطرها‪..‬‬
‫جمعوا مقالة القدرية في نفي القدر‪ ،‬والجهمية في نفي الصفات‪ ،‬وقولهم إن القرآن مخلوق‪،‬‬
‫والصوفية ‪ -‬عند جملة من رؤساء مذهبهم ‪ -‬في ضللة الوحدة والتحاد‪ ،‬والسبيئة في تأليه علي‪،‬‬
‫والخوارج والوعيدية في تكفير المسلمين‪ ،‬والمرجئة في قولهم‪ :‬إن حب علي حسنة ل يضر معها‬
‫سيئة‪ ..‬بل ساروا في سبيل أهل الشرك في تعظيم القبور‪ ،‬والطواف حولها‪ ،‬بل ويصلون إليها‬
‫[انظر تفصيل ذلك كله وإثبات أن الثني عشرية‬ ‫مستدبرين القبلة‪ ،‬إلى غير ذلك مما هو عين مذهب المشركين‬
‫تقول بهذه المذاهب‪ ،‬الباب الثاني من هذه الرسالة‪ ،‬و ص‪ )1069( :‬وما بعدها‪.].‬‬
‫فهل يبقى بعد ذلك شك في أن هذه الطائفة ارتضت لنفسها مذهبا غير مذهب المسلمين؟! فهم إن‬
‫شهدوا الشهادتين إل أنهم نقضوا بنواقض كثيرة كما ترى‪.‬‬
‫لكن مما يجب مراعاته حسب منهج أهل السنة في التكفير "أن هذه القوال التي يقولونها والتي يعلم‬
‫أنها مخالفة لما جاء الرسول صلى ال عليه وسلم هي كفر‪ ،‬وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال‬
‫الكفار بالمسلمين هي أيضا كفر‪ ..‬لكن تكفير الواحد المعين من أهل القبلة والحكم بتخليده في النار‬
‫موقوف على ثبوت شروط التكفير‪ ،‬وانتفاء موانعه؛ فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير‬
‫والتفسيق ول يحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضي الذي ل معارض له‪ ،‬ولهذا ل‬
‫يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالسلم أو لنشأته ببادية بعيدة‪ ،‬فإن حكم‬

‫‪773‬‬
‫الكفر ل يكون إل بعد بلوغ الرسالة‪ ،‬ومن هؤلء من ل يكون بلغته النصوص المخالفة لما يراه‪ ،‬ول‬
‫يعلم أن الرسول بعث بذلك‪ ،‬فيطلق أن هذا القول كفر‪ ،‬ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها‬
‫دون غيره" [الفتاوى‪ ،501-28/500 :‬وانظر لتفصيل هذه المسألة‪ :‬الفتاوى‪ 12/466 :‬وما بعدها‪ 23/345 ،‬وما بعدها‪.].‬‬

‫الخاتمة‬
‫الحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬والصلة والسلم على من ختم ال به النبوات‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه الذين كان ولؤهم وتشيعهم لمحمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وللحق الذي جاء به‪،‬‬
‫وكانوا بنعمة ال إخوانا في جميع الوقات‪.‬‬
‫لقد أمضيت أكثر من أربع سنوات أقلب النظر في مسائل هذا البحث‪ ،‬وأجمع مادته العلمية من‬
‫مصادر الشيعة المعتمدة وغيرها وأرتبها وأصوغها وأدرسها وأنقذها‪ ،‬وكم هي معاناة أن تقرأ وتستمع‬
‫لقوم أشقاهم ال فأضلهم وأعمى أبصارهم فصاروا يتبعون إماما معدوما‪ ،‬ويقولون بكتاب موهوم‪،‬‬
‫وجعفر مزعوم‪ ،‬وأساطير أخرى‪ ،‬وتقدح أخبارهم في كتاب أنزله ال وحفظه‪ ،‬وأجمع عليه المسلمون‬
‫عبر القرون‪ ،‬وفي سنة عن المصطفى صلى ال عليه وسلم جمعتها المة‪ ،‬وبذلت الجهود في حفظها‪،‬‬
‫وينبذون إجماع السلف‪ ،‬ويأخذون بقول طائفة مجهولة تحسبا أن يكون المهدي خرج من مخبئه متنكرا‬
‫وأدلى بصوته معهم‪.‬‬
‫ويكفرون صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وجاهدوا في‬
‫سبيله‪ ،‬ونشروا كلمة ال في الرض تصديقا لمفتريات نسبها بعض الزنادقة لهل البيت‪.‬‬
‫فحمدا ل سبحانه على نعمة العقل‪ ،‬واليمان واليقين‪.‬‬
‫وفي نهاية هذا البحث لبد من وقفة نستجمع فيها بعض حصاده ونعرض في تركيز جوانب من‬
‫معالمه في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن المعنى اللغوي للتشيع هو النصرة والمتابعة‪ ،‬وهذا المعنى ل يتوفر في مدعي التشيع اليوم‪،‬‬
‫ومن قبل اليوم في الغالب‪ ،‬فهم الرافضة كم سماهم السلف‪ ،‬أو المنتسبون للتشيع‪ ،‬وليسوا شيعة على‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -2‬لفظ التشيع لم يرد في القرآن غالبا إل على سبيل الذم‪ .‬ولم يأت في السنة ذكر لهذه الفرقة على‬
‫وجه التخصيص إل في روايات ضعيفة جاء فيها ذكر الرافضة على سبيل الذم أيضا‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الشيعة أطوار‪ ،‬وفرق‪ ،‬ودرجات ما بين إغراق في الغلو واقتصاد فيه‪ ،‬ولذا كان للغلو في‬
‫التشيع مفهوم عند السلف يختلف عمن بعدهم‪ ،‬بل تبين أن جملة من عقائد شيعة هذا العصر هي من‬
‫الغلو في التشيع عند أسلفهم من شيعة القرن الرابع‪ ،‬فكيف بالشيعة الولى‪.‬‬
‫وتعريف الشيعة إذن مرتبط بأطوار نشأتهم‪ ،‬ومراحل التطور العقدي عندهم‪ ،‬ولذا كان الشيعي فيما‬
‫مضى هو من يقدّم عليا على عثمان‪ ..‬ولكن بعد اعتماد شيوخ الشيعة كتب الكليني والقمي والمجلسي‬
‫‪774‬‬
‫وأضرابهم مصادر في التلقي شاع الغلو في الشيعة‪ ،‬واستقر مركبها على التطرف والشطط حتى رأينا‬
‫أكبر مراجعهم في هذا العصر "الخوئي" يوثق روايات إبراهيم القمي في تفسيره مع ما فيه من كفر‪.‬‬
‫ويكفي أن يطلع كل متشكك في أمر الشيعة ‪ -‬اليوم ‪ -‬على هذا الكتاب الموثق عندهم ليرى أن‬
‫شيعة اليوم ارتضت لنفسها دينا غير السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬إن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم واليونان والنصارى واليهود وغيرهم‬
‫أمورا مزجوها بالتشيع مصداقا لما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم من اتباع بعض هذه المة سنن‬
‫من كان قبلهم‪.‬‬
‫وقد بدأت محاولة إدخال بعض هذه الصول إلى المجتمعات السلمية على يد (ابن سبأ) وأتباعه‪،‬‬
‫فلم يجد لها مكانا في أمصار المسلمين‪ ،‬إل عند فئة قليلة بالكوفة‪ ..‬إل أن ما جرى من أحداث على‬
‫بعض أهل البيت كمقتل علي والحسين سهل لهم مهمة إشاعتها في العالم السلمي تحت ستار التشيع‪.‬‬
‫‪ -5‬افترقت الشيعة إلى فرق كثيرة حتى ذكر بعضهم أنها بلغت ثلثمائة فرقة‪ ،‬وقد انحصرت اليوم‬
‫في ثلثة اتجاهات‪ :‬السماعيلية‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والثني عشرية وهي أكبرها وأكثرها عددا‪.‬‬
