Professional Documents
Culture Documents
أصول مذهب الشيعة كامل
أصول مذهب الشيعة كامل
أصول مذهب الشيعة كامل
1
المقدمة
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .من
يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد..
فإن من أصول السلم العظيمة العتصام بحبل ال جميعا وعدم التفرق قال تعالى:
جمِيعًا وَ َل تَ َفرّقُواْ} [آل عمران ،آية ]103 :وقال سبحانه{ :إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ
ح ْبلِ الّلهِ َ
صمُو ْا بِ َ
ع َت ِ
{وَا ْ
شيْءٍ} [النعام ،آية.]159 :
ت ِمنْهُمْ فِي َ
شيَعًا ّلسْ َ
دِينَهُمْ َوكَانُواْ ِ
وقد كان المسلمون على ما بعث ال به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح
المنقول وصريح المعقول ،فلما قتل عثمان -رضي ال عنه وأرضاه -ووقعت الفتنة ،فاقتتل
[المارقة :لقب من ألقاب الخوارج ،والخوارج :هم الذين خرجوا على علي - المسلمون بصفين ،مرقت المارقة
رضي ال عنه -بعد التحكيم ،فقاتلهم علي يوم النهروان ،وقد أمر النبي صلى ال عليه وسلم بقتالهم في الحاديث
الصحيحة ،ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم ،أخرج البخاري منها ثلثة ،وأخرج مسلم سائرها (شرح الطحاوية
ص )530وساقها جميعا ابن القيم في تهذيب السنن ،153-4/148 :وانظر في عقائدهم وفرقهم :الفرق بين الفرق،
ص 72وما بعدها ،الملل والنحل 1/146 :وما بعدها ،الفصل ].56-5/51 :التي قال فيها النبي صلى ال
[انظر: عليه وسلم" :تمرق مارق على حين فرقة من المسلمين ،يقتلهم أولى الطائفتين بالحق"
صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة ،باب ذكر الخوارج وصفاتهم ]7/168 :وكان مروقها لما حكم
الحكمان ،وتفرق الناس على غير اتفاق.
ثم حدث بعد بدعة الخوارج بدع التشيع [انظر :منهاج السنة لبن تيمية ،]219-1/218 :وتتابع خروج
الفرق ،كما أخبر بذلك المصطفى صلى ال عليه وسلم [انظر :ص ( )112هامش رقم ( .].)4وقد خرج
التشيع من الكوفة [مجموعة فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ،].20/301 :ولذلك جاء في أخبار الشيعة بأنه
لم يقبل دعوتهم من أمصار المسلمين إل الكوفة [بحار النوار .].100/259 :ثم انتشر بعد ذلك في
غيرها ،كما خرج الرجاء أيضا من الكوفة ،وظهر القدر ،والعتزال ،والنسك الفاسد من
البصرة ،ظهر التجهم من ناحية خراسان.
[مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية: وكان ظهور هذه البدع بحسب البعد عن "الدار النبوية"
].301-20/300لن البدعة ل تنمو وتنتشر إل في ظل الجهل ،وغيبة أهل العلم واليمان ،ولذلك
2
[شرح أصول قال بعض السلف :من سعادة الحدث والعجمي أن يوفقهما ال للعالم من أهل السنة
اعتقاد أهل السنة لللكائي ، 1/60 :والقول ليوب السختياني].؛ وذلك لسرعة تأثرها هؤلء بأعاصير الفتنة
والبدعة لضعف قدرتهم على معرفة ضللها ،واكتشاف عوارها ،ولذا فإن خير منهج لمقاومة
البدعة ،ودرء الفرقة ،هو نشر السنة بين الناس ،وبين ضلل الخارجين عنها ،ولذلك نهض أئمة
السنة بهذا المر ،وبينوا حال أهل البدعة ،وردوا شبهاتها ،كما فعل المام أحمد في الرد على
الزنادقة والجهمية ،والمام البخاري في الرد على الجهمية ،وابن قتيبة في الرد على الجهمية
والمشبهة ،والدارمي في الرد على بشر المريسي وغيرهم.
ول شك بأن بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة ،والمجانبة للسنة ضروري لرفع
اللتباس ،وبيان الحق للناس ،ونشر دين ال سبحانه ،وإقامة الحجة على تلك الطوائف ،ليهلك
من هلك عن بينة ،ويحيا من حيّ عن بينة ،فإن الحق ل يكاد يخفى على أحد ،وإنما يضلل
هؤلء أتباعهم بالشبهات والقوال الموهمة ،ولذلك فإن أتباع تلك الطوائف هم ما بين زنديق ،أو
جاهل ،ومن الضروري تعليم الجاهل ،وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر.
وبيان حال أئمة البدع المخالفة للكتاب والسنة واجب باتفاق المسلمين "حتى قيل لحمد بن
حنبل :الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك ،أو يتكلم في أهل البدع؟
فقال :إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ،وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين،
هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل ال ،إذ تطهير سبيل ال
ودينه ومنهاجه وشرعته ،دفع بغي هؤلء وعدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين ،ولول من
يقيمه ال لدفع ضرر هؤلء لفسد الدين ،وكان فساده أعظم من فساد استيلء العدو من أهل
الحرب ،فإن هؤلء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إل تبعا ،وأما أولئك فهم
يفسدون القلوب ابتداء" [ابن تيمية /مجموعة الرسائل والمسائل.].5/110 :
وقد وجد العدو المتربص بالمة في هذه الفرق الخارجة عن الجماعة ،وسيلة ليقاع الفتنة في
المة ،ول يبعد أنه اليوم يريد أن يستثمر هذه المسألة لمواجهة بوادر البعث السلمي المتنامي
في أرجاء المعمورة ،والوقوف في وجه الصحوة السلمية التي امتدت إلى عقر داره ،وهو
يتخذ من تقارير مستشاريه -الذين يهتمون أبلغ الهتمام بتاريخ تلك الطوائف وعقائدهم -
منهجا يحتذيه في علقته مع المسلمين ودولهم.
ولذا نلحظ أنه يغذي بعض هذه الطوائف ،ويهيئ الوسائل لوصولها لدفة الحكم والتوجيه.
3
ول شك أن بيان الحق في أمر هذه الفرق فيه تفويت للفرصة أمام العدو لتوسيع رقعة
الخلف واستمراره؛ فإن ترك رؤوس زنادقة البدع يسعون لضلل الناس ،ويعملون على تكثير
سوادهم ،والتغرير بأتباعهم ،ويدعون أن ما هم عليه هو السلم ،هو من باب الصد عن دين
ال وشرعه ،حتى أن من أسباب خروج الملحدة ظنهم أن السلم هو ما عليه فرق أهل
البدعة ،ورأوا أن ذلك فاسدٌ في العقل فكفروا بالدين أصلً.
ومعظم الفرق التي خرجت عن الجماعة ضعف نشاطها اليوم ،وفتر حماسها وتقلص أتباعها،
وانكفأت على نفسها ،وقلت منابذتها أهل السنة.
أما طائفة الشيعة فإن هجومها على أهل السنة ،وتجريحها لرجالهم ،وطعنها في مذهبهم،
وسعيها لنشر التشيع بينهم يزداد يوما بعد يوم.
ولعل طائفة الثني عشرية هي أشد فرق الشيعة سعيا في هذا الباب لضلل العباد إن لم تكن
الفرقة الوحيدة التي تُكثر من التطاول على السنة ،والكيد لها على الدوام مما ل تجده عند فرقة
أخرى.
ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة "الماجستير" ،حيث كان موضوعها "فكرة
التقريب بين أهل السنة والشيعة" وبعد أن انتهيت من دراسة مسألة التقريب ،رغبت أن أتجه في
دراستي للدكتوراه إلى تحقيق بعض كتب التراث ،وتقدمت إلى القسم بطلب الموافقة على تحقيق
الجزء الول "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لشيخ السلم ابن تيمية ،ولكن أشار عليّ
بعض الساتذة الفضلء في القسم وخارجه بالستمرار في دراسة قضية الشيعة؛ لهميتها
وضرورة دراستها دراسة علمية موضوعية.
وبعد الستشارة والستخارة عقدت العزم على أن أدرس العقائد الساسية للمذهب الثني
عشري ،وأنا على علم بأن الجهد الذي يتطلبه هذا الموضع يفوق الموضوع الول كثيرا ،لنني
-كما سيتبين -أمام دارسة دين بأكمله ،ل كتاب شخص واحد.
وقد اخترت طائفة الثني عشرية بالذات من بين طوائف الشيعة لعدة أسباب ،منها:
أولً :أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها ،وتراثها تمثل نحلة كبرى ،حتى أنهم
[العتقادات لبن بابويه يسمى "دين المامية" انظر( :الفهرست يسمون مسائل اعتقادهم "دين المامية"
للطوسي :ص ،189أغا بزرك /الذريعة ].)2/226 :ل مذهب المامية ،وذلك لنفصالها عن دين المة،
وبحسبك أن تعرف أن أحد مصادرها في الحديث عن الئمة يبلغ مائة وعشرة مجلدات وهو
"بحار النوار" لشيخهم المجلسي (ت 1111ه).
4
ثانيا :اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه ،وعندها دعاة متفرغون ومنظمون ،ولها
في كل مكان (غالبا) خلية ونشاط ،وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل
السنة ،ول أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها
والهتمام بذلك .
هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم السلمي ،وتصدير ثروتها ،وإقامة دولتها
الكبرى بمختلف الوسائل.
وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين ..ومن
يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله المر ،حيث يجد قبائل بأكملها قد
تشيعت.
وقد تحولت سفارات دولة الشيعة في إيران إلى مركز للدعوة إلى مذهبها في صفف الطلبة،
والعاملين المسلمين في العالم .وهي تهتم بدعوة المسلمين أكثر من اهتمامها بدعوة الكافرين
[انظر سبب ذلك في ص ( )715-714من هذه الرسالة ،ومجموع فتاوى شيخ السلم.].28/478 :
ولشك أن المسؤولية كبيرة في إيضاح الحقيقة أمام المسلمين .ولسيما الذين دخلوا في سلك
التشيع حبا لهل البيت واعتقادها منهم أن هذا الطريق عين الحق ،وطريق الصدق.
ثالثا :أن هذه هي الطائفة الشيعية الكبرى في عالم اليوم ،وقد احتوت معظم الفرق الشيعية
التي وجدت على مسرح التاريخ ،تمثل مصادرها في التلقي ،خلصة أفكار التجاهات الشيعية
المختلفة ومستقرها التي ظهرت على امتداد الزمن ،حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أطلق ل ينصر
إل إليها.
رابعا :هذه الفرقة لها اهتمام دعائي في الدعوة للتقارب مع أهل السنة ،وقد أقامت المراكز،
[انظر" :فكرة التقريب بين أهل وأرسلت الدعاة ،وأنشأت الجمعيات التي ترفع شار الوحدة السلمية
السنة والشيعة" :ص 511وما بعدها.].
خامسا :هذه الطائفة تكثر من القول بأن مذهبها ل يختلف عن مذهب أهل السنة ،وأنها
مظلومة ومفترى عليها ،ولها اهتمام كبير بالدفاع عن مذهبها ،ونشر الكتب والرسائل الكثيرة
للدعاية له ،وتتبع كتب أهل السنة ومحاولة الرد عليها ،مما ل يوجد مثله عند طائفة أخرى.
سادسا :كثرة مهاجمة هذه الطائفة لهل السنة ،ول سيما صحابة رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وطعنها في أمهات كتب المسلمين ،عبر مؤلفاتهم التي يخرج سنويا العشرات من الكتب..
كذلك مهاجمتها بعنف وضراوة لكل من يكتب عنها أو يتعرض لمذهبها بالنقد ،تحت ستار أن
5
هذه الكتابات تعيق التقريب ،وتعرقل مساعي الوحدة السلمية ،فانصرفت أكثر القلم عن
الكتابة عنها.
سابعا :استرعى انتباهي تضخم الخلف حول حقيقة الثني عشرية لدى الكتاب المعاصرين:
فمن فريق يرى أنهم كفرة ،وأن غلهم تجاوز الحدود السلمية ،كما في كتابات الستاذ محب
[انظر :الخطوط العريضة للخطيب ،والشيعة الدين الخطيب ،وإحسان إلهي ظهير ،وإبراهيم الجبهان
والسنة لحسان إلهي ظهير ،وتبديل الظلم للجبهان ].وغيرهم.
وفريق يرى أن الثني عشرية طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق
[نشأة الفكر الفلسفي للنشار ،الجزء الباطنية ،مثل :كتابات النشار ،وسليمان دنيا ،ومصطفى الشكعة
الثاني ص ،13والشيعة وأهل السنة سليمان دنيا ،و إسلم بل مذاهب لمصطفى الشكعة ص ].194وغيرهم.
وفريق ثالث التبس عليه المر حتى ذهب يستفتي شيوخ الشيعة الثني عشرية فيما كتبه عنهم
إحسان إلهي ظهير ،ومحب الدين الخطيب ،كما تجد ذلك فيما كتبه البهنساوي في "السنة
المفترى عليها".
ومن خلل هذه الختلفات قد تضيع الحقيقة ،أو تخفى على الكثير.
ولذلك فقد راعيت في هذه الرسالة – ول سيما في باب الشيعة المعاصرين -الستماع إلى
أصوات الشيعة المدافعين عن مذهبهم والناقدين لما كتبه بعض أهل السنة عن معتقدهم ،ومناقشة
ذلك.
ولقد كتب أسلفنا عن الثني عشرية ،وهي التي يسمونها بالرافضة ،وكان لمصنفاتهم أثرها،
كما في كتابات أبي نعيم ،وشيخ السلم ابن تيمية ،المقدسي ،والفيروزآبادي ،وما في كتب
الفرق والعقيدة ،ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها ،وجملة منها يحمل
صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة ،ول تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل.
كما أن الثني عشرية لمهارتها في التقية ،قد خفي أمرها؛ حتى نجد في شرح صحيح مسلم
[شرح صحيح القول بأن المامية ل تكفر الصحابة ،و إنما ترى أنهم أخطأوا في تقديم أبي بكر
مسلم .].174 /15 :ونرى شيخ السلم ابن تيمية على اهتمامه بالمذهب الرافضي ونقده ،يقول:
[منهاج السنة: حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت ال
.].2/124
بينما هذه القضية تجدها اليوم مقررة في أمهات كتبهم في عشرات الروايات والعديد من
البواب.
6
كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" ل تجد له ذكرا عند الشعري ،أو ابن
حزام ،أو ابن تيمية ،وهو اليوم الصل الول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الئمة الذي
هو أساس مذهبها.
وأيضا فإن طبيعة هذا المذهب أنه يتطور من وقت لخر ،ويتغير من جيل لجيل ،حتى أن
الممقاني أكبر شيوخهم في هذا العصر يقول :إن ما يعتبر غلوا عند الشيعة الماضين أصبح
اليوم من ضرورات المذهب [سيأتي بنصه في ص ( .].)373هذه الطبيعة المتغيرة تقتضي التعرف
على الوجه الحقيقي للثني عشرية في عصرنا.
كما أن جل الردود التي تسود المصنفات التي كتبها الئمة السابقون -رحمة ال عليهم
أجمعين -هي على شبهات يثيرها الشيعة من كتب السنة نفسها؛ فيرد عليها أهل السنة مبينين
أن تلك النصوص التي يتمسك بها الشيعة إما موضوعة ،وإما ضعيفة ،أو بعيدة عن استدللهم
الفاسد.
ولكن الشيعة ل تؤمن بكتب أهل السنة كلها أصلً ،وهي تثير هذه الشبهات إلى اليوم لتحقيق
أمرين:
الول :إشغال أهل السنة بهذه الشبهات ،حتى ل يتفرغوا لنقد كتبهم ،ونصوصهم ،ورجال
رواياتهم.
الثاني :إقناع الحائرين والمتشككين من أهل طائفتهم بدعوى أن ما هم عليه من شذوذ وهو
موضع اتفاق بين السنة والشيعة.
ولكن كتب الشيعة اليم قد توفرت بشكل لم يعهد من قبل ..فينبغي أن تكون من أهم ركائز
الدراسة والنقد؛ لن الحجة على كل طائفة إنما تقام بما تصدقه وتؤمن به.
أما الكتابات المعاصرة من قبل أهل السنة عن الثني عشرية فهي قليلة بالنسبة لما يكتبه
الشيعة عن أهل السنة.
وهي بالنسبة للثني عشرية ل تكفي ،فمذهبهم قائم على مئات الكتب التي تخدم المذهب،
وتدعو إليه ،وتمثل فكره ووجهته ،ودراستها ونقدها يحتاج لجهد أكبر ،وعمل أوسع.
ولقد رأيت في هذه المؤلفات أنها أغفلت جوانب مهمة في دراسة الثني عشرية؛ كعقيدتهم -
مثلً -في أصول الدين ،وهو ما حاولت القيام بدراسته في الباب الثاني من هذه الرسالة.
كذلك معرفة آراء المعاصرين من الشيعة وتوجهاتهم ،وصلتهم بالفرق القديمة ،وكتبهم
السابقة ،وهو ما يتحدث عنه الباب الرابع.
7
والموضوع -حقيقة -كان من السعة والتشعب ،بحيث يحتاج إلى دراسات جديدة ترتاد آفاقا
مازالت مجهولة في المذهب الثني عشري ،ولذلك نحوت في دراسة الموضوع منحا علميا
تكشفت فيه معالم جديدة ،لعل من أبرزها ما يلي:
أولً :دراسة مذهب الثني عشرية في أصول الدين وهي منطقة في معظم مسائلها مجهولة،
لن الشيعة يتسترون عليها ،والباحثين من أهل السنة لم يطرقوها .وقد شكل ذلك بابا كاملً في
الرسالة هو الباب الثاني.
ثانيا :أماطت هذه الدراسة اللثام عن عقائد لم يطرقها أحد من قبل -حسب علمي -كعقيدة
أن القرآن ليس حجة إل بقيم ،وأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم ،وعقيدة الظهور ،والطينة
[قد أشار الشيخ تونسوي في كتابه "عقائد الشيعة" إلى هذه العقيدة إشارة مقتضبة ،ونقل نصا واحدا من الكافي ل
[والباحثون يخلطون بينها وبين عقدية يصور هذه العقيدة بكاملها ،].ودعوى تنزل كتب إلهية على الئمة
التحريف عند الشيعة.].
كما كشفت عن متى بدأت فرية التحريف في المذهب الثني عشري ،وأول كتاب سجلت فيه
هذه الفرية ،واكتشاف وضع هذا الكتاب ومتى وضع.
كذلك تم اكتشاف صلة شيخ السلم ابن تيمية ومنهاج السنة ،بأكبر تحول في تقويم
النصوص عندهم وتقسيمها إلى صحيح ،وضعيف وموثق.
وحققت القول بوجود المهدي الذي يقوم عليه مذهب الثني عشرية اليوم وعرض شهادات
مهمة صادرة من أسرة الحسن العسكري ،وأهل البيت والحسن العسكري نفسه ،ومأخوذة من
كتب الشيعة ذاتها.
وغير ذلك مما قد يجده الباحث في هذه الرسالة.
وإنني أذكر هذه المسائل حتى تتضح للقارئ مواضع الضافة التي يمكن أن يفيد منها ..ذلك
أنني حاولت أن أكتفي في المسائل المبحوثة بالشارة أو التيان بنصوص جديدة ،كما في مسألة
تكفيرهم للشيخين ،التي تجد النصوص التي تكشف تورط الشيعة فيها من خلل ما كتبه الشيخ
موسى جار ال وإحسان إلهي ظهير ،وغيرهما ،فحاولت أن أقدم نصوصا شيعية تعبر عن
الشيخين برموز خاصة ،ثم أوردت تفسيرها من كتب الثني عشرية نفسها.
أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع ،والجديد الذي يحتمل إضافته ،فإن
أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه ،وإذا كان لبد من إشارات في هذا التقديم فأقول:
قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها أل أنظر في المصادر الناقلة عنهم ،وأن أتعامل
مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى ل يتوجه البحث وجهة أخرى.
8
وحاولت -جهد الطاقة -أن أكون موضوعيا ،ضمن الطار الذي يتطلبه موضوع له صلة
وثيقة بالعقدية كموضعي هذا.
والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة ،أن تختار المصادر المعتمدة عندهم ،وأن
تعدل في الحكم ،وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم -ما
أمكن .-
أما إنكار ما أقف عليه من منكر ،بيان فساده ،فهذا ليس خروجا عن الموضوعية ،بل هو
جزء من واجب كل مسلم ،فمن يتعرض لكتاب ال سبحانه ،ويدعي فيه نقصا وتحريفا ،أو يقول
بأن عليا هو الول والخر والظاهر الباطن ،وأمثال هذه الكفريات الظاهرة ،ل تملك إل أن
تصمه بما يستحقه ،وأن تظهر فداحة جرمه ،وشناعة معتقده ،وإل كان في المر خداع وتغرير
بالقارئ المسلم.
ولذلك فإنني أعرض لعقائدهم بمنهج نقدي ،وحينما أجد أن المسألة تحتاج إلى دراسة نقدية
أكثر تفصيلً أعقد لذلك مبحثا مستقلً ،ول ألتزم ذلك دائما؛ لن في جملة من العقائد ما يكفي
لمعرفة حقيقتها بمجرد عرضها ،ولهذا ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن تصور المذهب الباطل
يكفي في بيان فساده ول يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر ،و إنما تقع الشبهة؛ لن أكثر
[مجموع فتاوى شيخ الناس ل يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم لما فيه من اللفاظ المجملة المشتركة
السلم( 2/138 :جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم).].
ولذلك فإنني أحيانا أكتفي بمجرد تصوير حقيقة القول ،والشارة إلى بطلنه ،ول سيما في
المسائل الجزئية ،كما أنني في مسائل المذهب الكبار كمسألة النص أو الصحابة ،أزيد على ذلك
بنقد المقالة من خلل الكتاب والسنة ،وأقوال أئمتهم ،والمور المعلومة ،والمتفق عليها.
وأسلك بوجه عام في مناقشتهم منهج النقد الداخلي للنصوص؛ وذلك عن طريق مقارنة هذه
النصوص بعضها ببعض وبيان ما بينها من تناقض ومفارقات -ما أمن ذلك .-
كما أنني أحيانا أناقشهم على وفق منطقهم ،وبمقتضى مقرراتهم وقواعدهم ،وعلى ضوء
رواياتهم ،ول يعني هذا الموافقة على تلك الصول ،وقبول تلك الروايات؛ وإنما هو منهج في
النقد ،لكشف حقيقة المذهب ،وخروجه عن أصوله ،وعمله ببعض رواياته وترك الخر.
ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة ،لكن ل أغفل في الغالب ما
قالته المصادر الخرى .ووضع المرين أمام القارئ مفيد جدا للموازنة والمقارنة ،ومعرفة مدى
اطلع الوائل على معتقد الشيعة ،ومقدار التغير في المذهب الشيعي عبر القرون.
9
كما قمت بتخريج ما يرد في البحث من الحاديث والثار ،والتعريف بالفرق والملل ،وبيان
المصطلحات ،وكذلك الترجمة للعلم الذين لهم دور في تأسيس بعض عقائد الشيعة ،أو ما
علَمٍ يرد فهذا يشغل القارئ عن الموضوع
تدعو حاجة البحث لمعرفته .أما الترجمة لكل َ
الساسي ،وهو موضوع مكانه كتب التاريخ التراجم ،ولذلك فإني التزمت التعريف بكل فرقة
ترد؛ لن هذا هو القرب للتخصص والموضوع.
ولقد اكتنفت دراستي عدة صعوبات:
أولها :أن كتب الرواية عند الشيعة ل تحظى بفهرسة ،وليس لها تنظيم معين ،كما هو الحال
[يوجد عندهم "مفتاح الكتب الربعة" عندي منه اثنا عشر مجلدا ،إل أن طريقة مؤلفه في في كتب أهل السنة
ترتيبه تجعله أشبه بكتاب ل بفهرس ،].ولذلك فإن المر اقتضى مني قراءة طويلة في كتب حديثهم،
حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته ،وأحيانا أقرأ رواية رواية ،وقرأت أصول الكافي،
وتصفحت وسائل الشيعة ،وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في
الغالب.
فل تستطيع أن تكتب عن هذه المسألة حتى تستكمل قراءة هذه الخبار.
وأرجع كثيرا إلى شروح الكافي كشرح جامع للمازندراني ،لفهم وجهة نظر شيوخهم في
الروايات.
ثانيا :رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر ،والعراق ،والبحرين ،والكويت،
وباكستان ،وحصلت من خلل ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث
وفصوله.
ثالثا :طول المسافة الزمنية التي شملها البحث ،والتي امتدت منذ نشأة الشيعة حتى اليوم،
فأمامي عشرات الكتب الشيعية في مختلف العصور أمضيت وقتا طويلً في تتبعها ،وملحقة
التطور العقدي للشيعة في امتدادها.
مصادر الرسالة:
وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث،
والرجال ،والعقائد ،والفرق ،والفقه ،والصول:
أ -ففي كتب التفسير رجعت إلى:
[مقدمة تفسير تفسير علي بن إبراهيم القمي ،الذي قالوا عنه بأنه أصل أصول التفاسير عندهم
القمي :ص .].10ووثق رواياته شيخ مشايخهم في هذا العصر الذي يلقبونه "بالمام الكبر" وهو
أبو القاسم الخوئي ،فقال" :ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى
10
[أبو القاسم الخوئي /معجم رجال الحديث: عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين"
.].1/63والقمي عندهم ثقة في الحديث ،ثبت معتمد [رجال النجاشي :ص ،].197كان في عصر
المام العسكري ،وعاش إلى سنة (307ه) [الذريعة ،4/302 :مقدمة تفسير القمي :ص .].8
وكذلك تفسير العياشي الذي قال فيه شيخهم المعاصر -محمد حسين الطبطبائي" :أحسن
كتاب ألف قديما في بابه ،وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور ،فقد
تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف عام إلى يومنا هذا من غير أن يذكر بقدح ،أو يغمض فيه
بطرف" [الطبطائي /مقدمة حل الكتاب ومؤلفة :صاج.].
والعياشي هو محمد بن مسعود أبو النضر ،عاش في أواخر القرن الثالث ،وهو عندهم جليل
القدر ،واسع الخبار ،بصير بالروايات [الطوسي /الفهرست :ص 165– 163؟].
وتفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ،من شيوخهم في القرن الثالث وأوائل القرن
الرابع [أغا بزرك الطهراني /نوابع الرواة :ص .].216وقد وثقه شيخهم المجلسي فقال" :أخبار تفسير
[بحار النوار ،37 /1 :وانظر في بيان أنه من فرات موافقة لما وصل إلينا من الحاديث المعتبرة"
مصادرهم المعتبرة عند القدامى والمعاصرين :مقدمة تفسير فرات ،لمحمد علي الوردبادي.].
[بالضافة إلى تفسير التبيان للطوسي ،ومجمع هذه أهم كتب التفسير القديمة الموجودة اليوم بين أيديهم
البيان للطبرسي ،والتي قال فيهما بعض شيوخهم بأنهما وضعا على أسلوب التقية -كما سيأتي .].-وقد رجعت
إليها في أثناء عرض عقيدتهم في القرآن وغيره ،ولم أكتف بتوثيق المنقول منها ،بل شفعت ذلك
بما كتبه شيوخهم المتأخرون المعتمدون عندهم ،مثل:
تفسير الصافي لشيخهم محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني ،والذي يصفونه بـ "العلمة
المحقق ،المدقق ،جليل القدر ،عظيم الشأن" [الردبيلي /جامع الرواة.].2/42 :
والبرهان في تفسير القرآن لشيخهم هاشم بن سليمان البحراني (المتوفى سنة 1107أو
[انظر :أمل المل،2/341 : 1109ه) وهو عندهم العلمة الثقة الثبت المحدث الخبير والناقد البصير
يوسف البحراني /لؤلؤة البحرين ص ،63البلدي /أنوار البدرين ص .].137
ومرآة النوار ومشكاة السرار ،أو مقدمة البرهان لشيخهم أبي الحسن بن محمد العاملي
الفتوني ،تلميذ المجلسي صاحب البحار (ت 1140ه) قال عنه صاحب لؤلؤة البحرين بأنه كان
محققا مدققا [يوف البحراني /لؤلؤة البحرين :ص ،].107وقال عنه صاحب روضات الجنات" :من
[الخوانساري /روضات الجنات :ص .658ط :الثانية ،الزرندي /ترجمة المؤلف أعاظم فقهائنا المتأخرين"
(المطبوع مع مقدمة مرآة النوار) ،].ووصفه شيخهم النوري بالحجة وقال عن كتابه" :لم يعمل مثله"
11
[مستدرك الوسائل .].3/385 :ومثل ذلك قال صاحب الذريعة [أغابزرك /الذريعة ،].20/264 :وغير ذلك
من كتب التفسير عندهم التي رجعت إليها ،وذكرتها تبعا لما أشرت إليه ووثقته من كتبهم.
وأصحاب الكتب السابقة كلهم قالوا بتحريف القرآن ،ولشك أن من اعتقد ذلك فهو ليس من
أهل القبلة ،ولكني أنقل توثيقاتهم لشيوخهم.
ب -أما كتب حديثهم( :وهي رواياتهم عن الئمة) فقد رجعت لمصادرهم المعتمدة عندهم
وهي:
-1الكتب الربعة :الكافي ،والتهذيب ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه ،قال شيخهم
المعاصر محمد صادق الصدر" :إن الشيعة ...مجمعة على اعتبار الكتب الربعة ،وقائلة بصحة
كل ما فيها من روايات [ "...الشيعة :ص .].127
-2الكتب الربعة المتأخرة وهي :الوافي ،وبحار النوار ،والوسائل ،ومستدرك الوسائل،
فتصبح مصادرهم الرئيسية ثمانية .قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري" :وأما صحاح
المامية فهي ثمانية ،أربعة منها للمحمدين الثلثة الوائل ،وثلثة بعدها للمحمدين الثلثة
[منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد الواخر ،وثامنها لمحمد حسين المرحوم المعاصر النوري"
الحائري ضمن كتاب الوحدة السلمية :ص .].)233
وقد تحدثت عن هذه المصادر في فصل (عقيدتهم في السنة).
وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما" :أصول الكافي" ،و"بحار النوار"؛
وذلك لنهما أكثر اهتماما بمسائل العتقاد ،ولن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة.
قال الصدر عن الكافي" :ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الربعة" [الشيعة :ص .].133
وتبلغ أخباره ( ،)16199ولو لم يقم صاحب الكافي بجمع الروايات عن الئمة في كتابه لما بقي
منها إل النزر اليسير.
[المصدر السابق :ص ،123 وقال :يحكى أن الكافي عرض على المهدي فقال" :كاف لشيعتنا"
روضات الجنات ،للخوانساري ،6/116 :ومقدمة الكافي ،لحسين علي :ص .].25
هذا ما يقوله الصدر ،وينسبه للشيعة عموما ،ولهذا قال محب الدين الخطيب" :إن الكافي عند
الشيعة هو كصحيح البخاري عند المسلمين" [الخطوط العريضة :ص .].28
وقد يكون في كلم الخطيب هذا بعض التسامح؛ لن غلوهم في الكافي أكثر ،أل ترى أنهم
يقولون :إن الكافي ألّف إبان الصلة المباشرة بمهديهم وإنه عرض على "المعصوم" عندهم ،فهو
كما لو قال بعض أهل السنة :إنه صحيح البخاري تم عرضه على الرسول صلى ال عليه
وسلم ..لن المام عندهم كالنبي ،ولذا قالوا" :كانت منابع اطلعات الكليني قطعية العتبار ،لن
12
[هو مهديهم باب العلم واستعلم حال تلك الكتب [التي جمع من خللها الكافي ].بواسطة سفراء القائم
المنتظر ،وسفراؤهم :أبوابه الربعة ،كما سيأتي في فصل الغيبة ].كان مفتوحا عليه لكونهم معه في بلد
[الحائري /منهاج عملي للتقريب (ضمن كتاب الوحدة السلمية ص .)333وانظر :ابن طاوس/ واحد ،بغداد"
كشف المحجة ص .].159
[البهبودي /مقدمة البحار :ص ].19 أما البحار فقالوا بأنه" :المرجع الوحيد لتحقيق معارف المذهب"
وعظموا من أمره ،كما سيأتي من خلل صفحات هذه الرسالة [انظر :ص(.].)164
-3ورجعت إلى كتب شيوخهم المعتمدين عندهم ،والتي يعدونها في العتبار والعتماد
كالكتب الربعة ،منها:
[انظر :الفهرست ص أ -كتاب سليم بن قيس ،وهو أول كتاب ظهر للشيعة ،كما يقول ابن النديم
،219الذريعة ،2/152 :وفي رضات الجنات 4/67زعم أنه "أول ما صنف ودوّن في السلم" ،].وهو من
أصولهم المعتبرة [انظر :بحار النوار ،].1/32 :ولنا وقفة مع هذا الكتاب ومؤلفه في أثناء الحديث
عن فرية التحريف [انظر :ص(.].)221
ب -كتب شيخهم أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (المتوفى سنة 381ه) مثل :إكمال
الدين ،والتوحيد ،وثواب العمال ،وعيون أخبار الرضا ،ومعاني الخبار ،والمالي وغيرها،
[بحار وكتبه كلها "ل تقصر في الشتهار عن الكتب الربعة التي عليها المدار في هذه العصار"
[وهي :الهداية ،وصفات الشيعة، النوار ،].1/26 :ول يستثنى من ذلك إل خمسة كتب لم أرجع إليها
وفضائل الشيعة ،ومصادقة الخوان ،وفضائل الشهر( .بحار النوار.].)1/26 :
ج -كتب شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 460ه) وهي مثل
كتب ابن بابويه في العتبار والشتهار عندهم إل كتاب واحد [وهو المالي (بحار النوار.].)1/27 :
وغيرها من كتب شيوخهم ،والتي تكلف شيخهم المجلي بتوثيقها في الجزء الول من بحاره
[ص )29(:وما بعدها ،].كما قد ألمحت ببعض توثيقاتهم لهذه الكتب في أثناء البحث ،وأذكر توثيق
الكتاب الذي ل أنقل منه إل مرة واحدة في موضع النص المنقول.
د -رجعت إلى كتب العقيدة المعتمدة عندهم مثل:
-1اعتقادات ابن بابويه.
-2وأوائل المقالت للمفيد ،وتصحيح العتقاد له أيضا.
-3ونهج المسترشدين لبن المطهر الحلي.
-4والعتقاد للمجلسي صاحب البحار.
-5وعقائد المامية للمظفر (من المعاصرين).
13
-6عقائد المامية الثني عشرية للزنجاني (معاصر) وغيرها.
وفي عقائدهم التي تفردوا بها رجعت -بالضافة لما مضى -إلى ما كتب عن هذه العقائد
مستقلً ،ففي الغيبة -مثلً -رجعت إلى كتاب الغيبة لشيخهم محمد بن إبراهيم النعماني ،من
ل الكتب"
شيوخهم في القرن الثالث ،وقد قال المجلسي عن كتابه هذا" :وكتاب النعماني من أج ّ
[الموضع نفسه من المصدر [بحار النوار ،].1/31 :ثم نقل عن المفيد ما يتضمن الثناء عليه وتوثيقه
السابق.].
وكذلك كتاب الغيبة للطوسي ،وإكمال الدين لبن بابويه وغيرها.
وفي اعتقادهم في الرجعة ،رجعت إلى ما كتبه شيخهم الحر العاملي في الرجعة وهو "اليقاظ
من الهجعة بالبرهان على الرجعة" وهكذا.
ه -وكذلك رجعت إلى ما كتبه بعض شيوخهم في المقالت والفرق ،وهما "المقالت والفرق"
لشيخهم سعد بن عبد ال الشعري القمي المتوفى سنة (301ه) ،و"فرق الشيعة" لشيخهم الحسن
بن موسى النوبختي من شيوخهم في القرن الثالث" .وهما كتابان وصل إلينا من بين كتب فرق
الشيعة الضائعة" [محمد جواد مشكور ،مقدمة كتاب المقالت والفرق للقمي :ص /كا.].
و -وفي كتب الرجال رجعت إلى مصادرهم المعتمدة في ذلك ،ولسيما كتبهم الربعة؛ لنهم
يقولون" :أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب ،عليها المعول في
هذا الباب وهي:
-1معرفة الناقلين عن الئمة الصادقين لبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي
(من شيوخهم في القرن الرابع) الذي يعرف بـ "رجال الكشي".
-2كتاب الرجال لبي العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة (460ه) المعروف بـ
"رجال النجاشي".
-3كتاب الرجال لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة (
460ه) المعروف بـ "رجال الطوسي".
[أحمد الحسيني /مقدمة رجال الكشي ،ط :العلمي /كربلء ،ص: -4كتاب "الفهرسيت للشيخ الطوسي"
،4وانظر :حسن المصطفوى /مقدمة رجال الكشي ،ط :إيران ص ،12أغابزرك /الذريعة إلى تصانيف الشيعة:
.].81-10/80
وقد أكثرت في النقل من رجال الكشي ،لنهم يعدونه أهم كتبهم في الرجال ،وأقدمها،
وأوثقها؛ فهو من تأليف الكشي وهو عندهم "ثقة بصير بالخبار وبالرجال حسن العتقاد"
[فهرست الطوسي :ص .].172-171ومن تهذيب واختصار شيخ الطائفة الطوسي.
14
ولذا قال شيخهم المصطفوي" :أقدم هذه الكتب :هو رجال الكشي الذي لخصه شيخ الطائفة..
فكفى لهذا لكتاب المنيف شرفا واعتبارا" [مقدمة المصطفوي لرجال الكشي :ص .].12
والخلصة :أنني لم أعمد إل إلى كتبهم المعتمدة عندهم ،في النقل والقتباس لتصوير
المذهب.
ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إل ما استفاضت أخبارهم به ،وأقره شيوخهم.
وقد تكون الروايات من الكثرة فأشير إلى ذلك بذكر عدد الروايات وعناوين البواب في
المسائل التي أتحدث عنها.
وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الروايات بمقتضى مقاييسهم.
كل ذلك حتى ل يقال بأننا نتجه إلى بعض رواياتهم الشاذة ،وأخبارهم الضعيفة التي ل تعبر
عن حقيقة المذهب ،فنأخذ بها.
واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية ،وضرورة الدقة في النقل والعزو،
وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلم الخصوم.
15
-1المامية ،وفيها عرضت لعقيدتهم في الصحابة ،وأهل البيت ،وحكام المسلمين ،وقضاتهم،
وعلمائهم ،والمصار السلمية وشعوبها ،والفرق السلمية ،والمة.
-2العصمة.
-3التقية.
-4المهدية والغيبة.
-5الرجعة.
-6الظهور .
-7البداء.
-8الطينة.
أما الباب الرابع :فهو يتصل بالشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلفهم ،ويقع في أربعة فصول:
الفصل الول :صلتهم بمصادرهم القديمة.
الفصل الثاني :صلتهم بفرقهم القديمة.
الفصل الثالث :الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين.
الفصل الرابع :دولة اليات.
أما الباب الخامس :فهو يتعلق بالحكم عليهم ،وأثرهم في العالم السلمي ،ويتكون من
فصلين:
الفصل الول :الحكم عليهم.
الفصل الثاني :أثرهم في العالم السلمي.
ومن ثم الخاتمة؛ وفيها عرض لهم النتائج التي توصل إليها البحث.
وفي ختام هذه المقدمة أدعو ال العلي القدير أن يغفر لشيخي وأستاذي الدكتور /محمد رشاد
[هو العالم الفاضل الستاذ الدكتور محمد رشاد بن محمد رفيق سالم ،ولد في القاهرة عام 1347ه وحصل على سالم
شهادة الدكتوراه عام 1379ه في موضوع "موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية" ،وقد اهتم بنشر تراث شيخ السلم ابن
تيمية ودراسة آرائه ،وتبنى إخراج مكتبته العظيمة ،وقد حقق منها كتاب "درء تعارض العقل والنقل" في أحد عشر
مجلدا ،وكتاب "منهاج السنة النبوية" في ثمان مجلدات ،وكتاب "الصفدية" في مجلدين ،و«الستقامة» في مجلدين،
وغيرها ،وتوفي -رحمه ال -وهو يعمل في تحقيق كتاب "نقض التأسيس" ،في القاهرة في شهر ربيع الخر عام
1407ه ،].وأن ينزل عليه الرحمة والرضوان ،ويتغمده بواسع عفوه وغفرانه ،ويسكنه فسيح
جناته ،فقد تابع الرسالة منذ مراحلها الولى إلى أن وصلت إلى مشارف النهاية ،وأذن لي ببدء
16
طبعها ،ثم رحل عن هذه الدنيا -رحمه ال رحمة واسعة -وقد أفدت من توجيهه وعلمه،
وغمرني بفضله وخلقه.
وقد قضى -رحمه ال -حياته في العلم والجهاد ،وابتلي بالسجن مرتين ،وترك آثارا
عظيمة النفع ،وكان رحمه ال يؤمل أن يقيم مع تلمذته في القسم ما يسميه "مكتبة أهل السنة"
وتتولى التعاون في إخراج كتب التراث في العقيدة ،والتأليف في اعتقاد أهل السنة ،والرد على
الفرق الخارجة عن الجماعة.
وأسأل ال سبحانه أن يجزيه على نيته وعمله خير الجزاء ،وأن يحقق آماله في تلمذته
ليواصلوا الطريق بعده.
وأتوجه بالشكر والتقدير والعرفان بالجميل إلى شيخي الستاذ الدكتور /سالم بن عبد ال
الدخيل ،الذي وافق على استكمال الشراف على الرسالة ،وراجع مرحلها ،وتابع خطواتها
الخيرة ،واطمأن على سيرها.
وكانت توجيهاته وآراؤه خير رافد ومعين.
وأتقدم بأزكى الشكر وأطيبه لكلية أصول الدين ممثلة في عميدها ومجلسها ،ولقسم العقيدة
رئيسا وأعضاءً لرعايتهم للبحث ،ومتابعة خطواته فجزاهم ال خير الجزاء.
وأدعو ال سبحانه أن يجزي بالخير كل من قدّم لي مساعدة في هذه الرسالة ..وصلى ال
وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والحمد ل أولً وأخرًا.
تمهيد:
ويشتمل على:
-1التعريف اللغوي للفظ الشيعة.
-2لفظ الشيعة في القرآن ومعناه.
-3لفظ الشيعة في السنة ومعناه.
-4لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث عند الثني عشرية.
-5لفظ الشيعة في التاريخ.
-6تعريف الشيعة في كتب الثني عشرية.
-7تعريف الشيعة في كتب السماعيلية.
-8تعريف الشيعة في المصادر الخرى.
17
-9التعريف المختار للشيعة.
-10نشأة الشيعة.
-11فرق الشيعة.
-12ألقاب الشيعة المامية الثني عشرية.
-13فرق الثني عشرية.
تعريف الشيعة
التعريف اللغوي:
يقول ابن دريد (المتوفى سنة 321ه)" :فلن من شيعة فلن أي :ممن يرى رأيه ،وشيعت
الرجل على المر تشييعا إذا أعنته عليه ،وشايعت الرجل على المر مشايعة وشياعا إذا مالته
عليه" [ابن دريد /جمهرة اللغة.].3/63 :
وقال الزهري (المتوفى سنة 370ه)" :والشيعة أنصار الرجل وأتباعه وكل قوم اجتمعوا على
أمرهم شيعة .والجماعة شيع وأشياع ،والشيعة :قوم يهوون هوى عترة النبي محمد صلى ال
عليه وسلم ويوالونهم.
وشيّعت النار تشييعا إذا لقيت عليها ما تذكيها به ،ويقال :شيعت فلنا أي :خرجت معه
لودعه ،ويقال :شيعنا شهر رمضان بست من شوال أي :أتبعناه بها ..وتقول العرب :آتيك غدا،
أو شَيعَهُ أي :اليوم الذي يتبعه ،والشيعة التي يتبع بعضهم بعضا ،والشيع الفرق الذي يتبع
بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين" [الزهري /تهذيب اللغة.].3/61 :
وقال الجوهري (المتوفى سنة 40ه)" :تشيّع الرجل أي :ادعى دعوى الشيعة ،وكل قوم أمرهم
[ديوان شيَع قال ذو الرّمة :استحدث الركب عن أشياعهم خبرا
واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم ِ
ذي الرمة ص.].4 :
يعني عن أصحابهم" [الصحاح ،3/1240 :تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.].
شيَعٌ،
وقال ابن منظور (المتوفى سنة 711ه)" :والشيعة أتباع الرجل وأنصاره ،وجمعها ِ
وأشياع جمع الجمع ،وأصل الشيعة :الفرقة من الناس ،ويقع على الواحد والثنين والجمع
والمذكور والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد ،وقد غلب هذا السم على من يتولى عليا وأهل
بيته ،حتى صار لهم اسما خاصا ،فإذا قيل :فلن من الشيعة عرف أنه منهم ،وفي مذهب الشيعة
كذا أي :عندهم ،وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة.
18
والشيعة :قوم يرون رأي غيرهم ،وتشايع القوم صاروا شيعا ،وشيّع الرجل إذا ادعى دعوى
[لسان العرب :مادة: الشّيعة ،وشايعه شياعا وشيّعه تابعه ،ويقال :فلن يشايعه على ذلك أي :يقويه"
شيع.].
وقال الزبيدي (المتوفى سنة 1205ه)" :كل من عاون إنسانا وتحزب له فهو له شيعة ،وأصل
الشيعة من المشايعة وهي المتابعة ،وقيل :عين الشيعة واو من شوع قومه إذا جمعهم .وقد غلب
هذا السم (الشيعة) على كل من يتولى عليا وأهل بيته ..وهم أمة ل يحصون ،مبتدعة ،وغلتهم
المامية المنتظرية يسبون الشيخين ،وغلة غلتهم يكفرون الشيخين ،ومنهم من يرتقي إلى
[تاج العروس ،5/405 :وانظر من كتب اللغة (مادة شاع) :القاموس ،3/47 :البستاني /قطر المحيط: الزندقة"
،1/1100وانظر :الطريحي /مجمع البحرين.].4/355 :
فالشيعة ،والتشيع ،والمشايعة في اللغة تدور حول معنى المتابعة ،والمناصرة ،والموافقة
بالرأي ،والجتماع على المر ،أو الممالة عليه .ثم غلب هذا السم -كما يقوله صاحب
اللسان ،والقاموس ،وتاج العروس -على كل من يتولى عليا وأهل بيته .وهذه الغلبة ..محل
نظر؛ لنه إذا تأمل الباحث في المعنى اللغوي للشيعة والذي يدل على المتابعة ،والمناصرة ،ثم
نظر إلى أكثر فرق الشيعة التي غلب إطلق هذا السم عليها يجد أنه ل يصح تسميتها بالشيعة
من الناحية اللغوية؛ لنها غير متابعة لهل البيت على الحقيقة بل هي مخالفة لهم ومجافية
لطريقتهم..
ولعل هذا ما لحظه شريك بن عبد ال حينما سأله سائل :أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال
له :أبو بكر .فقال السائل :تقول هذا وأنت شيعي! فقال له :نعم من لم يقل هذا فليس شيعيا ،ال
لقد رقي هذه العواد علي ،فقال :أل إن خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ،ثم عمر ،فكيف نرد
[منهاج السنة 8-1/7 :تحقيق د .محمد رشاد السالم ،وانظر :عبد قوله ،وكيف نكذبه؟ وال ما كان كذابا
الجبار الهمداني /تثبيت دلئل النبوة .1/63 :وقال شيخ السلم ابن تيمية :وقد روي عن علي من نحو ثمانين وجها
أنه قال على منبر الكوفة :خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر وعمر ،ورواه البخاري وغيره .انظر :منهاج السنة:
،4/137وقد جاء ذلك في كتب الشيعة أيضا .انظر :تلخيص الشافي 2/428 :عن إحسان إلهي ظهير :الشيعة أهل
البيت ص.].52 :
فالمام شريك لحظ أن غير المتابع لعلي ل يستحق اسم التشيع ،لن معنى التشيع وحقيقته
[انظر -مثلً -الملطي /التنبيه والرد: المتابعة ..ولهذا آثر بعض الئمة أن يطلق عليهم اسم الرافضة
ص ،18البغدادي /الفرق بين الفرق ص ،21 :السفراييني /التبصير في الدين ص ،16السكسكي /البرهان ص ،36
وانظر الفرماني /رسالة في بيان مذاهب بعض الفرق الضالة :الورقة 2أ (مخطوط) ،أبو الحسن العراقي /ذكر الفرق
الضوال :الورقة 12أ (مخطوط).].
19
وقد لجأ المتابعون لهل البيت على الحقيقة ،والذين كانوا يلقبون بالشيعة ،لجأوا إلى ترك هذا
اللقب لما غلب إطلقه على أهل البدع المخالفين لهل البيت ،كما يشير صاحب التحفة الثني
عشرية إلى ذلك فيقول :إن الشيعة الولى تركوا اسم الشيعة لما صار لقبا للروافض
والسماعيلية ،ولقبوا أنفسهم بـ "أهل السنة والجماعة" [التحفة الثنا عشرية :ص ( 26-25مخطوط).].
لفظ الشيعة في القرآن ومعناه:
[انظر :المعجم المفهرس للفاظ ومادة شيع وردت في كتاب ال العظيم في اثني عشر موضعا
[أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي التيمي البغدادي، القرآن ص ،].18وقد أجمل ابن الجوزي
المعروف بابن الجوزي ،صاحب التصانيف الكثيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها ،منها :جامع المسانيد،
والمنتظم وغيرهما ،توفي عام 597هـ .انظر :ابن العماد /شذرات الذهب ، 4/329 :اليافعي /مرآة الجنان- 3/489 :
، 492معجم المؤلفين ].5/157 :معانيها بقوله" :وذكر أهل التفسير أن الشيع في القرآن على أربعة
أوجه:
[النعام ،آية].159 : شيَعًا}
أحدها :الفرق ،ومنه قوله تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ َوكَانُواْ ِ
وقوله{ :وَلَقَدْ َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ فِي شِيَعِ ا َلوّلِينَ} [الحجر ،آية ].1 :وقوله{ :وَجَ َعلَ أَهْ َلهَا شِيَعًا}
شيَعًا} يعني بالشيع :الفرق ،تفسير الطبري ،20/27 :وانظر
[القصص ،آية ،4 :قال ابن جرير الطبري {وَجَعَ َل أَ ْهلَهَا ِ
شيَعًا} [الروم ،آية.].69 :
أبو عبيدة /مجاز القرآن ].1/194 :وقوله{ :مِنَ الّذِينَ َفرّقُوا دِي َنهُمْ وَكَانُوا ِ
[القصص ،آية: ع ُدوّهِ}
والثاني :الهل والنسب ،ومنه قوله تعالى{ :هَذَا مِن شِي َعتِهِ وَهَذَا مِنْ َ
، 15قال ابن قتيبة :ومعنى {هَذَا مِن شِي َعتِهِ} أي :من أصحابه بني إسرائيل (تفسير غريب القرآن ص ،)329وانظر:
أبو حيان /تحفة الريب بما في القرآن من الغريب ص ].153 :أراد من أهله في النسب إلى بني إسرائيل.
ن مِن ُكلّ شِي َعةٍ} [مريم ،آية ،].69 :وقوله:
عّوالثالث :أهل الملة ،ومنه قوله تعالى{ :ثُمّ َلنَنزِ َ
عهِم} [سبأ ،آية .].54 :وقوله{ :إِنّ
شيَا ِ
شيَاعَكُمْ} [القمر ،آية ،].51 :وقولهَ { :كمَا فُ ِع َل بِ َأ ْ
{وَلَقَدْ أَهْ َل ْكنَا َأ ْ
مِن شِي َعتِهِ ِل ْبرَاهِيمَ} [الصافات ،آية.].83 :
[النعام ،آية[ "].65 :ابن الجوزي /نزهة شيَعا}
والرابع :الهواء المختلفة ،قال تعالىَ{ :أوْ يَ ْلبِسَ ُكمْ ِ
العين النواظر ،377-376 :وزاد الدامغاني وجها خامسا وهو :الشيع والشاعة ،واستشهد لهذا بقوله سبحانهِ{ :إنّ
حشَةُ فِي الّذِينَ آ َمنُوا} يعني أن تفشو الفاحشة ،كما أن ابن الجوزي ذكر في الوجه الثاني
ن أَن َتشِيعَ ا ْلفَا ِ
ن يُحِبّو َ
الّذِي َ
أن من معاني الشيع الهل والنسب ،واستشهد لها بقوله سبحانهَ { :هذَا مِن شِي َعتِهِ وَ َهذَا ِمنْ عَدُوّهِ} ،بينما نجد الدامغاني
ذكر أن من معاني الشيعة :الجيش ،واستدل لذلك بنفس الية .وقد اتفقا فيما سوى ذلك من معاني التشيع.].
[محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ،المعروف بابن قيم الجوزية ،توفي سنة ويشير ابن القيم
751هـ ،وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير ،منها :إعلم الموقعين ،وزاد المعاد - ].رحمه ال -
في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والشياع غالبا ما يستعمل في الذم ،ويقول :ولعله لم يرد في
20
ع ِتيّا}،
حمَنِ ِ
علَى الرّ ْ
ن مِن ُكلّ شِي َعةٍ َأ ّيهُمْ َأشَدّ َ
عّالقرآن إل كذلك ،كقوله تعالى{ :ثُمّ َلنَنزِ َ
ش َتهُونَ َكمَا
ن مَا يَ ْ
وكقولـه{ :إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} ،وقوله{ :وَحِيلَ َب ْي َنهُمْ َوبَيْ َ
عهِم مّن َقبْلُ} .ويعلل ابن القيم لذلك بقوله" :وذلك وال أعلم لما في لفظ الشيعة من
شيَا ِ
فُ ِع َل بِ َأ ْ
الشياع ،والشاعة التي هي ضد الئتلف والجتماع ،ولهذا ل يطلق لفظ الشيع إل على فرق
[بدائع الفوائد .1/155 :وهذا في الغالب لنه ورد في القرآنِ{ :إنّ مِن شِي َعتِهِ الضلل لتفرقهم واختلفهم"
ِلبْرَاهِيمَ}.].
هذه ألفاظ الشيعة في كتاب ال ومعانيها ،وهي ل تدل على التجاه الشيعي المعروف ،وهذا
أمر يدرك بداهة ،ولكن الغريب في المر أن نجد عند الشيعة اتجاها يحاول ما وسعته المحاولة
أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب ال بطائفته ،ويؤول كتاب ال على غير
تأويله ،ويحمل اليات ما ل تحتمل تحريفا لكتاب ال وإلحادا فيه ،فقد جاء في أحاديثهم في
ن مِن شِي َع ِتهِ ِلبْرَاهِيمَ} [الصافات ،آية ].83 :قالوا :أي إن إبراهيم من شيعة
تفسير قوله سبحانه{ :إِ ّ
[البحراني /تفسير البرهان ،4/20 :وانظر :تفسير القمي ،2/323 :المجلسي /بحار النوار ،13-68/12 :عباس علي
القمي /سفينة البحار ،1/732 :البحراني /المعالم الزلفى ص ،304 :الطريحي /مجمع البحرين ،2/356 :وقد نسبوا هذا
التفسير -كذبا وافترا ًء -إلى جعفر الصادق ،ودينه وعلمه ينفيان ذلك ،].وهذا مخالف لسياق القرآن،
[انظر: وأصول السلم ،وهو نابع عن عقيدة غلة الروافض الذين يفضلون الئمة على النبياء
البغدادي /أصول الدين ص ،298 :القاضي عياض /الشفاء ص ،290 :ابن تيمية /منهاج السنة ،].1/177 :فهذا
التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل والنبياء بعد محمد صلى ال عليه وسلم،
يجعله من شيعة علي ...وهو أمر يعرف بطلنه من السلم بالضرورة ،كما هو باطل بالعقل،
والتاريخ ..وهو من وَضع وضّاع ل يحسن الوضع ..ول يعرف كيف يضع.
والذي قاله أهل السنة في تفسير الية والمنقول عن السلف أن إبراهيم من شيعة نوح عليه
[انظر :تفسير الطبري ،23/69 :تفسير ابن كثير ،4/13 :تفسير القرطبي،15/91 : السلم وعلى منهاجه وسنته
ابن الجوزي /زاد المسير ].7/67 :وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع سياق الية ،لن اليات التي قبل
هذه الية كانت في نوح عليه السلم ،ويلحظ أن مفسـري الشيعة من أخذ بقول أهل السنة،
[وهناك قول ضعيف في الية نسب إلى الفراء بأن المعنى وإن من وأعرض عما قاله قومه في تأويل الية
شيعة محمد لبراهيم .قال الشوكاني :ول يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق (فتح القدير )4/401 :وقال
اللوسي" :وذهب الفراء إلى أن ضمير (شيعته) لنبينا محمد صلى ال عليه وسلم ،والظاهر ما أشرنا إليه (وهو أن
يعود على نوح عليه السلم) وهو المروي عن ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،والسدي ،وقلما يقال للمتقدم :هو شيعة
للمتأخر (روح المعاني.].)100-99 /23 :
21
لفظ الشيعة في السنة ومعناه:
ورد لفظ الشيعة في السنة المطهرة بمعنى التباع ..كما في الحديث الذي رواه المام أحمد
في الرجل [هو :ذو الخويصرة التميمي ..أصل الخوارج( .انظر :مسند أحمد ].)12/4 :الذي قال للنبي صلى
ال عليه وسلم" :لم أرك عدلت "..قال فيه عليه الصـلة والسلم" :سيكون له شيعة يتعمقون في
[مسند أحمد 5-12/3 :قال عبد ال بن المام أحمد :ولهذا الحديث طرق في الدين حتى يخرجوا منه" ..الحديث
هذا المعنى صحاح .وقال أحمد شاكر :إسناده صحيح (المصدر السابق) ،ورواه ابن أبي عاصم في السنة،2/454 :
قال اللباني :إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات ،].وكذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود في المكذبين
[سنن أبي داود ،5/67فال المنذري :وفي إسناده عمر مولى غفرة ل يحتج بالقدر ..وفيه" :وهم شيعة الدجال"
بحديثه ،ورجل من النصار مجهول (المنذري) مختصر أبي داود ،6/61ورواه أيضا المام أحمد .].5/407
فالشيعة هنا مرادفة للفظ الصحاب ،والتباع ،والنصار.
ومن خلل مراجعتي لمعاجم السنة لم أر استعمال لفظ الشيعة على الفرقة المعروفة بهذا
السم إل ما جاء في بعض الخبار الضعيفة أو الموضوعة والتي جاء فيها لفظ الشيعة كدللة
[قال العقيلي :ل أصل له ،وذكره الكناني من على أتباع علي ،مثل حديث" :فاستغفرت لعلي وشيعته"
الحاديث الموضوعة( :تنزيه الشريعة ،].)1/414 :وحديث" :مثلي مثل شجرة أنا أصلها وعلي فرعها..
[أورده ابن الجوزي في الموضوعات ،1/397 :والشوكاني في الفوائد المجموعة في الحاديث والشيعة ورقها"
[وهو الموضوعة ص ،].379 :وحديث أنه صلى ال عليه وسلم قال لعلي" :أنت وشيعتك في الجنة"
حديث موضوع ،انظر :ابن الجوزي /الموضوعات ،1/397 :الذهبي /ميزان العتدال ،1/421 :ترجمة جميع بن عمر
بن سوار ،الشوكاني /الفوائد المجموعة ص.].379 :
[سيأتي وقـد ورد في بعض الخبار أنه سيظهر قوم يدعون الشيعة لعلي يقال لهم الرافضة
[مثل حديث: بيان معنى الرافضة ،].فقد روى المام ابن أبي عاصم أربع روايات في ذكر الرافضة
"بشر يا عليّ أنت وأصحابك في الجنة ،أل إن ممن يزعم أنه يحبك قوم يرفضون السلم يقال لهم :الرافضة ،فإذا
لقيتهم فجاهدهم فإنهم مشركون .قلت :يا رسول ال ،ما العلمة فيهم؟ قال :ل يشهدون الجمعة ،ول جماعة ويطعنون
على السلف"(السنة لبن أبي عاصم )2/475 :وهذا الحديث قد أورده الشوكاني في "لحاديث الضعيفة"ص -380 :
[انظر :السنة لبن أبي عاصم-2/474 : ،].381وقال الشيخ اللباني في تحقيقه لسانيدها بأنها ضعيفة
.].4766
وقد أخرج الطبراني -بإسناد حسن كما يقول الهيثمي -أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
"يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت ،لهم نبز ،يسمون الرافضة ،قاتلوهم فإنهم
[مجموع الزوائد ،10/22 :وانظر الحديث في المعجم الكبير للطبراني ،12/242 :رقم ( )12998ولكن مشركون"
في اسناده الحجاج بن تميم وهو ضعيف (انظر :تقريب التهذيب.].)1/152:
22
وقد نبه شيخ السلم ابن تييمة إلى كذب لفظ الحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة،
لن اسم الرافضة لم يعرف إل في القرن الثاني [منهاج السنة ،].1/8 :وفي ظني أن هذا ل يكفي في
الحكم بكذب الحاديث ،إذ لو صحت أسانيدها لكانت من باب الخبار بما سيقع ،وأن ال أخبر
[ففي نبيه بما سيكون من ظهور الروافض ،كما أوحى ال إليه بشأن ظهور فرقة الخوارج
الصحيحين عشرة أحاديث فيهم ،أخرج البخاري منها ثلثة ،وأخرج مسلم سائرها ،وساقها جميعا ابن القيم في تهذيب
[كما السنن ،].153-7/148 :وإن كانت بذرة الخوارج وجدت في حياته -عليه الصلة والسلم –
دلت على ذلك بعض الحاديث في قصة الرجل الذي قال للرسول صلى ال عليه وسلم وهو يوزع بعض الغنائم:
اعدل يا محمد ..انظر الحديث في ذلك في صحيح البخاري (مع فتح الباري) ج 12ص ،290وصحيح مسلم (بشرح
النووي ) ج 7ص .].165
لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث الثني عشرية:
وفي كتب الحديث عند الشيعة يتكرر في كثير من رواياتهم وأحاديثهم التي ينسبونها إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم وإلى المام على والحسن والحسين وبقية أئمتهم الثني عشر
[لن مفهوم السنة عندهم هي ما قاله الرسول والئمة الثنا عشرية -كما سيأتي ].-يتكرر لفظ الشيعة
كمصطلح يدل على فرقتهم ،وعقيدتهم ،وأئمتهم ،ذلك أنهم يزعمون أن رسول ال صلى ال عليه
[ففي أصول الكافي في مسألة وسلم هو الذي غرس بذرة التشيع وتعهدها بالسقي حتى نمت وأينعت
النص على الئمة من ال ورسوله والئمة -كما يزعمون -ذكر ثلثة عشر بابا ضمنها مائة وعشرة أحاديث.
(أصول الكافي ..].)328-1/286 :بل وصل بهم المر في هذا إلى وضع روايات تدل على أن لفظ
الشيعة -كمصطلح لطائفتهم -معروف قبل زمن رسالة نبينا محمد صلى ال عليه وسلم ،فقد
جاء في أحاديثهم تفسير قوله سبحانه{ :وَإِنّ مِن شِيعَ ِتهِ ِل ْبرَاهِيمَ} أي :إن إبراهيم من شيعة علي
[مضى تخرجيه من كتبهم في هامش رقم ( )2ص ،].41بل بلغ بهم الزعم إلى القول" :إن ال أخذ ميثاق
النبيين على ولية علي ،وأخذ عهد النبيين على ولية علي" [البحراني /تفسير البرهان ].1/26 :وأن
"ولية علي مكتوبة في جميع صحف النبياء" [أصول الكافي .].1/437 :إلى آخر هذه الدعاوى
وسيأتي بسط ذلك في نشأة التشيع.
لفظ الشيعة في التاريخ السلمي:
في الحداث التاريخية في صدر السلم وردت لفظ الشيعة بمعناها اللغوي الصرف ،وهو
المناصرة والمتابعة ،بل إننا نجد في وثيقة التحكيم بين الخليفة علي ،ومعاوية -رضي ال
عنهما -ورود لفظ الشيعة بهذا المعنى ،حيث أطلق على أتباع علي شيعة ،كما أطلق على أتباع
معاوية شيعة ،ولم يختص لفظ الشيعة بأتباع عليّ.
23
ومما جاء في صحيفة التحكيم" :هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ،ومعاوية بن أبي
سفيان ،وشيعتهما( ..ومنها) :وأن عليا وشيعته رضوا بعبد ال بن قيس ،ورضي معاوية وشيعته
بعمرو بن العاص( ..ومنها) :فإذا توفي أحد الحكمين فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه.
(ومنها) :وإن مات أحد الميرين قبل انقضاء الجل المحدود في هذه القضية فلشيعته أن
[الدينوري /الخبار الطوال ص ، 196-194 :وانظر :تاريخ الطبري: ل يرضون عدله"
يختاروا مكانه رج ً
،54 - 5/53محمد حميد ال /مجموعة الوثائق السياسية ص.].282-281 :
وقال حكيم بن أفلح -رضي ال عنه " :-لني نهيتها -يعني عائشة -أن تقول في هاتين
[هذا جزء من حديث طويل في صحيح مسلم في باب جامع صلة الليل ومن نام عنه أو مرض: الشيعتين شيئا"
.].170-2/168وقد أورد شيخ السلم ابن تيمية هذا النص ،ليأخذ منه دللة تاريخية على عدم
اختصاص عليّ باسم الشيعة في ذلك الوقت [انظر :منهاج السنة( 2/67 :تحقيق د .محمد رشاد سالم).].
وجاء في التاريخ أن معاوية قال لبسر بن أرطأة حين وجهه إلى اليمن:
"امض حتى تأتي صنعاء فإن لنا بها شيعة" [تاريخ اليعقوبي].2/197 :؛ فإذن لم يظهر مصطلح
الشيعة دللة على أتباع عليّ فحسب حتى ذلك الوقت.
ويبدو أن بدء التجمع الفعلي لمن يدعون التشيع ،وابتداء التميز بهذا السم بدأ بعد مقتل
[مروج الذهب: الحسين .يقول المسعودي :وفي سنة خمس وستين تحركت الشيعة في الكوفة
.].3/100وتكونت حركة التوابين ،ثم حركة المحتار (الكيسانية) وبدأت الشيعة تتكون وتضع
أصول مذهبها ..وأخذت تتميز بهذا السم.
من هنا يتضح أن اسم الشيعة كان لقبا يطلق على أية مجموعة تلتف حول قائدها ،وإن كان
بعض الشيعة يحاول أن يتجاهل الحقائق التاريخية ويدعي بأن الشيعة "هم أول من سموا باسم
التشيع من هذه المة" [القمي /المقالت والفرق ص ،15 :النوبختي /فرق الشيعة ص ،].18 :ويتناسى بأن
معاوية أطلق أيضا على أتباعه كلمة الشيعة ،ولكن الوقائع التاريخية تقول بأن لقب الشيعة لم
[محمد يختص إطلقه على أتباع عليّ إل بعد مقتل عليّ -رضي ال عنه -كما يرى البعض
[علي سامي النشار/ أبو زهرة /الميراث عند الجعفرية ص ،].22 :أو بعد مقتل الحسين كما يرى آخرون
نشأة الفكر الفلسفي.].2/35 :
24
-1يعرف شيخ الشيعة القمي [سعد بن عبد ال القمي ،هو عند الشيعة جليل القدر ،واسع الخبار ،كثير التصنيف،
ثقة .من كتبه :الضياء في المامة ،ومقالت المامية ،توفي سنة (301ه) وقيل299( :ه).
انظر :الطوسي /الفهرست ص ،105 :الردبيلي /جامع الرواة( ].1/355 :المتوفى سنة 301ه) الشيعة
بقوله :هم شيعة علي بن أبي طالب [المقالت والفرق ص .].3 :وفي موضع آخر يقول" :الشيعة هم
فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى ال عليه وسلم وبعده،
معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته" [المصدر السابق ص.].15 :
ويوافقه على هذا التعريف شيخهم "النوبختي" [الحسن بن موسى النوبختي :أبو محمد ،متكلم ،فيلسوف ،قال الطوسي:
كان إماميا حسن العتقاد ،له مصنفات كثيرة منها :كتاب الراء والديانات .توفي بعد الثلثمائة).
انظر في ترجمته :الطوسي /الفهرست ص ،75 :الردبيلي /جامع الرواة ،1/228 :ابن النديم /الفهرست ص
،177القمي /الكنى واللقاب ، 1/148 :معجم المؤلفين ،3/298 :الذهبي /سير أعلم النبلء ].15/327 :حتى في
اللفاظ نفسها [فرق الشيعة :ص .].17 ،20
مناقشة التعريف الول :
هذا هو تعريف الشيعة في أهم كتب الشيعة وأقدمها الخاصة بالفرق .وهذا التعريف ل يشير
إلى أي أصل من أصول التشيع عندا الثني عشرية ،والتي تعتبر في نظرهم لب التشيع
وأساسه؛ كمسألة النص على علي وولده وغيرها (باستثناء ذكره في الخيرة لمامة علي فقط
بدون ذكر النص أو بقية الئمة).
-والتعريف الذي يغفل أصول التشيع التي أحدثها الشيعة فيما بعد هو من التعاريف السليمة
لشيعة علي -رضي ال عنه -أو للشيعة الحقيقيين ،وهو يخرج مدعي التشيع من حظيرة
التشيع ،لنهم أحدثوا أصولً لم يقلها أئمة أهل البيت ،لكنه حسب مقاييس الثني عشرية ل يعتبر
تعريفا للشيعة مع أن القمي والنوبختي من الشيعة الثني عشرية.
[ويسميهم فيقول: -وهذا التعريف يدعي وجود "شيعة علي في زمن النبي صلى ال عليه وسلم"
"منهم المقاداد بن السود ،وسلمان الفارسي ،وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري ،وعمار بن ياسر ،ومن وافق مودته
مودة علي ،وهم أول من سمي باسم التشيع من هذه المة" المقالت والفرق ص ،15 :فرق الشيعة ص ].18 :ول
سند لهذه الدعوى من الكتاب والسنة ،ووقائع التاريخ صادقة ،وال سبحانه يقول{ :إِنّ الدّينَ عِندَ
لمُ} [آل عمران ،آية ].19 :ل التشيع ول غيره ،والصحابة كانوا في عهده صلى ال عليه
الّلهِ ا ِلسْ َ
وسلم عصبة واحدة ،وجماعة واحدة ،وشيعة واحدة تشيعهم وولؤهم لرسول الهدى صلى ال
عليه وسلم.
-2التعريف الثاني :
25
[محمد بن محمد النعمان الكعبري الملقب بالمفيد ،نال في يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه المفيد
زعمهم شرف مكاتبة مهديهم المنتظر ،وله قريب من مائتي مصنف .قال الخطيب البغدادي :كان أحد أئمة الضلل.
هلك به خلق من الناس إلى أن أراح ال المسلمين منه .ومات سنة (413ه) .انظر في ترجمته :الطوسي /الفهرست
ص ،190 :ابن النديم /الفهرست ،ص ،197 :القمي /الكنى واللقاب ،3/164 :البحراني /لؤلؤة البحرين ص،356 :
وانظر :الخطيب البغدادي /تاريخ بغداد ،3/231 :ابن الجوزي /المنتظم ،].8/118 :بأن لفظ الشيعة يطلق
على" ..أتباع أمير المؤمنين صلوات ال عليه ،على سبيل الولء والعتقاد لمامته بعد الرسول
صلوات ال عليه وآله بل فصل ،ونفي المامة عمن تقدمه في مقام الخلفة ،وجعله في العتقاد
متبوعا لهم غير تابع لحد منهم على وجه القتداء" [أوائل المقالت ص .].39 :ثم ذكر أنه يدخل في
هذا التعريف المامية والجارودية الزيدية ،أما باقي فرق الزيدية فليسوا من الشيعة ،ول تشملهم
سمة التشيع [أوائل المقالت ص.].39 :
مناقشة التعريف الثاني:
-1ل نجد في تعريف المفيد هذا ذكرا لليمان بإمامة ولد علي ،مع أن من لم يؤمن بهذا
فليس من الشيعة عندهم ،كما أن هذا التعريف أغفل التصريح ببعض الجوانب الساسية في
التشيع والتي يربط الشيعة وصف التشيع بها كمسألة النص ،والعصمة وغيرها من أصول
المامية.
-2يلحظ أنه نص في تعريفه على :إخراج الفرق المعتدلة من الزيدية ول يصدق وصف التشيع في نظره إل على
غلة الزيدية وهم الجارودية [الجارودية :فرقة من فرق الزيدية وتنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني
العمى الكوفي .قال عنه أبو حاتم :كان رافضيا ،يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
ورضي ال عنهم ...ومن مقالة الجارودية :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نص على علي -رضي ال عنه -
بالشارة والوصف دون التسمية والتعيين ،وأن المة ضلت وكفرت بصرفها المر إلى غيره...
انظر في أبي الجارود والجارودية :رجال الكشي ص( 230 ،229 ،151 :وهي ست روايات في ذمه تضمن
بعضها كونه كذابا كافرا ،ومع ذلك فمفيدهم ينظمه في سلك التشيع ،لن التشيع في تعريفه هو هذا الغلو )..وانظر:
الطوسي /الفهرست ص ،192 :الردبيلي /جامع الرواة ،1/339 :القمي /الكنى واللقاب ،1/30 :وانظر :ابن حجر/
تهذيب التهذيب .3/386 :وراجع :القمي /المقالت والفرق ص ،18 :النوبختي /فرق الشيعة ص ،21 :نشوان /الحور
العين ص ،156 :المقريزي /الخطط ،2/352 :الشهرستاني /الملل والنحل ،1/159 :الملطي /التنبيه والرد ص،23 :
أحمد بن المرتضى /المنية والمل ص ،90 ،20البغدادي /الفرق بين الفرق ص ،30 :الرازي /محصل أفكار
المتقدمين والمتأخرين ص ،247 :الشعري /مقالت السلميين ،].1/140 :وليس ذلك فحسب ،بل إنه فتح
المجال في تعريفه لدخول الفرق الغالية كلها.
-3أما قوله في التعريف" :وجعله في العتقاد متبوعا لهم غير تابع لحد منهم على وجه
القتداء" فهذا إشارة إلى أصل من أصول العتقاد عندهم وهو التقية ،فعلي عند الشيعة في
26
الظاهر تابع للخلفاء الثلثة وفي الباطن متبوع لهم ،فاتباعه للخلفاء -في نظر المفيد وشعيته -
ليس على وجه القتداء وإنما على وجه التقية ،وليس على وجه العتقاد وإنما على وجه
الموافقة في الظاهر فقط.
-4أما قوله ..." :بالعتقاد بإمامة علي بعد الرسول صلى ال عليه وسلم بل فصل" فهذا
مبني على إنكار الشيعة لصحة خلفة الخلفاء الثلثة ،وقد شرح مفيدهم هذه الجملة ،وفصل
[وهو كتاب الرشاد أحد المصادر المعتمدة عند الثني عشرية "اعتمد عليه علماء القول فيها في كتاب آخر
المامية المتقدمين والمتأخرين ،واعتبروه من أهم المصادر في موضوعه وأعاروه عناية فائقة وأهمية كبرى…"
مقدمة الرشاد ص ،7 :وانظر في توثيقه عندهم :بحار النوار ].1/27له؛ حيث قال" :وكانت إمامة أمير
المؤمنين بعد النبي صلى ال عليه وسلم ثلثة سنة منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر ممنوعا
من التصرف في أحكامها مستعملً للتقية والمداراة ،ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحنا
[ورد في "معاني الخبار" لشيخهم ابن بابويه القمي :أن بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين
المراد بالناكثين :الذين بايعوا بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة ،والقاسطين :معاوية وأصحابه من أهل الشام ،والمارقين:
أصحاب النهروان .معاني الخبار ص ،].204 :ومضطهدا بفتن الضالين ،كما كان رسول ال صلى ال
عليه وسلم ثلث عشرة -كذا -سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا هاربا
ومطرودا ل يتمكن من جهاد الكافرين ول يستطيع دفعا عن المؤمنين ،ثم هاجر وأقام بعد
الهجرة عشرة سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه ال جل اسمه إليه،
وأسكنه جنات النعيم" [الرشاد ص.].12 :
فوصف التشيع ل يصدق -في نظر المفيد -إل على من اعتقد خلفة علي بن أبي طالب -
[ونجد شيخهم رضي ال عنه -ممتدة من حين التحاق الرسول بالرفيق العلى إلى أن توفي علي
عبد ال شبر يؤكد في تعريفه للشيعة على هذا المعنى فيقول" :اعلم أن لفظ الشيعة يطلق على من قال بخلفة أمير
المؤمنين -عليه السلم -بعد النبي صلى ال عليه وسلم بل فصل" (حق اليقين ،].)1/195 :ول صحة لخلف
الخلفاء الثلثة ،فل يصدق -حسب تعريفه -وصف التشيع بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه
وسلم إل على ثلثة من الصحابة ،وباقي الصاحبة هم -في نظر الشيعة -كفار كالمشركين
الذين عاصرهم الرسول صلى ال عليه وسلم ،والحكومة كافرة ،وعلي يعيش بينهم متسترا
بالتقية والنفاق [وسيأتي -إن شاء ال -ذكر شواهد ذلك في مبحث حكم منكر إمامة الثني عشر ،].فأي إساءة
إلى علي -رضي ال عنه -وإلى صحابة رسول ال -رضوان ال عليهم وإلى السلم أبلغ
من هذا؟!.
-3التعريف الثالث للشيعة:
27
وإذا كان المفيد ل ينص في تعريفه للتشيع على مسألة النص والوصية ،فإننا نرى في شيخهم الطوس [أبو جعفر محمد
بن الحسين بن علي الطوسي هو عندهم شيخ المامية ورئيس الطائفة ،وهو مؤلف كتابين من كتبهم الربعة (التي هي
كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما :تهذيب الحكام والستبصار ،توفي سنة (460هـ) وكانت ولدته سنة (385هـ).
راجع ترجمته لنفسه في الفهرست ص ،190-88 :البحراني /لؤلؤة البحرين ص ،304-293 :القمي /الكنى
واللقاب ،2/357 :وانظر :لسان الميزان لبن حجر ].5/135 :يربط وصف التشيع بالعتقاد بكون علي
إماما للمسلمين بوصية من الرسول صلى ال عليه وسلم وبإرادة من ال [تلخيص الشافي.].2/56 :
فالطوسي هنا يجعل العتقاد بالنص هو أساس التشيع ،ولهذا يخرج الطوسي السليمانية [السليمانية :فرقة من فرق
الزيدية تُنسب إلى سليمان بن جرير الزيدي ،وهي تسمى بالسليمانية عند كثير من أصحاب الفرق (انظر :مقالت
السلميين ،1/143 :اعتقادات فرق المسلمين ص ،78 :الملل والنحل ،1/159 :التبصير في الدين ص .)17
ومن أصحاب الفرق من يسميها بالجريرية (الحور العين ص ،156الخطط /المقريزي ،)2/325 :وقد نص
صاحب الفرق بين الفرق أنها تسمى بـ "السليمانية أو الجريرية"( .الفرق بين الفرق ص ،)32ويسميها صاحب المنية
والمل أحيانا بالسليمانية ص ،90 :وأحيانا بالجريرية ص ].90 :الزيدية من فرق الشيعة؛ لنهم ل يقولون
بالنص بل يقولون :إن المامة شورى ،وإنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين ،وإنها قد
[الشعري /مقالت السلميين: تصلح في المفضول ..ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر
[انظر :الطوسي /التهذيب: ،].1/143ولم يخرجوهم من دائرة التشيع فحسب ،بل اعتبروهم "نواصب"
،1/364الحر العاملي /الوسائل .].4/288 :ولم يكتفوا بذلك ،فقد جاء في رجال الكشي أن الزيدية شر
من النواصب [انظر :رجال الكشي ص ،].459 :ويجري هذا الحكم من الثني عشرية على كل فرق
الزيدية التي تقول برأي السليمانية كالصالحية والبترية [الصالحية :أصحاب الحسن صالح بن حي.].
ويذهب بعض شيوخهم المعاصرين إلى ما ذهب إليه الطوسي ،فيقصر وصف التشيع على
من يؤمن بالنص على خلفة علي ،فيقول بأن لفظ الشيعة" :علم من يؤمن بأن عليا هو الخليفة
بنص النبي" [محمد جواد مغنية /الشيعة في الميزان ص .].15 :
ويلحظ أن مسألة النص هي محل اهتمام الشيعة البالغ في القديم والحديث؛ فنرى -مثلً -
في القديم شيخهم الكليني يعقد في كتابه الكافي ثلثة عشر بابا في مسألة النص على الئمة
يضمنها مائة وتسعة أحاديث [انظر :أصول الكافي ،].328-1/286 :ونرى في الحاضر أحد الروافض
يؤلف كتابا في ستة عشر مجلدا في حديث من أحاديثهم التي يستدلون بها على ثبوت النص
على علي وهو حديث "الغدير" [سيأتي ذكره وتخريجه ومناقشته عند ذكر أدلة الشيعة في مسألة المامة.].
[كتاب الغدير لشيخهم المعاصر عبد الحسين الميني النجفي ،وهو مليء بالكاذيب ويسمي كتابه باسم الغدير
والطامات والكفر البواح .انظر :مسألة التقريب بين السنة والشيعة للمؤلف ص 66 :وما بعدها ،].فل غرابة في
أن يربط الشيعة وصف التشيع بقضية النص ،لكن اللفت للنظر أن هذا الهتمام والمبالغة
28
يسري في كل عقائدهم التي هي محل استنكار وتكذيب من جمهور المسلمين ،فتراهم في كل
عقيدة من هذه العقائد التي هذا شأنها ،يجعلونها هي عمود التشيع وأساسه ،ويبالغون في إثباتها،
ولكن حينما يعرف شيوخهم التشيع ل يذكرون هذه العقائد في التعريف مع أنهم يعلقون الوصف
بالتشيع باليمان بها ،ول تشيع بدونها؛ كمسألة الرجعة مثلً ،قالوا في أحاديثهم" :ليس منا من لم
[ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه ،3/291 :الحر العاملي /وسائل الشيعة ،7/438تفسير الصافي يؤمن بكرتنا"
،1/347المجلس /بحار النوار .].53/92 :ومع ذلك ل ترى لها ذكرا في تعريف التشيع ،وكذلك
مسألة العصمة ،واليمان بخلف ولد علي وغيرها ،بل تجد هذه المبالغة حتى في مسائل الفقه
[المصادر السابقة (نفس وقضايا الفروع كمسألة المتعة ،قالوا" :ليس منا من لم ..يستحل متعتنا"
الصفحات) .].فالقوم ليسوا على منهج واضح سليم في ذلك.
-4تعاريف أخرى للشيعة:
وهنالك تعريفات أخرى للشيعة متفرقة في كتب الشيعة القديم منها والحديث ل تخرج عما ذكرنا [فمن هذا التعاريف
ما يربط التشيع باتباع علي وتقديمه على غيره في المامة (انظر :شرح اللمعة .)2/228 :ومنها ما يزيد على ذلك
بوجوب العتقاد أنه المام بوصية من رسول ال وبإرادة من ال تعالى نصا ،كما يرى المامية ،ووصفا كما يرى
الجارودية (موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص ،91 :عن هوية التشيع ص .].)12 :وهناك تعريفات أخرى
اتجهت اتجاها خاصا -في التعريف -ل يشير إلى أصولهم في التشيع المعروفة؛ فهذا شيخهم
[أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد النجاسي ،له كتاب الرجال الذي اعتمد عليها شيوخ المامية، النجاشي
توفي سنة (450هـ).
(انظر :الردبيلي /جامع الرواة ،1/54 :القمي /الكني ].)3/199 :يعرف بالشيعة بقوله:
"الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول ال أخذوا بقول علي ،وإذا اختلف الناس عن علي
أخذوا بقول جعفر بن محمد" [رجال النجاشي ص.].9 :
وإذا اختلف النقل عن جعفر بن محمد بماذا يأخذون؟
ل نجد في التعريف جوابا على ذلك ..إل إن كان هذا التعريف يشير في توقفه عند جعفر بن
محمد إلى أن النقل عنه ل يختلف ،وهذا خلف الواقع وخلف المأثور عن جعفر بن محمد حتى
في كتب الشيعة نفسها ..أم إن هذا النص موضوع في حياة جعفر بن محمد فتوقف عنده ونقله
النجاشي ،وأيا كان فهو ل يشير إلى الئمة الذين هم قبل جعفر ،كما ل يشير إلى الئمة بعده..
ثم إن في هذا التعرف خروجا عن منهج السلم ،فهو يقول بأن الناس إذا اختلفوا في النقل
عن رسول ال ل يؤخذ بمقاييس الترجيح المعروفة في اختيار النقل الصحيح ..بل يؤخذ بقول
29
علي .وإذا اختلف النقل عن علي يؤخذ بقول جعفر ...هكذا يقولون ،ثم لماذا ل يختلف القول
عن جعفر ،ويختلف القول عن ال وعلي؟ ..وهل جعفر أفضل منهما؟!
وثمة تعريفات أخرى في كتب الثني عشرية تجعل التشيع والشيعة مرادفة للتقوى والصلح
والستقامة .قال أبو عبد ال" :ما شيعتنا إل من اتقى ال وأطاعه ،وما كانوا يعرفون إل
بالتواضع والتجشع والمانة" [سفينة البحار .].1/733 :وقال" :إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه،
واشتد جهاده ،وعمل لخالقه ،ورجا ثوابه ،وخاف عقابه ،فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر"
[المصدر السابق ].1/732 :وقال أبو جعفر" :ل تذهب بكم المذاهب فوال ما شيعتنا إل من أطاع ال
[أصول الكافي[ ].1/73 :وقد نقل الشيخ موسى جار ال في آخر الوشيعة ص 230 :مثل هذه العبارات عز وجل"
عن كتب الشيعة ،ثم عقب عليها بقول" :هؤلء الشيعة هم شيعة علي كانوا يعرفون بالورع والجتهاد ،واجتناب
الصغائر والعداوة ،وكان لهم محبة أول المة ،دين هؤلء الشيعة كان هو التقوى ل التقية ،دين هؤلء الشيعة كان هو
الولية ل الحق ،لنبيه ،لهل بيته ،ولصحبه ،وللمؤمنين والمؤمنات كافة .أما أولئك الذين دينهم التقية والنفاق وعداوة
الصحابة وبعض آل البيت والغلو في البعض الخر فليسوا بشيعة بشهادة من تعتبرهم الشيعة أئمتها ،وباعتراف كتب
الشيعة نفسها .ولهذا سماهم المام زيد بالرافضة ،ل الشيعة".].
ب -تعريف الشيعة في كتب السماعيلية:
[هو :أبو حاتم أحمد بن حمدان بن ويقول أبو حاتم الرازي -وهو من أكبر الدعاة السماعيليين
أحمد الرازي ،من كتبه :أعلم النبوة ،الزينة وغيرهما .توفي سنة (322هـ).
انظر ترجته في :ابن حجر /لسان الميزان ،1/164 :وانظر :أعلم السماعيلية ص - ].97 :في كتابه
"الزينة"" :الشيعة لقب لقوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -صلوات ال عليه
-في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وعرفوا به ،مثل سلمان الفارسي ،وأبي ذر الغفاري،
والمقداد بن السود ،وعمار بن ياسر ،وكان يقال لهم :شيعة علي ،وأصحاب علي ..ثم لزم هذا
[قوله" :بعده" أي تفضيل علي بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم على سائر اللقب كل من قال بتفضيله بعده
الصحابة ،ويمكن أن يشمل هذا الطلق سائر الناس فيدخل فيهم النبياء ،فيدخل في لقب الشيعة غلة الروافض كما
يدخل فيه من سواهم .ويتبادر معنى آخر وهو أنه يعني كل من قال بتفضيل علي مطلقا بعده ،أي بعد وفاة رسول ال
صلى ال عليه وسلم إلى يومنا هذا ،وهو قريب ].إلى يومنا ،وتشعبت من هذه الفرقة فرق كثيرة سميت
بأسماء متفرقة وألقاب شتى ،مثل :الرافضة ،والزيدية ،والكيسانية وغير ذلك من اللقاب ،وهم
كلهم داخلون في جملة هذا اللقب الواحد الذي يسمي الشيعة على تباينهم في المذاهب وتفرقهم
في الراء" [الزينة :ص ( 259ضمن كتاب" :الغلو والفرق الغالية").].
30
ويلحظ في هذا التعريف أن المؤلف ادعى :أن لقب الشيعة أطلق على طائفة معينة من الناس
في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهذا ما لم يثبت تاريخيا ،وانفرد بادعائه الشيعة،
محاولة لثبات أصالة مذهبهم وشرعيته.
ولنا وقفة عند هذه المسألة في مبحث نشأة الشيعة ،كما يلحظ أنه جعل علقة هؤلء الصحابة
بعلي بن أبي طالب أساسها اللف ،ولم يدع كغيره النص من ال ورسوله -كما تزعم الشيعة
.-
ج -تعريف الشيعة في المصادر الخرى:
-1تعريف الشعري للشيعة:
ولعل من أقدم من عرف الشيعة من أصحاب المقالت والفرق (من غير الشيعة) المام
الشعري ،حيث قال:
"إنما قيل لهم :الشيعة ،لنهم شايعوا عليا -رضوان ال عليه -ويقدمونه على سائر أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم" [مقالت السلميين.].1/65 :
مناقشة التعريف:
تعريف الشعري هذا يتفق مع ما تذهب إليه المفضلة من الشيعة ،وهم الذين يفضلون عليا
على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم .والشيعة الثنا عشرية ل
يعتبرون مجرد تقديم علي على سائر أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم كافيا في استحقاق
وصف التشيع ،بل لبد من العتقاد بأن خلفة علي بالنص ..وأنها بدأت بعد وفاة الرسول
صلى ال عليه وسلم ..ولهذا أخرج الطوسي ،والمفيد بعض فرق الزيدية من دائرة التشيع -
كما مر ،-ويمكن القول بأن تعريف الشعري يشمل جميع أقسام الشيعة أو معظمها ،ول
يقتصر على من قال بالنص كما يزعم الرافضة.
-2تعريف ابن حزم:
[أبو محمد علي بن أحمد بن ومن أدق التعاريف للشيعة -في رأي البعض -تعريف ابن حزام
سعيد بن حزم الظاهري ،عالم الندلس في عصره ،ولد بقرطبة سنة 384ه أو 383ه ،وتوفي في الندلس سنة (
456ه) ومن آثاره :المحلى ،والفصل وغيرهما.
انظر :المقري /نفح الطيب ].2/283 :للشيعة حيث قال" :ومن وافق الشيعة في أن عليا -رضي ال
عنه -أفضل الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأحقهم بالمامة وولده من بعده فهو
شيعي ،وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون ،فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا"
[الفصل.].2/107 :
31
ويختار هذا التعريف أحد الروافض ،ويعتبره من أدق التعاريف للشيعة ،ويعرض عن
تعاريف أهل نحلته ،ويعلل الرافضي اختياره لتعريف ابن حزام على غيره بقوله« :ومما حدانا
إلى تفضيل تعريف ابن حزم هو أن العتراف بأفضلية المام علي -رضي ال عنه -على
الناس بعد رسول ال ،وأنه المام والخليفة بعده ،وأن المامة في ذريته هو أس التشيع وجوهره"
[عبد ال فياض /تاريخ المامية ص.].33 :
ولكن من يقرأ كلم الشيعة عن عقائدهم كالمامة ،والعصمة ،والتقية وغيرها يرى أنهم
يغالون في كل عقيدة من عقائدهم بحيث يربطون وصف التشيع باليمان بتلك العقيدة -كما
سلف -ولعل هذا ما لحظه الشهرستاني حينما قدّم لنا تعريفا للشيعة يعتبر من أجمع التعاريف
لصول التشيع وأكثرها شمولً.
-3تعريف الشهرستاني [محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح المعروف بالشهرستاني .قال السبكي :كان إماما
مبرزا مقدما في علم الكلم والنظر ،برع في الفقه والصول والكلم ،ومن تصانيفه :الممل والنحل ،نهاية القدام،
وغيرهما .توفي سنة (548ه) ،وكانت ولدته عام 467ه ،وقيل479 :ه.
انظر :طبقات الشافعية ،130-6/128 :مرآة الجنان:].290-3/284 :
يقول الشهرستاني" :الشيعة هم الذين شايعوا عليا -رضي ال عنه -على الخصوص ،وقالوا
بإمامته وخلفته نصا ووصية ،إما جليا ،وإما خفيا ،واعتقدوا أن المامة ل تخرج من أولده،
وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ،أو بتقية من عنده .وقالوا :ليست المامة قضية مصلحية
تناط باختيار العامة وينتصب المام بنصبهم ،بل هي قضية أصولية ،وهي ركن الدين ل يجوز
للرسل عليهم السلم إغفاله وإهماله ،ول تفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص ،وثبوت عصمة النبياء والئمة وجوبا عن
الكبائر والصغائر .والقول بالتولي والتبري قولً وفعلً وعقدا إل في حال التقية ،ويخالفهم بعض
الزيدية في ذلك" [الملل والنحل.].6/146 :
ومن هذا التعريف يتبين أن جميع فرق الشيعة -ما عدا بعض الزيدية -يتفقون على وجوب
اعتقاد المامة ،والعصمة ،والتقية ،وسنرى أن الثني عشرية يقولون بعقائد أخرى كالغيبة،
والرجعة ،والبداء ..وغيرها.
كما ينبغي أن يلحظ أن المام زيدا وأتباعه ل يحكمون بعصمة المام ،ول يمنعون المة من
تعيين من تختاره للمامة ،ولذا يجوّز المام زيد إمامة المفضول مع وجود الفاضل ،ول يقول
بالتقية ،وكأن الشهرستاني يشير إلى ذلك بقوله" :ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك" .على أن
[انظر :ابن المرتضى /البحر الزخار ص: هناك من الزيدية من يقول بعصمة فاطمة ،وعلي ،والحسين
32
،96المقبلي /المعلم الشامخ ص ،386 :ابن عباد /نصرة مذاهب الزيدية ص ،].196-164 :ومن يقول بالنص
على إمامة الثلثة :علي وولديه" [يحيى بن حمزة /الرسالة الوازعة ص .].28 :وأكثر الزيدية على
خلف ذلك [انظر السمرقندي /المعتقدات :الورقة ( 35مخطوط).].
36
،151 :35القمي /سفينة البحار ،].1/729 :ومستدرك الوسائل [النوري /مستدرك الوسائل ،].2/195 :
[الصدوق /علل الشرائع ص،143 ،136 ،135 ،122 : والخصال [الصدوق /الخصال ،].1/270 :وعلل الشرائع
[تفسير فرات: ،].174 ،144والفصول المهمة [الحر العاملي /الفصول المهمة ص ،].158 :وتفسير فرات
ص ،].13 ،11والصافي [تفسير الصافي ،].2/80 :والبرهان [البحراني ،].1/86 :وغيرها كثير .حتى قال
الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة -أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث -بأن رواياتهم التي
تقول :بأن ال حين خلق الخلق أخذ الميثاق على النبياء تزيد على ألف حديث [الفصول المهمة
ص].159 :
ولم تكتف مبالغات الشيعة بالقول بما سلف ،بل قالت بأن" :ال عز اسمه عرض وليتنا على
السماوات والرض والجبال والمصار" [النوري /مستدرك الوسائل .].2/195 :ولهذا قال شيخهم هادي
الطهراني -أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر " :-تدل بعض الروايات على أن كل نبي
أمر بالدعوة إلى ولية علي -رضي ال عنه ،-بل عرضت الولية على جميع الشياء فما
قبل صلح ،وما لم يقبل فسد"[هادي الطهراني /ودايع النبوة ص.].155 :
نقد هذا الرأي:
هناك من الراء والمعتقدات ما يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها ،وهذا الرأي من هذا
الصنف ،إذ إن فساده وبطلنه من المور المعلومة بالضرورة ..وكتاب ال بين أيدينا ليس فيه
شيء من هذه المزاعم.
لقد كانت دعوة الرسل -عليهم السلم -إلى التوحيد ل إلى ولية علي والئمة -كما
يفترون .-
قال ال تعالىَ { :ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي إَِل ْيهِ َأ ّنهُ ل ِإَلهَ إِل َأنَاْ فَا ْعبُدُونِ}
ج َت ِنبُواْ
عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ
[النبياء ،آية ،].25 :وقال تعالىَ { :ولَقَ ْد بَ َع ْثنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ ّرسُولً َأنِ ا ْ
الطّاغُوتَ} [النحل ،آية .].36 :فكل رسل ال وأنبيائه كانوا يدعون قومهم إلى عبادة ال وحده ل
شريك له.
عبُدُوا الّل َه مَا لَكُم مّنْ
فقد قال نوح ،وهود ،وصالح ،وشعيب -عليهم السلم -لقومهم{ :ا ْ
غ ْيرُهُ} [العراف ،آية.].85 ،73 ،65 ،59 :
ِإَلهٍ َ
وقد قال صلى ال عليه وسلم" :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن
خلّواْ
صلَةَ وَآتَ ُواْ الزّكَاةَ فَ َ
[رواه البخاري في كتاب اليمان ،بابَ { :فإِن تَابُواْ َوأَقَامُواْ ال ّ محمدا رسول ال"...
سبِيلَهُمْ} ( ،)1/11ومسلم في كتاب اليمان ،باب المر بقتال الناس حتى يقولوا :ل إله إل ال (،)52-1/51
َ
وغيرهما.].
37
وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال« :إنك تقدم
[رواه البخاري ومسلم بألفاظ على قوم أهل كتاب ،فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة ال عز وجل"...
متقاربة ،وما ذكر لفظ مسلم ،انظر :صحيح البخاري كتاب الزكاة ،باب وجوب الزكاة ( ،)2/108وصحيح مسلم كتاب
اليمان ،باب الدعاء إلى الشهادتين (.].)51-1/50
فلم يرد في السنة الصحيحة إل ما ينقض هذا الرأي .كما أن "أئمة السلف متفقون على أن
أول ما يؤمر به العبد الشهادتان" [شرح الطحاوية ص.].75 :
فأين ما يزعمون من أمر ولية عليّ؟
وإذا كانت ولية عليّ مكتوبة في جميع صحف النبياء ،فلماذا ينفرد بنقلها الروافض ،ول
يعلم بها أحد غيرهم؟ ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟ بل لماذا لم تسجل هذه الولية في
القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها ،والمحفوظ من لدن رب العزة جل عله؟!.
إن هي إل دعوى بل برهان ،والدعاوى ل يعجز عن التنطع بها أحد إذا لم يكن له من دينه
أو عقله أو حيائه ما يحميه.
قال شيخ السلم ابن تيمية" :وهذه كتب النبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي
صلى ال عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ ..وهؤلء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم
يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم ،فكيف يجوز أن يقال :إن كلً من النبياء بعثوا بالقرار
بولية علي ،ولم يذكروا ذلك لممهم ،ول نقله أحد منهم ؟!" [منهاج السنة.].4/64 :
وكيف تتطاول هذه الساطير على النبياء فتزعم أن آدم -عليه السلم -وبقية النبياء -ما
عدا أولي العزم -قد تركوا أمر ال في الولية؟! ،إن هذا إل بهتان عظيم ،فالولية باطلة
والفتراء على النبياء باطل.
ومن المفارقات العجيبة :ذلك الغلو الذي ل يقف عند حد في مسألة عصمة الئمة ..وهذا
الجفاء في حق صفوة الخلق وهم النبياء ،أليس ذلك دليلً على أن واضعي هذه الساطير هم
قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من العلم واليمان ،وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين
والخيار ،وأرادوا الدخول على الناس لفساد أمرهم من طريق التشيع؟ ،بلى :إنه ل يتجرأ على
مثل هذه الفتراءات إل زنديق ،وكأنهم بهذه المقالة يجعلون أتباع الئمة أفضل من أنبياء ال –
ما عدا أولي العزم – لن التباع اتبعوا ،والنبياء تركوا ،إن هذا لهو الضلل المبين..
لقد أخذ ال الميثاق على النبياء -عليهم السلم -لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به
ولينصرنه ،هكذا قال ابن عباس [انظر :تفسير الطبري 6/557 :وما بعدها (من الجزاء المحققة) ].وغيره.
ح ْكمَ ٍة ثُمّ جَاءَ ُكمْ َرسُو ٌل ّمصَدّقٌ
خذَ الّل ُه مِيثَاقَ ال ّن ِبيّيْنَ َلمَا آ َت ْيتُكُم مّن ِكتَابٍ وَ ِ
قال تعالى{ :وَِإذْ أَ َ
38
شهَدُواْ
علَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي قَالُواْ أَ ْق َر ْرنَا قَالَ فَا ْ
صرُ ّنهُ قَالَ أََأ ْق َررْتُمْ وََأخَ ْذتُمْ َ
ن ِبهِ وَ َلتَن ُ
ّلمَا مَعَكُمْ َل ُتؤْ ِمنُ ّ
وََأنَ ْا مَعَكُم مّنَ الشّاهِدِينَ} [آل عمران ،آية.].81 :
فكأن هؤلء أرادوا -كعادتهم -أن يجعلوا ما للنبي صلى ال عليه وسلم هو من حلق عليّ،
ثم إن اليمان بتفصيل ما بعث به محمد لم يؤخذ عليهم ،فكيف يؤخذ عليهم موالة واحد من
الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟!.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى ال عليه وسلم وأطاعه ،ومات في
حياته قبل أن يعلم أن ال خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا لم يضره ذلك شيئا ،ولم يمنعه من
دخول الجنة .فإذا كان هذا في أمة محمد صلى ال عليه وسلم فكيف يقال :إن النبياء يجب
عليهم اليمان بواحد من الصحابة [انظر :منهاج السنة].4/46 :؟!.
وأين عقول هؤلء القوم الذين يصدقون بهذه الترهات! كيف يؤخذ على من قبلنا من النبياء
وأممهم الميثاق على طاعة علي في إمامته "هذا – كما يقول شيخ السلم – كلم المجانين ،فإن
أولئك ماتوا قبل أن يخلق ال عليا فكيف يكون أميرا عليهم؟! ،وغاية ما يمكن أن يكون أميرا
على أهل زمانه ،أما المارة على من خلق قبله ،وعلى من يخلق بعده ،فهذا من كذب من ل
يعقل ما يقول ،ول يستحي مما يقول ..وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من
ملحدة المتصوفة الذين يقولون :إن النبياء كانوا يستفيدون العلم بال من مشكاة خاتم الولياء
والذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة ،فدعوى هؤلء في المامة من جنس دعوى هؤلء في
الولية ،وكلهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوى الباطلة ،ومناقضة الكتاب
والسنة وإجماع سلف المة" [منهاج السنة.].4/78 :
فما الغاية والهدف من هذه المقالة التي ل يخفى كذبها على أحد؟
هل الغاية صد الناس عن دين ال ؟!
لن هذا معلوم بطلنه بداهة ،فإذا رفعوا هذه الدعوى ونسبوها للسلم ،واطلع عليها
أصحاب تلك الديانات وغيرهم ،ورأوا بطلنها في العقل والنقل شكوا في السلم نفسه!!
ثم ماذا يقول أهل العلم والعقل عن هذا التحليل الغريب لفساد الشياء أو صلحها من
الجمادات والنباتات والمياه ...إلخ ،وأن هذا بسبب موقفها من ولية علي.
ماذا يقول العالم عن هذا..؟! هل هذا هو الدين الذي يريدون أن يقدموه للناس؟!
أو أن الهدف تشويه السلم والصد عنه!!
ول يستغرب هذا الرأي من الشيعة ،فهم أهل مبالغات غريبة ،يكذبون بالحقائق الواضحات،
والخبار المتواترات ،ويصدقون بما يشهد العقل والنقل بكذبه ...وإذا كانوا يقولون بهذا الرأي
39
فيمن يدعون إمامته ،فإنهم أيضا يقولون في أعداء الئمة وأعداء الشيعة -في اعتقادهم -ما
يقارب هذا الرأي فقد قالوا في الخليفتين الراشدين العظيمين :أبي بكر وعمر ،قالوا -مثلً :-
"وقع في الخبر أن القائم -رضي ال عنه -إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في
الدنيا ،حتى َقتْل قابيل وهابيل ،و َرمْي إخوة يوسف له في الجب ،ورمي إبراهيم في النار
وسايرها" ،وكذا روي عن الصادق" :أنه ما أزيل حجر من موضعه ،ول أريقت محجمة دم إل
[البحراني /درة نجفيه ص ،37 :وانظر :رجال الكشي وهو في أعناقهما -يعني الخليفة الول والثاني"-
ص ،206-205 :وانظر :النوار النعمانية.].1/82 :
الرأي الثاني (من آراء الشيعة) :
ويزعم بعض الروافض في القديم والحديث أن الرسول صلى ال عليه وسلم هو الذي وضع
بذرة التشيع ،وأن الشيعة ظهرت في عصره ،وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ،
ويوالونه في زمنه صلى ال عليه وسلم.
يقول القمي" :فأول الفرق الشيعة ،وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في
زمان النبي صلى ال عليه وسلم وبعده ،معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته ،منهم المقداد
بن السود الكندي ،وسلمان الفارسي ،وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري ،وعمار بن ياسر
المذحجي ..وهم أول من سمو باسم التشيع من هذه المة [المقالت والفرق ص .].15 :ويشاركه في
[فرق الشيعة ص ،17 :وقد وَهِ َم الشيبي في نقله لرأي النوبختي ،حيث نسب إليه أنه يقول هذا الرأي النوبختي
بأن التشيع نشأ بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم (انظر :الصلة بين التصوف والتشيع ص ،].)22 :والرازي
[انظر :الرازي (من شيوخ السماعيلية) الزينة ص( 205 :مخطوط).].
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا (المتوفى سنة 1373ه) :إن أول من وضع بذرة التشيع
في حقل السلم هو نفس صاحب الشريعة –؛ يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة السلم
[لحظ أن هذا اعتراف منه بأن بذرة التشيع غير بذرة السلم ].جنبا إلى جنب ،وسواء بسواء ،ولم يزل
[أصل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته ،ثم أثمرت بعد وفاته
[انظر :محسن العاملي /أعيان الشيعة: الشيعة :ص .].43وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين
،16 ،1/13محمد جواد مغنية /الثنا عشرية وأهل البيت ص ،29 :هاشم معروف /تاريخ الفقه الجعفري ص،105 :
الوابلي /هوية التشيع ص ،27 :الشيرازي /هكذا الشيعة ص ،4 :محمد الحسني /في ظلل التشيع ص،51-50 :
الزين /الشيعة في التاريخ ص ،30 ،29 :المظفر /تاريخ التشيع ص ،18الصدر /بحث حول الولية ص ،63 :أحمد
تفاحة /أصول الدين :ص .].19 ،18
مناقشة هذا الرأي:
40
أولً :يلحظ أن أول من قال بهذا الرأي القمي في كتابه «المقالت والفرق» والنوبختي في
كتابه "فرق الشيعة" .وقد يكون من أهم السباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين
أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية ،وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك -
سيأتي الحديث عنها [انظر :ص( )101من هذا الكتاب .- ].فبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء
التشيع صفة الشرعية ،والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي ،فادعوا هذه
[في كتب الدعوى ،وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك
ل :-الموضوعات لبن
الموضوعات عند أهل السنة روايات كثيرة من وضع الروافض في هذا الباب (انظر -مث ً
الجوزي 1/338 :وما بعدها ،الشوكاني /الفوائد المجموعة ص 342وما بعدها ،الكتاني /تنزيه الشريعة 1/351 :وما
بعدها ،ولهم وسائل الطرق ومسالك في الستدلل والحتجاج على أهل السنة كتبت عنها في رسالتي :فكرة التقريب
ص 51 :وما بعدها ،].ونسبوها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وزعموا أنها رويت من طرق
أهل السنة ،وهي روايات "ل يعرفها جهابذة السنة ول نقلة الشريعة ،بل أكثرها موضوع أو
[ابن خلدون /المقدمة ،2/527 :تحقيق د .علي عبد مطعون في طريقه ،أو بعيد عن تأويلتهم الفاسدة"
الواحد وافي.].
ثانيا :إن هذا الرأي ل أصل له في الكتاب والسنة ،وليس له سند تاريخي ثابت ،بل هو رأي
يجافي أصول السلم وينافي الحقائق الثابتة ،فقد جاء السلم لجمع هذه المة على كلمة سواء،
ل ليفرقها شيعا وأحزابا ،ولم يكن بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم شيعة ول سنة ،وال
سبحانه وتعالى يقول{ :إِنّ الدّينَ عِندَ الّلهِ ا ِلسْلَمُ} [آل عمران ،آية ].19 :ل التشيع ول غيره ،وهم
يعترفون في قولهم" :إن بذرة التشيع وضعت مع بذرة السلم جنبا إلى جنب "...إن التشيع غير
غ ْيرَ ا ِلسْلَمِ دِينًا فَلَن يُ ْق َبلَ ِم ْنهُ} [آل عمران ،آية.].85 :
السلم .وال يقولَ { :ومَن َي ْبتَغِ َ
ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن
[يقول شيخ السلم ابن تيمية« :ففي خلفة أبي بكر وعمر لم للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان
يكن أحد يسمى من الشيعة ،ول تضاف الشيعة إلى أحد»( .منهاج السنة 2/64 :تحقيق د .محمد رشاد سالم) .].وقد
اضطر بعض شيوخ الشيعة للذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق
المتواترات.
يقول آيتهم ومجتهدهم الكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء ..." :ولم يكن للشيعة
والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي ال عنهما) مجال للظهور؛ لن السلم كان
يجري على مناهجه القويمة[ "...أصل الشيعة :ص .].48وبمثل هذا اعتراف شيخهم الخر محمد
41
حسين العاملي ،فقال" :إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلفة لبي بكر ،وصار المسلمون
فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث" [الشيعة في التاريخ ص.].40-39 :
ونحن نقول :إنه أهمل لنه لم يوجد أصلً ،إذ كيف يهمل ،ول يظهر ،والحكومة كافرة في
نظركم ،كما هو متواتر في كتبكم -كما سيأتي نقله وبيانه -وهل كان المسلمون شيعا في عهد
الرسول ...وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلثة؟!
ثالثا :زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار ،وأبي ذر ،والمقداد ،فهل قال هؤلء بعقيدة من
عقائد الشيعة من دعوة النص ،وتكفير الشيخين :أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة ،أو أظهروا
البراءة والسب لهم أو كراهيتهم..؟ كل ،لم يوجد شيء من ذلك ..وكل ما قاله الشيعة من
دعاوى في هذا وملوا به المجلدات ل يعدو أن يكون وهما من الوهام نسجته خيالت الحاقدين
[كقولهم" :إن الزبير والمقداد وسلمان حلقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبا بكر( "..رجال الكشي رقم 210ص: والعداء
.)133وأخبارهم في هذا تمل مجلدات ..ويلحظ في الرواية السابقة :أنهم ذكروا الزبير ،والزبير كان ممن حارب
عليا فيما بعد ،ونسوا ذكر أبي ذر ،وعمار ،وآل البيت.].
قال ابن المرتضى (وهو شعي زيدي) " :فإن زعموا أن عمارا ،وأبا ذر الغفاري ،والمقداد
بن السود ،وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي – عليه السلم – أكذبهم كون
هؤلء لم يظهروا البراءة من الشيخين ول السب لهم ،أل ترى أن عمارا كان عاملً لعمر بن
[انظر :ابن الثير /أسد الغابة ،4/64 :ابن حجر /الصابة ،2/506 :ابن عبد البر /الستيعاب: الخطاب في الكوفة
،].2/473وسلمان الفارسي في المدائن" [طبقات ابن سعد[ ].4/87 :المنية والمل ص .].125 ،124 :وهذه
الحقائق التاريخية الثابتة تنسف كل ما شيده الشيعة من دعاوى في هذا عبر القرون.
رابعا :يرى الشيخ موسى جار ال أن هذه المقالة من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت من
حدود كل أدب ،وأنها افتراء على النبي صلى ال عليه وسلم ولعب بالكلمات ،ويتعجب من
قولهم" :إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل السلم هو نفس صاحب الشريعة" ،فيقول" :أي
حبة بَ َذ َر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير المة ،وسنابل العتقاد بأن
القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة ،وأن وفاق المة ضلل ،وأن الرشاد في خلفها ،حتى
توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلل الشيعة جم" [الوشيعة ص :مه.].
الرأي الثالث:
[محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل .قال ابن النديم
،كان معتزليا متشيعا .من تصانيفه :الفهرست ،توفي سنة (438ه).
42
(لسان الميزان :].)5/72 :إن عليا قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر ال جل
اسمه ،فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة ،فكان يقول :شيعتي ،وسماهم -عليه السلم -
الصفياء الولياء ،شرطة الخميس ،الصحاب [ابن النديم /الفهرست ص.].175 :
هذا رأي انفرد به ابن النديم -حسب علمي -وهو فيما يبدو ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة
بمعنى النصار والتباع ،وتاريخ إطلق لقب الشيعة على أنصار علي -رضي ال عنه -وأن
عليا -عليه السلم -هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول" :شيعتي".
ولشك أن هذا القول ل يدل على بداية الصول الفكرية للتشيع ،فهو يعني هنا المعنى اللغوي
للشيعة وهو النصار ،ولهذا استخدم أيضا ألقابا أخرى تدل على ذلك كالصحاب والولياء ،كما
أن الوثائق التاريخية -كما سلف -أثبتت أن لقب "شيعتي" والشيعة كما استعمله علي -رضي
ال عنه -قد استعمله معاوية -رضي ال عنه .-
ويصف د .مصطفى كامل الشيبي -شيعي معاصر -رأي ابن النديم هذا بالغربة ،حيث
جعل التشيع لقبا أطلقه عليّ بنفسه على أصحابه [الصلة بين التصوف والتشيع ص ..].18 :وما أدري
ما وجه الغرابة ،في أن يدعو علي أنصاره بقوله" :شيعتي".
أما د .النشار فيرى في كلم ابن النديم بعض الغلو [نشأة الفكر الفلسفي ].2/32 :ول يذكر النشار
وجه الغلو الذي يصف به كلم ابن النديم.
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع:
القول الول:
إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي -
رضي ال عنه -بالمامة .وهذا الرأي قال به طائفة من القدامى والمعاصرين ،منهم العلمة
ابن خلدون ،وأحمد أمين ،وبعض المستشرقين ،وهذا القول منهم مبني على ما نقله البعض من
وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم بالخلفة بعده.
يقول ابن خلدون" :اعلم أن مبدأ هذه الدولة -يعني دولة الشيعة -أن أهل البيت لما توفي
رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالمر ،وأن الخلفة لرجالهم دون من
سواهم" [العبر.].171-3/107 :
ويقول أحمد أمين" :كانت البذرة الولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى ال
[فجر السلم ص ،266 :وانظر :ضحى السلم،3/209 : عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه"
وقال د .علي الخربوطلي" :ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلفة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب"
43
(السلم والخلفة ص .)62 :كما يقول بهذا الرأي محمد عبد ال عنان (انظر :تاريخ الجمعيات السرية ص.].)13 :
كما قال بمثل ذلك بعض المستشرقين [انظر :دائرة المعارف السلمية.].14/58 :
مناقشة هذا الرأي:
وهذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالمامة .ول شك أنه إذا وجد
من يرى أحق ية عل يّ بالما مة ،وأن الما مة ينب غي أن تكون في القرا بة ،ف قد و جد رأي يقول
با ستخلف سعد بن عبادة ،وأن الما مة ينب غي أن تكون في الن صار ،وهذا ل دللة ف يه على
ميلد حزب معين ،أو فرقة معينة ،وتعدد الراء أمر طبيعي ،وهو من مقتضيات نظام الشورى
في ال سلم ،ف هم في مجلس وا حد تعددت آراؤ هم "و ما انف صلوا ح تى اتفقوا ،وم ثل هذا ل ي عد
نزاعا" [ابـن تيميـة /منهاج السـنة" ،].1/36 :و قد اندرجوا ت حت الطا عة عن بكرة أبي هم ل بي ب كر -
ر ضي ال ع نه -وكان علي -ر ضي ال ع نه -سامعا لمره ،وبا يع أ با ب كر على مل من
الشهاد ،ونهـض إلى غزو بنـي حنيفـة" [الجوينـي /الرشاد ص" ].428 :وكانوا -على حال ألفـة،
واجتماع كل مة -يبذلون في طا عة أئمتهم مهج أنف سهم ،وكرائم أموالهم على ال سبيل التي كانوا
عليها مع نبيهم[ "..الناشئ الكبر /مسائل المامة ص.].15 :
ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور
وودود زمن أبي بكر وعمر ،ولكنه رأي إن ثبت فهو كسائر الراء التي أثيرت في اجتماع
السقيفة ،ما إن وجد حتى اختفى بعد أن تمت البيعة ..واجتمعت الكلمة ..واتفق الرأي من
الجميع .وموقف أمير المؤمنين علي -رضي ال عنه -ينفي استمرار مثل هذه الراء أو
بقائها بين الصحابة ،فقد تواتر عنه -رضي ال عنه ،من وجوه كثيرة -أنه قال على منبر
[قال ابن تيمية" :روي عن علي من نحو ثمانين وجها الكوفة" :خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر"
وأكثر أنه قال على منبر الكوفة هذا القول -كما مر -وقد ثبت في صحيح البخاري من رواية رجال همدان خاصة
التي يقول فيها علي :لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان :ادخلي بسلم ،من رواية سفيان الثوري عن منذر
الثوري وكلهما من همدان ،قال البخاري :حدثنا محمد بن كثير ،أخبرنا سفيان ،حدثنا جامع بن أبي راشد ،حدثنا أبو
يعلى عن محمد بن الحنفية قال" :قلت لبي :أي الناس خير بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم؟" قال :أبو بكر قلت:
ثم من؟ قال :عمر .وخشيت أن يقول :عثمان ،قلت :ثم أنت؟ قال :ما أنا إل رجل من المسلمين"( .صحيح البخاري مع
فتح الباري ،كتاب فضائل الصحابة ،باب فضل أبي بكر ج 7ص .)20
قال ابن تيمية :وهذا يقوله لبنه الذي ل يتقيه( ..الفتاوى ،408-4/407 :منهاج السنة .].)138-4/137 :فكيف
يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟!
والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر ول عمر ول عثمان ،فكيف يقال بنشأتها
[وما ذكره بعضهم من ظهور جماعة بعد وفاة الرسول صلى ال عليه بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم
44
وسلم ترى أحقية علي بالمامة ..ليس له أصل تاريخي ثابت ،ويبدو أن عمدته رواية اليعقوبي في تاريخه والتي
تقول :بأن جماعة منهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد تخلفوا عن بيعة أبي بكر ومالوا إلى علي ( .تاريخ اليعقوبي:
.)2/124وروايات اليعقوبي ،ومثله المسعودي يجب الحتزازوالحذر منهما -لجنوحهما للرفض -ولسيما فيما
يوافق ميولهما المذهبية ،وفيما ينفردان به من نقول .يقول القاضي أبو بكر بن العربي" :ل تسمعوا لمؤرخ كلما إل
للطبري ،وغير ذلك هو الموت الحمر والداء الكبر" .وقال في المسعودي المؤرخ" :إنه مبتدع محتال"( .العواصم من
القواصم ص.)249-248 :
وأيضا لن الطبري يروي بالسند فيسهل فحص رواياته والتحقق منها].؟! وقد أقر بهذه الحقيقة بعض
شيوخ الشيعة كما سلف [انظر :ص.].)166 ( :
القول الثاني:
أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان -رضي ال عنه ،يقول ابن حزم" :ثم ولي عثمان ،وبقي
[الفصل ،2/8 :وبمثل قول ابن حزم اثني عشر عاما ،وبموته حصل الختلف ،وابتدأ أمر الروافض"
هذا قال طائفة من العلماء والباحثين مثل :الشيخ عثمان بن عبد ال الحنفي صاحب الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ
والزندقة (انظر :الفرق المفترقة ص )6:ومثل المستشرق :فلهوزن (انظر :الخوارج والشيعة ص .].)112 :والذي
[عبد ال بن سبأ رأس الطائفة السبئية وكانت تقول بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد ال بن سبأ اليهودي
بألوهية علي ،كما تقول برجعته وتطعن في الصحابة ...أصله من اليمن وكان يهوديا يتظاهر بالسلم ،رحل لنشر
فتنته إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة ،ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان -رضي ال عنه -فأخرجه أهلها،
فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته .قال ابن حجر" :عبد ال بن سبأ من غلة الزنادقة ضال مضل ،أحسب أن عليا
حرقة بالنار" اه .وقد تكاثر ذكر أخبار فتنته وشذوذه وسعيه في التآمر هو وطائفته في كتب الفرق والرجال والتاريخ
وغيرها من مصادر السنة والشيعة جميعا.
انظر في ذلك :الملطي /التنبيه والرد ص ،18 :الشعري /مقالت السلميين ،1/86 :البغدادي /الفرق بين الفرق ص
،233الشهرستاني /الملل والنحل ،1/174 :السفراييني /التبصير في الدين ص ،72-71 :الرازي /اعتقادات فرق
المسلمين ص ،86 :ابن المرتضى /المنية والمل ص ،29 :ابن حجر /لسان الميزان ،3/289 :ابن عساكر /تهذيب
تاريخ دمشق ،7/431 :السمعاني /النساب ،7/46 :ابن الثير /اللباب ،1/527 :المقدسي /البدء والتاريخ،5/129 :
تاريخ الطبري ،4/340 :ابن الثير /الكامل ،3/77 :ابن كثير /البداية والنهاية ،7/167 :ابن خلدون /العبر2/160،16 :
،1الطبري /تبصير أولي النهى الورقة (( )14مخطوط).
ومن مصادر الشيعة :الناشئ الكبر /مسائل المامة ص ،23-22القمي /المقالت والفرق ص ،20 :النوبختي/
فرق الشيعة ص ،22 :وأورد الكشي عدة روايات في ابن سبأ (رجال الكشي ،انظر الروايات رقم،172 ،171-170 :
،174 ،173من ص ،)108-106ابن أبي الحديد /شرح نهج البلغة ،].2/308 :والذي بدأ حركته في أواخر
عهد عثمان ،وأكد طائفة من الباحثين القدماء والمعاصرين على أن ابن سبأ هو أساس المذهب
[انظر -مثلً : -ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول الشيعي والحجر الول في بنائه
بالعصمة لعلي ،وبالنص عليه في الخلفة ،وأنه أراد إفساد دين السلم ،كما أفسد بولس دين النصارى (مجموع
فتاوى شيخ السلم ابن تيمية /جمع عبد الرحمن بن قاسم .)4/518 :وكذا ابن المرتضى في كتابه المنية والمل ص:
45
ل -أبو زهرة الذي ذكر أن عبد ال بن سبأ هو الطاغوت الكبر الذي كان على رأس
،125ومن المعاصرين -مث ً
الطوائف الناقمين على السلم الذين يكيدون لهله ،وأنه قال برجعة علي ،وأنه وصي محمد ،ودعا إلى ذلك.
وذكر أبو زرهة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي (انظر :تاريخ
المذاهب السلمية ،)33-1/31 :وسعيد الفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها
تقويض الدولة السلمية ،وأنها تعمل لحساب دولة الروم (انظر :عائشة والسياسة ص ،)60 :وانظر :القصيمي في
الصراع .].1/41 :وقد تواتر ذكره في كتب السنة والشيعة على حد سواء.
ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مبرر واقعي،
أو دليل قاطع [وهو :مرتضى العسكري في كتابه "عبد ال بن سبأ "..ص 35 :وما بعدها ،].بل ادعى
[وهو :علي الوردي في كتابه (وعاظ السلطين) ص: البعض منهم أن عبد ال بن سبأ هو عمار بن ياسر
،274وقلده في هذا الشيعي الخر :مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) ص ،41-40 :ويرى
الستاذ علي البصري أن الوردي هذا مقلد للستاذ هدايت الوحكيم الهلي أستاذ بجامعة لندن في تلك الراء والذي
نشرها في كتابه" :تخس إمام" أي :المام الول .وأن الوردي قام بنشر ترجمتها تقريبا في كتابه "وعاظ السلطين".
(انظر :مجلة الثقافة السلمية /بغداد /العدد ( ،)11السنة الولى ،مقال علي البصري بعنوان "من طلب الشهرة
علي الوردي") .].وهذه الدعوى هي محاولة أو حيلة لتبرئة يهود من التآمر على المسلمين ..كما
هي محاولة أو حيلة لضفاء صفة الشرعية على الرفض ..والرد على دعوى خصومهم برد
أصل التشيع إلى أصل يهودي.
وقد اتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية،
وشخصية تاريخية ،فكيف ينفى ما أجمع عليه الفريقان؟! أما القول بأن ابن سبأ هو عامر بن
ياسر فهو قول يرده العقل والنقل والتاريخ ،وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار
بن ياسر ،وهل هذا إل جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟!.
ولست بحاجة إلى دراسة هذه المسألة فقد خرجت دراسات موضوعية ومستوفية لهذه القضية [من
أبرز هذه الدراسات وأهمها :رسالة "عبد ال بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة" للدكتور /سليمان العودة ،وقد توفرت لديه
أدلة قاطعة على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة .وهذه دراسة جادة ومستوفية وقد ناقش المشككين والمنكرين والقائلين
أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر ،وأثبت زيف هذه القوال بالحجة والبرهان.
وكذلك د .عمار الطالبي أثبت بطلن هذه القوال في كتابه" :آراء الخوارج" ص .81– 74 :وللدكتور عزت عطية
مناقشة لهؤلء وتزييف لقوالهم في كتابه "البدعة" ص 64 :وما بعدها .وقدم الدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة
في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالدلة من الفريقين (انظر :محاضرات الجامعة السلمية عام -1398
1399ه" :ابن سبأ حقيقة ل خيال" ص ،].)223-201 :فل حاجة للوقف عندها طويلً ..ويكفي – هنا –
الستشهاد بما جاء في كتب الشيعة المعتمدة عن ابن سبأ تمشيا – أولً – مع خطة البحث في
العتماد على أصولهم ،وثانيا :لن النكار لوجود ابن سبأ جاء من جهة الشيعة ،فالحتجاج
46
عليهم من كتبهم المعتمدة يسقط دعواهم من أساسها .وثالثا :لن في عرض آراء ابن سبأ من
كتب الشيعة تصويرا لهل الشيعة وجذورها من كلم الشيعة أنفسهم ،وهو موضوع هذا البحث.
فماذا تقول كتب الشيعة عن ابن سبأ؟ ..فالشيعي سعد بن عبد ال القمي شيخ الطائفة وفقيهها
ووجهها ،كما ينعته النجاشي [رجال النجاشي ص( ].126 :المتوفى سنة )301-229يقر بوجود ابن
سبأ ،ويذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه ،ويلقب فرقته بالسبئية ،ويرى أنها أول
فرقة في السلم قالت بالغلو ،ويعتبر ابن سبأ "أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر
وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ،وادعى أن عليا – رضي ال عنه – أمره بذلك" ،ويذكر القمي
أن عليا بلغه ذلك فأمر بقتله ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن [المقالت والفرق ص.].20 :
كما ينقل عن جماعة من أهل العلم -كما يصفهم " :-أن عبد ال بن سبأ كان يهوديا فأسلم،
ووالى عليا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة ،فقال في
إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم في علي بمثل ذلك ،وهو أول من شهد بالقول
بفرض إمامة علي بن أبي طالب وأظهر البراءة من أعدائه ..وأكفرهم ،فمن هاهنا قال من
خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية [المقالت والفرق ص .].20 :ثم يذكر القمي
[المقالت موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي حيث ادعى أنه لم يمت وقال برجعته ،وغل فيه
والفرق ص.].21 :
[انظر: هذا ما يقوله القمي عن ابن سبأ ،والقمي عند الشيعة ثقة واسع المعرفة بالخبار
الطوسي /الفهرست ص ،105 :الردبيلي /جامع الرواة ،].1/352 :ومعلوماته -عندهم -مهمة نظرا لقدم
فترتها الزمنية ،ولن سعدا القمي كما روى شيخهم الملقب عندهم بالصدوق قد لقى في إمامهم
[انظر :ابن بابويه القمي /إكمال الدين ص-425 : المعصوم -في نظرهم -الحسن العسكري وسمع منه
.].453ونجد شيخهم الخر النوبختي يتحدث عن ابن سبأ ويتفق فيما يقوله عن ابن سبأ مع القمي
[انظر: حتى في اللفاظ نفسها [انظر :فرق الشيعة للنوبختي ص ،].23-22 :والنوبختي ثقة معتمد عندهم
الطوسي /الفهرست ص ،75 :الردبيلي /جامع الرواة ،1/228 :عباس القمي /الكنى واللقاب ،1/148 :الحائري/
متقبس الثر .].16/125 :وعالمهم الكشي [وهو عندهم "ثقة بصير بالخبار والرجال" (الطوسي /الفهرست:
].)171يروي ست روايات في ذكر ابن سبأ [رجال الكشي ص ].305 ،108-106 :وذلك في كتابه
المعروف "برجال الكشي" والذي هو من أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال ،وتشير تلك
الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو ال -تعالى ال وتقدس -
وأن عليا استتابه فلم يتب ،فأحرقه بالنار ،كما ينقل الكشي لعن الئمة لعبد ال ابن سبأ ،وأنه كان
يكذب على علي ،كقول علي بن الحسين" :لعن ال من كذب علينا إني ذكرت عبد ال بن سبأ
47
فقامت كل شعرة في جسدي ،لقد ادعى أمرا عظيما ،ما له لعنه ال ،كان علي -رضي ال عنه
[المصدر السابق :ص: -وال عبدا ل صالحا أخو رسول ال ما نال الكرامة من ال إل بطاعته"
.].108
ثم قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات" :ذكر أهل العلم أن عبد ال بن سبأ كان يهوديا فأسلم
ووالى عليا ،وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو ،فقال في
إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم في علي -رضي ال عنه -مثل ذلك ،وكان
أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه ،وكاشف مخالفيه وأكفرهم،
[المصدر السابق ص فمن ها هنا قال من خالف الشيعة :أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية"
.].109-108 :هذه مقالة الكشي وهي تتفق مع كلم القمي والنوبختي وكلهم يوثقون قولهم هذا
بنسبته إلى أهل العلم.
ثم إن هذه الروايات الست كلها جاءت في رجال الكشي ،والذي يعتبرونه أحد الصول
الربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال ،وقام الطوسي شيخ الطائفة عندهم بتهذيب
الكتاب ،فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقا حيث اجتمع في تأليفه الكشي الذي هو عندهم ثقة ،بصير
بالخبار وبالرجال مع الطوسي وهو صاحب كتابين من صحاحهم الربعة ،ومؤلف كتابين من
[وما نقلناه عن الكشي هو من تذهيب الطوسي كتبهم الربعة المعول عليها في علم الرجال عندهم
واختياره؛ لن الصل – كما يقولون – مفقود ل يعرف له أثر( .انظر :مقدمة رجال الكشي ص ،18-17يوسف
البحراني /لؤلؤة البحرين ص.].)403 :
[لعل أقدم مصدر عند ثم إن كثيرا من كتب الرجال الخرى عندهم جاءت على ذكر ابن سبأ
الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية وهو كتاب :مسائل المامة ص 23-22 :لعبد ال الناشئ الكبر (المتوفى سنة
293ه).
(راجع ترجمته في وفيات العيان ،92-3/91 :أنباء الرواة.)129-2/128 :
ومن كتبهم في الرجال التي جاءت على ذكر ابن سبأ :المازندراني /منتهى المقال (غير مرقم الصفحات)،
الستراباذي /منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ص ،204-203 :الردبيلي /جامع الرواة ،1/485 :ابن داود
الحلي /الرجال ،2/71 :التستري /قاموس الرجال 5/461 :وما بعدها ،رجال الطوسي ص.51 :
ومن كتبهم في الحديث والفقه التي جاء فيها ذكر ابن سبأ :ابن بابويه القمي /من ل يحضره الفقيه،1/213 :
الخصال ص ،628 :الطوسي ،تهذيب الحكام ،2/322 :المجلسي /بحار النوار 25/286 :وما بعدها ،].كما جاء
[تنقيح المقال].2/183 : ذكر ابن سبأ في أهم وأوسع كتبهم الرجالية المعاصرة وهو تنقيح المقال
لشيخهم عبد ال الممقاني [انظر :العلمي /مقتبس الثر( ].21/230 :المتوفى سنة 1351ه).
48
ولهذا يلحظ أن ثمة اتجاها أخيرا لدى بعض شيوخ الشيعة المعاصرين إلى العدول عن
إنكاره ،يقول -مثلً -محمد حسين الزين" :وعلى كل حال فإن الرجل -أي :ابن سبأ -كان
في عالم الوجود ،وأظهر الغلو ،وإن شك بعضهم في وجوده وجعله شخصا خياليا ..أما نحن -
بحسب الستقراء الخير -فل نشك بوجوده وغلوه" [الشيعة في التاريخ ص.].213 :
ذلك أن إنكار وجود ابن سبأ هو تكذيب منهم -وإن لم يصرحوا -لشيوخهم الذين ذكروا
ابن سبأ ،ولكتبهم في الرجال التي تكاثر فيها ذكره ،وهو اعتراف منهم -وإن لم يشعروا -أن
كتب الرجال لديهم ليست مرجعا يوثق به وإجماعها ل يعتد به.
وهكذا تعترف كتب الشيعة بأن ابن سبأ هو أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في
الخلفاء الثلثة والصحابة ..وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي،
وذلك حينما صيغت هذه الراء وغيرها على شكل روايات وأحاديث ونسبت لل البيت زورا
وبهتانا ،فوجدت القبول لدى كثير من العوام وغيرهم ول سيما العجم.
القول الثالث:
ويقول بأن منشأ التشيع كان سنة 37ه ،ومن أشهر القائلين بهذا الرأي صاحب مختصر التحفة
الثني عشرية حيث يقول" :إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37ه" [مختصر التحفة ص .].5 :كما
يقول بهذا الرأي الستاذ وات منتوجمري ( )Montgomery Wattحيث يذكر "أن بداية حركة
[Montgomery Watt, Islam and the Integration of Society الشيعة هي أحد أيام سنة 658م (37ه)"
.].p,104ويبدو أن هذا القول يربط نشأة التشيع بموقعة صفين ،حيث وقعت سنة 37ه بين المام
علي ومعاوية -رضي ال عنهما -وما صاحبها من أحداث ،وما أعقبها من آثار ،ولكن هذا
الرأي ل يعني بداية الصول الشيعية؛ حيث إننا ل نجد في أحداث هذه السنة فيما نقله
المؤرخون من نادى بالوصية ،أو قال بالرجعة ،أو دعا إلى أصل من أصول الشيعة المعروفة،
كما أن أنصار المام علي ل يمكن أن يقال بأنهم على مذهب الشيعة ،أو أصل من أصول
الشيعة ،وإن كان في أصحاب المام علي كما في أصحاب معاوية من أعداء السلم الذين
تظاهروا بالسلم ليكيدوا له بالباطن ما ل ينكر ،وقد كان للسبئيين أثر في إشعال الفتنة ل
يجحد ،وهم وجدوا قبل ذلك ،كما أننا نلحظ أنه بعد حادثة التحكيم وفي بنود التحكيم أطلق لفظ
الشيعة على الجانبين بل تخصيص – كما سبق – [انظر( :ص .].)38
القول الرابع:
[رودلف شتروتمان من المستشرقين المتخصصين في بأن التشيع ولد إثر مثل الحسين .يقول شتروتمان
الفرق ومذاهبها ،وله عنها مباحث .من آثاره :الزيدية ،وأربعة كتب إسماعيلية.
49
(انظر :نجيب العقيقي /المستشرقون" )Strotnmann, R( ].)2/788 :إن دم الحسين يعتبر البذرة الولى
للتشيع كعقيدة" [دائرة المعارف السلمية.].14/59 :
الرأي المختار:
عرضنا فيما سبق معظم الراء في نشأة التشيع ،وناقشنا ما يحتاج إلى مناقشة ..والذي أرى
أن الشيعة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة ،بل إنها أخذت طورا زمنيا ،ومرت بمراحل ..ولكن
طلئع العقيدة الشيعية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت
بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي ،وأن عليا وصي محمد -كما مر -وهذه
عقيدة النص على علي بالمامة ،وهي أساس التشيع كما يراه شيوخ الشيعة كما أسلفنا ذكره في
تعريف الشيعة .وشهدت كتب الشيعة بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي
بكر وعمر وعثمان أصهار رسول ال صلى ال عليه وسلم وأرحامه وخلفائه وأقرب الناس إليه
-رضي ال عنهم -والطعن في الصحابة الخرين ،وهذه عقيدة الشيعة في الصحابة كما هي
[انظر :القمي /المقالت والفرق ص،21 : مسجلة في كتبهم المعتمدة .كما أن ابن سبأ قال برجعة علي
النوبختي /فرق الشيعة ص ،23 :الناشئ الكبر /مسائل المامة ص ،23-22 :الشعري /مقالت السلميين،1/86 :
الملطي /التبيه والرد ص ،18 :البغدادي /الفرق بين الفرق ص ،237 :السفراييني /التبصير في الدين ص،72 :
الرازي /محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص ،242 :البجي /المواقف ص ].419 :والرجعة من أصول
الشيعة كما سيأتي .كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة .كما
[قال ابن حجر :الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ،أبو أشار إلى ذلك الحسن بن محمد بن الحنفية
محمد المدني ،وأبوه يعرف بابن الحنفية .له رسالة في الرجاء أخرجها محمد بن يحيى العدني في كتاب اليمان.
[رسالة الرجاء (ضمن كتاب اليمان، انظر تهذيب التهذيب ( ].2/32 :ت 95أو 100ه) في رسالة الرجاء
لمحمد بن يحيى العدني ص .].)250-249
وهذه المسألة أصبحت من أصول العتقاد عند الشيعة ،وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل
على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر ،وأن عليا -رضي ال عنه -سئل عنها ،وقيل له:
[وقد أخرج المام هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ومما ليس عند الناس؟ ،فنفى ذلك نفيا قاطعا
البخاري هذا الحديث في باب كتابة العلم (البخاري مع الفتح )1/204 :وباب حرم المدينة (البخاري مع الفتح )4/81
وباب فكاك السير ( ،)6/167وباب ذمة المسلمين وجوارهم ( )6/273وباب إثم من عاهد ثم غدر ()280-6/279
وباب إثم من تبرأ من مواليه ( )42-12/41وباب العاقلة ( )12/246وباب ل يقتل مسلم بكافر ( ،)12/260وباب ما
يكره من التعمق والتنازع والغلو ( .)276-13/275وأخرجه مسلم في باب فضل المدينة وبيان تحريمها (مسلم مع
النووي )144-9/143 :وكتاب الذبائح (مسلم مع النووي .)13/141وأخرجه النسائي (المجتبى .)8/19 :والترمذي (
.)4/668وأحمد (المسند.].)1/100 :
50
[مما ينبغي أن يلحظ أن ربط نشأة التشيع بابن سبأ هو في التشيع هذه أهم الصول التي تدين بها الشيعة
المتضمن لهذه الصول الغالية ،أما "التشيع المتوسط والذي مضمونه تفضيل علي وتقديمه على غيره ونحو ذلك فلم
يكن هذا من إحداث الزنادقة ،بخلف دعوى النص والعصمة فإن الذي ابتدع ذلك كان منافقا زنديقا".
(ابن تيمية /مجموعة الفتاوى )20/466 :وهو ابن سبأ وعصابته من اليهود والمنافقين والحاقدين والموتورين،].
وقد وجدت إثر مقتل عثمان – رضي ال عنه – في عهد علي – رضي ال عنه – ولم تأخذ
مكانها في نفوس فرقة معنية معروفة ،بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي –
[فقد أمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه اللوهية( .انظر :ابن تيمية /منهاج السنة1/219 : رضي ال عنه –
تحقيق د .محمد رشاد سالم ،فتح الباري ،2/270 :الملطي /التنبيه والرد ص ،18 :السفراييني /التبصير في الدين:
ص .)70وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن عليا لما بلغه ذلك طلب ابن السوداء الذي بلغه ذلك عنه ،وقيل:
إنه أراد قتله ،فهرب منه .وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي أنه قال" :ل أوتى بأحد يفضلني
على أبي بكر وعمر إل ضربته حد المفتري"( .منهاج السنة ،].)220-1/219 :ولكن ما تل ذلك من أحداث
هيأ جوا صالحا لظهور هذه العقائد ،وتمثلها في جماعة وذلك كمعركة صفين ،وحادثة التحكيم
التي أعقبتها ،ومقتل علي ،ومقتل الحسين ..كل هذه الحداث دفعت القلوب والعواطف إلى
التشيع لل البيت ،فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته ،وصار التشيع وسيلة لكل
من أراد هدم السلم من ملحد ومنافق وطاغوت ،ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية
اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه ،وبمرور اليام كانت تتسع البدعة ويتعاظم
خطرها ،حيث قد وجد لبن سبأ خلفاء كثيرون.
ولم يكن استعمال لقب "الشيعة" في عهد علي -رضي ال عنه -إل بمعنى الموالة
والنصرة ،ول يعني بحال اليمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم ..ولم يكن يختص إطلق هذا
اللقب بعلي -رضي ال عنه -يدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلق اسم
الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية كما سلف [انظر ص.].)38 ( :
فإذن كانت الحداث التي جرت على آل البيت (مقتل علي ،مقتل الحسين ،إلخ) هي من
العوامل المؤثرة للندفاع إلى التشيع لل البيت ،وكان التعاطف والتأثر لما حل بالل هو شعور
كل مسلم ،ولكن قد استغل هذا المر من قبل العداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر فدخلوا
من هذا المنفذ ،وأشاعوا الفرقة في صفوف المة ،وحققوا بالكيد والحيلة ماعجزوا عنه بالسلح
والسنان ،ودخل أتباع الديانات الخرى ،والمتآمرون ،والمتربصون في التشيع ،وبدأوا يضعون
أصولً مستوحاة من دينهم ،ألبسوها ثوب السلم ..كما سندرس هذا في أصل التشيع.
51
أصل التشيع
( أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي )
اختلف أنظار العلماء والباحثين في مرجع الصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل بأنها ترجع
لصل يهودي ،ومن قائل بأنها ترجع لصل فارسي ،ومن قائل بأن المذهب الشيعي كان مباءة
[البوذية :هم أتباع بوذا ،ولها انتشار بين عدد من الشعوب السيوية ،وتتباين للعقائد السيوية القديمة كالبوذية
ل في الكون ،وبوذية الهند – وهي
عقائد التباع حول هذه النحلة؛ فتجعل البوذية اليابانية «بوذا» جوهرا إلها حا ً
الصل – ل إله لها ،وبوذية الصين مالت إلى العتقاد بفكرة كائن مطلق يتمثل في شخصيات مختلفة بوذا واحد منها.
وانظر عن البوذية (محمد سيد كيلني /ذيل الملل والنحل ص ،31 ،26 ،13محمد أبو زهرة /الديانات القديمة ص:
،53سليمان مظهر /قصة الديانات ص ].)73 :وغيرها:
القول بالصل اليهودي:
من الباحثين من يرى أن أصل التشيع ذو صبغة يهودية وذلك باعتبارين:
الول:
أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية ،والرجعة ،وابن سبأ يهودي ،وهذه الراء
صارت من أصول المذهب الشيعي ،ولهذا أشار القمي ،والنوبختي والكشي ،وهم من شيوخ
الشيعة القدامى إلى هذا ،وذلك حينما استعرضوا آراء ابن سبأ والتي أصبحت فيما بعد من
أصول الشيعة ،قالوا" :فمن هنا قال من خالف الشيعة :إن أصل الرفض كان مأخوذا من
اليهودية" [انظر :القمي /المقالت والفرق ص 20 :النوبختي /فرق الشيعة ص ،22 :رجال الكشي ص.].108 :
العتبار الثاني:
هو وجود تشابه في الصول الفكرية بين اليهود والشيعة ،ولعل أول بيان لذلك وأشمله هو ما
[عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي ،راوية من التابعين ،يضرب المثل بحفظه( ،ت روي عن الشعبي
[رواه الخلل في كتابة السنة ،قال محقق الكتاب :إسناده ل يصح، 102ه)( .تهذيب التهذيب ].)5/5 :في هذا الباب
لن فيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول متروك ،ولكن المور المذكورة واقعة من الرافضة (السنة للخلل-2/563 :
،)565وانظر :منهاج السنة لبن تيمية ،10-1/6 :الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة( .انظر :كاشف الغمة
في اعتقاد أهل السنة ص ،)611ابن الجوزي /الموضوعات ،1/338 :ابن بكر /التمهيد والبيان :ص ،234-233
(القسم المخطوط) .].كما أشار ابن حزم إلى شيء من ذلك حينما قال" :سار هؤلء الشيعة في سبيل
اليهود القائلين ..إن إلياس -عليه السلم ،-وفنحاس بن العازار بن هارون -عليه السلم -
أحياء إلى اليوم" [الفصل .].5/37 :وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو
واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه واليهود من وجه ،وأن الناس مازالوا يصفونهم
52
بذلك ،ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى [منهاج السنة...].1/6 :
[من هؤلء الستاذ أحمد أمين ،حيث قال" :فاليهودية ظهرت في التشيع وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين
سنَا النّا ُر ِإلّ َأيّامًا
ل كما قال اليهود{ :لَن تَ َم ّ
بالقول بالرجعة ،وقالت الشيعة :إن النار محرمة على الشيعي إل قلي ً
مّعْدُو َدةً} .والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم :إن نسبة المام إلى ال كنسبة المسيح إليه "...انظر :فجر
السلم ص ،276 :ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية
(انظر :العقيدة والشريعة ص .)215وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية( .انظر:
المصدر السابق :ص 100وما بعدها) ،ويقول فلهوزن بالصل اليهودي ،ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الفكار
بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص.].)170 :
القول بالصل الفارسي ( فارسية التشيع ):
يقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية ،وذلك لعدة اعتبارات:
الول :ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك ،وعلو اليد على
جميع المم ،وجللة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد،
وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم ،فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب ،كان
العرب عند الفرس أقل المم خطرا ،تعاظمهم المر ،وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد
السلم بالمحاربة في أوقات شتى ،وفي كل ذلك يظهر ال الحق ..فرأوا أن كيده على الحيلة
أنجع ،فأظهر قوم منهم السلم ،واستمالوا أهل التشيع ،بإظهار محبة أهل البيت ،واستبشاع ظلم
[ابن حزم /الفصل: علي -بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى
،2/273وانظر :المقريزي /الخطط.].2/362 :
الثاني :أن العرب تدين بالحرية ،والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك ،ول
يعرفون معنى النتخاب للخليفة ،وقد انتقل النبي صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى ،ولم
يترك ولدا ،فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب ،فمن أخذ الخلفة كأبي بكر وعمر
وعثمان ،فقد اغتصب الخلفة من مستحقها ،وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها
معنى التقديس ،فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته ،وقالوا :إن طاعة المام واجبة،
[انظر :محمد أبو زهرة /تاريخ المذاهب السلمية ،1/37 :أحمد أمين /فجر وطاعته طاعة ال سبحانه وتعالى
السلم :ص ،277عرفان عبد الحميد /دراسات في الفرق ،23 :فلهوزن /أحزاب المعارضة السياسية الدينية في
صدر السلم :ص ،168فلوتن /السيادة العربية :ص .].76وكثير من الفرس دخلوا في السلم ولم
يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالً ،وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة
بصبغة إسلمية ،فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الولين إلى الملوك الساسانيين.
53
يقول الشيخ محمد أبو زهرة" :إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالفكار الفارسية حول الملك
والوراثة ،والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح ،ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس
من الشيعة ،وأن الشيعة الولين كانوا من فارس" [محمد أبو زهرة /تاريخ المذاهب السلمية.].1/38 :
54
الثالث :حينما فتح المسلمون بلد الفرس تزوج الحسين بن علي -رضي ال عنه -ابنه
يزدجرد أحد ملوك إيران ،بعدما جاءت مع السرى فولدت له علي بن الحسين ،وقد رأى
الفرس في أولدها من الحسين وارثين لملوكهم القدمين ،ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق
علي بن الحسين وفي أولده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سللة
[انظر في أن أم علي بن الحسين هي ابنة يزدجرد :تاريخ اليعقوبي: الملوك الساسانيين المقدسين عندهم
،2/247صحيح الكافي .1/53 :وانظر في أثر ذلك :سميرة الليثي /الزندقة والشعوبية :ص ،56عبد ال الغريب/
وجاء دور المحبوس :ص ،77النشار /نشأة الفكر الفلسفي ،2/11 :عبد الرزاق الحصان /المهدي والمهدوية :ص ،82
رونلدسن /عقيدة الشيعة :ص ،].101أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة -فيما يقال -اسم مقدس عند
ل -كما يعتقدون -في
[لن لفاطمة أثرا جمي ً الفرس ،لن لها مقاما محمودا في تاريخ الفرس القديم
الكشف عن سمرديس المجوسي الذي استولى على عرش الكيانيين ،فكانت فاطمة بطلة ،وكانت فاطمة مقدسة ،
ولولها لما علم شيء من أمر سمرديس المجوسي هذا ،ولولها لما دبر أبوها أوتانس وصحبه مؤامرة عليه( .انظر:
عبد الرزاق الحصان /المهدي والمهدوية :ص ،84عن هيرودوتس ،2/462 :المقدسي /البدء والتاريخ،4/134 :
.].)6/95
الرابع :وتلمح الصل الفارسي أيضا في روايات عديدة عند الثني عشرية ،تفرد سلمان
الفارسي -رضي ال عنه وبرأه ال مما يفترون -بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر ،حيث
جاء في أخبارهم" :أن سلمان باب ال في الرض ،من عرفه كان مؤمنا ،ومن أنكره كان كافرا"
[رجال الكشي :ص .].15وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلقه على أئمتهم
الثني عشر ،كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث ال إليه ملكا ينقر في أذنه يقول كيت وكيت"
[رجال الكشي ].16 :و"عن الحسن عن منصور قال :قلت للصادق -عليه السلم :-أكان سلمان
محدثا؟ قال :نعم .قلت :من يحدثه؟ قال :ملك كريم .قلت :إذا كان سلمان كذا فصحابه أي شيء
هو؟ قال :أقبل على شأنك" [رجال الكشي :ص .].19فهي تثبت الوحي لسلمان وتوحي بأن صاحبه
وهو علي فوق ذلك؟! بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الئمة والنبياء ،كما جعلت له أمر المام
والنبي ،فقالت ..." :سلمان أدرك علم الول وعلم الخر" ثم فسرت ذلك ،فقالت" :يعني علم
[رجال الكشي: النبي صلى ال عليه وسلم ،وعلم علي ،وأمرالنبي صلى ال عليه وسلم وأمر علي"
ص .].16
وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم -كما يفترون "ترزقون ،وبهم تنصرون،
وبهم تمطرون" [رجال الكشي :ص .].7-6بل بلغ الغلو ببعض الفرق الشيعية أن قالت بتأليه
سلمان ،وقد وجدت هذه الفرقة في عصر أبي الحسن الشعري (المتوفى سنة 330ه) ،وأشار
[مقالت إليها في مقالته حيث قال" :وقد قال في عصرنا هذا قائلون بألوهية سلمان الفارسي"
55
السلميين .].1/80 :وقد تكون هذه الروايات في كتب الثني عشرية هي من آثار هذه الفرقة ،لن
كتب الثني عشرية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية بكل ما فيها من شذوذ ..وبقاؤها في
كتبهم قد يؤذن بخروج طوائف منها مرة أخرى.
بل نلحظ أن هناك اتجاها داخل الدوائر الشيعية لتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت
في التآمر والكيد ضد دولة الخلفة الراشدة وهو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة
[انظر :عباس القمي /الكنى العظيم عمر بن الخطاب ،فقد أطلق عليه عندهم "بابا شجاع الدين"
واللقاب ، ].2/55 :واعتبروا يقوم مقتل عمر -رضي ال عنه -بيد هذا المجوسي عيدا من
أعيادهم ،وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك [انظر :النوار النعمانية ، ].1/108 :كما
[انظر :العلمي /مقتبس الثر ،203-29/202 :المجلسي /بحار يعظمون يوم النيروز ،كفعل المجوس
النوار ،باب عمل يوم النيروز ،98/419 :وانظر :وسائل الشيعة ،باب استحباب صوم يوم النيروز والغسل فيه،
[انظر: ولبس أنظف الثياب والطيب ،].7/346 :وقد اعترفت أخبارهم بأن يوم النيروز من أعياد الفرس
بحار النوار.].48/108 :
القول بأن المذهب الشيعي مباءة للعقائد السيوية القديمة:
ويضيف البعض أن المذهب الشيعي كان مباءة ومستقرا للعقائد السيوية القديمة كالبوذية
وغيرها [انظر :تاريخ المذاهب السلمية لبي زهرة .].1/37 :يقول الستاذ أحمد أمين" :وتحت التشيع
[تناسخ الرواح :انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنسانا أو حيوانا .قال ظهر القول بتناسخ الرواح
بهذه النظرية بعض الهنود ،وفيثاغورس من اليونان ،وتسربت للعالم السلمي( .انظر :المعجم الفلسفي ص ،55
[المقصود وصف ال جل شأنه بصفات المخلوقين ،وقد وجد هذا التعريفات للجرجاني :ص ، ].)93وتجسيم ال
عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها -كما سيأتي -أما لفظ الجسم فإن للناس فيه أقوالً
متعددة اصطلحا غير معناه اللغوي.
انظر في ذلك :ابن تيمية /التدمرية :ص ( 33-32ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم – ج )3منهاج السنة2/97 :
وما بعدها 2/145 ،وما بعدها ،درء تعارض العقل والنقل ،119-1/118 :التعريفات للجرجاني :ص ،].103
[الحلول :هو الزعم بأن الله قد يحل في جسم عدد من عباده ،أو بعبارة أخرى أن اللهوت يحل في والحلول
الناسوت (المعجم الفلسفلي :ص ].) 76ونحو ذلك من القوال التي كانت معروفة عند البراهمة
[البراهمة :هم المنتسبون إلى رجل مهم يقال له :براهم (الملل والنحل )2/251 :أو :برهام من ملوك الفرس (المنية
والمل :ص .)72يقرون بال ،ويجحدون الرسل ..وهم فرق مختلفة (انظر نفس الموضع من المصدرين السابقين)].
[المجوس :هم عبدة النار ،ويقولون بأصلين؛ أحدهما :النور ،والخر :الظلمة .والنور أزلي، والفلسفة والمجوس
والظلمة محدثة .ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين ،إحداهما :بيان سبب امتزاج النور بالظلمة ،والثانية :بيان
سبب خلص النور من الظلمة ،وجعلوا المتزاج مبدأ ،والخلص معادا( .انظر :الملل والنحل 1/232 :وما بعدها،
56
الرازي /اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ،134وانظر :أخبار أمم المجوس /الكسندر سيبيل) ].قبل
السلم" [فجر السلم :ص .].277ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير
[المانوية: السلمية إلى الشيعة ويقول" :إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية ،والمانوية
أصحاب ماني بن فاتك ،كان في الصل مجوسيا ،ثم أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية ،وقد خالفته المجوس
وسعت في قتله ،حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى -عليه السلم -وبقي مذهبه في أتباعه.
والمانوية يقولون بالصلين :النور والظلمة ،وأن العالم صدر عنهما ،وأن النور خير من الظلمة وهو الله المحمود.
(انظر :الملل والنحل 1/244 :وما بعدها ،المنية والمل :ص ،60شرح الطحاوية :ص ،18الرازي /اعتقادات
فرق المسلمين والمشركين :ص ، ].)138والبوذية وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل
ظهور السلم" [فلوتن /السيادة العربية :ص .].84-83
ويذكر صاحب مختصر التحفة" :أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى
[انظر: والمشركين والمجوس" ،ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف
مختصر التحفة ص 298وما بعدها.].
كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والديان التي جاء السلم
لمحاربتها [انظر :بركات عبد الفتاح /الواحدانية :ص .].125
الرأي المختار في أصل التشيع:
والذي أرى أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية ،بل
إن التشيع لل البيت وحبهم أمر طبيعي ،وهو حب ل يفرق بين الل ،ول يغلو فيهم ،ول
ينتقص أحدا من الصحابة ،كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع ،وقد نما الحب وزاد للل بعدما
جرى عليهم من المحن واللم بدءا من مقتل علي ،ثم الحسين ..إلخ.
هذه الحداث فجرت عواطف المسلمين ،فدخل الحاقدون من هذا الباب ،ذلك أن آراء ابن سبأ
لم تجد الجو الملئم؛ لتنمو وتنتشر إل بعد تلك الحداث ..لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على
علي ،والرجعة ،والبداء ،والغيبة ،وعصمة الئمة ..إلخ فل شك أنها عقائد طارئة على المة،
دخيلة على المسلمين ،ترجع أصولها لعناصر مختلفة ،ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من
أراد الكيد للسلم ،وأهله ،وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم السلم ،من
يهودي ،ونصراني ،ومجوسي ،وغيرهم .فدخل في التشيع كثير من الفكار الجنبية والدخيلة –
كما سيتبين في الدراسة الموسعة لصولهم ،-ولهذا ذهب شيخ السلم ابن تيمية إلى أن
المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم ،واليونان ،والنصارى ،واليهود ،وغيرهم
أمورا مزجوها بالتشيع ،ويقول :وهذا تصديق لما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم ،وساق
57
بعض الحاديث الواردة في أن هذه المة ستركب سنن من كان قبلها… ،وقال بأن هذا بعينه
[منهاج السنة ،4/147 :وانظر الحاديث في ذلك في :صحيح البخاري ،كتاب صار في المنتسبين للتشيع
العتصام بالسنة ،باب قول النبي صلى ال عليه وسلم" :لتتبعن سنن من كان قبلكم" ،8/151 :وفي صحيح مسلم ،كتاب
العلم ،باب قول النبي صلى ال عليه وسلم" :لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم ( ،)2669المسند .].527 ،511-2/450
فرق الشيعة
حفلت كتب المقالت والفرق بذكر فرق الشيعة وطوائفهم ...والملفت للنظر هو كثرة هذه
الفرق ،وتعددها بدرجة كبيرة حتى تكاد تنفرد الشيعة بهذه السمة ،أو قل :بهذا البلء… ،فبعد
وفاة كل إمام من الئمة عند الشيعة تظهر فرق جديدة ،وكل طائفة تذهب في تعيين المام مذهبا
خاصا بها ..وتنفرد ببعض العقائد والراء عن الطوائف الخرى ،وتدعي أنها هي الطائفة
المحقة.
وهذا الختلف والتفرق كان محل شكوى وتذمر من الشيعة نفسها ،قال أحد الشيعة لمامه -
كما في رجال الكشي " :-جعلني ال فداك ،ما هذا الختلف الذي بين شيعتكم؟ فقال :وأي
الختلف؟ .فقال :إني لجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلفهم في حديثهم ..فقال :أبو
عبد ال أجل هو كما ذكرت أن الناس أولعوا بالكذب علينا ،وإني أحدث أحدهم بالحديث ،فل
يخرج من عندي ،حتى يتأوله على غير تأويله ،وذلك أنهم ل يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند ال،
[رجال الكشي :ص ،136-135بحار النوار: وإنما يطلبون الدنيا ،وكل يحب أن يدعى رأسا"
.].2/246
فيدل هذا النص على أن حب الرياسة ،ومتاع الدنيا الزائل كان وراء تشيع الكثيرين ،وأن
هؤلء أولعوا بالكذب على آل البيت ..ولهذا كثر الخلف والتفرق.
[علي بن الحسين بن علي المسعودي المؤرخ .قال ابن حجر :كتبه طافحة وقد ذكر المسعودي وهو شيعي
بأنه كان شيعيا معتزليا ،ويعتبره الثنا عشرية -في تراجمهم -من شيوخهم .توفي سنة (346ه) ].أن فرق
[مروج الذهب ،3/221 :وانظر :الرازي /اعتقادات فرق المسلمين :ص الشيعة بلغت ثلثا وسبعين فرقة
[محمد باقر بن محمد .].85وكل فرقة تكفر الخرى ،ولهذا زعم الرافضي مير باقر الداماد
السترابادي الشهير بداماد ،من شيوخ الشيعة في الدولة الصفوية .توفي سنة (1040ه) مترجم له في :الكنى واللقاب:
،2/206المحبي /خلصة الثر :ص ،301الحكيمي /تاريخ العلماء :ص ].83أن الفرق المذكورة في حديث
[حديث افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة هو كما قال شيخ السلم افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة
ابن تيمية :حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد (الفتاوى 3/345جمع عبد الرحمن بن قاسم) .وقال المقبلي:
حديث افتراق المة إلى ثلث وسبعين فرقة رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا بحيث ل يبقى ريبة في حاصل معناها
58
(العلم الشامخ :ص .)414ويلحظ أن أحاديث افتراق المة :منها ما ل نص فيه على الهالك ،وهذه قد أخرجها أكثر
المحدثين منهم أصحاب السنن إل النسائي وغيرهم ،ومنها ما فيه بيان أن واحدة ناجية والباقين هلكى ،وهذه لم
يخرجها من أصحاب السنن إل أبو داود في كتاب السنة رقم ( )4573وأخرجها الدارمي ،2/241 :وأحمد،4/102 :
والحاكم ،1/128 :والجري في الشريعة :ص .18ومنها :ما يحكم بنجاة كل الفرق سوى واحدة وهي الزنادقة ،وهذه
قد حكم عليها علماء الحديث بأنها موضوعة.
انظر :كشف الخفاء ،1/369 :والسرار المرفوعة :ص .161
وكما أخرج أهل السنة حديث افتراق المة ،فقد رواه الشيعة أيضا بلفظ" :إن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين
فرقة تهلك إحدى وسبعون ويتخلص فرقة ،قالوا :يا رسول ال ،ومن تلك الفرقة؟ قال :الجماعة الجماعة الجماعة"،
وبلفظ آخر" :إن أمتي ستفترق بعدي على ثلث وسبعين فرقة ،فرقة ناجية ،واثنتان وسبعون في النار" (انظر :ابن
بابويه القمي /الخصال.)585-2/584 :
وليس في رواياتهم هذا التصريح بأن هذه الفرق كلها من الشيعة ،كما فيها تصريح بأن الناجية الجماعة وليست
[جمال الدين الفغاني /التعليقات على الشيعة .].هي فرق الشيعة وأن الناجية منها هي طائفته المامية
شروح ال ّدوّاني للعقائد العضدية (ضمن كتاب العمال الكاملة للفغاني دراسة وتحقيق :محمد عمارة ،)1/215 :وقد
نسب رشيد رضا هذا الكتاب لمحمد عبده (تفسير المنار ،)8/221 :لكن حقق محمد عمارة أنه للفغاني (انظر :محمد
عمارة /العمال الكاملة للفغاني ،156-1/155 :العمال الكاملة /لمحمد عبده ،].)1/209 :وأما أهل السنة
والمعتزلة وغيرهم من سائر الفرق فجعلهم من أمة الدعوة ،أي ليسوا من أمة الجابة ،فهم في
اعتقاده لم يدخلوا في السلم .وهذه المقالة قد قالها الشيعة من قبل وأشار إلى ذلك الشهرستاني
[الملل والنحل ،].1/165 :والرازي [الرازي :اعتقادات فرق المسلمين :ص .].85
وقد ورد في دائرة المعارف :أنه ظهر من فروع الفرق الشيعية ما يزيد كثيرا عن الفرق
الثنين والسبعين فرقة المشهورة [دائرة المعارف السلمية ،].14/67 :بينما يذكر المقريزي أن فرق
الشيعة بلغت ثلثمائة فرقة [الخطط.].2/315 :
ومرد هذا الختلف في الغالب هو اختلفهم حول الئمة من آل البيت فيذهبون مذاهب شتى
في أعيان الئمة ،وفي عددهم ،وفي الوقف على أحدهم وانتظاره ،أو المضي إلى آخر والقول
بإمامته ..فضلً عما تباينوا فيه من التفريع أو تنازعوا فيه من التأويل ،ولهذا قال العلمة ابن
[ابن خلدون بعدما ساق اختلفهم في تعيين الئمة" :وهذا الختلف العظيم يدل على عدم النص"
خلدون /لباب المحصل :ص ].130أي يدل على أنهم ليسوا على شيء فيما ذهبوا إليه من دعوى أن
الرسول صلى ال عليه وسلم نص على عليّ والئمة الخرين ..إذ لو كان من عند ال لما كان
هذا الختلف والتباين ،ولكن لما وجدوا اختلفا كثيرا كان من أعظم الدلة على عدم وجود
[النساء ،آية: لفًا َكثِيرًا}
ختِ َ
غ ْيرِ الّلهِ َل َوجَدُواْ فِيهِ ا ْ
ن مِنْ عِندِ َ
نص صحيح ،كما قال تعالىَ { :و َلوْ كَا َ
.].82
59
وأمر المامة عندهم هو أصل الدين ،فل يقبل فيها الخلف ،كما يقبل في الفروع .وقد عدّ
[وهو من كبار شيوخ الشيعة الزيدية حتى كانت شيخ الشيعة الزيدية في زمنه أحمد بن يحيى المترضى
مصنفاته الفقهية عمدة زيدية اليمن ،ومن المنتسبين لهل البيت( .انظر :الشوكاني /البدر الطالع( ].)1/122 :المتوفى
سنة 840ه) اختلف الشيعة عند موت كل إمام في القائم بعده أوضح دليل على إبطال ما يدعون
من النص [المنية والمل :ص .].21
وإذا رجعنا إلى كتب الفرق -أو غيرها -التي ذكرت طوائف الشيعة ،فإننا نجد بينها
اختلفا في الصول التي انبثقت منها صنوف الفرق الشيعية الكثيرة والمختلفة ،فالجاحظ يرى
أن الشيعة فرقتان :الزيدية والرافضة :يقول" :اعلم رحمك ال أن الشيعة رجلن :زيدي،
[ثلث رسائل للجاحظ (نشرها السندوبي) ص .241 :أو رسائل الجاحظ، ورافضي ،وبقيتهم بدد ل نظام لهم"
رسالة استحقاق المامة ص ( 207تحقيق عبد السلم هارون) .].ويأخذ بهذا التقسيم شيخ الشيعة المفيد،
ويقول :بأن الشيعة رجلن :إمامي ،وزيدي [الرشاد :ص .].195
أما المام الشعري -رحمه ال -فيجعل أصول فرق الشيعة ثلث فرق :الغالية ،والرافضة
(المامية) ،والزيدية .ويبلغ مجموع الفرق الشيعية عنده خمسا وأربعين فرقة ،حيث جعل الغالية
[مقالت السلميين،1/66 : خمس عشرة فرقة ،والرافضة أربعا وعشرين فرقة ،والزيدية ست فرق
.].140 ،88وهو يعتبر الثني عشرية من فرق الرافضة (المامية) ويسميها بالقطعية ،ويصفهم
بأنهم جمهور الشيعة [المصدر السابق.].90/ 1 :
وقد سار على منهج الشعري في تقسيم فرق الشيعة الرئيسة إلى ثلث ..طائفة من كتاب
[اعتقادات فرق المسلمين :ص الفرق وغيرهم مثل :الرازي حيث سماها زيدية ،وإمامية ،وكيسانية
.].77ومثل السفرايني ،وكذلك ابن المرتضى حيث قال :والشيعة ثلث :زيدية ،وإمامية،
وباطنية [المنية والمل :ص ،20وانظر المقدسي /البدء والتاريخ ،].5/125 :وشيخ السلم ابن تيمية الذي
صنف الشيعة إلى ثلث درجات ،شرها الغالية ،وهم الذين يجعلون لعلي شيئا من اللوهية ،أو
يصفونه بالنبوة ..والدرجة الثانية وهم الرافضة ..والدرجة الثالثة المفضلة من الزيدية وغيرهم
[ابن تيمية الذين يفضلون عليا على أبي بكر وعمر ،ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما
/التسعينية :ص 40ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم ،المجلد ( )5ط .كردستان 1329هـ .].وغير هؤلء من
[انظر :زين العابدين بن يوسف السكوبي حيث قال" :أما الشيعة فهم اثنتان أهل العلم بالفرق والمقالت
وعشرون فرقة ،أصولهم ثلث فرقة :غلة ،وزيدية ،وإمامية" (الرد على الشيعة – الورقة " 9مخطوط").].
أما عبد القاهر البغدادي فيرجع فرق الشيعة إلى أربع فرق :زيدية ،وإمامية ،وكيسانية،
وغلة ،ويلقب الجميع بالرافضة [الفرق بين الفرق :ص ،].21ويصل عدد فرق الشيعة عنده -
60
باستثناء الفرق الغالية [حيث وصل عدد الغلة عنده إلى عشرين فرقة (الفرق بين الفرق :ص - ].)232إلى
عشرين فرقة [الفرق بين الفرق :ص ].23ويعتبر الثني عشرية من فرق المامية ،ويسميهم
بالقطعية ،كما يسميهم بالثني عشرية [المصدر السابق :ص ].64وإن كان قبل ذلك ذكر القطعية
والثني عشرية كاسمين لفرقتين مختلفتين من فرق المامية [المصدر السابق ].53 :ل فرقة واحدة
[ولهذا أشار محيي الدين عبد الحميد إلى أن سرد البغدادي في الفرق بين الفرق يدل على أن الثني عشرية غير
القطعية (هامش مقالت السلميين )1/90 :وفاته أن البغدادي نص على أن القطعية والثني عشرية فرقة واحدة.
(الفرق بين الفرق :ص .].)64
أما الشهرستاني فيرى أن الشيعة فرق كثيرة ،لنه يقول" :لهم في تعدية المام كلم وخلف
كثير ،وعند كل تعدية وتوقف :مقالة ،ومذهب ،وخبط" [الملل والنحل ].1/147 :ولكنه يرجعهم إلى
خمس فرق :كيسانية ،وزيدية ،وإمامية ،وغلة ،وإسماعيلية" [نفس الموضع من المصدر السابق.].
أما صاحب الحور العين فيرجع الفرق الشيعية الكثيرة إلى ست فرق [الحور العين :ص ،].145
ويصل عدد فرق الشيعة عند ابن قتيبة إلى ثمان [ابن قتيبة /المعارف :ص .].623-622
[التنبيه والرد: وأبو الحسين الملطي يرى أن الشيعة ثماني عشرة فرقة ،ويلقبهم جميعا بالرافضة
ص ،].18ويشايعه في هذا الرأي السكسكي في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الديان
[انظر :التنبيه والرد: [البرهان :ص .].36ولكن الغريب أن الملطي يسمي الثني عشرية بالسماعيلية
ص .].33-32
[تلبيس إبليس :ص 32تحقيق وابن الجوزي يعتبر الشيعة اثنتي عشرة فرقة ،ويسميها بالرافضة
خير الدين علي ،].ويوافقه على هذا التقسيم المام القرطبي [بيان الفرق /الورقة ( 1مخطوط).].
والذي يلحظ على إطلق اسم الرافضة على كل فرق الشيعة هو أنه ينبغي استثناء الزيدية،
أو بعبارة أدق استثناء الزيدية ما عدا فرقة الجارودية منها؛ لن الجارودية سلكت مسلك
الروافض ،ولذلك فإن شيخ الشيعة المفيد اعتبر الجارودية هي الشيعة ،وما عداها من فرق
الزيدية ،فليسوا بشيعة ،وذلك لن طائفة الجارودية هي التي تشاركه في أساس مذهبه في
[انظر :المفيد /أوائل المقالت ص ،39 :وانظر عن الجارودية ص )42( :من هذه الرسالة هامش رقم ( الرفض
.].)3
أما كتب الفرق عند الشيعة الثني عشرية فإنها تأخذ بمنهج آخر في ذكر الفرق ،فهي تذكر
فرق الشيعة حسب الئمة حيث تجد أن الشيعة تفترق إلى فرق كثيرة بعد وفاة كل إمام ،وقد
وصل عدد فرق الشيعة في المقالت والفرق للقمي ،وفرق الشيعة للنوبختي إلى ما يربو على
ستين فرقة ،ويلحظ أن الثني عشرية كانت عند النوبختي والقمي فرقة من أربع عشرة ،أو
61
[انظر :النوبختي/ خمس عشرة فرقة افترقت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري سنة (260ه)
فرق الشيعة ص 96 :حيث ذكر أن أصحاب الحسن العسكري افترقوا أربع عشرة فرقة بعد وفاته ،بينما ذكر القمي
أنهم خمس عشرة فرقة( .القمي /المقالت والفرق :ص .].)102
أما كتب الرواية عندهم فإن الكليني في الكافي يذكر رواية تجعل فرق الشيعة ثلث عشرة
[أصول الكافي (المطبوع على هامش مرآة العقول ) ،4/344 :وقد حكم المجلسي فرقة كلها في النار إل واحدة
على هذه الرواية -حسب مقاييسهم -بأنها ترتقي إلى درجة الحسن( .مرآة العقول.].)4/344 :
هذا ودراسة نشأة الفرق الشيعية وتطورها يحتاج إلى بحث آخر ،وهو أقرب إلى البحث
التاريخي ،فل نستطرد في حكاية تفاصيله ،ولكن من الملحظ -كما سيأتي في عرض آراء
وعقائد الثني عشرية -أن طائفة الثني عشرية قد استوعبت جل الراء والعقائد التي قالت بها
الفرق الشيعية الخرى ،وأنها كانت بمثابة النهر الذي انسكبت فيها كل الجداول والروافد
الشيعية المختلفة ،ودراسة هذه المسألة ،دراسة مقارنة بين روايات الثني عشرية وآراء الفرق
الخرى هو أيضا يحتاج إلى دراسة مستقلة ،وقد أشرت إلى بعض الوجوه في هذا الباب في
رسالة الماجستير [انظر :فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة :ص 346وما بعدها.].
فهذه الفرق لم تفن -كما يقال -بل إن أكثرها باق ،وهو يطل علينا خلل الفكر الثني
[انظر :النشار /نشأة الفكر الفلسفي: عشري .وقد انحصرت الفرق الشيعية المعاصرة بثلث فرق ،هي
،2/12العاملي /أعيان الشيعة ،1/22 :محمد مهدي شمس الدين /نظام الحكم والدارة في السلم :ص ،61هبة الدين
الشهرستاني /مقدمة فرق الشيعة :ص /كا:].
-1الثنا عشرية.
[السماعيلية :وهم الذين قالوا :المام بعد جعفر إسماعيل بن جعفر ،ثم قالوا بإمامة محمد بن -2السماعيلية
إسماعيل بن جعفر ،وأنكروا أمامة سائر ولد جعفر ،ومن السماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون
والدروز وغيرهم ،وللسماعيلية فرق متعددة وألقاب كثيرة تختلف باختلف البلدان ،إذ لهم -كما يقول الشهرستاني -
دعوة في كل زمان ،ومقالة جديدة بكل لسان ،وأما مذهبهم فهو كما يقول الغزالي وغيره" :إنه مذهب ظاهره الرفض
وباطنه الكفر المحض" .أو كما يقول ابن الجوزي" :فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار
البعث" ،ولكنهم ل يظهرون هذا في أول أمرهم .ولهم مراتب في الدعوة ،وحقيقة المذهب ل تعطى إل لمن وصل إلى
الدرجة الخيرة ،وقد اطلع على أحوالهم وكشف أستارهم جملة من أهل العلم كالبغدادي الذي اطلع على كتاب لهم
يسمى" :السياسة والبلغ الكيد والناموس الكبر" ورأى من خلله أنهم دهرية زنادقة يتسترون بالتشيع ،والحمادي
اليماني الذي اندس بينهم وعرف حالهم وبين ذلك في كتابه" :كشف أسرار الباطنية" ،وابن النديم الذي اطلع على
"البلغات السبعة" لهم وقرأ البلغ السابع ورأى فيه أمرا عظيما من إباحة المحظورات والوضع من الشرائع
وأصحابها ..وغيرهم ،ولهم نشاطهم اليوم ،كما لهم كتبهم السرية .قال أحدهم" :إن لنا كتبا ل يقف على قراءتها غيرنا
ول يطلع على حقائقها سوانا" (مصطفى غالب /الحركات الباطنية في السلم :ص ،67وانظر :أبو حاتم الرازي
62
السماعيلي /الزينة :ص « 287ضمن كتاب الغلو والفرق الغالية» ،الغزالي /فضائح الباطنية :ص 37وما بعدها،
الملل والنحل ،191 ،1/67 :البغدادي /الفرق بين الفرق :ص ،621 ،294ابن النديم /الفهرست :ص ،268-267
الملطي /التنبيه والرد :ص ،218المقدسي /البدء والتاريخ ،5/124 :السفرايني /التبصير في الدين ،ابن الجوزي/
تلبيس إبليس :ص ،99وانظر :السماعيلية :إحسان إلهي ظهير).].
[الزيدية :وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (الملل والنحل ،1/154 :مقدمة -3الزيدية
البحر الزخار :ص ،)40وسموا بالزيدية نسبة إليه (يحيى بن حمزة /الرسالة الوازعة ص ،28السمعاني /النساب:
،)6/340وقد افترقوا عن المامية حينما سئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما فرفضه قوم فسموا رافضة..
وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية لتباعهم له وذلك في آخر خلفة هشام بن عبد الملك سنة إحدى وعشرين أو
اثنتين وعشرين (منهاج السنة ،1/21 :الرسالة الوازعة :ص )88-87والزيدية يوافقون المعتزلة في العقائد (انظر:
المقبلي /العلم الشامخ :ص ،319الملل والنحل ،1/162 :الرازي /المحصل :ص .)247والزيدية فرق :منهم من لم
يحمل من النتساب إلى زيد إل السم فهم روافض في الحقيقة يقولون :إن المة ضلت وكفرت بصرفها المر إلى
غير علي ،وهؤلء الجارودية أتباع أبي الجارود -كما سبق ،-ومنهم من يقترب من أهل السنة كثيرا وهم أصحاب
الحسن بن صالح بن حي الفقيه القائلون بأن المامة في ولد علي – رضي ال عنه ،-ويقول ابن حزم" :إن الثابت
عن الحسن بن صالح هو أن المامة في جميع قريش ،ويتولون جميع الصحابة إل أنهم يفضلون عليا على جميعهم".
(انظر :ابن حزم /الفصل ،2/266 :وانظر في اعتدال الزيدية الحقة في مسألة الصحابة :ابن الوزير /الروض الباسم
ص ،50-49المقبلي /العلم الشامخ :ص )326وانظر بحث عن الزيدية في" :فكرة التقريب" ص 146وما بعدها.].
وطائفة الثني عشرية هي أكبر الطوائف اليوم ،كما كانت تمثل أكثرية الشيعة وجمهورها في
بعض فترات التاريخ .فقد وصفهم طائفة من علماء الفرق ب "جمهور الشيعة" ،وممن نعتهم بهذا:
الشعري [مقالت السلميين ،].1/90 :والمسعودي [مروج الذهب ،].4/199 :وعبد الجبار الهمداني
[الحور العين: [المغني ج 2القسم الثاني ص ،].176وابن حزم [الفصل ،].4/158 ،5/38 :ونشوان الحميري
ص .].166وهذه الغلبية للثني عشرية ليست في كل العصور إذ نلحظ -مثلً -أن ابن
خلدون يقرر أن شيعة محمد بن الحنفية كانت أكثر شيعة أهل البيت [تاريخ ابن خلدون- ].3/172 :
أي :في عصرها -ثم لم تلبث أن تقلص أتباعها حتى اختفت ،كذلك يقول البلخي -كما يحكي
[وهم أتباع عبد ال بن جعفر بن محمد الصادق ،وهو أكبر أولد عنه صاحب الحور العين -أن الفطحية
الصادق ،وسموا الفطحية؛ لن عبد ال كان أفطح الرأس ،كما يدعون بالعمارية نسبة إلى رئيس لهم يعرف بعمار،
وقد قال النوبختي بأنه مال إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائها ،ولكن عبد ال لم يعش بعد وفاة أبيه سوى
سبعين يوما فرجعوا عن القول بإمامته( .انظر :مسائل المامة ص ،46فرق الشيعة للنوبختي ص ،78-77مقالت
السلميين ،1/102الحور العين ص .)164-163قال صاحب الزينة (أبو حاتم الرازي السماعيلي المتوفى سنة
322ه) :وقد انقرضت هذه الفرقة فليس أحد يقول بهذا القول ،وعاش عبد ال بعد أبيه سبعين يوما ولم يخلف ذكرا
(الزينة :ص .)287ولعل هذا من أسباب انقراضها ،وقد بقيت روايات أتباع هذا المذهب مدونة في كتب الثني
63
[الحور العين :ص ].164 عشرية المعتمدة ،كما سيأتي في فصل السنة ].أعظم فرق الجعفرية وأكثرهم جمعا
– يعني في زمنه .-
من اللقاب التي يطلقها بعض كتاب الفرق والمقالت وغيرهم على الثني عشرية ما يلي:
-1الشيعة:
لقب الشيعة في الصل يطلق على فرق الشيعة كلها ،ولكن هذا المصطلح اليوم إذا أطلق -
في نظر جمع من الشيعة وغيرهم -ل ينصرف إل إلى طائفة الثني عشرية .وممن قال بهذا
الرأي :شتروتمان [انظر :دائرة المعارف السلمية ،].14/68 :والطبرسي [مستدرك الوسائل،].3/311 :
وأمير علي [يقول أمير علي" :أصبحت الثنا عشرية مرادفة للشيعة"( .روح السلم ،].)2/92 :وكاشف الغطا
[يقول الغطا" :يختص اسم الشيعة اليوم على إطلقه بالمامية" ،وهو يعني بالمامية الثني عشرية ،كما يدل عليه ما
[يقول العاملي" :بما أن بعد هذه الجملة( .انظر :أصل الشيعة وأصولها :ص ،].)92ومحمد حسين العاملي
الزيدية اليوم ومثلهم السماعيلية ل يعرفون إل بهذين النتسابين ،وبما أن الفطحية والواقفية ل وجود لها في هذا
[يقول العصر انحصر اسم الشيعة بالمامية الثني عشرية"( .الشيعة في التاريخ ص ،].)43وعرفان عبد الحميد
عرفان" :مصطلح الشيعة إذا أطلق من غير تحديد وحصر ل يعني إل المذهب الثنا عشري"( .مجلة كلية الدراسات
[انظر مثلً :السامرائي /الغلو والفرق الغالية ص ،82أحمد السلمية ،العدد الول1387 ،هـ ص ،].)35وغيرهم
زكي تفاحة /أصول الدين وفروعه عند الشيعة :ص ،21إحسان إلهي ظهير /الشيعة والتشيع ص .].9
وأقول بهذا الرأي ،ل لن الثني عشرية يمثلون القاعدة الكبيرة من بين الفرق الشيعية
فحسب ،بل لسبب أهم -لم أر من تعرض بالدراسة والبيان ،وبحثه يحتاج إلى دارسة مستقلة
تعتمد على التحليل والمقارنة -وهو أن مصادر الثني عشرية في الحديث والرواية قد
استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية التي خرجت في فترات التاريخ المختلفة إن لم يكن كلها -
كما سلف ،-فأصبحت هذه الطائفة هي الوجه المعبر عن الفرق الشيعية الخرى.
-2المامية:
هذا اللقب عند كثير من أصحاب الفرق والمقالت يطلق على مجموعة من الفرق الشيعية،
ولكن تخصص فيما بعد عند جمع من المؤلفين وغيرهم بالثني عشرية ،ولعل من أول من
[أوائل المقالت :ص ذهب إلى ذلك شيخ الثني عشرية في زمنه "المفيد" في كتابه أوائل المقالت
،].44وأشار السمعاني إلى أن ذلك هو المعروف في عصره فقال" :وعلى هذه الطائفة -يشير
[النساب ،1/344 :ابن الثير /اللباب ،1/84 :السيوطي /لب إلى الثني عشرية -يطلق الن المامية"
64
اللباب في تحرير النساب ،حرف الهمزة ،لفظ إمامية .].وقال ابن خلدون" :وأما الثنا عشرين فربما
خصوا باسم المامية عند المتأخرين منهم" [تاريخ ابن خلدون .].1/201 :وأشار صاحب مختصر
[مختصر التحفة التحفة الثني عشرية إلى أن الثني عشرية هي المتبادرة عند إطلق لفظ المامية
الثني عشرية :ص .].20ويقول الشيخ زاهد الكوثري" :والمعروف أن المامية هم :الثنا عشرية"
[الكوثري /في تعليقاته على كتاب التنبيه والرد للملطي :ص .].18
ويلحظ أن كاشف الغطا -من شيوخ الشيعة المعاصرين -يستعمل لقب المامية بإطلق
على الثني عشرية [أصل الشيعة وأصولها :ص ،].92ومن شيوخ الشيعة الخرين من يرى أن
[محسن المين /أعيان الشيعة: المامية فرق ،منهم الثنا عشرية ،والكيسانية ،والزيدية ،والسماعيلية
.].1/21وبعدما عرفنا أن المامية صار لقبا من ألقاب الثني عشرية نعرج على ما قيل في
تعريفه:
المامية:
ويقول شيخ الشيعة في زمنه المفيد" :المامية هم القائلون بوجوب المامة ،والعصمة،
ووجوب النص ،وإنما حصل لهم هذا السم في الصل لجمعها في المقالة هذه الصول ،فكل
من جمعها فهو إمامي وإن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلً ،ثم إن من شمله هذا السم
واستحقه لمعناه ،قد افترقت كلمتهم في أعيان الئمة وفي فروع ترجع إلى هذه الصول وغير
ذلك ،فأول من شذ من فرق المامية الكيسانية" [العيون والمحاسن.].2/91 :
فالمفيد هنا يجعل لقب المامية لقبا عاما يشمل كل من قال بهذه الركان الثلثة التي ذكرها:
المامة ،العصمة ،النص ،ولكنه في كتاب آخر له يضيق نطاق هذا المصطلح حتى يكاد يقصره
على طائفة الثني عشرية حيث يقول" :المامية علم على من دان بوجوب المامة ووجودها في
كل زمان ،وأجب النص الجلي ،والعصمة والكمال لكل إمام ،ثم حصر المامة في ولد الحسين
بن علي ،وساقها إلى الرضا علي بن موسى -عليه السلم –" [أوائل المقالت :ص .].44
فأنت تلحظ أنه شرط هنا النص الجلي ،بينما في الموضع السابق أطلق القول بالنص ليشمل
الجلي والخفي ،كما أنه أضاف هنا حصر الئمة بولد الحسين ،وسياق المامة فيهم إلى الرضا
[سيأتي التعريف علي بن موسى ،في حين أنه لم يشترط ذلك فيما سبق حتى أدخل فيهم الكيسانية
بها ص ( )180من هذه الرسالة ..].وكأنه لحظ هذا التغير في الرأي فقال" :لنه وإن كان (أي لقب
المامية) في الصل علما على من دان من الصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في
العيان بما وصفناه ،فإنه قد انتقل عن أصله ،لستحقاق فرق من معتقديه ألقابا ،بأحاديث لهم
65
بأقاويل أحدثوها ،فغلبت عليهم في الستعمال ،دون الوصف بالمامية ،وصار هذا السم في
عرف المتكلمين وغيرهم من الفقهاء والعامة علما على من ذكرناه" [أوائل المقالت :ص .].44
وإذا تجاوزت تعريف المفيد هذا إلى كتب الفرق والمقالت الخرى لستطلع آراء غير
الشيعة في تعريف المامية نلحظ أن أكثر مؤلفي الفرق لم يخصوا المامية بالثني عشرية ،بل
كان لقب المامية عندهم أعم من ذلك وأشمل ،فالشهرستاني يقول" :المامية هم القائلون بإمامة
علي -رضي ال عنه -نصا ظاهرا ،وتعيينا صادقا من غير تعريض بالوصف ،بل إشارة
إليه بالعين" [الملل والنحل ،].1/162 :ومثله الشعري حيث يقول .." :وهم يدعون المامية لقولهم
بالنص على إمامة علي بن أبي طالب" [مقالت السلميين .].1/86 :ومن أصحاب الفرق من قال
بأن "تسميتهم المامية" لنهم يزعمون أن الدنيا ل تخلو عن إمام ،إما ظاهرا مكشوفا ،وإما باطنا
[عثمان بن عبد ال العراقي /ذكر الفرق والضوال :ق 12أ (مخطوط) ،وانظر مثل ذلك عند القرطبي في موصوفا
كتابه "بيان الفرق" ق 2ب (مخطوط) ،وانظر :شرح الثنتين والسبعين فرقة :ق (12مخطوط) .].ولكن ابن
المرتضى يقول :والمامية "سميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها للمام ،وأنه كالنبي ،ول يخلو
وقت من إمام يُحتاج إليه في أمر الدين والدينا" [المنية والمل.].21 :
فمن هؤلء من راعى في سبب التسمية مسألة النص ،ومنهم من اعتبر في سبب التسمية
قولهم بأن الدنيا ل تخلو من إمام ،ومنهم من جمع إلى ذلك قولهم بأن أمور الدين كلها للمام،
وهي أقوال متقاربة يرجع بعضها إلى بعض ..ومصطلح المامية تظهر بعد شيوع مصطلح
الشيعة ،ويبدو أن ظهوره مرتبط ببدء الهتمام الشيعي بمسألة المام والمامة ،وظهور الفرق
الشيعية التي تقول بإمامة أفراد أهل البيت ،وسيأتي بحث ذلك في موضوع المامة.
وقد ذكر ابن أبي الحديد أن مقالة المامية -فضلً عن لقبها -لم تشتهر إل متأخرة .يقول
ابن أبي الحديد" :لم تكن مقالة المامية ومن نحا نحوهم من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة
حينئذ (يعني في العصر الموي) على هذا النحو من الشتهار" [شرح نهج البلغة.].4/522 :
-3الثنا عشرية:
هذا المصطلح ل نجده في كتب الفرق والمقالت المتقدمة ،فلم يذكره القمي (ت 299ه أو
301ه) في "المقالت والفرق" ،ول النوبختي (ت 310ه) في "فرق الشيعة" ،ول الشعري (ت
330ه) في "مقالت السلميين" .ولعل أول من ذكره المسعودي [التنبيه والشراف :ص (. ].198ت
349ه) (-من الشيعة) .أما من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي (ت 429ه) حيث ذكر أنهم
سموا بالثني عشرية لدعواهم أن المام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي
طالب -رضي ال عنه –" [الفرق بين الفرق :ص .].64
66
قال الرافضي المعاصر محمد جواد مغنية :الثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة المامية
القائلة باثني عشر إماما تعينهم بأسمائهم [الثنا عشرية وأهل البيت :ص .].15
وظهور هذا السم كان بل شك بعد ميلد فكرة الئمة الثني عشر ،والتي حدثت بعد وفاة
الحسن العسكري (توفي سنة 260ه) حيث أنه" :قبل وفاة الحسن لم يكن أحد يقول بإمامة
المنتظر إمامهم الثاني عشر ،ول عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة الثني
عشر" [منهاج السنة.].4/209 :
ولكن يرى صاحب مختصر التحفة الثني عشرية أن زمن ظهور المامية الثني عشرية،
سنة مائتين وخمس وخمسين [انظر :مختصر التحفة :ص .].21
ويبدو أنه عين هذا التاريخ بالذات ،لن تلك السنة (255ه) هي التي زعمت الثنا عشرية أنه
[كما نص على ذلك الكل الكليني في الكافي ،1/514 :والمفيد في الرشاد ص ولد فيها إمامهم الثاني عشر
،390والطبرسي في أعلم الورى :ص .393ونجد في العلم للزركلي ،2/215 :والعقل عند الشيعة ،رشدي عليان:
ص ،56وتاريخ المامية ،عبد ال فياض :ص ،183بأن الولدة المزعومة كانت سنة (256ه) ،].والذي يزعمون
حياته إلى اليوم ،وينتظرون خروجه ،فإذا كان المر كذلك فينبغي أن يحدد التاريخ بسنة 260ه؛
لن دعوة وجود المام الثاني عشر المنتظر إنما ظهرت بعد وفاة الحسن العسكري (والذي
توفي سنة 260ه).
أما الثنا عشر الذي تقول الجعفرية بأنهم أئمتها ،فهم :أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،
والحسن والحسين ،وذرية الحسين.
وفيما يلي بيان بأسمائهم وألقابهم ،وكناهم،وسنة ميلد كل إمام ووفاته:
69
ونقل شيخ السلم ابن تيمية قول الشعري هذا وعقب عليه بقوله" :قلت :الصحيح أنهم سموا
رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام
بن عبد الملك" [منهاج السنة ..].2/130 :وهذا الرأي لبن تيمية يعود لرأي الشعري ،لنهم ما
[راجع :تاريخ الطبري-7/180 : رفضوا زيدا إل لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلفتهما
،181ابن الثير /الكامل ،4/246 :ابن كثير /البداية والنهاية ،330-9/329 :ابن العماد الحنبلي /شذرات الذهب:
،1/158تاريخ ابن خلدون ،].3/99 :فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيدا أو لرفضهم مذهبه
ومقالته مؤداهما -في نظري -واحد .إل أن شيخ السلم راعى الناحية التاريخية ،في
ملحظته على الشعري ،ذلك أن رفض إمامة أبي بكر وعمر قد وجدت عند بعض فرق الشيعة
كالسبئية ونحوها قبل خلفهم مع زيد ،ولكن لم يلحقهم هذا السم (الرافضة) ولم يوجد إل بعدما
أعلنوا مفارقتهم لزيد لترضيه عن الشيخين وتسمية زيد لهم بالرافضة.
[فقيل" :سموا رافضة" ..لتركهم نصرة النفس هذا وهناك أقوال أخرى في سبب تسميتهم بالرافضة
الزكية (ابن المرتضى /المنية والمل :ص ،21وانظر هامش رقم 1ص ،)111وقيل :لتركهم محبة الصحابة (علي
القاري /شم العوارض في ذم الروافض ،الورقة 254ب (مخطوطة) ،وقيل :لرفضهم دين السلم (انظر :السكوبي/
الرد على الشيعة :الورقة ( 23مخطوط) ،وانظر :محي الدين عبد الحميد /هامش مقالت السلميين .].)1/89 :على
[كالبغدادي في الفرق أن هناك من أصحاب الفرق من أطلق اسم الرافضة على عموم فرق الشيعة
بين الفرق ،والسفرايين في التبصير في الدين ،والملطي في التنبيه والرد ،والسكسكي في البرهان في عقائد أهل
الديان وغيرهم .وانظر الملحظة على ذلك :ص (.].)117
-7الجعفرية:
وتسمى الثنا عشرية بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق إمامهم السادس -كما يزعمون -
وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص .روى الكشي أن :شعية جعفر في الكوفة (أو من
يدعون التشيع لجعفر) سموا بالجعفرية ،وأن هذه التسمية نقلت إلى جعفر فغضب ثم قال" :إن
[رجال الكشي :ص أصحاب جعفر منكم لقليل ،إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه"
.].255
وقد جاء في الكافي ما يدل على أن الناس كانوا يطلقون على من يدعي التشيع لجعفر
الصادق "جعفري خبيث" ،وأن بعض الشيعة اشتكى من ذلك لجعفر فأجابه" :ما أقل وال من
يتبع جعفرا منكم ،إنما أصحابي من اشتد ورعه ،وعمل لخالقه ،ورجا ثوابه ،فهؤلء أصحابي"
[أصول الكافي .].2/77 :فهذا يدل -إن صحت الرواية -على أن اسم الجعفرية كان شائعاٌ ي زمن
70
جعفر ،وأن جعفر ل يرضى عنه الكثيرين منهم ،كما يدل على أن لقب الجعفري كان يطلق
على السماعيلية والثني عشرية ،لن الفتراق بين الطائفتين تم بعد وفاة جعفر.
وقد أطلق اسم "الجعفرية" على طائفة من الشيعة انقرضت كانت تقول بأن المام بعد الحسن
العسكري أخوه جعفر [الرازي /اعتقادات فرق المسلمين ص ،84 :مختصر التحفة الثني عشرية :ص .].21
[مثل لقب "المتاولة" يطلق في وهناك ألقاب أخرى للثني عشرية تطلق عليهم في بعض البلدان
العصار الخيرة على شيعة جبل عامل وبلد بعلبك وجبل لبنان وهو جمع متوالي إلى اسم فاعل من توالي ،مأخوذ
من الولء والموالة وهي الحب ،لموالتهم -فيما يزعمون -أهل البيت وقيل :إنهم سموا بذلك لنهم كانوا يقولون في
حروبهم :مت وليا لعلي فسمي الواحد منهم متواليا لذلك.
انظر :حاضر العالم السلمي ،194-1/193 :أعيان الشيعة. 1/22 :
ومثل لقاب "قزلباش" وهو لفظ تركي معناه ذو الرأس الحمر ...والن اسم قزلباش ي بلد إيران مشهور ،وفي بلد
الهند والروم والشام يسمون كل شيعي قزلباش.
انظر :أعيان الشيعة . 24-1/23وسيأتي في فرق الثني عشرية أن القزلباشية من فرق الثني عشرية.].
الخاصة:
وهو لقب يطلقه شيوخ الشيعة على طائفتهم ،ويلقبون أهل السنة والجماعة بالعامة.
جاء في دائرة المعارف الشيعية ما نصه" :الخاصة في اصطلح بعض أهل الدارية :المامية
الثنا عشرية ،والعامة :أهل السنة والجماعة" [دائرة المعارف.].17/122 :
ويجري كثيرا استعمال هذا اللقب في رواياتهم للحاديث ،فيقولون :هذا عن طريق العامة،
ل -غاية المرام لهاشم البحراني ،ومن رواياتهم" :ما خالف العامة ففيه
[انظر -مث ً وهذا عن طريق الخاصة
الرشاد" انظر :أصول الكافي ،1/68 :وسائل الشيعة.].18/76 :
فرق الثني عشرية:
الثنا عشرية امتدا للشيعة المامية (بمعناها العام) وفصيلة من فضائلها ..بل فرقة واحدة من
[انظر القمي /فرق الشيعة :ص 120 خمس عشرة فرقة انقسمت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري
وما بعدها ].سنة (260ه) ومع ذلك فقد انبثق من الثني عشرية فرق كثيرة.
يقول الستاذ محمود الملح وهو من المعنيين بتتبع هذه الفرقة" :وفي عصرنا هذا نجد الثني
عشرية منقسمة إلى:
-أصولية [سيأتي التعريف بهما.].
-وأخبارية [سيأتي التعريف بهما.].
[الشيخية :وقد ياقل لها :الحمدية ،هم أتباع الشيخ أحمد الحسائي (المولود سنة 1166ه، 7-وشيخية
والمتوفى سنة 1241ه) .وهو من شيوخ الثني عشرية.
71
وقد قال اللوسي -رحمه ال ( -عن الحسائي وأتباعه)" :ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في أمير المؤمنين علي
على نحو ما يعتقده الفلسفة في العقل الول" كما نسب إليه القول بالحلول ،وتأليه الئمة ،وإنكار المعاد الجسماني،
وأن من أصول الدين العتقاد بالرجل الكامل وهو المتمثل في شخصه ،وقد اختلف الشيعة الثنا عشرية في شأنه بين
مادح كالخوانساري في روضات الجنات ،1/94 :وقادح مثل محمد ممهدي القزويني في كتابه :ظهور الحقيقة على
فرقة الشيخية ،ومتوقف مثل علي البلدي في أنوار البدرين ص ،408ومنهم من زعم التوسط في شأنه فقال:
"..اختلف الناس فيه بين من يقول بركنيته وبين من يقول بكفره ،والتوسط خير المور ،والحق أنه من أكابر علماء
المامية" -ثم امتدحه بجملة كلمات -إلى أن قال" :نعم له كلمات في مؤلفاته بجملة – كذا -متشابهة ل يجوز من
أجلها التهجم والجرأة على تفكيره"( .محمد حسين آل كاشف الغطا( /حاشية) المصدر السابق ص .)409-408وهذا
الختلف قد يدل على أن الكثير من النثي عشرية تهون عندهم عظائم هذا الرجل وضللته( ..انظر في مذهب
الشيخية :اللوسي /نهج السلمة :ص (19-18مخطوط) ،مختصر التحفة :ص ،22العلمي الحائري /مقتبس الثر:
،20/136محمد حسن آل الطلقاني /الشيخية نشأتها وتطورها ،مجلة العرفان مجلد 33ص ،199أعيان الشيعة:
،8/390محسن عبد الحميد /حقيقة البابية والبهائية ص ،36:مصطفى عمران /تهافت البابية والبهائية ص ،34جولد
تسيهر /العقيدة والشريعة :ص ،270مبارك إسماعيل /التيارات الفكرية ص .].110
[الكشفية :هم أصحاب كاظم بن قاسم الرشتي (المتوفى سنة 1259ه) تلميذ الحسائي (مؤسس -وكشفية
الشيخية) والقائم مقامه من بعده ،والخذ بنهجه مع زيادة في الغلو والتطرف ،وسيمت بالكشفية لما ينسب إلى زعيمها
من الكشف واللهام .يقول الشيخ اللوسي عن الكشفية :الكشفية لقب لقبهم به بعض وزراء الزوراء (علي رضا باشا)
أعلى ال درجته ،وهم أصحاب السيد كاظم الحسيني الرشتي وهو تلميذ الحسائي وخريجه ،لكن خالفه في بعض
المسائل ،وكلماته ترشح بما هو أدهى وأمر مما ترشح به كلمات شيخه ،حتى إن الثني عشرية يعدونه من الغلة وهو
يبرأ مما تشعر به ظواهر كلماته ،وقد عاشرته كثيرا فلم أدرك منه ما يقول فيه مكفروه من علماء الثني عشرية ،نعم
عنده على التحقيق غير ما عندهم في الئمة وغيرهم مما يتعلق بالمبدأ والمعاد ..ول أظن مخالفاته لشيخه تجعله
وأصحابه القائلين بقوله فرقة غير الشيخية (نهج السلمة ص ،)19ومنهم من اعتبره فرقة مستقلة لتصريحه بذلك في
قوله في كتابه دليل الحيران ص " :136هذا مسلك لم يسبقني إليه أحد قبلي" (انظر :آل طعمة /مدينة الحسين ص )34
ولذلك يعتبره محمد حسين آل كاشف الغطا هو الذي خرج عن الجادة القويمة ،وزاغ زيغا عظيما ،وأنه أدخل على
الشيعة المامية أشد فتنة وأعظم بلية ،ومنه وأتباعه نشأت بلية البابية بخلف شيخه الحسائي( :محمد حسين آل
كاشف الغطا /حاشية علي أنوار البدرين ص ،409-408وانظر في الكشفية أيضا :مصطفى عمران /تهافت البابية
ص ،39 -37آل طعمة /مدينة الحسين ،وفيه بحث مطول عن الكشفية من كتب زعيمها وتلمذته ص 24وما بعدها،
عبد الرزاق الحسين /البابيون والبهائيون ص .].)10
[الركنية :أتباع مرزا محمد كريم بن إبراهيم خان الكرماني ،من تلمذه الرشتي وعلى مذهبه ،سميت -وركنية
بذلك؛ لقولها بالركن والشيعي الكامل ،واعتباره من أصول الدين والمتمثل في شخص زعيمهم( .انظر :آل طعمة/
مدينة الحسين ص .)56
ومنهم من يعتبر الركنية والكشفية من ألقاب الشيخية والجميع فرقة واحدة( .انظر :مجلة العرفان مجلد 33ص
،199محمد آل الطلقاني /الشيخية ص .].)274
72
[كريمخانية :هم أتباع محمد الفجري الكرماني كريمخان ،وهو على مذهب الشيخية ولذلك قال -وكريمخانية
فيه الحائري" :رئيس الطائفة الشيخية"( .متقبس الثر.].)275-24/274 :
[القزلباشية :هم صوفية متشيعة من أتباع الصفويين ،ولفظ القزلباش معناه الرؤوس الحمر ،لتغطية -وقزلباشية
رؤوسهم بشعار أحمر ،وهو عبارة عن قنلسوة يلبسونها كشعار لهم وقد وصفها بعضهم بقوله" :لقد أمر حيدر ابن جنيد
الصفوي أتباعه بأن ترتفع من وسط عمامتهم ،ذات الكوار العديدة قطعة مدببة على هيئة الهرم مقسمة من قمتها إلى
إطرافها إلى اثنتي عشرة شقة تذكر بعلي وأبنائه الثني عشر ،ومن هنا سمي الصوفية من أتباع الصفويين بالقزلباش
ل بهذا الشعار الثني عشري الحمر" .وقد زعم محسن المين أن القزلباش لقب للثني عشرية في بعض البلدان
اتصا ً
-كما مر -ولعله أراد التستر على كثرة فرق طائفته وانقساماتها كعادته.
(انظر :مصطفى الشيبي /الفكر الشيعي :ص ،406-405أعيان الشيعة.].)24 ،1/23 :
وكلها داخلة في المجموعة الثني عشرية وأصولها مبثوثة في كتب الثني عشرية ،وهي بعد
هذا يكفر بعضها بعضا" [الراء الصريحة :ص .].81
وزاد بعض الباحثين من الشيعة [آل طعمة /مدينة الحسين :ص ].56-55أسماء أخرى هي :القرتية
[القرتية :أصحاب امرأة اسمها هند ،وكنيتها أم سلمة ،ولقبها قرة العين ،لقبها بذلك كاظم الرشتي في مراسلته إذ
كانت من أصحابه ،وهي ممن قلدت الباب بعد موت الرشتي ثم خالفته في عدة أشياء منها :التكاليف ،فقيل :إنها كانت
تقول بحل الفروج ورفع التكاليف بالكلية .قال اللوسي (أبو الثنا) :وأنا لم أحس منها بشيء من ذلك مع أنها حبست
في بيتي نحو شهرين ..والذي تحقق عندي أن البابية والقرتية طائفة تعتقد في الئمة نحو اعتقاد الكشفية فيهم،
ويزعمون انتهاء التكليف بالصلوات الخمس وأن الوحي غير منقطع( .نهج السلمة :ص ،21وانظر عن القرتية :آل
طعمة /مدينة الحسين ص ،239 ،56وما بعدها ،وغالب الكتب التي ألفت في البابية تحدثت عن هذه المرأة وأتباعها
[البابية :أتباع الباب ميرزا علي محمد الشيرازي (-1235 (انظر مراجع هامش ( )4من هذه الصفحة) ،].البابية
1265ه) وهو من المامية الثني عشرية ،ادعى أنه الباب للمام الذي ينتظرونه ،وأنه وحده الناطق عنه ،ثم ادعى
أنه هو إمامهم الغائب ،ثم زعم أن ال -سبحانه -قد حل فيه ،وله ضروب من الكفر والضلل( .انظر في مذهب
البابية :محسن عبد الحميد /حقيقة البابية والبهائية ،مصطفى عمران /تهافت البابية والبهائية ،محمود الملح /البابية
[الكوهرية :هم أتباع الخوند مل حسن كوهر المروجون والبهائية ،إحسان إلهي ظهير /البابية) ،].والكوهرية
لنحلته في كربلء حتى اليوم (آل طعمة /مدينة الحسين :ص )55وكان للكشفية أثر بليغ في ظهورها (المصدر السابق
ص )239يؤلهون الئمة ويقولون بنفي العقاب عن مرتكب المعاصي (انظر :المصدر السابق ص .].)54-53
[النوربخشية :نسبة إلى محمد نوربخش القوهستاني يكنى بأبي القاسم وزاد بعضهم أيضا النوربخشية
(المولود سنة 795ه ،والمتوفى سنة 869ه) يدعي الثنا عشرية أنها فرقة من فرقهم ،وهي توجد في وديان همليا،
وكوهستان بلتستان المتصلة بتبت الصينية ،وقد ادعى المهدية لنفسه ،وطبق الحاديث الواردة عن طريق أهل السنة
في اسم المهدي وكنيته على شخصه ،وأنكر مهدي الشيعة وانفصل عنها ،وبهذا رأى بعضهم أنه ليس من فرق الثني
عشرية ،بل هو من الصوفية أصحاب وحدة الوجود( .إحسان إلهي ظهير /الشيعة ص.)316 :
73
ولكن ل يمنع هذا أن يكون من الثني عشرية في الصل وادعى دعوى المهدية ،وأخذ بروايات أهل السنة لنطباقها
عليه ،لنه كان يقول بالئمة الثني عشر ،ولهذا اكتفى في يوم بيعته بالمهدية بقبول اثني عشر تيمنا بعدد الئمة
(الشيبي /الفكر الشيعي :ص .)332
كما زار -عندما قدم العراق -العتبات الشيعية المقدسة (المصدر السابق ص .)333أما المنزع الصوفي فإن الصلة
بين التصوف والتشيع قائمة ووثيقة.
(انظر في مذهب هذه الطائفة :الشيعة والتشيع :ص ،314مصطفى الشيبي /الشيعي :ص 328وما بعدها) ،].ثم
[أبو الثناء اللوسي /نهج إنه كما يقول اللوسي" :ول يبعد أن تظهر فرق أخرى من المامية بعد"
السلمة :ص .].22نسأل ال تعالى العافية.
ومن خلل تتبعي لنصوص الثني عشرية التي تنسبها للئمة وترويها في كتبها المعتمدة
وجدت أنها تحمل في ثناياها بذور نحل مختلفة وأهواء متباينة ..يجد فيها كل صاحب هوى
وغلو وبدعة ،بغيته ومرامه ...فهي قد اتسعت بحكم معتقد التقية ،وكثرة الكذب والفتراء على
الئمة ،وانضواء الملحدين والمتآمرين في صفوفهم ،وعجز شيوخ الشيعة عن تنقية المذهب مما
علق به من كيد الملحدين عبر القرون ،وفقدان الموازين الصحيحة الثابتة لتمحيص الروايات
وتحقيقها ،اتسعت بسبب ذلك وغيره لحتواء تلك البذور السامة وذلك الركام الهائل من الخبار
المظلمة.
أما الحديث المفصل عن كل فرقة بذاتها فهذا موضوع يطول الحديث فيه ،وقد ل يدخل في
صل الموضوع الرئيسي لبحثنا والمعني بدارسة أصولهم ل نشأة فرقهم ،وأخبار أصحابها
وأقوالها وآرائهم .ولعلنا نكتفي بالحديث عن افتراق الشيعة إلى أصولية وأخبارية؛ لن
الصولية هي أساس المذهب الثني عشري ،وتمثل الكثرية ،ويقابلها الخبارية ،وإن كانت أقل
منها ،أما ما سواها من فرق فهي ليست بذلك الحجم الذي تمثله الصولية ..ولذلك اكتفينا
بالتعريف الموجز عنها في الهوامش السابقة.
كما أن الخلف الصولي الخباري يمثل خلفا في بنية المذهب الثني عشري ،فهو خلف
بين رجال الشيعة الذين جمعوا تراث المذهب الثني عشري؛ فتجد الحر العاملي صاحب وسائل
الشيعة ،والكاشاني صاحب الوافي ،والنوري الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل كلهم أخبارية
مع أنهم مصنفو مصادرهم المعتمدة في الرواية عندهم .بل يعتبرون ابن بابويه صاحب "من ل
[انظر :الصوليون والخباريون يحضره الفقيه" أحد مصادرهم الربعة المتقدمة هو رئيس الخباريين
فرقة واحدة :ص ،4كما أنك تلحظ أن من شيوخ الخبارية من ظهر واشتهر عندهم كمحمد حسين آل كائف الغطا
صاحب أصل الشيعة وأصولها ،وأيضا تلحظ كثرة الخبارين في بعض الجهات مثل البحرين ..كما أن من كبار
شيوخ الطائفة الصولية الذين يمثلون الكثرة الغالبة ..محسن الحكيم ،وشريعت مداري ،والخوئي ،والخميني
74
وغيرهم ،].ويقابلهم الطوسي صاحب الستبصار والتهذيب ،والمرتضى المنسوب له (أو لخيه)
نهج البلغة وغيرهما وهما من الصوليين..
فإذن الخلف بين الصوليين والخباريين هو خلف بين أركان المذهب ومشيدي بنائه،
فلنتوقف للتعريف بهاتين الفرقتين:
فالخباريون يمنعون الجتهاد ،ويعملون بأخبارهم ،ويرون أن ما في كتب الخبار الربعة
[وهي :الكافي ،والتهذيب ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه ،وسيأتي الحديث عنها في فصل "السنة" عند الشيعة
عند الثني عشرية ].كلها صحيحة قطعية الصدور عن الئمة ،ويقتصرون على الكتاب والخبر،
[انظر :العقل عند الشيعة ولذلك عرفوا بالخبارية نسبة إلى الخبار وينكرون الجماع (ودليل العقل)
المامية ،رشدي عليان ،].ول يرون حاجة إلى تعلم أصول الفقه ،ول يرون صحته ،ويقابلهم
الصوليون أو المجتهدون ،وهم القائلون بالجتهاد ،وبأن أدلة الحكام الكتاب والسنة والجماع
[انظر :حسن المين/ وليل العقل ،ول يحكمون بصحة كل ما في الكتب الربعة ..ويمثلون الكثرية
دائرة المعارف :ص ،107عز الدين /بحر العلوم /التقليد في الشريعة :ص ،92فرج العمران /الصوليون
والخباريون فرقة واحدة :ص .].19
لكن شيخهم النصاري يكشف -حسب ما ينقله عن محققهم غلم رضا القمي -أن
الخباريين ل يعتمدون في الدلة الشرعية إل على أخبار الشيعة فقط ،ويقبلونها على علتها بل
تفريق بين صحيحها وسقيمها .يقول ما نصه" :ويعجبني في بيان وجه تسمية هذه الفرقة
(الخباريين) المرموقة بالخبارية وهو أحد أمرين:
الول :كونهم عاملين بتمام القسام من الخبار من الصحيح والحسن والموثق والضعيف
[سيأتي إيضاح لهذه المصطلحات في فصل "قولهم في السنة" ].من غير أنها يفرقوا بينها في مقام العمل في
قبال المجتهدين.
الثاني :أنهم لما أنكروا الدلة الثلثة بما فيها القرآن الكريم وخصوا الدليل بالواحد منها،
[القلئد على الفرائد ،حاشية على رسائل الشيخ النصاري، أعني الخبار فلذلك سموا بالسم المذكور"
مبحث حجة القطع.
انظر :التقليد في الشريعة السلمية :ص .].93
فهم هنا استجابوا لساطيرهم التي تقول بنقص القرآن فأعرضوا عن كتاب ال في مقام
الحتجاج ،واعتمدوا على تلك الساطير ،فهم بهذا أخرجوا أنفسهم عن دائرة السلم ،ومع ذلك
فإن جملة من شيوخ الشيعة تدعي مع هذا الكفر البواح الذي أعلنته طائفة الخبارية أن الخلف
75
بين الصولين والخبارين "يتقصر على بعض الوجوه البسيطة ككل خلف يحدث بين أبناء
الطائفة الواحدة تبعا لختلف الرأي والنظر" [التقليد :ص ،92وانظر :البحراني /الحدائق .].170-1/169
وقال صاحب "الصوليون والخباريون فرقة واحدة"" :إني بحسب تتبعي وفحصي كتب
الصوليين والخباريين لم أجد فرقا بين هاتين الطائفتين إل في بعض المور الجزئية التي ل
توجب تشنيعا ول قدحا" [فرج العمران /الصوليون والخباريون فرقة واحدة ص.].3-2 :
فهل هم إذن وجهان لعملة واحدة؟!
ولقد حاول بعض الشيعة المعاصرين أن يخفف من وقع الكلمة السابقة حول عملهم بالخبار
[عز الدين /التقليد :ص وردهم للقرآن ،فقال" :كيف ينكر الخباريون وهم المسلمين دليلية الكتاب"
،].93ثم التمس لذلك مخرجا بما ذكره شيخهم الستراباذي من "أن القرآن ورد على وجه
التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية" [الفوائد المدنية :ص ،48-47التقليد ص ،94الحدائق ..].1/169 :فل
يجوز فهمه والعمل به إل بمقتضى أخبارهم [الفوائد المدنية :ص ،48-47التقليد ص ،94
الحدائق .].1/169 :فكأن نهاية القولين واحدة ،لن أخبارهم قد حرفت معاني القرآن ،وصرفتها
عن مدلولها -كما سيأتي – ول سيما وهذه الطائفة ل تفرق بين صحيح الخبار وباطلها.
أما بداية افتراق الثني عشرية إلى :أصولية ،وأخبارية فيذكر البحراني أن شيخهم "محمد
أمين الستراباذي" (المتوفى سنة 1033ه) "هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين ،وتقسيم
الفرقة ..إلى أخباري ومجتهد" [لؤلؤة البحرين :ص .].117ومنهم من يذكر أنه أقدم من ذلك وأن
الستراباذي هو الذي جدده [انظر :الصوليون والخباريون فرقة واحدة :ص .].4
هذا وقد جرى بين هاتين الفرقتين ردود ومنازعات وتكفير وتشنيع حتى إن بعضهم يفتي
بتحريم الصلة خلف البعض الخر [انظر :محمد جواد مغنية /مع علماء النجف :ص ،].74وكان من
شيوخ طائفة الخبارية من ل يلمس مؤلفات الصوليين بيده تحاشيا من نجاستها ،وإنما يقبضها
من وراء ملبسه [محمد آل الطلقاني /الشيخة :ص .].9
[انظر :لؤلؤة وقد كفر الستراباذي (الخباري) بعض الصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين
البحرين /للبحراني :ص - ].118على حد تعبيره -كما نسب الكاشاني (الخباري) صاحب الوافي
[انظر :لؤلؤة البحرين /للبحراني :ص -إلى أحد مصادرهم الثمانية -جمعا من علمائهم إلى الكفر
،].121ورد عليه بعضهم بأن له من المقالت التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلسفة ما
يوجب الكفر كقوله بوحدة الوجود [وهو البحراني /انظر لؤلؤة البحرين :ص ..].121وهكذا يكفر
[انظر: بعضهم بعضا كما كان أسلفهم من قبل ،كما صورته جملة من رواياتهم -كما سيأتي
مبحث الغيبة من هذه الرسالة - ].مع أن الطائفتين كلهما من الثني عشرية.
76
أما عناصر الخلف بين الفريقين فقد ألف في شأنها شيخهم جعفر كاشف الغطا كتابا بعنوان:
[طبع في طهران عام 1316ه ،انظر :الذريعة "الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الخبارين"
من ].38-7/37أنهى فيه عناصر الخلف إلى ثمانين ،بينما نرى شيخهم البحراني يحاول أن يقلل
[انظر :عز الدين بحر العلوم /التقليد :ص ].95 من مسائل الخلف بينهما فيهبط بها ليقصرها على ثمان
أو أقل [لني رجعت إليها في الحدائق فلم أجده أثبت أكثر من أربعة فروق ،وانظر الحدائق1/167 :وما بعدها].؛
لنه يرى أن هذا الخلف يؤدي إلى القدح في شيوخ الطرفين وفتح باب الطعن والتشنيع على
[انظر :أعيان الشيعة-17/453 : الشيعة [الحدائق .].1/167 :ومن بعده محسن المين الذي جعلها خمسا
[وهو شخيهم عبد ال بن صالح البحراني في كتابه منية ،].458وصنف ثالث توسط فجعلها ثلثا وأربعين
[وهو شيخهم عدبال السماهيجي (انظر :روضات الجنات].)1/36 : الممارسين ،انظر :الحدائق ].1/167أو أربعين
أو تسعا وعشرين [وهو :الخوانساري .انظر :المصدر السابق 1/36وما بعدها.].
والتقليل من الخلف يعود إلى أنهم يرجعون بعض المسائل إلى بعض ،أو يحكمون بأن المر
فيه خلف عند هؤلء وهؤلء ،فل يعتبر حينئذ خلفا بين طرفين ،أو أن الخلف ليس بخلف
حقيقي كخلفهم حول الجماع الذي يثبته الصوليون وينكره الخباريون ،ولكن شيخهم
البحراني يعتبر هذا ليس بخلف ثابت؛ لن الجماع وإن ذكره المجتهدون (الصوليون) في
المكتب الصولية وعدوه في جملة الدلة ..إل أنك تراهم في مقام التحقيق في الكتب الستدللية
يناقشون في ثبوته وحصوله وينازعون في تحققه ووجود مدلوله حتى يضمحل أثره بالكلية
[الحدائق.].1/168 :
[انظر هذه المسائل في :مقتبس الثر للحائري 3/296 :وما وليس الغرض هنا بسط مسائل الخلف بينهم
بعدها ،الخوانساري /روضات الجنات ،1/36 :البحراني /الحدائق 1/167 :وما بعدها ،الكشكول ،389-2/386 :محمد
صادق بحر العلوم /دليل القضاء الشرعي أصوله وفروعه ،26-3/22 :محسن المين /أعيان الشيعة،458-17/453 :
عز الدين بحر العلوم /التقليد ص 95 :وما بعدها ،الغريفي /الجتهاد والفتوى :ص .99
هذا وقد ذكر بعضهم بأن أهم النقاط التي جرى فيها الخلف هي أربع ،إحداها :تنويع الحديث إلى صحيح ،وحسن،
وموثق ،وضعيف ،حيث قرره الصوليون ومنعه الخباريون ،والثانية :مسألة التقليد فالصوليون ل يجوزون تقليد
الميت ،ولكن الخباريين يجوزونه ،وثالثها ،ورابعها :الجماع والعقل حيث قال الصوليون بالحتجاج بهما بعد
الكتاب والسنة ،ومنع ممن ذلك الخباريون (انظر :الغريفي /الجتهاد والفتوى :ص ].)99وإنما الشارة إلى
انقسام الشيعة على نفسها إلى حزبين متعاديين متنازعين في أصول الستدلل وغيرها ،وإن
حاول بعضهم أن يخفف من هذا ..وهنا أشير إلى أن الخلف الذي وقع بين هاتين الفرقتين من
الثني عشرية قد كشف أمورا كثيرة من حقائق المذهب بحكم ارتفاع التقية في صولة النزاع،
وما كانت لتبين لو لم يكن هذا الخلف.
77
[وقد استفدت وإن دراسة واعية متأنية للخلف بين الطرفين لتكشف الكثير من أسرار المذهب
مما جرى من خلف بينهما في فصل :قولهم في السنة ،وفصل الجماع.].
الباب الول
اعتقادهم في مصادر السلم
وفيه ثلثة فصول:
وثلثة فصول:
الفصل الول :عقيدتهم في كتاب ال.
الفصل الثاني :عقيدتهم في السنة.
الفصل الثالث :عقيدتهم في الجماع.
الفصل الول
اعتقادهم في القرآن الكريم
في هذا الفصل نتناول -بمشيئة ال -أقوال الشيعة التي تبين اعتقادهم في كتاب ال سبحانه،
فنعرض -أولً -لمذهبهم في حجية القرآن وخروجهم في هذا المر عما أجمع عليه
المسلمون ،وذلك بقولهم :إن القرآن ليس بحجة إل بقيم (هو أحد الثني عشر) ،وكذا قولهم :إن
علم القرآن عند الئمة ،وقد اختصوا بمعرفته ل يشركهم فيه أحد ،وكذا زعمهم بأن قول المام
يخصص عام القرآن ،ويقيد مطلقه ..إلخ.
ثم نعرض -ثانيا -لعقيدتهم في تأويل القرآن ،ونتناول فيه قولهم :بأن للقرآن معاني باطنة
ل يعرفها إل الئمة ،وقولهم الخر :بأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم.
ثم نتناول -ثالثا -عقيدتهم في نص القرآن وندرس هل الشيعة تقول بنقص القرآن وتغييره؟
هذا والشيعة تقول بأن القرآن مخلوق ،حيث اقتفت أثر المعتزلة في ذلك ،وسنتناول هذه
المسألة في فصل عقيدتهم في السماء والصفات -إن شاء ال.-
كما أن للشيعة دعوى شائعة في كتبها ،ولم أر من خصها بدراسة ،أو إشارة ،وهي دعواهم
تنزّل كتب إلهية على الئمة ،وقد خفيت هذه المسألة حتى رأيت من الباحثين من خلط بينها
وبين ما ينسب للشيعة من قولهم بتحريف القرآن كجولد سيهر ،ومحب الدين الخطيب ،وإحسان
إلهي ظهير.
وكذلك تدعي الشيعة بأن عند أئمتها جميع الكتب التي نزلت على النبياء.
78
وسنعرض لهذه المسألة والتي قبلها في مبحث «اليمان بالكتب» والذي هو أحد أركان
اليمان .وإنما أشرت إليها هنا حتى يتسنى تصور عقائدهم المتعلقة بكتاب ال في مكان واحد،
وقد أرجأت الحديث على المسائل الثلث للموضعين المذكورين ،لنهما بهما أولى -فيما يظهر
.-
هذا وعقائد الشيعة الثني عشرية في كتاب ال بهذه الصورة لم تنل العناية ممن تناول مسألة
الشيعة -حسب اطلعي -وقد أكثر المعاصرون من الحديث عن مسألة واحدة وهي ما يقال
عن الشيعة من قولهم بنقص القرآن وتغييره.
وسنرى أيضا أن هذه القضية لم تسلم من الخلط والتعميم انسياقا وراء ما قاله غلة الشيعة
في هذه المسألة؛ وال المستعان.
المبحث الول
اعتقادهم في حجية القرآن
سنقسم هذا المبحث إلى مسائل ثلث :الولى :قولهم :إن القرآن ليس بحجة إل بقيم ،والثانية
:حصر علم القرآن ومعرفته بالئمة ،والثالثة :زعمهم بأن قول المام يخصص عام القرآن،
ويقيد مطلقه ..إلخ.
المسألة الولى :اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إل بقيم:
أثناء مطالعتي في كتب الشيعة رأيت هذه المسألة يؤكد عليها في أكثر من كتاب من كتبهم
المعتمدة عندهم ،وما كان يخطر بالبال أن تذهب طائفة من الطوائف التي تزعم لنفسها السلم
إلى القول" :بأن القرآن ليس حجة" وال يقول -لمن طلب آية تدل على صدق الرسول :-
عَل ْيهِمْ} [العنكبوت ،آية..].51 :
ب ُيتْلَى َ
{َأوَ َل ْم يَكْ ِفهِمْ َأنّا أَنزَ ْلنَا عَ َليْكَ الْ ِكتَا َ
فالقرآن العظيم هو الشاهد والدليل والحجة ،ولكن شيخ الشيعة ومن يسمونه بـ"ثقة السلم"
(الكليني) يروي في كتابه :أصول الكافي والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة
[انظر :فصل "اعتقادهم في السنة" من هذا الكتاب ].يروي ما نصه ..." :أن القرآن ل يكون حجة إل بقيم:
وأن عليا كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة ،وكان الحجة على الناس بعد رسول ال"
[أصول الكافي.].1/188 :
[رجال الكشي :ص كما توجد هذه المقالة أيضا في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي
،].420وعلل الشرائع [الصدوق /علل الشرائع :ص ،].192والمحاسن [البرقي /المحاسن :ص ،].268
ووسائل الشيعة [الحر العاملي /وسائل الشيعة ،].18/141 :وغيرها.
79
فماذا يعنون بهذه العقيدة :أيعنون بذلك أن النص القرآني ل يمكن أن يحتج به إل بالرجوع
لقول المام؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول المام ل قول الرحمن ،أم يعنوان أن القرآن ل
يؤخذ بنظامه إل بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي
هذا الحتمال وهو قولهم" :فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ ،والقدري ،والزنديق
[الحر الذي ل يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن ل يكون حجة إل بقيم"
العاملي /وسائل الشيعة.].18/141 :
ومعنى هذا أن قول المام هو أفصح من كلم الرحمن ،ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة
في قول المام لنه القدر على البيان من القرآن ،ولهذا سموه بالقرآن الصامت وسمو المام
[الحر بالقرآن الناطق ،ويروون عن علي أنه قال" :هذا كتاب ال الصامت وأنا كتاب ال الناطق"
العاملي /الفصول المهمة :ص .].235وقال" :ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه "...
[أصول الكافي.].1/61 :
[البحار ،37/209 :الطبرسي /الحتجاج :ص ويقولون -في رواياتهم " :-وعليّ تفسير كتاب ال"
،33-31البروجودي /تفسير الصراط المستقيم ،].30/20 :ومرة أخرى يدعون بأن الئمة هم القرآن نفسه
ي أُنزِلَ مَ َعهُ }..يقولون :النور :علي والئمة عليهم السلم
[ولهذا نجدهم يفسرون قوله سبحانه ..{ :وَا ّتبَعُواْ النّورَ الّذِ َ
علَيْهِ ْم آيَاتُنَا َبيّنَاتٍ
(فالئمة بناء على هذا أنزلوا من السماء إنزالً) الكافي ،1/194 :ويفسرون قوله تعالىَ { :وإِذَا ُتتْلَى َ
ن لِي َأنْ ُأبَ ّدلَ ُه مِن ِت ْلقَاءِ َن ْفسِي ِإنْ َأتّبِ ُع ِإلّ مَا
غيْ ِر هَـذَا أَ ْو بَ ّدلْهُ قُ ْل مَا يَكُو ُ
ن َ
ن لَ َيرْجُونَ ِلقَا َءنَا ا ْئتِ ِب ُقرْآ ٍ
قَا َل الّذِي َ
يُوحَى ِإ َليّ} [يونس :آية .]15
غ ْيرِ هَـذَا أَ ْو بَ ّدلْهُ} يعني :أمير المؤمنين.
يقولون{ :ا ْئتِ ِب ُقرْآنٍ َ
(انظر :تفسير العياشي ،2/120 :أصول الكافي ،1/419 :تفسير البرهان ،2/180 :تفسير نور الثقلين ،2/296 :تفسير
القمي ،1/310 :بحار النوار.)36/80 :
ومثل ذلك تفسيرهم لقولهم تعالى{ :أَ ْم َيقُولُونَ َتقَ ّولَهُ بَل ل يُ ْؤ ِمنُونََ ،ف ْليَ ْأتُوا بِحَدِيثٍ ّم ْثلِهِ إِن كَانُوا صَا ِدقِينَ} [الطور:
آية.]34 ،33 :
جاء في تفسير القمي{ :أَ ْم َيقُولُونَ َتقَ ّولَهُ} يعني :أمير المؤمنين {بَل ل يُؤْ ِمنُونَ} أنه لم يتقوله ولم يقمه برأيه ،ثم
قالَ { :فلْ َيأْتُوا بِحَدِيثٍ ّم ْثلِهِ} أي :رجل مثله من عند ال {إِن كَانُوا صَادِقِينَ}( .انظر :تفسير القمي ،2/333 :البحراني/
البرهان في تفسير القرآن ،4/242 :بحار النوار )36/85 :ومثل ذلك كثير ،].وحينا يزعمون بأن القرآن لم
يفسر إل لرجل واحد هو علي [أصول الكافي .].1/250 :وما ندري لم يكون علي قيم القرآن وهو
القرآن نفسه؟! وإذا كان هو القرآن أو القيم عليه فلماذا يفسر له ،وكيف يفسر له وهو تفسيره؟!
إنها أقوال يضرب بعضها بعضا ،وهي برهان أكيد على أنها من وضع زنديق أراد إفساد دين
المسلمين ،وكيف يقال مثل ذلك في كتاب أنزله ال سبحانه وتعالى ليكون هداية للناس {إِنّ هَـذَا
ن ِيهْدِي لِّلتِي ِهيَ أَ ْقوَمُ} [السراء ،آية.].9 :
الْ ُقرْآ َ
80
قال الخليفة الراشد علي -رضي ال عنه " :-كتاب ال فيه نبأ ما قبلكم ،وخبر ما بعدكم،
وحكم ما بينكم ،هو الفصل ليس بالهزل ،من تركه من جبار قصمه ال ،ومن ابتغى الهدى في
غيره أضله ال ،وهو حبل ال المتين ،وهو الذكر الحكيم ،وهو الصراط المستقيم ،وهو الذي ل
تزيغ به الهواء ،ول تلتبس به اللسن ،ول تنقضي عجائبه ،ول يشبع منه العلماء ،من قال به
[قال ابن صدق ،ومن عمل به أجر ،ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"
كثير في تعليقه على هذا الخبر" :وقد وهم بعضهم في رفعه ،وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلم أمير المؤمنين
علي -رضي ال عنه –"( .انظر :ابن كثير /فضائل القرآن :ص .)15وقد أخرجه مرفوعا الترمذي ،في ثواب
القرآن ،باب ما جاء في فضل القرآن رقم ( ،4/172 :)2906والدارمي في سننه ،كتاب فضائل القرآن ،باب فضل
القرآن ص ،831:ورواه المام أحمد في مسنده 2/703 :رقم (( ،)704تحقيق أحمد شاكر).
والحديث في سنده مقال .قال الترمذي" :هذا حديث ل نعرفه إل من هذا الوجه ،وإسناده مجهول ،وفي الحارث
(أحد رجال السند) مقال"( .انظر :الترمذي ،)4/172 :وقال الحافظ ابن العربي المالكي :وحديث الحرث ل ينبغي أن
يعول عليه( .انظر :عارضة الحوذي .)11/30 :قال الشيخ أحمد شاكر :إسناده ضعيف جدا من أجل الحارث( .انظر:
المسند )2/704وقال الشيخ اللباني :إسناده ضعيف ،فيه الحارث العور ،وهو لين ،بل اتهمه بعض الئمة بالكذب،
ولعل أصله موقوف على علي -رضي ال عنه -فأخطأ الحارث فرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم (انظر:
اشرح الطحاوي ،الطبعة التي خرج أحاديثها اللباني ص )68 :وهذا الثر مروي عن علي في كتب الشيعة :انظر:
تفسير العياشي ،1/3 :البرهان ،1/7 :تفسير الصافي ،1/15 :بحار النوار.]. 19/7 :
وقال ابن عباس -رضي ال عنه :-تضمن ال لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أل يضل في
[انظر :تفسير ل َيضِلّ وَ َل َيشْقَى}
الدنيا ول يشقى في الخرة ،ثم قرأ هذه اليةَ { :فمَنِ ا ّتبَعَ ُهدَايَ َف َ
ابن جرير الطبري.].16/225 :
ومسألة أن كتاب ال هو الحجة والمام ل تحتاج إلى بسط الدلة ،والتوسع في إقامة
البراهين ،ولقد آثرنا فيما عرضنا من دليل أن نأخذه من كتاب ال سبحانه ،ومما جاء عن بعض
أهل البيت في مصادر أهل السنة .وقبل أن ننهي الحديث في هذه القضية نشير إلى ما ينقضها
من كتب الشيعة نفسها كبرهان على تناقضهم ،كما نشير إلى الهدف من وضع تلك المقالة.
ففي بعض مصادرهم المعتمدة جاء النص التالي" :ذكر الرضا -رضي ال عنه -يوما
[كذا القرآن فعظم الحجة فيه ..فقال :هو حبل ال المتين وعروته الوثقى ..جعل دليل البرهان
وردت في المصدر المنقول عنه ،وقد تكون صوابها «الحيران» لن البرهان ل يحتاج إلى دليل ].وحجة على كل
[انظر( :المجلسي /البحار: إنسان ،ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
،92/14ابن بابويه /عيون أخبار الرضا.].2/130 :
81
وفي نص آخر لهم .." :فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ،فعليكم بالقرآن ،فإنه
شافع مشفع ،من جعله أمامه قاده إلى الجنة ،ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ،وهو الدليل يدل
على خير سبيل[ "..انظر :تفسير العياشي ،1/2 :البحار.].92/17 :
[لقد شك في صحة نسبة الكتاب إلى علي النقاد قديما وحديثا .قال الذهبي: وفي نهج البلغة المنسوب لعلي
"ومن طالع نهج البلغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي -رضي ال عنه –" ،ثم بين علمات ذلك( .انظر:
ميزان العتدال ،3/124 :ترجمة الشريف المرتضى) .وسيأتي -إن شاء ال -حديث عنه في فصل السنة ،وذكر
للمصادر الناقدة له - .].رضي ال عنه -والذي هو عند الشيعة :ل يأتيه الباطل من بين يديه ول
[ذكر الهادي كاشف الغطا (أحد شيوخ الشيعة المعاصرين) أن إنكار نسبته إلى علي يعد عندهم من إنكار من خلفه
الضروريات .وقال" :إن جميع ما فيه حاله كحال ما يروى عنه النبي -صلى ال عليه وآله وسلم –" .انظر :مدارك
نهج البلغة ص ].190 :جاء النص التالي" :فالقرآن آمر زاجر ،وصامت ناطق ،حجة ال على
خلقه[ "..نهج البلغة ص ،265:تحقيق صبحي الصالح ،البحار.].92/20 :
ولهذه النصوص شواهد أخرى وهي تكشف لنا مدى التناقض والضطراب الواقع في
مصادر هؤلء القوم؛ فرواياتهم -كما ترى -يعارض بعضها بعضا ،لكنهم في حالة التناقض
تلك قد وضعوا لهم منهجا خطيرا وهو الخذ بما خالف العامة -وهم أهل السنة عندهم -كما
سيأتي تفصيل ذلك في معتقدهم في الجماع -فيأخذون بالجانب الشاذ عن الجماعة ،وإن جاء
نص يخالفه ،وإن استيقظ شيخ من شيوخهم واستمع إلى نداء الحق وأعلن مخالفته لضللهم قالوا
في ذلك كله :تقية -كما سيأتي في مبحث التقية .-
والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يلحظ أنها من وضع عدو حاقد أراد أن
يصد الشيعة عن كتاب ال سبحانه ،ويضلهم عن هدى ال ،فما دامت تلك المقالة ربطت حجية
القرآن بوجود القيم ،والقيم هو أحد الئمة الثني عشر؛ لن القرآن فسر لرجل واحد وهو علي،
وقد انتقل علم القرآن من علي إلى سائر الئمة الثني عشر ،كل إمام يعهد بهذا العلم إلى من
بعده ،حتى انتهى إلى المام الثاني عشر [سنبين هذا بالتفصيل -إن شاء ال -في فصل السنة ].وهو
غائب مفقد عند الثني عشرية منذ ما يزيد على أحد عشر قرنا ،ومعدوم عند طوائف من
الشيعة وغيرهم..
فما دامت هذه المقالة ربطت حجية القرآن بهذا الغائب أو المعدوم فكأن نهايتها أن الحتجاج
بالقرآن متوقف لغياب قيمه أو عدمه ،وأنه ل يرجع إلى كتاب ال ،ول يعرج عليه في مقام
الستدلل ؛ لن الحجة في قول المام فقط ،وهو غائب فل حجة فيه حينئذ ،ولذلك فإن طائفة
[يعني: الخبارية من الثني عشرية "أنكروا -كما يعترف شيوخ الثني عشرية -الدلة الثلثة
82
الجماع ،والعقل ،والقرآن الكريم ].بما فيها القرآن الكريم ،وخصوا الدليل بالواحد أعني الخبار فلذلك
[انظر :التقليد في الشريعة السلمية ص ،93 :وقد مضى الحديث عن ذلك ص)143( : سمو بالسم المذكور"
من هذه الرسالة.].
وحسبك بهذا ضلل ،وإضلل عن صراط ال ...وتلك ليست هي نهاية التآمر على كتاب
ال ،وعلى الشيعة ،ولكنها حلقة من حلقات ،ومؤامرة ضمن سلسلة مؤامرات طوحت بالشيعة
بعيدا عن جماعة المسلمين ،وهي مقدمة ،أو إرهاص لبدء المحاولة في تفسير كتاب ال على
غير وجهه ،وزعمهم أن هذا هو ما جاء عن القيم والمام من أهل البيت ،والحجة فيه ل في
غيره ،وهو الناطق عن القرآن ،والمبين له ..ول حجة في القرآن إل به.
المسألة الثانية :اعتقادهم بأن الئمة اختصوا بمعرفة القرآن ل يشركهم فيه أحد:
فإنه مما علم من السلم بالضرورة أن علم القرآن لم يكن سرا تتوارثه سللة معينة ،ولم
يكن لعلي اختصاص بهذا دون سائر صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأن الصحابة
رضوان ال عليهم هم الطليعة الولى الذين حازوا شرف تلقي هذا القرآن عن رسول البشرية
محمد بن عبد ال ونقله إلى الجيال كافة ..ولكن الشيعة تخالف هذا الصل وتعتقد أن ال
سبحانه قد اختص أئمتهم الثني عشرية بعلم القرآن كله ،وأنهم اختصوا بتأويله ،وأن من طلب
علم القرآن من غيرهم فقد ضل.
وتذكر بعض مصادر أهل السنة بأن بداية هذه المقالة ،وجذورها الولى ترجع لبن سبأ فهو
القائل" :بأن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي" [الجوزجاني /أحوال الرجال ص ].38 :وقد
استفاض ذكر هذه المقالة في كتب الثني عشرية بألوان الخبار وصنوف الروايات:
-1جاء في أصول الكافي في خبر طويل عن أبي عبد ال قال" :إن الناس يكفيهم القرآن ولو
وجدوا له مفسرا ،وإن رسول ال -صلى ال عليه وآله -فسره لرجل واحد ،وفسر للمة شأن
ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب [أصول الكافي ،1/25 :وسائل الشيعة.].18/131 :
-2وجاء في طائفة من مصادر الشيعة المعتمدة لديهم أن رسول ال -صلى ال عليه وآله
-قال" :إن ال أنزل علي القرآن وهو الذي من خالفه ضل ،ومن يبتغي علمه عند غير علي
[وسائل الشيعة ،18/138 :وانظر :بحار النوار ،19/23 ،7/302 :الطبري (الرافضي) /بشارة المصطفى ص: هلك"
،16أمالي الصدوق ص.].40 :
-3وزعمت أيضا كتب الشيعة أن أبا جعفر قال :يا قتادة ،أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال :هكذا
يزعمون ،فقال أبو جعفر -رضي ال عنه " :-بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة :نعم -
[الكافي ،كتاب الروضة ،12/415 :رقم إلى أن قال -:ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به"
83
(( )485المطبوع مع شرح جامع للمازنداني) ،وسائل الشيعة ،18/136 :تفسير الصافي ،22-1/21 :البرهان في
تفسير القرآن ،1/18 :بحار النوار.].238-24/237 :
-4وفي تفسير فرات .." :إنما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أنزل ،فإذا احتاجوا إلى
تفسيره فالهتداء بنا وإلينا" [تفسير فرات ص ،91:وسائل الشيعة.].18/149 :
ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدا ،ولو ذهبت أنقل ما بين يدي منها لستغرق مجلدا.
ففي الكافي مجموعة من البواب كل باب يتضمن طائفة من أخبارهم في هذا الموضوع مثل:
باب "أن الئمة -رضي ال عنهم -ولة أمر ال وخزتة علمه" [أصول الكافي.].1/192 :
باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم هم الئمة [المصدر السابق.].1/210 :
باب أن من وصفه ال تعالى في كتابه بالعلم هم الئمة [المصدر السابق.].1/212 :
باب أن الراسخين في العلم هم الئمة [المصدر السابق.].1/213 :
باب أن الئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم [المصدر السابق.].1/213 :
أما صاحب البحار فقد ضرب بسهم وافر -كعادته -في هذا المضار ،ومن أبوابه في ذلك:
باب أنهم أهل علم القرآن ،وذكر في هذا الباب ( )54رواية [البحار.].205-23/188 :
وباب أنهم خزان ال على علمه وفيه ( )14رواية [المصدر السابق.].26/105 :
كما ذكر أيضا طائفة من روايات هذا الموضوع ضمن:
"باب أنهم ل يحجب عنهم علم السماء والرض" [المصدر السابق.].26/109 :
وباب أنهم ل يحجب عنهم شيء [المصدر السابق.].26/137 :
وفي وسائل الشيعة للحر العاملي "باب عدم جواز استنباط الحكام من ظواهر القرآن إل بعد
[وسائل معرفة تفسيرها من كلم الئمة -رضي ال عنهم -فيه ثمانون حديثا من أحاديثهم"
الشيعة.].152-18/129 :
[الحر وفي الفصول المهمة في أصول الئمة "باب أنه ل يعرف تفسير القرآن إل الئمة"
العاملي /الفصول المهمة ص.].173 :
وفي تفسير الصافي يخصص إحدى مقدمات تفسيره لهذه القضية وهي" :المقدمة الثانية في
[تفسير الصافي: ُنبَذْ مما جاء في أن علم القرآن كله إنما هو عند أهل البيت -رضي ال عنهم –"
.].1/19
أما صاحب مقدمة البرهان فيقول" :الفصل الخامس في بيان ما يدل على أن علم تأويل
القرآن بل كله عند أهل البيت -عليهم السلم –" [مقدمة البرهان :ص .].15ويذكر في هذا الفصل
84
طائفة من أخبارهم في هذه المسألة ،ثم يقول" :أقول :والخبار في هذا الباب أكثر من أن
تحصى" [المصدر السابق :ص .].16
ولو ذهبنا نستقصي الكتب الشيعية التي تعرضت لهذا لطال بنا المقام؛ لن هذا من أصولهم،
قال أحد آياتهم [وهو حسين البروجردي من شيوخهم المعاصرين" :].اعلم أن علم القرآن مخزون عند
أهل البيت وهو مما قضت به ضرورة المذهب" [تفسير الصراط المستقيم.].
ومن العجب أنهم بدعواهم أن علم القرآن عند الئمة نسبوا إلى الئمة علم كل شئ ،فيقول
أبو عبد ال -كما يزعمون " :-إني لعلم ما في السموات وأعلم ما في الرضين ،وأعلم ما
في الجنة ،وأعلم ما في النار ،وأعلم ما كان وما يكون ،ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على
من سمعه فقال :علمت ذلك من كتاب ال أن ال يقول :فيه تبيان كل شيء" [البحار.].26/111 :
لحظ أن هذا النص الذي يزعم صاحبه -ونبرئ جعفرا منه ،فإمامته ودينه ينفيان ذلك عنه
-العلم بكل شيء يجهل أقرب الشياء لديه ..حيث إن القرآن ليس فيه (تبيان كل شيء) وإنما
شيْءٍ} [النحل ،آية .].89 :وهو يزعم أن هذه آية من القرآن،
هذا تحريف لقول تعالى{ :تِ ْبيَانًا لّ ُكلّ َ
ففضحه ال بذلك ..وهذا برهان أن هذه النصوص من وضع ملحد اندسّ في صفوف المسلمين
للكيد للسلم وأهله.
مناقشة هذه المقالة ونقدها:
أ -مناقشة النصوص:
كما يلحظ القارئ أنه ل يسمح المقام بجمع نصوصهم في هذه المسألة لكثرتها ،إذ جمعها
ونقدها يستغرق صحفات كثيرة ..وحسبنا أننا ذكرنا بعض المثلة عليها ،إذ كلها تحوم حول
معنى واحد ،هو اختصاص الئمة الثني عشرية بعلم القرآن ،وأنه مخزون عندهم ،وبه يعلمون
كل شيء..
وسنتوقف عند كل نص عرضناه لنناقشه ونحلله ..ثم نعود لصل المقالة وننقدها:
النص الول( :الذي يقول بأن الرسول لم يبين القرآن إل لعلي.)...
س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} [النحل ،آية ].44 :وكتب
ال سبحانه يقول{ :وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ
الشيعة تقول -كما سلف :-ليست من وظيفة الرسول بيان القرآن للناس ،وإنما مهمته بيان
"شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب" أما بيان القرآن للناس وتفسيره فهو رسالة علي ل
محمد [انظر نص ص.].)162( :
وكلم الثني عشرية هنا يذكر بكلم فرقة من فرقة الغلة وهم الغرابية التي قالت :إن محمدا
صلى ال عليه وسلم كان أشبه بعلي من الغراب بالغراب ،وأن ال عز وجل بعث جبريل عليه
85
[ابن حزم /الفصل: السلم بالوحي إلى علي فغلط جبريل عليه السلم وأنزل الوحي على محمد
،5/42وانظر :البغدادي /الفرق بين الفرق ص ،250 :السفراييني /التبصير في الدين :ص ،74ابن المرتضى/
المنية والمل ص ،30 :الملطي /التنبيه والرد ص 158 :وسماها (الجمهورية).].
ما الفرق بين هذه المقالة ،ونص الثني عشرية؟! إن الثني عشرية أعطوا عليا الرسالة بدون
دعوى الغلط ،وزعموا أن رسالة النبي صلى ال عليه وسلم التعريف بعلي فقط.
وأترك للقارئ تدبر بقية المعاني ،فهي ناطقة بذاتها.
النص الثاني:
يقول بأن من ابتغى علم القرآن عند غير علي فقد هلك [انظر نصه ص.].)163( :
أقول :من ابتغى علم القرآن من القرآن ،أو من سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم ،أو من
صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم بما فيهم علي فقد اهتدى ،والقول بأن من طلب علم
القرآن عند غير علي هلك ليس من دين السلم ،وهو مما علم بطلته من السلم بالضرورة،
فلم يخص النبي صلى ال عليه وسلم أحدا من الصحابة بعلم من الشريعة دون الخرين .قال
س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} فالية تدل على أن البيان للناس وليس
تعالى{ :وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ
لفرد أو طائفة منهم ولو كان أهل بيته.
وقد نفى أمير المؤمنين علي أن يكون قد خصه رسول ال صلى ال عليه وسلم بعلم دون
الناس [تقدم الشارة لهذا الحديث ،وتخريجه من كتب السنة :ص.].)79( :
وقد خاطب النبي صلى ال عليه وسلم الصحابة ،ومن بعدهم ،ورغبهم في تبليغ سنته ولم
يخص أحدا منهم فقال -كما يروي زيد بن ثابت وغيره " :-نضر ال امرءا سمع منا حديثا
فحفظه حتى يبلغه غيره ،فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ،ورب حامل فقه إلى من هو أفقه
[أخرجه أحمد ،5/183 :واللفظ له ،والدارمي /مقدمة ،باب القتداء بالعلماء ،1/73 :و أبو داود ،كتاب العلم، منه"...
باب فضل نشر العلم ،69-4/68 ،وابن ماجه ،المقدمة ،باب من بلغ علما ،1/84 :والترمذي في كتاب العلم ،باب ما
جاء في الحث على تبليغ السماع ،34-5/33 :وابن حبان في صحيحه (انظر :موارد الظمآن ،كتاب العلم ،باب رواية
الحديث لمن فهمه ولمن لم يفهمه ص ،)47 :قال ابن حجر في تخريج المختصر :حديث زيد بن ثابت هذا صحيح
خرجه أحمد وأبو داود ،وابن حبان ،وابن أبي حاتم ،والخطيب ،وأبو نعيم ،والطيالسي ،والترمذي ،وفي الباب عن
معاذ بن جبل ،وأبي الدرداء ،وأنس وغيرهم.
(انظر :فيض القدير .)6/285 :وقد ذكره اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ،690-1/689 :وللشيخ عبد
المحسن العباد دراسة حول هذا الحديث بعنوان" :دراسة حديث نضر ال امرءا سمع مقالتي" رواية ودراية ].وقد
[انظر :أصول الكافي ،1/403 :الحر العاملي /وسائل روت هذا الحديث كتب الثني عشرية المعتمدة
الشيعة ].18/63 :فيكون حجة عليها.
86
أما النص الثالث:
فهو يدعي أن القول لم يخاطب به سوى الئمة الثني عشر ،ومن هنا فل يعرف القرآن
سواهم (إنما يعرف القرآن من خوطب به) [انظر :ص ( ،].)134-133ولهذا يعتبر صحابة رسول
ال ،والتابعون وأئمة السلم على امتداد العصور قد (هلكوا وأهلكوا) بقيامهم بتفسير القرآن
وفق أصوله ،أو اعتقادهم أن في كتاب ال ما ل يعذر أحد بجهالته ،ومنه ما تعرفه العرب من
[روي هذا المعنى عن ابن عباس كلمها ،ومنه ما ل يعرفه إل العلماء ،ومنه ما ل يعلمه إل ال
(انظر :تفسير الطبري 1/76 :تحقيق وتخريج أحمد شاكر ،ومحمود شاكر ،وانظر :تفسير ابن كثير.].)1/5 :
فالشيعة تزعم أنه ل يعرف القرآن سوى الئمة ،وأنهم يعرفون القرآن كله.
وهذه دعوى تفتقر إلى الدليل ،وزعم يكذبه العقل والنقل ،وينقضه واقع التفسير عندهم -كما
سيأتي .-
النص الرابع:
يبين أن وظيفة الناس جميعا سوى الئمة الثني عشر هو قراءة القرآن فقط.
ول يجوز لحد أن يتولى منصب تفسير القرآن [انظر نصه ،].)134( :حتى ول رسول ال صلى
ال عليه وسلم لن وظيفته بيان "شأن ذلك الرجل ،"..كما أنه من باب أولى ليس لحد من
الصحابة والسلف والئمة أن يتولى شيئا من ذلك ،وإن احتاج أحد لتفسير آية فليرجع إلى من
عنده علم القرآن :إلى أئمتهم ..وماذا سيجد من يرجع إلى تفاسير الشيعة كتفسير القمي
والعياشي ،والبرهان ،وتفسير الصافي ،أو ما في الكافي ،والبحار من تفسير ليات القرآن
يزعمون نسبتها لئمتهم؟! .سيجد تأويلت باطنية ليس لها صلة بنص القرآن ،ول سياق اليات
ول معانيها ومفهوماتها ..كما سنرى نماذج من ذلك.
إن أوضح برهان في هذه الدعاوى هو واقع التفسير عند هؤلء القوم ،ثم إن النص المذكور
يدعو إلى العراض عن تدبر القرآن وفهم معانيه وهذا من الصد عن دين ال وشرعه ..ولعل
الدافع لوضع مثل هذه الروايات هو محاولة منع جمهور الشيعة من قراءة كتاب ال وتدبره
وفهمه لن في ذلك افتضاحا لكذب مؤسسي هذا المذهب وكشفا لضاليلهم وتعرية لمناهجهم
الباطنية في تأويل كتاب ال.
ب -نقد هذه المقالة:
تقوم هذه المقالة على أن الرسول صلى ال عليه وسلم أودع عليا علم القرآن ،وقد وجد لهذه
المقالة أصل في حياة أمير المؤمنين ،وأظهرت السبئية القول بأن عند علي غير ما عند الناس،
87
فنفىأمير المؤمنين ذلك نفيا قاطعا وقال" :والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إل ما في
القرآن إل فهما يعطى رجل في كتابه[ "...تقدم تخرجه ص - ].)79( :كما مر.-
ومما يجب أن يعلم أن النبي صلى ال عليه وسلم بيّن لصحابه معاني القرآن ،كما بيّن لهم
س مَا ُن ّزلَ ِإَل ْيهِمْ} [النحل ،آية ].44 :يتناول هذا وهذا .وقد قال أبو
ألفاظه ،فقوله تعالىِ { :ل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ
[مقرئ الكوفة المام العلم عبد ال بن حبيب بن ربيعة الكوفي ،من أولد الصحابة ،مولده عبد الرحمن السلمي
في حياة النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد أخذ القراءات عن عثمان ،وعلي ،وزيد ،وأبيّ ،وابن مسعود.
(انظر :الذهبي /سير أعلم النبلء ،4/267 :السيوطي /طبقات الحفاظ :ص .)19
وهو غير أبي عبد الرحمن السلمي شيخ الصوفية ،صاحب حقاق التفسير (ت )412الذي نسب إلى جعفر الصادق
ل في تأويل القرآن على طريقة الباطنية.
أقوا ً
وجعفر بريء من ذلك (انظر :ابن تميمة /منهاج السنة ،4/146 :والفتاوى ،243-13/242 :وانظر في ترجمة
السلمي الخير :الخطيب البغدادي /تاريخ بغداد ،249-2/248 :الذهبي ميزان العتدال" :].)3/523 :حدثنا الذين
كانوا يقرئوننا القرآن -كعثمان بن عفان ،وعبد ال بن مسعود وغيرهما -أنهم كانوا إذا تعلموا
من النبي صلى ال عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل،
[انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ،13/331 :وقد أخرجه قالوا :فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا"
الطبري في تفسيره ،1/80 :وقال المحقق في تعليقه على هذا الثر" :هذا إسناد صحيح متصل" .انظر :تفسير الطبري،
تحقيق وتعليق محمود شاكر ،وأحمد شاكر .وأخرجه الطبري 1/80 :عن طريق الحسين بن واقد ،حدثنا العمش عن
شقيق عن ابن مسعود قال :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
قال المحقق" :هذا إسناد صحيح" .وهو موقوف على ابن مسعود ،ولكنه مرفوع معنى؛ لن ابن مسعود إنما تعلم القرآن
من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فهو يحكي ما كان في ذلك العهد النبوي المنير (المصدر السابق )1/80وقال شعيب الرناؤوط" :رجاله ثقات".
انظر تعليقه على سير أعلم النبلء .]. 4/270 :ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة ،وذلك أن ال
تعالى قالِ { :كتَابٌ أَنزَ ْلنَاهُ إِ َليْكَ مُبَا َركٌ ّليَ ّد ّبرُوا آيَا ِتهِ} [سورة ص ،آية .].29 :وقال{ :أَفَل َيتَدَ ّبرُونَ
الْ ُقرْآنَ} [النساء ،آية ،82 :محمد ،آية ].24 :وقال{ :أَ َفلَ ْم يَ ّد ّبرُوا الْ َق ْولَ} [المؤمنون ،آية .].68 :وتدبر
عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ}
القرآن بدون فهم معانيه ل يمكن ،وكذلك قال تعالىِ{ :إنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ
[يوسف ،آية .].2 :وعقل القرآن متضمن لفهمه ،ومن المعلوم أن كل كلم فالمقصود منه فهم
معانيه دون مجرد ألفاظه ،فالقرآن أولى بذلك.
ولهذا لم تعد فئة من الشيعة تهضم هذه المقالة .وخرجت عن القول بكل ما فيها ،فقالت بأن
ظواهر القرآن ل يختص بعلمها الثنا عشر ،بل يشركهم غيرهم فيها ،أما بواطن اليات فمن
اختصاص الئمة .وقام خلف كبير حول حجية ظواهر القرآن بين الخبارين والصوليين،
فالفئة الولى ترى أنه ل يعلم تفسير القرآن كله ظاهره وباطنه إل الئمة ،والخرى ترى حجية
88
[تعرضت لهذه المسألة كثير من كتب التفسير ظواهر القرآن لعموم الدلة في الدعوة لتدبر القرآن وفهمه
وأصول الفقه عندهم .انظر :الخوئي /البيان :ص 263وما بعدها ،البروجردي /تفسير الصراط المستقيم 2/175 :وما
بعدها ،المظفر /أصول الفقه ،3/130 :الحكيم /الصول العامة للفقه المقارن :ص ،105-102الميثمي /قوامع
الفضول :ص .].298
إن دعوى أن القرآن لم يفسر إل لعلي هي مخالفة لقول ال سبحانه{ :وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ
س مَا ُن ّزلَ ِإَل ْيهِمْ وَلَ َعّلهُ ْم َيتَفَ ّكرُونَ} [النحل ،آية .].44 :فالبيان للناس ل لعلي وحده -كما
ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ
سبق .-فليس لمن قال بهذه المقالة إل أحد طريقين :إما القول بأن الرسول لم يبلغ ما أنزل
إليه ،وإما أن يكذب القرآن ،وهي مخالفة للعقل وما علم من السلم بالضرورة ،ودعوى أن علم
القرآن اختص به الئمة ينافيه اشتهار عدد كبير من صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم
بتفسير القرآن كالخلفاء الربعة ،وابن مسعود ،وابن عباس ،وزيد بن ثابت وغيرهم" .وكان
[انظر :ابن عطية /المحرر الوجيز ،1/19 :ابن علي -رضي ال عنه -يثني على تفسير ابن عباس"
جزي /التسهيل.].1/9 :
قال شيخ السلم ابن تيمية" :وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء ال بالسانيد الثابتة
ليس في شيء منها ذكر علي ،وابن عباس يروي من غير واحد من الصحابة؛ يروي عن عمر
وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وعن زيد بن ثابت وأبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وغير
واحد من المهاجرين والنصار .وروايته عن علي قليلة جدا ،ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئا
من حديثه عن علي ،وخرجوا حديثه عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم...
وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عن علي ،وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالثار
عن الصحابة والتابعين ،والذي منها عن علي قليل جدا ،وما ينقل من التفسير عن جعفر
الصادق عامته كذب على جعفر" [منهاج السنة.].4/155 :
ثم إن تعميم القول بأن الئمة يعلمون القرآن كله غلو فاحش ،ذلك أنه كما يقول ابن جرير
الطبري" :إن مما أنزل ال من القرآن ما ل يوصل إلى علم تأويله إل ببيان الرسول صلى ال
عليه وسلم وذلك تفصيل ما هو مجمل في ظاهر التنزيل ،وبالعباد إلى تفسيره الحاجة ،من
شرائع الدين؛ كأوامره ،ونواهيه ،وحلله ،وحرامه ،وحدوده ،وفرائضه .فل يعلم أحد من خلق
ال تأويل ذلك إل ببيان الرسول صلى ال عليه وسلم ،ول يعلمه رسول ال إل بوحي ال .ومنه
ما ل يعلم تأويله إل ال الواحد القهار ،وذلك ما فيه من أمور استأثر ال بعلمها؛ كوقت قيام
الساعة والنفخ في الصور ..ومنه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان العربي الذي نزل به
القرآن" [تفسير الطبري.].88-87 ،74-1/73 :
89
هذا وقولهم :إن علم القرآن انفرد بنقله علي يفضي إلى الطعن في تواتر شريعة القرآن من
الصحابة إلى سائر الجيال ،لنه لم ينقلها -على حد زعمهم -عن رسول ال إل واحد هو
علي..
وبعد :فهذه المقالة مؤامرة ،الهدف منها الصد عن كتاب ال سبحانه والعراض عن تدبره،
واستلهام هديه ،والتفكر في عبره ،والتأمل في معانيه ومقاصده .فالقرآن في دين الشيعة ل
وسيلة لفهم معانيه إل من طريقة الئمة الثني عشر ،أما غيرهم فمحروم من النتفاع به ،وهي
محاولة -أو حيلة -مكشوفة الهدف ،مفضوحة القصد؛ لن كتاب ال نزل بلسان عربي مبين
عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف ،آية{ ،].2 :هَـذَا َبيَانٌ
وخوطب به الناس أجمعون {ِإنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ
ظةٌ لّ ْل ُمتّقِينَ} [آل عمران ،آية .].138 :وأمر ال عباده بتدبره ،والعتبار
لّلنّاسِ وَهُدًى َو َموْعِ َ
بأمثاله ،والتعاظ بمواعظه ،ومحال أن يقال لمن ل يفهم ما يقال له ول يعقل تأويله :اعتبر بما
ل فهم لك به ول معرفة من البيان والكلم [انظر :تفسير الطبري.].1/82 :
وهي محاولة للصد عن ذلك العلم العظيم في تفسير القرآن ،والذي نقله إلينا صحابة رسول
ال والسلف والئمة ..فهذه الكنوز العظيمة ل عبرة بها ول قيمة لها في دين الشيعة ،لنها
ليست واردة عن الئمة الثني عشرية ،وقد صرح بذلك بعض شيوخهم المعاصرين فقال" :إن
[محمد رضا النجفي /الشيعة جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت ل قيمة لها ول يعتد بها"
والرجعة :ص .].19
والقيمة في كتب التفسير عندهم وحدها.
وإذا ذهبنا نبحث عن هذه القيمة في كتبهم فماذا نجد؟
لقد حولت كتب التفسير المعتمدة عندهم كتفسير القمي والعياشي والصافي والبرهان وكتب
الحديث كالكافي والبحار تأويلت لكتاب ال منسوبة لل البيت تكشف في الكثير الغالب عن
جهل فاضح بكتاب ال ،وتأويل منحرف لياته ،وتعسف بالغ في تفسيره ،ول يمكن أن تصح
نسبتها لعلماء آل البيت ،فهي تأويلت ل تتصل بمدلولت اللفاظ ،ول بمفهومها ،ول بالسياق
القرآني -كما سيأتي أمثلة ذلك -ومعنى ذلك -بناء على هذه العقيدة -أن هذا هو مبلغ علم
علماء آل البيت ،وفي ذلك من الزراية عليهم ،ونسبة الجهل إليهم الشيء الكثير من قوم
يزعمون محبتهم والتشيع لهم.
وأمر آخر أكبر وأخطر وهي أن تلك التأويلت ..هي علم القرآن ،ومعانيه ،وأنه ل معنى
للقرآن أعظم منها ،لنها خرجت من المصدر الصيل والوحيد والصحيح للتلقي .وهذا تهوين
من أمر القرآن وشأنه ،بل محاربة له وصد عنه بوسيلة ماكرة خبيثة.
90
المسألة الثالثة :اعتقادهم بأن قول المام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه..
[انظر :مسألة أن القرآن بناءً على اعتقاد الشيعة بأن المام هو قيم القرآن ،وهو القرآن الناطق
[العيبة :زبيل من أدم ،ومن الرجل موضع ليس بحجة إل بقيم ص ].)127( :وأنهم هم خزنة علم ال وعيبة
[انظر :أصول الكافي :باب أن الئمة ولة أمر ال وخزنة سره( .انظر :أصول الكافي( :الهامش) ].)1/192 :وحيه
علمه ،].1/192 :وأنه بوفاة الرسول صلى ال عليه وسلم لم يكمل التشريع ،بل إن بقية الشريعة
أودعها الرسول لعلي ،وأخرج علي منها ما يحتاجه عصره ،ثم أودع ما بقي لمن بعده ،وهكذا
إلى أن بقيت عند إمامهم الغائب [انظر :فصل السنة.].
بناءً على ذلك فإن مسألة تخصيص عام القرآن ،أو تقييد مطلقة ،أو نسخه هي مسألة لم تنته
بوفاة الرسول صلى ال عليه وسلم؛ لن النص النبوي ،والتشريع اللهي استمر ولم ينقطع بوفاة
[انظر: الرسول ،بل استمر عندهم إلى بداية القرن الرابع الهجري وذلك بوقوع الغيبة الكبرى
مسألة الغيبة في موضعها من هذه الرسالة .].والتي انتهت بها صلتهم بالمام ،وانقطع تلقي الوحي
اللهي عنه؛ لنهم يعتقدون "أن حديث كل واحد من الئمة الطاهرين قول ال عز وجل ،ول
اختلف في أقوالهم كما ل اختلف في قوله تعالى" [المازندراني /شرح جامع (علي الكافي) .].2/272 :
وقالوا :يجوز لمن سمع حديثا عن أبي عبد ال (يعنون جعفر بن محمد الصادق) أن يرويه
عن أبيه أو أحد أجداده؛ بل يجوز أن يقول :قال ال تعالى [المصدر السابق ].2/272 :فكان للمام -
في اعتقادهم -تخصيص القرآن أو تقييده أو نسخه ،وهو تخصيص أو تقييد أو نسخ للقرآن
بالقرآن ،لن قول المام كقول ال -كما يفترون .!!-
ذلك أنهم يرون -كما يقول أحد آياتهم في هذا العصر " :-أن حكمة التدريج اقتضت بيان
جملة من الحكام وكتمان جملة ،ولكنه -سلم ال عليه -أودعها عند أوصيائه :كل وصي
يعهد بها إلى الخر ،لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة :من عام مخصص ،أو
مطلق ،أو مقيد ،أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك ،فقد يذكر النبي عاما ويذكر مخصصة بعد برهة
[محمد حسين آل كاشف الغطا /أصول من حياته ،ول قد يذكره أصلً ،بل يودعه عند وصية إلى وقته"
الشيعة ص.].77 :
ومسألة النسخ والتخصيص والتقييد ...ليست إل جزءا من وظيفة المئة الكبرى وهي
(التفويض في أمر الدين) والتي يقررها صاحب الكافي في باب يعقده في هذا الشأن بعنوان:
"باب التفويض إلى رسول ال -صلى ال عليه وآله -وإلى الئمة -عليهم السلم -في أمر
الدين" [أصول الكافي.].1/265 :
91
فالئمة قد فوضوا في أمر هذا الدين ،كما فوض رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلهم حق
التشريع .تقول كتب الشيعة عن الئمة" :إن ال عز مجل ..فوض إلى نبيه صلى ال عليه وسلم
ع ْنهُ فَان َتهُوا} [الحشر ،آية .].7 :فما فوض إلى رسول
خذُوهُ َومَا َنهَا ُكمْ َ
فقالَ { :ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ فَ ُ
ال -صلى ال عليه وآله -قد فوضه إلينا" [أصول الكافي.].1/266 :
وقال أبو عبد ال -كما تزعم كتب الشيعة " :-ل وال ما فوض ال إلى أحد من خلقه إل
إلى رسول ال -صلى ال عليه وآله -وإلى الئمة .قال عز وجلِ{ :إنّا أَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الْ ِكتَابَ
[أصول س ِبمَا َأرَاكَ الّلهُ} [النساء ،آية .].105 :وهي جارية في الوصياء"
بِا ْلحَقّ ِلتَحْ ُك َم َبيْنَ النّا ِ
الكافي.].1/268 :
ثم إن الئمة هم مستودع علوم الملئكة والنبياء والرسل ،وعندهم جميع الكتب التي نزلت
[انظر :فصل السنة ،ومبحث من السماء ،كما تقرره كتبهم المعتمدة في روايات كثيرة كما سيأتي
"اليمان بالكتب" ..].فهذه المهام التشريعية هي من فيض هذه العلوم المخزونة عند الئمة.
أما التطبيق العلمي لهذه العقيدة فهو ذلك الكم الهائل من الروايات في مسائل العقيدة وغيرها،
والتي شذوا بها عن أئمة السلم .فمثلً ألفاظ الكفر والكفار والشرك والمشركين الواردة في
كتاب ال سبحانه ،والتي تعم كل من كفر بال وأشرك ..جاءت عندهم روايات كثيرة تخص هذا
[سيأتي شواهد لذلك في مبحث: العموم بالكفر بولية علي والشرك باتخاذ إمام معه -كما سيأتي –
أمثلة من تأويلت الشيعة ليات القرآن ،ومبحث توحيد اللوهية ].فخصصوا عموم الكتاب بل مخصص ،أو
حرفوا النصوص وزعموا أنه تخصيص ،واعتبروا مسألة المامة أخطر من الشرك والكفر ،بل
دليل من عقل أو نقل صحيح ،وخرجوا عن إجماع المسلمين ،وما تواتر من نصوص الدين،
[يوسف، عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ تَعْقِلُونَ}
وتجاهلوا حتى اللغة التي نزل بها القرآن العظيم {ِإنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ
آية.].2 :
وسنرى أمثلة كثيرة فيما سيأتي لهذا الضرب من التحريف.
نقد هذه العقيدة:
قد ختم ال سبحانه بمحمد صلى ال عليه وسلم الرسالت ،وأكمل برسالته الدين ،وانقطع
بموته الوحي .وهذه أمور معلومة من دين السلم بالضرورة .وهذه المقالة تقوم على إنكار هذه
الركان ،أو تنتهي بقائلها إلى ذلك ،وهذا بل شك نقض لحقيقة "شهادة أن محمدا رسول ال"
والتي ل يتم إسلم أحد إل باليمان بها.
92
ولعل المتأمل لهذه المقالة ،والمحلل لبعادها يدرك أن الهدف من هذه المقالة تبديل دين
السلم ،وتغيير شريعة سيد النام؛ إذ إن كلم ال سبحانه عرضة للتبديل والتغيير بناسخ ،أو
مخصص ،أو مقيد ،أو مبين ،أو عام يزعم شيوخ الشيعة نقله عن أئمتهم.
ولعل صورة التغيير تبدو بشكل أوضح وأجلى ،إذا أدركنا ما جبل عليه هؤلء القوم من
الكذب حتى جعلوه دينا وقربة -كما سيأتي [انظر :مسألة التقية" - ].ومن تأمل كتب الجرح
[انظر: والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف"
المنتقى :ص .].22وقد شهد طائفة من أئمة المسلمين بأنه لم ير أكذب وأشهد بالزور منهم ،وأنهم
يضعون الحديث ويتخذونه دينا ،وأن الناس كانوا يسمونهم بالكذابين ،ونهى أهل العلم عن أخذ
الحديث عن هؤلء الروافض [انظر :منهاج السنة ،17 ،1/16 :السيوطي /تدريب الراوي" ،].1/327 :بل في
[انظر :البحار،25/263 : كتب هؤلء نصوص تتضمن شكوى آل البيت من كذب هؤلء وبهتانهم"
الممقاني /تنقيح المقال( 1/174 :المقام الثالث من المقدمة) ،وانظر :رجال الكشي رقم،544 ،542 ،541 ،216 ،174 :
،1048 ،1047 ،1007 ،909 ،741 ،659 ،588 ،549وسيأتي ذكر بعض ذلك في "اعتقادهم في السنة".].
وهذه الدعوى تقوم على أن دين السلم ناقص ويحتاج إلى الئمة الثني عشر لكماله ،وأن
كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم لم يكمل بهما التشريع ..إذ إن بقية الشريعة مودعة
عند الئمة ،وأن رسول الهدى صلى ال عليه وسلم لم يبلغ ما أنزل إليه من ربه ،وإنما كتم
بعض ما أنزله إليه وأسره لعلي ..وكل ذلك كفر بال ورسوله ،ومناقضة لصول السلم ،قال
تعالى{ :ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ دِينَكُمْ وََأ ْت َممْتُ عَ َليْ ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َرضِيتُ لَكُمُ ا ِلسْلَمَ دِينًا} [المائدة ،آية.].3 :
شيْءٍ} [النحل ،آية ،].89 :وقال تعالىَ{ :لتُ َب ّينُ ّنهُ
ب ِتبْيَانًا لّ ُكلّ َ
ويقول سبحانهَ { :و َنزّ ْلنَا عَ َليْكَ ا ْل ِكتَا َ
ن مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْل َبيّنَاتِ
ن يَ ْك ُتمُو َ
لِلنّاسِ وَ َل تَ ْك ُتمُو َنهُ} [آل عمران ،آية ،].187 :وقال تعالى{ :إِنّ الّذِي َ
عنُونَ ،إِلّ الّذِينَ
ك يَل َعنُهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ الّل ِ
وَا ْلهُدَى مِن بَعْ ِد مَا َب ّينّاهُ لِلنّاسِ فِي ا ْل ِكتَابِ أُولَـئِ َ
تَابُواْ وََأصْلَحُواْ َوبَ ّينُواْ}[ ...البقرة ،اليتان.].160 ،159 :
وقد نسب المام الشعري هذه المقالة إلى الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية من
الشيعة -حسب تقسيمه -فهم الذين "يزعمون أن الئمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم
الملئكة ،وتظهر عليهم العلم والمعجزات ويوحى إليهم" [مقالت السلميين.].1/88 :
[انظر في دعوى الثني عشرية أن الئمة يوحى إليهم وهذه العقائد أصبحت من أصول الثني عشرية
وتهبط عليهم الملئكة :فصل السنة من هذا الكتاب ،وانظر في قول الثني عشرية بأن الئمة تظهر عليهم المعجزات:
مبحث اليمان بالنبياء من هذا الكتاب ،].لنها شربت مذاهب الغلة حتى الثمالة.
93
وقد أشار أبو جعفر النحاس (المتوفى سنة 338ه) إلى هذه المقالة ولم ينسبها لحد فقال:
"وقال آخرون :باب الناسخ والمنسوخ إلى المام ،ينسخ ما يشاء" [الناسخ والمنسوخ :ص ].8وعدّ
ذلك من عظيم الكفر ،ثم بين بطلنه بقوله" :لن النسخ لم يكن إلى النبي صلى ال عليه وسلم
إل بالوحي من ال -جل وعز -إما بقرآن مثله على قول قوم ،وإما بوحي من غير القرآن
عنِ الْهَوَىِ ،إنْ ُهوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم ،آية-3:
ق َ
[يعني سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم قال تعالى { :وَمَا َينْطِ ُ
،].]4فلما ارتفع هذان بموت النبي صلى ال عليه وسلم ارتفع النسخ [الناسخ والمنسوخ :ص .].9-8
المبحث الثاني
اعتقادهم في تأويل القرآن
وفيه مسألتان :الولى :اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر ،والثانية :قولهم بأن
جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم.
المسألة الولى :اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر:
وهذه المسألة قد أخذت بعدا كبيرا وخطيرا عند الشيعة ،حيث تحول كتاب ال عندهم بتأثير
هذا المعتقد إلى كتاب آخر غير ما في أيدي المسلمين ،وقد ذهب شيوخ الشيعة وفي تطبيق هذا
المبدأ شوطا بعيدا ،وقدم الشيعة مئات الروايات والتي تؤول آيات ال على غير تأويلها..
ونسبوها للئمة الثني عشر .وليس لهذا التأويل الباطني من ضابط ،ول له قاعدة يعتمد عليها..
وسيجد القارئ في تأويلهم ليات القرآن محاولة يائسة لتغيير هذا الدين وتحوير معالمه وطمس
أركانه.
فأركان الدين تفسر بالئمة ،وآيات الشرك والكفر تؤول بالشرك بولية علي وإمامته ،وآيات
الحلل والحرام تفسير بالئمة وأعدائهم ،وهكذا يخرج القارئ لهذه التأويلت بدين غير دين
السلم .وهذا الدين له ركنان أساسيان هما :اليمان بإمامة الثني عشر ،والكفر واللعن
لعدائهم.
جاء في أصول الكافي للكليني ما نصه .." :عن محمد بن منصور قال :سألت عبدا صالحا
[يعنون به موسى الكاظم والذي يعتبرونه إمامهم السابع (انظر :أصول الكافي :الهامش ].)1/374 :عن قول ال
ظ َه َر ِم ْنهَا َومَا بَطَنَ} [العراف ،آية .].33 :قال :فقال:
ش مَا َ
ح َ
حرّمَ َربّيَ الْ َفوَا ِ
عز وجلُ { :قلْ ِإ ّنمَا َ
إن القرآن له ظهر وبطن ،فجميع ما حرم ال في القرآن هو الظاهر ،والباطن من ذلك أئمة
[أصول الجور ،وجميع ما أحل ال تعالى في الكتاب هو الظاهر ،والباطن من ذلك أئمة الحق"
الكافي ،1/374 :النعماني /الغيبة :ص ،83تفسير العياشي.].2/16 :
94
تقرر هذه الرواية الواردة في أصح كتبهم الربعة مبدأ أن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر
مخالفة تامة ،وتضرب المثل بما أحل ال وحرم في كتابه من الطيبات ،والخبائث ،وأن المقصود
بذلك رجال بأعيانهم هم الئمة الثنا عشرية ،وأعداؤهم وهم كل خلفاء المسلمين ..وهذا التأويل
ل أصل له من لغة أو عقل ،أو دين ،وهو محاولة لتغيير دين السلم من أساسه ودعوة إلى
التحلل والباحية!!
وفي هذا النص الوارد في أصح كتبهم يظهر من خلله الدافع إلى القول بأن القرآن له ظهر
وبطن ،وهو أن كتاب ال سبحانه خل من ذكر أئمتهم الثني عشر ،ومن النص على أعدائهم،
وهذا المر أقضّ مضاجعهم ،وأفسد عليهم أمرهم ،وقد صرحوا بأن كتاب ال قد خل من ذكر
[انظر :تفسير العياشي ،1/13 :المجلي /البحار: الئمة فقالوا" :لو قرئ القرآن كما أنزل للفينا مسلمين"
،19/30هاشم البحراني /البرهان :ج 1ص .].22فلما لم يكن لصل مذهبهم وهو (المامة) والئمة ذكر
في كتاب ال قالوا بهذه المقالة لقناع أتباعهم ،وترويج مذهبهم بين الغرار والجهلة ،وحتى
يجعلوا لهذه المقالة القبول أسندوها -كعادتهم -لبعض آل البيت.
ومسألة القول بأن لنصوص القرآن باطنا يخالف ظاهرها شاعت في كتب القوم وأصبحت
أصلً من أصولهم ،لنه ل بقاء لمذهبهم إل بها أو ما في حكمها ،ولهذا عقد صاحب البحار بابا
لهذا بعنوان" :باب أن للقرآن ظهرا وبطنا" [انظر :البحار ].106-92/78 :وقد ذكر في هذا الباب (
)84رواية ،وهذه الروايات هي قليل من كثير مما أورده في كتابه في هذا الموضوع ..فقد قال
في صدر هذا الباب إنه" :قد مضى كثير من تلك الخبار في أبواب كتاب المامة ونورد هنا
مختصرا من بعضها" [المصدر السابق ،].92/87 :ثم ساق الروايات الربع والثمانين.
وفي تفسير البرهان عقد بابا مماثلً لما في البحار بعنوان« :باب في أن القرآن له ظهر
وبطن" [البرهان.].1/19 :
وفي مقدمة تفسير البرهان أفاض القول في هذه المسألة ،فقد ذكر خمسة فصول حشر فيها
[مرآة النوار :ص -4 روايات أئمته في هذا الباب انتخبها من مجموعة كبيرة من كتبهم المعتمدة
.].19وقد قرر كثير من كتب التفسير عندهم في مقدماتها هذه المسألة كأصل من أصولهم
[تفسير كتفسير القمي [انظر :تفسير القمي ،].16 ،1/14 :والعياشي [انظر :تفسير العياشي ،].1/11 :والصافي
الصافي ].1/29 :وغيرها.
ومن نصوصهم في هذه المسألة" :أن للقرآن ظهرا وبطنا ،وببطنه بطن إلى سبعة أبطن"
[المصدر السابق.].1/31 :
95
وعن جابر الجعفي قال" :سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ،ثم سألت ثانية
فأجابني بجواب آخر ،فقلت :جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل
اليوم؟ فقال لي :يا جابر :إن للقرآن بطنا ،وللبطن بطنا وظهرا ،وللظهر ظهرا ،يا جابر ،وليس
شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ،إن الية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء
[تفسير العياشي ،1/11 :البرقي /المحاسن :ص ،300البرهان في وهو كلم متصل يتصرف على وجوه"
تفسير القرآن ،21-1/20 :تفسير الصافي ،1/29 :بحار النوار ،92/95 :وسائل الشيعة.].18/142 :
وتقرر نصوص الشيعة أن لكل آية معنى باطنيا ،بل قالوا أكثر من ذلك؛ فقالوا :لكل آية
سبعة بطون .ثم طاشت تقديراتهم فقالت :بأن لكل آية سبعين باطنا ،واستفاضت بشأن ذلك
أخبارهم؛ قال أحد شيوخهم .." :لكل آية من كلم ال ظهر وبطن ..بل لكل واحدة منها كما
يظهر من الخبار المستفيضة سبعة وسبعون بطنا" [أبو الحسن الشريف /مرآة النوار :ص .].3وما
ندري ما كنه هذه البطون؟! والمعنى الذي يحاولون إثباته ل يعدو أحد أمرين :إثبات إمامة
الثني عشر ،أو الطعن في مخالفيهم وتكفيرهم ،فلماذا تتعدد هذه البطون...؟!
والناظر في رواياتهم التي تذهب هذا المذهب الباطني والتي تتسع لعرضها المجلدات يجد
أنها ل تعدو هذين الموضوعين .قالوا« :وقد دلت أحاديث متكاثرة كادت أن تكون متواترة على
أن بطونها وتأويلها بل كثير من تنزيلها وتفسيرها في فضل شأن السادة الطهار ...بل الحق
المتبين أن أكثر آيات الفضل والنعام والمدح والكرام ،بل كلها فيهم وفي أوليائهم نزلت ،وأن
جل فقرات التوبيخ والتشنيع والتهديد والتفظيع؛ بل جملتها في مخالفيهم وأعدائهم ...إن ال عز
وجل جعل جملة بطن القرآن في دعوة المامة والولية ،كما جعل جل ظهره في دعوة التوحيد
والنبوة والرسالة[ "..المصدر السابق :ص .].3وسيأتي تفصيل ذلك في مسألة "أن جل القرآن نزل
فيهم وفي أعدائهم".
نقد هذه المقالة:
ل شك أن للقرآن العظيم أسراره ولفتاته ،وإيماءاته وإيحاءاته ،وهو بحر عظيم ل تنفذ كنوزه
ول تنقضي عجائبه ،ول ينتهي إعجازه ..وكل ذلك مما يتسع له اللفظ ول يخرج عن إطار
المعنى العام ..ولكن دعوى أولئك الباطنيين غريبة عن هذا المقصد ،وهي تأويلت -كما
سيأتي -ل تتصل بمدلولت اللفاظ ول بمفهومها ،ول بالسياق القرآن ،بل هي مخالفة للنص
القرآني تماما ،هدفها هو البحث في كتاب ال من أصل يؤيد شذوذهم ،وغايتها الصد عن كتاب
ال ودينه ،وحاصل هذا التجاه الباطني في تأويل نصوص الشريعة هو النحلل عن الدين
[انظر :ابن حجر /فتح الباري.].1/216 :
96
وعموم البشر على اختلف لغاتهم يعتبرون ظاهر الكلم هو العمدة في المعنى ،وأسلوب
الحاجي واللغاز ل وجود له إل في الفكر الباطني ،ولو اتخذ هذا السلوب قاعدة لما أمكن
التفاهم بحال ،ولما حصل الثقة بمقال؛ لن المعاني الباطنية ل ضابط لها ول نظام.
والمتأمل لهذه المقالة يدرك خطورة هذا التجاه الباطني في تفسير القرآن ،وأنه يقتضي
بطلن الثقة باللفاظ ،ويسقط النتفاع بكلم ال وكلم رسوله ،فإن ما يسبق إلى الفهم ل يوثق
به ،والباطن ل ضابط له ،بل تتعارض فيه الخواطر ،ويمكن تنزيله على وجوه شتى ،وبهذا
الطريق يحاول الباطنية التوصل إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها ،وتنزيلها على رأيهم.
ولو كانت تلك التأويلت الباطنية هي معاني القرآن ،ودللتها لما تحقق به العجاز ،ولكن من
قبيل اللغاز ،والعرب كانت تفهم القرآن من خلل معانيه الظاهرة.
قال شيخ السلم ابن تيمية" :من ادعى علما باطنا ،أو علما بباطن وذلك يخالف العالم
الظاهر كان مخطئا ،إما ملحدا زنديقا ،وإما جاهلً ضالً ...وأما الباطن المخالف للظاهر
المعلوم ،فمثل ما يدعيه الباطنية القرامطة من السماعيلية والنصيرية وأمثالهم" ثم يقول:
صيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِينٍ} [يس ،آية ].12 :أنه علي..
ح َ
شيْءٍ أ ْ
"وهؤلء الباطنية قد يفسرون{ :وَ ُكلّ َ
جرَةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ فِي
وقوله{ :فَقَاتِلُواْ َأ ِئ ّمةَ ا ْلكُ ْفرِ} [التوبة ،آية ].12 :أنهم طلحة والزبير{ ،وَالشّ َ
ال ُقرْآنِ} [السراء ،آية ].60 :بأنها بنو أمية" [مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية.].237-13/236 :
هذه التأويلت التي ينقلها ابن تيمية وينسبها للباطنية موجودة بعينها عند الثني عشرية،
حصَ ْينَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِينٍ} جاء عندهم في خمس
شيْءٍ أ ْ
فالتأويل المذكور للية الولى{ :وَ ُكلّ َ
روايات أو أكثر [انظر :اللوامع النورانية في أمساء علي وأهل بيته القرآنية :هاشم البحراني :ص ،].323-321
[انظر من ذلك :تفسير القمي ،2/212 :ابن بابويه القمي /معاني الخبار: وسجل في طائفة من كتبهم المعتمدة
ص ،95هاشم البحراني /تفسير البرهان 7-4/6 :الكاشاني /تفسير الصافي ،4/247 :تفسير شبر :ص ،].416وليس
[قال السلف في تفسير الية :إن المام المبين ها هنا هو أم الكتاب ،أي: في الية أية دللة على هذا التأويل
وجميع الكائنات مكتوبة في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ( .انظر :تفسير ابن كثير .].)3/591 :وكذلك
[انظر :البرهان: الية الثانية{ :فَقَاتِلُواْ َأ ِئ ّمةَ ا ْلكُ ْفرِ} ورد تأويلها بذلك في طائفة من كتبهم المعتمدة
،107 ،2/106تفسير الصافي ،2/324 :تفسير العياشي ،78-2/77 :وانظر :تفسير القمي ].1/283 :وبلغت
جرَةَ
رواياتها عندهم أكثر من ثمان روايات [راجع المصادر السابقة ،].ومثلها الية الثالثة{ :وَالشّ َ
ا ْلمَلْعُونَةَ} جاء تأويلها عند الثني عشرية بما قاله شيخ السلم في أكثر من اثنتي عشرة رواية
[انظر :تفسير القمي: [انظر :البرهان ،].425-2/424وتناقل هذا التأويل مجموعة من مصادرهم المعتمدة
97
،2/21تفسير العياشي ،2/297 :تفسير الصافي ،202-3/199 :البرهان ،425-2/424 :تفسير شبر ص،284 :
وانظر :مقتبس الثر (دائرة المعارف الشيعية).].20/21 :
وسنجد أنهم قالوا بأكثر من هذا ،وأعظم من هذا ،ولكن نقلنا هذا لنبين أن ما يذكره علماء
السلم عن الباطنية من تأويلت منحرفة قد ورثته طائفة الثني عشرية ،و أصبح منهجا من
مناهجها .وكان علماء السلم يستنكرون هذا التأويل الباطني ،لن "من فسر القرآن وتأوله على
غير التفسير المعروف من الصحابة والتابعين فهو مفتر على ال ،ملحد في آيات ال ،محرف
للكلم عن مواضعه ،وهذا فتح لباب الزندقة واللحاد ،وهو معلوم البطلن بالضطرار من دين
السلم" [الفتاوى.].13/243 :
وما وصل لعلماء السلم السابقين من تأويلت باطنية هي قليل من كثير مما كشفته اليوم
مطابع النجف وطهران ،وما استجد بعدهم من مقالت صنعتها يد التلبيس والتزوير والتي لم
تتوقف إلى اليوم ،حيث فسروا كثيرا من آيات القرآن على هذا النحو من التأويل الباطني،
وزعموا أن جل آيات القرآن العظيم نزل فيهم وفي أعدائهم ،كما سيتبين هذا في المسألة التالية:
المسألة الثانية :قولهم بأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم:
يقول الشيعة بأن" :جل القرآن إنما نزل فيهم (يعني في الئمة الثني عشرية) وفي أوليائهم
وأعدائهم" [تفسير الصافي ،1/24 :وهذا النص جعله صاحب الصافي عنوانا للمقدمة الثانية ،].مع أنك لو فتشت
في كتاب ال وأخذت معك قواميس اللغة العربية كلها وبحثت عن اسم من أسماء هؤلء الثني
عشرية فلن تجد لها ذكرا ،ومع ذلك فإن شيخهم البحراني يزعم بأن عليا وحده ذكر في القرآن
( )1154مرة ويؤلف في هذا الشأن كتابا سماه" :اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته
القرآنية" [وقد طبع في المطبعة العلمية بقم 1394هـ ].يحطم فيه كل مقاييس لغة العرب ،ويتجاوز فيه
أصول العقل والمنطق ،ويفضح من خلله قومه على رؤوس الشهاد بتحريفاته التي سطرها في
هذا الكتاب وجمعها -وقد كانت متفرقة قد ل تعرف -من طائفة من مصادرهم هم المعتبرة
عندهم.
وتأتي بعض رواياتهم لتقول" :إن القرآن نزل أربعة أرباع :ربع حلل ،وربع حرام ،وربع
[أصول الكافي: سنن وأحكام ،وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم"
.].2/627وهذا يعني أنه ليس للئمة ذكر صريح في القرآن.
ولكن تأتي رواية أخرى لهم بتقسيم آخر لكتاب ال تجعل فيه نصيب الئمة وأعدائهم ثلث
القرآن ،وكأنها تحاول أن تتلفى ما في الرواية السابقة من نسيان لذكر الئمة ،إل أنها لم تجعل
للئمة وأعدائهم إل ثلث القرآن ل جله ،تقول الرواية" :نزل القرآن أثلثا :ثلث فينا وفي عدونا،
98
[أصول الكافي ،2/627 :البرهان 1/21 :تفسير الصافي،1/24 : وثلث سنن وأمثال ،وثلث فرائض وأحكام"
اللوامح النورانية :ص .].6ولكن تأتي رواية ثالثة يزيد فيها نصيب الئمة ومخالفيهم من الثلث إلى
النصف؛ تقول الرواية" :نزل القرآن على أربعة أرباع :ربع فينا ،وربع في عدونا ،وربع سنن
وأمثال ،وربع في فرائض وأحكام" [أصول الكافي ، 2/627 :البرهان.].1/21 :
ويلحظ أنه ليس للمة ميزة ينفردون بها في القرآن عن مخالفيهم بالنسبة للتقسيم المذكور،
وقد تفطن بعضهم لهذا فوضع رواية رابعة بنفس النص السابق ،إل أنه زاد فيها" :ولنا كرائم
[تفسير العياشي ،1/9 :تفسير فرات ،2 ،1 :بحار النوار ،24/305 :الكراجكي /كنز الفوائد :ص ،2 القرآن"
البرهان ،1/21 :اللوامح النورانية :ص .].7وقد أشار إلى ذلك صاحب تفسير الصافي فقال" :وزاد
العياشي ولنا كرائم القرآن" [تفسير الصافي .].1/24 :فانتهوا بهذا إلى القول بأن أكثر القرآن نزل
فيهم وفي أعدائهم.
يقول شيخهم الفيض الكاشاني (مؤلف الوافي أحد مصادرهم المعتمدة عندهم في الحديث)
يقول" :وردت أخبار جمة عن أهل البيت في تأويل كثير من آيات القرآن وبأوليائهم ،وبأعدائهم،
حتى أن جماعة من أصحابنا صنفوا كتبا في تأويل القرآن على هذا النحو جمعوا فيها ما ورد
عنهم في تأويل القرآن آية آية ،إما بهم أو بشيعتهم ،أو بعدوهم ،على ترتيب القرآن .وقد رأيت
منها كتابا كاد يقرب من عشرين ألف بيت ،وقد روي في الكافي ،وفي تفسير العياشي ،وعلي
[الكاشاني/ بن إبراهيم القمي ،والتفسير المسموع من أبي محمد الزكي أخبارا كثيرة من هذا القبيل
تفسير الصافي.].25-1/24 :
هذه شهادة أو اعتراف من أحد أساطينهم تؤكد شيوع هذه المقالة بينهم ،وأنها أصبحت هي
القاعدة المتبعة في كتب التفسير المعتمدة عندهم ،وفي أصح كتب الحديث لديهم ..فهم بهذا
صرفوا كتاب ال عن معانيه ،وحرفوه عن تنزيله ،وجعلوا منه كتابا غير ما في أيدي الناس.
وهم يعتبرون هذا هو الصل والقاعدة حتى قال بعض شيوخهم" :إن الصل في تنزيل آيات
القرآن ..إنما هو الرشاد إلى ولية النبي والئمة -صلوات ال عليهم -بحيث ل خير خبّر به
إل وهو فيهم وفي أتباعهم ،وعارفيهم ،ول سوء ذكر فيه إل وهو صادق على أعدائهم وفي
مخالفيهم" [أبو الحسن الشريف /مرآة النوار (مقدمة البرهان) ص ،4وانظر :اللوامح النورانية :ص .].548
ولهذا نرى شيوخهم يتسابقون في تحريف آيات القرآن العظيم ،وتطبيق هذه العقيدة.
يعقد شيخهم الحر العاملي في كتابه :الفصول المهمة في أصول الئمة بابا في هذا الشأن
بعنوان" :باب أن كل ما في القرآن من آيات التحليل والتحريم ،فالمراد بها ظاهرها ،والمراد
بباطنها أئمة العدل والجور" [الفصول المهمة في أصول الئمة :ص ،].256فهو يعتبر آيات أحكام
99
الحلل المقصود بها أئمتهم ،وآيات الحرام المقصود بها خلفاء المسلمين باستثناء المام علي
وبقية الئمة الثني عشرة ،وهذا بل شك باب من أبواب الباحية ،وهو ما عليه طوائف
ل من أصول الئمة.
الباطنية ،ولكنه يعد هذه المقالة أص ً
وفي كتاب الكافي -أصح كتاب عندهم -روايات كثيرة في هذا.
وحسبك أن تقرأ" :باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية" لتفاجأ بإحدى وتسعين رواية
حشدها في هذا الباب ،وحرف بها آيات القرآن عن معانيها [انظر :أصول الكافي 1/412 :وما بعدها.].
[مثل :باب أن الئمة -رضي ال عنهم -العلمات التي ذكرها ال عز وجل وهذا باب من مجموعة أبواب
في كتابه (أصول الكافي ،)1/206 :باب أن اليات التي ذكرها ال عز وجل في كتابه هم الئمة (المصدر السابق/ 1 :
،)207باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم هم الئمة (المصدر السابق )1/210 :وغيرها من البواب].
على هذا النهج وكلها تضمنت عشرات الروايات التي تجعل من كتاب ال كتابا شيعيا ل
موضوع له سوى أئمة الشيعة وأتباعهم ،وأعدائهم.
وفي كتاب "البحار" أحد مصادرهم المعتمدة عندهم في الحديث أبواب كثيرة هي بمثابة قواعد
وأصول في تفسير القرآن عندهم ،وقد حشر في هذه البواب روايات كثيرة كلها تذهب هذا
المذهب في كتاب ال سبحانه .ولعله يكفي أن تقرأ عناوين بعض هذه البواب لتدرك مدى
مجافاتها للغة العرب ،ومناقضتها للعقل ،ومنافاتها لصول السلم ،وأنها من أعظم اللحادة في
كتاب ال ،والتحريف لمعانيه.
ولنستعرض قسما من هذه العناوين فيما يلي :قال المجلسي:
باب "تأويل المؤمنين واليمان والمسلمين والسلم بهم وبوليتهم عليهم والسلم ،والكفار
والمشركين ،والكفر والشرك ،والجبت والطاغوت واللت والعزى ،والصنام بأعدائهم
ومخالفيهم" [بحار النوار ].390-23/354 :وقد ذكرت تحت هذا الباب مائة حديث لهم.
باب "أنهم عليهم السلم البرار والمتقون ،والسابقون والمقربون ،وشيعتهم أصحاب اليمين،
وأعداؤهم الفجار والشرار وأصحاب الشمال" [المصدر السابق ،].9-24/1 :وذكر فيه ( )25رواية
لهم.
باب "أنهم عليهم السلم ووليتهم العدل والمعروف والحسان والقسط والميزان ،وترك
[بحار النوار-24/187 : وليتهم وأعدائهم الكفر والفسوق والعصيان والفحشاء والمنكر والبغي"
.].191وأورد فيه ( )14حديثا من أحاديثهم.
وأبواب أخرى على هذا النمط -كما سيأتي -تكشف عن محاولة لتغيير دين السلم؛ حيث
حصرت كل معاني السلم في بيعه رجل ،وغيرت مفهوم الشرك في عبادة ال ،والكفر به،
100
والطواغيت والصنام إلى مفاهيم غريبة تكشف هوية واضع هذه "المفتريات" ،فأعداء الئمة كل
خليفة من خلفاء المسلمين -باستثناء الثني عشر -من أبي بكر إلى أن تقوم الساعة ،وكل من
بايع هؤلء الخلفاء من الصحابة ومن بعدهم إلى نهاية الدنيا ،هؤلء هم العداء الذين تؤول بهم
ألفاظ الكفر والشرك كما سيأتي في مبحث "المامة".
فأين أركان اليمان ،وأصول السلم ،وشرائعه وأحكامه؟! كلها انحصرت في المامة،
وأصبح الشرك والكفر والصنام من المعروف ،إذ ل شرك ول كفر إل الشرك مع المام أو
الكفر بوليته ..كما تدل عليه هذه الروايات .أليس هذا من أعظم الكفر والزندقة؟ ،وهل يبلغ كيد
عدو حاقد أبلغ من هذا؟! ..وهو وإن كان كيد جاهل لوضوح فساده ،وظهور بطلنه ،لكن ل
ينقضي عجب المسلم العاقل كيف تعيش أمة تعد بالمليين أسيرة لهذه الترهات والباطيل؟!
ونمضي في استعراضنا لعناوين بعض البواب من البحار ،يقول صاحب البحار:
باب أنهم الصلة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات ،وأعداؤهم الفواحش والمعاصي،
وتضمن هذا الباب ( )17رواية [البحار ،].304-24/286 :وهذا هو عين مذهب الباطنية الذين
«يجعلون الشرائع المأمور بها ،والمحظورات المنهي عنها :لها تأويلت باطنة تخالف ما يعرفه
المسلمون منها ..والتي يعلم بالضطرار أنها كذب وافتراء على الرسول -صلوات ال عليهم
[مجموع فتاوى شيخ السلم ابن ،-وتحريف لكلم ال ورسوله عن مواضعه ،وإلحاد في آيات ال"
تيمية.].3/29 :
ويستمر صاحب البحار ليقدم لنا الثني عشرية على حقيقتها من خلل أبوابه ،لنه يكتب
كتابه في ظل الدولة الصفوية والتي ارتفعت فيها التقية إلى حد ما ،فيقول:
[انظر :بحار النوار-23/206 : باب أنهم عليهم السلم آيات ال وبيناته وكتابه ..وفيه ( )20رواية
.].211
وباب أنهم السبع المثاني ،وفيه ( )10روايات [بحار النوار.].118-24/114 :
وباب أنهم عليهم السلم الصافون والمسبحون وصاحب المقام المعلوم وحملة عرش الرحمن،
وأنهم السفرة الكرام البررة ،وفيه ( )11رواية [بحار النوار.].91-24/87 :
وباب أنهم كلمات ال ،وفيه ( )25رواية [بحار النوار.].184-24/173 :
وباب أنهم حرمات ال ،وفيه ( )6روايات [بحار النوار.].186-24/185 :
وباب انهم الذكر وأهل الذكر ،وفيه ( )65رواية [بحار النوار.].188-23/172 :
وباب أنهم أنوار ال ،وفيه ( )42رواية [بحار النوار.].325-23/304 :
وباب أنهم خير أمة وخير أئمة أخرجت للناس ،وفيه ( )24رواية [بحار النوار.].158-24/153 :
101
وباب أنهم المظلومون ،وفيه ( )37رواية [بحار النوار.].231-24/221 :
وباب أنهم المستضعفون ،وفيه ( )13رواية [انظر :بحار النوار.].173-24/167 :
[بحار النوار-24/247 : وباب أنهم أهل العراف الذين ذكرهم ال في القرآن ،وفيه ( )20رواية
.].256
وباب تأويل الوالدين والولد والرحام وذوي القربى بهم -عليهم السلم -وفيه ( )23رواية
[بحار النوار.].272-257-24 :
فالئمة كما ترى في هذه البواب يكونون أحيانا ملئكة ،وأحيانا كتبا سماوية ،أو أنوارًا
إلهية ..إلخ ،ومع ذلك فهم المظلومون والمستضعفون ،وهي دعاوي ل تحتاج إلى نقد فهي
مرفوضة لغة وعقلً ،فضلً عن الشرع وأصول السلم ،وهي عناوين يناقض بعضها بعضا..
ولكنه يمضي في هذا النهج حتى يفسر الجمادات ويؤولها بالئمة ،يقول :باب أنهم الماء المعين،
والبئر المعطلة ،والقصر المشيد ،وتأويل السحاب ،والمطر ،والظل ،والفواكه وسائر المنافع
بعلمهم وبركاتهم .وقد أورد في هذا الباب إحدى وعشرين رواية [البحار ].110-24/100 :انتخبها -
كعادته -من طائفة من كتبهم المعتمدة.
ويغلو ويشتط ،ويتجاوز الحد ،ليصل إلى أوصاف الرب جل جلله فيقول :باب أنهم جنب ال
وروحه ويد ال ،وأمثالها ،ويذكر فيه ستا وثلثون رواية [البحار.].203-24/191 :
ويجعلهم هم الكعبة والقبلة ..ويعقد بابا لهذا بعنوان :باب أنهم -رضي ال عنهم -حزب ال
[ربما أن البهرة (إسماعيلية الهند واليمن) الذين يذهبون للحج ،لن الكعبة -كما يقولون -رمز علي وبقيته وكعبته
المام (إسلم بل مذاهب :ص ،)240قد استقوا هذا «اللحاد» من هذه الروايات ،فإن الروافض هم الباب والوسيلة
لغلو الفرق الباطنية ].وقبلته ،وأن الثارة من العلم علم الوصياء ،ويقدم في هذا الباب سبع روايات
[البحار.].213-24/211 :
ويمضي في هذا الشطط في طائفة من البواب عرضها يمثل في الحقيقة أبلغ رد وأعظم نقد
لمذهب الشيعة ،وهو ينسف بنيانهم من القواعد ،وهو يؤكد عظمة هذا الدين السلمي ،فبضدها
تتميز الشياء -فلول المر ما عرف طعم الحلو -فهذه التأويلت أشبه ما تكون بمحاولت
مسيلمة الكذاب ،وهي تعطي الدليل القاطع على أنها ليست من عند ال سبحانه ،يعرف هذا من
له أدنى صلة بلغة العرب فضلً عن دين السلم وقواعده وأصوله ،لن ال سبحانه أنزل هذا
القرآن بلسان عربي مبين.
102
وكتاب البحار المعتمد عند الشيعة يكاد يجعل الئمة هم كل شيء ورد به القرآن ..فيمضي
في هذه البواب ليقرر ما شاء له هواه وتعصبه ،ويصل به المر ليلقي كل ما في نفسه وما
يخطر بباله بل خلف من انكشاف فضيحته ،ول حياء من زيادة وقاحته فيقول:
[المصدر السابق-24/97 : باب أنهم البحر واللؤلؤ والمرجان ،ويضمن هذا الباب سبع روايات
.].99
فهل هم جماد؟ أو هذا عندهم رمز باطني ،وإشارة سرية إليهم!! ولكنهم ليسوا بجماد ،فهو
يعقد بابا بعنوان:
باب أنهم الناس ،ول يذكر فيه سوى ثلث روايات [المصدر السابق .].96-24/94 :ويقرر في هذا
الباب بأن غير الئمة ليسوا من الناس ..ويعود ليتابع بسط مذهبهم الغريب الشاذ ،والذي لم يكن
معروفا عن الثني عشرية عند علماء المسلمين السابقين ،بل هذا المذهب مشتهر عن الباطنية
[وقد أشار بعض شيوخهم إلى أن المذهب يتطور ويتغير من زمن لخر ،كما سيأتي الحديث عن ذلك في باب "الشيعة
المعاصرون وصلتهم بأسلفهم" ..].يعود ليعقد بابا بعنوان :باب نادر في تأويل النحل بهم ،وذكر في
هذا سبع روايات [البحار.].113-24/110 :
وبابا آخر بعنوان :باب في تأويل اليام والشهور بالئمة ،ويتضمن هذا الباب أربعة أحاديث
[المصدر السابق.].243-24/238 :
ولو ذهبنا ننقل أحاديث تلك البواب ،ونتعقبها بالتحليل والنقد لستوعب ذلك مجلدات.
وقد اخترنا هنا ذكر البواب حتى ل يقال بأننا نعمد إلى الروايات الشاذة عندهم فنذكرها ،كما
أننا سنذكر بعد هذا أمثلة من روايات هذه البواب ونختار منها -في الغالب -ما يشترك في
ذكرها مجموعة من كتبهم المعتمدة .وهذه البواب التي أوردناها هي قليل من كثير ،وقد جاءت
في أكبر موسوعة حديثية عند الشيعة وهو كتاب البحار ،والذي قال شيوخهم المعاصرون في
وصفه" :أجمع كتاب في فنون الحديث" [محسن المين /أعيان الشيعة" ،].1/293 :لم يكتب قبله ول بعده
جامع مثله" [أغابزرك الطهراني /الذريعة" ،].3/26 :وقد صار مصدرا لكل من طلب بابا من أبواب
علوم آل محمد صلى ال عليه وسلم" [المصدر السابق" ،].27-3/26 :هو المرجع الوحيد في تحقيق
معارف المذهب" [البهبودي /مقدمة البحار :ص .].19أما مؤلفه فهو عندهم" :شيخ السلم والمسلمين"
[الردبيلي /جامع الرواة" ،].2/78 :رئيس الفقهاء والمحدثين ،آية ال في العالمين ،ملذ المحدثين في
كل العصار ،ومعاذ المجتهدين في جميع المصار" [مقدمة البحار :ص ].39إلى آخر اللقاب التي
خلعوها عليه.
103
وتلك الروايات مصدرها طائفة من كتبهم المعتمدة ،لنه يقول« :اجتمع عندنا بحمد ال سوى
[الكتب الربعة هي :الكافي ،والتهذيب ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه ،وسيأتي إن شاء ال الكتب الربعة
[اعتقادات حديث عنها في مبحث" :عقيدتهم في السنة" ].نحو مائتي كتاب ولقد جمعتها في بحار النوار"
المجلسي ص( 24 :عن كتاب الفكر الشيعي /مصطفى الشيبي ص .].)61 :ويقول صاحب الذريعة" :وأكثر
مآخذ البحار من الكتب المعتمدة والصول المعتبرة" [الذريعة.].27-3/26 :
وإن من له أدنى صلة باللسان العربي -كما قلت -يدرك أن هذه البواب وتلك الروايات
إلحاد في كتاب ال ،وتحريف لكلمه سبحانه عن مواضعه .وأن مثل هذه التحريفات ل تلتبس
إل على أعجمي جاهل بالسلم ولغة العرب ،ولعلها برهان واقعي على أن من حاول المساس
بكتاب ال سبحانه سقط إلى هذا الدرك الهابط ،وليس هذا النهج في كتب الروايات والحاديث
[انظر :مقدمة تفسير فحسب ،فأنت إذا طالعت عمدة التفسير عند الطائفة "وأصل أصول التفاسير"
القمي ].1/16 :لديها ،وهو تفسير القمي ألفيته قد أخذ من تلك التفاسير الباطنية بنصيب وافر،
ومثله تفسير العياشي وهو من كتب التفسير القديمة المعتمدة عندهم ،وعلى نفس الطريق تجد
تفسير البرهان ،وتفسير الصافي وغيرها ،وهي تعتمد على تفسير اليات -بما زعموا -أنه
المأثور عن جعفر الصادق أو بقية النثي عشر .ولو ذهنا ندرس ونعرض كل كتاب تفسير على
حدة لطال الموضوع وخرجنا عن المقام ،وحسبنا أن نذكر أمثلة من رواياتهم في هذا الباب .
