Professional Documents
Culture Documents
الفوائد بن القيّم
الفوائد بن القيّم
تقيق
******************
اذا أردت النتفاع بالقرآن فاجع قلبك عند تلوته وساعه ,وألف سعك, ,احضر حضور من ياطبه به من تكلّم به سبحانه
منه اليه ,فانّه خطاب منه لك ,على لسان رسوله ,قال تعال {:انّ ف ذلك لذكرى لن كان له قلب أو ألقى السمع وهو
شهيد} .سورة ق .37
وذلك أن تام التأثي لّا كان موقوفا على مؤثر مقتض ,ومل قابل ,وشرط لصول الثر ,وانتقاء الانع الذي ينع منه,
تضمّنت الية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه ,وادلّه على الراد.
فقوله تعال {:انّ ف ذلك لذكرى} اشارة ال ما تقدّم من أوّل السورة ال ها هنا وهذا هة الؤثّر.
وقوله {:لن كان له قلب} فهذا هو الل القابل ,والراد به القلب اليّ الذي يعقل عن ال ,كما قال تعال {:ان هو ال ذكر
وقرآن مبي.لينذر من كان حيّا} يس . 70-69أي حي القلب.
وقوله{ :أو ألقى السمع} أي وجّه سعه وأصغى حاسّة سعه ال ما يقال له ,وهذا شرط التأثّر بالكلم.
وقوله{ :وهو شهيد} أي شاهد القلب حاضر غي غائب.
قال ابن قتيبة " :استمع كتاب ال وهو شاهد القلب والفهم ,ليس بغافل ول ساه" .وهو اشارة ال الانع من حصول التأثي,
وهو سهو القلب ,وغيبته عن تعقّل ما يقال له ,والنظر فيه وتأمّله .فاذا حصل الؤث وهو القرآن ,والحل القابل وهو القلب
الي ,ووخد الشرط وهو الصغاء ,وانتقى الانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معن الطاب ,وانصرافه عنه ال شئ آخر,
حصل الثر وهو النتفاع والتذكّر.
فان قيل :اذا كان التأثي انا يتم بجموع هذه ,فما وجه دخول أداة "أو" ف قوله "أو ألقى السمع" ,والوضع موضع واو
المع ل موضع "أو" الت هي لحد الشيئي.
2
قيل :هذا سؤال جيّد والواب عنه أن يقال :خرج الكلم ب"أو" باعتبار حال الخاطب الدعو
,فان من الناس من يكون حي القلب واعيه ,تام الفطرة ,فاذا فكّر بقلبه ,وجال بفكره ,دلّه قلبه وعقله على صحّة القرآن,
وأنه الق ,وشهد قلبه با أخب به القرآن ,فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة ,وهذا وصف الذين قيل فيهم:
ويرى الذين أؤتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الق} سبأ .6وقال ف حقّهم {:ال نور السموات والرض مثل نوره
كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة الزجاجة كأنا كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زستونة ل شرقيّة ول غربيّة,
يكاد زيتها يضئ ولو ل تسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكلّ شئ
عليم}النور .35
فهذا نور الفطرة على نور الوحي ,وهذا حال صاحب القلب اليّ الواعي.
قال ابن القيّم :وقد ذكرنا ما تضمّنت هذه الية من السرار والعب ف كتاب "اجتماع اليوش السلمية لغزو العطّلة
والهميّة" ص .8-7فصاحب القلب يمع بي قلبه وبب معان القرآن ,فيجدها كأنا قد كتب فيه ,فهو يقرؤها عن ظهر
قلب .ومن الناس من ل يكون تام الستعداد ,واعي القلب ,كامل الياة ,فيحتاج ال شاهد ييّز له بي الق والباطن ,ول تبلغ
حياة قلبه ونوره وذكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الواعي الي ,فطريق حصول هدايته أن يفرغ سعه للكلم ,وقلبه لتأمّله,
والتفكر فيه ,وتعقل معانيه ,فيعلم حينئذ أنه الق.
فالول :حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخب به .والثان :من علم صدق الخب وتيقّنه ,وقال يكفين خبه ,فهو ف مقام
اليان ,والوّل من مقام الحسان .وهذا قد وصل ال علم اليقي ,وترق قلبه منه ال منلة عي اليقي ,وذاك معه التصديق
الازم الذي خرج به من الكفر ودخل به ف السلم.
فعي اليقي نوعان :نوع ف الدنيا ,ونوع ف الخرة ,فالاصل ف الدنيا نسبته ال القلب كنسبة الشاهد ال العي .وما
أخبت به الرسل من الغيب يعاين ف الخرة بالبصار ,وف الدنيا بالبصائر ,فهو عي اليقي ف الرتبتي.
وقد جعت هذه السورة من أصول اليان ما يكفى ويشفى ,ويغن عن كلم أهل الكلم ,ومعقول أهل العقول ,فانا
تضمّنت تقرير البدأ والعاد والتوحيد والنبوّة واليان باللئكة ,وانقسام الناس ال هالك شقي ,وفائز سعيد ,وأوصاف هؤلء
وهؤلء .وتضمّنت اثبات صفات الكمال ل ,وتنيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب .وذكر فيها القيامتان الكب
والصغرى ,والعالي :الكب ,وهو عال الخرة ,والصغر وهو عال الدنيا .وذكر فيها خلق النسان ووفاته واعادته ,واحاطته
سبحان به من كل وجه ,حت علم بوساوس نفسه ,واقامة الفظة عليه ,يصون عليه كل لفظة يتكلم با ,وأنه يوافيه يوم
القيامة ,ومعه سائق يسوقه اليه ,وشاهد يشهد عليه ,فاذا أحضره الشاهد قال{ :هذا ما لديّ عتيد},ق .23أي هذا الذي
3
أمرت باحضاره قد أحضرته ,فيقال عند احضاره {:ألقيا ف جهنّم كلّ كفّار عنيد} ,ق .24كما يضر الان ال حضرة
السلطان فيقال :هذا فلن قد أحضرته ,فيقول :اذهبوا به ال السجن وعاقبوه با يستحقّه.
وتأمّل كيف دلّت السورة صريا على أن ال سبحانه وتعال يعيد هذا السد بعينه الذي أطاع وعصى ,فينعمه ويعذّبه ,كما
ينعم الروح الت آمنت بعينها ,ويعذّب الت كفرت بعينها ,ل أنه سبحانه يلق روحا أخرى غي هذه فينعمها ويعذبا كما قال
من ل يعرف العاد الذي أخبت به الرسل ,حيث زعم أن ال سبحانه يلق بدنا غي هذا البدن من كل وجه ,عليه يقع النعيم
والعذاب ,والروح عندهم عرض من أعراض البدن ,فيخلق روحا غي هذه الروح ,وبدنا غي هذا البدن وهذا غي ما اتفقت
عليه الرسل ودلك عليه القرآن والسنّة وسائر كتب ال تعال .
وهذا ف القيقة انكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من الكذبي ,فانم ل ينكروا قدرة ال على خلق أجسام غي هذه
الجسام يعذبا وينعمها ,كيف وهم يشهدون النوع النسان يلق شيئا بعد شئ! فكل وقت يلق ال سبحانه أرواحا
وأجساما غي الجسام الت فنيت ,فكيف يتعجّبون من شئ يشاهدونه عيانا؟ وانّما تعجّبوا بعودتم بأعيانم بعد أن مزّقهم البلى
وصاروا عظاما ورفاتا ,فتعجّبوا أن يكونوا هم بأعيانم مبعوثي للجزاء ,لذا قالوا {:أئذا متنا وكنّا ترابا أئنّا لبعوثون}
الصافت .16وقالوا{ :ذلك رجع بعيد} ق .3
ولو كان الزاء انا هو لجسام غي هذه ,ل يكن ذلك بعثا ول رجعا ,بل يكون ابتداء ,ول يكن لقوله {:قد علمنا من
تنقص الرض منهم},ق .4كبي معن .فانه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر ,وهو :انّه ييز تلك الجزاء الت اختلطت
بالرض واستحالت ال العناصر بيث ل تتميّز ,فأخب سبحانه بأنه قد علم ما تنقصه الرض من لومهم وعظامهم وأشعارهم,
وأنه كما هو عال بتلك الجزاء ,فهو قادر على تصيلها وجعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا ,وهو سبحانه يقرر العاد
بذكر كمال علمه ,وكمال قدرته ,وكمال حكمته ,فان شبه النكرين له كلها تعود ال ثلثة أنواع:
(أحدها) :اختلط أجزائهم بأجزاء الرض على وجه ل يتميّز ول يصل معه تيز شخص عن شخص آخر.
(الثان) :أن القدرة ل تتعلّق بذلك.
(الثالث) :أن ذلك أمر ل فائدة فيه ,أو أن الكمة اقتضت دوام هذا النوع النسان شيئا بعد شئ ,هكذا أبدأ ,كلما مات
جيل خلفه جيل آخر .فأمّا أن ييت النوع النسان كله ث يييه فل حكمة ف ذلك.
(أحدها) تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال ف جواب من قال {:من يي العظام وهي رميم.قل يييها الذي أنشأها
أوّل مرة وهوبكل خلق عليم}يس .79-78وقال {:وإن الساعة لتية فاصفح الصفح الميل.انّ ربك هو اللّق
العليم}.الجر .86-85وقال{:قد علمنا ما تنقص الرض منهم}ق .4
4
(والثان) تقرير كمال قدرته كقوله {:أوليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يلق مثلهم} يس .81وقوله{:
بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} القيامة .4وقوله {:ذلك بأن ال هو الق وأنّه ييي الوتى وأنّه على كل شئ قدير}الج
.6
ويمع سبحانه بي المرين كما ف قوله {:أوليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يلق مثلهم بلى وهو اللّق
العليم}يس .81
الثالث :كمال حكمته كقوله {:وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبي}الدخان .38وقوله {:وما خلقنا السماء
والرض وما بينهما باطل}ص .27وقوله {:أيسب النسان أن يترك سدى} القيامة .36وقوله {:أفحسبتم أنا خلقناكم
عبثا وأنكم الينا ترجعون .فتعال ال اللك الق}الؤمنون .116-115وقوله {:أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن
نعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالات سواء مياهم وماتم ساء ما يكمون}الاثية .21
ولذا كان الصواب أن العاد معلوم بالعقل مع الشرع ,وأن كمال الرب تعال وكمال أسائه وصفاته تقتضيه وتوجبه ,وأنه
منّه عمّا يقوله منكروه كما ينه كماله عن سائر العيوب والنواقص.
ث أخب سبحانه أن النكرين لذلك لّا كذبوا بالق اختلط عليهم أمرهم {فهم ف أمر مريج} ق .5متلط ل يصلون منه
على شئ.
ث دعاهم ال النظر ف العال العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه ,ث ال العال السفلي وهو الرض ,وكيف
بسطها وهيّأها بالبسط لا يراد منها وثبّتها بالبال وأودع فيها النافع وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على
اختلف أشكاله وألوانه ومقاديره ومنافعه وصفاته ,وأن ذلك تبصرة اذا تأمّلها العبد النيب وتبصّر با تذكر ما دلت عليه ما
أخبت به الرسل من التوحيد والعاد ,فالناظر فيها يتبصّر أول ,ث يتذكر ثانيا ,وأن هذا ليصل ال لعبد منيب ال ال بقلبه
وجوارحه.
ث دعاهم ال التفكّر ف مادة أرزاقهم وأقواتم وملبسهم ومركبهم وجناتم وهو الاء الذي أنزله من السماء وبارك فيه ,حت
أنبتت به جنّات متلفة الثمار والفواكه ,ما بي أبيض وأسود وأحر وأصفر وحلو وحامض ,وبي ذلك مع اختلف منافعها
وتنوّع أجناسها ,وأنبتت به البوب كلها على تنوعها واختلف منافعها وصفاتا وأشكالا ومقاديرها .ث أفرد النخل لا فيه من
موضع العبة والدللة الت ل تفى على التأمل { :فأحيا به الرض بعد موتا} البقر ,164ث قال {:كذلك الروج} ق
.11أي مثل هذا الخراج من الرض الفواكه والثمار والقوات والبوب :خروجكم من الرض بعد ما غيّبتم فيها.
5
وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من القاييس الواقعة ف القرآن ف كتابنا "العال" أنظر أعلم الوقعي عن رب العالي .بيّنا ما
فيها من السرار والعب.
ث انتقل سبحانه ال تقرير النبوّة بأحسن تقرير ,وأوجز لفظ ,وأبعده عن كل شبهة وشك ,فأخب أنه أرسل ال قوم نوح
وعاد وثود وقوم لوط وقوم فرعون رسل فكذّبوهم ,فأهلكهم بأنواع اللك ,وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتم به رسله ان
ل يؤمنوا ,وذا تقرير لنبوّة من أخب بذلك عنهم ,من غي أن يتعلّم من معلّم ول قرأه ف كتاب ,بل أخب به اخبارا مفصّل
مطابقا لا عند أهل الكتاب.
ول يرد على هذا ال سؤال البهت والكابرة على جحد الضروريات ,بأنه ل يكن شئ من ذلك ,أو أن حوادث الدهر
ونكباته أصابتهم كما أصابت غيهم ,وصاحب هذا السؤال يعلممن نفسه أنه باهت مباهت جاحد لا شهد به العيان ,وتناقلته
القرون قرنا بعد قرن ,فانكاره بنلة انكار وجود الشهورين من اللوك والعلماء والبلد النائية.
ث عاد سبحانه ال اقرار العاد بقوله { :أفعيينا باللق الوّل} ق ,15يقال لكل من عجز عن شئ :عيي به فلن بذا المر,
قال الشاعر
عيوا بأمرهم ,كما
عيت ببيضتها المامة
ومنه قوله تعال {:ول يع َي بلقهن}الحقاف .33قال ابن عبّاس :يريد أفعجزنا ,وكذلك قال مقاتل.
قلت :هذا تفسي بلزم اللفظة ,وحقيقتها أعم من ذلك ,فان العرب تقول :أعيان أن أعرف كذا وعييت به اذا ل تتد لوجهه
ول تقدر على معرفته وتصيله فتقول :أعيان دواؤك اذا ل تتد له ,ول تقف عليه .ولزم هذا العن العجز عنه .والبيت الذي
استشهدوا به شاهد لذا العن ,فان المامة ل تعجز عن بيضتها ,ولكن أعياها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة ,فهي
تدور وتول حت ترمي با ,فاذا باضت أعياها أين تفظها وتودعها حت ل تنال ,فهي تنقلها من مكان ال مكان وتار أين
تعل مقرّها ,كما هو حال من وعى بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه ,وليس الراد بالعياء ف هذه الية التعب,
كما يظنّه من ل يعرف تفسي القرآن ,بل هذا العن هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه ف آخر السورة بقوله{ :وما مسّنا من
لغوب} ق .38
ث أخب سبحانه أنّهم {:ف لبس من خلق جديد} ق .15أي أنم التبس عليهم اعادة اللق خلقا جديدا ,ث نبههم على ما
هو أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته وأدلة العاد وهو خلق النسان ,فانه من أعظم الدلة على التوحيد والعاد.
6
وأي دليل أوضح من تركيب الصورة الدميّة بأعضائها وقواها وصفاتا ,وما فيها من اللحم والعظم والعروق والعصاب
والرباطات والنافذ واللت والعلوم والرادات والصناعات ,كل ذلك من نطفة ماء.
فلو أنصف العبد لكتفى بفكره ف نفسه ,واستدل بوجوده على جيع ما أخبت به الرسل عن ال وأسائه وصفاته.
ث أخب سبحانه عن احاطة علمه به ,حت علم ما توسوس به نفسه ,ث أخب عن قربه اليه بالعلم والحاطة وأن ذلك أدن اليه
من العرق الذي داخل بدنه ,فهو أقرب اليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق.
وقال شيخنا وهو شيخ السلم بن تيمية :الراد بقول "نن" ونن أقرب اليه من حبل الوريد ,أي ملئكتنا ,كما قال{ :فاذا
قرأناه فاتبع قرآنه}القيامة .18أي اذا قرأه عليك رسولنا جبيل .قال :ويدل عليه قوله{ :اذ يتلقّى التلقّيان} ق .17فقيد
القرب الذكور بتلقّي اللكي ,فل حجة ف الية للول ول معطّل.
ث أخب سبحانه أن على شاله ويينه ملكي يكتبان أعماله وأقواله ,ونبه باحصاء القوال وكتابتها على كتابة العمال ,الت
هي أقل وقوعا ,وأعظم أثرا من القوال ,وهي غايات القوال ونايتها.
ث أخب عن القيامة الصغرى ,وهي سكرة الوت ,وأنا تيء بالق ,وهو لقاؤه سبحانه وتعال ,والقدوم عليه ,وعرض الروح
عليه ,والثواب والعقاب الذي تعجل لا قبل القيامة الكبى.
ث ذكر القيامة الكبى بقوله{ :ونفخ ف الصور ذلك يوم الوعيد} ق .20ث أخب عن أخبار اللق ف هذا اليوم ,وأن كل
أحد يأت ال سبحانه وتعال ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه ,وشهيد يشهد عليه ,وهذا غي جوارحه ,وغي شهادة الرض الت
كان عليها له وعليه ,وغي شهادة رسوله والؤمني.
فان ال سبحانه وتعال يستشهد على العباد الفظة والنبياء والمكنة الت عملوا عليها الي والشر ,واللود الت عصوه با,
ول يكم بينهم بجرّد علمه ,وهو أعدل العادلي وأحكم الاكمي.
ولذا أخب نبيه أنه يكم بي الناس با سعه من اقرارهم ,وشهادة البيّنة ,ل بجرّد علمه من غي بيّنة ول اقرار؟ ث أخب
سبحانه أن النسان ف غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن ل يغفل عنه ,وأن ل يزال على ذكره وباله ,وقال {:ف غفلة
7
من هذا}ق ,22ول يقل عنه ,كما قال {:وانم لفي شك منه مريب}هود ,22ول يقل ف شك فيه ,وجاء هذا ف الصدر
وان ل يئ ف الفعل فل يقال غفلت منه ول شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه ,فهو مبدأ غفلته وشكّه ,وهذا أبلغ من
أن يقال ف غفلة عنه وشك فيه ,فانه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقي ومنشأها مبدأ للغفلة والشك .ث أخب أن
غطاء الغفلة والذهول يكشف عن ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ ,وعن العي فتنفتح .فنسبة كشف
هذا الغطاء عن العبد عند العاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند النتباه.
ث أخب سبحانه أن قرينه ,وهو الذي قرن به ف الدنيا من اللئكة ,يكتب عمله .وقوله يقول لّا يضره :هذا الذي كنت
وكّلتن به ف الدنيا قد أحضرته وأتيتك به ,هذا قول ماهد.
وقال ابن قتيبة :العن :هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي .والتحقيق أن الية تتضمّن المرين ,أي هذا
الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيت عليه .فحينئذ قال {:ألقيا ف جهنّم}ق ,24وهذا اما أن يكون خطابا
للسائق والشهيد ,أو خطابا للملك الوكل بعذابه وان كان واحدا .وهو مذهب معروف من مذاهب العرب ف خطابا ,أو
تكون اللف منقلبة عن نون التأكيد الفيفة ,ث أجرى الوصل مرى الوقف.
(أحدها) أنه كفار لنعم ال وحقوقه ,كفار بدينه وتوحيده وأسائه وصفاته ,كفّار برسله وملئكته ,كفار بكتبه ولقائه.
(الثانية) أنه معاند للحق يدفعه جحدا وعنادا.
(الثالثة) أنه مناع للخي ,وهذا يعم منعه للخي الذي هو احسان ال نفسه من الطاعات والقرب ال ال والي الذي هو احسان
ال الناس ,فليس فيه خي لنفسه ,ول لبن جنسه كما هو حال أكثر اللق.
(الرابعة) أنه مع منعه للخي معتد على الناس ,ظلوم غشوم معتد عليهم بيده ولسانه.
(الامسة) أنه مريب ,أي صاحب ريب وشك ,ومع هذا فهو آت لكل ريبة ,يقال :فلن مريب ,اذا كان صاحب ريبة.
(السادسة) أنه مع ذلك مشرك بال ,قد اتّخذ مع ال الا آخر يعبده ,ويبه ,ويغضب له ,ويرضى له ,ويلف باسه ,وينذر له,
ويوال فيه ,ويعادي فيه ,فيختصم هو وقرينه من الشيطان ,وييل المر عليه ,وأنه هو الذي أطغاه وأضله .فيقول قرينه :ل يكن
ل قوّة أن أضلّه وأطغيه ,ولكن كان ف ضلل بعيد ,واختاره لنفسه ,وآثره على الق ,كما قال ابليس لهل النار{ :وما كان
ل عليكم من سلطان ال أن دعوتكم فاستجبتم ل} ابراهيم .22
وعلى هذا ,فالقرين هنا هو شيطانه ,يتصمان عند ال .وقالت طائفة :بل قرينه ها هنا هو اللك ,فيدعي عليه أنه زاد عليه
فيما كتبه عليه وطغى ,وأنه ل يفعل ذلك كله ,وأنه أعجله بالكتابة عن التوبة ,ول يهله حت يتوب ,فيقول اللك :ما زدت ف
الكتابة على ما عمل ول أعجلته عن التوبة{ :ولكن كان ف ضلل بعيد} ق .27فيقول الرب تعال {:ل تتصموا لدي}ق
.28وقد أخب سبحانه عن اختصام الكفار والشياطي بي يديه ف سورت [الصافّات] ,38-27و [العراف].39-37
8
وأخب عن اختصام الناس بي يديه ف سورة [الزمر] .60-56وأخب عن اختصام أهل النار فيها ف سورة [الشعراء] -96
,104وسورة [ص] .65-59
ث أخب سبحانه أنه ل يبدّل القول لديه ,فقيل :الراد بذلك قوله {:لملنّ جهنّم من النّة والناس أجعي}هود .119
ووعده لهل اليان بالنة ,وأن هذا ل يبدل ول يلف .قال ابن عبّاس :يريد ما لوعدي خلف لهل طاعت ول أهل معصيت.