‫ولقد لحظت مسألة جديرة بالهتمام والتتبع في بحث مستقل وهي أنه ما من رأي وجد لفرقة شيعية‬
‫ظهرت في التاريخ في مختلف مراحله إل وتجد ما يشهد له في الغالب في مصادر الثني عشرية‬
‫اليوم حتى آراء ابن سبأ والمختار ابن أبي عبيد‪ ،‬وبيان بن سمعان‪ ،‬والمغيرة بن سعيد وغيرهم من‬
‫رؤوس الغلة‪.‬‬
‫‪ -6‬الثنا عشرية تلقب بالرافضة‪ ،‬والجعفرية‪ ،‬والمامية‪ ،‬وكانوا يسمون بالقطعية والموسوية‪،‬‬
‫وذهب جمع إلى أن مصطلح الشيعة إذا أطلق اليوم ل ينصرف إل إليهم‪ .‬وانبثق من الثني عشرية‬
‫فرق كثيرة‪ :‬كالشيخية‪ ،‬والكشفية‪ ،‬والبابية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -7‬سار الشيعة للستدلل على شذوذهم في كل اتجاه‪.‬‬
‫فمرة يزعمون أن ما يدل على مذهبهم من آيات في القرآن قد حذفها الصحابة‪.‬‬
‫وتارة يلجؤون إلى تأويلت باطنية ما أنزل ال بها من سلطان‪.‬‬
‫وحينا يزعمون نزل كتب إلهية على الئمة للدللة على مذهبهم‪.‬‬
‫وأحيانا يتعلقون بروايات من طرق أهل السنة وهي إما كذب‪ ،‬أو ل تدل على ما يزعمون‪ ،‬ولهم‬
‫وسائل ماكرة في هذا التجاه ل تدري اليهود بعشرها‪.‬‬
‫وهذا كله إنما يدل على عجز هذه الطائفة عن إثبات مذهبها بأصول شرعية‪.‬‬
‫‪ -8‬الشيعة منذ سنة (‪260‬هـ) وهي ل تتبع إل معدوما ل وجود له‪ ،‬فهم شيعة مشايخهم ل شيعة‬
‫أهل البيت‪ ،‬أو هم أتباع الشياطين الذين يتشكلون لهم بصورة المام الغائب‪ ،‬كما استفاضت أحاديثهم‬
‫بلقاء هذا المعدوم‪.‬‬

‫‪775‬‬
‫ولقد اجتمع شمل فرق الشيعة بالقول بهذا المعدوم لنه يخلصهم من آل البيت الذين كان منهم علماء‬
‫وأتقياء بررة فضحوا أمر هؤلء المرتزقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل باسم آل البيت‪،‬‬
‫ويبتدعون في دين ال ما لم ينزل به سلطانا‪ ..‬وينسبونه للل‪ ..‬وبالتشيع لهذا المعدوم صارت السلطة‬
‫والمال والوجاهة للشيوخ ل للل‪.‬‬
‫‪ -9‬قالت الشيعة‪ :‬إن القرآن ليس بحجة إل بقيم وهو أحد الئمة الثني عشر حتى إنها قالت‪ :‬إن‬
‫المام هو القرآن الناطق‪ ،‬وكتاب ال هو القرآن الصامت‪ ،‬وزعمت أن علم القرآن كله عند هذا القيم ل‬
‫يشركه فيه أحد‪ ،‬فهو تفسيره بل هو القرآن نفسه‪ ،‬ولذا له حق تخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه‬
‫وبيان مجمله ونسخ ما شاء منه‪ ..‬بل قد فوض المام في أمر الدين كله‪.‬‬
‫وزعمت أن لكل آية معنى باطنيا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لكل آية سبعة بطون‪ ،‬ثم طاشت تقديراتهم فقالت‪ :‬إن‬
‫لكل آية سبعين بطنا‪.‬‬
‫وادعت أن كتاب ال الذي أنزله ال ليهدي هذه المة إلى التي هي أقوم‪ ،‬في كل جوانب حياتها إنما‬
‫نزل في الئمة الثني عشر‪ ،‬وفي أعدائهم‪ ،‬وأعداؤهم ‪ -‬في زعمهم ‪ -‬الصحابة رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫ولذا فسرت آيات التوحيد والسلم وأركان اليمان‪ ،‬والحلل والحرام بالئمة الثني عشر‪.‬‬
‫وفسرت الشرك والكفر‪ ،‬والفحشاء والمنكر‪ ،‬والبغي بالصحابة‪ ،‬ومن اتبعهم من المؤمنين‪.‬‬
‫وتبين أن أصل هذه التأويلت يرجع للمغيرة بن سعيد وجابر الجعفي‪ ،‬ثم سار على نهجهما غلة‬
‫الروافض بعدهما فزادوا وبالغوا في هذه حتى وصلوا إلى مرحلة لم تخطر ببال السابقين‪ ،‬وشيوخ هذا‬
‫العصر يعدون هذه المدونات التي حوت هذا "الغثاء" من أوثق مصادرهم‪.‬‬
‫‪ -10‬فرية "التحريف" ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني‪ ،‬ونسبت إلى هشام بن الحكم‪،‬‬
‫وشيطان الطاق‪ ،‬وكان من أسبابها أنهم لم يجدوا ما يقنعون به أتباعهم على ما يدعون‪ ،‬وذلك لخلو‬
‫كتاب ال من النص على أئمتهم وعقائدهم‪.‬‬
‫ولكن ما إن جاء القرن الرابع حتى رمتهم المة عن قوس واحدة وكفروهم لسقوطهم في هذه‬
‫الهاوية الشنيعة‪ ،‬فأعلن كبيرهم (ابن بابويه) براءة الشيعة من هذه العقيدة‪ ،‬وأن من نسب إليهم ذلك فهو‬
‫كاذب‪ ،‬وتبعه ابن المرتضى‪ ،‬والطوسي ثم الطبرسي‪.‬‬
‫ولذا فإن بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أن الباطنية لم تخص بهذه المقالة‪،‬‬
‫والذي تولى كبرها وأكثر من الوضع فيها هم الثنا عشرية‪.‬‬
‫وقد سجلت هذه المقالة في أول كتاب ظهر لهم وهو الذي يسمونه أبجد الشيعة‪ ،‬وهو كتاب سليم بن‬
‫قيس‪ ،‬والذي كشف بعض شيوخهم عن أمره‪ ،‬وأنه موضوع‪ ،‬ومؤلفه مجهول‪.‬‬
‫‪ -11‬وفي السنة المطهرة كانت لهم أصول منكرة كقولهم‪ :‬إن المام يوحى إليه‪ ،‬بل يأتيه خلق‬
‫أعظم من جبريل الذي يأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن سمع حديثا من أحد من الئمة له أن‬
‫يقول فيه‪ :‬قال ال‪ ،‬لن قولهم كقول ال‪ ،‬وطاعتهم طاعة ال‪.‬‬
‫‪776‬‬
‫وفيهم روح القدس التي بها "عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى"‪ ،‬وبها يرون ما غاب عنهم‬
‫في أقطار الرض‪ ،‬وما في عنان السماء‪ ،‬ويذهبون إلى عرش الرحمن كل جمعة ليأخذوا من العلم ما‬
‫شاؤوا‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن ال سبحانه يناجي عليا والئمة‪.‬‬
‫وهذا كله يسمى عندهم "العلم الحادث"‪ ،‬أما العلم المزبور والذي ورثوه عن الرسول فهي كتب‬
‫وهمية كثيرة كالجامعة‪ ،‬والجعفر‪ ،‬وكتاب علي‪ ،‬والعبيطة‪ ،‬و"ديوان الشيعة" وغيرها‪.‬‬
‫وقالوا بأن عليا استمر يتلقى هذه العلوم والسرار والكتب في حياة الرسول صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫بل وبعد موته‪ ،‬من دون الصحابة أجمعين‪ ،‬فهو الباب الوحيد لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ومن ادعى سماعا من غيره فقد أشرك‪.‬‬
‫واستمر الوحي اللهي عندهم عن طريق الئمة لم ينقطع حتى سنة (‪260‬هـ) وبعد ذلك استمر‬
‫أيضا قرابة أربع وسبعين سنة عن طريق نواب المهدي‪ ،‬ثم بعد ذلك عن طريق الشيوخ الذين لهم‬
‫صلة سرية بمهديهم‪ ،‬ولذلك فإن شيوخهم يضعون بدعا جديدة حتى إن شيخ الدولة الصفوية علي‬
‫الكركي وضع مبدأ جواز السجود للمخلوق‪ ،‬ووضع لهم أيضا مبدأ السجود على التربة‪.‬‬