أصل هذه التأويلت وجذورها ،وأمثلة لها:
أ -أصل هذه التأويلت:
مضى القول بأن كتب الشيعة تزعم أن القرآن ل يحتج به إل بقيم ،وأن هذا القيم -والمتمثل
بالثني عشر -عنده علم القرآن كله ول يشركه في ذلك أحد ،ثم جعلت لهذا القيم وظيفة
"المشرع" في تخصيص عام النصوص ،وتقييد مطلقها ،وبيان مجملها ،ونسخ ما شاء منها ،لنه
مفوض في أمر الدين كله ،ثم بررت ضرورة وجود هذا القيم لتأويل القرآن بقولها :بأن للقرآن
معاني باطنة تخالف الظاهر ،ثم كشفت عن علم هذا الباطن المدخر عند الئمة بأنه يعني الئمة
الثني عشر وأعداءهم (وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان) ،ومعظم موضوعات القرآن ل
تتعدى -عندهم -هذا الشأن ،ثم وضعت هذه النظريات موضع التنفيذ ،حيث قام شيوخ الشيعة
بوضع مئات الروايات في تفسير معاني القرآن بالئمة أو مخالفيهم ،أو بعقيدة أخرى من
عقائدهم التي شذوا بها عن جماعة المسلمين.
ويرى بعض الباحثين [جولد سيهر /مذاهب التفسير السلمي ص ].404-303 :أن أول كتاب وضع
الساس لهذا اللون من تفسير الشيعة هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة
104
[جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي ،توفي سنة (127ه) ،قال ابن حبان :كان سبئيا من (جابر الجعفي)
أصحاب عبد ال بن سبأ .كان يقول :إن عليا يرجع إلى الدنيا ،وروى العقيلي بسنده عن زائدة أنه قال :جابر الجعفي
رافضي يشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال النسائي وغيره :متروك .وقال يحيى :ل يكتب حديثه
ول كرامة ،قال ابن حجر :ضعيف رافضي.
(انظر :ميزان العتدال ،380-1/379 :تقريب التهذيب ،1/123الضعفاء للعقيلي.)196-1/191 :
أما هذا الجعفي في كتب الشيعة فأخبارهم في شأنه متناقضة ،فأخبار تجعله ممن انتهى إليه علم أهل البيت،
وتضفي عليه صفات أسطورية من علم الغيب ونحوه ،وأخبار تطعن فيه ..لكنهم يحملون أخبار الطعن فيه على التقية،
ويقولون بتوثيقه كعادتهم في توثيق من على مذهبهم ،وإن كان كاذبا (انظر :وسائل الشيعة ،20/51 :رجال الكشي:
ص ،191جامع الرواة .)1/144 :وانظر تفصيل ذلك في" :فصل عقيدتهم في السنة".].
[الطوسي /الفهرست ص ،70 :أغا برزك /الذريعة: وقد أشار إلى هذا التفسير طائفة من شيوخ الشيعة
،4/268العاملي /أعيان الشعية ،].1/196 :وكان هذا التفسير -كما تشير بعض رواياتهم -موضع
التداول السري ،فيروي الكشي بسنده عن المفضل بن عمر الجعفي ،قال" :سألت أبا عبد ال -
عليه السلم -عن تفسير جابر؟ فقال :ل تحدث به السفلة فيذيعوه" [رجال الكشي :ص .].192
وتجد روايات كثيرة متفرقة في كتب الشيعة مروية عن هذا الجعفي ،وينسبها لجعفر بن
[قال المظفر (من شيوخ الشيعة المعاصرين) " :روي عن الباقر خاصة سبعين ألف حديث ..وقيل: محمد أو أبيه
إنه ممن انتهى إليه علم الئمة"( .محمد المظفر /المام الصادق ص .)143ولكن في رجال الكشي عند ترجمته لجابر
الجعفي .قال زرارة :سألت أبا عبد ال -رضي ال عنه -عن أحاديث جابر فقال" :ما رأيته عند أبي قط إل مرة
واحدة ،وما دخل علي قط" (رجال الكشي :ص )191وهذه شهادة منهم تثبت كذب جابر في مروياته عن الصادق
وأبيه ،وسيأتي مزيد بيان لهذا في فصل السنة .].ويبدو أن الشيعة ل يمكن أن تثبت لها قدم ،أو تحتج
بدليل من كتاب ال إل بمثل هذه التأويلت الباطنية ،ولهذا بدأ هذا النهج مبكرا كما نلحظ ،بل
يمكن أن يقال :إن جذور هذه العقيدة قد نبتت في أروقة السبئية ..لن ابن سبأ هو الذي حاول
أن يجد لقوله بالرجعة مستندا من كتاب ال بالتأويل الباطل وذلك حينما قال :العجب ممن يزعم
عَليْكَ الْ ُقرْآنَ
أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع .وقد قال ال عز وجل{ :إِنّ الّذِي َفرَضَ َ
َلرَادّكَ ِإلَى مَعَادٍ} [القصص ،آية ، 85 :وهذا النص في :تاريخ الطبري ،4/34تاريخ ابن الثير (.].)3/77
وقد نقلت لنا بعض كتب أهل السنة نماذج من تأويلت الشيعة لكتاب ال ،ولكن ما انكشف لنا
اليوم أمر ل يخطر على البال .ويبدو أن ما نسبه بعض أئمة السنة لغلة الشيعة من تأويلت قد
[الفرق بين الفرق: ورثتها الثنا عشرية .فالمام الشعري [مقالت السلميين ،].1/73 :وكذلك البغدادي
ص ،].240والشهرستاني [الملل والنحل ].1/177 :وغيرهم يحكون عن المغيرة بن سعيد أحد الغلة
[المغيرية :أتباع المغيرة بن سعيد ،عدّهم أصحاب باتفاق السنة والشيعة والذي تنسب إليه طائفة المغيرية
105
الفرق من غلة الشيعة ،نسب إليه القول بألوهية علي ،ودعوة النبوة ،والتجسيم ،وضللت أخرى ،وقد جاء في كتب
الثني عشرية ذمة ولعنة عن الئمة ..قتله خالد بن عبد ال القسري سنة (119ه).
انظر :تاريخ الطبري ،130-7/128 :الشعري /مقالت السلميين ،74-1/69 :البغدادي /الفرق بين الفرق ص:
،242-238ابن حزم /الفصل ،44-5/43 :الشهرستاني /الملل والنحل ، 178-176 :نشوان الحميري /الحور العين:
ص ، 168الذهبي /ميزان العتدال ،162-4/160 :المقريزي /الخطط. 2/353 :
وانظر من كتب الشيعة :القمي /المقالت والفرق :ص ،55رجال الكشي ،الروايات رقم،402 ،400 ،339 ،336 :
].549 ،544 ،543 ،542 ،511 ،408 ،407 ،406 ،405 ،404 ،403أنه ذهب في تأويل الشيطان في قول
شيْطَانِ إِذْ قَالَ ِللِنسَانِ اكْ ُفرْ} [الحشر ،آية ].16 :بعمر بن الخطاب -رضي
ال جل شأنهَ { :كمَ َثلِ ال ّ
ال عنه .-
وهذا التأويل بعينه قد ورثته الثنا عشرية ،ودونته في مصادرها المعتمدة ،حيث جاء في
[تفسير تفسير العياشي [تفسير العياشي ،].2/223 :والصافي [الكاشاني /تفسير الصافي ،].3/84 :والقمي
[البحراني/ القمي (انظر :المصدر السابق ،)3/84 :ولم أجده في الطبعة التي عندي من تفسير القمي ،].والبرهان
البرهان ،].2/309 :وبحار النوار [بحار النوار( 3/378 :ط .كمباني) ،].عن أبي جعفر في قول ال:
ضيَ ا َل ْمرُ} [إبراهيم ،آية ].22 :قال" :هو الثاني ،وليس في القرآن شيء:
شيْطَانُ َلمّا ُق ِ
{وَقَالَ ال ّ
"وقال الشيطان" إل وهو الثاني" فكأن كتب الثني عشرية تزيد على المغيرة بوضع هذا اللحاد
في كتاب ال قاعدة مطردة.
[الكليني /الكافي (المطبوع بهامش مرآة العقول) وفي الكافي عن أبي عبد ال قال" :وكان فلنا شيطانا
،].4/416 :قال المجلسي في شرحه على الكافي :المراد بفلن عمر" [مرآة العقول.].4/416 :
فهذه الروايات التي تسندها كتب الشيعة الثني عشرية إلى أبي جعفر الباقر هي من أكاذيب
[كثير النواء :شيعي (وروي أنه رجع عن المغيرة بن سيعد وأمثاله ،فقد ذكر الذهبي عن كثير النواء
تشيعه ،قال الذهبي :ضعفوه ،ومشاه ابن حبان :الكاشف ].)3/3 :أن أبا جعفر قال" :برئ ال ورسوله من
المغيرة بن سعيد ،وبيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت" [ميزان العتدال ،].4/161 :وروى
[رجال الكشي: الكشي في رجاله عن أبي عبد ال قال" :لعن ال المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا"
[مضى الشارة إليها في ص )250( :هامش رقم( : رقم .].336وساق الكشي روايات عديدة في هذا الباب
.].)5وأشارت روايات الكشي إلى أن المغيرة بن سعيد كان يأخذ ضلله من مصدر يهودي،
ففي رجال الكشي أن أبا عبد ال قال يوما لصحابه" :لعن ال المغيرة بن سعيد ولعن يهودية
كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة (كذا) والمخاريق" [رجال الكشي :رقم .].403
ويلحظ أنه اتفق كل من الشعري ،والبغدادي ،وابن حزم ،ونشوان الحميري على أن جابر
الجعفي الذي وضع أول تفسير للشيعة على ذلك النهج الباطني كان خليفة المغيرة بن سعيد
106
[الشعري /مقالت السلميين ،1/73 :البغدادي /الفرق بين الفرق ص ،242 :ابن حزم /المحلى ،5/44 :نشوان/
الحور العين ص ].168الذي قال :بأن المراد بالشيطان في القرآن هو أمير المؤمنين عمر -رضي
ال عنه ،-فهي عناصر خطرة يستقي بعضها من بعض عملت على إفساد التشيع.
ب -أمثلة من تأويلت الشيعة ليات القرآن:
حين احتج شيخ الشيعة في زمنه -والذي إذا أطلق لقب "العلمة" عندهم انصرف إليه (ابن
حرَيْنِ
المطهر الحلي) -على استحقاق علي للمامة بقوله" :البرهان الثلثة قوله تعالىَ { :مرَجَ ا ْلبَ ْ
يَ ْلتَ ِقيَانَِ ،بيْ َن ُهمَا َب ْرزَخٌ ل يَبْ ِغيَانِ} قال :علي وفاطمة{ ،بَ ْي َنهُمَا بَ ْر َزخٌ ل َيبْ ِغيَانِ} النبي صلى ال
خ ُرجُ مِ ْن ُهمَا الّل ْؤُلؤُ وَا ْل َمرْجَانُ} ،الحسن والحسين".
عليه وسلم{ ،يَ ْ
حينما احتج ابن المطهر بذلك قال شيخ السلم ابن تيمية" :إن هذا وأمثاله إنما يقوله من ل
يعقل ما يقول ،وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملحدة والقرامطة
الباطنية للقرآن ،بل هو شر من كثير منه .والتفسير بمثل هذا طريق الملحدة ،بل هو شر من
كثير منه ،والتفسير بمثل هذا طريق للملحدة على القرآن والطعن فيه ،بل تفسير القرآن بمثل
هذا من أعظم القدح والطعن فيه" [منهاج السنة.].4/66 :
وأقول :كيف لو رأى شيخ السلم ما أودع في الكافي والبحار ،وتفسير العياشي ،والقمي،
والبرهان ،وتفسير الصافي وغيرها من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيرا؟!.
[كنت عملت قائمة من هذه وبين يدي مجموعة كبيرة من هذا اللون ..يستغرق عرضها المجلدات
التأويلت رتبت موادها على حروف المعجم ،فأذكر في كل مادة :عدد المواضع التي ذكرت فيها في كتاب ال،
وتأويلت الشيعة لها في هذه المواضع ..وخرجت من ذلك بمادة كبيرة جدا ،إل أن المشرف رأى -ووافقته على ذلك
-الستغناء عنها بما عرضنا هنا لسباب منهجية ،].ركام هائل من الروايات ..حجبت الشيعة عن نور
القرآن وهديه ..فالتوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل ..وجوهر رسالتهم ..هو عندهم ولية
المام ،فيرون عن أبي جعفر أنه قال" :ما بعث ال نبيا قط إل بوليتنا والبراءة من عدونا،
ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ}
عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ
وذلك قول ال في كتابه{ :وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً أَنِ ا ْ
[النحل ،آية[ .].23 :تفسير العياشي ،2/261 :البرهان ،2/343 :تفسير الصافي 3/134 :تفسير نور الثقلين.].3/60 :
ورواياتهم في هذا الباب كثيرة -كما سيأتي – [في مبحث :عقيدتهم في توحيد اللوهية.].
والله في كتاب ال هو المام ،فقوله تعالىَ { :ل َتتّخِذُواْ إِلـ َهيْنِ ا ْث َنيْنِ ِإ ّنمَا ُهوَ إِلهٌ وَاحِدٌ}
[النحل ،آية ].51 :قال أبو عبد ال -كما يزعمون " :-يعني بذلك ل تتخذوا إمامين إنما هو إمام
واحد" [تفسير العياشي ،2/261 :البرهان في تفسير القرآن ،2/373 :تفسير نور الثقلين .].3/60 :والرب هو
المام عندهم .وقد يلتمس لهم في هذا التأويل عذر؛ لن للرب في اللغة استعمالت أخرى كرب
107
البيت ،ورب المال بمعنى صاحب ،ولكن يمنع من ذلك أن تأويلهم للرب في المام جرى في
آيات هي نص في ال سبحانه ول تحتمل وجها آخر .وفي قوله سبحانه عن المشركين:
[الفرقان ،آية: ظهِيرًا}
ضرّهُمْ وَكَانَ ا ْلكَا ِفرُ عَلَى َر ّبهِ َ
{ َويَ ْعبُدُونَ مِن دُونِ الّل ِه مَا ل يَنفَ ُعهُمْ وَل يَ ُ
.].55قال القمي في تفسيره" :الكافر :الثاني (يعني عمر -رضي ال عنه وأرضاه )-كان على
أمير المؤمنين عليه السلم ظهيراط [تفسير القمي .].2/115 :فاعتبر أمير المؤمنين عليا هو الرب.
وقال الكاشاني "في البصائر" [يعني بصائر الدرجات لشيخهم الصفار ].عن الباقر -عليه السلم -أنه
سئل عن تفسيرها فقال (كما يفترون)" :إن تفسيرها في بطن القرآن :عليّ هو ربه في الولية،
[لحظ والرب هو الخالق الذي ل يوصف" ،فهذا قد يفهم منه أن عليا هو الرب الذي ل يوصف
في هذا النص إشارة إلى مذهبهم في تعطيل ال من صفاته -كما سيأتي ،-وانظر النص في :تفسير الصافي،4/20 :
البرهان ،3/172 :تفسير نور الثقلين ،4/25 :مرآة النوار :ص - ].59كما يفترون ،-لن الية نص في
حق الباري سبحانه؟!
وقد حاول صاحب تفسير الصافي تفادي هذا المر فقال في توضيح النص السالف" :يعني أن
[تفسير الصافي ،4/20 :مرآة النوار: الرب على الطلق الغير المقيد بالولية هو الخالق جل شأنه"
ص .].59ولكن نص الية ل يؤيده فيما ذهب إليه؛ إذ إن "الرب" الوارد في الية لم يقيد
بالولية ..فهو ل ينصرف إل إلى الحق جل شأنه ،وليس هناك أية قرينة صارفة للفظ عن
معناه؛ ولهذا قال طائفة من السلف في تفسيرها" :وكان الكافر معينا للشيطان على ربه مظاهرا
له على معصيته" [تفسير الطبري ، 27-19/26 :تفسير ابن كثير.].3/338 :
ض ِبنُورِ َر ّبهَا} [الزمر ،آية ].69 :قال المفسرون :أي أضاءت
شرَقَتِ ا َلرْ ُ
وفي قوله سبحانه{ :وََأ ْ
يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعل للخلئق لفصل القضاء [تفسير ابن كثير .].4/70 :ولكن شيخ
المفسرين عند الشيعة (إبراهيم القمي) يروي بسنده عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد ال -
ض ِبنُورِ َر ّبهَا} قال :رب الرض يعني إمام
شرَقَتِ ا َلرْ ُ
رضي ال عنه -يقول في قوله{ :وََأ ْ
الرض ،فقلت :فإذا خرج يكون ماذا؟ قال :إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر
ويجتزون (كذا) بنور المام [تفسير القمي ،2/253 :البرهان ،4/87 :تفسير الصافي.].4/331 :
ويؤولون اليات المتعلقة بصفات ال سبحانه بالئمة ،وعلى سبيل المثال قالوا" :إن الخبار
المستفيضة تدل على تأويل وجه ال بالئمة عليهم السلم" [مرآة النوار :ص ].324يعنون أخبار
الشيعة ،وقد ذكر المجلسي جملة من هذه الخبار في باب عقده بعنوان" :باب أنهم عليهم السلم
جنب ال ووجه ال ويد ال وأمثالها" [انظر :بحار النوار.].24/191 :
108
ج َههُ} [القصص ،آية ،].88 :وقوله:
فهل يعني أنهم يفسرون قوله سبحانهُ { :كلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِلّ وَ ْ
جهُ رَبّكَ ذُو الْجَللِ وَالِ ْكرَامِ} [الرحمن ،آية ].27 :بهذا المعنى ،-وأن الئمة لهم البقاء
{ َويَبْقَى وَ ْ
الدائم ،بل ينفردون بذلك؟! ما كنت أظن أن المر يصل بهم إلى هذا حتى وقعت عيني على
رواياته في كتبهم المعتمدة ،ففي الية الولى يقول الصادق -كما يزعمون " :-نحن وجه ال"
[انظر :تفسير القمي ،2/147 :الكراجكي /كنز الفوائد ص ،219ابن شهراشوب /مناقب آل أبي طالب ،3/63 :بحار
النوار ،24/193 :تفسير شبر :ص ،].378وفي الية الثانية يقول" :نحن الوجه الذي يؤتى ال منه"
[تفسير القمي ،2/345 :ابن شهراشوب /مناقب آل أبي طالب ،3/343 :الكاشاني /تفسير الصافي ،5/110 :بحار
النوار .].24/192 :ولكن الئمة ماتوا كالخرينُ { :ك ّل مَنْ عَ َل ْيهَا فَانٍ} [الرحمن ،آية .].26 :وقد حاول
صاحب الكافي أن يجعل لئمة الشيعة ميزة ينفردون بها في حكم الموت العام فقال" :إن الئمة
يعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم" [أصول الكافي .].1/258 :ولكنهم ماتوا على كل
حال ،ولو كان الموت حسب اختيارهم لما كان للتقية وجود ..ويقولون :إن السماء الحسنى
سنَى} [العراف ،آية ].180 :هي الئمة ،ويروون عن
ح ْ
سمَاءُ الْ ُ
الواردة في قوله سبحانه{ :وَ ِلّلهِ ا َل ْ
أبي عبد ال أنه قال :نحن وال السماء الحسنى الذي ل يقبل من أحد إل بمعرفتنا ،قال:
{فَادْعُو ُه ِبهَا} [تفسير العياشي ،2/42 :تفسير الصافي ،255-2/254 :البرهان.].2/51 :
وسيأتي المزيد من الشواهد في مبحث عقيدتهم في السماء والصفات -إن شاء ال .-
وهذه التأويلت التي تفسر الله والرب و"ال" وصفاته بالمام هي من آثار السبئية التي
تذهب إلى القول بألوهية علي ،وهذا الثر السام ل يزال ينخر في كيان الثني عشرية ،ولهذا ل
[انظر :الشيعة يزال إلى اليوم بعض شيوخ هذه الطائفة يصرح ويجاهر بهذه المقالة (كما سيأتي)
المعاصرون وصلتهم بأسلفهم من هذه الرسالة .].وقد جاء في رجال الكشي بعض الروايات التي تفيد
استنكار جعفر لهذه التأويلت الباطنية التي تؤله الئمة ،فقد ذكر عند جعفر -كما يروي الكشي
[الزخرف، سمَاءِ ِإَلهٌ وَفِي ا َلرْضِ ِإَلهٌ}
-أن بعض الشيعة قال في قوله تعالى{ :وَ ُهوَ الّذِي فِي ال ّ
آية ].84 :قال :هو المام ،فقال أبو عبد ال" :ل وال ل يأويني وإياه سقف بيت أبدًا ،هم شر من
اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ،وال ما صغّر عظمة ال تصغيرهم شيء قط..
وال لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لخذتني الرض وما أنا إل عبد مملوك ل أقدر على
شيء ضر ول نفع" [رجال الكشي :ص .].300
وكما يسمى المام بالرب والله عندهم ،فهو أيضا يعبر عنه بالرسول .قال صاحب مرآة
النوار" :قد ورد تأويل الرسول بالمام ،والرسل بالئمة في بعض اليات بحيث يمكن سحبه
إلى غيرها" [مرآة النوار ص .].163 :أي أنه يمكن اعتبار الرسل حينما وقعت في القرآن يراد بها
109
الئمة ..ومما يدل على ذلك قولهم" :إن عمدة بعثة الرسل لجل الولية فيصح تأويل رسالة
الرسل بما يتعلق بها" [المصدر السابق :ص .].163وهذا ليس بدليل؛ لنه مبني على تأويل باطني ل
يسلم لهم ،ذلك أن عمدة بعثة الرسل هي التوحيد؛ لن ال يقول{ :وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً
ك مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي
ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ} [النحل ،آيةَ { ،].36 :ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َق ْبلِ َ
عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ
أَنِ ا ْ
عبُدُونِ} [النبياء ،آية.].25 :
ِإَليْهِ َأ ّنهُ ل ِإَلهَ إِل َأنَاْ فَا ْ
ومن أمثله تأويلهم للرسول بالمام ما يرونه عن الصادق في تفسير قوله تعالىَ { :ولِ ُكلّ ُأ ّمةٍ
[مرآة النوار ص: ّرسُولٌ} [يونس ،آية .].47 :قال :أي في كل قرن إمام يدعوهم إلى طريق الحق
،164وانظر :تفسير العياشي ،2/123 :البرهان ،2/186 :تفسير الصافي ،2/405 :بحار النوار.].307-24/306 :
والئمة أيضا يعبر عنهم بالملئكة في القرآن ،جاء في أخبارهم -كما يقولون -ما يدل على
أن المراد بالملئكة بحسب البطن في القرآن الئمة سواء كان المذكر بلفظ الملئكة أو غيرها
مما يفيد معناه كالذين يحملون العرش وأمثاله [مرآة النوار :ص .].303
والئمة هم القرآن -كما مر [انظر :ص ( )129-128من هذه الرسالة - ].وهم الكتاب ،ففي تفسير
القمي عن الصادق في قوله سبحانه{ :الم~َ ،ذلِكَ ا ْل ِكتَابُ لَ َريْبَ فِيهِ} [البقرة ،آية ].2 ،1 :قال:
[تفسير القمي ،1/30 :تفسير العياشي ،1/26 :البرهان ،1/53 :تفسير الصافي-1/91 : الكتاب علي ول شك فيه
ي َبيْ َنهُمْ} [الشورى ،آية ].21 :قالوا:
صلِ لَ ُقضِ َ
.].92وهم الكلمة في قوله سبحانه{ :وَ َلوْل كَ ِل َمةُ الْ َف ْ
الكلمة المام [تفسير القمي ،2/274 :البرهان ،4/121 :بحار النوار ،].24/174 :وقوله سبحانهَ { :ل َتبْدِيلَ
ِلكَ ِلمَاتِ الّلهِ} [يونس ،آية ].64 :قالوا :ل تغيير للمامة [تفسير القمي ، 1/314 :بحار النوار.].24/175 :
ح ٍر مّا نَفِدَتْ َكِلمَاتُ الّلهِ} [لقمان ،آية ].27 :قال إمامهم (أبو الحسن
وفي قوله سبحانه...{ :سَبْ َعةُ َأبْ ُ
[بحار النوار ،24/174 :تحف علي بن محمد) :نحن الكلمات التي ل تدرك فضائلنا ول تستقصى
العقول ص ،355 :ابن شهراشوب /مناقب آل أبي طالب ،3/508 :الحتجاج ص .].552وأخبارهم في هذا
[انظر :بحار النوار :باب أنهم كلمات ال-24/173 : كثيرة أورد منها المجلسي في البحار( )25رواية
.].185
وإطلق الكلمة على المام قد يوضح مدى التأثر بالنصرانية في إطلق الكلمة على المسيح -
عليه السلم -لكن تسمية المسيح كلمة ال؛ لن مثله عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ،ثم قال
[منهاج السنة: له كن فيكون ،فهو مخلوق بالكلمة ،وأما علي فهو مخلوق كما خلق سائر الناس
.].3/18
110
صرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة ،آية .].6 :هو
والصراط المستقيم -في قوله تعالى { :-اه ِدنَـا ال ّ
[تفسير القمي ،1/28 :تفسير العياشي ،1/42 :البرهان ،1/89 :تفسير الصافي ،1/85 :بحار النوار: أمير المؤمنين
].23/211عندهم.
شمْسِ َوضُحَاهَا} [الشمس ،آية ].1 :قال:
والشمس هي علي ،فيروون عن الصادق في قوله{ :وَال ّ
[البرهان ،4/467 :مرآة النوار ص ،200 :وانظر :تفسير "الشمس أمير المؤمنين ،وضحاها :قيام القائم"
القمي ،2/242 :وفيه أن النهار هم الئمة .].فهل يعني هذا أنه لما مات أمير المؤمنين اختفت الشمس
من الوجود؟! ،والناس في ظلمة حتى يشرق ضحى القائم المنتظر؟!
والمسجد ،والمساجد ،والكعبة ،والقبلة هي المام والئمة ،فيروون عن الصادق في قوله
[تفسير العياشي: تعالى{ :وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ ُك ّل َمسْجِدٍ} [العراف ،آية .].29 :قال :يعني الئمة
،2/12البرهان ،2/8 :تفسير الصافي ،2/188 :مرآة النوار :ص ،175نور الثقلين .]2/17 :وفي رواية أخرى
[تفسير خذُواْ زِي َنتَكُمْ عِندَ ُك ّل َمسْجِدٍ} [العراف ،آية ].31 :قال :يعني الئمة
عنه في قوله تعالىُ { :
[الجن، العياشي ،2/13 :البرهان .].2/9 :وفي قوله تعالى{ :وََأنّ ا ْل َمسَاجِدَ لِّلهِ فَل تَدْعُوا مَعَ الّلهِ أَحَدًا}
آية ].18 :قال :إن المام من آل محمد فل تتخذوا من غيرهم إماما [البرهان ،].4/393 :ويقول
[انظر :الكراجكي /كنز الصادق -عندهم .." :-نحن البلد الحرام ،ونحن كعبة ال ،ونحن قبلة ال"
الفوائد ص ،2 :بحار النوار ،24/303 :مرآة النوار :ص .].213
عوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ
والسجود :هو ولية الئمة وبهذا يفسرون قوله تعالى{ :وَقَدْ كَانُوا يُدْ َ
[تفسير القمي،2/383 : سَا ِلمُونَ} [القلم ،آية .].43 :حيث قالوا" :أي يدعون إلى ولية علي في الدنيا"
البرهان ،4/372 :تفسير الصافي ،215-5/214 :مرآة النوار :ص .].176
ولعل مثل هذه الروايات هي السبب في شيوع عبادة الئمة ،وأضرحتهم ،وعمارة المشاهد
وتعطيل المساجد ،لن المشاهد هي المساجد ،والمام هو كعبة ال وقبلته ،ولهذا صنفوا كتبا
[مثل كتاب :مناسك الزيارات للمفيد ،وكتاب سموها" :مناسك المشاهد" أو "مناسك الزيارات" ،أو "المزار"
المزار لمحمد علي بن الفضل ،والمزار لمحمد المشهدي ،والمزار لمحمد بن همام ،والمزار لمحمد بن أحمد .ذكرها
العاملي في وسائل الشيعة ونقل عنها.
انظر :وسائل الشيعة ، 49-20/48 :وانظر :ابن تيمية :منهاج السنة ،1/175 :الفتاوى ،].17/498 :واعتنوا
[كما في أصول الكافي، ببيان فضائلها وآدابها ،وأخذت هذه المسائل في كتبهم المعتمدة قسما كبيرا
والوافي ،والبحار ،ووسائل الشيعة وغيرها ،وسيأتي ذكر مواضعها وشيء من نصوصها - ].كما سيأتي تفصيله
– [انظر" :فصل عقيدتهم في توحيد اللوهية".].
111
والتوبة ومعناها معروف (الرجوع من المعاصي إلى طاعة ال) ولكن الشيعة تفسر التوبة
بالرجوع من ولية أبي بكر وعمر وبني أمية إلى ولية علي ،ففي قوله سبحانه{ :فَاغْ ِفرْ لِلّذِينَ
سبِي َلكَ} [غافر ،آية ].7 :جاء تأويلها عندهم في ثلث روايات ،تقول الولى{ :فَاغْ ِفرْ
تَابُوا وَا ّتبَعُوا َ
ن تَابُوا} من ولية فلن وفلن (يعنون أبا بكر وعمر) وبني أمية ،وتقول الرواية الثانية:
ِللّذِي َ
ن تَابُوا} من ولية الطواغيت الثلثة (يعنون أبا بكر وعمر وعثمان) ومن بني أمية،
{فَاغْ ِفرْ ِللّذِي َ
ن تَابُوا} من ولية هؤلء وبني
سبِي َلكَ} يعني ولية علي ،وتقول الثالثة{ :فَاغْ ِفرْ لِلّذِي َ
{وَا ّتبَعُوا َ
[البرهان ،93-4/92 :تفسير الصافي ،4/335 :وانظر :تفسير سبِي َلكَ} هو أمير المؤمنين
أمية {وَا ّتبَعُوا َ
القمي.].2/255 :
وكل الروايات الثلث المذكورة منسوبة لبي جعفر محمد الباقر ،وعلمه ودينه ينفيان صحة
ذلك عنه.
وهذه الخبار تقدّم لنا مفهوما جديدا للتوبة ،إذ هي في حقيقتها موالة رجل ،ومعاداة آخر،
وليس هناك ُبعْدٌ آخر غير هذا ..فالتوبة ل تكون إل في مسألة ولية المام ،وغيرها ل يستحق
النابة والرجوع ،ولهذا لم يرد له ذكر ،وكأن الشيعة بهذا تجعل من والى عليا ليس عليه ذنب،
وإن بلغت ذنوبه مثل قراب الرض ،وتجعل موالة أفضل الخلق بعد النبيين أبي بكر وعمر
وعثمان هو الكفر الذي ل ينفع معه عمل.
فهل هذا هو السلم ..وهل الرسول وصحبه لم يجاهدوا إل لقرار هذا المر؟!
ثم ما تأثير مثل هذه الروايات على من يؤمن بها ويعتقد أنها صادرة من محمد الباقر؟ أل
تهون في نفسه المعصية ،وتدفعه إلى ارتكاب كل موبقة ..وتثبطه عن عمل الخير ،واصطناع
المعروف ..بلى ،إن هذا وراد ،بل وراد ،بل قد يكون حاصلً ،فقد اطلعت في الكافي على
شهادة هامة في هذا الباب تتضمن شكوى أحد الشيعة لمامه من سوء أخلق أبناء طائفته ،وأنه
[نصه ما يلي: ليعجب من البون الشاسع بين ما يجده عند أصحابه وبين ما يراه عند أهل السنة
عن عبد ال بن أبي يعفور قال :قلت لبي عبد ال -رضي ال عنه :-إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل
يتولونكم ويتولون فلنا وفلنا (يعني أبا بكر وعمر ،وهو يشير بهذا لهل السنة) لهم أمانة وصدق ووفاء ،وأقوام
يتولونكم (يعني الشيعة) ليس لهم تلك المانة ول الوفاء والصدق؟ فاستوى أبو عبد ال -رضي ال عنه -جالسا
فأقبل علي كالغضبان ،ثم قال :ل دين لمن دان ال بولية إمام جائر ليس من ال ،ول عتب على من دان بولية إمام
عادل من ال قلت :ل دين لولئك ول عتب على هؤلء ،ثم قال :أل تسمع لقول ال عز وجل{ :اللّهُ َوِليّ الّذِينَ آ َمنُواْ
ظلُمَاتِ ِإلَى النّ ُورِ} [البقرة ]257 :يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لوليتهم كل إمام
ن ال ّ
خرِجُهُم ّم َ
يُ ْ
عادل من ال( ..أصول الكافي ،].)1/375 :وقد نقل لنا الشوكاني ملحظات قيمة في هذا سجلها أثناء
[يقول الشوكاني" :جربنا وجرب غيرنا فلم يجدوا رافضيا يتنزه عن شيء من محرمات الدين خلطته مع الشيعة
112
كائنا ما كان" (طلب العلم ص ،)73وستأتي -إن شاء ال -بقية ملحظاته في فصل" :أثرهم في العالم السلمي"،].
وسيأتي حديث في هذا الشأن في فصل "أثرهم في العالم السلمي".
والصلة ،والزكاة ،الحج ،والصيام ..أركان السلم ومبانيه العظام هي عند الشيعة بمعنى
الئمة في القرآن ،فيروون عن أبي عبد ال" :نحن الصلة في كتاب ال عز وجل ونحن الزكاة
ونحن الصيام ونحن الحج" [بحار النوار ..].24/303 :بل إن الدين كله هو عندهم ولية علي،
[البقرة ،آية: صطَفَى لَ ُكمُ الدّينَ}
ويروون عن جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى{ :إِنّ الّلهَ ا ْ
.].132قال" :ولية علي -رضي ال عنه – {فَلَ تَمُوتُنّ إَلّ وَأَنتُم مّسْ ِلمُونَ} لولية علي"
[البرهان ،1/156 :مرآة النوار ص .].148 :وفي تفسير القمي في قوله تعالى{ :أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ}..
[الشورى ،آية ].13 :قال :المام{ ،وَل َتتَفَرّقُوا فِيهِ} ،كناية عن أمير المؤمنين -رضي ال عنه ،-
جتَبِي ِإَليْ ِه مَن َيشَاءُ} كناية
ن مَا تَدْعُوهُمْ ِإَليْهِ} من أمر ولية علي{ ،الّل ُه يَ ْ
شرِكِي َ
علَى ا ْل ُم ْ
{ َك ُبرَ َ
[تفسير القمي ،2/274 :البرهان ،4/120 :تفسير الصافي ( ،)369-4/368بحار عن علي -عليه السلم –
النوار.].36/84 :
وإذا كان المر كذلك لماذا ل يسمى دين (المنتظر) أو دين الولية ،أو الولية نفسها ..وحقيقة
المر أن هذا دين آخر غير دين السلم ،هذا الدين معناه طاعة رجل وقد ورثته الثنا عشرية
[الكيسانية :من غلة الشيعة ،تقول بإمامة محمدين بن الحنفية ،وسميت بالكيسانية -فيما يظهر -عن الكيسانية
نسبة للمختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لن لقبة كيسان ،وكذلك تسمى بالمختارية عند بعض أصحاب الفرق ،وقد ادعى
المختار نزل الوحي عليه ،وقال بالبداء ،وضللت أخرى ،وقيل :إن الكيسانية سميت بذلك نسبة إلى رجل يقال له:
كيسان ،وهو مولى لبطن من جبيلة في الكوفة ،وقيل :مولى لعلي بن أبي طالب.
والكيسانية فرق بلغت عند الشعري إحدى عشرة فرقة .ويرجع محصّلها -كما يرى البغدادي -إلى فرقتين :فرقة
تقول :إن محمد بن الحنفية لم يمت وهو المهدي المنتظر ،وفرقة أخرى ينقلون المامة بعد موته إلى غيره ،ويختلفون
بعد ذلك في المنقول إليه.
انظر عن الكيسانية :الشعري /مقالت السلميين ،1/91 :البغدادي /الفرق بين الفرق :ص ،53 ،38 ،23ابن
حزم /الفصل ،43 ،41 ،40 ،36-5/35الرازي /اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ،95-93نشوان الحميري/
الحور العين ص 157وما بعدها ،ابن المرتضى /المنية والمل :ص .83-82وانظر :الناشئ الكبر /مسائل الشيعة
ص .27 ،24-23وانظر :وداود القاضي /الكيسانية في التاريخ والدب - ].حيث إنهم -كما يقول
الشهرستاني" :يجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل ،حتى حملهم ذلك على تأويل الركان
الشرعية من الصلة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك على الرجال ...ومن اعتقد أن الدين
طاعة رجل ول رجل له ،لنه (غائب في سردابه) فل دين له[ "..الملل والنحل .].1/147 :فقد
113
انحصر الدين عندهم بولية رجل هو علي ،وأصبح ما يدل عليه من الطاعة ل ورسوله واتباع
المعروف والنتهاء عن المنكر ..خارجا عن معنى الدين حسب رواياتهم.
ولفظ المة -ومعناه معروف -وقد ورد هذا اللفظ ( )49مرة في كتاب ال ،والشيعة تفسره
بالئمة أو بالشيعة .قال في مرآة النوار" :إن ال يستفاد من رواياتنا على اختلف ألفاظها تأويل
[مرآة النوار: المة فيما يناسب بالئمة عليهما السلم وبأهل الحق والشيعة المحقة وإن قلوا"...
ص .].81ثم ساق طائفة من رواياتهم في هذا التأويل نقلها من مجموعة من كتبهم المعتمدة ،وإذا
كانت المة بمعنى الئمة فهذا يعني أن القرآن نزل للئمة فقط ،وأن المة غير مخاطبة بالقرآن
ول مكلفة به.
وليس ذلك فحسب بل إن الجمادات تفسر بالئمة.
فالبئر -ومعناه واضح -ولكن الشيعة تفسره في القرآن "بعلي-رضي ال عنه ،-وبوليته،
[بحار وبالمام الصامت -يعنون القرآن -والمام الغائب ،وبفاطمة وولدها المعطلين من الملك
النوار ،105-36/104 :مرآة النوار ،94 :وانظر :تفسير القمي ،2/85 :البرهان ،97-3/96 :أصول الكافي:
،1/427معاني الخبار :ص ،].111وبذلك يفسرون قوله تعالى{ :فَ َكَأيّن مّن َقرْ َيةٍ أَ ْهلَ ْكنَاهَا وَ ِهيَ
صرٍ مّشِيدٍ} [الحج ،آية .].45 :وقد جاء في تفسير
شهَا َو ِب ْئرٍ مّ َعطّ َلةٍ وَ َق ْ
عرُو ِ
ظَا ِل َمةٌ َف ِهيَ خَا ِو َيةٌ عَلَى ُ
البرهان خمس روايات لهم في هذا المعنى [البرهان.].97-3/96 :
والبحر -وقد ورد في كتاب ال في أكثر من ثلثة وثلثين موضعا بالمعنى المعروف ،-
ولكن الشيعة تفسر البحر والبحار بالمام والئمة وأعدائهم .وقد أورد صاحب مرآة النوار
جملة من روايات طائفته في هذا التأويل ،ثم قال" :ول يخفى أن المستفاد من ذلك جواز تأويل
البحر والبحار العذبة ..المشتملة على المدح والنفع بالمام والئمة ،بل بفاطمة ..وتأويل البحر
والبحار المالحة بأعدائهم [مرآة النوار :ص .].94وقد جاء في تفسير القمي وغيره عن أبي عبد
حرَيْنِ يَ ْلتَقِيَانِ}
ن يَ ْلتَ ِقيَانِ} [الرحمن ،آية ].19 :قالَ { :مرَجَ ا ْلبَ ْ
ح َريْ ِ
ال في قوله سبحانهَ { :م َرجَ ا ْلبَ ْ
خ ُرجُ مِ ْن ُهمَا الّل ْؤُلؤُ وَا ْل َمرْجَانُ}
علي وفاطمة بحران عميقان ل يبغي أحدهما على صاحبه{ ،يَ ْ
[تفسير القمي ،2/344 :تفسير فرات ص ،177 :وابن بابويه /الخصال ص ،65تفسير الصافي: الحسن والحسين
،5/109البرهان ،وقد ذكر اثنتي عشرة رواية في هذا التأويل ،4/265 :بحار النوار ،وقد عقد لذلك بابا مستقلً
بعنوان :باب أنهم -عليهم السلم ( -البحر واللؤلؤ والمرجان) ،24/97 :وانظر ما مضى من كلم ابن تيمية حول
هذا التأويل ص.].175 :
وتفسير المعاني والمثل العليا بالمامة والئمة.
114
[الحج ،آية: خ ْيرَ}
فالخير هو الولية .يقول الكاظم -كما يدعون -في قوله تعالى{ :وَافْعَلُوا الْ َ
[البقرة ،آية: خ ْيرَاتِ}
ستَبِقُواْ الْ َ
].77قال :الولية [مرآة النوار :ص .].139وفي قوله سبحانه{ :فَا ْ
خ ْيرَاتِ} الولية [البرهان ،1/163 :تفسير الصافي.].1/200 :
،].148قال أبو جعفر{ :الْ َ
واليات الكونية تؤول بالئمة ،فالئمة هم العلمات في قوله تعالى{ :وَعَلمَاتٍ َوبِالنّجْمِ هُمْ
َيهْتَدُونَ} [النحل ،آية .].16 :قال أبو عبد ال -كما يروون " :-النجم رسول ال ،والعلمات هم
[تفسير القمي ،1/383 :تفسير العياشي ،2/255 :أصول الكافي ،1/206 :البرهان،2/362 : الئمة عليهم السلم"
تفسير الصافي ،3/129 :تفسير فرات :ص ،84مجمع البيان .].4/62 :وعقد الكليني بابا في هذا بعنوان:
"باب أن الئمة هم العلمات التي ذكرها ال عز وجل في كتابه" [أصول الكافي .].1/206 :وتبعه
[بحار النوار-24/67 : المجلسي وعنون لبابه بقوله" :باب أنهم عليهم السلم النجوم والعلمات"
[انظر :تفسير الطبري: .].82وسياق الية ،وما ورد عن السلف ينفي ما ذهبوا إليه في تأويل الية
،14/92تفسير ابن كثير.].2/612 :
وأحوال اليوم الخر يفسرونها برجعة الئمة أو الولية ،فالساعة ،والقيامة ،والنشور وغيرها
من السماء التي تتعلق باليوم الخر تفسر في الغالب عند هؤلء برجعة الئمة .ويقدم صاحب
مرآة النوار قاعدة في هذا فيقول" :كل ما عبر به بيوم القيامة في ظاهر التنزيل فتأويله
بالرجعة" [مرآة النوار :ص .].303
[بحار ويقول المجلسي عن لفظ الساعة في القرآن :إن الساعة ظهرها القيامة ،وبطنها الرجعة
النوار .].24/334 :وقد ورد أيضا عندهم تأويل الساعة بالولية ،فيروون عن الرضا في قوله
[النعماني /الغيبة :ص قال :يعني كذبوا بولية علي [الفرقان ،آية].11 : عةِ}
سبحانهَ { :بلْ كَ ّذبُوا بِالسّا َ
،54البرهان ،3/157 :مرآة النوار :ص .].182
والحياة الدنيا :هي الرجعة ،قال صاحب مرآة النوار :جاء ما يدل على تأويل الدنيا بالرجعة،
صرُ ُرسُ َلنَا وَالّذِينَ
وبولية أبي بكر وعمر [مرآة النوار :ص ،].150ففي قوله سبحانهِ{ :إنّا َلنَن ُ
[تفسير القممي، 259-2/258 : حيَاةِ ال ّد ْنيَا} [غافر ،آية .].51 :قال جعفر :يعني في الرجعة
آ َمنُوا فِي الْ َ
[العلى ،آية: حيَاةَ ال ّد ْنيَا}
تفسير الصافي ،4/345 :البرهان ،].4/100 :وفي قوله سبحانهَ { :بلْ ُت ْؤ ِثرُونَ ا ْل َ
.].16قال :وليتهم [أصول الكافي ،1/418 :البرهان( ].4/451 :يعني ولية أبي بكر وعمر وعثمان).
والتأويلت الباطنية ل ضابط لها ،فأنت ترى "أن الخرة تؤول بالرجعة ،والحياة الدنيا تؤول بها
كذلك على ما بينهما من تفاوت ،كما تلحظ أن الحياة الدنيا فسرتها تأويلتهم مرة بالرجعة ،ومرة
بالولية على ما بينهما من اختلف ..فهي أقوال عشوائية ل تستند إلى أصل ول فرع ،بل ول
عقل".
115
وتأويلهم لكثير من آيات القرآن بالمامة والئمة يربو على الحصر وكأن القرآن لم ينزل إل
فيهم ،ولقد تجاوزوا في هذه الدعاوى كل معقول ،وأسفوا في تأويلتهم إلى ما يشبه هذيان
حلِ} [النحل ،آية .].68 :هم
المعتوهين حتى قالوا :إن النحل في قوله سبحانه{ :وََأوْحَى َربّكَ إِلَى النّ ْ
الئمة ،وروى القمي بإسناده إلى عبد ال قال :نحن النحل التي أوحى ال إليها {أَنِ اتّخِذِي مِنَ
جرِ} يقول :من العجم { َو ِممّا يَ ْع ِرشُونَ}
جبَا ِل ُبيُوتًا} أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة { َومِنَ الشّ َ
الْ ِ
يقول :من الموالي[ "..تفسير القمي.].1/387 :
وجمع المجلسي رواياتهم في هذا المعنى في باب بعنوان" :باب نادر في تأويل النحل بهم
عليهم السلم" [بحار النوار ،].113-24/110 :كما جاء بروايات تقول" :إن الئمة هم الماء المعين
[انظر :بحار النوار-24/100 : والقصر المشيد السحاب والمطر والفواكه وسائر المنافع الظاهرة"
.].110
[بحار النوار].243-24/238 : وفي الباب الذي عقده بعنوان« :باب تأويل اليام والشهور بالئمة
جاء فيه" :نحن اليام؛ فالسبت اسم رسول ال ،والحد كناية عن أمير المؤمنين ،والثنين الحسن
والحسين ،والثلثاء علي بن الحسين ،ومحمد بن علي ،وجعفر بن محمد ،والربعاء موسى بن
جعفر ،وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا ،والخميس ،ابني الحسن بن علي ،والجمعة ابن
ابني[ "..البحار ،24/239 :الصدوق /الخصال :ص ،396-395والنص منسوب لمامهم العاشر علي الهادي.].
[انظر :سفينة البحار: ومن الطريف أن بعض اليام حظيت في أخبار الشيعة بالذم كيوم الثنين
،].1/137فهل يتوجه هذا الذم إلى بعض الئمة ؛ لن الئمة هم اليام؟!
شهُورِ
ويروي جابر الجعفي قال :سألت أبا جعفر عن تأويل قول ال عز وجل{ :إِنّ عِدّةَ ال ّ
شهْرًا فِي ِكتَابِ الّلهِ[ }..التوبة ،آية ].36 :قال :فتنفس سيدي الصعداء ثم قال:
شرَ َ
ع َ
عِندَ الّلهِ ا ْثنَا َ
"يا جابر ،أما السنة فهي جدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وشهورها اثنا عشر شهرا فهو
[أي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده من الئمة حتى يصل إليّ( ،المجلسي/ أمير المؤمنين إلي
بحار النوار .].)24/240 :وإلى ابني جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي ،وإلى
ابنه الحسن وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إماما ...والربعة الحرم الذين هم الدين
القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد :علي أمير المؤمنين -رضي ال عنه -وأبي علي بن
الحسين ،وعلي بن موسى ،وعلي بن محمد ،فالقرار بهؤلء هو الدين القيم {فَلَ تَظْ ِلمُواْ فِيهِنّ
[الطوسي /الغيبة :ص ،96ابن شهراشوب /مناقب آل أبي طالب: أَن ُفسَكُمْ} أي :قولوا بهم جميعا تهتدوا"
،1/244بحار النوار ،24/240 :البرهان ،123-2/122 :نور الثقلين ،215-2/214 :اللوامع النورانية :ص .].141
116
والبعوضة (وهي حشرة صغيرة معروفة) ورد ذكرها في سورة البقرة [الية .].26 :هي علي
عندهم [تفسير القمي ،1/35 :البرهان.].1/70 :
ولفظ (الذباب) يؤول بعلي في تفسير الشيعة [انظر :مرآة النوار :ص ،].150كما أولوا البعوضة
وحاول بعضهم أن يلطف من هذا التأويل فزعم أنه ذباب العسل [نفس الموضع من المصدر السابق،].
خلُقُوا ُذبَابًا وَ َلوِ
ن مِن دُونِ الّلهِ لَن يَ ْ
ن تَ ْدعُو َ
وفاته أنهم يؤولون به قوله سبحانه{ :إِنّ الّذِي َ
ج َتمَعُوا َلهُ} [الحج ،آية .].73 :وما أدري ما السر في إطلق أسماء أحط الحشرات على أمير
اْ
المؤمنين علي -رضي ال عنه وأرضاه -من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟! .ولكن قد بدت
البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ،وتاريخهم الفعلي مع آل البيت أشد وأشنع.
وقبور الئمة لها نصيب من تأويلتهم ،فالبقعة المباركة في قوله سبحانهَ { :فَلمّا َأتَاهَا نُودِي
[ابن قولويه /كامل طئِ ا ْلوَادِ ا َل ْيمَنِ فِي ا ْلبُقْ َعةِ ا ْلمُبَارَ َكةِ} [القصص ،آية ].30 :هي كربلء
مِن شَا ِ
الزيارات :ص ،49-48البرهان ،3/336 :مرآة النوار :ص ،].99ومن المعروف أنها كانت في طور
سيناء بنص القرآن في الية التي قبلها{ :مِن جَانِبِ الطّورِ}.
وكما خصت هذه الروايات أئمة الشيعة بهذه اليات كذلك تخص أتباعها بآيات من كتاب ال
[انظر :أصول الكافي ،1/429 :البرهان ،2/40 :مرآة النوار :ص حتى تذهب إلى أن الشيعة هي الشيء
شيْءٍ} [العراف ،آية ].156 :لتقصر رحمة ال
حمَتِي َوسِعَتْ ُكلّ َ
].192في قوله سبحانهَ { :ورَ ْ
الواسعة على الشيعة ،وتضيق ما وسعه ال على عباده.
ولفظ "الشر" و"الكفر" و"الردة" و"الضلل" في كتاب ال يؤولونه بغير ما يعرفه المسلمون من
هذه "اللفاظ"؛ حيث يفسرون هذه اللفاظ بترك بيعة الثني عشر (على الرغم من أنهم لم يتولوا
الحكم ما عدا أمير المؤمنين علي) ،وشواهد هذا كثيرة بلغت عشرات الروايات ،وقد أشرنا فيما
سلف إلى أن شيخهم المجلسي عقد أبوابا في بحاره تحمل عناوين في التأويل الباطني تضمن
بعضها مائة رواية ،ولكن هنا نذكر مجرد أمثلة لهذه الحاديث ،فقد روت كتب الشيعة في قوله
عمَلُكَ} [الزمر ،آية.].65 :
حبَطَنّ َ
شرَكْتَ َليَ ْ
سبحانهَ{ :لئِنْ َأ ْ
[انظر :تفسير القمي ،2/251 :تفسير فرات :ص ،133 قالت" :لئن أشركت في إمامة علي ولية غيره"
البرهان ،4/83 :تفسير الصافي.].4/328 :
[أبو الحسن الشريف /مرآة النوار: قال صاحب مرآة النوار" :فعلى هذا جميع المخالفين مشركون"
ص .].202وقال" :إن الخبار (أخبار الشيعة) متضافرة في تأويل الشرك بال ،والشرك بعبادته
بالشرك في الولية والمامة" [نفس الموضع من المصدر السابق ،].ولذلك حكموا على صحابة رسول
ال بالردة -كما سيأتي [في فصل المامة - ].لمبايعتهم لبي بكر دون علي.
117
وكذلك يؤولون الكفر بذلك ،جاء في الكافي" :عن أبي عبد ال في قول ال عز وجل{ :إِنّ
[لحظ أنه جمع آيتين من الّذِينَ آ َمنُو ْا ثُمّ كَ َفرُواْ ثُمّ آ َمنُواْ ثُمّ كَ َفرُو ْا ثُمّ ازْدَادُواْ كُ ْفرًا لّن تُقْ َب َل َت ْوبَ ُتهُمْ}
سورتين على أنهما آية واحدة ،مما يشير إلى أن واضع هذه الساطير ،ومفتريها على أهل البيت أحد الزنادقة الجهلة؛
حيث إن قوله{ :لّن ُتقْبَ َل تَ ْو َبتُهُمْ} من آل عمران ،آية ،90 :وقولهِ{ :إنّ الّذِينَ آ َمنُواْ }..إلخ من النساء ،آية.].137 :
[يعنون :أبا بكر وعمر وعثمان كما جاء تفسير ذلك على لسان بعض قال :نزلت في فلن وفلن وفلن
شيوخهم كما سيأتي في فصل" :المامة" ].آمنوا بالنبي -صلى ال عليه وآله -في أول المر ،وكفروا
حيث عرضت عليهم الولية ..ثم آمنوا بالبيعة لمير المؤمنين -عليه السلم -ثم كفروا حيث
مضى رسول ال -صلى ال عليه وآله -فلم يقروا بالبيعة ،ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه
[أصول الكافي ،1/420« :تفسير القمي ،1/159 :تفسير بالبيعة لهم فهؤلء لم يبق فيهم من اليمان شيء
العياشي ،1/276 :البرهان ،1/421 :تفسير الصافي ،1/511 :بحار النوار ،23/375 :مرآة النوار :ص .].289
فأنت ترى أنهم خصوا أفضل الخلق بعد النبيين بهذا الحكم ،فما بالك بمن دونهم من سائر أمة
محمد صلى ال عليه وسلم ،وقد أشار بعض شيوخهم إلى وجه هذا التخصيص فقال" :ورد في
بعض الروايات تأويل الكفر برؤساء المخالفين ،لسيما الثلثة( :يعنون الخلفاء الراشدين) مبالغة
بزيادة كفرهم وجحدهم" [مرآة النوار :ص .].187
ولفظ" :الردة" يعني الردة عن بيعة أحد الثنى عشر .جاء في أصول الكافي وغيره عن أبي
علَى أَ ْدبَارِهِم مّن بَعْ ِد مَا َت َبيّنَ َلهُمُ ا ْلهُدَى}..
عبد ال في قول ال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ ا ْرتَدّوا َ
[محمد ،آية( .].25 :قال) فلن وفلن وفلن ارتدوا من اليمان في ترك ولية أمير المؤمنين..
[أصول الكافي ،1/420 :بحار النوار ،23/375 :وانظر :تفسير القمي ،2/308 :البرهان ،4/186 :تفسير الصافي:
.].5/28
والضلل هو عدم معرفة المام ،ففي قوله سبحانه{ :أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُو ْا َنصِيبًا مّنَ
[تفسير القمي: لَلةَ[ }...النساء ،آية .].44 :قال" :يعني ضلوا في أمير المؤمنين"
شتَرُونَ الضّ َ
ب َي ْ
الْ ِكتَا ِ
علَيهِمْ وَلَ الضّالّينَ} [الفاتحة ،آية .].7 :قال:
].1/139وفي قوله سبحانه{ :غَيرِ المَغضُوبِ َ
"الضالين :الذين ل يعرفون المام" [تفسير القمي.].1/29 :
إن تفسير الكفر والشرك ،والردة والضلل بترك بيعة الثني عشر فضلً عن أنه ل سند له
من نقل أو عقل أو لغة أو شرع فإنه -ولعل ذلك هو هدف واضع الروايات -ينتهي بالمؤمن
به إلى تفضيل الكفر والكافرين على سائر المسلمين من غير الشيعة( ،لن رأس الكفر ترك
الولية) ،وهذا ما يصدقه تاريخ الشيعة مع المسلمين ،كما أنه يهون أمر الشرك واللحاد ،وهذا
118
هدم لصول السلم ،ومحاربة لرسالة محمد بن عبد ال -عليه الصلة والسلم -الذي بعث
لمحاربة الشرك والكفر والضلل ،وإرساء قواعد التوحيد وشريعة السلم.
والكبائر وسائر المحرمات هي عندهم أعداء الئمة .يقول أبو عبد ال -كما يزعمون :-
"..وعدونا في كتاب ال عز وجل :الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والنصاب
[بحار النوار: والزلم والصنام ،والوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير"..
.].24/303وقد أشرنا من قبل إلى أن تأويل المحرمات بأعداء الئمة قد جاء في أبواب عدة في
البحار تضمنت عشرات الحاديث.
وقد جاء في بعض مصادرهم المعتمدة عندهم ما يكشف واضع هذه السطورة ،ويبين أن
أصل تأويل المحرمات بأعداء الئمة ،وتأويل الفرائض بالئمة هو :أبو الخطاب الذي تبرأ منه
الئمة ولعنوه ،وففي رجال الكشي" :كتب أبو عبد ال إلى أبي الخطاب :بلغني أنك تزعم أن
الزنا رجل وأن الخمر رجل وأن الصلة رجل وأن الصيام رجل وأن الفواحش رجل ،وليس هو
كما تقول[ "..رجال الكشي :ص ،291بحار النوار.].24/299 :
وتذكر كتب المقالت عن بعض غلة الشيعة القول بأن المحرمات كلها أسماء رجال أمرنا
ال تعالى بمعاداتهم ،وأن الفرائض أسماء رجال أمرنا بموالتهم [الملل والنحل.].1/179 :
ويقول الشهرستاني" :إنما مقصودهم من حمل الفرائض والمحرمات على أسماء رجال :هو
أن من ظفر بذلك الرجل وعرفه فقد سقط عنه التكليف وارتفع الخطاب" [الملل والنحل.].1/179 :
وكل ذلك ورثته الثنا عشرية وأحيته وتولى كبر نشره القمي (صاحب التفسير) ،والكليني،
والعياشي ،والكاشاني ،والمجلسي ،وغيرهم من شيوخ الدولة الصفوية الذين "أحيوا" كل أساطير
غلة الفرق الشيعية ،وأدخلوه في المعتقد الثني عشري كروايات عن الئمة.
هذا وتأويلتهم في هذا الباب يستغرق ذكرها مجلدات ،ولهم في كل عقيدة شذوا بها
كالرجعة ،والغيبة ،والتقية وغيرها تأويلت وافتراءات تربو على الحصر ،وسنأتي -إن شاء
ال -على شيء منها عند بحثنا لهذه المسائل .وما ذكرناه هنا جزء قليل مما جمعناه ولم نذكره
خشيه الطالة ..وما جمعناه هو كقطرة من بحر مظلم ..عرضه ونقده يستوعب المجلدات..
وكل مثال من هذه المثلة -في الغالب -يكشف لنا عن عقيدة من عقائد القوم في اللوهية
والنبوة ،والسماء والصفات ،وأركان السلم وغيرها.
هذا وقبل أن أرفع القلم عن هذا الموضوع أسجل الملحظات التالية:
-1فيما مضى من مباحث ذكرنا ما يقوله الشيعة من أن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم،
ثم قدمت أمثلة لتحريف الشيعة لمعاني القرآن ..وكل ذلك يؤكد ما تذهب إليه الشيعة من القول
119
بأن أكثر القرآن قد اشتمل على ذكر الئمة الثني عشر ومخالفيهم ..فهذه المسألة حشد لها
شيوخ الشيعة آلف النصوص كما أسلفنا الشارة إلى شيء منها ..وبعد ذلك كله نجد من
نصوصهم نفسها ما ينقض هذه الدعاوى كلها جملة واحدة.
يقول هذا النص الذي يروونه عن أبي عبد ال جعفر الصادق" :لو قرئ القرآن كما أنزل
[تفسير العياشي ،1/13 :بحار النوار ،92/55 :تفسير الصافي ،1/41 :اللوامع النورانية :ص للفيتنا فيه مسلمين"
.].547فهذا اعتراف منهم بأنه ليس لئمتهم ذكر في كتاب ال ،ولم يرد لهم تسمية فيه ..فكأنهم
يخربون بيوتهم بأيديهم .ولعل السر في ذلك أن واضع هذا النص قد اهتم بتأييد مسألة التحريف
-وسيأتي بحثها -ونسي ما وضع من قبل ،والختلف والتناقض قد يكون عقوبة إلهية لمن
غ ْيرِ الّلهِ
يضع في الدين ما ليس منه ،كما يؤخذ ذلك من قوله سبحانه { :وَ َلوْ كَانَ مِنْ عِندِ َ
ختِلَفًا َكثِيرًا} [النساء ،آية .].82 :فهو برهان أكيد على أنه ليس من عند ال سبحانه..
َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ
وقد مضى من قبل الشارة إلى نص آخر لهم يجعل من كتاب ال سبحانه أربعة أقسام وليس في
قسم منها ذكر للئمة [انظر :ص (.].)157-156
وجاء في رجال الكشي نص هام ينسف كل ما بنوه من هذا التفسير الباطني ،فقد نقل لبي
عبد ال جعفر ما يقوله أولئك الزنادقة من تأويل آيات ال سبحانه بتلك التأويلت الباطنية "حيث
قيل له :روي عنكم أن الخمر والميسر والنصاب والزلم رجال؟ فقال :ما كان ال عز وجل
ليخاطب خلقه بما ل يعملون" [رجال الكشي :ص .].291أي يستحيل أن يخاطب ال سبحانه عباده
بما ل سبيل لهم إلى معرفته والهتداء إلى معناه؛ لن هذا يتنافى مع الحكمة في إنزال القرآن
لهداية الناس والدعوة إلى عبادة ال ،ويتنزه ال سبحانه أن يأمر عباده بتدبر القرآن وهو غير
قابل للتدبر والفهم ،ويتقدس سبحانه أن يخاطب عباده بألغاز وطلسم .وهذا القول من أبي عبد
ال الذي ورد في أوثق كتب الرجال عند الشيعة يهدم كل ما بنوه من تلك التحريفات وذلك
اللحاد في كتاب ال وآياته.
هذا نقض للمسالة من نصوصهم نفسها ،أو ما يسمى بالنقد الداخلي للنصوص ،وإل فإن
عرَ ِبيّا لّ َعلّكُمْ
المتأمل ليات القرآن بمقتضى اللغة العربية التي نزل بهاِ{ :إنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنًا َ
تَعْقِلُونَ} [يوسف ،آية ].2 :ل يجد فيه ذكرا لما يدعون ،والروايات التي يذكرونها يكفي في بيان
فسادها مجرد عرضها ،فهي تحمل بنفسها ما يهدم بنيانها من الساس ،فهل يصدق أحد أن لعلي
في القرآن ( )1154اسما؟ وهل يدخل عقل أحد أن من أسماء علي البعوضة والذباب؟ وهل
يوافق مؤمن على القول بأن ما ورد من آيات عن اليوم الخر هي خاصة بعقيدة رجعة الئمة؟
120
وكيف تناقش من يقول بأن آيات اليمان والمؤمنين هي في الئمة الثني عشر ،وآيات الكفر
والكافرين هي في الصحابة؟!
وإنني هنا أذهب إلى القول بأن هذا المستوى الذي هبط إليه هؤلء هو من معجزات هذا
الدين العظيم ،فما من أحد ادعى نبوة أو وحيا وأراد أن يضع في الدين ما ليس منه إل وفضحه
ال على روؤس الشهاد ،وتال إن هذه المقالت التي ل يمكن بحال أن تتفق مع العقل والنقل
ول اللغة والدين هي من أعظم فضائح القوم وعوراتهم ..وبها يكشف ال سبحانه وتعالى كذبهم
وبهتانهم.
إن مطابع النجف وطهران وقم وبمبي قد أخرجت لنا تراثا شيعيا ضخما يمثل دينا بأكمله،
لعل أقرب تسمية له هو دين الولية ،أو المامة ،ولم تتوفر هذه الكتب للمسلم كما توفرت
اليوم ..دين وضعه المجلسي والكليني وغيرهما من أساطين التشيع ،وسينكشف من خلله أمور
كثيرة لم تكن معروفة من قبل ..ويبدو من الطلع عليه عظمة هذا الدين اللهي وسر خلوده،
إذ بضدها تتميز الشياء فلول المر ما عرف طعم الحلو..
-2هذه التأويلت الباطنية المستفيضة في كتب الثني عشرية هي مجهولة للكثير ممن يكتب
عن هذه الطائفة ..وحسبك أن تجد ممن كتب عن الثني عشرية من يعتبرها بعيدة كل البعد عن
التجاه الباطني ،ويظن أن التأويل الباطني مقصور أمره على طائفة السماعيلية .يقول بعض
من كتب عن الفرق " :جعل السماعيلية للئمة صفات لم تعرفها فرق الشيعة الخرى ،ذلك أنهم
يقولون ظاهرا :إن الئمة بشر كسائر الناس يأكلون وينامون ويموتون ،ولكنهم في تأويلتهم
[مصطفى الشكعة /إسلم بل مذاهب: الباطنية يقولون :إن المام هو" :وجه ال" "ويد ال" "وجنب ال"
ص .].248-247
ويلحظ أن هذا هو عين ما تذهب إليه طائفة الثني عشرية ،وجاءت أخبار كثيرة عندهم في
إقرار هذا الغلو ،وخصص المجلس لذلك بابا من أبواب بحاره -كما أسلفنا -وهو «باب أنهم
-عليهم السلم -جنب ال ووجه ال ويد ال وأمثالها" [بحار النوار.].203-24/191 :
والسر في هذا الجهل المتفشي بين طبقة من الكتاب هو أن كتب الثني عشرية نوعان :كتب
للدعاية للمذهب وضعت بأسلوب التقية ..والنوع الثاني -:وهو المعتبر عندهم -كتب الحديث
الثمانية المعتمدة عندهم وكتب الرجال الربعة ،وما في درجة هذه الكتب من كتب شيوخهم.
فمن يعتمد على الول وحده يفوته الكثير من أمورهم ،والتي قد تشير إليها كتب الدعاية إشارة
ل يفهمها إل شيوخهم ،أو من هو على صلة وفهم لكتبهم المعتمدة.
121
-3يلحظ أن هذه التأويلت ليست عندهم آراء اجتهادية في تأويل القرآن قابلة للخذ والرد
والمناقشة والتعديل ،بل هي في مقاييسهم نصوص شرعية لها سمة الوحي وأهميته ،وقدسية
النص النبوي وشرعيته .وقد جاءت عندهم نصوص كثيرة تحذر وتنذر من رد أمثال هذه
النصوص التي ل تتفق مع العمل والفطرة ،ول مع المنطق واللغة .وأن الواجب التسليم وعدم
العتراض ،على لغة" :أطفئ مصباح عقلك واعتقد" ،وقد حاولوا توطين أتباعهم على قبول
أمثال هذه النصوص فقالوا" :إن حديثنا تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم ،ومن أنكر
فذروهم" [البحار" .].2/129 :وعن سفيان السمط قال :قلت لبي عبد ال -عليه السلم :-جعلت
فداك ،إن رجلً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه ،فقال أبو عبد ال:
يقول لك :إني قلت لليل إنه نهار أو للنهار إنه ليل؟ قال :فإن قال لك هذا إني قلته فل تكذب به
فإنك إنما تكذبني [البحار ، 212-2/211 :البحراني /اللوامع النورانية ص .].550-549
وأمثال هذه الروايات كثيرة ،ويلحظ أن في الرواية الخيرة ما يدل على أن من الشيعة من
يستبشع رواياتهم ،ولكن يلزمون باليمان العمى بها ،بل يعتبر من توقف في رواية من هذه
الروايات وقال" :كيف جاء هذا ،وكيف كان ،وكيف هو؟ ،فإن هذا وال الشرك بال العظيم
[انظر :رجال الكشي :ص ].194وقد اهتم بهذه القضية صاحب البحار وذكر لها ( )116حديثا من
أحاديثهم في باب عقده بعنوان" :باب أن حديثهم -عليهم السلم -صعب مستصعب ،وأن
كلمهم ذو وجوه كثيرة وفضيلة التدبر في أخبارهم -عليهم السلم -والتسليم لهم والنهي عن
رد أخبارهم" [انظر :بحار النوار 2/182 :وما بعدها.].
ولعل أول من أرسى دعائم هذا المعتقد صاحب الكافي والذي خصه بباب مستقل بعنوان:
[انظر :أصول الكافي-1/401 : "باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب" وذكر فيه خمس روايات
.].402ولعل هذا السلوب هو الذي ساعد على تفشي تلك المقالت السطورية ،وغياب الصوت
العاقل الذي يجهر بالحق ..ويعري الباطل ويفضحه .وهذا نوع من الستهواء الذي يطالب فيه
التباع باليمان بأقوال الئمة وإن خالفت العقل والنقل ،وهو قريب من موقف الصوفية الذي
يطالب فيه الشيوخ مريديهم بالتسليم لهم حتى إنهم قالوا :إن المريد بين يدي شيخه كالميت بين
يدي غاسله ،وهذا الستهواء هو الذي لجأ إليه فرعون مع قومه ،وأشار إليه ال سبحانه بقوله:
خفّ َق ْو َمهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف ،آية[ ].54 :انظر :المدخل إلى الثقافة السلمية :ص .].115-113
ستَ َ
{فَا ْ
-4إن للتفسير عندهم وجوها :ظاهرة ،وباطنة ،والجميع معتبر .قال أبو عبد ال -كما
يزعمون :-إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء ،وجاء قوم من بعدهم
فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفهم ذلك شيئا ،ول إيمان بظاهر إل بباطن ،ول باطن إل
122
بظاهر ،ولهذا يلحظ أن بعض تفاسير الشيعة لم تذكر هذا التأويل ،أو ذاك ،وإنما ذكرت ما
ظهر من الية الذي قد يوافق اللغة أو ما جاء عن السلف ،ولكن قد ل يعني هذا مخالفتهم لذلك
التأويل الباطني لنهم يقولون بأن لكل آية معنى باطنا ومعنى ظاهرا ،والكل مراد ،فقد يكتفي
بعضهم بذكر الظاهر وحده ،أو الباطن فقط ،أو يذكر الوجهين جميعا؛ لن رواياتهم جاءت على
نفس المنهج كما تدل على ذلك رواية صاحب الكافي في تفسير قوله تعالى{ :ثُمّ ْليَ ْقضُوا تَفَ َثهُمْ}
[الحج ،آية :ص .].29
قال ..." :عن عبد ال بن سنان عن ذريح المحاربي قال :قلت لبي عبد ال :إن ال أمرني
في كتابه بأمر فأحب أن أعمله ،قال :وما ذاك؟ قلت :قول ال عز وجل{ :ثُمّ ْليَ ْقضُوا تَ َف َثهُمْ
وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} قالْ { :ليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ} لقاء المام{ ،وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك ،قال عبد
ال بن سنان :فأتيت أبا عبد ال -عليه السلم -فقلت :جعلت فداك ،قول ال عز وجل{ :ثُمّ
ْليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} قال :أخذ الشارب وقص الظفار وما أشبه ذلك .قال :قلت:
جعلت فداك ،إن ذريحا المحاربي حدثني عنك بأنك قلت لهْ { :ليَ ْقضُوا تَ َفثَهُمْ} لقاء المام
{وَ ْليُوفُوا نُذُورَهُمْ} تلك المناسك ،فقال :صدق ذريح وصدقت ،إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومن
[الكليني /فروع الكافي ،4/549 :وانظر :ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه-2/290 : يحتمل ما يحتمل ذريح"
،291معاني الخبار :ص ،340عيون أخبار الرضا :ص ،366الكاشاني /تفسير الصافي ،3/376 :الحويزي /تفسير
نور الثقلين ،2/492 :البحراني /البرهان ،89-3/88 :المجلسي /بحار النوار ، 84-92/83 :الحر العاملي /وسائل
الشيعة ،10/253 :الموسوي /مفتاح الكتب البعة.].229-5/228 :
ففي هذا النص -الذي أورده صاحب الكافي ،وذكره أيضا صاحب من ل يحضره الفقيه
وغيره -التصريح بأن للقرآن معاني ظاهرة تقال لعامة الناس ،وله معانٍ باطنة ل تذكر إل
للخاصة ممن يستطيع احتمالها ،وهم قلة ل توجد "فمن يحتمل ما يحتمل ذريح" .وإذا كان الئمة
يضنون بهذا العلم الباطني ،ويتحاشون ذكره عند شيعتهم إل من كان على مستوى ذريح فماذا
خالفت كتب الثني عشرية نهج أئمتها وأشاعت هذا "العلم" المضنون به على غير أهله للخاص
والعام؟!
هذا ما يؤخذ من أقوال هؤلء القوم ..ولعل قائلً يقول :لماذا ل يكون هذا التأويل الذي يتفق
وظاهر النص ،وسياق القرآن ،ولغة العرب ،وما أثر من السلف ،وما اتفق عليه جماعة
المسلمين هو الذي يعتقد صدوره عن أمثال محمد الباقر ،وجعفر الصادق وغيرهما من أئمة
العلم والدين واللغة ،وأن تلك التأويلت الباطنية التي ل تستند إلى أصل معتبر من نقل أو عقل
أو لغة هي من وضع زنديق ملحد أراد الساءة إلى كتاب ال ودينه ،وإلى أهل البيت ،ولسيما
123
أن تلك القوال الباطنية ل تذكر إل خلسة وفي الظلم ،ول ينقلها إل قلة كما يشير إليه نهاية
الخبر ،وتفسير القرآن ل يمكن أن يكون علما سريا ل يتحمله إل خاصة الناس ،فال سبحانه
أنزل كتابه لعباده كافة ل لفئة معينة ،وهؤلء الئمة كان عصرهم يمثل العصر الذهبي للمة في
وقت عزة السلم والمسلمين ،فهل يصبح تفسير القرآن في عصرهم "سريا" وفي هذا العصر
يعلن هذا التفسير؟!
وأئمة أهل البيت هم أجرأ وأشجع من أن يجبنوا عن بيان الحق ،وأن يتخلوا عن الصدع بأمر
ال وشرعه.
-5هذه التأويلت الباطنية هي من باب اللحاد في كتاب ال وآياته -وقد قال تعالى{ :إِنّ
ن يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ل يَخْ َفوْنَ عَ َل ْينَا} [فصلت ،آية .].40 :قال ابن عباس :هو أن يوضع الكلم
الّذِي َ
[انظر: في غير موضعه [تفسير الطبري ،24/123 :فتح القدير ].4/520 :وذلك بالنحراف في تأويله
القاسمي /محاسن التأويل ،14/211 :اللوسي /روح المعاني.].24/126 :
قال في الكليل" :ففيها الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما ل يدل عليه جوهر اللفظ كما
[السيوطي /الكليل :ص ( 354المطبوع على هامش جامع البيان في تفسير يفعله والتحادية والملحدة"
القرآن) .].وهؤلء الذين يلحدون في آيات ال ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا
[محمد شاه عَل ْينَا}
بالباطل وأرادوا الخفاء لكنهم ل يخفون على ال كما قال تعالى{ :ل يَخْ َفوْنَ َ
الكشميري /إكفار الملحدين :ص .].2
-6ربط شيوخ الشيعة هذه التأويلت أو التحريفات بأئمة أهل البيت لتحظى بالقبول عند
الناس ،ولنها تأويلت غير عاقلة قالوا :بأن السياق القرآني غير منسجم مع النظر العقلي،
ونسبوا هذا القول لجعفر الصادق كما يروي ذلك جابر الجعفي أنه قال له" :يا جابر ،إن للقرآن
بطنا وللبطن ظهرا ،ثم قال :وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ،إن الية لينزل أولها في
[تقدم تخريج هذا النص من كتب شيء وآخرها في شيء وهو كلم متصل يتصرف على وجوه"
الشيعة :ص ( .].)152ولشك أن هذا الحكم هو برواياتهم أليق وأوفق ،ول يتصل من قريب أو
بعيد بكتاب ال وتفسيره الصحيح.
-7قامت مصادرهم في التفسير -غالبا -على هذا المنهج الباطني في التأويل الذي استقته
من أبي الخطاب وجابر الجعفي والمغيرة بن سعيد وغيرهم من الغلة .ويلحظ أنه في القرن
الخامس بدأ اتجاه التفسير عندهم يحاول التخلص من تلك النزعة المغرقة في التأويل الباطني؛
حيث بدأ شيخ الطائفة عندهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 460ه) يؤلف
لهم كتابا في تفسير القرآن يستضيء في تأليفه بأقوال أهل السنة ،ويأخذ من مصادرهم في
124
التفسير ،ويحاول فيه أن يتخلص أو يخفف من ذلك الغلو الظاهر في تفسير القمي والعياشي
وفي أصول الكافي وغيرها ،وهو وإن كان يدافع عن أصول طائفته ويقرر مبادئهم المبتدعة،
إل أنه ل يهبط ذلك الهبوط الذي نزل إليه القمي ومن تأثر به .ومثل الطوسي في هذا النهج
الفضل بن الحسن الطبرسي في "مجمع البيان" وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى ذلك حيث
قال" :الطوسي ومن معه في تفسيرهم يأخذون من تفاسير السنة ،وما في تفسيرهم من علم
يستفاد إنما هو مأخوذ من تفاسير أهل السنة" [انظر :منهاج السنة :ص .].3/246
ولكن قد كشف لنا شيخ الشيعة في زمنه ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من
مجاميعهم الحديثية ،وأستاذ كثير من علمائهم الكبار عندهم كمحمد حسين آل كاشف الغطا ،وأغا
بزرك الطهراني وغيرهما وعالم الشيعة حسين النوري الطبرسي قد كشف لنا سرا عندهم بقي
دفينا ،وأماط اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا وهي أن كتاب «التبيان» للطوسي إنما وضع
على أسلوب التقية والمداراة للخصوم وإليك نص كلمه:
"ثم ل يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع
المخالفين ،فإنك تراه اقتصر في تفسير اليات على نقل كلم الحسن وقتادة والضحاك والسدي
وابن جريج والجبائي والزجاج ،وابن زيد وأمثالهم .ولم ينقل عن أحد من مفسري المامية ،ولم
يذكر خبرا عن أحد من الئمة -عليهم السلم -إل قليلً في بعض المواضع لعله وافقه في
نقله المخالفون .بل عد الولين في الطبقة الولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم ومدحت
مذاهبهم .وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة ..ومما يؤكد كون وضع هذا
الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجيل علي بن طاوس في سعد السعود وهذا لفظه" :ونحن
نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب «التبيان» وحملته التقية على
القتصار عليه من تفضيل المكي على المدني والخلف في أوقاته ..الخ( .هكذا لم يكمل النوري
النص)" ثم قال هذا النوري معقبا على ما نقله على ابن طاوس" :وهو -يعني ابن طاوس -
[فصل الخطاب :ص ( 35والورقة أعرف بما قال من وجوه ل يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل"
17من النسخة المخطوطة من الكتاب المذكور).].
فمن هذا النص يتبين أن التبيان للطوسي قد وضع على أسلوب التقية -كما هو رأي شيخ
الشيعة المعاصر -أو أن يكون التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع عقلي بإسفاف ما
عليه القوم من تحريف لمعاني القرآن سموه تفسيرا ،وبتأثير نزعة معتدلة لختلطه مع بعض
علماء السنة في بغداد ..ومعنى هذا أن شيعة اليوم -والذي يمثلهم هذا النوري الطبرسي والذي
ارتضوا كتابه (مستدرك الوسائل) مصدرا لهم في الحديث [انظر :فصل "السنة" من هذه الرسالة،].
125
كدليل على كبير مقامهم عندهم -هم أشد غلوا وتطرفا ،ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي
ومن سار على منهجه إنما ألفت للخصوم ،والتزمت بروح التقية (لتبشر) بالعقيدة الشيعية مع
غير الشيعة.
ولعل القارئ يدرك من خلل هذا الرأي لشيخ الشيعة حول كتاب «التبيان» -أن التقية
أسهمت في (تكريس) الغلو عند هذه الطائفة ،وفي وأد كل صوت عاقل ورأي معتدل بحمله
على التقية لنه يوافق -بزعمهم -ما عند أهل السنة ،فبقيت هذه الطائفة في هذه الدائرة
المغلقة ،قد جعلت من التقية حصنا تلجأ إليه كلما هبت عليها نسمات الصلح ،ورياح التغيير -
كما سيأتي في مبحث التقية .-
ثم ل ننسى أن نشير إلى أن ما قلناه عن كتاب الطوسي ينطبق على تفسير مجمع البيان
للطبرسي لنه سار على نهج الطوسي وأشار إلى ذلك في مقدمة تفسيره حيث قال .." :إل ما
جمعه الشيخ الجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس ال روحه من كتاب
التبيان ،فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويـلوح عليه رواء الصدق ..وهو القدوة
أستضيء بأنواره وأطأ مواقع آثاره" [مجمع البيان.].1/20 :
المبحث الثالث
هل الشيعة تقول بأن في كتاب ال نقصا أو تغييرا:
مدخل للموضوع:
وجاء في هذا المبحث بهذه الصيغة الستفهامية لثلث أسباب:
أولً :أن طائفة من أعلم الثني عشرية يتبرأون من هذه المقالة -مثل الشريف المرتضى،
وابن بابويه القمي وغيرهما .-
ثانيا :إن إجماع المسلمين كلهم قام على أن كتاب ال سبحانه محفوظ بحفظ ال له {ل يَ ْأتِيهِ
ن يَ َديْهِ وَل مِنْ خَ ْل ِفهِ} .ومن قال بأن في القرآن نقصا و تحريفا فليس من أهل
ط ُل مِن َبيْ ِ
ا ْلبَا ِ
القبلة وليس من السلم في شيء ،ومن هنا فإن العدل يقتضي أن نحتاط في دراستنا لهذه
المسألة أبلغ الحتياط ،وأن نعدل في القول ،فل نرمي طائفة بهذه المقالة إل بعد الدراسة
والتثبت.
ثالثا :إن هناك طائفة من المفكرين يرمون الشيعة بالقول بهذا الكفر ،ويعممون ذلك ،ولشك
بأن الشيعة فرقٌ ،والشيعة طبقات ،فل يصح أن يقال مثلً بأن متقدمي الشيعة يقولون بهذه
[وقد انساق "إحسان إلهي ظهير" وراء مقالة صاحب فصل الخطاب بأنه ل يوجد من أنكر مقالة التحريف من المقالة
126
الشيعة في القرون المتقدمة إل هؤلء الربعة (يعني ابن بابويه القمي ،والمرتضى ،والطبرسي ،والطوسي) فقال
إحسان" :والحاصل أن متقدمي الشيعة ومتأخريهم تقريبا جميعهم متفقون على أن القرآن محرف ،مغير فيه"( .الشيعة
والسنة ص ( )122ط .دار النصار) .الحقيقة أن هذه القضية بدأت عند الشيعة متأخرة عن نشأة الشيعة نفسها ،وأن
أوائل الشيعة ليسوا على هذا الضلل ،وأن فرقا من الشيعة ليست على هذا "الباطل" ،].ول يقبل أن يقال بأن
الزيدية تقول بهذه الفرية ..فأسلوب التعميم غير مرضي ول مقبول.
وبعد :فإن الباحث المسلم يعاني بل شك من قراءة تلك الحروف السوداء ،ومن الستماع
لولئك القزام الذين يتطاولون على كلم ال سبحانه ،يعاني من ذلك أبلغ المعاناة .وليعلم
القارئ أن دراسة هذا الموضوع ليست من أجل الرد والدفاع ،فكتاب ال ل تصل إلى مقامه
بغاث الحلم ،ول تنال من عظمته دعوى حاقد ،ومزاعم مغرض .فهل تستر الشمس ،أو
تحجب القمر كف إنسان؟! ثم ما أسهل الدعاء الكاذب على حاقد َموْتور ،ومن ثم فليس علينا أن
نتتبع كل دعوى كاذبة لنردها:
لكان كل مثقال بدينار لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا
كما أن إهمال القول الكاذب قد يكون أحرى لماتته وانصراف النظار عنه ،ما لم يتفش هذا
القول ويشتهر وتحمله طائفة ،وتسير به كتب ،فحينئذ يجب كشف المطبل وباطله.
وأقول :إن دراسة هذه المسألة ليست من أجل الرد والنقض ،إنما هي لبيان هل الشيعة تقول
بهذه المقالة أو ل؟ ،-وفي ثبوت ذلك أكبر فضيحة للشيعة يهدم بنيانها من الساس ويزلزل
كيانها من القواعد ،ولن يقبل منها قول ول يسمع منها كلمة ..ومن ذا الذي يمس كتاب ال
[ولهذا رأينا المام بن احزم -رحمه ال -حينما احتج ويقبل منه مسلم قولً أو يرتضي منه حكما
النصارى بما ينسب إلى الرافضة من القول بنقص القرآن وتغييره ..أجابهم ابن حزم بأن هؤلء ليسوا من المسلمين
وإنما هي فرقة طارئفة على السلم والمسلمين حدث أولها بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم بخمس وعشرين
سنة( .انظر :الفصل .].)2/80 :ومن ثم فنحن نكتب هذه الدارسة لبيان حقيقة نسبة هذه المسألة
للشيعة؛ لن من حاول المساس بكتاب ال والنيل من قدسيته فإنه بعيد عن السلم وإن تسمى
به ،وأنه يجب كشفه لتعرف المة عدواته؛ لنه يحارب السلم في أصله العظيم وركنه المتين.
[إعجاز ثم إن حكاية قول من قال ذلك -كما يقول أبو بكر الباقلني -يغني عن الرد عليه
القرآن :ص ، 24تحقيق أحمد صقر].؛ لما توافر لكتاب ال من وسائل الحفظ وأسباب الضبط التي
ن َنزّ ْلنَا
يستحيل معها أن يتطرق إليه نقص أو تغيير تحقيقا لوعد ال سبحانه في حفظه {ِإنّا نَحْ ُ
الذّ ْكرَ وَِإنّا َلهُ َلحَا ِفظُونَ} [الحجر ،آية .].9 :هذا ومن أمر هذه الدعوى والتي وجدت في محيط
الشيعة (وسندرس مدى موافقة الشيعة لها أو رفضها) أنها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها،
وبراهين زيفها وكذبها ،لم يحكم واضعها الصنعة في صياغتها ،ولم يجد الحيلة في حبكها،
127
فجاءت على صورة مفضوحة ،وبطريقة مكشوفة ،ولذلك نقضت نفسها بنفسها ،فهي تقوم على
دعوى أن القرآن ناقص ومغير ..وأن القرآن الكامل المحفوظ من أي تغيير هو عند أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ،ثم أورثه الئمة من بعده وهو اليوم عند مهديهم المنتظر.
فهذه الدعوى ربطوها بأمير المؤمنين علي ،ولكن عليا هو الذي حكّم القرآن في خلفته وقرأه
وتعبد به ،ولو كان لديه غيره لخرجه للناس ولم يجز أن يتعبد ال بكتاب محرف وناقص ،ولو
كان شيء مما يدعون لخرج علي القرآن الكامل الذي جمعه ،وعارض به هذا القرآن المحرف
-كما يدعون -ولتدارك المر حين أفضت إليه الخلفة ،لن من أقر الخائن على خيانته كان
كفاعلها ..وقد حارب علي معاوية على أقل من هذا المر ،فكيف لم يفعل ذلك أمير المؤمنين؟!!
لم يجد أصحاب هذا الفتراء ما يجيبون به عن هذا السؤال الكبير الذي ينسف بنيانهم من
[وله منزلته عندهم ،وصفوه بأنه السيد السند، القواعد سوى قولهم على لسان عالمهم نعمة ال الجزائري
والركن المعتمد ،المحدث النبيه ،المحقق ،النحرير ،المدقق العزيز النظير ،وقالوا بأنه من أكابر متأخري علماء
المامية ،محدث جليل القدر ،ومحقق عظيم الشأن ،إلى آخر أوصافهم ،توفي سنة (1112ه) (انظر :أمل المل:
،2/336الكنى واللقاب ،3/298 :سفينة البحار ،2/601 :مقدمة النوار النعمانية)" :].ولما جلس أمير المؤمنين
-عليه السلم -على سرير الخلفة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من
إظهار الشنعة على ما سبقه" [النوار النعمانية.].2/362 :
هكذا يجيبون وبهذا يعتذرون ..وأي قدح وسب لمير المؤمنين ممن يزعم التشيع له أبلغ من
هذا وأشد ..إنهم يتهمون عليا -رضي ال عنه -بأنه راعى المجاملة لمن سبقه على هداية
المة ،ولهذا لم يخرج ما عنده من القرآن ..سبحانك هذا بهتان عظيم!.
كما أنهم ربطوا وجود المصحف بإمامهم المنتظر الذي لم يولد أصلً ول وجود له -كما
سيأتي -والمام الغائب والمصحف الغائب كلهما وهم وخيال.
والكلمات المفتراة والتي قدموها على أنها آيات ساقطة من المصحف انكشف بها كذبهم
وظهر بها بهتانهم ،فهي أشبه ما تكون بمفتريات مسيلمة المتنبئ الكذاب وادعاءاته ..ل تربطها
بلغة العرب ،وبلغة اللسان العربي أدنى رابطة -كما سيأتي ،-ثم إنهم رجعوا على أنفسهم
وقالوا :ل اعتماد على تلك الكلمات ول تعتبر من القرآن ،ول يجوز القراءة بها ،لن طريقها
آحاد ،والئمة قرأوا هذا القرآن واستعملوه فل يترك ما أجمعوا عليه بمثل هذه الروايات ..ثم
انفصل منهم طائفة عاقلة تبرأت من هذا الكفر لما رأت من تناقضه ووضوح بطلنه ..وهاجمت
من قال به من أصحابها وكشفت كذبه وكفى ال المؤمنين القتال ..وهذا الصراع الدائر بين
الطائفتين ينكشف من خلل كتاب فصل الخطاب كما سيأتي تفصيله إن شاء ال ،فحملت هذه
128
المقالة أسباب فنائها في أحشائها ،وانكشف عوارها وكذبها بكلمات أصحابها ،وفي هذا آيات
للمؤمنين ،وبرهان من براهين عظمة هذا القرآن ،وسر من أسرار إعجازه والتي ل تحيط بها
العقول ،وشاهد من شواهد تحقيق وعد ال بحفظه لكتابه العزيز.
وفيما يلي نبدأ بدراسة هذه القضية عند الشيعة ،ومتى بدأت ،وكيف امتدت ،ومن الذي تولى
كبر وضعها ،وهل تقول الشيعة كلها بذلك أو فيها من أنكر وتبرأ؟ وسنذكر أولً ما تقوله كتب
السنة ،ثم نرجع لتحقيق ذلك من كتب الشيعة الثني عشرية نفسها:
بداية هذا الفتراء -كما تقوله مصادر أهل السنة:
[محمد بن القاسم بن محمد ..أبو بكر بن النباري ،قال يقول المام أبو بكر محمد بن القاسم النباري
الخطيب البغدادي" :كان صدوقا فاضلً دينا خيرا من أهل السنة ،وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن ..والوقف
والبتداء والرد على من خالف مصحف العامة ..وكان من أحفظ الناس للغة وتفسير القرآن"( .انظر :تاريخ بغداد:
" :].)186-3/181لم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون شرف القرآن وعلو منزلته ..حتى نبغ في
زماننا هذا زائع عن الملة وهجم على المة بما يحاول به إبطال الشريعة ..فزعم أن المصحف
الذي جمعه عثمان -رضي ال عنه -باتفاق أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على
تصويبه فيما فعل ل يشتمل على جميع القرآن ،إذا كان قد سقط منه خمسمائة حرف( ..ثم ذكر
ابن البناري) أن هذا الزنديق أخذ يقرأ آيات من القرآن على غير وجهها زندقة وإلحادا ،فكان
يقرأ( :ولقد نصركم ال ببدر بسيف علي وأنتم أذلة)" [تفسير القرطبي.].1/28 :
هذا النص قاله ابن النباري المولود سنة (271ه) والمتوفى سنة (328ه) وهو يشير إلى أن
هذا الفتراء بدأ في زمنه في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع .ويدل النص المذكور أيضا
على :أن مصدر هذا الفتراء من طائفة الشيعة كما تفيده تلك الزيادة المفتراة (بسيف علي) كما
يدل على أنه لم يكن للمة المسلمة في ماضيها عهد بهذه المفتريات حتى ظهر هذا الزائغ عن
الملة ،وكأن ابن النباري بهذا يشير إلى شخص بعينه إل أنه لم يذكره باسمه ..ولكن بدت
هويته المذهبية من خلل افتراءاته.
بينما نجد المطلي (ت 377ه) يشير إلى أن هذا الشخص صاحب هذه الفرية هو هشام بن
[هشام بن الحكم :أصله كوفي ،وسكن بغداد ،وتربى في أحضان بعض الزنادقة ،وكان في الصل على مذهب الحكم
الجهمية ،ثم قال بالتجسيم ..نقلت عنه مقالت ضالة وتنسب له كتب الفرق فرقة "الهشامية" من الشيعة .توفي سنة (
179ه) كما في رجال الكشي ،وقيل190( :ه) انظر :رجال الكشي :ص ،280-255رجال النجاشي :ص ،338
وانظر :ابن حجر /لسان الميزان ،6/194 :وانظر عن الهشامية :الملطي /التنبيه والرد :ص ،24الشعري /مقالت
السلميين ،1/106 :البغدادي الفرق بين الفرق :ص ،65الشهرستاني /الملل والنحل1/184 :وغيرها ].فإنه زعم
129
أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيام عثمان ،وأما القرآن فقد صعد به إلى السماء لردة
الصحابة بزعمه [التنبيه والرد :ص .].25
ولكن هشام بن الحكم توفي سنة (190ه) وهذا يعني أن هذا الفتراء أقدم مما يذكره ابن
النباري ،وإذا لحظنا أن هذه الفرية مرتبطة أشد الرتباط بمسألة المامة والئمة عند الشيعة،
وذلك حينما بدأ شيوخ الشيعة في الستدلل عليها فلم يجدوا في كتاب ال ما يثبت مزاعمهم في
ذلك فأدى بهم هذا إلى القول بهذه الفرية وغيرها ..إذا أدركنا ذلك فإنه ل يبعد أن يكون ما
يقوله المطلي في أن هشاما هو الذي تولى كبر هذا الفتراء ..ل يبعد أن يكون هذا واقعا لسيما
أن هشاما كان من أول من تكلم في المامة ،حتى قال ابن النديم" :إن هشام بن الحكم ممن فتق
الكلم في المامة ،وله من الكتب كتاب المامة" [الفهرست :ص ،].175وقال ابن المطهر الحلي:
"وكان ممن فتق الكلم في المامة وهذب المذهب بالنظر" [رجال الحلي :ص .].178
ويشفع لتأهيل هشام بن الحكم -أيضا -لهذه الفرية ما جاء في رجال الكشي -عمدة الشيعة
[رجال في كتب الرجال -ونصه" :هشان بن الحكم من غلمان أبي شاكر ،وأبو شاكر زنديق"
الكشي :ص .].278وقال القاضي عبد الجبار (المعتزلي) " :هشام ..ليس من أهل القبلة ،وهو
[انظر :ابن النديم /الفهرست :ص ].338 معروف بعداوة النبياء ،وقد أخذ مع أبي شاكر الديصاني
[الديصانية :إحدى فرق الثنوية القائلين بالصلين النور والظلمة ،وأن العالم صدر عنهما، صاحب الديصانية
وتعتبر أصلً للمانوية ،وإنما اختلفت الفرقتان في كيفية اختلط النور بالظلمة (الملل والنحل ،1/250 :الفهرست لبن
النديم :ص ].)339-338وكان معروفا به وبصحبته ،فادعى أنه من الشيعة ،فخلصه بعض أصحاب
[انظر :تثبيت دلئل النبوة :ص المهدي حين ادعى أنه يتشيع لبني هاشم فلم يصلبه مع أبي شاكر
،].225فهو قد تربى في أحضان الزنادقة ،والشيء من معدنه ل يستغرب ..وقد أوعز إليه -
[انظر :رجال كما في رجال الكشي -بلزوم الصمت حين جدّ المهدي العباسي بتتبع الزنادقة"
الكشي :ص .].266-265قال هشام" :فكففت عن الكلم حتى مات المهدي" [رجال الكشي :ص .].266
فتشير القرائن -كما ترى -إلى هشام وشيعته ،فهذا يدل على أقل الفتراضات أن هذه
"الفرية" وجدت في عصر هشام ،ومما يدل على وجود هذه الدعوى في تلك الفترة ما ذكره ابن
حزم عن الجاحظ قال" :أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قال لمحمد بن
[كذا في الطبعة المحققة من "الفصل" ولعل الصواب أبو جعفر ،لن أباه علي كما هو المشهور في كتب جعفر
التراجم ].الرافضي المعروف بشيطان الطاق :ويحك! أما استحيت من ال أن تقول في كتابك في
ح ِبهِ لَ
المامة :إن ال تعالى لم يقل قط في القرآن{ :ثَا ِنيَ ا ْث َنيْنِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ ِلصَا ِ
130
حزَنْ ِإنّ الّل َه مَ َعنَا} [التوبة ،آية .].40 :قال :فضحك وال شيطان الطاق طويلً حتى كأنّا نحن
تَ ْ
الذي أذنبنا" [الفصل.].5/39 :
هذه الحكاية أوردها ابن حزم عن الجاحظ ،وقد قال ابن حزم عن الجاحظ بأنه رغم مجونه
وضلله" :فإننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها ،وإن كان كثيرا ليراد كذب
غيره" [الفصل .].5/39 :وشيطان الطاق وهو محمد بن علي ابن النعمان أو جعفر الحول توفي
[نسب إليه أنه يقول :إن ال ل يعلم شيئا حتى يكون ،وضللت أخرى ،تنسب له فرقة "الشيطانية" أو سنة (160ه)
النعمانية من غلة الشيعة.
(انظر :رجال الكشي :ص ،185رجال النجاشي :ص ،249لسان الميزان ،301-5/300 :فرق الشيعة للنوبختي:
ص ،78سفينة البحار ،1/333 :مقالت السلميين ،1/111 :الملل والنحل ،1/186 :النتصار لبن الخياط :ص -14
،].)48والمعروف أن شيطان الطاق معاصر لهشام بن الحكم ،قال ابن حجر" :قيل إن هشام بن
الحكم شيخ الرافضة لما بلغه أنهم لقبوه شيطان الطاق سماه هو مؤمن الطاق" فقد يكون أحد
الشركاء في هذه "الجريمة" مع هشام بن الحكم ،فهو شريك في التأليف حول مسألة المامة
والتي هي السبب والصل للقول بهذا الفتراء كما تدل عليه نصوص هذه الفرية.
شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة:
ثم فشت هذه المقالة في الشيعة الثني عشرية والذي يلقبهم الشعري وغيره بالرافضة كما
أسلفنا حتى أصبحت -كما يذكر الشعري ( -المتوفى سنة 330ه) مقالة لطائفة من هؤلء
الروافض زعموا" :أن القرآن قد نقص منه ،وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان،
وكذلك ل يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه ،فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير
منه ،والمام يحيط علما به" [مقالت السلميين ،].120-1/119 :بينما اتجهت فرقة أخرى من هؤلء
يصفهم الشعري بأنه ممن جمع القول بالعتزال والمامة إلى إنكار هذا القول وقالت" :إن
القرآن ما نقص منه ،ول زيد فيه ،وإنه على ما أنزل ال تعالى على نبيه -عليه الصلة
والسلم -لم يغير ولم يبدل ،ول زال على ما كان عليه" [مقالت السلميين .].120-1/119 :وهناك
[كما يبدو من خلل النسخة المطبوعة من مقالت السلميين فرقة ثالثة سقط -فيما يظهر -ذكر مذهبها
تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ج1ص )120وفي المطبوعة الخرى للمقالت تحقيق هلموت ريتر ذكر في
تحقيقه للكتاب بأنه قد وجد في بعض النسخ الخطية تعليقة في الهامش تقول" :سقط فرقة من الترتيب والعدد وهم الذين
يجوزون الزيادة ول يجوزون النقص منه (انظر :هامش مقالت السلميين :ص 47تحقيق هلموت ريتر) وقد يكون
هذا استنتاج من الناسخ؛ حيث ل يوجد من الشيعة قائل بذلك ،فقد ذكر الطوسي في التبيان ( ،)1/15والطبرسي في
مجمع البيان ( )1/30أن الزيادة مجمع على بطلنها عندهم".].
131
كما يشير البغدادي (المتوفى سنة 429ه) إلى أن من الرافضة من زعم أن الصحابة غيروا
بعض القرآن ،وحرفوا بعضه ،واعتبر ذلك من موجبات الحكم بكفرها وخروجهم عن السلم
[انظر :الفرق بين الفرق :ص .].327
ويبدو أن هذا المنكر زاد انتشاره بين هؤلء القوم حتى إننا نجد ابن حزم (المتوفى 456ه)
ينسب هذه المقالة إلى طائفة المام كلها ،ولم يستثن من أعلم المامية إل ثلثة نجوا من الوقوع
في هذه الهاوية [انظر :الفصل.].5/40 :
[المعتمد وكذلك القاضي أبو يعلى (المتوفى سنة 458ه) ينسب هذه المقالة إلى طائفة الرافضة
في أصول الدين :ص ،258ويشير القاضي أبو يعلى إلى جهل هؤلء الروافض وإنكارهم للقضايا الضرورية
ومكابرتهم في ذلك للحقاق المتواترة؛ حيث إن القرآن قد جمع بمحضر من الصحابة -بما فيهم علي رضي ال عنه
-وأجمعوا عليه ،ولم ينكره منكر ،وإن مثل هذا لو كان لستحال كتمانه في مستقر العادة ،ولوجب على عليّ وغيره
إنكاره ،وقد كان علي -رضي ال عنه -يقرأه ويستعمله( ..المعتمد :ص ].)258والتي هي من ألقاب الثني
عشرية -كما سبق ،-بينما نجد شيخ السلم ابن تيمية (المتوفى سنة 728ه) يعزو هذه المقالة
-فيما يظهر -للباطنية حيث قال" :وكذلك -أي يحكم بكفره -من زعم أن القرآن نقص منه
آيات وكتمت ،أو زعم تأويلت باطنة تسقط العمال المشروعة ،ونحو ذلك ،وهؤلء يسمون
القرامطة والباطنية" [الصارم المسلول :ص .].586
فهل شيخ السلم ابن تيمية يعتبر الثني عشرية في عداد الباطنية ،أو غاب عنه أنهم يذهبون
هذا المذهب فلم يذكرهم ،أو أن الشيخ في هذه النسبة ركز على المعنى الخير وهو التأويل
الباطني الذي تعتمده القرامطة الباطنية؟
علي أي الحوال فإني لم أجد -فيما قرأت -لشيخ السلم أنه ينسب هذه الفرية لطائفة
الثني عشرية ،ل في منهاج السنة الذي رد فيه على شيخهم ابن المطهر الحلي ول في غيره
من كتبه المنشورة التي اطلعت عليها.
ويكشف -ميرزا مخدوم الشيرازي (من القرن العاشر) وقد عاش بين الشيعة وقرأ الكثير من
[حيث يذكر أنه اضطر للبقاء بين ظهرانيهم ،ولزمته مخالطتهم ومطالعة كتبهم ..وقد اطلع كتبهم -كما يقول
بسبب ذلك على الكثير من ضللتهم وأباطيلهم.
(انظر :النواقض :الورقة ( )165 ،115 ،110مخطوط) حتى قال« :لم يطلع أحد على تفصيل كتبهم وأقوالهم
وشروح عاداتهم وأعمالهم كما اطلعت عليه ،فل يقدرون على أن يقولوا قد افترى علينا مثل ما يقولون في مقابلة ما
نسبه سلفنا في كتبهم الكلمية إلى الرافضة (المصدر السابق الورقة-87 :أ)" –].أنهم ذكروا في كتب حديثهم
وكلمهم أن عثمان – رضي ال عنه -نقص من آيات القرآن -بزعمهم -ويشير إلى أمثلة
ش َرحْ} بعد قوله سبحانهَ { :ورَفَ ْعنَا َلكَ
مما قالوه في القرآن كقولهم :إنه كان في سورة {أَلَمْ نَ ْ
132
[النواقض /الورقة ( 103مخطوط) قال الشيخ محب ذِ ْكرَكَ} كان بعدها -كما يفترون – "وعليا صهرك"
ش َرحْ مكية وإنما كان صهره الوحيد
الدين الخطيب« :وهم ل يخجلون من هذا الزعم مع عملمهم بأن سورة َ ألَمْ َن ْ
العاص بن الربيع الموي» (الخطوط العريضة :ص .].)15
ويذكر مطهر بن عبد الرحمن بن علي بن إسماعيل في كتابه" :تكفير الشيعة" والذي ألفه سنة
(990ه) يذكر ما صنعه شيعة زمانه من إحراق المصاحف وإهانتها واختراعهم -كما يقول -
[تكفير الشيعة :الورقة ( 58مخطوط) ذكر ذلك في الفصل الذي عقده بعنوان" :فصل في أحوال مصحفا محدثا
طهماسب الزنيم وزندقته وبيان كفره وإلحاده" وطهماسب هذا هو :طهماسب بن الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي
المولود سنة (919ه) وهو أحد سلطين الدولة الصفوية ،وتولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة (930ه) وهو من الشيعة
الثني عشرية (انظر :دائرة المعارف (الشيعية) ج 6ص .].)321
ويشير المام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206ه) إلى ما ذكرته كتب الشيعة من القول بنقص
القرآن ،ويذكر بأن شيعة زمنه -على ما قيل -أظهروا سورتين يزعمون أنهما من القرآن
الذي أخفاه عثمان ،كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف إحداهما سورة النورين
والخرى سورة الولء [انظر :رسالة في الرد على الرافضة :ص .].14
كما أن الصورة تتضح أكثر عند صاحب التحفة الثني عشرية شاه عبد العزيز الدهلوي
المتوفى سنة (1239ه) الذي يذكر بأن الثني عشرية تقول بأن الصحابة قد غيروا ونقصوا في
كتاب ال ما يتصل بفضل علي وأئمتهم الثني عشر وذلك أعدائهم ،وينقل بعض الشواهد على
ذلك من كتبهم ،ويبين أنهم خالفوا بذلك المنقول والمعقول ،وما علم من الدين بالضرورة ،وما
تواترت به التواريخ والوقائع ،كما يبين براءة أهل البيت من هذه العقيدة ،وأن من شيوخ الشيعة
[انظر :مختصر التحفة الثني عشرية :ص ،82وانظر أنفسهم من بدأ يتبرأ من هذه العقيدة كابن بابويه
أيضا :ص .].52 ،50 ،30
كما يتعرض أبو الثناء اللوسي (المتوفى سنة 1270ه) لهذه الفرية في تفسيره ،ويذكر بعض
شواهدها من كتبهم ،ويبين فسادها؛ لما توافر لهذا الكتاب العظيم من أسباب الحفظ بما ل يبقى
في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء بعد من القرآن ،وإل لوقع الشك في كثير من ضروريات
هذا الدين.
ثم يقول :بأنه لما تفطن بعض علمائهم لما في قولهم هذا من الفساد جعله قولً لبعض
أصحابه ،واستشهد على ذلك بما قاله شيخ الشيعة الطبرسي في مجمع البيان من أن الشيعة تنكر
هذه المقالة ،وأنها قول لقوم من أصحابها ،والصحيح خلفه ،ثم قال اللوسي :وهو كلم دعاه
133
إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للطفال والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين
القتال [روح المعاني 1/23 :وما بعدها.].
ولعل اللوسي (أبا الثناء) أول من كتب بالعربية عن هذه القضية بذلك الستيعاب (النسبي)؛
حيث عرض لهذه الفرية مقرونة بالستشهاد المباشر من كتبهم ،وعرض أحاديثهم كما جاءت
في أصول الكافي وغيره ،وذكر الجناح الخر من الشيعة الذي أنكر هذه الفرية واستشهد
بكلمه ،وناقشه.
وكذلك قام حفيده علمة العراق أبو المعالي اللوسي (ت 1342ه) ببيان وقوع الشيعة في هذا
الكفر عبر رسائله التي ألفها أو لخصها حول الشيعة.
هذا ويتولى الشيخ محمد رشيد رضا (المتوفى سنة 1354ه) بعد ذلك إثارة هذه المسألة،
وفضح الشيعة في هذا عبر مجلة المنار [انظر :المجلد 29ص ،].436ثم في رسالته "السنة والشيعة"
وذلك حينما ألجأه إلى ذلك تعصب بعض شيوخ الشيعة وعدوانهم -كم يقول -فيذكر أن
رافضة الشيعة تزعم أن ما بين الدفتين ليس كلم ال بل حذف منه الصحابة -بزعمهم -
بعض اليات وسورة الولية [السنة والشيعة :ص .].43
ومن بعد هؤلء يأتي الشيخ موسى جار ال (ت 1369ه) والذي عاش بين الشيعة فترة،
وتجول في مدنها ،وحضر حلقات دروسها في البيوت والمساجد والمدارس ،وقرأ في العديد من
أمهات كتبها [الوشيعة :ص .].26-25ورأى أن "القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات قد
نزلت ،وبتغيير ترتيب الكلمات واليات ،أجمعت عليه كتب الشيعة" [المصدر السابق :ص ].104وأن
هذه الكلمات واليات كانت كما يزعمون في علي وأولده ،وأن الذي حذف ذلك هم صحابة
رسول ال ،وينقل عن بعض شيوخ الشيعة أنهم قالوا بأن أخبار هذه الفرية متواترة عندهم ويلزم
[انظر :المصدر السابق: من ردها رد سائر أخبارهم في المامة والرجعة وغيرها ،والحكم ببطلنها"
ص .].138
وقد لحظ من خلل حياته مع الشيعة في تلك الفترة تأثر المجتمع الشيعي بهذه العقيدة؛ حيث
إنه لم يجد من التلميذ ول من العلماء من يحفظ القرآن ،ول من يعرف وجوه القرآن الدائية،
[وقد استفهم عن هذه بل ول من يقيم القرآن بعض القامة بلسانه وأنهم اتخذوا القرآن مهجورا
الظاهرة الخطيرة بعض شيوخ الشيعة في ورقة صغيرة كتب فيها هذه المسألة مع مسائل أخر فلم يجد إجابة (انظر:
الوشيعة ص ،)28-27 :ثم كتب بعد ذلك رسالة ضمنها مجموعة من عقائد الشيعة الباطلة وقدمها لشيخ مجتهدي
الكاظمية ببغداد ،ثم نسخت في كراريس ،ووزعتها الرابطة العلمية لساتذة النجف ،ثم يذكر بأنه بعدما راجع بهذه
المسائل مجتهدي الشيعة انتظر سنة وزيادة ولم يسمع جوابا من أحد إل من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة ،فقد أجابه
بكتاب من تسعين صفحة بكلمات في الطعن على العصر الول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة( .الوشيعة :ص
134
،].)118-117 ،98ويقول :هل هذا بسبب أنهم ينتظرون ما وع َدتْهم به أساطيرهم من ظهور
القرآن الكامل مع منتظرهم الموعود؟ [انظر :ص .].112 ،31-30
ثم يقوم الستاذ محب الدين الخطيب (ت 1389ه) بمناسبة إنشاء دار التقريب بين المذاهب
السلمية التي أنشأها الشيعة في أرض الكنانة لبث عقيدة "الرفض" بين أهلها يقوم بالكتابة عن
الشيعة في مجلة الفتح ،وفي رسالته "الخطوط العريضة" ويتحدث عن هذه الفرية ،ويستشهد بما
جاء في كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب" الذي ألفه ميرزا حسين ابن
محمد تقي النوري الطبرسي أحد كبار علماء النجف ،والذي بلغ من إجلل الشيعة له عند وفاته
سنة (1320ه) أنهم دفنوه في أشرف بقعة عندهم ،ويقول بأن هذا الكتاب ينطوي على مئات
النصوص عن علمائهم في كتبهم المعتبرة يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف ومؤمنون به،
ويستشهد بما جاء في كتاب الكافي للكليني والذي يقول بأنه كصحيح البخاري عند أهل السنة.
كما ينشر صورة لما يسمى" :سورة الولية" ويقول بأنها منقولة فوتوغرافيا عن أحد مصاحف
إيران ،ثم قال :ويبقى أن هناك قرآنين أحدهما عام ومعلوم ،والخر خاص مكتوم ومنه سورة
الولية ،ثم يستشهد بما جاء في بعض نصوصهم من الفتوى بقراءة المصحف العثماني ،ولكن
يقول :إن خاصة الشيعة يعلم بعضهم بعضا ما يخالف ذلك مما يزعمون وجوده عند أئمتهم من
أهل البيت" [الخطوط العريضة :ص .].19-10
كما أن الشيخ محمود الملح (ت 1389ه) في العراق فضح الشيعة في هذه المسألة لمواجهة
[انظر كتابه" :الوحدة السلمية محاولة شيخ الشيعة الخالصي في نشر الرفض باسم الوحدة السلمية
بين الخذ والرد".].
ومن بعد هؤلء نرى الشيخ إحسان إلهي ظهير يكتب عن هذه القضية في كتابه" :الشيعة
والسنة" ويذهب إلى القول بأن الشيعة كلها على هذا الكفر ،وينقل الشواهد الكثيرة من كتبهم التي
تتضمن أخبار هذه السطورة ،ويعد إنكار المنكرين لهذه المسألة تقية ل حقيقة ،ويرى أنه قام
بدراسة هذه المسألة ببيان واضح ،مستند ،مفصل لم يسبق إليه [السنة والشيعة :ص .].14
ثم يحاول أن يتوسع أكثر في هذه المسألة فيخصص لها كتابا مفردا بعنوان "الشيعة والقرآن"
ينتهي فيه إلى نفس الحكم الذي انتهى إليه في كتابه السابق ،ومعظم هذا الكتاب هو عبارة عن
نقل حرفي بدون أدنى تعليق لكتاب ل يوجد من كتب الشيعة أجمع لنصوص الفرية منه وهو
كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب" ،والغريب أن إحسان ينتهي إلى
نفس النهاية التي انتهى إليها صاحب فصل الخطاب ،مع أن صاحب فصل الخطاب ألف كتابه
-كما سيأتي -لقناع طائفة من قومه أنكرت هذا الكفر وأبت أن تهضمه ،واحتجت بما قاله
135
بعض شيوخها السابقين من إنكار هذه الفرية ،فرد عليها صاحب فصل الخطاب بكتابه هذا،
وعزا النكار من شيوخه السابقين إلى التقية أو إلى عدم توفير المصادر عندهم -كما سيأتي -
[في فصل الخطاب يتبين أن هناك جناحين من فذهب إحسان إلى مذهب صاحب فصل الخطاب نفسه
الشيعة ،جناح يقول بالتحريف ،ويعتبر إنكار من أنكر تقية ويدعي إجماع الشيعة على ذلك الكفر ،ويشايع هذا الجناح
صاحب فصل الخطاب والذي ألف هذا الكتاب كما قلنا من أجل الرد على من أنكر ذلك.
والجناح الخر المنكر لرأي أولئك ويدعي الجماع على خلفه ويسرد الدلة القوية التي تؤيد مذهبه ،إل أن
صاحب الشيعة والقرآن أغفل ذكر أدلة هذه الطائفة واكتفى بسرد ما عند الطائفة الخرى بدون أي تعليق ،وكأنه
اعتبر هذا النكار تقية فل لزوم لذكره ،ول شك أن المانة تقتضي ذكر المذهبين ،كما أن بذكرهما يتبين أمور كثيرة
تتصل باضطراب المذهب الشيعي وفساده ،].ونعمة ال الجزائري من أن إنكار المنكرين على سبيل
التقية كما سيأتي بحثه ودراسته.
كما أن للستاذ محمد مال ال كتابا بعنوان« :الشيعة وتحريف القرآن» انتهى فيه إلى أن
شيوخ الشيعة اتفقوا على القول بهذه الفرية ،واستشهد على ذلك بكلم اثني عشر شيخا من
شيوخهم يقولون بهذا الفتراء ،ولم يشر إلى وجود خلف بينهم في هذا مع أن طائفة من
شيوخهم أنكروه ،كما قام بالستشهاد بأكثر من مائتي رواية لهم قال بأنها نماذج من تحريفات
الشيعة للقرآن ،كما قام بإعداد جدول لهذا في تعليقه على كتاب الخطوط العريضة ووضعه في
نهاية الكتاب ،واستخرج ذلك من طائفة من كتب الشيعة في التفسير والحديث ،إل أن فيها ما
ليس بصريح في هذا المر بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل.
كما أنه وقع -كما وقع إحسان من قبله -بذكر بعض الروايات للشيعة والتي فيها ذكر
قراءة للية مروية عن السلف واعتبرها -بجهل -من قبيل التحريف .والسبب في ذلك هو
[مثل اعتمادهم بدون تدبر على كتاب فصل الخطاب ،..وهناك كتابات أخرى تشابه ما ذكرناه
كتاب :وجاء دور المجوس (ص )114الذي يرى أنه إنكارهم للتحريف تقية ،لنهم يعتقدون خيانة الخلفاء الثلثة
ونفاقهم ،وغيرهم من جلة الصحابة ،والقرآن وصلنا عن طريقهم ،كما أنهم يترحمون على شيوخهم المجاهرين بهذه
الفرية ويجلونهم( .ص ،].)117لكن الدكتور علي أحمد السالوس وهو أحد المهتمين بقضية الشيعة،
ل يتفق مع الستاذ محب الدين الخطيب وغيره في نسبة هذا الجرم الشنيع إلى المامية عامة
ويرى أن ذلك خاص بالخباريين فقط ،أما الصوليين منهم فهم يتبرؤون من هذه المقالة ،لكن
هذا التقسيم لم يكد يسلم له بطريقة جازمة ،حيث قام بمقابلة أحد مراجع الشيعة الخبارية وسأله
عن رأيه في ذلك فقال :إن التحريف وقع في القرآن الكريم من جهة المعنى فقط.
يقول الدكتور السالوس :وأعطاني كتيبا كتبه تعليقا على مقال يهاجم الشيعة ،ومما جاء في
هذا الكتيب" :مذهبنا -ومذهب كل مسلم -بأن القرآن الكريم المتداول بين أيدينا ليس فيه أي
136
تحريف بزيادة أو نقصان ،وما ذكر في بعض الحاديث بأن فيه تحريفا ونقصانا فهو مخالف
لعقيدتنا في القرآن الكريم الذي هو الذكر الحكيم ،والذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من
خلفه".
وقال الدكتور :لعل القائلين بهذه الفرية هم فريق من الخباريين ل كلهم ،أو يكون الكلم في
ذلك الكتيب مبعثه التقية ،ويستدل على ذلك بأنه قال في نفس ذلك الكتيب" :لم يقل الشيعة
وأئمتهم بما يحط من كرامة الخلفاء المرضيين ..وقد أجري الفتح والخير للمسلمين على يد
أولئك الصالحين -عليهم سلم ال ورحمته ورضوانه أجمعين -ويقول بأنه من الواضح البين
أن هذا ليس رأي الشيعة" [انظر :فقه الشيعة :ص .].148
هذا ولعلماء الهند وباكستان جهود في كشف هذه الفرية في كتب الشيعة وإعلنها للمسلمين
ل -ما كتبه الشيخ عبد الشكور فاروقي الكهنوي بعنوان« :إفسانة تحريف قرآن.
[انظر -مث ً بغير اللغة العربية
ومعنى إفسانة :حكاية أو رواية.].
هذا ونكتفي بهذه الشارة للدراسات التي قامت حول هذه "الفرية" وندع الجانب التفصيلي من
التقييم ،والملحظات على بعض هذه الدراسات حتى ل نخرج من موضوعنا الساسي؛ لنني
سأحاول أن أكتب عن هذه القضية وفق منهج آخر ،وذلك بدارسة أصولها وجذورها الساسية،
وتتبع مسارها التاريخي ،وإفساح المجال للصوت المنكر لهذه السطورة ،لسماعه وتحليله ،فلم
أر من اعتنى بمثل ذلك .بالضافة لمسائل أخرى قد تكون جديدة تتعلق بهذه القضية.
وقبل أن أرفع القلم أشير إلى أن تلك الدراسات والقوال قوبلت من طائفة من شيوخ الشيعة
بالنكار ،وأخذوا ينادون ويصرخون بأنهم قد ظلموا في هذه القضية وأنهم أبرياء من هذه
[سالم البهنساوي في كتابه" :السنة المفترى التهمة ،فما حقيقة المر؟ لقد رأينا من المنتمين لهل السنة
عليها" .].من بلغ به الحماس إلى أن يجمع ما جاء في كتاب إحسان إلهي ظهير ومحب الدين
الخطيب من نصوص حول هذه الفرية ،مقرونا بمصادره التي نقلت عنها ويعرضه على أحد
[وهو كما قال "محمد مهدي الصفي" ووصفه بأنه" :الخ الصديق المام" وهو يقيم في الكويت]. شيوخ الشيعة
ويطلب منه الجابة على ذلك ..فكان من جواب هذا الشيعي أن :سلمة القرآن الكريم من
التحريف موضع اتفاق وإجماع علماء الشيعة المامية ،ومن شذ منهم في هذه المسألة فل يعبأ
[لحظ الكذب على علماء السنة ،فل يوجد من برأيه كما من شذ عن هذا الجماع من علماء السنة"
علمائهم من قال بهذا الفتراء.
ولكن هذه إشارة لها مغزى سيأتي الوقوف عندها وعند سائر أخطائه وتناقضاته في مبحث «الشيعة المعاصرون
وصلتهم بأسلفهم» إن شاء ال.].
137
ثم استدل ببعض أقوال شيوخهم في إنكار هذه الفرية ،كما ذكر أن في كتب الحديث عندهم
الصحيح وغيره ،وأن الروايات التي ذكرها في رسالته غير معتبرة إجمالً وقال" :وقد عرفنا
إجماع الطائفة واتفاقها قائم على رفض التحريف في كتاب ال ،فهذه الروايات إذن مهما كثرت
فهي مردودة عندنا ،ول تسل لماذا تثبت هذه الروايات في المجاميع عندنا ،فهي مجاميع خاضعة
[الصفى /البيان التوضيحي حول دعوى تحريف القرآن، للنقد والجتهاد ،وليست صحاحا للخذ والعمل"
ضمن كتاب" :السنة المفترى عليها" :ص .].75-68
ولكثرة إنكار الشيعة وشيوخها لهذا الفرية -إن حقيقة أو تقية -قال الدكتور رشدي عليان:
"وأرى مادام المعتمدون من علماء الطائفة يذهبون إلى أنه ل تبديل ول تحريف ول نقص ول
زيادة في كتاب ال أن نكتفي بذلك ول داعي لترديد بعض الراء الشاذة وذكر الروايات الواهية
الموضوعة في ذلك" [العقل عند الشيعة المامية :ص .].49
وقال الشيخ رحمة ال الهندي في كتابه إظهار الحق بعد نقله لكلم طائفة من شيوخهم في
إنكار هذه الفرية" :فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة المامية الثني عشرية أن القرآن
الذي أنزله ال على نبيه هو ما بين الدفتين وهو مما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك"..
[إظهار الحق :ص .].77
وبعدما عرفنا ما جاء في كتب المنتمين لهل السنة ،ولحظنا أن المتقدمين من أهل السنة
كالشعري يرى أن الشيعة فريقان :فريق يقول بهذا الكفر وفريق ينكره ،ثم نرى هذه الفرية عند
البغدادي وأبي يعلي تنسب إلى الرافضة عموما ،ولكن نلحظ في بعض كتابات المتأخرين كأبي
الثناء اللوسي ،والدكتور السالوس وغيرهما أن الشيعة في هذا طائفتان ،ويميز بينهما الدكتور
السالسوس بالسم فيرى بأن الصوليين قد ردوا أخبار هذه السطورة بحكم منهجهم في نقد
النصوص ،بينما قبلها الخباريون لنهم يقبلون كل ما نسب لئمتهم من روايات ،كما ترى
إشارة إلى شيء من الخلف فيما جاء على لسان الشيخ رحمه ال الهندي ،بينما يرى د .رشدي
عليان أل يذكر سوى هذا القول عن الشيعة؛ لن ما سواه عندهم رأي شاذ موضوع .بينما نرى
صنفا آخر من المعاصرين كالشيخ محب الدين الخطيب وإحسان إلهي ظهير وغيرهما يرى أن
الثني عشرية كلها على هذا ،ومن أنكر منهم ذلك فإنكاره من قبيل التقية وليس بحقيقة.
وبعد هذا نرجع إلى مصادر الشيعة المعتمدة عندها نستنطقها علّنا نعرف جلية الخبر عندها،
هل ما يقال عنهم ليس بثابت عندهم؟ فلقد وجد من الطوائف ومن العلماء من افترى عليه وظلم
وقيل عنه ما ليس فيه ،وما ورد في كتب الفرق والمقالت نقول عن المخالف ،وقد تكون
138
تخريجات وإلزامات بعيدة عما يقتضيه المذهب ،أو تكون ليست بثابتة ،أو لها تأويل آخر
عندهم ،ولذا قبل" :إن نقل المخالف ل يعتد به" [القاسمي /تاريخ الجهمية والمعتزلة :ص .].22
والعدل والنصاف واجب ولزم {وَإِذَا حَ َك ْمتُم َبيْنَ النّاسِ أَن تَحْ ُكمُو ْا بِالْعَ ْدلِ} [النساء ،آية،].58 :
علَى أَ ّل تَعْ ِدلُواْ اعْ ِدلُواْ ُهوَ أَ ْقرَبُ لِلتّ ْقوَى} [المائدة ،آية.].8 :
شنَآنُ َق ْومٍ َ
ج ِرمَنّ ُكمْ َ
{ َولَ يَ ْ
ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية:
وقبل أن نأخذ بيد القارئ في رحلة تبدأ من نقطة الصفر من أول كتاب وضعه الشيعة وألفوه،
نعرض لصوتين مختلفتين ومتعارضين ،هذان الصوتان المتعارضان كان لهما -في الغالب -
وجود وصدى في كل الكتب الشيعية التي تعرضت لهذه القضية ،فلنستمع إليهما ليتسنى إدراك
وتصور هذه المسألة عند هؤلء حتى ل يحصل غبش في تصورها في رحلة قد تطول مراحلها
بين محطات الكتب الشيعية المختلفة.
يقول شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمي (ت 381ه) صاحب من ل يحضره الفقيه ..وهو
واحد من أهم كتبهم الربعة المعتمدة في الحديث ،يقول" :اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله ال
تعالى على نبيه محمد وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ..ومن
نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب" [العتقادات :ص .].102-101
هذا قول شيخهم الملقب عندهم بالصدوق ،ويشايعه في قوله هذا آخرون من شيعته .ويقول
المفيد (ت 413ه)" :إن الخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى ال عليه
[أوائل المقالت :ص وسلم باختلف القرآن وما أحدثه بعض الطاعنين فيه من الحذف والنقصان"
[يعني بهم كبار صحابة رسول صلى ال ].54ويقول" :واتفقوا -أي المامية -على أن أئمة الضلل
عليه وسلم الذين رضي ال عنه ورضوا عنه ،وعلى رأسهم الخلفاء الثلثة قبل علي رضي ال عنهم ].خالفوا في
[أوائل كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى ال عليه وسلم"
المقالت :ص .].13ويقول بما قاله مفيدهم -الذي يلقبونه بركن السلم وآية ال الملك العلم -
طائفة من شيوخهم.
هذان قولن مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهم يجمعهما وحدة الزمان
والمكان ،ويتفقان في الهوية المذهبية ،بل إن هذا المفيد هو تلميذ لبن بابويه القمي .فمن نصدق
منهما؟ وأي القولين يعبر عن مذهب الشيعة؟ ونجد أن تلميذين من تلمذة المفيد ومن أكبر
شيوخ الشيعة -وهما الطوسي ،وابن المرتضى -يقولن بما قاله ابن بابويه وأن مذهب أهل
التحقيق من الشيعة إنكار هذه الفرية -كما سيأتي ،-وكل قول من هذين القولين يؤيده جناح
139
من الشيعة ،بل يدعي حينا أن ل قول للشيعة سواه وغيره افتراء على الشيعة وكذب ..والتعرف
على الحقيقة وسط هذا الركام من القوال المتعارضة والمتناقضة ليس بسهل المنال..
وإذا لحظنا أن من أركان الدين عند هؤلء «التقية» ولدين لمن ل تقية له؛ أدركنا أن
الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير ،وركام من التناقضات والتعارضات ،وعقبات من
التقية والكتمان ..ولهذا سنرى في مبحث التقية أن الحقيقة التي تعبر عن مذهب الئمة قد تخفى
على شيوخ الشيعة أنفسهم فل يعلمون أي القولين تقية ،فكان هذا من أسباب ضياع مذهب الئمة
واستمرار الغلو.
ولهذا سنبدأ بدراسة هذه القضية من بدايتها ،والتحري في صدق القوال من تقيتها ،بتحليل
القوال ومقارنتها مما صدر عن صاحبها في كتبه الخرى ،وأسأل ال سبحانه أن يعصمنا من
اتهام الخرين بما ليس فيهم ،وأن يجنبنا مواضع الزلل في أقوالنا وأحكامنا.
وسنتناول هذه القضية الخطيرة التي يترتب على رمي الشيعة بها انفصالها عن المسلمين
لمفارقتها للصل الذي يتفقون عليه -سنتناولها فيما يلي وفق التصوير التالي:
أقوم أولً بتتبع الكتب التي شاركت في وضع هذا الكفر بين الشيعة ،وأعرض لها ،وأتوقف
في أول المر لدراسة أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية ،ومن الذي وضعه ،ورأى شيوخ الشيعة
فيه؛ لما في ذلك من أهمية في بيان جذور هذا البلء ،واكتشاف اليدي السبئية التي شاركت في
هذه الجريمة ،ثم نتحدث كيف امتدت منه إلى سائر كتب الشيعة.
وبعد ذلك نعرض لمضامين هذه الكتب ونصوصها المتصلة بقضية التحريف ،وحجمها
ووزنها عندهم ،وما يقولونه في مصحف علي ،وما يقال بأن عندهم مصحفا سريا يتداولونه فيما
بينهم ،وإنكار جملة من شيوخ الشيعة لهذا الكفر ،وهل هذا النكار تقية أو حقيقة .كل ذلك
نعرض له من كتب الشيعة نفسها ،إل ما جاء عرضا في مناقشة بعض المسائل ،وإن رأيت شيئا
من الطالة في هذا المبحث فللخطورة الكبرى له ،واختلف الناس حول رمي الشيعة به -كما
سلف الشارة إلى ذلك .-
بداية الفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة:
[تقول كتب الشيعة" :سليم بن قيس الهللي أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية هو" :كتاب سليم بن قيس
يكنى أبا صادق ،كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان هاربا من الحجاج لنه طلبه ليقتله ولجأ إلى أبان بن أبي
عياش فأواه ،فلما حضرته الوفاة أعطاه (سليم) كتابا وهو كتاب سليم بن قيس .توفي سنة (90ه)"( .البرقي /الرجال:
ص ،4-3الطوسي /الفهرست :ص ،111الردبيلي /جامع الرواة ،1/374 :رجال الكشي :ص ،167رجال الحلي:
[أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل ،قال المام ص .].)83 ،82الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش
140
أحمد :متروك الحديث ترك الناس حديثه منذ دهر ،وقال :ل يكتب حديثه كان منكر الحديث ،وقال ابن معين :ليس
حديثه بشيء ،وقال ابن المديني :كان ضعيفا ،وقال شعبة :ابن أبي عياش كان يكذب في الحديث .توفي سنة (138ه).
(انظر :تهذيب التهذيب ،101-1/97 :العقيلي /الضعفاء ،41-1/38 :ابن أبي حاتم /الجرح والتعديل-2/295 :
)296هذا بعض ما قاله أئمة أهل السنة ،وفي كتب الشيعة .يقول ابن المطهر الحلي :أبان بن أبي عياش ضعيف جدا،
وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه ،ومثل ذلك قال الردبيلي (انظر :رجال الحلي :ص ،206جامع
[انظر :الفهرست :ص ،219الخوانساري /روضات الجنات ،4/67 :رجال الرواة ،].)1/9 :لم يروه عنه غيره
الحلي :ص ،83الردبيلي /جامع الرواة ،1/374 :البروجردي /البرهان :ص ،].104وهو" :أول كتاب ظهر
للشيعة" كما يقول ابن النديم [الفهرست :ص ،219وانظر :الذريعة ].2/152 :وغيره.
[يروون عن أبي عبد ال أنه قال فيه" :من لم وقد أكثر الشيعة من مدحه وتوثيقه والثناء على كتابه
يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم ابن قيس الهللي فليس عنده من أمرنا شيء ول يعلم من أسبابنا شيئا ،وهو
أبجد الشيعة وهو سر من أسرار آل محمد صلى ال عليه وآله" مقدمة كتاب سليم بن قيس ص ،4 :أغا بزرك
الطهراني /الذريعة ،2/152 :وانظر :هامش وسائل الشيعة 2/42 :رقم (.)4
وقال النعماني" :وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الئمة -عليهم السلم -خلف في أن كتاب
سليم بن قيس الهللي أصل من أكبر كتب الصول التي رواه أهل العلم وحملة حديث أهل البيت -عليهم السلم
وأقدمها ،لن جميع ما اشتمل عليه الصل إنما هو عن رسول ال -صلى ال عليه وآله وسلم -وأمير المؤمنين،
والمقداد ،وسلمان الفارسي ،وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمير المؤمنين
عليه السلم وسمع منهما ،وهو من الصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها"( .انظر :النعماني /الغيبية ص
61ط .العلمي بيروت ،وص 47ط .إيران ،وانظر :وسائل الشيعة.)210-20 :
وقال المجلسي" :وهو أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في السلم" ،ثم أورد المجلسي أربع روايات لهم
تفيد أن عليا ابن الحسين -برأه ال مما يفترون -قرئ عليه الكتاب وقال" :صدق سليم" (بحار النوار-1/156 :
،158وانظر في بعض الروايات التي أشرنا إليها :رجال الكشي :ص ].)105-104رغم أنني لم أجد لمؤلفه
[رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له ذكرا فيما رجعت إليه من مصادر
ل في تاريخ الطبري كما يظهر ذلك من خلل فهرس العلم الذي وضعه أبو الفضل إبراهيم،
ذكرا ،فلم أجده مث ً
وكذلك تاريخ ابن الثير كما يبدو من فهارسه التي وضعها إحسان عباس (أو سيف الدين الكاتب) وليس له ذكر في
شذرات الذهب لبن العماد الحنبلي ،والبداية والنهاية لبن كثير ،وطبقات ابن سعد ،ول في مجموعة من كتب الرجال
مثل :لسان الميزان ،أو التاريخ الكبير والصغير للبخاري ،أو تهذيب الكمال للمزي ..إلخ مع أنه مؤلف أول كتاب في
السلم ،ولحقه الحجاج لقتله ..إلخ فمن برز في هذين التجاهين الفكري ،والسياسي يستبعد أن ينسى ،ونسيانه دليل
على أن ما تقوله الشيعة عنه مجرد دعوى ،فقد يكون شخصية خيالية ،أو نكرة من النكرات ،].ولو صدق بعض
ما تذكره الشيعة فيه لكان شيئا مذكورا ،ولكنه لم يذكر إل في كتب الشيعة وحدها ،بل إن من
متقدمي الشيعة من قال" :إن سليما ل يعرف ول ذكر في خبر" [رجال الحلي :ص ].83وإن كان
هذا ليس بمرضي عند متأخري الشيعة .ورغم أن الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه
[جاء في بعض روايات الكتاب مخاطبة علي هذه علي ووصفه بأوصاف ل يوصف بها إل رب العالمين
141
اللقاب" :يا أول ،يا آخر ،يا ظاهر ،يا باطن ،يا من هو بكل شيء عليم" ،ويقول" :إن هذا الوصف صدر من الشمس
لعلي وأنه سمعه أبو بكر وعمر والمهاجرون والنصار فصعقوا ثم أفاقوا بعد ساعات" (كتاب سليم بن قيس ص 38
ط :العلمي ،وص 32-31ط :النجف) ،وهذه الوصاف هي آثار السبئية التي تؤله عليا ،والتي ورثتها الثنا عشرية،
واستبقت أقوالها في مصادرها ،ونسبتها لل البيت ،فأزرت على الل بهذا وأمثاله ،وهي تدعي التشيع لهم ..وهذه
علِيمٌ} [الحديد ،آية].]3 :
شيْ ٍء َ
طنُ وَ ُهوَ بِ ُكلّ َ
خرُ وَالظّا ِهرُ وَا ْلبَا ِ
أوصاف لرب العالمين :قال تعالى{ :هُ َو الَوّلُ وَال ِ
فإن كل ذلك لم يحد من مبالغات الشيعة في مدحه وتوثيقه في روايات ينسبونها لل البيت،
وأقوال صدرت من كبار شيوخهم [انظر :ص( )270هامش رقم ].)5( :حتى اعتبروه أصلً من أصول
آل محمد وسرا من أسرارهم ،رغم أنه يحمل برهان وضعه سندا ومتنا فهو من روايات أبان
[انظر :ص ()270 وهو متروك أو ضعيف عند أهل السنة ،وضعيف في كتب الرجال عند الشيعة
هامش رقم ].)2( :أيضا ،وسليم الذي يزعمون أنه مؤلف الكتاب مجهول ،وقد ل يكون له وجود
في إل في خيالت الشيعة [انظر :ص( )271هامش رقم ،].)1( :والكتاب مضطربة طرقه ولكنهم
يقولون" :ما يتراءى من الضطراب في الطريق غير قادح وهو واقع في أكثر طرق كتب
أصحابنا" [الخوانساري /روضات الجنات .].4/68 :وجملة من متون الكتاب تجعله في عداد الكتب
الباطنية اللحادية ،ومع ذلك فقد اعتمد النقل عنه أصحاب الكتب الربعة المعتمدة عندهم
[الكليني يعتمد عليه وأخرج له في عدة أبواب؛ كباب ما جاء في الثني عشرية (انظر وآخرون من شيوخهم
أصول الكافي )1/252 :وباب دعائم الكفر (انظر :المصدر السابق )2/391 :وغيرها .ومثله شيخهم ابن بابويه القمي
الملقب عندهم بالصدوق في من ل يحضره الفقيه (انظر :روضات الجنات ،4/68الذريعة )2/154 :ومثله الحتجاج
للطبرسي ،والختصاص للمفيد ،وتفسير فرات وغيرها .انظر :مقدمة كتاب سليم ابن قيس ص .].6وسجل في
هذا الكتاب جملة من عقائد غلة الشيعة.
والمفاجأة في هذا الموضوع أن بعض شيوخ الشيعة أماط اللثام عن حقيقة هذا الكتاب،
وكشف النقاب عن هويته؛ إذ قد رابهم شيء في هذا الكتاب فرأوا من الواجب كشفه قبل أن
يقوض أساس التشيع الثني عشري نفسه ،ول يظن القارئ أن هذا الذي رابهم وأشكل عليهم هو
تأليه علي ،أو الطعن في القرآن أو غير ذلك من المطاعن في السلم نفسه ،إنما الخطر الذي
اكتشفوه في الكتاب" :هو أنه جعل الئمة ثلث عشر" وهذه طامة كبرى تهدد بنيان الثني
عشرية بالسقوط ،ولسيما أن هذا وجد في كتاب يعتبر أبجد الشيعة ،وأول كتاب ظهر لهم،
[انظر: ولهذا كفونا مؤنة نقض هذا الكتاب .فقرر فريق منهم أن "الكتاب موضوع ل مرية فيه"
رجال الحلي :ص ،83ابن داود /الرجال :ص .].414 ،413
وبدأوا يبينون عيوب الكتاب وأمارات وضعه فقالوا :إنه خالف التاريخ بقوله" :إن محمد بن
أبي بكر وعظ أباه عند الموت لنه غصب المامة من علي" مع أن محمد بن أبي بكر ولد في
142
[انظر :الخوانساري /روضات الجنات،4/67 : سنة حجة الوداع فكيف يعظ أباه وعمره ثلث سنوات
رجال الحلي :ص ،].83كما أنه جعل الئمة ثلث عشر ،وقالوا :بأن سليما ل يعرف ول ذكر في
[انظر :رجال الحلي :ص ،83الخوانساري /روضات الجنات: خبر ،وأن أسانيد الكتاب مختلفة مضطربة
[انظر :رجال ،4/67ابن داود /الرجال :ص ،].414-413واتهموا في وضع الكتاب أبان بن أبي عياش
الحلي :ص ،206ابن داود /الرجال :ص .].414-413
وحدد بعض المعاصرين تاريخ وضعه فقال :إنه موضوع في آخر الدولة الموية لغرض
صحيح [هو :أبو الحسن الشعراني /في تعليقه على الكافي مع شرحه للمازندراني -].374-2/373 :ولم يبين
دليله فيما ذهب إليه -وفريق منهم عزّ عليهم -فيما يبدو -أنه يفقدوا هذا الكتاب جملة واحدة
مع أنه أصل من أصولهم وعمدة لشيوخهم ..فقال هذا الفريق" :والوجه عندي الحكم بتعديل
المشار إليه والتوقف في الفاسد من كتابه" [رجال الحلي :ص ،83وسائل الشيعة ].20/210 :مع أن هذا
الفاسد ينقض بنيان الثني عشرية من الساس وذلك في جعله الئمة ثلثة عشر.
ولهذا لم يرتض هذا القول من الدوائر الشيعية فرأى فريق منهم القيام بعمل جذري ينهي
المشكلة التي أقلقتهم من أساسها فقاموا بتعديل الكتاب ليتلءم والمنطق الشيعي.
وأشار الخوانساري إلى التغير في الكتاب فقال" :إن ما وصل إلينا من نسخ الكتاب هو أن
عبد ال بن عمر وعظ أباه عند الموت" [روضات الجنات .].4/69 :وقال الحر العاملي" :والذي
[وسائل الشيعة: وصل إلينا من نسخه ليس فيه شيء فاسد ،ول شيء مما استدل به على الوضع"
.].20/210وقد بحثت عن عيوب الكتاب في نظر الشيعة والتي أشار إليها الفرق الول في
طبعتين من طبعات الكتاب [ط :النجف بالمطبعة الحيدرية ،وطبعة العلمي ببيروت ].فلم أجد لها ذكرا
فيه ،وهذا يدل على أنهم يغيرون في كتبهم ويزيدون وينقصون .ومع هذا فقد أصبح هذا الكتاب
عمدة عند متأخري الشيعة كما قرره المجلسي في البحار [بحار النوار ،].1/32 :والحر العاملي في
الوسائل [وسائل الشيعة ].20/210 :وغيرهما.
هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف اليدي السبئية التي
افترت هذه الفرية ،إذ إننا نلحظ أن الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس الذي اتهموا في وضعه
أبان ،وحدد بعضهم تاريخ وضعه بأنه في آخر الدولة الموية .أما من تولى كبر هذا الوضع
لهذه الفرية فإن بعض شيوخ الشيعة يتهم فيه أبان ،وقد سبق أن ذكرنا أن الملطي يتهم فيه هشان
بن الحكم ،يعني أن هذه الفرية لم يكن لها وجود قبل القرن الثاني ،وقد تتبعت الراء المنسوبة
لبن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة قد نقلت عن ابن سبأ لنها -فيما يبدو -لم
تخطر على باله لوضوح بطلنها أمام الجيل الذي عاصر التنزيل ،ولنها وسيلة سريعة
143
لنكشاف كذبه ،فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية .لم يقل إن الصحابة حرفوا القرآن
ولكن عدل عن ذلك إلى القول" :بأن هذا القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي"
[الجوزجاني /أحوال الرجال :ص ،].38وهي مقالة مجملة لم يفصح فيها عن مراده ،وقد يوضحها ما
جاء في رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية (ت 95ه) وهو قوله" :ومن خصومه هذه السبئية
التي أدركنا يقولوا (كذا) هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي ويزعمون أن نبي ال كتم
تسعة أعشار القرآن ،ولو كان نبي ال كاتما شيئا مما أنزل ال لكتم شأن امرأة زيد {وَإِ ْذ تَقُولُ
[كتاب اليمان لمحمد بن أبي عمر المكي العدني :ص ( 250-249مخطوط) والية رقم ( عَل ْيهِ}
ِللّذِي َأنْ َعمَ الّلهُ َ
)37من سورة الحزاب.].
فإذن لم تكن هذه القضية من مقالت السبئية بل حدثت فيما بعد ،أما من هو الذي تولى كبر
وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الجابة الجازمة المحددة قد ل تكون ميسرة ،ول يجدي في
هذا تتبع أسانيد روايات التحريف؛ لن في أخبارها ما هو عار من السند كالروايات التي جاءت
في كتاب الحتجاج للطبرسي ،ولن مسألة السناد عندهم قد وجدت بعض القرائن -كما سيأتي
-التي تدل على أنها صنعت متأخرة ،كما أن من أساليبهم وضع السانيد الصحيحة لمتون
مكذوبة فل يعطي سلوك هذا المنهج نتيجة جازمة.
شيوع هذه الفرية في كتب الشيعة:
قد لحظنا أن البداية -إذا أخذنا بأقوالهم -كانت بكتاب سُليم وبدأت القضية بروايتين فقط،
وليس فيها الصراحة التي نجدها عند من بعده -كما سترى أثناء عرضنا لروايات التحريف بعد
نهاية هذه المسألة -فكأن المسألة في كتابه ل تزال في بدايتها لم يكثر الوضع والكذب حولها،
ولكنها بداية في كتاب قوبل بالرفض من بعض الشيعة؛ فهذا يعني الحكم بالموت على هذه
المقالة ،لول أنه جاء في القرن الثالث من تلقف هذه السطورة وزاد عليها ،وأرسى دعائمها
الباطلة.
جاء شيخهم علي بن إبراهيم القمي هو شيخ الكليني صاحب الكافي وحشا تفسيره بهذه
[انظر -على سبيل المثال :-تفسير القمي ،159 ،142 ،123 ،122 ،118 ،110 ،100 ،1/48 :ج 2ص السطورة
،125 ،111 ،21وغيرها كثير ،وسيأتي ذكر بعضها ].وصرح بها في مقدمة تفسيره [تفسير القمي.].1/10 :
ولهذا قال شيخهم الكاشاني" :فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه" [تفسير الصافي ].1/52 :وكذلك
قال شيخهم الخر النوري الطبرسي" :وقد صرح (يعني القمي) بهذا المعتقد في أول تفسيره
[الطبرسي /فصل الخطاب ومل كتابه من أخباره مع التزامه في أوله أل يذكر فيه إل مشايخه وثقاته"
الورقة (( )13النسخة المخطوطة) وص 26من المطبوعة .].ومع أن هذا الكتاب قد ملئ بهذه الزندقة فإن
144
[انظر نص ذلك عن كبير علماء الشيعة اليوم "الخوئي" يوثق روايات القمي كلها -كلما سلف –
الخوئي في مقدمة هذه الرسالة ،أو معجم رجال الحديث للخوئي.].1/63 :
ومن بعد القمي جاء تلميذه الكليني المتوفى سنة (328ه) أو (329ه) الملقب عند الشيعة
بـ"ثقة السلم" ومؤلف أصح كتاب من كتبهم الربعة المعتمدة في الرواية عندهم.
[انظر :أصول الكافي ،باب وقد روى الكليني في الكافي من أخبار هذه السطورة الشيء الكثير
فيه نكت ونتف في التنزيل في الولية من الجزء الول ص 413وما بعدها ،وأرقام هذه الروايات كالتالي،23 ،8 :
. 64 ،60 ،59 ،58 ،45 ،32 ،31 ،28 ،27 ،26 ،25
وانظر :الجزء الثاني من الكافي باب أن القرآن يرفع كما أنزل ص 619رقم ،2وباب النوادر ص 627وما بعدها
رقم ،28 ،23 ،4 ،3 ،2 :وهذه الروايات المشار إليها صريحة في القول بهذا الفتراء ويبعد حملها أو يتعذر على أنها
[انظر :مقدمة الكافي :ص ،9وتفسير الصافي من قبيل التفسير أو القراءات ].مع أنه التزم الصحة فيما يرويه
المقدمة السادسة ص ،52ط :العلمي بيروت ،وص 14ط :المكتبة السلمية بطهران ،].ولهذا قرر الكاتبون
عنه عن الشيعة" :أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ،لنه روى روايات في هذا
المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول كتابه أنه يثق بما رواه"
[الكاشاني /تفسير الصافي /المقدمة السادسة ص ،52ط :العلمي ،وص 14ط :طهران .].والكافي للكليني عند
شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحة ،لن الكليني كان معاصرا للسفراء الربعة الذين
يدعون الصلة بمهديهم الغائب المنتظر ،ولهذا كان التحقيق من صحة مدوناته أمر ميسورا له
[انظر :محمد صالح الحائري /منهاج عملي للتقريب ضمن كتاب: لنه يعيش معهم في بلد واحد وهو بغداد
"الوحدة السلمية" ص ،233 :وبمثل هذا قال قدماء شيوخهم .انظر :ابن طاوس /كشف المحجة ص ،159وراجع ما
جاء في مقدمة الرسالة.].
ولكن يلحظ أن ابن بابويه القمي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في
الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف ،ويوثقونه هذا التوثيق.
وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض أحاديث الكافي بالضعف،
[كحكمه بصحة رواية" :أن القرآن الذي جاء به جبرائيل - ولكنه حكم على روايات في التحريف بالصحة
عليه السلم -إلى محمد صلى ال عليه وسلم وآله وسلم سبعة عشر ألف آية" .وآيات القرآن كما هو معروف ل
[انظر: تتجاوز ستة آلف آية إل قليلً( .انظر :مرآة العقول ،].)2/536 :وكذلك الشافي شرح أصول الكافي
حكمه بالصحة على الرواية التي ذكرنها في الهامش السابق ،الشافي شرح أصول الكافي ،].7/227 :وقد صدر
[طبع سنة 1401ه من تأليف أحد شيوخهم المعاصرين "محمد الباقر حديثا كتاب اسمه" :صحيح الكافي"
البهبودي" ويقع في ثلثة أجزاء ].وقد راجعته فوجدت صاحبه قد جرده من الروايات التي تمس كتاب
[مثل :باب أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة ال ،وليس ذلك فحسب بل حذف أبوابا بكاملها مع أحاديثها
145
وهو من أبواب الكافي الصريحة في هذا الفتراء ،حتى استظهر بعش الشيعة مذهبه في هذا من خلل عنوان هذا
الباب (انظر :فصل الخطاب :ص )27-26وأبواب أخرى ،كما حذف كل روايات "باب فيه نكت ونتف من التنزيل
في الولية" والبالغة ( )92رواية ،ما عدا روايتين فقط ليس فيهما الطعن في نص القرآن فيما انحراف في تأويله أي
تحريف لمعناه وفق المنهج الباطني في التفسير عندهم ،وهذا الباب المشار إليه هو أكثر أبواب الكافي جمعا لخبار
هذه السطورة ،حتى خصصه بذلك صاحب فصل الخطاب( .انظر :ص 26من فصل الخطاب ) ].في ذلك ،كما
[مثل باب أن الئمة إذا شاؤوا أن يعلموا حذف أبوابا تمثل جملة من العقائد التي تنتقد فيها الشيعة
علموا ،وباب أن الئمة يعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم ،وباب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما
يكون وأنه ل يخفى عليهم الشيء صلوات ال عليهم ،وغيرها.
(قارن في هذا كتاب الحجة من صحيح الكافي ،وكتاب الحجة من أصول الكافي) ].وما ندري تصرفه هذا
تقية أم حقيقة ..لسيما وأنه قد حذف أحاديث كثيرة لهم قد حكم عليهم بالصحة المجلسي في
مرآة العقول ،وصاحب الشافي.
ومن طبقة الكليني أيضا العياشي له تفسير يسمى" :تفسير العياشي" وقد وجدت أسطورة
[انظر من ذلك المواضع التالية،1/13 : التحريف مكانها في هذا التفسير في مواضع كثيرة ومتفرقة فيه
206 ،169 ،168وغيرها .].وهو من كتبهم المعتمدة -كما سلف [انظر مقدمة الرسالة -].رغم أن
[بحار رواياته ل سند لها ول زمام ،وزعم صاحب البحار أن الذي حذف أسانيده أحد النساخ
النوار.].1/128 :
[طبع في ومن القرن الثالث أيضا فرات بن إبراهيم الكوفي له تفسير يسمى" :تفسير فرات"
المطبعة الحيدرية بالنجف وكتب على صفحة العنوان "التفسير القيم الذي طالما تشوقت لرؤيته نفوس العلماء ،ضم
(على صغر حجمه) ما لم تضمه التفاسير الكبيرة ،مطابق تمام المطابقة لحاديث وأخبار النبي والئمة -رضي ال
[انظر من تفسير فرات :ص 85 ،18 عنهم .]."-وقد ارتضى لنفسه أن ينقل من أخبار هذه السطورة
وغيرها ].وهو من كتبهم المعتبرة [انظر مقدمة الرسالة ].عندهم .ومن هذا القرن أيضا محمد بن
[قالوا :كان في عصر السفراء الربعة لمهديهم المنتظر ،وهو من تلمذة شيخهم الكليني صاحب إبراهيم النعماني
الكافي ،ولعله تلقى عنه هذا الكفر ،بل قالوا بأنه هو الذي كتب الكافي ،وساعد الكليني في تأليفه.
(انظر :رجال النجاشي :ص ،298أمل المل :ص ،232رجال الحلي :ص ].)162روى في كتابه" :الغيبة"
طائفة من الروايات في هذا الفتراء [انظر ص 218من كتاب الغيبة ].وهو عندهم من أجلّ الكتب
وأثبتها [انظر :بحار النوار.].1/30 :
ومن هذه الزمرة الحاقدة التي وجدت في هذه الفترة أبو القاسم الكوفي ،وقد نسبته بعض كتب
[قال النجاشي" :علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي رجل من أهل كوفة كان يقول أنه من النثي عشرية إلى الغلو
آل أبي طالب ،وغل في آخر أمره وفسد مذهبه وصنف كتبا كثيرة أكثرها على الفساد :كتاب النبياء ،كتاب
146
الوصياء ،كتاب البدع المحدثة ،كتاب التبديل والتحريف" ،كما ذكر النجاشي بأن الغلة يدعون فيه منازل عظيمة.
توفي سنة (352ه).
(رجال النجاشي ص ،203 :رجال الحلي :ص )233وقد حاول الرافضي المعاصر المقدّم لكتاب الستغاثة والذي
لم يفصح عن اسمه أن يدفع عنه صفة الغلو (انظر :ص ب من المقدمة) ،].وشهد على نفسه في كتابه:
"الستغاثة" بأنه على هذا المنهج الضال [انظر :الستغاثة (أو البدع المحدثة) ص .].25 :وقد نسب له
النجاشي كتابا سماه" :التبديل والتحريف" [انظر :رجال النجاشي :ص ].203وقد فقد هذا الكتاب مع
نظائر له ،كما أشار إلى ذلك صاحب فصل الخطاب [انظر :فصل الخطاب :ص ].31-30وهو يروي
عن القمي مباشرة [انظر :الستغاثة ص ].29بعض روايات التحريف ،فقد يكون تلقى عنه هذا
الكفر.
ومن بعد هؤلء نرى شيخهم المفيد (ت 413ه) سجل في كتابه "أوائل المقالت" إجماع طائفته
[انظر: على هذا المنكر [انظر :أوائل المقالت ص ،].51ونقل بعض أخباره في بعض كتبه كالرشاد
الرشاد ص ].365وهو من كتبهم المعتبرة [انظر :بحار النوار.].1/27 :
هذا الزخم من المصنفات وغيرها لتأييد هذا الكفر وإثباته ل يشك مسلم أنه كيد زنديق حاقد
على كتاب ال ودينه وأتباعه ،وقد دفع هذا الفئة إليه -كما سيأتي في تحليل نصوص هذه
السطورة ورواياتها -خلو كتاب ال مما يثبت شذوذهم ،وما ذهبوا إليه من عقائد ليس لها
أصل في كتاب ال ،وليس في مقدورهم أن يفعلوا شيئا لتغيير بعض آيات ال ،كما فعلوا في
السنة المطهرة حينما دسوا بعض الروايات والتي كشفها صيارفة هذا العلم وأربابه ،فلما لم
يستطيعوا أن يحدثوا في كتاب ال أمرا لنه فوق منالهم حينئذ ادعوا أن في كتاب ال نقصا
وتغييرا -وما أسهل الدعوى على حاقد موتور .-
وهي محاولة فيما يبدو لقناع أتباعهم الذين ضجوا من خلو كتاب ال من ذكر أئمتهم
[كما سيأتي بيان ذلك في المامة وغيرها وعقائدهم والتي لها تلك المكانة التي يسمعونها من رؤسائهم
من عقائدهم ،].فادعوا هذه الدعوى ونشط شيوخهم في القرن الثالث والرابع في الحديث عنها،
ولكنهم فيما يبدو لم يحسبوا لهذه الدعوى حسابها فارتدت عليهم بأسوأ العواقب؛ فقد فضحتهم
أمام المل وكشفت القناع عن وجوههم وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم ،وقطعت صلتهم بالسلم
والقرآن وأهل البيت.
ولهذا في القرن الرابع أعلن كبير شيوخهم ابن بابويه القمي صاحب "من ل يحضره الفقيه"
أحد صحاحهم الربعة في الحديث والموصوف عندهم بـ"رئيس المحدثين" المتوفى سنة (
[انظر :كتاب العتقادات :ص ،102-101وسيأتي نص كلمه إن 381ه) أعلن براءة الشيعة من هذه العقيدة
147
شاء ال ،].وكذلك الشريف المرتضى المتوفى سنة (436ه) كان ينكر هذه المقالة ،ويكفر من قال
[التبيان: بها كما ذكر ذلك ابن حزم [الفصل ،].5/22 :وقد نقل إنكاره أيضا شيوخ الشيعة كالطوسي
].1/3والطبرسي [مجمع البيان ،].1/31 :وكذلك استنكر هذه المقالة وصلة الشيعة بها الطوسي
صاحب كتابين من كتب الحديث الربعة المعتمدة عندهم ،وصاحب كتابين من كتب الرجال
الربعة المعتمدة عندهم [التبيان ،].1/3 :وكذلك الطبرسي [مجمع البيان .].1/31 :صاحب "مجمع
البيان".
وسننقل -بمشيئة ال -كلماتهم في ذلك ونقدم دراسة مقارنة لها مع ما قالوه في كتبهم
الخرى ،وما قاله الشيعة في إنكارهم ،ولكن رغم هذا النكار من هؤلء فإن القضية ما تمت،
ففي القرن السادس تولى إثارة هذه القضية مرة أخرى الطبرسي صاحب الحتجاج فحشا كتبه
الحتجاج من هذا الكفر [انظر :فصل الخطاب الورقة ( )32النسخة المخطوطة ،].وسطر مجموعة من
رواياتهم في ذلك وجاء بها مجردة منكل إسناد ،وزعم في مقدمة كتابه أنه لم يذكر إسنادا في
أكثر رواياته لنها محل إجماع قومه ،أو مشهورة عندهم فقال" :ول نأتي في أكثر ما نورده من
الخبار بإسناد ،إما لوجود الجماع عليه ،أو موافقته لما دلت العقول إليه ،أو لشتهاره في
السير والكتب بين المخالف والمؤالف" [الحتجاج :ص ،].14وقد كان هذا الطبرسي المجاهر بهذا
الكفر من معاصري أبي الفضل الطبرسي صاحب مجمع البيان الذي ينكر هذه المقالة ويبرئ
[وقد خلط بعض الكاتبين بينهما فنسب كتاب الحتجاج لصاحب مجمع البيان مع أن صاحب الحتجاج الشيعة منها
يجاهر بهذا الكفر ،وصاحب مجمع البيان يتبرأ منه .وممن اشتبه عليه التفريق بين الرجلين :نبيلة عبيد في كتابها
"نشأة الشيعة" ص ،40-39على الرغم من أنها شيعية.
كما اشتبه على بعضهم التفريق بين الطبرسي صاحب الحتجاج والطبرسي صاحب فصل الخطاب فظنهما
شخصية واحدة مع أن بينهما أكثر من ستة قرون .وممن اشتبه عليه ذلك :عبد المتعال الجبري /حوار مع الشيعة:
ص .].187
ويبدو أن إنكار أولئك الربعة كان له وقعه ،أو أن القضية أصبحت سرية التداول ،فلم نشاهد
نشاطا ملحوظا لبعثها وترويجها بشكل ظاهر وكبير إل في ظل الحكم الصفوي الذي شهد إثارة
لهذه السطورة واختراع روايات لها ،وترويجها أشد مما كان في القرن الثالث ،كان ذلك على
يد مجموعة من شيوخ الدولة الصفوية الذين نشطوا في بعث هذا الكفر ،حتى يلحظ أن هذه
السطورة التي بدأت بروايتين في كتاب سليم بن قيس أصبحت كما يعترف شيخهم نعمة ال
الجزائري أكثر من ألفي رواية [انظر :فصل الخطاب /الورقة (( )125النسخة المخطوطة) ،].حيث إن
[انظر :بحار النوار :كتاب القرآن ،باب تأليف القرآن وأنه على شيوخ الدولة الصفوية كالمجسلي في بحاره
148
[انظر :تفسير الصافي :المقدمة غير ما أنزل ال عز وجل 92/66 :وما بعدها ،].والكاشاني في تفسير الصافي
[البرهان في مواضع كثيرة ،انظر - السادسة :ص ،].420 ،399 ،163 ،136 ،55-40والبحراني في البرهان
مثلً – ج 1ص 15باب أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إل الئمة ،وص ،294 ،277 ،170 ،140 ،102 ،70 ،34
[انظر :النوار النعمانية :ص 308 ،295وغيرها كثير ،].ونعمة ال الجزائري في النوار النعمانية
[انظر :مرآة النوار لبي ،].358-2/357وما سواها من كتبه ،وأبي الحسن الشريف في مرآة النوار
[فقد شرح الكافي ووافق مؤلفه على بلياه حتى قال: الحسن الشريف ،المقدمة الثانية :ص ،].49-36والمازنداني
وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى( ..انظر :شرح جامع الكافي )11/76 :ولك أن تعرف أن
هذا التواتر المزعوم هو عند صنف آخر من شيوخ الشيعة نفسها من الكذب المعلوم ].شارح الكافي وغيرهم
تولوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظل الحكم الصفوي الذي ارتفعت فيه التقية إلى حد
ما.
وفي آخر القرن الثالث عشر وقعت الفضيحة الكبرى للشيعة في هذا الباب؛ فقد ألف شيخهم
[يحظى بتعظيم الشيعة حتى جعلوا كتابه "مستدرك الوسائل" حسين النوري الطبرسي الذي يحظى بتعظيمهم
مصدرا من مصادرهم المعتمدة في الحديث ،كما سيأتي عند الحديث عن عقيدتهم في السنة ،وبعد أن مات هذا
الطبرسي وضعوه في أشرف بقعة عندهم "بين العترة والكتاب -كذا -يعني في اليوان الثالث عن يمين الداخل إلى
الصحن الشريف من باب القبلة (في النجفة).
(أغا بزرك الطهراني /أعلم الشيعة ،القسم الثاني من الجزء الول ص ].)553مؤلفا في هذا الكفر جمع فيه
كل ما لهم من "أساطير" في هذا الباب وسماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب
ي صورة من النسخة المخطوطة
[وقد ارتكب جريمة تأليفه سنة 1292ه وطبع في إيران سنة 1298ه ،ولد ّ الرباب"
مصورة من المتحف العراقي ،ونسخة من المطبوعة .وسيأتي -إن شاء ال -حديث عنه في الباب الرابع،].
فأصبح هذا الكتاب عارا على الشيعة أبد الدهر ،فقد جمع فيه صاحبه رواياتهم المتفرقة وأقوال
شيوخهم المتناثرة لثبات أن الشيعة برواياتها وأقوال المحققين من شيوخها تقول بهذا الكفر..
وهو يؤلف كتابه هذا لمواجه جناح من الشيعة أبى أن يهضم هذه السطورة ،ورفض قبول هذه
المقالة كما يظهر واضحا في رده عليهم في آخر كتابه المذكور [انظر :فصل الخطاب ص .].360
وقد كشف بهذا الكتاب ما كان خفيا وأبان ما كان مستورا .لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما
في زوايا كتب القوم وخباياها من كيد حاقد ،وعداوة مبيتة للقرآن وأهله ،وقد أبان هذا الملحد
المسمى بالطبرسي عن غرضه المبيت ضد كتاب ال في مقدمة كتابه فقال:
"فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن محمد تفي الدين الطبرسي جعله ال من الواقفين ببابه
المتمسكين بكتابه (!) :هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح
أهل الجور والعدوان ،وسميته فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الرباب ..وأودعت فيه من
149
بدايع الحكمة ما تقر به كل عين ،وأرجو ممن ينتظر رحمته المسيئون أن ينفعني به في يوم ل
ينفع مال ول بنون" [فصل الخطاب :ص .].2
انظر كيف تتقنع "المجوسية" بمسوح الرياء والكذب لخداع الغرار والبسطاء عن الهدف
الخبيث الذي تسعى إليه ،وقد رام بعضهم أن يتستر على هذا "الهدف" فقال" :وقد يقال :إن نظره
في تأليف ذلك الكتاب إلى جمع تلك الخبار والشواذ والنوادر ولم يكن غرضه اعتقاد التحريف"
[محمد الطبطبائي /هامش النوار النعمانية ،].2/364 :ولكن هذه الدعوى ما تلبث أن تتلشى بمجرد
قراءة العنوان فضلً عن المقدمة والكتاب ،فل يجدى شيئا مثل هذا الدفاع فهي تقية مكشوفة
[سيأتي -إن شاء ال -عرض لموضوعات الكتاب ونقض لمزاعمه وشبهاته وكشف لمفترياته في باب الشيعة
المعاصرين ،].هذا وبعد هذا العار الكبر الذي كساه صاحب فصل الخطاب على الشيعة وكتبها.
وبعد هذه الفضيحة والخزي قام فئة من شيوخ الشيعة المعاصرين يتبرؤون من هذه المقالة
وينكرونها كالبلغي في آلء الرحمن [آلء الرحمن ،].32-1/17 :ومحسن المين في الشيعة بين
الحقائق والوهام [الشيعة بين الحقائق والوهام :ص ،].160وعبد الحسين شرف الدين في أجوبة
مسائل جار ال [أجوبة مسائل جار ال :ص ،].37-27والخوئي في تفسيره البيان [البيان :ص ،].226
ومحمد حسين آل كاشف الغطا في أصل الشيعة وأصولها [أصل الشيعة وأصولها :ص ،].88ومحمد
جواد مغنية في الشيعة في الميزان [الشيعة في الميزان :ص ،].58وفي عدد من كتبه ،وغيرهم،
وسنتوقف في مناقشة أقوالهم في فصل" :الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم".
فهل ننتهي من هذا كله إلى أن ما قاله الشعري في المقالت من أن للشيعة في هذه المسألة
أكثر من قول وأنهم لم يتفقوا على هذا الضلل هو الواقع ،وأن الثني عشرية فئتان :فئة تغلو
في هذا وتشتط ،وفئة تقول الحق كما ذكر ذلك بعض المنتمين لهل السنة -كما سبق -
وبعض الكاتبين من الشيعة [تفسير الصافي 53-1/52 :قوامع الفضول :ص ].298أو أن القول الحق هو
تقية من الشيعة كما قال بذلك بعض أهل السنة كما سلف ،وكما يزعمه من يقول بالتحريف من
الشيعة كنعمة ال الجزائري [النوار النعمانية ،359-2/358 :وسيأتي نص كلمه -إن شاء ال ،].-هذا كله
سنتناوله بالدراسة والبيان في مبحث تالٍ.
مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة:
بعد ما عرضنا للكتب التي نقلت هذه السطورة نبدأ الن في بيان بعض مضامينها ،وصورة
البداية لهذه الفرية ،وكيف تطورت وبماذا انتهت.
ونبدأ في ما تضمنه أول كتاب للشيعة ،وأول كتاب تعرض لهذه الفرية وهو كتاب سليم بن
قيس؛ حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين طويلتين
150
يتعلقان بموضوع إمامة علي ،فتذكر الراوية الولى والتي يرويها أبان بن عياش المتفق على
ضعفه -كما أسلفنا -عن سليم وفيها" :أن عليا لزم بيته حتى جمعه وكان في الصحف
والرقاع" [كتاب سليم بن قيس :ص .].81واعتذر عن المسارعة إلى بيعة أبي بكر بانشغاله بجمع
القرآن فقال -لما بعث إليه أبو بكر لطلب البيعة " :-إني آليت على نفسي يمينا أل أرتدي رداءً
[كتاب سليم بن قيس :ص ،81ولحظ في هذا النص المنقول أن عليا إل للصلة حتى أولف القرآن وأجمعه"
لم يعتذر عن المبادرة لبيعة أبي بكر إل بانشغاله بجمع القرآن ،ولم يعتذر بشيء آخر ،فكأن الواضع لهذه الحكاية نسي
القضية الساسية عندهم وهي مسألة المامة ،وأن عليا لم يبايع في نظرهم بسبب أنه يرى أنه هو الوصي المنصوص
عليه ...وهذه سمة مطردة في كثير من المسائل التي يريدون إثباتها ..حيث يثبتونها من وجه تنتفي معه العقيدة
غ ْيرِ اللّهِ
ن عِندِ َ
الخرى ،وهذه سمة الوضع والكذب على الدوام :الختلف والتناقض ،كما قال سبحانهَ { :ولَوْ كَانَ ِم ْ
ختِلَفًا َكثِيرًا} [النساء ،آية .]82 :فهذه الية تدل على أن كل من يزعم أنه من عند ال وهو ليس من عند
لَوَجَدُواْ فِي ِه ا ْ
ال فل محيص من وقوعه في فخ الختلف والتناقض .].ومثل هذه الدعوى وردت في بعض كتب أهل
السنة ولكنها لم تثبت بسند صحيح ،ولهذا قال ابن حجر :وما يروى عن علي أنه قال" :آليت أل
آخذ ردائي إل للصلة حتى أجمع القرآن" ،فجمعه فإسناده ضعيف لنقطاعه ،وعلى تقدير أن
يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره ،وما وقع في بعض طرقه" :حتى جمعته بين
اللوحين" فوهم من روايه" [فتح الباري .13-9/12 :وانظر كتاب المصاحف لبن أبي داود ص .].16
قال ابن حجر" :وأصح منه وهو المعتمد ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن
عن عبد خير قال :سمعت عليا يقول :أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر -رحمة ال
على أبي بكر -وهو أول من جمع كتاب ال" [فتح الباري :ص .].9/12
هذا وتصف رواية سليم جمع علي للقرآن بأنه لم يكن كله قرآنا بل جمع "تنزيله وتأويله
والناسخ والمنسوخ منه" [كتاب سليم بن قيس :ص ،].81وهذا رغم أنه لم يصح من أصله إل أنه
يدل على أنه ليس وفق الصول التي أمر بها النبي –صلى ال عليه وسلم -لجمع القرآن ،ومنها
[رواه مسلم ،كتاب الزهد رقم 72ص ،2299-2298والدارمي، قوله" :ل تكتبوا عني شيئا غير القرآن"
مقدمة رقم 42ص ،119وأحمد في مسنده .39 ،21 ،3/12 :قال أهل العلم :إن النهي عن كتابة الحديث مع القرآن
في صحيفة واحدة لئل يختلط( .النووي /شرح صحيح مسلم ،18/130 :البي /إكمال إكمال المعلم .].)7/305 :فقد
أمر النبي –صلى ال عليه وسلم -بكتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره خشية أن يختلط بشيء
آخر ،وعلى أي الحوال فإن قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعلي مصحف مثل بعض
الصحابة كابن مسعود وغيره [انظر :ابن أبي داود /كتاب المصاحف :ص 60وما بعدها ..].وهذا ل
يتضمن الطعن في كتاب ال سبحانه.
151
ولكن الرواية لم تكتف بهذه الدعوى ،بل قالت بأنه جاء به إلى الصحابة ودعاهم إليه فقال
[كتاب سليم بن قيس :ص عمر -كما يزعمون " :-ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه"
.].82وما دام قرآن علي المزعوم لم يكن كله قرآنا بل اشتمل على التفسير واليات المنسوخة
فإن الصل الرجوع إلى المصحف المام فهو يغني عن غيره .لذا عادت هذه الزمرة التي
وضعت في هذا السطورة لتتوسع في سبكها ،وعرضها ،ولعب فيها الخيال الحاقد دوره أكثر
وأكثر فتحولت هذه الزيادة الخيرة عند الطبرسي (من القرن السادس) في الحتجاج إلى صورة
أخرى كطبيعة الكذب الذي يزيد وينقص ،تحولت إلى صراع بين علي وصحابة رسول ال -
رضي ال عن الجميع وبرأهم ال مما يفتري المفترون .-
فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردوا مصحف علي حينما جاء به لول وهلة ،فإن رواية
[الحتجاج الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه "فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحه فضائح القوم"
ص .].156وهي هنا تقدم لنا موضوعا من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني
الطعن في صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،في حين أن رواية سليم ل تتعرض لكتاب ال
بطعن صريح ،وهذا ل يطفئ الحقد الذي أكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الول
الذين فتحوا ديارهم ونشروا السلم بينهم ،بل ل تتغذى قلوبهم الحاقدة إل على موائد سب
الصحابة ،ول ترتوي نفوسهم السوداء إل بالطعن فيهم .وآيات القرآن التي تثني عليهم وتعلي
من شأنهم هي قوارع من حديد على رؤوسهم ،وشهب من نار تهوي على أفئدتهم ،فكان من
الطبيعي أن يدعوا مثل هذه الدعوى..
وإذا كانت رواية سليم تكتفي بما أسلفنا فإن رواية الحتجاج تضيف إليها فصلً جديدا يقول:
"ثم أحضروا زيد بن ثابت -وكان قارئا للقرآن -فقال له عمر :إن عليا جاء بالقرآن وفيه
فضائح المهاجرين والنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن (في حين أن رواية سليم تشير إلى أن
القرآن كان مجموعا عند أبي بكر وعمر) ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكا للمهاجرين
والنصار ،فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال :فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتهم وأظهر علي
القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتهم؟ فقال عمر :فما الحيلة؟ قال زيد :أنتم أعلم
[الحتجاج :ص 156ط: بالحيلة ،فقال عمر :ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه ،فدبر في قتله"
العلمي.].
ثم يشرح في موضع آخر محاولة القتل المزعومة وتكليف خالد بذلك وأن أبا بكر تأسف
وتراجع عن هذه المؤامرة خشية عواقبها فقال وهو في الصلة" :ل تقتله يا خالد" إلى آخر هذه
المسرحية المصنوعة [الحتجاج :ص 90-89ط :العلمي.].
152
ثم تواصل هذه السطورة فصولها فتذكر محاولة عمر لستدراج علي وخداعه بدعوته
إحضار القرآن حتى يعملوا به ،وذلك محاولة عن عمر لتحريف مصحف علي ،وأن عليا رفض
ذلك ،وأن عمر سأله متى أوان ظهوره؟ فقال :إنه سيظهر مع القائم من ولدي يظهره ويحمل
[الحتجاج 228-1/255 :ط :النجف ،أو ص-155 : الناس عليه فتجري السنة به -صلوات ال عليه –
156من ط :العلمي بيروت.].
والسؤال الذي ل تجيب عنه رواية الطبرسي ،ول كتب الشيعة الخرى هو مادامت محاولتهم
لقتل علي أخفقت ،وتدبيرهم لتحريف مصحفه قد فشلت ،فلماذا لم يخرج علي القرآن الذي
معه؟! ،وإذا كان يخشى منهم لن السلطة بأيديهم فلماذا لم يخرجه أثناء خلفته ،لماذا يتسبب في
بقاء المة تائهة حائرة ،ولماذا يتستر على خيانة الخائن وتحريف المحرف ،ومن أقر خائنا على
خيانته كان كفاعلها؟ لم تجد هذه الزمرة ما تجيب به إل ما قالته على لسان عالمها نعمة ال
الجزائري من أنه فضّل مجاملة من سبقه على هداية المة [وسبق نقل النص ص،].)203-202 ( :
وهذا فوق أنه طعن في كتاب ال وهو من أبلغ القدح في علي -كما سبق -وأقول أيضا :إذا
كانت مجاملة علي تبلغ هذا المبلغ فلماذا لم يقتد الشيعة بإمامهم ويدعوا السب والطعن الذي سوّد
صفحات المجلدات من كتبهم ،فإما أن يكونوا كاذبين في اعتذارهم أو مجانبين لخطى إمامهم،
وما ندري أي المرين يطوّح بهما أكثر من الخر.
وأعود لذكر الرواية الخرى في كتاب سليم بن قيس وهي تشبه الرواية الولى وتزيد عليها
بسؤال وجه من طلحة -رضي ال عنه -لعلي لماذا لم يخرج القرآن الذي معه؟ ،وسكوت علي
عن الجابة ومضيه في حديث عن أحقيته بالمامة ،ولكن طلحة يسأله مرة أخرى عن هذا
فيقول" :ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه عن القرآن أل تظهر للناس ،قال :يا
طلحة ،عمدا كففت عن جوابك ،قال :فأخبرني عما في كتب عمر وعثمان -كذا -أقرآن كله
أم فيه ما ليس بقرآن ،قال طلحة :بل قرآن كله .قال :إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم
الجنة ،فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا ،فقال طلحة :حسبي ،أما إذ هو قرآن فحسبي"
[كتاب سليم بن قيس :ص .].124
فهذه الراوية عند سليم تعرض عن الطعن في كتاب ال بطريقة صريحة ،بل تؤكد بأن كل ما
فيه قرآن ،وأن فيه بيان حق أهل البيت وفرض طاعتهم ،على حين أننا نجد روايات عندهم
تناقض هذا ،وتقول" :لول أنه زيد في كتاب ال ونقص منه لما خفي حقنا على ذي حجى"
[البرهان :مقدمة ص ،37بحار النوار ،19/30 :تفسير الصافي ،].1/41 :وتقول" :لو قرئ القرآن كما أنزل
[تفسير العياشي ،1/13 :بحار النوار ،92/55 :تفسير الصافي ،1/41 :اللوامع النورانية :ص للفينا فيه مسمين"
153
].547فهذا تطور آخر في هذه السطورة ينكشف من خلله بعض الدوافع لوضعها وهي أن
الئمة الثني عشر الذين جعلوا اليمان بهم هو السلم ..وإنكار واحد منهم هو الكفر ل ذكر
لهم في كتاب ال ،وهذا يهدد جمعهم بالفشل وبنيانهم بالنهيار ،ففزعوا يبحثون عن حيلة
لمواجهة هذه المعضلة عندهم فلجؤوا إلى وسائل شتى ،أخطرها هذه المقالة.
هذا وفي تطور آخر بدأت هذه السطورة تتخذ شكلً عمليا ويزاد في أخبارها ورواياتها على
يد علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير وتلميذه الكليني صاحب الكافي ،وهذان الرجلن هما
ممن أرسى دعائم هذه العقيدة الباطلة وعمل على ترويجها ونشرها والكثار من الحديث عنها،
وقد اكتملت صورة هذه السطورة على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني تأخذ بهذه
السطورة إلى مرحلة عملية فبدؤوا بإقحام كلمة "في علي" بعد أي آية فيها لفظ" :أنزل ال
إليك"" ،وأنزلنا إليك" ،وزيادة لفظ" :آل محمد حقهم" بعد لفظ" :ظلموا" حيثما وقع في القرآن،
وزيادة لفظ" :في ولية علي" بعد لفظ" :أشركوا" حيثما جاء في القرآن ،وتغيير كلمة "أمة" بكلمة
أئمة حيثما وقعت.
وعلى هذا المنوال نسج القوم في القرآن كله ،ومن شواهد هذا ما يروي الكليني عن القمي
بسنده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر قال :نزل جبرائيل بهذه الية على محمد "بئسما اشتروا
[الية 90من سورة البقرة والكلم المحرف الذي ذكرته به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال (في علي) بغيا"
أعله في أصول الكافي.].1/417 :
وكذلك يقولون" :نزل جبرائيل بهذه الية على محمد هكذا" :وإن كنتم في ريب مما نزلنا (في
[الية 23من سورة البقرة ،والكلم المحرف المذكور في أصول الكافي: علي) فأتوا بسورة من مثله"
.].1/417
ويروون عن أبي عبدال أنه قال" :نزل جبرائيل -عليه السلم -على محمد بهذه الية
هكذا" :يا أيها الذين أتوا الكاب آمنوا بما نزلنا (في علي) نورا مبينا" [أصول الكافي.].1/417 :
[فأول الية{ :يَا َأيّهَا الّذِينَ أُوتُو ْا الْكِتَابَ آ ِمنُو ْا بِمَا َنزّ ْلنَا ُمصَدّقًا لّمَا ويلحظ هنا أنه خلط بين أكثر من آية
مَعَكُم} هي الية 47من سورة النساء ،فأقحم مع هذه الية قوله{ :نُورًا ّمبِينًا} ،وهي جزء من آية أخرى في نفس
السورة وهي{ :يَا َأيّهَا النّاسُ َق ْد جَاءَكُم ُبرْهَا ٌن مّن ّربّكُمْ َوأَنزَ ْلنَا إَِليْكُ ْم نُورًا ّمبِينًا} الية 174من سورة النساء.].
وقال القمي" :وأما ما هو محرف فمنه قوله" :لكن ال يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله
بعلمه والملئكة يشهدون" [النساء ،آية ،].166 :وقوله" :يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
(في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [المائدة ،آية ،].67 :وقوله" :إن الذين كفروا وظلموا (آل
محمد حقهم) لم يكن ال ليغفر لهم" [النساء ،آية ،168 :والكلم المقحم في تفسير القمي .].1/159 :وقوله" :وسيعلم
154
[لحظ أن هؤلء بعيدون عن كتاب ال روحا وحسا الذين ظلموا (آل محمد حقهم) في غمرات الموت"
فيخطئون حتى في نقل اليات أو يتعمدون وينسبون ذلك لهل البيت زورا وبهتانا ،فتأمل كيف خلط بين آيتين بطريقة
ب يَن َقِلبُونَ} [الشعراء ،آية ،]227 :وقولهَ { :ولَ ْو َترَى إِذِ
ظلَمُوا َأيّ مُن َقلَ ٍ
سيَ ْعلَمُ الّذِينَ َ
غبية جاهلة بين قوله سبحانهَ { :و َ
ت الْمَ ْوتِ} [النعام ،آية ]93 :فجعلها "وسيعلم الذين ظلموا في غمرات الموت".
الظّالِمُونَ فِي غَ َمرَا ِ
ولشك أن رؤية الظالمين في غمرات الموت يعانون من سكراته وآلمه هي محل للعبرة والذكرى ،وهي أبلغ
وأعظم من القول بأنهم سيعلمون في غيمرات الموت؛ لنه سيأتي من يقول بأنهم في غمرات الموت قد ذهلوا فهم ل
يكادون يفقهون شيئا ول يعلمون ،ول نسترسل أكثر من هذا فمثل هذه الساطير ل تستحق المناقشة ].قال هذا
القمي ومثله كثير نذكره في مواضعه [تفسير القمي ،].11-1/10 :وقد حشى كتابه بهذا الكفر كما
وعد [انظر مثلً :ج 1ص ،125 ،123 ،118 ،159 ،142 ،122 ،110 ،100 ،48وغيرها ].وعلى نفس النسق
الذي أشرنا إليه.
ظَلمُواْ} [البقرة ،آية ].59 :تزيد
كما تزيد رواية أخرى له على قوله سبحانهَ { :فأَنزَ ْلنَا عَلَى الّذِينَ َ
كالعادة عبارة "آل محمد" [تفسير القمي.].1/48 :
خرِجَتْ
خ ْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْ
ويروي هذا القمي أيضا عن أبي عبد ال أنه قرأ عنده قوله سبحانه{ :كُنتُمْ َ
لِلنّاسِ} [آل عمران ،آية ].110 :قال أبو عبد ال" :خير أمة" يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين
-عليهم السلم -؟ فقال القارئ :جعلت فداك كيف نزلت؟ قال :نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت
[تفسير القمي].1/110 : عنِ ا ْلمُن َكرِ}"
للناس) ،أل ترى مدح ال لهم {تَ ْأ ُمرُونَ بِا ْلمَ ْعرُوفِ َوتَ ْن َهوْنَ َ
وهذا يعني أن المة بما فيها الشيعة ل خير فيها ماعدا الئمة الثني عشر .كما يلحظ أن
رواياتهم في تأويل القرآن ،أثبتت المة ،وأولتها بالئمة -كما سلف -وروايات التحريف
زعمت أن الصل الئمة ل المة أليس هذا تناقضا؟!
شرِكِينَ} (يزيدون)
ويروي الكليني عن الرضا في قول ال -عز وجل َ { :-كبُرَ عَلَى ا ْلمُ ْ
بولية علي {مَا تَدْعُوهُمْ ِإَل ْيهِ} [الشورى ،آية( ].13 :يزيدون) يا محمد من ولية علي ،هكذا في
ستَ ْعَلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ
الكتاب مخطوطة [أصول الكافي ،].1/418 :وفي قول ال عز وجلَ { :ف َ
مّبِينٍ} [الملك ،آية( .].29 :يزيدون) :يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولية علي -
عليه السلم -والئمة من بعده ،من هو في ضلل مبين.
ثم يؤكدون هذا التحريف والكفر بقولهم" :هكذا نزلت" [أصول الكافي ،].1/421 :وفي قوله
سبحانهَ { :فَلنُذِيقَنّ الّذِينَ كَ َفرُوا} (يزيدون)( :بتركهم ولية أمير المؤمنين عليه السلم) عذابا
شديدا في الدنيا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون [فصلت ،آية ،27 :والتحريف من الكافي.].1/421 :
والمثلة في هذه كثيرة .وإذا قارنت بين ما جاء في تفسير القمي والكافي من هذه الروايات،
وبين ما ذكره شيوخهم المتأخرون كالمجلسي والجزائري ،والنوري الطبرسي منها ،لحظت أن
155
روايات التحريف زادت عند المتأخرين بشكل ملحوظ مما يدل على أن العمل يجري في كل
فترة على الزيادة في هذه المفتريات.
وهذه "الضافات" التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب ال أل يلحظ القارئ العربي أن السياق
ل يتقبلها ،وأنها مقحمة إقحاما بل أدنى مناسبة ،ولذلك يكاد النص يلفظها ،وأنها من وضع
أعجمي ل صلة له بلغة العرب ،ول معرفة له بأساليب العربية ،ول ذوق له في اختيار اللفاظ،
وإدراك المعاني.
إن الكلمات المفتراة التي قدمها أولئك المفترون أمثلة لليات الساقطة بزعمهم ،قد كشفت
القناع عن كفرهم ،كما أنها فضحت كذبهم ،وكشف افتراءهم ،فهي محاولت أشبه بمحاولت
مسيلمة الكذاب في تقليد القرآن العظيم ،كما ترى ذلك في المثلة التي قدمناها ،وكما تراه في
اللف مثال أو أكثر ،والذي قدمها صاحب فصل الخطاب [انظر :فصل الخطاب ص 253وما بعدها.].
وتكفي فصاحة القرآن وإعجازه البلغي الذي سحر أساتذة البيان وفرسان العربية وأعياهم
وأعجزهم أن يأتوا بسورة من مثله أو آية من مثله يكفي في كشف هذه المفتريات والكاذيب،
بل إن أغلب هذه المفتريات تنزل على مستوى أداء النسان العادي ،وبها يتبين عظمة القرآن
وسحره ،فلول المر ما عرف طعم الحلو ،ولول الملوحة ما تبين طعم العذوبة ،وبضدها تتميز
الشياء ،ولذلك فهي ناطقة بذاتها على كذب واضعيها بغض النظر عن البراهين والدلة
الخرى على حفظ القرآن وسلمته.
إن هذه المحاولت الغبية لقحام كلم البشر في كلم ال سبحانه وتعالى عملت شرذمة من
هذه الطائفة قرونا متواصلةً ..عملت جاهد ليجاد أكبر قدر ممكن منها ،وهناك أمثلة عديدة لهذه
المحاولت -بالضافة لما مضى -ذكر المجلسي جزءا منها في باب عقده بعنوان (باب
[بحار النوار: التحريف في اليات التي هي خلف ما أنزل ال عز وجل مما رواه مشايخنا)..
92/60وما بعدها ،].كما أن كتب التفسير عندهم حوت من هذا الغثاء الشيء الكثير -كما أشرنا
[فصل الخطاب :ص من قبل [انظر :ص ( )266من هذه الرسالة -].وجمعها كلها صاحب فصل الخطاب
253وما بعدها.].
وعدّ الرافضة هذه المفتريات جزءا مما سقط من كتاب ال ،فقد روى الكليني في الكافي "أن
[أصول الكافي :كتاب القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمد (ص) وآله وسلم سبعة عشر ألف آية"
فضل القرآن ،باب النوادر ،].2/134 :وآيات القرآن -كما هو معروف -ل تتجاوز ستة آلف آية إل
قليلً ،فهذا يقتضي سقوط ما يقارب ثلثي القرآن ،فما أعظم هذا الفتراء! وهذه الرواية وردت
[انظر في الكافي أصح كتاب عندهم ،ولكن من الشيعة من يقول :ليس كل ما في الكافي صحيحا
156
ل -محمد جواد مغنية /العمل بالحديث وشروطه عند المامية ضمن كتاب دعوة التقريب ص ،383محسن
-مث ً
المين /الشيعة بين الحقائق والوهام ص .].420-419
وإذا حملنا مثل هذا القول على الحقيقة ل على التقية ،وإذا تجاوزنا ما يلحظ على السناد
عندهم ،وما يلحظ على ضوابط وأصول التصحيح والتضعيف لديهم ،وما يرى من اختلفهم
في هذا الشأن واضطرابهم فيه [سيأتي إيضاح هذا في فصل "عقيدتهم في السنة" ،].وأن الحكم بالضعف
قد يكون على السناد فقط حيث قالوا" :إن أكثر أحاديث الصول في الكافي غير صحيحة
السناد ولكنها معتمدة لعتبار متونها ،وموافقتها للعقائد الحقة ول ينظر في مثلها إلى السناد"
[الشعراني /مقدمة شرح جامع :ص /يب ،].إذا تجاوزنا ذلك كله وذهبنا نبتغي الجابة من شيوخهم عن
صحة إسناد هذه الرواية وذلك لنكون أكثر حيدة من قيامنا بمثل هذا عن طريق النظر في
السناد على ضوء كتب "الرجال" عندهم -نجد أن شيخهم المجلسي يقول عن الرواية السابقة:
"فالخبر صحيح" [مرآة العقول ].2/536 :وشهادة المجلسي هذا في غاية العتبار عندهم ،لنه
[راجع :مرآة العقول ،وانظر :محمد جواد مغنية/ "الشارح المتتبع للكافي الذي بين صحيحه من ضعيفه"
العمل بالحديث وشروطه عند المامية ضمن كتاب دعوة التقريب :ص .].383
وإذا أردنا شهادة من شيوخهم المعاصرين على صحة هذه الرواية عندهم فإننا نجد شيخهم
عبد الحسين المظفر يقول" :إنه موثق كالصحيح" [الشافي شرح أصول الكافي .].7/227 :ومن
النصاف أن نذكر بأن صاحب "صحيح الكافي" وهو من شيوخهم المعاصرين -أيضا -قد
أغفل ذكر هذه الرواية [انظر :صحيح الكافي /البهبودي :كتاب فضل القرآن ،باب النوادر ].157-1/156 :فهل
يعني إغفاله لها أنها ليست بصحيحة في نظره؟ هذا ما يظهر من صنيعه حسب منهجه الذي
ألمح إليه في مقدمة كتابه ،وقد يسلك مثل هذا العمل وأكثر وهو غير صادق بحكم عقيدة التقية
عندهم ،حتى قال أحد شيوخهم المعاصرين" :لكل مجتهد إمامي أن يرفض أي حديث ل يرتضيه
في الكافي وغيره ويأخذ بحديث موجود في البخاري ومسلم ،ول يحق لحد أن يحتج عليه من
[محمد جواد مغنية /العمل بالحديث وشروطه عند المامية (ضمن كتاب دعوة التقريب وجهة دينية أو مذهبية"
ص ،].)384لن التقية تسمح له بذلك وإل فالحقيقة غير هذا ،ولهذا فإن شيخهم المجلسي يعقد بابا
بعنوان" :الباب الثامن والعشرون ما ترويه العامة (أهل السنة) من أخبار الرسول صلى ال عليه
وآله ،وأن الصحيح من ذلك عندهم (يعني شيعته) والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين إل
في حالة الحتجاج عليهم من كتبهم" [بحار النوار.].2/214 :
هذا عن صحة الرواية عندهم ،أما عن معنى الرواية المذكورة عندهم فقد قال "المازندراني"
[محمد صالح بن أحمد المازندراني توفي سنة (1081ه) أو (1086ه) ].شارح الكافي" :إن القرآن ستة آلف
157
[هذا العدد الذي ذكره ليات القرآن لم أجد له ذكرا ضمن القوال المأثورة في عدد الي وذلك فيما وخمسمائة"
رجعت إليه .انظر :تفسير القرطبي ،65-1/64 :التقان ،1/89 :الفيروزآبادي /بصائر ذوي التمييز..].560-1/559 :
والزائد على ذلك مما سقط بالتحريف" [شرح جامع (للكافي) ..].11/76 :وقال المجلسي" :إن هذا
الخبر وكثير من الخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره" [مرآة العقول.].2/536 :
هذا قول شيوخ الدولة الصفوية في تفسير هذه الرواية ،والذين ساروا في التشيع أشواطا
حثيثة في الغلو ،وبلغوا بها "الوج" في ذلك ،ولعلك تعجب إذا قارنت هذه التفسيرات لهذه
السطورة والتي تجسم هذا الكفر وتنشر هذا الغلو عن شيوخ وجدوا في القرن الثاني إبان الحكم
الصفوي ،إذا قارنت هذه التفسيرات بما قاله ابن بابويه القمي من القرن الرابع الهجري عن هذه
الرواية في كتابه "العتقادات" وهو بشهادة شيوخهم المعاصرين "من الكتب المعتبرة الموثقة"
[الذريعة ].13/101 :عندهم ،حيث قال .." :إنه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى
القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشرة ألف آية ،وذلك مثل قول جبرائيل ..عش ما شئت فإنك
ميت ،وأحب ما شئت فإنك مفارقه ،واعمل ما شئت فإنك ملقيه[ "..العتقادات :ص .].102ثم ذكر
طائفة من أمثال هذه القوال.
فانظر إلى هذا الختلف والتباين بين نص الكليني ،ونص ابن بابويه ،هذا يقول" :نزل من
الوحي الذي ليس بقرآن" وذاك يقول" :إن القرآن الذي جاء به جبرائيل "..أي إن ابن بابويه
يقول :إن النقص في غير القرآن ،والكليني يصرح بأن النقص في القرآن ،ولذلك جاء تفسير
المجلسي والمازندراني للرواية بما يتمشى مع ظاهر النص اللحادي ،بينما نلحظ أن ابن بابويه
حمل زيادة العدد المذكور في الرواية عن عدد آيات القرآن حمل ذلك على الحاديث القدسية؛
لن ذلك يمكن أن يتمشى مع ظاهر القول الذي ذكره ،ولكن الجميع جبن عن رد الرواية
وتكذيبها.
وأقول :هل لرواية الكليني وجهٌ يمكن قبوله خلفا لما يراه ويفتريه المجلسي والمازندراني
وأضرابهما؟ لعله من الممكن لو كان لهؤلء إرادة خير لمذهبهم وأتباعهم أن يحملوا ما زاد عن
عدد آيات القرآن مما ذكرته الرواية أن يحملوا ذلك على منسوخ التلوة إذا لم يكن لديهم
الشجاعة على رد هذه الرواية وأمثالها ،إذ لبد من تأويلها وأمثالها بنحو من العتبار وإل
فليضرب بها الجدار.
ثم إني رأيت صاحب الوافي ذكر هذا التأويل للرواية ،حيث قال بعد ذكره لبعض الحتمالت
التي تؤيد ذلك الكفر قال بعد ذلك" :أو يكون -أي العد والزائد عما في القرآن -مما نسخ
[أبو القاسم الموسوي تلوته" [الكاشاني /الوافي ،المجلد الثاني .].1/274 :ولكن شيخ الشيعة اليوم "الخوئي"
158
الخوئي يلقبونه بالمام الكبر والية العظمى ،زعيم الحوزة العلمية ،يعيش حاليا في العراق ،من تآليفه معجم رجال
الحديث ،البيان في تفسير القرآن .].ومرجعها الكبر -وهو يتظاهر بالدفاع عن القرآن -يرى أن
القول بنسخ التلوة هو قول بالتحريف [الخوئي /البيان :ص ،].210وكأنه أراد أن يوصد هذا الباب،
ويرد هذه القاعدة الثابتة ليثبت بطريق ملتو عقيدة في نفسه يكاد يخفيها ..والفرق واضح بين
النسخ والتحريف ،فالتحريف من صنع البشر وقد ذم ال فاعله ،والنسخ من ال .قال تعالى{ :مَا
خيْ ٍر ّم ْنهَا َأ ْو ِمثْ ِلهَا} [البقرة ،آية .].106 :وهو ل يستلزم مس كتاب
سهَا نَأْتِ بِ َ
سخْ مِنْ آ َيةٍ َأ ْو نُن ِ
نَن َ
ال سبحانه بأي حال.
وإذا كانت رواية الكليني تذهب إلى سقوط قرابة الثلثين فيعني هذا أنه لم يبق لدينا من كتاب
ال إل ما يتجاوزك الثلث بقليل ،وإذا عرضنا روايته الخرى التي تقول" :نزل القرآن أثلثا،
ثلث فينا وفي عدونا ،وثلث سنن وأمثال ،وثلث فرائض وأحكام" [أصول الكافي .].2/627 :فأي
الثلث الذي بقي لنا في نظرهم؟ أثلث السنن والمثال أم ثلث الفرائض والحكام؛ إذ ل ريب
عند هذه الزمرة الملحدة إن ثلث الولياء والعداء قد أسقط لنهم قالوا" :لو قرئ القرآن كما
أنزل للفينا مسمين" ،وهو بيت القصيد والهدف الظاهر من كل هذه المحاولت.
ومعنى هذا أن المة ضائعة كل هذه القرون الطويلة ..منذ وفاة النبي صلى ال عليه وسلم
ليس معها سوى ثلث كتابها ..والئمة تقف موقف المتفرج ..لديها القرآن الكامل -كما يزعمون
-ول تبلغه للمة ،لتتركها أسيرة ضللها ،ل تعرف وليها من عدوها ،وتعدهم بظهوره مع
منتظرهم ،وتمر آلف السنين ول غائب يعود ،ول مصحف يظهر ،فإن كانت المة تهتدي
بدونه فما فائدة ظهوره مع المنتظر ،وإن كان أساسا في هدايتها فلماذا يحول الئمة بينه وبين
المة ،لتبقى المة في نظر هؤلء حائرة ضالة تائهة ،وهل أنزل ال سبحانه كتابه ليبقى أسيرا
مع المنتظر ل سبيل للمة للوصول إليه؟ مع أن ال سبحانه لم يترك حفظ كتابه ل لنبي معصوم
ول لمنتظر موهوم ،بل تكفل بحفظه سبحانه.
تقول رواياتهم -كما تقدم -بأن عليا لم يستطع إخراجه خشية تحريفه ،وهذا يعني أن المة
التي هي خير أمة أخرجت للناس كتب عليها الشقاء والضلل ل يستثنى من ذلك إل أصحاب
المنتظر ،لنها ستبقى في معزل عن مصدر هدايتها ،وأصل سعادتها وخيرها.
مع أن الئمة يملكون من وسائل التبليغ ما ل يملكه حتى النبياء ،فعلي بزعمهم يملك قدرات
خارقة وكان بإمكانه بهذه القدرات نشر القرآن الكامل .فقد قال المجلسي في الباب الذي عقده
بعنوان باب "جوامع معجزاته رضي ال عنه"" :إن عليا مر برجل يخبط :هو هو ،فقال :يا
شاب ،لو قرأت القرآن لكان خيرا لك .فقال :إني ل أحسنه ولوددت أن أحسن منه شيئا .فقال:
159
[بحار النوار: ادن مني ،فدنا منه فتكلم بشيء خفي ،فصور ال القرآن كله في قلبه فحفظه كله"
.].42/17
فإذن علي يستطيع إبلغ القرآن بهذه الطريقة "السحرية" إلى كل من يريد ،ويستطيع أن يتخذ
كل التدابير الكفيلة بمنع أي محاولة ضده ،لنه كما تقول أبواب الكافي" :يعلم ما كان وما يكون
ول يخفي عليه الشيء" [انظر :أصول الكافي ،].1/260 :كما أن الوصول إلى قتله بغير رضاه
واختياره أمر ممتنع ،لن الئمة كما تقول أبواب الكافي أيضا" :يعلمون متى يموتون ول
يموتون إل باختيارهم" [أصول الكافي.].1/258 :
فلماذا لم يفعل؟! جاء في بعض رواياتهم أن أمير المؤمنين قال" :لو ثني لي الوسادة وعرف
[بحار النوار: لي حقي لخرجت لهم مصحفا كتبته وأمله علي رسول ال صلى ال عليه وسلم"
.].92/52
ونقف أولً عند قوله" :لو ثني لي الوسادة" وهذا كناية عن توليه الحكم -كما قرره المجلسي
[بحار النوار -].92/52 :فكيف لم يخرج ما عنده بعد توليه الخلفة وهو يعد بهذا أم قد أخلف وعده
كما يفتري واضح هذه "الساطير"؟!.
ثم قوله" :وعرف لي حقي" كيف يعرف حقه ومصدر هذه المعرفة لم يظهر للناس؟
أما قوله" :أمله علي رسول ال" فهذا يناقض أساطيرهم الخرى التي تقول :إن الجمع تم بعد
وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم.
والحقيقة أن كل هذه النصوص حول هذه الفرية هي من أبلغ الطعون في أهل البيت ،ول يبلغ
مفتر ضد أهل البيت مبلغ هذه المفتريات ،حتى لقد صدق فيهم قول إمامهم -كما تعترف بذلك
كتبهم " :-لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا" [رجال الكشي :ص .].307
ومن أعجب الروايات لهذه السطورة أن عمالمهم في القرن السادس "الطبرسي" في كتابه
"الحتجاج" جعل القول بهذه الفرية هي الجابة المقنعة من أمير المؤمنين علي على اعتراض
أحد الزنادقة ،فقد روى في كتابه الحتجاج وهو من كتبهم المعتبرة -كما قدمنا -أن عليا قال
لحد الزنادقة في محاورة طويلة منها " ...إن الكناية عن أسماء الجرائر العظيمة من المنافقين
في القرآن ليست من فعله تعالى ،وأنها من فعل المغيرين والمبدلين.
وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ،ول الزيادة في آياته على ما أثبتوه
من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر ،والملل المنحرفة عن
قبلتنا ،وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الصطلح على
الئتمار لهم ،والرضا بهم ..فلن الصبر على ولة المر مفروض لقول ال عز وجل لنبيه
160
سلِ} [الحقاف ،الية ..].35 :فحسبك
صبِرْ َكمَا صَ َبرَ ُأ ْولُوا الْ َعزْمِ مِنَ ال ّر ُ
صلى ال عليه وسلم{ :فَا ْ
من الجواب عن هذا الموضوع ما سمعت ،فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه.
ج َههُ} [القصص ،آية ].88 :فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه
شيْءٍ هَالِكٌ إِلّ وَ ْ
وأما قولهُ { :كلّ َ
لن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبق الوجه ،هو أجل وأعظم من ذلك ،إنما يهلك من
[الرحمن، جهُ َربّكَ ذُو ا ْلجَللِ وَا ِل ْكرَامِ}
عَل ْيهَا فَانٍَ ،و َيبْقَى وَ ْ
ليس منه ،أل ترى أنه قالُ { :ك ّل مَنْ َ
آية .].27 ،26 :ففصل بين خلقه ووجه.
وأما ظهورك على تناكر قوله{ :وَِإنْ خِ ْفتُمْ أَ ّل تُ ْقسِطُواْ فِي ا ْل َيتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مّنَ
ال ّنسَاءِ} [النساء ،آية ،].3 :وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ،ول كل النساء أيتام ،فهو
مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ،وبين [كذاب في الحتجاج ].القول في اليتامى،
وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ،وهذا وما أشبهه مما ظهرت
حوادث المنافقين فيه لهل النظر والتأمل ،ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للسلم مساغا
إلى القدح في القرآن ،ولو شرحت لك كل مما أسقط وحرّف وبدّل مما يجري هذا المجرى
[الحتجاج :ص -249 لطال ،وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الولياء ومثالب العداء"
.].254
هذا النص رغم طوله هو جزء من محاورة طويلة يزعم صاحب الحتجاج أنها جرت بين
أمير المؤمنين علي ،وزنديق من الزنادقة ،وأن عليا يناظره ويحاول أن يهديه إلى الحق ،فهل
يمكن أن يكون أحد أشد زندقة ،ممن يقول في كتاب ال سبحانه وصحابة رسول ال مثل هذا
القول ،وهل يبلغ كيد حاقد أكثر من هذا..؟ يقول موسى جار ال" :هل يجد أشد الناس عداوة
مساغا أَهْدَم للقرآن وأهْدَم للدين من مثل هذا القول الذي يسنده شيوخ الشيعة إلى أمير المؤمنين
علي" [الوشيعة :ص .].123
ولحظ في هذه الرواية ذلك الحقد السود ضد خير جيل عرفته البشرية ضد صحابة رسول
الهدى صلى ال عليه وسلم حيث كنّت عنهم هذه الرواية بأنهم" :أصحاب الجرائر العظيمة من
المنافقين" لن تلك الزمرة الحاقدة التي قد أكل الغيظ قلوبها ،ومل الحقد نفوسها ضد ذلك الجيل
القرآني الفريد ،لم تجد في كتاب ال ما يطفئ هذا الحقد فقالت :بأن القرآن مليء بأسماء
المنافقين -وتعني بهم صحابة رسول ال -وإسقاطهم من فعل المبدلين .ورواياتهم في هذا
التجاه كثيرة.
ثم تقول تلك الرواية إنه ل يسوغ التصريح بأسماء المبدلين بسبب التقية مع أنه في نفس
[انظر: الكتاب رواية تقول بأن الذين غيّروا -بزعمهم -هم :أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت
161
الحتجاج :ص ،].156وشيخهم النوري الطبرسي يزيد آخرين فيقول" :والذين باشروا هذا المر
الجسيم هم أصحاب الصحيفة أبو بكر وعمر وعثمان أبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وعبد
الرحمن بن عوف ،واستعانوا بزيد بن ثابت" [فصل الخطاب :الورقة (.].)73
هؤلء هم رواد الفتح السلمي ،والطليعة من الرعيل الول الذين بنوا حضارة لم تعرف لها
الدنيا مثيلً ،فهم قذى في عيون هؤلء ،وشجى في حلوقهم ،فلهذا خصتهم هذه الزمرة بهذا
الفتراء.
ثم تقول هذه السطورة :ول يسوغ بحكم التقية الزيادة في آيات القرآن.
هل يعني هذا أن الخوف هو الذي قعد بهم عن إخراج مصحف مفترى وأنه لول الخوف
لفعلوا مثل هذا ،وأنه يحتمل عند ارتفاع الخوف أن يفعلوا ذلك ويجاهروا به ،ومع وجود الخوف
قد يكون موضع التداول السري بينهم..؟!
لكن صاحب فصل الخطاب قدّم من كتب قومه أكثر من ألف "شاهد" زعم أنها آيات من كتاب
ال أسقطت ،واثبت تواطؤ معظم كتب الشيعة المعتمدة على هذا ،وسجل بهذا أكبر فضيحة
لقومه ،وكشف أكبر جريمة ارتكبتها طائفته ،فهل ارتفعت التقية ،مع أن في نصوصهم أن التقية
ملزمة لهم حتى رجعة مهديهم [انظر :فصل التقية في هذه الرسالة ،].أو هو قد خالف بهذا وصية
إمامه ،وخطة قومه؟ إنها أوهام يضرب بعضها بعضا ،وسيأتي بعد قليل تحقيق القول في هل
للشيعة مصحف سري متداول؟
ثم تذكر رواية الحتجاج بأن عليا واصل حديثه مع الزنديق وقال بأنه بسبب ظروف التقية ل
يستطيع أن يصرح بأكثر من هذا لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل.
فمعنى هذا أن الخطاب مع الزنادقة ترتفع فيه التقية ،وتتم فيه المصارحة بالكفر ،وأما مع
المؤمنين فالتقية واجبة ،فهل تريد هذه الفئة أن تجعل أمير المؤمنين من حزب هذا الزنديق يتقى
صحابة رسول ال ويصارح بأمر كتاب ال الزنادقة الملحدين؟! وبعد هذا التصريح بالكفر
يقول :إن الزيادة على هذا فيه تقوية لحجج أهل التعطيل،إذا كان المراد بأهل التعطيل هم أهل
اليمان من الصحب الكرام ،ومن تبعهم ،فل شك أن هذا يكفي لكشف ما عليه هذه الزمرة
الحاقدة ،وإن كانت الخرى فكيف يكون الكفر بكتاب ال إذن؟!
ثم تزعم هذه "الزمرة" أن عليا قال للزنديق بأنه ل يستطيع أن يعلن ذلك ويفصله "لن الصبر
على ولة المر مفروض "..إن مذهب الشيعة قائم على إنكار إمامة ما سوى الثني عشر .وهذا
النص يثبت بأن هناك ولة أمر غيرهم مفروضة طاعتهم ،وهذا ينقض المذهب من أصله،
ويكشف أن الوضع والفتراء ل محالة له من التناقض والختلف.
162
ومن أعظم الفتراء على أمير المؤمنين علي القول بأنه يطيع غيره في معصية ال ،ويرى
أن هذا المر مفروض!! ومن المعلوم في السلم أنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
علْمٌ فَل تُطِ ْع ُهمَا} [لقمان ،آية.].15 :
ك ِبهِ ِ
ك بِي مَا َليْسَ لَ َ
شرِ َ
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن ُت ْ
وهؤلء يزعمون أن عليا وافقهم وأطاعهم في تغيير القرآن بحكم شريعة التقية ،وهذا سب
لعلي وتكفير له قبل أن يكون ذلك لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومن هنا ندرك أن
هؤلء أعداء لهل البيت قبل أن يكونوا أعداء لسائر المسلمين.
ص َبرَ ُأوْلُوا
ص ِبرْ َكمَا َ
ولحظ كيف يستدل على طاعة الحاكم في الكفر بقوله سبحانه{ :فَا ْ
الْ َعزْمِ} فهذا يدل على أن واضع هذا النص من الجهلة؛ لن هذه الية تأمر بخلف ما يدعو إليه
تماما ،ونسبة هذا الستدلل لعلي تجهيل له وافتراء عليه.
ج َههُ} فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه،
شيْءٍ هَالِكٌ إِلّ وَ ْ
ويظهر من قوله" :وأما قولهُ { :كلّ َ
لن من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه ..إلخ" [الخطوط العريضة :ص ].6يظهر من
النص أن واضعه أعجمي ل صله له بلغة العرب ،ول معرفة له بدللت ألفاظها ..أو زنديق
يتجاهل.
ثم زعم صاحب الحتجاج أن عليا قال للزنديق بأنه "سقط أكثر من ثلث القرآن في موضع
من سورة النساء ،وأنه لو شرح كل ما أسقط وحرّف وبدّل مما يجري هذا المجرى لطال،
وظهر ما تمنع التقية إظهاره" ،وهذا من أعظم الكذب على أمير المؤمنين ،بدليل أنه لم يعلن في
مدة خلفته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن ،ولم يأمر المسلمين بإثباته والهتداء
بهديه والعمل بأحكامه .فهؤلء الذين يدعون التشيع لمير المؤمنين ،وينسبون له هذه الباطيل
هم بهذا أشد عداوة لمير المؤمنين من النصاب ،لنهم ينسبون له الرضا بالكفر والقرار به.
وهم كلما أعيتهم الحيلة لثبات الحجة لجأوا إلى التقية ،فهو هنا يستر عجزه عن شرح ما
أسقِط وبُدّل ،بالتعلق بالتقية ،وهي حيلة مكشوفة ،وفرار من المواجهة ،ثم إن غيره ممن حاول
أن يقدم شيئا من النموذج الساقط بزعمه افتضح أمره ،وانكشف كيده ،لن هذا "النموذج" بالنسبة
ليات القرآن أشبه ما يكون بعبث الصبيان ولعب الطفال ،وأنى لهم أن يصلوا إلى شيء من
محاكاة القرآن العظيم.
هذا وما دامت شريعة هذه الزمرة تخص الزنادقة بهذه المقالت الملحدة حلول كتاب ال كما
في الرواية السابقة ،فهل نصدق ما قيل بأن عند المستشرق "براين" مصحفا إيرانيا فيه زيادات
على كتاب ال ،ومن هذه الزيادات "سورة" يسمونها "الولية" [انظر :الخطوط العريضة :ص ].11وهذا
يعني أن عند هؤلء القوم مصاحف سرية يتداولونها.
163
هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟
هل عند الشيعة مصحف يحوي كل هذه المتفريات وتكون فيه قراءة الشيعة عوضا عن كتاب
ال سبحانه؟ ماذا تقول أساطيرهم ،وماذا يقول واقعهم بهذا الخصوص؟ هل قول الشيخ محب
[انظر :هامش الدين الخطيب بأن "للشيعة مصاحف خاصة تختلف عن المصحف المتداول"..
"مختصر التحفة الثني عشرية" ص .].32هل هذا واقع؟ وقد نشر محب الدين صورة "لسورة مفتراة"
[وقد نشر صورتها في :الخطوط العريضة ص ،12ومختصر التحفة ص ،31ومجلة يسمونها سورة "الولية"
الفتح العدد ( )842ص ،9وقد نشرها قبله الشيعي الصل الستاذ أحمد الكسروي في كتابه" :الشيعة والتشيع" ].وقال
[قال الشيخ محب الدين بأنه بأنها مصورة من مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق مستر براين
قد اطلع عليه وصورها منه من وصفه بـ"الثقة المأمون" محمد علي سعودي الذي كان -كما يقول الشيخ -كبير
خبراء وزراء العدل بمصر (هامش مختصر التحفة :ص ،32الخطوط العريضة ص ،].)11وقبل ذلك أثبتها
شيخ الرافضة في كتابه "فصل الخطاب" [ص .].180ومن قبل قال صاحب تكفير الشيعة :إنهم
أحدثوا مصحفا -كما سلف ،-فعل للشيعة مصحف سري يتداولونه كما يقول هؤلء؟
سأجيب من خلل استقراء نصوصهم وأقوال شيوخهم ..فأقول :لقد جاءت نصوص عندهم
تأمرهم بالعمل بالقرآن ريثما يخرج مصحفهم مع إمامهم المنتظر .قال الكليني في الكافي ما
نصه .." :عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه ،عن
أبي الحسن -رضي ال عنه -قال :قلت :جعلت فداك إنا نسمع اليات في القرآن ،ليس هي
عندنا كما نسمعها ،ول نحسن أن نقرأها كما بغلنا عنكم ،فهل نأثم؟ فقال :ل ،اقرؤوا كما تعلمتم
فسيجيئكم من يعلمكم" [أصول الكافي.].2/619 :
ومن هذا النص نأخذ أنهم فيما بينهم يتلون مفترياتهم كما يدل عليه قوله" :كما نسمعها"" ،كما
[وهناك روايات كثيرة تزعم أن أئمتهم يقرأون بغير ما في القرآن ،كما جاء في تفسيرات فرات "عن بلغنا عنكم"
حمران قال :سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الية" :إن ال اصطفى آدم ونوحا و آل إبراهيم وآل محمد على العالمين" قلت:
ليس يقرأ كذا ،قال :أدخل حرف مكان حرف" (تفسير فرات ص ،18بحار النوار )92/56 :ومثله نصوص كثيرة
تدل على أنهم ينسبون للئمة أنهم يقرأون بغير ما أنزل ال ،وبخلف ما يقرأ المسلمون ،فهل هؤلء شيعة لهل
البيت؟!] ،ثم إنهم اشتكوا أنهم ل يحسنون قراءة ما يسمعون أو ما يبلغهم فوعدهم إمامهم بأنه
سيأتيهم من يعلمهم ،وهذا الوعد كان في عهد إمامهم أبي الحسن -كما يفترون .-وعبارة
"سيأتيكم" توحي بأن هذا المعلّم سيأتي هؤلء الذين ل يحسنون القراءة ،ولكن هذا المعلّم لم يأت
ومرّ ذلك الجيل ومرت بعده قرون متطاولة ..وقد فسر شيوخ الشيعة فيما بعد المقصودَ بالمعلم
164
[انظر :المازندراني /شرح جامع (على الكافي) ،11/47 :وهناك نصوص كثيرة للرافضة بأنهم مهديهم المنتظر
تصرح بأنه القائم أو المهدي كما سنذكر بعد قليل.].
والشيعة مأمورة بقراءة القرآن ،وانتظر ما يأتي به منتظرهم وعدم قراءة تلك المفتريات
لنهم ل يحسنون قراءتها كما يدل النص المذكور ،وبالتالي ل تجعل في مصحف متداول بينهم،
هذا ما تدل عليه رواية الكافي.
ويقول مفيدهم" :إن الخبر قد صح من أئمتنا -عيلهم السلم -أنهم أمروا بقراءة ما بين
الدفتين ،وأن ل نتعداه ،بل زيادة فيه ول نقصان منه ،حتى يقوم القائم -عليه السلم -فيقرأ
[بحار النوار:92 : الناس القرآن على ما أنزله ال تعالى وجمعه أمير المؤمنين -عليه السلم "-
.].74
وقال شيخهم نعمة ال الجزائري" :قد روي في الخبار أنهم عليهم السلم أمروا شيعتهم
بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولنا صاحب
الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ،ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين
فيقرأ ويعمل بأحكامه" [النوار النعمانية ].364-2/363 :فمادام المر كذلك ،لماذا تروى عن كل إمام
طائفة من الزيادات على كتاب ال؟ ثم ما دام قد غير كيف يصبح العمل به؟!
وهذه النصوص التي تدعو إلى العمل بالقرآن يكاد يقابلها نصوص أخرى تدعو بأسلوب
"مقنع" وغير صريح إلى إهمال حفظ القرآن لنه مغير -بزعمهم -ومن حفظه على تحريفه
يصعب عليه حفظه إذا جاء به منتظرهم .فقد روى مفيدهم بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي
جعفر أنه قال :إذا قام قائم آل محمد صلى ال عليه وآله ضرب فساطيط ،ويعلم الناس القرآن
على ما أنزل ال عز وجل ،فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ،لنه يخالف فيه التأليف
[المفيد /الرشاد :ص .].413
هذه الرواية لمفيدهم الذي يقدسونه ويعظمونه حتى زعموا أنه فوق مستوى البشر ،لن
[مقدمة الكتاب التي أحالت نصوص مخاطبة المهدي إمامهم المنتظر خاطبه بالخ السديد والمولى الرشيد
لمفيدهم ،لكتاب الحتجاج ص ..].277وهذه الرواية جاءت في كتابه الرشاد وهو في قمة كتبهم
[المجلسي /بحار النوار: المعتبرة حتى قال شيخهم المجلسي" :كتاب الرشاد أشهر من مؤلفه"
..].1/27وكذلك روى النعماني في الغيبة ما يشبه الرواية السابقة ،فقد روى بإسناده (الكاذب)
إلى أمير المؤمنين علي قال" :كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن
كما أنزل ،قلت :يا أمير أو ليس هو كما أنزل؟ فقال :ل ،محي منه سبعون من قريش بأسمائهم
165
وأسماء آبائهم ،وما ترك أبو لهب إل إزراء على رسول ال -صلى ال عليه وآله -لنه عمه"
[النعماني /الغيبة ص ،172 -171فصل الخطاب الونرقة ( ،)7بحار النوار.].92/60 :
وأورد النعماني روايتين [انظر :الغيبة ص ،194بحار النوار ].25/364 :بمعنى هذه الرواية.
ويبدو أن واضع هذه السطورة هو أعجمي زنديق ،فهو يخص العجم بأسطورة التعليم
الموعودة ،كما أن الحقد المرير الذي يحمله إزاء صحابة رسول ال -رضوان ال عليهم -
الذين فتحوا ديار قومه ونشروا السلم بينهم واضح في هذه الرواية ،ولذلك فإن دعوى التغيير
عنده تكمن في عدم وجود أسمائهم مع اسم أبي لهب.
ولقد كان لهذه الساطير التي تدعو إلى إهمال حفظ كتاب ال أثرها في مجتمعات الشيعة كما
شهد بذلك الشيخ موسى جار ال والذي عاش بين الشيعة فترة من الزمن فلم ير من تلميذ
الشيعة وعلمائهم من يحفظ القرآن ،ول من يقيم القرآن بعض القامة بلسانه فضلً عن أن
يعرف وجوه قراءاته ،ورأى أن هذا قد يكون من أثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب
[الوشيعة :ص ،116وقد جاءت نصوص أخرى عندهم تدعو لتعلم هذا القرآن وحفظه ،وتذكر بيد قائم آل محمد
ثواب من فعل ذلك؛ كقول أبي جعفر لحد أصحابه ويدعى سعد الخفاف" :يا سعد ،تعلموا القرآن( "..أصول الكافي:
.)2/596وعقد صاحب الكافي بابا بعنوان" :باب من حفظ القرآن ثم نسيه" وذكر فيه ست روايات تتحدث عن الثواب
الذي يضيع على من نسي شيئا من كتاب ال (أصول الكافي )609-2/607 :وعقد بابا آخر بعنوان "باب في قراءته"
وفيه عن أبي عبد ال قال" :القرآن عهد ال إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل
يوم خمسين آية" (المصدر السابق.)2/609 :
كما عقد بابا بعنوان" :باب البيوت التي يقرا فيها القرآن" وجاء فيه" :عن ليث بن أبي سليم رفعه قال :قال النبي صلى
ال عليه وآله" :نوروا بيوتكم بتلوة القرآن ول تتخذوها قبورا" (المصدر السابق.)2/610 :
وكذلك ذكر من البواب "باب ثواب قراءة القرآن" وجاء فيه سبع روايات تتحدث عن عظيم ثواب من قرأ القرآن
وتعلمه( ..المصدر السابق )613-2/611 :وباب قراءة القرآن في المصحف ،وذكر فيه خمس روايات تبين ثواب
القراءة في المصحف (المصدر السابق.)614-613 /2 :
وأبواب أخرى في هذا الموضوع ،وهذه تنقض تلك الروايات ،بل تثبت من كتبهم زيف وكذب ما يفترونه على آل
البيت من تلك "الكاذيب" إذ كيف يأمرون بقراءة القرآن ،ويذكرون الثواب العظيم لمن قرأه ،وأنه ينبغي للمسلم أن
يقرأه في كل يوم ،وأن ينور بيته به .وهو يقولون :إنه مغير مبدل ،ألي هذا يدل على عظيم التناقض في هذا
المذهب؟! -].فهل يقوم الشيعة بجمع أساطيرهم في مصحف ليسهل حفظ المصحف الموعود حين
ظهوره؟ يقول المجلسي نقلً عن المفيد:
" ..نهونا عليهم السلم عن قراءة مما وردت به الخبار من أحرف يزيد على الثابت في
المصحف ،لنه لم يأت على التواتر وإنما جاء بالحاد ،وقد يلغط الواحد فيما ينقله ،ولنه متى
قرأ النسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلف ،وأغرى به الجبارين،
166
وعرض نفسه للهلك ،فمنعونا عليهم السلم من قراءة القرآن بخلف ما يثبت بين الدفتين لما
ذكرناه" [بحار النوار.].75 – 92/74 :
فهذا يعني أن (اليات المفتراة) والمتفرقة في كتبهم ،والمخالفة لكتاب ال لم تصل عندهم إلى
وضعها في مصحف متداول بينهم لسببين :أحدهما :الخوف من المسلمين ،والخر :أن الطريق
لثبوتها عندهم طريق آحاد ،والواحد قد يغلط فيما ينقله ،ويلحظ أن عدم قبول الروايات التي
طريقها أحاد مما يختص به "الصوليون" ،أما الخباريون من الشيعة فإنهم يرون صحة ما رواه
شيوخهم عن الئمة في العشرات من الكتب التي صنفوها ،وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها،
وثبوت أحاديثها عن أهل العصمة" [وسائل الشيعة.].20/61 :
فهم يقرون بكل نص ورد في هذه "الفرية" في كتب شيوخهم ،ولذلك قال شيخ الشيعة الذي
يصفونه بـ"إمام الفقهاء العظام رئيس السلم" جعفر كاشف الغطا" :وصدرت منهم -يعني من
الخباريين -أحكام غريبة وأقوال منكرة ،منها قولهم بنقص القرآن مستندين إلى روايات
[جعفر كاشف الغطا /حق المبين عن :الطباطائي /النوار النعمانية تقضي البديهة بتأويلها وطرحها"..
(الهامش) .].2/359
إذن الخباريون يرون ثبوت هذه الساطير في كتب شيوخهم (ولك أن تعجب كيف يؤمنون
بكل حرف ورد في هذه الكتب المنسوبة لشيوخهم ،والمنكرة في أسانيدها ومتونها ،ويشكون في
كتاب ال سبحانه؟! يصدقون بالكاذيب الواضحة ،ويكذبون بالحقائق الثابتة ،فأي عقوبة أعظم
من هذا المسخ ،والنتكاس في الفطر والعقول والمقاييس.
وعلى ذلك فإن مسألة رد هذه الروايات لنها أخبار آحاد مما لم يتفق عليه الشيعة ،وأن
السبب المانع الذي يتفق عليه الجميع هو الخوف ،ومعنى هذا أن مسألة التداول السري لمصحف
مفترى من الخباريين أمر وارد ،ولعل هذا يفسر ما نشره محب الدين الخطيب وأحمد
[وهذه الكسروي (الشيعي الصل) من صورة "لسورة" تسمى الولية مأخوذة من حصف إيراني"
المفتريات جمعها صاحب فصل الخطاب ورتبها على سور القرآن ولكن ليست كهيئة مصحف ،وقد وصلني مصحف
من باكستان طبعه الشيعة وقد حشاه طابعه بتلك المفتريات ،ولكن لم تمتد أيديهم إلى الصل ،فقد طبع كطبعة تفسير
الجللين حيث وضع نص القرآن في الوسط ،والتفسير في الحواشي.].
ولكن هذا يبقى مجرد جمع لتلك المفتريات ،التي جاءت عندهم كأمثلة لما في مصحف علي
المزعوم ،أما مصحف علي فهو غائب منتظر ،كالمهدي المنتظر عندهم ،لم يخرج إلى الن،
والعمل بالقرآن إلى أن يظهر ،ولكن جمع هذه المفتريات هو محاولة لقناع المتشككين
والحائرين من بني قومهم .والذي لحظته من كلم شيوخهم أن قولهم بموجود مصحف لعلي
167
أمر ل يختلفون فيه ،حتى ليقول بذلك من يتظاهر بإنكار التحريف من القدامى والمعاصرين
كابن بابويه القمي في العتقادات كما سيأتي نص كلمه ،والخوئي في البيان [البيان :ص .].223
لكن يبقى القول في زيادة مصحف علي المزعوم عما في كتاب ال وهل هي زيادة في النص
أو من قبيل التأويل أو الترتيب؟ كما سيأتي.
مصحف علي:
تقدم الشارة إلى أن مصحف علي "المزعوم" :جاء الحديث عنه في أول كتاب وضعه
الشيعة ،وأنه قد جاءت بعض الروايات عنه عند أهل السنة ولكنها كما قال ابن حجر ل تصح،
ولكن ما في كتب الشيعة صورة أخرى -كما سلف -وقد أكثر القوم من الحديث عن مصحف
علي المزعوم والذي يحتوي -كما يزعمون -على زيادات على كتاب ال.
وقد اهتم بإشاعة هذه الفرية الكليني ثقة دينهم في كتابه الكافي وعقد لها بابا خاصا بعنوان:
"باب أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة عليهم السلم" وذكر فيه ست روايات لهم ،منها ما رواه
عن جابر الجعفي إنه سمع أبا جعفر يقول" :ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما
أنزل إل كذاب ،وما جمعه وحفظه كما نزله ال تعالى إل علي بن أبي طالب والئمة من بعده"
[أصول الكافي ،1/228 :لحظ أن هذه الرواية رواها جابر الجعفي وهو كذاب عن أهل السنة ،كما أن كتب الشيعة
اعترفت بأنه ليس على صلة معروفة بأبي جعفر (انظر :رجال الكشي ص )191فهذه الرواية من أكاذيبه ،وتلقفها
الكليني الذي يعمل إشاعة هذا الكفر.
وإذا كان لم يجمع القرآن إل علي فأين ما جمعه؟ وإذا كان قد جمعه علي فما الحاجة لجمع الئمة من بعده؟ إل إذا
كانوا يرون أنهم قد شاركوا في الجمع وهم لم يوجدوا.
ولماذا لم ير هذا الكتاب المجموع ولم يعرفه أحد من المسلمين؟
وكيف يصدق مثل هذا الفك الذي نقله شرذمة من الكذابين وينكر إجماع الصحابة بما فيهم علي -رضي ال عنه
-على العمل بهذا القرآن العظيم وتحكيمه وعلى نهجهم أئمة المسلمين بما فيهم علماء أهل البيت؟ إنها خرافات ل
يصدقها عقل بريء من الهوى والغرض ،ول تدخل قلبا خالطته بشاشة اليمان.].
وفي تفسير القمي -عمدة كتب التفسير عندهم -عن أبي جعفر -رضي ال عنه -قال:
[تفسير القمي :ص 744ط: "ما أحد من هذه المة جمع القرآن إل وصي محمد صلى ال عليه وآله"
إيران ،بحار النوار.].92/48 :
ويفهم من رواية الكليني أن كل إمام جمع القرآن ،وكأننا أمام كتب متعددة ل كتاب واحد،
بينما تعارضها رواية القمي وتذكر بصيغة الحصر أنه لم يجمعه سوى علي ،ثم هم يقولون في
رواياتهم وأبوابهم :من ادعى أنه جمع القرآن غير الئمة فهو كذاب .مع أنهم زعموا أن القرآن
كان مدونا مجموعا من عهد النبي صلى ال عليه وسلم ويستدلون على هذا برواية جاءت في
168
البحار [انظر :المرعشي /المعارف الجلية :ص .].7فهل كان الحسن والحسين وبقية الئمة هم الذين
يتولون جمعه في عهد النبي صلى ال عليه وسلم؟!
وتذكر بعض هذه الساطير أن بعض الشيعة اطلع على هذا المصحف المزعوم فتقول.." :
عن ابن الحميد قال :دخلت على أبي عبد ال -رضي ال عنه -فأخرج إليّ مصحفا ،قال:
فتصفحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب" :هذه جنهم التي كنتم بها تكذبان.
فاصليا فيها ل تموتان فيها ول تحييان" قال المجلسي" :يعني الولين" [بحار النوار.].92/48 :
يعنون حبيبي رسول ال ،وصهريه وخليفتيه ووزيريه ،وأفضل الخلق بعد النبيين أبا بكر وعمر
-رضي ال عنهما .-
وإذا كانت هذه الرواية تسمح لخواص الئمة بالطلع على ذلك المصحف المزعوم ،فإن في
الكافي رواية أخرى تخالف ذلك حيث جاء فيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال :دفع إليّ
أبو الحسن مصحفا وقال" :ل تنظر فيه ،ففتحته وقرأت فيه :لم يكن الذين كفروا؛ فوجدت فيها
[أصول اسم سبعين رجلً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال :فعبث إليّ :ابعث بالمصحف"
الكافي.].2/631 :
ففي هذه الرواية :المام يستودع المصحف أحد خواصه ويحظر عليه النظر فيه ،ولكن
يخالف أمر إمامه ،ويخونه فيما استودعه ويقرأ في هذا المصحف ،ويكشف بعض محتوياته.
فهذا المصحف الذي تتحدث عنه هذه الرواية مصحف سري محجوب عن الخاص والعام ل
يطلع عليه سوى المام ،وهو يشير إلى أن من موضوعاته تكفير صحابة رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فهو ليس كتاب ال الذي نزل للناس كافة ،والذي أثنى على الصحابة في جمل من
آياته ..بل هو مصحف تتداوله اليدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض أخباره لهل البيت
لتسيء إليهم.
وهذه السطورة أراها تعرض مرة أخرى بصيغة مغايرة لتلك الرواية السابقة ،حيث جاء في
[البزنطي هو نفسه الراوي للسطورة السابقة ،وهذا الذي يروي هذه الساطير، بصائر الدرجات عن البزنطي
ويفتري على كتاب ال وعلى الصحابة والقرابة ،هو ثقة عندهم (مع أنه قد خان إمامه وخالف أمره) .جاء في معجم
رجال الحديث للخوئي" :أحمد بن محمد بن أبي نصر زيد مولى السكوني أبو جعفر ،وقيل :أبو علي المعروف
بالبزنطي ،كوفي ثقة لقي الرضا ،وكان عظيم المنزلة عنده ،روى عنه كتابا ،ومات سنة 221هـ".
(معجم رجال الحديث .].)2/231 :أن الرضا عليه السلم أودع عنده ذلك المصحف المزعوم فقال
هذا البنزنطي :وكنت يوما وحدي ففتحت المصحف لقرأ فيه ،فلما نشرته نظرت فيه في "لم
يكن" فإذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه ،فقدمت على قراءتها فلم أعرف شيئا فأخذت الدواة
169
والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها ،فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها شيئا ،معه منديل
وخيط وخاتمه فقال :مولي يأمرك أن تضع المصحف في المنديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم،
قال :ففعلت [بصائر الدرجات :ص ،246عن بحار النوار.].92/51 :
هذا البزنطي يقول في هذه الرواية :لم أعرف منها شيئا ،وفي الرواية التي قبلها يقول إنه
وجد فيها اسم سبعين رجلً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم!!
وتأتي رواية أخرى له في رجال الكشي لتصوغ هذه السطورة بصورة ثالثة فتقول" :عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر قال :لما أتي بأبي الحسن رضي ال عنه أخذ به على القادسية ،ولم
يدخل الكوفة ،أخذ به على برّاني البصرة ،قال :فبعث إليّ مصحفا وأنا بالقادسية ففتحته فوقعت
بين يديّ سورة "لم يكن" فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس ،قال فحفظت منه أشياء قال:
فأتى مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال :هات :فدفعته إليه فجعله في المنديل ،ووضع عليه
الطين وختمه فذهب عني ما كنت حفظت منه ،فجهدت أن أذكر منه حرفا واحدا فلم أذكره"
[رجال الكشي :ص .].589-588
هذه روايات ثلث كلها عن هذا البزنطي في رواية بصائر الدرجات يزعم أنه لم يفهم شيئا
مما قرأ وحاول أن يكتب ما قرأ فاستعجله رسول إمامه قبل أن يكتب ،وفي رواية الكشيء يزعم
أنه حفظ جزءا مما قرأ ،ولكن هذا المحفوظ فارقه بمفارقة المصحف ،وفي رواية الكافي نراه
يعرف ما قرأه ويستذكر ما حفظ ،وأن ذلك يتعلق بأعداء الئمة من قريش .نصوص متناقضة
كالعادة في كل أسطورة.
وإذا كان يصعب كتابة شيء منه ،أو حفظ جزء منه ،فكيف حفظت وكتبت تلك "الساطي"؟
أنها أوهام يناقض بعضها بعضا.
وروايات الشيعة تقول بأن هذا المصحف عند إمامهم المنتظر .قال شيخهم نعمة ال
الجزائري" :إنه قد استفاض في الخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إل أمير المؤمنين -إلى
أن قال- :وهو الن موجود عند مولنا المهدي رضي ال عنه مع الكتب السماوية ومواريث
النبياء" [النوار النعمانية ،].362-2/360 :ومع ذلك فقد ارتبطت مصاحف قديمة عند الشيعة أيضا
بعقيدة أنها مكتوبة بخط علي ،ويذكر ابن النديم -وهو شيعي -أنه رأى قرآنا بخط علي
يتوارثه بيت من البيوت المنتسبة للحسن [الفهرست :ص .].28
ويشير ابن عنبة -وهو ممن يدعي النسب العلوي -إلى وجود مصحفين بخط أمير
المؤمنين علي ،أحدهما يقع في ثلثة مجلدات ،والخر يقع في مجلد واحد ،قد رآه بنفسه،
170
[عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب :ص -130 ولكنهما احترقا -كما يذكر -حين احترق المشهد
.].131
وقال أبو عبد ال الزنجاني -من كبار شيوخ الشيعة المعاصرين :-ورأيت في شهر ذي
الحجة سنة 1353ه في دار الكتب العلوية في النجف مصحفا بالخط الكوفي كتب على آخره:
كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة [الزنجاني /تاريخ القرآن :ص ،].68-67ولهذا
قال ميرزا مخدوم الشيرازي -وهو ممن عاش بين الشيعة ،وقرأ الكثير من كتبها كما سلف -
قال" :ومن الطرائف أنهم مع هذا (أي مع ما يدعونه من التحريف) يعتقدون في مصاحف كثيرة
كونها مكتوب علي والئمة من ولده ،وليس فيها إل ما في سائر المصاحف المتواترة والتي ل
تحصى كثرة [النواقض :الورقة ( 104مخطوط).].
كما أن هذه المشاهدات المزعومة لمصحف علي ،تناقض دعواهم أن المصحف الذي كتبه
علي عند مهديهم المنتظر.
ولشك بأن أمير المؤمنين علي ما كان يقرأ ويحكم إل بالمصحف الذي أجمع عليه الصحابة،
وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها -كما سلف [انظر :ص ( -].)203ولهذا أخرج ابن أبي داود
بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال :قال علي" :ل تقولوا في عثمان إل خيرا ،فوال ما
فعل في المصاحف إل عن مل منا" [فتح الباري .].13/18 :وقد نقلت ذلك كتب الشيعة كما سيأتي
بعد قليل .وقد جاء في صحيح البخاري بأن أمير المؤمنين عثمان -حين جمع القرآن -أرسل
إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ،وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن
يحرق [صحيح البخاري -مع فتح الباري .].13/11 :ولعل هذا ينفي وجود مصحف بخط علي -كما
يدعون .-
ويلحظ أن من بين القراء المشهورين ما يرجع سند قراءته إلى أئمة أهل البيت ،ولهذا استدل
الدكتور عبد الصبور شاهين على براءة أهل البيت ،وزيف ادعاءات الشيعة أن من بين القراء
السبعة المشهورين حمزة الزيات ،وسند قراءته هو :حمزة الزيات ،عن جعفر الصادق ،وهو
قرأ على محمد الباقر ،وهو قرأ على زين العابدين ،وهو قرأ على أبيه الحسين ،وهو قرأ على
أبيه علي بن أبي طالب -كرم ال وجه – [عبد الصبور شاهين /تاريخ القرآن :ص ،].170فهؤلء
البرار من آل البيت لم يخرجوا على إجماع المسلمين على المصحف المام ،وآية رضاهم به،
[عبد الصبور إقراؤهم الناس بمحتواه دون زيادة أو نقص أو ادعاء يمس كمال كتاب ال سبحانه
شاهين /تاريخ القرآن :ص .].165
171
وقال الدكتور محمد بلتاجي" :ونضيف إلى ذلك أن قراءة علي بن أبي طالب للقرآن قد رويت
أيضا بطريق زيد بن علي أخي المام الباقر وعم المام الصادق -وهذا ما يسلم به المامية
[مناهج التشريع السلمي ،1/189 :وأحال في هذا العتراف إلى كتاب تأسيس الشيعة الثنا عشرية أنفسهم "-
لعلوم السلم :ص ،343 ،285والفهرست للطوسي ص .].115
قلت :أضيف -أيضا -إقرارا واعترافا آخر من شيخ الشيعة المجلسي حيث يقول" :والقراء
السبعة إلى قراءته (يعني قراءة علي) يرجعون ،فأما حمزة والكسائي فيعولن على قراءة علي..
وأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عباس ،وابن عباس قرأ على
أبي بن كعب وعلي ،والذي قرأ هؤلء القراء يخالف قراءة أبي فهو إذا مأخوذ عن علي -عليه
السلم .-
وأما عاصم فقراه على أبي الرحمن السلمي وقال أبو عبد الرحمن :قرأت القرآن كله على
علي بن أبي طالب عليه السلم ،فقالوا :أفصح القراءات قراءة عاصم لنه أتى بالصل وذلك
أنه يظهر ما أدغمه غيره ،ويحقق من الهمز ما لينه غيره ..والعدد الكوفي في القرآن منسوب
إلى علي عليه السلم وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ،وإنما كتب عدد ذلك كل
مصر عن بعض التابعين" [بحار النوار ، 54-53 /92 :مناقب آل آبي طالب.].43-42 /2 :
بل يقولون -كما ذكره شيخهم علي بن محمد الطاووسي العلوي الفاطمي في كتابه سعد
السعود" :ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مونا علي بن أبي طالب -رضي ال عنه "-
[عن تاريخ القرآن /للزنجاني (وهو من الثني عشرية المعاصرين) :ص ..].67يقولون :وقال علي أيضا:
"أيها الناس ال ال إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حراق المصاحف فوال ما حرقها إل عن
مل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم" [عن تاريخ القرآن /للزنجاني :ص ].68بل قالوا
أكثر من ذلك ،قالوا :إنه ورد عن أهل البيت عليهم السلم أن عثمان بن عفان لما رأى اختلف
الصحابة في قراءة القرآن طلب من علي عليه السلم مصحف فاطمة الذي كانت هي -سلم
ال عليها -دونته بإشارة أبيها ،وطابقه مع المصاحف الخرى التي كانت بيد الصحابة ،فما
طابق منها مصحف فاطمة نشره وما لم يطابقه أحرقه .فعلى هذا يكون المصحف الذي بأيدينا
[المرعشي /المعارف مصحف فاطمة ل مصحف عثمان ،وعثمان كان ناشره ل مدونه ومرتبه
الجلية :ص .].27
أليس هذا كله ينقض كل ما ادعوه ،ويهدم كل ما بنوه ..وهو دليل على اختلف أخبارهم
وتناقضها ،والتناقض أمارة بطلن المذهب.
172
ويبدو من خلل النص الخير أن ذلك محاولة منهم للرجوع عن تلك المقالة بعدما جلبت
عليهم العار ،وأورثتهم الذي والشماتة ،وضرت مذهبهم ولم تنل من كتاب ال شيئا ،لكن
الرجوع عن هذه المقالة يوقعهم في تناقض آخر وهو أن هذا القرآن العظيم وصل إلينا عن
طريق أبي بكر وعثمان وإخوانهم ،وهؤلء لهم في مذهب الشيعة النصيب الوفى من اللعن
والتكفير ،وكيف يجتمع حينئذ في قلب واحد وعقل واحد العتقاد بسلمة القرآن وخيانة جامعيه،
ولعلهم وضعوا المقالة الخيرة التي تقول إن عثمان قابل القرآن على مصحف فاطمة المزعوم،
وضعوها للخروج من هذا المأزق ،ولكن هذا يوقعهم في تناقض ثالث وهو مخالفة أخبارهم التي
[انظر الحديث عن فاطمة في مبحث (اليمان تقول إن مصحف فاطمة غير القرآن -كما سيأتي –
بالكتب ) .].والثابت عن عثمان أنه أرسل إلى حفصة "أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في
المصاحف ..إلخ" [انظر :صحيح البخاري -مع فتح الباري .].13/11 :-
وهؤلء جعلوا ذلك لفاطمة كعادتهم في نسبة فضائل النبياء ،والصحابة إلى الثني عشر،
عن طريق تحوير الحاديث ،وصياغتها في كتبهم وتركيبها على الئمة ،أما في آيات القرآن
فطريق ذلك التأويل الباطني أو دعوى التحريف ،كما رأينا.
حجم أخبار هذه السطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم:
لقد رأينا أن معظم كتب الشيعة انغمست في هذا المستنقع السن ،وسقطت في تلك الهوة
الخطيرة ،فما مقدار هذا السقوط وما مستواه؟ هل تلك الروايات السوداء التي وجدت طريقها
إلى كتب القوم ،وتسللت إلى مراجعهم الحديثية لتكسو من يركن إليها ثوبا من الخزي والعار،
وتسلب من يده آخر علقة له بالسلم ..هل تلك الروايات مجرد روايات شاذة مندسة في كتب
القوم لم تحظ برضى عقلئهم ،ول قبول محققيهم ،وأنها قد تسربت إلى كتب هؤلء ،لن
الكذابين على الئمة – كما تقول كتب الشيعة – قد كثروا في صفوف الشيعة ،وكان التشيع
مطية لكل من أراد الكيد للسلم وأهله ،كما أثبتته الحداث والوقائع؟
قد لحظنا أن هذه السطورة بدأت بروايتين اثنتين في كتاب سليم بن قيس حسب النسخة
المطبوعة التي بين أيدينا ،وما لبثت أن أخذت بعدا أكبر وزادت أخبارها .وقد تولى كبر هذه
الفرية ووزر هذا الكفر شيخ الشيعة علي بن إبراهيم القمي ،فقد أكثر من الروايات في هذا
الباب ،ونص في مقدمته على أنها كثيرة ،وبدأت عنده محاولة التطبيق العملي لهذه الخرافة كما
سبق .ويلحظ أن معظم روايات الكليني صاحب الكافي هي عن هذا القمي الذي تلقف هذه
[انظر مقدمة الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره الذي يحظى بتقدير الشيعة كلها
173
[انظر :ميزان الرسالة ،].وقد قال الذهبي وابن حجر عن تفسيره هذا" :وله تفسير فيه مصائب"
العتدال ،3/111 :ولسان الميزان.].4/191 :
كانت دوائر الغلة في القرن الثالث تعمل على الكثار من صنع الروايات في هذا حتى أن
شيخهم المفيد الذي يلقبونه بركن السلم وآية ال الملك العلم والمتوفى سنة (413ه) يشهد
باستفاضتها عند طائفته (الثنا عشرية) يقول" :إن الخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى
من آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم باختلف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من
الحذف والنقصان" [أوائل المقالت :ص .].98
هذه الستفاضة هي ثمرة الوضع والكذب على أهل البيت والذي نشط في القرن الثالث على
يد شرذمة من شيوخهم.
ولو كان عند أهل البيت شيء لقرؤوا به دون ما سواه ،ولخرجوه للناس ولم يسعهم كتمانه.
ولكن أهل البيت باعتراف الشيعة لم يقرؤوا إل بكتاب ال ،فعلم براءتهم من هذا الفتراء..
وثبت أن دينا يستفيض فيه الباطل باطل.
هذا والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته ،رغم أن شيخه ابن بابويه يقول :إن من
نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب -كما سبق [انظر :ص ( -].)219-218وسللة أهل
البيت (الشريف المرتضى وهو من معاصري المفيد بل من تلمذته يقول :إن أخبارهم في هذا
[انظر :مجمع ل يعتد بها ،لنها أخبار ضعيفة ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته)
البيان .].1/31 :فهل كل شيخ من هؤلء يمثل ومدرسة ونحلة والتشيع يجمعهم ،أو هم يتلونون
تلون الحرباء بحكم التقية ،أو أنهم قد أحكموا خطتهم ،وأزمعوا أمرهم على أن يظهر منهم
حسب المناسبات والظروف صوتان مختلفان متعارضان حتى ل يتمكن أحد من الوقوف على
حقيقة المذهب؟!
ولهذا نجد أيضا في القرن السادس ظهور الطبرسي صاحب التفسير وإنكاره هذه المقالة كما
سيأتي ،ومعاصره الطبرسي الخر صاحب الحتجاج يصرح بهذا الكفر ويروي فيه عشر
روايات ،ويرى أن ما ذكره هو محل إجماع أو اشتهار بين طائفته كما سلف.
أم أن الوضع لهذا الروايات إنما وقع في العصور المتأخرة ونسب لشيوخهم القدامى ليحظى
بثقة التباع الغرار؟ سيأتي إن شاء ال دراسة هل النكار تقية أو حقيقة؟ ..هذا وفي ظل
الدولة الصفوة كثر الوضع الخبار هذه السطورة فتجاوزت مرحلة ما سجله القمي أو الكليني،
أو المفيد ،أو فرات الكوفي ،وغيرهم من شيوخهم في القرن الثالث والرابع تجاوزت الحجم الذي
سجلته هذه الزمرة إلى درجة أن شهد شيخهم المجلسي صاحب بحار النوار بأن أخبارهم في
174
هذا أصبحت تضاهي أخبار المامة؛ يقول" :وعندي أن الخبار في هذا الباب متواترة معنى،
وطرح جميعها يوجب رفع العتماد عن الخبار رأسا؛ بل ظني أن الخبار في هذا الباب ل
تقصر عن أخبار المامة" [مرأة العقول.].2/536 :
هذه شهادة من المجلسي المتوفى سنة (1111ه)على تضخم أخبار هذه السطورة ،والتي كانت
مجرد روايتين في كتاب سليم بن قيس ،وكانت عند ابن بابويه القمي المتوفى سنة (381ه) ل
تكاد توجد حتى قال :إن من نسب للشيعة مثل هذا القول فهو كاذب ،وشيخ الشيعة الطوسي أنكر
نسبة هذا إلى الشيعة [انظر :تفسير التبيان ،].1/3 :وقد أرهق نفسه النوري الطبرسي صاحب فصل
الخطاب ليجد وسيلة يتخلص بها من كلم الطوسي فقال" :والطوسي في إنكاره (يعني لتحريف
[فصل الخطاب الورقة ( 175النسخة القرآن) معذور لقلة تتبعه الناشئ من قلة تلك الكتب عنده"
المخطوطة).].
وهذا العتذار ل يمكن أن يوافق عليه صاحب فصل الخطاب الذي يصر على أن يجعل كل
الشيعة على مذهبه في القول بتحريف القرآن ،ذلك لن الطوسي هو شيخ الشيعة في زمنه ،وهو
مؤلف كتابين من كتبهم الربعة المعتمدة في الحديث ،وكتابين من كتبهم المعتمدة في الرجال،
فل يتصور أن يوصف بقلة التتبع ،أو بقلة الكتب عنده ،كما يقول هذا الطبرسي .بل نحن نأخذ
منقول الطوسي هذا شهادة هامة أو وثيقة تاريخية تثبت أن الوضع لهذه السطورة لم يتسع
ويصل إلى هذا المستوى الموجود اليوم إل في ظل الحكم الصفوي ،ول يستبعد أن تضاف
روايات من هذه الروايات إلى شيوخهم القدامى لخدمة هذه السطورة ،ولسيما والشواهد قائمة
على أن الكذب في الشيعة كثير ،كما تشهد بهذا كتب أهل السنة وتقر بذلك كتب الشيعة نفسها -
كما سيأتي – [انظر :فصل "اعتقادهم في السنة".].
هذا وشهادة شيوخ الدولة الصفوية بكثرة هذه الخبار في زمنهم كثيرة ،فكما شهد المجلسي
[أشار إلى ذلك يشهد شيخهم الخر نعمة ال الجزائري وهو من معاصري المجلسي ،ومن تلمذته
في النوار النعمانية ].4/232 :وموضع ثقة الشيعة وتقديرهم [انظر :ص ( )202من هذه الرسالة .].يقول:
[انظر :فصل الخطاب ،الورقة ( 125النسخة "إن الخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث"
المخطوطة) وص 251من المطبوعة ،].كما أنه يضع أساطيره ،وكتاب ال سبحانه في كفة ميزان،
ويرى أن القول بسلمة القرآن يؤدي إلى انعدام الثقة في أخبارهم فيقول -وهو يرد على
شيوخهم المتقدمين -في قولهم بتواتر القراءات السبع ..يقول" :إن تسليم تواترها عن الوحي
اللهي ،وكون الكل قد نزل به الروح المين يفضي إلى طرح الخبار المستفيضة ،بل المتواترة
الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن" [النوار النعمانية.].357-356 /2 :
175
يعني والمحافظة على حرمة وسلمة أخباره وأساطيره أولى من القول بصيانة القرآن
وحفظه! وهذا هو نفس ما قاله شيخهم المجلسي حينما قال -كما مر " :-وطرح جميعها (يعني
جميع أخبار التحريف) يوجب رفع العتماد على الخبار رأسا".
هذا هو الخيار الصعب في نظر هذه الزمرة ،هل تفقد أخبارها وبها قوام دينها ،ومنها تقتات
رزقها باسم الخمس ،وبها تستمد قداستها باسم النيابة عن المام أتخسر كل هذه المكاسب التي
تجنيها ..أم تقول بتغير القرآن فتجني تكفير المسلمين لها ،وصعوبة التبشير بدينها ،وتقلص
أتباعها وضمور مكاسبها من بعد ذلك؟ إنه خيار صعب أمام هؤلء (الشيوخ) ..هل يخرجون
منه بالظهور أمام الناس بوجهين وقولين أو يرجعون إلى التقية والكتمان ،أو يراعون الظروف
والمناسبات والجواء؟
الملحظ أن شيوخ الدولة الصفوية هم أجرأ على التصريح بهذا الكفر بحكم ووجود قوة
تسندهم فتخف التقية لديهم ،ولهذا كثرت أقوالهم بتواتر هذا الكفر عندهم حتى زعم شيخهم أبو
الحسن الشريف وهو من تلمذة المجلسي بأنه" :يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب
التشيع" [مرآة النوار :ص .].49
وقال ثقتهم محمد صالح المازندراني (ت 1081ه) .." :وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت
من طرقنا بالتواتر معنى كلما يظهر لمن تأمل كتب الحاديث (يعني كتب أحاديثهم) من أولها
إلى آخرها" [المازندراني /شرح جامع (على الكافي).].11/76 :
ويقول شيخهم محسن الكاشاني" :المستفاد ..من الروايات من طريق أهل البيت -عليهم
السلم -أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه ،كما أنزل على محمد صلى ال عليه وآله
وسلم ،بل منه ما هو خلف ما أنزل ال ،ومنه ما هو مغير محرف ،وأنه قد حذف عنه أشياء
كثيرة منها اسم علي -عليه السلم -في كثير من المواضع ،ومنها غير ذلك ،وأنه ليس أيضا
على الترتيب المرضي عند ال وعند رسوله صلى ال عليه وآله وسلم" [تفسير الصافي.].1/49 :
هذا بعض ما قاله شيوخهم في تلك الفترة عن حجم الروايات والخبار عندهم ،وهي شهادة
خطيرة تؤكد هذه الفرية عندهم ،واستفاضتها في كتبهم ،وهذا بل شك دليل بطلن أخبارهم
كلها ،فما دام الكذب عندهم يصل إلى حد التواتر فل ثقة بسائر أخبارهم ،وكل من يذهب هذا
المذهب فإنه ليس من السلم في شيء ،وإن دين هؤلء ليس دين الئمة ،بل هو دين المجلسي
أو القمي أو الكليني أو العياشي أو غيرها .وإن مثل هؤلء كمثل سائر الزنادقة الذين ظهروا في
التاريخ السلمي ،وإن ذلك القناع الذي أضفوه على حقيقتهم المعادية للسلم وأهله قد انكشف
176
بهذه الدعوى ،وإن أخبارهم التي نسبوها زورا وكذبا لهل البيت قد ظهر كذبها واستبان زيفها
بهذا الكفر المعلن.
وبناءً على حركة الوضع المستمرة عبر القرون ،ولسيما في إبان الدولة الصفوية رأينا شيخ
الشيعة ومحدثها ،وخبير رجالها ،وصاحب آخر مجموع من مجاميعهم الحديثية (مستدرك
الوسائل) وأستاذ كثير من شيوخهم المعتبرين كمحمد حسين آل كاشف الغطا ،وأغا بزرك
الطهراني وغيرهما ..شيخ الشيعة حسين النوري الطبرسي يرى أنه ل ينبغي عندهم النظر في
أسانيد تلك الساطير لتواترها من طرقهم؛ يقول" :إن ملحظة السند في تلك الخبار الكثيرة
[فصل توجب سد باب التواتر المعنوي فيها بل هو أشبه بالوسواس الذي ينبغي الستعاذة منه"
الخطاب -الورقة ( 124النسخة المخطوطة).].
والخوئي مرجع الشيعة في العراق وغيره اليوم يقول" :إن كثرة الرويات (رواياتهم في
تحريف القرآن) من طريق أهل البيت تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ،ول أقل
من الطمئنان بذلك ،وفيها ما روي بطريق معتبر" [الخوئي /البيان ص .].226
وبعد هذه العترافات من أساطين التشيع وشيوخه هل يشك أحد يقرأ هذه الدعاوى العريضة
في أن القوم قد وقعوا في درك مظلوم وفي مستنقع آسن؟ وكم يتألم المسلم وهو يقرأ مثل هذه
ح َوتْ هذا "الغثاء" وركنوا
الكلمات المظلمة ،وكم يشفق على قوم اعتمدوا في دينهم على كتب َ
في أمرهم على شيوخ يجاهرون بهذا الكفر قد باعوا أنفسهم للشيطان ،وجعلوا نواصيهم بيده.
ولكن هل الشيعة كلهم على هذا الطريق المظلم؟ وهل هم جميعا قالوا بهذا الكفر واللحاد؟ هذا
ما سنتحدث عنه في الفقرة التالية:
هل الشيعة جميعا تعتقد صحة هذه الروايات وتقول بتواترها؟
وبعدما رأينا أن معظم كتب الشيعة سقطت في هذه الهوة المظلمة ،وعرضنا لشيء من
مضامين هذه الروايات مما تتضح به صورتها وتتبين به حقيقتها ،ثم حاولنا التعرف على القدر
الكمي ،والوزن السنادي لهذه الروايات ،ورأينا أن مهندسي التشيع عملوا جاهدين على الوضع
والزيادة لخبار هذه السطورة عبر القرون ،حتى اعترف طائفة من شيوخهم المعتبرين عندهم
باستفاضتها وتواترها ،وأنه ل ينبغي لذلك النظر في أسانيدها ..فهل جميع شيوخ الثني عشرية
يتفقون معهم في هذا الحكم؟
يقول شيخهم المفيد (ت 413ه) في كتابه أوائل المقالت وهو من كتبهم المعتبرة عندهم
باعتراف شيوخهم المعاصرين [محمد جواد مغنية :الشيعة في الميزان :ص ،].14يقول" :واتفقوا -أي
المامية -على أن أئمة الضلل خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب
177
التنزيل وسنة النبي صلى ال عليه وسلم ،وأجمعت المعتزلة ،والخوارج ،والزيدية ،والمرجئة،
وأصحاب الحديث على خلف المامية" [أوائل المقالت :ص .].13
وهذه شهادة مهمة واعتراف صريح من مفيد الشيعة بأن سائر الفرق السلمية لم تقع في هذا
الكفر الذي وقعت فيه طائفته .وهي شهادة تلجم أولئك الروافض الذين يحاولون من منطلق جبان
أن يصموا أهل السنة من هذه الفرية؛ كمحاولة مكشوفة لثبات هذا الكفر بطريق النسبة الكاذبة
لهل السنة .وعصمة أهل السنة من هذا الضلل ل تحتاج إلى هذا العتراف ،ولكن ذكرناه هنا
لنه صادر من المخالف وإنصاف المخالف أشد وقعا في النفس من إنصاف الموافق ،ولن في
هذا وأمثاله ما يسكت أولئك المفترين الذين يفترون الكذب ول يؤمنون.
كما أن مفيدهم يعترف أيضا بأن إجماع طائفته قائم على هذا الكفر البين ،ولم يذكر مفيدهم
وجود خلف بين علمائهم في هذا!! مع أن شيخه ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت
381ه) قد أنكر هذا في رسالته في "العتقادات" [العتقادات :ص .].102-101وأنكر نسبة العتقاد
[انظر :التبيان ، 1/3 :مجمع البيان: بالتحريف إليهم -كما مر ،-وتبعه على ذلك الشريف المرتضى
( ].1/31ت 436ه) ،والطوسي [انظر :التبيان ( ].1/3 :ت 450ه) وهما من تلمذة المفيد ،ورابعهم
الطبرسي (ت 548أو 561ه) فلِمَ لَمْ يشر المفيد إلى خلف شيخه القمي؟ هل تجاهل المفيد لذلك
من قبيل اقتناعه بأن مخالفته بسبب التقية أو ماذا؟! وليس ذلك فحسب بل إن المفيد نفسه ،وفي
[حيث ذكر أن "جماعة من أهل المامة (قالت): الكتاب ذاته ذكر أن طائفة من أهل المامة أنكرت ذلك
إنه لم ينقص من كلمة ول من آية ول من سورة" (انظر :أوائل المقالت :ص ،)55وسنرى في مبحث "عقيدتهم في
الجماع " اضطرابهم في أمر الجماع حيث تجد الجماعات المتعارضة ،ودعوى الشخص منهم للجماع مع نقله
للخلف فيه.].
ومثل دعوى المفيد يدعي النوري الطبرسي أن إجماع الشيعة قائم على هذا الكفر ،إلى أن
جاء ابن بابويه القمي فخالف ذلك حتى قال" :إن ابن بابويه القمي أول من أحدث هذا القول في
الشيعة في عقائده" [فصل الخطاب ،الورقة ( 111النسخة المخطوطة).].
ولعل القارئ يدرك محاولة هذا الطبرسي ،لن يجعل الشيعة منذ نشأتها كانت على مذهبه،
وأن مخالفة هذا المذهب كانت طارئة ،والحقيقة التي ل يماري فيها مسلم ،ول يشك فيها من
سبر التطور العقدي عند هؤلء القوم أن أوائل الشيعة ما كانت على هذا الكفر ،ما كان خلف
الشيعة في أول المر إل في مسألة المامة ومن أحق بالمامة ،ثم ما لبثت أن انجرت من بدعة
إلى أخرى حتى رأينا شيوخهم في القرن الثالث يتسابقون للوقوع في هذا الكفر ،فأورثهم ذلك
ذلً وعارا ومقتا من المسلمين ،فأراد ابن بابويه الرجوع بهم إلى الصل -كما هو الظاهر -
178
ولكن عقيدة التقية لديهم جعلت محاولة ابن بابويه ل تثمر ثمارها ،وتبع ابن بابويه ثلثة آخرون
من شيوخهم ،كلهم أنكروا هذا -كما مر .-
ويذكر النوري الطبرسي بأنه ل يوجد من القرن الرابع إلى القرن السادس خامس لهؤلء
[فصل الربعة الذين ذكرناهم ،ويقول إنه" :لم يعرف الخلف صريحا إل من هؤلء الربعة"
الخطاب( 15 :المخطوط) وص .].34
إذن بعدما استشرى هذا البلء في المامية لم نجد من شيوخهم من يعلن إنكاره لهذا إل هؤلء
[وقد نقل الشيخ إحسان إلهي ظهير هذا القول ،وتحدى الشيعة أن تأتي بخامس لهؤلء (الشيعة والسنة ص الربعة
.)124والذي يجب ملحظته في هذا المر ما يلي:
أولً :أن مفيدهم ذكر أن الخلفة لهذا الكفر قد ذهب إليه جماعة من أهل المامة (انظر :أوائل المقالت ص ،)55فهل
هو يشير بهذا إلى خلف الثلثة (لن الطبرسي من القرن السادس) أو يشير إلى أكثر من ذلك ولسيما أن وصفهم
بأنهم جماعة ،يشعر بكثرتهم؟.
وقد شك في هذا صاحب فصل الخطاب نفسه وقال" :ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما حكاه المفيد من جماعة
من أهل المامة ،والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه" (انظر :فصل الخطاب ص .)33
ثانيا :أن أوائل الشيعة كلهم على خلف هذا الكفر ،وقد استحدث هذا القول فئة من الزنادقة قد اندسوا في الروافض،
فقول النوري" :لم يعرف من القدماء موافق لهم" هو كذب ظاهر؛ إذ إن كل أوائل الشيعة وقدمائها معهم.
ثالثا :أن الشعري في مقالت السلميين نسب النكار لهذه الفرية إلى طائفة منهم ،وهو يشعر بأنهم ليسوا بثلثة
فقط (انظر مقالت السلميين .].)120-119 /1 :وقد أشرنا من قبل إلى أن ابن حزم يذكر بأن المامية
كلها على هذا الباطل إل ثلثة ،ومن هؤلء الثلثة الشريف المرتضى.
وقد تحدث شيوخهم أن المامية لم تتفق على هذا الكفر .يقول صاحب "قوامع الفضول"" :إن
المحكي عن ظاهر الكليني وشيخه عليّ بن إبراهيم القمي والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي
صاحب الحتجاج وقوع التحريف والزيادة والنقصان فيه ،بل وحكي ذلك عن أكثر الخباريين،
[يطلق لقب وعن السيد الصدوق [لقب يطلقونه على ابن بابويه القمي صاحب من ل يحضره الفقيه ].والمحقق
المحقق على محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ،وعلى جعفر بن الحسن ابن يحيى المتوفى سنة (676ه) (انظر:
أغابزرك /النوار الساطعة ص )146وهو هنا يريد الول (الطوسي) ].إنكار ذلك ،بل وحكي عن جمهور
المجتهدين ،وظاهر الصدوق في اعتقاداته أن المراد بما ورد في الخبار الدالة على أن في
القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين -رضي ال عنه -كان زيادة لم يكن في غيرها أنها كانت
من باب الحاديث القدسية ل القرآن" [قوامع الفصول :ص .].298
وكذلك أشار الطبرسي في فصل الخطاب إلى مثل ذلك وتوسع في ذكر الذاهبين إلى
التحريف فمما قاله" :اعلم أن لهم في ذلك أقوالً مشورها اثنان :الول وقع التغيير والنقصان
فيه" ،ثم ذكر من قال بذلك من شيوخهم ،ونقل كلمات بعضهم في هذا ،ويلحظ أنه يحاول
179
المبالغة في جعل معظم رجالت طائفته على هذا القول ،بل إنه ذكر مصنفات ل يوجد لها عين
ول أثر ،وذكر أنها تسمى باسم "التحريف" أو "التبديل" ،واستظهر أن أصحابها كانوا على مذهبه
[انظر :فصل الخطاب ،].31-30 :ولمعارضه أن يقول :ما المانع أن تكون هذه المصنفات لنقد
تحريف الشيعة لمعاني القرآن ،أو لنقد دعواهم تحريف ألفاظه وأخذت ذلك السم.
ثم ذكر القول الثاني فقال" :الثاني :عدم وقوع التغيير والنقصان فيه وأن جميع ما نزل على
رسول ال صلى ال عليه وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين ،وإليه ذهب الصدوق
في عقائده والسيد المرتضى ،وشيخ الطائفة في التبيان ،ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما
[فصل الخطاب: حكاه المفيد عن جماعة من أهل المامة ،والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه"
ص .].33
وقوله" :لم يعرف من القدماء موافق لهم" يعني قدماء شيوخه المامية ،الرافضة ،أم أسلفهم
من الشيعة فلم يصل بهم المر إلى هذا الحد -كما تقدم .-
ثم قال هذا النوري" :ثم شاع هذا المذهب (يعني إنكار التحريف) بين الصوليين من أصحابنا
[فصل واشتهر بينهم حتى قال المحقق الكاظمي في شرح الوافية :إنه حكي عليه الجماع"
الخطاب :ص .].38ثم حاول رد دعوى الجماع ..ليجعل جل الشيعة الثني عشرية على مذهبه.
فإذن هل ننتهي من هذا إلى أن الثني عشرية لم يتفقوا على هذا الكفر ،بل لهم قولن في هذه
المسألة ،كما أشار إلى ذلك الشعري في مقالته كما سلف ،أو أنه قول واحد والنكار تقية؟ هذا
ما سنعرض له في المسألة التالية:
هل إنكار المنكرين لهذا الكفر (من الشيعة) من قبيل التقية؟
بعدما بيّنا أن المامية لم تتفق على هذا الضلل ،وأنه قد أنكر ذلك كبار محققيهم كالشريف
المترضى ،وابن بابويه القمي والطوسي والطبرسي ،ومن اتبعهم من المتأخرين ،فإنه مع ذلك قد
برز ناعق من شيوخ الدولة الصفوية يقول :إن إنكار هؤلء كان على سبيل التقية.
[ولهذا قال الخوانساري" :كان مع شرب يقول شيخهم نعمة ال الجزائري (وهو من الخبارين)
الخبارية كثير العتناء والعتداد بأرباب الجتهاد ( "..روضات الجنات ].)8/150 :والذي قال عنه
[روضات الجنات: الخوانساري" :كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلئنا المتبحرين"..
" :].8/150والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لجل مصالح كثيرة ،منها سد باب الطعن
عليهم بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف
لها" [الجزائري /النوار النعمانية.].2/358 :
180
ثم قدم برهان دعواه بقوله" :كيف وهؤلء العلم رووا في مؤلفاتهم أخبارا تشتمل على
[الجزائري /النوار النعمانية: وقوع تلك المور في القرآن ،وأن الية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا"
.].359-2/358
وكذلك يرى هذا صاحب فصل الخطاب؛ فإنه نقل كلم الجزائري المذكور مؤيدا له ،كما نقل
ما ذكره شيخهم ابن طاوس من أن كتاب التبيان الذي أنكر فيه الطوسي هذا الضلل موضوع
على غاية الحذر والمدارة للمخالفين [فصل الخطاب :ص ( 38النسخة المخطوطة).].
وقد نقلنا النص بتمامه فيما سبق [انظر :ص ( ..].)198-197فهل ما يقوله هؤلء حقيقة؟
أقول :ل شك أن الجزائري وصحاب فصل الخطاب وغيرهما هم ممن يجاهر بهذا الكفر
ويعلنه ،ومن يفعل ذلك فليس من السلم في شيء ،وإذا كنا نتثبت في خبر الفاسق ،فما بالك
بأخبار هؤلء ،فهم يودون أن يجعلوا كل شيعي على هذا الكفر فليس بغريب أن يحملوا آراء
المعارضين على التقية .وأرى خطأ من يأخذ كلم هذا الجزائري ومن على شاكلته بإطلق،
ويحكم على طائفة بأكملها بهذا الكفر من غير دراسة وتحقيق.
وإذا كنا ل نأخذ بكلم هؤلء الفاكين الثمين فهذا ل يعني أيضا أن نتقبل بسذاجة ظاهرة،
وبسطحية غافلة ما يقوله أصحاب الرأي الخر بإطلق ،ونحن نعلم أن التقية من أصولهم ،وأنها
عندهم تسعة أعشار الدين ،ول دين لمن ل تقية له -كما سيأتي .-
وعلى هذا فلبد من دراسة متأنية وأمينة لهذا القضية ،فأقول :كما نقل شيخهم المفيد إجماع
طائفته على هذا الكفر كما أسلفنا ،فإن من كبار شيوخهم المتأخرين من نقل إجماع الصوليين
من الشيعة على إنكار هذا الكفر [فصل الخطاب :ص ( 38النسخة المخطوطة).].
واعترف صاحب فصل الخطاب بأن مذهب إنكار التحريف قد شاع واشتهر بين أصحابه
فقال .." :شاع هذا المذهب بين الصوليين من أصحابنا واشتهر بينهم حتى قال المحقق
الكاظمي في شرح الوافية :إنه حكي عليه الجماع" [فصل الخطاب :ص ( 38النسخة المخطوطة).].
وقد غضب من هذا المر صاحب فصل الخطاب ،لنه -كما أسلفت -يريد أن يجعل مذهبه
هو الشهر والكثر ..فقال .." :إن دعواه -يعني دعوى الجماع -جرأة عظيمة (!) وكيف
يمكن دعوى الجماع بل الشهرة المطلقة على مسألة خالفها جمهور القدماء وجل المحدثين
وأساطين المتأخرين ،بل رأينا كثيرا من كتب الصول خالية عن ذكر هذه المسألة ،ولعل المتتبع
يجد صدق ما قلناه ،ومع ذلك كله فالمتبع هو الدليل ،وإن لم يذهب إليه إل قليل كما قال السيد
المرتضى -رحمه ال -في بعض مسائله :ل يجب أن يوحش من المذهب قلة الذاهب إليه
والعاثر عليه ،بل ينبغي أل يوحش منه إل ما ل دللة له تعضده ول حجة تعمده ،وقال المفيد
181
في موضع من المقالت :ولم يوحشني من خالف فيه؛ إذ بالحجة له أتم أنس ول وحشة من حق"
[فصل الخطاب :ص .].39-38
نلحظ من خلل هذه الكلمات أن هناك وميض نار مشتعلة بين فريقين وكل يدعي الشهرة
والحقية لمذهبه ..وأن هذا الرجل قد ارتدى ثوب الواعظ كما يصنع الشيطان أحيانا وراح يدعو
قومه إلى نار جنهم وبئس المصير ،وينادي بأن قوله هو الذي عليه الدليل من كتبهم ،وهو
الصل الذي عليه قدماء الشيعة ،وخلفه قول طارئ على مذهبهم ،ودعوى الجماع عليه أو
الشهرة في نظره جرأة عظيمة.
إذن هناك -بلشك -فئة من الشيعة لم تعد تهضم هذا المعتقد ،وقد كثر أتباعها ،ولهؤلء -
فيما يظهر -ألّف صاحب فصل الخطاب كتابه ليردهم عن هذا الطريق الذي سلكوه ،ويرفع
عنهم تلك العماوة التي غشيتهم في نظره ويقول :إن الدليل أحق أن يتبع ،وإن لم يذهب إليه
أحد .وكأنه استوحش من مذهبه ،والكفر كهف موحش مخيف ،وخاف تقلص أتباعه واندراس
أشياعه فراح يدعو إلى عدم الوحشة عند القلة فهي في نظره عنوان الحق على هذا القول ،ومن
الغريب أن يستعير كلمات الشريف المرتضى الذي يتبرأ من هذا الكفر ،ويكفر من قاله ،ويعظ
بها قومه ويدعوهم إلى هذا اللحاد.
ومن خلل قراءتي لكتاب فصل الخطاب تبين لي أن فئة من الشيعة لم تعد تصدق بهذه
الخرافة ،وقد هاجمهم صاحب فصل الخطاب في مواضع متعددة ،وقال معلقا على كلم
[فصل الخطاب :الورقة ( 84النسخة المخطوطة) و بعضهم" :ليس لداء قلة التتبع دواء إل تعب المراجعة"
ص ( 169من المطبوعة).].
كما ضاق ذرعا بأمر الصدوق صاحب "من ل يحضره الفقيه" أحد كتبهم الربعة المعتمدة في
إنكاره لهذه الخرافة ،وقال :إن أمره مضطرب ،ويغير بعض الروايات لتوافق مذهبه في نفي
[فصل الخطاب :الورقة 120 هذه الخرافة ،وأنه غير في بعض الروايات تغييرات تورث سوء الظن
(من المخطوطة) و ص ( 240من المطبوعة) ].به ،كما سيأتي بعد قليل إيراد نصوصه في هذا ،مع العلم
بأن كتابه "من ل يحضره الفقيه" هو أحد جوامعهم المعتمدة عندهم.
كما يعتذر أحيانا عن المنكرين من أصحابه لهذا العتقاد -الذي يؤكد أنه متواتر من طرقهم
[فصل الخطاب :الورقة ( 176النسخة الكاذبة -بقوله" :إن أخبار التحريف متفرقة فلهذا لم يعرفوها"
المخطوطة).].
ولقائل أن يقول :إنها لم تكن موجودة فلهذا لم يعرفوها ولدت فيما بعد ،ونمت أخبارها
وكثرت أساطيرها فأخذت بها أنت ومن معك اغترارا أو تغريرا؛ إذ كيف يعقل أن تخفى على
182
أمثال ابن بابويه وغيره من مؤسسي مذهبكم ومؤلفي مجاميعكم المعتمدة ،وكذلك اعتذر عن
الطوسي بنحو هذا -كما سيأتي -وحتى نعمة ال الجزائري الذي قال :إن إنكارهم تقية لم يكن
على يقين من هذا ،فتراه في شرح الصحيفة السجادية يتعجب من صنيعهم ،ويحاول أن يرد
على حجتهم ،حيث يقول" :وأخبارنا متواترة بوقوع التحريف والسقط منه بحيث ل يسعنا
إنكاره ،والعجب العجيب من الصدوق وأمين السلم الطبرسي ،والمرتضى في بعض كتبه
كيف أنكروه وزعموا أن ما أنزله ال تعالى هو هذا المكتوب مع أن فيه رد متواتر الخبار
(يعني أساطيرهم)".
ثم حاول أن يجيب عما اعترض به عقلء قومه من أن القول بتحريف القرآن يلزم منه أل
يعمل به لرتفاع الثقة عنه ،وهذا مخالف لما عليه الشيعة والئمة ..فقال" :وما قيل من طرفهم
أنه يلزم عليه ارتفاع الموثوق باليات الحكامية ،وينتفي جواز الستدلل بها لمكان جواز
التحريف عليها .فجوابه :أنهم عليهم السلم أمرونا في هذه العصار بتلوة هذا القرآن والعمل
بما تضمنته آياته لنه زمن هدنة ،فإذا قامت دولتهم وظهر القرآن كما أنزل الذي ألفه أمير
المؤمنين بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم وشده في ردائه وأتى إلى أبي بكر وعمر وهما
في المسجد في جماعة من الناس فعرضه عليهم فقالوا :ل حاجة لنا في قرآنك ول فيك عندنا
من القرآن ما يكفينا .فقال :لن تروه بعد هذا اليوم حتى يقوم قائمنا .فعند ذلك يكون ذلك القرآن
هو المتداول بين الناس مع أن ما وقع من التحريف في اليات الحكامية أظهروه عليهم السلم،
فيقوم الظن بأن ما لم يعرفونا تحريفه لم يكن فيه تحريف" [شرح الصحيفة السجادية :ص .].43
وبعد هذا هل يحق لحد أن يجزم بالقول :إن إنكار هؤلء كان على سبيل التقية ،والخلف
جاري بينهم وبين قومهم على أشده ،والصراع واضح من خلل ما كتبه صاحب فصل الخطاب
وغيره؟!
ولكن بقي أن ندرس البرهان الذي قدمه نعمة ال الجزائري في أن إنكار هؤلء المنكرين
كان على سبيل التقية بدليل أنهم "رووا في مؤلفاتهم أخبارا كثيرة تشتمل على وقوع تلك المور
في القرآن ،وأن الية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا" [النوار النعمانية ].359-2/358 :كما سبق نقله،
فهل هذا حقيقي بالنسبة لولئك المنكرين؟
نبدأ بابن بابويه القمي "الصدوق" (ت 381ه) باعتباره أول من أنكر على هؤلء الغلة ،وأعلن
أن هذا ل يمثل مذهب الشيعة وذلك في رسالته "العتقادات".
-1ابن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته:
183
يقول" :اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل ال تعالى على نبيه محمد وهو ما بين الدفتين وهو ما
[كذا في الصل في أيدي الناس ،وليس بأكثر من ذلك ،ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربعة عشر
وهو خطأ لغوي ،والصحيح "أربعة عشرة سورة" ].سورة ،وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة،
ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب" ،ثم استدل بما جاء في رواياتهم في ثواب
من قرأ سورة من القرآن ،وثواب من ختم القرآن كله ،وأن هذا ينفي تلك الدعاوى الباطلة.
ثم قال" :بل نقول :إنه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه
مقدرا سبع عشرة ألف آية" .واستشهد على ذلك ببعض الحاديث القدسية الواردة عندهم ،ثم
قال" :ومثل هذا كثير كله وحي ليس بقرآن ،ولو كان قرآنا لكان مقرونا به وموصولً إليه غير
مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين لما جمعه ،فلما جاء به فقال لهم :هذا كتاب ال ربكم كما
أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف ،فقالوا :ل حاجة لنا فيه ،عندنا مثل
الذي عندك .فانصرف وهو يقول :فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلً فبئس ما
يشترون" [العتقادات :ص .].103-101
هذا ما قاله ابن بابويه نقلته بطوله لندرة المصدر المنقول عنه ،ولن معظم من ينقل عنه من
كتب الشيعة وغيرها يكتفي بنقل صدر كلمه مما ل يعطي تصورا كاملً عن مذهب الرجل.
ومن خلل الكلمات السابقة يلحظ ما يلي:
أولً :إن الرجل يعد هذا القول مذهب الشيعة المامية كلها ،ولهذا قال صاحب فصل الخطاب
[فصل الخطاب: بعد نقله لهذا النص" :وظاهر قوله :اعتقادنا ،وقوله :نسب إلينا ،اعتقاد المامية"
ص ].33ثم انتقده في ذلك وقال" :وقد ذكر في هذا الكتاب ما لم يقل به غيره أو قال به قليل"
[فصل الخطاب :ص .].33
وقد سبق أن قلت :إن صاحب فصل الخطاب متحمس لن يجعل جميع الشيعة على مذهبه.
ثانيا :في قوله" :ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب" تكذيب للكليني صاحب
الكافي وشيخه القمي صاحب التفسير والنعماني صاحب الغيبة وغيرهم الذين يجاهرون بهذا
المعتقد ،ويعدونه من مذهب المامية ،أو كأنه يعتبر من يقول بهذا ليس في عداد الشيعة.
ثالثا :ل نرى إشارة منه إلى وجود رأي آخر في هذا عندهم ،كما أشار إلى ذلك الشعري
وغيره ،وكأنه يعتبر من يخالف في هذا خارج نطاق التشيع إل إن كان في المر تقية.
رابعا :كأنه في قوله ..." :ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه سبع عشرة ألف آية" يفسر فيه
رواية الكليني والتي تقول" :إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلم إلى محمد صلى ال
عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية" وآيات القرآن كما هو معروف ل تتجاوز ستة آلف آية
184
إل قليلً ،لكن الكليني ينص كما ترى على أنها من القرآن ،بينما ابن بابويه ينص على أنها
ليست من القرآن ويحملها على الحاديث القدسية -كما سلف .-
خامسا :لم يتحرر -كما ترى -من رواسب وآثاره الروايات السطورية والتي علقت في
ذهنه في هذا الباب ..فتراه يكاد ينقص ما قرره ..بالرواية الخيرة التي ذكرها في عرض علي
المصحف على الصحابة وردهم له ..إن إقراره لهذه الخرافة يفتح الباب لن يقال فيه بأن إنكاره
كان على سبيل التقية وهو ما قيل فعلً من قبل بعض الشيعة ،ومن لدن بعض أهل السنة ،ولكنه
على أية حال لم يتجرأ أن يقول في كتاب ال شيئا وأراد إنقاذ سمعة طائفته من العار الذي
لحقها ،ولم يستطع أن يجابه قومه بإنكار روايتهم رأسا ،أو لم يتمكن من الخلص النهائي عن
تلك السموم ،أو أراد النكار على سبيل التقية وزرع في كلمه ما ينبئ عن ذلك .ال أعلم
بالسرائر.
لكن أرى من الشيعة من يذهب إلى القول بأن إنكاره تقية كنعمة ال الجزائري ،ولكن ل يقدم
دليلً معينا على هذا القول ،ويكتفي بمجرد الدعوى بأنه روى في كتبه بأن الية هكذا أنزلت ثم
غيرت إلى هذا ..وبالرجوع إلى بعض كتب ابن بابويه المعروف عندهم بالصدوق للبحث عن
روايات هذه السطورة في كتبه ،فنجد من روايات هذه السطورة حكاية الزنديق الذي جاء
لسؤال علي بن أبي طالب -كما يزعمون -والذي مر بنا نقل بعض نصوصه ،والذي رواه
شيخهم الطبرسي (من القرن السادس) في كتابه الحتجاج وفيه تسعة مواضع كلها تدل على هذا
الكفر [انظر :الحتجاج ص ].240كما شهد بذلك النوري الطبرسي [النوري /فصل الخطاب :ص ،].240
نجد أن هذا الخبر يورده صدوقهم هذا في كتابه التوحيد وليس فيه ما يدل على أسطورة
التحريف [انظر :التوحيد ص 255وما بعدها .].فهل هذه السطورة زادت بعد قرنين من عصر ابن
بابويه لتحشى بهذا الكفر ،أو أن ابن بابويه نفسه حذف ذلك ..على آية حال هي تشهد بسلمته
من التلبس بحكاية هذا الكفر الذي حملته رواية الطبرسي.
وقد احتار صاحب فصل الخطاب في تعليل هذا فقال" :وساق (يعني صدوقهم) الخبر (خبر
الزنديق) مع نقصان كثير عما في الحتجاج ،منه ما يتعلق بنقصان القرآن وتغييره ،إما لعدم
الحاجة إليه كما يفعل ذلك كثيرا ،أو لعدم موافقته لمذهبه" [فصل الخطاب :ص .].240ولكن أل
يحتمل أن يكون الصل هو ما في كتاب التوحيد ،وأن تلك المفتريات المتعلقة بالتحريف زيادة
بعد الصدوق من صاحب الحتجاج أو غيرها ،هذا احتمال وارد ولسيما أن صدوقهم لم يشر
إلى أن حذف منه شيئا.
185
ولقد اغتاظ -فيما يبدو -صاحب فصل الخطاب من صدوقهم بسبب ذلك وقال -نقلً عن
بعض شيوخه .." :-وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا ،ول يحصل من فتواه علم ول ظن
[فصل الخطاب: ل يحصل من فتاوى وأساطين المتأخرين وكذلك الحال في تصحيحه وترجيحه"
ص ،].240ثم قال" :وقد ذكر صاحب البحار حديثا عنه في كتاب التوحيد ..ثم قال :هذا الخبر
[فصل الخطاب :ص ،240 مأخوذ من الكافي وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق"
والمجلسي يقول هذا عن صدوقهم مع أنه يعتبر جميع كتبه ما عدا أربعة "ل تقصر في الشتهار عن الكتب الربعة
التي عليها المدار في جميع العصار" (البحار )1/26 :وقد أخرج له في بحاره عن سبعة عشر منها (البحار)1/73 :
وكتابه من ل يحضره الفقيه ،أحد كتبهم الربعة المعتمدة ،فما هذا التناقض؟!] ..كل ذلك بسبب أن صدوقهم لم
ينقل ذلك الكفر الذي نقله صاحب الكافي .وساق هذه "النتقادات" صاحب فصل الخطاب ،لن
ابن بابويه لم يوافقه في مشربه.
ولكن لم تسلم كل كتب الصدوق من هذا "اللحاد" فقد جاء في كتابه "ثواب العمال" في ثواب
من قرأ سورة الحزاب ،عن أبي عبد ال رضي ال عنه قال" :من كان كثير القراءة لسورة
الحزاب كان يوم القيامة في جوار رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأزواجه -إلى أن
قال - :إن سورة الحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن
نقصوها وحرفوها" [ثواب العمال :ص ،139وانظر :بحار النوار.].92/50 :
وفي كتاب الخصال جاء برواية تقول" :يجيء يوم القيامة ثلثة يشكون إلى ال عز وجل:
[الخصال-1/174 : المصحف ،والمسجد ،والعترة .يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني"..
.].175
[إحسان إلهي /الشيعة وقد وردت في بحار النوار [بحار النوار .].92/49 :وعند بعض القائلين
والقرآن :ص " ].68حرفوني" وهي أدل على الوقوع في هذا الكفر ،ولكنها خلف الصل.
وقد وردت بنحو ذلك في كتابه المالي ،تقول الرواية التي يرويها صدوقهم بسنده عن جعفر
الصادق عن أبيه عن آبائه رضي ال عنهم قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم..." :
اذكروا وقوفكم بين يدي ال ..فإنه لبد سائلكم عما عملتم بالثقلين من بعدي :كتاب ال،
وعترتي ،فانظروا أن ل تقولوا :أما الكتاب فغيرنا وحرفنا[ "..أمالي الصدوق :ص .].231وهذه
الرواية ل تدل على فعلهم ولكنها تحذرهم ،ولكن إذا قرنتها بما قبلها ،وأنهم قد فعلوا -كما
يزعمون -صارت من ذلك الكفر ،وهناك روايات أخرى مماثلة نقلها صاحب فصل الخطاب
[مثل ما نقله عن بشارة المصطفى للصدوق، بالواسطة أدع نقلها لعدم وقوفي عليها في كتب الصدوق
بواسطة تفسير البرهان لمحدثهم "التوبلي" (فصل الخطاب :ص .].)158-157
186
كما أن ثمة روايات أخرى أوردها صاحب فصل الخطاب من كتب صدوقهم وهي قراءة
[مثل الروايات الثلث التي أوردها صاحب فصل الخطاب (ص )259عن معاني واردة ل تدين الرجل وحدها
الخبار (انظر :معاني الخبار :ص )331بأن في مصحف عائشة وحفصة "حافظوا على الصلوات والصلة
والوسطى وصلة العصر" وهذه قراءة ورادة .انظرهما في مصحف عائشة -تفسير الطبري 5/173 :وما بعدها رقم
( 5467 ،5466 ،5397 ،5394 ،5393تحقيق الخوين أحمد ومحمود شاكر) وانظر :تفسير ابن كثير ،1/304 :قال
الشيخ أحمد شاكر :والخبر نقله الحافظ في الفتح ،8/146 :والسيوطي ،1/304 :ولم ينسباه لغير الطبري ،وذكره ابن
حزم في المحلى ،4/354 :ورواه عبد الرزاق في المصنف( 1/128 :تفسير الطبري ص 176الهامش ج )5وانظر عن
وجود هذه القراءة في مصحف حفصة :تفسير الطبري 210 ،5/209 :رقم ،5463 ،5462 ،5406تفسير ابن كثير:
. 1/304
وقد جاء في صحيح مسلم ما يدل على نسخ هذه التلوة (صحيح مسلم ،1/438 :كتاب المساجد ومواضع الصلة،
باب الدليل لمن قال :الصلة الوسطى هي صلة العصر) ،].فليس هذا بغريب من ذلك الطبرسي ،ولكن قد
[مثل :إحسان إلهي ظهير /الشيعة اغتر بصنيعه هذا بعض الكاتبين من السنة ،وسلك مسلكه بل تدبر
والقرآن ص ،96محمد مال ال /الشيعة وتحريف القرآن :ص .].122
وننتهي من هذا إلى أنه جاء في كتب صدوقهم بعض روايات هذه الفرية ،ومع ذلك فل نجزم
بالقول أنه هذه عقيدته وأن النكار تقية كما قال بعضهم ،ذلك لنه ل يوثق بخلو كتبه من الدس
والزيادة عليه ،وليس ذلك مجرد تخمين ل دليل عليه؛ بل إن الزيادة أمر ميسور عندهم ،كما بدا
لنا ذلك في كتاب" :سليم بن قيس" والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم -كما سلف -
وكما زادوا في روايات كتاب" :من ل يحضره الفقيه" لبن بابويه نفسه أكثر من الضعف كما
سيأتي في فصل" :اعتقادهم في السنة".
-2الطوسي وإنكاره للتحريف:
أما شيخهم الطوسي (ت 450ه) فقد قال" :وأما الكلم في زيادته ونقصانه مما ل يليق به
أيضا؛ لن الزيادة فيه مجمع على بطلنها ،والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين
خلفه وهو الليق بالصحيح من مذهبنا ،ورويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة
بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ،لكن طريقها الحاد التي ل
توجب علما ،فالولى العراض عنها ،وترك التشاغل بها ،لنه يمكن تأويلها ،ولو صحت لما
كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ،فإن ذلك معلوم صحته ل يعترضه أحد من
الئمة ول يدفعه ،ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من
اختلف الخبار في الفروع إليه وعرضها عليه ،فما وافقه عمل عليه ،وما يخالفه يجتنب ولم
يتلفت إليه ،وقد وردت عن النبي صلى ال عليه وآله رواية ل يدفعها أحد أنه قال :إني مخلف
187
فيكم الثقلين :كتاب ال وعترتي أهل بيتي ،وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ،وهذا يدل
على أنه موجود في كل عصر ،لنه ل يجوز أن يأمر المة بالتمسك بما ل تقدر على التمسك
به ،كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت ،وإذا كان الموجود بيننا مجمعا
على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه" [التبيان.].1/3 :
هذا كلم شيخهم الطوسي صاحب كتابين من كتبهم المعتمدة في الحديث عندهم ،وكتابين من
كتبهم المعتمدة في الرجال ،فهل هذا النكار تقية..؟.
أقول :إن مسألة التقية من أماراتها التناقض والختلف ،ولكن التناقض صار قاعدة مطردة
في رواياتهم ،بل وجد مثل ذلك في إجماعاتهم ،كما وجد في كلم شيوخهم ،وأصبح معرفة
حقيقة المذهب ليست متيسرة حتى على شيوخهم الذين ل يجدون دليلً على التمييز بين ما هو
تقية وما حقيقة إل بالستناد إلى أصل وضعه زنديق ملحد وهو قولهم" :إذا ورد عليكم حديثان
مختلفان فخذوا بما خالف القوم" [البحار ].2/233 :يعني أهل السنة ،فأوشك أن ينتهي بهم هذا
المهذب إلى مفارقة الدين رأسا [سيأتي إن شاء ال بحث في هذه المسألة في" :فصل الجماع".].
ن مِنْ
وعليه ،فإن قضية الختلف هي ظاهرة طبيعية لكل دين ليس من شرع ال { َو َلوْ كَا َ
ختِلَفًا َكثِيرًا} :فهو حينما ينقل رواياتهم في كتبه فمن الطبيعي وجود
غيْرِ الّلهِ َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ
عِندِ َ
مثل هذا الختلف ،وبالتالي فإنه ل يدين الرجل إدانة أكيدة بعد إنكاره ،ول سيما أن العبرة
بالنسبة لبيان مذهبه بما رأى ل بما روى.
لقد لوحظ أن الطوسي هذا نقل في تهذيبه لرجال الكشي بعض روايات هذه السطورة كنقله
للرواية التي تقول" :ل تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا ،فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن
الخائنين الذين خانوا ال ورسوله ،وخانوا أماناتهم ،إنهم اؤتمنوا على كتاب ال جل وعل
فحرّفوا وبدّلوه[ "..رجال الكشي :ص .].4كما أنه قد نقل بعض أخبار هذه السطورة على أنها
[كما في تفسيره قوله سبحانهِ{ :إنّ اللّ َه اصْطَفَى آدَمَ َونُوحًا وَآ َل ِإ ْبرَاهِيمَ وَآ َل عِ ْمرَانَ قراءة في تفسيره التبيان
عَلَى الْعَالَمِينَ} قال :وفي قراءة أهل البيت{ :وآل محمد على العالمين} وهذا تلطف في التعبير ،أو محاولة للتغير في
أساطيرهم التي تنص على أن هذه ليست قراءة ،وإنما هي من باب التحريف بفعل الصحابة كما يفترون( ،وسيأتي
ذكر نصوصها بعد قليل في مناقشة الطبرسي) .وهذا التغيير قد يكون الهدف منه التستر على الفضيحة ،أو محاولة
لنتشال طائفة من قومه من تلك الوهدة التي تردوا فيها بفعل ذلك الساطير ،وربما يكون ما عند الطوسي هو الصل
والزيادات التي تصرح بالتحريف هو ما جعل شيوخ الدولة الصفوية.
لكن يرد على ذلك أن تلك الروايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم ،كتفسير القمي والعياشي وفرات،
إل إذا قلنا إن الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس.].
188
ولكن يرى أن كل هذه الروايات من قبيل روايات الحاد التي ل يعتمد عليها -كما ذكره في
إنكاره -ول تدفع ما تضافر من رواياتهم التي توجب العمل بالقرآن والرجوع إليه عند
التنازع.
أما صاحب فصل الخاطب فقد اختلفت أقواله في توجيه هذا النكار الذي يقلقه لمخالفته
لمذهبه؛ فهو مرة يرى أن هذا القول ل يمثل إل رأي الطوسي وفئة قليلة من الشيعة معه يقول:
" ..إنه ليس فيه حكاية إجماع عليه ،بل قوله :نصره المرتضى صريح في عدمه ،بل في قلة
الذاهبين إليه" [فصل الخطاب :ص ،].38ثم يرجع ويقول :بأن هذا القول منه تقية ،لن هذا النكار
جاء في تفسير التبيان و"ل يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية
المدارة والمماشاة مع المخالفين" [فصل الخطاب :ص ].38ويعلل ذلك باستناده لقوال أئمة أهل
السنة في التفسير [وقد مضى نقل النص بتمامه ص ،].)199-198( :ول يكاد يجزم بهذا الحكم كما يشعر
به قوله " :وهو -أي نقل الطوسي لقوال أئمة السنة -بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه
المماشاة ،فمن المحتمل أن يكون هذا القول -يعني إنكار التحريف -منه (من الطوسي) فيه
(في تفسير البيان) على نحو ذلك (أي من المدارة والتقية)".
وثم يتجه وجهة أخرى ويشير إلى أن في كلم الطوسي تناقضا يشعر أنه تقية فقال" :إن
إخباره بأن ما دل على النقصان روايات كثيرة يناقض قوله :لكن طريقه الحاد ،إل أن يحمل ما
ذكرنا" [فصل الخطاب :ص ].38أي من التقية.
ثم يعرض عن هذا كله ويقول :إن الطوسي "معذور (في إنكاره) لقلة تتبعه من قلة تلك الكتب
عنده" [فصل الخطاب :ص .].351
هذا جانب من حيرة الطبرسي في أمر الطوسي وغيره من المنكرين لهذه الفرية ،فإذا كان
هذا أمر شيوخهم ل يكادون يقفون على حقيقة مذهب أئمتهم وشيوخهم القدامى بسبب أمر التقية
فنحن أعذر في عدم الوصول إليه نتيجة جازمة يقينية.
والطوسي كما يلحظ في إنكاره قد دس في الشهد سما ،وتناقض في حكاية مذهبه كما ل
[من ذلك زعمه أن العامة -يعني بهم أهل السنة -قد شاركوا طائفته في رواية هذا الكفر .وهذا كذب ،وقد يخفى
شهد شيخهم المفيد بتفرد طائفته بهذا البلء (أوائل المقالت ص .)13وأجمل أهل السنة ،بل المسلمون جميعا على
حنُ
صيانة كتاب ال عز وجل وسلمته من التحريف أو الزيادة أو النقص ،محفوظ بحفظ ال له .قال تعالىِ{ :إنّا نَ ْ
َنزّ ْلنَا الذّ ْكرَ َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر ،آية.]9 :
وانظر ما قاله في هذا علماء التفسير من أهل السنة حول هذه الية (انظر :القرطبي /جامع أحكام القرآن،10/65 :
النسفي /مدارك التأويل ،2/179 :تفسير الخازن ،4/47 :تفسير ابن كثير ،2/592 :تفسير البغوي ،3/44 :البيضاوي/
189
أنوار التنزيل ،1/538 :اللوسي /روح المعاني ،14/16 :صديق خان /فتح البيان ،169 ،5/168 :الشنقيطي /أضواء
البيان ،3/120 :سيد قطب /في ظلل القرآن 5/194 :وغيرها.
وانظر في نقل أئمة السنة لجماع المسلمين على حفظ كتاب ال وسلمته ،وتكفيرهم لمن خالف ذلك :انظر:
القاضي عياض /الشفاء ،305-2/304 :ابن قدامة /لمعة العتقاد :ص ،20البغدادي /الفرق بين الفرق :ص ،327ابن
حزم /الفصل 5/22 :وغيرها.].
-3الشريف المترضى (ت 436ه) وإنكاره لهذه الفرية:
يقول" :إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب
المشهورة وأشعار العرب المسطورة ،فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته،
وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما [لعلها "ما ذكرناه" ].ذكرناه ،لن القرآن معجزة النبوة ،ومأخذ العلوم
الشرعية ،والحكام الدينية ،وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل
شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ،فكيف يجوز أن يكون مغيرا ومنقوصا مع
العناية الصادقة والضبط الشديد".
ثم ذكر أنه لو رام أحد الزيادة أو النقص من كتاب مشهور ككتاب سيبوبه والمزني لعرف
ونقل ،لن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتى لو أن
مدخلً أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف وميز وعلم أنه ملحق وليس
من أصل الكتاب ،وكذلك القول في كتاب المزني.
ومعلوم أن العناية بالقرآن وضبطه أصدق من العناية بنقل كتاب سيبويه ودواوين الشعراء..
وإن من خالف ذلك من المامية والحشوية ل يعتد بخلفهم ،فإن الخلف في ذلك مضاف إلى
قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع
على صحته [انظر :مجمع البيان.].1/31 :
وكأن الجملة الخيرة تشير إلى ما ذهب إليه الخباريون من الشيعة من القول بهذا الضلل
[ويرى اللوسي أنه يلمز بهذا القول أهل السنة ،ويعقب عليه بقوله :وهو كذب أوسوء فهم ،لنهم أجمعوا على عدم
وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم( ..روح المعاني.].)25-1/24 :
وهذه كلمات شيخهم الشريف المرتضى (الذي استثناه ابن حزم من القائلين بهذا الكفر كما
تقدم) نقلها عنه صاحب مجمع البيان وقال :إن المرتضى "قد استوفى في الكلم في نصرة هذا
المذهب الحق في جواب المسائل الطرابلسيات" [انظر :مجمع البيان ].1/31 :ولم يقع لنا هذا الكتاب،
وأغفل متأخرو الشيعة النقل عنه كما فعل الكاشاني في تفسير الصافي ،والبحراني في البرهان،
والمجلسي في البحار وغيرهم ،ولم أجد منه -فيما اطلعت عليه -إل هذا النص الذي حفظه
الطبرسي في مجمع البيان.
190
ولكن قيل :إن هذه النكار تقية ،لنه كما قال صاحب فصل الخطاب" :قد عدّ هو في الشافعي
من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه وإبطاله ما شك
أنه من القرآن" [فصل الخطاب :ص .].33
وهذا بل شك يناقض إنكاره لهذه الفرية ،وبيانه بالدليل العقلي والتاريخي استحالة حصولهم،
فإما أن يكون هذا النص مدسوسا عليه ،فقد رأينا كيف يغيرون في كتبهم كما صنعوا بكتاب
سليم بن قيس وغيره ،ل سيما أنه لو كانت هذه عقيدة الرجل لكثر حديثه عنها ،ولكن لم يجد
صاحب فصل الخطاب عليه سوى هذا النص.
وإما أن يكون النكار على سبيل التقية ،وهذا احتمال أضعف مما قبله لما ذكرنا ،وهذا النص
علوة على أنه طعن في كتاب ال سبحانه ،فهو حكم بالضلل على المة عامة بما فيها علي -
رضي ال عنه -من قوم يزعمون التشيع له وموالته!!.
وكيف يتصور مسلم مثل هذا في ذلك الجيل القرآني الفريد الذين بذلوا المهج وهجروا الهل
الولد ،وفارقوا الوطان في سبيل ال وحده؟! ولمصلحة من ،وفي سبيل من يضحون بسابقتهم،
وجهادهم ،ويبيعون دينهم ودنياهم فيوافقوا أحدا على المساس بدينهم وكتابهم؟! إن هذا لبهتان
عظيم؛ بل الحق أن عمل عثمان هذا من أعظم مناقبه ،ووقع بإجماع من المة ،كما قال أمير
المؤمنين علي -رضي ال عنه " :-ل تقولوا في عثمان إل خيرا فوال ما فعل في المصاحف
إل عن مل منها" [أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح كما قاله ابن حجر في فتح الباري ].13/18 :فجزاه ال
عن المة خيرا.
-4الطبرسي وإنكاره لهذه الفرية:
أما الطبرسي فيقول .." :ومن ذلك الكلم في زيادة القرآن ونقصانه ،فإنه ل يليق بالتفسير،
فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلنها ،وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من
حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا ،والصحيح من مذهب أصحابنا خلفه ،وهو الذي
نصره المرتضى قدس ال وروحه ،واستوفى الكلم فيه غاية الستيفاء في جواب المسائل
الطرابلسيات" ثم ساق بعض كلمه في ذلك [تقدم ذكره ص (.].)358
فهو يشير هنا إلى أن جماعة من أصحابه رووا روايات في نقص كتاب ال وتغييره ،وأن
مذهب محققي الشيعة على خلفه ،ويحاول -كعادة هؤلء -أن يشرك بعض أهل السنة الذي
عبر عنهم "بحشوية العامة" في هذا الكفر كنوع من الدفاع عن المذهب ،وحفظ ماء الوجه ،ولون
من النقد المبطن لهل السنة ،وهو كما قال اللوسي" :كذب أو سوء فهم ،لنهم أجمعوا على
عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم.
191
نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر ونسخت تلوته -وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ -وما
لم يكن في العرضة الخيرة ولم يأل جهدا رضي ال عنه في تحقيق ذلك إل أنه لم ينتشر نوره
في الفاق إل زمن ذي النورين[ "..روح المعاني ].1/25 :وقد ناقش اللوسي ما قاله الطبرسي وبين
أوهامه [روح المعاني.].25-1/24 :
وقد ذكر اللوسي أن كلمه هذا في إنكار هذه الفرية دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه
حتى للطفال ،والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين القتال [روح المعاني.].1/24 :
وقد اكتشفت أثناء قراءتي في مجمع البيان أن الطبرسي قد قام بحيلة أو محاولة لستر هذا
العار ،فأتى إلى بعض روايات أصحابه في هذه السطورة والتي فيها أن الية كذا ثم غيرت
إلى كذا ،فغير صورة عرضها بما ينخدع به أهل السنة ،أو بما ل تتضح به صورة هذا الخزي،
فعبر عن بعض هذه الساطير بأنها قراءة ورادة.
ولنعرض على سبيل المثال بعض المثلة لساطيرهم في التحريف كما جاءت في مصادرهم،
وتغيير الطبرسي لها:
ع ْمرَانَ
صطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ ِإ ْبرَاهِيمَ وَآلَ ِ
جاء في تفسير القمي في قوله سبحانه{ :إِنّ الّلهَ ا ْ
علَى ا ْلعَا َلمِينَ} [آل عمران ،آية .].33 :قال العالم [كناية عن المام -].رضي ال عنه -نزل" :وآل
َ
عمران وآل محمد على العالمين" فأسقطوا آل محمد من الكتاب [تفسير القمي.].1/100 :
وفي تفسير فرات عن حمران قال :سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الية( :إن ال اصطفى آدم
ونوحا وآل إبراهيم وآل محمد على العالمين :قلت :ليس يقرأ هكذا ،قال أدخل حرف مكان
حرف) [تفسير فرات :ص ،18بحار النوار.].92/56 :
وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم قال :سألت أبا عبد ال عن قوله تعالى{ :إِنّ الّلهَ
ع ْمرَانَ عَلَى الْعَا َلمِينَ} قال" :هو آل إبراهيم وآل محمد
اصْطَفَى آ َدمَ َونُوحًا وَآلَ ِإ ْبرَاهِيمَ وَآلَ ِ
[تفسير العياشي ،1/168 :البرهان ،1/278 :فصل الخطاب :ص على العالمين فوضوا اسما مكان اسم"
.].244
والهدف من هذا الفتراء والتزوير هو محاولة إثبات قولهم باثني عشر إماما من كتاب ال،
وفاتهم أن آل محمد لفظ عام ،والثني عشر عندهم هم عليّ وابناه وأولد أحد أبنائه فقط ،وما
سواهم ينالون السب أو التفكير -كما سيأتي -فلم يتحقق الهدف لهم من التزوير ول من
التأويل ،وهذه الساطير التي تفتري على كتاب ال ،وصحابة رسول ال بما فيهم أهل بيته،
والتي تناقلتها كتب التفسير عندهم ،نلحظ أن صاحب مجمع البيان يعبر عنها بقوله" :وفي
قراءة أهل البيت :وآل محمد على العالمين" [مجمع البيان .].2/62 :وكذلك فعل في عدة من مفترياتهم
192
[كما في قوله سبحانه {يَا َأيّهَا ال ّن ِبيّ جَاهِ ِد الْ ُكفّارَ وَالْ ُمنَا ِفقِينَ} [التوبة ،آية .]73 :جاء في تفسير جعلها قراءات
القمي" :إنما نزلت" :جاهد الكفار بالمنافقين" لن النبي صلى ال عليه وسلم لم يجاهد المنافقين بالسيف"( .تفسير القمي:
،)1/301وهي أسطورة وضعت لتوافق مذهب الرافضة في الصحابة في رميهم بالنفاق ،وزعمت أن ال يأمر رسوله
بالعتماد على المنافقين في الجهاد ،وجعلت الجهاد في السلم قائما على أكتاف المنافقين ،فهي جهل فاضح بالسلم،
وتاريخ المسلمين ،وتفسير القرآن ،أو زندقة إلحاد ،ومع ذلك فإن الطبرسي يعبر عن هذه السطورة بقوله" :وروي في
قراءة أهل البيت :جاهد الكفار بالمنافقين" ،وحاول أن يوجه الية بقوله" :وإنما كان يتألفهم لن المنافقين ل يظهرون
الكفر ،وعلم ال تعالى بكفرهم ل يبيح قتلهم ،إذ كانوا يظهرون اليمان" (مجمع البيان ،)3/100 :ولكن هذا التعليل ل
ينسجم بحال مع معنى الية ،فال يأمر نبيه بجاهد الكفار والمنافقين ،فكيف تجعل تألف المنافقين هو جهاد للكفار بهم،
خبَالً} [التوبة ،آية.]47 :
خرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُوكُ ْم ِإ ّل َ
ولم يقم الجهاد في السلم بالمنافقين {لَ ْو َ
وقد قال السلف في تفسير الية :جاهد الكفار بالسيف والقتل ،وكذلك جاهد المنافقين باللسان وترك الرفق ،كما قال ابن
عباس ،أو باليد أو اللسان أو القلب على حسب القدرة ،ول تلقهم إل بوجه مكفهر كما قال ابن مسعود ،أو بإقامة
الحدود عليهم كما قال الحسن وقتادة .وكلها معان تدل على مجاهد المنافقين وعدم العفو عنهم.
