كن ربانيا ولا تكن رمضانيا

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫كن ربانيا ول تكن رمضانيا‬

‫إن الحمسسد ل نحمسسسده ونسسستعينه ونسسستغفره ونعوذ بال مسسن شرور أنفسسسنا وسسسيئات‬
‫أعمالنا من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادى له وأشهد أل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‬
‫[ آل‬ ‫سلِمُونَ‬ ‫حقّ ُتقَاتِ ِه وَلَ َتمُو ُتنّ ِإ ّل وَأَنْتُمْ ُم ْ‬‫لّ َ‬
‫يَاأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ا ّتقُوا ا َ‬
‫عمران ‪. ] 102 :‬‬
‫خ َلقَ مِ ْنهَا َز ْوجَهَا وَبَثّ‬ ‫س وَاحِدَ ٍة َو َ‬ ‫خ َلقَكُمْ ِمنْ َنفْ ٍ‬‫يَاأَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَبّ ُكمُ الّذِي َ‬
‫علَيْكُمْ‬
‫مِ ْنهُمَا ِرجَالً كَثِيرًا وَنِسَا ًء وَا ّتقُوا الَّ الّذِي تَسَا َءلُونَ ِب ِه وَالَ ْرحَامَ ِإنّ الَّ كَانَ َ‬
‫رَقِيبًا [ النساء ‪. ] 1 :‬‬
‫ح لَكُمْ َأعْمَالَكُ ْم وَيَ ْغفِـرْ‬
‫صلِ ْ‬
‫سدِيدًا(‪ُ )70‬ي ْ‬ ‫لّ وَقُولُوا َقوْلً َ‬ ‫يَاأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ا ّتقُوا ا َ‬
‫لّ وَرَسُـولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزًا عَظِيمًا [ الحزاب ‪. ] 71-70 :‬‬ ‫لَكُمْ ذُنُوبَ ُك ْم وَ َمنْ ُيطِـعِ ا َ‬
‫أما ب عـد ‪-:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب ال ‪ ،‬وخسير الهدى هدى محمد ‪ ،‬وشر المور محدثاتها‬
‫وكل محدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضللة ‪ ،‬وكل ضللة فى النار‪.‬‬

‫أحبتى فى ال ‪..‬‬
‫إننا اليوم على موعسد مع لقاء من الهمية البالغة بمكان وهو بعنوان كن ربانياً ول‬
‫تكن رمضانياً ‪ ،‬وكما تعودنا دائماً حتى ل ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا فسوف‬
‫نركز هذا الموضوع فى العناصر التالية ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الثوابت اليمانية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬عرفت فالزم ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬استعن بال ول تعجز ‪.‬‬
‫فأعيرونى القلوب والسماع والوجدان أيها الحبة ‪ ،‬وال أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون‬
‫القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هسداهم ال ‪،‬وأولئك هم أولو اللباب ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬الثوابت اليمانية ‪.‬‬
‫أحبتى فى ال ‪:‬‬
‫ها هو رمضسان قد انتهى فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ومن كان يعبد‬
‫ال فإن ال حسى ل يمسسوت ‪ ،‬لقسد انتهسى شهسر الصسيام ‪ ،‬انتهسى شهسر القيام والقرآن ‪ ،‬انتهسى‬
‫شهر البر والجود والحسان ‪ ،‬ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ‪ .‬فليت شعرى من‬
‫المقبول منا فى رمضان فنهنيه ‪ ،‬ومن من المطرود المحروم منا فنعزيه ‪.‬‬
‫خطب الشيخ محمد حسان‬
‫‪106‬‬