قال ماهد :قد قضيت ما أنا قاض .وهذا أصح القولي ف الية.
وفيها قول آخر :ان العن ما يغيّر القول عندي بالكذب والتلبيس كما يغيّر عند اللوك والكّام .فيكون الراد بالقول قول
الختصمي ,وهو اختيار الفراء وابن قتيبة ,قال الفراء :العن مايكذب عندي لعلمي بالغيب .وقال ابن قتيبة :أي ما يرف
القول عندي ول يزاد فيه ول ينقص منه .قال :لنه قال القول عندي ,ول يقل قول ,وهذا كما قال ل يكذب عندي .فعلى
القول الوّل يكون قوله {:وما أنا بظلّم للعبيد} ق ,29من تام قوله{ :ما يُبدّل القول لديّ} ق .29ف العن ,أي ما قلته
ووعدت به ل بد من فعله .ومع هذا فهو عدل ل ظلم فيه ول جور .وعلى الثان يكون قد وصف نفسه بأمرين.
أحدها :أن كمال علمه واطلعه ينع من تبديل القول بي يديه وترويج الباطل عليه.
والثان :أن كمال عدله وغناه ينع من ظلمه لعبيده.
ث خبّر عن سعة جهنّم وأنا كلّما ألقى فيها فوج{ :وتقول هل من مزيد}ق .30وأخطأ من قال ان ذلك للنفي ,أي ليس
من مزيد ,والديث الصحيح ير ّد هذا التأويل .الديث :عن أنس رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلّم" :يلقى ف النار
وتقول هل من مزيد ,حت يضع قدمه فتقول:قط قط" البخاري 460\8رقم 4848,4849وكذلك ف صحيح مسلم.
وعن أب هريرة يرفعه ",يقال لهنّم هل امتلت؟ وتقول هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعال قدمه عليها فتقول :قط قط".
ث أخب عن تقريب النة من التقي ,وأن أهلها اتصفوا بذه الصفات الربع:
(الول) أن يكون اوّابا ,أي رجّاعا ال ال من معصيته ال طاعته ,ومن الغفلة عنه ال ذكره.
قال عبيد بن عمي :الوّاب الذي يتذطر ذنوبه ث يستغفر منها.وقال ماهد :هو الذي اذا ذكر ذنبه ف الفاء استغفر منه .زقال
سعيد بن السيّب :هو الذي يذنب ث يتوب ث يذنب ث يتوب.
(الثانية) قال ابن عبّاس :أن يكون حفيظا لا ائتمنه ال عليه وافترضه .وقال قتادة :حافظ لا استودعه ال من حقّه ونعمته.
9
ولا كانت النفس لا قوّتان :قوة الطلب وقوة المساك ,كان الواب مستعمل لقوة الطلب ف رجوعه ال ال ومرضاته
وطاعته .والفيظ مستعمل لقوة الفظ ف المساك عن معاصيه ونواهيه.
فالفيظ المسك نفسه عما حرم عليه ,والوّاب القبل على ال بطاعته.
(الثالثة) قوله {:من خشي الرحن بالغيب ق ,33يتضمن القرار بوجوده وربوبيته وقدرته وعلمه واطلعه على تفاصيل
أحوال العبد .ويتضمن القرار برسله وكتبه وأمره ونيه .ويتضمن القرار بوعده ووعيده ولقائه ,فل تصح خشية الرحن
بالغيب ال بعد هذا كله.
الرابعة :قوله {وجاء بقلب منيب}ق .33قال ابن عباس :راجع عن معاصي ال ,مقبل على طاعة ال .وحقيقة النابة عكوف
القلب على طاعة ال ومبته والقبال عليه .ث ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الوصاف بقوله {:ادخلوها بسلم ذلك
يوم اللود .لم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}ق 34و .35
ث خوّفهم بأنه يصيبهم من اللك ما أصاب من قبلهم وأنم كانوا أشد منهم بطشا ول يدفع عنهم اللك شدّة بطشهم,
وأنم عند اللك تقلّبوا وطافوا ف البلد ,وهل يدون ميصا ومنجى من عذاب ال؟.
قال قتادة :حاص أعداء ال فوجدوا أمر ال لم مدركا .وقال الزجاج :طوّفوا وفتشوا فلم يروا ميصا عن الوت .وحقيقة
ذلك أنم طلبوا الهرب من الوت فلم يدوه.
ث أخب سبحانه أن ف هذا الذي ذكر {:لذكرى لن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}ق .37
ث أخب أنه خلق السموات والرض وما بينهما ف ستّة أيّام ول يسه تعب ول اعياء ,وتكذيبا لعدائه اليهود ,حيث قالوا انه
استراح ف اليوم السابع.
ث أمر نبيه بالتأسي به سبحانه وتعال ف الصب على ما يقول أعداؤه فيه ,كما أنه سبحانه صب على قول اليهود انه استراح:
"ول أحد أصب على أذى يسمعه منه".جزء من حديث أخرجه البخاري ف الدب 10/527رقم ,6099ومسلم ف صفات
النافقي 4/2160رقم ,51وأحد ف السند 401,405 ,4/395جيعا من حديث اب موسى الشعري.
ث أمره با يستعي به على الصب وهو التسبيح بمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبا وبالليل وأدبار السجود .فقيل هو
الوتر .وقيل :الركعتان بعد الغرب .والول قول ابن عباس ,والثان قول عمر وعلي وأبو هريرة والسن بن علي واحدى
الروايتي عن ابن عباس .وعن ابن عباس رواية ثالثة أن التسبيح باللسان أدبار الصلوات الكتوبات.
10
ث ختم السورة بذكر العاد ,ونداء النادي برجوع الرواح ال أجسادها للحشر .وأخب أن هذا النداء من مكان قريب يسمعه
كل أحد {:يوم يسمعون الصيحة بالق} ق ,42بالبعث ولقاء ال {:يوم تشقق الرض عنهم} كما تشقق عن النبات,
فيخرجون{ :سراعا} من غي مهلة ول بطء :ذلك حشر يسي عليه سبحانه.
ث أخب سبحانه وتعال أنه عال با يقول أعداؤه ,وذلك يتضمّن مازاته لم بقولم اذا ل يف عليه ,وهو سبحانه يذكر علمه
وقدرته لتحقيق الزاء.
ث أخبه أنه ليس بسلط عليهم ول قهّار ول يبعث ليجبهم على السلم ويكرههم عليه ,وأمره أن يذكر بكلمه من ياف
وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكي ,وأما من ل يؤمن بلقائه ول ياف وعيده ول يرجو ثوابه ,فل ينتفع بالتذكي.
[ ]6فائدة
فضيلة لهل بدر
قول النب صلى ال عليه وسلم لعمر ":وما يدريك أن ال اطّلع على أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
البخاري ف الغازي باب غزوة الفتح ,)4274( 592\7ومسلم ف باب فضائل الصحابة باب من فضل أهل بدر \4
,1941أبو داود ,والترمذي وأحد من حديث المام علي ,وومن حديث أبو هريرة ,الدرامي ف الرقاق باب أهل بدر \2
404رقم ,2761وأحد ف السند ,.109\2أشكل على كثي من الناس معناه ,فان ظاهره اباحة مل العمال لم
وتييهم فيما شاؤوا منها ,وذلك متنع .ليس الراد من قوله "اعملوا" الستقبال ,وانا هو للماضي ,وتقديره :أي عمل كان
لكم فقد غفرته :قال :ويدل على ذلك شيئان:
(أحدها) أن لفظ "اعملوا" يأباه ,فانه للستقبال دون الاضي .وقوله" قد غفرت لكم" ل يوجد أن يكون "اعملوا " مثله :فان
قوله ":قد غفرت" تقيق لوقوع الغفرة ف الستقبل كقوله{ :أتى أمر ال} النحل ,1و{جاء ربّك}الفجر .22ونظائره.
(ثانيهما) أن الديث نفسه يردّه ,فان سببه قصّة حاطب وتسسه على النب صلى ال عليه وسلم ,وذلك ذنب وقع بعد غزوة
بدر ل قبلها ,وهو سبب الديث ,فهو مراد منه قطعا ,فالذي نظن ف ذلك ,وال أعلم أن هذا خطاب لقوم قد علم ال
سبحانه وتعال أنّهم ل يفارقون دينهم ,بل يوتون على السلم ,وأنم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيهم من الذنوب ,ولكن
11
ل يتركهم سبحانه مصريّن عليها ,بل يوفّقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تحو اثر ذلك .ويكون تصيصهم بذا دون
غيهم لن قد تقق ذلك فيهم ,وأنم مغفور لم .ول ينع ذلك كون الغفرة حصلت بأسباب تقوم بم ,كما ل يقتضي ذلك
أن يعطّلوا الفرائض وثوقا بالغفرة ,فلو كانت قد حصلت بدون الستمرار على القيام بالوامر لا احتجوا بعد ذلك ال صلة
ول صيام ول حج ول زكاة ول جهاد ,وهذا مال.
ومن أوجب الواجبات التوبة بعد ذلك ,فضمان الغفرة ل يتوجّب تعطيل أسباب الغفرة ,ونظي هذا قوله ف حديث آخر:
"أذنب عبد ذنبا فقال :أى رب أذذنبت ذنبا فاغفر ل ,فغفر له ,ث مكث ما شاء ال أن يكث ث أذنب ذنبا آخر فقال ,رب
أصبت ذنبا فاغفر ل فغفر له ,ث مكث ما شاء ال أن يكث ث أذنب ذنبا آخر فقال :رب أصبت ذنبا فاغفر ل ,فقال ال:
علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ به ,قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء" البخاري باب التوحيد 474\13رقم
,7507ومسلم ف التوبة باب قبول التوبة من الذنوب 2112\3رقم 29وأحد ف السند, ,أبو يعلى,من حديث ابو
هريرة .فليس ف هذا اطلق واذن منه سبحانه له ف الحرّمات والرائم ,وانا يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك اذا أذنب
تاب.
واختصاص هذا العبد بذا لنه قد علم أنه ل يصر على ذنب ,وأنه كلما أذنب تاب ,حكم يعم كل من كانت حالته حاله,
لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما هو مقطوع لهل بدر.
وكذلك من بشّره رسول ال صلى ال عليه وسلم بالنة أو أخبه بأنه مغفور له ,ل يفهم منه ول غيه من الصحابة اطلق
الذنوب والعاصي له ومسامته بترك الواجبات ,بل كانوا هؤلء أشد اجتهادا وحذرا وخوفا بعد البشارة منهم قبلها ,كالعشرة
الشهود لم بالنة.
وقد كان الصديّق شديد الذر والخافة ,وطذلك عمر ,فانم علموا أنم البشارة الطلقة مقيّدة بقيود الستمرار عليها ال
الوت ,ومقيّدة بانتفاء موانعها ,ول يفهم أحد منهم من ذلك الطلق ,الذن فيما شاؤوا من العمال.
[ ]7فائدة
نظرة صائبة ف تفسي قوله تعال:
{هو الذي جعل لكم الرض ذلول فامشوا ف مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}اللك 51
12
أخب سبحانه أنه جعل الرض ذلول منقادة للوطئ عليها وحفرها وشقّها والبناء عليها ,ول يعلها مستصعبة متنعة على من
أراد ذلك منها .وأخب سبحانه أنه جعلها مهادا وبساطا وفراشا وكفاتا (بطنها لمواتكم وظهرها لحيائكم من قول الشعب).
وأخب أنه دحاها (أخرج منها الاء) وطجاها وأخرج منها ماءها ومرعاها ,وثبّتها بالبال ,ونج فيها الفجاج (الطريق الواسع
بي البلي) والطرق ,وأجرى فيها النار والعيون ,وبارك فيها وقدّر فيها أقواتا,ومن بركتها أن اليوانات كلها وأقواتا
وأرزاقها ترج منها .ومن بركتها أنا تمل الذى على ظهرها وترج لك من بطنها أحسن الشياء وأنفعها ,فتوارى منه كل
قبيح وترج له كل مليح .ومن بركتها أنا تستر قبائح العبد وفضلت بدنه وتواريها وتضمّه وتؤويه ,وترج له طعامه وشرابه,
فهي أحل شئ للذى وأعوده بالنفع ,فل كان من التراب خيا منه ول أبعد عن الذى منه وأقرب من الي.
والقصود أنه سبحانه جعل لنا الرض كالمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد .وحسن التعبي بناكبها عن طرقها وفجاجا لا
تقدّم من وصفها بكونا ذلول ,فالاشي عليها يطأ على مناكبها وهو أعلى شئ فيها ,ولذا فسرت الناكب بالبال كمناكب
النسان وهي أعاليه.
وقالت طائفة :بل الناكب الوانب والنواحي ,ومنه مناكب النسان لوانبه ,والذي يظهر أن الراد بالنكب العال .وهذا
الوجه الذي يشي عليه اليوان هو العال من الرض دون الوجه القابل له ,فان سطح الكرة أعلها ,والش انا يقع ف
سطحها ,وحسن التعبي عنه بالناكب لا تقدّم من وصفها بأنا ذلول.
ث أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها ,فذلّلها لم ووطّأها ,وفتق فيها السبل والطرق التب يشون فيها ,وأودعها
رزقهم فذكر تيئة السكن للنتفاع والتقليب فيها بالجئ والذهاب ,والكل ما أودع فيه للساكن .ث نبّه بقوله {:واليه
النشور} اللك ,15على أنّا ف هذا السكن غي مستوطني ول مقيمي بل دخلناه عابري سبيل فل يسن أن نتخذه وطنا
ومستقرّا ,وانا دخلناه لنتزوّد منه ال دار القرار ,فهو منل عبور ل مستقر حبور (سرور) ,ومعب ومر ,ول وطن مستقر.
فتضمّنت الية الدللة على ربوبيّته ووحدانيّته ,وقدرته وحكمه ولطفه ,والتذكي بنعمه واحسانه ,والتحذير من الركون ال
الدنيا ,واتاذها وطنا ومستقرا ,بل نسرع فيها السي ال داره وجنّته.
فلله ما ف ضمن هذه الية من معرفته وتوحيده ,والتذكي بنعمته ,والث على السي اليه ,والستعداد للقائه ,والقدوم عليه,
والعلم بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأنا ل تكن ,وأنه يي أهلها بعدما أماتم واليه النشور.
[ ]8فائدة
نظرة ال سورة الفاتة
13
للنسان قوتان :قوة علمية نظرية ,وقوة عملية ادارية .وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والدارية.
واستكمال القوة العلمية انا يكون بعرفة فاطره وبارئه ومعرفة أسائه وصفاته ومعرفة الطريق الت توصل اليه ومعرفة آفاتا
ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبا.
فبهذه العارف المسة يصل كمال قوته العلمية .وأعلم الناس أعرفهم با وأفقههم فيها .واستكمال القوة العملية الدارية ل
يصل ال براعات حقوقه سبحانه على العبد ,والقيام با اخلصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة وشهودا لنّته عليه ,وتقصيه
هو ف أداء حقّه .فهو مستحي من مواجهته بتلك الدمة لعلمه أنا دون ما يستحقّه عليه ودون ذلك.
وأنه ل سبيل له ال استكمال هاتي القوتي ال بعونته .فهو يهديه ال الصراط الستقيم الذي هجى اليه أولياءه وخاصّت,
وأن ينّبه الروج عن ذلك الصراط ,,اما بفساد ف قوته العلمية فيقع ف الضلل ,واما بفساد ف قوّته العملية فيوجب له
الغضب.
فكمال النسان وسعادته ل تتم ال بجموع هذه المور ,وقد تضمنّتها سورة الفاتة وانتظمتها كمال انتظام .فان قوله
تعال {:المد ل رب العالي .الرحن الرحيم .مالك يوم الدين}الفاتة ,4-2يتضمّن الصل الوّل وهو معرفة الرب تعال
ومعرفة أسائه وصفاته وأفعاله.
والساء الذكورة ف هذه السورة هي أصول الساء السن ,وهي اسم ( ال والرب والرحن).
فاسم (ال) متضمّن لصفات اللوهيّة ,واسم (الرب) متضمّن لصفات الربوبية ,واسم (الرحن) متضمن لضفات الحسان
والود والب .ومعان أسائه تدور على هذا.
وقوله {:إيّاك نعبد و إيّاك نستعي} الفاتة ,5يتضمّن معرفة الطريق الوصلة اليه ,وأنا ليست ال عبادته وحده با يبّه
ويرضاه ,واستعانته على عبادته.
وقوله {:اهدنا الصراط الستقيم}الفاتة ,6يتضمّن بيان أن العبد ل سبيل له ال سعادته ال باستقامه على الصراط الستقيم,
وأنه ل سبيل له ال الستقامة على الصراط ال بدايته .وقوله {:غي الغضوب عليهم ول الضالّي} الفاتة ,7يتضمّن بيان
طرف النراف عن الصراط الستقيم ,وأن النراف ال أحد الطرفي انراف ال الضلل الذي هو فساد العلم والعتقاد,
والنراف ال الطرف الخر انراف ال الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل.
14
فأوّل السورة رحة وأوسطها هداية وآخرها نعمة .وحظ العبد من النعمة على قدر حظّه من الداية ,وحظّه منها على قدر
حظّه من الرحة ,فعاد المر كلّه ال نعمته ورحته.
والنعمة والرحة من لوازم ربوبيّته ,فل يكون ال رحيما منعما وذلك من موجبات ألوهيّته ,فهو الله الق ,وان جحده
الاحدون وعدل به الشركون.
فمن تقّق بعان الفاتة علما ومعرفة وعمل وحال فقد فاز من كماله بأوفر نصيب ,وصارت عبوديّته عبوديّة الاصّة الذين
ارتفعت درجتهم عن عوام التعبّدين ,وال الستعان.
[ ]9فائدة
لعرفته تعال طريقان
فالنوع الوّل كقوله {:انّ ف خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار والفلك الت تري ف البحر با ينفع الناس وما
أنزل ال من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتا وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرياح والسحاب السخّر بي السماء
والرض ليات لقوم يعقلون} البقرة .164
وقوله {:ان ف خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار ليات لول اللباب} آل عمران ,190وهو كثي ف
القرآن.
والثان كقوله {:أفل يتدبّرون القرآن} النساء .82
وقوله {:أفلم يدّبّروا القول}الؤمنون .68
وقوله {:كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبّروا آياته} ص ,29وهو كثي ف القرآن.
فأمّا الفعولت فانا دالّة على الفعال ,والفعال دالّة على الصفات.
فان الفعول يدل على فاعل فعله ,وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لستحالة صدور الفعل الختياري من معدوم
أو موجود ل قدرة له ول حياة ول علم ول ارادة.
ث ما ف الفعولت من التخصيصات التنوّعة دالّة على ارادة الفاعل ,وأن فعله ليس بالطبع بيث يكون واحدا غي متكرر.
15
وما فيها من الصال والكم والغايات الحمودة دال على حكمته تعال.
وما فيها من النفع والحسان والي دال على رحته.
وما فيها من البطش والنتقام والعقوبة دال على غضبه.
وما فيها من الكرام والتقريب والعناية دال على مبّته.
وما فيها من الهانة والبعاد والذلن دال على بغضه ومقته.
وما فيها من ابتداء الشئ ف غاية النقص والضعف ث سوقه ال تامه ونايته دال على وقوع العاد.
وما فيها من أحوال النبات واليوان وتصرف الياه دليل على امكان العاد.
وما فيها من ظهور آثار الرحة والنعمة على خلقه دليل على صحّة النبوّات.
وما فيها من الكمالت الت لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالت أحق با.
فمفعولته أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبت به الرسل عنه ,فالصنوعات شاهدة تصدق اليات السموعات ,منبّهة على
الستدل باليات الصنوعات .قال تعال {:سنريهم آياتنا ف الفاق وف أنفسهم حت يتبيّن لم أنّها الق}فصّلت .53أي أن
القرآن حق فأخب أنّه ل بد أن يريهم من آياته الشهودة ما يبيّن لم أن آياته التلوّة حق .ث أخب بكفاية شهادته على صحة
خبه با أقام من الدلئل والباهي على صدق رسوله.
فآياته شاهدة بصدقه ,وهو شاهد بصدق رسوله بآياته ,فهو الشاهد والشهود له ,وهو الدليل والدلول عليه .فهو الدليل
بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفي :كيف أطلب الدليل على ما هو دليل ل على كل شيء؟ فأي دليل طلبته عليه
فوجوده أظهر منه.
ولذا قال الرسل لقومهم {:أف ال شك} ابراهيم ,10فهو أعرف من كل معروف ,وأبي من كل دليل.
فالشياء عُرفت به ف القيقة وان كان عُرف با ف النظر والستدلل بأحكامه وأفعاله عليه.
[ ]10فائدة
كيف يفعل من أصابه هم أو غم
ف السند وصحيح أب حات من حديث عبدال بن مسعود ,قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما أصاب عبدا هم
ول حزن ,فقال اللهم :ان عبدك ,وابن عبدك ,ابن أمتك ,ناصيت بيدك ,ماضى فّ حكمك ,عدل فّ قضاؤك ,أسألك بكل
اسم هم لك سّت به نفسك ,أو أنزلته ف كتابك أو علّمته أحدا من خلقك ,أن تعل القرآن ربيع قلب ,ونور صدري ,وجلء
حزن ,وذهاب هّي وغمّي ,ال أذهب ال هّه وغمّه ,وأبدله مكانه فرحا" ..قالوا يارسول ال أفل نتعلّمهن؟ قال" :بلى,
ينبغيلمن سعهن أن يتعلّمهن".و صححه اللبان ف الكلم ص .81
16
فتضمّن هذا الديث العظيم أمورا من العرفة والتوحيد والعبوديّة .منها أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله" :ان عبدك ابن عبدك
ابن أمتك" ,وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته ال أبويه آدم وحوّاء ,وف ذلك تلّق (تودد وتلطّف) له واستخذاء بي يديه
واعترافه بأنه ملوكه وآبائه ماليكه وان العبد ليس له باب غي باب سيّده وفضله واحسانه ,وأن سيّده ان أهله وتلّى عنه
هلك ,ول يؤوه أحد ول يعطف عليه ,بل يضيع أعظم ضيعة .وتت هذا العتراف :أن ل غن عنك طرفة عي ,وليس ل أن
أعوذ به وألوذ به غي سيّدي الذي أنا عبده ,وف ضمن ذلك العتراف بأنه مربوب مدبّر مأمور منهي ,انا يتصرّف بكم
العبوديّة ل بكم الختيار لنفسه.