ولهذا قال عطاء :نسخت هذه الية كل شيء من العفو والصفح (انظر :تفسير الطبري ،174-12/183 :تفسير
البغوي )2/311 :وأنت ترى الفرق الكبير بين نص الية الذي يأمر بجهاد المنافقين ،وبين تلك القراءة المفتراة التي
تأمر بالجهاد بهم.].
ك بِ َأ ّنهُمْ
وأحيانا يجعل تلك الفرية معنى للية؛ ففي أسطورتهم حول قوله جل شأنه{ :ذَِل َ
عمَا َلهُمْ} [سورة محمد ،آية ].9 :قالت السطورة" :عن أبي جعفر نزل
حبَطَ أَ ْ
َكرِهُوا مَا أَن َزلَ الّلهُ فَأَ ْ
جبرائيل على رسول ال صلى ال عليه وآله بهذه الية هكذا" :ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل ال
[انظر :فصل (في علي) فأحبط أعمالهم" انظر إلى هذه الزيادة التي افتروها وهي قولهم" :في علي"
الخطاب ].331 – 330 :تجدها تتحول عند الطبرسي إلى معنى للية يقول" :كرهوا ما أنزل ال في
حق علي رضي ال عنه" [مجمع البيان.].6/32 :
هذا بعض ما جاء في كتاب مجمع البيان ،الذي سار في تأليفه على منهج الطوسي في
التبيان ،وقرر ثقة الشيعة في العصور المتأخرة "النوري الطبرسي" أن كتاب التبيان موضوع
على أسلوب المداراة وتقية الخصوم ،فإن صدق هذا الوصف انطبق على الثنين معا ،لن
منهجهما واحد ،وقد انخدع بأسلوب "مجمع البيان" قلة من المنتسبين لهل السنة ممن ينتمي لدار
التقريب في القاهرة ،والتي كانت حية إلى وقت قريب قبل أن تتبين حقيقتها ..فقاموا بإخراج هذا
الكتاب باسم التقريب وعمل على مراجعته وتصحيحه وضبطه ستة من الشيوخ المنتسبين لهل
السنة [انظر :مجمع البيان( 10/575 :كلمة ختامية) ط .دار التقريب ،].وذلك لن من لم يتعرف على
نصوصهم ل يدرك "الخدعة" التي انطوى عليها هذا التفسير ..ويبدو أن ذلك السلوب هو الذي
جعل بعض الشيعة يعتبر إنكار الطبرسي تقية.
193
هؤلء هم الربعة الذين نقلت أقوالهم ،وقد يكون هناك من أنكر غيرهم ولم تصلنا أقوالهم،
فإن المفيد في أوائل المقالت نسب النكار إلى جماعة من المامية -كما سلف -ول نجزم
بأن هؤلء الربعة ل يوجد لهم خامس في القرون المتقدمة كصاحب فصل الخطاب الذي يريد
أن يخنق هذا الصوت ،ويجعل جل الشيعة على مذهبه [انظر :ص ( )338هامش ( )2من هذه الرسالة.].
وفي النهاية أقول :بأن هذا الموقف من كبار علماء الشيعة في رد وإنكار ما ورد في كتبهم
مما يمس كتاب ال -سبحانه -ل نقول :إنه تقية فل سبيل إلى معرفة ذلك على وجه اليقين،
وإن كان البعض من السنة [انظر :ص ( ].)213والشيعة [انظر :ص ( ].)279قد ذهب إلى ذلك ،فقد
لحظت الصراع الدائر بين الطائفتين في فصل الخطاب ،كما تبين شيوع الكذب والدس فيكتبهم
كما بينا ،ثم إن من يتبرأ من هذا الكفر (بعد إيمانه بال ورسوله) نقبل ذلك منه وال يتولى
السرائر.
وهذا النكار خطوة يجب أن تتلوها خطوات ،وذلك بأن يعيدوا النظر في سائر ما شذوا به
عن جماعة المسلمين ،وقد أشار شيخهم المجلسي -كما مر -إلى أنهم يجب أن يسلكوا هذا
المسلك ،إذ يترتب في رأيه على إنكار أخبار التحريف التي تواترت من طرقهم بالكذب
والفتراء يترتب على ذلك رفع الثقة والعتماد في سائر أخبارهم ..وهذا حق ،فإن تواتر هذا
الكذب في كتبهم من أكبر الدلة على وضعها وفشو الكذب فيها.
نتائج الموضوع:
أولً :يحتمل أن هذه السطورة نشأت عند الشيعة في القرن الثاني ،والذي تولى كبرها بعض
الغلة (وقد مر ذكر بعض أسمائهم) ،وكان من أسبابها خلو كتاب ال مما يثبت بدعهم في
المامة ،والصحابة وغيرهما.
ثانيا :أكثر كتب الشيعة المعتمدة عندهم قد روت هذا الكفر ،وجاءت معظم هذه الروايات
صريحة في ذلك ل يمكن حملها على أنهم يقصدون تأويل الية ،أو بيان القراءات التي وردت
فيها ،بل جاءت تصرح بأن الية هكذا والصحابة – بزعمها -غير ذلك ،مثل اللفاظ التالية:
"هذه الية مما غيروا وحروفوا[ "..بحار النوار .].55 /92 :يعنون الصحابة ،وقولهم" :أنزل ال
سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب" [رجال الكشي :ص ،290بحار النوار،].92/54 :
"كانت فيه أسماء رجال فألقيت" [تفسير العياشي 1/12 :بحار النوار ،].92/55 :وقولهم" :هكذا وال نزل
به جبرائيل على محمد ولكنه فيما حرف من كتاب ال" [بحار النوار ،].92/56 :وقولهم" :بلى وال
[تفسير فرات :ص ،177بحار النوار].91/56 : إنه لمثبت فيها وإن أول من غير ذلك لبن أروى"
ومثل ذلك كثير.
194
فمن يقل من الشيعة :إن رواياتهم الواردة في كتبهم من جنس روايات القراءات ،ونسخ
التلوة فهو يتستر على هذا الكفر ،ويساوي بين الحق والباطل.
ثالثا :ادعى جمع من شيوخهم استفاضة هذه "الساطير" وكثرتها في كتبهم المعتمدة ،وهذا
طعن في كتبهم ل في كتاب ال سبحانه ،ولهذا حاول بعض عقلئهم الخروج بالمذهب من هذا
"المأزق" الذي وقع فيه ،أو التستر على هذه الفضيحة ..ولكن هذه السطورة كانت رواياتها تزيد
– عبر القرون – رغم إنكار المنكرين ،وتبنى إشاعتها طائفة من الزنادقة الذين اندسوا في
الشيعة ..ول ريب بأن من يقل بهذه السطورة فليس من السلم في شيء ،ول علقة له بكتاب
ال ودينه ،ول برسول السلم وأهل بيته ،بل له دين آخر غير دين السلم.
لكن هؤلء القائلون بتغير القرآن الناقلون لتلك الساطير كالمجلسي في بحار النوار،
والطبرسي في فصل الخطاب نراهم يستشهدون من كتاب ال ،ويفتتحون كل باب من أبواب
كتبهم بآيات من القرآن ،كما يفعل المجلسي في بحاره ،والطبرسي في "مستدرك الوسائل"
وغيرهما ،بل إن الطبرسي الذي كتب في فصل الخطاب ما كتب قد عقد في كتابه" :مستدرك
الوسائل" بابا بعنوان" :باب استحباب الوضوء لمس كتابة القرآن ونسخه ،وعدم جواز مس
المحدث والجنب كتابة القرآن" [مستدرك الوسائل ،].1/43 :بل إن شيخ الشيعة المجلسي الذي قال -
كما سلف -باستفاضة تلك الساطير وأنها ل تقصر عن أخبار المامة يقول مع ذلك" :بأن
الذي بين الدفتين كلم ال تعالى على الحقيقة من غير زيادة ول نقصان" [بحار النوار.].92/75 :
ثم استشعر التناقض بين هذا القول وبين أساطيرهم في تحريف القرآن فقال" :فإن قال قائل:
كيف يصحّ القول بأن الذي بين الدفتين هو كلم ال تعالى على الحقيقة من غير زيادة ول
نقصان ،وأنتم تروون عن الئمة عليهم السلم أنهم قرؤوا" :كنتم خير أئمة أخرجت للناس" أو
"كذلك جعلناكم أئمة وسطا" وقرؤوا" :يسألونك النفال" وهذا بخلف ما في المصحف الذي في
أيدي الناس؟ قيل له ..:إن الخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد ل يقطع على ال بصحتها،
فلذلك وقفنا فيها ،ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به ..مع أنه ل ننكر أن
تأتي القراءة على وجهين منزلتين أحدهما ما تضمنه المصحف ،والثاني ما جاء به الخبر ،كما
[بحار النوار: يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى" ثم أشار إلى بعض القراءات
.].92/75
فما دام هذه نهاية الذين أثاروا تلك العقائد الكفرية ،فلماذا أثاروا تلك المفتريات وتناقلوها..
والجواب واضح من خلل ما سبق أن عرضناه وهو إقناع قومهم وأتباعهم بصحة ما هم عليه
من معتقدات ،وأن آيات من القرآن قد حذفها الصحابة تشهد لمذهبهم ،ولهذا لحظنا أنهم أيضا
195
ادعوا نزول كتب إلهية غير القرآن ،وفزعوا إلى التفسير الباطني؛ كل ذلك لثبات شذوذهم..
فإذن تحولت تلك الدعاوى إلى مجرد محاولت للتخلص من اللزامات الواردة عليهم بخلو كتاب
[كالدروز الذين اتخذوا ال مما يثبت عقائدهم ،ولكن تلك الروايات كان لها آثارها على فرق الشيعة
لهم مصحفا سموه" :مصحف المنفرد بذاته".
(انظر :مصطفى الشكعة ،إسلم بل مذاهب ،مقدمة الطبعة الخامسة ،الخطيب /عقيدة الدروز ص ،].)184-138
بل على الثني عشرية نفسها ،فإن الخباريين منهم يقدّمون أخبارهم على كتاب ال كما سلف
[انظر :ص ( .].)116حتى أشيع بأن الثني عشرية لهم مصحف خاص بهم.
رابعا :كما أن لديهم روايات تقول بالتحريف ،فإن عندهم روايات أخرى تنفي هذا الباطل
وتنكره مثل قول إمامهم" :واجتمعت المة قاطبة ل اختلف بينهم في ذلك أن القرآن حق ل
ريب فيه عند جميع فرقها ،فهم في حالة الحتجاج عليه مصيبون ،وعلى تصديق ما أنزل ال
[انظر :الشعراني /تعاليق مهتدون ،لقول النبي صلى ال عليه وسلم" :ل تجتمع أمتي على ضللة"
علمية (على شرح الكافي للمازندراني) ،2/414وراجع تتمة النص في فصل :اعتقادهم في الجماع .].ومثل ما
جاء عندهم في ثواب قراءة القرآن [انظر :أصول الكافي ،كتاب فضل القرآن ،].2/611 :وفضل حامل
[أصول الكافي /باب الرد إلى الكتاب القرآن [أصول الكافي ،].3/603 :ووجوب عرض أحاديثهم عليه
والسنة ،].1/59 :والتمسك به إلى قيام الساعة ،وهذا يبطل أن يكون محرفا أو مخفيا عند
منتظرهم.
خامسا :تبين لنا أن هذه السطورة حملت بذاتها باطلها ،وتبين من عناصر تكوينها فسادها،
وكان مجرد عرضها كافيا في الرد عليها .ويكفي في بيان كذب الروافض ..أن علي بن أبي
طالب الذي هو عند أكثرهم إله خالق ،وعند بعضهم نبي ناطق ،وعند سائرهم إمام معصوم ولي
المر وملك ،فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعا ظاهر المر ..والقرآن يقرا في
المساجد في كل مكان وهو يؤم الناس به ،والمصاحف معه وبين يديه .فلو رأى فيه تبديلً كما
تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك؟ ثم أتى ابنه الحسن وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك.
فكيف يسوغ لهؤلء النوكى أن يقولوا إن في المصحف حرفا زائدا أو ناقصا أو مبدلً مع
هذا؟!
ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل السلم أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما
خالفوه في رأي يسير رأوه ورأى خلفة فقط ،فلح كذب الرافضة ببرهان ل محيد عنه .والحمد
ل رب العالمين [ابن حزم /الفصل.].217-2/216 :
196
الفصل الثاني:
اعتقادهم في السنة:
اعتبر المام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة
رسول الهدى -عليه الصلة والسلم [انظر :الفرق بين الفرق ص -].346 ،327 ،322 :على حين نجد
أن السيوطي يشير في كتابه "الحتجاج بالسنة" إلى ظهور دعوة شاذة في عصره تدعو إلى نبذ
السنة ،والعراض عن الحتجاج بها والكتفاء بالقرآن ،ويذكر أن مصدر هذه الدعوة رجل
رافضي ،وقد كتب كتابه المذكور لنقض هذا التجاه وإبطاله.
إذا فالشيعة تحارب السنة ،ولهذا فإن أهل السنة اختصوا بهذا السم لتباعهم سنة المصطفى
صلى ال عليه وسلم [المنتقى ص ،189منهاج السنة.].2/175 :
هذا ما جاء في بعض مصادر أهل السنة؛ ولكن الشيعة تروي عن أئمتها "أن كل شيء
[البهبودي /صحيح الكافي: مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث ل يوافق كتاب ال فهو زخرف"
[انظر :أصول الكافي مع شرحه ،باب الخذ بالسنة وشواهد الكتاب ،2/417 .].1/11وبهذا المعنى روايات أخر
وصحيح الكافي ].1/11 :عندهم .وهو يفيد أن الشيعة ل تنكر سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛
بل تعتمد عليها ،وتجعلها مع كتاب ال الميزان والحكم.
غير أن الدارس لنصوص الشيعة ورواياتها قد ينتهي إلى الحكم بأن الشيعة تقول بالسنة
ظاهرا وتنكرها باطنا؛ إذ إن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاها مجانفا للسنة التي يعرفها
المسلمون ،في الفهم والتطبيق ،وفي السانيد ،والمتون ،ويتبين ذلك فيما يلي:
قول المام كقول ال ورسوله:
[محمد تقي الحكيم/ فالسنة عندهم هي" :كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ"
الصول العامة للفقه المقارن ص ،].122 :ومن ل يعرف طبيعة مذهبهم ل يلمح مدى مجانبتهم للسنة
في هذا القول؛ إذ إن المعصوم هو رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ ولكن الشيعة تعطي صفة
العصمة لخرين غير رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتجعل كلمهم مثل كلم ال وكلم
رسوله ،وهم الئمة الثنا عشر ،ل فرق عندهم في هذا بين هؤلء الثني عشر وبين من ل
ينطق عن الهوى ،إن هو إل وحي يوحى.
فهم "ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه ،ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات
في الرواية؛ بل لنهم هم المنصوبون من ال تعالى على لسان النبي لتبليغ الحكام الواقعية ،فل
[المظفر /أصول الفقه المقارن ،3/51 :وانظر: يحكمون إل عن الحكام الواقعية عند ال تعالى كما هي"
السالوس /أثر المامة ص .].274
197
ول فرق في كلم هؤلء الثني عشر بين سن الطفولة ،وسن النضج العقلي؛ إذ إنهم -في
نظرهم -ل يخطئون عمدا ول سهوا ول نسيانا طوال حياتهم -كما سيأتي في مسألة العصمة
،-ولهاذ قال أحد شيوخهم المعاصرين" :إن العتقاد بعصمة الئمة جعل الحاديث التي تصدر
عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى ال عليه وسلم كما هو الحال
عند أهل السنة" [عبد ال فياض /تاريخ المامية ص ،].140 :ذلك إن المامة عندهم "استمرار للنبوة"
[محمد رضا المظفر /عقائد المامية ص ،].166 :وأن الئمة كالرسل "قولهم قول ال وأمرهم أمر ال
[ابن وطاعتهم طاعة ال ومعصيتهم معصية ال وإنهم لم ينطقوا إل عن ال تعالى وعن وحيه"
بابويه /العتقادات ص.].106 :
وقد جاء في الكافي ما يعدونه حجة لهم في هذا المذهب وهو قول أبي عبد ال -كما يزعم
صاحب الكافي " -حديثي حديث أبي ،وحديث أبي حديث جدي ،وحديث جدي حديث الحسين،
وحديث الحسين حديث الحسن ،وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ،وحديث أمير المؤمنين
[أصول الكافي ،كتاب حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وحديث رسول ال قول ال عز وجل"
فضل العلم ،باب رواية الكتب والحديث ، 1/53 :وسائل الشيعة.].18/58 :
وذكر شارح الكافي أن هذا القول يدل على "أن حديث كل واحد من الئمة الظاهرين قول ال
[المازندراني /شرح جامع (على عز وجل ،ول اختلف في أقوالهم كما ل اختلف في قوله تعالى"
الكافي) .].2/272
بل قال" :يجوز من سمع حديثا عن أبي عبد ال -رضي ال عنه -أن يرويه عن أبيه أو
[المازندراني /شرح جامع (على الكافي) عن أحد من أجداده ،بل يجوز أن يقول :قال ال تعالى"
،].2/272وهذا صريح في جواز نسبة أقوال البشر إلى ال سبحانه .ثم ذكر أن بعض رواياتهم
تدل على جواز ذلك بل أولويته [المازندراني /شرح جامع (على الكافي) ،].2/272كما جاء في الكافي
عن أبي بصير قال :قلت لبي عبد ال -رضي ال عنه :-الحديث أسمعه منك أرويه عن
أبيك أو أسمعه عن أبيك أرويه عنك؟ قال :سواء ،إل أنك ترويه عن أبي أحب إليّ .وقال أبو
[أصول الكافي (مع شرح جامع): عبد ال -رضي ال عنه -لجميل :ما سمعت مني فاروه عن أبي"
.].2/259
هذه الروايات صريحة في استساغتهم الكذب البواح الصراح حيث ينسبون – مثلً -لمير
المؤمنين علي -رضي ال عنه -ما لم يقله ،بل قاله بعض أحفاده ممن لم يشتهر عنه العلم،
وحتى ما ينسب لمنتظره من أقوال يجوز نسبتها إلى أمير المؤمنين علي؛ بل النسبة إلى العلى
أولى كما يدل عليه صريح الرواية السابقة ،وقد أخذ من ذلك شارح الكافي أولوية نسبة أقوال
198
الئمة إلى ال عز وجل ،وهذا في غاية الجرأة على ال عز وجل ،فالسنة عندهم ليست سنة
النبي فحسب؛ بل سنة الئمة ،وأقوال هؤلء الئمة كأقوال ال ورسوله ،ولهذا اعترفوا بأن هذا
مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة ،قالوا" :وألحق الشيعة المامية كل ما يصدر عن أئمتهم
الثني عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة" [محمد تقي الحكيم /سنة أهل البيت ص.].9 :
وهم يقولون بهذا القول من منطلقين خطيرين ،وقاعدتين أساسيتين عندهم في هذه المسألة.
وقد أشار أحد شيوخهم المعاصرين إليهما حينما ذكر أن قول المام عندهم يجري مجرى قول
النبي ،من كونه حجة على العباد واجب التباع ،وأنهم ل يحكمون إل عن الحكام الواقعية عند
ال تعالى كما هي.
فبين أن ذلك يتحقق لهم من طريقين "من طريق اللهام كالنبي من طريق الوحي ،أو من
طريق التلقي عن المعصوم قبله كما قال مولنا أمير المؤمنين -عليه السلم " :-علمني رسول
[محمد رضا المظفر/ ال صلى ال عليه وسلم ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب"
أصول الفقه ،].3/51 :فعلم الئمة نوعان :علم حادث وهذا يتحقق عن طريق اللهام وغيره ،وعلم
مستودع عندهم ورثوه عن الرسول صلى ال عليه وسلم ،والكل يعتبر من السنة.
وفيما يلي توضيح لهذين الصلين الخطيرين عند الشيعة:
الصل الول :علم الئمة يتحقق عن طريق اللهام والوحي:
علم الئمة يتحقق -في نظرهم -عن طريق اللهام ،وحقيقته كما قال صاحب الكافي في
روايته عن أئمته" :النكت في القلوب" [أصول الكافي ،].1/264 :وفي لفظ آخر له" :فقذف في
[أصول الكافي: القلوب" وصرح أن ذلك هو اللهام حيث قال" :وأما النكت في القلوب فإلهام"
،].1/264أي أن العلم ينقدح في قلب المام فيلهم القول الذي ل يتصور فيه الخطأ لن المام
معصوم.
واللهام ليس هو الوسيلة الوحيدة في هذا ،كما حاول أن يلطف من المر ذلك الشيعي
المعاصر الذي نقلنا كلمه آنفا ،بل صرح صاحب الكافي في أن هناك طرقا أخرى غيره ،حيث
ذكر في بعض رواياته أن من وجوه علوم الئمة "النقر في السماع" من قبل الملك ،وفرّق بين
[أصول هذا واللهام حيث قال" :وأما النكت في القلوب فإلهام ،وأما النقر في السماع فأمر الملك"
الكافي.].1/264 :
[المازندراني /شرح إذن هناك وسيلة أخرى غير اللهام ،وهو نقر في السماع بتحديث الملك
جامع (على الكافي) ،].6/44 :وهو يسمع الصوت ول يرى الملك كما جاء في الروايات الربع في
باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث من أصول الكافي ،وكلها قالت :إن "المام هو الذي
199
[انظر :أصول الكافي ،177-1/176 :وقد صحح هذه الروايات صاحب الشافي يسمع الكلم ول يرى الشخص"
شرح الكافي .].3/29 :وذكر صاحب البحار ( )15رواية في هذا المعنى في باب عقدة بعنوان" :باب
أنهم محدثون مفهمون" [المجلسي 26/73 :وما بعدها.].
ولكن كيف يعلم أنه كلم الملك وهو ل يراه؟ قال إمامهم" :إنه يعطى السكنية والوقار حتى
يعلم أنه كلم الملك" [أصول الكافي ،1/271 :بحار النوار ،26/68 :الصفار /بصائر الدرجات ص.].93 :
ثم بعد أبوابٍ عدة يعود صاحب الكافي ينقض ما قرره في الروايات السابقة ،ويثبت تحقيق
رؤية المام للملك في روايات أربع في باب عقده بعنوان" :باب الئمة تدخل الملئكة بيوتهم
وتطأ بسطهم ،وتأتيهم بالخبار عليهم السلم" [أصول الكافي ،].394-1/393 :ثم ما تلبث أن تزيد هذه
الروايات الربع ،لتصل إلى ست وعشرين رواية عند صاحب بحار النوار ليجمعها في باب
أكثر صراحة على التأكيد على رؤية المام للملك حيث جعل عنوانه "باب أن الملئكة تأتيهم
وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم" [بحار النوار 26/355 :وما بعدها.].
وتتحدث رواية أخرى لهم عن أنواع الوحي للمام فتذكر أن جعفرا قال" :إن منا لمن ينكت
في أذنه ،وإن منا لمن يؤتى في منامه ،وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت
[بحار النوار ،26/358 :بصائر (كذا) ،وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل"
الدرجات ص.].63 :
[انظر :بحار النوار 26/35 :وما بعدها ،الروايات رقم: وثمة روايات أخرى في البحار بهذا المعنى
.].130 ،112 ،111 ،110وكأنهم بهذا المقام أرفع من النبي الذي ل يأتيه إل جبرائيل ،وتأتي
[وقد ورد في معاني الخبار روايات تبين هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنها الروح
لبن بابويه تفسير للروح بأنها -كما يقول إمامهم " :-عمود من نور بيننا وبين ال عز وجل" .عيون الخبار ص:
].354عندهم ،وقد خصها صاحب الكافي بباب مستقل بعنوان" :باب الروح التي يسدد ال بها
الئمة" ،وذكر فيها ست روايات [أصول الكافي ،].274-1/273 :منها" :عن أبي بصير قال :سألت أبا
ت تَ ْدرِي مَا
حيْنَا إِ َليْكَ رُوحًا مّنْ َأ ْمرِنَا مَا كُن َ
عبد ال عن قول ال تبارك وتعالى{ :وَكَ َذلِكَ َأوْ َ
الْ ِكتَابُ وَل الِيمَانُ} قال :خلق من خلق ال عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع
[أصول الكافي: رسول ال -صلى ال عليه وآله -يخبره ويسدده وهو مع الئمة من بعده"
.].1/273
ح ْينَا} ،وقد
ومعلوم أن الروح في هذه الية المراد بها القرآن ،كما يدل عليه لفظ الية {َأوْ َ
سماه ال سبحانه روحا لتوقف الحياة الحقيقية على الهتداء به [شرح الطحاوية :ص .].4وكأن هذه
الدعاوى حول الوحي للمام قد غابت عن مفيدهم (المتوفى سنة 413ه) أو أنها صنعت فيما
200
بعد؛ إذ رأينا المفيد يقرر التفاق والجماع على "أنه من يزعم أن أحدا بعد نبينا يوحى إليه فقد
أخطأ وكفر[ "..أوائل المقالت :ص ،].39أو يكون قولهُ هذا تقية.
إذن المام يلهم ،ويسمع صوت الملك ،ويأتيه الملك في المنام واليقظة ،وفي بيته ومجلسه ،أو
يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدده ،وليس ذلك نهاية المر ،بل لدى الئمة
أرواح أخرى ،ووسائل أخرى؛ لديهم خمسة أرواح :روح القدس ،وروح اليمان ،وروح الحياة،
وروح القوة ،وروح الشهوة.
ذكر ذلك صاحب الكافي في باب بعنوان" :باب فيه ذكر الرواح التي في الئمة عليهم
السلم" [أصول الكافي ].1/271 :فذكر في ذلك ست روايات ،بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب
البحار فبلغت رواياتها ( )74رواية [بحار النوار.].99-25/47 :
وقد ركزت رواياتهم على روح القدس ،فذكرت أن هذه الروح تنتقل إلى الئمة بعد موت
[أصول الكافي: النبياء "فإذا قبض النبي -صلى ال عليه وآله -انتقل روح القدس إلى المام"
" ].1/272وبروح القدس" عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى" [أصول الكافي،].1/272 :
[أصول الكافي ،1/272 :والزهو :الرجاء الباطل "وروح القدس ل ينام ول يغفل ول يلهو ول يزهو"
والكذب والستخفاف (هامش الكافي ،].)1/272 :وبروح القدس يستطيع أن يرى المام "ما غاب عنه في
[الغفاري /تعاليق أقطار الرض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى"
على أصول الكافي( 1/272 :الهامش).].
بل إن الئمة تذهب إلى عرش الرحمن -كما يزعمون -كل جمعة لتطوف به فتأخذ من
العلم ما شاءت.
قال أبو عبد ال" :إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول ال -صلى ال عليه وآله -العرش
ووافى الئمة -عليهم السلم -معه ووافينا معهم ،فل ترد أرواحنا إلى أبداننا إل بعلم مستفاد،
ولول ذلك لنفذنا" [أصول الكافي ،1/254 :بحار النوار ،89-26/88 :بصائر الدرجات :ص .].36
وجاءت روايات أخرى بهذا المعنى ذكرها الكليني في باب خصصه لهذه الدعوى بعنوان:
[انظر :أصول "باب في أن الئمة عليهم السلم يزدادون في ليلة الجمعة" .وذكر فيه ثلث روايات
الكافي ،].1/253 :ثم جاء صاحب البحار فذكر في هذا الموضوع ( )37رواية في باب عقده في
[انظر :بحار النوار-26/86 : هذا الشأن بعنوان" :باب أنهم يزدادون وأرواحهم تعرج إلى السماء"
.].97
بل جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر بأن ال تعالى ناجى عليا ،وأن جبرائيل يملي
عليه[ ..بحار النوار .].157-39/151 :كما جاءت فيه سبع عشرة رواية تتحدث عن تحف ال تعالى
201
وهداياه إلى علي [بحار النوار .].129-39/118 :كما ذكر المجلسي" :أن ال -بزعمهم -يرفع
[بحار النوار-26/132 : للمام عمودا ينظر به إلى أعمال العباد" واستشهد لذلك بست عشرة رواية
.].136
[انظر :أصول الكافي: كل هذه العلوم التي تتحقق لهم بهذه الوسائل يسمونها" :العلم الحادث"
].1/264وتحققها موقوف على مشيئة الئمة ،كما أكدت ذلك روايات صاحب الكافي التي جاءت
[أصول في الباب الذي عقده بعنوان" :باب أن الئمة عليهم السلم إذا شاؤوا أن يعلموا علموا"
[أصول الكافي ،].1/258 :وذكر فيه روايات ثلثا كلها تنطق بـ"أن المام إذا شاء أن يعلم أعلم"
الكافي ،].1/258 :وفي لفظ آخر" :إذ أراد المام أن يعلم شيئا أعلمه ال ذلك" [أصول الكافي.].1/258 :
فالوحي للئمة ليس بمشيئة ال وحده كما هو الحال مع الرسل -عليهم السلم -بل تابع لمشيئة
المام!!
وهذا العلم الحادث الذي يحدث للئمة متى شاؤوا فيجعل كلمهم مثل كلم ال ورسوله ،ليس
[انظر :باب جهات هو كل ما عند الئمة ،بل لديهم ما تسميه رواياتهم بالعلم الغابر ،العلم المزبور
علوم الئمة ،من أصول الكافي ،].1/264 :وهو ما أودع الئمة من علوم ومن كتب وصحف ،وهي
الساس الثاني لقولهم بأن كلم المام يجري مجرى كلم ال ورسوله ،وهو ما سنبينه في
المبحث التالي.
الصل الثاني :خزن العلم وإيداع الشريعة عند الئمة:
جاء في الكافي عن موسى جعفر قال -كما يزعمون " :-مبلغ علمنا على ثلثة وجوه:
ماض وغابر وحادث ،فأما الماضي فمفسّر ،وأما الغابر فمزبور ،وأما الحادث فقذف في القلوب
[أصول الكافي.1/264 : ونقر في السماع وهو أفضل علمنا ول نبي بعد نبيا"
وقد جاء في رواية أخرى لهم قول إمامهم .." :أما الغابر فالعلم بما يكون ،وأما المزبور فالعلم بما كان" (انظر:
بحار النوار ،26/18 :المفيد /الرشاد ص ،257الطبرسي /الحتجاج ص )203:وهذا التفسير كأنه يشير إلى
موضوع كل نوع ،فنوع يتعلق بالحوادث الماضية ،وآخر يتعلق بالحوادث المستقبلة .].وفي البحار وبصائر
الدرجات ثلث روايات بهذا اللفظ [بحار النوار ،26/59 :بصائر الدرجات ص .].92
العلم الحادث هو ما تقدم بيانه ،وهو كما أشارت الرواية يعد من أفضل علومهم ،لنه كما
يقول بعض شيوخهم :حصل لهم من ال بل واسطة [المازندراني /شرح جامع].6/44 :؛ أي من ال
مباشرة بل واسطة ملك من الملئكة ،وهذا يشبه قول غلة الصوفية مثل ابن عربي.
أما الماضي المفسّر والغابر المزور فقد أوضح شارح الكافي معناهما بقوله" :يعني :الماضي
الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسرا لنا بالتفسير النبوي ،والغابر المزبور الذي تعلق
202
علمنا به هو كل ما يكون مزبورا مكتوبا عندنا بخط علي -رضي ال عنه -وإملء الرسول
وإملء الملئكة مثل الجامعة وغيرها".
فبهذا يتبين أن العلم المستودع عند الئمة نوعان :كتب ورثوها عن النبي ،أو علم تلقوه
مشافهة منه صلى ال عليه وسلم .وفحوى هذا العتقاد الذي يعتبر من ضرورات مذهبهم
وأركان دينهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بلغ جزءا من الشريعة وكتم الباقي وأودعه
المام عليا فأظهر علي منه جزءا في حياته ،وعند موته أودعه الحسن وهكذا كل إمام يظهر
منه جزءا حسب الحاجة ثم يعهد الباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر.
وقد مر بنا ما قاله شيخهم وآيتهم محمد بن حسين آل كاشف الغطا (ت 1376ه) من أن
الحكام في السلم قسمان :قسم أعلنه النبي صلى ال عليه وسلم للصحابة ،وقسم كتمه أودعه
أوصياءه ،كل وصي يخرج منه ما يحتاجه الناس في وقته ثم يعهد به إلى من بعده ،حتى زعم
أن النبي صلى ال عليه وسلم قد يذكر حكما عاما ول يذكر مخصصه أصلً؛ بل يودعه عند
وصيه إلى وقته [انظر :أصل الشيعة :ص ،77وانظر ص 146من هذه الرسالة.].
وقال شيخهم المعاصر بحر العلوم" :لما كان الكتاب العزيز متكفلً بالقواعد العامة دون
الدخول في تفصيلتها ،احتاجوا إلى سنة النبي ..والسنة لم يكمل بها التشريع!! ،لن كثيرا من
الحوادث المستجدة لم تكن على عهده صلى ال عليه وسلم احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه
[بحر العلوم /مصابيح الصول :ص ،4وأقوال شيوخهم في هذا المعنى كثيرة ،فيقول ليؤدوها عنه في أوقاتها"
ل -آيتهم العظمى شهاب الدين النجفي" :إن النبي صلى ال عليه وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال
– مث ً
لتعليم جميع أحكام الدين ..وقد قدّم الشتغال بالحروب على التمحص (كذا) ببيان تفاصل الحكام ..لسيما مع عدم
كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون" (النجفي /تعليقاته على إحقاق الحق-2/28 :
.)289
انظر :كيف يطعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه قدّم الشتغال بالحروب على تبليغ شريعة ال ،وال
يقول{ :يَا َأيّهَا ال ّرسُو ُل َبلّغْ مَا أُنزِ َل ِإلَ ْيكَ مِن ّربّكَ} ..فهل أعرض رسول الهدى عن أمر ربه؟! وهل أمثال هؤلء من
ل عن أن يكونوا من أنصار أهل بيته؟! أليس إقراراهم لهذه العقيدة هو تكذيب لقول ال جل شأنه:
أتباع الرسول ..فض ً
علَيْكُ ْم نِعْ َمتِي َو َرضِيتُ لَكُ ُم ا ِلسْلَمَ دِينًا} فال سبحانه أكمل لنا الدين ،وكل قول
{ا ْليَوْمَ أَ ْك َملْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ َوَأتْمَ ْمتُ َ
خلف هذا كفر وضلل ..ولكن الدين لم يكمل ولن يكمل هو دين الشيعة الذي يزيد فيه شيوخهم على مر الدهور ول
يزال في نقص واختلف لنه من وضع البشر.].
هذه بعض الخطوط العامة لهذه العقيدة الخطيرة في مذهب الشيعة ،أما شواهدها فإن المقام
سيطول لو عرضت لها كلها فكيف بتحليها ونقدها ..فلنذكر على سبيل الجمال..
203
فهم يزعمون أن الئمة هو خزنة علم ال ووحيه ،وقد عقد صاحب الكافي بابا لهذا بعنوان:
"باب أن الئمة -عليهم السلم -ولة أمر ال وخزنة علمه" [أصول الكافي ].193-1/192 :وضمن
هذا الباب ست روايات في هذا المعنى ،وبابا آخر بعنوان" :أن الئمة ورثوا علم النبي وجميع
النبياء والوصياء الذين من قبلهم" [أصول الكافي ،].226-1/223 :وفيه سبع روايات ،وبابا ثالثا
بعنوان" :أن الئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملئكة والنبياء والرسل -عليهم
السلم [ "-أصول الكافي .].256-1/225 :وفيه أربع روايات.
وهذا العلم المستودع نوعان -كما سبق ( -مفسر ،ومزبور) ،أما المفسر فمما ذكروه فيه ما
جاء في أصول الكافي" :باب أن ال عز وجل لم يعلم نبيه علما إل أمره أن يعلمه أمير المؤمنين
وأنه كان شريكه في العلم" ،وذكر فيه ثلث روايات [انظر :أصول الكافي ،].1/263 :وقريب من هذا
ما جاء في البحار في باب بعنوان" :باب أنه صلوات ال عليه كان شريك النبي -صلى ال
عليه وآله -في العلم دون النبوة ،وأنه علم كلما علم صلى ال عليه وآله وأنه أعلم من سائر
[بحار النوار-40/208 : النبياء عليهم السلم" وقد استشهد لذلك باثنتي عشرة رواية من رواياتهم
.].212
كما قدم المجلسي اثنتين وثمانيني رواية تتحدث عن علم علي وأن النبي صلى ال عليه وسلم
عمله ألف باب من العلم ..في باب عقده لهذه الموضوع [بحار النوار ،].200-40/127 :قالت إحدى
رواياته بأن النبي صلى ال عليه وسلم أسرّ إلى علي ألف حديث لم تعلمه المة ،وزعمت أن
عليا أعلن ذلك للناس فقال" :أيها الناس ،إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أس ّر إليّ ألف
[بحار النوار ،40/127 :ابن بابويه /الخصال: حديث ،في كل حديث ألف باب ،لكل باب ألف مفتاح"
.].2/174
ومرة أخرى زعمت أن أبا عبد ال قال" :أوصى رسول ال -صلى ال عليه وآله -إلى
[بحار النوار ،40/129 :الخصال-2/175 : علي -عليه السلم -بألف باب كل باب يفتح ألف باب"
].176ثم زعمت أن عليا قال" :إن رسول ال صلى ال عليه وآله علمني ألف باب من الحلل
والحرام ،ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة ،كل باب منها يفتح ألف باب فذلك ألف ألف
[بحار النوار ،40/130 :الخصال ،2/175:بصائر باب ،حتى علمت المنايا والبليا ،وفصل الخطاب"
الدرجات ص .].87كما قالت بأن رسول صلى ال عليه وسلم جلل عليا بثوبه -عند موته -وأنه
حدثه بألف حديث كل حديث يفتح ألف باب [بحار النوار ،40/215 :بصائر الدرجات ص.].90-89 :
وهذا كله ليس بذاك العلم في نظر الئمة بالقياس لما عندهم من علوم ،فقد قال أبو بصير:
"دخلت على أبي عبد ال فقلت له :إن الشيعة يتحدثون أن رسول ال صلى ال عليه وآله علم
204
عليا بابا يفتح منه ألف باب ،فقال أبو عبد ال عليه السلم :يا أبا محمد ،علم وال رسول ال
صلى ال عليه وآله عليا ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب :قلت له :هذا وال هو العلم.
[وهي رواية طويلة تتحدث عن العلوم الوهمية التي عند الئمة .انظرها في أصول قال :إنه لعلم وليس بذاك"
الكافي 1/238 :وما بعدها ،وانظر :بحار النوار ،40/130 :الخصال.].177-2/176 :
وقد استمر رسول ال صلى ال عليه وسلم طيلة حياته -كما تزعم روايات الشيعة -يعلم
عليا علوما وأسرارا ل يطلع عليها أحد سواه ،وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوى إلى
مرحلة ل يصدقها عقل ..حتى قالوا بأن عليا استمر في تلقي العلم من فم الرسول حتى بعد
موته -عليه الصلة والسلم ،-وعقد المجلسي لهذا بابا بعنوان" :باب ما علمه الرسول صلى
ال عليه وآله عند وفاته وبعده[ "..بحار النوار.].218-40/213 :
وقالت الرواية الولى في هذا الباب إن عليا قال" :أوصاني النبي صلى ال عليه وآله فقال:
[بئر غرس :بئر بالمدينة( .انظر :معجم البلدان،4/193 : إذا أنا متّ فغسلني بست قرب من بئر غرس
معجم ما استعجم ،2/994 :المراصد ،].)2/988 :فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني ،ثم ضع
[بحار النوار ،40/213 :بصائر فاك على فمي ،قال :ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة"
الدرجات :ص .].80وقالت الرواية الثانية بأن الرسول صلى ال عليه وسلم قال -كما يفترون :-
[بحار النوار ،40/213 :بصائر "يا علي ،إذا أنا متّ فاغسلني وكفني ثم أقعدني وسائلني واكتب"
الدرجات :ص .].80
ومضت بقية الروايات على هذا النسق المظلم ،حتى قالوا بأن عليا كان إذا أخبر بشيء قال:
[بحار النوار ،40/215 :الخرائج والجرائح: "هذا مما أخبرني به النبي صلى ال عليه وآله بعد موته"
ص .].132وهكذا يخربون بيوتهم بأيديهم ،ويكشفون كذبهم بأنفسهم عبر مبالغتهم التي ل تكاد
تنتهي ،وهذا جزء من رواياتهم عن العلم الذي خصه النبي صلى ال عليه وسلم لعلي وأورثه
الئمة من بعده.
ولم يكتف الخيال الشيعي بهذا؛ بل زعم أن عند الئمة العلم المزبور ،أو الكتب التي ورثوها
عن النبي صلى ال عليه وسلم .وقد جاء على ذكر بعضها صاحب الكافي في باب عقده بعنوان"
[أصول الكافي: باب فيه ذكر الصحيفة ،والجفر والجامعة ومصحف فاطمة -عليها السلم "-
[أصول ،].242-1/238وفي باب آخر بعنوان" :ما أعطى الئمة عليهم السلم من اسم ال العظم"
الكافي ،].1/230 :وفي باب ثالث بعنوان" :باب ما عند الئمة من آيات النبياء عليهم السلم"
[أصول الكافي.].232-1/231 :
205
أما شيخهم المجلسي فقد أكثر من الروايات في هذا الباب ،وجمع ما في معظم كتب شيوخهم
المعتمدة عندهم ،وسجل ذلك في بحاره في أبواب متعددة تضمنت روايات يصعب حصرها،
مثل" :باب جهات علومهم عليهم السلم وما عندهم من الكتب ،"..وقد بلغت أخبار هذا الباب (
)149خبرا انتخبها كعادته من مجموعة من كتبهم المعتمدة لديهم [بحار النوار ،].66-26/18 :وباب
[بحار النوار( 156-26/155 :وفيه "في أن عندهم كتبا فيها أسماء الملوك الذين يملكون في الرض"
7روايات) ،].وباب "في أن عندهم صلوات ال عليهم كتب النبياء عليهم السلم يقرءونها على
اختلف لغاتها" [بحار النوار( 189-26/180 :وفيه 27رواية) ،].وباب "أن عندهم جميع علوم الملئكة
والنبياء وأنهم أعطوا ما أعطاه ال النبياء عليهم السلم ،وأن كل إمام يعلم جميع علم المام
الذي قبله ول تبقى الرض بغير عالم" [بحار النوار( 179-26/159 :وفيه 63رواية) ،].وباب "أنهم
[بحار النوار: عليهم السلم ..عندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم"
( 132-26/117وفيه 40رواية).].
وتحدثت روايات هذه البواب عما ورثه الئمة من صحف وغيرها ،أو عن المصادر
الوهمية التي تزعم الرافضة عند أئمتهم الثني عشر والتي فيها -كما يزعمون -كل ما
يحتاجه الناس ،ولو ذهبنا نعرض ونفصل ما احتوته هذه البواب ،ونحلل معلوماتها ،ونبين
ضروب تناقضاتها وأوهامها لكان بذاته بحثا مستقلً؛ ولكن نكتفي بالشارة والمثال.
لقد كان مما تضمنته هذه البواب روايات عديدة عن صحيفة تسمى الجامعة أو الصحيفة،
وصفوها بأنها "سبعون ذراعا بخط علي عليه السلم ،وإملء رسول ال صلى ال عليهما وعلى
أولدهما – كذا -فيها من كل حلل وحرام" [أصول الكافي ،1/239 :بحار النوار ،].26/22 :وليس من
قضية إل هي فيها حتى أرش الخدش [أصول الكافي ،1/239 :بحار النوار ،].26/22 :وتكرر ذكر هذه
[انظر :بحار النوار 26/22 :وما بعدها ،الروايات التالية :رقم المعلومات وما في معناها في روايات كثيرة
90 ،80 ،78 ،65 ،61 ،25 ،23 ،22 ،18 ،17 ،15 ،13 ،11وغيرها.].
ومن العجب أن أئمتهم يعدون أتباعهم بأنهم سيحكمون بما في هذه الصحيفة لو تمكنوا من
[بحار النوار: الحكم حيث قالوا" :لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل ال لم نعد ما في هذه الصحيفة"
،23-26/22بصائر الدرجات :ص .].39
أما القرآن فليس له ذكر ،كما يخبرون بأنها هي دستورهم الذي يتبعون ،حيث قالوا.." :
فنحن نتبع ما فيها ول نعدوها" [بحار النوار ،23-26/22 :بصائر الدرجات :ص .].39وزعم أبو بصير
(أحد رواتهم) بأنه رآها عند أبي جعفر [بحار النوار ،26/23 :بصائر الدرجات :ص ،].39كما زعم
206
زرارة أنه استمع إلى نص من نصوصها يقول" :إن ما يحدث به المرسلون كصوت السلسلة أو
كمناجاة الرجل صاحبه" [بحار النوار ،26/24 :بصائر الدرجات :ص .].40-39
كما نقلت رواياتهم أخبارا عن كتاب يسمونه كتاب علي ،ووصفوا شكله بأنه "مثل فخذي
الرجل مطوّى" [بحار النوار ،26/51 :بصائر الدرجات :ص ].45وأنه "خط علي بيده وإملء رسول
ال" [بحار النوار ،26/51 :بصائر الدرجات :ص ،].45ولم ينقلوا لنا من نصوصه وأحكامه إل هذا
الحكم الجائر الذي يقول" :إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفي عنها شيء ،هذا
وال خط علي بيده وإملء رسول ال" [بحار النوار ،26/51 :بصائر الدرجات :ص ،].45وهم يأخذون
بهذا النص من ذلك الكتاب الموهوم ،ويعرضون عن نصوص القرآن العامة والتي لم تفرق بين
[وحاولوا التخلص من ذلك العقار وغيره .ثم إن هذا يناقض ما يدّعونه بأن لفاطمة نصيبا في فدك
بزعمهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خصها بذلك في حياته( .انظر :مقتبس الثر.].)23/179 :
ويبدو من خللهم رواياتهم أن هذا الكتاب ل يظهر له صوت إل في جو من اللحاد
[المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي ،أحد الزنادقة ،تقدم التعريف به ص( : والزندقة؛ إذ إنه ما إن قتل المغيرة
].)168والذي تعترف كتب الرافضة بغلوه حتى زاد حصرهم على إخفاء الكتاب ،فقد قال
جعفرهم حينما نقل له نص في ولية علي ..." :هذا مكتوب عندي في كتاب عليّ ولكن دفعته
[بحار النوار ،53-26/52 :بصائر الدرجات :ص أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة"
،45وانظر الحديث عن كتاب علي المزعوم في :البحار 26/24 :رقم.].59 ،55 ،54 :
[على اختلف كما تتحدث رواياتهم عن صحيفة فيها تسع عشرة صحيفة قد حباها أو خباها
[بحار النوار ،26/24 :بصائر نسخهم ما بين اللفظين ].رسول ال صلى ال عليه وآله عند الئمة
الدرجات :ص ،].39ول تفصح عن شيء أكثر من هذا.
وتذكر أخبارهم بأنه" :في ذؤابة سيف علي صحيفة صغيرة ،وأن عليا عليه السلم دعا إليه
الحسن فدفعها إليه ودفع إليه سكينا وقال له :افتحها ،فلم يستطيع أن يفتحها ففتحها له ،ثم قال له:
اقرأ ،فقرأ الحسن -عليه السلم -اللف والباء والسين واللم وحرفا بعد حرف ،ثم طواها
فدفعها إلى الحسين عليه السلم فلم يقدر أن يفتحها ،ففتحها له ثم قال له :اقرأ يا ُب َنيّ ،فقرأها
كما قرأ الحسن عليه السلم ،ثم طواها فدفعها إلى ابن الحنفية فلم يقدر على أن يفتحها ففتحها له
[بحار النوار: فقال له :اقرأ ،فلم يستخرج منها شيئا ،فأخذها وطواها ثم علقها بذؤابة السيف"
، 26/56بصائر الدرجات :ص ،89المفيد /الختصاص ص .].284
وقد سئل أبو عبد ال عن ما في هذه الصحفية فقال" :هي الحرف التي يفتح كل حرف ألف
باب" [بحار النوار ، 26/56 :بصائر الدرجات :ص ،89المفيد /الختصاص ص .].284وقال أبو عبد ال -
207
[بحار النوار ، 26/56 :بصائر الدرجات :ص ،89 عليه السلم " :-فما خرج منها إل حرفان الساعة"
المفيد /الختصاص ص .].284ولم يفصح هذا النص عن معاني هذه الحروف المبهمة ،والتي يفتح
بها آلف من البواب المغلقة -كم يزعمون ،-ولماذا لم يستفد منها الئمة ،وهم في أخبار
الشيعة تتناوبهم المحن ،ويعيشون في ظل الخوف والتقية ،حتى ظل آخرهم قابعا في سردابه -
فيما يزعمون -يمنعه الخوف من أعدائه كل هذه القرون المتطاولة؟!
وقد أشار شيخ السلم إلى ما يشبه هذه الدعوى حيث أشار إلى لون من استكشاف المستقبل
بواسطة "حساب الجمل من حروف المعجم" وأشار إلى أن هذا مما ورث عن اليهود ،وأن طائفة
حاولت به استخرج مدة بقاء هذه المة" [فتاوى شيخ السلم( 4/82 :جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم)..].
فقد تكون تلك الدعوى السابقة كشبيهتها هذه ذات أصل يهودي ..وهي على العموم ضرب من
الهوس والجنون ،أو لون من الكيد للمة وإلهائها عن مهمتها في هذه الحياة ،ونوع من التلبيس
على عوام الشيعة وخداعها ،وإغراقها في جو من الطلسم واللغاز ل تبصر من خلله
طريقها ،ول تهتدي بسبب ظلماته إلى الصراط المستقيم.
ومزاعمهم في هذا الباب ل تكاد تنتهي.
فقد افتروا بأن عليا قال" :إن عندي صحفا كثيرة ..وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة ،وما
[في القاموس :المبهرج: ورد عن العرب أشد عليهم منها ،وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة
الباطل الرديء ..والمبهرج من المياه :المهمل الذي ل يمنع عنه ،ومن الدماء :المهدر (القاموس ].)1/180 :ما لها
في دين ال من نصيب" [بحار النوار ،26/37 :بصائر الدرجات :ص .].41
ولعل القارئ يلحظ من خلل قراءة هذا النص وأمثاله هوية واضع هذه النصوص ..وأنهم
صنف من الشعوبية الذين يكنون كل حقد وكراهية للعرب ،ل لمجرد جنسيتهم؛ ولكن للدين الذي
يحملونه ويسعون في نشره ،وأن هذا الصنف استغل التشيع ليحقق من خلله كيده وعدوانه ضد
طلَت الخدعة على طوائف الشيعة فأوسعوا مصادرهم لخبار هذا الصنف
المة ودينها ..ولقد انْ َ
الحاقد ،أو تعمدوا ذلك ،والضحية هم التباع الجهلة الذين ينخدعون بهذه الساطير ،لنها
منسوبة لل البيت ،ولم يعلموا أن وراء الكمة ما وراءها.
ومن الكتب التي عند أئمتهم -كما يزعمون -كتاب يسمى" :ديوان الشيعة" أو الناموس أو
السمط على اختلف رواياتهم في تسميته ،قد سُجل فيه الشيعة بأسمائهم وأسماء آبائهم ،وكان
أتباع الئمة -كما تزعم روايات الشيعة -يذهبون إلى الئمة ليقفوا على أسمائهم في هذا
[انظر رواياتهم في هذا في :بحار النوار-26/117 : الديوان؛ لن وجود السم فيه هو برهان النجاة
.].132
208
فمثلً هذه امرأة تدعى حبابة الوالبية -كما تقول روايتهم -جاءت لبي عبد ال وقالت له:
"إن لي ابن أخ وهو يعرف فضلكم وإني أحب أن تعلمني أمن شيعتكم؟ قال :وما اسمه؟ قالت:
فلن ابن فلن ،قالت :فقال :يا فلنه ،هاتي الناموس ،فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثم
نظر فيها فقال :نعم هو ذا اسمه واسم أبيه ها هنا" [بحار النوار ،26/121 :بصائر الدرجات :ص .].46
ومن ليس له اسم في هذا الديوان فليس عندهم من أهل السلم؛ لن إمامهم قال" :إن شيعتنا
[بحار النوار،26/123 : مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ..ليس على ملة السلم غيرنا وغيرهم"
بصائر الدرجات :ص .].47وأحيانا يقولون في رواياتهم بأنهم ورثوا ذلك من الرسول صلى ال
عليه وسلم لنه دُفع إليه -حينما أسري به -صحيفتان :صحيفة فيها أصحاب اليمين ،وأخرى
فيها أصحاب الشمال ،وفيهما أسماء أهل الجنة ،وأسماء أهل النار .وقد دفعهما الرسول -كما
[انظر :بحار النوار: يزعمون -إلى عليّ ،وتوارثها الئمة من عليّ ،وهما اليوم عند منتظرهم
،125-26/124بصائر الدرجات :ص ،52وإذا لحظنا أنهم يزعمون بأن لكبار شيوخهم صلة بالمنتظر المزعمون،
وهذا المنتظر عنده كل هذه العلوم ،والتي منها سجل أسماء أهل الجنة وأهل النار ،فل يستبعد ما يقال بأن بعض آياتهم
في دولتهم الحاضرة يصدرون صكوك الغفران والحرمان ،ويغررون بأولئك المغفلين ويزجون بهم في أتون الحرب
تحت تأثير هذه الماني والوعود الكاذبة.].
[بحار النوار: كما أن لدى الئمة كتابا يقولون عنه بأنه" :وصية الحسين" وفيها ما يحتاج الناس
[أصول ،26/54بصائر الدرجات :ص ].54أو "ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى"
الكافي.].1/304 :
[الجفر :تقول رواياتهم في تفسيره بأنه" :وعاء من أدم فيه علم النبيين كما أن لدى الئمة الجفر البيض
والوصيين ،وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل" (أصول الكافي )1/239ومرة تنعته بأنه" :جلد ثور ملئ علما"
(المصدر السابق .)1/241 :وهل المسلمون بحاجة في دينهم إلى غير شريعة القرآن؟! لقد أكمل ال سبحانه لنا الدين،
سلَمِ دِينًا َفلَن ُيقْبَ َل ِمنْهُ} [آل عمران ،آية.]85 :
غ ْيرَ ا ِل ْ
وختم بكتابه الكتاب ،ونسخ بالسلم الديان كلها {وَمَن يَ ْبتَغِ َ
وتأتي روايات أخرى عندهم تجعل من هذه الجفر ألوانا؛ لكل لون مضمون يتناسب مع لونه ،ونكهة توافق شكله،
فنهاك الجفر البيض ،وهناك الجفر الحمر ،والذي يحمل الموت الحمر والذي "سيبعث" به منتظرها ،وتتوعد
الرافضة بهذا "الجفر" الصالحين من مسلف هذه المة وخلفها ،لنه يحكي أسطورة النتقام الموعودة (انظر في الجفر
الحمر :أصول الكافي ،)1/240وراجع :فصل المهدية والغيبة ].وفيه كما تقول رواياتهم" :زبور داود،
وتوراة موسى ،وإنجيل عيسى ،وصحف إبراهيم ،والحلل والحرام ،ومصحف فاطمة ،وفيه ما
يتحاج الناس؛ حتى إن فيه الجلدة ،ونصف الجلدة ،وثلث الجلدة ،وربع الجلدة ،وأرش الخدش"
[بحار النوار ،26/37 :بصائر الدرجات :ص .].41
النقد:
209
هذا ،ونكتفي بهذا لقدر من المصادر الوهمية التي تزعمها الرافضة ،والتي يغني في بيان
فسادها مجرد عرضها وتصورها ..والتي لو كان شيء منها موجودا لتغير وجه التاريخ ،ولما
عجز الئمة -حسب منطق الروافض -عن الوصول إلى سدة الحكم ،ولما عصفت بهن
المحن ،ومات كل واحد منهم مقتولً أو مسموما -كما يزعمون ،-ولما غاب غائبهم في
سردابه ،وظل مختفيا قابعًا في مكمنه خوف القتل!! وهذه المزاعم الخطيرة التي دونها الروافض
في المعتمد من كتبهم تحمل أمورًا خطيرة:
تحمل دعوى استمرار الوحي اللهي ،وهو باطل ..قامت الدلة النقلية والعقلية على بطلنه،
وأجمع المسلمون على أن "الوحي قد انقطع منذ مات النبي صلى ال عليه وسلم ،والوحي ل
حمّدٌ َأبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَكِن ّرسُولَ الّلهِ وَخَاتَمَ
ن مُ َ
يكون إل لنبي ،وقد قال ال سبحانه{ :مّا كَا َ
ال ّن ِبيّينَ} [الحزاب ،آية .].40 :وقد جاء في نهج البلغة عن علي قال في حق رسول ال صلى ال
[نهج البلغة: عليه وسلم" :أرسله على حين فترة من الرسل ..فقفّى به الرسل ،وختم به الوحي"
ص .].191
فهذا قد يدل على أن هذه الدعاوي التي مضى عرضها من صنيع شيوخ الشيعة المتأخرين،
وقد لوحظ -كما سلف -أن مفيدهم (ت 413ه) يكفر من يذهب إلى القول بنسبة الوحي لغير
النبياء.
ثم هي تدعي أن الدين لم يكمل وهي مخالفة صريحة لقول ال سبحانه{ :ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ
دِينَكُمْ[ }..المائدة ،آية ،].3 :كما تزعم بأن رسول الهدى صلى ال عليه وسلم لم يبلغ جميع ماأنزل
ك مِن ّربّكَ َوإِن لّ ْم تَفْ َعلْ
إليه ،وأنه لم يتمثل أمر ربه في قوله { :يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ
َفمَا بَلّغْتَ ِرسَا َل َتهُ} [المائدة ،آية ].67 :وهذا إزراء بحق رسول ال ،ولهذا وجد من فرق الشيعة من
يقع في رسول ال [وهي طائفة العلبائية ،سيأتي التعريف بها ص (.].)619
وقد بلّغ النبي صلى ال عليه وسلم البلغ المبين ،وبيّن الدين ،وأقام الحجة على العالمين،
وأعلن ذلك بين المسلمين ،ولم يسر لحد بشيء من الشريعة ويستكتمه إياه ،قال تعالىَ { :لتُ َب ّينُ ّنهُ
لِلنّاسِ وَ َل تَ ْك ُتمُو َنهُ} [آل عمران ،آية ].187 :فهو بيان للناس وليس لفئة معينة من أهل البيت ،وقال
ن يَ ْك ُتمُونَ مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْل َب ّينَاتِ وَا ْلهُدَى مِن بَعْ ِد مَا بَ ّينّاهُ لِلنّاسِ فِي الْ ِكتَابِ
تعالى {إِنّ الّذِي َ
صلَحُواْ َو َبيّنُواْ} [البقرة ،آية،].160-159 :
ن تَابُواْ وََأ ْ
عنُونَ ،إِلّ الّذِي َ
أُولَـئِكَ يَل َع ُنهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ الّل ِ
ختَلَفُواْ فِيهِ} [النحل ،آية.].64 :
عَليْكَ الْ ِكتَابَ إِلّ ِل ُتبَيّنَ َلهُمُ الّذِي ا ْ
وقالَ { :ومَا أَنزَ ْلنَا َ
"فالدين قد تم وكمل ل يزاد فيه ول ينقص منه ول يبدل" [ابن حزام /المحلي ].1/26 :ل من إمام
مزعوم ،ول من غائب موهوم.
210
وقد ودع المصطفى الدنيا بعد أن بلغ الدين كله وبين جميعه كما أمره ربه ،وأعلم بذلك
المسلمين أجمع "فل سر في الدين عند أحد" [ابن حزام /المحلي.].1/15 :
قال صلى ال عليه وسلم" :تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل
[هذا جزء من حديث رواة ابن ماجه في سننه ،المقدمة ،باب اتباع الخلفاء الراشدين ،1/16 :وأحمد في مسنده: هالك"
،4/126والحاكم في مستدركه ،1/96 :وابن أبي عاصم في كتاب السنة باب ذكر قول النبي صلى ال عليه وسلم:
"تركتكم على مثل البيضاء" ،وروى عدة روايات في هذا المعنى صحح اللباني معظمها.].
[رواه ابن أبي قال أبو الدرداء رضي ال عنه" :صدق ال ورسوله فقد تركنا على مثل البيضاء
عاصم في كتاب السنة .].1/26
وقال أبو ذر رضي ال عنه" :لقد تركنا محمد صلى ال عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه
في السماء إل ذكر لنا منه علما" [روى هذا الثر المام أحمد في مسنده .].5/153وقال عمر رضي ال
عنه" :قام فينا رسول ال مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار
[صحيح البخاري ،كتاب بدء الخلق ،باب ما جاء في قوله منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه"
تعالى{ :وَهُ َو الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِي ُدهُ} ج.].4/73
وقال المام الشافعي" :فليست تنزل بأحد من أهل دين ال نازلة إل وفي كتاب ال الدليل على
سبيل الهدى فيها" [الرسالة :ص ،].20بل قال جعفر الصادق -كما تنقل كتب الشيعة نفسها " :-إن
ال تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى وال ما ترك ال شيئا يحتاج إليه العباد حتى ل
يستطيع عبد يقول :لو كان هذا أنزل في القرآن؟ إل وقد أنزل ال فيه" [أصول الكافي ،].1/59 :فكل
ما تنسبه الشيعة بعد هذا كذب.
والرافضة ليست على شيء في مخالفتها في هذا الصل العظيم الذي "هو أصل أصول العلم
[معارج واليمان ،وكل من كان أعظم اعتصاما بهذا الصل كان أولى بالحق علما وعملً"
الوصول :ص ،2وانظر :موافقة صحيح المنقول.].1/13 :
وأين هذه "المصادر" اليوم؟ وماذا ينتظر "منتظرهم" حتى يخرج بها إلى الناس؟ وهل الناس
بحاجة إليها في دينهم؟ فإن كان الناس بحاجة فلم تبقى المة منذ اختفاء المام "المزعوم" منذ
أكثر من أحد عشر قرنا بعيدة عن مصدر هدايتها؟ وما ذنب كل هذه الجيال المتعاقبة لتحرم
من هذه "الفيوضات" والكنوز؟!
وإن لم تكن المة في حاجة إليها فلم كل هذه الدعاوى ،ولم يصرف هؤلء الشيعة عن مصدر
هدايتهم وهو كتاب ال وسنة نبيه؟!
211
إن الحق الذي ل ريب فيه أن ال أكمل لنا ديننا {ا ْليَوْمَ أَ ْكمَلْتُ لَ ُكمْ دِينَكُمْ }..وكل دعوى بعد
ذلك فهي باطل من القول وزور.
وكل هذه الدعاوى أرادت منها هذه الزمرة إثبات ما تزعمه في الئمة ..فزادت وغلت في
ذلك ..فانكشف بذلك أمرها ..والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده.
ولو كان عند علي مثل هذه العلوم ..لخرجها للناس أيام خلفته ،ولرواها عنه أئمة أهل
السنة ولم يختص بها شرذمة من الرافضة.
بل إن هذه الدعاوى وجد لها أصل في عهد أمير المؤمنين وتولى كبرها بعض العناصر
السبئية ،كما جاء في رسالة الرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية -كما سلف ،-وقد نفى أمير
المؤمنين علي هذه المزاعم نفيا قاطعا ،وأعلن ذلك للمسلمين ،ونفى أن يكون عندهم شيء أسره
الرسول لهم واختصوا به دون المسلمين ..وأقسم على ذلك قسما مؤكدا ،وكأنه -رضي ال عنه
-خشي أن يأتي من يقول بأن هذا النكار تقية ،فأقسم على نفي ذلك ليهلك من هلك عن بينة
ويحيى من حيى عن بينة ،وهذا من فراسة الرعيل الول ببركة صحبة النبي والتلقي عنه
والجهاد معه ..وقد جاء الحديث عن علي في نفي تلك المزاعم في الصحاح والسنن والمسانيد
[وقد مر تخريجه ص.].)79( :
وقد وقفت على هذا النص في بعض كتب الشيعة ،فقد جاء في تفسير الصافي" :أنه عليه
السلم سئل هل عندكم من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم شيء من الوحي سوى القرآن؟
قال :ل ،والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إل أن يعطى العبد فهما في كتابه" [تفسير الصافي.].1/19 :
ثم تطورت هذه المزاعم وكثرت في عصر جعفر الصادق وأبيه -رحمهما ال -وكان لكل
اتجاه شيعي نصيبه من هذه المزاعم ،ولكن الثني عشرية استوعبت كل ما عند هذه الفرق
وزادت عليها على مر السنين ،وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى هذا التجاه عند الشيعة في
نسبة هذه الوهام كالجفر ونحوه لبعض أهل البيت ولم يحدد فرقة الثني عشرية بذاتها إل أنه
[منهاج نسب القول بأن عليا أعطي علما باطنا مخالفا للظاهر نسب ذلك إلى القرامطة الباطنية
[منهاج السنة: السنة ،].4/179 :كما نسب القول بأن عليا يعلم المستقبلت إلى الغلة من الشيعة
،].4/179ويرى الشيخ أبو زهرة "بأن الخطابية هم أول من تكلم بالجفر واستنبط ذلك من كلم
للمقريزي" [المام الصادق :ص .].126
وأضيف بأنه جاء في كتب الشيعة أيضا ما يوافق ذلك وهو أن أبا الخطاب هو الذي نسب
علم الغيب إلى جعفر الصادق ،وأن جعفرا كذبه في ذلك وتبرأ منه ،وقدّم من حياته أمثلة لجهله
212
بما غاب عنه ،وإن كان من أقرب الشياء إليه شأنه في ذلك شأن سائر البشر ،وسيأتي نص
كلمه.
وهذه الدعاوى ينفيها واقع الئمة ،فقد تلقوا العلم كغيرهم من بني البشر ..ومن يراجع
[فقد أخذ -مثلً -علي بن الحسين العلم عن جابر وأنس (منهاج السنة: تراجمهم يجد هذا واضحا جليا
،)2/153وأخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية ،وأخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة ،وأبي رافع
مولى النبي صلى ال عليه وسلم ،ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وغيرهم من علماء أهل المدينة( .منهاج
السنة ،)4/144 :وكان الحسن -رضي ال عنه -يأخذ عن أبيه وعن غيره حتى أخذ عن التابعين ،وهذا من علمه
ودينه -رضي ال عنه ( -نفس الموضع من المصدر السابق) وهكذا سائر علماء أهل البيت.].
وقد أقرت الشيعة في أوثق كتاب عندها في علم الرجال وهو "رجال الكشي" أقرت بأن محمد
بن علي بن الحسين يروي عن جابر بن عبد ال ،واعتذرت عن ذلك باعتذار غريب ،حيث
قالت :إنه يروي عنه ليصدقه الناس [رجال الكشي :ص .].28وهذا العتذار ل يقبل بالنظر إلى
دعاوى الشيعة في أئمتها ،وأن عندهم من المعجزات والعلوم والكتب ما يجعلهم يستولون على
العقول والقلوب ،كما أنهم من سللة الرسول فكيف ل يصدقهم الناس حينئذ؟!
ولو كان لمير المؤمنين بعض ما يدعون لدبر المر في خلفته على غير ما دبر ،ولقد ندم
على أشياء مما فعلها [منهاج السنة ،].4/180 :والشيعة يذكرون أن مسيرة الحسين إلى أهل الكوفة،
وخذلنهم له ،وقتله كانت سبب ردة الناس إل ثلثة" [أصول الكافي ،2/280 :رجال الكشي :ص ،].123
ولو كان يعلم المستقبل وأنهم سيرتدون ما سار إليهم أو سار إلى غيرهم.
وقد تبرأ جعفر من ذلك الغلو ومن الغلة وروت ذلك كتب الشيعة نفسها ،فقد نفى ما نسبه
إليه أبو الخطاب من العلم بالغيب وأقسم على ذلك يمينا مؤكدا ،وقدم من واقع حياته مثالً عمليا
على ذلك فقال .." :لقد قاسمت مع عبد ال بن الحسن حائطا بيني وبينه فأصابه السهل والشرب،
وأصابني الجبل" [رجال الكشي :ص 189-188ط :إيران ،بحار النوار .].25/322 :وقال" :يا عجبا لقوام
يزعمون أنا نعلم الغيب ،ما يعلم الغيب إل ال ،لقد هممت بضرب جاريتي فلنة فهربت مني
فما عملت في أي بيوت الدار هي" [أصول الكافي .].1/257 :ولقد كان واقع حياتهم العملية -كما
قلت -يكشف كل هذه الدعاوى حيث كانوا كسائر البشر يسهون ،ويخطئون.
وقد اخترع مهندسو التشيع عقيدتين للخروج من هذا هما عقيدة التقية ،والبداء ،فإذا أجاب
[انظر: المام بخلف الصواب قالوا :التقية ،وإذا أخبر بأمر ووقع خلفة قالوا :قد بدا ال سبحانه
فصلي التقية ،والبداء.].
213
وقد يقال بأن هذه الدعاوى مجرد حكايات ل رصيد لها من الواقع وقد حفظتها كتب الشيعة
ليبقى عارها عليها إلى البد ،وليس لها أثر في واقع الحياة؛ لنه ل وجود للئمة ..وأقول :إن
هذه الساطير المكشوفة لها آثارها الخطيرة على نفسية وعقلية أولئك التباع الغرار ،وقد
تؤدي بمن يؤمن بها ويعطي لعقله فرصة التأمل والتفكر فيها إلى متاهات اللحاد ،كما أن هذا
الغلو قد تحول إلى واقع عملي واضح وهو الغول في قبور الئمة -كما سلف .-
وجانب ثالث وهو أن في عقيدة هؤلء -كما سيأتي في المامة -أن آياتهم ومراجعهم لهم
حق النيابة عن الغائب وتمثيله بين الناس ،وأنهم على صلة بهذا الغائب ،وقد يظهر لبضعهم كما
يزعمون.
إذن هذه الدعاوى عادت بشكل واقعي ،وارتدت بصورة خطيرة متمثلة في المرجع الشيعي
وهذا ما سنفصله في مبحث حكايات الرقع:
حكايات الرقاع:
مات الحسن العسكري (سنة 260ه) والذي تزعم الشيعة أنه إمامها الحادي عشر "ولم يعرف
له خلف ولم ير له ولد ظاهر" [المقالت والفرق :ص ،].102كما تعترف كتب الشيعة ،وقال ثقات
المؤرخين بأنه مات عقيما [انظر :المنتقى ص .].31فكانت هذه الواقعة قاصمة الظهر للتشيع ،لن
هذا مؤذن بنهايتهم ،إذ إن أساس دينهم هو المام الذي يزعمون أن قوله قول ال ورسوله
والمام توفي ولم يخلف ولدا يتعلقون به ،وحينئذ توقف النص المقدس سنة (260ه) وانقطع سيل
الموال الجارية التي تؤخذ من التباع باسم المام ،فافترق الشيعة ،وتشتت أمرهم ،وعظم
الخطب عليهم ،وضاقت بهم السبل -كما سيأتي [سيأتي نقل صورة لذلك في فصل الغيبة.-].
إل أن تلك الزمرة التي أخذت على عاتقها تفرقة المة أخذت تنسج خيوطها وأوهامها،
وتضع شباك مؤامراتها للبحث عن وسيلة لستمرار دعوى التشيع ليستمر من خلل ذلك كيدهم
للمة ودينها ،والستيلء على أموال الجهلة والمغفلين بأيسر طريق ،والحصول على وجاهة
ومنزلة عندهم؛ فادعت دعوى في غاية الغرابة ،ادعت أن للحسن ولدا قد اختفى فلم يعرفه أحد،
وكان سبب اختفائه خوف القتل ،مع أنه لم يقتل أبوه وأجداده -من ِقبَلِ دولة الخلفة -وهم
كبار فكيف يقتل وهو طفل رضيع؟! ،إل أن هذه الفكرة رغم سذاجتها ،وظهور زيفها راقت
لشيوخ الشيعة ،وأخذوا يشيعونها بين أتباعهم ،وبدأت تتسلل للوساط الشيعية الشعبية بشرية
تامة ..واختلف الشيوخ على النيابة ،وكل يخرج "توقيعا" أي :ورقة من الطفل يلعن بها الخر
ويزعم فيها أنه هو نائب الطفل.
214
وكثر الذين يدعون النيابة وذلك بغية الستيلء على الموال التي تجبى باسم هذا "المنتظر"،
وقد ارتضت طائفة الثني عشرية أربعة من هؤلء واعتبرتهم هم النواب عن المام .وكان
هؤلء الوكلء عن هذا الطفل الصغر يأخذون الموال ،ويتلقون السئلة والطلبات ويخرجون
لصحابها بطريقة سرية أجوبة وإيصالت يزعمون أنها بخط هذا "الطفل" الذي قالوا عنه بأنه
سيظهر ووقتوا لظهوره وقتا حتى ل يسارع في تكذيبهم ،ثم لما مضى ذلك الجيل قالوا :إنا ال
بدا له وأنه ل توقيت لخروجه -كما سيأتي – [انظر :فصل الغيبة.].
وكانت تلك الخطوط المجهولة ،والتي خرجت على يد تلك الزمرة المتآمرة ،والمنسوبة لذلك
الطفل المدعى ..هي عندهم من أوثق السنن وأقوى النصوص .ويسمونها "التوقيعات"،
"والتوقيعات هي خطوط الئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة".
ويبدو أنه في ظل التحزب والتعصب يفقد العقل وظيفته ،ويصاب الفكر بالشلل والتعطل ..فقد
جعل هؤلء المفترون لهذا الطفل المزعوم وظيفة "المشرع" أي منصب النبياء والرسل ،مع أن
مكانه -لو وجد -في حضانة وليه ،وكانت بداية النقل الشرعي عن هذا الرضيع منذ ولدته،
وهو ما ل يكون إل في خيالته المعتوهين.
استمع لبن بابويه الملقب عندهم بالصدوق يروي عمن سموها "نسيما" وزعموا أنها خادمة
هذا الرضيع ،أنها قالت:
"قال لي صاحب الزمان وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال لي :رحمك ال،
قالت نسيم :ففرحت بذلك ،فقال لي -عليه السلم :-أل أبشرك في العطاس؟ قلت :بلى يا
مولي ،قال :هو أمان من الموت ثلثة أيام" [إكمال الدين :ص ].416 ،407-،406فهذا النص ينقله
واحد من أكبر شيوخهم ويعتبره من سنة المعصومين والتي هي كقول ال ورسوله..
وقد تولى بث هذه الخبار مجموعة من هؤلء الفاكين الذين يدعون الصلة بهذا المنتظر
وارتضت هذه الطائفة أربعة منهم -كما سبق ،-وسميت فترة النيابة التي تعاقبوا عليها بالغيبة
الصغرى والتي استمرت زهاء سبعين سنة ،كما كان في بلدان العالم السلمي مجموعة تمثل
هؤلء النواب ،وكانوا يستلمون الوال ويخرجون للناس التوقيعات المزعومة.
وقد اهتم شيوخ الشيعة بهذه التوقيعات ودونوها في كتبهم الساسية ،على أنها من الوحي
[أصول الكافي 1/517 :وما بعدها (باب الذي ل يأتيه الباطل (!) كما فعل الكليني في أصول الكافي
[إكمال الدين :ص 450وما بعدها (الباب التاسع والربعون ذكر مولد الصاحب) ].وابن بابويه في إكمال الدين
التوقيعات الوراردة عن القائم) ،].والطوسي في الغيبة [الغيبة ص 172وما بعدها ،].والطبرسي في
[بحار النوار( 246-53/150 :باب ما خرج الحتجاج [الحتجاج 2/277 :وما بعدها ،].والمجلسي في البحار
215
من توقيعاته) ،].وقد جمع شيخهم عبد ال بن جعفر الحميري الخبار المروية عن منتظرهم في
كتاب سماه" :قرب السناد" [وقد طبع في المطبعة السلمية بطهران.].
[أغا وذكر صاحب الذريعة كتابين لهم في هذا باسم" :التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة"
برزك الطهراني /الذريعة إلى تصانيف الشيعة.].501-4/500 :
وتحكي هذه "التوقيعات" رأي المام المزعوم في كثير من أمور الدين والحياة ،وتصور قدرته
على علم الغيب المجهول ..وتحقيقه لماني شيعته وشفائه لمراضهم ،وحل لمشاكلهم ،وإجابته
لسئلتهم واستلمه لما يقدمونه من أموال ،وقد تصاغ أحداث ذلك أحيانا بثوب قصصي.
والمتأمل للفتاوى المنسوبة إليه في أمور الدين يرى في الكثير منها الجهل في أبسط مسائل
الشيعة ،مما يدل على أن واضع هذه "التوقيعات" هو من المتآمرين الجهلة الذين ل يحسنون
الوضع ،أو أن ال سبحانه شاء كشفهم وفضحهم على رؤوس الخلئق ..فجاءت محاولتهم في
الكذب كمحاولة مسيلمة في محاكاة القرآن.
استمع إلى شيء من هذه التوقيعات:
"وكتب إليه صلوات ال عليه أيضا في سنة ثمان وثلثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل ..سأل
عن البرص والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم؟ فأجاب عليه السلم :إن كان ما بهم
حادث جازت شهادتهم ،وإن كانت ولدة لم تجز" [بحار النوار.].53/164 :
فهل للبرص ونحوه أثر في قبول الشهادة وردها ،وهل للتفريق بين ما هو أصلي وحادث
وجه معقول ..وهل تستحق مثل هذه الفتاوى مناقشة ..وكيف ينسب مثل ذلك لهل البيت ،بل
وللسلم؟!
وسأل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلم :يسبح به
فما من شيء من التسبيح أفضل منه ،ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب
له التسبيح" [بحار النوار.].53/165 :
فهذا المبدأ من دين الوثنين ،ل من دين التوحيد ..وله يكتب التسبيح بالعبث بالمسبحة ..فأي
شرعة هذه وأي فقيه يفتي بذلك؟!
[فهو يفتي لمن سأله هل يجوز أن يسجد والمثلة على هذا اللون من الفتاوى الجاهلة الغبية كثيرة
على القبر أم ل؟ فيقول" :والذي عليه العمل أن يضع خده اليمن على القبر ،وأما الصلة فإنها خلفه ويجعل القبر
أمامه( .بحار النوار.)53/165 :
فكيف يجعل القبر قبلة؟ ولم يعفر خده بطين القبر؟! ،والمسلم مأمور بالتوجه لبيت ال ،والسجود ل وحده .وقد جاء
اللعن لمن اتخذ القبور مساجد.
216
ومن المثلة أيضا التي وجهت بزعمهم للطفل المنتظر وجاء التوقيع بجوابها السؤال التالي" :قد اختلف أصحابنا في
مهر المرأة فقال بعضهم :إذا دخل بها سقط المهر ،ول شيء لها ،وقال بعضهم :هو لزم في الدنيا والخرة ،فكيف
ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟ فأجاب عليه السلم :إن كان عليه بالمهر كتاب فيه دين ،فهو لزم له في الدنيا والخرة،
وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها ،وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط في الصداق.
(بحار النوار.)53/169 :
فهل هذا الجواب يخرج من فيّ عالم ،بل من جاهل يملك ذرة من عقل؟ وهل هذا المبدأ من دين السلم؟ كيف
يقرر مثل هذا المبدأ الذي يبيح أخذ مال الغير إذا لم يكتب ..فيسقط الصداق إذا لم يكن فيه كتاب ..هذه شرعة
اللصوص والباحيين ل دين السلم .هذا ومن أراد التوسع في هذه المثلة فليرجع لبحار النوار ج ،53وإكمال الدين
لبن بابويه ،والغيبة للطوسي وغيرها.].
وهذه "السنة" التي تخرج من المنتظر تحمل الخبار بالمغيبات ،والقدرات الخارقة على تحقيق
المنيات ..فهذا الشيعي الذي أصيب بمرض عضال أعيا الطباء شفاؤه ..يتوجه لهذا المنتظر
عن طريق نوابه فيكتب رقعة يطلب فيها الشفاء فيأتي التوقيع بالدعوة له بالشفاء فما تأتي جمعة
حتى يشفى [أصول الكافي.].1/519 :
وهذا الرجل الذي ل تحمل زوجته ،وقد بلغ به الحنين والشوق إلى الولد ما بلغ ،فما أن يكتب
إلى الناحية المقدسة [كنابة عن مهديهم المنتظر ].حتى يخرج التوقيع بأنه سيحمل له قبل الربعة
أشهر وسيولد له ابن [إكمال الدين :ص .].460
وعن طريق هذا الطفل الغائب يعرفون متى يموتون ،فهذا شيعي يكتب إليه يسأله كفنا فيأتي
التوقيع "إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين ،فمات في سنة ثمانين وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام"
[أصول الكافي ،1/524 :إكمال الدين :ص .].467 ،465
وقد جاءت توقيعات من المنتظر يؤخذ منها أن العمل بسنن السلم وشرائعه يتوقف على
إذن "القائم المنتظر" ،فكأن "سنة" هذه "الرقاع" المزورة أبلغ من نصوص السلم عندهم ،كما قد
يؤخذ من النصوص التالية" :ولد لي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع .فلم يكتب شيئا
فمات المولود يوم الثامن[ "..ابن بابويه /إكمال الدين :ص .].456
فهو يتوقف في ختان ابنه حتى يأتي له الذن من القائم.
والزواج مرتبط بأمر القائم في الغالب ،قال أحدهم" :زوجت بأمره سرا فلما وطئتها علقت
وجاءت بابنة فاغتممت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك (يعني في رسالة إلى هذا الطفل
[نفس المنتظر) فورد :ستكفاها ،فعاشت أربع سنين ثم ماتت فورد :ال ذو أناة وأنتم تستعجلون
الموضع من المصدر السابق .ويلحظ أن هذا المنتظر المعصوم -بزعمهم -أقر هذا المشتكي على غمه وحزنه مع
شرَ أَحَدُهُ ْم بِالُنثَى ظَلّ وَجْهُ ُه ُمسْ َودّا وَهُ َو كَظِيمٌ} [النحل ،آية.]58 :
أن ذلك سنة أهل الجاهلية الذين { َوإِذَا ُب ّ
217
حنُ َن ْرزُقُهُمْ
ق نّ ْ
شيَةَ إِمْل ٍ
خ ْ
وقد اهتم بأمر رزقها مع أن ال سبحانه هو المتكفل بالرزقَ { :ولَ َت ْقتُلُو ْا أَوْلدَكُ ْم َ
َوِإيّاكُم} [السراء ،آية ]31 :ولكن النص عن هذا المنتظر اعتبر الموت هو الكافي.].
والحج متوقف على إذن هذا الطفل المزعوم ،فهذا شيعي يقول" :تهيأت للحج ،وودعت
الناس ،وكنت -كذا -على الخروج فورد :نحن لذلك كارهون ،والمر إليك ،قال :فضاق
صدري واغتممت وكتبت :أنا مقيم على السمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج ،فوقع:
ل يضيقن صدرك فإنك ستحج من قابل إن شاء ال ،قال :ولما كان من قابل كتبت أستأذن،
فورد الذن" [أصول الكافي .].1/522 :فهل أمر قائمهم فوق أمر ال وشرعه حتى يستأذن في ركن
من أركان السلم؟!!
وهذا التوقيعات التي تحمل كل هذه الباطيل ،لها عند شيوخ الشيعة مكانة خاصة ،ومزية
ظاهرة حتى إنهم رجحوا هذه التوقيعات على ما روي بإسناد صحيح عندهم في حال التعارض.
قال ابن بابويه في كتابه "من ل يحضره الفقيه" بعدما ذكر التوقيعات الواردة من الناحية
المقدسة في باب "الرجلين يوصى إليهما "..قال :هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن
علي ،ثم ذكر أن في الكافي للكليني رواية بخلف ذلك التوقيع عن الصادق ،ثم قال" :لست أفتي
بهذا الحديث بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي ،"..وعقب على ذلك الحر العاملي فقال:
" ..فإن خط المعصوم أقوى من النقل بوسائط".
وكيف يجزمون بأن هذا هو خط الحسن أو "المنتظر" (الذي لم يولد) مع أن الخطوط تتشابه،
والكذب والتزوير على أهل البيت كثير؟ وكيف يعتمدون في هذا على قول واحد غير معصوم
هو "نائب المنتظر" مع أن العصمة من أصولهم؟ كما أن هذا النائب محل شك كبير ،لن مسألة
"النيابة" يتصارع كثير من رؤسائهم على الفوز بها لنها وسيلة سهلة لجمع الموال.
فصار من المحتمل أن الذي فتح على الشيعة هذا الباب لص ماهر محتال لبس ثوب الكذب
وارتدى زي النفاق للكسب الحرام والتآمر والضلل ..لكن صار نقل هذا الواحد وغير
المعصوم؛ بل والمشبوه هو عمدة عند شيوخهم ،فهو يرجحون ما في هذه التوقيعات على ما
جاء في أصح كتبهم .ومن يزعم الصلة بهذا المنتظر ،أو يزعم أنه قد أرسل له برسالة يحظى
[انظر :رجال الحلي :ص ( 100ترجمة علي بن الجهم) ،ووسائل بثقة القوم ،كما نجد ذلك في تراجم رجالهم
الشيعة ،20/332 :ترجمة محمد بن عبد ال بن جعفر الحميري ،وكذلك ترجمة علي بن الحسين بن بابويه في المصدر
السابق ،].20/262 :مع أن هذا بدللة العقل والتاريخ من أكبر البراهين على كذبهم.
كما يجري في هذه التوقيعات توثيق الرجال أو ذمهم ،ويجعل ذلك أصلً عندهم في جرحه
وتعديله [انظر :رجال الحلي ص ،].90فهي مصدر من مصادر دينهم.
218
قال اللوسي -رحمه ال " :-إنهم أخذوا مذهبهم من الرقاع المزورة التي ل يشك عاقل أنها
[كشف غياهب الجهالت: افتراء على ال تعالى ول يصدق بها إل من أعمى ال بصره وبصيرته"
ص ( 12مخطوط).].
ثم تحدث اللوسي عن أحد رجال الرافضة الذي يدعي أنه اتصل بهذا المنتظر في غيبته
المزعومة ويدعى علي بن الحسين من موسى بن بابويه القمي ،والذي زعم أنه وصلته رقاع
[الملقب بالصدوق بإطلق -عندهم -هو ابنه من هذا المنتظر وتعجب كيف تلقبه الرافضة بالصدوق
"صاحب من ل يحضره الفقيه" ،].وقال" :ل يخفى عليك أن هذا من قبيل تسمية الشيء باسم ضده،
وهو وإن كان يظهر السلم فهو كافر في نفس المر" ،ثم بين أن دعواه ل يخفى كذبها على
عاقل فهل يزعم أنه يكتب مسألة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلً فيكتب الجواب عنها
صاحب الزمان [انظر نص الشيعة على أن ابن بابويه ممن كاتب منتظرهم :وسائل الشيعة.].20/262 :
ثم ذكر أن الرافضة لم تكتف بمجرد تصديق هذه "الخرافة" بل جعلوا هذه الرقاع من أقوى
دلئلهم ،وأوثق حججهم وتعجب كيف يزعمون بعد هذا أنهم أتباع البيت وقد أثبتوا أحكام دينهم
بمثل هذه الترهات ،واستنبطوا الحرام والحلل من نظائر هذه الخزعبلت ،وقال :إنهم في
الحقيقة أتباع الشياطين وأهل البيت بريئون منهم [كشف غياهب الجهالت :ص ( 12مخطوط).].
ذلك أن مثل هذه الرقاع ل يقام لها وزن في قضاء ول في منطق ول في عقل من عقول
البشر ،فهي "رقاع " منسوبة لطفل مشكوك في وجوده أصلً -حتى عند طوائف من الشيعة،
بل وينكر بعضهم وجوده ،وهو متيقن عدمه عند أهل التحقيق كما سيأتي -عليها خط مجهول
ووصلت بوسائط مجهولة ،فهل يبنى على مثل ذلك حكم فضلً عن أن تكون مصدرا من
مصادر التشريع؟! إن ذلك لعار على الرافضة إلى البد ،وبرهان دائم على كذبهم ..وفضيحة
من ال سبحانه لمن أراد أن ينسب إلى الدين ما ليس منه..
وهذه التوقيعات جرت في فترة الغيبة الصغرى -كما يسمونها -والتي استمرت قرابة
سبعين سنة ،تعاقب على دعوى النيابة عن المام الغائب فيها أربعة ممن يسمونهم بالسفراء
والنواب -كما سبق ..-وقد أعلن رابعهم وهو "السمريّ" انتهاء الصلة بالمام وانقطاع فترة
النيابة .قالوا" :خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمريّ( :يعني خرجت ورقة من المنتظر
المزعوم) يا علي بن محمد السمريّ ،اسمع أعظم ال أجر إخوانك فيك ،فإنك ميت ما بينك وبين
ستة أيام ،فأجمع أمرك ،ول توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ،فقد وقعت الغيبة التامة ،فل
ظهور إل بعد إذن ال تعالى ذكره ..وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة ،أل فمن ادعى
[ابن بابويه /إكمال الدين ،2/193 :الطوسي/ المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر"
219
الغيبة :ص .].257وهذا يعني أن النص المعصوم -عندهم -قد انقطع بالغيبة الكبرى سنة (
329ه) ولكن شيوخ الشيعة -فيما بعد -لم تقتنع بالعلن عن النقطاع التام عن المنتظر،
وكثرت الدعاوى عندهم في التصال بالمنتظر ،ولقائه والخذ عنه (مع أن منتظرهم يقول :بأن
من ادعى ذلك فهو كذاب) ،وهذا يعني استمرار النص المقدس وأنه لم يتوقف ،كما أعلن ذلك
الشيعة بعد وفاة السمريّ ..فها هو شيخهم ابن المطهر الملقب بالعلمة يدّعي اللقاء بالمهدي
وأنه نسخ له كتابا في ليلة واحدة [بحار النوار.].51/361 :
ويفسر شيخهم النوري الطبرسي نص الكافي الذي يقول" :لبد لصاحب هذا المر من غيبة،
[النوري الطبرسي /جنة المأوى( 53/320:المطبوع ولبد له في غيبته من عزلة ،وما بثلثين من وحشة"
[النوري الطبرسي/ مع بحار النوار) ].بأنه في "كل عصر يوجد ثلثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه"
جنة المأوى( 53/320:المطبوع مع بحار النوار) ،].بل قالوا :إن بعض المجتهدين يتمكن من لقاء الغائب
ويأخذ منه بعض الحكام الشرعية ،وقد ل يستطيع أن يعلن عن هذا اللقاء لمر المام له
[جنة بالكتمان فهو حينئذ يدعي حصول الجماع على هذا الحكم ،وإن لم يوجد إجماع في الحقيقة
المأوى( 321-53/320 :ضمن بحار النوار).].
وبهذا يفسرون دعاوى بعض شيوخهم الجماع على مسائل لم يقل بها سوى هؤلء الشيوخ،
وسيأتي في مبحث الجماع عندهم قولهم بتحقق الجماع بقول فئة يوجد فيها "عالم مجهول
النسب غير معروف" وأنه بقولها يحصل الجماع مهما خالف من خالف على اعتبار أن هذا
المجهول قد يكون المام.
وقرر شيوخهم بأن هذا المنتظر الذي لم يوجد "كان يجتمع بجملة من أهل العلم والتقوى الذين
كانوا يستحقون المقابلة كالعلمة السيد مهدي بحر العلوم النجفي فيما اشتهر عنه ،والشيخ ميثم
البحراني فيما ينقل عنه[ "..محمد صالح /حصائل الفكر :ص ،].123وقد ألف بعض شيوخهم مصنفات
في حكايات وأحداث من اجتمع بهذا المنتظر ،كما فعل المجلسي (ت 1111ه) في البحار ،ثم جاء
بعده النوري الطبرسي (ت 1320ه) فكتب في ذلك كتابا سماه "جنة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجة
ومعجزاته في الغيبة الكبرى" ،وقد أورد فيه تسعا وخمسين حكاية ،وذكر من كان بعد المجلسي
ممن ادعى اللقاء بالمنتظر [انظر :أغا بزرك /الذريعة.].5/159 :
وهكذا صار بإمكان كل شيطان رجيم من النس والجن أن يحتال على هؤلء ،ويتظاهر بأنه
المنتظر ويدس في دينهم ما يبعدهم عن الحق ما داموا فتحوا هذا الباب على أنفسهم ويعتبرون
ذلك من السنة ،وبإمكان كل شيخ زنديق متلفع برداء الدروشة ومتوشح بالسواد متظاهر بالعلم
مدعٍ للسيادة -وما أكثر هؤلء عندهم -أن يزعم اللقاء بالمنتظر ليحظى بالتعظيم ،وليغير من
220
دينهم ما شاء له إلحاده ،ولسيما أن هؤلء يزعمون أن هذا المنتظر يتصور بصور مختلفة،
ويظهر بأشكال وأردية متنوعة [انظر :تاريخ الغيبة الكبرى للصدر :ص .].40فهذه اللقاءات المزعومة
ل تخلو من حالتين :إما أن مدعيها كاذب أراد السمعة ،أو قصد الضلل ،أو أراد كل المرين،
[راجع للتعرف على هذا المعنى ،وبيان كيد أو أنه صادق والذي مثل الدور أمامه شيطان من الشياطن
الشيطان لبني آدم ،وتمثله لبعض الشيوخ المضلين لغرائهم( :الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).].
قال شيخ السلم ابن تيمية .." :وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم ويكون المرئي جنبا"
[مجموع فتاوى شيخ السلم.].13/95 :
وقد ضلت النصارى -كما يقول شيخ السلم -بمثل هذا حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن
صلب -كما يظنون -أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم وهذا مذكور في أناجيهم وذاك
[ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الذي جاء كان شيطانا قال :أنا المسيح ولم يكن هو المسيح نفسه
الحواريين ،كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين ،ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي
يجب عليهم تبليغه ،ولم يرفع حتى بلغ رسالت ربه ،فل حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء (المصدر السابق:
.].)13/94
كما قال شيخ السلم :إن أصحاب الحلج لما قتل كان يأتيهم من يقول :أنا الحلج ،فيرونه
في صورته عيانا ،وكذلك شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من
جهته رسائل وكتب مكتوبة ،وقد ذكر شيخ السلم أنه اطلع على هذا الكتاب المنسوب للدسوقي
حيث أطلعه عليه بعض الصادقين من أتباع الدسوقي.
يقول شيخ السلم :فرأيته بخط الجن ،وقد رأيت خط الجن غير مرة .ثمر ذكر شيخ السلم
نماذج أخرى من هذا القبيل ثم قال :وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد بن
الحنفية قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جنى في صورته ..ثم قال :وهذا باب واسع واقع كثيرا
وكلما كان القوم أجهل كان عندهم أكثر [مجموع فتاوى شيخ السلم.].95-13/94 :
مرويات الصحابة:
وبعدما لحظنا أن الثني عشرية حصرت نفسها في نطاق ضيق ،وهو ما ينقل عن بعض
أهل البيت من روايات ،ولم تكتف بأهل العلم منهم؛ بل أدخلت فيهم من لم يشتهر بعلم -كما
سيأتي -حتى عملت برقاع منسوبة لطفل مختلف في وجوده ،وجعلت ما ينقل عن هؤلء ما
يقوله رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنها أيضا حرمت نفسها من مصدر عظيم للعلم واليمان
هو" :روايات الصحابة" رضوان ال عليهم ،الذين فازوا بصحبة رسول ال ،وشهدوا التنزيل،
وعرفوا التأويل وأنثى ال عليهم ورسوله.
221
يقول محمد حسين آل كاشف الغطا -أحد مراجع شيعة هذا العصر -في تقرير مذهب
طائفته في ذلك" :إن الشيعة ل يعتبرون من السنة (أعني الحاديث النبوية) إل ما صح لهم من
طرق أهل البيت ..أما ما يرويه مثل أبي هريرة ،وسمرة بن جندب ،وعمرو بن العاص
ونظائرهم فليس لهم عند المامية مقدار بعوضة" [أصل الشيعة وأصولها :ص ،].79فهو هنا يقرر أن
[قوله" :ما صلح لهم من طرق أهل البيت" هذا مذهب الشيعة هو قبول "ما صح لهم من طرق أهل البيت"
تعبير فيه شيء من التمويه والخداع ،لن من ل يعرف طبيعة مذهب الشيعة يظن أن العمدة عندهم هو كلم رسول
ال صلى ال عليه وسلم -الذي جاء من طرق آل البيت -في حين أنهم يعدون الواحد من الثني عشر كالرسول ل
ينطق عن الهوى ،وقوله كقول ال ورسوله ،ولذلك يندر وجود أقوال الرسول في مدوناتهم؛ لنهم اكتفوا بما جاء عن
أئمتهم ،كما أن قوله :أهل البيت ،إنما يعني بعضهم ،فليس كل آل البيت يصلحون – عندهم -طريقا للرواية ،لن آل
البيت ليسوا جميعا أئمة ،فالرواية عن ذرية فاطمة من ولد الحسين -رضي ال عنه -ل تعتبر روايتهم؛ لن من بعد
الحسن من ذريته ليسوا أئمة عندهم ،وغاية أمرهم أن يعتبروا مجرد رواة يخضعون للرد والقبول ،ولذلك كفر الثنا
عشرية كل من خرج وادعى المامة من آل البيت (ما عدا الئمة الثني عشر عندهم)( .أصول الكافي 1/372:رقم ،1
.)3ويلحظ أن الطوسي في الستبصار يرد روايات زيد بن علي (الستبصار .)1/66 :فتعبير آل كاشف الغطا فيه
شيء من التمويه والخداع ،لن الكتاب وضع للدعاية للتشيع في العالم السلمي ].دون ما سواه من روايات
صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وإذا عرفنا أن الثني عشرية تعني بأهل البيت "الئمة الثني عشر" ،والذي أدرك الرسول
صلى ال عليه وسلم منهم وهو مميز هو أمير المؤمنين علي ،وعليه فهل يتمكن أمير المؤمنين
من نقل سنة الرسول صلى ال عليه وسلم كلها للجيال ..كيف وهو ل يكون مع الرسول صلى
ال عليه وسلم في كل الحيان ..فقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يسافر ويستخلفه في
بعض الحيان كما في غزوة تبوك ،كما كان علي يسافر ورسول ال في المدينة فقد بعثه رسول
ال إلى اليمن.
وكذلك ألحقه بأبي بكر حين أرسله لهل مكة ،بالضافة إلى حال الرسول صلى ال عليه
وسلم في بيته والتي يختص بنقلها زوجاته أمهات المؤمنين ..وهذا من أسرار وحكم تعددهن..
فإذن علي ل يمكن أن يستقل بنقل سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فكيف يقولون بأنهم ل
يقبلون إل ما جاء عن طريقه؟! كما أن هذه المقالة ،وهي حصر نقل سنة رسول ال صلى ال
عليه وسلم بواحد يفضي إلى فقدان صفة التواتر في نقل شريعة القرآن ،وسند سيد النام صلى
ال عليه وسلم "ولهذا اتفق المسلمون على أنه ل يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا؛ بل
[منهاج السنة،4/138 : يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب"..
ويقول شيخ السلم أيضا" :وخبر الواحد ل يفيد العلم بالقرآن والسنن المتواترة ،وإذا قالوا :ذلك الواحد المعصوم
يحصل العلم بخبره ،قيل لهم :فل بد من العلم بعصمته أولً ،وعصمته ل تثبت بمجرد خبره قبل أن تعرف عصمته
222
لنه دور ،ول تثبت بالجماع فإنه ل إجماع فيها ،وعند المامية إنما يكون الجماع حجة ،لن فيهم المام المعصوم
فيعود المر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه ،فعلم أن عصمته لو كانت حقا لبد أن تعلم بطريق آخر غير خبره".
(منهاج السنة.].)4/139 :
كما أن جل بلد السلم بلغهم العلم عن رسول ال من غير طريق علي -رضي ال عنه
[قال شيخ السلم ابن تيمية .." :فإن جميع مدائن السلم بلغهم العلم عن الرسول من غير علي ،أما أهل المدينة
ومكة فالمر فيها ظاهر ،وكذلك الشام والبصرة ،فإن هؤلء لم يكونوا يروون عن علي إل شيئا قليلً ،وإنما كان
ل عن علي ،وفقهاء أهل المدينة تعلموا
غالب علمه في الكوفة ،كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فض ً
الدين في خلفة عمر ،وتعليم معاذ لهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من علي؛ ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل
أكثر مما رووا عن علي ،وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل ،ولما قدم علي الكوفة كان
شريح فيها قاضيًا ،وهو عبيدة السلماني تفقها على غيره ،فانتشر علم السلم في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة".
(منهاج السنة -].)4/139 :وعامة من بلغ عنه صلى ال عليه وسلم من غير أهل بيته -فضلً أن
يكون هو علي وحده -فقد بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة
يدعو الناس إلى السلم ،ويعلم النصار القرآن ،ويفقههم في الدين ،وبعث العلء بن الحضرمي
إلى البحرين في مثل ذلك ،وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن ،وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة،
فأين قول من زعم أنه ل يبلغ عنه إل رجل من أهل بيته" [منهاج السنة.].3/15 :
وقد قال بعض أهل العلم إنه" :لم يرو عن علي إل خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة
يصح منها نحو خمسين حديثا" [ابن حزام /الفصل ،4/213 :منهاج السنة.].4/139 :
فهل سنة الرسول هي هذه فقط؟!
وقد أقر الروافض بأنه لم يبلغهم علم الحلل والحرام ومناسك الحج إل عن طريق أبي
جعفر ..وهذا يعني أنه لم يبلغهم عن علي شيء في هذا ،وأن أسلفهم كانوا يتعبدون فيما جاء
عن صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
تقول كتب الشيعة .." :كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم ل يعرفون مناسك حجهم
وحللهم وحرامهم ،حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجهم وحللهم وحرامهم،
[أصول الكافي،2/20 : حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس"..
تفسير العياشي ،253-1/252 :البرهان ،1/386 :رجال الكشي :ص .].425
ومن العجب أن الشيعة حكمت على من سمع من غير المام بالشرك ،حيث جاء في أصول
الكافي .." :من ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه ال فهو مشرك" [أصول الكافي..].1/377 :
فهم يحكمون على أسلفهم بالشرك لنهم تلقوا علم الحلل والحرام والمناسك من الناس
ويقولون .." :كل ما لم يخرج من الئمة فهو باطل" [أصول الكافي ].1/399 :وهذه جرأة عظيمة
223
على شريعة سيد المرسلين ،التي نقلها الرعيل الول إلى الجيال ،والمتمثلة بالسنة المطهرة التي
يتعبد بمقتضى بيانها المسلمون.
ولعل الرافضة حينما وضعت لنفسها أل تأخذ ما جاء عن طريق علي ،ولم يكن عندها مما
يؤثر عن علي إل القليل ،حتى إن علم الحلل والحرام ليس عندهم فيه شيء عن علي كما
يعترفون فعملت القواعد الشيعية على سد هذه الفجوة بالكذب ،ولذلك قال الشعبي" :ما كذب على
أحد من هذه المة ما كذب على علي" [انظر :الذهبي /سير أعلم النبلء.].4/307 :
[قال ابن الجوزي :إن الرافضة ثلثة أصناف: ولشيوع الكذب على علي من قبل الرافضة
-صنف سمعوا شيئا من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا.
-وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون :قال جعفر وقال فلن.
-والصنف الثالث :عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل وما ل يسوغ.
(ابن الجوزي /الموضوعات ،1/338ابن تيمية /منهاج السنة ].)4/119 :حتى ل يكاد يوثق برواية أحد
منهم ،أعرض عنهم أهل الصحيح فل يروي البخاري ومسلم أحاديث علي إل عن أهل بيته
كأولده مثل الحسن والحسين ،ومثل محمد بن الحنفية ،وكاتبه عبيد ال بن أبي رافع أو أصحاب
ابن مسعود وغيرهم ،مثل عبيدة السلماني ،والحارث التيمي ،وقيس بن عباد وأمثالهم ،إذ هؤلء
[مجموع فتاوى شيخ السلم: صادقون فيما يروونه عن علي ،فلهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم
.].13/32
وقد اعترفت كتب الشيعة بكثرة الكذب على أهل البيت ،حتى قال جعفر الصادق -كما تروي
كتب الشيعة .." :-إن الناس أولعوا بالكذب علينا[ "..بحار النوار .].2/246 :وكانت مصيبة جعفر
أن "اكتنفه -كما تقول كتب الشيعة -قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون:
حدثنا جعفر بن محمد ،ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليستأكلوا
[انظر :رجال الكشي :ص ،209-208بحار النوار،303-25/302 : الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم"..
وهذا جزء من نص سيأتي بتمامه .].ولذلك قال بعض أهل العلم" :لم يكذب على أحد ما كذب على
جعفر الصادق مع براءته" [منهاج السنة.].4/143 :
ومن هنا ندرك كبير الخطر على الشيعة حينما قبلوا روايات الكذابين على الئمة وأعرضوا
عن روايات صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،بل وثقوا هؤلء الذين اكتنفوا جعفرا قالوا:
"روى عن المام الصادق أربعة آلف راو .وذهب بعض علماء المامية إلى القول بتوثيق
[محمد جواد مغنية /الشيعة في الميزان :ص ،110وانظر :محمد الحسين المظفر/ الربعة آلف بدون استثناء"
المام الصادق :ص ،144أغا بزرك /الذريعة ،2/129 :وانظر :وسائل الشيعة .].20/72 :مع أن أبا عبد ال
224
يشكو -كما مر -من كثرة الكذابين عليه؛ بل ويذكر أنه ل يوجد له من هؤلء الذين يدعون
[أصول الكافي-2/242 : التشيع ول سبعة عشر رجلً من شيعته كما صرحت بذلك رواية الكافي
.].243
ولكن لماذا أعرضت طائفة الثني عشرية عن رواية صحابة رسول ال؟!
إن السبب يعود إلى البدعة الولى التي ابتدعها ابن سبأ من القول بأن عليا هو وصي رسول
ال ،وأن الصحابة لم ينفذوا الوصية ،ويولوه الخلفة ..وترتب على ذلك عند طائفة الثني
عشرية أن الصحابة خرجوا من دين السلم ،ول يستثنون من ذلك إل عددا ل يساوي أصابع
اليد -كما سيأتي -ولم يشفع للصحابة عند هؤلء ثناء ال ورسوله عليهم ،ول صحبتهم
لرسول ال ،وجهادهم في سبيل ال ،وتضحياتهم ،وسابقتهم ،وبذلهم الرواح والمهج ،ومفارقتهم
للهل والوطن ،ونشرهم للسلم في أصقاع الرض..
ومن المفارقات العجيبة أن الشيعة تحكم على من زعم أنه رأى المنتظر الذي لم يوجد أصلً
-كما سيأتي -بالعدالة والصدق.
يقول الممقاني -وهو من آياتهم في هذا العصر " :-تشرف الرجل برؤية الحجة -عجل ال
فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه -بعد غيبته فنستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من
مرتبة العدالة ضرورة" [تنقيح المقال.].1/211 :
ولكن لماذا ل يجرون مثل هذا الحكم في صحابة رسول ال ،ويعتبرون تشرف الصحابة
برؤية رسول الهدى صلى ال عليه وسلم برهان عدالتهم ،أليس رسول ال أعظم من منتظر
موهوم مشكوك في وجوده عند شيعة عصره ،فكيف به اليوم بعد تعاقب القرون ..أليس هذا هو
التناقض بعينه؟! فانظر وتعجب كيف يزكى رجل يدعي رؤية معدوم ،والصل أن يعتبر هذا
دليل كذبه ،ويطعن في صحابة رسول ال!! وكل خطيئة الصحابة التي من أجلها ردوا
رواياتهم ،وحكموا بردتهم أنهم أنكروا النص على إمامة علي ،وهذا أمر عظيم وخطب كبير
عندهم ،فإن من أنكر إمامة واحد من الئمة ولو كان الغائب المزعوم فهو كإبليس كما نص على
ذلك صدوقهم ابن بابويه القمي [إكمال الدين :ص .].13
فاليمان بأئمتهم هو مقياس القبول والرد عندهم ،لنه هو أساس اليمان والكفر -كما سيأتي
-ومع هذا الصل الذي َي ِزنُون به الناس واضح البطلن لنه لو كان بهذه المثابة التي يزعمون
لذكره ال سبحانه وتعالى في كتابه المبين ،ولبينه رسوله صلى ال عليه وسلم لمن سأله عن
حقيقة اليمان والسلم ،ولصبح ذلك من المور المجمع عليها بين المسلمين ،فهل يخطر ببال
عاقل أن المة على توالي القرون من الصحابة ومن تبعهم بإحسان تجهل ركنا أساسيا من
225
أركان اليمان أو تجمع على إنكاره؟! وما كان ال ورسوله بتكاركي خير أمة أخرجت للناس
دون إكمال دينهم وتعريفهم بحقيقة إسلمهم ،وما يدور بخلد مؤمن شيء من هذا قط..
أقول :مع وضوح بطلن هذا الصل الذي يزنون به الناس فيردون به رواية من أنكر إمامة
إمام من الئمة ،فإن هذا الصل لم يعلموا به إل في حق الصحابة حيث ردوا روايات الصحابة
ولكنهم لم يردوا روايات من أنكر بعض الئمة من أسلفهم من الشيعة ،وقد أكد شيخهم الحر
العاملي على أن الطائفة المامية عملت بأخبار الفطحية [انظر :ص ( )98من هذه الرسالة ].مثل :عبد
[الواقفة :هم الذين واقفوا على موسى بن جعفر فلم يقولوا بإمامة من بعده ،ذلك ال بن بكير ،وأخبار الواقفة
أنهم زعموا أن موسى بن جعفر لم يمت بل هو حي ،وينتظرون خروجه كما ينتظر الثنا عشرية غائبهم المزعوم
(القمي /المقالت والفرق :ص ،93الناشئ الكبر /مسائل المامة ص .)47قال صاحب الزينة" :وقد ثبت على هذا
القول جماعة إلى يومنا هذا" (الزينة :ص )290ولكنها انقرضت فيما بعد..
وربما يطلق الواقفي على من وقف على غير موسى بن جعفر؛ كمن وقف على علي أو الصادق أو الحسن
العسكري ،فلم يقل بإمامة من بعده ].مثل :سماعة بن مهران .وكثيرا ما تقرأ في تراجم رجالهم بأن
[الناووسية :أتباع رجل يقال له ناووس ،أو ابن الناووس ،أو فلنا فطحي ،وذاك واقفي وهذا من الناووسية
عجلن بن ناووس ،وقيل :نسبه إلى قرية ناووسا ،وقالت هذه الفرقة بأن جعفر بن محمد لم يمت وهو حي ل يموت
حتى يظهر ويلي المر وهو القائم المهدي..
قال صاحب الزينة" :وقد انقرضت هذه الفرقة ول يوجد اليوم أحد يقول بهذا القول" (ولكن رجالها ل تزال رواياتهم
في كتب الثني عشرية).
(انظر :القمي /المقالت والفرق ص ،80النوبختي /فرق الشيعة ص ،67الرازي /الزينة ص ،286الشعري/
مقالت السلميين ،1/100الشهرستاني ،167-1/166 :نشوان /الحور العين ص .].)162
وكل هذه الطوائف الثلث تنكر بعض أئمة الثني عشرية ،ومع ذلك يعدون جملة من رجالها
ثقات ..جاء في رجال الكشي -مثلً " -في محمد بن الوليد الخزار ،ومعاوية بن حكيم،
ومصدق بن صدقة ،ومحمد بن سالم بن عبد الحميد قال أبو عمرو (الكشي) :وهؤلء كلهم
فطحية وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول ،وبعضهم أدرك الرضا -رضي ال عنه -
وكلهم كوفيون" [رجال الكشي :ص ].563كما كان الحسن بن علي بن فضال [رجال الكشي :ص ،].565
[رجال الكشي :ص وعلي بن حديد بن حكيم [رجال الكشي :ص ،].570وعمرو بن سعيد المدايني
].612كلهم من الفطحية.
[رجال الكشي :ص وكان أبو خالد السجستاني [رجال الكشي :ص ،].612وعلي بن جعفر المروزي
،].616وعثمان بن عيسى [رجال الكشي :ص ].597وحمزة بن بزيغ [رجال الكشي :ص ].615كلهم من
الواقفة ،ومع ذلك وثقوهم وعملوا بمروياتهم معرضين عن قول إمامهم" :الزيدية والواقفة
226
والنصاب بمنزلة واحدة" [رجال الكشي :ص " ،].456والواقف عائد عن الحق ومقيم على سيئة إن
مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير" [رجال الكشي :ص .].456
وقال :الواقفة "يعيشون حيارى ويموتون زنادقة" [رجال الكشي :ص .].456وقال" :فإنهم كفار
مشركون زنادقة" [ رجال الكشي :ص ،].456ومع هذا فهي تقبل روايات هؤلء أو يقبل شيوخهم
روايات هؤلء لقيام نصوص المذهب الشاذة عليهم ويردون روايات الصحابة -رضوان ال
عليهم -أليس هذا هو التناقض بعينه؟! ذلك أننا إذا أدركنا أنهم ردوا روايات الصحابة لردهم
النص المزعوم على علي ،وهؤلء من الواقفة والفطحية ينكرون مجموعة من الئمة ويجحدون
النصوص الواردة فيهم عن الئمة قبلهم ،فالجميع يشتركون في نفس العلة المزعومة التي من
أجلها رفضوا مرويات الصحابة وهو إنكار أحد الئمة ..إذا أدركنا ذلك -أدركنا عظيم
تناقضهم وأنهم ليس لهم ميزان ثابت ،وأن الهوى المذهبي ،والتعصب والتحزب قد أعمى
أبصار شيوخهم فأضلوا أتباعهم سواء السبيل وحرموهم من منبع العلم واليمان.
وهل ثمة مجال لمقارنة من أثنى ال عليهم ورسوله بمجموعة من حثالة الفاكين والمفترين،
إل لبيان أنهم في مذهبهم في رد روايات الصحابة ليسوا على شيء.
ولقد جاء في كتب الشيعة" :عن ابن حازم قال :قلت لبي عبد ال ..فأخبرني عن أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم صدقوا على محمد صلى ال عليه وسلم أم كذبوا؟ قال :بل
صدقوا" [أصول الكافي ،1/65 :بحار النوار.].2/228 :
والصحابة ليسوا بحاجة لمثل هذا بعد ثناء ال ورسوله ،ولكن نستشهد بذلك لبيان أنهم
أعرضوا حتى عما جاء عن أئمتهم في كتبهم ،الموافق لما جاء في كتاب ال وسنة رسوله،
[في واتبعوا روايات الكذابين عن الئمة ،والتي اعترفت بكذبهم كتب الشيعة نفسها كما سيأتي
بيان "حال رجالهم" الذين نقلوا الروايات عن الئمة.].
بداية تدوين الحديث عندهم:
[الفهرست :ص ].219 قال ابن النديم" :إن أول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهللي"
[نفس الموضع من المصدر السابق ،روضات الجنات،4/67 : رواه عن أبان بن أبي عياش لم يروه غيره
رجال الحلي :ص ،83جامع الرواة ،1/374 :البروجردي /البرهان ص ،]. 104وقد كان لنا وقفة عند هذا
الكتاب في أثناء الحديث عن أسطورة "التحريف عند الشيعة" وقد قدّم لنا أحد أساطين الشيعة
المتأخرين اعترافا يقول" :بأن هذا الكتاب موضوع في آخر الدولة الموية "..يعني ل صحة
لنسبته لسليم .وقد تبين لنا أن "سليما" هذا ل ذكر له في مصادر أهل السنة مع تعظيم الشيعة
لمره ،وقد يقال بأنه اسم ل مسمى له؛ إذ لو كان كما يقولون ..لكان شيئا مذكورا.
227
ويبدو أن أوسع جمع لثارهم -في العصور المتقدمة -هو ما قام به أبو جعفر القمي محمد
بن الحسن بن فروخ الصفار القمي (المتوفى سنة 290ه) في كتابه "بصائر الدرجات في علوم
1285ه [انظر :الذريعة: آل محمد وما خصهم ال به" وهو مجموعة لحاديثهم ،وقد طبع سنة
.].3/124
[تاريخ الدب وهذا الصفار اعتبره بروكلمان "المؤسس الحقيقي لفقه المامية في بلد العجم"
العربي.].3/337 :
[مناهج ويرى الدكتور محمد البلتاجي أنه "أول من دوّن فقه وآثار المامية الثني عشرية"
التشريع السلمي ،].1/201 :وفي كلم ابن النديم السالف ما ينفي دعوى الولية .ويكاد شيخهم
المجلسي ينقل الكتاب بحذافيره في موسوعته البحار ،عبر أبوابه المختلفة .وقد امتل هذا الكتاب
بالغلو حيث فيه الطعن في كتاب ال سبحانه ،والغلو في الئمة ،وتكفير الصحابة ..إلخ ،مما
يؤكد أن معظم أخباره مفتراة على الئمة.
وفي أوائل الرابع الهجري جدد التأليف الكليني (المتوفى سنة 328أو 329ه) في كتابه
"الكافي" ثم تعاقب التأليف عندهم بعد ذلك.
الكتب الرئيسة عند الثني عشرية:
إن الكتب الرئيسة التي تعتبر مصادر الخبار عند الثني عشرية في ثمانية يسمونها:
"الجوامع الثمانية" [مفتاح الكتب الربعة ،].1/5 :ويقولون بأنه هي المصادر المهمة للحاديث المروية
من الئمة [أعيان الشيعة ،1/288 :مفتاح الكتب الربعة .].1/5 :قال عالمهم المعاصر محمد صالح
الحائري" :وأما صحاح المامية فهي ثمانية ،أربعة منها للمحمدين الثلثة الوائل ،وثلثة بعدها
[الحائري /منهاج عملي للتقريب للمحمدين الثلثة الواخر ،وثامنها لحسين -المعاصر -النوري"
(مقال نشر في مجلة رسالة السلم في القاهرة ،كما نشر مع مقالت أخرى منتخبة من المجلة باسم "الوحدة
السلمية" ص.].)233 :
[انظر في التعريف بالكافي :الذريعة ،17/245 :النوري/ أول هذه المصادر وأصحها عندهم الكافي
مستدرك الوسائل ،3/432 :مقدمة الكافي ،الحر العاملي /وسائل الشيعة ،20/71 :وقد أشارت هذه المصادر إلى أن
هذا الكتاب أصح الكتب الربعة المعتمدة عندهم ،وأنه كتبه في فترة الغيبة الصغرى التي بواسطتها يجد طريقا إلى
تحقيق منقولته ،..مع أنه الكتاب الوحيد من بين الكتب الربعة الذي ورد فيه أساطير الطعن في كتاب ال ،وبلغت
أحاديث الكافي كما يقول العاملي 16099 :حديثا (أعيان الشيعة )1/280 :وقد طبع عدة طبعات ،وشرحه عدد من
شيوخهم ،وقد رأيت من شروحه :مرآة العقول للمجلسي ،وقد اعتنى بالحكم على أحاديث الكافي من ناحية الصحة
والضعف ..وقد صحح روايات هي كفر بإجماع المسلمين كروايات تحريف القرآن.
228
كما اطلعت أيضا على شرح المازندراني للكافي المسمى "شرح جامع" ،وكذلك الشافي شرح أصول الكافي].
[انظر في التعريف بهذا الكتاب: لمحمد بن يعقوب الكليني ،ثم كتاب" :من ل يحضره الفقيه"
الخوانساري /روضات الجنات ،237-6/230 :وأعيان الشيعة ،1/280 :مقدمة من ل يحضره الفقيه ،وقد اشتمل على
176بابا أولها باب الطهارة وآخرها باب النوادر ،وبلغت أحاديثه ( )9044وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ألفه بحذف
السانيد لئل تكثر طرقه ،وأنه استخرجه من كتب مشهورة عندهم وعليها المعول ،ولم يورد فيه إل ما يؤمن
بصحته .].لشيخهم المشهور عندهم بالصدوق محمد بن بابويه القمي (المتوفى سنة 381ه) ،ثم
[انظر في التعريف به :النوري الطبرسي /مستدرك الوسائل ،4/719الذريعة ،4/504 :مقدمة تهذيب الحكام
تهذيب الحكام .وقد ألفه لمعالجة التناقض والختلف الواقع في رواياتهم ،وبلغت أبوابه ( )393بابا ،أما عدد أحاديثه
[ويقع الكتاب في ثلثة أجزاء ،جزآن منه في العبادات ،والثالث في بقية فسيأتي الحديث عنها ،].والستبصار
أبواب الفقه ،وبلغت أبوابه ( )393بابا ،وحصر المؤلف أحاديثه بـ( )5511وقال :حصرتها لئل يقع زيادة أو نقصان،
وقد جاء في الذريعة أن أحاديثه ( )6531وهو خلف ما قاله المؤلف( .انظر :الذريعة ،2/14 :أعيان الشيعة،1/280 :
حسن الخرسان ،في تقيدمه للستبصار) ،].كلهما لشيخهم المعروف بـ"شيخ الطائفة" أبي جعفر محمد
بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 360ه).
قال شيخهم الفيض الكاشاني (المتوفى سنة 1091ه)" :إن مدار الحكام الشرعية اليوم على
هذه الصول الربعة ،وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها" [الوافي .].1/11 :وقال أغا بزرك
الطهراني -من مجتهديهم المعاصرين -وهي" :الكتب الربعة والمجاميع الحديثية التي عليها
استنباط الحكام الشرعية حتى اليوم" [الذريعة .].2/14 :هذه هي المصادر الربعة المتقدمة عندهم.
ثم ألف شيوخهم في القرن الحادي عشر وما بعده مجموعة من المدونات ارتضى المعاصرون
[ويقع في 3مجلدات كبار ،وطبع في منها أربعة سموها بالمجاميع الربعة المتأخرة وهي :الوافي
إيران ،وبلغت أبوابه ( )273بابا ،وقال شيخهم محمد بحر العلوم -من المعاصرين -بأنه يحتوي على نحو خمسين
ألف حديث( .لؤلؤة البحرين "الهامش" ص ،)122بينما يذكر محسن المين بأن مجموع ما في الكتب ( )44244حديثا
(أعيان الشيعة ].)1/280 :لشيخهم محمد بن مرتضى المعروف بمل محسن الفيض الكاشاني
[قالوا بأنه أجمع كتاب (المتوفى سنة 1091ه) ،وبحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار
في الحديث ،جمعه مؤلفه من الكتب المعتمدة عندهم.
انظر في التعريف به :الذريعة ،3/27 :أعيان الشيعة ].1/293 :لشيخهم محمد باقر المجلسي (المتوفى
[هو أجمع كتاب لحاديث الحكام عندهم ،جمع فيه مؤلفه رواياتهم سنة 1110أو 1111ه) ،ووسائل الشيعة
عن الئمة من كتبهم الربعة التي عليها المدار في جميع العصار -كما يقولون -وزاد عليها روايات أخذها من
كتب الصحاب المعتبرة تزيد على 70كتابا ،كما ذكر صاحب الذريعة ،ولكن ذكر الشيرازي في مقدمة الوسائل بأنها
تزيد على ،180ول نسبة بين القولين ،وقد ذكر الحر العاملي أسماء الكتب التي نقل عنها فبلغت -كما حسبتها -
229
أكثر من ثمانين كتابا ،وأشار إلى أنه رجع إلى كتب غيرها كثيرة ،إل أنه أخذ منها بواسطة من نقل عنها (طبع في
ثلثة مجلدات عدة مرات ،ثم طبع أخيرا بتصحيح وتعليق بعض شيوخهم في عشرين مجلدا).
(الشيرازي /مقدمة الوسائل ،أعيان الشيعة ،293-1/292 :الذريعة ،353-4/352 :الحر العاملي /وسائل الشيعة:
].)49-20/36 ،8-1/4إلى تحصيل مسائل الشريعة تأليف شيخهم محمد بن الحسن الحر العاملي
[قال أغا بزرك الطهراني" :أصبح كتاب المستدرك كسائر (المتوفى سنة 1104ه) ،ومستدرك الوسائل
المجاميع الحديثية المتأخرة في أنه يجب على المجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها ويرجعوا إليها في استنباط الحكام،
وقد أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين" (الذريعة ،)111-2/110 :ثم استشهد بعض أقوال شيوخهم المعاصرين
باعتماد المستدرك من مصادرهم الساسية (الذريعة.)2/111 :
ولكن يبدو أن بعض شيوخهم لم يوافق على ذلك فنجد صاحب أحسن الوديعة ينتقد بشدة هذا الكتاب ويقول بأنه:
"نقل منه عن الكتب الضعيفة الغيرة معتبرة ...والصول الغير ثابتة صحة نسخها ،حيث إنها وجدت مختلفة النسخ أشد
الختلف" ،ثم قال بأن أخباره مقصورة على ما في البحار ،وزعها على البواب المناسبة للوسائل ،كما قابلته حرفا
بحرف (محمد مهدي الكاظمي /أحسن الوديعة ص ].)74لحسين النوري الطبرسي (المتوفى سنة
1320ه).
ملحوظات على الكتب الثمانية:
هناك كتب كثيرة عندهم قالوا :إنها في العتبار والحتجاج كالكتب الربعة ،كما ذكر ذلك
[انظر :ج 1ص ،26قال المجلسي بأن كتب الصدوق ما عدا خمسة فيها ل تقصر في المجلسي في مقدمة بحاره
الشتهار عن الكتب الربعة (نفس الموضع من المرجع السابق) .وقال" :وكتاب بصائر الدرجات من الصول
المعتبرة التي روى عنها الكليني وغيره"( .السابق ،)1/27 :وهكذا قال في عدد كبير من كتبهم .].والحر العاملي
في الوسائل [انظر :وسائل الشيعة :ج(20الخاتمة) ،].وكما نجد ذلك في مقدمات تلك الكتب .ويبدو أن
تخصيص ما سلف بالذكر ،إما لنها مجاميع كبيرة ،أو قد يكون لمجرد محاكاة أهل السنة
وللدعاية المذهبية ،ومما يوضح ذلك أنهم اعتبروا مثلً من المجاميع الثمانية المتقدمة كتاب
الوافي ،وعدوه أصلً مستقلً ،مع أنه عبارة عن جمع لحاديث الكتب الربعة المتقدمة (الكافي
والتهذيب والستبصار ومن ل يحضره الفقيه) فكيف يعد أصلً خامسا ،ومستقلً ،وهو تكرار
لحاديث الكتب الربعة؟!
وكذلك اعتبروا "الستبصار" للطوسي مصدرا مستقلً من المصادر الربعة المتقدمة ،وهو ل
يعدو أن يكون اختصارا لكتاب تهذيب الحكام لطوسي ،كما صرح بذلك الطوسي في مقدمة
الستبصار [الستبصار ،].3-1/2 :وكما يبدو واضحا لمن شاء المقارنة بين الكتابين ،فالدعاية
المذهبية واضحة في صنيعهم هذا..
وتجد أن بحار النوار وضعه مؤلفه في خمس وعشرين مجلدا ،ولما كبر المجلد الخامس
والعشرين جعل شطرا منه في مجلد آخر فصار المجموع ( )26مجلدا [انظر :الذريعة ،].3/27 :فقام
230
المعاصرون وزادوا فيه كتبا ليست من وضع المؤلف كجنة المأوى للنوري الطبرسي ،وهداية
الخبار للمسترحمي ،ومجلدات في الجازات ليبلغوا به في طبعة جديدة مائة وعشرة مجلدات
تبدأ من الصفر [حيث إن المجلد الول يحمل رقم صفر! .].كلون من المظاهر الثقافية الشكلية ،والدعاية
[وتجد أن مجموعة كبيرة منهم تكلف بالكتابة في موضع "ما"، المذهبية .وهم مغرمون بهذا التجاه الدعائي
ويصرف لها المرتبات من الحوزات العلمية ،فإذا انتهى العمل نسب لواحد منهم أو لحد شيوخهم كأنه هو الذي قام
بهذا العمل الذي ل يقوم به إل جمع من الناس ،كما يلحظ ذلك في كتاب الغدير وغيره ،ولهم هوس في ادعاء السبق،
حيث تجد في كتاب الشيعة وفنون السلم بأن للشيعة السبق في كل علم ،مع أن الروافض لم يعرف عنهم شيء من
هذا إل ما أخذوه عن أهل السنة ،ولهم مفردات تفضح أمرهم ،وترى في أعيان الشيعة للعاملي احتسابه لكثير من أئمة
أهل السنة من طائفته لمجرد ما يذكر في تراجمهم من وجود ميل للتشيع عندهم ،وهو أمر ل يدخلهم في مسلك
الروافض ،إذ محبة أهل البيت الحقيقية هي في أهل السنة أكثر من الرافضة.].
أما موضوع هذه المدونات فإن التهذيب ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه ،ووسائل
الشيعة ،ومستدرك الوسائل كلها في الفقه ،وكذلك الكافي ،فإن المجلدين الول والثاني في
الصول وسائر المجلدات الباقية في الفقه وهو مما يسمى "فروع الكافي".
ويلحظ التشابه في كثير من مسائلهم الفقهية مع أهل السنة؛ مما يؤكد ما يقول بعض أهل
العلم من أخذهم لذلك من أهل السنة [انظر :منهاج السنة النبوية ،].3/246 :ولهم مفردات غريبة،
ومسائل منكرة ل تخطر على البال تستحق أن يكتب فيها تأليف خاص ،وقد جمع جزءا منها
[وقد وقفت عليه في طبعته الخيرة (1405ه ،دار الضواء، شيخهم المرتضى في كتاب سماه "النتصار"
بيروت) وقد طبع قبل ذلك ضمن الجوامع الفقهية بطهران سنة 1267ه ومستقلً سنة 1315ه ،ويسمى" :مسائل
النفرادات في الفقه" (لؤلؤة البحرين ص .].)320وقد نقل ابن عقيل الحنبلي بعض هذه المسائل ،وهو
يتعجب منها ،وقد سجلها ابن الجوزي في المنتظم [المنتظم ].8/120 :من خط ابن عقيل ،كما أشار
إليها في الموضوعات بقوله" :ولقد وضعت الرافضة كتابا في الفقه وسموه مذهب المامية،
وذكروا فيه ما يخرق إجماع المسلمين بل دليل أصلً [الموضوعات.].1/338 :
أما بالنسبة للقسم الباقي من هذه المدونات وهي أصول الكافي ،وبحار النوار فهي تتعلق
بمسائل :التوحيد ،والعدل ،والمامة ..وأكثر ما فيها يدور حول عقائدهم وآرائهم في المامة
والئمة الثني عشر والنص عليهم ،وصفاتهم ،وأحوالهم ،وزيارة قبوهم ،والحديث عن أعدائهم،
وعلى رأسهم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ونلحظ أن كل شيء -في الغالب -
يدور في فلك المامة والئمة.
والقارئ لهذه الحاديث في هذه المدونات وغيرها من كتب الرواية عندهم يجد أن هناك فرقا
واضحا وكبيرا بين الروايات التي ترد عن طريق أهل السنة ويطلق عليها الحديث ،وبين
231
الروايات التي ترد عن طريق الشيعة ويطلق عليها اللفظ نفسه ،فكتب السنة الستة وغيرها إذا
روت حديثا فهو منسوب إلى النبي صلى ال عليه وسلم وهي أحاديثه هو .أما كتب الحديث عند
الشيعة فهي تأتي بالرواية عن أحد أئمتهم الثني عشر ويعتقدون -كما مر -أن ل فرق بين ما
يروونه عن النبي صلى ال عليه وسلم أو عن أحد أئمتهم.
كما أن القارئ لكتب الحديث عندهم ل يجد إل القليل النادر منها هو المسند إلى النبي صلى
ال عليه وسلم ،وأكثر ما يروونه في الكافي ،واقف عند جعفر الصادق ،وقليل منها يعلو إلى
أبيه محمد الباقر ،وأقل من ذلك ما يعلوا إلى أمير المؤمنين علي -رضي ال عنه -ونادرا ما
يصل إلى النبي صلى ال عليه وسلم.
كما يلحظ أن مدوناتهم الربع المتأخرة ألفت في القرن الحادي عشر وما بعده ،وآخرها ألفه
النوري الطبرسي (المتوفى سنة 1320ه) وهو من معاصري الشيخ محمد عبده .وقد جمع فيه
ثلثة وعشرين ألف حديث عن الئمة [الذريعة .].21/7 :لم تعرف من قبل ،فهي متأخرة عن
عصور الئمة بمئات السنين ،فإذا كان هؤلء قد جمعوا تلك الحاديث عن طريق السند
والرواية فكيف يثق عاقل برواية لم تسجل طيلة أحد عشر قرنا أو ثلثة عشر قرنا!! وإذا كانت
[صرح بعض أصحاب هذه المدونات مدونة في كتب فلم يعثر على هذه الكتب إل في القرون المتأخرة
بأنه عثر على كتب لم تدون في كتبهم المعتمدة من قبل .يقول المجلسي" :اجتمع عندنا بحمد ال سوى الكتب الربعة
نحو مائتي كتاب ،ولقد جمعتها في بحار النوار (اعتقادات المجلسي ص ،24مصطفى الشيبي /الفكر الشيعي ص
،)61وذكر شيخهم الحر العاملي بأنه توفر عنده أكثر من ثمانين كتابا عدا الكتب الربعة ،وقد جمع ذلك في وسائل
الشيعة" (انظر :الوسائل ج ،1المقدمة ،والذريعة.)353-4/352 :
أما شيخهم المعاصر النوري الطبرسي فهو أيضا قد عثر على كتب لم تدون من قبل رغم أنه من المعاصرين،
يقول أغا بزرك الطهراني" :والدافع لتأليفه عثور المؤلف على بعض الكتب المهمة التي لم تسجل في جوامع الشيعة
من قبل (الذريعة )21/7 :وجعلوا هذه الحاديث المكتشفة والتي جمعها مستدرك الوسائل مما ل يستغنى عنه ،قال
آيتهم الخراساني -كما ينقل صاحب الذريعة -بأن الحجة للمجتهد في عصرنا هذا ل تتم قبل الرجوع إلى
المستدرك ،والطلع على ما فيه ما الحاديث" (الذريعة ،)2/111فهل يعني هذا أنه قبل تأليف المستدرك ل حجة
عندهم في قول شيخهم؟! فانظر وتعجب ..وقد تستمر مسيرة الكتشاف للكتب والروايات ،].ولم يجمع تلك
الروايات متقدموهم ،ولم لم تذكر تلك الكتب وتسجل في كتبهم القديمة؟! كيف لم يسجلها الكليني
وهو بحضرة السفراء الربعة سفراء المهدي؟! وقد سماه الكافي لنه كاف للشيعة ،وقد عرضه
على مهديهم -بواسطة السفراء -فقال :كاف لشيعتنا – كما سلف [انظر :مقدمة الرسالة -].بل إن
الطوسي قال بأنه جمع في كتابه تهذيب الحكام جميع ما يتعلق بالفقه من أحاديث أصحابهم
وكتبهم وأصولهم ،لم يتخلف عن ذلك إل نادر قليل وشاذ يسير [الستبصار.].1/2 :
232
فهل هذه الكتب وضعت فيما بعد في أيام الدولة الصفوية ،ونسبت لشيوخهم الوائل؟ هذا ليس
ببعيد.
بل إن كتبهم الربعة الولى لم تخل من دس وزيادة ،وآية ذلك أن كتاب تهذيب الحكام
[الذريعة: للطوسي بلغت أحاديثه ( )13950حديثا كما ذكر ذكر أغا بزرك الطهراني في الذريعة
،].4/504ومحسن العاملي في أعيان الشيعة [أعيان الشيعة ].1/288 :وغيرهما من شيوخهم
المعاصرين ،في حين أن الشيخ الطوسي نفسه صرح في كتابه عدة الصول بأن أحاديث
التهذيب وأخباره تزيد على ( ،)5000ومعنى ذلك أنها ل تصل إل إلى ( )6000في أقصى
الحوال [انظر :المام الصادق :ص .].485فهل زيد عليها أكثر من الضعف في العصور المختلفة؟!
الدليل المادي الملموس أمامنا يؤكد ذلك.
وأيضا تراهم اختلفوا هل كتاب الروضة -وهو أحد كتب الكافي التي تضم مجموعة من
البواب ،وكل باب يتضمن عددا كبيرا من الحاديث -هل هو من تأليف الكليني أم مزيد فيما
بعد على كتابه الكافي [روضات الجنات ،].176-6/188 :فكأن أمر الزيادة شيء طبيعي ووارد في
كل حال.
بل المر أخطر من ذلك فإن شيخهم الثقة عندهم حسين بن حيدر الكركي العاملي (المتوفى
سنة 1076ه) قال :إن كتاب الكافي خمسون كتابا بالسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالئمة
[المصدر السابق ،].6/114 :بينما نرى شيخهم الطوسي (المتوفى سنة 360ه) يقول" :كتاب الكافي
مشتمل على ثلثين كتابا ،أخبرنا بجميع رواياته الشيخ[ "..الفهرست :ص .].161
فهل زيد على الكافي للكليني فيما بين القرن الخامس ،والحادي عشر عشرون كتابا ،مع أن
كل كتاب يضم عشرات البواب ،وكل باب يشمل مجموعة من الحاديث؟! لعل هذا أمر
طبيعي ،فمن كذب على رسول ال والصحابة والقرابة فمن باب أولى أن يكذب على شيوخه..
وشواهد هذا الباب كثيرة.
أما متون هذه الكتب ونصوصها فإنك تلحظ فيها ظاهرة الختلف والتضاد ،ولقد تألم شيخهم
محمد بن الحسن الطوسي "لما آلت إليه أحاديثهم من الختلف والتباين والمنافاة والتضاد حتى
ل يكاد يتفق خبر إل وبإزائه ما يضاده ،ول يسلم حديث إل وفي مقابلته ما ينافيه "..واعترف
بأن هذا الختلف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الخرى ،وأن هذا كان من أعظم الطعون
على مذهبهم ،وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الختلف
والتناقض [تهذيب الحكام.].3-1/2 :
233
وقام شيخهم الطوسي بمحاولة يائسة لتدارك هذا الختلف وتوجيه هذا التناقض فلم يفلح؛ بل
زاد الطين بلة ،حيث علق كثيرا من اختلف الروايات على التقية بل دليل سوى أن هذا الحديث
أو ذاك يوافق أهل السنة.
والواقع أنه بصنيعه هذا قد "كرس" الفرقة ،وأضاع على طائفته كثيرا من سبل الهداية..
ومحاولته كانت في أحاديث الحكام ،أما باقي مسال المذهب فلم يتعرض لها.
والدليل المادي على أن محاولته لم تنجح هو كثرة اختلفهم ،وقد اشتكى بعض شيوخهم من
هذه الظاهرة وهو الفيض الكاشاني صاحب الوافي أحد الكتب الثمانية المعتمدة فقال عن اختلف
طائفته .." :تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولً أو ثلثين قولً أو أزيد؛ بل لو
شئت أقول :لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها" [الوافي ،المقدمة :ص .].9
ومن الملحظ أن اختلفهم هو اختلف في الحاديث أو النصوص وليس اختلفا في
الستنباط ،ول شك أن التناقض أمارة على بطلن المذهب ،وكذب الروايات ..وأن ذلك ليس
[النساء ،آية: ختِلَفًا َكثِيرًا}
غ ْيرِ الّلهِ َلوَجَدُواْ فِيهِ ا ْ
من عند ال لقوله سبحانه{ :وَ َلوْ كَانَ مِنْ عِندِ َ
..].82
وقد عزت بعض راياتهم ظاهرة الختلف إلى كثرة الكذب على الئمة ..فهذا الفيض بن
المختار يشكو لبي عبد ال -كما تقول رواياتهم -كثرة اختلفهم ويقول" :ما هذا الختلف
الذي بين شيعتكم ..إني لجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أن أشك في اختلفهم في حديثهم .فقال
أبو عبد ال :هو ما ذكرت يا فيض إن الناس أولعوا بالكذب علينا ..وإني أحدث أحدهم بالحديث
فل يخرج من عندي حتى يتأوله على غيره تأويله ،وذلك أنهم ل يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند
ال وإنما يطلبون الدنيا وكل يحب أن يدعى رأسا" [مضى ذكره وتخريجه من كتب الشيعة :ص .].90
[تروي كتب الشيعة عن جعفر الصادق قال" :إن لكل وقد كثرت شكاوى الئمة من كثرة الكذابين عليهم
رجل منا ،رجل يكذب عليه ،وقال :إن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها ،فاتقوا ال
ول تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا" .وقد اعترف المغيرة بن سعيد كما تروي كتب الشيعة بذلك حيث قال:
"دسست في أخباركم أخبارا كثيرة تقرب من مائة ألف حديث".
وعن الصادق قال" :إنا أهل بيت صادقون ل نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه" .وعن أنس أنه قال:
"وافيت العراق فوجدت قطعة من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد ال -عليهما السلم -متوافرين فسمعت منهم وأخذت
كتبهم وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة ..وقال :إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد
ال ،لعن ال أبا الخطاب ،وكذلك أصحاب أبي الخطاب يسدون من هذه الحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي
عبد ال -عليه السلم -فل تقبلوا علينا خلف القرآن" (انظر النصوص السابقة في :تنقيح المقال.)175-1/174 :
فإذا وضعت مع هذه النصوص شهادة أئمة السنة بكذب الروافض (انظر :المنتقى ص ،23-21ميزان العتدال:
)28-1/27تبين شيوع الكذب وكثرته عندهم ،وإذا عرفت مدى بضاعتهم في علم السناد ،والجرح والتعديل تحقق لك
234
الخطر الكبير الذي يعيشه هؤلء من خلل اعتمادهم في التلقي على ذلك المدونات ،]..وقد حف بهم ول سيما
جعفر الصادق مجموعة من المتآمرين والمتكسبين والمحتالين ..وكانوا يستقبلون بعض الوفود
القادمة من أصقاع العالم السلمي ويأكلون أموالهم باسم الئمة ،ويقدمون لهم تواقيع مزورة
باستلمهم ويحدثون عنهم بما لم يقولوا [انظر :التحفة الثني عشرية ،الورقة (( )92مخطوط).].
[انظر :ميزان العتدال ترجمة زرارة: وإذا كذب الئمة أقوالهم قالوا :إن هذا التكذيب منهم تقية
،70-2/69وسيأتي عند الحديث عن حال رجالهم بأن شيوخ الشيعة يحملون الطعن والتكذيب الصادر من جعفر
الصادق وغيره في حق معظم رواتهم بأنه تقية.].
واستمع إلى شريك بن عبد ال القاضي (ت 178-177ه) يصف القوام الذين التصقوا بجعفر
وادعوا الرواية عنه -كما تنقل ذلك كتب الشيعة نفسها " -قال أبو عمرو الكشي :قال يحيى بن
عبد الحميد الحمّاني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين -رضي ال عنه :-قلت
لشريك :إن أقواما يزعمون أن جعفر بن محمد ضعيف الحديث ،فقال :أخبرك القصة ،كان
جعفر بن محمد رجلً صالحا مسلما ورعا فاكتنفه قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده
ويقولون :حدثنا جعفر بن محمد ،ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر،
ليستأكلوا الناس بذلك ،ويأخذوا منهم الدراهم ،كانوا يأتون من ذلك بكل منكر ،فسمعت العوم
بذلك فمنهم من هلك ومنهم من أنكر" [رجال الكشي :ص ،209-208بحار النوار.].303-20/302 :
ويبدو أن النكار كان من طائفة من المتقدمين ..إذ إن المتأخرين -ولسيما في العهد الصفوي
وما بعده -قد أصبحت الساطير الكثيرة التي تروى عن جعفر جزءا من عقائدهم بل نكير.
أما معاني هذه الروايات ،ومادتها فإن فيها ما يحكم المرء بوضعه بمجرد النظر في متنه
لمخالفته لصول السلم وضروراته ،وما علم بالتواتر ،وما أجمع المسلمون عليه ..مع مخالفته
لصريح العقل ،وقد رأيت في رواياتهم ما يلغى هذا المبدأ أعني مبدأ نقد المتن لظهور القرائن
التي تدل على ذلك ،فقد جاء في بصائر الدرجات عن سفيان السمط قال" :قلت لبي عبد ال -
عليه السلم :-جعلت فداك؛ إن رجلً يأتينا من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه،
فقال أبو عبد ال -عليه السلم :-يقول لك :إني قلت لليل إنه نهار ،وللنهار إنه ليل ،قال :ل،
قال :فإن قال لك هذا إني قلته فل تكذب به فإنك إنما تكذبني" [بحار النوار.].212-2/211 :
[بحار وجاء أيضا "إن حديثنا تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم ،ومن أنكر فذروهم"
النوار.].2/192 :
وقد ذكر شيخهم المجلسي في التجاه ( )116حديثا في باب بعنوان "باب إن حديثهم -عليهم
السلم -صعب مستصعب ،وإن كلمهم ذو وجوه كثيرة ،وفضيلة التدبر في أخبارهم -رضي
235
ال عنهم -والتسليم لهم والنهي عن رد أخبارهم" [انظر :المصدر السابق ،].212-2/182 :وإذا قارنت
[قارن ذلك بما هذا بما يذهب إليه أهل السنة استبان بصورة أعظم ضللهم ،وبضدها تتميز الشياء
قاله أئمة السنة في هذا الباب ،قال الربيع بن خثيم (المتوفى سنة 61أو 63ه) والذي قال فيه ابن مسعود" :لو رآك
رسول ال صلى ال عليه وسلم لحبك" (تقريب التهذيب )1/244 :قال الربيع" :إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء
النهار يعرف ،وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل ننكره" (رواه الخطيب البغدادي في الكافية ص ،)605وقال
أبو الحسن علي بن عروة المتوفى سنة 837ه ،صاحب الكواكب الدراري في 120مجلدا( .انظر :السخاوي /الضوء
اللمع ،)215-5/214 :قال ابن عروة" :القلب إذا كان تقيا نظيفا زاكيا كان له تمييز بين الحق والباطل ،والصدق
والكذب ،والهدى والضلل ول سيما إذا كان قد حصل له إضاءة وذوق من النور النبوي ،فإنه حينئذ تظهر له خبايا
المور ،ودسائس الشياء ،والصحيح من السقيم ،ولو ركب على متن ألفاظ موضوعة على الرسول إسناد صحيح أو
متن صحيح إسناد ضعيف لميز ذلك وعرفه .فإن ألفاظ الرسول ل تخفى على عاقل ذاقها" (القاسمي /قواعد التحديث
ص ،165وقد نقل ذلك عن مخطوطة الكواكب الدراري لبن عروة).
وقد اعتنى أئمة الحديث بالمتن كما اعتنوا بالسناد ،ووضعوا علمات لمعرفة الحديث الموضوع بدون النظر إلى
إسناده ،وعامة علوم الحديث تعرضت لذلك ،قال ابن دقيق العيد :وأهل الحديث كثيرا ما يحكمون بالوضع باعتبار
أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث( ..القتراح :ص ..)231كما ذكر اين الصلح بأنهم قد يعرفون كون الحديث
موضوعا بقرينة النص المروي ،فقد وضعت أحاديث -كما يقول -طويلة تشهد لوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها
(علوم الحديث /لبن الصلح ص.)89 :
وقد كتب ابن القيم -رحمه ال -كتابا مستقلً في هذا الشأن إجابة لسؤال يقول" :هل يمكن معرفة الحديث
الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟" فأورد -رحمه ال -قواعد عدة في هذا الشأن بلغت ( )44قاعدة
ومثل لها بـ ( )273حديثا وبيّن وجه وضعها من خلل نقد المتن فقط وذلك في كتابه "المنار المنيف".].
والغالب في النقد المتن عندهم أنه يعمل به إذا كان الحديث يوافق أهل السنة والذين يسمونهم
[انظر :مبحث بالعامة فيردّ الحديث حينئذ ،لن مخالفة العامة كما تقول رواياتهم فيها الرشاد
الجماع من هذه الرسالة .].فيزدادون بهذا ضللً على ضللهم ..مع أنه قد جاء عن بعض الئمة
[انظر :أصول الكافي ،باب الخذ بالسنة وفي كتب الشيعة نفسها" :ل تقبلوا علينا خلف كتاب ربنا"
وشواهد الكتاب ،71-1/69 :وفيه مجموعة أحاديث في هذا المعنى ،].إل أن هذا المبدأ لم يعمل به شيوخهم..
بل إن الصل الذي أمر الئمة بالرجوع إليه (وهو القرآن) قد كثرت أساطيرهم التي تتعرض
له.
أما مدى صحة هذه الروايات عندهم ،والتي تضمنتها تلك المدونات والتعرف على أسانيدهم
ورجالهم الذين ارتضوا رواياتهم عن الئمة ،وأقسام الحديث عندهم ،ومقاييس نقد السند لديهم،
فهذا موضوع هام وكبير يستحق أن يكتب فيه كتابة مستقلة ..وذلك لهميته في كشف حقيقة هذه
المدونات أمام المخدوعين والمغفلين ..وتعرية الباطل واكتشاف اليدي السبئية التي أسهمت في
236
صنع هذا "الضلل" ونسبته لبعض علماء أهل البيت ..وهو مبحث واسع الطراف متعدد
الجوانب ل يكفي هذا الحيز لتفصيل القول فيه ..فسنكتفي بالعرض المجمل ،والشارة واللمحة.
مدى صحة روايات هذه المدونات:
لقد جاء على لسان جملة من أعلم أهل السنة بأن الرافضة من أعظم الطوائف افتراء للكذب،
[منهاج السنة ،4/51 :وراجع :المنتقى (مختصر منهاج السنة :ص ،23-21ميزان العتدال: وتكذيبا للصدق
..].)28-1/27وحينما قال ابن المطهر :فإن لهم أحاديثهم التي رواها رجالهم الثقات ،قال شيخ
السلم" :من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الحاديث في الزمان القديم ثقات ،وأنتم لم تدركوها،
ولم تعلموا أحوالهم ول لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة
وغيره ،ول لكم أسانيد تعرفون رجالها" [منهاج السنة.].4/110 :
ولكن هل أئمة السلم على علم بهذه المدونات؟
الحقيقة أنه لم يكن للمة المسلمة مصادر في التلقي معروفة مشهورة غير أمهات مصادر
المسلمين من الصحاح والسنن والمسانيد..
والملحوظ أن أئمة السلم الذين لهم عناية بأمر الروافض كالشعري وابن حزم ،وابن تيمية،
لم يرد عنهم -في حدود تتبعي -ذكر لسماء هذه المدونات وبالخص أخطر كتاب لهم وهو
في أصول الكافي ،رغم أن صاحبه قد توفي سنة 329ه .فهل مرد ذلك إلى أن تلك المدونات
سرية التداول بينهم ،أو لحتقار علماء السلم لهم ،فلم يلتفتوا إلى كتب الحديث عندهم؟ أو أن
هذه الكتب صنفت في إبان الدولة الصفوية ،ونسبت لشيوخهم الوائل؟
قد جاء في أصول الكافي ما يفيد أن كتب الحديث عندهم كانت موضع التداول السري بينهم،
ولهذا لم تكن متصلة السند بسبب ظروف التقية كما يدعون.
يقول نص الكافي" :إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد ال -عليهما السلم -وكانت
التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم ،فلما ماتوا صارت الكتب إلينا( .قال أحد أئمتهم):
حدثوا بها فإنها حق" [أصول الكافي ،كتاب فضل العلم ،باب رواية الكتب والحديث ،].1/53 :وتلحظ في
[كما في خبر "لوح بعض رواياتهم -مثلً -المر بكتمان هذا النص وعدم إذاعته عند غير أهله
فاطمة" المزعوم ،وفي آخره قال إمامهم" :لو لم تسمع في دهرك إل هذا الحديث لكفاك فَصُنْ ُه إل عن أهله" وهو نص
يرويه أبو بصير عن جعفر الصادق( .انظر :أصول الكافي ،)528-1/527 :الكاشاني /الوافي ،المجلد الول ج 2ص
،72الطبرسي /الحتجاج ،87-1/84 :ابن بابويه /إكمال الدين :ص ،304-301الطبرسي (وهو صاحب مجمع
البيان) /أعلم الورى :ص 152وما بعدها ،الكراجكي /الستنصار :ص .].18
237
وفي عصر السيوطي قام أحد الروافض يدعو إلى الحتجاج بالقرآن فقط دون السنة ،وألف
في الرد عليه كتابه "الحتجاج بالسنة" ،فلم لم يدع هذا الرافضي إلى كتب أصحابه؟ قد يلتمس
من هذا الصنيع أنه يتكتم عليها ..وعلى أية حال لم يكن لكتبهم ذلك الذيوع والنتشار إل بعد
ظهور الطباعة وتفشي أمر الرافضة.
ولعل أولى الشارات لمصادر الشيعة الربعة الولى جاءت في كتاب النواقض في الرد على
الروافض ،حيث ذكر بأنه من هفوات الروافض إنكارهم كتب الحاديث الصحاح التي تلقتها
المة بالقبول ،وإيمانهم بمقابل ذك بأربعة كتب جمع فيها كثير من الكاذيب مع بعض الحاديث
وأقوال الئمة [النواقض :ص ( 110 ،109مخطوط).].
وصاحب النواقض (مخدوم الشيرازي) من القرن العاشر ،ولكن ل يعني هذا ظهور أمر هذه
المدونات؛ لن الشيرازي هذا عاش في وسط الرافضة ،واضطر أن يتلقى تعليمه بينهم ..فعرف
[انظر :المصدر السابق :الورقة ،151 ،87وانظر :ص ( من أمورهم -كما يقول -ما يخفى على الكثير
)209من هذه الرسالة ،هامش رقم (.].)2
-أما مدى صحة ما في هذه المدونات في نظر هذه الطائفة ،فهم في هذا فريقان :صنف
يرى صحتها ،ويقطع بثبوت كل حرف فيها عن الئمة ،وفريق يرى أن فيها الصحيح وغيره..
يبين ذلك شيخهم الممقاني فيقول:
"إن كون مجموع ما بين دفتي كل واحد من الكتب الربعة من حيث المجموع متواترا مما ل
يعتريه شك ول شبهة ،بل هي عند التأمل فوق حد التواتر ،ولكن هل هي متواترة بالنسبة إلى
خصوص كل حديث وبعبارة أخرى هل كل حديث وكلمة بجميع حركاتها وسكناتها العرابية
والبنائية ،وبهذا الترتيب للكلمات والحروف على القطع أم ل؟ فالمعروف بين أصحابنا
المجتهدين الثاني كما هو قضية عدها أخبار آحاد ،واعتبارهم صحة سندها أو ما يقوم مقام
الصحة ،وجل الخبار على الول كما يقتضيه قولهم بوجوب العمل بالعلم ،وأنها قطعية
الصدور" [تنقيح المقال( 1/183 :ط 1349ه).].
إذن الكتب الربعة عند الخباريين من الثني عشرية أعظم من القرآن عند المسلمين ..ولهذا
قبلوا رواياتها التي تتعرض لكتاب ال ،وجعلوها هي الحاكمة على كتاب ال وذلك هو الضلل
العظيم ،والكفر الصراح.
أما الصوليون أو المجتهدون كما يسمون فإنهم يعتبرونها من قبيل الحاد ،وينظرون حين
الحكم عليها إلى السند ،ولذلك قال جعفر النجفي (ت 1227ه) -شيخ الشيعة المامية ،ورئيس
238
المذهب -في زمنه [الشيعة في الميزان :ص ( 272الهامش) ].قال في كتابه "كشف الغطا" عن مؤلفي
الكتب الربعة:
" والمحمدون الثلثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم ،وبعضهم يكذب رواية بعض..
ورواياتهم بعضها يضاد بعضا ..ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار
التجسيم والتشبيه وقدم العالم ،وثبوت المكان ،والزمان" [كشف الغطا :ص .].40
ولكن أصحاب الكتب الربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم ل يذكرون إل الصحيح ،فيجيب
صاحب كشف الغطا عن ذلك بقوله" :فلبد من تخصيص ما ذكر في المقدمات أو تأويله على
ضرب من المجازات أو الحمل على العدول عما فات ،حيث ذكروا في تضاعيف كتبهم خلف
ما ذكروه في أوائلها [كشف الغطا :ص ،].40أي أنهم عدلوا عن شرط الصحة الذي ذكروه في
مقدمات كتبهم!!".
ثم يأتي العتراض الكثر صعوبة وهو أن هذه الكتب الربعة مأخوذة كما يقولون من أصول
معروضة على الئمة ،وأصول الكافي كتب في عصر الغيبة الصغرى ،وكان بالمكان الوصول
[مضى إلى حكم المام على أحاديثه ،بل قالوا بأنه عرض على مهديهم فقال بأنه كاف لشيعتنا
تخريجه من كتبهم ص )120( :من هذه الرسالة .].كما أن صاحب من ل يحضره الفقيه "أدرك من الغيبة
الصغرى نيفا وعشرين سنة" [الصدر /الشيعة :ص ،].125فلم لم يعترض الئمة على ما فيها من
موضوعات؟ لم يجد صاحب كشف الغطا جوابا على ذلك إل الفزع إلى التقية التي هي متعقلهم
إذا أعيتهم الحيل فقال" :وأنه ل يجب على الئمة المبادرة إليهم بالنكار ول تمييز الخطأ من
الصواب لمنع التقية المتفرعة على يوم السقيفة" [كشف الغطا :ص .].40
ومع ذلك فإن لسائل أن يقول :إذا كان الصوليون من الشيعة قد سلكوا مسلك التصحيح
والتضعيف من خلل دراسة السناد فهل للشيعة بصر بالرجال ودراية بعلم الجرح والتعديل؟
والجواب على ذلك أنه :من خلل النظر في كتب الرجال عندهم يتبين بأنه لم يكن لهم كتاب
في أحوال الرجال حتى ألف الكشي في المائة الرابعة كتابا لهم في ذلك ،جاء في غاية
الختصار ،وليس فيه ما يغني في هذا الباب ،وقد أورد فيه أخبارا متعارضة في الجرح
والتعديل [انظر -مث ًل :-ترجمة زرارة بن أعين ،وأبي بصير ،وجابر الجعفي وغيرهم ].وليس في كتب
رجالهم الموجودة إل في حال بعض رواتهم [الشيرازي /النواقض ص ( 113مخطوط) .].كما "أنه في
[الممقاني/ كثير من السانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال وآبائهم أو كناهم ،أو ألقابهم"
تنقيح المقال.].1/177 :
239
وقد كان التأليف في أصول الحديث وعلومه معدوما عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي
[انظر :القمي /الكنى [النواقض :ص ].112-111الملقب عندهم بالشهيد الثاني (المقتول سنة 965ه)
واللقاب ،].2/344 :وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها.
قال شيخهم الحائري" :ومن المعلومات التي ل يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث
[مقتبس الثر ،3/73 :وقال الحر العاملي في من علمائنا قبل الشهيد الثاني وإنما هو من علوم العامة"..
ترجمة شيخهم المذكور :وهو أول من صنف من المامية في دراية الحديث؛ لكنه نقل الصطلحات من كتب العامة،
كما ذكره ولده وغيره (أمل المل ،].)1/86 :يعني أهل السنة( .وسيأتي أن تقسيم الحديث إلى صحيح
وغيره لم يوجد عندهم أيضا إل في القرن السابع).
ويرى صاحب التحفة أن سبب تأليفهم في ذلك هو ما لحظوه في وراياتهم من تناقض
[التحفة الثنا عشرية :ص 105 وتهافت ،وأنهم قد استعانوا في وضع هذه الصول بما كتبه أهل السنة
(مخطوط) ،].غير أن لهم بعض المقاييس الخاصة بهم لم تسلم من ضلل كالعادة في كل ما
انفردوا به عن المسلمين .فتجدهم مثلً يوثقون من ادعى رؤية غائبهم المعدوم الذي لم يولد
[كما تقوله طوائف من الشيعة ،وكما ثبت ذلك عند ثقات المؤرخين وعلماء النسب -كما سيأتي في مبحث أصلً
الغيبة ،].-ويعتبرون ذلك دللة على كونه فوق العدالة ،على حين ل تؤثر عندهم صحبة الرسول
شيئا في التزكية والتعديل -كما سلف -فهم بهذا يجعلون الكذب والضلل دليل العدالة ،وعدوا
برهان العدالة أمارة على الكذب فانظر وتعجب ..ويوثقون الكليني الذي أخرج أساطير "تحريف
[انظر :تفسير القرآن" وأوسع لها في كتابه الكافي ،ولذلك قال عنه الكاشاني في تفسيره الصافي
الصافي ،1/52 :ط :العلمي بيروت ،وص 14 :ط :المكتبة السلمية طهران ،].والنوري الطبرسي في فصل
الخطاب [انظر :فصل الخطاب :ص 30وما بعدها (النسخة المطبوعة) ،].ومحمود النجفي الطهراني في
قوامع الفضول [انظر :قوامع الفضول :ص ،].298بأنه كان يقول يتحريف القرآن.
وقال أبو زهرة :فإن من هذا اعتقاده فليس من أهل القبلة [المام الصادق :ص .].440
[رجال الحلي :ص ومع ذلك يقول ابن المطهر الحلي بأنه من أوثق الناس في الحديث وأثبتهم
.].45بينما يعدون القول بالقياس -والذي هو من مبادئ الفقه السلمي -قدح في الرجل
عندهم تترك روايته من أجله [رجال الحلي :ص ].145فانظر كيف يوثقون الكفار ،ويردون روايات
المسلمين.
ومن كان على غير مذهب المامية فروايته ل ترتقي للصحة -عندهم -كما سيأتي في
تعريف الصحيح عندهم ،ولكن المامي مقبولة روايته ولو كان مذموما على لسان الئمة؛ بل
240
[رجال الحلي: صرح ابن المطهر الحلي بأن "الطعن في دين الرجل ل يوجب الطعن في حديثه"
ص ،].137فإذا كانت هذه بعض مقاييسهم فما حال رجالهم؟
رجال أسانيدهم:
إن مصنفي هذه المدونات لم يحصل لهم ملقاة الئمة ،وما أخذوا أقوالهم إل بواسطة رجال
بينهم وبين الئمة ،فما حال هؤلء الرجال الذين رووا كل ذلك الضلل عن جعفر وغيره؟
لقد شهد طائفة من أعلم السنة بأن الروافض من أكذب الناس في الحديث واتقوا الرواية
عنهم ..لكن الثني عشرية ل تقبل هذه الشهادات ،فهي ل تقبل "روايات العامة" كما يقولون
فضلً عن الخذ بجرحهم.
وقد استقرأ صاحب التحفة الثني عشرية أحوال رجالهم في الكتب الربعة من خلل ما تقوله
[انظر :التحفة الثني عشرية :ص 107 ،97وما بعدها (مخطوط) ،ومختصر التحفة عنهم كتب الشيعة نفسها
[الصواقع -بتقديم القاف على العين -المحرقة ص ،].69كما فعل مثل ذلك صاحب "الصواقع المحرقة"
لخوان الشياطين والزندقة من تأليف نصير الدين محمد الشهير بخواجه نصر ال الهندي المكي ،وقد قام الشيخ
محمود اللوسي باختصار الكتاب باسم "مختصر الصواقع "..وانظر (ما أشرنا إليه في) مختصر الصواقع :ص 112
(مخطوط) .].وقدم اللوسي -رحمه ال -في "كشف غياهب الجهالت" إلمامة موجزة بأحوالهم
[كشف غياهب الجاهلت :ص ( 10مخطوط) ،].كما صدر حديثا كتاب بعنوان" :رجال الشيعة" درس فيه
مؤلفه مجموعة كبيرة من رجالهم من خلل مصادر الشيعة ،وما قد يوجد في مصادر السنة،
وهي خطوة تستحق الشادة [وقد نشرته :دار الرقام -الكويت عام 1403ه تأليف عبد الرحمن الزرعي.].
وتبين من خلل ذلك أن رجال كتبهم في الغالب ما بين كافر ل يؤمن بال ول بالنبياء ول
بالبعث والمعاد ،ومنهم من كان من النصارى ويعلن بذلك جهارا وَيتَزيّا بزيّهم ،ولم يدع
صحبتهم ،ومنهم من أعلن جعفر الصادق كذبهم ونص على ذلك باعتراف كتب الشيعة وقال:
"يروون عنا الكاذيب ويفترون علينا أهل البيت" [انظر :التحفة ص .].97إلى غير ذلك من أحوال
رجالهم ،وأنواع ضللهم .وقد ذكرت هذه المصنفات جملة من أسماء هؤلء الرجال الذين ذهبوا
[ولعل بعض أقسام "السنة" في الجامعات السلمية تقوم بدراسة متأنية وشاملة لحوال لهذه المذاهب الملحدة
هؤلء الرجال الذين قام على رواياتهم مذهب الثني عشرية لكشف حالهم ...وبيان الحقيقة.]..
ولقد لخص شيخ الطائفة ،وصاحب كتابين [وهما :التهذيب والستبصار ].من كتبهم الربعة في
[وهي :الفهرست للطوسي، الحديث ،وصاحب كتابين أو ثلثة من كتبهم الربعة المعتمدة في الرجال
ورجال الطوسي ،والكتاب الثالث وهو رجال الكشي ،والذي قام بتهذيبه الطوسي ،وقد فقد الصل اليوم عند الشيعة فل
يوجد إل تهذيب الطوسي ،بالضافة إلى كتاب الرجال للنجاشي ].لخص الطوسي أحوال رجالهم باعتراف
241
مهمّ أجراه ال سبحانه على لسانه ،يقول الطوسي" :إن كثيرا من مصنفي أصحابنا ينتحلون
المذاهب الفاسدة -ومع هذا يقول :إن كتبهم معتمدة [ "-الفهرست :ص ].25-24فكأن المهم عندهم
تشيع الرجل ول يضر بعد ذلك انتحاله لي مذهب فاسد .ولكنهم يردون روايات الزيدية .كما
[انظر: ردوا روايات زيد بن علي وهو من أهل البيت كما فعل الطوسي في الستبصار
الستبصار ].66-1/65 :مع أن الزيدية شيعة.
إذن المقصود عندهم هو المام أو الغالي ،ولهذا ارتضوا أمر الجارودية مع أنها من غلة
الزيدية ،ولكن ارتضوا مذهبها لنها تكفر معظم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم وترد
[كما قرر ذلك شيخهم المفيد في أوائل المقالت ،وقد مضى ذكر كلمه مروياتهم فتشاركهم في عموم مذهبهم
ص .].)41( :ثم بعد ذلك ل يضر أن يكونوا من أصحاب المذاهب الفاسدة ،والنحل الزائفة.
بل قرر جملة من علماء الرجال عندهم كابن الغضائري ،وابن المطهر الحلي بأن القدح في
دين الرجل ل يؤثر في صحة حديثه [رجال الحلى :ص - ].137كما مر .-
ولكن هناك جملة من رجالهم ورواة مذهبهم هم من الغلة كما نص على ذلك شيوخ المذهب
القدامى ،فلم يكونوا يأخذون برواياتهم ،ولكن هذا القدح في هؤلء الرجال لم يرتضه الشيعة
المتأخرون بحجة غريبة ،وهي أن المذهب يتطور ويتغير فأصبح ما يعتبر عند القدامى غلوا هو
اليوم من ضرورات المذهب الشيعي ،فصارت مقاييسهم في نقد مذهب الرجل تتغير من عصر
لعصر تبعا لتغير المذهب وتطوره .قال الممقاني -أكبر شيوخهم في علم الرجال في هذا
العصر " :-إن القدماء -يعني من الشيعة -كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب
الشيعة غلوا وارتفاعا ،وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما ل يخفى على من أحاط خبرا
بكلماتهم" [تنقيح المقال ،3/23 :وراجع ما ذكره محب الدين الخطيب في ذلك في حاشية المنتقى :ص .].193
وأمر آخر أخطر من هذا ،لقد جاءت روايات بأسانيد ثابتة وصحيحة لديهم تذم وتعلن
مجموعة من الكذابين الذين قام الدين الشيعي على رواياتهم ،تذمهم بأعيانهم ..فلم يقبل شيوخ
الشيعة الذم الوارد فيهم (لنهم لو قبلوا ذلك لصبحوا من أهل السنة وتخلوا عن شذوذهم) وقد
فزعوا إلى التقية لمواجهة هذا الذم ،وهذا ليس له تفسير إل رد قول المام من وجه خفي ،وإذا
كان منكر نص المام كافرا في المذهب الشيعي فهم خرجوا بهذا عن الدين رأسا.
وقد اعترف محمد رضا المظفر -وهو من شيوخهم وآياتهم المعاصرين -اعترف بأن جلّ
رواتهم قد ورد فيهم الذم من الئمة ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها ،قال وهو يتحدث عما جاء
في هشام بن سالم الجواليقي من ذم قال" :وجاءت فيه مطاعن ،كما جاءت في غيره من أجلة
[محمد الحسين المظفر /المام أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات والجواب عنها عامة مفهوم"
242
الصادق :ص ( ].178أي العلة المعروفة السائرة عندهم وهي التقية) ثم قال" :وكيف يصح في
أمثال هؤلء العاظم قدح؟ وهل قام دين الحق وظهر أمر أهل البيت إل بصوارم حججهم"
[محمد الحسين المظفر /المام الصادق :ص .].178
لحظ كيف يصنع التعصب بأهله ..فهم يدافعون عن هؤلء الذين جاء ذمهم عن أئمة أهل
البيت ،ويردون النصوص المروية عن علماء أهل البيت في الطعن فيهم والتحذير منهم ،والتي
تنقلها كتب الشيعة نفسها ..فكأنهم بهذا يكذبون أهل البيت ..بل ويصدقون ما يقوله هؤلء
الفاكون حيث زعموا أن ذم الئمة لهم جاء على سبيل التقية ..فهم ل يتبعون أهل البيت في
أقوالهم التي تتفق مع نقل المة ،بل يقتفون أثر أعدائهم ويأخذون بأقوالهم ،ويفزعون إلى التقية
في رد أقوال الئمة.
وهناك مجموعة من رجالهم تميزوا بالكثار من الرواية في كتبهم ،وهم يحظون بتوثيق
شيوخهم على الرغم من أنهم قد لعنوا أو كفروا أو كذبوا على ألسنة الئمة وباعتراف كتب
الشيعة نفسها.
وفي ظني أن جمع ما ورد في هؤلء الرجال الذين شاعت رواياتهم في كتب الثني
عشرية ..جمع ما ورد فيهم من ذك في كتب الشيعة وما قد يوجد من ذلك في كتب السنة يسهم
في إيضاح الرؤية وكشف الكذب على أهل البيت ،ويسقط الكثير من تلك الروايات السوداء التي
أخذت بالشيعة بعيدا عن جماعة المسلمين ،ويكشف المر أمام عوام الشيعة وجهالهم الذين ل
يعرفون عن مذهبهم إل أنه مأخوذ عن أهل البيت ،كما خدعهم بذلك شيوخهم ،وما علموا أن
تلك الروايات جاءت بواسطة حثالة من الكذابين الذين تبرأ الئمة منهن وكذبوهم .فالعوام في
الغالب في غفلة من مذهبهم وما يراد بهم.
ويأتي على رأس هؤلء الذين تميزوا بكثرة الرواية عندهم جابر الجعفي ،قال الحر العاملي:
"روى سبعين ألف حديث عن الباقر -عليه السلم -وروى مائة وأربعين ألف حديث،
[وسائل والظاهر أنه ما روي بطريق المشافهة عن الئمة عليهم السلم أكثر مما روى جابر"
الشيعة.].20/151 :
إذا فجابر يأخذ المرتبة الولى في الرواية من ناحية العدد ،وإذا لحظنا أن مجموع أحاديث
كتبهم الربعة لم تبلغ سوى ([ )44244أعيان الشيعة ،].1/280 :أدركنا ضخامة ما رواه جابر
الجعفي ،وأن رواياته تأخذ النصيب الكبر في المدونات الشيعية ،فهو أحد أركان دينهم.
ولكن جاء في رجال الكشي -أصل كتب الرجال عندهم -عن زرارة بن أعين قال" :سألت
أبا عبد ال -عليه السلم -عن أحاديث جابر؟ فقال ما رأيته عن أبي قط إل مرة واحدة ،وما
243
دخل عليّ قط" [رجال الكشي :ص ،191وقد مضى الستشهاد به .].فالمام الصادق هنا يكذب مما
يزعمه جابر من روايته عنه وعن أبيه ..فكيف إذا يروي هذا العدد الضخم من الحاديث عمن
لم يلتق به ،أو لم يلتق به إل مرة واحدة مع أنه صرح بالسماع والتحديث؟!
ولم يجد شيخهم الخوئي مخرجا من هذه الرواية التي تكذب جابرا إل أن يفزع إلى التقية
فيقول بأنه" :لبد من حمله إلى نحو من التورية" [معجم رجال الحديث .].5/25 :لنه يرى أنه من
[معجم رجال ثقاتهم ،حيث يقول" :الذي ينبغي أن يقال :إن الرجل لبد من عده من الثقات الجلء"
الحديث.].4/25 :
واستشهد لذلك بتوثيق بعض شيوخهم له كابن قولويه وعلي بن إبراهيم والمفيد ،ثم قال:
ويقول الصادق في صحيحة زياد إنه كان يصدق علينا [المصدر السابق .].4/25 :وقد جاء في جامع
الرواة الشارة إلى أن هذه الرواية التي يصفها الخوئي بالصحيحة قد رويت عندهم بطريق
مجهول [الردبيلي /جامع الرواة ،].1/144 :وما أدري لم يؤول الرواية الخرى ويأخذ بهذه الرواية
بل دليل؟
كما أن المفيد الذي يعتبره الخوئي ممن وثقه كان ينشد أشعارا كثيرة عنه يستدل بها على
اختلطه كما أشار إلى ذلك النجاشي [النجاشي /الرجال ص .].100
كما أن النجاشي قال عنه" :وكان في نفسه مختلطا" [النجاشي /الرجال :ص .].100وقال هاشم
[الموضوعات في الثار معروف" :إن جابر الجعفي من المتهمين عند أكثر المؤلفين في الرجال"
والخبار :ص ].334وقال وهو يحكم على بعض رواياتهم" :في سند هذه الرواية صباح المزني،
وجابر الجعفي وهما ضعيفان ،وقد ورد في جابر قدح ومدح والكثر على أنه كان مخلطا"
[المصدر السابق :ص .].184
كما أن النجاشي (ت 450ه) وهو خبير رجالهم وصاحب أحد كتبهم الربعة في الرجال ذكر
أنه" :قلّ ما يورد عنه شيء في الحلل والحرام" [النجاشي /الرجال :ص ،].100ولكن الخوئي يقول:
[الخوئي /معجم رجال الحديث: "فإن الروايات عنه في الكتب الربعة كثيرة في الحلل والحرام
..].4/26فهذا قد يشير إلى شيء آخر وهو أن الرجل بالضافة إلى كذبه في نفسه ،قد كثر الذين
يكذبون عليه ،وهذا ما صرح به النجاشي في رجاله حينما قال" :روى عنه جماعة غمز فيهم
وضعفوا منهم عمرو بن شمر ،ومفضل بن صالح[ "..النجاشي /الرجال :ص .].100
وقال هاشم معروف في ترجمة عمر بن شمر" :ضعفه المؤلفون في الرجال ونسبوا إليه أنه
دس أحاديث في كتب جابر الجعفي" [دراسات في الحديث :ص ،].195و"أنه كان يضع الحاديث في
244
كتب جابر الجعفي وينسبها إليه" [هاشم معروف /الموضوعات والثار :ص .].234فهذا جانب آخر
يكشف كذب هذه الروايات الكثيرة المنتشرة في كتبهم عن جابر.
كما جاء في رواياتهم مما يثبت أن جابرا أحد المجانين ،وإن زعموا أنه افتعل ذلك خشية
بطش الخليفة [انظر ذلك في رجال الكشي :ص ..].195-194كما صورته رواياتهم بأنه واحد من أمهر
[انظر مخاريقه التي ينقلونها عنه في ذلك في رجال الكشي :ص السحرة والمشعوذين وإن لم تسمه بذلك
.].197
وإذا لحظنا أن جابرا قد شاركت رواياته في كثير من أركان الكفر في المذهب الشيعي فهو
الذي روى في الكافي أنه لم يجمع القرآن كله إل الئمة ..إلخ ،وهو أول من وضع التأويل
الباطني في كتاب -كما سلف .-وجاء في رواياتهم ما يشير إلى وجوب كتمان تلك التأويلت
إلى غير ذلك مما أسهم به في تشييد الكفر والضلل ،كما أن رواياته هي من أكبر الدلة على
كذبه وبهتانه ،وقد شهد علماء السنة بأنه أحد الكذابين المفترين.
قال المام أبو حنيفة" :ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي" .وقال ابن حبان" :كان سبئيا
من أصحاب عبد ال ابن سبأ ،وكان يقول" :إن عليا عليه السلم يرجع إلى الدنيا" .وقال جرير
بن عبد الحميد" :ل أستحل أن أحدث عن جابر الجعفي" ،وقال" :هو كذاب يؤمن بالرجعة" .وقال
[انظر :العقيلي /الضعفاء الكبير،1/196 : زائدة :رافضي يشتم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
ابن حبان /المجروحين ،1/208 :ميزان العتدال.].1/379 :
[الفهرست :ص ،104 ومثل جابر الجعفي ،زرارة بن أعين (ت 150ه) ،وثقه شيوخهم كالطوسي
[رجال الحلي: رجال الطوسي :ص ،].350 ،201والنجاشي [رجال النجاشي :ص ،].133 ،132وابن المطهر
ص ،].76وغيرهم [انظر :الحر العاملي /وسائل الشيعة ،20/196 :الردبيلي /جامع الرواة .].1/324 :واعتبروه
[لحظ استدللهم بمبدأ أحد الرجال الستة -من أصحاب أبي جعفر ،وأبي عبد ال -الذين أجعمعت
[انظر :معجم رجال الحديث: الجماع وهم ل يقولون به كما سيأتي في فصل الجماع ].العصابة على تصديقهم
[انظر: ،].7/219وله روايات كثيرة في كتب الشيعة ،كما أن له إخوة وأبناء شاركوا في ذلك
[انظر: الفهرست للطوسي :ص ].104ولهذا قال الطوسي" :ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف"
الفهرست للطوسي :ص .].104
وذكر الخوئي مجموع رواياته في كتبهم الربعة فقال" :وقع بعنوان زرارة في إسناد كثير من
الروايات تبلغ ألفين وأربعة وتسعين موردا ،فقد روى عن أبي جعفر -عليه السلم ،-
ورواياته عنه تبلغ ألفا ومائتين وستة وثلثين موردا ،وروى عن أبي جعفر وأبي عبد ال -
عليهما لسلم -ورواياته عنهما بهذا العنوان تبلغ اثنين وثمانين موردا ،وروى عن أبي عبد ال
245
-عليه السلم -ورواياته عنه بهذا العنوان ،وقد يعبر عنه بالصادق -عليه السلم -تبلغ
أربعمائة وتسعة وأربعين موردا ،وروى عن أحدهما عليهما السلم ورواياته عنهما بهذا العنوان
تبلغ ستة وخمسين موردا[ "..الخوئي /معجم رجال الحديث.].7/247 :
[انظر :لسان الميزان: هذا ما يقولون ،ولكن يقول سفيان الثوري بأن زارة" :ما رأى أبا جعفر"
.].2/474ويقول سفيان بن عيينة -حينما قيل له :روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر كتابا : -
"ما هو ما رأى أبا جعفر ولكنه كان يتتبع حديثه" [انظر :لسان الميزان.].2/474 :
وقد جاء في ميزان العتدال أن زرارة نسب لجعفر الصادق علم أهل الجنة وأهل النار،
وقال لبن السماك :إذا لقيته فاسأله هل أنا من أهل النار أم من أهل الجنة؟ ولما بلغ ذلك جعفرا
[انظر ميزان العتدال-2/69 : قال :أخبره أنه من أهل النار ،فمن ادعى علي علم هذا فهو من أهلها
،70لسان الميزان ،].474-2/473 :غير أن بعض آياتهم وشيوخهم في هذا العصر يقول" :لم نجد أثرا
مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ،ومحمد بن مسلم ،ومؤمن الطارق وأمثالهم ،مع أنا قد
[الموسوي /المراجعات :ص استفرغنا الوسع والطاقة بالبحث عن ذلك وما هو إل البغي والعدوان"
.].313
فكأنه يشير إلى أنه ل أصل لما يذكر عن زرارة من ذم ،وأن ذلك من عدوان الخصوم ،وأنه
بحث عن ذلك في مصادره واستفرغ الوسع في التقصي فلم يجد له أي أثر ..فهل هذا حق؟ لبد
من الرجوع لمصادرهم المعتمدة في الرجال لجل التثبت من صحة هذه الدعوى ،لسيما وأن
عقيدة التقية هي شبهة تمنع الباحث من التصديق ،وأولى ما يرجع إليه في هذا الشأن كتب
الرجال المعتمدة عندهم ..ففي الفهرست للطوسي يتبين أن زرارة من أسرة نصرانية ،إذ إن جده
[الطوسي/ "سنسن" كان راهبا في بلد الروم ،وكان أبوه عبدا روميا لرجل من بني شبيان"
الفهرست :ص ،104ابن النديم /الفهرست ص ،220والذي جاء في فهرست ابن النديم أنه اسم جده سنبس ل سنسن
كما في فهرست الطوسي.].
ويبدو تأثير زرارة في مذهب الشيعة أشبه بتأثير ابن سبأ ،بل قال أبو عبد ال" :ما أحدث أحد
في السلم ما أحدث زرارة من البدع عليه لعنة ال" [رجال الكشي :ص .].149وقال .." :زرارة
شر من اليهود والنصارى ،ومن قال :إنّ مع ال ثالث ثلثة" [رجال الكشي :ص .].160
ونقل الكشي أن أبا عبد ال لعنه ثلثا [السابق :ص ،].150-149وقال" :إن ال نكس قلب
زرارة[ "..السابق :ص .].160وذكر روايات أخرى في ذمه.
ولذلك كان زرارة -كما ينقل الكشي -يقول" :وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة " وعلل
لذلك راوي الخبر عن زرارة بقوله" :لن أبا عبد ال أخرج مخازيه" [السابق :ص ].145-144وقد
246
[انظر :السابق :ص بلغ تطاول زرارة على أبي عبد ال -كما في رجال الكشي -أن كذبه في قوله
[حتى قال :سألت أبا عبد ال عن التشهد -إلى أن قال -فلما خرجت ضرطت في ].158وأساء في القول له
لحيته وقلت ل يفلح أبدا .السابق :ص ،].159وكان يتعمد الكذب ،ويصر على نسبته إليه ،ففي رجال
الكشي " ..عن محمد بن أبي عمير ،قال :دخلت على أبي عبد ال -عليه السلم -فقال :كيف
تركت زرارة؟ قلت :تركته ل يصلى العصر حتى تغيب الشمس فقال :فأنت رسولي إليه فقل
له :فليصل في مواقيت أصحابي فإني قد حرقت .قال :فأبلغته ذلك فقال (يعني زرارة) :أنا وال
[رجال الكشي :ص ،143الحر العاملي/ أعلم أنك لم تكذب عليه ،ولكن أمرني بشيء فأكره أن أدعه"
وسائل الشيعة ،3/113 :الخوئي /معجم رجال الحديث.].7/222 :
فهو يزعم أن جعفر الصادق هو الذي أمره إل يصلي العصر حتى تغيب الشمس!! وجعفر
بريء من هذا الفتراء.
فهذا هو زرارة كما تصفه كتب الشيعة نفسها ،ومع ذلك يقول كبير شيوخهم في هذا العصر
بأنه قد استفرغ الوسع والطاقة في البحث فلم يجد شيئا في ذمه ،فهل يخفى عليه ذلك أم أن في
التقية متسعا لن يقول ما يشاء ول أحد ينكر عليه؟!
وكيف يذهب شيوخ الشيعة إلى توثيق زرارة مع هذا التجريح ،وهذا التكفير واللعن الذي
[لن صدر عن "المعصوم" في اعتقادهم ..والذي يتفق في روايته الكشي ،وشيخ الطائفة الطوسي
رجال الكشي من تأليف الكشي ،وتهذيب واختيارات الطوسي ،والمتداول هو اختيارات الطوسي ،لن الصل مفقود -
كما مر ].-؟
يجيب على ذلك شيخهم الحر العاملي فيقول" :روي أحاديث في ذمه (أي زرارة) ينبغي
[وسائل الشيعة: حملها على التقية ،بل يتعين ،وكذا ما ورد في حق أمثاله من أجلء المامية"
،].20/196ويحتجون لذلك بما يروونه عن محمد بن عبد ال بن زرارة وابنيه الحسن والحسين
عن عبد ال بن زرارة ،قال :قال لي أبو عبد ال (جعفر الصادق)" :اقرأ على والدك السلم وقل
له :إنما أعيبك دفاعا مني عنك ،فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه،
لدخال الذى فيمن نحبه ونقربه ،فيذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ،ويرون إدخال الذى
عليه وقتله[ "..رجال الكشي :ص ،138وسائل الشيعة ،20/196 :معجم رجال الحديث.].7/245 :
يحتجون بهذا ول يلتفتون إلى أن رواية البن مجروحة ،لنه يدافع عن أبيه ،ثم لو كان ذلك
الذم تقية لم يصل إلى هذا الحد من اللعن والتكفير ،ثم إن جعفرا كان في عصره محل الجلل
والتكريم فكيف يهان من يحبه ويقربه؟ ،وإذا كانت التقية من جعفر للدفاع عن زرارة فلماذا
يفتري زرارة عليه بأنه أمره أل يصلي العصر إل بعد غروب الشمس ويكذبه ،ويسيء إليه،
247
فهل في هذا تقية؟! ،ولذلك حاول شيخهم أن يتخلص من روايات ذم زرارة في كتبهم بحمل قسم
منها على التقية [معجم رجال الحديث .].7/245 :والتخلص من القسم الخر في الطعن في سنده.
وقد لحظت أن طعنه في بعض رجال تلك الروايات ل يستقيم مع ما جاء عنه في كتب
الرجال عندهم فهو -مثلً -قد ردّ روايات في ذم زرارة بحجة أن فيها جبرائيل بن أحمد هو
-كما يقول – مجهول [السابق ،].7/241 :في حين أنه ليس بمجهول عندهم ،لنه كما يقول
الردبيلي :كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان [جامع الرواة.].1/146 :
ثم إنه قام بالطعن في روايات الذم فقط وأهمل النظر في روايات المدح وهذا تحيز ظاهر.
ولكن شيوخهم يجرون هذا الحكم في كل رجل ذمه الئمة وارتضى شيوخهم أخباره مثل
[قال الحر العاملي :روى الكشي وغيره فيه مدحا وذما ،ولعل وجه الذم يأتي في أحمد بن محمد المروزي
زرارة (أي حمل الذم على التقية)( .وسائل الشيعة ،20/127 :انظر :رجال الكشي :ص ،562-559جامع الرواة:
[قال الحر العاملي" :وفيه ذم يسير ضعيف السند والدللة ،ويأتي ،].)49-1/48وإسماعيل بن جابر الجعفي
[قال وجهه في زرارة" (وسائل الشيعة ،20/139 :وانظر رجال الكشي :ص ،].)199وبريد بن معاوية العجلي
الحر العاملي" :وجه من وجوه أصحابنا ،ثقة فقيه ،وعدّه الكشي من أصحاب الجماع (أي ممن أجمعت الشيعة على
تصحيح رواياتهم) وفيه بعض الذم يأتي الوجه في مثله في زرارة"( .وسائل الشيعة ،146-20/145 :وانظر :رجال
النجاشي :ص ،87رجال الحلي :ص ،27-26جامع الرواة ،119-1/117 :رجال الكشي :ص " 148وفيه قال أبو
[قال الحر العاملي" :كوفى ثقة ،وفيه مدح ،وفيه ذم عبد ال :لعن ال بريدا") ،].وحريز بن عبد ال السجستاني
محمول على التقية لما يأتي في زرارة" (وسائل الشيعة ،20/162 :وانظر :رجال النجاشي :ص ،111رجال الطوسي:
ص ،181رجال الحلي :ص ،63جامع الراواة ].)187-1/182وغيرهم.
ولشك بأن أمر التقية في مثل هذه الحالت ليس بمؤكد ،فكان أقل الحوال أن يتوقف في
هؤلء ،وإذا كان شيوخ الشيعة لم يقبلوا ما قيل في رواتهم من قبل أهل السنة ،لنهم خصوم -
على حد زعمهم -فإنهم أيضا لم يقبلوا ما ورد عن أئمتهم وادعو أنه صدر منهم مجاملة
ومصانعة لهل السنة ..فضاعت الحقيقة حينئذ ،وقام مذهب الشيعة على أهواء الشيوخ ،والرواة
الكذبة.
أقسام الحديث عند الشيعة:
ومع تأخر التأليف عندهم في علم الرجال ،واشتماله على ما ل يغني في بيان الحال ،فإن
القارئ لكتب الشيعة المتأخرة ،كمرآة العقول للمجلسي ،والمعاصرة مثل الشافي في شرح
أصول الكافي ،يجد أنهم يذكرون أحيانا أن هذا الحديث صحيح وذاك ضعيف ،وإن كانوا ل
يلتزمون هذا في الكثير من مصنفاتهم .وقد مرّ أن هذا مسلك طائفة من الثني عشرية وهم
الصوليون.
248
والعهد بالشيعة أنهم ل بصر لهم بهذه المور ول معرفة لهم بهذا الشأن ،وقد شنع عليهم أهل
السنة لجهلهم بذلك ،فمتى بدأ هذا التقسيم عند الشيعة وما سببه؟
لقد ظهر لي أثناء دراستي لعلم الجرح والتعديل عندهم أن تقسيم الحديث إلى صحيح،
[الصحيح عندهم :ما اتصل سنده إلى المصوم بنقل المامي العدل عن مثله في وحسن ،وموثق ،وضعيف
جميع الطبقات.
والحسن :ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح من غير نصل على عدالته مع تحقيق ذلك في جميع مراتبه أو في
بعضها مع كون الباقي من رجال الصحيح.
والموثوق :ما دخل في طريقه من نص الصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته.
والضعيف :ما ل يجتمع فيه شروط أحد الثلثة المتقدمين بأن يشمل طريقه على مجروح أو مجهول الحال أو ما دون
ذلك.
والمرسل :ما رواه عن المعصوم من لم يدركه.
(زين الدين العاملي /الدراية :ص ،47 ،24 ،23 ،21 ،19وانظر :الممقاني مقياس الهداية ص ،)35-33 :بهاء الدين
العاملي /الوجيزة :ص . 5
ويلحظ أن المعصوم -كما أشرنا من قبل -ليس هو الرسول صلى ال عليه وسلم فحسب ،بل أئمتهم لهم هذه الصفة
التي يختص بها الرسل ،كما أنهم يشترطون إمامية الراوي في الحكم بصحة الحديثة أو حسنه ،وما سوى المامي فل
يقبل خبره بقول علمتهم ابن المطهر الحلي" :ل تقبل رواية الكافر وإن علم من دينه التحرز عن الكذب".
وكذلك "المخالف ل يقبل روايته أيضا لندراجه تحت اسم الفاسق" (ابن المطهر /تهذيب الموصول :ص )78-77وهم
يجرون حكم الكفر أو الفسق على سائر المسلمين من غير طائفتهم .قال الممقاني .." :والخبار في فسقهم بل كفرهم
ل تحصى كثرة" (تنقيح المقال )3/207 :وراجع مبحث المامة من هذه الرسالة ص ( )749وما بعدها.
ولكنهم متناقضون في تطبيق هذه الشروط ..وقد تعقبهم في ذلك صاحب التحفة وغيره ،كما كشف أمرهم إخوانهم
من الخباريين ].قد جاء متأخرا جدا عندهم .ولعل هذه "القضية" تحتاج إلى شيء من التفصيل
باعتبارها في نظري جديدة لم أر من نبه عليها من قبل فأقول:
يلحظ أن بداية تقويم الشيعة للحديث وتقسيمه إلى صحيح وغيره ،قد كانت في القرن السابع
(مع أن بداية دراسة أحوال الرجال عندهم كانت في القرن الرابع -كما مر ،)-وجاءت متوافقة
مع حملة شيخ السلم ابن تيمية عليهم في منهاج السنة حينما شنع على الشيعة قصورهم في
معرفة علم الرجال ،وقلة خبرتهم في ذلك ،كما انبرى يكشف استدللت الشيعة من كتب السنة
ويبين جهلهم وكذبهم في هذا الباب حيث يستدلون بالضعيف والموضوع ،وينقلون من المصادر
غير المعتمدة.
فهل الشيعة تنبهوا إلى ضعف هذا الجانب عندهم فاتجهوا إلى تمحيص أحاديثهم ،أو إنهم رأوا
أن تقليدهم لهل السنة في هذا الباب فيه مجال للتخلص من إلزامات أهل السنة ونقدهم لما جاء
في كتب الشيعة من كفر وضلل ،فما أن يقول لهم السنيّ :لقد جاء في كتابكم الكافي مثلً كذا
249
وكذا من الكفر حتى يجد الشيعي الجواب حاضرا وميسورا ،حينما يحكم على الحديث الوضع
وفي التقية متسع..؟
إن التوافق الزمني بين رد شيخ السلم ووضعهم لهذا الصطلح قد ينبئ عن تأثيرهم بنقد
شيخ السلم لهم ،حيث اعترفوا بـ"أن هذا الصطلح (وهو من تقسيم الحديث عندهم إلى
[وسائل الشيعة ،20/102 :وانظر :الكاشاني/ صحيح وموثق وضعيف) مستحدث في زمن العلمة"
الوافي /المقدمة الثانية.].
والعلمة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الذي رد عليه شيخ السلم .بل
هناك ما يؤكد الموضوع أكثر ،وهو أن ابن المطهر الحلي هذا هو -كما يقول صاحب الوافي:
"أول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك" [الوافي /المقدمة الثانية.].1/11 :
إذن أل يدل هذا على أن لبن تيمية ،ومنهاج السنة أثرا في ذلك ،وإن بدء ابن المطهر في
وضع هذه المقاييس لشيعته إنما هو سبب النقد الموجه له من ابن تيمية؟
وقد اعترف شيخهم "الحر العاملي" بأن سبب وضع الشيعة لهذا الصطلح واتجاههم للعناية
بالسند هو النقد الموجه لهم من أهل السنة فقال" :والفائدة في ذكره (أي السند) ...دفع تعيير
[وسائل الشيعة: (يعني أهل السنة) الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة ،بل منقولة من أصول قدمائهم"
.].20/100
وكأن هذا النص الخطير يفيد -أيضا -أن السناد عندهم غير موجود ،وأن رواياتهم كانت
بل زمام ول خطام حتى شنع الناس عليهم بذلك فاتجهوا حينئذ لذكر السناد .فالسانيد التي
نراها في رواياتهم هي صنعت فيما بعد وركبت على نصوص أخذت من أصول قدمائهم،
ووضعت هذه السانيد لتوقي نقد أهل السنة ،وقولهم بأن أسانيد الشيعة غير معنعنة .ول يستبعد
أن يقوم من يتولى صناعة تلك السانيد بوضع أسماء رجال ل مسمى لهم.
وقد لحظت في دراستي لكتاب سليم بن قيس -أول كتاب ظهر لهم -أنهم يضعون روايات
أو كتبا لشخاص ل وجود لهم ،حتى قال بعض شيوخهم وهو يعترف بأن كتاب سليم بن قيس
موضوع عليه" :والحق أن هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية ،وطرائف
[أبو الحسن الشعراني /تعليقات علمية (على شرح الكافي للمازندراني): بن طاوس ،والرحلة المدرسية"
[انظر :ص ( )26من .].374-2/373وتبين لنا فيما سلف أن سليم بن قيس قد يكون اسما ل مسمى له
هذه الرسالة.].
وقد رأيت صاحب الحور العين يقدم شهادة مهمة لحد علماء الشيعة الزيدية في هذا الشأن
[أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني ،وقد قال ذلك في كتابه حيث قال :قال السيد أبو طالب
250
الدعامة ،وقد توفي سنة (424ه)( .انظر :معجم المؤلفين" :].)1932-13/192 :إن كثيرا من أسانيد الثني
عشرية مبنية على أسام ل مسمى لها من الرجال ،قال :وقد عرفت من رواتهم المكثرين من
كان يستحل وضع السانيد للخبار المنقطعة إذا وقعت إليه .وحكي عن بعضهم :أنه كان يجمع
روايات بزرجمهر ،وينسبها للئمة بأسانيد يضعها ،فقيل له في ذلك ،فقال :ألحق الحكمة بأهلها"
[الحور العين :ص .].153
وقد ذكروا أن من رجالهم حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي قالوا بأنه" :روى جميع
مصنفات الشيعة وأصولهم ..وروى ألف كتاب من كتب الشيعة" [وسائل الشيعة ،].20/185 :ولو كان
هذا واقعا لنتشر ذكره في كتب الرجال والتاريخ ولكني لم أجد له أي ذكر أو إشارة.
ومما يؤيد هذا وأنه ل سند لهم في الحقيقة النص التالي الذي جاء في أصح كتبهم ،حيث
قالوا" :إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد ال -عليهما السلم ،-وكانت التقية شديدة
فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم ،فلما ماتوا صارت الكتب إلينا" .ولما سألوا إمامهم عن ذلك قال:
"حدثوا بها فإنها حق" [أصول الكافي ،كتاب فضل العلم ،باب رواية الكتب والحديث ،].1/53 :فهذا اعتراف
خطير بانقطاع أسانيدهم.
ومن يضمن لهم ول سيما في ظروف الخوف والتقية التي تشير إليها هذه الرواية ،من
يضمن أن ل تكون هذه الكتب التي صارت إليهم من وضع زنديق ملحد أراد إضلل الشيعة
وإبعادهم عن "حظيرة" الجماعة بنسبة روايات تلك الكتب إلى بعض أهل البيت ..وليس هذا
ببعيد ..ومما يثبت ذلك كثرة النصوص عندهم والتي تتناول أقدس ما عند المسلمين وهو كتاب
ال سبحانه بالطعن مما ل يوجد عند طائفة من طوائف الضلل والكفر إل عند هذه الطائفة.
ويؤكد شيخهم الحر العاملي أن الصطلح الجديد (وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح
وغيره) والذي وضعه ابن المطهر هو محاولة لتقليد أهل السنة حيث قال" :والصطلح الجديد
[وسائل الشيعة: موافق لعتقاد العامة واصطلحهم ،بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع"
.].20/100
وهذا يفيد تأخر الشيعة في الهتمام بهذه القضية ،وإن الدافع لذلك ليس هو الوصول إلى
صحة الحديث بقدر ما هو توقي نقد المذهب من قبل الخصوم والدفاع عنه .ولذلك جاء علم
الجرح والتعديل عندهم مليئا بالتناقضات والختلفات حتى قال شيخهم الفيض الكاشاني" :في
الجرح والتعديل وشرايطهما اختلفات وتناقضات واشتباهات ل تكاد ترتفع بما تطمئن إليه
النفوس كما ل يخفى إلى الخبير بها" [الوافي ،المقدمة الثانية.].12-1/11 :
251
وهذه العترافات الخطيرة من الكاشاني ،والحر العاملي لم تظهر إل في ظل الخلف الذي
دار ويدور بين الخباريين والصوليين ..والذي -كما نلحظ -ارتفعت فيه التقية لسيما وأن
[نزق نزقا من باب تعب :خف وطاش (المصباح في الشيعة -كما يقول الكافي -خصلتين" :النزق
المنير :ص ].)734وقلة الكتمان" [أصول الكافي ،].222-2/221 :فجاءت هذه القرارات لتكشف أن
"السناد" خصيصة من خصائص أهل السنة ،وأن اتجاه الشيعة لذلك إنما هو من باب التقليد
وصيانة المهذب من النقد ..وكان وضع هذا الصطلح على يد ابن المطهر الذي حظي بنقد
قوي من شيخ السلم ابن تيمية مما يدل على أثر ذلك في الشيعة.
وقد صار هذا الصطلح مثل عقيدة التقية يتسترون به على غلوهم ،فإذا وجه إليه نقده ادعوا
أن في رواياتهم الصحيح وغيره ،كما تلحظ هذه الظاهرة في كتابات ثلة من شيوخهم
المعاصرين.
ومنهج التصحيح والتضعيف الذي وضعه المتأخرون إن طبقوه لم يبق لهم من حديثهم إل
القليل ،كما كشف ذلك شيخهم يوسف البحراني المتوفى (1186ه) حيث قال" :والواجب إما الخذ
بهذه الخبار ،كما هو عليه متقدمو علمائنا البرار ،أو تحصيل دين غير هذا الدين ،وشريعة
أخرى غير هذه الشريعة ،لنقصانها وعدم تمامها ،لعدم الدليل على جملة من أحكامها ،ول أراهم
يلتزمون شيئا من المرين ،مع أنه ل ثالث لهما في البين ،وهذا بحمد ال ظاهر لكل ناظر ،غير
متعسف ول مكابر" [لؤلؤة البحرين :ص .].47
فهذا نص مهم يكشف أخبارهم في ضوء علم الجرح والتعديل الخاص بهم ،وأنهم لو
استخدموه بدقة لسقطت معظم رواياتهم ..وليس لهم إل الخذ برواياتهم بدون تفتيش ،كما فعل
قدماؤهم ،وقبولها بأكاذيبها وأساطيرها ،أو البحث عن مذهب سوى مذهب الشيعة ،لن مذهبهم
ناقص ل يفي بمتطلبات الحياة.
وإذا أخذنا هذا العتراف ،ووضعناه مع إقرارهم الذي جاء في أخبارهم بأنهم كانوا ل
[أصول الكافي ،2/20 :ومضى ذكر النص يعرفون مناسك الحج والحلل والحرام حتى جاء أبو جعفر
[انظر :ص ( )362من بحروفه ص ( ،].)346وأنه في عهد أبي جعفر وابنه كثر الكذابون على الئمة
هذه الرسالة -].تكاملت الصورة في أن معظم رواياتهم مكذوبة ،ولو طبق علم الجرح والتعديل
لنكشف أمرها بذلك وظلوا كما كانوا من قبل أبي جعفر ل يعرفون الكثير من أمور دينهم إل
عن طريق كتب المسلمين.
ولكن يبدو أنهم لم يلتزموا بتطبيق هذه الصول التي وضعوها .فتراهم مثلً يحكمون بصحة
كتاب نهج البلغة ،حتى قال أحد شيوخهم المعاصرين" :إن الشيعة على كثرة فرقهم واختلفها
252
متفقون متسالمون على أن ما نهج البلغة هو من كلم أمير المؤمنين -رضي ال عنه -
اعتمادا على رواية الشريف ودرايته ووثاقته" ..حتى كاد أن يكون إنكار نسبته إليه -رضي ال
عنه -عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات اللهم إل شاذا منهم ..وأن جميع ما فيه
من الخطب والكتب والوصايا والحكم والداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى ال عليه
وسلم [الهادي كاشف الغطا /مدراك نهج البلغة :ص ].191-190مع أن كتاب النهج مطعون في سنده
ومتنه ،فقد جمع بعد أمير المؤمنين بثلثة قرون ونصف بل سند ،وقد نسبت الشيعة تأليف نهج
[محمد بن الحسين بن موسى الرضي أبو الحسن ،قال الذهبي :رافضي جلد. البلغة إلى الشريف الرضي
(ميزان العتدال .].)3/523 :وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصا فيما يوافق بدعته
فيكف إذا لم يسند كما فعل في النهج؟ ،وأما المتهم -عند المحدثين -بوضح النهج فهو أخوه
[علي بن الحسين العلوي الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي ..المتوفى سنة (436هـ) (انظر :ميزان علي
العتدال.].)3/124 :
قال شيخ السلم ابن تيمية" :وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراه على علي،
[ابن تيمية /منهاج السنة ،4/24 :المنتقى ولهذا ل يوجد غالبها في كتاب متقدم ول لها إسناد معروف"
من منهاج العتدال ص .].430
[انظر في نقد نهج كما أن علمات الوضع لنصوص الكتاب كثيرة ليس هذا موضع تفصليها
البلغة :ابن تيمية /منهاج السنة ،4/159 :المنتقى من منهاج العتدال :ص ،509-508الذهبي /ميزان العتدال
(ترجمة علي بن الحسين الشريف المرتضى ،)3/124 :ابن حجر /لسان الميزان ،4/223 :مختصر التحفة الثني
عشرية :ص ،36محب الدين الخطيب /حاشية مختصر التحفة :ص ، 58وحاشية المنتقى :ص ،430أحمد أمين/
فجر السلم :ص ،178أحمد زكي صفوت /ترجمة علي بن أبي طالب :ص ،162-125الزعبي /البينات في الرد
على أباطيل المراجعات :ص ،40-36مجلة المقتطف المجلد 42ج 3ص 248عدد ( )25ربيع الول عام 1331هـ،
الوادعي /رياض الجنة :ص .].163-162
والغرض هنا أن الشيعة يشترطون في الحكم بالصحة اتصال السند فأين اتصال السند هنا؟
ومن قديم كان شيوخهم ل يعملون بمقاييس الصحة والضعف التي وضعوها بأنفسهم .قال الحر
العاملي عن شيخهم الطوسي إنه "يقول :هذا ضعيف ،لن روايه فلن ضعيف ،ثم نراه يعلم
برواية ذلك الرواي بعينه ،بل برواية من هو أضعف منه في مواضع ل تحصى .وكثيرا ما
يضعف الحديث بأنه مرسل ثم يستدل بالحديث المرسل ،بل كثيرا ما يعمل بالمراسيل وبرواية
الضعفاء ،ويرد المسند ورواية الثقات" [وسائل الشيعة.].20/111 :
وإذا كان شيخهم البحراني المتوفى سنة (1186ه) يقرر بأن تطبيق منهجهم في الجرح
[محمد بن علي والتعديل (على ما فيه) يلغي الكثير من أحاديثهم -كما مر -فإن شيخهم الردبيلي
253
الردبيلي الغروي الحائري .].والمتوفى سنة (1101ه) يؤلف كتابه جامع الرواة ويدعي دعوى في
غاية الغرابة ،حيث زعم -وهو في القرن الحادي عشر -أنه بتأليفه لكتابه المذكور تتغير
أحكامه في اثني عشر ألف حديث عن الئمة في العصور الولى ،تتغير من القول بضعفها أو
إرسالها أو جهالتها إلى القول بصحتها ،حيث قال" :بسبب نسختي هذه يمكن أن يصير قريبا من
اثني عشر ألف حديث أو أكثر من الخبار التي كانت بحسب المشهور بين علمائنا -رضوان
ال عليهم -مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة معلومة الحال وصحيحة لعناية ال تعالى ،وتوجه -
كذا -سيدنا محمد وآله الطاهرين" [الردبيلي /مقدمة جامع الرواة.].
ويستدل بهذا القول صاحب فصل الخطاب على أنه ل مانع من أن تصبح أحاديث التحريف
[فصل الخطاب :ص ضعيفة عند قدمائهم لعدم علمهم بطرق صحتها فتتحول عندهم إلى صحيحة
.].354
ونجد شيخهم المجلسي في كتابه مرآه العقول يضعف جملة من أحاديث الكافي مع أنه يقول:
فإننا ل نحتاج إلى سند لهذه الصول الربعة ،وإذا أوردنا سندا فليس إل للتيمن والتبرك
[رسالة لزوم نقد رجال من ل يحضره الفقيه ،عن أبي زهرة /المام الصادق :ص -470 والقتداء بسنة السلف
،].471وهذا تناقض غريب .ولكن شيخهم هاشم معروف يرى "أن اتصاف هذا المقدار من
[قالوا بأن عدد الضعيف من روايات الكافي ( )9485حديثا ،والصحيح (،)5072 مرويات الكافي بالضعف
الحسن ( ،)144والموثق ( ،)178القوى (( .)302انظر :الذريعة ،246-17/245 :النوري /مستدرك الوسائل :الفائدة
الرابعة) ].ل يعني عدم جواز العتماد عليها في أمور الدين ،ذلك لن وصف الرواية بالضعف
من حيث سندها ،ل يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في أحد الصول الربعمائة ،أو في
بعض الكتب المعتبرة ..أو لكونها معمولً بها عند العلماء وقد نص أكثر الفقهاء على أن الرواية
الضعيفة إذا اشتهر العمل بها والعتماد عليها تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة ،وربما
تترجح عليها في مقام التعارض" [هاشم معروف /دراسات في الحديث والمحدثين :ص .].137ولهذا قال
شيخهم الشعراني -كما مر -بأن أسانيد الكافي وإن كان أكثرها ضعيفا فإن مضامينها
صحيحة [الشعراني /تعاليق علمية (على شرح الكافي للمازندراني) .].2/123
ويلحظ أن هذا مع ما قبله محاولة للتخلص من تطبيق مبادئ الجرح والتعديل التي وضعها
لهم ابن المطهر في القرن السابع وانتهت بهم إلى سقوط كثير من رواياتهم ،كما كشف ذلك
شيخهم البحراني ،فطفقوا يبحثون عما يسند رواياتهم بأي قرينة ..وإل فما معنى وجودها في
كتاب معتبر وهل هناك أكثر اعتبارا عندهم من الكافي المعروض على مهديهم؟! ،أمام قوله:
[ادعى شيوخ الشيعة بأن أسلفهم كانوا يعتمدون على أربعمائة "كوجودها في أحد الصول الربعمائة"
254
مصنف يسمونها الصول ،ثم لخصت هذه الكتب وجمعت في كتب خاصة أحسنها الكتب الربعة( .الوسائل
.]..)20/67فإن شيوخهم يقولون بأن الكتب الربعة وغيرها من كتبهم المعتمدة كالخصال،
والمالي ،ومدينة العلم ..منقولة من الصول الربعمائة [الوسائل.]20/67 :
فكيف يجعلون علمة صحة أخبارهم عن الئمة في الكافي وجودها في أحد الصول،
والكافي برمته منقولة منها -كما يزعمون -أليس هذا تناقضا؟!.
تقويم حال الئمة الذين تدعي فيهم الشيعة كل تلك الدعاوى:
الملحظ أن روايات الشيعة في كتبها كلها منسوبة إلى الئمة الثني عشر ،ومعظمها مروي
عن جعفر الصادق ،وقليل منها (بل نادرٌ ول يكاد يوجد إل بكلفة) مروي عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،بل أشار شيخهم الحر العاملي إلى أنهم يتجنبون رواية ما يرفع إلى النبي خشية
أن يكون من روايات أهل السنة [انظر :وسائل الشيعة.].20/391 :
إذن هذه الطائفة "ل تعتني بحديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعرفة صحيحه من
سقيمه والبحث عن معانيه ،ول تعتني بآثار الصحابة والتابعين حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم
وترد ما تنازعوا فيه إلى ال والرسول" [منهاج السنة.].3/40 :
بل عمدتها ما تزعم روايته عن بعض أهل البيت وليس كل أهل البيت ،فقد رد الطوسي
روايات زيد بن علي بن الحسين [انظر :الستبصار ..].1/66 :وكفر هؤلء جملة من أهل البيت ل
[انظر :أصول الكافي ،1/372 :بحار النوار: لشيء إل لنهم لم يصدقوا بدعوى إمامة الثني عشر
.].114-25/112ويا ليتهم أخذوا بما يقوله أمير المؤمنين علي ،أو قنعوا بمراسيل التابعين كعلي
بن الحسين؛ بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعكسريين فيقولون :كل ما قاله واحد من أولئك
فالنبي قد قاله.
وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كان في زمانهما من الهاشميين ليس
عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم ،ويحتاج إليهم في أهل العلم ،ول كان أهل العلم
يأخذون عنهم ،كما يأخذون عن علماء زمانهم ،وكما كان أهل العلم في زمن علي بن الحسين
وابنه أبي جعفر وابن ابنه جعفر بن محمد ،فأن هؤلء الثلثة -رضي ال عنهم -قد أخذ أهل
العلم عنهم كما كانوا يأخذون عن أمثالهم بخلف العسكريين ونحوهما فإنه لم يأخذ أهل العلم
المعروفون بالعلم عنهم شيئا .فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلء هو قول الرسول
الذي بعثه ال إلى جميع العالمين ،بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن ،وهذا مما ل يبنى عليه
دينه إل من كان أبعد الناس من طريقة أهل العلم واليمان [منهاج السنة.].41-3/40 :
255
وقد تحدث ابن حزم عن هذه الدعوى للروافض وقال" :وأما من بعد جعفر بن محمد فما
عرفنا لهم علما أصلً ،ل من رواية ول من فتيا على قرب عهدهم منا ،ولو كان عندهم من ذلك
شيء لعرف كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر وعن غيره منهم ممن حدث الناس عنه"
[الفصل .].4/175 :وأما من قبل جعفر فلهم ما لنظرائهم من العلم والفضل.
وقال شيخ السلم ابن تيمية :بأن من يدعي الروافض أن قوله كقول ال ورسوله" :منهم من
كان خليفة راشدا تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله ،وهو علي ،ومنهم أئمة في العلم والدين يجب
لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين ،وأبي جعفر الباقر ،وجعفر بن
محمد الصادق ،ومنهم دون ذلك" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].19/69 :
ثم فصل القول في من هم دون ذلك في موضع آخر؛ فذكر بأن موسى بن جعفر ليس له كثير
رواية ،وقد روى عن أبيه ،وروى عنه أخوه علي ،وروى له الترمذي وابن ماجه ،وأما من بعد
موسى فلم يؤخذ عنهم من العلم ،وليس لهم رواية في الكتب المهات من الحديث ،ول فتاوى في
الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف ،ول لهم تفسير ول غيره ،ول لهم أقوال معروفة،
ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له أهل -رضي ال عنهم – [منهاج السنة.].2/155 :
فكأن شيخ السلم -رحمه ال -يستدرك على ابن حزم ..فيزيد موسى بن جعفر ،ويبين أنه
كان له رواية في كتب السنة ،إل أنها ليست كثيرة .وقد حدّد الذهبي رواياته في الكتب الستة
فقال :له عند الترمذي وابن ماجه حديثان [سير أعلم النبلء.].6/270 :
ولكن يلحظ أيضا أن ابنه علي بن موسى الرضا؛ له رواية في سنن ابن ماجه ،كما أشار إلى
[الذهبي/ ذلك الذهبي ،وابن حجر حيث رمزا له – عند ذكر ترجمته – بالقاف إشارة إلى ذلك
[المزي/ الكاشف ،2/296 :ابن حجر /تقرير التهذيب .].45-2/44 :وقد ذكر المزي بأنها رواية وحدة فقط
تهذيب الكمال( 2/993 :المخطوط) .].وبالرجوع إلى سنن ابن ماجه تبين أن تلك الرواية جاءت من
[انظر :سنن ابن ماجه 26-1/25 :رقم ( ،)45وقد حكم عليها ابن الجوزي بالوضع طريق أبي الصلت الهروي
(الموضوعات ،)129-1/128 :وانظر :السخاوي /المقاصد الحسنة :ص ،140الكناني /تنزيه الشريعة،152-1/515 :
البوصيري /مصباح الزجاجة ص ].12وهو ممن ل يحتج له ،حتى قال فيه الدارقطني" :رافضي
خبيث متهم بوضع حديث اليمان في القلب" [ميزان العتدال .].2/616 :وهو الحديث الذي جاء في
سنن ابن ماجه من طريق أبي الصلت عن علي بن موسى ،ولذلك قال ابن السمعاني :إن الخلل
[النساب ،6/134 :وانظر :تهذيب في روايات علي الرضا من رواته ،فإنه ما روى عنه إل متروك
التهذيب.].7/389 :
وقال فيه ابن حجر :إنه صدوق والخلل ممن روى عنه [تقريب التهذيب.].2/45 :
256
ولعل هذا ما أشار إليه شيخ السلم حينما قال" :لم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث
شيئا ،ول روى له حديثا في كتب السنة ،وإنما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخا عن
[منهاج السنة ،2/156 :وفي تهذيب التهذيب ذكر أمثلة آبائه فيها من الكاذيب ما نزه ال عنه الصادقين"
لهذه المنكرات والكاذيب التي يرويها أبو الصلت الهروي عن علي الرضا (تهذيب التهذيب )389-7/388 :كحديثهم
الذي يقول" :السبت لنا ،والحد لشيعتنا ،والثنين لبني أمية "..إلخ.
(انظر :المصدر السابق )7/388وترويه كتب الثني عشرية في مصادرها المعتمدة عندهم( .انظر :عيون
الخبار :ص ،207وسائل الشيعة.].)8/258 :
وأما من بعد علي الرضا -وهو من يعده الثنا عشرية إمامهم الثامن -فلم يؤثر عنهم في
كتب السنة من العلم شيء ،وحينما ادعى ابن المطهر الحلي أن الحسن العسكري (إمامهم
الحادي عشر) قد "روت عنه العامة (يعني أهل السنة) كثيرا"؛ نفى ذلك شيخ السلم ابن تيمية
وقال :بأن ذلك من الدعاوى المجردة ،والكاذيب المثبتة ،فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين
كانوا في زمن هذا الحسن بن عليّ العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم.
وقال" :بأن شيوخ أهل كتب السنة (البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه) كانوا
موجودين في ذلك الزمان وقريبا منه مثله وبعده ،وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء
شيوخ الكل -يعني شيوخ هؤلء الئمة ،-فليس في هؤلء الئمة من روى عن الحسن بن
علي العسكري مع ورايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث ،فكيف يقال :روت عنه العامة
كثيرا ،وأين هذه الروايات؟" [منهاج السنة.].164-2/163 :
وقد رأيت الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن بن علي العسكري يذكر بأن ابن الجوزي
ضعفه في الموضوعات [لسان الميزان .].2/240 :فانظر الفرق بين هذا ،وبين من يعد كلمه وحيا
يوحى.
وقد أثار ابن حزام على الشيعة ما ثبت تاريخيا من أن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه
وهو ابن ثلث سنوات ،ثم قال" :فنسألهم من أين علم هذا الصغير جميع علومه الشريعة وقد
تعذر تعليم أبيه له لصغره؟ فلم يبق إل أن يدّعوا له الوحي فهذه نبوة وكفر صريح ،وهم ل
يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة ،وأن يدعوا له معجزة تصحيح قوله.
فهذه دعوة باطلة ،ماظهر منها قط شيء ،أو يدّعوا له اللهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى"
[الفصل.].4/172 :
وكأن ابن حزم يتنبأ بما ستضيفه الشيعة ،أو هو يكشف شيئا يتسترون عليه ،فقد قالوا باللهام
والوحي للمام -كما سلف -وجاء في روايتهم ما يؤكد القول بإمامة الطفال ،ففي أصول
257
الكافي "عن ابن بزيع قال :سألته يعني أبا جعفر -رضي ال عنه -عن شيء من أمر المام،
[أصول الكافي،384-1/383 : فقلت :يكون ابن أقل من سبع سنين؟ فقال :نعم ،وأقل من خمس سنين"
بحار النوار.].25/103 :
وقالوا بأن الجواد كان إماما وهو ابن خمس سنوات [بحار النوار ،].25/103 :وقد مضى
احتجاجهم بروايات منسوبة لمنتظرهم وهو ابن ليلة واحدة.
ويكفي مجرد تصور هذا لمعرفة مدى بطلن رواياتهم التي ينسبونها للئمة ،إذ قد علم بنص
القرآن والسنة المتواترة وإجماع المة ،أن مثل هذا يجب أن يكون تحت ولية غيره في نفسه
وماله ،فتكون نفسه محضونة ومكفولة لمن يستحق كفالته الشرعية ،وهو قبل السبع ل يؤمر
بالصلة ،فإذا بلغ السبع أمر بها ..فكيف يكون مثل هذا إماما معصوما ،قوله قول ال ورسوله؟،
وهل يؤمن بهذا إل من أعمى ال قلبه..
ولذلك اعترفت كتب الفرق عند الشيعة ،بأن طوائف من الشيعة أنكروا إمامة الجواد
لستصغارهم لسنه ،وقالوا :ل يجوز المام إل بالغا ،ولو جاز أن يأمر ال عز وجل بطاعة
غير بالغ لجاز أن يكلف ال غير بالغ ،فكما ل يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك ل يفهم
القضاء بين الناس دقيقه وجليله وغامض الحكام وشرائع الدين ،وجميع ما أتى به النبي -
صلى ال عليه وآله ،-وما تحتاج إليه المة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير
بالغ [النوبختي /فرق الشيعة :ص ،88-87القمي /المقالت والفرق ص .].95
وقد أدى بهم القول بإمامة طفل في حكم الحضانة ..إلى قبول رواية الكذابين الذين نسبوا
لبعض الئمة أقوالً لم تصدر منهم ،لنهم لم يدركوهم إل في مرحلة الطفولة.
قال الممقاني في ترجمة المعلى بن خنيس" :إن المعلى قتل لربع وثلثين ومائة ،والكاظم
[تنقيح المقال طفل لنه ولد سنة 28أو 29ومائة ،فعمره عند قتل المعلى ست أو سبع سنين"
للممقاتي ،ترجمة المعلى .].ولكنه يروي عن الكاظم والشيعة تقبل روايته .يقول الممقاني في توجيه
ذلك" :وفيه أن صغرهم ل يمنع من علمهم بالحكام ،أل ترى إلى إمامة الجواد وهو صغير
فيمكن أن يكون المعلى سأل الكاظم وهو صغير فروى عنه" [تنقيح المقال للممقاتي ،ترجمة المعلى.].
ثم إنهم فيما ينقلونه عن بعض علماء أهل البيت ل ينظرون في السناد إليهم هل ثبت النقل
إليهم أم ل ،فإنهم ل معرفة لهم بصناعة الحديث والسناد [منهاج السنة ].3/246 :فهم في حقيقة
المر "ليس لهم أئمة يباشرونهم بالخطاب إل شيوخهم الذين يأكلون أموالهم بالباطل ويصدونهم
عن سبيل ال" [منهاج السنة ،2/134 :المنتقى :ص ،].163ولهذا وجدوا كتبا منسوبة لوائلهم ،مقطوعة
258
السناد ،بسبب الخوف من دولة الخلفة السلمية -كما يقولون -وقيل لهم اعملوا بها فإنها
صادقة -كما مر .-
وكان شيوخهم يقبلون بما جاء في هذه الكتب بل تمحيص ..حتى إذا جاء القرن السابع بدأ
ابن المطهر بتقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره .وفي القرن ألف أول كتاب عندهم في
مصطلح الحديث ..وخالفهم في ذلك طائفة منهم وهم الخبارون ،الذين رفضوا ذلك وقالوا :إنه
مجرد محاكاة وتقليد لهل السنة ..وفضحوا أمر الشيعة في هذا الباب.
وقد شهد طائفة من أعلم المسلمين بأن صناعة الكذب رائجة في الوساط الشيعية ،وأنهم
[ص )362( :هامش (،)3 يرون ذلك من الدين بحكم عقيدة التقية -كما سلف الشارة إلى ذلك
وانظر :فصل التقية ،-].وقد بلغ التعصب المذهبي مداه حينما قبلوا روايات الكذابين ،ومن أنكر
إمامة بعض الئمة ..لمجرد النتساب للتشيع ،وردوا روايات الصحابة الذين أثنى ال عليهم
ورسوله..
وكانت مقاييسهم في توثيق الرجال في غاية العجب؛ فمن زعم أنه رأى المنتظر ،أو أكثر من
[لنهم رووا عن أئمتهم" :اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا"( .أصول الكافي: الفتراء على أهل البيت
[ضمان المام الجنة لحد رواتهم من أعلى درجات التوثيق( .انظر: .].)1/50أو زعم أنهم ضمنوا له الجنة
وسائل الشيعة 20/118 :رقم ( ،)20رجال الكشي :ص 381رقم ( ،)714ص 567رقم ( ،)1073رجال الحلي :ص
.)158 ،98
ومن نماذج هذه التوثيقات ما جاء في ترجمة إبراهيم بن أبي محمود والذي قال عنه الكشي بأنه" :روى عنه أحمد بن
محمد بن عيسى مسائل موسى -رضي ال عنه ( -يعني موسى الكاظم) قدر خمس وعشرين ورقة ،وعاش بعد
الرضا".
جاء فيها النص التالي الذي يدل على توثيق الرجل بزعمهم" :روى الكشي يسنده عن إبراهيم ابن أبي محمود ،قال:
دخلت على أبي جعفر -إلى أن قال -فقلت :جعلت فداك تضمن لي عن ربك أن تدخلني الجنة؟ قال :نعم ،قال:
فأخذت رجله فقبلتها" (رجال الكشي :ص .)567
ولشك بأن من يعتقد في الئمة هذا العتقاد فليس من السلم في شيء ،فضلً عن أن يؤخذ من ذلك توثيق
للرجل ،وقد أفتى جعفر الصادق بكفر من اعتقد منهم ذلك( .انظر :ميزان العتدال .].)70-1/69 :أو أنه كان
[في رجال الحلي ،وفي ترجمة رجل من رواتهم يدعى واصل ،استدل على وثاقته بما رواه الكشي قال: يغلو فيهم
"حدثني واصل ،قال :طليت أبا الحسن -رضي ال عنه – بالنورة ،فسددت مخرج الماء من الحمام إلى البئر ،ثم
جمعت ذلك الماء ،وتلك النورة ،وذلك الشعر فشربته كله"( .رجال الكشي :ص .)614قال ابن المطهر :وهذا يدل
على علو اعتقاده ،والسند صحيح (رجال الحلي :ص .].)178-177هو الثقة المأمون.
فكيف يجعل الكذب أصلً للتوثيق والتعديل ..وإذا تدبرت رجال السند على ضوء كتب
الرجال عندهم رأيت أن كبارهم ،والمكثرين من الرواية عندهم قد نالوا من ذم الئمة ،وحاق
259
[انظر ما بهم لعنهم ،وكان الئمة يتبرؤون منهم ويكذبونهم ..وقد نقلت ذلك كتب الشيعة نفسها
سبق :ص (.].)374
ولكن شيوخ الشيعة أعرضوا عن وصايا الئمة وأقوالهم بل مبرر إل دعوى التقية التي هي
في مثل هذا المقام كنسيج العنكبوت أو أوْهَى..
ومن بعد السند ..المتن ..فكثير من متون هذه الروايات كما رأينا في أبواب هذه الرسالة
وفصولها ..وكما يظهر ذلك لمن راجع أصول الكافي ،أو البحار ،أو تفسير القمي ،والعياشي،
أو رجال الكشي -كثير من متونها هي معروف كذبها من السلم بالضرورة ،لنها تنال من
كتاب ربنا ،وتحارب سنة نبينا ،وتكفر خير القرون ومن تبعهم بإحسان ،وتقول بعقائدنا ليس لها
في كتاب ال برهان..
فيكفي في الحكم على أحاديثهم؛ النظر في متونها "وكل متن يباين المعقول ،أو يخالف
المنقول ،أو يناقض الصول فاعلم أنه موضوع [ابن الجوزي /الموضوعات ].1/106 :على الرسول".
الفصل الثالث
عقيدتهم في الجماع:
الجماع من أصول أهل السنة ،وهو الصل الثالث بعد الكتابة والسنة الذي يعتمد عليه في
[انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ،3/157 :وراجع في هذا :المدي /الحكام في أصول الحكام: العلم والدين
،1/200الغزالي /المستصفى 1/173 :وما بعدها ،وانظر :الرسالة للشافعي :ص 403رقم ،1105وص 471وما
بعدها ،ابن عبد البر /التمهيد ،].4/267 :ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية" :فمن قال بالكتاب والسنة
والجماع كان من أهل السنة والجماعة" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].3/346 :
وأهل السنة َي ِزنُون بهذه الصول الثلثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال ..مما تعلق
بالدين [المصدر السابق ،].3/157 :وسموا أهل الجماعة ،لن الجماعة هي الجتماع وضدها الفرقة
[وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين (انظر :المصدر السابق .].)3/157 :والجماع الذي
[المصدر السابق: ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح ،إذ بعدهم كثر الختلف وانتشرت المة
.].3/157
والشيعة ل ترى إجماع الصحابة والسلف أو إجماع المة إجماعا ،ولها في هذا الباب عقائد
مخالفة نذكرها فيما يلي:
أولً :الحجة في قول المام ل في الجماع:
260
نقلت كتب الصول عند أهل السنة أن الشيعة تقول" :إن الجماع حجة ل لكونه إجماعا ،بل
لشتماله على قول المام المعصوم ،وقوله بانفراده عندهم حجة" [السنوي /نهاية السول.].3/247 :
ونستطلع فيما يلي رأي الشيعة من مصادرها ،يقول ابن المطهر الحلي" :الجماع إنما هو
حجة عندنا لشتماله على قول المعصوم ،فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول المام في جملة
[ابن المطهر /تهذيب الوصول إلى علم الصول :ص ،70 أقوالها ،فإجماعها حجة لجله ل لجل الجماع"
[انظر :المفيد /أوائل المقالت ص ،100-99قوامع ط :طهران 1308هـ .].وبمثل هذا قال عدد من شيوخهم
الفضول ص ،305حسين معتوق /المرجعية الدينية العليا ص ،16وراجع كتب الصول عندهم عامة.].
إذن الجماع ليس حجة عندهم بدون وجود المام الذي يعتقدون عصمته ،فمدار حجية
الجماع هو على قوله ل على نفس الجماع ،فهم في الحقيقة لم يقولوا بحجة الجماع ،وإنما
قالوا بحجية قول المعصوم ،ودعواهم الحتجاج بالجماع تسمية ل مسمى لها ،فقول ابن
المطهر" :الجماع حجة عندنا" من لغو القول؛ إذ الصل أن يقول :الجماع ليس بحجة عندنا،
لن الحجة في قول المام المعصوم ..لن هذا هو مقتضى مذهبهم ،فهم جعلوا المام بمثابة
النبي أو أعظم؛ فهو عندهم ينكت في أذنه ،ويأتيه الملك ،بل يرى خلقا أعظم من جبرائيل
وميكائيل ،إلى آخر ما فصلنا القول فيه عنهم في معتقدهم في السنة ،فهم ليسوا بحاجة للجماع
والمام حاضر بينهم ،كما أن الصحابة ليسوا بحاجة للجماع والرسول حاضر بينهم.
فعندهم في كل عصر نبي يسمى المام ،والحجة في قوله ل في الجماع ،ولهذا قالوا" :ونحن
لما ثبت عندنا بالدلة العقلية والنقلية كما هو مستقصى في كتب أصحابنا المامية أن زمان
التكليف ل يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه ،فمتى اجتمعت المة
على قول كان داخلً في جملتها لنه سيدها ،والخطأ مأمون على قوله ،فيكون ذلك الجماع
حجة .فحجية الجماع عندنا إنما هو باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم"
[النحاريري /معالم الدين :ص .].406
[أصول والرض ل تخلو من إمام ،لنه -كما يزعمون " -لو خلت الرض من إمام لساخت"
الكافي ،].1/179 :ومعنى هذا استمرار تعطيل مبدأ الجماع.
وأنت إذا تأملت أقوالهم في الجماع ل تكاد تلمس فرقا بين مفهوم السنة عندهم ،والجماع إل
باللفظ فقط؛ لن السنة قول المعصوم ،والجماع المعتبر عندهم هو الكاشف عن قول المعصوم.
ولك أن تعجب لماذا يعدون الجماع أصلً يقررونه في كتبهم الصولية .وهو اسم بل مسمى
حتى قرروا بأنه ل عبرة بأقوال ففقهائهم ولو بلغوا المائة ،قالوا" :أما الجماع فعندنا هو حجة
261
بانضمام المعصوم ،فلو خل المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة ،ولو كان في اثنين لكان
قولهما حجة ،ل باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله" [معالم الدين :ص .].405
فمعنى هذا أن الجماع لغو ل فائدة في القول فيه أصلً ،وإنما نهاية أمرهم أنهم سموا السنة
باسم الجماع.
ويبدو أن هذا العتراض أثير على الشيعة في عصور متقدمة ،فقد نقل بعض شيوخ الشيعة
عن الشريف المرتضى أنه قال" :إننا لسنا بادئين بالحكم بحجية الجماع حتى يرد كونه لغوا،
وإنما بدأ بذلك المخالفون ،وعرضوه علينا ،فلم نجد بدا من موافقتهم عليه ..فوافقناهم في أصل
الحكم لكونه حقا في نفسه ،وإن خالفناهم في علته ودليله" [قوامع الفضول :ص .].305أي :إنهم
قلدوا لمجرد التقليد والمحاكاة.
وقال صاحب قوامع الفضول أيضا" :تنعدم فائدة الجماع لو علم حال شخص المام خروجا
أو دخولً [يعني خروجا من الجماع أو دخولً فيه ].أو حال قوله تقية أو نحوها ،لكن الذي يسهل
الخطب هو أن عقد باب الجماع منهم دوننا كي يتجه علينا ذلك" [قوامع الفضول :ص .].305
ومادام أهل السنة اعتبروا هذا أصلً ،فلماذا تجارونهم وعقيدتكم في المام تناقض القول به
أصلً؟!
ويقول محمد رضا المظفر" :إن الجماع ل قيمة علمية له عند المامية ما لم يكشف عن قول
المعصوم ..فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف ل الكاشف،
فيدخل حينئذ في السنة ،ول يكون دليلً مستقلً في مقابلها" [المظفر /أصول الفقه .].3/92
ويقول رضا الصدر" :وأما الجماع عندنا -معاشر المامية -فليس بحجة مستقلة تجاه
[رضا الصدر /الجتهاد السنة ،بل يعد حاكيا لها ،إذ منه يستكشف رأي المعصومين عليهم السلم"
والتقليد :ص .].17
ويذكر شيخهم محمد جواد مغنية (وهو من شيخهم المعاصرين)" :أن ثمة تباينا بين موقف
متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم في مسألة الجماع ،حيث اتفق المتقدمون (من الشيعة)
على أن مصادر التشريع أربعة :الكتاب ،والسنة ،والجماع ،والعقل ،وغالوا في العتماد على
الجماع حتى كادوا يجعلونه دليلً على كل أصل وكل فرع ،وعد المتأخرون لفظ الجماع مع
هذه المصادر ولكنهم أهملوه ،بل لم يعتمدوا عليه إل منضما مع دليل آخر في أصل معتبر"
[مغنية /أصول الفقه للشيعة المامية بين القديم والحديث /بحث بمجلة رسالة السلم ،السنة الثانية ،العدد الثالث :ص
.].286-284ولكن هذا الكلم ليس على إطلقه ،إذ من المتأخرين من يعد الجماع دليلً مستقلً"
262
[فقد ذهب شيخهم الشعراني والذي وصفوه بالعالم المتبحر إلى القول "بحجية الجماع ،وكونه دليلً مستقلً".
(الشعراني /تعاليق علمية "على شرح جامع للمازندراني".)2/414 :
إذن ما يقول مغنية غير مسلم ،لكن الخلف -فيما ألحظ -دائر في هذا الصل بين الصوليين والخباريين ،فنجد
الحر العاملي – وهو من الخباريين -يرى أن "كل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الصول فهو من العامة
(يعني أهل السنة) ل دليل عليه ،ول وجه له أصلً" (الفصول المهمة :ص .)214
وبإزاء ذلك فإن الصوليين من الشيعة قد بحثوا هذا "الصل" وقرروا القول به في كتب أصول الفقه عندهم ،وإن كان
مذهبهم في المام ل يستجيب للقول به.
يقول شيخهم المعاصر -الشعراني -في التأكيد على القول بهذا الصل" :روى الطبرسي في الحتجاج عن أبي
الحسن علي بن محمد العسكري في حديث طويل قال" :اجتمعت المة قاطبة ل اختلف بينهم في ذلك على أن القرآن
حق ل ريب فيه عند جميع فرقها ،فهم في حالة الجتماع عليه مصيبون ،وعلى تصديق ما أنزل ال مهتدون؛ لقول
النبي صلى ال عليه وسلم :ل تجتمع أمتي على الضللة ."..قال الشعراني :وهو يدل على حجية الجماع ،وكونه
ل مستقلً ،وإمكان العلم به ،وتصديق لصحة الحديث المشهور "ل تجتمع أمتي على ضللة"( .الشعراني /تعاليق
دلي ً
علمية.].)2/414 :
هذا وإمامهم انقطع ظهوره منذ القرن الثالث ،فكيف الطريق للوصول لرأيه الكاشف عن
حجية الجماع؟
يرى شيخهم الحر العاملي ومن سلك سبيله من الخباريين أن يتعذر الوصول لرأيه بعد
غيبته ،وبالتالي ل يثبت الجماع ،لنه ل يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ول يظن به بعد
[عن مقتبس الثر للحائري :ص غيبته ،فل يدرى في البر أم في البحر ،في المغرب أم في المشرق
.].63بينما يذهب الصوليون إلى ثبوت الجماع ،وإمكانية معرفة رأي المام.
يقول شيخهم الهمداني في مصباح الفقيه" :إن المدار على حجية الجماع على ما استقر عليه
رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل ،بل ول على اتفاقهم في عصر واحد ،بل على استكشاف
[الحدس في اللغة :الظن والتخمين (مختار الصحاح مادة :حدس) وقد يراد رأي المعصوم بطريق الحدس
بالحدس المصطلح الفلسفي وهو الدراك المباشر لموضوع التفكير..
وهو أشبه عندهم بالرؤية المباشرة واللهام( .المعجم الفلسفي :ص .].)70-69من فتوى علماء الشيعة
الحافظين للشريعة ،وهذا مما يختلف باختلف الموارد ،فرب مسألة ل يحصل فيها الجزم
بموافقة المام ،وإن اتفقت فيها آراء جميع العلم ..ورب مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة
ولو من الشهرة" [مصباح الفقيه :ص ،436الجتهاد والتقليد :ص .].17
فمن هنا يتبين أن الطريق -عندهم -لكتشاف قول المام هو الحدس ،فانظر كيف يجعلون
اكتشاف قول المعصوم بطريق الحدس والظن هو العمدة ،وإجماع السلف ليس بعمدة ،إنها
مفارقات في غاية الغرابة ،واتفاق جميع أعلمهم ل يحصل به الجزم بموافقة المام ،ومجرد
263
الشهرة يحصل بها الجزم ولو لم يحصل اتفاق .إنها مقاييس مقلوبة ،كما أنه اعتراف منهم بأن
شيوخهم قد يتفقون على ضللة.
ومع إنكارهم حجية الجماع في الحقيقة ،فقد أثبتوا العمل بقول طائفة مجهولة وترك ما تقوله
الطائفة المعروفة ،وهذه من ثمار الشذوذ ،وقد عللوا لهذا المسلك الشاذ بأن المام مع الطائفة
المجهولة.
يقول صاحب معالم الدين" :إذا اختلفت المامية على قولين ،فإن كانت إحدى الطائفتين
معلومة النسب ولم يكن المام أحدهم كان الحق مع الطائفة الخرى ،وإن لم تكن معلومة
النسب[ "..معالم الدين :ص .].406حتى اعتبروا وجود هذه الطائفة المجهولة شرطا لتحقق الجماع
في عصور الغيبة .قالوا" :الحق امتناع الطلع عادة على حصول الجماع في زماننا هذا وما
ضاهاه من غير جهة النقل ،إذ ل سبيل إلى العلم بقول المام ،كيف وهو موقوف على وجود
المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله رضي ال عنه مستورا بين أقوالهم ،وهذا
مقطوع بانتفائه ،فكل إجماع يدعى في كلم الصحاب مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا،
وليس مستندا إلى نقل متواتر وآحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم ،فلبد أن يراد به ما
ذكره الشهيد من الشهرة" [معالم الدين :ص .].406العمدة عندهم قول الطائفة المجهولة ،وهذا عزيز
الوجود ،فمنذ ما يقارب عصر شيخ طائفة الطوسي لم يطلع على مثل هذا ،والجماع الموجود
[الجماع في اصطلح الثني عشرية ينقسم إلى قسمين: هو الجماع المنقول
-1الجماع المحصل :والمقصود به الجماع الذي يحصله الفقيه بتتبع أقوال أهل الفتوى.
-2الجماع المنقول :والمقصود به الجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء
سواء أكان النقل به بواسطة أم بوسائط ،ثم النقل تارة يقع على نحو التواتر ،وهذا حكمه حكم المحصل من
جهة الحجية ،وأخرى يقع على نحو خبر الواحد ،وإذا أطلق قول الجماع المنقول في لسان الصوليين فالمراد
منه الخير ،وقد وقع الخلف بينهم في حجيته (المظفر /أصول الفقه .)3/101 :وقال العملي في مقتبس
الثر :للجماع في اصطلحات الفقهاء (يعني فقهاء الجعفرية) إطلقات منها يقولون :الجماع :هو القطع
برأي المام رضي ال عنه.
ومنها الجماع المحصل ،وعلق عليه بقوله :وهو غير حاصل ،ومنها الجماع المنقول بخبر الواحد وعقب عليه
بقوله :وهو مقبول( .مقتبس الثر .].)3/62 :وكأنه قبل عصر الشيخ قد وجد مثل هذا الجماع.
وهؤلء الذين يرفضون إجماع الصحابة ،يبحثون عن قول طائفة مجهولة ليأخذوا به .ثم هم
قد أصابوا في عدم العتداد بأقوال شيخهم وإن اتفقت كلمتهم ،ولكنهم ضلوا في إعراضهم عما
أجمع عليه الصحابة والسلف.
264
وهم في وصولهم إلى ما يسمى "بالجماع" عندهم ،يتخبطون أيما تخطب حتى صارت
إجماعاتهم المتعارضة كرواياتهم المتضاربة التي تلحظها أثناء مراجعتك لكتاب الستبصار أو
البحار أو غيرهما ،بل إن العالم الواحد تتضارب أقواله في دعوى الجماع ،انظر -مثلً -ابن
بابويه القمي صاحب "من ل يحضره الفقيه" أحد الكتب الربعة التي عليها مدار العمل عندهم،
[جامع المقال قالوا إنه .." :ليدعي الجماع في مسألة ويدعي إجماعا آخر على خلفها وهو كثير"
فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال /الطريحي :ص .].15حتى قال صاحب جامع المقال" :ومن هذه
[الموضع نفسه من المصدر طريقته في دعوى الجماع كيف يتم العتماد عليه والوثوق بنقله"
السابق.].
بل إنهم يدعون الجماع في أمر ل قائل به ،يقول شيخهم النوري الطبرسي" :ربما يدعي
الشيخ والسيد إجماع المامية على أمر وإن لم يظهر له قائل" [فصل الخطاب :ص .].34كما ذكر
شيخهم الطبرسي وأكد على وجود "الجماعات المتعارضة من شخص واحد ومن معاصرين أو
متقاربي العصر ،ورجوع المدعي عن الفتوى التي ادعى الجماع فيها ودعوى الجماع في
مسائل غير معنونة (كذا) في كلم من تقدم على المدعي ،وفي مسائل قد اشتهر خلفها بعد
المدعي ،بل في زمانه ،بل ما قبله" [الموضع نفسه من المصدر السابق.].
هذا قول الطبرسي وهو الخبير المتتبع لكتبهم ،واضطر ليكشف هذا لنصرة مذهبه الذي ألف
فصل الخطاب من أجله ،ويرد دعوى الجماع على خلفه فاستفدنا من هذا العتراف غير
المقصود لذاته لنبين اضطرابهم في هذا الصل ،واضطرابهم في تحديده وفي تطبيقه.
ثم إنهم -وهم يقولون بأن الجماع وهو ما يكشف عن قول المعصوم -ل يطبقون هذا ،بل
يتتبعون اتفاق أصحابهم ل قول معصومهم .ولهذا قال صاحب معالم الدين حينما ذكر ما قاله
أحد كبار شيوخهم من أن العمدة هو كلم المعصوم ل اتفاق الفقهاء بدونه ،فقال" :والعجب من
غفلة الصحاب عن هذا الصل وتساهلهم في دعوى الجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهية،
حتى جعلوه عبارة عن مجرد اتفاق الجماعة من الصحاب فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه
[معالم الدين :ص -405 الصطلح من غير قرينة جلية ،ول دليل على الحجية معتدا – كذا -به"
.].406
فهم ل يقولون بالجماع على الحقيقية ،ومع ذلك يجعلونه من أصول أدلتهم ،ويتناقضون في
دعواه وتطبيقه أيما تناقض .والتناقض في القول دليل بطلنه.
وحتى يتجلى لك الفرق جليا بين مذهب أهل السنة في القول بحجية الجماع ،وبين مذهب
الشيعة في ذلك ،فلك أن تتصور أنه لو صدر من إمامهم محمد الجواد ،والذي قالوا بإمامته وهو
265
ابن خمس سنين [انظر :بحار النوار ،].25/103 :لو صدر منه وهو في هذا العمر قول أو رأي ،أو
نسب إليه عن طريق جماعة من الروافض أنه يقول في أمر شرعي بحكم ،أو قول ،وخالفته في
[وقد جاء في أصول الكافي ذلك المة السلمية جمعيا ،فإن الحاجة في رأيه ل في إجماع المة"
القول بإمامة المام ،ولو كان عمره ثلث سنين.
انظر (أصول الكافي ،كتاب الحجة ،باب الشارة والنص على أبي جعفر الثاني ،)1/321 :وانظر( :المفيد /الرشاد
ص ،298الطبرسي /أعلم الورى :ص .331وفيهما "ولو كان ابن أقل من ثلث سنين" ،وبحار النوار-25/102 :
.].)103
ولو أثر عن منتظرهم الذي قال التاريخ بأنه ل وجود له -كما سيأتي -قول ،ولو عن
طريق حكايات الرقاع ،وخالفه في هذا القول أو ذلك الحكم المسلمون جميعا ،فإن القول هذا
المعدوم الذي لم يوجد ،ول عبرة بقول المسلمين جميعا .قال مفيدهم في تقرير هذا" :فلو قال
[أوائل المقالت : (يعني المام) قولً لم يوافقه عليه أحد من النام لكان كافيًا في الحجة والبرهان"
ص .].100
وهذا مذهب في غاية البطلن ل يحتاج إلى مناقشة.
ولهذا قرر المفيد أن هذا مما شذت به طائفته ،فقال" :وهذا مذهب أهل المامة خاصة،
ويخالفهم فيه المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحديث[ "..المصدر السابق ونفس الصفحة.].
ثنايا :ما خالف العامة ففيه الرشاد:
الجماع عند جمهور المسلمين ينظر فيه إلى إجماع المة ،لن المة ل يمكن أن تجتمع على
غ ْيرَ سَبِيلِ
ضللة .قال تعالىَ { :ومَن ُيشَاقِقِ ال ّرسُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّنَ َلهُ ا ْلهُدَى َويَ ّتبِعْ َ
[النساء ،آية ،115 :فمن خرج من إجماع المة ت َمصِيرًا}
ج َهنّمَ َوسَاءَ ْ
ن ُنوَّل ِه مَا َتوَلّى َو ُنصْ ِلهِ َ
ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ
فقد اتبع غير سبيل المؤمنين (انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم .)19/194 :ولذلك عوّل المام الشافعي -رحمه ال
-في الحتجاج على كون الجماع حجة تحرم مخالفته بهذه الية الكريمة ،وذلك بعد التروي والفكر الطويل ،وهو
من أحسن الستنباطات وأقواها ،وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدللة منها (تفسير ابن كثير.)1/590 :
ولشيخ السلم تحقيق بديع حول هذه الية والجماع (انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم 192 ،179 ،19/178 :وما
بعدها ،وانظر :تفسير القاسمي 5/459 :وما بعدها).
سبِي ِل الْمُؤْ ِمنِينَ} هذا ملزم للصفة الولى ،ولكن قد تكون المخالفة لنص
غيْ َر َ
قال المام ابن كثير" :قوله { َو َي ّتبِعْ َ
الشارع ،وقد تكون لما اجتمعت عليه المة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا ،فإنه قد ضمنت لهم العصمة في
اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم.
وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك ..ومن العلماء من ادعى تواتر معناها".
(تفسير ابن كثير .].)1/590 :وقال صلى ال عليه وسلم" :ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر ال
[رواه مسلم في كتاب ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر ال وهو ظاهرون على الناس"
266
الجهاد ،باب قول النبي صلى ال عليه وسلم" :ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم"
.2/1524
والحديث بهذا المعنى أخرجه -أيضا -البخاري في كتاب العتصام بالكتاب والسنة ،باب قول النبي صلى ال
عليه وسلم" :ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" .].8/149
[قال وروي عنه صلى ال عليه وسلم عدة روايات في أن هذه المة "ل تجتمع على ضللة"
السخاوي" :حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره (المقاصد الحسنة ص )460
فروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :إن ال أجاركم من ثلث خلل (ومنها) وأن ل يجتمعوا على ضللة" رواه
أبو داود في سننه( 4/452 :رقم .)4253قال الحافظ في التلخيص :في إسناده انقطاع ،وقال في موضع آخر :سنده
حسن (عون المعبود.)11/326 :
وروى المام أحمد عن أبي بصرة الغفاري رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :سألت ال عز
وجل أن ل يجمع أمتي على ضللة فأعطانيها" (المسند )6/396قال الحافظ في التلخيص .." :رجاله ثقات لكن فيه
راو لم يسم" (عون المعبود .)11/326:وروى الترمذي عن ابن عمر "أن ال تعالى ل يجمع أمتي -أو قال :أمة
محمد صلى ال عليه وسلم -على ضللة ،ويد ال مع الجماعة ،ومن شذ شذ إلى النار" .قال أبو عيسى :حديث
غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي ( )4/466رقم .)2167وقال ابن حجر في تخريج المختصر :حديث غريب
خرجه أبو نعيم في الحلية ،والللكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلوم ،فقد قال الحاكم :لو كان محفوظا
حكمت بصحته على شرط الصحيح ،لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة فذكرها ،وذلك مقتضي
للضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف (عن فيض القدير .)2/271ورواه ابن ماجه بلفظ" :إن أمتي ل تجتمع
على ضللة" (سنن ابن ماجه -كتاب الفتن -باب السواد العظم ( )2/1303رقم .)3950
وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالصحة (فيض القدير .)2/431 :لكن قال السندي" :وفي الزوائد في إسناده
أبو خلف العمى ،واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف" (حاشية السندي على سنن ابن ماجه ،)2/464 :وقال العراقي
في تخريج أحاديث البيضاوي" :جاء الحديث بطرق في كلها نظر" (المصدر السابق) .وقال ابن حجر" :له طرق ل
يخلو واحد منها من مقال" (عن فيض القدير )2/200 :وقد أورده أصحاب الصول محتجين به( .انظر :المستصفى:
،1/175والحكام للمدي.].)1/219 :
هذا بالنسبة لجمهور المسلمين ،أما طائفة الشيعة فالنظر عندهم في الجماع إلى المام ل إلى
المة ،والعتبار بمن دان بإمامة الثني عشر بشرط أن يكون من ضمنهم المام ،أو يكون
إجماعهم كاشفا عن قول المام -كما قدمنا -ول يلتفت إلى اتفاق العلماء المجتهدين من أمة
محمد صلى ال عليه وسلم.
بل المر أعظم من عدم اعتبار إجماعهم ،حيث تعدى ذلك إلى القول بأن مخالفة إجماع
ل من أصول الترجيح عندهم ،وأساسا من أسس
المسلمين فيه الرشاد ،وصار مبدأ المخالفة أص ً
مذهبهم ،وجاءت عندهم نصوص كثيرة تؤكد هذا المبدأ وتدعو إليه.
267
ففي أصول الكافي سؤال أحد أئمتهم يقول :إذا " ..وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة (يعني
أهل السنة) والخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال :ما خالف العامة ففيه الرشاد ،فقلت
(القائل هو الراوي) :جعلت فداك ،فإن وافقها الخبران جميعا؟ قال :ينظر إلى ما هم إليه أميل
حكامهم وقضاتها فيترك ويؤخذ بالخر ،قلت :فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال :إذا كان
ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك ،فإن الوقوف عند الشبهات خير من القتحام في الهلكات" [الكليني/
أصول الكافي ،68-1/67 :ابن باوبيه القمي /من ل يحضره الفقيه ،3/5 :الطوسي /التهذيب،6/301 :
الطبرسي /الحتجاج ص ،194الحر العاملي /وسائل الشيعة.].76-18/75 :
وذكر ثقتهم الكليني أن من وجوه التمييز عند اختلف رواياتهم قول إمامهم" :دعوا ما وافق
القوم فإن الرشد في خلفهم" [أصول الكافي /خطبة الكتاب ص ،8وانظر :وسائل الشيعة.].18/80 :
وقال أبو عبد ال -كما يفترون " :-إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم"
[وسائل الشيعة.].18/85 :
وعن الحسن بن الجهم قال :قلت للعبد الصالح [هذا اللقب المراد به المام -].رضي ال عنه :-
"هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إل التسليم لكم؟ فقال :ل وال ل يسعكم إل التسليم لنا ،فقلت:
فيروى عن أبي عبد ال شيء ،ويروى عنه خلفه فأيهما نأخذ؟ فقال :خذ بما خالف القوم
(إشارة لهل السنة) وما وافق القوم فاجتنبه" [وسائل الشيعة.].18/85 :
ويعللون الخذ بهذا المبدأ بما يرويه أبو بصير عن أبي عبد ال قال" :ما أنتم وال على شيء
[الموضع مما هم فيه ،ول هم على شيء مما أنتم فيه ،فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء"
نفسه من المصدر السابق.].
ويغرر هؤلء الزنادقة الذين يبغون في المة الفرقة والخلف ،بأولئك التباع الجهال الذين
تعطلت ملكة التفكير عندهم بعدما شحنت نفوسهم بما يسمى "محن آل البيت" و"خدرت" عقولهم
بما يقال لهم من ثواب كبير ينتظرهم بمجرد حب آل البيت ،غرر هؤلء الزنادقة بأولئك التباع
فقالوا :إن الصل في هذا المبدأ "أن عليا -رضي ال عنه -لم يكن يدين ال بدين إل خالف –
كذا -عليه المة إلى غيره إرادة لبطال أمره ،وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي
[ابن بابويه/ ل يعلمونه ،فإذا أفتاهم جعلوا له -كذا -من عندهم ليلتبسوا -كذا -على الناس"
علل الشرائع :ص ،531وسائل الشيعة.].18/83 :
مع أنهم يقولون بأن عمر كان يستشيره في كل صغيرة وكبيرة ،ويأخذ بقوله ويعمل بفتواه،
[انظر :منهاج السنة حيث نقل كلم ابن المطهر في ذلك: وأن الصحابة كانت ترجع إليه في مشكلتهم
[مناقب آل أبي طالب،493-1/492 : ،].4/160وأن عمر قال :ل عشت في أمة لست لها يا أبا الحسن
268
[الرشاد للمفيد ص -97 الصادقي /علي والحاكمون :ص .].120ل عشت لمعضلة ل يكون لها أبا الحسن
،98مناقب آل أبي طالب.].1/494 :
فأي القولين نأخذ به ونصدقه؟ ولكن هذا هو دأب هؤلء الوضّاع التناقض ،وهذه ثمار
الكذب.
كما يوصون أتباعهم بالوصية التالية والتي تعمق الخلف وتضمن استمراره ،وتكفل لهذه
الفئة العزلة عن جماعة المسلمين وإجماعهم :عن علي ابن أسباط قال :قلت للرضا -رضي ال
عنه :-يحدث المر ل أجد بدّا من معرفته ،وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من
مواليك ،قال :ائت فقيه البلد ،فاستفته عن أمرك ،فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلفه ،فإن الحق فيه"
[ابن بابويه /علل الشرائع :ص ،531الطوسي /التهذيب ،6/295 :وسائل الشيعة ،83-18/82 :وبحار النوار:
.].2/233
وعلق على هذا النص أحد شيوخهم ،فقال" :من جملة نعماء ال على هذه الطائفة المحقة أنه
خلى بين الشيطان وبين علماء العامة ،فأضلهم في جميع المسائل النظرية حتى يكون الخذ
[الحر العاملي :اليقاظ بخلفهم ضابطة لنا ،ونظيره ما ورد في حق النساء شاوروهن وخالفوهن"
من الهجعة ص .].71-70
هذه النصوص في منتهى الخطورة ،وهي من وضع زنديق ملحد أراد الكيد للمة ودينها،
وأراد أن يفتح للقوم بابا واسعا للخروج من السلم ،حيث يتجهون إلى مخالفة كل أمر من
الدين عليه أمة السلم .وكيف يدعو قوم هذه عقائدهم إلى التقريب؟! وكيف يزعمون إمكانية
اللقاء مع أهل السنة الذين يكون الرشد في خلفهم؟!
الجانب النقدي لهذه المقالة:
بالضافة إلى ما ألمحنا إليه في أثناء العرض نوضح هذه المسألة أكثر ،فأقول :أما ثبوت
حجية الجماع ،فقد تكفلت كتب الصول ببيانه ،والستدلل عليه بما يغني ويكفي.
والشيعة تقر بالجماع اسما ،وتخالفه في الحقيقة -كما سلف .-
وقد نقل شخيهم المعاصر مغنية اتفاق شيعته القدماء على القول بالجماع ،وأن المتأخرين
عدوه من أصول أدلتهم ،ولكن لم يعتمدوا عليه [انظر :ص ( ،].)406وهذا يعني أنهم خالفوا
الجماع الذي عدوه من أصول أدلتهم ،أو أن قدماء الشيعة قد أجمعوا على ضللة ،أو أن
متأخريهم خالفوا الحق الذي أجمع عليه متقدموهم ..والحقيقة أن مآل الجميع إلى النكار ،وإن
كثر ادعاء بعضهم في هذا الباب لسيما في كتب الصول عندهم ،ذلك أن دعوى الجماع عند
التمحيص مجرد لغو ل حقيقة له.
269
ولكن بالضافة إلى ذلك ،فإن حيرتهم في الوصول إلى هذا الجماع الذي يدعونه برهان جلي
يدل على أنهم ليسوا على شيء ،ومن أوضح المثلة على ذلك اشتراطهم وجود عالم مجهول
النسب لتحقق الجماع على اعتبار أن يكون هو المام الغائب ،وقد اعتبر شيخ السلم ابن
تيمية ذلك من أعظم الجهل ،حيث قال" :رأيت في كتب شيوخهم أنهم إذا اختلفوا في مسألة على
قولين ،وكان أحد القولين يعرف قائله ،والخر ل يعرف قائله ،فالصواب عندهم القول الذي ل
يعرف قائله .قالوا :لن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم ،فهل هذا إل من أعظم
الجهل".
وتعجب كيف يجعلون عدم العلم بالقول وصحته ،دليلً على صحته ،وقال" :من أين يعرف
أن القول الخر الذي لم يعرف قائله إنما قاله المعصوم؟ ولم ل يجوز أن يكون المعصوم قد
وافق القول الذي يعرف قائله ،وأن القول الخر قد قاله من ل يدري ما يقول ،بل قاله شيطان
من شياطين الجن والنس؟ فهم أثبتوا الجهل بالجهل ،حيث جعلوا عدم العلم بالقائل دليلً على
أنه قول المعصوم .وهذه حال من أعرض عن نور السنة التي بعث ال بها رسوله ،فإنه يقع في
ظلمات البدع ،ظلمات بعضها فوق بعض" [منهاج السنة.].266-3/265 :
[لنه من الخباريين الذين ل وقد انتقدهم شيخهم الحر العالي "صاحب الوسائل" على هذا المسلك
يقولون بدليل الجماع ،].فقال" :وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب ،وأي
[عن مقتبس الثر: دليل دل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به"
.].3/63
وأمر آخر ل يقل عن هذا ،وهو كيف يجعل قول طفل عمره خمس سنين لم يخرج عن طور
الحضانة بمنزلة إجماع المة بأسرها ،بل يرفض إجماع المة ويؤخذ بقول صبي أو معدوم؟!
هذا في غاية الفساد.
وإذا بحثت عن إجماعهم (السمي) الذي يكشف عن رأي المعصوم -كما يزعمون -لم تجد
إل روايات يعارض بعضها بعضا ،كما ترى ذلك في روايات التهذيب والستبصار .وقد صرح
به شيخ الطائفة في مقدمة التهذيب ،وذكر أن هذا من أسباب خروج الكثير من التشيع -كما مر
– [انظر :ص (.].)361
ثم يلحظ أن أهم مسألة عند الشيعة وهي مسألة المام قد تضاربت في تعيينه فرق الشيعة،
واختلفت مذاهبهم ،واضطربت اتجاهاتهم حوله بشكل كبير ،كما حفلت ببيانه وتفصيله كتب
المقالت عند الفريقين ،فأين تحقق الجماع وأصل المذهب تنخر فيه الختلفات ،وتدور في
شانه المنازعات؟
270
وترى كذلك أن دعوى الجماع عندهم متعارضة متضاربة .وما انفردت به الشيعة عن
الجماعة وادعت الجماع عليه هي أقوال في غاية الفساد سواء في الصول أو الفروع،
كإيمانهم بذلك المنتظر الذي لم يولد ،ومبالغاتهم في أوصاف المام ومعجزاته ،وإلى آخر ما
شذوا به مما سيأتي بسطه وبيانه .بل قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال " :-الشيعة ليس
لهم قول واحد يتفقون عليه" [منهاج السنة.].2/129 :
وهذا حق اعترفت به الشيعة نفسها ،حيث جاء في أصول الكافي" :عن زرارة بن أعين عن
أبي جعفر -رضي ال عنه -قال :سألته عن مسألة فأجابني ،ثم جاءه رجل فسأله عنها،
فأجابه بخلف ما أجابني ،ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلف ما أجابني وأجاب صاحبي ،فلما
خرج الرجلن قلت :يا ابن رسول ال ،رجلن من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألن فأجبت
كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال :يا زرارة ،إن هذا خير لنا ولكم ،ولو اجتمعتم
على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ،ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي.].1/65 :
فهذا يؤكد أن من أصول مذهبهم بحكم عقيدة التقية اختلف أقوالهم وتباين آرائهم ،حتى ل
يقف -بزعمهم -العداء على حقيقة مذهبهم ،فكان من أثر ذلك أن ضاع المذهب ،ولم يعرف
حقيقة رأي الئمة ،فكيف يمكن تحقق الجماع على قول أو حكم في ظل هذا الختلف
والضطراب؟!
والمام أبو جعفر بريء من هذا ،لكن هذا من اختراع الزنادقة حتى ل يعرف الشيعة رأي
أبي جعفر وغيره من علماء آل البيت ليتسنى لهم نشر كفرهم وغلوهم ،وكلما كذب هذا الغلو
أئمة أهل البيت قالوا :هذا تقية.
قال علمة الهند صاحب التحفة الثني عشرية :وأما الجماع فدعواهم أنه من أدلتهم باطل،
لنه كونه حجة ليس بالصالة ،بل لكون قول المعصوم في ضمنه ،فمدار حجيته على قول
المعصوم ل على نفس الجماع.
وهم ينازعون في ثبوت عصمة المام ،كما ينازعون في تعيينه .وأيضا إجماع الصدر الول
-يعني قبل حدوث الختلف في المة -غير معتبر عندهم ،لنهم أجمعوا على خلفة أبي بكر
وعمر ..ومنع ميراث النبي صلى ال عليه وسلم وحرمة المتعة ،وهذا باطل في نظرهم ،فإذا
كان هذا الجماع غير معتبر عندهم فبعد حدوث الختلف في المة وتفرقهم بفرق مختلفة كيف
يتصور الجماع ،ولسيما في المسائل الخلفية المحتاجة إلى الستدلل وإقامة الحجة القاطعة.
ثم أشار صاحب التحفة إلى صور من التناقض عندهم ،حيث إن بعضهم نقل إجماع فرقتهم
على أمر وكذبهم وأنكر عليهم بذلك الخرون منهم .وأن شيخهم (الشهيد الثاني) وهو من أجلة
271
علمائهم قد أفرد فصلً مستقل ًفي أن شيخ الطائفة قد ادعى في مواضع إجماع الفرقة مع أنه
[جمع شيخهم زين الدين العاملي ،الملقب عندهم بالشهيد الثاني أربعين مسألة قال هو بخلفه في مواضع أخر
ادعى فيها شيخ الطائفة الطوسي الجماع ،وقد خالف أكثرها في موارد أخرى ،كما أن بعض شيوخهم يدعي الجماع
فيما يتفرد به ،وعلل شيوخهم المجلسي لهذه الظاهرة عندهم بقوله :إنهم لما رجعوا إلى الفروع ونسوا ما أسسوه في
الصول ،فادعوا الجماع في أكثر المسائل سواء أهر فيها الخلف أم ل ،وافق الروايات المنقولة أم ل.
(انظر :الشيعة في الميزان :ص .)323
وقد ل يكون مرد ذلك النسيان كما يقول المجلسي ،بل سبب ذلك أن كتب الفروع عندهم منقولة في الغالب من
[انظر :التحفة كتب أهل السنة ،فانفصلت عن آرائهم في مسائل المامة .].ثم نقل صاحب التحفة نص كلمه
الثني عشرية -الورقة ( 118مخطوط) ،ومختصر التحفة ص .].51
وأقول :إن مذهبهم بأن الجماع حجة من جهة كشفه عن رأي المعصوم فقط ل من جهة أن
المة ل تجتمع على ضللة ،كما عليه أهل السنة ،فوق أن هذا إنكار للجماع على الحقيقة ،فإن
[انظر :الشعراني /تعاليق في ذلك مخالفة للحديث الثابت عندهم وهو" :ل تجتمع أمتي على ضللة"
علمية (على شرح الكافي للمازندراني) .].2/414 :كما أن هذا الحديث أيضا ورد من طرق أهل السنة
كما سبق تخريجه" [انظر :ص ( )412من هذه الرسالة.].
فلماذا ل يؤخذ بهذا النص الذي يستدل به كل الفريقين ،وليس ذلك فحسب بل قد ورد أيضا
في الحتجاج -وهو من كتبهم المعتمدة كما قرر ذلك المجلسي وغيره -رواية عن أبي الحسن
علي بن محمد العسكري -رضي ال عنه -في حديث طويل قال" :واجتمعت المة قاطبة ل
اختلف بينهم في ذلك على أن القرآن حق ل ريب فيه عند جميع فرقها ،فهم في حالة الجتماع
عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل ال مهتدون لقول النبي صلى ال عليه وسلم" :ل تجتمع
أمتي على الضللة" فأخبر أن ما أجمعت عليه المة ،ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق ،فهذا
معنى الحديث ،ل ما تأوله الجاهلون ،ول ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب ،واتباع حكم
الحاديث المزورة ،والروايات المزخرفة ،واتباع الهواء المردية المهلكة التي تخالف نص
الكتاب ،وتحقيق اليات الواضحات النيرات[ "..بحار النوار.].2/225 :
فأنت ترى في هذا النص إمامهم لم يقل :انظروا إلى ما اتفق عليه الجماعة التي فيها
المعصوم ،ودعوا رأي الجماعة الخرى ،ولم يقل :ابحثوا عن الجماعة أو الشخص المجهول
النسب ،فقد يكون المنتظر من ضمن تلك الجماعة ،أو يكون هو نفسا المجهول النسب ،بل قال:
بأن ما أجتمعت عليه المة ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق ،وبين أن أساس إصابة الحق هو
العتماد على الكتاب والسنة ،وأن إصابة الحق في حالة الجماع محققة لقول النبي صلى ال
272
عليه وسلم" :ل تجتمع أمتي على ضللة" وهذا الحديث هو أحد حجج جمهور المسلمين في
إثبات حجية الجماع.
وحذر من اتباع غير ذلك من الروايات المكذوبة.
فلماذا تشذ هذه الطائفة ،وتأخذ بتلك الروايات المكذوبة ،وتدع قول إمامهم ،وتفارق المة،
وتنبذ إجماعها ،وتأخذ برأي طفل صغير أو معدوم ،وتدع ما أجمع عليه أمة السلم ،كل ذلك
لن زنديقا وضع لها أصلً يقول بأن ما خالف العامة فيه الرشاد "فجمعوا مخالفة أهل السنة
والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول وأصحابه رضوان ال عليهم أجمعين أصلً
للنجاة ،فصار كلما فعل أهل السنة شيئا تركوه ،وإن تركوا شيئا فعلوه ،فخرجوا بذلك عن الدين
رأسا ،وذلك هو الضلل المبين باليقين" [اللوسي /كشف غياهب الجاهلت /الورقة (.].)6
غ ْيرَ
وال سبحانه وتعالى يقولَ { :ومَن ُيشَاقِقِ ال ّرسُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّنَ َلهُ ا ْلهُدَى َويَ ّتبِعْ َ
ت َمصِيرًا} [النساء ،آية .].115 :
ج َهنّمَ َوسَاءَ ْ
ن ُنوَّل ِه مَا َتوَلّى َو ُنصْ ِلهِ َ
سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي َ
ولو كان هذا الصل؛ أعني قولهم :ما خالف العامة -أي أهل السنة -فيه الرشاد ،لو كان
هذا من عند الئمة كما تزعم هذه الزمة لكان الئمة أسبق الناس إلى تطبيقه على أنفسهم،
والواقع الذي يوافقنا شيوخ الشيعة عليه أن عليا -رضي ال عنه -لم يشذ عن الصحابة ،بل
إنه كما يقول شيخهم الشريف المرتضى" :دخل في آرائهم ،وصلى مقتديا بهم ،وأخذ عطيتهم،
ونكح سبيهم ،وأنكحهم ،ودخل في الشورى" [المرتضى /تنزيه النبياء :ص .].132وغير ذلك .ولم
يذهب إلى مخالفتهم في شيء مما أجمعوا عليه ،وكان رضي ال عنه يكره الختلف ،كما روى
البخاري عن علي -رضي ال عنه -قال" :اقضوا كما كنتم تقضون ،فإني أكره الختلف
حتى يكون الناس جماعة" [صحيح البخاري (مع فتح الباري).].7/71 :
قال ابن حجر :قوله" :فإني أكره الختلف" أي :الذي يؤدي إلى النزاع .قال ابن التين :يعني
مخالفة أبي بكر وعمر ،وقال غيره :المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة ،ويؤيده قوله
بعد ذلك "حتى يكون الناس جماعة" [فتح الباري.].7/73 :
وكل ما ينفرد به الشيعة وتشذ به ليس من "هدي" علي -رضي ال عنه -وكان علي -
رضي ال عنه -مع المة في إجماعها ،لن فيه الرشاد ،ل في مخالفتهم كما تدعيه هذه الزمرة
الحاقدة على المة ،والتي تبغي فيها الفرقة والشتات ،ولهذا لم نجد إجابة عن موافقة علي -
رضي ال عنه -للمة إل بدعوى التقية ،أي نفاق عليّ للصحابة -برأه ال مما يفترون -
وهي دعوى تتناقض مع العقل والتاريخ ،فضلً عن الشرع والدين.
273
فلم يستطع شيوخ الشيعة -كما ترى -أن يثبتوا على علي تطبيقه لهذا الصل المفترى ،بل
أقروا بموافقته للمة على لسان شيخهم الشريف المترضى ،وحتى إبّان خلفته ،وامتلكه لزمام
المور والتي تنتفي معها "التقية" لم يقدروا على إنكار موافقته للمة.
يقول شيخهم نعمة ال الجزائري" :ولما جلس أمير المؤمنين -عليه السلم -على سرير
الخلفة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا؛ لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه،
كما لم يقدر على النهي عن صلة الضحى ،وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة
[النوار النعمانية: النساء ..وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ،ومعاوية عن المارة"
.].2/362
فثبت بنقل الفريقين أن أمير المؤمنين لم يفارق إجماع المة ،وأن المامية قد خالفت سريته
حينما وضعت لنفسها مبدأ مخالفة المة ،فليست له بشيعة ،وليس لها بإمام.
274
أصول مذهب الشّيعة
الجزء الثّاني
الباب الثاني
عقيدتهم في أصول الدين
وفيه أربعة فصول:
الفصل الول :عقيدتهم في توحيد اللوهية.
الفصل الثاني :عقيدتهم في توحيد الربوبية.
الفصل الثالث :عقيدتهم في أسماء ال وصفاته.
الفصل الرابع :عقيدتهم في اليمان وأركانه.
الفصل الول
عقيدتهم في توحيد اللوهية
والمقصود بتوحيد اللوهيّة :إفراد ال تعالى بالعبادة؛ لنّه سبحانه المستحقّ أن يُعبد وحده ل
[انظر في تعريف شريك له ،وإخلص العبادة له ،وعدم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره
توحيد اللوهيّة :شرح الطّحاويّة :ص ،16لوامع النوار ،1/29 :تيسير العزيز الحميد :ص 36وغيرها.].
وهذا التوحيد هو الذي دعت الرسل إليه؛ لن إقرار أقوامهم بتوحيد الربوبية معلوم ،كما
عبُدُواْ
أخبر ال – عز وجل – عن أنبيائه نوح ،وهود ،وصالح ،وشعيب أنهم قالوا لقومهم{ :ا ْ
غ ْيرُهُ} [العراف ،آية ،]85 ،73 ،65 ،59 :وأخبر سبحانه أن هذه دعوة الرسل
الّل َه مَا لَكُم مّنْ ِإلَـهٍ َ
[النحل، ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ}
عبُدُواْ الّلهَ وَا ْ
عامة ،فقال جل شأنه{ :وَلَقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُكلّ ُأ ّمةٍ ّرسُولً أَنِ ا ْ
ك مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي ِإَل ْيهِ َأنّهُ ل إِ َلهَ إِل َأنَا
آية .]36 :وقال سبحانهَ { :ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َق ْبلِ َ
عبُدُونِ} [النبياء ،آية .]25
فَا ْ
ك ِبهِ َويَغْ ِفرُ مَا دُونَ ذَِلكَ
وهو أصل النّجاة ،وأساس قبول العبادات{ :إِنّ الّلهَ َل يَغْ ِفرُ أَن ُيشْرَ َ
ِلمَن َيشَاء} [النّساء ،آية.]116 ،48 :
فهل حافظت الشيعة على هذا الصل الصيل ،والركن المتين ،أو أن اعتقادها في الئمة قد
أثر على عقيدتها في توحيد ال سبحانه؟ هذا ما سنتناوله بالحديث فيما يلي ،حيث سأعرض
لسبعة مباحث – إن شاء ال .-
275
أولها :اعتقادهم أن نصوص القرآن الواردة في أعظم أصل من أصول الدين ،والذي وقع فيه
الضلل في العالم ين ،و هو توح يد العبادة ،اعتقاد هم أن الغا ية م نه تقر ير ول ية عل يّ والئ مة
وعدم إشراك أحد معهم في المامة.
والمبحث الثاني :اعتقادهم أن أصل قبول العمال هو اليمان بإمامة الثني عشر ووليتهم
وليس توحيد ال عز وجل.
والمبحث الثالث :اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق ،حتى صاروا يعبدونهم
ويدعونهم رغبًا ورهبًا.
والمبحث الرابع :اعتقادهم أن للئمة حق التشريع والتحليل والتحريم.
والمبحث الخامس :اعتقادهم أن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء ،وأمان من كل خوف.
والمبحث السادس :دعاؤهم بالطلسم والرموز لكشف البليا ورفع الملمات ،واستعانتهم
بالمجهول لطلب الهداية.
[هذه المسائل الربع الخيرة يمكن إلحاقها بوجه والمبحث السابع :استخارتهم بما يشبه رقاع الجاهلية
آخر في توحيد الربوبية ،ول شك أن توحيد اللوهية متضمن لتوحيد الربوبية ،وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد
اللوهية.].
المبحث الول
نصوص التوحيد جعلوها في ولية الئمة
فأول ما نفاجأ به أن نصوص القرآن التي تأمر بعبادة ال وحده ،غيروا معناها إلى اليمان
بإمامة علي والئمة ،والنصوص التي تنهى عن الشرك جعلوا المقصود بها الشرك في ولية
الئمة.
عمَلُكَ}
حبَطَنّ َ
ن مِنْ َقبْلِكَ َلئِنْ َأشْرَكْتَ َليَ ْ
حيَ إِ َليْكَ َوإِلَى الّذِي َ
أ ـ ففي قوله سبحانهَ { :ولَقَدْ أُو ِ
[الزمر ،آية.].65 :
جاء في الكافي [أصول الكافي 1/427 :رقم ( – ].)76أصح كتاب عندهم في الرواية – وفي تفسير
[انظر: القمي [تفسير القمي – ].2/251 :عمدة تفاسيرهم – وفي غيرهما من مصادرهم المعتمدة
[هذا لفظ البرهان ،4/83 :وتفسير الصافي ].4/328 :تفسيرها بما يلي" :يعني إن أشركت في الولية غيره"
الكليني في الكافي ،].وفي لفظ آخر" :لئن أمرت بولية أحد مع ولية علي من بعدك ليحبطن عملك"
[هذا لفظ القمي في تفسيره .].وقد ساق صاحب البرهان في تفسير القرآن أربع روايات لهم في تفسير
الية السابقة بالمعنى المذكور [البرهان.].4/83 :
276
وقد جاء في سبب نزولها عندهم ..." :إن ال عز وجل حيث أوحى إلى نبيه صلى ال عليه
وسلم أن يقيم عليًا للناس علمًا اندس إليه معاذ بن جبل فقال :أشرك في وليته الول والثاني
(يعنون أبا بكر وعمر) حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك ،فلما أنزل ال عز وجل{ :يَا
ك مِن ّربّكَ} [المائدة ،آية ].67 :شكا رسول ال صلى ال عليه وسلم
َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّغْ مَا أُن ِزلَ ِإَليْ َ
شرَكْتَ
إلى جبرائيل فقال :إن الناس يكذبوني ول يقبلون مني ،فأنزل ال عز وجلَ { :لئِنْ َأ ْ
سرِينَ} [البرهان.].4/83 :
ن مِنَ الْخَا ِ
عمَلُكَ وَ َلتَكُونَ ّ
حبَطَنّ َ
َليَ ْ
وحتى يدرك القارئ مدى تحريفهم ليات ال ،وتآمرهم لتغيير دين السلم بتغيير أصله
العظيم وهو التوحيد ،نسوق الية وما قبلها وما بعدها ،ونتبع ذلك ببيان معناها.
ن مِنْ
حيَ إِ َليْكَ وَِإلَى الّذِي َ
عبُدُ َأ ّيهَا الْجَاهِلُونَ ،وَلَ َقدْ أُو ِ
قال تعالىُ { :قلْ أَفَ َغ ْيرَ الّل ِه تَ ْأ ُمرُونّي َأ ْ
عبُدْ وَكُن مّنْ الشّا ِكرِينَ}.
سرِينََ ،بلِ الّلهَ فَا ْ
ن مِنَ ا ْلخَا ِ
عمَُلكَ وَ َلتَكُونَ ّ
حبَطَنّ َ
شرَكْتَ َليَ ْ
َقبْلِكَ َلئِنْ َأ ْ
فالية كما هو واضح من سياقها تتعلق بتوحيد ال في عبادته ،فهم غيروا المر فاعتبروا
الية متعلقة بعلي ،مع أنه ليس له ذكر في الية أصلً ،فكأنهم جعلوه هو المعبر عنه بلفظ
الجللة (ال) وجعلوا "العبادة" هي الولية .والية واضحة المعنى بينة الدللة ،ليس بين معناها
وتأويلهم المذكور أدنى صلة.
قال أهل العلم في تفسيرها:
إن ال سبحانه أمر نبيه أن يقول هذا للمشركين لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الصنام،
[وقد نقل ابن كثير وغيره عن بعض السلف أن هذا هو سبب نزولها .انظر :تفسير ابن وقالوا :هو دين آبائك
كثير ،4/67 :تفسري البغوي .].4/284 :والمعنى :قل يا محمد لمشركي قومك ،أتأمرونني بعبادة
غير ال أيها الجاهلون بال ول تصلح العبادة لشي سواه سبحانه .ولما كان المر بعبادة غير ال
ل يصدر إل من غبي جاهل ناداهم بالوصف المقتضي ذلك فقالَ{ :أ ّيهَا الْجَاهِلُونَ} .ثم بين
سبحانه أنه قد أوحى إلى نبيه وإلى الرسل من قبله :لئن أشركت بال ليبطلن عملك .وهذا في
بيان خطر الشرك وشناعته ،وكونه بحيث ينهى عنه من ل يكاد يباشره فكيف بمن عداه؟
عبُدْ} ل تعبد ما أمرك به المشركون بل اعبد ال وحده دون كل ما
ثم قال سبحانهَ { :بلِ الّلهَ فَا ْ
[انظر :تفسير الطبري ،24/24 :تفسير القرطبي ،277-15/276 :البحر المحيط سواه من اللهة والوثان
لبي حيان ،7/438 :فتح القدير للشوكاني ،4/474 :روح المعاني لللوسي.].24-24/23 :
فالمعنى كما ترى واضح جلي ،ل يلتبس إل على صاح هوى مغرض ،قد أعماه هواه عن
رؤية الحق ،...فهذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات كان جل همها ،وغاية قصدها البحث
277
عن سند لدعواهم في المامة ،فكانت تخبط في هذا المر خبط عشواء ،ل تستند في الستدلل
إلى أصل من لغة أو عقل فضلً عن الشرع والدين.
وفي ظني أنه ل يبعد أن يكون من بينها من يتعمد سلوك هذه المسالك ..حتى يبعد ناشئة
الشيعة ،وعقلءها عن دين السلم ،لنهم إذا رأوا أن هذه الدلة ،والمسائل وأمثالها فاسدة في
العقل ،وظنوا أن هذا هو السلم شكوا في السلم نفسه ،وهذه إحدى الهداف البعيدة لتلك
الزمرة الحاقدة التي رامت الكيد للمة ودينها ،وإبعاد الشيعة عن دين السلم ،ول سيما أنك
تجد في النص الشيعي السالف الذكر النيل من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حيث نسبوا إليه
عليه الصلة والسلم المخالفة بعدم امتثال أمر ربه ابتداء ،وهو تنقص لمقام المعصوم (من قوم
[انظر :محمد بن عبد بالغوا في دعوى عصمة من دون النبي وهم الئمة) وتنقص النبياء كفر
الوهاب /رسالة في الرد على الرافضة :ص .].6
كذلك يظهر في النص الساءة للمعصوم عليه الصلة والسلم بتصويره في موقف الخائف
الوجل من قومه ،المتردد في تنفيذ أمر ربه ،حتى إنه لم يفارق هذا الموقف إل حينما نزل عليه
التهديد بإحباط عمله.
سبِيلٍ} [غافر ،آية ].12 :فكان جوابهم { َذلِكُم
ج مّن َ
خرُو ٍ
ب ـ وفي قوله سبحانهَ { :ف َهلْ إِلَى ُ
عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َف ْرتُمْ} أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي ال في
بِ َأنّهُ إِذَا ُد ِ
شرَكْ بِهِ} غيره من الصنام أو غيرها
الدنيا وحده دون غيره كفرتم به وتركتم توحيده {وَإِن ُي ْ
{ ُتؤْ ِمنُوا} بالشراك به وتجيبوا الداعي إليه ،فبين سبحانه لهم السبب الباعث على عدم إجابتهم
إلى الخروج من النار وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد ال وإشراك غيره به في العبادة التي
رأسها الدعاء ،فهي مع ما قبله خبر عن جزاء المشركين في الخرة ،وأن مصيرهم إلى النار ل
يخرجون منها ،وأنهم يطلبون الرجعة إلى الدنيا ول يجابون بسبب إشراكهم بال في عبادته
[انظر :تفسير الطبري ،24/48 :تفسير البغوي ،94-4/93 :تفسير ابن كثير ،80-4/79 :فتح القدير:
،4/484تفسير القاسمي ،14/227 :ابن سعدي /تيسير الكريم الرحمن 6/512وغيرها.].
ولكن الشيعة تروي عن أئمتها في تأويل الية غير ما فهمه المسلمون منها .تقول" :عن أبي
شرَكْ
عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َفرْتُمْ} بأن لعلي ولية {وَإِن ُي ْ
جعفر في قوله عز وجل{ :ذَِلكُم بِ َأ ّنهُ إِذَا دُ ِ
حكْمُ لِّلهِ الْ َعِليّ ا ْل َكبِيرِ}"
[البرقي /كنز جامع الفوايد ص ،277بحار بِهِ} من ليست له ولية { ُتؤْ ِمنُوا فَالْ ُ
النوار ،23/364 :وانظر :تفسير القمي ،2/256 :أصول الكافي ،1/421 :البرهان ،94-4/93تفسير
الصافي.].4/337 :
278
ومعلوم أن هذا التأويل من جنس تأويلت الباطنية ،إذ ل دللة عليه من لفظ الية ول سياقها
مطلقًا ،ولذلك فإن صاحب مجمع البيان أعرض عن تأويلت طائفته حب رواياتها عن أئمتها
وفسر الية بمقتضى ظاهرها ،وما قاله السلف في تفسيرها [انظر :مجمع البيان .].5/186 :لكن
مثل هذه الصوات المعتدلة سرعان ما تموت في جو التقية الخانق.
ج ـ وتمضي رواياتهم على ذلك المنهج الضال ،والتأويل الفاسد ،ففي قوله سبحانه...{ :
أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ َبلْ أَ ْك َثرُهُمْ ل يَ ْعَلمُونَ} [النمل ،آية ].61:قال أبو عبد ال – كما يفترون " :-أي إمام
هدى مع إمام ضلل في قرن واحد" [بحار النوار ،23/391 :كنز جامع الفوايد :ص .].207
إن هذه الروايات وأمثالها هي التربة الصالحة لنشوء التجاهات الغالية التي تؤله عليًا ،والتي
ل تزال تظهر في هذه الطائفة بين آونة وأخرى ،وإل فالية ل صلة لها بإمامهم ،بل هي لتقرير
خ ْيرٌ َأمّا
عبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَى آلّلهُ َ
حمْدُ لِّلهِ َوسَلمٌ عَلَى ِ
وحدانية ال ،فال جل شأنه قالُ { :قلِ الْ َ
سمَاء مَاء َفأَنبَ ْتنَا ِبهِ حَدَائِقَ ذَاتَ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضَ وَأَن َزلَ لَكُم مّنَ ال ّ
شرِكُونَ َ ،أمّنْ خَلَقَ ال ّ
يُ ْ
[النمل ،آية-59 : جرَهَا أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ يَعْدِلُونَ} اليات
َبهْجَ ٍة مّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ
.].60
يقول ال في آخر كل آية{ :أَِإَلهٌ مّعَ الّلهِ} أي :أإله مع ال فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار
يتضمن نفي ذلك ،وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير ال؟ فاحتج عليهم بذلك ،وأن ذلك
يستلزم أل يعبد إل ال وحده [شرح الطحاوية :ص .].25
د ـ وإذا كان ال جل شأنه يقولَ { :ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبْلِكَ مِن ّرسُولٍ إِل نُوحِي إِ َل ْيهِ َأ ّنهُ ل
عبُدُونِ} [النبياء ،آية ،]25 :فإن تلك الزمرة التي وضعت روايات الشيعة قالت وكأنها
ِإَلهَ إِل َأنَا فَا ْ
تضاهي معنى هذه الية أو تعارضه ،قالت" :ما بعث ال نبيًا قط إل بوليتنا والبراء من أعدائنا"
[البرهان ،2/367 :تفسير العياشي (انظر :المصدر السابق) ،تفسير الصافي.].3/134 :
رقم ( وفي رواية أخرى" :وليتنا ولية ال التي لم يبعث نبيًا قط إل بها" [أصول الكافي1/437 :
[ونسبوا هذه الروايات وأمثالها لجعفر ،].)3فجعلوا أمر إمامة أئمة لم يخلقوا هو أصل دعوة النبياء
الصادق وأبيه – برأهما ال مما يفترون ،-وذلك إمعانًا في التغرير بأولئك التباع الغرار ممن حجبوا عقولهم عن
رؤية الحق ،وعطلوا ملكة التفكير عندهم ،بإيحاءات متنوعة عبر مراحل العمر الممتدة في موضوع محن آل البيت،
وحب آل البيت ،والصراع بين الل والصحاب ،ليخرج من ذلك الناشئ وقد شحنت عاطفته ونفسيته بالحقد والكراهية
للصحابة ،ولكل مسلم من غير طائفته ..وإن دراسة الثار النفسية والتربوية لهذه الروايات على أولئك التباع ومقارنة
ذلك بالحركات التاريخية لهم لهو موضوع حقيق بالدراسة ليتبين ضخامة الخطر لهذه الساطير ..ورصد مكامن
الضرر ،التعرف على توجهات أولئك الباطنيين ضد المة ودينها!!].
279
هذا ورواياتهم في تأويل نصوص التوحيد والنهي عن الشرك بالمعنى المبتدع عندهم ل تكاد
[ومن أمثلة هذه التأويلت: تخلو منها آية من آيات القرآن المتعلقة بالتوحيد ،والنهي عن الشرك
حبّ اللّهِ} [البقرة ،آية]165 :
حبّونَهُ ْم كَ ُ
تحريفهم لمعنى قوله سبحانه{ :وَ ِمنَ النّاسِ مَن َيتّخِذُ مِن دُونِ اللّ ِه أَندَادا يُ ِ
بقولهم" :هم أولياء فلن وفلن اتخذوهم أئمة دون المام الذي جعله ال للناس إمامًا" (الغيبة للنعماني ص ،83بحار
حنِيفًا} [الروم ،آية ]30:بقولهم" :هي
النوار ،23/359 :البرهان ،)1/172 :وقوله سبحانهَ { :فأَقِمْ وَجْ َهكَ لِلدّينِ َ
الولية" (تفسير القمي ،2/154 :أصول الكافي ،419 ،1/418 :كنز جامع الفوايد :ص ،224بحار النوار:
خرَةِ ُهمْ كَا ِفرُونَ}
ن ل يُ ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُم بِال ِ
،23/365البرهان ،)3/261 :وقوله سبحانه{ :وَ َويْ ٌل ّللْ ُمشْرِكِينَ ،الّذِي َ
[فصلت ،آية ]7 ،6 :قالوا" :وويل للمشركين الذين أشركوا بالمام الول ،وهم بالئمة الخرين كافرون( "...تفسير
القمي ،2/262 :بحار النوار ،84-83 /23 :البرهان ،4/106 :تفسير الصافي .)4/353 :وأمثال ذلك من
التأويلت الخطرة لعظم ركن من أكان الدين ،].ولهذا جعل أحد شيوخهم هذا التأويل قاعدة مطردة في
القرآن فقال" :كل ما ورد ظاهره في الذين أشركوا مع ال سبحانه ربًا غيره من الصنام التي
صنعوها بأيديهم ثم عظموها وأحبوها والتزموا عبادتها وجعلوهم شركاء ربهم ،وقالوا :هؤلء
شفعاؤنا عند ال بغير أمر من ال بل بآرائهم وأهوائهم ،فبطنه وارد في الذين نصبوا أئمة
[مرآة بأيديهم وعظموهم وأحبوهم والتزموا طاعتهم وجعلوهم شركاء إمامهم الذي عينه ال لهم"..
النوار :ص ،100وانظر :ص 58من المرجع المذكور.].
ووضعهم هذا قاعدة يعني أن أخبارهم تواطأت وتضافرت لثبات هذا المنكر ،وهذا ما
صرحوا به فقالوا" :إن الخبار متضافرة إنّ الخبار متضافرة في تأويل الشّرك بال والشّرك
بعبادته بالشّرك في الولية والمامة؛ أي يشرك مع المام من ليس من أهل المامة ،وأن يتّخذ
مع ولية آل محمد رضي ال عنهم (أي الئمّة الثنا عشر) ولية غيرهم" [مرآة النوار :ص .].202
وهكذا ل تكاد تخلو آية من آيات القرآن من موضوع التوحيد والنهي عن الشرك إل وراموا
تحريفها وتعطيل معناها وتحويلها إلى ولية علي والئمة ولو كانت صريحة واضحة بينة.
[للعلمة ابن القيم حدث قيم عن فساد التأويل ،وما وهذه التأويلت هي مفتاح كل شر ،وباب كل فتنة
جره على المة من المصائب "وإن أصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده ال ورسوله بكلمه،
ول دل على أنه مراده"( .انظر :أعلم الموقعين ،].)254-4/250 :كيف وهي تتعلق بأصل الدين ،وما اتفقت
عليه دعوة المرسلين ،وبه نزلت الكتب ،ومن أجله أرسلت الرسل ،وبه انقسم الناس إلى فريقين:
فريق في الجنة ،وفريق في الجحيم.
وقبل أن نرفع القلم في هذه المسألة أشير إلى رواية من كتبهم تنقض تأويلتهم ،وتبين أصلها
ومنبتها ،فقد جاء في تفسيرهم "البرهان" :عن حبيب بن معلى الخثعمي قال :ذكرت لبي عبد ال
رضي ل عنه ما يقول أبو الخطاب ،فقال :أجل إليّ ما يقل .قال :في قوله عز وجل{ :إِذَا ذُ ِكرَ
280
[يعني بهما :أبا بكر وعمر ن مِن دُو ِنهِ} فلن وفلن
الّلهُ وَحْدَهُ} أنه أمير المؤمنين {وَِإذَا ُذ ِكرَ الّذِي َ
رضي ال عنهما .].قال أبو عبد ال :من قال هذا فهو مشرك بال عز وجل ثلثًا أنا إلى ال منهم
بريء ثلثًا ،بل عني ال بذلك نفسه ،قال :فالية الخرى التي في حم قول ال عز وجلَ { :ذلِكُم
عيَ الّلهُ وَحْدَهُ كَ َف ْرتُمْ} ثم قلت :زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين صلى ال عليه
بِ َأنّهُ إِذَا ُد ِ
وسلم .قال أبو عبد ال :من قال هذا فهو مشرك بال عز وجل ثلثًا أنا إلى ال منهم بريء
ثلثًا ،بل عني ال بذلك نفسه ،قال :فالية الخرى التي في حم قول ال عز وجلَ { :ذلِكُم بِ َأ ّنهُ
عيَ الّلهُ َوحْدَهُ َك َفرْتُمْ} ثم قلت :زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين صلى ال عليه وسلم.
إِذَا دُ ِ
قال أبو عبد ال :من قال هذا فهو مشرك بال ثلثًا أنا إلى ال منهم بريء ثلثًا ،بل عني ال
بذلك نفسه" [البرهان.].4/78 :
وقد مرّ أن الية الخيرة التي أشارت إليها الرواية جاء تأويلها بمثل ما قال أبو الخطاب في
عدد من مصادرهم المعتمدة كالكافي ،والبرهان ،والبحار ،وتفسير الصافي وغيرها كما سلف
[انظر :ص( .].)430أما الية الولى فقد جاء تأويلها بمثل هذا المنكر الذي أنكره أبو عبد ال –
باعترافهم – في رواية ينسبونها لبي عبد ال خرجها صاحب الكافي [روضة الكافي :ص .].304
وذكرها صاحب البحار [ذكرها في موضعين ص ،362وص 368من الجزء الثالث والعشرين .].وغيرهما
[انظر :البرقي /كنز جامع الفوايد :ص .].271
فأبو عبد ال يحكم على شيوخ الشيعة الذين ارتضوا هذا التأويل بالشرك.
وقد جاءت عندهم روايات كثيرة ليست من قبيل التأويل لليات ،بل هي أحاديث مستقلة عن
أئمتهم تؤصل هذا المنكر ،وتثبت قاعدته ،كقولهم" :من أشرك مع إمام إمامته من عند ال من
ليست إمامته من ال كان مشركًا" [النّعماني /الغيبة ص ،82بحار النوار.].22/78 :
وفي هذا المعنى عدة روايات [انظر – مث ًل :-أصول الكافي.].1/437 :
وأكد ذلك شيوخهم ،قال صدوقهم ابن بابويه .." :إن ال هو الذي ل يخليهم في كل زمان من
[علل الشرائع ص ،14 إمام معصوم ،فمن عبد ربًا لم يقم لهم الحجة ،فإنما عبد غير ال عز وجل"
بحار النوار.].23/83 :
وهو يعني أن من آمن بال سبحانه ربًا ،وأخلص له العبادة ،ولكن اعتقد أنه لم يول عليًا ،ولم
ينص على إمامته ،فقد عبد غير ال!!.
وأخذوا من هذه النصوص وغيرها الحكم بتكفير من عداهم من المسلمين.
قال المجلسي" :اعلم أنّ إطلق لفظ الشّرك والكفر – يعني في نصوصهم – على من لم يعتقد
إمامة أمير المؤمنين والئمّة من ولده عليهم السّلم ،وفضّل عليهم غيرهم يدلّ أنّهم كفّار
281
[بحار النوار ،390 /23 :وسيأتي – إن شاء ال – حديث عن تكفيرهم للصّحابة وغيرهم ممّن مخلّدون في النار"
لم يؤمن بأئمّتهم في الباب الثّالث.].
وكل ذلك دعاوى ل سند لها من كتاب ال سبحانه وهي غير دين السلم تمامًا ولو كان
شيء مما يقولون حقًا لكان له ذكر في كتاب ال في آيات كثيرة صريحة مبينة ل لبس فيها ول
غموض تبين للمة هذا المر ،ولو كان شيء من ذلك واقعًا لبينه الرسول صلى ال عليه وسلم
بيانًا واضحًا وشافيًا كافيًا ،ولنقلته المة بأجمعها ..وأصبح من المور المشهورة المعروفة ..ولم
يستقل بنقله حثالة من الكذابين.
ولو كان شيء من ذلك حقًا لما أعرض عنه صحابة رسول ال ،ولما تخلفوا عن القيام به،
وهم الذين بذلوا المال والنفس وهجروا الهل والولد وفارقوا الوطان واعتزلوا القرابة
والعشيرة ،وبذلوا حياتهم لهذا الدين.
وآيات القرآن صريحة واضحة في أن أصل هذا الدين وأساسه هو توحيد ال سبحانه وإفراده
[السراء ،آية: جل شأنه بالعبودية ،وشواهد هذا في القرآن كثير {وَ َقضَى َربّكَ أَ ّل تَ ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ}
سرَائِيلَ لَ تَ ْعبُدُونَ إِلّ الّلهَ} [البقرة ،آيةُ { .].83:قلْ ِإ ّنمَا ُأ ِمرْتُ َأنْ
ق َبنِي ِإ ْ
{ .].23وَإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَا َ
ك ِبهِ} [الرعد ،آية ].36:وغير ذلك كثير.
شرِ َ
عبُدَ الّلهَ وَل ُأ ْ
أَ ْ
أما ولية الثني عشر فليس لها ذكر على وجه الطلق في كتاب ال .وقد اعترفت بذلك
نصوصهم – كما سلف .-فهذه التحريفات والتأويلت الخطرة ابتداع في الدين كبير ،وإغفال
لصل الدين العظيم ..وفتح لبواب الشرك ،وتيسير لسبابه.
المبحث الثاني
الولية أصل قبول العمال عندهم
إن التوحيد هو أصل قبول العمال ،والشرك بال سبحانه هو سبب بطلنها .قال تعالى{ :إِنّ
ك ِبهِ َويَغْ ِف ُر مَا دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء} [النساء ،آية ،].116 ،48 :ولكن الشيعة
شرَ َ
الّلهَ َل يَغْ ِفرُ أَن ُي ْ
جعلوا ذلك كله لولية الثني عشر ،وجاءت رواياتهم لتجعل المغفرة والرضوان والجنات لمن
اعتقد المامة وإن جاء بقراب الرض خطايا ،والطرد والبعاد والنار لمن لقي ال ل يدين
ل نصب عليّا علمًا بينه وبين خلقه فمن عرفه كان
بإمامة الثني عشر ،فقالوا" :إنّ ال عزّ وج ّ
مؤمنًا ،ومن أنكره كان كافرًا ،ومن جهله كان ضالً ،ومن نصب معه شيئًا كان مشركًا ،ومن
جاء بوليته دخل الجنّة" [أصول الكافي.].437 /1 :
282
وقالوا في رواياتهم ..." :فإن من أقر بوليتنا ثم مات عليها قبلت منه صلته ،وصومه،
وزكاته ،وحجه ،وإن لم يقر بوليتنا بين يدي ال جل جلله لم يقبل ال عز وجل شيئًا من
أعماله" [أمالي الصدوق :ص .].155 ،154
وقال أبو عبد ال – كما يزعمون " :-من خالفكم وإن تعبد منسوب إلى هذه الية{ :وُجُوهٌ
[اليات من سورة الغاشية ،4-2والنص في تفسير صبَةٌَ ،تصْلَى نَارًا حَا ِميَةً}"
َيوْ َمئِذٍ خَاشِ َعةٌ ،عَامِ َل ٌة نّا ِ
القمي.].2/419 :
وزعموا أن جبرائيل نزل على النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا محمد ،السلم يقرئك
السلم ويقول" :خلقت السماوات السبع وما فيهن ،والرضين السبع وما عليهن ،وما خلقت
موضعًا أعظم من الركن والمقام ،ولو أن عبدًا دعاني هناك منذ خلقت السّماوات والرضين ثم
لقيني جاحدًا لولية علي لكببته في سقر" [أمالي الصّدوق :ص ،290بحار النوار.].27/167 :
ول تترك رواياتهم وجهًا من أوجه المبالغة في عبادة جاحد الولية وعدم نفعها له إل وتذكره
[الخصال،1/41 : حتى قالت ..." :لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل ال منه إل بوليتنا أهل البيت"
المحاسن :ص ،224بحار النوار.].168 ،27/167 :
وزعمت أن ال قال – كما يفترون " :-يا محمد ،لو أنّ عبدًا يعبدني حتى ينقطع ويصير
كالشّنّ ثم أتاني جاحدًا لوليتهم ما أسكنته جنّتي ول أظللته تحت عرشي" [بحار النوار.].169 /27 :
وادعت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال
الجبال ولم يجئ بولية علي بن أبي طالب لكبّه ال عزّ وجلّ بالنّار" [أمالي الشّيخ الطّوسي.]1/314 :
"ولو أن عبدًا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيًا ما قبل ال ذلك منه حتى يلقاه بوليتي وولية
أهل بيتي" [بحار النوار.].27/172 :
بل إنهم جعلوا التوحيد ل يقبل إل بالولية ،ففي أخبارهم "قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :من قال :ل إله إل ال دخل الجنّة ،فقال رجلن من أصحابه :فنحن نقول :ل إله إل ال،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إنّما تقبل شهادة أن ل إله إل ال من هذا وشيعته ،ووضع
رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على رأس عليّ وقال لهما :من علمة ذلك أل تجلسا مجلسه
ول تكذبا قوله [ "...بحار النوار .].201 /27 :فهذا يقتضي عندهم أن الولية مقدمة على الشهادة
وهي أساس قبولهم ..ول تقبل الشهادة إل من شيعة علي.
واعتقاد المامة هو مناط عفو ال ومغفرته ،وإنكارها هو سبب سخط ال وعقابه ،وجاءت
عندهم بهذا المعنى روايات كثيرة؛ فقد رووا "عن علي رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم عن جبرائيل عن ال عز وجل قال :وعزتي وجللي لعذبن كل رعية في السلم
283
دانت بولية إمام جائر ليس من ال عز وجل ،وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ،ولعفون
عن كل رعية دانت بولية إمام عادل من ال تعالى ،وإن كانت الرعية في أعمالها طالحة سيئة"
[النعماني /الغيبة :ص ،83بحار النوار.].27/201 :
ورواياتهم في هذه المسألة كثيرة جاء على أكثرها صاحب البحار ،فقد ذكر مثلً عشرين
[بحار رواية في "باب أنهم عليهم السلم أهل العراف ..ل يدخل الجنة إل من عرفهم وعرفوه"
[المرجع النوار ].256-24/247 :وإحدى وسبعين رواية في "باب أنه ل تقبل العمال إل بالولية"
السابق ].202-27/166 :وغيرها.
وكل هذه الروايات ليست من السلم في شيء ،فأمامنا كتاب ال سبحانه ليس فيه مما يدعون
شيء ،وهو الفيصل الول ،والمرجع الول في كل خلف.
القرآن العظيم ذكر أن اصل قبول العمال هو التوحيد وسبب الحرمان هو الشرك ،قال
ج ّنةَ َومَ ْأوَاهُ النّارُ} [المائدة ،آية{ ،].72 :إِنّ الّلهَ
علَيهِ الْ َ
حرّمَ الّلهُ َ
ك بِالّلهِ فَقَدْ َ
شرِ ْ
تعالىِ{ :إ ّنهُ مَن يُ ْ
ك بِهِ َويَغْ ِف ُر مَا دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء} [النساء ،آية.].116 ،48 :
شرَ َ
َل يَغْ ِفرُ أَن ُي ْ
ن بِالّلهِ
وكل ما ذكر من مبالغات الشيعة تكذبها آيات القرآن؛ فال سبحانه يقول{ :مَنْ آ َم َ
جرُهُمْ عِندَ َر ّبهِمْ} [البقرة ،آية .].62:ولم يذكر سبحانه من
ع ِملَ صَالِحا َف َلهُمْ َأ ْ
خرِ َو َ
وَا ْل َيوْمِ ال ِ
خ ْوفٌ
ع ِم َل صَالِحًا فَلَ َ
خرِ و َ
ضمن ذلك الولية ،وكذلك قال سبحانه{ :مَنْ آمَنَ بِالّلهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ
عَل ْيهِمْ} [المائدة ،آية.].69:
َ
[انظر في فصل وهم يزعمون أو ولية الثني عشر أعظم من الصلة وسائر أركان السلم
المامة من الباب الثالث في هذا الكتاب .].والصلة ذكرت في القرآن بلفظ صريح واضح في أكثر من
ثمانين موضعًا ،ولم تذكر وليتهم مرة واحدة ..فهل أراد جل شأنه ضلل عبادة ،أو لم يبين لهم
حتّى
ضلّ َق ْومًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ َ
طريق الوصول إليه!! سبحانه هذا بهتان عظيمَ { :ومَا كَانَ الّلهُ ِليُ ِ
يُ َبيّنَ َلهُم مّا َيتّقُونَ} [التوبة ،آية.].115:
وقد جاء في رواياتهم ما ينقض ما قالوه ،وإن كانت ل تلبث تأويلتهم ،أو تقيتهم من وأد مثل
هذه النصوص المعتدلة ،ولكن أذكر ذلك لقامة الحجة عليهم من كتبهم ،ولبيان ما عليه
نصوصهم من تناقض ..جاء في تفسير فرات" :قال علي بن أبي طالب :سمعت رسول ال
[الشورى، جرًا إِل ا ْل َموَدّةَ فِي الْ ُق ْربَى}
عَليْهِ أَ ْ
صلى ال عليه وسلم يقول لما نزلت{ :قُل ل َأسْ َألُ ُكمْ َ
آية ].23:قال جبرائيل :يا محمد ،إن لكل دين أصلً ودعامة ،وفرعًا وبنيانًا ،وإن أصل الدين
284
ودعامته قول :ل إله إل ال ،وإن فرعه وبنيانه محبتكم أهل البيت وموالتكم فيما وافق الحق
ودعا إليه" [تفسير فرات :ص ،149-148بحار النوار.].23/247 :
فهذا النص يخالف ما تذهب إليه أخبارهم ،حين يجعل أصل الدين شهادة التوحيد ،ل الولية،
ويعد محبة أهل البيت هي الفرع وهي مشروطة بمن وافق الحق منهم ودعا إليه.
المبحث الثالث
اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق
يقول الثنا عشرية :إن الئمة الثني عشر هم الواسطة بين ال وخلقه .قال المجلسي عن
أئمته" :فإنهم حجب الرب ،والوسائط بينه وبين الخلق" [بحار النوار.].23/97 :
وعقد لذلك بابًا بعنوان "باب أن الناس ل يهتدون إل بهم ،وأنهم الوسائل بين الخلق وبين ال،
وأنه ل يدخل الجنة إل من عرفهم" [المصدر السابق.].23/97 :
[السّابق: وجاء في أخبارهم أن أبا عبد ال قال" :نحن السّبب بينكم وبين ال عزّ وجلّ"
.].23/101
وجاء في كتاب "عقائد المامية" أن الئمة الثني عشر هم" :أبواب ال والسبل إليه ...إنهم
كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" [عقائد المامة /للمظفر :ص .].99-98
وإذا كان المسلمون يعتقدون أن الرسل هم الواسطة بين ال والناس في تبليغ أمر ال
وشرعه ،فإن الثني عشرية تعتقد أن هذا المعنى موجود في الئمة ،لنهم يتلقون من ال – كما
مر في فصل عقيدتهم في السنة – وتزيد على ذلك فتجعل لهم من خصائص اللوهية ما يخرج
بمن يؤمن به من دين التوحيد إلى دين المشركين حين تجعل هداية الخلق إليهم ،وأن الدعاء ل
يقبل إل بأسمائهم ،وأنه يستغاث بهم عد الشدائد والملمات ،ويحج إلى مشاهدهم ،والحج إليهم
أفضل من الحج إلى بيت ال ،وكربلء أفضل من الكعبة ،ولزيارة أضرحة الئمة مناسك وآداب
سموها "مناسك المشاهد" وجعلوها تحج كما يحج بيت ال الذي جعله ال قيامًا للناس ،ويطاف
بها كما يطاف بالبيت ،وتتخذ قبلة كبيت ال الحرام.