‫فيا عين جودى بالدمسع من أسف على فراق ليالسى ذات أنسوا ِر‬
‫على ليالى لشهر الصسوم ما جعلت إل لتمحيسص آثسسام وأوزارِ‬
‫ما كسان أحسننا والشمل مجتمسع منا المصلى و منا القانط القارى‬
‫ما قد بقى إخوانى من فضل أعمارى‬ ‫فابكوا على ما مضى فى الشهر و اغتنموا‬
‫أيها الفضلء العزاء ‪:‬‬
‫ممسسا ل ريسسب فيسسه أن ال جسسل وعسسسل قسسد فضسسل شهسسر رمضسسسان على سسسائر الشهور‬
‫والزمان ‪ ،‬واختصسه بكثيسر مسن رحماتسه وبركاتسه ‪ ،‬ويسسر ال فيسه الطاعسة لعباده ممسا ل‬
‫يحتسساج إلى دليسل أو برهسسان ‪ ،‬فأنست ترى المسسلمين فسى رمضان ينطلقون بأريحيسة ويسسر‬
‫غلّقست أبسسواب الجحيسم ‪ ،‬وفتحست‬ ‫إلى طاعسة الرحيسم الرحمسن جسل وعسسل‪ ،‬ولم ل ؟! وقسد ُ‬
‫أبسواب النعيم ‪ ،‬وغسل فيه مسردة الجن والشياطين ‪ ،‬فأنت ترى الناس تقبل على طاعة ال‬
‫وعبادتسه بأريحيسة عجيبسة ‪ ،‬ولكسن مسا يحسسزن القلب ويؤلم النفسس أنسك ترى كثسسيراً ممسن‬
‫عطروا بأنفاسسهم الذكيسة المسساجسد فسى رمضان يعرضون عسن طاعسة ال رب البريسة بعسد‬
‫رمضان‪ ،‬وكأنهسسم فسسى رمضان يعبدون ربسسا أخسسر ‪ ،‬فاليمان له ثواب ل يسسستغنى عنهسسا‬
‫ل الصلة ‪ :‬من من المؤمنسين الصادقين يستغنى‬ ‫المؤمن حتى يلقى الكبير المتعال ‪ ،‬فمث ً‬
‫عسن الصسلة بعسد رمضان ؟! انظسر إلى المسساجد فسى رمضان ‪ ،‬وانظسر إلى ذات المسساجد‬
‫بعد رمضان ‪.‬‬
‫أيهسا الموحدون ‪ :‬هسل يسستغنى مؤمسن صسادق مسع ال عسن هذا الصسسل الصسيل وعسن هذه‬
‫الثوابست اليمانيسة حتسى يلقسى رب البريسة وهسو الركسن الثانسى مسن أركان هذا الديسن قال‬
‫‪ [ .‬البقرة ‪] 238 :‬‬ ‫سطَى وَقُومُوا لِّ قَانِتِينَ‬
‫صلَةِ ا ْل ُو ْ‬
‫ت وَال ّ‬ ‫ص َلوَا ِ‬
‫علَى ال ّ‬ ‫تعالى‪ :‬حَا ِفظُوا َ‬
‫وقال جسسل وعل ‪ :‬يَاأَيّهَا الّذِين َـ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاس ْـجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبّكُم ْـ وَافْ َعلُوا‬
‫[ الحج ‪] 77 :‬‬ ‫ا ْلخَيْ َر لَ َعلّكُمْ ُت ْف ِلحُونَ‬
‫وحذر ال أشد التحذير من تضييع الصلة ومن تركها فى رمضان أو غير رمضان‬
‫ش َهوَاتِـ فَسَـ ْوفَ‬ ‫خلْفٌـ أَضَاعُوا الصّـلَ َة وَاتّبَعُوا ال ّ‬ ‫خلَفَـ مِنْـ بَعْ ِدهِمْـ َ‬‫فقال جسل وعل ‪َ :‬ف َ‬
‫[ مريم ‪] 59 :‬‬ ‫ن غَيّا‬ ‫َي ْل َقوْ َ‬
‫وقال جسسل وعل ‪ُ :‬كلّ َنفْس ـٍ بِمَا كَس ـَبَتْ َرهِي َنةٌ(‪)38‬إِلّ أَص ْـحَابَ الْيَمِينـِ(‪)39‬فِي‬
‫جَنّاتـٍ يَتَسـَا َءلُونَ(‪)40‬عَنـِ ا ْل ُمجْرِمِينـَ(‪)41‬مَا سَـلَ َككُمْ فِي سَـقَرَ(‪)42‬قَالُوا لَمـْ نَكـُ مِنـَ‬
‫[ المدثر ‪] 43-38 :‬‬ ‫صلّينَ‬ ‫الْمُ َ‬
‫فيسا مسن هيسأ ال له صسيام شهسر رمضان ل تضيسع الصسسلة ‪ ،‬فالصسلة صسلة لك بال ‪،‬‬
‫ومعين لك يطهرك من المعاصى والذنسوب ‪ ،‬وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن‬
‫النسسبى قال ‪ (( :‬مــن غدا إلى المســجد أو راح َأعَدّ ال له نُزلً فــى الجنــة كلمــا غدا أو‬
‫راح ))(‪.)1‬‬
‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم ( ‪ ) 662‬فى الذان ‪ ،‬باب فضل من غدا إلى المسجد أو راح ‪ ،‬ومسلم‬
‫كن ربانيا ول تكن رمضانيا‬
‫‪107‬‬