وأمّا العبيد فتصرّفهم على مض العبوديّة فهؤلء عبيد الطاعة الضافون اليه سبحانه ف قوله {:انّ عبادي ليس لك عليهم
سلطان} الجر ,42وقوله {:وعباد الرحن الذين يشون على الرض هونا} الفرقان ,63ومن عداهم عبيد القهر والربوبية,
فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت ال ملكه ,واضافة أولئك كاضافة البيت الرام اليه ,واضافة ناقته اليه وداره الت هي النة
اليه ,واضافة عبودية رسوله اليه بقول { :وأنّه لّا قام عبد ال يدعوه} .الن .19
وف التحقيق بعن قوله "ان عبدك" التزام عبوديته من الذل والضوع والنابة ,وامتثال أمر سيّده ,واجتناب نيه ,ودوام
الفتقار اليه ,واللجوء اليه ,والستعانة به ,والتوكّل عليه ,وعياذ العبد به ,ولياذه به ,أن ل يتعلّق قلبه ال بغيه مبّة وخوفا
ورجاء.
وفيه أيضا أن عبد من جيع الوجوه :صغيا وكبيا ,حيّا وميّتا ,مطيعا وعاصيا ,معاف ومبتلى القلب واللسان والوارح.
وفيه أيضا أن مال ونفسي ملك لك ,فان العبد وما يتلك لسيّده.
وفيه أيضا انك أنت الذي مننت عليّ بكلّ ما أما فيه من نعمة فذلك كلّه من انعامك على عبدك.
وفيه أيضا ان ل أتصرّف فيما خوّلتن من مال ونفسي ال بأمرك ,كما ل يتصرّف العبد ال باذن سيّده ,وان ل أملك لنفسي
نقعا ول ضرّا ول موتا ول حياة ول نشورا .فان صحّ له شهود ذلك فقد قال ل ان عبدك حقيقة.
ث قال" ناصيت بيدك" ,أي أنت التصرّف ف تصرّف كيف تشاء ,لست أنا التصرّف ف نفسي.
17
وكيف يكون له ف تصرّف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه بي أصبعي من أصابعه ,وموته وحياته وسعادته
وشقاؤه وعافيته وبلؤه كله اليه سبحانه ,ليس ال العبد منه شيء ,بل هو ف تصرّف سيّده أضعف من ملوك ضعيف حقي,
ناصيته بيد سلطان قاهر ,مالك له تت تصرّفه وقهره بل المر فوق ذلك.
ومت شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد ال وحده يصرفهم كيف يشاء ,ل يفهم بعد ذلك ,ول يرجهم ,ول
ينلم منلة الالكي بل منلة عبيد مقهورين مربزبي ,التصرّف فيهم سواهو والدبّر لم غيهم ,فمن شهد نفسه بذا الشهد,
صار فقره وضرورته ال ربا وصفا لزما له ,ومت شهد الناس كذلك ل يفتقر اليهم ,ول يعلّقلأمله ورجاءه بم ,فاستقام
توحيده ,وتوكّله وعبوديته .ولذا قال هود لقومه {:ان توكّلت على ال رب وربّكم ما من دابّة ال هو آخذ بناصيتها ان رب
على صراط مستقيم} هود .56
وقوله ":ماض فّ حكمك ,عدل فّ قضاؤك" تضمّن هذا الكلم أمرين:أحدها :مضاء حكمه ف عبده.
ثانيهم :يتضمّن حكمه وعدله وهو سبحانه له اللك وله المد ,وهذا معن قول نبيّه هود {:ما من دابّة ال هو آخذ
بناصيتها} ,ث قال{ :ان رب على صراط مستقيم} أي مع كونه قاهرا مالكا متصرّفا ف عباده ,نواصيهم بيده فهو على صراط
مستقيم.
وهو العدل الذي يتصرّف به فيهم فهو على صراط مستقيم ف قوله وفعله وقضائه وقدره ونيه وثوابه وعقابه.
فخبه كله صدق ,وقضاؤه كلّه عدل ,وأمره كله مصلحة ,والذي نى عنه كله مفسدة ,وثوابه لن يستحق الثواب بفضله,
ورحته وعقابه لن يستحق له العقاب بعله وحكمته.
وفرق بي الكم ولبقضاء ,وجعل الضاء للحكم ,والعدل للقضاء ,فان حكمه سبحانه يتناول حكمه الدين الشرعي,
وحكمه الكون القدري.
والنوعان نافذان ف العبد ماضيان فيه ,وهو مقهور تت الكممي ,قد مضيا فيه ,ونفذا فيه ,شاء أم أب ,لكن الكم
الكون ل يكنه مالفته ,أما الدين الشرعي فقد يالفه.
ولا كان القضاء هو التام والكمال ,وذلك انا يكون بعد مضيه ونفوذه ,قال ":عدل ف قضاؤك" أي الكم الذي أكملته
وأتمته ونفّذته ف عبدك عدل منك فيه.
18
أما الكم فهو يكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد ل ينفذه ,فان كان حكما دينيا فهو ماض ف العبد ,وان كان كونيا
فان نفذه سبحانه مض فيه ,وان ل ينفّذه اندفع عنه ,فهو سبحانه يقضي ما يقضي به .وغيه قد يقضي بقضاء ويقدّر أمرا ل
يستطيع تنفيذه .وهو سبحانه يقضي ويضي فله القضاء والمضاء.
وقوله ":عدل ف قضاؤك" يتضمن جيع أقضيته ف عبده من كل الوجوه ,من صحة وسقم ,وغن وفقر ,ولذّة وأل ,وحياة
وموت ,وعقوبة وتاوز وغي ذلك .قال تعال{ :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى ,30وقال {:وان
تصبهم سيئة با قدمت أيديهم فانّ النسان كفور} الشورى .48
فكل ما يضي على العبد فهو عدل فيه.
فان قيل :فالعصية عندكم بقضائه وقدره! فما وجه العدل ف قضائها؟ فان العدل ف العقوبة عليها غي ظاهر .قيل :هذا سؤال
له شأن ,ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو القدور ,والظلم متنع لذاته .قالوا :لن الظلم هو التصرّف ف ملك الغي وال له
كل شيء .فل يكون تصرّفه ف عبده ال عدل.
وقالت طائفة :بل العدل أنه ليعاقب على ما قضاه وقدره ,فلمّا حسن منه العقوبة على الذنب عُلم أنّه ليس بقائه وره,
فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم اما ف الدنيا واما ف الخرة .وصعب على هؤلء المع بي العدل والقدر,
فزعموا أن من أثبت القدر ل يكنه أن يقول بالعدل ,ومن قال بالعدل ل يكنه أن يقول بالقدر .كما صعب عليهم المع بي
التوحيد واثبات الصفات ,فزعموا أنم ل يكنهم اثبات التوحيد ال بانكار الصفات ,فصار توحيدهم تعطيل وعدلم تكذيبا
بالقدر.
وأما أهل السنة فهم مثبتون للمرين ,والظلم عندهم هو وضع الشيء ف غي موضعه كتعذيب الطيع ومن ل ذنب له ,وهذا
قد نزّه ال نفسه عنه ف غي موضع من كتابه كقوله تعال ف سورة يونس الية {:44ان ال ل يظلم شيئا ولكن الناس
أنفسهم يظلمون} ,.وهو سبحانه وان ضلّ من شاء ,وقضى بالعصية وألغى من شاء ,فذلك مض العدل فيه ,لنه وضع
الضلل والذلن ف موضعه اللئق به,وكيفلومن أسائه السن العدل ,.الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق,
وهو سبحانه قد أوضح السبل ,وأرسل الرسل ,وأنزل الكتاب ,وأزاح العلل ,ومكّن من أسباب الداية والطاعة بالساع
والبصار والعقول ,وهذا عدله ,ووفّق من يشاء بزيد عناية ,وأراد من نفسه أن يعينه ويوفّقه ,فهذا فضله ,وخذل من ليس
بأهل لتوفيقه وفضله ,وخلى بينه وبي نفسه ,ول يرد سبحانه من نفسه أن يوفّقه ,فقطع عنه فضله ,ول يرمه عدله .وهذا
نوعان:
(أحدها) ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه ,وايثاره عدوه ف الطاعة ,والوافقة عليه ,وتناسي ذكره وشكره ,فهو أهل
أن يذله ويتخلى عنه.
19
(ثانيهما) أن ل يشاء له ذلك ابتداء لا يعلم منه أنه ل يعرف قدر نعمة الداية ,ول يشكره عليه,ول يثن عليه با,ول يبه ,فل
يشاؤها له لعدم صلحية مله.
قال تعال {:وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء منّ ال عليهم من بيننا أليس ال أعلم بالشاكرين} النعام ,53
وقال {:ولو علم ال فيهم خيا لسعهم ولو أسعهم } النفال .22
فاذا قضى بذه النفوس بالضلل والعصية ,كان ذلك مض العدل ,كما قضى على اليّة بأن تقتل وعلى العقرب وعلى
الكلب العقور ,وكان ذلك عدل فيه ,وان كان ملوقا على هذه الصفة .وقد استوفينا الكلم ف هذا ف كتابنا القضاء والقدر,
اسه "شفاء العليل ف مسائل القضاء والقدر والكمة والتعليل.
والقصود أن قوله صلى ال عليه وسلم ":ماض فّ حكمك ,عدل فّ قضاؤك" ,رد على الطائفتي ,القدريّة الذين ينكرون
عموم أقضية ال ف عبده ,ويرجون أفعال العباد عن كونا بقضائه وقدره ,ويردون القضاء ال المر والنهي .وعلى البيّة
الذين يقولون :كل مقدور عدل ,فل يبقى لقوله" عدل فّ قضاؤك" فائدة ,فان العدل عندهم كل ما يكن فعله والظلم هو
الحال لذاته ,فكأنه قال :ماض ونافذ فّ قضاؤك .وهذا هو الول بعينه.
وقوله "أسألك بكل اسم" ال آخره ,توسل اليه بأسائه كلها ما علم العبد منها وما ل يعلم .وهذه أحب الوسائل اليه ,فانا
وسيلة بصفاته وأفعاله الت هي مدلول أسائه.
وقوله" :أن تعل القرآن ربيع قلب ونور صدري" الربيع :الطر الذي ييي به الرض .شبّه القرآن به لياة القلوب به.
وكذلك شبهه ال بالطر ,وجع بي الاء الذي تصل به الياة ,والنور الذي تصل به النارة والشراق ,كما جع بينهما
سبحانه ف قوله {:أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار وابتغاء
حلية}...الرعد ,17وقوله {:مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم} البقرة ,17ث قال{:
أو كصيّب من السماء} البقرة ,19وف قوله {:ال نور السموات والرض }....النور ,35ث قال {:أل ترى أن ال يزي
سحابا ث يؤلّف بينه ث يعله ركاما فترى الودق يرج من خلله وينّله من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من
يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالبصار} النور ,43فتضمّن الدعاء أن ييي قلبه بربيع القرآن وأن ينوّر به
صدره فتجتمع له الياة والنور .قال تعال { :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يشي به بي الناس كمن مثله ف
الظلمات ليس بارج منها} النعام .122
ولا كان الصدر أوسع من القلب ,كان النور الاصل له يسري منه ال القلب ,لنه قد حصل لا هو أوسع منه .ولا كانت
حياة البدن والوارح ,كلها بياة القلب ,تسري الياة منه ال الصدر ,ث ال الوارح سأل الياة له بالربيع الذي هو مادّتا.
ولا كان الزن والم والغم يضاد حيا ة القلب واستنارته ,سأل أن يكون ذهابا بالقرآن ,فانا أحرى أل تعود ,وأما أنا ذهبت
20
بغي القرآن من صحةأو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد ,فانا تعود بذهاب ذلك .والكروه الوارد على القلب ان كان من أمر
ماض أحدث الزن ,وان كان من مستقبل أحدث الم ,وان كان من أمر حاضر أحدث الغم ,وال أعلم.
[ ]13فائدة
أنزه الوجودات وأشرفها عرش الرحن جلّ جلله
أنزه الوجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلها ذاتا وقدرا وأوسعها عرش الرحن جلّ جلله .ولذلك صلح لستوائه
عليه .وكل ما كان أقرب ال العرش كان أنور وأنزه وأشرف ما بعد عنه .ولذا كانت جنّة الفردوس أعلى النان وأشرفها
وانورها وأجلّها لقربا من عرش الرحن الذي هو سقفها ,وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق .ولذا كان أسفل سافلي شرّ
المكنة وأضيقها وأبعدها من كل خي.
وخلق ال القلوب وجعلها مل لعرفته ومبّته وارادته ,فهي عرش الثل العلى الذي هو معرفته ومبّته وارادته .قال ال
تعال {:للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول الثل العلى وهو العزيز الكيم} النحل ,60وقال تعال"{ وهو الذي يبدأ
اللق ث يعيده وهو أهون عليه وله الثل العلى ف السموات والرض وهو العزيز الكيم} الروم ,27وقال تعال {:ليس
كمثله شيء} الشورى .11فهذا من الثل العلى وهو مستو على قلب الؤمن فو عرشه وان ل يكن أطهر الشياء وأنزهها
وأطيبها وأبعدها من كل دنس ل يصلح لستواء الثل العلى عليه معرفة ومبة وارادة ,فاستوى عليه مثل الدنيا السفل ومبتها
ومعرفتها وارادتا والتعلّق با ,فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلحه حت تعود القلوب على قلبي :قلب هو عرش الرحن
ففيه النور والياة والفرح والبهجة وذخائر الي ,وقلب هو عرش الرحن ,فهناك الضيق والظلمة والوت والزن والغم والم,
فهو حزين على ما مضى ,مهموم با يستقبل ,مغموم ف الال.
وقد روى الترمذي وغيه عن النب صلّى ال عليه وسلّم أنه قال ":اذا دخل النور القلب ,انفسح وانشرح" قالوا فما علمة
ذلك يا رسول ال؟ قال ":النابة ال دار اللود ,والتجاف عن دار الغرور ,والستعداد للموت قبل نزوله" أخرجه ابن جرير ف
التفسي ,20\8والبغوي ف شرح السنة ,72\6وأبو نعيم ,والبيهقي ف الساء والصفات ص ,156وضعّفه اللبان ف
السلسلة الضعيفة بقم .965
والنور الذي يدخل القلب انا هو من آثار الثل العلى فلذلك ينفسح وينشرح ,واذا ل يكن فيه معرفة ال ومبّته ,فحظّه
الظلمة والضيق.
[ ]14فائدة
عظمته سبحانه وتعال
21
تأمّل خطاب القرآن تد ملكا له اللك كله ,وله المد كله أزمّة المور كلها بيده ,ومصدرها منه ,ومردّها اليه ,مستويا
على سرير ملكه ,ل تفى عليه خافية ف أقطار ملكته ,عالا با ف نفوس عبيده ,مطّلعا على أسرارهم وعل نيتهم ,منفردا
بتدبي الملكة ,يسمع ويرى ,ينع ويعطي ,ويثيب ويعاقب ,ويكرم ويهي ,يلق ويرزق ,وييت وييي ,ويقدر ويقضي ويدبّر.
المور نازلة من عندها دقيقها وجليلها ,وصاعدة اليه ل تتحرّك ذرّة ال باذنه ,ول تسقط ورقة ال بعلمه .فتأمّل كيف تده
يثن على نفسه ,ويجّد نفسه ,ويمد نفسه ,وينصح عباده ,ويدلّهم على ما فيه سعادتم وفلحهم ,ويرغّبهم فيه ,ويذّرهم ما
فيه هلمهم ,ويتعرّف اليهم بأسائه وصفاته ,ويتحبب اليهم بنعمه وآلئه ,فيذكّرهم بنعمه عليهم ,ويأمرهم با يستوجبون به
تامها ,ويذّرهم من نقمه ويذكّرهم با أعد لم من الكرامة ان أطاعوه ,وما أعد لم من العقوبة ان عصوه ,ويبهم بصنعه ف
أوليائه وأعدائه ,وكيف كابت عاقبة هؤلء ,ويثن على أوليائه بصال أعماله ,وأحسن أعمالم ,ويذم أعدائه بسيّء أعمالم,
وقبيح صفاتم .ويضرب المثال ,وينوّع الدلّة والباهي ,وييب عن شبه أعدائه أحسن الجوبة ,ويصدق الصادق ,ويكذب
الكاذب ,ويقول الق ,ويهدي السبيل ,ويدعو ال دار السلم ,ويذكر أوصافها وصفاتا وحسنها ونعيمها ,ويذّر من دار
البوار ,ويذكر عذابا وقبحها وآلمها ,ويذكر عباده فقرهم اليه وشدّة حاجتهم اليه من كل وجه ,وأنم ل غن لم عنه طرفة
عي ,ويذكر غناه عنهم وعن جيع الوجودات ,وأنه الغن بنفسه عن كل ما سواه ,وكل ما سواه فقي اليه بنفسه ,وأنه ل ينال
أحد ذرّة من الي فما فوقها ال بفضله ورحته ,ول ذرّة من الشر فما فوقها ال بعدله وحكمته .ويشهد من خطابه عتابه
لحبابه ألطف عباد ,وأنه مع ذلك مقيل عثراتم وغافر زلتم ومقيم أعذارهم ,ومصلح فاسدهم والدافع عنهم ,والحامي
عنهم ,والناصر لم ,والكفيل بصالهم ,والنجي لم من كل كرب ,والوف لم بوعده ,وأنه وليّهم الذي ل ول لم سواه
فهو مولهم الق ,ونصيهم على عدوهم ,فنعم الول ونعم النصي.
فاذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جيل هذا شأنه فكيف ل تبّه ,وتنافس ف القرب منه ,وتنفق
أنفاسها ف التودد اليه ,ويكون أحب اليها من كل ما سواه ,ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه؟ وكيف ل تلهج بذكره,
ويصي الب والشوق اليه والنس به غذاؤها وقوتا ودواؤها ,بيث ان فقدت ذلك فسدت وهلكت ,ول تنتفع بياتا؟.
[ ]15فائدة
ل بد من قبول الحل لا يوضع فيه أن يفرغ من ضدّه
قبول الحل لا يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدّه .وهذا كما أنه ف الذوات والعيان فكذلك هو والعتقادات والرادات.
فاذا كان القلب متلئا بالباطل اعتقادا ومبّة ,ل يبق فيه لعتقاد الق ومبّته موضع ,كما أن اللسان اذا اشتغل بالتكلم با ل
ينفع ,,ل يتمكن صاحبه من النطق با ينفعه ,ال اذا فرغ لسانه من النطق بالباطل .وكذلك الوارح اذا اشتغلت بغيالطاعة ل
يكن شغلها بالطاعة ال اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب الشغول بحبّة غي ال وارادته ,والشوق اليه ,ل يكن شغله بحبة
ال وارادته وحبه والشوق ال لقائه ال بتفريغه من تعلّقه بغيه .ول حركة اللسان بذكره ,والوارح بدمته ال اذا فرغها من
22
ذكر غيه وخدمته .فاذا امتلء القلب بالشغل بالخلوق ,والعلوم الت ل تنفع ,ل يبق فيها موضع للشغل بال ومعرفة أسائه
وصفاته وأحكامه.
وسر ذلك :أن اصغاء القلب كاصغاء الذن ,فاذا صغى ال غي حديث ال ,ل يبق فيه اصغاء ,ول فهم لديثه ,كما اذا مال
ال غي مبّة ال ,ل يبق فيه ميل ال مبّته .فاذا نطق القلب بغي ذكره ,ل يبق فيه مل للنطق بذكره كاللسان.
ولذا ف الصحيح عن النب أنه قال ":لن يتلئ جوف أحدكم قيحا حت يريه خي له من أن يتلئ شعرا" .أخرجه البخاري
ف الدب ,)6155( 564\10ومسلم ف الشعر ,وأبو داود ,والترمذي ,وجيعا من حديث ابو هريرة.
فبيّن أ ،الوف يتلئ بالشعر فكذلك يتلئ بالشبه والشكوك واليالت والتقديرات الت ل وجود لا ,والعلوم الت ل تنفع,
والفكّهات والضحكات والكايات ونوها .واذا امتلء القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم
تد فيه فراغا لا ول قبول ,فتعدته وجاوزته ال مل سواه ,كما اذا بذلت النصيحة لقلب ملن من ضدها ل منفذ لا فيه فانه
ل يقبلها ,ول تلج فيه ,لكن تر متازة ل مستوطنة ,ولذلك قيل:
فجنابنا حل لكل منّه نزّه فؤادك عن سوانا تلقنا
من حلّ ذا الطلسم فاز بكنه والصب طلسم لكن وصالنا
وبال التوفيق.
[ ]16فائدة
الكلم قي ألاكم التكائر
أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد ,وكفى با موعظة لن عقلها .فقوله تعال {:ألاكم } أي شغلكم على وجه
ل تعذرون فيه فان اللتهاء عن الشيء هو الشتغال عنه .فان كان بقصد فهو مل التكليف ,وان كان بغي قصد كقوله صلى
ال عليه وسلّم ف الميصة ":انا ألتن آنفا عن صلت" البخاري ف الصلة ,575\1ومسلم 391\1وأبوداود .كان
صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان .وف الديث " فلها صلى ال عليه وسلم عن الصب" أي ذهل عنه ,جزء من حديث,
البخاري كتاب الدب 591\10رقم ,6191ومسلم ف الداب 1692\3رقم ,29والبيهقي.