وسأعرض – إن شاء ال – لهذه المسائل من خلل النقل المين – بحول ال – من كتب
الشيعة المعتمدة عندها.
وقبل أن أعرض لهذه المسائل أبين أن دعوى « الواسطة » للئمة غريبة على نصوص
السلم ،بل هي منكرة ،لنها عين دين المشركين ،وقد بعث الرسل لتخليص البشرية من هذا
الشرك.
285
وليس بين المسلم في عبادته لربه ودعائه له ،حجب تمنعه ،ول واسطة تحجبه .قال تعالى:
ستَجِيبُواْ لِي وَ ْل ُي ْؤمِنُو ْا بِي
عوَةَ الدّاعِ ِإذَا َدعَانِ َف ْليَ ْ
عنّي فَ ِإنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َد ْ
عبَادِي َ
{وَإِذَا سَأَ َلكَ ِ
َلعَّلهُ ْم َي ْرشُدُونَ} [البقرة ،آية.].186 :
ج َهنّمَ
خلُونَ َ
عبَا َدتِي سَيَدْ ُ
ستَ ْكبِرُونَ عَنْ ِ
ن َي ْ
ستَجِبْ لَ ُكمْ ِإنّ الّذِي َ
وقال تعالى{ :ادْعُونِي َأ ْ
خرِينَ} [غافر ،آية.].60:
دَا ِ
وقال أهل العلم" :إن من جعل بينه وبين ال وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَ َفرَ
إجماعًا؛ لن ذلك كفعل عابدي الصنام الذين قالوا{ :مَا نَ ْعبُدُهُمْ إِل ِليُ َق ّربُونَا إِلَى الّلهِ زُلْفَى}
[الزمر ،آية[ "].3:انظر :البهوتي /كشاف القناع.].169-6/168 :
وحينما سئل شيخ السلم ابن تيمية عمن قال :لبد لنا من واسطة بيننا وبين ال فإننا ل نقدر
أن نصل إليه إل بذلك.
أجاب – رحمه ال – بقوله :إن أراد أنه لبد لنا من واسطة تبلغنا أمر ال فهذا حق فإن
الخلق ل يعلمون ما يحبه ال ويرضاه ويأمر به وينهى عنه إل بواسطة الرسل الذين أرسلهم ال
إلى عباده ،وهذا ما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى ،فإنهم يثبتون
الوسائط بين ال وبين عباده ،وهم الرسل الذين بلغوا عن ال أوامره ونواهيه ،قال تعالى{ :الّلهُ
يَصْطَفِي مِنَ ا ْلمَلئِ َكةِ ُرسُلً َومِنَ النّاسِ} ،ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.
وإن أرادوا بالواسطة :أنه لبد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين ال في جلب المنافع ودفع
المضار ،مثل أن يكونوا واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم ،يسألون ذلك ويرجعون إليه
فيه ،فهذا من أعظم الشرك الذي كفّر ال به المشركين ،حيث اتخذوا من دون ال أولياء وشفعاء
يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار ،فمن جعل النبياء أو الملئكة أو الئمة والولياء
وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران
الذنوب ،وهداية القلوب وتفريج الكربات ،وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين.
إلى أن قال :فمن أثبت وسائط بين ال وبين خلقه كالحجاب الذي بين الملك ورعيته ،بحيث
يكونون هم يرفعون إلى ال حوائج خلقه ،وأن ال إنما يهدي عباده وينصرهم ويرزقهم
بتوسطهم ،بمعنى أن الخلق يسألوهم وهم يسألون ال ،كما أن الوسائط عند الملوك يسألون
الملوك حوائج الناس لقربهم منهم ،والناس يسألونهم أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك ،أو لن
طلبهم من الوسائل أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب ،فمن أثبتهم
[انظر :ابن تيمية/ وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب ،فإن تاب وإل قتل
286
وما بعدها ،جمع الشيخ عبد الرحمن بن الواسطة بين الخلق والحق (ضمن مجموع فتاوى شيخ السلم1/121 :
قاسم) وانظر :أبا بطين /النتصار لحزب ال الموحدين ص .].31-30
وأعود – الن – لعرض المسائل التي أشرت إليها آنفًا من خلل كتب الشيعة نفسها لتتضح
حقيقة الشرك والدعوة إليه الكامنة في المذهب المامي الثني عشري.
المسألة الولى :قولهم :ل هداية للناس إل بالئمة:
قال أبو عبد ال" :بلية الناس عظيمة؛ إن دعوناهم لم يجيبونا ،وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا"
[أمالي الصدوق :ص ،363بحار النوار.].23/99 :
فهذا النص يقرر أن هداية الناس ل تتحقق إل بالئمة ،وأن الناس في بلء وضلل دائم لنهم
يرفضون إجابة دعوة الئمة.
وكل الحكمين (حصر الهداية بالئمة ،والحكم بالضلل على الناس) باطل من القول وزور
لمخالفته للنقل والعقل والواقع.
[بحار ع ِرفَ ال ،و ِبنَا وُحّدَ ال"
عبِدَ ال ،و ِبنَا ُ
ومرة أخرى تقول أخبارهم" :قال أبو جعفرِ :بنَا ُ
النوار.].23/103 :
فهي ل تنفي الهداية عن المة ،ولكن تجعل مصدرها الئمة.
والحق أن الهداية بمعنى التوفيق إلى الحق وقبوله ،ل يملكها إل رب العباد ،ومقلب القلوب
والبصار ،والذي يحول بين المرء وقلبه ،والذي إذا قال للشيء :كن فيكون ..والشيعة في
إطلقها هذه العبارات بل أي قيد تجعل لئمتها مشاركة ل جل شأنه في هذه الهداية ،وهو شرك
أكبر؛ فال سبحانه هو الهادي وحده ل شريك له.
[الكهف ،آية: قال تعالى{ :مَن َيهْدِ الّلهُ َف ُهوَ ا ْل ُم ْهتَدِي َومَن يُضْ ِللْ فَلَن تَجِدَ َلهُ وَ ِليّا ّم ْرشِدًا}
ح َببْتَ وَلَ ِكنّ الّل َه َيهْدِي مَن َيشَاء}
.].17ويقول لنبيه – عليه السلم ِ{ :-إنّكَ ل َتهْدِي مَنْ أَ ْ
[القصص ،آية.].56 :
أما هداية الدللة على الحق والرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان ،ول
[يوسف، سبِيلِي أَدْعُو إِلَى الّلهِ عَلَى َبصِيرَةٍ َأنَاْ وَمَنِ ا ّتبَ َعنِي}
تنحصر في الثني عشرُ { .قلْ هَـذِهِ َ
آية .].108:وإطلق القول بأن هداية العباد ل تتم إل بالئمة جرأة على ال سبحانه.
المسألة الثانية :قولهم :ل يقبل الدعاء إل بأسماء الئمة:
قالوا :ل يفلح من دعا ال بغير الئمة ،ومن فعل ذلك فقد هلك.
[الطّبري/ جاء في أخبارهم عن الئمة" :من دعا ال بنا أفلح ،ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك"
بشارة المصطفى :ص ،119-117البحار ،23/103 :وسائل الشّيعة .].4/1142 :وبلغت جرأتهم في هذا
287
الباب أن قالوا" :إنّ دعاء النبياء استجيب بالتّوسل والستشفاع بهم صلوات ال عليهم أجمعين"
[وهذا أحد أبواب بحار النوار.]26/319 :
[انظر :بحار النوار: وقد استشهد على ذلك المجلسي بإحدى عشرة رواية من رواياتهم
.].334-26/319كما عرض لروايات كثيرة مماثلة في أبواب أحوال النبياء ،وبالخص في
أحوال آدم وموسى وإبراهيم ،وكذا في أبواب معجزات النبي [بحار النوار.].26/334 :
ل :-تفسير وجاءت روايات كثيرة في هذا المعنى في عدد من مصادرهم المعتمدة
[انظر– مث ً
العياشي ،1/41 :ابن بابويه /الخصال ،1/130 :معاني الخبار ص ،42الطبرسي /الحتجاج :ص ،28 ،27
وانظر :تفسير الحسن العسكري :ص ،118 ،117وسائل الشيعة 4/1139 :وغيرها .].وهذا "الزعم" الخطير
يهدف بطريقة ماكرة ،وأسلوب مقنع إلى "تأليه الئمة" وأنهم ملجأ المحتاجين ومفزع الملهوفين
وأمان الخائفين وقبلة الداعين ،ول تستجاب الدعوات إل بذكر أسمائهم ،فأي فرق بين هذا وبين
ما يزعمه المشركون في أصنامهم؟!
نعم هناك فرق ،وهو أن المشركين في وقت الشدة يخلصون الدعاء ل {فَِإذَا رَ ِكبُوا فِي الْ ُفلْكِ
عوُا الّل َه مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ} [العنكبوت ،آية .]65 :هذه الية تبني ما هو الشّرك وما هو التّوحيد،
دَ َ
فهي تتعلّق بالخلص في الدّعاء عند اضطراب الموج ول تتعلّق بالمامة .أما هؤلء فإنهم
يشركون في الرخاء والشدة ،بل يزعمون أن الشدة ل ترفع إل بالدعاء بأسماء الئمة.
تقول إحدى رواياتهم" :عن الرضا عليه السلم قال :لمّا أشرف نوح عليه السّلم على الغرق
دعا ال بحقّنا فدفع ال عنه الغرق ،ولمّا رمي إبراهيم في النّار دعا ال بحقّنا فجعل ال النّار
عليه بردًا وسلمًا ،وإنّ موسى عليه السّلم لمّا ضرب طريقًا في البحر دعا ال بحقّنا فجعله
[بحار يبسًا ،وإنّ عيسى عليه السّلم لمّا أراد اليهود قتله دعا ال بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه ال"
النوار ،26/325 :وسائل الشّيعة.].4/1143 :
وكما أن الستجابة لدعاء النبياء بسبب الئمة ،فإن ما جرى لبعض النبياء هي بزعمهم
بسبب موقفهم من الئمة ،فآدم عليه السلم – كما يفترون – " ..لما أسكنه ال الجنة مثّل له
النبي وعلي والحسن والحسين صلوات ال عليهم فنظر إليهم بحسد ،ثم عرضت عليه الولية
فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها ،فلما تاب إلى ال من حسده وأقر بالولية ودعا بحق الخمسة
محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات ال عليهم غفر ال له ،وذلك قولهَ { :ف َتلَقّى آدَمُ
مِن ّربّهِ َكِلمَاتٍ} [البقرة ،آية ،37 :والنص المذكور في :تفسير العياشي ،1/41 :بحار النوار.].26/326 :
"كما ادعوا أنّ يونس عليه السّلم حبسه ال في بطن الحوت لنكاره ولية علي بن أبي طالب
ولم يخرجه حتى قبلها" [تفسير فرات ص ،13بحار النوار.].334-26/333 :
288
سنَى فَا ْدعُو ُه ِبهَا}
ح ْ
سمَاء الْ ُ
هذا ما تقوله الشيعة وتفتريه ،ولكن يقول ال سبحانهَ { :ولِّلهِ ا َل ْ
[العراف ،آية .].180:ولم يقل سبحانه :فادعوه بأسماء الئمة أو مقامات الئمة أو مشاهدهم.
ستَجِبْ لَكُمْ} [غافر ،آية .]60:ولو كان أساس قبول
كما قال جل شأنه{ :وَقَالَ َربّكُمُ ا ْدعُونِي َأ ْ
الدعاء ذكر أسماء الئمة لقال :ادعوني بأسماء الئمة أستجب لكم ،بل إن هذا المر الذي تدعيه
الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء وعدم قبوله ،لن الخلص في الدعاء ل أصل في الجابة
والقبول .قال تعالى{ :فَادْعُوا الّلهَ مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ َو َلوْ َكرِهَ الْكَا ِفرُونَ} [غافر ،آية.].14:
{وَادْعُوهُ مُخْ ِلصِينَ َلهُ الدّينَ} [العراف ،آية.].29:
عبَادٌ َأ ْمثَالُ ُكمْ فَادْعُو ُهمْ
ن تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ ِ
وهؤلء الئمة هم من سائر البشر {إِنّ الّذِي َ
ستَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [العراف ،آية.].194:
فَ ْل َي ْ
ولم يجعل ال عز وجل بينه وبين خلقه في عبادته ودعائه وليًا صالحًا ول ملكًا مقربًا ول نبيًا
عبْدا لّّلهِ وَلَ ا ْلمَلئِكَةُ ا ْلمُ َق ّربُونَ
مرسلً ،بل الجميع عباد ال {لّن َيسْتَن ِكفَ ا ْل َمسِيحُ أَن يَكُونَ َ
[مريم، عبْدًا}
حمَنِ َ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ إِل آتِي الرّ ْ
[ }...النساء ،آية .].172:الية{ ،إِن ُك ّل مَن فِي ال ّ
آية.].93:
وتربيـة الشيعـي مـن خلل أدعيتـه ومناجاتـه ل على هذا المنهـج هـي تربيـة خطيرة ..حيـث
تزرع في قل به ومشاعره التجاه إلى غ ير الوا حد القهار ،وتن مي في نف سه التو جه إلى الب شر ل
إلى خالق البشـر ،ويترعرع فـي هذا المحضـن الوثنـي لينشـأ أولده وأحفاده على هذه الطريـق،
ولربما ينسى ذكر ال سبحانه أصلً؛ لن ذكر الئمة في لسانه ،ووجودهم في قلبه حين الدعاء
والتوجه.
289
زلفى ..وهي زعم باطل ،إذ إن النبياء عليهم السلم – كما جاء في قول أصدق القائلين – إنما
دعوا ال عز وجل باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه .قال سبحانه عن يونسَ { :فنَادَى فِي
ت مِنَ الظّا ِلمِينَ} [النبياء ،آية.].87:
سبْحَانَكَ ِإنّي كُن ُ
الظُّلمَاتِ أَن ل ِإَلهَ إِل أَنتَ ُ
سنَا
والكلمات التي قالها آدم عليه السلم وزوجه هي كما قال ال سبحانه{ :قَالَ َربّنَا ظَ َل ْمنَا أَنفُ َ
سرِينَ} [العراف :آية.].23:
ن مِنَ ا ْلخَا ِ
ح ْمنَا َلنَكُونَ ّ
وَإِن لّمْ تَغْ ِفرْ َلنَا َو َترْ َ
وهذه المقالة من الشيعة معلوم فسادها من الدين بالضرورة ،وهي من وضع زنديق ملحد أراد
إدخال الشرك في دين السلم { ُيرِيدُونَ ِليُطْ ِفؤُوا نُورَ الّل ِه بِأَ ْفوَا ِههِمْ وَالّل ُه ُمتِ ّم نُورِهِ َو َلوْ َكرِهَ
الْكَا ِفرُونَ} [الصف ،آية.].8:
ونقلت كتب الشيعة نفسها ما يناقض هذه الدعوى عن الئمة في مناجاتهم ل ودعائهم له،
فأمير المؤمنين كان يقول كما تنقل كتب الشيعة" :إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ،ثم
أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي ،ثم قال :آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها
[أمالي وأنت محصيها ،فتقول :خذوه! فيا له من مأخوذ ل تنجيه عشيرته ،ول تنفعه قبيلته"
الصّدوق ص ،48بحار النوار.].94/92 :
وما من إمام إل قد رووا عنه الكثير من أمثال هذا الدعاء ،مما ل يتسع المجال لعرضه وقد
أتى على أكثره المجلسي في بحاره [ول سيما في الجزء الرابع والتسعين.].
[الستغاثة :طلب الغوث ،وهو إزالة الشدة ،كالستنصار طلب النصر ،والفرق بين المسألة الثالثة :الستغاثة
الدعاء والستغاثة :أن الدعاء عام في كل الحوال ،والستغاثة هي الدعاء ل في حالة الشدائد (انظر :ابن تيمية /الرد
على البكري ص ،88سليمان بن عبد الوهاب /تيسير العزيز الحميد :ص ،215-214ابن سعدي /القول السديد
ص ].)49-48بالئمة:
ل يستغاث إل بال وحده ،ولكن الشيعة تدعو إلى الستغاثة بأئمتها فيما ل يقدر عليه إل ال
وحده ،وقد خصصت بعض رواياتها وظيفة كل إمام في هذا الباب فقالت .." :أمّا عليّ بن
الحسين فللنّجاة من السّلطين ونفث الشّياطين ،وأمّا محمّد بن علي وجعفر بن محمّد فللخرة
وما تبتغيه من طاعة ال عزّ وجلّ ،وأمّا موسى بن جعفر فالتمس به العافية من ال عزّ وجلّ،
وأمّا عليّ بن موسى فاطلب به السّلمة في البراري والبحار ،وأمّا محمّد بن علي فاستنزل به
الرّزق من ال تعالى ،وأمّا عليّ بن محمّد فللنّوافل وبرّ الخوان وما تبتغيه من طاعة ال عزّ
وجلّ ،وأمّا الحسن بن عليّ فللخرة ،وأمّا صاحب الزّمان فإذا بلغ منك السّيف الذّبح فاستعن به
فإنّه يعينك" [بحار النوار.].94/33 :
290
ثم جاء صاحب البحار بدعاء يتضمن الستغاثة بالئمة على هذا النحو السالف الذكر اعتبره
من قبيل الشرح لهذا النص [انظر :المصدر السابق.].94/33 :
[بحار وقد قرر المجلسي أنهم – كما يزعم – "الشّفاء الكبر والدّواء العظم لمن استشفى بهم"
النوار.].94/33 :
وأدعيتهم تنسج على هذا المنوال ،حيث الئمة عندهم هم المستغاث والمرتجى ،فيتوجه
الشيعي للمام ويقول – كما جاء في رواياتهم – عن إمامهم المنتظر:
" ..أركان البلد ،وقضاة الحكام ،وأبواب اليمان ..منائح العطاء ،بكم إنفاذه محتومًا مقرونًا،
فما شيء منه إل وأنتم له السّبب وإليه السّبيل ..فل نجاة ول مفزع إل أنتم ،ول مذهب عنكم يا
أعين ال النّاظرة[ "..بحار النوار.].94/37 :
ول يخفى ما في هذا النص من تأليه للئمة ،حيث جعلهم سبب كل شيء ،ول مفزع إل
إليهم ،وبهم العطاء محتومًا!!...
وأدعية كثيرة تسير على هذا الضلل في الغلو بالئمة إلى مقام خالق الرض والسماوات،
وهي قد جمعت في كتب الدعية عندهم كمفاتيح الجنان وعمدة الزائر وغيرهما ،وقد وردت في
كتبهم المعتمدة في أبواب المزار ،والدعية ،ودراستها وجمعها وتحليلها يحتاج إلى بحث
مستقل ،وترى في تلك الدعية السبئية قد أطلت بوجهها المظلم الذي يؤله عليًا من خلل هاتيك
الدعوات والستغاثات.
وهناك "رقاع" تكتب ،وتوضع على قبول الئمة ،لن قبور الئمة وأضرحتهم التي ل تنفع
ول تضر هي – بزعمهم – مناط الرجاء ومفزع الحاجات .قالوا" :إذا كان لك حاجة إلى ال عزّ
وجلّ فاكتب رقعة على بركة ال ،واطرحها على قبر من قبور الئمّة إن شئت ،أو فشدّها
واختمها واعجن طينًا نظيفًا واجعلها فيه ،واطرحها في نهر جارٍ ،أو بئر عميقة ،أو غدير ماء،
سيّد عليه السّلم وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه" [بحار النوار.].94/29 :
فإنّها تصل إلى ال ّ
ثم ذكروا أنه يكتب في هذه الرّقعة" :بسم ال الرّحمن الرّحيم ،كتبت إليك يا مولي صلوات
ال عليك مستغيثًا ،..فأغثني يا مولي صلوات ال عليك عند اللّهف ،وقدّم المسألة ل عزّ وجلّ
في أمري قبل حلول التّلف وشماتة العداء ،فبك بسطت النّعمة عليّ ،واسأل ال (الخطاب للمام
في قبره) جلّ جلله لي نصرًا عزيزًا[ "..بحار النوار.].30-94/29 :
[وهم أربعة :عثمان بن ثم ذكروا بأنه يصعد النّهر أو الغدير وينادي على أحد أبواب المنتظر
سعيد ،أو ابنه محمد ،أو الحسن بن روح ،أو علي السّمري( .بحار النوار ،)94/30 :وانظر :فصل الغيبة من هذه
الرسالة ].فينادي أحدهم ويقول" :يا فلن بن فلن سلم ال عليك ،أشهد أنّ وفاتك في سبيل ال
291
وأنت حيّ عند ال مرزوق ،وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند ال جلّ وعزّ ،وهذه رقعتي
وحاجتي إلى مولنا عليه السّلم فسلّمها إليه فأنت الثّقة المين" [بحار النوار.].94/3 :
قالوا" :ثم ارم بها في النّهر وكأنّك تخيل لك أنّك تسلّمها إليه" [بحار النوار.].94/3 :
وهناك رسائل أيضًا تبعث إلى المنتظر المعدوم لطلب الستغاثة.
وقد قرر المحققون من أهل العلم بالنساب والتواريخ أن هذا المنتظر الذي تنتظره الرافضة
لم يولد أصلً؛ لن الحسن العسكري مات عقيمًا – كما سيأتي – ولهذا قال شيخ السلم ابن
[مجموع فتاوى شيخ تيمية عن هذا المنتظر" :وهو شيء ل حقيقة له ولم يكن هذا في الوجود قط"
السلم .].28/401 :ومع هذا فقد وضعوا من الروايات في مشروعية إرسال رقاع إلى هذا
المعدوم لطلب الستغاثة والنجدة فيما ل يقدر عليه إل ال ،فمن ذلك أيضًا:
قالوا :تكتب رقعة إلى صاحب الزّمان وتكتب فيها "بسم ال الرّحمن الرّحيم ،توسّلت بحجّة
[جاء عندهم روايات تنهى عن التّصريح باسمه (أصول الكافي ،1/332 ال الخلف الصّالح محمد بن الحسن
)333فهذه الرّواية تناقض ما قرّروه ،وتناقضهم ل يكاد ينتهي ].بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،النّبأ العظيم ،والصّراط المستقيم،
والحبل المتين ،عصمة الملجأ ،وقسيم الجنّة والنّار أتوسّل إليك بآبائك الطّاهرين ..وأمّهاتك
الطّاهرات ،الباقيات الصّالحات ..أن تكون وسيلتي إلى ال عزّ وجلّ في كشف ضرّي وحلّ
عقدي وفرج حسرتي ،وكشف بليّتي[ "...بحار النوار.].94/29 :
قالوا " :ثم تك تب رق عة أخرى ل سبحانه وتط يب الرّقعت ين ،وتُج مل رق عة الباري تعالى في
رق عة المام ر ضي ال ع نه وتطرحه ما في نهرٍ جارٍ أو بئر ماء ب عد أن تجعله ما في ط ين حرّ
[طين حرّ :أي ل رمل فيه (بحار النوار[ "..].)94/28 :بحار النوار.].94/28 :
انظر في هذا النص وصفه لهذا المعدوم بأنه عصمة الملجأ ،وفارج الحسرة ،وكاشف البلية.
وهي صفات ل تطلق إل على من يجيب المضطر إذا دعاه ،ويكشف السوء ،ومن يهدي من
يعتصم به إلى صراط مستقيم وهو الخالق جل عله .ولكن هؤلء جعلوا لهذا المعدوم خصائص
الرب عز وجل.
وتأمل قوله في نهاية النص" :وتجعل رقعة الباري في رقعة المام" فكأنهم يجعلون هذا
المعدوم هو المقدّم في طلب الحاجات!!
ثم ساق المجلسي استغاثة أخرى بهذا المنتظر ،وفيها "ارجع فيما أنت بسبيله إلى ال تعالى،
واستعن بصاحب الزمان [هذا من ألقاب مهديهم المنتظر ].عليه السلم ،واتخذه لك مفزعًا ،فإنه نعم
292
المعين ،وهو عصمة أوليائه المؤمنين ..وقل :السلم عليك يا إمام المسلمين والمؤمنين ،السلم
عليك يا وارث علم النبيين ،السلم عليك يا عصمة الدين ،السلم عليك يا معز المؤمنين
المستضعفين ،السلم عليك يا مذل الكافرين المتكبرين الظالمين ،السلم عليك يا مولي يا
صاحب الزمان ..يا مولي ،حاجتي كذا وكذا فاشفع لي في نجاحها" [بحار النوار.].32-94/31 :
وصاحب الزمان عندهم قد عجز عن الخروج إلى شيعته خوف القتل كما تقرر نصوصهم
المعتبرة – كما سيأتي – فكيف يوصف بهذه الوصاف ،ويطلب منه هذا الحاجات مما ل يقدر
عليه إل كاشف الملمات وهو عاجز عن حماية نفسه قد قبع في سردابه وتوارى عن النظار؟!
المسألة الرابعة :قولهم :إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت ال:
قال شيخ السلم ابن تيمية" :حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من
الحج إلى البيت العتيق ،فيرون الشراك بال أعظم من عبادة ال وحده ،وهذا من أعظم اليمان
بالطاغوت" [منهاج السنة.].2/124 :
هذه المسألة التي قال عنها عالم من أكبر علماء أهل السنة المعنيين بتتبع أمر الرافضة والرد
عليهم بأنه قد وصله خبرها عن طريق بعض الثقات هي اليوم مقررة ومعلنة في المعتمد من
كتب الثني عشرية في عشرات من الروايات تنص على أن زيارة المشهد أفضل من الحج إلى
بيت ال الحرام.
جاء في الكافي وغيره" :إنّ زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجّة ،وأفضل من عشرين
[فروع الكافي ،1/324 :ابن بابويه /ثواب العمال :ص ،52الطّوسي /تهذيب الحكام،2/16 : عمرة وحجّة"
ابن قولويه /كامل الزّيارات :ص ،161الح ّر العاملي /وسائل الشّيعة.].10/348 :
وحينما قال أحد الشّيعة لمامه" :إنّي حججت تسع عشرة حجّة ،وتسع عشرة عمرة" أجابه
المام – بأسلوب يشبه السخرية -قائلً" :حجّ حجّة أخرى ،واعتمر عمرة أخرى ،تكتب لك
[الطّوسي /تهذيب الحكام ،2/16 :وسائل الشّيعة ،10/348بحار النوار: زيارة قبر الحسين عليه السّلم"
.].101/38
فكأنه يقول له :علم تبذل كل هذا الجهد ،وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا ،ثم تراه
وجهه لكمال عشرين حجة وعمرة ليتحقق له بذلك فضل زيارة واحدة لقبر الحسين ،ولم يوجهه
لزيارة الحسين ،وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية وإبداء التحسر.
وتذهب رواياتهم إلى المبالغة بالقول بأفضلية زيرة قبر الحسين وقبور سائر الئمة على
الركن الخمس من أركان السلم حج بيت ال الحرام ،وتصل في ذلك إلى درك من العته
293
والجنون ،أو الزندقة واللحاد ل يكاد يصل إليه أحد في هذا الباب ،حتى ليقول القائل بأن هذا
دين المشركين ل دين المسلمين الموحدين؛ لن هؤلء يقدمون لنا دينًا آخر غير ما يعرفه
المسلمون؛ دين شيوخهم وآياتهم ل دين رب العالمي ،وتخرصات وأوهام رجالهم ،ل وحي سيد
المرسلين ،فهي أشبه ما تكون بمؤامرة لتغيير دين المسلمين ،وتغيير قبلة المسلمين ،بيت رب
العالمين.
وتقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة وأساليب متنوعة لتؤثر في قلوب السذج
[ولذلك قال أيوب والجهلة ،وتخدع عقول الناشئة والعجم ،فما أسرع تأثير البدعة في هؤلء
السختياني – كما يروي الللكائي :-إن من سعادة الحدث والعجمي أن يوفقهما ال لعالم من أهل السنة( .شرح
أصول اعتقاد أهل السنة..].)1/60 :
فهذا أحد العراب يشد الرحل من اليمن لزيارة الحسين – كما تزعم أساطيرهم – فيلتقي
بجعفرهم الذي يسمونه بالصادق ،لن جعفر بن عبد ال بريء من افتراءات هؤلء وأكاذيبهم،
فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين فقال هذا العرابي :إنه يرى البركة من ذلك في نفسه
وأهله وأولده وأمواله وقضاء حوائجه ،فقال أبو عبد ال – كما تقول الرواية :-أفل أزيدك من
فضله فضلً يا أخا اليمن؟ قال :زدني يا ابن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال :إن زيارة
أبي عبد ال عليه السلم – يعني نفسه – تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم وآله فتعجب من ذلك ،فقال له :أي وال وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فتعجب ،فلم يزل أبو عبد ال عليه السلم يزيد حتى قال :ثلثين حجة
[ابن بابويه القمي /ثواب العمال ص ،52 مبرورة متقبلة زاكية مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
الحر العاملي /وسائل الشيعة.].351-10/350 :
بهذا السلوب الغريب الذي أشبه ما يكون بلعب الطفال ومحاوراتهم يقرر جعفرهم أن زيارة
الضريح أفضل من ثلثين حجة.
ويفترون أيضًا على رسول ال بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا السلوب الذي بلفظه يكشف
كذبهم فضلً عن معناه ،حيث تقول روايتهم" :كان الحسين عليه السلم ذات يوم في حجر النبي
صلى ال عليه وسلم وهو يلعبه ويضاحكه ،وإن عائشة قالت :يا رسول ال ما أشد إعجابك
بهذا الصبي!! فقال لها :وكيف ل أحبه وأعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني ،أما إن أمتي
ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب ال له حجة من حججي ،قالت :يا رسول ال حجة من
حججك؟! ،قال :نعم وحجتين ،قالت :حجتين؟ قال :نعم وأربعًا .فلم تزل تزاده وهو يزيد حتى
294
[وسائل الشيعة-10/351 : بلغ سبعين حجة من حجج رسول ال صلى ال عليه وسلم بأعمارها"
.].352
وتذهب رواية أخرى إلى أن "من زار قبر أبي عبد ال كتب ال له ثمانين حجة مبرورة"
[ثواب العمال ص ،52كامل الزيارات ص ،162وسائل الشيعة.].10/350 :
وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول" :من أتى قبر الحسين عليه السّلم عارفًا بحقّه كان كمن
[ثواب العمال :ص ،52وسائل الشّيعة: حجّ مائة حجّة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم"
.].10/350
وتتنافس رواياتهم في المبالغة في العداد لتتجاوز المئات إلى مرحلة اللف ،وتتجاوز ذلك
إلى ذكر أصناف من الثواب والجر ،وكأن الدين هو مجرد زيارة قبر ،والوقوف على ضريح.
فقد جاء في "وسائل الشيعة" وغيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال" :لو يعلم الناس ما
في زيارة الحسين عليه السلم من الفضل لماتوا شوقًا ،وتقطعت أنفسهم عليه حسرات ،قلت:
وما فيه؟ قال :من زاره تشوقًا إليه كتب ال له ألف حجّة متقبّلة ،وألف عمرة مبرورة ،وأجر
ألف شهيد من شهداء بدر ،وأجر ألف صائم ،وثواب ألف صدقة مقبولة ،وثواب ألف نسمة أريد
بها وجه ال ،ولم يزل محفوظًا سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان،ووكل به ملك كريم يحفظه من
بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه ،فإن مات سنته
حضرته ملئكة الرّحمن يحضرون غسله وأكفانه والستغفار له ويشيّعونه إلى قبره بالستغفار
له ،ويفسح له في قبره م ّد بصره ،ويؤمنه ال من ضغطة القبر ،ومن منكر ونكير يروعانه،
ويفتح له باب إلى الجنة ،ويعطى كتابه بيمينه ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين
المشرق والمغرب ،وينادي مناد هذا من زار الحسين شوقًا إليه ،فل يبقى أحد يوم القيامة إل
[كامل الزّيارات ص ،143وسائل الشّيعة،1/353 : تمنّى يومئذ أنّه كان من زوّار الحسين عليه السّلم"
بحار النوار.].101/18 :
وفي رواية أخرى" :إن الرجل منكم ليغتسل في الفرات ثم يأتي قبر الحسين عارفًا بحقه
فيعطيه ال بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة ،ومائة عمرة مبرورة ،مائة غزوة مع
نبي مرسل أو إمام عادل" [وسائل الشيعة ،10/379 :كامل الزيارات ص .].185
ورواية ثالثة تقول" :من زار الحسين عليه السلم يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيًا لقي ال
عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة ،وألفي ألف عمرة ،وألفي ألف غزوة ،وثواب كل
حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع
الئمة الراشدين صلوات ال عليهم[ "..بحار النوار ،101/290 :كامل الزيارات ص 176ما بعدها.].
295
ثم ذكرت الرواية أن هذا الفضل كله يحصل أيضًا لمن لم يستطع زيارة قبره في هذا اليوم،
ولكن صعد على سطح داره وأومأ إليه بالسلم ثم دعا على قاتله وندب الحسين وبكاه ولم ينتشر
في يومه هذا في حاجة [بحار النوار ،101/290 :كامل الزيارات ص .].176
وعلى غرار هذا عشرات من المثلة تكل اليد من نقلها ،ويتعب الفؤاد من تأملها ،لنها
روايات الهدف منها صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة المخاليق الضعفاء،
وغايتها التحلل من تكاليف السلم وشرائع الدين إلى مجرد نقل القدم إلى قبر ليحصل بذلك
على كل الجر ،حتى تنتهي بمعتقدها إلى ضرب من الباحية ،والعراض عن أوامر ال
وشرائعه ،والتعدي على محارمه.
فلو كان شيء من هذا حقًا لذكره القرآن العظيم في آياته ،..لماذا يذكر الحج في آيات عدة
من القرآن ،ول تذكر زيارة قبر المام مطلقًا ..وهي أفضل من الحج إلى بيت ال الحرام –
بزعمهم -؟!
وقد تنبه أحد الشيعة لذلك وتعجب لماذا تخص زيارة الحسين بهذا الفضل الذي يربو على
فضل الحج مئات المرات وليس لها ذكر في القرآن؟! أليس هذا دليل الوضع والفتراء؟!!
فقال – بعد أن استمع من إمامه لفضائل زيارة قبر الحسين المزعومة – قال" :قد فرض ال
[بحار النوار ،101/33 :كامل على الناس حج البيت ،ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلم"
الزيارات ص .].266
فأجاب إمامهم بجواب يبدو فيه الضطراب ،حيث قال" :وإن كان كذلك فإن هذا شيء جعله
ال هكذا" [بحار النوار ،101/33 :كامل الزيارات ص .].266وهذا اعتراف منهم وهم أرباب التأويل
الباطني بخلو القرآن من هذه البدعة ،وهذا كافٍ في نقض مزاعمه من كتبهم .فالقرار هو سيد
الدلة ،وبأيديهم يهدمون بيوتهم.
وكأن إمامهم في جوابه هذا يقول :ل جواب عندي ،المر هكذا ،لم يبين ال لعباده سبيل
عبادتهم وما يتقون.
ثم حاول بعد هذه الكلمة المضطربة أن يتلمس جوابًا بعيدًا عن الموضوع فأردف قائلً" :أما
سمعت قول أمير المؤمنين :إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم ،ولكن ال فرض هذا
على العباد" [بحار النوار ،101/33 :كامل الزيارات ص .].266وهذا اعتراف منهم أيضًا بأن زيارة
قبر الحسين كباطن القدم (والصح كباطن الخف) لم تدخل فيما فرض ال ،ثم واصل العتذار
فقال" :أوما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لجل الحرم ولكن ال صنع ذلك في
غير الحرم" [بحار النوار ،101/33 :كامل الزيارات ص .].266
296
وهذا كسابقه اعتراف بأن الزيارة لم تفرض ،وإن كانت في نظر هذه الزمرة أحق ..ثم هي
في اعتذارها تحاول أن تجعل من نفسها رقيبة على تشريع رب العالمين ،فكأنها تشير بأن ال
سبحانه لم يفعل ما هو أولى وأحق (تعالى ال عما يقوله الظالمون) ،حيث لم يجعل موقف
عرفات في الحرم بل جعله في الحل ،وهكذا تتطاول هذه الزمرة الملحدة التي وضعت هذه
الخبار ،وخدعت بها الغرار تتطاول على شرع ال وحكمته ،وتضع من نفسها وصية على
أمر ال.
ورواياتهم في هذا كثيرة للغاية – كما أشرنا من قبل – وإنني الن أمام زخم هائل من
الروايات التي ل تخطر ببال من لم يخض غمار هذه الساطير؛ روايات كثيرة ما أدري ما آخذ
منها وما أدع ،فكل منها يثير العجب والستنكار لكل من كان على صلة بكتاب ربه ،أو على
أدنى وعي بأمر دينه ،ولم يلجم عقله التعصب ويغلق فكره الهوى وتأخذه العزة بالثم تعصبًا
لبدعته وطائفته.
ولو حاول الشيعي أن يتخلى عن هذه الساطير التي تشده إلى الظلم ولو لحظة ثم يتفكر في
أمر هذا الخطر الكبر الذي يأخذ به ليلقيه في غياهب الشرك وظلماته ،لينسى ربه وخالقه،
ن تَدْعُونَ
ويتعلق بقبر مخلوق قد أرم ل يملك لنفسه نفعًا ول ضرًا ول حياة ول نشورًا {إِنّ الّذِي َ
عبَادٌ َأ ْمثَاُلكُمْ} [العراف ،آية.].194:
مِن دُونِ الّلهِ ِ
والعجب أنه ورد عندهم بعض الروايات في تخفيف هذا الغلو الذي يجعل من الشخوص إلى
القبر أفضل من حج بيت ال الحرام ،ولكن شيخ الشيعة المجلسي رد ذلك بحجة التقية.
تقول روايتهم « :عن حنان قلت لبي عبد ال عليه السلم :ما تقول في زيارة قبر الحسين
صلوات ال عليه فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال :تعدل حجة وعمرة؟ قال فقال :ما أضعف هذا
[بحار النوار: الحديث ما تعدل هذا كله ولكن زوروه ول تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة
،101/35قرب السناد ص ..].48
قال المجلسي في تأويل هذا النص الذي ينقض عشرات الروايات التي جاء بها ،ويكشف
ضلل ما عليه طائفته قال" :لعل المراد أنها ل تعدل الواجبين من الحج والعمرة والظهر أنه
محمول على التقية" [بحار النوار ،101/35 :قرب السناد ص ،].48أي إن جعفرًا يقول هذا الكلم
على سبيل الكذب مجاملة لهل السنة أو خوفًا منهم وليس من دين الشيعة ..وهكذا يفعل
شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت ل توافق أهواءهم يبطلون مفعولها بهذه الحجة الجاهزة
"التقية" فصار التشيع يكتسب غلوه على مر اليام بفعل شيوخه وصار دينهم دين شيوخ الرافضة
ل دين الئمة..
297
زيارة كربلء يوم عرفة أفضل من سائر اليام:
مما يكشف أن هذه الروايات هي ثمرة مؤامرة ضد المة لصرفها عن بيت ربها ،والعمل
على إفساد أمرها ،وتفريق اجتماعها ..والحيلولة دون تلقيها في هذا المؤتمر السنوي العام ..أن
هذه الروايات خصت زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص ،تقول:
"من أتى قبر الحسين عارفًا بحقّه في غير يوم عيد كتب ال له عشرين حجّة وعشرين عمرة
مبرورات مقبولت ..ومن أتاه في يوم عيد كتب ال له مائة حجّة ومائة عمرة ..ومن أتاه يوم
عرفة عارفًا بحقّه كتب ال له ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبّلت ،وألف غزوة مع نبي
[انظر :الكليني /فروع الكافي ،1/324 :ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه،1/182 : مرسل أو إمام عادل"
الطّوسي /التّهذيب ،2/16 :ابن قولويه /كامل الزّيارات ص ،169ابن بابويه /ثواب العمال ص ،50الحرّ
العاملي /وسائل الشّيعة.].10/359 :
وتكاد بعض رواياتهم تصرح بالهدف ،فهذا جعفرهم يقول" :لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته
وبفضل قبره لتركتم الحجّ رأسًا وما حجّ منكم أحد ،ويحك أما علمت أنّ ال اتّخذ كربلء حرمًا
آمنًا مباركًا قبل أن يتّخذ مكّة حرمًا[ "..بحار النوار ،101/33 :كامل الزّيارات ص .].266
فأنت تلحظ أنه صرح من طرف خفي أن ترك الحج وزيارة كربلء أولى .وقال" :إنّ ال
يبدأ بالنّظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي عشيّة عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف"( ،قال
الراوي :وكيف ذلك؟) قال أبو عبد ال – كما يزعمون :-لنّ في أولئك أولد زنا وليس في
هؤلء أولد زنا [الفيض الكاشاني /الوافي /المجلّد الثّاني ،].8/222 :وأولد الزّنا عند الشّيعة هم غير
ل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي جعفر قال" :وال إنّ النّاس كلّهم أولد بغايا ما
[يد ّ الشّيعة من المسلمين
ط :لكنو 1886م ،وانظر :بحار النوار ،)24/311 :وعن خلل شيعتنا" (الكليني /الرّوضة من الكافي :ص 135
إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد قال :ما من مولود يولد إل وإبليس من البالسة بحضرته ،فإن علم ال أنّ
المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشّيطان ،وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشّيطان إصبعه في دبر الغلم فكان
مأبونًا ،وفي فرج الجارية فكانت فاجرة (تفسير العيّاشي ،2/218 :البرهان .)2/139وعقد المجلسي في البحار بابًا
حديثًا (بحار النوار: لهذا العتقاد بعنوان" :باب أنّه يدعى النّاس بأسماء أمّهاتهم إل الشّيعة" وذكر فيها 12
،)7/237وانظر :تفسير نور الثّقلين.].2/513 :
ويظهر من روايتهم أن لهذه الساطير تأثيرها حتى قال أحد نقلة هذه السطورة ورواتها بعد
[وسائل سماعه دعاء من جعفرهم لزوار قبر الحسين قال" :وال لقد تمنيت أني زرته ولم أحج"..
الشيعة ،10/321 :فروع الكافي ،335 :ثواب العمال ص .].35
وتتحدث رواية أخرى أن من أراد "أن يتنفل بالحج والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنيا أو عائق
فأتى الحسين بن علي في يوم عرفة أجزأه ذلك من أداء حجته وضاعف ال له بذلك أضعافًا
298
مضاعفة (قال الراوي) :قلت :كم تعدل حجة وكم تعدل عمرة؟ قال :ل يحصى ذلك .قلت :مائة.
[الوافي، قال :ومن يحصي ذلك؟ قلت :ألف .قال :وأكثر ،ثم قال :وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها
المجلد الثاني.].8/223 :
وأنت تلحظ أن صدر النص يشير إلى أن الحج أفضل ،وأن زيارة الحسين هي البديل عند
حصول عائق بينما عجزه يشير إلى خلف ذلك.
قال شيخهم الفيضي الكاشاني في التعليق عما تذكره رواياتهم من فضائل زيارة قبر الحسين:
"إن هذا ليس بكثير على من جعله ال إمامًا للمؤمنين ،وله خلق السّماوات والرضين ،وجعله
صراطه وسبيله ،وعينه ،ودليله ،وبابه الذي يؤتى منه ،وحبله المتّصل بينه وبين عباده من
رسل وأنبياء وحجج وأولياء ،هذا مع أنّ مقابرهم رضي ال عنهم فيها أيضًا إنفاق أموال،
ورجاء آمال ،وإشخاص أبدان ،وهجران أوطان ،وتحمّل مشاق ،وتجديد ميثاق ،وشهود شعائر،
وحضور مشاعر" [الوافي ،المجلّد الثّاني.].8/224 :
تأمل هذا الغلو ،حيث جعل الحسين هو الحبل والواسطة بين ال وعباده ،وأنه عين ال
وبابه!! ولحظ توجيهه لفضل زيارة قبر الحسين بفعل أسباب الوقوع في الشرك نفسه من شد
الرحال إلى القبر ،وإنفاق الموال لها أو عندها طلبًا لشفاعتها ،وتعلق المال عليها ،إلى آخر ما
[ولكن لماذا لم يعمل ذكره من أعمال الشرك وأسبابه ،ومع ذلك فهذا عندهم من أفضل الطاعات!!
شيوخهم بهذه الروايات ويدعوا الحج..؟ الواقع أنهم لم يفعلوا ،لعل ذلك لسباب منها ليتمكن هؤلء من نقل شرهم
لسائر العالم السلم عبر هذا المؤتمر العظيم ..وخشية التشنيع عليهم من قبل المسلمين فيفقدوا الرضية الصالحة
لنشر دعوتهم ،سيما أنهم يرون الفريضة لبد منها ،على الرغم من أن هذه الروايات ل تجعل في قلب المؤمن بها أي
حنين إلى حج بيت ال الحرام.].
زيارة قبر الحسين أفضل العمال:
ليست زيارة قبر الحسين عن هؤلء أفضل من الحج فحسب ،بل أفضل العمال ،جاء في
[كامل الزّيارات ص ،146بحار النوار: رواياتهم أنّ زيارة قبر الحسين "أفضل ما يكون من العمال"
[كامل الزّيارات ص ،146 .].101/49وفي رواية أخرى "من أحبّ العمال زيارة قبر الحسين"
بحار النوار ،].101/49 :وأنشأ المجلسي بابًا خاصًا بهذا العنوان ذكر فيه جملة من جنس هذه
الروايات [وهو بعنوان "باب أن زيارته عليه السلم من أفضل العمال" بحار النوار.].101/49 :
وهكذا تنسى شرائع السلم وأوامره ،ويهتم هؤلء بالقبور والضرحة ويجعلونها من أفضل
العمال بل دليل إل ما صنعته أوهامهم وأوحاه لهم شياطينهم ،ليشرعوا من الدين ما لم يشرعه
ال.
299
قولهم :إن كربلء أفضل من الكعبة:
قبلة المسلمين ،وأقدس مقدساتهم ،وأفضل البقاع بيت ال الحرام ،مهوى أفئدة المسلمين ،الذي
ل يشرع الطواف إل به ..والذي جعله ال مثابة للناس وأمنًا ..ملتقى المسلمين العام ،وقبلتهم
التي يتجهون إليها جميعًا ..تقول روايات الثني عشرية بأنها ليست إل ذنبًا ذليلً مهينًا لرض
كربلء [سيأتي بعد أسطر سياق النص بتمامه وتخريجه من كتبهم.].
إن وراء الكمة ما وراءها ..لقد أقضّ مضاجع العداء اجتماع المسلمين في هذا الملتقى
الطاهر ،وأرّق أجفانهم تلقيهم وتوجيههم لهذا المكان الواحد..
فراموا الكيد لذلك بكل وسيلة ..وراحوا يبحثون عما يصرفون به قلوب المسلمين ..وكان
المدخل الميسر لهم عن طريق التشيع ،فقالوا :إن قبر الحسين أفضل من الكعبة البيت الحرام..
ووضعوا من الروايات ما يحتالون به لثبات هذه المقالة ،ونسبوها لبعض آل البيت زورًا
وبهتانًا ..علها تجد طريقها لقلوب المغفلين ،وعقول الجاهلين ،ويميل إليها أهل الهواء،
والبتداع ،وأصحاب الحقاد المتوارثة ،والثارات القديمة ،ومن يبغي في المة الفرقة والشتات.
لقد اعتبر الشيعة كربلء وغيرها من أماكن قبور أئمتهم المزعومة حرمًا مقدسًا؛ فالكوفة
حرم ،وقُمّ حرم ،وغيرها ،جاء في رواياتهم "إنّ الكوفة حرم ال وحرم رسول ال صلى ال
[الوافي /باب عليه وسلم حرم أمير المؤمنين ،وإنّ الصّلة فيها بألف صلة والدّرهم بألف درهم"
فضل الكوفة ومساجدها ،المجلّد الثّاني.].8/215 :
ويروون عن جعفرهم "إنّ ل حرمًا هو مكّة ،ولرسوله حرمًا وهو المدينة ،ولمير المؤمنين
[قم :بالضّم والتّشديد كلمة فارسيّة ،وهي مدينة مقدّسة عند الشّيعة حرمًا وهو الكوفة ،ولنا حرمًا وهو قم
مشهورة في إيران ،وأهلها كلّهم شيعة إماميّة (انظر :معجم البلدان )4/397 :ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر
وما فاطمة بنت موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) فيها ،انظر :عبد ال ّرزّاق الحسيني /مشاهد العترة :ص 162
بعدها ،].ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمّى فاطمة ،من زارها وجبت له الجنّة" [بحار النوار:
.]102/267
وقال علي بن الحسن – كما يفترون علي " :-اتّخذ ال أرض كربلء حرمًا آمنًا مباركًا قبل
أن يخلق ال أرض الكعبة ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام ،وقدّسها وبارك عليها ،فما
زالت قبل خلق ال الخلق مقدّسة مباركة ول تزال كذلك حتى يجعلها ال أفضل أرض في
الجنّة ،وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنّة" [بحار النوار.].101/107 :
وتقديسهم لرض كربلء لنه ضمت جسد الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها.
300
فهل كان الحسين مدفونًا فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ،أو هي معدة
لستقباله منذ غابر الزمان؟! وإذا كان كل هذا الفضل بوجود جسد الحسين فلماذا لم تفضل
المدينة وفيها جسد رسول ال؟! إن هذا تناقض في بنية المذهب ..وهو يكشف أنه ليس الهدف
تقديس الحسين ،ولكن الكيد للمة ودينها.
وقد جاءت روايات كثيرة عندهم تفضل كربلء على بيت ال.
فتتحدث بعض هذه الساطير عن محاورة جرت بين كربلء والكعبة يتبين منها أن هؤلء
الوضاعين ل عقل عندهم فضلً عن الدين ،قال جعفرهم" :إن أرض الكعبة قالت :من مثلي وقد
بني بيت ال على ظهري يأتيني الناس من كل فجر عميق وجعلت حرم ال وأمنه.
فأوحى ال إليها – كما يفترون – أن كفي وقرّي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت أرض
كربلء إل بمنزلة البرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر ،ولول تربة كربلء ما
فضلتك ،ولول من تضمنه أرض كربلء ما خلقتك ول خلقت البيت الذي به افتخرت ،فقرّي
واستقري وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلً مهينًا غير مستنكف ول مستكبر لرض كربلء وإل سخت
بك وهويت بك في نار جهنم" [كامل الزيارات :ص ،270بحار النوار.].101/109 :
ولكن الكعبة لم تأخذ بالنصيحة كما تقول روايات الشيعة!! فلم تتواضع لرض كربلء،
وتصبح كالذنب الذليل المهين لها ،فحلت بها العقوبة ،بل إن العقوبة – كما يقولون – وقعت
على كل ماء وأرض ما عدا كربلء ،قالوا في رواياتهم:
" ..فما من ماء ول أرض إل عوقبت لترك التواضع ل ،حتى سلط ال على الكعبة
[كامل الزيارات :ص ،270بحار النوار: المشركين ،وأرسل إلى زمزم ماء مالحًا حتى أفسد طعمه"..
.].101/109
أما كربلء فقد نجت من العقوبة على الرغم أنها افتخرت وقالت" :أنا أرض ال المقدسة
المباركة ،الشفاء في تربتي ومائي ول فخر[ "..كامل الزيارات :ص ،270بحار النوار.].101/109 :
هذا جزء مما يدعونه حول كربلء ،وجمعه كله وتحليله يستغرق مؤلفًا خاصًا ،وهي كلمة ل
يمكن أن تخضع للمناقشة بالعقل والمنطق؛ فهي من جنس هذيان المحمومين وكلمات المجانين،
ولو لم أجدها في كتبهم المعتمدة ،وبروايات عديدة لما أثبتها ..وهذه الدعاوى والمخاريق هي
إساءة بالغة لهل البيت الذين يزعمون محبتهم والتشيع لهم ،ولكنهم كانوا عليهم أشد من
أعدائهم ،وهي فضيحة من فضائح دين الشيعة قد تنتهي بقارئها والمؤمن بها من مثقفي الشيعة
وعقلئهم إلى درب اللحاد والضلل.
301
ولقد خاب واضع هذه الساطير وفشل في تحقيق أهدافه ،فلم يتجه المسلمون إلى كربلء،
وظلت هذه الروايات ل تؤثر إل بأولئك الذين أصمهم التعصب عن سماع الحق وأعمى قلوبهم،
فهاموا في أودية من الضلل.
فما دام كتاب ال سبحانه بين المسلمين فلن يغتر بمثل هذه المؤامرات إل من اتخذ كتاب ال
مهجورًا ،ولم ير الحق إل فيما قاله الحجة والسيد والية وما سارت عليه طائفته ،وإن كان ل
شاهد له من كتاب ال سبحانه.
والذي يروي هذه السطورة السالفة الذكر عن جعفر الصادق رجل يدعى صفوان الجمال،
وهو كما يزعم شيوخ الشيعة من رجال جعفر وهو ثقة عندهم [معجم رجال الحديث ،].9/121 :فقد
يكون هو الذي باء بإثم هذا الفك ،إذا لم يكن السند مصنوعًا ،ولم أجد لهذا الرجل ذكرًا في
الكتب التي رجعت إليها من كتب الرجال عند أهل السنة.
زوار الحسين تأتيهم الملئكة ويناجيهم ال:
وصلت مبالغات الشيعة في الحديث عن فضائل زيارة قبر الحسين والئمة الخرين إلى
درجة ل تتصور ول يقبلها ذو عقل ،قال جعفرهم" :من خرج من منزله يريد زيارة الحسين
كتب ال له بكلّ خطوة حسنة ..إلى أن قال :وإذا قضى مناسكه ..أتاه ملك فقال له :أنا رسول
[الطّوسي /تهذيب التّهذيب،2/14 : ال ،ربّك يقرئك السّلم ويقول لك :استأنف فقد غفر لك ما مضى"
ابن قولويه /كامل الزّيارات :ص ،132ثواب العمال :ص ،51وسائل الشّيعة.].342-341 /10 :
فالملئكة تقابل زوار القبر ،وتبلغهم سلم ال وتوزع عليهم صكوك الغفران!!
هذه دعاوى فوق الجنون بدرجات ،وأعظم منها وأكبر جرأتهم على القول بأن ال يناجي
زوار الحسين ،قالت رواياتهم .." :فإذا أتاه (يعني أتى الزّائر قبر الحسين) ناجاه ال فقال:
[كامل الزّيارات :ص ،132وسائل الشّيعة ،342 /10 :وانظر :ثواب عبدي ،سلني أعطك ،ادعني أجبك"
العمال ص .].51
وهكذا يفترون الكذب على ال ،وإنما يفتري الكذب على ال الذين ل يؤمنون ،ويزعمون وهم
الذين سلكوا مسلك أهل التعطيل في كلم ال سبحانه ،أن ال يناجي ويكلم زوار الحسين ..وهذه
فرية خطيرة ..وبهتان عظيم.
ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة ،بل زعموا أن ال – تعالى عما يقوله الظالمون
علوًا كبيرًا – يزور قبور الئمة مع الشيعة ،ففي البحار للمجلسي "إنّ قبر أمير المؤمنين يزوره
ال مع الملئكة ويزوره النبياء ويزوره المؤمنون" [بحار النوار.].100/258 :
كبرت كلمة تخرج من أفواههم ،وتسطرها أقلمهم ،إن يقولون إل كذبًا.
302
مناسك المشاهد:
[انظر روايات ذلك في تهذيب الحكام للطوسي،2/14 : زيارة الضرحة فريضة من فرائض مذهبهم
وفي كامل الزيارات لبن قولويه ص ،194ووسائل الشيعة للحر العاملي ،].337-10/333 :يكفر تاركها
[ففي الوسائل "عن هارون بن خارجة عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين
عليه السلم من غير علة ،فقال :هذا رجل من أهل النار"( .وسائل الشيعة ،337-10/336 :كامل الزيارات :ص
.].)193وقد عقد لذلك المجلسي بابًا بعنوان" :باب أن زيارته [يعني :زيارة الحسين .].واجبة
مفترضة مأمور بها ،وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها" وذكر فيه ( )40حديثًا من
أحاديثهم [انظر :بحار النوار.].11-1 /101 :
ومن هنا وضعوا لها مناسك كماسك الحج إلى بيت ال الحرام.
يقول شيخ السلم ابن تيمية" :وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا
سماه "مناسك المشاهد" جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله ال
قيامًا للناس ،وهو أول بيت وضع للناس ،فل يطاف إل به ول يصلى إل إليه ولم يأمر إل
بحجه" [منهاج السنة ،1/175 :مجموع فتاوى شيخ السلم.].17/498 :
ولكن كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه "الذريعة" أن ما صنفه شيوخهم
في المزار ومناسكه قد بلغ ستين كتابًا [انظر :الذريعة ،].326-20/316 :كلها ألفت لرساء قواعد
هذا الشرك وتشييد بنائه ،وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الخبار المعتمدة عندهم من أبواب
خاصة بالمشاهد – كما سيأتي – ومن هذه المناسك ما يلي:
أ ـ الطواف بها:
[مجموع فتاوى شيخ السلم: اتفق المسلمون على أنه ل يشرع الطواف إل بالبيت المعمور
…].4/521ولكن شيوخ الشيعة شرعوا لتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الئمة ،ووضعوا
من الروايات على آل البيت ما يسندون به هذا الشرك ،فقال المجلسي بأنه ورد في بعض
زيارات الئمة "إل أن نطوف حول مشاهدكم" ،وفي بعض الروايات "قبّل جوانب القبر" ،كما قال
[بحار النوار: بأن الرضا كان – على حد زعمه – يطوف بقبر رسول ال صلى ال عليه وسلم
].100/126وأخذ من ذلك "شرعية" هذا "النسك الوثني" في مذهبهم ،ولم يلتفت إلى نصوص
القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك والوعيد عليه بنار جهنم وبئس المصير ،ولكن
أشكل عليه روايات لهم تناقض – كالعادة – مذهبهم في المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام
التخلص منا بالتأويل.
303
فقد جاء في رواياتهم ما ينهى عن الطواف بالقبور كقول إمامهم" :ل تشرب وأنت قائم ول
تطف بقبر.. ،فإن من فعل ذلك فل يلومنّ إل نفسه ،ومن فعل شيئًا من ذلك لم يكن يفارقه إل ما
شاء ال" [ابن بابويه /علل الشّرائع :ص ،283بحار النوار .].100/126 :وقد أجهد المجلسي نفسه قال
في تأويل هذه الرّواية فقال" :يحتمل أن يكون النّهي عن الطّواف بالعدد المخصوص الذي يُطاف
بالبيت" [بحار النوار.].100/126 :
فأنت ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب ال سبحانه وما عليه المسلمون،
وما جاء عندهم أيضًا" :ول تطف على قبر" فينصح لنفسه وطائفته بالنهي عن هذه البدعة فيقر
بذلك ،ويؤول ما يخالفه ،لنه شذوذ وانحراف وباب من أبواب الشرك بال ،لم يفعل ذلك بل
تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على المعنى الحق حتى قال" :يحتمل أن يكون المراد بالطواف
المنفي هنا التغوط" [بحار النوار.].100/127 :
فدين الشيعة هو دين المجلسي ل دين الئمة ،وعمل الشيعة بما قاله شيوخهم ل ما قاله
إمامهم ..فأعرضوا عن قول المام" :ول تطف بقبر" ،كما أعرضوا من قبل عن قول ال
ورسوله وإجماع المسلمين ،فضلّوا وأضلّوا قومهم سواء السّبيل.
ب ـ الصلة عند الضريح:
من مناسك المشاهد والضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الئمة ،وربما يتخذونها قبلة
– كما سيأتي – وكل ركعة تؤدى عند القبور تفضل على الحج إلى بيت ال الحرام مئات
المرات ،جاء في أخبارهم" :الصّلة في حرم الحسين لك بكلّ ركعة تركعها عنده كثواب من حجّ
ألف حجّة ،واعتمر ألف عمرة ،وأعتق ألف رقبة ،وكأنّما وقف في سبيل ال ألف ألف مرّة مع
نبي مرسل" [الوافي /المجلّد الثّاني.].8/234 :
[يعد وليس هذا خاصًا بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك ،ففي البحار" :من زار الرضا
مرقد علي الرضا أهم الماكن المقدسة في إيران ،ومن أضخم الماكن المقدسة لدى الشيعة ،وعليه قبة ضخمة مكسوة
بالذهب (عبد ال فياض /مشاهداتي في إيران ص )102لن الضرحة والهتمام بها وتقديم أنواع من العبادات لها
من أصول دينهم ].أو واحدًا من الئمة فصلى عنده ..فإنه يكتب له (ثم ذكر ما جاء في النص
السابق وزاد) وله بكل خطة مائة حجة ،ومائة عمرة ،وعتق مائة رقبة في سبل ال ،وكتب له
مائة حسنة ،وحط عنه مائة سيئة [بحار النوار.].138-100/137 :
انظر كيف يفضلون الصلة عند القبور على الحج إلى بيت ال الحرام ،فيقدمون الشرك على
التوحيد.
304
وقديمًا كان المشركون يقولون بأن دينهم أفضل من دين ال ،وأنهم أهدى من الذين آمنوا
سبيلً.
واتخاذ القبور مساجد ملعون فاعلها على لسان رسول الهدى صلى ال عليه وسلم ،حيث قال:
[أخرجه البخاري في الصلة ،في باب "لعنة ال على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
( 1/532 :55البخاري مع فتح الباري) ،وفي الجنائز ،باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور،3/200 :
وباب ما جاء في قبر النبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر ،3/255 :وفي النبياء ،باب ما ذكر عن بني
إسرائيل ،6/294وفي المغازي ،في باب مرض النبي صلى ال عليه وسلم ووفاته ،8/140وفي اللباس في باب
الكسية والخمائل .10/277 :والحديث بهذا المعنى في مسلم ،كتاب المساجد ،باب النهي عن بناء المساجد على
القبور ،377-376 :وأحمد ،275 ،255 ،252 ،229 ،146 ،121 ،84 ،6/80 ،1/218 :والدارمي،
كتاب الصلة ،باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد 1/326 :وغيرها.].
وفي الصحيحين أيضًا أنه ذكر له في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة ،وذكر له من حسنها
وتصاوير فيها فقال" :إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا ،وصوروا
[أخرجه البخاري في الصلة ،باب هل تنبش قبور مشركي فيه تلك التصاوير ،أولئك شرار الخلق عند ال"
الجاهلية ،ويتخذ مكانها مساجد( 1/523 :البخاري مع فتح الباري) ،وباب الصلة في البيعة ،1/531 :وفي الجنائز
في باب بناء المسجد على القبر ،3/208 :ومسلم ،كتاب المساجد ،باب النهي عن بناء المساجد على القبور:
،376-1/375وأبو عوانة في مسنده ،410-1/400 :وأحمد ،6/51 :والبيهقي.].4/80 :
وقد ثبت أيضًا النهي عن اتخاذ القبور مساجد في كتب الثني عشرية نفسها ،ولكن شيوخهم
يؤولونه – كما سيأتي .-
ج ـ النكباب على القبر:
من مناسك المشاهد عندهم النكباب على القبر ،ووضع الخد عليه ،وتقبيل العتاب .ومناجاة
صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون.
قال المجلسي" :باب ما يستحب فعله عند قبره عليه السلم[ "..بحار النوار ].101/285 :ثم
ذكر أن شيخ طائفتهم الطّوسي قال في وصفه لعمال زيارة يوم الجمعة .." :ثم تنكبّ على القبر
[بحار وتقول :مولي إمامي ،مظلوم استعدى على ظالمه ،النّصر ،النّصر حتى ينقطع النّفس"
النوار.].101/285 :
وفي أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على النكاب على القبر ،ودعائه ،فهذه
زيارة للحسين أوصى بها جعفر الصادق – كما يزعمون – وأمر قبل بدء هذه الزيارة بصيام
ثلثة أيام ثم الغتسال ،ولبس ثوبين طاهرين ،ثم صلة ركعتين ،ثم قال" :فإذا أتيت الباب فقف
خارج القبّة ،وأوم بطرفك نحو القبر وقل :يا مولي يا أبا عبد ال يا ابن رسول ال عبدك وابن
305
عبدك وابن أمتك ،الذّليل بين يديك ،المقصّر في علو قدرك ،المعترف بحقّك ،جاءك مستجيرًا
جهًا إلى مقامك – إلى أن قال -:ثمّ انكبّ على القبر وقُل :يا
بذمّتك ،قاصدًا إلى حرمك ،متو ّ
[بحار النوار: مولي أتيتك خائفًا فآمنّي ،وأتيتك مستجيرًا فأجرني ..ثم انكبّ على القبر ثانية"
261-101/257عن المزار الكبير لمحمد المشهدي :ص ..]144-143إلى آخر الزيارة التي يدعو
فيها مخلوقًا من دون ال سبحانه ،ويتضرع إليه وكأنه يتضرع أمام ال ،فماذا يكون الشرك إذا
لم يكن هذا شركًا؟! ومثل ذلك قال مفيدهم" :فإذا أردت الخروج فانكبّ على القبر وقبّله – إلى
جنّة من
أن قال -:ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل :السّلم عليك يا أبا عبد ال ،أنت لي ُ
العذاب" [بحار النوار 261-101/257 :عن المزار الكبير ص .].154
وهكذا أصبح في دينهم الشرك بال من المستحبات ،فهو سجود على القبر أو لصاحب القبر
يسمونه "النكباب" ،ودعاء للميت الذي ل يملك لنفسه نفعًا ول ضرًا وكأنهم يدعون خالق
ستَجِيبُ
ض ّل مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ الّل ِه مَن ل يَ ْ
السماوات والرض القادر على كل شيء { َومَنْ َأ َ
َلهُ ِإلَى يَومِ الْ ِقيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ} [الحقاف ،آية ،].5:وهم يعدون هذا من أفضل
القربات ،ويوهمون التباع بأن هذا الشرك "يوجب غفران الذّنوب ودخول الجنّة ،والعتق من
[هذا من عناوين بحار النوار ،وقد ضمّ ()37 النّار ،وحطّ السّيئات ،ورفع الدّرجات ،وإجابة الدّعوات"
رواية في هذا المعنى ].28-21 /101 :و"توجب طول العمر وحفظ النّفس والمال ،وزيادة الرّزق
وتنفّس الكرب ،وقضاء الحوائج" [هذا أحد عناوين بحار النوار أيضًا وفيه ( )17رواية.].48-45 /101 :
[وهذا من عناوين صاحب البحار وقد ضمّنه ( )84وراية/101 : ج والعمرة والجهاد والعتاق"
و"تعدل الح ّ
].44-28إلى آخر الفضائل الموهومة ..فشرعوا من الدّين ما لم يأذن به ال.
ولهم تعلق بكل عمل يتصل بالشرك بال من قريب أو بعيد ،حتى وإن لم يوجد نص يعتمدون
عليه من كتبهم المليئة بما يغني في باب الشرك وأسبابه ،يقول المجلسي – مثلً " :-وأمّا تقبيل
[بحار النوار ،100/136 :عمدة الزّائر :ص العتاب فلم نقف على نصّ يعتدّ به ولكن عليه الماميّة"
].29أي أنهم يتعبدون بذلك مجاراة لسلفهم وتقليدًا لهم ،فكأن الشرك وأعماله المنتشرة في
أمهات كتبهم لم تمل ما في نفوسهم ،فتعلقوا بما عليه من سبقهم كحال المشركين الذين قالوا:
علَى آثَارِهِم ّم ْهتَدُونَ} [الزخرف ،آية.].23:
علَى ُأمّةٍ وَِإنّا َ
ج ْدنَا آبَاءنَا َ
{ِإنّا وَ َ
وكل إمام ينسب له من المبادئ الشركية الجديدة ،حتى "المنتظر" الذي لم يولد له قوانين
جديدة في هذا الباب منها استقبال القبر في الصلة واستدبار الكعبة – كما سيأتي – ومنها في
مسألتنا هذه وضع الخد على القبر ،فقد خرجت الرواية فيها – كما يقولون – من الناحية
306
المقدسة ،أي من قبل المهدي المنتظر المزعوم بواسطة سفرائه الكذبة حيث قال مهديهم..." :
والذي عليه العمل أن يضع خدّه اليمن على القبر" [عمدة الزّائر :ص .].31
ولهذا قرر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الضرحة "وضع الخدّ اليمن عند الفراغ من
الزّيارة والدّعاء" [بحار النوار ،100/134 :عمدة الزّائر :ص .].30وقالوا" :ل كراهة في تقبيل
الضّرايح؛ بل هو سنّة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى" [بحار النوار.].100/136 :
هذه مبادئ جديدة ابتدعها شيوخ السوء من الرافضة "وقد اتفق المسلمون على أنه ل يشرع
الستلم والتقبيل إل للركنين اليمانيين ،فالحجر السود يستلم ويقبل ،واليماني يستلم ،وقد قيل إنه
يقبل وهو ضعيف ،وأما غير ذلك فل يشرع استلمه ول تقبيله كجوانب البيت ،والصخرة
والحجرة النبوية ،وسائر قبور النبياء والصالحين" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].4/521 :
والهدف من هذه المبادئ الصد عن دين ال سبحانه ،والدعوة إلى الشرك بال وتهيئة أسبابه،
وقد وضعت أدعية تقال أثناء هذه العمال فيها من الشرك بال سبحانه ،وتأليه الئمة ما يستقل
عنده فعل المشركين.
د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت ال:
قال شيخ الشيعة المجلسي" :إنّ استقبال القبر أمر لزم ،وإن لم يكن موافقًا للقبلة ..واستقبال
القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة وهو وجه ال ،أي جهته التي أمر النّاس باستقبالها في تلك
الحالة" [بحار النوار.].101/369 :
وحينما وجد المجلسي في روايات قومه نصين متعارضين – كالعادة -
الول :عن أبي جعفر محمد الباقر يقول" :إنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ..قال :ل
[ابن تتّخذوا قبري قبلة ول مسجدًا ،فإنّ ال عزّ وجلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
بابويه /علل الشّرائع ص ،358بحار النوار.].100/128 :
والثاني :من مهديهم المنتظر (الذي ل وجود له كما يقول أهل العلم) ونصه" :كتب الحميري
[عبد ال بن جعفر بن مالك الحميري ،أحد الكذّابين الذين يزعمون مكاتبة المنتظر الذي لم يوجد ولكنّه عندهم من
[النّاحية المقدّسة الثّقات( .انظر :الفهرست للطّوسي ص ،132رجال الحلي ص ].)106إلى النّاحية المقدّسة
رمز عندهم على مهديهم المنتظر ].يسأل عن الرّجل يزور قبور الئمّة عليهم السّلم ..هل يجوز لمن
صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه
أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم ل؟ فأجاب (المهدي
المزعوم) .. :أمّا الصّلة فإنّها خلفه ويجعل القبر أمامه ،ول يجوز أن يصلي بين يديه ول عن
307
[الحتجاج للطبرسي: يمينه ول عن يساره؛ لن المام صلى ال عليه ل يتقدم عليه ول يساوى"
2/312ط :النجف ،بحار النوار.].100/128 :
حينما وجد المجلسي هذين النصين رجح لقومه العمل بالنص الثاني فقال" :يمكن حمل الخبر
السّابق على التّقية أو على أنّه ل يجوز أن يجعل قبورهم بمنزلة الكعبة يتوجّه إليها من كلّ
[أي أنّها قبلة – في مذهبهم – من جهة واحدة ،وليست كالكعبة قبلة من كلّ الجهات ،وليس ذلك لفضليّة جانب
الكعبة عندهم ،ولكن خشية التّقدّم على الضّريح كما يشير إليه "التّوقيع" .].ومن الصحاب من حمل الخبر
الوّل على الصّلة جماعة ،والخبر الثّاني على الصّلة فرادى ،وستأتي الخبار المؤيدة للخبر
الثاني (يعني في اتخاذ القبر قبلة) في أبواب الزيارات" [بحار النوار.].100/128 :
انظر كيف يؤيد شيوخهم الشرك بال سبحانه ،ويردون الحق ولو جاء في كتبهم ،فيرجّح
المجلسي ما جاء عن المنتظر الذي ل حقيقة له ،ويردّ ما روي عن أبي جعفر عن رسول الهدى
سنّة وإجماع المّة.
صلى ال عليه وسلم والموافق للكتاب وال ّ
وقد توقف المجلسي أيضًا عند قول إمامه وهو يبين طريقة زيارة القبر من البعيد عنه قال:
"اغتسل يوم الجمعة أو أي يوم شئت ،والبس أطهر ثيابك واصعد إلى أعلى موضع في دارك أو
الصّحراء فاستقبل القبلة بوجهك بعدما تبيّن أنّ القبر هنالك" .توقف المجلسي عند هذا النص،
لن استقبال القبر في دينه أمر لزم فقال" :قوله :فاستقبل القبلة بوجهك لعله عليه السلم إنما
قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر والقبلة معًا ...ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر
مجازًا ..ول يبعد أن تكون القبلة تصحيف القبر" [بحار النوار.].101/369 :
كل هذه التكلفات والتأولت لنه يقول بأن طائفته "حكموا باستقبال القبر مطلقًا (أي في كل
أنواع الزيارات) ،وهو الموافق للخبار الخر في زيارة البعيد" [بحار النوار.].370-101/369 :
[بحار وقال :إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلة واستدبار الكعبة
النوار ،].100/135 :وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها" :إن ركعتي الزيارة لبد منهما
عند كل قبر" [بحار النوار .].100/134 :وهذا ليس بغريب من قوم زعموا أن كربلء أفضل من
الكعبة.
فماذا نسمي هذا الدين الذي يأمر أتباعه باستدبار الكعبة واستقبال قبور الئمة؟ وما ذا نسمي
هؤلء الشيوخ الذين يدعون لهذا الدين؟
فليسم بأي اسم إل السلم دين التوحيد الذي نهى رسوله عليه الصلة والسلم عن الصلة
في المقابر فكيف باتخاذ القبور قبلة!!
308
ومن العجب أن هذا النهي عن اتخاذ القبور مسجدًا وقبلة ورد في كتب الشيعة نفسها ،كما
[روت كتب الشيعة أن علي بن الحسين قال :قال النّبي صلى ال عليه وسلم" :ل جاء في الوسائل للحر العاملي
ل لعن اليهود حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (من ل يحضره الفقيه
تتّخذوا قبري قبلة ول مسجدًا فإنّ ال عزّ وج ّ
،1/57وسائل الشّيعة )3/455 :ولكن هؤلء دينهم دين شيوخهم الذين وضعوا مبدأ خالفوا العامة (يعني أهل السنة)
[وقد ذكر صاحب فأضلوا قومهم سواء السبيل ].وغيره ،كما ورد أيضًا بطلن الصلة إلى غير القبلة
الوسائل في هذا المعنى خمس روايات (انظر :وسائل الشيعة )3/227 :وانظر في بطلن الصلة إلى غير القبلة
عندهم :من ل يحضره الفقيه ،1/79،122 :وتهذيب الحكام ،218 ،192 ،178 ،1/146 :وفروع الكافي:
..].1/83
والتناقض في هذا المذهب من أعجب العجب.
هذا بعض ما جاء في مصادرهم المعتمدة حول المشاهد ،وهو قليل من كثير ،حيث إن لهم
عناية ظاهرة ،واهتمامًا واسعًا بأمر المشاهد ومناسكها كاهتمامهم بمسألة المامة ،وقد خصصت
مصادرهم المعتمدة له قسمًا خاصًا مما ل تجده في كتب المسلمين الموحدين.
ففي بحار النوار للمجلسي ،كتاب مستقبل سماه "كتب المزار" يتضمن أبوابًا كثيرة ،اشتملت
[هي المجلدات].102 ،101 ،100 : على مئات الروايات ،وقد استغرق ذلك حوالي ثلثة مجلدات
من طبعة البحار الخيرة.
[انظرها في: وكذلك في وسائل الشيعة للحر العاملي ذكر ( )106بابًا بعنوان :أبواب المزار"
10/251وما بعدها.].
وفي الوافي للكاشاني الجامع لصولهم الربعة عقد ثلثة وثلثين بابًا بعنوان "أبواب
المزارات والمشاهد" [انظرها في المجلد الثاني 8/193 :وما بعدها.].
وفي كتاب من ل يحضره الفقيه لبن بابويه (أحد مصادرهم المعتمدة) أبواب عدة حول
[انظر :من ل المشاهد وتعظيمها كباب تربة الحسين وحريم قبره ،وأبواب زيارة الئمة وفضلها
يحضره الفقيه 2/338 :وما بعدها.].
[انظر: وفي مستدرك السائل ستة وثمانون بابًا حوت ( )276رواية في الزيارات والمشاهد
النوري الطبرسي /مستدرك الوسائل.].234-2/189 :
هذا عدا ما اشتملت عليه كتبهم الخرى التي هي في منزلة المصادر الثمانية عندهم كثواب
العمال لبن بابويه وغيره.
309
وهذا غير ما ألف في المزارات من كتب خاصة به في الماضي والحاضر مثل :كامل
الزيارات لبن قولويه ،ومفاتيح الجنان لعباس القمي ،وعمدة الزائر لحيدر الحسيني ،وضياء
الصالحين للجوهري وغيرها.
وكلها تتحدث عن الفضائل المزعومة لمن شد الرحل لزيارة أضرحة الئمة وطاف بها،
ودعا في رحابها ،واستغاث بمن فيها ،وتذكر مئات الدعية التي فيها من الغلو في الئمة ما
يصل بهم إلى مقام الخالق جل شأنه ،وفيها من الشرك بال ما ال به عليم.
وكان لهتمامهم بهذا المعول الهادم لصل التوحيد أثره في ديار الشيعة ،حيث عمرت بيوت
الشرك التي يسمونها المشاهد ،وعطلت بيوت التوحيد وهي المساجد وبقي هذا الهتمام إلى
اليوم كما سيأتي – إن شاء ال – [انظر :الفصل الثالث من الباب الرابع .ص( )1071وما بعدها.].
الجانب النقدي ( لمسألة المشاهد عند الشيعة ):
إن للمسلمين كعبة واحدة يتجهون إليها في صلتهم ودعائهم ،ويحجون إليها ،ويطوفون بها،
[وكثير من هذه أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد وكعبات عبارة عن أضرحة الموتى من الئمة
القبور (المنسوبة للئمة) لم يدفن فيها من ينسبونها إليهم؛ فل مكان قبر أمير المؤمنين علي رضي ال عنه في النجف
هو مكان قبره حقيقة ،ول مكان الحسين في كربلء وغيرها هو مكان دفنه حقيقة .وهذه حقائق يعرفها التاريخ
ويقررها وإن كابروا فيها (محب الدين الخطيب /المنتقى (الهامش) ص .)158وانظر للتفصيل( :مجموع فتاوى شيخ
وما بعدها) قال شيخ السلم" :وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق السلم27/446 :
ل يكاد يوقف منه على العلم إل في قليل منها بعد بحث شديد ،وهذا لن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة
[غلو الرافضة بالمشاهد تجاوز مشاهد أئمتهم إلى آخرين .انظر – السلم" (المصدر السابق ].)27/447وغيرهم
مثلً :-باب فضل زيارة عبد العظيم الحسني من بحار النوار ،102/268 :وقد جاء فيه أن الحسن العسكري قال:
بأن من زار قبر عبد العظيم كان كمن زار قبر الحسين (انظر :الموضع نفسه من المصدر السابق ،وثواب العمال
ص ،89وكامل الزيارات ص ،)324وكذلك عقد المجلسي بابًا في زيارة فاطمة بنت موسى بقم (انظر :بحار
النوار ،].)102/265 :وهي قبور تنافس بيت ال بل تفضل عليه ،ويقام فيها الشرك ويهدم
التوحيد.
وقد يقال :إن الشرك والمشاهد منتشرة في كثير من بلد السنة .وقد أثار شيخ السلم ابن
تيمية هذا السؤال في أثناء حديثه عن غلو الشيعة في أئمتها وما عندها من الشرك والبدعة حيث
قال" :فإن قيل :ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من
المنتسبين إلى السنة ،"..وأجاب رحمه ال عن ذلك :بأن هذا كله مما نهى ال عنه ورسوله،
وكل ما نهى ال عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسبًا إلى السنة أو
310
التشيع ،ولكن ما عند الرافضة من هذه المور المخالفة للكتاب والسنة أكثر مما عند أهل السنة
[انظر :منهاج السنة.].178-1/177 :
وأضيف أيضًا أن الفرق بين الشيعة وأهل السنة في ذلك أن ما عند أهل السنة هو انحراف
في واقعهم تنكره أصولهم ،وما عند الشيعة هو ما يتفق مع أصولهم بل هو ما تدعو إليه وتحث
عليه أحاديثهم ورواياتهم – كما رأينا – فهو معروف في أصول الشيعة منكر في أصول أهل
السنة.
ونتيجة هذا الفرق أن ما عند أهل السنة قابل للصلح وما عند الشيعة غير قابل حتى تغير
أصولهم أولً ،وهذه النتيجة ليست نظرية أو خيالية بل ظهرت بشكل واقع في تأثير حركة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب في العالم السلمي في محاربة الشرك ،واستعصاء الشيعة على هذا
الصلح.
وقد شهد بهذه الحقيقة شاهد من أهلها:
[انظر الحديث عنه في "فكرة التقريب بين يقول العالم اليراني – الشيعي الصل – أحمد الكسروي
أهل السنة والشيعة" ص 555:وما بعدها" : ].ومما يرى من لجاج الشيعة أنه قد انقضى منذ ظهور
الوهابيين أكثر من مائة وخمسين عامًا ،وجرت في تلك المدة مباحثات ومجادلت كثيرة بينهم
وبين الطوائف الخرى من المسلمين ،وانتشرت رسالت وطبعت كتب ،وظهر جليًا أن ليست
زيارة القبب ،والتوسل بالموتى ،ونذر النذور للقبور وأمثالها إل الشرك ،ول فرق بين هذه وبين
عبادة الوثان التي كانت جارية بين المشركين من العرب فقام السلم يجادلها ويبغي قلع
جذورها ،يبين ذلك آيات كثيرة من القرآن ،فأثرت الوهابية في سائر طوائف المسلمين غير
الروافض أو الشيعة المامية ،فإن هؤلء لم يكترثوا بما كان ،ولم يعتنوا بالكتب المنتشرة
والدلئل المذكورة أدنى اعتناء ،ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إل اللعن والسب كالخرين"
[الكسروي /الشيعة ص .].89
إن الشرك قد ألبس في مصادر الشيعة المعتمدة ثوب الحق ،وأصبح هو الدين ،وهذا هو
الخطر الكبر ،والداء العظم .لقد عقدت أمهات كتبهم "أبوابًا" كثيرة ضمنتها مئات من الروايات
تجسد الشرك وترسي قواعده ،وألفت في هذا كتبٌ مستقلة جمعت من الشر في هذا السبيل
فأوعت – كما مر .-
لقد غلت الرافضة بالئمة وقبورهم ،وصنعوا صنيع النصارى في غلوهم في المسيح ..فترك
هؤلء الروافض عبادة ال وحده ل شريك له فتراهم يعطلون المساجد التي أمر ال أن ترفع
ويذكر فيها اسمه ..ويعظمون المشاهد المبنية على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين،
311
ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق ،بل السفر إليها والطواف بها والصلة عندها
وتقديم القرابين في رحابها والنكباب على الضريح والستغاثة به ،وطلب الشفاء منه ،أو
التوسل به وطلب شفاعته هي عندهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات – كما مضى ذكر
بعض شواهده – ومن أضل ممن يفضل الشرك على التوحيد ،ويعمر المشاهد ويعطل المساجد،
[الجرجاني /المعارضة في الرد على و"يعتاض عن أرض مكة والحرم وعفرة ومنى بأرض كربلء"
الرافضة الورقة ( ].)71ويستبدل الباطل بالحق ،ويرى أنه أهدى من الذين آمنوا سبيلً؟!
وقد علم بالضطرار من دين السلم أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمر بما ذكروه من
أمر المشاهد ول شرع ول شرع لمته مناسك عند قبور النبياء والصالحين ،بل هذا من دين
المشركين [منهاج السنة ].1/175 :الذين قال ال تعالى فيهم{ :وَقَالُوا ل تَ َذرُنّ آِل َهتَكُمْ وَل تَ َذرُنّ وَدّا
سوَاعًا وَل يَغُوثَ َويَعُوقَ َو َنسْرًا} [نوح ،آية.].23:
وَل ُ
قال ابن عباس وغيره :هؤلء ..أسماء رجال صالحين من قوم نوح ،فلما هلكوا أوحى
الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم،
[أخرجه البخاري في تفسير سورة نوح ففعلوا ،فلم تعبد ،حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت
(البخاري مع الفتح .)8/667 :قال اللباني" :وهو موقوف على ابن عباس في حكم المرفوع" (شرح العقيدة
الطحاوية ص – 80الهامش.].)-
وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي ال عنه – لبي الهياج السدي" :أل
أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ أن ل تدع تمثالً إل طمسته ،ول
قبرًا مشرفًا إل سويته"
[أخرجه مسلم في الجنائز ،باب المر بتسوية القبر ( ،1/666 :)969وأبو داود:
،)3218( 3/548والترمذي ،)1049( 3/366 :والنسائي ،89 ،4/88وأحمد 129 ،1/96ومواضع
أخرى ،وأبو داود الطيالسي ،1/168والحاكم ،1/369 :والبيهقي في سننه.].4/3 :
وهذا المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة ،فقد روى الكليني عن أبي عبد ال قال :قال
أمير المؤمنين عليه السّلم :بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة فقال :ل تدع
[فروع الكافي ،2/227 :وسائل الشّيعة .]2/869 :وفي رواية صورة إل محوتها ول قبرًا إل سوّيته
أخرى « بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصّور" [فروع الكافي ،2/226 :وسائل
الشّيعة.].2/870 :
وعن أبي عبد ال قال :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يصلى على قبر أو يقعد عليه
أو يبنى عليه [الطوسي /تهذيب الحكام ،1/130 :وسائل الشيعة .].2/869 :وعن أبي عبد ال قال :ل
[تهذيب الحكام ،1/130 :البرقي/ تبنوا على القبور ..فإنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم كره ذلك
312
المحاسن :ص ،612وسائل الشّيعة ،].2/870 :وعنه أيضًا عن آبائه عن رسول ال صلى ال عليه
[ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه ،2/194 :أمالي الصّدوق ص ،253وسائل وسلم نهى أن يجصّص المقابر
الشّيعة.]2/870 :
وقد زعم الحرّ العاملي أنّ هذا النهي يشمل كل قبر "غير قبر النبي صلى ال عليه وسلم
[كما هو صريح الباب الذي عقده لهذه الحاديث وهو والئمة عليهم السلم وأن هذا النّهي لمجرّد الكراهة"
"باب كراهة البناء على القبر في غير قبر النّبيّ والئمّة( "..وسائل الشّيعة )2/869والغريب أنّه لم يذكر ما يدلّ
على هذا العنوان؛ إذ كلّ أحاديث الباب السّبعة تناقض ما ذهب إليه.].
وصيغة العموم واضحة في هذه الروايات ،كما أن دللة التحريم بينة ،ول دليل عند العاملي
سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي جملة من رواياتها ،والشذوذ دليل على البطلن
لمخالفته لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وإجماع المة بما فيهم أهل البيت الذين
أثر عنهم التحذير من ذلك ،لن ذلك وسيلة للشرك بال ،ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي
ل تفرق بين قبر وقبر ،وقد يكون الخطر في قبور الئمة أشد لعظيم الفتتان بهم ،ولهذا كان
[انظر :كتاب التوحيد (مع شرحه تيسير العزيز الحميد) باب ما جاء أن أصل الشرك هو الغلو في الصالحين
سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ص ..].305
وتناقض كتب الشيعة نفسها حينما تنقل أدعية الئمة ،ومناجاتهم ل سبحانه ،وتضرعهم
بالستكانة إليه ،وإخلص الدعاء له وحده ،وإظهار الضعف والفتقار إليه سبحانه ،مما يكشف
باطل الشيعة ،ويبين أن ما تفعله في مزاراتها ،وتدعو إليه في رواياتها ليس من هدي الئمة.
فهذا جعفر الصادق كان من دعائه كما تعترف كتب الشيعة" :اللّهم إنّي أصبحت ل أملك
ل مصرعي ،واستكان مضجعي،
لنفسي ضرّا ول نفعًا ول حياة ول موتًا ول نشورًا ،قد ذ ّ
وظهر ضري ،وانقطع عذري ،وقل ناصري ،وأسلمني أهلي ووالدي وولدي بعد قيام حجتك
عليّ ،وظهور براهينك عندي ،ووضوح أدلتك لي.
اللهم وقد ..أعيت الحيل ،وتغلقت الطرق ،وضاقت المذاهب ،ودرست المال إل منك،
وانقطع الرّجاء إل من جهتك[ "..بحار النوار ،86/318 :مهج الدّعوات ص .].216
هذا ما يجأر به جعفر ويلجأ به إلى ال فهو ل يملك شيئًا من النفع ،أو الضر لنفسه فكيف
لغيره ،وإذا كان ذلك في حياته فهو بعد موته أعجز.
ل :-باب الدعية والذكار من البحار:
[انظر – مث ً وكثير من الئمة نقل عنهم أمثال هذه الدعوات
86/240وما بعدها ،وانظر أيضًا :باب أدعية المناجاة في الجزء 94ص 89وما بعدها.].
313
كما تنقل كتب الشيعة أن أمير المؤمنين عليًا صور حالته في القبر في مناجاته لربه فقال:
"إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حقرتها ،وانصرف عنها المشيعون من جيرتها ..ولم يخف
على الناظرين ضرّ فاقتها ..قد توسدت الثرى وعجز حيلتها[ "..بحار النوار .].94-94/93 :فليس
له حيلة في نفسه إل برحمة من ال وفضل ،فكيف يطلب منه في قبره الشفاعة والغفران وينسى
ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم.
والحسين لم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل فكيف يطلب منه ما ل يقدر عليه إل ال؟!
وقد نقلت كتب الشيعة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يعوذه هو والحسن بهذه العوذة وهو
هذا الدعاء :بسم ال الرحمن الرحيم :أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي وخواتيم عملي،
[بحار النوار ،94/264 :مهج الدعوات :ص وما رزقني ربي وخولني بعزة ربي وعظمة ال ..إلخ
].13فهو أضعف من أن يقي نفسه شر ما يصيبها إل بحفظ ال ،فإذا كان ذلك في حياته فهو
بعد موته أعجز ،وال سبحانه لم يجعل بينه وبين خلقه واسطة إل الرسل للبلغ والبيان.
المبحث الرابع
قولهم :إن المام يُحرّم ما يشاء ويُحلّ ما يشاء
من أصول التوحيد اليمان بأن ال سبحانه هو المشرع وحده سبحانه ،يحل ما يشاء ويحرم
ما يشاء ،ل شريك له في ذلك ،ورسل ال يبلغون شرع ال لعباده ،ومن ادعى أن له إمامًا يحل
ن مَا
شرَكَاء شَرَعُوا َلهُم مّنَ الدّي ِ
ما يشاء ويحرم ما يشاء فهو داخل في قوله سبحانه{ :أَمْ َلهُمْ ُ
َل ْم يَأْذَن بِهِ الّلهُ} [الشورى ،آية ].21:فأشرك مع ال غيره.
والشيعة تزعم في رواياتهم أن ال سبحانه وتعالى "خلق محمّدًا وعليّا وفاطمة فمكثوا ألف
دهر ثم خلق جميع الشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورهم إليها ،فهم
يحلّون ما يشاءون ويحرّمون ما يشاءون" [أصول الكافي ،1/441 :بحار النوار.].25/340 :
وقد بين شيخهم المجلسي بعض فقرات هذا النص فقال" :وأجرى طاعتهم عليها ،أي أوجب
وألزم على جميع الشياء طاعتهم حتى الجمادات من السّماويّات والرضيّات ،كشقّ القمر
وإقبال الشّجر وتسبيح الحصى وأمثالها ممّا ل يحصي ،وفوّض أمورها إليهم من التّحليل
والتّحريم والعطاء والمنع[ "..بحار النوار .].342-341 /25 :ثم بين أن ظاهر هذا النص يدل
على تفويض الحكام "أحكام التحليل والتحريم إليهم".
314
وجاءت الرواية عندهم صريحة بهذا فيما ذكره المفيد في الختصاص ،والمجلسي في البحار
[الظّالمون في معتقدهم وغيرهم عن أبي جعفر قال" :من أحللنا له شيئًا أصابه من أعمال الظّالمين
هم خلفاء الدّولة السلميّة ،ما عدا أمير المؤمنين عليّا وابنه الحسن رضي ال عنهما؛ لنّ بقيّة أئمّتهم لم يتولّوا
الخلفة ول يومًا واحدًا ،وكلّ خليفة من غيرهم هو ظالم غاصب لحقّ الئمّة على حدّ زعمهم ].فهو حلل لن
[الختصاص :ص ،330بحار الئمة منا مفوض إليهم ،فما أحلوا فهو حلل ،وما حرموا فهو حرام"
النوار ،25/334 :وانظر :بصائر الدرجات :ص .].113
هكذا يصرحون بأن للئمة حق التشريع والتحليل والتحريم فما أحلوه من بين مال المسلمين
فهو حلل ،وما حرموه فهو حرام ...فجعل هؤلء من أئمتهم أربابًا من دون ال ،لن جعلهم
جهة تحريم وتحليل وتشريع هو شرك في توحيد الربوبية ،لن الحاكمية والتشريع ل ،كما أن
طاعتهم في تشريعهم المخالف لشريعة رب العالمين ،والتي قد تنسخ أو تقيد أو تخصص ما جاء
به خاتم النبيين [انظر :ما سلف حول هذا الموضوع ص 144:وما بعدها ].هو عبودية لهم من دون ال..
وحق التشريع ل يملكها إل رب العباد ،والرسل عليهم الصلة والسلم إنما هم مبلغون عن ال
سبحانه ل يحرمون ول يحلون إل ما يأمرهم ال به ،ويوحيه إليهم.
وقد قال ال جل شأنه فيمن اتبع مشايخه فيما يحلون ويحرمون من دون شرع ال وحكمه قال
حبَارَهُمْ َورُ ْهبَا َنهُمْ َأ ْربَابًا مّن دُونِ الّلهِ} [التوبة ،آية ].31:فجعل سبحانه اتباعهم
خذُواْ َأ ْ
سبحانه{ :اتّ َ
[انظر :تفسير الطبري: فيما يحلون من الحرام ،ويحرمون من الحلل -كما جاء في تفسير الية
،114-10/113تفسير ابن كثير .374-2/373 :وقد جاء في أصول الكافي ما يقر بهذا في تأويل الية ،حيث
قال أبو عبد ال" :أما وال ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ،ولو دعوهم ما أجابوهم ،ولكن أحلوا لهم حرامًا ،وحرموا
عليهم حللً من حيث ل يشعرون" (أصول الكافي ،1/53 :ومثله في :مجمع البيان للطبرسي،49-3/48 :
والبرهان للبحراني ،121-2/120 :وتفسير الصافي للكاشاني -].)2/336 :عبادة لهم ،حيث "تلقوا الحلل
[ابن عطية /المحرر الوجيز: والحرام من جهتهم وهو أمر ل يتلقى إل من جهة ال عز وجل"
.].8/166
وقد شابه اعتقاد الشيعة في أئمتهم ومشايخهم اعتقاد النصارى في رؤسائهم؛ فالجميع اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون ال سبحانه.
والشيعة حينما اعتقدت في أئمتها أنهم جهة تشريع أكملت ذلك بدعواها أن الناس جميعًا عبيد
للئمة لتتضح صورة الشرك أكثر .قال الرضا" :الناس عبيد لنا في الطاعة ،موالٍ لنا في الدين
فليبلغ الشاهد الغائب" [المفيد /المالي ص ،48بحار النوار.].25/279 :
315
حكْمَ وَال ّنبُوّ َة ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ
شرٍ أَن ُي ْؤتِ َيهُ الّلهُ الْ ِكتَابَ وَالْ ُ
مع أن ال سبحانه يقول{ :مَا كَانَ ِل َب َ
عبَادًا لّي مِن دُونِ الّلهِ} [آل عمران ،آية.].79:
كُونُواْ ِ
فالناس جميعًا عب يد ل وحده ل ل حد سواه ،ولو كان من عباد ال المر سلين الذ ين آتا هم ال
الكتاب والحكم والنبوة ،فكيف بأئمة الشيعة ،أو من تدعي فيه المامة.
وبما أن الئمة – حسب اعتقاد الشيعة – جهة تحليل وتحريم ،جهة تحليل وتحريم ،فإن لهم
الخيار في أن يبينوا للناس أمر الحلل والحرام وأن يكتموا.
جاء في الكافي وغيره" :عن معلى بن محمد عن الوشاء قال :سألت الرضا رضي ال عنه
[النحل ،آية ،43:النبياء ،آية].7: فقلت له :جعلت فداك {فَاسْ َألُواْ أَ ْهلَ الذّ ْكرِ إِن كُنتُمْ َل تَ ْعَلمُونَ}
فقال :نحن أهل الذكر ،ونحن المسؤولون ،قلت :فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال :نعم،
قلت :حقًا علينا أن نسألكم؟ قال :نعم ،قلت :حقًا عليكم أن تجيبونا؟ قال :ل ،ذاك إلينا إن شئنا
فعلنا وإن شئنا لم نفعل" [أصول الكافي ،211-1/210 :تفسير القمي ،2/68 :بحار النوار.].23/174 :
[انظر :أصول الكافي ،باب أن أهل الذكر الذين أمر ال الخلق بسؤالهم وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم
هم الئمة عليهم السلم ،212-1/210 :بحار النوار ،باب أنهم عليهم السلم الذكر وأهل الذكر وأنهم المسؤولون،
وأنه فرض على شيعتهم المسألة ولم يفرض عليهم الجواب ،188-23/172 :وانظر :تفسير العياشي،2/261 :
قرب السناد للحميري ص .].153 ،152
مع أن هذا لم يكن لرسول الهدى صلى ال عليه وسلم أفضل الرسل أجمعين .قال تعالى:
س مَا ُن ّزلَ إِ َل ْيهِمْ} [النحل ،آية ،].44:وقال تعالى{ :يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ
{وَأَنزَ ْلنَا ِإَليْكَ الذّ ْكرَ ِل ُتبَيّنَ لِلنّا ِ
ك مِن ّربّكَ َوإِن لّ ْم تَفْ َعلْ َفمَا بَلّ ْغتَ ِرسَا َل َتهُ} [المائدة ،آية.].67 :
بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ
ن يَ ْك ُتمُونَ
وقد جاء الوعيد الشديد لمن كتم ما أنزل ال من الهدى والحق ،قال تعالى{ :إِنّ الّذِي َ
مَا أَنزَ ْلنَا مِنَ ا ْلبَ ّينَاتِ وَا ْلهُدَى مِن بَعْدِ مَا َبيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْ ِكتَابِ أُولَـئِكَ يَل َع ُنهُمُ الّلهُ َويَلْ َع ُنهُمُ
عنُونَ} [البقرة :آية.].159:
الل ِ
وقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" :من
[أخرجه أحمد،353 ،344 ،305 ،2/263 : سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"
،508 ،499 ،495وأبو داود في العلم ،باب كراهية منع العلم ،)3658( 4/67 :والترمذي في العلم ،باب ما
جاء في كتمان العلم ،)2649( 5/29 :وقال الترمذي :حديث حسن ،وأخرجه ابن ماجه في المقدمة ،باب من سئل
عن علم فكتمه ،)261( 1/96 :والحاكم ،1/101 :وصححه ووافقه الذهبي ،وابن حبان .].1/260 :فهل بيان
ما يحتاج الناس إليه من الحق والهدى خاضع للرادات والمزاج والهوى حتى يقال" :ليس علينا
الجواب إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا" [أصول الكافي].1/212 :؟!
316
ولن البيان والتعليم خاضع لرادة أئمة الشيعة ،فقد ظل الشيعة – كما تقول أخبارهم – "ل
يعرفون مناسك حجهم وحللهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر (محمد الباقر) ففتح لهم ،وبين
مناسك حجهم وحللهم وحرامهم" [أصول الكافي.].2/20 :
"ولم يكتف الشيعة بذلك بل زعموا أن لئمتهم "حق" إضلل الناس ،وإجابتهم بالجوبة
المختلفة المتناقضة ،لنه قد فوض إليهم ذلك .جاء في الختصاص للمفيد عن موسى بن أشيم
قال :دخلت على أبي عبد ال فسألته عن مسألة فأجابني فيها بجواب ،فأنا جالس إذ دخل رجل
فسأله عنها بعينها فأجابه بخلف ما أجابني وخلف ما أجاب به صاحبي ،ففزعت من ذلك
وعظم عليّ ،فلما خرج القوم نظر إليّ وقال :يا ابن أشيم إن ال فوض إلى داود أمر ملكه فقال:
حسَابٍ} [سورة ص ،آية ،].39 :وفوض إلى محمد صلى ال
ك بِ َغ ْيرِ ِ
{هَذَا عَطَا ُؤنَا فَامْنُنْ َأوْ َأ ْمسِ ْ
ع ْنهُ فَان َتهُوا} [الحشر ،آية،].7:
خذُوهُ َومَا َنهَا ُكمْ َ
عليه وسلم أمر دينه فقالَ { :ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ فَ ُ
وإن ال فوض إلى الئمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد صلى ال عليه وسلم فل تجزع"
[الختصاص :ص ،330-329بحار النوار.].23/185 :
وهكذا يفترون الكذب ..فالئمة – كما تقول أخبارهم – هم المشرعون ،وأمر التحليل
والتحريم بأيديهم ،ولهم حق كتمان ما يحتاج الناس إليه حتى أركان السلم وأصوله إن شاءوا
أجابوا الناس ،وإن شاءوا منعوهم ،ولذلك ظل الشيعة في جهل في أمر الحج – كما يشهدون
على أنفسهم – إلى زمن الباقر؛ لنهم ل يأخذون مما رواه الصحابة عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم وإنما يأخذون ما جاء عن الئمة ،والئمة كتموا أمر المناسك عليهم.
وتستمر مسيرة الفتراء بأيدي هؤلء القوم على دين ال وكتابه ،ورسوله وأهل بيته ،وهم
يتسترون على هذه الدعاوى المنكرة ،والتجاهات الكافرة بدعوى التشيع لل البيت ،فهل هؤلء
شيعة لعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وهم يفترون عليهم ..كل هذه الفتراءات،
ويرمونهم بأنهم لم يبينوا للناس أمر الحلل والحرام ،والحج ،وأن من شرعتهم كتمان الحق،
وإضلل الناس بالجوبة المتناقضة ؟!
المبحث الخامس
قولهم :إن تراب قبر الحسين شفاء من كل داء
تقول الشيعة – مخالفة بذلك النقل والعقل ،والطب والحكمة بأن تربة الحسين هي الكفيلة
لشفاء الدواء والسقام بشتى أنواعها وأشكالها ،وكأنهم بهذا اعتقدوا فيما ل ينفع بالحس
والمشاهدة ،وبالطبع والعقل ،اعتقدوا فيه النفع ،وزعموا أن الشفاء يتحقق من تراب قبر ل من
317
[يونس ،آية: شفَ َلهُ إِلّ ُهوَ}
ضرّ فَلَ كَا ِ
سسْكَ الّلهُ ِب ُ
رب الرباب ،مخالفين بذلك قول ال{ :وَإِن َيمْ َ
شفُ السّوءَ} [النمل ،آية ،].62:وقوله{ :وَإِذَا
طرّ إِذَا دَعَاهُ َويَ ْك ِ
،].107وقولهَ{ :أمّن يُجِيبُ ا ْل ُمضْ َ
َمرِضْتُ َف ُه َو َيشْفِينِ} [الشعراء ،آية.].80:
فهم باعتقادهم بهذا التراب الدواء والشفاء قد شابهوا المشركين في اعتقادهم بأحجارهم النفع
والضر.
ولقد ذكر صاحب البحار ما يصل إلى ثلث وثمانين رواية عن تربة الحسين وفضلها وآدابها
وأحكامها [انظر :ج /101ص ،].140-118فجعلت هذه الرّوايات من هذه التّربة البلسم الشّافي من
[ جاء في أخبارهم .." :عن الحارث بن المغيرة قال :قلت لبي عبد ال – عليه السّلم :-إنّ رجل كثير كلّ داء
العلل والمراض ،وما تركت دواء إل تداويت به ،فقال لي :أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي فإنّ فيه شفاء من
كلّ داء وأمنًا نم كلّ خوف" (أمالي الطّوسي ،1/326 :وبحار النوار ،101/119 :وانظر شواهد أخرى في هذا
المعنى في :وسائل الشّيعة ،10/415 :كامل الزّيارات ص 285 ،278وغيرهما) ،].والحصن الحصين من
[وقد اخترعا في ذلك كلّ خوف ،يشرب منها المريض فيتحوّل إلى صحيح ،كأن لم يكن به بأس
حكايات وأساطير ،كلّ واحد من أصحاب هذه الحكايات يسوق قصّة مرضه ،وتعذّر شفائه ،وما إن يأكل من طين
الحسين حتى ينهض كأن لم يكن به علّة .يقول أحدهم في نهاية حكايته" :فلمّا استقر الشّراب في جوفي فكأنّما نشطت
من عقال"( .بحار النوار ،121-120 /101 :كامل الزّيارات :ص .].)275ويحنّك بها الطّفل فتكون
[قال أبو عبد ال" :حنّكوا أولدكم بتربة الحسين فإنّه أمان"( .كامل الزّيارات ص ،278بحار مأمنه من الخطار
[انظر :مبحث اعتقادهم في اليوم النوار ،].)101/124 :وتوضع مع الميّت في قبره لتقيه من العذاب
الخر :ص( ،].)631ويمسك بها الرّجل يعبث بها ساهيًا يقلّبها فيكتب له أجر المسبّحين ،لنّها
[جاء في تهذيب الحكام للطّوسي "عن محمّد الحميري قال :كتبت إلى تسبّح بيد الرّجل من غير أن يسبّح
الفقيه (إمامهم المنتظر) أسأله هل يجوز أن يسبّح الرّجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب ،وقرأت التّوقيع ومنه
ن المُسبّح ينسى التّسبيح ويدير السّبحة تكتب له
نسخت :تسبّح به فما من شيء من التّسبيح أفضل منه ،ومن فضله أ ّ
ذلك التّسبيح" (تهذيب الحكام ،6/75 /بحار النوار .)133-132 /101 :وفي رواية أخرى عندهم" :إذا قلبها
ذاكرًا ال كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة ،وإذا قلّبها ساهيًا يعبث بها كتب ال له عشرين حسنة" (تهذيب الحكام
،6/75بحار النوار .].)132 /101
إنّ ال جعل تربة جدّي الحسين رضي ال عنه شفاء من كلّ داء ،وأمانًا من كلّ خوف ،فإذا
تناولها أحدكم فليقبّلها ويعضها على عينه وليمرّها على سائر جسده وليقل" :اللّهمّ بحقّ هذه
التّربة وبحقّ من حلّ بها وثوى فيها ..إلخ" [أمالي الطّوسي ،1/326 :بحار النوار.].101/119 :
وما أن يحس الشيعي بألم المرض وشدته حتى يتجه إلى طينة الضريح وعليه أن يختار
الوقت المناسب ،فيتجه إليه – كما تقول أخبارهم – في جنح الليل البهيم وليكن في آخره،
318
ويغتسل ويلبس أطهر ثيابه ،وإذا وصل فليقف عند الرأس ويصلي ،وإذا فرغ من صلته سجد
سجدة طويلة يكرر فيها كلمة واحدة ألف مرة ،هذه الكلمة هي "شكرًا" ،ثم يقوم ويتعلق بالضريح
ويقول" :يا مولي يا ابن رسول ال إني آخذ من تربتك بإذنك اللهم فاجعلها شفاء من كل داء،
[بحار النوار ،101/37 :وقد نقل ذلك وعزًا من كل ذل ،وأمنًا من كل خوف ،وغنىً من كل فقر"..
عن مصباح الزائر ص .].136
ثم بعد ذلك يأخذ من الطينة "بثلث أصابع ثلث قبضات" وتوصيه الرواية بأن يجعل ذلك في
خرقة نظيفة ويختمها بخاتم فصه عقيق ..ثم يستعمل منها وقت الحاجة مثل الحمصة فإنه يشفي
[بحار النوار ،101/37 :وقد نقل ذلك عن مصباح الزائر ص .].136
وتزيد رواية أخرى بأن عليه أن يتباكى ويقول" :بسم ال وبال وبحق هذه التربة المباركة،
وبحق الوصي الذي تواريه وبحق جده وأبيه ،وأمه وأخيه ،وبحق أولده الصادقين ،وبحق
الملئكة المقيمين عند قبره ينتظرون نصرته ،صلّ عليهم أجمعين ،واجعل لي ولهلي وولدي
وإخوتي وأخواتي فيه الشفاء من كل داء[ "..بحار النوار.].101/138 :
وتتحدث بعض الروايات عن طرق أخرى للستشفاء بها فتقول :قال أبو عبد ال :إن ال
جعل تربة جدي الحسين رضي ال عنه شفاء من كل داء ،وأمانًا من كل خوف ،فإذا تناولها
أحدكم فليقبلها ويضعها على عنه وليمرها على سائر جسده وليقل" :اللهم بحق هذه التربة وبحق
من حل بها وثوى فيها ..إلخ" [أمالي الطوسي ،1/326 :بحار النوار.].101/119 :
وتذكر رواية أخرى طريقة تناولها ببيان المقدار والصفة ،حيث قال جعفرهم – حينما سئل
عن كيفية تناولها " :-إذا تناول التّربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه وقدره مثل الحمّصة
(ط :إيران 1376ه) ،بحار النوار: فليقبّلها وليضعها على عينه[ "..مكارم الخلق ص 189
].101/120فهذا هو المستشفى المتنقل مع كل شيعي.
ويبدو أن هذه الطي نة زادت مرض هم مرضًا ،و من تعلق بش يء و كل إل يه ،ولهذا ش كا ب عض
الشي عة لما مه ما يجده من ض عف القدرة ،فعزاه إما مه بقوله" :كذلك ج عل ال أولياء نا وأ هل
مودتنا وجعل البلء إليهم سريعًا" [كامل الزيارات ص ،275بحار النوار.].101/121 :
هذا وكما أن الشيعي يتجه حين نزول المرض به إلى صنمه والذي يسميه "بالطينة" ،فإنه
أيضًا يلجأ إلى هذا الصنم وقت الخوف ومداهمة العدو ،فيصطحبه معه في ظروف الخوف.
يقول إمامهم" :إذا خفت سلطانًا أو غير سلطان فل تخرجنّ من منزلك إل ومعك من طين قبر
الحسين" [أمالي الطّوسي ،1/325 :بحار النوار ]101/118 :وأمره أن يقول" :اللّهمّ إنّي أخذته من
319
[أمالي الطّوسي،1/325 : قبر وليّك وابن وليّك ،فاجعله لي أمنًا وحرزًا ِلمَا أخاف وما ل أخاف"
بحار النوار.].101/118 :
ول ينسى راوي هذه السطورة أن يذكر طائفته بأنه فعل ذلك فكانت له المان من كل ما
خاف وما لم يخف ولم ير مكروهًا [أمالي الطّوسي ،1/325 :بحار النوار.].101/118 :
وهذه الطينة هي أمل الحور العين ،ولذلك فالحور كما تقول أساطيرهم يطلبن من الملئكة
[بحار النوار ،101/134 :وقد حينما يهبطون إلى الرض أن تكون هداياهن من طين قبر الحسين
نقل ذلك عن كتاب المزار الكبير لشيخهم محمد المهدي :ص .].119
[مصباح التّهجّد كما تصف رواياتهم السّجود على هذه الطّينة بأنّها "تخرق الحُجُب السّبع"
للطّوسي :ص ،511بحار النوار.].101/135 :
هذا جزء من دعاواهم حول طينة الحسين ،وكأنهم في اعتقادهم بهذه الطينة فعلوا أكثر من
المشركين الذين قالوا في أصنامهم بأنها تقربهم إلى ال زلفى ،فقد جعلوا لهذه الطينة خواص ل
يقدر عليها إل رب العزة جل عله ،اتخذوها ربًا وإلهًا مع ال سبحانه.
ودعوى الستشفاء بهذه الطينة منكر من القول وزور ،وهي من دين الشيعة ل من دين
[آل عمران، سرِينَ}
خرَ ِة مِنَ الْخَا ِ
لمِ دِينًا َفلَن يُ ْق َب َل مِ ْنهُ وَ ُهوَ فِي ال ِ
غ ْيرَ ا ِلسْ َ
السلم { َومَن يَ ْبتَغِ َ
آية ،].85:وليس لها ذكر في كتاب ربنا ول سنة نبينا ،وال سبحانه بيّن في كتابه أن القرآن
العظيم شفاء لعباده المؤمنين { ُقلْ ُهوَ ِللّذِينَ آ َمنُوا هُدًى َوشِفَاء} [فصلت ،آيةَ { .].44:و ُننَ ّز ُل مِنَ
ح َمةٌ لّ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ} [السراء ،آية.].82:
ن مَا ُهوَ شِفَاء َورَ ْ
الْ ُقرْآ ِ
وسنة المصطفى صلى ال عليه وسلم بينت من الدعية والوراد التي فيها اللجوء إلى ال
وحده ل إلى تراب ول صنم ،بل ول ملك مقرب ول نبي مرسل وإنما إلى ال وحده ،ويتحقق
[راجع كتب الذكار مثل :الذكار للنووي ،والكلم الطيب بسببها – بإذنه تعالى – الحفظ للمسلم والمان
لشيخ السلم ابن تيمية ،والوابل الصيب لبن القيم ،وتحفة الذاكرين للشوكاني وغيرها.].
كما أن المسلم مأمور بالخذ بالسباب الطبيعية للشفاء..
أما أكل التراب فهو بدعة كبرى ،وأضحوكة ليس لها مثيل إل في دين هؤلء القوم.
المبحث السادس
دعاؤهم بالطلسم والرموز ،واستغاثتهم بالمجهول
ومن ضللهم وشركهم دعاؤهم بالرموز والطلسم والحروف ،واعتبار ذلك من أحراز الئمة
وأدعيتهم وحجبهم ،فيكتبونها ويتمتمون بها ..من أجل الشفاء ،والسلمة ،وقد جمع من ذلك
320
المجلسي فأكثر ،فقد أورد في كتابه طائفة من اللفاظ التي ل معنى لها ،ووضع صور بعض
[من أمثلة تلك الطلسم الطلسم برسم غريب في كتابه البحار على أن ذلك من هدي الئمة للشفاء
قالوا :حرز لمير المؤمنين صلوات ال عليه للمسحور ،والتوابع (الجني يتبع النسان حيث ذهب) والمصروع والسم
والسلطان والشيطان وجميع ما يخافه النسان ..وهذه كتابته :بسم ال الرحمن الرحيم ،أي كنوش أي كنوش أرشش
عطنيطنيطح يا مطيطرون فريالسنون ما وما ساما طيطشا لوش خيطوش ...إلى آخر هذه الطلسم ،ثم رسم رموزًا
ج .)94وتكر رسم مثل هذه الرموز في ص ،229 غريبة على شكل خطوط متداخلة( ...بحار النوار :ص 193
وص 297 ،265من الجزء نفسه .ومن عوذات الئمة وأحرازهم باللفاظ قولهم كما يزعمون" :أعوذه بيا أهيا
شراهيا "..إلخ (المصدر السابق.].)94/222:
[ومن دعواتهم والحجية بالحروف التي ل معنى لها هي من عوذات الئمة كما يفترون
بالحروف" :اللهم بالعين والميم والفاء والحاءين بنور أبو الشباح ..اكفني شر من دب ومشى "..واعتبروا هذا من
الحجب التي احتجب بها الئمة ممن أراد الساءة إليهم (بحار النوار .].)373-94/372 :وال سبحانه يقول:
سنَى فَادْعُوهُ ِبهَا} [العراف ،آية .].180:وكتابة الحجبة والحروز بهذه
ح ْ
سمَاء الْ ُ
{وَ ِلّلهِ ا َل ْ
الطلسم والحروف هي من الشرك بالواحد القهار ،لنها دعاء لغير ال سبحانه لنها ليست من
أسمائه سبحانه وصفاته ،وأسماء ال سبحانه هي ما ورد في الكتاب والسنة وهي توفيقية ل
يجوز أن ندعو ال سبحانه بغيرها.
كما أن هذه الطلسم ل معنى لها معروف ،ولهذا قال المام الصغاني" :وربما يكون التلفظ
ب مِن
طنَا فِي ال ِكتَا ِ
بتلك الكلمات كفرًا لنا ل نعرف معناها بالعربية ،وقد قال ال تعالى{ :مّا َفرّ ْ
شيْءٍ} [النعام ،آية .].38:وهو يقول" :آهيا شراهيا[ "..موضوعات الصغاني :ص ].63ثم ذكر أنه قد
َ
ضل بهذه الدعوات المجهولت خلق كثير [موضوعات الصغاني :ص .].63
أما الستعانة بالمجهول فإنهم يستغيثون به عند الضلل في الطريق كما استغاثوا من قبل
بالميت ،والمعدوم – كما سلف ،-و"الستعانة بالموات أو الغائبين عن نظر من استعان بهم
من ملئكة أو جن أو إنس في جلب نفع أو دفع ضر نوع من الشرك الكبر الذي ل يغفره ال
إل لمن تاب منه؛ لن هذا النوع من الستعانة قرب وعبادة ،وهي ل تجوز إل ل خالصة
لوجهه الكريم.
[الفاتحة ،آية].5: ك َنسْتَعِينُ}
ك نَ ْعبُدُ وِإيّا َ
ومن أدلة ذلك ما علم ال عباده أن يقولوه في آيةِ{ :إيّا َ
أي ل نعبد إل إياك ول نستعين إل بك ،وقوله سبحانه{ :وَ َقضَى َربّكَ أَ ّل تَ ْعبُدُواْ ِإلّ ِإيّاهُ}
[السراء ،آية ].23:وغيرها" [هذه فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء ،انظر :جريدة الجزيرة ،الجمعة 6
رجب 1407ه ،العدد ( ،)5272ركن الدعوة والفتاء ،تحت إشراف الرئاسة العامة لدارات البحوث العلمية ص:
.].8
321
جاء في مصادرهم المعتمدة "عن أبي بصير عن أبي عبد ال قال :إذا ضللت الطريق فناد :يا
[ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه،2/195 : صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم ال"
البرقي /المحاسن :ص ( 362وفيه أخطأتم الطريق) ،وسائل الشيعة.].8/325 :
قال ابن بابويه في باب :دعاء الضال عن الطريق بعد ذكره للرواية السالفة" :وروي أن البر
[من ل يحضره الفقيه ،2/195 :المحاسن :ص ،362وانظر: موكل به صالح ،والبحر موكل به حمزة"
وسائل الشيعة.].8/325 :
ومن هو صالح أو حمزة؟ جاء ما يكشف عن هوية "صالح" في الخصال لبن بابويه بإسناده
عن علي في حديث الربعمائة قال" :ومن ضل منكم في سفر وخاف على نفسه فليناد :يا صالح
أغثني ،فإن في إخوانكم من الجن جنيًا يسمى صالح يسبح في البلد لمكانكم محتسبًا نفسه لكم،
[الخصال ،2/618 :وسائل الشيعة: فإذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم وحبس عليه دابته"
.].8/325
وهذا ورثوه فيما يبدو عن أهل الجاهلية الولى ،فهو من دينها ،كما يدل على ذلك قوله
جنّ َفزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن ،آية.].6 :
ن ِبرِجَا ٍل مّنَ الْ ِ
سبحانه{ :وََأ ّنهُ كَانَ رِجَا ٌل مّنَ الِنسِ يَعُوذُو َ
قال أهل العلم" :كانت عادة العرب في جاهليتها إذا نزلت مكانًا يعوذون بعظيم ذلك المكان أن
يصيبهم بشيء يسوءهم ،كما كان أحدهم يدخل بلد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامته
وخفارته ،فلما رأت الجن أن النس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقًا أي خوفًا وإرهابًا
وذعرًا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذًا بهم ،كما قال قتادة { َفزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي إثمًا،
وازدادت الجن عليهم بذلك جرأة ...فإذا عاذوا بهم من دون ال رهقتهم الجن الذى عند ذلك"
[تفسير ابن كثير ،455-4/454 :وانظر :تفسير الطبري ،29/108فتح القدير ،5/305 :وقد جاء هذا المعنى
في كتب التفسير عند الشيعة :انظر :البرهان ،4/391 :تفسير القمي (المصدر السابق) ،تفسير الصافي-5/234 :
،235تفسير شبر ص .].535
فلما جاء السلم عاذوا بال وحده وتركوهم [انظر :تفسير الطبري .].29/109 :والستعاذة بالجن
[انظر :كتاب التوحيد (مع شرح فتح المجيد) ،باب من الشرك الستعاذة من الشرك ،لنه استعاذة بغير ال
بغير ال ص .].175
ب ِبهِ مَن
خيْرٍ َفلَ رَآدّ لِ َفضْ ِل ِه ُيصَي ُ
شفَ َلهُ إِلّ ُهوَ وَإِن ُيرِدْكَ بِ َ
سسْكَ الّل ُه ِبضُرّ َفلَ كَا ِ
{وَإِن يَ ْم َ
عبَادِهِ وَ ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ} [يونس ،آية.].107:
يَشَاء مِنْ ِ
المبحث السابع
322
استخارتهم بما يشبه أزلم الجاهلية
كانت العرب في جاهليتها إذا أراد أحدهم سفرًا أو غزوًا ونحو ذلك أجال القداح وهي
الزلم ،وكانت عبارة عن قداح ثلثة ،على أحدها مكتوب افعل ،وعلى الخر ل تفعل ،والثالث
غفل ليس عليه شيء ،ومن الناس من قال :مكتوب على الواحد أمرني ربي ،وعلى الخر نهاني
ربي ،والثالث غفل ليس عليه شيء ،فإذا أجالها فطلع سهم المر فعله ،أو النهي تركه ،وإن طلع
الفارغ أعاد [تفسير ابن كثير ،2/12 :تفسير الطبري( 9/510 :ط :المحققة).].
وقد ابتلي فئات من الناس بالزلم ،كما ابتلوا بالنصاب ،فالنصاب للشرك في العبادة
والزلم للتكهن وطلب علم ما استأثر ال به ،هذا للعلم وتلك للعمل ودين ال وشرعه مضاد
لهذا وهذا.
وقد أدخلت طائفة الثني عشرية الستخارة بالزلم في دينها وأضافت عليها بعض
الضافات وسموها الرقاع .وعقد الحر العاملي لهذا بابًا بعنوان "باب استحباب الستخارة
بالرقاع وكيفيتها" [وسائل الشيعة ].213-5/208 :وذكر في هذا الباب جملة من أحاديثهم في ذلك
بلغت خمس روايات ،أما المجلسي فقد ذكر أنواعًا من الستخارات تدخل في هذا المعنى في
أبواب ثلثة وهي باب الستخارة بالرقاع [بحار النوار ،].234-91/226 :وباب الستخارة
[بحار النوار: بالبنادق [بحار النوار ،].240-91/235 :وباب الستخارة بالسبحة والحصى
.].251-91/247
وفي هذه الستخارات تذكر كتب الشيعة كيفية قد تختلف في البداية عن طرق أهل الجاهلية
حيث الصلة والدعاء ،وهي صلة على طريقة مبتدعة ،ثم دعاء معين ولكنها تنتهي بما يشبه
عمل الجاهلية حيث استكشاف ما هو خير عن طريق تحريك السبحة ،أو كتاب افعل أو ل تفعل
في رقاع معينة واختبار ذلك عدة مرات.
ومن أمثلة ذلك ما جاء عند الكليني [الفروع من الكافي ،].1/131 :والطوسي [التهذيب،].1/306 :
والحر العاملي [وسائل الشيعة ].5/208 :وغيهم [انظر :المقنعة ص ،36المصباح ص ].372عن هارون
بن خارجة عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا أردت أمرًا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلث
منها « :بسم ال الرحمن الرحيم خيرة من ال العزيز الحكيم لفلن بن فلنة هكذا النسبة للم،
وال يقول{ :ادْعُوهُمْ لبَا ِئهِمْ} [الحزاب ،آية ].5 :افعل ،وفي ثلث منها :بسم ال الرحمن الرحيم
خيرة من ال العزيز الحكيم لفلن بن فلنة ل تفعل ،ثم ضعها تحت مصلك ،ثم صل ركعتين،
فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة :أستخير ال برحمته خيرة في عافية ،ثم استو
جالسًا وقل :اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري ،في يسر منك وعافية ،ثم اضرب بيدك
323
إلى الرقاع فشوشها وأخرج واحدة ،فإن خرج ثلث متواليات افعل .فافعل المر الذي تريده،
وإن خرج ثلث متواليات ل تفعل فل تفعله ،وإن خرجت واحدة افعل والخرى ل تفعل فأخرج
من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة ل تحتاج إليها ».
أما الستخارة بالبنادق فيفسرها ما جاء في روايتهم التي تقول .." :انوِ الحاجة في نفسك ثم
اكتب رقعتين ،في واحدة ل ،وفي واحدة نعم ،واجعلهما في بندقتين من طين ،ثم صلّ ركعتين
واجعلهما تحت ذيلك وقل :يا ال ،إني أشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر
علي مما فيه صلح وحسن عاقبة ،ثم أدخل يدك فإن كان فيها نعم فافعل ،وإن كان فيها ل ،ل
تفعل" [الفروع من الكافي ،1/132 :التهذيب ،1/306 :وسائل الشيعة.].5/209 :
وجاء في أخبارهم أن "استخارة مولنا أمير المؤمنين وهي أن تضمر ما شئت وتكتب هذه
[أي متساويتين بأن تزنهما بالميزان ،قاله شيخهم الستخارة وتجعلهما في مثل البندق ويكون بالميزان
المجلسي :البحار :أبو ].91/239وتضعهما في إناء فيه ماء ويكون على ظهر إحداهما افعل
[بحار النوار ،91/238 :باب والخرى ل تفعل ،فأيهما طلع على وجه الماء فافعل به ،ول تخالفه
الستخارة بالبنادق.].
ول شك بأن أمير المؤمنين عليًا بريء من لوثات الجاهلية وأوهامها ،وهذا مما دسته الشيعة
عليه ،ولذلك لم ينقله عنه سواها..
أما الستخارة بالسبحة والحصى فقد قال شيخهم المجلسي" :سمعت والدي يروي عن شيخه
البهائي ..أنه كان يقول :سمعنا مذاكرة عن مشايخنا عن القائم صلوات ال عليه في الستخارة
بالسبحة أنه يأخذها ،ويصلي على النبي وآله صلوات ال عليهم ثلث مرات ،ويقبض على
[بحار السبحة ،ويعد اثنتين اثنتين ،فإن بقت واحدة فهو افعل ،وإن بقيت اثنتان فهو ل تفعل"
النوار.].91/250 :
هذا النواع من الستخارة ذات أصل جاهلي حاولوا إلباسه ثوب السلم.
وقد أمر ال المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في
المر الذي يريدونه [ابن كثير /التفسير ،].2/13 :لما روى المام أحمد والبخاري وأهل السنن عن
جابر بن عبد ال قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا الستخارة كما يعلمنا السورة
من القرآن يقول" :إذا همّ أحدكم بالمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل :اللهم إني
أستخيرك بعلمك ،وأستقدرك بقدرتك ،وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر ،وتعلم ول
في التهجد ،باب ما جاء في التطوع مثنى أعلم وأنت علم الغيوب "...الحديث [أخرجه البخاري2/51 :
324
( ،)1538والترمذي/2 : مثنى ،و ،8/168باب قول ال تعالى{ :قُ ْل هُ َو ا ْلقَا ِدرُ} ،وأبو داود 188 ،2/187
،)480( 349والنسائي ،81-6/80وابن ماجه ،)1383( 1/440 :وأحمد.].3/344 :
[انظر :بحار النوار: وهذه الستخارة جاءت أيضًا في كتب الشيعة بنفس النص السابق
،91/265مكارم الخلق ص ].372الوارد في أمهات كتب المسلمين (مصادر أهل السنة) ،ولكن
عقيدة التقية التي كانت من أهم العوامل التي نأت بالشيعة عن النضواء تحت لواء الجماعة..
جعلت بعض شيوخ الشيعة يرجح العمل برقاع الجاهلية على غيرها ل لشيء إل لنها مما شذت
به طائفته عن هدي المصطفى صلى ال عليه وسلم وما عليه أهل السنة ،ذلك أن ما يتفق من
رواياتهم مع إجماع المسلمين يصبح العمل به عند الشيعة موضع تردد لحتمالت التقية
المزعومة.
قال الحر العاملي" :قد رجح ابن طاووس العمل باستخارة الرقاع بوجوه كثيرة منها ..أنها ل
تحتمل التقية لنه لم ينقله أحد من العامة" [وسائل الشيعة ].5/211 :ويعني بالعامة أهل السنة ،وهذا
اعتراف منهم أن استخارة الرقاع مما شذت به طائفتهم.
[وهو شيخهم جعفر ويبدو أن بعض شيوخهم رابهم أمر هذه الرقاع وشعروا بشذوذه فقال بعضهم
بن الحسن الحلي (ت 676ه) الملقب عندهم بالمحقق" : ].وأما الرقاع وما يتضمن افعل ول تفعل ففي
[قال شيخهم ابن إدريس: حيز الشذوذ" [انظر :بحار النوار ].91/287 :كما طعن بعضهم في إسنادها
"إنه من شواذ الخبار ،لن رواتها فطحية ملعونون مثل :زرعة وسماعة" (بحار النوار.].)91/287 :
ولكن هذا الصوت الذي ينكر هذا التجاه في الستخارة لم يرق لبعض متأخري الشيعة ،فقد
ردوه وقالوا" :إنه ل مأخذ له مع اشتهارها بين الصحاب ،وكيف تكون شاذة وقد دونها
المحدثون في كتبهم ،والمصنفون في مصنفاتهم" [بحار النوار ،].91/288 :ثم قالوا بأنه قد ألف
أحد شيوخهم [وهو رضي الدين الحسن علي بن طاووس الحسني ].كتابًا ضخمًا في الستخارات واعتمد
فيه على رواية الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب [بحار النوار ،].91/288:وقالوا بأنه لم
[اختلفت أقوالهم في أول من أنكرها؛ فذكر شيخهم الملقب بالشهيد بأنه لم ينكرها من شيوخهم سوى ينكرها إل قلة
ابن إدريس ومن أخذ مأخذه كالشيخ نجم الدين (بحار النوار .)91/288 :بينما قال المجلسي بأن أصل النكار كان
من شيخهم المفيد ،وذلك حينما ذكر رواية الستخارة بالرقاع قال" :وهذه الرواية شاذة ..أوردناها للرخصة دون
تحقيق العمل" .ثم أنكر بعض متأخريهم وجود هذا الكلم في نسخة المفيد وقالوا بأنه مما ألحق في كلمه وليس منه.
(بحار النوار ].)288-91/287 :منهم ل عبرة بإنكاره.
هذه حكاية الستخارة بالرقاع ،والبنادق ،والسبحة ،والحصى ،وما دار حولها من جدل..
وهي عين استخارة المشركين "افعل أو ل تفعل" سوى أنهم أضافوا إليها صلةً ودعاءً،
325
[انظر :وسائل الشيعة: وخصصت بعض رواياتهم موضع هذه الستخارة بأن تكون عند قبر الحسين
،5/220بحار النوار ].101/285 :ليتسع باب الشرك أكثر .وهذه بدعة انفرد بها هؤلء القوم،
جعلتهم يتعلقون ،ويأتمرون بما تهديهم إليه هذه الزلم.
عَليْكُمُ ا ْل َميْ َتةُ وَالْدّمُ} -إلى قوله سبحانه –{ :وَأَن
ح ّرمَتْ َ
مع أن ال سبحانه يقولُ { :
ستَ ْقسِمُو ْا بِا َلزْلَمِ َذلِكُمْ ِفسْقٌ[ }...المائدة ،آية ].3:أي حرم عليكم أيها المؤمنون الستقسام
تَ ْ
بالزلم ،والستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الزلم [تفسير ابن كثير .].2/12 :قال ابن
عباس" :هي قداح كانوا يستقسمون بها في المور" [تفسير الطبري ].6/78 :أي يطلبون بها علم ما
قسم لهم [ابن القيم /إغاثة اللهفان .].1/227 :وقوله سبحانه{ :ذَِلكُمْ ِفسْقٌ} أي تعاطيه فسق وغيّ
وضللة وجهالة وشرك" [تفسير ابن كثير.].2/13 :
وهؤلء الروافض في استخارتهم تلك ساروا في خطا المشركين ،ورجحوا العمل بهذه
"الزلم" [انظر :الحر العاملي /اليقاظ من الهجعة :ص ].71-70 ،3على الستخارة الشرعية ،لن
انفرادهم بها عن المسلمين دليل الصحة عندهم ،كما هي قاعدتهم ،كما ألزموا أتباعهم العمل
ل " :-وإن وجد في كلها (أي الرقاع) ل تفعل فليحذر عن القدام
[قالوا – مث ً بنتيجتها ،وتوعدوا على مخالفتها
على ذلك المر"( .بحار النوار .].)91/228 :فكأنهم اعتقدوا أنها تأتيهم بالخبر عن ال ،وهذا
كالستقسام بالزلم عند المشركين .قال ابن القيم" :الستقسام هو إلزام أنفسهم بما تأمر به
القداح كقسم اليمين[ "..إغاثة اللهفان.].1/227 :
فكيف يزعم الرافضي أن ما خرج من هذه الرقاع التي يستقسم بها هي عين ما أراد ال فيلزم
نفسها بها ..أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهدًا؟! فهذه الرقاع تدفعه للمضي في أمره أو
تمنعه بل بينة ول برهان كحال أهل الشرك ،ولعله "ل فرق بين ذلك وبين قول المنجم :ل
[لقمان ،آية].34: س مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدًا}
تخرج من أجل نجم كذا" .وال سبحانه يقولَ { :ومَا تَ ْدرِي نَفْ ٌ
[إغاثة اللهفان .].1/227 :فهؤلء يقولون :اعمل أو ل تعمل ،بأمر الحصى والجمادات.
الفصل الثاني
عقيدتهم في توحيد الربوبية
وتوحيد الربوبية هو إفراد ال سبحانه بالملك والخلق والتدبير ،فيؤمن العبد بأنه سبحانه
الخالق الرازق ،المحيي ،المميت ،النافع ،الضار ،المالك ،المدبر ،له الخلق والمر كله ،كما قال
خلْقُ وَا َل ْم ُر َتبَارَكَ الّلهُ رَبّ ا ْلعَا َلمِينَ} [العراف ،آية .].54:وقالَ { :ولِّل ِه مُلْكُ
سبحانه{ :أَلَ َلهُ الْ َ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَِإلَى الّلهِ ا ْلمَصِيرُ} [النور ،آية .].42:ل شريك له في ذلك سبحانه ول نظير
ال ّ
326
[انظر في معنى توحيد الربوبية :مجموع فتاوى شيخ السلم ،10/33 :وعلي بن أبي العز /شرح العقيدة الطحاوية
(ضمن مجموع :عقيدة الفرقة الناجية) ،السفاريني /لوامع النوار البهية:
ص ،17المقريزي /تجريد التوحيد ص 81
،129-1/128وسليمان بن عبد الوهاب /تيسير العزيز الحميد ص ،33عبد الرحمن بن سعدي /سؤال وجواب
في أهم المهمات ص ،5محمد خليل هراس /دعوة التوحيد :ص 27وما بعدها ،عبد العزيز بن باز /تعليق على
العقيدة الطحاوية ،نشر في مجلة البحوث السلمية ،العدد1406 )15( :ه.].
وليس المقصود هنا دراسة هذا الصل ،وإنما القصد معرفة اعتقاد الشيعة فيه ..وهل تأثر
هذا الصل الصيل والركن العظيم عندهم بما يدعونه في المام؟
لقد بين القرآن العظيم أن مشركي قريش مع كفرهم بعبادته سبحانه وصرفهم أنواعًا من
العبادات لغيره ،إل أنهم يؤمنون بأن ال سبحانه هو خالقهم ورازقهم ،قال تعالى{ :وَ َلئِن سَ َأ ْل َتهُم
سمَاء وَا َلرْضِ َأمّن
خلَ َقهُمْ َليَقُولُنّ الّلهُ} [الزخرف ،آية ،].87 :وقالُ { :ق ْل مَن َي ْرزُقُكُم مّنَ ال ّ
مّنْ َ
حيّ َومَن يُدَ ّبرُ ا َل ْمرَ
ت مِنَ ا ْل َ
خ ِرجُ ا ْلمَيّ َ
ي مِنَ ا ْل َميّتِ وَيُ ْ
حّخ ِرجُ الْ َ
سمْعَ وا َلبْصَارَ َومَن يُ ْ
يَمِْلكُ ال ّ
ل َتتّقُونَ} [يونس ،آية.].31 :
سيَقُولُونَ الّلهُ فَ ُقلْ أَ َف َ
َف َ
ن َأكْثَرُ ُهمْ بِالّلهِ
َومَا ُي ْؤمِ ُ ولكنهم مع ذلك أشركوا مع ال غيره في عبادته ،ولهذا قال سبحانه:
[يوسف ،آية ].106:قال مجاهد" :إيمانهم بال قولهم :إن ال خلقنا ويرزقنا ِإلّ وَهُم ّمشْ ِركُونَ
[تفسير الطبري ،78-231/77 :وانظر :تفسير ابن كثير: ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره"
.].2/532
فهل كانت الشيعة أكثر كفرًا من المشركين في هذا؟
لقد بين أهل العلم أن اليمان بربوبية ال سبحانه أمر قد فطر عليه البشر وأن الشرك في
الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والفعال لم يثبت عن طائفة من الطوائف
[انظر :مجموع في التاريخ البشري ،وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقًا خلق بعض العالم
فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ،97-3/96 :شرح العقيدة الطحاوية :ص .].18-17
ولهذا كان السؤال :هل تأثر هذا الصل في دين الشيعة؟ ،بمعنى هل وجد الشراك الجزئي
عندهم ،باعتبار ما يولونه الئمة من اهتمام ،وما يعطونهم من أوصاف ،وما يضفونه عليهم من
ألقاب؟
سيتبين هذا من خلل التتبع لما جاء عن أئمتهم في كتبهم المعتمدة ،ورواياتهم المعتبرة
عندهم ،حيث أعرض خمسة مباحث :أولها :قولهم :إن الرب هو المام ،وثانيها :اعتقادهم أن
الدنيا والخرة للمام ،وفي المبحث الثالث :قولهم :إن السحاب والرعد هو من أمر الئمة،
ومسخر للئمة وهو ما أسميته (إسناد الحوادث الكونية إلى الئمة) ،وفي المبحث الرابع :قولهم
327
بحلول جزء إلهي في الئمة ،وفي الخامس :زعمهم تأثير اليام بالنفع والضر ،وسيأتي أيضًا في
أقوالهم بأركان اليمان مبحث قولهم بالقدر وأن العبد يخلق فعله ،وهذا شرك في الربوبية ،وقد
أرجأت عرضه إلى هناك حتى يكتمل النظر في أقوالهم في أركان اليمان.
المبحث الول
قولهم :إن الرب هو المام
جاء في أخبارهم أن عليًا – كما يفترون عليه – قال :أنا رب الرض الذي يسكن الرض به
[مرآة النوار ص ،59وقد نقل ذلك عن بصائر الدرجات للصفار.].
فانظر إلى هذا التطاول والغلو ..فهل رب الرض إل الواحد القهار ،وهل يمسك السماوات
والرض إل خالقهما سبحانه ومبدعهما.
سمَاوَاتِ وَا َلرْضَ أَن َتزُول َوَلئِن زَا َلتَا ِإنْ َأ ْمسَ َك ُهمَا مِنْ أَحَ ٍد مّن بَ ْعدِهِ}..
{إِنّ الّل َه ُيمْسِكُ ال ّ
[فاطر ،آية.].41:
وقال إمامهم" :أنا رب الرض" يعني إمام الرض ،وزعم أنه هو المقصود بقوله سبحانه:
ض ِبنُورِ َر ّبهَا} [الزمر ،آية[ ].69:مرّ تخريج هذا النص ص.].)0172:
شرَقَتِ ا َلرْ ُ
{وََأ ْ
[الكهف ،آية: س ْوفَ نُعَ ّذبُ ُه ثُ ّم ُيرَدّ ِإلَى َربّهِ َفيُعَ ّذ ُبهُ عَذَابًا نّ ْكرًا}
وفي قوله سبحانهَ{ :أمّا مَن ظَ َلمَ َف َ
].87قالوا :يرد إلى أمير المؤمنين فيعذبه عذابًا نكرًا [مرآة النوار ص ،59وقد عزاه إلى كنز الفوائد.].
وفي قوله سبحانه{ :وَل ُيشْرِكْ بِ ِعبَادَةِ َر ّبهِ أَحَدًا} [الكهف :آية .].110:جاء في تفسير العياشي:
يعني التسليم لعلي رضي ال عنه ول يشرك معه في الخلفة من ليس له ذلك ول هو من أهله
[تفسير العياشي ،2/353 :البرهان ،2/497 :تفسير الصافي ،].3/270وبنحو ذلك جاء تأويلها عند
القمي في تفسيره [انظر :تفسير القمي.].2/47 :
ول تظن أن هذا التأويل من باب أن رب تأتي في اللغة بمعنى صاحب أو سيد ،إذ إن هذه
اليات نص في الرب سبحانه ل يحتمل سواه ،فالضافة عرفته وخصصته.
[انظر: وقد قال أئمة اللغة :إن الرب إذا دخلت عليه (أل) ل يطلق إلى على ال سبحانه
المصباح المنير :ص .].254
قال شيخ السلم ابن تيمية:
السماء والصفات نوعان :نوع يختص به الرب ،مثل الله ورب العالمين ونحو ذلك ،فهذا ل
يثبت للعبد بحال ،ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا ل أندادًا ،والثاني :ما يوصف به العبد
[منهاج في الجملة كالحي والعالم والقادر إل أنه ل يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلً
328
السنة ..].1/342 :ولكن هؤلء جعلوا لفظ الرب الخاص بال سبحانه اسمًا لمامهم عبر تأويلتهم
الكثيرة.
وهذه التأويلت وضعها لهم زنديق ملحد أراد بذلك صرف الشيعة من ربها ..وقد تكون
فرقهم التي قالت بربوبية عليّ ،والرجال الذين ذهبوا هذا المذهب والذي نسمع نعيقهم إلى يومنا
هذا قد شربوا من هذا المستنقع السن الذي احتفظت به كتب الثني عشرية المعتمدة عندها.
المبحث الثاني
قولهم بأن الدنيا والخرة كلها للمام
يتصرف بها كيف يشاء
[انظر :أصول الكافي: عقد صاحب الكافي لهذا بابًا بعنوان" :باب أن الرض كلها للمام"
،]410-1/407ومما جاء فيه :عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال" :أما علمت أن
[أصول الدنيا والخرة للمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء ،جائز له ذلك من ال"..
الكافي.].1/409 :
أليس في هذا النص شرك في ربوبية ال سبحانه؛ لن ال جل شأنه يقول{ :أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الّلهَ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ} [البقرة ،آية ].107:ويقول سبحانه{ :وَ ِلّلهِ مُ ْلكُ ال ّ
َل ُه مُ ْلكُ ال ّ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ َومَا
َومَا َبيْ َن ُهمَا وَإِ َل ْيهِ ا ْلمَصِيرُ} [المائدة ،آية .].18:ويقول جل شأنهِ { :لّلهِ مُلْكُ ال ّ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَلَمْ يَتّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن ّلهُ
فِيهِنّ} [المائدة ،آية .].120 :وقال{ :الّذِي َلهُ مُلْكُ ال ّ
خرَةُ وَالُولَى} [النجم ،آية.].25 :
شرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ} [الفرقان ،آية ،].2 :وقال سبحانهَ { :فلِّلهِ الَ ِ
َ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ ُقلِ الّلهُ} [سبأ ،آية ،].24 :وقال
كما قال سبحانهُ { :قلْ مَن َيرْزُقُكُم مّنَ ال ّ
سمَاء وَا َلرْضِ} [فاطر ،آية.].3 :
غ ْيرُ الّل ِه َي ْرزُقُكُم مّنَ ال ّ
سبحانهَ { :ه ْل مِنْ خَالِقٍ َ
عبُدُوهُ وَاشْ ُكرُوا َلهُ} [العنكبوت ،آية ].17 :فهو سبحانه قد
وقال{ :فَا ْبتَغُوا عِندَ الّلهِ ال ّرزْقَ وَا ْ
تفرد بالملك والرزق والتدبير ل شريك له في ذلك.
فكيف تدعي هذه الزمرة ما ل سلطان للبشر عليه ،وتعطي الئمة ما هو من مقتضيات
ربوبية ال سبحاه ،ما لهم بذلك من برهان إل اتباع ما تمليه شياطينهم ،وتسطره زنادقتهم ،ومن
العجب أنهم يعطون أئمتهم ملك ال وعلمه وحقوقه وأفعاله ..ويقولون :إن ذلك من ال أو "جائز
له ذلك من ال" فهل هذا إل مجرد تستر على اللحاد ،ومحاولة لخفاء الهدف الخطير الذي
تسعى إليه شياطينهم في تأليه الئمة ،وإضفاء صفات الربوبية عليهم؟!
329
المبحث الثالث
إسناد الحوادث الكونية إلى الئمة
كل ما يجري في هذا الكون فهو بأمر ال وتقديره ل شريك له سبحانه ،لكن في كتب الثني
عشرية ما يثير العجب في هذا؛ حيث تدعي بأن لئمتها أمرًا في ذلك ،تقول روايتهم:
"عن سماعة بن مهران قال :كنت عند أبي عبد ال عليه السلم فأرعدت السماء وأبرقت،
فقال أبو عبد ال عليه السلم :أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر
[المفيد /الختصاص ص ،327بحار صاحبكم ،قلت :من صاحبنا؟ قال :أمير المؤمنين عليه السلم"
النوار ،27/33 :البرهان.].2/482 :
يعني كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي ،ل من أمر الواحد القهار..
فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه الرواية ،وال جل شأنه يقولُ { :هوَ الّذِي ُيرِيكُمُ ا ْلبَرْقَ
طمَعًا وَ ُي ْنشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ} [الرعد ،آية].12:؟ أليست هذه هي السبئية قد أطلت برأسها
خوْفًا وَ َ
َ
المشوه من خلل كتب الثني عشرية؟ أليس هذا ادعاء لربوبية علي ،أو أن له شركًا في
الربوبية؟ كيف يتجرأ قلم المجلسي ومن قبله المفيد على كتابة هذه السطورة ونسبتها إلى
جعفر؟ فإن هذا اللحاد ل يخفى على أمثالهم ،ول يؤمن بهذا ويدعو إليه إل كل زنديق وملحد،
والعجب من قوم يستقون دينهم من كتب حوت هذا الغثاء ،ويعظمون شيوخًا يجاهرون بهذا
البلء ،أليس في هذه الطائفة من صاحب عقل ودين يعلن الصيحة والنكير على هذا الضلل
المنتشر ،والكفر المبين يبرئ "أهل البيت الطهار" من هذا الدرن القاتل وينقي ثوب التشيع مما
لطخه به شيوخ الدولة الصفوية من كفر وضلل.
أم أن كل صوت صادق إما أن يعاجل بالقتل كما فعلوا مع الكسروي ،أو يحمل قوله على
التقية كما صنعوا في الكثير من رواياتهم ،وطائفة من أقوال شيوخهم ،فهل وصل هذا المذهب
في سبيل عودته إلى نور الحق إلى طريق مسدود..؟
أحسب أن أولئك التباع الغرار ل يظنون بان هناك إسلمًا إل هذا؛ لن طوائف من السنة
والشيعة أوهموهم بأن ل فرق بين المذهبين إل في بعض مسائل الفروع فأوصدوا أمامهم مجال
النظر والتفكير والبحث بهذا الوهم الشائع الكبير [راجع فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة.].
ويقولون بأن السحاب هو المطية الذلول لعلي يسيرها كيف شاء.
تقول روايتهم .." :ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة وبرق فصاحبكم يركبه ،أما أنه
سيركب السحاب ،ويرقى في السباب أسباب؛ السماوات والرضين السبع ،خمس عوامر وثنتان
خراب" [الختصاص :ص ،199وانظر :رواية أخرى مثلها ص ،327وانظر :بحار النوار.].27/32 :
330
حتّى إِذَا
وكأنهم بهذا يقولون إن عليًا هو الذي يسير السحاب؛ فيكفرون بقول ال سبحانهَ { :
سلُ
أَ َقلّتْ سَحَابًا ثِقَالً سُ ْقنَاهُ ِلبَلَدٍ مّيّتٍ َفأَنزَ ْلنَا ِبهِ ا ْلمَاء} [العراف ،آية ،].57:وقوله{ :الّلهُ الّذِي ُيرْ ِ
ف َيشَاء} [الروم ،آية.].48:
سمَاء َكيْ َ
ال ّريَاحَ َفتُثِيرُ سَحَابًا َف َي ْبسُطُهُ فِي ال ّ
ويبدو أن قول الثني عشية :إن عليًا يركب السحاب امتداد للمذهب السبئي الذي يقول بأن
[الشهرستاني /الملل والنحل: عليًا" :هو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته والبرق تبسمه"
.].1/174
وينقل لنا المجلسي رواية طويلة في ثماني صفحات [انظر :بحار النوار ،].40-27/33 :تجعل
لعلي قدرات مطلقة ،فهو ينقل أصحابه إلى عالم السماوات والرض ،ويعرض عليهم معجزات
أعظم من معجزات النبياء ،ويمر بأقوام فيهلكهم بصعقة واحدة .ويتعاظم حتى يقول :إني لملك
من ملكوت السماوات والرض ما ل يحتملون العلم ببعضه..
يقول المجلسي – في حديثه هذا :-إن عليًا أومأ إلى سحابتين فأصبحت كل سحابة كأنها
بساط موضوع فركب على سحابة بمفرده ،وركب بعض أصحابه – كما تقول الرواية –
كسلمان والمقداد ..السحابة الخرى ،وقال علي وهو فوق السحابة" :أنا عين ال في أرضه ،أنا
لسان ال الناطق في خلقه ،أنا نور ال الذي ل يطفأ ،أنا رب ال الذي يؤتى منه ،وحجته على
عباده" [بحار النوار.].27/34 :
ومضت القصة الطويلة في سرد غريب ،أصحاب علي يسألونه عن معجزات النبياء فيقول:
أنا أريكم أعظم منها حتى قال" :والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لملك من ملكوت السماوات
والرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم ،إن اسم ال العظم على اثنين وسبعين حرفًا،
وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به فخسف ال عز وجل الرض ما بينه وبين
عرش بلقيس ،حتى تناول السرير ،ثم عادت الرض كما كانت أسرع من طرف النظر ،وعندنا
[بحار نحن وال اثنان وسبعون حرفًا وحرف واحد عند ال عز وجل استأثر به في علم الغيب"
النوار.].27/37 :
ثم تذكر هذه السطورة بأنهم مروا على عوالم غريبة فزار النبياء ،فكان من النبياء من
يبكي لما رأى أمير المؤمنين ،ولما قيل له :ما بكاؤك؟ قال" :إن أمير المؤمين كان يمر بي عند
[بحار النوار: كل غداة فيجلس فتزداد عبادتي بنظري إليه فقطع ذلك منذ عشرة أيام فأقلقني ذلك"
.].27/37
331
وتقول القصة بأن عليًا كان يقول لصحابه" :غضوا أعينكم" فينقلهم إلى مدينة أسواقها قائمة،
وأهلها أعظم من طول النخل ،ويقول" :إن هؤلء من قوم عاد ،ثم يصعق فيهم عليّ صعقة
فتهلكهم" [انظر :بحار النوار.].27/39 :
وهكذا تمضي القصة حتى يعودوا تقلهم السحاب ثم يهبطون في دار أمير المؤمنين في أقل
من طرف النظر ،قالوا" :وكان وصولنا إلى المدينة وقت الظهر والمؤذن يؤذن ،وكان خروجنا
منها وقت علت الشمس" [بحار النوار .].27/40 :فقال أمير المؤمنين" :لو أنني أردت أن أجوب
الدنيا بأسرها والسماوات السبع وأرجع في أقل من الطرف لفعلت بما عندي من اسم ال
العظم ،فقلنا :يا أمير المؤمنين أنت وال الية العظمى والمعجز الباهر" [بحار النوار.].27/40 :
هذه الرواية الطويلة بكل ما فيها من "بليا" لم يتجاسر شيخهم المجلسي على ردها ،بالرغم
من انه قال بأن هذا النص" :لم نره في الصول التي عندنا" [بحار النوار ،].27/40 :إل أنه قال
بأننا "ل نردها ،ونرد علمها إليهم عليهم السلم" [بحار النوار.].27/40 :
فانظر إلى نص ل يوجد في أصولهم المعتبرة ،وحوى من الغلو ما ل يخطر بالبال ،ومع ذلك
لم يتجرأ على رده ..فكيف إذن بالروايات الخرى المثبتة في أصولهم .فقبولها من باب أولى.
المبحث الرابع
الجزء اللهي الذي حل في الئمة
وترد عندهم رايات تدعي بأن جزءًا من النور اللهي حل بعليّ.
[أصول الكافي ،1/440 :وبحار النوار: قال أبو عبد ال" :ثم مسحنا بيمينه فأضى نوره فينا"
.." .].442-1/441ولكن ال خلطنا بنفسه[ "..أصول الكافي .].1/435 :كانوا قبل خلق الخلق
أنوارًا.
وهذا الجزء اللهي الذي في الئمة – كما يزعمون – أعطوا به قدرات مطلقة ،ولذلك فإن
من يقرأ ما يسمونه معجزات الئمة – وتبلغ مئات الروايات – يلحظ أن الئمة أصبحوا كرب
[انظر :بحار العالمين – تعالى ال وتقدس عما يقولون – في الحياء والماتة والخلق والرزق
النوار ،باب جوامع معجزاته (يعنون عليًا) ،50-42/17 :وفيه 17رواية ،وباب ما ورد من غرائب معجزاته:
،56-42/50وحتى قبره جعلوا له معجزات ل يقدر عليها إل رب العباد ،وعقد لهذا صاحب البحار بابًا بعنوان
باب "ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات" ..].339-42/311 :إل أن رواياتهم تربط
هذا بأنه من ال كنوع من التلبيس واليهام.
332
حيِي الموتى .جاء في الكافي عن أبي عبد ال قال" :إنّ أمير المؤمنين
فهذا – مثلً – عليّ يُ ْ
له خؤولة في بني مخزوم وإنّ شابّا منهم أتاه فقال :يا خالي إنّ أخي مات وقد حزنت عليه حزنًا
شديدًا ،قال :فقال :تشتهي أن تراه؟ قال :بلى ،قال :فأرني قبره ،قال :فخرج ومعه بردة رسول
ال متّزرًا بها ،فلمّا انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول
بلسان الفرس ،فقال أمير المؤمنين عليه السلم :ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال :بلى،
[أصول الكافي،1/457 : ولكنا متنا على سنة فلن وفلن (أي أبو بكر وعمر) فانقلبت ألسنتنا"
وانظر :بحار النوار ،41/192 :بصائر الدرجات ص .].76
[بحار النوار،41/194 : بل إن عليًا – كما يزعمون – أحيى موتى مقبرة الجبانة بأجمعهم
وعزاه إلى الخرائج والجرائح ،ول يوجد في النسخة المطبوعة ،].وضرب الحجر فخرجت منه مائة ناقة
[بحار النوار ،41/198 :وعزاه إلى الخرائج والجرائح ،وليس في النسخة المطبوعة.].
وقال سلمان – كما يفترون " :-لو أقسم أبو الحسن على ال أن يحيي الوّلين والخرين
لحياهم" [بحار النوار ،41/201 :الخرائج والجرائح ص .]82
هذا الغلو هو بل شك ارتضعوه من أفاويق المذاهب الوثنية التي تدعي في أصنامها
ومعبوداتها ما للرب سبحانه من أفعال ،ويكفي في فساده مجرد تصوره؛ إذ هو مخالف للنقل
والعقل والسنن الكونية كما هو منقوض بواقع الئمة وإقراراتهم ،ورسول الهدى صلى ال عليه
[العراف ،آية: ضرّا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ}
وسلم يقول – كما أمره ربه { :-قُل لّ َأمْلِكُ ِلنَ ْفسِي نَفْعًا وَ َل َ
.].188
ومن الطريف أن كتب الشيعة مع تعظيم الئمة والغلو فيهم تروي ما يخالف هذا ،لتثبت
تناقضها فيما تقول كالعادة في كل كذب وباطل ،فقد جاء في رجال الكشي أن جعفر بن محمد
قال" :فوال ما نحن إل عبيد الذي خلقنا واصطفانا ،ما نقدر على ضرّ ول نفع ،وإن رحمنا
فبرحمته ،وإنّ عذّبنا فبذنوبنا ،وال ما لنا على ال حجّة ،ول معنا من ال براءة ،وإنّا لميّتون
ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ،ويلهم! ما لهم لعنهم ال فقد آذوا ال
وآذوا رسوله صلى ال عليه وسلم في قبره ،وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي
بن الحسين ومحمد بن علي صلوات ال عليهم ..أشهدكم أنّي امرؤ ولدني رسول ال صلى ال
[رجال عليه وسلم وما معي براءة من ال ،إن أطعته رحمني ،وإن عصيته عذّبني عذابًا شديدًا"
الكشّي :ص .].226-225
333
[انظر :ص ،151وراجع :مبحث ولكن شيوخ الشيعة يعدون مثل هذه القرارات من باب التقية
التقية في هذا الكتاب ].فأضلوا قومهم سواء السبيل ،وأصبح مذهب الشّيعة مذهب الشّيوخ ل مذهب
الئمّة.
وهذه المقالة التي عرضت لبعض شواهدها عندهم والتي تزعم حلول جزء إلهي بالئمة ،قد
[وحقيقتها أن وجود الكائنات هو تطورت عند بعض شيوخهم واتسع نطاقها إلى القول "بوحدة الوجود"
عين وجود ال( .انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ].)1/140 :وعدوا ذلك أعلى مقامات التوحيد ،فهو
[مهدي بن أبي ذر الكاشاني النراقي ،المتوفى سنة (1209ه) (انظر: الغاية في التوحيد عند شيخهم النراقي
الذريعة ،5/58 :وانظر نص النراقي في ذلك في كتابه :جامع السعادات ص ،].)133-132كما أن شيخهم
الكاشاني – صاحب الوافي أحد أصولهم الربعة المتأخرة – كان يقول بعقيدة وحدة الوجود ،وله
[لؤلؤة البحرين :ص رسالة في ذلك ،جرى فيها مجرى ابن عربي وعبر عنه ببعض العارفين
.].121
والتجاه الصوفي المتطرف قد تغلغل في كيان المذهب الثني عشري ،وعشعش في عقول
أساطين المذهب من المتأخرين ،وبين الفكار الصوفية الغالية والعقائد الشيعية المتطرفة تشابه
[راجع في ذلك :الصلة بين التصوف والتشيع /لمصطفى كامل الشيبي ،والفكر الشيعي والنزعات الصوفية وتلق
للمؤلف نفسه ،والفكر الصوفي /عبد الرحمن عبد الخالق ص ،389وقد غاظت هذه الحقيقة بعض متعصبي الشيعة
الثني عشرية وهو هاشم معروف الحسيني فرد على الشيبي بكتاب سماه" :بين التصوف والتشيع".].
المبحث الخامس
قولهم بتأثير اليام والليالي بالنفع والضر
[النحل ،آية: ضرّ فَ ِإَليْ ِه تَجْ َأرُونَ}
قال ال سبحانهَ { :ومَا بِكُم مّن نّ ْعمَةٍ َفمِنَ الّلهِ ثُمّ إِذَا َمسّكُمُ ال ّ
.].53فالضر والنفع من ال وحده ،وليس للنواء واليام والليالي وغيرها تأثير في ذلك،
والشيعة تخالف هذا بدعواها أن في بعض اليام شؤمًا ل تقضى فيه الحاجات .قال أبو عبد ال:
[من ل "ل تخرج يوم الجمعة في حاجة ،فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك"
يحضره الفقيه ،1/95 :وسائل الشيعة.].8/253 :
وقال" :السبت لنا ،والحد لبني أمية" [من ل يحضره الفقيه ،2/342 :وسائل الشيعة.].8/253 :
وقال .." :فأي يوم أعظم شؤمًا من يوم الثنين ..ل تخرجوا يوم الثنين واخرجوا يوم
[من ل يحضره الفقيه ،1/95 :الروضة :ص ،314المحاسن :ص ،347وسائل الشيعة،8/254 : الثلثاء"
وانظر :الخصال.].2/26 :
334
[المحاسن :ص ،346وسائل الشيعة: وقال أبو عبد ال" :ل تسافر يوم الثنين ول تطلب فيه حاجة"
.].8/255
وقال" :آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر" [الخصال ،2/27 :وسائل الشيعة.].8/257 :
وقال أمير المؤمنين علي – كما يفترون " :-يوم السبت يوم مكر وخديعة ،ويوم الحد يوم
غرس وبناء ،ويوم الثنين يوم سفر وطلب ،ويوم الثلثاء يوم حرب ودم ،ويوم الربعاء يوم
شؤم يتطير فيه الناس ،ويوم الخميس يوم الدخول على المراء وقضاء الحوائج ،ويوم الجمعة
[علل الشرائع :ص ،199الخصال .2/28 :عيون الخبار ص ،137وسائل الشيعة: يوم خطبة ونكاح"
.].8/258
[ومثل هذا النوع قد ذكره علماء الحديث من أهل السنة في كتب وثمة أحاديث أخر عندهم بهذه المعاني
الموضوعات (انظر :ابن الجوزي /الموضوعات :ص ،74-71ابن عراق /تنزيه الشريعة المرفوعة،56-2/53 :
الشوكاني /الفوائد المجموعة :ص ،].)438-437ومن مجموع هذه الروايات يتبين أن الجمعة،
والحد ،والثنين ،والربعاء أيام فيها شؤم ذاتي فل يناسب قضاء الحاجات فيها.
ولكن تلحظ أن الرواية الخيرة اعتبرت يوم الثنين يوم سفر وطلب ،وهذا يخالف ما مضى
من روايات ،ولذلك حمل شيخهم الحر العاملي هذا على التقية [وسائل الشيعة.].8/258 :
فعلى هذا كل هذه اليام الربعة أيام مشؤومة فلم يبق أمام الشيعي من وقت للعمل من
السبوع سوى أيام ثلثة.
[وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير ،فإذا خرج أحدهم لمر ،فإن وهذا نوع من التطير
رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر ،وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع ،وربما كان أحدهم يهي الطير ليطير
فيعتمدها وكانوا يسمونه السانح والبارح ،فالسانح ما ولك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك ،والبارح بالعكس.
وكانوا يتيمنون بالسانح ،ويتشاءمون بالبارح( .فتح الباري ،213-10/212وانظر :لسان العرب.)4/512 :
ويفرق بعضهم بين الطيرة والتطير فيقول :التطير :هو الظن السيئ الذي في القلب ،والطيرة :هو الفعل المرتب على
الظن السيئ ،وقد نسب ذلك صاحب عون المعبود إلى عز الدين بن عبد السلم (عون المعبود ،].)10/406وهو
التشاؤم ببعض اليام ،أو الطيور والسماء ،واللفاظ والبقاع وغيرها ،وهو من عمل الجاهلية
والمشركين ،وقد ذمهم ال تعالى به ومقتهم ،وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن
التطير وأخبر أنه شرك ،وأنه ل تأثير له في جلب نفع ول دفع ضر ،وهي من إلقاء الشيطان
وتخويفه ووسوسته.
قال تعالى{ :أَل ِإ ّنمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ َولَـ ِكنّ أَ ْك َثرَهُمْ َل يَعْ َلمُونَ} [العراف ،آية.].131:
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{ :أَل ِإنّمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ} يقول :مصائبهم عند ال
{وَلَـ ِكنّ َأ ْك َثرَهُمْ َل يَعْ َلمُونَ}.
335
[تفسير ابن وقال ابن جريج عن ابن عباس قال{" :أَل ِإنّمَا طَا ِئرُهُمْ عِندَ الّلهُ} أي :من قبل ال"
كثير.].2/257 :
وعن ابن مسعود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :الطيرة شرك الطيرة شرك ثلثًا"
[رواه أبو داود في الطب ،باب في الطيرة 4/230 :رقم( ،)3910والترمذي في السير ،باب ما جاء في الطيرة:
،161-4/160رقم ( ،)1614وقال :هذا حديث حسن صحيح ،وابن ماجه في الطب ،باب من كان يعجبه الفأل
ويكره الطيرة ،2/1170 :رقم ( ،)3538ورواه ابن حبان في صحيحه "موارد الظمآن" رقم (.].)1427
وهذا صريح في تحريم الطيرة ،وأنها من الشرك ،لما فيها من تعلق القلب بغير ال تعالى
[فتح المجيد :ص .].361
وقال ابن حجر" :وإنما جعل ذلك شركًا لعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضرًا فكأنهم
أشركوه مع ال تعالى" [فتح الباري ،10/213 :وانظر :ابن منظور /لسان العرب .].4/513 :وهي دعوة
باطلة لضاعة الوقات وتأجيل الحاجات ،وصرف للقلوب عن الخالق البارئ إلى مخلوقات ل
تضر ول تنفع.
غير أنه ل يكاد يوجد شذوذ عند الشيعة إل وفيه من رواياتهم نفسها ما يرد هذا الشذوذ
ويبطله ،فقد جاء في رواياتهم ما ينقض هذه الدعاوى ،وأبلغ ما يكون نقض الخصم لكلمه
[روضة الكافي :ص ،196وسائل الشيعة: بنفسه ،فقد روت كتب الشيعة أن أبا عبد ال قال :ل طيرة
.].18/262
وقال :كفارة الطيرة التوكل [روضة الكافي :ص ،198وسائل الشيعة.].8/262 :
وقال أبو الحسن الثاني رضي ال عنه" :من خرج يوم الربعاء ..خلفًا على أهل الطيرة
[من ل يحضره الفقيه ،1/95 :الخصال: وقي من كل آفة وعوفي من كل عاهة وقضى ال له حاجته"
.].2/27
وجاء عندهم أيضًا" :إذا تطيرت فامض" [تحف العقول :ص ،50ط.].2:
وجاء في البحار وغيره "في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يحب الفأل ،ويكره
الطيرة ،وكان عليه السلم يأمر من رأى شيئًا يكرهه ،ويتطير منه أن يقول" :اللهم ل يؤتي
[بحار النوار،3-95/2 : الخير إل أنت ول يدفع السيئات إل أنت ول حول ول قوة إل بك"
الطبرسي /مكارم الخلق ص .].403
فهذا تناقض ،والتناقض علمة بطلن المذهب ،ولكن مبدأ التقية ،ومخالفة العامة يعطل
الستفادة من هذه النصوص وأمثالها ،ولذلك تلحظ أن شيخهم الحر العاملي حمل حديثهم الذي
يقول "بأن يوم الثنين" يوم سفر وطلب على التقية.
336
الفصل الثالث
عقيدتهم في أسماء ال وصفاته
للشيعة في هذا الفصل أربع ضللت:
الضللة الولى :ضللة الغلو في الثبات (وما يسمى بالتجسيم).
الضللة الثانية :تعطيلهم الحق جل شأنه من أسمائه وصفاته.
الضللة الثالثة :وصف الئمة بأسماء ال وصفاته.
الضللة الرابعة :تحريف اليات بدافع عقيدة التعطيل للسماء والصفات.
وسأتوقف عند كل مسألة من هذه المسائل الربع وأبين مذهب الشيعة فيها من خلل
مصادرها – إن شاء ال .-
المبحث الوّل
الغلو في الثبات [التّجسيم]
[وفي كتاب ال سبحانه أدلة على تلبس اليهود بهذا الضلل .قال اشتهرت ضللة التّجسيم بين اليهود
ن اللّهِ} [التوبة ،آية.].30 :
ع َزيْ ٌر ابْ ُ
تعالى{ :وَقَا َلتِ ا ْليَهُو ُد ُ
وفي التوراة المتداولة اليوم بين اليهود أمثلة عديدة لفشو ضللة وصف ال سبحانه بصفات المخلوقين بينهم منها ما
يلي" :وسمعا (يعني آدم وحواء) صوت الرب الله ماشيًا" (سفر التكوين ،الفصل الثالث ،فقرة ،)8ومنها" :ثم صعد
موسى وهارون ..وسبعون رجلً من شيوخ بني إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت قدميه كصنعة بلط ..وكذات
السماء صفاء" (سفر الخروج ،الفصل الرابع والعشرون ،فقرة .)11 ،10 ،9 :وأمثلة كثيرة على هذا النمط وأشد،
فقرة ،22وسفر تثنية ،الفصل ،34فقرة ،10 وللمزيد من أمثلة هذه الفتراءات انظر :سفر التكوين ،الفصل 32
سفر القضاة ،الفصل ،6فقرة ،11سفر الخروج ،فصل ،24فقرة ..4إلخ ،].أوّل من ابتدع ذلك بين
المسلمين هم الرّوافض ،ولهذا قال الرّازي" :اليهود أكثرهم مشبّهة ،وكان بدء ظهور التّشبيه في
السلم من الرّوافض مثل هشام بن الحكم ،وهشام بن سالم الجواليقي ،ويونس بن عبد الرحمن
القمي وأبي جعفر الحول" [اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين :ص .].97
وكل هؤلء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الثنا عشرية في الطليعة من شيوخها ،والثقات
[انظر :محسن المين /أعيان الشيعة ،1/106 :وهؤلء في كتب الفرق أصحاب طوائف منسوبة من نقلة مذهبها
لسمائهم .قال الشعري" :الهشامية أصحاب هشام بن الحكم( "..مقالت السلميين )1/106 :و"اليونسية أصحاب
يونس بن عبد الرحمن القمي" (السابق ،)1/110 :و"الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجوليقي" (السابق،)1/109 :
والجميع ينتظمهم سلك الرفض.].
337
وقد حدد شيخ السلم ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلء فقال" :وأول من
عرف في السلم أنه قال :إن ال جسم هو هشام بن الحكم" [منهاج السنة.].1/20 :
وقبل ذلك يذكر الشعري في مقالت السلميين أنّ أوائل الشّيعة كانوا مُجسّمة ،ثم بيّن
مذاهبهم في التّجسيم ،ونقل بعض أقوالهم في ذلك ،إل أنّه يقول بأنّه قد عدل عنه قوم من
متأخّريهم إلى التّعطيل [انظر :مقالت السلميّين.]109-106 /1 :
وهذا يدل على أن اتجاه الثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة ،وسيأتي ما قيل
في تحديد ذلك [في المبحث الثاني.].
وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم
وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين.
يقول عبد القاهر البغدادي" :زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل
عريض عميق وأن طوله مثل عرضه[ "..الفرق بين الفرق :ص .].65
ويقول :إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لنه زعم أن معبوده على
صورة النسان ..وأنه ذو حواس خمس كحواس النسان [الفرق بين الفرق :ص ،].69-68وكذلك
ذكر أن يونس بن عبد الرحمن القمي مفرط أيضًا في باب التشبيه ،وساق بعض أقواله في ذلك
[الفرق بين الفرق :ص .].70
وقال ابن حزم" :قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه" [الفصل.].5/40 :
وقد نقل السفراييني مقالة هشام بن الحكم ،وهشام الجواليقي وأتباعهما في التجسيم ،ثم قال:
[التبصير في الدين/ "والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في السلم حظ"
.].24
وقد استفاض عن هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها
[انظر – بالضافة لما مضى :-الملطي /التنبيه والرد ص ،24الشهرساني /الملل والنحل،187 ،1/184 :
،188السكسكي /البرهان ص ،41ابن حجر /لسان الميزان ،6/194 :محمود البشبيشي /الفرق السلمية ص
،58علي مصطفى الغرابي /تاريخ الفرق السلمية ص .].300وتحدثت عن ذلك أيضًا بعض كتب
المعتزلة والزيدية .وممن نقل ذلك عن الروافض من المعتزلة الجاحظ حيث قال :وتكلمت هذه
[انظر: الرافضة وجعلت له صورة وجسدًا ،وكفرت من قال بالرؤية على غير التجسيم والتصوير
رسالة الجاحظ في بني أمية ص ( 99ضمن كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ،المطبعة
[تثبيت البراهيمية القاهرة 1937م) ،].وكذلك ابن الخياط [النتصار :ص ،].14والقاضي عبد الجبار
دلئل النبوة.].1/225 :
338
[يلحظ أن الزيدية هم يوافقون المعتزلة في العقيدة؛ ولذلك قال الشهرستاني" :أما في الصول ومن الزيدية
فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة" (انظر :الملل والنحل ،11/162المقبلي /العلم الشامخ.].)319 :
[يلحظ أنّ الزّيديّة هم يوافقون المعتزلة في العقيدة؛ ولذلك قال الشّهرستاني" :أمّا في الصول ومن الزّيديّة
فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة" (انظر :المِلَل والنّحَل ،11/162المقبلي /العلم الشّامخ ].)319 :ابن
[المنية المرتضى اليماني حيث قال بأن جل الروافض على التجسيم إل من اختلف منهم بالمعتزلة
والمل ص ،19وانظر :نشوان الحميري /الحور العين ص .].149-148
إذًا تشبيه ال سبحانه بخلقه كان في اليهود ،وتسرّب إلى التّشيّع ،لنّ التّشيّع كان مأوى لكلّ
[انظر ما سلف من الحديث عن من أراد الكيد للسلم وأهله ،وأول من تولى كبره هشام بن الحكم
هشام وصلته بفرية دعوى التحريف للقرآن التي استشرى داؤها في مذهب الثني عشرية ص( ،].)214-213ثم
تعدى أثره إلى آخرين عرفوا بكتب الفرق بمذاهب ضالة غالية منسوبة إليهم [انظر :ص ( )528هامش رقم.].)3( :
ولكن شيوخ الثني عشرية يدافعون عن هؤلء الضلل الذين استفاض خبر فتنتهم ،واستطار
[انظر :المجلسي في دفاعه عن هؤلء في بحار شرهم ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها
النوار.].292-3/290 :
[يع ني هشام بن الحكم ،وهشام بن سالم الجواليقي]. حتى قال المجلسي" :ولعل المخالفين نسبوا إليهما
هذين القولين [يشير إلى ما نسب إليهما من القول بالجسم ،والقول بالصورة ].معاندة" [بحار النوار.].3/288 :
وأقول :أما إنكار بعض الشيعة لذلك فقد عهد منهم التكذيب بالحقائق الواضحات ،والتصديق
بالكاذيب البينات.
وأما دفاعهم عن هؤلء الضلل فالشيء من معدنه ل يستغرب ،فهم يدافعون عن أصحابهم،
وقد تخصص طغام منهم للدفاع عن شذاذ الفاق ،ومن استفاض شره ،وتناقل الناس أخبار
مروقه وضلله ،في حين أنهم يتناولون من أثنى ال عليهم ورسوله بالذم والتفكي.
وقد يقال :إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فل يكون
حجة عليهم.
ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلل قد استفاضت من أصحاب المقالت على اختلف
اتجاهاتهم ،وهم أصدق من الرافضة مقالً ،وأوثق نقلً ،وهي تثبت أن الرافضة هم الصل في
إدخال هذه البدعة على المسلمين .لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم ،ول
شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوهمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة ،وإل فالواقع
خلف ذلك.
339
إذ قد جاء في رواياتهم في كتبهم المعتمدة ما يدل على أن متكلمي الشيعة كهشام بن الحكم،
وهشام بن سالم الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأمثالهم لم يكتفوا بمجرد إثبات
الصفات كما دل عليه القرآن والسنة ،بل تجاوزوا ذلك حتى ابتدعوا الغلو في الثبات والتجسيم.
جاء في أصول الكافي للكليني ،وفي التوحيد لبن بابويه وغيرهما ما يدل على أن الشيعة في
سنة (255ه) قد تاهوا في بيداء مظلمة ،إذ قد غرقوا في خلفهم في التجسيم؛ فمن قائل :إنه
صورة ،ومن قائل :إنه جسم ،وقد صوروا هذا الواقع لمامهم فحكم عليهم بأنهم بمعزل عن
التوحيد ،تقول الرواية كما يرويها صدوقهم القمي عن سهل قال :كتبت إلى أبي محمد سنة (
[لفظ "الجسم" وأمثاله من 255ه) قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول :هو جسم
اللفاظ المبتدعة التي لم نفي لفظها ول إثباته في الكتاب والسنة ..الحق التوقف في مثل هذه اللفاظ فل يثبت اللفظ ول
ينفى لعدم ورود دليل النفي أو الثبات .وأما المعنى فإن أراد حقًا قيل وإن أراد باطلً رد ،وإن اشتمل كلمه على حق
(بتحقيق محمد بن عودة وباطل فل بد من الستفصال وتبيين الحق من الباطل .وال أعلم .انظر :التدمرية ص 65
السعودي) وانظر معنى الجسم في اللغة وعند النظار والمتكلمين في :مجموع فتاوى شيخ السلم -12/316
،].318ومنهم من يقول :هو صورة ،فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ول
أجوزه فعلت متطولً على عبدك؟
فوقع بخطه :سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول ،ال تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوًا أحد .خالق وليس بمخلوق ،يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الجسام ويصور
ما يشاء وليس بمصوّر ،جل ثناؤه وتقدست أسماؤه ،وتعالى أن يكون له شبيه هو ل غيره ليس
[أصول الكافي ،1/103 :التوحيد لبن بابويه :ص ،102-101بحار كمثله شيء وهو السميع البصير
النوار.].3/261 :
وقد كان لهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند
الشيعة كما تذكر ذلك مجموعة من رواياتهم.
جاء في أصول الكافي وغيره ..عن محمد بن الفرج الرّخجي قال" :كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلم أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ،فكتب :دع
عنك حيرة الحيران واستعذ بال من الشيطان ،ليس القول ما قال الهشامان"
[أصول الكافي:
،1/105وانظر هذه الرواية في التوحيد لصدوقهم ابن بابويه ص ،97وفي "أمالي الصدوق" :ص ،228وبحار
النوار ،3/288 :والحر العاملي /الفصول المهمة ص .].15
وكان الئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما ،وحينما جاء بعض الشيعة إلى إمامهم وقال له" :إني
أقول بقول هشام" قال إمامهم (أبو الحسن علي بن محمد)" :ما لكم ولقول هشام؟ إنه ليس منا من
340
[ابن بابويه /التوحيد :ص ،104بحار النوار: زعم أن ال جسم ،ونحن منه براء في الدنيا والخرة"
.].3/291
وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه ،فهذا أحد رجالهم
[سمته الرواية :يعقوب السراج وهو من ثقاتهم (انظر :الفهرست للطوسي ص ].)214ينقل لبي عبد ال – كما
تقول الرواية – ما عليه طائفة من الشيعة من التجسيم فيقول" :إن بعض أصحابنا يزعم أن ال
صورة مثل النسان ،وقال آخر :إنه في صورة أمرد جعد قطط! فخرّ أبو عبد ال عليه السلم
ساجدًا ثم رفع رأسه فقال :سبحان الذي ليس كمثله شيء ول تدركه البصار ول يحيط به
علم[ "..ابن بابويه /التوحيد ص ،104-103بحار النوار.].3/304 :
وروى ابن بابويه عن إبراهيم بن محمد الخراز ومحمد بن الحسين قال" :دخلنا على أبي
الحسن الرضا عليه السلم فحكينا له ما روي أن محمدًا رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في
[يعني محمد بن سن أبناء ثلثين سنة ،رجله في خضره وقلنا :إن هشام بن سالم وصاحب الطاق
علي بن النعمان أبو جعفر؛ لنه يلقب بشيطان الطاق ،والشيعة يقولون عنه" :مؤمن الطاق" (سبقت ترجمته ص:
[هو :علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار ،من وجوه متكلمي الشيعة ،وتلميذ ].)207والميثمي
هشام بن الحكم ،له كتب منها كتاب "المامة" ،انظر :رجال النجاشي ص ].176يقولون :إنه أجوف إلى السرة
والباقي صمد ،فخر ساجدًا ثم قال :سبحانك ما عرفوك ول وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك،
[ابن بابويه /التوحيد ص ،114-113بحار سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك"..
النوار ،4/40 :أصول الكافي.].1/101 :
فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في الثبات ،حتى شبهوا ال جل شأنه بخلقه وهو كفر
شيْءٌ} [الشورى ،آية ].11:وعطلوا صفاته
بال سبحانه؛ لنه تكذيب لقوله سبحانهَ { :ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ
اللئقة به سبحانه فوصفوه بغير ما وصف به نفسه ،وإمامهم كان ينكر عليهم هذا المنهج
الضال ،ويأمر باللتزام في وصف ال ،بما وصف به نفسه .ورواياتهم في هذا الباب كثيرة
[لمعرفة المزيد من الشواهد انظر كتاب :التوحيد لبن بابويه ،باب أنه عز وجل ليس بجسم ول صورة ص-97:
،104وفيه عشرون رواية ،وأصول الكافي :باب النهي عن الجسم والصورة ،106-1/104 :وفيه ثماني
روايات ،وفي بحار النوار ،في باب نفي الجسم والصورة والتشبيه وفيه ( )47رواية ،وفي ترجمة هشام ابن الحكم،
وهشام بن سالم ،ويونس بن عبد الرحمن في رجال الكشي أمثلة أخرى لهذا التجاه ،وانظر بعض روايات هذه المسألة
أيضًا عند :الطبطبائي /مجالس الموحدين في أصول الدين :ص .].23
فهذا التجاه إلى الغلو في الثبات ،قد طرأ على الثبات الحق الذي عليه علماء أهل البيت،
وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان :اتجاه التجسيم الذي تزعمه هشام ،واتجاه التنزيه الذي عليه
341
أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها ،وكما هو "ثابت مستفيض في كتب أهل العلم"
[منهاج السنة.].20/144 :
المبحث الثاني
التعطيل عندهم
بعد هذا الغلو في الثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة؛ حيث تأثر بمذهب
المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة ،وكثر التجاه إلى
التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف
[انظر :منهاج السنة: المرتضى ،وأبي جعفر الطوسي ،واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة
.].1/229
وكثير مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة ،وكذلك ما يذكرونه في تفسير
[منهاج السنة: القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة
.].1/356
ولهذا ل يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب السماء
والصفات فرقًا ،فالعقل – كما يزعمون – هو عمدتهم فيما ذهبوا إليه ،والمسائل التي يقررها
المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون كمسألة خلق القرآن ،ونفي رؤية
المؤمنين لربهم في الخرة ،وإنكار الصفات.
بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا ،هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة
المتأخرون.
والفرق الذي قد يلمسه القارئ في هذه المسألة هو أن الشيعة أسندوا روايات إلى الئمة
تصرح بنفي الصفات وتقول بالتعطيل ،مع أنهم كما قال شيخ السلم ابن تيمية قد "أسسوا دينهم
[منهاج السنة ،79-2/78 :تحقيق على أن باب التوحيد والصفات ل يتبع فيه ما رأوه بقياس عقولهم"
د .محمد رشاد سالم ،أو ج 1/232من ط :الميرية .].وهذا تلمسه في طريقة احتجاجهم على مذهبهم في
التعطيل كما في النكت العتقادية للمفيد ،ونهج المسترشدين لبن المطهر وغيرها من كتبهم
الكلمية حيث اعتمدوا المنهج العقلي الكلمي البحث في صفات ال.
وهذا مخالف للمنهج الشرعي والعلمي والعقلي؛ إذ إن صفات ال سبحانه من الغيب الذي
يتوقف العلم به على الكتاب والسنة.
342
ومع اعتمادهم الدليل العقلي كمنهج أهل العتزال فإنك تلحظ أنهم جاءوا بروايات كثيرة عن
الئمة يسندون بها مذهبهم في التعطيل ،ويفترون على أمير المؤمنين علي – رضي ال عنه –
وبعض علماء أهل البيت كمحمد الباقر وجعفر الصادق بأنهم يقولون بالتعطيل .واعتبر بعض
شيوخهم المعاصرين أن هذا هو عمدتهم في نفي الصفات؛ حيث قال – تحت عنوان طريقة
معرفة الصفات " :-هل يبقى مجال للبحث عن الصفات وهل له طريق إل الذعان بكلمة أمير
[الزنجاني /عقائد المامية الثني عشرية المؤمنين رضي ال عنه :كمال الخلص نفي الصفات عنه"
ص .].28
فترى القوم ليس لهم منهج ثابت ،ذلك أن مسالك التقليد عرضة لتناقض ،فهم حينًا يعتمدون
العقل ،وتارة يعتمدون الخبر ..فهم بين مشرب أخباري ،ومشرب اعتزالي عقلي يتأرجحون.
هذا والثابت عن علي رضي ال عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات ل..
والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم [منهاج السنة .].2/144 :وهذا أيضًا ما تعترف
به بعض روايات لهم موجودة وسط ركام هائل من التعطيل ،وسيرد شيء منها بعد قليل.
ولكن المثلة على رواياتهم التي نسبوها لهل البيت والتي تصرح بنفي الصفات كثيرة ،منها
قولهم" :وكمال التوحيد نفي الصفات عنه" [التوحيد لبن بابويه :ص ،].57وقولهم" :وحمد ال نفي
[التوحيد لبن الصفات عنه" [التوحيد لبن بابويه :ص " ،].35-34ول نفي (للتشبيه) مع إثبات الصفات"
بابويه :ص .].40
[ابن المطهر/ وصرح علمتهم ابن المطهر بأن مذهبهم في السماء والصفات كمذهب المعتزلة
[الطبطبائي /مجالس الموحدين في أصول نهج المسترشدين ص ،].32ومنهم من قال" :وكمذهب الفلسفة"
الدين ص .].21
كما وصفت مجموعة من رواياتهم رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات
الثابتة له سبحانه ،فقد روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى" :ل يوصف
بزمان ول مكان ،ول كيفية ،ول حركة ،ول انتقال ،ول بشيء من صفات الجسام ،وليس حسًا
ول جسمانيًا ول صورة[ "..انظر :التوحيد /لبن بابويه ص 31وما بعدها.].
وشيوخهم ساروا على هذا النهج الضال من تعطيل الصفات الواردة في الكتاب والسنة
ووصفه سبحانه بالسلوب .قال شيخهم محمد الحسيني الشهير بالقزويني (ت 1300ه) والذي
يلقبونه بالمام الثالث عشر لنه قابل منتظرهم – المزعوم – ثلث مرات .قال في وصف ال
سبحانه .." :ل جزء له ،وما ل جزء له ل تركيب فيه ،وما ليس بمركب ليس بجوهر ول
عرض ،وما ليس بجوهر ليس بعقل ول نفس ول مادة ول صورة ول جسم ،وما ليس بجسم
343
ليس في مكان ول في زمان ول في جهة ،ول في وقت ،وما ليس في جهة ل كم له ول كيف
ول رتبة ،وما ل كم له ول كيف له ول جهة ل وضع له ،وما ليس له وضع ول في وقت ول
في مكان ل إضافة له ول نسبة ،وما ل نسبة له ل فعل فيه ول انفعال ،وما ليس بجسم ول لون
[قلئد الخرائد في أصول العقائد ص ،50وانظر في مثل هذه ول في مكان ول جهة ل يرى ول يدرك"..
الطريقة :ابن المطهر /نهج المسترشدين ص ،47-45الطبطبائي /مجالس الموحدين في أصول الدين ص .].21
فأنت ترى أن هذا النفي المحض الذي استقاه من ركام الفلسفة وغثاء الملحدة يتضمن نفي
حمْدُ لِّلهِ رَبّ
علَى ا ْل ُم ْرسَلِينَ ،وَالْ َ
عمّا يَصِفُونََ ،وسَلمٌ َ
الوجود الحق {سُبْحَانَ َربّكَ رَبّ ا ْل ِعزّةِ َ
الْعَا َلمِينَ} [الصافات ،آية.].182-180 :
وليس هذا بجديد ،فهو سبيل من زاغ وحاد عن منهج الرسل عليهم السلم "من الكفار
[ذهب جملة من الصابئة إلى وصف والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلء من الصابئة
ال سبحانه بالسلوب ،ولذلك قال البيروني عن صابئة حران :إنهم يصفون ال سبحانه بالسلب ل باليجاب كقولهم :ل
يحد ول يرى ول يظلم ول يجور ،ويسمونه بالسماء الحسنى مجازًا إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة ،وينسبون التدبير
إلى الفلك وأجرامه (الثار الباقية عن القرون الخالية ص .)205
وطائفة الصابئة عمومًا اختلف في أمرها فقد أخرج الطبري بسنده عن مجاهد وغيره أنهم قالوا" :الصابئون قوم
من تحقيق أحمد ومحمود شاكر). بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين"( .انظر :تفسير الطبري2/146 :
وهذا ما رجحه ابن كثير (انظر :تفسير ابن كثير ،)1/107 :واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب في
زمان إبراهيم (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص )143ويذكر الشهرستاني أن الفرق في زمان إبراهيم
يرجعون إلى صنفين :صابئة وحنفاء (الملل والنحل .)1/230 :وأنهم بحكم ميلهم عن سنن الحق وزيغهم عن نهج
النبياء قيل لهم الصابئة ،لن صبأ في اللغة بمعنى مال وزاغ (المصدر السابق )2/5 :وانظر عن الصابئة (بالضافة
لما أشي إليه من مصادر) :التبصير في الدين للسفراييني ص ،59الرد على المنطقيين لبن تيمية ص -287
[الجهمية :أتباع الجهم بن سفوان .من ،457-454 ،289الخطط للمقريزي ].2/344 :والمتفلسفة والجهمية
ضللته القول بنفي الصفات وبدع أخرى كالقول بالرجاء ،والجبر ،وفناء الجنة والنار( .انظر عن الجهم والجهمية:
وما بعدها ،الشعري/ الرد على الجهمية للمام أحمد ص 64وما بعدها ،خلق أفعال العباد للبخاري ص 118
مقالت السلميين 1/214 :وما بعدها ،التنبيه والرد /للملطي ص ،218التبصير في الدين /للسفراييني ص ،63
والبدء والتاريخ /للمقدسي ،5/146 :تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي وغيرها) .ومصطلح الجهمية لم يعد مختصًا
بالجهمية المحضة أتباع جهم بن صفوان .قال شيخ السلم ابن تيمية" :إن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات
وقال :إن القرآن مخلوق وإن ال ل يرى في الخرة – جهميًا" (مجموع الفتاوى ،)12/119 :وقال في موضع آخر:
"ومن الجهمية :المتفلسفة والمعتزلة الذين يقولون :إن كلم ال مخلوق( "..المصدر السابق ].)12/524 :والباطنية
[الباطنية :من ألقاب السماعيلية ومر التعريف بها ص ].)97( :ونحوهم .فإنهم يصفونه سبحانه بالصفات
السلبية على وجه التفصيل ول يثبتون إل وجودًا مطلقًا ل حقيقة له عند التحصيل ،فقولهم
344
يستلزم غاية التعطيل وهو نفي الوجود الحق؛ لنهم يعطلون السماء والصفات تعطيلً يستلزم
نفي الذات.
[انظر :التدمرية لبن كما يستلزم غاية التمثيل حيث يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات
تيمية :ص .].16
وهؤلء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من
التحريفات والتعطيلت [انظر :التدمرية لبن تيمية :ص .].19
وال سبحانه بعث رسله في صفاته بإثبات مفصل ،ونفي مجمل [التدمرية لبن تيمية :ص .].8
ولهذا يأتي الثبات للصفات في كتاب ال مفصلً ،والنفي مجملً [شرح الطحاوية :ص .].49
سمِيعُ ال َبصِيرُ} [الشورى ،آية .].11:فالنفي جاء مجملً
شيْءٌ وَ ُهوَ ال ّ
قال تعالىَ{ :ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ
[مريم، شيْءٌ} وهذه طريقة القرآن في النفي غالبًا .قال تعالىَ { :ه ْل تَ ْعلَمُ َلهُ سَ ِميّا}
{ َليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ
[التدمرية ص ،8وانظر :لسان العرب، آية ].65 :أي نظيرًا يستحق مثل اسمه ،ويقال :مساميًا يساميه
مادة "سما".].
وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس :هل تعلم له مثلً أو شبيهًا [تفسير الطبري.].16/106 :
وقال سبحانه{ :وَلَمْ يَكُن ّلهُ كُ ُفوًا أَحَدٌ} [الخلص ،آية.].4:
سمِيعُ ال َبصِيرُ} وكآخر سورة الحشرُ { :هوَ الّلهُ الّذِي
أما في الثبات فيأتي التفصيل {وَ ُهوَ ال ّ
حمَنُ الرّحِيمُ ُ ،هوَ الّلهُ الّذِي ل ِإَلهَ إِل ُهوَ ا ْل َملِكُ
شهَادَةِ ُهوَ الرّ ْ
ل ِإَلهَ إِل ُهوَ عَالِمُ ا ْل َغيْبِ وَال ّ
شرِكُونَ ُ ،هوَ الّلهُ
عمّا ُي ْ
جبّارُ ا ْلمُتَ َك ّبرُ سُبْحَانَ الّلهِ َ
الْقُدّوسُ السّلمُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ الْ َعزِيزُ ا ْل َ
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ ا ْل َعزِيزُ
س ّبحُ َلهُ مَا فِي ال ّ
حسْنَى يُ َ
سمَاء ا ْل ُ
ص ّورُ َلهُ ا َل ْ
الْخَالِقُ ا ْلبَا ِرئُ ا ْلمُ َ
الْحَكِيمُ} [الحشر ،آية.].24-22:
وشواهد هذا كثيرة [وقد استعرض أكثرها شيخ السلم في السلم التدمرية ص 8وما بعدها.].
فطريقة هؤلء في النفي المحض ل تتفق مع طريقة القرآن ،كما ل تتفق مع الفطر السليمة
[قال والعقول الصريحة ،بل هي منكرة في مدح البشر للبشر فكيف يوصف بها رب العالمين
شارح الطحاوية" :وهذا النفي المجرد مع كونه ل مدح فيه ،فيه إساءة أدب ،فإنك لو قلت للسلطان :أنت لست بزبال
ول حجام ول حائك! لدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقًا ،وإنما تكون مادحًا إذا أجملت النفي ،فقلت :أنت لست
مثل أحد من رعيتك ،أنت أعلى منهم وأشرف وأجل ،فإذا أجملت في النفي ،أجملت في الدب" (علي بن أبي العز/
شرح الطحاوية].)50 /؟!
والشيعة تروي عن أئمتها "أن الخالق ل يوصف إل بما وصف به نفسه" ولكنها تعرض عن
ذلك كما أعرضت عن كتاب ال سبحانه ،وعن مقتضى العقل والفطرة ،وتؤثر في ذلك التقليد
345
المحض ،والخذ من "نفايا" الفلسفات البائدة وإل فكيف يتجرأ عاقل على العتماد في أمر غيبي
ل سبيل للوصول إلى المعرفة فيه على سبيل التفصيل إل بخبر السماء على العقل القاصر
والفكر العاثر ،وتحكيم خيالت البشر المتناقضة ،وتصوراتهم المتعارضة؟!
وهؤلء المعطلة قد رد عليهم أئمة السلم وبينوا باطلهم ،ولن نكرر القول ونبدئ فيه
ونعيد ..ولكن الذي يمكن أن يضاف في هذا المجال بعد ظهور الكتاب الشيعي وانتشاره هو
تصوير هذه المسألة من كتب الشيعة ومن خلل روايات الشيعة عن أئمتها ،وكلم شيوخهم
المبني على مجاراة أهل التعطيل ،ليتبين مدى تناقضهم ،وانفصالهم عن أئمتهم ،ومدى تدخل
اليدي السبئية لتحوير مذهب الئمة ،ووضع روايات تحاكي مذهب التعطيل ،وتصدق مذهبهم
في التقليد ،وسأختار ثلثة مسائل في ذلك:
الولى :مسألة خلق القرآن.
الثاني :مسألة الرؤية.
الثالثة :مسألة النزول اللهي.
ثم أبين بعد ذلك من خلل نصوص الشيعة نفسها أن مذهب الئمة كان وسطًا بين غلو
الممثلة ،وجفاء المعطلة .وهو ما يتفق مع مذهب أهل السنة ،وهو الموافق للنقل الصحيح والعقل
الصريح.
1ـ المسألة الولى :قولهم بأن القرآن مخلوق:
[انظر في القرآن كلم ال منزل غير مخلوق ،وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع السلف
تقرير مذهب السلف في ذلك والرد على المخالفين :الرد على الزنادقة والجهمية للمام أحمد ،كتاب خلق أفعال العباد
للبخاري ،والرد على الجهمية للدارمي ،وكتاب رد عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ،والختلف في اللفظ والرد
على الجهمية والمشبهة لبن قتيبة ،والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد ،والرد على الجهمية لبن منده
وغيرها ،].والثنا عشرية حذت حذو الجهمية في القول بخلق القرآن ،فقد عقد شيخ الشيعة في
[بحار النوار: زمنه المجلسي في البحار في كتاب القرآن بابًا بعنوان" :باب أنّ القرآن مخلوق"
]121-117 /92أورد فيه إحدى عشرة رواية ،ومعظم هذه الروايات تخالف ما ذهب إليه،
ولكن لشيوخ الشيعة مسلكًا في تأويلها سنذكره بعد قليل.
[أعيان الشّيعة: ويقول آية الشيعة محسن المين" :قالت الشّيعة والمعتزلة :القرآن مخلوق"
.]1/461
وهذا بناءً على إنكارهم لصفة الكلم ل وزعمهم أن ال سبحانه "يوجد الكلم في بعض
مخلوقاته كالشجرة حين كلم موسى ،وكجبرائيل حين أنزل بالقرآن" [أعيان الشيعة.].1/453 :
346
[وقد سئل شيخ السلم عمن قال ذلك فأتى بكفره وأنه هذا بعض ما يقوله شيوخهم في هذا المر
يستتاب ،فإن تاب وإل قتل ،وقال بأنه يكفر ولو قال :أنا ل أُكذّب قوله تعالى{ :وَ َكلّ َم اللّهُ مُوسَى تَ ْكلِيمًا} [النساء ،آية:
.]164بل أٌقر بأن هذا اللفظ حق ،ولكن أنفي معناه وحقيقته ،وقال بأن هؤلء هم الجهمية الذين اتفق السلف والئمة
على أنهم من شر أهل الهواء والبدع ،حتى أخرجهم كثير من الئمة عن الثنتين والسبعين فرقة( ،انظر :مجموعة
الرسائل والمسائل لبن تيمية ،1/474 :أو مجموع فتاوى شيخ السلم ،12/502 :وقال في موضع آخر :إن
سلف المة وأئمتها َكفّروا الجهمية الذين قالوا :إن ال خلق كلمًا في بعض الجسام سمعه موسى وفسر التكليم بذلك.
(مجموع فتاوى شيخ السلم.].)12/533 :
وإذا رجعت إلى الروايات التي ينقلونها عن (آل البيت) وجدتها تخالف في أكثرها ما يذهب
إليه هؤلء ،فمن ذلك:
ما جاء في تفسير العياشي" :عن الرضا أنه سئل عن القرآن فقال ...:إنه كلم ال غير
مخلوق[ "..تفسير العياشي.].1/8 :
وفي رجال الكشي ..." :إن الكلم ليس بمخلوق[ "..رجال الكشي:ص .].490
وفي "التوحيد" لبن بابويه القمي قيل لبي الحسن موسى رضي ال عنه" :يا ابن رسول ال،
ما تقول في القرآن؛ فقد اختلف فيه من قبلنا فقال قوم :إنه مخلوق ،وقال قوم :إنه غير مخلوق؟
فقال رضي ال عنه :أما إني ل أقول في ذلك ما يقولون ،ولكني أقول :إنه كلم ال عز وجل"
[ابن بابويه /التوحيد ص .].224
[انظر في ذلك :البحار ،121-92/117 :التوحيد :ص -223 وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم
.].229
ولكن يلحظ أن شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمي قد ذهب في تأويل هذه النصوص إلى
اتجاه آخر فأثبت أن قول الئمة :القرآن غير مخلوق يعني "أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ل
يعني به أنه غير محدث" [انظر :التوحيد ص ،225البحار .].92/119 :وقال" :وإنما امتنعنا من
إطلق المخلوق عليه لن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبًا ،ويقال :كلم مخلوق أي مكذوب"
[التوحيد ص ،225البحار.].92/119 :
ول شك أن هذا التأويل ل يسلم له لنه من الواضح أن النصوص السابقة ترد على ما ذهب
إليه أهل العتزال من القول بأن القرآن مخلوق ،فقال السلف ردًا عليهم :إنه غير مخلوق ولم
يريدوا بذلك أنه غير مكذوب كما يزعم ابن بابويه وغيره ،فإن أحدًا من المسلمين لم يقل :إنه
مكذوب ،بل هذا كفر ظاهر يعلمه كل مسلم ،وإنما قالوا :إنه مخلوق خلقه في غيره فرد السلف
347
[انظر :مجموع فتاوى هذا القول ،كما تواترت الثار عنهم بذلك ،وصنف في ذلك مصنفات متعددة
شيخ السلم.].12/301 :
وفي كتاب تفسير الصراط المستقيم ليتهم البروجردي نقل نصًا عن ابن بابويه – أيضًا –
يحيل فيه النصوص التي فيها المعنى السابق على التقية فقال" :ولعلّ المنع من إطلق الخلق
على القرآن إمّا للتّقية مماشاة مع العامّة ،أو لكونه موهمًا لمعنى آخر أطلق الكفّار عليه بهذا
المعنى في قولهم :إن هذا إل اختلق" [تفسير الصّراط المستقيم.].1/304 :
فلم يجد هؤلء الشيوخ ما يلوذون به إل القول "بالتقية" أو ما ماثلها ..وهذا المنهج يثبت أنهم
ليسوا على شيء ،وأن احتمال التقية في كل نص قد أفسد عليهم أمرهم وأضاع حقيقة المذهب،
[راجع كتاب "درةفأصبح دينهم دين المجلسي ،أو الكليني ،أو ابن بابويه القمي ل روايات الئمة
نجفية" لشيخهم هاشم البحراني ص 60وما بعدها ،فقد عرض لختلف الروايات عندهم من أجل التقية ،وكشف عن
حيرتهم بأي القوال يؤخذ هل يؤخذ بالول أو بالخير أو يتوقف أو يخير في الخذ بأيهما شاء أو ماذا يفعل بهذه
القوال المتعارضة المتناقضة؟! فقد جعلت التقية كما يقول هذا البحراني" :مناط كلم ل تخلو من شوب وريب وتردد
لكثرة الختلفات في تعارض الدلة وتدافع المارات" (درة نجفية :ص ،61وانظر :فصل "التقية" في هذه
الرسالة).].
وتسنى لكل شيخ ،أو زنديق أو مفتر يلبس ثوب المشيخة ،ويتظاهر بالعلم أن يأخذ ما شاءت
له زندقته أو جهله وهواه وتعصبه واحدًا من هذه القوال المتعارضة المتضاربة ويعرض عن
القوال الخرى ولو كانت حقًا ،ويجد ما يبرر هذا التصرف من الحتجاج بالتقية ،أو دعوى أن
في ذلك مخالفة للعامة – أي أهل السنة – ففي خلفهم الرشاد – كما يفترون ،-وهكذا يضيع
العلم والحق والدين بهذه الطريقة الماركة ،ويكتب على المة الفرقة والخلف بهذه الساليب
التي هي من وحي الشيطان ومكره ...ولو أحسن محسن للشيعة وأراد بها الخير من شيوخها
لسلك بها طريق الجماعة وأخذ من رواياتهم ما يتفق وكتاب ال ،وما عليه أهل السنة والجماعة،
وتخلص من مكر القمي والكليني والمجلسي ،ول سيما ،والئمة تشتكي من كثرة الكذابين عليها
[رجال الكشي :ص ،136-135وللطلع على المزيد من حتى قالوا" :بأن الناس أولعوا بالكذب علينا"
الشواهد ارجع إلى فصل "عقيدتهم في السنة" ص.].)362( :
ولو أردت أن تطبيق هذه النظرية – أعني ما تتفق فيه روايات أهل السنة مع روايات الشيعة
عن أهل البيت في هذه المسألة – لوجدت أن كتب الشيعة روت – كما سبق – روايات عن أهل
البيت بأن كلم ال منزل غير مخلوق ،وكتب أهل السنة روت مثل هذا؛ فقد أخرج البخاري في
(ضمن مجموعة عقائد السلف تحقيق كتاب أفعال العباد [خلق أفعال العباد ص ( 36تحقيق البدر) ،وص 135
348
تحقيق د /محمد رشاد النشار وعمار الطالبي) ].وابن أبي حاتم [كما في منهاج السنة لبن تيمية188-2/187 :
سالم ،].وأبو سعيد الدارمي [الرد على الجهمية ص ،].101والجري في الشريعة [الشريعة :ص ،].77
[العتقاد :ص ،36وقال البيهقي بعد ذكره" :فهو عن جعفر صحيح مشهور ،وقد روي والبيهقي في العتقاد
ذلك عن جعفر بن محمد عن أبيه علي بن الحسين ،وروي عن الزهري عن علي بن الحسين ،ورويناه من أوجه عن
مالك بن أنس وهو مذهب كافة أهل العلم قديمًا وحديثًا" (المصدر السابق :ص ،].)39والسماء والصفات
[شرح أصول اعتقاد أهل [السماء والصفات :ص ،].247والللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
ط: السنة ،].242-241 ،2/238 :وابو داود في مسائل المام أحمد [مسائل المام أحمد :ص 265
بيروت ،أو ص ( 107-106ضمن مجموعة عقائد السلف) ].عن جعفر الصادق أنه قال حينما سئل عن
القرآن قال" :ليس بخالق ول مخلوق" .قال شيخ السلم ابن تيمية :إنه قد استفاض ذلك عن
جعفر [منهاج السنة.].1/278 :
فلماذا ل يؤخذ بالمعنى المتفق عليه ويترك الباطل الذي ل يسنده إل أقوال شيوخ يبغون في
المة الفرقة والخلف ،وينشدون الشذوذ والعزلة ليتسنى لهم تحصيل الموال الطائلة باسم
الخمس ،وتتحقق لهم الوجاهة الجتماعية ،والمنزلة (المقدسة) باسم النيابة عن المام الغائب؟
ولهذا ما برحوا يؤكدون على القول :إن ما خالف العامة ففيه الرشاد.
تحقيق د/ "والعامة" أو أهل السنة بالمعنى العام يدخل فيه المعتزلة [انظر :منهاج السنة2/163 :
محمد رشاد سالم ،].وهم قلدوا المعتزلة في هذا ،ذلك أن مسألة خلق القرآن من عقائد أهل
العتزال ،قال عبد الجبار في شرح الصول الخمسة" :وأما مذهبنا في ذلك (أي في القرآن)
[شرح الصول الخمسة :ص ،528وانظر: فهو أن القرآن كلم ال تعالى ووحيه وهو مخلوق محدث"
المحيط بالتكليف ص .].331
وقد تلقته الشيعة فيما تلقته من آراء المعتزلة ..فهي بضاعة اعتزالية ،فلم يتحقق لهم مخالفة
العامة.
[قال ابن حجر" :الجعد بن درهم عداده في التابعين ،مبتدع وأول من قال بهذه المقالة هو الجعد بن درهم
ضال زعم أن ال لم يتخذ إبراهيم خليلً ،ولم يكلم موسى ،فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر ،وللجعد أخبار كثيرة في
الزندقة" (لسان الميزان ،2/105ميزان العتدال ،1/399 :ابن نباتة /سرح العيون :ص .].)294-293
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم :سمعت أبي يقول" :أول من أتى بخلق القرآن جعد بن درهم
[الللكائي /شرح أصول اعتقاد أهل السنة ص .382ويلحظ أن النص المذكور له تتمة هي "وقاله (أي خلق القرآن)
في سنة نيف وعشرين ومائة" ولم يتعقب المحقق هذا النص بشيء زعم أن الجعد قتل نحو سنة 118ه ].فهو أول
[انظر :ابن تيمية :بيان من قال بمبدأ التعطيل في هذه المة ،ثم تلقى ذلك عنه الجهم بن صفوان"
349
تلبيس الجهمية ،1/127 :مجموع فتاوى شيخ السلم ،5/20 :وانظر :درء تعارض العقل والنقل ،5/244ابن
نباتة ،سرح العيون :ص .].293
ويشير البعض إلى أن هذه المقالة ترتد في أصولها إلى مؤثرات أجنبية ،فقد ذكر ابن الثير،
وشيخ السلم ابن تيمية وغيرهما أن الجعد أخذ ذلك – أي القول بخلق القرآن – عن أبان بن
سمعان ،وأخذه هذا من طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى ال
عليه وسلم وكان يقول بخلق التوراة ،وكان طالوت زنديقًا ،وهو أول من صنف لهم في ذلك ثم
[انظر :ابن الثير /الكامل ،5/294 :ابن تيمية /الحموية (ضمن مجموع فتاوى شيخ أظهره الجعد بن درهم
السلم ،)5/20/21 :ابن نباتة /سرح العيون :ص ،293السفاريني /لوامع النوار ،].1/23 :كما يذكر
الخطيب البغدادي أن والد بشر المريسي وهو أحد كبار القائلين بخلق القرآن من المعتزلة كان
يهوديًا [تاريخ بغداد.].7/61 :
ومن هنا يظهر الثر اليهودي في ظهور هذه المقالة.
ويشير شيخ السلم – رحمه ال – إلى مؤثرات أخرى حيث يذكر أن الجعد بن درهم كان
من أهل حران ،وكان فيهم من بقايا الصابئين والفلسفة خصوم إبراهيم عليه السلم؛ لهذا أنكر
تكليم موسى وخلة إبراهيم موافقة لفرعون والنمرود بناء على أصل هؤلء النفاة وهو أن الرب
تعالى ل يقوم به كلم ،ول محبة لغيره ،فقتله المسلمون ،ثم انتشرت مقالته فيمن ضل من هذا
الوجه [درء تعارض العقل والنقل.].176-7/175 :
وتلك الروايات الواردة في كتب الشيعة والتي تنص على أن القرآن منزل غير مخلوق قد
[انظر :منهاج تمثل مذهب قدماء الشيعة الذين كانوا على هذا العتقاد كما أشار إلى ذلك أهل العلم
[انظر :الشعري/ السنة].1/296 :؛ لن القول بأن القرآن مخلوق هو من إحداث متأخري الشيعة
مقالت السلميين.].1/114 :
كما أن العتقاد بأن القرآن منزل غير مخلوق ،هو الثابت عن أهل البيت ،إذ ليس من أئمة
أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من يقول بخلق القرآن،
ولكن المامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم [منهاج السنة.].1/296 :
أما قولهم بأن كلم ال لموسى خلقه في شجرة؛ فهو مخالف لصريح قوله سبحانه{ :وَكَلّمَ ال
مُوسَى تَكْ ِلمًا} [النساء ،آية ].164 :فالتأكيد بالمصدر "تكليمًا" ينفي التأويل الذي يشيرون إليه ،ولذا
قال غير واحد من العلماء :التوكيد بالمصدر ينفي المجاز [مجموع فتاوى شيخ السلم.].12/515 :
ولو كان المر على ما يدعون لم يكن في ذلك مزية لموسى عليه السلم ،وفضيلة اختص
بها ،ونوه ال سبحانه بذكرها فإن "من سمع كلم ال من مالك أو من نبي أتاه به من عند ال
350
أفضل مرتبة في سماع الكلم من موسى؛ لنهم سمعون من نبي ،وموسى سمعه من شجرة..
ويلزمهم أن تكون الشجرة هي التي قالت( :إنني أنا ال ل إله إل أنا فاعبدني) وهذا ظاهر
الفساد" [البيهقي /العتقاد ص .].33
والرد على الجهمية القائلين بنفي الصفات كثير في كلم التابعين وتابعيهم ،والئمة المشاهير،
وفي مسألة القرآن آثار كثيرة جدًا [مجموع فتاوى شيخ السلم ،].12/418 :وهي مذكورة في الكتب
المتخصصة في ذلك [انظر :ص ( )541هامش ( .].)1ولكن الذي يمكن أن يضاف فيما يتصل بنقد
المذهب الشيعي في ذلك بعد ظهور كتبهم وانتشارها أنهم وهم ينفون هذه الفضيلة لموسى عليه
السلم ،وينكرون مناجاة ال له ومناداته ،ويزعمون أن الشجرة هي التي كلمت موسى عليه
السلم – لم يأخذوا بهذا المنهج فيما يتصل بالمام ،ونسوا هذه القضية في حديثهم عن فضائل
الئمة ..لقد جاء في كتابهم المعتمد عندهم "بحار النوار" باب بعنوان "باب أنّ ال تعالى ناجاه
صلوات ال عليه[ "..بحار النوار ].39/151 :وساق فيه مجموعة من رواياتهم في هذا المعنى عزاها
– كعادته – إلى طائفة من كتبهم المعتمدة.
تقول إحدى هذه الروايات" :لمّا بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر
ن ال – بزعمهم –
[لحظ هنا أ ّ وأنزل ال عليه :تترك من ناجيته غير مرّة ،وتبعث من لم أناجه؟
عاتب رسول ال ،وبيّن خطأه ..وهذا يناقض دعوى العصمة المطلقة التي يصفون بها الرّسول والئمّة ..والتّناقض
سمة عامّة وظاهرة مطردة في نصوصهم] فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذ براءة منه
ودفعها إلى علي رضي ال عنه فقال له علي :أوصني يا رسول ال ،فقال له :إنّ ال يُوصيك
ويناجيك ،قال :فناجاه يوم براءة قبل صلة الولى إلى صلة العصر" [بحار النوار.].39/155 :
وتقول رواية أخرى .." :إنّ ال ناجاه (يعني عليّا) يوم الطّائف ويوم عقبة تبوك ،ويوم حنين"
[بحار النوار ،39/154 :الختصاص :ص .].328
وفي بصائر الدرجات ،والختصاص وبحار النوار ،رواية تقول" :عن أبي عبد ال قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل الطائف :لبعثن إليكم رجلً كنفسي يفتح ال به الخيبر،
سوطه سيفه" ،ثم تذكر الرواية اختيار علي لهذه المهمة ،وأن الرسول لحق به ولما وصلها كان
علي على رأس الجبل فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :اثبت ،فثبت ،فسمعنا مثل صرير
الزجل [قالوا :معناه "صوت الرّعد" ،انظر :بحار النوار ،39/156 :الختصاص :ص ( 200الهامش) ].فقيل:
[المفيد /الختصاص :ص -200 يا رسول ال ،ما هذا؟ قال :إنّ ال يناجي عليّا رضي ال عنه"
صفّار /بصائر الدّرجات (انظر الموضع نفسه من المصدر السّابق).].
،201بحار النوار ،156-155 /39 :ال ّ
351
وبغض النظر عما في هذه الرواية من أخطاء تاريخية في خلطها بين فتح خيبر والطائف،
فلعل القارئ يلحظ هذا التشبيه لكلم الحق جل شأنه ...فعنصر التجسيم والتمثيل واضح في
قوله" :مثل صرير الزجل" ول تشير الرواية إلى أن هذا قد سمعه علي من شجرة ونحوها ،فما
بالهم يذهبون تارة إلى التعطيل المحض ،وتارة إلى التجسيم ،هل هذه الروايات تمثل الدوار
التي مرت بها مراحل التشيع حينما كان الشيعة مجسمة ،ثم تحولوا إلى مرحلة التعطيل في
المائة الثالثة حينما هبت عليهم أعاصير العتزال؟!
أم أن وضّاع هذه الروايات يمثلون على نحلة وكل يضع ما تمليه عليه عقيدته؟!
والتشيع يحتضن الجميع بل تفريق؛ فحب علي حسنة ل تضر معها سيئة كما يقولون.
ول يجدون ما يلجؤون إليه في تعليله سوى القول بالتقية ،ول يكاد يجزم شيخ من مشايخم
بمعرفة أي القولين تقية إل بالقول بأن ما خالف العامة (يعني أهل السنة) فيه الرشاد .وليتهم
قالوا :ما وافق القرآن هو الحق وما سواه تقية.
وبعد ،أليس يكفي في بيان فساد مذهبهم أنه عنصر غريب على المة ،وأنه خلف ما عليه
أهل البيت ،وخلف ما اتفقت فيه روايات لهم مع ما جاء عند أهل السنة ،وأن رواياتهم كلها
متعارضة متناقضة؟!
2ـ مسألة الرؤية:
الرؤية حق لهل الجنة ،بغير إحاطة ول كيفية ،كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَ ْو َمئِذٍ
ظرَةٌ} [القيامة ،آية ،23 ،22 :والنص عن الطحاوية (انظر :شرح الطحاوية ص .].)146
ضرَةٌ ،إِلَى َر ّبهَا نَا ِ
نّا ِ
وأما الحاديث عن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها
أصحاب الصحاح والمسانيد والسن [علي بن أبي العز /شرح الطحاوية ص .].151
وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون ،وأئمة السلم المعروفون بالمامة في الدين،
[علي بن أبي العز /شرح الطحاوية ص وسائر طوائف أهل الكلم المنسوبين إلى السنة والجماعة
.].146
[علي بن أبي العز /شرح وخالف في ذلك الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والمامية
الطحاوية ص ].146وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة وإجماع السلف
[انظر :الرد على الزنادقة
والجهمية للمم أحمد ص ،85رد المام الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص ،413شرح أصول
اعتقاد أهل السنة لللكائي ،3/454 :وانظر التصديق بالظر إلى ال في الخرة للجري ،ضوء الساري إلى معرفة
رؤية الباري لبي شامة ،والتبصرة للشيرازي ص ،229شرح الطحاوية ص ،146مختصر الصواعق المرسلة
ص .].179
352
وأذكر فيما يلي قول الشيعة من مصادرها:
لقد ذهبت الشيعة المامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية ،وجاءت روايات عديدة
ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص
من رؤية المؤمين لربهم في الخرة ،فتفتري – مثلً – على أبي عبد ال جعفر الصادق بأنه
سئل "عن ال تبارك وتعالى هل يرى في المعاد ؟ فقال :سبحان ال وتعالى عن ذلك علوًا
[بحار النوار: كبيرًا ..إن البصار ل تدرك إل ما له لون وكيفية ،وال خالق اللوان والكيفية"
،4/31وعزاه إلى أمالي الصدوق.].
ويظهر أن الحجة التي احتج بها هؤلء الذين وضعوا هذه الرواية على جعفر تتضمن نفي
الوجود الحق ،لن ما ل كيفية له مطلقًا ل وجود له .ولهذا قال بعض السلف حينما سئل عن
[جاء هذا الثر – بهذا المعنى – عن أم سلمة ،فأخرجه الستواء قال :الستواء معلوم والكيف مجهول
الللكائي بسنده عن أم سلمة موقوفًا (شرح أصول اعتقاد أهل السنة ،)3/297 :وذكره ابن حجر (فتح الباري:
.)13/406قال شيخ السلم ابن تيمية « :روي هذا الجواب عن أم سلمة رضي ال عنها :موقوفًا ومرفوعًا ،ولكن
ليس إسناده مما يعتمد عليه » (الفتاوى ،)5/365 :كما ثبت مثل هذا الجواب عن ربيعة شيخ مالك ،وروي من غير
وجه عن مالك (المصدر السابق) فأخرجه الللكائي عنهما (شرح أصول اعتقاد أهل السنة .)3/398 :والبيهقي
(السماء والصفات ص ،)409-408وذكره البغوي (شرح السنة )1/171 :والسيوطي (الدر المنثور:
..].)3/91ولم يقل :ل كيفية له.
فالمنفي هنا علم البشر بالكيفية ل ذات الكيفية ،كما أن هذا يناقض ما رواه صاحب الكافي
عن أبي عبد ال أنه قال .." :ولكن لبد من إثبات أن له كيفية ل يستحقها غيره ول يشارك فيها
ول يحاط بها ول يعلمها غيره" [أصول الكافي.].1/85 :
وقال شيخهم وآيتهم جعفر النّجفي صاحب كشف الغطا" :ولو نسب إلى ال بعض الصّفات..
كالرّؤية حكم بارتداده" [كشف الغطا :ص .].417وجعل الحرّ العاملي نفي الرؤية من أصول
الئمة ،وعقد لذلك بابًا بعنوان "باب أنّ ال سبحانه ل تراه عين ول يدركه بصر في الدّنيا ول
في الخرة" [الفصول المهمّة في أصول الئمّة :ص .].12
فنفيهم لرؤية المؤمنين لربهم في الخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية ،وهو أيضًا
خروج عن مذهب أهل البيت ،وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك ،فقد روى ابن بابويه القمّي
عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السّلم قال :قلت له :أخبرني عن ال عزّ وجلّ هل يراه
[ابن بابويه /التّوحيد ص ،117بحار النوار ،4/44 :وانظر :رجال الكشّي المؤمنون يوم القيامة؟ قال :نعم
ص ( 450رقم .].)848
3ـ ومثل مسألة "الرؤية" مسألة أخرى هي "نزول الرب جل شأنه":
353
والذي استفاضت به السنة عن النبي صلى ال عليه وسلم واتفق سلف المة وأئمتها وأهل
[ابن تيمية /شرح حديث النزول :ص ،6وانظر:العلم بالسنة والحديث على تسديق ذلك وتلقيه بالقبول
الرد على الجهمية للمام أبي سعيد الدارمي :ص ،284ورد المام عثمان بن سعيد على المريسي العنيد ص ،377
السنة /لبن أبي عاصم ،1/216 :شرح أصول اعتقاد أهل السنة /الللكائي ].3/434 :وإثباته على ما يليق
بجلله سبحانه ويختص بعظمته.
[انظر رواياته في أصول وقد جاءت عند الثني عشرية روايات نسبوها لهل البيت تنكر ذلك
الكافي ،127-1/125 :وانظر :بحار النوار ].314 ،3/311 :في حين يوجد روايات أخرى تثبت
النزول اللهي وهي التي تتفق مع نقل أهل السنة عنهم .جاء في كتب الشيعة "قال سائل لبي
ن الرّوايات قد صحّت
عبد ال :تقول إنّه ينزل إلى السّماء الدّنيا؟ قال أبو عبد ال :نقول بذلك ،ل ّ
[بحار النوار .3/331 :وقد عزاه المجلسي إلى كتاب التّوحيد لبن بابويه ،وقد رجعت إلى كتاب به والخبار"
ل على النّزول قد حذف ،لكن محقّق الكتاب أشار في الحاشية إلى وجود
التّوحيد فوجدت الرّواية إل أنّ النّصّ الذي يد ّ
هذا النّصّ في بعض النّسخ الخطّيّة للكتاب ،ولكنّه لم يثبته في الصّلب لعدم موافقته لمشربه (انظر :التّوحيد لبن بابويه
ص .].)248ومثل هذا المعنى جاء في تفسير القمي أصل أصول التفاسير عندهم كما أثبت ذلك
صاحب البحار [بحار النوار ،].3/315 :وإن كان ناشر الكتاب والمعلق عليه أضاف إليه ما يغير
معناه [قال" :ينزل أمره" انظر :تفسير القمي ].2/204 :ولم يتفطن أن بقية النص تكشف ما زاده فيه
[حيث جاء النص" :إن الرب تبارك وتعالى ينزل كله ليلة… فإذا طلع الفجر عاد الرب إلى عرشه"( .انظر :بحار
النوار ،3/315 :تفسير القمي )2/204 :ول يخفى ما فيه من الغلو في الثبات في قوله" :ثم عاد الرب إلى
عرشه".].
واختلف رواياتهم بهذه الصورة يدل على أن جانبًا منها باطل بل ريب ،ول شك بأن
الروايات التي تتفق مع كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وإجماع السلف هي
الصواب ،وإن أعرض عنه شيوخ الشيعة مجاراة لهل العتزال.
ثم إن اختلف شيوخ المامية المتقدمين عن متأخريهم في هذا الباب يلزم منه أن أحدهما
على ضلل ،وعليه "لزم ضرورة أن شيوخ المامية ضلوا في التوحيد إما متقدموهم وإما
متأخروهم" [منهاج السنة .].1/275 :وقد جاءت روايات تدل على أن الئمة – باعتراف كتب
الشيعة – قد أخذوا بالمنهج الوسط بين غلو متقدمي الشيعة في الثبات ،وبين غلو متأخريهم في
التعطيل.
وعقد صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى" وذكر
فيه اثنتي عشرة رواية عن الئمة [انظر :أصول الكافي ].104-1/100 :افتتح الباب برواية "عبد
الرحيم بن عتيك القصير قال :كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه السلم:
354
"إن قومًا بالعراق يصفون ال بالصورة وبالتخطيط فكتب إليّ :سألت رحمك ال عن التوحيد وما
ذهب إليه من قبلك ،فتعالى ال الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،وتعالى عما يصفه
الواصفون المشبهون ال بخلقه المفترون على ال ،فاعلم رحمك ال أن المذهب الصحيح في
التوحيد ما نزل به القرآن من صفات ال جل وعز ،فانف عن ال تعالى البطلن والتشبيه فل
[مذهب السلف بين مذهبين ،وهدي بين ضللتين :هو إثبات الصفات ،ونفي مماثلة المخلوقات ،فقوله نفي ول تشبيه
شيْءٌ} رد على أهل التشبيه ،والتمثيل .وقوله{ :وَهُ َو السّمِيعُ البَصِيرُ} رد على أهل النفي
تعالىَ { :ليْسَ كَ ِم ْثلِهِ َ
والتعطيل (انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم )5/196 :لكن لفظ التشبيه صار في كلم الناس لفظًا مجملً يراد به
المعنى الصحيح وهو ما نفاه القرآن ودل عليه العقل من أن صفات الرب ل يوصف بها شيء من المخلوقات ،ول
يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته ،ويراد به معنى باطل وهو أن ل يثبت ل شيء من الصفات (انظر:
شرح الطحاوية ص ..].)40ل تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان" [أصول الكافي .].1/100 :وعن
[السابق: المفضل قال :سألت أبا الحسن عن شيء من الصفة فقال" :ل تجاوز ما في القرآن"
.].1/102
لحظ أن هذا النص الذي ورد في أصح كتبهم الربعة يأمرهم باتباع ما نزل به القرآن من
صفات ال سبحانه .فمن قلد أهل العتزال ،أو حكم العقل وأعرض عن كتاب ال ،لم يتبع كتاب
ال ،ولم يأخذ بوصية إمامه.
قال الرضا" :للناس في التوحيد ثلثة مذاهب :نفي ،وتشبيه ،وإثبات بغير تشبيه؛ فمذهب النفي
ل يجوز ،ومذهب التشبيه ل يجوز؛ لن ال تبارك وتعالى ل يشبه شيء والسبيل في الطريقة
الثالثة إثبات بل تشبيه" [بحار النوار.].3/263 :
فأوائل الشيعة أخذوا بالتشبيه وأواخرهم أخذوا بالنفي ،وأعرضوا عن المذهب الوسط ،وهو
مذهب الئمة كما تقر به "نقولهم" فدل على أنهم ليسوا على شيء في هذا الباب فلم يأخذوا
بمنهج القرآن والسنة ولم يأخذوا بطريقة الئمة الذين يزعمون أنهم قدوتهم ،بل ساروا مع أهل
شيْءٌ} ثم أخذوا بمسلك أهل التعطيل وأعرضوا عن
التمثيل أولً ،وخالفوا قول الَ{ :ليْسَ َك ِمثْ ِلهِ َ
نصوص الصفات الواردة عن ال ورسوله.
المبحث الثالث
وصفهم الئمة بأسماء ال وصفاته
355
وهو ما انفردت به الشيعة ،وشذت به عن المة ...فإذا كان شيوخ الشيعة المتقدمون قد
شبهوا الخالق سبحانه بصفات المخلوقين ،ثم واجه هذه الموجة الغالية في التجسيم موقف آخر
قد يمثل ردة فعل له ،وهو موقف التعطيل..
فشبهوا ال سبحانه بالمعدومات والجمادات والممتنعات ،وعطلوا نصوص السماء والصفات.
فهم لم يصفوا ال سبحانه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم ل
في مذهبهم الول ول في مذهبهم الخير ..إذا كان المر كذلك فإنهم لم يكتفوا بذلك ،بل تطور
المر إلى أن السماء والصفات الواجبة ل سبحانه وصفوا بها بعض البشر (الئمة) فخرجوا
بمذهب ثالث وهو تشبيه المخلوق بالخالق ،فشابهوا النصارى في ذلك كما شابهوا اليهود في
المذهب الول (التجسيم).
لقد خرجوا ببدعة ثالثة أحدثوها في أمة محمد صلى ال عليه وسلم ،حيث زعموا أن الئمة
هم أسماء ال ،فأسماء ال سبحانه التي ذكرها في كتابه هي – على حد زعمهم – عبارة عن
الئمة الثني عشر ،وهذا يتضمن تعطيل ال من أسمائه الحسنى ،وإعطاءها بعض البشر،
ويزعمون أن النص من "المعصوم" قد ورد بذلك ،وهذا إفك عظيم افتروه؛ فويل لهم مما
يفترون.
سمَاء
روى الكليني في أصل الكافي عن أبي عبد ال في قول ال عز وجلَ { :ولِّلهِ ا َل ْ
سنَى فَادْعُو ُه ِبهَا} [العراف ،آية ].180 :قال" :نحن وال السماء الحسنى التي ل يقبل ال من
ح ْ
الْ ُ
العباد عملً إل بمعرفتنا" [أصول الكافي.].144-1/143 :
وهذا المعنى تناقله أساطين المذهب في روايات عديدة منسوبة لجعفر الصادق وغيره
[انظر:
تفسير العياشي ،2/42 :المفيد /الختصاص :ص ،252المجلسي /بحار النوار ،94/22 :النوري الطبرسي/
مستدرك الوسائل ،1/371 :البرهان ،2/52 :تفسير الصافي .].255-2/254
سنَى} وهؤلء يقولون :نحن السماء الحسنى ،فأي
ح ْ
سمَاء الْ ُ
ال سبحانه يقول{ :وَ ِلّلهِ ا َل ْ
محاداة ل وكتابه أعظم من هذا! إن من معين هذه النصوص المظلمة تستقي طوائف الباطنية
الملحدة والتي تذهب لتأليه الئمة ..ومن مائها السن ترتوي.
وتفصل روايات أخرى لهم ما أجملته الرواية السابقة فيروون عن أبي جعفر أنه قال" :نحن
وجه ال نتقلب في الرض بين أظهركم ،ونحن عين ال في خلقه ،ويده المبسوطة بالرحمة على
عباده ،عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا" [أصول الكافي ،1/143 :البرهان.].3/240 :
وعن أبي عبد ال" :إن ال خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ،ولسانه الناطق في
خلقه ،ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ،ووجهه الذي يؤتى منه ،وبابه الذي يدل
356
عليه ،وخزانه في سمائه وأرضه ،بنا أثمرت الشجار وأينعت الثمار ،وجرت النهار ،وبنا
[أصول الكافي: ينزل غيث السماء وينبت عشب الرض ،وبعبادتنا عبد ال ولولنا ما عُبد ال"
،1/144ابن بابويه /التوحيد ص ،152-151بحار النوار ،24/197البرهان.].241-3/240 :
وزعموا أن أمير المؤمنين عليًا قال" :أنا عين ال وأنا يد ال وأنا حبيب ال وأنا باب ال"
[أصول الكافي ،1/145 :بحار النوار .].24/194 :وقال – كما يفترون " :-أنا علم ال ،وأنا قلب ال
[ابن بابويه /التّوحيد ص الواعي ،ولسان ال النّاطق ،وعين ال النّاظرة ،وأنا جنب ال وأنا يد ال"
،164بحار النوار.].24/198 :
وفي التوحيد لبن بابويه أنّ أبا عبد ال قال" :إنّ ل عزّ وجلّ خلقًا من رحمته ،خلقهم من
سيّئات،
نوره ..فهم عين ال النّاظرة وأذنه السّامعة ،ولسانه النّاطق في خلقه بإذنه ..بهم يمحو ال ّ
وبهم يدفع الضّيم ،وبهم يُنزّل الرّحمة ،وبهم يحيي ميتًا ،وبهم يميت حيّا ،وبهم يبتلي خلقه ،وبهم
يقضي في خلقه قضيّته" [التّوحيد :ص .].167
[بحار النوار: وقد ذكر المجلسي ستًا وثلثين رواية تقول إن الئمة هم وجه ال ويد ال
.].203-24/191وفي رجال الكشّي وغيره قال علي – كما يفترون " :-أنا وجه ال ،أنا جنب
رقم ( ،)374وانظر: ال ،وأنا الوّل ،وأنا الخر ،وأنا الظّاهر ،وأنا الباطن[ "..رجال الكشّي ص 221
بحار النوار ،94/180 :بصائر الدّرجات ص .]151
وجاءت عندهم روايات عديدة في كثير من مصادرهم المعتمدة تفسر قوله سبحانهَ { :ويَبْقَى
ج َههُ}
جهُ رَبّكَ ذُو الْجَللِ وَالِ ْكرَامِ} [الرحمن ،آية .].27 :وقوله سبحانهُ { :كلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِل وَ ْ
وَ ْ
[مضى تخريج هذا النّص من كتبهم ص [القصص ،آية ].88 :بما رووه عن جعفر أنّه قال" :نحن وجه ال"
" ]173-172نحن الوجه الذي يؤتى ال منه" [مضى تخريجه من كتبهم ص " ،]173-172نحن وجه
[ابن بابويه /التّوحيد ص ،150بحار النوار ،24/201 :تفسير الصّافي ،4/108 :البرهان: ال الذي ل يهلك"
شيْ ٍء هَا ِلكٌ إِل وَجْهَهُ} ،].3/241وروايات أخرى بهذا المعنى
[انظر :ابن بابويه /التوحيد ،باب تفسير {كُ ّل َ
ص ،153-149وبحار النوار 24/191 :وما بعدها ،وفي تفسير البرهان ثلث عشرة رواية بهذا المعنى نقلها
من مختلف كتبهم المعتمدة عندهم (انظر :البرهان .].)242-30/240
وجاء في تفسير العياشي ،رواية طويلة تقشعر منها أبدان المؤمنين تصف ما يجري في يوم
القيامة ،وتقول نهاية الرواية – على لسان الئمة " :-ثم يؤتى بنا فنجلس على عرش ربّنا"..
[تفسير العيّاشي ،2/312 :البحراني /البرهان ،2/439 :المجلسي /بحار النوار( 3/302 :ط:كمباني).].
هذا ونصوصهم التي تفسر أسماء ال عز وجل وصفاته بالمام والئمة كثيرة.
357
كما أنهم أضفوا على الئمة أيضًا بعض صفات الرب سبحانه كالعلم بالغيب ،وعقد لذلك
صاحب الكافي بابًا بعنوان "باب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ل يخفى عليهم
الشيء" [انظر :أصول الكافي .].262-1/260 :وضمنه طائفة من رواياتهم .وعقد بابًا آخر بعنوان
"باب أن الئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا" [أصول الكافي ].1/258 :وذكر فيه جملة من أحاديثهم،
ومن روايات هذه البواب:
قال أبو عبد ال – كما يفترون " :-إنّي لعلم ما في السّماوات وما في الرض وأعلم ما في
الجنّة وأعلم ما في النّار ،وأعلم ما كان وما يكون[ "..أصول الكافي" .].1/261 :وعن سيف التمار
قال :كنا مع أبي عبد ال رضي ال عنه جماعة من الشيعة في الحجر فقال :علينا عين؟ فالتفتنا
ب الكعبة وربّ البنية – ثلث مرّات
يمنة ويسرة فلم نر أحدًا ،فقلنا :ليس علينا عين .فقال :ور ّ
– لو كنت بين موسى والخضر لخبرتهما أنّي أعلم منهما ولنبأتهما بما ليس في أيديهما ،لنّ
موسى والخضر عليهما السّلم أعطيا علم ما كان ولم يُعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى
[أصول الكافي-1/260 : تقوم السّاعة ،وقد ورثناه من رسول ال صلى ال عليه وسلم وراثة"
.].261
وبعد ،فهذه كلمات ل تحتاج إلى تعليق ،وأقول هي "زبالة" المذاهب الباطنية ،التي كان لها
وجود في تاريخ المسلمين ،والتي تذهب إلى تأليه عليّ والئمة .قد استوعبتها الثنا عشرية في
بنية مذهبها.
وهم يلصقون هذه المفتريات بأهل البيت ليتخذوا منهم "عكازة" يعتمدون عليها لنشر مذهبهم.
وإل فمن يقول" :أنا الول والخر والظاهر والباطن" [انظر :ص (].)558؛ هل يختلف عن
فرعون الذي قال" :أنا ربكم العلى"؟! وكيف يتجرأ أساطين المذهب كالكشي والطوسي على
نقل هذا اللحاد ،وكيف يعدون الكليني ثقة إسلمهم وهو ينقل هو وأضرابه هذا الكفر البواح؟!
وهل ثمة عذر لمعتذر؟
وقد حاول شيخهم المجلسي اللجوء إلى المجاز لتفسير بعض نصوصهم الواردة في هذا الباب
حيث قال" :إن تلك المجازات شائعة في كلم العرب ،فيقال :لفلن وجه عند الناس ،ولفلن يد
على فلن وأمثال ذلك ،والوجه يطلق على الجهة ،فالئمة الجهة التي أمر ال بالتوجه إليها ،ول
يتوجه إليه تعالى إل بالتوجه إليهم ،وكل شيء هالك باطل مضمحل إل دينهم وطريقتهم
وطاعتهم ،وهم عين ال أي شاهده على عباده ،فكما أن الرجل ينظر بعينه ليطلع على المور
فكذلك خلقهم ال ليكونوا شهداء من ال عليهم ناظرين في أمورهم.
358
وإطلق اليد على النعمة والرحمة والقدرة شائع ،فهم نعمة ال التامة ،ورحمته المبسوطة،
ومظاهر قدرته الكاملة .والجنب :الجانب والناحية وهم الجانب الذي أمر الخلق بالتوجه إليهم..
ويحتمل أن يكون كناية عن أن قرب ال تعالى ل يحصل إل بالتقرب بهم ،كما أن قرب الملك
يكون بجنبه" اه [بحار النوار.].24/202 :
إن هذا العتذار دليل على رضا شيوخهم بهذا الكفر البين ،وإل فكيف يلتمس لهذا اللحاد
الظاهر مخرجًا؟! لم ل يضرب به الجدار ،وينقي "ثوب التشيع" من أدران رؤوس الملحدة،
وزبانية الكفر؟ وهل يصح تأويل المجلسي إل إذا صح تأويل قول فرعون "أنا ربكم العلى" إل
إذا كان هذا التأويل لمجرد التستر على الباطل ،والدفاع بالهوى عن مقالت الملحدة.
[انظر في مسألة المجاز :ابن تيمية /مجموع فتاوى شيخ السلم: إن التعلق بالمجاز – على فرض القول
،119-7/87مختصر الصواعق المرسلة ص 242وما بعدها ].به – ل مكان له هنا؛ لن المجاز في
اللغة يلحظ فيه وجود علقة بين المعنى الصلي والمعنى المجازي ،مع وجود قرينة تمنع
ل :-المراغي /علوم البلغة ص ،296حفني
[راجع :كتب البلغة العربية :انظر – مث ً إرادة المعنى الصلي
ناصف وزملؤه /البلغة ص ( 341ضمن قواعد اللغة) .].والصل في الكلم الحقيقة "ول يصار إلى
المجاز إل إذا تعذر حمل الكلم على حقيقته" [أبو شامة /ضوء الساري ص .].106
ولذلك فإن فرقًا كثيرة في الثني عشرية وغيرها عدت ذلك الكلم حقيقة ،واعتقدت في الئمة
اللوهية بمقتضى هذا الكفر الذي ينقله لهم شيوخ الثني عشرية ،وكان حق هذه المقالة الرفض
والتكذيب؛ لنه ل معنى لدعوى المجاز ،فهل توجد علقة وقرينة لجعل معاني أسماء ال
الحسنى وصفاته العليا للئمة ؟! فأين العلقة في قولهم بأن أسماء ال "الول والخر والظاهر
سنَى فَا ْدعُو ُه ِبهَا} أين
ح ْ
سمَاء الْ ُ
والباطن" هي أوصاف للئمة ؟!! وقوله سبحانهَ { :ولِّلهِ ا َل ْ
القرينة الصارفة لهذه الية عن معناها الصلي وهو أسماء ال سبحانه؟! ل يوجد شيء من ذلك
إل إن كانت هي زعمهم أن في الئمة جزءا إلهيًا ،فقد أخرج صاحب الكافي عن الئمة أنهم
قالوا" :إنّ ال خلطنا بنفسه" [أصول الكافي.].1/146 :
فإذا كانت هذه هي القرينة فهي تؤكد مبدأ الغلو ول تنفيه ،وتعطي الئمة جزءا من صفات
ال سبحانه .وأنت تلحظ في كلمات المجلسي مظاهر الغلو في الئمة وتكاد تكون مجرد صدى
لتلك الروايات.
فهل يمكن أن يقارن قول العرب :لفلن وجه عند الناس بقول إمامهم – كما يفترون " :-أنا
وجه ال"؟! وهل يقبل أن تجعل قرينة ذلك أن عليًا والئمة هم الجهة التي أمر ال بالتوجه
إليها ..هل عندهم من برهان بهذا فيخرجوه لنا؟
359
ل يتوجه الناس بعبادتهم ودعائهم إل إلى ال وحده ،ول يستقبل المسلمون في صلواتهم إل
إلى بيت ال ،ول واسطة بين ال وخلقه إل في تبليغ وحيه سبحانه ،ول واسطة في التبليغ إل
رسل الهدى عليهم السلم ،وكل يؤخذ من قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فكيف يقال بعد هذا :إن الئمة هم الجهة التي يتوجه الناس إليها ؟!
أما دعوى "أن الئمة يعلمون ما كان وما يكون ول يخفى عليهم الشيء" فهذه صفة للحق جل
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ الْ َغيْبَ إِل
شأنه ل يشاركه فيها أحد سبحانه .قال تعالى{ :قُل ل يَ ْعلَ ُم مَن فِي ال ّ
الّلهُ} [النمل ،آية{ .].65 :وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْ َغيْبِ لَ يَعْ َل ُمهَا إِلّ ُهوَ} [النعام ،آية{ .].59 :إِنّ الّلهَ لَ
سمَاء} [آل عمران ،آية.].5 :
شيْءٌ فِي ا َلرْضِ وَلَ فِي ال ّ
يَخْ َفىَ عَ َل ْيهِ َ
علَمُ
وال سبحانه أمر أفضل الخلق رسول الهدى صلى ال عليه وسلم أن يقول{ :وَ َلوْ كُنتُ أَ ْ
سنِيَ السّوءُ} [العراف ،آية{ ،].188 :قُل لّ أَقُولُ َلكُمْ عِندِي
خيْرِ َومَا َم ّ
ت مِنَ ا ْل َ
ستَ ْكثَرْ ُ
الْ َغيْبَ َل ْ
علَمُ ا ْل َغيْبَ} [النعام ،آية ].50 :فأمره سبحانه أن يفوض المور إليه ،وأن يخبر
خزَآئِنُ الّلهِ وَل أَ ْ
َ
عن نفسه أنه ل يعلم بغيب المستقبل ،ول اطلع له على شيء من ذلك إل بما أطلعه ال عليه
[الجن، غيْ ِبهِ أَحَدًا ،إِل مَنِ ا ْر َتضَى مِن ّرسُولٍ}...
ظ ِهرُ عَلَى َ
كما قال تعالى{ :عَالِمُ الْ َغيْبِ فَل يُ ْ
آية ،27 ،26 :والنص عن تفسير ابن كثير.].2/293 :
وقد ذكر علماء السلم أن من ادعى شيئًا من علم الغيب فقد كفر ،فقد أضاف ال سبحانه
علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه ،فل يظهر على غيبه إل من اصطفى من رسله
[انظر هذا المعنى في تفسير القرطبي ،].3 ،7/2 :وهذا هو الغيب المطلق المحجوب عن جميع الخلق
[ذكر أهل العلم أن الغيب ينقسم إلى قسمين :غيب "مطلق" أو حقيقي وهو ما يعلمه وحده سبحانه دون ما سواه ،وهو
ض الْغَ ْيبَ إِل اللّهُ} .وغيب
المقصود عند الطلق ،وفيه يقول ال عز وجل{ :قُل ل يَ ْعلَمُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَا َلرْ ِ
"إضافي" أو مقيد وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض؛ كالذي يعلمه الملئكة عن أمر عالمهم وغيره
ول يعلمه البشر مثلً .وأما ما يعلمه البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها ول يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك السباب
أو عجزهم عن استعمالها فل يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب ال؛ لنه غيب عمن غاب عنه من
المخلوقين ،ليس هو غيبًا عمن شهده .والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا ،فيكون غيبًا مقيدًا ليس غيبًا مطلقًا
غاب عن المخلوقين قاطبة.
(انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ،16/110 :تفسير المنار.].)7/422 :
وقد عثرت وسط هذا الركام من هذه الدعاوى الغبية الملحدة حول الئمة على بعض
النصوص التي روتها كتب الشيعة والتي تجرد الئمة من هذه الصفات التي خلعوها عليهم،
وهي ل تنبغي إل للحق جل شأنه.
360
قال أبو عبد ال – كما يروي صاحب الكافي " :-يا عجبًا لقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ،ما
يعلم الغيب إل ال عز وجل ،لقد هممت بضرب جاريتي فلنة فهربت مني ،فما علمت في أي
بيوت الدار هي[ "..أصول الكافي.].1/257 :
ولو كان أبو عبد ال – كما يزعم الكليني في أبوابه التي عقدها بعد ذكره لهذا النص – لو
كان يعلم ما يكون ول يخفى عليه الشيء ،وإذا شاء أن يعلم – علم لم يخف عليه موضع
الجارية.
وكان الئمة من قديم يشكون من مزاعم هؤلء الذين جمع أقوالهم صاحب الكافي وأسندها
للئمة ،ولهذا جاء في حديث لهم ذكره صاحب البحار وصاحب الحتجاج عن بعض أئمتهم
قال" :تعالى ال عز وجل عما يصفون سبحانه وبحمده ،ليس نحن شركاء في علمه ول في
قدرته ،بل ل يعلم الغيب غيره ،كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى{ :قُل ل يَ ْعلَ ُم مَن فِي
سمَاوَاتِ وَا َلرْضِ الْ َغيْبَ إِل الّلهُ} ...قد آذانا جهلء الشيعة وحمقاؤهم ،ومن دينه جناح
ال ّ
البعوضة أرجح منه ،وأشهد ال الذي ل إله إل هو وكفى به شهيدًا ...أني بريء إلى ال وإلى
رسوله ممن يقول :إنا نعلم الغيب أو نشارك ال في ملكه ،أو يحلنا محلً سوى المحل الذي
رضيه ال لنا".
وروايات الشيعة تكشف نفسها بنفسها وتتناقض نصوصها.
وقول الئمة :إنهم مصدر الرزق وإنزال الغيث ..إلخ والذي يرويه شيوخ الثني عشرية هو
من مخلفات غلة الشيعة والذين أنكر الئمة مذهبهم.
فقد جاء في أخبارهم أن أبا عبد ال قال حينما قيل له :إن المفضل بن عمر يقول :إنكم
تقدرون أرزاق العباد .فقال" :وال ما يقدر أرزاقنا إل ال ،ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق
صدري وأبلغت إليّ الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم؛ فعندها طابت نفسي ،لعنه ال وبرئ
منه »
[بحار النوار ،25/301 :رجال الكشي ص ،323وانظر رواية في هذا المعنى في بحار النوار:
،25/32ورجال الكشي ص ،325-324وأخرى أيضًا في البحار ،25/316 :ورجال الكشي ص -518
.].519
ولكن هذه الروايات هي كالشعرة البيضاء في الثور السود ،وفي التقية متسع لكل نص
تضيق به نفوس شيوخ الشيعة ،وإذا أردت مثالً على ذلك فاسمع ما يقوله شارح الكافي تعقيبًا
على قول أبي عبد ال الذي نقلناه آنفًا (والذي يتعجب فيه أبو عبد ال من قوم نسبوا له العلم
بالغيب ،ويذكر للرد عليهم بأن جاريته قد اختفت في داره فلم يدر أين هي فكيف يقال عنه إنه
يعلم ما كان وما يكون) .قال شارح الكافي .." ..الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو أل يتخذه
361
الجهال إلهًا ،أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب
حفظًا لنفسه ،وإل فهو رضي ال عنه كان عالمًا بما كان وما يكون ،فكيف يخفى عليه مكان
الجارية؟ فإن قلت :إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب ،قلت :إنما يوجب الكذب لو لم يقصد
التورية وقد قصدها ،فإن المعنى ما علمت علمًا غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار"
[المازندراني /شرح جامع (على الكافي).].31-6/30 :
انظر التكلف العجيب في رد هذه الرواية لثبات أن المام يعلم ما كان وما يكون حتى
ل من أصولهم وهو العصمة.
ارتكب في سبيل ذلك نسبة المام إلى الكذب ،وهدم أص ً
وإذا كان المام أراد بهذا القول أل يتخذه الجهال إلهًا فهل أنت بإثباتك لضد قوله تريد أن
تدعو إلى تأليه المام ،وأين الدليل على وجود بعض الحاضرين الذين يخشى من وجودهم المام
وسلسلة السند كلهم شيعة ؟! وعلى أي وجه من وجوه اللغة يعتبر هذا من قبيل التورية؟!
أما شيخهم الخر الشعراني المعلق على الشرح فلم يعجبه هذا التكليف في تأويل الرواية،
ورام ردها بأقصر طريق وهو الحكم بأن الرواية كذب [تعاليق علمية (على الكافي وشرحه) .].6/31 :
وهكذا يشيع الزنادقة عن علماء أهل البيت مثل هذه الشاعات الكاذبة ،فإذا أنكروا على
هؤلء الزنادقة فريتهم ،وفضحوا باطلهم أمام المل حمل شيوخ الشيعة هذا التكذيب والنكار
على التقية ..فصارت التقية حيلة بيد غلة الشيعة لبقاء التشيع في دائرة الغلو ،ورد الحق،
والساءة لهل البيت.
وقد ادعى زارة بن أعين أن جعفر بن محمد يعلم أهل الجنة وأهل النار ،فأنكر ذلك جعفر لما
بلغه ذلك ،وكفّر من قاله ،ولكن زرارة حينما نقل له موقف جعفر قال لمحدثه" :لقد عمل معك
بالتقية" [انظر قصة ذلك في ميزان العتدال ،ترجمة زرارة بن أعين.].70-2/69 :
المبحث الرابع
دعوى التحريف لتأييد مذهبهم في التعطيل
وهو مسلك لم يسلكه أحد غيرهم ،وشذوذ اختصوا به عن سواهم؛ حيث راموا التخلص من
آيات الثبات للسماء والصفات في كتاب ال سبحانه بدعوى خطيرة ،سبق أ عرضنا لها
مفصلة ،ولذلك سنشير إليها هنا باقتضاب ونقتصر على ما يتصل منها بباب السماء والصفات،
هذه الدعوى هي تحريفهم للية عما أنزل ال ،فمثلً روى ابن بابويه عن الرضا علي بن موسى
ضيَ ا َل ْمرُ
ظرُونَ إِلّ أَن يَ ْأتِ َيهُمُ الّلهُ فِي ظُ َللٍ مّنَ الْ َغمَامِ وَا ْلمَلئِ َكةُ وَ ُق ِ
في قول ال سبحانهَ { :ه ْل يَن ُ
وَإِلَى الّلهِ ُترْجَعُ المُورُ} [البقرة ،آية .].210 :قال الرضا" :إنها هل ينظرون إل أن يأتيهم ال
362
[التوحيد لبن بابويه :ص ،163بحار النوار،3/319 : بالملئكة في ظلل من الغمام ،وهكذا نزلت"
البرهان .].1/208 :قال الرضا" :إنها هل ينظرون إل أن يأتيهم ال بالملئكة في ظلل من الغمام،
وهكذا نزلت" [الحتجاج :ص .].253
وهدف الشيعة من هذا التحريف واضح ،فهم يحاولون بذلك نفي التيان عن ال سبحانه كقول
المعتزلة.
وفي الحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين علي قال يخاطب أحد الزنادقة لقناعه
ج َههُ} فإنما نزلت كل شيء هالك إل دينه؛ لن
شيْءٍ هَالِكٌ إِل وَ ْ
بالسلم !!" :وأما قولهُ { :كلّ َ
من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه ،هو أجل وأعظم من ذلك" [الحتجاج :ص .].253
وواضح أن واضع هذه السطورة أعجمي جاهل ل يفقه من أمر العربية شيئًا ،وزنديق حاقد
في افترائه على كتاب ال ،وتعطيله لصفات ال ،ونسبة هذا الكفر لمير المؤمنين علي .ومن
كبير مكره وحقده زعمه أن هذه إجابة أمير المؤمنين لقناع أحد الزنادقة.
إن هذا المنهج في التعطيل يدل على أن هذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات ل ترعى في
سبيل الدفاع عن مبادئها أية حرمة ،ول تقف عند حد.
وإذا كانت فرق العطلة من المعتزلة وغيرها لم تحاول أن تمس لفظ كتاب ال سبحانه،
ورامت البحث عن تأويل للمعنى ،فإن هذه الفئة قد تخطت الحدود وتجاوزت المبادئ فرامت
إثبات مبدئها ،يما يخرجها عن السلم أصلً ،فدل على أن هناك فئات من أهل التعطيل تريد
الكيد للمة بمحاربة أصل دينها وهو كتاب ال العظيم .ولقد انكشف بهذه الوسيلة أمرها وافتضح
شأنها .وال من ورائهم محيط.
الفصل الرابع
اعتقادهم في اليمان وأركانه
وفي هذا الفصل عرض لمبحثين الول :قولهم في اليمان والوعد والوعيد ،والثاني :قولهم
في أركان اليمان.
وفي المبحث الول خمس مسائل:
المسألة الولى :مفهوم اليمان عندهم.
المسألة الثانية :قولهم بشهادة ثالثة مع الشهادتين.
المسألة الثالثة :القول بالرجاء.
المسألة الرابعة :بيان قولهم بالوعد.
363
المسألة الخامسة :بيان قولهم بالوعيد.
وفي المبحث الثاني :بيان لقولهم في أركان اليمان.
المبحث الول
قولهم في اليمان والوعد والوعيد
المسألة الولى :مفهوم اليمان عندهم:
[وقد نسب الشعري هذا لقد أدخل الثنا عشرية اليمان بالئمة الثني عشر في مسمى اليمان
المذهب إلى جمهور الرافضة ،انظر :مقالت السلميين ،].1/125 :بل جعلوه هو اليمان بعينه.
جاء في أصول الكافي" :السلم هو الظاهر الذي عليه الناس :شهادة أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله" ثم ذكر بقية أركان السلم ،ثم قال" :اليمان معرفة هذا
المر مع هذا ،فإن أقر بها ولم يعرف هذا المر كان مسلمًا وكان ضالً" [أصول الكافي.].2/24 :
ويقولون بأن الثواب في الخرة ليس على السلم ،إنما هو على اليمان .وعقد لذلك صاحب
[أصول الكافي: الكافي بابًا بعنوان" :باب أن السلم يحقن به الدم وأن الثواب على اليمان"
.].2/24
سمَاعِيلَ
ويفسرون قوله سبحانه{ :قُولُواْ آ َمنّا بِالّلهِ َومَآ أُنزِلَ ِإَل ْينَا َومَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإ ْبرَاهِيمَ وَِإ ْ
سبَاطِ َومَا أُو ِتيَ مُوسَى َوعِيسَى َومَا أُو ِتيَ ال ّن ِبيّونَ مِن ّر ّبهِمْ َل نُ َفرّقُ بَيْنَ
وَِإسْحَقَ َويَعْقُوبَ وَال ْ
أَحَدٍ مّ ْنهُمْ َونَحْنُ َل ُه ُمسْ ِلمُونَ َ ،فإِنْ آ َمنُو ْا ِب ِمثْ ِل مَا آمَنتُم ِبهِ فَقَدِ ا ْهتَدَواْ وّإِن َتوَّلوْاْ َفِإنّمَا هُمْ فِي
شِقَاقٍ[ }...البقرة ،آية – ].137 ،136 :بما يرونه عن أبي جعفر قال" :إنما عني بذلك عليًا،
والحسن ،والحسين ،وفاطمة .وجرت بعدهم في الئمة .قال :ثم يرجع القول من ال في الناس
فقالَ { :فإِنْ آ َمنُواْ} يعني الناس {بِ ِم ْثلِ مَا آمَنتُم بِهِ} يعني عليًا وفاطمة والحسن والحسين والئمة
[تفسير العياشي ،1/62 :تفسير الصافي: من بعدهم{ ،فَقَدِ ا ْهتَدَواْ وّإِن َتوَّلوْاْ َفِإ ّنمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}"
،1/92البرهان.].1/157 :
ولهذا قال ابن المطهر الحلي" :إن مسألة المامة (إمامة الثني عشر) هي أحد أركان اليمان
[منهاج الكرامة في معرفة المامة: المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن"
ص .].1
وقال محمد جواد العاملي" :اليمان عندنا إنما يتحقق بالعتراف بإمامة الئمة الثني عشر
عليهم السلم ،إل من مات في عهد أحدهم فل يشترط في إيمانه إل معرفة إمام زمانه ومن قبله"
[مفتاح الكرامة.].2/80 :
364
وقال أمير محمد القزويني (من شيوخهم المعاصرين)" :إن من يكفر بولية علي وإمامته –
[الشيعة في عقائدهم وأحكامهم :ص رضي ال عنه – فقد أسقط اليمان من حسابه وأحبط بذلك علمه"
.].24
المسألة الثانية :الشهادة الثالثة:
وبمقتضى هذا اليمان الذي ل يعرفه سوى الثني عشرية ،فإنهم اخترعوا "شهادة ثالثة" هي
شعار هذا اليمان الجديد ،هي قولهم" :أشهد أن عليًا ولي ال" يرددونها في أذانهم وبعد صلتهم،
ويلقنونها موتاهم.
فالقرار بالئمة مع الشهادتين يقال بعد كل صلة ،وعقد الحر العاملي بابًا في هذا المعنى
[انظر :وسائل الشيعة :باب استحباب الشهادتين والقرار بالئمة بعد كل صلة.].4/1038 :
[يعنيوجاء في أخبارهم عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلم قال" :لو أدركت عكرمة
عكرمة مولى ابن عباس العلمة الحافظ المفسر (انظر :سير أعلم النبلء .)5/12 :هذا قدره عند هؤلء (انظر:
رجال الكشي :ص 216حيث قال بأن هذا يدل على ذمه) ].عند الموت لنفعته ،فقيل لبي عبد ال عليه
[فروع الكافي ،1/34 :من ل يحضره الفقيه،1/41 : السلم :بماذا كان ينفعه؟ قال :يلقنه ما أنتم عليه"
تهذيب الحكام ،1/82 :ورجال الكشي :ص ،216وسائل الشيعة ،].2/665 :وعن أبي بصير عن أبي
[فروع الكافي،1/34 : جعفر قال ..." :لقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن ل إله إل ال والولية"
تهذيب الحكام ،1/82 :وسائل الشيعة.].2/665 :
[انظر أخبارهم في ذلك في :فروع الكافي ،1/53 :تهذيب الحكام: ويلقن هذه الشهادة عند إدخاله للقبر
،1/91وسائل الشيعة ،].2/843 :وكذلك عند انصراف الناس عنه ،وبوّب لذلك المجلسي فقال:
"باب استحباب تلقين الولي الميت الشهادتين والقرار بالئمة عليهم السلم بأسمائهم بعد
انصراف الناس" [وسائل الشيعة ،].2/862 :وساق في ذلك جملة من رواياتهم.
وهذه الشهادة الجديدة هي إقرار بمسألة المامة التي يرى ابن المطهر أنها "أهم المطالب في
أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين" [منهاج الكرامة :ص .].1
وبعد ،فإن العتقاد بأن اليمان بالثني عشر هو ركن اليمان ،أو هو اليمان نفسه وهو أهم
مطالب الدين ...إن هذا "العتقاد" إحدى الدلئل البينة ،والمارات الواضحة على بطلن
مذهبهم ،وأنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به ال .فل جاء في القرآن ول ثبت في السنة شيء
وما بعدها ،وقد مضى في هذه الرسالة شيء من من ذلك [انظر ما ساقه ابن تيمية من ذلك في منهاج السنة1/20 :
ذلك ،وسيأتي تفصيل في فصل المامة ،].ولهذا رأى شيخ السلم أن قولهم بأن المامة – فضلً عن
القول بإمامة الثني عشر التي ل يوافقهم أحد من المسلمين عليها إل من ارتضى مذهبهم من
365
الروافض – أهم مطالب الدين هو كفر ،لنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن اليمان بال
ورسوله أهم من مسألة المامة [انظر :منهاج السنة.].1/20 :
وإذا كانت المامة بهذه المثابة التي يزعمون ،فأبعد الناس عنها الرافضة الذين يرون أن كل
[انظر :الغيبة للنعماني ،باب في راية ترفع قبل قيام "المعدوم" والذي يسمونه المنتظر هي راية جاهلية
أن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت ،ص ،].7ويكفرون بما وراءه من الخلفاء ما عدا خلفة
علي والحسن.
كما أن مجرد المعرفة للئمة ل يحصل بها نيل درجة الكرامة ،لن هذا ل يحصل بمجرد
معرفة الرسول صلى ال عليه وسلم إذا لم يطع أمره ويتبع قوله [انظر :منهاج السنة.].1/31 :
المسألة الثالثة :القول بالرجاء:
هذا وإذا كان اليمان عندهم هو القرار بالئمة الثني عشر ،فقد أصبح معرفة الئمة عندهم
[المرجئة :هم الذي يؤخرون العمل عن كافية في اليمان ودخول الجنان ،فأخذوا بمذهب المرجئة
اليمان ،ويجعلون اليمان هو مجرد المعرفة بال سبحانه ،ومنهم من يقول :إنه ل يدخل النار أحد من أهل القبلة مهما
ارتكب من المعاصي.
انظر عن المرجئة :مقالت السلميين ،234-1/213 :الملل والنحل ،146-1/139 :الفرق بين الفرق ص
،207-202التنبيه والرد ص ،43التبصير في الدين ص ،59البدء والتاريخ ،5/144 :اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين ص ،107الخطط للمقريزي ].350-2/349 :رأسًا .ولهذا عقد صاحب الكافي بابًا بعنوان:
"باب أن اليمان ل يضر معه سيئة ،والكفر ل ينفع معه حسنة" [أصول الكافي ،].2/463 :وذكر
فيه ستة أحاديث منها قول أبي عبد ال" :اليمان ل يضر معه عمل ،وكذلك الكفر ل ينفع معه
عمل" [أصول الكافي ].2/464 :واليمان حسب مصطلحهم هو حب الئمة أو معرفتهم.
وحين قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه ال " :-إن أكثر الشيعة يعتقدون أن حب علي
حسنة ل يضر معها سيئة" [منهاج السنة.].1/31 :
رد عليه بعض شيوخهم وآياتهم في هذا العصر فقال" :ما نسبه إلى كثير من الشيعة من القول
بأن حـب علي حسـنة ليـس يضـر معـه سـيئة ،فإنـه بهتان منـه ،فإنهـم جميعًا متفقون على ذلك،
[محمد مهدي الكاظمي /منهاج الشريعة فتخصيصه الكثير منهم بهذه العقيدة ليس له وجه سوى الكذب"
في الرد على ابن تيمية.].1/98 :
قال شيخ السلم" :وإذا كانت السيئات ل تضر مع حب علي ،فل حاجة إلى المام المعصوم
الذي هو ل طف في التكل يف ،فإ نه إذا لم يو جد إن ما تو جد سيئات ومعاص ،فإذا كان حب علي
كافيًا فسواء وجد المام أو لم يوجد" [منهاج السنة ].1/31 :فصارت مسألة إمامة المعصوم المبنية
366
على قاعدة الل طف منقو ضة بم سألة المح بة المجردة ،و كل قول عند هم ل بد أن يهدم قولً آ خر
وهكذا الشأن في كل دين ليس من عند ال سبحانه.
ولعلهم يفارقون المرجئة من حيث إن المرجئة تقول :اليمان هو المعرفة بال ،وهم يقولون:
اليمان معرفة المام أو حبه.
وأخبارهم في هذا الباب كثيرة في عشرات من الحاديث ،فقد جاء عندهم "وهل الدين إل
الحب" [تفسير العياشي ،1/167 :بحار النوار .].27/95 :وذكر المجلسي ( )154رواية في باب
بعنوان" :باب ثواب حبهم ووليتهم وأنهم أمان من النار" [بحار النوار ،].144-27/73 :كما جاء
في عنوان آخر" :أن وليته (يعني عليًا) عليه السلم حصن من عذاب الجبار ،وأنه لو اجتمع
الناس على حبه ما خلق ال النار" [بحار النوار ،].39/32 :وجاء في أحاديثهم "ل يدخل الجنة إل
[علل من أحبه من الولين والخرين ،ول يدخل النار إل من أبغضه من الولين والخرين"
الشرائع :ص .].162
وعلى هذا التقدير سقط اليمان بال ورسوله ،وجميع العقائد الدينية ،وجميع التكليفات
والحكام الشرعية ،ولم يبق في شريعة السلم غير حب علي ،وهذه المفتريات قد أضلت كثيرًا
ممن يحب الباحة ويتبع الشهوات [نقض عقائد الشيعة للسويدي ،الورقة( 34 :مخطوط).].
وهذه الروايات يلزم منها أن القرآن لم ينزل لهداية الخلق ،بل لضللتهم؛ إذ لم يذكر فيه حب
علي وبغضه مع أنه هو أصل دخول الجنة أو دخول النار.
قال السويدي" :وإذا كان حب ال ورسوله صلى ال عليه وسلم غير كاف في النجاة
والخلص من العذاب بل إيمان وعمل صالح فكيف يكون حب علي كافيًا ،وهذا مخالف لقوله
شرّا َيرَهُ}
ج َز ِبهِ} [النساء ،آية ].123 :وقولهَ { :ومَن يَ ْع َم ْل ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ
سبحانه{ :مَن يَ ْع َملْ سُوءًا يُ ْ
[الزلزلة ،آية].8 :؟ بل مخالف لصولهم ورواياتهم ،أما المخالفة للصول ،فلنه إذا ارتكب
رافضي الكبائر ولم يعاقبه ال على ذلك يلزم ترك الواجب على ال تعالى عندهم.
وأما المخالفة للروايات فلن عليًا والسجاد والئمة الخرين قد روي عنهم في أدعيتهم
الواردة عندهم بطرق صحيحة البكاء والستعاذة من عذاب ال تعالى ،وإذا كان مثل هؤلء
الئمة الكرام خاشعين خائفين من عذاب ال فكيف يصح لغيرهم أن يغتر بمحبتهم ويتكل عليهم
في ترك العمل [نقض عقائد الشيعة ،الورقة].35 ،34 :؟" .وانظر في قولهم" :إنه ل يدخل النار إل
من أبغضه من الولين والخرين" تجد أنه يدل صراحة على أنه ل يدخل النار مثل فرعون
367
وهامان وقارون وسائر رؤساء الكفر وأتباعهم من المم الماضية لنهم لم يبغضوا عليًا ،بل لم
يعرفوه ،فانظر كيف أدى بهم الغلو.
ول شك أن هذه مقالة ل يتكلف في رد ها ،ل نه معلوم بطلن ها من ال سلم بالضرورة ،ولو
كان المر كما يزعمون لما أرسلت الرسل ،وأنزلت الكتب ،وشرعت الشرائع.
لكن هذه العقيدة بقيت آثارها في المجتمعات الشيعية من الستهانة بشرائع ال ،والجرأة على
حدود ال.
المسألة الرابعة :قولهم في الوعد:
[العتقادات: قال ابن بابويه" :اعتقادنا في الوعد أن من وعد ال على عمل ثوابًا فهو منجزه"
ص ،94وانظر :أوائل المقالت ص ،57العتقادات للمجلسي ص .].100
وقد توسعوا في مفهوم الوعد فاخترعوا روايات وأخبارًا ونسبوها لجعفر الصادق وغيره
تثبت الوعد بالثواب على أعمال ما أنزل ال بها من سلطان .بل إن الدليل والبرهان قام على
منعها وتحريمها أو اعتبارها ضربًا من الشرك أو اللحاد كلعن صحابة رسول ال صلى ال
من هذه عليه وسلم وقد جعلوه من أفضل القربات [انظر :بحار النوار ،27/218 :وراجع ص 730
الرسالة .].ولطم الخدود وشق الجيوب ،وتعذيب النفس ،وضربها بالسكاكين والسيوف باسم عزاء
وما بعدها ،مبحثالحسين وهو عندهم من عظيم الطاعات [انظر :عقائد المامية للزنجاني1/289 :
(المواكب الحسينية) ،وانظر :اليات البينات /لمحمد حسين آل كاشف الغطاء ص 4وما بعدها ،فصل (المواكب
الحسينية) ،ودائرة المعارف (الشيعية).].21/706 :
[انظر: والحج إلى الضرحة والطواف بها ودعائها والستغاثة بها من أجل العبادات عندهم
فصل عقيدتهم في توحيد اللوهية .].واستحداثهم لعبادات ما نزل بها من عند ال نص ،وترتيب عظيم
ل :-بحار النوار ،باب أعمال يوم الغدير وليلته وأدعيتهما ،323-98/298 :وباب
[انظر – مث ً الثواب عليها
وغيرها ،وانظر :وسائل الشيعة ،باب استحباب صوم يوم النيروزعمل يوم النيروز وما يتعلق بذلك98/419 :
والغسل فيه ،ولبس أنظف الثياب والطيب ،7/346 :وباب استحباب صوم يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة ،وقال
بأنه كفارة سبعين سنة ،7/333 :وأبواب صلة جعفر ،197 ،5/194 :وصلة فاطمة ،5/243 :وصلة يوم
المباهلة ،وتعدل مائة ألف حجة – على حد زعمهم .].5/287 :-
وجاءت أخبارهم تقول بأن الئمة يملكون الضمان لشيعتهم بدخول الجنة ،وقد شهدوا بذلك
لبعض أتباعهم على وجه التعيين ،فهم يعدون بالثواب ويحققونه!!.
ومن نصوصهم في هذا ما جاء في رجال الكشي .." :عن زياد القندي عن علي بن يقطين،
أن أبا الحسن قد ضمن له الجنة" [رجال الكشي :ص ،].430وفي رواية أخرى "عن عبد الرحمن
368
الحجاج ،قال :قلت لبي الحسن رضي ال عنه :إن علي بن يقطين أرسلني إليك برسالة أسألك
[لحظ أن المام المزعوم يستفهم عن المقصود بالدعاء وهو الذي يعلم الدعاء له ،فقال :في أمر الخرة
المصير ويضمنه ،وهذا من كذب المغفلين ،أو أن ال سبحانه أراد لمرهم أن يفتضح بهذا الختلف والتناقض الشائع
في الكثير من أخبارهم].؟ قلت :نعم ،قال :فوضع يده على صدره ثم قال :ضمنت لعلي بن يقطين أل
تمسه النار" [رجال الكشي :ص ،431وأورد الكشي عدة روايات مشابهة لما ذكر :ص .].432-431
فانظر إلى هذا "التألي" على ال ،وكأن لديهم خزائن رحمة ال ،وبيدهم مقاليد كل شيء ،فهم
يضمنون ول يستثنون ،ويوزعون صكوك الغفران والحرمان ،فهل لهم مع ال تدبير؟ أو هم
رسل يوحى إليهم ،أو اطلعوا على الغيب ،أو اتخذوا عند الرحمن عهدًا؟! إن مثل هذه المزاعم
تبين أن واضعي هذه الساطير هم فئة من الزنادقة الذين ل يؤمنون بقرآن ول سنة ،وهدفهم
إفساد هذا الدين ،فلم يجدوا مكانًا لتحقيق ذلك إل في محيط التشيع.
وعلي بن يقطين الذي ضمن له هؤلء الزنادقة "جنتهم" قد يكون شريكًا لهم في المذهب ،فقد
ذكر الطبري في حوادث سنة 169ه بأنه قتل على الزندقة [تاريخ الطبري.].8/190 :
وأخبار ضمان الئمة لتباعهم الجنة مستفيضة أخبارها في كتب الثني عشرية
[انظر مثل ذلك
في :أصول الكافي ،475 ،1/474 :رجال الكشي :ص ،484 ،448-447ورجال الحلي :ص ،185 ،98
وكل هذه الصفحات المشار إليها تحمل ضمان الئمة لبعض أتباعهم الجنة ،وهذا "الضمان" يعدونه توثيقًا للرجل،
ولذلك تكثر أخباره في كتب الرجال عندهم ،كما أن الشهادة بالنار يعتبرونها من علمات القدح ،ولذلك يتداولون
أخبارها في كتب رجالهم أيضًا.].
المسألة الخامسة :قولهم في الوعيد:
قال المفيد" :اتفقت المامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون
[أوائل المقالت: مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بال تعالى والقرار بفرائضه من أهل الصلة"
ص ،].14وأنهم بارتكاب الكبيرة ل يخرجون عن السلم ،وإن كانوا يفسقون بما فعلوه من
الكبائر والثام [أوائل المقالت :ص .].15
وهذا القول في ظاهره موافق لمذهب أهل السنة ،لكنهم خرجوا عن تحقيق هذا المذهب من
طريق آخر ،حيث توسعوا في مفهوم الكفر والمكفرات ،ولذلك "اتفقت المامية على أن أصحاب
البدع كلهم كفار ،وأن على المام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينات عليهم
فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب وإل قتلهم لردتهم عن اليمان ،وأن من مات منهم
على تلك البدعة فهو من أهل النار" [أوائل المقالت :ص .].16
369
واتفقت على القول بكفر من حارب أمير المؤمنين عليًا وأنهم "كفار ضلل ملعونون بحربهم
أمير المؤمنين وأنهم بذلك في النار مخلدون" [أوائل المقالت :ص .].10
وهكذا حكمهم في كل من خالفهم ،ولذلك قال ابن بابويه" :واعتقادنا فيمن خالفنا في شيء
[العتقادات :ص ،116وانظر: واحد من أمور الدين كاعتقادنا فيمن خالفنا في جميع أمور الدين"
العتقادات للمجلسي :ص .].100
فهم من هذا الباب وعيدية ،ولهذا قال شيخ السلم بأن متأخري الشيعة وعيدية في باب
السماء والحكام [الفتاوى.].6/55 :
ويذكر الشعري بأن طائفة من الروافض "يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون :إنهم
يعذبون ،ول يقولون بإثبات الوعيد في من قال بقولهم ،ويزعمون أن ال سبحانه يدخلهم الجنة،
وإن أدخلهم النار أخرجهم منها ،ورووا في أئمتهم أن ما كان بين ال وبين الشيعة من المعاصي
سألوا ال فيهم فصفح عنهم ،وما كان بين الشيعة وبين الئمة تجاوزوا عنه ،وما كان بين الشيعة
وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم" [مقالت السلميين.].1/126 :
وهذا المعنى الذي يتحدث عنه الشعري قد تبنى المجلسي إشاعته في باب عقده بعنوان:
"باب الصفح عن الشيعة" وذكر فيه سبعًا وتسعين رواية [انظر :بحار النوار.].149-68/98 :
وبعدما ذكر هذه الروايات كلها كأنه استقلها فقال :قد مرت أخبار كثيرة من هذا الباب في
أبواب المعاد من الحوض والشفاعة وأحوال المؤمنين والمجرمين في القيامة وغيرها ،وأبواب
فضائل الئمة [بحار النوار.].68/149 :
وقد صدر الباب المذكور بحديث يحكي نفس المذهب الذي أشار إليه الشعري ،يقول حديثهم:
"إذا كان يوم القيامة ولينا حساب شيعتنا ،فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين ال عز وجل حكمنا
فيها فأجابنا ،ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا ،ومن كانت مظلمته
فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح" [بحار النوار ،68/99 :عيون أخبار الرضا.].2/68 :
فهم وعيدية بالنسبة لمن خالفهم ،كما أنهم مرجئة فيمن دان بقولهم.
المبحث الثاني
قولهم في أركان اليمان
أركان اليمان تشمل :اليمان بال ،وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم الخر ،واليمان بالقدر،
كما في قوله تعالىّ{ :ليْسَ ا ْل ِبرّ أَن ُتوَلّواْ وُجُو َهكُمْ ِق َبلَ ا ْل َمشْرِقِ وَا ْلمَ ْغرِبِ وَلَـكِنّ ا ْل ِب ّر مَنْ آمَنَ
خرِ وَا ْلمَلئِ َكةِ وَالْ ِكتَابِ وَال ّنبِيّينَ[ }...البقرة ،آية.].177 :
بِالّلهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ
370
شيْءٍ خَلَ ْقنَاهُ بِقَ َدرٍ} [القمر ،آية.].49 :
وقولهِ{ :إنّا ُكلّ َ
وقد سبق الحديث مفصلً عن انحراف الشيعة في باب اليمان بال ،في ربوبيته ،وإلهيته،
وأسمائه وصفاته.
وهنا سيكون الحديث عن قولهم في بقية أركان اليمان ،حيث يبدو أن مسألة المامة كان لها
أثرها على ذلك ،فهم مع إثبات أركان اليمان من اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله والقدر
واليوم الخر ،يبدو أثر المامة واضحًا في بيانهم لهذه الركان ،وحديثهم عنها ،كما سيتبين في
الصفحات التالية:
اليمان بالملئكة:
وقد نال هذا الركن من أركان اليمان نصيبه ،فالملئكة خلقوا من نور الئمة وهم خدم
للئمة ،ومنهم طوائف قد كلفوا – بزعمهم – للعكوف على قبر الحسين ..إلخ.
تقول أخبارهم" :خلق ال من نور وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك يستغفرون له
ولمحبيه إلى يوم القيامة" [كنز جامع الفوايد :ص ،334بحار النوار.].23/320 :
وأحيانًا يقولون" :خلق ال الملئكة من نور علي" [المعالم الزلفى :ص .].249
وقد زعموا أن من ملئكة الرحمن من ل وظيفة لهم إل البكاء على قبر الحسين ،والتردد
لزيارته ،قالوا" :وكّل ال بقبر الحسين أربعة آلف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة"..
[وسائل الشيعة ،10/318 :فروع الكافي ،1/325 :ثواب العمال :ص ،49كامل الزيارات :ص .].189
وزيارة قبر الحسين هي أمنية أهل السماء ،قالوا" :وليس شيء في السماوات إل وهم يسألون
[الطوسي /التهذيب ،2/16 :ثواب ال أن يؤذن لهم في زيارة الحسين ففوج ينزل وفوج يعرج"
العمال :ص ،54وسائل الشيعة.].10/322 :
[بحار النوار ،26/335 :ابن بابويه /إكمال الدين :ص وقالوا" :إن الملئكة لخدامنا وخدام محبينا"
،147عيون أخبار الرضا ،1/262 :علل الشرائع :ص .].13
وجاء في آخر حديث طويل لهم "إن جبرائيل دعا أن يكون خادمًا للئمة ،قالوا :فجبريل
خادمنا" [بحار النوار ،345-26/344 :إرشاد القلوب :ص ،214كنز جامع الفوايد :ص .].483
وقد قال شيخ السلم – رحمه ال – وهو يرد على ابن المطهر نقله لمثل هذا اللقب للملئكة
قال" :فتسمية جبريل رسول ال إلى محمد صلى ال عليه وسلم خادمًا عبارة من ل يعرف قدر
الملئكة وقدر إرسال ال لهم إلى النبياء[ "..منهاج السنة.].2/158 :
371
وكيف يطلق هذا اللقب "الوضيع" فيمن وصفه ال بقولهِ{ :إ ّنهُ لَ َق ْولُ َرسُولٍ َكرِيمٍ ،ذِي ُقوّةٍ
عِندَ ذِي ا ْل َعرْشِ مَكِينٍ} [التكوير ،آية .]19/20 :فالمراد بالرسول الكريم هنا جبريل ،وذي العرش
رب العزة سبحانه.
ولهم دعاوى في هذا الباب كثيرة ،وكأنه ل وظيفة للملئكة إل أمر أئمتهم الثني عشر ،أو
كأنهم ملئكة الئمة ل ملئكة ال!.
قال أبو عبد ال" :إن الملئكة لتنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا ،وتحضر موائدنا،
وتأتينا من كل نبات في زمانه رطب ويابس ،وتقلب علينا أجنحتها ،وتقلب أجنحتها على
صبياننا ،وتمنع الدواب أن تصل إلينا ،وتأتينا في وقت كل صلة لتصليها معنا ،وما من يوم
يأتي علينا ول ليل إل وأخبار أهل الرض عندنا ،وما يحدث فيها ،وما من ملك يموت في
[بحار النوار،26/356 : الرض ويقوم غيره إل وتأتينا بخبره وكيف كانت سيرته في الدنيا"
بصائر الدرجات :ص .].27
ويقولون بأن وسائد وقلئد أولدهم يأخذونها من أجنحة الملئكة ،بل إن الملئكة تتولى
[بحار النوار ،26/354 :بصائر رعاية أطفالهم ،حتى قال أبو عبد ال" :هم ألطف بصبياننا منا بهم"
الدرجات :ص .].26
والملئكة في أخبار الشيعة مكلفون بمسألة الولية ،ولكنهم يقولون أنه لم يستجب منهم إل
طائفة المقربين [بحار النوار ،26/340 :بصائر الدرجات :ص .].20رغم أن العقوبة تحل بمن
يخالف منهم في أمر الولية – في زعمهم – حتى إن أحد الملئكة عوقب بكسر جناحه لرفضه
[بحار النوار ،26/341 :بصائر ولية أمير المؤمنين ولم يبرأ إل حينما تمسح وتمرغ بمهد الحسين
الدرجات :ص .].20
[انظر :تفسير الحسن العسكري ص ،153 ولم تشرف الملئكة – بزعمهم – إل بقبولها ولية علي
الحتجاج للطبرسي :ص ،31بحار النوار.].26/338 :
وحياة الملئكة موقوفة على الئمة والصلة عليهم ،لنه "ليس لهم طعام ول شراب إل
الصلة على علي بن أبي طالب ومحبيه ،والستغفار لشيعته المذنبين" [بحار النوار،].26/349 :
وكانت الملئكة ل تعرف تسبيحًا ول تقديسًا من قبل تسبيحنا (يعني تسبيح الئمة) وتسبيح
شيعتنا [جامع الخبار لبن بابويه :ص ،9بحار النوار.].26/344 :
ولذلك فإن الملئكة تراعي أمر الشيعة على وجه الخصوص ،فإذا خل الشيعي بصاحبه
اعتزلهم الحفظة فلم يكتبوا عليهم شيئًا ،يقولون :إذا التقى الشيعي مع الشيعي يتساءلن ،قالت
الحفظة :اعتزلوا بنا ،فإن لهم سرًا وقد ستره ال عليهما [وسائل الشيعة ،].564-8/563 :مع أن ال
372
شمَالِ قَعِيدٌ ،مَا يَلْفِظُ مِن َق ْولٍ إِل لَ َد ْيهِ
عنِ ال ّ
عنِ ا ْليَمِينِ وَ َ
سبحانه يقول{ :إِ ْذ َيتَلَقّى ا ْل ُمتَلَ ّقيَانِ َ
جوَاهُم
سرّهُمْ َونَ ْ
سبُونَ َأنّا ل َنسْمَعُ ِ
ح َ
عتِيدٌ} [سورة ق ،آية .].18-17 :وقال سبحانه{ :أَ ْم يَ ْ
رَقِيبٌ َ
بَلَى َورُسُُلنَا لَ َد ْيهِ ْم يَ ْك ُتبُونَ} [الزخرف ،آية.].80 :
هذا ومزاعمهم في هذا الباب متنوعة ،وفيها من التطاول على مقام الملئكة المقربين،
والكذب عليهم ،مع مبالغات غريبة ،ومجازفات طاغية ،أقرب ما تكون إلى إنكار الملئكة؛ لن
إنكار وظائفهم وخصائصهم وما شرفهم ال به ،ووضع دين الولية هو شرعتهم ،والشرك عند
قبر الحسين هو عمل طائفة منهم قد يهون عنده إنكارهم أصلً ،ولقد اقتربوا من النكار حينما
أولوا أسماء وألقاب الملئكة في القرآن بالئمة ،أو جعلوا وظائف الملئكة للئمة.
وبهذا عقد المجلسي بابًا بعنوان "باب أنهم عليهم السلم الصافون والمسبحون وصاحب المقام
المعلوم وحملة عرش الرحمن وأنهم السفرة الكرام البررة" [بحار النوار.].24/87 :
سبِقُو َنهُ بِالْ َق ْولِ وَهُم
عبَا ٌد مّ ْك َرمُونَ ،ل َي ْ
هذا ما يقولونه في الملئكة ،وال سبحانه يقولَ { :بلْ ِ
ج ْبرِيلَ َومِيكَالَ
ع ُدوّا لّّلهِ َومَلئِ َكتِهِ َو ُرسُ ِلهِ وَ ِ
بِ َأ ْمرِهِ يَ ْعمَلُونَ} [النبياء ،آية{ .].27-26 :مَن كَانَ َ
فَِإنّ الّلهَ عَ ُدوّ لّلْكَا ِفرِينَ} [البقرة ،آية.].98 :
اليمان بالكتب:
والشيعة قد تأثر هذا الجانب عندها بمقتضى عقائدها التي انفردت بها عن سائر المسلمين في
مسألة المامة وغيرها ،فآمنت بكتب ما أنزل بها من سلطان ،حيث ادعت أن ال سبحانه أنزل
على أئمتها كتبًا من السماء ،كما أنزل كتبه على أنبيائه.
كما زعمت بأن لدى الئمة الثني عشر الكتب السماوية التي نزلت على جميع النبياء فهم
يقرأونها ويحتكمون إليها.
وإليك بيان هاتين القضيتين ،من خلل النقل المين من كتب الشيعة المعتمدة:
[هناك كتب أخرى يزعمون أنها مودعة عند المسألة الولى :دعواهم تنزل كتب إلهية على الئمة
الئمة ،سبق ذكرها في فصل عقيدتهم في السنة ،وهي كهذه الكتب في القدسية ،إل أنها ل توصف بأوصاف هذه
الكتب من القول بنزولها من عند ال ونحوه:].
تضم نت ك تب الشي عة المعتمدة عند ها دعاوى عري ضة ،ومزا عم خطيرة ل يس ل ها وجود في
عالم الواقع ،ول يرى لها عين ول أثر ،وليس لها في كتب المة شاهد ول خبر.
تلك المزاعم والدعاوى تتضمن أن هناك كتبًا مقدسة نزلت من السماء بوحي من رب العزة
جل عله إلى "الئمة" .وأحيانًا تورد كتب الشيعة نصوصًا وأخبارًا يزعمون أنها مأخوذة من
تلك الكتب ،وعلى هذه الروايات المدعى أخذها من تلك الكتب تبنى عقائد ومبادئ.
373
وكأن الذين وضعوا أصول التشيع لم يكتفوا لتأييد أصولهم بكل ما مضى من دعاوى حول
كتاب ال ،وخافوا أل تكون وافية بالغرض فيفرّ أتباعهم من حولهم ،وتضيع مصادر الثروة
عليهم فيخسروا المال والجاه والتقديس الذي يجنونه من أولئك التباع باسم الخمس والنيابة عن
المام.
فافتعلوا هذه الدعوى ليضمنوا بها – مع أخواتها – تحقيق تلك الهداف ،وليسددوا بها سهمًا
آخر ضد المة ودينها.
وهذه الدعوى ل تكاد تختلف عن دعوى أكثر المتنبئين بتنزل كتب ،أو وحي عليهم.
ولعل جذور هذه المقالة بدأت في عصر علي – رضي ال عنه – كما أشارت إلى ذلك إحدى
روايات المام البخاري – رضي ال عنه – عن أبي جحيفة قال" :قلت لعليّ :هل عندكم كتاب؟
قال :ل ،إل كتاب ال ،أو فهم أعطيه رجل مسلم ،أو ما في هذه الصحيفة .قال :قلت :فما في
[صحيح البخاري (مع الفتح).1/204 : هذه الصحيفة؟ قال :العقل وفكاك السير ول يقتل مسلم بكافر"
وسبق تخريجه :ص(.].)79
وفي رواية أخرى للبخاري جاء السؤال" :هل عندكم شيء من الوحي إل ما في كتاب ال"
[صحيح البخاري (مع الفتح)( .].6/167 :وهي تفسر المراد بالكتاب).
قال ابن حجر" :وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك ،لن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن
عند أهل البيت – لسيما عليًا – أشياء من الوحي خصهم النبي صلى ال عليه وسلم بها لم يطلع
غيرهم عليها ،وقد سأل عليًا عن هذه المسألة أيضًا قيس بن عباد ،والشتر النخعي ،وحديثهما
في مسند النسائي" [فتح الباري.].1/204 :
فإذن نواة هذه المقالة ظهرت في عصر متقدم ..أما من تولى كبرها فإن في رسالة "الرجاء"
للحسن بن محمد بن الحنفية ما يشير إلى أن السبئيين – أتباع عبد ال بن سبأ – قد بدأوا في
إشاعة مثل هذه المقالت حيث قال" :هدينا لوحي ضل عنه الناس ،وزعموا أن نبي ال كتم
تسعة أعشار القرآن" [رسالة الرجاء (ضمن كتاب اليمان) محمد بن يحيى العدني :ص 250-249
(مخطوط).].
وفي كتاب أحوال الرجال أن عبد ال بن سبأ زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه
عند علي [الجوزجاني /أحوال الرجال :ص .].38
إذن كانت دعوى السبئيين تشير إلى علم مخزون عند علي ،فهذه أصل الدعوى ،وقد تطورت
واتخذت صورًا وأشكالً متعددة كلها ترجع إلى دعوى أن عند آل البيت ما ليس عند الناس،
374
والتي نفاها أمير المؤمنين علي نفيًا قاطعًا ،وما تفرع من الباطل فهو باطل ،فالفرع له حكم
أصله.
وإليك بكل أمانة بعض ما وجدناه في كتبهم المعتبرة عندهم من هذه الدعاوى والمزاعم:
أ ـ "مصحف فاطمة":
تدعي كتب الشيعة نزول مصحف على فاطمة بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
تقول إحدى روايات الكافي عن مصحف فاطمة .." :إن ال تعالى لما قبض نبيه صلى ال
عليه وسلم دخل على فاطمة عليها السلم من وفاته من الحزن ما ل يعلمه إل ال عز وجل،
فأرسل ال إليها ملكًا يسلي غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي ال عنه فقال:
إذا أحسست بذلك ،وسمعت الصوت قولي لي ،فأعلمته بذلك ،فجعل أمير المؤمنين رضي ال
عنه يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفًا ..أما إنه ليس فيه شيء من الحلل والحرام
ولكن فيه علم ما يكون" [أصول الكافي ،1/240 :بحار النوار ،26/44 :بصائر الدرجات :ص .].43
تفيد هذه الرواية بأن الغرض من هذا المصحف أمر يخص فاطمة وحدها وهو تسليتها
وتعزيتها بعد وفاة أبيها صلى ال عليه وسلم ،وأن موضوعه "علم ما يكون" ،وما أدري كيف
يكون تعزيتها بإخبارها بما يكون وفيه – على ما تنقله الشيعة – قتل أبنائها وأحفادها ،وملحقة
المحن لهل البيت؟!
ثم كيف تعطى فاطمة "علم ما يكون" "علم الغيب" ورسول الهدى يقول كما أمره ال{ :وَ َلوْ
خيْرِ} فهل هي أفضل من رسول ال؟
ت مِنَ ا ْل َ
ستَ ْكثَرْ ُ
كُنتُ َأعْ َلمُ الْ َغيْبَ َل ْ
وتقول هذه الرواية بأن عليًا هو الذي كتب ما أمله الملك رغم أن رواياتهم الخرى تقول
[انظر :ص( )236من هذا بأن بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم كان منشغلً بجمع القرآن
الكتاب.].
والكذب ل محالة له من التناقض والختلف.
جاء في الكافي "عن أبي بصير قال :دخلت على أبي عبد ال ...ثم ذكر حديثًا طويلً في ذكر
العلم الذي أود عه الر سول صلى ال عل يه و سلم ع ند أئ مة الشي عة – ك ما يزعمون – وف يه قول
أ بي ع بد ال" :وإ نّ عند نا لم صحف فاط مة علي ها ال سّلم .قلت (القول للرّاوي) :و ما م صحف
فاط مة علي ها ال سّلم؟ قال :م صحف ف يه م ثل قرآن كم هذا ثلث مرّات ما ف يه من قرآن كم حرف
واحد" [أصول الكافي.].1/239 :
375
فهذه ال سطورة ال تي يروي ها "ث قة ال سلم عند هم" ب سند صحيح عند هم ك ما يقرره شيوخ هم
[انظـر :الشّافـي شرح أصـول الكافـي .].3/197 :تقول" :إن مصـحفهم يفوق المصـحف فـي حجمـه،
ويخال فه في ماد ته "..ف هل مع نى هذا أ كتاب ال أ قل من م صحف فاط مة ،وأن م صحف فاط مة
ح َمةً
شيْءٍ وَهُدًى َورَ ْ
أكمـل وأوفـى مـن كتاب ال سـبحانه الذي أنزله ال سـبحانه {تِ ْبيَان ًا لّ ُكلّ َ
شرَى ِل ْلمُ سْ ِلمِينَ} [الن حل ،آ ية ،].89 :وجعله د ستورًا ومنهاج حياة لل مة إلى أن تقوم ال ساعة؟!
َوبُ ْ
وهل المة محتاجة إلى كتاب آخر غير كتاب ال ليكمل به دينها؟! وإذا فقدته فهي لم تستكمل
أسباب الهداية والخير ،وهي اليوم قد فقدته ،إذ ل وجود له باعتراف الجميع..
ثم ك يف يكون كتاب ت سلية وتعز ية ك ما تقول روايت هم ال سابقة أك مل من كتاب ال سبحانه؟
أليس هذا الزعم غاية في التحلل من العقل والجرأة على الكذب؟
هذا وتختلف أسـاطيرهم في وصـف مصـحف فاطمـة كطبي عة الكاذيـب ،فإذا كانـت الروايـة
المذكورة تذكـر بأن هذا المصـحف مـن إملء أحـد الملئكـة ،والمصـحف كان نزوله بعـد وفاة
الرسول صلى ال عليه وسلم ..فإن رواية أخرى عندهم تقول" :وخلفت فاطمة عليها ال سّلم ما
[بحار النوار: وخطـ عليـّ"
ّ هـو قرآن ،ولكن ّه كلم مـن كلم ال أنزله عليهـا إملء رسـول ال
،26/42عن بصائر الدّرجات :ص .].42
فهذا يع ني أن الم صحف كان في حياة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم والمملي هو ر سول
ال ،والكلم كلم ال.
وهذه الرواية يكاد آخرها يناقض أولها ،إذ كيف ينزل على فاطمة ثم يكون من إملء رسول
ال وخط عليّ؟!
وتقول رواية أخرى" :مصحف فاطمة عليها السلم ما فيه شيء من كتاب ال وإنما هو شيء
ألقـي عليهـا" [بحار النوار ،26/48 :بصـائر الدرجات :ص .].43فهذا يشيـر إلى أن المصـحف ألقـي
علي ها من ال سماء ولم ي كن المملي ر سول ال ول خط علي ،ولم يح ضر ملك يحدث ها ويؤن سها
ليكتب عل يّ ما يقوله الملك – بدون علمه كما يبدو – ليجتمع من ذلك مصحف فاطمة ،لم يحدث
شيء من ذلك إنما هو شيء ألقي عليها ثم إنه بعد وفاة أبيها ل في حياته.
376
يقول أبو عبد ال – كما يزعمون " :-تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني
نظرت في مصحف فاطمة عليها السلم[ "...أصول الكافي .].1/240 :أي فأخذت ذلك منه.
وليس في هذه السنة التي حددتها هذه السطورة أحداث بارزة – كما يظهر من كتب التواريخ
اللهم إل قتل بعض الرؤوس الضالة كالجهم بن صفوان وغيره ،وهذا ضد ما تزعمه السطورة
من ظهورهم ،وتقول أيضًا :قال أبو عبد ال" :إني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلم قبيل
فلم أجد لبني فلن فيها إل كغبار النعل" [بحار النوار ،26/48:بصائر الدرجات :ص .].44
وهذه السطورة مغلفة بشيء من التقية ،فلم يفصح عن اسم بني فلن ،ول المشار إليه بقوله
فيها ،ولم يوضح شيخهم المجلسي ذلك كعادته ،وقد يشيرون بذلك إلى الخلفة ،وببني فلن إلى
أولد الح سن بن علي بن أ بي طالب ر ضي ال عن هم ،ف هم دائمًا حول ها يدندنون كقول هم "أولد
الحسن يحملهم الحسد وطلب الدنيا في النكار" [أصول الكافي.].306-1/305 :
والمقصود أن مصحف فاطمة أداة عندهم لستطلع ما يحدث في هذه الكون ،ولو كان شيء
من ذلك لتغير وجه التاريخ ..ولما حصل للئمة ما حصل مما تصوره كتب الشيعة من المحن،
ول ما غاب منتظر هم واخت فى خوفًا من الق تل ،ول ما كان للتق ية أد نى حا جة ،إذ بمعر فة أ سباب
وقوع المكروه يتقون المكروه ،وبمعرفة أسباب المرغوب والمحبوب يفوزون بالمحبوب.
فإن زعموا أنهم ل قدرة لهم على تغيير شيء من ذلك فهم إذن كسائر الناس يجري فيها قدر
ال ،وعلمهم بما يحدث يزيدهم حزنًا ل يؤنسهم ويزيل وحشتهم – كما تزعم روايتهم – ما دام
أنهم ل حيلة لهم في التغيير.
وإذا كانت هذه الروايات تجعل موضوع مصحف فاطمة هو "علم ما يكون" ..فإن حديثًا آخر
من أحاديثهم – يقول كما يروي ثقة السلم عندهم :-إن أبا عبد ال قال عن مصحف فاطمة:
" ما أز عم أن ف يه قرآنًا ،وف يه ما يحتاج الناس إلي نا ول نحتاج إلى أ حد حتى ف يه الجلدة ونصف
الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش" [أصول الكافي.].1/240 :
فهذا النص يجعل من مصحف فاطمة بالضافة إلى علم ما يكون ،علم الحدود والديات ،ففيه
حتى أرش الخدش ،بل فيه التشريع كله فل يحتاج فيه الئمة معه إلى أحد ،فهي يعني هذا أنهم
ل يحتاجون إلى كتاب ال ،وأنهم استغنوا عن شريعة القرآن بمصحف فاطمة فلهم دينهم ولمة
السلم دينها؟!
377
وهل التشريع السلمي العظيم لم يكمل بكتاب ال وسنة رسوله ليحتاج بعد ذلك إلى مصحف
فاطمة ،أو أن مصحف فاطمة يغني عن الجميع؟!
إن المغزى من هذه النصوص واضح ،فإعطاء الئمة علم ما يكون من إضفاء لصفة اللوهية
عليهم بمنحهم ما هو من خصائص الله "وهو علم الغيب" ،وجعل مصحف فاطمة يحوي علم
الحدود والديات هو اتهام "مبطن" بقصور التشريع السلمي.
ثم عند هم روا ية أخرى تقول :إن علم التشر يع موجود في الجام عة ل في م صحف فاط مة،
يقولون" :إن عند نا ل صحيفة يقال ل ها الجام عة ما من حلل ول حرام إل و هو في ها ح تى أرش
الخدش" [بحار النوار ،26/23 :عـن بصـائر الدرجات :ص ،].390وكذا فـي صـحيفة عندهـم تسـمى
[بحار النوار: صـحيفة الحدود فيهـا مـن الحدود "ثلث جلدة مـن تعدى ذلك كان عليـه حدّ جلدة"
،20-26/19عن بصائر الدرجات :ص .].38
أ ما علم ما يكون ف هو ال خر قالوا بأن و سيلته غ ير م صحف فاط مة؛ ل نه في الج فر ،وخلق
أعظم من جبرائيل وميكائيل [بحار النوار ،26/19 :أمالي ابن الطوسي :ص ..]260إلخ حتى قاالوا" :ما
ينقلب طائر في الهواء إل وعندنا فيه علم" [بحار النوار ،26/19 :عيون أخبار الرضا :ص .].200
ثم رجعوا وقالوا :إن العلم كله إن ما يؤ خذ من كتاب ال ،كقوله روايت هم بأن أ با ع بد ال قال:
"إني أعلم ما في السماوات وما في الرض ،وأعلم ما في الجنة ،وأعلم ما في النار ،وأعلم ما
كان و ما يكون" .قال (الراوي) :ثم م كث هني هة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه م نه فقال:
[مضى تخريجه "علمت ذلك من كتاب ال عز وجل ،إن ال عز وجل يقول :فيه تبيان كل شيء"
من كتب الشيعة ،والتعليق عليه ص(.].)136
وقد مضى ما نقله بعض شيوخهم المعاصرين من القول بإيمان الشيعة بسلمة كتاب ال ،لنه
قو بل على م صحف فاط مة [ان ظر :ص( .].)267ول كن قال شيخ هم ال خر الخنيزي :إن م صحف
فاطمة غير القرآن وعلى ذلك تدل نصوصهم [الخنيزي /الدعوة السلمية.].1/47 :
أقوال وروايات يكذب بعضه الخر ،ول يخجلون من ذلك لن دينهم التقية.
[قال عالم هم المجل سي عن الكتاب "دلئل و في كتاب "دلئل المامة" و هو من كتبهم المعتمدة عند هم
المامة" :من الكتب المعتبرة المشهورة ،أخذ منه جملة من تأخر عنه كالسيد ابن طاووس وغيره ..ومؤلفه من ثقات
رواتنا المامية (محمد بن جرير بن رستم الطبري) وليس هو ابن جرير صاحب التاريخ المخالف (المجلسي /البحار
)40-1/39وقالت مقدمة الكتاب" :وهذا الكتاب لم يزل مصدرًا من مصادر الشيعة في المامة والحديث تركن إليه
378
وتعتمد عليه في أجيالها المتعاقبة منذ تأليف إلى وقتنا الحاضر" (من مقدمة الكتاب :ص ].)5ترد رواية تصف
هذا المصحف المزعوم بأن فيه "خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ،وفيه خبر سماء سماء،
وعدد مـا السـماوات مـن الملئكـة وغيـر ذلك ،وعدد كـل مـن خلق ال مرسـلً وغيـر مرسـل،
وأسماءهم ،وأسماء من أرسل إليهم ،وأسماء من كذب ومن أجاب ،وأسماء جميع من خلق ال
من المؤمنين والكافرين ،وصفة كل من كذب ،وصفة القرون الولى وقصصهم ،ومن ولي من
الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم ،وأسماء الئمة وصفتهم وما يملك كل واحد واحد...
فيه أسماء جميع ما خلق ال وآجالهم ،وصفة أهل الجنة وعدد من يدخلها ،وعدد من يدخل
النار ،وأسـماء هؤلء وهؤلء ،وفيـه علم القرآن كمـا أنزل ،وعلم التوراة كمـا أنزلت ،وعلم
[محمد بن جرير بن رستم النجيل كما أنزل ،وعلم الزبور ،وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلد"
الطبري /دلئل النبوة :ص .].28-27
[محمد بن جر ير بن ر ستم ال طبري /دلئل النبوة :ص -27 هذه المواضيع كلها في "ورقتين من أوله"
.].28يقول الراوي" :إن إمامهـم قال :ومـا وصـفت لك بعـد مـا فـي الورقـة الثالثـة ول تكلمـت
بحرف منه" [محمد بن جرير بن رستم الطبري /دلئل النبوة :ص .].28-27
و ما ندري بأي ح جم يكون هذا "الورق"؟! ك ما ل ندري لماذا لم ي ستفد أئمت هم من هذه العلوم
في سبيل استرداد المامة التي حرموها – كما تزعم الشيعة –؟
ولماذا ل يخرج منتظرهم من سردابه ،وكيف يخاف القتل – كما يعللون سر اختفائه – فيظل
مختفيًا – وكل هذه العلوم عنده؟!
وتصـف روا ية "دلئل الما مة" صفة نزول هذا الم صحف على خلف ما جاء في الروا ية
السالفة عن الكافي من أن عليًا كتب ما سمعه من الملك حتى أثبت بذلك مصحفًا ،تقول رواية
"الدلئل" إ نه نزل جملة واحدة من ال سماء بوا سطة ثل ثة من الملئ كة و هم "جبرائ يل وإ سرافيل
وميكائيل… فهبطوا به وهي قائمة تصلي ،فلما زالوا قيامًا حتى قعدت ،ولما فرغت من صلتها
[مح مد بن جر ير بن سلموا علي ها وقالوا :ال سلم يقرئك ال سلم ،ووضعوا الم صحف في حجر ها"
رستم الطبري /دلئل النبوة :ص .].28-27
فقالت :ل السلم ومنه السلم وإليه السلم وعليكم يا رسل ال السلم ،ثم عرجوا إلى السماء
فما زالت من بعد صلة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره "ولقد كانت عليها
379
ال سلم مفرو ضة الطا عة على جم يع من خلق ال من ال جن وال نس والط ير والو حش وال نبياء
والملئكة.
قال :دفعته إلى أمير المؤمنين ،فلما مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم عند أهله حتى
يدفعوه إلى صاحب هذا المر[ "...محمد بن جرير بن رستم الطبري /دلئل النبوة :ص .].28-27
هذا بعض ما جاء في كتبهم عن مصحف فاطمة المزعوم ،وهو يبين أن لفاطمة مصحفًا نزل
عليها بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم فيه علم الغيب وعلم الحدود والديات وغيرها مما
سلف ذكره ،وأنه اليوم عند إمامهم الغائب! وهو وحي كالقرآن ،إل أنه مثله ثلث مرات ما فيه
من قرآننا حرف واحد ،فهل نزل هذا المصحف ليكمل القرآن؟!
هذا ومثل هذا المصحف المزعوم "مصاحف كثيرة" تدعي الشيعة فيها ما يشبه دعواها حول
م صحف فاط مة ،وهذا موضوع وا سع يحتاج إلى ب حث م ستقل ،ولذلك سنذكر في ما يلي ب عض
أسماء هذه المصاحف وشيئًا مما يعرّف بها وندع التفصيل والتحليل.
ب ـ كتاب أنزل على الرسول قبل أن يأتيه الموت – كما يزعمون :-
"عن أبي عبد ال الصادق عليه السلم قال :إن ال عز وجل أنزل على نبيه كتابًا قبل أن
يأتيه الموت فقال :يا محمد ،هذا الكتاب وصيتك إلى النجيب من أهل بيتك ،فقال :ومن النجيب
من أهلي يا جبرائ يل؟ فقال :علي بن أ بي طالب عل يه ال سلم ،وكان على الكتاب خوات يم من
ذهب ،فدفعه النبي صلى ال عليه وسلم إلى عل يّ عليه السلم وأمره أن يفك خاتمًا منها ويعمل
بما فيه ،ففك عليه السلم خاتمًا وعمل بما فيه ،ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلم ففك خاتمًا
وعمل بما فيه ،ثم دفعه إلى الحسين عليه السلم ففك خاتمًا فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة
فل شهادة لهم إل معك وأشر نفسك ل عز وجل ففعل.
ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه السلم ففك خاتمًا فوجد فيه :اصمت والزم منزلك واعبد
ر بك ح تى يأت يك اليق ين فف عل ،ثم دف عه إلى مح مد بن علي عل يه ال سلم ف فك خاتمًا فو جد ف يه:
حدث الناس وأفتهـم ول تخافـن إل ال فإنـه ل سـبيل لحـد عليـك ،ثـم دفعـه إليّـ ففككـت خاتمًا
فوجدت ف يه :حدّث الناس وأفت هم وان شر علوم أ هل بي تك ،و صدق آباءك ال صالحين ول تخا فن
أحدًا إل ال وأ نت في حرز وأمان ففعلت ،ثم ادف عه إلى مو سى بن جع فر وكذلك يدف عه مو سى
[بحار النوار ،193-36/192 :وانظـر: إلى الذي بعده ،ثم كذلك أبدًا إلى قيام المهدي عل يه ال سلم"
380
ابـن بابويـه /إكمال الديـن /ص ،376أمالي الصـدوق :ص ،240أمالي الشيـخ :ص ،282أصـول الكافـي:
.].1/280
إن هذا الكلم ممكن أن يؤخذ منه أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يجهل من هو النجيب
من أ هل بي ته إلى و قت وفا ته ف هو ي سأل من هو النج يب ،وهذا يع ني أ نه لم يعلن للناس ،وبهذا
تسقط أخبار الشيعة كلها ،أو يقال إن هناك مجموعة من النجباء من أهل البيت والسؤال للتعرف
على المقصود منهم ،وهذا أيضًا يلغي دعاوى الشيعة في أفضلية عليّ.