‫وشيخهم الخميني نقل عمليا وظائف المهدي كلها إليه وإلى دولته‪.‬‬
‫ولهم كتب جمعت هذا "الغثاء" واستقلوا بها عن المسلمين وهي مصادر أربعة‪ :‬الكافي‪ ،‬والتهذيب‪،‬‬
‫والستبصار‪ ،‬ومن ل يحضره الفقيه‪ .‬ألحق بها المتأخرون أربعة أخرى هي‪ :‬الوافي‪ ،‬والبحار‪،‬‬
‫والوسائل‪ ،‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ثم أضافوا إليها عددا من كتب شيوخهم جعلوها في العتبار كالمصادر‬
‫الربعة‪.‬‬
‫وكانوا يقبلون كل ما جاء في كتب أخبارهم‪ .‬حتى جاء شيخ السلم ابن تيمية ورد على ابن‬
‫المطهر الحلي ونعى على الشيعة جهلهم بالرواية‪ ،‬فوضع ابن المطهر طريقة تقسيم أحاديثهم إلى‬
‫صحيح وحسن وموثق وضعيف‪ ،‬وكان الدافع لذلك هو اتقاء تعيير العامة لهم كما تبين ذلك أثناء‬
‫النزاع الذي وقع بين الشيعة بسبب اختلفهم في هذه المسألة حتى انقسموا إلى أصوليين وأخباريين‪.‬‬
‫وهذه نتيجة مهمة توصل إليها هذا البحث‪.‬‬
‫وقد اعترف أحد شيوخهم بأنهم إذا طبقوا علم الجرح والتعديل كأهل السنة لم يبق من أحاديثهم‬
‫شيء فليبحثوا عن مذهب آخر‪.‬‬
‫ورجال أحاديثهم فيهم أسماء ل مسمى لها‪ ،‬وأكثرهم ينتحل المذاهب الفاسدة في نظر الثني عشرية‬
‫نفسها‪ ،‬فهم في عداد الكفرة ولكنهم يقبلون أخبارهم لنهم شيعة‪ ،‬أما أهل السنة والزيدية‪ ،‬وأهل البيت‬
‫ما عدا الثني عشر فهم يردون رواياتهم حتى رفضوا روايات زيد بن علي‪ .‬لكن المامي الذي على‬
‫مذهبهم يقبل قوله مهما كان حتى قال بعض شيوخهم‪" :‬بأن القدح في دين الرجل ل يؤثر في صحة‬
‫حديثه"‪.‬‬
‫‪777‬‬
‫والرافضة تقيم كل عقائدها ومبادئها على روايات من وضع هؤلء الفاكين‪ ،‬نسبوها للئمة‪،‬‬
‫والئمة منها براء‪ ،‬إذ منهم من هو خليفة راشد يجب طاعته كالخلفاء قبله وهو علي‪ ،‬ومنهم من هو‬
‫من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر‪ ،‬وجعفر الصادق‪ ،‬ويجب لهم ما يجب‬
‫لمثالهم من أئمة العلم والدين‪ ،‬ومنهم دون ذلك‪ ،‬ومنهم من ضعفه بعض أهل العلم وهو الحسن‬
‫العسكري‪ ،‬ومنهم معدوم ول وجود له وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (‪260‬هـ) وكل ما ينسبونه لهم‬
‫من غلو هو من اختراع زنادقة القرون البائدة‪.‬‬
‫‪ -12‬ول حجة عندهم بالجماع‪ ،‬ولو نسب لمامهم المعدوم بواسطة أحد أبوابه قول‪ ،‬وخالفته المة‬
‫كلها لكانت الحجة في قوله ل في قول المة‪ ،‬بل مخالفة المة أصل مقرر في مذهبهم‪ ،‬حتى قالوا‪ :‬إن‬
‫ما خالف المة فيه الرشاد‪ ،‬بل لو أطبقت الشيعة على قول‪ ،‬وخالفه فئة مجهولة منتسبة للتشيع لكانت‬
‫الحجة في قول الطائفة المجهولة تحسبا منهم أن يكون مهديهم المنتظر قد خرج متنكرا وشارك في‬
‫الرأي مع تلك الطائفة‪ ،‬فكأن هذا يعني أن مذهبهم يتسع على مدى الزمان‪ ،‬لن يضع فيه شياطين‬
‫النس والجن ما يشاؤون ما دامت هذه الطائفة وضعت لنفسها هذا المبدأ‪.‬‬
‫‪ -13‬وفي اعتقادهم في أصول الدين ظهر أنهم جهمية في نفي الصفات‪ ،‬وقدرية في نفي القدر‪،‬‬
‫ومرجئة في قولهم بأن اليمان معرفة المام وحبه‪ ،‬ووعيديه بالنسبة لغيرهم‪ ،‬حيث يكفرون ما عدا‬
‫طائفتهم‪.‬‬
‫كما تبين أنهم يشركون بال سبحانه في ربوبيته وألوهيته في مسائل عديدة‪.‬‬
‫وفي اعتقادهم بالكتب والرسل كان من أقوالهم فيها أن الئمة نزلت عليهم كتب إلهية‪ ،‬وعندهم كتب‬
‫النبياء يقرؤونها ويحكمون بها‪ ،‬ولهم معجزات كالرسل‪ ،‬بل هم أفضل من الرسل وبهم تقوم الحجة‬
‫على العباد‪.‬‬
‫وفي اليمان باليوم الخر قالوا‪ :‬إن الخرة للمام‪ ،‬وأن الجنة مهر فاطمة‪ ،‬وأن الئمة يأكلون من‬
‫الجنة في الدنيا‪ ،‬وأن حساب الخلق إلى الئمة يوم القيامة‪.‬‬
‫وأن هناك جنة ونار يصير إليها الموات غير الجنة والنار التي يؤمن بها المسلمون‪ ،‬وأن لقم بابا‬
‫إلى الجنة وأهل قم ل يحشرون كسائر الناس‪.‬‬
‫‪ -14‬ولهم عقائد أخرى تفردوا بها أيضا عن المسلمين وهي إمامة الثني عشر وعصمتهم‪ ،‬والتقية‪،‬‬
‫والمهدية‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والظهور‪ ،‬والطينة والبداء‪.‬‬
‫فإمامة المسلمين خاصة بالثني عشر عندهم‪ ،‬وكل من يتولى على المسلمين من غيرهم فهو‬
‫طاغوت ل ينظر ال إليه ول يكلمه يوم القيامة وله عذاب أليم ومن بايعه أو رضي ببيعته فهو كذلك‪.‬‬
‫وهؤلء الثنا عشر ل يسهون ول ينسون ول يخطئون منذ ولدتهم وطيلة عمرهم‪.‬‬

‫‪778‬‬
‫ولما كانت أقوال الئمة وأفعالهم تخالف القول بعصمتهم اخترعوا للتستر على مزاعمهم تلك عقيدة‬
‫البداء والتقية‪ ،‬فأعمال الئمة الموافقة للمسلمين يحملونها على التقية‪ ،‬وأخبارهم المخالفة للواقع‬
‫يحملونها على البداء‪.‬‬
‫ولما حددت الشيعة الئمة بأشخاص معينين صدمت بانقطاع سلسلة الئمة المزعومين بموت الحسن‬
‫العسكري عقيما‪ ،‬ولذلك اخترعوا بعد طول تخبط أن له ولدا اختفى وهو طفل‪ ،‬فهو المام على‬
‫المسلمين إلى اليوم وسيظهر إليهم‪.‬‬
‫ثم ما لبث شيوخهم أن استولوا على صلحياته بواسطة النواب والوكلء‪ ،‬ثم جعلوها ‪ -‬تدريجيا ‪-‬‬
‫مشاعة بين شيوخهم‪ ،‬فأصبحوا هم الحاكمين بأمرهم في شان الرعاع من الشيعة الذين يخدعونهم‬
‫بقولهم‪ :‬أنتم أتباع أهل البيت وهو في الحقيقة أتباع المعدوم‪ ،‬أو أتباع الشيطان‪.‬‬
‫وفي عقيدة الرجعة يحلمون بالعودة للدنيا بعد الموت هم وأعداؤهم ‪ -‬الذين هم أهل السنة من‬
‫الصحابة‪ ،‬ومن اتبعهم بإحسان ‪ -‬فيجري انتقام الشيعة منهم‪.‬‬
‫وفي عقيدة الظهور يخرج الئمة من قبورهم لبعض الناس أحيانا قبل يوم القيامة‪ ،‬وفي غير الرجعة‬
‫المزعومة‪ ،‬وهذه عقيدة جديدة سجلها المجلسي في بحاره في باب مستقل‪.‬‬
‫وأما عقيدة الطينة فهي عقدية سرية عندهم‪ ،‬تقول بأن حسنات أهل السنة هي للشيعة‪ ،‬وموبقات‬
‫الشيعة هي على أهل السنة‪ ،‬ويفسرون على ضوئها ما يضج به مجتمعهم منذ القديم من ظلم ومعاص‬
‫ومنكرات‪.‬‬
‫‪ -15‬إن الشيعة المعاصرين يلتقون مع الغابرين في مصادر التلقي‪ ،‬بل ويأخذون بما افتراه شيوخ‬