ويقال :لا بالشيء ,أي اشتغل به .ولا عنه :اذا انصرف عنه .واللهو للقلب واللعب للجوارح ,ولذا يمع بينهما .ولذا كان
قوله {:ألاكم التكاثر} أبلغ ف الذم من شغلكم .فان العامل قد يستعمل جوارحه با يعمل وقلبه غي له به .فاللهو هو ذهول
واعراض .والتكاثر تفعل من الكثرة اي مكاثرة بعضكم لبعض وأعرض عن ذكر التكاثر به ارادة لطلقه وعمومه أن كل ما
يكاثر به العبد غيه سوى طاعة ال ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل ف هذا التكاثر .فالتكاثر ف كل شيء من
جاه أو مال أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علم ,ول سيّما اذا ل يتج اليه .والتكاثر ف الكتب والتصانيف وكثرة السائل
وتفريعها وتوليدها .والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيه ,وهذا مذموم ال فيما يقرّب ال ال ,فالتكاثر فيه
منافسة للخيات ومسابقة اليها.
23
وف صحيح مسلم من حديث عبدال بن الشخي أنه :انتهى ال النب صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ {ألاكم التكاثر} قال:
"يقول ابن آدم :مال مال ,وهل لك من مالك ال ما تصدّقت به فأمضيت ,أو أكلت فأفنيت ,أو لبست فأبليت .الزهد
والرقائق 2273\4رقم ,3كما أخرجه الترمذي ,والنسائي وأحد.
[ ]17تنبيه
من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه
فالول تعطي العبد حياته ,والثانية تفيد صحته وقوته ,والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبجته.
يقلل ناصر الصم الحق غموض الق حي تذب عنه
فتقضي للمجلّ على الدقّ تضل عن الدقيق فهوم قوم
ل ب ول بشفيع ل من الناس بال أبلغ ما أسعى وأدركه
جاء الرجاء مسرعا من جانب اليأس اذا أيست وكاد اليأس يقطعن
24
•من خلقه ال للجنّة ل تزل هداياها تأتيه من الكاره ,ومن خلقه ال للنار ل تزل هداياها تأتيه من الشهوات.
لا طلب آدم اللود ف النة من جانب الشجرة عوقب بالروج منها .اقرأ اليات 24-19من سورة العراف.
ولا طلب يوسف الروج من السجن من جهة صاحب الرؤية لبث فيها بضع سني .اقرأ يوسف آية .42
•اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستّة مشاهد:
الوّل :مشهد التوحيد ,وأن ال هو الذي قدّره وشاءه وخلقه ,وما شاء ال كان وما ل يشأ ل يكن.
الثان :مشهد العدل ,وأنه ماض فيه حكمه ,عدل فيه قضاؤه.
الثالث :مشهد الرحة,وأن رحته ف هذا القدور غالبه لغضبه وانتقامه ,ورحةه حشوه أي ظاهره بلء وباطنه رحة.
الرابع :مشهد الكمة ,وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك ,ل يقدّره سدى ول قضاه عبثا.
الامس :مشهد المد ,وان له سبحانه المد التام على ذلك من جيع وجوهه.
السادس :مشهد العبوديّة ,وأنه عبد مض من كل وجه تري عليه أحكام سيّده وأقضيته بكم كونه ملكه وعبده ,فيصرفه
تت أحكامه القدريّة كما يصرفه تت أحكامه الدينيّة ,فهو مل لريان هذه الحكام عليه.
•قلّة التوفيق وفساد الرأي ,وخفاء الق ,وفساد القلب ,وخول الذكر ,واضاعة الوقت ,ونفرة اللق ,والوحشة بي العبد
وبي ربّه ,ومنع اجابة الدعاء ,وقسوة القلب ,ومق البكة ف الرزق والعمر ,وحرمان العلم ,ولباس الذل ,واهانة العدو,
وضيق الصدر ,والبتلء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت ,وطول الم والغم ,وضنك العيشة,
وكسف البال ...تتولّد من العصية والغفلة عن ذكر ال ,كما يتولّد الزرع عن الاء ,والحراق عن النار.
وأضداد هذه تتولّد عن الطاعة.
[ -]18فصل
من معان النصاف له تعال
طوب لن أنصف ربّه فأقر بالهل ف عامه ,وألفات ف عمله ,والعيوب ف نفسه ,والتفريط ف حقه ,والظلم ف معاملته.
فان آخذه بذنوبه رأى عدله ,وان ل يؤاخذه با رأى فضله.
وان عمل حسنة رآها من منّته وصدقته عليه ,فان قبلها فمنّة وصدقة ثانية ,وان ردّها فلكون كثلهال يصلح أن يواجه به.
وان عمل سيّئة رآها من تلّيه عنه ,وخذلنه له ,وامساك عصمته عنه ,وذلك عدله فيه ,فيى ف ذلك فقره ال ربّه ,وظلمه
ف نفسه ,فان غفرها له فبمحض احسانه وجوده وكرمه.
ونكتة السألة وسرّها أنّه ل يرى ربّه ال مسنا ول يرى نفسه ال مسيئا أو مفرطا أو مقصّرافيى كل ما يسرّه من فضل ربّه
عليه واحسانه اليه وكل ما يسوؤه من ذنوبه وعدل ال فيه.
25
الحبّون اذا خربت منازل أحبّائهم قالوا :سقيا لسكانا .وكذلك الحب اذا أتت عليه العوام تت التراب ذكر حينئذ حسن
طاعته له ف الدنيا وتودده اليه وتد رحته وسقياه لن كان ساكما ف تلك الجسام البالية.
[ ]19فائدة
الغية نوعان
الغية غيتان :غية على الشيء وغية من الشيء ,فالغية على الحبوب حرصك عليه ,والغية من الكروه أن يزاحك
عليه .فالغية على الحبوب ل تتم ال بالغية من الزاحم ,وهذه تمد حيث يكون الحبوب تقبح الشاركة ف حبه
كالخلوق ,وأما من تسن الشاركة ف حبه كالرسول والعال بل البيب القريب سبحانه وتعال فل يتصوّر غية الزاحة
عليه بل هو حسد.
والغية الحمودة ف حقه أن يغار الحب على مبته له أن يصرفها ال غيه ,أو يغار عليها أن يطلع عليها الغي فيفسدها عليه,
أو يغار على أعماله أن يكون فيها شيء لغي مبوبه ,أو يغار عليها أن يشوبا ما يكره مبوبه من رياء أو اعجاب أو مبة
لشراف غيه عليها أو غيبته عن شهود منته عليها فيها.
وبالملة ,فغيته يقيضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها ل .وكذلكبغار على أوقاته أ ،يذهب منها وقت ف غي
رضى مبوبه ,فهذه الغية من جهة العبد وهي غية من الزاحم له العوق القاطع له عن مرضاة مبوبه.
وأما غية مبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه عن مبته ال مبة غيه ,بيث يشاركه ف حبه ,ولذا كانت غية ال أن
يأت العبد ما حرّم عليه ,ولجل غيته سبحانه حرّم الفاحشة ما ظهر منها وما بطنِ؛ لن اللق عبيده واماؤه ,فهو يغار على
امئه كما يغار السيد على جواريه ,ول الثل العلى .ويغار على عبيده أن تكون مبتهم لغيه ,بيث تملهم تلك الحبة على
عشق الصور ونيل الفاحشة منها.
26
*ارجع ال ال واطلبه من عينك وسعك وقلبك ولسانك ,ول تشرد عنه من هذه الربعة ,فما رجع من رجع اليه بتوفيقه ال
منها ,وما شرد من شرد عنه بذلنه ال منها ,ماموفق يسمع ويبصر ويتكلّم ويبطش بوله ,والخذول يصدر ذلك عنه بنفسه
وهواه.
*مثال تولد الطاعة ونوها وتزايدها ,كمثل نواة غرستها ,فصارت شجرة ,ث أثرت فأكلت ثارها ,وغرست نواها ,فكلما أثر
منها شيء ,جنيت ثره ,وغرست نواه .وكذلك تداعي العاصي ,فليتدبّر اللبيب هذا الثال .فمن ثواب السنة السنة بعدها,
ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها.
* ليس العجب من ملوك يتذلل ل ويتعبّد له ول يل خدمته مع حاجته وفقره اليه ,انا العجب من مالك يتحبب ال ملوكه
بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه.
27
أخرجه الاكم ف الستدرك 598\3وسكت عنه الذهب ف تلخيصه :سنده ضعيف .والطبان ف العجم الكبي 261\6
فل تترك والبغوي ف شرح السنة .234\5والبيهقي ف دلئل النبوّة .لعمرك ما النسان ال ابن دينه
التقوى اتكال على النسب
وقد وضع الشرك السيب أبا لب فقد رفع السلم سلمان فارس
28
اذا علم من آل ليلى بداليا خليلي ل وال ما أنا منكما
يا ممد أنت تريد أبا طالب ونن نريد سلمان ,أبو طالب اذا سئل عن اسه قال عبد مناف ,واذا انتسب افتخر بالباء,
واذا ذكرت الموال عدّ البل .وسلمان اذا سئل عن اسه قال :عبدال ,وعن نسبه قال :ابن السلم ,وعن ماله قال:
الفقر ,وعن حانوته قال السجد ,وعن كسبه قال الصب ,وعن لباسه قال :التقوى والواضع ,وعن وساده قال السهر,
وعن فخره قال" :سلمان منا" وعن قصده قال {:يريدون وجهه} النعام ,52وعن سيه قال ال النة ,وعن دليله ف
الطريق قال :امام اللق وهادي المة.
أدجلنا = أدخلنا.
*نور العقل يضيء ف ليل الوى ,فتلوح جادة الصواب ,فيتلمح البصي ف ذلك النور
29
*أخرج بالعزم من هذا الفناء الضيّق الحشو بالفات ال ذلك الفناء الرحب الذي فيه "مال عي رأت",فهناك ل يتعذّر
مطلوب ول يفقد مبوب.
*يا بائعا نفسه بوى من حبه ضن ,ووصله أذى ,وحسنه ال فناء ,لقد بعت أنفس الشياء
بثمن بس ,كأنك ل تعرف قدر السلعة ول خسة الثمن ,حت اذا قدمت يوم التغابن تبيّن لك الغب ف عقد التبايع ,ل اله ال
ال سلعة ,ال مشتريها ,وثنها النّة ,والدلل الرسول ,ترضى ببيعها بأذن يسي ما ل يساوي كله جناح بعوضة.
جناح بعوض عند من صرت عبده اذا كان شيء ل يساوي جيعه
يكون على ذي الال قدرك عنده ويلك جزء منه كلك ما الذي
لديه من السن وقد زال وده وبعت به نفسا قد استامها با
*يا منث العزم أين أنت ,والطريق طريق تعب فيه آدم ,وناح لجله نوح ,ورمى ف النار الليل ,وأضجع للذبح اساعيل ,وبيع
يوسف بثمن بس ,ولبث ف السجن بضع سني ,ونشر بالنشار زكريا ,وذبح السيد الصور يي ,وقاسى الضر أيوب ,وزاد
على القدار بكاء داود ,وسار مع الوحش عيسى ,وعال الفقر وأنواع الذى ممد صلى ال عليه وسلم تزها أنت باللهو
واللعب.
*من ل يباشر حر الجي (نصف النهار عند اشتداد النهار) ف طلب الجد ل يقل (القيلولة) ف ظلل الشرف.
*يا مكرما بلة اليان بعد حلة العافية وهو يلقهما (يبليهما) ف مالفة الالق ,ل تنكر السلب؛ يستحق من استعمل نعمة
النعم فيما يكره أن يسلبها.
30
*عرائس الوجودات قد تزينت للناظرين؛ ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الخرة ,فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي
ايثاره.
أقبلت نوي ,وقالت ل :ال وحسان الكون لا أن بدت
عندما أبصرت مقصودي لدي فتعاميت كأن ل أرها
*يا من انرف عن جادتم كن ف أواخر الركب ون اذا نت على الطريق ,فالمي يراعي الساقة (ساقة اليش أي الؤخرة).
*قيل للحسن :سبقنا القوم على خيل دهم (أي سود) ونن على حر معقرة (مرحة) ,فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع
اللحاق بم.
[ ]22فائدة
الحب الصادق من وجد أنسه بال بي الناس ووجده ف الوحدة
*من فقد أنسه بي الناس ووجده ف الوحدة فهو صادق ضعيف .ومن وجده بي الناس ووجده ف اللوة فهو معلول .ومن
فقده بي الناس وف اللوة فهو ميت مطرود .ومن وجده ف اللوة وف الناس فهو الحب الصادق القوي ف حاله .ومن كان
فتحه ف اللوة ل يكن مزيده ال منها .ومن كان فتحه بي الناس ونصحهم وارشادهم كان مزيده معهم .زمن كان فتحه ف
وقوفه مع مراد ال حيث أقامه ,وف أي شيء استعمله كان مزيده ف خلوته ومع الناس .فأشرف الحوال ان ل تتار لنفسك
حالة سوى ما يتاره لك ويقيمك فيه ,فكن مع مراده منك ول تكن مع مرادك منه.
*مصابيح القلوب الطاهرة ف أصل الفطرة منية قبل الشرائع {يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار} النور .35
*وحد قس وما رأى الرسول ,وكفر ابن أبّ وقد صلّى معه بالسجد .قس بن ساعدة أحد حكماء العرب ومن خطبائهم ,سئل
عن الرسول صلى ال عليه وسلم فقال ":يشر أمة وحدة".
*سبق العلم بنبوة موسى وايان آسية فسيق تابوته ال بيتها ,فجاء طفل منفرد عن أم ,ال امرأة خالية عن ولد .فلله كم من
القصة من عبة .كم ذبح فرعون ف طلب موسى من ولد ,ولسان القدر يقول :ل نربيه ال ف حجرك.
31
كان ذو البجادين يتيما ف الصغر ,فكفله عمه ,فنازعته نفسه ال اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم ,فهم بالنهوض ,فاذا بقية
الرض مانعة فقعد ينتظر العم ,فلما تكاملت صحته ,نفذ الصب فناداه ضمي الوجد:
فقال ياعم طال انتظاري لسلمك وما أرى منك نشاطا .فقال وال لئن أسلمت لنتزعن كل ما أعطيتك .فصاح لسان
الشرق :نظرة من ممد صلى ال عليه وسلم أحب ال من الدنيا وما فيها.
فلما ترد للسي ال الرسول صلى ال عليه وسلم جرده عمه من الثياب ,فناولته الم بادا ,فقطعه لسفر الوصل نصفي ,اتزر
بأحدها ,وارتدى الخر ,فلما نادى صائح الهاد قنع أن يكون ف ساقه الحباب ,والحب ل يرى طول الطريق ,لن القصود
بعينه:
فلما قضى نبه نزل الرسول صلى ال عليه وسلم يهد له لده وجعل يقول ":اللهم ان أمسيت عنه راضيا فارض عنه" فصاح
ابن مسعود يا ليتن كنت صاحب القب .أخرجه ابن اسحاق ,171\4وابن حجر ف الصابة رقم(.)4795
*رأى بعض الكماء برذونا (فرس غي عرب هجي) يسقى عليه ,فقال لو هلج (انقاد) هذا ,لركب.
*القواطع من بتبي با الصادق من الكاذب ,فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك ال القصود.
*الدنيا كامرأة بغي ل تثبت مع زوج ,انا تطب الزواج ليستحسنوا عليها فل ترضى ال بالدياثة.
32
فاذا اللحة بلقباحة ل تفي ميزت بي جالا فعالا
فكأنا حلفت لنا أل تفي حلفت لنا ال تون عهودنا
السي ف طلبها سي ف أرض مسبعة ,والسباحة فيها سباحة ف غدير التمساح ,الفروح به منها هو عي الحزون عليه .آلمها
متولدة من لذاتا ,وأحزانا من أفراحها.
*طائر الطبع يرى البة ,وعي العقل ترى الشرك ,غي أن عي الوى عمياء.
*تزخرفت الشهوات لعي الطباع ,فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب ,ووقع تابعوها ف بيداء السرات ,ف { :أولئك على
هدى من ربم وأولئك هم الفلحون} البقرة ,5وهؤلء يقال لم {:كلوا وتتعوا قليل انكم مرمون} الرسلت .46
لا عرف الوفقون قدر الياة الدنيا وقلة القام فيها ,أماتوا فيها الوى طلبا لياة البد ,ولا استيقظوا من نوم الغفلة ,استرجعوا
بالد ما انتهبه العدو منهم ف زمن البطالة ,فلما طالت عليهم الطريق ,تلمحوا القصد ,فقرب عليهم البعيد ,وكلما أمرت لم
الياة ,حلى لم تذكر {:هذا يومكم الذي كنتم توعدون} النبياء .103
فصل
33
*من أعجب الشياء أ ،تعرفه ث ل تبه ,وأن تسمع داعيه ,ث تتأخر عن الجابة .وأن تعرف قدر الربح ف معاملته ,ث تعامل
غيه .وأن تعرف قدر غضبه ,ث تتعرّض له .وأن تذوق عصرة القلب عند الوض ف غي حديثه والديث عنه ,ث ل تشتاق ال
انشراح الصدر بذكره ومناجاته .وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيه ,ول ترب منه ال نعيم القبال عليه ,والنابة اليه.
*وأعجب من هذا علمك أن ل بد لك منه ,وأنك أحوج شيء اليه ,وأنت عنه معرض ,وفيما يبعدك عنه راغب.
[ ]24فائدة
•ما أخذ العبد ما حرم عليه ال من جهتي :احداها :سوء ظنه بربه ,وأنه لو أطاعه وآثره ل يعطه خيا منه حلل ,والثانية:
أن يكون عالا بذلك ,وأن من ترك ل شيئا أعاضه خيا منه (أعطاه خيا منه) ,لكن تغلب شهوته صبه ,وهواه عقله.
فالول من ضعف علمه ,والثان من ضعف عقله وبصيته.
قال يي بن معاذ :من جع ال عليه قلبه ,وصدقت ضرورته وفاقته ,وقوي رجاؤه ,فل يكاد يرد دعاؤه.
(فصل)
•لا رأى التيقظون سطوة الدنيا بأهلها ,وخداع المل لربابه ,وتلك الشيطان قياد النفوس ,ورأوا الدولة للنفس المارة,
لأوا ال حصن التضرّع واللتجاء ,كما يأوي العبد الذعور ال حرم سيده.
•شهوات الدنيا ك "لعب اليال" ,ونظر الاهل مقصور على الظاهر ,فأما ذو العقل فيى ما وراء الستر.
•لح لم الشتهى ,فلما مدوا أيدي التناول بأن لبصار البصائر خيط الفخ ,فطاروا بأجنحة الذر ,وصوبوا ال الرحيل
الثان{ :يا ليت قومي يعلمون} يونس ,26تلمح القوم الود ,ففهموا القصود ,فأجعوا الرحيل وشروا للسي ف سواء
السبيل ,فالناس مشتغلون بالفضلت ,وهم ف قطع الفلوات ,وعصافي الوى ف وثاق الشبكة ينتظرون الذبح.
•وقع ثعلبان ف شبكة ,فقال أحدهم للخر :أين اللتقى بعد هذا؟ فقال :بعد يومي ف الدباغة.
•ما مضى من الدنيا أحلم ,وما بقي منها أمان ,والوقت ضائع بينهما.
34
•كيف يسلم من له زوجة ل ترحه ,وولد ل يعذره ,وجار ل يأمنه ,وصاحب ل ينصحه ,وشريك ل ينصفه ,وعدو ل ينام
عن معاداته ,ونفس أمارة بالسوء ,ودنيا متزيّنة ,وهوى مرد ,وشهوة غالبة له ,وغضب قاهر ,وشيطان مزين ,وضعف
مستول عليه .فان توله ال وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها ,وان تلى عنه ووكله ال نفسه اجتمعت عليه فكانت
اللكة.
•لا أعرض الناس عن تكيم الكتاب والسنة والحاكمة اليهما ,واعتقدوا عدم الكتفاء بما ,وعدلوا ال الراء والقياس
والستحسان وأقوال الشيوخ ,عرض لم من ذلك فساد ف فطرهم ,وظلمة ف قلوبم ,وكدر ف أفهامهم ,ومق ف
عقولم .وعمتهم هذه هذه المور وغلبت عليهم ,حت رب فيها الصغي ,وهرم عليها الكبي ,فلم يروها منكرا .فجاءتم
دولة أخرى قامت فيها البدع مكان السنن ,والنفس مقام العقل ,والوى مقام الرشد ,والضلل مقام الدى ,والنكر مقام
العروف ,والهل مقام العلم ,والرياء مقام الخلص ,والباطل مقام الخلص ,والباطل مقام الق ,والكذب مقام الشرك,
والداهنة مقابل النصيحة ,والظلم مقام العدل .فصارت الدولة والغلبة لذه المور ,وأهلها هم الشار اليهم فاذا رأيت دولة
هذه المور قد أقبلت ,وراياته قد نصبت ,وجيوشها قد ركبت ,فبطن الرض وال خي من ظهرها ,وقلل البال خي
مكن السهول ,ومالطة الوحش أسلم من مالطة الناس.