‫وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال ‪ (( :‬أل أدلكم على مايمحوا‬
‫ال بـه الخطايـا ويرفـع بـه الدرجات )) قالوا ‪ :‬بلى يسا رسسول ال قال ‪ (( :‬اسـباغ الوضوء‬
‫على المكاره ‪ ،‬وكثرة الخُطـا إلى المسـاجد ‪ ،‬وانتظار الصـلة بعـد الصـلة فذلكـم الرباط ‪،‬‬
‫فذالكم الرباط ‪ ،‬فذالكم الرباط ))(‪.)2‬‬
‫افترض ال على المؤمنين الصسلة وتعدهم بها فى كل زمان ومكان حتى يلقى العبد‬
‫ربه ليُسأل أول ما يُسأل عن الصلة ‪.‬‬
‫فعسسن أبسسى هريرة قال ‪ (( :‬إن أول مــا يحاســب بــه العبــد يوم القيامــة مــن عمله‬
‫صلته ‪ ،‬فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ‪ ،‬وإن فسدت فقد خاب وخسر ))(‪.)3‬‬
‫أيها الموحدون ‪ :‬ومن الثوابت اليمانية ( القرآن )‬
‫إن القسسسسسرآن حياة القلوب والرواح ‪ ،‬القرآن حياة النفوس والصسسسسدور ‪ ،‬القرآن حياة‬
‫البدان ‪ ،‬القرآن شراب النفسس وطعامهسا ‪ ،‬فهسل يسستغن مؤمسن عسن روحسه ؟! هسل يسستغن‬
‫مؤمسن عسن أصسل حياتسه ‪ ،‬إن القرآن يهدى للتسى هسى أقوم فل تضيعوا هذا الطريسق ول‬
‫تنصرفوا عنها ‪.‬‬
‫إن طرف القسسسرآن بيسسد ال ‪ ،‬وإن طرفسسه أيديكسسم فإذا تمسسسكتم بهذا الحبسسل المتيسسن لن‬
‫تضلوا ‪ ،‬ولن تهلكوا أبدًا ‪ ،‬وهسسل يسستغنى أحسد عسن أن يكلمسه ال فسى اليوم مرات ‪ ،‬فمسن‬
‫أراد أن يكلم ال فليدخل فى الصلة ومن أراد أن يكلمه ال فليقرأ القرآن ‪ ،‬وهل تستغنى‬
‫عسن ربسك أيهسا الموحسد ؟! ‪ ،‬ل تضيسع القرآن بعسد رمضان ‪،‬واعلم أن ال قسد مَنّ عليسك‬
‫بالقرآن فسى رمضان فجعلت لنفسسك ورداً يوميًا ‪ ،‬فلماذا بعسد رمضان تركست هسسذا الورد‬
‫ووضعت المصحف فى علبته كأنك لن تحتاج إليه إل فى رمضان المقبل ؟!‬
‫فيا أيها الحبيب الكريم ‪:‬‬
‫اقرأ القرآن واعمسل بمسا فيسه ‪ ،‬فإنسه يأتسى يوم القيامسة شفيعًا لصسحابه ‪ ،‬ففسى صسحيح‬
‫مسسلم عسن أبسى أمامسة الباهلى قال ‪ :‬سسمعت رسسول ال يقول ‪ (( :‬اقرؤوا القرآن ‪،‬‬
‫فإنــه يأتــى يوم القيامــة شفيعاً لصــحابه ‪ ،‬اقرؤا الزاهراويــن ‪ :‬البقرة ‪ ،‬وآل عمران ‪،‬‬
‫فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف‬
‫تحاجان عن صاحبهما ‪ ،‬اقرؤوا سورة البقرة ‪ ،‬فإن أخذها بركة ‪ ،‬وتركها حسرة ‪ ،‬ول‬
‫تستطيها البطلة ))(‪.)4‬‬
‫رقم ( ‪ ) 669‬فى المساجد ‪ ،‬باب المشى إلى الصلة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم رقم ( ‪ ) 251‬فى الطهارة ‪ ،‬باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره ‪ ،‬والموطسأ‬
‫( ‪ ) 161 /1‬فى قصر الصلة فى السفر ‪ ،‬والترمذى رقم ( ‪ ) 51‬فى الطهارة ‪ ،‬والنسائسى‬
‫( ‪ ) 1/89-90‬فى الطهارة ‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه الترمذى رقم ( ‪ ) 413‬فى الصلة ‪ ،‬باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة‬
‫الصلة ‪ ،‬والنسائى ( ‪ ) 232 /1‬فى الصلة والحاكم ( ‪ ) 263 /1‬ورواه أيضًا أحمسد فى‬
‫المسند ( ‪ ) 72 /5‬وهو فى صحيح الجامع ( ‪. ) 2573‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم رقم ( ‪ ) 804‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضل قراءة القسرآن وسورة البقرة ‪،‬‬
‫والترمذى رقم ( ‪ ) 2886‬فى ثواب القرآن ‪ ،‬باب ما جاء فى سورة آل عمران ‪.‬‬
‫خطب الشيخ محمد حسان‬
‫‪108‬‬

‫ويقول كما فى الصحيحين من حديث ابن عمر رضى ال عنهما ‪:‬‬


‫(( ل صــدد إل فــى اثنيــن رجــل أتاه القرآن فهــو يتلوه آناء الليــل وآناء النهار ‪ ،‬ورجــل‬
‫أعطاه ال مالً ‪ ،‬فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))(‪.)5‬‬
‫(( رجل أتاه القرآن فهو يقرأه آناء الليل وآناء النهار )) أى فى سائر العام فل تهجروا‬
‫القرآن يا أمة القرآن بعد رمضان ‪ ،‬ومن الثوابت التى ل غنى عنها للمؤمن بعد رمضان‬
‫‪ :‬ذكر الرحيم الرحمن ‪.‬‬
‫أخى الكريم ‪:‬‬
‫إذا كنست تحافسظ على الذكار والسستغفار فسى رمضان ‪ ،‬فهسل تسستغن عسن هذا الزاد‬
‫بقيسة العام ‪ ،‬إن الذكسر شفاء مسن السسسقام ومرضاة للرحمسن ومطردة للشيطان ‪ ،‬فرطسب‬
‫لسسانك دوماً بذكسسر الرحيسم الرحمسسن جسل وعل ‪ ،‬واسسمع لحبيبسك المصسطفى كمسا فسى‬
‫الحديث الذى رواه أحمد والترمسذى وصححه اللبانسى من حديث معاذ بن جبل يقول‬
‫(( أل أخـبركم بخيـر أعمالكـم وأزكاهـا عنـد مليككـم وأرفعهـا لدرجاتكـم ‪ ،‬وخيـر لكـم مـن‬
‫إعطاء الذهـب والفضـة ‪ ،‬وخيـر لكـم مـن أن تلقوا عدوكـم فتضربوا أعناقهـم ويضربوا‬
‫أعناقكم )) قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال قال ‪ (( :‬ذكر ال عز وجل ))(‪.)6‬‬
‫قال ‪(( :‬‬ ‫انظسر إلى فضسل الذكسر ‪ ،‬فالذاكسر فسى معيسة ال ‪ ،‬كمسا فسى الصسحيحين أنسه‬
‫قال ال جل وعل ‪ :‬أنا عند ظن عبدى بى ‪،‬وأنا معه حين يذكرنى فإذا ذكرنى فى نفسه‬
‫ذكرته فى نفسى ‪ ،‬وإن ذكرنى فى مل ‪ ،‬ذكرته فى مل خير منه ‪ ،‬وإن تقرب إلىّ شبراً‬
‫تقربـت إليـه ذراعاً ‪ ،‬وإن تقرب إلىّ ذراعاً تقربـت إليـه باعاً ‪ ،‬وإذا أتانـى يمشـى ‪ ،‬أتيتـه‬
‫هرولةً ))(‪.)7‬‬
‫فاذكر ال جل وعسل لتكون دوماً فى معيتسة سبحانه وتعالى ‪ ،‬والمعية نوعان ‪ :‬معية‬
‫عامسة ‪ ،‬ومعيسة خاصسة ‪ ،‬أمسا المعيسة العامسة فهسى معيسة العلم والمراقبسة والحاطسة والمعيسة‬
‫الخاصة فهى معية الحفظ والنصر والعسون والمدد والتأييد ‪ ،‬فهل تستغن أيها المؤمن عن‬
‫معية ال جل وعل ؟!!‬
‫فإذا أردت ذلك فداوم على الذكسر ول تضيسع هذا النور أبداً ‪ ،‬ويكفسى أن تعلم أن النسبى‬
‫قال فسى الحديسث الصسحيح الذى رواه أحمسد والترمسسذى مسن حديسث الحارث الشعرى‬
‫الطويسسل (( … وآمركــم أن تذكروا ال فإن مثــل ذلك كمثــل رجــل خرج العدو فــى أثره‬