‫الدولة الصفوية ووضعوه من مدونات مليئة بالكفر واللحاد‪ ،‬وقد سهلت المطابع إشاعة هذه الظلمات‬
‫بينهم فركبوا من الغلو مركبا صعبا‪.‬‬
‫ولكنهم يخدعون أهل السنة فيزعم بعضهم أنهم ل يسبون الصحابة ول يقولون بالرجعة‪ ،‬وقد بينت‬
‫صفحات هذه الرسالة حقيقة هذه الدعاوى‪.‬‬
‫وقد زعموا أن التقية انتهى العمل بها مع أن نصوصهم تأمرهم بالعمل بها إلى أن يخرج مهديهم‪،‬‬
‫وأقوالهم وأفعالهم تبين استمرار العمل بها‪ ،‬فقولهم هذا إنما هو "تقية على التقية"‪.‬‬
‫ولعله ل يوجد طائفة على وجه الرض جعلت الكذب دينا‪ ،‬بل هو تسعة أعشار الدين كهذه الطائفة‪.‬‬
‫‪ -16‬وفي أثرهم في العالم السلمي تبين أن لهم آثارهم الفكرية الخطيرة في إحداث الشرك في‬
‫أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والصد عن دين ال‪ ،‬وظهور فرق الزندقة واللحاد‪ ،‬ومحاولة إضلل‬
‫المسلمين في سنة نبيهم‪ ،‬والتأثير السلبي في الدب والتاريخ‪ ،‬وعلى بعض المفكرين المنتسبين للسنة‪،‬‬
‫ولهم وسائل في الضلل ظاهرة وخفية‪.‬‬

‫‪779‬‬
‫كما أن لهم أثرا في المجال الجتماعي في إثارة الفتن الداخلية بين المسلمين‪ ،‬وفي العتداء‬
‫والغتيالت للقيادات السلمية‪ ،‬ولعموم المسلمين‪ ،‬إذا حانت لهم فرصة في ذلك‪ ،‬وفي إشاعة الفاحشة‬
‫ونشر الباحية عن طريق ما يسمونه بالمتعة الدورية وغيرها‪.‬‬
‫وفي المجال القتصادي كان أثرهم واضحا في أخذ أموال المسلمين بالقوة أو الخديعة‪ ،‬وفي تدمير‬
‫اقتصاد المة بأي وسيلة‪ ،‬وكان ما يأخذونه من أموال باسم آل البيت من أهم أسباب رغبة شيوخ‬
‫الشيعة في بقاء شذوذهم وخلفهم مع المسلمين‪.‬‬
‫وقد تبين أنهم كفرة ليسوا من السلم في شيء بسبب شركهم وتكفيرهم للصحابة‪ ،‬وطعنهم في‬
‫كتاب ال وغيرها من عقائد الكفر عندهم‪.‬‬
‫ول أغرب وأعجب من بقاء طائفة تعد بالمليين أسيرة لهذه الخرافات‪ ،‬ول يفسر ذلك إل أن شيوخ‬
‫الشيعة يحجبون الحقيقة عن أتباعهم بوسائل كثيرة من الخداع‪ ،‬لعل من أبرزها دعواهم أن ما عندهم‬
‫مؤيد بما جاء عن طريق أهل السنة‪ ،‬وأن دينهم يقوم على أساس محبة آل البيت وأتباعهم‪.‬‬
‫وفي ظل هذه الدعوى يؤججون مشاعر العامة وعواطفهم بذكر اضطهاد آل البيت‪ ،‬وتصوير الظلم‬
‫الذين لحقهم من الصحابة ‪ -‬بزعمهم ويربون صغارهم على ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك تمثيلهم لمأساة كربلء وهو المعروف الن باسم "الشبيه" وإقامتهم لمجالس التعزية‪ ،‬بكل‬
‫ما فيها من مظاهر الحزن والبكاء‪ ،‬وما يصاحبها من كثرة العلم ودق الطبول وسرد الحكايات‬
‫والقاصيص عن الظلم المزعوم‪ ،‬وهذا يؤدي إلى شلل العقل والتقبل العمى للمعتقد ول سيما عند‬
‫العاجم والعوام‪.‬‬
‫وإن أعظم وسيلة لمعالجة وضع الشيعة هو بيان السنة للمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل‪،‬‬
‫وبيان حقيقة الشيعة ومخالفتها لصول السلمي بدون تقليل أو تهويل‪.‬‬
‫وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪،،‬‬

‫‪780‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المقدمة ‪5......................................................... ...................‬‬
‫التمهيد ‪34........................................................ ...................‬‬
‫تعريف الشيعة ‪35...................................................................‬‬
‫لفظ الشيعة في القرآن ومعناه ‪38.....................................................‬‬
‫لفظ الشيعة في السنة ومعناه ‪42......................................................‬‬
‫لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث عند الشيعة ‪44...................................‬‬
‫لفظ الشيعة في التاريخ ‪45...........................................................‬‬
‫تعريف الشيعة في كتب الثني عشرية ‪48............................................‬‬
‫تعريف الشيعة في كتب السماعيلية ‪58...............................................‬‬
‫تعريف الشيعة في المصادر الخرى ‪59..............................................‬‬
‫التعريف المختار للشيعة‪64...........................................................‬‬
‫نشأة الشيعة وجذورها التاريخية‪70...................................................‬‬
‫رأي الشيعة في نشأة التشيع‪70.......................................................‬‬
‫آراء غير الشيعة في نشأة التشيع‪84..................................................‬‬
‫الرأي المختار ‪95................................................................ ....‬‬
‫أصل التشيع (أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي) ‪100.......................‬‬
‫القول بالصل اليهودي ‪100................................................... .......‬‬
‫القول بالصل الفارسي ‪102.........................................................‬‬
‫القول بأن التشيع مباءة للعقائد السيوية القديمة ‪106...................................‬‬
‫الرأي المختار ‪108..................................................................‬‬
‫فرق الشيعة ‪110................................................................. ....‬‬
‫ألقاب الشيعة المامية الثني عشرية ‪122.............................................‬‬
‫الشيعة ‪122................................................................... .......‬‬
‫المامية ‪123........................................................................‬‬
‫الثنا عشرية ‪127...................................................................‬‬
‫القطعية‪130.................................................................. ........‬‬
‫أصحاب النتظار ‪130...............................................................‬‬