اقشعرّت الرض وأظلمت السماء ,وظهر الفساد ف الب والبحر من ظلم الفجرة ,وذهبت البكات ,وقلّت اليات ,وهزلت
الوحوش ,وتكدرت الياة من فسق الظلمة ,بكى ضوء النهار وظلمة الليل من العمال البيثة والفعال الفظيعة ,وشكا الكرام
الكاتبون والعقبات ال ربم من كثرة الفواحش وغلبة النكرات والقبائح .وهذا وال منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه,
ومؤذن بليل بلء قد أدلم ظلمه .فاعزلوا عن الطريق هذا السيل بتوبة مكنة وبابا مفتوح .وكأنكم بالباب وقد أغلق,
وبالرهن وقد غلق وبالناح وقد علق {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء .227
•اشتر نفسك اليوم ,فان السوق قائمة ,والثمن موجود ,والبضائع رخيصة ,وسيأت على تلك البضائع يوم ل تصل فيه ال
قليل ول كثي.. { :وذلك يوم التغابن} التغابن { ,9ويوم يعض الظال على يديه} الفرقان .27
•العمل بغي اخلص ول اقتداء كالسافر يلء جرابه رمل يثقله ول ينفعه.
•اذا حلت على القلب هوه الدنيا وأثقالا ,وتاونت بأورادها الت هي قوته وحياته ,كنت كالسافر الذي يمل دابته فوق
طاقتها ول يوفيها علفها ,فما أسرع ما تقف به.
35
فما كل سي اليعملت وخيد هل السائق العجلن يلك أمره
تداس جباه تتها وخدود رويدا بأخفاف الطى فانا
اليعمل :الناقة الت تعمل كثيا ,العذرة :خد البعي اذا أسرعت ف الشي.
•من تلمح حلوة العافية هانت عليه مرارة الصب.
•الغاية أول ف التقدير ,آخر ف الوجود ,مبدأ ف نظر العقل ,منتهى ف منازل الوصول.
•ألفت عجز العادة ,فلو علت بك هّتك ربا العال لحت لك أنوار العزائم.
•انا تفاوت القوم بالمم ل بالصور.
نزول هة الكساح دله ف جب العذرة .الكساح :داء يصيب البل ,العذرة فناء البيت ,وكذلك يقال للغائط.
•بينك وبي الفائزين جبل الرم ,نزلوا بي يديه ونزلت خلفه ,فاطو فصل منل ,تلحق بالقوم.
•الدنيا مضمار سباق ,وقد انعقد الغبار وخفى السابق ,والناس ف الضمار بي فارس وراجل وأصحاب حر معقرة.
36
وزال عن القلب العن ظلمه اذا ذكرته النفس زال عناؤها
•اذا خرجت من عدوك لفظة سفه ,فل تلحقها بثلها تلقّحها ,ونسل الصام نسل مذموم.
•حيتك لنفسك أثر الهل با ,فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الصم عليها.
•اذا اقتدحت نار النتقام من نار الغضب ابتدأت براق القادح.
•أوثق غضبك بسلسلة اللم ,فانه كلب ان أفلت أتلف.
•من سبقت له سابقة السعادة ,دل على الدليل قبل الطلب.
•اذا أراد القدر شخصا بذر ف أرض قلبه بذر التوفيق ,ث سقاه باء الرغبة والرهبة ,ث أقام عليه بأطوار الراقبة ,واستخدم له
حارس العلم ,فاذا الزرع قائم على سوقه.
•اذا طلع نم المة ف ظلم ليل البطالة ,وردفه قمر العزية ,أشرقت أرض القلب بنور ربا.
•اذا جن الليل تغالب النوم والسهر ,فالوف والشوق ف مقدم عسكر اليقظة ,والكسل والتوان ف كتيبة الغفلة ,فاذا حل
العزم حل على اليمنة فانزمت جنود التفريط ,فما يطلع الفجر ال وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لهلها.
•سفر الليل ل بطيقه ال مضمر الجاعة ,النجائب ف الول ,وحاملت الزاد ف الخي.
•ل تسأم الوقوف على الباب ولوطردت ,ول تقطع العتذار ولو ردت ,فان فتح الباب للمقبولي دونك فاهجم هجوم
الكذابي وادخل دخول الطفيلية وابسط كف {وتصدّق علينا} يوسف .88
•يا مستفتحا باب العاش بغي اقليد التقوى (أي مفتاحها) ,كيف توسع طريق الطايا وتشكو ضيق الزرع.
•لو وقفت عند مراد التقوى ل يفتك مراد.
•العاصي سد ف باب الكسب ,و" ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ,جزء من حديث أخرجه ابن ماجه 1334\2
رقم ,4022وأحد ,277\5عن ثوبان.
•الرواح هي الشباح كالطيار ف البراج ,وليس ما أعد للستفراخ كمن هيء للسباق.
•من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.
•كن من أبناء الخرة ول تكن من أبناء الدنيا ,فان الوليد يتبع الم.
•الدنيا ل تساوي نقل أقدامك اليها ,فكيف تعدو خلفها؟.
•الدنيا ماز والخرة وطن ,والوطار انا تطلب من الوطان .الجتماع بالوان قسمان:
أحدها :اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت ,فهذا مضرّته أرجح من منفعته ,وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع
الوقت.
37
ثانيهما :الجتماع بم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالق والصب ,فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ,ولكن فيها
ثلث آفات:
الول :تزين بعضهم لبعض.
الثانية :الكلم واللطة أكثر من الاجة .الثالثة :أن يصي ذلك شهوة وعادة ينقطع با عن القصود.
وبالملة ,فالجتماع واللطة لقاح امل للنفس المارة واما للقلب والنفس الطمئنة ,والنتيجة مستفادة من اللقاح ,فمن طاب
لقاحه طابت ثرته ,وهكذا الرواح الطيّبة لقاحها من اللك ,والبيثة لقاحها من الشيطان ,وقد جعل ال سبحانه بكمته
الطيبات للطيبي ,والطيبي للطيبات وعكس ذلك .اقرأ الية 26من سورة النور.
[( ]25قاعدة)
السباب الشهودة والسباب الغائبة
ليس ف الوجود من المكن سبب واحد مستقل بالتأثي ,بل ل يؤثر سبب البتة ال بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع ينع
تأثيه .هذا ف السباب الشهودة بالعيان ,وف السباب الغائبة و السباب العنوية كتأثي الشمس ف اليوان والنبات فانه
موقوف على أسباب أخر ,من وجود مل قابل, ,اسباب أخر تنضم ال ذلك السبب .وكذلك حصول الولد موقوف على عدة
أسباب غي وطء الفحل ,وكذلك جيع السباب مع مسبباتا ,فكل ما ياف ويرجى من الخلوقات فأعلى غاياته أن يكون
جزء سبب غي مستقل بالتأثي وحده دون توقف تأثيه على غيه ال ال الواحد القهّار ,فل ينبغي أن يرجى ول ياف غيه.
وهذا برهان قطعي على أن تعلق الرجاء والوف بغيه باطل ,فانه لو فرض أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثي لكانت سببيته
من غيه ل منه ,فليس له من نفسه قوة يفعل با ,فانه ل حول ول قوة ال بال فهو الذي بيده الول كله والقوة كلها ,فالول
والقوة الت يرجى لجلهما الخلوق وياف انا ها ل وبيده ف القيقة .فكيف ياف ويرجى من ل حول له ول قوة ,بل
خوف الخلوق ورجاؤهىأحد أسباب الرمان ونزول الكروهةبن يرجوه ويافه ,فانه على قدر خوفك من غي ال يسلط
عليك ,وعلى قدر رجائك لغيه يكون الرمان ,وهذا حال اللق أجعه ,وان ذهب عن أكثرهم علما وحال ,فما شاء ال
كان ول بد وما ل يشأ ل يكن ولواتفقت عليه الليقة.
التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه :فأما أعدائه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها{ :فاذا ركبوا ف الفلك دعوا ال ملصي له
الدين فلما نّاهم ال البّ اذا هم يشركون} العنكبوت .65وأما أولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والخرة وشدائدها.
ولذلك فزع اليه يونس ,فنجّاه ال من تلك الظلمات ,اقرأ النبياء آية رقم .88-87وفزع اليه أتباع الرسل فنجوا به ما
عذب به الشركون ف الدنيا وما أعد لم ف الخرة .ولا فزع اليه فرعون ,عند معاينة اللك وادراك الغرق ,ل ينفعه ,اقرأ
الية رقم 92-90من سورة يونس ,لن اليان عند العاينة ل يقبل .هذه سنة ال ف عباده .ما دفعت شدائد الدنيا بثل
38
التوحيد .ولذلك كان دعاء الكرب* بالتوحيد ودعوة ذي النون* الت ما دعا با مكروب ال فرّج ال كربه بالتوحيد .فل يلقى
ف الكرب العظام ال الشرك ول ينجي منها ال التوحيد ,فهو مفزع الليقة وملجؤها وحصنها وغياثها .وبال التوفيق.
*دعاء الكرب أخرجه البخاري ف الدعوات 149\11برقم ,6345ومسلم والترمذي وأحد .عن ابن عباس قال :كان
النب صلى ال عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول " :ل اله ال ال العظيم الليم ,ل اله ال ال رب السموات والرض ورب
العرش العظيم".
*وهو سيدنا يونس عليه السلم والدعاء القصود هو قوله تعال {ل اله ال أنت سبحانك ان كنت من الظالي} ,وقد صح
ف الديث عن سعد بن أب وقّاص قال :شهدت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ":ان لعلم كلمة ل يقولا مكروب ال
فرّج ال عنه كلمة أخي يونس عليه السلم فنادى ف الظلمات{:أن ل اله ال أنت سبحانك ان كنت من الظالي}.
[( ]27فائدة)
اللذة تابعة للمحبة
اللذة تابعة للمحبة ,تقوى بقوتا وتضعف بضعفها ,فكلما كانت الرغبة ف الحبوب والشوق اليه أقوى كانت اللذة
بالوصول اليه أت والحبة والشوق تابع لعرفته والعلم به ,فكلما كان العلم به أت كلنت مبته أكمل ,فاذا رجع كمال النعيم ف
الخرة وكمال اللذة ال العلم والب ,فمن كان يؤمن بال وأسائه وصفاته ودينه أعرف ,كان له أحب ,وكانت لذته
بالوصول اليه وماورته والنظر ال وجهه وساع كلمه أت .وكل لذة ونعيم وسرور وبجة بالضافة ال ذلك كقطرة ف بر,
فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصية مشوبة باللم على لذة عظيمة دائمة أبد الباد؟! وكمال العبد بسب هاتي
القوتي :العلم والب ,وأفضل العلم العلم بال ,وأعلى الب الب له ,وأكمل اللذة بسبهما .وال الستعان.
[( ]28قاعدة)
حبسان منجيان
طالب اله والدار الخرة ل يستقيم له سيه وطلبه ال ببسي .حبس قلبه ف طلبه ومطلوبه ,وحبسه عن اللتفات ال غية.
زحبس لسانه عما ل يفيده ,وحبسه على ذكر ال وما يزيد ف ايانه ومعرفته .وحبس جوارحه عن العاصي والشهوات,
وحبسها على الواجبات والندوبات ,فل يفارق البس حت يلقى ربه فيخلصه من السجن ال أوسع فضاه وأطيبه .ومت ل
يصب على هذين البسي وفر منهما ال فضاء الشهوات أعقبه ذلك البس الفظيع عند خروجه من الدنيا ,فكل خارج من
الدنيا اما متخلص من البس واما ذاهب ال البس .وبال التوفيق.
ودّع ابن عون رجل فقال :عليك بتقوى ال ,فان التقى ليست عليه وحشة.
39
وقال زيد بن أسلم :كام يقال :من اتقى ال أحبه الناس وان كرهوا.
وقال الثوري لبن أب ذئب :ان اتقيت ال كفاك الناس ,وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من ال شيئا.
وقال سليمان بن داود :أوتينا ما أوت الناس وما ل يؤتوا ,وعلّمنا ما علّم الناس وما ل يعلموا ,فلم ند شيئا أفضل من تقوى
ال ف السر والعلنية ,والعدل ف الغضب والرضا ,والقصد ف الفقر والغن.
وف الزهد للمام أحد أثر الي " :ما من ملوق اعتصم بخلوق دون ال قطعت أسباب السموات والرض دونه ,فان سألن ل
أعطه ,وان دعان ل أجبه ,وان استغفرن ل أغفر له .وما من ملوق اعتصم ب دون خلقي ال ضمنت له السموات والرض
رزقه ,فان سألن أعطيته ,وان دعان أجبته ,وان استغفرن غفرت له" ذكره السيوطي ف مسانيد الامع الكبي .123\2
جع النب صلى ال عليه وسلم بي تقوى ال وحسن اللق ,لن تقوى ال تصلح ما بي العبد وبي ربه ,وحسن اللق يصلح
ما بينه وبي خلقه .قتقوى ال توجب له مبة ال ,وحسن اللق يدعو الناس ال مبته.
مواعظ وحكم:
بي العبد وبي ال والنة قنطرة تقطع بطوتي :خطوة عن نفسه ,وخطوة عن اللق ,فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبي
الناس ,ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبي ال ,فل يلتفت ال ال من دله على ال وعلى الطريق الوصلة اليه .صاح بالصحابة
واعظ {:اقترب للناس حسابم} النبياء ,1فجزعت للخوف قلوبم ,فجرت من الذر العيون {فسالت أودية بقدرها}
الرعد .17
تزينت الدنيا لعلي رضي ال عنه فقال" :أنت طالق ثلثا ل رجعة ل فيك" .وكانت تكفيه واحدة للسنة ,لكنه جع الثلث
لئل يتصور للهوى جواز الراجعة .ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من الحلل ,كيف وهو أحد رواة حديش "لعن ال
الحلل" أحد ف السند ,107,121 ,87\1والنسائي ,وأبو يعلى ,الترمذي ,والبيهقي .ما ف هذه الدار موضع خلوة فاتذه
ف نفسك .ل بد أن تذبك الواذب فاعرفها وكن منها على حذر ,ول تضرك الشواغل اذا خلوت منها وأنت فيها.
نور الق أضوأ من نور الشمس ,فيحق لفافيش البصائر أن تعشو عنه.
الطريق ال ال خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات ,وهو معمور بأهل اليقي والصب ,وهو على الطريق
كالعلم { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة .24
40
[( ]31قاعدة)
تأثي شهادة أن ل اله ال ال عند الوت ف تكفي السيئات
لشهادة أن ل اله ال ال عند الوت تأثي عظيم ف تكفي السيئات واحباطها ,لنا شهادة من عبد موقن با عارف بضمونا,
قد ماتت منه الشهوات ولنت نفسه التمردة ,وانقادت بعد ابائها واستعصائها وأقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها ,وخرج
منها حرصها على الدنيا وفضولا ,واستخذت بي يدي ربا فاطرها ومولها الق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه
ومغفرته ورحته ,وترد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتقق بطلنه ,فزالت منها تلك النازعات ال كانت مشغولة با,
واجتمع هها على من أيقنت بالقدوم عليه والصي اليه ,فوجه العبد وجهه بكليته اليه ,وأقبل بقلبه وروحه وهه عليه .فاستسلم
وحده ظاهرا وباطنا ,واستوى سره وعلنيته فقال" :ل اله ال ال" ملصا من قلبه .وقد تلص قلبه من التعلق بغيه واللتفات
ال ما سواه .قد خرجت الدنيا كلها من قلبه .قد خرجت الدنيا كلها من قلبه ,وشارف القدوم على ربه ,وخدت نيان
شهوته ,وامتلء قلبه من الخرة ,فصارت نصب عينيه ,وصارت الدنيا وراء ظهره ,فكانت تلك الشهادة الالصة خاتة عمله,
فطهّرته من ذنوبه ,وأدخلته على ربه ,لنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة ,وافق ظاهرها باطنها وسرها عل نيتها ,فلو حصلت
له الشهادة على هذا الوجه ف أيام الصحة لستوحش من الدنيا وأهلها ,وفر ال ال من الناس ,وأنس به دون ما سواه ,لكنه
شهد با بقلب مشحون بالشهوات وحب الياة وأسبابا ,ونفس ملوءة بطلب الظوظ واللتفات ال غي ال .فلوتردت
كتجردها عند الوت لكان لا نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي وال الستعان.
ماذا يلك من أمره من ناصيته بيد ال ونفسه بيده" ,وقلبه بي اصبعي من أصابعه يقلبه كيف يشاء" جزء من حديث صحيح
أخرجه مسلم ف القدر برقم 2654عن عبدال بن عمرو بن العاص ,ونصّه " :ان قلوب بن آدم كلها بي اصبعي من أصابع
الرحن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" .وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله
وأفعاله باذنه ومشيئته .فل يتحرك ال باذنه ,وليفعل ال بشيئته.
ان وكله ال نفسه وكله ال عجز وضيعة ,وتفريط وذنب وخطيئة .وان وكله ال غيه ,وكله ال من ل يلك له ضرا ول
نفعا ول موتا ول حياة ول نشورا .وان تلى عنه استول عليه عدوّه وجعله أسيا له .فهو ل غن له عنه طرفة عي ,بل هو
مضطر اليه على مدى النفاس ف كل ذرة من ذراته ظاهرا وباطنا ,فاقته تامة اليه .ومع ذلك فهو متلف عنه معرض عنه,
يتبغض اليه بعصيته ,مع شدة الضرورة اليه من كل وجه ,قد صار لذكره نسيا ,واتذه وراءه ظهريا ,هذا واليه مرجعه وبي
يديه موقفه.
فرغ خاطرك للهم با أمرت به ول تشغله با ضمن لك ,فان الرزق والجل قرينان مضمزنان .فما دام الجل باقيا ,كان
الرزق آتيا واذا سد عليك بكمته طريقا من طرقه ,فتح لك برحته طريقا أنفع لك منه .فتأمّل حال الني يأتيه غذاؤه ,وهو
الدم ,من طريق واحدة وهو السرّة (البل السرّي) ,فلما خرج من بطن الم ,وانقطعت تلك الطريق ,فتح له طريقي اثني
41
وأجرى له فيهما رزقا أطيب وألذ من الول ,لبنا خالطا سائغا .فاذا تت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا
أربع أكمل منها :طعامان وشرابان ,فالطعامان من اليوان والنبات ,والشرابان من الياه واللبان وما يضاف اليهما من النافع
واللذ .فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الربعة .لكنه سبحانه فتح له –ان كان سعيدا -طرقا ثانية ,وهي أبواب النة
الثمانية يدخل من أيها يشاء.
فهكذا الرب سبحانه ل ينع عبده الؤمن شيئا من الدنيا ال ويؤتيه أفضل منه وأنفع له .وليس ذلك لغي الؤمن .فانه ينعه
الظ الدن السيس ,ول يرضى له به ليعطيه الظ العلى النفيس.
والعبد لهله بصال نفسه ,وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه ,ل يعرف التفاوت بي ما منع منه وبي ما ادخر له .بل هو
مولع بب العاجل وان كان دنيئا ,وبقلة الرغبة ف الجل وان كان عليا .ولو أنصف العبد ربه ,وأن له بذلك ,لعلم أن فضله
عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتا ونعيمها وأعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك ,فما منعه ال ليعطيه ,ول ابتله ال ليعافيه,
ول امتحنه ال ليصافيه ,ول أماته ال ليحييه ,ول أخرجه ال هذه الدار ال ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الوصلة
اليه .ف { جعل الليل والنهار خلفة لن أراد أن ي ّذكّر أو أراد شكورا} الفرقان ,62و { فأب الظالون ال كفورا} السراء
,99وال الستعان.
*من عرف نفسه اشتغل باصلحها عن عيوب الناس ,ومن عرف رباشتغل به عن هوى نفسه.
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس باللص ,وعن نفسك بشهود النّة ,فل ترى فيه نفسك ول ترى اللق.
باب شبهة أورثت شكا ف دين ال .وباب شهوة أورثت تقدي الوى على طاعته ومرضاته .وباب غضب أورث العدوان
على خلقه.
*أصول الطايا كلها ثلث :الكب :وهو الذي أصار ابليس ال ما أصاره .والرص :وهو الذي أخرج آدم من النة .والسد:
وهو الذي جرّأ أحد ابن آدم على أخيه.
فمن وقي شر هذه الثلثة فقد وقى الشر .فالكفر من الكب ,والعاصي من الرص ,والبغي والظلم من السد.
42
*جعل ال بكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ,ظاهرة وباطنة ,آله لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله .فالعي آلة للنظر .والذن
آلة للسماع .والنف آلة للشم .واللسان للنطق .والفرج للنكاح .واليد للبطش .والرجل للمشي .والقلب للتوحيد والعرفة.
والروح للمحبة .والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب المور الدينية والدنيوية وايثار ما ينبغي ايثاره واهال ما ينبغي اهاله.
*أخسر الناس صفقة من اشتغل عن ال بنفسه ,بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.
*ف السنن من حديث أب سعيد يرفعه "اذا أصبح ابن آدم فان العضاء كلها تكفر اللسان ,تقول :اتق ال ,فانا نن بك ,فان
استقمت استقمنا ,وان اعوججت اعوججنا" حديث حسن أخرجه الترمذي ف الزهد 523\4رقم ,2407وأحد وابن
البارك ,وابن السن ,وأبو نعيم ,والبيهقي والسيوطي.
قوله ":تكفر اللسان" ,قيل :معناه تضع له ,وف الديث :ان الصحابة لا دخلوا على النجاشي ل يكفروا له ,حديث دخول
الصحابة على النجاشي أخرجه أحد ف السند ,290\5 ,202\1عن أم سلمة باسناد صحيح ,وابن هشام ف السية .أي
ل يسجدوا له ويضعوا .ولذلك قال له عمرو بن العاص :أيها اللك انم ل يكفرون لك.
وانا خضعت للسان لنه بريد القلب وترجانه والواسطة بينه وبي العضاء .وقولا":انا نن بك" ,أي ناتنا بك وهلكنا
بك ,ولذا قالت ":فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا".
•جع النب صلى ال عليه وسلم ف قوله ":فاتقوا ال وأجلوا ف الطلب" أخرجه ابن ماجه ف الكفارات ( 725\2
.)2144بي مصال الدنيا والخرة ,ونعيمها ولذاتا انا ينال بتقوى ال .وراحة القلب والبدن ,وترك الهتمام والرص
الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء ف طلب الدنيا ,انا ينال بالجال ف الطلب ,فمن اتقى ال فاز بلذة الخرة
ونعيمها ,ومن أجل ف الطلب استراح من نكد الدنيا وهومها ,فال الستعان.