‫‪ )(5‬رواه البخارى رقم ( ‪ ) 5026‬فى فضائل القرآن ‪ ،‬باب اغتباط صاحب القرآن ‪ ،‬ومسلم رقم‬
‫( ‪ ) 815‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ‪ ،‬والترمسذى رقسم‬
‫( ‪ ) 1937‬فى البر والصلة ‪.‬‬
‫‪ )(6‬الموطأ موقوفاً ( ‪ ) 112 /1‬فى القرآن ‪ ،‬باب ما جاء فى ذكر ال تعالى ‪ ،‬ومرفوعًا عند أحمد‬
‫فى المسند ( ‪ ) 447 /6 ( ، ) 239 /5‬والترمذى رقم ( ‪ ) 3374‬فى الدعوات ‪ ،‬وابن ماجة‬
‫رقم ( ‪ ) 3790‬فى الدب وصححه الرناؤوط فى تخريج جامع الصول ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() رواه البخارى رقم ( ‪ ) 7405‬فى التوحيد ‪ ،‬باب قول ال تعالى ‪ (( :‬ويحذركم ال نفسه ))‬
‫ومسلم رقم ( ‪ ) 2675‬فى الذكر ‪ ،‬باب الحث على ذكر ال تعالى ‪.‬‬
‫كن ربانيا ول تكن رمضانيا‬
‫‪109‬‬

‫سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم ‪ ،‬وكذلك العبد ل يُحرز نفسه‬
‫من الشيطان إل بذكر ال ))(‪.)8‬‬
‫إذاً لبسد لك هذا الزاد لن فيسه الخيسر العظيسم ‪ ،‬فالذكسر مسن الثوابست التسى ل غنسى عنهسا‬
‫بحال ل فى رمضان ول فى غير رمضان ‪.‬‬
‫ومن الثوابت اليمانية أيضاً ‪ :‬الحسان إلى الناس ‪.‬‬
‫إننسسا نرى كثيرًا مسسن الناس ل تظهسسر عليهسسم علمات الجسسسود والكرم إل فسسى رمضان‬
‫فقسسط ‪ ،‬فإذا مسسا انتهسسى رمضان ل تجسسد إل العبوس فسسى وجسسه الفقراء ول نجسسد إل البخسسل‬
‫والشح ول حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫أنست قسد منّ ال عليسك بالنفاق على الفقراء والمسساكين وكثيسر مسن أوجسه الخيسر فسى‬
‫رمضان فهل عودت نفسك على النفاق حتى ولو بالقليل ‪.‬‬
‫ففسى الصسحيحين مسن حديسث عدى أن الحسبيب النسبى قال ‪ (( :‬مـا منكـم مـن أحـد إل‬
‫وسيكلمه ربه ‪ ،‬ليس بينه وبينه تُرجمان ‪ ،‬فينظر أيمن منه فل يرى إل ما قدم ‪ ،‬وينظر‬
‫أشأم منــه فل يرى إل مــا قدم وينظــر بيــن يديــه فل يرى إل النار تلقاء وجهــه ‪ ،‬فاتقوا‬
‫النار ولو بشق تمرة ))(‪.)9‬‬
‫فالحسسسان مسسن الثوابسست اليمانيسسة التسسى ل يسسستغنى عنهسسا مؤمسسن فسسى رمضان غيسسر‬
‫رمضان حتى يلقى ربه جل وعل ‪.‬‬
‫ومن هذه الثوابت اليمانية أيضاً ‪ :‬قيام الليل ‪.‬‬
‫فسى رمضسسان وُفقست بفضسل ال ورحمتسه ومنتسه إلى صسسلة التراويسح والقيام فلماذا ل‬
‫تستمر على هذا الدرب المنير ؟‪ ..‬لماذا تضيع القيام بالليل ‪.‬‬
‫اسسسمع للنسسبى وهسسو يقول فسسى الحديسسث الذى رواه الحاكسسم وابسسن خزيمسسة والترمذى‬
‫وحسنه اللبانى فى صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبى أمامة يقول ‪ (( :‬عليكم‬
‫بقيام الليـل فإنـه دأب الصـالحـين قبلكـم وقربـة إلى ال تعالى ومنهاة عـن الثـم وتكفيـر‬
‫للسيئات ))(‪.)10‬‬
‫فاعمسل أخسى المسسلم على أن تكتسب مسن القائميسن الليسل ولو بركعسة واعمسل جاهداً أن‬
‫خوْفًا‬
‫تكون مسن أصسحاب هذه اليسة تَ َتجَافَى جُنُو ُبهُمْـ عَنِـ الْمَضَاجِعـِ يَ ْدعُونَـ رَ ّبهُمْـ َ‬
‫[ السجدة ‪] 16 :‬‬ ‫َوطَمَعًا وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ‬
‫‪ )(8‬أخرجه الترمذى رقم ( ‪ ) 2867‬فى المثال ‪ ،‬باب ما جاء فى مثل الصلة والصيام والصدقة‬
‫والطبرانى فى الكبير ( ‪ ) 285 /3‬رقم ( ‪ ) 3427‬وابن خزيمة وابن حبان ( ‪ 1222‬موارد )‬
‫والحاكم ( ‪ ) 117 /1‬وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى وهو فى صحيح الجامع‬
‫( ‪)1724‬‬
‫‪ )(9‬رواه البخارى ( ‪ ) 6539‬فى التوحيد ‪ ،‬باب كلم الرب عز وجل ‪ ،‬ومسلم ( ‪= ) 1016‬‬
‫= فى الزكاة ‪ ،‬باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 2427‬فى صفة القيامة‬
‫‪10‬‬
‫() رواه الترمذى رقم ( ‪ ) 3544 ، 3543‬فى الدعوات وابن أبى الدنيا فى (( كتاب التهجد ))‬
‫وابن خزيمة فى صحيحه وحسنه اللبانسى فى صحيح الترغيب ( ‪ ) 620‬وهو فى صحيح‬
‫الجامع ( ‪) 4079‬‬
‫خطب الشيخ محمد حسان‬
‫‪110‬‬