‫‪781‬‬
‫الرافضة‪131.................................................................. .......‬‬
‫الجعفرية ‪134.......................................................................‬‬
‫الخاصة ‪135........................................................................‬‬
‫فرق الثني عشرية ‪136.............................................................‬‬
‫الباب الول‪ :‬اعتقادهم في مصادر السلم‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬اعتقادهم في القرآن الكريم ‪153........................................‬‬
‫المبحث الول‪ :‬اعتقادهم في حجية القرآن ‪155.......................................‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬اعتقادهم أن القرآن ليس بحجة إل بقيم ‪155...........................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬اعتقادهم بأن الئمة اختصوا بمعرفة القرآن ل يشركهم فيه أحد‪162....‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬اعتقادهم بأن قول المام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه ‪176‬‬
‫اعتقادهم في تأويل القرآن ‪183.......................................................‬‬
‫اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر ‪183.................................‬‬
‫قولهم بأن جل القرآن نزل فيهم وفي اعدائهم ‪191....................................‬‬
‫أصل هذه التأويلت وجذورها وامثلة لها ‪203........................................‬‬
‫ملحظات مهمة على معتقدهم في تأويل القرآن ‪232..................................‬‬
‫هل الشيعة تقول بأن في كتاب ال نقصًا أو تغييرًا؟…………‪245....................‬‬
‫بداية هذه الفرية عند الرافضة من خلل ما كشفته مصادر أهل السنة‪250..............‬‬
‫شيوع مقالة التحريف بين الرافضة كما أفادته مصادر السنة ‪254......................‬‬
‫ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية ‪267..........................................‬‬
‫بداية الفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة ‪270.........................................‬‬
‫فشو هذه الفرية وانتشارها في كتب الشيعة ‪276......................................‬‬
‫مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة ‪288......................................‬‬
‫هل لدى الشيعة مصحف يتداولونه؟ ‪312.............................................‬‬
‫مصحف علي ‪319........................................................... ........‬‬
‫حجم أخبار هذه السطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم ‪328.......................‬‬
‫هل الشيعة جميعا تعتقد بصحة أخبار هذه السطورة ‪335.............................‬‬
‫هل انكار بعض شيوخ الشيعة لهذه السطورة من قبيل التقية ‪341.....................‬‬
‫ابن بابويه وانكاره لما ينسب لطائفته ‪346............................................‬‬
‫الطوسي وانكاره لهذه الفرية ‪353....................................................‬‬

‫‪782‬‬
‫الشريف المرتضى وانكاره لسطورتهم ‪358..........................................‬‬
‫الطبرسي وانكاره لهذه السطورة ‪360...............................................‬‬
‫نتائج الموضوع ‪366.............................................................. ...‬‬
‫اعتقادهم في السنة المطهرة ‪373.....................................................‬‬
‫قول المام كقول ال ورسوله في زعمهم ‪374........................................‬‬
‫علم المام يتحقق_عندهم_بطريقة اللهام والوحي ‪377................................‬‬
‫خزن العلم وايداع الشيعة عند الئمة ‪383.............................................‬‬
‫حكايات الرقاع ‪384.................................................................‬‬
‫عقيدته في مرويات الصحابة ‪404....................................................‬‬
‫بداية تدوين الحديث عندهم ‪416......................................................‬‬
‫الكتب الرئيسية والساسية في نظرهم ‪427...........................................‬‬
‫ملحوظات مهمة عل كتبهم الثمانية المعتمدة ‪428......................................‬‬
‫مدى صحة روايات المدونات ‪431...................................................‬‬
‫رجال أسانيدهم ‪454.................................................................‬‬
‫اقسام الحديث عندهم وصلة ابن تيمية بوضعهم لهذا التقسيم ‪465......................‬‬
‫تقويم حال الئمة الذين تدعي فيهم الشيعة كل هذه الدعاوى ‪475......................‬‬
‫عقيدتهم في الجماع ‪487............................................................‬‬
‫قولهم بأن الحجة في قول إمامهم ل في الجماع ‪488.................................‬‬
‫اعتقادهم أن ما خالف المة فيه الرشاد ‪497..........................................‬‬
‫الجانب النقدي لهذه المقالة ‪503...................................................... .‬‬

‫المجلد الثاني‬
‫عقيدتهم في أصول الدين ‪............................................................‬‬
‫عقيدهم في توحيد اللوهية ‪517......................................................‬‬
‫نصوص التوحيد جعلوها في ولية الئمة ‪519........................................‬‬
‫الولية أصل قبول العمال عندهم ‪531...............................................‬‬
‫اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق ‪536..................................‬‬