ثم إن الكتاب لم يفصح عما أمر به علي والحسن ،وبين ما أمر به الحسين وهو خروجه إلى
الموت ،وهذا يخالف الوا قع تاريخيًا من أن الح سين لم ي كن في ذها به يتو قع ما حصل له ،وأن
الذي تولى كبر ما ح صل للح سين ر ضي ال – ب عد قتله – هم الذ ين غرروا به وخدعوه ،فل ما
خرج إلي هم خذلوه وتخلوا عن ن صرته ،و هم يزعمون التش يع له .و قد كتبوا إل يه كتبًا عديدة في
توج هه إلى طرف هم ،فل ما قرب من ديار هم تقاع سوا عن ن صرته ،بل ر جع أكثر هم مع العداء
خوفًا وطمعًا و صاروا سببًا لشهاد ته وشهادة كث ير م من م عه [مخت صر التح فة :ص ..].62ولذلك
حك مت ك تب الشي عة بردة من ب عد الح سين إل ثل ثة [أ صول الكا في ،].2/380 :ف هل هذه الروا ية
محاولة للدفاع عن هذه الفئة؟!
ثـم كيـف يفرقون بيـن الئمـة فـي وجوب الدعوة ونشـر العلم ،وأن فيهـم مـن يسـعه الصـمت
ولزوم البيت ومنهم من يلزمه نشر العلم وإظهار الدعوة؟!
ثم هذه الرواية تعترف بأن الشيعة لم يكن لديهم من يحدثها وينشر العلم بينها حتى جاء أبو
جعفر الصادق ،وهذا ما تؤكده روايتهم التي تقول" :كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم ل
يعرفون مناسك حجهم وحللهم وحرامهم ،حتى كان أبو جعفر ففتح لهم ،وبين لهم مناسك حهم
وحللهم وحرامهم[ "..أصول الكافي.].2/20 :
وهذا يعني الحكم بأن أوائل الشيعة من قبل أبي جعفر كانوا يعبدون ال على جهل.
ثم هل كان علي بن الح سين م من لزم بي ته وآ ثر ال صمت ،أو هو قد خان الو صية وخالف
الكتاب المختوم بالذهب فنشر العلم ،ودعا إلى سبيل ال على بصيرة؟!!
ل قد كان علي بن الح سين من كبار التابع ين و ساداتهم علمًا ودينًا ،و هو الذي قال في م ثل
هؤلء المفتر ين" :أحبو نا حب ال سلم ،فوال مازال ب نا ما تقولون ح تى بغضتمو نا إلى الناس"
[طبقات ابن سعد.].5/214 :
381
[الخزر جي /الخل صة :ص ].273 قال الزهري" :ما رأيت قرشيًا أفضل منه وما رأيت أفقه منه
وكان ثقة مأمونًا كثير الحديث[ "..منهاج السنة.].2/153 :
وقد اعترف شيخهم المفيد بنشره للعلم ،قال" :وقد روى عنه فقهاء العامة – يعني أهل السنة
– من العلوم ما ل تحصى كثرة ،وحفظ عنه من المواعظ والدعية والحلل والحرام ،والمغازي
[المف يد /الرشاد: واليام ما هو مشهور ب ين العلماء ،ولو ق صدنا إلى شرح ذلك لطال به الخطاب"
ص ،293-292عباس القمي /النوار البهية :ص .].112
وهذا – ك ما يؤ خذ من روايات هم – غي م صحف فاط مة ،لن م صحف فاط مة نزل ب عد وفاة
الر سول صلى ال عل يه و سلم بوا سطة الملك وكت به عل يّ من فم الملك و سلمه لفاط مة ،أو نزل
جملة واحدة ثلثة من الملئكة… إلى آخر ما بينا من أوصاف القوم لهذا الكتاب.
أ ما لوح فاط مة فله صفات أخرى من ها :أ نه نزل على الر سول صلى ال عل يه و سلم وأهداه
لفاطمـة ،إلى غيـر ذلك مـن أوصـافه ،وقـد نقلوا عـن لوح فاطمـة بعـض النصـوص التـي تؤيـد
عقائد هم .ويبدو أن هذا ال خبر عن « لوح فاط مة » وال نص المنقول م نه على در جة عال ية من
السرية ،ففي نهاية النص – كما سيأتي – أمر بكتمانه عن غير أهله فهو سر من أسرارهم ،ول
ندري كيف تسرب ولماذا تسرب ومتى؟
وإليك النص:
روى صاحب الوافي عن الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد ال قال :قال أبي لجابر بن عبد
ال النصاري :إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر :في
أي الحوال أحب بت ،فخل به في ب عض اليام فقال له :يا جابر ،أ خبرني عن اللوح الذي رأي ته
في يد أمي فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح
مكتوب ،فقال جابر :أش هد بال أ ني دخلت على أ مك فاط مة علي ها ال سلم في حياة ر سول ال
صلى ال عليه وسلم فهنيتها بولدة الحسين فرأيت في يديها لوحًا أخضر ظننت أنه من زمرد
ورأيت فيه كتابًا أبيض شبه لون الشمس فقلت لها:
382
أبي وأ مي أنت يا بنت رسول ال ما هذا اللوح؟ فقالت :هذا لوح أهداه ال تعالى إلى رسوله
صلى ال عليه وسلم ،فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الوصياء من ولدي ،وأعطانيه
أبي ليبشرني بذلك .قال جابر :فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلم فقرأته واستنسخته ،فقال أبي:
فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال :نعم ،فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من
رق فقال :يا جابر ،ان ظر في كتا بك لقرأ عل يه ،فن ظر جابر في ن سخته وقرأ أ بي ،ف ما خالف
حرف حرفًا ،فقال جابر :أشهد بال أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبًا:
"بسم ال الرحمن الرحيم هذا كتاب من ال العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه
ودليله ،نزل به الروح الم ين من ع ند رب العالم ين ،ع ظم يا مح مد أ سمائي واش كر نعمائي"..
[ان ظر ن صه في ك تب الشي عة :الكلي ني ،الكا في ،528 ،1/527 :الف يض الكاشا ني /الوا في ،أبواب العهود بالح جج
والنصـوص عليهـم صـلوات ال وسـلمه ،المجلد الول ،2/72 :وان ظر :الطبرسـي /الحتجاج ،87-1/84 :وابـن
بابويـه القمـي /إكمال الديـن :ص ،304-301الطبرسـي (صـاحب مجمـع البيان) /أعلم الورى :ص ،152
الكراجكي /الستنصار :ص .].18
في حديث طويل من أحاديثهم – يرويه صدوقهم ابن بابويه القمي – أن رسول ال صلى ال
عل يه و سلم قال – ك ما يفترون " :-إن ال تبارك وتعالى أنزل عل يّ اث ني ع شر خاتمًا ،واث ني
[ا بن بابو يه الق مي /إكمال الد ين ص ع شر صحيفة ،ا سم كل إمام على خات مه و صفته في صحيفته"
.].263
[وهناك ك تب أخرى غ ير ما ذ كر :ك صحيفة فاط مة ..و هي ك ما يزعمون ومزاعم هم في هذا الباب كثيرة
"صحيفة بيضاء من درة ..فيها أسماء الئمة" ومحظور لمسها على سائر الناس "قد نهي أن يمسها إل يمسها إل نبي
أو وصي نبي أو أهل بيت نبي" ثم ذكروا بعض نصوصها ومنها "أبو القاسم محمد بن عبد ال المصطفى أمه آمنة،
أ بو الح سن علي بن أ بي طالب المرت ضى أ مه فاط مة ب نت أ سد "...ثم ذ كر بق ية الث ني ع شر بذ كر ا سمه وا سم أ مه
(انظر :بحار النوار ،194-36/193 :إكمال الدين :ص ،178عيون أخبار الرضا :ص .].)25 ،24
وهكذا يحاول القوم أن ي سلكوا كل وسيلة لت ثبيت معتقد هم في الئمة ..ب عد أن زلزل دعوا هم
خلو كتاب ال سلم العظ يم "م ما يثبت ها" فراحوا يزعمون تنزل ك تب إله ية مع القرآن فكا نت هذه
الدعوى فضيحة تضاف لقائمة فضائحهم وأكاذيبهم.
ج ّن ٌة مّن
ض يَنبُوعًاَ ،أوْ تَكُو نَ لَ كَ َ
جرَ َلنَا مِ نَ ا َلرْ ِ
حتّى تَفْ ُ
وقال تعالى{ :وَقَالُواْ لَن ّنؤْمِ نَ لَ كَ َ
عمْ تَ عَ َليْنَا كِ سَفًا َأ ْو َت ْأتِ يَ
سمَاء كَمَا زَ َ
جرَ ا َلنْهَارَ خِللَهَا تَفْجِيرًاَ ،أ ْو تُ سْقِطَ ال ّ
عنَ بٍ َفتُفَ ّ
نّخِيلٍ وَ ِ
سمَاء َولَن ّن ْؤمِ نَ ِلرُ ِقيّ كَ
خرُ فٍ َأوْ تَرْقَى فِي ال ّ
ت مّ ن زُ ْ
ك َبيْ ٌ
بِاللّ هِ وَا ْلمَلئِ َكةِ َقبِيلً َ ،أوْ يَكُو نَ لَ َ
[السراء ،آية.].93-90 : سبْحَانَ رَبّي َهلْ كُنتُ إَ ّل َبشَرًا رّسُولً
حتّى ُت َن ّزلَ عَ َل ْينَا ِكتَابًا نّ ْق َرؤُهُ ُقلْ ُ
َ
وقال سبحانهَ { :و َلوْ نَزّ ْلنَا عَ َليْكَ ِكتَابًا فِي ِقرْطَاسٍ فَ َلمَسُو ُه بِ َأيْدِيهِمْ لَقَالَ الّذِينَ كَ َفرُواْ ِإنْ هَـذَا
ح ٌر ّمبِينٌ} [النعام ،آية.].7 :
إِلّ سِ ْ
فالذين طلبوا من الر سول صلى ال عليه و سلم صحيفة مكتوبة من ال سماء هم الكفار وأ هل
الكتاب ..فلم يجابوا..
فأراد الكلي ني وأمثاله م من أشاع هذه الفر ية أن ي صوروا خ ير أ مة أخر جت للناس بأن هم أ شد
كفرًا مـن اليهود والذيـن كفروا؛ لنهـم أنزل عليهـم كتـب مـن السـماء فلم يؤمنوا أي لم يعرفوا
الئمة الثني عشر.
وال ية صريحة في بطلن ما يد عي هؤلء الروا فض ،إذ لو كان ش يء من دعاوي الشي عة
واقعًا لشارت إل يه اليات ،ولم تن كر على هؤلء دعوا هم ،أو لقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم
لهم :دونكم ما نزل على فاطمة ،أو ما نزل عل يّ ،أو ما سينزل على الئمة ،ولكن شيئًا من ذلك
لم يحدث فما أجرأ هؤلء على الكذب المكشوف.
ولماذا تنقـل المـة القرآن والسـنة ..وتترك هذه الكتـب المزعومـة لينفرد بنقلهـا هؤلء؟ ول
يعرف أ حد من ال مة ول علماء التار يخ ،ول أ هل الديان شيئًا عن أ مر هذه "الك تب"؟ وك يف
تختلف الشيعة في أمر تعيين المام إلى عشرات الفرق وعندها هذه الصحف المنزلة؟
384
والرض ون بأ ما قبل كم وف صل ما بينكم و خبر ما بعد كم وأمر الج نة والنار و ما أن تم صائرون
إل يه" [ صحيح الكا في ،1/31 :أو أ صول الكا في ،1/269 :وان ظر :مفتاح الك تب الرب عة ].65-8/64 :وهذا
نص ل يحتاج إلى تعليق فهو يكذب كل هذه الدعاوى وينفي وقوعها نفيًا قاطعًا.
ونحن هنا نخاطبهم بعقليتهم وإل فإن هذه المقالة يكفي في معرفة فسادها مجرد عرضها ،وإن
إجماع ال مة قائم على أ نه ل كتاب إل كتاب ال سبحانه ،و كل من اد عى أ نه عنده كتاب إل هي
فهو كاذب زنديق.
شيْءٍ
َابـ ِتبْيَانًا لّ ُكلّ َ
ْكـ الْ ِكت َ
ومـا الحاجـة لنزول هذه الكتـب وال سـبحانه يقولَ { :ونَزّلْنَا عَ َلي َ
ن ِيهْدِي ِللّتِي هِ يَ أَ ْقوَ مُ}
حمَةً َو ُبشْرَى ِل ْلمُ سْ ِلمِينَ} [الن حل ،آ ية{ ،].89 :إِنّ هَ ـذَا الْ ُقرْآ َ
وَهُدًى َورَ ْ
[السراء :آية.].9 :
وأ ين هذه الم صاحف وال صحف اليوم ،و هل ل ها من أ ثر ،و ما فائدة خزن ها ع ند المنت ظر..
ولكن يبدو أن منهدسي بناء التشيع وضعوا أمثال هذه الروايات خوفًا من أن يفقد المذهب أتباعه
لعدم وجود ما يشهد له من كتاب ال .كما كان لهم هدف أبعد من ذلك وهو الكيد للمة ودينها،
والخذ بالشيعة بعيدًا عن المسلمين لتستقل بكتبها عن كتاب ال.
وهذه الدعوة تتضمـن أمورًا في غا ية الخطورة منهـا :أن الو حي لم ينقطـع والنبوة لم تخ تم،
وأن الئ مة بمنزلة ال نبياء أو أع ظم ،ف هم تنزل علي هم الك تب المتعددة من ال سماء ،وهذا ما لم
385
يتح قق للر سول صلى ال عل يه و سلم ،ومن ها تضل يل ال صحابة وال مة جميعًا بأن ها ردت الك تب
المنزلة.
وهذه الدعوى إحدى المعالم الواضحـة على أن هذا المذهـب قـد ابتلي بشرذمـة مـن الكذابيـن
الذ ين ل يتورعون عن أي كذب ،ف هم كذبوا على ر سول ال بو ضع الحاد يث ،وكذبوا على ال
سبحانه بوضع هذه "الكتب"!!
تد عي الشي عة بأن ع ند الئ مة الث ني ع شر كل كتاب نزل من ال سماء وأن هم يقرؤون ها على
اختلف لغات ها ،وع قد صاحب الكا في بابًا لهذا الموضوع بعنوان" :باب أن الئ مة عند هم جم يع
[أ صول الكا في: الك تب ال تي نزلت من ع ند ال عز و جل وأن هم يعرفون ها على اختلف أل سنتها"
.].1/227وضمنه طائفة من رواياتهم .ومثله فعل صاحب البحر فذكر بابًا بعنوان" :باب في أنّ
[بحار النوار: عندهم صلوات ال عليهم كتب النبياء عليهم ال سّلم يقرؤونها على اختلف لغاتها"
].26/180وذكر في هذا الباب ( )27حديثًا من أحاديثهم.
[أصول الكافي (مع تقول هذه الروايات عن الئمة" :كل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم"
[أصول الكافي (مع شرح شرح جامع للمازندراني)" ،].5/355 :إن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى"
[أصول جامع للمازندراني)" ،].5/354 :إن عندنا علم التوراة والنجيل والزبور وبيان ما في اللواح"
الكافي (مع شرح جامع للمازندراني) .].5/354 :وتأتي رواية أخرى تفسر المراد باللواح وأنها ألواح
موسى ،وتصف هذه اللواح بأنها زبرجدة من الجنة وفيها تبيان كل شيء هو كائن إلى أن تقوم
الساعة ،وأنها مكتوبة بالعبرانية وأن الرسول صلى ال عليه وسلم دفعها إلي أمير المؤمنين علي
وقال" :دونك هذه ففيها علم الولين والخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها
إليك .قال يا رسول ال لست أحسن قراءتها ،قال :إن جبرائيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت
رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قراءتها قال :فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه ال
كل شيء فيها فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ينسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر
وفيه علم الولين والخرين ،وهو عندنا" [بحار النوار.].188-26/187 :
وإذا كانت هذه الرواية تحدد مضمون الجفر بأنه (ألواح موسى) ،فإن رواية أخرى لهم تخرج
عن هذا التحديد وتقول بأن أبا عبد ال قال" :إنّ عندي الجفر البيض ..فيه :زبور داود ،وتوراة
386
موسى ،وإنجيل عيسى ،وصحف إبراهيم ،والحلل والحرام ،ومصحف فاطمة .ما أزعم أنّ فيه
قرآنًا وفيه ما يحتاج النّاس إلينا ول نحتاج إلى أحد ،حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة
وأرش الخدش" [أصول الكافي.].1/340 :
وكأن شارح الكافي استكثر أن يكون كل ذلك مكتوبًا في الجفر الذي هو جلد شاة – كما
تفسره الرواية السابقة – فقال" :الظاهر أن الجفر وعاء فيه هذه الصحف ل أنها مكتوبة فيه"
[شرح جامع /للمازندراني .].5/389 :في حين أن صريح الرواية السابقة يخالف هذا حيث نصت على
أن عليًا (نسخها في جلد شاة).
ومعنى هذا أن جلد الشاة يستحيل أن يستوعب كل هذه الكتب ،والتي يتضمن أحدها وهو
ألواح موسى ،علم الولين والخرين ،وهذا يكشف أن هذه الدعاوي من وضع جاهل ل يحسن
أن يضع.
وكل عاقل يدرك أن لو كان عند الئمة علم الولين والخرين لتغير وجه التاريخ.
والزعم بأن عند الئمة الكتب السماوية كلها لم يأخذ الشك النظري فحسب ،بل تجاوز ذلك
إلى محيط العمل ،فها هو أبو الحسن – بزعمهم – يقرأ النجيل أمام نصراني يقال له بريه
فيقول هذا النصراني بعد سماعه لقراءة إنجيله عن المام :إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة ،ثم
إن النصراني – كما تقول الرواية – آمن وحسن إسلمه .وقال للمام" :أنى لكم التوراة
والنجيل وكتب النبياء؟ فقال :هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ،ونقولها كما
[أصول الكافي (مع شرح قالوا :إن ال ل يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول ل أدري"
جامع) ،5/359 :بحار النوار ،182 ،26/181 :التوحيد للصدوق :ص .].288-286
فيؤخذ من هذه الرواية أن الئمة يقرؤون التوراة والنجيل وغيرهما ،كما قرأها النبياء،
حتى يجدوا ما يجيبون فيه على أسئلة الناس.
بل المر تعدى مجرد القراءة والفتوى إلى مجال الحكم والقضاء ،ووضع صاحب الكافي لهذا
بابًا بعنوان" :باب في الئمة أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ول يسألون البينة
عليهم السلم" [أصول الكافي.].1/393 :
ومن الروايات التي ذكرها في هذا الباب .." :عن جعيد الهمداني عن علي بن الحسن رضي
ال عنه قال :سألته بأي حكم تحكمون؟ قال :حكم آل داود فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس"
[أصول الكافي :ص.].398/
وترد عندهم نصوص كثيرة تقول بأن مهديهم المنتظر يحكم بحكم آل داود ول يسأل بينة
[أصول الكافي 1/398 :وما بعدها ،].ويذكرون جملة من الحكام التي يحكم بها مهديهم بموجب شريعته
387
الخاصة مثل "كونه ل يقبل الجزية من أهل الكتاب ،ويقتل كل من بلغ عشرين سنة ولم يتفقه في
[انظر :الشعراني /تعاليق علمية (على شرح الدين ،وأنه ل يقبل البينة ،ويحكم بحكم آل داود وأمثالها"
الكافي للمازندراني) .].6/393 :كما سيأتي – إن شاء ال – تفصيله في عقيدتهم في المهدي المنتظر.
وجاءت عندهم عدة روايات تذكر بأن عليًا يقول :لو تمكنت من المر لحكمت لكل طائفة
بكتابها [توجد هذه الروايات في البحار 26/180 :وما بعدها 40/136 ،وما بعدها ،].فمن هذه الروايات :زعمهم
[قال المجلسي :ثني الوسادة عبارة عن التمكن في المر ونفاذ الحكم. أن عليًا قال" :لو ثنيت لي وسادة"
[قال المجلسي :ذكر ابن صوحان (البحار ،].)40/137 :أو "لو ثنى الناس لي وسادة كما ثني لبن صوحان
في الخبر غريب ،ولعله كان ابن أبي سفيان ،وعلى تقديره كأن المراد به لو كان لي بين أصحابي نفاذ أمر وقبول
حكم كنفاذ أمر ابن صوحان (البحار ].)26/182 :لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة ،ولحكمت بين أهل
[البحار: النجيل بالنجيل ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور ،ولحكمت بين أهل الفرقان بالفرقان"
.].26/182
نقد هذه المقالة:
بعث ال محمدًا صلى ال عليه وسلم إلى جميع الثقلين ،وختم به النبوات ،ونسخ برسالته
[آل سرِينَ}
خرَ ِة مِنَ الْخَا ِ
لمِ دِينًا َفلَن يُ ْق َب َل مِ ْنهُ وَ ُهوَ فِي ال ِ
غ ْيرَ ا ِلسْ َ
سائر الرسالت { َومَن يَ ْبتَغِ َ
[شرح عمران :آية" .].85 :ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه صلى ال عليه وسلم"
الطحاوية :ص " ].513وإذا نزل عيسى عليه السلم إلى الرض فإنما يحكم بشريعة محمد صلى ال
عليه وسلم" [مجموع فتاوى شيخ السلم ،4/316 :شرح الطحاوية :ص .].513فقد نسخ ال سبحانه بكتابه
ن يَ َد ْيهِ مِنَ الْ ِكتَابِ
ق ُمصَدّقًا ّلمَا َبيْ َ
ب بِالْحَ ّ
الكتب السماوية كلها ،قال تعالى{ :وَأَنزَ ْلنَا إِ َليْكَ ا ْل ِكتَا َ
ك مِنَ ا ْلحَقّ ِل ُكلّ جَ َع ْلنَا
عمّا جَاء َ
َومُ َه ْيمِنًا عَ َل ْيهِ فَاحْكُم بَ ْي َنهُم ِبمَا أَن َزلَ الّلهُ وَ َل َتتّبِعْ أَ ْهوَاء ُهمْ َ
حدَةً وَلَـكِن ّل َيبُْلوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْ َتبِقُوا
عةً َو ِم ْنهَاجًا وَ َلوْ شَاء الّلهُ َلجَعَ َلكُمْ ُأمّةً وَا ِ
شرْ َ
مِن ُكمْ ِ
ختَلِفُونَ ،وَأَنِ احْكُم َبيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ الّلهُ
جمِيعًا َف ُينَ ّبئُكُم ِبمَا كُنتُمْ فِي ِه تَ ْ
خ ْيرَاتِ ِإلَى ال مَرْجِ ُعكُمْ َ
ال َ
ح َذرْهُمْ أَن يَ ْفتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَن َزلَ الّلهُ ِإَليْكَ[ }..المائدة ،آية .].49-48
وَ َل َتتّبِعْ أَ ْهوَاء ُهمْ وَا ْ
حكُم َبيْ َنهُم ِبمَا أَن َزلَ الّلهُ}" :وهذا أمر من ال تعالى لنبيه
قال ابن جرير في قوله سبحانه{ :فَا ْ
محمد صلى ال عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهل الملل بكتابه
الذي أنزله إليه وهو القرآن الذي خصه بشريعته ،فال سبحانه أنزل القرآن مصدقًا ما بين يديه
[تفسير ابن من الكتب ومهيمنًا عليه ،رقيبًا على ما قبله من سائر الكتب قبله صلى ال عليه وسلم
جرير الطبري ،269-6/268 :وانظر :مجموع فتاوى شيخ السلم.].19/218 :
388
وكتب الشيعة تقول بأن الئمة يحكمون بحكم آل داود ،ويحكمون لكل أصحاب دين بكتابه،
فهل هذا خروج عن شريعة السلم ،أو دعوة إلى وحدة الديان؟! وقد يكون هذا من الدلة على
أن التشيع مأوى النحل والديان ،وكل صاحب دين يجد فيه بغيته ،وينفث من خلله سمومه
على السلم.
أما قول الشيعة بأن كتب النبياء عند أئمتهم فهذا ما ل يملكون عليه دليلً سوى دعاوى ل
يصدقها الواقع ،كيف والمصطفى صلى ال عليه وسلم ل يملك ذلك ،كما يدل على ذلك ما جاء
في الصحيحين وغيرهما" :إن اليهود جاءوا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكروا له أن
رجلً منهم وامرأة زنيا :فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم :ما تجدون في التوراة في
شأن الرجم؟ فقالوا :نفضحهم ويجدلون .فقال عبد ال بن سلم :كذبتم ،إن فيها الرجم .فأتوا
بالتوراة فنشروها ،فوضع أحدهم يده على آية الرجم ،فقرأ ما قبلها وما بعدها .فقال له عبد ال
بن سلم :ارفع يدك ،فرفع يده ،فإذا فيها آية الرجم ،فقال :صدق يا محمد ،فيها آية الرجم .فأمر
[أخرجه البخاري (مع الفتح) في كتاب المناقب ،باب قول ال بهما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجما"
(ح )3635وفي مواضع أخرى ،وأخرجه ]146ج 6ص 631 تعالى{ :يَ ْعرِفُونَهُ كَمَا يَ ْعرِفُونَ َأ ْبنَاءهُمُ[ }...البقرة ،آية:
بهذا المعنى مسلم ،كتاب الحدود ،باب رجم اليهوديين( ،4/593 :ح ،)4446وابن ماجه في الحدود ،باب رجم اليهودي
(ح ،)2558ومالك في الموطأ ،كتاب الحدود ،باب ما جاء في الرجم ،2/819 :وأحمد،2/5 : 855-2/854 واليهودية:
والشافعي في الرسالة فقرة ،692بتحقيق أحمد شاكر.].
قال أهل العلم" :وقوله صلى ال عليه وسلم" :ما تجدون في التوراة في شأن الرجم" يحتمل أن
يكون قد علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع ...ويحتمل أن يكون علم بذلك
بخبر عبد ال بن سلم ومن أسلم من علماء اليهود على وجه حصل له به العلم بصحة ما نقلوه،
[الباجي/ ويحتمل أن يسألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يستعلم صحة ذلك من قبل ال تعالى"
المنتقي ،7/133 :فتح الباري ،12/168 :عون المعبد.].12/131 :
ولم يذكروا احتمال أن تكون التوراة موجودة عنده بل هذا من بدع الشيعة ..ولو كان المر
على ما زعمت كتب الشيعة لظهر التوراة الموجودة عنده ولم يأمرهم بالتيان بها ،لو لطلبها
من ابن أخيه علي.
وأمر آخر وهو أن الشيعة تزعم أن الكتب السماوية السابقة والموجودة عند الئمة لم تصل
إليها يد التحريف والتبديل.
وقد بين ال سبحانه لنا أهل الكتاب حرفوا الكلم عن مواضعه ومن بعد مواضعه ،وأنهم نسوا
حظًا مما ذكروا به ،وإنما أوتوا نصيبًا من الكتاب؛ إذ نسوا نصيبًا آخر وأضاعوه.
389
ولما خرجت أمة القرآن من المية وعرفوا تاريخ أهل الكتاب ظهر لهم أن اليهود فقدوا
التوراة التي كتبها موسى ثم لم يجدوها ،وإنما كتب لهم بعض علمائهم ما حفظوه منها ممزوجًا
مما ليس منها ،والتوراة التي بين أيديهم تثبت ذلك [تفسير المنار.].6/396 :
"وأما الناجيل فالضطراب فيها أعظم منه في التوراة ،ونسخ الزبور يخالف بعضها بعضًا
مخالفة كثيرة في كثير من اللفاظ والمعاني ،ويقطع من رآها أن كثيرًا منها كذب على زبور
داود عليه السلم" [ابن تيمية /دقائق التفسير.].3/58 :
ولسنا في مقام دراسة هذه المسألة وبسطها ،وإنما الغرض الشارة إلى نتيجة الدراسات التي
قامت حول الكتب السابقة والتي تقول بأنه لم يبق منها كتاب على ما أنزل لم يصل إليه
تحريف ..إل أن كتب الشيعة تدعي أن عندها هذه الكتب وغيرها من الكتب السماوية لم ينلها
تغيير ..ولو كان عند الئمة الكتب الصلية غير المحرفة لكان واجب المر بالمعروف والنهي
عن المنكر يحتم عليهم أن يواجهوا بها اليهود والنصارى ليردوهم إلى الحق وليظهروا ما فيها
من الخبار من ظهور النبي صلى ال عليه وسلم ووجوب اتباعه ،ولو فعلوا ذلك لرجع أكثر
اليهود والنصارى عن كفرهم ولنقل ذلك واشتهر.
ولعل من سمع هذه الدعوى يسأل :أين هذه الكتب السماوية ،في أي مكان توجد وعند من؟
وما الهدف من وجودها عند أئمتهم؟ هل ليكملوا بها شريعة السلم؟!
ولم لم يحتجوا بها على تحريف أهل الكتاب ويقيموا الحجة عليهم؟ هل هذا تقصير منهم؟
هذه أسئلة ل جواب عليها يرتضى ،لنها تدور على أسطورة ل حقيقة لها ..وليست هذه
الدعوى بغريبة على قوم ادعوا لئمتهم كل شيء ..ولكن الغريب أن تجد من يصدق بها في
عالم اليوم.
ولذلك فإن الشيعة تقول في كل وهم من هذه الوهام – أعني الكتب السرية والمصاحف
السماوية ومواريث النبياء ..إلخ :-إن مستقرها ومستودعها عند الغائب الموهوم المهدي
المنتظر [انظر :أصول الكافي ،].1/221 :فتعلق أتباعهم بهذا السراب الخادع أساطير يتبع بعضها
بعضًا.
اليمان بالرسل:
[بل قالوا: وضلل الشيعة في هذا الركن يتمثل في عقائد متعددة كقولهم بأن الئمّة يُوحى إليهم
"إنّ الئمّة عليهم السّلم ل يتكلّمون إل بالوحي" (بحار النوار ،].)54/237 ،17/155 :كما سبق إثباته في "فصل
السنة" ،وفي مسألة اليمان بالكتب.
390
وكقولهم بعصمة الئمة ،وضرورة اتباع قولهم [انظر فصل العصمة ،].فهم أعطوهم بهذا معنى
النبوة ،ولهذا قال شيخ السلم ابن تيمية" :فمن جعل بعد الرسول معصومًا يجب اليمان بكل ما
يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها" [منهاج السنة.].3/174 :
وبالغوا في الضللة حينما زعموا أن النبياء عليهم السلم هم أتباع لعلي ،وأن منهم من
عوقب لرفضه ولية علي ،حتى جاء في أخبارهم "عن حبّة العرني قال :قال أمير المؤمنين
عليه السّلم :إنّ ال عرض وليتي على أهل السّماوات وأهل الرض أقرّ بها من أقرّ ،وأنكرها
[بحار النوار ،26/282 :بصائر من أنكر ،أنكرها يونس فحبسه ال في بطن الحوت حتى أقرّ بها"
الدّرجات :ص .].22
ولهم في هذا المعنى روايات كثيرة [ذكرها المجلسي في "باب تفضيلهم على النبياء" .].319-26/267
من هنا قرروا :بأن الئمة هم أفضل من النبياء ،وأن الئمة جاءوا بالمعجزات لقامة الحجة
على الخلق أجمعين .وسأعرض لهاتين المسألتين بشيء من التفصيل في الصفحات التالية.
391
ن تفضيل الئمّة الثني عشر على النبياء من أصول مذهب الشّيعة التي
قرّر صاحب الوسائل أ ّ
[انظر :الفصول المهمّة في أصول الئمّة "باب أنّ النّبيّ والئمّة الثني عشر – عليهم السّلم – أفضل نسبها للئمّة
من سائر المخلوقات من النبياء والوصياء السّابقين والملئكة وغيرهم" :ص ،].151وقال بأن الروايات عندهم
في ذلك أكثر من أن تحصى [انظر :الفصول المهمّة في أصول الئمّة :ص ،].154وفي بحار النوار
للمجلسي عقد بابًا بعنوان "باب تفضيلهم عليهم السّلم على النبياء وعلى جميع الخلق وأخذ
ن أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم
ميثاقهم عنهم وعن الملئكة وعن سائر الخلق ،وأ ّ
صلوات ال عليهم" [انظر :بحار النوار.].26/267 :
[انظر :بحار واستشهد لهذا الصل بثمانية وثمانين حديثًا من أحاديثهم المنسوبة للثني عشر
النوار .].26/267 :وقال" :والخبار – يعني أخبارهم – في ذلك أكثر من أن تحصى وإنما أوردنا
في هذا الباب قليلً منها وهي متفرقة في البواب لسيما باب صفات النبياء وأصنافهم عليهم
السلم ،وباب أنهم عليهم السلم كلمة ال ،وباب بدو أنوارهم ،وباب أنهم أعلم من النبياء،
وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة صلوات ال عليهما" [بحار النوار.].298-26/297 :
وقد قرّر شيخهم ابن بابويه في اعتقاداته التي تسمّى دين الشّيعة الماميّة هذا المبدأ عندهم
فقال" :يجب أن يعتقد أنّ ال عزّ وجلّ لم يخلق خلقًا أفضل من محمّد صلى ال عليه وسلم
والئمّة ،وأنّهم أحبّ الخلق إلى ال عزّ وجلّ وأكرمهم وأوّلهم إقرارًا به ِلمَا أخذ ال ميثاق
النّبيّين في الذّر ،وأنّ ال تعالى أعطى كلّ نبيّ على قدر معرفته نبيّنا صلى ال عليه وسلم
وسبقه إلى القرار به ،ويعتقد أنّ ال تعالى خلق جميع ما خلق له ولهل بيته عليهم السّلم وأنّه
لولهم ما خلق السّماء ول الرض ول الجنّة ول النّار ول آدم ول حوّاء ول الملئكة ول شيئًا
ممّا خلق صلوات ال عليهم أجمعين" [اعتقادات ابن بابويه :ص .].107-106
وقد نقل صاحب البحار هذا النّصّ وعقّب عليه بقوله" :اعلم أنّ ما ذكره رحمه ال من فضل
نبيّنا وأئمّتنا صلوات ال عليهم على جميع المخلوقات وكون أئمّتنا أفضل من سائل النبياء هو
الذي ل يرتاب فيه من تتبّع أخبارهم عليهم السّلم على وجه الذعان واليقين ،والخبار في ذلك
[بحار النوار: أكثر من أن تُحصى ..وعليه عمدة الماميّة ول يأبى ذلك إل جاهل بالخبار"
.]298-26/297
[مثل كتاب تفضيل الئمّة على النبياء ،وكتاب تفضيل وقد ألّف بعض شيوخهم في هذا المذهب مؤلّفات
علي عليه السّلم على أولي العزم من الرّسل (كلهما لشيخهم هاشم البحراني ،المتوفّى سنة ،)1107وتفضيل الئمّة
على غير جدّهم من النبياء لشيخهم محمّد كاظم الهزار ،وتفضيل أمير المؤمنين علي على من عدا خاتم النّبيّين/
392
لمحمّد باقر المجلسي (المتوفّى سنة 1111ه) ومن الظّريف أنّ أحد شيوخهم ألّف كتابًا بعنوان « :تفضيل القائم
المهدي على سائر الئمّة » من تأليف فارسي يدعى فتحعلياشه (ت 1250ه) ،وانظر :الذّريعة .].360-358 /4
وهذه المقالة هي التي يجاهر بها الخميني ومن يشايعه في هذا العصر كما قرّر ذلك في كتابه
الحكومة السلميّة – كما سيأتي – [في فصل دولة اليات من الباب الرّابع.].
وتعزو رواياتهم هذه الفضلية إلى أمور يرونها في الئمة مغرقة في الغلو والضلل تقشعر
من سماعها أبدان المؤمنين (وقد مر بعضها في فصلي اعتقادهم في توحيد اللوهية والربوبية).
وليس الئمة أفضل من النبياء فحسب؛ بل ما استحق النبياء ما هم فيه من فضل – بزعمهم
– إل بسبب الولية .قال إمامهم "ما استوجب آدم أن يخلقه ال بيده وينفخ فيه من روحه إل
بولية علي عليه السّلم ،وما كلّهم ال موسى تكليمًا إل بولية علي عليه السّلم ،ول أقام ال
عيسى بن مريم آية للعالمين إل بالخضوع لعليّ عليه السّلم" ،ثم قال :أجمل المر ما استأهل
خلق من ال النّظر إليه إل بالعبوديّة لنا [الختصاص :ص :250بحار النوار.].26/294 :
ولو ذهبت أنقل من أحاديث "بحارهم" وغيره من هذا "اللون" لستغرق ذلك صفحات طويلة
[انظر :الكثير منها في الجزء السادس والعشرين من البحار ،ول سيما "باب تفضيل الئمة على النبياء" ص-267:
،319وباب أن دعاء النبياء استجيب بالتوسل والستشفاع بهم صلوات ال عليهم أجمعين :ص ،334-319من
نفس الجزء.].
ويبدو أن هذا هو المذهب الذي استقر عليه مذهب الثني عشرية عبر التغيرات والتطورات
[انظر :نص كلمه التي تلحق المذهب ،والذي أشار الممقاني إلى طبيعتها وهو التطور نحو الغلو
ص( ،].)1104 ،394فإن الشيعة في هذه المسألة (أعني مسألة تفضيل النبياء على الئمة) كانوا
ثلث فرق – كما يقول الشعري :-
فرقة :يقولون بأن النبياء أفضل من الئمة ،غير أن بعض هؤلء جوزوا أن يكون الئمة
أفضل من الملئكة.
والفرقة الثانية :يزعمون أن الئمة أفضل من النبياء والملئكة.
والفرقة الثالثة :وهم القائلون بالعتزال والمامة ،يقولون :إن الملئكة والنبياء أفضل من
الئمة [مقالت السلميين.].1/120 :
ويضيف المفيد في أوائل المقالت مذهبًا رابعًا لهم وهو أفضلية الئمة على سائر النبياء ما
عدا أولي العزم [أوائل المقالت :ص .].43-42ثم ل يبوح بذكر المذهب الذي يعتمده من هذه
المذاهب بل يذكر توقفه للنظر في ذلك [أوائل المقالت :ص .].43
393
ولكن يظهر أن كل هذه المذاهب تلشت بسعي شيوخ الدولة الصفوية ومن تبعهم واستقر
المذهب على الغلو في الئمة ،حتى إن المجلسي يقول في عنوان الباب الذي عقده في بحاره
ن أولي العزم إنّما صاروا أولي العزم بحبّهم صلوات ال عليهم" ول يستثني في
لهذا الغرض" :إ ّ
ذلك أحدًا من المرسلين ،حتى نبيّنا محمّد صلى ال عليه وسلم [انظر :ص(.].)615
وجاءت عندهم نصوص تعقد مقارنات بين رسول ال وعلي ،وتنتهي بأن لعلي فضل التميز
على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حيث شاركه علي في خصائصه ،وانفرد علي بفضائل لم
يشاركه فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم .وعقد لهذه النصوص صاحب البحار بابًا بعنوان
[انظر :بحار النوار ،39/89 :ومن أمثلة ذلك "باب قول الرسول لعلي :أعطيت ثلثًا ما أعط" -كذا –
ما جاء في أخبارهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :أعطيت ثلثًا وعلي مشاركي فيها ،وأعطي علي ثلثًا
ولم أشاركه فيها ،فقيل يا رسول ال :وما هي الثلث التي شاركك فيها علي عليه السلم؟ قال :لي لواء الحمد وعلي
حامله ،والكوثر لي وعلي ساقيه ،ولي الجنة والنار وعلي قسيمهما ،وأما الثلث التي أعطيها علي ولم أشاركه فيها
فإنه أعطي ابن عم مثلي ولم أعط مثله ،وأعطي زوجته فاطمة ولم أعط مثلها ،وأعطي ولديه الحسن والحسين ولم
أعط مثلهما( .بحار النوار ،39/90 :وانظر في هذا المعنى :عيون أخبار الرضا :ص ،212مناقب آل أبي طالب:
.].)2/47
وقد جاء في الكافي والبحار وغيرهما نصوص كثيرة تقول بأن لعلي والئمة من الفضل
ووجوب الطاعة كرسول ال ،ولكنها ما تلبث أن تنتقل بالقارئ إلى أن الئمة أفضل من رسول
ال ،بل تذهب إلى القول بأن عليًا والئمة انفردوا بخصائص ل يشاركهم فيها أحد من الخلق،
وإذا تدبرت تلك الخصائص وجدت أنها من صفات الرب جل شأنه ،وبحسبك أن تعرف أن من
هذه الوصاف التي يتنطع بها الروافض ما ينسبونه لعلي أنه قال" :لم يفتني ما سبقني ولم
يعزب عني ما غاب عني ...إلخ" [أصول الكافي1/197 :
وما بعدها ،وقد ذكر جملة من أحاديثهم بهذا
المعنى المذكور ،وانظر :ص 624-623من هذه الرسالة ،حيث سأذكر – إن شاء ال – بعض نصوص هذه
"الفرية" والمراجع الشيعية التي تناقلتها.].
فما أعظم افتراءهم على ال ،وعلى دينه ،وعلى نبيه ،وعلي ،وأهل البيت .ولقد أنكر أمير
المؤمنين علي – رضي ال عنه – تفضيله على الشيخين أبي بكر وعمر ،وهدد من يتفوه بذلك
[انظر :منهاج السنة ،4/137 :وروي ذلك عن علي بأسانيد جيدة (الفتاوى: بأنه سيجلده حد المفتري
.].)28/475وتواتر عنه من ثمانين وجهًا أنه كان يقول على منبر الكوفة :خير هذه المة بعد
[انظر :تلخيص نبيها أبو بكر وعمر [منهاج السنة .].138-4/137 :ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها
الشافي ،2/428 :عن الشيعة وأهل البيت :ص ..].52فما حاله رضي ال عنه مع هذا الصنف الذي
يدعي التشيع له ويفضله على أنبياء ال؟ ل شك أن إنكاره عليهم أعظم وأشد ،وقد قرر بعض
394
أهل العلم بأن من فضّل عليًا – فكيف ممن بعده – على نبي ال إبراهيم أو محمد فإنه أشد كفرًا
من اليهود والنصارى [منهاج السنة.].4/69 :
وقد روت كتب الشيعة أنه عندما قيل لمير المؤمنين :أنت نبي ،قال" :ويلك إنما أنا عبد من
[ابن بابويه /التوحيد :ص ،175 ،174المجلسي /بحار النوار،8/283 : عبيد محمد صلى ال عليه وسلم"
الطبرسي /الحتجاج (انظر :منهاج السنة .].)4/69 :قال ابن بابويه :يعني بذلك عبد طاعته ل غير ذلك
[التوحيد ص .].175
ويحتمل أن هذا التجاه الغالي الذي استقر عليه المذهب الثني عشري كان من آثار فرقة من
[العلبائية: فرق الشيعة تذهب إلى تفضيل علي على محمد صلى ال عليه وسلم يقال لها العلبائية
من فرق الشيعة ،وهم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسي ،أو السدي ،كان يفضل عليًا على النبي صلى ال عليه وسلم،
وكان يقول بذم محمد صلى ال عليه وسلم ،وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه.
(الملل والنحل ،1/175 :وانظر :رجال الكشي :ص ،571إل أنه سماها :العليائية :بحار النوار:
.].)25/305
وفي ظني أن عقيدة عصمة المام عندهم تؤدي إلى ظهور هذا المذهب وأمثاله؛ ذلك أنهم
يصفون الئمة بأوصاف ل يتصف بها أحد من أنبياء ال ورسله – كما سيأتي – وإن من يرجع
إلى كتاب ال سبحانه يجد أنه ليس لئمتهم الثني عشر ذكر ،فضلً عن أن يقدموا على أنبياء
ال ورسله.
كما أنه يلحظ "أن النبياء لكونهم أرفع رتبة يقدمون بالذكر على غيرهم من صالحي عباد
شهَدَاء
ك مَعَ الّذِينَ َأنْ َعمَ الّلهُ عَ َل ْيهِم مّنَ ال ّنبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَال ّ
ال .قال تعالى{ :فَُأ ْولَـئِ َ
وَالصّالِحِينَ} [النّساء ،آية[ ].69 :مختصر الصّواقع :ص .].187فرتب ال سبحانه عباده السعداء
المنعم عليهم أربع مراتب [مجموع فتاوى شيخ السلم" .].11/221 :وكتاب ال يدل في جميع آياته
على اصطفاء النبياء واختيارهم على جميع العالم" [مختصر التحفة :ص .].101
وقد أجمع أهل القرون الثلثة على تفضيل النبياء على من سواهم ،وهذا الجماع حجة –
حتى عند الشيعة – لن فيهم الئمة [مختصر الصواقع :ص .].187-186
قال شيخ السلم ابن تيمية" :اتفق سلف المة وأئمتها وسائر أولياء ال تعالى على أن النبياء
أفضل من الولياء الذي ليسوا بأنبياء" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].11/221 :
والعقل يدل صريحًا على أن جعل النبي واجب الطاعة وجعله أمرًا وناهيًا وحاكمًا على
الطلق والمام نائبًا وتابعًا له ل يعقل بدون فضيلة النبي عليه ،ولما كان هذا المعنى موجودًا
395
[مختصر في حق كل نبي مفقودًا في حق كل إمام لم يكن إمام أفضل من نبي أصلً ،بل يستحيل
التحفة :ص .].101
ثم إنّه قد ورد في كتب الشّيعة نفسها ما يتّفق مع النّصّ والجماع والعقل ،وينفي ذلك
الشّذوذ؛ وهو ما رواه الكليني عن هشام الحول عن زيد بن علي أنّ النبياء أفضل من الئمّة،
وأنّ من قال غير ذلك فهو ضالّ [انظر :مختصر الصّواقع :ص .].187
[انظر :مختصر وروى ابن بابويه عن الصّادق ما ينصّ على أنّ النبياء أحبّ إلى ال من علي
التّحفة :ص .].100
ول شك أن هذا المذهب واضح البطلن ،يدرك بطلنه بصري العقل وبما علم من الدين
بالضرورة ،وبالتاريخ والسير والفطر ،ول يحتاج إلى تكلف في إبطاله وهو أحد البراهين على
فساد المذهب الرافضي.
معجزات المام:
[المعجزات :هي اليات والبراهين التي ل يقدر عليها إل ال والتي يجريها يرى أهل السنة "أن المعجزات
ال تعالى على أيدي أنبيائه فتدل على صدقهم .وقد ذكر شيخ السلم ابن تيمية بأن لفظ المعجزات لم يكن موجودًا في
الكتاب والسنة ،وإنما فيه لفظ الية ،والبينة والبرهان (الجواب الصحيح )4/67 :وقال رحمه ال :المعجزة تعم كل
خارق للعادة في اللغة ،وعرف الئمة المتقدمين كالمام أحمد بن حنبل وغيره يسمونها اليات .لكن كثيرًا من
المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبي ،والكرامة للولي وجماعهما المر الخارق للعادة (انظر :قاعدة
من مجموع فتاوى شيخ السلم ،وراجع في المعجزات والكرامات ص ،2مطبعة المنار ،أو 312-11/311
النبوات لبن تيمية ،وانظر :التعريفات للجرجاني :ص ،282شرح العقيدة الطحاوية :ص ].)495ل يأتي بها
أحد إل النبياء عليهم السلم [ابن حزم /المحلى ،].1/35 :خلفًا للروافض الذين جعلوا علمة
[عقائد الماميّة :ص المام عندهم صدور المعجزة منه ،لنهم يقولون" :إنّ المامة استمرار للنّبوّة
].94فكما أنّ ال سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة ويؤيّده بالمعجزة ..فكذلك
يختار للمامة" [أصل الشّيعة وأصولها :ص .].58
وقد امتلت كتب الحديث عندهم بالحديث عن هذه المعجزات ،ورواية قصصها وأحداثها –
المزعومة – وقد يقال بأن غاية ما هنالك بأنهم سموا الكرامات معجزات.
ول شك أن "من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الولياء وما يجري على
أيديهم من خوارق العادة في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن
سالف المم في سورة الكهف وغيرها ،وعن صدر هذه المة من الصحابة والتابعين وسائر
قرون المة ،وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].3/156 :
396
وإذا كان المر كذلك فتسمية الكرامات بمعجزات مجرد اختلف في الصطلح ولهذا حينما
قال ابن المطهر الحلي عن أمير المؤمنين علي" :وظهرت منه معجزات كثيرة" عقب على ذلك
شيخ السلم بقوله:
"فكأنه يسمي كرامات الولياء معجزات وهذا اصطلح كثير من الناس فيقال :علي أفضل من
كثير ممن له كرامات ،والكرامات متواترة عن كثير من عوام أهل السنة الذين يفضلون أبا بكر
وعمر فكيف ل تكون الكرامات ثابتة لعلي رضي ال عنه ،وليس في مجرد الكرامات ما يدل
على أنه أفضل من غيره" [منهاج السنة.].2/149 :
وقد رأى شيخ السلم أن اهتمام الروافض بأمر ما ينسب للئمة من كرامات إنما سببه أن
"الرافضة لجهلهم وظلمهم وبعدهم عن طريق أولياء ال ليس لهم من كرامات الولياء المتقين ما
يعتد به ،فهو لفلسهم منها إذا سمعوا شيئًا من خوارق العادات عظموه تعظيم المفلس للقليل من
النقد ،والجائع للكسرة من الخبر[ "..منهاج السنة.].4/196 :
ولكن المامية هل ترى هذه الخوارق من كرامات أولياء ال وتسميها معجزات؟
إن المتأمل للمذهب المامي يرى أنهم يذهبون في هذه الكرامات إلى مذهب آخر؛ فهم يرون
أنها معجزات لثبات المامة وإقامة الحجة – كما يزعمون – على الخلق ،لن الئمة كما تقول
[أصول الكافي ،1/192 :وانظر: رواياتهم هم الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الرض
المظفر /علم المام :ص .].43
[وهو عنوان باب في بل يقول ثقة إسلمهم الكليني" :إن الحجة ل تقوم ل على خلقه إل بإمام"
الكافي تضمن أربعة أحاديث بهذا المعنى( .أصول الكافي ].)1/177 :وجاءت روايات كثيرة عندهم بهذا
[أصول المعنى ،ولذا قالوا "فنحن حجج ال في عباده" [أصول الكافي" ،].1/193 :ولولنا ما عبد ال"
الكافي" ،].1/193 :الوصياء هم أبواب ال عز وجل التي يؤتى منها ولولهم ما عرف ال عز
وجل ،وبهم احتج ال تبارك وتعالى على خلقه" [أصول الكافي .].1/193 :ولذلك قال البحراني في
كتابه الذي صنفه في معجزات الئمة" :إن ال أظهر على أيديهم المعاجز والدلئل لنهم حجته
على عباده" [هاشم البحراني /ينابيع المعاجز :ص ( 2المقدمة).].
فهـم يجعلون الئمـة كالنـبياء والرسـل الذيـن يقيـم ال بهـم الحجـة على خلقـه فهـم يحتاجون
للمعجزات لثبات رسالتهم كما يحتاج النبياء.
بل هم في الفضل ،ووجوب الطاعة ،وتحقق المعجزات قد يصلون إلى مرتبة أفضل الرسل
والنبياء أو أعظم.
397
ي رضي ال عنه آخذ به وما نهي عنه
قال أبو عبد ال – كما يزعمون " :-ما جاء به عل ّ
أنتهي عنه ،جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى ال عليه وسلم".
وكذلك يجري لئمة الهدى واحدًا بعد واحد.
كان أمير المؤمنين كثيرًا ما يقول" :لقد أعطيت خصالً ما سبقني إليها أحد قبلي ،علمت
المنايا والبليا والنساب وفصل الخطاب ،فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي
[أصول الكافي ،197-1/196 :وروايات أخرى أبشر بإذن ال وأودي عنه كلّ ذلك مكّنني فيه بعلمه"
بهذا المعنى ،وكلّها ساقها في "باب أنّ الئمّة هم أركان الرض" .وانظر" :فصل العصمة".].
فأنت ترى أن النص يؤكد بأن من أخذ عن أحد من الئمة فكأنما أخذ عن رسول ال ،أو
[ونبرئ جعفرًا من هذه الزندقة أفضل؛ ولذلك فإن جعفرًا يفضل الخذ عن عليّ ل عن رسول ال
وسائر أئمة أهل البيت ،فإن من اعتقد أن له طريقًا إلى ال ل يحتاج فيه إلى محمد فهو كافر ملحد.
(انظر حول هذا المعنى :مجموع فتاوى شيخ السلم.].)11/225 :
ثم يبرهن على ما تميز به عليّ من معجزات وصفات ليست لمحمد صلى ال عليه وسلم في
قوله( :أنا قسيم ال ...إلخ) ،ويؤكد هذا المعنى في خاتمة النص وهو قوله" :لقد أعطيت خصالً
ما سبقني إليها أحد "..ويضفي على علي صفات الجبار جل عله حينما يقول" :علمت المنايا
والبليا" ،وكذلك حينما يقول" :فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني" ،فالذي ل
ن ال ّربّ عندهم يبدو له كما زعموا.
يعزب عنه شيء ول يفوته شيء هو ال ّربّ جلّ جلله .لك ّ
فهذه ليست معجزات ،هذه افتراءات وتأليه للئمة.
ولكن الشيعة المامية ترى أن هذه معجزات جرت للئمة لقامة الحجة على الخلق ..وليست
أيضًا من قبيل الكرامات بل هي كمعجزات النبياء أو أعظم ،وقد بوّب صاحب البحار لهذا
المعنى بابًا بعنوان "إنّهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص وجميع معجزات
النبياء" [بحار النوار .].31-27/29 :وأورد فيه جملة من أحاديثهم ،ولهذا عرف شيخهم القزويني
المعجزة التي تحصل للئمة بأنها "ما كان خارقًا للعادة أو صارفًا للقدرة عند التحدي مع عدم
المعارضة ،والمطابقة للدعوى" [قلئد الخرائد :ص .].72
فهي معجزة خارقة للعادة المقصود بها التحدي لقامة الدعوى.
وقد صنفوا المصنفات في معجزات الئمة كما يكتب أهل السنة في معجزات رسول ال
[مثل كتاب "عيون المعجزات" لشيخهم حسين بن عبد الوهاب (من القرن الخامس) وقد صلى ال عليه وسلم
نشرته مؤسسة العلمي للمطبوعات في طبعة ثالثة عام 1403ه ،وقد جاء فيه من معجزاتهم :أنهم يحيون الموتى
ص ،32ويتحدثون مع الحيوانات ،وتشهد لهم بالمامة ص ،32 ،25 ،22 ،17ويحدثون بما كان وما يكون ص
398
،57ويرون أعمال العباد بواسطة عمود من نور يكون معهم منذ ولدتهم ص ،80وأمثال ذلك .ومثل كتاب "ينابيع
المعاجز وأصول الدّلئل" لشيخهم هاشم البحراني ،وذكر فيه ( )21بابًا ومن عناوين هذه البواب "الباب الخامس" :أنّ
عندهم عليهم السّلم علم ما في السّماء ،وعلم ما في الرض ،وعلم ما كان ،وعلم ما يكون ،وما يحدث باللّيل والنّهار،
وساعة وساعة ،وعندهم علم النّبيّين ،وزيادة ص ،42-35الباب السّادس :أنّهم عليهم السّلم إذا شاؤوا أن يعلموا
علموا ،وأنّ قلوبهم مورد إرادة ال ،وإذا شاء شيئًا شاؤوه ص.46-43 :
وللبحراني أيضًا كتاب آخر في نفس الموضوع ولعله أوسع ما كتب عندهم سماه "مدينة المعاجز" يذكر عند كل
إمام ما ينسبون له من معجزات؛ فمثلً عقد الباب الوّل في معجزات أمير المؤمنين فذكر ( )550معجزة ،منها ذكر
– على ح ّد زعمهم ،-مناجاة ال له ص ،9وعروجه للسّماء ص ،12وكلم الرض معه ص معاجز ميلده ص 5
،16وكلم إبليس معه ص ،16وذكر له معجزات قبل جوده ،فكر أنّه حضر عند فرعون ،وقال في التّعقيب على
ذلك بأنّ الرّسول قال لعليّ :إنّ ال أيّد بك النّبيّين سرّا ،وأيّدني بك جهرًا .وهكذا يذكر لكل إمام معجزاته حتى إمامهم
المنتظر الذي ل وجود له قال بأن من معجزاته :قراءته وقت ولدته الكتب المنزلة ،والصعود إلى سرادق العرش.
ويمضي في ذكر حكايات ل يصدق بها عاقل ،تجعلك تعجب غاية العجب من شيوخ استغفلوا أتباعهم إلى هذا الحد..
ومن أتباع انقادوا لهذه "الترهات" ،].بل إن أخبارهم في ذلك تخرج بالئمة من طور البشر إلى مقام
الخالق جل عله.
وللقوم ولع غريب وتعلق عجيب بسرد الحكايات وغرائب الساطير والتي هي أحيانًا أشبه
بعمل السحرة والمشعوذين ،وحينًا هي من ضروب الخيال ،وغرائب الحلم .ويزعمون أن هذا
[انظر – مثلً من أصول ثبوت إمامتهم .بل جعلوا لتباع الئمة معجزات تضاهي معجزات الئمة
:-حسين عبد الوهاب /عيون المعجزات ،شهادة الكاظم – كما يزعمون – بأن رشيدًا الهجري يعلم علم المنايا ص
،101وفي رجال الكشي "وكان إذا لقي الرجل قال له :فلن أنت تموت بميتة كذا ،وتقتل أنت يا فلن بقتلة كذا وكذا
فيكون كما يقول" (رجال الكشي :ص .].)76
وقد يقال :تلك حكايات وأساطير ذهبت مع ذهاب الئمة وليس لها وجود واقعي ،وأقول :إن
هذه المعجزات ل تزال تولد عند الشيعة وتتجدد ل بقراءة هذه الساطير في المجالس وتخدير
العقول وتكبيل الفكار بها فحسب ،بل اتخذت صورة واقعية تتمثل في جانبين:
الول :ما ينسبونه للغائب المنتظر من معجزات وخوارق ينقلها جملة من شيوخهم الذين
يزعمون الصلة به ،فهذا ابن المطهر الحلي يستعير كتابًا كبيرًا ليرد عليه – كما يقولون – ول
[مضى يسمح له صاحب الكتاب باستعارته إل ليلة واحدة فيأتيه هذا المنتظر فينسخ له الكتاب كله
ص ( )340من هذه الرسالة .].وحكاياتهم في هذا الباب كثيرة سجل جملة منها شيخهم النوري
الطبرسي في كتابه جنة المأوى ،فالمعجزات تجري الن علي أيدي غائبهم ،ويظهرها في
أشخاص شيوخهم وآياتهم.
399
الثاني :ما يدعونه من حصول الخوارق عند قبورهم فأضلوا قومهم سواء السبيل وأغروهم
بالشرك وفتحوا لهم أبوابه .وقد عقد المجلسي جملة من أبواب بحاره لهذا الغرض مثل "الباب
[بحار النوار: التاسع والعشرون ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات"
،].42/311ومثل "الباب الخمسون جور الخلفاء على قبره الشريف وما ظهر من المعجزات
عند ضريحه ومن تربته وزيارته" [بحار النوار .].45/390 :وهكذا يذكر عند الحديث عن كل
[مثل" :المعجزات" لشيخهم محمد علي إمام معجزاته المزعومة .وقد ألفوا في هذه الخرافات مصنفات
البلداوي ،جمع فيه المعجزات التي ظهرت عند المشهدين الكاظميين والعسكريين( .انظر :الذريعة.].)21/215 :
وقد تحدثت أساطيرهم عن معجزات جرت من الضرحة ،وساق الكثير منها المجلسي في
أبوابه التي عقدها في أخبار كل إمام .وجاء بقصص خيالية تثير العجب من هؤلء القوم الذين
ألفوا الخرافة ،ووجدت طريقها لقلوبهم بكل يسر.
قصص تتحدث عن شفاء الضريح للمراض المستعصية ،فتذكر أن أعمى أبصر بمجرد
مجاورته للضريح [بحار النوار.].42/317 :
وأن الحيوانات تذهب لضرحة أئمتهم طلبًا للشفاء ،فهذا حيوان يتمرغ على القبر لشفاء
جرحه فيشفى [بحار النوار.].42/312 :
بل جعلوا أئمتهم وهم رهائن قبورهم يتصرفون تصرف الحياء فجاءوا بقصص تتحدث عن
أن الضريح يودع المانات فيحفظها [بحار النوار.].42/318 :
والضريح يخاطب فيستجيب ..فهذا أحد زوار القبر يتمزق رداؤه عند الضريح فيقول" :ما
أعرف عوض هذا إل منك ،فيتحقق له ما أراد" [بحار النوار.].42/316 :
كل هذه الساطير تصاغ في قالب قصصي خيالي للتأثير على السذج من العامة ،وهي
قصص كثيرة وطويلة تنتهي بمثل هذه الغرائب التي تدعو للشرك بال سبحانه ،وتشل العقل،
وتعطل التفكير ،وتثبط عن العمل الصالح ،وقد تنأى بعقلئهم إلى الكفر بالدين أصلً إذا رأى
هذه الخرافات الباطلة بضرورة العقل.
وقد استنكر جعفر الصّادق ما ينسبه له شيعة الكوفة من تلك المبالغات فقال – كما تروي
كتب الشيعة " :-وال لو أقررت بما يقول فيّ أهل الكوفة لخذتني الرض ،وما أنا إل عبد
مملوك ل أقدر على شيء بضرّ ول بنفع" [تنقيح المقال.].3/332 :
400
ول يستبعد أن تلك الدعاوى الغالية في الئمة والتي ترفع الئمة إلى مقام اللوهية ويسمونها
معجزات ل يستبعد أن هذه موروثة عن المجوسية الذين دخلوا في سلك التشيع للكيد للسلم أو
لظهار عقائدهم باسم السلم ذلك أن "المجوس تدعي لزرادشت من المعجزات واليات أكثر
مما يدعيه النصارى" [تثبيت دلئل النبوة.].1/185 :
أما قولهم بأن الئمة هم الحجة على الناس ول تقوم الحجة على خلقه إل بهم ،ولهذا جرت
المعجزات على أيديهم لثبات المامة ..فهذا إذا بحثت عنه في كتاب ال سبحانه لم تجد ما يدل
ل يَكُونَ
عليه البتة ،بل تجد ما يخالفه وهو أن حجة ال على عباده قامت بالرسل .قال تعالىِ { :لئَ ّ
سلِ} [النساء ،آية ].165 :ولم يذكر الئمة.
جةٌ بَعْدَ ال ّر ُ
حّلِلنّاسِ عَلَى الّلهِ ُ
فعلم أن هذه الدعوى هي محض اختلق ،وأما تلك المعجزات التي ينسبونها للضرحة أو
الغائب المنتظر فهي كذب وبهتان ،أو من وحي شيطان ،فالغائب ل وجود له إل في خيالت
طائفة الثني عشرية كما يقرره طوائف من الشيعة ،وكما يذكر ذلك أهل العلم بالنساب
والتواريخ.
أما معجزات الضرحة فإنها دعوى شيطانية للشرك ،وهؤلء أموات قد أفضوا إلى ما قدموا
ل يملكون لنفسهم نفعًا ول ضرًا ..وهم في حياتهم يلجؤون إلى ال سبحانه ينفون عن أنفسهم
الحول والقوة.
وقد نقلت كتب الشيعة نفسها أحاديث كثيرة في هذا المعنى ،وال سبحانه أمر نبيه أن يقول:
ضرّا
ضرّا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ} [العراف ،آية{ ،].188 :قُل لّ َأمِْلكُ ِلنَفْسِي َ
{قُل لّ َأمْلِكُ ِلنَ ْفسِي نَفْعًا وَ َل َ
خزَآئِنُ الّلهِ وَل َأعْ َلمُ الْ َغيْبَ}
وَ َل نَفْعًا إِ ّل مَا شَاء الّلهُ} [يونس ،آية{ ،].49 :قُل لّ َأقُولُ لَ ُكمْ عِندِي َ
شرًا ّرسُولً} [السراء :آيةُ { ،].93 :قلْ ِإ ّنمَا َأنَا َبشَرٌ
سبْحَانَ َربّي َهلْ كُنتُ إَ ّل َب َ
[النعام ،آيةُ { ،].50 :قلْ ُ
مّثُْلكُمْ} [الكهف ،آية.].110 :
فهذا هو رسول الهدى وخاتم النبياء وسيد الولين والخرين فكيف بمن دونه.
اليمان باليوم الخر:
لهم في الركن العظيم أقوال منكرة ،وبدع كثيرة .فآيات القرآن في اليوم الخر أوّلوا معناها
بالرجعة [انظر :فصل "الرجعة" .].وهذه حيلة ماكرة من واضعي هذه النصوص لنكار أمر اليوم
الخر بالكلية ،وأقل ما فيها أنها تصرف قلوب الشيعة ،عن ذلك اليوم ،أو تمحو معاني اليوم
الخر من نفوسهم ،لنهم ل يقرأون في آيات اليوم الخر إل تأويلت شيوخهم له بالرجعة.
ومن بدعهم أيضًا قولهم بأن أمر الخرة للمام .يقول صاحب الكافي في أخباره" :الخرة
للمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من ال" [أصول الكافي.].1/409 :
401
أما لماذا أمر الخرة للمام فإن هذا فرع عن تصورهم لمر الجنة والنار ،إذ يقولون" :لول
[قال ابن بابويه" :ويجب أن يعتقد أنّه لولهم َلمَا خلق ال سبحانه السّماء والرض الئمّة ما خلقت الجنّة والنّار"
ول الجنّة ول النّار ،ول آدم ول حوّاء ،ول الملئكة ،ول شيئًا ممّا خلق" (العتقادات :ص ].)107-106و"إنّ ال
[المعالم الزلفى :ص ،249وانظر :نزهة البرار ،ومنار النظار في خلق الجنّة خلق الجنّة من نور الحسين"
والنّار /لهاشم البحراني أيضًا :ص .].395وعقد شيخهم البحراني بابًا في ذلك بهذا العنوان المذكور
[المعالم الزّلفى :ص .].249
ومرة يقولون بأنّ الجنّة هي من مهر فاطمة في زواجها على عليّ.
وما أدري كيف تكون مهرها وهي مخلوقة من نور ابنها؟!
والصل في المهر أن يدفع من قبل الزوج ،فقد روى الشّيخ الطّوسي في مجالسه عن أبي
بصير عن أبي عبد ال قال" :إنّ ال تعالى أمهر فاطمة رضي ال عنها ربع الدّنيا فربعها لها،
وأمهرها الجنّة والنّار ،تدخل أعداءها النّار وتدخل أولياءها الجنّة" [المعالم الزّلفى :ص .].350وعقد
[المعالم الزّلفى :ص لذلك صاحب المعالم الزّلفى بابًا بعنوان "الباب الرّابع أنّ الجنّة في مهر فاطمة"
].319-317أي أن الجنة جزء من مهر فاطمة.
ثم إن المهر الصل أن يصل إلى صاحبه في الدنيا ،ولذلك قالوا :إن الئمة يأكلون في الدنيا
من نعيم الجنة ،وخصّص لهذه المسألة شيخهم البحراني بابًا بعنوان "باب أنّ طعام الجنّة في
الدّنيا ل يأكله إل نبي أو وصي نبي" .أورد فيه روايات كثيرة من كتبهم المعتمدة عندهم تتضمن
أن الفواكه والرمان والطباق المليئة بأنواع الطعام تأتيهم من الجنة يأكلون منها ،وصاغ هذه
المزاعم في قصص طويلة.
وفات عليهم أن يزيدوا في قولهم عمن يأكل طعام الجنة ل يأكله إل نبي ،أو وصي نبي "أن
يزيدوا أو بنت نبي" ،لنهم بهذا قد حرموا فاطمة من مهرها ،ومما خلق من نور ولدها ،لنها
ليست من الوصياء باتفاقهم فل تأكل من طعام الجنة ،ويبدو أنهم لم يزيدوا ذلك خشية أن تدخل
فيه بنات النبي الخريات ،وليس لهن نصيب من الود في دين الشيعة.
وما دام أمر الخرة في نظر هذه الزمرة للمام بهذه الوجوه المذكورة ،فإن كل مراحل الحياة
الخروية صبغتها الشيعة بآثار غلوهم في المام والئمة .فالئمة يحضرون عند الموت .قال
المجلسي في بيان اعتقادات طائفته" :يجب القرار بحضور النبي والئمة الثني عشر صلوات
ال عليهم عند موت البرار والفجار والمؤمنين والكفار ،فينفعون المؤمنين بشفاعتهم في تسهيل
غمرات الموت وسكراته عليهم ،ويشددون على المنافقين ومبغضي أهل البيت صلوات ال
402
عليهم ،ول يجوز التفكر في كيفية ذلك إنهم يحضرون – كذا – في الجساد الصلية أو المثالية
أو بغير ذلك" [العتقادات :ص .].94-93
وحينما يوضع الميت في قبره ،يجعل معه تربة من تراب الحسين ،لنها بزعمهم أمان له،
وعقد لهذا الحر العاملي بابًا بعنوان "باب استحباب وضع التّربة الحسينيّة مع الميّت في الحنوط
والكفن وفي القبر" [وسائل الشّيعة ،].2/742 :وكذلك خصّص لها صاحب مستدرك الوسائل بابًا بنفس
العنوان المذكور [مستدرك الوسائل.].1/106 :
ومن وصاياهم في ذلك قولهم" :ويجعل معه شيء من تربة الحسين فقد روي أنّها أمان"
[وسائل الشيعة ،2/742 :مستدرك الوسائل: [مستدرك الوسائل ،].1/106 :ولهم في هذه المسألة أحاديث كثيرة
،1/106الطّوسي /تهذيب الحكام ،2/27 :الطّبرسي /الحتجاج :ص ،274الكفعمي /المصباح :ص .].511
والتكليف بزعمهم ورفع الدرجات وعمل الحسنات يحصل من الميت الشيعي وهو في قبره.
روى الكليني في الكافي عن حفص قال :سمعت موسى بن جعفر يقول :الرجل أيحب البقاء في
الدنيا؟ قال :نعم ،فقال :ولم؟ قال :لقراءة قل هو ال أحد .فسكت عنه فقال له بعد ساعة :يا
حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علم في قبره ليرفع ال به من درجته،
فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن [أصول الكافي ،2/606 :المعالم الزلفى :ص .].133
فالشيعي في قبره يعلم القرآن ويشتغل بقراءته فيستمر عمل الحسنات منه حتى بعد موته!
وهذه فريدة من فرائدهم .فهل هذه دعوة مبطنة وحيلة أخرى لهجر القرآن وتعلمه وقراءته
بانتظار حصول ذلك في القبر؟
وأول ما يسأل عنه في القبر هو حب الثني عشر قالوا" :أول ما يسأل عنه العبد حبنا أهل
البيت" [بحار النوار ،27/79 :عيون أخبار الرضا :ص ].222فيسأله ملكان عن "من يعتقده من الئمّة
واحد بعد واحد ،فإن لم يجب عن واحد منهم يضربانه بعمود من نار يمتلئ قبره نارًا إلى يوم
القيامة" [العتقادات /للمجلسي :ص ،].95وأما "إذا كان في حياته معتقدًا بهم (يعني الثني عشر) فإنه
[محمد الحسيني يستطيع الرد على أسئلتهم (يعني أسئلة الملئكة) ويكون في رغد إلى يوم الحشر"
الجللي /السلم عقيدة ودستور :ص .].77
ويعتقد الشيعة بحشر بعد الموت ل يشاركهم في القول به أحد ،يقول المجلسي في
العتقادات" :يحشر ال تعالى في زمن القائم أو قبيله جماعة من المؤمنين لتقر أعينهم برؤية
أئمتهم ودولتهم ،وجماعة من الكافرين والمخالفين للنتقام عاجلً في الدنيا" [العتقادات :ص .].98
ل منكرة؛ ففي أخبارهم أن حشر الناس
أما اعتقادهم في الحشر يوم القيامة ،فإن لهم فيه أقوا ً
يوم القيامة ل يشمل الجميع كما هو اعتقاد المسلمين ،بل هناك فئة ل يشملها الحشر ،ول
403
تتعرض لهول ذلك اليوم ،ول تقف ذلك الموقف العظيم ،ول تمر على الصراط بل ينتقلون من
قبورهم إلى الجنة بل وسائط.
أولئك هم أهل مدينة "قم" ،تقول أخبارهم" :إن أهل مدينة قم يحاسبون في حفرهم ويحشون من
حفرهم إلى الجنة" [بحار النور ،60/218 :عباس القمي /الكنى واللقاب.].3/71 :
وليس ذلك فحسب ،بل إن أحد أبواب الجنة قد خصص – بزعمهم – لهل "قم" عن أبي
[بحار الحسن الرضا قال" :إنّ للجنّة ثمانية أبواب ،ولهل قم واحد منها فطوبى لهم ثم طوبى"
النوار ،60/215 :سفينة البحار ].1/446 :و"هم خيار شيعتنا من بين سائر البلد خمّر ال تعالى وليتنا
في طينتهم" [بحار النوار.].60/216 :
قال شيخهم عباس القمي (من المعاصرين)" :وقد وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت
في مدح قم وأهلها ،وأنها فتح إليها بابًا – كذا – من أبواب الجنة" [الكنى واللقاب.].3/7 :
وخصّوا (قم) بفضائل أخرى [بحار النوار ،].221-212 /60 :حتى أغروا شيعتهم بشراء أرضها،
[بحار النوار: وخدعوهم بقولهم :إنّ قم يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم
.].60/215فحاولوا التأثير عليهم من الجانب المادي ،والجانب الروحي ..وقد يكون في الموضوع
جانب سياسي ،حيث إن قم في إيران وهي مركز الدولة الصفوية ،بالضافة إلى الهدف المقيت
الذي تسعى إليه هذه الزمرة التي وضعت هذه الروايات ،لشاعة الكفر والزندقة ،إبعاد الشيعة
عن السلم ،وقد تجد من يساندها من شياطين الجن أيضًا ،وما أسهل ذلك ،لنهم سيأتون إليهم
بثوب "المهدي المنتظر" المزعوم ويضعون في دينهم ما يشاءون.
وقد زاد أحد شيوخهم المعاصرين في عدد أبواب الجنة المفتوحة على قم – كما يفترون –
[محمد مهدي فذكر بأن في أخبارهم أن الرضا قال :للجنّة ثمانية أبواب فثلثة منها لهل قم
الكاظمي /أحسن الوديعة :ص .].314-313
وجعلوا أمور الحساب ،والصراط والميزان ،والجنة والنار بيد الئمة ،قال أبو عبد ال" :إلينا
الصّراط وإلينا الميزان وإلينا حساب شيعتنا" [رجال الكشّي :ص .].337
وعدّ الحرّ العاملي من أصول الئمّة اليمان بأنّ حساب جميع الخلق يوم القيامة إلى الئمّة
[الفصول المهمّة في أصول الئمّة :ص .].171
[المعالم وجاءت عندهم روايات كثيرة تقول" :ل يجوز الصّراط أحد إل ومعه ولية من علي"
الزّلفى :ص ].239أو "جواز فيه ولية علي" [بحار النوار ،8/68 :البرهان ،].4/17 :أو "كتاب فيه براءة
بولية علي" [بحار النوار.].8/66 :
404
وفي كتاب العتقادات لبن بابويه في "باب العتقاد في الصراط" قال .." :والصراط في
وجه آخر اسم حجج ال فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه ال جوازًا على الصراط الذي هو
جسر جهنم يوم القيامة ..قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعلي :يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد
أنا وأنت وجبرائيل على الصّراط فل يجوز على الصّراط إل من كانت معه براءة بوليتك"
[العتقادات :ص .].95
ن على الصّراط عقبة اسمها الولية "يوقف جميع الخلئق عندها فيسألون عن ولية
وقال بأ ّ
[العتقادات :ص أمير المؤمنين والئمّة من بعده فمن أتى بها نجا وجاوز ،ولن لم يأت بها بقي"
.].96
[بحار وعقد المجلسي بابًا بعنوان "باب أنّه عليه السّلم قسيم الجنّة والنّار وجواز الصّراط"
(باب علي قسيم الجنّة النوار .].39/193 :وعقد البحراني بابًا بنحو ذلك [المعالم الزّلفى :ص 167
والنّار) .].وساقا فيهما روايات عدة عن أساطين المذهب ،وكتبهم المعتمدة عندهم.
والمعلومات التي تقدمها الثنا عشرية في معنى أنه قسيم الجنة والنار ل تعطى إل للخواص،
ذلك أن المأمون – كما تقول أخبارهم – سأل عن معنى أن عليًا قسيم الجنة والنار فأجابه الرضا
بأن حب علي إيمان وبغضه كفر فصار حينئذ قسيم الجنة والنار ،ولكنه حينما لحق به أبو
الصلت الهروي قال له الرضا" :إنما كلمته من حيث هو ،ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن
عليّ رضي ال عنه أنّه قال :قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم :يا علي أنت قسيم الجنّة
[ابن بابويه :عيون أخبار الرّضا :ص ،239بحار والنّار يوم القيامة ،تقول للنّار هذا لي وهذا لك"
النوار.].39/194 :
ويقولون بأنه صاحب الجنة والنار ،قالت أخبارهم" :إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه
الخلئق يصعده رجل يقوم ملك عن يمينه وملك عن شماله ،ينادي الذي عن يمينه :يا معشر
الخلئق ،هذا عليّ بن أبي طالب صاحب الجنّة يدخلها من يشاء ،وينادي الذي عن يساره :يا
[بحار النوار،39/200 : معشر الخلئق ،هذا عليّ بن أبي طالب صاحب النّار يدخلها من يشاء"
بصائر الدّرجات :ص .].122
بل وصلوا إلى القول بأنه ديان الناس يوم القيامة" ،عن المفصل بن عمر الجعفي عن أبي
[بحار عبد ال قال :سمعته يقول :إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لديّان الناس يوم القيامة"..
النوار ،39/200 :بصائر الدّرجات :ص ،122وانظر :تفسير فرات :ص .].13
وهذه الجنة التي يتحدثون عنها هي قصر على الروافض ل يشاركهم فيها أحد لنها لئمتهم،
كما أن النار التي مفاتيحها بيد الئمة هي لعدائهم ،قالوا" :إنما خلقت الجنة لهل البيت ،والنار
405
لمن عاداهم" [المعالم الزلفى :ص .].251ولكنهم ينسون هذا ويقولون بأن "الشيعة يدخلون
[المعالم الزلفى :ص ،255وانظر بمعنى هذا الخبر :ابن الجنة قبل سائر الناس من المم بثمانين عامًا"
قولويه /كامل الزيارات :ص ،137الحر العاملي /وسائل الشيعة.].10/331 :
ومن أصولهم "أن الناس يدعون بأسماء أمهاتهم يوم القيامة إل الشيعة فيدعون بأسماء آبائهم"
[الفصول المهمة في أصول الئمة :ص .].124
هذا ويعتقدون بجنة غير جنة الخلد ،يسمونها جنة الدنيا ،وكذلك بنار يعذب بها الناس غير
نار الخرة .يقول المجلسي" :ويجب أن يعتقد أن ل تعالى في الدنيا جنة ونارًا سوى جنة الخلد
[العتقادات للمجلسي :ص ،98ويقول بأنها هي جنة آدم (الفصول المهمة في أصول الئمة :ص ونار الخلد"
).124قال شيخ السلم ابن تيمية :والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف المة وأهل السنة والجماعة هي جنة
الخلد ،ومن قال :إنها جنة في الرض فهو من المتفلسفة والملحدين ،أو من إخوانهم المبتدعين ،فإن هذا يقوله من
يقوله من المتفلسفة والمعتزلة( .الفتاوى ،].)4/347 :وأهل القبور قد ينتقلون إليهما ،وذلك أنهم "بعد
السؤال وضغطة القبر ينتقلون إلى أجسادهم المثالية فقد يكونون على قبورهم ،ويطلعون على
زوارهم ،وقد ينتقلون إلى النجف" [العتقادات للمجلسي :ص .].97
ومزاعمهم في هذا الباب يصعب حصرها ..بدع كثيرة منكرة ..وما ذكرته مجرد إشارات لو
قمنا باستعراض نصوصها وتحليلها لستغرق ذلك صفحات كثيرة.
وكلها بدع ليس عليها من كتاب ال برهان ،وليس لها في كتب المة شاهد ول خبر ..ويكفي
في بيان وضعها ،ومعرفة كذبها مجرد عرضها ..فهم جعلوا الخرة للئمة وال سبحانه يقول:
خرَةُ وَالُولَى} [النجم ،آية ].25:وما أشبه قولهم هذا بمزاعم يهود في قولهم إن الخرة
{فَ ِلّلهِ الَ ِ
صةً مّن دُونِ النّاسِ َف َتمَ ّنوُاْ ا ْل َموْتَ
خرَةُ عِندَ الّلهِ خَا ِل َ
لهم .قال تعالىُ { :قلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ الَ ِ
[البقرة ،آية-94 : إِن كُنتُ ْم صَادِقِينَ ،وَلَن يَ َتمَ ّنوْهُ َأبَدًا بِمَا قَ ّدمَتْ َأيْدِيهِمْ وَالّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِمينَ}
.].95
حمْدُ فِي الُولَى
كما جعلوا للئمة الحكم والمر في يوم القيامة وال جل شأنه يقولَ { :لهُ الْ َ
خرَةِ وَ َلهُ الْحُ ْكمُ وَِإَليْ ِه ُترْجَعُونَ} [القصص ،آية.].70 :
وَال ِ
ج ّنةَ إِ ّل مَن كَانَ هُودا َأ ْو َنصَارَى ِتلْكَ
خلَ الْ َ
وقالوا بأن الجنة لهم كما قال اليهود{ :لَن يَدْ ُ
جرُهُ
حسِنٌ َفَلهُ أَ ْ
ج َههُ ِلّلهِ وَ ُهوَ مُ ْ
سلَمَ وَ ْ
َأمَا ِن ّيهُمْ ُقلْ هَاتُواْ بُرْهَانَ ُكمْ إِن كُنتُ ْم صَادِقِينَ ،بَلَى مَنْ َأ ْ
ح َزنُونَ} [البقرة ،آية.].112-111 :
عَليْهِمْ وَلَ هُ ْم يَ ْ
خ ْوفٌ َ
عِندَ َر ّبهِ وَلَ َ
406
ونقول لهم في كل مزاعمهم التي مرت{ :هَاتُوا ُبرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} بل أنتم بش كسائر
البشر ،وما تدعونه إنما هو كيد عاجز ،وصنعة حاقد ،وتدبير زنديق ،وبين أيدينا كتاب ال
سبحانه لم يدع لهذه التخرصات والوهام سبيلً إلى قلب من احتكم إليه وجعله إمامه وقائده.
وأما من أغلق عقله ،وأخذته العزة بالثم ،وأعمى تفكيره التعصب فسيجد مغبة ذلك في يوم
[البقرة، صرُونَ}
عةٌ وَلَ هُ ْم يُن َ
شيْئا وَلَ يُقْ َب ُل ِم ْنهَا عَ ْدلٌ وَلَ تَنفَ ُعهَا شَفَا َ
جزِي نَفْسٌ عَن نّفْسٍ َ
{ ّل تَ ْ
آية.].123 :
اليمان بالقدر:
يقول شيخ السلم ابن تيمية بأن "قدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات القدر ،وإنما شاع
فيهم نفي القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة" [منهاج السنة.].2/29 :
وهذا كان في أواخر المائة الثالثة ،وكثر بينهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه
[منهاج السنة.].1/229 :
كما أن "سائر علماء أهل البيت متفقون على إثبات القدر" [منهاج السنة.].2/29 :
ويذكر الشعري أن الرافضة في أفعال العباد ثلثة فرق :فرقة يقولون بأن أعمال العباد
مخلوقة ل ،وأخرى تقابلها فتنفي أن تكون أعمال العباد مخلوقة ل ،وثالثة تتوسط وتقول :ل
جبر كما قال الجهمي ،ول تفويض كما قال المعتزلة؛ لن الرواية عن الئمة – كما زعموا –
[مقالت السلميين: جاءت بذلك ،ولم يتكلفوا أن يقولوا في أعمال العباد هل هي مخلوقة أو ل شيئًا
.].115 ،1/114
[منهاج السنة: واعتبر شيخ السلم هذه الطائفة متوقفة بينما الولى مثبتة والثانية نافية
،].1/286ول يذكر صاحب التحفة الثني عشرية عن المامية إل قولهم" :إن العبد يخلق فعله"
[مختصر التحفة :ص .].90
هذا ما تقوله مصادر أهل السنة.
وبالرجوع إلى مصادر الشيعة يتبين ما يلي:
نرى ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق ،يقول في عقائده التي سجلها على أنها تمثل
عقائد الشيعة واشتهرت باسم عقائد الصدوق يقول" :اعتقادنا في أفعال العباد أنها مخلوقة خلق
تقدير ل خلق تكوين ،ومعنى ذلك أنه لم يزل ال عالمًا بمقاديرها" [عقائد الصدوق :ص .].75
وهذا فيه إثبات علم ال عز وجل بأعمال العباد فقط ل إثبات عموم مشيئته سبحانه ،وهو ل
يقتضي أن ال خالق أفعال العباد ،ومع ذلك فقد تعقبه شيخهم المفيد فقال" :الصحيح عن آل
محمد صلى ال عليه وسلم أن أفعال العباد غير مخلوقة ل ،والذي ذكره أبو جعفر قد جاء به
407
حديث غير معمول به ،ول مرضي السناد ،والخبار الصحيحة بخلفه ،وليس يعرف في لغة
العرب أن العلم بالشيء هو خلق له" [شرح عقائد الصدوق :ص .].12
ثم قال" :وقد روي عن أبي الحسن أنه سئل عن أفعال العباد فقيل له :هل هي مخلوقة ل
تعالى؟ فقال عليه السلم :لو كان خالقًا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه{ :أَنّ الّلهَ َبرِي ٌء مّنَ
[شرح شرِكِينَ َو َرسُوُلهُ} ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم"
ا ْلمُ ْ
عقائد الصدوق :ص .].13
ويبدو في هذا الستدلل الذي عزاه مفيدهم إلى الرضا التكلف الواضح ،فبراءة ال عز وجل
من المشركين لعدم رضاه سبحانه عن عملهم ،ول ينفي هذا قدرة ال سبحانه ومشيئته الشاملة
شرَكُواْ} [النعام ،آية .].107 :وجاء في رواياتهم ما ينقض
النافذة ،قال تعالىَ { :و َلوْ شَاء الّل ُه مَا َأ ْ
[الحر العاملي/ هذا ويتفق مع الحق ،حيث قالوا" :ما خلل ال فهو مخلوق ،وال خالق كل شيء"
الفصول المهمة :ص .].35
ثم إن المفيد يذهب إلى معنى أن العباد خالقون لفعالهم ،لكنه ل يستحسن هذا التعبير فيقول:
"أقول :إن الخلق يفعلون ،ويحدثون ويخترعون ويصنعون ويكتسبون ،ول أطلق القول عليهم
بأنهم يخلقون ول هم خالقون ،ول أتعدى ذكر ذلك فيما ذكره ال تعالى ول أتجاوز به مواضعه
من القرآن ،وعلى هذا القول إجماع المامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة
وأصحاب الحديث ،وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون
فخرجوا بذلك عن إجماع المسلمين" [أوائل المقالت :ص .].25
فهو يلتزم – كما يزعم – منهج القرآن؛ لنه سماهم فاعلين وعاملين ولم يسمهم خالقين ،غير
أن إجماع طائفته لم يستمر – إن كان قد حصل – إذ إن طائفة من شيوخهم سلكوا مسلك معتزلة
[وقالوا بأنه قيل لبي الحسن :هل غير الخالق الجليل خالق؟ قال :إن ال تبارك البصرة في إطلق لفظ "الخلق"
سنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون ،آية .]14 :إن في عباده خالقين وغير خالقين ،منهم عيسى
ح َ
وتعالى يقولَ { :ف َتبَا َركَ اللّ ُه أَ ْ
عليه السلم خلق من الطين كهيئة الطير (الفصول المهمة ص ،)81ومثل هذا التوجيه نسب لبعض السلف حيث قال
خلُقُ لَكُم ّمنَ الطّينِ} فأخبر ال عن نفسه أنه
ابن جريج :إنما جمع الخالقين؛ لن عيسى كان يخلق كما قالَ{ :أنّي أَ ْ
أحسن الخالقين (تفسير الطبري ،12/11 :تفسير البغوي ،)3/304 :ولكن عيسى عليه السلم إنما كان يخلق بإذن
ال فل خالق مع ال ،ولذلك فإن أكثر أهل العلم قال :إن الخلق بمعنى التقدير كما يدل على ذلك لغة العرب ،وقال
مجاهد :يصنعون ويصنع ال وال خير الصانعين (تفسير البغوي .)3/304
قال ابن جرير الطبري – بعد أن ذكر قول ابن جريج وقول مجاهد " :-وأولى القولين في ذلك بالصواب قول
مجاهد؛ لن العرب تسمي كل صانع خالقًا" (انظر :تفسير الطبري .)12/11
والقضية عند هؤلء الروافض ليست في إطلق اللفظ الذي له معنى في اللغة غير اليجاد ،ولكن في قولهم بأن
العبد هو الذي يخلق فعله ،كما أن توجيه إمامهم بأن عيسى يخلق ليس بدليل لهم في قولهم إن كل إنسان يخلق فعله؛
408
لن ذلك معجزة لعيسى بأمر ال ،وورد به النص {َأنّي أَ ْخلُقُ لَكُم} وهم يعممون إطلق اللفظ .].والفرق اللفظي
بينهم وبين معتزلة البصرة قد توارى فيما بعد على يد ثلة من أساطين المذهب.
فقد عقد شيخهم الحرّ العاملي (ت 1104ه) صاحب الشيعة في كتابه الذي يتحدث فيه عن
[الفصول المهمّة أصول أئمته عقد بابًا بعنوان "باب أنّ ال سبحانه خالق كلّ شيء إل أفعال العباد"
في أصول الئمّة :ص ،].80وقال" :أقول :مذهب الماميّة والمعتزلة أنّ أفعال العباد صادرة عنهم
وهم خالقون لها" [الفصول المهمّة في أصول الئمّة :ص .].81
وكذلك قال شيخهم الطبطبائي" :ذهبت المامية والمعتزلة إلى أن أفعال العباد وحركاتهم
واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها ،وما في اليات من أنه تعالى خالق كل شيء وأمثالها
إما مخصص بما سوى أفعال العباد ،أو مؤول بأن المعنى أنه خالق كل شيء إما بل واسطة أو
بواسطة مخلوقاته" [مجالس الموحدين في بيان أصول الدين /محمد صادق الطبطبائيك ص .].21
وقال القزويني" :وأفعال العباد مخلوقة لهم" [قلئد الخرائد :ص .]60
[مثل ابن المطهر الحلي في كتابه نهج المسترشدين :ص ،52حيث قال :البحث الرابع :في وغير هؤلء كثير
خلق العمال ،وقرر أن هذا مذهب طائفته ومذهب المعتزلة ،ومثل ذلك صرح في كتابه "الباب الحادي عشر" (مع
شرحه للمقداد) ص ،32وكتابه :كشف المراد ص ،332وكذلك شيخ الشيعة المجلسي صاحب البحار قال" :وذهبت
المامية والمعتزلة إلى أن أفعال العباد وحركاتهم واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها"( .بحار النوار:
،)4/148والمقداد الحلي ( انظر :النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر :ص .].)33-32وهو كما
ترى عين مذهب أهل العتزال ،فهل مقالة هؤلء طارئة على المذهب الشيعي كما قاله شيخ
السلم ابن تيمية وغيره ،وإن قدماء الشيعة لم يكونوا على هذا المعتقد ،أو أن هذا هو مذهب
القدمين ومن بعدهم؟
لعل أفضل مرجع يرجع إليه لستقراء هذه الحقيقة هو كتب الحديث عند الشيعة.
وقد رجعت إلى مصادر الشيعة المعتمدة في الرواية وبالذات إلى مراجعها الرئيسة؛ فرأيت
مجموعة كبيرة من الروايات تخالف ما هو شائع عن مذهب الشيعة من القول بمذهب المعتزلة
في أفعال العباد ،وتعارض ما قرره طائفة من شيوخهم في هذه المسألة من الخذ بمسلك أهل
العتزال ،كما سبق ذكر بعض شواهده من أقوال المفيد ،وابن المطهر ،والحر العاملي
وأضرابهم مما سجلوه في كتب العقيدة التي كتبوها لتعبر عن مذهب الشيعة.
فمن رواياتهم التي وصفنا:
409
"قال أبو جعفر وأبو عبد ال » :إن ال أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ،ثم يعذبهم
عليها ،وال أعز من أن يريد أمرًا فل يكون ،قال :فسئل عليهما السلم هل بين الجبر والقدر
منزلة ثالثة؟ قال :نعم أوسع ما بين السماء والرض" [أصول الكافي.].1/159 :
يعني أن بين القول بالجبر والقول بنفي القدر منزلة ثالثة وسط.
وجاءت عندهم مجموعة من الروايات تقول بأن مذهبهم في القدر هو أمر بين المرين ل
[انظر :أصول الكافي /باب الجبر والقدر والمر بين المرين ،1/155 :وانظر :بحار النوار: جبر ول تفويض
،56 ،5/22الفصول المهمة :ص .].72
ولهذا قال المجلسي" :اعلم أنّ الذي استفاض عن الئمّة هو نفي الجبر والتّفويض وإثبات مر
بين المرين" [بحار النوار.].5/82 :
ونفي الجبر واضح القصد وهو الخروج عن مذهب الجبرية ،ولكن ماذا يريدون بالتفويض؟
يقول المجلسي" :وأما التفويض فهو ما ذهب إليه المعتزلة من أنه تعالى أوجد العباد ،وأقدرهم
على تلك الفعال وفوض إليهم الختيار ،فهم مستقلون بإيجادها وفق مشيئتهم وقدرتهم وليس ل
في أفعالهم صنع" [بحار النوار.].5/83 :
كذلك عندهم روايات أخرى تنتقد مذهب المعتزلة ،وتشنع على القائلين به ،فهو رد على
الشيعة نفسها في سلوكها مسلك المعتزلة ،جاء في تفسير القمي – في التشنيع على القدرية نفاة
القدر من المعتزلة ومن نهج سبيلهم – قول إمامهم" :القدرة الذين يقولون ل قدر ،ويزعمون أنهم
قادرون على الهدى والضللة ،وذلك إليهم إن شاءوا اهتدوا ،وإن شاءوا ضلوا ،وهم مجوس
هذه المة ،وكذب أعداء ال؛ المشيئة والقدرة ل { َكمَا بَدََأكُ ْم تَعُودُونََ ،فرِيقًا هَدَى َو َفرِيقًا حَقّ
لَلةُ} [العراف ،آية .].30 ،29 :من خلقه ال شقيًا يوم خلقه كذلك يعود إليه شقيًا ،ومن
عَل ْيهِمُ الضّ َ
َ
خلقه سعيدًا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدًا ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :الشقي من
[تفسير القمر ،227-1/226 :بحار النوار: شقي في بطن أمه ،والسعيد من سعد في بطن أمه"
.].5/9
وقال أبو عبد ال" :إنك لتسأل عن كلم أهل القدر وما هو من ديني ول دين آبائي ول وجدت
أحدًا من أهل بيتي يقول به" [بحار النوار ،5/56 :البرهان.].1/398 :
وقال" :ويح هذه القدرية أما يقرأون هذه الية{ :إِل ا ْمرََأ َتهُ قَ ّد ْرنَاهَا مِنَ الْغَا ِبرِينَ} ويحهم من
وما قدّرها إل ال تبارك وتعالى" [بحار النوار ].5/56 :وغيرها كثير [انظر :بحار النوار5/116 ،
بعدها رقم ،69 ،61 ،60 ،59 ،58 ،57 ،54 ،53 ،52 ،51 ،50 ،49وغيرها.].
410
هذه الروايات تعبر عن مذهب الئمة في إثبات القدر ،وقد تشير إلى ما عليه قدماء الشيعة
من الثبات ،وقد أعرض عن هذه الروايات الشيعة المتأخرون بل دليل سوى تقليد أهل
العتزال ،وأغمضوا النظر عما يعارض ذلك من روايات كثيرة عندهم ،بل إن الشيعة جعلوا
من أصولهم العدل كالمعتزلة سواءً بسواء .وهذه الكلمة في ظاهرها لفظ جميل ،ولكنها تخفي
وراءها معنىً خطيرًا ،وهو إنكار قدر ال عز وجل.
قال أحد شيوخهم" :أمّا الماميّة فالعدل من أركان اليمان عندهم بل ومن أصول السلم"
[هاشم معروف /الشّيعة بين الشاعرة والمعتزلة :ص ،240عبد المير قبلن /عقيدة المؤمن :ص .].43
مع أن أقوال الئمة – كما أثبتته كتبهم المعتمدة عندهم – ل تصرح بنفي القدر في أكثر
رواياتهم – كما مضى – بل تهاجم المعتزلة وتنتقد مذهبها في القدر ،كما تقرر جملة أن الحق
ليس مع المعتزلة القدرية ،ول مع الجبرية بل الحق منزلة أخرى ثالثة ،وهذا حق ،ولكن تفسير
هذه المنزلة ،أو المر بين المرين ما هو؟
لقد أحجمت بعض رواياتهم عن تفيسر هذا واكتفت بإطلق هذا القول .ولما سئل أبو عبد ال
عن معناه لم يجب وقالت رواياتهم في وصف موقفه من هذا السؤال" :فقلب يده مرتين أو ثلثًا
[ابن بابويه /التوحيد :ص ،363بحار النوار ،5/53 :وجاءت روايات أخر ثم قال :لو أجبتك فيه لكفرت"
شبيهة بهذا منها ما يقول بأن ذلك "سر من أسرار ال"( .بحار النوار )5/116 :أو "أن بينهما ما بين السماء
والرض" (المصدر السابق ،)5/116وما ماثل ذلك.].
وقد حمل بعض شيوخهم هذا الموقف من "جعفر" على التقية "لنه – بزعمهم – كان يعلم أنه
ل يدركه عقل السائل فيشك فيه أو يجحده فيكفر" [المجلسي /بحار النوار.].54-5/53 :
ولعل هذا التوقف هو ما أشار إليه الشعري من أنه أحد مذاهب الرافضة الثلثة .كما أن
[شرح المذهب الول قد جاء على لسان شيخهم المفيد في قوله" :إن أفعال العباد غير مخلوقة ل"
عقائد الصدوق :ص .].12-10وقد لوحظ أن المذهب الثالث وهو الثبات قد نطقت به طائفة من
رواياتهم ،فأنت ترى أن المذاهب الثلثة للرافضة التي أشار إليها الشعري في مقالته قد
وجدت كلها ضمن مقالت الثني عشرية ورواياتهم.
وذكر صدوقهم في عقائده رواية تفسر قولهم بالمر بين المرين؛ حيث قال :قيل لبي عبد
ال" :ما أمر بين المرين؟ فقال :ذلك مثل رجل رأيته على المعصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل
[عقائد الصدوق :ص تلك المعصية فليس حيث ل يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية"
.].75
411
فهو هنا يفسر القدر بالمر والنهي فحسب ..وهو ل يكفي في بيان المذهب الحق في القدر..
إذ كان ال سبحانه ل سلطان له على العبد إل أمره أو نهيه.
ولكن نجد من شيوخهم من فسر ذلك بمقتضى مذهب أهل السنة وقال بما جاء في رواياتهم
من الثبات ،وأعرض عما قاله طائفة من شيوخه وجعل ذلك هو معتقد طائفته فقال بعدما ذكر
ضلل الجبرية فيما ذهبوا إليه ,ان من قال بقولهم فقد نسب الظلم إليه تعالى عن ذلك ،وضلل
القدرية فيما أخذوا به من نفي القدر ،وأن من قال بذلك فقد أشرك مع ال غيره في الخلق –
قال « :واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الطهار عليهم السلم من المر بين المرين
والطريق الوسط بين القولين ..فقد قال إمامنا الصادق عليه السلم لبيان الطريق الوسط كلمته
المشهورة" :ل جبر ول تفويض ولكن أمر بين المرين".
ما أجمل هذا المغزى ،وما أدق معناه وخلصته" :أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن
أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ،ومن جهة أخرى هي مقدورة ل تعالى وداخلة في
سلطانه لنه هو مفيض الوجود ومعطيه ،فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا على
المعاصي ،لن لنا القدرة والختيار فيما نفعل ،ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد
أخرجها عن سلطانه ،بل له الخلق والمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد"
[المظفر /عقائد
المامية :ص ،68-67وقريب من ذلك ما ذكره شيخهم الزنجاني /في عقائد الشيعة المامية الثني عشرية:
.].176-3/175
وهذه الكلمات ل تخالف ما قاله أهل السنة في باب أفعال العباد ،وهي تفيد أن من شيوخ
الشيعة المتأخرين من يذهب إلى ما ذهب إليه أوائلهم ،وما قررته معظم رواياتهم إذا لم يكن قد
جعل لكلماته ضربًا من التأويل أو لونًا من التقاء فذاك علمه عند ال.
وهذا ل ينفي أن شيوخ المذهب وأساطين الطّائفة قد ذهبوا في الغالب إلى ما ذهب إليه أهل
العتزال.
ويمكن أن يقال :قد كان في القديم الثبات هو الصل والنفي طارئ نتيجة التأثر بالتجاه
العتزالي ،وعند المتأخرين النفي هو الكثير الغالب ،والثبات موجود عند البعض.
ول شك بأن من قال بالنفي فقد قال بجزء من الدلة وعطل الباقي ،ومن قال بالجبر فقد عمل
بالجزء الخر وعطل ما سواه ،ومن أخذ بالقول الوسط فقد أعمل الدلة كلها ،وآيات القرآن
أثبتت للعبد فعلً وقدرة ومشيئة ،ولكنها تابعة لقدرة ال ومشيئته ،قال تعالىَ { :ومَا َتشَاؤُونَ إِل
أَن يَشَاء الّلهُ} [النسان ،آية ،30 :التكوير ،آية.].29 :
قال شيخ السلم:
412
"فجمهور أهل السنة من السلف والخلف يقولون :إن العبد له قدرة وإرادة وفعل ،وال خالق
[انظر: ذلك كله كما هو خالق كل شيء ،كما دل على ذلك الكتاب والسنة" ثم ساق الدلة في ذلك
منهاج السنة.].21-1/20 :
والروايات الكثيرة عند الرافضة – والتي مضى بعضها – هي أكبر شاهد من مذهبهم نفسه
[ولتفصيل القول في القدر ،ونقض على بطلن ما ذهب إليه شيوخهم من الخذ بمذهب أهل العتزال
شبهات المعتزلة ومن قلدهم من الرافضة انظر :منهاج السنة النبوية 356 ،285 ،45-1/39 :وما بعدها .وج
2/2وما بعدها ،مجموع فتاوى شيخ السلم ج ،8وفي مواضع متفرقة أخرى راجع المجلد 36ص ،153-143
وانظر شرح الطحاوية ص 217وما بعدها ،352-347 ،وراجع رسالة الشيخ عبد الرحمن المحمود /القضاء
والقدر.].
الباب الثالث
أصولهم ومعتقداتهم [الخرى] التي تفردوا بها
وفيه ثمانية فصول:
الفصل الول :المامة.
الفصل الثاني :عصمة المام.
الفصل الثالث :التقية.
الفصل الرابع :المهدية والغيبة.
الفصل الخامس :الرجعة.
الفصل السادس :الظهور.
الفصل السابع :البداء.
الفصل الثامن :الطينة.
الفصل الول
المامة
المامة عند الشيعة هي الصل الذي تدور عليه أحاديثهم وترجع إليه عقائدهم ،وتلمس أثره
في فقههم وأصولهم ،وتفاسيرهم وسائر علومهم.
ولقد اهتم الشيعة بأمرها في القديم والحديث.
413
وفيما يلي عرض لهم جوانبها :مفهومها ،ومنشئها ،ومنزلتها في مذهبهم ،وكتمانهم لها في
بادئ المر ،ثم بدء شيوخ الشيعة في الستدلل عليها ،وعرض لما يعدونه أقوى أدلتهم فيها
ومناقشته ،ثم حديث عن تكفيرهم لمنكرها ،حتى كفروا الصحابة ،وأهل البيت ،وحكام المسلمين،
وقضاتهم ،والمصار السلمية وشعوبها ،والفرق السلمية بكل اتجاهاتها ،والمة جميعًا ،كل
ذلك على سبيل التعيين والتخصيص.
وسيتبين هذا في الصفحات التالية ،ومن خلل ما قالته كتبهم المعتمدة عندهم.
[المامة ،في اللغة :التقدم ،تقول :أ ّم القوم ،وأ ّم بهم تقدمهم وهي المامة ،والمام كل من ائتم به مفهوم المامة
قوم كانوا على الصراط المستقيم ،أو كانوا ضالين ،ويطلق المام على الخليفة ،وعلى العالم المقتدى به ،وعلى من
يؤتم به في الصلة (انظر :اللسان ،والقاموس ،والمصباح ،مادة :أمّ ،وراجع في تعريف المامة عند أهل السنة:
الحكام السلطانية للماوردي :ص ،5مقدمة ابن خلدون ].)518-2/516 :عند الشيعة ومنشؤها:
لعل أول من تحدث عن مفهوم المامة بالصورة الموجودة عند الشيعة هو ابن سبأ ،الذي بدأ
يشيع القول بأن المامة هي وصاية من النبي ،ومحصورة بالوصي ،وإذا تولها سواه يجب
البراءة منه وتكفيره ،فقد اعترف كتب الشّيعة بأنّ ابن سبأ "كان أوّل من أشهر القول بفرض
[رجال الكشّي :ص ،109-108 إمامة عليّ ،وأظهر البراءة من أعدائه ،وكاشف مخالفيه وكفّرهم"
القمّي /المقالت وال ِفرَق :ص ،20النّوبختيِ /فرَق الشّيعة ص ،22الرّازي /الزّينة :ص ،305وانظر :المِلَل
ص على إمامة عليّ رضي الوالنّحَل ،1/174 :حيث قال الشّهرستاني عن ابن سبأ" :وهو أوّل من أظهر القول بالنّ ّ
عنه" ].لنه كان يهودي الصل ،يرى أن يوشع بن نون هو وصي موسى ،فلما أسلم أظهر هذه
[رجال الكشّي :ص ،109-108القمّي /المقالت وال ِفرَق :ص ،20النّوبختي/ المقالة في علي بن أبي طالب
فِرَق الشّيعة ص ،22الرّازي /الزّينة :ص ،305وانظر :المِلَل والنّحَل.].1/174 :
وهذا ما تواضع عليه شيوخ الشيعة ،فابن بابويه القمي يسجّل عقائد الشّيعة في القرن الرّابع
ل نبي وصيّا أوصى إليه بأمر ال تعالى" [عقائد الصّدوق :ص .].106
ويقول بأنّهم" :يعتقدون بأنّ لك ّ
[عقائد الصدوق :ص ويذكر أن عدد الوصياء "مائة ألف وصي ،وأربعة وعشرون ألف وصي"
[بحار النوار،342 /39 : ،].106كما يذكر المجلسي في أخباره "أن عليًا هو آخر الوصياء"
ومعنى هذا أنّه ل وصيّ بعد عليّ ،وأنّ إمامة من بعده باطلة ،لنّهم ليسوا بأوصياء ،وهذا ينقض مذهب الثني
عشريّة من أصله ،].وجاء في بعض عناوين البواب في الكافي "باب أن المامة عهد من ال عز
وجل معهود من واحد إلى واحد" [أصول الكافي .].1/227 :و"باب ما نص ال عز وجل ورسوله
على الئمة واحدًا فواحدًا" [أصول الكافي ].1/286 :وقد ضمنها مجموعة من أخبارهم التي يعدونها
من الدلة التي ل يرقى إليها الشك .ولهذا قال شيخهم مقدار الحلي (ت )821بأن مستحق
414
[النافع المامة عندهم لبد أن "يكون شخصًا معهودًا من ال تعالى ورسوله ل أي شخص اتفق"
يوم الحشر :ص .].47
ويقرّر محمد حسين آل كاشف الغطا أحد مراجع الشيعة في هذا العصر" :أنّ المامة منصب
إلهي كالنّبوّة ،فكما أنّ ال سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة ويؤيّد بالمعجزة
التي هي كنصّ من ال عليه ..فكذلك يختار للمامة من يشاء ويأمر نبيّه بالنّصّ عليه وأن
ينصبه إمامًا للنّاس من بعده" [أصل الشّيعة وأصولها :ص .].58
فأنت ترى أن مفهوم المامة عندهم كمفهوم النّبوّة ،فكما يصطفي ال سبحانه من خلقه أنبياء،
يختار سبحانه أئمّة ،وينصّ عليهم ،ويعلم الخلق بهم ،ويقيم بهم الحجّة ،ويؤيّدهم بالمعجزات،
وينزّل عليهم الكتاب ،ويُوحي إليهم ،ول يقولون أو يفعلون إل بأمر ال ووحيه ..أي إنّ المامة
هي النّبوّة ،والمام هو النّبيّ ،والتّغيير في السم فقط .ولذلك قال المجلسي" :إنّ استنباط الفرق
بين النّبيّ والمام من تلك الخبار ل يخلو من إشكال" [بحار النوار ،].26/82 :ثم قال" :ول
نعرف جهة لعدم اتّصافهم بالنّبوّة إل رعاية خاتم النبياء ،ول يصل عقولنا فرق بين النّبوّة
والمامة" [بحار النوار.].26/82 :
هذا قولهم في مفهوم المامة ،ويكفي في نقده أنه ل سند لهم فيه إل ابن سبأ واليهودية.
منزلة المامة عندهم:
مسألة المامة عند أهل السنة ليست من أصول الدين التي ل يسع المكلف الجهل بها ،كما
[انظر :المدي /غاية المرام :ص ،363الغزالي /القتصاد :ص ،134مقدمة ابن قرره جمع من أهل العلم
خلدون ..].3/1080 :ولكنها عند الشيعة (بمفهومها السبئي) لها شأن آخر ،فالنوبختي يذكر بأن
من فرق الشيعة من يذهب إلى أن المامة من أجل المور بعد النبوة [فرق الشيعة :ص ،].19
ولكنها عند آل كاشف الغطاء" :منصب إلهي كالنبوة" [أصل الشيعة :ص .].58وفي أحاديث الكليني
في الكافي تعلو على مرتبة النبوة [انظر :أصول الكافي ،].1/175 :وهذا ما يجاهر به جملة من
شيوخهم .قال شيخهم نعمة ال الجزائري" :المامة العامّة التي هي فوق درجة النّبوّة
والرّسالة[ "..زهر الرّبيع :ص .].12
وقال هادي الطّهراني – أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر " :-المام أجلّ من النّبوّة،
فإنّها مرتبة ثالثة شرّف ال تعالى بها إبراهيم بعد النّبوّة والخلة[ "..ودايع النّبوّة :ص .].114
وفي الكافي روايات تجعل المامة أعظم أركان السلم.
روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال" :بني السلم على خمس :على الصّلة والزّكاة
والصّوم والحجّ والولية ،ولم يناد بشيء كما نودي بالولية ،فأخذ النّاس بأربع وتركوا هذه –
415
[أصول الكافي ،كتاب اليمان والكفر ،باب دعائم السلم ،2/18 :رقم ،3قال في شرح الكافي يعني الولية –"
رقم في بيان درجة هذا الحديث عندهم" :موثق كالصّحيح" فهو معتبر عندهم( .الشّافي شرح الكافي5/28 :
.].)1487
فأنت ترى أنهم أسقطوا الشّهادتين من أركان السلم ،ووضعوا مكانهما الولية ،وعدوها من
أعظم الركان ،كما يدل عليه قولهم" :ولم يناد بشيء كما نودي بالولية" وكما يدل عليه حديثهم
الخر.
وقد ذكر فيه نص الرواية السابقة وزاد" :قلت (الراوي) :وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:
[أصول الكافي ،كتاب اليمان والكفر ،باب دعائم السلم ،2/18 :وهو حديث صحيح السند حسب الولية أفضل"
ما صرح به شيوخهم (انظر :الشافي )5/59 :وقد ورد حديثهم هذا في :تفسير العياشي ،1/191 :البرهان:
،1/303بحار النوار .].1/394 :ورواية ثالثة بنحو الرواية الولى ،مع زيادة تقول" :فرخص لهم
[قال المجلسي :قوله :فرخص لهم في أشياء؛ كقصر الصلة في السفر ،وترك في أشياء من الفرائض الربع
الصيام في السفر والمرض ،والحج والزكاة مع عدم الستطاعة" (مرآة العقول.].)4/369 :
ي صلى ال عليه وسلم السّماء مائة وعشرين
حتى قالوا في أخبارهم أيضًا بأنه" :عرج بالنّب ّ
مرّة ،ما من مرّة إل وقد أوصى ال عزّ وجلّ فيها إلى النّبيّ بالولية لعليّ والئمّة من بعده أكثر
ممّا أوصاه بالفرائض" [ابن بابويه /الخصال :ص ،601-600بحار النوار" ].23/69 :وما وكّد على
[الحميري /قرب العباد في شيء ما وكد عليهم بالقرار بالمامة ،وما جحد العباد شيئًا ما جحدوها"
السناد :ص ،123بحار النوار.].23/69 :
وبهذا الضلل يهذي شيوخهم ،قال أحد مراجعهم في هذا العصر" :إن أعظم ما بعث ال
[هادي الطهراني /ودايع النبوة :ص ،115وانظر في هذا تعالى نبيه من الدين إنما هو أمر المامة"
المعنى :محمد حسين آل كاشف الغطا /راسالة عين الميزان :ص .].4
هذه منزلة إمامة الثني عشر عندهم ،وما أدري أين سند هذه المنزلة المزعومة ،وكتاب
السلم العظيم – كتاب ال – تذكر فيه مرات ،وتؤكد كرات أركان السلم :الشهادتان،
والصلة ،والصوم ،والزكاة ،والحج ول ذكر فيه لشأن ولية أئمتهم؟!
سرية هذا المبدأ:
وكانت مسألة المامة بمفهوم الشيعة تعني أن هناك خلية سرية وضعت لتباعها هذا المبدأ
لتعمل على تقويض أركان الخلفة السلمية ..ولذلك فإنها ما إن كشفت هذا الوجه في عهد
الخلفة الراشدة ..حتى وقف منها أمير المؤمنين عليّ موقفًا حازمًا وصارمًا ..فتعقب ابن سبأ
ونفاه إلى المدائن ،ونفى ما حاول إشاعته من أفكار في المجتمع السلمي ..كما تعترف بذلك
416
[انظر :القمي /المقالت والفرق :ص ،20النوبختي /فرق الشيعة :ص ،23-22وفي رجال كتب الشيعة نفسها
الكشي :ص :107أن عليًا قتله.].
فعادت هذه الخلية تدعو لهذا المبدأ في سرية تامة ،وكانت تقول في عصر علي الرضا كما
يظهر من إسناد النص إليه ،تقول" :ولية ال أسرها إلى جبرائيل ،وأسرها جبرائيل إلى محمد،
وأسرها محمد إلى عليّ ،وأسرها علي إلى من شاء ال ،ثم أنتم تذيعون ذلك ،من الذي أمسك
حرفًا سمعه؟" [أي لم يوجد أحد أمسك كلمًا سمعه (المازندراني /شرح جامع.].)9/123 :
قال أبو جعفر رضي ال عنه" :في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكًا لنفسه مقبلً
على شأنه عارفًا بأهل زمانه ،فاتقوا ال ،ول تذيعوا حديثنا" [أصول الكافي.].2/224 :
فهذا النص يشير إلى أن الولية من السرار في أصل التنزيل اللهي ويحذر من إظهار
الحديث عنها ..أي إنه في العهد السلمي الزاهر المتقدم ل صوت مسموعًا للولية وشأنها..
ويعلل شارح الكافي ذلك بقوله" :لما كانت التقية شديدة في عصرهم عليهم السلم أمروا شيعتهم
[المازندراني /شرح جامع: بكتمان أسرارهم وإمامتهم وأحاديثهم وأحكامهم المختصة بمذهبهم."..
.].9/118
[أصول الكافي: وعند حديث الكليني الذي يقول .." :ول تبثّوا سرّنا ،ول تذيعوا أمرنا"
.].2/222قال شارح الكافي" :وهو أمر المامة والخلفة[ "..المازندراني /شرح جامع.].9/119 :
وقال عند حديث آخر يسندونه لجعفر ويقول" :المذيع حديثنا كالجاحد له" [أصول الكافي.].2/224 :
قال" :واعلم أنّه عليه السّلم كان خائفًا من أعداء الدّين على نفسه المقدّسة وعلى شيعته ،وكان
[شرح جامع: في تقية شديدة منهم فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالّ على إمامته أو إمامة آبائه"
.].10/26
[علّق مُصحّح وكان هناك ميثاق دائم بينهم على الكتمان ،قالوا" :إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق
الكافي عند هذا فقال" :أي بالعهد الذي أخذه ال ورسوله على الئمّة عليهم السّلم أن يكتموه من غير أهله" (أصول
الكافي ،2/227 :هامش رقم( ].)1فمن هتك علينا أذلّه ال" [أصول الكافي.].2/227 :
وتحدد بعض نصوصهم بدء إذاعة أمر الولية بأنه كان على يد طائفة الكيسانية فتقول" :ما
[كيسان :لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه الكيسانية. زال سرنا مكتومًا حتى صار في يد ولد كيسان
(شرح جامع ].)122-9/121 :فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد" [أصول الكافي.].2/223 :
وهذه الخلية التي وضعت الخطوط الساسية لمر الولية على وفق المنهج السبئي ل تنسى
أن توصي أتباعها بأن يتستروا بالتجاه الشيعي المعتدل لنشر فكرتهم بين الناس ،فقد جاء في
أصول الكافي" :كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنه ل يصيبكم أمر تخصون به أبدًا ،ول تزال
417
الزيدية لكم وقاء أبدًا" [أصول الكافي .].2/225 :ويحتمل أن المراد أن الزيدية لظهارها طلب
[شرح جامع: الولية هي التي يوقع بها وتسلمون أنتم للتزامكم بالتقية كما أشار إليه شارح الكافي
.].9/126
وإذا كانت الولية صنو النّبوّة أو أعظم فلماذا تكون س ّريّة مُحاطة بالكتمان ،حتى إنّ رسول
ال صلى ال عليه وسلم والذي أمره ال أن يبلّغ ما أنزل ال – يخفي أمرها ويسرّها إلى
عليّ ،..ثم يسرّها عليّ إلى من شاء؟!
ول تحدد هذه الرواية الشخاص الذين أسرها عليّ إليهم ..وتترك المر لمشيئته يختار ما
يريد ،أما غير علي فل خيرة له في الختيار! فكيف تكون الولية التي هي أصل النجاة عندهم،
وأساس قبول العمال ،والفيصل بين اليمان والكفر كيف تظل سرية حتى يتولى نشرها ولد
كيسان؟! ويعدون ذلك خروجًا عن الصل المأمور به.
إن هذه النصوص تدل على أن واضعي هذه الفكرة هم من أعداء المة ،واستغلوا هذه
المسألة لتنفيذ أغراضهم ،ولذلك أحاطوها بجو من السرية والكتمان ،ونسبوها لل البيت ،لتجد
طريقها إلى قلوب الناس الذين آلمهم ما جرى من أحداث على بعض علماء أهل البيت ،والتي
كانت هذه الزمر الحاقدة المدعية للتشيع أحد أسبابها الرئيسة.
حصر الئمة بعدد معين:
كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند عليّ ،ولكن جاء فيما بعد من عممها في مجموعة من
أولده ..وكانت "الخليا" الشيعية تعمل بصمت وسرية ..ومع ذلك فقد كانت تصل بعض هذه
الدعاوى إلى بعض أهل البيت ،فينفون ذلك نفيًا قاطعًا ،كما فعل جدهم أمير المؤمنين عليّ،
ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت "عقيدة التقية" حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في
مأمن من تأثر التباع بمواقف أهل البيت الصادقة والمعلنة للناس.
ترد رواية في "رجال الكشي" -أهم كتاب عندهم " :-في الرجال" تكشف بأن شيطان الطاق
[وتلقبه الشيعة مؤمن الطاق (انظر :رجال الكشي :ص )185وانظر ترجمته ص( )207من هذه الرسالة ].هو
الذي بدأ يشيع القول بأن المامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت ،وأنه حينما علم
بذلك زيد بن عليّ بعث إليه ليقف على حقيقة الشاعة ،فقال له زيد" :بلغني أنك تزعم أن في آل
محمد إمامًا مفترض الطاعة؟ قال شيطان الطاق :نعم ،وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم،
فقال :وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها ،أفترى أنه كان يشفق عليّ
من حر اللقمة ،ول يشفق علي من حر النار؟ قال (شيطان الطاق) :قلت له :كره أن يخبرك
فتكفر فل يكون له فيك الشفاعة ،ل وال فيك المشيّة – كذا –" [رجال الكشي :ص .].186
418
وفي رواية الكليني في الكافي :قال زيد بن علي لبي جعفر" :يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي
على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ،ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد ،شفقة عليّ ،ولم يشفق
عليّ من حر النار ،إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فأجابه شيطان الطاق :جعلت فداك ،من
شفقته عليك من حر النار لم يخبرك ،خاف عليك أن ل تقبله فتدخل النار ،وأخبرني أنا ،فإن
قبلت نجوت ،وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار[ "..أصول الكافي.].1/174 :
[انظر :تنقيح المقال: وينقل الستاذ محب الدين الخطيب هذا النص من تنقيح المقال للمقاني
،].1/470ويأخذ منه أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر المامة
[مجلة الفتح ص ،5العدد ( ،)862خاتمة والتشريع وادعى العصمة لناس مخصوصين من آل البيت
العام الثامن عشر ،ذو الحجة 1367ه.].
كما نقل الستاذ محب هذا النص أيضًا من تنقيح المقال في تعليقه على مختصر التحفة وعقب
على ذلك بقوله" :وهكذا اخترع شيطان الطاق أكذوبة المامة ،التي صارت من أصول الديانة
عند الشيعة ،واتهم المام عليًا زين العابدين بن الحسين بأنه كتم أساس الدين حتى عن ابنه الذي
هو من صفوة آل محمد ،كما اتهم المام زيدًا بأنه لم يبلغ درجة أخس الروافض في قابليته
لليمان بإمامة أبيه ..والشيعة هم الذين يروون هذا الخبر في أوثق المصادر عندهم ويعلنون فيه
أن شيطان الطاق يزعم بوقاحته أنه يعرف عن والد المام زيد ما ل يعرفه المام زيد من والده
مما يتعلق بأصل من أصول الدين عندهم.
وليس هذا بكثير على شيطان الطاق الذي روى عنه الجاحظ في كتابه عن المامة :أن ال لم
(الهامش) ،وقد يقل{ :ثَا ِنيَ ا ْث َنيْنِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ} [انظر :مختصر التحفة الثني عشرية ص 196-195
مرّ نقل ما رواه الجاحظ عن شيطان الطاق بتمامه في هذا الكتاب :ص(.].)206
وتذكر كتب الشيعة أنه بلغ جعفرًا ما يقوله شيطان الطاق ،وما يجادل به في أمر المامة
فقال" :لو شاء ظريف من مخاصميه أن يخصمه فعل؟ قلت (القائل هو الراوي) :كيف ذاك؟
فقال :يقول :أخبرني عن كلمك هذا من كلم إمامك؟ فإن قال :نعم ،كذب علينا ،وإن قال :ل،
قال له :كيف تتكلم بكلم لم يتكلم به إمامك ،ثم قال (أي جعفر الصادق) :إنهم يتكلمون بكلم
إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضللة ،وإن برئت منه شق علي ،نحن قليل وعدونا
كثير ،قلت (أي الراوي) :جعلت فداك فأبلغه عنك ذلك؟ قال :أما إنهم قد دخلوا في أمر ما
يمنعهم عن الرجوع عنه إل الحميّة ،قال :فأبلغت أبا جعفر الحول ذاك فقال :صدق بأبي وأمي
ما يمنعني من الرجوع عنه إل الحمية" [رجال الكشي :ص .].191-190
419
ولقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم [مضى التعريف به( ].المتوفى سنة
)179بل يرى القاضي عبد الجبار الهمداني أن الذي ادعى النص ،وجرأ الناس على شتم أبي
بكر وعمر وعثمان والمهاجرين والنصار هشام بن الحكم وهو ابتدأه ووضعه ،وما ادعى هذا
[تثبيت دلئل النبوة ،1/225 :ولعل القاضي يريد النص على أناس بأعيانهم من أهل البيت ،إذ إن النص أحد قبله
النص على علي وحده ،قد سبقه إليه "ابن سبأ".].
وفي رجال الكشي ما يفيد أن مؤامرة هشام بن الحكم في مسألة المامة وصل خبرها إلى
هارون الرشيد ،حيث قال له يحيى بن خالد البرمكي" :يا أمير المؤمنين ،إني قد استنبطت أمر
هشام فإذا هو يزعم أن ل في أرضه إمامًا غيرك مفروض الطاعة ،قال :سبحانه ال! قال :نعم،
ويزعم أن لو أمره بالخروج لخرج" [رجال الكشي :ص ..].258فيظهر أن هارون – كما يدل عليه
هذا النص – فوجئ بهذه المقالة مما يدل على جدتها.
وقد أشاع هشام بن الحكم أن ما يقول به في المامة إنما هو عن أمر موسى الكاظم ،فأساء
إليه أبلغ الساءة حتى سجنه المهدي العباسي ثم أخرجه "وأخذ عليه العهد أن ل يخرج عليه ول
[ابن كثير /البداية والنهاية: على أحد من أولده ،فقال :وال ما هذا من شأني ول حدثت فيه نفسي"
.].10/183
وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى أن موسى الكاظم – رحمه ال – متهم بالتطلع للملك،
ولذلك سجنه المهدي ثم الرشيد [منهاج السنة.].2/155 :
ويبدو أن الذي يعمل على ترويج هذه الشاعة في الخفاء ضده هو هشام بن الحكم ومن لف
لفه ..ولذلك أقرت روايات الشيعة بأن سبب سجن موسى هو هشام بسبب ما ينسبه له من
أقوال ،وما يشيعه عنه من افتراءات تدور حول المامة وأحقيته بها ..ولذلك لما بلغ هارون
شيء من ذلك عن هشام قال لعامله" :شد يدك بهذا وأصحابه ،وبعث إلى أبي الحسن موسى
عليه السلم فحبسه ،فكان هذا سبب حبسه مع غيره من السباب" [رجال الكشي :ص .].262
[لن الشيعة تزعم أنه واتهمت نصوص الشيعة هشامًا بأنه هو الذي شارك في قتل موسى الكاظم
[رجال قتل مسمومًا في سجن الرشيد ].فقالت" :هشام بن الحكم ..ضال مضل شرك في دم أبي الحسن"
الكشي :ص .].268
وقد طلب منه أبو الحسن – كما تقول روايتهم – أن يكف عن الكلم ،ولكنه أمسك عن الكلم
شهرًا ثم عاد ،فقال له أبو الحسن" :أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال :ل ،قال :وكيف
تشرك في دمي ،فإن سكت وإل فهو الذبح؟ فما سكت حتى كان من أمره ما كان (صلى ال
عليه)" [رجال الكشي :ص .].279 ،271-270
420
ولذلك قال أبو الحسن الرضا – كما تروي كتب الشيعة ..." :-هشام بن الحكم فهو الذي
[رجال الكشي :ص صنع بأبي الحسن ما صنع وقال لهم وأخبرهم ،أترى ال يغفر له ما ركب منا"
.].278
وكشفت كتب الشيعة بأن هشامًا قد تربى في أحضان بعض الزنادقة ،ففي رجال الكشي "..
[رجال الكشي :ص .278وهو :أبو شاكر الديصاني وهشام من غلمان أبي شاكر ،وأبو شاكر زنديق"
صاحب الديصانية ،مر التعريف بها ص ،205:وهو الذي ساهم في إضلل هشام بن الحكم (انظر :الرافعي /تحت
راية القرآن :ص ،].)176ومع ذلك فإن أحد آيات الشيعة في هذا العصر يقول عن هشام صاحب
كل هذه البليا التي تنقلها أوثق كتب الشيعة في الرجال يقول عنه" :لم يعثر أحد من سلفنا على
شيء مما نسبه الخصم إليه[ "..عبد الحسين الموسوي /المراجعات :ص ].313وما أدري هل يخفى
عليه المر؟ أو ينكر تقية؛ لنه يظن أن الناس ل علم لهم بما فيه كتبهم.
فإذًا هشام بن الحكم ،وشيطان الطاق وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير
المؤمنين عليّ ثم عمومها على آخرين من سللة أهل البيت ،واستغلوا بعض ما جرى على أهل
البيت ،كمقتل علي والحسين ،في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم ،والدخول إلى قلوبهم لتحقيق
أغراضهم ضد الدولة السلمية في ظل هذا الستار.
[انظر :بحار النوار].100/259 : ويبدو أن عقيدة حصر المامة بأناس معينين سرت في الكوفة
بسعي مجموعة من أتباع هشام والشيطان ،وكان بعض من تعرض عليه هذه الدعوة في
المجتمع السلمي ،يذهب إلى جعفر يسأله عن حقيقة المر ،فيروي الكشي بسنده عن سعيد
العرج .قال :كنا عند أبي عبد ال رضي ال عنه فاستأذن له رجلن ،فأذن لهما ،فقال أحدهما:
أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال :ما أعرف ذلك فينا ،قال :بالكوفة قوم يزعمون أن فيكم إمامًا
مفترض الطاعة ،وهم ل يكذبون أصحاب ورع واجتهاد ..منهم عبد ال بن يعفور وفلن
[ل يخفى ما في وفلن ،فقال أبو عبد ال رضي ال عنه :ما أمرتهم بذلك ،ول قلت لهم أن يقولوه
هذه الكلمة من تلميح إلى أن إنكار جعفر كان على سبيل التقية ،].قال :فما ذنبي! واحمر وجهه وغضب
غضبًا شديدًا ،قال :فلما رأيا الغضب في وجهه قاما فخرجا ،قال :أتعرفون الرجلين؟ قلنا :نعم
هما رجلن من الزيدية [رجال الكشي :ص .].427
إذن فكرة حصر الئمة بعدد معي قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن يدعي الصلة
بأهل البيت أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم.
ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الئمة ،قال في مختصر التحفة" :اعلم
أن المامية قائلون بانحصار الئمة ،ولكنهم مختلفون في مقدارهم ،فقال بعضهم :خمسة،
421
[مختصر التحفة: وبعضهم :سبعة ،وبعضهم :ثمانية ،وبعضهم :اثنا عشر ،وبعضهم :ثلث عشر"
ص .].193وأقوالهم في هذا كثيرة وأظن أنني لو قمت بنقل اتجاهاتهم في ذلك من خلل كتب
الفرق لقطع القارئ القراءة من الملل لكثرة خلفهم الذي يمضي على وتيرة واحدة ،إذ بعد وفاة
كل إمام من أهل البيت تنشأ بعده فرق ..منهم من يتوقف عليه ويجعل عدد الئمة ينتهي به،
ومنهم من يذهب يلتمس رجلً آخر من أهل البيت يتخذه إمامًا ،ويكتسب من خلل ذلك ،ويحقق
ما في نفسه من موروثات دينية سابقة ،أو تطلعات عرقية وشعوبية ،وينفذ من وراء ذلك أحقاده
ومطامعه..
وبحسب القارئ أن يطلع على كتب الفرق ليجد ذلك ..بل إن كتب الفرق عند الشيعة نقلت
صورة هذا التباين والتناقض سواء كانت من كتب السماعيلية كمسائل المامة للناشئ الكبر،
أو الزينة لبي حاتم الرازي ،أو من كتب الثني عشرية مثل :المقالت والفرق للشعري القمي،
وفرق الشيعة للنوبختي ،أو من كتب الزيدية كالمنية والمل للمرتضى.
وقضية المامة عندهم ليس بالمر الفرعي الذي يكون فيه الخلف أمرًا عاديًا ،بل هي أساس
الدين وأصله المتين ،ول دين لمن لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم بعضًا ،بل إن أتباع
[ولذلك كانوا يشتكون من ذلك (انظر :رجال المام الواحد يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا
الكشي :ص ،)4499-498وانظر :ص( )747من هذه الرسالة.].
أما الثنا عشرية فقد استقر قولهم – فيما بعد – بحصر المامة في اثني عشر إمامًا ،و"لم
يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر
ي رضي ال عنهم من يقول بإمامة الثني عشر[ "..منهاج السنة ].2/111 :وإنما
وعثمان وعل ّ
عرف العتقاد باثني عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري كما سبق [مضى ص(.].)103
وتجد في بعض الروايات عند الثني عشرية ملمح من الحيرة والتردد في عدد الئمة ،مما
يدل على أن تلك الروايات موضوعة قبل وفاة الحسن العسكري ،وأنه قبل ذلك لم تعرف عقيدة
اليمان بالثني عشر الذين تنتسب إليهم الثنا عشرية ،أو أنها موضوعة قبل تحدد هذه العقيدة
عند الجعفرية ،ول شك أن تلك الروايات نقد واضح للتجاه الثني عشري.
فقد جاء في روايات الكافي أن عليًا يسر بالولية إلى من شاء [مضى ذكر النص ص(.].)658
وقال شارح الكافي :إلى من شاء من الئمة المعصومين [المازندراني /شرح جامع ،].9/123 :ول
تحدد هذه الرواية العدد ،ول تعين الشخص ،فكأن المر غير مستقر في تلك الفترة التي وضع
[رجال الكشي :ص فيها الخبر ،بينما تجد روايات عندهم تجعل الئمة سبعة وتقول" :سابعنا قائمنا"
.].373وهذا ما استقر عليه المر عند السماعيلية.
422
ولكن لما زاد عدد الئمة أكثر عند الموسوية أو القطعية والتي سميت بالثني عشرية صار
هذا النص النف الذكر مبعث شك في عقيدة المامة لدى أتباع هذه الطائفة وحاول مؤسسو
المذهب التخلص منه ،ونفي شك التباع بالرواية التالية" :عن داود الرقي قال :قلت لبي الحسن
الرضا رضي ال عنه :جعلت فداك إنه وال ما يلج في صدري من أمرك شيء إل حديثًا سمعته
من ذريح يرويه عن أبي جعفر رضي ال عنه .قال لي :وما هو؟ قال :سمعته يقول :سابعنا
قائمنا إن ال .قال :صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر رضي ال عنه ،فازددت وال شكًا،
ثم قال :يا داود بن أبي خالد ،أما وال لول أن موسى قال للعالم :ستجدني إن شاء ال صابرًا ما
سأله عن شيء ،وكذلك أبو جعفر عليه السلم لول أن قال :إن شاء ال لكان كما قال ،قال:
فقطعت عليه" [رجال الكشي :ص .].374-373
فكأنهم يجعلون هذا من باب البداء وتغير المشيئة والذي هو من عقائدهم – كما سيأتي –
لنهم يجدون به وسيلة للتخلص من أمثال هذه القوال.
ولقد كان أول كتاب ظهر للشيعة وهو كتاب سليم بن قيس قرر أن عدد الئمة ثلثة عشر،
وكان هذا من أسباب القدح فيه عند طائفة من شيوخ الثني عشرية.
كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأن الئمة
ثلثة عشر .فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
إني واثني عشر إمامًا من ولدي وأنت يا علي زرّ الرض – يعني أوتادها وجبالها – بنا أوتد
ال الرض أن تسيخ بأهلها ،فإذا ذهب الثنا عشر من ولدي ساخت الرض بأهلها ولم ينظروا
[أصول الكافي.].1/534 :
فهذا النص أفاد أن أئمتهم – بدون علي – اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلثة عشر .وهذا
ينسف بنيان الثني عشرية ..ولهذا يظهر أن شيخهم الطوسي في الغيبة تصرف في النص
وغير فيه فأورده بهذا اللفظ" :إني وأحد عشر من ولدي" [الغيبة :ص .].92
كذلك روت كتب الشيعة الثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر قال" :دخلت على فاطمة
وبين يديها لوح فيه أسماء الوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم ،ثلثة منهم
[أصول الكافي ،1/532 :ابن بابويه /إكمال الدين :ص ،264المفيد /الرشاد :ص محمد وثلثة منهم علي"
،393الطوسي /الغيبة :ص .].92
فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلهم من أولد فاطمة ،فإذن علي ليس من أئمتهم لنه
زوج فاطمة ل ولدها ،أو يكون مجموع أئمتهم ثلثة عشر.
423
ومما يدل أيضًا على أنهم لم يعتبروا عليًا من أئمتهم قوله :ثلثة منهم علي ،فإن المسمى
بعلي من الئمة عند الثني عشرية أربعة :أمير المؤمنين علي ،وعلي بن الحسين ،وعلي
الرضا ،وعلي الهادي.
ولذلك فإن ابن بابويه غير في النص فيما يبدو – في كتابه الخصال – حيث جاء النص عنده
بدون لفظة "من ولدها" ،ولكن لم يفطن لباقي النص وهو قوله" :ثلثة منهم علي" فأثبته كما جاء
في المصادر الثني عشرية الخرى [انظر :ابن بابويه /الخصال :ص ].478-477؛ ولكنه في كتابه
[انظر :ابن بابويه/ عيون أخبار الرضا غير النص في الموضعين بما يتفق ومذهبه أو غيّره غيره
عيون أخبار الرضا.].2/52 :
ومن العجب أن بعض شيوخهم حكم بوضع كتاب سليم بن قيس لنه اشتمل على أن الئمة
ثلثة عشر ولم يحكم بمثل ذلك على الكافي الذي ورد فيه مثل ذلك ،والمصادر الخرى التي
شاركته في هذا التجاه.
والقول بأن الئمة ثلثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به ،ولعل تلك النصوص من
آثارها ،وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في رده على من خالف التجاه الثني عشري ،الذي ينتمي
[حيث ذكر بأن هبة ال "كان إليه [الغيبة :ص ،].137وكذلك النجاشي في ترجمة هبة ال أحمد بن محمد
يتعاطى الكلم ،ويحضر مجلس أبي الحسين ابن الشيبة العلوي الزيدي المذهب ،فعمل له كتابًا ،وذكر أن الئمة ثلثة
عشر مع زيد بن علي بن الحسين ،واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهللي :إن الئمة اثنا عشر من ولد أمير
المؤمنين" (رجال النجاشي :ص .].)343
وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها على الحق ،وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر ،وتبطل
ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الخرى ،وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر
إحدى فرقهم لم يقع الختلف قط بينهم ...فإن هذه مزاعم افتروها على أهل البيت على وفق
مصلحة الوقت ،فكل طائفة تقرر إمامًا تدعو إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف
والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها ،ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بل دليل،
[الصافات، علَى آثَارِهِ ْم ُي ْهرَعُونَ}
وسقطوا في ورطة الضللِ{ ،إ ّنهُمْ َألْ َفوْا آبَاءهُ ْم ضَالّينََ ،ف ُهمْ َ
آية[ ].70-69 :مختصر التحفة :ص .].200
نقد حصرهم الئمة بعدد معين:
[النساء، قال ال تعالى{ :يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ أَطِيعُواْ الّلهَ وَأَطِيعُواْ ال ّرسُولَ وَُأوْلِي ا َلمْ ِر مِنكُمْ}
آية .].59 :ولم يحصر سبحانه أولي المر بعدد معين وهذا واضح جلي.
424
وأمر تعيين الئمة من أعظم أمور الدين عندهم ،وهو صنو النبوة أو أعظم ..فكيف ل يبين
ال ذلك في كتابه ،ويذكر الئمة بأسمائهم وأعيانهم؟
ل يوجد لئمتهم ذكر في كتاب ال ،وليس هناك نص صحيح متواتر في تعيين أئمتهم ..ولو
وجد لما تخبط الشيعة وتاهوا في أمر تعيين المام كما حكت ذلك كتب المقالت؛ فإن النبي
صلى ال عليه وسلم في الحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقت ولة المور في عدد معين،
ففي الصحيحين عن أبي ذر قال" :إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا حبشيًا
[منهاج السنة النبوية ،2/105 :والحديث المذكور أخرجه البخاري بلفظ :قال النبي صلى ال مجدع الطراف"
عليه وسلم لبي ذر" :اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة" (صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب الذان ،باب
باللفظ الذي ذكره
إمامة المفتون والمبتدع ،ج 2ص ،188ح ،)696وأخرجه مسلم بإسناده إلى أبي ذؤءصر 23
شيخ السلم( .صحيح مسلم /كتاب المارة ،باب وجوب طاعة المراء في غير معصية ،1468 ،2/1467 :ح
.].)1837
أما كتب الشيعة الثني عشرية فهي طافحة بالروايات التي تحدد الئمة باثني عشر،
والملحظ أن هذه الروايات كانت موضع التداول السري ،وكان الئمة يكذبون رواتها ،مما يثير
الشكوك في صدقها ،ل سيما وكتاب ال سبحانه – والذي أمر الئمة بالرجوع إليه في الحكم
على ما ينسب إليهم من أقوال – ل شاهد فيه لهذه الروايات إل عن طريق التأويلت الباطنية،
والروايات الموضوعة ،فيصبح عمدتهم في النهاية هذه الروايات ..التي تؤكد الشواهد كذبها،
كما أن الوائل الذين جمعوا هذه الروايات وهم :الصفار وإبراهيم القمي والكليني هم من الغلة
الذين يجب اعتبارهم خارج الصف السلمي لنقلهم أساطير نقص القرآن وتحريفه ،فهم بهذا
غير مأمونين وكتبهم غير موثوقة.
وكتاب النّ هج الذي هو أ صح كتاب ع ند الشي عة ل ذ كر ف يه للئمّة الث ني ع شر بأ سمائهم
وأعيانهم؛ بل جاء فيه ما ينقض مبدأ حصر الئمّة ،حيث قال صاحب نهج البلغة .." :إنّه ل بدّ
للنّاس من أمير برّ أو فاجر ..يقاتل به العدو ،وتأمن ال سّبل ،ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى
يستريح بر ،ويستراح من فاجر" [نهج البلغة :ص .].82
فلم يحدد الئ مة بعدد معيـن .فأيـن تذ هب الشيعـة ،وهـي تز عم أنهـا ت صدق ب كل حرف في
النهج؟!
كمـا أن اختلف أقوال فرق الشيعـة فـي هذا المـر ،وتبايـن مذاهبهـم فـي تحديـد عدد الئمـة
وأعيان هم يك شف حقي قة هذه الدعوى ،إذ كل طائ فة تد حض مزا عم الخرى وتكذب ها ،وك فى ال
425
ل – ما كت به أ بو حا تم الرازي في التشك يك بإما مة أئ مة الث ني عشر ية ب عد جع فر
[ان ظر – مث ً المؤمن ين القتال
الصادق في كتاب "الزينة" ص( ،233-232:مخطوط).].
ومسألة حصر الئمة بعدد معين ل يقبلها العقل ومنطق الواقع؛ إذ بعد انتهاء العدد المعين هل
ت ظل ال مة بدون إمام؟ ولذلك فإن ع صر الئ مة الظاهر ين ع ند الث ني عشر ية ل يتعدى قرن ين
ونصف إل قليلً.
وقد اضطر الشّيعة للخروج عن حصر الئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن المام ،واختلف قولهم
في حدود النيابة [انظر :محمد مغنية /الخميني والحكومة السلميّة :ص ..].68وفي هذا العصر اضطرّوا
للخروج نهائيّا عن هذا الصل الذي هو قاعدة دينهم ،فجعلوا رئاسة الدّولة تتمّ عن طريق
النتخاب ..لكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه
الشيعي [انظر :الخميني /الحكومة السلمية :ص .].48
سنّة عن جابر بن
هذا ويحتجّ الثنا عشريّة في أمر تحدي عدد الئمّة بما جاء في كتب ال ّ
سمرة قال" :يكون اثنا عشر أميرًا – فقال كلمة لم أسمعها ،فقال أبي :إنّه قال :كلّهم من قريش"
هذا لفظ البخاري [صحيح البخاري ،كتاب الحكام ،باب الستخلف ،].8/127 :وفي مسلم عن جابر قال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :ل يزال السلم عزيزًا إلى اثني عشر خليفة" ثم
[صحيح مسلم ،كتاب المارة ،باب قال كلمة لم أفهمها .فقلت لبي :ما قال؟ فقال" :كلّهم من قريش"
النّاس تبع لقريش والخلفة في قريش .].2/1453 :وفي لفظ" :ل يزال هذا الدّين عزيزًا منيعًا إلى اثني
عشر خليفة" [صحيح مسلم ،].2/1453 ،وفي لفظ آخر" :ل يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا
عشر رجلً" [صحيح مسلم ،ص ..].1452وعند أبي داود" :ل يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون
عليكم اثنا عشر خليفة ،كلّهم تجتمع عليهم المّة" [سنن أبي داود ،أوّل كتاب المهدي.].4/471 :
وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق السود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال" :وزاد فلما
[سنن أبي داود ،4/472 :وأخرج رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا :ثم يكون ماذا؟ قال :الهرج"
البزار هذه الزيادة من وجه آخر فقال فيها" :ثم رجع إلى منزله فأتيته فقلت :ثم يكون ماذا؟ قال :الهرج"( .ابن حجر/
فتح الباري.].)13/211 :
يتعلق الثنا عشرية بهذا النص ويحتجون به على أهل السنة ،ل ليمانهم بما جاء في كتب
[انظر ممن يحتج بذلك من شيوخهم :ابن بابويه /الخصال :ص ،470الطوسي /الغيبة :ص ،88 أهل السنة
الربلي /كشف الغمة :ص ،57-56البياضي /الصراط المستقيم ،2/100 :شبر /حق اليقين :ص ،338
السماوي /المامة ،1/147 :وغيرهم كثير ،].ولكن للحتجاج عليهم بما يسلمون به.
426
وبالتأمل في النص بكل حيدة وموضوعية نجد أن هؤلء الثني عشر وصفوا بأنّهم يتولّون
الخلفة ،وأن السلم في عهدهم يكون في عزة ومنعة ،وأن الناس تجتمع عليهم ول يزال أمر
الناس ماضيًا وصالحًا في عهدهم.
وكلّ هذه الوصاف ل تنطبق على من تدّعي الثنا عشريّة فيهم المامة ،فلم يتولّ الخلفة
منهم إل أمير المؤمنين علي والحسن مدّة قليلة ،ولم تجتمع في عهدهما المة ،كما لم يقم أمر
المة في مدة أحد من هؤلء الثني عشر – في نظر الشيعة أنفسهم – بل ما زال أمر المة
[منهاج السنة ،4/210 :المنتقى (مختصر منهاج السنة) :ص فاسدًا ..ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون
،533وستأتي أحاديثهم في أن الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ارتدوا إل ثلثة ،وبعد الحسين ارتدوا إل
ثلثة ..إلخ ،].وأن الئمّة أنفسهم كانوا يتستّرون في أمور دينهم بالتّقية [مختصر الصواقع :ص 231
(مخطوط) ،].وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخلفة عهد تقية ،كما صرّح بذلك
شيخهم المفيد [ص 44-43من هذه الرّسالة ].فلم يستطع أن يظهر القرآن ،ول أن يحكم بجملة من
أحكام السلم ،كما صرح بذلك شيخهم الجزائري [انظر :ص 203-202من هذه الرسالة،].
[ص واضطرّ إلى ممالة الصّحابة ومجاراتهم على حساب الدّين ،كما أقرّ بذلك شيخهم المرتضى
421من هذه الرّسالة ..].فالحديث في جانب ومزاعم هؤلء في جانب آخر.
ثم إنه ليس في الحديث حصر للئمة بهذا العدد؛ بل نبوءة منه صلى ال عليه وسلم بأن
السلم ل يزال عزيزًا في عصر هؤلء.
وكان عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية عصر عزة ومنعة ،ولهذا قال شيخ السلم" :إن
السلم وشرائعه في زمن بني أميّة أظهر وأوسع ممّا كان بعدهم ،ثم استشهد بحديث "ل يزال
هذا المر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش" .ثم قال :وهكذا كان ،فكان الخلفاء أبو
بكر وعثمان وعلي ،ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم
عبد الملك وأولده الربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل من النقص ما هو باق
إلى الن" ثم شرح ذلك[ ..منهاج السنة.].4/206 :
ونجد أن الثني عشرية ترى دوام "ولية المنتظر ..إلى آخر الدهر ،وحينئذ فل يبقى زمان
يخلو عندهم من الثني عشر ،وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين :نوع يقوم فيه أمر المة،
ونوع ل يقوم بل هو قائم في الزمان كلها وهو خلف الحديث [منهاج السنة ،].4/210 :وخلف
ما يعتقده هؤلء بأن عصر الثني عشر إلى أن يخرج المنتظر هو عصر تقية من تركها من
الشيعة بمنزلة من ترك الصلة" [انظره بنصه في فصل "التقية".].
427
كما أن المة لم تجتمع عليهم لنهم لم يتولوا حكمًا – ما عدا عليًا والحسن – بل الشيعة
أنفسهم مختلفون في شأنهم وفي أعدادهم وأعيانهم اختلفًا ل يكاد يحصى إل بكلفة ،كما حفلت
بتصوير ذلك كتب الفرق والمقالت.
ثم إنه قال في الحديث" :كلهم من قريش" وهذا يعني أنهم ل يختصون بعلي وأولده "ولو
كانوا مختصين بعلي وأولده لذكر ما يميزون به ،أل ترى أنه لم يقل :كلهم من ولد إسماعيل
ول من العرب ،وإن كانوا كذلك ،لنه قصد القبيلة التي يمتازون بها ،فلو امتازوا بكونهم من
بني هاشم ،أو من قبيل علي لذكروا بذلك ،فلما جعلهم من قريش مطلقًا علم أنهم من قريش ،بل
ل يختصون بقبيلة ،بل بنو تيم وبنو عدي ،وبنو عبد شمس ،وبنو هاشم ،فإن الخلفاء الراشدين
كانوا من هذه القبائل" [منهاج السنة.].4/211 :
فإذن لم يبق من الوصاف التي تنطبق على ما يريدون إل مجرد العدد ،والعدد ل يدل على
شيء ..أل ترى أن هذا الرقم وصف به هؤلء الخلفاء الصلحاء كما وصف به أضدادهم ،فقد
[صحيح مسلم ،كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: جاء في صحيح مسلم "في أمتي اثنا عشر منافقًا"
( ،2144-3/2143ح .].)2779
ويبد أن هذا الرقم الذي تدعيه الشيعة الثني عشرية يعود في الصل إلى زعم يهودي قديم
[قال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي :فقد وجدت في كتاب دانيال: ورد في كتاب دانيال
إذا مات المهدي ملك بعده خم سة رجال من ولد ال سبط ال كبر ،ثم خمسة من ولد ال سبط ال صغر ،ثم يوصي آخر هم
بالخلفة لرجل من ولد السبط الكبر ،ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكًا ،كل واحد منهم إمام مهدي( .انظر:
[منهاج السنة: فتح الباري ،].)13/213 :كما أشار شيخ السلم ابن تيمية إلى أن في التوراة مثل ذلك
.].4/210
[الحر العاملي: من أصول الروافض "أنه ل يجوز للرعية اختيار إمام ،بل لبد فيه من النص"
الف صول المه مة في أ صول الئ مة ص ،142وان ظر :ا بن المط هر /ن هج الم سترشدين :ص " .].63فالما مة ل
تكون إل بالنّ صّ" [المظفّر /عقائد الماميّة :ص .].103وأن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على
علي وأولده [الكلي ني /أ صول الكا في :باب ما نص ال ور سوله على الئ مة 1/286 :و ما بعد ها ،].فهم الئمة
إلى أن تقوم الساعة.
و قد رأي نا بدايات هذه العقيدة على أيدي ال سبئية ،والهشام ية والشيطان ية .إل أن شيوخ الشي عة
ادعوا أن هذا المر هو من شرع ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ،وأقوال أئمة أهل البيت.
428
وأخذوا يسـتدلون على ذلك "بنصـوص ينقلونهـا ويؤولونهـا على مقتضـى مذهبهـم ل يعرفهـا
جهابذة السنة ول نقلة الشريعة ،بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلتهم
الفاسدة" [ابن خلدون /المقدمة( 2/527 :تحقيق د .علي عبد الواحد وافي).].
وبالغوا كعادتهم في جمع الروايات وحشد النصوص في ذلك حتى ألف شيخهم ابن المطهر
[إل أ نه لم يبلغ ما ير يد فلم ي صل إلى اللف ين ،ك ما عنون به كتابًا سماه "اللفين في إمامة أمير المؤمنين"
كتابه ،حيث لم يذكر إل ألفًا وثمانيًا وثلثين ،مما يعدها أدلة على مقصوده( .العلمي /مقدمة اللفين :ص .].)10
[الذري عة إلى ت صانيف الشي عة: و قل من مؤل في الشي عة من لم يتكلم عن هذه القض ية وي ستدل ل ها
،].1/320لنها عب دينهم وعماده.
وإذا علمت أن كل هذه الروايات تفرد بنقلها حسب منطق الشيعة آحاد الناس ،بل الواحد وهو
[أصول الكافي ،1/377 :وقد مرّ بنصه علي لنه هو الباب ،ومن ادعى سماعًا من غيره فقد أشرك
ص ،].346ك ما أن ما سوى علي وبض عه ن فر من ال صحابة ثل ثة أو أرب عة أو سبعة ما سوى
هؤلء محكوم عليهم في كتب الشيعة بالردة ،فل تقبل روايتهم ..وتفرد الواحد بالنقل موضع شك
ول سيما والجم الغفير على خلفه ..فاضطروا حينئذ للقول بالعصمة .ولكن العصمة كيف تثبت
بخبر من ادعاها وهو واحد ..فاضطروا حينئذ للقول ببدعة أخرى وهي إثبات المعجزة للئمة،
فصارت قضية المامة ترتكز عندهم على ثلث شعب :النص ،والعصمة ،والمعجزة.
قال شيخهـم المفيـد" :إن المامـة توجـب لصـاحبها عنـد الثنـي عشريـة :العصـمة ،والنـص،
والمعجزة[ "...العيون.].2/127 :
وقد مضى القول بأن المعجزات ل يأتي بها إل النبياء ،وأن الشيعة قالت بها في حق الئمة؛
لنهم أعطتهم معنى النبوة دون اسمها ،وزعمت أنهم هم الحجة على العباد ،وليس لهم في ذلك
ل يَكُو نَ لِلنّا سِ عَلَى
من برهان إل اتباع ما وض عه زناد قة الع صور الماض ية ..قال تعالىِ { :لئَ ّ
سلِ} [النساء ،آية ،].165 :ولم يقل سبحانه :والئمة ،فحجة ال قامت على عباده
ج ٌة بَعْدَ الرّ ُ
اللّ هِ حُ ّ
بالرسل وأيدهم سبحانه باليات.
ول يملك الشي عة في باب معجزات الئ مة إل دعاوى مجردة ل يع جز عن تأليف ها المحتالون
والمتآمرون [انظر :ص 625-624من هذه الرسالة.].
أما مسألة العصمة فلهميتها في المذهب الشيعي ،فقد خصص لها الفصل التالي لهذا الفصل.
429
ثم إن المعجزة على تقد ير ال صدور موقو فة على ال خبر ،وك يف يو ثق ب خبر مرتد ين؟! وكذا
الشأن في العصمة ،ومع ذلك فإن الشيعة تولي مسألة الخبر المتمثل في دعوى النص والوصية
أهمية كبرى ،فهي الحجر الول في بناء المذهب ،والقاعدة الساسية في كيانهم العقدي.
ول شك أن النص على عين من يتولى إمامة المسلمين إلى أن تقوم الساعة غير ممكن ،إل
في ع قل الراف ضة ،و قد انت هى ب هم هذا القول إلى ال ستسلم لو هم كبير ،ح يث اضطروا إلى
القول بحياة واحد من البشر قرونًا مديدة (وهو مهديهم الذي ينتظرونه) فأصبحوا ضحكة المم..
لكنهم يخالفون هذا الصل الواضح ويعتقدون أن بقاء المنتظر كل هذه القرون إنما هو لحاجة
الخلق بل والكون كله إليه ،ولو خلت منه الرض لساخت بأهلها.
وبعد هذا التأصيل لقضية النص ،ل أعتقد أننا بحاجة إلى أن نتتبع النصوص في هذه المسألة؛
لن هذه القض ية انت هت عند هم اليوم إلى اليمان بهذا المنت ظر الذي ل ي سمع له حس ول خبر
ول يرى له ع ين ول أ ثر .ولو كان للناس ف يه حا جة لب قي ر سول ال و هو أف ضل م نه ،ول كن
المة في غنى بقرآنها وسنة نبيها عن كل منتظر موهوم وكتاب مزعوم ،وسيأتي نقض مسألة
الغيبة.
ول كن الشي عة ترى أن القرآن نص على "إمامت هم" ،وكذلك تز عم أن أ مر "ال نص" مت فق عل يه
بين أهل السنة والشيعة ،فهي تريد أن تشرك السنة في "أوهامها" وتخدع بذلك أتباعها ..وما دام
ال مر كذلك فلندرس ما تقد مه ك تب الشي عة في هذا الباب ،و سنختار أقوى أدلت ها في ذلك من
الكتاب والسنة ،ثم نعرج بعد ذلك على أدلتها الخاصة بها.
ونختـم القول بنقـد "مسـألة النـص" مـن الكتاب والسـنة ،والعتبار العقلي ،والمور المعلمـة
والمتفق عليها.
أدلتهم من القرآن:
430
قال شيخ الطائفة – كما يلقبونه – الطوسي" :وأما النص على إمامته من القرآن فأقوى ما يدل
عليه قوله تعالىِ{ :إ ّنمَا وَ ِليّ ُك مُ اللّ هُ َورَ سُوُلهُ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ الّذِي نَ يُقِيمُو نَ ال صّلَةَ َو ُي ْؤتُو نَ الزّكَاةَ
وَهُ مْ رَاكِعُو نَ} [المائدة ،آية[ "].55 :تلخيص الشافي .].2/10 :وقال الطبرسي" :وهذه الية من أوضح
الدلئل على صحة إمامة علي بعد النبي بل فصل" [مجمع البيان.].2/128 :
ويكاد شيوخهـم يتفقون على أن هذا أقوى دليـل عندهـم؛ حيـث يجعلون له الصـدارة فـي مقام
ل :-ا بن المط هر الحلي في منهاج الكرا مة ،ح يث اع تبره البرهان الول
[ان ظر – مث ً ال ستدلل في م صنفاتهم
(ص ،)147:وشبر في حق اليقين ،1/144 :والزنجاني في عقائد المامية الثني عشرية.].82-1/81 :
أ ما ك يف ي ستدلون بهذه ال ية على مبتغا هم؟ فإن هم يقولون" :ات فق المف سرون والمحدثون من
العامة والخاصة أنها نزلت في علي لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصلة بمحضر من
[قوله" :ال صحاح ال ستة" ت سمية غ ير سليمة؛ لن أ هل ال سنة ل ال صحابة و هو مذكور في ال صحاح ال ستة"
يعدون جميع الكتب الستة "صحاحًا" ولذا يسمونها "الكتب الستة" ،ولكن الروافض أصحاب مبالغات ،وليس هذا بكثير
على من يتعمد الكذب على ال ورسوله.].
و"إن ما" للح صر باتفاق أ هل الل غة ،والولي بمع نى الولى بالت صرف المرادف للمام والخلي فة
[شبر /حق اليقين ،1/144 :الزنجاني /عقائد المامية الثني عشرية.].82-1/81 :
فأ نت ترى أن الشي عة تعت مد في ا ستدللها بال ية ب ما روي في سبب نزول ها؛ ل نه ل يس في
نصها ما يدل على مرادها ،فصار استدللهم بالرواية ل بالقرآن ،فهل الرواية ثابتة ،وهل وجه
استدللهم سليم؛ يتبين هذا بالوجوه التالية:
أولً :أن زعم هم بأن أ هل ال سنة أجمعوا على أن ها نزلت في عل يّ هو " من أع ظم الدعاوى
الكاذبة ،بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه ،وأن عليًا لم يتصدق
بخاتمـه فـي الصـلة ،وأجمـع أهـل العلم بالحديـث على أن القصـة المرويـة فـي ذلك مـن الكذب
الموضوع" [منهاج ال سنة .].4/4 :وقوله :إن ها "مذكورة في ال صحاح ال ستة" كذب؛ إذ ل وجود لهذه
[وهو من الكذب الذي ل يستحي الشيعة من إثباته ،والغريب أن هذا الزعم يجري على الرواية في الكتب الستة
ألسنة آياتهم في هذا العصر كشبر ،والزنجاني ،فهل يخفى عليهم أن هذا ل وجود له في الكتب الستة؟!.
و قد توفرت اليوم الفهارس والمعا جم ال تي تك شف الحقي قة را جع :المع جم المفهرس للفاظ الحد يث ،ومفتاح كنوز
السنة ،لفظ "علي بن أبي طالب" ،وراجع الكتب المعنية بجميع الروايات المتعلقة بتف سير اليات و سبب نزولها مثل:
وغيره ،أو المعنية بجمع روايات الكتب الستة كجامع الصول فل تجد لدعواهم أصلً. الدر المنثور106-3/104 :
431
ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية" :وجمهور المة لم تسمع هذا الخبر ول هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة
ل الصحاح ول السنن ول الجوامع ول المعجمات ول شيء من المهات" (منهاج السنة.].)4/5 :
و قد ساق ا بن كث ير الثار التي تروى في أن هذه ال ية نزلت في علي ح ين تصدق بخات مه،
[تفسير ابن وعقب عليها بقوله" :وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها ،جهالة رجالها"
كثير.].77-2/76 :
ثانيا :أن هذا الدليل الذب يستدلون به ينقض مذهب الثني عشرية؛ لنه يقصر الولية على
أمير المؤمنين بصيغة الح صر "إن ما" فيدل على سلب الما مة عن با قي الئ مة ،فإن أجابوا عن
الن قض بأن المراد حصر ال ية في ب عض الوقات ،أع ني وقت إمام ته ل وقت إمامة من بعده،
وافقوا أ هل ال سنة في أن الول ية العا مة كا نت له و قت كو نه إمامًأ ل قبله ،و هو زمان خل فة
الثلثة [انظر :روح المعاني.].6/168 :
ثالثًا :أن ال تعالى ل يث ني على الن سان إل ب ما هو محمود عنده ،إ ما وا جب وإ ما م ستحب،
والتصدق أثناء الصلة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة ،ولو كان مستحبًا لفعله الرسول صلى
ال عليه وسلم ولحض عليه ،ولكرر فعله ،وإن في الصلة لشُغلً ،وإعطاء السائل ل يفوت؛ إذ
يمكن للمتصدق إذا سلم أن يعطيه؛ بل إن الشتغال بإعطاء السائلين يبطل الصلة كما هو رأي
جملة من أهل العلم [انظر :منهاج السنة :ج 1ص ،208ج 4ص .].5
رابعًا :أنـه لو قدر أن هذا مشروع فـي الصـلة لم يختـص بالركوع ،فكيـف يقال :ل ولي إل
الذين يتصدقون في حال الركوع ،فإن قيل :هذه أراد بها التعريف بعلي ،قيل له :أوصاف علي
التي يعرف بها كثيرة ظاهرة ،فكيف يترك تعريفه بالمور المعروفة ويعرف بهذا المر الذي ل
يعرفه إل من سمعه وصدق به؟! وجمهور المة ل تسمع هذا الخبر ول هو في شيء من كتب
المسلمين المعتمدة [منهاج السنة.].4/5 :
خام سًا :وقولهم :إن عليًا أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت الية – مخالف للواقع؛
ذلك أن عليًا رضي ال عنه لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي صلى ال عليه وسلم،
فإنه كان فقيرًا ،وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولً وعلي لم يكن من هؤلء.
كذلك فإن إعطاء الخا تم في الزكاة ل يجزي ع ند كث ير من الفقهاء إل إذا ق يل بوجوب الزكاة
في الحلي ،وقيل إنه يخرج من جنس الحلي ،ومن جوز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلة متعذر،
والقيم تختلف باختلف الحوال [منهاج السنة.].4/5 :
432
سادسًا :ل ما تبين أن الروايات ال تي أولوا بمقتضا ها ال ية باطلة سندًا ومتنًا ،فل متم سك ل هم
حينئذ بالية بوجه سائغ؛ بل إن الية حجة عليهم؛ لنها جاءت بالمر بموالة المؤمنين ،والنهي
[ح تى وإن ث بت أن ل ها سبب نزول خاص (را جع ك تب التف سير في سبب النزول) ،فال عبرة عن موالة الكافر ين
بعموم الل فظ ل بخ صوص ال سبب ،].وليس للرافضة – فيما يظهر من نصوص وتاريخها – من ذلك
نصيب.
وهذا المع نى يدرك بوضوح من سياق اليات؛ إذ ق بل هذه ال ية الكري مة جاء قوله سبحانه:
ضهُمْ َأوْ ِليَاء بَعْضٍ َومَن َي َتوَّلهُم مّنكُمْ
{يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ لَ تَتّخِذُواْ ا ْل َيهُودَ وَالنّصَارَى َأوْ ِليَاء بَ ْع ُ
فَ ِإنّ ُه ِمنْهُ مْ إِنّ اللّ هَ َل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الظّا ِلمِي نَ} [المائدة ،آيـة .].51 :فهذا ن هي صريح عن موالة
اليهود والنصارى بالود والمحبة والنصرة ..ول يراد بذلك باتفاق الجميع الولية بمعنى المارة،
ول يس هذا بوارد أ صلً ،ثم أردف ذلك بذ كر من ت جب موال ته و هو ال ور سوله والمؤمنون،
فواضح من ذلك أن موالة المحبة والنصرة التي نهى عنها في الولى هي بعينها التي أمر بها
المؤمنين في هذه الية بحكم المقابلة كما هو بين جلي من لغة العرب.
قال الرازي" :ل ما ن هى في اليات المتقد مة عن موالة الكفار ،أ مر في هذه ال ية بموالة من
تجب موالته" [تفسير الفخر الرازي.].12/25 :
وقال شيخ السلم ابن تيمية" :إنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفًا عن سلف أن
هذه الية نزلت في النهي عن موالة الكفار ،والمر بموالة المؤمنين" [منهاج السنة.].4/5 :
سابعًا :قولهم" :إن المراد بقولهِ{ :إنّمَا َوِليّكُمُ} المارة – ل يتفق مع قوله سبحانهِ{ :إ ّنمَا وَ ِليّ ُكمُ
ِينـ آ َمنُواْ}؛ فإن ال سـبحانه ل يوصـف بأنـه متول على عباده ،وأنـه أميـر
ّهـ َورَسـُوُلهُ وَالّذ َ
الل ُ
علي هم ،فإ نه خالق هم ورازق هم ورب هم ومليك هم له الخلق وال مر ،ل يقال :إن ال أم ير المؤمن ين
[ بل الر سول صلى ال عل يه و سلم أيضًا ل يقال إ نه ك ما ي سمى المتولي م ثل علي وغيره أم ير المؤمن ين
متول على الناس ،وأنه أمير عليهم ،فإن قدره أجل من هذا ،بل أبو بكر الصديق رضي ال عنه لم يكونوا يسمونه إل
خليفة رسول ال ،وأول من سمي من الخلفاء أمير المؤمنين عمر( .منهاج السنة ،].)4/9 :وأما الولية المخالفة
للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه ،ويرضى عنهم ويرضون عنه ،ومن عادى
[وهذه الولية من رحمته وإحسانه ليست كولية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه .قال له وليًا فقد بارزه بالمحاربة
ن الذّلّ} [ .السراء :آية:
شرِي كٌ فِي الْمُلْ كِ َولَ مْ يَكُن لّ هُ َوِليّ مّ َ
تعالى{ :وَقُ ِل الْحَمْ ُد لِلّ هِ الّذِي لَ ْم يَتّخِذْ َولَدًا َولَم يَكُن لّ هُ َ
.]111
433
فال تعالى لم ي كن له ولي من الذل؛ بل هو القائل{ :مَن كَا نَ ُيرِي ُد الْ ِعزّةَ َفلِلّ هِ الْ ِعزّ ُة جَمِيعًا}[ .فا طر ،آ ية،]10 :
ُمـ
(منهاج السـنة ،].)4/9 :فهذه الوليـة هـي المقصـودة فـي اليـة [منهاج السـنة ،].4/9 :وقوله{ :وَه ْ
رَاكِعُونـَ} أي خاضعون لربهـم منقادون لمره ،والركوع فـي أصـل اللغـة بمعنـى الخضوع ،أي
[انظـر: يقيمون الصـلة ويؤتون الزكاة فـي حال الركوع وهـو الخشوع والخبات والتواضـع ل"
الكشاف للزمخشري ،1/624 :تفسير الرازي.].12/25 :
ثامنًا :إن الفرق بين الولية بالفتح ،والولية بالكسر معروف في اللغة ،فالولية ضد العداوة
وهي المذكورة في هذه النصوص ،ليست هي الولية بالكسر التي هي المارة ،وهؤلء الجهال
يجعلون الولي هو الم ير ول يفرقون ب ين اللفظ ين ،مع أ نه وا ضح "أن الولء بالف تح و هو ضد
[المقدسي /رسالة في العداوة ،والسم منه مولى وولي ،والولية بالكسر والسم منها والي ومتولي"
الرد على الرافضة :ص ،221-220وراجع مختار الصحاح ،مادة "ولي".].
ولهذا قال الفقهاء :إذا اجت مع في الجنازة الوالي والولي فق يل :يقدم الوالي و هو قول أكثر هم،
وقيل :يقدم الولي :فلفظ الولي والولية غير لفظ الوالي [منهاج السنة.].4/8 :
ولو أراد سبحانه الولية التي هي المارة لقال( :إنما يتولى عليكم)..
فتبين أن الية دلت على الموالة المخالفة للمعادة الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض
[منهاج السنة .4/8 :وللمزيد من التفصيل راجع :تفسير الفخر الرازي 12/25 :وما بعدها ،تفسري اللوسي6/167 :
وإذا كانـت هذه أقوى أدلتهـم – كمـا يقوله شيوخهـم – تـبين أنهـم ليسـوا على شيـء؛ ذلك أن
الصل أن يستعمل في هذا المر العظيم – والذي هو عند الشيعة أعظم أمور الدين ،ومنكره في
عداد الكافر ين – صيغة واض حة جل ية ،يفهم ها الناس بمختلف طبقات هم ،يدرك ها العا مي ،ك ما
يدرك ها العالم ،ويفهم ها الل حق ،ك ما يفهم ها الحا ضر ،ويعرف ها البدوي ،ك ما يعرف ها الحضري،
فلما لم يستعمل مثل ذلك في كتاب ال دل على أنه ل نص كما يزعمون ،فليست الية المذكورة
– وغير ها م ما ي ستدلون به – من ألفاظ ال ستخلف المعرو فة في ل غة العرب ،والقرآن نزل
بلسان عربي مبين .فأين يذهب الشيعة بعد هذا؟ إما إلى الكفر بالقرآن وهو كفر بالسلم ،وإما
ترك الغلو والتطرف والتعصب والرجوع إلى الحق ،وهذا هو المطلوب.
هذه أقوى آيـة يسـتدلون بهـا مـن كتاب ال ،ويسـمونها آيـة الوليـة ،ولهـم تعلق بآيات أخرى
[و قد قدّم الدكتور ذكر ها ا بن المط هر الحلي ،وأجاب علي ها ش يخ ال سلم ا بن تيم ية بأجو بة جام عة
434
علي ال سالوس – في ر سالة له بعنوان" :الما مة ع ند الجعفر ية والدلة من القرآن العظ يم" -عرضًا ومناق شة لليات
القرآن ية الكري مة ال تي ي ستدل ب ها المام ية لقول هم بالما مة ،وانت هى من ذلك إلى أن ا ستدللتهم تنب ني على روايات
متصـلة بأسـباب النزول ،وتأويلت انفردوا بهـا ،ولم يصـح شيـء مـن هذا ول ذاك بمـا يمكـن أن يكون دليلً يؤيـد
مذهب هم ،].و من يرا جع ك تب التف سير والحد يث عند هم يل حظ أن هم أجروا القرآن في فلك الول ية
والئمة كما مضى نقل صورة من ذلك وهذا برهان عجزهم وفشلهم.
وقد تبين أن القرآن ليس في ظاهره ما يدل على ما يذهبون إليه من النص على عل يّ أو بقية
الث ني ع شر ،وأن كل ما ي ستدلون به من آيات يحاولون أن ي صرفوا معنا ها إلى ما يريدون
بمقتضـى روايات موضوعـة ،وتأويلت باطلة ..فهـم فـي الحقيقـة ل يسـتدلون بالقرآن ،وإنمـا
يستدلون بالخبار ،فدعواهم أخذ الدلة من القرآن دعوى ل حقيقة لها.
أدلتم من السنة:
أما السنة المطهرة فقد تعلق الشيعة في إثبات النص من طرق أهل السنة بما ورد في فضائل
علي – رضي ال عنه ،-ويلحظ أن باب الفضائل مما كثر فيه الكذب ،ويقال بأن الشيعة هم
الصل فيه.
[شرح نهج البلغة لبن يقول ابن أبي الحديد" :الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة"
أبي الحديد( 2/134 :عن السنة ومكانتها في التشريع :ص .].)76
والفضائل الواردة فـي حـق علي رضـي ال عنـه ليسـت مـن ألفاظ النصـوص والوصـايا
وال ستخلف ،ل في لغة العرب ول في عرف هم ول في شريعة ال سلم ول في عقول العقلء،
إن ما هي فضائل أدخل ها هؤلء في الدعاوى .و قد قام ا بن حزم بح صر الحاد يث الواردة في
فضائل علي فقال :وأما الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى ال عليه وسلم" :أنت
[ونصّ الحديث – كما أخرجه البخاري " :-أنّ رسول منّي بمنزلة هارون من موسى إل أنّه ل نبيّ بعدي"
ال صلى ال عل يه و سلم خرج إلى تبوك ،وا ستخلف عليّ ا ،فقال :أتخلف ني في ال صّبيان والنّ ساء؟ فقال :أل تر ضى أن
تكون منّي بمنزلة هارون من موسـى إل أنّه ل يس نبيّ بعدي" صحيح البخاري – مع الف تح – كتاب المغازي ،باب
(ح ،)4416ورواه مسـلم فـي فضائل الصـّحابة ،باب مـن فضائل علي بـن أبـي طالب: غزوة تبوك8/12 :
( ،2/1870ح ،)2404والتّرمذي :كتاب المناقب( 641-640 /5 :ح ،)3731 ،3730وابن ماجه ،المقدّمة:
( 43-1/42ح ،)115وأحمــد،330 ،185 ،184 ،182 ،179 ،177 ،175 ،174 ،173 ،1/170 :
435
[يقول ا بن حزم في إثبات ذلك: وج 3ص ،338 ،32وج 6ص 369و .]438وهذا ل ح جة فيه للرافضة
ل على من سواه ول استحقاق المامة بعده عليه ال سّلم؛ لنّ هارون لم يل أمر نبيّ إسرائيل
« وهذا ل يوجب له فض ً
بعد موسى عليه السّلم ،وإنّما ولي المر بعد موسى عليه السّلم يوشع بن نون ،فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه
في طلب الخضر عليهما السلم ،كما ولي المر بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه
إلى المدينة.
وإذا لم يكن علي نبيًا كما كان هارون نبيًا ،ول كان هارون خليفة ،بعد موت موسى على بني إسرائيل ،فصح أن
كونه – رضي ال عنه – من رسول ال صلى ال عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط.
وأيضًا فإنمـا قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم هذا القول إذ اسـتخلفه على المدينـة فـي غزوة تبوك ،فقال
المنافقون :استقله (كذا في الصل المحقق من الفصل ،ولعلها استثقله) فخلفه ،فلحق علي برسول ال صلى ال عليه
وسلم فشكى ذلك إليه ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم حينئذ" :أنت مني بمنزلة هارون من موسى" ،يريد عليه
السلم أنه استخلفه على المدينة مختارًا لستخلفه ،ثم قد استخلف عليه السلم قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في
ل على غيره ،ول ولية المر
ل سوى علي رضي ال عنه ،فصح أن هذا الستخلف ل يوجب لعلي فض ً
أسفاره رجا ً
بعده ،كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين"( .الفصل.)160-4/159 :
وتشبيه علي بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى ،وتشبيه عمر بنوح وموسى (كما روى ذلك
(ح ،)3632والحاكم في مستدركه ،22-3/21 :وروى الترمذي في كتاب الجهاد المام أحمد في مسنده1/383 :
طرفًا منه .)4/213فإن هؤلء الربعة أفضل من هارون ،وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين ل بواحد ،فكان هذا
التشبيه أعظم من تشبيه علي ،مع أن استخلف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة ،وهذا التشبيه ليس لهذين فيه
شبيه ،فلم يكن الستخلف من الخصائص ،ول التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص (المنتقى :ص -314
.)315
وانظر في إبطال احتجاج الرافضة بهذا الحديث :شرح النووي على صحيح مسلم ،15/174 :المامة والرد على
و ما بعد ها ،المنت قى ص ،314 ،311 ،213 ،212
الراف ضة ل بي نع يم ص ،222-221:منهاج ال سنة4/87 :
فتـح الباري ،7/74 :المقدسـي /الرد على الرافضـة ص ،208-201مختصـر التحفـة الثنـي عشريـة ص -163
،164السالوس /المامة عند الجعفرية في ضوء السنة ص ،34-33وغيرها.].
وقوله عليـه السـلم" :لعطيـن الرايـة غدًا رجلً يحـب ال ورسـوله ،ويحبـه ال ورسـوله"
[أخرجه البخاري ،كتاب فضائل الصحابة ،باب مناقب علي بن أبي طالب( 7/70 :البخاري مع الفتح) ،ومسلم ،كتاب
فضائل ال صحابة ،باب من فضائل علي بن أ بي طالب ،].1873-2/1871 :وهذه صفة واج بة ل كل م سلم
[أي ل يس هذا الو صف من خ صائص علي؛ بل غيره ي حب ال ور سوله ،ويح به ال ور سوله ،ول كن ف يه وفا ضل
الشهادة لعي نه بذلك ،ك ما ش هد لعيان العشرة بالج نة ،ف هو ل يس من خ صائصه فضلً عن أن يكون ن صًا على إمام ته
وعصمته .والرافضة الذين يقولون :إن الصحابة ارتدوا بعد موته صلى ال عليه وسلم ل يمكنهم الستدلل بهذا؛ لن
الخوارج تقول لهـم :هـو ممـن ارتـد أيضًا ،قال الشعري :أجمعـت الخوارج على كفـر علي( .المقالت،)1/167 :
436
وأ هل ال سنة يبطلون قول الخوارج بأدلة كثيرة لكن ها مشتر كة تدل على إيمان الثل ثة( ..ان ظر :منهاج ال سنة،4/98 :
.].)99
[أخرجه الترمذي ،في كتاب وعهده عليه السلم" :أن عليًا ل يحبه إل مؤمن ول يبغضه إل منافق"
المناقب( 5/643 :ح .)3736وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح .].وقد صح مثل هذا في النصار-
[الحد يث أخر جه م سلم ب سنده عن أ بي ر ضي ال عنهم – أنه ل يبغضهم من يؤمن بال واليوم الخر
هريرة ،أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال" :ل يب غض الن صار ر جل يؤ من بال واليوم ال خر" (كتاب اليمان،
باب الدليل على أن حب النصار وعلي رضي ال عنهم من اليمان وعلماته ،وبغضهم من علمات النفاق :ج 1ص
(ح ،)130وهناك أحاديث في النصار مطابقة للفظ الوارد في علي رضي ال عنه ،منها ما أخرجه الشيخان أن 86
ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال" :الن صار ل يحب هم إل مؤ من ول يبغض هم إل منا فق" البخاري – مع الف تح – كتاب
(ح ،)3784 ،3783وم سلم ،في المو ضع ال سابق (ح منا قب الن صار ،باب حب الن صار من اليمان7/113 :
،)129والترمذي ،كتاب المناقب ،باب فضل النصار وقريش( 5/712 :ح .].)3900
وأمّا "من كنت موله فعليّ موله" [سيأتي تخريجه ،والتعليق عليه ،].فل يصح من طريق الثقات
أصلً.
"وأما سائر الحاديث التي تتعلق بها الرافضة فموضوعة ،يعرف ذلك من له أدنى علم
بالخبار ونقلتها" [الفصل.].4/224 :
وقد نقل هذا النص عن ابن حزم شيخ السلم ابن تيمية وعقب عليه بقوله « :فإن قيل :لم
[راجع :صحيح البخاري – مع الفتح – يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله" :أنت مني وأنا منك"
كتاب الصلح( 304-5/303 :ح ،)2699وكتاب المغازي ،باب عمرة القضاء( 7/499 :ح .].)4251
[وهو في مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال ...« :ولما نزلت هذه اليةَ { :فقُ ْل تَعَالَ ْواْ وحديث المباهلة
نَ ْدعُ َأ ْبنَاءنَا َوَأ ْبنَاءكُمْ} [آل عمران ،آية ]61 :دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال:
"اللهم هؤلء أهلي" ".
(صحيح مسلم ،كتاب فضائل الصحابة ،باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي ال عنه .)2/1871 :وهذا "ل
دللة فيه على المامة ول على الفضلية ..والمباهلة إنما تحصل بالقربين إليه ،وإل فلو باهلها بالبعدين في النسب،
وإن كانوا أفضل عند ال لم يحصل المقصود" (انظر تفصيل الرد على الروافض في احتجاجهم بهذا الحديث في:
[وهو في مسلم منهاج السنة ،36-4/34 :المقدسي /رسالة في الرد على الرافضة ص ].)245-243والكساء
من حديث عائشة – رضي ال عنها – قالت :خرج النبي صلى ال عليه وسلم غداة وعليه مرط (يعني كساء) مرحّل
(هو الموشى المنقوش عليه صور رجال البل) من شعر أسود ،فجاء الحسن بن علي فأدخله .ثم جاء الحسين فدخل
س أَهْ َل الْ َبيْتِ َويُطَ ّهرَكُمْ
معه .ثم جاءت فاطمة فأدخلها .ثم جاء علي فأدخله .ثم قالِ{ :إنّمَا يُرِي ُد اللّهُ ِليُذْ ِهبَ عَنكُ ُم الرّجْ َ
تَطْهِيرًا} [الحزاب ،آية( .]33:صحيح مسلم ،كتاب فضائل الصحابة ،باب فضائل أهل بيت النبي صلى ال عليه
(ح ،)2424وانظر :في الرد على تعلق الرافضة بهذا الحديث :منهاج السنة،25-4/20 : وسلم2/1883 :
437
وانظر :المقدسي ،رسالة في الرد على الرافضة ص ،246مختصر التحفة :ص ].)156-155؟ قيل :مقصود
ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي ل يذكر فيه إل علي ،وأما تلك ففيها ذكر غيره،
فإنه قال لجعفر" :أشبهت خلقي وخلقي" .وقال لزيد" :أنت أخونا ومولنا" ،وحديث المباهلة
والكساء فيهما ذكر علي ،وفاطمة ،وحسن ،وحسين رضي ال عنهم فل يرد هذا على ابن حزم"
[منهاج السنة.].4/86 :
ولكن الرافضة قد توسعوا في هذا الباب ،واختلقوا الروايات ،وزادوا على النصوص
الصحيحة نصوصًا كاذبة ..وقد ذكرت كتب الموضوعات جملة من الروايات التي يستند إليها
الروافض [انظر مثلً :الموضوعات لبن الجوزي 1/338 :وما بعدها ،].قال ابن الجوزي" :فضائله –
يعني عليًا – الصحيحة كثيرة ،غير أن الرافضة لم تقنع ،فوضعت له ما يضع ول يرفع"
[الموضوعات لبن الجوزي..].1/338 :
وتجدهم في كتبهم يحتجون بكثير من الروايات التي يعزونها لكتب أهل السنة من باب الخداع
والكذب إذ ل وجود لها أصلً ،ولذا قال شيخ السلم ابن تيمية" :ورأيت كثيرًا من ذلك المعزو
الذي عزاه أولئك (يعني بهم شيوخ الروافض الذين اطلع على كتبهم) إلى المسند والصحيحين
وغيرهما باطلً ل حقيقة له" [منهاج السنة.].4/27 :
وقد جمع ابن المطهر الحلي جل ما يحتجون به في هذا الباب ،وكشف شيخ السلم ما فيها
[ول سيما في المجلد الخير منه ،وقد قام د .علي السالوس بجمع كل من حق وباطل في "منهاج السنة"
الحاديث المتصلة بالمامة والموجودة في الكتب الستة والموطأ ومسند أحمد ودرسها سندًا ومتنًا ،وانتهى إلى أن
السنة النبوية ل تؤيد ما ذهب إليه الجعفرية في مسألة المامة؛ بل تنقضه بأحاديث صحيحة ثابتة( .انظر :المامة عند
الجعفرية في ضوء السنة).].
لكن للروافض وسائل خفية ماكرة في طريقتهم في الحتجاج من كتب أهل السنة ،لعل أول
من تولى كشفها وشرحها علمة الهند شاه عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الثني عشرية
[انظر :التحفة الثني عشرية ،الورقة 44وما بعدها ،ومختصر التحفة الثني عشرية ص 32وما بعدها ،].وكذلك
فعل شيخ العلماء العلم فريد دهره ووحيد عصره – كما يصفه اللوسي – الشيخ محمد
الشهير بخواجة نصر ال الهندي المكي في كتابه "الصواعق المحرقة" وقد اختصره اللوسي –
رحمه ال – وسماه "السيوف المشرقة" [انظر :السيوف المشرقة ،ومختصر الصواقع المحرقة ،الورقة 50
وما بعدها.].
438
[انظر :نقض والشيخ السويدي – رحمه ال – قد ساهم في ذلك في كتابه "نقض عقائد الشيعة"
عقائد الشيعة ،وهو مخطوط غير مرقم الصفحات وبالعد ينظر الورقة 25وما بعدها ،].وقد أوردت طائفة من
هذه الوسائل في رسالتي "فكرة التقريب" [فكرة التقريب :ص 52وما بعدها ].مما ل حاجة لعادته.
هذا وكما ذكرنا ما يراه الشيعة أنه أقوى أدلتهم من القرآن في إثبات المامة بحسب
مفهومهم ،نذكر أيضًا ما يرونه أقوى أدلتهم من السنة ونبين ما فيه.
عمدة أدلتهم من السنة:
عمدة أدلتهم هو ما يسمونه "حديث الغدير" ،وقد بلغ من اهتمام الروافض بأمره أن ألف أحد
شيوخهم المعاصرين كتابًا من ستة عشر مجلدًا ،يثبت به صحة هذا الحديث وشهرته سماه:
"الغدير في الكتاب والسنة والدب" .فهم يرون أن النبي صلى ال عليه وسلم عندما وصل إلى
[خمّ :واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير ،وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة( .معجم البلدان: غدير خم
].)2/389بعد منصرفه من حجة الوداع بيّن للمسلمين أن وصيته وخليفته من بعده علي بن أبي
ك مِن ّربّكَ َوإِن
طالب؛ حيث أمره ال عز وجل بذلك في قوله{ :يَا َأ ّيهَا ال ّرسُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ
لّ ْم تَفْ َعلْ َفمَا َبلّغْتَ ِرسَا َلتَهُ} [المائدة :آية.].67 :
[بحار النوار-37/108 : وقد أورد شيخهم المجلسي في هذا المعنى ( )105من أحاديثهم
،].253وقال" :إنا ومخالفينا قد روينا عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قام يوم غدير خم وقد
جمع المسلمون فقال :أيها الناس ،ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا :اللهم بلى ،قال صلى
ال عليه وسلم :من كنت موله فعلي موله اللهم وال من واله ،وعاد من عاداه ،وانصر من
نصره ،واخذل من خذله[ "..بحار النوار.].37/225 :
ل – مجمع
[انظر – مث ً وقد أوردت كتب التفسير عندهم هذا الحديث للحتجاج به على إمامة علي
البيان ،153-2/152 :تفسير الصافي ،71-2/51 :البرهان ].491-1/488 :عند قوله سبحانه{ :يَا َأ ّيهَا
ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا أُن ِزلَ إِ َليْكَ }..الية [المائدة ،آية .].67 :وكذلك سائر كتبهم التي تتحدث عن مسألة
[انظر :ابن المطهر /كشف المراد :ص ،395القزويني /الشيعة في عقائدهم :ص ،71الصادقي /علي المامة
والحاكمون :ص ،76-55خليل ياسين /المام علي :ص ،292الزنجاني /عقائد المامية الثني عشرية،1/90 :
الصفهاني /عقيدة الشيعة في المامة :ص .].55
وهم يذكرون هذا الخبر في طليعة الخبار التي يحتجون بها على أهل السنة .قال شيخهم عبد
ال شبر" :ما روى العامة بأسرهم بطرق متواترة وأسانيد متضافرة تنيف على مائة طريق
واتفقوا على صحته واعترفوا بوقوعه وهو حديث الغدير ،ثم ذكر ملخصه بنحو ما ذكرناه آنفًا"
439
[حق اليقين ،1/153 :وقال الصادقي" :إن قصة الغدير لمن أثبت الثار التي يتناقلها الرواة( "..علي والحاكمون :ص
)72وهي "حجة على الحاضر والغائب لئل يكون للناس حجة بعد هذه الحجة البالغة" (علي والحاكمون :ص .].)73
[انظر :منهاج السنة-4/9 : والحديث احتج به ابن المطهر ،وأجاب عليه شيخ السلم جوابًا شافيًا
،87-84 ،16المنتقى :ص ،].468-466 ،425-422كما ناقش المام محمد بن عبد الوهاب
[انظر :رسالة في الرد على الرافضة: شيخهم المفيد في إيراده لهذا الحديث بالصورة التي تراها الشيعة
[انظر :أبو نعيم/ص .].7-6وتعرض لهذا الحديث معظم أهل السنة الذين ردوا على الروافض
المامة والرد على الرافضة :ص ،13المقدسي /رسالة في الرد على الرافضة :ص ،224-221الطفيلي/
المناظرة بين أهل السنة والرافضة :ص ،16-15اللوسي /روح المعاني .].199-6/192 :ونوجز جواب
أهل السنة فيما يلي:
أن الحديث زاد الوضّاعون فيه ،ول يصحّ منه في نظر طائفة من أهل العلم في الحديث إل
[محمّد بن عبد الوهاب /رسالة في الرّد على الرّافضة ص .13والحديثقوله" :من كنت موله فعليّ موله"
أخرجه ابن ماجه .1/43 :وأخرجه الترمذي بسنده عن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :من كنت موله فعلي موله".
قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح الترمذي ،كتاب المناقب ،باب مناقب علي بن أبي طالب( 5/633 :ح
،)3713وابن ماجه بسنده عن البراء بن عازب قال" :أقبلنا مع رسول ال في حجته التي حج ،فنزل في بعض
الطرق فأمر الصلة جامعة" .فأخذ بيد علي فقال" :ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" قالوا :بلى .قال" :ألست أولى
بكل مؤمن من نفسه؟" .قالوا :بلى .قال" :فهذا ولي من أنا موله ،اللهم وال من واله ،اللهم عاد من عاداه" .ابن ماجه:
،1/43المقدمة (ح .)116لكن قال في الزوائد :إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان (أحد رجال سند ابن
ماجه)( ،الزوائد :ص .)69وأخرجه المام أحمد ،1/84قال الشيخ أحمد شاكر :الحديث متنه صحيح ،ورد عن
طرق كثيرة ،وطرقه أو أكثرها في مجمع الزوائد (انظر :المسند2/56 :؛ تحقيق شاكر ،ومجمع الزوائد-9/103 :
،].)109بينما يرى بعض أهل العلم أن الحديث ل يصح منه شيء البتة .قال ابن حزم" :وأما
[ابن حزم /الفصل ،4/224 :وانظر: من كنت موله فعلي موله فل يصح من طريق الثقات أصلً »
ابن تيمية /منهاج السنة ،4/86 :والذهبي /المنتقى (مختصر منهاج السنة) ص .].467ونقل عن البخاري
وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه [منهاج السنة.].4/86 :
قال شيخ السلم" :وأما قوله" :من كنت موله فعلي موله" فليس هو في الصّحاح ،لكن هو
ممّا رواه أهل العلم وتنازع النّاس في صحّته [منهاج السنة .].4/86 :وأمّا قوله" :اللّهمّ وال من
واله وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" فهو كذب باتفاق أهل المعرفة
بالحديث" [منهاج السنة .].4/16 :ثم بين شيخ السلم أن الكذب يعرف من مجرد النظر في متنها،
[فإنه قاتل معه أقوام يوم "صفين" لن قوله" :اللهم انصر من نصره "..خلف الواقع التاريخي الثابت
فما انتصروا ،وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا « :كسعد » الذي فتح العراق لم يقاتل معه ،وكذلك أصحاب معاوية وبني
أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيرًا من بلد الكفار ونصرهم ال( .مجموع فتاوى شيخ السلم ].)4/418 :فل تصح
440
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأما قوله" :اللهم وال من واله وعاد من عاداه" فهو
مخالف لصل السلم ،فإنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على
بعض [مجموع فتاوى شيخ السلم.].4/418 :
قال شيخ السلم ابن تيمية – بعد ذكره لخلف أهل العلم في ثبوت قوله" :من كنت موله
فعلي موله" :-إن لم يكن النبي صلى ال عليه وسلم قاله فل كلم ،فإن قاله فلم يرد به قطعًا
الخلفة بعده؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ،وهذا المر العظيم يجب أن يبلغ بلغًا مبينًا..
والموالة ضد المعاداة .وهذا حكم ثابت لكل مؤمن [وإنما خص بذلك علي لسبب سيأتي بيانه ،].فعلي
رضي ال عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه ،وفي هذا الحديث إثبات إيمان
علي في الباطن ،والشهادة له بأنه يستحق الموالة باطنًا وظاهرًا ،ويرد ما يقوله فيه أعداؤه من
الخوارج والنواصب ،ولكن ليس فيه أنه ليس من المؤمنين مولى غيره ،فكيف ورسول ال صلى
ال عليه وسلم له موال وهم صالحو المؤمنين [منهاج السنة.].4/86 :
[وهي قال الفيروزآبادي صاحب القاموس" :وأما ما يظنه من يظن من الرافضة أن في الية
قوله سبحانهِ{ :إنّمَا َوِليّكُمُ اللّهُ َو َرسُولُهُ }..انظر :استدلل الروافض بها ونقده ص( )678وما بعدها ].أو في
الحديث دللة على أن عليًا – رضي ال عنه – هو الخليفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم فمن
الجهل المقطوع بخطأ صاحبه؛ فإن الولية بالفتح هي ضد العداوة ،والسم منها مولى ووليّ،
والولية بكسر الواو هي المارة ،والسم منها والي ومتولي ..والموالة ضد المعاداة وهي من
ج ْبرِيلُ َوصَا ِلحُ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ
عَليْهِ َفإِنّ الّلهَ ُهوَ َموْلهُ وَ ِ
الطرفين كقوله تعالى{ :وَإِن تَظَا َهرَا َ
ك بِ َأنّ الّل َه َموْلَى الّذِينَ آ َمنُوا وَأَنّ الْكَا ِفرِينَ
ظهِيرٌ} [التحريم ،آية ،].4:وقال{ :ذَِل َ
وَا ْلمَلئِ َك ُة بَعْدَ ذَِلكَ َ
ل َموْلَى َل ُهمْ} [محمد ،آية .].11:وقال تعالى{ :وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بَ ْعضُهُمْ َأوْ ِليَاء بَعْضٍ}
[انظر :المعجم [التوبة ،آية[ "].71 :القضاب المشتهر ،الورقة( .].)13واليات في هذا المعنى كثيرة
المفهرس ،مادة "ولي".].
ويبدو أن الرافضة وجدوا أن الحديث ل يخدم أغراضهم ،فزادوا فيه زيادات فاحشة.
وقد رأى المام محمد بن عبد الوهاب في جملة من الزيادات التي زادها الروافض في هذا
الحديث ما هو كفر بإجماع المسلمين [انظر :رسالة في الرد على الرافضة ص 6وما بعدها ،].ومن يقرأ
زياداتها في ذلك من خلل ما جمعه المجلسي في بحاره يرى من الكفر والضلل ما يستغرق
شرحه الصفحات الطوال ،ويكفي في الحكم بكذبه مجرد النظر إلى متنه.
ومن المعلوم لغة وعقلً وعرفًا ،فضلً عن الشرع أن الستخلف ل يكون بمثل هذه اللفاظ،
لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب – كما يروي البيهقي – حينما قيل له :ألم يقل
441
رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي :من كنت موله فعلي موله؟ فقال :أما وال إن رسول ال
صلى ال عليه وسلم إن كان يعني المرة والسلطان والقيام على الناس بعده لفصح لهم بذلك،
كما أفصح لهم بالصلة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ،ولقال لهم :إن هذا ولي أمركم من
بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فما كان من وراء هذا شيء ،فإن أنصح الناس للمسلمين رسول ال
[البيهقي /العتقاد :ص ،183-182وانظر :تهذيب تاريخ دمشق ،4/169 :أبو حامد صلى ال عليه وسلم
المقدسي /رسالة في الرد على الرافضة :ص .].223-222
والمعنى الذي في الحديث يعمّ كلّ مؤمن ،ولكن خصّ بذلك عليّا – رضي ال عنه – لنّه قد
نقم منه بعض أصحابه ،وأكثروا الشّكاية ضدّه حينما أرسله النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى اليمن
قبل خروجه من المدينة لحجّة الوداع [سيرة ابن هشام ،2/603 :البداية والنّهاية،].105-5/104 :
ولذلك قال البيهقي" :ليس فيه إن صح إسناده نص على ولية علي بعده فقد ذكرنا من طرقه في
كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى ال عليه وسلم من ذلك ،وهو أنه لما بعثه إلى
اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه ،فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يذكر اختصاصه
به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالته وترك معاداته فقال :من كنت وليه فعلي وليه،
وفي بعض الروايات :من كنت موله فعلي موله ،والمراد به ولء السلم ومودته .وعلى
[العتقاد :ص ،181ونشير في ختام القول المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا ول يعادي بعضهم بعضًا"
عن حديث الغدير إلى الملحظات التالية:
أولً :أن قوله سبحانه{ :يَا َأيّهَا ال ّرسُو ُل َبلّغْ مَا أُنزِ َل ِإلَ ْيكَ مِن ّربّكَ} [المائدة ،آية ]67:نزلت قبل حجّة بمدّة طويلة،
ويوم الغدير إنّما كان ثمان عشر ذي الحجّة بعد رجوعه من الحجّ ،فقولهم بأنّه حينما نزلت عليه هذه الية خطب
خطبة الغدير هو من وضع من ل يعرف كيف يضع.
ثانيًا :أنّ الذي واه مسلم بأنّه بغدير خم قال" :إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب .وأنا تارك فيكم
ث على كتاب ال ورغّب فيه ،ثم قال:
ثقلين :أوّلهما كتاب ال فيه الهدى والنّور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به" فح ّ
"وأهل بيتي أذكركم ال في أهل بيتي( "..صحيح مسلم كتاب فضائل الصّحابة ،باب من فضائل عليّ بن أبي طالب –
(ح .)2408 رضي ال عنه – 2/1883
قال شيخ السلم ابن تيميّة :وهذا ما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري ،وليس فيه إل الوصيّة باتّباع كتاب ال،
وهذا أمر قد تقدّمت الوصيّة به في حجّة الوداع ،وهو لم يأمر باتّباع العترة ولكن قال" :أذكّركم ال في أهل بيتي"،
وتذكر المة لهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم المر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم ،والمتناع من ظلمهم ،وهذا أمر قد
تقدم بيانه قبل غدير خم ،فعلم أنه لم يكن في الغدير أمر بشرع نزل ل في حق علي ول غيره( .منهاج السنة:
.)4/85
442
وقال الفيروزآبادي :إن قوله" :أذكركم ال في أهل بيتي" ليس مما يختص بعلي – رضي ال عنه – بل هو مشترك
بين جميع أهل البيت :آل علي ،وآل جعفر ،وآل عقيل ،وآل عباس ،وأبعد الناس من قبول هذه الوصية هم الرافضة
فإنهم يعادون جمهور آل البيت ،ويعاونون الكفار على أهل البيت( .القضاب المشتهر ،الورقة .].)13
وبعد أن عرضنا لهم دليل عندهم من كتاب ال ،وأقوى دليل عندهم من سنة رسول ال
صلى ال عليه وسلم ندع استعراض باقي أدلتهم إلى كتب أهل السنة التي تتبعت شبه الروافض
التي يثيرونها من كتب السنة وأتت عليها من القواعد.
ول شك أن التعرف على هذه الشبه والرد عليها أمر ميسور ،إذ يكفي الرجوع إلى منهاج
السنة وما ماثله من كتب أهل السنة ..ولكن استعراضها كلها في بحثنا يستوعب المجلدات ولن
يأتي بجديد ..ولذلك اقتصرنا على أقوى دليل عندهم من الكتاب والسنة.
وسبب آخر في غاية الهمية وهو أن هؤلء الروافض ل يؤمنون أصلً بما جاء عن طريق
أهل السنة ولو كان في غاية الصحة – كما سلف – لكن هم يثيرون هذه الشبهات ليحققوا بها
أمرين – فيما أرى :-
الول :إقناع المتشككين والحائرين من أتباعهم ،وذلك بخداعهم أن هذه العقائد متفق عليها
بين السنة والشيعة ،ولكن أهل السنة يكابرون.
الثاني :إشغال أهل السنة بهذه المسائل والدفاع عنها حتى ل يتمكنوا من الوصول إلى كتب
الروافض المعتمدة في الحديث والرجال والتفسير ودراستها بعين بصيرة ناقدة ..وكشف المر
أمام التباع الجهلة.
ولذلك أقول :إن علماء السنة قدموا جهدًا عظيمًا في مواجهة المر الول ،أما الثاني فإن عدم
توفر كتب الروافض – فيما يظهر – حال بينهم وبين نقدها ،وكشف ما فيها ،إل في العصور
المتأخرة ،حيث بدأ علماء الهند والباكستان السهام في ذلك .والموضوع ل يزال بحاجة إلى
مواصلة هذا الطريق وتضافر الجهود ،بدراسات علمية موضوعية تبين الحقيقة وتكشف الزيف
أمام أولئك المغرورين والمخدوعين.
ونعود الن إلى مسألة النص في كتب الشيعة بعد أن أشرنا إلى أقوى أدلتهم من طريق
السنة.
النص في كتب الشيعة:
أصل قول الرافضة هو دعوى النص [انظر :ابن تيمية /منهاج السنة ..].3/356 :وقد تنوعت
احتجاجاتهم على مسألة النص؛ فهي تارة كتب إلهية تنزل من السماء في النص على علي
[انظر :ص( )586من هذه والئمة ،ولكن هذه الكتب غابت منذ سنة 260ه مع الغائب المنتظر
443
الرسالة ..].وهي أخرى نصوص صريحة في القرآن في النص على الثني عشر ،ولكن هذه
النصوص اختفت من القرآن بفعل الصحابة [انظر :ص( )200وما بعدها من هذه الرسالة ،].وهي ثالثة
نصوص صريحة من الرسول صلى ال عليه وسلم ولكن المة أجمعت على كتمانها ،وكان أول
من أظهر القول بها – كما في رجال الكشي وغيره – ابن سبأ [انظر :ص ( )654من هذه الرسالة.].
وهي تارة رابعة تأويلت باطنية ليات القرآن بالئمة ،ولكن ل يعرف هذه التأويلت إل
الئمة [انظر :ص 149-133من هذه الرسالة.].
ويدعمون ذلك بدعاوى غريبـة فـي الئمـة مـن معجزات خارقـة ،وعصـمة مطلقـة وكتـب
موروثـة ،وعلوم متلقاة عـن الوحـي السـماوي ..وعلمات فـي الئمـة ينفردون بهـا دون سـائر
البشر ...إلخ.
وقد تفرد بنقل دعوى النص في بدايتها ابن سبأ ،ثم عممت هذه الدعوى على آخرين من آل
محمد اختلفت فرق الشيعة في أعدادهم وأعيانهم اختلفًا كبيرًا ،وقد تولى كبرها هشام بن الحكم
وشيطان الطاق كما يقوله طائفة من أهل العلم ،ثم كان استقرار القول باثني عشر إمامًا بعد سنة
(260ه) على يد ثلة ممن ادعوا واخترعوا فكرة المام الغائب ،والنيابة عنه والرتزاق باسمه
كما سيأتي في مسألة الغيبة.
ورواياتهم في النص على الئمة قد استحوذت على حيز كبير من كتبهم المعتمدة في الكافي
والبحار وكتب التفسير ،وعامة كتب شيوخهم كالمفيد وابن بابويه ،والطوسي ،وابن المطهر
وغيرهم.
وما دام قد قام ما يشبه التفاق بين كتب السنة والشيعة على أن الذي تولى كبر فرية النص
هو ابن سبأ ،ونقلت كتب الشيعة أن أحاديث النص كانت موضوع التداول السري بين العناصر
المنتسبة للتشيع [كما سلف ص ( ،].)658ولم تعلن ذلك أمام علماء السلم بما فيهم أئمة أهل
البيت ،وهذا الجو السري مجال واسع للوضع والفتراء.
و قد كا نت بدا ية التدو ين من عنا صر لي ست من ال سلم في ش يء لفترائ ها على كتاب ال
كالصفار وإبراهيم القمي والكليني ،فما دام المر كذلك فهل يثق المسلم بمثل هذه النصوص التي
تكاثرت على مر الزمان؟!
وبعض الشيعة الصوليين قد ل يثقون بكل ما جاء في هذه المدونات ،حتى قال جعفر آل
كاشف الغطا في كتابه "كشف الغطا" والذي تعتمد عليه الشيعة اليوم ،قال :المحمدون الثلثة
444
[مر نقل النص ص ،368وهو يعني بالمحمدين الثلثة أصحاب الكتب كيف يوثق بتحصيل العلم عليهم
الربعة.].
والكتاب الوحيد الذي تطمئن الشيعة إلى كل كلمة فيه هو كتاب نهج البلغة مع أنه لم يجمع
[انظر :ص ( إل في القرن الرابع عن أمير المؤمنين في القرن الول وليس له سند معروف
.].)389فإذا كان هذا هو عمدة كتبه فما حال الكتب الخرى؟ ولذلك قال شيخ السلم ابن
[منهاج تيمية" :ليس أحد من المامية ينقل هذا النص بإسناد متصل فضلً عن أن يكون متواترًا"
السنة.].4/210 :
ومع ذلك إذا أردنا أن نحتكم إلى نهج البلغة نجد فيه ما ينفي دعوى النص ويهدم كل ما
زعموه في هذا الباب ،أو يثبت التناقض ،والتناقض دليل بطلن المذهب.
جاء في نهج البلغة أن أمير المؤمنين عليًا قال – لما أراده الناس على البيعة " :-دعوني
والتمسوا غيري فإنّنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان ل تقوم له القلوب ول تثبت عليه العقول،
وإن تركتموني فإنّي كأحدكم ،ولعليّ أسمعكم وأطوعكم لمن وليّتموه أمركم ،وأنا لكم وزيرًا خير
[نهج البلغة :ص .136وقال المفيد في الرشاد :ومما حفظ العلماء من كلم أمير المؤمنين أنه منّي لكم أميرًا"
قال ..." :أتيتموني فقلتم :بايعنا ،فقلت :ل أفعل ،فقلتم :بلى ،فقلت :ل ،وقبضت يدي فبسطتموها ،ونازعتكم فجذبتموه
– كذا – وتداككتم عليّ تداك البل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت أنكم قاتلي ،وإن بعضكم قاتل بعضًا
ط: لدي فبسطت يدي فبايعتموني( ."...الرشاد :ص 131-130ط :العلمي بيروت ،وص144-143 :
الحيدرية بالنجف) .فهل يقول مثل هذا الكلم من يتطلع للخلفة ،ويطوف بفاطمة على بيوت الصحابة يطالب
بالبيعة ...إلى آخر أساطير الشيعة في هذا الباب؟ وهل يبقى لدعوى النص على المامة وكفر من خالفه بعد هذا القول
مكان؟! إذ هل يخطر بالبال أن يدعو علي الناس إلى الكفر ،ذلك أن من لم يبايع المام المنصوص عليه هو كافر في
قواميس الشيعة ..وعليّ هنا يرفض البيعة؟!].
وهذا النص يدل على أنه لم يكن منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول وإل لما جاز أن
[محمود شكري اللوسي /تعليقات على ردود الشيعة يقول" :دعوني ..إلخ ،ولعلّي ..إلخ ،وأنا لكم ..إلخ"
(مخطوط).].
فكيف يرفض المام المعصوم مبايعته بالمامة في قوله" :دعوني" مع أن ذلك أهم ركن من
أركان الدين؟ وكيف يأمرهم بمبايعة غيره في قوله" :التمسوا غيري" مع أن كتب الشيعة تقول:
ثلثة ل ينظر ال إليهم ول يكلمهم ولهم عذاب أليم" :من بايع إمامًا ليس من عند ال"..؟!
فهل يأمرهم بالكفر بعد اليمان ..أو أن دعاوى الشيعة في هذا الباب ل صلة لها بالمام
عليّ ،وإنما هي دسيسة حاقد ،وصنيعة كافر موتور ..أراد تفرقة المة وبث النزاع والخلف
في صفوفها؟
445
إن ابن المطهر الحلي يقرر بأن من طلب القالة فليس بإمام؛ إذ "لو كان إمامًا لم يجز له
طلب القالة" [ابن المطهر /منهاج الكرامة :ص ].195فكيف بمن يرد بيعته ،ويأمر بمبايعة غيره ..أل
تكون من باب أولى أل يكون عنده نص بإمامته من لدن رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!
وهذا المعنى الذي جاء في النهج يتفق مع ما أثبتته القرائن والحداث التاريخية من أن الخلفاء
الراشدين رضوان ال عليهم ما كانوا يتطلعون لمنصب الخلفة ،ول يستشرفونه ..لن ذلك في
نظرهم أمانة عظيمة ،وتكليف باهظ.
"وقد اتفق أهل السنة والشيعة على أن عليًا لم يدع إلى مبايعته في خلفة أبي بكر وعمر
وعثمان ول بايعه على ذلك أحد" [منهاج السنة ].1/225 :ولكن الشيعة تفسر ذلك بتفسير ل يليق
بمقام أمير المؤمنين؛ إذ "تعتقد أنه كان يريد ذلك ،وتعتقد أنه المام المستحق للمامة دون غيره
ولكن كان عاجزًا عنه" [منهاج السنة ].1/225 :فكان يلوذ بالتقية ،وتخلى عن أعظم أمر من أمور
الدين كما يراها هؤلء ،وهذا ما حدا بطائفة من الشيعة وهي الكاملية إلى تكفيره – رضي ال
عنه – لتخليه عن المطالبة بهذا المر ،وهذا لن من وضع هذا العتقاد ل يقصد نصرة أمير
المؤمنين ومشايعته وإنما يرمي إلى تفرقة المة والكيد لها ..ولهذا كانت النتيجة لمقالته الحكم
بالضلل على جميع المة بما فيهم أمير المؤمنين علي.
ثم قرر أمير المؤمنين – كما يذكر صاحب النهج – في قوله" :ولعليّ أسمعكم وأطوعكم ِلمَن
وليّتموه أمركم" بأنه رضي ال عنه سيكون أكثر سمعًا وطاعة لمن وله المسلمون واختاروه
خليفة ..وهذا ينقض دعوى التّقية في مبايعته لمن سبقه وطاعته لهم رضي ال عنه ،إذ إن من
يتعامل معهم بالتقية ل يكون كأحد المسلمين المبايعين فضلً عن أن يكون أكثرهم سمعًا وطاعة.
وقوله" :لمن وليتموه" يقتضي أن أمر الولية يعود إلى رأي جمهور المسلمين واتفاقهم ،ل
إلى نص مزعوم ،كما ل ينحصر في شخص معلوم.
ثم يدفع أمر مبايعته مرة أخرى وبطريق آخر في قوله" :وأنا لكم وزيرًا خير مني لكم أميرًا"
وهذا أيضًا ينفي ما نسبه الروافض إليه – رضي ال عنه – من التفاخر بالفضائل والتظاهر
بالخوارق والمعجزات ..والطعن في الخلفاء السابقين للحتجاج على أحقيته بالمامة .لذلك
تنسف الوصية من القواعد.
وهو يشير في نص آخر إلى أن قبوله للخلفة ل عن رغبة بها ول تطلع إليها ،ولكنه
استجابة لحمل المسلمين له على ذلك ،ولم يدّع نصّا ول وصيّة فهو يقول" :وال ما كانت لي في
الخلفة رغبة ول في الولية إربة [الربة – بكسر الهمزة :-الغرض والطّلبة] ،ولكنّكم دعوتموني
إليها ،وحملتوني عليها[ "..نهج البلغة :ص .].322
446
ويذكر أن ثبوت خلفته تم بمبايعة المهاجرين والنصار الذين كانت الشورى لهم ،وكان
إجماعهم هو المعتبر في هذا المقام ،ولو كان هؤلء مرتدين كما تصفهم كتب الشيعة لم يجز
اعتبار بيعتهم وإجماعهم ،ولو كان ثمة نص لم يحتج إلى بيعتهم وإجماعهم.
يقول أمير المؤمنين – كما في النهج " :-إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان
على ما بايعوهم عليه (فطرقة بيعته ل تختلف عمّن سبقه) فلم يكن للشّاهد أن يختار ول للغائب
أن َيرُدّ (وهذا يوحي بأن بيعته لم تكن ثابتة من قبل كما يزعم المامية ،وإنما بعد ثبوتها بالبيعة
لم يكن ثمة مجال للرد حينئذ) وإنّما الشّورى للمهاجرين والنصار ،فإن اجتمعوا على رجل
وسمّوه إمامًا كان ذلك رضى (فإجماعهم هو الصل في الختيار ل النص) ،فإن خرج عن
أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ،فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل
المؤمنين وولّه ما تولّى"[ .نهج البلغة :ص ،367-366وقارن ما ذكره المفيد عنه في الرشاد ص 130
ط :العلمي بيروت ،وص 143ط :الحيدريّة النّجف.].
فهذا نص صريح – أيضًا – في عدم وجود نص ،فالشورى – في أمر المامة – هي
للمهاجرين والنصار ،ومن أجمعوا عليه هو المام ،ومن خرج عن ذلك وجب قتاله لتباعه
غير سبيل المؤمنين ،ولو كان هناك نص في المام لم يقل علي رضي ال عنه ذلك.
فهذه النصوص من كتاب نهج البلغة الذي ترى الشيعة أنه من الكلم الذي ل ريب فيه ،ول
يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه فهو من كلم المعصوم على وجه اليقين عندهم .ول
يشك الشيعة في كلمة منه ،وهي تهدم كل ما بنوه من دعاوى حول النص على عليّ والئمة.
وهذا المعنى المروي عن علي في النهج يتفق مع ما جاء عن طريق أهل السنة عن أمير
المؤمنين فيأخذ صفة الجماع عند الفريقين ،فقد روى المام أحمد في مسنده عن وكيع عن
العمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد ال بن سبع قال :سمعت عليّا يقول( :وذكر أنّه سيقتل)
قالوا :فاستخلف علينا ،قال :ل ،ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قالوا :ما تقول لربّك إذا أتيته؟ قال :أقول" :اللّهمّ تركتني فيهما ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت
رقم ( ،)1078وقال أحمد شاكر: فيهم ،فإن شئت أصلحتهم ،وإن شئت أفسدتهم" [مسند أحمد2/242 :
إسناده صحيح ،والحديث في مجمع الزّوائد .9/137 :وقال الهيثمي :رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصّحيح،
ورواه البزّار بإسناد حسن.].
وروى المام أحمد مثله عن أسود بن عامر بن العمش عن سلمة بن كهيل عن عبد ال بن
سبع [المسند 2/340 :رقم( .)1339قال أحمد شاكر :إسناده صحيح .].وفي هذا الباب روايات أخرى
[انظر :الدارقطني /السنن الكبرى ،8/149 :وراجع :البداية والنهاية.].325-7/324 ،251-5/250 :
447
وقد قال العباس لعلي – رضي ال عنهما .." :-فاذهب بنا إليه (يعني إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم) فنسأله فيمن هذا المر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه
بنا[ "..صحيح البخاري /كتاب الستئذان.].7/136 :
وقد كان هذا كما جاء في بعض الروايات "يوم الثنين يوم الوفاة ،فدل على أنه عليه السلم
توفي عن غير وصية في المارة" [ابن كثير /البداية والنهاية.].5/251 :
وقد جاء في صحيح البخاري أنّهم "ذكروا عند عائشة أنّ عليّا – رضي ال عنه وعنها –
صيَ إليه؟! وقد كنت مسندته إلى صدري ،أو قالت :حجري فدعا
كان وصيّا فقالت :متى أُو ِ
[صحيح البخاري /كتاب بالطّست ،فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنّه قد مات فمتى أوصى إليه"
الوصايا ،3/186 :وكتاب المغازي ،5/143ومسلم ،كتاب الوصيّة ،باب ترك الوصيّة ِلمَن ليس له شيء يُوصي
فيه( 2/1257 :ح ،)1636والنّسائي ،كتاب الحباس ،باب هل أوصى النّبيّ صلى ال عليه وسلم،6/240 :
وأحمد.]6/32 :
وقد صح عن ابن عباس أنه صلى ال عليه وسلم لم يوص "أخرجه ابن أبي شيبة من طريق
(ح ،)10988وقد صححه الحافظ ابن حجر (فتح أرقم بن شرحبيل عنه" [مصنف ابن أبي شيبة11/207 :
الباري.].)5/361 :
الستدلل بالمور المعلومة والمتفق عليها في مسألة النص:
إن لدى أهل السنة أدلة ثابتة صحيحة عندهم في أن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينص
على عليّ بالمامة.
وما تنسبه الشيعة من نصوص لهل السنة هي باطلة في أصلها أو في دللتها ،ول حجة فيها
عليهم.
ولدى الشيعة أدلتهم في ثبوت النص سجلوها في كتبهم الخاصة بهم ،وأهل السنة ل يؤمنون
بها ،ويرون أنها وضعت على الئمة من قبل بعض الروافض.
وما في كتب الشيعة من أدلة تنقض ما ادعوه في هذا الباب كما في نهج البلغة وغيره
يلجؤون في ردها إلى التأويل أو دعوى التقية ،فليرجع في الحكم في هذه المسألة التي هي أصل
الصول عند الشيعة إلى المور المعلومة والمتواترة والمتفق عليها "نقدر – كما يقول شيخ
السلم ابن تيمية – أن الخبار المتنازع فيها لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح ،ونترك
الستدلل بها في الطرفين ،ونرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر وما يعلم من العقول
[قال شيخ السلم ابن تيمية" :إن أهل العلم يعلمون والعادات وما دلت عليه النصوص المتفق عليها"
448
بالضطرار أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي ،ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا
العلم" (منهاج السنة )4/14 :ويكفي نقل ما ذكره شيخ السلم في مواضع متفرقة من المنهاج فهي كنز عظيم: ].
أولً :لندع جانب الرّوايات المخ َتلَف فيها ونحتكم إلى كتاب ال سبحانه عن طريق فهمه من
سنّة والشّيعة
خلل اللّغة العربيّة .فال سبحانه أنزل القرآن بلسان عربي مبين ،وقد اتّفق أهل ال ّ
ن اللّغة العربيّة
على حدود العربيّة ،واتّفقوا على ما وضع لمفرداتها من المعاني ،ومعنى هذا أ ّ
يمكن أن تكون المرجع في الحكومة في هذا المر.
فهل نجد في كتاب ال ذِكرًا للئمّة الثني عشر بأسمائهم ،كما ذكر رسول الهدى صلى ال
عليه وسلم باسمه ووصفه؛ لنّ المام عندهم كالنّبي ،ومنكر المام كمنكر النبي أو أعظم.
وهل نجد لمامة الثني عشر ذكرًا صريحًا في كتاب ال كما ذكرت أركان السلم صريحة
واضحة في مواضع متفرقة من كتاب ال من غير حاجة لمعرفة أصلها إلى تأويل باطني أو
روايات موضوعة ،والمامة عندهم أعظم أركان السلم؟!
فكيف ل تذكر ول يشار إليها؟ أليس هذا دليلً على أنّ مزاعم الماميّة في هذا الباب ل أصل
لها؟ وحينئذ لبد من رفض هذه المزاعم لمناقضتها لكتاب ال.
وقد أشار شيخ السلم ابن تيمية في مناقشته لبن المطهر الحلي إلى هذا المنهج فقال" :فإن
تركوا الرواية رأسًا أمكن أن تترك الرواية" [منهاج السنة ،].1/32 :ثم طبق هذا المنهج في
الحتجاج لبطال دعوى الروافض في المامة فقال" :وهب أنا ل نحتج بالحديث فقد قال ال
تعالىِ{ :إ ّنمَا ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ الّذِينَ ِإذَا ُذ ِكرَ الّلهُ وَجَِلتْ ُقلُو ُبهُمْ َوإِذَا تُ ِليَتْ عَ َل ْيهِمْ آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى َر ّبهِ ْم َي َتوَكّلُونَ ،الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَةَ َو ِممّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَُ ،أوْلَـئِكَ هُمُ ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ حَقّا
ّلهُمْ َدرَجَاتٌ عِندَ َر ّبهِمْ َومَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ َكرِيمٌ} [النفال ،آية .].4-2 :فشهد لهؤلء باليمان من غير
ذكر للمامة.
وقال تعالىِ{ :إنّمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ آ َمنُوا بِالّلهِ َو َرسُو ِل ِه ثُمّ لَ ْم َي ْرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِ َأ ْموَا ِلهِمْ
سبِيلِ الّلهِ ُأ ْوَلئِكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ} [الحجرات ،آية ].15 :فجعلهم صادقين في اليمان
سهِمْ فِي َ
وَأَن ُف ِ
من غير ذكر المامة.
وساق شيخ السلم شواهد أخرى من هذا القبيل [انظر :منهاج السنة ،].1/33 :وهي وغيرها
تبين أن إمامة الثني عشر التي تجعلها الثنا عشرية أصل الدين وأساسه ،ليس لها أصل في
كتاب ال سبحانه.
ثانيًا :أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ،فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من
حديثه ،لسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي من الكذب الذي ل أصل له فكيف ل ينقل الحق
449
الذي قد بلغ للناس؟! ولن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه ،فل يجوز
عليهم كتمان ما أمرهم ال بتبليغه [منهاج السنة.].4/14 :
ولو كتم الصّحابة مسألة النّصّ عليه لكتموا فضائل علي ومناقبه ولم ينقلوا منها شيئًا ،وهذا
خلف الواقعَ ،ف ُعلِمَ أنّه لو كان شيء من ذلك لنقل؛ لنّ "النّصّ على الخلفة واقعة عظيمة،
والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جدًا ،فلو حصلت هذه الشهرة لعرفها المخالف والموافق،
[الرازي /أصول وحيث لم يصل خبر هذا النص إلى أحد من الفقهاء والمحدثين علمنا أنه كذب"
الدين :ص ،].137وإنما تفرد بنقله الشيعة "وهم فيه مدعون وفيما نقلوه متهمون ل سيما مع ما
ظهر من كذبهم وفسقهم وبدعتهم وسلوكهم طرق الضللة والبهث بادعاء المحال ومخالفة
العقول ،وسب أصحاب الرسول" [المدي /غاية المرام :ص .].377
والصحابة رضوان ال عليهم نقلوا إلينا ما صدر عنه صلى ال عليه وسلم من قوله وفعله،
وأمره ونهيه ،وأكله وشربه ،وقعوده ،ونومه ،وسائر أحواله عليه الصلة والسلم ،فكيف
يتصور أن ينص النبي صلى ال عليه وسلم على علي بالخلفة ول ينقل ذلك بحال؟!
قال ابن حزم" :وبرهان ضروري وهو أن رسول ال مات وجمهور الصحابة رضوان ال
عليهم ،حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين ،فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة
يذكر فيها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نص عليه.
ومن المحال الممتنع الذي ل يمكن البتة اتّفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم
وال ّنيّات والنساب ..على طيّ عهد عهده رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم ،وما وجدنا قطّ
رواية عن أحد في النّصّ المدّعى إل رواية واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنّى أبا الحمراء
ل يعرف من هو في الخلق [الفصل.]4/161 :
ثالثًا :أن المامة من المفرضات التي تتعلق بها مصالح الناس كلهم ،فإذا قيل فيها :إن النبي
صلى ال عليه وسلم نص على أحد بعينه ،والصحابة غيروا وبدلوا ،أمكن حينئذ لكل ملحد أن
يقول :إن الصلوات الخمس كانت عشرًا وإنما الصحابة كتموها وجعلوها خمسًا بأهوائهم ،وهكذا
إذا ادعى مدع تغيير ما نص عليه النبي صلى ال عليه وسلم أمكن ذلك في جميع الفرائض
[دفع شبه الخوارج والرافضة :الورقة( ويتعدى ذلك إلى أن يحصل الثقة بشيء من أمور الدين أصلً
.].)15
رابعًا :أن قول الروافض بالنص على علي كقول من يزعم النص على العباس ،فإن قالوا:
ليس النص على العباس بصحيح ،قيل :ول النص على عليّ صحيح ،وبإبطالهم النص على
العباس يبطل النص على عليّ ،لن الكل لم يرد به نص صحيح صريح ،وهناك فرق شيعية
450
كثيرة تنازع الروافض في النص على الكثير ممن تدعي إمامته ،حتى ينازعها في إمامها الثاني
عشر عشرون فرقة ،والكل يزعم بطلن نص الخر.
والنص في اللغة مأخوذ من المنصة وهي الظاهر على الفرس لظهوره ،فأين ظهور النص،
ولو كان لذلك أصل لظهر واشتهر ونقل وتداولته اللسنة وشاع بين الخاص والعام ،فإن قالوا:
فقد نص ولكنهم كتموه ،قيل لهم :فقد نص على عمه العباس ولكنهم كتموه ،وأيضًا فإذا أمكن أن
يكتم مثل هذا ول يظهر يسوغ لقائل أن يقول :إن النبي صلى ال عليه وسلم كان له ابن ونص
[دفع عليه وأن الصحابة حسدوه وقتلوه ،وما أشبه هذه الدواعي الفاسدة التي ل يصير إليها عاقل
شبه الخوارج والرافضة :الورقة 14ب.].
خامسًا :أنا رأينا أبا بكر حيث نص على عمر ما اختلف فيه اثنان ،ول وقع في ذلك خفاء،
وكذلك حيث نص عمر على ستة أنفس من قريش ظهر ذلك عنهم ظهورًا ل يسع جحده ،ل
يمكن رده ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل ،ومبادرة الخلق إلى امتثال أمره أكثر،
وتشوف النفوس إلى نقل ما صدر عنه أعظم ،فمن المحال البين أن ينص أبو بكر على واحد
ول يقع خلف فيمن استخلفه ،ول أمكن أحد أن يكتمه ،وكذلك عمر ،بل معاوية حيث نص على
يزيد ،اشتهر ذلك ونقل عنه اشتهارًا ظاهرًا متواترًا ل نزاع فيه ول مراء ،فكيف نقل نص
[دفع شبه الخوارج والرافضة :الورقة معاوية ،وكتم نص رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وما نقله أحد
( 15-14مخطوط) ،].باعتراف الشيعة الذين يقرون بأن مسألة الولية وأحاديثها سر من
أسرارهم؟!
سادسًا :كيف يقبل المهاجرون والنصار والمسلمون جميعًا أمر أبي بكر في عمر حين
استخلفه ،ولم يختلف اثنان على إمامة عمر ،ول يقبلون أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم في
علي ،فهل صار المسلمون أطوع لبي بكر من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!
"كيف يحتمل عقل عاقل ،أو يشتبه على بر أو فاجر – إل من أراد ال فتنته – أن المهاجرين
والنصار وجميع التابعين لهم بإحسان علموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد نص على
علي بن أبي طالب ،وأمرهم أن يوالوه فعصوه وتركوا أمر الرسول صلى ال عليه وسلم،
وأمرهم أبو بكر أن يولوا عمر بن الخطاب فاتبعوه وأطاعوه ،وأمرهم عمر بن الخطاب أن
[أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه /إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط يولوا الستة فلم يخالفوه ولم يعصوه"
غير مرقم الصفحات).].
وكيف يتصور أن يقوم المسلمون بالصلة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغيرها من
فرائض السلم ويتركون فريضة واحدة تحبط عملهم كله وهي بيعة علي ،وأي مصلحة لهم في
451
[أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه /إمامة أبي بكر الصديق (مخطوط مبايعة أبي بكر وترك مبايعة علي؟
غير مرقم الصفحات).].
ستّة الذي
سابعًا :لو كان النّصّ على عليّ صحيحًا لم يجز لعليّ رضي ال عنه أن يدخل مع ال ّ
نصّ عليهم عمر ،وكان يقول :أنا المنصوص عليّ فل حاجة لي إلى الدّخول فيمن نصّ عليه
[دفع شبه الخوارج والرّوافض :الورقة ،15وقد أخرج البخاري في صحيحه قصّة البيعة والتّفاق على عثمان عمر
بن عفّان – رضي ال عنه ( -انظر :البخاري /فضائل الصحاب ،باب قصّة البيعة والتّفاق على عثمان4/204 :
وما بعدها) ،].ولم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان ،ول يجوز أن يظنّ بعليّ – رضي ال
عنه – أنّه أمسك عن ذكر النّصّ عليه خوف الموت ،وهو السد شجاعة ،وقد عرض نفسه
للموت بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مرّات ،ثم يوم الجمل ،وصفّين ،فما الذي جبنه
بين هاتين الحالتين؟ [الفصل ].4/162 :وألجأه إلى التّقية.
وإذا كان منصوصًا عليه بالمامة ،ومفوضًا إليه أمر المة بعد رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فقد قلد أمرًا يجب عليه القيام به ،ومدافعة المبطل عنه بكل وجه ،وإن أهمل ذلك وتركه
من غير سبب ،فقد خالف وحاشاه من ذلك ،ولو كان مغلوبًا عليه فل بد أن يجري سبب يوجب
عذره من أخذ حقه سيما مع التفويض إليه.
ورأينا عثمان بن عفان وهو أضعف عندكم من علي لم يسلمها إلى غير أهلها ،ورضي بحكم
ال وقضائه ،ولم يضيع ما جعل إليه ،ورأينا أبا بكر حيث ارتدت قبائل العرب ،ومنعوا الزكاة
لم يهمل أمر المة ولو أهمله لنهدم السلم ،فقاتلهم ونصره ال عليهم ..وما كان في صحابة
رسول ال صلى ال عليه وسلم من يسكت عن حق رآه [دفع شبه الخوارج والرافضة :الورقة 16أ.].
فكيف ينسب هؤلء الروافض إلى أمير المؤمنين علي الرضى بالباطل ،والجبن والخوف عن
المطالبة بحقه ،حتى ارتد الناس كلهم بسبب تأخره عن إعلن حقه والدعوة إليه ،ولم يبق منهم
إل النزر اليسير – كما يقولون – وهو أسد ال وأسد رسوله؟!
بل لم ينقل أنه دعا إلى نفسه ،وجادل من أجل بيعته ،فضلً عن القتال ،ولو وقع ذلك
لشتهر ،وقد وقعت مناسبات مهمة ،وأحداث خطيرة توجب إظهار النص كحادثة السقيفة،
[قال شيخهم البياضي :إنما عدل عن ذلك النص لوجهين: وحادثة الشورى ،فلم يفعل شيئًا من ذلك
أ ـ لو ذكره فأنكروه حكم بكفرهم حيث أنكروا متواترًا.
ب ـ أنهم قصدوا في الشورى الفضل فاحتج عليهم بما يوجب تقديمه (الصراط المستقيم .)1/299 :فتأمل
جوابه تجد أنه متناقض ،حيث زعم أن عليًا تخلى عن إعلن النص خشية إنكاره ،فيرتد منكره ،مع أنهم يكفرون
الصحابة لنكارهم النص بزعمهم ،ثم هي حجة باردة ساقطة لنها تعني أن أصل الدين وجوهره ل يدعى إليه لئل
ينكر فيكفر منكره.
452
أما اعتذاره من عدم ذكره للنص في حادثة الشورى ،فيكفي إقراره بأنه لم يظه رالنص إذ زعمه بأنه ل موجب
لذكر النص ل يتفق مع العقل والمنطق ،لسيما وأن المر يتعلق بمنصب المامة .وهي أصل الصول عندهم ،].بل
[قال البياضي" :قالوا :طلب علي بيعة إنه دعا أصحابه إلى بيعته كما تقر الرافضة ولم يدّع نصًا
أصحابه دليل على عدم نصه .قلنا :الخلفة حقه فله التوصل إليها بما يمكنه" (الصراط المستقيم.)1/299 :
وهذا إقرار منهم بأن عليًا حين واتته الخلفة بعد عثمان لم يذكر نصًا لصحابه ،ولو كان ثمة نص لظهره ولم
يحتج المر إلى بيعة وانتخاب.
وقوله" :هي حقه فله التوصل إليه بما يمكنه" حجة منقوضة عندهم ،لن القضية تتعلق عندهم بإيمان الناس ،أو
كفرهم ،وهي منصبة كالنبوة أو أعظم وليست حقًا شخصيًا ،لكن الروافض يتحدثون في كل مسألة بما يوجب – في
نظرهم – ردها ،وينسون ما قرروه من قبل.].
وقد ذكر شيخ السلم بأن من الطرق التي نعلم منها بالضطرار أن النبي صلى ال عليه
وسلم لم يبلغ شيئًا من إمامة علي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما مات وطلب بعض النصار
[وهذا يقر به الشيعة .انظر :الصراط المستقيم].1/299 : أن يكون منهم أمير ،ومن المهاجرين أمير
[أخرجه المام أحمد ،4/421 ،3/129 :وأبو فأنكروا ذلك عليه وقالوا :المارة ل تكون إل في قريش
داود الطيالسي ص ( 125ح ،)2133 ،926ورواه المام مسلم بلفظ "الناس تبع لقريش" وفي لفظ آخر "ل يزال
هذا المر في قريش ما بقي من الناس اثنان" (صحيح مسلم ،كتاب المارة( 1452-2/1451 :ح ،1818
.].)1820
وروى الصحابة في متفرقة الحاديث عن النبي صلى ال عليه وسلم أن المامة في قريش،
ولم يرو واحد منهم ل في ذلك المجلس ول غيره ما يدل على إمامة علي ،وبايع المسلمون أبا
بكر ،وكان أكثر بني عبد مناف من بني أمية وبني هاشم وغيرهم لهم ميل قوي إلى علي بن
أبي طالب يختارون وليته ،ولم يذكر أحد منهم هذا النص ،وهكذا جرى المر في عهد عمر
وعثمان ،وفي عهده أيضًا لما صارت له ولية لم يذكر هو ول أحد من أهل بيته ول من
الصحابة المعروفين هذا النص.
ولو كان للنص وجود ما حصل الختلف في عهده ،إذ لم تتفق المة فيه ل عليه ول على
غيره.
وقد جرى تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس فلم يكن في المسلمين من أصحابه فضلً عن
غيرهم من احتج في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهاره ،وقد احتجوا
[أخرجه البخاري ،في كتاب الجهاد والسير ،باببقوله صلى ال عليه وسلم" :تقتل عمارًا الفئة الباغية"
مسح الغبار عن الناس ،3/207 :ومسلم كتاب الفتن ( 3/2235ح ،)2915والترمذي :كتاب المناقب ،باب مناقب
عمار بن ياسر( 5/669 :ح ،)3800وأحمد ،206 ،164 ،2/161 :وج 3ص ،90 ،28 ،22 ،5وج 4ص
،97وج 5ص ،306 ،214ج 6ص ،].315 ،311 ،300 ،289وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو
453
ثلثة ونحوهم ،وليس هذا متواترًا ،والنص عند القائلين به متواتر ،فيا ل العجب كيف ساغ عند
الناس احتجاج شيعة علي بذلك الحديث ،ولم يحتج أحد منهم بالنص [منهاج السنة].15-4/14 :؟!
أما دعوى النص على إمامة الثني عشر ،وأن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على ذلك
فهي أعظم استحالة ،وأوضح بطلنًا ،وأظهر كذبًا ،فلم ينقله إل الثنا عشرية ،وسائر فرق
الشيعة تكذبها وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة.
والنصوص التي ينقلها الثنا عشرية تعارضها نصوص القائلين بإمامة غير الثني عشر من
فرق الشيعة البالغة الكثرة ،فإن كل طائفة تدعي من النص غير ما تدعيه الثنا عشرية.
وهذه الدعوى لم تظهر إل بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم بأكثر من مائتين وخمسين
سنة ،فهو من اختلق متأخري الشيعة ،ومن قبلهم يخالفهم في ذلك.
وأهل السنة وعلماؤهم وهم أضعاف أضعاف الشيعة يعلمون أن هذا كذب على رسول ال
صلى ال عليه وسلم علمًا يقينًا ل يخالطه الريب ،ويباهلون الشيعة على ذلك.
والمنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت يكذب مثل هذا وأنهم لم يكونوا يدعون أنه منصوص
[انظر :منهاج السنة: عليهم بل يكذبون من يقول ذلك ،فضلً عن أن يثبتوا النص على اثني عشر
.].210-4/209
ولو كان المر في المامة على ما يقول هؤلء الروافض َلمَا كان الحسن رضي ال عنه في
سعة من أن يسلّمها إلى معاوية رضي ال عنه ،فيعينه على الضّلل وعلى إبطال الحقّ وهدم
الدّين ،فيكون شريكه في كلّ مظلمة ،ويبطل عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ويوافقه على
ذلك أخوه الحسين رضي ال عنهما ،فما نقض قطّ بيعة معاوية إلى أن مات ،فكيف استحلّ
الحسن والحسين رضي ال عنهما إبطال عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهما طائعين
غير مكرهين؟ مع أنّ الحسن معه أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه.
فتال لول أن الحسن رضي ال عنه علم أنه في سعة من إسلمهم إلى معاوية ،وفي سعة من
أن ل يسلمها لما جمع بين المرين ،فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي سحقه ،وسلمها بعد ذلك
لغير ضرورة ،وذلك له مباح؛ بل هو الفضل بل شك ،لن جده رسول ال صلى ال عليه
وسلم قد خطب بذلك على المنبر وقال" :إن ابني هذا سيد ،ولعل ال أن يصلح به بين طائفتين
[ابن حزم :الفصل ،173-4/172 :والحديث رواه عظيمتين من المسلمين" رويناه من طريق البخاري
البخاري في كتاب الصلح ،باب قول النبي صلى ال عليه وسلم للحسن بن علي رضي ال عنهما" :ابني هذا سيد ولعل
(ح ال أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" ،3/169 :وأبو داود ،كتاب السنة ،باب ما يدل على ترك الفتنة5/48 :
454
(ح ،)3773والنسائي، ،)4662الترمذي ،كتاب المناقب ،باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلم5/658 :
كتاب الجمعة ،باب مخاطبة المام رعيته وهو على المنبر ،3/107 :وأحمد.].51 ،49 ،44 ،38-5/37 :
هذا والبراهين المعلومة الضرورية في هذا الباب كثيرة ،ويكفي بعضها لمعرفة الحق لمن
تجرد عن الهوى والتعصب.
455
وبلغ المر بشيخهم نعمة ال الجزائري أن يعلن انفصال الشيعة عن المسلمين بسبب قضية
المامة فيقول" :لم نجتمع معهم على إله ول نبي ول على إمام ،وذلك أنهم يقولون :إن ربهم هو
الذي كان محمد صلى ال عليه وسلم نبيه ،وخليفته بعده أبو بكر ،ونحن ل نقول بهذا الرب ول
[النوار بذلك النبي ،بل نقول إن الرب الذي خليفته نبيه أبو بكر ليس ربنا ول ذلك النبي نبينا"
النعمانية.].2/279 :
وبعد هذا التكفير العام ،خصصوا باللعن والحكم بالردة جميع فئات المسلمين ما عدا الثني
عشرية فتناول تكفيرهم:
-1الصحابة رضوان ال عليهم ،وعلى رأسهم خير هذه المة بعد خاتم
النبياء أبو بكر وعمر رضي ال عنهما.
-2أهل البيت.
-3خلفاء المسلمين وحكوماتهم.
-4المصار السلمية وأهلها.
-5قضاة المسلمين.
-6أئمة المسلمين وعلمائهم.
-7الفرق السلمية.
-8المة.
وسأذكر عقيدتهم في هذه الفئات تفصيلً فيما يلي:
1ـ الصحابة رضوان ال عليهم:
كتب الشيعة مليئة باللعن والتفكير لمن رضي ال عنهم ورضوا عنه ،من المهاجرين
والنصار ،وأهل بدر ،وبيعة الرضوان ،وسائر الصحابة أجمعين ،ول تستثني منهم إل النزر
اليسير الذي ل يبلغ عدد أصابع اليد ،وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من
المور التي ل تحجب بالتقية.
وإ كانت من قبل قد تخفى على بعض أئمة السلم .فقد جاء في شرح مسلم للنووي بأن
[شرح مسلم للنووي: المامية يقولون بأن الصحابة مخطئون في تقديم غير علي ل كفار
.].15/174
ولكن من أهل العلم وأصحاب المقالت من اطلع على هذا المر عند المامية ،قال القاضي
عبد الجبار" :وأما المامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة الثني عشر النص الجلي ،الذي
456
[شرح الصول الخمسة :ص يكفر من أنكره ،ويجب تكفيره ،فكفروا لذلك صحابة النبي عليه السلم"
.].761
[منهاج وقريب من هذا المعنى قال عبد القاهر البغدادي [الفرق بين الفرق :ص ،].321وابن تيمية
السنة ].4/128 :وغيرهما [انظر :البزدوي /أصول الدين :ص .].248-247
ولكن العدد الذي تستثنيه الرافضة من حكمها العام بالتكفير لم أجد من أشار إليه بما يتفق مع
ما جاء في كتب الثني عشرية ،فيقول عبد القاهر البغدادي" :وأما المامية فقد زعم أكثرهم
[تلحظ أن عبد القاهر ل يعمم هذا المذهب على المامية كلها ،وقد أشار الشعري إلى أنهم اختلفوا في ذلك على
فرقتين( .انظر :مقالت السلميين ].)129-1/128 :أن الصحابة ارتدت بعد النبي صلى ال عليه
وسلم سوى علي وابنيه ومقدار ثلثة عشر منهم".
ويقول شيخ السلم ابن تيمية" :إن الرافضة تقول :إن المهاجرين والنصار كتموا النص،
فكفروا إل نفرًا قليلً ..إما بضعة عشر أو أكثر ،ثم يقولون :إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازال
منافقين .وقد يقولون :بل آمنوا ثم كفروا" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].3/356 :
وستجد أن العدد الذي تستثنيه الثني عشرية أقل مما يذكرون.
هذا ما جاء في كتب أهل السنة وغيرهم حول مذهب الشيعة في الصحابة ،وسنرى فيما يلي
ماذا تقول الشيعة من خلل مصادرها المعتمدة عندها.
تقول كتب الثني عشرية :إن الصحابة بسبب توليتهم لبي بكر قد ارتدوا إل ثلثة ،وتزيد
بعض رواياتهم ثلثة أو أربعة آخرين رجعوا إلى إمامة علي ،ليصبح المجموع سبعة ،ول
يزيدون على ذلك.
ولقد تداولت الشيعة أنباء هذه "السطورة" في المعتمد من كتبها ،فسجلوا ذلك في أول كتاب
ظهر لهم وهو كتاب سليم بن قيس [انظر :كتاب سليم بن قيس :ص ،].75-74ثم تتابعت كتبهم في
تقرير ذلك وإشاعته وعلى رأسها الكافي [الكليني /الكافي ].2/244 :أوثق كتبهم الربعة ،ورجال
الكشي [رجال الكشي :ص ].11 ،9 ،8 ،7 ،6عمدتهم في كتب الرجال ،وغيرها من مصادرهم
كتفسير العياشي [تفسير العياشي ،].1/199 :والبرهان [هاشم البحران /البرهان ،].1/319 :والصافي
[محسن الكاشاني /الصافي ،].1/389 :وتفسير نور الثقلين [الحويزيني /نور الثقلين،].1/396 :
والختصاص [المفيد /الختصاص :ص ،].5-4والسرائر [ابن إدريس /السرائر :ص ،].468وبحار
النوار [بحار النوار.].440 ،352 ،351 ،22/345 :
وليست هذه مجرد آراء لبعض شيوخهم ،ولكنها روايات عن معصوميهم تحمل صفة
"العصمة" والقدسية عندهم.
457
أما السب لذلك الجيل القرآن الفريد ،على ألسنة شيوخهم فهو قد سود معظم كتبهم.
ولو ذهبت أسرد للقارئ ما رأيت من هذا الغثاء لبلغ مجلدات ،وسأكتفي بذكر بعض
النصوص التي فيها التصريح بالتكفير؛ إذ هو يكشف ويغني عما دونه من سب وطعن.
روى ثقتهم الكليني في الكافي" :عن حمران بن أعين قال :قلت لبي جعفر عليه السّلم:
جعلت فداك ،ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال :أل أحدّثك بأعجب من ذلك،
[علّق هنا شيخهم المعاصر "علي أكبر الغفاري" المهاجرون والنصار ذهبوا إل – وأشار بيده – ثلثة"
– فقال" :يعني أشار عليه السّلم بثلث من أصابع يده .والمراد بالثّلثة سلمان وأبو ذرّ والمقداد"( .الكافي2/244 :
الهامش) .فانظر كيف لم تمح هذه المعاني الخرافيّة من عقول هؤلء الشّيوخ على مرّ السّنين ..وسيأتي مزيد بيان في
باب الشّيعة المعاصرين[ ].أصول الكافي ،كتاب اليمان والكفر ،باب قلّة عدد المؤمنين ،2/244 :وانظر :رجال
الكشّي :ص ،7بحار النوار.].22/345 :
فالتكفير – كما ترى – يتناول أفضل صحابة رسول ال وهم المهاجرون والنصار ،ويبين
أن الشيعة في عصر أبي جعفر ل يرون أحدًا من المسلمين على السلم إل قلة شاذة تقول
برأيهم ،وهي ل تشكل بالنسبة إلى مجموع المسلمين شيئًا ،حتى إنها لو اجتمعت على أكل شاة
لما أتت عليها ،وقد شكوا ذلك إلى إمامهم ،فقال لهم معزيًا بأن الشيعة الوائل كانوا ل
يتجاوزون الثلثة والباقي في حكم المرتدين.
وهذا النص قد يبين أن الرافضة إلى عهد أبي جعفر محمد الباقر ،كانوا قلة شاذة بالنسبة
للمسلمين ،وأن دعوتهم لم تجد القبول ،ولم تحظ بالنتشار ،وكانت تعيش في سراديب التقية
والكتمان ،ويعزي رؤساؤها أتباعهم بما يفترونه على أهل البيت من أمثال هذه المفتريات.
ولم تكشف رواية الكافي أسماء الثلثة الذين سلموا من الردة ،حيث قالوا بمذهب الرافضة،
لكن مذهب الرفض لم يظهر أصله إل بعد مقتل عثمان ،فهؤلء ليسوا بصحابة ،ول يبعد أن
يكون هؤلء من السبئيين الذين بدأ النشاط الرافضي على أكتافهم ،ول يستبعد أن هؤلء السبئيين
يتخذون أسماء "مستعارة" وقد تكون أسماء صحابة لهم مكانتهم.
وهذا ما جاء في رجال الكشي " ..عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلم
قال :كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى ال عليه وسلم إل ثلثة ،فقلت :ومن الثلثة؟ فقال:
المقداد بن السود ،وأبو ذر الغفاري ،وسلمان الفارسي ،ثم عرف الناس بعد يسير ،وقال :هؤلء
الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا لبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع"
[رجال الكشي :ص ،6الكافي ،كتاب الروضة( 322-12/321 :مع شرح جامع للمازندراني).].
458
فهذا النص بالضافة إلى تكفيره لصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قد يشير إلى الخلية
الولى لمذهب الرفض وأنها تتقنع بهذه السماء المستعارة .وحتى هؤلء الثلثة الذين تستثنيهم
أخبار الشيعة ،لم يسلموا من شك في "معرفة" المام التي هي أصل اليمان باستثناء واحد منهم،
ولذلك حينما قال أبو جعفر :ارتد الناس إل ثلثة ،أردف قائلً « :إن أردت الذي لم يشك ،ولم
يدخله شيء فالمقداد.
فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين عليه السلم اسم ال العظم
[لببه :جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره (رجال لو تكلم به لخذتهم الرض ،وهو هكذا ،فلبب
[وجأ يوجأ :ضربه باليد والسكين (رجال الكشي –الهامش -ص ].)11 الكشي –الهامش -ص ].)11ووجئت
عنقه حتى تركت كالسلقة [في نسخة أخرى "كالسلعة" .والسلعة :خراج كهيئة الغدة( .المصباح :ص ،].)337
فمر به أمير المؤمنين عليه السلم فقال له :يا أبا عبد ال ،هذا من ذاك ،بايع ،فبايع.
وأما أبو ذر فأمر أمير المؤمنين عليه السلم بالسكوت ،ولم يأخذه في ال لومة لئم ،فأبى إل
أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به" [رجال الكشي :ص ،11بحار النوار – ].22/440 :كذا .-
وهؤلء الثلثة الذين نجوا من الردة ،لم يسلموا أيضًا من قدح الشيعة وعيبهم ،فتذكر أخبارهم
بأن العلقة بين هؤلء الثلثة طيبة في الظاهر ،ولكن لو علم كل واحد منهم بما في قلب الخر
لقتله ،أو ترحم على قاتله؛ لن كلً منهم أجنبي في باطنه واعتقاده عن صاحبه ،ففي رجال
الكشي "قال أمير المؤمنين :يا أبا ذر ،إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت :رحم ال قاتل سلمان"
[رجال الكشي :ص .].15
وعن أبي بصير قال :سمعت أبا عبد ال رضي ال عنه يقول :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :يا سلمان ،لو عرض علمك على مقداد لكفر ،يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر
[رجال الكشي :ص .].11
ولذلك فإن التعامل قائم بينهم (وهم خلص الشيعة في زعم الروافض) على أساس التقية
والكتمان" ،فعن جعفر عن أبيه رضي ال عنه قال :ذكرت التقية يومًا عند علي عليه السلم
علِمَ أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ،وقد آخر رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما
فقال :إن َ
فما ظنك بساير الخلق" [رجال الكشي :ص .].17
جمِيعًا وَ ُقلُو ُبهُمْ شَتّى} ويبرأ
س ُبهُمْ َ
ح َ
وهذه النصوص تنطبق على أهل البدعة والكفر؛ لنك {تَ ْ
منها صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم .لكن هذه النصوص يؤخذ منها تكفير الشيعة
لصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،كما يؤخذ منها أيضًا الصورة غير المنظورة في
459
الظاهر لهل الرفض؛ حيث قتلهم وتناكر قلوبهم ،وإضمار السوء لبعضهم ،واعتقادهم بأنه ليس
على اليمان سواهم ،وهذه خصائص الرعيل الول عندهم فما ظنك بسائرهم؟
وتقول نصوص الشيعة :إن هؤلء الثلثة قد لحق بهم أربعة آخرون ،ليصل عدد المؤمنين
(أو قل :الروافض) في عصر الصحابة إلى سبعة ،ولكنهم لم يتجاوزوا هذا العدد.
وهذا ما تتحدث عنه أخبارهم حيث تقول" :عن الحارث بن المغيرة النصري ،قال :سمعت
عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد ال رضي ال عنه فلم يزل يسأله حتى قال له :فهلك الناس إذًا
[أي :بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ومبايعة الناس لبي بكر (في منظور الروافض)].؟ فقال :إي وال يا
ابن أعين هلك الناس أجمعون ،قلت :من في الشرق ومن في الغرب؟ قال :فقال :إنها فتحت
[قال شيخهم الردبيلي :أبو ساسان اسمه على الضلل إي وال هلكوا إل ثلثة .ثم لحق أبو ساسان
الحصين بن المنذر ،وقد يقال :أبو سنان ،ثم ساق الرواية المذكورة عن الكشي (جامع الرواة .)2/387 :وقد ذكر
ابن حجر بأنه يسمى "حضين" -بالضاد المعجمة مصغرًا – ابن المنذر بن الحارث الرقاشي ،وقال :كان من أمراء
علي بصفين ،وهو ثقة ،مات على رأس المائة (تقريب التهذيب ،].)1/185 :وعمار [يعني :عمار بن ياسر،].
[قال الردبيلي" :شتيرة" من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم ،ثم ساق رواية الكشي مرة أخرى( .جامع وشتيرة
[قال الردبيلي :أبو عمرة النصاري اسمه ثعلبة بن عمرو ،من الصفياء من الرواة ،].)1/398 :وأبو عمرة
أصحاب أمير المؤمنين (جامع الرواة .)2/408 :قال ابن عبد البر :أبو عمرة النصاري اختلف في اسمه؛ فقيل:
عمرو بن محصن ،وقيل :ثعلبة بن عمرو بن محصن ،وقيل :بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك .قال ابن عبد البر:
وهو الصواب إن شاء ال ،قتل بصفين وهو يقاتل مع علي رضي ال عنهما.
[رجال (الستيعاب ،134-4/133 :وانظر :الصابة ،4/441 :أسد الغابة ].)5/263 :وصاروا سبعة"
الكشي :ص .].7
وتؤكد جملة من نصوصهم على أن العدد لم يزد على ذلك .قال أبو جعفر" :وكانوا سبعة ،فلم
يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلم إل هؤلء السبعة" [رجال الكشي :ص .].12-11
[المفيد /الختصاص: وكان أبو عبد ال يقسم على ذلك فيقول" :فوال ما وفى بها إل سبعة نفر"
ص ،63الحميري /قرب السناد :ص ،38بحار النوار.].22/322 :
ل – بين ما جاء في الرواية
[قارن – مث ً وتتفاوت أخبارهم وتختلف في تعيين بعض هؤلء السبعة
التي عند الكشي والطوسي في تعيين السبعة كما سقتها ،وبين ما جاء في قرب السناد للحميري وفيه" :فوال ما وفى
بها إل سبعة نفر :سلمان ،وأبو ذر ،وعمار ،والمقداد بن السود الكندي ،وجابر بن عبد ال النصاري ،ومولى
لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،يقال له الثبيت ،وزيد بن أرقم" (قرب السناد :ص ،38بحار النوار:
،].)22/322فيما يبدو أنه اختلف بين الفرق الشيعية في تعيين آحادهم ،وكل يضع من جهته،
أو لن من طبيعة الكذب الختلف والتناقض.
460
وإن كان يحتمل – كما قلت – أن الرافضة تكفر الصحابة كلهم ،وأن هؤلء السبعة رموز
على "الخلية الولى للرفض" لن صفاتهم ،وعلقاتهم ،ومذهبهم ليست من الصحابة في شيء.
والرافضة تؤول أحيانًا [لن تأويلها في غالب نصوصهم بالئمة ].آيات اليمان والثناء على الصحابة
بهذا العدد اليسير الذي تستثنيه من الصل العام في التكفير ،ففي تفسير القمي في قوله سبحانه:
{ِإ ّنمَا ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ الّذِينَ ِإذَا ُذ ِكرَ الّلهُ وَجَِلتْ ُقلُو ُبهُمْ َوإِذَا تُ ِليَتْ عَ َل ْيهِمْ آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى
ن يُقِيمُونَ الصّلَةَ َومِمّا َرزَ ْقنَا ُه ْم يُنفِقُونَُ ،أوْلَـئِكَ هُمُ ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ حَقّا ّلهُمْ
َربّهِ ْم َي َتوَكّلُونَ ،الّذِي َ
َدرَجَاتٌ عِندَ َر ّبهِمْ َومَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ َكرِيمٌ} [النفال ،آية .].4-2:قال" :فإنها نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلم ،وأبي ذر وسلمان والمقداد" [تفسير القمي ،1/255 :بحار النوار.].22/322 :
وفاتهم أن الشيعة إنما تثني على هؤلء الثلثة ،وتدخلهم في عداد المؤمنين ،ل لهذه
الوصاف المذكورة في الية ولكن لنهم آمنوا بإمامة علي ،وكفروا بإمامة أبي بكر ،وهذا
الصل الذي تزن به الشيعة من خالفها ليس له ذكر في هذه الية التي جعلوها نصًا في إيمان
الثلثة ،وكذلك الشأن في آيات القرآن كلها فهي رد عليهم ل حجة لهم.
وجعلوا آيات الكفر والكافرين والشرك والمشركين في سائر الصحابة أجمعين ،كما نجد ذلك
[انظر في الكافي :باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية: في عدد من أبواب الكافي وبحار النوار
،436-1/412وفيه ( )92رواية ،وراجع ما مر حول ذلك ص 158وما بعدها.].
ومع هذا الحكم العام في التكفير لصحاب محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم ،وأنصاره
وأحبابه ،وأصفيائه ،فإنهم يخصون ،كبار الصحابة رضوان ال عليهم بمزيد من الطعن
والتكفير ،ولهم في ذلك أقوال ونصوص تقشعر من سماعها جلود المؤمنين.
فهم يخصون الخلفاء الثلثة أبا بكر وعمر وعثمان ،وزراء رسول ال وأصهاره بالنصيب
الوفى من التكفير ،وقد عقد شيخهم المجلسي في كتابه البحار – الذي عده بعض شيوخهم
[البهبودي /مقدمة البحار ،ج صفر ص ].19 المعاصرين المرجع الوحيد في تحقيق معارف المذهب –
من الطّبعة -بابًا بعنوان "باب كفر الثّلثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم" [بحار النوار252-8/208 :
الحجريّة .].وعقد شيخهم الخر البحراني عدة أبواب في هذا الموضوع منها" :الباب :97اللّذان
تقدّما على أمير المؤمنين عليهما مثل ذنوب أمّة محمّد إلى يوم القيامة [المعالم الزّلفى :ص .].324
[المعالم والباب 98أن إبليس أرفع مكانًا في النار من عمر ،وأن إبليس شرف عليه في النار »
الزلفى :ص .].325
وجاءت رواياتهم مغرقة في هذا الكفر تضرب في كل اتجاه فيه ،فهي مرة ل تكفر الشيخين
فحسب؛ بل ترى أن من أعظم الكفر الحكم بإسلمهما حتى روى صاحب الكافي" :ثلثة ل
461
[هذا نصّ في يكلّمهم ال يوم القيامة ول يزكّيهم ولهم عذاب أليم :من ادّعى إمامة من ال ليست له
ل من ل يؤمن بأئمّتهم
[هذا تكفير لك ّ تكفير كلّ خلفاء المسلمين إلى أن تقوم السّاعة!] ،ومن جحد إمامًا من ال
[أصول الكافي: الثني عشر من جميع المسلمين الوّلين والخرين! ،].ومن زعم أنّ لهما في السلم نصيبًا"
،374 ،1/373النّعماني /الغيبة :ص ،70تفسير العيّاشي ،1/178 :بحار النوار ،].25/111 :وحينًا
تنعتهم بأنّهم الجبت والطّاغوت [أصول الكافي ،].1/429 :وتارة تصبّ عليهم اللّعنات ول سيّما في
أدعية الزّيارات [من ل يحضره الفقيه ،].2/354 :و"أذكار" ما بعد الصّلوات حيث يستبدلونها باللّعن
على الشّيخين وسائر المسلمين [مستدرك الوسائل.].10/342 :
وقد نقل بعض من كتب عن الشيعة في هذا العصر شيئًا من سوآت الشيعة وعواتها في تكفير
[كما في كتابات الشيخ موسى جار ال في الوشيعة ،وإحسان إلهي ظهير في "السنة صديق المة وفاروقها
والشيعة" وغيرهما ،].ولكن الذي يمكن أن أضيفه هنا ،أن ما كتبه شيوخ الشّيعة في ظل الدّولة
الصّفويّة كان فيه التّكفير لفضل أصحاب محمّد صلى ال عليه وسلم صريحًا ومكشوفًا ،وما
كتبه أوائل الشّيعة في عصر الكليني وما بعده كان بلغة الرّمز والشارة ،وقد كشف أقنعة هذه
الرموز شيوخ الشيعة المتأخرون حينما ارتفعت التقية إلى حد ما وظهرت الثنا عشرية على
حقيقتها.
فمن مصطلحاتهم الخاصة :تسمية الشيخين بالفصيل ورمع ،وذلك لنهم ل يجرؤون على
التصريح بالسم في إبان قوة دولة السلم.
جاء في تفسير العيّاشي .." :قلت (الراوي يقول لمامهم) :ومن أعداء ال أصلحك ال؟ قال:
الوثان الربعة ،قال :قلت :من هم؟ قال :أبو الفصيل ،ورمع ،ونعثل ،ومعاوية ،ومن دان
دينهم ،فمن عادى هؤلء فقد عادى أعداء ال" [تفسير العيّاشي ،2/116 :بحار النوار.].27/58 :
قال شيخهم المجلسي في بيانه لهذه المصطلحات" :أبو الفصيل أبو بكر؛ لنّ الفصيل والبكر
متقاربان في المعنى ،ورمع مقلوب عمر ،ونعثل هو عثمان" [بحار النوار.].27/58 :
جزْ ٌء مّ ْقسُومٌ} [الحجر ،آية ].44 :روى
ب ّم ْنهُمْ ُ
سبْ َعةُ َأ ْبوَابٍ لّ ُك ّل بَا ٍ
وعند قوله سبحانهَ { :لهَا َ
العياشي عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه السلم قال" :يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب،
بابها الول للظالم وهو زريق ،وبابها الثاني لحبتر ،والباب الثالث للثالث ،والرابع لمعاوية،
والباب الخامس لعبد الملك ،والباب السادس لعسكر بن هوسر ،والباب السابع لبي سلمة ،فهم
أبواب لمن اتبعهم" [تفسير العياشي ،2/243 :البرهان.].2/345 :
قال المجلسي في تفسير هذا النص" :زريق كناية عن الول؛ لن العرب تتشام بزرقة العين،
والحبتر هو الثعلب ،ولعله إنما كنى عنه لحيلته ومكره ،وفي غيره من الخبار وقع بالعكس
462
وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضًا المراد ذلك ،إنما قدم الثاني لنه
أشقى وأفظ وأغلظ ،وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس ،وكذا
أبي سلمة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي ،ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وساير
أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكرًا وروي أنه كان شيطانًا" [البحار.].8/220 ،4/378 :
كما يردّ في كثير من نصوصهم الشارة إلى هذين العظيمين بلقب "فلن وفلن" ،كما في
[البقرة ،آية،168 : شيْطَانِ}
طوَاتِ ال ّ
روايتهم التي تقول :عن أبي عبد ال في قوله{ :وَ َل َت ّتبِعُواْ خُ ُ
[تفسير العياشي،1/102 : ،208النعام ،آية ].142 :قال :وخطوات الشّيطان وال ولية فلن وفلن
البرهان ،1/208 :تفسير الصّافي.].1/242 :
ي يَ ْغشَا ُه َموْجٌ} يعني نعثل
جّ وفي قوله سبحانهَ..{ :أوْ َكظُُلمَاتٍ} قالوا :فلن وفلن {فِي بَ ْ
حرٍ لّ ّ
[تفسير ق بَعْضٍ} [النور ،آية ].40 :معاوية..
ضهَا َفوْ َ
ت بَ ْع ُ
{مّن َفوْ ِق ِه َم ْوجٌ} طلحة والزبير {ظُُلمَا ٌ
القمي ،2/106 :بحار النوار.].305-23/304 :
قال المجلسي :المراد بفلن وفلن أبو بكر وعمر ،ونعثل هو عثمان [بحار النوار.].23/306 :
ومن مصطلحاتهم أيضًا للرمز للشيخين ما جاء في تأويلهم سورة الليل وفيها {وَال ّنهَارِ إِذَا
[كنز الفوائد :ص -389 جَلّاهَا} هو قيام القائم {وَالّل ْيلِ ِإذَا يَ ْغشَاهَا} حبتر ودلم غشيًا عليه الحق
،390بحار النوار.].73-24/72 :
[بحار النوار: قال شيخ الدولة الصفوية – في زمنه – (المجلسي) :حبتر ودلم :أبو بكر وعمر
.].24/73
وتجد بعض النصوص التي فيها الرمز للشيخين في كتب أوائلهم ،ولكن حينما ينقلها عنهم
[انظر :تفسير القمي ،1/301 :حيث رمز بعض شيوخ الدولة الصفوية يستبدل الرمز بالسم الصريح
للشيخين بفلن وفلن ،ولكن حينما ينقل شيخهم الكاشاني هذا النص يصرح بالسمين( .تفسير الصافي.].)2/359 :
كما تطاولوا بالسب والتكفير ،وعلى سبيل التعيين على كثير من صحابة رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،ويختارون منهم أعيانهم وخيارهم ،فكما طعنوا وكفروا الخلفاء الثلثة ،فكذلك
يفعلون في آخرين من فضلء الصحابة وعظمائهم كعبد الرحمن بن عوف ،وسعد بن أبي
وقاص ،وأبي عبيدة بن الجراح ،وسالم مولى أبي حذيفة ،جاء في تفسير القمي والصافي" :عن
الصادق :لما أقام رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من
[هكذا في تفسير الصافي ،أما في تفسير القمي فقال" :وهم :الول والثاني.. المنافقين وهم :أبو بكر ،وعمر
إلخ" ،].وعبد الرحمن بن عوف ،وسعد بن أبي وقاص ،وأبو عبيدة ،وسالم مولى أبي حذيفة،
والمغيرة بن شعبة .قال عمر [هكذا في تفسير الصافي ،وفي تفسير القمي "قال الثاني" : ].أما ترون عينه
463
[ل يخفى على عاقل أن واضع هذا كأنما عين مجنون يعني النبي ،الساعة يقوم ويقول :قال لي ربي
القول قد رام الطعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم نفسه وفي نبوته بادئ ذي بدء ،لنه يريد أن يقال :إذا كان
كبار صحابته لم يؤمنوا به ،وهم الذين عاصروه وتلقوا عنه ،وشاهدوا معجزاته ..فغيرهم أحق ،كذلك يريد أن يقال:
رجل سوء له أصحاب سوء ،كما كشف عن هذا الهدف بعض السلف ،كما يريدون الطعن في السلم ذاته بطريقة
ماكرة خفية على الغرار والدهماء وهو الطعن في الناقل لبطال المنقول ].فلما قام قال :أيها الناس من أولى
بكم من أنفسكم؟ قالوا :ال ورسوله .قال :اللهم فاشهد ،ثم قال :أل من كنت موله فعلي موله،
[هكذا في الصل المنقول منه بدون وسلموا عليه بإمرة أمير المؤمنين فنزل جبرائيل وأعلم رسول ال
ذكر للصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ،ولحظ :الرسول يعلمه جبريل ،وأئمتهم يعلمون ما كان وما يكون ول
يخفى عليهم شيء ،كما بوب عليه صاحب الكافي( .أصول الكافي ].)1/260 :بمقالة القوم فدعاهم وسألهم
[تفسير القمي،1/301 : ن بِالّل ِه مَا قَالُواْ وَلَ َقدْ قَالُواْ كَ ِل َمةَ الْكُ ْفرِ}"
حلِفُو َ
فأنكروا وحلفوا فأنزل ال{ :يَ ْ
تفسير الصافي.].2/359 :
[انظر: ومثل هؤلء أيضًا يتناولون آخرين من فضلء الصحابة ونقلة الشريعة كأبي هريرة
بحار النوار ،22/242 :الخصال .1/190 :وقد ألف الرافضي المعاصر عبد الحسين الموسوي كتابًا في أبي
هريرة – رضي ال عنه – انتهى فيه إلى القول بأنه كان منافقًا كافرًا (انظر :الموسوي /أبو هريرة) وانظر في الرد
وما بعدها ،عبد المنعم العزي /دفاع عن على افتراءاته :محمد عجاج الخطيب ،أبو هريرة راوية السلم ص 201
[انظر :رجال الكشي :ص أبي هريرة ،عبد الرحمن الزرعي /أبو هريرة وأقلم الحاقدين ،].وأنس بن مالك
[وقالوا فهيما" :كانا إمامين ،].45والبراء بن عازب [رجال الكشي :ص ،].45وطلحة والزبير بن العوام
من أئمة الكفر" انظر :تفسير العياشي ،78-2/77 :البرهان ،2/107 :تفسير الصافي ].2/324 :وغيرهم.
أما كلم شيوخهم في هؤلء العظماء فقد سود الصفحات ،فإنه ل يخلو مصنف من مصنفاتهم
في مسألة المامة ونحوها إل وفيه من التكفير والسب واللعن ما ل يخطر ببال مسلم ،لنهم ل
يرونهم على السلم أصلً ،وفضلً عن ذلك فإنهم يرونهم من ألد أعدائهم ،ومن الظالمين لهم،
لنهـم بايعوا أباب بكـر وعمـر وعثمان وكانوا فـي عهدهـم على كلمـة سـواء ،وكانوا بنعمـة ال
إخوانًا فأقاموا دولة ال سلم ،وفتحوا البلد ونشروا ال سلم ب ين العباد ،وأطفأوا نار المجو سية،
ـم،
ـن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وخالقهـ
ـة ،وأخرجوا الناس مـ
وحطموا طاغوت الوثنيـ
فأوغروا بذلك صدور الزناد قة الحاقد ين من أ صحاب تلك البلد المفتو حة ،وأتباع تلك الديانات
الموضوعة ،فكان من كيدهم الدخول لفساد أمر هذه المة من طريق التشيع ،وكان من الطبيعي
أن تكون مسألة المامة هي هدفهم ،وشغلهم الشاغل ،فكان من أمرهم ما كان ،ثم أصبح كيدهم
وخلصة مكرهم عقيدة لهؤلء الشيع كفروا بها الحاكم والمحكوم.
464
قال ابن بابويه في العتقادات" :فمن ادعى المامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون ،ومن
وضع المامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون" [العتقادات :ص ،113-112بحار النوار.].27/62 :
فهذا تكفير للحاكم والمحكوم في مختلف العصور (ما عدا حكم علي والحسن) وحينما سئل
شيخهم المفيد الملقب عندهم بركن السلم وآية ال الملك العلم عما ورد عن أمير المؤمنين
علي رضي ال عنه أنه قال :ل أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إل جلدته حد
المفتري .فأجاب :عليه من ال ما يستحق "إن الوجه فيه أن المفاضل بينه وبين الرجلين إنما
وجب عليه حد المفتري ،لن المفاضلة ل تكون إل بين متقاربين في الفضل ،وكان الرجلن
بجحدهما النص قد خرجا عن اليمان بطل أن يكون لهما فضل في السلم فكيف يحصل لهما
من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين؟ ومتى فضل إنسان أمير المؤمنين عليهما فقد افترى
بالتفضيل لمير المؤمنين عليهما ،من حيث كذب في إثبات فضل لهم في الدين ،وجرى في هذا
الباب مجرى من فضل المسلم البر التقي على الكافر المرتد ،ومجرى من فضل جبرائيل على
إبليس ،ورسوله ال على أبي جهل بن هشام" [العيون والمحاسن.].123-2/122 :
فانظر كيف عدّ أفضل المة بعد نبيها بمنزلة إبليس وأبي جهل .وهذا موضع إجماع طائفته
[العيون والمحاسن: حيث يقول" :فقد حصل الجماع على كفره (يعني عمر) بعد إظهاره اليمان"
.].1/9
[انظر كيف يستخدم كلمة "دين" وكأنّه وقال شيخهم المجلسي" :وممّا ع ّد من ضروريّات دين الماميّة
ن ما سطّره المجلس في بحاره
يلوح بأنّ ما عليه الماميّة دين مستقلّ بذاته ،منفصل عن دين السلم ،ول ريب أ ّ
وعقائده هو في الغالب دين آخر ل يمتّ لدين السلم بصلة ].استحلل المتعة ،وحجّ التّمتّع ،والبراءة من
أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية" [العتقادات للمجلسي :ص .].91-90
[انظر :وسائل الشيعة: ومن لم يبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان فهو عدو وإن أحب عليًا
.].5/389
ل صلة بلعن الخلفاء الثّلثة وغيرهم من فضلء الصّحابة،
ولذلك يتعبّدون ال سبحانه بعد ك ّ
وبعض أمّهات المؤمنين رضوان ال عليهم أجمعين .وعقد لذلك الحرّ العاملي بابًا بعنوان" :باب
استحباب لعن أعداء الدّين عقيب الصّلة بأسمائهم" ،وذكر فيه ما روى الكليني عن ابن ثوير
والسّراج قال :سمعنا أبا عبد ال رضي ال عنه وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرّجال
وأربعًا من النّساء ،فلنًا وفلنًا وفلنًا (الخلفاء الثّلثة) ويسمّيهم ومعاوية ،وفلنة وفلنة
[فروع الكافي ،1/95 :الطّوسي/ (عائشة ،وحفصة رضي ال عنهما) وهندًا وأمّ الحكم أخت معاوية
التّهذيب ،1/227 :وسائل الشّيعة.].4/1037 :
465
وفي مستدرك الوسائل لشيخهم النّوري الطّبرسي عقد بابًا بعنوان" :باب استحباب لعن أعداء
الدّين عُقيب الصّلة بأسمائهم" [مستدرك الوسائل .].1/342 :وساق فيه جملة من رواياتهم ومنها:
"عن أبي عبد ال أنّه قال :إنّ من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن ل ينصرف الرّجل فيهم حتى
يدعو بهذا الدّعاء :اللّهمّ ..ضاعف لعنتك وبأسك ونكالك وعذابك على اللّذين كفرا نعمتك،
وخوّفا رسولك ..وحل عقده في وصيه ،ونبذا عهده في خليفته من بعده ،وادعيا مقامه ،وغيّرا
أحكامه ،وبدّل سنّته ،وقلبا دينه ،وصغّرا قدر حجّتك وحججك ،وبدءا بظلمهم ،وطرقا طريق
الغدر عليهم ،والخلف عن أمرهم ،والقتل لهم ..ومنعا خليفتك من س ّد الثّلم ،وتقويم العوج،
وإمضاء الحكام ،وإظهار دين السلم ،وإقامة حدود القرآن ،اللّهمّ العنهما ،وابنتيهما ،وكلّ من
مال ميلهم ،وحذا حذوهم ،وسلك طريقتهم وتصدّر ببدعتهم لعنًا ل يخطر على البال ،ويستعيذ
منه أهل النّار ،العن اللّهمّ من دان بقولهم ،واتّبع أمرهم ،ودعا إلى وليتهم ،وشكّ في كفرهم من
الوّلين والخرين" [مستدرك الوسائل.].1/342 :
فانظر كيف لعنوا في هذه "الكلمات المظلمة" المسلمين جميعًا من الوّلين والخرين ،وخصّوا
بمزيد من اللّعن والتّكفير من أقاما دولة السلم بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ونشرا دين
ال في العالمين ،وعدوهما وجميع من ابتعهما (أي جميع المسلمين) من أعداء الدين ،فأي دين
يعتقده هؤلء الذين يعدون صحابة رسول ال ومن اتبعهم بإحسان هم أعداء للدين؟ فليكن أي
دين ونحلة إل دين السلم ،إن هذه "اللعنات" تؤكد أن واضعها من أتباع تلك الديانات التي
قضى عليها السلم بقيادة أبي بكر وعمر وإخوانهما رضوان ال عليهم جميعًا.
وفي مزاراتهم يجري أيضًا – بواسطة الدعية التي وضعها لولئك التباع زنادقة العصور
البائدة -غرس الحقاد وبثّ الضّغائن ،وتأجيج العداوة في لعنات متتالية ومتتابعة على خير
القرون ،ففي زيارة فاطمة – مثلً – يلعنون أبا بكر وبقيّة الصّحابة رضوان ال عليهم في دعاء
يقولون فيه" :السّلم عليك يا فاطمة يا سيّدة نساء العالمين ،لعن ال مانعك إرثك ،ودافعك عن
[بحار النوار: حقّك ،والرّادّ عليك قولك ،لعن ال أشياعهم وأتباعهم وألحقهم بدرك الجحيم"
،100/197باب زيارة فاطمة ،وانظر :ص 198رقم ،16وانظر :ص 200من الجزء نفسه.].
وتلحظ أن واضع هذا الدعاء يقصد فيه لعن صديق هذه المة ثم يلحق فيه كل من شايعه،
فيدخل فيهم أمير المؤمنين علي ،لنه من شيعة أبي بكر وأعوانه ووزرائه .ول تخفى هذه
الحقيقة على واضع هذا الدعاء ،ولكنه عدو للجميع ويتستر بالتشيع لن العقل الشيعي في غيبوبة
بفعل العواطف المشحونة – زورًا – بظلم آل البيت وقهرهم وضياع حقهم ،وصراعهم مع
أعدائهم وهم صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقد حشدوا في ذلك ركامًا هائلً من
466
الساطير ل تبقى في قلب من يؤمن بها إل الحقد ،والتعطش لسفك الدماء ،والرغبة في النتقام
[انظر بعض أخبار هذا الصراع المزعوم ،في إثبات الوصية الذي ينسبونه للمسعودي صاحب مروج الذهب ص
122وما بعدها ..].وواقعهم يشهد بذلك.
مثالب الصحابة (المزعومة):
ومع اللعن والتكفير لخير القرون ،فإن الشيعة ملت الصفحات فيما يسمونه بمثالب الصحابة
ومعايبهم [انظر :ابن المطهر الحلي /منهاج الكرامة :ص ،].132وانشغل بعض أهل السنة في الرد
وما عليهم [وقد أجاب شيخ السلم عما يثيره الروافض في هذا الباب بجواب مفصل (انظر :منهاج السنة 3/19
بعدها) وبجواب مجمل ملخصه ما يلي :أن المثالب التي تنقل عن الصحابة نوعان:
أحدهما :ما هو كذب ،إما كذب كله ،وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطع ،وأكثر
المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب ،يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى،
وهشام بن السائب الكلبي ،وأمثالهما من الكذابين الذين شهد الئمة بكذبهم ،وسقوط أخبارهم.
النوع الثاني :ما هو صدق ،وأكثر هذه المور لهم فيها معاذير تخرجها من أن تكون ذنوبًا ،وتجعلها من موارد
الجتهاد التي إن أصاب المجتهد فله أجران ،وإن أخطأ فله أجر ،وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا
الباب.
وما قدّر من هذه المور ذنبًا محققًا ،فإن ذلك ل يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة ،لن
الذنب المحقق يرتفع عقابه في الخرة بأسباب متعددة ،منها :التوبة ،ومنها الحسنات الماحية للذنوب؛ فإن الحسنات
يذهبن السيئات ،ومنها المصائب المكفرة( ..منهاج السنة ،].)3/19 :والحقيقة المهمة في هذا الموضوع أن
إثارة الشيعة لهذه القضايا هو في حقيقة أمره تستر على السبب الحقيقي من موقفهم من
الصحابة ،ذلك أن الصحابة رضوان ال عليهم لو كانوا في عصمة من كل خطأ ،وفي حرز من
كل ذنب ،لما رضي عنهم المامية ،لن ذنب الصحابة عند هؤلء هو بيعتهم لبي بكر دون
علي ،وكل ذنب يغتفر إل هذا المر ،كما أن من جاء بقراب الرض خطايا ومعه "جواز
الولية" فقد نجا.
وقد تنبه إلى هذه الحقيقة المهمة القاضية عبد الجبار فقال" :وكثيرًا تسأل المامية عما كان
من عثمان في تولية أقاربه وغير ذلك ،وفي سير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ،وما ذاك
إل لضعفهم وانقطاعهم؛ لن عثمان لو لم يول أقاربه ولم يصنع ما صنع لكان كافرًا مشركًا
عندهم بادعائه المامة لنفسه ولبي بكر وعمر ،ولو كان طلحة والزبير وعائشة في عسكر أمير
المؤمنين وفي المحاربين معه ما كانوا إل مشركين باعتقادهم إمامة أبي بكر وعمر وعثمان،
فمن يكلم المامية في إثارتهم لهذه المسائل كمن يكلم اليهود في وجوب النية في الطهارة ،أو
يكلم النصارى في استحللهم الخمر ،وإنما يكلم في هذا من قال :ل ذنب لعثمان إل ما أتاه من
467
الحمى ،وتولية القارب ،ولول ذلك لكان مثل عمر ،ومن قال :ل ذنب لطلحة والزبير وعائشة
إل مسيرهم إلى البصرة ،ولول ذلك لكانوا مثل أبي عبيدة وعبد الرحمن وابن مسعود.
[تثبيت دلئل فاعرف هذا ول تكلمهم فيه البتة ،وكلمهم فيما يدعونه من النص فهو الصل"
النبوة.].1/294 :
468
[رجال الكشي: أبصارهما ،كما عميت قلوبهما ..واجعل عمى أبصارهم دليلً على عمى قلوبهما"
ص .].53
وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال" :هما عبد ال بن عباس وعبيد ال بن عباس"
[رجال الكشي :ص ( 53الهامش).].
وبنات النبي صلى ال عليه وسلم يشملهن سخط الشيعة وحنقهم ،فل يذكرن فيمن استثنى من
[انظر :جعفر التكفير ،بل ونفى بعضهم أن يكن بنات للنبي صلى ال عليه وسلم -ما عدا فاطمة
النجفي /كشف الغطاء :ص ،5حسن المين /دائرة المعارف السلمية ،الشيعة – ].1/27 :فهل يحب رسول
ال صلى ال عليه وسلم من يقول فيه وفي بناته هذا القول؟!
وقد نص صاحب الكافي في رواياته على أن كل من لم يؤمن بالثني عشر فهو كافر ،وإن
[انظر :الكافي ،باب من ادعى المامة وليس لها بأهل ،ومن جحد الئمة أو بعضهم ،ومن أثبت كان علويًا فاطميًا
المامة لمن ليس لها بأهل ،].374-1/372 :وهذا يشمل في الحقيقة التكفير لجيل الصحابة ومن
بعدهم بما فيهم الل والصحاب؛ لنهم لم يعرفوا فكرة "الثني عشر" التي لم توجد إل بعد سنة
(260ه).
كما باءوا بتفكير أمهات المؤمنين أزواج رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ إذ لم يستثنوا واحدة
[انظر :أصول الكافي ،1/300 :رجال الكشي :ص منهن في نصوصهم ..ولكنهم يخصون منهن عائشة
،60-57بحار النوار ].53/90 :وحفصة [انظر :بحار النوار -].22/246 :رضي ال عنهن جميعًا
– بالذم واللعن والتكفير.
وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا بعنوان "باب أحوال عائشة وحفصة" ذكر فيه ( )17رواية
[حيث قال" :قد مر بعض [بحار النوار ،].247-22/227 :وأحال في بقية الروايات إلى أبواب أخرى
أحوال عائشة في باب تزويج خديجة ،وفي باب أحوال أولده صلى ال عليه وسلم في قصص مارية وأنها قذفتها
فنزلت فيها آيات الفك (انظر كيف يقلبون الحقائق) وسيأتي أكثر أحوالها في قصة الجمل" (بحار النوار:
،].)22/245وقد آذوا فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم في أهل بيته أبلغ اليذاء.
حتى اتهموا في أخبارهم من برأها ال من سبع سماوات؛ عائشة الصديقة بنت الصديق
[ونص ذلك: بالفاحشة ،فقد جاء في أصل أصول التفاسير عندهم (تفسير القمي) هذا القذف الشنيع
ض َربَ اللّهُ َمثَل} [التّحريم ،آية ]11:ثم ضرب ال فيهما (يعني عائشة وحفصة
"قال علي بن إبراهيم في قولهَ { :و َ
عبَا ِدنَا
ن ِ
ت عَبْ َد ْينِ ِم ْ
ضرَبَ اللّهُ َمثَل ّللّذِينَ َك َفرُوا اِ ْم َرأَ َة نُوحٍ َواِ ْم َرأَ َة لُوطٍ كَا َنتَا تَحْ َ
زوجتي رسول ال مثلً فقالَ { :
صَالِحَ ْينِ فَخَا َنتَاهُمَا} [التّحريم ،آية ]10قال :وال ما عنى بقوله {فَخَا َنتَاهُمَا} إل الفاحشة ،وليقيمنّ الح ّد على فلنة فيما
ل لك أن تخرجين –
أتت في طريق البصرة ،وكان فلن يحبّها ،فلمّا أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلن :ل يح ّ
كذا – من غير محرم فزوّجت نفسها من فلن..
469
هذا نصّ القمّي كما نقله عنه المجلسي في بحار النوار ،22/240 :أمّا تفسير القمّي فقد جاء فيه النّصّ ،إل أنّ
المصحّح حذف اسم البصرة الذي ورد مرّتين ووضع مكانه نقط (انظر :تفسير القمّي .)2/377
والنص فيه عدم التصريح بالسماء ،فقوله" :ليقيمن الحد" من الذي يقيم؟ وقوله" :فلن ،وفلنة" من هما؟ لكن شيخ
الشيعة المجلسي كشف هذه التّقية وحلّ رموزها وذلك لنه يعيش في ظل الدولة الصفوية فقال :قوله :وليقيمنّ الح ّد أي
القائم عليه السّلم في الرّجعة كما سيأتي (وقد نقلت ذلك عن المجلسي في فصل الغيبة ،وصرّح بالسم وأنّها عائشة أمّ
المؤمنين ،إل أنه قال بأنه بسبب ما قالته في مارية ،فلم يجرؤ أن يصرح مع ذكر السم بما صرح به هنا من القذف
الصريح) والمراد بفلن طلحة (بحار النوار.)22/241 :
هذا النص كما ترى قد جاء في تفسير القمي الذي يوثقه شيوخهم المعاصرون ،ولم يتعقبه المصحح والمعلق على
تفسير القمي بشيء ،فهو عار يلف السابقين والمعاصرين من شيوخهم ،إل أن المعلق على البحار عقب على النص
المذكور بالدفاع عن شيخهم القمي ل الدفاع عن عائشة أم المؤمنين ،وأم المؤمنين ل تحتاج إلى شهادة أحد بعد شهادة
ال لها ..ولكن نذكر ذلك لبيان عظيم جرمهم ].المتضمن تكذيب القرآن العظيم ،قال ابن كثير في تفسير
سورة النور" :أجمع أهل العلم – رحمهم ال – قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به
[تفسير ابن كثير ،290-3/289 :وانظر: بعد هذا الذي ذكر في الية فإنه كافر ،لنه معاند للقرآن"
الصارم المسلول لبن تيمية ص .].571
[تفسير وقال القرطبي" :فكل من سبها مما برأها ال منه مكذب ل ،ومن كذب ال فهو كافر"
القرطبي.].12/206 :
هذا وظاهرة التكفير عند الشيعة ل تخص جيل الصحابة ،وإن كان الصحابة ينالهم النصيب
الوفى من السب والتكفير باعتبار أنهم حملة الشريعة ،ونقلة الكتاب والسنة ،والمبلغون عن
رسول ال دين ال ،ولذلك صار "الطعن فيهم طعن في الدين" [ابن تيمية /منهاج السنة .].1/5 :وكان
هذا هو هدف الزنادقة من وراء الحملة الضارية عليهم ،ولكن سلسلة التكفير عند الشيعة
مستمرة.
فكما قالت كتب الشيعة :إن الناس ارتدوا بعد وفاة الرسول إل ثلثة ،قالت أيضًا" :ارتد الناس
[رجال الكشي: بعد قتل الحسين إل ثلثة :أبو خالد الكابلي ،ويحيى أم الطويل ،وجبير بن مطعم"
ص ،123أصول الكافي.].2/380 :
فأنت ترى أن هذا النص ل يستثني أحدًا من أهل البيت ول الحسن بن علي الذي تعده الثنا
عشرية إمامها ،ويبدو أنها ل تستثنيه لنها عليه ساخطة لقيامه بمصالحة معاوية حتى خاطبه
بعض الشيعة بقوله" :يا مذل المؤمنين" [انظر :رجال الكشي :ص ،].111ووثب عليه أهل عسكره
فانتهبوا فسطاطه ،وأخذوا متاعه ،وطعنه ابن بشير السدي في خاصرته فردوه جريحًا إلى
المدائن [انظر :المصدر السابق :ص .].113
3ـ تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم:
470
في دين الثني عشرية أن كل حكومة غير حكومة الثني عشر باطلة ،وصاحبها ظالم
وطاغوت يعبد من دون ال ،ومن يبايعه فإنما يعبد غير ال.
وقد أثبت الكليني هذا المعنى في عدة أبواب مثل :باب من ادعى المامة وليس لها بأهل،
ومن جحد الئمة أو بعضهم ،ومن أثبت المامة لمن ليس لها بأهل ،وذكر فيه اثني عشر حديثًا
عن أئمتهم [الكافي ،].374-1/372 :وباب فيمن دان ال عز وجل بغير إمام من ال جل جلله،
وفيه خمسة أحاديث [الكافي.].376-1/374 :
وفي البحار "باب عقاب من ادعى المامة بغير حق أو رفع راية جور ،أو أطاع إمامًا جائرًا"
[بحار النوار 25/110 :وما بعدها.].
وكل خلفاء المسلمين ما عدا عليًا والحسن طواغيت – حسب اعتقادهم – وإن كانوا يدعون
إلى الحق ،ويحسنون لهل البيت ،ويقيمون دين ال ،ذلك أنهم يقولون" :كل راية ترفع قبل راية
[الكافي :بشرحه للمازندراني،12/371 : القائم [هو :مهديهم المنتظر ].رضي ال عنه صاحبها طاغوت"
[المازندراني /شرح بحار النوار .].25/113 :قال شارح الكافي" :وإن كان رافعها يدعو إلى الحق"
جامع ،].12/371 :وحكم المجلسي على هذه الرواية بالصحة [مرآة العقول ].4/378 :حسب
مقاييسهم.
أما من قبل سنة (260ه) فيقول شيخهم المجلسي عن الخلفاء الراشدين" :إنهم لم يكونوا إل
غاصبين جائرين مرتدين عن الدين ،لعنة ال عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من
الولين والخرين" [بحار النوار.].4/385 :
4ـ الحكم على المصار السلمية بأنها دار كفر:
جاء في أخبارهم تخصيص كثير من بلد المسلمين بالسب ،وتفكير أهلها على وجه التعيين،
ويخصون منها غالبًا ما كان أكثر التزامًا بالسلم واتباعًا للسنة ،فقد صرحوا بكفر أهالي مكة
والمدينة في القرون المفضلة ،ففي عصر جعفر الصادق كانوا يقولون عن أهل مكة والمدينة:
"أهل الشّام شرّ من أهل الرّوم (يعني شرّ من النّصارى) ،وأهل المدينة شرّ من أهل مكّة ،وأهل
مكّة يكفرون بال جهرة" [أصول الكافي.].2/409 :
"وعن أبي بصير ،عن أحدهما عليهما السلم قال :إن أهل مكة ليكفرون بال جهرة ،وإن أهل
المدينة أخبث من أهل مكة ،أخبث منهم سبعين ضعفًا" [أصول الكافي.].2/410 :
ومن المعلوم أن أهل المدينة كانوا – ول سيما في القرون المفضلة – يتأسون بأثر رسول ال
صلى ال عليه وسلم أكثر من سائر المصار ،ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن
[اشتهر عن مالك وأصحابه ،أن إجماع إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب اتباعها غير المدينة
471
أهلها حجة ،وإن كان بقية الئمة ينازعونهم في ذلك ،والمراد إجماعهم في تلك العصار ،المفضلة ،أما بعد ذلك فقد
اتفق الناس على أن إجماعهم ليس بحجة (مجموع فتاوى شيخ السلم.].)20/300 :
وقد ظل أهل المدينة متمسكين بمذهبهم القديم ،منتسبين إلى مذهب مالك إلى أوائل المائة
السادسة أو قبل ذلك أو بعد ذلك ،فإنهم قدم إليهم من رافضة المشرق من أفسد مذهب كثير منهم
[انظر :الفتاوى.].300-20/299 :
وهذا اللتزام بالسلم قد أغاظ هؤلء الزنادقة ،فعبروا عن حقدهم بهذه الكلمات ،والتاريخ
يعيد نفسه ،ففي هذا العصر خطب خطيبهم وقال :بأن مكة يحكمها شرذمة أشرّ من اليهود
[وسيأتي ذكر ذلك بنصه في فصل «دولة اليات» من الباب الرابع ص .].1174
وقد كشف شيخهم المعاصر والذي علق على نصوص الكافي عن وجه هذه الكلمات ،وأبان
عن فحوى هذه النصوص فقال" :لعل هذا الكلم في زمن بني أمية وأتباعهم ،كانوا منافقين
يظهرون السلم ويبطنون الكفر ،والمنافقون شر من الكفار وهم في الدرك السفل من النار..
ويحتمل أن يكون هذا مبنيًا على أن المخالفين غير المستضعفين مطلقًا شر من سائر الكفار كما
يظهر من كثير من الخبار" [علي أكبر الغفاري /أصول الكافي( 410-2/409 :الهامش).].
فهو يرى أن هذا التكفير حق ،ويخرج الحكم عليهم بأنهم شر من الكفار بأحد أمرين :إما
باتباعهم للمويين أي :بمقتضى مبايعتهم لخلفاء المسلمين من المويين ،وهذا نفاق أكبر عندهم،
أو لن المخالف شر من الكافر ..وبهذا التخريج الخير يشمل التفكير ديار المسلمين في كل
الزمان.
وقالوا أيضًا عن مصر وأهلها" :أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السّلم ،فجعل ال
منهم القردة والخنازير" [بحار النوار ،60/208 :تفسير القمّي :ص 596ط :إيران" ].وما غضب ال
[بحار النوار: على بني إسرائيل إل أدخلهم مصر ،ول رضي عنهم إل أخرجهم منها إلى غيرها"
،209-208 /60قرب السناد :ص ،220تفسير العياشي ،1/304 :البرهان.].1/456 :
[تفسير العياشي،1/305 : "بئس البلد مصر! أما إنها سجن من سخط ال عليه من بني إسرائيل"
بحار النوار ،60/210:البرهان.].1/457 :
"انتحوا مصر ل تطلبوا المكث فيها ( لنه ) يورث الدياثة" [بحار النوار.].60/211 :
وجاءت عندهم عدة روايات في ذم مصر ،وهجاء أهلها ،والتحذير من سكناها ،ونسبوا هذه
الروايات إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وإلى محمد الباقر ،وإلى علي الرضا ،وهذا رأي
الروافض في مصر في تلك العصور السلمية الزاهرة ،وقد عقب المجلسي على هذه
472
النصوص بقوله بأن مصر صارت من شر البلد في تلك الزمنة ،لن أهلها صاروا من أشقى
الناس وأكفرهم [انظر :بحار النوار.].5/208 :
كل ذلك لنها لم تأخذ بنهج الروافض ،ويحتمل أن هذه الروايات قبل أو بعد الحقبة
السماعيلية من تاريخ مصر ،لن من يشاركهم في رفضهم ..ويقيم دولة تسمح بكفرهم ل
ينالون منه بمثل هذا.
ول يبعد أن هذه النصوص هي تعبير عن حقد الرافضة وغيظهم على مصر وأهلها بسبب
سقوط دولة إخوانهم السماعيليين على يد القائد العظيم صلح الدين الذي طهر أرض الكنانة
من دنسهم ورجسهم.
وأين هذه الكلمات المظلمة في حق مصر وأهلها من الباب الذي عقده مسلم في صحيحه "باب
وصية النبي صلى ال عليه وسلم بأهل مصر" [صحيح مسلم.].2/2970 :
[انظر :الخصال :ص ،507-506بحار النوار: وجاء عندهم ذم كثير من بلدان السلم وأهلها
60/206وما بعدها .].ولم يستثن من ديار المسلمين إل من يقول بمذهبهم وهي قليلة في تلك
الزمان ،حتى جاء عندهم "إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة"
[بحار النوار ،60/209 :وعزاه إلى بصائر الدرجات.].
473
ويبدو أنهم يريدون قضاة يحكمون بحكايات الرقاع ،وبالجفر والجامعة ،ومصحف فاطمة،
[انظر" :فصل السنة ،ومبحث اليمان وحكم آل داود ،ول يسألون البينة ،كما جاء ذلك في أخبارهم
بالكتب ،وفصل الغيبة" ].ل في حكم الكتاب والسنة وإجماع سلف المة ،فهم الذين تتناولهم الية التي
استدلوا بها ،لنها نزلت في بعض المنافقين الذين فضلوا حكم الطاغوت على حكم محمد بن عبد
وما بعدها (من الجزاء المحققة) ،تفسير البغوي: ال صلى ال عليه وسلم [انظر :تفسير الطبري8/507 :
.].1/446وهؤلء الروافض من جنس أولئك المنافقين.
وهذه النظرة لم يتغير منها شيء في نفوس شيوخهم في هذا العصر؛ فها هو الخميني يعقب
على حديثهم هذا فيقول – مؤكدًا معناه " :-المام عليه السلم نفسه ينهى عن الرجوع إلى
السلطين وقضاتهم ويعتبر الرجوع إليهم رجوعًا إلى الطاغوت" [الحكومة السلمية :ص .].74
ويقول المعلق على الكافي :والية بتأييد الخبر تدل على عدم الترافع إلى حكم الجور مطلقًا،
وربمـا قيـل بجواز التوسـل بهـم إلى أخـذ الحـق المعلوم ،اضطرارًا مـع عدم إمكان الترافـع إلى
الفقيه العدل [أصول الكافي( 1/67 :الهامش).].
ولكن يظهر أن هذه المبادئ التي وضعها الزنادقة لم تجد القبول لدى بعض أتباعهم ،لنه يجد
في ظل قضاة الم سلمين العدل والن صاف ما ل ي جد ع ند قو مه ،و قد اعترف بعض هم لش يخ
[منهاجال سلم ابن تيمية فقال له :أن تم (يع ني أ هل ال سنة) تنصفوننا ما ل ينصف بعض نا بعضًا
السنة .3/39 :وقد حدثني بعض قضاة السنة وقد تولى القضاء في بعض المناطق التي يقطنها شيعة بأنه يجد رغبة
في التحاكم إلى أهل السنة لستخلص حقوقهم ول يرجعون لشيوخهم .ويبدو أنهم ل يلجأون إلى شيوخهم إل مكرهين
تحت سياط الوعيد والتهديد بإصدار صكوك الحرمان ،والوعيد بالنيران.].
وقد اشتكى بعض رجالهم لمامه بأنهم يجدون عند أهل السنة كثرة المانة ،وحسن الخلق،
وحسن السمت ،ويجدون على الضد من ذلك في الشيعة فيغتمون لذلك [أصول الكافي.].2/4 :
6ـ أئمة المسلمين وعلماؤهم:
حذروا من التلقي عن شيوخ المسلمين وعلمائهم ،وعدوهم كملل أهل الشرك "عن هارون بن
[هذا اللّقب يطلق عندهم في خارجة قال :قلت لبي عبد ال عليه السّلم :إنّا نأتي هؤلء المخالفين
الغالب على أهل السّنّة ،وقد يتناول كلّ مخالف ].فنسمع منهم الحديث يكون حجّة لنا عليهم؟ قال :ل تأتهم
ول تسمع منهم ،لعنهم ال ولعن مللهم المشركة" [بحار النوار ،2/216 :وعزاه للسّرائر لبن إدريس.].
وجاء في الكافي عن سدير عن أبي جعفر قال .." :يا سدير فأريك الصّادّين عن دين ال ،ثم
نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثّوري في ذلك الزّمان وهم حلق في المسجد ،فقال :هؤلء
474
الصّادّون عن دين ال بل هدى من ال ول كتاب مبين ،إنّ هؤلء الخابث لو جلسوا في بيوتهم
فجال النّاس ،فلم يجدوا أحدًا يخبرهم عن ال تبارك وتعالى وعن رسوله صلى ال عليه وسلم
[أصول الكافي: حتى يأتونا فنخبرهم عن ال تبارك وتعالى وعن رسوله صلى ال عليه وسلم"
،393-1/392تفسير نور الثّقلين.].4/132 :
فيبدوا أن الغيظ أخذ من هؤلء الباطنيين مأخذه ،وهم يرون أئمة أهل السنة يعلمون الناس
القرآن والسنة ،ويدعون إلى دين السلم والناس مقبلون عليهم ،ينهلون من علمهم ويأخذون
عنهم ،فترى حلقهم في المسجد ،عامرة بالرواد ،مزدانة بالعلم ..تغمرها السكينة ،وتحفها
الرحمة ،وتغشاها الملئكة ،وكان هؤلء العلماء العلم للمتقين أئمة وقادة ،وأولئك الباطنيون قد
قبعوا في بيوتهم ،ل يلتفت إليهم ،ول يحفل بهم ،قد استولت عليهم الذلة ،والمسكنة وباءوا
بغضب الناس ،واحتقارهم .فكانت أمنياتهم التي وضعوها على ألسنة أهل البيت للتغرير
بالتباع ،ومحاولة إيجاد الفتنة والعزلة بين أهل البيت وأئمة المسلمين ،كانت هذه المنيات تكفر
أئمة المسلمين وتتمنى أن تخلو الرض منهم لتتهيأ لهم الفرصة لتحقيق أغراضهم.
475
وفي الكافي "عن عبد ال بن المغيرة قال :قلت لبي الحسن رضي ال عنه :إنّ لي جارين
أحدهما ناصب والخر زيدي ول بدّ من معاشرتهما فمن أعاشر؟ فقال :هما سيان ،من كذب
بآية من كتاب ال فقد نبذ السلم وراء ظهره هو المكذّب بجميع القرآن والنبياء والمرسلين ،ثم
(مع شرحه قال :إنّ هذا نصب لك ،وهذا الزّيدي نصب لنا" [الكافي /كتاب الرّوضة12/304 :
للمازندراني) ،مفتاح الكتب الربعة.]8/76 :
ولم يشفع للزيدية عندهم أنهم "دعوا إلى ولية علي" [بحار النوار ].72/181 :وكانوا شيعة:
لنهم "خلطوها بولية أبي بكر وعمر" [بحار النوار ].72/181 :وهذا عندهم ذنب ل يغفر ،بل إن
مجرد محبة أبي بكر عندهم هي من الكفر .جاء في البحار "عن أبي علي الخراساني عن مولى
لعليّ بن الحسين عليه السّلم قال :كنت معه عليه السّلم في بعض خلواته فقلت :إنّ لي عليك
[بحار حقّا أل تخبرني عن هذين الرّجلين :عن أبي بكر وعمر؟ فقال :كافران كافر من أحبّهما"
النوار.].138-137 /72 :
وعدوا مجرد العتقاد بإمامة أبي بكر وعمر من النصب الذي هو أعظم الكفر عندهم.
ولهذا قال الملجسي" :قد يطلق الناصب على مطلق المخالف غير المستضعف كما هو ظاهر
من كثير من الخبار" [مرآة العقول.].4/72 :
وقال أيضًا" :ل تجوز الصلة على المخالف لجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار
إمامة إل للتقية ،فإن فعل (يعني صلى عليه تقية) لعنه بعد الرابعة" [مرآة العقول.].73-4/72 :
وقد قال المفيد بأن كل أهل البدع كفار [أوائل المقالت :ص ،].15ولهذا عقد المجلسي بابًا
بعنوان" :باب كفر المخالفين والنصاب" [بحار النوار.].72/131 :
وقال المجلسي" :كتب أخبارنا مشحونة بالخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية،
والواقفة" [بحار النوار.].37/34 :
وهذه الفرق التي يذكر كلها شيعة ،فما بالك بمن دونهم – في رأيهم .-
بل إن رجال الثني عشرية يكفر بعضهم بعضًا ،استمع إلى ما يرويه الكشي ،ويوافقه عليه
شيخ طائفتهم الطوسي [لن رجال الكشي من اختياره وتهذيبه ،].عن حال أصحابهم من التكفير
والختلف والتنابذ ،حيث يقول في روايته بأنه في سنة (190ه) اجتمع ستة عشر رجلً في
باب أبي الحسن الثاني ،فقال له أحدهم ويدعى جعفر بن عيسى" :يا سيدي ،نشكو إلى ال وإليك
[هذا من اللفاظ المنهي عنها لدخولها في دائرة الشرك ،بل يقال" :نشكو إلى ال ثم إليك" وضلل هؤلء أكبر من ذلك،
ولكن هذا لتنبيه القارئ ].ما نحن فيه من أصحابنا ،فقال :وما أنتم فيه منهم؟ فقال جعفر :هم وال
يزندقونا ويكفرونا ويتبرؤون منا ،فقال :هكذا كان أصحاب علي بن الحسين ،ومحمد بن علي،
476
وأصحاب جعفر ،وموسى :صلوات ال عليهم ،ولقد كان أصحاب زرارة يكفرون غيرهم،
[رجال وكذلك غيرهم كانوا يكفرونهم "..وقال يونس" :جعلت فداك إنهم يزعمون أنا زنادقة"
الكشي :ص .].499-498
وهذا حال "رعيلهم الول" الذين ينتسبون زورًا لهل البيت ،فما حال من بعدهم؟!
477
[وهذا أحد عناوين بحار النوار ،].7/237 :ومرة تقول بأنهم خلق منكوس وهم ليسوا من البشر ،بل
[ومن شواهد ذلك "عن أبي بصير قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :أنا مولك ومن هم قردة وكلب وخنازير
شيعتك ،ضعيف البصر ،اضمن لي الجنة .قال :أول أعطيك علمة الئمة؟ قلت :وما عليك أن تجمعها لي؟ قال:
وتحب ذلك؟ قلت :كيف ل أحب؟ فما زاد أن مسح على بصير فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالسًا،
قال :يا أبا محمد هذا بصرك ،فانظر ما ترى بعينك ،قال :فوال ما أبصرت إل كلبًا وخنزيرًا وقدرًا ،قلت :ما هذا
الخلق الممسوخ؟ قال :هذا الذي ترى ،هذا السواد العظم ،ولو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إل
في هذه الصورة ،ثم قال :يا محمد ،إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على ال ،وإن أحببت ضمنت لك على
ال الجنة ورددتك على حالك الول ،قلت :ل حاجة في إلى النظر إلى هذا الخلق المنكوس ،ردني فما للجنة عوض،
فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت" (بحار النوار ،27/30 :وعزاه إلى الخرائج والجرائح للراوندي).
فانظر إلى هذه المخاريق التي ل تشيع إل في مجتمعات السحرة والمشعوذين ،وانظر إلى دعواهم أن الئمة
خ ُرجُ ِمنْ َأفْوَاهِهِ ْم إِن َيقُولُونَ إِل
يملكون الضمان بالجنة ،ثم زعمهم بأن كل الناس كلب وخنازير { َك ُب َرتْ َكلِمَ ًة تَ ْ
كَ ِذبًا} ،].ولهم أقوال ولعنات في المة كثيرة منكرة.
هذه نصوص الثني عشرية لم تدع أحدًا من أمة محمد صلى ال عليه وسلم إل وتناولته
بالطعن والتكفير ،وخصت بذلك صحابة رسول ال من المهاجرين والنصار وأهل البيت
النبوي ،والمصار السلمية وأهلها ،والفرق السلمية ،وأمة محمد وتلعن الجميع في دعواتها
وصلواتها وزياراتها ،فهل استثنت الشيعة أحدًا؟ نعم ،إنها استثنت الفئة التالية ودافعت عنهم
وأثنت عليهم.
479
اليوم من يتجاهل الدلئل والبراهين في ذلك ،وحسبك أن تعرف أن أحد آيات الشيعة في هذا
[انظر – مثلً العصر ،ومن يرفع شعار الوحدة السلمية ،ويرددها في نشراته وخطبه ورحلته
:-السلم فوق كل شيء :ص ].65وهو شيخهم محمد الخالصي قد كتب رسالة للشيخ محمد بهجة
البيطار في تاريخ 26ربيع الول سنة 1382ه يقول فيها:
"لم أذكر الصحابة بخير لني ل أريد أن أتعرض لعذاب ال وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته
في مدح من ذمه الكتاب والسنة ،والطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد ،والحاديث
المتواترة عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو أن كتاب ال وسنته لم
[رسالة السلم والصحابة الكرام بين السنة تذكر الصحابة بخير ،ول تدل على فضل لهم لنهم صحابة"
والشيعة للشيخ محمد بهجة البيطار :ص .].6
فالخالصي هنا ل يذكر الصحابة بخير مع تواتر النصوص في فضلهم ،ولكنه يقول عن
أئمته :إن "الئمة الثني عشر أركان اليمان ول يقبل ال تعالى العمال من العباد إل بوليتهم"
[الخالصي /العتصام بحبل ال :ص ].43مع أن الثني عشر ل ذكر لهم ول لمامتهم أصلً في كتاب
ال سبحانه .فانظر كيف يكذبون بالحقائق الواضحات ،ويصدقون بالكذب الصريح.
وإذا كان المر وصل إلى هذا الحد فإننا نسوق الدلة والبراهين على نقض مذهب الرافضة،
وبيان فضل الصحابة من الكتاب والسنة ،وأقوال الئمة ،والتاريخ ،والعقل ،والمور المعلومة
المتواترة ..ونكشف – من خلل كتب الشيعة نفسها – مؤسس وواضع هذه العقيدة في المذهب
الشيعي.
وهو بالتالي نقض لمذهبهم في تكفير المة جميعًا ،لن السبب الذي كفروا به الصحابة هو
السبب بعينه الذي كفروا به سائر المسلمين ،ولكن الصحابة – رضوان ال عليهم – يختصون
بالمزيد من السب واللعن والتكفير قديمًا وحديثًا بهدف إبطال الشريعة التي ينقلونها للمة.
أ ـ القرآن الكريم:
لقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم والرضا عنهم ،وأثنى ال عليهم في آيات كثيرة جلية
واضحة ،ل نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن بالثني
عشر.