‫ومن الثوابت اليمانية ‪ :‬التوبة ‪.‬‬


‫مسسا منسسا أحسسد إل وتاب وأناب إلى ال فسسى رمضان ‪ ،‬فهسسل معنسسى ذلك أنسسه إذا انتهسسى‬
‫رمضان انتهى زمن التوبة ول نحتاج إلى توبة وأوبة إلى ال جل وعل ؟!‬
‫وانظر إلى حال الكثير من المسلمين تجد أن الكثير منهم ينفلتون يوم العيد إلى المعاصى‬
‫والشهوات وكأنهسم كانسسوا فسى سسجن وبمجرد أن تسم الفسسراج عنهسم مغرب اليوم الخسسير‬
‫مسسن رمضان انطلقوا وكأنهسسم خرجسسسوا مسسن هذا السسسجن وسسسرعان مسسا انكبوا على أنواع‬
‫المعاصسى والشهوات كجائع انكسب على الطعام مسن شدة الجسسوع الذى َألَمّ بسه ‪ ،‬ول حول‬
‫ول قوة إل بال ‪ ،‬ذلك ليس بحال المؤمن الموحسد ‪ ،‬فإن المؤمن الموحسد عمره كله عنده‬
‫عبادة لرب الرض والسسماوات فتجسسده ينتقسل مسن عبوديسة إلى عبوديسة ‪ ،‬ومسن طاعسسة إلى‬
‫طاعة ومن فضل إلى فضل ‪ ،‬لذا يجب عليك أن تكون دائماً فى عبودية حستى تلقى رب‬
‫البريسة ‪ ،‬يقول النسبى كمسا فسى صسحيح البخارى مسن حديسث أبسى هريرة ‪ (( :‬وال إنـى‬
‫لستغفر ال وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ))(‪.)11‬‬
‫النسبى صسلوات ال عليسه وسسلمه يقسسم بال ‪ ،‬أنسه يتسسوب ويسستغفر ال فسى اليوم أكثسر‬
‫من سبعين مرة وهو الذى غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬بل وفى رواية مسلم‬
‫قال (( يا أيها الناس توبوا إلى ال واستغفروه فإنى أتوب فى اليوم إليه مائة مرة ))(‪.)12‬‬
‫هذا حال سسسيد الخلق أجمعسسسين وإمام المرسسسلين فمسسا حالنسسا ؟! فالتوبسسة مسسن الثوابسست‬
‫اليمانية التى لغنى عنها لمؤمن بعد رمضان ‪ ،‬وهذه بعض الثوابت التى نحافظ عليها‬
‫فسى رمضسسان‪ ،‬ويتخلى عنهسا أكثرنسا بعسد رمضسسان ‪ ،‬فأحببست أن أذكسر نفسسى وأحسسبابى‬
‫وأخواتى بهذه الثوابت اليمانيسة التى ل يستغنى عنها مؤمن بحال حتى يلقى رب البرية‬
‫جل وعل ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عرفت فالزم ‪.‬‬
‫ذقت حلوة اليمان وعرفت طعم اليمان ‪ ،‬عرفت هذا فى رمضان ‪ ،‬ما منا من أحد‬
‫صام وقام رمضسان وقام ليلة القسدر إل وذاق هذه الحلوة ‪ ،‬حلوة شرح الصدر وسرور‬
‫القلب ‪ ،‬عرفست فالزم ‪ ،‬الزم هذا الضرب المنيسر ‪ ،‬واسستقم على هذا الصسراط المسستقيم ‪،‬‬
‫ففسى الصسحيحين مسن حديسث عائشسة رضسى ال عنهسا أن النسبى قال ‪ (( :‬يـا أيهـا الناس‬
‫عليكم من العمال ما تطيقون فإن ال ل يمل حتى تملوا ‪ .‬وإن أحب العمال إلى ال ما‬
‫دووم عليه وإن قل ))(‪.)13‬‬

‫‪ )(11‬رواه البخارى رقم ( ‪ ) 6307‬فى الدعوات ‪ ،‬باب استغفار النبى فى اليوم والليلة ‪.‬‬
‫‪ 12‬رواه مسلم رقم ( ‪ ) 2702‬فى الذكر والدعاء ‪ ،‬باب استحباب الستغفار والكثار منه ‪.‬‬
‫‪ )(13‬رواه البخارى ( ‪ ) 6462‬فى الرقاق ‪ ،‬باب القصد والمداومة فى العمل ‪ ،‬ومسلم ( ‪) 782‬‬
‫فى الصلة ‪ ،‬باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره ‪،‬واللفظ له والموطأ ( ‪) 118 /1‬‬
‫وأبو داود ( ‪ ) 315 /1‬فى صلة الليل ‪ ،‬والنسائى ( ‪ ) 218 /3‬فى صلة الليل ‪.‬‬
‫كن ربانيا ول تكن رمضانيا‬
‫‪111‬‬