‫قولهم ل هداية للناس إل بالئمة ‪539.................................................‬‬
‫قولهم أنه ليقبل الدعاء إل بأسمائهم ‪540.............................................‬‬
‫الستغلثة بالئمة ‪545............................................... .................‬‬

‫‪783‬‬
‫قولهم ان الحج الى المشاهد اعظم من الحج الى بيت ال ‪550.........................‬‬
‫زيارة كربلء يوم عرفة افضل من سائر اليام ‪558..................................‬‬
‫زيارة قبر الحسين أفضل العمال ‪561...............................................‬‬
‫قولهم ان كربلء أفضل من الكعبة ‪561..............................................‬‬
‫زوار الحسين تأتيهم الملئكة ويناجيهم ال ‪565.......................................‬‬
‫مناسك المشاهد ‪566.................................................................‬‬
‫الطواف بها ‪567....................................................................‬‬
‫الصلة عند الضريح ‪569................................................ ............‬‬
‫النكباب على القبر ‪571.............................................................‬‬
‫اتخاذ القبور قبلة كبيت ال ‪574......................................................‬‬
‫الجانب النقدي لمسألة المشاهد عند الشيعة ‪580.......................................‬‬
‫قولهم ان المام يحرم ما يشاءويحل ما يشاء ‪587.....................................‬‬
‫قولهمان تراب قبر الحسين شفاء من كل داء‪594......................................‬‬
‫دعاؤهم بالطلسم والركوز واستغاثهم بالمجهول‪600..................................‬‬
‫ااستخارتهم بما يشبه أزلم الجاهلية ‪604.............................................‬‬
‫عقيدتهم في توحيد الربوبية ‪615.................................................. ....‬‬
‫قولهم ان الرب هو المام ‪618.......................................................‬‬
‫قولهم ان الدنيا والخرة كلها للمام يتصرف بها كيف يشاء‪621.......................‬‬
‫اسناد الحوادث الكونية الى الئمة ‪623............................................... .‬‬
‫الجزء اللهي الذي حل في الئمة ‪628...............................................‬‬
‫قولهم بتأثير اليام والليالي بالنفع والضر‪632.........................................‬‬
‫عقيدتهم في اسماء ال وصفاته ‪639..................................................‬‬
‫الغلو في الثبات التجسيم ‪640.................................................... ....‬‬
‫التعطيل عندهم ‪649.................................................................‬‬
‫قولهم بأن القرآن مخلوق‪657.........................................................‬‬
‫الرؤية ‪668.................................................................. ........‬‬
‫نزول الرب جل شأنه ‪671...........................................................‬‬
‫وصفهم الئمة بأسماء ال وصفاته ‪677...............................................‬‬
‫دعوى التحريف لتأييد مذهبهم في التعطيل‪687........................................‬‬
‫اعتقادهم في اليمان وأركانه ‪691....................................................‬‬
‫‪784‬‬
‫قولهم في اليمان والوعد والوعيد ‪692...............................................‬‬
‫مفهوم اليمان عندهم ‪692...........................................................‬‬
‫الشهادة الثالثة ‪694............................................................... ....‬‬
‫القول بالرجاء ‪696.................................................................‬‬
‫قولهم في الوعد ‪699.......................................................... .......‬‬
‫قولهم في الوعيد ‪702...............................................................‬‬
‫قولهم في أركان اليمان ‪705....................................................... ..‬‬
‫اليمان بالملئكة ‪705....................................................... .........‬‬
‫اليمان بالكتب ‪710....................................................... ...........‬‬
‫دعواهم تنزل كتب الهية على الئمة ‪710.............................................‬‬
‫مصحف فاطمة‪713..................................................................‬‬
‫كتاب انزل على الرسول قبل موته ‪721..............................................‬‬
‫لوح فاطمة ‪724.....................................................................‬‬
‫دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الئمة‪726................‬‬
‫صورة لحد الكتب المزعومة ‪729...................................................‬‬
‫دعواهم ان جميع الكتب السماوية عند الئمة ‪734.....................................‬‬
‫اليمان بالرسل ‪743.................................................................‬‬
‫تفضيلهم الئمة على الرسل ‪744.....................................................‬‬
‫معجزات المام ‪753.................................................................‬‬
‫اليمان باليوم الخر ‪764............................................................‬‬
‫اليمان بالقدر ‪774................................................................. ..‬‬
‫أصولهم ومعتقداتهم الخرى التي تفردوا بها‬
‫المـامـة ‪791.....................................................................‬‬
‫مفهوم المامة عند الشيعة ومنشؤه ‪792...............................................‬‬