خرِجَتْ لِلنّاسِ} [آل عمران ،آية.].110 :
خ ْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْ
ـ قال جل شأنه { :كُنتُمْ َ
480
"وكفى فخرًا لهم أن ال تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس ،فإنهم أول داخل في هذا
الخطاب ،ول مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم ال عز وجل لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم
ونصرته" [ابن حجر الهيثمي /الصواعق المحرقة :ص .].7
ولهذا جاء تأويلها عن السلف بأقوال "مقتضاها أن الية نزلت في الصحابة ،قال ال لهم كنتم
[ابن عطية /المحرر الوجيز ،3/193 :ولهذا قال علمة الشيعة الزيدية محمد بن إبراهيم الوزير بعدما خير أمة"
ذكر من أحوال أولئك الصحب العظام ما لم تر أمة من أمم الرض مثله .قال" :وهذه الشياء تنبه الغافل ،وتقوي
ت لِلنّاسِ} كفاية وغنية" (الروض الباسم،57-1/56 :
خرِجَ ْ
خ ْيرَ أُمّ ٍة أُ ْ
بصيرة العاقل ،وإل ففي قوله تعالى{ :كُنتُمْ َ
وانظر :محب الدين الخطيب /الجيل المثالي :ص .].)19
حسَانٍ
جرِينَ وَالَنصَارِ وَالّذِينَ ا ّتبَعُوهُم بِإِ ْ
ـ وقال سبحانه{ :وَالسّابِقُونَ ا َلوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَا ِ
ح َتهَا ا َل ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا ذَلِكَ الْ َف ْوزُ
جرِي تَ ْ
جنّاتٍ تَ ْ
عنْهُ وََأعَدّ َل ُهمْ َ
عنْهُمْ َورَضُواْ َ
ّرضِيَ الّلهُ َ
الْعَظِيمُ} [التّوبة :آية.].100 :
فالية صريحة الدللة على رضاء ال سبحانه عن المهاجرين والنصار ،والتابعين لهم
بإحسان ،وتبشيرهم بالفوز العظيم ،والخلود في جنات النعيم ،ولهذا قال ابن كثير عند هذه الية:
"فيا ويل من أبغضهم أو سبهم ،أو أبغض أو سب بعضهم ول سيما سيد الصحابة بعد الرسول
وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الكبر والخليفة العظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي ال عنه،
[بل تجاوزوا فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم
مرحلة السب إلى الحكم بالردة والتكفير ،].عياذًا بال من ذلك .وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة،
[تفسير ابن كثير: وقلوبهم منكوسة ،فأين هؤلء من اليمان بالقرآن ،إذ يسبون من رضي ال عنهم"
.].2/410
جرَةِ فَ َعلِمَ مَا فِي
ك تَحْتَ الشّ َ
ضيَ الّلهُ عَنِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ
ـ وقال سبحانه{ :لَقَدْ َر ِ
قُلُو ِبهِمْ فَأَن َزلَ السّكِي َنةَ عَ َل ْيهِمْ وََأثَا َبهُمْ َفتْحًا َقرِيبًا} [الفتح ،آية.].18 :
قال ابن حزم" :فمن أخبرنا ال سبحانه أنه علم ما في قلوبهم ،ورضي عنهم ،وأنزل السكينة
عليهم فل يحل لحد التوقف في أمرهم ول الشك فيهم البتة" [الفصل.].4/225 :
[التّنعيم :على ثلثة أميال أو أربعة من مكّة "والذين بايعوا تحت الشّجرة بالحديبيّة عند جبل التّنعيم
ن على يمينه جبل نعيم كزبير ،وعلى يساره جبل ناعم ،والوادي اسمه نعمان بالفتح( .انظر :تاج
المشرّفة ،سمّي به ل ّ
العروس ،مادّة "نعم" ،ومعجم البلدان ،لفظ "تنعيم") ].كانوا أكثر من ألف وأربعمائة ،بايعوه لما صده
المشركون عن العمرة [منهاج السنة( 16-2/15 :تحقيق د .رشاد سالم)...].
481
وهؤلء كما يقول شيخ السلم ابن تيميّة هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال
عنهم [منهاج السّنّة.].1/206 :
ولقد خاب وخسر من رد قول ربه أنه رضي عنه المبايعين تحت الشجرة ..وقد علم كل أحد
له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وطلحة والزبير وعمارًا والمغيرة بن شعبة رضي
ال عنهم من أهل هذه الصفة ،وقد انتظمت الخوارج والروافض البراءة منهم خلفًا ل عز وجل
وعنادًا [الفصل.].4/226 :
حمَاء َبيْ َنهُ ْم َترَاهُمْ رُكّعًا
حمّدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَالّذِينَ مَ َعهُ َأشِدّاء عَلَى الْكُفّارِ رُ َ
وقال تعالى{ :مّ َ
ك َمثَُلهُمْ فِي
ل مّنَ الّلهِ َو ِرضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِم مّنْ َأثَرِ السّجُودِ َذلِ َ
سُجّدًا َي ْبتَغُونَ َفضْ ً
علَى سُوقِ ِه يُعْجِبُ
ستَغَْلظَ فَاسْ َتوَى َ
طأَهُ فَآ َزرَهُ فَا ْ
خ َرجَ شَ ْ
ال ّت ْورَاةِ َو َمثَُلهُمْ فِي الِنجِيلِ َك َزرْعٍ َأ ْ
عظِيمًا}
جرًا َ
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْنهُم مّغْ ِفرَةً وََأ ْ
ال ّزرّاعَ ِليَغِيظَ بِهِمُ ا ْلكُفّارَ َوعَدَ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا َو َ
[الفتح ،آية.].29 :
فانظر إلى عظيم مقام الصحابة ،حيث أثنى ال عليهم بهذه الوصاف ،وأخبر أن صفتهم
مذكورة في التوراة والنجيل ،حتى ذكر بعض أهل العلم أنّ ظاهر هذه الية يُوجب أنّ
ظ ِبهِمُ الْكُفّارَ}،
الرّوافض كفّار؛ لنّ في قلوبهم غيظًا من الصّحابة وعداوة لهم ،وال يقولِ { :ليَغِي َ
[انظر :السفراييني /التّبصير في الدّين :ص ،25 فبيّن أنّ من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفّار
تفسير ابن كثير ،4/219 :تفسير القاسمي.].15/104 :
ج ًة مّنَ الّذِينَ
عظَمُ َدرَ َ
ق مِن َق ْبلِ الْ َف ْتحِ َوقَا َتلَ ُأوْ َلئِكَ أَ ْ
س َتوِي مِنكُم مّنْ أَنفَ َ
ـ وقال تعالى{ :ل يَ ْ
حسْنَى} [الحديد ،آية.].10 :
أَنفَقُوا مِن بَ ْعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلً وَعَدَ الّلهُ ا ْل ُ
ع ْنهَا
حسْنَى ُأوْ َلئِكَ َ
سبَقَتْ َلهُم مّنّا ا ْل ُ
وقد حكم ال لمن وعد بالحسنى بقوله{ :إِنّ الّذِينَ َ
ح ُز ُنهُمُ ا ْل َفزَعُ ا َل ْك َبرُ}
سهُمْ خَالِدُونَ ،ل يَ ْ
ش َتهَتْ أَن ُف ُ
سهَا وَهُمْ فِي مَا ا ْ
حسِي َ
سمَعُونَ َ
مُبْعَدُونَ ،ل يَ ْ
[النبياء ،آية.].103 ،102 ،101 :
فجاء النص أن من صحب النبي صلى ال عليه وسلم فقد وعده ال تعالى بالحسنى ،وقد نص
خِلفُ ا ْلمِيعَادَ} [آل عمران ،آية ].9 :وصح بالنص أن كل من سبقت له من
ال سبحانه{ :إِنّ الّلهَ َل يُ ْ
ال تعالى الحسنى ،فإنه مبعد عن النار ل يسمع حسيسها ،وهو فيما اشتهى خالد ل يحزنه الفزع
الكبر ..وليس المنافقون ول سائر الكفار من أصحابه صلى ال عليه وسلم [المحلى.].1/42 :
خرِجُوا مِن دِيارِ ِهمْ وََأ ْموَا ِلهِمْ يَ ْبتَغُونَ َفضْلً مّنَ
جرِينَ الّذِينَ ُأ ْ
ـ وقال سبحانه{ :لِلْفُ َقرَاء ا ْلمُهَا ِ
ن َت َب ّوؤُوا الدّارَ وَالِيمَانَ مِن
الّلهِ َو ِرضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الّلهَ َورَسُو َلهُ ُأ ْوَلئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ ،وَالّذِي َ
سهِمْ
علَى أَن ُف ِ
ج ًة ّممّا أُوتُوا َو ُيؤْ ِثرُونَ َ
جرَ إِ َل ْيهِمْ وَل يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ
ن مَنْ هَا َ
حبّو َ
َقبْ ِلهِ ْم يُ ِ
482
سهِ َفُأوْ َلئِكَ هُمُ ا ْلمُفْلِحُونَ ،وَالّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ
ح نَفْ ِ
شّصةٌ َومَن يُوقَ ُ
خصَا َ
وَ َلوْ كَانَ ِبهِمْ َ
ج َعلْ فِي ُقلُوبِنَا غِلً لّلّذِينَ آ َمنُوا
سبَقُونَا بِالِيمَانِ وَل تَ ْ
خوَا ِننَا الّذِينَ َ
يَقُولُونَ َر ّبنَا اغْ ِفرْ َلنَا وَلِ ْ
َربّنَا ِإنّكَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ} [الحشر ،اليات.].10 ،9 ،8 :
وهذه اليات تتضمّن الثّناء على المهاجرين والنصار ،وعلى الذين جاءوا من بعدهم
يستغفرون لهم ،ويسألون ال أل يجعل في قلوبهم غلّ لهم ،وتتضمّن أنّ هؤلء الصناف هم
المستحقّون للفيء.
ول ريب أن هؤلء الرّافضة خارجون من الصناف الثلثة ،فإنهم لم يستغفروا للسّابقين،
وفي قلوبهم غلّ عليهم .ففي اليات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم
وإخراج الرافضة من ذلك ،وهذا ينقض مذهب الرافضة [منهاج السنة.].1/204 :
[وحبذا لو قام أحد طلبة قسم القرآن وعلومه بتسجيل موضوع في "الصحابة في واليات في هذا الباب كثيرة
القرآن الكريم" لظهار عظيم ثناء ال على هذا الجيل القرآني الفريد.].
ب ـ السنة المطهرة:
وكتب السنة مليئة بالثناء على الصحب ،وبيان فضلهم عن سيد الخلق صلى ال عليه وسلم.
1ـ فنصوص تثني عليهم جميعًا كقوله صلى ال عليه وسلم" :ل تسبّوا أصحابي ،ل تسبّوا
أصحابي ،فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل ُأحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ول نصيفه"
[أخرجه البخاري ،باب فضائل أصحاب النّبي صلى ال عليه وسلم .4/195ومسلم ،واللّفظ له ،في كتابه فضائل
الصّحابة ،باب تحريم سبّ الصّحابة رضي ال عنهم( 2/1967 :ح ،)2540وأبو داود في كتاب السّنّة ،باب في
ب أصحاب رسول ال( 5/45 :ح ،)4658والتّرمذي في كتاب المناقب ،باب 696-5/695 :59 النّهي عن س ّ
(ح .].)3861
وقوله عليه الصلة والسلم" :خير النّاس قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،»،قال
[أخرجه البخاري ،3/151 :في كتاب الشّهادات ،باب ل عمران :فل أدري أذكر بعد قرنه قرني أو ثلثة"
يشهد على شهادة جور إذا شهد ..واللّفظ له ،ومسلم بنحوه في كتاب فضائل الصّحابة ،باب فضل الصّحابة ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم( 2/1962 :ح .].)2533
2ـ ونصوص تثني على جماعات منهم على سبيل التعيين كأهل بدر ،وقد قال فيهم صلى
ال عليه وسلم .." :وما يدريك لعلّ ال اطّلع على أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
[أخرجه مسلم ،كتاب فضائل الصّحابة ،باب من فضائل أهل بدر( 2/1941 :ح .].)2494
وأصحاب الشّجرة أهل بيعة الرّضوان ،وقد قال فيهم صلى ال عليه وسلم" :ل يدخل النّار –
[أخرجه مسلم ،كتاب فضائل الصّحابة ،باب إن شاء ال – من أصحاب الشّجرة أحد ،الذين بايعوا تحتها"
483
[راجع :جامع الصول ،الباب الرّابع فيمن فضائل أصحاب الشّجرة( 2/1942 :ح .].)2496وغيرهما
فضائل الصّحابة ومناقبهم ،وفيه خمسة فصول 8/547 :وما بعدها ،وانظر :فضائل الصّحابة للمام أحمد ،وفضائل
الصّحابة للنّسائي ،وانظر :الشّوكاني /درّ السّحابة في مناقب القرابة والصّحابة ،الكبيسي /صحابة رسول ال صلى ال
عليه وسلم في الكتاب وال ّسنّة :ص .].161
3ـ ونصوص تثني على آحادهم وهي كثيرة ذكرتها كتب الصحاح ،والسنن والمسانيد.
ولكن الشيعة قد رضيت لنفسها أن تنأى عن هذا المورد العظيم فهي ل تعرج في مقام
الستدلل عليها ،ول تحتج بها ،ول معنى لحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم ل يصدقونها ،كما أنه
ل معنى لحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن ل نصدقها ،وإنما ينبغي أن يحتج الخصوم بعضهم
[الفصل: على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به ،سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه
.].4/159
ولذا أكتفي في هذا المقام بالحالة على الكتب المهات في أبواب فضائل الصحابة؛ ففيها
أحاديث كثيرة في فضل الصحابة والثناء عليهم ،والنهي عن سبهم وأقيم عليهم الحجة من كتبهم
أيضًا ،من أقوال الئمة التي يعدونها كأحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم.
484
عن الصّادق عن آبائه عن علي عليه السّلم قال" :أوصيكم بأصحاب نبيّكم ل تسبّوهم ،الذين
[المجلسي :البحار لم يحدثا بعده حدثًا ولم يؤووا مُح ِدثًا ،فإنّ رسول ال أوصى بهم الخير"
.].306-22/305
وفي البحار أيضًا ،قال النبي صلى ال عليه وسلم" :طوبى لمن رآني ،وطوبى لمن رأى من
رآني ،وطوبى لمن رأى من رأى من رآني" [أمالي الصدوق ،241-240 :بحار النوار.].22/305 :
وعن موسى بن جعفر (إمامهم السّابع) قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أنا أمنة
لصحابي ،فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون ،وأصحابي أمنة لمّتي ،فإذا قبض أصحابي
دنا من أمّتي ما يوعدون ،ول يزال هذا الدّين ظاهرًا على الديان كلّها ما دام فيكم من قد رآني"
[المجلسي /البحار ،310-309 /22 :وعزاه إلى نوادر الرّواندي :ص .].23
وفي معاني الخبار لشيخهم ابن بابويه القمي (الصدوق) " :عن جعفر بن محمد عن آبائه
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ما وجدتم في كتاب ال عز وجل فالعمل
لكم به ،ل عذر لكم في تركه ،وما لم يكن في كتاب ال عز وجل ،وكانت فيه سنة مني فل عذر
لكم في ترك سنتي ،وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به ،فإنما مثل أصحابي
فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي ،وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم (ثم زاد دعاة التفرقة
[ابن بابويه/ على هذا النص الزيادة التالية) فقيل :يا رسول ال ،ومن أصحابك؟ قال :أهل بيتي"
معاني الخبار ،157-156 :المجلسي /البحار.].307 :
ول شك أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جدًا ،وقد لحظ صدوقهم هذا البعد فعقب
على النص السالف بقوله" :إن أهل البيت ل يختلفون ،ولكن يفتون الشيعة بمر الحق ،وربما
[ابن بابويه /معاني الخبار: أفتوهم بالتقية ،فما يختلف من قولهم فهو للتقية ،والتقية رحمة للشيعة"
،157-156المجلسي /البحار.].307 :
فهو هنا يحمل "النص الذي يثني على الصحابة" على التقية ،والعقل والمنطق يعترض على
هذا "التأويل" فلم يكون الثناء على الصحابة الذي أثنى عليهم ال ورسوله ،وشهد التاريخ بفضلهم
وجهادهم تقية ،ويكون السب لهم هو الحقيقة وهو مذهب الئمة؟ إنه ل دليل لهم على هذا
المذهب سوى أنه يتمشى مع منطق أعداء المة.
ثم إن النص السابق يرويه "جعفر الصادق" عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فهل رسول
ال يكذب على المة – تقية – أو أن جعفرًا يكذب على رسول ال من أجل التقية؟! وكل
المرين طعن في رسول ال صلى ال عليه وسلم وأهل بيته ومخالفة صريحة للنصوص.
485
وفي نهج البلغة يقول علي رضي ال عنه في أبي بكر أو عمر رضي ال عنهما على
اختلف بين شيوخ الشيعة في ذلك [انظر :ميثم البحراني /شرح نهج البلغة" : ].4/97 :ل بلء فلن
[وهو كناية عن [أي عمله الحسن في سبيل ال (ميثم البحراني /شرح نهج البلغة ].)4/97 :فلقد قوم الود
تقويمه لعوجاج الخلق عن سبيل ال إلى الستقامة( .مثيم البحراني /شرح نهج البلغة ،].)4/97 :وداوى ال َعمَد
سنّة ..وخلف
[العمد بالتّحريك :العلّة .انظر :صبحي الصّالح في تعليقه على نهج البلغة ص ،].671:وأقام ال ّ
الفتنة [تركها خلفًا ل هو أدركها ول هي أدركته (المصدر السّابق) ،].ذهب نقي الثّوب ،قليل العيب ،أصاب
(تحقيق صبحي خيرها وسبق شرّها ،أدّى إلى ال طاعته واتّقاه بحقّه" [نهج البلغة :ص 350
الصّالح).].
وهذا نصّ عظيم يهدم كلّ ما بنوه وزعموه عن عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي ال
عنهم.
وقد احتار "الروافض" بمثل هذا النص؛ لنه في نهج البلغة وما في النهج عندهم قطعي
[ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ المامية ،من أهل الثبوت ،وصور شيخهم ميثم البحراني
البحرين ،من كتبه" :شرح نهج البلغة" ،توفي في البحرين سنة 679ه (معجم المؤلفين ].)13/55 :ذلك بقوله:
"واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالً فقالوا :إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين
تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلفة ،فإما أن ل يكون هذا الكلم من
كلمه رضي ال عنه ،وإما أن يكون إجماعنا خطأ".
ثم حملوا هذا الكلم على التقية وأنه إنما قال هذا المدح من أجل "استصلح من يعتقد صحة
خلفة الشيخين واستجلب قلوبهم بمثل هذا الكلم" .أي :أن عليًا – في زعمهم – أراد خداع
الصحابة ،وأظهر لهم خلف ما يبطن فهو خطب هذه الخطبة العامة أمام الناس ،وهي مبنية
على الكذب ،هذا هو جواب من يزعم التشيع لعلي [ميثم البحراني /شرح نهج البلغة.].4/98 :
ل يرضى هذا "الجواب" ،وإننا نقول بأن إجماع الشيعة ضلل ،وقول علي
وما أعتقد أن عاق ً
هو الحق والصدق ،وهو الذي ل يخاف في ال لومة لئم.
وقد يقول قائل :هذه النصوص المنقولة من كتبهم تناقض ما سلف من تكفير الشيعة للصحابة،
وأقول :نعم ،لن هذا المذهب يحمل في رواياته هذه الصورة المتناقضة ،لكن شيوخهم وضعوا
أصولً وأقوالً نسبوها للئمة للتخلص من هذه الخبار ،والخروج من هذا التناقض ،فمن
أصولهم أن هذا التناقض أمر مقصود لخفاء حقيقة المذهب حتى ل يقضى على المذهب وأهله
من قبل العامة (يعني أهل السنة) [انظر :أصول الكافي.].1/65 :
486
[انظر :ص ( )413من هذه وقالوا عند الختلف" :خذوا بما خالف العامة ،فإن فيه الرشاد"
الرسالة .].ولذلك يحمل شيوخهم أمثال هذه الروايات على التقية ،ولنها روايات قليلة بالنسبة
لخبارهم الكثيرة التي تفكر وتلعن ،فهم ل يأخذون بها ،فمفيدهم يقول" :ما خرج للتقية ل يكثر
روايته عنهم كما تكثر روايات المعمول به" [تصحيح العتقاد :ص .].71
ولذلك تجد في تعقيب ابن بابويه إشارة إلى أن مدح الصحابة في الرواية التي ذكرها إنما هو
على سبيل التقية ،وكذلك في تعقيب ميثم.
وإذا كان المر كذلك فإني إنما ذكرت هذه الخبار وأمثالها لثبات تناقض المذهب أمام
العقلء ،وتبصير من يريد الحق من أتباع المذهب إلى أن هذه الروايات هي الحقيقة ل التقية؛
لتفاقها مع كتاب ال سبحانه وإجماع المة.
وبيان أن عقيدة التقية جعلت من المذهب ألعوبة بأيدي الشيوخ يوجهونه وفق إرادتهم ،فلم يعد
مذهب أهل البيت ،إنما مذهب الكليني والقمي والمجلسي وأضرابهم.
487
ثانيًا :إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهرة ،ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل السلم
كانت أقوى ،حيث كان السلم إذ ذاك قليلً ،والكفار مستولون على عامة الرض ،وكان
المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الذى ما ل يعلمه إل ال،
وهم صابرون على الذى متجرعون لمرارة البلوى ،وقد اتبعوه صلى ال عليه وسلم وهو وحيد
فقير ،ذليل خائف ،مقهور مغلوب ،وأهل الرض يد واحدة في عداوته ،وقد خرجوا من ديارهم
وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبًا ل ورسوله.
وهذا كله فعلوه طوعًا واختيارً ،فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف السلم ،كيف
يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلمه [منهاج السنة].4/128 :؟! لسيما والسبب الذي
تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي ،ل يوجد فيه ما يدفعهم إلى
التضحية بإيمانهم ،وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر ،فما الذي حملهم
على ذلك وهم يعلمون أنه كفر بربهم ،ورجوع عن دينهم ،وتركوا اتباع قول رسول ال في بيعة
علي بن أبي طالب ،وقد علموا أنها طاعة نبيهم ،والثبات على دينهم ،هل يعقل أن يطيع
المهاجرون والنصار أبا بكر في الكفر بال ،ويتركوا اتباع قول رسول ال في علي؟ وهم الذين
خرجوا من ديارهم يبتغون فضلً من ال ورضوانًا ،وينصرون ال ورسوله ،أولئك هم
الصادقون.
ثالثًا :إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن
القيام بأمر ال ،ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة ،بل بطلنها ما دام نقلتها مرتدين ،ويؤدي إلى
القدح في القرآن العظيم ،لنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم ،وهذا هو
هدف واضع هذه المقالة ،ولذلك قال أبو زرعة « :إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ،وذلك أن الرسول صلى ال عليه وسلم حق
والقرآن حق ،وإنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول ال ،وإنما يريدون أن يجرحوا
شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ،والجرح بهم أولى وهم زنادقة" [الكفاية :ص .].49
ولذلك اعترفت كتب الشّيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت إنه" :أوّل من أظهر
الطّعن في أبي بكر عمر وعثمان والصّحابة ،وتبرأ منهم ،وادّعى أنّ عليّا عليه السّلم أمره
بذلك" [القمي /المقالت والفِرَق :ص ،20النّوبختي /فِرَق الشّيعة :ص .].20-19
رابعًا :أنّ عليّا رضي ال عنه لم يكفّر أحدًا ممّن قاتله حتى ول الخوارج ،ول سبى ذرية أحد
منهم ،ول غنم ماله ،ول حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر
الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين ،بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما
488
ممن قاتله ،ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين ،وقد ثبت بالنّقل
[وهذا الصّحيح أنّ مناديه نادى يوم الجمل :ل يتبع مدبر ،ول يجهز على جريح ،ول يغنم مال
ممّا أنكرته الخوارج عليه حتى ناظرهم ابن عبّاس – رضي ال عنه – في ذلك( .منهاج ال ّسنّة..].)4/181 :
واستفاضت الثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية :إنهم جميعًا مسلمون ليسوا كفارًا ول
منافقين [منهاج السنة.].4/181 :
وهذا ثبت بنقل الشّيعة نفسها ،فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم" :عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا
– عليه السّلم – لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشّرك ،ول إلى النّفاق ،ولكنّه يقول :هم
بغوا علينا" [قرب السناد :ص ،62وسائل الشّيعة.].11/62 :
ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ ل دين الئمة ،فقد قال الحر العاملي في
التعليق على النص السابق" :أقول :هذا محمول على التّقية" [وسائل الشّيعة.].11/62 :
وجاء في كتاب علي إلى أهل المصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين" :وكان بدء
أمرنا التقينا والقوم من أهل الشّام ،والظّاهر أنّ ربّنا واحد ،ودعوتنا في السلم واحدة ،ول
نستزيدهم في اليمان بال ،والتّصديق برسوله ،ول يستزيدوننا ،المر واحد إل ما اختلفنا فيه
من دم عثمان ونحن منه براء" [نهج البلغة :ص .].448
وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال" :إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ،ولكنّكم لو
وصفتم أعمالهم ،وذكرتم حالهم ،كان أصوب في القول ،وأبلغ في العذر ،وقلتم مكان سبّكم
إياهم :اللّهم احقن دماءنا ودماءهم ،وأصلح ذات بيننا وبينهم" [نهج البلغة :ص .].323
فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة.
خامسًا" :إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد ،إنما استثنتهم
لنهم بزعمها على مذهب الرفض من تفكير أبي بكر وعمر ،وإنكار بيعتهما ،وهذا من جملة
نصب الرافضة وتلبيسهم؛ لنه لم يعهد لبي بكر وعمر رضي ال عنهما منازع في إمامتهما ل
هؤلء ول غيرهم .وهذا سلمان كان أميرًا على مدائن كسرى من قبل عمر يدعو إلى إمامته
وطاعته ..وهذا عمّار كان أميرًا من قبل عثمان – رضي ال عنه – على الكوفة ،وهذا المقداد
[أبو المحاسن الواسطي/ وغيره كانوا في عساكر الصّحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة"
المناظرة :الورقة( ،)66وانظر :ص( )67-66من هذه الرّسالة.].
سادسًا :من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة
رضوان ال عليهم ،وأنهم لم يؤثروا على ال شيئًا ،وبلغ المكروه بهم كل مبلغ ،وبذلوا النفوس
في ال حتى أيد ال تعالى بهم نبيه ،وأظهر بهم دينه ،فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف
489
[التنبيه والرد :ص ال ساعة في عمره؟ أم كيف يجترئ على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم
].11-10؟! ولهذا قال الخطيب البغدادي" :على أنه لو لم يرد من ال عز وجل فيهم شيء مما
ذكرناه لوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة ،وبذل المهج والموال،
وقتل الباء والولد ،والمناصحة في الدين ،وقوة اليمان واليقين القطع على عدالتهم والعتقاد
بنزاهتهم" [الكفاية :ص ،49وانظر مثل هذا المعنى :اليجي /المواقف :ص .].413
ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبه من أذى
واضطهاد ،حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة ،وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة،
وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب ،وعانوا من فراق الوطن والهل والعشيرة
فهاجروا إلى الحبشة ،والمدينة ،وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته ،وحاربوا الهل والعشيرة ،إلى
آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.
من يتأمل شيئًا من هذه الحوال ،يعرف عظمة ذلك الجيل ،وقوة إيمانه ،وصدق بلئه.
سابعًا :قامت القرائن العملية ،والدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علقته مع
إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة،
والخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة ،والصفوة من جيل الصحابة رضوان ال عليهم.
وتأتي في مقدمة هذه الدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لمير المؤمنين
عمر [انظر :عقد أم كلثوم للشيخ فاروقي ،محمد صديق /التحقيق الجلي في تزويج أم كلثوم بنت علي .].فإذا كان
عمر فاروق هذه المة قد صار عند الثني عشرية أشد كفرًا من إبليس ،أفل يرجعون إلى
عقولهم ويتدبروا فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟! إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي ال عنهما
كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي ال عنه كافرًا أو فاسقًا
معرضًا بنته للزنا ،لن وطء الكافر للمسلمة زنا محض [السمعاني /النساب.].1/347 :
والعاقل المنصف البريء من الغرض ،الصادق في تشيعه ل يملك إل الذعان لهذه الحقيقة،
حقيقة الولء والحب بين الخلفاء الربعة رضوان ال عليهم ،ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد
بن بويه – وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول ال " :-إن عليًا – عليه السلم – زوج ابنته أم
كلثوم من عمر بن الخطاب ،استعظم ذلك وقال :ما علمت بهذا ،وتاب وتصدق بأكثر ماله
[ابن الجوزي /المنتظم].39-7/38 : وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشي عليه"
لشعوره بعظيم جرمه فيما سلف من عمره ،الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلء الطهار
مغترًا بشبهات الروافض.
490
وقـد حاول شيوخ الشّيعـة إبطال مفعول هذا الدّليـل فوضعوا روايات الئمّة تقول" :ذلك فرج
غصـبناه" [فروع الكافـي ،2/10 :وسـائل الشّيعـة ،].435-434 /7 :فزادوا الطيـن بلة ،حيـث صـوّروا
أم ير المؤمن ين في صورة "ال ّديّوث" الذي ل ينا فح عن عر ضه ،وي قر الفاح شة في أهله ،و هل
يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟! "إ نّ أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه ،ويقتل
دون حرمـه ،فضلً عـن بنـي هاشـم الذيـن هـم سـادات العرب وأعلهـا نسـبًا وأعظمهـا مروءة
وحم ية ،فك يف يثبتون لم ير المؤمن ين م ثل هذه المنق صة الشني عة ،و هو الشجاع ال صنديد ،ل يث
بني غالب ،أسد ال في المشارق والمغارب؟!" [السويدي /مؤتمر النّجف :ص .].86
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه ،فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب،
[انظر :النوار النّعمانيّة: حيث زعم أنّ أم كلثوم لم تكن بنت علي ولكنّها ج ّنيّة تصوّرت بصورتها
،84-83 /1وقد جاء مثل هذا التّوجيه في كتب السماعيليّة .انظر :الهفت الشّريف :ص 84وما بعدها.].
ومن القرائن أيضًا علقات القربى القائمة بينهم ،ووشائج الصلة ،وكذلك مظاهر المحبة ،حتى
إنّ عليّا والحسن والحسين يسمّون بعض أولدهم باسم أبي بكر وعمر ،وهل يطيق أحد أن
يسمي أولده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في
[انظر ما سجّله محبّ الدّين الخطيب من علقات أرجاء بيته ،يرددها مع أهلها في يومه مرات وكرات؟!
المصاهرة بين الل والصحاب وأولد آل البيت الذين يحملون أسماء الخلفاء الثّلثة وغيرهم من الصّحابة في كتابه:
وما بعدها ،أو "نشأة التّشيّع وتطوّره" :ص"حملة رسالة السلم الوّلون وما كانوا عليه من المحبّة والتّعاون" ص11:
12وما بعدها ،وانظر :ما سجّله إحسان إلهي ظهير ممّا نقله من كتب الشّيعة في هذا الباب في كتابه "الشّيعة وأهل
البيت" ،ممّا ل حاجة لتكرار نقله هنا.].
الفصل الثاني
عصمة المام
مسألة عصمة المام لها أهمية كبرى عند الشيعة [عبد ال فياض /تاريخ المامية :ص ،].157وهي
من المبادئ الولية في كيانهم العقدي [باقر شريف القرشي /حياة المام موسى بن جعفر.].1/111 :
والعصمة في كلم العرب :تعني المنع ،وعصمة ال عبده :أن يعصمه مما يوبقه ،واعتصم
فلن بال إذا امتنع به [تهذيب اللغة :مادة "عصم".].
أما معنى العصمة عند الشيعة فيختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته ،لكن يظهر أن مذهب
الشيعة في عصمة الئمة قد استقر على ما قرره شيخ الشيعة – في زمنه – المجلسي – صاحب
بحار النوار (المتوفى سنة 1111ه) في قوله" :اعلم أنّ الماميّة اتّفقوا على عصمة الئمّة –
491
عليهم السّلم – من الذّنوب – صغيرها وكبيرها – فل يقع منهم ذنب أصلً ل عمدًا ول نسيانًا
[بحار النوار ،25/211 :وانظر :مرآة العقول: ول الخطأ في التّأويل ول للسهاء من ال سبحانه"
.].4/352
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الوجه المتصورة :العصمة من المعصية كلها –
صغيرة أو كبيرة – العصمة من الخطأ ،والعصمة من السهو والنسيان.
وهذه الصّورة للعصمة التي يرسمها المجلسي ،ويعلن اتفاق الشيعة عليها لم تتحقّق لنبياء ال
سنّة ،وإجماع المة [انظر :فكرة التقريب :ص 299
ورسله كما يدلّ على ذلك صريح القرآن ،وال ّ
(الهامش) ،].فهي غريبة على الصول السلمية ،بل إنّ النّفي المطلق للسّهو والنّسيان عن الئمّة
تشبيه لهم بمن ل تأخذه سنة ول نوم ،ولهذا قيل للرّضا – وهو المام الثّامن الذي تدعي الشيعة
ي صلى ال عليه وسلم لم يقع عليه السّهو في
عصمته " :-إنّ في الكوفة قومًا يزعمون أنّ النّب ّ
[بحار النوار: صلته ،فقال :كذبوا – لعنهم ال – إنّ الذي ل يسهو هو ال الذي ل إله إل هو"
،25/350وانظر :ابن بابويه /عيون أخبار الرّضا :ص .].326
وهذا النص – إن صح – من الممكن أن نستقرئ منه بأن نفي السهو – والذي أصبح من
أسس مفهوم العصمة عند الثني عشرية المتأخرين – كان في عصر الرضا عقيدة لقوم
ينتسبون للتشيع ،لم يذكر لهم اسم لقلتهم أو حقارتهم أو شناعة قولهم ،وكانوا يخصون بهذه
العقيدة أفضل الخليفة محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وقد قوبل هذا التجاه الغالي باللعن
والتكذيب والتفكير من إمام الشيعة نفسه؛ لن في هذا تشبيهًا للرسول صلى ال عليه وسلم بمن
ل تأخذه سنة ول نوم ،فماذا يقول الرضا إذًا فيمن يطلق هذا الوصف عليه ،وعلى آخرين معه
من أجداده وأبنائه؟
ل شك أن إنكاره عليهم أشد وأعظم ،كما يمكن أن يؤخذ من هذا النص تأخر شيوع هذا
التجاه عن عصر الرضا.
وهذا يدعونا لبحث بواكير النشأة لهذه العقيدة وتطورها.
493
وبعد ذلك نجد أن هشام بن الحكم الذي ينسب له القاضي عبد الجبار اختراع عقيدة العصمة
يسأله أحد رجال الشيعة ويدعى حسين الشقر فيقول :ما معنى قولكم" :إن المام ل يكون إل
معصومًا؟" فقال هشام :سألت أبا عبد ال (جعفر الصادق) عن ذلك فقال" :المعصوم هو الممتنع
بال من جميع محارم ال ،وقال تبارك وتعالىَ { :ومَن يَ ْع َتصِم بِالّلهِ فَقَدْ هُ ِديَ ِإلَى صِرَاطٍ
ستَقِيمٍ} [آل عمران ،آية ،101 :والنص عن معاني الخبار :ص ،132بحار النوار.].195-25/194 :
مّ ْ
ويقول شيعي آخر يدعى ابن أبي عمير :ما استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي
إياه شيئًا أحسن من هذا الكلم في عصمة المام وهو :أن المام ل يذنب؛ لن منافذ الذنوب
الحرص والحسد والغضب والشهوة ،وهذه الوجه منتفية عن المام [بحار النوار193-25/192 :
"باختصار" ،وانظر :ابن بابويه /الخصال ،1/215 :معاني الخبار :ص ،133أمالي الصدوق :ص -375
.].376
ولكن هذا المفهوم – على كل حال – ليس من غلوّ المجلسي في العصمة ،ول يترتب عليه
من الثار ما يترتب على عصمة الشيعة في صياغتها الخيرة والتي تزيد على ذلك ،بجعل كلم
المام وحيًا يوحى ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،وتنفي عنه العوارض البشرية من
السهو والغفلة والنسيان لتخرج به من طور المخلوقين إلى صفات خالق البشر.
كما يلحظ أن الحكم بامتناع المام من المعصية ولزوم فعله للطّاعة يعني أنّه مجبور من ال
– سبحانه – على ذلك ،وهذا يتعارض مع مذهب الثني عشريّة في القدر ،من القول بالح ّريّة
والختيار ،وأنّ العبد يخلق فعله ،ممّا يدلّ على أنّ مفهوم العصمة هذا سابق لمذهبهم في القدر
والذي أخذوه عن المعتزلة في المائة الثّالثة.
ولهذا نجد أنه بعد تأثر الشيعة بالفكر العتزالي اصطبغ مفهوم العصمة عندهم ببعض الفكار
العتزالية كفكرة اللطف اللهي ،وفكرة الختيار النساني ،كما نلحظ هذا في تعريف المفيد
(المتوفى سنة 413ه) للعصمة حيث قال" :بأنها لطف يفعله ال – تعالى – بالمكلف بحيث يمنع
[المفيد /النكت العتقادية :ص ،34-33تصحيح منه وقوع المعصية ،وترك الطاعة مع قدرته عليها"
العتقاد :ص ،106الجيلني /توفيق التطبيق :ص ،].16فليس معنى العصمة أن يجبر ال المام على
ترك المعصية بل يفعل به ألطافًا يترك معها المعصية مختارًا .فتلحظ الستعانة بمصطلحات
المعتزلة لتحديد مفهوم العصمة.
ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك ..ففي القرن الرابع يقرر ابن
بابويه (المتوفى سنة 381ه) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه العتقادات الذي يسمى "دين
الشيعة المامية" فيقول" :اعتقادنا في ..الئمة ..أنهم معصومون مطهرون من كل دنس ،وأنهم
494
ل يذنبون ذنبًا صغيرًا ول كبيرًا ،ول يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،ومن نفى
عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم ،ومن جهلهم فهو كافر ،واعتقادنا فيهم أنهم
معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها ،ل يوصفون في
شيء من أحوالهم بنقص ول عصيان ول جهل" [العتقادات :ص .].109-108
فهو هنا ينفي المعصية ،وأيضًا الجهل والنقص ،ويثبت الكمال الذي يلزمهم من أول حياتهم
إلى آخرها ،ويكفر من خالف ذلك.
فهذا طور آخر انتقل إليه مسألة العصمة ،ولكنه لم يصرح بنفي السهو عن الئمة كما فعل
المجلسي وشيوخ الشيعة المتأخرون ،بل إنّه نصّ في كتابه "من ل يحضره الفقيه" على أنّ نفي
ي صلى ال عليه وسلم هو مذهب الغلة والمفوّضة ،يقول" :إنّ الغلة والمفوّة –
السّهو عن النّب ّ
لعنهم ال – ينكرون سهو النّبيّ -صلى ال عليه وسلم -يقولون :لو جاز أن يسهو في الصّلة
لجاز أن يسهو في التّبليغ؛ لن الصلة فريضة كما أن التبليغ فريضة ..وليس سهو النبي صلى
ال عليه وسلم كسهونا؛ لن سهوه من ال عز وجل وإنّما أسهاه ال ليعلم أنّه بشر مخلوق فل
يتّخذ ربًا معبودًا دونه ،وليعلم النّاس بسهوه حكم السّهو ،وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد
بن الوليد يقول :أوّل درجة في الغلو نفي السّهو عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأنا أحتسب
[من ل يحضره الفقيه: الجر في تصنيف كتاب مفرد في إثبات سهو النّبيّ والرّد على مُنكريه"
.].1/234
فأنت ترى أن ابن بابويه وهو رئيس الشّيعة – كما يسمّونه – ينكر على من نفى السّهو عن
المصطفى صلى ال عليه وسلم ،فكيف بمن هو أقل منه كالئمة؟! ويعدّ نفي السّهو علمة الغلو،
ويشير إلى أن هذا القول من مذاهب الغلة ..ويلمح إلى ما ينطوي عليه نفي السهو من تشبيه
المخلوق بالخالق جل شأنه.
ولكن نفي السّهو هو ممّا أضافه الشّيعة المتأخّرون إلى مسألة العصمة ،في تطور آخر لهذه
القضية ،ولذلك فإن نصوصهم الموضوعة سلفًا عن الئمة تخالف ذلك ،فأبو عبد ال كان يقول
– لمّا ذكر له السّهو " :-أو ينفلت من لك أحد؟ ربّما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلتي"
[بحار النوار.].25/351 :
والرضا يلعن من ينفي السهو عن النبي صلى ال عليه وسلم -كما مرّ – ويقول :إن الذي ل
يسهو هو ال سبحانه ،وكتب الشيعة روت أخبارًا في سهوه صلى ال عليه وسلم في صلته
[انظر :من ل يحضره الفقيه.].1/233 :
495
ومن الغريب أنهم يحتجّون بإجماعهم رغم أنّه منقوض بمخالفة شيعة القرن الرّابع من قبلهم،
وبنصوصهم.
ولكن شهوة الغلو تقول" :إنّ أصحابنا الماميّة أجمعوا على عصمة الئمّة – صلوات ال
عليهم – من الذّنوب الصّغيرة والكبيرة عمدًا وخطأ ونسيانًا من وقت ولدتهم إلى أن يلقوا ال
عزّ وجلّ" [بحار النوار.].351-350 /25 :
وإذا قيل لهم كيف ينعقد إجماعكم ،وشيخكم الصّدوق ابن بابويه وشيخه ابن الوليد قد خالفا
[بحار النوار: هذا المذهب؟ قالوا" :إن خروجهما ل يخل بالجماع لكونهما معروفي النسب"
،].25/351أما القسم الخر الذين قالوا بالعصمة المطلقة ففيهم من ل تعرف هويته ونسبه أو
كلهم كذلك ،فيحتمل أن يكون المام الغائب خرج من مخبئه وأدلى بصوته معهم ،وقوله هو
العمدة في الجماع [انظر :فصل الجماع ،].أي أنه يكفي في إثبات حجية الجماع في هذه المسألة
وجود الظن بأن الغائب المعصوم يوجد مع الفئة المجهولة التي قررت نفي السهو.
ولك أن تعجب كيف يردون النصوص الصريحة في إثبات السهو والواردة في كتبهم عن
الئمة ويتعلقون بإجماع يكشف عن قول المعصوم الغائب على سبيل الظن والحتمال؟!
ولكن مذهب الشيعة هو مذهب الشيوخ ل مذهب الئمة.
ولقد احتار المجلسي – وهو يرى النصوص التي تخالف إجماع أصحابه -فقال" :المسألة في
غاية الشكال لدللة كثير من الخبار واليات على صدور السّهو عنهم ،وإطباق الصحاب إل
من شذ منهم على عدم الجواز" [بحار النوار.].25/351 :
وهذا اعتراف من المجلسي بأن إجماع الشيعة المتأخرين على عصمة الئمة بإطلق يخالف
رواياتهم ،وهذا دليل واقعي واعتراف صريح في أنهم يجمعون على ضللة ،وعلى غير دليل
حتى من كتبهم.
496
وبهذه الية صدر المجلسي بابه الذي عقده في بحاره بشأن العصمة بعنوان "باب ..لزوم
عصمة المام" [بحار النوار.].25/191 :
وجملة من شيوخ الشيعة المعاصرين يجعلون هذه الية أصل استدللهم من القرآن ،ول
يستدلون بسواها مثل محسن المين [انظر :أعيان الشيعة ،].1/458 :ومحمد حسين آل كاشف الغطا،
والذي يقول بأنّ هذه الية صريحة في لزوم العصمة [أصل الشّيعة :ص .].59
ويتولى صاحب مجمع البيان سياق وجهة استدلل أصحابه بهذه الية على مرادهم فيقول:
"استدل أصحابنا بهذه الية على أن المام ل يكون إل معصومًا من القبايح؛ لنّ ال – سبحانه
[اختلف السّلف في معنى العهد – كم سيأتي – ولكن الرّوافض – نفى أن ينال عهده – الذي هو المامة
يأخذون بما يوافق هواهم ويقطعون به بل دليل – ].ظالم ،ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالمًا إمّا لنفسه،
وإما لغيره.
فإن قيل :إنما نفى أن ينال ظالم في حال ظلمه ،فإذا تاب فل يسمى ظالمًا فيصح أن يناله.
والجواب :أن الظّالم وإن تاب فل يخرج من أن تكون ال ية قد تناول ته في حال كو نه ظالمًا،
فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه ل ينالها ،والية مطلقة غير مقيّدة بوقت دون وقت فيجب
[الطّبر سي /مج مع البيان: أن تكون محمولة على الوقات كل ها ،فل ينال ها الظّالم وإن تاب في ما ب عد"
،1/201وانظر :الطّوسي /التّبيان ،1/449 :المجلسي /بحار النوار.].25/191 :
نقد استدللهم:
497
الوج يز ،1/250 :القر طبي /الجا مع لحكام القرآن ،2/108 :تف سير ا بن كث ير ،173-1/172 :الشوكا ني /ف تح
القدير ،1/138 :اللوسي /روح المعاني ،1/377 :تفسير القاسمي.].246-2/245 :
فالية – كما ترى – اختلف السلف في تأويلها ،فهي ليست في مسألة المامة أصلً في قول
أكثرهـم ،والذيـن فسـروها بالمامـة قصـدوا إمامـة العلم والصـلح والقتداء ،ل المامـة بمفهوم
الرافضة.
ثانيًا :لو كانت الية في المامة فهي ل تدلّ على العصمة بحال؛ إذ ل يمكن أن يقال بأنّ غير
الظّالم مع صوم ل يخ طئ ول ين سى ول ي سهو ..إلخ ك ما هو مفهوم الع صمة ع ند الشي عة ،إذ
يكون قياس مذهبهم من سها فهو ظالم ومن أخطأ فهو ظالم ..وهذا ل يوافقهم عليه أحد ول يتّفق
مع أصول السلم ،فبيّن إثبات العصمة ،ونفي الظّلم فرق كبير؛ ل نّ نفي الظّلم إثبات للعدل ،ل
للعصمة الشّيعيّة.
ثالثًا :ل ي سلم ل هم أن من ارت كب ظلمًا ثم تاب م نه لح قه و صف الظلم ولز مه ،ول تجدي
التو بة في رف عه ،فإن أع ظم الظّلم الشّرك ،قال تعالى{ :الّذِي نَ آ َمنُواْ َولَ ْم يَ ْلبِ سُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْ مٍ}
شرْ كَ لَظُ ْل مٌ عَظِي مٌ} [لقمان ،آية ].13:ومع هذا قال –
[النعام :آية ،].82 :ثم ف سّر الظّلم بقوله{ :إِنّ ال ّ
[النفال :آيـة: جلّ شأ نه – في ح قّ الكفّار{ :قُل ِللّذِينَـ كَ َفرُواْ إِن يَن َتهُواْ يُغَ َفرْ لَهُم مّ ا قَدْ سَـَلفَ}
.].38
لكن قياس قول هؤلء أ نّ من أشرك ولو لحظة ،أو ارتكب معصية ولو صغيرة فهو ظالم ل
[هم ينف كّ عنه وصف الظّلم ،ومؤدّى هذا أ نّ المشرك ولو أسلم فهو مشرك ل نّ الظّلم هو الشّرك
يعنون بالظّلم الشّرك؛ ل نّ مرادهم إبطال خلفة أبي بكر وعمر؛ لنّهما قد أ سلما بعد شرك ،والشّرك لم ينف كّ عنهما
بعد إيمانهما في زعمهم ،ولذلك قال الكليني" :هذه الية أبطلت إمامة ك ّل ظالم"( .أصول الكافي.].)1/199 :
فصاروا بهذا أشدّ من الخوارج الوعيديّة؛ لن الخوارج ل يثبتون الوعيد لصاحب الكبيرة إل
في حالة عدم توبته.
ومن المعلوم في بدائه العقول فضلً عن الشرع والعرف والل غة "أن من ك فر أو ظلم ث مّ تاب
وأصـلح ل يصـحّ أن يطلق عليـه أن ّه كافـر أو ظالم ..وإل جاز أن يُقال :صـبي لشيـخ ،ونائم
لم ستيقظ ،وغ ني لفق ير ،وجائع لشبعان ،و حي لم يت ،وبالع كس ،وأيضًا لو اطرد ذلك يلزم من
حلف ل يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إل أنه كان كافرًا قبل سنين متطاولة
أن يحنث ،ول قائل به" [اللوسي /روح المعاني.].1/377 :
498
ومن المعروف أنه قد يكون التائب من الظلم أفضل ممن لم يقع فيه .ومن اعتقد أن كل من لم
يكفر ولم يقتل ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضلله ،وتاب بعد ذنوبه،
فهو مخالف لما علم بالضطرار من دين السلم ،فمن المعلوم أن السابقين أفضل من أولدهم،
وهل يشبه أبناء المهاجرين والنصار بآبائهم عاقل [انظر :منهاج السنة].303-1/302 :؟!
كما أن استدللهم هذا يؤدي إلى أن جميع المسلمين وكذلك الشيعة وأهل البيت – إل من تعتقد
الشيعة عصمتهم – جميعهم ظلمة لنهم غير معصومين ،وقد قال شيخهم الطوسي بأن الظّلم اسم
ق اللّ عن لقوله – تعالى { :-أَلَ لَ ْع َنةُ اللّ هِ عَلَى الظّا ِلمِي نَ}
ذ مّ فل يجوز أن يطلق إل على م ستح ّ
[التّبيان ،1/158 :والية رقم 18من سورة هود.].
رابعًا :وأخ تم القول ب ما قرره أ حد علماء الشي عة الزيد ية في ن قض ا ستدلل الشي عة الث ني
عشر ية بهذه ال ية ح يث قال" :اح تج الراف ضة بال ية على أن الما مة ل ي ستحقها من ظلم مرة،
ورام الطعن في إمامة أبي بكر وعمر ،وهذا ل يصح لن العهد إن حمل على النبوة فل حجة،
وإن حمل على المامة فمن تاب من الظّلم ل يوصف بأنّه ظالم ،ولم يمنعه – تعالى – من نيل
العهد إل حال كونه ظالمًا" [يوسف بن أحمد الزّيدي /الثّمرات اليانعة :ج 1الورقة ( 60مخطوط).].
أدلتهم من السنة:
ويتمسكون بروايات من طرق أهل السنة للحتجاج بها على أهل السنة ،وإقناع قومهم بأن ما
هم عليه موضع إجماع ،وهي ما بين كذب ،أو بعيد عن استدللهم ،وقد مضى الحديث فيها في
فصل المامة.
والروايات التي يحتجون بها هي تتعلق بأهل البيت ،ول حجة للثني عشرية في ذلك أصلً
ل ما ث بت من أن الثني عشرية ليس ل ها عل قة بأ هل البيت إل العل قة المزعومة بعلي وب عض
أولده ،وهما الحسن والحسين ،وبعض ذرية الحسين ،وقد انقطع النسل الذين يقولون بإمامتهم
لوفاة الح سن الع سكري عقيمًا ،فعلقت هم م نذ سنة 260ه بشيوخ يزعمون النيا بة عن معدوم ل
وجود له ،وهم الذين انتهوا بالمذهب إلى هذه النهاية المفزعة التي مر علينا جملة من صورها.
و قد سلف ذ كر الشوا هد في تكفير هم ل هل الب يت ،ولذلك فإ نّ تم سّكهم بالقول بع صمة أ هل
البيت هو من خداع العناوين.
غير أن الثني عشرية تقيم معتقدها في العصمة وغيرها بما يرويه صاحب الكافي ،وإبراهيم
القمـي ،والمجلسـي وأضرابهـم مـن روايات منكرة فـي متنهـا فضلً عـن إسـنادها ،تثبـت لهؤلء
499
الثني عشر العصمة المزعومة ،وقد ساق المجلسي في بابه الذي عقده في شأن العصمة ثلثًا
وعشريـن روايـة مـن روايات شيوخـه كالقمـي ،والعياشـي والمفيـد وغيرهـم ،وقـد ذكرهـا بعـد
استدلله بآية البقرة ،التي تبين لنا أن استدللهم فيها باطل.
أما الكليني في الكافي فقد عقد مجموعة من البواب في معنى العصمة المزعومة ،ساق فيها
أخبارًا بسنده عن الثني عشر يدّعون فيها أنهم معصومون بل وشركاء في النبوة ،بل ويتصفون
ب صفات اللوه ية ،و قد مر في باب اعتقاد هم في أ صول الد ين أمثلة من ذلك ،وت جد ذلك في
الكا في في باب "أن الئ مة هم أركان الرض" وأث بت ف يه ثل ثة روايات تقول بأن الئ مة الث ني
ع شر كر سول ال في وجوب الطا عة ،و في الف ضل ،و في التكليف ،فعلي "جرى له من الطاعة
بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ما لرسول ال صلى ال عليه وسلم" [أصول الكافي،].1/198 :
كذا سائر الثني عشر ،ثم ما تلبث أن ترفعهم عن مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مقام
رب العالمين حيث تقول بأن عليًا قال" :أُعطيت خصالً لم يعطه نّ أحد قبلي :علّمت علم المنايا
والبليا ..فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عنّي ما غاب عنّي" [أصول الكافي.].1/197 :
والذي ل يعزب ع نه ش يء ،ول يفو ته شيء هو الخالق – جل عله – قال تعالى{ :ل يَ ْعزُ بُ
سمَاوَاتِ وَل فِي ا َلرْضِ} [سبأ ،آية.].3:
ع ْنهُ مِثْقَالُ َذرّةٍ فِي ال ّ
َ
فالمر تعدى حدود العصمة إلى دعوى الرسالة واللوهية ،وهذا خروج عن السلم رأسًا.
[انظر :من أصول الكافي ،باب فرض طاعة الئمة،1/185 : وقد تتابعت أبواب الكافي في هذا المعنى
وقد ذكر فيه ( )17رواية لهم ،وباب أن الئمة ولة أمر ال وخزنة علمه ،1/192 :وأورد فيه ( )6روايات ،وباب
أن الئمة خلفاء ال – عز وجل – في أرضه ،وأبوابه التي منها يؤتى ،1/193 :وفيه ثلثة روايات ،وغيرها من
البواب والخبار التـي يعرف كذبهـا بالضطرار مـن ديـن السـلم ،].و هي ل تخرج عن دعاوى المتنبئ ين
والملحدين على مدار التاريخ سوى أنهم نسبوا هذه المفتريات إلى جملة من أهل البيت الطهار.
نستطيع أن نرجع أدلتهم العقلية التي يستدلون بها على عصمة المام إلى أصل واحد ،وهو
أنّ المّة كلّها معرّضة للخطأ والضّلل ،والعاصم لها من الضّلل هو المام.
500
ولهذا رتبوا أدلتهـم على هذا السـاس فقالوا :إن المـة لبـد لهـا مـن رئيـس معصـوم يسـدد
خطأها ،فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدّده فيلزم التّسلسل فحينئذ يلزم القول بعصمة المام؛
لن الثقـة عندهـم بالمام ل بالمـة ..وقالوا بأنـه هـو الحافـظ للشرع ،ول اعتماد على الكتاب
[انظـر :ابـن المطهـر /كشـف المراد :ص ،391-390وانظـر :نهـج والسـنة والجماع بدونـه… إلخ
المسـترشدين :ص ،63وانظـر :اللفيـن :ص 56ومـا بعدهـا ،القزوينـي /الشيعـة فـي عقائدهـم :ص ،369-368
الزنجاني /عقائد المامية :ص ،77هاشم معروف الحسيني /أصول التشيع :ص .].132-131
والحقيقة غير هذا تمامًا ،فالمّة معصومة بكتاب ربّها وسنّة نبيّها صلى ال عليه وسلم ،ول
تج مع المّة على ضللة ،وع صمة المّة مغن ية عن ع صمة المام ،وهذا م ما ذكره العلماء في
حك مة ع صمة ال مة قالوا :لن من كان من ال مم قبل نا كانوا إذا بدلوا دين هم ب عث ال نبيًا يبين
ال حق ،وهذه المّة ل نبي ب عد نبيّ ها ،فكا نت ع صمتها تقوم مقام النّبوّة ،فل يم كن أ حد من هم أن
يبدّل شيئًا من الدّين إل أقام ال من يبيّن خطأه فيما بدّله ،ولذلك فإ نّ ال – سبحانه – قرن سبيل
المؤمن ين بطا عة ر سوله في قوله – عزّ وجلّ { :-وَمَن ُيشَاقِ قِ الرّ سُو َل مِن بَ ْع ِد مَا َتبَيّ نَ لَ هُ
[النّ ساء ،آ ية: ت مَ صِيرًا}
ج َهنّ مَ وَ سَاء ْ
سبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ نُوَلّ ِه مَا َتوَلّى َونُ صْ ِلهِ َ
غ ْيرَ َ
ا ْلهُدَى َويَ ّتبِ عْ َ
.].155
فع صمة ال مة وحفظ ها من الضلل – ك ما جاءت بذلك الن صوص الشرع ية – تخالف تمامًا
مـن "يوجـب عصـمة واحـد مـن المسـلمين ،ويجوز على مجموع المسـلمين – إذا لم يكـن فيهـم
معصوم – الخطأ" [المنتقى (مختصر منهاج السنة) :ص .].410
و كل ما سطروه وملوا به ال صفحات من أدلة عقل ية تؤ كد الحا جة إلى مع صوم قد تحق قت
بالر سول صلى ال عل يه و سلم ،ولذلك فإن ال مة ترد ع ند التنازع إلى ما جاء به الر سول من
[النّساء ،آية: شيْءٍ َفرُدّوهُ ِإلَى اللّهِ وَالرّسُولِ}
عتُمْ فِي َ
الكتاب والسنة ول ترد إلى المام { َفإِن تَنَازَ ْ
[ابن عبد " .].59قال العلماء :إلى كتاب ال ،وإلى نبيّه صلى ال عليه وسلم ،فإن قبض فإلى سنّته"
البرّ /التّمهيـد ،].4/264 :وهـي بهدي الكتاب والسـنة ل تجمـع على ضللة؛ لنهـا لن تخلو مـن
متمسك بهما إلى أن تقوم الساعة.
والواقع أنّه يكفي من ذلك انتهاء ظهور المام عندهم منذ سنة (260ه) ،سواء كان لم يوجد
أ صلً – ك ما يقوله أك ثر الفرق الشّيعيّة ال تي وجدت إ ثر وفاة الح سن ،وك ما تقوله أ سرة الح سن
وعلى رأ سهم أخوه جع فر ،وك ما يؤكّده علماء النّ سب والتّار يخ ،ك ما سيأتي – أو هو مخ تف لم
يظهر – كما تقوله الثنا عشريّة – فإ نّ هذا الغائب الموعود أو المعدوم لم ينتفع به في دين ول
دنيا.
وهذه ثلمة ل تسد ،وفتق ل يرتق في المذهب الثني عشري ل يبقي ول يذر لحججهم وزنًا
ول أثرًا ،وكذلك أجداده من قبل إذ لم يتول منهم أحد ما عدا أمير المؤمنين علي ،والحسن قبله
تنازله ،ولهذا قال أ هل العلم :إن دعوى الع صمة عند هم ل يس علي ها دل يل إل زعم هم بأن ال لم
يخل العالم من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف ..وكذلك أجداده المتقدمون لم
يحصل بهم المصلحة والل طف الحاصلة من إمام مع صوم ذي سلطان ك ما كان النبي صلى ال
عليـه وسـلم بعـد الهجرة ،فإنـه كان إمام المؤمنيـن الذي يجـب عليهـم طاعتـه ،ويحصـل بذلك
سعادتهم ،ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعى له العصمة إل علي – رضي ال عنه – ومن
المعلوم أن المصلحة واللّطف الذي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثّلثة أعظم من المصلحة
واللّطف الذي كان في خلفة علي زمن القتل والفتنة والفتراق [منهاج السّنّة.].2/104 :
أما من دون علي فإنما كان يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه ،وكان
علي بن الحسين وابنه أبو جعفر ،وابنه جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم ال كما علمه
علماء زمانهم ،وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع للمة ،وهذا معروف عند أهل العلم،
ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولية من
القوة والسلطان ،وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل.
وأما من بعد الثلثة كالعسكريين فهؤلء لم يظهر عليهم علم تستفيده المة ،ول كان لهم يد
ت ستعين ب ها ال مة؛ بل كانوا كأمثال هم من الهاشمي ين ل هم حر مة ومكا نة ،وفي هم من معر فة ما
يحتاجون إليه في السلم والدين ما في أمثالهم ،وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين ..ولذلك
لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلثة [منهاج السنة.].3/248 :
502
نقد عام لمبدأ "عصمة الئمة":
دعوى الع صمة للئمّة تضا هي المشار كة في النّبوّة ،فإ نّ المع صوم ي جب اتّبا عه في كلّ ما
يقول ،ول يجوز أن يخالف في شيء ،وهذه خا صّة النبياء ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم
سمَاعِيلَ وَإِ سْحَقَ
فقال – تعالى { :-قُولُواْ آ َمنّ ا بِاللّ هِ وَمَآ أُنزِلَ ِإَليْنَا وَمَا أُن ِزلَ ِإلَى ِإ ْبرَاهِي مَ وَإِ ْ
ن مِن رّ ّبهِ مْ لَ نُ َفرّ قُ َبيْ نَ أَحَدٍ
ي مُو سَى وَعِي سَى وَمَا أُوتِ يَ ال ّنبِيّو َ
سبَاطِ وَمَا أُوتِ َ
َويَعْقُو بَ وَال ْ
مّ ْنهُ مْ َونَحْ نُ لَ ُه مُ سْ ِلمُونَ} [البقرة ،آية ]136:فأمرنا أن نقول :آمنا بما أوتي النبيون ..فاليمان بما
جاء به ال نبيون م ما أمر نا أن نقوله ونؤ من به ،وهذا ما ات فق عل يه الم سلمون ..ف من ج عل ب عد
[منهاج الرّسول معصومًا يجب اليمان بكلّ ما يقوله فقد أعطاه معنى النّبوّة ،وإن لم يعطه لفظها
السّنّة.].3/174 :
وهذا مخالف لدين السلم ،للكتاب والسنة وإجماع سلف المة وأئمتها.
شيْءٍ
عتُ مْ فِي َ
أ ما القرآن فقال – سبحانه { :-وََأطِيعُواْ الرّ سُولَ وَُأ ْولِي ا َل ْمرِ مِنكُ مْ فَإِن َتنَازَ ْ
َفرُدّو هُ إِلَى اللّ هِ وَالرّ سُولِ} [النّ ساء ،آ ية ،].59:فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إل إلى ال والرسول،
ولو كان للناس معصوم غير الرسول صلى ال عليه وسلم لمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن أن ل
معصوم إل الرسول صلى ال عليه وسلم [منهاج السنة.].2/105 :
وقد اتفق أهل العلم أهل الكتاب والسنة على أن كل شخص – سوى الرسول – فإنه يؤخذ من
قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر ،واتباعه فيما
أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأل يعبد ال إل بما شرع فإنه المعصوم الذي ل ينطق عن
الهوى إن هو إل وحي يوحى [منهاج السنة.].3/175 :
والسـنة المطهرة دلت على ذلك ،ولكنهـم – كمـا سـلف – ل يرجعون إل إلى أقوال أئمتهـم،
وإليك ما ينقض مذهبهم من أقوالهم:
503
جاء في نهج البلغة – الذي ل تشك الشيعة في كلمة منه – ما يهدم كل ما بنوه من دعاوى
فـي عصـمة الئمـة؛ حيـث قال أميـر المؤمنيـن – كمـا يروي صـاحب النهـج " :-ل تخالطونـي
بالمصانعة ،ول تظنوا بي استثقالً في حق قيل لي ،ول التماس إعظام النفس ،فإنه من استثقل
الحـق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليـه ،كان العمـل بهمـا أثقـل عليـه ،فل تكفوا عـن مقالة
[نهج البلغة: بحق ،أو مشهورة بعد ،فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ول آمن ذلك من فعلي"
ص .].335
فأمير المؤمنين يطلب من أصحابه أل يترددوا في إبداء النصيحة والمشورة ،ول يمنعهم من
ذلك المجاملة والمصـانعة ،أو أن يظـن بـه أنـه ل يقبـل الحـق إذا قيـل له ،اسـتثقالً له وتعظيمًا
لنف سه ،فإن الح كم الذي ل يق بل مشورة الرع ية ول ير ضى أن يقال له :أخطأت هو عن الع مل
بال حق والعدل أب عد؛ لن من يثقله ا ستماع الن صيحة ف هو عن الع مل ب ها أع جز ،فل تكفوا عن
مقالة بحـق ول مشورة بعدل فالجماعـة أقرب إلى الحـق والعصـمة ،والفرد ل يأمـن على نفسـه
الوقوع في الخطأ.
وجاء في نهج البلغة – أيضًا " :-لبدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن،
[نهج البلغة: ويجمع به الفيء ،ويقاتل به العدو ،وتأمن به ال سّبل ،ويؤخذ به للضّعيف من القوي"
ص .].82
فأ نت ترى أ نه لم يشترط الع صمة في الم ير ،ولم ي شر ل ها من قر يب أو بع يد ،بل رأى أ نه
لبدّ مـن نصـب أميـر تناط بـه مصـالح العباد والبلد ،ولم يقـل أنـه ل يلي أمـر الناس إل إمام
معصوم ،وكل راية تقوم غير راية المعصوم فهي راية جاهلية – كما تقول كتب الشيعة -ولم
يحصر المارة في الثني عشر المعصومين عند الشيعة ويكفر من تولها من خلفاء المسلمين
كما تذهب إليه الشيعة ،بل رأى ضرورة قيام المام ولو كان فاجرًا ،وجعل إمارته شرعية بدليل
أ نه أجاز الجهاد في ظل إمارة الفا جر؛ فأ ين هذا م ما تقرره الشري عة بم نع الجهاد ح تى يخرج
المنتظر [انظر :فصل الغيبة والمهدية :ص ..].824لن المامة الشرعية محصورة في الثني عشر؟!
504
وكان الئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون ال منها..
فأ نت ترى القرار بالذ نب ،وبالعودة إل يه ب عد التو بة ،والعتراف ب سقطات اللفاظ وشهوات
الجنان ،ومخال فة القلب لل سان ..كل ذلك ين في ما تدع يه الشي عة من الع صمة ،إذ لو كان علي
والئ مة مع صومين لكان ا ستغفارهم من ذنوب هم عبثًا ..و كل أئمتهم قد نقلت عنهم ك تب الشي عة
السـتغفار إلى ال – سـبحانه – مـن الذنوب والمعاصـي ،ولو كانوا معصـومين لمـا كانـت لهـم
ذنوب.
[بحار قال أبو عبد ال – كما تروي كتب الشيعة " :-إنّا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى ال متابًا"
النوار.].25/207 :
وكان أ بو الح سن (مو سى الكا ظم) يقول – ح سب روايات الشي عة " :-ر بّ ع صيتك بل ساني
[كمـه ب صره :اعتر ته ظلمـة ولو شئت وعزّ تك لخر ستني ،وع صيتك بب صري ولو شئت لكمهت ني
تطمـس عليـه ،عمـى أو صـار أعشـى (بحار النوار– 25/203 :الهامـش ،].)-وع صيتك ب سمعي ولو شئت
[كنع يده :أشلّها وأيبسها( .بحار النوار: وعزّتك لصممتني ،وعصيتك بيدي ولو شئت وعزّتك لكنعتني
-25/203الهامـش ،].)-وعصـيتك بفرجـي ولو شئت وعزّتـك لعقمتنـي ،وعصـيتك برجلي ولو
شئت وعزّ تك لجذمت ني ،وع صيتك بجم يع جوار حي ال تي أنع مت ب ها عل يّ ولم ي كن هذا جزاك
منّي" [بحار النوار.].25/203 :
ولقد احتار شيوخ الشيعة في توجيه مثل هذه الدعية والتي تتنافى ومقرراتهم في العصمة.
ولقـد نقـل لنـا أحدهـم صـورة لهذا التردد حول الحديـث السـابق فقال" :كنـت أفكـر فـي معناه
وأقول :ك يف يتنزل على ما تعتقده الشي عة من القول بالع صمة؟ و ما ات ضح لي ما يد فع التردد
الذي يوجبه" ثم يذكر بأنه توجه بالسؤال عن هذا إلى شيخهم رضي الدين أبي الحسن علي بن
ن الوزير مؤيّد
موسى بن طاووس العلوي الحسني وذكر له هذا الشكال ،فقال ابن طاووس" :إ ّ
الدّيـن العلقمـي سـألني عنـه فقلت :كان يقول هذا ليعلم النّاس" ،ويبدو أن ابـن العلقمـي اقتنـع
505
بالجواب ول كن صاحب الشكال ا ستدرك على جواب ا بن طاووس وقال" :إنّي فكّرت ب عد ذلك
فقلت :هذا كان يقوله في سجدته في اللّيل وليس عنده من يعلّمه".
يقول" :ثم خطر ببالي جواب آخر وهو أنه كان يقول ذلك على سبيل التواضع".
ول كن لم يقن عه هذا الجواب ..وا ستقر جواب ال سائل على أن اشتغال هم بالمباحات من "المأ كل
والمشرب والتفرغ إلى النكاح يعدو نه ذنبًا ،ويعتقدو نه خطيئة وي ستغفرون ال م نه" .ويذ كر أن
[بحار هذا هو الجواب الذي ل شيء بعده ويتمنى حياة ابن العلقمي ليهديه إليه ويكشف حيرته به
النوار.].205-25/203 :
وهذا الجواب الذي يرى أنه هو الكاشف لهذه المعضلة عندهم ل يتفق وشريعة السلم التي
خرَ جَ ِل ِعبَادِ هِ
حرّ مَ زِينَةَ اللّ هِ اّلتِ يَ أَ ْ
تن هى عن تحر يم ما أ حل ال وتر فض الرهبان ية { ُقلْ مَ نْ َ
طيّبَاتِ مِنَ ال ّرزْقِ} [العراف ،آية.].32 :
وَا ْل ّ
وك يف ي عد الئ مة هذه المور ذنوبًا ،ك يف يجعلون النكاح الذي هو من شرائع ال سلم ذنبًا
يستغفرون ال منه ،وال – سبحانه – يقول{ :فَانكِحُواْ مَا طَا بَ َلكُم مّ نَ النّ سَاء} [النساء ،آية.].3 :
[العراف ،آية،160: ت مَا َرزَ ْقنَا ُك مْ}
ط ّيبَا ِ
ويعتبرون الكل والشرب معاصي وال يقول{ :كُلُو ْا مِن َ
طه ،آية.].81:
ولكن الجواب الذي يكشف هذه المعضلة ،ويتفق مع واقع الئمة وشرائع السلم هو بطلن
دعوى العصمة بالصورة التي تراها الشيعة وأن الئمة ليسوا بمعصومين من الخطأ والعصيان،
وهذا كما يتفق مع النصوص الشرعية ينسجم مع واقع الئمة ،وبه تتحقق إمكانية القدوة.
ولهذا فإن أ نبياء ال – سبحانه – كانوا ك سائر الب شر يأكلون الطعام ويمشون في ال سواق..
وي سعون في ن شر الدعوة ،ويعانون من أذى قوم هم ،و من تكال يف الجهاد ،كل ذلك لتتح قق ب هم
القدوة ،وليكونوا لمن بعدهم أسوة.
وأمر آخر يبطل دعوى العصمة ومن كتب الشيعة نفسها؛ ذلك هو الختلف والتّناقض حيال
بعض المواقف والمسائل ،وأعمال المعصومين ل تتناقض ول تختلف بل يصدق بعضها بعضًا
ويشهد بعضها لبعض ..والختلف ناقض للعصمة التي هي شرط للمامة عندهم ،وهو ناقض
بالتالي ل صل الما مة نف سها ،ولذلك فإن ظاهرة الختلف في أعمال الئ مة كا نت سببًا مباشرًا
لخروج بعض الشيعة من نطاق التشيع حيث رابهم أمر هذا التناقض.
506
ومن أمثلة ذلك ما يذكره القمي والنوبختي من أنه بعد قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه
وقالت :قد اختلف علي نا ف عل الح سن وف عل الح سين ،ل نه إن كان الذي فعله الح سن حقًا واجبًا
صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن
وقوت هم -ف ما فعله الح سين من محارب ته يز يد بن معاو ية مع قلة أن صار الح سين وضعف هم،
وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقُتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب ،لن الحسين كان أعذر
في القعود من محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية،
وإن كان ما فعله الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه ،فقعود
الحسـن وتركـه مجاهدة معاويـة وقتاله ومعـه العدد الكثيـر باطـل ،فشكوا فـي إمامتهمـا ورجعوا
فدخلوا في مقالة العوام" [القمي /المقالت والفرق :ص ،25النوبختي /فرق الشيعة :ص .].26-25
أ ما المثلة على الختلف والتّنا قض في أقوال الئمّة ف هو باب وا سع ،وكان هو ال خر من
أ سباب ان صراف ب عض الشي عة من التش يع ،و قد ش هد بذلك ش يخ الطّائ فة الطّو سي وقال بأ نّ
أخبارهم متناقضة متباينة مختلفة حتى ل يوجد خبر إل بإزائه ما يضادّه ،ول رواية إل ويوجد
ما يخالفها ،وعدّ ذلك من أعظم الطّعون على المذهب الشّيعي ،ومن أسباب مفارقة بعض الشّيعة
للمذهب [انظر :ص 361من هذه الرّسالة.].
وكتابا التهذيب والستبصار – وهما المصدران المعتمدان من المصادر الربعة عند الشيعة
– يشهدان بهذا التناقـض والختلف عـبر رواياتهمـا الكثيرة ،وقـد حاول الطوسـي درء هذا
الختلف ومعالجة هذا التناقض بحمله على التقية فما أفلح إذ زاد الطين بلة.
وقـد أوجـد الشّيعـة عقيدة التّقيـة والبداء لتغطيـة هذا الختلف فـي أخبار الئمةّ وأعمالهـم..
فاكت شف ب عض الشيعة هذه المحاولة ،وعرف سبب و ضع هات ين العقيدتين ،فترك التش يع وقال:
إن أئ مة الراف ضة وضعوا لشيعت هم مقالت ين ل يظهرون معه ما من أئمت هم على كذب أبدًا ،وه ما
[المقالت والفرق :ص ،78فرق الشيعـة :ص ،56-55والقائل هـو :سـليمان بـن القول بالبداء وإجازة التق ية
جرير الذي تنسب له طائفة السليمانية من الزيدية.].
وتنقل كتب الشيعة أن المام في مجلس واحد وفي مسألة واحدة يجيب بثلثة أجوبة مختلفة
متباي نة ،ويح يل ذلك على التق ية ،أو على حر ية المام في الفتوى وأن له أن يج يب على الزيادة
والنقصان.
507
و قد ذ هب ر جل من الشي عة يد عى ع مر بن رياح لي سأل إما مه ،فل ما أفتاه عاد إل يه من قا بل
ف سأله عن ن فس الم سألة فأفتاه بخلف الجواب الول فا ستنكر ذلك وقال :هذا خلف ما أجبت ني
في هذه الم سألة العام الما ضي ،فقال له( :أي المام) :إن جواب نا خرج على التق ية ،فتش كك في
أمره وإمامته .ثم خرج من عنده ولقي أحد الشيعة (ويدعى محمد بن قيس) وقص عليه ما حدث
وقال له :وقد علم ال أني ما سألته عنها إل وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقوله
في العمل به ،فل وجه لتقائه إياي وهذه حالي ،فقال له محمد بن قيس :فلعله حضرك من اتقاه؟
فقال :ما ح ضر مجل سه في واحدة من الم سألتين غيري ول كن جواب يه جميعًا خر جا على و جه
التبخ يت – كذا – ولم يح فظ ما أجاب به في العام الم ضي فيج يب بمثله ،فر جع عن إمام ته
وقال :ل يكون إمامًا من يفتي بالباطل [فرق الشيعة :ص .].61-59
وأحيانًا يف تي في تف سير آ ية من كتاب ال بثل ثة أجو بة مختل فة متباي نة ،ويز عم أن هذا قد
فوض إليه ،يقولون فيه ما يشاؤون [انظر :أصول الكافي.].266-1/265 :
فأنـت ترى اختلف الجواب فـي مسـألة واحدة وفـي مجلس واحـد ،والختلف ينفـي دعوى
الع صمة ..هذا بح سب المن طق الشي عي ،وإل فإن شيئًا من ذلك لم يحدث من أ بي جع فر مح مد
البا قر ،فدي نه وعل مه وور عه ين في أن يف تي في د ين ال بالكذب خوفًا وتق ية ،ول كن هذه الروا ية
وأمثالها هي حيلة ممن اخترع عقيدة العصمة والغلو في الئمة لستر الخلف والتناقص الحاصل
في روايتهم والتي هي في الغالب – أيضًا – من صنع أيديهم ،فيحصل فيها من التناقض ما يليق
بجهلهم.
ثم إن المعصوم الذي يدعون اتباعه لم يعصمهم من الخلف في أصل الدين عندهم وأساسه
وهو المامة؛ فتجدهم مختلفين متنابذين متلعنين يكفر بعضهم بعضًا لختلفهم في عدد الئمة،
وفـي تحديـد أعيانهـم ،وفـي الوقـف وانتظار عودة المام ،أو المضـي إلى إمام آخـر ..هذا عدا
508
الروايات المختلفة المتناقضة في الكثير من أمور الدين – أصوله وفروعه – فما منعت العصمة
المزعومة أهل الطائفة من الختلف ..وعدم وجود أثرها يدل على انعدام أصلها.
هذا ،و قد يكون مبدأ الع صمة ورث ته الشي عة عن المذ هب المجو سي ،ذلك أن المجوس تد عي
في منتظر هم الذي ينتظرون وأ صحابه أن هم ل يكذبون ،ول يع صون ال ،ول ي قع من هم خطيئة
صغيرة ول كبيرة [تثبيت دلئل النبوة.].1/179 :
و قد يقال بأن اعتقاد هم في ع صمة الئ مة أ مر ل يؤ ثر اليوم لن الئ مة قد انت هى وجود هم
الفعلي منذ عام 260ه ..ولم يبق إل النتظار للغائب الموعود.
وأقول :إن هذه العقيدة لها آثارها اليوم في واقع الشيعة ،ويتمثل ذلك في جوانب منها:
أولً :علمهم بما يؤثر عن الئمة الثني عشر كما يعلم سائر المسلمين بالقرآن والسنة.
ثانيًا :غلوهم في قبورهم وأضرحتهم؛ فالغلو في عصمتهم إلى حد وصفهم بصفات اللوهية
تحول إلى غلو في قبورهم ومشاهدهم فيطاف بها وتدعى من دون ال سبحانه.
ثالثًا :أن المجت هد الشي عي أ صبح له ش يء من هذه ال صفة ،ف هم يرون أن الراد عل يه كالراد
على ال ،وهو على حد الشرك بال [سيأتي – إن شاء ال – ذكر بعض نصوصهم في ذلك في فصل الغيبة،].
وهذا مـن الخطورة بمكان؛ لن آيات الشيعـة اليوم هـم الذيـن يقودون الحكـم فـي دولة الشيعـة..
فينفذ الشعب تعاليمهم على أنها من شرع ال ،ول يعترض عليهم خشية الوقوع في الشرك.
الفصل الثالث
[ا ّتقَيْ تُ الشيء ،و َتقَيتُه أتقِيه وأتّقيه تقَى و َتقِيّةً وتقاء :حَذِرته( ،لسان العرب مادة :وقي) .ولهذا قال ابن حجر: التقية
التق ية :الحذر من إظهار ما في الن فس من معت قد وغيره للغ ير (ف تح الباري ،)12/314 :وهذا يع ني الكتمان ،و قد
يضطر لظهار خلف ما في النفس بلسانه ،قال ابن عباس" :التقية باللسان ،والقلب مطمئن باليمان" وقال أبو عالية:
التقية باللسان وليس بالعمل (تفسير الطبري ،315-6/314 :تحيق شاكر ،فتح الباري.)12/314 :
فالتق ية :إظهار خلف ما في البا طن (ان ظر :النهاية ل بن الثير ،)1/193 :وأك ثر العرب ينطقون التقيّة «تقاة»،
ولهذا جاء في القرآنِ{ :إ ّل أَن َتتّقُو ْا ِمنْهُ مْ ُتقَاةً} [آل عمران ،آ ية .]28 :وإن كان نطق ها تق ية صوابًا ك ما قال الفراء،
وقد قرئ" :تقية" (انظر :معاني القرآن للفراء ص ،205تفسير الطبري].)6/317 :
509
تعريفها:
يعرف المفيد التقية عندهم بقوله" :التقية كتمان الحق ،وستر العتقاد فيه ،وكتمان المخالفين،
(مل حق بكتاب وترك مظاهرت هم ب ما يع قب ضررًا في الد ين أو الدن يا" [شرح عقائد ال صدوق :ص 261
أوائل المقالت).].
فالمفيد يعرف التقية بأنها الكتمان للعتقاد خشية الضرر من المخالفين – وهم أهل السنة كما
هو الغالب في إطلق هذا اللفظ عندهم – أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي يرونه باطلً)،
وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق ،من هنا يرى بعض أهل السنة :أن أصحاب هذه
العقيدة هـم شـر مـن المنافقيـن؛ لن المنافقيـن يعتقدون أن مـا يبطنون مـن كفـر هـو باطـل،
ويتظاهرون بالسلم خوفًا ،وأما هؤلء فيرون أن ما يبطنون هو الحق ،وأن طريقتهم هي منهج
الرسل والئمة [ابن تيمية :رسالة في علم الظاهر والباطن ،ضمن مجموعة الرسائل المنيرية.].1/248 :
[آل عمران، والتقية في السلم غالبًا إنما هي مع الكفار ،قال تعالى{ :إِلّ أَن َتتّقُو ْا ِم ْنهُ ْم تُقَاةً}
آية .].28:قال ابن جرير الطبري" :التقية التي ذكرها ال في هذه الية إنما هي تقية من الكفار ل
من غيرهم" [تفسير الطبري( 6/316 :تحقيق شاكر).].
ولكـن تقيـة الشي عة هـي مع الم سلمين ولسـيما أهـل ال سنة حتـى إن هم يرون ع صر القرون
المفضلة عهد تقية كما قرره شيخهم المفيد [مضى نص قوله ص ،].)44-43( :وكما تلحظ ذلك في
ن صوصهم ال تي ين سبونها للئ مة؛ لن هم يرون أ هل ال سنة أ شد كفرًا من اليهود والن صارى؛ لن
منكر إمامة الثني عشر أشد من منكر النبوة [انظر :ص( )714من هذا الكتاب.].
والتقيـة رخصـة فـي حالة الضطرار ،ولذلك اسـتثناها ال – سـبحانه – مـن مبدأ النهـي عـن
موالة الكفار فقال – سبحانه { :-لّ يَتّخِذِ ا ْل ُم ْؤمِنُو نَ الْكَا ِفرِي نَ َأوْ ِليَاء مِن ُدوْ نِ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ وَمَن
ّهـ
ْسـهُ َوإِلَى الل ِ
ّهـ نَف َ
ُمـ الل ُ
ُمـ تُقَاةً وَيُحَ ّذرُك ُ
شيْءٍ إِلّ أَن تَتّقُو ْا ِم ْنه ْ
ّهـ فِي َ
ِنـ الل ِ
ْسـ م َ
ِكـ َفَلي َ
يَفْ َعلْ ذَل َ
ا ْلمَصِيرُ} [آل عمران ،آية.].28 :
فنهى ال – سبحانه – عن موالة الكفار ،وتوعد على ذلك أبلغ الوعيد فقالَ { :ومَن يَفْ َعلْ َذلِ كَ
شيْءٍ} أي ومن يرتكب نهي ال في هذا فقد برئ من ال ،ثم قال – سبحانه
س مِ نَ اللّ هِ فِي َ
فَ َليْ َ
510
ُمـ تُقَاةً} أي :إل مـن خاف فـي بعـض البلدان والوقات مـن شرهـم فله أن
{ :-إِلّ أَن َتتّقُو ْا ِم ْنه ْ
[تفسير ابن كثير ،1/371 :وراجع في هذا المعنى كتب التفسير عند آيتي :آل يتقيهم بظاهره ل بباطنه ونيته
عمران ،آية ،28 :والنحل ،آية.].106:
وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة ،قال ابن المنذر" :أجمعوا على أن
من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن باليمان أنه ل يحكم عليه
بالكفر" [فتح الباري.].12/314 :
ول كن من اختار العزي مة في هذا المقام ف هو أف ضل ،قال ا بن بطال" :وأجمعوا على أن من
أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند ال" [ف تح الباري .].12/317 :ولكن التقية التي
عند الشيعة خلف ذلك ،فهي عندهم ليست رخصة بل هي ركن من أركان دينهم كالصلة أو
أع ظم ،قال ا بن بابو يه" :اعتقاد نا في التق ية أن ها واج بة ،من ترك ها بمنزلة من ترك ال صلة"
[العتقادات :ص .].114
[ابـن إدريـس /السـرائر :صقال ال صادق" :لو قلت أن تارك التق ية كتارك ال صلة لك نت صادقًا"
،479ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه ،2/80 :جامع الخبار :ص ،110الحر العاملي /وسائل الشيعة،7/94 :
بحار النوار.].75/412،414 :
[جا مع الخبار: بل نسبوا إلى النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" :تارك التقية كتارك الصلة"
ص ،110بحار النوار ].412-75 :ثم زادوا في درجة التقية فجعلوها "تسعة أعشار الدين".
ثم لم يكف هم ذلك فجعلو ها هي الد ين كله ول د ين ل من ل تق ية له ،جاء في أ صول الكا في
[أصول وغيره أن جعفر بن محمد قال" :إن تسعة أعشار الدين في التقية ول دين لمن ل تقية له"
الكافي ،2/217 :البرقي /المحاسن :ص ،259الحر العاملي /وسائل الشيعة ،11/460 :المجلسي /بحار النوار:
.].75/423
وعدّوا ترك التق ية ذنبًا ل يغ فر على حد الشرك بال ،قالت أخبار هم" :يغ فر ال للمؤ من كل
[تفسير ذنب ،يظهر منه في الدنيا والخرة ،ما خل ذنبين :ترك التقية ،وتضييع حقوق الخوان"
الحسن العسكري :ص ،130وسائل الشيعة ،11/474 :بحار النوار.].75/415 :
والتقية في دين السلم دين الجهاد والدعوة ،ل تمثل نهجًا عامًا في سلوك المسلم ،ول سمة
مـن سـمات المجتمـع السـلمي ،بـل هـي – غالبًا – حالة فرديـة مؤقتـة ،مقرونـة بالضطرار،
مرتبطة بالعجز عن الهجرة ،وتزول بزوال حالة الكراه.
511
ولكنها في المذهب الشيعي تعد طبيعة ذاتية في بنية المذهب ،يقول أبو عبد ال" :إنكم على
دين من كتمه أعزه ال ،ومن أذا عه أذله ال" [أ صول الكا في ،].1/222 :وقال .." :أبى ال – عز
وجل – لنا ولكم في دينه إل التقية" [أصول الكافي.].2/218 :
والتق ية عند هم حالة م ستمرة ،و سلوك جما عي دائم ،قال ا بن بابو يه في كتا به "العتقادات"
المسـمى ديـن الماميـة" :والتقيـة واجبـة ل يجوز رفعهـا إلى أن يخرج القائم ،فمـن تركهـا قبـل
خروجـه فقـد خرج عـن ديـن ال – تعالى – وعـن ديـن الماميـة وخالف ال ورسـوله والئمـة"
[العتقادات :ص .].115-114
وروت كتب الشيعة عن علي بن موسى الرضا – عليه السلم – قال" :ل إيمان لمن ل تقية
[وكأن هم يف سرون قوله – سبحانه { :-إِنّ أَ ْكرَمَكُ ْم عِندَ اللّ هِ َأ ْتقَاكُ مْ} له ،وإن أكرمكم عند ال أعملكم بالتقية"
[الحجرات ..].]13 :فق يل له :يا ا بن ر سول ال إلى م تى؟ قال" :إلى يوم الو قت المعلوم و هو يوم
خروج قائمنـا ،فمـن ترك التقيـة قبـل خروج قائمنـا فليـس منـا"
[ابـن بابويـه /إكمال الديـن :ص ،355
الطبرسي /أعلم الورى :ص ،408أبو القاسم الرازي /كفاية الثر :ص ،323وسائل الشيعة،466 ،11/465 :
وانظر في هذا المعنى :جامع الخبار :ص ،110وبحار النوار.].75/412 :
والتقية ملزمة للشيعي في كل ديار المسلمين حتى إنهم يسمون دار السلم "دار التقية" ،جاء
في رواياتهم .." :والتقية في دار التقية واجبة" [جامع الخبار :ص ،110بحار النوار.].75/411:
وي سمونها "دولة البا طل" .قالوا " :من كان يؤ من بال واليوم ال خر فل يتكلم في دولة البا طل
إل بالتقية" [جامع الخبار :ص ،110بحار النوار.].75/412:
ويسمونها" :دولة الظالمين" قالوا" :التقية فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين ،فمن تركها
فقد خالف دين المامية وفارقه" [بحار النوار.].75/421 :
ويؤكدون على أن تكون عشرة الشي عة مع أ هل ال سنة التق ية ،و قد تر جم لذلك ال حر العاملي
فقال" :باب وجوب عشرة العامة (أهل السنة) بالتقية" [وسائل الشيعة.].11/470 :
ونسبوا لبي عبد ال أنه قال" :من صلى معهم في الصف الول فكأنما صلى مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم في الصف الول" [بحار النوار :باب التقية ].75/421 :وقال" :من صلى خلف
المنافقين بتقية كان كمن صلى خلف الئمة" [جامع الخبار :ص ،110بحار النوار.].75/412:
512
وقال صاحب كشف الغطاء" :التقية إذا وجبت فمتى أتي بالعبادة على خلفها بطلت ،وقد ورد
[جع فر النج في /ك شف في ها ال حث العظ يم ،وأن ها من د ين آل مح مد ،و من ل تق ية له ل إيمان له"
الغطاء :ص .].61
بل إن التقية تجري حتى وإن لم يوجد ما يبررها ،فأخبارهم تحث الشيعي على استعمال التقية
مع من يأمن جانبه حتى تصبح له سجية وطبيعة فيمكنه التعامل بها حينئذ مع من يحذره ويخافه
بدون تكلف ول تصـنع ،فقـد روت كتبهـم" :عليكـم بالتقيـة فإنـه ليـس منـا مـن لم يجعلهـا شعاره
[أمالي الطوسـي ،1/199 :وسـائل الشيعـة: ودثاره مـع مـن يأمنـه ،لتكون سـجيته مـع مـن يحذره"
،11/466بحار النوار.].75/395 :
ولن التقية ل تعني – بهذه الصورة – سوى الكذب والنفاق ،وهو مما تكرهه الفطرة السليمة
وتمجـه النفوس السـوية ول تقبله العقول ،حاولت روايات الشيعـة أن تحببهـا للتباع ،وتغريهـم
بالتزامهـا؛ فزعموا أنهـا عبادة ل ،بـل هـي أحـب العبادات إليـه ،روى الكلينـي .." :عـن هشام
الكندي قال :سمعت أ با ع بد ال يقول :وال ما ع بد ال بش يء أ حب إل يه من الخ بء ،فقلت :ما
[أصول الكافي ،2/219 :وانظر :ابن بابويه /معاني الخبار :ص ،162و سائل الشيعة: الخبء؟ قال :التقية"
.].11/462
وجاء في الكافي وغيره .." :عن محمد بن مروان عن أبي عبد ال – رضي ال عنه – قال:
كان أبي – عليه السلم – يقول :وأي شيء أقر لعيني من التقية" [أصول الكافي ،].2/220 :وفي
[ا بن بابو يه /الخ صال :ص ،22جا مع الخبار :ص روا ية " :ما خلق ال شيئًا أ قر لع ين أب يك من التق ية"
،110البرقي /المحاسن :ص ،258الحر العاملي /وسائل الشيعة ،464 ،11/460 :بحار النوار.].75/394 :
هذه هي معالم التقية عند الشيعة الثني عشرية ،وقد ذكر صاحب الكافي أخبارها في "باب
[أصـول التقيـة" [أصـول الكافـي ،].2/217 :و"باب الكتمان" [أصـول الكافـي ].2/221 :و"باب الذاعـة"
الكافي.].2/369 :
وذ كر المجل سي في بحاره من روايات هم في ها مائة وت سع روايات في باب عقده بعنوان "باب
التقية والمداراة" [بحار النوار.].443-75/393 :
أما سبب هذا الغلو في أمر التقية فيعود إلى عدة أمور منها:
أولً :أن الشي عة ت عد إما مة الخلفاء الثل ثة باطلة ،و هم و من بايع هم في عداد الكفار ،مع أن
عليًا بايعهم ،وصلى خلفهم ،وجاهد معهم ،وزوجهم وتسرى من جهادهم ،ولما ولي الخلفة سار
513
[انظر: على نهجهم ولم يغير شيئًا مما فعله أبو بكر وعمر ،كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها
ص ،].422وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه ..فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم
بالقول بالتقية.
ثاني ًا :أنهـم قالوا بعصـمة الئمـة وأنهـم ل يسـهون ول يخطئون ول ينسـون ،وهذه الدعوى
خلف ما هو معلوم من حالهم ..حتى إن روايات الشيعة نفسها المنسوبة للئمة مختلفة متناقضة
[ان ظر :ص ح تى ل يو جد خبر من ها إل وبإزائه ما يناق ضه ،ك ما اعترف بذلك شيخ هم الطو سي
.].360وهذا ينقض مبدأ العصمة من أصله.
فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض والختلف والتستر على كذبهم ،روى صاحب الكافي عن
منصور بن حازم قال" :قلت لبي عبد ال – عليه السلم :-ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني
فيهـا بالجواب ،ثـم يجيئك غيري فتجيبـه فيهـا بجواب آخـر؟ فقال :إنـا نجيـب الناس على الزيادة
والنقصان[ "..أصول الكافي.].1/65 :
قال شارح الكافي" :أي زيادة حكم عند التقية ،ونقصانه عند عدمها ..ولم يكن ذلك مستندًا إلى
الن سيان والج هل بل لعلم هم بأن اختلف كلمت هم أ صلح ل هم ،وأن فع لبقائ هم إذ لو اتفقوا لعرفوا
بالتشيع وصار ذلك سببًا لقتلهم ،وقتل الئمة عليهم السلم" [المازندراني /شرح جامع.].2/397 :
ولذلك رأى سـليمان بـن جريـر الزيدي فـي مقالة التقيـة أنهـا مجرد تسـتر على الختلف
والتنا قض؛ إذ ل ما رأوا في أقوال الئ مة في الم سألة الواحدة عدة أجو بة مختل فة متضادة ،و في
[ح سب مقالة شيوخ ال سوء م سائل مختل فة أجو بة متف قة ،فل ما وقفوا على ذلك من هم ،قالت ل هم أئمت هم
عنهم : ].إنما أجبنا بهذا للتقية ،ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا ،لن ذلك إلينا ،ونحن نعلم بما
يصلحكم ،وما فيه بقاؤنا وبقاؤكم ،وكف عدوكم عنا وعنكم ،قال :فمتى يظهر من هؤلء على
[الق مي /المقالت والفرق :ص ،78النوبخ تي /فرق الشي عة :ص كذب ،وم تى يعرف ل هم حق من با طل؟!
.].66-65
ثالثًا :تسهيل مهمة الكذابين على الئمة ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت بحيث
يوهمون التباع أن ما ينقله (واض عو مبدأ التق ية) عن الئ مة هو مذهب هم ،وأن ما اشت هر وذاع
عنهم ،وما يقولونه ،ويفعلونه أمام المسلمين ل يمثل مذهبهم وإنما يفعلونه تقية فيسهل عليهم بهذه
الحيلة رد أقوال هم ،والدس علي هم ،وتكذ يب ما يروى عن هم من حق ،فتجد هم مثلً يردون كلم
المام محمد الباقر أو جعفر الصادق الذي قاله أمام مل من الناس ،أو نقله العدول من المسلمين
514
بحجة أ نه حضره بعض أهل ال سنة فاتقى في كل مه ،ويقبلون ما ينفرد بنقله الكذبة أمثال جابر
الجعفي بحجة أنه ل يوجد أحد يتقيه في كلمه.
وبحسبك أن تعرف أن المام زيد بن علي وهو من أهل البيت يروي عن علي – رضي ال
عنه – كما تنقله كتب الثني عشرية نفسها – أنه غسل رجليه في الوضوء ،ولكن من يلقبونه ب
"ش يخ الطائ فة" ل يأ خذ بهذا الحد يث ول ي جد ح جة يح تج ب ها سوى دعوى التق ية ،ف هو يورد
الحديث في الستبصار عن زيد بن علي عن جده علي بن أبي طالب قال" :جلست أتوضأ فأقبل
رسول ال صلى ال عليه وسلم حين ابتدأت الوضوء – إلى أن قال – وغسلت قدمي ،فقال لي:
يا علي خلل بين الصابع ل تخلل بالنار" [الستبصار .].1/65/66 :فأنت ترى أن عليًا كان يغسل
رجليه في وضوئه ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم أكد عليه بأن يخلل أصابعه ،والشيعة
تخالف سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهدي علي في ذلك ،ول تلتفت لمثل هذه الروايات،
وإن جاءت في كتبها بروايات أئمة أهل البيت ،ول يكلف شيوخ الشيعة أنفسهم بالتفكر في أمر
هذه الروايات ودراسـتها ،فلديهـم هذه الحجـة الجاهزة "التقيـة" ،ولهذا قال الطوسـي" :هذا خـبر
موافق للعامة (يعني أهل السنة) وقد ورد مورد التقية لن المعلوم الذي ل يتخالج منه الشك من
مذا هب أئمتنا – علي هم ال سلم – القول بالم سح على الرجلين ،ثم قال :إن رواة هذا ال خبر كل هم
عامة ،ورجال الزيدية ،وما يختصون به ل يعمل به" [الستبصار.].66-1/65 :
ثم ساق رواية أخرى عن أبي عبد ال جعفر الصادق في النص على غسل الرجلين وحملها
على التقية [الستبصار.].1/65 :
(مثل ما جاء عندهم وفي الذان حمل ما لم يتفق ومذهب شيوخه على التقية [الستبصار1/308 :
أنه يقول في أذان الفجر :الصلة خير من النوم).].
[انظـر: وفـي قسـمة المواريـث يقررون أن المرأة ل ترث مـن العقار والدور والرضيـن شيئًا
ال ستبصار للطو سي ،باب في أن المرأة ل ترث من العقار والدور شيئًا .].155-4/151 :ول ما يأ تي عند هم
نص عن الئمة يخالف ذلك وهو حديث أبي يعفور عن أبي عبد ال قال" :سألته عن الرجل هل
يرث من دار امرأ ته أو أرض ها من التر بة شيئًا؟ أو يكون في ذلك منزلة المرأة فل يرث من
ذلك شيئًا؟ فقال :يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت" [الستبصار.].4/154 :
قال الطوسي" :نحمله على التقية ،لن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة ،وليس يوافقنا
عليها أحد من العامة ،وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه" [الستبصار.].4/155 :
515
وفي النكاح" :جاءت عندهم روايات في تحريم المتعة ،ففي كتبهم عن زيد بن علي عن آبائه
عن علي – عل يه ال سلم – قال :حرّم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يوم خ يبر لحوم الح مر
[انظر :الطوسي /تهذيب الحكام ،2/184 :الستبصار ،3/132 :الحر العاملي /وسائل الهلية ونكاح المتعة"
الشيعة.].7/441 :
[إذا أطلق الشيـخ فـي كتـب الشيعـة فالمراد بـه "شيخهـم قال شيخ هم ال حر العاملي" :أقول :حمله الش يخ
الطوسي" ].وغيره على التقية يعني في الرواية ،لن إباحة المتعة من ضروريات مذهب المامية"
[وسائل الشيعة.].7/441 :
رابعًا :وضـع مبدأ التقيـة لعزل الشيعـة عـن المسـلمين لذلك ،جاءت أخبارهـم فيهـا على هذا
النمط ،يقول إمامهم (أبو عبد ال)" :ما سمعتَ مني يشبه قول الناس فيه التقية ،وما سمعت مني
ل يشبه قول الناس فل تقية فيه" [بحار النوار ،2/252 :وعزاه إلى تهذيب الحكام للطوسي.].
وهذا مبدأ خطيـر ،تطـبيقه يخرج بالشيعـة مـن السـلم رأسـًا وينظمهـم فـي سـلك الملحدة
والزنادقـة ،لنهـم جعلوا مخالفـة المسـلمين هـي القاعدة ،فتكون النتيجـة أنهـم يوافقون الكافريـن
ويخالفون المسلمين ،فانظر إلى أي مدى لعب بهم زنادقة القرون البائدة.
وكان من آثار عقيدة التقية ضياع مذهب الئمة عند الشيعة ،حتى إن شيوخهم ل يعلمون في
[انظـر :احتجاج السـويدي على علماء الشيعـة فـي هذا النـص، الكثيـر مـن أقوالهـم أيهـا تقيـة وأيهـا حقيقـة
وانقطاع هم وعجز هم عن الجا بة (مؤت مر الن جف :ص ،].)106ووضعوا ل هم ميزانًا ،أخرج المذ هب إلى
دائرة الغلو ،وهو أن ما خالف العامة فيه الرشاد [انظر :فصل الجماع.].
و قد اعترف صاحب الحدائق بأ نه لم يُعلم من أحكام دين هم إل القل يل ب سبب التق ية ح يث قال:
"فلم يعلم من أحكام الديـن على اليقيـن إل القليـل لمتزاج أخباره بأخبار التقيـة ،ك ما قـد اعترف
بذلك ثقة السلم محمد بن يعقوب الكليني في جامعه الكافي ،حتى إنه تخطأ العمل بالترجيحات
[يوسـف البحرانـي/ المرو ية ع ند تعارض الخبار والت جأ إلى مجرد الرد والت سليم للئ مة البرار"
الحدائق الناضرة.].1/5 :
أما تطبيق التقية عندهم فإنه خير كاشف بأن تقيتهم غير مرتبطة بحالة الضرورة.
و قد اعترف – أيضًا – صاحب الحدائق بأن الئ مة "يخالفون ب ين الحكام وإن لم يحضر هم
أ حد من أولئك النام ،فترا هم يجيبون في الم سألة الواحدة بأجو بة متعددة ،وإن لم ي كن ب ها قائل
من المخالفين" [الحدائق الناضرة.].1/5 :
516
والمثلة في هذا الباب كثيرة جدًا.
روى الكليني " ...عن موسى بن أشيم قال :كنت عند أبي عبد ال فسأله رجل عن آية من
كتاب ال – عز وجل – فأخبره بها ،ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الية فأخبره بخلف ما
أ خبر به الول ،قال :فدخل ني من ذلك ما شاء ال ح تى كأن قل بي يشرح بال سكاكين فقلت في
نفسي :تركت أبا قتادة بالشام ل يخطئ في الواو وشبهه ،وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله.
فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الية فأخبره بخلف ما أخبرني وأخبر صاحبي،
ف سكنت نف سي فعل مت أن ذلك م نه تق ية ،قال :ثم الت فت إل يّ فقال لي :يا ا بن أش يم إن ال فوض
عنْ هُ فَان َتهُوا} ف ما فوض إلى ر سول ال
خذُو هُ وَمَا َنهَا ُك مْ َ
إلى نبيه فقال{ :وَمَا آتَاكُ مُ الرّ سُولُ فَ ُ
صلى ال عليه وسلم فقد فوضه إلينا" [أصول الكافي.].266-1/265 :
فانظر كيف نسبوا إلى جعفر أنه يضل بتأويل القرآن على غير تأويله؛ بل وإشاعة التأويلت
المختل فة المتناق ضة ب ين ال مة ،ثم يزعمون أ نه قد فوض له أ مر الد ين ،يف عل ما يشاء ..فهذه
ليست تقية ،هذا إلحاد في كتاب ال وصد عن دينه ،ثم هل هناك حاجة للتقية في تفسير القرآن
وفي القرون المفضلة ومن عالم أهل البيت في عصره؟!
ويزعمون أن أئمتهم كانوا يفتون بتحريم الحلل وتحليل الحرام بموجب التقية بل مبرر ،ففي
الكا في " عن أبان بن تغلب قال :سمعت أ با ع بد ال يقول :كان أ بي – عل يه ال سلم – يف تي في
زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلل ،وكان يتقيهم ،وأنا ل أتقيهم وهو حرام ما
قتل" [فروع الكافي ،باب صيد البزاة والصقور.].6/208 :
ومما يدل صراحة على أن التقية ليست إل الكذب الصريح بل مبرر ما رواه شيخهم الكليني
عن محمد بن مسلم قال :دخلت على أبي عبد ال – عليه السلم – (جعفر الصادق) وعنده أبو
حنيفة فقلت له :جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة ،فقال لي :يا ابن مسلم هاتها إن العالم بها جالس،
وأومأ بيده إلى أبي حنيفة (فعرض الراوي الرؤيا على أبي حنيفة فأجابه أبو حنيفة عليها – كما
يزعمون) فقال أبو عبد ال – عليه السلم :-أصبت وال يا أبا حنيفة.
قال (الراوي) :ثـم خرج أبـو حنيفـة مـن عنده فقلت له :جعلت فداك إنـي كرهـت تعـبير هذا
النا صب ،فقال :يا ا بن م سلم ل ي سؤك ال ف ما يوا طئ ت عبيرهم تعبير نا ،ول تعبير نا ت عبيرهم
وليس التعبير كما عبره ،قال :فقلت له :جعلت فداك :فقولك :أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟
قال :نعم حلفت علي أنه أصاب الخطأ [روضة الكافي .8/292 :ط :إيران.].
517
فهل استعمال التقية في هذا النص له مسوغ؟ هل أبو حنيفة ذو سلطة وقوة حتى يخشى منه
ويت قى ،و هل من ضرورة لمد حه والق سم على صواب إجاب ته ثم ل ما خرج يح كم عل يه بالنصب
ويخطـئ فـي جوابـه ،هـل لهذا تفسـير غيـر أن الخداع والكذب بل مسـوغ ونحـن نـبرئ جعفـر
الصادق من هذا الفتراء ونقول :إن هذا سب وطعن في جعفر ممن يزعم التشيع له ومحبته.
وكلمـا كان الرافضـي أبرع فـي الكذب والخداع كلمـا عظـم مقامـه عندهـم ونال أعلى شهادة،
ولذلك أثنى محمد باقر الصدر على الحسين بن روح [وهو الباب الثالث من أبواب مهديهم ،].وقال بأنه
قام بمهمة "البابية" خير قيام لنه "كان من مسلكه اللتزام بالتقية المضاعفة ،بنحو ملفت للنظر
بإظهار العتقاد بمذهب أهل السنة" [تاريخ الغيبة الصغرى :ص .].411
وجاء في الغيبة للطوسي .." :عن عبد ال بن غالب قال :ما رأيت من هو أعقل من الشيخ
أ بي القا سم الح سين بن روح ،ولعهدي به يومًا في دار ا بن ي سار ،وكان له م حل ع ند ال سيد
والمقتدر عظيم ،وكانت العامة – أيضًا – تعظمه ..وعهدي به وقد تناظر اثنان ،فزعم واحد أن
[كذا ورد بدون ذكر أبا بكر أفضل الناس بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم وسلم ثم عمر ثم علي
عثمان ،فكأن مجلسهم يسوده اتجاه شيعي عام ،ومع ذلك تجري فيه التقية ،].وقال الخر :بل علي أفضل من
عمر ،فزاد الكلم بينهما ،فقال أبو القاسم – رضي ال عنه :-الذي اجتمعت الصحابة عليه هو
تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ،ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي ،وأصحاب الحديث
على ذلك ،وهو الصحيح عندنا.
فبقي من حضر المجلس متعجبًا من هذا القول ،وكاد العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم،
وكثر الدعاء له ،والطعن على من يرميه بالرفض ،فوقع عل يّ الضحك ،فلم أزل أتصبر وأمنع
نفسي ،وأدس كمي في فمي ،فخشيت أن أفتضح فوثبت عن المجلس ،ونظر إل يّ ففطن بي ،فلما
ح صلت في منزلي فإذا الباب يطرق ،فخر جت مبادرًا فإذا بأ بي القا سم الح سين ا بن روح راكبًا
بغلتـه قـد وافانـي مـن المجلس قبـل مضيـه إلى داره فقال لي :يـا أبـا عبـد ال – أيدك ال – لم
ضح كت؟ فأردت أن ته تف بي كأن الذي قل ته عندك ل يس ب حق ،فقلت :كذلك هو عندي ،فقال
لي :اتق ال أيها الشيخ فإني ل أجعلك في حل تستعظم هذا القول مني؟ فقلت :يا سيدي ،رجل
يرى بأ نه صاحب المام ووكيله يقول ذلك القول يتع جب م نه ويض حك من قوله هذا ،فقال لي:
وحيا تك [الحلف بغ ير ال من شري عة "نائب المع صوم وبا به" ].لئن عدت لهجر نك وودع ني وان صرف"
[الغيبة للطوسي :ص .].237-236
518
نقلت هذه القصة رغم طولها؛ لنها تصور كيف يخادعون أهل السنة ،ويقولون بألسنتهم ما
ل يس في قلوب هم ،ويتندرون في ما بين هم على ت صديق ب عض أ هل ال سنة لنفاق هم وكذب هم ،وعقل ية
[ان ظر :مح مد با قر ال صدر /تار يخ الغي بة ال صغرى: شي عة هذا الع صر ل تزال تؤ من بهذا النفاق وجدواه
ص ،385ف قد ن قل هذه الحاد ثة عن ا بن روح مؤيدًا لمنه جه .مثنيًا على م سلكه ،].و قد جاءت عند هم أخبار
كثيرة على هذا النهج ،لول ضيق المجال لعرضت لها ،وأعقبتها بالنقد والتحليل ،وهي تستحق
[انظـر :جملة منهـا فـي بحار النوار: درا سة خا صة ل ما في ها من ك شف لح يل الروا فض وأ ساليبهم
75/402وما بعدها.].
[ال ية (ِ{ :)28إ ّل أَن ي ستدل الث نا عشر ية [ان ظر :الشي عة في الميزان :ص ].50-49بآي تي آل عمران
َتتّقُو ْا ِمنْهُ ْم ُتقَاةً} ،].والنحل [الية ({ :)106مَن َك َف َر بِاللّ ِه مِن بَعْ ِد إيمَانِ ِه ِإلّ مَ ْن أُ ْكرِ هَ وَ َق ْلبُ هُ مُطْ َم ِئنّ بِالِيمَا نِ}،].
[وهي اليات التي يؤلونها بحسب المنهج الباطني عندهم كتأويلهم قوله – سبحانه { :-فَمَا ا سْطَاعُوا أَن وغيرهما
يَظْ َهرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ َن ْقبًا} [الكهف ،]97 :بقولهم :ما استطاعوا له نقبًا إذا عمل بالتقية.
وفي قولهَ { :فإِذَا جَاء َوعْ ُد َربّي جَ َعلَ هُ دَكّاء} [الكهف .]98 :قالوا" :رفع التقية ع ند الكشف فينتقم من أعداء ال".
(انظر في تأويلهم لليتين بذلك في :تفسير العياشي ،2/351 :البرهان ،2/486 :البحار .)5/168 :وغيرها من
اليات (را جع :فكرة التقر يب :ص ].)221-220على عقيدت هم في التق ية ،ول كن ا ستدللهم (باليت ين)
واقع في غير موقعه كما تبين أثناء توضيح معالم التقية عندهم ،ولذلك قرر أهل العلم من خلل
معرفتهم بواقع الشيعة أن تقيتهم إنما هي الكذب والنفاق ليس إل .وقد تبينت لنا هذه الحقيقة من
خلل "النص الشيعي" أيضًا.
فأ نت ترى أن التق ية عند هم هي الكذب والنفاق ،و مع هذا يع تبرون ذلك من الد ين ،بل هو
الدين كله.
وأن حالهـم مـن جنـس حال المنافقيـن ل مـن جنـس حال المكره الذي أكره وقلبـه مطمئن
باليمان.
قال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية موضحًا الفرق ب ين تق ية النفاق ،والتق ية في ال سلم :التق ية...
ليسـت بأن أكذب وأقول بلسـاني مـا ليـس فـي قلبـي فإن هذا نفاق ،ولكـن أفعـل مـا أقدر عليـه..
فالمؤ من إذا كان ب ين الكفار والفجار ،لم ي كن عليه أن يجاهد هم بيده مع عجزه ،ولكن إن أمكنه
بل سانه ،وإل فبقلبه مع أنه ل يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه ،إما أن يظهر دينه وإما أن
519
يكتمه ،وهو مع هذا ل يوافقهم على دينهم كله ،بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون؛ حيث لم
يكن موافقًا لهم على جميع دينهم ،ول كان يكذب ،ول يقول بلسانه ما ليس في قلبه ،بل كان يكتم
إيمانه ،وكتمان الدين شيء ،وإظهار الدين الباطل شيء آخر ،فهذا لم يبحه ال قط إل لمن أكره
بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر [منهاج السنة ].3/260 :فيعذره ال في ذلك ،والمنافق والكذاب ل
يعذر بحال.
ثم إن المؤمن الذي يعيش بين الكفار مضطرًا ويكتم إيمانه يعاملهم – بمقتضى اليمان الذي
يحمله – بصدق وأمانة ونصح وإرادة للخير بهم ،وإن لم يكن موافقًا لهم على دينهم ،كما كان
يو سف ال صديق ي سير في أ هل م صر وكانوا كفارًا ..بخلف الراف ضي الذي ل يترك شرًا يقدر
عليه إل فعله بمن يخالفه [منهاج السنة.].3/260 :
الفصل الرابع
المهدية والغيبة
في هذا الفصل سأتناول – بحول ال – مسألة المهدية والغيبة عند الفرق الشيعية بوجه عام،
ثم نشأة هذه الفكرة عند الثني عشرية وتطورها ،وبعد ذلك أبين الخطوط العريضة لهذه العقيدة
عند هم ،و ما ي ستدلون به ل سناد هذا المعت قد ودفاع هم عن طول ز من الغي بة الذي م ضى عل يه
الن أكثر من أحد عشر قرنًا ،ومناقشة ذلك.
يلي ذلك بيان لمـا يتخيله الثنـا عشريـة لدولة المهدي بعـد عودتـه مـن غيبتـه ،وهـي خيالت
صاغوها على ش كل روايات عن أئ مة أ هل الب يت لتأ خذ صفة الع صمة والقدا سة ع ند أتباع هم،
فأبين ما قالوه حول شريعته ،وسيرته ،وجنده.
ثم أعرض بعد هذا للشيعة في فترة الغيبة ،والمبادئ التي شرعوها ،والشرائع التي عطلوها
بسبب هذه العقيدة ،ومحاولة شيوخهم لمواجهة فقد إمامهم باختراع عقيدة "النيابة عن المهدي".
520
فكرة اليمان بالمام الخ في أو الغائب تو جد لدى مع ظم فرق الشي عة ،ح يث تعت قد في إمام ها
ب عد مو ته أ نه لم ي مت ،وتقول بخلوده ،واختفائه عن الناس ،وعود ته إلى الظهور في الم ستقبل
مهديًا ،ول تختلف هذه الفرق إل في تحد يد المام الذي قدرت له العودة ،ك ما تختلف في تحد يد
الئمة وأعيانهم والتي يعتبر المام الغائب واحدًا منهم.
وتعتـبر السـبئية – كمـا يقول القمـي ،والنوبختـي ،والشهرسـتاني وغيرهـم – أول فرقـة قالت
[الق مي /المقالت وال فر :ص ،20-19النوبخ تي/ بالو قف على علي [أي لم ت سق الما مة ل من بعده ].وغيب ته
فرق الشي عة :ص ،22الشهر ستاني /الملل والن حل ،].1/174 :ح يث زع مت "أن عليًا لم يق تل ولم ي مت،
ول يقتـل ول يموت حتـى يسـوق العرب بعصـاه ،ويمل الرض عدلً وقسـطًا كمـا ملئت ظلمًا
وجورًا" [المقالت والفرق :ص ،19فرق الشيعة :ص ،22مقالت السلميين.].1/86 :
ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه" :كذبت ،لو جئنا بدماغه في سبعين
ل لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ،ول يموت حتى يملك الرض"
صرة ،وأقمت على قتله سبعين عد ً
[فرق الشيعـة :ص ،23المقالت والفرق :ص ].21وظلت تنتظـر عودتـه مـن غيبتـه ،ثـم انتقلت هذه
[الكرب ية :أتباع أ بي كر يب الضر ير ،و قد م ضى "الفكرة" من السبئية إلى بعض فرق الكيسانية كالكرب ية
التعر يف بالكي سانية ].ح يث قالت ل ما مات مح مد بن الحنف ية – و هو الذي تد عي أ نه إمام ها :-إ نه
حي لم يمت وهو في جبل رضوى بين مكة والمدينة عن يمينه أسد وعن يساره نمر موكلن به
[وقد تغنى شعراؤهم بذلك حتى قال شاعرهم (كثير عزة) : يحفظانه إلى أوان خروجه وقيامه
ولة الحق أربعة سواء أل إن الئمة من قريش
(انظر :مسائل المامة ص ،26مقالت السلميين ،93-1/92 :الفرق بين الفرق ص ،)41وقد أوردت كتب
المقالت أيضًا أشعارًا في هذا المع نى لشعراء آخر ين (ان ظر :م سائل الما مة ص ،)29 ،28 ،27 ،26و قد ن ظم
[مسائل البغدادي بعض البيان في الرد عليها الفرق بين الفرق :ص ،].)43-41وقالوا :إنه المهدي المنتظر
المامـة :ص ،26فرق الشيعـة :ص ،27مقالت السـلميين ،1/92 :الفرق بيـن الفرق :ص ،39التبصـير فـي
الدين :ص .].19-18وزعموا أنه سيغيب عنهم سبعين عامًا في جبل رضوى ثم يظهر فيقيم لهم
الملك ،ويقتل لهم الجبابرة من بني أمية [م سائل الما مة :ص ...].27فلما مضت سبعون سنة ولم
521
ينالوا مـن أمانيهـم شيئًا حاول بعـض شعرائهـم توطيـن أصـحابه على هذه العقيدة ،وأن يرضوا
[يقول شاعرهم في ذلك: بالنتظار ولو غاب مهديهم مدة عمر نوح عليه السلم
منا النفوس بأنه سيؤوب لو غاب عنا عمر نوح أيقنت
ثم شاع التو قف على المام وانتظار عود ته مهديًا ب عد ذلك ب ين فرق الشي عة ..فب عد وفاة كل
إمام من آل البيت تظهر فرقة من أتباعه تدعي فيه هذه الدعوى ..وتنتظر عودته ،وتختلف فيما
بين ها اختلفًا شديدًا في تحد يد المام الذي وق فت عل يه وقدرت له العودة – في زعمهم – ولذلك
قال ال سمعاني" :ثـم إنهـم فـي انتظارهـم المام الذي انتظروه مختلفون اختلفًا يلوح عل يه حمـق
بليغ" [النساب.].1/345 :
وحتى بعض فرق الزيدية وهي الجارودية تاهت في وهم هذا النتظار للمام الذي قد مات،
[مقالت مـع اختلف فروع هذه الطائفـة فـي تحديـد المام المنتظـر ،كمـا نقـل ذلك الشعري
[الملل والنحـل: السـلميين ].142-1/141 :والبغدادي [الفرق بيـن الفرق :ص ].32-31والشهرسـتاني
].159-1/158وغيرهم [نشوان /الحور العين :ص .].156ولذلك فإنه ل صحة لما قاله بعضهم من
أن الزيدية كلها تنكر هذا التجاه كما قاله أحمد أمين [ضحى السلم ،].3/243 :وأشار إليه جولد
سيهر [العقيدة والشريعة :ص .].211
هذه عقيدة الغيبة عند فرق الشيعة ،ارتبطت بأفراد من أهل البيت معروفين وجدوا في التاريخ
فعلً وعاشوا حياتهـم كسـائر الناس ،فلمـا ماتوا ادعـت فيهـم هذه الفرق تلك الدعوى ،حيـث لم
تصدق بموتهم ،وزعمت أنهم غابوا ،وسيعودون للظهور مرة أخرى .أما هذه الفكرة عند الثني
عشر ية فتختلف من ح يث إن ها ارتب طت عند هم "بشخ صية خيال ية" ل وجود ل ها ع ند أك ثر فرق
[وتتداول الشيعـة الشيعـة المعاصـرة لظهور هذه "الدعوى" وهـي عنـد أصـحابها شخصـية رمزيـة
أخبارها بالرمز إليه بدون ذكر اسمها ،].لم يرها الناس ،ولم يعرفوها ،ول يعلمون مكانها ،غابت – كما
يدعون – بعد ولدتها ،ولم يظهر حملها ،وأحيطت ولدتها بسياج من السرية والكتمان ،بل إن
عائلتهـا ،ووكيلهـا وأقرب الناس إليهـا لم يعلموا بأمـر هذا الحمـل وذلك المولود ،وكانوا له
منكرين ،بل لم يظهر للشيعة التي تدعيه إل من خلل نواب يدعون الصلة به.
522
هذه الشخصية هي شخصية المهدي المنتظر عندهم ،ويشكّل اليمان بها عند الثني عشريّة
ال صل الذي ينب ني عل يه مذهب هم ،والقاعدة ال تي تقوم علي ها بن ية التّشيّع عند هم؛ إذ ب عد انتهاء
وجود أئمّة الشّي عة بوفاة الح سن الع سكري أ صبح اليمان بغي بة اب نه المزعوم هو المحور الذي
تدور عليه عقائدهم ،والساس الذي يمسك بنيان الشّيعة من النهيار.
لبد في الحديث عن النشأة أن نتناول حال الشيعة بعد وفاة الحسن لعلقته الوثيقة بنشأة هذه
الفكرة.
إذ ب عد وفاة الح سن – إمام هم الحادي ع شر – سنة (260ه) "لم ير له خلف ،ولم يعرف له
[المقالت والفِرَق :ص ،102فِرَق الشّيعة :ص ولد ظاهر ،فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمّه"
( 96وفيها" :ولم ير له أثر") ].كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها.
وب سبب ذلك اضطرب أ مر الشّي عة ،وتفرّق جمع هم ،لنّ هم أ صبحوا بل إمام ،ول د ين عند هم
بدون إمام ،لنّه هو الحجّة على أ هل الرض [أ صول الكا في .].1/188 :وح تى كتاب ال سبحانه
ل يس ح جة عند هم إل به – ك ما سلف ،-وبالمام بقاء الكون ،إذ "لو بق يت الرض بغ ير إمام
لساخت" [أصول الكافي ،].1/179 :وهو أمان النّاس "ولو أ نّ المام رفع من الرض ساعة َلمَاجَ تْ
بأهلهـا كمـا يموج البحـر بأهله" [أصـول الكافـي .].1/179 :ولكـن المام مات بل عقـب ،وبقيـت
الرض بل إمام ،ولم يحدث ش يء من هذه الكوارث ..فتحيرت الشي عة واختل فت في أع ظم أ مر
[فِرَق الشّيعة :ص ،96 عندها وهو تعيين المام ،فافترقت إلى أربع عشرة فرقة كما يقول النّوبختي
[المقالت والفِرَق :ص المفيـد /الفصـول المختارة :ص ،].258أو خمـس عشرة فرقـة كمـا ينقـل القم ّي
،].102وه ما من الث ني عشريّة .وممّن عا صر أحداث الختلف ،إذ ه ما من القرن الثّالث،
فمعلوماتهما مهمة في تصوير ما آل إليه أمر الشيعة بعد الحسن العسكري.
و من بعده ما زادت الفر قة واتّ سع الختلف ،ح يث يذ كر الم سعودي الشّي عي (المتوفّى سنة
[مروج ال ّذ هب: 346ه) ما بل غه اختلف شي عة الح سن ب عد وفا ته ،وأنّه و صل إلى عشر ين فر قة
523
[وعندي أن هذا الختلف لم يتوقف إل بعد ،4/190وانظر :ال صّواعق المحرقة :ص ]168فما بالك بما بعده
قيام السمري – كما سيأتي – بإلغاء فكرة البابية واختراع فكرة النيابة العامة عن المهدي من جم يع شيوخهم ،فاتفقوا
حينئذ على دعوى غيبة المولود لتفاقهم على قسمة الغنائم التي تجبى باسمه فيما بينهم باسم النيابة.].
وقد ذهبت هذه الفرق مذاهب شتّى في أمر المامة ،فمنهم من قال" :إ نّ الحسن بن علي ح يّ
لم يمت ،وإنّما غاب وهو القائم ،ول يجوز أن يموت ول ولد له ظاهر ،لنّ الرض ل تخلو من
إمام" [فرق الشّيعـة :ص ،96المقالت وال ِفرَق :ص .].106فوقفـت هذه الفِرقـة على الحسـن العسـكري
وقالت بمهديته وانتظاره كما هي العادة عند الشّيعة بعد وفاة كلّ إمام تدّعي إمامته ،وذهبت فرقة
[ ِفرَق الشّيعة: أخرى إلى القرار بموته ،ولكنّها زعمت أنّه ح يّ بعد موته ،ولكنّه غائب وسيظهر
ص ،97المقالت وال ِفرَق :ص ،].107بين ما ِفرَق أخرى حاولت أن تم ضي بالما مة من الح سن إلى
[ان ظر :المقالت أخ يه جع فر [المقالت والفرق :ص ،].110وأخرى أبطلت إما مة الح سن بمو ته عقيمًا
والفرق :ص ،109فرق الشّيعة :ص .].101-100
أما الثنا عشريّة فقد ذهبت إلى الزّعم بأن للحسن العسكري ولدًا "كان قد أخفى (أي الحسن)
مولده ،وسـتر أمره لصـعوبة الوقـت وشدّة طلب السـّلطان له ..فلم يظهـر ولده فـي حياتـه ،ول
عرفه الجمهور بعد وفاته" [المفيد /الرشاد1005 :آ.].3+
ويقابـل ذلك اتجاه آخـر يقول" :إن الحسـن بـن علي قـد صـحت وفاتـه كمـا صـحت وفاة آبائه
بتواطؤ الخبار التي ل يجوز تكذيب مثلها ،وكثرة المشاهدين لموته ،وتواتر ذلك عن الولي له
والعدو ،وهذا ما ل يجب الرتياب فيه ،وصح بمثل هذه السباب أنه ل ولد له ،فلما صح عندنا
الوجهان ثبت أنه ل إمام بعد الحسن بن علي ،وأن المامة انقطعت ..كما جاز أن تنقطع النبوة
بعد محمد ،فكذلك جائز أن تنقطع المامة ،لن الرسالة والنبوة أعظم خطرًا وأجل ،والخلق إليها
أحوج ،والح جة ب ها ألزم ،والعذر ب ها أق طع ،لن مع ها البراه ين الظاهرة والعلم الباهرة ،ف قد
انقطعت ،فكذلك يجوز أن تنقطع المامة" [المقالت والفرق :ص ،108-107فرق الشيعة :ص .].105
وقطعـت كذلك فرقـة أخرى بموت الحسـن بـن علي وأنـه ل خلف له ،وقالت :إن ال سـيبعث
قائمًا من آل محمد ممن قد مضى ،إن شاء بعث الحسن بن علي ،وإن شاء بعث غيره ،ونحن
الن في زمن فترة انقطعت فيه المامة [المقالت والفرق :ص ،108وانظر :فرق الشيعة :ص .].105
524
وهكذا تضاربـت أقوالهـم ،واختلفـت اتجاهات هم ،وتفرقوا شيعًا وأحزابًا كل حزب بمـا لديهـم
فرحون ..وبلغت الحيرة في تلك الفترة أن اختار بعضهم التوقف وقال" :نحن ل ندري ما نقول
في ذلك وقد اشتبه علينا المر[ "..المقالت والفرق :ص ،116-115وانظر :فرق الشيعة :ص .].108
هذه بعض ملمح الخلف الذي دب بين الشيعة بعد وفاة الحسن.
ول عل القارئ يع جب من ذلك الصـرار الشد يد على القول بإما مة أ حد من آل الب يت ح تى
ينكرون موت من مات ،أو يدعون أنه حي بعد موته ،أو يخترعون ولدًا لمن ل عقب له ،وقليل
منهـم ثاب إلى رشده لمـا انكشـف له الغطاء بموت المام عقيم ًا فترك التحزب والتشيـع وقال
بانقطاع المامة ،ورجع إلى شئون حياته .ولعل هذه الفئة هي التي تتشيع عن صدق ،فلما تبين
لها المر ،وسقط القناع رجعت.
إن أهم سبب لهذا الصرار يتبين من خلل اختلف هذه الفرق ونزاعها فيما بينها للدفاع عن
رأيها والفوز بأكثر قدر من التباع ،حيث إن كل طائفة تنادي بمهدي لها وتكذب الخرى ،ومن
خلل تلك الخصومة تتسرب الحقيقة.
لنسـتمع – مثلً – إلى مـا ترويـه الثنـا عشريـة – التـي تقول بالغيبـة والوقـف على البـن
المزعوم للحسن للعسكري – في كشف حقيقة دعوى الطائفة الخرى التي تقول بالغيبة والوقف
على موسى الكاظم تقول" :مات أبو إبراهيم (موسى الكاظم) وليس من قوامه [نوابه ووكلؤه ].أحد
إل وعنده المال الكثير ،وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعًا في الموال ،كان عند زياد
[الغيبـة بـن مروان القندي سـبعون ألف دينار ،وعنـد علي بـن أبـي حمزة ثلثون ألف دينار"..
للطّوسي :ص .].43-42
و ما بعد ها ،ورجال الكشـي/ وجاء عند هم روايات أ خر بهذا المع نى [ان ظر :المصـدر السـابق :ص 43
الروايات ر قم ].893 ،888 ،871 ،759 :تك شف ما خ في ..وأن وراء دعوى غي بة المام وانتظار
رجعتـه الرغبـة فـي السـتئثار بالموال ،وأن هناك فئات منتفعـة بدعوى التّشيّع تغرّر بالسّـذّج،
وتأخذ أموالهم باسم أنّهم نوّاب المام ،فإذا ما توفّي المام أنكروا موته لتبقى الموال في أيديهم،
ويستمرّ دفع الموال إليهم باسم خمس المام الغائب.
وهكذا تدور عمليات النهـب والسـلب ..والضحيـة هـم أولئك السـذج المغفلون الذيـن يدفعون
أموالهم إلى من زعموا أنهم نواب المام في بلدان العالم السلمي .والذين استمرأوا هذه الغنيمة
525
الباردة فظلوا يذكون في النفوس محبة آل البيت ،واستشعار ظلم آل البيت ،والحديث عن محن
آل البيـت ،والمطالبـة بحـق آل البيـت ..ليفرقوا المـة ،ويتخذوا مـن تلك الموال وسـيلة لتغذيـة
جمعياتهم السرية التي تعمل على تقويض كيان الدولة السلمية.
ولعل من أسباب القول بالمهدية والغيبة أيضًا تطلع الشيعة إلى قيام كيان سياسي لهم مستقل
عن دولة السلم ،وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة المامة ،ولما خابت آمالهم ،وغلبوا على
أمرهم وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى المال والحلم كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم
من الحباط وشيعت هم من اليأس ،وأخذوا يبثون الرجاء وال مل في نفوس أ صحابهم ،ويمنون هم
بأن ال مر سيكون في النها ية ل هم .ولذلك فإن القول بالمهد ية والغي بة ين شط دعا ته ب عد وفاة كل
إمام لمواجهة عوامل اليأس وفقدان المل ،بالضافة إلى تحقيق المكاسب المادية.
كما أن التشيع كان مهوى قلوب أصحاب النحل والهواء والمذاهب المتطرفة؛ لنهم يجدون
من خلله الجو المناسب لتحقيق أهدافهم ،والعودة إلى معتقداتهم.
فان ضم إلى ر كب التش يع أ صناف من أ صحاب هذه التجاهات الغال ية ..وكان هذا «الخل يط»
يش طح "بالشي عة" ن حو معتقدا ته المورو ثة ،ول سيما ب عد أن عزلت الشي عة نف سها عن أ صول
المة ،وإجماعها.
ولهذا فإن مسـألة المهديـة والغيبـة حسـب العتقاد الشيعـي لهـا جذورهـا فـي بعـض الديانات
والنحـل ،ممـا ل يسـتبعد معـه أن لتباع تلك الديانات دورًا فـي تأسـيس هذه الفكرة فـي أذهان
الشيعة.
ويميـل بعـض المسـتشرقين أنهـا ذات أصـل يهودي ،لن اليهود يعتقدون بأن إيليـا رفـع إلى
ال سماء و سيعود في آ خر الزمان ،ولذلك فإن إيل يا هو – ح سب رأي هم – النموذج الول لئ مة
الشيعة المختفين الغائبين [جولد سيهر /العقيدة والشريعة :ص .].192
وفـي نظري أن هذا ل يكفـي لظهار الثـر اليهودي ،لن فـي السـلم أن عيسـى رفـع إلى
السـماء وسـيعود فـي آخـر الزمان ،فليسـت هذه الفكرة التـي عرضوهـا غريبـة على الصـول
السـلمية ،ولكـن لن المسـتشرقين ينكرون مسـألة المهديـة أصـلً قالوا هذا القول .إنمـا يـبرز
إيضاح الثر اليهودي أكثر من أوجه أخرى هي أن نظرية الغيبة ترجع في أصولها إلى ابن سبأ
وهو حبر من أحبار اليهود.
526
كذلك ما صرح به بعض شعراء الشيعة من أن فكرة المهدية مستمدة من أخبار كعب الحبار
الذي كان على د ين اليهود ية ق بل إ سلمه ،ويبدو ذلك بوضوح في ما قاله شا عر الكي سانية كث ير
عزة في ابن الحنفية:
أخو الحبار في الحقب الخوالي [ديوان كثير عزة.].1/275 : هو المهدي خبرناه كعب
ويقول فان فلو تن" :وأ ما ن حن معا شر الغربي ين ف قد ا سترعت عقيدة المهدي المنت ظر بو جه
خاص أنظار المستشرقين منا" [السيادة العربية والسرائيليات :ص .].110
ثم يربط هذه العقيدة بالسرائيليات ويردها إلى أصول يهودية ونصرانية ،لنه يرى أنها تخل
تحـت نطاق التنبـؤ ببعـض الشخاص والحوادث المعينـة ،وهـو التنبـؤ الذي أفاضـت فيـه كتـب
إ سرائيلية لم ت كن معرو فة ع ند العرب في بادي ال مر ،وإن ما و صلت إلي هم عن طر يق اليهود
والمسيحيين الذين اعتنقوا السلم [السيادة العربية والسرائيليات :ص .].112
ويبدو أن ربطـه هذه العقيدة باليهوديـة والنصـرانية لمجرد أنهـا تدخـل فـي نطاق الخبار
بالمغيبات الذي ل يعرفـه العرب كمـا يقول هـو ربـط ضعيـف ،ذلك أن مـن معجزات رسـول
السلم العربي الهاشمي الخبار ببعض المغيبات ،لكن هؤلء يحللون هذه المسائل وفق عقليتهم
الكافرة ،واتجاههم المنكر لنبوة محمد صلى ال عليه وسلم.
وأرجـح فـي هذه المسـألة أن عقيدة الثنـي عشريـة فـي المهديـة والغيبـة ترجـع إلى أصـول
مجوسية ،فالشّيعة أكثرهم من الفرس ،والفرس من أديانهم المجوسيّة ،والمجوس تدّعي أ نّ لهم
منتظرًا حيّا باقيًا مهديّا من ولد بشتاسف بن بهراسف يُقال له :أبشاوثن ،وأنّه في حصن عظيم
من [لعلها "بين" ].خراسان والصّين [تثبيت دلئل النّبوّة.].1/179 :
إذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النص على علي بالمامة – كما تذكره كتب الفرق عند
الشي عة وغير ها – فإن هناك ا بن سبأ آ خر هو الذي و ضع البد يل "لفكرة الما مة" ب عد انتهائ ها
حسيًا بانقطاع نسل الحسن ،أو أنه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة ،لكنه هو الوجه البارز
[ويرى الستاذ محب الدين الخطيب أن مؤسس لهذه الدعوى .هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد العمري
فكرة الغيبة هو محمد بن نصير من موالي بني نمير (الخطوط العريضة :ص ،)37وقد ورد في كتب الثني عشرية
أ نه م من اد عى الباب ية للغائب ،و قد سبقه في ذلك ر جل آ خر يد عى الشري عي ،وتله آخرون ادعوا كدعواه( .ان ظر:
527
الغي بة للطو سي :ص ،].)244و قد قام بدوره في منت هى ال سرية ح يث "كان يت جر في ال سمن تغطية
على المر" ،وكان يتلقى الموال التي تؤخذ من التباع با سم الزكاة والخمس وحق أهل البيت
[الغيبة للطوسي :ص ،215-214محمد الصدر /تاريخ فيضعها "في جراب السمن وزقاقة ..تقية وخوفًا"
الغيبة الصغرى :ص .].397-396وقد زعم – في دعواه – أن للحسن ولدًا قد اختفى وعمره أربع
[ان ظر :الغي بة للطو سي :ص ،258و قد اختلفوا في عمره حين ما غاب لختلف روايات هم في ذلك – ك ما سنوات
سيأتي ،-قال المجل سي :أك ثر الروايات على أ نه ا بن أ قل من خ مس سنين بأش هر أو ب سنة وأش هر( .بحار النوار:
،].)25/123وزعم أنه ل يلتقي به أحد سواه فهو السفير بينه وبين الشيعة يستلم أموالهم ويتلقى
أسئلتهم ومشكلتهم ليوصلهم للمام الغائب.
ومـن الغريـب أن الشيعـة تزعـم أنهـا ل تقبـل إل قول معصـوم حتـى ترفـض الجماع بدون
المعصوم ،وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل واحد غير معصوم وقد ادعى مثل دعواه
آخرون ،كـل يزعـم أنـه الباب للغائب وكان النزاع بينهمـا على أشده ،وكـل واحـد منهـم يخرج
توقيعًا يز عم أ نه صدر عن الغائب المنت ظر يتض من ل عن ال خر وتكذي به ،و قد جاء على ذ كر
[الغي بة :ص أ سمائهم الطو سي في مب حث بعنوان" :ذ كر المذموم ين الذ ين ادعوا الباب ية لعن هم ال"
.].244
ولعثمان بن سعيد – كما تنقل كتب الشيعة – وكلء في معظم الديار السلمية يدعون لمامة
هذا المعدوم والقول ببابية عثمان بن سعيد .وقد جاء على ذكر هؤلء الوكلء ابن بابويه القمي،
وهو أج مع نص ل سمائهم ،ك ما يذ كر مح مد با قر الصدر [تار يخ الغي بة ال صغرى :ص .].60وهناك
وكلء آخرون غير مرضيين من عثمان بن سعيد ومن يشايعه ،وقد ذكر منهم الطوسي سبعة
في مبحث بعنوان "ذكر المذمومين من وكلء الئمة" [الغيبة للطوسي :ص .].214-213
والفرق عند هم ب ين الباب والوك يل :أن الباب يلت قي بالمام الغائب ،والوك يل يلت قي بالباب ول
يرى المام ،ويكون الواسطة بين الشيعة والباب [انظر :الصدر /تاريخ الغيبة الصغرى :ص .].609
ولمـا توفـي عثمان بـن سـعيد الباب الول المعتمـد عنـد الثنـي عشريـة ،عيـن مـن بعده ابنـه
محمدًا ،ولكن خالفه في ذلك طائفة منهم ،فلم ترتض بابية ابنه ،ونشأ نزاع بينهم ولعن بعضهم
بعضًا.
فهذا أحد المخالفين ويدعى أحمد بن هلل الكرخي لما قيل له" :أل تقبل أمر أبي جعفر محمد
[يعنون إمامهم المنتظر ،لنهم يعتبرون بن عثمان وترجع إليه ،وقد نص عليه المام المفترض الطاعة
قول الباب الول هو قول المام ،لنه بابه وسفيره الوحيد ،فاعتبروا تعيين عثمان بن سعيد لبنه نصًا مقدسًا من المام
528
يلعن مخالفه].؟ فقال لهم :لم أسمعه ينص عليه بالوكالة ،ولست أنكر أباه – يعني عثمان بن سعيد
[يلحظ أ نه سماه وكيلً مع أن الث ني عشرية تسميه بالباب ،وتفرق ب ين – فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل
الوك يل والباب ].صاحب الزمان فل أجسر عليه .فقالوا :قد سمعه غيرك ،فقال :أنتم وما سمعتم..
فلعنوه وتبرؤوا منه" [الغيبة للطوسي :ص .].245
وتك شف ب عض أوراق هم سبب هذا التنازع بين هم ،يذ كر الطو سي – مثلً – عن ر جل يد عى
محمد بن علي بن بلل بأنه رفض بابية محمد بن عثمان العمري ،وأنه جرى بينه وبين العمري
ق صة معر فة – ك ما يقول – ح يث تم سك الول "بالموال ال تي كا نت عنده للمام ،وامت نع من
تسليمها وادعى أنه الوكيل حتى تبرأت منه الجماعة ولعنوه" [الغيبة للطوسي :ص .].245
فأت تلحظ أنه شارك عثمان بن سعيد في الوكالة ،فلما توفي استأثر بالمال.
ف هو تزا حم وتكالب على الباب ية والوكالة من أ جل ج مع الموال ..وإل لو كان هناك «إمام»
غائب ،ي سير أم شيع ته عن طر يق البواب ل ما صارت الموال إلى هذا الر جل المحتال ،ول ما
كان محل ثقة المام صاحب الزمان ،لن المام عندهم يعلم ما كان وما يكون ..فلماذا لم يصدر
أمره من البداية في التحذير من التعامل معه حتى ل يأخذ أموال الناس؟! لكن الحقيقة أنه ل إمام
غائب؛ بل ع صابات تأ كل أموال الناس بالبا طل با سم التش يع والتد ين ،وأن نزاع ها كان ل جل
ذلك.
ثم توفي محمد بن عثمان بن سعيد [ان ظر ع نه :الغي بة للطو سي ،223 :رجال الحلي :ص ( ].149ت
[الغي بة للطو سي :ص ،223رجال الحلي: 304أو 30ه) بعد أن تولى البابية "نحوًا من خمسين سنة
ص ،].149يح مل الناس إل يه أموال هم ،ويخرج إلي هم التوقيعات بال خط الذي كان يخرج في حياة
الح سن عل يه ال سلم إلي هم بالمهمات في أ مر الد ين والدن يا وفي ما ي سألونه من الم سائل بالجو بة
العجية" [الغيبة للطوسي :ص .].223
وتولى بعده رجل يدعى أبا القاسم الحسين بن روح ،وقد كان كما تذكر رواياتهم يقوم بمهمة
البابيـة فـي آخـر حياة محمـد بـن عثمان؛ حيـث كان يحيـل إليـه اسـتلم الموال التـي يأتـي بهـا
الشياع ،ولذلك قال رجل يدعى (محمد بن علي السود) :كنت أحمل الموال التي تحصل في
باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فيقبضها مني فحملت إليه شيئًا من الموال
في آ خر أيا مه ق بل مو ته ب سنتين أو ثلث سنين ،فأ مر بت سليمه إلى أ بي القا سم الرو حي فك نت
أطالبـه بالقبوض ،فشكـا ذلك إلى أبـي جعفـر (محمـد بـن عثمان) فأمرنـي أل أطالبـه بالقبوض،
529
وقال :كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إل يّ ،فكنت أحمد بعد ذلك الموال إليه ول أطالبه
بالقبوض [الغيبة للطوسي :ص .].226-225
ولما تردد أحدهم في تسليم أمواله إلى أبي القاسم بن روح غضب منه الباب محمد بن عثمان
وقال له :لم لم تمت ثل ما قل ته لك؟ ول كن الر جل حاول أن يلط فه ويهدئ من غض به خش ية أن
يخرج له توقيعًا بلعنـه والبراءة منـه كعادة [وهـي كصـكوك الحرمان عنـد النصـارى ].البواب فيمـن
ير فض د فع الموال إلي هم ،فقال له متلطفًا" :لم أج سر على ما ر سمته لي" إل أن الباب أجا به
و هو غا ضب وقال له " :قم ك ما أقوال لك" يقول الر جل" :فلم ي كن عندي غ ير المبادرة ،ف صرت
إلى أبي القاسم بن روح وهو دار ضيقة فعرّفته ما جرى فسر به وشكر ال عز وجل ،ودفعت
[الغي بة للطو سي :ص إل يه الدنان ير ،و ما زلت أح مد إل يه ما يح صل في يدي ب عد ذلك من الدنان ير"
.].224
فأنت تلحظ ما تحيط به الرموز الشيعية نفسها من صفة القداسة ،وما تضفي به على قولها
من العصمة ووجوب الطاعة المطلقة ،وإل فاللعن والطرد من رحمة ال.
ك ما تل حظ بأن ل غة المال هي ال سائدة في التوقيعات المن سوبة للمنت ظر وعلى أل سنة البواب
والوكلء.
وكان اختيار أبي القاسم لنه أحفظ لسر المكان الذي يقيم فيه الغائب ،حيث إن اختيار الباب
يتم من قبل الدوائر الشيعية حسب مواصفات خاصة لعل من أبرزها حفظ السر ،وعدم الظهور
والشهرة ،يدل على ذلك ما جاء في الغيبة للطوس "أن سهلً النوبختي سئل فقيل له :كيف صار
[ل حظ أ نه هذا المر إلى الش يخ أ بي القا سم الح سين بن روح دو نك؟ فقال :هم أعلم و ما اختاروه
عزا الختيار – فيما يظهر – إلى شيوخ الشيعة ،وهم يزعمون أن ذلك إلى المام الغائب ،].ولكن أنا رجل ألقى
الخصوم وأناظرهم ،ولو علمت بمكانه [أي مكان المهدي الغائب لنه ل يعلم بمكانه سوى الباب ].كما علم
أبو القاسم وضغطتني الحجة على مكانه لعلي كنت أدل على مكانه ،وأبو القاسم فلو كانت الحجة
[يعني القاسم المنتظر الغائب ].تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه" [الغيبة :ص .].240
ورغم ذلك فقد أثار تعيين أبي القاسم بن روح نزاعًا كبيرًا بين الخليا السرية ،فانفصل عدد
من رؤسائهم وادعوا البابية لنفسهم ..وكثر التلعن بينهم.
وقـد اضطـر بعضهـم لن يكشـف حقيقـة دعوى البابيـة تلك بسـبب أنـه لم ينجـح فـي اقتناص
[ان ظر مجمو عة أ كبر من التباع ،و من هؤلء مح مد بن علي الشلمغا ني المقتول سنة (323ه)
530
ع نه :الغي بة للطو سي :ص ،248البدا ية والنها ية ل بن كث ير ،11/179 :الكا مل ].8/290 :و هو م من اد عى
النيابة عن مهدي الروافض ،ونافس أبا القاسم الحسين بن روح عليها ،وفضح أمرهم فقال" :ما
دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح إل ونحن نعلم فيما دخلنا فيه ،لقد كنا نتهارش على هذا
المر كما تتهارش الكلب على الجيف" [الغيبة للطوسي :ص .].241
ويعقب على ذلك أحمد الكروي اليراني (الشيعي الصل)" :لقد صدق فيما قال ،فإن التخاصم
لم ي كن إل ل جل الموال ،كان الر جل يج مع المال ويط مع ف يه فيد عي الباب ية لكيل ي سلمه إلى
آخر" [التشيع والشيعة :ص .].33
ثم ما لبث ابن روح أن توفي سنة (326ه) فانتقلت البابية بوصية منه إلى رجل رابع يدعى:
أ با الح سن علي بن مح مد ال سمري [ان ظر :الغي بة للطو سي :ص .].244والذي تولى من صب الباب ية
وكان قد انقضى على غيبة المام قرابة سبعين عامًا لم يتحقق فيها أمل الشيعة في رجعته رغم
انتظارهم إياه وتلهفهم عليه.
و قد تخل فت وعود الشي عة بالظهور للغائب الم ستور ،و ساد ال شك الو ساط الشيع ية ،وبدأت
تتك شف حقي قة ال مر ب عد النزاع الحاد الذي و قع ب ين أدعياء الباب ية ،ولذلك اخت فى نشاط الباب
تمامًا ،فل ت جد له في ك تب الشي عة م ثل ما ت جد ل سلفه من الرقاع والتوقيعات ال تي ين سبونها
للغائب المنتظر .وقد اعترف بذلك ب عض الشيعة وإن حاول أن يتستر على تلك السباب فيعزو
المر إلى كثرة الضغوط على الشيعة [محمد باقر الصدر /تاريخ الغيبة الصغرى :ص .].414
[ل نه تو في سنة (329ه) ،ان ظر :الغي بة و قد ا ستمر ال سمري في من صبه (الشكلي) ثلث سنوات
للطوسـي :ص ،243تاريـخ الغيبـة الصـغرى للصـدر :ص ،].413ورب ما أدرك ته "الخي بة وش عر بتفا هة
منصبه كوكيل معتمد للمام الغائب [رونلدسن /عقيدة الشيعة ،ص ،].257فلما قيل له وهو على فراش
الموت :من و صيك من بعدك؟ قال :ل أ مر هو بال غه" [الغي بة للطو سي :ص .].242وهكذا انت هت
دعوى الصلة المباشرة بالغائب ،لن أوراقها انكشفت بسبب التنافس عليها.
ووصـلت دعوى الغيبـة إلى طريـق مسـدود ،إذ لم تنجـح فكرة البابيـة الخاصـة ،ولكـن أخرج
شيوخ الشي عة توقيعًا من سوبًا لل سمري عن المنت ظر يعلن ف يه انقطاع الباب ية المباشرة ،واختراع
مبدأ النيابة العامة التي يشترك فيها شيوخ الشيعة – كما سيأتي .-
531
وب عد هذا التغي ير خر جت قض ية غي بة المهدي من طريق ها الم سدود ،واخت فت ظوا هر النزاع
على منصب البابية واقتسمت الغنيمة بين الجميع بالسوية ،وقررت عقيدة النيابة والتي سنتحدث
عنها بعد استعراضنا لقضية المهدي عند الشيعة.
هؤلء البواب الربعـة :عثمان بـن سـعيد ،وابنـه ،وابـن روح ،والسـمري ،هـم المؤسـسون
لقضية الغيبة والمهدية ،أو هم الوجوه البارزة التي رسمت نظرية المهدي عند الثني عشرية،
[يقول شيخ هم وت سمى فترة عمل هم بالباب ية" :الغيبة الصغرى" والتي ا ستمرت سبعين سنة أو تز يد
وآيتهم جعفر النجفي أن الغيبة الصغرى استمرت 74سنة( .انظر :كشف الغطا :ص )13ويبدو أن هذا التحديد غير
متفق عليه بينهم ،ففي تنقيح المقال للمامقاني رد – فيما يظهر – لهذا التحديد حيث قال" :وما قيل إن مدة الغيبة أربع
وسبعون سنة اشتباه بل شبهة ،إل أن يحسبها من سنة الولدة" (أي ولدة منتظرهم المزعومة) ثم ذكر أن مدتها ثمان
أو تسع وستون سنة إل شهرًا (تنقيح المقال )1/189 :بينما يذكر الصدر أن مدتها سبعون سنة (انظر :تاريخ الغيبة
الصغرى :ص .].)345
وسـنتناول نظريـة المهديـة والغيبـة كمـا جاءت فـي كتـب الثنـي عشريـة ،ونتعرف على
مضامينها ،حيث أصبحت اليوم هي أساس المذهب الشيعي.
قصـة المهدي فـي كتـب الشيعـة قصـة غريبـة ،نسـج الخيال خيوطهـا وبلغ مداه فـي صـياغة
أحداثها ،وتحولت إلى أسطورة كبرى ل تجد إلى العقل منفذًا ،ول في الفطر السليمة قبولً حتى
أنكرتها أكثر الفرق الشيعية التي عاصرت ولدتها [انظر :ص 830-828من هذه الرسالة .].ولنعرض
لخطوط ها العا مة بدءًا من اختيار الح سن لم المهدي المزعوم ،إلى ولدة المهدي ،واختفائه ،ثم
عودته ،وسيرته.
ثم تذكر قصة وقوعها في أسر المسلمين ،واختيارها لسم "نرجس" إخفاءً لحقيقتها ،ثم طلبها
من مالكها أل يبعها إل لمن ترضاه وهو الذي يحمل المواصفات التي أوحي إليه بها في المنام،
ثم تلت قي بعد ذلك بالح سن ول ت جد غراب في لقائه لن ها تعر فه وتتصل به ق بل ذلك من خلل
الرؤى والحلم ،فيزف لهـا البشرى بولد يملك الدنيـا شرقًا وغربًا ويمل الرض قسـطًا وعدلً
[انظر :ابن بابويه /إكمال الدين :ص ( 400-395باب ما روي في نرجس أم القائم).].
أما حملها بالمهدي فأغرب وأعجب ،إذ لم يظهر عليها أثر الحمل مع أن حكيمة بنت محمد
[حكي مة ب نت مح مد بن علي بن مو سى بن جع فر ال صادق – ].ك ما يقولون – حاولت التث بت من حمل ها
فوث بت إلي ها – ك ما تز عم روايات هم – فقلبت ها ظهرًا لب طن فلم تر في ها أثرًا للح مل ،وعادت إلى
الح سن وأ خبرته ،لك نه أ كد ل ها وجود الح مل وقال ل ها" :إذا كان و قت الف جر يظ هر لك الح بل"
[إكمال الديـن :ص .].404والغرب مـن ذلك أن أم الولد نفسـها حتـى ليلة ولدتهـا لم تعلم بأمـر
حملها حتى قالت لحكيمة" :يا مولتي ما أرى بي شيئًا من هذا" [إكمال الدين :ص .].404
ويبدو أن نفـي ظهور أثـر الحمـل عليهـا هـي حيلة أو محاولة للتخلص ممـا ثبـت حتـى لدى
الشيعة من قيام جعفر (أخي الحسن العسكري) بحبس نساء الحسن وإمائه – بعد وفاة الحسن –
لستبرائهن حتى ثبت للقضاي والسلطان براءة أرحامهن من الحمل ،وتم بعد ذلك قسمة ميراث
الحسن [انظر :الغيبة للطوسي :ص .].74
533
نفسها أنها قالت حينما استدعاها الحسن إلى بيته للشراف على ولدة المهدي من جاريته فقالت:
"جعلت فداك يا سيدي الخلف م من هو؟ قال :من سوسن – تقول – فأدرت نظري في هن فلم أر
جار ية علي ها أ ثر غ ير سوسن[ "..الغيبـة :ص ].141ف هي في هذه الروا ية تدرك حمل ها بمجرد
الن ظر إلي ها ،و في روا ية ا بن بابو يه تقلب ها ظهرًا ل بط فل ت جد أثرًا ،و هي ه نا ت سميها سوسن،
[تسمى ريحانة ،وصقيل( .إكمال وهناك تسميها نرجس ،كما تسمى في بعض رواياتهم بأسماء أخرى
الدين :ص .].)408وكل يضع كما يشاء ،وكتب الثني عشرية تستوعب الجميع.
وحينما ولد "سقط ..من بطن أمه جائيًا على ركبتيه ،رافعًا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال:
الحمد ل رب العالمين وصلى ال على محمد وآله ،زعمت الظلمة أن حجة ال داحضة ،لو أذن
لنا في الكلم لزال الشك" [إكمال الدين :ص ،406وانظر :الغيبة للطوسي :ص .].147
وفي رواية أخرى أنه سقط ساجدًا ل وهو يتشهد ،ويدعو بقوله" :اللهم أنجز لي ما وعدتني"..
[إكمال الديـن :ص .].405-404ثم عرج بهذا المولود إلى ال سماء بوا سطة طيور خ ضر ،وحين ما
تب كي الم نر جس خوفًا على ولد ها يجيب ها الح سن بقوله " :سيعاد إل يك ك ما رد مو سى إلى أ مه"
[إكمال الدين :ص .].405
أما نموه فهو مخالف تمامًا لسنة ال في خلقه ،وخارج عن النواميس الطبيعية التي يخضع لها
الكائن الحي بأمر ال ،يصور ذلك الخبر المروي على لسان حكيمة بنت محمد ،حيث تقول" :لما
كان ب عد أربع ين يومًا [يع ني من مولده ].دخلت على أ بي مح مد عل يه ال سلم فإذا مول نا ال صاحب
يم شي في الدار فلم أر وجهًا أح سن من وج هه ،ول ل غة أف صح من لغ ته ،فقال أ بو مح مد عل يه
السلم :هذا المولود الكريم على ال عز وجل ،فقلت :سيدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون
يومًا ،فتبسم وقال :يا عمتي أما علمت أنا معاشر الئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة"
[الغيبة للطوسي :ص .].144
ولكن هذا المولود الذي يحمل كل هذه الظواهر الخارقة ل يعلم به أحد ول يرى له أثر ،فما
فائدة إجراء هذه الخوارق إذن؟
534
ثم ما لبث أن غاب ولم يعلم بأمره ول غيبته أحد إل "حكيمة" والتي تقول – كما تنسب إليها
الرواية :-إن الحسن أمرها أل تفشي هذا الخبر في أمر هذا المولود حتى ترى اختلف شيعته
ب عد وفا ته ،ح يث قال – الح سن " :-فإذا غ يب ال شخ صي وتوفا ني ورأ يت شيع تي قد اختلفوا
فأخبري الثقات منهم فإن ولي ال يغيبه ال عن خلقه ويحجبه عن عباده فل يراه أحد حتى يقدم
له جبرائيل عليه السلم فرسه ليقضي ال أمرًا كان مفعولً" [الغيبة للطوسي :ص .].142
فمسألة المهدي وغيبته ت سربت إلى الشي عة عن طريق حكي مة كما تقوله رواية شيخ الطائ فة
و ما أدري ك يف يق بل الشي عة قول امرأة واحدة غ ير مع صومة في أ صل المذ هب ،و هم الذ ين
يردون إجماع المة بأسرها إذا لم يكن المعصوم فيهم ولو في مسألة فرعية؟!
وتلحظ أن إمامهم يأمر بحجب أمر المهدي وغيبته إل عن الثقات من شيعته ،مع أن من لم
يعرف المام – عندهم – فإنما يعرف ويعبد غير ال [أصول الكافي ،].1/181 :وإن مات على هذه
الحالة مات ميتة كفر ونفاق [أصول الكافي.].1/184 :
أ ما و قت غي بة المهدي فإن روايات الشي عة تتضارب في تحديده .فيروي الطو سي أن حكي مة
قالت .." :فلما كان بعد ثلث (من مولده) اشتقت إلى ولي ال فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي
كانت سوسن فيها ،فلم أر أثرًا ول سمعت ذكرًا ،فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمد عليه
ال سلم فا ستحيت أن أبدأ بال سؤال فبدأ ني فقال :هو يا ع مة في ك نف ال وحرزه و ستره وغ يه
حتى يأذن ال له" [الغيبة للطوسي :ص .].142
وفي رواية ثانية أن حكيمة فقدته بعد سبعة أيام [الغيبة للطوسي :ص ،].142وفي رواية ثالثة:
أن ها رأ ته ب عد أربع ين يومًا يم شي في الدار ثم فقد ته ب عد ذلك [الغي بة للطو سي :ص ،].144و في
روا ية أخرى أن حكي مة كا نت تختلف إلى دار الع سكري ،تزوره كل أربع ين يومًا ،وق بل وفا ته
[لن مولده كما تقول رواياتهم في سنة بأيام قلئل – كان عمر المهدي آنذاك خمس سنوات على الكثر
255أو ،256ووفاة العسكري سنة 260ه -].زارت دار العسكري كعادتها ،تقول :ف "رأيته رجلً فلم
أعر فه ،فقلت ل بن أ خي عل يه ال سلم :من هذا الذي تأمر ني أن أجلس ب ين يد يه؟ فقال لي :هذا
[إكمال الديـن :ص ا بن نر جس ،هذا خليف تي من بعدي و عن قل يل تفقدو ني فا سمعي له وأطيعـي"
.].406-405
وهكذا غاب المهدي ولم يعلم بأمره أحد سوى حكيمة التي أودعت خبره ثقات الشيعة – كما
تقول رواياتهم .-
535
أمـا مكان الغيبـة فإنـه كان موضـع السـرية والكتمان ،ولمـا تناهـى إلى شيعتـه خـبر الغيبـة
المزعومة حاولوا التعرف على مكانه إل أن الباب الذي يدعي الصلة به رفض البوح بشيء من
[أصـول ذلك وأخرج "توقيع ًا" سـريًا ينسـبه للمهدي يقول فيـه .." :إن عرفوا المكان دلوا عليـه"
الكا في ].1/333 :فهذا ال نص يش ير إلى أ نه في مكان مع ين ،و في مخ بأ سري ل يعر فه إل الباب،
وأن سب كتمان مكان غيبته عن شيعته هو خوفه من إخبارهم للغير بمكانه.
ول كن دلت ب عض روايات الكا في على البلد الذي يخت في ف يه ،ح يث قالت" :ل بد ل صاحب هذا
[أ صول الكا في ،1/340 :الغي بة ال مر من غي بة ،ول بد له في غيبته من عزلة ،ون عم المنزل طي بة"
للنعماني :ص ،125بحار النوار.].52/153 :
[انظـر :معجـم مـا اسـتعجم: ف هي تش ير إلى أ نه يخت بئ بالمدي نة المنورة ،لن طي بة من أ سمائها
،].2/900ولما قال أحدهم للحسن العسكري :إن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال :بالمدينة
[أ صول الكا في ،1/328 :وقال المازندرا ني في شرح الكا في :يحت مل أن يراد بالمد ية سر من رأى (شرح جا مع:
)6/208وهذا الحتمال قد ل يرد في الرواية التي قبلها.].
بينما يروي الطوسي في الغيبة أنه مقيم بجبل يدعى رضوى ،حيث يقول في روايته .." :عن
[الروحاء: عبد العلى مولى آل سام قال :خرجت مع أبي عبد ال عليه السلم فلما نزلنا الروحاء
بفتح أوله :ممدود :قرية جامعة لمزينة ،بينما وبين المدينة أحد وأربعون ميلً( .معجم ما استعجب ].)1/681 :نظر
[رضوى :وهـو جبـل إلى جبلهـا مطلً عليهـا ،فقال لي :ترى هذا الجبـل؟ هذا جبـل يدعـى رضوى
بالمدي نة ف يه أشجار ومياه كثيرة ،و هو الج بل الذي يز عم الكي سانية أن مح مد بن الحنف ية به مق يم حي يرزق (مع جم
البلدان ].)3/51 :من جبال فارس أحب نا فنقله ال إلي نا ،أ ما إن ف يه كل شجرة مط عم ،ون عم أمان
[الغيبة :ص للخائف مرتين ،أما إن لصاحب هذا المر فيه غيبتين واحدة قصيرة والخرى طويلة"
.].103
وتذكر روايات أخرى أنه يختفي في بعض وديان مكة ،فقد جاء في تفسير العياشي وغيره أن
أبا جعفر قال" :يكون لصاحب هذا المر غيبة في بعض هذه الشعاب – ثم أومأ بيده إلى ناحية
[ذي طوى :بفتـح أوله ،مقصـور منون ،على وزن فعـل :واد بمكـة( .انظـر :معجـم مـا اسـتعجم: ذي طوى
[ ".. -].)2/896تفسير العياشي ،2/56 :البرهان ،82-2/81 :بحار النوار.].52/341 :
[قال غير أن أحاديثهم في الدعية والزيارة لمقامات الئمة تلوح إلى أنه مقيم بسرداب سامراء
ياقوت :سامراء بلد على دجلة فوق بغداد بثلث ين فر سخًا يقال ل ها :سر من رأى فخفف ها الناس وقالوا :سامراء وفي ها
السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخر منه (معجم البلدان ،].)3/173ولذلك جاء فيها
536
"ثم ائت سرداب الغيبة وقف بين البابين ،ماسكًا جانب الباب بيدك ،ثم تنحنح كالمستأذن ،وسم
وانزل ،وعليك السكينة والوقار ،وصل ركعتين في عرضة السرداب وقل ..:اللهم طال النتظار
وش مت ب نا الفجار ،و صعب علي نا النت صار ،الل هم أر نا و جه ول يك الميمون ،في حيات نا وب عد
المنون ،اللهـم إنـي أديـن لك بالرجعـة ،بيـن يدي صـاحب هذه البقعـة ،الغوث الغوث الغوث يـا
صاحب الزمان ،قط عت في و صلتك الخلف ،وهجرت لزيار تك الوطان ،وأخف يت أمري على
أ هل البلدان لتكون شفيعًا ع ند ر بك ور بي ..يا مولي يا ا بن الح سن بن علي جئ تك زائرًا لك"
[علي بن طاووس /م صباح الزائر :ص ،229مح مد المشهدي /المزار ال كبير :ص ،216المجل سي /بحار النوار:
،102-102/102الشيرازي /كلمة المهدي :ص .].472-471
وتش ير ب عض أخبار هم إلى أن م عه في غيب ته ثلث ين من أوليائه يؤن سونه في وحد ته "و ما
بثلثين من وحشة" [أصول الكافي.].1/340 :
وتخ صيص ال سرداب بتلك ادع ية والمناجاة وال ستئذان ع ند الدخول ..يدل على أن واض عي
تلك الروايات يوهمون أتباع هم بوجوده في ال سرداب ،ولهذا قال ا بن خلكان" :والشي عة ينتظرون
خروجه في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى" [وفيات العيان .].4/176 :وذكر ابن الثير
أنهم يعتقدون أن المنتظر بسرداب سامراء [الكامل.].5/373 :
ورغم ذلك فإن بعض الشيعة المعاصرين ينفي ما هو واقع ويقول" :لم يرد خبر ول وجد في
كتاب من كتب الشيعة أن المهدي غاب في السرداب ..ول أنه عند ظهوره يخرج منه ،بل يكون
خروجه بمكة ويبايع بين الركن والمقام" [محسن المين /البرهان على وجود صاحب الزمان :ص .].102
ولكن عمل الشيعة يخالف ذلك ،ويتفق مع ما جاء في كتب الزيارة عندهم .فقد ظل الشيعة –
كمـا يقول الشيعـي أميـر علي – إلى أواخـر القرن الرا بع عشـر الميلدي الذي صنف فيـه ا بن
خلدون تاري خه ال كبير يجتمعون في كل ليلة ب عد صلة المغرب بباب سرداب سامراء فيهتفون
باسـمه ويدعونـه للخروج حتـى تشتبـك النجوم ثـم ينفضون إلى بيوتهـم بعـد طول النتظار وهـم
[أم ير علي /روح ال سلم ،1/210 :وان ظر :مقد مة ا بن خلدون-2/531 : يشعرون بخي بة ال مل والحزن
،532وانظر :ابن القيم /المنار المنيف :ص .].152
537
[انظر :الصواعق المحرقة :ص ،168 ثلثتم العنقاء والغيلنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم
المنار المنيف :ص .].152
[المنار وقال ابن القيم" :ولقد أصبح هؤلء عارًا على بني آدم ،وضحكة يسخر منهم كل عاقل"
المنيـف :ص .].153-152ولهذا جاء في أدعيتهـم ما يش عر بأن هم صاروا بهذا العتقاد مو ضع
السخرية والشماتة فيدعو أحدهم ويقول – مناجيًا الغائب " :-طال النتظار وشمت بنا الفجار"..
[مضى تخريج هذا النص ص.].848:
وقد جاء في بعض أدعية الزيارات عندهم ما ينبئ عن حيرتهم في مكانه الذي يختفي فيه،
فهـم يهتفون بـه ويقولون .." :ليـت شعري أي اسـتقر بـك النوى ،بـل أي أرض تقلك أو ثرى،
أبرضوى أم غيرها ،أم ذي طوى[ "..بحار النوار.].102/108 :
هذا وتذكر روايات أخرى لهم أنه ليس له مكان ثابت بل هو يعيش بين الناس "يشهد الموسم
فيراهم ول يرونه" [أصول الكافي ،338-1/337 :الغيبة للنعماني :ص .].116
وهكذا تختلف أخبارهـم فـي تحديـد مكانـه ،وكـل زمرة تذهـب فـي هذا مذهبًا على اختلف
الفصائل الشيعية أو على اختلف الحوال والزمنة ،أو حتى تستمر لعبة التلبيس والتزوير.
وإذا كان مكانه موضع السرية في بعض أخبارهم ،فإن اسمه أيضًا قد حجب عن شيعته ،فقد
[أصول الكافي: جاء في "توقيعات" المنتظر التي تصدر عن "بابه"" :إن دللتم على السم أذاعوه"..
.].1/333
فهذا النص يشير إلى أنه مجهول السم ،كما هو مجهول المكان والولدة والنشأة ..ولكن ورد
في كتب الشيعة أن اسمه محمد ،غير أن روايات الشيعة كانت تحرم تسميته باسمه حيث جاء
[أ صول الكا في ،1/333 :الرشاد :ص ،394إكمال الد ين :ص ].608 في ها" :ول ي حل ل كم ذكره با سمه"
بل اعتبرت من يسميه باسمه في عداد الكافرين ،وقالت" :صاحب هذا المر ل يسميه باسمه إل
كا فر" [أ صول الكا في ،1/333 :إكمال الد ين :ص ،].607ولذلك تل حظ ح ين يرد ذكره في روايات هم
يكتب اسمه بالحروف المقطعة هكذا :م ح م د [انظر – مث ًل – أ صول لكافي .].1/329 :ولما قالوا:
ك يف نذكره؟ قال الح سن الع سكري" :قولوا :الح جة من آل مح مد صلوات ال عل يه و سلمه"
[أصول الكافي ،1/33 :الرشاد :ص .].394
538
وكانت الدوائر الشيعية القديمة ل تذكره فيما بينها إل بالرمز الذي ل يعرفه سواهم كالغريم.
ولهذا قال المفيد عن إطلق هذا اللقب عليه" :هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديمًا بينها ،ويكون
خطاب ها عل يه ال سلم – كذا – للتق ية" [الرشاد :ص .].400ورموز هم ال تي يطلقون ها عل يه كثيرة
مثل" :القائم والخلف ،والسيد ،والناحية المقدسة ،والصاحب ،وصاحب الزمان ،وصاحب العصر
[ان ظر :أ صول الكا في ،1/333:ويرى ب عض [ان ظر :ح صائل الف كر :ص ،].35و صاحب ال مر وغير ها"
شيوخ هم أن الن هي عن الت صريح بال سم خاص بز من الخوف والتق ية (ان ظر :المازندرا ني /شرح جا مع-6/216 :
.].)217
وعمل ية الكتمان تلك تن بئ عن تنظ يم سري دا خل الدولة ال سلمية ،يت خذ أتبا عه ل غة الر مز
والشارة للتفاهم فيما بينهم ،وهي من جانب آخر محاولة للتستر على الكذب ،وإخفاء الحقيقة ،ثم
[انظر :أصول الكافي ،باب ما نص ال هي تنقض مايدعونه أن مهديهم قد ذكر باسمه ،ووصفه من قبل
عز وجل ورسوله على الئمة واحدًا واحدًا 1/286 :وما بعدها.].
أ ما مدة الغي بة :فإن مختر عي هذه الفكرة كانوا يمنون أتباع هم بق صر المدة ،و سرعة العودة
لغائب هم ،ح تى أكدوا في روايات هم بأن ها ل تعدو ست سنين في أق صى الحوال ،ف قد جاء في
الكا في عن علي بن أ بي طالب – ك ما يفترون – أ نه قال عن منتظر هم" :تكون له غي بة وحيرة
يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون" [أصول الكافي.].1/338 :
[أ صول ول ما سئل كم تكون الحيرة والغي بة ،قال " :ستة أيام أو ستة أش هر ،أو ست سنين"..
الكافي.].1/338 :
ويبدو أن هذا النـص قـد وضـع فـي اليام الولى لنشوء فكرة الغيبـة ،لتسـكين النفوس الثائرة
وتهدئة القلوب الحائرة التـي أفاقـت على الحقيقـة المرة حينمـا مات المام بل عقـب ،وانجلت
الخد عة و تبينت الحقي قة ،فرب طت حينئذ دعوى الغي بة بهذا الو عد القر يب لتكون أقرب للت صديق
وأسهل ،وليضمنوا الكسب الحاضر للمال الجاهز الذي ينتظر ظهور المام ليدفع إليه باسم حق
آل الب يت ،..و في البداء والتق ية مت سع للتأو يل ،والرجوع عن الكلم ..في الم ستقبل ..وهذا ما
و قع بالن سبة لمو قف شيوخ هم المتأخر ين من هذا ال نص ،ح يث قال بعض هم :يحت مل أن يكون
المراد أن الغيبـة والحيرة فـي ذلك القدر مـن الزمان أمـر محتوم ويجري فيهمـا البداء بعـد ذلك
[ح يث قال بعضهم: [المازندراني /شرح جامع (على الكافي) ،].6/237 :ومنهم من حاول التخلص بغير هذا
يحتمل أن المقصود تحديد مدة الحيرة بهذه الفترة ل الغيبة (نفس الموضع من المصدر السابق) مع أن الحيرة والشك
قد صاحبتهم في أ مر الغي بة ك ما يظ هر ذلك لك من الك تب ال تي أل فت في هذه الم سألة ،وأن ال سبب في تأليف ها يعود
539
لعنصر الشك في الغيبة الذي سيطر على أذهان الكثير منهم( .انظر – مث ًل :-إكمال الدين /لبن بابويه :ص ،].)2
ولكن لم يجرؤ أحد منهم على الطعن في مسألة الغيبة ذاتها.
كما جاء عندهم توقيت ظهور هذا المر في السبعين من الغيبة ،ثم غير إلى مائة وأربعين،
[انظر :أصول الكافي (مع شرحه للمازندراني) ،6/314 :وانظر :الغيبة للطوسي: ثم أخر إلى غير أمد معين
ص ،263والغي بة للنعما ني :ص ،].197ون سبوا للئ مة ا ستطلع و قت خروج الغائب من الحروف
المقطعة في أوائل السور [انظر :تفسير العياشي ،2/2 :البرهان ،2/3 :بحار النوار.].109-62/106 :
ويظهـر مـن رواياتهـم أن الرموز التـي تديـر دفـة التشيـع كانـت تمنـي أتباعهـا بقرب الفرج
والظهور للغائب الم ستور ،ح تى كان من الشي عة من يتو قع خروج الغائب ب ين لح ظة وأخرى،
ف قد جاء في أخبار هم أن من هم من ترك الب يع والشراء والع مل بانتظار الغائب واشتكوا من هذه
الحالة حتى قال بعضهم" :لقد تركنا أسواقنا انتظارًا لهذا المر حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل
في يده" [انظر :روضة الكافي ،8/80 :عن مفتاح الكتب الربعة.].3/331 :
ولكـن الهدف مـن هذه الوعود هـو مـا أشرنـا إليـه مـن محاولتهـم إمرار "لعبتهـم" وإزالة شـك
التباع وحيرتهم ،وهذا ديدنهم في تعليل الشيعة بالماني ،وتخديرهم بالوعود حتى اعترفوا في
[أ صول الكا في ،1/369 :الغي بة للنعما ني :ص أخبار هم" :إن الشي عة تر بى بالما ني م نذ مائ تي سنة"
،198الغي بة للطو سي :ص ،208-207بحار النوار .52/102 :وال خبر مروي عن علي الر ضا .].و سبب
ذلك أنـه لو قيـل لهـم" :إن هذا المـر ل يكون إل مائتـي سـنة أو ثلثمائة سـنة لقسـت القلوب،
ولرجعت عامة الناس عن السلم (يعني مذهبهم) ،ولكن قالوا :ما أسرعه وما أقربه تألفًا لقلوب
[أصول الكافي ،1/369 :الغيبة للنعماني :ص ،198الغيبة للطوسي :ص ،208-207 الناس وتقريبًا للفرج"
بحار النوار.].52/102 :
واختلفت رواياتهم التي وضعت لمعالجة مشكلة تحديد فترة الغيبة في طريقة معالجتها ،فهي
تارة أ مر بالت سليم وتقول" :إذا حدثنا كم بحد يث فجاء على خلف ما حدثنا كم به فقولوا :صدق
ال ،وإذا حدثنا كم بحد يث فجاء على خلف ما حدثنا كم به فقولوا :صدق ال ،تؤجروا مرت ين"
[أصول الكافي ،1/369 :الغيبة للنعماني :ص ،198بحار النوار.].52/118 :
و هي تارة تعزو سبب إخلف الو عد للظهور الذي حدد ته الئ مة بإفشاء الشيعة ل سره ،ولذلك
حين ما قال بعض هم " :ما لهذا ال مر أ مد ينت هي إل يه وير يح أبدان نا؟ قال (إمام هم) :بلى ،ولكن كم
أذع تم فأخره ال" [الغي بة للنعما ني :ص ،194الغي بة للطو سي :ص ،263بحار النوار .].52/117 :وتقول
540
روايات هم" :إن ال تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا ال مر ..إلى أربع ين ومائة ،فحدثنا كم" فأذع تم
[أصول الحديث ،فكشفتم قناع الستر [في بعض النسخ قناع السر ].ولم يجعل ال له بعد ذلك وقتًا عندنا
الكافي ،1/368 :الغيبة للنعماني :ص ،197الغيبة للطوسي :ص ،263بحار النوار.].52/117 :
[مـن المعلوم أن جعفرًا مات قبـل نشوء فكرة وهـي تارة تعزو ذلك لقتـل الحسـين .يقول أبـو عبـد ال
الغيبـة ،ولكنهـم ينسـبون لجميـع الئمـة أخبارًا فـي وقوع الغيبـة" : ].إن ال تبارك وتعالى قد كان و قت هذا
[قال شارح الكافي :في السبعين من الغيبة على الظاهر (المازندراني /شرح جامع].)6/314 : المر في السبعين
[أصول فلما أن قتل الحسين صلوات ال عليه اشتد غضب ال تعالى على أهل الرض ،فأخره"..
الكافي ،1/368 :الغيبة للنعماني :ص ،197الغيبة للطوسي :ص ،263بحار النوار.].52/117 :
و هم ينظمون ذلك كله في عقيدة البداء ،ولذلك قال المازندرا ني" :توق يت ظهور هذا ال مر..
توقيت بدائي فلذلك جرى فيه البداء" [شرح جامع ،6/314 :وراجع الغيبة للطوسي :ص .].264-263
وهكذا تتضارب أخبارهم وتتناقض ،لن الوضع يتم حسب الظروف والمناسبات.
أما سبب غيبته :فقد جاء في الكافي عن زرارة قال" :سمعت أبا عبد ال يقول :إن للقائم عليه
السـلم غيبـة قبـل أن يقوم ،قلت :ولم؟ قال :إنـه يخاف – وأومـأ بيده إلى بطنـه – يعنـي القتـل"
[أصول الكافي ،1/338 :الغيبة للنعماني :ص ،118إكمال الدين :ص .].449
[ان ظر :أ صول الكا في ،340 ،1/337الغي بة للنعما ني: وجاءت عند هم روايات عدة في هذا المع نى
ص ،118إكمال الدين :ص .].449وأكد ذلك شيخ الطائفة الطوسي بقوله" :ل علة تمنع من ظهوره
إل خوفه على نفسه من القتل ،لنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الستتار وكان يتحمل المشاق
والذى ،فإن منازل الئمة وكذلك النبياء عليهم السلم إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في
ذات ال تعالى" [الغيبة لطلوسي ،فصل في ذكر العلة المانعة لصاحب المر من الظهور :ص .].199
541
ولكن هذا التعليل للغيبة الذي يؤكده شيخ الطائفة ل يتصور في حق الئمة – على ما يعتقد
الشيعة – لن الئمة "يعلمون متى يموتون ،ول يموتون إل باختيار منهم" .كما أثبت ذلك الكليني
في الكافي في روايات عديدة ،وبوب لها بهذا اللفظ المذكور [أصول الكافي .].1/258 :وأثبت ذلك
المجلسي في بحار النوار وبوب له بلفظ" :أنهم عليهم السلم يعلمون متى يموتون وأنه ل يقع
[و قد رج عت إلى ذلك إل باختيار هم" [بحار النوار .].27/285 :فك يف يخرجون من هذا التنا قض؟!
شرح الكافي للمازندراني لطلع على ما يقوله في روايات الكافي التي تعلل غيبته بخوفه من القتل ..فوجدته مر عليها
ولم يتعقبها بشيء.].
ثـم لماذا لم يقتـل واحـد مـن أولئك النواب الربعـة الذيـن يدعون الصـلة بالمام مباشرة وهـم
ليسوا كالمام ل يموتون إل باختيار منهم؟!
كذلك قـد توفـر المـن التام للمام فـي أثناء قيام بعـض الدول الشيعيـة فلماذا لم يخرج إليهـم،
ويأن سوا بطلعته ،وي ستفيدوا من عل مه ،و سلحه ،وقو ته ..وإذا مازالت الدولة ر جع إلى مكمنه؟
ولذلك قال أحمد الكسروي – الشيعي الصل " :-إذا كان منتظرهم قد اختفى لخوفه على نفسه
فلم لم يظهـر عندمـا اسـتولى آل بويـه الشيعيون على بغداد ،وصـيروا خلفاء بنـي العباس طوع
أمرهم؟
فلم لم يظهر عندما قام الشاه إسماعيل الصفوي وأجرى من دماء السنيين أنهارًا؟
فلم لم يظ هر عند ما كان كريمخان الزندي و هو من أ كبر سلطين إيران يضرب على ال سكة
اسم إمامكم (صاحب الزمان) ويعد نفسه وكيلً عنه؟
[التشيع وبعد ،فلم ل يظهر اليوم وقد كمل عدد الشيعيين ستين مليونًا وأكثرهم من منتظريه؟"
والشيعة :ص .].42
وكذلك اليوم – مـن بعـد الكسـروي – قامـت دولة اليات فلم ل يخرج إليهـم ول سـيما وهـم
يجأرون بالدعوات ،والستغاثة لخروجه منذ مئات السنين.
542
كمـا وضعـت روايات تعلل الغيبـة بامتحان قلوب الشيعـة واختبارهـم ،وقـد يكون هذا التعليـل
الذي تحمله تلك الروايات محاولة منهم لمعالجة ظاهرة الشك الذي تسلل إلى قلوب الشيعة ،حيث
لم تجـد هذه المسـألة طريقهـا إلى عقول كثيـر منهـم حتـى اضطرهـم ذلك إلى نبـذ عقيدة التشيـع
ورفضها.
كمـا مـل الشي عة النتظار للغائب الموعود حتـى قال قائل هم " :قد طال هذا المـر علينـا حتـى
ضاقت قلوبنا ومتنا كمدًا[ "..الغيبة للنعماني :ص ].120وأطل عليهم شبخ الشك الرهيب وقد شهد
بذلك ابن بابويه القمي حيث قال" :رجعت إلى نيسابور ،وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليّ
[إكمال الد ين :ص من الشيعة قد حيرتهم الغيبة ،ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلم الشبهة"
.].2
وقد نقلت لنا كتب الفرق أن هذا ما حدث لهم بعد موت الحسن العسكري – كما سبق – فكأن
هذه الروا ية وأمثال ها اختر عت لمواج هة نز عة الحيرة وال شك ال تي داهمت هم ب عد موت إمام هم
عقيمًا.
وقد أكثروا من الروايات التي تجري هذا المجرى ،وتصور واقعهم أبلغ تصوير.
فقد جاء في الكافي" :ل وال ل يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا ،ل وال ل يكون ما
تمدون إل يه أعين كم ح تى تمحصوا ،ل وال ل يكون ما تمدون إل يه أعين كم حتى تميزوا ،ل وال
ل يكون ما تمدون إليه أعينكم إل بعد إياس ،ل وال ل يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى
من يشقى ويسعد من يسعد" [أصول الكافي.].1/370 :
فهم يدعون أن ما حل بهم بسبب دعوى الغيبة إنما هو من أجل التمحيص والبتلء ،وأنه إذا
تـم ذلك رجـع القائم ،ونسـبوا إلى جعفـر الصـادق :أنـه دخـل عليـه بعـض أصـحابه وهـو يبكـي
كالثكلى ،لنه نظر – كما يقولون – في كتاب الجفر المشتمل على علم البليا والمنايا ،وعلم ما
543
كان وما يكون إلى يوم القيامة فقال" :تأملت فيه مولد قائمنا عليه السلم ،وغيبته وإبطاءه وطول
عمى وبلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان ،وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته
وارتداد أكثرهم عن دينه[ "..الغيبة للطوسي :ص .].106-105
فهذه الرواية المنسوبة إلى جعفر تتحدث عن درة كثير من الشيعة بسبب دعوى الغيبة التي
طال أمدها ،وهي قد وضعت – كغيره – بعدما حل بهم هذا المر لحضهم على البقاء في نطاق
التشيع ،وذلك بدعوى أن هذا أمر أخبرت به الئمة وهو من أمارات رجعة المام المفقود.
وقد شهد شيخهم النعماني وهو من شيوخ القرن الثالث ،وممن عايش واقع الشيعة في الفترة
المبكرة لدعوى الغيبة ،فشهادته في ذلك في غاية الهمية ،شهد بشك جميع الشيعة في أمر الغيبة
– إل القل يل – يقول" :فإ نا رأي نا طوائف من الع صابة المن سوبة إلى التش يع ،المنتم ية إلى نبي نا
محمد وآله صلى ال عليهم ممن يقول بالمامة ..قد تفرقت كلمتها ،وتشعبت مذاهبها ،واستهانت
بفرائض ال عـز وجـل ،وخفـت إلى محارم ال تعالى فطال بعضهـم غلوًا ،وانخفـض بعضهـم
تق صيرًا ،وشكوا جميعًا إلى القل يل في إمام زمان هم وولي أمر هم وح جة رب هم ..للمح نة الواق عة
بهذه الغيبة" [الغيبة للنعماني :ص .].11
وقد أخذ بعضهم يلعن بعضًا ،ويبرأ منه ويشهد عليه بالكفر ،كما تصور ذلك رواية النعماني
ال تي تقول" :ل يكون ال مر الذي ينت ظر ح تى يبرأ بعض كم من ب عض ويت فل بعض كم في وجوه
[الغي بة للنعما ني :ص ،138-137 ب عض ،فيش هد بعض كم على ب عض بالك فر ويل عن بعض كم بعضًا"
بحار النوار ].115-52/114 :وجعلت الروايـة هذه الظاهرة الخطيرة خيرًا ،لنهـا مؤذنـة بخروج
[الغيبـة للنعمانـي :ص ،138 القائم فقالت" :الخيـر كله فـي ذلك الزمان ،يقوم قائمنـا ويدفـع ذلك كله"
بحار النوار :ص .].115
فيبدو من خلل هذه النصوص أن محدثي الشيعة عملوا على مواجهة هذه النكسة بوضع هذه
الروايات على أ هل الب يت وجعلو ها تش ير إلى ما يل حق الشي عة من التمح يص والبتلء والردة
عند وقوع الغيبة وذلك من أجل إغرائهم بالبقاء داخل نطاق التشيع المامي.
ورغـم هذه العترافات والشهادات فإن فكرة الغيبـة التـي اضطرت الماميـة للقول بهـا قـد
أحد ثت هزة عني فة زلزلت كيان التش يع الما مي وكادت أن تؤدي إلى سقوطه بذهاب أتبا عه..
[أصول رغم ذلك فإنهم يقولون في رواياتهم" :لو علم ال أنهم يرتابون ما خيب حجته طرفة عين"
544
الكا في ،1/333 :الغي بة للنعما ني :ص ].107فأي ري بة أ شد من شك الجم يع إل القل يل ،و من التفرق
والتلعن؟!.
ويلحظ كثرة التكذيب للغيبة من لدن الشيعة ،ول سيما في مراحل نشأتها ،ولعل السبب يعود
إلى وضوح كذبهـا لمـن عاصـرها وعايـش ظروفهـا ،ولذلك فقـد نشـط مؤسـسو هذه الفكرة لسـد
الثغرات ال تي ت هب علي هم من ها رياح ال شك ،وت سديد الفجوات ال تي تت ضح من ها صورة الكذب،
فعالجوا مشكلة التكذيب والتلعن والتفرق بوضع روايات على أهل البيت تنبئ بحدوثها وتبشر
بالخير عند وقوعها لنها مؤذنة بعودة القائم (ولكنها وقعت ولم يخرج القائم) ،حاولوا معالجة ما
ترامى إلى أسماع الشيعة من تكذيب أسرة الحسن لهذه الدعوات بوضع روايات تقول" :إن للقائم
غيبة ويجحده أهله" وحينما سأل زرارة – الموضوع عليه الخبر [لنه مات قبل نشوء فكرة الغيبة– ].
[الغيبـة عـن سـبب ذلك قال أبـو جعفـر – فيمـا تزعـم الروايـة " :-يخاف ،وأومـأ بيده إلى بطنـه"
للنعماني :ص .].118
ومـن الفجوات كذلك أنـه ل أحـد مـن أسـرة الحسـن ول غيرهـم ،يعلم بولدتـه ول بمنشئه
[أصـول الكافـي: فوضعوا روايات تقول" :يب عث ال لهذا ال مر غلمًا م نا ،خ في الولدة والمن شأ"
،342-1/341الغيبة للنعماني :ص .].112
فجعلوا الغيبة أمارة على ظهور الفرج مع أنه قد مضى اليوم على الغيبة أكثر من ألف ومائة
سـنة ،ولم يقـع شيـء مـن هذه الوعود ،فمـا تأثيـر ذلك على مـن يقرأ أمثال هذه المانـي مـن
الشيعة؟! أل يزداد الشك ويضعف اليقين ،وقد يبحث عن مذهب آخر سوى السلم ،لنه قيل له
– زورًا وبهتانًا – إن هذا المهدي الموعود متفق عليه بين السنة والشيعة.
545
ول هم روايات كثيرة في عقيدة النتظار ،و قد ذ كر المجل سي من ها ( )77روا ية في باب عقده
بعنوان "باب فضل انتظار الفرج ،ومدح الشيعة في زمن الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان"
[بحار النوار ،150-52/122 :وانظـر :إكمال الديـن :ص 603ومـا بعدهـا ].ح تى ن سبوا إلى ر سول ال
[بحار النوار: صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال" :أفضـل أعمال أمتـي انتظار فرج ال عـز وجـل"
].52/122يعنون به خروج منتظرهم.
وجعلوا النتظار أحـب العمال إلى ال [بحار النوار ].52/122 :و"المنتظرون لظهوره أفضـل
أ هل كل زمان" [بحار النوار ،].52/122 :وزعموا أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال عن هم
لصحابه" :سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم ،قالوا :يا رسول ال
ن حن ك نا معك ببدر وأ حد وحن ين ونزل في نا القرآن .فقال :إنكم لو تحملوا ما حملوا لم ت صبروا
صبرهم" [بحار النوار .].52/130 :وغاب عن واضع الرواية من زلة الصحابة عند الرافضة.
وجاءت عندهم روايات تطفئ ذلك التطلع لخروجه وتقول "من عرف هذا المر ثم مات قبل
أن يقوم القائم عليه السلم كان له مثل أجر من قتل معه" [بحار النوار.].52/131 :
وبجا نب هذا الترغ يب فهناك التهد يد والوع يد بالك فر والخلود في النار ل من أن كر غي بة القائم
حتى جعلوا إنكارها كالكفر برسالة محمد صلى ال عليه وسلم ،بل عدّوا ذلك مثل كفر إبليس.
روى صدوقهم بسنده المزعوم "عن ابن أبي يعفور قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :من أقر
بالئ مة من آبائي وولدي ،وج حد المهدي من ولدي كان ك من أ قر بجم يع ال نبياء وج حد محمدًا
صلى ال عل يه و سلم .فقلت :يا سيدي و من المهدي من ولدك؟ قال :الخا مس من ولد ال سابع،
يغيب عنهم شخصه ول يحل لهم تسميته" [إكمال الدين :ص ،].388وافتروا على رسول ال صلى
[إكمال الديـن :ص ،390لطـف ال ال عل يه و سلم أ نه قال " :من أن كر القائم من ولدي ف قد أنكر ني"
الصافي /منتخب الثر :ص .].492
وقال صدوقهم" :مثل من أنكر القائم عليه السلم في غيبته مثل إبليس في امتناعه في السجود
لدم" [إكمال الدين :ص .].13
وم سألة الغيبة صارت بف عل شيوخ الشيعة م صدر ح قد ،ضد ال صحابة و من تبع هم بإح سان،
حتى قال شيخهم الجزائري" :إني كلما أشكلت عل يّ مسألة أوجبت على نفسي لعنهم ،لنهم سبب
في استتار الحجة" [شرح الصحيفة السجادية :ص .].37
546
فتل حظ أن هم يحاولون توج يه ال سخط والح قد الكا من في نفوس الش يع من مرارة النتظار،
[إكمال الد ين :ص ولو عة العتقاد بأن "المام الغائب مقموع مقهور مزا حم في ح قه قد غلب قهرًا"
.].12
وأ نه ب سبب غيب ته – ك ما يزعمون – "جرى على شيع ته من أعداء ال ما جرى من سفك
الدماء ونهب الموال[ "..إكمال الدين :ص .].12
فيوجهون هذا الحقد الناتج من هذا الشعور إلى سب ولعن لخير جيل عرفته البشرية ..ومن
اقتفى أثرهم.
ع ني المام ية عنا ية شديدة بالبره نة على صحة عقيدت هم في غي بة المهدي ..و قد اتجهوا إلى
كتاب ال سبحانه يبحثون فيه عن سند لعقيدتهم ،فلما لم يجدوا فيه ما يريدون استنجدوا كعادتهم
بالتأويـل الباطنـي المتسـم بالتكلف الشديـد والشطـط البالغ وأولوا عدة آيات مـن كتاب ال بهذا
المنهج.
جلّى}
جاء في أ صل أ صول التف سير عند هم (تف سير الق مي) في قوله سبحانه{ :وَال ّنهَارِ إِذَا تَ َ
[الليل ،آية .].2 :قال :النهار هو القائم عليه السلم منا أهل البيت [تفسير القمي..].2/425 :
والمثلة في مثل هذا اللون من التأويل كثيرة حتى ألفوا في هذا كتبًا مستقلة مثل "ما نزل من
القرآن في صاحب الزمان" [للراف ضي ع بد العز يز الجلودي (ان ظر :الذري عة ،].)19/30و"المح جة في ما
[نشر سنة (1403ه) نزل في القائم الحجة" [لشيخهم هاشم البحراني ،].وقد نشر الخير في طبعة حديثة
[يد عى مح مد من ير الميل ني، عن مؤ سسة الوفاء ،بيروت ].قام على تحقيقها بعض الروافض المعاصرين
وقد أرجع نصوص الكتاب إلى مجموعة من كتبهم المعتمدة عندهم ،].وقد أول فيه مؤلفه أكثر من ()120
547
آية من كتاب ال بمهديهم المنتظر في تأويلت هي من فضائحهم التي ل تستر ،ولكن المحقق لم
يقتنـع بهذا العدد فأضاف إليـه تأويـل اثنتـي عشرة آيـة أخرى مـن كتاب ال ووضعهـا فـي آخـر
الكتاب تحت عنوان "مستدرك المحجة".
والنظر الموضوعي المنصف يرى في هذه التأويلت الباطنية التي يراد الحتجاج بها لمسألة
غي بة مهدي هم غلوًا شديدًا وأن ها تحر يف لكتاب ال ل ا ستدلل به ،و هي تدل دللة ظاهرة على
فساد الفكرة التي يحاول تقريرها من أصلها.
ويلتمس المامية من الغيبة التي وقعت لبعض النبياء دليلً على صحة وقوع غيبة مهديهم؛
فيحتجون – مثلً – بغيبة "موسى بن عمران عليه السلم من وطنه وهربه من فرعون ورهطه
كما نطق به القرآن" ،وغيبة يوسف عليه السلم ،واستتار خبره عن أبيه – كما جاءت به سورة
في القرآن – إلى أن كشف ال أمره وظهر خبره وجمع بينه وبين أبيه وإخوته ،وقصة يونس
بن متى نبي ال عليه السلم مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلفهم له ،واستخفافهم بحقوقه،
وغيبته عنهم وعن كل أحد حتى لم يعلم أحد من الخلق مستقره ،وستره ال تعالى وأمسك عليه
رم قه بضرب من الم صلحة ،إلى أن انق ضت تلك المدة ورده ال تعالى إلى قو مه ،وج مع بين هم
وبينه [الغيبة للطوسي :ص .].77
وكذلك ا ستتار نبي نا مح مد صلى ال عل يه و سلم في الغار ،و قد اح تج ب ها الطو سي على من
[انظر :الغيبة للطوسي: قال" :إذا كان (إمامكم) مكلفًا للقيام بالمر وتحمل أعباء المامة كيف يغاب؟"
ص ].13فيجي به الطو سي بقوله" :أل يس ال نبي صلى ال عل يه و سلم قد اخت فى في الش عب ثلث
سنين لم يصل إليه أحد واختفى في الغار ثلثة أيام" [الغيبة للطوسي :ص .].13
والواقع أن هذه المقارنات التي يقوم بها المامية لقناع أتباعهم والمتشككين في أمر الغيبة ل
تجدي في نزع فتيل الشك المشتعل في أفئدة القوم كلما تأملوا أمر الغيبة بعين عقولهم ،رغم أنهم
يعولون على هذه المقارنات كثيرًا ،حتى إن ابن بابويه ألف في شأنه كتابًا لقناع كبير شيوخهم
الذي داخله الشك في أمر الغيبة ولقناع الحافين به من الشيعة الذين داهمهم الريب والحيرة في
شأنها كما أشار إلى ذلك في كتابه [انظر :إكمال الدين :ص .].4-2
أقول :إن هذه المقارنات غيـر مجديـة فـي إثبات فكرة غيبـة إمامهـم لسـباب كثيرة ،منهـا أن
[أ ما غي بة الش عب فلي ست بغي بة ،بل ح صار ومقاط عة فل تد خل في غي بة مو سى ويو سف ويو نس ومح مد
موضوعنا ].عليهم السلم قد أخبر ال سبحانه بها في كتابه بنص واضح صريح ل لبس فيه ول
548
غموض ،أما غيبة مهديهم فتنتهي رواياته إلى حكيمة إن صحت النسبة إليها ،ثم أخبار البواب
الربعة المطعون في شهادتهم ،لنهم يجرون المصلحة إليهم ،حيث المال المتدفق.
ولهذا ادعى كثيرون هذه البابية ،كذلك غيبة النبياء معروفة لدى قومهم لنهم عاشوا بينهم،
وعرفوا ،أما غائبهم فلم يعرفه أحد ولم ير له أثر ،وكان أهله أنفسهم ينكرون وجوده .كما شهد
ثقات المؤرخين أن الحسن العسكري لم يعقب – كما سيأتي .-
ثم إن غيبة هؤلء النبياء محدودة الزمان والمكان ،ما لبثوا أن عادوا إلى قومهم وأهلهم.
أما منتظرهم فقد مضت القرون ولم يعرف له أثر ولم يعلم له مكان.
كذلك رسل ال الذين غابوا قد أقاموا الحجة على قومهم ،وبلغوا رسالت ال في جيلهم ،أما
غائبهم فقد مرت الجيال ولم نسمع منه شيئًا.
يضاف إلى ذلك أن الغي بة لل نبياء كا نت طبيع ية في جملت ها ،فغيبة يو سف هي مفار قة لبيه
وظهوره عند قوم آخرين ،كما ي سافر المرء من بلد إلى بلد .وهي موقوته بزمن محدود ،وهي
حوادث ا ستثنائية ح تى بالن سبة لل نبياء علي هم ال سلم ،فإن هم جم غف ير ،ولم ين قل أن هذا حدث
لغير المذكورين.
أ ما احتجاج الث ني عشر ية باختفاء ال نبي صلى ال عل يه و سلم في الغار "فإن هذا ال ستدلل
وا قع في غ ير موق عه ،لن ا ستتار ال نبي صلى ال عل يه و سلم لم ي كن لخفاء دعوى النبوة ،بل
كا نت من ج نس التور ية في الحرب ،ح تى ل ي سد الكفار عل يه الطر يق ،ثم هذا الختفاء كان
ثلث أيام ،فقياس ذلك على غيبة مهديهم في غاية الحماقة ،فرق واضح بين الختفاء الذي كان
مقد مة عاجلة لظهور الد ين وب ين الختفاء المتطاول الذي لز مه الخذلن وترك الدعوة وانتشار
الطغيان" [مختصر التحفة :ص .].119
إن ممـا يعرف بـه كذب دعوى الشيعـة وجود إمامهـا ،هـو اسـتبعاد بقائه حيًا طول هذه المدة
ال تي تجاوزت الن ألف ومائة سنة .فإن تعم ير وا حد من الم سلمين هذه المدة هو – ك ما يقول
ش يخ ال سلم ا بن تيم ية – أ مر يعرف كذ به بالعادة المطردة في أ مة مح مد ،فل يعرف أ حد ولد
في ز من ال سلم عاش مائة وعشر ين سنة فضلً عن هذا الع مر ،و قد ث بت في ال صحيح عن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في آخر عمره "أريأتكم ليلتكم هذه ،فإن على رأس مائة سنة
549
[منهاج ال سنة ،2/65 :وان ظر الحد يث في: منها ل يبقى على و جه الرض ممن هو اليوم عليها أحد"
صحيح البخاري ،كتاب العلم ،باب السمر في العلم ،1/37 :ومسند أحمد .].131 ،2/121 :فمن كان في ذاك
الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعًا ،وإذا كانت العمار في ذلك العصر ل
تتجاوز هذا ال حد ف ما بعده من الع صار أولى بذلك في العادة الغال بة العا مة ...ثم أعمار هذه
[منهاج السنة.2/165 : المة ما بين الستين إلى السبعين ،وقليل ممن يجوز ذلك
وانظر الحديث في سنن الترمذي ،كتاب الزهد ،باب ما جاء في فناء أعمال هذه المة ما بين الستين إلى السبعين:
( ،)3550وقال ،)2331( 4/566وكتاب الدعوات ،باب فـي دعاء النـبي صـلى ال عليـه وسـلم5/553 :
الترمذي :هذا حد يث حسن غر يب ل يعرف إل من هذا الو جه ،قال ا بن ح جر :و هو عجيب منه ف قد رواه في الز هد
أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة (فيض القدير .)2/11 :ورواه ابن ماجه في كتاب الزهد ،باب المل والجل:
( .)4236ورواه ا بن حبان (ان ظر :ف يض القد ير ،)2/11 :والحا كم (الم ستدرك ،)2/427 :والخط يب 2/1415
(تاريخ بغداد ،)12/48 ،6/397 :وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالحسن (الجامع الصغير ص ،)48وقال
ابن حجر في الفتح :سنده حسن (انظر :فيض القدير ،)2/11 :وقال الحاكم :صحيح على شرط مسلم ،ووافقه الذهبي
(المسـتدرك ،)2/427وتعقـب ذلك اللبانـي وقال :الصـواب أنـه حسـن لذاتـه وصـحيح لغيره .سـلسلة الحاديـث
الصـحيحة ،)757( 2/397 :وانظـر :صـحيح الجامـع (لللبانـي) ].)1084( 1/354كمـا ثبـت ذلك فـي
الحديث الصحيح [منهاج السنة.].2/165 :
هذا العتراض يأ خذ بخناق المام ية ،ويج تث جذور اعتقاد هم من أ ساسه ..و قد حاول شيوخ
الشيعة دفعه بإجراء مقارنات بين مهديهم وبعض النبياء عليهم السلم الذي زادت أعمارهم عن
المعدل الطبيعي المألوف للبشر ،فالمهدي عندهم شبيه بنوح عليه السلم الذي لبث في قومه ألف
سنة إل خمسين عامًا [انظر :الغيبة للطوسي :ص .].79
وأسندوا هذه المقارنة إلى بعض آل البيت لتحظى بالقبول عند أتباعهم ،فروى ابن بابويه –
[إكمال بسنده – أن علي بن الحسين قال" :في القائم سنة من نوح عليه السلم وهو طول العمر"
[عقائد الديـن :ص .].488وكذلك يقولون إن بقاء مهدي هم هو كبقاء عي سى بن مر يم عل يه ال سلم
[الحائري /إلزام الناصـب: الماميـة :ص .].108والخضـر وإلياس ،ويعقدون المقارنـة حتـى بإبليـس
.].1/283ويسـندون جملة مـن هذه المقارنات إلى بعـض آل البيـت لتكسـب صـفة القطـع عـن
[انظر هذه الروايات في :أصول الكافي ،337-1/336 :الغيبة للنعماني :ص أتباعهم؛ لنها من قول المعصوم
108ومـا بعدهـا ،إكمال الديـن :ص 134ومـا بعدهـا ،إلزام الناصـب ،].1/285 :وكذلك يحتجون بأخبار
المعمرين من البشر [انظر :الغيبة للطوسي :ص 79وما بعدها ،].وفاتهم أن يعقدوا المقارنة مع جبرائيل
وملك الموت ،والملئكة عمومًا وبالسماوات والرض.
550
وهذا الدفاع قد أبطله الشيعة أنفسهم؛ لنهم يقولون بأن مهديهم هو الحاكم الشرعي للمة منذ
أ حد ع شر قرنًا أو يز يد ،و هو الق يم على القرآن ول يح تج بالقرآن إل به ،ول هداة للب شر إل
بواسطته ..وهو الذي معه القرآن الكامل ومصحف فاطمة والجفر والجامعة ،وما يحتاجه الناس
فـي دينهـم ودنياهـم ،فمهديهـم مسـؤول عـن المـة ،ومعـه وسـائل هدايتهـم وسـعادتها فـي الدنيـا
والخرة.
أما غيره ممن يعقدون المقارنة به فيختلفون عنه اختلفًا كثيرًا ،فإن نوحًا عليه السلم قد لبث
في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا يدعوهم إلى ال سبحانه حتى أوحى ال إليه {َأنّ هُ لَن ُي ْؤمِ نَ
ِكـ إِ ّل مَن قَدْ آمَنـَ} [هود ،آيـة ].36 :ولم يكـن غائبًا فـي سـردابه أو فـي مخبئه ل يعلم
مِن َق ْوم َ
م ستقره ومكا نه ،يرى الناس في ضلل هم وكفر هم ويتوارى عن النظار فل يرو نه مع تعا قب
الجيال وكر القرون .على أن عمر المهدي – الن – قد زاد عن هذه المدة.
وكذلك عيسى عليه السلم قد بلغ رسالة ربه ،وأقام الحجة وأدى المانة قبل رفعه إلى السماء
فلم ي كن يض ير أتبا عه أن يغ يب عن هم بخلف منتظر هم الذي غاب م نذ طفول ته وترك شيع ته
يختلفون في وجوده وبابيته ،وتعميهم التقية عن معرفة حقيقة مذهبه ،ويختلفون ويتنازعون حتى
يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا.
[انظر :المنتقى ص ،26 أما الخضر وإلياس فإن الذي عليه المحققون من أهل العلم أنهما قد ماتا
ويرى ابن حزم أن القول بحياة إلياس والخضر ..فكرة مأخوذة عن اليهودية ،فاليهود هم الذين قالوا بحياة إلياس وحياة
فنحاس بن العازار ا بن هارون عل يه ال سلم ،و سار في سبيلهما ب عض ال صوفية فاد عى أ نه يل قى إلياس في الفلوات
(الفصل ،)5/37 :وكذلك قال الصوفية بحياة الخضر ،ولهم حكايات في الجتماع به والخذ عنه (انظر :ابن عربي/
الفتوحات المكيـة ،1/241 :ابـن عطاء ال السـكندري /لطائف المنـن :ص ،53-52وطبقات الشعرانـي،1/97 :
،2/5وان ظر :الف صل ،38-5/37 :ا بن ح جر /تهذ يب التهذ يب ،7/477 :و قد اع تبر ا بن حزم دعاوى ال صوفية
الخذ عن الخضر خروجًا عن عقيدة ختم النبوة (انظر :الفصل.)5/38 :
ودعوى بقاء الخضر إلى اليوم مخالف للدليل ،وما عليه أهل التحقيق ،انظر في ذلك :منهاج السنة ،1/28 :ا بن
القيم /المنار المنيف :ص ،76-67وانظر عن الخضر :ابن كثير /البداية والنهاية ،337-1/325 :ابن حجر /فتح
ال صابة .335-2/286 :ول بن ح جر ر سالة في تحق يق أ مر الخ ضر ،قال في خاتمت ها: الباري312-6/309 :
والذي تم يل إل يه الن فس من ح يث الدلة القو ية خلف ما يعتقده العوام من ا ستمرار حيا ته (الز هر الن ضر في ن بأ
الخضـر ،ضمـن مجموعـة الرسـائل المنيريـة ،].)2/234 :وعلى تقد ير حيات ها فل ت سلم له ما المقار نة،
لنهمـا ليسـا بمكلفيـن فـي هدايـة هذه المـة وقيادتهـا بخلف إمامهـم الذي هـو مسـؤول – فـي
اعتقادهم – عن المسلمين جميعًا في كل أمورهم.
551
أما إبليس فالخبر في بقائه ورد به القرآن بخلف مهديهم الذي أنكره حتى أهله وطوائف من
شيعته ،ثم إن إبليس يمارس مهمته في إضلل الخلق عن سبيل ال ،ول شك أن ضلل الشيعة
باتباع هذا "المعدوم" من أعماله ،أ ما منتظر هم فل يس له أ ثر ول خبر .ك ما أن إبل يس ل يس من
جنس الناس ..فل تسلم لهم المقارنة في كل الحوال.
أما بقية المعمرين من البشر فإنهم مهما بلغوا من العمر فل يصلوا إلى بعض ما يدعونه في
غائب هم ،و كل المثلة ال تي ضرب ها شيوخ هم في القرن الرا بع ل يس ل ها قي مة اليوم لتجاوز ع مر
منتظرهم أضعافها ،كما أن هؤلء ليس لهم مهمة غائبهم ومسؤولياته.
ويحاول بعض المعاصرين من شيوخهم أن يستنجد بلغة العلم الحديث في التدليل على إمكانية
بقاء منتظرهم ،فيقول المظفر" :وطول الحياة أكثر من العمل الطبيعي أو الذي يتخيل أنه العمر
الطبيعي ل يمنع منها الطب ول يحيلها ،غير أن الطب بعد لم يتوصل إلى ما يمكنه من تعميرة
حياة النسان وإذا عجز عنه الطب فإن ال قادر على كل شيء" [عقائد المامية :ص .].108
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا" :بأن أكابر فلسفة الغرب قالوا بإمكان الخلود في الدنيا
[هذه للنسان" [أصل الشيعة :ص .].70ثم قال" :قال بعض كبار علماء أوروبا :لول سيف ابن ملجم
مقالة شيعية اعتزالية مبنية على مذهب المعتزلة الذين يقولون بأن القاتل قد قطع على المقتول أجله ،وهي مقالة مخالفة
ل ما ث بت في الكتاب وال سنة بأن كل من مات ف قد ا ستكمل أجله (ان ظر :مجموع فتاوى ش يخ ال سلم ،8/516شرح
الطحاو ية ].لكان علي بن أ بي طالب من الخالد ين ،ل نه قد ج مع جميع صفات الكمال والعتدال"
[أصل الشيعة :ص .].70
هذا ما تقوله – نظريات بعض الكفار – إن صدق هؤلء في نقلهم – ولكن ال سبحانه يقول
خلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُ مُ ا ْلخَالِدُو نَ} [النبياء ،آية ،].34 :ويقولُ { :كلّ
لنبيهَ { :ومَا جَ َع ْلنَا ِل َبشَ ٍر مّن َقبْلِ كَ الْ ُ
نَفْ سٍ ذَآئِقَةُ ا ْل َموْ تِ} [آل عمران ،آيـة ،185 :النـبياء ،آيـة ،35 :العنكبوت ،آيـة ،].57 :ويقول سبحانه:
سبُوقِينَ} [الواقعة ،آية .].60 :وهو سبحانه أعلم بمن خلق،
{نَحْ نُ قَ ّد ْرنَا بَ ْينَكُ مُ ا ْل َموْ تَ َومَا نَحْ نُ بِمَ ْ
وأصـدق القائليـن ،فل عـبرة بعـد ذلك بقول كافـر يحاول أن يتشبـث بالبقاء فـي هذه الحياة ولو
بالوهام.
ولعلي الر ضا – ك ما تن قل ك تب الشي عة – كل مة صادقة قال ها في الرد على الفرق الشيع ية
الكثيرة التي تقول بحياة بعض آل البيت ول تصدق بموتهم وتدعي أنها غيبة وسيرجعون ،وهي
من أقوى الردود على الث ني عشر ية من كلم هم أنف سهم ،ف قد جاء في رجال الك شي أن عليًا
الرضا قيل له :إن قومًا وقفوا على أبيك ويزعمون أنه لم يمت ،قال" :كذبوا وهم كفار بما أنزل
552
ال عز و جل على محمد صلى ال عليه و سلم ،ولو كان ال يمد في أجل أحد لمدّ ال في أجل
رسول ال صلى ال عليه وسلم" [رجال الكشي :ص .].458
ولكنهـم يخالفون قول إمامهـم ويزعمون أن ال مدّ فـي عمره لحاجـة البشـر إليـه؛ بـل لحاجـة
الكون و كل ش يء في الحياة إل يه؛ إذ لوله – ك ما يفترون – ل ساخت الرض ،وما جت بأهل ها
[انظر :أصول الكافي.].1/179 :
يشير ابن بابويه في العتقادات التي تسمى دين المامية إلى أن المهدي إذا رجع من غيبته
ينسخ شريعة السلم فيما يتعلق بأحكام الميراث ،فيذكر عن الصادق أنه يقول" :إن ال آخى بين
الرواح فـي الظلة قبـل أن يخلق البدان بألفـي عام ،فلو قـد قام قائمنـا أهـل البيـت أورث الخ
الذي آخى بينهما في الظلة ولم يرث الخ من الولدة" [العتقادات :ص .].83
لعـل هذه الروايـة تكشـف عمـا يختلج فـي نفوس أرباب تلك العصـابة مـن رغبـة فـي إحلل
العلقة الحزبية والتنظيمية بين أفرادها محل القرابة والولدة في الميراث ،ونهب أموال الناس
باسـم هذه العلقـة والخوة! ومـا تحلم بـه عنـد قيام دولتهـا الموعودة مـن تطـبيق هذه التطلعات
والتي أرادت إعطائها صيغة مقبولة بنسبها لل البيت.
وهذه الدعوى فضلً عن أنها خروج عن شريعة السلم فهي مخالفة لمنطق العقل ،فالتوارث
منوط بالعل قة الظاهرة من الولدة والقرا بة ،أ ما المؤاخاة الزل ية المزعو مة فل يدرك ها الب شر،
فكيف تكون أساسًا لقسمة الميراث؟.
وكذلك يغيـر منتظرهـم شريعـة السـلم فيمـا يتعلق بأخـذ الجزيرة مـن أهـل الكتاب ،وتنـص
رواياتهم أن منتظرهم بهذا المنهج يخالف هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم فتقول" :ول يقبل
صاحب هذا ال مر الجز ية ك ما قبل ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم" [بحار النوار.].52/349 :
553
ويك في هذا العتراف في تأك يد خرو جه عن سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وتبديله ل ها
عمدًا ..ف هل أراد وا ضع هذه الروايات أن يهون من شأن التشر يع ال سلمي في نفوس التباع
ويغري بالخروج عليه؟!
بل إن الح كم والقضاء في دولة المنت ظر يقام على غ ير شري عة المصـطفى صلى ال عل يه
وسلم .جاء في الكافي وغيره ،قال أبو عبد ال" :إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان
ول ي سأل بي نة" [أ صول الكا في ،].1/397 :و في ل فظ آ خر" :إذا قام قائم آل مح مد ح كم ب ين الناس
[المفيـد /الرشاد :ص ،413الطبرسـي /أعلم الورى :ص بحكـم داود عليـه السـلم ول يحتاج إلى بينـة"
.].433
وقد تبنى ثقة إسلمهم الكليني هذه العقيدة وبوب لها بابًا خاصًا بعنوان" :باب في الئمة عليهم
[أصـول الكافـي: السـلم أنهـم إذا ظهـر أمرهـم حكموا بحكـم داود وآل داود ول يسـألون البينـة"
.].1/397ول يخفى ما في هذا التجاه من عنصر يهودي .ولهذا علق بعضهم على هذا العنوان
[م حب الد ين الخط يب /في تعلي قه على بقوله" :أي ين سخون الد ين المحمدي ويرجعون إلى د ين اليهود"
المنتقى :ص ( 302هامش .].)4
وان ظر ك يف يحلم واض عو هذه الروايات – الذ ين لب سوا ثوب التش يع زورًا وبهتانًا – بدولة
تحكم بغير شريعة السلم.
وتش ير ب عض روايات هم إلى أ نه أيضًا يح كم بح كم آدم مرة ،ومرة بح كم داود ،ومرة بقضاء
إبراهيم .ولكن يعارضه في هذا التجاه للحكم بغير شريعة السلم بعض أتباعه ،إل أنه يواجه
هذه المعارضة بشدة حيث يأمر بهم فتضرب أعناقهم [انظر :بحار النوار.].52/389 :
وتقوم دولة المنتظر على الحكم لهل كل دين بكتابهم ،مع أن السلم لم يجز لحد أن يحكم
بغير شريعة القرآن باتفاق المسلمين [انظر :ابن تيمية /منهاج السنة النبوية ،3/127 :المنتقى :ص .].343
جاء في أخبار هم "إذا قام القائم ق سم بال سوية ،وعدل في الرع ية ،وا ستخرج التوراة و سائر
كتـب ال تعالى مـن غار بأنطاكيـة ،حتـى يحكـم بيـن أهـل التوراة بالتوراة ،وبيـن أهـل النجيـل
554
[الغي بة للنعما ني :ص ،157وان ظر: بالنج يل ،وب ين أهل الزبور بالزبور ،وب ين أ هل القرآن بالقرآن"
بحار النوار.].52/351 :
وهذا القانون الذي يط مح إلى ت طبيقه واض عو هذه الروايات ويعدون بتنفيذه على يد المنت ظر
هو شبيه – إلى حد كبير – بفكرة الديا نة العالم ية ال تي تر فع شعار ها الما سونية ..و هي فكرة
إلحادية تقوم أساسًا على إنكار الديان السماوية تحت دعوى حرية الفكر والعقيدة.
وفي حومة هذه الفكار التي تسعى لنسخ شريعة القرآن وابتداع أحكام جديدة لم يأذن بها ال،
والرجوع إلى حكم داود ل شريعة محمد صلى ال عليه وسلم ..وتطبيق شرائع الديان ل حكم
القرآن – نلتقـي بعـد ذلك بفكرة مسـمومة تعـد نتيجـة لهذه المقدمات والتغييرات التـي سـبقتها،
وفحوى هذه الفكرة هو إلغاء المهدي الحكم بالقرآن وإحلل كتاب آخر محله ،وهذا ما تشير إليه
روا ية النعما ني عن أ بي ب صير قال :قال أ بو جع فر ر ضي ال ع نه" :يقوم القائم بأ مر جد يد،
ـب:
ـي :ص ،154بحار النوار ،52/354 :إلزام الناصـ
ـة للنعمانـ
[الغيبـ وكتاب جديـد ،وقضاء جديـد"
[الغي بة للنعما ني :ص " ،].2/283لكأ ني أن ظر إل يه ب ين الركن والمقام يبا يع الناس على كتاب جد يد"
،176بحار النوار.].52/135 :
وت صف روايات أخرى عند هم ما يقوم به منتظر هم من محاولة ل صرف الناس عن القرآن
بدعوى أ نه محرف وإخراج كتاب آ خر مخالف له ،و سعيه لتضل يل الناس بدعوى أن كتا به هو
الكتاب الكامل الذي أنزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقيام "العجم" بالسعي لنشره بين
الناس ،وتعليمهم إياه ،ومواجهتهم صعوبة بالغة لتغيير ما في أفئدة الناس وأذهانهم من كتاب ال
[وقد مضى نقل نص ذلك بحروفه ص.].)258-257( :
[ولذلك نرى شيخهـم النعمانـي يصـدر روايات هذه هي الروايات ال تي كا نت مو ضع التداول ال سري
الغيبة بما روي عندهم في صون سر آل محمد عمن ليس من أهله ،كما أشار إلى ذلك في بداية كتابه (انظر :الغيبة
ص ].)17في إبان قوة الدولة ال سلمية عن حكو مة المهدي ب عد رجع ته ،و قد يقول من لم ي سلم
بأ مر منتظر هم إ نه خيالت ل حقي قة ل ها ،لن القائم المنت ظر ل وجود له ،فل تح قق لهذه الدولة
الموعودة ..فالحديث عنها قد يكون حديثًا خياليًا.
وهذا حـق؛ لكـن القيمـة الواقعيـة لهذه الروايات أنهـا تفصـح عـن مكنون نفوس واضعيهـا،
وأهدافها ضد شريعة السلم ،فهي "إسقاطات" نفسية تنطوي على مدلولت خطيرة تحدد رغبات
واض عي تلك الخبار وتطلعات هم إلى نوع ية الح كم الذي ينشدو نه ،و هي أحلم قد تك شف عن
555
خ طط تلك العنا صر ال تي اند ست في صفوف الدولة ال سلمية مكت سبة م سوح التش يع لتغي ير
شري عة القرآن ،وإن منازعت هم لح كم ولة الم سلمين ت حت ستار (ل ح كم إل للئ مة) ير مي إلى
إزالة الحكومة السلمية لقامة دولة أخرى في مكانها تحكم بحكم القائم الموعود.
أ ما سيرته فتح مل سمات من شريع ته الجديدة ،ح يث يتولى مضاي قة الم سلمين في مقد ساتهم
وم ساجدهم ،فيقوم بعمل ية هدم وتخر يب في الحرم ين الشريف ين ،ح يث ت نص أخبار هم "أن القائم
يهدم الم سجد الحرام ح تى يرده إلى أ ساسه ،وم سجد الر سول صلى ال عل يه و سلم إلى أ ساسه،
ويرد البيت إلى موضعه وإقامته على أساسه" [الطوسي /الغيبة ص ،282بحار النوار.].52/338 :
كذلك يتجه إلى قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وصاحبيه ويبدأ – كما تقول أخبارهم –
"بكسـر الحائط الذي على القـبر ...ثـم يخرجهمـا (يعنـي صـاحبي رسـول ال) غضيـن رطـبين
[بحار النوار: فيلعنهمـا ويتـبرأ منهمـا ويصـلبهما ثـم ينزلهمـا ويحرّقهمـا ثـم يذريهمـا فـي الريـح"
.].52/386و في روا ية أخرى "أول ما يبدأ به القائم ..يخرج هذ ين ر طبين غض ين فيحرّقه ما
ويذريهما في الريح ،ويكسر المسجد" [بحار النوار.].52/386 :
ونسبوا إلى ال – سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون – أنه قال لنبيه – حينما أسرى به :-
"وهذا القائم ...هو الذي يش في قلوب شيع تك من الظالم ين والجاحد ين والكافر ين ،فيخرج اللت
[ا بن بابو يه /عيون أخبار الر ضا ،1/58 :بحار والعزى (يعنون خليف تي ر سول ال) طري ين فيحرقه ما"
النوار.].52/379 :
وتشير بعض رواياتهم إلى أن هذا العمل يثير المسلمين ،حيث تقول .." :ثم يحدث حدثًا فإذا
فعـل ذلك قالت قريـش :اخرجوا بنـا إلى هذا الطاغيـة ،فوال لو كان محمديًا مـا فعـل ،ولو كان
علويًا ما فعل ،ولو كان فاطميًا ما فعل[ "..تفسير العياشي ،2/58 :بحار النوار.].52/342 :
قال شيخهم وفخرهم [لن من ألقابه عند هم "ف خر المة" كما تجد ذلك في صدور كت به ].المجلسي" :لعل
[بحار النوار: المراد بإحداث الحدث إحراق الشيخين الملعونين فلذا يسمونه عليه السلم بالطاغية"
.].52/346
ولذلك فإن المعا صرين من هم يتمنون ف تح م كة والمدي نة ،ك ما جاء على أل سنة آيات هم ،ليحققوا
أحلم هم ال تي أف صحت عن ها أخبار هم – ك ما سيأتي [ في باب الشي عة المعا صرين و صلتهم بأ سلفهم-].
ويمكرون ويمكر ال وال خير الماكرين.
وكأن روايتهم هذه ل تفرق بين من يتشيع وغيره :لكن تؤكد أخبارهم أنه لن يتشيع أحد من
العرب للقائم ،ولهذا تحذر منهم فتقول" :اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم
منهم واحد" [الغيبة للطوسي :ص ،284بحار النوار.].52/333 :
ولكن في الشيعة من العرب كثير غير أن أخبارهم تقول بأنهم سيمحصون فل يبقى منهم إل
النزر اليسير [انظر :الغيبة للنعماني :ص ،137بحار النوار.].52/114 :
[بهرج الدماء :أهدرها ،وفي الطبعة وتقول رواياتهم بأن القائم "يبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب"
الخرى للبحار يهرج ،ومعنى الهرج :الفتنة والختلط والقتل (انظر :بحار النوار ،52/333 :هامش .].)1
ويخ صون قبيلة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم :قر يش ال تي من ها صفوة أ صحابه بالذ كر
التفصيلي لعمليات القتل التي يجريها علي ها القائم ،ففي الرشاد للمفيد "عن عبد ال بن المغيرة
عن أ بي ع بد ال عل يه ال سلم قال :إذا قام القائم من آل مح مد عل يه ال سلم أقام خم سمائة من
قر يش فضرب أعناق هم ،ثم أقام خم سمائة فضرب أعناق هم ،ثم خم سمائة أخرى ح تى يف عل ذلك
[الرشاد :ص ،411بحار سـت مرات .قلت :ويبلغ عدد هؤلء هذا؟ قال :نعـم منهـم ومـن مواليهـم"
النوار.].52/338 :
557
ول يخفـى أن تخصـيص العرب بالقتـل يدل على تغلغـل التجاه الشعوبـي لدى واضعـي هذه
الروايات ..وهي تبين مدى العداوة للجنس العربي لدى مؤسسي "الرفض" والرغ بة في التشفي
منهم بقتلهم ،وذلك – في حقيقة المر – ل يعود لجنسيتهم بل للدين الذي يحملونه.
ول تنسى رواياتهم أن تخص البيت النبوي الطاهر ببائقة من بوائق منتظرهم حيث يزعمون
أن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعث من قبرها قبل
يوم القيا مة [وذلك ح سب عقيدت هم في الرج عة ال تي سنتحدث عن ها ب عد هذا المب حث إن شاء ال ،].وذلك لن ها
ارتكبت – كما يفترون – حدًا في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولكن رسول ال لم يقم
عليها الحد – كما يزعمون .-
قلت :جعلت فداك ولم يجلدها الحدّ؟ قال :لفريتها على أم إبراهيم صلى ال عليه وسلم.
قلت :فك يف أخره ال للقائم عل يه ال سلم؟ فقال له :إن ال تبارك وتعالى ب عث محمدًا صلى ال عل يه و سلم رح مة،
وبعـث القائم عليـه السـلم نقمـة (علل الشرائع :ص ،580-579بحار النوار .)315 ،52/314 :ثـم علق على
ذلك شيخهم المعاصر بنص يبين الفرية المزعومة وأن عائشة قالت – كما يفترون " :-إن إبراهيم ليس منك وإنه ابن
فلن القبطـي" وأن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم كلف عليًا برجمهـا ولكـن عليًا اكتشـف براءتهـا( .بحار النوار:
– 52/315الهامش – ].)-كما يفترون .-
وهذا يعنـي أن القائم أكمـل مـن خاتـم النـبيين ،وأقدر على تحقيـق ديـن ال ممـن أرسـل قدوة
للعالمين.
558
وهو ما صرحت به أخبارهم حيث روى شيخهم ابن بابويه .." :عن أبي بصير قال :قال أبو
ظهِرَ هُ
سلَ رَ سُو َل ُه بِا ْلهُدَى وَدِي نِ الْحَقّ ِليُ ْ
ع بد ال عليه السلم في قوله عز و جلُ { :هوَ الّذِي َأرْ َ
شرِكُونَ} [التوبة ،آية.].33 :
علَى الدّينِ ُكّلهِ َو َلوْ َكرِهَ ا ْل ُم ْ
َ
[إكمال الدين: فقال :وال ما نزل تأويلها بعد ول ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلم"..
ص ،628بحار النوار ].52/324 :أي أن القائم سيحقق ما عجز عنه النبياء.
وهذا ما صرح به بعض شيوخهم الكبار عندهم [وهو "الخميني" – ].في هذا العصر – واستنكره
العالم السلمي – كما سيأتي – [في باب :الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم.].
وعمل ية الجتياح الدموي الره يب ال تي تحلم ب ها الشي عة الث نا عشر ية على يد مهدي هم تكاد
تتناول كـل الفئات والجناس البشريـة باسـتثناء طائفتهـم ،حيـث يخرج قائمهـم "موتورًا غضبان
أ سفًا ..يجرد ال سيف على عات قه" [بحار النوار ].52/361 :ويبدأ الق تل ،فيح صد أ هل ال سنة الذ ين
[قال شيخهم الطريحي" :وسماهم مرجئة لنهم زعموا أن ال تعالى تلقبهم أخبار الشيعة – أحيانًا – بالمرجئة
أ خر ن صب المام ،ليكون ن صبه باختيار ال مة ب عد ال نبي صلى ال عل يه و سلم" (مج مع البحر ين،178-1/177 :
وان ظر :مرآة العقول ].)4/371 :ح تى قال إمام هم" :و يح هذه المرجئة ،إلى من يلجؤون غدًا إذا قام
قائمنا" [الغيبة للنعماني :ص ،190بحار النوار ].52/357 :ولم يستثن من ذلك إل من تاب ،أي دخل
بمذهبهم فقال" :من تاب تاب ال عليه ،ومن أسر نفاقًا فل يبعد ال غيره ،ومن أظهر شيئًا أحرق
ال د مه .ثم قال :يذبح هم والذي نف سي بيده ك ما يذ بح الق صاب شا ته – وأو مأ بيده إلى حل قه –"
[بحار النوار ،52/357 :الغيبة للنعماني :ص .].191-190
وتسميهم أحيانًا بالنواصب وتقول" :فإذا قام القائم عرضوا كل ناصب عليه فإن أقر بالسلم
[تف سير فرات :ص و هي الول ية وإل ضر بت عن قه أو أ قر بالجز ية فأدا ها ك ما يؤدي أ هل الذ مة"
،100بحار النوار ،52/373 :وقوله" :أو أقر بالجزية" ،يناقض رواياتهم التي تقول بأنه ل يقبل الجزية كما سبق
ذكر بعضها في بيان "شرعته".].
559
لكن بعض رواياتهم تقول بأن الجزية ل تقبل منهم كما تقبل من أهل الذمة ،فقد سئل إمامهم
عن وضع أهل الذمة في دولة القائم فقال" :يسالمهم كما سالمهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
ويؤدون الجزيـة عـن يـد وهـم صـاغرون" [بحار النوار .].52/376 :أمـا غيرهـم مـن المخالفيـن
للراف ضة فقال ف يه " :ما ل من خالف نا في دولت نا من ن صيب ،إن ال قد أ حل ل نا دماء هم ع ند قيام
قائم نا" [بحار النوار .].52/376 :ح تى إن قائم نا يتت بع الشي عة الزيد ية غ ير الغلة ،فيقتل هم .تقول
أخبارهم" :إذا قام القائم عليه السلم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلف أنفس – كذا
[البترية :هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي ،وأصحاب كثير النوى ،وكان كثير يلقب بالبتر، – يدعون البترية
وقد يسمون "الصالحية" نسبة للحسن بن صالح ،ومن مذهبهم – كما يقول الشعري – أنهم ينكرون رجعة الموات قبل
يوم القيامة ،ول يرون لعلي إمامة إل حين بويع ،وهي فرقة من الزيدية( .انظر :مقالت السلميين ،1/144 :الملل
والنحل ،1/161 :الخطط ].)2/352 :عليهم السلح فيقولون له :ارجع من حيث جئت فل حاجة لنا
[الرشاد :ص ،412-411بحار النوار: في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم"
..].)52/338بـل إنـه يقتـل مـن ل ذنـب له .تقول رواياتهـم" :إذا خرج القائم قتـل ذراري قتلة
الحسـين بفعـل آبائهـا" [علل الشرائع :ص ،229عيون أخبار الرضـا ،1/273 :بحار النوار.].52/313 :
وهكذا فإن قائمهـم "ليـس شأنـه إل القتـل ل يسـتبقي أحدًا" [بحار النوار" ].52/231 :ول يسـتتيب
[بحار النوار ،52/349 :وفـي لفـظ" :ول يسـتنيب أحدًا" أي يتولى ذلك بنفسـه (انظـر :نفـس الموضـع مـن أحدًا"
المصدر السابق).].
وت صور ب عض روايات هم مبلغ ما ي صل إل يه من سفك دماء الناس ( من غ ير طائف ته) ح تى
تقول" :لو يعلم الناس مـا يصـنع القائم إذا خرج لحـب أكثرهـم أل يروه ممـا يقتـل مـن الناس..
[الغي بة للنعما ني: حتى يقول كثير من الناس :ليس هذا من آل محمد ،لو كان من آل محمد لرحم"
ص ،154بحار النوار.].52/354 :
وهذا قول يد ين القائم بالخروج عن سنن الرح مة والعدل ال تي عرف ب ها أ هل الب يت .بل إ نه
خرج عن سنة المصطفى صلى ال عليه وسلم ،وهذا ما يصرحون به؛ فقد سئل الباقر – على
حد زعمهم – أيسير القائم بسيرة محمد؟ فقال" :هيهات! إن رسول ال صلى ال عليه وسلم سار
في أم ته بالل ين وكان يتألف الناس ،والقائم أ مر أن ي سير بالق تل وأل ي ستتيب أحدًا ،فو يل ل من
ناوأه" [الغيبة للنعماني :ص ،153بحار النوار.].52/353 :
560
فالشيعـة تزعـم أنـه أمـر بسـيرة تخالف سـيرة رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وقـد أجمـع
المسلمون أن كل ما خالف سيرته صلى ال عليه وسلم؟ فهو ليس من السلم ،فهل بعث برسالة
غير رسالة السلم؟!
ولكن هذه الروايات تصور ما في قلوب واضعيها من حقد على الناس ولسيما أمة السلم
ال تي تخالف هم في نهج هم ،وأن هم يتمنون يومًا قريبًا آتيًا يحققون ف يه هذه "الحلم" ال تي تك شف
حقيقتها هذه الروايات ويترجمها واقع الشيعة في العهد الصفوي وفي دولة اليات القائمة ،وفي
منظماتهم في لبنان – كما سيأتي – [في باب أثر الشيعة في العالم السلمي.].
ومعلوم أن أم ير المؤمن ين عليًا الذي يزعمون التش يع له لم يك فر مخالف يه ،ولم يقا تل إل من
ب غى عل يه ،فقائم هم الذي يف عل هذه الفاع يل و من تب عه في نه جه ،ل يس من شي عة علي ،و قد
اعترفوا في رواياتهم أن قائمهم ل يأخذ بسيرة علي ،فقد سئل الصادق – كما يزعمون – "أيسير
القائم بخلف سيرة علي؟ فقال :نعم ،وذاك أن عليًا سار بالمن والكف لعلمه أن شيعته سيظهر
عليهم من بعده ،أما القائم فيسير بالسيف والسبي ،لنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده
أبدًا" [الغيبة للنعماني :ص ،153بحار النوار.].52/353 :
وقال صـادقهم يخاطـب بعـض الشيعـة" :كيـف أنـت إذا رأيـت أصـحاب القائم قـد ضربوا
فساطيطهم في مسجد الكوفة ،ثم أخرج المثال الجديد ،على العرب شديد.
قال (الراوي) :قلت :جعلت فداك ما هو؟ قال :الذّ بح ،قال :قلت بأي ش يء ي سير في هم؛ ب ما
سار علي بن أ بي طالب في أ هل ال سواد؟ قال :ل ،إن عليًا سار ب ما في الج فر الب يض ،و هو
الكف ،وهو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده ،وأن القائم يسير بما في الجفر الحمر وهو
[بحار النوار ،52/318 :وهذه الروا ية في ب صائر الدرجات الذ بح ،و هو يعلم أ نه ل يظ هر على شيع ته"
كما أشار إلى ذلك المجلسي (نفس الموضع من المصدر السابق).].
[بحار النوار: وهكذا "يقوم المزعوم بأمـر جديـد ،وكتاب جديـد ،وسـنة جديدة ،وقضاء جديـد"
.].52/231
561
وهذا كاف في إيضاح أن ما تحلم به الشيعة ليس له أصل في كتاب ال وسنة نبيه ،بل هي
بدعة جديدة يخرج بها قائمهم.
وبينمـا الناس فـي عصـر القائم يعيشون بيـن الدماء والشلء ،وفـي خوف ورعـب مـن قائم
الشيعة الذي كان بعثه نقمة عليهم ،كما أن بعث محمد صلى ال عليه وسلم رحمة
[روى الكليني في
الكا في" :إن ال ب عث محمدًا صلى ال عل يه و سلم رح مة ويب عث القائم نق مة"( .بحار النوار ،52/376 :ح يث عزاه
إلى الكافـي ،كتاب الروضـة :ص ،].)233فإن عسـكر القائم وأصـحابه يعيشون فـي حياة أخرى حافلة
بألوان النعيم وأنواع المسرات ،فهو يأمرهم في ميسرهم أل يحملوا "طعامًا ول شرابًا ول علفًا،
[وهذا يدل على شكهم في أمر القائم فيقول أصحابه :إنه يريد أن يقتلنا يقتل دوابنا من الجوع والعطش
فكيـف يكونون مـن أصـحابه؟! ].في سير وي سيرون م عه؛ فأول منزل ينزله يضرب الح جر فين بع م نه
[الغيبـة طعام وشراب وعلف فيأكلون ويشربون ودوابهـم حتـى ينزلوا النجـف مـن ظهـر الكوفـة"
للنعما ني :ص ،].158وهكذا "ل ينزل منزلً إل انبعث م نه عيون ،ف من كان جائعًا ش بع و من كان
ظمآن روي" [الغي بة للنعما ني :ص ،].158وإ نه إذا قام اجتم عت إل يه أموال الدن يا من ب طن الرض
وظهر ها ،فيع طي أ صحابه ما لم يع طه أ حد كان قبله ،ويتضا عف الرزق على يد يه فيرزق في
الشهر رزقين ويعطي في السنة عطاءين [الغيبة للنعماني :ص ،].158حتى إن أحدًا من الشيعة ل
يجد لديناره ودرهمه موضعًا يصرفه فيه [الغيبة للنعماني :ص .].76
وهذه روايات تصور التطلعات والماني التي كانت تفيض بها قلوب الشيعة انتظارًا لهذا الغد
المأمول ،ويصور النزعة المادية التي يشتركون فيها مع اليهود! وهو حلم النظام الشيوعي في
العالم حسب رأي ماركس.
أما عن جند القائم وأصحابه الذين يشاركونه في مجازره ،ويرفلون في نعيمه ويتبوءون جنته
فهذا ما سيتبين في الفقرة التالية.
تشير بعض رواياتهم إلى أن جند القائم من الموالي والعجم ويبلغ عددهم اثني عشر ألفًا ،وأنه
يمنحهم القائم سلحًا من عنده عبارة عن سيف وبيضة ذات وجهين ،ثم يقول لهم" :من لم يكن
عل يه م ثل ما علي كم فاقتلوه" [بحار النوار .].52/377 :وتذ كر روا ية للنعما ني أن "أ صحاب القائم
ثلثمائة وثلثة عشر رجلً أولد العجم" [الغيبة للنعماني :ص .].214
562
بينما تقول رواية في البحارك "إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين
رجلً ،خم سة وعشر ين من قوم مو سى الذين يقضون بال حق وبه يعدلون ،و سبعة من أ صحاب
ال كف ،ويو شع و صي مو سى ،ومؤ من آل فرعون ،و سلمان الفار سي ،وأ با دجا نة الن صاري
[هكذا ورد النص في بحار النوار ،52/346 :ولم تتعقبه لجنة التصحيح بشيء ،مع أنه ذكر أن ومالك الشتر"
مجموع العدد ( )27ولمـا فصـّل زاد العدد إلى ( ،)37وفـي تفسـير العياشـي ،1/32 :قال" :وخمسـة عشـر مـن قوم
موسى" فيتوافق بهذا مع المجموع الكلي ( ،)27أما في تفسير البرهان 2/41فقد زاد واوًا لتلتئم العبارة فقال" :سبعة
وعشرين رج ًل وخمسة وعشرين من قوم موسى ..إلخ" وواضح أن الواو مقحمة.].
وواضح في هذا النص تغلغل العنصر اليهودي في المجموعة التي وضعت دين التشيع.
ك ما يظ هر أن التش يع استوعب مجموعة من العنصر المختل فة ،كل يصنع ما يشاء له هواه،
ومـا تملي عليـه عنصـريته ..فالعجـم يضعون روايات فـي صـالحهم ،واليهود كذلك ..وهكذا،
وموسوعات الثني عشرية استوعبت الجميع بل تمييز.
وجاء في ب عض أخبار هم البيان التف صيلي ل سماء جنده واحدًا واحدًا ومو طن كل جندي أو
قبيلته أو حرف ته في روا ية طويلة .من ها قوله" :و من أ هل الشام رجل ين يقال له ما إبراه يم بن
[هكذا وردت في الصل ،فيما يبدو أنه اهتمام من المحقق المعاصر في الصباح ،ويوسف بن جريا" (صريا)
الثبيت من السم بإثباته في الصل حسب ما جاء في اختلف النسختين.].
فيوسف عطار من أهل دمشق ،وإبراهيم قصاب من قرية صويقان "ومضى في ذكرهم على
[انظر :البحراني /الحجة :ص ،46وأحال هذا النسق حتى ذكر ( )313رجلً ليبلغ بهم عدة أهل بدر"
المحقق أيضًا على دلئل المامة ص .].314
ول تملك نفسك وأنت تقرأ تلك السماء من ابتسامة تغالبك ،وأنت تلمح بوضوح التكلف في
الكذب ،والمحاولت الغبية لستره ،ول ينقضي العجب من تلك الجرأة على الكذب ،وخفة العقل،
والغرب كيف ل ي ستحي شي عة هذا العصر من إخراج هذا "العار" للناس ،وطب عه وتحقيقه ؟!،
أو أن ال سبحانه أراد أن يكشف أمرهم ويفضح زيفهم.
في ظل الغيبة التي دانت بها الشيعة ،وعاشت في حكمها منذ أكثر من ألف ومائة سنة أوقف
شيوخ الشيعة – بحكم نيابتهم عن المنتظر – العمل بجملة من أحكام الدين ،كما استحدثوا عقائد
563
وأحكامًا لم يأذن بها ال سبحانه .لقد أوقف الشيعة بسبب الغيبة للمنتظر إقامة صلة الجمعة ،كما
[مفتاح الكرا مة /كتاب ال صلة: منعوا إقامة إمام للمسلمين وقالوا" :الجمعة والحكومة لمام المسلمين"
].2/69والمام هو هذا المنتظر.
[يقول كاظـم الكفائي – وهـو مـن شيوخهـم ولهذا فإن معظـم الشيعـة إلى اليوم ل يصـلون الجمعـة
المعا صرين " :-في العراق الن :الشي عة ل ي صلون الجم عة إل الش يخ الخال صي في الم سجد ال صفوي في ال صحن
الكاظمي (كتب هذا القول بخطه للدكتور علي السالوس ،ونشره الخير في كتابه فقه الشيعة ص ،)264وفي الكويت
ل يقيم الجمعة إل الشيخ إبراهيم جمال الدين مرجع الخباريين هناك" (انظر :السالوس فقه الشيعة ص .)203
وحين ما سأل ب عض أفراد الشي عة كبير شيوخ هم و هو مح سن الحك يم عن دليل هم في شرط ية وجوب المام ل صلة
الجمعة ،كان جوابه بأن ل يسأل هذا السؤال ،كما أن بعض شيوخهم يقول بوجوب صلة الجمعة ول يقيمها (انظر:
مح مد ع بد الر ضا ال سدي /نص الكتاب ومتوا تر الخبار عن وجوب الجم عة في جم يع الع صار :ص ،24/27
[البهباني في ،].)28حتى قال بعض المتأخرين" :إن الشيعة من زمان الئمة كانوا تاركين للجمعة"
تعليقه على المدارك ،كما نقل ذلك عنه شيخهم الخالصي في كتابه الجمعة :ص .].131
كما أن الشيعة ل ترى بيعة شرعية إل للقائم المنتظر ،ولذلك فإنهم يجددون البيعة له كل يوم،
ففي دعاء لهم يسمونه "دعاء العهد" وفيه" :اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا ،وما عشت
[عباس القمـي /مفتاح من أيا مي عهدًا أو عقدًا أو بي عة له في عن قي ل أحول عن ها ول أزول أبدًا"
الجنان :ص .].538
وفي دعاء يومي آخر للغائب المنتظر يتضمن القرار له بالبيعة فيقول" :اللهم هذه بيعة له في
عنقي إلى يوم القيامة" [عباس القمي /مفتاح الجنان :ص .].538
[بحار النوار،102/111 : قال المجلسي .." :ويصفق بيده اليمنى على اليسرى كتصفيق البيعة"
وانظر :مفتاح الجنان :ص .].539-538
كذلك م نع الشي عة الجهاد مع ولي أ مر الم سلمين ،ل نه ل جهاد إل مع المام ،ف قد جاء في
الكا في وغيره عن أ بي ع بد ال قال" :القتال مع غ ير المام المفترض طاع ته حرام م ثل المي تة
والدم ولحم الخنزير" [فروع الكافي ،1/334 :تهذيب الحكام ،2/45 :وسائل الشيعة.].11/32 :
والمام المفترض الطاعة على المسلمين منذ سنة 260ه إلى اليوم هو منتظرهم الغائب في
السرداب .وما قبل سنة 260ه هم بقية الئمة الثني عشر ،فالجهاد مع أبي بكر وعمر وعثمان
وبقية خلفاء المسلمين إلى اليوم هو حرام كحرمة الميتة والدم.
564
وجنود ال سلم الذ ين يرابطون على الثغور ،ويجاهدون في سبيل ال ،ول يريدون علوًا في
الرض ول ف سادًا والذ ين فتحوا بلد الفرس وغير ها! ما هم في اعتقاد الشي عة إل قتلة ،الو يل
لهم ،يتعجلون مصيرهم .روى شيخهم الطوسي في التهذيب .." :عن عبد ال بن سنان قال :قلت
ل بي ع بد ال عل يه ال سلم :جعلت فداك ما تقول في هؤلء الذ ين يقتلون في هذه الثغور؟ قال:
فقال :الويل يتعجلون قتلة في الدنيا ،وقتلة في الخرة ،وال ما الشهيد إل شيعتنا ولو ماتوا على
فرشهم" [التهذيب ،2/42 :وسائل الشيعة.].11/21 :
فأنت ترى أن الشيعة ترى أن جهاد المسلمين على مرور التاريخ جهاد باطل ل أجر فيه ول
ثواب ،ح تى يصفون المجاهدين الم سلمين "بالقتلة" ويجردونهم من ال سماء ال تي شرف هم ال ب ها
"كالمجاهد" و"الشهيد".
فهـل يشـك عاقـل متجرد مـن الهوى والتعصـب أن واضـع هذا المبدأ عدو موتور ،وزنديـق
حا قد ..يتر بص بالمة الدوائر ويب غي في ها الف شل ،ول يريد ل ها أن تب قى مجاهدة في سبيل ال،
رافعـة رايـة ال ،ليحتفـظ بدينـه ودياره ،وقـد بلغ بـه التآمـر لشاعـة هذا المبدأ أن نسـبه لجعفـر
ال صادق وغيره من أ هل الب يت ح تى ي جد الرواج ب ين التباع الجهلة من جا نب ،وح تى ي سيء
لهل بيت رسول ال من جانب آخر.
كذلك صرح الشيعة أيضًا بمنع إقامة حدود ال سبحانه في دولة السلم بسبب غيبة إمامهم،
لن أ مر الحدود موكول – ك ما يقولون – إلى المام المن صوص عل يه ،ولم ي نص ال سبحانه –
بزعمهم – إل على اثني عشر إمامًا آخرهم قد غاب منذ منتصف القرن الثالث تقريبًا ولبد من
انتظار عود ته ،ح تى يق يم الحدود ،إل أ نه بح كم التفو يض الذي أجراه لشيوخ الشي عة ب عد قرا بة
سبعين سنة من غيب ته ي حق للش يخ الشي عي ف قط من دون سائر قضاة الم سلمين أن يتولى إقا مة
الحدود ،وإذا لم يوجد في قطر من أقطار السلم أحد من شيوخهم فل يجوز إقامة الحدود ،لنه
ل يتولها إل المنتظر أو نائبه من مراجع الشيعة وآياتهم.
روى شيخهم ابن بابويه وغيره .." :عن حفص بن غياث قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم:
[ابن بابويه /من ل يحضره من يقيم الحدود :السلطان أو القاضي؟ فقال :إقامة الحدود من إليه الحكم"
الفقيه ،4/51 :تهذيب الحكام ،10/155 :وسائل الشيعة – ].18/338 :كذا .-
565
وقال المف يد" :فأ ما إقا مة الحدود ف هو إلى سلطان ال سلم المن صوب من ق بل ال ،و هم أئ مة
الهدى من آل مح مد علي هم ال سلم ،و من ن صبوه لذلك من المراء والحكام ،و قد فوضوا الن ظر
فيه إلى فقهاء شيعتهم مع المكان" [المقنعة :ص ،130وسائل الشيعة.].18/338 :
وتحذر روايات الشي عة من الرجوع إلى محا كم الم سلمين وقضات هم ح تى تقول " :من تحا كم
إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى طاغوت ،وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا ،وإن كان حقه
ثابتًا ،لنه أخذه بحكم الطاغوت" [فروع الكافي ،7/412 :التهذيب ،6/218 :وسائل الشيعة.].18/4 :
هذه جملة من شرائع ال سلم حرمت ها الشي عة ب سبب غي بة مهدي هم ،وأوق فت الع مل ب ها ح تى
خروجه من غيبته.
ك ما أن هم شرعوا لنف سهم أحكامًا في فترة اختفاء هذا المنت ظر لم يأذن ب ها ال سبحانه ،و من
ذلك :مسألة التقية والتي هي في السلم رخصة عارضة عند الضرورة جعلوها فرضًا لزمًا
ودائمًا في فترة الغيبة ل يجوز الخروج عنها حتى يعود المنتظر الذي لن يعود أبدًا ،لنه لم يولد
كما يؤكد ذلك المؤرخون ،وأهل العلم بالنساب ،وفرق كثيرة من الشيعة نفسها ،ومن ترك التقية
قبل عودة المنتظر كان كمن ترك الصلة [انظر :فصل التقية.].
كذلك جعلوا الستشهاد في سبيل ال يحصل بمجرد اعتناق التشيع ،وانتظار عودة الغائب ،ل
في الجهاد في سبيل ال ،فالشيعي شهيد ولو مات على فراشه.
قال إمامهم" :إذا مات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدًا ،ومن أدرك قائمنا فقتل معه،
[بحار النوار ،52/123 :و هو مروي في أمالي الطو سي (ان ظر :الم صدر ال سابق: كان له أ جر شهيد ين"..
.].)123-52/122
وع قد شيخ هم البحرا ني في المعالم الزل فى بابًا بعنوان" :الباب 59في أن شي عة آل مح مد
شهداء وإن ماتوا على فرشهـم" [المعالم الزلفـى فـي بيان أحوال النشأة الولى والخرى :ص ].101وأورد
فيه جملة من أخبارهم.
ثم زادت مبالغاتهم – كالعادة – إلى أكثر من هذا القدر حتى روى ابن بابويه بسنده إلى علي
بن الحسين قال" :من ثبت على موالتنا في غيبة قائمنا أعطاه ال عز وجل أجر ألف شهيد من
شهداء بدر وأحد" [إكمال الدين :ص ،315بحار النوار.].52/125 :
566
ومن أحكامهم فرضية البيعة للغائب المنتظر ،حتى شرع عندهم تجديد البيعة مرات وكرات
عبر الدعية في الزيارات لمشاهد الئمة – كما مر ،-لن "من أصبح من هذه المة ل إمام له
من ال جل و عز ظاهرًا [هذه الكل مة تؤ كد أن إمام هم المخت في ل يس بإمام ،ل نه ل يس بظا هر ].عادلً أ صبح
ضالً تائهًا ،وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق" [أصول الكافي.].1/375 :
أمـا المبدأ الكـبر الذي اخترعوه فـي ظـل الغيبـة فهـو مبدأ نيابـة الفقيـه الشيعـي عـن الغائب
المنتظر.
واختلف شيوخ الشيعة في حدود النيا بة بين م قل ومستكثر ،حتى بلغت النيا بة ال حد القصى
لوظائف المام الغائب وهـو رئاسـة الدولة ،والسـتفتاء على تشكيـل الحكومـة فـي دولة "اليات"
الحاضرة ،وهم الذين ل يؤمنون إل بالمام المنصوص عليه ..ولخطورة عقيدة النيابة ،ولنها –
في اعتقادي – تم ثل الخروج المق نع للمهدي ،على يد مجمو عة كبيرة من شيوخ هم كل يز عم
أحقيته في النيابة سنخصها بالحديث التالي.
النيابة عن المنتظر:
أر سيت دعائم فكرة الغي بة لولد للح سن الع سكري – ك ما سلف – وكان ل بد من وجود وك يل
مفوض يتولى شئون التباع فــي أثناء فترة الحتجاب ،ويكون الواســطة والباب للغائب فــي
السرداب ،أو في جبال رضوى ،أو وديان مكة.
فكان أول زع يم تولى شئون الشي عة – ك ما كش فت ذلك أوراق الث ني عشر ية – هي امرأة..
[البخاري ،كتاب المغازي ،باب و ما أفلح قوم ولوا أمر هم امرأة ك ما قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم
كتاب النـبي صـلى ال عليـه وسـلم إلى كسـرى وقيصـر ،5/136 :وكتاب الفتـن ،8/97 :والترمذي ،كتاب الفتـن:
،)2262( 528-4/527والنسائي /باب النهي عن استعمال النساء في الحكم ،8/227 :وأحمد،].51 ،5/43 :
إذ بعد وفاة الحسن العسكري ،وإشاعة وجود الولد المختفي ،وبقاء الشيعة بدون إمام ظاهر ،بدأ
الشيعة يتساءلون إلى من يرجعون؟
[وهو كما تقول ففي سنة (262ه) أي بعد وفاة الحسن العسكري بسنتين ،،توجه بعض الشيعة
الرواية :أحمد بن إبراهيم ،وانظر :رجال الحلي :ص ].16إلى بيت الحسن العسكري وسأل – كما تقول
[يلحظ الرواية – خديجة بنت محمد بن علي الرضا عن ولد الحسن العسكري المزعوم ،فسمته له
أن هم يحرمون ت سميته ح تى قالوا :من سماه با سمه ف هو كا فر – ك ما سلف ،].-يقول راوي الخبر" :قلت ل ها:
567
فأيـن الولد؟ قالت :مسـتور ،فقلت :إلى مـن تفزع الشيعـة؟ قالت :إلى الجدة أم أبـي محمـد عليـه
السلم" [الغيبة للطوسي :ص .].138
ويبدو أن رجال الشيعة أرادوا أن تبقى النيابة عن الغائب في بيت الحسن العسكري ،فأشاعوا
ب ين أتباع هم في بدا ية ال مر أن أم الح سن الع سكري هي الوكيلة عن المنت ظر ،ف هي الرئي سة
العا مة للم سلمين (بالنيا بة) .ويظ هر أن هذا "التعي ين" كان الق صد م نه إيجاد ال جو المنا سب لن مو
هذه الفكرة ب ين التباع لن أم الح سن هي الو صية للح سن ب عد وفا ته ك ما تذ كر أخبار الشي عة،
فكان من ال طبيعي أن تتولى عن اب نه ،إل أن محار بة ب يت الح سن الع سكري لفكرة الولد – ك ما
سيأتي – قد و جه رجال الشي عة إلى اختيار ر جل من خارج أ هل الب يت ،ولهذا جاء في الغي بة
للطو سي "ولد الخلف المهدي صلوات ال عل يه سنة ست وخم سين ومائت ين ،ووكيله عثمان بن
سعيد ،فلما مات عثمان بن سعيد ،أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان ،وأوصى أبو جعفر
إلى أبي القاسم الحسين بن روح ،وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري"..
[الغيبة للطوسي :ص .].242-241
فهؤلء النواب الرب عة ،ويزاحم هم على م سألة النيا بة آخرون ،هم من خارج ب يت الح سن،
وتمثـل نيابتهـم صـلة شخصـية مباشرة بالمهدي المنتظـر .ولذلك تسـمى فترة نيابتهـم فـي عرف
الشيعة بالغيبة الصغرى.
وهؤلء النواب الربعة لهم ما للمام من حق الطاعة ،وثقة الرواية ،جاء في الغيبة للطوسي
أن الحسن العسكري قال" :هذا إمامكم من بعدي (وأشار إلى ابنه) وخليفتي عليكم ،أطيعوه ،ول
تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديان كم ،أل وإن كم ل ترونه من بعد يوم كم هذا ح تى ي تم له عمر
[الغيبة فاقبلوا من عثمان (الباب الول) ما يقوله ،وانتهوا إلى أمره فهو خليفة إمامكم والمر إليه
للطوسي :ص ،].217فما قاله لكم فعنّي يقوله ،ما أدى إليكم فعني يؤديه" [الغيبة للطوسي :ص .].15
وهكذا أ صبح للباب حق النيا بة عن المام وال مر إل يه ،لقوله صفة القدا سة والع صمة ،ل نه
ين طق عن المام ،ويؤدي ع نه ،ولذلك فإن من خالف هؤلء البواب حلت به اللع نة ،وا ستحق
[ان ظر: النار .ك ما جاء في التواقيع ال تي خرجت من المتنظر في حق من خالف هؤلء البواب
الغيبة للطوسي :ص .].244
568
إذن مسألة النيابة لهؤلء الربعة تخولهم التشريع ،لنهم ينطقون عن المعصوم ،وللمعصوم
حق تخصيص ،أو تقييد ،أو نسخ نصوص الشريعة – كما مر – ولذلك كان للتوقيعات الصادرة
منهم نفس المنزلة التي لكلم المام أو أقوى كما سلف [انظر :ص(.].)338
وكذلك تخولهـم إصـدار صـكوك الغفران أو الحرمان ،وأخـذ أموال الوقـف والزكاة والخمـس
با سم المام .ول كن هذه النيا بة انت هت إذ "ل ما حضرت ال سمري الوفاة سئل أن يو صي فقال :ل
أمر هو بالغه .فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد السمري" [الغيبة للطوسي :ص .].242-241
وقد يكون من أهداف موافقة القواعد الشيعية لغلق السمري للبابية وإشاعة ذلك بين التباع
هو المحافظة على فكرة غيبة المهدي من افتضاح حقيقتها وانكشاف أمرها؛ حيث كثر الراغبون
فيها من شيوخ الشيعة ول سيما في عهد سلفه أبي القاسم بن روح ،وعظم النزاع بينهم ووصل
المر إلى التلعن والتكفير والتبري ،كما يلحظ ذلك في التوقيعات التي خرجت على يد البواب
منسوبة للمنتظر [انظر :الغيبة للطوسي :ص ،244وما بعدها.].
وهنا حصل تطور آخر في مسألة النيابة ،وفي المذهب الشيعي عمومًا ،حيث جعلت النيابة
حقًا مطلقًا للشيوخ ،فقد أصدرت الدوائر الثنا عشرية "توقيعًا" منسوبًا للمنتظر الموهوم .وخرج
ب عد إعلن انتهاء الباب ية على يد ال سمري .يقول التوق يع" :أ ما الوقائع الحاد ثة فارجعوا في ها إلى
رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة ال"
[الكافي – مع شرحه مرآة العقول ،4/55 :-إكمال الدين:
ص ،451الغيبـة للطوسـي :ص ،177الحتجاج للطبرسـي :ص ،163وسـائل الشيعـة ،18/101 :محمـد مكـي
العاملي /الدرة الطاهرة :ص ].47فأعلن انقطاع الصـلة المباشرة بالمهدي وفوض أمـر النيابـة عـن
المنتظر إلى رواة حديثهم وواضعي أخبارهم.
ولقد حقق هذا العلن مجموعة من الهداف ،فقد أصبحت دعوى البابية غير مقصورة على
وا حد ،والذي قد تك شف حقي قة أمره ب سهولة ،وبمجرد مراق بة مجمو عة له ،ولذلك يل حظ كثرة
الشك والتكذيب في فترات الغيبة الولى.
كما أن ذلك خفف التنافس على البابية التي كان لها آثارها ،فبقيت مشاعة بين شيوخ الشيعة،
وأطلق على انقطاع البابيـة الخاصـة وتحولهـا إلى نيابـة عامـة «الغيبـة الكـبرى» فصـار للمام
[جاءت عند هم روايات غيبتان صغرى و كبرى ر غم أن ل هم روايات ل تتحدث إل عن غي بة واحدة
569
صنعت – فيما يبدو – في الفترة الولى من موت الحسن العسكري تحكي غيبة البن المزعوم للحسن العسكري ،يقول
بعضها" :إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فل تنكروها" (أصول الكافي.)1/340 :
فكأن هذه الروا ية تل قي فكرة الغي بة على التباع بدون تأك يد لتتح سس ردة الف عل وتح سب ل ها ح سابها ،و هي تذ كر
بأن له غيبة واحدة.
وتؤكد بعض رواياتهم بأنه بعد هذه الغيبة سيظهر .جاء في الكافي « عن أم هاني قالت :سألت أبا جعفر محمد بن
خنّسِ ،الْجَوَا ِر الْكُنّسِ} [التكوير :آية ]16،17 :قالت :فقال :إمام
علي عليهما السلم عن قول ال تعالى{ :فَل أُقْسِ ُم بِالْ ُ
يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر ،فما بعد غيبته إل الظهور"( .أصول الكافي.)1/341 :
فإعلن السمري البابية قد يراد منه إشعارهم بقرب الظهور ..ولكن مرت اليام والسنون ولم يظهر.].
ولكن وضعت روايات تناسب هذا الوضع وتتحدث عن غيبتين ،يقول بعضها" :قال أبو عبد
ال عليه السلم :للقائم غيبتان أحدهما قصيرة والخرى طويلة ،الولى ل يعلم بمكانه إل خاصة
شيعته ،والخرى ل يعلم إل خاصة مواليه في دينه" [الغيبة للنعماني :ص .].113
فأ نت ترى أن هذه الروا ية أثب تت له غيبت ين الولى يت صل به خا صة شيع ته ،وهذا قد يكون
إشارة إلى ال سفراء الذ ين تناوبوا على دعوى الباب ية ،والخرى يت صل به خا صة موال يه ،و قد
أشارت رواية في الكافي إلى أن عددهم ثلثون [انظر :أصول الكافي ،].1/340 :فلم تنف رواياتهم
الصلة المباشرة بالمنتظر في الحالتين ،رغم أن السمري حينما حل وظيفة البابية أصدر توقيعًا
[مضـى ذكره بنصـه ص( على ل سان المنت ظر يقول ف يه " :من اد عى المشاهدة للمنت ظر ف هو كاذب"
.].)340
وإن شيوخهـم يقولون بأنـه وقعـت فـي الغيبـة الكـبرى المحروميـة العظمـى مـن المام .يقول
شيخهم النعماني بعد ذكره لخبارهم في الغيبتين" :هذه الحاديث التي يذكر فيها أن للقائم غيبتين
أحاديث قد صحت عندنا ..فأما الغيبة الولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين المام عليه
ال سلم وب ين الخلق من صوبين ظاهر ين موجودي الشخاص والعيان يخرج على أيدي هم الشفاء
[تقدم في ف صل ال سنة ذ كر نماذج من هذه الجو بة ال صادرة عن المام من العلم وعويص الحكمة والجوبة
المزعوم ،و قد تبين ل نا ما في ها من ج هل و سطحية ،ولول ض يق المجال وخش ية الخروج عن المق صود لعرضنا ها
بأكمل ها ودر سناها درا سة نقد ية فاح صة ،وأر جو أن يي سر ال سبحانه درا سة م ستقلة لم سألة الغي بة يرا عى في ها هذا
الجانب ].عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلت والمشكلت وهي الغيبة القصيرة التي انقضت
أيامها وتصرمت مدتها.
والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط" [الغيبة للنعماني :ص .].115
570
ول كن شيوخ الشي عة يدعون في فترة الغي بة الثان ية النيا بة عن المام المنت ظر وي ستندون في
ذلك على التوق يع الذي أظهره ال سمري عن منتظر هم ،والذي يحيل هم إلى رواة حديث هم في كل
الحوادث الواقعة الجديدة.
فيلحظ أنه لم يحلهم على الكتاب والسنة ،وإنما أرجعهم إلى الشيوخ.
و قد تبوأ شيوخ الشي عة بذلك من صب الباب ية عن الغائب وا ستمدوا القدا سة ب ين التباع بف ضل
هذه النيابـة عـن المام الذي أضفوا عليـه تلك الصـفات الخارقـة ،والفضائل الكاملة ..ولذلك
يطلقون على شيوخهم الذين وصلوا إلى منصب "النيابة عن المام" اسم "المراجع وآيات ال" فهم
مظاهـر للمام المعصـوم ،ولذلك يقرر أحـد شيوخهـم المعاصـرين بأن الراد على النائب كالراد
على ال تعالى وهو على حد الشرك بال وذلك بمقتضى عقيدة النيابة.
يقول شيخهم المظفر" :عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط ،أنه نائب للمام عليه السلم في
حال غيبته ،و هو الحاكم والرئيس الملطق ،له ما للمام في الفصل في القضا يا والحكومة بين
ـد
ـو على حـ
ـه راد على المام ،والراد على المام راد على ال تعالى ،وهـ
الناس ،والراد عليـ
الشرك بال كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت – عليهم السلم .-فليس المجتهد الجامع
للشرائط مرجعًا في الفتيا فقط ،بل له الولية العامة ،فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضايا،
وذلك مـن مختصـاته ل يجوز لحـد أن يتولهـا دونـه إل بإذنـه ،كمـا ل تجوز إقامـة الحدود
والتعزيرات إل بأمره وحكمه .ويرجع إليه في الموال التي هي من حقوق المام ومختصاته.
وهذه المنزلة أو الرئاسة أعطاها المام عليه السلم للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائبًا عنه
في حال الغيبة ولذلك يسمى (نائب المام)" [عقائد المامية :ص .].57
فأنـت ترى أن شيوخ الشيعـة تخلوا عـن آل البيـت رأسـًا ،وتعلقوا بهذا المعدوم ،ووضعوا
أنفسـهم مكان المام مـن أهـل البيـت باسـم هذا المعدوم ،وهذه غنيمـة كـبيرة ،لذلك مـا إن اتفقوا
علي ها ب عد إخفاق فكرة الباب ية المباشرة ،ح تى اخت فت الخلفات على من صب الباب ية ،ورج عت
فرق شيعية كثيرة ،ودانت بهذه الفكرة ،لنها تجعل من كل واحد من تلك الرموز الشيعية "إمامًا"
"ومهديًا" "وحاكمًا مطلقًا مطاعًا" "وجابيًا للموال" ول يقاسمهم في ذلك أحد من أهل البيت ،ول
يفضحهم ويكشف أوراقهم رجل من أهل البيت.
ويبدو من التوق يع المن سوب للمنت ظر أ نه يج عل لشيوخ الشي عة حق النيا بة في الفتوى حول
المسائل الجديدة ،إذ هو يقول :فأما المسائل الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا – كما سلف –
571
ول يخلوهم النيابة العامة ،ولكن الشيوخ توسعوا في مفهوم النيابة حتى وصلت إلى قمة غلوها
في هذا العصر على يد الخميني [انظر :فصل "دولة اليات" من الباب الرابع.].
ك ما نل حظ شيئًا من هذا في تقر ير شيخ هم المظ فر لعقيدت هم في هذا الشأن ،وك ما تراه في
دولتهم الحاضرة.
وقد كان لهؤلء الشيوخ دعاوى عريضة حول الصلة بالمهدي بعد غيبته الكبرى – كما سلف
– [ص 340وما بعدها.].
إن فرق المسـلمين تخالف الثنـي عشريـة فـي خلق المهدي ووجوده فكيـف ببلوغـه ،فكيـف
برشده ،فكيف بإمامته ،فكيف بعصمته ،فكيف بمهديته؟! والشيعة ل يقدرون ببرهان واضح على
إثبات واحدة من هذه المور [أ بو المحا سن الوا سطي /المناظرة ب ين أ هل ال سنة والراف ضة ،الور قة (– ].)59
كما سلف أثناء استعراضنا لعقيدتهم وأدلتهم .-
فأ هل ال سنة يقررون بمقت ضى الن صوص الشرع ية ،والحقائق التاريخ ية ..والدلئل العقل ية أن
مسألة غيبة المهدي عند الثني عشرية ل تعدو أن تكون وهمًا من الوهام ،إذ "ليس له عين ول
أثر ،ول يعرف له حس ول خبر ،لم ينتفع به أحد ل في الدنيا ول في الدين ،بل حصل باعتقاد
وجوده من الشر والفساد ما ل يحصيه إل رب العباد" [منهاج السنة.].4/213 :
ثم إن هم يقولون :إن المهدي د خل ال سرداب ب عد موت أب يه ،وعمره سنتان أو ثلث أو خ مس
على اختلف رواياتهم ،وأصبح من ذلك الوقت هو المام على المسلمين رغم طفولته واختفائه،
مع أن الوا جب في ح كم ال الثا بت ب نص القرآن وال سنة والجماع أن يكون هذا اليت يم – على
فرض وجوده – ع ند من ي ستحق حضان ته من قراب ته ،وأن يكون ماله ع ند من يحف ظه ح تى
يؤ نس م نه الر شد ،فك يف يكون من ي ستحق الح جر عل يه في بد نه وماله إمامًا لجم يع الم سلمين
معصومًا ل يكون أحد مؤمنًا إل باليمان به؟! [منهاج السنة" .].2/164 :فكيف إذا كان معدومًا أو
مفقودًا مـع طول هذه الغيبـة؟! والمرأة إذا غاب وليهـا ،زوجهـا الحاكـم أو الولي الحاضـر لئل
تض يع م صلحة المرأة بغي بة الولي الموجود ،فك يف تض يع م صلحة ال مة مع هذا المام المفقود
على طول الدهور" [منهاج السنة ،1/30 :المنتقى :ص ،31رسالة رأس الحسين :ص .].6
572
وبغض النظر عن موقف أهل السنة من مهدي الثني عشرية وغيبته ..فإن المتأمل لنصوص
المهدية والغيبة في كتب الثني عشرية المعتمدة ،يلحظ ملحظة جديرة بالهتمام وهي أن هذه
الدعوى لم تلق قبولً لدى الشيعـة أنفسـهم إل فـي العصـور المتأخرة نسـبيًا ،وذلك حيـن جدت
الدعاية الشيعية في ترويج هذه العقدية ،وألغت فكرة البابية التي انكشف بواسطتها أمر الغيبة،
ولذلك فإن شيخهم النعماني وهو من معاصري الغيبة الصغرى يقرر أن جميع الشيعة في شك
من أمر الغيبة إل قليلً منهم.
ذلك أن أمارات الشك واضحة بيّنة لهم ،حيث إن الحسن العسكري – كما يعترفون – توفي
[انظر :ص( ولم ير له أثر ،ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم أخوه جعفر وأمه ما ظهر من ميراثه
.].)828
وقد ورد في الكافي – أصح كتب الحديث عندهم – وغيره عن أحمد بن عبد ال بن خاقان
[كان أميرًا على الضياع والخراج بقم في خلفة المعتمد على ال أحمد بن المتوكل( .انظر :أصول الكافي،1/503 :
إكمال الدين ص ].)39قال ...:لما مات الحسن العسكري سنة ستين ومائتين ضجت سر من رأى
ض جة واحدة مات ا بن الر ضا ،وبعث ال سلطان إلى داره من يفتش ها ويفتش حجر ها وخ تم على
جميع ما فيها ،وطلبوا أثر ولده ،وجاءوا بنساء يعرفن الحمل ،فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن
فذ كر بعض هن أن هناك جار ية ب ها ح مل ،فوض عت تلك الجار ية في حجرة وو كل ب ها ب عض
النسوة ،ثم أخذوا ب عد ذلك في تهيئ ته ...فلما فرغوا من ذلك بعث ال سلطان إلى أ بي عي سى بن
المتو كل لل صلة عل يه ،فل ما د نا أ بو عي سى م نه ك شف عن وج هه فعر ضه على ب ني ها شم من
العلوية والعباسية والقواد والكتاب ...ثم قال :هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا ،مات حتف
أنفه على فراشه ،حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته ..ثم صلى عليه ..وبعد دفنه
أخـذ السـلطان والناس فـي طلب ولده وكثـر التفتيـش فـي المنازل والدور ،وتوقفوا عـن قسـمة
ميرا ثه ،ولم يزل الذ ين وكلوا بح فظ الجار ية ال تي و هم علي ها الح مل ملزم ين ل ها ح تى تبين
[أصول الكافي،1/505 : بطلن الحمل ،فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر
إكمال الدين :ص .].42-41
فأنت تلحظ أن الثني عشرية ساقوا هذه الرواية للدللة عن بطلن قول من قال من الشيعة
بالوقف على الحسن العسكري في إنكار وفاته ،ولكن تبين من خللها بطلن دعوى الولد ،لن
أسرة الحسن ،ونقابة أهل البيت ،والسلطان حققوا علنيًا في حقيقة المر وذلك لبطال ما يزعمه
الشي عة في هذا المجال ،ولهذا قرر الق مي والنوبخ تي وغيره ما بأن الشي عة افترقوا – ب عد وفاة
573
[المقالت والفرق :ص -102 الحسـن العسـكري – إلى فرق عديدة أنكـر أكثرهـا وجود الولد أصـلً
،116فرق الشي عة :ص ].112-96ح تى قال بعض هم :إ نا قد طلب نا الولد ب كل و جه فلم نجده ،ولو
جاز لنا دعوى أن للحسن ولدًا خفيًا لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ،ولجاز
أن يقال في النبي صلى ال عليه وسلم أنه خلف ابنًا نبيًا رسولً ،لن مجيء الخبر بوفاة الحسن
بل عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى ال عليه وسلم لم يخلف ولدًا من صلبه ،فالولد قد بطل
ل محالة [المقالت والفرق :ص ،115-114فرق الشيعة :ص .].104-103
وهذا الواقع – في نظري – هو الذي حدًا بشيوخ الشيعة إلى وضع روايات تجعل من لوزام
منتظر هم اختفاء حمله ،وولد ته ،وال شك ف يه ..كمحاولة من شيوخ هم لتجاوز هذه المرحلة ال تي
كاد أن ينكشف فيها أمر التشيع.
وعلوة على إنكار جل الشي عة لذلك ،فإن ل هل الب يت موقفًا صريحًا حا سمًا في هذا ال مر.
وهو من البراهين الواضحة على بطلن هذه الدعوى ،حيث جاء في تاريخ الطبري في حوادث
سنة 302ه أن رجلً اد عى – في ز من الخلي فة المقتدر – أ نه مح مد بن الح سن بن علي بن
موسى بن جعفر ،فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد
بن عبد الصمد المعروف بان طومار.
فقال له ا بن طومار :لم يع قب الح سن .و قد ضج ب نو ها شم من دعوى هذا المد عي وقالوا:
ي جب أن يشهر هذا ب ين الناس ،ويعاقب أ شد عقوبة .فحمل على ج مل وشهر يوم التروية ويوم
[تاريخ الطبري ،27-13/26 :المطبعة الحسينية عرفة ،ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي
ط :الولى ،أو ج 11ص 50-49من طبعة دار المعارف ،تحقيق :أبو الفضل إبراهيم.].
وهذه الشهادة من بني هاشم ،وعلى رأسهم نقيب الطالبيين مهمة لنها من نقيب العلويين الذي
[محب الدين الخطيب في تعليقه كان عظيم العناية بتسجيل أسماء مواليد هذه السرة في سجل رسمي
على المنتقى :ص ،].173ولقدم فترتها الزمنية حيث إنها واقع في زمن الغيبة الصغرى التي كثر
فيها ادعاء هذا الولد وادعاء بابيته من العديد من الرموز الشيعية.
وعلوة على شهادة نقيب الطالبيين وبني هاشم ،فإن أقرب الناس إلى الحسن العسكري وهو
أخوه جعفر يؤكد أن أخاه مات ول نسل له ول عقب [انظر :الصواعق المحرقة :ص .].168
والشيعة يعترفون بذلك ،بل ينقلون أنه حبس جواري أخيه وحلئله حتى ثبت له براءتهن من
الحمل [انظر :الغيبة للطوسي :ص ،].75وأنه شنع على من ادعى ذلك وأبلغ دولة الخلفة السلمية
574
[سفينة البحار :ص ].162بتآمره ،ولكن الطوسي يقول :إن هذا النكار من جعفر "ليس بشبهة يعتمد
على مثل ها أ حد من المح صلين لتفاق ال كل على أن جعفرًا لم ي كن له ع صمة كع صمة ال نبياء
فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل ،والغلط غير ممتنع منه" [الغيبة :ص .].75
فالطوسي ل يقبل النكار من جعفر ،لنه غير معصوم ،ولكن الطوسي ومعه طائفة الثني
عشرية يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد ودعوى بابيته وهو غير معصوم ،أليس
هذا تناقضًا؟!.
كيف يكذب جعفر وهو أخو الحسن العسكري ومن سللة أهل البيت ،وعميد السرة بعد وفاة
الحسن ،ويصدق رجل أجنبي عن أهل البيت ،وهو متهم في دعواه ،لنه يجر المصلحة لنفسه
من المال والجاه باسم البابية ،ومن هذا شأنه أل يشك في قوله وترد شهادته؟!
ولموقف جعفر المتميز ضد محاولت الرموز الشيعية اختراع ولد لخيه ،ضاق الشيعة ذرعًا
بأمره ،حتـى لقبوه "بجعفـر الكذاب"
[انظـر :ابـن بابويـه /إكمال الديـن :ص ،312سـفينة البحار،1/162 :
أصول الكافي( 1/504 :هامش ،)2مقتبس الثر ،14/314 :قالوا :إنه يلقب جعفر بن محمد بالصادق في مقابل
جع فر هذا الذي يلقبو نه بالكاذب أو الكذاب (مقت بس ال ثر )14/314 :ف قد يكون شيوع إطلق ل قب «ال صادق» على
جعفر ،وتمييزه بذلك بين آبائه وأقرانه مصدره الشيعة ،نكاية بحفيدة جعفر ].ووضعوا روايات نسبوها لوائل
أهل البيت تتنبأ بالغيب فتتحدث بما سيقع من جعفر ،وتندد به.
فنسبوا للسجاد أنه قال" :كأني بجعفر الكذاب قد حمل طاغية زمانه ،على تفتيش أمر ولي ال
المغ يب في ح فظ ال جهلً م نه بولد ته ،وحر صًا على قتله إن ظ فر به طمعًا في ميراث أب يه
حتى يأخذه بغير حقه" [إكمال الدين :ص ،312سفينة البحار.].1/162 :
نلحظ في هذه الرواية أنهم اتهموا جعفرًا بأنه أنكر ولدته طمعًا في الميراث ،على حد المثل
القائل :رمتني بدائها وانسلت ،ذلك أن صانعي هذه الروايات هم الذين ادعوا الولد وقالوا ببابيته
حر صًا على الموال – ك ما سلف – كذلك فإن الروا ية تتنا قض حين ما تقول بأن جعفرًا يج هل
ولدته ،ثم تقول بأنه يحرص على قتله ،فإذا كان يجهل أنه ولد له ولد فكيف يحرص على قتل
مجهول وجوده؟! ثـم انظـر كيـف يدافعون عـن عثمان بـن سـعيد ،ويتهمون جعفرًا وهـم يدعون
التشيع للل.
وليس جعفر هو وحده من أسرة الرضا الذي ينكر هذه الدعوى .بل يظهر من روايات الشيعة
أن النكار كان من ب يت الولد المزعوم و من ب ني ع مه ،يدل على ذلك ما جاء في ك تب الشي عة
575
[الباب الثا ني " عن إ سحاق بن يعقوب [ل حظ ال سماء يهود ية ].قال :سألت مح مد بن عثمان العمري
لمهدي الث ني عشر ية ].أن يو صل لي كتابًا قد سألت ف يه م سائل أشكلت علي ،فورد التوق يع ب خط
[وما يدريهم أنه خط صاحب الزمان – على فرض وجوده – والخطوط تتشابه ،والرجل مولنا صاحب الزمان
الذي خر جت على يده "الرق عة" غ ير مع صوم ،ومشكوك في أمره ل نه ي جر الم صلحة لنف سه ،ونا قل هذا التوق يع عن
محمد بن عثمان أحد السماء اليهودية ].صلى ال عليه :أما ما سألت عنه أرشدك ال من أمر المنكرين
لي من أهل بيت نا وبني عم نا .فاعلم أ نه ليس بين ال عز و جل وبين أ حد قرابة ،ومن أنكرني
[إكمالفل يس م ني و سبيله سبيل ا بن نوح ،وأ ما سبيل ع مي جع فر وولده ف سبيل أخوة يو سف"..
ـفينة
ـف 1386ه ،وص 470-469ط :بيروت 1401ه ،سـ ـن :ص ،451الحتجاج 2/283 :ط :النجـ الديـ
البحار ،1/163 :مقتبس الثر.].14/316 :
فيدل هذا على أن إنكار وجود الولد صـدر مـن أهـل بيتـه وعمومتـه ،والدعوى جاءت مـن
الخارج ..فأيه ما أقرب للت صديق؛ أيكذب أشراف أ هل الب يت ،وي صدق سمان ل يعرف له شأن
في دين ول علم ول نسب ول مقام ول أصل؟!.
وقد يقال بأن أهل بيته وعمومته يتسترون عليه صيانة له ،لكن التوقيع الصادر عن المنتظر
المزعوم يدل على أن النكار حقيقي لنه يحكم عليهم بأنهم كابن نوح في الكفر ،إذ ليس بين ال
وبين أحد قرابة ،مع أن مذهبهم قائم على أن قرابة أئمتهم من الرسول صلى ال عليه وسلم هي
التي خولتهم تلك المكانة..
[انظر :مراجع هذه المسألة كذلك حملتهم على جعفر ووصفه "بالكذاب" ورميه بكل عيب ونقيصة
في ص( )903هامش رقم ( ].)1يدل على أن النكار من أسرة الحسن حقيقي ،ولذلك صنع أصحاب
هذه الدعوة تلك الروايات التـي تهاجـم جعفرًا ،وأهـل بيـت المنتظـر وبنـي عمـه وتندد بإنكارهـم
وتف يض بالح قد علي هم .و قد كان لموقف هم أثره في ذلك الو قت ،ح يث شك جم يع الشي عة في هذه
الدعوى إل القليل ،كما شهد بذلك شيخهم النعماني وغيره.
وعلوة على ذلك كله فإن الح سن الع سكري نف سه المن سوب له هذا الولد قد ن فى ذلك وأنكره
حيث أسند وصيته في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته ،وأوكل لها النظر في أوقافه وصدقاته
[أ صول الكا في: وأش هد على ذلك وجوه الدولة وشهود القضاء ،ك ما يروي ذلك الكلي ني في الكا في
[ان ظر :الغي بة للطو سي :ص ،].1/505وا بن بابو يه في إكمال الد ين [إكمال الد ين :ص ].42وغيره ما
،].75ولو كان له ولد هو إمام الم سلمين ،يح مل تلك الو صاف الكاملة والخار قة ل ما و سعه إل
576
توكيله ،فمن هو وكيل ورئيس على المة ،ومن هو أمان للكون والناس ل يعجزه مع غيبته أن
يقوم بأعباء النظر على أوقاف أبيه وصدقاته ..فلمّا لم يفعل دل على أنه ل ولد له أصلً.
وليس ينال من هذه الشهادة العملية للحسن العسكري قول الطوسي :إن الحسن فعل ذلك قصدًا
إلى إخفاء ولدة ابنـه وسـترًا له عـن سـلطان الوقـت [الغيبـة :ص ،].75لن هذا القول دعوى بل
برهان.
فهذه شهادة أهل السنة ،وأكثر فرق الشيعة ،ونقابة آل أبي طالب ،وأسرة آل أبي طالب وأخيه
جعفـر ،والحسـن العسـكري ،وكـل هذه الشهادات والبينات تنفـي دعوى الولد ،وهـي ترد دعوى
الجانب البعداء في نواياهم مم ادعى البابية والمشاهدة .فكيف إذا أضيف إلى ذلك استبعاد بقائه
– على فرض وجوده – مئات السنين ولو مدّ ال في عمر أحد من خلقه لحاجة الناس إليه لمد
في عمر رسول ال صلى ال عليه وسلم كما قال أبو الحسن الرضا ،وهو مع طول هذه المدة ل
يعرف أحد مكانه ،ول يعلم مستقره ومقامه ،ول يأتي بخبره من يوثق بقوله.
وكل من اتفق له الستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الغراض يكون
مدة استتاره قريبة ،ول يخفى على الكل.
وكيف يغيب المسؤول الول عن المة هذه الغيبة الطويلة؟ أليس هذا كله دليلً واضحًا جليًا
على أن حكاية الغيبة أسطورة من الساطير التي صنعها المرتزقة والزنادقة والحاقدون؟!.
ويبدو أن هذه المقالة كان الدافـع وراءهـا ماديًا وسـياسيًا ،فالرغبـة فـي السـتئثار بالموال،
ومحاولة الطا حة بدولة الخل فة كا نا هدف ين أ ساسيين في اختراع هذه الفكرة ،والدل يل على ذلك
أن لغـة المال تسـود توجيهات الفرق الشيعيـة ،وهـي مصـدر نزاعهـم واختلفهـم ،كمـا حفظـت
نصوص ذلك كتب الثني عشرية – كما مر .-
كذلك فإن قضية "المامة والخلفة" هي حديث هذه الخليا الشيعية وهم في فلكها يسيرون..
وابتداع فكرة المام الخفي يخلصهم من أهل البيت ،ويجعل الزعامة في أيديهم.
ولم يتكلفوا شيئًا من عناء التفك ير والب حث والتأ مل للو صول إلى هذه الغا ية ،إذ إن هم وجدوا
هذه الفكرة في الديا نة المجو سية ،ذلك أن "المجوس" تد عي أن ل هم منتظرًا حيًا باقيًا مهديًا– ..
كما مر .-
577
الفصل الخامس
الرجعة
[مضى تخريجه الرجعة من أصول المذهب الشيعي ،فمن رواياتهم "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا"
فـي كتـب الشيعـة ص .].)46( :وقال ا بن بابو يه في العتقادات" :واعتقاد نا في الرج عة أن ها حق"
[أوائل [العتقادات :ص .].90وقال المفيد" :واتفقت المامية على وجوب رجعة كثير من الموات"
المقالت :ص .].51
وقال الطبرسـي والحـر العاملي وغيرهمـا مـن شيوخ الشيعـة :بأنهـا موضوع "إجماع الشيعـة
المام ية
[الطبر سي /مج مع البيان ،5/252 :ال حر العاملي /اليقاظ من الهج عة :ص ،33الحويزي /نور الثقل ين:
،4/101المجلسـي /بحار النوار( 53/123 :وقـد ذكـر المجلسـي أنهـم أجمعوا على القول بهـا فـي جميـع
العصار) ،].وأنها من ضروريات مذهبهم" [اليقاظ من الهجعة :ص ،].60وأنهم "مأمورون بالقرار
بالرجعـة واعتقادهـا وتجديـد العتراف بهـا فـي الدعيـة والزيارات ويوم الجمعـة وكـل وقـت
كالقرار بالتوحيد والنبوة والمامة والقيامة" [اليقاظ من الهجعة :ص .].64
ومعنى الرجعة :الرجوع إلى الدنيا بعد الموت [القاموس ،3/28 :مجمع البحرين.].4/334 :
[النهايـة: ويشيـر ابـن الثيـر :أن هذا مذهـب قوم مـن العرب فـي الجاهليـة معروف عندهـم
.].3/202
وقد ذهبت فرق شيعية كثيرة إلى القول برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة ،ومنهم من يقر بموتهم
ثم رجعتهم ،ومنهم من ينكر موتهم ويقول بأنهم غابوا وسيرجعون – كما مر في مبحث الغيبة
– وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ ،إل أنه قال بأنه غاب وسيرجع ولم يصدق بموته.
وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة المام عند السبئية ،والكيسانية وغيرها ،ولكنها صارت
عند الثني عشرية عامة للمام وكثير من الناس .ويشير اللوسي إلى أن تحول مفهوم الرجعة
[روح المعانـي: عنـد الشيعـة مـن رجعـة المام فقـط إلى ذلك المعنـى العام كان فـي القرن الثالث
،20/27وانظر :أحمد أمين /ضحى السلم.].3/237 :
[وقد ذكرها كفرقة بهذا السم ابنوقد اشتهرت بعض الفرق الشيعية باسم "الرجعية" لقولهم بالرجعة
الجوزي في تلب يس إبل يس :ص ،22والقر طبي في "بيان الفرق" الور قة 3أ (مخطوط) ،و صاحب الر سالة الفرق ية
578
(مخطوط غ ير مر قم ال صفحات) ،وال سلخي في شرح ..الثنت ين وال سبعين فر قة/ المشهور بعالم مح مد أفندي :ص 2
الورقة 13ب (مخطوط) ].واهتمامهم بها.
أما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عن الثني عشرية فهو يشمل ثلثة أصناف:
الول :الئمة الثني عشر ،حيث يخرج المهدي من مخبئه ،ويرجع من غيبته ،وباقي الئمة
يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا.
الثاني :ولة المسلمين الذين اغتصبوا الخلفة – في نظرهم – من أصحابها الشرعيين (الئمة
الثنـي عشـر) فيبعـث خلفاء المسـلمين وفـي مقدمتهـم أبـو بكـر وعمـر وعثمان ..مـن قبورهـم
ويرجعون لهذه الدنيا – ك ما يحلم الشي عة – للقتصاص منهم بأخذ هم الخل فة من أهل ها فتجري
عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب.
الثالث :عا مة الناس ،وي خص من هم :من م حض اليمان محضًا ،و هم الشي عة عمومًا ،لن
[ان ظر :ص( اليمان خاص بالشي عة ،ك ما تت فق على ذلك روايات هم وأقوال شيوخ هم – ك ما سلف
[الم ستضعفون: – ].)573-572و من م حض الك فر محضًا ،و هم كل الناس ما عدا الم ستضعفين
مصطلح عند الشيعة يرد في مصادرهم على ألسنة شيوخهم القدامى والمعاصرين ،وهم كما يقول المجلسي :ضعفاء
العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم ،ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمن الفترة ،أو كان في موضع
لم يأت غل يه خبر الح جة ف هم المرجون ل مر ال ،إ ما يعذب هم وإ ما يتوب علي هم ،فير جى ل هم النجاة من النار (بحار
النوار ،8/363 :والعتقادات للمجلسي :ص .].)100
ولهذا قالوا في تعر يف الجر عة :إن ها "رج عة كث ير من الموات إلى الدن يا ق بل يوم القيا مة
[الحـر العاملي /اليقاظ مـن الهجعـة [المفيـد /أوائل المقالت :ص ].51وعودتهـم إلى الحياة بعـد الموت"
بالبرهان على الرجعة ].في صورهم التي كانوا عليها [أوائل المقالت :ص .].95
والراجعون إلى الدنيا هم" :النبي الخاتم ،وسائر النبياء ،والئمة المعصومون ،ومن محض
[جواد تارا/ في السلم ،ومن محض في الكفر ،دون الطبقة الجاهلية المعبر عنها بالمستضعفين"
دائرة المعارف العلوية.].1/253 :
أو بعبارة شيخهـم المفيـد" :مـن علت درجتـه فـي اليمان ،ومـن بلغ الغايـة فـي الفسـاد ،كلهـم
يرجعون بعـد موتهـم" [أوائل المقالت :ص .].95وكذا مـن كان له قصـاص وإن لم يكـن ماحض ًا
فيرجع ويقتص من قاتله [كريم بن إبراهيم /الفطرة السليمة :ص .].383
579
وز من الرج عة العا مة هو ك ما يذ كر شيخ هم المف يد وغيره "ع ند قيام مهدي آل مح مد علي هم
ال سلم" [ان ظر :أوائل المقالت :ص ،95ال حر العاملي /اليقاظ من الهج عة :ص ].58ورجو عه من غيب ته،
ولكـن بعـض شيوخهـم يقول :إن الرجعـة العامـة غيـر مرتبطـة بأمـر ظهور المهدي .ذلك أن
الرج عة – ك ما يقول – "غ ير الظهور ،لن المام عل يه ال سلم حي غائب و سيظهر إن شاء ال
[كريم بن إبراهيم /الفطرة ولم يسلب الملك فيرجع إليه ،فمبدأ الرجعة من رجوع الحسين إلى الدنيا"
السليمة :ص .].383
وهذا قد يتفق مع رواياتهم التي تقول "أول من تنشق الرض عنه ويرجع إلى الدنيا ،الحسين
بن علي عليه السلم" [بحار النوار.].53/39 :
وقـد ذكرت بعـض رواياتهـم أن الرجعـة تبدأ بعـد هدم الحجرة النبويـة وإخراج الجسـدين
الطاهر ين للخليفت ين الراشد ين – ك ما يحلم القوم – ح يث جاء في أخبار هم أن منتظر هم يقول:
"وأج يء إلى يثرب ،فأهدم الحجرة ،وأخرج من ب ها وه ما طريّان ،فآ مر به ما تجاه البق يع وآ مر
بخشبتين يصلبان عليهما فتورقان من تحتهما ،فيفتتن الناس بهما أشدّ من الولى ،فينادي منادي
الفتنة من السماء :يا سماء انبذي ،ويا أرض خذي فيومئذ ل يبقى على وجه الرض إل مؤمن
(أي إل شيعي) ثم يكون بعد ذلك الكرة والرجعة" [بحار النوار.].105-53/104 :
[ان ظر :اليقاظ من الهج عة :ص ].58 والغرض من الرجعة هو انتقام الئمة والشيعة من أعدائ هم
وهم سائر المسلمين من غير الشيعة ما عدا المستضعفين ،ولذلك فإن سيوف الشيعة تقطر دمًا
من كثرة القتل للمسلمين حتى قال أبو عبد ال" :كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز
[بحار النوار ،53/40 :وعزاه إلى الخت صاص للمف يد ،ولم يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة"
أجده في الطبعة التي بين يدي.].
ول شك بأن تحديد موضع القتل العام بالمسجد الحرام يدل دللة أكيدة أن المقصود بالقتل هم
المسـلمون ،وأن هذا مـا تحلم بـه الماميـة ..وهذا الخـبر وأمثاله يعطينـا – بغـض النظـر عـن
العنصر الخرافي فيه – صورة لتفكير تلك الزمر الشيعية التي وضعت تلك الروايات ،وأهدافها
ومخططاتها ،فهي "إسقاطات" لرغبات مكبوتة ،ونوازع مقهورة لفرقة تتربص بالمة الدوائر.
كما أن هذه الخبار السرية [لن الرجعة كانت سرًا من السرار كما سيأتي ].قد توضح لنا بعض ما
[انظر خبر ذلك في حوادث سنةجرى في التاريخ من قيام القرامطة بقتل حجاج بيت ال داخل الحرم
317ه ،في المنتظم لبن الجوزي 6/222 :وما بعدها ،والبداية والنهاية لبن كثير ،11/160 :وتاريخ ابن خلدون
580
(العبر) ،].3/191 :وأنها كانت تتخذ من مثل هذه الخبار المنسوبة لل البيت سندًا لها لدفع تلك
العناصر التخريبية للقيام بدورها الدموي.
كذلك يتحقـق فـي الرجعـة حسـاب الناس على يـد الحسـين :يقول أبـو عبـد ال" :إن الذي يلي
حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السلم ،فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى
الجنة وبعث إلى النار" [بحار النوار ،باب الرجعة.].53/43 :
وفـي الرجعـة يتحول صـفوة الخلق وهـم أنـبياء ال ورسـله إلى جنـد لعلي كمـا يقول هؤلء
الفاكون حيث قالوا" :لم يبعث ال نبيًا ول رسولً إل رد جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين" [بحار النوار.].53/41 :
ويخير الشيعي وهو في قبره بين الرجعة أو القامة في القبر .ويقال له « :يا هذا إنه قد ظهر
[الغيبة للطوسي :ص صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ،وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم »
،276بحار النوار.].53/92 :
وتنت هي الرج عة بالن سبة للشي عة بالق تل ل من مات من ق بل ،وبالموت ل من ق تل ،وهذه النها ية
إحدى أغراض الرجعة فهم يقولون في أخبارهم" :ليس أحد من المؤمنين قتل إل سيرجع حتى
يموت ،ول أحد من المؤمنين مات إل سيرجع حتى يقتل"
[تفسير القمي ،2/131 :البرهان،3/211 :
تفسير الصافي ،4/76 :بحار النوار ،53/40 :وانظر :ص 137 ،77 ،53 ،41 ،39من نفس الجزء ،وانظر:
رجال الكشي :ص .].408-407
هذا وكانت عقيدة الرجعة سرًا من أسرار المذهب الشيعي ،ولذلك قال أبو الحسين الخياط –
أحد شيوخ المعتزلة [كان حيًا ق بل سنة 300ه (ان ظر :مع جم المؤلف ين" :- ].)5/223 :بأنهم قد تواصلوا
بكتمان ها وأل يذكرو ها في مجال سهم ول في كتب هم إل في ما قد أ سروه من الك تب ولم يظهروه"
[النتصار :ص .].97
581
و قد وجدت في ك تب الث ني عشر ية ما أشار إليه الخياط من التواصي بكتمان أمر الرج عة،
[قال المجلسي :أي حيث روت بعض كتب الشيعة عن أبي جعفر قال" :ل تقولوا الجبت والطاغوت
ل تسموا الملعونين بهذين السمين ،أو ل تتعرضوا لهما بوجه( .بحار النوار ،)53/40 :وهو يشير بهذا إلى خليفتي
رسول ال وصهريه وحبيبيه أبي بكر وعمر رضي ال عنهما ،].ول تقولوا الرجعة ،فإن قالوا لكم فإنكم قد
كنتم تقولون ذلك فقولوا :أما اليوم فل نقول" [بحار النوار.].53/39 :
وفي رواية أخرى ينسبونها للصادق" :ل تقولوا الجبت والطاغوت وتقولوا الرجعة ،فإن قالوا:
قد كن تم تقولون؟ قولوا :الن ل نقول ،وهذا من باب التق ية ال تي تع بد ال ب ها عباده في ز من
الوصياء" [بحار النوار.].116-53/115 :
هذه تعميمات سـرية ،تتبادلهـا الخليـا الشيعيـة ،وحتـى تعطيهـا صـفة القطـع والقوة ،أسـندتها
لبعض علماء آل البيت ،للتعزيز بالحداث والعاجم وسائر التباع من الجهال.
اتجه شيوخ الشيعة إلى كتاب ال سبحانه ليأخذوا منه الدليل على ثبوت الرجعة التي ينفردون
بالقول بها عن سائر المسلمين ..ولما لم يجدوا بغيتهم تعلقوا كعادتهم بالتأويل الباطني ،وركبوا
م تن الش طط ،وتع سفوا أي ما تع سف في هذا ال سبيل ،ح تى أ صبح ا ستدللهم ح جة علي هم ،ودليلً
على زيف معتقدهم ،وبرهانًا على بطلن مذهبهم.
وحتى تتبين هذه الحقيقة نستعرض أقوى أدلتهم وأشهرها – حسب نظرهم .-
مع أن الية حجة عليهم ،فهي تدل على نفي الرجعة إلى الدنيا؛ إذ معناها كما صرح به ابن
عباس وأبـو جعفـر الباقـر وقتادة وغيـر واحـد :حرام على أهـل كـل قريـة أهلكوا بذنوبهـم أنهـم
يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة [انظر :تفسير ابن كثير ،].3/205 :وهذا كقوله سبحانه{ :أَلَ ْم َي َروْا
كَ مْ أَهْ َلكْنَا َقبْلَهُم مّ نْ الْ ُقرُو نِ َأ ّنهُ مْ إِ َل ْيهِ مْ َل َيرْجِعُو نَ} [ يس ،آ ية ،].31 :وقوله{ :فَل يَ سْتَطِيعُونَ
صيَةً وَل إِلَى أَ ْهِلهِ ْم َيرْجِعُو نَ} [يس ،آية ،].50 :وزيادة "ل" هنا لتأكيد معنى النفي من "حرام"،
َتوْ ِ
582
وهذا مـن أسـاليب التنزيـل البديعـة البالغـة النهايـة فـي الدقـة .وسـر الخبار بعدم الرجوع مـع
وضوحه ،هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم ويلوعهم من الهلك المؤبد ،وفوات أمنيتهم الكبرى
وهي حياتهم الدنيا [تفسير القاسمي.].11/293 :
[من المفسرين من يذهب وإذا كان المقصود إثبات الرجعة فهي رجعة للناس ليوم القيامة بل ريب
لهذا ويرى أن الية لتقرير اليمان بالبعث ،وهي تتمة وتقرير لما قبلها وهو قوله تعالى{ :كُ ّل ِإلَ ْينَا رَاجِعُونَ} [النبياء،
آية ]93 :فتكون "ل" فيها على بابها ،وهي مع "حرام" من قبيل نفي النفي ،فيدل على الثبات.
والمع نى :وحرام على القر ية المهل كة عدم رجوع ها إلى الخرة ،بل وا جب رجع ها للجزاء ،فيكون الغرض إبطال
[فتح قول من ينكر البعث( .انظر :تفسير القاسمي ،].)11/293 :أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء
القدير.].3/426 :
وتخصيص امتناع رجوعهم بالذكر مع شمول المتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله
ـي:
[روح المعانـ تعالىُ { :كلّ ِإَليْنَـا رَاجِعُونـَ}؛ لنهـم المنكرون للبعـث والرجوع دون غيرهـم
.].17/91
[روح المعا ني: و من أش هر اليات ال تي ي ستدل ب ها المام ية على الرج عة – ك ما يقول اللو سي
ب بِآيَاتِنَا} [الن مل ،آ ية.].83 :
حشُ ُر مِن ُكلّ ُأ ّمةٍ َفوْجًا مّمّ ن يُكَذّ ُ
– ].20/26قوله تعالىَ { :ويَوْ مَ نَ ْ
[انظر :تفسير والية كما يقول المفسرون في يوم الجزاء والحساب ،يوم يقوم الناس لرب العالمين
الطبري ،20/17 :تفسير البغوي ،3/430 :ابن الجوزي /زاد المسير ،6/194 :القرطبي /الجامع لحكام القرآن:
،13/238البحر المحيط لبي حيان ،7/98 :تفسير ابن كثير ،3/393 :الشوكاني /فتح القدير154-4/153 :
وغيرها ،].إل أن هؤلء يجعلونها في عقيدتهم في الرجعة ،ولذا قال شيخهم شبر بأنها فسرت في
أخبارهم في الرجعة [تفسير شبر :ص .].369
وقال الطبر سي" :ا ستدل بهذه ال ية على صحة الرج عة من ذ هب إلى ذلك من المام ية بأن
قال :إن دخول " من" في الكلم يو جب التبع يض فدل بذلك على أ نه يح شر قوم دون قوم ول يس
[الك هف ،آ ية: شرْنَا ُه مْ َفلَ ْم نُغَا ِد ْر مِ ْنهُ مْ أَحَدًا}
ح َ
ذلك صفة يوم القيا مة الذي يقول ف يه سبحانه{ :وَ َ
[ "].47تفسير الطبرسي.].252-5/251 :
[ان ظر :الب حر المح يط ل بي حيان ،7/98 :روح المعا ني أ ما كون " من (الولى) للتبع يض فهذا شائع"
لللوسي].20/26 :؛ لن كل أمة منقسمة إلى مصدق ومكذب ،أي ويوم يجمع من كل أمة من أمم
[روح المعاني ،20/26 :وانظر النبياء ،أو من أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة مكذبة بآياتنا
في مع نى ال ية الم صادر السابقة في ها مش رقم ( )5من الصفحة ال سابقة ].وهذا ل يدل على مسألة الرجعة
583
إلى الدن يا ب عد الموت بحال من الحوال ،ول كن الشي عة تتعلق ب كل آيات اليوم ال خر المتضم نة
لرجوع الناس لربهم لتجعلها في عقيدتهم في الرجعة كما هو دأبها.
وتخ صيص المكذب ين بهذا الح شر ل يدل على ما يزعمون؛ لن هذا ح شر للمكذب ين للتوب يخ
والعذاب ،بعد الحشر الكلي الشامل لكافة الخلق [ان ظر :ف تح القدي ،4/154 :روح المعا ني،].20/26 :
أ ما « من» الثان ية ف هي بيان ية ج يء ب ها لبيان "فوجًا" [روح المعانـي ،].20/26 :ولهذا فإن ب عض
مفسري الشيعة المعاصرين أدرك ضلل قومه في هذا التأويل فقال في تفسير الية« :من» هنا
بيانية وليست للتبعيض تمامًا كخاتم من حديد ،والمعنى :أن في المم مصدقين ومكذبين بآيات
ال وبيناته ،وهو يحشر للحساب والجزاء جميع المكذبين بل استثناء ،وخصهم بالحشر مع أنه
يعم الجميع؛ لنه تعالى قصد التهديد والوعيد [محمد جواد مغنية /التفسير المبين :ص .].441
584
على أية حال فهذا التأويل يدل على مدى إفلس أصحاب هذا العتقاد في العثور على ما يدل
على مبدئهم.
ويلحظ أن الثني عشرية قد عمدت إلى كل نص في اليوم الخر فجعلته في الرجعة ،وقد
مر بنا أن هذا قد أصبح قاعدة عامة عندهم [انظر :ص(.].)183
3ـ جعلت هذه الروايات الغرض من الرجعة أن عليًا لم يقض ما أمره ال به.
[آل عمران ،آ ية: و من اليات ال تي جعلو ها في الرج عة قوله تعالىُ { :ك ّل نَفْ سٍ ذَآئِقَةُ ا ْل َموْ تِ}
[تفسير ].185؛ حيث قال في تأويلها" :لم يذق الموت من قتل ،ولبد أن يرجع حتى يذوق الموت"
العياشي ،1/210 :بحار النوار.].53/71 :
فهذه الروايـة تجعـل الرجعـة لجميـع الناس حتـى يتحقـق لكـل أحـد منهـم موت وقتـل – كمـا
يعتقدون – بينما هم قالوا بأن الرجعة خاصة بمن محض اليمان ،ومحض الكفر – كما سلف –
ك ما أن هذا التأو يل يح مل جهلً بل غة العرب ال تي نزل ب ها القرآن؛ ح يث عدّ الق تل ونحوه ل يس
من قبيل الموت الذي تنص عليه الية وهذا مبلغ علمهم.
ويتعلق الشيعة بآيات كثيرة يؤولونها بمثل هذا التأويل الباطني ،وتسابق شيوخهم كعادتهم في
الكثار من هذه التأويلت ،وال تي أ سندوها للل ح تى تكت سب الرواج ع ند التباع ..ف قد بلغ –
[انظر: مثلً – عدد اليات التي أولوها بالرجعة حسب ما جمعه شيخهم الحر العاملي ( )72آية
الحـر العاملي /اليقاظ مـن الهجعـة بالبرهان على الرجعـة :ص ،].98-72وصـل فيهـا التأويـل الباطنـي
[وإل يك أمثلة من أدل ته – بالضا فة لما مضى – ل تحتاج إلى تعليق ،وتدل على مبلغ المتعسف الغاية القصوى
إفلسهم ،وأنهم يخبطون خبط عشواء .قال الحر العاملي" :الباب الثالث في جملة من اليات القرآنية الدالة على صحة
585
الرجعة" ومن اليات التي استدل بها قوله تعالىَ { :وَلقَ ْد آ َتيْنَا دَاوُو َد ِمنّا َفضْلً} [سبأ ،آية ]10 :انظر :المصدر السابق
ص ،92وقوله{ :أَ َولَ ْم يَ سِيرُوا فِي ا َلرْ ضِ} [الروم ،آ ية ]9 :ال سابق ص ،93وقولهَ { :و ُيرِيكُ مْ آيَاتِ هِ} [غا فر ،آ ية:
صيْنَا الِن سَانَ بِوَالِ َديْ هِ إِحْ سَانًا حَ َملَتْ ُه أُمّ هُ ُكرْهًا وَ َوضَ َعتْ ُه ُكرْهًا} [الحقاف ،آ ية:
]81ال سابق ص ،93وقوله{ :وَوَ ّ
،]15ال سابق ص ،94وقوله{ :وَفِي ال سّمَاء ِرزْقُ ُك مْ وَمَا تُوعَدُو نَ} [الذاريات ،آية ]22 :ال سابق ص ،95هذا مبلغ
استدللهم وغاية احتجاجهم ،فجمعوا بين بدعة الرجعة وتحريف آيات القرآن ،].مع أن العاملي لم يذكر كل ما
عند هم ،و قد اعتذر عن ذلك – في نها ية ا ستدلله باليات ال تي ذكر ها – بعدم حضور الك تب
عنده [انظر :اليقاظ من الهجعة :ص .].98
كما يستدل الشيعة ببعض ما أخبر ال به سبحانه من معجزات النبياء كإحياء الموتى لعيسى
عليه السلم ،أو بما أخبر ال به سبحانه في كتابه من إحياء الموتى كقوله سبحانهَ{ :ألَ ْم َترَ ِإلَى
[البقرة ،آ ية: حيَاهُ مْ}
خرَجُواْ مِن ِديَارِهِ مْ وَ ُه مْ ُألُو فٌ حَ َذرَ ا ْل َموْ تِ فَقَالَ َلهُ مُ اللّ هُ مُوتُو ْا ثُمّ َأ ْ
الّذِي نَ َ
[ ].243انظر :بحار النوار ،53/129 :اليقاظ من الهجعة :ص .].131
وكأنهم بهذا النهج يستدلون على قدرة ال سبحانه التي ليست هي موضع الخلف؛ ذلك أنه ل
أحد ينكر ما وقع مما ورد به الخبر الثابت القطعي المتواتر ،ولكن الذي ينكر هو دعوى الرجعة
إلى الدنيا بعد الموت للحساب والجزاء قبل يوم الحساب والجزاء ،هذا هو المنكر العظم الذي
ليس عليه دليل ،والذي أريد به إضعاف جانب اليوم الخر في النفوس ،وإل فمعجزات النبياء
وآيات ال في خلقه ليست محل خلف.