(فائدة)
جع النب صلى ال عليه وسلم ف تعوذه بي الأث والغرم ,فان الأث يوجب خسارة الخرة ,والغرم يوجب خسارة الدنيا.
[( ]33فائدة)
43
قال ال تعال{ :والذين جاهدوا فينا لنهديّنهم سبلنا} العنكبوت .69علق سبحانه الداية بالهاد ,فأكمل الناس هداية
أعظمهم جهادا ,وأفرض الهاد جهاد النفس ,وجهاد الوى ,وجهاد الشيطان ,وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الربعة ف ال
هداه ال سبل رضاه الوصلة ال جنته ,ومن ترك الهاد فاته من الدى بسب ما عطل من الهاد.
قال النيد :والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص ,ول يتمكن من جهاد عدوه ف الظاهر ال من
جاهد هذه العداء باطنا ,فمن نصر عليها نصر على عدوه ,ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه.
ألقى ال سبحانه العداوة بي الشيطان وبي اللك ,والعداوة بي العقل وبي الوى ,والعداوة بي النفس المارة وبي القلب.
وابتلى العبد بذلك وجع له بي هؤلء ,وأمد كل حزب بنود وأعوان ,فل تزال الرب سجال ودول بي الفريقي ,ال أن
يستول أحدها على الخر ,ويكون الخر مقهورا معه .فاذا كانت النوبة للقلب والعقل واللك فهناك السرور والنعيم واللذة
والبهجة والفرح قرة العي وطيب الياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم.
واذا كانت النوبة للنفس والوى والشيطان فهنالك الغموم والموم والحزان وأنواع الكاره وضيق الصدر ةحبس اللك .فما
ظنك بلك استول عليه عدوه فأنزله عن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبي خزائنه وذخائره وخدمه وصيّرها له ,ومع
هذا فل يتحرك اللك لطلب ثأره ,ول يستغيث بن يغيثه ,ول يستنجد بن ينجده .وفوق هذا اللك ملك قاهر ل يقهر,
وغالب ل يغلب ,وعزيز ل يذل ,فأرسل اليه :ان استنصرتن نصرتك ,وان استغثت ب أغثتك ,وان التجأت ال أخذت بثأرك,
وان هربت ال وأويت ال سلطتك على عدوك جعلته تت أسرك.
فان قال هذا اللك الأسور :قد شد عدوي وثاقي وأحكم رباطي ,واستوثق من بالقيود ,ومنعن من النهوض اليك ,والفرار
اليك ,والسي ال بابك ,فان أرسلت جندا من عندك يل وثاقي ,ويفك قيودي ,ويرجن من حبسه ,أمكنن أن أواف بابك,
وال ل يكنن مفارقة مبسي ,ول كسر قيودي.
فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان ,ودفعا لرسالته ,ورضا با هو فيه عند عدوّه ,خله السلطان العظم وحاله ووله
ما تول .وان قال ذلك افتقارا اليه ,واظهارا لعجزه وذله ,وأنه أضعف وأعجز من أن يسي اليه بنفسه ,ويرج من حبس عدوه,
ويتخلص منه بوله وقوته ,وأن من تام نعمة ذلك عليه ,كما أرسل اليه هذه الرسالة ,أن يده من جنده وماليكه بن يعينه على
اللص ,ويكسر باب مبسه ,ويفك قيوده.
فان فعل به ذلك فقد أت انعامه عليه ,وان تلى عنه ,فلم يظلمه ,ول منعه حقا هو له ,وأن رحته وحكمته اقتضى منعه
وتليته ف مبسه ,ول سيما اذا علم أن البس حبيه ,وأن هذا العدو الذي حبسه ملوك من ماليكه ,وعبد من عبيده ,ناصيته
44
بيده ل يتصرف ال باذنه ومشيئته ,فهو غي ملتفت اليه ,ول خائف منه ,ول معتقد أن له شيئا من المر ,ول بيده نفع ول
ضر ,بل هو ناظر ال مالكه ,ومتول أمره ومن ناصيته بيده ,وقد أفرده بالوف والرجاء ,والتضرّع اليه واللتجاء ,والرغبة
والرهبة ,فهناك تأتيه جيوش النصر والظفر.
أعلى المم ف طلب العلم ,طلب علم الكتاب والسنة ,والفهم عن ال ورسوله نفس الراد ,وعلم حدود النل .وأخّس هوه
طلب العلم ,قصر هته على تتبع شواذ السائل ,وما ل ينل ,ول هو واقع ,أو كانت هته معرفة الختلف ,وتتبع أقوال
الناس ,وليس له هة ال معرفة الصحيح من تلك القوال .وقلّ أن ينتفع واحد من هؤلء بعلمه.
وأعلى المم ف باب الرادة أن تكون المة متعلقة بحبة ال والوقوف مع مراده الدين المري .وأسفلها أن تكون المة
واقفة مع مراد صاحبها من ال ,فهو انا يعبد لراده منه ل لراد ال منه ,فالول يريد ال ويريد مراده ,والثان :يريد من ال وهو
فارغ عن ارادته.
علماء السوء جلسوا على باب النة يدعون اليها الناس بأقوالم ويدعونم ال النار بأفعالم ,فكلما قالت أقوالم للناس:
هلموا :قالت أفعالم:ل تسمعوا منهم .فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا أول الستجيبي له ,فهم ف الصورة أدلء وف القيقة
قطّاع طرق .اذا كان ال وحده حظك ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف اليك ,أي أنواعه تبدأ به ,واذا كان حظك ما
تنال منه ,فالفضل موقوف عنك لنه بيده تابع له ,فعل من أفعاله ,فاذا حصل لك ,حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع,
واذا كان الفضل مقصودك ,ل يصل ال بطريق الضمن والتبع ,فان كنت قد عرفته ,وأنست به ,ث سقطت ال طلب الفضل,
حرمك اياه عقوبة لك ففاتك ال وفاتك الفضل.
لا خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من حصر العدو دخل ف حصر النصر ,فبعثت أيدي سراياه بالنصر ف الطراف,
فطار ذكره ف الفاق ,فصار اللق معه ثلثة أقسام:
مؤمن به ,ومسال له ,وخائف منه .ألقى الصب ف مزرعة {:فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل} الحقاف ,35فاذا
أغصان النبات تتز بزامى{ :والرمات قصاص} البقرة .194
فدخل مكة دخول ما دخله أحدا قبله ول بعده ,حوله الهاجرون والنصار ل يبي منهم ال الدق.
45
والصحابة على مراتبهم ,واللئكة فوق رؤوسهم ,وجبيل يتردد بينه وبي ربه ,وقد أباح له حرمه الذي ل يله لحد سواه,
فلما قايس بي هذا اليوم وبي يوم {:واذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك}النفال ,30فأخرجوه ثان
اثني .دخل وذقنه تس قربوس سرجه خضوعا وذل لن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت اليه فيه الليقة رؤوسها ومدت اليه
اللوك أعناقها .فدخل مكة مؤيدا منصورا.
وعل بلل فوق الكعبة بعد أن كان ير ف الرمضاء على جر الفتنة ,فنشر بزا طوى عن القوم من يوم قوله ":أحد أحد".
ورفع صوته بالذان ,فأجابته القبائل من كل ناحية ,فأقبلوا يؤمون الصوت ,فدخلوا ف دين ال أفواجا وكانوا قبل ذلك يأتون
آحادا.
فلما جلس الرسول صلى اله عليه وسلم على منب العز ,وما نزل عنه قط ,مدت اللوك أعناقها بالضوع اليه .فمنهم من سلم
اليه مفاتيح البلد ,ومنهم من سأله الوادعة والصلح ,ومنهم من أقر بالزية والصغار .ومنهم من أخذ ف المع والتأهب
للحرب ,ول يدر أنه ل يزد على جع الغنائم وسوق الساري اليه.
فلما تكامل نصره وبلّغ الرسالة وأدى المانة ةوجاءه منشور{ :انّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما
تأخّر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيز} الفتح .3-1وبعده توقيع { :اذا جاء نصر ال
والفتح ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا } النصر .1,2جاءه رسول ربه ييه بي القام ف الدنيا وبي لقائه ,فاختار
لقاء ربه شوقا اليه ,فتزينت النان ليوم قدوم روحه الكرية ل كزينة الدينة يوم قدوم اللك.
اذا كان عرش الرحن قد اهتز لوت بعض أتباعه*فرحا واستبشارا بقدوم روحه ,فكيف بقدوم روح سيّد اللئق؟ فيا منتسبا
ال غي هذا الناب ,ويا واقفا بغي هذا الباب ,ستعلم يوم الشر أي سريرة تكون عليها{ :يوم تبلى السرائر}الطارق * .9
الذي اهتز له عرش الرحن هو الصحاب الليل سعد بن معاذ فقد جاء ف الديث عن النب صلى ال عليه وسلم ":اهتز عرش
الرحن لوت سعد بن معاذ" .البخاري ف مناقب النصار ,)3803( 154\7ومسلم ف فضائل الصحابة ( 1915\4
)124-123والترمذي ,وابن ماجه وأحد.
لعن ابليس وأهبط من منل العز بترك سجدة واحدة أمر با ,وأخرج آدم من النة بلقمة تناولا ,وحجب القاتل بعد أن رآها
عيانا بلء مف من آدم ,وأمر بقتل الزان أشنع القتلت بايلج قدر النلة فيما ل يل ,وأمر بايساع الظهر سياطا بكلمة قذف
أو بقطرة من مسكر ,وأبان عضوا من أعضائك بثلثة دراهم (قطع يد السارق اذا سرق ما مقداره ثلثة دراهم) ,فل تأمنه أن
يبسك ف النار بعصية واحدة من معاصيك{:ول ياف عقباها} الشمس .15
46
"دخلت امرأة النار ف هرة" جزء من حديث صحيح ,أخرجه البخاري ف بدء اللق ,)3318( 409\6ومسلم ف التوبة
,)20( 2110\4وابن ماجه وأحد من حديث أبو هريرة.
"وان الرجل ليتكلم بالكلمة ل يلقي لا بال يهوي با ف النار أبعد ما بي الشرق والغرب" ,معن حديث أخرجه البخاري
ف الرقاق 314\11رقم ( )6477عن أب هريرة ":ان العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبي فيها يزل با ف النار أبعد ما بي
الشرق" ,ومسلم ف الزهد .2988
"وان الرجل ليعمل بطاعة ال ستي سنة ,فاذا كان عند الوت جار(ظلم) ف الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل
النار".أخرجه أبو داود ف الوصايا برقم ,2868والترمذي رقم ,2118من حديث أبو هريرة" :ان الرجل ليعمل والرأة
بطاعة ال ستي سنة ث يضرها الوت فيضاران ف الوصية فتجب لما النار".
من أحدث قبل السلم بطل ما مضى من صلته ,ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا ,ومن أساء ف آخر
عمره لقي ربه بذلك الوجه.
كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب "سوف ولعل وعسى".
كيف الفلح بي ايان ناقص ,وأمل زائد ,ومرض ل طبيب له ول عائد ,وهوى مستيقظ ,وعقل راقد ,ساهيا ف غمرته,
عهما ف سكرته ,سابا ف لّة جهله ,مستوحشا من ربه ,مستأنسا بلقه ,ذكر الناس فاكهته وقوته ,وذكر ال حبسه وموته,
ل منه جزء يسي من ظاهره ,وقلبه ويقينه لغيه.
[ ]38لاذا كان أول الخلوقات القلم وآخرها آدم عليه السلم
47
كان أول الخلوقات القلم ,ورد بلفظ" أن أول ما خلق ال القلم" ,أخرجه أبو داود ف السنة ,4700والترمذي 2156
وأحد ف السند عن عبادة بن الصامت ,ليكتب القادير قبل كونا ,وجعل آدم آخر الخلوقات وف ذلك حكم.
الول :تهيد الرض قبل الساكن.
الثانية :أنه الغاية الت خلق لجلها ما سواه من السموات والرض والشمس والقمر والب والبحر.
الثالثة :أنه أحذق الصنّاع يتم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه بأساسه ومبادئه.
الرابعة :أن النفوس متطلعة ال النهايات والواخر دائما ,ولذا قال موسى عليه السلم للسحرة :أول{ ألقوا ما أنتم
ملقون}يونس , 80فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا ال ما يأت بعده.
الامسة :أن ال سبحانه أخّر أفضل الرسل والنبياء والمم ال آخر الزمان وجعل الخرة خيا من الول ,والنهايات أكمل من
البدايات ,فكم بي قول اللك للرسول اقرأ ,فيقول {:ما أنا بقارىء} ,وبي قوله تعال{ :اليوم أكملت لكم دينكم} الائدة
.3
السادسة :أنه سبحانه جع ما فرقه ف العال ف آدم ,فهو العال الصغي وفيه ما ف العال الكبي.
السابعة :أنه خلصة الوجود وثرته ,فناسب أن يكون خلقه بعد الوجودات.
الثامنة :أن من كراماته على خالقه أنه هيأ له مصاله وحوائجه وآلت معيشته وأسباب حياته ,فما رفع رأسه ال وذلك كله
حاضر عتيد.
التاسعة :أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر الخلوقات عليه ف اللق ,ولذا قالت اللئكة :ليخلق ربنا ما شاء
فلن يلق خلقا أكرم عليه منا .فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والعرفة ,فلما وقع ف الذنب
ظنت اللئكة أن ذلك الفضل قد نسخ ول تطلع على عبودية التوبة الكامنة ,فلما تاب ال ربه ,وأتى بتلك العبودية ,علمت
اللئكة أن ل ف خلقه سرا ل يعلمه سواه.
العاشرة :أنه سبحانه لا اقتتح خلق هذا العال بالقلم كان من أحسن الناسبة أن يتمه بلق النسان ,فان القلم آلة العلم,
والنسان هو العال .ولذا أظهر سبحانه فضل آدم على اللئكة الذي اختص به دونم.
وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه ال الرض ونبه اللئكة على فضله وشرفه ونوه باسه قبل اياده بقوله {:ان
جاعل ف الرض خليفة} البقرة .30
{ ف الرض} -والحب وتأمل كيف وسه باللفة وتلك ولية له قبل وجوده ,وأقام عذره قبل البوط بقوله:
يقيم عذر الحبوب قبل جنايته .فلما صوره على باب النة أربعي سنة لن دأب الحب الوقوف على باب حبيبه ,ورمى به
طريق الذل{:ل يكن شيئا} النسان ,1لئل يعجب يوم {اسجدوا} .وكان ابليس ير على جسده فيعجب منه ويقول :لمر
قد خلقت ,ث يدخل من فيه ويرج من دبره ويقول :لئن سلطت علي لهلكنك ولئن سلطت علي لعصينك ,ول يعلم أن
هلكه على يده .رأى طينا مموعا فاحتقره.
48
فلما صور الطي صورة دب فيه داء السد ,فلما نفخ فيه الروح مات الاسد .فلما بسط له بساط العز ,عرضت عليه
الخلوقات ,فاستحضر مدعي {ونن نسبح } ال حاكم {أنبئون} .وقد أخفى الوكيل عنه بينة {وعلم} فنكسوا رؤوس
الدعاوى على صدور القرار .فقام منادي التفضيل ف أندية اللئكة ينادي {:اسجدوا} ,تطهروا من حدث دعوى {ونن}
باء العذر ف آنية {ل علم لنا } ,فسجدوا على طهارة التسليم ,وقام ابليس ناحية ل يسجد ,لنه خبث ,وقد تلون بنجاسة
العتراض .وما كانت ناسته تتلف بالتطهي ,لنا عينية ,فلما ت كمال آدم قيل :ل بد من خال جال على وجه {اسجدوا},
فجرى القدر بالذنب ,ليتبي أثر العبودية ف الذل.
يا آدم! لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال الاسدون :كيف فضل ذو شره ل يصب على شجرة .لول نزولك ما تصاعدت
صعداء النفاس ,ول نزلت رسائل "هل من سائل" *ولعلّه يقصد حديث ":ينل ربنا تبارك وتعال كل ليلة ال السماء الدنيا"..
البخاري ف التوحيد 473\13برقم ,7494عن أب هريرة ومسلم ف صلة السافرين رقم ( .)758ول فاحت روائح
"وللوف فم الصائم" جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدرامي و(أحد ,232\2
,).407,457 ,393فتبي حينئذ أن ذلك التناول ل يكن عن شره.
ما ضر من كسره عزي ,اذا جبه فضلي انا تليق خلعة العز ببدن النكسار .أنا عند النكسرة قلوبم من أجلي .ما زالت
تلك الكلة تعاده حت استول داؤه على أولده ,فأرسل اليهم اللطيف البي الدواء على أيدي أطباء الوجود {:فاما يأتينكم
من هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى} طه .123فحماهم الطبيب بالناهي ,وحفظ القوة بالمر ,واستفرغ
أخلطهم الرديئة بالتوبة ,فجاءت العافية من كل ناحية.
فيا من ضيّع القوة ول يفظها ,وخلط ف مرضه وما احتمى ,ول صب على مرارة الستفراغ ,ل تنكر قرب اللك ,فالداء
مترام ال الفساد .لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف
الشتهيات .ولكن بار الشهوة غطى عي البصية ,فظننت أن الزم بيع الوعد بالنقد .يا لا من بصية عمياء ,جزعت من صب
ساعة ,واحتملت ذل البد .سافرت ف طلب الدنيا وهي عنها زائلة ,وقعدت عن السفر ال الخرة وهي اليها راحلة.
اذا رأيت الرجل السيس بالنفيس ويبيع العظيم بالقي ,فاعلم بأنه سفيه.
49
لا سلم آدم أصل العبودية ل يقدح فيه الذنب ":ابن آدم ,لة لقيتن بقراب الرض خطايا ث لقيتن ل تشرك ب شيئا ,لقيتك
بقرابه مغفرة" أخرجه مسلم ف الذكر والدعاء )22( 2068\4عن أب ذر .وابن ماجه الترمذي وأحد ,وقراب الرض هو
ما يقارب ملها ,بكسر القاف.
لا علم السيد أن ذنب عبده ل يكن قصدا لخالفته ول قدحا ف حكمته ,علمه كيف يعتذر اليه { :فتلقى آدم من ربه
كلمات فتاب عليه }البقرة .37العبد ل يريد بعصيته مالفة سيده ول الرأة على مارمه ,ولكن غلبات الطبع ,وتزيي النفس
والشيطان ,وقهر الوى ,والثقة بالعفو ,ورجاء الغفرة ,هذا من جانب العبد.
وأما من جانب الربوبية فجريان الكم ,واظهار عز الربوبية وذل العبودية وكمال الحتياج ,وظهور آثار الساء السن:
كالعفو والغفور والتوّاب والليم ,لن جاء تائبا نادما ,والنتقم والعدل وذي البطش الشديد لن أصر ولزم العرّة (الث
والناية).
فهو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال ,ونقص العبد وحاجته اليه .ويشهده كمال قدرته وعزته ,وكمال مغفرته
وعفوه ورحته ,وكمال بره وستره ,وحلمه وتاوزه وصفحه ,وأن رحته به احسان اليه ل معارضة ,وأنه ان ل يتغمّده برحته
وفضله فانه هالك ل مالة *,لا ورد ف الديث الذي أخرجه البخاري ف الرض ,109\10عن أب هريرة يرفعه ":لن يدخل
أحد منكم عمله النة ,قالوا ول أنت .قال ول أنا ال أن يتغمدن ال برحته.
كم ف تقدير الذنب من حكمة ,وكم فيه مع تقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحة .التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل,
ورب علة كانت سبب الصحة.
ل يكرم العبد نفسه بثل اهانتها ,ول يعزها بثل ذلا ,ول يريها بثل تعبها ,كما قيل:
50
ول يشبعها بثل جوعها ,وات يؤمنها بثل خوفها ,ول يؤنسها بثل وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها ول ييتها بثل
اماتتها ,كما قيل:
شراب الوى حلو ولكنه يورث الشرق(الغصة من اللق) ,منم تذكر خنق الفخ هان عليه هجران البة.
يا معرقل ف شرك الوىّ جزة(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة.
ل بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم .له ملك السموات للرض ,واستقرض منك حبة فبخلت با ,وخلق سبعة أبر وأحب
منها دمعة فقحطت عينيك با.
اطلق البصر ينفش ف القلب صورة النظور ,والقلب كعبة ,والعبود ل يرضى بزاحة الصنام.
لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك ,والور العي يعجب من سوء اختيارك عليهن ,غي أن زوبعة الوى اذا ثارت سفت
ف عي البصية فخفيت الادة.
سبحان ال ,تزينت النة للخطّاب فجدوا ف تصيل الهر ,وتعرّف رب العزة ال الحبي بأسائه وصفاته فعملوا على اللقاء
وأنت مشغول باليف.
العرفة بساط ل يطأ عليه ال مقرب ,والحبة نشيد ل يطرب عليه ال مب مغرم.
الحب يهرب ال العزلة واللوة بحبوبه والنس بذكره كهرب الوت ال الاء والطفل ال أمه.
51
ليس للعابد مستراح ال تت شجرة طوب ,ول للمحب قرار ال يوم الزيد .اشتغل به ف الياة يكفك ما بعد الوت.
يا منفقا بضاعة العمر ف مالفة حبيبه والبعد منه ,ليس ف أعدائك أضر عليك منه.
المة العليّة من استعد صاحبحه للقاء البيب ,وقدم التقادم بي يدي اللتقى ,فاستبشر عند القدوم {:وقدّموا لنفسكم واتقوا
ال واعلموا أنكم ملقوه وبشّر الؤمني} البقرة .223
تال ما عدا عليك العدو ال بعد أن تول عنك الول ,فل تظن أن الشيطان غلب ,ولكن الافظ أعرض.