‫منزلة المامة عندهم ‪793............................................................‬‬
‫سرية هذا المبدأ ‪797............................................................. ....‬‬
‫حصر الئمة بعدد معين ‪800........................................................‬‬
‫استدللهم على مسألة المامة ‪818....................................................‬‬
‫الستدلل بالمور المتفق عليها لبطال دعوى النص على الئمة ‪854.................‬‬
‫حكمهم فيمن أنكر إمامة أحد الثني عشر ‪866........................................‬‬
‫‪785‬‬
‫تكفيرهم الصحابة ‪868...............................................................‬‬
‫تكفيرهم أهل البيت ‪891............................................................ ..‬‬
‫تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم ‪896.............................................‬‬
‫حكمهم على المصار السلمية بأنها دار كفر ‪898...................................‬‬
‫عدهم قضاة اامسلمين طواغيت وحكام جور ‪902.....................................‬‬
‫اعتبارهم ائمة المذاهب الربعة وائمة المسلمين كملل اهل الشرك‪905.................‬‬
‫لعنهم وتكفيرهم للفرق السلمية كلها ما عدا طائفتهم ‪907............................‬‬
‫لعنهم وتكفيرهم للئمة كلها ‪911.................................................... ..‬‬
‫الفئة التي تستثنيها الشيعة من عموم اللعن والتكفير ‪914...............................‬‬
‫نقد هذا التجاه ‪915......................................................... .........‬‬
‫عصمة المام ‪941....................................................... ............‬‬
‫تعريف العصمة ‪941................................................................‬‬
‫نشأة هذه العقيدة وتطورها ‪944......................................................‬‬
‫استدللهم على عصمة أئمتهم ومناقشته ‪951..........................................‬‬
‫نقد عام لمبدأ عصمة الئمة ‪962.....................................................‬‬
‫التقيـة ‪977................................................... ......................‬‬
‫تعريفها‪977................................................................ ..........‬‬
‫التقية في الصل عندهم هي مع المسلمين ‪978.......................................‬‬
‫مغالتهم في أمر التقية ‪979..........................................................‬‬
‫سبب غلوهم في التقية ‪984........................................................ ...‬‬
‫امثلة من التقية عندهم ‪990................................................ ...........‬‬
‫استدللهم على التقية ومناقشته ‪993...................................................‬‬
‫المهدية والغيبة ‪999.................................................................‬‬
‫المهدية والغيبة عند فرق الشيعة ‪1000...............................................‬‬
‫نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الثني عشرية وتطورها‪1004............................‬‬
‫الخطوط العامة لقصة المهدية والغيبة عند الثني عشرية ‪1020.......................‬‬
‫الستدلل على وقوع الغيبة ‪1047....................................................‬‬
‫دفاعهم عن طول امد الغيبة ‪1052....................................................‬‬
‫المهدي بعد عودته المزعومة ‪1059..................................................‬‬
‫شريعته التي يحكم بها ‪1059.........................................................‬‬
‫‪786‬‬
‫سيرته بين الناس ‪1063..............................................................‬‬
‫جنده عددهم وجنسهم ‪1075..........................................................‬‬
‫الشيعة وغيبة مهديهم ‪1077..........................................................‬‬
‫النيابة عن المنتظر ‪1083............................................................‬‬
‫نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الثني عشرية ‪1091...................................‬‬
‫الرجـعـة‪1103................................................................... ..‬‬
‫معناها ‪1104........................................................................‬‬
‫زمنها ‪1106................................................... ......................‬‬
‫الغرض منها ‪1107..................................................................‬‬
‫استدللهم على الرجعة ومناقشته ‪1110...............................................‬‬
‫نقد مقالة الرجعة ‪1121..............................................................‬‬
‫الظهور ‪1127.......................................................................‬‬
‫البـداء‪1133........................................................................‬‬
‫معنى البداء وبيان أنه من أصولهم‪1134..............................................‬‬
‫اصل معتقد البداء وجذوره ‪1136................................................ .....‬‬
‫سبب قول الشيعة بالبداء ‪1136.......................................................‬‬
‫محاولت شيوخ الشيعة الدفاع عن هذه العقيدة ‪1141..................................‬‬
‫استدللهم على البداء ومناقشته‪1147..................................................‬‬
‫روايات في كتب الثني عشرية تنقض معتقد البداء ‪1149.............................‬‬