ويأ خذ الشذوذ في ال ستدلل على صحة الرج عة مداه ال كبر حين ما يقررون أن أو ضح دل يل
[اليقاظ من على صحتها ،وأظهر برهان على ثبوتها هو أنه ل قائل بها من غير الشيعة المامية
الهج عة :ص ].3؛ حيث "لم يقل بصحتها أحد من العامة (وهم ما سوى الشيعة المامية) وكل ما
كان كذلك ف هو حق" [اليقاظ من الهج عة :ص ].69؛ لن الئ مة قالوا في حق العا مة" :وال ما هم
على شيء مما أنتم عليه ،ول أنتم على شيء مما هم عليه فخالفوهم فما هم من الحنيفية على
شيء" [اليقاظ من الهجعة :ص !!!].70
[مجمـع البيان: ولهذا أشار الطبرسـي وغيره بأن المعول فـي ثبوتهـا إجماع الماميـة عليهـا
،5/252وانظر :نور الثقلين ،4/101 :بحار النوار.].53/127 :
أن الجماع غيـر حجـة عنـد الشيعـة – كمـا سـلف – فكيـف يجعلونـه عمدة ثبوت عقيدة
الرج عة ؟! ل كن لعل هم يعدّون عدم وجود مخالف من الشي عة في أ مر الجر عة دليلً على دخول
586
المع صوم مع المجمع ين فيكون الجماع ح جة بهذا العتبار ،لن ح جة الجماع عند هم إن ما هو
بكشفه عن قول المعصوم.
ل كن الشي عة الزيد ية ينقلون روايات عن أئ مة أ هل الب يت تبين براءتهـم من عقيدة الرج عة
وتعارض روايات الماميـة ،ولذلك فإن الزيديـة الحقـة ينكرون هذه الدعوى إنكارًا شديدًا ،وقـد
[اللوسي /روح المعاني ،20/27 :وانظر :أحمد صبحي /الزيدية :ص ردوها في كتبهم على وجه مستوفى
،].77فكيف يجزم المامية بنسبة الرجعة إلى الئمة والنقل عنهم مختلف بين فرق الشيعة نفسها
؟! بل إن من المامية من أنكر الرجعة وأول أخبارهم برجوع دولة الشيعة كما نقل ذلك شيوخ
الشيعـة [انظـر :مجمـع البيان ،5/252 :بحار النوار ،].53/127 :فأيـن بعـد هذا إجماع الشيعـة ،وأيـن
صدق النقل عن الئمة؟!
وإن ما نسبت خرا فة الرج عة في ذلك العصر إلى ابن سبأ ،كما تقر بذلك ك تب الشيعة ،وابن
سبأ أحد الكذابين الملعونين على ألسنة الئمة ،كما تروي كتب الثني عشرية وغيرها.
أما من بعد عصر الصابة فقد تحمل وزر روايتها جابر الجعفي وهو متهم في كتب الشيعة
فضلً عن كتب أهل السنة – كما سلف [انظر :ص(.- ].)378-375
فكرة الرج عة إلى الدن يا ب عد الموت مخال فة صريحة ل نص القرآن ،وباطلة بدللة آيات عديدة
ع َملُ صَاِلحًا فِيمَا َترَكْ تُ كَل ِإنّهَا
من كتاب ال سبحانه ،قال تعالى{ :قَالَ رَبّ ارْجِعُو نِ ،لَعَلّي أَ ْ
َكِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا َومِن َورَائِهِم َب ْرزَ خٌ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُو نَ} [المؤمنون ،آ ية .].100-99 :فقوله سبحانه:
{ َومِن َورَا ِئهِم َبرْ َزخٌ ِإلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ} صريح في نفي الرجعة مطلقًا [مختصر التحفة :ص .].201
وقال سبحانهَ{ :ألَ ْم َي َروْا َك مْ أَ ْهلَ ْكنَا َقبْ َلهُم مّ نْ الْ ُقرُو نِ َأ ّنهُ مْ ِإَل ْيهِ مْ َل َيرْجِعُو نَ} [يس ،آية.].31 :
جلٍ َقرِي بٍ
خرْنَا ِإلَى أَ َ
س َيوْ َم يَ ْأتِيهِ مُ ا ْلعَذَا بُ َفيَقُولُ الّذِي نَ ظَ َلمُواْ َربّنَا أَ ّ
وقال سبحانه{ :وَأَن ِذرِ النّا َ
س ْمتُم مّن َق ْب ُل مَا لَكُم مّن َزوَالٍ} [إبراهيم ،آية.].44 :
سلَ َأوَ َل ْم تَكُونُواْ أَ ْق َ
ع َوتَكَ وَ َن ّتبِعِ ال ّر ُ
نّجِبْ دَ ْ
َسـمِ ْعنَا
ْصـرْنَا و َ
ِمـ َربّن َا َأب َ
ُوسـهِمْ عِندَ َر ّبه ْ
ُونـ نَاكِسـُو ُرؤ ِ
جرِم َ
وقال تعالىَ { :و َلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُ ْ
ج ْعنَا نَ ْع َملْ صَاِلحًا ِإنّا مُو ِقنُونَ} [السجدة ،آية.].12 :
فَارْ ِ
587
ب بِآيَا تِ َربّنَا َونَكُو نَ
وقال تعالىَ { :و َلوْ تَ َرىَ ِإذْ وُقِفُواْ عَلَى النّارِ فَقَالُو ْا يَا َل ْيتَنَا ُنرَدّ وَ َل نُكَذّ َ
ُمـ
ْهـ وَِإ ّنه ْ
عن ُُونـ مِن َق ْبلُ وَ َلوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا ُنهُواْ َ
ِينـ َ ،بلْ بَدَا لَهُم مّاـ كَانُو ْا يُخْف َ
ِنـ ا ْل ُمؤْ ِمن َ
م َ
َلكَا ِذبُونَ} [النعام ،آية.].28-27 :
فهؤلء جميعًا يسألون الرجوع عند الموت ،وعند العرض على الجبار جل عله ،وعند رؤية
النار فل يجابون ،لما سبق في قضائه أنهم إليها ل يرجعون ولذلك عدّ أهل العلم القول بالرجعة
إلى الدنيا بعد الموت من أشد مراحل الغلو في بدعة التشيع.
قال ابن حجر :التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة ،فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو
غال فـي تشيعـه ويطلع عليـه رافضـي ،وإل فشيعـي ،فإن انضاف إلى ذلك السـب أو التصـريح
[هدي ال ساري مقد مة ف تح بالب غض فغال في الر فض ،وإن اعت قد الرج عة إلى الدن يا فأ شد في الغلو
الباري :ص .].459
وقد جاء في مسند أحمد أن عاصم بن ضمرة (وكان من أصحاب علي رضي ال عنه) قال
للحسن بن علي :إن الشيعة يزعمون أن عليًا يرجع .قال الحسن :كذب أولئك الكذابون ،لو علمنا
ر قم( ،)1265وقال أح مد شا كر :إ سناده ذاك ما تزوج ن ساؤه ،ول ق سمنا ميرا ثه [م سند أح مد2/312 :
صحيح ،وانظر :طبقات ابن سعد.].3/39 :
والقول بالرج عة ب عد الموت إلى الدن يا لمجازاة الم سيئين وإثا بة المح سنين ينا في طبي عة هذه
خلَ
حزِ حَ عَ نِ النّارِ وَأُدْ ِ
الدن يا وأن ها لي ست دار جزاء {وَِإنّمَا ُتوَ ّفوْ نَ ُأجُورَكُ ْم َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ فَمَن زُ ْ
حيَاةُ ال ّد ْنيَا إِ ّل َمتَاعُ ا ْل ُغرُورِ} [آل عمران ،آية.].185 :
جنّةَ َفقَدْ فَازَ وَما الْ َ
الْ َ
كمـا أنـه يضعـف جانـب اليمان بيوم البعـث والجزاء ،ويبدوا أن هذا مـن أهداف واضـع هذا
المبدأ [وقد ذكر بعضهم أن ابن سبأ قال بالرجعة وإبطال الخرة (السكسكي /البرهان :ص .].)50
وقد تمثل هذا عمليًا في تأويلت الثني عشرية ليات اليوم الخر بالرجعة ،وفي تأثير هذه
التأويلت ،وهذا المذ هب على ب عض الفرق المنت سبة للتش يع ،وإنكار ها لليوم ال خر ،واعتقاد ها
بالتناسخ الذي ربما تكون عقيدة الرجعة هي البوابة إليه ،كما أن تأويلتهم تدعو له.
وقد كان لبن سبأ اليهودي – كما تنقل ذلك كتب الشيعة ،والسنة على السواء – دور التأسيس
لمبدأ الرجعة ،إل أنها رجعة خاصة بعلي ،كما أنه ينفي وقوع الموت عليه أصلً كحال الثني
عشرية مع مهديهم الذي يزعمون وجوده.
ل كن يبدو أن الذي تح مل كبر نشره ،وتعم يم مفهو مه وتأو يل آيات من القرآن ف يه هو جابر
الجعفي حتى امتدحته روايات الشيعة بفقهه في أمر الرجعة؛ حيث جاء في تفسير القمي أن أبا
جع فر قال" :ر حم ال جابرًا بلغ فق هه أ نه كان يعرف تأو يل هذه ال ية {إِنّ الّذِي َفرَ ضَ عَ َليْ كَ
[القصص ،آية ،85 :قال ابن كثير في تفسير الية :يقول تعالى آمرًا رسوله صلوات الْ ُقرْآ نَ َلرَادّ كَ ِإلَى مَعَادٍ}
ال وسلمه عليه ببلغ الرسالة ،وتلوة القرآن على الناس ،ومخبرًا بأنه سيرده إلى معاد وهو يوم القيامة فيسأله عما
ْكـ ا ْل ُقرْآنـَ} أي :افترض عليـك أداءه إلى الناس (تفسـير ابـن كثيـر
علَي َ
َضـ َ
اسـترعاه مـن أعباء النبوة ،ومعنـى { َفر َ
،)3/419كما فسر "المعاد" بأقوال أخرى ترجع – كما يقول ابن كثير – إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة (تفسير
ا بن كث ير )3/420 :وان ظر في مع نى ال ية :تف سير ال طبري ،126-20/123 :تف سير البغوي،459-3/458 :
زاد المسير ].251-6/249 :يعني الرجعة" [تفسير القمي.].2/147 :
ولكـن شيوخ الماميـة يصـرون على القول بهـا ،ويعتـبرون شذوذهـم عـن المـة فيهـا دليـل
س ّولَ َلهُمْ وََأمْلَى َلهُمْ}.
شيْطَانُ َ
صحتها{ ..ال ّ
الفصل السادس
الظهور
أي ظهور الئمـة بعـد موتهـم لبعـض الناس ثـم عودتهـم لقبورهـم ،وهذه العقيدة غيـر رجعـة
الئ مة ،و قد بوب ل ها المجل سي بعنوان "باب أن هم يظهرون ب عد موت هم ،ويظ هر من هم الغرائب"
589
[بحار النوار ،304-27/303 :بصـائر الدرجات :ص ..].78فالئمـة يظهرون بعـد موتهـم ،ويراهـم
بعض الناس ،وهذا الظهور غير مرتبط بوقت معين كالرجعة بل هو خاضع لرادة الئمة ،حتى
ن سبوا لم ير المؤمن ين أ نه قال" :يموت من مات م نا ول يس بم يت" .وتذ كر أ ساطيرهم أن أ با
[بحار النوار ،27/303 :ب صائر الح سن الر ضا كان يقا بل أباه ب عد مو ته ،ويتل قى و صاياه وأقواله
الدرجات :ص .].78
ويزعم بعض الشيعة أنه دخل على أبي عبد ال فقال له (أي أبو عبد ال) :تشتهي أن ترى
[بحار أبا جعفر (بعد موته)؟ قال" :قلت :نعم ،قال :قم فادخل الب يت ،فدخلت فإذا هو أبو جعفر"
النوار ،27/303 :بصـائر الدرجات :ص ،].78ويزعـم آخـر بأنـه دخـل على أبـي الحسـن فقال له:
أتحب أن ترى أبا عبد ال؟ يقول :فقلت :وددت وال ،فقال :قم وادخل ذلك البيت ،فدخلت البيت
فإذا أبو عبد ال عليه السلم قاعد [بحار النوار ،27/303 :بصائر الدرجات :ص .].78
"وقال أبو عبد ال – كما يفترون :-أتى قوم من الشيعة الحسن بن علي عليه السلم بعد قتل
أم ير المؤمن ين عل يه ال سلم ف سألوه فقال :تعرفون أم ير المؤمن ين إذا رأيتموه؟ قالوا :ن عم ،قال:
فارفعوا ال ستر ،فعرفوه [كذا في ال صل ،و قد تكون "فرفعوه" ].فإذا هم بأم ير المؤمن ين عل يه ال سلم ل
ينكرونه" [بحار النوار ،27/303 :بصائر الدرجات :ص .].78بل وتمتد عقيدتهم هذه لتدعي أيضًا أن
الموات من الول ين يظهرون ل هم ،جاء في ب صائر الدرجات " ..عن عثمان بن عي سى عمّن
أخبره!! عن عباية السدي قال :دخلت على أمير المؤمنين عليه السلم وعنده رجل رث الهيئة،
وأمير المؤمنين عليه السلم مقبل عليه يكلمه ،فلما قام الرجل قلت :أي أمير المؤمنين ،من هذا
[بصـائر الدرجات :ص ،81بحار النوار: الذي أشغلك عنـا؟ قال :هذا وصـي موسـى عليـه السـلم"
.].27/305
وتز عم روايات هم أن عليًا كان يذ هب إلى م قبرة اليهود وأ نه خا طب أ هل القبور "فأجابوه من
جوف القبور :لب يك لب يك مطاع ،فقال :ك يف ترون العذاب؟ فقالوا :بع صياننا لك كهارون ،فن حن
ومن عصاك في العذاب[ "..كنز الفوائد :ص ،82بحار النوار.].27/306 :
590
[هكذا في الم صدر المنقول ول ما ق يل له في ذلك قال" :إذا كان كل مو سم أخر جا الفا سقين الغا صبين
ع نه ،و في ن سخة أخرى – ك ما أشار في الها مش – أخر جا الفا سقان الغا صبان( .ان ظر :بحار النوار،27/305 :
تعليقه رقم ( ،].)6ثم يفرق بينهما ههنا ل يراهما إل إمام عدل ،فرميت الول اثنتين والخر ثلثة،
لن الخر أخبث من الول" [بحار النوار ،306-27/305 :بصائر الدرجات :ص .].82
هذه بعض أخبارهم في هذه "المقالة" .وقد ذكر المجلسي بأنه "أورد أكثر أخبار هذا الباب في
باب البرزخ ،وباب كفـر الثلثـة ،وباب كفـر معاويـة ،وأبواب معجزات أميـر المؤمنيـن وسـائل
الئمة عليهم السلم" [بحار النوار ].27/307 :فأخبارهم في شأن هذه الخرافة متكاثرة ،وقد ذكر
المجل سي أن هذا الظهور قد يكون في أج سادهم ال صلية ،ثم قال" :واليمام الجمالي في تلك
[بحار المور كاف للمتد ين الم سلم ل ما ورد عن هم ،ورد علم تفا صيلها إلي هم صلوات ال علي هم"
النوار.].27/307 :
وكثرة أخبار هم عند هم دل يل واق عي حا سم على ا ستفاضة الكذب عند هم ،وأ نه ل عبرة ول
صحة لرواياتهم ولو كثرت ما دامت تكثر في تأييد المقالت الخرافية التي يكذبها الواقع ،والتي
لو حدث شيء منها لستفاض نقله بين المسلمين ،ولم تنفرد بنقله شرذمة من الروافض.
ورجعـة الموات قبـل يوم القيامـة باطلة بالنقـل وإجماع المسـلمين – كمـا سـلف – وهذه
الخرافات تعتبر من فضائحهم وعوراتهم التي هي قائمة في مذهبهم ،ولعلها من حكمة الباري
سبحانه؛ إذ ما من قوم أرادوا أن ينسبوا ل دينًا ما أنزله إل وفضحهم على رؤوس الشهاد ،كما
أثبتت ذلك الوقائع واليام.
الفصل السابع
591
البداء
من أ صول الث ني عشرية القول البداء على ال سبحانه وتعالى ح تى بالغوا في أمره ،فقالوا:
[أصول الكافي ،كتاب التوحيد ،باب البداء ،1/146 :ابن بابويه /التوحيد ،باب "ما عبد ال بشيء مثل البداء"
البداء :ص ،332بحار النوار ،كتاب التوحيد ،باب البداء ].4/107 :و"ما عظم ال عز وجل بمثل البداء"
[أ صول الكا في ،1/146 :التوح يد ل بن بابو يه ص ،333بحار النوار" ،].4/107 :ولو علم الناس ما في
[أ صول الكا في ،1/148 :التوح يد ل بن بابو يه :ص القول بالبداء من ال جر ما افتروا من الكلم ف يه"
[أصول ،334بحار النوار « ،].4/108 :وما بعث ال نبيًا قط إل بتحريم الخمر وأن يقر ل بالبداء"
الكافي ،1/148 :التوحيد لبن بابويه :ص ،334بحار النوار.].4/108 :
وجاء من بعده ابن بابويه (ت 381ه) ،وسجل ذلك ضمن عقائد طائفته ،وعقد له بابًا خا صًا
بعنوان "باب البداء" وذلك في كتاب "العتقادات" الذي ي سمى د ين المام ية [العتقادات :ص .].89
ومثل ذلك فعل في كتابه "التوحيد" [التوحيد :ص .].331
و قد اهت مّ شيخ هم المجل سي (ت 1111ه) بأمر البداء وبوّب له في بحاره بعنوان "باب النّ سخ
والبداء" ،وذكر ( )70حديثًا من أحاديثهم عن الئمة [بحار النوار.].129-4/92 :
ل :-المظفـر /عقائد
[انظـر – مث ً وكذلك جاءت هذه المقالة ضمـن كتـب العقيدة عنـد المعاصـرين
المامية ،69 :الزنجاني /عقائد المامية الثني عشرية .].1/34 :وألف شيوخهم في شأنها مؤلفات مستقلة
بلغت ( )25مصنفًا كما في الذريعة [انظر :الذريعة إلى تصانيف الشيعة.].57-3/53 :
ولعل القارئ المسلم يعجب من أمر هذه العقيدة ،التي ل يعرفها المسلمون ،وليس له ذكر في
كتاب ال سبحانه ،وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم مع أنها من أعظم ما عبد ال به ،ومن أصول
رسالت الرسل ،وفيها من الجر ما لو علم به المسلم لصبحت تجري على لسانه دائمًا كشهادة
التوحيد (كما يزعمون).
592
إذا رجعـت إلى اللغـة العربيـة لتعرف معنـى البداء تجـد أن القاموس يقول :بدا بدوًا وبدوًا
[القاموس المحيـط ،مادة :بدو ( وبداءة :ظهـر .وبدا له فـي المـر بدوًا وبداء وبداة :نشـأ له فيـه رأي
.].)4/302فالبداء في اللغة – كما ترى – له معنيان:
الول :الظهور بعد الخفاء .تقول :بدا سور المدينة أي :ظهر.
والثانــي :نشأة الراي الجديــد .قال الفراء :بدا لي بداء أي :ظهــر لي رأي آخــر ،وقال
[الصحاح ( ،)6/2278ولسان العرب (،)14/66 الجوهري :بدا له في المر بداء أي :نشأ له فيه رأي
وانظر هذا المعنى في كتب الشيعة مثل :مجمع البحرين للطريحي.].1/45 :
وكل المعنيين وردا في القرآن ،فمن الول قوله تعالى{ :وَإِن ُتبْدُو ْا مَا فِي أَنفُ سِ ُكمْ َأ ْو تُخْفُو هُ
يُحَا سِبْكُم بِ هِ اللّ هُ} [البقرة ،آيـة .].284 :و من الثا ني قوله{ :ثُمّ بَدَا لَهُم مّ ن بَعْدِ مَا رََأوُاْ اليَا تِ
حتّى حِينٍ} [يوسف ،آية.].35 :
جنُ ّنهُ َ
َل َيسْ ُ
وواضح أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلهما محال على ال سبحانه.
ونسـبته إلى ال سـبحانه مـن أعظـم الكفـر ،فكيـف تجعـل الشيعـة الثنـا عشريـة هذا مـن أعظـم
العبادات ،وتدعي أنه ما عظم ال عز وجل بمثل البداء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذا المع نى المن كر يو جد في ك تب اليهود ،ف قد جاء في التوراة ال تي حرف ها اليهود و فق ما
[جاء في التوراة" :فرأى شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى ال سبحانه
الرب أنـه كثـر سـوء الناس على الرض .فندم الرب خلقـه النسـان على الرض وتنكـد بقلبـه ،وقال الرب :لمحون
النسان الذي خلقته عن وجه الرض( "..سفر التكوين ،الفصل السادس ،فقرة )5 :ومثل هذا المعنى الباطل وما أشبه
فقرة ،14 ،12 :و سفر قضاة ،الف صل الثا ني ،فقرة،18 : يتكرر في تورات هم (ان ظر :سفر الخروج ،الف صل32 :
و سفر صموئيل الول ،الف صل الخا مس عشرة فقرة ،34 ،10 :و سفر صموئيل الثا ني ،الف صل ،24 :فقرة،16 :
و سفر أخبار اليام الول ،الف صل ،21 :فقرة ،1 :و سفر أرم يا ،الف صل ،42 :فقرة ،10 :و سفر عاموس ،الف صل:
،7فقرة ،3 :وسفر يونان ،الفصل ،3 :فقرة 10 :وغيرها).
هذا ما جاء في توراة اليهود ،مع أنهم ينكرون النسخ ،لنه بزعمهم يستلزم البداء (انظر :مسائل المامة :ص ،75
مناهل العرفان ،)2/78 :فانظر إلى تناقضهم وردهم للحق وقبولهم بالباطل.].
ويبدو أن ا بن سبأ اليهودي قد حاول إشا عة هذه المقالة ،ال تي ارتضع ها من «تورا ته» في
المجتمع السلمي الذي حاول التأثير فيه باسم التشيع وتحت مظلة الدعوة إلى ولية علي ،ذلك
أن فرق السبيئة "كلهم يقولون بالبداء وأن ال تبدو له البداوات" [الملطي /التنبيه والرد :ص .].19
593
ثم انت قل هذه المقالة إلى فر قة "الكي سانية" أو "المختار ية" أتباع المختار بن أ بي عب يد الثق في
وهي الفرقة التي اشتهرت بالقول "بالبداء" والهتمام به ،والتزامه عقيدة.
ويذ كر أ صحاب المقالت أن ال سبب الذي جوزت لجله الكي سانية البداء على ال تعالى هو:
أن مصعب بن الزبير أرسل جيشًا قويًا لقتال المختار وأتباعه فبعث المختار إلى قتالهم أحمد بن
شم يط مع ثل ثة آلف من المقاتلة وقال ل هم :أو حي إلي أن الظ فر يكون ل كم ،فهزم ا بن شم يط
[و هو من قواد المختار ،وق تل سنة (67ه) ].في من كان معه فعادوا إليه فقالوا :أ ين الظ فر الذي
قد وعدتنا؟ فقال المختار :هكذا كان قد وعدني ثم بدا فإنه سبحانه وتعالى قد قال{ :يَمْحُو اللّهُ مَا
[الرعـد ،آيـة[ ].39 :السـفراييني /التبصـير فـي الديـن :ص ،20وانظـر: يَشَاء َويُ ْثبِ تُ وَعِندَ هُ أُمّ الْ ِكتَا بِ}
البغدادي /الفرق بين الفرق :ص .].52-50
فالسـبب كمـا ترى أن المختار كان يدعـي علم الغيـب ومـا يحدث بالمسـتقبل ،فكان إذا وقـع
خلف ما أخبر به قال :قد بدا لربكم.
وتجد هذا المعنى في أخبار الثني عشرية ،فإنهم قد أشاعوا بين أتباعهم أن أئمتهم "يعلمون ما
[أصول الكافي ،باب أن الئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ل كان وما يكون ول يخفى عليهم الشيء"
يخفى عليهم الشيء .].1/260 :فإذا نسبوا إلى الئمة أخبارًا لم تقع قالوا :هذا من باب البداء.
جاء في البحار في باب البداء "عن أبي حمزة الثمالي قال :قال أبو جعفر وأبو عبد ال عليهما
ال سلم :يا أ با حمزة إن حدثناك بأ مر أ نه يج يء من هاه نا فجاء من هاه نا ،فإن ال ي صنع ما
[بحار النوار: يشاء ،وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غدًا بخلفه فإن ال يمحو ما يشاء ويثبت"
،4/119تفسير العياشي ،2/217 :البرهان.].2/299 :
وكان شيوخ الشّي عة يمنون أتباع هم بأ نّ ال مر سيعود إلي هم ،والدّولة ستكون ل هم ،ح تى إنّ هم
حدّدوا ذلك بسبعين سنة في رواية نسبوها لبي جعفر ،فلمّا مضت السّبعون ولم يتحقّق شيء من
تلك الوعود اشتكى التباع من ذلك ،فحاول مؤسّسو المذهب الخروج من هذا المأزق بالقول بأنّه
[انظر :تفسير العياشي ،2/218 :الغيبة للطّوسي :ص ،263 قد بدا ل سبحانه ما اقتضى تغيير هذا الوعد
بحار النوار.].4/214 :
أنـ المامـة
وكانـت روايات الشّيعـة فـي حياة جعفـر الصـّادق تتحدّث بأخبار تنسـبها لجعفـر ّ
ستكون بعد مو ته لبنه إ سماعيل ،ولكن و قع ما لم يكن بالح سبان ،إذ مات إ سماعيل ق بل موت
أب يه فكا نت قا صمة الظّ هر ل هم ،وحدث أ كبر انشقاق باق إلى اليوم في المذ هب الشّي عي ،و هو
594
خروج طائفة كبيرة منهم ثبتت على القول بإمامة إسماعيل وهم السماعيليّة ،رغم أنّهم فزعوا
إلى عقيدة البداء لمعال جة هذه المعضلة فن سبوا روايات لجع فر تقول " :ما بدا ل بداء ك ما بدا له
[التّوحيد لبن بابويه :ص ،336 في إسماعيل ابني ..إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنّه ليس بإمام بعدي"
وانظر مثل هذا المعنى في أصول الكافي .].1/327
واستجاب لهذا التّأويل طائفة الثني عشريّة الذين قالوا بإمامة موسى دون إسماعيل.
ومؤسـسو التشيـع يدعون فـي الئمـة أنهـم يعلمون الحوادث الماضيـة والمسـتقبلة والجال
والرزاق ..إلخ .ولكـن التباع وسـائر الناس ل يرون فيهـم شيئًا مـن هذه الدعاوى ،والئمـة ل
يخـبرون الناس بشيـء مـن ذلك ،لنهـم ل يملكون ذلك أصـلً ول يدعونـه فـي أنفسـهم فلم يجـد
مؤ سسو التش يع تعليلً يبررون به هذا الع جز إل عقيدة البداء فنقلوا عن هم أن هم ل ي خبرون عن
ل – أن علي بـن الحسـين قال :لول البداء لحدثتكـم بمـا
[زعموا – مث ً الغيـب مخافـة أن يبدو له تعالى فيغيره
يكون إلى يوم القيامة( .تفسير العياشي ،2/215 :بحار النوار.].)4/118 :
وزعموا أن الئمـة يعطون علم "الجال والرزاق والبليـا والعراض والمراض ويشترط
(لهم) فيه البداء" [تفسير القمي ،2/290 :بحار النوار .].4/101 :وهذه حيلة أخرى منهم ليستروا بها
كذبهم إذا أخبروا خلف الواقع.
وقد أمر الشيعة بمقتضى هذه العقيدة بالتسليم بالتناقض والختلف والكذب ،ففي رواية طويلة
في تف سير الق مي ت خبر عن نها ية دولة ب ني العباس ،قال في ها إمام هم" :إذا حدثنا كم بش يء فكان
ك ما نقول فقولوا :صدق ال ور سوله ،وإن كان بخلف ذلك فقولوا :صدق ال ور سوله تؤجروا
مرتين[ "..تفسير القمي ،311-1/310 :بحار النوار.].4/99 :
وقـد كان لعقيدة البداء فـي إبان نشأتهـا أثرهـا فـي ظهور بوادر الشـك لدى العقلء مـن أتباع
المذهب ،وقد اكتشف بعضهم حقيقة اللعبة ،فتخلى عن المذهب المامي أصلً ،وقد حفظت لنا
بعض كتب الفرق قصة أحد هؤلء وهو سليمان بن جرير الذي تنسب إليه فرقة السليمانية من
الزيديـة ،فقال – كمـا تنقـل ذلك كتـب الفرق عنـد الشيعـة نفسـها " :-إن أئمـة الرافضـة وضعوا
لشيعتهم مقالتين ،ل يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدًا وهما القول بالبداء وإجازة التقية"
[المقالت والفرق للقمي :ص ،78فرق الشيعة للنوبختي :ص .].64
ثم كشف – من خلل حياته في المجتمع الشيعي ،ومخالطته لهم – كيف يتخذون من عقيدة
البداء وسيلة للتستر على كذبهم في دعوى علم الئمة للغيب فقال" :إ نّ أئمّتهم لمّا أحلّوا أنفسهم
595
من شيعت هم محلّ ال نبياء من رعيّت ها في العلم في ما كان ويكون ،والخبار ب ما يكون في غد،
وقالوا لشيعت هم إنّه سيكون غدًا و في غابر اليّام كذا وكذا ،فإن جاء ذلك الشّ يء على ما قالوه،
قالوا ل هم :ألم نعلّم كم أ نّ هذا يكون فن حن نعلم من ق بل ال عزّ وجلّ ما علم ته ال نبياء ،وبين نا
وبين ال عزّ وجلّ مثل تلك السباب التي علمت بها النبياء عن ال ما علمت ،وإن لم يكن ذلك
[المقالت الشّيـء الذي قالوا إنّه يكون على مـا قالوه ،قالوا لشيعتهـم :بدا ل فـي ذلك فلم يكوّنـه"
والفِرَق للقمـي :ص ،78فرق الشّيعـة للنّوبختـي :ص ،65-64وانظـر فـي هذا المعنـى :محصـّل أفكار المتقدّميـن
ن ذلك من أولئك قأ ّ والمتأخّر ين للرّازي :ص ،249و سليمان بن جر ير ين سب الخداع إلى ب عض أ هل الب يت ،والح ّ
الزّنادقة المنتسبين إلى أهل البيت لكل أموال النّاس بالباطل والتّآمر والتّخريب.].
ثم شرح أيضًا ك يف يخدعون أتباع هم بمقت ضى عقيدة التق ية ،فتأ ثر بقوله طائ فة من الشي عة
واتبعوه [انظر :المقالت والفرق :ص ،78فرق الشيعة :ص .].65
فأنـت ترى بعـد هذا العرض أنـه لو سـقطت عقديـة البداء لنتقـض ديـن الثنـي عشريـة مـن
أصله ،لن أخبارهم ووعودهم التي لم يتحقق منها شيء تنفي عنهم صفة المامة.
وهذا سر مغالة شيوخهم بأمر البداء ،ودفاعهم عنه ،وجعله من أعظم العبادات.
[انظر: لكن مقالة البداء ارتدت عليهم بأوخم العواقب وهي إضافة سبب جديد لكفرهم وردتهم
الغزالي /المستصفى ].1/110 :لنهم بهذا المعتقد نزهوا المخلوق وهو المام عن الخلف في الوعد،
والختلف فـي القول ،والتغيـر فـي الرأي ،ونشأة رأي جديـد ،ونسـبوا ذلك إلى عالم الغيـب
والشهادة .تعالى ال عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا [الوشيعة :ص .].182
فنزهوا المخلوق دون الخالق ،لن غلوهم في المام – فيما يظهر – لم يجعل للحق جل شأنه
في قلوبهم وقارًا ،فتاهوا في بيداء هذا الضلل والكفر واللحاد.
ولقد حاول شيوخ الشيعة أن يجدوا مخلصًا من وصمة هذا العار ،ومهربًا من التكفير.
فالنصـير الطوسـي الذي يلقبـه المجلسـي بالمحقـق (المتوفـى سـنة 672ه) أنكـر وجود البداء
كعقيدة للث ني عشر ية وقال عن طائف ته" :إن هم ل يقولون بالبداء ،وإن ما القول بالبداء ما كان إل
في رواية رووها عن جعفر الصادق أنه جعل إسماعيل القائم مقامه ،فظهر من إسماعيل ما لم
يرت ضه م نه ،فج عل القائم مو سى ف سئل عن ذلك فقال :بدا ل في أ مر إ سماعيل ،وهذه روا ية،
وعندهم أن خبر الواحد ل يوجب علمًا ول عملً" [الطوسي /تلخيص المحصل :ص .].250
596
ولكـن هذا – كمـا ترى – مخالف للواقـع؛ إذ إن البداء مـن عقائدهـم المقررة ،ورواياتهـم
وأخبار هم ف يه كثيرة ،ولذلك قال المجل سي بأن هذا الجواب عج يب من الطو سي ،وعزا ذلك «
لعدم إحاطته بالخبار" [بحار النوار.].4/123 :
فا بن بابو يه الق مي يو جه "أحاديث هم" في البداء توجيهًا «تبدو» عل يه مل مح الضطراب ،ف هو
في البدا ية يقول" :ل يس البداء ك ما يظ نه جهال الناس بأ نه بداء ندا مة تعالى ال عن ذلك ،ول كن
ي جب علي نا أن ن قر ل عز و جل بأن له البداء معناه أن له أن يبدأ بش يء من خل قه فيخل قه ق بل
شيء ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره" [التوحيد :ص .].335
فأنت ترى أن حديثه هنا خارج الموضوع تمامًا لنه تكلم عن البدء ل البداء ول يخالف مسلم
في هذا المر الذي يقوله ،ولو كان هذا مقصودهم بالبداء لما أنكره عليهم أحد ،ولما وجدوا فيه
مخرجًا لتناقض رواياتهم ،وتخلف وعودهم.
ولكنه رجع وفسر البداء بالنسخ ،فقال بعد الكلم السابق مباشرة" :أو يأمر بأمر ثم ينهى عن
مثله ،أو ين هى عن شيء ثم يأ مر بمثل ما ن هى عنه ،وذلك مثل ن سخ الشرايع ،وتحويل القبلة،
وعدة المتوفى عنها زوجها" [التوحيد :ص .].335
وهذا ج هل أو تجا هل؛ إذ ل بداء في الن سخ ،والح كم كان مؤقتًا في علم ال ،وأ جل الح كم،
وانتهاء الحكم عند حلول الجل معلوم ل قبل الحكم .نعم بدا لنا ذلك من ال بعد نزول الناسخ،
والبداء لنا في علمنا ل ل [الوشيعة :ص .].183
" من أ جل ذلك تنزه ال سبحانه عن أن يو صف بالبداء؛ لن البداء ينا في إحا طة علم ال ب كل
ش يء ،ولم يتنزه عن الن سخ؛ لن الن سخ ل يعدو أن يكون بيانًا لمدة الح كم الول على ن حو ما
[مصطفى زيد /النسخ في القرآن: سبق في علم ال تعالى ،وإن كان رفعه لهذا الحكم بداء بالنسبة لنا"
" .].1/20فإن ال سبحانه قدر في علمه الزلي لكل حكم ميقاتًا وزمانًا معلومًا فإذا انتهى زمانه
[محمد أبو زهرة /المام حل محله حكم آخر بأمره ونهيه سبحانه ،فليس فيه تغيير في علمه الزلي"
[البقرة ،آية: خ ْي ٍر ّمنْهَا َأ ْو ِمثْ ِلهَا}
ت بِ َ
سهَا نَأْ ِ
خ مِنْ آ َيةٍ َأوْ نُن ِ
الصادق :ص .].241قال تعالى{ :مَا نَنسَ ْ
.].106
597
وقد شنع عبد القاهر البغدادي على الشيعة؛ حيث "جعلت النسخ من قبيل البداء فزعمت أنه إذا
أمر سبحانه بشيء ثم نسخه فإنما نسخه لنه بدا له منه" [الملل والنحل :ص .].52
وقد تمادت الشيعة في هذا الغي ،وساق صاحب البحار بعض الروايات المنسوخة واعتبرها
[راجع أيضًا في التفريق بين من قبيل البداء [بحار النوار ،].84-93/83 :مع أنه ل صلة للنسخ بالبداء
النسخ والبداء والرد على أوهام الرافضة واليهود في عدم التفريق بينهما :الناسخ والمنسوخ لبي جعفر النحاس :ص
،44المعتمـد فـي أصـول الفقـه لبـي الحسـين البصـري ،369-1/368 :اليضاح لناسـخ القرآن ومنسـوخه لمكـي
القيسـي :ص ،99-98الحكام فـي أصـول الحكام لبـن حزم ،69-4/68 :المدي /الحكام فـي أصـول الحكام:
،112-3/109دراسات الحكام والنسخ في القرآن /محمد حمزة :ص .].59
ثم إن ابن بابويه عاد في نهاية توجيهه لعقيدة البداء إلى القول بأن البداء "إنما هو ظهور أمر،
يقول العرب :بدا لي شخص في طريقي أي :ظهر .قال ال عز وجلَ { :وبَدَا َلهُم مّ نَ اللّ ِه مَا لَ مْ
سبُونَ} [الز مر ،آ ية ].47 :أي :ظ هر ل هم ،وم تى ظ هر ل تعالى ذكره من ع بد صلة
حتَ ِ
يَكُونُوا يَ ْ
لرحمه زاد في عمره .ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره" [التوحيد :ص .].336
فهذا عودة منه لتقرير ذلك المنكر في معتقدهم في البداء ،بعد تلون وتقلب.
وزيادة عمر من وصل رحمه ليست من باب البداء ،وظهور ما لم يكن في علم ال ،بل صلة
الرحم سبب لطول العمر ،وال قدر الجل وسببه فهو سبحانه "قدر أن هذا يصل رحمه فيعيش
بهذا السـبب إلى هذه الغايـة ،ولول ذلك السـبب لم يصـل إلى هذه الغايـة ،ولكـن قدر هذا السـبب
وقضاه ،وكذلك قدر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا" [شرح الطحاوية :ص .].92
ولكن شيخ الطائفة الطوسي يسلك في تأويل البداء طريقًا أسلم من طريق ابن بابويه ،حيث
يقول" :قوله :بدا ل فيه معناه بدا من ال فيه ،وهكذا القول في جميع ما يروي من أنه بدا ل في
إ سماعيل معناه أ نه بدا من ال ،فإن الناس كانوا يظنون في إ سماعيل بن جع فر أ نه المام ب عد
أبيه ،فلما مات علموا بطلن ذلك" [الغيبة للطوسي :ص .].55
هذا اعتذار الطوسي ،ول شك بأن البداء إذا كان للخلق بأن يقع لهم ما لم يحتسبوا ،فليس فيه
ما يمس العقيدة السلمية.
وقد تابع الطوسي في العتذار نفسه أحد مراجع الشيعة في هذا العصر وهو محمد حسين آل
كا شف الغ طا فقال" :البداء وإن كان في جو هر معناه هو ظهور الش يء ب عد خفائه ،ول كن ل يس
المراد به هنا ظهور الشيء ل جل شأنه وأي ذي حريجة ومسكة يقول بهذه المضلة ،بل المراد
598
ظهور الشيء من ال لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم ،وقولنا( :بدا ل) أي بدا حكم ال أو
شأن ال" [الدين والسلم :ص .].173
ول كن المطلع على روايات هم ل يرى أن ها تت فق مع هذا التأو يل ،إذ تدل على ن سبة البداء إلى
ال ل إلى الخلق ،ولذلك اعتذر أئمتهم عن الخبار بالمغيبات خشية البداء ..ونسبوا إلى نبي ال
لوط أنه كان يستحث الملئكة لنزال العقوبة بقومه خشية أن يبدو ل ،ويقول" :تأخذونهم الساعة
فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم .فقالوا :يا لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" [فروع
الكافي .].5/546 :فهل مثل هذا "اللحاد" يقبل التأويل؟!.
وجاء في الكا في " ..عن أ بي ها شم الجعفري قال :ك نت ع ند أ بي الح سن عل يه ال سلم ب عد
مضي ابنه أبو جعفر وإني لفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني :أبا جعفر وأبا محمد في
هذا الو قت كا بي الح سن مو سى وإ سماعيل اب ني جع فر بن مح مد علي هم ال سلم ،وإن ق صتهما
كقصتهما ،إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلم ،فأقبل علي أبو الحسن قبل أن
أنطق فقال :نعم يا أبا هاسم بدا ل في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلم ما لم يكن يعرف
له ،كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن
كره المبطلون" [أصول الكافي.].1/327 :
فانظـر إلى قوله "بدا ل ..مـا يكـن يعرف له "..تجـد أنهـم ينسـبون "البداء" إلى ال صـراحة،
فهؤلء القوم ل يرجون ل وقارًا ،و قد اتخذوا من عقيدة البداء و سيلة لبقاء فر صة الختيار في
أهل البيت ،والرجوع عن الختيار بدون تثريب عليهم من أتباعهم ..ولم يراعوا في هذه الحيلة
حق ال جل شأنه ،لن واضعي هذه النصوص قد فرغت نفوسهم من خوف ال ورجائه .ثم إن
التأويل للبداء بظهور المر للناس من ال ل يسوغ كل هذه المغالة في البداء وجعله من أعظم
الطاعات وأصول العتقادات ،كما أن لفظ البداء يحمل معنى باطلً في لغة العرب التي نزل بها
القرآن ،فكيف يعد أصل في الدين وهو بهذه المثابة ،ويلتمس له تأويل ومخرجٌ؟!
وبعد أن استقرت مسألة البداء عندهم كعقيدة بمقتضى روايات الكليني وأضرابه ،حاول شيخ
الشيعة – كعادتهم – البحث في كتاب ال عن سند لدعواهم.
وكأنه لم يكفهم أن نسبوا هذه الفرية إلى ال ،حتى زعموا أن كتاب ال أثبت فريتهم ،فتعلقوا
بقوله سبحانهَ { :يمْحُو الّل ُه مَا َيشَاء َو ُيثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ ا ْل ِكتَابِ} [الرعد ،آية.].39 :
599
[ان ظر :ص( ويل حظ أن أول من ا ستدل بهذه ال ية على فر ية البداء هو المختار بن أ بي عب يد
].)940وتابعه شيوخ الشيعة ،ووضعوا روايات في ذلك أسندوها لبعض علماء آل البيت لتحظى
بالقبول [انظر :أصل الكافي ،1/146 :التوحيد لبن بابويه :ص 333وما بعدها.].
وا ستدللهم بهذه ال ية على أن الم حو والثبات بداء ش طط في ال ستدلل ،وتع سف بالغ ،ذلك
أن المحو والثبات بعلمه وقدرته وإرادته ،من غير أن يكون له بداء في شيء ،وكيف يتوهم له
البداء وعنده أم الكتاب ،وله في الزل العلم المحيط {وَعِندَ ُه مَفَا ِتحُ الْ َغيْبِ َل يَ ْعَل ُمهَا إِلّ ُهوَ َويَعْلَمُ
ح ّبةٍ فِي ظُُلمَا تِ ا َلرْ ضِ وَلَ رَطْ بٍ وَلَ
ط مِن َورَ َقةٍ ِإ ّل يَعْ َلمُهَا وَلَ َ
حرِ وَمَا تَ سْقُ ُ
مَا فِي ا ْل َبرّ وَا ْلبَ ْ
ب ّمبِينٍ} [النعام ،آية..{ ،].59 :وَقَالَ الّذِينَ َك َفرُوا لَا تَ ْأتِينَا السّا َ
عةُ ُق ْل بَلَى َو َربّي يَابِسٍ إِلّ فِي ِكتَا ٍ
سمَاوَاتِ وَل فِي ا َلرْ ضِ وَل أَ صْ َغ ُر مِن ذَلِ كَ
عنْ هُ ِمثْقَالُ َذرّةٍ فِي ال ّ
َلتَ ْأ ِت َينّكُ مْ عَاِل مِ الْ َغيْ بِ ل يَ ْعزُ بُ َ
ب ّمبِينٍ} [سبأ ،آية.].3 :
وَل َأ ْكبَرُ إِل فِي ِكتَا ٍ
[وانظر في الرد عليهم أيضًا :المستصفى وأمثالها من اليات ،وتوهم البداء ل تكذيب لكل هذه اليات
للغزالي ،1/110 :مختصر الصواعق ،1/110 :الحكام للمدي.].3/111 :
وقـد اختلف المفسـرون فـي المراد بالذي يمحـو ويثبـت على ثمانيـة أقوال (ابـن الجوزي /زاد المسـير-4/337 :
)338فمن هم من قال :يم حو ال ما يشاء من الشرائع وين سخه ،ويث بت ما يشاء فل ين سخه ،قال شارح الطحاو ية:
والسياق أدل على هذا الوجه (شرح الطحاوية ص .)94
قال ا بن جر ير ال طبري" :وأولى القوال ال تي ذكرت في تأو يل ال ية ..أن ال تعالى ذكره تو عد المشرك ين الذ ين
سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم اليات بالعقو بة ،وتهدد هم ب ها ،وقال ل هم{ :وَمَا كَا نَ ِلرَ سُو ٍل أَن َي ْأتِ يَ بِآيَةٍ ِإلّ
ن اللّهِ لِكُ ّل أَجَ ٍل ِكتَابٌ} [الرعد ،آية .]38 :يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلً مثبتًا في كتاب هم مؤخرون إلى وقت
بِإِذْ ِ
ذلك ال جل ،ثم قال ل هم :فإذا جاء ذلك ال جل يج يء ال ب من شاء م من قد د نا أجله ،وانق طع رز قه ..في قض ذلك في
خل قه ،فذلك محوه ،ويث بت ما شاء م من ب قي أجله ورز قه ..فيتر كه على ما هو عل يه فل يمحوه" (تف سير ال طبري:
.)13/170
ورجح بعضهم عموم المحو والثبات في جميع الشياء (انظر :فتح القدير .)3/88 :واعترض ابن جزي على من
قال بالعموم فـي تأويـل اليـة بقوله" :وهذا ترده القاعدة المتقررة أن القضاء ل يبدل وأن علم ال ل يتغيـر" (التسـهيل
.)2/136
ولكن قال الشوكاني :بأن القول بالعموم ل ينافي ذلك "لن المحو والثبات هو من جملة ما قضاه ال وقدره" (فتح
القدير.)3/88 :
ورجح القاسمي أن المراد :اليات (التي تسمى المعجزات) (انظر :تفسير القاسمي.)373-13/372 :
600
وان ظر أيضًا في تأو يل ال ية :تف سير البغوي ،23-3/22 :تف سير ا بن كث ير ،561-2/559 :تف سير اللو سي:
،172-169 /13السعدي /تيسير الكريم الرحمن.117-4/116 :
هذه أقوال مفسري المسلمين في تأويل الية ،لم يقل أحد منهم بمثل شناعة الرافضة.].
وقد بين ال تعالى في آخر الية أن كل ما يكون منه من محو وإثبات وتغيير ،واقع بمشيئته
ومسطور عنده في أم الكتاب [عبد الرزاق عفيفي /في تعليقه على الحكام للمدي( 3/111 :الهامش).].
إن نقض الخصم كلمه بنفسه ،من أبلغ النقض ،لنه يقضي على نفسه بسلحه ،وإن ظهور
تناقضه من أوضح أمارات بطلن معتقده ،وأنت تجد في كتب الثني عشرية روايات عن الئمة
ترمي من قال بالبداء بالخزي ،وتناقض ما سلف من روايات.
وهذه الروايات قد تكون روايات وثي قة ال صلة بعلماء آل الب يت لن ها ت عبر عن المع نى ال حق
وهو ما يليق بأولئك الصفوة ،وقد تكون من آثار الشيعة المعتدلة بقيت آثارها في كتب الثني
عشرية ،ول يبعد أن تكون هذه الروايات ستارًا وضعه أولئك الزنادقة على عقيدتهم في البداء.
وعلى أية حال فإن إثبات مثل هذه الروايات تبين مدى تناقض هذه الطائفة في رواياتها ،وأن
دين ها قائم على ال خذ بالجا نب الشاذ ،والمخالف للجما عة من أخبار هم ،لن ما خالف الجما عة
ففيه الرشاد كما هو قانون أولئك الزنادقة ،الذي يخرج من أخذ به عن الدين رأسًا.
جاء في كتاب التّوحيد لبن بابويه .." :عن منصور بن حازم قال :سألت أبا عبد ال – عليه
ال سّلم – هل يكون اليوم شيء لم ي كن في علم ال تعالى بال مس؟ قال :ل ،من قال هذا فأخزاه
ال ،قلت :أرأيـت مـا كان ومـا هـو كائن إلى يوم القيامـة أليـس فـي علم ال؟ قال :بلى ،قبـل أن
رقم ( ،)10وانظر قريبًا من هذا المعنى رواية أخرى يخلق الخلق" [التّوحيد :ص ،334أصول الكافي1/148 :
في الكافي( 1/148 :رقم .].)9
ول شك بأن عقيدة البداء بمقتضى معناها اللّغوي ،وبموجب روايات الثني عشريّة ،وحسب
تأويل بعض شيوخهم تقتضي أن يكون في علم ال اليوم ما لم يكن في المس.
وح سب الث ني عشر ية عارًا وفضي حة أن تن سب إلى ال حق جل شأ نه هذه العقيدة ،على ح ين
تبرئ أئمتها منها ،فإذا وقع الخلف في قول المام نسبت ذلك إلى ال ل إلى المام.
601
وإذا رجعـت إلى معتقدهـم فـي توحيـد اللوهيـة والربوبيـة ،والسـماء والصـفات ،وجدت أن
المام قد حل م حل الرب سبحانه في قلوب هم وعقول هم ،بتأث ير ذلك الركام المظلم من الخبار..
فعقيدة البداء أثر لغلوهم في المام.
الفصل الثامن
الطينة
هذه العقيدة من مقالتهم السرية ،وعقائدهم التي يتواصون بكتمانها حتى من عامتهم ،لنه لو
اطلع العامـي الشيعـي على هذه العقيدة "تعمـد أفعال الكبار لحصـول اللذة الدنيويـة ،ولعلمـه بأن
وبالها الخروي إنما هو على غيره" [انظر :النوار النعمنية.].1/295 :
وكانت هذه المقالة موضع إنكار من بعض عقلء الشّيعة المتقدّمين كالمرتضى وابن إدريس،
سنّة
لنّها في نظرهم وإن تسللت أخبارها في كتب الشيعة إل "أنّها أخبار آحاد مخالفة للكتاب وال ّ
والجماع فوجب ردّها" [النوار النّعمانيّة.].1/293 :
لكن هذه الخبار تكاثرت على مر الزمن حتى قال شيخهم نعمة ال الجزائري (ت 1112ه):
"إ نّ أ صحابنا قد رووا هذه الخبار بال سانيد المتكثّرة في ال صول وغير ها ،فلم ي بق مجال في
[النوار إنكارهـا ،والحكـم عليهـا بأنّهـا أخبار آحاد ،بـل صـارت أخبارًا مسـتفيضة ،بـل متواترة"
النّعمانيّة ،].1/293 :قال هذا في الرد على من أنكرها من شيوخهم السابقين.
والذي تولى كبر إرساء هذه العقيدة – فيما يظهر – هو شيخهم الكليني الذي بوّب لها بعنوان
"باب طينة المؤمن والكافر" ،وضمّن ذلك سبعة أحاديث في أمر الطّينة [أصول الكافي.].6-2 /2 :
ث مّ ما زالت تكثر هذه الخبار من بعد الكليني حتى سجّل منها شيخهم المجلسي سبعة وستّين
حديثًا في باب عقده بعنوان "باب الطّينة والميثاق" [بحار النوار.].276-5/225 :
وكأن القارئ يتطلع إلى معر فة تفا صيل هذه المقالة ال تي تج عل الشي عي يعت قد بأن كل بائ قة
يرتكب ها فذنب ها على أ هل ال سنة ،و كل ع مر صالح يعمله أ هل ال سنة فثوا به للشي عة ،ولذلك فإن
شيوخ الشيعة يكتمون ذلك عن عوامهم حتى ل يفسدوا عليهم البلد والعباد.
ويم كن أن ي ستنبط سبب القول بهذه العقيدة من ال سئلة ال تي وج هت للئ مة ،والشكاوى ال تي
رفعت إليهم ،فالشيعة يشكون من انغماس قومهم بالموبقات والكبائر ،ومن سوء معاملة بعضهم
لبعض ،ومن الهم والقلق الذي يجدونه ول يعرفون سببه.
ولكن يعزو إمامهم ذلك كله لتأثر طينة الشيعي بطينة السني في الخلقة الولى.
ولنستمع إلى بعض هذه السئلة المثيرة التي تكشف واقع المجتمع الشيعي المغلق:
روى ابن بابويه بسنده" :عن أبي إسحاق اللّيثي قال :قلت لبي جعفر محمد بن علي الباقر –
عل يه ال سّلم :-يا بن ر سول ال ،أ خبرني عن المؤ من الم ستبصر [يع ني الرّاف ضي ].إذا بلغ في
المعرفة وكمل هل يزني؟ قال :اللّه مّ ل ،قلت :فيشرب الخ مر؟ قال :ل ،قلت :فيأتي بكبيرة من
هذه الكبائر أو فاحشـة مـن هذه الفواحـش؟ قال :ل ،..قلت :يـا ابـن رسـول ال ،إنّي أجـد مـن
شيعتكـم مـن يشرب الخمـر ،ويقطـع الطّريـق ،ويخيـف السـّبيل ،ويزنـي ،ويلوط ،ويأكـل الرّبـا،
ويرتكب الفواحش ويتهاون بال صّلة وال صّيام ،والزّكاة ،ويقطع الرّحم ،ويأتي الكبائر ،فكيف هذا
ولِ مَ ذاك؟ فقال :يا إبراهيم ،هل يختلج في صدرك شيء غير هذا؟ قلت :نعم يا ابن رسول ال
أخرى أع ظم من ذلك ،فقال :و ما هو يا أ با إ سحاق؟ قال :فقلت :يا ا بن ر سول ال ،وأ جد من
أعدائكم ومناصبيكم [يشير إلى أهل السنة ].من يكثر من الصلة والصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين
ال حج والعمرة ،ويحرص على الجهاد ،ويأ ثر – كذا – على البر ،وعلى صلة الرحام ،ويق ضي
حقوق إخوانه ،ويواسيهم من ماله ،ويتجنب شرب الخمر والزنا ،واللواط وسائر الفواحش ،فما
ذاك؟ ولِ مَ ذاك؟ ف سّره لي يا ا بن ر سول ال وبره نه وبي نه ،ف قد وال ك ثر فكري وأ سهر ليلي،
وضاق ذرعي" [علل الشرائع :ص ،607-606بحار النوار.].229-5/228 :
603
هذا وا حد من ال سئلة والشكاوى ال تي تك شف انزعاج الشي عة من واقع هم المل يء بالمعا صي
والموبقات بالمقار نة بوا قع سلف هذه ال مة ،وأئ مة أ هل ال سنة ومع ظم عامت هم من ت قى وأما نة
وصلح ،وقد أجيب السائل بمقتضى عقدية الطينة وهي أن المعاصي الموجودة عند الشيعة هي
بسبب طينة أهل السنة ،والعمال الصالحة التي تسود المجتمع السني بسبب طينة الشيعي.
ويأ تي سائل آ خر يد عى إ سحاق الق مي فيقول ل بي جع فر البا قر" :جعلت فداك أرى المؤ من
الموحد الذي يقول بقولي ،ويدين ال بوليتكم ،وليس بيني وبينه خلف ،يشرب السكر ،ويزني،
ويلوط ،وآتيه في حاجة واحدة فأصيبه معبس الوجه ،كالح اللون ،ثقيلً في حاجتي ،بطيئًا فيها،
وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه ،ويعرفني بذلك [أي يعرف أ نه رافضي ،].فآتيه في حاجة،
فأصيبه طلق الوجه ،حسن البشر ،متسرعًا في حاجتي ،فرحًا بها ،يحب قضاءها ،كثير الصلة،
[علل الشرائع،490-489 : كثيـر الصـوم ،كثيـر الصـدقة ،يؤدي الزكاة ،ويُسـتودَع فيؤدي المانـة"
بحار النوار.].247-5/246 :
فهذا ال سائل يز يد عن سابقه بشكواه من سوء معاملة أ صحابه ،وجَفاء طبع هم ،وقلة وفائ هم،
على ح ين ي جد أ هل ال سنة و هم خ صومه أح سن له من أ صحابه وأق ضى للحا جة ،وأف ضل في
الخلق والمعاملة والعبادة.
وقريب من ذلك ما شكاه بعض الشيعة إلى أبي عبد ال فقال" :أرى الرجل من أصحابنا ممن
يقول بقولنا خبيث اللسان ،خبيث الخلطة ،قليل الوفاء بالميعاد فيغمني غمًا شديدًا ،وأرى الرجل
من المخالفين علينا حسن السمت ،حسن الهدي [الهدي :الطريقة ،السيرة (بحار النوار ،].)5/251 :وفيًا
بالميعاد فأغتم غمًا" [البرقي /المحاسن :ص ،138-137بحار النوار.].5/251 :
ويأتي سائل رابع يشكو ما يجده من قلق وهم ل يعرف له تفسيرًا .تقول روايتهم" :عن أبي
ب صير قال :دخلت على أ بي ع بد ال ،وم عي ر جل من أ صحابنا فقلت له :جعلت فداك يا ا بن
[بحار النوار ،5/242 :وعزاه إلى ر سول ال ،إ ني لغ تم وأحزن من غ ير أن أعرف لذلك سببًا"..
علل الشرائع :ص .].42
ويبدو أن مصدر القلق تلك العقيدة غير الواضحة والمستقرة التي تأخذ بها الروافض ،ولكن
"إمامه" يفسر هذا القلق بمقتضى عقيدة الطينة.
604
[تجدها في أبواب الطينة في الكافي والبحار ،وسيأتي «نماذج» أخرى هذه السئلة والشكاوى وغيرها كثير
فـي باب أثـر الشيعـة فـي العالم السـلمي ].تو ضح طبي عة التركي بة الشيع ية في نف سيتها ،وعلقات ها،
وخلقها ،ومعاملتها ودينها..
وقد احتال شيوخ الشيعة لمواجهة هذا الحساس الذي ينتاب بعض الصادقين من الشيعة ،إزاء
هذه الظواهـر المقلقـة والمخيفـة فكانـت محاولة الخروج مـن إلحاح هذه التسـاؤلت والشكاوى
بقولهم بهذه العقيدة.
[والجواب المذكور هو على السؤال الذي قالوا إنه سألهولنستمع إلى بعض الجوبة على تلك الشكاوى
إ سحاق الق مي ،و قد م ضى ن صه :ص( ،)958وبا قي الجو بة نكت في ب ما م ضى من إحالت علي ها ،خش ية الطالة
والتكرار ،لن ها تر جع في النها ية إلى مع نى وا حد ونتي جة واحدة غالبًا .].يقول (إمام هم) " :يا إ سحاق (راوي
الخبر) ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت :ل وال ،جعلت فداك إل أن تخبرني ،فقال :يا إسحاق،
إن ال – عز وجل – لما كان متفردًا بالوحدانية ابتدأ الشياء ل من شيء ،فأجرى الماء العذب
[أي نشح ماؤه ونشف( .بحار النوار/5/230 : على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها ،ثم نضب
هامش ].)3الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت ،فلو أن طينة
شيعت نا تر كت ك ما تر كت طينت نا ل ما ز نى أ حد من هم ،و سرق ،ول لط ،ول شرب الم سكر ول
اكت سب شيئًا م ما ذكرت ،ول كن ال – عز و جل – أجرى الماء المالح على أرض ملعو نة من
ح مأ م سنون [الح مأ :الط ين ال سود والمتغ ير ،والم سنون :المن تن( .بحار النوار ،5/247 :ها مش ،].)2و هي
طينة خبال [الخبال :الفساد ،النقصان( ،بحار النوار ،5/247 :هامش رقم ،].)3وهي طينة أعدائنا ،فلو أن
ال – عز و جل – ترك طينت هم ك ما أخذ ها لم ترو ها في خلق الدمي ين ،ولم يقرّوا بالشهادت ين،
ولم ي صوموا ولم ي صلوا ،ولم يزكوا ،ولم يحجوا الب يت ،ولم تروا أحدًا من هم بح سن خلق ،ول كن
ال – تبارك وتعالى – جمـع الطينتيـن – طينت كم وطينت هم – فخلطه ما وعركهمـا عرك الديـم،
ومزجه ما بالماء ين ف ما رأ يت من أخ يك من شر ل فظ ،أو ز نا ،أو ش يء م ما ذكرت من شرب
م سكر أو غيره ،ل يس من جوهري ته ول يس من إيما نه ،إن ما هو بم سحة النا صب اجترح هذه
السيئات التي ذكرت ،وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن خلق ،أو صوم ،أو صلة،
أو حج ب يت ،أو صدقة ،أو معروف فل يس من جوهري ته ،إن ما تلك الفاع يل من م سحة اليمان
اكتسبها وهو اكتساب مسحة اليمان.
قلت :جعلت فداك فإذا كان يوم القيا مة َفمَ هْ؟ قال لي :يا إ سحاق أيج مع ال الخ ير وال شر في
موضـع واحـد؟ إذا كان يوم القيامـة نزع ال – عزّ وجلّ – مسـحة اليمان منهـم فردّهـا إلى
605
سيّئات فردّها على أعدائنا ،وعاد كلّ شيء
شيعتنا ،ونزع مسحة النّاصب بجميع ما اكتسبوا من ال ّ
إلى عنصره الوّل.
قلت :جعلت فداك تُؤخذ حسناتهم فتردّ إلينا ،وتُؤخذ سيّئاتنا فتر ّد إليهم؟ قال :إي وال الذي ل
إله إل هو [علل الشّرائع :ص ،491-490بحار النوار.].248-5/247 :
هذه عقيدة الطينة عندهم ،وقد جاء في سياق رواية القمّي في أوّلها قوله" :خذ إليك بيانًا شافيًا
فيما سألت ،وعلمًا مكنونًا من خزائن ال وسرّه" [علل الشّرائع :ص ،607بحار النوار.].5/229 :
وجاء في خاتمتها" :خذها إليك يا أبا إسحاق ،فوال إنّه َلمِن غرر أحاديثنا ،وباطن سرايرنا،
ومكنون خزائننا ،وانصرف ول تطلع على سرّنا أحدًا إل مؤمنًا مستبصرًا ،فإنّك إن أذعت سرّنا
بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك" [علل الشّرائع :ص ،610بحار النوار.].5/233 :
فهي – كما ترى – عقيدة سرية في إبّان قوة الدولة السلمية ،يؤكّد على سريتها في بدايتها
ونهايتها ،فهل خطر ببال مخترع هذه العقيدة أنها ستقع في أيدي أهل السنة ،ويعلنونها أمام المل
كإحدى الفضائح..؟
أولً :إن هذه الرّوايات ناقضـت نفسـها بنفسـها ،فالشّيعـي كمـا ترى فـي عرض الشّكاوى
وال سئلة هو أغرق في الجري مة ،وأك ثر إيغالً في المعا صي والموبقات ،وأ سوأ معاملة ،وأردأ
خلقًا ودينًا ،فكيف يكون مَنْ هذه حاله أفضل طينة ،وأطهر خلقة؟
ثالثًا :ناقضت الشّيعة في أخبار الطّينة مذهبها في أفعال العباد؛ ل نّ مقتضى هذه الخبار أن
يكون العبد مجبورًا على فعله وليس له اختيار له؛ إذ أفعاله بمقتضى الطّينة .مع أ نّ مذهبهم أ نّ
العبد يخلق فعله كمذهب المعتزلة [انظر :ص( ،)638وما بعدها.].
رابعًا :تقرر أخبار طينتهـم « أن موبقات الشيعـة وأوزارهـا يتحملهـا أهـل السـنة ،وحسـنات
الم سلمين جميعًا تع طى للشي عة ،وهذا مخالف للعدل الرّبا ني ول يت فق مع الع قل ال صريح ول
الفطرة ال سليمة ،فضلً عن ن صوص الشرع وأ صول ال سلم ،قال تعالى{ :وَل َت ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ
606
ئ بِمَا
خرَى} [النعام ،آيـة ،164 :فاطـر ،آيـة ،18:والزّمـر ،آيـة ،].7:وقال – عز و جل ُ { :-كلّ ا ْم ِر ٍ
أُ ْ
[الطّور :آ ية: سبَتْ رَهِي َنةٌ}
س ِبمَا كَ َ
كَ سَبَ رَهِي نٌ} [الطور :آ ية .].21 :وقال – عز وجل ُ { :-ك ّل نَفْ ٍ
شرّا َيرَهـُ}
َهـ ،وَم َن يَ ْع َملْ ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ
خ ْيرًا يَر ُ
،].21وقال – تعالى { :-فَم َن يَ ْع َملْ ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ
ْمـ ا ْل َيوْمـَ}
ظل ََسـبَتْ ل ُ
ْسـ بِمَا ك َ
جزَى ُك ّل نَف ٍ
ْمـ تُ ْ
[الزلزلة ،اليتان ،].8 ،7 :وقوله – سـبحانه { :-ا ْليَو َ
[غافر ،آية ].17 :وغيرها كثير.
وهذه المقالة ظاهرة البطلن ،يكفي مجرد تصورها لمعرفة فسادها ،وهي من فضائح المذهب
الثني عشري وعوراته.
ول يستحي الشيعة إلى اليوم من التجاهر بهذه العقيدة وإعلنها ،فتجد أخبار هذه «الفرية» في
[بحار النوار،5/233 : بحار النوار [النوار النّعمانيّـة ،1/287 :تعليقـه رقـم( ،].)1والنوار النّعماني ّة
هامش ( ،].)3يعلق عليها المحقق الشيعي بما يؤكد رضاه عن هذه الساطير واعتقادها.
607
الجزء الثالث
الباب الرابع
الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم
ويشتمل علي أربعة فصول:
الفصل الول :الصلة في مصادر التلقي.
الفص الثاني :صلتهم بالفرق القديمة.
الفصل الثالث :الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين.
الفصل الرابع :دولة اليات.
الباب الرابع
الشعية المعاصرون وصلتهم بأسلفهم
تمهيد:
سأتناول بمشيئة ال في هذا الباب بيان مذهب المعاصرين من الثني عشرية ،ولذلك ل تجد فيه إل
كلم هؤلء المعاصرين ،اللهم إل ما جاء عرضا في مناقشة بعض القوال ،وأعني بالمعاصرين ،من
عاش في المائة سنة الخيرة من زمننا.
وسأوضح مدى موافقتهم ورضاهم عن مصادرهم القديمة التي ورد فيها تلك الطامات التي مرّ ذكر
جملة منها.
ونوع علقتهم بالفرق الشيعية القديمة ،وهل هي علقة رضى وقبول أو رفض وإنكار؟
ثم أوضح جملة من آرائهم العقدية؛ ليتبين من خللها هل حدث تغير في المذهب الثني عشري في
هذا العصر.
ثم يكون الحديث بعد هذا عن "دولة اليات" وحقيقة التشيع من خللها.
الفصل الول
الصلة في مصادر التلقي
إن وحدة مصادر التلقي هي العامل الول والخير في اتفاق العتقاد والوجهة عند أية طائفة من
الطوائف ..وهي التي تصل اللحقين بالسابقين.
والشعية المعاصرون قد اعتمدوا في التلقي على أصولهم القديمة المجموعة في الكتب الربعة
الولى ،وهي :الكافي ،والتهذيب ،والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه .كما قرر ذلك طائفة من
608
[أعيان شيوخهم كآغا بزرك الطهراني في الذريعة [الذريعة ،].17/245 :ومحسن المين في أعيان الشيعة
الشيعة ،].1/280 :وغيرهما [انظر :مقدمة سفينة البحار.].
قال شيخهم وآيتهم في هذا العصر عبد الحسين الموسوي عن كتبهم الربعة" :وهي :الكافي
والتهذيب والستبصار ومن ل يحضره الفقيه ،وهي متواترة ،ومضامينها مقطوع بصحتها ،والكافي
أقدمها وأحسنها وأتقنها" [المرجعات :ص ( 311المراجعة .].)110
فبعد هذا هل يختلف المعاصرون عن طبقة الكليني وأمثالها من الغابرين وهم يرجعون إلى َمعِين
واحد ومصدر واحد؟
بالطبيعي لن يختلفوا ،ول سيما في الصول الساسية ،لكن المر لم يقتصر على هذا الحد.
بل عدّ شيوخهم المعاصرون ما جمعه متأخروهم في القرن الثاني عشر والثالث عشر والتي كان
آخرها ما جمعه شيخهم النوري المتوفى سنة (1320ه) في مستدرك الوسائل – عدوها مصادر للتلقي
سموها "الكتب الربعة المتأخرة" ،وبغض النظر عن اعتمادهم لروايات سجلت في القرن الرابع عشر
عن الئمة في العصر الول.
وما يقال في ذلك ،فإن تلك الكتب – ما عدا مستدرك الوسائل – قد ألفت وجمعت إبان الحكم
الصفوي ،لذلك حوت من الغلو والبلء ما لم يخطر ببال الشيعة السابقين كما ترى في البحار
للمجلسي ،وأصبحت – مع ذلك – عمدة عند شيعة هذا العصر ،وهذا يعني بطبيعة الحال تطورا
خطيرا عند المعاصرين ينقلهم إلي دركات من الضلل والتطرف.
وليس ذلك فحسب ،بل إن المعاصرين اعتمدوا عشرات المصادر التي وصلتهم منسوبة لسابقيهم
واعتبروها في المنزلة والحتجاج كالكتب الربعة الولى .كما تجد ذلك في مقدمات تلك المصادر،
وهذا منهم متابعة لشيخ الدولة الصفوية المجلسي الذي عدها في "بحاره" بهذه المنزلة.
وليس هذا فقط ،بل إن بعض المصادر السماعيلية قد أصبحت عمدة عند المعاصرين من الثني
عشرية مثل كتاب "دعائم السلم" للقاضي النعمان بن محمد بن منصور ،المتوفى سنة (363ه) وهو
[قال الشيعي الثنا عشري ابن شهراشوب (588ه): إسماعيلي كما تؤكد ذلك بعض مصادر الثني عشرية نفسها
القاضي النعمان بن محمد ليس بإمامي (معالم العلماء ص .)139وأنت تلحظ أن الثني عشرية -كما سلف -تعتبر من ينكر
إماما من الئمة كمن جحد كمن جحد نبوة أحد النبياء ،أي :أنه كافر ،والسماعيلي ينكر إمامة كل الئمة بعد جعفر الصادق..
ومع ذلك تتلقى الثنا عشرية عن السماعيلية ،ومعنى ذلك أنها تتلقى دينها من كفار .].ومع ذلك فإن كبار شيوخهم
المعاصرين يرجعون إليه [مثل الخميني في كتابه "الحكومة السلمية" انظر :ص 67من الحكومة.].
ويشيـر بعـض علماء الثنـي عشريـة المعاصـرون إلى وحدة الصـل فـي التلقـي بيـن السـماعيلية
والث ني عشر ية فيقول" :وإذا لم ي كن الفاطميون على المذ هب الث ني عشري فإن هذا المذ هب قد اشتد
أزره ووجد منطلقا في عهدهم فقد عظم نفوذه ونشط دعاته ...ذلك أن الثني عشرية والسماعيلية وإن
609
اختلفوا من جهات ،فإنهم يلتقون في هذه الشعائر بخاصة في تدريس علوم آل البيت والتفقة بها وحمل
الناس عليها [محمد جواد مغنية /الشيعة في الميزان :ص .].163
وقد جاء في دائرة المعارف عن انفتاح الثني عشرية على الغلة هذا القول" :على أن الحدود لم
تقفل تماما أمام الغلة ،يدل على ذلك التقدير الذي دام طويلً للكتاب الكبر للسماعيلية وهو كتاب
"دعائم السلم" " [دائرة المعارف السلمية.].14/72 :
[من المثلة لذلك ومن يطالع بعض الكتب السماعيلية يرى وفاقا في جملة من الروايات بين الطائفين
أنه يرد حديثهم "من لم يؤمن برجعتنا فليس منا" في كتب السماعيلية .انظر :ص 49من مسائل مجموعة ضمن كتاب "أربعة
كتب إسماعيلية" ،كما جاء ذلك في كتب الثني عشرية :ص .].46
وهذا كله يع ني أن هذه الطائفة في الع صر الحا ضر قد وض عت نف سها في ب حر مظلم عم يق تتقلب
بها أمواجه ،حينما ارتضت أن تضع معظم ما وصلها من كتب السابقين مصادر معتمدة لها.
وقد قامت في هذا العصر حركة نشطة لبعث التراث العشبي القديم وتعريف الناس به وترويجه
بينهم .وهذا التراث مليء بالطعن في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،ومليء باللعن
والتفكير والتخليد بالنار لرجال الصدر الول للسلم ،وفي مقدمتهم الخلفاء الثلثة ،وبعض أمهات
المؤمنين ومن معهم المهاجرين والنصار ممن رضي ال عنهم ورضوا عنه بنص القرآن.
وحركة النشر هذه قام بها علماء من أشهر مجتهدي الشيعة في هذا العصر وعلى كثير من هذه
الكتب تصحيحاتهم ،وتعليقاتهم وتقريضاتهم ،ومع هذا لم نر اعتراضا ول انتقادا من أحد منهم لما في
هذه الكتب من كفر وإلحاد ،أليس في ذلك إقرارا من هؤلء لما فيها؟
وقد توجه د .علي السالوس إلي أحد علماء الشيعة المعاصرين وسأله عن رأيهم فيما اشتمل عليه
أصول الكافي من روايات طافحة بالغلو فأجابه – كتابة بخطه :-
"أما الروايات التي ذكرها شيخنا الكليني في كتابة الكافي فهي موثوقة الصدور عندنا ..وما ورد في
الكافي أن الئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملئكة والنبياء والرسل ،وأنهم إذا شاء أن
يعلموا علموا ،ويعلمون متى يموتون ول يموتون إل باختيار منهم ،ويعلمون علم ما كان وما يكون
ول يخفى عليهم الشيء ،لشك أنهم أولياء ال وعباده الذين أخلصوا في الطاعة ،ثم ذكر قولً عن
[حديث لكاظم الكفائي نشرة علي السالوسي بخط الكفائي. أئمتهم وهو" :قولوا فينا ما شئتم ونزهونا عن الربوبية"
(انظر :فقة الشيعة :ص .].)265
وهذا ل يحتاج إلى تعليق إذ أقر وصف أئمته بما ل ينبغي إل للخالق جل شأنه ،وليس هذا هو رأي
الكفائي وحده في مضامين أصول الكافي المتضمنة للغلو في الئمة ،بل للخنيزي الذي ألف كتابا يدعو
[أبو فيه إلى وحدة أهل السنة والمامية جواب عن هذه المسائل ل يخالف جواب الكفائي في حقيقته
الحسن الخنيزي /الدعوة السلمية ،].28-1/27 :مع أنه يقرر ذلك في كتاب قد وضع بأسلوب التقية؛ لنه
610
منشور للدعوة للوحدة المزعومة بينهم وبين أهل السنة ،والتي هي في حقيقتها تبشير بالرفض في
صفوف أهل السنة.
وكذلك أجاب شيخهم الخر لطف ال الصافي على محب الدين الخطيب الذي عرض في خطوطه
العريضة بعض عناوين أبواب أبواب الكافي الطافحة بالغلو [انظر الخطوط العريضة :ص ،].29فقال
الصافي :بأن البواب المعنونة في الكافي ليست إل عناوين لبعض ما ورثوا عن جدهم رسول ال
صلى ال عليه وسلم [مع محب الدين في خطوطه العريضة :ص .].149
بل إن تلك المصنفات التي حوت ذلك الغلو هي موضع الفخر والتباهي عند المعاصرين.
استمع لحد آياتهم يتحدث عما تركه أئمته من آثار تدل بزعمه على إمامتهم يقول" :إن لهم آثارا
تدل على تلك المامة المقصودة ،ول أريد أن أدلك على مجاميع عديدة رويت عنهم وألفت في
عصورهم أو ما قاربها ..أمثال تحف العقول ،وبصائر الدرجات ،والخرائج والجرائح ،واحتجاج
الطبرسي ،والخصال والتوحيد للصدوق ..إلى ما يكثر تعداده .بل إنما أريد أن أدلك على أثر واحد
جامع ،وفيه القدح المعلى لكل إمام ،أل وهو أصول الكافي لثقة السلم محمد بن يعقوب الكليني ،وقد
ألّف هذا الكتاب النفيس في عشرين عاما وأثبت فيه لكل إمام في كتبه وأبوابه من الحاديث ما ينبيك
على أن ذلك الفرات السائغ يمتد من ينبوع الفيض اللهي ،وإن الناس فارغة الحقائب عن مثل تلك
النفائس" [الشيعة والمامة /لمحمد رضا المظفر :ص .].101
[مع ثم مضى يعظم من أمر أصول الكافي حتى طلب من القارىء أن يراجع أبوابه ليعرف الحقيقة
محب الدين الخطيب في خطوطه العريضة :ص .].102
وقد ثبتت الحقيقة – فيما مر من فصول – أن هذا الكافي قد جمع من الغلو والكفر ما ل يخطر
بالبال ،ويكفي النظر في أبوابه فضلً عن مراجعة أخباره.
الفصل الثاني
صلتهم بالفرق القديمة
ما صلة هؤلء بالفرق الشيعية القديمة التي يرد ذكرها في كتب الفرق والمقالت؟
لقد لحظت أن شيوخ الشيعة المعاصرين و"آياتها" إذا تحدثوا عن طائفتهم ورجالها ودولها نسبوا
لها كل الفرق والدول والرجال المنتمين للتشيع ،وإن كانوا من السماعيلية والباطنية ،أو من الزنادقة
الدهرية ،أو من المجسمة الغلة.
فهم إذا تحدثوا – مثلً -عن دول الشيعة ذكروا الدولة الفاطمية في صدر دولهم مع أنها غير اثني
[انظر :الشيعة في الميزان ،مبحث دول الشيعة :ص 127وما بعدها ،وانظر :أعيان الشيعة ،45-1/44 :وانظر :دول عشرية
الشيعة /لمحمد جواد مغنية.].
611
وإذا جاء ذكر رجالهم رأيت منهم كثيرا من رؤوس الضلل والزندقة ممن تنسب إليهم فرق خاصة
ليست من الثني عشرية ،بل تحمل النسبة لسمائهم بأعيانها.
لهذا ترى – على سبيل المثال – شيخ الشيعة محسن المين يقول عن الهشامية أتباع هشام بن
الحكم ،واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي ،والشيطانية أتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق
[أعيان الشيعة وغيرهم" :أنهم عند الشيعة المامية كلهم ثقات صحيحو العقيدة فكلهم إمامية واثنا عشرية"
.].1/21
بل الخطر من ذلك أننا نجد الثني عشرية تحاول أن تحتضن كل فرقة تنتسب إلى التشيع ،وإن
كانت من فرق الكفر باعتراف كتب الشيعة القديمة نفسها.
فتلحظ -مثلً – أنهم يضفون صفة الشرعية على بعض الغلة الكفرة باتفاق المسلمين كالنصيرية.
وقد كتب أحد علماء الثني عشرية المعاصرين وهو المدعو حسن الشيرازي رسالة سماها
(العلويون شيعة أهل البيت) -والعلويون لقب للنصيرة -وذكر في رسالته هذه أنه التقى بالنصيريين
في سوريا ولبنان ،وذلك بأمر من مرجعهم الديني محمد الشيرازي وقال :بأنه وجدهم كما يظن من
شيعة أهل البيت الذين يتمتعون بصفاء الخلص وبراءة اللتزام بالحق ،وينتمون إلى علي بن أبي
طالب بالولية ،وبعضهم ينتمي إليه بالولية والنسب ...وقال بأن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان
مثل كلمتي المامية والجعفرية [حسن الشيرازي /العلويون شيعة أهل البيت :ص .].3-2
هذا ولم ينكر على هذا الشيرازي أحد من شيوخ الثني عشرية ،مع أنه قد عرف واشتهر عن
النصيرية الكفر والزندقه [انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية 35/145 :وما بعدها ،].بل إن كتب الشيعة
القديمة تكفر النصيرية وتعتبرها فرقة خارجة عن السلم [انظر ذلك في بحار النوار.].25/285 :
والمعاصرون يرونها من الجعفرية وإن تسمت بغير هذا السم .وذهب بعض كبار مراجع الشيعة
في هذا العصر إلى أنه ل يوجد اليوم على ظهر الرض فرقة من الفرق الغالية مع وجود النصيرية
والدروز والغاخانية وغيرها ،فكأنه يحكم علية بعدم الغلو.
يقول محمد حسين آل كاشف الغطا:
[أصل الشيعة وأصولها ص ،38وانظر: "إن جميع الفرق الغالية قد بادت ول يوجد منها اليوم نافخ ضرمة"
دعوة التقريب :ص .].75
وقد علق د .سليمان دنيا –رحمة ال -على ذلك بقوله" :فيما يكون الغاخانية ،أليسوا قائلين
بالحلول؟! أم ليسوا مع قولهم بالحلول ملحدة؟! أم ليسوا منتسبين إلى الشيعة ،ثم أليسوا على رقعة
الرض اليوم [بين السنة والشيعة :ص .].37
والواقع أن أسماء الكثير من الفرق الشيعية قد اختفى وبقيت آراؤها وعقائدها في كتب الثني
عشرية.
612
والمعاصرون اليوم حينما يقررون أن الكتب الثمانية وما في منزلتها هي مصادرهم في التلقي ،إنما
هم بهذا يرتضون كل آراء وعقائد الفرق الشيعية التي وجدت علي مدار التاريخ ..ذلك أن هذه
المدونات هي النهر الذي انسكبت فيه كل الجداول والروافد الشيعية الخرى ،وهذه حقيقة واقعة
شواهدها كثيرة؛ حيث نلحظ أنه ما من عقيدة من عقائد تلك الفرق إل ولها شاهد ودليل في كتب
الثني عشرية.
[انظر :الشهرستاني /الملل والنحل: فأنت تلحظ أن عقيدة البداء اعتبرها أصحاب الفرق من عقائد الغلة
[المختارية :أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي ،ومن مذهبه أنه يقول بالبداء على ال تعالى ونسبوها للمختارية ].1/173
(الملل والنحل .)148-1/147 :وانظر :التعريف بالكيسانية ،].ومع ذلك -كما مر -قد ورد في صحيحهم الكافي
ستة عشر حديثا في البدء ،وفي البحار في باب البدء والنسخ أكثر من سبعين حديثا ،وصار البداء من
عقائد الثني عشرية ،وإن حاول شيوخهم أن يلتمسوا مخلصا لينجو من تكفير المسلمين لهم لقولهم
بهذه العقيدة الضالة.
ومثل ذلك عقيدة الرجعة اعتبروها من عقائد الغلة.
وقد ذكرت كتب السنة ،واعترفت الكتب الثني عشرية أن الرجعة من أصول عقيدة ابن سبأ ،ومع
ذلك هي من أصول عقائد الثني عشرية [انظر :فصل الرجعة.].
وعقيدة "تأليه الئمة" هي من عقائد الفرق الغالية كالسبئية وغيرها ،وتجد عند الثني عشرية في
الكافي والبحار ،وفي كتب التفسير بالمأثور كتفسير القمي والعياشي ،وكتب الرجل كرجال الكشي
نصوصا كثيرة تؤله الئمة -كما مر نقل بعضه .-
ومسألة تفضيل الئمة على النباء كان مذهبا لغلة الروافض ،كما قرر ذلك المام عبد القاهر
البغدادي (ت 429ه) ،والقاضي عياض (544ه) ،وشيخ السلم ابن تيمية (ت 728ه) ،فورثت هذه
العقيدة طائفة الثني عشرية [انظر :ص( )614من هذه الرسالة.].
وبسط هذا الموضوع يحتاج لبحث مستقل ،وإن دراسة آراء الفرق الشيعية القديمة ومقارنتها بما
جاء في كتب الثني عشرية ومدوناتهم لهي دراسة جديدة تكشف الصلت بين هذه الطائفة والفرق
القديمة.
لقد تسللت آراء الفرق الشيعية الغالية إلى كتب الثني عشرية على شكل روايات منسوبة للئمة
وارتضى ذلك المعاصرون.
وكان السبب وراء حدوث هذا "التسرب" هو شيوخ الشيعة أنفسهم الذين حملهم التعصب على قبول
رواية الشيعي أيًا كان مذهبه والعراض عن رواية ما يسمونهم بالعامة وهم "أهل السنة" .وقد اعترف
شيخهم الطوسي بأن معظم رجالهم في الحديث من أصحاب المذهب الفاسدة ،ومع ذلك قال بأن كتبهم
معتمدة .ومن يراجع تراجم رجالهم يلحظ ذلك ..حيث فيهم الواقفي ،والفطحي [انظر :فصل السنة..].
وغيرهما.
613
وقد أقر بعض مفكري الشيعة في العصر الحاضر بأن الفكر الثني عشري قد استوعب آراء
وعقائد الفرق الشيعة القديمة ،حيث قال" :ولكن يجب أن نشير قبل أن نضع القلم بأن ما مر بنا من
أفكار الشيعة مما كان خاصا بفرقة بعينها لم يلبث أن دخل كله في التشيع الثني عشري ودعم بالحجج
العقلية وبالنصوص .والتشيع الحالي إنما هو زبدة الحركات الشيعية كلها من عمار إلى حجر بن عدي
إلى المختار وكيسان إلى محمد بن الحنفية وأبي هاشم إلى بيان ابن سمعان ،والغلة الكوفيين إلى
الغلة من أنصار عبد ال بن الحارث إلى الزيديين والسماعيليين ،ثم المامية التي صادرت اثنا
[مصطفى الشيبي /الصلة بين التصوف والتشيع :ص عشرية ،وقام بعملية المزج متكلمو الشيعة ومصنوفها"
.].235
إذن التشيع الحالي قد استوعب خلصة التجاهات الشيعية بكل ما فيها من غلو وتطرف .حتي
رأينا النزعة السبئية بكل غلوها في علي تطل علينا من خلل رويات الثني عشرية ،يدرك هذا من
راجع مجرد عناوين أبواب الكافي والبحار.
كما أن التجاه الباطني واضح في كتب الثني عشرية من خلل تأويلهم ليات القرآن وأركان
السلم وما قالوه في التقية والكتمان ..فأصبحت الثنا عشرية هي المصب الخير لكل الروافد
الشيعية بكل ما فيها من شطحات ،ويجد كل صاحب غلو وتطرف بغيته وما يؤيد مذهبه في كتب هذه
الطائفة.
ولقد صدر إقرار خطير ،وبيان مثير من أكبر شيخ من شيوخهم المعاصرين في علم الرجال
يتضمن العتراف بتغير المذهب وتطوره ،وأن ما عليه المذهب الثنا عشري في العصر الحاضر
يعتبر غلوًا وتطرفًا عند قدماء الشيعة ،وأن شيعة العصر الحاضر يعتقدون عقائد يرونها من
ضرورات المذهب وأركانه ،وهي عند قدماء السيعة من الغلو والكفر.
[عبد ال بن محمد حسن الممقاني ،من كبار شيوخ الشيعة ،ولد بالنجف سنة يقول هذا الشيخ وهو عبد ال الممقاني
(1290ه) وتوفي بها سنة (1351ه) .ومن كتبه" :تنقيح المقال في عالم الرجال" في ثلثة مجلدات( .معجم المؤلفين].)6/116 :
في معرض دفاعه عن المفضل بن عمرو الجعفي فيما رمي به من قبل بعض علماء الشيعة القدماء،
يقول" :إنا قد بينا غير مرة أن رمي القدماء الرجل بالغلو ل يعتمد عليه ول يركن إليه لوضوح كون
القول بأدنكى مراتب فضائلهم (يعني الئمة) غلوا عند القدماء ،وكون ما نعده اليوم من ضروريات
مذهب التشيع غلوا عند هؤلء ،وكفاك في ذلك عدّ الصدوق نفي السهو عنهم غلوًا ،مع أنه اليوم من
ضروريات المذهب ،وكذلك إثبات قدرتهم على العلم بما يأتي (أي علم الغيب) بتوسط جبرائيل والنبي
غلوا عندهم ومن ضروريات المذهب اليوم" [تنقيح المقال ،3/240 :وانظر :ص( )374–373من هذه الرسالة.].
من هذا النص يتبين أن شيعة العصر الحاضر لم يكتفوا بمتابعة سابقيهم حتى زادوا عليهم في الغلو
والتطرف حتى أن شيوخ الشيعة في القرن الرابع كالصدوق وغيره يرون أن من يعتقد أن الئمة ل
يسهون ،أو أن الئمة يعلمون ما يأتي أو حسب عبارة الكليني :يعلمون ما كان وما يكون ،ول يخفى
614
عليهم الشيء .من يعتقد هذه العقائد وأمثالها هو في نظر كبار شيوخ الشيعة في ذلك العصر من الغلة
الذين ل تقابل رواياتهم عن الئمة ،ولكن المذهب تغير وأصبح ذلك اليوم من ضرورات مذهب
التشيع ،كما يعترف الممقاني ،ومعنى هذا أن الشيعة المتقدمين يعتبرون -بناء على ذلك –
المعاصرين من الغلة ول يثقون بأقوالهم.
ولحظ أن الحكم بغلو أصحاب هذه العقائد صدر من قبل شيوخ الشيعة ل من قبل علماء السنة ،ثم
إن هذا رأيهم في القرن الرابع بعدما تغير التشيع وتطور ،فكيف يكون موقف الشيعة الول الذين كان
تشيعهم هو في تقديم علي على عثمان فقط؟!
ولعل هذه الظواهر هي التي دعت الشيخ محب الدين الخطيب يحكم بأن مدلول الدين عند الشيعة
يتطور ،وأشار في هذا إلى كلم الممقاني السالف الذكر ،ثم قال" :هذا تقرير علمي في أكبر وأحدث
كتاب لهم في الجرح والتعديل يعترفون فيه بأن مذهبهم الن غير مذهبهم قديما ،فما كانوا يعدونه قديما
من الغلو وينبذونه وينبذون أهله بسبب ذلك صار الن -أي الغلو – من ضروريات المذهب،
فمذهبهم اليوم غير مذهبهم قبل الصفويين ،ومذهبهم قبل الصفويين غير مذهبهم قبل ابن المطهر.
ومذهبهم قبل ابن المطهر غير مذهبهم قبل آل بويه ،ومذهبهم قبل آل بويه غير مذهبهم قبل الشيطان
[هامش الطاق ،ومذهبهم قبل شيطان الطاق غير مذهبهم في حياة الحسن والحسي وعلي بن الحسين"
المنتقى :ص .].193
الفصل الثالث
الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين
ومادامت وحدة المصدر في التلقي موجودة ،فهل نحتاج للحديث عن الصلة العقدية بين القدامى
والمعاصرين ،ول سيما أن تلك المصدر قد استوعبت – كما بينا – معظم ما تناقلته كتب الفرق
والمقالت من آراء غلة الشيعة ،وما لم تنقله؟!
فهل هناك من داع لدراسة هذه الصلة العقدية؟
الواقع أن هناك حاجة ..ذلك أن المعاصرين قد أكثروا من طبع الكتيبات والرسائل ،وبعث الدعاة
للعالم السلمي ..لبيان أن مذهب الشيعة ل يختلف عن مذهب أهل السنة ..وأن هذه الطائفة مظلومة
مفترى عليها من قبل الخصوم والعداء ،فنسب إليها عقائد وأقول هي بريئة منها ..ونشط دعاة منهم
للدعوة للتقريب بين أهل السنة والشيعة ،ورفعت شعارات الواحدة السلمية ..وأقيمت مراكز وألفت
كتب ،وتخصص دعاة لهذا الغرض..
وقيل بأن المعاصرين قد تخلوا عن ذلك التطرف والغلو المعهود عند سابقيهم.
وأنه قد آن الوان لن تلتقي السنة والشيعة على كلمة سواء فكيد العداء كبير ووضع العالم
السلمي خطير.
615
ثم ما أكثر ما يقول بعض شيعة العصر الحاضر حينما تقول لهم بأن عندكم حديث يقول بكذا ،أو
أن شيخكم فلن يقول بكذا ..فيقولون :ليس كل ما ورد في كتبنا نرتضيه.
أو ما يقول به الشيخ فلن هو المسؤول عن قوله ول حجة إل في كلم المعصوم.
أو يقولون بأن أهل السنة يقولون مثل ذلك ،وكثيرا ما يفترون ويتجاوزون ويتحايلون في هذا بشكل
عجيب ،ولهذا دعت الحاجة لبيان رأي المعاصرين في القضايا الساسية والخطيرة التي تفصل بينهم
وبين الجماعة ،أو تحول بينهم وبين السلم.
وهناك أقلم شيعية كثيرة قد وظفت للكتابة للعالم السلمي ،والرد على ما يثار حول الشيعة،
وأعطتهم عقيدة التقية حرية القول وإطلق الحكام بل تأثم بينما هناك كتب خاصة ل تنشر في العالم
[مثل كتاب "فصل الخطاب" للمجوسي النوري الطبرسي ،وبعض أجزاء بحار النوار ،وكتاب "نبوة أبي طالب" السلمي
تأليف الرافضي مزمل حسين المثيمي الغديري ،الحوزة العلمية "قم" وغيرها.].
أو بعبارة أخرى أن هناك وجها ظاهرا للثني عشرية تقدمه وسائل العلم الشيعية المختلفة
للترويج للمذهب ونشره في العالم السلمي ،ووجه باطن ل يظهر إل في الحوزات العلمية وفي
المجتمعات الشيعية ،وفي أمهات مصادرهم كالكافي وتفسير القمي.
وقد صدّق من صدّق ذلك السلوب "الدعائي" أو الوجه المعلن ..وتأثر بذلك من تأثر ..ووجد
التشيع طريقه إلى قلوب أعداد غير قليلة من شباب العالم السلمي ،والمنتسبين للحركات السلمية،
الذين أرق عيونهم الواقع المفجع للعالم السلمي ،فطفقوا يبحثون عن طريق ومخلص ..وكانت
صورة العدو الظاهر أمامهم بكل غطرسته وكيده قد حجبت عنهم العدو الكامن بينهم ،والمتستر
بإسلمهم فصدقوا ما يقال ..وتعجلوا الخطى ..وظنوا أن كل ما يقال من خلف بين السنة والشيعة هي
ضجة مفتعلة ،ل رصيد لها من الواقع [انظر :السنة والشيعة ضجة مفتعلة.].
ولذلك لبد من استماع لما يقوله شيوخ الشيعة المعاصرون في عقائدهم الخطرة التي تفصل بينهم
وبين المسلمين ،وسأختار من هذه الراء ما فيه دعوى جديدة أو تغيير ،أو زيادة تطور وغلو عما
مضى ذكره عن سابقيهم لتتضح مدى صلة السابقين باللحقين وذلك من خلل المباحث التالية:
المبحث الول
عقيدة المعاصرين في كتاب ال
ونتحدث عن ذلك في مجالين:
المجال الول:
ما امتلت به كتب الشيعة من أساطير تقول بأن في كتاب ال نقصا وتحريفا.
616
وما تفوه به بعض زنادقتهم من القول بهذا مما عرضنا له فيما سبق ..فماذا يقول شيعة العصر
الحاضر عن هذه القضية التي تحول بينهم وبين السلم ..وهم يسطون في الدعوة للتقارب مع أهل
السنة ..ويرفعون شعار الوحدة السلمية؟!
المجال الثاني:
ماذا يقول شيعة العصر الحاضر عن ذلك التأويل الباطني لكتب ال والذي هو تحريف لمعناه
وإلحاد في آياته ..والذي يجعل من كتاب ال كتابا آخر غير ما في أيدي المسلمين مما عرضنا صورة
له فيما سلف.
المجال الول:
نستطلع فيما يلي آراء المعاصرين في "فرية التحريف" التي شاع الحديث عنها في كتب لشيعة.
فمإذا نجد؟
نجد وجوها أربعة مختلفة:
الوجه الول :إنكار وجودها في كتبهم أصلً.
الوجه الثاني :العتراف بوجودها ومحاولة تبريره.
الوجه الثالث :المجاهرة ،والحتجاج علي هذا الفتراء.
الوجه الرابع :التظاهر بإنكار هذه الفرية ،ومحاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية.
617
[يقول صاحب عقيدة الشيعة في دفاعه عن الكليني" :النقص ل يدعيه أحد من الكليني الذي هو أحد أعمدة هذا الكفر
علماء المامية حتى ثقة السلم المام الكليني رضي ال عنه (!) فإنه يعتقد بنزاهة القرآن وصيانته عن النقص والزيادة ،ومع
ذلك فقد تهجم الشيخ أبو زهرة وتحامل علية وأكثر من الطعن فيه( .عقيدة الشيعة ص ،)162وقال" :أن الكليني ل يقول بنقص
القرآن ،فكيف يجوز لمسلم أن ينسب إليه هذا القول ،وكيف جاز للشيخ أبو زهرة أن ينسبه إليه دون تورع ،وكيف جاز له أن
يهاجمه بتلك المهاجمة القاسية؟".
وأقول :إن الصل في نسبة ذلك إلي الكليني هم شيوخ الشيعة ،وكتابه الكافي شاهد علي ذلك وهو عار عليه .وعلى الشيعة
أبد الدهر ،ولو وقع الكافي في أيدي أئمة السلم لكان لهم حكم على الثني عشرية غير هذا الحكم ،وقد اعتمد أبو زهرة –
رحمة ال – على ما قاله الكاشاني في تفسير الصافي حينما نسب ذلك إلى الكليني (تفسير الصافي /1المقدمة السادسة ص .)52
والكاشاني هذا من أعمدة المذهب الثني عشري ،فهو صاحب الوافي الجامع لكتبهم الربعة ،والذي يعدونه من المصادر
المعتمدة عندهم ،كما نسب ذلك أيضا إلي الكليني خاتمة شيوخهم ومحدثيهم النوري في كتابه :فصل الخطاب (انظر :فصل
الخطاب ص )31-30وغيرهما – كما مر .-
فهل يظن هؤلء أن هذا يخفى على أهل السنة ،وكيف يدافعون عن مثل الكليني الذي سطر هذا الكفر ،ويقعون في صحابة
رسول ال الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه؟!].
النقد:
إن إنكار ما هو واقع ل يجدي شيئا في الدفاع ،وسيؤول من جانب الشيعة ومن جانب المطلعين
على كتبهم من أهل السنة بأنه تقية ..فالمسألة اليوم لم تعد تقبل مثل هذا السلوب في الرد ،فقد
فضحتهم مطلبع النجف وطهران ،وقد كشف المستور ،وأبان المخفي شيخهم الطبرسي فيما جمعه في
كتابه "فصل الخطاب" فل ينفع مثل هذا الموقف.
وهذا المسلك في النكار يسلكونه في كل مسألة ينفردون بها عن المسلمين ،كما نبه على ذلك
شيخهم الطوسي في الستبصار في أكثر من موضع بأن ما كان موضع إجماع من أهل السنة تجري
فيه التقية [انظر :الستبصار ،].4/155 :وبهذا المبدأ هدموا كل الروايات التي تتفق مع المسلمين وتعبر عن
مذهب البيت وعاشوا مع المسلمين بالخداع والتزوير ،يوافقونهم في الظاهر ويخالفونهم في الباطن.
ولكن هذه التقية سرعان ما تنكشف في الوقت الحاضر ،إذ إن كتبهم أصبحت بمتناول الكثيرين.
فالنجفي الذي طلب -في رده على ابن حزم – أن يثبت دعواه بكلم أي فرد من أفراد الشيعة هل
يجهل ما جاء في الكافي والبحار ،وما صرح به شيوخهم في هذا الضلل مما مضى ذكره ..وهل
يتصور أن هذا القول ينخدع به أحد في حوزته كتاب من كتبهم التي سارت على هذا الكفر؟.
ومن العجيب أنه وهو ينكر وجود تلك المقالة في كتبهم في الجزء الثالث من كتابه نراه في الجزء
التاسع من الكتاب نفسه يصرح هو بهذا الكفر ،حيث قال وهو -يتحدث عن بيعة المهاجرين
والنصار لصديق هذه المة تلك البيعة العظيمة التي جمعت المة – وأحبطت مؤامرات أعدائها -
قال .." :بيعة عمت شؤمها السلم وزرعت في قلوب أهلها الثام ..وحرفت القرآن وبدلت الحكام"
[الغدير.].9/388 :
618
[ونص هذه الية المزعومة( :اليوم أكملت لكم دينكم بإمامته فمن لم يأتم به بل أورد آية مفتراة في نفس الكتاب
وممن كان من ولدي(؟!) من صلبه إلى يوم القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إن إبليس أخرج أدم "عليه
السلم" من الجنة مع كونه صفوة ال بالحسد فل تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم)( .المصدر السابق.)216-1/214 :
وهي واضحة الفتراء في ركاكة لفظها ،ومعناها ،ومع ذلك يزعم هذا الرافضي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
أنها نزلت في علي ،وحاول أن يموه ويخدع القراء فنسب هذا الفتراء لمحمد بن جرير الطبري السني ،وهو محمد بن جرير
الطبري الرافضي إن صحت النسبة إليه ..فالرجل افترى على ال وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين ...].وهكذا يثبت الرجل
ما نفاه .وهذا السلوب :الثبات مرة والنكار مرة أخرى ،والظهور أمام الناس بأقوال مختلفة
ونصوص متناقضة مسلك لهم مطرد في أحديثهم وفي كلم شيوخهم ،وقد ورد في أخبارهم بيان
للسبب في هذا "النهج" وهو عدم وقوف العامة (أهل السنة) على حقيقة مذهبم فل يتعرضون له بشيء
[انظر :أصول الكافي ،1/65 :وبحار النوار.].2/236 :
أما أسلوب عبد الحسين في نفيه لهذا السطورة ففيه شيء من المكر والمراوغة قد ل ينتبه له إل
من اعتاد على أساليبهم وحيلهم ..تأمل قوله" :فإن القرآن الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته
وكلماته" ماذا يعني بالقرآن المتواتر من طرقهم؟ هل هو القرآن الذي بين أيدنا أو القرآن الغائب مع
المنتظر كما يدعون؟!
إن تخصيصه بأنه متواتر من طريقهم يلمس منه الشارة للمعنى الخير؛ ذلك أن القرآن العظيم
كان من أسباب حفظه تلك العناية التي بذلها عظيما السلم أبو بكر وعمر ،وأتمها أخوهما ذو النورين
حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ
عثمان بن عفان في جمعه وتوحيد رسمه ..تحقيقًا لوعده عز وجل{ :إِنّا نَ ْ
لَحَا ِفظُونَ} [الحجر ،آية.].9 :
ومعتقد الشيعة في الخلفاء الثلثة معروفة ،فهذا القرآن إذًا غير متواتر من طرقهم.
أما المحاولة الغبية من لطف ال الصافي وأغا بزرك الطهراني في التستر على فضيحة الشيعة
الثني عشرية الكبرى ،والعار الذي ل يستر :وهو "كتاب فصل الخطاب" فهي محاولة يائسة ،ل سيما
وأن هذا الكتاب قد خرج من الدوائر الشيعية ووصل إلى أيدي السنة ،بل قد وصل إلى أعداء المسلمين
[وقد صرح بهذا بعض الشيعة وهو :محمد مهدي الصفهاني في كتابه أحسن ليستفيدوا منه في الكيد لهذا المة ودينها
الوديعة :ص .].90
وقد نص في مقدمته على غرضه ،وأقام الحجج المزعومة على مراده -كما سيأتي .-
فهل يمكن التستر عليه وقد جمع كل أساطيرهم ،وأقوال شيوخهم بعد أن كانت متفرقة؟.
ثانيا :أما القول بأن المقصود بروأيات الشيعة في هذا هو تحريف بعض النصوص التي نزلت
لتفسير آيات القرآن فهذا تأكيد للسطورة وليس دفاعا عنها؛ ذلك أن من حرّف وردّ وأسقط النصوص
النازلة من عند ال والتي تفسر القرآن وتبينة ،هو لرد وتحريف اليات أقرب ،ومن لم يكن بأمين على
المعنى كيف يؤتمن على اللفظ؟ ثم إذا فقدت المعاني ما قيمة اللفاظ؟ ثم كيف يكون تفسير الصحابة
هو تحريف نظر هذه الفئة ،و"تحريفات" القمي والكليني والمجلسي لمعاني القرآن هي التفسير ،والتي
ل يشك من له أدنى صلة بلغة العرب أنها إلحاد في آيات ال وتحريف لها ،وإذا فقدت معاني القرآن
وغابت مع المنتظر فكيف تهتدي المة بآياته أم تبقى المة ضائعة تائهة؟!
ثم إنك ترى أن "النموذج" الذي أخرجوه لنا على أنه من معاني القرآن الوارد عن المة يكفي مجرد
تأمله لمعرفة كذبة فكيف يجعل هو "التفسير اللهي" الذي رده الصحابة كما يفترون؟!
على أن هذا "التأول لنصوص السطورة" ل يتلءم مع كثير من تلك الروايات؛ إذ إن في رواياتهم
[مثل ما يفترونه أن "المفتراة" التصريح بأن النص القرآني قد شابه – بزعمهم – تغيير في ألفاظه وكلماته
عليا قال :وأما ما حرف من كتاب فقوله" :كنتم خير (أئمة) أخرجت للناس" فحرفت إلى خير أمة ،ومنهم الزناة واللطة
والسراق وقطاع الطريق والظلمة وشراب الخمر والمضيعون لفرائض ال والعدوان عن حدوده أفترى ال تعالى مدح من هذه
صفته (يعني واضح هذه الرواية – لعنه ال – صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ لن القرآن العظيم أثنى عليهم ،ودين
الشيعة يقوم علي سبهم فطعنوا في كتاب ال لهذا السبب.
ومنه قوله تعالى( :أن تكون أمة هي أربى من (أئمة) فجعلوها أمة ...وقوله تعالى( :وكذلك جعلناكم (أئمة) وسطًا (بين
الرسول وبين الناس) فحرفوها وجعلوها أمة .ومثله في سورة عم "ويقول الكافر يا ليتني كنت (ترابيا) فحرفوها وقالوا ترابا
وذلك أن الرسول كان يكثر من مخاطبتي بأبي تراب ،ومثل هذا كثير.
(بحار النوار.)28-93/26 :
فهذا التأويل ليس بمخرج سليم من هذا فهل هذا الرواية وأمثالها تتفق مع تأويلهم لها بأنها من قبيل التفسير؟]
العار والكفر ..والموقف الحق هو ردها ورد مرويات من اعتقدها لنه ليس من أهل القبلة.
ثالثا :أما القول بأن القرآن ناقص وليس بمحرف فهذا كسابقه ليس بدفاع ولكنه تأكيد لساطيرهم
وطعن في كتاب ال بما يشبه الدفاع فكيف تهتدي المة بقرآن ناقص ،ومن قدر واستطاع على إسقاط
قسم منه هو قادر على تحريف ما بقي ..ولكن الشيء من معدنه ل يستغرب فصاحب هذا القول هو
أغا بزرك الطهراني وهو تلميذ النوري صاحب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الرباب".
ولذلك ترى هذا الطهراني يحاول خداع المسلمين بزعمه أن مؤلف فصل الخطاب شافهه أنه أراد
[ذكر ذلك كتابه أعلم الشيعة ،الجزء الول ،من القسم الثاني :ص ].550 الدفاع عن القرآن وإنما أخطأ في العنوان
621
فهو يحاول أن يتستر على معتقده الباطل بأساليب من المكر والمراوغة ،وهاهو ينكشف بهذا الدفاع
فهو يصرح بأن للقرآن بقية ،وأن للوحي اللهي تكملة ،وأن الولى أن ُيعَنون بدل التحريف بعنوان
"نقص القرآن أو نزول وحي إلهي آخر" ،ويزعم أن في هذا دفاعا عن القرآن أمام العداء؟ وهذا هو
مبلغ دفاعه عن القرآن والسلم – سبحانك هذا بهتان عظيم ـ.
رابعا :أما ما قاله المصنف الرابع بوجود قرآن عند منتظرهم ..فهذا يعني أن الدين لم يكمل ،وال
ثم ما فائدة العبادة من كتاب غائب مع منتظر مضى عل [المائدة ]3 يقول {الْ َيوْمَ أَ ْك َم ْلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
احتجابه – المزعوم – قرون ،فإن كان لبد منه فما حكم الشيعة على ما مضى من القرون بما فيهم
أسلفهم من الشيعة هل هم على ضلل ..وإن كانت المة تهتدي بدونه فما قيمة كل هذه الدعاوى؟!
الحقيقة أن كل هذه "الترهات" لقناع أتباعهم بما عليه الرافضة من شذوذ ل شاهد لها من كتاب ال،
فحالوا التلبيس على التباع والتغرير بهم بأن دليلها يوجد في القرآن الخر ،أو الكامل ،أو المفسر
الغائب مع المنتظر.
ثم إن مسألة وجود قرآن آخر ،ومسألة الطعن في كتاب ال سبحانه هما في كتب الشيعة الساسية
مسألة واحدة ل تنفصل إحداهما عن الخرى ،فهم يزعمون أن عليا جمع القرآن بتمامه وجاء به إلى
الصحابة فردوه وألفوا قرآنا حذفوا منه ما يتصل بولية علي ..وبقي القرآن المزعوم يتوارثه المة
حتى وصل إلى المنتظر؟
فهذا الرافضي ومن على منهجه أراد الخداع والتلبيس ،فتراه يتدرج بالقارئ المسلم لقناعه بهذه
الفرية بإطلعه علي أحد وجوهها.
خامسا :أما الفئة الخامسة الذين يقولون بأن القول بالتحريف رأي خاطئ ،وضلل سابق كنا نذهب
إليه ثم تبين لنا الحق فعدلنا عنه .فإنه ليسر المسلم أن يرجعوا عن هذا الملف الفاسد ..ولكن هذا القول
قد يكون للتقية أثر فيه ..ذلك أن أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر ،هي محل تقدير
عند هؤلء ،وصدق الموقف في هذه المسألة يقتضي البراءة من معتقديها وكتبهم كالكليني وكتابة
الكافي ،والقمي وتفسيره وغيرهما ممن ذهب إلى هذا الكفر ،فكيف يكونون إلى اليوم موضع القدوة،
ومحل الثقة ،تعتمد كتابهم كمصادر في تلقي العقيدة والشريعة ،ويوثق بأقوالهم ويقتدى بأفعالهم؟!
ثم إن القول بأن الثني عشرية أجمعهم رجعوا عن هذا منقوض بصنيع عالمهم المعاصر حسين
النوري الطبرسي في كتابه "فصل الخطاب" ،والذي ألفه لثبات هذه الفرية -كما سلف .-
وهو منقوض أيضا بكتاب تحريف القرآن لسيدهم علي تقي بن السيد أبي الحسن النقوي اللكنهوي –
وغيرهما من [الذريعة إلي تصانيف الشيعة].3/394 : المعاصر –المولود سنة (1323ه) وهو بالردية
مؤلفاتهم في هذا الضلل ،وهو معارض أيضا بما قدمناه عن أغا بزرك الطهراني والميني النجفي
وغيرهما .فل تزال فئة منهم يتيهون في هذا الضلل ويضربون فيه بسهم ..ثم لِمَ يقال في أمر أجمع
622
عليه المسلمون وهو سلمة كتاب ال سبحانه وحفظ ال له لِمَ يقال إن من خالف فيه له عذره
واجتهاده ،وهل هي مسألة اجتهادية ،وهل فيها عذر وتأويل سائغ..؟
سادسا :أما ما ذهبت إليه الطائفة الخيرة من أن هذه المقالة لم يقال بة كل الثني عشرية وإنما هي
مقالة لفرقة منهم وهم الخباريون الذين ل يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ..فهذا قول قاله أيضا
بعض شيوخ الشيعة القدامى وهو الشريف المرتضى ،حيث قال" :من خالف في ذلك من المامية ل
يعتد بخلفهم ،فإن الخلف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث (من الشيعة) نقلوا أخبارا
[نقل ذلك عنه :الطوسي في التبيان: ضعيفة وظنوا صحتها ل يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته"
،1/3والطبرسي في مجمع البيان.].1/15 :
كما أن القول بأن هذه الفرية خاصة بالخباريين قالها وأكدها مرجع الشيعة الكبر في عصره
جعفر النجفي المتوفى سنة (1227ه).
ولكنه وهو من الصوليين يذهب في روايات التحريف الواردة في كتب الشيعة مذهبا ل يقل
خطورة عن رأي إخوانه الخباريين ،حيث قال بعد أن ذكر أن تلك الفرية هي رأي للخباريين وهو
باطل بدلله العقل والنقل وما علم من الدين بالضرورة ،قال" :فل بد من تنزيل تلك الخبار ،إما على
قبل [لنهم يعتقدون – كما سلف – أن القرآن مخلوق على نفس منهج أهل العتزال]. النقص من الكلمات المخلوقة
النزول إلى سماء الدنيا ،أو بعد النزول إليها قبل النزول إلى الرض ،أو على أن نقص المعنى في
تفسيره ،والذي يقوى في نظر القاصر التنزيل على أن النقص بعد النزول إلى الرض ،فيكون القرآن
قسمين :قسم قرأه النبي صلى ال عليه وسلم على الناس وكتبوه وظهر بينهم وقام به العجاز ،وقسم
أخفاه ولم يظهر عليه أحد سوى أمير المؤمنين رضي ال عنه ،ثم منه إلى باقي الئمة الطاهرين ،وهو
الن محفوظ عند صاحب الزمان جعلت فداه" [كشف الغطاء :ص .].299
لم يجرؤ صاحب كشف الغطاء – كما ترى -أن يكذب تلك الساطير كما فعل المرتضى ،بل تاه
في بيداء من التكلفات والتمحلت حتى وقع في شر مما فر منه ،أو كاد.
لقد زعم أن النبي صلى ال عليه وسلم كتم قسما من القرآن أنزله ال عليه ،ولم يبلغ به أحدا من
أمته سوى علي ،وأن عليا أخفاه عند أبنائه وهو اليوم عند المنتظر فماذا بعد هذا الفتراء ؟!
الوجه الثالث :المجاهرة بهذا الكفر والستدلل به:
والذي تولى كبر هذا البلء المدعو حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320ه) ،الذي ألف
كتابه "فصل الخطاب" لثبات هذه السطورة.
ولربما الول مرة في التاريخ يحدث هذا الجمع "لساطير" الشيعة المتفرقة وأقوال شيوخها ،واليات
المفتراة التي يزعمونها في كتاب واحد يطبع وينشر ..ليصبح فضيحة لهم أبد الدهر ..ولو كان
للمسلمين قوة وسلطان لعقدت المحاكم لهذا الكتاب وصاحبه وحكم في ضوئه على دخول الثني
عشرية في السلم أو خروجها منه ،وارتاح المسلمين من شر أولئك المرتزقة الذين ينتشرون في
623
العالم السلمي لنشر التشيع ..وأفاق من غرّر به شيوخ الشيعة من أولئك التباع الجهلة ..الذين ل
يدركون من التشيع إل أنه حب آل البيت الذي سيدخلهم الجنة بغير حساب!
ولقد قام الستاذ إحسان إلهي ظهير بنشر قسم كبير من الكتاب في كتابه الشيعة والقرآن ..مع ذكر
أدلة هذا المفتري وشبهه ،ومع أن ذلك يعد كشافا لحقيقة الثني عشرية في هذا العصر ،إل أن الستاذ
إحسان قد اكتفى بنقل النصوص دون تعليق أو نقد ..وهذا من الخطورة بمكان ،ول سيما أن المؤلف
قد ذكر اثنتي عشرة شبهة لثبات فريته ،وهي وإن كانت أشبه بخيوط العنكبوت إل أن فيها ما قد
يخفى على بعض من ل علقة له بالعلم الشرعي ،فكان من الواجب أن تكشف ترهاته وأن تدك
شبهاته .ويؤتى عليها من القواعد .وفيما يلي عرض موجز لمحتويات هذا الكتاب باعتبار أن مؤلفه
[وقد سبقت الشارة إلى الكتاب في أثناء الحديث عن كتب الشيعة التي قالت بهذه السطورة :ص ،233وفي من المعاصرين
هذا الموضع نناقش شبهات الكتاب ومحتوياته ..].مع نقده وكشف شبهاته وأغاليطه -بحول ال .-
بناء على أن كتاب إحسان قد سار بها في كل مكان في العالم السلمي ولم تحظ منه بنقد ول رد
على أساس أن المر أوضح من أن يبين ،ومجرد عرض هذه الفرية كاف في بيان بطلنها ..وأقول:
إن هذا حق باعتبار أصل الفرية ومنطلقها ،ولكن الشبه التي أثارها لبد من أبطالها وكشف ضللها.
لقد قام المؤلف بكشف الغطاء عن عقيدة الشيعة الثني عشرية في تحريف القرآن وجمع ما تفرق
من أخبارهم فيها ،ونقل تصريحات شيخهم بتواترها ،وأنها تزيد على ألفي حديث ،واتهم صحابة
رسول ال بتحريفه والتواطؤ على ذلك ولم يستثن من ذلك سوى أمير المؤمنين علي ،وهذا الستثناء
صوري ،إذ إن لزم قوله تواطؤ الجميع ،لن القرآن الذي عند علي والسالم من التحريف بزعمهم لم
يظهره علي ول إبان خلفته..
ثم قدّم – من كتبهم – ( )1062رواية معظمها تقول في آيات من كتاب ال أنها خطأ ويذكر
تصويبها من كتبهم السطورية ،فيرد ما أجمعت عليه المة ويرتضي ما قاله حثالة من الفاكين.
كما لم يجبن عن ذكر بعض "سور" بكاملها تتناقلها الدوائر الشيعية وليس لها ذكر في المصحف،
وعلمة الكذب والفتراء واضحة بيّنة في نصها ومعناها ل يخفى إل على أعجمي جاهل ول يروّجها
إل زنديق مغرّض.
كما رد على من أنكر التحريف من طائفته وبيّن أن إنكار القدامى كان تقية وأن من أنكر أخبار
التحريف يلزمه رد أخبار المامة لما بينهما من تلزم.
وهذا الكتاب الذي حوى هذا الكفر قد طبع في إيران سنة (1298ه) وما إن خرج حتى انزعج كثير
من الشيعة لظهوره ،وقد وصف أحد شيوخهم ذلك فقال" :فل تدخل مجلسا في الحوزة العلمية إل
[المرعشي /المعارف الجلية: وتسمع الضجة والعجة ضد ذلك الكتاب ومؤلفه وناشره يسلقونه بألسنة حداد"
ص .].21
624
ويرى الستاذ محب الدين الخطيب أن سبب الضجة أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة
القرآن محصورا بين خاصتهم ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم ،وأن ل يجمع ذلك كله في
كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار
الجميع ،ويقول :ولما أبدى عقلؤهم هذه الملحظات خالفهم فيها مؤلفه ،وألّف كتابا آخر سماه (رد
بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الرباب) [الخطوط العريضة :ص .].11
وإذا كان غلة الشيعة يحاولون التستر علي هذه الفضيحة في معظم الحيان بحكم عقيدة التقية التي
أصبحت لهم حصنا وملذا ،وأن تلك الضجة التي حدثت قد شارك فيها من يذهب إلى هذا الكفر ويرى
وجوب التستر عليه صيانة لسمعة قومه ،ووقاية لدينهم من فضيحة تزلزل كيانهم ،وتمنع انتشار
عقيدتهم ،فإنني ل أجزم كالستاذ محب الدين في تعميم هذا الحكم على كل الشيعة ،بل إن هناك فئة
من الشيعة ل تزال تنكر هذا الكفر وتتبرأ منه ،وقد كتبوا ردودا على كتاب فصل الخطاب من هذا
المنطلق – فيما يظهر – مثل ما كتبه شيخهم وآيتهم محمد حسين المرعشي في كتابه الموسوم ب"رسالة
[ل يزال هذا الكتاب حفظ الكتاب الشريف من شبهة القول بالتحريف" وهو رد على كتاب فصل الخطاب
مخطوطا (انظر :المعارف الجلية :ص .].)21
كما أنني ألحظ من خلل كتاب فصل الخطاب أنه يرد على المنكرين لهذا الفرية من قومه،
[انظر: ويجادلهم في هذا المر ،ومن يقرأ الكتاب يرى أنه ألف لقناع من خالف هذا الكفر من الشيعة
فصل الخطاب :ص 360وما بعدها.].
ثم أن ما كتبه صاحب فصل الخطاب بعنوان "رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب "..كما يقول
محب – رحمه ال – ليس – فيما يبدو – للرد على من قال :إن هذه القضية ينبغي أن تكون سرية
بينهم؛ ذلك أن ما يشير إليه محب صورته الظاهرة كالتي:
لما ظهر كتاب "فصل الخطاب" قام بالرد عليه شيخهم محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب
الطهراني بكتاب سماه "كشف الرتياب في عدم تحريف الكتاب" وقد نقل لنا صاحب الذريعة أول رد
لصاحب كشف الرتياب ،وهو يفيد إنكار التحريف ل الدعوة إلى التستر عليها .قال صاحب الذريعة:
[ل حظ أنه يسميها شبهات؛ لن صاحب الذريعة على مذهب صاحب فصل الخطاب في هذا الكفر ،فهو "وأول شبهات"
يسمي أدلة كشف الرتياب شبهات إمعانًا في الكفر ،كيف وصاحب فصل الخطاب هو شيخ لصاحب الذريعة وقد أعظم الثناء
"كشف الرتياب" هو أنه إذا ثبت تحريف القرآن فلليهود أن عليه وغل في مديحه في ترجمته التي كتبها عنه].
[انظر :أغا بزرك الطهراني /الذريعة إلى تصانيف يقولوا :إذا ل فرق بين كتابنا وكتابكم في عدم العتبار"
الشيعة 18/9 :حرف الكاف 10/12 ،حرف الراء.].
فكتب الطبرسي ردا عليه – وهو ما يشير إليه محب فيما يبدو – في كتاب سماه "الرد على كشف
قال صاحب الذريعة" :وكان يوصي كل من عنده فصل [انظر :المصدر السابق].10/211 : الرتياب"
625
الخطاب أن يضم إليه هذه الرسالة التي هي في دفع الشبهات التي أوردها الشيخ محمود عليه وهي
فارسية لم تطبع بعد".
وكان جواب الطبرسي في رده على دليل صاحب كشف الرتياب محاولة منه للتراجع ،وبرهانا
على التناقض ،حيث قال" :هذه مغالطة لفظية حيث إن المراد بالتحريف ...غير ما حملت عليه ظاهرا
للفظ ،أعني التغيير والتبديل والزيادة والتنقيص وغيرها المحقق والثابت جميعها في كتب اليهود
وغيرهم ،بل المراد من التحريف خصوص التنقيص فقط في غير آيات الحكام جزما ،وأما الزيادة
فالجماع المحقق الثابت من جميع فرق المسلمين والتفاق العام من كل منتحل للسلم على عدم زيادة
كلم واحد في القرآن المجموع فيما بين هاتين الدفتين ولو بمقدار أقصر آية يصدق عليه كلم فصيح،
بل الجماع والتفاق من جميع أهل القبلة على عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن ،بحيث ل
نعرف مكانها ،فأين التنقيص الجمالي المراد لنا عما حملت ظاهر اللفظ وهل هذا إل مغالطة لفظية؟"
[الذريعة.].10/221 :
هذا جزء مما دار في الرسالتين ،نقله لنا صاحب الذريعة وهو يكشف أن الحوار كان في مسألة
وقوع التحريف من عدمه ،ل في وجوب التستر على هذه الفرية ،وهو ل ينفي أن يوجد اتجاهٌ عند
الشيعة يرى ضرورة التستر صيانة لحرمة المذهب..
ولكنه ينفي تعميم الحكم بهذا على الجميع.
هذا وفي كلم صاحب الذريعة الذي لخصه ،من الرسالة الفارسية لصاحب فصل الخطاب ونقلناه
مع صياغته التي يبدو علها أثر العجمة تخليط وتناقض وتقية وضح دليلها في أثناء كلمه كما هي
[لحظ مثلً أنه نفى الزيادة مطلقا ثم عاد بعد ذلك وقال" :بل الجماع والتفاق على عادة هؤلء الروافض في الغالب
عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن بحيث ل نعرف مكانها" انظر إلى قوله" :ل نعرف مكانها" فهو يشير بهذه الجملة من
طرف خفي إلى ما يذهب إليه صاحب هذا الخطاب ويوافقه هو علي هذا المذهب من افترائهم بالقول بالزيادة في كلم ال.
قال صاحب فصل الخطاب وهو يذكر صور التغيير في القرآن الذي أوحاه إليه شيطانه ودفعه إليه حقده على السلم وأهله:
ن الَنفَالِ}" (فصل الخطاب :ص ،)25كما أن قوله بالنقيصة ل
س َألُونَكَ عَ ِ
"السابعة زيادة كلمة كزيادة عن في قوله تعالى{ :يَ ْ
يخرجه عن تكذيب قول ال تعالى{ :إِنّا نَ ْحنُ نَ ّزلْنَا ال ّذكْرَ وَِإنّا لَ ُه لَحَافِظُونَ}.].
وهذا الكتاب رتبه مؤلفه – عليه من ال ما يستحق – على ثلث مقدمات وبابين.
ففي المقدمة الولى نقل مجموعة من أخبارهم التي تتحدث عن جمع القرآن – حسب تصور هؤلء
الزنادقة – كرواية ثقة دينهم التي تقول" :ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله ،كما أنزل إل
كذاب ،وما جمعه وحفظه كما أنزل ال إل علي بن أبي طالب والئمة من بعده".
وهذا مبني على مذهب الشيعة في القول بعصمة رجل واحد وهو علي ،وضلل المة بأجمعها،
وهو من آثار البيئة الفارسية التي تحيط ملوكها بهالة من التقديس.
626
وما أسخف عقلً يرد ما أجمع عليه الصحابة كلهم ،ويدعي أن ل ثقة إل بقل واحد منهم ،مع أن
هذه الدعوى ل وجود لها غل في خيالت هؤلء الزنادقة ،فلم يعرف علي والمة إل هذا القرآن.
ثم يواصل نقله عن "قرآن علي" الذي لم يُنقص منه حرف كما يزعمون ..فينقل مجموعة من
رواياتهم ينتهي القارئ لها إلى أن العقل الشيعي ..من أسرع العقول إلى تصديق الخرافة ،فهو يؤمن
بكتاب ل وجود له إل في أساطيرهم ويكفر بقرآن أجمعت علية المة ..بما فيهم الئمة.
تتحدث هذه الساطير عن جمع عليّ للقرآن وعرضه على الصحابة ورد الصحابة له..
فيورد من هذه الروايات خبر الشيعي الذي التقى بمنتظرهم – والذي لم يولد أصلً – وفيه يقول له
المنتظر" :لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وآله من دار الفناء وفعل صنما
قريش ما فعل من نصب الخلفة جمع [يعنون بهما صديق هذه المة وفار وقها ،ومن أقاما السلم بعد رسول ال].
أمير المؤمنين رضي ال عنه القرآن كله ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد ،فقال لهم:
هذا كتاب ال سبحانه أمرني رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم
[يعني الفاروق عمر رضي ال عنه وأرضاه، العرض بين يدي ال تعالى ،فقال له فرعون هذه المة ونمرودها
والذي فتح بلد فارس ،ونشر السلم فيها ،فكان جزاؤه عند هؤلء الحاقدين السب والتكفير :].لسنا محتاجين إلى قرآنك،
فقال له :أخبرني حبيبي محمد صلى ال عليه وآله بقولك هذا وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم،
فرجع أمير المؤمنين إلى منزله ..فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم :كل من عنده قرآن من آية
أو سورة فليأت بها ،فجاءه أبو عبيدة بن الجراح ،وعثمان ،وسعيد بن أبي وقاص ،ومعاوية بن أبي
سفيان ،وعبد الرحمن بن عوف ،وطلحة بن عبيد ال ،وأبو سعيد الخدري ،وحسان بن ثابت،
وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت عنهم بعد وفاة
سيد المرسلين صلى ال عليه وآله ،فلذا ترى اليات غير مرتبطة ،والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين
بخطه محفوظ عند صاحب المر عجل ال فرجه وفيه كل شيء حتى أرش الخدش .وأما هذا القرآن
[فصل الخطاب: فل شك ول شبهة في صحته ،وأنه من كلم ال سبحانه ،هكذا صدر عن صاحب المر"
ص .].10-9
وهذا النص نقلناه رغم طوله ،لن معظم حكاياتهم تدور على ما جاء فيه .فالمسألة أصلً نابعة من
حقد هذه "الفئة" على صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وبغضها للدين الذي يحملونه.
فأنت ترى أن الحديث عن مثالب الصحابة وأن من جمع القرآن – بزعمهم – قد أسقطها فأباح
هؤلء بالسر المكنون وكشفوا المستور ،وما تخفي قلوبهم أعظم.
ثم إذا رفض الصحابة القرآن – كما يزعمون – فلم يحجب عن الجيال والقرون التي بعدهم؟ وإذا
قامت الحجة على الصحابة فإنها لم تقم على من بعدهم ..وكيف لم يُقم عليّ الحجة وهو في قوة
سلطانه إبان خلفته؟
627
إن أساطيرهم تنقض نفسها بنفسها .وإذا امتنع الصحابة عن قبوله – كما يزعمون – أليس في المة
من يقبله عبر مراحل القرون كلها ،وفيهم من صحب الئمة ،والتقي بالمنتظر ..وقامت للشيعة دول
وسلطان؟ فلماذا يحجب عنهم ويظل مع الغائب في سرادبه؟ أل يؤكد هذا لكل عاقل خرافة هذه
الدعوى بغض النظر عن جميع الدلة الخرى ،بل إن صاحب فصل الخطاب ينقل في هذه المقدمة
أخبارا تقول إن عليا امتنع عن تسليم القرآن الذي جمعه للصحابة حينما طلبوا منه ذلك ،واحتج بأنه ل
يمسه إل المطهرون ،وأن المطهرين هم الئمة الثني عشر [فصل الخطاب :ص .].7
وهذه قاصمة الظهر ..فعليّ كما يفترون – هو الذي رفض إبلغ القرآن ،وادعى أنه خاص به
وبولده ..وهذا ل يقول به أحد من المسلمين فضلً عن أمير المؤمنين ،فهو كلم المقصود به الساءة
إلى أهل البيت والطعن فيهم ،ولذلك ذهبت بعض فرق الشيعة كالكاملية إلى تفكير أمير المؤمنين عليّ.
وهذه الثار التي جمعتها كتب الثني عشرية تؤدي إلى هذا المذهب ،فهؤلء يشايعون الشيطان ول
يشايعون أمير المؤمنين ،ومن ينزه أمير المؤمنين من هذه الباطيل وأمثالها هم شيعته وأنصاره على
الحقيقة.
أما المقدمة الثانية عنده فتتضمن صور التحريف التي يزعم وقوعها في كتاب ال سبحانه أو
امتناعها ،فعرض مجموعة من الصور التي أوحاها له شيطانه :في السورة ،والية ،والكلمة،
والحرف.
وقرر "أن زيادة السورة وتبديلها بأخرى أمر ممتنع [فصل الخطاب :ص ].24؛ لن ال يقول{ :وَإِن كُنتُمْ
فهو يقول بأن القرآن الذي بين أيدي [البقرة ]23 علَى عَ ْبدِنَا َف ْأتُواْ ِبسُو َرةٍ مّن مّ ْث ِلهِ}
فِي رَ ْيبٍ ّممّا نَ ّزلْنَا َ
المسلمين ل زيادة فيه أصلً؛ لن البشر عاجزون عن التيان بسورة من مثله ..ولكنه ينقض هذا
حينما يزعم أن "نقصان السورة جائز كسورة الولية" [فصل الخطاب :ص .].24
فهو بهذا يزعم أن في كتاب ال نقصا ،ويمثل لذلك بسورة الولية ،ول شك أن هذه الدعوى تتضمن
زيادة سورة على كتاب ال ،وهو قد قرر امتناعها ..ثم إن هذه السورة المفتراة يشهد نصها على
[وهو شيخهم :محمد جواد البلغي في تفسيره آلء الرحمن ص كذبها ..وقد كشف ذلك بعض شيوخ الشيعة أنفسهم
.].25-24وهي عبارة عن نص ملفق ،وتركيب متهافت ،ومعنى ساقط يتضح من خلله أن واضعه
أعجمي جاهل – كما سيأتي .-
ويقول :إن زيادة آية على القرآن ،أو تبديل آية بأخرى هو أيضا منتف بالجماع ،ثم يناقض ذلك
بزعمه أن نقصان الية غير ممتنع [فصل الخطاب :ص .].24
أما زيادة كلمة في القرآن فيرى على ضوء أساطيرهم أنها ممكنة ،ويمثل لذلك بقوله :كزيادة "عن"
عنِ الَنفَالِ} [النفال .]1فهو يفتري أن القرآن زيادة كلمة "عن" ،وغرض
س َألُو َنكَ َ
في قوله تعالىَ { :ي ْ
الرافضة في هذا الزعم أن النفال كانت خاصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم هي للئمة الثني
628
عشر المعصومين من بعده ،والصحابة إنما كانوا يسألون الرسول أن يعطيهم منها على سبيل الصدقة
ولم يكن سؤالها عن حكمها ،وهذا ل يتأتى للرافضة إل بحذف كلمة "عن".
ثم يقول :نقصانها – أي الكلمة – وهو كثير ك "في عليّ" في مواضع ،أي أن اسم علي ورد
بزعمهم في القرآن ،وحذفه الصحابة ،وهذه دعوى لسكات أتباعهم الذين داهمهم الشك في مذهبهم
الذي ل شاهد له من كتاب ال ،وهذا أحد الساليب القريبة التي دفعت الرافضة للقول بهذه الفرية..
وأما السباب البعيدة وجذور هذه المقالة فهي هدم التشيع أصلً وإبعاد الشيعة عن السلم كليا.
ثم بعد ذلك يذكر من الصور للتغير المزعوم في كتاب ال تبديل الكلمات ويقرر علي هدي من
صطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ
خرافاتهم وقوعه فيقول " :كتبديل آل محمد بعد قوله تعالىِ{ :إنّ الّلهَ ا ْ
إِ ْبرَاهِيمَ} [آل عمران .]23بآل عمران" وواضح غرض الشيعة من ذلك فهي تبحث بأي وسيلة عما يثبت
ذكر أئمتهم في كتاب ال؛ إذ كيف يذكر آل عمران ول يذكر أئمتهم..؟
ثم يتحدث عن الحرف فيرى بمقتضى أساطيرهم أن زيادته ونقصانه أمر ممكن وواقع ،فيقول:
"نقصان الحرف كنقصان "همزة" من قوله تعالى{ :كُنتُمْ خَيْرَ ُأ ّمةٍ} [آل عمران ،]110و"يا" في قوله تعالى:
{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ ."]40
والهدف من خلل هذا الفتراء مكشوف ،فأمة محمد في قاموس هؤلء القوم الذين أكل الحقد قلوبهم
عليها؛ لنها فتحت ديارهم وأسقطت عروشهم ،ونشرت السلم بينهم ،هذه المة في اعتقادهم ملعونة
ضالة ظالمة ..ويؤلمهم أن يثني ال سبحانه عليها ،فحاولوا أن يجعلوا الثناء خاصا بالثني عشر الذين
لم يولد آخرهم أصلً ..فقالوا :إنها ليست المة ،بل الئمة.
وكذلك أرادوا من افترائهم بزيادة الياء في قوله "ترابا" أرادوا ترابيا والهدف النسبة إلى علي الذي
كان يلقب بأبي تراب ،وأن الكافر يقول :يا ليتني كنت ترابيا أي :من شيعة علي ،وما أدري ِلمَ ل
يتمنى أن يكون من شيعة محمد ،وهل عليّ أفضل من محمد؟!
إلى آخر هذيانه ..الذي عاد على الشيعة بأسوأ العواقب ..وأورثها العار إلى البد.
المقدمة الثالثة :وعقدها لذكر أقول شيوخ طائفته في تغيير القرآن وعدمه فقال" :اعلم أن لهم في
ذلك أقوالً مشهورها اثنان :الول :وقوع التغيير والنقصان فيه" ثم ذكر من قال به من شيوخهم
كالقمي في تفسيره ،والكليني في الكافي وهما كما قال ممن غل وأكثرا من الرواية في هذا المذهب،
ومثل المجلسي في مرآة العقول ،والصفار في بصائر الدرجات ،والنعماني في الغيبة ،والعياشي
وفرات الكوفي في تفسيرهما ،ومفيدهم في المسائل السروية ،ومحدثهم البحراني في الدرر النجفية.
وأخذ على هذا المنوال يعدد من مشاهير علماء مذهبه ممن قال بهذه السطورة مع تفخيمهم
باللقاب ،أو نعت بعضهم بأنه "ممن لم يعثر له على زلة" ،مع أنه يكفيه مقالته هذه إغراقا في الضلل
وزلةً إلى الكفر ..فذكر أسماء شيوخهم وكتبهم في هذا الكفر واستشهد ببعض كلماتهم التي كشفت
629
حقيقة التشيع في عصوره المتأخرة؛ كنقله لقول شيخهم أبي الحسن الشريف صاحب مرآة النوار،
والذي ذكر فيه أن هذه المقالة من ضروريات مذهب التشيع [انظر :فصل الخطاب :ص .].32
ثم قال" :الثاني :عدم وقع التغيير والنقصان فيه ،وأن جميع ما نزل على رسول ال صلى ال عليه
وآله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين ،وإليه ذهب الصدوق في عقائده ،والسيد المرتضى،
وشيخ الطائفة في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم إل ما حكاه المفيد عن جماعة من أهل
المامة والظاهر أنه أراد منها الصدوق وأتباعه" [فصل الخطاب :ص .].33
وأنت تلحظ – كما أسلفنا – أنه يريد أن يجعل هذه المقالة هي الصل في التشيع ..وإل فإن قدماء
شيوخ الذهب كانوا بعيدين عن هذا الكفر ..وقد مضى الحديث عن الصل في الفتراء وبدايته.
ثم ذكر بعض كلمات المنكرين وناقش إنكارهم لبعض ما جاء في كتبهم من القول بهذه الفرية
[فصل الخطاب :ص 33وما ليصل إلى أن النكار ليس على حقيقته ،بل هو من باب الخداع لهل السنة
بعدها.].
وفي الباب الول :عرض ما يسميه ب"الدلة التي استدلوا بها ،ويمكن الستدلل بها على وقوع
التغيير والنقصان في القرآن".
فذكر اثنتي عشرة شبهة بعدد أئمته..
الشبهة الولى:
قال الملحد" :الدليل الول :أن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده ،فهذه المة أيضا
لبد وأن يغيروا القرآن بعد نبينا صلى ال عليه وآله؛ لن كل ما وقع في بني إسرائيل لبد وأن يقع
في هذه المة على ما أخبر به الصادق المصدوق صلوات ال عليه" [فصل الخطاب :ص .].36
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
•الوجه الول:
سلمنا أن كل ما وقع في بني إسرائيل سيقع في أمة محمد صلى ال عليه وسلم ،لكننا نقول :يخرج
من هذا العموم ما دل الليل على خروجه ،وتحريف القرآن مستثنى من هذا العموم بنص القرآن{ :إِنّا
حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر .]9وهل هناك أقوى من أن يخص عموم حديث بنص من
نَ ْ
القرآن ..فأين عقول هؤلء القوم؟ ولهذا قال الباقلني" :أول جهلكم أنكم قطعتم بخبر واحد على أن
غيّر و ُبدّل مع ردكم لما هو أقوى منه" [نكت النتصار :ص .].104
القرآن ُ
ثم إن ال سبحانه قد استحفظ أهل الكتاب التوراة واستودعهم إياها فخانوا المانة ،ولم يحفظوها ،بل
ضيعوها عمدا.
والقرآن الكريم لم يكل ال حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه ،بل تولى حفظه جل وعل بنفسه
طلُ
حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} ،وقوله{ :ل َيأْتِيهِ الْبَا ِ
الكريمة المقدسة كما أوضحة بقوله{ :إِنّا نَ ْ
630
[انظر :الشنقيطي /أضواء البيان-2/100 : إلى غير ذلك من اليات [فصلت ]42 خلْ ِفهِ}
مِن بَ ْينِ َيدَ ْيهِ وَل ِمنْ َ
.].101
وذلك لن القرآن العظيم هو آخر الكتب ،فل كتاب بعده ،والرسول صلى ال عليه وسلم هو آخر
الرسل فل نبي بعده ،وبموته انقطع الوحي ..فمن رحمة ال بعباده أن حفظ كتابه ليبقي هداية للمة
ونورا إلى يوم القيامة.
•الوجه الثاني:
أن زعمه أن كل ما وقع في بني إسرائيل لبد أن يقع في هذه المة ،هذه المقدمة غير مسلّمة له
على الطلق ،فالنتيجة التي اعتمدها بناءً على هذه المقدمة ،نتيجة كاذبة؛ لنها مبنية على مقدمة
ليست مسلمة له على إطلقها بدليل أن بني إسرائيل قتلوا أنبياءهم ولم يتحقق ذلك في هذه المة ،وإن
حاول فئة من المنافقين ذلك ،وبنو إسرائيل عبدوا العجل ولم يحصل من المة نظيره ،فتلك المقدمة
ليست على إطلقها ،وتحريف القرآن أولى مما ذكرنا لستثنائه من هذا العموم بالنص كما بينا ،وإن
حاول فئات من المنافقين الذين تستروا بالتشيع ذلك.
كذلك أمتنا تختلف عن بني إسرائيل؛ حيث ل تزال طائفة ظاهرة علي الحق ل يضرهم من خالفهم،
ول من خذلهم حتى تقوم الساعة ،ولهذا ل يسلط ال عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم ،كما ثبت هذا
وهذا في الحاديث الصحيحة عن النبي صلى ال عليه وسلم ،حيث أخبر أنه ل تزال طائفة من أمته
ظاهرة على الحق ل يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة ،وأخبر أنه سأل ربه أن ل يسلط عليهم عدوا
من غيرهم فأعطاه ذلك ،وسأله أن ل يهلكهم بسنة عامة فأعطاه ذلك وسأله أن ل يجعل بأسهم بينهم
[رواه مسلم ،كتاب الفتن وأشراط الساعة ،باب هلك هذه المة بعضهم ببعض( 3/2216 :ح ،)2890 شديدا فمنعه ذلك
والترمزي ،كتاب الفتن ،باب ما جاء في سؤال النبي صلى ال عليه وسلم ثلثًا في أمته( ،472–4/471 :ح ،)2176 ،2175
وابن ماجه في كتاب الفتن ،باب ما يكون من الفتن( 2/303 :ح ،)3951وأحمد،240 ،5/108 ،156 ،3/146 ،181 ،1/175 :
.].6/396 ،243
خلْف فيهم حتى ل تقوم بالحق منهم طائفة ظاهرة منصورة ولهذا كان العدو يسلط
ومن قبلنا كان ال ُ
[مناهج السنة: عليهم فيجتاحهم كما سلط على بني إسرائيل وخرب بيت المقدس مرتين ولم يبق لهم ملك
.].3/242
* الوجه الثالث:
لو سلمنا جدلً أن القرآن لم يخرج من ذلك العموم بالنص المذكور ،فإن التحريف هو ما تقوم به
الشيعة من تحريف للمعنى ،ومحاولة لتحريف اللفظ ،وما قدمناه عنهم هو الدليل ،لكنهم لم يحققوا
[في هذا الموضوع أملى علي د .محمد رشاد سالم – أهدافهم؛ لن ال هو الذي تكفل بحفظه بنص الية السابقة
رحمه ال – فقال" :وجه الشبه بين فعل المتين أن من أمة محمد من حاول تحريف القرآن بالفعل مثل الشيعة الرافضة ،أو
تأويله تأويلً باطلً متعسفا كالجهمية ..لكن النتيجة مختلفة؛ فقد تم التحريف بالفعل في أمة بني إسرائيل الذين كتموا التوراة
631
وأخفوها ،وأظهروا التوراة المحرفة ،وكذلك فعل النصارى في إنجيلهم ،أما أمة محمد فقد تكفل ال سبحانه بحفظ كتابهم
القرآن".].
الشبهة الثانية:
قال الملحد" :الدليل الثاني أن كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه،
وقد أشار إلى ذلك العلمة المجلسي في مرآة العقول ،حيث قال :والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن
متفرقا منتشرا عند الناس وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع أن يكون جمعه كاملً موافقا للواقع"
[فصل الخطاب :ص .].97
والجواب :إن هذه الشبهة مبنية على العقلية المامية التي تحتم على جميع المة إذا أجمعت الخطأ،
وتجعل رأي واحد منها (ليس بنبي) هو الصواب ،كما يلحظ ذلك في قوله" :وتصدى غير المعصوم
لجمعه" .وهو رأي منقوض وباطل كما أسلفنا في الحديث عن العصمة ،وما بني على باطل فهو
باطل.
وصياغته لهذه الشبهة تدل على أن كثيرا من شيوخ المامية قوم ُبهْتٌ يكذبون بالحقائق الواضحات
ويصدقون بالكاذيب والخرافات .فجمع القرآن جاء على أدق الطرق وأوثقها ضبطًا وإتقانا ،فكتبة
الوحي يكتبون ،والحفظة يحفظون ،والمة بأكملها تردد آيات القرآن في صلواتها وحلقاتها ،كلما نزل
شيء من القرآن هبوا لحفظه وكتابته وتعلمه والعمل به ،فالممتنع هو أن يزاد في القرآن حرف أو
ينقص منه حرف آخر ،ولذا أجمعت المة على ذلك والجماع معصوم.
فلنحكّم عقولنا؛ ما جاءت هذه الدعوى إل من طائفة الثني عشرية من بين فرق الشيعة كلها ،وهي
تتحدث عن قرآن جمعه عليّ هو الكامل في نظرها وترفض ما أجمع عليه المسلمون ..فأيهما نصدق
أبالقرآن أم بكتاب غائب لم ير ولم يعرف ،معلق خروجه على منتظر موهوم ..تولى جمعه –
باعترافهم – فرد واحد..؟
أخرج لنا الشيعة منه آيات يستحيل أن تكون من كلم رب العزة جل عله لسقوطها عن أداء
النسان العادي ،فكيف بكلم رب العالمين المعجز؟ ورأينا من تنسب الشيعة إليه هذا الكتاب المزعوم
يتعبد ويقرأ بالقرآن الذي بأيدي المسلمين ،والشيعة تفتري عليه بأن ذلك منه تقية .فهل تجوز التقية في
مثل هذا الذي يترتب عليه ضياع الدين وضلل الجيال؟! إنها مقالة تنطق الشواهد بكذبها ،وهي من
تقدير ال سبحانه لينكشف أمر هذه الطائفة للمسلمين جميعا ،بعدما عاشت بينهم بالتقية قرونا متطاولة.
ثم إن من العلوم أن جمع المة للقرآن في زمن الصديق وأمير المؤمنين عثمان قد تم بإجماع
الصحابة ،وكان أمير المؤمنين عليّ على رأس الكتبة وأغلب القراءات المتداولة ترجع بالسند المتواتر
إليه باعتراف الشيعة نفسها كما سلف نقل ذلك عنهم [انظر :ص 267 – 266من هذه الرسالة ،].وليس في
الطرق إلى علي ّما يخالف قرآن المة ،وقد أثنى أمير المؤمنين على الصديق ،وعلى ذي النورين فيما
فهل تنكر ضوء الشمس ليس دونها [انظر :ص 265 – 236من هذه الرسالة]. قاما به من أمر المصحف
632
سحاب وتصدق أساطير نقلها شرذمة من أعداء المة والدين؟! ومن أضل ممن يدعو أتباعه للعراض
عن كتاب ال وانتظار كتاب موهوم مفترى عند إمام مخترع أو هارب في سردابه منذ أكثر من ألف
عام ..وكيف تقوم الحجة على العباد بمثل هذا الكتاب الموهوم ..والشيعة ل علم لها بهذا المصحف
ول صلة لها به ،إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون.
الشبهة الثالثة:
قال الملحد" :إن أكثر العامة وجماعة من الخاصة ذكروا في أقسام اليات المنسوخة ما نسخت
تلوتها دون حكمها ،وما نسخت تلوتها وحكمها معا وذكروا للقسمين أمثلة ورووا أخبارًا ظاهرة بل
صريحة في وجود بعض اليات والكلمات التي ليس لها في القرآن المتداول أثر ول عين وأنه كان
منه في عصر النبي صلى ال عليه وآله يتلونه الصحاب وحملوها على أحد القسمين من غير أن
تكون فيها دللة وإشارة على ذلك ،وحيث إن نسخ التلوة غير واقع عندنا ،فهذه اليات والكلمات لبد
وأن تكون مما سقط أو سقطوها من الكتاب جهلً أو عمدا ،ل بإذن من ال ورسوله وهو المطلوب"
[فصل الخطاب :ص .].106هذه الشبهة تتكرر على ألسنة المعاصرين من الشيعة كثيًرا ،ويحاولون أن
ينفذوا من خللها إلى فكر القارئ للتأثير عليه بإيهامه أن اليات المنسوخة تلوة الواردة من طرق
السنة هي كأخبار التحريف عند الشيعة ،فل تكاد تقرأ كتابا من كتب هذه الطائفة ،ويأتي الحديث عن
[مثل هذه الفرية إل وتجدهم يبررون ما شاع من أساطير في كتبهم بالخبار المنسوخة عند أهل السنة
عبد الحسين الموسوي في أجوبة مسائل جار ال ،ومحسن المين في كتابه الشيعة بين الحقائق والوهام ،وعبد الحسين الرشتي
في "كشف الشتباه" والخنيزي في "الدعوة إلى وحدة أهل السنة والمامية" وغيرهم.].
ول شك أن حجتهم داحضة؛ ذلك أن النسخ من ال سبحانه ،قال تعالى{ :مَا نَنسَخْ ِمنْ آ َيةٍ أَوْ نُنسِهَا
َن ْأتِ ِبخَيْرٍ مّ ْنهَا َأوْ مِ ْثلِهَا} [البقرة .]106أما التحريف فمن فعل البشر ،وشتان بين هذا وذاك ،ولذلك وجد
من شيوخ الشيعة الكثير ممن يذهب إلى هذا المذهب الباطل بمقتضى دللة أساطيرهم ،ولم يوجد أحد
من علماء السنة يقول بهذه الفرية ،فالنسخ شيء آخر غيرها.
بل إن هذه السطورة ل مكان لها أصلً عند المسلمين ،ولذلك نجد الحديث عن النحراف فيما
يتصل بالقرآن عند أهل السنة في مسألة خلق القرآن وما شابه ذلك من القوال الباطلة التي وجدت في
محيط السنة العام ،أما تلك القضية فغير واردة أصلً عندهم ،فكيف يجعل النسخ كالقول بالتحريف؟ إن
ذلك إل ضلل مبين وكيد متعمد ..لن غاية ما تدل عليه تلك الثار أن ذلك كان قرآنا ثم رفع في حياة
الرسول والوحي ينزل ،ولهذا وضعت في باب النسخ من مباحث علوم القرآن عند أهل السنة ،ولم
يكن يخطر ببال أحد منهم أن ذلك يدل على تحريف المنزّل ،بخلف أخبار هذه السطورة عند الثني
عشرية التي تنسب التحريف إلى صحابة رسول ال الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه لنها تصدق
خبر شرذمة من الفاكين وتكذب بالضرورات والخبار المتواترات وشهادة ال ورسوله لهم.
633
والصحابة عند أهل السنة هم أتقى وأخشى ل من يفعلوا شيئًا من ذلك ،ولو فرضنا جدلً أنهم
حاولوا فعل هذا لم يمكنهم ال سبحانه وتعالى وإل لزم الخلف في قوله وهو محال .بل يستحيل أن يقع
منه شيء من ذلك ولو على سبيل السهو؛ لن ال هو الذي وعد بحفظه.
ونسخ التلوة يقر به الروافض أنفسهم ،وإن أنكره هذا النوري الطبرسي لتأييد مذهبه الباطل ونسب
النكار للشيعة كلها ،فإن صدق في هذه النسبة فهو ينصرف إلى بعض المعاصرين من طائفته ،وهذا
يعني أنهم أكثر غلوا من السابقين في ذلك ،فقد قرر شيخهم الطبرسي (ت 548ه) في هذه المسألة
[مجمع ثبوت نسخ التلوة ،حيث قال في مجمع البيان" :ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم"
البيان .].1/180 :والطبرسي قد أنكر التحريف ،ويستشهد شيوخ الشيعة بإنكاره على براءة مذهبهم من
هذا العار ،ولم يقل أحد بأن إثباته لنسخ التلوة قول بالتحريف.
ومن قبله شيخهم الطوسي (ت 460ه) في تفسيره التبيان ،حيث قال" :ل يخلو النسخ في القرآن
الكريم من أقسام ثلثة :أحدهم نسخ حكمه دون لفظه...
والثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم ،فإن وجوب الرجم على المحصنة ل خلف فيه،
والية التي كانت متضمنة له منسوخة بل خلف وهي قوله" :والشيخ والشيخة إذا زنيا" [التبيان.].1/13 :
وقال في موضع آخر" :وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن ،وفيما ذكرناه دليل على بطلن قولهم،
وجاءت أخبار متضافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلوتها" [التبيان.].1/394 :
ومن قبلهما شيخ الشيعة "المرتضى" (ت 436ه) وهو ممن ينكرون هذه الفرية وهو الذي استثناه ابن
حزم من جمهور المامية القائلين بهذه السطورة.
والشيعة المعاصرون يستدلون بإنكاره على براءة مذهب الشيعة من هذا الكفر ،وهو يقر بنسخ
التلوة ،ففي كتابه الذريعة قال" :فصل في جواز نسخ الحكم دون التلوة ،ونسخ التلوة دونه" ثم تكلم
عن ذلك [الذريعة إلى أصول الشيعة :ص .].429– 428
إذن القرار بنسخ التلوة أمر مشترك بين الفريقين وهو شيء أخر غير التحريف.
ومن المكر والكيد الذي ل يكاد يخلو منه كتاب شيعي معاصر ناقش هذه القضية التظاهر بإنكار
الشيعة لهذه الفرية والستدلل بإنكار المرتضى والطبرسي وغيرهما ،ثم يحاولون نسبة هذه الفرية إلى
أهل السنة ،لنهم قالوا بنسخ التلوة ..مع أن الطبرسي والمرتضى يقولن بذلك ،ولكن ذلك مكر
مقصود لتحقيق هدف ل يجرؤون على إظهاره وهو اعتقادهم هذا الكفر.
الشبهة الرابعة:
قال الملحد" :الدليل الرابع أنه كان لمير المؤمنين قرآنا مخصوصا – كذا – مخالف الموجود في
الترتيب ،وفيه زيادة ليست من الحاديث القدسية ،ول من التفسير والتأويل".
وأقول :لو كان لمير المؤمنين مصحف لخرجه للمسلمين ،ولم يسعه كتمانه ،وإذا لم يستطع ذلك
في خلفة من سبقه – على حد تفكيركم – فإنه يستطيع إخراجه إبان خلفته ..وكتمان ذلك كفر
634
وضلل ..فمن ألصق ذلك بأمير المؤمنين فهو ليس من شيعته ،بل من عدوه؛ لنه يدعي أنه كتم
إظهار الحق وبيانه خوفا وجبنا ،وهو أسد ال وأسد رسوله ..وكتمان أصل الدين وأساسه خروج عن
السلم.
ولو لم يستطيع عليّ إخراجه لخرجه الحسن إبان خلفته ،ولكن الذي يشهد به الجميع حتى
الروافض أن عليا لم يقرأ في صلته ،ويحكم في خلفته إل بهذا القرآن ،وكذلك سائر علماء أهل
البيت – كما مر [ص 265وما بعدها –].وهذا يبطل كل دعاوى الروافض الذين أقض مضاجعهم وأرق
عيونهم وفض جمعهم وشتت أمرهم خلو كتاب السلم العظيم مما يثبت شذوذهم فادعوا قرآنا غائبا
لما لم يجدوا في كتاب المسلمين ضالتهم ،كما ادعوا إماما غائبا لما مات إمامهم من غير عقب.
وإذا كان لمير المؤمنين مصحف فهو أمر طبيعي ل يدل على ما يذهب إليه هذا المجوسي ،فهو
كبعض الصحابة الذين اتخذوا لنفسهم مصاحف خاصة كتبوها لهم ولكنها ل تصل إلى مستوى
المصحف المام الذي يكتبه كتبة الوحي بإشراف رسول الهدى صلى ال عليه وسلم.
وإذا كان لعليّ كما يدعون مصحف يخالف المصحف المام ،فما يخالف المصحف الذي أجمع عليه
المسلمين ل اعتداد به ،لن الجماع معصوم والعبرة بما أجمع عليه أهل السلم ،مع أن أمير
المؤمنين كان على رأس المجمعين والجامعين وثناؤه على أبي بكر وعثمان في ذلك مشهور – كما
قدمنا .-
قال الباقلني" :فإن قالوا :فإنما لم يغير ذلك ولم ينكره لجل التقية قيل لهم :ومن كان أقوى منه
[نكت جانبا وهو في بني هاشم مع عظم قدره وشجاعته وامتناع جانبه .هذا غاية المتناع والباطل"
النتصار :ص .].108
ثم أشار إلى تناقض الروافض ،حيث إن مقالتهم هذه في عليّ تنقض ما يزعمونه من شجاعته
وصدعه بالحق ،وعدم سكوته عن باطل.
وذكر بأن واقع أمير المؤمنين في خلفته ينفي مجرد تصور التقية في هذا الباب "فأي تقية بعد أن
شهر سيفه وقاتل بصفين ونصب الحرب بينة وبين مخالفيه فيما هو دون تغيير القرآن وتحريفه ،هذا
مما يعلم بطلنه ويقطع على استحالته" [نكت النتصار :ص .].108
الشبهة الخامسة:
قال الملحد :الخامس أنه كان لعبد ال بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود".
ثم ذكر نماذج مما جاء في مصحف ابن مسعود – كما تزعم رواياتهم – ومما ذكره "وكفى ال
المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك" [فصل الخطاب :ص .].136
أقول :ل خلف أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم يكتبون فيها ما يسمعون من
النبي صلى ال عليه وسلم من القرآن ..وهذا ل يطعن في المصحف المام ،ول يدل على ما يذهب
إلية هؤلء الطغام؛ لن العمدة والصل هو ما أجمع عليه المسلمون ول عبرة بما انفرد به أحدهم.
635
وأنت تلحظ أنه جعل مصحف ابن مسعود هو المعتبر والهدف واضح؛ لنه ورد فيه – كما يزعم
– ذكر علي ..ولكن ما استشهد به من نماذج يدل على أن ما ينسبونه لبن مسعود أو لمصحفه هو من
افتراءاتهم ،فقوله{ :وَرَفَعْنَا َلكَ ذِكْ َركَ} هذه الية من سورة "النشراح" وهي مكية بكل آياتها كما هو
معلوم ،والزيادة التي زادوها وهي قولهم( :وجعلنا عليا صهرك) كشفت كذبهم؛ ذلك أن صهره الوحيد
في مكة هو العاص بن الربيع الموي ،فهم وضعوا ولم يحسنوا الوضع لجهلهم بالتاريخ ..فهل يكتب
ابن مسعود ما يخالف الواقع وما سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم؟!.
وكذلك الشاهد الخر "وكفى ال المؤمنين القتال بعلي" فهو مخالف لنص القرآن وللواقع ،فال
علَيْهِمْ رِيحًا
سلْنَا َ
سبحانه أخبر بمن كفى عباده المؤمنين ،وذلك في قوله سبحانهِ{ :إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ َفأَ ْر َ
َوجُنُودًا لّمْ تَرَ ْوهَا} [الحزاب .]9
ولذلك قال السلف في تأويل قوله سبحانه{ :وَكَفَى الّلهُ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ الْقِتَالَ} [الحزاب ]25أي :بجنود
من الملئكة ،والرياح التي بعثها عليها [تفسير الطبري ،21/148 :فتح القدير.].4/272 :
أما مخالفة الواقع فإن عليا لم يكن كافيا من دون المؤمنين ،ولو لم يكن مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم إل علي لما أقام دينه ،وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الرض ..في حربه
مع معاوية [انظر :منهاج السنة.].4/56 :
ولذا قال الباقلني" :فأما ادعاؤهم أن ابن مسعود قرأ" :وكفى ال المؤمنين القتال بعلي" وما أشبه
ذلك من الحاديث فإنه إفك وزور ول يصح[ "..نكت النتصار :ص ،107وانظر :روح المعاني.].21/175 :
وقال ابن حزم" :وأما قولهم [يعني النصارى؛ لنهم يعترضون علي أمة السلم بشبه هؤلء الروافض :].إن
مصحف عبد ال بن مسعود رضي ال عنه خلف مصحفنا فباطل وكذب وإفك ،مصحف عبد ال بن
مسعود إنما فيه قراءته بل شك ،وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل السلم ،في
شرق الرض وغربها" [الفصل.].2/212 :
الشبهة السادسة:
قال الملحد" :الدليل السادس أن الموجود غير مشتمل لتمام ما في مصحف أبيّ المعتبر عندنا".
انظر مبلغ تعنت وتعصب هذا الملحد ،فمصحف أبيّ معتبر عندهم دون مصحف المة!!
وما الدليل على اعتبار وصحة ما في مصحف أبيّ دون مصحف المة؟! ل دليل لديهم إل رغبة
هؤلء المجوس في الطعن في كتاب ال وأنّى لهم ذلك ..فل مصحف إل هذا القرآن وكلماتهم عادت
عليهم بأسوأ العواقب..
وإذا كان لبن مسعود وأبيّ بن كعب وعائشة وسالم مولى حذيفة مصاحف كما جاءت به الخبار
في كتب السنة والشيعة ..فهذه المصاحف الخاصة هي عمل فردي من بعض الصحابة ولم يكن هدفهم
كتابة مصحف تلتزم به المة ،لهذا كانت هذه المصاحف الخاصة غير حجة على المة ،فما عدا
مصحف عثمان ل يقطع عليه ،وإنما يجري مجرى الحاد [البرهان.].1/222 :
636
وإذا نقل منه ما يخالف المصحف المام فهذا طبيعي ،لن الواحد منهم كان يكتب لنفسه ،ولذلك قد
يكتبون تفسيرا لبعض اليات في نفس المصحف وهم آمنون من اللبس ،لنهم إنما يكتبون لنفسهم.
قال ابن الجزري" :ربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحا وبيانا ،لنهم محققون لما تلقوه
[ابن عن النبي صلى ال عليه وسلم قرآنا فهم آمنوا من اللتباس ،وربما كان بعضهم يكتبه معه"
الجزري /النشر ،1/32 :السيوطي /التقان.].1/77 :
وربما كتبوا ما نسخت تلوته "ولذلك نص كثير من العلماء على أن الحروف التي وردت عن أبيّ
وابن مسعود وغيرهما مما يخالف هذه المصاحف منسوخة ...ول شك أن القرآن نسخ منه وغُيّر فيه
في العرضة الخيرة" [ابن الجزري /النشر.].1/32 :
ذلك أنهم يكتبون لنفسهم ل للمة ،كما ل ننسى ما يضعه الروافض في هذا الباب ،وينسبونه لهذا
المصاحف [ولهذا ذكر أهل العلم أن من أنواع القراءات ما هو موضوع( .انظر :التقان .].)1/77 :أما القرآن فقد قام
به الحفظة من الصحابة ،وجمعوا ما في الصحف التي كتبها كتاب الوحي بإشراف النبي صلى ال
عليه وسلم على حسب ما استقر في العرضة الخيرة من جبريل على النبي صلى ال عليه وسلم على
ما هو عليه الن من غير زيادة ول نقصان "ولذلك لم يختلف عليهم اثنان حتى إن علي بن أبي طالب
لم ينكر حرفا ول غيره" [النشر.].1/33 :
الشبهة السابعة:
[فصل الخطاب: قال الملحد" :السابع أن عثمان لما جمع القرآن ثانيا أسقط بعض الكلمات واليات"..
ص .].150
ثم يحاول أن يقيم الدليل على هذه الدعوى بأن "العلم بمطابقة ما جمعه لتمام المنزل ..متوقف
[فصل الخطاب :ص ].154 على ..عدالة الناسخين أو الكاتبين أو صدقهم أو العرض علي الصحيح التمام"..
وهذا في نظره ل يثبت.
فأنت تلحظ أنه بنى دعواه على عقيدة الرافضة في الصحابة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع المة
وما تواترت به الحداث والوقائع [انظر :نقض عقيدتهم في الصحابة :ص( )752وما بعدها.].
كما اعتبر الوهم الذي تدعيه الشيعة من وجود مصحف جمعه علي وتوارثه الئمة هو الصل في
تصديق المصحف المام ..وكل ذلك غير مسلّم له ،كما ل يسلّم له احتجاجه بذلك "الغثيان" من القوال
والروايات التي نقلها من كتبهم لثبات هذه المقالة.
ومن المعلوم أن "القرآن كله كتب في عهد النبي صلى ال عليه وسلم ،فلم يأمر أبو بكر إل بكتابة
ما كان مكتوبا ،ولذلك توقف عن كتابة الية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة ،مع أنه كان
يستحضرها هو ومن ذكر معه" [فتح الباري].13-9/12 :؛ لنهم كانوا يعتمدون في جمع القرآن على الحفظ
والكتابة معا؛ ولم يعتمدوا على الحفظ وحده؛ حيث إن "قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي
637
[أبو شامة /المرشد الوجيز :ص ،57وانظر التقان للسيوطي: النبي صلى ال عليه وسلم ..ل من مجرد حفظهم"
ص .].58
طهّ َرةً} [البينة،
صحُفًا مّ َ
وقد أعلم ال تعالى في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله{ :يَ ْتلُو ُ
...]2الية ،فكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد ،ثم
[فتح الباري كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عثمان بالنسخ منها عدة مصاحف وأرسل بها إلى المصار
.].9/13 :
قال شيخ السلم ابن تيمية يلخص عملية جمع القرآن" :لما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى
ال عليه وسلم عارضه جبريل بالقرآن مرتين ،والعرضة الخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره،
وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ،وكتبها أبو بكر
وعمر في خلفة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها ،ثم أمر عثمان في خلفته بكتابتها
[مجموعة في المصاحف ،وإرسالها إلى المصار ،وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة عليّ وغيره"
فتاوى شيخ السلم.].13/395 :
فالذي ُيخَطّئ أبا بكر وعثمان قد خطأ علًيا ،وجميع الصحابة؛ لن الحقيقة التي يتفق عليها
[انظر :المرشد الوجيز لبي شامة: المسلمون أن أمير المؤمنين عثمان جمع القرآن بموافقة الصحابة جميعا
ص .].53
ولو حدث هذا الذي تقوله الشيعة لما جاز لحد السكوت على تغيير أصل السلم وأساسه ،ولضل
الجميع بسبب ذلك بما فيهم علي رضي ال عنه ،والبراهين المتفق عليها والتي ل يختلف فيها اثنان أن
الصحابة رضوان ال عليهم لم يسكتوا على ما هو أقل من ذلك.
لقد قاتلوا من منع الزكاة ،وقاتل علي – رضي ال عنه – معاوية على أقل من هذا المر العظيم
والشأن الخطير ،ولو حصل الذي تقوله الرافضة لتناقله أعداد السلم الذين يتربصون بأمة السلم
الدوائر ،ولم تنفرد بنقله طائفة الروافض.
وهذه الطائفة التي نقلت هذا الكفر قد نقلت ما يثبت خلفه ،روى ابن طاوس وهو من كبار شيوخ
وهذا [تاريخ القرآن للزنجاني ص ].67 الشيعة أن "عثمان جمع المصحف برأي مولنا علي ابن أبي طالب"
ينقض ما افتراه الشيعة عبر القرون؛ لنه يتفق مع إجماع المة ،وهو اعتراف منهم وإقرار..
واعتراف المخالف أشد وقعا في النفس من اعتراف الموافق.
ولم يملك صاحب فصل الخطاب – وهو الحريص على إثبات هذه الفرية – حيال هذا النص إل أن
يقول" :إنه من الغرابة بمكان" [فصل الخطاب :ص .].153وليس بغريب إل عند هذا الملحد ومن يشايعه.
638
وقد أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح – كما قال ابن حجر – عن أمير المؤمنين علي رضي ال
[فتح عنه قال" :ل تقولوا في عثمان إل خيرا فوا ل ما فعل ما فعل في المصاحف إل عن مل منا"
الباري ،9/18 :وانظر :ابن أبي داود /كتاب المصاحف :ص ،19أبو شامة /المرشد الوجيز :ص .].53
وبعد هذا كله فإن "النموذج" الذي يخرجه لنا هؤلء "الكذبة" ويزعمون أن عثمان أسقطه ،هو أكبر
شاهد على حقيقة قولهم..
فقد جاء صاحب فصل الخطاب بأربع روايات عن أربعة من كتبهم تقول إن علي بن موسى الرضا
قال" :ل وال ل يرى في النار منكم اثنان أبدا ،ل وال ول واحدا .قال :قلت :أصلحك ال ،أين هذا من
كتاب ال تعالى؟ قال :هو في الرحمن وهو في قوله تبارك وتعالى :ل يسئل عن ذنبه منكم إنس ول
جان ،قال :قلت :ليس فيها منكم؟ قال :بلى ،وال إنه لمثبت فيها وإن أول من غيّر ذلك لبن أروى"
[فصل الخطاب :ص .].157
والروايات الثلث الخر ل تخرج عن هذا المعنى ،ويعنون بابن أروى عثمان.
فهذا "المثال" الذي تقدمه كتب الروافض كشاهد لما أسقطه عثمان يكشف الحقيقة المخبأة ..فوقت
تنزل القرآن ل يوجد شيعة ،ول مرجئة ول غيرهما من الفرق.
والية كما ل يدعون تثبيت أن الشيعي ل يسأل عن ذنبه ..وهذه دعوى خطيرة ل يسندها دليل ،بل
هي مناقضة لنصوص التنزيل ،وما علم من السلم بالضرورة ..ولها آثارها الخطيرة من التحلل من
التكاليف الشرعية ..والجرأة على اقتراف المعاصي والموبقات.
وإمامهم يقسم على شيعته أنه لن يدخل النار منهم واحد ..أطلع الغيب ،أم اتخذ عند ال عهدا؟!
وهم بهذه الدعوى أكثر غلوا من يهود ،الذين قالوا{ :لَن َت َمسّنَا النّارُ ِإلّ َأيّامًا مّعْدُو َدةً} ،ورد ال
علَى الّلهِ مَا لَ
خلِفَ الّلهُ عَ ْه َدهُ أَمْ تَقُولُونَ َ
خذْتُمْ عِندَ الّلهِ عَ ْهدًا َفلَن ُي ْ
عليهم بقوله سبحانه{ :قُلْ أَتّ َ
[البقرة، طتْ ِبهِ خَطِيـئَ ُتهُ َفأُ ْولَـ ِئكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَا ِلدُونَ}
سبَ سَيّ َئةً َوأَحَا َ
تَ ْع َلمُونََ ،بلَى مَن َك َ
.]81 ،80
وهي تكشف كذب هذه الدعاوى كلها ..وأن الغرض من دعوى التحريف تحقيق شذوذ ل سند له
من كتاب أو سنة صحيحة .ثم هي تكشف أن واضع هذه الرواية زنديق جاهل بمعاني كتاب ال ،فالية
في المجرمين وهو ظنّ أنها في الصالحين فأولها في شيعته ..وحاول أن يؤكد ذلك بزيادة قوله" :منكم"
وعلل ذلك بأنة لو لم يضع هذه الزيادة لسقط العقاب عن الخلق ،وهو ل يسقط إل عن شيعته – كما
سأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ} [القصص.]78 ،
يفتري – مع أن الية هي كقوله سبحانه{ :وَل ُي ْ
فهي في أهل الجرائم والذنوب.
ولهذا قال ابن عباس في تفسيرها :ل يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟؛ لنه أعلم بذلك منهم .وقال
[تفسير الطبري ،143 – 27/142 :تفسير ابن كثير مجاهد :ل يسأل الملئكة عن المجرم ،يعرفون بسيماهم
.].4/294
639
ونختم القول بما قاله الجاحظ في دحض شبهتهم حول جمع أمير المؤمنين عثمان رضي ال عنه.
قال الجاحظ:
"والذي يخطئ عثمان في ذلك فقد خطأ عليا وعبد الرحمن وسعدا ،والزبير وطلحة وعلية
الصحابة.
ولو لم يكن ذلك رأي علي لغيّره ،ولو لم يمكنه التغيير لقال فيه ،ولو لم يمكنه في زمن عثمان
لمكنه في زمن نفسه ،وكان ل أقل من إظهار الحجة إن لم يملك تحويل المة ،وكان ل أقل من
التجربة إن لم يكن من النّجاح على ثقة ،بل لم يكن لعثمان في ذلك ما لم يكن لجميع الصحابة ،وأهل
القدم والقدوة ،ومع أن الوجه فيما صنعوا واضح ،بل ل نجد لما صنعوا وجها غير الصابة
والحتياط ،والشفاق والنظر للعواقب ،وحسم طعن الطاعن.
ولو لم يكن ما صنعوا ل تعالى فيه رضا لما اجتمع عليه أول المة وآخرها ،وإن أمرا اجتمعت
عليه المعتزلة والشيعة ،والخوارج والمرجئة ،لظاهر الصواب ،واضح البرهان ،على اختلف
أهوائهم.
فإن قال قائل :هذه الروافض بأسرها تأبى ذلك وتنكره ،وطعن فيه ،وترى تغييره.
قلنا :إن الروافض ليست منا بسبيل ،لن من كان أذانه غير أذاننا ،وصلته غير صلتنا ،وطلقه
غير طلقنا ،وعتقه غير عتقنا ،وحجته غير حجتنا ،وفقهاؤه غير فقهائنا ،وإمامه غير إمامنا ،وقراءته
[رسائل الجاحظ ،رسالة غير قراءتنا ،وحلله غير حللنا ،وحرامه غير حرامنا ،فل نحن منه ول هو منا
حجج النبوة.].234–3/233 :
الشبهة الثامنة:
قال الملحد" :الثامن في أخبار كثيرة دالة صريحا على وقوع النقصان زيادة على ما مر رواها
المخالفون" [فصل الخطاب :ص .].162
ثم ذكر ما جاء عن طريق أهل السنة من أخبار نسخ التلوة.
ول مستمسك له في ذلك كما أسلفنا؛ لن النسخ من ال سبحانه والتحريف من البشر ..ولذلك جاء
الحديث عنها في كتب أهل السنة في باب النسخ ..ول نعيد هنا ما قلناه سابقا ..وهو يعيد الدلة
ويكررها بصور مختلفة ليصل بالدلة إلى عدد أئمته الثني عشر.
[بالغة اليرانية لمؤلفه وقد أورد في هذا الموضع سورة مفتراة قال بأنه وجدها في كتاب دبستان مذاهب
محسن فاني الكشميري ،وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة ،ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على ال المستشرق نولدكه في
كتابه "تاريخ المصاحف" ،2/102 :ونشرتها الجريدة السيوية الفرنسية سنة 1842م (ص ( )439–431انظر :الخطوط العريضة
ولم يجدها في غيره من كتب الشيعة ،وقال :لعلها سورة "الولية" التي أشار إليها بعض ص ].)13
وهي عبارات ركيكة ،وألفاظ ساقطة، [فصل الخطاب :ص ].180 شيوخ الشيعة ،ثم أورد نصها بتمامه
ومعان متهافتة ،وسياق مفكك ،وجمل ينبو بعضها عن بعض.
640
فهي عبارة عن كلمات ملفقة تلفيقا رديئا من بعض ألفاظ القرآن ،وموضوعها هو المر الذي أقلق
الشيعة وهو خلو كتاب ال من شذوذهم ،ولذلك فهي تذكر مسألة الوصية لعلي بالمامة ،وتكفير
الصحابة لعصيانهم الوصي .تقول كلماتها"
"يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي .إن الذين يوفون ورسوله في آيات لهم
جنات نعيم .والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في
الجحيم .ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول يسقون من حميم .إن ال الذي نور السموات والرض
بما شاء واصطفى من الملئكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل ال ما يشاء ...إن عليا من
المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين ..فإنه وذريته الصابرون ،وإن عدوهم إمام المجرمين ...يا أيها
الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذه وكن من الشاكرين بأن عليا قانتا بالليل .يحذر
الخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون .سيجعل الغلل في
إلخ. [فصل الخطاب :ص ].181–180 أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون"
هذه بعض كلماتها وهي ل تحتاج إلى نقد.
فهي من هذر الكلم وسقط المتاع ،تلفيق مهلهل مضطرب المعاني واللفاظ ،وإن أقل الدباء ليأبى
نسبتها إليه فضلً عن أن تكون من كتاب ال الذي أعجز أرباب البيان وفرسان الفصاحة.
وقد نقد هذه "السورة المخترعة" الشيخ يوسف الدجوي في كتابه" :الجواب المنيف في الرد على
مدعي التحريف في القرآن الشريف" [انظر :الجواب المنيف :ص 174وما بعدها.].
[انظر :آلء وقد ردها – أيضا – وبيّن زيفها أحد شيوخ الشيعة وهو البلغي في تفسيره آلء الرحمن
الرحمن :ص .].25-24
وبطلنها أوضح من أن يبيّن ،فل حاجة إلى نقل ما قاله ،فأنت تلحظ أن المر ظاهر من مجرد
النظر في ألفاظها ،انظر إلى قوله – مثلً " :-واصطفى من الملئكة ،وجعل من المؤمنين أولئك في
خلقه" تجد أنها من وضع أعجمي ل يستطيع أن ينبئ عما يريد.
فماذا اصطفى من الملئكة؟ لم يكمل المعنى.
ولعله يريد اصطفي من الملئكة رسلً إلى الوصياء ،فلم يستطيع إكمال الجملة.
وماذا جعل من المؤمنين؟
وما معنى أولئك في خلقه؟
وأنت ترى أنه ما رام أحد محاكاة القرآن إل وابتله ال بالعي ،وفضحه على رؤوس الشهاد.
الشبهة التاسعة:
قال الملحد" :إنه تعالى ذكر أسامي أوصيائه وشمائلهم في كتبه المباركة السالفة ،فل بد أن يذكرها
في كتاب المهيمن عليها" [فصل الخطاب :ص .].184
641
وكونها لم توجد فهذا دليل تحريفه بزعمه ،ثم ساق مجموعة من رواياتهم تذكر بأن أئمتهم الثني
عشر قد جاء ذكرهم في الكتب السماوية السابقة [فصل الخطاب :ص .].204–184
وأقول :إن هذه الدعوى مبنية على أن أسماء الئمة الثني عشر قد ذكرت في كتب النبياء
علّق ثبوتها على خرافة أخرى ،فمن يسلّم
السابقة ..فهي دعوى باطلة بنيت على باطل ،وخرافة ُ
بذكرهم في الكتب السماوية حتى يسلم بذكرهم في القرآن! "وهذه كتب النبياء التي أخرج الناس ما
فيها من ذكر النبي صلى ال عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ – فضلً عن سائر أئمتهم –
وهؤلء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم" [منهاج السنة.].4/46 :
لقد جاءت البشارة في الكتب السابقة بخاتم المرسلين .قال تعالى{ :اّلذِينَ يَتّبِعُونَ ال ّرسُولَ النّبِيّ
جدُو َنهُ مَكْتُوبًا عِن َدهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالِنْجِيلِ} [العراف.]157 ،
ا ُلمّيّ اّلذِي يَ ِ
ح ّمدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَاّلذِينَ مَ َعهُ
وجاء ذكر الصحابة والثناء عليهم في التوراة والنجيل ،قال تعالى{ :مّ َ
ضلًا ّمنَ الّلهِ وَ ِرضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
جدًا يَ ْبتَغُونَ َف ْ
حمَاءُ بَيْ َنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُ ّ
علَى الْكُفّارِ ُر َ
شدّاءُ َ
َأ ِ
ط َأهُ} [الفتح.]29 ،
ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ َذ ِلكَ مَ َثلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ َومَ َثلُهُمْ فِي الِنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ شَ ْ
وقد عز على هذه الزمرة أن يذكر رسول الهدى صلى ال عليه وسلم وصحابته ول يذكر أئمتهم،
والصحابة عندهم أهل ردة ،وأئمتهم أفضل من النبياء والرسل ..فكيف يقولون لتباعهم؟ لقد اخترعوا
روايات تقول بأن الئمة قد ذكروا في الكتب السماوية ولكن لِمَ لم يذكروا في كتاب ال؟ هذا ما لم
يجدوا له جوابًا إل القول بالتحريف الذي ارتد عليهم بأسوأ العواقب.
الدليل العاشر:
قال فيه" :ل إشكال ول اختلف بين أهل السلم في تطرق اختلفات كثيرة وتغيرات غير
محصورة في كلمات القرآن وحروفه بالزيادة والنقصان واستقرار آراء المخالفين على اختيار سبعة
من القراء منهم أو عشرة على ما بينهم من الختلف ..واعتنائهم بتوجيه قراءاتهم وإرجاعها إلى
الرسول ،كما زعموا فيكون القرآن في نفسه وعند نزوله مبنيا على الختلف وموضوعا على
المغايرة ،وحيث إن القرآن ل تغير فيه ول اختلف فتكون هذه القراءات هي قراءة بغير ما أنزل ال".
وأورد جملة من أخبارهم تقول :بأن "القرآن واحد نزل من عند واحد وإنما الختلف من الرواة".
وطعن على الرواة السبعة وقال بعدم الحتجاج بقراءتهم ..لن "أول طبقات القراء هم الذين استبدوا
الراء ولم يبايعوا إمام زمانهم أمير المؤمنين" [فصل الخطاب :ص .].210
يحاول هذا الملحد أن يتمسك بما ورد من القراءات لثبات فرية طائفته وأسطورتهم ،ول مستمسك
له به ،ذلك أن اختلف القراءات ل يؤدي إلى شيء من ذلك كما افترى ،لن ذلك كان يمكن لو أن كل
واحد من القراء المختلفين في قراءة بعض اليات كان يقرأ من عند نفسه ما يراه ،لكن الحاديث
صريحة الدللة في أن كل واحد منهم قد أخذ قراءته من الرسول صلى ال عليه وسلم وهي مخالفة
642
[انظر :صحيح البخاري – مع الفتح :- لقراءة صاحبه ،وأن النبي أقر كلً منهم وأخبر بأنها هكذا أنزلت
فبان أن الجميع نازل من عند ال ،والفرق بين ذلك وأسطورة الشيعة فرق واضح جلي. ].9/22
وقد اختلط على هذا الفاك المر في مسألة القراءات والقرآن فظن التلزم بينهما ،وهو جهل
واضح؛ فالقرآن متواتر بإجماع المسلمين يتناقله الجيال عن الجيال حتى يبلغوا به النبي صلى ال
[هو ما زيد في القراءات علي وجه عليه وسلم بينما القراءات فيها المتواتر والحاد والشاذ ،ومنها المدرج
والموضوع. التفسير (التقان :ص ].)77
ولم يقل أحد أن القرآن أخذ عن السبعة أو العشرة؛ إذ إن القراءات "مذهب من مذاهب النطق في
القرآن يذهب به إمام من المة القراء مذهبا يخالف غيره".
قال الزركشي" :واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ،فالقرآن هو الوحي المنزل على
محمد صلى ال عليه وسلم للبيان والعجاز ،والقراءات اختلف الوحي المذكور في كتابه الحروف أو
كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما" [البرهان.].1/318 :
[وهذا ل نزاع فيه بين أهل العلم ،وإنما يظن أنهما شيء واحد بعض الجهلة ،لن والقراءات غير الحرف السبعة
أول من جمع القراءات السبع أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة.
(انظر :المرشد الوجيز لبي شامة ص ،146مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ،13/390 :النشر لبن الجزري:
التي أنكرها هذا الرافضي – وخلط بينها وبين القراءات السبع – مع أن الحديث في الحرف ].)1/24
[والحديث بهذا المعنى أخرجه البخاري ،في كتاب فضائل القرآن ،باب السبعة ثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنزل على سبعة أحرف :ج( 9من البخاري مع شرحه فتح الباري) ص 23ح ،4992ومسلم كتاب صلة المسافرين ،باب بيان
أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (ح ،)818وأبو داود ،كتاب الصلة ،باب أنزل القرآن على سبعة أحرف( 2/158 :ح
.].)1475
وقد جاءت الرواية بنزول القرآن على سبعة أحرف في كتب الشيعة نفسها في جملة أحاديث حتى
بوّب القمي لها في كتابه الخصال [الخصال "نزل القرآن على سبعة أحرف" :ص .].358
والمتأمل لسانيد تلك القراءات يرى أن جملة منها متصلة بمن ترى الشيعة إمامتهم كأمير المؤمنين
عليّ ،وجعفر وغيرهما .وقد مر بنا نقل اعتراف الشيعة بذلك [ص .].267 – 266
الشبهة الحادية عشرة:
قال الملحد" :الدليل الحادي عشر :في ذكر الخبار المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول
النقصان في الموجود من القرآن ،وأنه أقل مما نزل إعجازا على قلب سيد النس والجان ،وهي
متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول عند الصحاب" ،وذكر أخبارا كثيرة من كتب طائفته في
ذلك.
وهذه الروايات الكثيرة التي استشهد بها ل تدل على تحريف القرآن الذي أجمعت عليه المة،
وتكفل ال بحفظه وقامت القرائن والبراهين القطعية على سلمته؛ إنما تشهد على كذب هذه الروايات
643
وسقوط تلك الحاديث ،التي ينسبونها للئمة وأنه ل ثقة برواياتها بعد هذا ،وأن كتبهم هي المحرفة
المفتراة ..وقد انكشف أمرها بهذه الفرية ..وبانت حقيقتها بهذه السطورة.
ودللة أخباره على مطلوبه إنما يلزم بها أهل ملته ،أما أمة السلم فل.
وقد شهد شاهد من أهلها بأن أخبارهم في هذا الباب إنما رواها الغلة والكذابون والمطعون في
دينهم ممن ل تحل الرواية عنهم ،والذي شهد بذلك شيخهم البلغي في آلء الرحمن ،حيث قال" :هذا
الروايات [كذا في الصل ،ولعلها "جمع"]. وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جميع
التي استدل بها على النقيصة".
وفي جملة ما أورده من الروايات ما ل يتيسر احتمال صدقها ،ومنها ما هو مختلف باختلف يؤول
به إلى التنافي والتعارض ..هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ،وقد
وصف علماء الرجال كلً منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية ،وإما بأنه
مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ،وإما بأنه كذب متهم ل أستحل
أن أروي من تفسيره حديثا واحدا ،وأنه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلم ،وإما
بأنه كان غالبا كذابا ،وإما بأنه ضعيف ل يلتفت إليه ول يعول عليه ومن الكذابين ،وإما بأنه فاسد
الرواية يرمى بالغلو.
ومن الواضح أن أمثال هؤلء ل تجدي كثرتهم شيئا [البلغي /آلء الرحمن :ص .].26
كذلك يذكر مرجع الشيعة في زمنه ميرزا مهدي الشيرازي بأن أخبارهم في ذلك شاذة ضعيفة في
إسنادها ،متناقضة في متونها؛ حيث قال" :وأما ما ورد في الخبار التي ظاهرها وقوع التحريف في
[جاء في بعض الي فل يثبت بها ذلك (حيث) إنها شاذة ضعيفة السانيد ،فإن كثيرا منها عن السياري
ترجمته عندهم :أحمد بن محمد بن سيار ،أبو عبد ال الكاتب البصري ،يعرف بالسياري ،ضعيف الحديث ،مجفو الرواية ،كثير
المراسيل.
(الفهرست للطوسي :ص ،51رجال النجاشي :ص ،62رجال الحلي :ص ،)203قال ابن حجر" :كان في أواخر المائة
الذي ضعفه علماء الرجل كما في الفهرست لشيخ الطائفة ،والخلصة الثالثة"( .لسان الميزان].)1/252 :
للعلمة ،والرجل للنجاشي أنه "ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية" [المعارف الجليلة :ص .].18
ثم بيّن تناقض متنها بقوله" :معارضة بعضها مع البعض من وجهين أحدهما :تعارضها في تعيين
الساقط ..وثانيهما :ما ورد في روايات من سقوط اسم علي في مواضع كثيرة ،مع أن بعض الروايات
تدل على أن ال تعالى لم يسم عليا في القرآن" [المعارف الجليلة :ص .].18
هذا قول البلغي والشيرازي في رجالهم وأسانيدهم.
ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض ،ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم ،وشعورهم بتفاهة قولهم
وسقوطه ،ومحاولتهم التستر على مذهبهم ،أو نفي هذا الكفر والعار الذي ألحقه بالطائفة شيوخهم
الوائل ،بوضعهم هذا اللحاد والكفر في أصولهم أمثال الكليني وإبراهيم القمي ،والمجلسي وأضربهم.
644
ونأخذ أقوالهم في الحكم على أسانيدهم لهذا السبب.
الشبهة الثانية عشر:
قال الملحد" :الدليل الثاني عشر الخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على
تغيير بعض الكلمات واليات والسور بإحدى الصور المتقدمة وهي كثيرة جدا (يعني حسب
أساطيرهم) ،حتى قال السيد نعمة ال الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكي عنه :أن الخبار الدالة
علي ذلك تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلمة المجلسي
وغيرهم ،بل الشيخ أيضا صرح في التبيان بكثرتها ،بل ادعى تواترها جماعة ونحن نذكر ما يصدق
دعواهم" [فصل الخطاب :ص .].252-251
ثم أخذ في ذكر ما جاء في أخبارهم مما يزعمون أنه هو القرآن السالم من التحريف ،فذكر (
)1062مثالً على ترتيب سور القرآن ،وعلى مدى مائة صفحة ،وسأذكر شيئًا منها لتتبين حقيقة
الهداف المتوخاة من هذه الفتراءات .وقبل ذلك أقول :إن كثيرة أخبارهم في هذا الباب إنما يلزم بها
أهل دينه ،أما أمة السلم فل ..وهذه الكثرة التي يحكيها تدل على أن دين الشيعة سداه ولحمته
الكذب ،والكيد للسلم بمحاربة ركنه العظيم ،وأصله الذي يقوم عليه هو القرآن.
وهذا الملحد يحكي كثرة هذا الباطل عندهم واستفاضته ،وآخرون يدعون ندرته وشذوذه ،والكل من
شيوخهم المعتبرين عندهم ..أليس هذا عنوان تاقض هذا المذهب وأصحابه؟!
وهذه الدعوى يعدها دليلً على إثبات مراده ،وهي عنوان كفره ،ووصمة عار يلطخ بها قومه إلى
البد ،وإذا لم تستح فاصنع ما شئت ،وليس بعد الكفر ذنب.
وهو بهذه الدعوى يريد أن يصرف قومه عن كتاب ال ،لن كتابهم المزعوم ل زال مع غائبهم
الموهوم رهين العزلة الدائمة ،والغيبة البدية ،لنه لم يولد أصلً.
أما المثلة التي ساقها فهي محاولة يائسة لوضع سند لعقائدهم في كتاب ال ،وإقناع أتباعهم
والحائرين من بني قومهم الذين حيرهم وزلزل بنيانهم خلو أصل السلم العظيم من أمر ولية الثني
عشر ،وهي عندهم الدين كله ،فمما قال هذا الملحد:
1ـ سورة البقرة ..." :عن جابر الجعفي عن أبي عبد ال في قول ال عز وجل( :وإذا قيل لهم
آمنوا بما أنزل ال (في علي) قالوا نؤمن بما أنزل علينا) [فصل الخطاب :ص .].254
فأنت ترى أنهم أقحموا "في علي" على الية الكريمة ،ولم يفطن هؤلء الزنادقة أن الية في بني
إسرائيل ،وأن ما زادوه يكاد يلفظه السياق ،وأن لفظ الية يكذبهم؛ فقولهم" :بما أنزل علينا" نص
صريح في أنها ليست في هذه المة .ولكن هؤلء إما أنهم زنادقة أعاجم ل يفقهون معنى اليات ،وإما
أن هذا أمر مقصود لضلل الشيعة والخروج بهم إلى طريق الكفر واللحاد..
645
2ـ سورة النعام :روى الكليني عن أبي عبد ال" :إن الذين فارقوا أمير المؤمنين وصاروا
أحزابا" [فصل الخطاب :ص ..].262يحاولون بذلك تغيير قوله سبحانهِ{ :إنّ اّلذِينَ فَرّقُواْ دِي َنهُمْ وَكَانُواْ
يءٍ} [النعام.]159 ،
ستَ مِ ْنهُمْ فِي شَ ْ
شِيَعًا ّل ْ
ولم يعرف هؤلء الملحدون كيف يضعون؛ إذ إن الية مكية ،ولم يكن ثمة أمير للمؤمنين في حياة
النبي صلى ال عليه وسلم ،والجميع أتباع لرسول ال ل أتباع لعلي حتى يفارقوه.
3ـ سورة براءة :قال الملحد" :روى الكليني والعياشي عن أبي الحسن الرضا أن الحسين بن
الجهم قال له :إنهم يحتجون علينا بقول ال{ :ثَانِيَ اثْ َن ْينِ ِإذْ ُهمَا فِي الْغَارِ} قال :وما لهم في ذلك ،لقد
قال ال( :فأنزل ال سكينته على رسوله) ..وما ذكر فيها بخير قال :قلت له :وهكذا قراءتها؟ قال:
هكذا قراءتها ،وعن أبي جعفر مثله ،أل ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله وجعل كلمة الذين
كفروا السفلى ،وهو الكلم الذي تكلم به عتيق (يعني أبا بكر)" .قال الملحد" :والية تدل على عدم
إيمان الصاحب" [فصل الخطاب :ص .].266
علَ ْيهِ} [التوبة.]40 ،
فترى هؤلء الزنادقة حاولوا تحريف قوله سبحانهَ { :فأَن َزلَ الّلهُ سَكِي َن َتهُ َ
بحذفهم "عليه" وزيادتهم (على رسوله) ،وهدف الرافضة تكفير أبي بكر بتحريف النص الذي هو
أعظم مناقب الصديق رضي ال عنه ،وغاب عن هؤلء العاجم أن هذا التغيير ل يؤدي الغرض الذي
علَيْهِ} أي على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو أشهر القولين
سكِينَ َتهُ َ
[قال ابن كثير في قولهَ { :فأَن َز َل اللّهُ َ يذهبون إليه
(تفسير ابن كثير ،)2/384 :وقيل :على أبي بكر وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس ،وحبيب بن ثابت (زاد المسير:
.].)3/41
فأنت ترى أن "تحريفاتهم" وأساطيرهم ،تسير في فلك الولية وتكفير الصحابة.
وعلى هذا المنوال تجري غالب أساطير هذا الملحد التي ذكرها.
[بإمكان القارئ الرجوع للتوسع في الرد على أباطيل الروافض وبعد أن عرض هذا الملحد شبهاته الثني عشر
في هذا الباب إلى "النتصار" للباقلني (يوجد الجزء الول منه في 304ورقة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة) أو إلى
"نكت النتصار لنقل القرآن" تحقيق د .محمد زغلول .فشبهات هذا الرافضي ليست جديدة؛ إذ قال بها أسلفه من الزندقة ،ورد
عليها علماء المسلمين ،ويبدو لي أن هذا الرافضي أخذ هذه الشبهات مما كتبه بعض علماء المسلمين بدون ردودهم ليضل قومة
سواء السبيل( .قارن شبهاته بما جاء في نكت النتصار للباقلني) ،].حاول أن يرد على الجناح الخر من الشيعة
الذي أبى أن يوافق على هذه السطورة ،لوضوح فسادها ،وعقد الباب الخر لكتابه في هذا الشأن،
حيث عرض أدلتهم وحاول الجابة عليها.
وسأذكر فيما يلي حجج المنكرين لهذه الفرية من الشيعة ،وأشير إلى إجابات هذا الملحد عليها،
وأناقشه فيما يقول.
والحقيقة أن هذا الباب الذي عقده أبطل به افتراءاته؛ لنه لم يستطيع أن يجيب على أدلة قومه
المنكرين لكفره – كما سترى –:
646
قال الملحد" :الباب الثاني في ذكر أدلة القائلين بعدم تطرق التغيير مطلقا في كتاب ال تعالى ،وأن
الموجود هو تمام ما أنزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ..وهي أمور عديدة:
حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:]9 ،
الول :قوله تعالى{ :إِنّا نَ ْ
قال الملحد" :واعترض بأن المراد الحفظ من تطرق شبه المعاندين؛ حيث ل يوجد فيه بحمد ال
مدخل إلى القدح فيه" [فصل الخطاب :ص .].360
فانظر إلى هذا العتراض البله من هذا الملحد؛ حيث عدّ قولهم "بالتحريف" ليس من شبه المعاندين
فل يدخل في عموم الحفظ!.
إن الحفظ أقرب معانيه :الحفظ من التغيير والتبديل ،والية ظاهرة في العموم وإن كره الكافرون.
وقال" :واعترض أيضا :بأن الضمير في قوله" :له" راجع النبي صلى ال عليه وسلم ل إلى القرآن
فل شاهد عليه" [فصل الخطاب :ص .].360
ومن الواضح الجلي أن الضمير يعود إلى الذكر ،والضمير في لغة العرب يعود إلى أقرب مذكور،
ثم هل يحفظ ال رسوله ويضيع كتابه؟! ،فما لهؤلء [تفسير ابن كثير].2/592 : "فهو واضح من السياق"
القوم ل يكادون يفقهون حديثا.
[أي :ولم يقتصر على مجرد الحفظ من تطرق شبه المعاندين كما وقال الملحد" :لو سلم شموله للحفظ من التغيير
أيضا فإنما هو القرآن في الجملة ،ل لكل فرد ،فإن ذلك واقع ،ربما مزق كما يفهم المر هؤلء الملحدة].
648
وهذه الجابة ل تكفي في إزالة التناقض بين نصوصهم التي تأمر بالعرض على القرآن ،ونصوصهم التي تقول بالتحريف
ودعوى تخصيص ذلك بآيات الحكام ل دليل عليه ،لن أخبارهم في وجوب عرض جميع رواياتهم على القرآن عامة شاملة لم
تخصص ذلك في آيات الحكام.].
الخامس :من الدلة التي استدل بها الجناح المناهض لخرافة التحريف عند أصحابهم – بأنه قد ورد
عندهم ..متواترا – المر بالتمسك بالكتاب والعترة ،وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر ،لنه ل
[انظر :الطوسي /التبيان ،1/3 :فصل الخطاب :ص يجوز أن تؤمر المة بالتمسك بما ل تقدر على التمسك به
.364
وقد رد الملحد هذا الدليل بمقتضى خرافات الشيعة ،حيث جاء المر عندهم بالتمسك بالعترة ،ومع ذلك غاب المام منذ
قرون ،فالكتاب كذلك ،وقد رد على ذلك أحد شيوخهم (وهو محسن كاظمي في شرح الوافية) فقال" :إن التمسك بهم ..ممكن مع
الغيبة (يعني غيبة منتظرهم) للعلم بهم وبطريقتهم ،وهذا بخلف التمسك بالكتاب فإنه إنما يتحقق بالخذ به ،ول يمكن إل
بالطلع عليه" (انظر :فصل الخطاب ص .)365
ولم يرتض الملحد هذا الجواب فقال" :إن العلم بجميع طريقة المام في الغيب لم يدعه أحد من العلم" ثم ذكر كلما مفاده
أنه يكفي العلم ببعض طريقة المام ،وكذلك يكفي العلم ببعض القرآن السالم من التحريف( .فصل الخطاب :ص .)365
وهكذا فإن المذهب يهدم بعضه بعضا.].
[وهنا انكشف – أيضا – هذا الملحد في جوابه السادس :أنه لو سقط منه شيء لم تبق ثقة في الرجوع إليه
عن هذا الدليل فقال :إن هذا ل يقدح "لحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهر من الظواهر الغير المتعلقة – كذلك –
بالحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيما إلى ظاهر الكتاب" (فصل الخطاب :ص .)365
كأنه يشير إلى أن رجوعهم إلى القرآن إنما هو فقط في آيات الحكام أو أنهم يرجعون إلى تأويلتهم الباطنية ليات القرآن
إل في آيات الحكام فيرجعون إلي الظواهر ..ثم قال" :إن إرشاد الئمة إلى التمسك بها (يعني آيات الحكام) وتقريرهم
الصحاب عليه وتمسكهم بها في غير واحد من الموارد كاشف عن عدم سقوط ما يوجب الجمال – كذا – في الموجود من
آيات الحكام وغير مناف للسقوط في غيرها" (السابق ص .)365
فهو هنا يجعل أخباره وأساطيره هي الحاكمة على القرآن ،فيقبل حكمها بالرجوع إلى آيات الحكام ،ويفسر المر برواياتها
بالتمسك بالكتاب بذلك.
والحقيقة أن صورة التناقض عندهم واضحة ،فالمر بالتمسك بالكتاب عام يشمل آيات الحكام وغيرها ،وأساطير التحريف
عامة كذلك ..والتناقض دليل سقوط أخبارهم وأنهم ليسوا على شيء.].
السابع :أن سقوط شيء منه مع شدة هذا الضبط والهتمام خارج عن مجاري العادات .قال السيد
[محسن بن السيد العرجي الحسيني الكاظمي المتوفى سنة 1227ه ،له كتاب "شرح الوافية" أو "المحصول" شارح الوافية
فيه :أن طول المدة أدعى أشار صاحب الذريعة إلى أنه رأى عدة نسخ منه عند بعض شيوخهم( .الذريعة].)20/151 :
لضبط ما تمد إليه العناق ،ول يرو إل لداع ،وأنى يخفى مثله وهو صلى عليه وآله إذا تغشاه الوحي
ثقل حتى إذا كان راكبا ارتدت قوائم الدابة ،فإذا تسرى عنه تل عليهم ما نزل عليه فليكن كخطيب
مصقع أو كشاعر مغلق ينشد البيت بعد البيت ،ويلقي الكلم بعد الكلم في مظان الحكمة ،ومحل
الحاجة خصوصا إذا كان لوروده شاهد معلوم وعلمة بينة وهو صلى ال عليه وآله إنما يأتيهم بالوعد
والوعيد ،والترغيب والتهديد ،والتكاليف الحادثة ،وأقاصيص المم السافلة ،والقاويل الغريبة ،وهناك
649
أمم من الناس يتطلعون لما برز منه رغبة أو رهبة ،وقد كلفهم بتلقيه وتلوته ،وحفظه والنظر في
معانيه ،ووعدهم على ذلك الجنات ..وجعل تلوته من أعظم أنواع العبادات ..ولهذا كان منهم من
[كتاب يقطع الليل بتلوته .على أنه لم يقنع بهذا كله حتى وكل لكتابته وحفظه وحراسته أربعة عشر
النبي صلى ال عليه وسلم عديدون أحصى أسماءهم عدد من العلماء ،وقد ذكر منهم أبو شامة نحوا من خمسة وعشرون اسما.
(انظر :المرشد الوجيز ص .)46وذكر منهم ابن القيم سبعة عشر صاحبيا( .زاد المعاد .)1/117
ولعل من أكثرهم استيعابا الحافظ العراقي ،إذ ذكر اثنين وأربعين كاتبا لرسول ال صلى ال عليه وسلم( .انظر :التراتيب
الدارية للكتاني ،)1/116 :وعدهم البرهان الحلبي في حواشي الشفا فأوصلهم إلى ثلثة وأربعين (المصدر السابق،1/117 :
يعرضون عليه ،ويدرسونه لديه ،لنه معجز النبوة ومأخذ وانظر :الصباغ /لمحات في علوم القرآن :ص ].)67
الحكام ومأخذ الحكام الشرعية ،ومرجع المة ،وشاهد الئمة ،حتى إن جماعة منهم كعبد ال بن
مسعود ،وأبي بن كعب ختموه عليه عدة ختمات.
وما زال يفشو أمره وينتشر ضياؤه ،ويعلو سناؤه يوما فيوما وعاما فعاما وقرنا فقرنا حتى صار
من أعظم المتواترات ظهورا ،ومن هنا تعرف سرّ ما قال سيدنا المرتضى فيما حكى عنه شيخنا أبو
علي في المجمع أن :العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ،والحوادث الكبار ،والوقايع العظام( ...ثم
نقل ما سبق أن نقلنا عن الشريف المرتضى) [ص.].)293–292(:
وقال :إن القرآن المجيد ليس بذلك الكثير الذي ل يمكن جمعه ول بالمبثوث الذي ل يضم نشره؛
وإنما هو بمنزلة ديوان شعر لعظيم من الشعراء قد اشتمل على نفائس الشعر وطرف الحكمة وشوارد
المثال ،وله حملة وحفاظ ،وناس يتناشدونه في مجامعهم ،ويكتبونه في دفاترهم بحيث إذا ذهب عليهم
بيت منه فضلً عن قصيدة أو مقطوعة افتقدوه ...ونادى منادي السلطان في حملته وحفاظه والذين
يتناشدونه ويكتبونه أن ائتونا بما عندكم ..أتراه يشذ عليه بعد هذا شيء؟
والكتاب العزيز أجلّ مما ضربنا ،وحملته وكتابه وحفظته أكثر مما قلناه ،وتوجه الرغبات إليه أشد،
وله قراء كثيرون وحفاظ .وجمعيه في أيام النبي صلى ال عليه وسلم وآله – فضلً عما بعده –
جماعة حتى قال القرطبي :قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء ،وقتل في عهد النبي صلى ال عليه
وآله في بئر معونة مثل ذلك ،وروى البخاري عن قتادة قال :سألت أنس بن مالك :من جمع القرآن
على عهد رسول ال صلى ال عليه وآله؟ فقال :أربعة من النصار :أبيّ بن كعب ،ومعاذ بن جبل،
وزيد بن ثابت ،وأبو زيد ،قلت :من أبو زيد؟ قال :أحد عمومتي.
هذا كله مضافا إلى شدة اعتناء ال جل ذكره بشأنه وصدق وعد ال بحفظه وإظهار هذا الدين الذي
هو من أعظم أركانه ،حتى جعل أشد الناس إباء لظهوره ،وأقلهم احتفالً بمكانه من السعادة في حفظه
وصيانته كما حفظ بيضة السلم مع تهالكهم في استئصال ذريته [انظر :فصل الخطاب :ص .].367–365
وتوفر الدواعي على نشره للمسلمين والكفار والمنافقين للتحدي والعجاز واشتماله على أمهات
الحكام ،والقراءة في المصحف والعلم بما فيه والتعلم والتعليم لنفسهم ولولدهم ،وللختم في شهر
650
رمضان ،وفي كل شهر مرة ،وفي كل سبعة أيام أو ثلث أو ليلة كله ،أو قراءة شيء منه في كل ليلة،
والحفظ وشرف الحمل والنظر فيه والتفكر في معانيه ،وأمثاله ،ووعده ووعيده ..إلى غير ذلك مما ل
تحصى (يعني من دواعي حفظه) مع كثرة المسلمين وغلبتهم حتى في غزوة تبوك كان عسكر السلم
ثلثين ألفا ،وفي حجة الوداع اجتمع سبعون ألفا [انظر :فصل الخطاب :ص .].367
وقد ضاق ذرعا صاحب فصل الخطاب وهو ينقل هذه الكلمات عن شيوخه المنكرين لهذه الفرية
وعقب عليها بقوله" :انتهى ما أوردنا نقله من الكلمات التي تشبه بكلم من ل عهد له بمباحث المامة،
[فصل الخطاب :ص وحال أصحاب النبي صلى ال عليه وآله في الضللة والغواية في حياته وبعد وفاته"
.].367
ولجملة من شيوخهم كلمات من هذا القبيل في دحض هذه الفرية لظهور فسادها ،ولذلك قال
اللوسي بعدما ذكر إنكار الطبرسي لهذا الكفر" :وهو كلم دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى
للطفال ،والحمد ل على أن ظهر الحق وكفى ال المؤمنين القتال" [روح المعاني.].1/24 :
وبعد ،فهذا الكتاب الذي كتبه صاحبه وصوبه سهما إلى كتاب ال سبحانه ،لم يضر كتاب ال شيئا،
بل ارتد إلى طائفته وعاد عليها بأسوأ العواقب ،فقد أصبح فضيحة الشيعة الكبرى ،وكان من أعظم
الدلة والبراهين على سقوط أخبارهم وتهافت رواياتها ،وأنه ل عبرة بتواترها واستفاضتها ،ولهذا قال
أحد شيوخ الشيعة المعاصرين:
"ما أجاد في تأليفه ،ول وافق الصواب في جمعه ،وليته لم يؤلفه ،وإن ألفه لم ينشره ،وقد صار
ضرره أكثر من نفعه ،بل ل نفع يتصور من نشره ،فإنه جهز السلح للعدو وهيأه."..
ثم قال" :ويقال :إن بعض أعداد الدين وخصماء المذهب حرضه على تأليف ذلك الكتاب وهو –
[الطبطبائي /النوار النعمانية: رحمه ال – لم يشعر بذلك الغرض الفاسد ،وليس هذا الحدس أو النقل ببعيد"
( 2/364الهامش).].
هكذا يتمنون أن تكون هذه المسألة مستورة ل مفضوحة ،وأن تبقى رواياتها متفرقة ل مجموعة،
لنه قد صار ضرره عليهم أكثر من نفعه ،بل ل نفع من نشره ،وليبق سري التداول بينهم .فهل هذا
يدلنا على أن لديهم كتبا ل تحظى بالنشر ،لن معلوماتها مثيرة للعالم السلمي ،وآثارها خطيرة فبقيت
[بل قد يكون واقعا ،حتى أنك ترى أن بعض أجزاء البحار قد منع طبعها، رهينة التداول بينهم؟ إن هذا ليس ببعيد
بأمر من "حوزاتهم".].
الوجه الرابع :التظاهر بإنكار هذه الفرية مع محاولة إثباتها بطرق ماكرة خفية:
درج بعض شيوخهم المعاصرين على التظاهر بإنكار هذه الفرية ،والدفاع عن كتاب ال سبحانه..
لكنك تلحظ المنكر في فلتات لسانه ،وترى الباطل يحاول دسه في الخفاء هنا وهناك ..ومن أخبث من
[أبو القاسم الموسمي الخوئي ،مرجع الشيعة الحالي في العراق وبعض القطار سلك هذا الطريق شيخهم الخوئي
651
في تفسيره "البيان"؛ فهو يقرر" :أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم ،بل المتسالم عليه الخرى].
653
بل تراه يقول بأن القول بعدم التحريف هو قول علماء الشيعة ومحققيهم ،في حين أن مذهب جملة
من أساطين شيوخهم المجاهرة بهذا الكفر كالكليني ،والقمي ،والطبرسي صاحب الحتجاج وغيرهم
وهم يعدون عندهم من كبار شيوخهم ومحققيهم ،أليس [انظر :ص( )247وما بعدها]. من رؤوس هذا الكفر
هذا خداعا؟!
بل المر أشد من هذا ،ذلك أن شيخهم إبراهيم القمي قد أكثر من أخبار هذه السطورة في تفسيره،
وكان هذا معتقده مع آخرين من شيوخهم .قال الكاشاني" :وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة
السلم محمد بن يعقوب الكليني أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ..وكذلك أستاذه علي بن
[تفسير إبراهيم القمي ،فإن تفسيره مملو منه وله غلو فيه" .ثم ذكر بقية من سار في اللحاد من شيوخهم
الصافي ،المقدمة السادسة.].1/52 :
فأنت ترى أنه يعترف بأن تفسير القمي مملو من هذا الكفر .ومع ذلك فإن هذا الخوئي الذي يتظاهر
بالنكار يذهب إلى صحة تفسير هذا القمي ،ويقرر أن روايات تفسيره كلها ثابتة وصادرة من
[معجم رجال الحديث: المعصومين ،لنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات – كما يزعم – من الشيعة
،1/63ط :الولى بالنجف 1398هـ ،أو ص 49ط :الثالثة :بيروت 1403هـ ،وقد نقل ذلك بنصه في المقدمة.].
فتبين من خلل ذلك أن الخوئي صاحب البيان هو في غايته كصاحب فصل الخطاب ،إل أن
الخير استخدم الطريقة المكشوفة ،والول سلك مسلك المكر والحتيال.
المجال الثاني( :اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال) :هل تخلص شيعة العصر الحاضر من لوثة
ذلك التجاه المغرق في التأويل الباطني الذي درج عليه شيوخهم القدامى في تأويل كتاب ال كالقمي
والكليني والعياشي والكاشاني والبحراني وأضرابهم ..أو هم على آثارهم يهرعون؟
إن المتتبع لما يكتبه شيعة العصر الحاضر في تفسير كتاب ال يجد أن العقلية الشيعية المعاصرة ل
تزال في الغالب تعيش أسيرة لتلك التأويلت التي وضعها علماؤهم السابقون والتي عرضنا لها فيما
مضى ..وآية ذلك أن تلك التفاسير الباطنية تأخذ المكانة الولى عندهم في الوثاقة والعتماد ،ول أدل
على هذا من توثيق أكبر مراجع الشيعة في العصر الحاضر وهو الخوئي لسانيد وروايات القمي في
تفسيره [انظر :ص ..].18وتفسير القمي قد بلغ الغاية في التأويل الباطني وأربى على النهاية.
وكذلك الطبطبائي وهو من كبار شيوخهم المعاصرين يقرر أن تفسير العياشي محل ثقة الشيعة
واعتمادهم ..إلى عصرنا هذا [انظر :ما سبق نقله عن الطبطبائي في المقدمة ،].وتفسير العياشي على خطى
القمي في المنهج الباطني الغالي الذي يكفر الصحابة ،ويفسر كل آيات القرآن بالئمة وأعدائهم ،ويدس
أساطير التحريف في تفسيره.
وهكذا سائر التفاسير ذات التجاه الغالي تحظى بتوثيق الشيعة واعتمادهم ..كتفسير البرهان،
وتفسير الصافي ،ومرآة النوار وغيرها [انظر :مقدمات هذا التفاسير.].
فماذا بقي بعد هذا؟
654
أما اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال ،فقد أخذ وجهين مختلفين :وجه غال متطرف ،ووجه
معتدل متوسط ،إذا ما قسناه بالتجاه الغالي :فقد ظهرت ملمح التطرف والغلو في تأويل كثير من
آيات القرآن بعقائدهم التي شذوا بها عن أمة السلم ،فهذا أحد علمائهم المعاصرين ويدعا "علي محمد
دخيل" يتحدث عن غيبة مهديهم المنتظر – وهو كما يقول بعض كتاب الشيعة من أشهر الكتاب
المامية الذين عالجوا الغيبة [عبد ال الفياض /تاريخ المامية :ص –].162فيعقد فصلً بعنوان" :المهدي في
القرآن الكريم" ويورد في هذا الفصل خمسين آية من القرآن كلها يزعم تأويلها بالمهدي ويتوصل بذلك
إلى أن موضوع المهدي ل يختلف عن ضروريات السلم الخرى ،وإنكاره إنكار لضرورة من
ضروريات الدين [علي دخيل /المام المهدي (عبد ال الفياض /تاريخ المامية :ص .].)162
[انظر :هاشم البحراني/ بل بلغت تأويلت شيوخهم المتأخرين ليات القرآن بالمهدي إلى ( )120آية
ولم يقنع بعض المعاصرين بذلك فوضع مستدركًا لهم ليبلغ بها إلى ( المحجة فيما نزل في القائم بالحجة].
656
هذا التجاه المعتدل إنما هو ثمرة اعتماده على جمع الجوامع لشيخهم الطبرسي ،كما ألملح إلى ذلك
في المقدمة ..والطبرسي قد اعتمد في الغالب على مرويات أهل السنة وتفاسيرهم ،كما أشار شيخ
السلم ابن تيمية [انظر :منهاج السنة.].3/246 :
فإذن هناك وجهان للتجاه الشيعي في تأويل القرآن :اتجاه غال ،واتجاه معتدل .كما كان لهم في
القرون الماضية كتب تفسير باطنية غالبة كتفسير القمي والعياشي والكاشاني والبحراني وغيرهم،
وكتب تفسير معتدلة مثل تفسير التبيان للطوسي ،ومجمع البيان ،وجمع الجوامع للطبرسي..
وقد جاء في أخبارهم بالمر لهم بظهورهم بوجهين مختلفين حتى ل يعرف الناس حقيقة مذهبهم.
وقال إمامهم" :إن هذا خير لنا ولكم ،ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا (أي لعرف
الناس المذهب) ولكان أقل لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي.].1/65 :
وأنت إذا قارنت بين المنهجين وجدت التجاه الغالي المتطرف يستقي مادته من روايات الشيعة
وأخبارهم ،أما التجاه المعتدل فتلحظ أنه قد فتح قلبه وعقله لروايات أهل السنة وآثارهم في التفسير،
فتخلص من لوثة الغلو والتطرف ،إما تقية أو اقتناعا ،لكنك ل تجد تفسيرا شيعيا اعتمد على رواياتهم
فقط يخلو من الطريقة الباطنية في التفسير.
فأي الطريقين هو الذي يمثل مذهب الشيعة؟!
لقد ذكرت فيما سلف محاولة بعض شيوخ الشيعة قطع الطريق على هذا التجاه المعتدل بحمله على
التقية [انظر :ص( )198من هذه الرسالة.].
وقد صرح شيخهم المجلسي بأن اعتمادهم على مرويات أهل السنة إنما هو للحتجاج عليهم ،وعقد
لذلك بابا بعنوان " الباب الثامن والعشرون ما ترويه العامة (يعني أهل السنة) من أخبار الرسول صلى
ال عليه وسلم وأن الصحيح من ذلك عندهم (يعني شيعته) والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين"
ثم استثنى من ذلك مقام الحتجاج عليهم لنشر التشيع. [بحار النوار].2/214 :
بل إن مرجع الشيعة في العراق "الخوئي" يعتبر ما جاء عن الصحابة في تفسير القرآن هو معنى
[انظر :حملة لساطيرهم التي تقول بتحريف الصحابة لكتاب ال "على أن المراد حمل التحريف الذي جاء به رواياتهم
اليات على غير معانيها" (البيان ص .].)229
وحين أشار محب الدين الخطيب إلى أن القرآن الذي ينبغي أن يكون الجامع لنا ولهم على التقارب
نحو الوحدة ،قد قامت أصول الدين عندهم على تأويل آياته وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها
الصحابة عن النبي صلى ال عليه وسلم وإلى غير ما فهمه منها أئمة السلم عن الجيل الذي نزل
عليه القرآن [الخطوط العريضة :ص .].10
ردّ عليه أحد شيوخ الشيعة بقوله" :إن الشيعة ترى من الكيد للسلم أن يأخذوا ..تفسيرهم للقرآن
عمن تقصدهم وتعنيهم بالذات أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب ..وأنس بن مالك ممن أتقنوا صناعة
التلفيق والدس والكذب والفتراء" [عبد الواحد النصاري /أضواء على خطوط محب الدين :ص .].65
657
فهذا الجواب ينسبه المؤلف للشيعة ..فإذا كانت الشيعة تعتقد أن تلقي الدين عن طريق الصحابة هو
من الكيد للسلم فلهم دينهم ولنا ديننا ..إذ إن قولهم هذا يؤدي إلى رفض السلم كلية.
أليس هذا يعني أن ذلك الطريق المعتدل والوجه الخر هو من باب التقية..؟!
إن بعض أصحاب ذلك التجاه المعتدل وهو شيخهم محمد جواد مغنية ل يقر بوجود اتجاه باطني
في التفسير عندهم .ويقول بأن الثني عشرية أبعد الناس من هذه البدع والضللت ،وأن كتبهم تشهد
بذلك وهي في متناول كل يد [تفسير الكاشف ،].7/104 :وكذلك شيخهم الخر محسن المين يقر بوجودها،
ولكنه يقول بأنها روايات شاذة [انظر :الشيعة بين الحقائق والوهام :ص .].420–419ومثل ذلك يقول الخنيزي،
[انظر :الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية: مع إنكاره لبعض ما هو واقع في كتبهم من روايات
.].202–1/178
وهذا النكار لما هو واقع وموجود أمارة التقية ،والمر ليس مجرد روايات شاذة – كما يزعمون –
بل تفاسير كاملة تخصصت في التأويل الباطني يأتي في طليعتها تفسير القمي الموثق من كبار
شيوخهم ،وأبواب كاملة في الكافي أصح كتاب عندهم في الحديث ،وفي البحار وغيرهما ،أبواب تضم
عشرات الحاديث كلها تفسير اليات تفسيرا باطنيا ،فلم هذه "الجرأة" في إنكار الحقائق الواضحات،
وهل يظنون أنهم يخدمون دينهم بهذه الوسيلة؟!
كما أن هذا النكار منقوض بصنيع من شيوخهم المعاصرين الذين ل يزالون يهذون في هذا
الضلل.
بل إن شيوخهم وآيتهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي يرى أن تلك التأويلت الباطنية لليات
[وذلك حينما قال الشيخ موسى جار ال بأن "في كتب والواردة في حق الئمة هي مسلمة عندهم بحكم الضرورة
الشيعة أبواب في آيات وسور نزلت في الئمة والشيعة ،وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر ،وكفر من اتبعهما،
واليات تزيد على المئة ،بل فيها سور مستقلة ..يذكر ذلك أكبر إمام للشيعة في أقداس كتبها في أصول الكافي"( .الوشيعة :ص
،27وانظر :ص .)65
فأجاب شيخهم عبد الحسين على ذلك بقوله :أما ما نزل في فضل الئمة من أهل البيت وشيعتهم فمسلّم بحكم الضرورة من
علم التفسير المأثور من السنن ،وبحكم ما ثبت في السنة المقدسة من أسباب النزول.
وأما نزول شيء من القرآن في كفر فلن وفلن ،فإنه مما نبرأ إلى ال منه ،والبلء فيه إنما جاء من بعض غلة المفوضة
وربما كان في كتبهم فرآه هذا الرجل فرمى البريء بحجر المسيء شأن الجهال بحقائق الحوال( .أجوبة مسائل جار ال :ص
.)67
فأنت تلحظ أن هذه "الية" عندهم قد اعتبر ما جاء في الكافي من تأويلت للقرآن بالمام والمامة مسلم بحكم الضرورة،
لكنه استعمل التقية ،حينما نفى تأويلهم ليات الكفر والكافرين بأبي بكر وعمر ،وزعم أن ذلك ل يوجد في الكافي.
وهذه "تقية" بل ريب ،لنه أنكر وجود ذلك في الكافي وهو موجود ويتمثل في عشرات الرويات تفسير آيات الكفر والكفار
بالشيخين رضي ال عنهما( .انظر :أصول الكافي ،باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولية.)1/412 :
658
لكن هذا الرجل يريد أن يخدع الناس وينكر ما هو واقع ويلصق ذلك بالفوضة والتي لم يقل الكاتبون عنها أن هذا مسلكها
واعتقادها (انظر في بيان عقيدة الفوضة شرح عقائد الصدوق للمفيد :ص )258ثم إن هذه الفرقة اندرست ول توجد هي ول
كتبها كما يقوله مرجع الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطا (انظر :أصل الشيعة :ص .].)38
إذن الصورة في مجال التأويل متشابهة بين الوائل والواخر ،والجديد عند المعاصرين أنهم
ارتضوا ما كتبه أسلفهم ،حتى المتأخرون منهم فقد اعتبروا ما كتبه المجلسي وغيره من المتأخرين
مراجع معتمدة في الرواية فاتسع بذلك نطاق التأويل عندهم وازداد بفضل جهود شيوخ الدولة الصفوية
الذي أربوا على النهاية في هذا.
لكن بعض المعاصرين كتب بعض التفاسير المعتدلة كما فعل بعض شيوخهم القدمين ..وأنكر
وجود التأويلت المتطرفة عندهم ..وإذا كان النكار في القديم قد يصدق ،فإنه اليوم بعد ظهور حركة
الطبع ل يجدي ول يفيد ،ويحمل على التقية ل محالة.
[انظر: أما ظهورهم بوجهين مختلفين فهذا أمر قد قرر في مذهبهم حتى ل يقف الناس على حقيقتهم
أصول الكافي .1/65 :ومضى نصه ص.].)1060( :
659
السنة عند المعاصرين:
إن الشيعة المعاصرين لم يتغير شيء من مواقفهم حول المسائل التي تحدثنا عنها في مبحث السنة،
فل يزالون يعتبرون أقوال أئمتهم الثني عشر كأقوال ال ورسوله.
[الحكومة السلمية :ص يقول شيخهم الخميني" :إن تعاليم الئمة كتعاليم القرآن يجب تنفيذها واتباعها"
.].13
ويقول محمد جواد مغنية" :قول المعصوم وأمره تماما كالتنزيل من ال العزيز العليمَ { :ومَا َينْطِقُ
عنِ الْ َهوَىِ ،إنْ هُوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم [ "]4 ،3محمد جواد مغنية /الخميني والدولة السلمية :ص .].59
َ
فكأنهم بهذا قد اعتبروا هؤلء الئمة بما فيهم الغائب الذي لم يوجد أصلً ،والحسن العسكري الذي
عده ابن الجوزي من الضعفاء في الموضوعات ..اعتبروا هؤلء كأنبياء ال ورسله ..وهذا مبني على
دعوى عصمتهم التي تبين لنا زيفها وبطلنها فيما مضى.
أما دعواهم أن الرسول كتم جزءا من الشيعة وأودعها عليا فهذا ل يكفون عن التصريح به في
كتبهم "الدعائية" كما سجل ذلك شيخهم محمد حسين آل كاشف الغطا في كتابه "أصل الشيعة وأصولها"
[انظر :أصل الشيعة وأصولها :ص ،77ونقلت نص ذلك ص (.].)146
أما تلك الكتب الوهمية كالجفر والجامعة والتي تتحدث عنها كتب الرواية عندهم ..فلما نعى الشيخ
موسى جار ال على الشيعة المعاصرين تصديقهم بمثل هذه الوهام .أجابه أحد مراجع الشيعة
المعاصرين وهو محسن المين – بل حياء – بقوله" :إن ضاعت صحيفة الفرائض والجفر والجامعة
[الشيعة بين الحقائق والوهام: وما ذكر معها عنده وعند أمثاله (يعني موسى جار ال) فلم تضع عند أهلها"
ص .].254
بل إن من شيوخهم الكبار عندهم في هذا العصر من يتباهى بذكر تلك الكنوز الوهمية ،والسماء
التي ل مسمى لها ويذهب يعدد هذه "الكتب" بكل خفة عقل.
ويفتخر بكثرة هذه الوهام التي ل حقيقة لها ..وإذا سئل أين هذه "الكتب المزعومة" أجاب بأنها
[انظر :محمد آصف المحسني /صراط الحق ،3/347 :محسن المنتظر ..ولول خشية الطالة لنقلنا كلمهم في ذلك
المين /أعيان الشيعة.].184–1/154 :
ومنتظر الشيعة الذي تزعم غيبته وحياته منذ مئات السنين حتى أصبحت هذه الدعوى عار عليها
وفضيحة لها تزداد على مر السنين.
هذا المنتظر الذي لم يولد أصلً نسب له بعض الفاكين "رقاعا" صدرت عنه مضى الحديث عنها
[انظر :ص (.].)332
660
وكان يظن بشيعة العصر الحاضر ،ول سيما وهم يرفعون شعار التقريب ،ودعوة الوحدة مع أهل
السنة أنهم قد ارتفعوا بمذهبهم قومهم عن ترهات الماضي لكن لم يحصل شيء من ذلك واعتبروا هذه
الرقاع من "السنة التي ل يأتيها الباطل" [الخنيزي /الدعوة السلمية.].2/112 :
وأدهى من ذلك أن هذا المنتظر يزعمون أنه على صلة مباشرة ببعض شيوخهم حتى الن ،وهذا
يعني استمرار حكاية التوقيعات ،وخروج الفتاوى المعصومة والنصوص التي هي كالوحي اللهي –
كما يزعمون .-
قال شيخهم محمد تقي المدرسي" :ل نستبعد -بل هو كائن فعلً – وجود علقات سرية بين المام
(ع) وبين مراجع الشيعة ،وهذا هو السر العظيم" [يعني إمامهم الغائب الذي ل حقيقة له إل في خيال الشيعة].
662
وتجد أن محمد حسيين آل كاشف الغطا أحد كبار مراجع الشيعة وآياتهم ،ومن ينادي بالتقريب بين
أهل السنة والشيعة يقول في مدح أئمته:
أمـلك فعرشـه ميقـاتهـا يا كعبـة ال إن حجت لهـا الـ
أشياء بل ذرئت بهـا ذراتهـا أنتم مشيئته التي خلقت بهـا الـ
[ديوان شعراء الحسين/ ما لم تقله في المسيح غلتهـا أنا في الورى قال لكم إن لم أقل
جمع محمد باقر النجفي :ص ( 12ط :طهران 1374ه)].
لقد جعل أئمته هم الكعبة التي تحج إليها الملئكة ،وجعل عرش الرحمن هو ميقاتها ،وجعلهم هم
مشيئة ال وقدرته التي خلقت بها الشياء .وقطع على نفسه عهدا أن يقول في أئمته ما لم تقله غلة
النصرانية في المسيح ،ولعله بهذه الوصاف قد وصل إلى ما أراد.
هذا ما يقوله كبير مراجع الشيعة في هذا العصر ،ومن يمثلهم في مؤتمرات ومن يعتبر عند بعض
أهل السنة الذين لم يطلعوا على حقيقته من معتدلي الشيعة ولهذا قدموه إماما لهم في مؤتمر القدس
[انظر :في مؤتمر القدس الول مجلة الزهر ،المجلد ،979 ،638 ،25/506المسلمين ،المجلد السادس ص .45وانظر: الول
تعليق محمد رشيد رضا في المنار على تقديم محمد حسين آل كاشف الغطا إماما لهم في الصلة في مجلة المنار :المجلد 29
663
[أبو الحسن الندوي /من نهر كإبل إلى نهر اليرموك :ص ،93مجلة العتصام ،السنة ( ،)41العدد ( وتبرعات الفقراء"
.].)3
وقد ذكر صاحب التحفة الثني عشرية بأنهم ل يزالون يغلون في قبور الئمة ويطوفون حولها ،بل
ويصلون إليها مستدبرين القبلة ،إلى غير ذلك من المور التي يستقل لديها فعل المشركين مع أصنامهم
[انظر :مختصر التحفة الثني عشرية :ص .].300ثم قال :إن حصل لك ريب من ذلك فاذهب إلى بعض
مشاهدهم لترى الحقيقة بعينك [مختصر التحفة الثني عشرية :ص .].300
وتجد شيخهم المعاصر محمد المظفر في كتابه الذي ألفه لبيان عقائد طائفته وسماه "عقائد المامية"
والذي ارتضاه شيعته فلم نر أحدًا أنكر عليه شيئًا مما جاء فيه ،وقد صاغه بأسلوب يغلب عليه طابع
الدعاية للتشيع ،ومع ذلك تجده لم يحجم عن التأكد على عقيدة الرافضة في قبور الئمة فذكر أن مما
امتازت به طائفته واختصت به في أضرحة أئمتهم "تشيدها وإقامة العمارات الضخمة عليها ،ولجلها
يضحون بكل غال ورخيص عن إيمان وطيب نفس" [محمد رضا المظفر /عقائد المامية :ص .].133
ثم صرح بأن سبب ذلك ما زعمه من "وصايا" الئمة وحثهم شيعتهم على الزيارة ،وترغيبهم فيما
لها من الثواب الجزيل عند ال تعالى ..وباعتبار أن هاتيك القبور – كما يزعم -من خير المواقع
[لو كانت من خير المواقع وفيها كل ذلك الفضل الذي يتحدثون عنه لورد ذكر ذلك في الكتاب الكريم لستجابة الدعاء
والسنة المطهرة ،ولصبحت من المور المعلومة المشهورة ،ولما خفيت على المة ،واختص بنقلها حثالة من الكذابين
المعروفين بالفتراء على أهل البيت ،..ولو كان شيء مما قالوه حقا لما ورد النهي الصريح المؤكد بالنهي عن اتخاذ القبور
مساجد ،].والنقطاع إلى ال تعالى [محمد رضا المظفر /عقائد المامية :ص .].133
[محمد رضا ثم ذكر آداب ومناسك الزيارة عندهم بل حياء ول خوف من إعلن هذه المظاهر الوثنية
المظفر /عقائد المامية :ص .].139–135
وما فتئ ثلة شيوخهم المعاصرين يجاهرون – بل وجل أو خجل – بأن كربلء أفضل من الكعبة
المشرفة ،فهذا كبير مراجع الشيعة ومن يتزعم الدعوة للتقريب بين السنة والشيعة يدعي أن كربلء
أفضل من الكعبة البيت الحرم الذي جعله ال قياما للناس ومثابة وأمنًا وبارك فيه بنص التنزيل اللهي.
فيترنم مرجع الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطاء مخالفا لنص القرآن وإجماع المسلمين يترنم
بهذا البيت الوثني وهو قوله:
لكربلء بان علو الرتبة ومن حديث كربلء والكعبة
[محمد وهو يرى أن هذا من ضرورات مذهبهم فيقول بأن كربلء "أشرف بقاع الرض بالضرورة"
حسين آل كاشف الغطاء /الرض والتربة الحسينية :ص .].56–55لنه قد شهدت بذلك آثارهم وأخبارهم – كما
يقرر .-
وهذه الشهادة التي يعتمدها يجب أن تنجعل برهان ودليلً على كذب هذه الخبار ،ومروق من
وضعها عن الدين ،وخروج من صدق بها عن إجماع المسلمين ..وأين كربلء من قول ال تعالى:
664
ضعَ لِلنّاسِ َلّلذِي بِبَ ّكةَ مُبَارَكًا َو ُهدًى ّللْعَالَمِينَ ،فِيهِ آيَاتٌ بَيّـنَاتٌ مّقَامُ ِإبْرَاهِيمَ َومَن
{ِإنّ َأوّلَ بَ ْيتٍ ُو ِ
عنِ
حجّ ا ْلبَ ْيتِ َمنِ اسْ َتطَاعَ ِإلَ ْيهِ سَبِيلً َومَن َكفَرَ َف ِإنّ ال غَ ِنيّ َ
علَى النّاسِ ِ
خ َلهُ كَانَ آمِنًا َو ِلّلهِ َ
دَ َ
الْعَا َلمِينَ} [آل عمران .]97–96
فهل بعد هذا يبقى قول لقائل:
علَى ُقلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد .]24
{أَفَل يَ َتدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ َ
[كقول آيتهم ميرزا حسين الحائري" :كربلء تلك التربية هذا وأقوال شيوخهم المعاصرين في هذا المعنى كثيرة
الطيبة الطاهرة ،والرض المقدسة التي قال في حقها رب السموات والرضين (انظر كيف يفترون الكذب على رب العالمين)
مخاطبا للكعبة حينما افتخرت على سائر البقاع :قري واستقري لول أرض كربلء وما ضمته لما خلقتك ،ثم يقول هذا
"الرافضي" :وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعدما صارت مدفنا للمام رضي ال عنه مزارا للمسلمين (!) وكعبة للموحدين
(!) ومطافا للملوك والسلطين ومسجدا للمصلين (الحائري /أحكام الشيعة.)1/32 :
ويقول د /عبد الجواد آل طعمة في كتاب له يسمى تاريخ كربلء بأن نصوصهم قد اعتبرت كربلء أفضل بقاع الرض
فهي تعتبر عند الشيعة أرض ال المختارة المقدسة المباركة ،وهي في مقاييسهم حرم ال وحرم رسوله وقبة السلم ،وفي
تربتها الشفاء ،وأن هذه المزايا لم تجتمع لي بقعة حتى الكعبة( .تاريخ كربلء :ص ،116–115والكتاب موثق من عدد من
آياتهم ،انظر :مقدمات الكتاب).
ويقول آيتهم العظمى محمد الشيرازي بأننا "نقبل أضرحتهم كما نقبل الحجر السود ،وكما نقبل جلد القرآن الكريم"( .مقالة
الشيعة /المرجع الديني عندهم محمد الشيرازي :ص .].)8
[انظر :ص( )445من وإذا كانت كتب الشيعة القديمة تقرر بأن ال قد تاب على النبياء بتوسلهم بالئمة
[وهو مذهب هذا الكتاب ،].فإن هذا المعنى المتناهي في الغلو والذي يتضمن تفضيل الئمة على النبياء
غلة الروافض كما يقوله القاضي عياض ،والبغدادي ،وشيخ السلم ابن تيمية ،ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب الجماع على
كفر من ذهب إلى ذلك انظر :ص( )614من هذه الرسالة .].والمتناهي في السذاجة والغفلة؛ إذ يفترض وجود
هؤلء الئمة في حياة النبياء السابقين ،والموغل في الدعوة إلى الشرك بال سبحانه وعبادة غيره جل
شأنه ..فإن هذا المعنى الذي يحمل هذه "البليا" وغيرها يقرره بعض كبار شيوخهم ويوصي ابنه
بالعمل بمقتضاه فيقول آيتهم وحجتهم عبد ال الممقاني" :وعليك بني بالتوسل بالنبي وآله صلى ال
[لحظ عليهم أجمعين ،فإني قد استقصيت الخبار فوجدت أنه ما تاب ال على نبي من أنبيائه من الزلة
إل بالتوسل بهم [مرآة الرشاد :ص .].104 اعترافهم بزلت النبياء مع أنهم يدعون العصمة المطلقة في الئمة!]
واذا كانت مصادرهم القديمة تجعل زيارة قبر الحسين أفضل من الحج إلى بيت ال سبحانه ،فإن
هذا المعنى الخطير يتكرر على ألسنة شيوخهم المعاصرين ،ويدعون إلى هذا ،لن فيه – كما يخدعون
[عقائد المامية :ص أتباعهم – " الثواب الجزيل عند ال باعتبار أنها من أفضل الطاعات والقربات"..
.].133
ولهذا يو صي آيت هم ع بد ال الممقا ني اب نه بزيارة الح سين في كل يوم يقول" :وعل يك ب ني بزيار ته
(يع ني قبر الح سين) في كل يوم من الب عد مرة ،والم ضي إل يه في كل ش هر مرة ،وإن ك نت في بلدة
بعيدة ففي السنة مرة" [مرآة الرشاد :ص .].114–105
665
لحـظ أن هذا الشيـخ لم يوص ابنـه بالصـلة ..بـل أوصـاه بالتجاه إلى القـبر حيـث ترفـع للشرك
رايات ،لن ذلك عندهم من أفضل القربات ..وهذه شرعة المشركين.
على هذه الوصية بقوله" :قد ورد أن من زاره – عارفا بحقه – [محيي الدين الممقاني]. وقد علق البن
كتب ال له ثواب ألف حجة وألف عمرة".
إلي أن قال" :وكأنمـا زار ال (!!) .وحـق على ال أل يعذبـه بالنار ،أل وإن الجابـة تحـت قبتـه
ومن زار قبر الحسين عليه السلم ليله النصف من [مرآة الرشاد :ص ( 110الحاشية)]. والشفاء في تربيه"..
شعبان وليلة الف طر ،وليله عر فة في سنة واحدة ك تب ال له ألف ح جة مبرورة ،وألف عمرة متقبلة،
"و من أتاه يوم عرفـة [مرآة الرشاد :ص ( 113الحاشيـة)]. وقض يت له ألف حا جة من حوائج الدن يا والخرة
عارفا بح قه ك تب ال له ألف ح جة ،وألف عمرة متقبلت ،وألف غزوة مع نبي مر سل أو إمام عادل"
[مرآة الرشاد :ص ( 113الحاشية).].
وهكذا تتفق كتب الشيعة قديمها وجديدها على هذا العتقاد الوثني وينسبون هذا لئمة أهل البيت بل
ولل سلم ،ول يعلم الم سلمون كل هم بهذا ال مر ،بل ينفرد بنقله الروا فض دون غير هم ..ول شك أن هم
بشذوذ هم هذا يعلنون كذب هم ،ويفضحون مذهب هم ..ول قد كان لهذه "الن صوص" أثر ها الخط ير في دن يا
الشيعـة ،حيـث أحيـت عقيدة المشركيـن فـي مزارات الشيعـة ومشاهدهـا فأصـبحت المشاهـد معمورة
والمساجد مهجورة ،وعلماؤهم يؤيدون هذا المنكر ويسعون لتثبيته واستمراره.
بل قد جاءت روايات لهم صريحة في التحذير من هذا المنكر الذي يفعلونه.
ولكن مراجعهم تتستر على مثل هذه النصوص ول تود أن تظهر لولئك التباع الغرار ،بل إنها
تنكر وجودها عندهم إمعانا في حجب هذا "النور" عن شيعتهم وأتباعهم.
يقول مجتهد الشيعة الكبر – كما يصفونه – محسن المين في كتابه "الحصون المنيعة" وهو يدافع
عن اتخاذ الشيعة للقبور مساجد ..يقول في رده للنصوص الواردة في أمهات كتب المسلمين في النهي
عن اتخاذ القبور م ساجد والبناء علي ها بأن ذلك م ما انفرد أ هل ال سنة بنقلة و هو معارض ب ما زع مه
متواترا من طرق أهل البيت [محسن المين /الحصون المنيعة :ص .].27
أقول :إن هذا النهي قد جاء أيضا من طرق الشيعة بروايات كثيرة أخرجها الحر العالمي في وسائل
– فإ ما أن كان هذا المد عو [انظـر مـا نقلتـه عـن كتبهـم المعتمدة فـي ذلك :ص ].481 الشي عة وغيره – ك ما مر
بالمين غير أمين وأراد التكتم على حقيقة موجودة في كتبهم ،أو هو جاهل بما في مدوناتهم ..مع أنه
آية من آياتهم المنسوبة زوارا إلى ال سبحانه.
666
وفـي باب السـماء والصـفات :يقرر شيوخهـم المعاصـرين مذهـب المتأخريـن عنـد الشيعـة وهـو
[انظـر :محسـن التعط يل ،ويقتفون أ ثر المعتزلة في ذلك حذو القذة بالقذة فيقولون – مثل – بخلق القرآن
[انظر: المين /أعيان الشيعة ،1/461 :الميني النجفي /الغدير ،].3/139 :وينكرون رؤية المؤمنين لربهم في الخرة
[انظـر :الغديـر].3/139 : محسـن الميـن /أعيان الشيعـة ،1/463 :عقائد الماميـة :ص ،].59وينكرون صفاته سبحانه
الثابتة له بالكتاب والسنة ،ويصفون ال سبحانه بالسلوب بقول شيخهم المظفر في كتابه عقائد المامية
تحت عنوان عقيدتنا في ال .." :ليس هو بجسم ول صورة ،وليس جوهرا ول عرضا ،وليس له ثقل
أو خفة ،ول حركة أو سكون ،ول مكان ول زمان ،ول يشار إليه" [عقائد المامية :ص .].59
وأ نت ترى أن هم في و صفهم له سبحانه بهذه الصـفات ال سلبية المح ضة قد نفوا الوجود ال حق له
تعالى ،ول جد يد عند هم في ذلك ،فهذه كلمات ردد ها الجهم ية من قبل هم و هم على آثار هم يهرعون،
ومن هنا يخطئ من يظن أن الجهمية المعطلة قد توارت عن الوجود واندثرت.
وهم يكفرون من يخالفهم في تعطيلهم .يقول المظفر" :ومن قال ..إنه ينزل إلى السماء الدنيا ،أو إنه
يظهر إلى أ هل الج نة كالقمر ،أو نحو ذلك فإ نه بمنزلة الكا فر به ..وكذلك يلحق بالكا فر من قال :إ نه
يتراءى لخلقه يوم القيامة" [عقائد المامية :ص .].60–59
ويزعمون أن العقل دلهم على هذا التعطيل [عقائد المامية :ص .].60
و هل كان العقل م صدرا للتل قي في أ مر غ يبي ،و هل يوا فق العقل ال سوي على و صف ال سبحانه
بهذه الصفات السلبية التي ليس عليها دليل ،ويرد ما نزل به الوحي؟
ثم ما ح صيلة الفكار والفل سفات ال تي تحد ثت عن هذه الم سألة بمعزل عن الو حي الل هي؟ إن ها لم
تخلف سووي ركام من التناقضات ،وعبث كعبث الطفال ،وعادت على أصحابها بالحيرة والقلق.
الواجبة.
ومنهج أهل السنة في السماء والصفات منهج عظيم للتزامه بالكتاب والسنة ،وحفظه لوقت المسلم
وجهده وطاقته وعقله من أن يبددها في البحث عما لم يكلف به ،ول سبيل للوصول إلى معرفة كيفيته.
667
ب قي أن نض يف اتجاها آ خر لمعا صريهم في عقيدت هم في التوح يد و هو اقتفاء أ ثر ال صوفية الذ ين
يذهبون إلى القول بأن التوحيد مراتب أدناها مرتبة عندهم هو مدلول كلمة السلم العظيمة" :ل إله إل
ال" فشرعوا من الدين ما لم يأذن به ال ،ووصلوا عن طريق هذه المراتب إلى الكفر البواح ،والقول
بالتحاد ،وأن المخلوق عيـن الخالق؛ فخرجوا بذلك عـن العقـل والنقـل ،والديـن ،وفاقوا النصـارى فـي
شركهـم الذيـن قالوا بحلول الله فـي عيسـى؛ لن النصـارى قالوا بحلول خاص وهؤلء قالوا بالحلول
العام.
ولكـن شيوخ الشيعـة الذيـن ينقلون لهذه الطائفـة على مـر العصـور وكـر الدهور حثالة المذاهـب
المبتدعـة ،وزبالة الفكار البشريـة السـاقطة ،وغثاء النفوس المعقدة ..أخذوا بهذا التجاه الصـوفي
المريب ،ونقلوه إلى قومهم ،بل عدوه هو عقيدتهم المعتمدة.
[و قد و صفه شيخ هم الخوئي في تقري ظه للكتاب بأ نه "ر كن ال سلم ،عماد يقول شيخ هم وآيت هم إبراه يم الزنجا ني
[والكتاب موثـق مـن كبار شيوخهـم وآياتهـم كالخوئي ،وحسـن فـي كتاب عقائد الماميـة الثنـي عشريـة العلماء]."..
ت حت عنوان "عقيدة الشي عة في التوح يد"" :إن مرا تب التوح يد أر بع ..توح يد العوام وتوح يد المو سوي].
[عقائد الخواص ،وتوحيـد خاص الخاص ،وتوحيـد أخـص الخواص ،والول مدلول كلمـة ل إله إل ال"
المامية الثني عشرية :ص .].24
ويذكر بأن شيعته تمتاز عن المسلمين جميعا بعقيدة توحيد خاص الخاص ،وتوحيد أخص الخواص
[عقائد المامية الثني عشرية :ص .].24
ويقول بأن المقام ل يتسع لشرح وتفاصيل هذه المراتب ،لكنه يقول بأنهم أخذوها عن أمير المؤمنين
علي في قوله" :أول الد ين معرف ته وكمال معرف ته الت صديق به ،وكمال الت صديق به توحيده ،وكمال
توحيده ..ن في ال صفات ع نه ..ف من و صف ال سبحانه ف قد قر نه ،و من قر نه ف قد ثناه ،و من ثناه ف قد
جزأه ،ومن جزأه فقد جهله ،ومن جهله فقد أشار إليه ،ومن أشار إليه فقد حده ،ومن حده فقد عده"..
[عقائد المامية الثني عشرية :ص .].24
وهذا النص الذي ينسبه – زوارا وافتراءً – إلى أمير المؤمنين علي يتضمن تعطيل ال سبحانه من
صفاته الثابتة بالكتاب والسنة .والعتقاد بأن نفي الصفات هو كمال التوحيد ،هو اعتقاد الجهمية الذين
جعلوا من أصولهم "التوحيد" وضمنوه نفي الصفات ،وكان مؤدى قولهم ونهاية أمرهم ،تعطيل الذات؛
لن نفـي الصـفات يؤدي إلى نفـي الذات ،لن ذات مجردة عـن الصـفات ،ل يتصـور لهـا وجود فـي
الخارج.
[ان ظر :شرح الطحاوية :ص ].16 ولن مذهب الجهمية في تعطيل الصفات مؤد لمذهب الحلول والتحاد
صار – فيما يظهر – هو عمدته ،في ما ذهب إليه من القول بالتوحيد الخاص وخاص الخاص.
668
وح سبك أن تعرف مبلغ ضلل هم في اعتبار هم التوح يد الذي جاءت به الر سل ونزلت به الك تب،
وأمر ال به الولين والخرين هو في المرتبة الدنيا من مراتب توحيدهم ،وهم عندهم مقام يليق بالعوام
ويناسب حالهم ،وهل عندهم بذلك من علم فيخرجوه لنا؟ [انظر :شرح الطحاوية :ص .].16
وهذا كلم ال المنزل على رسوله صلى ال عل يه و سلم ،وهذا سنة الر سول صلى ال عليه وسلم،
وهذا كلم خ ير القرون ب عد الر سول صلى ال عل يه و سلم .هل جاء هذا التق سيم عن أ حد من هم؟ إن
يتبعون في ذلك إل أقوال شيوخهم وزنادقتهم ،وما لهم بذلك من علم إل اتباع الظن وما تهوى النفس
وما تمليه عليهم شياطين النس والجن.
وحسبك أيضا أن تدرك أن مبلغ أمرهم في سلوك هذه المقامات والتي باعترافهم ليست من مدلول
[ذكر شيخ معنى ل إله إل ال هو الوصول بالسالك إلى مقام اللحاد وهو ما يسمى بالحلول أو التحاد
السلم أن مبدأ حدوث قول التحادية وأمثاله في أمة محمد صلى ال عليه وسلم هو زمن حدوث دولة التتار( .مجموع فتاوى
شيخ السلم.].)2/171 :
المامة:
[محمد حسين آل كاشف الغطا /أصل الشيعة :ص ،58خليل ياسين /المام علي: المامة بإقرار المعاصرين كالنبوة
ص ،327باقر القرشي /الرسول العظم مع خلفائه :ص ،].18واستمرار للنبوة [المظفر /عقائد المامية :ص ،].94أو
"تنصيب من ال كالنبوة" [السماوي /المامة.].1/65 :
وهي من أركان السلم عندهم .قال كاشف الغطا" :إن الشيعة زادوا في أركان السلم ركنا آخر
وهو المامة" [أصل الشيعة :ص ،58وهذا اعتراف منه أن المامة زيادة من الشيعة على أركان السلم …].إلخ.
ول أجد عندهم تغييرا لشيء من غلوهم الذي جاء الحديث عنه فيما سبق ،لكن ثمة دعوى جديدة
في كتبهم التي تكتب للعالم السلمي حول ثلث مسائل :الولى تفكيرهم لمنكر المامة ،والثانية
حكمهم على حكومات المسلمين بأنها حكومات كافرة ،والثالثة تكفيرهم للصحابة.
المسألة الولى :موقف المعاصرين من تكفير أصولهم للمسلمين:
تجد في هذه المسألة موقفين للمعاصرين قد يظن من ليس على دراية بأصولهم أنهما مختلفان:
الموقف الول :يقول بأن منكر المامة ل يخرج عن السلم ،وينكر على من يقول بأن الشيعة
يكفرون غيرهم.
والموقف الثاني :يجاهر بالتكفير بدون تقية ول مواربة.
أما بالنسبة للموقف الول فيقول محسن المين -في الرد على موسى جار ال الذي قال" :إن كتب
[الوشيعة ص ،105وقد مر إثبات ذلك من كتب الشيعة ص( الشيعة صرحت أن كل الفرق كافرة وأهلها نواصب"
-قال محسن المين :سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ،ل يعتقد أحد من الشيعة بذلك ،بل هي ].)745
669
متفقة على أن السلم هو ما عليه جميع فرق المسلمين من القرار بالشهادتين إل من أنكر ضروريًا
من ضروريات الدين كوجوب الصلة وحرمة الخمر وغير ذلك ،وعمدة الخلف بين المسلمين هو في
أمر الخلفة ،وهي ليست من ضروريات الدين بالبديهة؛ لن ضروري الدين ما يكون ضروريًا عند
جميع المسلمين وهي ليست كذلك [محسن المين /الشيعة بين الحقائق والوهام :ص ،176أعيان الشيعة.].1/457 :
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا" :ومن لم يؤمن بالمامة فهو مسلم ،ومؤمن بالمعنى العم،
[إذن تترتب عليه جميع أحكام السلم من حرمة دمه وماله وعرضه ،ووجوب حفظه ،وحرمة غيبته
وغير ذلك ،ل أنه بعدم العتقاد لماذا تسبون الصحابة رضوان ال عليهم وهم بإقراركم ل يخالفون إل بالمامة؟]
بالمامة يخرج من كونه مسلما -معاذ ال -نعم يظهر أثر التدين بالمامة في منازل القرب،
والكرامة يوم القيامة [أصل الشيعة :ص .].59-58
[انظر :عبد الحسين الموسوي /أجوبة مسائل جار ال :ص وبمثل هذا الرأي قال آخرون من شيعة هذا العصر
،39محمد حسين الزين العاملي /الشيعة في التاريخ :ص ،32الخنيزي /الدعوة السلمية ،2/260 :محمد جواد مغنية /الشيعة
في الميزان :ص ،269لطف ال الصافي /مع محب الدين في خطوطه العريضة :ص .].95
أما فيما يتعلق بالموقف الثاني ،فإنه ل يزال "طغام" من شيوخهم وآياتهم يهذون في هذا الضلل،
[والذي وصفوه بأنه "شيخ الفقهاء والمجتهدين، ويصرحون بتكفير المسلمين مثل :شيخهم علي اليزدي الحائري
وحجة السلم والمسلمين ،وآية ال الكبرى في العالمين" والسلم منه بريء ،ومن كتبه إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب،
فأهل السنة وكل المسلمين الذين يخالفونه في مهديهم المعدوم هم جميعا في رأيه نواصب ،وقد هلك سنة (1333ه) ،].وشيخهم
[وهو الذي يحكم على المة جميعا بالكفر ما عدا طائفته ،ويرى أن سبب كفر المة هو أبو بكر عبد الحسين المرشتي
وعمر ويقول" :إن أبا بكر وعمر هما السببان لضلل هذه المة إلى يوم القيامة" (كشف الشتباه ص .)98فانظر كيف يعيش
هؤلء الشيوخ أسارى لفكر زنادقة القرون البائدة ،وهذا القول الذي يجاهر به الرشتي يكتبه للرد على بعض أهل السنة وهو
الشيخ موسى جار ال ،ومعنى ذلك أن للتقية ظللً وأثرا ،وأن ما خفي كان أعظم ،].وشيخهم عبد الهادي الفضلي
[والذي يقرر أن المامة ركن من أركان الدين (التربية الدينية ص )63أي فمنكر إمامتهم منكر لركن الدين فهو في عداد
الكافرين ،وهو يفتري هذا المنكر مع أنه يعيش في وسط أهل السنة ،ويأكل من خيراتهم ،بعد أن عاش طريدا منبوذا من بلده.
(فهو عراقي الصل يعيش في السعودية ،ويعمل في بعض جامعاتها).].
وقد يسلك بعض هؤلء الشيوخ المسلكين جميعا ،أي يخرج تارة بوجه التكفير ،وحينا بالوجه الخر
حسب المناسبات والحوال ،وفي التقية متسع ،وهو هؤلء محمد رضا المظفر الذي يشير في كتابه
"عقائد المامية" إلى أن المسلم عندهم هو من يشهد الشهادتين أيا كان مذهبه [عقائد المامية :ص .].155
ولكنه في كتابه "السقيفة" يحكم بردة المسلمين بأجمعهم بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم يقول:
"مات النبي صلى ال عليه وسلم ولبد أن يكون المسلمون كلهم -ل أدري الن -قد انقبلوا على
أعقابهم" [السقيفة :ص .].19
فانظر كيف يحكم على الصحابة والقرابة والمة جميعا بالردة ،ويشك في إيمان واحد منهم ..ولم
يلغ غلو أحد من الشيعة السابقين ذلك إل ما ينسب إلى طائفة "الكاملية" الذين يكفرون عليا لتخليه عن
670
المطالبة بحقه ،ويكفون الصحابة لعدم مبايعتهم لعلي ،لكن هذه الطائفة ل وجود لها اليوم بهذا السم،
وكان يظن أنه ل قائل بمذهبها في هذا الزمن .ثم ما لبث هذا الظن أن توارى ،فها هي تعيش في
أحضان الثني عشرية في هذا العصر ،ويجاهر بمذهبها بعض الشيوخ الكبار عندهم.
والمذهب الثنا عشري مؤهل لخراج كثير من فرق الغلو ،بمدوناته التي جمعت من الشذوذ
فأوعت.
[انظر -مثلً :عبد الحسين الموسوي، وهذا الموقف من شيخهم المظفر له أمثاله عند شيوخهم المعاصرين
حيث يزعم أن الشيعة ل تكفر المسلمين في عدة من كتبه (انظر :رسالته إلى المجمع العلمي العربي بدمشق ط :النجف 1387ه،
وكتابه أجوبة مسائل جار ال :ص ،39وغيرها من كتبه) ولكنه يكفر أبا هريرة الصحابي الجليل ،راوية السلم ،بل إنه يكفر
كل من لم يؤمن بأئمته الثني عشر ،لنه يزعم أن "وليتهم من أصول الدين" (الفصول المهمة ص )32وأن الخبار التي
وردت بإيمان مطلق الموحدين تخصص بولية الثني عشر ،لنهم باب حطة ل يغفر إل لمن دخلها (المصدر السابق :ص .)32
ويقرر أن من تأول أو أخطأ فيها ل يعذر بإجماعهم (المصدر السابق :ص .].)45
هذان موقفان في الظاهر مختلفان ،وهما في الحقيقة متفقان ،فالذين يحكمون بإسلم المة ل
يختلفون عمن يحكم بكفرها ،أما كيف ذلك فإليك البيان :إنهم يقولون :إننا نحكم بإسلم الناس في ظاهر
المر فقط ،أما في الباطن فهم كافرون وهم مخلدون في النار بإجماع الطائفة.
وقد صرح بهذه "الحقيقة" شيوخهم القدامى ،والمعاصرون ،وتجد إذا تأملت في كلم القائلين بأنهم ل
يكفرون المسلمين إشارات إلى هذا المهذب يدركها من عرف عقيدتهم في هذا المر ،وطريقتهم في
التقية.
وممن صرح بذلك من شيوخهم السابقين زين الدين بن علي العاملي المقلب عندهم بالشهيد الثاني
(المتوفى سنة 966ه) حيث يقول" :إن القائلين بإسلم أهل الخلف (يعني أهل السنة وسائر المسلمين
من غير طائفتهم) يريدون ..صحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر ،ل أنهم مسلمون في
نفس المر ،ولذا نقلوا الجماع على دخولهم النار" [انظر :بحار النوار.].8/368 :
[يعني طائفته ،لنهم هو التخفيف عن المؤمن [يعني الحكم بإسلمهم ظاهرا]. ويقول" :كأن الحكمة في ذلك
[انظر :بحار لمسيس الحاجة إلى مخالطتهم في أكثر الزمنة والمكنة" يرون أن وصف اليمان خاص بهم].
النوار.].8/368 :
ويقول شيخهم المجلسي" :ويظهر من بعض الخبار بل كثير منها أنهم في الدنيا أيضا في حكم
الكفار ،لكن لما علم ال أن أئمة الجور وأتباعهم يستولون على الشيعة وهم يبتلون بمعاشرتهم ..أجرى
ال عليهم حكم السلم توسعة ،فإذا ظهر القائم يجري عليهم حكم سائر الكفار في جميع المور ،وفي
الخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبدا مع الكفار ،وبه يجمع بين الخبار كما أشار إليه المفيد والشهيد
الثاني" [بحار النوار.].370-8/369 :
671
أما أقوال المعاصرين فيقول آيتهم العظمى شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي" :أصول دين
السلم على قسمين:
قسم يترتب عليه جريان حكم المسلم وهو الشهادة بالوحدانية والشهادة بالرسالة.
وقسم :يتوقف عليه النجاة في الخرة ،والتخلص من عذاب ال ،والفوز برضوانه ،والدخول في
الجنة ،فيحرم دخولها على من لم يعترف به ويساق إلى النار في زمرة الكافرين ويسمى هذا القسم
بأصول اليمان".
ثم ذكر أن من هذا القسم "العتقاد بالمامة ،والعتراف بالمام" ،وقال" :إن الدليل على ذلك هو
ارتداد جماعة من الصحابة بعد ارتحال النبي صلى ال عليه وسلم إلى الكفر ،ومن المعلوم أنه لم
يصدر بعد ارتحال النبي من الصحابة ما يصلح أن يكون موجبا للرتداد إلى الكفر ،ولم يعدلوا عن
[شهاب الدين النجفي /من تعليقاته على كتاب إحقاق الحق الشهادة بالوحدانية والنبوة غير أنهم أنكروا المامة"
للتستري.].295-2/294 :
وبعد هذا البيان تتجلى سحابة التقية ،ويتضح أن حكم بعض شيوخهم المعاصرين على مخالفيهم
بالسلم إنما يعنون به "السلم الظاهر" كما اصطلحوا عليه ،وأنت إذا تأملت كلمهم أدركت مغزاهم؛
فانظر إلى قول آل كاشف الغطاء تجده أشار إلى هذا المذهب بقوله" :نعم يظهر أثر التدين بالمامة في
[فتحي عبد منازل القرب والكرامة يوم القيامة" ،ومع ذلك فقد اعتد بكلمه بعض المنتسبين لهل السنة"
العزيز /الخميني الحل السلمي والبديل :ص .].59-58
أما محسن المين فإنه رمز له المذهب الباطل في عدة جمل من كلمه كقوله" :السلم هو ما عليه
جماعة الناس من الفرق كلها" ،فل شك بأن من الفرق ما هو خارج عن السلم بالتفاق ،ولكن يريد
هنا مصطلح السلم عندهم.
وكقوله" :إل من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب الصلة وحرمة الخمر".
فالمامة عندهم أعظم من وجوب الصلة وحرمة الخمر -كما تقدم -بل خلف بينهم ،فنبه
بالدنى على العلى تقية.
أما قوله" :وعمدة الخلف بين المسلمين هو في أمر الخلفة وهي ليست من ضروريات الدين"..
[الزعبي /ل سنة ول فهذا فيه "تقية" قد ل يتنبه لها من لم يتعامل مع "أساليبهم" ولهذا فات هذا على البعض
شيعة :ص .].84
فهو هنا يعني الخلفة عند المسلمين ل مسألة المامة عندهم ،ولذا عبر بالخلفة.
وعندهم أنهما متغايران تماما ،قال أحد شيوخهم المعاصرين" :المامة تعني رئاسة دين ،والخلفة
ولذلك قالوا :إن [محمد علي الحسني /في ظلل التشيع :ص ].38 رئاسة دولة ،كما فهم من النصوص الواردة"
إمامة علي بدأت بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم [المفيد /الرشاد :ص ،12ومضى نص ذلك :ص(،].)41
وأن الصحابة في خلفتهم "فصلوا الدين عن الدولة" [انظر :الصادقي /علي والحاكمون :ص .].83
672
المسألة الثانية :موقفهم من الحكومات السلمية:
[الوشيعة: لما قال الشيخ موسى جار ال" :إن الشيعة تعتبر الحكومات السلمية وقضاتها طواغيت"
ص ،105ومضى إثبات ذلك من كتب الشيعة :ص(.].)738
أجابه أحد آيات الشيعة بقوله" :الطواغيت من الحكومات وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون
الغاشمون المستحلون من آل محمد ما حرم ال ورسوله ..أما غيرهم من حكومات السلم فإن من
مذهب الشيعة وجوب مؤازرتهم في أمر يتوقف عليه عز السلم ومنعته ،وحماية ثغوره وحفظ
بيضته ،ول يجوز عندهم شق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم بمخالفته ،بل يجب أن تعامل سلطانها
القائم بأمورها والحامي لثغورها معاملة الخلفاء بالحق" [أجوبة مسائل جار ال :ص .].39-38
[انظر -مثلً :-لطف ال الصافي /مع محب الدين الخطيب في وبمثل هذا "السلوب" قال آخرون من شيوخهم
خطوطه العريضة :ص .].90-89
فهل هذا القول يعتبر خروجا من شيعة هذا العصر عن أصل مذهبهم الذي مضى الحديث عنه في
هذه المسألة؟ أو أن في المر تقية ومداراة ،لن الخطاب مع سنيّ وموجه لهل السنة وما يكون كذلك
تجري فيه التقية؟
وللجواب على ذلك أقول :ل يزال جمع من شيوخهم المعاصرين يصرح بأن مذهبهم ل يعترف إل
بحكومة الثني عشر ،ول يذكرون في ذلك خلفا بينهم.
يقول شيخهم محمد جواد مغنية :إن شروط المامة "لم تتوافر في واحد ممن تولى الخلفة غير
المام علي وولده الحسن بخاصة من جاء بعدهما -كذا -فمن الطبيعي إذن -كما يقول -أن ل
يعترفوا بإمامة أي حاكم غير علي وأبنائه ،وأن ينظروا إليه نظرهم إلى من غضب أهل البيت حقهم
اللهي ودفعهم عن مقامهم ومراتبهم التي رتبهم ال فيها ،وكان الحاكم يرى في الشيعة العدو الللدود
والحزب المعارض لحكمه.
ثم قال" :فمبدأ التشيع ل ينفصل بحال عن معارضة الحاكم إذا لم تتوفر فيه الشروط وهي :النص:
والحكمة ،والفضلية ..ومن هنا كانوا يمثلون الحزب المعارض دينا وإيمانا" [الشيعة والحاكمون :ص .].24
فأنت ترى أنه ينسب إلى عموم الشيعة رفض أي حكومة غير حكومة الئمة المنصوص عليهم
بزعمهم ،ولذلك يحكمون بهذا الحكم حتى على الخلفة الراشدة وخلفة النبوة .يقول شيخهم الصادقي
[علي [وهو ممثل الحوزة العلمية في النجف كما يقول عن نفسه" :].الخلفاء الثلثة شركاء في التآمر على السلم"
ويقول شيخهم الخر" :تلعبت اليادي الثيمة بالسلم والمسلمين من والحاكمون :ص ،78وانظر :ص ].83
[محمد علي الحسني /في ظلل الحكام والحاكمين منذ وفاة النبي الكريم محمد صلى ال عليه وآله وسلم"
التشيع :ص .].558
كما أنهم يرون أن حكم المة السلمية بيد الغائب المنتظر ،وكل من تولى الحكم سواه فهو
غاصب ،ويستثنى بعضهم ولية الفقيه الشيعي ،لن له حق النيابة ،يقول شيخهم عبد الهادي الفضلي:
673
"إن دولة المنتظر هي دولة السلم" [في انتظار المام :ص .].57ول يوجد دولة للسلم غيرها ،لذلك
يقول" :إن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه المام المنتظر عليه السلم
بالقضاء على الكفر" [في انتظار المام :ص .].67
ولكن ل يعني انتظارهم لعودة مهديهم موادعة الحكومات السلمية.
فهو يقول" :إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من النتظار هو :وجوب
التمهيد والتوطئة بظهور المام المنتظر" [في انتظار المام :ص .].69ثم يشرح معنى التوطئة بقوله" :إن
التوطئة لظهور المام المنتظر تكون بالعمل السياسي عن طريق إثارة الوعي السياسي ،والقيام بالثورة
المسلحة" [في انتظار المام :ص .].70
فأنت ترى من خلل هذه "القوال" رفضهم لي حكومة إسلمية إل حكومة شيعية ،والمر بتهيئة
الناس لقبول ثوراتهم عن طريق نشر معتقداتهم بمختلف الوسائل وهو ما يسميه الفضلي "بالوعي
السياسي".
وغير خفي أن هذا المنهج الذي صار إليه شيوخ الثني عشرية غير متفق مع خط الثني عشرية
التي كانت عليه أولً ،ولذلك جاء في الغيبة للنعماني" :عن أبي الجاورد ،عن أبي جعفر عليه السلم،
قال :قلت له عليه السلم :أوصني ،فقال :أوصيك بتقوى ال ،وأن تلزم بيتك ،وإياك والخوارج منا،
فإنهم ليسوى على شيء ول إلى شيء[ "..الغيبة للنعماني :ص .129وبحار النوار.].52/136 :
قال المجلسي" :والخوارج منا أي مثل زيد وبني الحسن" [بحار النوار .].52/136 :فروايتهم تمنع
الخروج ولو كان عن طريق أهل البيت ،فكيف ممن عداهم من شيوخ الشيعة؟ وأمرهم أبو عبد ال -
حسب رواياتهم -بعد غيبة مهديهم بالكف عن إثارة الفتن فقالوا" :كونوا أحلس بيوتكم فإن الفتنة على
من أثارها" [الغيبة :ص .].131
وقال الباقر" :اسكنوا ما سكنت السموات والرض ،أي ول تخرجوا على أحد" [الغيبة :ص .].134
وعقد شيخهم النعماني بابا في هذا الشأن بعنوان "باب ما روي فيما أمر به الشيعة من الصبر
والكف والنتظار في حال الغيبة وترك الستعجال بأمر ال وتدبيره" [الغيبة :ص .].129
ثم ساق مجموعة من رواياتهم في ذلك ،وعقب عليها بقوله" :انظروا رحمكم ال إلى هذا التأديب
من الئمة عليهم السلم إلى أمرهم ورسمهم في الصبر والكف ،والنتظار للفرج ،وذكرهم هلك
المستعجلين[ "..الغيبة :ص .].134
هذا ما يقرر شيوخ الثني عشرية في القرن الثالث ..فإما أن المعاصرين ل يعرفون مذهبهم ،وإما
أنهم ل يهتمون بأمر "النتظار" لعلمهم أن ذلك المنتظر لن يخرج ،لنه لم يوجد ،ولذلك دعوا إلى
الثورة وتأسيس الدولة.
هذا ما يقوله ويجاهر به الشيوخ المعاصرين ،فزادوا على حكمهم بكفر الحكومات السلمية ،إلى
الدعوة إلى الخروج عليها ،قبل خروج منتظرهم.
674
[تحرير الوسيلة: بل إن شيخهم الخميني يقرر بأنه ل يجوز البدء في الجهاد حتى يخرج المنتظر
.].1/482
ولكنه يخالف ذلك بتصدير ثورته بالقوة -كما سيأتي [انظر :فصل دولة اليات ص -].1172لن مذهبهم
يتغير حسب الحوال والظروف فهو تابع لهواء الشيوخ ،والتأويلت عندهم باب واسع ..بل ل حدود
لها ول قيود..
ومن منطلق هذا العتقاد يرون أن حكم الكفار للديار السلمية أولى من حكم المسلمين ،وقد نقل
الشيخ رشيد رضا أن الرافضي (أبو بكر العطاس) قال" :إنه يفضل أن يكون النكليز حكاما في
الراضي المقدسة على ابن سعود" [المنار -المجلد ( )9ص(.].)605
وقد كشف لنا آيتهم حسين الخراساني أن كل شيعي يتمنى فتح مكة والمدنية ،وإزالة الحكم الوهابي
-كما يسميه -عنها .وقال" :إن طوائف الشيعة يترقبون من حين وآخر أن يوما قريبا آت يفتح ال
لهم تلك الراضي المقدسة لمرة أخرى -كذا -ليدخلوها آمنين مطمئنين فيطوفوا ببيت ربهم ،ويؤدوا
مناسكهم ،ويزوروا قبور سادتهم ومشايخهم ..ول يكون هناك سلطان جائر يتجاوز عليهم بهتك
أعراضهم ،وذهاب حرمة إسلمهم ،وسفك دمائهم المحقونة ،ونهب أموالهم المحترمة ظلما وعدونا،
حقق ال تعالى آمالنا" [السلم على ضوء التشيع :ص .].133-132
هكذا يتمنى هذا الرافضي فتح الديار المقدسة ،وكأنها بيد كفار ،ويعلل هذا التمني بأنه يريد الحج
والزيارة ،وكأنه وطائفته قد منعوا من ذلك ،والواقع أنه يريد إقامة الشرك وهدم التوحيد في الحرمين
الطاهرين.
فإذا كان هذا ا يجاهر به شيوخهم ،وذاك ما استقرت عليه أصولهم فما حقيقة قول عبد الحسين
وأضرابه؟
الواقع أن قوله ل يختلف عن قول من استشهدنا بكلمه من شيوخهم ،إل أنه صاغ كلمه بأسلوب
التورية ،وبطريقة تخدع من ل يعرف أساليبهم في التقية؛ فهو يقول" :إن الطواغيت من الحكومات
وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون لل محمد" .وهو في هذا لم يخرج عن مذهبه ،فهم يعدون كل
من تولى الحكم من المسلمين غير أمير المؤمنين على والحسن هو ظالم لل محمد ،لن منصب
المامة مختص بهم ،وحق من حقوقهم ل يشركون فيه أحد .ومن يتوله من غيرهم فهم ظالم لهم،
ولذلك قال ابن بابويه" :فمن ادعى المامة وهو غير إمام فهو الظالم الملعون" [العتقادات :ص .].112
ولهذا يعدون أبا بكر -رضي ال عنه -أول ظالم لهم.
وفي قوله" :وإن الشيعة ترى وجوب مؤازرتهم -أي الحكام -في أمر يتوقف عليه عز السلم".
فهو في هذا أيضا لم يخرج عن طريقة الروافض ،ومراده بـ"عز السلم" انتصار مذهب طائفته ،أي
أن الدخول في حكومات المسلمين للطاحة بها ،أو التمكين للشيعة من القيام بمذهبهم ،أو استغلل
675
مواردها لتمويل نشاطهم واجب ..ولهذا ترى شيخهم الخميني يؤيد ما صنعه النصير الطوسي من
دخوله في العمل وزيرا لهولكو بقصد هدم دول الخلفة السلمية ،وإظهار مذهب الشيعة فيقول:
"إن من باب التقية الجائزة دخول الشيعي في ركب السلطين ،إذا كان في دخوله الشكلي نصر
للسلم والمسلمين مثل دخول نصير الدين الطوسي" [الحكومة السلمية :ص .].142
فمذهب القوم -كما ترى -لم يزدد إل غلوا وتطرفا.
المسألة الثالثة :موقف المعاصرين من الصحابة رضوان ال عليهم:
هل تغير شيء في مذهب هذه الطائفة في أمر الصحابة عما عرضناه من قبل في ضوء أصولهم –
ولسيما -بعد قيام دعوات التقارب والوحدة ..وتكالب العدو الكافر على المة من كل حدب
وصوب ..ومضي القرون المتطاولة ولم تعرف المة أشرف ول أعظم ول أفضل من ذلك الجيل
القرآني الفريد جيل الصحابة رضوان ال عليهم؟
فهل تفتحت عقول الشيعة وقلوبهم على الحقيقة ،وعرفت خطورة تلك السطورة التي تتناقلها كتبهم
القديمة من حكاية ردة الصحابة ،ومن افتعال ذلك الصراع المكذوب بين الل والصحاب؟! أما آن لها
أن تؤمن بالتنزيل اللهي ،والسنة المطهرة ،وإجماع المة ،وما علم من الدين والتاريخ بالضرورة
وتوازن بالعقل بين الخذ بذلك ،أو الغترار بنقل حثالة من الكذابين استفاض ذمهم وتكذيبهم ..فهل
يقبل عقل سليم تصديق شرذمة من الكذابين ،وتكذيب الصحابة أجمعين الذين رضي ال عنهم ورضوا
عنه؟!
إن تلك الصفحات السوداء التي تتضمن الطعن واللعن والتكفير لولئك الصحب العظام وهم الذين
تلقوا هذا الدين ،ونقلوه لنا ،هي في الحقيقة طعن في دين السلم ورسول السلم ..وإن على
الصادقين المخلصين من الشيعة وهم يريدون التقارب مع المسلمين أن يعلنوا براءتهم من تلك القوال
الشاذة الملحدة التي تتناول خيار صحابة رسول ال باللعن والتكفير ويبينوا لقوامهم أولً وللمسلمين
عامة أن تلك الروايات والقوال هي آراء لبعض الطوائف المنحرفة الضالة القديمة يبوؤن بإثمها وإثم
من اتبعهم فيها إلى يوم القيامة حتى يزيلوا تلك النفرة التي سكنت في قلوب أهل السنة منذ أقدم
العصور إلى الن.
وإن أجدى طريق لزالتها هو بيان أنهم ل يعتقدون صحة تلك الراء التي يستوحش منها المؤمنون
في كل بقاع الرض ،فأي مؤمن صادق اليمان يعلم أن فرقة من الفرق تدين بلعن صدّيق هذه المة
الذي لو وزن إيمانه بإيمان المة لرجح بهم ،أو فاروقها الذي لم َي ْفرِ في السلم فريه أحد ،ثم بعد ذلك
يقبل على دراسة مذهبها ،إل إذا أوتي قدرة فكرية خاصة.
وأي مؤمن يثق بآراء هذه الطائفة إذا كان يعلم أنها تدين بهذا اللعن! إن إزالة هذه الدران والبليا
[انظر :محمد أبو زهرة /المام هي من أركان التقارب وأسسه ،وإن عليهم أن يعلنوا هذه الزالة والتغيير
676
الصادق :ص ،].12إذا كانوا صادقين في رغبتهم في التآلف مع المسلمين ،وليس المر مؤامرة لنشر
معتقداهم في ديار السنة.
فماذا يقول شيعة العصر الحاضر في هذه المسألة؟ لقد خرج من شيعة العصر الحاضر رجل يدعى
[يعني بالشيعة والشيعي: "أحمد الكسروي" قال عنه الستاذ محمود الملح بأنه" :لم يظهر في عالم الشيعة
أحد في عياره منذ ظهور اسم شيعي على وجه الرافضة والرافضي ،ل مطلق شيعي ،وإل فل يصح هذا الطلق].
الرض" [محمود الملح /الوجيز على الوجيز (ضمن مجموع السنة) ص .].278وقد عمل أستاذا في جامعة
[انظر عن الكسروي :يحيى ذكاء ،مقدمة "كاروند كسروي" أي مقالت طهران ،كما تولى عدة مناصب قضائية
الكسروي ،ومقدمة كتاب التشيع والشيعة ،ومعجم المؤلفين.].2/53 :
وقد اكتشف الكسروي بطلن مذهب الشيعة حول الصحابة ،وتخلص من تلك الساطير التي
وضعتها تلك الزمرة الحاقدة حول الصحابة وارتدادهم لمخالفتهم النص على إمامة علي -كما
يزعمون -وبين ضلل طائفته في هذا المذهب فقال" :وأما ما قالوا عن ارتداد المسلمين بعد موت
النبي صلى ال عليه وسلم إل ثلثة أو أربعة منهم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان ،فلقائل أن يقول:
كيف ارتدوا وهو كانوا أصحاب النبي ،آمنوا به حين كذبه الخرون ودافعون عنه ،واحتملوا الذى في
سبيله ثم ناصروه في حروبه ولم يرغبوا عنه بأنفسهم .ثم أي نفع لهم في خلفة أبي بكر ليرتدوا عن
دينهم لجله فأي المرين أسهل احتمالً :أكذب رجل أو رجلين من ذوي الغراض الفاسدة ،أو ارتداد
[التشيع والشيعة :ص ،66وقد مر ذكره ،وأعدناه بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب"
هنا لهميته ومناسبته.].
وقد كان لهذا التجاه عند الكسروي أثره في التفاف بعض المثقفين حوله وإقبال الشباب عليه فأحاط
به اللف منهم ،وقاموا بنصرته وبث آرائه ونشر كتبه.
[انظر ما مر من مصادر إل أن خصومه من الروافض عاجلوه بالقتل قبل انتشار دعوته وظهورها
ترجمته.
وقد حثني بعض الخوان بأن له اتجاها إلحاديا ،ولم يتوفر لي أدلة على ذلك ،وقد يكون هذا من دعاية بعض الروافض
ضده ..والرجل يحاكم بمقتضى ما خلفه من نصوص ،ولو أر في كتابه الذي اطلعت عليه مظهرا من هذه المظاهر ..ولم تقع
لي رسائله ومقالته لتعرف على ذلك ..وقد تقدم ثناء الستاذ الملح عليه.
ولم أنقل عنه هنا إل ما هو حق .وقد لقت دعوته تلك رواجا في المجتمعات الشيعية.].
وقد ظهرت كتابات لبعض المعاصرين من الشيعة ممن يتظاهر بالدعوة للتقارب وهي موضوعة
للدفاع عن معتقد التشيع والدعاية للشيعة ،وموجهة لبلد السنة.
وقد تضمنت القول بأن الشيعة ل تسب فضلً عن أن تكفر الخلفاء الثلثة وأنها تقدر أصحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم.
677
فالخنيزي في كتابه الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية يقول" :بأن المامية -في هذا
العصر -ل تمس كرامة الخلفاء البتة فهذه كتاباتهم ،وهذه كتبهم تنفي علنا السب عن الخلفاء وتثني
عليهم" [الدعوة السلمية.].257-1/256 :
وقال الخنيزي :وممن صرح بنفي السب محمد باقر أحد مشاهير المجتهدين في كربلء في
منظموته المطبوعة في بمبي قال:
عثمان والـذي تولـى أولً فل َنسُـبّ عمرا كل ول
حكم به قضى المام الصادق ومن تولى سبهم ففاسـق
ثم قال:
ونحن أيم ال ل نسب [الدعوة السلمية.].1/8 : وعندنا فل يحل السبّ
ولذلك فإن الخنيزي يقلب عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ويترضى عنه [الدعوة السلمية.].1/9 :
[الدعوة السلمية: ويطلق على عائشة وحفصة أمهات المؤمنين ..وكذا يلقب أبا بكر بأمير المؤمنين
.].1/13
ويقول" :إن جعفر الصادق يقول مفتخرا :ولدني أبو بكر مرتين ،لن أمه أم فروة بنت القاسم بن
محمد بن أبي بكر وأمها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ،فهي بكرية أما وأبا" .ويقول :إن من قضاء
جعفر الصادق "فسق من سب الخلفاء الثلثة" [الدعوة السلمية.].1/74 :
ويرى الشيعي أحمد مغنية أن الشيعة تثني على عمر بن الخطاب وتترضى عنه ،وأن القول بأن
الشيعة تنال من عمر هو من أحط أنواع الدس ،ثم يكشف السبب في وجود مثل هذه الشاعة عنهم
فيقول" :إن المفرقين وجدوا في اتفاق السمين :عمر بن الخطاب الخليفة العظيم ،عمر بن سعد قاتل
الحسين ميدانا واسعا يتسابق فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس ..وكان
طبيعيا أن يكون لعنة اللعنات عمر بن سعد ،لنه بطل الجريمة وقائد المجرمين الجبناء ،ومَنْ من
المسلمين ل يلعن عمر بن سعد قاتل ابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟!
إن أولئك الثمين المفرقين استغلوا كلمة (عمر) وقالوا :إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن
الخطاب -رضي ال عنه -وإني في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار أصحاب الغابات
والمصالح الرخيصة ل أنكر وجود أفراد بالمس من سواد الشيعة وبسطائها ل يفرقون بين هذين
[أحمد مغنية :المام جعفر الصادق: السمين ،بل ل يعرفون أن في دنيا التاريخ السلمي عمرين تقيا وشقيا"
ص .].114-113
فهو يرى أن وجود هذا التشابه في السماء ،واستغلل المفرقين من العداء لذلك ،ووجود بعض
عوام الشيعة في الماضي الذين ل يفرقون بين العمرين ..كل ذلك ساعد على نسبة سب عمر إلى
الشيعة ..أما كتب الشيعة ،وشيوخها فهي بريئة من هذه التهمة ..لنها ترى فيه الخليفة النقي العظيم
خليفة رسول ال.
678
وهذا أحد روافض العراق قد لجأ إلى مصر لنشر التشيع وأنشأ جمعية لهذا الغرض سمها "جمعية
[انظر :كتيبه :مع المام علي في نهجه :ص أهل البيت" وسمى نفسه ب"إمام التشيع في جمهورية مصر العربية"
.].64على الرغم بأنه ل يوجد في مصر شيعة بعد جهود العظيم صلح الدين اليوبي ..وقد أصدر
في مصر كتابا بعنوان "تقدير المامية للصحابة" وفي هذه الكتيب نفى أن تكون الشيعة ترمي الشيخين
ومن بايعيهما بلعن أو تفكير" [تقدير المامية للصحابة :ص .].36
وقال :بأن الشيعة لو كفرتهما لكفرت عليا ،لنه بابيعهما ،ولكفّرت سلمان وعمارا لنهما بايعوهما؛
[تقدير المامية بل إن سلمان تولى على المدائن لعمر فكيف يتصور منه أن يلي لعمر لو كان يرى كفره
للصحابة :ص ].39-37؟! ثم قال :بأن الشيعة تؤمن بالقرآن وقد جاء فيه الثناء على الصحاب واستدل
بالية المائة من سورة التوبة ،والية التاسعة والعشرين من سورة الفتح ،ثم أردف ذلك ببعض ما جاء
في نهج البلغة والصحيفة السجادية من الثناء عليهم [تقدير المامية للصحابة :ص 43-39من ط :القاهرة.].
ونقل بعد هذا أقوال بعض شيوخهم المعاصرين في مدح الصحابة ،واستدل بقول باقر الصدر" :إن
الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية ،حتى إن
[تقدير تاريخ النسان لم يشهد جيلً عقائديا أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأ الرسول القائد"
المامية للصحابة :ص ،46-43وأرجع كلم الصدر إلى كتابه :التشيع ظاهرة طبيعية ص .].80
ثم ختم حديثه عن هذه المسألة بقوله" :إن من ينسب إليهم ذلك (أي الصحابة) فهو إما أن يكون
خصما سيء النية ،وإما لم يطلع على مذهب الشيعة إل من خلل كتب خصومها ،ولم يتمكن من
الطلع على كتب أصحاب المذهب نفسه" [تقدير المامية للصحابة :ص .].47-46
وفي تفسير الكاشف لرئيس المحكمة الجعفرية في بيروت محمد جواد مغنية يقول :إن الشيعة ل
ينالون من الصحابة ،ويستدل بقوة زين العابدين علي بن الحسين في الصحيفة السجادية من دعاء له
في الصلة على أتباع الرسل وهو" :اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلو
البلء الحسن في نصره ..وفارقوا الزواج والولد في إظهار كلمته وقاتلوا الباء والبناء في تثبيت
نبوته[ "..الصحيفة السجادية :ص .].44-43
ثم قال جواد :هذه المناجاة جاءت في الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة وتقدس كل حرف منها
[قال ابن تيمية عن صحيفتهم التي ينسبونها لعلي بن الحسن ،ويقدسون كل حرف فيها -على حد تعبيره ،وكأنها وحي سماوي
-قال :إن أكثرها كذب على علي بن الحسين (منهاج السنة .].)3/209 :وهي رد مفحم لمن قال :إن الشيعة ينالون
من مقام الصحابة [تفسير الكاشف.].10/515 :
[مثل حسين يوسف مكي العاملي الذي قال" :ل وبمثل هذه القوال قال آخرون من شيعة العصر الحاضر
نسوغ لحد أن يسبهما (يعني الشيخين) ول أن يتحامل على مقامهما ،ول أفتينا لحد بجواز سبهما ،فلهما عندنا من المقام ما
يقتضي الجلل والحترام ،وإننا نحرص كل الحرص على تدعيم قواعد المودة واللفة بين المسلمين"( .عقيدة الشيعة في المام
الصادق :ص /19بيروت ،دار الندلس ط :الولى 1382ه ،وانظر :ص 30من المصدر السابق).].
679
النقد:
هل تغير موقف الشيعة المعاصرين نحو الصحابة؟
هل حقيقة ما يقول هؤلء أو تقية ومصانعة؟
إننا نقول للخنيزي وأحمد مغنية ،والرفاعي ،ومحمد جواد مغنية وغيرهم ممن يقول إننا نقدر
الصحابة ،ول ننقصهم ونترضى عنهم :تلك كلمات طيبة تنزل على قلوبنا بردا وسلما ،ومرحبا بهذه
الروح الكريمة الجامعة الموحدة بين المسلمين.
وإننا لنفتح صدورنا لكل كلمة توفق ول تفرق ..ونستبشر بكل محاولة صادقة لرفع تلك الدران
والصفحات السوداء التي تمس صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ولكن أل يعلم الخنيزي وغيره أن المكتبة الشيعية المعاصرة قد أخرجت كتبا مليئة بالسب والطعن
والتكفير لخيار صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلم القول بأن شيعة العصر الحاضر ل
يسبون ،وأن سب الشيخين عندهم فسق؟
فهذا أحد آيات الشيعة ويدعى "حسين الخراساني" يقول في كتابه "السلم على ضوء التشيع" والذي
أهداه إلى مكتبة دار التقريب بالقاهرة ،وجاء على غلفه بأنه قد نشر باللغات الثلثة العربية والفارسية
والنجليزية ،وحاز على رضى وزارة المعارف اليرانية ،يقول في هذا الكتاب :تجويز الشيعة لعن
الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما ،فإنما فعلوا ذلك أسوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم واقتفاء
الثره" [السلم على ضوء التشيع :ص ( 88الهامش)" ،.].فإنهم ول شك -كما يفتري -قد أصبحوا مطرودين
[السلم على من حضرة النبوي -كذا -وملعونين من ال تعالى بواسطة سفيره صلى ال عليه وسلم"
ضوء التشيع :ص .].88
فانظر كيف يعلن أحد آياتهم ل واحد من عوامهم ،أن اتجاه الشيعة هو اللعن والتكفير لعظيمي هذه
المة وأفضل الخلق بعد النبيين ،ومن أمر الرسول صلى ال عليه وسلم أمته بالقتداء بهما ،وأنهم
يرون لعنهما شريعة ودينا ،فكيف ينكر أولئك وجود السب ،مع اللعن والتكفير الصريح والذي يجاهر
به ،ويطبع باللغات المختلفة؟
وقد وقع بيدي كتاب من كتب الدعية عندهم باللغة الردية موثق من ستة من شيوخ الشيعة،
وصف كل منهم بأنه "آية عظمى" منهم الخوئي والخميني وشريعتمداري ..وفي هذا الكتاب الموثق من
هؤلء اليات دعاء بالعربية بحدود صفحتين يتضمن لعن أبي بكر وعمر رضي ال عنهما وابنتيهما
أمهات المؤمنين وحفصة رضي ال عنهما ،ومما جاء في هذا الدعاء:
"اللهم العن صنمي قريش وجبتيها ،وطاغوتيها ،وإفكيها ،وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك
وجحدا إنعامك وعصيا رسولك ،وقلبا دينك ،وحرفا كتابك ،وأحبا أعدائك ،وجحدا آلئك -كذا -
680
[منصور حسين /تحفة العوام مقبول :ص ،424-423وانظره بتمامه في ملحق وعطل أحكامك ،وألحدا في آياتك"..
الوثائق من رسالتي "فكرة التقريب".].
هكذا يوجه هؤلء اليات كل شيعي على وجه الرض ،لن يدعو بهذا الدعاء ويتعبد ال بهذا اللعن
ليزرعوا الحقد والكراهية في نفوس أتباعهم ضد خير القرون ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وليضعوا العقبات والعراقيل في وجه كل تآلف وتقارب ..وحتى يضمنوا أن باطلهم ل ينكشف،
يخدعون ويخادعون بقولهم :إننا ل نسب ..وهيا إلى التقارب والتعاون.
إذن الشيعة لم تترك السب واللعن ،ول يزال طائفة من شيوخهم يهذون بهذا الضلل ،وعوامهم
على أثرهم يهرعون يشتمون ويكفرون.
وقد كشف لنا الشيخ موسى جار ال حينما زار ديار الشيعة في إيران والعراق وحضر مجالسها،
ومحافلها وحلقات درسها في البيوت والمساجد والمدارس فاطلع على ما يدور في واقع الشيعة من
تكفير لمن رضي ال عنهم ورضوا عنه حتى قال:
"كان أول شيء سمعته وأنكرته هو لعن الصديق والفاروق ،وأمهات المؤمنين :السيدة عائشة
والسيدة حفصة ،ولعن العصر الول كافة ،وكنت أسمع هذا في كل خطبة وفي كل حفلة ومجلس في
البداية والنهاية ،وأقراه في ديابيج الكتب والرسائل وفي أدعية الزيارات كلها ،حتى في السقية ما كان
يسقي ساق إل ويعلن ،وما كان يشرب شارب إل ويعلن .وأول كل حركة وكل عمل هو الصلة على
محمد وآل محمد ،واللعن على الصديق والفاروق عثمان الذين غصبوا حق علي -بزعمهم -
وظلموه ،حتى أصبح السب واللعن عندهم أعرف معروف يلتذ به الخطيب ،ويفرح عنده السامع،
وترتاح إليه الجماعة" [موسى جار ال /الوشيعة :ص .].27
وهذا الواقع المظلم الذي تجري ألسنة أهله باللعن والتكفير والسب ليس بغريب على من يرتضع
منذ طفولته كره أصحابه رسول ال صلى ال عليه وسلم ويلقن من صغره أن ما يقع له من مصائب
هو بسببهم ،وتجرى أمامه في كل عام "التمثيليات" التي تصور ما جرى على أهل البيت من ظلم -
كما يزعمون -من قبل الصحابة أو بسببهم ،وقد أشار صاحب الوشيعة إلى ما شاهده من أعمالهم في
[موسى جار ال /الوشيعة :ص ذلك .وقال بأن كل هذه التمثيليات واللعاب فيها إغراء وعداوة وبغضاء
،].26بل هي مدرسة لزرع الحقد والكراهية ضد خير القرون وأتباعهم.
وهذا ليس من أفعال عوامهم ،بل شيوخهم وآياتهم يغرونهم بذلك ويدفعونهم إليه بمختلف الوسائل،
فقد قدم إلى آيتهم ومرجعهم محمد آل كاشف الغطاء السؤال التالي:
"ما يقول مولنا حجة السلم ..في المواكب المشجية التي اعتاد الجعفريون اتخاذها في العشر من
المحرم تمثيلً لفاجعة ألطف وإعلما لما انتهك فيها من حرمة الرسول صلى ال عليه وسلم في عترته
المجاهدين بالتمثيل للشهداء وجهادهم ،وماجرى عليهم ،وما جرى على الطفال من القتل والقسوة،
681
وبإعلنهم الحزن لذلك بأنواعه من ندب ،ونداء وعويل ،وبكاء ،وضرب بالكف على الصدور،
وبالسلسل على الظهور ،فهل هذه العمال مباحة في الشرع أم ل أفتونا مأجورين"؟
فأجاب آيتهم على ذلك بقوله:
"بسم ال الرحمن الرحيم ،قال سبحانه وتعالىَ { :ذ ِلكَ َومَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ الّلهِ َفإِنّهَا مِن تَقْوَى ا ْل ُقلُوبِ،
سمّى} [الحج ،]33 ،32ول ريب أن تلك المواكب المحزنة ،وتمثيل هاتيك
جلٍ ّم َ
لَكُمْ فِيهَا مَنَا ِفعُ ِإلَى أَ َ
الفاجعة المشجية من أعظم شعائر الفرقة الجعفرية[ "..اليات البينات :ص .].5
فهو يعد هذه "البدعة الخطيرة في دينهم" والتي هي من أعظم الباطل ،من شعائر ال ،فإذا كان هذا
رأي مرجعهم فما بالك بمن دونه مع أنه يجري فيها تعذيب للنفس وقتلها وتكفير للمسلمين من
الصحابة والتابعين ،والنياحة ولطم الخدود ،..والشرك بدعاء المخلوق ..إلخ مما يعلم بطلنه من
السلم بالضرورة ،ومع ذلك يتفاخر شيخهم محسن المين أنه أقام مجلسا للعزاء في دمشق -كما
يزعم -حضره عدد كبير" ،وختم باللطم المهيج المؤثر" [رسالة التنزيه لعمال الشبيه :ص .].30
وهذه العمال التي تجري منهم في المحرم من كل عام ل موضوع لها إل سب الصحابة ،وإعلن
الشرك بال؛ حيث تسمع أصواتهم تردد "يا حسين يا حسين" وتصب اللعنات على العصر الول،
ولسيما الخلفاء الثلثة رضوان ال عليهم ،فتزرع في نفوسهم أحقادا ل حدود لها ،ولذلك ترى
المعاصرين منهم يكتبون عن الصراع المزعوم بين الل والصحاب وكأنه واقع الساعة ،كأنه خطر
محيط بالمة يهدد وجودها.
هذا ول تزال مظاهر الطعن والتكفير للصحابة موجودة ومستمرة عبر روافد أخرى ،وشيوخهم
يمدونهم بهذا الغي ويدفعونهم إليه ،ول يقصرون ،فمن هذه المظاهر الموجودة ،والروافد الجارية التي
ل تنبت إل أشجار الحنظل ،ول تزرع إل الفرقة والحقد والبغضاء والتي لم تتوقف حتى هذه الساعة
ما يلي:
أولً :ل تزال تقوم حركة نشطة لبعث التراث الرافضي القديم ونشره بين الناس وترويجه بينهم،
وهذا التراث مليء باللعن والتكفير والتخليد بالنار للمهاجرين والنصار الذين رضي ال عنهم ورضوا
[في حين أن عنه ،وفي مقدمته الخلفاء الثلثة وبقية العشرة المبشرين بالجنة ما عدا أمير المؤمنين عليا
أمير المؤمنين يناله من ذلك أمور كثيرة بشكل غير مباشر كما يظهر ذلك في نصوصهم.].
فكيف يقال أن شيعة هذا العصر ل يسبون وهم قد ألبسوا تلك الصفحات السوداء المظلمة ثيابا
جديدة ونشروها بين أتباعهم بل نقد ول اعتراض؟
ثانيا :ول يزال أيضا هناك مجموعة كبيرة من شيوخهم المعاصرين قد تفرغوا لهذا "الباطل" فل همّ
لهم فيما يكتبون وينشرون إل سب رجال الصدر الول وتجريحهم وكأنه ل همّ للشيعة في هذا العصر
إل هذا.
682
وقد تخصصت كتب عندهم لهذا تفوق ماجاء في كتبهم القديمة في البذاءة وسوء المقال ،مثل كتاب
الغدير -لشيخهم المعاصر عبد الحسين الميني النجفي -المليء بالدس والكذب والطعن فيمن رضي
ال عنهم ورضوا عنه ..وعليه تفريظات عدد من آياتهم.
وكانت حملته ضد صحابة رسول ال ول سيما الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي ال عنه
محل رضى أعداء المة ،كما تجد ذلك -مثلً -في كلمات بولس سلمة الشاعر النصراني الذي
استكتبه هذا الرافضي في مقدمة الجزء السابع من الكتاب ،فكتب كلمات يظهر فيها رضاه وغبطته بما
قام به هذا "الفاك" ضد المة ودينها ،وإشادته بحملته المسعورة ضد فاروق هذه المة وعظيمها
الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي ال عنه وأرضاه والتي كانت فتوحاته وجهاده ونشره للسلم
[صدر الرافضي الجزء السابع من كتابه بتقريظ هذا النصراني فكتب له شجى وغصة في حلوق العداء إلى اليوم
النصراني بعد ذلك يقول" :وقد شرفتموني بإدراج رسالتي في المقدمة وقد اطلعت على هذا السفر النفيس فحسبت أن للئ
البحار قد اجتمعت في غديركم .ولقد لفت نظري على الخص ما ذكرتموه بشأن الخليفة الثاني ،فلله دركم ما أقوى حجتكم"
(الغدير/7 :ح) وقد ابتهج هذا الرافض الرافضي المغفل ،أو الزنديق المرتدي ثوب السلم بثناء هذا الكافر فبادله الثناء وقال
عن رسالته تلك" :أتانا من بحاثة المسيحيين القاضي الحر والشاعر النبي الستاذ بولس سلمة ...الخالد الذكر فشكرا له ثم
شكرا" (الغدير :ج /7ص ح) .لحظ هذا الرافضي الذي يرمي الصحابة بكل مذمة ونقيصة ..وهو يمتدح الكفار ويتقرب إليهم..
وهذه عادة الروافض من قديم الزمان.].
ومثل كتاب (أبو هريرة) لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي اتهم فيه أبا هريرة -
رضي ال عنه -رواية السلم بالكذب والنفاق في حين تجده يدافع عن الكذابين الوضاعين أمثال
جابر الجعفي [انظر :المراجعات :ص .].75وغيره [كدفاعه عن هشام بن الحكم ،انظر :المراجعات :ص .].313 ،312
ومثل كتاب السقيفة لشيخهم محمد رضا المظفر الذي صور فيه الصحابة عصابة ل هدف لها إل
التآمر على السلم حتى قال :ممات النبي صلى ال عليه وسلم ،ولبد أن يكون المسلمون كلهم (ل
[السقيفة :ص ،19ونسب خيار الصحابة إلى التآمر على علي رضي ال عنه. أدري الن) قد انقلبوا على أعقابهم
انظر :ص 85من السقيفة.].
[مثل كتاب "النص والجتهاد" لشيخهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي أراد أن يعتذر عن الصحابة وغيرها كثير
لمخالفتهم -بزعمه -النص على علي فاعتذر عنهم اعتذارا ماكرا خبيثا ،حيث زعم أنهم يدينون بمبدأ فصل الدين عن الدولة،
ولذلك لم يأخذوا بالنص وهذه فرية مكشوفة يكشفها ثناء ال عليهم ورسوله ،وورعهم وزهدهم وجهادهم ،..ومثل كتاب" :المام
الصادق والمذاهب الربعة" لسد حيدر الذي يهاجم فيه خلفاء المسلمين ،ويفتري على أئمة المسلمين كالمام أحمد وغيره
افتراءات لتأييد مذهب الرافضة ،ويتحدث عن المحن المزعومة لل البيت .ومثل كتاب "علي ومناوئوه" للدكتور نوري جعفر
والذي يفتعل وجود صراع بين علي والصحابة ،ويقول إنه كالصراع بين النبي وكفار قريش ،يقول" :وإذا كان النصر قد كتاب
للنبي في نزاعه مع مناوئيه لعتصامهم بالوثان ،فإن النصر لم يكن في متناول المام لتقمص مناوئيه رداء السلم" (علي
ومناوئوه ص .)12
فالتفكير كما ترى لم يتغير عن زنادقة الماضي ،وإن كان الكاتب يحمل شهادة علمية ..ومن غرائب "إصداراتهم" كتاب
"الرسول العظم مع خلفائه" لشيخهم مهدي القرشي ،والذي صور فيه حسب خياله ،ومعتقده ما يجري يوم القيامة لبي بكر
683
وعمر والصحابة ،وكان يضع محاورات من عنده يزعم أنها ستجري بين الرسول وصحابته يحاسبهم فيها على تركهم بيعة
علي.].
ثالثا :تلك الدعية التي يرددها الشيعة كل يوم وهي ل تكاد تخلو من لعن خيار هذه المة وروادها
وأحباء رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصهاره وبعض زوجاته أمهات المؤمنين ..ول تختلف كتب
الدعية المؤلفة حديثا عما تراه في كتبهم القديمة ،كما نجد في كتاب "مفاتيح الجنان" لشيخهم المعاصر
عباس القمي ،و"ضياء الصالحين" لشيخهم محمد الجوهري وغيرهما.
وبعد هذا كله فهل يبقى لنكار هؤلء المنكرين تفسير إل التقية والكذب؟ فالخنيزي الذي يقول إن
الشيعة ل تسب ،هل يتجاهل ما سطره شيوخهم القدامى والمعاصرون في ذلك؟! بل إن الخنيزي نفسه
ارتكب جريمة السب فهو يطعن في الصديق رضي ال عنه [الدعوة السلمية ،].1/12 :ويزعم بأن ما ورد
[الدعوة السلمية-1/5 : عندهم في الكافي من سب للصحابة وتكفيرهم يوجد مثله في صحيح البخاري
.].14وهي دعوى ل حقيقة لها ..إل البحث عن مسوغ لمذهبهم في الصحابة ،ولو كان في صحيح
البخاري مثل مما يوجد في الكافي لكان في السنة من هو كالشيعة يطعن ويكفر ،ولكن الرجل يريد
إثبات معتقده الباطل بأي وسيلة.
أما الستاذ أحمد مغنية الذي يرى أن الشيعة إنما تلعن عمر بن سعد ل عمر بن الخطاب وإنما وقع
الوهم في التشابه في السماء فهل خفي عليه أن عمر بن الخطاب قد تعرض للعن والتكفير في كتب
الشيعة المعتمدة وعلى رأسها الكافي والبحار ،وتفسير القمي والعياشي وغيرهما؟ كما سلف نقل ذلك
[انظر :ص( )723وما بعدها .].فل حاجة لعادته.
وهل غاب عنه أن شيعة العصر الحاضر أيضا ل يزالون على هذا النهج يتخبطون كما رأينا من
صاحب "الغدير" و"السقيفة" و"السلم على ضوء التشيع" ..وغيرهم.
بل إن من يلهج بالدعوة للوحدة السلمية منهم ل يزال في هذا الضلل يهذي ويفتري؛ فهذا آيتهم
محمد الخالصي من كبار مراجع الروافض في العراق وممن يتزعم الدعوة إلى الوحدة السلمية بين
السنة والشيعة يشكك في إيمان أبي بكر وعمر رضي ال عنهما فيقول" :وإن قالوا :إن أبا بكر وعمر
عنِ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ
ضيَ الّلهُ َ
من أهل بيعة الرضوان الذين نص على الرضى عنهم القرآن في قوله{ :لَ َقدْ رَ ِ
حتَ الشّجَ َرةِ} [الفتح .]18
ِإذْ ُيبَايِعُو َنكَ تَ ْ
قلنا :لو أنه قال :لقد رضي عن الذين يبايعونك تحت الشجرة لكان في الية دللة على الرضى عن
عنِ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ ِإذْ يُبَايِعُو َنكَ} فل دللة فيها إل على الرضى
ضيَ الّلهُ َ
كل من بايع ولكن لما قال{ :لَ َقدْ رَ ِ
عمن محض اليمان" [الخالصي /إيحاء الشريعة في مذهب الشيعة.].64-1/63 :
ومعنى هذا أن أبا بكر وعمر لم يمحضا اليمان فلم يشملهما رضى ال في زعم هذا الرافضي،
وهل هناك فهم أسقم من هذا الفهم الذي يجعل وصفهم باليمان دليلً على خروج خيارهم من اليمان؟
684
[انظر مثلً -شهاب الدين النجفي /تعليقاته على إحقاق ولهذا الخالصي أمثاله من روافض العصر الحاضر
الحق للتستري2/291 :وغيرها من المواضع.].
فهل خفي ذلك على أحمد مغنية أو أراد خداع أهل السنة؟! ال أعلم بالحقيقة ..والتقية بلية الشيعة
ومصيبتها.
أما الرفاعي الذي يقول بأن الشيعة تقدر الصحابة ..وأن من نسب إلى الشيعة خلف ذلك فهو
خصم سيء النية ..فهل يخفى عليه أن الذي نسب إلى الشيعة هذا المذهب هو كتبهم ..والذي سجل
عليهم هذا العار هو مشايخهم أمثال الكليني والقمي والعياشي والمجلسي ،وليس خصما سيء النية أو
جاهلً بما في كتبهم؟!
[انظر :ص ،17 ،15 والرفاعي نفسه قد رجع في كتيبه الذي سماه "تقدير المامية للصحابة" إلى البحار
.].19للمجلسي ،والذي حوى من السب واللعن والتكفير ما تقشعر منه جلود المؤمنين؛ حتى إنه عقد
(أي الخلفاء قبل علي) فكيف يقول [بحار النوار ،252-2/208 :الطبعة الحجرية]. بابا بعنوان باب كفر الثلثة
بأن الشيعة تقدر الصحابة؟ وإذا كان يؤمن بمبدأ تقدير الصحابة فعليه أن ينشر ذلك في الوسط الشيعي
ل في القاهرة ،وأن يجاهد من أجل إقناع إخوانه المامية حتى يغيروا هذا البلء الذي عم وطم في
كتبهم أو يعرضوا عنها ويعلنوا فسادها ،أما نفي ما هو واقع فل يجدي في الدفاع لنه سيؤول من قبل
الشيعة والمطلعين على كتبهم من غير الشيعة بأنه تقية.