‫))‬ ‫إذا عمـل عملً أثبتـه‬ ‫وفسى صحيح مسلم من حديسث عائشة قالت ‪ (( :‬كان رسـول ال‬
‫(‪ .)14‬أى داوم عليه وحافظ عليه ‪.‬‬
‫وفى صحيح مسلم من حديث أبى عمرة سفيان بن عبد ال الثقفسى أنه قال للنبى (( قل‬
‫لى فى السلم قولً ل أسأل عنه أحداً بعدك )) ‪.‬‬
‫(‪)15‬‬
‫‪ (( :‬قل آمنت بال ثم استقم ))‬ ‫قال الحبيب‬
‫قل آمنت بال ثم استقم ‪ ،‬أى استقم على ضرب اليمسان ‪ ،‬استقم على طريق التوبة ‪،‬‬
‫اسسستقم على طريسسق السسستغفار ‪ ،‬اسسستقم على طريسسق قيام الليسسل ‪ ،‬اسسستقم على طريسسق‬
‫الحسسان ‪ ،‬استقم على طريق هذه الثوابت اليمانية التسى أعانك ال عليها فسى رمضان ‪،‬‬
‫علَ ْيهِ مُ الْ َملَئِكَةُ أَلّ َتخَافُوا‬
‫قال جل وعل ‪ِ :‬إنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا الُّ ثُمّ ا سْ َتقَامُوا تَتَنَ ّز ُل َ‬
‫شرُوا بِا ْلجَنّةِ الّتِي كُنْتُمـْ تُوعَدُونـَ(‪َ )30‬نحْنـُ َأ ْولِيَاؤُكُمـْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬ ‫وَلَ َتحْزَنُوا وَأَبْ ِ‬
‫غفُورٍ‬ ‫لخِرَ ِة َولَكُمْـ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَ ْنفُسُـكُ ْم َولَكُمْـ فِيهَا مَا تَ ّدعُونـَ(‪ُ )31‬نزُلً مِنْـ َ‬ ‫وَفِي ا ْ‬
‫َرحِيمٍ [ فصلت ‪. ] 32-30 :‬‬
‫(( إِنّ الّذِينَـ قَالُوا َربّنَا الُّ ثُمّ اسْـَتقَامُوا )) قرأهسا يوماً على المنسبر عمسر بسن الخطاب‬
‫فقال ‪ِ (( :‬إنّ الّذِينَـ قَالُوا َربّنَا الُّ ثُمّ اسْـَتقَامُوا )) ثسم اسستقاموا على منهسج ال فلم يروغوا‬
‫روغان الثعالب ‪ ،‬والستقامة هى المداومة والثبات على الطاعة ‪.‬‬
‫أيها الحبيب الكريم ‪ :‬عرفت فالزم ‪ ..‬الزم هذا الدرب ول تنحرف عنه ‪.‬‬
‫أقول قولى هذا واستغفر ال لى ولكم ‪.‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫إن الحمد ل نحمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستهديه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعسوذ بال من شرور‬
‫أنفسنا ‪ ،‬وسيئات أعمالنا من يهده ال ف‪،‬ل مضل له ‪،‬ومن يضلل فل هادى له‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل ال وحسده ل شريك له وأشهد أن محمسداً عبده ورسوله ‪ ،‬اللهم‬
‫صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحسابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى‬
‫بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد أيها ال حب ة الكرا م ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬استعن بال ول تعجز ‪.‬‬
‫من أعانه ال على الطاعسة فهو المعان ‪ ،‬ومن خزله ال فهو المخزول ل حول ول‬
‫قوة إل بال ‪ ،‬ل حول لك على طاعته ‪ ،‬ول قوة لك على الثبات على دينه إل بمدده‬

‫‪ )(14‬رواه مسلم رقم ( ‪ ) 141 / 746‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب جامع صلة الليل ‪.‬‬
‫‪ )(15‬رواه أحمد فى المسند ( ‪ ) 385 /4 ، 413 /3‬ومسلم رقم ( ‪ ) 38‬فى اليمان ‪ ،‬باب جامع‬
‫أوصاف السلم ‪ ،‬والترمذى رقم ( ‪ ) 2412‬فى الزهد ‪ ،‬باب ما جاء فى حفظ اللسان‬
‫قال هذا حديث صحيح ‪ ،‬وابن ماجة رقم ( ‪ ) 3972‬فى الفتن ‪ ،‬والدارمى ( ‪ ) 2710‬فى‬
‫الرقاق ‪ ،‬والبيهقى فى السنن ( ‪ ) 320 /6‬وعبد الرازق فى مصنفه ( ‪ ) 2011‬وابن حبان‬
‫( ‪ 2543‬موارد ) والحاكم فى المستدرك ( ‪ ،) 313 /4‬والخطيب فى تاريخه ( ‪) 370 /2‬‬
‫خطب الشيخ محمد حسان‬
‫‪112‬‬

‫سبحانه فاستعن بال ول تعجز واتقيه ما استطعت واطلب المدد والعسون منه أن يثبتك‬
‫على طريق طاعته وعلى درب نبيسه وتدبر وصيته لمعاذ بن جبل ‪.‬‬
‫كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذى وغيرهما أن النبى قال لمعاذ بن‬
‫جبل يوماً ‪ (( :‬يا معاذ وال إنى لحبك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوصيك يا معاذ ‪ ،‬ل تدعن فى كل صلة‬
‫وفى رواية دبر كل صلة أن تقول ‪ :‬اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))‬