احذر نفسك ,فما أصابك بلء قط ال منها ,ول تادنا فوال ما أكرمها من ل يهنها ,ول أعزها من ل يذلا ,ول جبها من
ل يكسرها ,ول أراحها من ل يتعبها ,ول أمنها من ل يوفها ,ول فرحها من ل يزنا.
سبحان ال ,ظاهرك متجمل بلباس التقوى ,وباطنك باطية(اناء) لمر الوى ,فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة السكر من
تته ,فتباعد منك الصادقون ,واناز اليك الفاسقون.
يدخل عليك لص الوى وأنت ف زاوية التعبد فل يرى منك طردا له ,فل يزال بك حت يرجك من السجد.
اذا ل يعد صبا بلقيا حبيبه هو الشوق مدلول على مقتل الفت
ليس العجب من فقي مسكي يب مسنا اليه ,انا العجب من مسن يب فقيا مسكينا.
52
القرآن كلم ال ,وقد تلى ال فيه لعباده بصفاته ,فتارة يتجلى ف جلباب (ليس على ظاهره ,وانا الراد باللباب اليئة
والصورة والصفة) اليبة والعظمة واللل ,فتخضع العناق ,وتنكسر النفوس ,وتشع الصوات ,ويذوب الكب ,كما يذوب
اللح ف الاء ,وتارة يتجلى ف صفات المال والكمال ,وهو كمال الساء ,وجال الصفات ,وجال الفعال الدال على كمال
الذات ,فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الب كلها ,بسب ما عرفه من صفات جاله ,ونعوت كماله ,فيصبح فؤاد عبده
فارغا ال مبته ,فاذا أراد منه الغي أن يعلق تلك الحبة به أب قلبه وأحشاؤه ذلك كل الباء ,كما قيل:
فتبقى الحبة له طبعا ل تكلفا .واذا تلى بصفات الرحة والب واللطف والحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد ,وانبسط أمله,
وقوى طمعه ,وسار ال ربه ,وحادي الرجاء يدو ركاب سيه .وكلما قوي الرجاء جد ف العمل ,كما أن الباذر كلما قوي
طمعه ف الغل غلق أرضه بالبذر ,واذا ضعف رجاؤه قصر ف البذر.
واذا تلى بصفات العدل والنتقام والغضب والسخط والعقوبة ,انقمعت النفس المارة وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة
والغضب واللهو واللعب والرص على الحرمات ,انقبضت أعنة رعوناتا ,فأحضرت الطية حظها من الوف والشية
والذر.
واذا تلى بصفات المر والنهي والعهد والوصية وارسال الرسل وانزال الكتب وشرع الشرائع ,انبعثت منها قوة المتثال,
والتنفيذ لوامره ,والتبليغ لا ,والتواصي با ,وذكرها وتذكرها ,والتصديق بالي ,والمتثال للطلب ,والجتناب للنهي.
واذا تلى بصفات السمع والبصر والعلم ,انبعثت من العبد قوة الياء ,فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره ,أو يسمع منه
ما يكره ,أو يفي ف سريرته ما يقته عليه ,فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بيزان الشرع ,غي مهملة ول مرسلة تت
حكم الطبيعة والوى.
واذا تلى بصفات الكفاية والسب ,والقيام بصال العباد ,وسوق أرزاقهم اليهم ,ودفع الصائب عنهم ,ونصره لوليائه,
وحايته لم ,ومعيته الاصة اهم ,انبعثت من العبد قوة التوكل عليه ,والتفويض اليه ,والرضا به ف كل ما يريه على عبده,
ويقيمه فيه ما يرضى به هو سبحانه .والتوكل معن يلتئم من علم العبد بكفاية ال ,وحسن اختياره لعبده ,وثقته به ,ورضاه با
يفعله ويتاره له.
واذا تلى بصفات العز والكبياء ,أعطت نفسه الطمئنة ما وصلت اليه من الذل لعظمته ,والنكسار لعزته ,والضوع
لكبيائه ,وخشوع القلب والوارح له ,فتعلوه السكينة والوقار ف قلبه ولسانه وجوارحه وسته ,ويذهب طيشه وقوته وحدته.
53
وجاع ذلك :أنه سبحانه يتعرف ال العبد بصفات اليته تارّة ,وبصفات ربوبيته تارة ,فيوجب له شهود صفات اللية الحبة
الاصة ,والشوق ال لقائه ,والنس والفرح به ,والسرور بدمته ,والنافسة ف قربه ,والتودد اليه بطاعته ,واللهج بذكره,
والفرار من اللق اليه ,ويصي هو وحده هه دون ما سواه .ويوجب له شهود صفات الربوبية والتوكل عليه ,والفتقار اليه,
والستعانة به ,والذل والضوع والنكسار له.
وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته ف اليته ,واليته ف ربوبيته ,وحده ف ملكه ,وعزه ف عفوه ,وحكمته ف قضائه وقدره,
ونعمته ف بلئه ,وعطاءه ف منعه ,وبره ولطفه واحسانه ورحته ف قيوميّته ,وعدل ف انتقامه ,وجوده وكرمه ف مغفرته وستره
وتاوزه .ويشهد حكمته ونعمته ف أمره ونيه ,وعزه ف رضاه وغضبه ,وحلمه ف امهاله ,وكرمه ف اقباله ,وغناه ف اعراضه.
وأنت اذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف ,وأن تقضي عليه بآراء التكلمي وأفكار التكلفي ,أشهدك ملكا قيوما فوق
ساواته على عرشه ,يدبر أمر عباده ,يأمر وينهي ,ويرسل الرسل ,وينل الكتاب ,ويرضى ويغضب ,ويثيب ويعاقب ,ويعطي
وينع ,ويعز ويذل ,ويفض ويرفع ,ويرى من فوق سبع ويسمع ,ويعلم السر والعلنية ,فعّال لا يريد ,موصوف بكل كمال,
منه عن كل عيب ,ل تتحرك ذرّة فما فوقها ال باذنه ,ول تسقط ورقة ال بعلمه ,ول يشفع أحد عنده ال باذنه ,ليس لعباده
من دونه ول ول شفيع.
جزء من حديث أخرجه البخاري ف فضائل الصحابة ,)3652(10\7ومسلم ف فضائل الصحابة ,)1(1854\4وأحد
ف السند .3\1
لا بايع الرسول صلى ال عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالجرة ال الدينة ,فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنم
سيمنعونه ,فأعملت آراءها ف استخراج اليل ,فمنهم من رأى البس ,ومنهم من رأى النفي .ث اجتمع رأيهم على القتل,
فجاء البيد بالب من السماء وأمره أن يفارق الضجع ,فبات علي مكانه ونض الصديّق لرفقة السفر .فلما فارقا بيوت مكة
اشتد الذر بالصدّيق فجعل يذكر الرصد فيسي أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه ,وتارة عن يينه وتارة عن شاله ال أن
انتهيا ال الغار ,فبدأ الصدّيق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ث مؤذ .وأنبت ال شجرة ل تكن قبل ,فأظلّت الطلوب وأضلّت
الطالب ,وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها عن منوال الستر ,فأحكمت الشقة حت عمي على
القائف الطلب ,وأرسل ال حامتي فاتذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبي غشاوة ,وهذا أبلغ ف العجاز من مقاومة
القوم بالنود.
فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلمهم بسمع الرسول صلى ال عليه وسلم والصدّيق ,قال الصدّيق وقد اشتد به
القلق :يا رسول ال ,لو أن أحدهم نظر ال ما تت قدميه لبصرنا تت قدميه .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :يا أبا
54
بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما؟" لا رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم حزنه قد اشتد ,لكن ل على نفسه ,قوي قلبه ببشارة
{ل تزن ان ال معنا} التوبة الية .40فظهر سر هذا القتران ف العية لفظا ,كما ظهر حكما ومعن ,اذ يقال :رسول ال
صلى ال عليه وسلم وصاحب رسول ال رضي ال عنه ,فلما مات صلى ال عليه وسلم قيل :خليفة رسول ال ,ث انقطعت
اضافة اللفة بوته فقيل :أمي الؤمني.
فأقاما ف الغار ثلثا ث خرجا منه ولسان القدر يقول :لتدخلنها دخول ل يدخله أحد قبلك ول ينبغي لحد من بعدك .فلما
استقل على البيداء لقهما سراقة بن مالك ,فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول صلى ال عليه وسلم سهما من سهام
الدعاء ,فساخت قوائم فرسه ف الرض ال بطنها ,فلما علم أنه ل سبيل له عليهما أخذ يعرض الال على من قد رد مفاتيح
الكنوز ويقدم الزاد ال شعبان " أبيت عند رب يطعمن ويسقين" ,أخرجه البخاري ف الصوم ,)1964-1961( 234\4
ومسلم وأحد ف السند 8\3عن أب سعيد و 126\6عن عائشة.
كانت تفة ثان اثني مدخرة للصديق ,دون الميع ,فهو الثان ف السلم وف بذل النفس وف الزهد وف الصحبة وف
اللفة وف العمر ,وف سبب الوت؛ لن الرسول صلى ال عليه وسلم قد مات عن أثر السم*,يروي البخاري تعليقا عن
عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف مرضه الذي مات فيه":يا عائشة ما أزال أجد أل الطعام الذي
أكلت بيب ,وهذا أوان ما وجدت انقطاع ابري من ذلك السم" .وأبو بكر سم فمات (روى ابن جرير الطبي ف التاريخ
419\3قال :وكان سبب وفاته أن اليهود سته ف أرزّة. .....
أسلم على يديه من العشرة :عثمان وطلحة والزبي وعبد الرحن بن عوف وسعد بن أب وقّاص .وكان عنده يوم أسلم
أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما كان السلم اليها ,فلهذا جلبت نفقته عليه" ما نفعن مال ,ما نفعن مال أب بكر" جزء
من حديث أخرجه ابن ماجه ف القدمة )94(36\1وأحد والسيوطي .فهو خي من مؤمن آل فرعون؛ لن ذلك كان يكتم
ايانه والصدّيق أعلن به ,وخي من مؤمن آل {يس}؛ لن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سني.
عاين طائر الفاقة يوم حول حب اليثار ويصيح {:من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا} البقرة ,245فألقى له حب الال
على روض الرضى واستلقى على فراش الفقر ,فنقل الطائر الب ال حوصلة الضاعفة ث عل على أفنان شجرة الصدق يغرد
بفنون الدح ,ث قام ف ماريب السلم يتلو {:وسيجنّبها التقى ,الذي يؤت ماله يتزكى}الليل 17و .18نطقت بفضله
اليات والخبار؛ واجتمع على بيعته الهاجرون والنصار.
فيا مبغضيه ف قلوبكم من ذكره نار ,كلما تليت فضائله عل عليهم الصغار .أترى ل يسمع الروافض الكفّار {ثان اثني اذ
ها ف الغار} التوبة .40دعي ال السلم فما تلعثم ول أب ,وسار على الحجّة فما زال ول كبا ,وصب ف مدته من مدى
العدى على وقوع الشبا ,وأكثر ف النفاق فما قاا حت تلل بالعبا (أي لقي وجه ربه تعال).
55
تال قد زاد على السبك ف كل دينار دينار {ثان اثني اذ ها ف الغار} من كان قرين النب ف شبابه .من ذا الذي سبق ال
اليان من أصحابه .من الذي أفت بضرته سريعا ف جوابه ,من أوّل من صلّى معه؟ ومن آخر من صلّى به؟ من الذي ضاجعه
بعد الوت ف ترابه (دفن بوار الرسول ف حجرة السيدة عائشة) ,فاعرفوا حق الار.
نض يوم الردة بفهم واستيقاظ ,وأبان من نص الكتاب معن دق عن حديد اللاظ ,فالحب يفرح بفضائله والبغض يغتاظ
حسرة الرافضي أن يفر من ملس ذكره ,ولكن أين الفرار؟ .كم وقى الرسول بالنفس والال ,وكان أخص به ف حياته وهو
ضجيعه ف الرمس(تراب القب) .فضائله جلية وهي خليّة عن اللبس .يا عجبا! من يغطي عي ضوء الشمس ف نصف النهار,
لقد دخل غارا ل يسكنه لبث ,فاستوحش الصديق من خوف الوادث ,فقال الرسول صلى ال عليه وسلم ":ما ظنّك باثني
وال الثالث" .فنلت السكينة فارتفع خوف الادث.فزال القلق وطاب عيش الاكث .فقام مؤذن النصر ينادي على رؤوس
منائر المصار{ :ثان اثني اذ ها ف الغار}.
حبه وال رأس النيفية ,وبغضه يدل على خبث الطوية .فهو خي الصحابة والقرابة ,والجة على ذلك قوية .لول صحة
امامته ما قال ابن النفية ...مهل مهل !! فان دم الروافض قد فار.
وال ما أحببناه لوانا ,ول نعتقد ف غيه هوانا ,ولكن أخذنا بقول علي رضي ال عنه" :كفانا رضيك رسول ال لديننا ,أفل
نرضاك لدنيانا تال لقد أخذت من الروافض بالثأر" اعجاز القرآن ص . 145-143تال لقد وجب حق الصدّيق علينا,
فنحن نقضي بدائحه ونقر با نقر به من السن(الضوء الذي يصحب اليق) عينا ,فمن كان رافضيا فل يعد الينا وليقل :ل
أعذار.
[( ]43تنبيه)
اجتناب من يعادي أهل كتاب ال وسنة رسوله
اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لءل يعديك خسرانه .احترز من عدوين هلك بما أكثر اللق :صادّ عن سبيل ال
بشبهاته وزخرف قوله ,ومفتون بدنياه ورئاسته.
من خلق فيه قوة واستعداد لشيء ,كانت لذته ف استعمال تلك القوة فيه ,فلذة من خلقت فيه قوة واستعداد للجماع
واستعمال قوته فيه ,ولذة من خلقت فيه قوة الغضب والتوثب استعمال قوته الغضبية ف متعلقها ,ومن خلقت فيه قوة الكل
والشرب فلذته باستعمال قوته فيهما .ومن خلقت فيه قوة العلم والعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفها ال العلم .ومن خلقت
فيه قوة الب ل ,والنابة اليه ,والعكوف بالقلب عليه ,والشوق اليه ,والنس به ,فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة ف ذلك.
وسائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فانية ,وأحد عاقبتها أن تكون ل له ول عليه.
56
[( ]44تنبيه)
من الواعظ والكم
يا أيها العزل احذر فراسة التقى ,فانه يرى عورة عملك من وراء ستر "اتقوا فراسة الؤمن" أخرجه الترمذي ف التفسي \5
.)3127(278
سبحان ال:
ف النفس كب ابليس ,وحسد قابيل ,وعتو عاد ,وطغيان ثود ,وجرأة نرود ,واستطالة فرعون ,وبغى قارون ,وقحّة هامان
(أي لؤم) ,وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بن اسرائيل فبارك ول يلعن) ,وحيل أصحاب السبت ,وترّد الوليد ,وجهل
أب جهل.
وفيها من أخلق البهائم حرص الغراب ,وشره الكلب ,ورعونة الطاووس ,ودناءة العل ,وعقوق الضب ,وحقد المل,
ووثوب الفهد ,وصولة السد ,وفسق الفأرة ,وخبث الية ,وعبث القرد ,وجع النملة ,ومكر الثعلب ,وخفة الفراش ,ونوم
الضبع.
غي أن الرياضة والجاهدة تذهب ذلك .فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الند ,ول تصلح سلعته لعقد{ :ان ال اشترى
من الؤمني أنفسهم} التوبة ,111فما اشترى ال سلعة هذبا اليان ,فخرجت من طبعها ال بلد سكانه التائبون العابدون.
سلم البيع قبل أن يتلف ف يدك فل يقبله الشتري ,قد علم الشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها ,فسلمها لك والمان من
الرد.
قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها ,والثمن البذول فيها ,والنادي عليها ,فاذا كان الشترى عظيما ,والثمن خطيا ,والنادي
جليل ,كانت السلعة نفيسة.
ترجعت ذا البيع قبل الفوات ,ل تب يا بائعا نفسه بيع الوان ,لو اس
بطيف عيش من اللم منتهب وبائعا طيب عيش ماله خطر,
يوم التغابن تلقى غاية الرب غبنت وال!! غبنا فاحشا ,ولدى
أمامك الورد حقا ليس بالكذب وواردا صفو عيش كله كدر,
لكل داهية ,تدن من العطب وحاطب الليل ف الظلماء منتصبا
فهل سعت ببء جاء من عطب ترجو الشفاء بأحداق با مرض
57
وصفا للطخ جال فيه مستلب ومفنيا نفسه ف إثر أقبحهم
لو كنت تعرف قدر النفس ل تب وواهبا نفسه من مثل ذا سفها,
وضاع وقتك بي اللهو والعب شاب الصبا ,والتصاب بعد ل يشب,
والفيء ف الفق الشرقي ل يغب وشس عمرك قد حان الغروب لا,
عن أفقه ظلمات الليل والسحب وفاز بالوصل من قد جد ,وانقشعت
ورسل ربك قد وافتك ف الطلب كم ذا التخلف ,والدنيا قد ارتلت,
تواه ,للصب من شكر ول أرب ما ف الديار ,وقد سارت ركائب من
ما قاله صاحب الشواق والقب فأفرش الد ذياك التراب ,وقل
غيلن ,أشهى له من ربعك الرب ما ربح مية مفوفا يطيف به
أشهى ال ناظري من خدّك الترب ول الدود ولو أدمي من ضرج
أيام كان منال الوصل عن كثب منازل كان يهواها ,ويألفها
يهوى اليها هوى الاء ف الصبب فكلما جليت تلك الربوع له,
فلو دعا القلب للسلوان ل يب أحيي له الشوق تذكار العهود با,
وما له ف سواها الدهر من رغب هذا ,وكم منل ف الرض يألفه
بثثته بعض شأن الب ,فاغترب ما ف اليام أخو وجد يريك ان
بنفخة الطيب ,ل بالعود والطب وأسر ف غمرات الليل مهتديا
وحارب النفس ,ل تلقيك ف الرب وعاد كل أخي جب ومعجزة,
يوم اقتسام الورى النوار بالرتب وخذ لنفسك نورا تستضيء به
******
بسوء حال وحل للضنا بدن ان كان يوجب صبي رحت فرضا
ال رضاك ووافقري ال الثمن منحتك الروح ل أبغي لا ثنا
******
وبالليل يدعون الوى فأجيب أحن بأطراف النهار صبابة
******
فمن العجز عشق غي الميل واذا ل يكن من العشق بد
******
كفان منه بعض ما أنا فيه فلو أن ما أسعى لعيش معجل
فوا أسفا ان ل أكن بلقيه ولكنكما أسعى للك ملد
******
يا من هو من أرباب البة ,هل عرفت قيمة نفسك؟ انا خلقت الكوان كلها لك.
58
يا من غذى بلبان الب ,وقلب بأيدي اللطاف ,كل الشياء شجرة وأنت الثمرة ,وصورة وأنت العن ,وصدف وأنت الدر,
وميض وأنت الزبد.
مت رمت طلب فاطلبن عندك ,اطلبن منك تدن قريبا ,ول تطلبن من غيك فأنا أقرب اليك منه.
لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالعاصي ,انا أبعدنا ابليس اذ ل يسجد لك ,وأنت ف صلب أبيك ,فواعجبا كيف
صالته وتركتنا! لو كان ف قلبك مبة لبان أثرها على جسدك.
ألست أرى العضاء منك كواسيا ولا ادعيت الب قالت كذبتن
بطينا وأنساك الوى كثرة الكل ولو كنت عذري الصبابة ل تكن
لو صحّت مبتك لستوحشت من ل يذكرك بالبيب .واعجبا لن يدعي الحبة ,ويتاج ال من يذكره بحبوبه ,فل يذكره
ال بذكر .أقل ما ف الحبة أنا ل تنسيك تذكر الحبوب.
اذا سافر الحب للقاء مبوبه ,ركبت جنوده معه ,فكان الب ف مقدمة العسكر ,والرجاء يدو بالطى ,والشوق يسوقها,
والوف يمعها على الطريق ,فاذا شارف قدوم بلد الوصل ,خرجت تقادم البيب باللقاء.
وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه فداو سقما بسم أنت متلفه
صبي الضعيف فصبي أنت تعلمه ول تكلن على بعد الديار ال
ال لقائك والشواق تقدمه تلق قلب فقد أرسلته عجل
فاذا دخل على البيب أفيضت عليه اللع من كل ناحية ,ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه ,أم يكون التفاته ال من ألبسه
اياها.
59
ملوا مراكب القلوب متاعا ل تنفق ال على اللك ,فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك الراكب ,فما طلع الفجر ال وهي
باليناء.
قطعوا بادية الوى بأقدام الد ,فما كان ال القليل حت قدموا من السفر ,فأعقبهم الراحة ف طريق التلقي ,فدخلوا بلد
الوصل وقد حازوا ربح البد.
فرّغ القوم قلوبم من الشواغل فضربت فيها سرادقات الحبة ,فأقاموا العيون ترس تارّة وترش أخرى.
طوال الليال ,أو بعيد الفاوز وما أنت بالشتاق ,ان قلت بيننا
قد علمت أين النل فاحد لا تسر .أعلى المم هة من استعد صاحبها للقاء البيب ,وقدم القادم بي يدي اللتقى ,فاستبشر
بالرضا عند قدوم {:وقدموا لنفسكم} .النة ترضى منك بأداء الفرائض ,والنار تندفع عنك بترك العاصي ,والحبة ل تقنع
منك ال ببذل الروح.
60
ل!! ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الشتياق.
لا سلم القوم النفوس ال رائض الشرع ,علمها الوفاق على خلف الطبع فاستقامت مع الطاعة ,كيف دارت معها.