‫عقيدة الطينة ‪1155..................................................................‬‬

‫المجلد الثالث‬
‫الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم‬
‫الصلة على مصادر التلقي ‪1175.....................................................‬‬
‫الفرق الشيعية القديمة‪1173............................................... ............‬‬
‫الصلة العقيدية بين القدامى والمعاصرين ‪1193.......................................‬‬
‫موقف المعاصرين من فرية التحريف ‪1196..........................................‬‬
‫انكارهم وجود فرية التحريف عندهم ‪1198...........................................‬‬
‫العتراف ومحاولة الترير ‪1203.....................................................‬‬
‫المجاهرة بهذا الكفر والستدلل عليه ‪1212..........................................‬‬

‫‪787‬‬
‫التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية‪1269.................‬‬
‫اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال ‪1274..........................................‬‬
‫السنة عند المعاصرين ‪1286.........................................................‬‬
‫الجماع عند المعاصرين ‪1289......................................................‬‬
‫اعتقادهم في اصول الدين ‪1290.................................................. ....‬‬
‫المامة عندهم ‪1305....................................................... ..........‬‬
‫موقف المعاصرين من تكفير أصولهم للمسلمين ‪1305................................‬‬
‫موقفهم من الحكومات السلمية ‪1312...............................................‬‬
‫اعتقاد المعاصرين في الصحابة ‪1319................................................‬‬
‫العصمة عند المعاصرين ‪1343......................................................‬‬
‫الرجعة عند المعاصرين ‪1347.......................................................‬‬
‫التقية عند المعاصرين ‪1352.........................................................‬‬
‫دولة اليات ‪1377...................................................................‬‬
‫سبب تخصيص دولتهم الحاضرة بالدراسة والتقويم ‪1377.............................‬‬
‫فكر مؤسسها ‪1380................................................ ..................‬‬
‫التجاه الوثني ‪1380.................................................................‬‬
‫الغلو في التصوف ‪1385....................................................... ......‬‬
‫دعوى النبوة ‪1389..................................................................‬‬
‫الغلو في الرفض ‪1394..............................................................‬‬
‫قوله بعموم ولية الفقيه ‪1405........................................................‬‬
‫معارضة بعض شيوخهم لمذهب الخميني في ولية الفقيه ‪1418.......................‬‬
‫دستور دولة اليات ‪1421.................................................. ..........‬‬
‫أثرهم في العالم السلمي والحكم عليهم ‪1431......................................‬‬
‫في المجال العقدي والفكري ‪1434................................................. ...‬‬
‫احداث الشرك في امة محمد ‪1434...................................................‬‬
‫الصد عن دين ال ‪1435.............................................................‬‬
‫ظهور فرق الزندقة واللحاد ‪1438...................................................‬‬
‫محاولة اضلل المسلمين في سنة نبيهم ‪1440.........................................‬‬
‫دخولهم في مذهب أهل السنة للضلل ‪1441.........................................‬‬
‫نشر الرفض في العالم السلمي ‪1446...............................................‬‬
‫‪788‬‬
‫تأثر بعض الكتاب المنتسبين لسنة بالتجاه الرافضي ‪1453............................‬‬
‫تشويه تاريخ المسلمين ‪1457.........................................................‬‬
‫اثرهم في الدب العربي ‪1459.......................................................‬‬
‫في المجال السياسي ‪1462...........................................................‬‬
‫مؤامرة ابن العلقمي ‪1469...........................................................‬‬
‫الدولة الصفوية ‪1475.................................................... ............‬‬
‫في المجال الجتماعي ‪1480.........................................................‬‬
‫علقتهم مع المسلمين ‪1480..........................................................‬‬
‫الفتن الداخلية ‪1487............................................................... ...‬‬
‫الباحية ‪1489.................................................... ...................‬‬
‫في المجال القتصادي ‪1494.........................................................‬‬
‫الحكم عليهم ‪1505....................................................... ............‬‬
‫الخاتمة ‪1541.......................................................................‬‬
‫الفهارس ‪1555......................................................................‬‬
‫فهرس العلم والمترجم لهم ‪1557..................................................‬‬
‫فهرس الفرق والديان المعرف بها في الحاشية ‪1571................................‬‬
‫دليل المراجع ‪1563.................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪1643..........................................................‬‬

‫‪789‬‬

You might also like