‫(‪.)16‬‬
‫نعم اطلب العون والمسدد من ال على عبادته سبحانه وأنت إن سلكت هذا الدرب المنير‬
‫ن جَاهَدُوا فِينَا لَ َن ْهدِيَ ّنهُمْ سُ ُبلَنَا وَِإنّ الَّ‬
‫لن يخزك ال أبدًا ‪ ،‬أليس هو القائل ‪ :‬وَالّذِي َ‬
‫[ العنكبوت ‪. ] 69 :‬‬ ‫لَ َمعَ ا ْل ُمحْسِنِينَ‬
‫هذا وعد منْ ؟! وعد رب العالمين ‪ ،‬ورب الكعبة سيصرف ال بصرك عن‬
‫الحرام ‪ ،‬وسيصرف ال قلبك عن الشسهوات والشبهات ‪ ،‬وسيحفظ ال فرجك من‬
‫الحرام ‪ ،‬وسيصرف ال يدك عن البطش فى الحسرام ‪ ،‬وسيصرف ال قدمك من الخطا‬
‫الحرام ‪ ،‬فأحسن أيها المسلم الموحسد ليكون ال معك ‪ ،‬فمن توكل عليه كفاه ‪ ،‬ومن‬
‫اعتصم به نجّاه ‪ ،‬ومن فوض إليه أموره كفاه ‪ ،‬قال جل فى عله ‪َ :‬ألَيْسَ الُّ بِكَافٍ‬
‫[ الزمر ‪] 36 :‬‬ ‫عَبْدَهُ …‬
‫علق قلبك بال سبحانه فهو الغسنى الذى ل تنفعه الطاعسة ول تضره المعصية ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لو تاب إليه عبده الفقسير الحقير مثلى لفرج بتوبته وهو الغنى عن العالمين يقول‬
‫النبى ‪ (( :‬ل أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل فى أرض دوّيّة مهلكةٍ ‪ ،‬معه‬
‫راحلته عليها طعامه وشرابه ‪ ،‬فوضع رأسه فنام نومة ‪ ،‬فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ‪،‬‬
‫فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء ال – قال أرجع إلى مكانى الذى‬
‫كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ ‪ ،‬فإذا راحلته‬
‫عنده ‪ ،‬عليها زاده وشرابه فال أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده‬
‫))(‪.)17‬‬
‫وفى صحيح البخارى عن عمر بن الخطاب ‪ :‬قدم على النبى ‪ (( :‬سَبْىٌ ‪ ،‬فإذا‬
‫امرأة من السّبْى تحلُب ثديها تسقى ‪ ،‬إذا وجدت صبياً فى السبى أخذته ‪ ،‬فألصقته ببطنها‬
‫وأرضعته )) فقال لنا النبى ‪ (( :‬أترون هذه طارحة ولدها فى النار ؟ )) قلنا ‪ :‬ل ‪ ،‬وهى‬
‫تقدر على أن ل تطرحه ‪،‬‬

‫‪ )(16‬رواه أبو داود رقم ( ‪ ) 1522‬فى الصسلة ‪ ،‬باب السستغفار ‪ ،‬والنسائى ( ‪ ) 53 /3‬فى‬
‫السهو ‪ ،‬والحاكم ( ‪ ) 274 – 273 / 3‬وقال صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ ،‬ووافقه الذهبى‬
‫وهو فى صحيح الجامع ( ‪. ) 7969‬‬
‫‪ )(17‬رواه البخارى رقم ( ‪ ) 6308‬فى الدعوات ‪ ،‬باب التوبة ‪ ،‬ومسلم رقم ( ‪ ) 2744‬فى‬
‫التوبة ‪ ،‬باب فى الحض على التوبة ‪ ،‬والترمذى رقم ( ‪ ) 2500 ، 2499‬فى صفة القيامة‬
‫باب المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه ‪.‬‬
‫كن ربانيا ول تكن رمضانيا‬
‫‪113‬‬