وهذا الرفاعي الذي يكتب في القاهرة بين أهل السنة "تقدير المامية للصحابة" ويتجاهل ما جاء في
كتبهم قديمها وحديثها ،وما يجري في واقعهم من عوامهم وشيوخهم ..هو نفسه يسب خيار صحابة
رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فهو من الذين يقولون ما ل يفعلون ،كما هو من الذين ينكرون ما
[انظر تعليقه على كتيب يعرفون ..فيتهم فاروق هذه المة بالتآمر وأنه أول من قال بالرجعة من المسلمين
[انظر تعليقه التشيع /لمحمد باقر الصدر :ص .].31-30كما يسب أبا بكر وعمر وأبا عبيدة رضوان ال عليهم
على كتيب التشيع /لمحمد باقر الصدر :ص .].46
والغريب أنه يستدل بما جاء في رسالة محمد باقر الصدر والتي سماها "التشيع ظاهرة طبيعية في
إطار الدعوة السلمية" مع أن هذه الرسالة محاولة يائسة وعاجزة لثبات أصالة مذهب الرافضة..
وأن الصحابة رضوان ال عليهم ليسوا بأهل لحمل الرسالة وتبليغ الشريعة -كما يفتري -وأن
الجدير بحملها والمبلغ لها هو علي ..وهذا مع ما فيه من النيل من صحابة رسول ال فهي دعوى
جاهلية غبية ،أو حاقدة مغرضة تحاول النيل من السنة المطهرة ،وتواتر هذا الدين.
فهي تزعم أن نقل الواحد أوثق من نقل المجموع ..وهذا "إفراز" لعقيدة عصمة الئمة ،وتكفير
الصاحبة ..والثناء المزعوم على الصحابة الذي نقله من رسالة الصدر قد قاله الصدر من باب تخدير
القارئ حتى يتقبل ما يفتريه على استدلله ويبطله ،فالصدر يقول" :وبالرغم من أن الصحابة بوصفهم
الطليعة المؤمنة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية ..بالرغم من ذلك نجد من الضروري
685
التسليم بوجود اتجاه واسع منذ كان النبي حيا يميل إلى تقديم الجتهاد في تقدير المصلحة واستنتاجها
من الظروف على التعبد بحرفية النص الديني ،وقد تحمل الرسول صلى ال عليه وسلم المرارة في
كثير من الحالت بسبب هذا التجاه[ "..التشيع :ص .].80
فهل ترى في هذا النص مدحا؟ إنه يزعم أن الصحابة رضوان ال عليهم يجتهدون مع وجود
النص؛ بل يرفضون أوامر رسول ال ،ويتبعون مصالحهم ..فهل هذا تقدير للصحابة؟! إن من
حذَرِ اّلذِينَ يُخَالِفُونَ
المعروف إنه ل اجتهاد مع النص ،وأن مخالفة أمر رسول ال جرم عظيمَ { :فلْيَ ْ
عذَابٌ َألِيمٌ} [النور ..]63
عنْ َأمْ ِرهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْ َنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ َ
َ
وكل هذه الدعاوى من هذا الرافضي لتأييد فريته وهي دعوى النص على علي وأن الصحابة
أعرضوا عن العمل بها لمصلحة راعوها ،فأي مصلحة لهم في بيعة أبي بكر؟!
ول يستدل الرفاعي من رسالة الصدر فحسب؛ بل ينشر باطلها ،ويتحفه بتقريظه وتأييده ،ويقول في
كتيب آخر :إن المامية يقدرون الصحابة ،فأي تقدير هذا؟! إل إن كان يريد أن تقدير المامية
للصحابة هو السب واللعن والتكفير.
فما أجرأ هؤلء على الكذب!!
وأما محمد جواد مغنية الذي يقول بأن الشيعة ل تنال من مقام الصحابة ويستدل بقول علي بن
الحسين.
فأقول :إنكم لم تقتفوا أثر المام علي بن الحسين..؛ لن ما جاء في كتبكم قديمها وحديثها ،وما
يحدث في واقعكم دليل على مفارقتكم لنهجه..؛ لنه كان باعترافكم ،وبنقلكم عنه ،كان يترضى عن
الصحابة ..رضي ال عن الجميع ،فأنتم ليس بإمامكم اقتدتم ،ول بقولكم صدقتم والتزمتم ..ومغنية
الذي يكتب هذا الكلم ..هو الذي يقول في كتابه "في ظلل نهج البلغة" عن الخليفة الراشد ذي
النورين صاحب الجود والحياء ،وصهر النبي صلى ال عليه وسلم في ابنتيه ،ومجهز جيش العسرة،
وصاحب الهجرتين والمبشر بالجنة من رسول ال صلى ال عليه وسلم .يقول هذا الرافضي فيه ":إن
عثمان انحرف عن سنة الرسول وخالف شريعة السلم ،واستأثر هو وذووه بأموال المسلمين فامتلكوا
[مغنية /في القصور والمزارع والرياش والخيول والعبيد والماء ،ومن حولهم مليين الجياع والمعدمين"
ظلل نهج البلغة .].2/264 :ويقول" :وكان الزبير وطلحة وعائشة وراء ما حدث لعثمان وعليهم تقع
التبعة في دمه[ "..مغنية /في ظلل نهج البلغة .].293-1/292 :ويتهم عمر رضي ال عنه وأهل الشورى
[مغنية /في ظلل نهج البلغة: الذين فوض لهم عمر اختيار خليفة من بعده يتهم الجميع بالخيانة والتآمر
.].3-2/2
فأي احترام لمقام الصحابة وهذا الكلم الحاقد يوجه لخيارهم !!
وأي إيذاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم أشد من هذا اليذاء الذي يوجه له بسب بعض زوجاته،
وأصهاره ،وخيار أصحابه.
686
وبعد كهذا كله ..فكيف نفسر هذا التناقض من هؤلء الراوفض؟ هل هذا تقية؟ والتقية عندهم تسعة
أعشار الدين ول دين لمن ل تقية له ،أو هي مؤامرة للدعاية للشيعة والتشيع؟
وقبل أن أرفع القلم في هذا الموضوع أحاول أن أكشف بعض الحقائق المهمة والسرار الخفية في
حقيقة ثنائهم على الصحابة والتي قد ل يهتدي إليها من لم يدمن المطالعة في كتبهم ويتأمل في أساليبهم
ومصطلحاتهم.
حقيقة ثناء الروافض على الصحابة:
إن هؤلء الروافض -كما يزعمون -أنهم يوالون أهل البيت ويعنون بهم أئمتهم الثني عشر
ويتناولون البقية ول سيما من خرج منهم لطلب المامة بالسب والتجريح بل التكفير والتخليد بالنار.
فكذلك يزعمون -أحيانا -أنهم يوالون الصحابة ويريدون بهم الثلثة أو الربعة أو السبعة الذين لم
يرتدوا كما تصور ذلك أساطيرهم.
والذي ل يعرف هذه الحقيقة قد ينخدع بكلمهم في هذا الباب ول يتصور أن للصحابة عندهم
تفسيرا معينا.
وهناك تفسير آخر لهم في الصحابة جاء بيانه في بعض رواياتهم ،تقول رواياتهم بعد ثناء على
[انظر: الصحابة وأمر بالرجوع لقوالهم وإجماعهم :فقيل :يا رسول ال ،ومن أصحابك؟ قال :أهل بيتي
ص( .].)762فهم يفسرون الصحابة بأهل البيت.
ثم هناك مسلك ثالث يسلكونه في الثناء على الصحابة وهو حمله على التقية ،وقد أشار إليه شيخهم
الطوسي ،حيث قال بعد أن سب عائشة أم المؤمنين رضي ال عنها" :فإن قيل :أليس قد روي عن أبي
جعفر محمد بن علي الباقر أن سائلً سأله عن عائشة وعن مسيرها في تلك الحرب ،فاستغفر لها وقال
له (الراوي) :تستغفر لها وتتولها؟ فقال :نعم ،أما علمت ما كانت تقول :يا ليتني كنت شجرة ،ليتني
كنت مدرة" قال الطوسي" :ل حجة في ذلك على مذاهبنا لنا نجيز عليه صلوات ال عليه التورية،
ويجوز أن يكون السائل من أهل العداوة واتقاه بهذا القول وروى فيه تورية يخرجه من أن يكون كذبا،
وبعد ،فإنه علق توبتها بتمنيها أن تكون شجرة ومدرة وقد بينا أن ذلك ل يكون توبة وهو عليه السلم
بهذا أعلم" [الطوسي /الستفياء في المامة ،الورقة ( 288النسخة المخطوطة).].
إن على الذين يقولون بتقدير الشيعة للصحابة أن يعلنوا خطأ هذه المسالك وعدم صحتها ،وأن
يعترفوا ببطلن تلك الروايات السوداء ،وأن يصدقوا ول يتناقضوا ،حتى يقبل منهم موقفهم ،ثم لِمَ
يذهبون للرد على أهل السنة إذا قالوا :إن مذهب الشيعة الطعن في الصحابة وتكفيرهم ول يردون
على أنفسهم وعلى كتبهم وعلى مشايخهم المعاصرين الذين ل يزالون يهذون في هذا الضلل؟
وأي فائدة اليوم في اللعن والسب والتكفير الذي ملوا به كتبهم ،وأسواقهم ،ومزاراتهم ،وقد انقضى
العصر الول بكل ما فيه؟! ل هدف في الحقيقة إل الطعن في القرآن والسنة والدين بعامة ،وإل إثارة
الفتنة وتفرقة المة.
687
وماذا يبقى من أمجادنا وتاريخنا إذا كان أولئك السادة القادة التقياء الصفياء الوفياء الرواد الذين
نشروا السلم وأقاموا دولته ،وفتحوا البلد وأرشدوا العباد ،وبنوا حضارة لم تعرف لها الدنيا مثيلً،
إذا كان هؤلء الرواد الوائل لكل معالم الخير والعدل والفضائل يستحقون اللعن من أحفادهم ،وتشويه
تاريخهم ،وهم الذين أثنى ال عليهم ورسوله ،وسجل التاريخ الصادق مفاخرهم بمداد من نور .فمن
الذي يستحق الثناء والمديح وأين أمجادنا وتاريخنا إذا كان أولئك كذلك؟!
العصمة:
الجديد في هذه المسألة عند المعاصرين هو أخذهم برأي المتأخرين من الشيعة في دعوى العصمة
المطلقة للئمة ،والذي يمثل نهاية الغلو والشطط حيث إن هؤلء يزعمون أن الئمة ل يسهون ول
ينسون.
وهذا المذهب كان في نظر الشيعة في القرن الرابع بمثل التجاه الغالي المتطرف حتى اعتبر
شيخهم ابن بابويه القمي -صاحب من ل يحضره الفقيه أحد أصولهم الربعة المعتمدة -اعتبر علمة
الغلو في التشيع هو نفي السهو عن الئمة .وقال" :إن الغلة والمفوضة لعنهم ال ينكرون سهو النبي
صلى ال عليه وسلم[ "..ابن بابويه /من ل يحضره الفقيه.].1/234 :
ومن ينكر سهو الئمة أغرق في الغلو والتطرف.
[بحار النوار: وأقر شيخهم المجلسي "بدللة كثير من الخبار واليات على صدور السهو منهم"
.].25/351ولكن متأخريهم لم يبالوا بذلك وأطبقوا على مخالفته باعتقاد أن الئمة ل يسهون ،ولهذا رأى
المجلسي أن هذه "المسألة في غاية الشكال" [بحار النوار ،].25/351 :لن أصحابه أطبقوا على مخالفة
أخبارهم الكثيرة [بحار النوار.].25/351 :
وقد سار المعاصرون على خطى المتأخرين مخالفين لخبار الشيعة نفسها ،وما قاله كبار شيوخهم،
فهذا شيخ الشيعة المعاصر ومن يلقب عندهم بـ"الية العظمى" (عبد ال الممقاني) يؤكد أن نفي السهو
عن الئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي" [الممقاني /تنقيح المقال .].3/240 :وهو ل ينكر أن من
شيوخهم السابقين من يعتبر ذلك غلوا ،لكنه يقول" :إن ما يعتبر غلوا في الماضي أصبح اليوم من
ضرورات المذهب" [الممقاني /تنقيح المقال.].3/240 :
وهذه المقالة :أن الئمة ل يسهون -يتكرر التأكيد عليها في أقوال شيوخهم المعاصرين؛ فالمظفر
يعتبرها من عقائد المامية الثابتة ،ول يذكر أدنى خلف بينهم في ذلك [عقائد المامية :ص ،].95
والخنيزي وهو يكتب كتابه في "الدعوة السلمية إلى وحدة أهل السنة والمامية" يؤكد على هذه
المقالة ول يتقي في ذلك [الخنيزي /الدعوة السلمية ،].1/92 :والخميني في كتابه "الحكومة السلمية" ينفي
مجرد تصور السهو في أئمته [الحكومة السلمية :ص .].91
688
وإذا كانت دعوى عصمة الئمة تعني الرتفاع بالئمة إلى مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم في
حيٌ يُوحَى} [النجم .]4-3فإن دعوى أن الئمة ل
عنِ الْهَوَىِ ،إنْ هُوَ إِلّ وَ ْ
القول والفعلَ { :ومَا يَ ْنطِقُ َ
يسهون أول يتصور فيهم السهو هو تأليه لهم.
ولهذا قال شيخهم ابن بابويه :إن ال سبحانه أسهى نبيه "ليعلم أنه بشر مخلوق فل يتخذ ربا معبودا
دونه" [من ل يحضره الفقيه.].1/234 :
وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الرد لهذه الروايات (روايات سهو النبي
صلى ال عليه وسلم في صلته) يفضي إلى إبطال الدين والشريعة .يقول ابن بوبايه" :ولو جاز أن
ترد الخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الخبار ،وفي ردها إبطال الدين والشريعة،
وأنا احتسب الجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى ال عليه وآله والرد على
منكريه إن شاء ال تعالى" [بحار النوار.].17/111 :
ولكن الزمرة المتأخرة والمعاصرة لم تبال بما قاله ابن بابويه ،كما لم تبال في قوله برد أسطورتهم
في التحريف ،ولم تراع أي قول يخالف ما تواضع عليه شيوخ الدولة الصفوية.
لقد عد الشيعة المعاصرون على لسان شيخهم "الممقاني" نفس السهو عن الئمة من ضرورات
المذهب الشيعي -كما مر .-
[محسن المين /كشف وقد قرر شيخهم محسن المين أن منكر ما هو ضروري في التشيع كافر عندهم
الرتياب ،المقدمة الثانية ،وهو أيضا مقرر عندهم في :مهذب الحكام.].393-1/388 :
ومعنى هذا أن متأخريهم يكفرون متقدميهم لنكارهم ما هو من ضروريات مذهب التشيع،
ومتقدموهم يلعنون متأخريهم لخذهم بمذهب الغلة المفوضة الملعونين على لسان الئمة.
[وهي كتابات محمد جواد مغنية التي نرى وليس ذلك فحسب؛ بل إننا نجد في الكتابات الموجهة لديار السنة
القول بأن العتقاد فيها التحرر من بعض غلو الشيعة وتعصباتهم ..وهي تنشر في ديار السنة فاحتمال التقية فيها وارد].
بأن الئمة يسهون هو مذهب جميع الشيعة [محمد جواد مغنية /الشيعة في الميزان :ص ،].273-272ونرى في
[محمد آصف المحسني /صراط الحق: كتابات شيعية معاصرة أخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم
..].3/121وأن ذلك من ضرورات مذهب التشيع [كما سبق نقله عن الممقاني في تنقيح المقال.].
فمن نصدق ،ومن هو الذي يعبر عن مذهب الشيعة؟
وهكذا يكفر بعضهم بعضا وينقض بعضهم بعضا ،وكل يزعم أن ما يقوله هو مذهب الطائفة.
الرجعة:
الجديد في مذهب المعاصرين في هذه المسألة ظهور فئة من شيوخهم ،ول سيما ممن يتظاهر منهم
بالدعوة للوحدة والتقريب بينهم وبين السنة يرى أن الرجعة خرافة ل حقيقة لها .ويقول" :فالحق الذي
689
[الخنيزي /الدعوة السلمية إلى وحدة أهل عليه المحققون هو أن ل رجعة سوى ظهور المام الثاني عشر"
السنة والمامية .].2/94 :يعني مهديهم المنتظر.
وصنف آخر ل ينكرها ولكن يرى أن مسألة الرجعة وإن وردت في بعض أخبارهم إل أنها ليست
من أصول مذهبهم ول من الضرورات عندهم ،ول من معتقداتهم ،بل وليست بذات بال عندهم .يقول
[هاشم الحسيني/ هاشم الحسيني" :إن الرجعة ليست من معتقدات المامية ول من الضرورات عندهم"
الشعية بين الشاعرة والمعتزلة :ص .].237
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطاء" :وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلزم ول إنكارها
بضار ،وإن كانت ضرورية عندهم" [أصل الشيعة :ص .].35وقال" :وليس لها (يعني الرجعة) عندي من
الهتمام قدر صغير أو كبير" [أصل الشيعة :ص .].36
ولعل القارئ يدرك التناقض في هذا الكلم ،ولعله تناقض مقصود كأمارة على التقية كعادتهم في
التلعب بالكلم ،إذ كيف تكون ضرورية عندهم مع أن اعتقادها ليس بلزم ،وإنكارها ليس بضار
[انظر :السبزواري /مهذب الحكام: وليس لها اهتمام عنده مع أن منكر الضروري كافر كما يقرره شيوخهم
،1/388وما بعدها ،محسن المين /كشف الرتياب المقدمة الثانية.].
وقريب من ذلك صنع شيخهم محمد رضا المظفر حينما قال" :إن الرجعة ليست من الصول التي
مع أنه يقول" :إن الرجعة من المور [عقائد المامية :ص ].113 يجب العتقاد بها والنظر فيها"..
الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الخبار المتواترة" [عقائد المامية :ص .].113
هذا ما يقوله طائفة المعاصرين في أمر الرجعة ،صنف ينكرها ،وأخر يهون من شأنها ،وثالث
يتردد أو يتناقض في بيان مذهبهم فيها ،وكل يزعم بأن ما يقوله هو مذهب الشيعة فمن نأخذ بقوله؟
وكلهم من كبار شيوخ الشيعة الثني عشرية ،وفي عصر واحد ومع هذا ترى الختلف والتباين في
أقوالهم هل هذا من آثار التقية عندهم لن أمر الرجعة اعتبرها بعض علماء السنة علمة على الغلو
في الرفض؟ ولهذا قال شيخهم المظفر" :إن العتقاد بالرجعة من أكبر ما تنبز به الشيعة المامية
ويشنع به عليهم" [عقائد المامية :ص .].110
وما هكذا شأنه تجري فيه التقية عندهم.
والكتابات التي نقلت منها تلك القوال المتناقضة هي كتب شيعية موجهة لهل السنة كما يبدو من
مقدماتها ومنهجها وأسلوبها في الحديث عن العقائد الشيعية بينما نجد كتبا أخرى معاصرة لشيوخ
آخرين ل تزال تغالي في أمر الرجعة وتعتبر منكرها خارجا عن رتبة المؤمنين.
قالوا:
[إبراهيم الزنجاني /عقائد الثني عشرية: "تضافرت الخبار (يعني أخبارهم) ليس منا من لم يؤمن برجعتنا"
ص ( 240ط :الولى) ،وانظر :عبد ال شبر /حق اليقين .].2/3 :وقالوا" :إن ثبوت الرجعة مما اجتمعت عليه
[عقائد الثني عشرية :ص ،239ط :الولى ،حق الشيعة الحقة والفرقة المحقة ،بل هي من ضروريات مذهبهم"
690
[عقائد اليقين" .].2/3 :ومنكرها خارج من رتبة المؤمنين ،فإنها من ضرورات مذهب الئمة الطاهرين"
الثني عشرية :ص .].241
وقال الزنجاني في كتابه عقائد الثني عشرية" :إن اعتقادي ..واعتقاد علماء الثني عشرية قدس ال
أسرارهم من أن ال تعالى يعيد عند ظهور المام الثاني جماعة من الشيعة إلى الدنيا ليفوزوا بثواب
نصرته ومشاهدة دولته ،ويعيد جماعة من الظلمة والغاصبين والظالمين لحق آل محمد عليهم السلم
لينتقم منهم" [عقائد الثني عشرية :ص .].239
" ...وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين" [عقائد الثني عشرية :ص .].240
وبعد ،فكيف نفسر هذا التناقض؟ هل هم قد اختلفت آراؤهم في هذه المسألة على حقيقة ،أم وهم
استحلوا بعقدية التقية كل شيء..؟.
وإذا أخذنا كل شي على ظاهره نقول :إن هناك فئة قد تحررت من ربقة التقليد ،وخرجت على
أساطيرهم رغم دعوى التواتر والستفاضة ولكن هذه الفئة يخنق صوتها ويمحى أثرها باسم العقيدة
الخطيرة وهي التقية ولن يؤثر في هذه الطائفة مصلح ما دامت هذه العقيدة من أصولها ..وسيكون
مذهبهم مذهب الغلة ل المعتدلين وقول الشيوخ ،ل روايات الئمة.
هذا ول تزال الصور السطورية التي تحكيها أخبارهم عما يجري في تلك الرجعة تتردد في
كلماتهم ..وهي بغض النظر عن الجانب الخرافي فيها ،إل أنها تمثل مشاعر مكبوتة ورغبات خفية
وأحقادا مبيتة ضد هذه المة.
إن ذلك الشيعي ليستمتع بتلك الصور الخيالية للمجازر المرتقبة والتي ينتظر حصولها في الرجعة
المزعومة غاية الستمتاع ،ولذلك يهتم في أدعيته اليومية بالتوجه بالدعاء ،لن يشارك في هذه العودة
[كما في الدعاء الذي يسمونه دعاء العهد وفيه" :اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي التي يجرى فيها النتقام الموعود
جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر
والبادي" .انظر :الزنجاني /عقائد المامية الثني عشرية :ص 236ط :الولى ،وجعل هذا الدعاء من أدلة ثبوت الرجعة
عندهم.].
فلم يتغير شعور المعاصرين في هذه القضية على الرغم من تغير الزمان ،وكر القرون ..واستمع
إلى أحد آياتهم يجيب عما يجري -بزعمهم -لخليفتي رسول ال وحبيبيه وصهريه -أبي بكر وعمر
-رضي ال عنهما في رجعتهم المزعومة.
يقول" :وأما مسألة نبش قبر صاحبي رسول ال وإخراجهما حيين وهما طريان وصلبهما على
خشبة وإحراقهما ،لن جميع ما ارتكبه البشر من المظالم والجنايات والثام من آدم إلى يوم القيامة
منهما فأوزارهما عليهما ،فمسألة عويصة جدا ،وليس عندي شيء يرفع هذا الشكال ،وقد صح عن
أئمتنا أن حديثنا صعب مستصعب" [الرشتي /كشف الشتباه :ص .].131
691
هل يخطر بالبال أن هذه الخرافة تجد طريقها إلى رجل علم عندهم بلغ في مقاييسهم مرحلة "الية
العظمى" ول يتجرأ على تكذيب هذه السطورة ،ويعتبرها من المور العويصة المشكلة ،ول يجد ملجأ
يلجأ إليه إل خرافة أخرى وهي أن دينهم صعب مستصعب؟!
ل شك أن هذا الدين الصعب المستصعب ليس هو السلم ..لنه خلف الفطرة ،ل تقبله العقول
لشذوذه ومخالفته للصول.
فننتهي من هذا إلى أن خرافة الرجعة وما يجري فيها ل تزال تتغلغل في عقول هذه الطائفة.
التقية:
هل يوجد تغير في مذهب المعاصرين يختلف عن السابقين فنسجله هنا أو لم يتغير مذهب
المعاصرين ،عما ذكرناه عن سلفهم ،وعما جاء في كتبهم المعتمدة في أمر التقية؟
لقد قال بعض شيوخهم المعاصرين :إن المر قد تغير ..وأنه ل تقية اليوم عند الشيعة ..لن الشيعة
إنما التزمت بالتقية بسبب الظلم الواقع عليها في العصور البائدة ،أما وقد ارتفع الظلم اليوم فل تقية
ول كذب ول نفاق ،بل صدق وصراحة ووضوح.
يقول شيخهم محمد جواد مغنية" :إن التقية كانت عند الشيعة حيث كان العهد البائد عهد الضغط
[مغنية/ والطغيان ،أما اليوم حيث ل تعرض للظلم في الجهر بالتشيع فقد أصبحت التقية في خبر كان"
الشيعة في الميزان :ص ،345 ،52أهل البيت :ص .].67 ،66
ويقول" :قال لي بعض أستاذة الفلسفة في مصر :أنتم الشيعة تقولون بالتقية..
فقلت له :لعن ال من أحوجنا إليها ،اذهب الن أنى شئت من بلد الشيعة فل تجد للتقية عينا ول
أثرا ،ولو كانت دينا ومذهبا في كل حال لحافظوا عليها محافظتهم على تعاليم الدين ومبادئ الشريعة"
[الشيعة في الميزان :ص .].25
وكذلك يقول مجموعة من أعلمهم المعاصرين ممن يوصفون عندهم "بالمراجع واليات" بأن التقية
عند الشيعة ل تستعمل إل في حال الضرورة ،وذلك عند الخوف على النفس ،أوالمال ،أو العرض،
[انظر :أقوالهم في ذلك: ول تختص الشيعة بهذا ..وإنما تميز الشيعة بهذا العتقاد لكثرة وقوع الظلم عليهم
محمد حسين كاشف الغطا /أصل الشيعة ص ،153-150عبد الحسين الموسوي /أجوبة ومسائل جار ال ص ،70-68عبد
الحسين الرشتي /كشف الشتباه ص ،130محسن المين /الشيعة بين الحقائق والوهام ص ،158وما بعدها ،القزويني /الشيعة
في عقائدهم وأحكامهم ص ،346هاشم الحسيني /دراسات في الحديث والمحدثين ص 326وما بعدها ،وغيرها.].
فهل ما يقوله هؤلء حقيقة ،أو أن المر تقية على التقية ،وتستر على هذا المعتقد مادام أمرهم قد
افتضح ،ومذهبهم قد انكشف أمام المسلمين؟ فلنتعرف على حقيقة المر ،وجلية الخبر..
إننا لو قلنا معهم بأن التقية عندهم قد ارتفعت كليا ،ولم يعد للشيعة سر تكتمه ،ول معتقد تتقيه بل
تجاهر بكل ما عندها أمام المسلمين بكل الصراحة والوضوح ..فإن أثر التقية لم ينته ،وإعمال
692
شيوخهم للتقية في نصوصهم لم يتوقف ،وهذا هو الخطر الكبر والداء العظم والذي قد ل يعرفه من
ليس على صلة بكتبهم الساسية.
إن الخطورة تتمثل في أن مبدأ التقية عندهم قد عطل تعطيلً تاما إمكانية استفادة الشيعة مما في
كتبهم المعتمدة من نصوص توافق ما عند المسلمين ،وتخالف ما شذوا به من عقائد وآراء ..ذلك أنه
ما من رأي -في الغالب -شذوا به عن المسلمين إل وتجد عندهم بعض الروايات التي تنقضه من
أصله ،ولكن الشيخ الشيعي يتعامل مع تلك الروايات التي تنقض شذوذهم وتوافق ما عند المسلمين
وتخالف ما درج عليه قومه بأنها إنما خرجت من المام مخرج التقية ..ول يختلف في تطبيق هذا
المنهج شيوخهم المعاصرون عن شيوخهم القدامى..
ولذلك تجد أن من قواعدهم الصولية -والتي كما قررتها كتبهم القديمة [انظر :ص 411وما بعدها.].
[انظر :تعارض الدلة /تقرير لبحاث محمد باقر الصدر /نشرها محمود الهاشمي ص ،3وانظر قررتا كتبهم الحديثة
أيضا :مجلة رسالة السلم التي تصدرها كلية أصول الدين ببغداد ،العدد ( )4-3السنة الخامسة ،شوال 1391ه بحث وظيفة
المجتهد عند تعارض الدلة ،داود العطار ،مدرس التفسير وعلوم القرآن في الكلية ص ( 133والكلية شيعية ،ومجلتها تعتمد في
أيضا -المر بالخذ بما خالف العامة -أي أهل السنة -وذلك عند اختلف أبحاثها على كتب الشيعة)].
الحاديث في كتبهم بحجة أن الحاديث التي توافق ما عند أهل السنة محمولة على التقية.
وإذا لوحظ أن أحاديثهم متناقضة ومتضادة ويوجد فيها في مختلف أبواب العقائد والحكام ما يوافق
ما عند المسلمين أدركنا خطورة معتقد التقية عندهم وآثاره السيئة في إبقاء الخلف بين المسلمين..
وتناقض أحاديثهم ليست دعوى ندعيها ،بل حقيقة يقررها شيوخهم حتى اعترف الطوسي بأنه ل يكاد
يوجد عندهم حديث إل وفي مقابله ما يضاده [انظر :الطوسي /تهذيب الحكام ،1/2 :وقد مضى بنصه.].
وهذا ما يعترف به الطوسي صاحب كتابين من أصولهم الربعة المعتمدة في الحديث ،وصاحب
كتابين من كتبهم الربعة المعتمدة في الرجال.
ولم يجد الطوسي ما ينقذه وشيعته من التناقض في رواياتهم إل القول في كل ما يوافق جمهور
المسلمين ويخالف شذوذهم ،بأن ذلك ورد على سبيل التقية ،ويتمثل هذا في عشرات المثلة في كتابي
التهذيب ،والستبصار [انظر :الستبصار 66 ،65 ،64 ،63 ،62 ،61 ،1/60 :إلخ.].
فكانت عقيدة التقية حيلة لرد السنن الثابتة ،ومنفذا للغلو ،ووسيلة لبقاء الفرقة والخلف ،فكيف
[إن جمع نصوصهم يقال :إن التقية ارتفعت اليوم وشيوخ الشيعة كلهم يعلمون بموجبها في رد النصوص
المتفرقة في كتبهم والتي تخالف شذوذهم والتي ردوها بحجة التقية ..إن القيام بهذا عمل نافع في هذا العصر ..وقد بدأ بعض
علماء الهند وباكستان هذا "المشروع" انظر مثلً :مناقب الخلفاء الربعة في مؤلفات الشيعة /للشيخ عبد الستار التونسوي ،ولعل
أول من بدأ ذلك شاه عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الثني عشرية].؟!
693
وكما كان معتقد التقية سدا منيعا حال دون استفادة الشيعة من الروايات التي رووها في كتبهم عن
الئمة والتي توافق ما عند المة ..كذلك فإن مبدأ التقية منع تأثير كل صوت عاقل معتدل ينشأ بينهم،
وحرمهم من النتفاع به.
ولعل من وضع هذه العقيدة أراد لهذه الطائفة أن تبقى هكذا لتستعصي على الصلح وتمتنع عن
الهداية ..وهذا ليس مجرد كلم نظري ل يسنده الواقع ..بل إن واقع الشيعة يشهد بذلك ..فمثلً من
أعظم مصائب الشيعة وبلياها :أساطير نقص القرآن وتحريفه والتي سرت في مذهبهم وفشت في
كبتهم ..وحينما تصدى لذلك شيخهم المرتضى وابن بابويه القمي ،والطبرسي ..ونفوا عن مذهب
الشيعة هذه المقالة ..حمل ذلك طائفة من متأخري شيوخهم كنعمة ال الجزائري ،والنوري الطبرسي-
حملوا ذلك على التقية [انظر :ص( )279من هذه الرسالة.].
فكيف يقال :إن التقية انتهت في مذهب الشيعة ..وهي تستخدم في كل آن لزهاق الحق وإبطاله؟!
ولما قام شيخهم الطوسي بتفسير كتاب ال ..وحاول التخلص من تلك النزعة الباطنية المغرقة في
التأويل ..والمألوفة عندهم ورغب الستفادة من آثار السلف في تفسير القرآن ..حمل شيوخهم صنيعه
هذا على التقية [انظر :ص( )199-198من هذه الرسالة.].
فأنت تلحظ أن هذه العقيدة قد أصبحت معولً هداما يستخدمه غلة الشيعة لبقاء هذه الطائفة في
دائرة الغلو والبعد بها عن جماعة المسلمين أو السلم كله ..فكيف يقال إن عهد التقية قد انتهى
وآثارها السامة تسري في كيان المذهب ،وتعمل فيه هدما وتخريبا؟!
وإذا كان اليوم حيث ساد الكفر والضعف أمر المسلمين قد ارتفعت التقية عند الشيعة فيه كما كان
يقول شيعة هذا الزمن ..فما هو العصر الذي لزمته فيه الشيعة مبدأ التقية؟
إنهم يعتبرون عهد الخلفاء الثلثة وعصر السلم الذهبي هو عهد تقية وكأنهم يقولون بأن وضع
المسلمين في وقتنا هذا أفضل من وضعهم في عهد الخلفة الراشدة ولهذا قرر المفيد بأن عليا كان
يعيش في عهد الخلفاء الثلثة مستعملً للتقية والمداراة ،ويشبّه حاله بحال رسول ال صلى ال عليه
وسلم وهو يعيش بين ظهراني المشركين قبل الهجرة [وقد مضى نقل النص في ذلك عن مفيدهم ص..].44-43 :
فيعتبر الصحابة رضوان ال عليهم في عهد الخلفة الراشدة كالمشركين الذين عاصرهم الرسول
صلوات ال وسلمه عليه وعلقة علي معهم كعلقة رسول ال مع المشركين!!
فالوقت الذي يضعف فيه أمر المسلمين هو وقت عز الشيعة وتخلصها من التقية ..لن لهم دينا غير
دين الصحابة ..الذي تلقوه عن نبيهم.
والقرن الذي شهد له الرسول بالخيرية ،والجيل الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه هو عهد تقية،
وجيل كفر في قواميس هذه الزمرة الحاقدة ..التي أضلت قومها سواء السبيل ..ولما احتارت هذه
"الزمر" المتواطئة على الضلل في عهد الخلفة الفعلي لمير المؤمنين علي رضي ال عنه ،لن له
أقوالً وأعمالً تخالف ما قالوه لتباعهم ،اعتبروا عهد علي -أيضا -عهد تقية لنه ل مخرج لهم إل
694
ذلك ..يقول شيخهم نعمة ال الجزائري الموصوف عندهم بـ"السيد السند والركن المعتمد" :ولما جلس
[هو القرآن رضي ال عنه لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن [أي جلس على كرسي الخلفة]. أمير المؤمنين
وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشيعة الغائب مع مهديهم المنتظر -كما يفترون -راجع ص 257وما بعدها و ].874
على من سبقه كما لم يقدر على النهي عن صلة الضحى ،وكما لم يقدر على إجراء متعة النساء ،كما
لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن المارة [نعمة ال الجزائري /النوار النعمانية.].2/362 :
هكذا يصرفون "الوقائع" التي تثبت مذهب علي الحقيقي عن مدلولها بدعوى التقية ..فأي ضرورة
لستعمال التقية حينئذ ،ولسيما أن المر يتعلق بأصل هذا الدين وهو القرآن ..وأي حاجة للتقية في
عهد عز السلم والمسلمين ..فكيف يقال بعد هذا إن عهد التقية انقضى ودين الشيعة قائم عليها
وشيوخ الشيعة يوجهون سفينة التشيع إلى بحر الهلك تحت علم "التقية"؟
ثم إن المتأمل لنصوصهم ل يجد أن التقية يلجأ إليها عند الضرورة ،بل إنها قد استغلت للكذب
والخداع وتحليل الحرام وتحريم الحلل ،حتى إن رواياتهم تقول بأن الئمة كانت تستعملها في مجلس
[انظر :فصل التقية من هذه ل يوجد به من يتقونه ،وليس هناك أدنى مسوغ لها ،كم سلف ذكر شواهد ذلك
الرسالة 805 :وما بعدها.].
وإذا كانت التقية ل تزال تعمل عملها في المذهب الشيعي ،وإنها استعملت كما تقرر رواياتهم -في
غير ضرورة ،بل تمارس عن حب ورغبة ل عن خوف ورهبة ،وتستعمل في جو شيعي خالص..
ويفسر القرآن على غير وجهه باسم التقية حتى إن إمامهم فسر آية من كتاب ال في مجلس واحد
بثلثة تفسيرات مختلفة متباينة ..واعتبر ذلك من قبيل التقية كما سلف [انظر :ص( )815من هذه الرسالة.].
مع أنه ل يتصور عاقل أن يتقي في تفسير القرآن في عهد عز السلم والمسلمين! فإذن التقية لم
تستعمل في مجال الضرورة ..ولم ينته أثرها في مذهبهم.
وقد أكد شيخهم المعاصر محمد صادق روحاني والملقب عندهم ب"الية العظمى" بأن للتقية في دين
الشيعة مجالت غير مجال الضرورة ،وذلك حينما قسم التقية عندهم إلى أربعة أقسام:
[محمد صادق روحاني /رسالة في التقية الخوفية ،والتقية الكراهية ،والتقية الكتمانية ،والتقية المداراتية
التقية (ضمن كتاب المر بالعروف والنهي عن المنكر له أيضا) :ص .].149-148
فهؤلء الذين يقولون إن الشيعة ل تعمل بالتقية إل عند الضرورة إنما ينطبق كلمهم على تقية
الخوف والكراه ،ل تقية الكتمان والمداراة ..وهذا يدل على أن التقية ل تزال تستخدم عند الشيعة،
لن مجالها أوسع من مجال الضرورة والخوف ..فاستحلوا باسم تقية الكتمان والمداراة الكذب والخداع
والتزوير ..كما سيأتي شواهد من ذلك في أعمال المعاصرين.
ومع ذلك كله فإن في كتب الشيعة المعتمدة نصوصا ثابتة عندهم تؤكد أن التقية ل يجوز رفعها
بحال من الحوال حتى يرجع مهديهم المنتظر من غيبته وتاركها في زمن الغيبة كتارك الصلة؛ بل
من تركها عندهم فقد فارق دين المامية!!
695
فكيف يقول مغنية :إن زمن التقية قد انتهى ،فهل يجهل حقيقة مذهبه أو ماذا؟
وقد تناقلت كتبهم المعتمدة روايتهم التي تقول" :فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا"
[الطبرسي /أعلم الورى :ص ،408ابن بابويه /إكمال الدين :ص ،210الحر العاملي /وسائل الشيعة ،466-11/465 :وانظر:
أصول الكافي.].1/217 :
وقرر شيخهم وآيتهم في هذا العصر محمد باقر الصدر أن أخبارهم في هذا الشأن هي "من الكثرة
وعلل المر بالتقية إلى خروج القائم بقوله: [تاريخ الغيبة الكبرى :ص ].353 إلى حد الستفاضة بل التواتر"
لن تركها يؤدي "إلى بطء وجود العدد الكافي من المخلصين الممحصين ،الذين يشكل وجودهم أحد
للمهدي عندهم. [تاريخ الغيبة الكبرى :ص ].354-353 الشرائط الساسية للظهور"
[انظر :ص( )807من ورواياتهم تجعل التقية تسعة أعشار الدين عندهم ،وتنفي اليمان عمن ل تقية له
هذه الرسالة .]..ول تستثني وقتا دون وقت.
إذن هل يجهل مغنية وغيره من شيوخ الشيعة هذه الحقائق في مذهبهم حتى يقولوا :انتهى عهد
التقية ،وإن التقية ليست بدين لهم؟! أعتقد أن القارئ لنصوصهم والتي عرضنا شيئا منها ينتهي إلى
[الستاذ محمود الملح عالم عراقي معاصر تصدى لمؤامرات الشيعة الحكم الذي انتهى إليه الستاذ محمود الملح
في العراق لنشر التشيع باسم الوحدة السلمية وذلك عبر صفحات جريدة السجل ،وعبر رسائل أصدرها في هذا الشأن ،من
حينما قال :إن قول مغنية :انتهى عهد التقية اليوم عند الشيعة إنما كتبه "الوحدة السلمية بين الخذ والرد"].
696
وهل ينتظر من مغنية وهو يتحدث -كما يقول -لساتذة الفلسفة في مصر -هل ينتظر منه أن
يقول :إن التقية باقية ..وإننا نتعامل معكم بموجبها ..إن ما قاله ينسجم مع مذهبه الذي يوجب التكتم
على التقية ذاتها.
ومن يقرأ في المكتبة الشيعية المعاصرة ويتأمل ويقارن يرى أن العمل بالتقية لم يتوقف.
وقد رأينا فيما سلف كيف أنهم ينفون عن مذهبهم ما هو من أصوله كمسألة الرجعة ،وينكرون
وجود نصوص توجد في العشرات من كتبهم ..كما أنكر عبد الحسين النجفي وجود قول أو نص لهم
في نقص القرآن أو تحريفه -كما سلف -بل إن الشيخ الواحد يتناقض في أقواله ،لنه يتحدث
بموجب التقية حسب المقام ،وحسب من يتحدث إليه ..فهذا مغنية -نفسه -والذي يقول بارتفاع التقية
يقول :إن الشيعة ل ينالون من مقام الصحابة وذلك في تفسيره الكاشف ،ثم في كتابه "في ظلل نهج
البلغة" يتناول كبار الصحابة بالنقد والتجريح ..كما مضى [انظر :ص( )1109من هذه الرسالة.].
ويقول :إن المامة ليست أصلً من أصول دين السلم ،وإنما هي أصل لمذهب التشيع فمنكرها
[مع مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة والمعاد ولكنه ليس شيعيا ..يقول هذا في كتابه "مع الشيعة المامية"
الشيعة المامية :ص ( 268ضمن كتاب الشيعة في الميزان) .].ولكنه يقول في كتابه الخر "الشيعة والتشيع" في
[وتنسج الشيعة حول هذا العيد أساطير كثيرة تدول حول النص على علي بالمامة ،وانظر عيد لهم يسمونه "عيد الغدير"
في مناقشة ذلك :ابن تيمية /منهاج السنة ،87-4/84 :المنتقى :ص .].466
يقول" :إن احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم ،وسنة النبي العظيم بالذات ،احتفال بالسلم
ويوم السلم ..إن النهي عن يوم الغدير تعبير ثان عن النهي بالخذ بالكتاب والسنة وتعاليم السلم
ومبادئه" [الشيعة والتشيع :ص ( 258ضمن كتاب الشيعة في الميزان) ..].ثم استشهد بما قاله شيخهم المعاصر عبد
[الشيعة والتشيع ال العليلي وهو" :أن عيد الغدير جزء من السلم ،فمن أنكره فقد أنكر السلم بالذات"
(الهامش) ص ،258وقد قال العليلي هذا الكلم في خطبة أذاعتها محطة الذاعة اللبنانية في 18ذي الحجة سنة 1380ه
(الشيعة والتشيع ص .].)258
وبالمقارنة بين النصين تتضح الحقيقة؛ فهو في النص الول يقول :إن من أنكر المامة فهو مسلم،
وفي النص الخر يحكم على منكر عيد الغدير والذي هو بدعة من بدع الشيعة ما أنزل ال به من
سلطان ،يحكم على أن منكره منكر للسلم بالذات ..فهل من وجه لتأويل هذا التناقض الواضح إل
التقية التي تغلغلت في أعماقهم.
ولكن أي القولين هو الحقيقة والذي يمثل مذهب الشيعة ..إن النص الخير بل شك هو الذي يتفق
مع ما جاء في مصادرهم القديمة ..ولعل ما قاله فيه هو حقيقة مذهبه ،وقد انكشف في ظل الحماس
وفورة العاطفة التي صاحبت الحتفال بالعيد المزعوم.
697
ولقد أخرجت المكتبة الشيعية "المعاصرة" كتبا للدعوة للتشيع ونشره بين أهل السنة ..ولعل المطلع
على هذه الكتب يدرك أن واضعها أحد رجلين ،إما زنديق ملحد هدفه إضلل عباد ال بالكذب
والخداع ،أو رافضي جاهل استحل باسم التقية كل شيء.
لكن العقد العام الذي ينتظمها ،والصل الذي تنتمي له هو التقية ،ولذلك لم نر انتقادا لها في الوسط
الشيعي كله على الرغم من ظهور عنصر "الكذب فيها".
ومن أبرز المثلة على ذلك كتاب يسمى "المراجعات" وضعه آيتهم العظمى عبد الحسين شرف
الدين الموسوي.
ولقد اهتم دعاة "الرفض" بهذا الكتاب ،وجعلوه وسيلة من أهم وسائلهم التي يخدعون بها الناس ،أو
بعبارة أدق يخدعون به أتباعهم وشيعتهم ،لن أهل السنة ول سيما أهل العلم فيهم ل يعلمون شيئا عن
هذا الكتاب ول غيره من عشرات الكتب التي تخرجها مطابع الروافض ..اللهم إل من له عناية
واهتمام خاص بمذهب الشيعة.
ولقد زاد كلفهم بهذا الكتاب وعنايتهم بترويجه ونشره حتى طبع هذا الكتاب أكثر من مائة مرة كما
زعم ذلك بعض الروافض [أحمد مغنية /الخميني أقواله وأفعاله :ص ..].45وقد تكون فتنة هذا الكتاب بين
التباع الغرار مثل فتنة كتاب ابن المطهر الحلي الذي كشف باطله شيخ السلم في منهاج السنة..
ولعل ال يهيء السباب لتعقب هذه "الكذوبة" وفضحها في دراسة مستقلة ..وسأشير هنا بإيجاز إلى
بعض ما فيه:
الكتاب عبارة عن مراسلت بين شيخ الزهر سليم البشري وهو -بزعم الرافضي -يمثل أهل
السنة ويستدل لمذهبها ..وبين عبد الحسين وهو يمثل الشيعة ويستدل لمذهبها ..وانتهت هذه
المراسلت بإقرار شيخ الزهر بصحة مذهب الروافض وبطلن مذهب أهل السنة ..والكتاب بل شك
مكيدة رافضية ،ومؤامرة مصنوعة لترويج مذهب الرفض.
والذي يعرف مذهب الرافضة عن كثب ويتعامل مع كتبها ل يستنكر هذا السلوب ،إذ ل جديد
فيها ..فهو أسلوب قديم درج عليه الروافض ..فقد كان من دأبهم وضع بعض المؤلفات المشتملة على
مطاعن في الصحابة ،وبطلن مذهب أهل السنة ،وغيرها مما يؤيد مذهبهم ..ونسبة ذلك لبعض
مشاهير أهل السنة.
وقد عقد الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة" مبحثا بعنوان "النسخ الموضوعة" وبعد عرضه لها
ذكر أن أكثرها من وضع الرافضة وهي موجودة عند أتباعهم [الفوائد المجموعة :ص .].425
كما أشار اصحب التحفة الثني عشرية لهذا السلوب ومثل له بكتاب سر العالمين ،وقال إنهم
نسبوه إلى المام أبو حامد الغزالي وشحنوه بالهذيان ،وذكروا في خطبته عن لسان المام وصيته
بكتمان هذا السر وحفظ هذه المانة.
698
[مختصر التحفة الثني عشرية: "وما ذكر في هذا الكتاب فيه عقيدتي؛ وما ذكر في غيره فهو للمداهنة"
ص ،33وانظر :السويدي /نقض عقائد الشيعة :ص .].25
وقد رأيتهم في بعض مؤلفاتهم المعاصرة يرجعون لهذا الكتاب ويحتجون ببعض ما فيه على أهل
[انظر مثلً -مصادر كتاب "كشف الشتباه" للرافضي عبد الحسين الرشتي والمطبوع في المطبعة العسكرية بطهران في السنة
1368ه.].
[طبع في بومباي سنة 1314ه ،وفي القاهرة سنة 1324ه ،وسنة 1327ه ،وفي وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات
طهران ،بغير تاريخ( .انظر :عبد الرحمن بدوي /مؤلفات الغزالي ص .].)225
وقد ذكر د .عبد الرحمن بدوي :أن ثلثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول
(جولد تسيهر ،بويج ،ومكدونلد) [مؤلفات الغزالي :ص ،].271ويذهب عبد الرحمن بدوي إلى هذا الرأي
ويقطع به ويحتج لذلك فيقول" :والمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص 82من
قوله" :أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ السلم" فإن المعري توفي
[مؤلفات الغزالي :ص ،271والغريب أني سنة (448ه) بينما ولد الغزالي سنة (450ه) ،فكيف ينشده لنفسه"
رأيت الذهبي -رحمه ال -ينسب هذا الكتاب إلى أبي حامد الغزالي (ميزان العتدال ،)1/500 :فقد يكون هذا المر قد فات
على المام الذهبي ،أو يكون للغزالي كتاب بهذا العنوان قد ُفقِد فألف الروافض كتابا يحمل اسم ذلك الكتاب المفقود ونسبوه
للغزالي!].؟
والغرض من فتح صفحة الماضي هنا هو الشارة إلى أن كتاب المراجعات هو حلقة من حلقات،
ومؤامرة من سلسلة مؤامرات ضاربة جذورها في أعماق الزمن مرد على فعلها الروافض ..حتى ل
يفقدوا أتباعهم ،ولينشروا "الفتنة" والرفض بين المسلمين.
وأرجح القول إلى كتاب "المراجعات" للشارة على سبيل اليجاز إلى بعض المارات التي تؤكد
وضعه:
أولً :مما يقطع بوضعه أن أسلوب الرسائل المسجلة في كتاب المراجعات والتي تمثل شخصيتين
مختلفتين فكرا وثقافة وعلما ووضعا اجتماعيا هو أسلوب واحد ل تغاير فيه ول تمايز مما يقطع بأن
واضعها هو شخص واحد وهو عبد الحسين.
ثانيا :أن شيخ الزهر وهو في ذلك الوقت شيخ الزهر بالعلم والمكانة ل في المنصب والوظيفة
ظهر في هذه الرسائل بصورة تلميذ صغير ،أو طالب مبتدئ ،وظيفته التسليم لكل ما يقوله هذا
الرافضي؛ بل والثناء والتعظيم لكل حرف يسطره ،حتى ولو كان جواب الشيعي هو تفسير باطني ل
تربطه بآيات القرآن أدنى رابطة [انظر تأويلته الباطنية لكتاب ال في "مراجعاته" ص ،].73-62 :يدرك ضلله
صغار أهل العلم عند أهل السنة؛ بل قد ينكره عوامهم ،أو توثيق لحديث موضوع ،أو تأكيد على
خرافة من الخرافات.
699
لقد نقل هذا الرافضي إقرار شيخ الزهر بصحة وتواتر أحاديث هي عند أهل الحديث ضعيفة؛ بل
موضوعة ،ول يجهل ضعفها ،أو وضعها صغار المتعلمين ،فضلً عن شيخ الزهر وفي ذلك الوقت
بالذات الذي ل يصل إلى منصب المشيخة إل من ارتوى من معين العلم وتضلع في علوم السلم
[انظر ما نسبه إليه من ذلك -مثلً -في ص 60-55من المراجعات ،وانظر البينات في الرد على أباطيل المراجعات :ص 45
وما بعدها.].
وليس ذلك فحسب؛ بل إن هذا الرافضي صور شيخ الزهر بصورة العاجز عن معرفة مواضع
[انظر- أحاديث في كتب أهل السنة ل في كتب الشيعة ،فنجده يطلب من هذا الرافضي أن يذكرها له
مثلً :-المراجعات :ص .].237
فهل يجهل شيخ الزهر مثل ذلك ،وهل يعجز عن البحث ولديه المكتبات ،وهل يضطر إلى تكليف
هذا الرافضي ولديه علماء الزهر وطلبه ،ومتى صار الرافضي أمينا في نقل الحديث عند محدثي
السنة؟!!
ثالثا :ولقد جاء نشر الرافضي للكتاب خاليا من أي توثيق ،فلم يرد فيه ما يثبت صحة تلك الرسائل
بأي وسيلة من وسائل التوثيق كأن يثبت صورا لبعض الرسائل المتبادلة والتي بلغت -حسب مدعاه
112 -رسالة نصيب شيخ الزهر منها 56رسالة.
وهذه الرسائل كانت خطية فِلمَ لم يثبت ولو رسالة واحدة تشهد لقوله ..ولسيما في رسائل حملت
أمرا في غاية الخطورة وهو تحول شيخ الزهر من مذهب أهل السنة إلى مذهب الرافضة ..وانتقاله
من الحق إلى الباطل ،وعجز الرافضي عن إقامة هذا الدليل برهان بطلن دعواه ،وكذب نسبه تلك
الرسائل إلى الشيخ سليم ..بل انتفاء الموضوع من أساسه.
ولقد جاءت هذه الدعوى ،من هذا الرافضي فقط ،ولم يصدر من الشيخ سليم أي شيء يدل على
ذلك ،ولم يوجد لما يدعيه هذا الرافضي من نسبته إلى الرفض أي أثر في حياته.
[توفي بل إن هذا الرافضي لم يتجرأ على إخراج هذا "الكتاب" إل بعد عشرين سنة من وفاة البشري
البشري سنة 1335ه (انظر ترجمته في العلم ،].)3/180 :وأمام عجزه عن إقامة الدليل على دعواه ..اضطر
الرافضي أن يفضح نفسه في مقدمته لنه ل سبيل له لن يصنع رسائل تحاكي أسلوب البشري ،ول
أن ينشر صورة لرسالة من تلك الرسائل بخط البشري فاعترف بوضع هذه الرسائل فقال" :وأنا ل
أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا ،ول أن شيئا من ألفاظ هذه
المراجعات خطه غير قلمي" [انظر :مقدمة المراجعات :ص .].27فإذا كان لم يخط هذه المراجعات غير قلمه
فلم يبهت شيخ الزهر بهذا "المنكر"؟
ثم إنه أضاف إلى ذلك فضيحة أخرى بقوله" :إنه زاد في هذه الرسائل ما يقتضيه المقام والنصح
والرشاد" [مقدمة المراجعات :ص ،].27وهذا اعتراف آخر بأنه نسب إلى شيخ الزهر ما لم يقله ،ولكن
سوغ هذا الكذب بأنه مما يقتضيه "النصح" وهذا عند أصحاب التقية مشروع.
700
ومادام القوم كذبوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته وأهل بيته فهل يستكثر منهم بعد
ذلك أن يكذبوا على الخرين..؟!
هذه صورة من صور التقية ،ومثال بارز من أمثلتها في هذا العصر.
والمثلة في هذا الباب كثيرة ..وصنوف الكذب باسم التقية متنوعة ومختلفة تحتاج لبحث مستقل
[ومن المثلة -أيضا -كتاب يسمى" :لماذا اخترت مذهب الشيعة" وهو يتضمن قصة مخترعة ومؤامرة مصنوعة تحكي أن
عالما من كبار علماء السنة يدعى "محمد مرعي النطاكي" قد ترك مذهب السنة وأخذ بمذهب الروافض بعد أن تبين له بطلن
الول ،والكتاب مليء بالدس والكذب والفتراء كما هي عادة الروافض بحكم عقيدة "التقية" عندهم.
وهل يغتر من تضلع بعلوم الشريعة بعقيدة الرفض فيؤمن بخرافتهم في انتظار الغائب والذي يرتقبون خروجه من أحد عشر
قرنا ،أو بأسطورة الرجعة التي ينتقمون فيها من أحباب رسول ال وأصهاره وبعض زوجاته أمهات المؤمنين أو بفرية البداء..
إلخ.
ل يغتر أحد بمثل هذا المذهب ،ولهذا حكى بعض السلف أنهم إنما يخشون البدعة على العجمي أو الحدث ..أما من ارتوى
من معين العلم الشرعي فل ينخدع بأكاذيب الروافض( .انظر :مقدمة الرسالة ص )6:ولهذا قال أهل العلم بأن شيوخ الرافضة
أحد الرجلين :إما جاهل ،وإما زنديق (انظر :منهاج السنة.)4/77 :
وهذا "الباطني" المدعو بالنطاكي يدعي بأنه نزيل حلب ويشغل قاضي القضاة على مذهب أهل السنة ،مع أنه ل يعرفه من
رجال العلم في حلب أحد ..كما أجابني غير واحد من أهل العلم فيها منهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وغيره.].
وهذا السلوب في الوضع له خطورته ..وقد امتهنه الروافض ،وأصبح من أعمال التقية عندهم،
ولهذا ذكر السويدي أنه على هذه الطريقة نسبت كتب كثيرة ول يعرفها إل من كان عارفا بمذاق كلم
أهل السنة [السويدي /نقض عقائد الشيعة :ص ( 25مخطوط).].
وقد أجرى ال سبحانه ال على لسان بعض الروافض فأنطقهم بكشف هذه الحقيقة فاعترف أحد
أساطينهم المعاصرين عند الحديث عن كتاب سليم بن قيس بأن هذا الكتاب وجملة أخرى من كتبهم
[الشعراني /تعليقات علمية (على الكافي مع شرحه موضوعة (أي مكذوبة على من نسبت إليه) لغرض صحيح
للمازراني) .].374-2/373فأنهم يستجيزون لنفسهم هذا "الوضع" مادام الغرض صحيحا عندهم.
[وهذا الباب يستحق دراسة خاصة لخطورته من جانب ،ولهميته في كشف حقيقة ول نسترسل في دراسة ذلك
لضيق المجال ،ولن هذا الباب خاص بالمعاصرين. مذهبهم من جانب آخر].
702
وبعد ،هذه جملة من آراء المعاصرين وعقائدهم تبين نهجهم العقدي في هذا العصر ..وما لم يكن
فيه جديد أو دعوى جديدة عما مضى لم أتعرض له ،لن الصلة مادامت قائمة ووثيقة في أصول
التلقي فل أمل في تغيير إلى الفضل.
وبهذا يتبين أن المعاصرين هم أخطر من سابقين؛ لنهم ورثوا كل ما صنعته القرون من الدس
والتزوير ،واعتبروا تلك مصادر معتمدة ..ووفرت لهم "الطباعة الحديثة" انتشار الكتب عنهم ..وكان
ضعف المسلمين سببا في زيادة نشاطهم ،وكان فشو الجهل وضعف السنة عاملً من عوامل التأثر
بهم ،وتأثير ضللهم.
الفصل الرابع
دولة اليات
وبعد أن تبين صلة الشيعة المعاصرين بقدمائهم ،وأن الرتباط قائم ووثيق بينم ،بل إن ما كان يعد
غلوا عند الماضين أصبح ضروريا عند المعاصرين ،فهل ثمة حاجة بعد ذلك للوقوف عند دولتهم؟
أليس المر قد اتضح لكل ذي عينين؟ إن سبب تخصيص دولتهم الحاضرة بالدارسة والتقويم ،يعود
إلى أمرين أساسيين:
الول:
أنها طرحت بلسان زعيمها ،ونص دستورها فكرة جديدة في محيط التشيع الثني عشري ،أثارت
جدلً بين شيوخ الشيعة بين مؤيد ومعارض ،تلك هي فكرة نقل وظائف المهدي وصلحياته بعد طول
غيبته ،وتأخر خروجه إلى الفقيه الشيعي بالكامل كما سيأتي تفصيله والحديث عن آثاره ،حيث إن
الخميني استولى تماما على وظائف مهديهم المنتظر بعد قيام دولته.
السبب الثاني:
بأنه قيل إن هذه الدولة هي التي تمثل السلم في هذا العصر ،وشيوخها هم المراجع للمسلمين،
ومؤسسها من المجددين ،وراجع هذا على بعض المسلمين ،وقيل بعد قيام دولتهم بأنه قد عاد "المذهب
الشيعي إلى نقائه الصيل ولء ل ورسوله صلى ال عليه وسلم وحبا لل بيته حبا صادقا لوجه ال ل
[مجلة يفقد صاحبه احترام غيرهم من المسلمين وخصوصا صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم"
البلغ ،العدد ( 9 ،)512ذي القعدة 1399هـ.].
وزعمت بعض الصحف "أن ردود الفعل التي أحدثتها (حركة الخميني) كان مبعثها أن حركة
[مجلة العتصام ،العدد الخامس ،السنة الثانية والربعون ،ربيع أول الخميني حركة إسلمية مائة في المائة"
[انظر: 1399هـ ..].ورشحت مجلة المعرفة التونسية الخميني لنيل جائزة الملك فيصل لخدمة السلم
مجلة المعرفة التونسية ،العدد ( ، )9السنة الخامسة ،ذي الحجة 1399هـ.].
703
[انظر :الرائد اللمانية ،العدد ( )34ذي الحجة 1398هـ ،ص ومضت على هذا النهج مجلت أخرى كالرائد
[انظر :الرسالة اللبنانية، ،].26-25والدعوة [انظر :الدعوة المصرية ،العدد ( )30في 1/12/1398هـ ،ص ،].8والرسالة
وغيرها .وهذه [انظر :المان اللبنانية ،العدد ( 9 ،)31شوال 1399هـ]. العدد ( ،)31جمادى الثانية 1399هـ ،].والمان
المجلت كلها منتسبة لهل السنة.
وقد كتب بعض المنتمين لهل السنة كتابات عن الخميني وثورته ،يشيد بها ويعدها المثال الصادق
[مثل" :الخميني الحل السلمي والبديل" ،تأليف فتحي عبد العزيز ،ونشرته دار المختار السلمي، للحكومة السلمية
و"مع ثورة إيران" وهو البحث الثالث من البحوث التي يصدرها المركز السلمي في آخن ،وكتاب" :نحو ثورة إسلمية" لمحمد
عنبر.].
وأصدرت بعض الحركات السلمية بيانات تثني وتؤيد المنهج الخميني حتى جاء في بيان التنظيم
[انظر :الشيعة الدولي للخوان المسلمين وصف حكم الخميني بأنه "الحكم السلمي الوحيد في العالم"
والسنة ضجة مفتعلة ،وهو من سلسلة الكتب التي تصدرها دار المختار السلمي :ص .].52
فكانت فتنة مدلهمة ل تزال آثارها باقية ،وإن أفاق البعض ،وتبينت له الحقيقة ،إل أن منهم من ل
[انظر :الشيعة والسنة ضجة مفتعلة ،وهو من سلسلة يزال يعد ما يثار عن شيعة الخميني إنما هي "ضجة مفتعلة"
الكتب التي تصدرها دار المختار السلمي :ص .].52
وقد استغل الشيعة هذا الجو بالدعاية لمذهبهم ونشره ،وساهمت هذه الحملة العلمية الدعائية في
الصحف السلمية على إخفاء الحقيقة أمام شباب المسلمين ،لنها هي ل تعرف شيئا من الخلف بين
الشيعة والسنة إل أنه خلف حول من يستحق الولية :عليّ أم أبو بكر ،وتلك أمة خلت ،وليس هذا
الخلف بأمر ذي بال اليوم.
فكان هذا الوضع مجالً خصبا لنشر الفتنة والرفض ..ومن هنا فإنه لبد من بيان الحقيقة ونشرها
بين الناس.
ولبد من نقد دعوى الجديد والتجديد ،وحكاية التغيير وتقويمها ،ولعل دراسة فكر مؤسسها ،ومواد
[وقد كتبت عن مسألة دستورها ،هي التي يمكن على ضوئها إصدار حكم موضوعي محايد في أمرها
الخميني والتقريب في رسالتي للماجستير ،وفي هذه الدراسة أكمل الموضوع بكشف جوانب جديدة ،لعلها لم تطرق من قبل فيما
نشر من كتب حول الخميني.].
فكر مؤسسها
[وهو باللغة الفارسية ،وتم تعريب أجزاء من من خلل الرجوع إلى ما كتبه الخميني في كشف السرار
الكتاب من قبل أحد أبناء هذه اللغة ،وقد أرسل لي صورة من هذه الترجمة أحد أساتذة الجامعة السلمية جزاه ال خيرا،].
وتحرير الوسيلة ،والحكومة السلمية ،ومصباح المامة والولية ،ورسائل التعدد والترجيح والتقية،
ودروس في الجهاد والرفض ،وسر الصلة ..وغيرها.
704
يتبين أن له مجموعة من التجاهات ،لعل أهمها ما يلي:
أولً :التجاه الوثني.
ثانيا :التجاه الصوفي الغالي.
ثالثا :دعوى النبوة.
رابعا :الغلو في الرفض.
خامسا :عموم ولية الفقيه (أو النيابة الكاملة عن المنتظر).
أولً :التجاه الوثني [لم أجد أحدا كتب عن هذا التجاه عند الخميني رغم خطورته الكبرى:].
في كتابه كشف السرار ظهر الخميني داعيا للشرك ومدافعا عن ملة المشركين حيث يقول تحت
عنوان" :أليس من الشرك طلب الحاجة من الموتى":
"يمكن أن يقال إن التوسل إلى الموتى وطلب الحاجة منهم شرك؛ لن النبي والمام ليس إل جمادين
فل يتوقع منهما النفع والضرر.
والجواب :إن الشرك هو طلب الحاجة من غير ال ،مع العتقاد بأن هذا الغير هو إله ورب ،وأما
إذا طلب الحاجة من الغير من غير هذا العتقاد فذلك ليس بشرك ،ول فرق في هذا المعنى بين الحي
والميت ،ولهذا لو طلب أحد حاجته من الحجر والمدر ل يكون شركا ،مع أنه قد فعل باطلً.
ومن ناحية أخرى نحن نستمد من أرواح النبياء المقدسة والئمة الذين أعطاهم ال قدرة.
لقد ثبت بالبراهين القطعية والدلة العقلية المحكمة حياة الروح بعد الموت ،والحاطة الكاملة
للرواح على هذا العالم" [كشف السرار :ص .].30ثم ذكر أقوالً للفلسفة في إثبات ادعائه.
فقد اشتمل هذا النص على ما يلي:
أ -اعتقاده أن دعاء الحجار والصنام والضرحة من دون ال ل يكون شركا ،إل إذا اعتقد
الداعي أنها هي الله والرب.
وهذا باطل من القول وزور؛ لن هذه هو الشرك الكبر بعينه ،والذي أرسل ال الرسل ،وأنزل
الكتب لبطاله ،وهو شرك المشركين الذين جاهدهم الرسول صلى ال عليه وسلم ،ذلك أنه غير خاف
أن المشركين ما كانوا يعتقدون في "أصنامهم" أنها الرب بل كانوا يقولون كما قال ال عنهم{ :مَا
نَعْ ُب ُدهُمْ إِل لِيُقَرّبُونَا ِإلَى الّلهِ ُزلْفَى} [الزمر .]3وقال سبحانه{ :وَيَعْ ُبدُونَ مِن دُونِ الّلهِ مَا لَ يَضُ ّرهُمْ وَلَ
سمَاوَاتِ وَلَ فِي الَ ْرضِ
يَنفَعُهُمْ َويَقُولُونَ هَـؤُلءِ شُفَعَا ُؤنَا عِندَ الّلهِ قُلْ أَتُ َنبّئُونَ الّلهَ ِبمَا لَ يَ ْعلَمُ فِي ال ّ
عمّا ُيشْرِكُونَ} [يونس .]18
سُبْحَا َنهُ وَتَعَالَى َ
وقال سبحانه { :قُل ّل َمنِ الَ ْرضُ َومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَ ْع َلمُونَ ،سَ َيقُولُونَ ِلّلهِ قُلْ أَ َفلَ َتذَكّرُونَُ ،قلْ مَن
سمَاوَاتِ السّ ْبعِ وَ َربّ الْعَ ْرشِ الْ َعظِيمِ ،سَ َيقُولُونَ ِللّهِ قُلْ أَ َفلَ تَتّقُونَُ ،قلْ مَن ِب َيدِهِ َملَكُوتُ كُلّ
ّربّ ال ّ
علَ ْيهِ إِن كُنتُمْ تَ ْع َلمُونَ ،سَ َيقُولُونَ ِلّلهِ ُقلْ َفأَنّى ُتسْحَرُونَ} [المؤمنون ..]89-84
يءٍ َوهُوَ يُجِيرُ وَل ُيجَارُ َ
شَ ْ
705
فثبت بهذا أن مشركي العرب كانوا مقرين بأن ال وحده خالق كل شيء ،وكانوا مع هذا مشركين،
وكان شركهم من هذا الشرك الذي يدعو إليه خميني.
ب -اعتقاده أن المة الموات لهم قدرة على النفع والضر .ويقول بأنهم يستمدون منهم ذلك .وهذا
من الشرك الكبر بل ريب ،فالموات ل يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا ..وهل يوجد فرق بين هذا
[انظر :شرح وشرك مشركي قريش ..وغيرهم من مشكري المم الذي كان غالب شركهم من هذه الباب
الطحاوية :ص .].20
إن الفرق أن هؤلء يسمون شركهم إسلما ويرون أنه من دين محمد صلى ال عليه وسلم كما ترى
في دفاع هذا الرجل وغيره.
جـ -دعواه الحاطة الكاملة للرواح على هذا العالم ،ثم خاص في ركام الفلسفة لثبات مدعاه.
يءٍ مّحِيطًا} [النساء ،]126والروح مخلوقة مدبّرة،
الحاطة بهذا العالم ل وحده {وَكَانَ الّلهُ بِكُلّ شَ ْ
وهي بعد مفارقتها للجسد في نعيم أو عذاب ،وليس لها من أمر الحاطة بالعالم نصيب ،ولكن الشيء
من معدنه ل يستغرب ،فمن يجمع بين إلحاد الفلسفة وغلو الرافضة ل يخرج منه إل هذا وأشنع.
اعتقاده تأثير الكواكب واليام على حركة النسان:
ل يزال فكر الخميني أسير أوهام الشرك والمشركين ،فهو يزعم أن هناك أياما منحوسة من كل
شهر يجب أن يتوقف الشيعي فيها عن كل عمل ،وأن لنتقال القمر إلى بعض البراج تأثيرا سلبيا
على عمل النسان ،فليتوقف الشيعي عن القيام بمشروع معين حتى يتجاوز القمر ذلك البرج المعين.
ولشك بأن من يعتقد في اليام والكواكب تأثيرا في جلب سعادة ،أو إحداث ضرر أو منعه فهو
مشرك كافر ،وهو اعتقاد الصابئة في الكواكب.
ومما يشهد لتجاه خميني هذا ما جاء في تحرير الوسيلة؛ حيث يقول" :يكره إيقاعه (يعني الزواج)
والقمر في برج العقرب ،وفي محاق الشهر ،وفي أحد اليام المنحوسة في كل شهر وهي سبعة :يوم
[تحرير الوسيلة: ،3ويوم ،5ويوم ،13ويوم ،16ويوم ،21ويوم ،24ويوم ( 25وذلك من كل شهر)"
.].2/238
هذا معتقد الخميني ،فيصدق فيه ومن تبعه قول صاحب التحفة الثني عشرية" :إن الصابئين كانوا
يحترزون عن أيام يكون القمر بها في العقرب ،أو الطرف ،أو المحاق ،وكذلك الرافضة ..وكانت
الصابئة يعتقدون أن جميع الكواكب فاعلة مختارة ،وأنها هي المدبر للعالم السفلي ،وكذلك الرافضة"
[مختصر التحفة :ص ،299وراجع :باب ما جاء في التنجيم من كتاب التوحيد مع شرحه فتح المجيد ص .].365
حقيقة الشرك عند الخميني:
وإذا كانت وثنية المشركين ليست عنده بشرك ..فما هو المر الذي يكون شركا في نظره؟
706
يقول" :توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلمي بأنه شرك ،والحاكم أو السلطة فيه
طاغوت ،ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم ،ونبعدها تماما عن حياتنا"
[الحكومة السلمية :ص ،34-33وانظر :اعتقادهم في توحيد اللوهية ص( )425وما بعدها من هذه الرسالة.].
فأنت ترى أن مفهوم الشرك عنده هو أن يتولى على بلد المسلمين أحد من أهل السنة فحاكمها
حينئذ مشرك ،وأهلها مشركون ،فدين هؤلء "الولية" ل التوحيد ،ولذلك فإن الشرك قد ضرب بجرانه
في أقطارهم.
ثانيا :الغلو في التصوف (أو القول بالحلول والتحاد) :
وتتمثل "صورة التصوف عنده" في أوضح مظاهرها في كتابه "مصباح الهداية إلى الخلفة والولية"
ثم كتابه الخر "سر الصلة" ..وفيما يلي بيان لبعض اتجاهاته الصوفية الغالية:
أ -قوله بالحلول الخاص:
يقول عن أمير المؤمنين علي" :خليفته (يعني خليفة الرسول صلى ال عليه وسلم) القائم مقامه في
الملك والملكوت ،المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللهوت ،أصل شجرة طوبى ،وحقيقة سدرة
المنتهى ،الرفيق العلى في مقام أو أدنى ،معلم الروحانيين ،ومؤيد النبياء والمرسلين علي أمير
المؤمنين" [مصباح الهداية :ص .].1
فانظر إلى قوله" :المتحد ..باللهوت" تجده كقول النصارى باتحاد اللهوت بالناسوت ،ومن قبل
[انظر القول بالحلول عند عدد من فرق غلة الشيعة في :مقالت السلميين: زعمت غلة الشيعة أن ال حلّ في علي
ول تزال مثل ،86-1/83وأشار الشهرستاني إلى أن غلة الشيعة كلهم متفقون على القول بالحلول (الملل والنحل].)1/175 :
هذه الفكار الغالية واللحادية تعشعش في أذهان هؤلء الشيوخ كما ترى.
ومن منطلق دعوى حلول الرب بعلي -كما يفتري -ينسب الخميني لمير المؤمنين علي أنه
يقول" :كنت من النبياء باطنيا ومع رسول ال ظاهرا" [مصباح الهداية :ص .].142
ويعلق عليه فيقول" :فإنه عليه السلم صاحب الولية المطلقة الكلية والولية باطن الخلفة ..فهو
عليه السلم بمقام وليته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت ،ومع كل الشياء معيّة قيّومية ظليّة إلهية
[مصباح ظل المعية القيومية الحقة اللهية ،إل أن الولية لما كانت في النبياء أكثر خصهم بالذكر"
الهداية :ص .].142
فأنت ترى أن الخميني يعلق على تلك الكلمة الموغلة في الغلو والمنوسبة زورا لمير المؤمنين ،بما
هو أشد منها غلوا وتطرفا؛ فهو عنده ليس قائما على النبياء فحسب ،بل على كل نفس ويختار الية
علَى كُلّ نَفْسٍ ِبمَا َكسَ َبتْ}
المختصة بال سبحانه ليصف بها المخلوق .قال تعالى{ :أَ َف َمنْ هُوَ قَآئِمٌ َ
[الرعد .]33
707
ش ْأنٍ َومَا َت ْتلُو
أي أنه سبحانه" :حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة" قال تعالىَ { :ومَا تَكُونُ فِي َ
[يونس [ .]61تفسير ابن كثير: علَيْكُمْ شُهُودًا ِإذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}
عمَلٍ إِلّ ُكنّا َ
مِ ْنهُ مِن قُرْآنٍ وَلَ تَ ْع َملُونَ ِمنْ َ
.].2/556
وقد تبينت الحقيقة لكل ذي عينين ،فماذا بعد القول بأن عليا هو القائم على كل نفس غلوا ،إذ هو
تأليه صريح؟!
قال" :أي [الرعد ]2 وقال في قوله عز وجلُ { :يدَبّرُ ا َلمْرَ ُيفَصّلُ اليَاتِ لَ َعلّكُم ِبلِقَاءِ َربّكُمْ تُوقِنُونَ}
ربكم الذي هو المام" [مصباح الهداية :ص .].145
ب -قوله بالحلول والتحاد الكلي:
وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي ،أو الحلول الخاص بعليّ إلى القول بالحلول العام..
فهو يقول -بعد أن تحدث عن التوحيد ومقاماته حسب تصوره " :-النتيجة لكل المقامات والتوحيدات
الصرفة[ "..مصباح عدم رؤية فعل وصفة حتى من ال تعالى ،ونفى الكثرة بالكلية ،وشهود الوحدة
الهداية :ص .].134
ويبدو أن قوله" :عدم رؤية فعل وصفة حتى من ال تعالى" للتأكيد على مذهب التحادية ،لن رؤية
فعل متميز ،وإثبات صفة معنية ل يعني إثبات الغيرية والتثنية وهذا شرك عندهم.
[مصباح ثم ينقل عن أحد أئمته أنه قال" :لنا مع ال حالت هو هو ونحن نحن ،وهو نحن ،ونحن هو"
الهداية :ص .].114
ثم يعلق على ذلك بقوله" :وكلمات أهل المعرفة خصوصا الشيخ الكبير محي الدين مشحونة بأمثال
ذلك مثل قوله :الحق خلق ،والخلق حق ،والحق حق ،والخلق خلق".
[في الصل المنقول عنه "المشيئة" وهو تصحيف وقال في نصوصه" :إن الحق المنزه هو الحق المشبه"
واضح ..].ثم نقل جملة من كلمات ابن عربي [مصباح الهداية :ص ..].114وقال" :ل ظهور ول وجود إل
له تبارك وتعالى والعالم خيال في خيال عند الحرار" [مصباح الهداية :ص .].123
وقال" :وإذا نظف دار التحقق من غبار الكثرة ،وطوى الحجب النورانية والظلمانية ونال مقام
التوحيد الذاتي ،والفناء الكلي تحصل له الستعاذة الحقيقية."..
ثم قال :وقوله{ :إِيّاكَ نَعْ ُبدُ} رجوع العبد إلى الحق بالفناء الكلي المطلق" [سر الصلة :ص .].178
ثم تراه كثيرا ما يستدل على مذهبه في وحدة الوجوع بقول ابن عربي والذي يصفه بالشيخ الكبير
[انظر -مثلً :-ص 112 ،94 ،84من مصباح الهداية ،].والقونوي ،ويصفه بـ"خليفة الشيخ الكبير محيي الدين"
[انظر :ص 110من مصباح الهداية.].
وهكذا تبين أن الخميني قد أخذ منهج أهل الحلول والتحاد.
709
ونجد محمد جواد مغنية يلمح إلى شيء من تفضيل الخميني على نبي ال موسى عليه السلم حين
قال" :وقال السيد المعلم (يعني الخميني) ص( )111من الحكومة السلمية" :لماذا الخوف؟ فليكن حبسا
أو نفيا أو قتلً فإن أولياء ال يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة ال".
ثم علق على ذلك مغنية بقوله ":وليست هذه الكلمات مجرد سورة من سورات الغضب كما فعل
موسى (ع) حين ألقى اللواح -التوراة -وأخذ برأس أخيه يجره ،بل تنبني أيضا على العلم والمنطق
الصارم دون أن تلفحه نار العاطفة" [الخميني والدولة السلمية :ص .].107
هذا نص مغنية بحروفه ،وهو يفيد -كما يظهر -أن الخميني أكمل من نبي ال موسى عليه
الصلة والسلم ،وأن فعل الخميني مبني على العلم والمنطق ،وموسى على الغضب والعاطفة.
وموسى عليه السلم أكرم وأعظم من أن يقارن بصفوة الصالحين ،فكيف يفضل عليه الخميني ،أو
يذكر معه في مقارنة؟! ولكنه منطق الغلة الذين فرغت قلوبهم من توقير أنبياء ال ورسله ،لن
غلوهم في أئمتهم ونواب الئمة قد استفرغ من نفوسهم عظمة الرسالة والرسل.
ويقال :إن الخميني أدخل اسمه في أذان الصلة وقدمه على الشهادتين.
[وهو حفيد شيخهم أبي الحسن الموسوي الصبهاني ،وهو أستاذ يحمل الدكتوراه من جامعة يقول د .موسى الموسوي
"أدخل الخميني اسمه في أذان طهران ،وجامعة باريس ،وعمل في عدة جامعات كأستاذ في القتصاد والفلسفة].
الصلوات ،وقدم اسمه على اسم النبي الكريم ،فأذان الصلوات في إيران بعد استلم الخميني للحكم،
وفي كل جوامعها كما يلي" :ال أكبر ،ال أكبر (خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد ،ثم أشهد أن
محمدا رسول ال" [الثورة البائسة :ص ،163-162وانظر :عبد الجبار العمر /الخميني بين الدين والدولة :ص ( ..].6بل
لم تذكر شهادة أن ل إله إل ال أصلً وقد كون هذا سهوا من المؤلف).
وإذا كان شيخهم ابن بابويه في القرن الرابع يرى أن قول الشيعة في الذان" :أشهد أن عليا ولي
[المفوضة :من غلة الشيعة ،زعموا أن ال خلق محمدا ثم فوض له خلق العالم وتدبيره، ال ..هو من وضع المفوضة"
ثم فوض محمد تدبير العالم إلى علي فهو المدبر الثاني.
(انظر عن المفوضة :مقالت السلميين للشعري ،1/88 :الفرق بين الفرق للبغدادي :ص ،251اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين للرازي :ص ،90الخطط للمقريزي ،2/351 :ومن كتب الشيعة :انظر المفيد /تصحيح العتقاد :ص ،65-64
لعنهم ال تعالى [انظر :من ل يحضره الفقيه.].189-1/188 : المجلسين /بحار النوار].)25/345 :
عرفت انفصال المعاصرين عن الغابرين ،وأن المعاصرين قد امحت الفوارق بينهم وبين الغلة،
ولم يعد لديهم حدود يتوقفون عندها في السير بمذهبهم قدما نحو الغلو والزندقة.
[تقدم تعريف ولهل السنة عموما ،حتى ينعتهم بالنواصب -ما عدا من يسمونهم بالمستضعفين وما بعدها].
هذا المصطلح عندهم ص -].)913( :بل هو يأخذ بالرأي المتطرف من آراء قومه في ذلك ،وهو معاملتهم
كالحربي حيث قال" :والقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به،
[تحرير الوسيلة،1/352 : بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد ،وبأي نحو كان ،ووجوب إخراج خمسه"
وانظر :وجاء دور المجوس :ص .].186
وهو يريد بالناصب أهل السنة وما يحلق بهم -في نظرهم -من الشيعة الزيدية ما عدا الجارودية
-كما مر -ل الخوارج فقط والذين هم يسمون بالنواصب عند أهل السنة لجماعهم على تكفير أمير
711
المؤمنين علي ،ولذلك يذكر الخوارج كقسم آخر مع النواصب فيقول مثلً" :وأما النواصب والخوارج
لعنهم ال تعالى فهما نجسان[ "..تحرير الوسيلة :ص .].1/118
وفي عقيدتهم في القرآن يلمح الخميني إلى تصديقه بخرافة وجود قرآن لعلي عرضه على الصحابة
فرفضوه ،وأنه متضمن لزيادات ليست في القرآن فيقول" :ولعل القرآن الذي جمعه (يعني عليا) وأراد
هو القرآن [هكذا في النص بدون ذكر الصلة عليه -صلى ال عليه وسلم ].- تبليغه على الناس بعد رسول ال
[رسالة في التعادل الكريم مع جميع الخصوصيات الدخيلة في فهمه المضبوطة عنده بتعليم رسول ال"
والترجيح :ص ( 26ضمن الجزء الثاني من الرسائل للخميني).].
وهو يترحم على المجوسي الملحد صاحب فصل الخطاب ،ويتلقى عن كتابه :مستدرك الوسائل
ويحتج به [انظر :الحكومة السلمية :ص ،].77كما يتلقى من أصولهم التي حوت هذا الكفر ،كالكافي للكليني
وغيرهما. [انظر :الحكومة السلمية :ص ].77 [انظر :الحكومة السلمية .].94 ،63 ،62 :والحتجاج للطبرسي
هذا وقد ذكر الندوي في ترجمته لبعض نصوص كشف السرار ما يتضمن مجاهرة الخميني بهذا
الكفر [انظر :صورتان متضادتان :ص .].58وفي النص المترجم الذي بين يدي من كشف السرار يجيب
الخميني على من يقول :لماذا لم يذكر الئمة في القرآن بقوله:
"إن الذين لم يكن ارتباطهم بالسلم والقرآن إل لجل الرئاسة والدنيا ،وكانوا يجعلون القرآن وسيلة
لمقاصدهم الفاسدة ،كان من الممكن أن يحرفوا هذا الكتاب السماوي في حالة ذكر اسم المام في
[كشف السرار: القرآن وأن يمسحوا هذه اليات منه وأن يلصقوا وصمة العار هذه على حياة المسلمين"
ص ..].114فهو هنا لم يصرح بوقوع التحريف إل بالتمليح ،ولكنه يزعم صراحة أنه بإمكان أحد من
حنُ َن ّزلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ}
الناس تحريف كتاب ال ،وفي هذا تكذيب لقوله سبحانه{ :إِنّا َن ْ
[الحجر ..]9
وانظر إلى هذه العقلية المتعصبة والمغلقة ،والتي تزعم أن ال سبحانه لم يذكر في كتابه ما هو -
حسب اعتقادهم -أصل الدين وأساسه المتين خشية تحريف الصحابة له.
وكذلك يقول الخميني بخرافة الغيبة ويزعم رجعته ،بل يقول :لقد جاء النبياء جميعا من أجل
إرساء قواعد العدالة في العالم لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم النبياء الذي جاء لصلح
[من خطاب ألقاه البشرية ..لم ينجح في ذلك ،وإن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر"
الخميني بمناسبة ذكرى مولد المام المهدي -كما يعتقدون -في الخامس عشر من شهر شعبان 1400هـ ،وأذيع في راديو
طهران( .الرأي العام الكويتية بتاريخ 17شعبان 1400هـ ،وانظر :مجلة المجتمع الكويتية ،العدد ( )488في 8/7/1980م،
وانظر :أحمد الفغاني /سراب في إيران :ص 42-41ونهج الخميني :ص .].)47-45
وقد استنكر المسلمون ذلك وأصدرت رابطة العالم السلمي بيانًا تنكر هذه المقالة وتوضح أنها
تحوي مناقضة صريح للسلم وما جاء به القرآن والسنة النبوية المطهرة ،وما أجمعت عليه المة
[انظر :الستنكار في جديدة المدينة (السعودية) 4رمضان 1400هـ ،وجريدة أخبار العالم السلمي بتاريخ 9رمضان
712
[فقد أصدر علماء المغرب بيانا في ذلك نشر في مجلة (دعوى الحق) 1400هـ .].كما جرى النكار من جهات عديدة
العدد الرابع ،الصادر في :شعبان -رمضان 1400هـ ،انظر :نهج الخميني :ص .].49
وقد نشرت مجلة الجماعة السلمية بباكستان خطاب الخميني ،وعلقت عليه بقولها" :هذا نفي
[وذلك في عددها الصادر في 29ذي الحجة 1404ه، للسلم ،وتاريخ السلم ،وأمر ل يحتمله حتى الصدقاء"
انظر :نهج خميني في ميزان الفكر السلمي :ص .].52وهو في تصريحه هذا لم يخرج عن طبيعة مذهبه
المفرطة في الغلو ،فهو يرى أن الئمة (والمهدي منهم) أفضل من النبياء ،ويرى أن صحابة رسول
ال صلى ال عليه وسلم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم بسبب بيعة أبي بكر دون علي،
وجوهر الرسالة عندهم هو إمامة علي ،ولهذا قال" :يعتبر الرسول لول تعيينه الخليفة من بعده غير
مبلغ للرسالة" فمن هنا قال :إن الرسول صلى ال عليه وسلم لم ينجح لنه لم يتول علي الخلفة بعده
مباشرة!
وقد أصدر الخميني بيانا يجيب فيه على المنكرين ،وليس في جوابه إل التأكيد على هذا المنكر،
حيث قال" :ونقول بأن النبياء لم يوفقوا في تنفيذ مقاصدهم ،وأن ال سيبعث في آخر الزمان شخصا
[الخميني /مسألة المهدي يقوم بتنفيذ مسائل النبياء" ،ثم ينكر على المنكرين بأنهم يسعون لتفريق المسلمين"
المنتظر مع رسالة أخرى ص ،22مركز العلم العالم للثورة السلمية في إيران.].
ويقول خميني إن "تعاليم الئمة كتعاليم القرآن" [الحكومية السلمية :ص ،].113بل هو يعمل حتى
بحكايات الرقاع ويعطيها نفس القدسية التي توليها المة لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم
إلى آخر قائمة العقائد التي [وقد استدل بها على مذهبه في عموم ولية الفقيه (انظر :الحكومة السلمية ص ].)77-76
تقول بها الثنا عشرية ،ويتابعهم فيها خميني ،وقد يأخذ بأشدها تطرفا مما ل حاجة إلى تفصيله
واستقصائه .إذ الغرض بيان أنه لم يكن كما يتوهم أصحاب تلك النظرة السطحية الساذجة ..لكن رأيت
[انظر :أحمد جلي /دراسة عن الفرق :ص بعضهم يقول :بأن الخميني قد تخلى عن بعض عقيدته في التقية
،].155-154وأنه قد أمر أتباعه بالصلة مع أهل السنة مما يعد اعتدالً في صورته الظاهرة.
والجواب عن ذلك يوجد في رسالته في التعادل والترجيح ،وفي رسالته في التقية ،وحسبك أن تعلم
من هذا إيمانه بأن أصل دينهم يقوم على مخالفة أهل السنة ،وأن هذا الصل هو من المرجحات عنده
في حالة اختلف الروايات ..فهو يقول" :إن أخبارهم المرة بالخذ بخلف العامة ..كقوله" :ما خالف
العامة ففيه الرشاد" ..وقوله" :دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلفهم" هي من أصول الترجيح،
وليس الترجيح بها بمحض التعبد ،بل "لكون المخالفة لهم طريقا إلى الواقع ،والرشد في مخالفتهم"
[انظر :رسالة التعادل والترجيح :ص .].71
ثم عقد مبحثا بعنوان "في الخبار الواردة بمخالفة العامة" [رسالة التعادل والترجيح :ص .].80وذكر أن
أخبارهم في هذا الباب نوعان :الول يأمر بالخذ بما خالف العامة في حالة تعارض الروايات عن
الئمة ،والنوع الثاني يأمر بالمخالفة مطلقا.
713
فذكر من النوع الول خمس روايات:
قال" :عن الحسن بن الجهم قال :قلت للعبد الصالح [يعني المام ...].يروى عن أبي عبد ال عليه
[رسالة السلم شيء ويروى عنه خلفه فبأيهما نأخذ؟ فقال :خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتبنه"
التعادل والترجيح :ص .].80
والروايات الباقية ل تخرج عن هذا المعنى ،وفي بعضهما المر بالعرض على كتب الحديث عند
أهل السنة فيقول" :فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم
فخذوه" [رسالة التعادل والترجيح :ص .].81-80
وعقب الخميني على هذا النوع من الخبار بقوله" :ول يخفى وضوح دللة هذه الخبار على أن
مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضهما ،بل صحة بضعها على
الظاهر واشتهار مضمونها بين الصحاب ،بل هذا المرجع هو المتداول العام الشايع في جميع أبواب
الفقه وألسنة الفقهاء" [رسالة التعادل والترجيح :ص .].82
فأنت ترى خميني يؤكد على رفض أي خبر عندهم يوافق أهل السنة وكأنهم من اليهود والنصارى
[انظر :ص()715-714 المنهي عنه التشبه بهم ،ولكن في كتبهم ما يصرح أنهم أكفر من اليهود والنصارى
من هذه الرسالة.].
أما النوع الثاني :وهو أخبارهم التي تأمرهم بمخالفة أهل السنة مطلقا وذلك بالبحث عن أعمال أهل
السنة وأقوالهم وعقائدهم لمخالفتها ،فذكر من هذا النوع خمس روايات.
الرواية الولى :وهي التي تأمر الشيعي بسؤال مفتي البلد للعمل بخلف فتواه ،حيث يقول" :ائت
فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلفه ،فإن الحق فيه" [رسالة التعادل والترجيح :ص .].82
وهذه الرواية وما أشببها من هذا النوع أثارات إشكالً عند الشيعة وهو أن في أخبار أهل السنة –
ول سيما في الفقه -ما هو موافق لخبار الشيعة فإذا عمل بهذه الروايات بإطلق ،فقد يترتب على
ذلك الخروج من المذهبين رأسا ،ولذلك عقب الخميني على كل رواية من هذه الروايات بما يحاول به
أن يتخلص به من هذا الشكال ،فعقب على الرواية السابقة بقوله:
"موردها صورة الضطرار وعدم طريق إلى الواقع فأرشده إلى طريق يرجع إليه لدى سد الطرق،
ول يستفاد منها جواز رد الخبر من طريقنا إذا كان موافقا لهم" [رسالة التعادل والترجيح :ص .].82
ثم قال" :وقوله ..ما أنتم وال على شيء مما هم فيه ،ول هم على شيء مما أنتم فيه فخالفوهم فما
هم من الحنيفية على شيء.
فالظاهر منها المخالفة في عقائدهم وفي أمر المامة وما يرتبط بها ،ول تدلن على رد الخبر
الموافق لهم" [رسالة التعادل والترجيح :ص ( .].83يعني الموافق للمة).
فترى الخميني يعد مخالفة أهل السنة من أصول الترجيح عندهم ،فأين الذين يمدون أيديهم للتقارب
معه؟ وأين الذين يزعمون أنه تخلى عن تقيته مع أهل السنة؟!
714
أما أمره لطائفته بالصلة مع أهل السنة فهو جزء من عمله بالتقية ،وهو ما فصل القول فيه في
رسالته في التقية ،ولكن جملة من أهل السنة الذين يأخذون المور بظواهرها ول معرفة لهم بخفايا
المذهب الشيعي يشيدون بهذه الخطورة ،ويعدونها من مناقب الخميني ،ومساعيه في جمع المسلمين"
[انظر :ما كتبه في ذلك الشيخ محمد المجذوب في جريدة المدينة المنورة العدد ( 1 ،)4808ربيع الول 1400هـ.].
مع أنه عقد في رسالته في التقية مبحثا خاصا في ذلك بعنوان "في الروايات الدالة على صحة
الصلة مع العامة" ..وقال فيه" :إنه قد وردت روايات خاصة تدل على صحة الصلة مع الناس
والترغيب في الحضور في مساجدهم والقتداء بهم والعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي
عبد ال أنه قال" :من صلى معهم في الصف الول كان كمن صلى خلف رسول ال صلى ال عليه
وسلم في الصف الول".
وعقب عليه الخميني بقوله" :ول ريب أن الصلة معه -يعني مع رسول ال صلى ال عليه وسلم-
[رسالة في التقية :ص ( 108ضمن الجزء الثاني من صحيحة ذات فضيلة جمة فذلك الصلة معهم حال التقية"
الرسائل).].
ثم قال" :وموثقة سماعه قال :سألته عن مناكحتهم والصلة خلفهم؟ فقال :هذا أمر شديد لن
[رسالة في التقية :ص 198 تستطيعوا ذلك ،قد أنكح رسول ال صلى ال عليه وسلم وصلى علي وراءهم"
(ضمن الجزء الثاني من الرسائل).].
ثم أشار إلى أن هذا النوع من التقية ليس مرتبطا بالضرورة ،وهو خاص بمعاملة أهل السنة ،لنه
يرى أن التقية تكون اضطرارية في حال الخوف ،وتكون للمداراة وهي حينئذ من أفضل العمال
عندهم ..والحالة الولى المر فيها واضح ،لكن الحالة الثانية يبينها بقوله" :وأما التقية المداراتية
المرغوب فيها – كذا -مما تكون العبادة معها أحب العبادات وأفضلها ،فالظاهر اختصاصها بالتقية
عن العامة ،كما هو مصب الرويات على كثرتها" [رسالة في التقية.].200 :
فالتقية مع أهل السنة من أفضل العمال ،وهي مشروعة بإطلق عندهم ..ثم يشير بعد ذلك إلى
نوع ثالث من أنواع التقية عندهم وهو الكتمان المقابل للذاعة كما يقول" :فتكون على حد تعبيره
بمعنى التحفظ عن إفشاء المذهب وعن إفشاء سر أهل البيت" [رسالة في التقية :ص .].184
فهل بعد هذا يقال :بأن الخميني قد تخلى عن التقية والمخادعة؟
لكن من قال ذلك خفي عليه أن التقية عندهم أنواع ،وأن التقية مع أهل السنة من أفضل العمال
عندهم ،وليست مشروطة بالضرورة.
وأخيرا حسبك أن تعرف أنه يعد عصر الخلفاء الراشدين عصر تقية فيقول" :إن من بعد رسول ال
صلى ال عليه وسلم إلى زمان خلفة أمير المؤمنين ومن بعده إلى زمن الغيبة كان الئمة وشيعتهم
مبتلين بالتقية أكثر من مائتي سنة" [رسالة في التقية :ص .].296
715
فتبين أن خميني من غلة الروافض؛ بل هو يأخذ من آرائهم ما هو أكثر شذوذا ،ويتعمد مخالفة
أهل السنة ،وإن خرج عن ذلك فهو تقية.
716
وقد التقط الخميني هذا الخيط الذي وضعه من قبله ،وراح ينادي بهذه الفكرة ،وضرورة إقامة دولة
برئاسة نائب المام لتطبيق المذهب الشيعي ،فهو يقول" :واليوم -في عهد الغيبة -ل يوجد نص على
شخص معين يدير شؤون الدولة ،فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام السلم معطلة؟ أم نرغب بأنفسنا
عن السلم؟ أم نقول :إن السلم جاء ليحكم الناي قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو
نقول :إن السلم قد أهمل أمور تنظيم الدولة؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور
السلم وانتهاكها ،ويعني تخاذلنا عن أرضنا ،هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة ضرورة من
ضرورات الحياة؟" [الحكومة السلمية :ص .].48
ويقول في موضع آخر" :قد مر على الغيبة الكبرى لمامنا المهدي أكثر من ألف عام ،وقد تمر
ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم المام المنتظر في طول هذه المدة المديدة ،هل تبقى أحكام
السلم معطلة؟ يعمل الناي من خللها ما يشاؤون؟ أل يلزم من ذلك الهرج والمرج؛ القوانين التي
صدع بها نبي السلم صلى ال عليه وسلم وجهد في نشرها ،وبيانها وتنفيذها طيلة ثلثة وعشرين
عاما ،هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد ال عمر الشريعة بمائتي عام مثلً؟ الذهاب إلى هذا
الرأي أسوأ في نظري من العتقاد بأن السلم منسوخ" [الحكومة السلمية :ص .].26
ثم يقول" :إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكمة السلمية فهو ينكر
ضرورة تنفيذ أحكام السلم ،ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها ،وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين
السلمي الحنيف" [الحكومة السلمية :ص .].27-26
فخميني يرى لهذه المبرارات التي ذكرها خروج الفقيه الشيعي وأتباعه للستيلء على الحكم في
بلد السلم نيابة عن المهدي ،وهو يخرج بهذا عن مقررات دينهم ويخالف وصايا أئمته الكثيرة في
ضرورة انتظار الغائب وعدم التعجيل بالخروج [انظر :ص 1090-1089من هذه الرسالة.].
حتى قال أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر" :وقد توافرت عنهم ( ع) حرمة الخروج على
[محمد الحسيني البغدادي النجفي (يلقب بالية العظمى ،والمرجع الديني العلى) في كتابه أعدائهم وسلطين عصرهم"
"وجوب النهضة لحفظ البيضة" :ص ،].93ذلك أن منصب المامة ل يصلح عندهم إل للمنصوص عليه من
عند ال ول يعني رضاهم بهذه الحكومات.
وهذه المبررات التي ساقها الخميني لبيان ضرورة إقامة الدولة الشيعية ،ونيابة الفقيه عن المهدي
في رئاستها كان ينبغي أن توجه جهة أخرى لو كان لشيوخ الشيعة صدق في القول ونصح لتباعهم،
هذه الوجهة هي نقد المذهب من أصله الذي قام على خرافة الغيبة وانتظار الغائب ،والذي انتهى بهم
إلى هذه النهاية.
وعلى كل فهذه شهادة مهمة وخطيرة من هذه الحجة والية على فساد مذهب الرافضة من أصله،
وأن إجماع طائفته كل القرون الماضية كان على ضللة ،وأن رأيهم في النص على إمام معين ،والذي
نازعوا من أجله أهل السنة طويلً وكفروهم أمر فاسد أثبت التاريخ والواقع فساده بوضوح تام ،وهاهم
717
يضطرون للخروج عليه بقوله" :بعموم ولية الفقيه" بعد أن تطاول عليهم الدهر ،ويئسوا من خروج
من يسمونه "صاحب الزمان" ،فاستولوا حينئذ على صلحياته كلها ،وأفرغ الخميني كل مهامه ووظائفه
لنفسه ،ولبعض الفقهاء من بني جنسه ودينه ،لنه يرى ضرورة تولي مهام منصب الغائب في رئاسة
الدولة .ومن أجل إقناع طائفته بهذا المبدأ ألف كتابه "الحكومة السلمية" أو "ولية الفقيه".
وهو ل يوافق على ولية كل أجد أمور الدولة ؛ بل يخصص ذلك بفقهاء الشيعة ،ويحصر الحكم
والسلطان بهم ،حيث يقول ":وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن المام (ع) حال
غيبته،إل أن خصائص الحاكم الشرعي ..موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر ،فإذا أجمعوا
أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير" [الحكومة السلمية :ص .].49-48
وأقول :إذا كانت حكومة اليات والفقهاء ل مثيل لها في العدل -كما يقول -فيما حاجتهم بخروج
المنتظر إذا؟
وهو يرى أن ولية الفقيه الشيعي كولية رسول ال صلى ال عليه وسلم ،يقول" :فال جعل الرسول
وليا للمؤمنين جميعا ..ومن بعده كان المام (ع) وليا ،ومعنى وليتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في
الجميع" [الحكومة السلمية :ص .].51
ثم يقول" :نفس هذه الولية والحاكمية موجودة لدى الفقيه ،بفارق واحد هو أن ولية الفقيه على
الفقهاء الخرين ل تكون حيث يستطيع عزلهم أو نصبهم ،لن الفقهاء في الولية متساوون من ناحية
الهلية" [الحكومة السلمية :ص .].51
فنظرية الخميني -كما ترى -ترتكز على أصلين:
الول :القول بالولية العامة للفقيه.
والثاني :أنه ل يلي رئاسة الدولة إل الفقيه الشيعي.
وهذا خروج عن دعوى تعيين الئمة ،وحصرهم باثني عشر ،لن الفقهاء ل يحصرون بعدد معين،
وغير منصوص على أعيانهم فيعني هذا أنهم عادوا لمفهوم المامة حسب مذهب أهل السنة -إلى حد
ما [أقول :إلى حد ما؛ لنهم خرجوا من حصر المامة بالشخص إلى حصرها بالنوع وهو الفقيه الشيعي -].وأقروا بضلل
أسلفهم وفساد مذهبهم بمقتضى هذا القول.
لكنهم يعدون هذا المبدأ (ولية الفقيه) نيابة عن المهدي حتى يرجع ،فهم لم يتخلوا عن أصل
مذهبهم ،ولهذا أصبح هذا التجاه -في نظري -ل يختلف عن مذهب البابية ،لنه يزعم أن الفقيه
الشيعي هو الذي يمثل المهدي ،كما أن الباب يزعم ذلك ،ولعل الفارق أن الخميني يعد كل فقهائهم
أبوابا.
وإن شئت قل :إن الخميني أخرج "المهدي المنتظر" عند الروافض ،لن صلحياته ووظائفه أناطها
بالفقيه؛ بل إنه بهذا المبدأ لم يخرج "مهديا" واحدا بل أخرج العشرات ،لن كثيرا من شيوخهم وآياتهم
718
لهم الحقية بهذا المنصب فهو يقول" :إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي
تؤهلهم للنيابة عن المام المعصوم" [الحكومة السلمية :ص .].113
وبمقتضى هذه النيابة يكون أمرهم كأمر الرسول حيث يقول" :هم الحجة على الناس كما كان
الرسول صلى ال عليه وسلم حجة ال عليهم ،وكل من يتخلف عن طاعتهم ،فإن ال يؤاخذه ويحاسبه
على ذلك" [الحكومة السلمية :ص .].80
ويقول" :وعلى كل فقد فوض إليهم (يعني إلى شيوخ الروافض) النبياء جميع ما فوض إليهم،
وائتمنوهم على ما اؤتمنوا عليه" [الحكومة السلمية :ص .].80
[يريد أن يقول :كل ما بل أشار إلى أن دولة الفقيه الشيعي كدولة مهديهم الموعودة ،وقال" :كل ما يفقدنا
[وهذه من مواريث المهدي عن النبياء والئمة (انظر :أصول هو عصا موسى ،وسيف علي بن أبي طالب" نفقده].
(ع) وعزيمتهما الجبارة ،وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلمي سنحصل على عصا الكافي].)1/231 :
719
فأنت ترى أن طبيعة النظرة الشيعية دائما تجنح إلى الغلو ،وتقديس الشخاص ،والتطرف في
العتقادات ..كما ترى في نظرة طالقاني إلى جمهورية خميني ،بل ادعى بعضهم أن خميني قد بشر
به أئمتهم من قبل [محمد جواد مغنية /الخميني والدولة السلمية :ص .].39-38
هذا وقد مضى ما ترويه الشيعة عن سيرة مهديهم بعد عودته من غيبته -حسب اعتقادهم -وأنه
ل همّ له ول عمل إل القتل والنتقام ،حتى يقولون :إنه بعث "بالجفر الحمر" وبالذبح ،وإنه يخص
ونجد اليوم هذه السيرة المزعومة قد بدت ملحمها في [انظر :ص 875وما بعدها]. العرب بمجازره ..إلخ
دولة اليات ،حيث بدأ الخميني وأعوانه مشروع دولة المهدي بمجازرهم الرهيبة في داخل إيران
وخارجها.
والحقيقة أن واضعي روايات القتل العام الموعود بعد خروج الغائب المفقود يدركون أن مسألة
الغيبة والمهدية ل تعدو أن تكون وهما من الوهام ،ولكنهم يعبرون عما تكنه صدورهم ،وتجيش به
نفوسهم من أحقاد ،وكذلك معظم شيوخ الشيعة غالبهم زنادقة يعرفون أن المهدي خرافة ،ولذلك فهم إذا
واتتهم فرصة لتحقيق أمانيهم في قتل المسلمين اهتبلوها ،ولم ينتظروا فيها خروج مهديهم ،لنهم
يعرفون أنه لن يخرج أبدا؛ لنه لم يوجد أصلً!
ول أدل على ذلك من أن الخميني نفسه يقرر في كتابه تحرير الوسيلة أنه ل يجوز بسبب غيبة
مهديهم البدء في الجهاد فيقول" :في عصر غيبة ولي المر وسلطان العصر عجل ال فرجه الشريف
يقوم نوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للمام
عليه السلم إل البدأة بالجهاد" [تحرير الوسيلة.].1/284 :
ولكنه حينما أقام دولته قرر في دستورها" :أن جيش الجمهورية السلمية ..ل يحتملن فقط
مسؤولية حفظ وحراسة الحدود ،وإنما يتكفلن أيضا بحمل رسالة عقائدية أي الجهاد في سبيل ال،
[الدستور لجمهورية إيران السلمية :ص والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون ال في كافة أرجاء العالم"
،16منشورات مؤسسة الشهيد ،وانظر :الطبعة الخرى من الدستور ،التي أصدرتها وزارة الرشاد اليرانية :ص .].10
فأنت ترى التناقض واضحا ،فهو في تحرير الوسيلة يجعل الجهاد من وظائف المهدي ،وفي دستور
دولتهم بعد قيامها يجعل الجهاد منوطا بجيشها ،ومن وظائف الفقيه ،وذلك بمقتضى مذهبه الجديد في
ولية الفقيه ،والتي نقلت فيها صلحيات المهدي كلها للشيخ الشيعي .وقد نص أيضا على ذلك
دستورهم فقال" :وفي زمن غيبة المام عجل ال تعالى فرجه تعتبر ولية المر وإمامة المة في
جمهورية إيران السلمية بيد الفقيه[ "..دستور الجمهورية السلمية في إيران :ص ،18ط :وزارة الرشاد.].
ولذلك بعد قيام دولتهم أول ما بدأوا به قتال الشعوب السلمية بجنودهم ،وبالمنظمات التابعة لهم
في الولء في بعض أقطار المسلمين.
720
ومع ذلك يزعم الخميني أحيانا أن هذا يدخل في نطاق الدفاع ،والتأويل ليس له حدود فيقول" :إننا ل
نريد أن نرفع السلح ونهاجم أحدا ،فالعراق يهاجمنا منذ مدة ،بينما نحن ل نهاجمه ،وإنما ندافع فقط،
فالدفاع أمر واجب" [خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر :ص .].10-9
ولكنه يقرر أنه يريد أن يصدر ثورته حيث يقول" :إننا نريد أن نصدر ثورتنا السلمية إلى كافة
البلد السلمية" [خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر :ص .].10وهو ل يريد التصدير
السلمي فحسب؛ بل يريد فرض مذهبه على المسلمين بالقوة ،وقد أشار إلى ذلك قبل قيام دولته ،وقرر
أن سبيل ذلك هو إقامة دولة شيعية تتولى هذا المر فيقول" :ونحن ل نملك الوسيلة إلى توحيد المة
السلمية [يعني على مذهب الروافض ،].وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة
لهم ،إل أن نسعى إلى إقامة حكومتنا السلمية ،وهذه بدورها سوف تتكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن
من تحطيم رؤوس الخيانة ،وتدمر الوثان والصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الرض"
[الحكومة السلمية :ص .].35
وهؤلء الروافض ل ينتقدون الحكومات لهذه السباب التي يذكرها ،إذ لو كانت الحكومة أفضل
حكومة على وجه الرض لما نالت إل سخطهم ومقتهم ،إل أن تكون على مذهب الرفض ،وحسبك في
هذا نظرتهم إلى خلفة الخلفاء الثلثة الراشدين -رضوان ال عليهم .-
ول تزال مهمة المهدي الموعودة في قتل المسلمين ،تظهر على ألسنة حجتهم وآياتهم ،وأنه سيبدأها
خميني لنه ينوب عن مهديهم في كل وظائفه .وقد كشف بعض شيوخهم عن ذلك؛ لنهم كما يقول
إمامهم" :مبتلون بالنزق وقلة الكتمان" [أصول الكافي.].1/222 :
ففي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبادان في 17/3/1979م تأييدا لقامة الجمهورية السلمية،
ألقى د .محمد مهدي صادقي خطبة في هذا الحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية ،ووصفتها
الذاعة بأنها مهمة ومما جاء في هذه الخطبة:
"أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم ال المن يحتلها
شرذمة أشد من اليهود "..وذكر قبل ذلك بأنه حين تثبت ثورته سينتقلون "إلى القدس وإلى مكة
[أذيعت هذه الخطبة من صوت الثورة السلمية من عبادان الساعة المكرمة ،وإلى أفغانستان ،وإلى مختلف البلد"
12ظهرا من يوم 17/3/1979م ،انظر :وجاء دور المجوس :ص .].347-344
فتراهم يعتبرون الوضع في مكة ،كوضع القدس الذي يحتله اليهود ،ووضع أفغانستان التي يحتلها
الشيوعيون ..على حين تجدهم يتعاطفون مع الحكم النصيري الكافر في سوريا ول يمسونهم بنقد.
وقد نشرت مجلة الشهيد -لسان علماء الشيعة في قم -في العدد ( )46الصادر بتاريخ 16شوال
1400هـ صورة تمثل الكعبة المشرفة ،وإلى جانبها صور تمثل المسجد القصى المبارك وبينهما (يد
[انظر :مجلة الشهيد ،العدد المذكور ،وانظر :جريدة قابضة على البندقية) وتحتها تعليق نصه" :سنحرر القبلتين"
المدينة السعودية الصادرة في 27ذي القعدة 1400هـ ،وانظر ما كتبه الشيخ محمد عبد القادر آزاد /رئيس مجلس علماء
721
باكستان عما شاهده في أثناء زيارته ليران ،حتى يقول بأنه رأى على جدران فندق هيلتون في طهران ،والذي يقيمون فيه
شعارات مكتوبًا عليها" :سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار"( :انظر :الفتنة الخمينية للشيخ محمد آزاد :ص .].)9
شيوخهم معارضتهم لهذا المذهب [انظر :الخميني بين الدين والدولة ص .].154-153
وقد تعجب شيخهم محمد جواد مغنية أن يذهب الخميني هذا المذهب ،ويساوي في الصلحيات بين
المعصوم والفقهاء فقال:
وأمره تماما كالتنزيل من ال [الئمة عندهم معصومون كرسول ال صلى ال عليه وسلم]. "قول المعصوم
عنِ الْ َهوَىِ ،إنْ هُوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى} [النجم .]3ومعنى هذا أن للمعصوم حق
العزيز العليم { َومَا َينْطِقُ َ
الطاعة والولية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل ،وأن السلطة الروحية والزمنية -مع وجوده
-تنحصر به وحده ل شريك له ،وإل كانت الولية عليه وليست له ،علما بأنه ل أحد فوق المعصوم
عن الخطأ والخطيئة إل من له الخلق والمر جل وعز..
أبعد هذا يقال :إذا غاب المعصوم انتقلت وليته بالكامل إلى الفقيه؟" [الخميني والدولة السلمية :ص .].59
فهذا في نظره غاية الغلو ،إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم؟ ثم يوضح ذلك بقوله" :حكم
المعصوم منزه عن الشك والشهبات؛ لنه دليل ل مدلول ،وواقعي ل ظاهري ..أما الفقيه فحكمه
مدلول يعتمد على الظاهر ،وليس هذا فقط ،بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور ،والعواطف
الشخصية ،والتأثير المحيط والبيئة ،وتعيير الظروف القتصادية والمكانة الجتماعية ،وقد عاينت
وعانيت الكثير من الحكام الجائرة ،ول يتسع المجال للشواهد والمثال سوى أني عرفت فقيها بالزهد
[الخميني والدولة السلمية :ص والتقوى قبل الرياسة ،وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الولد والصهار"
.].60-59
وهذه شهادة منه على قومه من فئة الشيوخ ،وأنه ما إن تتاح لهم فرصة رئاسة حتى تزول الصورة
التي يتظاهرن بها من الزهد والتعبد ،وهؤلء الشيوخ الذين هذا وصفهم ،يرى الخميني أنهم هم الولة
على المة.
وأصحاب هذا التجاه المعارض لخط الخميني يرون" :أن ولية الفقيه أضعف وأضيق من ولية
المعصوم" [الخميني والدولة السلمية :ص ،].61فهي ل تتعدى ما ثبت في أخبارهم -كما يقولون -من
[الخميني والدولة "ولية الفتوى والقضاء وعلى الوقاف العامة ،وأموال الغائب وإرث من ل وراث له"
السلمية :ص .].60
722
وقد استدل مغنية على هذا المذهب بجملة من أقوال شيوخهم الكبار عندهم ،ونقض ما ساقه الخميني
من أدلة لثبات مذهبه ،وبين أنها ل تدل على ما يريد من القول بعموم الولية .ول مجال لستعراض
ذلك ،ول فائدة منه ،لكن الفائدة هنا أن الخميني يحكم على مذهب طائفته بمقتضى قولهم بقصور ولية
الفقيه عن الحكم والولية ،بأن هذا يعطل أحكام السلم ،وأنه بمثابة القول بنسخ الدين ،لكن الخميني
ل ترتقي أدلته في تأييد مذهبه إلى ما يريد فتبقى أحكامه على مذهب طائفته صادقة ،وأنه مبني على
ما يخالف أصول الشرع ،ومنطق العقل وطبيعة الشياء.
والتجاه المخالف للخميني يرجع أمر الولية إلى عموم الناس ،ول يخصها بشيوخ الشيعة ،بل يبقى
هؤلء الشيوخ في وضعهم الذي وضعوا فيه ووليتهم الخاصة حتى يخرج الغائب فيتولى أمور الدين
والدينا .وهذه بلغة هذا العصر فصل الدين عن الدولة ،فصار المذهب دائرا بين غلو في الفقيه ،أو
دعوة إلى فصل الدين عن الدولة ،وهكذا كل مذهب باطل لبد أن يخرج أمثال هذه التناقضات.
وكل الرأيين استقرا على بطلن المذهب في دعوى النص والتعيين؛ لن كليهما لم يحدد الرئيس
بشخص معين ،إل التعيين الشكلي للغائب المفقود والذي لن يعود؛ لنه ل حقيقة له في الوجود.
723
المقيت ،فيجب أن تسمى هذه الدولة بموجب هذه المادة "الجمهورية الجعفرية" ذلك أن الدولة السلمية
تقوم على أساس السلم ل المذهب ،وحين يتبنى الخليفة شيئا من هذا المذهب أو ذاك ،فإنما يتبناه بناء
على قوة الدليل ،وليس بناء على الوراثة أو التعصب ،ولكنهم برهنوا بهذه المادة على متابعتهم لما قاله
بعض شيوخهم وهو أن الثني عشرية دين ل مذهب [انظر :ص 729هامش (.].)4
وجاء في بعض مواد الصل الثاني من الدستور ما يضع أخبارهم عن الئمة موضع سنة رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير حيث يقول:
"يقوم نظام الجمهورية السلمية على أساس الجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط على
أساس الكتاب وسنة المعصومين سلم ال عليهم أجمعين" [الدستور :ص .].16-15
فليس في هذه المادة اعتراف بسنة النبي صلى ال عليه وسلم ،لنهم ل يؤمنون بها ،بل يأخذون
بسنة المعصومين الذين يعدونهم أفضل من النبياء والمرسلين.
فهل يبقى للدستور صفته السلمية وهو يلغي سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم من حسابه؟
وهم سيأخذون بمقتضى هذه المادة بما جاء في أصول الكافي ،والبحار للمجلسي وغيرهما بكل ما
فيها من كفر وضلل ،لن هذه هي المصادر التي نقلت لهم سنة المعصومين.
وترى في بعض مواد الدستور النعرة الفارسية ،واللوثة القومية ،يقول الصل الخامس عشر من
الدستور:
"اللغة والكتابة الرسمية والعامة هي الفارسية لشعب إيران ،فيجب أن تكون الوثائق والمراسلت
والمتون الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة".
فترى أن هذه المادة موضوعة على أساس القومية اليرانية ،لن للسلم لغة واحدة هي العربية ل
باعتبارها لغة العرب ،بل باعتبارها لغة القرآن والسنة ولغة دولة الرسول صلى ال عليه وسلم
والصحابة والتابعين.
ويقرر الصل السادس من الدستور :بأن مرجعهم رأي المة (ل الكتاب والسنة) فيقول" :يجب أن
تدار شئون البلد في جمهور إيران السلمية على رأي المة[ "..الدستور :ص .].18
ولشك أن دولة الخلفة في السلم تدار شئونها بهدي من الكتاب والسنة ،وليس الرأي العام هو
أساس الحكم في السلم ،إنما هو أساس في النظمة الوضعية.
ويوضح هذا المبدأ أكثر ما جاء في الصل التاسع والخمسين عندهم والذي يقول" :ممارسة السلطة
التشريعية قد تتم أحيانا عن طريق الستفتاء الشعبي العام وذلك في القضايا القتصادية ،والسياسية،
والجتماعية ،والثقافية الهامة ،ويجري هذا الستفتاء العام بناء على طلب أكثر من ثلثي مجموع
أعضاء المجلس" [الدستور :ص .].46
724
ول غرابة أن يلجأوا إلى استفتاء الناس في شئونهم بعد أن حرموا أنفسهم من المصدر الثاني في
التشريع وهو "السنة المطهرة" .ولقد اقترح عليهم شيخهم يوسف البحراني صاحب الحدائق أن يبحثوا
لهم عن مذهب غير هذا المذهب لعدم وفائه بما يريدون [انظر :نص كلمه بحروفه وتمامه :ص(.].)388
[مما يجدر تسجيله هنا هو أنه هذا بعض ما جاء في دستورهم حسب الطبعة الخيرة منه عام 1406هـ
نشر الدستور في جريدة السفير اللبنانية مترجما بقلم محمد صادق الحسيني بصورة مغايرة للنشر الرسمي الخير للدستور،
والتغيير الذي جرى قد يكون للتقية أثر فيه ،وذلك من أجل صيانة سمعة المذهب من النقد.
وقد قام حزب التحرير -وهو كما يظهر من الحزاب المتعاطفة مع ثورة إيران والموالية لها ،بل الذي يرى فيها الحكم
السلمي المنشود -بدراسة مواد الدستور ،كما نشرته جريدة السفير بعد أن سأل السفارة اليرانية في بيروت عن مدى
اعتمادهم لما نشر فأفادوه بأن الترجمة المنشورة في السفير "ترجمة دقيقة وأمينة" ..وقد تبين له بعد الدراسة -كما نشر ذلك في
كتيب صغير -أن الدستور ل صلة له بالسلم إل بالسم ،حتى ذكر أنه جاء في "الفصل الثامن المتعلق بالسلطة القضائية" في
مواده رقم 136 ،135 ،132 ،131ما يدل على أن القانون المدني الوضعي ..هو الذي سيوضع في المحاكم (انظر :نص نقض
مشروع الدستور اليراني ،والذي نشره حزب التحرير ص )48وانتهى الحزب من نظره في الدستور إلى أنه "ليس دستورا
إسلميا ،ولم يأخذ أحكامه من كتاب ال وسنة رسوله ،ويتبين أن واضعه يتميز بعقلية غربية ،ول يتمتع بعقلية إسلمية"
(المصدر السابق :ص )52وقال بأنه "إذا وضع هذا الدستور موضع التنفيذ فإنه ل يجعل الدولة دولة إسلمية" وقال بأنه يجب
أن يكون الدستور منبثقا من العقيدة السلمية ،ومأخوذة كل مواده من كتاب ال وسنة رسوله (المصدر السابق).
هذا حكم حزب التحرير مع أنه موال للحكومة اليرانية ،وفي اتجاهه شبه بالتجاه الرافضي ،لنه يرجئ تطبيق بعض
أحكام السلم حتى تقوم دولة الخلفة ،كما يرجئ الشيعة تطبيق أحكام مذهبهم حتى يعود الغائب ..ومع ذلك فإنه يحكم على
دستورهم بهذا الحكم .ولول ضيق المجال لعرضت أوجه نقدهم للدستور ،وقد أرسل هذا النقد إلى خميني ،مشفوعا بدستور
إسلمي مقترح ،ويبدو أن الشيعة استفادوا من ذلك في تغيير بعض المواد التي تثير النقد لدستورهم ،كما يتبين ذلك في نشرته
الخيرة ،ومع ذلك لم يسلم من ضلل كما تبين أثناء النقد (وانظر في التعريف بحزب التحرير :كتاب الجماعة السلمية في
ضوء الكتاب والسنة /تأليف سليم الهللي ،وزياد الدبيج ص 137:وما بعدها).].
وقد تبين أنه ل يمثل دستور دولة إسلمية ،وإنما يمثل دولة فارسية ،عنصرية ،ورافضية جعفرية،
ول يأخذ أحكامه من الكتاب والسنة ،وإنما يرتبط بروايات الكليني وأضرابه والتي يسمونها سنة
المعصومين.
الباب الخامس
أثرهم في العالم السلمي والحكم عليهم
ويشمل على:
الفصل الول :أثرهم في العالم السلمي.
الفصل الثاني :الحكم عليهم.
الفصل الول
أثرهم في العام السلمي
725
أثر الشيعة في العالم السلمي في مراحل التاريخ المختلفة وحقبه المتطاولة ..موضوع واسع
كبير ،بل موضوعات متعددة ،وجوانب مختلفة تقتضي رسائل عديدة ،وتستدعي جهودا كبيرة ..وإن
مراجعة الحداث التاريخية -مثلً -التي جرت في العراق في القرن الرابع والخامس وما بعدها
والتي كان للشيعة فيها دور وأثر لموضوع واسع ،فيكف بدراسة ذلك في العالم السلمي ،وإن رصد
حركات الشيعة المتزايدة في الواقع المعاصر في مختلف أصقاع العالم السلمي وما تحدثه من آثار
ليحتاج إلى دراسات ميدانية وصلت واسعة ،ورحلت متعددة.
وشيء من ذلك ل يمكن تحقيقه في رسالة بل في فصل من رسالة ،هي معنية بالساس ،بدراسة
أصولهم ونقدها.
لهذه السباب سنكتفي في هذا الفصل بالشارة الدالة ،واللمحة المعبرة ،والكلمة الموجزة ،ونكتفي
بالجزء عن الكل ،وبالمثال الواحد مثلً في بلد واحد وزمن واحد عن الستقصاء وبالتفصيل.
ولعلي أحاول أن أبرز بعض آثارهم وفق مجالت محددة حتى ل يتشعب بنا الحديث وهي
المجالت التالية:
-1المجال العقدي والفكري.
-2السياسي.
-3الجتماعي.
-4القتصادي.
وهذا مجرد تقسيم لتوضيح هذه الثار ،وإل فإنها مترابطة ومتصلة الحلقات.
ذلك أن شؤم البدعة خطير على المة ،يؤثر في جميع جوانب حياتها ،ومن يدرس تاريخ هذه
المة ،والتجاهات البدعية التي ظهرت يجد أثرها السلبي على الدولة السلمية كلها .استمع -مثلً -
لما يقوله شيخ السلم ابن تيمية عن أسباب سقوط الدولة الموية يقول -رحمه ال :-
[يعني الجعد بن درهم أول من أحدث مقالة "إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل"
[مجموع فتاوى شيخ السلم: وغيره من السباب التعطيل لسماء ال وصفاته .انظر :ص( )546من هذه الرسالة].
.].13/182وقال" :وهذا الجعد إليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية ،وكان شؤمه
عاد عليه حتى زالت الدولة ،فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسول صلى ال عليه وسلم انتقم
ال ممن خالف الرسل ،وانتصر لهم" [مجموع فتاوى شيخ السلم.].13/177 :
وهذا التفسير السلمي لحداث التاريخ يخالف ما درج عليه جملة من المؤرخين الذين ل يفسرون
أحداث التاريخ إل بأسبابه مادية بحتة ،وهو من العمل الذي ل يفقهه إل أهل اليمان.
727
والفرقة الثانية من الخرمية ظهروا في دولة السلم كالبابكية أتباع بابك الخرمي الذي ظهر بناحية أذربيجان ،وكثر أتباعه،
وكان يستحل المحرمات كلها وهزم كثيرا من عساكر بني العباس في مدة عشرين سنة إلى أن أسر مع أخيه إسحاق وصالب
"بسر من رأى" في أيام المعتصم سنة (223ه).
ول شك في أن الخرمية الذين ظهروا في السلم هم امتداد للديانة الفارسية القديمة "المزدكية" الولى ،وهم الذين زادوا في
انحراف التشيع ،ولذلك قال النوبختي الشيعي :ومنهم كان بدء الغلو في القول حتى قالوا :إن الئمة آلهة وإنهم أنبياء وإنهم
رسل ،وقالوا بالتناسخ وإبطال القيامة( ،انظر :النوبختي /فرق الشيعة ص ،36ابن النديم /الفهرست :ص ،344-342
السفراييني /التبصير في الدين :ص ،80-79الملطي /التنبيه والرد :ص ،22الغزالي /فضائح الباطنية :ص 14وما بعدها)].
[القرامطة :إحدى فرق السماعيلية التي سبق التعريف بها ص .97 :وهم يسمون أتباع بابك الخرمي ،وقرامطة
البحرين بالقرامطة نسبة إلى رجل يقال له :حمدان قرمط كان أحد دعاتهم في بداية أمرهم (فضائح الباطنية :ص ].)12
728
وسواء كان قيام دولة اليات ،أو تصاعد المد الشيعي في العالم السلمي مقصودا للعدو الكافر أو
غير مقصود فإنه بل شك له آثاره في الصد عن سبيل ال ،وظهور الزندقة المقنعة التي ينخدع بها
المسلمون ،وهذا هو الداء الكبر ،وهذا ما يتضح بالمسألة التالية:
729
ومن آثارهم الفكرية أن طائفة منهم اندسوا في رجال الحديث وحاولوا إدخال بعض الروايات التي
تخدم التشيع ..حتى وُجدت مادة من هذه اللون في معاجم أهل السنة ودواوين الحديث عندهم ،لكن تنبه
لذلك رجال الحديث فبينوا الحق وكشفوا الكيد الرافضي ،وقد بين الشيخ السويدي هذا الثر الذي تركه
هؤلء الروافض حينما قال" :إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث ،وسمعوا الحاديث من ثقات
المحدثين وحفظوا أسانيد أهل السنة الصحيحة ،وتحلوا في الظاهر بحلي التقوى والورع بحيث كانوا
يعدون من محدثي أهل السنة ،فكانوا يروون الحاديث صحاحا وحسانا ،ثم أدرجوا في تلك الحاديث
موضوعات مطابقة لمذهبهم ،وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنة ،فضلً عن العوام ولكن
قيض ال -بفضله -أئمة الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ
والحمد ل على ذلك.
وقد أقرت طائفة منهم بالوضع بعدما انكشف حالهم ،ثم قال السويدي" :وتلك الحاديث الموضوعة
[التفضيلية أو المفضلة هم الذين إلى الن موجودة في المعاجم والمصنفات وقد تمسك بها أكثر التفضيلية
[السويدي/ يفضلون عليا على أبي بكر وعمر من الزيدية وغيرهم( .انظر :التسعينية لبن تيمية :ص .].)40والمتشيعة"
نقض عقائد الشيعة (مخطوط غير مرقم الصفحات ،وبالعد ينظر ص ،26-25وانظر :اللوسي /السيوف المشرقة :ص 50
730
كما قام بعض شيوخهم المتسترين بالنتساب للسنة بابتداع بعض الفكار المشابهة للفكر الشيعي
وطرحها في الوسط السلمي ..ويرى الشيخ محمد أبو زهرة بأن الطوفي نجم الدين (المتوفى سنة
716هـ) قد تعمد الترويج للمذهب الشيعي بهذه الوسيلة في بحثه عن المصلحة الذي قرر فيه بأن
المصلحة تقدم على النص؛ لن هذا مسلك شيعي حيث عند الشيعة أن للمام أن يخصص أو ينسخ
النص بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم.
فالطوفي قد أتى بالفكرة كلها ،وإن لم يذكر كلمة المام وأبدلها بالمصلحة ليروج القول وينشر
الفكرة ،ثم يقرر أبو زهرة بأن الطوفي في تهوينه في شأن النص ونشر فكرة نسخه أو تخصيصه
[انظر :ابن بالمصالح المرسلة قد أراد تهوين القدسية التي تعطيها الجماعة السلمية لنصوص الشارع
حنبل :ص ،326وقد ترجم أبو زهرة للطوفي ،وأثبت أنه من الشيعة (المصدر السابق :ص .)325-324وقد اعتمد أبو زهرة
في حكمه على الطوفي بما جاء عنه في طبقات الحنابلة لبي يعلى.].
بل إن الروافض استغلوا التشابه في أسماء بعض أعلمهم مع أعلم أهل السنة وقاموا بدس فكري
رخيص يضلل الباحثين عن الحق ..حيث ينظرون في أسماء المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه
موافقا لحد منهم في السم واللقب لسندوا حديث رواية ذلك الشيعي أو قوله إليه.
ومن ذلك محمد بن جرير الطبري المام السني المشهور صاحب التفسير والتاريخ ،فإنه يوافقه في
[وله مصنفات في مذهب الرفض مثل :المسترشد في هذا السم محمد بن جرير بن رستم الطبري من شيوخهم
المامة ،ونور المعجزات في مناقب الئمة الثني عشر (انظر في ترجمته :جامع الرواة ،83-2/82 :بحار النوار،1/177 :
تنقيح المقال ،2/91 :وانظر :ابن حجر /لسان الميزان ،].)5/103 :وكلهما في بغداد ،وفي عصر واحد ،بل كانت
وفاتهما في سنة واحدة ،وهي سنة (310هـ) .وقد استغل الروافض هذا التشابه فنسبوا للمام ابن
مع أنه [انظر :ابن النديم /الفهرست :ص ].335 جرير بعض ما يؤيد مذهبهم مثل :كتاب المسترشد في المامة
لهذا الرافضي [انظر :طبقات أعلم الشيعة في المائة الرابعة :ص ،252ابن شهراشوب /معالم العلماء :ص ،].106وهم
[انظر :الميني النجفي/ إلى اليوم يسندون بعض الخبار التي تؤيد مذهبهم إلى ابن جرير الطبري المام
الغدير.].216-1/214 :
ولقد ألحق صنيع الروافض هذا -أيضا -الذى بالمام الطبري في حياته وقد أشار ابن كثير إلى
أن بعض العوام اتهمه بالرفض ،ومن الجهلة من رماه باللحاد [انظر :البداية والنهاية .].11/146 :وقد نسب
إليه كتاب عن حديث غدير خم يقع في مجلدين ،ونسب إليه القول بجواز المسح على القدمين في
الوضوء [انظر :البداية والنهاية.].11/146 :
ويبدو أن هذه المحاولة من الروافض قد انكشف أمرها لبعض علماء السنة من قديم ،فقد قال ابن
كثير :ومن العلماء من يزعم أن ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك ،وينزهون أبا جعفر
من هذه الصفات [انظر :البداية والنهاية.].11/146 :
731
وهذا القول الذي نسبه ابن كثير لبعض أهل العلم هو عين الحقيقة كما تبين ذلك من خلل كتب
[انظر أيضا في التراجم ،ومن خلل آثارهما ،وأين الثرى من الثريا..؟ فالفرق بين آثار الرجلين ل يقاس
التفرقة بين الرجلين مجلة المجمع العلمي العراقي ،المجلد التاسع :ص ،].345وعقيدة المام ابن جرير ل تلتقي مع
الرفض بوجه [انظر -مثلً -جزء في العتقاد لبن جرير الطبري :ص ،].7-6فهو أحد أئمة السلم علما
وعملً بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم.
[وهو أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن علي الطبري ،من علماء وهناك رافضي آخر يدعى بأبي جعفر الطبري
المامية في القرن السادس (انظر :طبقات أعلم الشيعة (في القرن السادس) ص ،].)278 ،242وهو غير الول ،وإن
[فنسب كتاب بشارة المصطفى للول (ابن رستم) في حين أنه للخير (ابن كان الستاذ فؤاد سزكين قد خلط بينهما
رغم أنه يفصلهما عن بعض أكثر من قرنين .وقد نشرت -لهذا أبي القاسم) (انظر :تاريخ التراث].)260 :
الرافضي الخير -جريدة المدينة المنورة حكاية موضوعة بعنوان" :عقد الزهراء" وما كانت لتأخذ
[جريدة المدينة /عدد ( )4621الثلثاء 24رجب طريقها للنشر لول استغلل الروافض للتشابه في السماء
1399ه ،ص ،7 :اختيار محمد سالم محمد ،نقلً عن كتاب بشارة المصطفى ،وكتاب "بشارة المصطفى" هذا قد تناهى في الغلو،
ففيه تأويل الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر (ص ،)238وفيه قوله بأن من شك في تقديم علي وتفضيله ووجوب طاعته،
ووليته محكوم بكفره وإن أظهر السلم (ص .].)51
[كابن قتيبة؛ فإنهما رجلن :أحدهما عبد ال بن قتيبة رافضي غال ،وعبد ال بن مسلم بن ومثل ابن جرير آخرون
قتيبة من ثقات أهل السنة ،وقد صنف كتابا سماه بالمعارف فصنف ذلك الرافضي كتابا وسماه بالمعارف قصدا للضلل .انظر:
مختصر التحفة الثني عشرية ص ،32مختصر الصواقع ص ( 51مخطوط) ،والسويدي /نقض عقائد الشيعة :ص 25
(مخطوط).
وقد احتار الباحثون في نسبة كتاب المامة والسياسة إلى ابن قتيبة السني لما فيه من أباطيل ،وحاول بعضهم التعرف على
المؤلف فلم يفلح حتى قال" :لقد حاولت كثيرا أن أتعرف على شخصية المؤلف الحقيقي لكتاب المامة والسياسة ولكني لم أعثر
على شيء" (عبد ال عسيلن /المامة والسياسة :ص .)20
بل قد طرح افتراض أن يكون المؤلف من أتباع المام مالك (المصدر السابق ص )20 :رغم أن الكتاب فيه المسحة
الرافضية جلية واضحة ،حيث الطعن في الصحابة ودعوى أن عليا رفض بيعة أبي بكر لنه -كما يزعم -أحق بالمر ،وقد
ساق د .عبد ال عسيلن أمثلة لذلك من الكتاب المذكور (المصدر السابق :ص ،)19 ،18 ،17وغاب عنه وعن الكثيرين
الدسائس الرافضية ،وأن ابن قتيبة رجلن ،وكتاب المامة والسياسة هو لذلك الرافضي ،بل لم أر من نبه على ذلك مع
أهميته ،].والمقام ل يحتمل البسط ،فإن هذا المر يستحق دراسة خاصة.
نشر الرفض في العالم السلمي:
مما يبين مدى الثر الرافضي في نشر عقائدهم في أوساط المسلمين ما سجل في نصوصهم القديمة
من أنه لم يقبل فكرتهم إل أهل مدينة واحدة هي الكوفة.
[بحار النوار: قال أبو عبد ال" :إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة"
،100/259 ،60/209وعزاه إلى بصائر الدرجات.].
732
[انظر :مقدمة الرسالة :ص فالتشيع لم يجد موطنا في بلد السلم إل في الكوفة لبعدها عن العلم وأهله
.].6وهذا من آثار ابن سبأ ،فقد كان له نشاط مبكر في الكوفة ،وما غادرها حتى ترك فيها خلية تعمل
على نهجه [انظر :سليمان العودة /عبد ال بن سبأ :ص .].49
وقد لحظ شيخ الكوفة وعالمها أبو إسحاق السبيعي (ت 127ه) التغير الذي طرأ على هذه البلدة،
فقد غادر الكوفة وهم على السنة ،ل يشك أحد منهم في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ،ولكنه حينما
عاد إليها وجد فيها ما ينكر من القول "بالرفض" [انظر :ص (.].)54
ثم ما لبث أن سرى داء الرفض إلى العالم السلمي حتى يذكر بعض الباحثين بأن الشيعة يشكلون
عشرة في المائة من مجموع المسلمين اليوم [روم لندو /السلم والعرب :ص .].95
ودعاة التشيع في العصر يشكون خليا سرية نشطة تسرح في العالم السلمي لنشر الرفض
بموجب خطة مدروسة ،وتموين مالي من الحوزات العلمية التي تستمد رصيدها المالي من عرق
وجهد أولئك التباع الغرار الذين خدرت أفكارهم ،وشحنت عواطفهم بتلك الدعوى الجميلة الخادعة
"حب آل البيت" والتي ليس لشيوخ الشيعة نصيب منها إل السم والدعوى ،فاستولوا على الموال
الكبيرة باسم خمس المام ،وهذه الخليا السرية تتخذ شعارات أشبه ما تكون بشعارات الماسونية فهي
وأخرى باسم "جمعية أهل [انظر :فكرة التقريب ص ].511 تارة ترفع شعار "التقريب بين المذاهب السلمية"
البيت" [انظر :فكرة التقريب ص .].514
وبعد قيام دولة اليات في إيران تحولت السفارات للحكومة اليرانية إلى مراكز للدعوة إلى
الرفض ،واستغلوا المراكز السلمية ،والمساجد ول سيما في أيام الجمع للدعوة للتجاه الرافضي.
وقد نشرت مجلة المجتمع تحقيقا عما يجري من نشاط رافضي في أوربا قالت فيه" :تحولت
السفارات والقنصليات اليرانية في أوربا إلى مراكز لنشر عقيدتهم في أوساط المسلمين (ل الكفار)
المقيمين في أوربا ،وتؤكد ذلك عشرات بل مئات وآلف الكتيبات والمنشورات الخاصة بالفكر
الشيعي ،وتوزيع هذه الكتيبات على المسلمين الوربيين في أماكن تجمعهم وخاصة عند أبواب
المساجد ،أو في البريد ،أو من خلل وسائل أخرى ..وحتى المراكز الثقافية والمكتبات تبدو وكأنها
أقيمت من أجل نشر دعوة التشيع دعوة التشيع اليراني بين القلية المسلمة في أوربا ،فبالضافة إلى
ما تحتويه هذه المكتبات من كتب ونشرات حول الثورة اليرانية ومنهجها العقائدي ..نجد أن القائمين
على هذه المكتبات ينظمون دروسا وندوات تتعلق في معظمها بالقضية العقدية.
ثم أشارت المجلة إلى أسماء بعض المكتبات في أوربا والتي تقوم بتنظيم محاضرات عقدية في فكر
الثورة اليرانية أيام الخميس والسبت من كل أسبوع ،وتوزع خلل ذلك المجلت والكتيبات
والتسجيلت الصوتية ..ويدعا إلى حضور هذه المحاضرات المسلمون كوسيلة من وسائل نشر المنهج
الشيعي على الطريقة اليرانية.
733
كما بدأت المراكز اليرانية بدفع بعض الشباب الذين غررت بهم وجعلتهم عملء للمنهجية اليرانية
إلى بعض مساجد المسلمين للتصال بالمصلين وخاصة أيام الجمع ،حيث يتواجد عدد كبير من
المسلمين في صلة الجمعة ..وأشارت المجلة إلى أن هذه التصالت غالبا من تؤدي إلى وقوع بعض
المصادمات والفتن داخل المسجد ،وقدمت لذلك بعض المثلة ،كما أشارت إلى أن هذه النشاطات
[انظر :مجلة المجتمع ،العدد ،760 :السنة اليرانية بما تحدثه من فتن سيكون لها آثارها السلبية على المسلمين
السابعة عشرة 15رجب 1406ه.].
ونشاط "الروافض" متعدد الوجوه ،متنوع الوسائل ل يراعى فيه مبدأ كحال أهل السنة ،لن
الروافض يرون في "التقية" تسعة أعشار الدين .وقد اعترف بعض علمائهم المعاصرين من حيث ل
[محمد جواد مغنية /الشيعة يدري أن التقية عندهم هي -كما يقول بالحرف الواحد " -الغاية تبرر الواسطة"
[أسلوب في يعني في سبيل الغاية التي تنشدها استخدم أي وسيلة ،أي هي "الميكافيلية" في الميزان :ص ].49
المعاملت يتسم بالخداع والمراوغة والغدر والنانية مبنى على مبدأ "الغاية تبرر الواسطة" وهو ينسب إلى المفكر اليطالي
(نيكول ماكيافلي 1527-1469م) رائد هذا المبدأ ،والذي سجله في كتابه "المير" وقدمه لحد ملوك "أوربا" في القرون الوسطى.
التي اعتمدها الذين ل دين لهم في تحقيق أهدافهم.. (انظر :أحمد عطية /القاموس السياسي :ص ].)1106-1105
734
ومن المترفضة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها ل تحصى وترفضوا من قريب ،وعشيرة
بني لم وهي كثيرة العدد ،وعشائر الديوانية ،وهم خمس عشائر :آل أقرع ،آل بدير ،وعفج ،والجبور،
وجليحة ،والقرع ست عشرة قبيلة ،وكل قبيلة كثيرة العدد ،وآل بدير ثلث عشرة قبيلة وهي أيضًا
كثيرة العدد ،وعفج ثماني قبائل كثيرة العدد ،وجليحة أربع قبائل كثيرة العداد ،والجبور كذلك .ومن
عشائر العراق العظيمة المترفضة منذ مائة سنة فأقل عشيرة كعب وهي عشيرة عظمية ذات بطون
كثيرة[ "..عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد :ص .].118-112
وهكذا مضى الحيدري على هذا المنوال يذكر قبائل أهل السنة التي اعتنقت الرفض في غفلة من
أهل السنة ،ولنهم انخدعوا بأقاويل الروافض :دعونا نلتق ونتعاون ،وهيا إلى الوحدة والتقارب،
والمذهب الشيعي ل يعدو الخلف بينه وبين أهل السنة الخلف بين المذاهب السنية نفسها ،فهيأ أهل
السنة بسكوتهم الرضية لشيوخ الرافضة لنشر مذهبهم ،وإل لو أعلن الحق وُبيّن لما انخدع بالرفض
أحد.
وهم ل يزالون إلى اليوم ينشرون معتقدهم على كل المستويات.
ولهم اهتمامات بالتصال ببعض رؤساء الدول الذين يتوسمون فيهم الستجابة لمذهبهم ،كما فعل
[خدا (بالفارسية) ال .وبنده :عبد .أي عبد ال. قديما ابن المطهر الحلي مع خدا
وخدا بنده هو الثامن من ملوك اليلخانية ،والسادس من ذرية جنكيز خان واسمه الحقيقي الجايتو بن أرغون بن أبغا بن
هولكو .قال ابن كثير" :أقام سنة على السنة ،ثم تحول إلى الرفض وأقام شعائره في بلده"( .البداية والنهاية )14/77 :ذلك أنه
كان حديث عهد بدين السلم ،ول معرفة له بالعقيدة السلمية ،وتاريخ السلم ،فالتقى بابن المطهر الحلي فزين له مذهب
الرافضة الباطل ،فدخل فيه جميع عشائره وقبائله وأتباعه.
وقد صنف ابن المطهر تصانيف كثيرة كنهج الحق ،ومنهاج الكرامة وغيرهما لدعوة السلطان المذكور ،وإغرائه بالتمسك
بالمذهب الرافضي.
قال ابن كثير" :وقد جرت في أيامه فتن كبار ،ومصائب عظام فأراح ال منه البلد والعباد" .وقصم عمره وهو ابن ست
وثلثين سنة .وبعدما توفي السلطان المذكور تاب انه في سنة 710ه من الرفض ورجع عن هذه العقيدة الخبيئة بإرشاد أهل
السنة ،وأبعد الروافض ،فهرب الحلي إلى الحلة وسائر علمائهم (انظر :التحفة الثني عشرية /الورقة " 43مخطوط" وتعليقات
بنده ،وقد كان لذلك آثاره المعروفة تاريخيا ،وكما فعلوا حديثا محب الدين الخطيب على المنتقى ص ].)19-18
مع الزعيم الليبي ،حيث بدت من الخير بوادر التجاه الرافضي في الرأي والولء.
كما قاموا بشراء بعض أصحاب القلم والعقول الخاوية من اليمان واستكتبوها للدعاية للتشيع
[كما ترى ذلك في بعض كتبهم التي ترسل للعالم السلمي للدعاية للتشيع ،ويستكتب فيها أمثال والتقديم لكتب الشيعة
هؤلء كما في كتاب "أصل الشيعة" ،و"عقائد المامية" وغيرهما.].
ويقومون بانتقاء الذكياء من الطلب والطالبات في العالم السلمي ويعطونهم منحا دراسية في قم
ليغسلوا أدمغتهم ويربوهم على الرفض حتى يعودا لبلدانهم ناشرين للرفض داعين له.
735
يقول شيخ الزهر" :النباء التي تصلني من كافة أنحاء العالم السلمي تدل على أن هذه الحركة
اليرانية الخومينية الن تنشر العنف ،وتحاول أن تستقطب الشباب بوجه خاص في كثير من البلدان
السلمية بالغراءات المتعددة المالية والدراسية في إيران وغير ذلك من السبل بقصد إحداث الفرقة
باستقطاب هؤلء الشباب ،ودفعهم إلى إثارة الخلفات في بلدهم وبين شعوبهم ..وأعتقد أنه على
الشعوب السلمية أن تكون حذرة فيما تساق إليه بواسطة الخمينية أو غيرها ،فهي حركة من
[أخبار اليوم ،العدد)2160( : الحركات الموفدة لتفتيت المة السلمية وبث الصراع والخلف فيما بينها"
السنة ،42السبت 11رجب 1406ه.].
ظهور اتجاه رافضي عند بعض الكتاب المنتسبين للسنة:
وظهر في كتابات بعض المفكرين من المنتسبين لهل السنة "لوثات" من الفكر الرافضي ،وبرزت
كتابات لهؤلء متأثرة بالشبهات التي يثيرها "الروافض" في أمر المامة والصحابة ،والمطالع لما يكتبه
ثلة من المفكرين والدباء حول تاريخ صد السلم ،أو "نشأة الفكر الفلسفي في السلم" أو "مسائل
المامة والخلفة" يدرك مدى تأثير الكيد الرافضي في تحوير الحقائق أمام هؤلء.
وأنا ل أشك أن هناك من هذا الصنف "زمرة" مرتزقة قد أغراها بريق المال ودفعها "متاع الغرور"
لتقول ما قالت ،ولتكتب ما سطرت ،والروافض يدفعون المال "للرموز المشهورة" حتى يكتبوا للناس ما
يتفق والمذهب الرافضي ومن قديم قال بعض السلف :لو أردت أن يملؤوا داري ورقا وأكذب على
علي لفعلوا وال ل كذبت عليه أبدا [وهو الشعبي .انظر :السنة للمام عبد ال بن أحمد.].2/549 :
فكيف اليوم وقد كثر المال في أيديهم ،وقلت المانة في نفوس الكثيرين وغرتهم الدنيا وغرهم بال
[على حد المثل القائل" :كل إناء بما فيه ينضح" والقائل" :رمتني بدائها وانسلت" يتهم رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت الغرور
محمد جواد مغنية الستاذ محمد حسين هيكل بأنه قد حذف في الطبعة الثانية لكتابه" :حياة محمد" نصا من نصوص مقابل 500
جنيه .كل ذلك لن هيكل حذف نصا موضوعا تبين له ضعفه فتدراكه في طبعة تالية فأول هذا الرافضي بمقتضى صنيع قومه
وما يفعلون ،فانظر وتعجب (انظر :محمد جواد مغنية /الشيعة في الميزان :ص " 18الهامش").].
وإذا أردت مثالً على هذا التأثر الفكري بالمنهج الرافضي فإليك ذلك :هذا د .علي سامي النشار
صاحب كتاب "شهداء السلم في عصر النبوة" يكتب كتابا باسم "نشأة الفكر الفلسفي في السلم"
ويضع فيه ما تقر به عيون الروافض فيكفر فيه بعض صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول
مثلً عن معاوية رضي ال عنه" :ومهما قيل في معاوية ،ومهما حاول علماء المذهب السلفي المتأخر،
وبعض أهل السنة من وضعه في نسق صحابة رسول ال ،فإن الرجل لم يؤمن أبدا بالسلم ،ولقد كان
يطلق نفثاته على السلم كثيرا ولكنه لم يستطع أكثر من هذا" [نشأة الفكر الفلسفي.].2/19 :
فانظر إلى عظيم افترائه ..وهل يعهد مثل هذا القول إل من الروافض وأشباههم ..وكيف يتفوه
مسلم بهذه المقالة في صحابي جاهد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث شهد معه غزوة حنين
736
[انظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ،].4/458 :وكان أمينا عنده يكتب له الوحي ،وكان متوليا على المسلمين
أربعين سنة نائبا ومستقلً يقيم معهم شعائر السلم [مجموع فتاوى شيخ السلم].4/472 :؟.
ثم هو يفتري على أهل السنة حين يزعم أن القول بصحبة معاوية هو قول للبعض من أهل السنة،
وكأن الكثرية على مذهبه ،وهذا كذب واختلق كمسلك الروافض في الكذب ،فإن إيمان معاوية رضي
ال عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك [مجموع فتاوى شيخ السلم.].4/477 :
وقال أيضا عن أبيه (أبو سفيان بن حرب)" :ولقد كان أبو سفيان زنديقا أي ممن يؤمنون بالمجوسية
الفارسية" [نشأة الفكر الفلسفي ،].2/31 :مع أن أبا سفيان قد استعمله النبي صلى ال عليه وسلم نائبا له،
وتوفي النبي صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان عامله في نجران ،فكيف يكون زنديقا والنبي صلى ال
عليه وسلم يأتمنه على أحوال المسلمين في العلم والعمل؟! [مجموع فتاوى شيخ السلم.].35/66 ،4/454 :
ويوافق أهل الرفض في قولهم بأن قلة من الصحابة كانوا يرون الحق لعلي ،وأن المر قد نزع
منه ..يقول" :وقد أحسّ قلة من خلص الصحابة أن المر نزع من علي للمرة الثالثة ،وأنه إذا كان
المر قد سلب منه أولً لكي يعطى للصاحب الول ،ثم يأخذ منه ثانيا لكي يعطى للصاحب الثاني فقد
أخذ منه ثالثا لكي يعطى لشيخ متهاوٍ متهالك ل يحسن المر ول يقيم العدل يترك المر لبقايا قريش
الضالة" [نشأة الفكر الفلسفي في السلم .].1/228 :وهو يقصد بهذا الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن
عفان رضي ال عنه ،الذي اتفق الصحابة على خلفته ..فكأنه يزري بهم جميعا بهذه الفرية.
ويقول عن الرافضة التي تتسمى بالثني عشرية والتي قالت كل ما مضى من كفر وشنيعة،
واستفاض ذمهم ومقتهم في كلم أئمة السلم .يقول" :إن الفكار الفلسفية للشيعة الثني عشرية هي
في مجموعها إسلمية بحتة" [نشأة الفكر الفلسفي في السلم.].1/13 :
[حدثني د .محمد رشاد سالم -رحمه ال -أنه طرأ على حياة الرجل فانظر إلى هذه المفارقات الغريبة وتعجب
بسبب :علقة مصاهرة مع زوجة كافرة مشبوهة ،وسفر لوربا بإلزام عبد الناصر ،ووضع مالي سيء ما كان له أثره على
فكره ونهجه ،ول يستكثر مثل هذا على من ينال من صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم.].
ويقول -وكأنه المتحدث أحد الروافض -بأن شيعة علي الذين أحبوه عن يقين وإيمان ،وساروا
في ركب المام وهم على إيمان مطلق بأنه الثر الباقي لحقيقة السلم الكبرى ،وبجانب هذا "العثمانية"
و"الموية" الذين كرهوا السلم أشد الكراهية ،وامتلت صدورهم بالحقد الدفين نحو رسول ال وآله
وأصحابه [نشأة الفكر الفلسفي في السلم.].229-228/:1 :
وبعد ،فهذا مثال واحد أكتفي به ،لن هذه المسألة تستحق دراسة نقدية مستقلة.
737
راجع إلى الدنيا ،توفي سنة (146ه) (ميزان العتدال ،3/558 :وانظر :ابن أبي حاتم /الجرح والتعديل ،271-7/270 :تهذيب
[لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الزدي (أبو مخنف) من أهل الكوفة ،قال ابن عدي: التهذيب ،].)9/178 :وأبي مخنف
شيعي محترق صاحب أخبارهم ،توفي سنة (157ه) ،له تصانيف كثيرة منها" :الردة" ،و"الجمل" ،و"صفين" وغيرها.
[نصر بن (انظر :ميزان العتدال ،420-3/419 :العلم للرزكلي ،].)111-6/110ونصر بن مزاحم المنقري
مزاحم بن سيار المنقري الكوفي ،قال الذهبي :رافضي جلد تركوه ،توفي سنة 212ه ،ومن كتبه :وقعة صفين ،وهو مطبوع،
والجمل ،ومقتل الحسين.
(انظر :ميزان العتدال ،4/253 :العقيلي /الضعفاء الكبير ،4/30ابن أبي حاتم /الجرح والتعديل ،8/468 :لسان الميزان:
،6/157العلم ،].)8/350 :والتي توجد حتى عند الطبري في تاريخه ،لكن الطبري يذكرها مسندة لهؤلء
[انظر :روايات الكلبي في تاريخ الطبري،3/168 ،465 ،370 ،272 ،238 ،2/237 ،1/355 : فيعرف أهل العلم حالها
.364 ،349 ،6/103 ،5/449 ،368 ،4/108 ،425 ،286 ،274
وروايات أبي مخنف وهي كثيرة جدا في أكثر من 300موضع .وقال المستشرق بل A.Belفي دائرة المعارف السلمية:
:1/399صنف (يعني أبا مخنف) 32رسالة في التاريخ ،عن حوادث مختلفة وقعت في إبان القرن الول للهجرة ،وقد حفظ لنا
الطبر معظمها في تاريخه ،أما المصنفات التي وصلت إلينا منسوبة إليه فهي من وضع المتأخرين( .انظر :العلم-6/111 :
الهامش).
وروايات نصر بن مزاحم( .487 ،485 ،465 ،4/458 :انظر :فهارس الطبري التي وضعها أبو الفضل إبراهيم في ج10
من التاريخ).].
وكما في كتابات المسعودي في مروج الذهب ،واليعقوبي في تاريخه ..وقد أشار الستاذ محب
الدين الخطيب في حاشية العواصم إلى أن التدوين التاريخي إنما بدأ بعد الدولة الموية ،وكان للصابع
الباطنية والشعوبية المتلفعة برداء التشيع دور في طمس معالم الخير فيه وتسويد صفحاته الناصعة
[انظر :العواصم من القواصم (الحاشية) ص.].177:
ويظهر هذا الكيد لمن تدبر كتاب العواصم من القواصم لبن العربي مع الحاشية الممتازة التي
وضعها عليه العلمة محب الدين الخطيب.
لقد سوّد شيوخ الروافض آلف الصفحات بسب أفضل قرن عرفته البشرية ،وصرفوا أوقاتهم
وجهودهم لتشويه تاريخ المسلمين.
وكانت هذه المادة "الرافضية" الكبيرة والتي تجدها في كتب التاريخ التي وضعها الروافض ،أو
شاركوا في بعض أخبارها ،وتراها في كتب الحديث عندهم كالكافي ،والبحار ،وفي ما كتب شيوخهم
في القديم كإحقاق الحق ،وفي الحديث ككتاب الغدير.
هذه المادة السوداء المظلمة الكريهة الشائهة هي المرجع لما كتبه أعداء المسلمين من المستشرقين
وغيرهم.
وجاء ذلك الجيل المهزوم روحيا ،والذي يرى في الغرب قدوته وامثولته من المستغربين فتلقف ما
كتبته القلم الستشراقية وجعلها مصدره ومنهله ..وتبنى أفكارهم ونشر شبهاتهم في ديار المسلمين.
وكان لذلك أثره الخطير في أفكار المسلمين وثقافاتهم ،وكان الرفض هو الصل في هذا الشر كله.
738
وإن دراسة آراء المستشرقين وصلتها بالشيعة لهي موضوع هام يستحق الدراسة والتتبع ..ول
يمكن بحال أن نخوض غماره في هذا البحث لضيق المجال ،وحسبنا أن نشير إليه وننبه عليه.
لقد بدأت استفادة العدو الكافر من شبهات الروافض وأكاذيبهم ومفترياتهم على السلم والمسلمين
منذ وقت ليس بالقريب.
ففي عصر المام ابن حزم (ت 456ه) كان النصارى يتخذون من فرية الروافض حول كتاب ال
سبحانه حجة لهم في مجادلة أهل السلم ،وقد أجاب ابن حزم عن ذلك بكل حزم فأبان أنه ل عبرة
بأقوال هذه الفئة ،لن الروافض ليسوا من المسلمين [انظر :ص( )1256من هذه الرسالة.].
أثرهم في الدب العربي:
لم يسلم الدب ودولة الشعر والنثر من تأثير أهل التشيع فيه ،وقد ترك التشيع بصماته "السوداء"
على الدب العربي ..وقد استغل "شعراء" الشيعة وخطباؤها ما يسمى بمحن آل البيت في إثارة
عواطف الناس واستجاشة مشاعرهم وإلهاب العواطف والنفوس ،وتحريكها ضد المة ودينها.
وتلمس في بعض ما وصلنا من "أدب" بعض التجاهات العقدية عند الشيعة ،وتلمح المبالغة في
تصوير ما جرى على أهل البيت من محن ،واستغلل ذلك في نشر التشيع ،والطعن في الصحابة
رضوان ال عليه.
وقد أجهد رواد التشيع أنفسهم في نشر الخرافات والساطير عن أئمتهم في ثوب قصصي مثير ،أو
في خطبة أو في شعر مبالغ في الغلو في مدح الئمة.
ولقد تأثرت عقائد العامة وتصوراتهم ،حتى أثر ذلك على عقيدة التوحيد عندهم فاتخذوا من الئمة
أربابا من دون ال.
يقول الستاذ محمد سيد كيلني:
"فترى أن التشيع قد أخرج لونا من الدب كان سببا في الهبوط بالمسلمين إلى هوة سحيقة من
التأخر والنحطاط ،وقد أفلح الوهابيون في القضاء على كثير من هذه الخرافات في داخل بلدهم ،أما
[أثر التشيع في الدب في القطار السلمية الخرى فالحال باقية كما هي عليه حتى بين طبقة المتعلمين"
العربي /محمد سيد كيلني :ص ،43دار الكتاب العربي بمصر.].
[وتسمى القصيدة الهائية ويكفي هذا مطالعة القصيدة المشهورة والمعتمدة عندهم وهي "القصيدة الزرية"
لشيخهم محمد كاظم الزري المتوفى سنة 1211ه (الذريعة ،)17/135 :وللستاذ محمود الملح نقد لهذه القصيدة سماه "الرزية
ل عن المظفر :-إن شيخهم صاحب الجواهر
في القصيدة الزرية" ذكر أنه قدم لها شيخهم محمد رضا المظفر ،وقال -نق ً
(وهو محمد بن حسن بن باقر النجفي المتوفى سنة 1266ه ،والجواهر هو شرح "شرائع السلم" من كتبهم المعتمدة في الفقه.
انظر :محمد جواد مغنية /مقدمته لـ "شرائع السلم") كان يتمنى أن تكتب في ديوان أعماله "القصيدة الزرية" مكان كتابه
"جواهر الكلم" ثم ذكر بعض أبياتها وهي تعج بالكفر الصريح ،كقوله عن علي:
ففي عين كل شيء تراها وهو الية في المحيط في الكون
وقوله:
739
أنت مولى بقائها وفناها كل ما في القضاء من كائنات
(انظر :الرزية في القصيدة الزرية :ص .].)35-33
كما اتخذوا من حرفة الدب وسيلة للنيل من المة بالساءة لسمعة خلفائها ،وتشويه صورة المجتمع
المسلم ،حيث نجد تضخيم الجانب الهزلي والمنحرف والضال في المجتمع ،بل تصوير المجتمع
وخليفته بصورة هابطة كما فعلوا مع الخليفة هارون الرشيد وأخباره مع أبي نواس ،وهو الخليفة الذي
يغزو عاما ويحج عاما ،كما وجدوا في الدب متنفسا لهم ،حيث ترتفع التقية في جو العاطفة والخيال..
فيصبوا أحقادهم وكرههم للخليفة والمة في قصة أو شعر أو مثل أو خطبة ..ويكفي كمثال على ذلك
كله الطلع على كتاب الغاني للرافضي أبي الفرج الصفهاني.
المجال السياسي
الشيعة -كما تؤكد أصولهم -ل يؤمنون بشرعية أي دولة في العالم السلمي ،ويرون أن الخليفة
على العالم السلمي طاغوت ،ودولته غير شرعية ،ول يستثنون من ذلك إل خلفة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب وخلفة الحسن (وقد مضى أنهم يقولـون في رواياتهم :كل راية ترفع قبل قيام
القائم فصاحبها طاغوت) [انظر :ص(.].)738
ولهذا وجد العدو المتربص بالمة المسلمة ضالته المنشودة في الشيعة ،وحقق الكثير من أغراضه
بواسطتها ،لوجود هذه العقيدة التي من ثمارها فقدان الولء والطاعة ،وإضمار العداء والكراهية للمير
والمأمورين من المسلمين.
ولذا كانت الزمر الرافضية أداة مطيعة بيد العدو ،ومركبا ذلولً سخره للوصول إلى مآربه.
وكانت عقيدة التقية تيسر للعناصر الشيعية إحكام الخطط ،وترتيب المؤامرات ،فهم أشبه ما يكونون
بخلية سرية ماسونية تلبس للمة المسلمة رداء السلم ،وترتدي ثوب المودة والطاعة لمام المسلمين
في الظاهر ،وتعمل على الكيد له وللمة في الباطن ،فقد قالوا" :خالطوهم بالبرانية وظاهروهم
[أصول الكافي ،2/220 :و"البرانية" هي العلنية ،و"الجوانية" هي السر والباطني. بالجوانية إذا كانت المرة صبيانية"
(هامش الكافي.].)221-2/220 :
ولقد كان الشيعة في مختلف فترات التاريخ موضع استغلل من الملحدين يسخرونهم في خدمة
أغراضهم وتنفيذ مخططاتهم ،وقد انضم رؤوس الزنادقة إلى ركب التشيع حتى يمكنهم الستفادة من
أولئك الرعاع ،ولذا ذكر شيخ السلم "أن أكثر معتنقي التشيع ل يعتقدون دين السلم ،إنما يتظاهرون
بالتشيع لقلة عقل الشيعة وجهلهم ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم" [انظر :منهاج السنة.].2/48 :
وقد شهدت الوقائع والحداث أن التشيع كان مأوى لكل من يريد الكيد للسلم وأهله.
لقد وجدت طوائف من الفرس الذين قضى المسلمون على دولتهم في سبع نسين في التشيع ضالتهم
المنشودة ،كذلك وجد يهود الفرصة سانحة لتحقيق أهدافهم عن طريق التشيع.
740
وإلى اليوم يتستر بالتشيع أعداء السلم والمتآمرين على أهله ..وقد برزت أثناء الخلف بين
الفصائل الشيعية المنبثقة من الثني عشرية "اعترافات" من القوم أنفسهم تصدق هذا القول ..فقد نقل
أحد الباحثين الشيعة بأن السفير الروسي في إيران -كنياز دكوركي كان يحضر دروس شيخهم
صاحب الكشفية إحدى فرق [انظر :ترجمته في العلم للزركلي ،6/67 :وانظر :أحسن الوديعة].1/72 : الرشتي
الثني عشرية -كما مر [انظر :ص( )112من هذه الرسالة -].والتي يلقيها في كربلء باسم مستعار هو
"الشيخ عيسى اللنكراني" وقد كشفت ذلك مجلة الشرق التي أصدرتها وزارة الخارجية الروسية
(السوفياتية) لسنة 1925-1924م [انظر :آل طعمة /مدينة الحسين :ص .].53
كم كان الجنرال النكليزي المتقاعد جعيفر عليخان (ويبدو أنه اتخذ هذا السم للتمويه) كان يتزيا
بالزي الشيعي ويحضر هو الخر دروس كاظم الرشتي [آل طعمة /مدينة الحسين :ص .].53
ويعلل الباحث الشيعي هذه الظاهرة بأن العداء "كانوا على علم مسبق بأن سكان هذين القطرين -
[آل طعمة /مدينة الحسين :ص العراق وإيران -من المحبين لهل البيت فجاءوهم من الناحية العقائدية
..].53فأشاعوا بينهم -كما يقول -من خلل المذهب الكشفي الغلو في الئمة وجعلهم شركاء ل في
[آل طعمة /مدينة الحسين :ص خلقه ورزقه ..ونفي العقاب عن كل مرتكتب معصية صغيرة كانت أو كبيرة
.].54
ثم يقول" :وهكذا وجد الستعمار في هذه الديار العربية المسلمة أرضا خصبة لغرس شجرة العقيدة
الحنظلية" [انظر :آل طعمة /مدينة الحسين :ص .].54
وأقول :ومن قبل كان للتجاه الصفوي دوره الخطير في بذر أصول الغلو على يد ثلة من شيوخ
السوء أمثال المجلسي والجزائري والكاشاني وغيرهم.
وهذا العدو الذي لبس ثوب التشيع زروا ،واندس في صفوف الشيعة قد يجد المكانة الرفيعة بينهم،
كيف وعقيدتهم في الجماع تجعل لقول الفئة المجهولة ،ورأي الشخص المجهول الحقية على غيره
[وهو ل يعدم حينئذ شيئا من شهواته التي كان يمارسها قبل دخوله على احتمال أن يكون هذا المجهول هو المهدي
في التجاه الشيعي ،فالشهوات الجنسية تتحقق له عن طريق المتعة وعارية الفرج واللواط بالنساء المقررة في شرعتهم.
والتكاليف الشريعة قد تخف بجمع الصلوات ..وقد تسقط بحب آل البيت.
والجهاد معطل حتى يخرج المنتظر فل خوف على النفس ،وإن وصل إلى مرحلة الية والحجة والمرجعية فالذهب الرنان
يبذل تحت قديمه باسم الخمس.
و"البابوية" أو التقديس والتعظيم يناله باسم النيابة عن المنتظر.
فماذا يضيره حينئذ أن يندس في صفوفهم ،ويعمل لقومه بين ظرانيهم متسترا بزي رجال الدين المتوشحين بالسواد عندهم،
وقد ينتسب إلى العترة ليجد الحظوة.].
هذا ومن يتتبع أحداث التاريخ وملحمه يرى أن معول مدعي التشيع كان من أخطر المعاول التي
أتت على الدولة السلمية من أطرافها ،ذلك أنهم مع المسلمين في الظاهر ،وهم من أعظم العداء لهم
في الباطن ،حتى قال شيخ السلم ابن تيمية" :إن أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة ،ومن انضوى إليهم،
741
[منهاج السنة: وكثير من السيوف التي سلت في السلم إنما كان من جهتهم ،وبهم تسترت الزنادقة"
.].3/243
ولنهم يرون أن المسلمين أكفر من اليهود والنصارى [انظر :ص 715-714من هذه الرسالة ،].فهم
يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود والنصارى والمشركين ،ويعادون أولياء
ال الذين هم خيار أهل الدين وسادات المتقين [منهاج السنة.].4/110 :
وقال شيخ السلم" :فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على
المسلمين" [منهاج السنة.].3/38 :
فقد شهد الناس أنه لما دخل هولكوا ملك الكفار الترك الشام سنة 658هـ كانت الرافضة الذين
كانوا بالشام من أعظم الناس أنصارا وأعوانا على إقامة ملكه وتنفيذ أمره في زوال ملك المسلمين،
وهكذا يعرف الناس عامة وخاصة ما كان بالعراق لما قدم هولكو إلى العراق وسفك فيها من الدماء
ما ل يحصيه إل ال ،فكان وزير الخليفة ابن العلقمي والرافضة هم بطانته الذين عاونوه على ذلك
بأنواع كثيرة باطنة وظاهرة يطول وصفها [وسيأتي تفصيل بعض أحداثها في آخر هذا المبحث.].
وقبل ذلك كانت إعانتهم لجد هولكو هو جنكيز خان ،فإن الرافضة أعانته على المسلمين.
وقد رآهم المسلمون بسواحل الشام وغيرها إذا اقتتل المسلمون والنصارى هواهم مع النصارى
يناصرونهم بحسب المكان ،ويكرهون فتح مدائنهم كما كرهوا فتح عكا وغيرها ،ويختارون إدالتهم
[هو أخو خدابنده ،من أحفاد جنكيز خان ملك الترك على المسلمين حتى إنهم لما انكسر المسلمون سنة غازان
الكفار المسمون بالتتار ،أما الواقعة التي يشير إليها شيخ السلم فانظر تفاصيل أحداثها في البداية والنهاية لبن كثير.].14/6 :
سنة تسع وتسعين وخمسمائة ،وخلت الشم من جيش المسلمين عاثوا في البلد ،وسعوا في أنواع من
الفساد من القتل وأخذ الموال ،وحمل راية الصليب ،وتفضيل النصارى على المسلمين وحمل السبي
والموال والسلح من المسلمين إلى النصارى بقبرص وغيرها ،فهذا وأمثاله قد عاينه الناس ،وتواتر
[منهاج السنة ،3/244 :وانظر :ص 39-38من نفس الجزء ،وانظر :ج 4ص ،111-110والمنتقى :ص عند من لم يعاينه
،332-329وتعليقات محب الدين الخطيب في هذا الموضوع.].
وقال" :وكذلك كانوا من أعظم السباب في استيلء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه
المسلمون منهم" [منهج السنة.].4/110 :
والحديث في هذا الباب ممتد ،وقد حفلت كتب التاريخ بتصوير أحداثه المريرة.
وإذا كان هذا تأثير الشيعة الذين يعيشون داخل الدولة السلمية ،فإن تأثير دول الشيعة التي قامت
[وقد ظهرت في العراق وقسم من إيران سنة ،334وانقرضت سنة أشد ،ولهذا قال شيخ السلم عن دولة بني بويه
بأن هذه 437هـ ،والثنا عشرية تعدها من دولها( .انظر :الشيعة في التاريخ ص ،98والشيعة في الميزان :ص ].)148-138
الدولة قد انتظمت أصناف المذاهب المذمومة :قوم منهم زنادقة ،وفيهم قرامطة كثيرة ومتفلسفة،
ومعتزلة ،ورافضة.
742
وقد حصل لهل السلم والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف ،حتى استولى النصارى على
ثغور السلم ،وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك ،وجرت حوادث
كثيرة [مجوع فتاوى شيخ السلم.].4/22 :
وقال عن دولة خدا بنده [انظر :ص 1203هامش ( )1من هذه الرسالة" :].وانظر ما حصل لهم في دولة
[يعني كتاب "منهاج الكرامة" الذي وضعه ابن المطهر الحلي ورد عليه السلطان خدا بنده الذي صنف له هذا الكتاب
كيف ظهر فيهم من الشر الذي لو دام وقوي أبطلوا به عامة شرائع السلم شيخ السلم في منهاج السنة].
[منهاج السنة: لكن يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ويأبى ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون"
،].3/244وكذلك كان المر أشد في الدولة الصفوية من بعد شيخ السلم.
وإلى اليوم يجري الثر الرافضي في أرض المسلمين فسادا من دولة اليات في إيران ،ومن
منظماتهم في لبنان [انظر :أمل والمخيمات الفلسطينية للدكتور محمد الغريب ،].وفي خلياهم في دول الخليج
وغيرها.
ويذكر إحسان إلهي ظهير أن انفصال باكستان الشرقية كان وراءه الكيد الرافضي ،حيث قال" :وها
هي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء "قزلباش" الشيعة يحيى خان في أيدي الهندوس"
[الشيعة والسنة :ص .].11
[انظر :مظالم الشيعة :ص ،10-9وقد قال وقد عارض شيوخ الشيعة في باكستان تطبيق الشريعة السلمية
زعيم الشيعة مفتي جعفر حسين في مؤتمر صحفي بأن الشيعة يرفضون تطبيق الحدود السلمية لنها ستكون على مذهب أهل
السنة( .البناء الكويتية في 1/5/1979م)].؛ لنها تحد من شهواتهم التي يمارسونها باسم المتعة ،وتعاقبهم على
جرائمهم التي يستسهلون ارتكابها بحجة أن حب علي ل تضر معه سيئة.
وبعد ..هذه إشارات لقضايا كبيرة ،شرحها ودراستها يحتاج لمؤلفات.
وحسبي أن أختار مثالين منها للوقوف عندها قليلً لخذ العبرة:
الول :يتصل بتأثير الشيعة داخل الدولة السلمية ،وسأتوقف عند حادثة ابن العلقمي وتآمره
لسقاط الدولة السلمية.
والثاني :في تأثير دول الشيعة على المسلمين ،وسأتوقف عند الدولة الصفوية.
743
المرحلة الولى :إضعاف الجيش ،ومضايقة الناس ..حيث سعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين،
وضعفتهم:
قال ابن كثير" :وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش ،وإسقاط اسمهم من الديوان،
فكانت العساكر في أخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل ..فلم يزل يجتهد في تقليلهم ،إلى أن
لم يبق سوى عشرة آلف" [البداية والنهاية.].13/202 :
المرحلة الثانية :مكاتبة التتار :يقول ابن كثير" :ثم كاتب التتار ،وأطمعهم في أخذ البلد ،وسهل
عليهم ذلك ،وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف ا لرجال" [البداية والنهاية.].13/202 :
المرحلة الثالثة :النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس:
وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم، [منهاج السنة].3/38 : فقد نهى العامة عن قتالهم
وأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق
لهم ،ونصفه للخليفة ،فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والمراء والعيان..
فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومعن معه من قواد المة وطلئعها بدون أي جهد من التتر .وقد أشار
أولئك المل من الرافضة وغيرهم على المنافقين على هولكو أن ل يصالح الخليفة ،وقال الوزير ابن
العلقمي :متى وقع الصلح على المناصفة ل يستمر هذا إل عاما أو عامين ،ثم يعود المر إلى ما كان
عليه قبل ذلك ،وحسنوا له قتل الخليفة ،ويقال إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي ،ونصير الدين
[وكان النصير عند هولكوا قد استصحبه في خدمته لما فتح قلع اللموت ،وانتزعها من أيدي السماعيلية (ابن الطوسي
كثير /البداية والنهاية.].) )13/201( :
ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول
والشبان ،ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ،ومن التجأ إليهم ،وإلى دار الوزير
ابن العلقمي الرافضي [البداية والنهاية.].202-13/201 :
وقد قتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أو أكثر أو أقل ،ولم ير في السلم
ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر ،وقتلوا الهاشميين ،وسبوا نساءهم من العباسيين وغير
العباسيين ،فهل يكون مواليا لل رسول ال صلى ال عليه وسلم من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم
وعلى سائر المسلمين [منهاج السنة.].3/38 :؟
وقتل الخطباء والئمة ،وحملة القرآن ،وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد
[البداية والنهاية.].13/203 :
وكان هدف ابن العلقمي "أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة ،وأن يعطل المساجد
والمدارس ،وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون بهذا مذهبهم فلم يقدره ال على ذلك ،بل أزال
نعمته عنه وقصف عمره بعد شعور يسيرة من هذه الحادثة ،وأتبعه بولده" [البداية والنهاية.].203-13/202 :
744
فتأمل هذه الحادثة الكبرى والخيانة العظمى ،واعتبر بطيبة بعض أهل السنة إلى حد الغفلة بتقريب
أعدى أعدائهم ،وعظيم حقد هؤلء الروافض وغلهم على أهل السنة ،فهذا الرافضي كان وزيرا
للمستعصم أربع عشرة سنة ،وقد حصل له من التعظيم والوجاهة ما لم يحصل لغيره من الوزراء ،فلم
يجد هذا التسامح والتقدير في إزالة الحقد والغل الذي يحمله لهل السنة ،وقد كشف متأخروا الرافضة
القناع عن قلوبهم ،وباحوا بالسر المكنون فعدوا جريمة ابن العلقمي والنصير الطوسي في قتل
المسلمين من عظيم مناقبهما عندهم .فقال الخميني في الشادة بما حققه نصير الطوسي .." :ويشعر
الناس (يعني شيعته) بالخسارة ..بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممن قدم خدمات
جليلة للسلم" [الحكومة السلمية :ص .].128
والخدمات التي يعني هنا هي ما كشفها الخوانساري من قبله في قوله في ترجمة النصير الطوسي:
"ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم ..هولكو خان..
ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الستعداد إلى دار السلم بغداد لرشاد العباد وإصلح
البلد ..بإبادة ملك بني العباس ،وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام ،إلى أن أسال من دمائهم
[روضات الجنات: القذار كأمثال النهار ،فانهار بها في ماء دجلة ،ومنها إلى نار جهنم دار البوار"
،301-6/300وانظر أيضا في ثناء الروافض على النصير الطوسي النوري الطبرسي /مستدرك الوسائل ،3/483 :القمي/
الكنى واللقاب.].1/356 :
فهم يعدون تدبيره ليقاع القتل العام بالمسلمين ،من أعظم مناقبه ،وهذا القتل هو الطريق عندهم
لرشاد العباد وإصلح البلد ،ويرون مصير المسلمين الذي استشهدوا في هذه "الكارثة" إلى النار،
ومعنى هذا أن هولكو الوثني وهو الذي يصفه بالمؤيد ،وجنده هم عندهم من أصحاب الجنة؛ لنهم
شفوا غيظ هؤلء الروافض من المسلمين ،فانظر إلى عظيم هذا الحقد!! حتى صار قتل المسلمين من
أغلى أمانيهم ..وصار الكفار عندهم أقرب إليهم من أمة السلم.
[وانظر أيضا في قصة تآمره :ابن شاكر الكتبي /فوات هذه قصة ابن العلقمي أوردتها معظم كتب التاريخ
الوفيات ،2/313 :الذهبي /العبر ،5/225 :السبكي /طبقات الشافعية 263-8/262 :وغيرها ،].وأقرتها كتب الرافضة،
وأشادت بها ..ومع ذلك فقد حاول الراوفض المعاصرين توهين القصة والطعن في ثبوتها ،وحجته أن
الذين ذكروا الحادثة غير معاصرين للواقعة ،وحينما جاء على من ذكر الحادثة من معاصريها مثل:
أبي شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل (ت 665هـ) كان جوابه عن ذلك بأنه وإن عاصر
[انظر :محمد الشيخ الساعدي/ الحادثة معاصرة زمانية ،لكنه من دمشق فلم تتوفر فيه المعاصرة المكانية
مؤيد الدين بن العلقمي وأسرار سقوط الدولة العباسية ،وقد ساعدت جامعة بغداد على نشر الكتاب.].
وهي محاولة لرد ما استفاض أمره عند المؤرخين ،كمحاولتهم في إنكار وجود ابن سبأ ،وقد بحثت
في كتب التاريخ فوجدت شهادة هامة لحد كبار المؤرخين تتوفر فيه ثلث صفات :الولى :أن الشيعة
يعدونه من رجالهم ،والثانية :أنه من بغداد ،والثالثة :أنه متوفى سنة 674هـ.
745
فهو شيعي بغدادي معاصر للحادثة؛ ذلك هو المام الفقيه علي بن أنجب المعروف بابن الساعي
الذي شهد بجريمة ابن العلقمي فقال ..." :وفي أيامه (يعني المستعصم) استولت التتار على بغداد،
وقتلوا الخليفة ،وبه انقضت الدولة العباسية من أرض العراق ،وسببه أن وزير الخليفة مؤيد الدين ابن
العلقمي كان رافضيا ..ثم ساق القصة [مختصر أخبار الخلفاء :ص ..].137-136وابن الساعي هذا ذكره
محسن المين من رجال الشيعة فقال" :علي بن أنجب البغدادي المعروف بابن الساعي له أخبار
الخلفاء ت 674هـ" [أعيان الشيعة.].1/305 :
ويكفي دللة على صلة الروافض بنكبة المسلمين وتمني حصول أمثالها هذا التشفي الذي صدر
على ألسنة شيوخهم المتأخرين والمعاصرين كالخوانساري ،والخميني وأمثالهما.
[استمر ملك الدولة الصفوية من سنة 1905إلى سنة 1148هـ (مغنية /الشيعة في الميزان :ص الدولة الصفوية
:].)182
في الدولة الصفوية ،والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي فرض التشيع الثني عشري على
اليرانيين قسرا ،وجعل المذهب الرسمي ليران ..وكان إسماعيل قاسيا متعطشا للدماء إلى حد ل يكاد
يصدق [علي الوردي /لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث :ص ،].56ويشيع عن نفسه أنه معصوم وليس
[كامل مصطفى الشيبي/ بينه وبين المهدي فاصل ،وأنه ل يتحرك إل بمقتضى أوامر الئمة الثني عشر
الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري :ص .].413
ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة ،وكان يتخذ سب الخلفاء الثلثة وسيلة لمتحان اليرانيين،
فمن يسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلً" :بيش باد كم باد" ..هذه العبارة تعني في اللغة
الذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه ،أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه
العبارة قطعت رقبته حالً ،وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع ،والسواق وعلى المنابر منذرا
[كامل مصطفى الشيبي /الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري: المعاندين بقطع رقابهم
ص ،].58وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق الرفض فورا بقوة السلح.
ويروى عنه أنه عندما فتح تبريز في بداية أمره وأراد فرض التشيع على أهلها بالقوة ،أشار عليه
بعض شيوخهم أن يتريث ،لن ثلثي سكان المدنية من أهل السنة ،وأنهم ل يصبرون على سب الخلفاء
الثلثة على المنابر ،ولكنه أجابهم" :إذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون ال فل
[كامل مصطفى الشيبي /الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري: أبقي منهم أحدا حيا"
ص ،58وانظر :تاريخ الصفويين :ص .].55
ومن ناحية أخرى اتخذ مسألة قتل الحسين وسيلة للتأثير النفسي ،بالضافة إلى أسلوب التهديد
[الشيبي /الفكر والرهاب فأمر بتنظيم الحتفال بذكر مقتل الحسين على النحو الذي يتبع الن عندهم
الشيعي :ص .].415وأضاف إليه فيما يقال مجالس التعزية.
746
وهي التي يسمونها الن "الشبيه" ويجرى فيها تمثيل مقتل الحسين ..فكان لهذا أثره على أولئك
العاجم حتى رأى بعضهم أنه من أهل العوامل في نشر التشيع في إيران ،لن ما فيه من مظاهر
الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة العلم ودق الطبول وغيرهما يؤدي إلى تغلغل في العقيدة في
أعماق النفس والضرب على أوتارها الكامنة" [الوردي /لمحات اجتماعية :ص .].59
ولقد آزر شيوخ الروافض سلطين الصفويين في الخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو وفرض ذلك
على مسلمي إيران بقوة الحديد والنار.
وكان من أبرز هؤلء الشيوخ شيخهم علي الكركي [علي بن هلل الكركي ،هلك سنة (948هـ) ،].الذي
يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني الذي قربه الشاه طهماسب ،ابن الشاه إسماعيل وجعله المر المطاع في
الدولة ،فاستحدث هذا الكركي بدعا جديدة في التشيع ،فكان منها" :التربة التي يسجد عليها الشيعة الن
[الفكر الشيعي :ص 416عن ترجمته في روضات الجنات ص في صلواتهم .وقد ألف فيها رسالة سنة (933هـ)
،].404كما ألف رسالة في تجويز السجود للعبد [لمحات اجتماعية :ص ،].63وذلك مسايرة للسلطان
[ولذا قال الحيدري بأن إسماعيل الصفوي الذي كان يغلو فيه أصحابه حتى إنهم يعبدونه ويسجدون له
إسماعيل خرج عن جادة الرفض ،وادعى الربوبية ،وكان يسجد له عسكره (عنوان المجد :ص .].)117-116
وكانت بدعه الكثيرة في المذهب الشيعي داعية للمصنفين من غير الشيعة إلى تلقيبه بمخترع الشيعة
[النواقض /الورقة98 :ب .].وقد ألف رسالة في لعن الشيخين -رضي ال عنهما -سماها "نفحات
اللهوت في لعن الجبت والطاغوت" [الفكر الشيعي :ص .].416
ويقال :إنه هو الذي شرع السب في المساجد أيام الجمع [الفكر الشيعي :ص .].416
كذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية المجلسي ،والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في
[دونلد سن/ إيران حتى يقال بأن كتابه "حق اليقين" كان سببا في تشيع سبعين ألف سني من اليرانيين"
عقيدة الشيعة :ص .].302
والقرب أن هذا من مبالغات الشيعة ،فإن الرفض في إيران لم يجد مكانه إل بالقوة والرهاب ،ل
بالفكر والقناع.
ثم نشأ الجيل اللحق في جو المآتم الحسينية السنوية التي طورها الصفويون ليمتلئ الناشئ بتأثيرها
حقدا وغيظا حتى ل يكاد يستمع بسبب ذلك إلى حجة أو برهان.
وكان لكتاب المجلسي "بحار النوار" أثره في إشاعة الغلو بين الشيعة ،حيث "جاء قراء التعزية،
وخطباء المنابر فصاروا يأخذون منه ما يروق لهم وبذا ملؤوا أذهان العامة بالغلو والخرافة".
وقد كان هذا الكتاب من أوائل المؤلفات التي طبعت على نطاق واسع في العهد القاجاري ،وقد
وردت منه إلى العراق نسخ كثيرة مما أدى إلى انتشار معلوماته الغثة في أوساط الشعب العراقي على
منوال ما حدث في إيران [لمحات اجتماعية :ص .].78-77
747
كذلك ل ينسى الجانب الخر من آثر الدولة الصفوية ،وذلك في حروبها لدولة الخلفة السلمية،
وتعاونها مع العداء من البرتغال ثم النجليز ضد المسلمين ،وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول
[انظر تفاصيل ذلك في :تاريخ الصفويين ص 93وما بعدها ،وانظر: المبشرين والقسس ،مع محاربتهم للسنة وأهلها
حاضر المعالم السلمي للدكتور جميل المصري :ص .].117
هذه بعض أثار دولهم وأفرادهم في هذا المجال..
ومن كلمات شيخ السلم ابن تيمية (الخالدة) والمهمة في هذا الموضوع ،والتي إذا طبقتها على
الواقع ،وإذا استقرأت من خللها وقائع التاريخ رأيت صدقها كالشمس قوله -رحمه ال :-
"فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه ،وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في
السلم ،فإنه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة ،وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا ،وأنهم ل يقعدون
عما يمكنهم من الفتن والشرور وإيقاع الفساد بين المة" [منهاج السنة.].3/243 :
ونحن قد علمنا بالمعاينة والتواتر أن الفتن والشرور العظيمة التي ل تشابهها فتن ،إنما تخرج عنهم
[منهاج السنة.].3/245 :
المجال الجتماعي
وهو باب واسع سأشير لبعض معالمه.
أولً :علقتهم مع المسلمين:
الشيعة يعيشون مع المسلمين ،ويحملون الهوية السلمية ،ول يوجد تمييز لهم عن غيرهم،
والصل في علقة المسلمين الحب والمودة والتكافل واليثار.
والسلم أرسى دعائم الود بين المسلم وأخيه ،وقدم جيل الصحابة رضوان ال عليهم أعظم صور
المحبة والوفاء امتثالً لهدي القرآن والسنة ،ول شك في أن صورة التلحم تلك كانت هدفا من أهداف
العدو المتربص بالمة.
وكانت مؤامراته في تقويض البناء المتماسك كثيرة ..ولقد اندس هؤلء في التشيع وأعملوا من
خلله الهدم والتخريب لهذا الساس المتين في المجتمع السلمي.
ولهذا كان من الشائع والمستفيض أن علقة الشيعي مع غيره مبنية على حب اليذاء بأي وسيلة،
واتخاذ ذلك قربة عند ال.
وإن إضمار العداء والكره من صفاتهم.
وإن عدم الوفاء ومراعاة الحقوق من طبيعتهم.
وإن الغدر والخيانة والمكر والخديعة من أعمالهم المعروفة عنهم ،والتي تصل إلى حد القتل.
قال شيخ السلم" :وأما الرافضي فل يعاشر أحدا إل استعمل معه النفاق؛ فإن دينه الذي في قلبه
دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة ،وغش الناس ،وإرادة السوء بهم ،فهو ل يألوهم خبالً ول يترك
748
شرا يقدر عليه إل فعله بهم ،وهو ممقوت عند من ل يعرفه ،وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على
وجهه سيما النفاق وفي لحن القول ،ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن ل حاجة به إليه لما في قلبه
من النفاق الذي يضعف قلبه[ "..منهاج السنة.].3/260 :
وقد قدّم العلمة الشوكاني مشاهدات شخصية من خلل معايشته للرافضة في اليمن ،وكشف من
خلل ذلك أمورا عجيبة وأكد أنه "ل أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير
الرفض ،بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له ،لنه عنده مباح الدم والمال ،وكل ما يظهره
من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة" [طلب العلم :ص .].71-70
وبيّن حقيقة ذلك بالتجربة العملية مع هذه الطائفة فقال" :وقد جربنا هذا تجريبا كثيرا فلم نجد
رافضيا يخلص المودة لغير رافضي ،وإن آثره بجميع ما يملكه ،وكان له بمنزلة الخول ،وتودد إليه
بكل ممكن ،ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ول غيرها ما نجده عند هؤلء من العداوة لمن
خالفهم ،ثم لم نجد عند أحد ما نجد عندهم من التجري على شتم العراض المحترمة ،فإنه يلعن أقبح
اللعن ،ويسب أفظع السب كل من تجري بينه وبينه أدنى خصومة وأحقر جدال ،وأقل اختلف ،ولعل
سبب هذا وال أعلم أنهم لما تجرّؤا على سب السلف الصالح هان عليهم سب من عداهم ،ول جرم،
فكل شديد ذنب يهون ما دونه" [طلب العلم :ص .].71
وقد أشار الشوكاني -رحمه ال -إلى أنهم ل يتورعون من اقتراف أي جريمة في المجتمع
السلمي ،ول يتنزهون عن فعل أي محرم ،فقال :وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلً رافضيا
يتنزه عن محرمات الدين كائنا من كان ول تغتر بالظواهر؛ فإن الرجل قد يترك المعصية في المل
ويكون أعف الناس عنها في الظاهر ،وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من ل يخاف نارا ول
يرجو جنة.
ثم استشهد على ذلك ببعض مشاهداته الشخصية فقال" :وقد رأيت منهم من كان مؤذنا ملزما
للجماعات فانكشف سارقا ،وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء ،وله سمت حسن وهدي
عجيب وملزمة للطاعة ،وكنت أكثر التعجب منه كيف يكون مثله رافضيا ثم سمعت بعد ذلك عنه
بأمور تقشعر لها الجلود وترجف منها القلوب" ،ثم ذكر رجلً ثالثا كان به رفض يسير ثم تطور به
الرفض حتى ألف في مثالب جماعة من الصحابة .قال الشوكاني" :وكنت أعرف عنه في مبادئ أمره
صلبة وعفة ،فقلت :إذا كان ولبد من رافضي عفيف فهذا ،ثم سمعت عنه بفواقر ،نسأل ال الستر
والسلمة" [طلب العلم :ص .].73
ثم قال -رحمه ال " :-وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين ومن يقدرون
على ظلمه كائنا من كان فل يحتاج إلى برهان ،بل يكفى مدعيه إحالة منكره على الستقرار والتتبع
فإنه سيظفر عند ذلك بصحة ما ذكرناه" [طلب العلم :ص .].74
749
هذه "مشاهدات" مهمة سجلها الشوكاني ،وبيّن كيف يفعل "الرفض" بصاحبه وأثر ذلك في علقته مع
المسلمين ،لنه يقيم مع هذه "الفئة" من الرافضة في اليمن والتي خرجت من نطاق الزيدية إلى الرفض
[الزيدية الجارودية :هي وإن تسمت بالزيدية فهي رافضة تكفر صحابة رسول ال كما هو معروف عن الجارودية"
صلى ال عليه وسلم .ولذلك فإن شيخ المامية "المفيد" في كتابه "أوائل المقالت" أخرج الزيدية من دائرة التشيع واستثنى منهم
"الجارودية" لنهم على مذهبه .انظر :ص( )42من هذه الرسالة.].
هذه "الشهادة" من الشوكاني قد يقول قائل :إنها من خصم للرافضة ،فل تؤخذ عليهم ..والحقيقة أن
أهل السنة أعدل وأنصف وأتقى من الوقوع في ظلم هذه الطوائف والكذب عليها ،كما أثبتت ذلك
الوقائع "بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض ،وهذا ما يعترفون هم به ويقولون:
أنتم تتصفوننا ما ل ينصف بعضنا بعضا" [منهاج السنة.].3/39 :
وقد وقفت على نص مهم في الكافي للكليني يشهد لكلم الشوكاني ويعترف بصدق ما قاله،
والعتراف سيد الدلة ..ويبيّن طبيعة الرافضي في علقاته مع الناس.
جاء في الكافي أن أحد الشيعة ويسمى عبد ال بن كيسان قال لمامهم" :إني ..نشأت في أرض
[هيئة أهل فارس ،وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك ،فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت
الخير /هامش الكافي ،].2/4 :وحسن الخلق ،وكثرة أمانة ،ثم أفتشه فأتبينه من عدواتكم (يعني من أهل
[الزعارة :سوء الخلق ،وفي بضع النسخ السنة) وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة
[أصول الكافي ،2/4 :تفسير نور الثقلين: ثم أفتشه فأتبينه عن وليتكم" (للكافي) الدعارة :وهو الفساد والفسوق والخبث].
.].4/47
فهذه الرواية تعترف لهل السنة بحسن الخلق ،وكثرة المانة وحسن السمت ،بينما تصف الرافضة
بضد هذه الوصاف.
وفي خبر أخر في الكافي أن رجلً شكا لمامه ما يجده في أصحابه من الرافضة من "النزق والحدّة
والطيش" وأنه يغتم لذلك غما شديدا ،بينما يرى من خالفهم من أهل السنة حسن السمت ،قال إمامهم :ل
[من المعلوم في اللغة أن السمت يطلق على الوقار والهيئة ،كما يطلق تقل حسن السمت ،فإن السمت سمت الطريق
على الطريق .قال في المصباح :السمت الطريق ،والقصد ،والسكينة والوقار والهيئة ،].ولكن قل :حسن السيما؛ فإن ال
عز وجل يقول{ :سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ} [الفتح ]29قال :قلت :فأراه حسن السيما وله
[أصول الكافي ،2/11 :وقد كان جواب إمامهم على هذه الشكاوى بالعتراف بها وتعليلها بطبيعة الطينة وقار فأغتم ذلك
التي خلق منها كل فريق.
وهو يؤكد المر ول ينفيه .وانظر ما سبق في عقيدتهم في الطينة :ص( )956وما بعدها.].
وهذا شيعي ثالث يقال له عبد ال بن أبي يعفور ل ينقضي عجبه من ذلك البون الواسع بين أخلق
أهل السنة وبين خلق شيعته ..ويرفع ذلك لمامه فيقول" :إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل
لهم [المراد بفلن وفلن أبي بكر وعمر كما قاله شراح الكافي ،وهذا إشارة لهل السنة]. يتولونكم ويتولون فلنا وفلنا
750
أمانة وصدق ووفاء ،وأقوام يتولونكم (يعني الرافضة) ليس لهم تلك المانة ول الوفاء والصدق ،قال:
فاستوى أبو عبد ال جالسا فأقبل عليّ كالغضبان ،ثم قال :ل دين لمن دان ال بولية إمام جائر ليس
من ال ،ول عتب على من دان بولية إمام عادل من ال .قلت :ل دين لولئك ول عتب على هؤلء.
قال :نعم" [أصول الكافي.].1/375 :
وهذا الجواب الذي ينفي العتب والذم عنهم ،وان اقترفوا الموبقات هو الذي أدى بهم إلى هذا الدرك
الهابط من التعامل والتساهل في ارتكاب المنكرات ،لن الدين عندهم "ولية المام" وحب علي حسنة
ل يضر معها سيئة ،وما لم يصلح هذا الساس فستبقى هذه "الخصيصة فيهم".
ومن الملحظ أن كتبهم تقرر مبدأ الغيلة ،وتصفية الخصوم بهذا السلوب وتشترط أن يأمن الشيعي
الضرر عليه.
تقول كتب الشيعة :عن داود بن فرقد قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :ما تقول في قتل
الناصب؟ فقال" :حلل الدم ،ولكن أتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا ،أو تغرقه في ماء لكيل
[ابن بابويه /علل الشرائع :ص ،200الحر العاملي /وسائل الشيعة ،18/463 :المجلسي /بحار يشهد به عليك فافعل"
النوار.].27/231 :
وفي رجال الكشي يحكي أحد الشيعة لمامه كيف استطاع أن يقتل مجموعة من مخالفيه فيقول:
"منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتى أقتله ،ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج عليّ قتلته،
ومنهم من كنت أصحبه في الطريق فإذا خل لي قتلته" [رجال الكشي :ص .].343-342وذكر أنه قتل بهذه
الطريقة ثلثة عشر مسلما ،لنه يزعم أنهم يتبرأون من علي [رجال الكشي :ص .].343-342
[وقد وصفه الجزائري بأنه من ويقول شيخهم نعمة ال الجزائري أنه في إخبارهم "أن عليّ بن يقطين
وهو خواص الشيعة (النوار النعمانية )2/308 :وقد ذكر الطبري أنه قتل على الزندقة (انظر :ص( )579من هذه الرسالة)].
وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين ،فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على
المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبا ،فأراد الخلص من تبعات دمائهم ،فأرسل إلى
المام مولنا الكاظم (ع) فكتب إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إليّ قبل قتلهم لما كان عليك
[التيس من المعز]. شيء من دمائهم .وحيث إنك لم تتقدم إليّ فكفر عن كل رجل قتلت منهم بتيس ،والتيس
خير منه" [النوار النعمانية.].2/308 :
فانظر كيف يعيشون وسط المسلمين وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل .وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم
السوداء ..وإمامه هنا يقره على قتل خمسمائة مسلم لمجرد أنهم ليسوا بروافض ،ويأمره بالتكفير
بتيس ،لنه لم يستأذنه قبل ذلك ..فالشيعي إذا استأذن إمامه أو نائبه وهو الفقيه فليفعل كما يريد ،وإن
لم يستأذن فالمر ل يعدو ذبح تيس.
751
وقد علق شيخهم الجزائري على دية التيس بقوله" :فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي ل تعادل دية
أخيهم الصغر وهو كلب الصيد ،فإن ديته عشرون درهما ،ول دية أخيهم الكبر وهو اليهودي أو
المجوسي ،فإنهما ثمانمأة – كذا -درهم ،وحالهم في الخرة أخس وأنجس" [النوار النعمانية.].2/308 :
وهذا قول من الشناعة بمكان ،ول يحتاج إلى تعليق فهو ينطق بنفسه على حقدهم على أهل السنة،
وأنهم أكفر عندهم من المجوس.
ثانيا :الفتن الداخلية:
وهي فتنتهم التي يثيرونها بسبب سبهم للصحابة عبر مآتمهم السنوية ،فمنذ أن اخترع البوبهيون
إقامة المآتم بذكرى مقتل الحسين وذلك في بغداد في القرن الرابع الهجري ،والشيعة تثير في هذه
الذكرى السنوية فتنا ل حدود لها ..وينشب صراع عنيف بين السنة والشيعة بسبب تجرؤ الروافض
على شتم الصحابة رضوان ال عليهم ،وقد بدأت فتنة في سنة 338هـ ،وذلك لول في تاريخ بغداد
ل -حوادث سنة ،406
[انظر -مث ً [عبد الرزاق الحصان /المهدي والمهدوية :ص ،].74ثم توالت الفتن بينهما بعد ذلك
...510 ،486 ،482 ،481 ،478 ،447 ،445 ،444 ،443 ،439 ،425 ،422 ،421 ،408إلخ في البداية والنهاية وغيرها من
كتب التاريخ ،].وقتل فيها خلق كثير من المسلمين ،ول تزال لهذه البدعة آثارها في العالم السلمي الذي
يوجد فيه شيعة.
فكم أزهقت من أرواح ،وكم زرعت من أحقاد ،وكم أحدثت من فرقة وفتن ومحن ومع ذلك كله
فإنه شيخ الشيعة اليوم الخميني يذكي أوار هذه الفتنة ويقول" :في تلفزيون إيران بالحرف الواحد"" :إن
[نقل ذلك العالم السني شعار الفرقة الناجية وعلمتهم الخاصة من أول السلم إلى يومنا هذا إقامة المآتم"
اليراني محمد ضيائي في مجلة "المجتمع" العدد ( ،)589السنة الثالثة عشرة ،في 18ذي الحجة 1402هـ.].
ويقول" :إن البكاء على سيد الشهداء (ع) وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت السلم عن
[جريدة "الطلعات" العدد ( )15901في تاريخ 16/8/1399هـ (عن كتاب إقناع اللئم على إقامة المآتم أربعة عشر قرنا"
صفحة الغلف).].
وقد مضى قول بعض شيوخهم :إن إقامة المآتم من تعظيم شعائر ال [انظر :ص(.].)1102
والحسين رضي ال عنه أكرمه ال تعالى بالشهادة في ذلك اليوم ..وله أسوة حسنة بمن سبقه من
[مجموع فتاوى شيخ الشهداء ..وقتله مصيبة عظيمة ،وال سبحانه قد شرع السترجاع عند المصيبة
السلم ..].4/511 :وليس ما تفعله الرافضة من السلم في شيء ،إنما غرض المخترعين لهذه البدعة،
والمشجعين عليها ،هو إشغال أمة السلم في نفسها حتى ل تتفرغ لنشر دين ال في الرض.
ثالثا :الباحية:
ومن آثارهم في المجال الجتماعي ،تلك الباحية التي يدعون إليها ،ويسهلون أسبابها ويمارسونها
[جاء في كتبهم" :عن الحسن العطار قال :سالت أبا عبد ال عليه السلم وسط المجتمع السلمي باسم عارية الفرج
عن عارية الفرج قال :ل بأس( .وسائل الشيعة ،537-7/536 :تهذيب الحكام للطوسي ،2/185 :والستبصار ،].)3/141أو
752
[قال الطوسي :يجوز التي يسمونها بالمتعة والتي يقارفون باسمها الزنا ،لن متعتهم تعني التفاق السري
أن يتمتع بها من غير إذن أبيها وبل شهود ،ول إعلن( .النهاية :ص .].)490على فعل الفاحشة مع أي امرأة تتفق
المومسات [قال الطوسي :ل بأس أن يتمتع الرجل بالفاجرة (النهاية :ص ،)490وقال الخميني :يجوز لهم ولو كانت من
التمتع بالزانية( .تحرير الوسيلة ،)2/292 :وجاء في أخبارهم "عن إسحاق بن جرير قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :إن
عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة؟ قال :فقال :رفعت راية؟ قلت :ل لو رفعت راية أخذها السلطان،
قال :نعم تزوجها متعة ،قال :ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا ،فلقيت موله فقلت له :ما قال لك؟ فقال :إنما قال لي:
ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنما يخرجها من حرام إلى حلل (وسائل الشيعة ،14/455 :تهذيب الحكام:
[جاء في أخبارهم :عن محمد بن عبد ال الشعري قال :قلت للرضاع :الرجل يتزوج ،].)2/249أو من ذوات الزواج
بالمرأة فيقع في قلبه لها زوجا ،فقال :وما عليه( ..وسائل الشيعة ،14/457 :عن تهذيب الحكام ،)2/187 :وقيل له (أي جعفر
كما يزعمون) إن فلنا تزوج امرأة متعة ،فقيل له إن لها زوجا ،فسألها ،فقال أبو عبد ال (ع) :ولم سألها؟ (الموضع نفسه من
المصدرين السابقين) ،ولذا قال شيخهم الطوسي" :وليس على الرجل أن يسألها هل لها زوج أم ل" (النهاية :ص ،].)490
[انظر :النهاية للطوسي :ص ،491الخميني /تحرير ولذلك قالوا :ممكن أن يتفق معها على يوم أو مرة أو مرتين
الوسيلة ،2/290 :وجاء في أخبارهم عن خلف بن حماد ،قال :أرسلت إلى أبي الحسن (ع) كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن
يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ فقال :نعم( .فروع الكافي ،2/46 :وسائل الشيعة ،].)14/479 :وقد صرح بعضهم للشيخ
[المتعة الدورية أن يستمتع محمد نصيف بأنه يجري عندهم استعمال المتعة الدورية بحيلة وضعها شيوخهم
جماعة بامرأة واحدة ويقرروا الدورة والنوبة لكل منهم (انظر :مختصر التحفة الثني عشرية ص )227وانظر ما ذكره الشيخ
العاني عن شيوع استعمالها في بعض مدارس مدراس النجف (الذريعة لزالة شبه كتاب الشيعة ص )46-45وقد استطاع الشيخ
محمد نصيف رحمه ال أن يكتشف إقرار شيوخ الشيعة بأمر المتعة الدورية في حوار له مع شيخهم أحمد سرحان ،حيث قال
نصيف للشيعي :إن أهل السنة ثبت عندهم نسخ المتعة ،ولم يثبت عند الشيعة ذلك ،لكني لم أعرف دليلكم على جواز المتعة
الدورية ،فأجاب الشيعي بأن المتمتع بالمرأة يعقد عليها بعد نهاية متعته منها عقد زواج دائم ثم يطلقها قبل الدخول فتصبح ل
عدة عليها ،فيتمتع بها آخر ويفعل كالول ..فتدور المرأة على مجموعة من الرجال بهذه الطريقة بل عدة( .انظر :مجلة الفتح
العدد ،845الصادر في رجب سنة 1366هـ).].
ولذا قال اللوسي" :من نظر إلى أحوال الرافضة في المتعة في هذا الزمان ل يحتاج في حكمه
عليهم بالزنا إلى برهان ،فإن المرأة الواحدة تزني بعشرين رجلً في يوم وليلة ،وتقول إنها متمتعة،
وقد هيئت عندهم أسواق عديدة للمتعة توقف فيها النساء ولهن قوادون يأتون بالرجال إلى النساء
وبالنساء إلى الرجال فيختارون ما يرضـون ويعيـنون أجرة الزنا ويأخذون بأيديهن إلى لعنة ال
تعالى وغضبه[ "..كشف غياهب الجهالت /الورقة ( 3مخطوط).].
ثم ذكر رحمه ال بعض تفاصيل وحكايات ما يجري هنالك [كشف غياهب الجهالت /الورقة ( 3مخطوط).].
وهذه الفاحشة يدفعون إليها النساء والرجال دفعا بالتهديد والترغيب فهم يعدونها من أفضل أعمالهم
[جاءت عندهم أخبار كثيرة في اعتبارها أعظم عبادة ،حتى قالوا في حديثهم الموضوع على رسول ال صلى ال عليه وسلم:
من تمتع مرة فدرجته كدرجة الحسين ،ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن ،ومن تمتع ثلث مرات فدرجته كدرجة علي،
ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي (تفسير منهج صادقين :ص .)356
753
بل لم يدعوا بابا من أبواب الغراء بالفاحشة إل وفتحوه ،ومن يقرأ أخبارهم في ذلك يجزم بأن واضعيها من الباحيين الذين
يريدون أن يتمتعوا بنساء المسلمين ،ومما قالوه :إذا تزوجها متعة "لم يكلمها كلمة إل كتب ال لها بها حسنة ،ولم يمد يده إليها
إل كتب ال له حسنة -إلى أن يقول :-فإذا اغتسل غفر ال له ..بعدد الشعر" (وسائل الشيعة ،14/442 :من ل يحضره الفقيه:
.)2/151
وزعموا أن امرأة كانت ترد الخطاب لنها ل رغبة لها في الزواج ولكنها أرسلت لبن عم لها لتتزوجه متعة رغبة في
عصيان عمر كما تقول الرواية ...فهي تفضل الزنا على شرعة الزواج.
(انظر :أخبارهم في فضل المتعة المزعوم في وسائل الشيعة ،باب استحباب المتعة 14/442 :وما بعدها).].
[من رواياتهم في ذلك أن من خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة والذي يتنزه عنها فالويل له يوم القيامة
وهو أجدع "يعني مقطوع النف والذن" (تفسير منهج الصادقين :ص .].)356
كذلك يبيح شيوخهم اللواط بالنساء حتى قال شيخهم الخميني "والقوى والظهر جواز وطئ الزوجة
مع الدبر" [تحرير الوسيلة .].2/241 :فأين هذا الهبوط من قول ابن نجيم" :استحلل اللواطة بزوجته كفر
عند الجمهور" [الشباه والنظائر :ص .].191
فهذه الصور بمجموعها ل تبعد عن إباحية الخرمية من أتباع مزدك وبابك ،وقد ل تقل عن "إباحية
أوربا".
وقد استغلوا هذه الفوضى الخلقية في إغراء طلب المتعة الرخيصة في اعتناق مذهبهم كما سلف
[انظر :ص .].1201
بل جاء في أخبارهم ما يبيح الزنا الصريح إذا كان بأجرة "عن عبد الرحمن ابن كثير عن أبي عبد
ال قال :جاءت امرأة إلى عمر فقالت :إني زنيت فطهرني فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير
المؤمنين (ع) فقال :كيف زنيت؟ قالت :مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستقيت أعرابيا فأبى أن
يسقيني إل أن أمكنه من نفسي ،فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي فقال
أمير المؤمنين" :تزويج وربّ الكعبة" [فروع الكافي ،2/48 :وسائل الشيعة.].472-14/471 :
وهم ل يخصون إباحيتهم ببني قومهم ،بل يوصي إمامهم بأن يعرض التمتع على نساء أهل السنة
[انظر :وسائل الشيعة، 14/452 : [انظر :وسائل الشيعة ،14/452 :وفروع الكافي ،].2/44 :ونساء اليهود والنصارى
تهذيب الحكام ،2/188 :من ل يحضره الفقيه.].2/148 :
فإباحيتهم شاملة ل تذر مجتمعا أتت عليه إل أفسدته ..فهم "زناة" يعيشون بين المسلمين ،ويحملون
اسم السلم ،ويسعون في الرض فسادا وأقوالهم تشهد على آثارهم.
المجال القتصادي
لقد كان للتشيع أثره في المجال القتصادي في حياة المسلمين في صور عديدة ،ومن ذلك :قامت
الرموز الشيعية في قديم الزمان بأخذ أموال المسلمين بدعوى خادعة ما أنزل ال بها من سلطان وهو
حق آل البيت ..حيث توظف هذه الموال في تحقيق رغباتها وتستغلها للتآمر ضد المة والكيد لها.
754
استمع لهذا القرار الخطير:
قالت كتب الشيعة" :مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إل وعنده المال الكثير ،فكان ذلك
سبب وقوفهم وجحودهم موته ،وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ،وعند علي بن أبي حمزة
ثلثون ألف دينار ،وكان أحد القوام عثمان بن عيسى وكان يكون بمصر وكان عنده مال كثير وست
جواري .قال :فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلم فيهن وفي المال .فكتب إليه :أن أباك لم يمت،
فكتب إليه :إن أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه وقد صحت الخبار بموته .فكتب إليه :إن لم يكن أبوك
مات فليس لك من ذلك شيء ،وإن كان مات فلم يأمرني بدفع شيء إليك ،وقد أعتقت الجواري
[المامة /علي بن الحسين بن بابويه (والد الصدوق) ص ،75وانظر :رجال الكشي :ص 493رقم ،946وص وتزوجتهن"
598رقم ،1120بحار النوار ،48/253 :الطوسي /الغيبة :ص .].43
هذا النص مأخوذ من كتب الثني عشرية ،وندع الجانب الذي وضعوا من أجله النص وهو
الستدلل على بطلن الوقف بما قاله إمامهم الرضا ونأخذ منه ما يكشف لنا عما يدور في الخفاء من
التكالب وراء جمع المال ،وأن أولئك الذين راحوا يجوبون المصار كل يدعو لمام من الئمة إنما
كان غرضهم الستئثار بأكبر قدر من المال.
فكانوا يحققون من وراء تلك الدعوات المزعومة للئمة المال الوفير الذي تتداوله تلك العناصر
السرية فيما بينها.
والمتأمل للحركات الشيعية الكثيرة التي ظهرت في تاريخ المة المسلمة وكانت من أقوى العوامل
التي شغلت المة عن أعدائها ،وصرفت جهودها عن بناء الدولة السلمية الكبرى ،المتأمل لهذه
الحركات وكثرتها وقوتها ل ينبغي أن يفوته أن المادة الممولة لهذه الحركات هي ما أخذ من أولئك
التباع الغرار باسم آل البيت وحقهم من الخمس.
بل إن الحركات الشيعية في العالم السلمي إلى اليوم إنما تمول من هذا المورد ،وآيات الشيعة
يعتبرون من كبار الرأسماليين في العالم ،ومنصب الية والمرجع منصب تهفو إليه القلوب وتتطلع له
النظار ،لنه مصب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.
وهذا الجانب التمويلي هو الذي غذى ويغذي دور النشر التي تقذف سنويا بمئات النشرات والكتب
والمراجع المليئة بما هو ضد المة ودينها.
وهذا المال المتدفق على اليات والمراجع من أولئك التباع المخدوعين هو الذي جعل أمر الشيعة
يكبر وخطرهم يعظم ،وأصبح هؤلء اليات أو المراجع يوجهون فتاواهم على رغبات رجل الشارع،
بل ويكتمون الحقيقة مجاراة لهم [انظر :ص 1036-1035من هذه الرسالة.].
وقد اهتم "شيوخ" التشيع بالقضية المالية التي يسلبونها باسم الخمس وأولوها عناية غير عادية،
[حيث قالوا" :ومن منع منه درهما أو أقل كان مندرجا واعتبروا من يستحل منعهم درهما منها في عداد الكافرين
ل لذلك كان من الكافرين ،ففي الخبر عن أبي
في الظالمين لهم (أي لهل البيت بزعمهم) والغاصبين لحقهم ،بل من كان مستح ً
755
بصير قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال (ع) :من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم..
(اليزدي /العروة الوثقى وبهامشها تعليقات مراجعهم في هذا العصر .)2/366
قال د .علي السالوس في السخرية بهذا المبدأ" :إن مسلمي اليوم إن أردوا أل يحكم عليهم الجعفرية بالكفر ،فعليهم أن يجعلوا
خمس مكاسبهم ورؤوس أموالهم ويبعثوا به إلى علماء الجعفرية" .علي السالوس /أثر المامة في الفقه الجعفري ص 394
(الهامش).].
والمطالع لكتب الفقه السلمي ل يجد فيها كتابا مستقلً بعنوان "الخمس" وإنما يلحظ الحديث عن
خمس الغنائم في كتاب الجهاد ،وفي كتاب الزكاة يوجد حديث عن خمس الركاز والمعدن.
ولكن المر مختلف عند هؤلء ،فالخمس له كتاب مستقل ،حيث أوجبوا على أتباعهم "فيما يفضل
عن مؤنة السنل من أرباح التجارات ،ومن سائر التكسبات من الصناعات ،والزراعات ،واليجارات،
حتى الخياطة ،والكتابة ،والنجارة ،والصيد ،وحيازة المباحات ،وأجرة العبادات الستيجارية من الحج
[العروة والصوم والصلة -كذا -والزيـارات وتعليم الطفال وغير ذلك من العمال التي لها أجرة
الوثقى ،].2/389 :وقالوا :بل الحوط ثبوته في مطلق الفائدة ،وإن لم تحصل بالكتساب كالهبة والهدية،
والجائزة ،والمال الموصى به ونحوها [العروة الوثقى ..].2/389 :كما جعلوا الحوط إخراج خمس رأس
المال وكذا في اللت المحتاج إليها في كسبه مثل :آلت النجارة للنجار ،وآلت النساجة للنساج،
وآلت الزراعة للزراع ،وهكذا فالحوط خمسها أيضا أولً [العروة الوثقى .].395-2/394 :حتى قالوا" :لو
زاد ما اشتراه وادخره للمؤنة من مثل الحنطة والشعير ونحوها مما يصرف عينه فيها يجب إخراج
خمسه عند تمام الحول ..ولو استغنى عن الفرش والواني واللبسة والعبد والفرس والكتب وما كان
مبناه على بقاء عينه فالحوط إخراج الخمس[ "..العروة الوثقى.].396-2/395 :
وهذا المال المتدفق يصرف لمن؟
[انظر :علي كاشف الغطا /النور الساطع "وجوب دفع الخمس للفقيه قالوا بأنه في زمن الغيبة يدفع للفقيه الشيعي
زمن الغيبة".].1/439 :
فمخرجو الخمس الن يعطونه فقهاءهم ،فقد قرر شيخوهم أن الخمس يقسم "ستة أسهم :سهم ل،
[العروة الوثقى: وسهم للنبي صلى ال عليه وسلم ،وسهم للمام ،وهذه الثلثة الن لصاحب الزمان"
،2/403هدية العباد :ص ( .].178مهديهم المنتظر) وهو غائب ولن يرجع من غيبته لنه لم يولد أصلً.
فاستحق نصيبه حينئذ الفقيه الشيعي ،حيث قالوا بأن "النصف من الخمس الذي للمام (ع) أمره في
زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط" [العروة الوثقى ،2/405 :هدية العباد :ص .].179
[العروة الوثقى ،2/403 :هدية العباد :ص ].179 والثلثة السهم الخرى "لليتام والمساكين وأبناء السبيل"
في هؤلء ،أي :بشرط أن يكونوا روافض [العروة الوثقى ،2/403 :هدية العباد :ص ].179 قالوا :بشرط اليمان
لن اسم اليمان مختص بهم كما يفترون .وهذا النصف الخر الذي قرروا صرفه لهؤلء الصناف
الثلثة قالوا فيه" :الحوط فيه أيضا الدفع إلى المجتهد" [العروة الوثقى ،2/405 :هدية العباد :ص .].179
756
فأصبحت النتيجة أنه يصرف لشيوخهم الروافض لينفقوا منه على أنفسهم ،وعلى الصناف الثلثة
المذكورة ،جاء في كتاب النور الساطع" :أن الفقيه يأخذ نصف الخمس لنفسه ،ويقسم النصف الخر
منه على قدر الكفاية ،فإن فضل كان له ،وإن أعوز أتمه من نصيبه" [النور الساطع.].1/439 :
قال الدكتور علي السالوس" :ومن واقع الجعفرية في هذا اليام نجد أن من أراد أن يحج يقوم كل
ممتلكاته جميعا ثم يدفع خمس قيمتها إلى الفقهاء الذين أفتوا بوجوب هذا الخمس وعدم قبول حج من لم
يدفع ،واستحل هؤلء الفقهاء أموال الناس بالباطل" [أثر المامة في الفقه الجعفري :ص .].391
قلت :ولعل هذا هو أحد العوامل في حرص حكومة اليات على زيادة حصتهم من عدد الحجاج في
كل عام.
هذا العتقاد في الخمس هو أثر من آثار عقيدة المام عندهم ،وأن المال كله للمام والذي وضعه
زنادقة العصور القديمة واستمر العمل به إلى اليوم ..مع أن مسألة الخمس بدعة ابتدعها هؤلء لم تكن
على عهد النبي صلى ال عليه وسلم ول خلفائه الراشدين حتى أمير المؤمنين علي الذي يدعون التشيع
له.
قال شيخ السلم ابن تيمية" :وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم،
ويصرف إلى من يرونه هو نائب المام المعصوم أو إلى غيره ،فهذا قول لم يقله أحد من الصحابة ل
علي ول غيره ،ول أحد من التابعين لهم بإحسان ،ول أحد من القرابة ل بني هاشم ول غيرهم.
وكل من نقل هذا عن علي أو علماء أهل بيته كالحسن والحسين وعلي بن الحسين وأبي جعفر
الباقر وجعفر بن محمد فقد كذب عليهم ،فإن هذا خلف المتواتر من سيرة علي رضي ال عنه ،فإنه
قد تولى الخلفة أربع سنين وبعض أخرى ،ولم يأخذ من المسلمين من أموالهم شيئا ،بل لم يكن في
وليته قط خمس مقسوم.
وأما المسلمون فما خمس ل هو ول غيره أموالهم ،وأما الكفار فمتى غنمت منهم أموال خمست
بالكتاب والسنة ،ولكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال الكفار بسبب ما وقع بينهم من الفتنة
والختلف.
وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يخمس أموال المسلمين ،ول طلب
أحدا قط من المسلمين بخمس ماله[ "..منهاج السنة.].3/154 :
وهذه الموال التي يأخذها شيوخ الشيعة باسم فريضة إسلمية وحق من حقوق آل البيت ،وهي
تتدفق اليوم عليهم كالسيل من كل قطر ،هي من أكبر العوامل على بقاء خرافة الثني عشرية إلى
اليوم ،وإليها يعزى هذا النشاط في حماس شيوخهم في الدفاع عن مذهبهم ،لنهم يرون فيمن يمس
مذهبهم ،أنه يحاول قطع هذه الموال التي تجري عليهم.
757
ولهذا قال د .علي السالوس" :وأعتقد أنه لول هذه الموال لما ظل الخلف قائما بين الجعفرية
وسائر المة السلمية إلى هذا الحد ،فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلف حرصهم
على هذه الموال" [أثر المامة :ص .].408
ومن آثارهم الظاهرة أيضا :أنهم في البلدان التي يتواجدون فيها يحاولون السيطرة على معظم
العمال التجارية والشركات ومواد التموين ،حتى يتحكموا بأقوات الناس وضرورياتهم ،والواقع أكبر
شاهد [انظر في ذلك" :وجاء دور المجوس" ص 312وما بعدها.].
هذا ومن الصور الخرى الظاهرة في تأثير الشيعة على اقتصاد المة أن تلك الزمر الشيعية كانت
تشكل خليا مخربة لقتصاد الدولة السلمية وشعوبها ،ذلك أن مال المسلمين عندهم ل حرمة له،
يجوز أخذه ول شبهة في ذلك.
بل إن أحاديثهم تأمرهم بذلك كما جاء في أخبارهم "خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا
الخمس" [الطوسي /تهذيب الحكام ،1/384 :ابن إدريس /السرائر :ص ،484الحر العاملي /وسائل الشيعة.].6/340 :
[الطوسي /تهذيب الحكام: وقال أبو عبد ال -كما يفترون " :-مال الناصب وكل شيء يملكه حلل"
،2/48الحر العاملي /وسائل الشيعة.].11/60 :
[وقد نصوا في أخبارهم على أن النصب هو وشيوخهم توسعوا في معنى "الناصبي" ليشمل ما عدا الجعفرية
تقديم أبي بكر وعمر على علي( .انظر :السرائر :ص ،471وسائل الشيعة ،342-6/341 :بشارة المصطفى :ص ،51وراجع
أيضا :المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية ،المسألة السادسة :ص 138وما بعدها).].
وجاء في كتب الفقه عندهم "إذا أغار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالحوط بل القوى
[اليزدي/ إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة"
العروة الوثقى (وبهامشه تعليقات مراجع الشيعة في العصر الحاضر) ،].368-2/367و"لو أخذوا منهم بالربا أو
بالدعوى بالباطلة فالقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة من مؤنة السنة وإن كان الحوط
إخراج خمسه مطلقا" [اليزدي /العروة الوثقى :ص ،368وانظر أيضا( :شريعتمداري) /هداية العباد :ص .].168
وقد مر بنا مفهوم الكافر عند الثني عشرية وأنه يشمل معظم المسلمين ،بل جميعهم ما عدا طائفتهم
[انظر :ص 714وما بعدها ،].وهذا يعني أنهم يبيحون الستيلء على أموال المسلمين بالغارة ،والسرقة،
والغيلة ،ويستحلون أخذ أموالهم عن طريق الربا والدعاوى الباطلة ،وهذا تترجمه الحداث التاريخية
التي جرت منهم ..كما يصدقه واقع دولة اليات اليوم في "اللصوصية" التي يمارسونها في الخليج
وتهديدهم لحرية الملحة فيه ،واستيلئهم على بعض البواخر المارة بمياه الخليج ..واعتبارها غنائم
وهي ملك للمسلمين.
هذه آثارهم وسلبياتهم فهل لهم شيء من اليجابيات في تاريخ هذه المة؟
إن الجابة العليمة الدقيقة تقتضي تقصي أحوالهم ،ودراسة سيرهم ،ومعرفة تفاصيل تاريخهم ..وقد
كفانا علماء السلم مؤنة ذلك ،فشهدوا بأنه "ل يوجد في أئمة الفقه الذين يرجع إليهم رافضي ،ول في
758
الملوك الذين نصروا السلم وأقاموه وجاهدوا عدوه من هو رافضي ،ول في الوزراء الذين لهم سيرة
محمودة من هو رافضي ،وأكثر ما نجد الرافضي إما في الزنادقة المنافقين الملحدين ،وإما في جهال
ليس لهم علم بالمنقولت ول بالمعقولت ،قد نشأوا بالبوادي والجبال ،وتحيزوا عن المسلمين فلم
يجالسوا أهل العمل والدين ،وإما في ذوي الهواء ممن قد حصل له بذلك رياسة ومال ،أو له نسب
يتعصب له كفعل أهل الجاهلية ،وأما من هو عند المسلمين من أهل العلم والدين فليس في هؤلء
رافضي" [منهاج السنة.].1/223 :
ولكن لهم مصنفات في التفسير والحديث والفقه ،إل يعتبر ذلك منهم إضافة أثر حميد للفكر
السلمي؟ وأقول :إن المتأمل لهذه المدونات يرى أن الصالح في هذه المصنفات هو مما أخذوه عن
أهل السنة "فمن صنف منهم في تفسير القرآن فمن تفاسير أهل السنة يأخذ" [منهاج السنة .].3/246 :وإذا
نقل من قومه أتى بظلمات بعضها فوق بعض كما في تفسير القمي والبرهان وغيرهما.
"وأما في الحديث فهم من أبعد الناس عن معرفته ل إسناده ول متنه ..وأي كتاب وجدوا فيه ما
يوافق هواهم نقلوه من غير معرفة بالحديث" [منهاج السنة.].3/246 :
وأما في الفقه فهم من أبعد الناس عن الفقه ،وما في كتبهم من "إفادة" فهي ليس من شيوخهم؛ إذ هم
عيال على أهل السنة في هذا الجانب ،وقد كشف شيخ السلم -رحمه ال -كيف يسرقون "المادة
العلمية" من فقهاء المسلمين فقال" :وإذا صنف واحد منهم كتابا في الخلف وأصول الفقه كالموسوي
وغيره؛ فإذا كانت المسألة فيها نزاع بين العلماء أخذوا حجة من يوافقهم ،واحتجوا مما احتج به أولئك،
وأجابوا عما يعارضهم بما يجيب به أولئك ،فيظن الجاهل أن هذا قد صنف كتابا عظيما في الخلف
والفقه والصول ،ول يدري الجاهل أن عامته استعارة من كلم علماء أهل السنة الذين يكفرونهم
[منهاج ويعادونهم ،وما انفردوا به فل يساوي مداده ،فإن المداد ينفع ول يضر ،وهذا يضر ول ينفع"
السنة.].3/246 :
الفصل الثاني
الحكم عليهم
ويشتمل على:
المبحث الول :حكم بعض أهل العلم عليهم بأنهم مبتدعة ل كفار.
المبحث الثاني :القول بتكفيرهم.
المبحث الول
الحكم عليهم بأنهم مبتدعة وليسوا بكفرة
759
[يحيى بن شرف بن حسن بن حسين النووي .قال ابن كثير :شيخ المذهب (يعني الشافعي) وكبير قال المام النووي
الفقهاء في زمانه ،توفي سنة 676هـ( .البداية والنهاية" :].)279-3/278 :إن المذهب الصحيح المختار الذي قاله
الكثرون والمحققون أن الخوارج ل يكفرون كسائر أهل البدع" [شرح النووي على صحيح مسلم.].2/50 :
من هذا النص أن النووي ل يرى تكفير الروافض [ستأتي ترجمته]. وقد فهم الشيخ مل علي القاري
لدخولهم في "أهل البدع" ولكنه أشار إلى أن الرافضة يتطور مذهبها ويتغير ،وأن متأخري الرافضة
ليسوا كسابقيهم ،وأن رافضة زمانه غير الرافضة الذين تحدث عنهم النووي وغيره من أهل العلم.
فعقب على كلم النووي هذا وقال:
"قلت :وهذا في غير حق الرافضة الخارجة في زماننا فإنهم يعتقدون كفر أكثر الصحابة فضلً عن
سائر أهل السنة والجماعة ،فهم كفرة بالجماع بل نزاع" [مرقاة المفاتيح.].9/137 :
وأقول :إن الدليل على أن المامية في عصر النووي ل يكفرون الصحابة ،أو أن المام -رحمه
ال -لم يعرف ذلك عنهم وهذا القرب لوجود روايات تكفر الصحابة في أصول الرافضة الموضوعة
من قِبَل النووي ،الدليل على ذلك أن النووي يذكر في شرح مسلم أن المامية ل يكفرون الصحابة،
ويرى أن التكفير إنما هو عند غلة الشيعة [انظر :النووي /شرح مسلم.].15/173 :
المبحث الثاني
القول بكفرهم
وقد ذهب إلى هذا كبار أئمة السلم كالمام مالك ،وأحمد ،والبخاري ،وغيرهم.
وفيما يلي نصوص فتاوى أئمة السلم وعلمائه في الروافض المسمون بالثني عشرية والجعفرية
[انظر :ص 109 ،107 ،103من هذه الرسالة.].
وفي مقالتهم التي اشتهروا بها ،وثبتت في مدوناتهم الساسية.
وأبدأ بذكر فتوى المام مالك ،ثم المام أحمد ،ثم المام البخاري ،ثم أذكر بعد ذلك فتاوى الئمة
الباقين حسب تاريخ وفياتهم ..وقد اخترت فتاوى الئمة الكبار ،أو من عاش مع الروافض في بلد
واحد ،أو كتب عنهم ودرس مذهبهم من علماء المسلمين.
المام مالك:
[وقد روى الخلل عن أبي بكر المروذي قال :سمعت أبا عبد ال يقول :قال المام مالك :الذي يشتم
ثبت فيما مضى ص 716وما بعدها ،أنهم يرون اللعن للصحابة دينا وشرعة ويصرحون بتكفيرهم إل ما يتجاوز أصابع اليد].
[الخلل /السنة،2/557 : أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ليس لهم اسم -أو قال :-نصيب في السلم
قال محقق الرسالة :إسناده صحيح.].
حمَاءُ
علَى الْكُفّارِ رُ َ
ح ّمدٌ ّرسُولُ الّلهِ وَاّلذِينَ مَ َعهُ َأشِدّاءُ َ
وقال ابن كثير -عند قوله سبحانه { :-مّ َ
ضلًا ّمنَ الّلهِ َورِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِم ّمنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَ ِلكَ
جدًا يَ ْبتَغُونَ َف ْ
بَيْ َنهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُ ّ
760
جبُ
علَى سُو ِقهِ يُعْ ِ
ط َأهُ فَآزَ َرهُ فَاسْتَ ْغلَظَ فَاسْتَوَى َ
شْمَ َثلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ َومَ َثلُهُمْ فِي الِنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ
قال" :ومن هذه الية انتزع المام مالك رحمة ال عليه وفي الْ ُكفّارَ[ }..الفتح ]29 الزّرّاعَ لِيَغِيظَ ِبهِمُ
رواية عنه بتكفير الروافض الذي يبغضون الصحابة رضي ال عنهم ،قال :لنهم يغيظونهم ومن غاظ
الصحابة رضي ال عنهم فهو كافر لهذه الية ،ووافقه طائفة من العلماء رضي ال عنهم على ذلك"
[تفسير ابن كثير ،4/219 :وانظر :روح المعاني لللوسي ،26/116 :وانظر أيضا في استنباط وجه تكفيرهم من الية :الصارم
المسلول :ص .].579
قال القرطبي" :لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله ،فمنت نقص واحدا منهم ،أو طعن
[وقد مضى قول مرجع الشيعة في هذا العصر أن روايات الصحابة كأبي هريرة وعمرو بن العاص وسمرة عليه في روايته
فقد ردّ على ال رب العالمين ،وأبطل شرائع بن جندب ل تساوي عندهم جناح بعوضة (انظر :ص ].)343
761
ولكن ذكر شيخ السلم ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن في تكفير الروافض نزاعا عن أحمد
وغيره [الفتاوى.].3/352 :
وما مضى من نصوص عن المام أحمد صريحة في قوله بتكفيرهم ،وقد نبه شيخ السلم ابن
تيمية إلى وجه من لم يكفر الروافض في سبهم للصحابة ،وبه يزول التعارض المتوهم في نصوص
أحمد ..فقال:
"وأما من سبهم سبا ل يقدح في عدالتهم ول في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن ،أو قلة
العلم ،أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ،ول نحكم بكفره بمجرد ذلك،
[الصارم المسلول :ص ،586وانظر :ص 571في توجيه وعلى هذا يحمل كلم من لم يكفرهم من أهل العلم"
القاضي أبي يعلى لرواية عدم التكفير.].
يعني :فمن سبهم سبا يقدح في عدالتهم ودينهم فيحكم بكفره عند أهل العلم .فكيف الحال إذن بمن
يحكم بردتهم؟
البخاري (ت 256هـ):
قال -رحمه ال :-ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافض ،أم صليت خلف اليهود والنصارى،
[المام البخاري /خلق أفعال العباد: ول يسلم عليهم ول يعادون ول يناكحون ول يشهدون ول تؤكل ذبائحهم
ص .].125
[عبد ال بن إدريس بن زيد بن عبد الرحمن الودي :قال أبو حاتم :هو حجة يحتج بها ،وهو إمام عبد ال بن إدريس
من أئمة المسلمين ،وقال أحمد :كان نسيجا ًوحده ،وقال ابن سعد :كان ثقة مأمونا كثير الحديث ،حجة ،صاحب سنة وجماعة،
توفي سنة (192هـ)( .تهذيب التهذيب ،145-5/144 :الجرح والتعديل لبن أبي حاتم )9-5/8 :وهو من أعيان أئمة الكوفة
(الصارم المسلول :ص .)570والكوفة مطلع الرفض هو أدرى بهم وبمذاهبهم ،لن أهل البيت أدرى بما فيه:].
[الصارم المسلول :ص ،570السيف المسلول على من سب الرسول /علي بن قال" :ليس لرافضي شفعة إل لمسلم"
عبد الكافي السبكي ،الورقة 71أ (مخطوط).].
[المام الحافظ العلم عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري ،البصري( ،ت عبد الرحمن بن مهدي
198هـ) (تهذيب التهذيب:].)281-6/279 :
[خلق أفعال العباد للبخاري: قال البخاري :قال عبد الرحمن بن مهدي :هما ملتان :الجهمية والرافضية
ص ،125وانظر :مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية.].35/415 :
[محمد بن يوسف الفريابي ،روى عنه البخاري ( )26حديثا ،وكان من أفضل أهل زمانه ،توفي سنة (212هـ). الفريابي
(تهذيب التهذيب:].)9/535 :
روى الخلل ،قال :أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني ،قال :حدثنا موسى بن هارون بن زياد
قال :سمعت الفرياني ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر :قال :كافر ،قال :فيصلي عليه؟ قال :ل ،وسألته
كيف يصنع به وهو يقول :ل إله إل ال؟ قال :ل تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في
762
[الخلل /السنة ،2/566 :قال محقق الكتاب" :في إسناده موسى بن هارون بن زياد لم أتوصل إلى معرفته" .وقد نسبه حفرته
شيخ السلم ابن تيمية في الصارم المسلوم ص 570إلى الفريابي على سبيل الجزم.].
[أحمد بن يونس هو :ابن عبد ال ،ينسب إلى جده ،وهو إمام من أئمة السنة ،ومن أهل الكوفة منبت أحمد بن يونس
الرفض فهو أخبر بالروافض ومذاهبهم أيضا ،قال أحمد بن حنبل لرجل :اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ السلم ،وقد
أخرج له أصحاب الكتب الستة ،وقال أبو حاتم :كان ثقة متقنا ،وقال النسائي :كان ثقة ،وقال ابن سعد :كان ثقة صدوقا صاحب
سنة وجماعة ،وذكر ابن حجر أن ابن يونس قال :أتيت حماد بن زيد فسألته أن يملي عليّ شيئا من فضائل عثمان رضي ال
عنه ،فقال :من أنت؟ قلت :من أهل الكوفة ،فقال :كوفي يطلب فضائل عثمان ،وال ل أمليتها عليك إل وأنا قائم وأنت جالس.
وقد توفي سنة (227هـ) (تهذيب التهذيب ،1/50 :تقريب التهذيب.].)1/29 :
قال :لو أن يهوديا ذبح شاة ،وذبح رافضي لكلت ذبيحة اليهودي ،ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لنه
[الصارم المسلول ص ،570ومثل هذا المعنى قاله أبو بكر بن هانئ (الموضع نفسه من المصدر مرتد عن السلم
السابق) ،وانظر :السيف المسلول على من سب الرسول /علي بن عبد الكافي السبكي :الورقة 71أ (مخطوط).].
[عبد ال بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولء أبو زرعة الرازي من حفاظ الحديث أبو زرعة الرازي
وكبار الئمة ،كان يحفظ مائة ألف حديث ،ويقال :كل حديث ل يعرفه أبو زرعة ليس له أصل .توفي سنة 264هـ:].
قال :إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعلم أنه زنديق،
لن مؤدى قوله إلى إبطال القرآن والسنة [انظر :الكفاية ص ،49ومضى نصه بتمامه ص(.].)767
[أبو محمد عبد ال بن مسلم بن قتيبة الدينوري ،صاحب المصنفات البديعة ،المحتوية على علوم جمة نافعة كما ابن قتيبة
يقول ابن كثير .توفي سنة (276هـ) (انظر :وفيات العيان ،44-3/42 :تاريخ بغداد ،171-10/170 :البداية والنهاية:
:].)11/48
قال :بأن غلو الرافضة في حب علي المتمثل في تقديمه على من قدمه رسول ال صلى ال عليه
وسلم وصحابته عليه ،وادعائهم له شركة النبي صلى ال عليه وسلم في نبوته ،وعلم الغيب للئمة من
[الختلف في ولده وتلك القاويل والمور السرية قد جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة
اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة :ص ،47مطبعة السعادة بمصر 1349هـ.].
[عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ،التميمي السفراييني ،أبو منصور ،كان يلقب "صدر عبد القادر البغدادي
السلم" في عصره ،ويدرس في سبعة عشر فنا ،توفي سنة (429هـ) (انظر :السبكي /طبقات الشافعية ،145-5/136 :القفطي/
إنباه الرواة ،186 ،2/185 :السيوطي /بغية الوعاة:].)2/105 :
يقول" :وأما أهل الهواء الجارودية الهاشمية والجهمية ،والمامية الذين أكفروا خيار الصحـابة..
فإنـا نكفرهم ،ول تجوز الصلة عليهم عندنا ول الصلة خلفهم" [الفرق بين الفرق :ص .].357
وقال" :وتكفير هؤلء واجب في إجازتهم على ال البداء ،وقولهم بأنه قد يريد شيئا ثم يبدو له ،وقد
زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه ،فإنما نسخه لنه بدا له فيه..
[الملل والنحل :ص وما رأينا ول سمعنا بنوع من الكفر إل وجدنا شعبة منه في مذهب الراوافض"..
،53-52تحقيق ألبير نصري نادر.].
763
[محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء أبو يعلى ،عالم عصره في الصول والفروع ،توفي القاضي أبو يعلى
سنة (458هـ).
(انظر :طبقات الحنابلة:].)230-2/193 :
ن كفر الصحابة ،أو فسهم بمعنى يستوجب به النار فهو كافر
قال :وأما الرافضة فالحكم فيهم ..إ ْ
[المعتمد :ص .].267
والروافض كما تبين بعد انتشار أصولهم يكفرون أكثر الصحابة.
ابن حزم:
قال :وأما قولهم (يعني النصارى) في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من
المسلمين [يعني فل حاجة في كلمهم على المسلمين ،ول على كتابهم ،].إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت
رسول ال صلى ال عليه وسلم بخمس وعشرين سنة .وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى
في الكذب والكفر [الفصل.].2/213 :
وقال" :ومن قول المامية قديما وحديثا أن القرآن مبدل[ "..واستثنى ثلثة منهم -كما مر .].-
[الفصل: ثم قال :القول بأن بين اللوحين تبديلً كفر صريح وتكذيب لرسول ال صلى ال عليه وسلم"
.].5/40
وقال" :ول خلف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة ،والمعتزلة والخوارج،
والمرجئة والزيدية في وجوب الخذ بما في القرآن وأنه المتلو عندنا ..وإنما خالف في ذلك قوم من
غلة الروافض وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل السلم وليس كلمنا مع هؤلء ،وإنما كلمنا
مع أهل ملتنا" [الحكام في أصول الحكام.].1/96 :
وقال" :واعلموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ،ول أطلع
أخص الناس به من ابنة أو ابن عم أو زوجة أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الحمر
والسود ورعاة الغنم ،ول كان عنده عليه السلم سر ول رمز ول باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه،
[الفصل ،275-2/274 :وهذا العتقاد الذي يكفر ابن فلو كتمهم شيئا لما بلغ كما أمر ،ومن قال هذا فهو كافر"..
حزم معتقده قد أصبح اليوم من أصول الثني عشرية ،ويؤكد على القول به شيوخهم المعاصرون ،والغابرون.
(انظر :ص( )315من هذه الرسالة).].
[أبو المظفر شهفور بن طاهر بن محمد بن السفراييني ،المام الصولي الفقيه المفسر ،له تصانيف منها: السفراييني
"التفسير الكبير" و"التبصير في الدين" توفي عام 417هـ.
(انظر :طبقات الشافعية ،5/11 :العلم:].)3/260 :
نقل جملة من عقائدهم كتكفير الصحابة ،وقولهم :إن القرآن قد غيّر عما كان ،ووقع فيها الزيادة
والنقصان ،وانتظارهم لمهدي يخرج إليهم ويعلمهم الشريعة ..وقال :بأن جميع الفرق المامية التي
ذكرناها متفقون على هذا ،ثم حكم عليهم بقوله:
764
"وليسوا في الحال على شيء من الدين ،ول مزيد على هذا النوع من الكفر إذ ل بقاء فيه على
شيء من الدين" [التبصير في الدين :ص .].25-24
[محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي ،قال ابن كثير :كان من أذكياء العالم في كل ما أبو حامد الغزالي
يتكلم فيه ،وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة .من كتبه :فضائح الباطنية ،توفي سنة (505هـ).
(انظر :البداية والنهاية ،174-12/173 :مرآة الجنان:].)192-3/177 :
[من درس مذهب الرافضة في البداء عرف أنه ليس بقصور فهم ،ولكنه نهج متعمد قال" :ولجل قصور فهم الروافض
ساقهم إليه غلوهم في الئمة ،وهذا القول من الغزالي يشبه كلم المدي (في الحكام )3/109 :حيث قال :إن الرافضة خفي
عليها الفرق بين النسخ والبداء ،وقد علق على ذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي فقال:
"من تبين حال الرافضة ووقف على فساد دخيلتهم ،وزندقتهم بإبطال الكفر وإظهار السلم ،وأنهم ورثوا مبادئهم عن اليهود،
ونهجوا في الكيد للسلم منهجهم عرف أن ما قالوه من الزور والبهتان (يعني في أمر البداء) إنما كان عن قصد سيء وحسد
للحق وأهله وعصبة ممقوته دفعتهم إلى الدس والخداع وإعمال معاول الهدم سرا وعلنا للشرائع ودولها القائمة عليها".
عنه ارتكبوا البداء ،ونقلوا عن علي رضي ال عنه (الحكام في أصول الحكام - 110-3/109 :الهامش)].
[وهذه الرواية موجودة عن المجلسي في البحار، أنه كان ل يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره
وعزاها إلى "قرب السناد" (بحار النوار ،)4/97 :وفي خبر آخر نسبوا هذا القول إلى علي بن الحسين (انظر :تفسير العياشي:
،2/215بحار النوار ،4/118 :البرهان ،2/299 :تفسير الصافي ،].)3/75 :وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال :ما
[انظر :هذه الرواية في كتاب التوحيد لبن بابويه ص بدا ل في شيء كما بدا له في إسماعيل أي في أمره بذبحه
...].336وهذا هو الكفر الصريح ،ونسبة الله تعالى إلى الجهل والتغير ،ويدل على استحالته ما دل
على أنه محيط بكل شيء علما" [المستصفى.].1/110 :
ويقول الغزالي :فلو صرح مصرح بكفر أبي بكر وعمر -رضي ال عنهما -فقد خالف الجماع
وخرقه ،ورد ما جاء في حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم
وتقدمهم على سائر الخلق في أخبار كثيرة ..ثم قال" :فقائل ذلك إن بلغته الخبار واعتقد مع ذلك
كفرهم فهو كافر ..بتكذيبه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فمن كذبه بكلمة من أقاويله فهو كافر
بالجماع" [فضائح الباطنية :ص .].149
[عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي عالم المغرب ،وإمام أهل الحديث في وقته ،توفي سنة القاضي عياض
( 544هـ).
(انظر :وفيات العيان ،3/483 :والعبر للذهبي ،2/467 :الضبي /بغية الملتمس ص ،437النباهي /تاريخ قضاة الندلس:
ص :].)101
[انظر )614( :من هذه قال رحمه ال" :نقطع بتكفير غلة الرافضة في قولهم إن الئمة أفضل من النبياء"
الرسالة ،والشيعة المعاصرون يعدون هذا الكفر من ضرورات مذهبم ومنكر الضروري كافر عندهم (انظر :ص )1116من
هذه الرسالة).
يقول شيخهم الممقاني" :ومن ضروريات مذهبنا أن الئمة عليهم السلم أفضل من أنبياء بني إسرائيل كما نطقت بذلك النصوص
المتواترة ..ول شبهة عند كل ممارس لخبار أهل البيت عليهم السلم (يعني أئمته الثني عشر) أنه كان يصدر من الئمة
765
عليهم السلم خوارق للعادة نظير ما كان يصدر من النبياء بل أزيد ،وأن النبياء والسلف انفتحت لهم باب أو بابان من العلم،
وانفتحت للئمة عليهم السلم بسبب العبادة والطاعة التي تذر العبد مثل ال إذا قال لشيء كن فيكون جميع البواب" (تنقيح
المثال.)3/232 :
فانظر كيف فضلهم في البداية على النبياء ،وانتهى إلى أنهم مثل ال تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ..فماذا بعد
هذا من زندقة وإلحاد؟.].
وكذلك يحكم بكفر من قال :بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلى ال عليه وسلم وبعده ،وأن كل
إمام يقول مقام النبي صلى ال عليه وسلم في النبوة والحجة ،وأشار بأن هذا مذهب أكثر الرافضة
[ونجد ذلك عند الثني عشرية في زعمهم أن المامة أرفع درجة من النبوة .انظر :ص( )656وأن الئمة حجة على الناس
[وهذا ما يقول به وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة كالرسل .انظر( :ص ].)623
قال رحمه ال" :واجتمعت المة على تكفير المامية ،لنهم يعتقدون تضليل الصحابة ،وينكرون
[قوله" :إلى ما يليق بهم" كذا في الصل ،وإذا كان الضمير يعود إلى الرافضة، إجماعهم وينسبون إلى ما يليق بهم"
فالعبارة مستقيمة أي ينسبون الصحابة إلى ضلل يليق بالرافضة أنفسهم ،إما إذا كان الضمير يعود إلى الصحابة ،ففي العبارة
تصحيف ،ولعل صحتها "إلى ما ل يليق بهم"[ ].النساب.].6/341 :
[محمد بن عمر بن الحسين المعروف بالفخر الرازي ،مفسر متكلم فقيه أصولي ،من تصانيفه :التفسير الكبير، الرازي
والمحصول ،وغيرهما ،سب له نوع تشيع ،توفي سنة (606هـ) (لسان الميزان ،4/426 :السيوطي /طبقات المفسرين :ص
،115عيون النباء :ص :].)427-414
يذكر الرازي أن أصحابه من الشاعرة يكفرون الروافض من ثلثة وجوه:
أولها :أنهم كفروا سادات المسلمين ،وكل من كفر مسلما فهو كافر لقوله عليه السلم" :من قال
فإذن يجب تكفيرهم. [سيأتي تخريجه]. لخيه :يا كافر فقد باء بها أحدهما"
وثانيها :أنهم كفروا قوما نص الرسول عليه السلم بالثناء عليهم وتعظيم شأنهم ،فيكون تكفيرهم
تكذيبا للرسول عليه السلم.
وثالثها :إجماع المة على تكفير من كفر سادات الصحابة [الرازي /نهاية العقول ،الورقة ( 212مخطوط).].
ابن تيمية:
766
قال رحمه ال :من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ،أو زعم أن له تأويلت باطنة تسقط
العمال المشروعة ،فل خلف في كفرهم.
ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول ال عليه الصلة والسلم إل نفرا قليلً ل يبلغون بضعة
عشر نفسا ،أو إنهم فسقوا عامتهم ،فهذا ل ريب أيضا في كفره؛ لنه مكذب لما نصه القرآن في غير
موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم.
بل من يشكك في كفر مثل هذا؟ فإن كفره متعين ،فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة
وخيرها هو [آل عمران ]110 جتْ لِلنّاسِ}
كفار أو فساق ،وأن هذه الية التي هي{ :كُنتُمْ خَيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َ
القرن الول ،كان عامتهم كفارا ،أو فساقا ،ومضمونها أن هذه المة شر المم ،وأن سابقي هذه المة
هم شرارها وكفر هذه مما يعلم بالضطرار من دين السلم [الصارم المسلول :ص .].587-586
[مجموع فتاوى شيخ وقال شيخ السلم" :إنهم شر من عامة أهل الهواء ،وأحق بالقتال من الخوارج"
السلم.].28/482 :
وأنهم كفروا بما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم بما ل يحصيه إل ال ،فتارة يكذبون
بالنصوص الثابتة عنه ،وتارة يكذبون بمعاني التنزيل.
فإن ال قد ذكر في كتابه من الثناء على الصحابة ،والرضوان عليهم والستغفار لهم ما هم كافرون
بحقيقته ،وذكر في كتابه من المر بالجمعة والمر بالجهاد وبطاعة أولي المر ما هم خارجون عنه.
وذكر في كتابه من موالة المؤمنين وموادتهم والصلح بينهم ما هم عنه خارجون.
وذكر في كتابه من النهي عن موالة الكفار وموادتهم ما هو خارجون عنه.
وذكر في كتابه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وتحريم الغيبة والهمز واللمز ما هو
أعظم الناس استحللً له.
وذكر في كتابه من المر بالجماعة والئتلف ،والنهي عن الفرقة والختلف ما هم أبعد الناس
عنه.
وذكر في كتابه من طاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم ومحبته واتباع حكمه ما هم خارجون
عنه وذكر في كتابه من حقوق أزواجه ما هم براء منه.
وذكر في كتابه من توحيده وإخلص الملك له وعبادته وحده ل شريك له ما هم خارجون عنه،
فإنهم مشركون لنهم أشد الناس تعظيما للمقابر التي اتخذت أوثانا من دون ال.
وقد ذكر في كتابه من أسمائه وصفاته ما هم كافرون به.
وذكر في كتابه أنه على كل شيء قدير وأنه خالق كل شيء وأنه ما شاء ال ل قوة إل بال ما هم
كافرون به.
ثم قال شيخ السلم :ومن اعتقد من المنتسبين إلى العلم أو غيره أن قتال هؤلء بمنزلة قتال البغاة
الخارجين عن المام بتأويل سائغ ..فهو غالط جاهل بحقيقة شريعة السلم ..لن هؤلء خارجون عن
767
نفس شريعة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسنته شرا من خروج الحرورية ،وليس لهم تأويل سائغ
[انظر :الفتاوى ،].485-28/484فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب
كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الجتهاد .وهؤلء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والجماع ،ولكن
[انظر :الفتاوى لهم تأويل من جنس تأويل اليهود والنصارى ،وتأويلهم شر تأويلت أهل الهواء
.].28/486
ولكن شيخ السلم وهو يكفر أصحاب هذه المقالت ،إل أن تكفيره للمعين مشروط عنده بقيام
الحجة وبلوغ الرسالة ،ولذلك أفتى في الرافضة الذين تم القبض عليهم بالفتوى التالية:
فتوى شيخ السلم في الرافضة بعد الستيلء عليهم:
يقول -رحمه ال " :-وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير فيه ألوف من الرافضة يسفكون
دماء الناس ويأخذون أموالهم ،وقتلوا خلقا عظيما ،وأخذوا أموالهم ،ولما انكسر المسلمون سنة غازان
أخذوا الخيل والسلح والسارى وباعوهم للكفار والنصارى بقبرص، [انظر ص )1216( :من هذه الرسالة].
وأخذوا من مر بهم من الجند وكانوا أضرّ على المسلمين من جميع العداء ،وحمل بعضهم أمرائهم
راية النصارى ،وقالوا له :أيما خير المسلمون أو النصارى؟ فقال :بل النصارى ،فقالوا له :مع من
تحشر يوم القيامة؟ فقال :مع النصارى ،وسلموا إليهم بعض بلد المسلمين.
[لعله من جاء في ومع هذا فلما استشار أهل ولة المر في غزوهم وكتبت جوابا مبسوطا في غزوهم
الفتاوى ..].28/398 :وذهبنا إلى ناحيتهم ،وحضر عندي جماعة منهم وجري بيني وبينهم مناظرات
ومفاوضات يطول وصفها ،فلما فتح المسلمون بلدهم ،وتمكن المسلمون منهم نهيتهم عن قلتهم ،وعن
سبيهم ،وأنزلناهم في بلد المسلمين متفرقين لئل يجتمعوا" [منهاج السنة.].3/39 :
وهذه الفتوى من إمام أهل السنة في وقته تبين أن أهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به
الرسول ،ول يكفرون كل من خالفهم فيه؛ بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق بخلف أهل الهواء الذين
يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه [منهاج السنة.].3/39 :
[المام المحدث المفتي البارع -كما قال الذهبي -أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ،قال الشوكاني :له ابن كثير
تصانيف مفيدة منها :التفسير ،من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها ،توفي سنة (774هـ).
(ابن حجر /الدرر الكامنة ،374-1/373 :الشوكاني /البدر الطالع (:].) )1/153
ساق ابن كثير بعض الحاديث الثابتة في السنة ،والمتضمنة نفي دعوى النص والوصية التي
تدعيها الرافضة لعلي ،ثم عقب عليها بقوله:
"ولو كان المر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع ل ولرسوله في حياته
وبعد وفاته ،من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ،ويؤخروا من قدمه بنصه ،حاشا وكل ،ومن
ظن بالصحابة رضوان ال عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور ،والتواطؤ على معاندة الرسول
768
صلى ال عليه وسلم ،ومضادتهم في حكمه ونصه ،ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة
السلم ،وكفر بإجماع الئمة العلم ،وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام" [البداية والنهاية.].5/252 :
ومن الثابت عن الرافضة -كما مر -أنها تدعي أن الرسول صلى ال عليه وسلم نص على علي،
وأن الصحابة ردوا النص ،وارتدوا بسبب ذلك ،وهذا ما يقوله المعاصرون وأسلفهم من الروافض
[انظر :ص( )716و ص( )1099من هذه الرسالة.].
[محمد بن خليل بن يوسف الرملي المقدسي ،من فقهاء الشافعية ،توفي سنة (888هـ). أبو حامد محمد المقدسي
(انظر :السخاوي /الضوء اللمع ،7/234 :الشوكاني /البدر الطالع:].)2/169 :
قال -بعد حديثه عن فرق الشيعة وعقائدهم " :-ل يخفى على كل ذي بصيرة وفهم من المسلمين
أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من عقائد هذه الطائفة الرافضة على اختلف أصنافها كفر صريح،
وعناد ،مع جهل قبيح ل يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين السلم"
[رسالة في الرد على الرافضة :ص .].200
[يوسف الجمال أبو المحاسن الواسطي من علماء القرن التاسع( .انظر :السخاوي/ أبو المحاسن يوسف الواسطي
الضوء اللمع:].)339-10/338 :
وقد ذكر جملة من مكفراتهم ،فمنها قوله:
"إنهم يكفرون بتكفيرهم لصحابة سول ال صلى ال عليه وسلم الثابت تعديلهم وتزكيتهم في القرآن
وبشهادة ال تعالى لهم أنهم ل يكفرون بقوله [البقرة ]143 علَى النّاسِ}
بقوله تعالى{ :لّتَكُونُواْ شُ َهدَاءَ َ
تعالىَ { :فإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلءِ فَ َقدْ وَ ّكلْنَا ِبهَا َق ْومًا لّ ْيسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [النعام .]89
ويكفرون باستغنائهم عن حج بيت ال الحرام بزيارة قبر الحسين لزعمهم أنها تغفر الذنوب
وتسميتهم لها بالحج الكبر ،ومن ذلك أنهم يكفرون بترك جهاد الكفار والغزو لهم الذي يزعمون أنه ل
يجوز إل مع المام المعصوم وهو غائب" [المناظرة بين أهل السنة والرافضة /الورقة ( 66مخطوط).].
"وأنهم يكفرون بإعابتهم السنن المتواتر فعلها عن النبي صلى ال عليه وسلم من الجماعة والضحى
والوتر والرواتب قبل المكتوبات من الصلوات الخمس وبعدها ،وغير ذلك من السنن المؤكدات"
[المناظرة بين أهل السنة والرافضة /الورقة ( 67مخطوط).].
[علي بن سلطان بن محمد الهروي المعروف بالقاري الحنفي ،أحد صدور العلم ،ألف علي بن سلطان بن محمد القاري
التآليف الكثيرة النافعة منها :شرحه المشكاة وهو أكبرها ،وشرح الشفاء ،والنخبة وغيرها .توفي سنة (1014هـ).
(انظر :خلصة الثر ،186-3/185 :البدر الطالع:].)446-1/445 :
قال" :وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالجماع إل إذا اعتقد أنه مباح كما عليه
بعض الشيعة وأصحابهم ،أو يترتب عليه ثواب كما هو دأب كلمهم أو اعتقد كفر الصحابة وأهل
السنة فإنه كافر بالجماع" [شم العوارض في ذم الروافض /الورقة 6أ (مخطوط)].
769
ثم ساق مجموعة من الدلة من الكتاب والسنة تتضمن الثناء على الصحابة رضوان ال عليهم،
واستنبط منها كفر الرافضة في مذهبها في الصحابة" [شم العوارض في ذم الروافض /الورقة .]254-252
ثم ذكر بأن من مكفرات الرافضة ما يدعونه في كتاب ال من نقص وتغيير ،وعرض بعض أقوالهم
في ذلك [شم العوارض في ذم الروافض /الورقة 259أ].
[محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن أحمد التميمي النجدي ،المام المجدد للسلم في الجزيرة محمد بن عبد الوهاب
العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة ،كانت دعوته إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع هي الشعلة الولى لليقظة الحديثة في
العالم السلمي كله ،تأثر بها رجال الصلح في الهند ،ومصر والعراق والشام وغيرها .توفي -رحمه ال -سنة (
1206هـ).
(انظر :عبد العزيز بن باز /الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته /وسليمان الندوي /محمد بن عبد الوهاب مصلح
مظلوم ومفترى عليه ،وبهجة الثري /محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث وغيرها .وانظر :أحمد
أمين /زعماء الصلح :ص ،10مجلة الزهراء:].)98-3/82 :
حكم المام محمد بن عبد الوهاب على جملة من عقائد الثني عشرية بأنها كفر ،ومن ذلك قال -
رحمه ال -بعد أن عرض عقيدة الثني عشرية في سب الصحابة ولعنهم ،وما قاله ال ورسوله في
الثناء عليهم -قال:
"فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم ،والحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على
كمالهم؛ فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم ،وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين ،أو اعتقد حقية
سبهم وإباحته ،أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم ،أو حليته فقد كفر بال تعالى ورسوله ...والجهل
بالتواتر القاطع ليس بعذر ،وتأويله وصرفه من غير دليل معتبر غير مفيد ،كمن أنكر فرضية
الصلوات الخمس جهلً لفرضيتها ،فإنه بهذا الجهل يصير كافرا ،وكذا لو أولها على غير المعنى الذي
نعرفه فقد كفر ،لن العلم الحاصل من نصوص القرآن والحاديث الدالة على فضلهم قطعي.
ومن خص بعضهم بالسب فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء فإن اعتقد حقية سبه
أو إباحته فقد كفر لتكذيبه ما ثبت قطعيا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ومكذبه كافر ،وإن سبه
من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق؛ لن سباب المسلم فسوق ،وقد حكم بعض فيمن سب
الشيخين بالكفر مطلقا.
وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله ،فالظاهر أن سابه فاسق إل أن يسبه من حيث
صحبته لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإن ذلك كفر.
وغالب هؤلء الرافضة الذين يسبون الصحابة يعتقدون حقية سبهم أو إباحته بل وجـوبه ،لنهـم
[رسالة في الرد على الرافضة :ص -18 يتـقربون بذلك إلى ال تعـالى ويرون ذلك من أجل أمور دينهم"
[ .].19بل تجاوزوا أمر السب إلى التكفير ،بل قالوا بأن من اعتقد في أبي بكر وعمر السلم فل ينظر ال إليه ول يكلمه وله
عذاب أليم (انظر :ص 724من هذه الرسالة).
فشناعاتهم في أمر الصحابة تزيد وتغلو على مر اليام حتى استقرت اليوم على الغلو الذي ما بعده شيء.].
770
ثم قال -رحمه ال " :-وما صح عن العلماء من أنه ل يكفر أهل القبلة فمحمول على من لم يكن
بدعته مكفرة ..ول شك أن تكذيب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما ثبت عنه قطعا كفر ،والجهل
في مثل ذلك ليس بعذر" [رسالة في الرد على الرافضة :ص .].20
وقال – رحمه ال – بعد عرض ما جاء في كتبهم من دعواهم نقص القرآن وتغييره" :يلزم من هذا
تكفير الصحابة حتى علي ،حيث رضوا بذلك ...وتكذيب قوله تعالى{ :ل َي ْأتِيهِ ا ْلبَاطِلُ مِن بَ ْينِ َيدَ ْيهِ
[الحجر حنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َلهُ لَحَافِظُونَ}
وقوله{ :إِنّا نَ ْ [فصلت ]42 حمِيدٍ}
خلْ ِفهِ تَنزِيلٌ ّمنْ حَكِيمٍ َ
وَل ِمنْ َ
[رسالة في الرد على .]9ومن اعتقد عدم صحة حفظه من السقاط ،واعتقد ما ليس منه أنه فقد كفر"
الرفضة :ص .].15-14
وقال الشيخ -رحمه ال -فيمن اتخذ بينه وبين ال وسائط ...كحال الرافضة في أئمتها" :ومن
[رسالة نواقض السلم: جعل بينه وبين ال وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ،ويتوكل عليهم كفر إجماعا"
ص ( 283ضمن الجامع الفريد ط :الجميح).].
[رسالة وكذلك قال بأن من فضل الئمة على النبياء كفر بالجماع كما نقله غير واحد من أهل العلم
في الرد على الرافضة :ص ،29وانظر :ص 614من هذا الكتاب.].
[عبد العزيز بن أحمد (ولي ال) بن عبد الرحيم العمري الفاروقي الملقب سراج الهند ،قال شاه عبد العزيز الدهلوي
محب الدين الخطيب" :كان كبير علماء الهند في عصره ،وكان رحمه ال مطلعا على كتب الشيعة مبحرا فيها" .توفي سنة (
1239هـ).
(انظر :العلم ،4/138 :مقدمة مختصر التحفة الثني عشرية لمحب الدين الخطيب /ص :يب):].
قال -بعد دراسة مستفيضة لمذهب الثني عشرية من خلل مصادرهم المعتمدة قال" :ومن
استكشف عقائدهم الخبيثة وما انطووا عليه؛ علم أن ليس لهم في السلم نصيب وتحقق كفرهم لديه"
[مختصر التحفة الثني عشرية :ص .].300
[المام محمد بن علي بن محمد بن عبد ال الشوكاني ،علمة اليمن ،صاحب فتح القدير ،ونيل محمد بن علي الشوكاني
الوطار وغيرهما من المؤلفات النافعة .توفي سنة (1250هـ).
(انظر في ترجمته :البدر الطالع:].)225-2/214 :
قال :إن أصل دعوة الروافض كياد الدين ،ومخالفة شريعة المسلمين.
والعجب كل العجب من علماء السلم ،وسلطين الدين ،كيف تركوهم على هذا المنكر البالغ في
القبح إلى غايته ونهايته ،فإن هؤلء المخذولين لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها طعنوا
في أعراض الحاملين لها ،الذين ل طريق لنا إليها إل من طريقهم ،واستزلوا أهل العقول الضعيفة بهذه
الذريعة الملعونة ،والوسيلة الشيطانية ،فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة ،ويضمرون العناد
للشريعة ،ورفع أحكامها عن العباد.
771
وليس في الكبائر أشنع من هذه الوسيلة إل ما توسلوا بها إليه ،فإنه أقبح منها ،لنه عناد ل عز
وجل ولرسوله صلى ال عليه وسلم ولشريعته.
فكان حاصل ما هم فيه من ذلك أربع كبائر كل واحدة منها كفر بواح:
الولى :العناد ل عز وجل.
والثانية :العناد لرسول صلى ال عليه وسلم.
والثالثة :العناد لشريعتهم المطهرة ومحاولة إبطالها.
والرابعة :تكفير الصحابة رضي ال عنهم ،الموصوفين في كتاب ال سبحانه بأنهم أشداء على
الكفار ،وأن ال تعالى يغيظ بهم الكفار ،وأنه قد رضي عنهم ،مع أنه قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة
أن من كفر مسلما كفر كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم
[الحديث قال" :إذا قال الرجل لخيه :يا كفر ،فقد باء بهما أحدهما ،فإن كان كما قال وإل رجعت عليه"
بنحوه في صحيح البخاري ،كتاب الدب ،باب من كفر أخاه من غير تأويل فهو كما قال :ج ،7/97ومسلم ،كتاب اليمان ،باب
بيان حال إيمان من قال لخيه المسلم :يا كافر ،1/79 :وأبي داود كتاب السنة ،باب زيادة اليمان ونقصانه( 5/64 :ح )4687
والترمذي كتاب اليمان ،باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر( 5/22 :ح ،)2637ومالك في الموطأ ،كتاب الكلم ،باب ما يكره
من الكلم :ص ،984وأحمد ،47 ،44 ،23 ،2/18 :والطيالسي :ص ( 252ح .}.)1842
وبهذا يتبين أن كل رافضي خبيث يصير كافرا بتكفيره لصحابي واحد ،فكيف بمن كفر كل
الصحابة ،واستثنى أفرادا يسيرة تغطية لما هو فيه من الضلل على الطغام الذين ل يعلقون الحجج؟!
[الشوكاني /نثر الجوهر على حديث أبي ذر ،الورقة( 16-15 :مخطوط).].
شيوخ وعلماء الدولة العثمانية:
نقل زين العابدين بن يوسف السكوبي في رسالة كتبها أيام السلطان العثماني محمد خان بن
[السكوبي /الرد على الشيعة :الورقة السلطان إبراهيم خان أن علماء الدولة المتأخرين جميعا أفتوا بكفرهم
5ب.].
[ما وراء النهر :يراد نهر جيحون بخراسان ،فما كان في شرقيه يقال له بلد الهياطلة ،وفي علماء ما وراء النهر
السلم سموه ما رواء النهر ،وما كان في غربيه فهو خراسان وولية خوارزم( .معجم البلدان:].)5/45 :
قال اللوسي -صاحب التفسير " :-ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الثني عشرية
وحكموا بإباحة دمائهم وأموالهم وفروج نسائهم ،حيث إنهم يسبون الصحابة رضي ال عنهم ل سيما
الشيخين وهما السمع والبصر منه عليه الصلة والسلم ،وينكرون خلفة الصديق ،ويقذفون عائشة أم
المؤمنين رضي ال عنها مما برأها ال تعالى منه ،ويفضلون بأسرهم عليا كرم ال وجه ..على غير
أولي العزم من المرسلين ،ومنهم من يفضله عليه أيضا ..ويجحدون سلمة القرآن العظيم من الزيادة
والنقص" [نهج السلمة :ص ( 30 ،29مخطوط).].
هذه بعض فتاوى أئمة المسلمين وعلمائهم في هذه المسألة.
772
وأكتفي بهذا القدر ،وفي الكتب الفقهية أقوال كثيرة في تكفيرهم ،يمكن الرجوع إليها بيسر ولذا ل
[انظر -مثلً -العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية لبن عابدين ،وقد ساق فيها فتوى الشيخ نوح داعي لذكرها
الحنفي ،حيث كفرهم لوجوه كثيرة ،وهي فتوى طويلة (انظر :العقود الدرية :ص .)92وكذلك ذكر ما قاله أبو السعود المفسر
ونقل فيه إجماع علمائهم على تكفيرهم (المصدر السابق :ص .)93
وفي الفتاوى البزازية للشيخ محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز المتوفى سنة (827هـ) قال :يجب إكفار الكيسانية في
إجازتهم البداء على ال تعالى ،وإكفار الروافض في قولهم برجعة الموات ..إلخ( .الفتاوى البزازية المطبوعة على هامش
الفتاوى الهندية.)6/318 :
وفي الشباه والنظائر لبن نجيم قال :سب الشيخين ولعنهما كفر( .الشباه والنظائر ص .)190وانظر :نواقض الروافض
لمخدوم الشيرازي حيث ساق أقوال أصحاب المذاهب الربعة في تكفير الرافضة /الورقة187 :أ وما بعدها ،وتكفير الشيعة،
لمطهر بن عبد الرحمن بن إسماعيل /الورقة.].51 :
ويلحظ هنا عدة أمور:
أولً :إن هذا حكمهم -رحمة ال عليهم -قبل انتشار كتب الروافض ،ومجاهرتهم بعقائدهم بمثل
ما هو واقع اليوم ..ولهذا تضمنت صفحات هذا البحث عقائد للثني عشرية كان ينسبها علماء السلم
للقرامطة الباطنية كمسألة نقص القرآن وتحريفه ،والذي استفاض أمرها في كتبهم ،وكذلك جملة مما
جاء في اعتقادهم في أصول الدين ،وهناك عقائد لم تكن معروفة كعقيدة الطينة ونحوها..
ومعنى هذا أن حكمهم اليوم عليهم أشد.
ثانيا أن الرافضة المتأخرين والمعاصرين جمعوا أخس المذاهب وأخطرها..
جمعوا مقالة القدرية في نفي القدر ،والجهمية في نفي الصفات ،وقولهم إن القرآن مخلوق،
والصوفية -عند جملة من رؤساء مذهبهم -في ضللة الوحدة والتحاد ،والسبيئة في تأليه علي،
والخوارج والوعيدية في تكفير المسلمين ،والمرجئة في قولهم :إن حب علي حسنة ل يضر معها
سيئة ..بل ساروا في سبيل أهل الشرك في تعظيم القبور ،والطواف حولها ،بل ويصلون إليها
[انظر تفصيل ذلك كله وإثبات أن الثني عشرية مستدبرين القبلة ،إلى غير ذلك مما هو عين مذهب المشركين
تقول بهذه المذاهب ،الباب الثاني من هذه الرسالة ،و ص )1069( :وما بعدها.].
فهل يبقى بعد ذلك شك في أن هذه الطائفة ارتضت لنفسها مذهبا غير مذهب المسلمين؟! فهم إن
شهدوا الشهادتين إل أنهم نقضوا بنواقض كثيرة كما ترى.
لكن مما يجب مراعاته حسب منهج أهل السنة في التكفير "أن هذه القوال التي يقولونها والتي يعلم
أنها مخالفة لما جاء الرسول صلى ال عليه وسلم هي كفر ،وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال
الكفار بالمسلمين هي أيضا كفر ..لكن تكفير الواحد المعين من أهل القبلة والحكم بتخليده في النار
موقوف على ثبوت شروط التكفير ،وانتفاء موانعه؛ فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير
والتفسيق ول يحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضي الذي ل معارض له ،ولهذا ل
يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالسلم أو لنشأته ببادية بعيدة ،فإن حكم
773
الكفر ل يكون إل بعد بلوغ الرسالة ،ومن هؤلء من ل يكون بلغته النصوص المخالفة لما يراه ،ول
يعلم أن الرسول بعث بذلك ،فيطلق أن هذا القول كفر ،ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها
دون غيره" [الفتاوى ،501-28/500 :وانظر لتفصيل هذه المسألة :الفتاوى 12/466 :وما بعدها 23/345 ،وما بعدها.].
الخاتمة
الحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات ،والصلة والسلم على من ختم ال به النبوات ،وعلى آله
وصحبه الذين كان ولؤهم وتشيعهم لمحمد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم وللحق الذي جاء به،
وكانوا بنعمة ال إخوانا في جميع الوقات.
لقد أمضيت أكثر من أربع سنوات أقلب النظر في مسائل هذا البحث ،وأجمع مادته العلمية من
مصادر الشيعة المعتمدة وغيرها وأرتبها وأصوغها وأدرسها وأنقذها ،وكم هي معاناة أن تقرأ وتستمع
لقوم أشقاهم ال فأضلهم وأعمى أبصارهم فصاروا يتبعون إماما معدوما ،ويقولون بكتاب موهوم،
وجعفر مزعوم ،وأساطير أخرى ،وتقدح أخبارهم في كتاب أنزله ال وحفظه ،وأجمع عليه المسلمون
عبر القرون ،وفي سنة عن المصطفى صلى ال عليه وسلم جمعتها المة ،وبذلت الجهود في حفظها،
وينبذون إجماع السلف ،ويأخذون بقول طائفة مجهولة تحسبا أن يكون المهدي خرج من مخبئه متنكرا
وأدلى بصوته معهم.
ويكفرون صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه ،وجاهدوا في
سبيله ،ونشروا كلمة ال في الرض تصديقا لمفتريات نسبها بعض الزنادقة لهل البيت.
فحمدا ل سبحانه على نعمة العقل ،واليمان واليقين.
وفي نهاية هذا البحث لبد من وقفة نستجمع فيها بعض حصاده ونعرض في تركيز جوانب من
معالمه في النقاط التالية:
-1أن المعنى اللغوي للتشيع هو النصرة والمتابعة ،وهذا المعنى ل يتوفر في مدعي التشيع اليوم،
ومن قبل اليوم في الغالب ،فهم الرافضة كم سماهم السلف ،أو المنتسبون للتشيع ،وليسوا شيعة على
الحقيقة.
-2لفظ التشيع لم يرد في القرآن غالبا إل على سبيل الذم .ولم يأت في السنة ذكر لهذه الفرقة على
وجه التخصيص إل في روايات ضعيفة جاء فيها ذكر الرافضة على سبيل الذم أيضا.
-3إن الشيعة أطوار ،وفرق ،ودرجات ما بين إغراق في الغلو واقتصاد فيه ،ولذا كان للغلو في
التشيع مفهوم عند السلف يختلف عمن بعدهم ،بل تبين أن جملة من عقائد شيعة هذا العصر هي من
الغلو في التشيع عند أسلفهم من شيعة القرن الرابع ،فكيف بالشيعة الولى.
وتعريف الشيعة إذن مرتبط بأطوار نشأتهم ،ومراحل التطور العقدي عندهم ،ولذا كان الشيعي فيما
مضى هو من يقدّم عليا على عثمان ..ولكن بعد اعتماد شيوخ الشيعة كتب الكليني والقمي والمجلسي
774
وأضرابهم مصادر في التلقي شاع الغلو في الشيعة ،واستقر مركبها على التطرف والشطط حتى رأينا
أكبر مراجعهم في هذا العصر "الخوئي" يوثق روايات إبراهيم القمي في تفسيره مع ما فيه من كفر.
ويكفي أن يطلع كل متشكك في أمر الشيعة -اليوم -على هذا الكتاب الموثق عندهم ليرى أن
شيعة اليوم ارتضت لنفسها دينا غير السلم.
-4إن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم واليونان والنصارى واليهود وغيرهم
أمورا مزجوها بالتشيع مصداقا لما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم من اتباع بعض هذه المة سنن
من كان قبلهم.
وقد بدأت محاولة إدخال بعض هذه الصول إلى المجتمعات السلمية على يد (ابن سبأ) وأتباعه،
فلم يجد لها مكانا في أمصار المسلمين ،إل عند فئة قليلة بالكوفة ..إل أن ما جرى من أحداث على
بعض أهل البيت كمقتل علي والحسين سهل لهم مهمة إشاعتها في العالم السلمي تحت ستار التشيع.
-5افترقت الشيعة إلى فرق كثيرة حتى ذكر بعضهم أنها بلغت ثلثمائة فرقة ،وقد انحصرت اليوم
في ثلثة اتجاهات :السماعيلية ،والزيدية ،والثني عشرية وهي أكبرها وأكثرها عددا.
ولقد لحظت مسألة جديرة بالهتمام والتتبع في بحث مستقل وهي أنه ما من رأي وجد لفرقة شيعية
ظهرت في التاريخ في مختلف مراحله إل وتجد ما يشهد له في الغالب في مصادر الثني عشرية
اليوم حتى آراء ابن سبأ والمختار ابن أبي عبيد ،وبيان بن سمعان ،والمغيرة بن سعيد وغيرهم من
رؤوس الغلة.
-6الثنا عشرية تلقب بالرافضة ،والجعفرية ،والمامية ،وكانوا يسمون بالقطعية والموسوية،
وذهب جمع إلى أن مصطلح الشيعة إذا أطلق اليوم ل ينصرف إل إليهم .وانبثق من الثني عشرية
فرق كثيرة :كالشيخية ،والكشفية ،والبابية ،وغيرها.
-7سار الشيعة للستدلل على شذوذهم في كل اتجاه.
فمرة يزعمون أن ما يدل على مذهبهم من آيات في القرآن قد حذفها الصحابة.
وتارة يلجؤون إلى تأويلت باطنية ما أنزل ال بها من سلطان.
وحينا يزعمون نزل كتب إلهية على الئمة للدللة على مذهبهم.
وأحيانا يتعلقون بروايات من طرق أهل السنة وهي إما كذب ،أو ل تدل على ما يزعمون ،ولهم
وسائل ماكرة في هذا التجاه ل تدري اليهود بعشرها.
وهذا كله إنما يدل على عجز هذه الطائفة عن إثبات مذهبها بأصول شرعية.
-8الشيعة منذ سنة (260هـ) وهي ل تتبع إل معدوما ل وجود له ،فهم شيعة مشايخهم ل شيعة
أهل البيت ،أو هم أتباع الشياطين الذين يتشكلون لهم بصورة المام الغائب ،كما استفاضت أحاديثهم
بلقاء هذا المعدوم.
775
ولقد اجتمع شمل فرق الشيعة بالقول بهذا المعدوم لنه يخلصهم من آل البيت الذين كان منهم علماء
وأتقياء بررة فضحوا أمر هؤلء المرتزقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل باسم آل البيت،
ويبتدعون في دين ال ما لم ينزل به سلطانا ..وينسبونه للل ..وبالتشيع لهذا المعدوم صارت السلطة
والمال والوجاهة للشيوخ ل للل.
-9قالت الشيعة :إن القرآن ليس بحجة إل بقيم وهو أحد الئمة الثني عشر حتى إنها قالت :إن
المام هو القرآن الناطق ،وكتاب ال هو القرآن الصامت ،وزعمت أن علم القرآن كله عند هذا القيم ل
يشركه فيه أحد ،فهو تفسيره بل هو القرآن نفسه ،ولذا له حق تخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه
وبيان مجمله ونسخ ما شاء منه ..بل قد فوض المام في أمر الدين كله.
وزعمت أن لكل آية معنى باطنيا ،ثم قالت :لكل آية سبعة بطون ،ثم طاشت تقديراتهم فقالت :إن
لكل آية سبعين بطنا.
وادعت أن كتاب ال الذي أنزله ال ليهدي هذه المة إلى التي هي أقوم ،في كل جوانب حياتها إنما
نزل في الئمة الثني عشر ،وفي أعدائهم ،وأعداؤهم -في زعمهم -الصحابة رضوان ال عليهم.
ولذا فسرت آيات التوحيد والسلم وأركان اليمان ،والحلل والحرام بالئمة الثني عشر.
وفسرت الشرك والكفر ،والفحشاء والمنكر ،والبغي بالصحابة ،ومن اتبعهم من المؤمنين.
وتبين أن أصل هذه التأويلت يرجع للمغيرة بن سعيد وجابر الجعفي ،ثم سار على نهجهما غلة
الروافض بعدهما فزادوا وبالغوا في هذه حتى وصلوا إلى مرحلة لم تخطر ببال السابقين ،وشيوخ هذا
العصر يعدون هذه المدونات التي حوت هذا "الغثاء" من أوثق مصادرهم.
-10فرية "التحريف" ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني ،ونسبت إلى هشام بن الحكم،
وشيطان الطاق ،وكان من أسبابها أنهم لم يجدوا ما يقنعون به أتباعهم على ما يدعون ،وذلك لخلو
كتاب ال من النص على أئمتهم وعقائدهم.
ولكن ما إن جاء القرن الرابع حتى رمتهم المة عن قوس واحدة وكفروهم لسقوطهم في هذه
الهاوية الشنيعة ،فأعلن كبيرهم (ابن بابويه) براءة الشيعة من هذه العقيدة ،وأن من نسب إليهم ذلك فهو
كاذب ،وتبعه ابن المرتضى ،والطوسي ثم الطبرسي.
ولذا فإن بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أن الباطنية لم تخص بهذه المقالة،
والذي تولى كبرها وأكثر من الوضع فيها هم الثنا عشرية.
وقد سجلت هذه المقالة في أول كتاب ظهر لهم وهو الذي يسمونه أبجد الشيعة ،وهو كتاب سليم بن
قيس ،والذي كشف بعض شيوخهم عن أمره ،وأنه موضوع ،ومؤلفه مجهول.
-11وفي السنة المطهرة كانت لهم أصول منكرة كقولهم :إن المام يوحى إليه ،بل يأتيه خلق
أعظم من جبريل الذي يأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومن سمع حديثا من أحد من الئمة له أن
يقول فيه :قال ال ،لن قولهم كقول ال ،وطاعتهم طاعة ال.
776
وفيهم روح القدس التي بها "عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى" ،وبها يرون ما غاب عنهم
في أقطار الرض ،وما في عنان السماء ،ويذهبون إلى عرش الرحمن كل جمعة ليأخذوا من العلم ما
شاؤوا.
وقالوا :إن ال سبحانه يناجي عليا والئمة.
وهذا كله يسمى عندهم "العلم الحادث" ،أما العلم المزبور والذي ورثوه عن الرسول فهي كتب
وهمية كثيرة كالجامعة ،والجعفر ،وكتاب علي ،والعبيطة ،و"ديوان الشيعة" وغيرها.
وقالوا بأن عليا استمر يتلقى هذه العلوم والسرار والكتب في حياة الرسول صلى ال عليه وسلم،
بل وبعد موته ،من دون الصحابة أجمعين ،فهو الباب الوحيد لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ومن ادعى سماعا من غيره فقد أشرك.
واستمر الوحي اللهي عندهم عن طريق الئمة لم ينقطع حتى سنة (260هـ) وبعد ذلك استمر
أيضا قرابة أربع وسبعين سنة عن طريق نواب المهدي ،ثم بعد ذلك عن طريق الشيوخ الذين لهم
صلة سرية بمهديهم ،ولذلك فإن شيوخهم يضعون بدعا جديدة حتى إن شيخ الدولة الصفوية علي
الكركي وضع مبدأ جواز السجود للمخلوق ،ووضع لهم أيضا مبدأ السجود على التربة.
وشيخهم الخميني نقل عمليا وظائف المهدي كلها إليه وإلى دولته.
ولهم كتب جمعت هذا "الغثاء" واستقلوا بها عن المسلمين وهي مصادر أربعة :الكافي ،والتهذيب،
والستبصار ،ومن ل يحضره الفقيه .ألحق بها المتأخرون أربعة أخرى هي :الوافي ،والبحار،
والوسائل ،ومستدرك الوسائل ،ثم أضافوا إليها عددا من كتب شيوخهم جعلوها في العتبار كالمصادر
الربعة.
وكانوا يقبلون كل ما جاء في كتب أخبارهم .حتى جاء شيخ السلم ابن تيمية ورد على ابن
المطهر الحلي ونعى على الشيعة جهلهم بالرواية ،فوضع ابن المطهر طريقة تقسيم أحاديثهم إلى
صحيح وحسن وموثق وضعيف ،وكان الدافع لذلك هو اتقاء تعيير العامة لهم كما تبين ذلك أثناء
النزاع الذي وقع بين الشيعة بسبب اختلفهم في هذه المسألة حتى انقسموا إلى أصوليين وأخباريين.
وهذه نتيجة مهمة توصل إليها هذا البحث.
وقد اعترف أحد شيوخهم بأنهم إذا طبقوا علم الجرح والتعديل كأهل السنة لم يبق من أحاديثهم
شيء فليبحثوا عن مذهب آخر.
ورجال أحاديثهم فيهم أسماء ل مسمى لها ،وأكثرهم ينتحل المذاهب الفاسدة في نظر الثني عشرية
نفسها ،فهم في عداد الكفرة ولكنهم يقبلون أخبارهم لنهم شيعة ،أما أهل السنة والزيدية ،وأهل البيت
ما عدا الثني عشر فهم يردون رواياتهم حتى رفضوا روايات زيد بن علي .لكن المامي الذي على
مذهبهم يقبل قوله مهما كان حتى قال بعض شيوخهم" :بأن القدح في دين الرجل ل يؤثر في صحة
حديثه".
777
والرافضة تقيم كل عقائدها ومبادئها على روايات من وضع هؤلء الفاكين ،نسبوها للئمة،
والئمة منها براء ،إذ منهم من هو خليفة راشد يجب طاعته كالخلفاء قبله وهو علي ،ومنهم من هو
من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر ،وجعفر الصادق ،ويجب لهم ما يجب
لمثالهم من أئمة العلم والدين ،ومنهم دون ذلك ،ومنهم من ضعفه بعض أهل العلم وهو الحسن
العسكري ،ومنهم معدوم ول وجود له وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (260هـ) وكل ما ينسبونه لهم
من غلو هو من اختراع زنادقة القرون البائدة.
-12ول حجة عندهم بالجماع ،ولو نسب لمامهم المعدوم بواسطة أحد أبوابه قول ،وخالفته المة
كلها لكانت الحجة في قوله ل في قول المة ،بل مخالفة المة أصل مقرر في مذهبهم ،حتى قالوا :إن
ما خالف المة فيه الرشاد ،بل لو أطبقت الشيعة على قول ،وخالفه فئة مجهولة منتسبة للتشيع لكانت
الحجة في قول الطائفة المجهولة تحسبا منهم أن يكون مهديهم المنتظر قد خرج متنكرا وشارك في
الرأي مع تلك الطائفة ،فكأن هذا يعني أن مذهبهم يتسع على مدى الزمان ،لن يضع فيه شياطين
النس والجن ما يشاؤون ما دامت هذه الطائفة وضعت لنفسها هذا المبدأ.
-13وفي اعتقادهم في أصول الدين ظهر أنهم جهمية في نفي الصفات ،وقدرية في نفي القدر،
ومرجئة في قولهم بأن اليمان معرفة المام وحبه ،ووعيديه بالنسبة لغيرهم ،حيث يكفرون ما عدا
طائفتهم.
كما تبين أنهم يشركون بال سبحانه في ربوبيته وألوهيته في مسائل عديدة.
وفي اعتقادهم بالكتب والرسل كان من أقوالهم فيها أن الئمة نزلت عليهم كتب إلهية ،وعندهم كتب
النبياء يقرؤونها ويحكمون بها ،ولهم معجزات كالرسل ،بل هم أفضل من الرسل وبهم تقوم الحجة
على العباد.
وفي اليمان باليوم الخر قالوا :إن الخرة للمام ،وأن الجنة مهر فاطمة ،وأن الئمة يأكلون من
الجنة في الدنيا ،وأن حساب الخلق إلى الئمة يوم القيامة.
وأن هناك جنة ونار يصير إليها الموات غير الجنة والنار التي يؤمن بها المسلمون ،وأن لقم بابا
إلى الجنة وأهل قم ل يحشرون كسائر الناس.
-14ولهم عقائد أخرى تفردوا بها أيضا عن المسلمين وهي إمامة الثني عشر وعصمتهم ،والتقية،
والمهدية ،والغيبة ،والرجعة ،والظهور ،والطينة والبداء.
فإمامة المسلمين خاصة بالثني عشر عندهم ،وكل من يتولى على المسلمين من غيرهم فهو
طاغوت ل ينظر ال إليه ول يكلمه يوم القيامة وله عذاب أليم ومن بايعه أو رضي ببيعته فهو كذلك.
وهؤلء الثنا عشر ل يسهون ول ينسون ول يخطئون منذ ولدتهم وطيلة عمرهم.
778
ولما كانت أقوال الئمة وأفعالهم تخالف القول بعصمتهم اخترعوا للتستر على مزاعمهم تلك عقيدة
البداء والتقية ،فأعمال الئمة الموافقة للمسلمين يحملونها على التقية ،وأخبارهم المخالفة للواقع
يحملونها على البداء.
ولما حددت الشيعة الئمة بأشخاص معينين صدمت بانقطاع سلسلة الئمة المزعومين بموت الحسن
العسكري عقيما ،ولذلك اخترعوا بعد طول تخبط أن له ولدا اختفى وهو طفل ،فهو المام على
المسلمين إلى اليوم وسيظهر إليهم.
ثم ما لبث شيوخهم أن استولوا على صلحياته بواسطة النواب والوكلء ،ثم جعلوها -تدريجيا -
مشاعة بين شيوخهم ،فأصبحوا هم الحاكمين بأمرهم في شان الرعاع من الشيعة الذين يخدعونهم
بقولهم :أنتم أتباع أهل البيت وهو في الحقيقة أتباع المعدوم ،أو أتباع الشيطان.
وفي عقيدة الرجعة يحلمون بالعودة للدنيا بعد الموت هم وأعداؤهم -الذين هم أهل السنة من
الصحابة ،ومن اتبعهم بإحسان -فيجري انتقام الشيعة منهم.
وفي عقيدة الظهور يخرج الئمة من قبورهم لبعض الناس أحيانا قبل يوم القيامة ،وفي غير الرجعة
المزعومة ،وهذه عقيدة جديدة سجلها المجلسي في بحاره في باب مستقل.
وأما عقيدة الطينة فهي عقدية سرية عندهم ،تقول بأن حسنات أهل السنة هي للشيعة ،وموبقات
الشيعة هي على أهل السنة ،ويفسرون على ضوئها ما يضج به مجتمعهم منذ القديم من ظلم ومعاص
ومنكرات.
-15إن الشيعة المعاصرين يلتقون مع الغابرين في مصادر التلقي ،بل ويأخذون بما افتراه شيوخ
الدولة الصفوية ووضعوه من مدونات مليئة بالكفر واللحاد ،وقد سهلت المطابع إشاعة هذه الظلمات
بينهم فركبوا من الغلو مركبا صعبا.
ولكنهم يخدعون أهل السنة فيزعم بعضهم أنهم ل يسبون الصحابة ول يقولون بالرجعة ،وقد بينت
صفحات هذه الرسالة حقيقة هذه الدعاوى.
وقد زعموا أن التقية انتهى العمل بها مع أن نصوصهم تأمرهم بالعمل بها إلى أن يخرج مهديهم،
وأقوالهم وأفعالهم تبين استمرار العمل بها ،فقولهم هذا إنما هو "تقية على التقية".
ولعله ل يوجد طائفة على وجه الرض جعلت الكذب دينا ،بل هو تسعة أعشار الدين كهذه الطائفة.
-16وفي أثرهم في العالم السلمي تبين أن لهم آثارهم الفكرية الخطيرة في إحداث الشرك في
أمة محمد صلى ال عليه وسلم ،والصد عن دين ال ،وظهور فرق الزندقة واللحاد ،ومحاولة إضلل
المسلمين في سنة نبيهم ،والتأثير السلبي في الدب والتاريخ ،وعلى بعض المفكرين المنتسبين للسنة،
ولهم وسائل في الضلل ظاهرة وخفية.
779
كما أن لهم أثرا في المجال الجتماعي في إثارة الفتن الداخلية بين المسلمين ،وفي العتداء
والغتيالت للقيادات السلمية ،ولعموم المسلمين ،إذا حانت لهم فرصة في ذلك ،وفي إشاعة الفاحشة
ونشر الباحية عن طريق ما يسمونه بالمتعة الدورية وغيرها.
وفي المجال القتصادي كان أثرهم واضحا في أخذ أموال المسلمين بالقوة أو الخديعة ،وفي تدمير
اقتصاد المة بأي وسيلة ،وكان ما يأخذونه من أموال باسم آل البيت من أهم أسباب رغبة شيوخ
الشيعة في بقاء شذوذهم وخلفهم مع المسلمين.
وقد تبين أنهم كفرة ليسوا من السلم في شيء بسبب شركهم وتكفيرهم للصحابة ،وطعنهم في
كتاب ال وغيرها من عقائد الكفر عندهم.
ول أغرب وأعجب من بقاء طائفة تعد بالمليين أسيرة لهذه الخرافات ،ول يفسر ذلك إل أن شيوخ
الشيعة يحجبون الحقيقة عن أتباعهم بوسائل كثيرة من الخداع ،لعل من أبرزها دعواهم أن ما عندهم
مؤيد بما جاء عن طريق أهل السنة ،وأن دينهم يقوم على أساس محبة آل البيت وأتباعهم.
وفي ظل هذه الدعوى يؤججون مشاعر العامة وعواطفهم بذكر اضطهاد آل البيت ،وتصوير الظلم
الذين لحقهم من الصحابة -بزعمهم ويربون صغارهم على ذلك.
ومن ذلك تمثيلهم لمأساة كربلء وهو المعروف الن باسم "الشبيه" وإقامتهم لمجالس التعزية ،بكل
ما فيها من مظاهر الحزن والبكاء ،وما يصاحبها من كثرة العلم ودق الطبول وسرد الحكايات
والقاصيص عن الظلم المزعوم ،وهذا يؤدي إلى شلل العقل والتقبل العمى للمعتقد ول سيما عند
العاجم والعوام.
وإن أعظم وسيلة لمعالجة وضع الشيعة هو بيان السنة للمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل،
وبيان حقيقة الشيعة ومخالفتها لصول السلمي بدون تقليل أو تهويل.
وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،والحمد ل رب العالمين،،
780
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
المقدمة 5......................................................... ...................
التمهيد 34........................................................ ...................
تعريف الشيعة 35...................................................................
لفظ الشيعة في القرآن ومعناه 38.....................................................
لفظ الشيعة في السنة ومعناه 42......................................................
لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث عند الشيعة 44...................................
لفظ الشيعة في التاريخ 45...........................................................
تعريف الشيعة في كتب الثني عشرية 48............................................
تعريف الشيعة في كتب السماعيلية 58...............................................
تعريف الشيعة في المصادر الخرى 59..............................................
التعريف المختار للشيعة64...........................................................
نشأة الشيعة وجذورها التاريخية70...................................................
رأي الشيعة في نشأة التشيع70.......................................................
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع84..................................................
الرأي المختار 95................................................................ ....
أصل التشيع (أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي) 100.......................
القول بالصل اليهودي 100................................................... .......
القول بالصل الفارسي 102.........................................................
القول بأن التشيع مباءة للعقائد السيوية القديمة 106...................................
الرأي المختار 108..................................................................
فرق الشيعة 110................................................................. ....
ألقاب الشيعة المامية الثني عشرية 122.............................................
الشيعة 122................................................................... .......
المامية 123........................................................................
الثنا عشرية 127...................................................................
القطعية130.................................................................. ........
أصحاب النتظار 130...............................................................
781
الرافضة131.................................................................. .......
الجعفرية 134.......................................................................
الخاصة 135........................................................................
فرق الثني عشرية 136.............................................................
الباب الول :اعتقادهم في مصادر السلم:
الفصل الول :اعتقادهم في القرآن الكريم 153........................................
المبحث الول :اعتقادهم في حجية القرآن 155.......................................
المسألة الولى :اعتقادهم أن القرآن ليس بحجة إل بقيم 155...........................
المسألة الثانية :اعتقادهم بأن الئمة اختصوا بمعرفة القرآن ل يشركهم فيه أحد162....
المسألة الثالثة :اعتقادهم بأن قول المام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه 176
اعتقادهم في تأويل القرآن 183.......................................................
اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر 183.................................
قولهم بأن جل القرآن نزل فيهم وفي اعدائهم 191....................................
أصل هذه التأويلت وجذورها وامثلة لها 203........................................
ملحظات مهمة على معتقدهم في تأويل القرآن 232..................................
هل الشيعة تقول بأن في كتاب ال نقصًا أو تغييرًا؟…………245....................
بداية هذه الفرية عند الرافضة من خلل ما كشفته مصادر أهل السنة250..............
شيوع مقالة التحريف بين الرافضة كما أفادته مصادر السنة 254......................
ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية 267..........................................
بداية الفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة 270.........................................
فشو هذه الفرية وانتشارها في كتب الشيعة 276......................................
مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة 288......................................
هل لدى الشيعة مصحف يتداولونه؟ 312.............................................
مصحف علي 319........................................................... ........
حجم أخبار هذه السطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم 328.......................
هل الشيعة جميعا تعتقد بصحة أخبار هذه السطورة 335.............................
هل انكار بعض شيوخ الشيعة لهذه السطورة من قبيل التقية 341.....................
ابن بابويه وانكاره لما ينسب لطائفته 346............................................
الطوسي وانكاره لهذه الفرية 353....................................................
782
الشريف المرتضى وانكاره لسطورتهم 358..........................................
الطبرسي وانكاره لهذه السطورة 360...............................................
نتائج الموضوع 366.............................................................. ...
اعتقادهم في السنة المطهرة 373.....................................................
قول المام كقول ال ورسوله في زعمهم 374........................................
علم المام يتحقق_عندهم_بطريقة اللهام والوحي 377................................
خزن العلم وايداع الشيعة عند الئمة 383.............................................
حكايات الرقاع 384.................................................................
عقيدته في مرويات الصحابة 404....................................................
بداية تدوين الحديث عندهم 416......................................................
الكتب الرئيسية والساسية في نظرهم 427...........................................
ملحوظات مهمة عل كتبهم الثمانية المعتمدة 428......................................
مدى صحة روايات المدونات 431...................................................
رجال أسانيدهم 454.................................................................
اقسام الحديث عندهم وصلة ابن تيمية بوضعهم لهذا التقسيم 465......................
تقويم حال الئمة الذين تدعي فيهم الشيعة كل هذه الدعاوى 475......................
عقيدتهم في الجماع 487............................................................
قولهم بأن الحجة في قول إمامهم ل في الجماع 488.................................
اعتقادهم أن ما خالف المة فيه الرشاد 497..........................................
الجانب النقدي لهذه المقالة 503...................................................... .
المجلد الثاني
عقيدتهم في أصول الدين ............................................................
عقيدهم في توحيد اللوهية 517......................................................
نصوص التوحيد جعلوها في ولية الئمة 519........................................
الولية أصل قبول العمال عندهم 531...............................................
اعتقادهم أن الئمة هم الواسطة بين ال والخلق 536..................................
قولهم ل هداية للناس إل بالئمة 539.................................................
قولهم أنه ليقبل الدعاء إل بأسمائهم 540.............................................
الستغلثة بالئمة 545............................................... .................
783
قولهم ان الحج الى المشاهد اعظم من الحج الى بيت ال 550.........................
زيارة كربلء يوم عرفة افضل من سائر اليام 558..................................
زيارة قبر الحسين أفضل العمال 561...............................................
قولهم ان كربلء أفضل من الكعبة 561..............................................
زوار الحسين تأتيهم الملئكة ويناجيهم ال 565.......................................
مناسك المشاهد 566.................................................................
الطواف بها 567....................................................................
الصلة عند الضريح 569................................................ ............
النكباب على القبر 571.............................................................
اتخاذ القبور قبلة كبيت ال 574......................................................
الجانب النقدي لمسألة المشاهد عند الشيعة 580.......................................
قولهم ان المام يحرم ما يشاءويحل ما يشاء 587.....................................
قولهمان تراب قبر الحسين شفاء من كل داء594......................................
دعاؤهم بالطلسم والركوز واستغاثهم بالمجهول600..................................
ااستخارتهم بما يشبه أزلم الجاهلية 604.............................................
عقيدتهم في توحيد الربوبية 615.................................................. ....
قولهم ان الرب هو المام 618.......................................................
قولهم ان الدنيا والخرة كلها للمام يتصرف بها كيف يشاء621.......................
اسناد الحوادث الكونية الى الئمة 623............................................... .
الجزء اللهي الذي حل في الئمة 628...............................................
قولهم بتأثير اليام والليالي بالنفع والضر632.........................................
عقيدتهم في اسماء ال وصفاته 639..................................................
الغلو في الثبات التجسيم 640.................................................... ....
التعطيل عندهم 649.................................................................
قولهم بأن القرآن مخلوق657.........................................................
الرؤية 668.................................................................. ........
نزول الرب جل شأنه 671...........................................................
وصفهم الئمة بأسماء ال وصفاته 677...............................................
دعوى التحريف لتأييد مذهبهم في التعطيل687........................................
اعتقادهم في اليمان وأركانه 691....................................................
784
قولهم في اليمان والوعد والوعيد 692...............................................
مفهوم اليمان عندهم 692...........................................................
الشهادة الثالثة 694............................................................... ....
القول بالرجاء 696.................................................................
قولهم في الوعد 699.......................................................... .......
قولهم في الوعيد 702...............................................................
قولهم في أركان اليمان 705....................................................... ..
اليمان بالملئكة 705....................................................... .........
اليمان بالكتب 710....................................................... ...........
دعواهم تنزل كتب الهية على الئمة 710.............................................
مصحف فاطمة713..................................................................
كتاب انزل على الرسول قبل موته 721..............................................
لوح فاطمة 724.....................................................................
دعواهم نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الئمة726................
صورة لحد الكتب المزعومة 729...................................................
دعواهم ان جميع الكتب السماوية عند الئمة 734.....................................
اليمان بالرسل 743.................................................................
تفضيلهم الئمة على الرسل 744.....................................................
معجزات المام 753.................................................................
اليمان باليوم الخر 764............................................................
اليمان بالقدر 774................................................................. ..
أصولهم ومعتقداتهم الخرى التي تفردوا بها
المـامـة 791.....................................................................
مفهوم المامة عند الشيعة ومنشؤه 792...............................................
منزلة المامة عندهم 793............................................................
سرية هذا المبدأ 797............................................................. ....
حصر الئمة بعدد معين 800........................................................
استدللهم على مسألة المامة 818....................................................
الستدلل بالمور المتفق عليها لبطال دعوى النص على الئمة 854.................
حكمهم فيمن أنكر إمامة أحد الثني عشر 866........................................
785
تكفيرهم الصحابة 868...............................................................
تكفيرهم أهل البيت 891............................................................ ..
تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم 896.............................................
حكمهم على المصار السلمية بأنها دار كفر 898...................................
عدهم قضاة اامسلمين طواغيت وحكام جور 902.....................................
اعتبارهم ائمة المذاهب الربعة وائمة المسلمين كملل اهل الشرك905.................
لعنهم وتكفيرهم للفرق السلمية كلها ما عدا طائفتهم 907............................
لعنهم وتكفيرهم للئمة كلها 911.................................................... ..
الفئة التي تستثنيها الشيعة من عموم اللعن والتكفير 914...............................
نقد هذا التجاه 915......................................................... .........
عصمة المام 941....................................................... ............
تعريف العصمة 941................................................................
نشأة هذه العقيدة وتطورها 944......................................................
استدللهم على عصمة أئمتهم ومناقشته 951..........................................
نقد عام لمبدأ عصمة الئمة 962.....................................................
التقيـة 977................................................... ......................
تعريفها977................................................................ ..........
التقية في الصل عندهم هي مع المسلمين 978.......................................
مغالتهم في أمر التقية 979..........................................................
سبب غلوهم في التقية 984........................................................ ...
امثلة من التقية عندهم 990................................................ ...........
استدللهم على التقية ومناقشته 993...................................................
المهدية والغيبة 999.................................................................
المهدية والغيبة عند فرق الشيعة 1000...............................................
نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة الثني عشرية وتطورها1004............................
الخطوط العامة لقصة المهدية والغيبة عند الثني عشرية 1020.......................
الستدلل على وقوع الغيبة 1047....................................................
دفاعهم عن طول امد الغيبة 1052....................................................
المهدي بعد عودته المزعومة 1059..................................................
شريعته التي يحكم بها 1059.........................................................
786
سيرته بين الناس 1063..............................................................
جنده عددهم وجنسهم 1075..........................................................
الشيعة وغيبة مهديهم 1077..........................................................
النيابة عن المنتظر 1083............................................................
نقد عقيدة الغيبة والمهدية عند الثني عشرية 1091...................................
الرجـعـة1103................................................................... ..
معناها 1104........................................................................
زمنها 1106................................................... ......................
الغرض منها 1107..................................................................
استدللهم على الرجعة ومناقشته 1110...............................................
نقد مقالة الرجعة 1121..............................................................
الظهور 1127.......................................................................
البـداء1133........................................................................
معنى البداء وبيان أنه من أصولهم1134..............................................
اصل معتقد البداء وجذوره 1136................................................ .....
سبب قول الشيعة بالبداء 1136.......................................................
محاولت شيوخ الشيعة الدفاع عن هذه العقيدة 1141..................................
استدللهم على البداء ومناقشته1147..................................................
روايات في كتب الثني عشرية تنقض معتقد البداء 1149.............................
عقيدة الطينة 1155..................................................................
المجلد الثالث
الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلفهم
الصلة على مصادر التلقي 1175.....................................................
الفرق الشيعية القديمة1173............................................... ............
الصلة العقيدية بين القدامى والمعاصرين 1193.......................................
موقف المعاصرين من فرية التحريف 1196..........................................
انكارهم وجود فرية التحريف عندهم 1198...........................................
العتراف ومحاولة الترير 1203.....................................................
المجاهرة بهذا الكفر والستدلل عليه 1212..........................................
787
التظاهر بانكار هذه الفرية مع محاولة اثباتها بطرق ماكرة خفية1269.................
اتجاه المعاصرين في تأويل كتاب ال 1274..........................................
السنة عند المعاصرين 1286.........................................................
الجماع عند المعاصرين 1289......................................................
اعتقادهم في اصول الدين 1290.................................................. ....
المامة عندهم 1305....................................................... ..........
موقف المعاصرين من تكفير أصولهم للمسلمين 1305................................
موقفهم من الحكومات السلمية 1312...............................................
اعتقاد المعاصرين في الصحابة 1319................................................
العصمة عند المعاصرين 1343......................................................
الرجعة عند المعاصرين 1347.......................................................
التقية عند المعاصرين 1352.........................................................
دولة اليات 1377...................................................................
سبب تخصيص دولتهم الحاضرة بالدراسة والتقويم 1377.............................
فكر مؤسسها 1380................................................ ..................
التجاه الوثني 1380.................................................................
الغلو في التصوف 1385....................................................... ......
دعوى النبوة 1389..................................................................
الغلو في الرفض 1394..............................................................
قوله بعموم ولية الفقيه 1405........................................................
معارضة بعض شيوخهم لمذهب الخميني في ولية الفقيه 1418.......................
دستور دولة اليات 1421.................................................. ..........
أثرهم في العالم السلمي والحكم عليهم 1431......................................
في المجال العقدي والفكري 1434................................................. ...
احداث الشرك في امة محمد 1434...................................................
الصد عن دين ال 1435.............................................................
ظهور فرق الزندقة واللحاد 1438...................................................
محاولة اضلل المسلمين في سنة نبيهم 1440.........................................
دخولهم في مذهب أهل السنة للضلل 1441.........................................
نشر الرفض في العالم السلمي 1446...............................................
788
تأثر بعض الكتاب المنتسبين لسنة بالتجاه الرافضي 1453............................
تشويه تاريخ المسلمين 1457.........................................................
اثرهم في الدب العربي 1459.......................................................
في المجال السياسي 1462...........................................................
مؤامرة ابن العلقمي 1469...........................................................
الدولة الصفوية 1475.................................................... ............
في المجال الجتماعي 1480.........................................................
علقتهم مع المسلمين 1480..........................................................
الفتن الداخلية 1487............................................................... ...
الباحية 1489.................................................... ...................
في المجال القتصادي 1494.........................................................
الحكم عليهم 1505....................................................... ............
الخاتمة 1541.......................................................................
الفهارس 1555......................................................................
فهرس العلم والمترجم لهم 1557..................................................
فهرس الفرق والديان المعرف بها في الحاشية 1571................................
دليل المراجع 1563.................................................................
فهرس الموضوعات 1643..........................................................
789