‫فقال (( ل أرحم بعباده من هذه بولدها ))(‪.)18‬‬


‫وال لو تدبرت هذا الحديث لوقفت على العجب العجساب ‪ ،‬لذا قال أحد السلف ‪ ،‬اللهم‬
‫إنك تعلم أن أمى هى أرحسم الناس بى وأنا أعلم أنك أرحسم بى من أمى ‪ ،‬وأمى ل‬
‫ترضى لى الهسلك أفترضاه لى وأنت أرحم الراحمين ؟!!‬
‫نعم إنها رحمة ال جل وعل ‪ ،‬ينادى بها على عباده بهسذا النداء الندى العذب ‪ُ :‬قلْ‬
‫ب جَمِيعًا‬ ‫سهِمْ لَ َتقْ َنطُوا ِمنْ َرحْ َمةِ الِّ ِإنّ الَّ يَ ْغفِرُ الذّنُو َ‬‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫يَاعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا َ‬
‫[ الزمر ‪] 53 :‬‬ ‫إِنّ ُه ُهوَ الْ َغفُورُ ال ّرحِيمُ‬
‫إنها رحمة ال التى وسعت كل شىء فاستعن بال ول تعجز ‪ ،‬و إن زلت قدمك عُد‬
‫وإن زلت أخرى عُد ‪ ،‬وإن زلت للمرة اللف عُسد ‪ ،‬واعلم بأن ال ل يمل حتى تعلوا ‪،‬‬
‫نحن عبيسده هو الذى خلقنسا ويعرف ضعفنا وفقرنا وعجزنا لذا ل يريد منا الطاعة وإنما‬
‫يريد منا العبودية له سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫فالطاعة لك أنت ‪ ،‬فهو سبحانه ل تنفعه الطاعة ول تضره المعصية ففى صحيح‬
‫مسلم من حديث أبو إدريس الخولنى عن أبى ذر أن رسول ال قال ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫((‪ ...‬يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانو على أتقى قلب رجل واحد منكم‬
‫ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً ‪ ،‬يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على‬
‫أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئاً … ))(‪.)19‬‬
‫أيها الموحد ‪ :‬استعن بال على الطاعة ‪ ،‬واستعن بال على أن تثبت على هذا الدرب‬
‫المنير ‪ ،‬واعلم يقيناً أن من أعظم السباب التى تعين العبد على أن يثبت على طاعة ال‬
‫جل وعسل أن يكون وسطاً معتدلً فى طاعته لربه ‪ ،‬ل غلوًا فى السلم ول تنطح ‪،‬‬
‫فخسير المور الوسط ‪ ،‬ل غلو ‪ ،‬ل إفراط ‪ ،‬ل تفريط ‪ ،‬لذا يقول المصطفى ‪ (( :‬إن‬
‫الدين يسرٌ ولن يشاد الدينَ أحد إل غلبه َفسَدّدوا وقاربوا و أبشروا واستعنوا بالغَ ْدوَةِ‬
‫والرّوحة وشىء من ال ّدلْجة ))(‪.)20‬‬
‫وعن أنس بن مالك قال ‪ :‬دخسل رسول ال فإذا حبل ممسدود بين الساريتين فقال ‪:‬‬
‫(( ما هذا الحبل ؟ )) قالوا ‪ :‬هذا حبل لزينب ‪ ،‬فإذا فترت تعلقت ‪ ،‬فقال النبى ‪ (( :‬ل ‪،‬‬
‫حلوه ‪ ،‬ليصل أحدكم نشاطه ‪ ،‬فإذا فَتَرَ فليقعد ))(‪.)21‬‬
‫وكلكم يعلم قصسة الرهط الذين جاءوا لبيوت النسبى والحديث فى الصحيحين من‬
‫حديث أنس ‪ ،‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبى يسألون عن عبادة النبى فلما‬
‫رواه البخارى رقم ( ‪ ) 5999‬فى الدب ‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ‪ ،‬ومسلم رقم‬ ‫‪)(18‬‬
‫( ‪ ) 2754‬فى الفضائل ‪ ،‬باب فى سعة رحمة ال تعالى وأنها سبقت غضبه ‪.‬‬
‫رواه مسلم رقم ( ‪ ) 2577‬فى البر والصلة ‪ ،‬باب تحريم الظلم ‪ ،‬والترمذى رقم ( ‪) 2497‬‬ ‫‪)(19‬‬
‫فى صفة القيامة ‪.‬‬
‫رواه البخارى رقم ( ‪ ) 39‬فى اليمان ‪ ،‬باب الدين يسر وهو فى صحيح الجامع ( ‪) 1611‬‬ ‫‪)(20‬‬
‫رواه البخارى رقم ( ‪ ) 1150‬فى التهجد ‪ ،‬باب ما يكره من التشديد فى العبادة ‪ ،‬ومسلم‬ ‫‪)(21‬‬
‫رقم ( ‪ ) 784‬فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره ‪.‬‬
‫خطب الشيخ محمد حسان‬
‫‪114‬‬

‫أخبروا كأنهم تقالوها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬وأين نحن من النبى ؟ فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫تأخر ‪ ،‬فقال أحدهم ‪ :‬أما أنا أصلى الليل أبداً ‪ ،‬وقال آخر ‪ :‬أنا أصوم الدهر ول أفطر ‪،‬‬
‫وقال آخر ‪ :‬أنا أعتزل النساء فل أتزوج أبدًا ‪ ،‬فجاء إليهم النبى فقال ‪ (( :‬أنتم الذين‬
‫قلتم كذا وكذا ‪ ،‬أما وال إنى لخشاكم ل وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر ‪ ،‬وأصلى وأرقد‬
‫وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن سنتى فليس منى ))(‪.)22‬‬
‫نعم لقد جمع النبى هذا المنهج الوسط وحوله إلى منهج عملى على أرض الواقع فى‬
‫هذا الدعاء الرقيق الرقراق الذى رواه مسلم فقد كان النبى يدعو ال ويقول (( اللهم‬
‫أصـلح لى دينى الذى هو عصمت أمرى ‪ ،‬وأصـلح لى دُنياى التى فيها معاشى ‪،‬‬
‫وأصلح لى آخرتى التى إليها معادى ‪ ،‬واجعل الحياة زيادة لى فى كل خير ‪ ،‬واجعل‬
‫الموت راحة لى من كل شر ))(‪.)23‬‬
‫إنه منهج الوسط ‪ ..‬منهج العتدال ‪ ،‬لقد جمسع النبى بكلماته هذه بين خيرى الدنيا‬
‫والخسرة لن من كسب الدنيا بالعمل الصالح كسب الخرة بإذن ال ‪ ،‬ومن خسر الدنيا‬
‫بالعمل السىء خسر الخرة ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ‪.‬‬

‫الدعسساء‬ ‫……‬

‫‪ )(22‬رواه البخارى رقم ( ‪ ) 5063‬فى النكاح ‪ ،‬باب الترغيب فى النكاح ‪ ،‬ومسلم ( ‪) 1401‬‬
‫فى النكاح ‪ ،‬باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة ‪.‬‬
‫‪ )(23‬رواه مسلم رقم ( ‪ ) 3428 ، 3427‬فى الدعوات ‪ ،‬باب ما يقول إذا رأى المبتلى ‪.‬‬

You might also like