حرم صيد الاهل والمسك لنفسه ,فما ظن الاهل الذي أعماله لوى نفسه.
جع فيك عقل اللك ,وشهوة البهيمة ,وهوى الشيطان ,وأنت للغالب عليك من الثلثة :ان غلبت شهوتك وهواك؛ زدت
على مرتبة ملك ,وان غلبكك هواك وشهوتك :نقصت عن مرتبة كلب.
لا صاد الكلب لربه أبيح صيده ,ولا أمسك على نفسه حرم ما صاده.
مصدر ما ف العبد من الي والشر والصفات المدوحة والذمومة من صفة العطي الانع .فهو سبحانه يصرّف عباده بي
مقتضى هذين السي ,فحظ العبد الصادق من عبوديته بما الشكر عند العطاء ,والفتقار عند النع ,فهو سبحانه يعطيه
ليشكره ,وينعه ليفتقر اليه ,فل يزال شكورا فقيا.
قوله تعال{ :وكان الكافر على ربه ظهيا} الفرقان .55هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه,و ان الؤمن دائما
مع ال على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه .وهذا معن كونه من حزب ال وجنده وأوليائه ,فهو مع ال على عدوه الداخل
فيه والارج عنه ,باربم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه .كما يكون خواص اللك معه على حرب أعدائه ,والبعيدون منه
فارغون من ذلك ,غي مهتمي به ,والكافر مع نفسه وشيطانه وهواه على ربه .وعبارات السلف على هذا تدور.
ذكر ابن أب حات عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبي قال :عونا للشيطان على ربه باعداوة والشرك.
وقال الليث عن ماهد قال :يظاهر الشيطان على معصية ال يعينه عليها ذكره ابن جرير ف التفسي .17\19
61
وقال زيد بن أسلم :ظهيا أي مواليا ذكره ابن كثي ف التفسي .322\3والعن أنه يوال عدوه على معصيته والشرك به,
فيكون مع عدوه معينا له على مساخط ربه.
فالعية الاصة الت للمؤمن مع ربه واله قد صارت لذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه ,ولذا صدّر
الية بقوله {:ويعبدون من دون ال مال ينفعهم ول يضرهم} الفرقان ,55وهذه العبادة هي الوالة والحبة والرضا بعبوديهم
التضمنة لعيتهم الاصة ,فظاهروا أعداء ال على معاداته ومالفته ومساخطه ,بلف وليه سبحانه ,فانه معه على نفسه
وشيطانه وهواه .وهذا العن من كنوز القرآن لن فهمه وعقله ,وبال التوفيق.
قوله تعال{ :والذين اذا ذكّروا بآيات ربم ل يرّوا عليها صمّا وعميانا} الفرقان .73قال مقاتل :اذا وعظوا بالقرآن ل
يقعوا عليه صما ل يسمعوه ,وعميانا ل يبصروه ,ولكنهم سعوا وأبصروا وأيقنوا به .وقال ابن عباس :ل يكونوا صما وعميانا,
بل كانوا خائفي خاشعي .وقال الكلب :يرّون عليها سعا وبصرا .وقال الفراء :واذا تلي عليهم القرآن ل يقعدوا على حالم
الول كأنم ل يسمعوه ,فذلك الرور .وسعت العرب تقول :قعد يشتمن ,كقولك :قام يشتمن ,وأقبل يشتمن :والعن على
ما ذكر :ل يصيوا عندها صما وعميلنا .وقال الزجاج :العن :اذا تليت عليهم خروا سجدا وبكيا سامعي مبصرين كما أمروا
به :وقال ابن قتيبة :أي ل يتغافلوا عنها كأنم صم ل يسمعوها وعمي ل يروها.
قلت :ها هنا أمران ذكر الرور ,وتسليط النفي عليه ,وهل هو خرور القلب أو خرور البدن للسجود؟ وهل العن :ل يكن
خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور القلب خضوعا ,أو البدن سجودا ,أو ليس هناك خرور وعب عن القعود؟
أصول العاصي كلها ,كبارها وصغارها ,ثلثة :تعلق القلب بغي ال ,وطاعة القوة الغضبية ,والقوة الشهوانية ,وهي الشرك
والظلم والفواحش .فغاية التعلق بغي ال شرك وأن يدعى معه اله آخر .وغاية القوة الغضبية القتل .وغاية طاعة القوة الشهوانية
الزنا .ولذل جع ال سبحانه بي الثلثة ف قوله {:والذين ل يدعون مع ال الا آخر ول يقتلون النفس الت حرّم ال ال بالق
ول يزنون} الفرقان .68
وهذه الثلثة يدعو بعضها ال بعض ,قالشرك يدعو ال الظلم والفواحش ,كما أن الخلص والتوحيد يصرفهما عن صاحبه,
قال تعال {:كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا الخلصي} يوسف .24فالسوء :العشق ,والفحشاء :الزنا.
وكذلك الظلم يدعو ال الشرك والفاحشة ,فان الشرك أظلم الظلم ,كما أن أعدل العدل التوحيد .فالعدل قرين التوحيد,
والظلم قرين الشرك ,ولذا يمع سبحانه بينهما .أما الول ففي قوله {:شهد ال أنه ل اله ال هو واللئكة وأولوا العلم قائما
بالقسط}آل عمران .18وأما الثان فكقوله تعال{ :ان الشرك لظلم عظيم} لقمان .13والفاحشة تدعو ال الشرك والظلم,
ول سيما اذا قويت ارادتا ول تصل ال بنوع من الظلم والستعانة بالسحر والشيطان .وقد جع سبحانه بي الزن والشرك ف
قوله { :الزان ل ينكح ال زانبة أو مشركة والزانية ل ينكحها ال زان أو مشرك وحرّم ذلك على الؤمني} النور .3
62
فهذه الثلثة ير بعضها ال بعض ويأمر بعضها ببعض .ولذا كلما كان القلب أضعف توحيدا وأعظم شركا كان أكثر
فاحشة وأعظم تعلقا بالصور وعشقا لا .ونظي هذا قوله تعال {:فما أوتيتم من شيء فمتاع الياة الدنيا وما عند ال خي
وأبقى للذين آمنوا وعلى ربم يتوكلون *والذين يتنبون كبائر الث والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون} الشورى -36
.37فأخب أن ماعنده خي لن آمن به وتوكل عليه ,وهذا هو التوحيد .ث قال {:والذين يتنبون كبائر الث والفواحش} فهذا
اجتناب داعي القوة الشهوانية .ث قال{ :واذا ما غضبوا هم يغفرون} ,فهذا مالفة القوة الغضبية ,فجمع بي التوحيد والعفة
والعدل الت هي جاع الي كله.
[( ]45فائدة)
هجر القرآن أنواع
63
[( ]46فائدة)
كمال النفس الطلوب
الثان :أن يكون صفة كمال ف نفسه .فاذا ل يكن كذلك ل يكن كمال ,فل يليق بن يسعى ف كمال نفسه النافسة عليه,
ول السف على فوته ,وذلك ليس ال معرفة بارئها وفاطرها ومعبودها والها الق الذي ل صلح لا ول نعيم ول لذة ال
بعرفته ,وارادة وجهه ,وسلوك الطريق الوصلة اليه ,وال رضاه وكرامته .وأن تعتاد ذلك فيصي لا هيئة راسخة لزمة .وما عدا
ذلك من العلوم والرادات والعمال فهي بي ما ل ينفعها ول يكملها ,وما يعود بضررها ونقصها وألها ,ول سيما اذا صار
هيئة راسخة لا ,فانا تتعذب وتأل به بسب لزومه لا.
وأما الفضائل النفصلة عنها كاللبس والراكب والساكن والاه والال ,فتلك ف القيقة عوار أعيتا مدة ,ث يرجع فيها
العي ,فتتأل وتتعذب برجوعه فيها بسب تعلقها با ,ول سيما اذا كانت هي ف غاية كمالا ,فاذا سلبتها أحضرت أعظم
النقص والل والسرة فليتدبر من يريد سعادة نفسه ولذتا هذه النكتة ,فأكثر هذا اللق انا يسعون ف حرمان نفوسهم وألها
وألها وحسرتا ونقصها من حيث يظنون أنم يريدون سعادتا ونعيمها.
فلذتا بسب ما حصل لا من تلك العرفة والحبة والسلوك .وحسرتا بسب ما فاتا من ذلك .ومت عدم ذلك .ومت عدم
ذلك ,وخل منه ,ل يبقى فيه ال القوى البدنية الفسانية ,الت با يأكل ويشرب ,وينكح ويغضب ,وينال شائر لذاته ,ومرافق
حياته .ول يلحقه من جهتها شرف ول فضيلة ,بل خساسة ومنقصة .اذا كان انا يناسب بتلك القوى البهائم ويتصل بنسها
ويدخل ف جلتها ويصي كأحدها .وربا زادت ف تناولا عليها واختصت دونه بسلمة العاقبة ,حقيق أن تجره ال الكمال
القيقي الذي ل كمال سواه ,وبال التوفيق.
اذا أصبح العبد وأمسى وليس هه ال وحده تمل ال سبحانه حوائجه كلها ,وحل عنه كل ما أهه ,وفرغ قلبه لحبته,
ولسانه لذكره ,وجوارحه لطاعته .وان أصبح وأمسى والدنيا هه حله ال هومها وغمومها وأنكادها! ووكله ال نفسه ,فشغل
قلبه عن مبته بحبة اللق ,ولسانه عن ذكره بذكرهم ,وجوارحه عن طاعته بدمتهم وأشغالم ,فهو يكدح كدح الوحش ف
64
خدمة غيه ,كالكي ينفخ بطنه ويعصر أضلعه ف نفع غيه .فكل من أعرض عن عبودية ال وطاعته ومبته بل بعبودية
الخلوق ومبته وخدمته .قال تعال{ :ومن يعش عن ذكر الرحن نقيّض له شيطانا فهو له قرين} الزخرف .36قال سفيان
بن عيينة :ل تأتون بثل مشهور للعرب ال جئتكم به من القرآن .فقال له قائل :فأين ف القرآن "أعط أخاك ترة فان ل يقبل
فأعطه جرة؟" فقال ف قوله{ :ومن يعش عن ذكر الرحن نقيّض له شيطانا}.
[( ]48فائدة)
العلم والعمل وما ها
والعمل :نقل صورة علمية من النفس واثباتا ف الارج .فان كان الثابت ف النفس مطلقا للحقيقة ف نفسها فهو علم
صحيح .وكثيا ما يثبت ويتراءى ف النفس صورة ليس لا وجود حقيقي ,فيظنها الذي قد أثبتها ف نفسه علما ,وانا هي
مقدرة ل حقيقة لا .وأكثر علوم الناس من هذا الباب .وما كان منها مطابقا للحقيقة ف الارج فهو نوعان :نوع تكمل
النفس بادراكه والعلم به ,وهو العلم بال وأسائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونيه .ونوع ل يصل للنفس به كمال ,وهو
كل علم ل يضر الهل به فانه ل ينفع العلم به.
وكان النب صلى ال عليه وسلم يستعيذ بال من علم ل ينفع ,جزء من حديث أخرجه مسلم ف الذكر والدعاء (2088\4
,)73وأبو داود ,والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحد .وهذا أكثر حال العلوم الصحيحة الطابقة الت ل يضر الهل با
شيئا ,كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته ,وعدد الكواكب ومقاديرها .والعلم بعدد البال وألوانا ومسحتها وما نو ذلك.
فشرف العلم بسب شرف معلومه وشدة الاجة اليه .وليس ذلك ال العلم بال وتوابع ذلك .وأما العلم فآفته عدم مطابقته
لراد ال الدين الذي يبه ال ويرضاه ,ويكون ذلك من فساد العلم تارّة ,ومن فساد الرادة تارّة .ففساده من جهة العلم أن
يعتقد أن هذا مشروع مبوب ل وليس كذلك ,أو يعتقد أنه يقرّبه ال ال وان ل يكن مشروعا ,فيظن أنه يتقرب ال ال بذا
العمل ,وان ل يعلم أنه مشروع.
وأما فساده من جهة القصد فانه ل يقصد به وجه ال والدار الخرة ,بل يقصد به الدنيا واللق.
وهاتان الفتان ف العلم والعمل ل سبيل ال السلمة منهما ال بعرفة ما جاء به الرسول ف باب العلم والعرفة وارادة وجه ال
والدار الخرة ف باب القصد والرادة .فمت خل من هذه العرفة وهذه الرادة فسد علمه وعمله.
65
واليان واليقي يورثان صحة العرفة وصحة الرادة ,وها يورثان اليان ويدانه .ومن هنا يتبي انراف أكثر الناس عن
اليان لنرافهم عن صحة العرفة وصحة الرادة.
ول يتم اليان ال بتلقي العرفة من مشكاة النبوة ,وتريد الرادة عن شوائب الوى وارادة اللق ,فيكون علمه مقتبسا من
مشكاة الوحي ,وارادته ل والدار الخرة ,فهذا أصح الناس علما وعمل وهو من الئمة الذين يهدون بأمر ال ومن خلفاء
رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمته.
اليان له ظاهر وباطن ,وظاهرة قول اللسان وعمل الوارح .وباطنة تصديق القلب وانقياده ومبته .فل ينفع ظاهر ل باطن
له وان حقن به الدماء وعصم به الال والذريّة ,ول يزىء باطن ل ظاهر له ال اذا تعذّر بعجز أو اكراه أو خوف هلك.
فتخلف العمل ظاهرا مع عدم الانع دليل على فساد الباطن وخلوّه من اليان ,ونقصه دليل نقصه ,وقوته دليل قوته.
فاليان قلب السلم ولبه .واليقي قلب اليان ولبه .وكل علم وعمل ل يزيد اليان واليقي قوة فمدخول ,وكل ايان ل
يبعث على العمل فمدخول( .فيه رد على التصوفة الذين يقولون بالشريعة والقيقة ويفصلون بينهما وفيه كذلك رد على
الشيعة الذين يقولون بالتقية).
[( ]50قاعدة)
التوكل على ال نوعان
أحدها :توكل عليه ف جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية ,أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.
والثان :التوكل على ال ف حصول ما يبه هو ويرضاه من اليان واليقي والهاد والدعوة اليه.
وبي النوعي من الفضل مال يصيه ال ال .فمت توكل عليه العبد ف النوع الثان حق توكله كفاه النوع الول تام الكفاية.
ومت توكل عليه ف النوع الول دون الثان كفاه أيضا ,لكن ل يكون له علقبة التوكل فيما يبه ويرضاه.
فأعظم التوكل عليه التوكل ف الداية ,وتريد التوحيد ,ومتابعة الرسول صلى ال عليه وسلم وجهاد أهل الباطل ,فهذا توكل
الرسل وخاصّة أتباعهم.
66
والتوكل تارة يكون توكل اضطرار والاء ,بيث ل يد العبد ملجأ ول أزرا ال التوكل ,كما اذا ضاقت عليه السباب
وضاقت عليه نفسه وظن أن ل ملجأ من ال ال اليه ,وهذا ل يتخلف عنه الفرج والتيسي البتة .وتارة يكون توكل اختيار,
وذلك التوكل مع وجود السبب الفضى ال الراد ,فان كان السبب مأمور به ذم على تركه .وان قام بالسبب ,وترك التوكل,
ذم على تركه أيضا ,فانه واجب باتفاق المة ونص القرآن ,والواجب القيام بما ,والمع بينهما .وان كان السبب مرما,
حرم عليه مباشرته ,وتوحد السبب ف حقه ف التوكل ,فلم يبق سبب سواه ,فان التوكل من أقوى السباب ف حصول الراد,
ودفع الكروه ,بل هو أقوى السباب على الطلق.
وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو ل يضعفه؟ فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت هك فتركه
أول ,وان ل يضعفه فمباشرته أول؛ لن حكمة أحكم الاكمي اقتضت ربط السبب فل تعطل حكمته مهما أمكنك القيام
با ,ول سيما اذا فعلته عبودية ,فتكون قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل ,وعبودية الوارح بالسبب النوي به القربة .والذي
يقق التوكل القيام بالسباب الأمور با ,فمن عطلها ل يصح توكله كما أن القيام بالسباب الفضية ال حصول الي يقق
رجاءه ,فمن ل يقم با كان رجاؤه تنيّا ,كما أن من عطّلها يكون توكله عجزا وعجزه توكل.
وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على ال وحده ,فل يضره مباشرة السباب مع خلو القلب من العتماد والركون
اليها ,كما ل ينفعه قوله :توكلت على ال ,مع اعتماده على غيه وركونه اليه وثقته به ,فتوكل السان شيء وتوكل القلب
شيء آخر ,كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء ,وتوبة القلب وان ل ينطق اللسان شيء آخر .فقول العبد :توكلت
على ال ,مع اعتماد قلبه على غيه ,مثل قوله :تبت ال ال ,وهو مصر على معصيته مرتكب لا.
[( ]51فائدة)
شكوى الاهل من ال
الاهل يشكو ال ال الناس ,وهذا غاية الهل بالشكو والشكو اليه ,فانه لو عرف ربه لا شكاه ,ولو عرف الناس لا شكا
اليهم .ورأى بعض السلف رجل يشكو ال رجل فاقته وضرورته ,فقال :يا هذا ,وال ما زدت على أن شكوت من يرحك
ال من ل يرحك ,وف ذلك قيل:
والعارف انا يشكو ال ال وحده .وأعرف العارفي من جعل شكواه ال ال من نفسه ل من الناس ,فهو يشكو من موجبات
تسليط الناس عليه ,فهو ناظر ال قوله تعال {:وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى ,30وقوله{:وما
أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء ,79وقوله {:أو لا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند
أنفسكم} آل عمران .165
67
فالراتب ثلثة :أخسها أن تشكو ال ال خلقه ,وأعلها أن تشكو نفسك ال ال ,وأوسطها أن تشكو خلقه اليه.
قال ال تعال { :يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم واعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه وأنه اليه
تشرون} النفال ,24فتضمنت هذه الية أمورا ,أحدها :أن الياة النافعة انا تصل بالستجابة له ورسوله ,فمن ل تصل له
هذه الستجابة فل حياة له ,وان كانت له حياة بيمية مشتركة بينه وبي أرذل اليوانات .فالياةالقيقية الطيبة هي حياة من
استجاب ل والرسول ظاهرا وباطنا .فهؤلء هم الحياء وان ماتوا ,وغيهم أموات وان كانوا أحياء البدان .ولذا كان أكمل
الناس حياة وأكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى ال عليه وسلم ,فان كل ما دعا اليه ففيه الياة ,فمن فاته جزء منه فاته
جزء من الياة ,وفيه من الياة بسب ما استجاب للرسول صلى ال عليه وسلم.
قال ماهد{ :لا يييكم} يعن للحق ,وقال قتادة :هو هذا القرآن فيه الياة والثقة والنجاة والعصمة ف الدنيا والخرة .وقال
السدي :هو السلم أحياهم بعد موتم بالكفر .وقال ابن اسحاق :عن ممد بن جعفر بن الزبي عن عروة بن الزبي :واللفظ
له{:لا يييكم} يعن للحرب الت أعزكم ال با بعد الذل ,وقوّاكم بعد الضعف ,ومنعكم با من عدوكم بعد القهر منهم
لكم .كلها من ابن كثي .297\2وكل هذه عبارات عن حقيقة واحدة وهي القيام با جاء به الرسول ظاهرا وباطنا.
قال الواحدي :والكثرون على أن معن قوله {:لا يييكم} هو الهاد .وهو قول ابن اسحاق واختيار أكثر أهل العان.
قال الفراء :اذا دعاكم ال احياء أمركم بهاد عدوكم يريد انا يقوي بالرب والهاد ,فلو تركوا الهاد ضعف أمرهم
واجترأ عليهم عدوهم.
68
قلت :الهاد من أعظم ما يييهم به ف الدنيا وف البزخ وف الخرة .أما ف الدنيا فان قوتم وقهرهم لعدوهم بالهاد.
وأما ف البزخ فقد قال تعال{ :ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربم يرزقون} آل عمران .169
وأما ف الخرة فان حظ الجاهدين والشهداء من حياتا ونعيمها أعظم من حظ غيهم .ولذا قال تب قتيبة{ :لا يييكم}
يعن الشهادة .وقال بعض الفسرين { :لا يييكم} يعن النة .فانا دار اليوان وفيها الياة الدائمة الطيبة .حكاه أبو علي
الرجان.
والية تناول هذا كله ,فان اليان والقرآن والهاد تيي القلوب الياة الطيبة .وكمال الياة ف النة ,والرسول داع ال
اليان وال النة ,فهو داع ال الياة ف الدنيا والخرة .والنسان مضطر ال نوعي من الياة :حياة بدنه الت با يدرك النافع
والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضرّه .ومت نقصت فيه هذه ناله من الل والضعف بسب ذلك .ولذلك كانت حياة الريض
والحزون وصاحب الم والغم والوف والفقر والذل دون حياة من هو معاف من ذلك .وحياة قلبه وروحه الت با ييز بي
الق والباطل والغي والرشاد والوى والضلل ,فيختار الق على ضده .فتفيد هذه الياة قوة التمييز بي النافع والضار ف
العلوم والرادات والعمال .وتفيد قوة اليان والرادة والب للحق ,وقوة البغض والكراهة للباطل.
فشعوره وتييزه وحبه ونفرته بسب نصيبه من هذه الياة ,كما أن البدن الي يكون شعوره واحساسه بالنافع والؤل أت,
ويكون ميله ال النافع ونفرته عن الؤل أعظم .فهذا بسب حياة البدن ,وذاك بسب حياة القلب .فاذا بطلت حياته بطل
تييزه .وان كان له نوع تييز ل يكن فيه قوة يؤثر با النافع على الضار .كما أن النسان ل حياة له حت ينفخ فيه اللك,
الذي هو رسول ال (اللك الذي ينفخ الروح ف النسان بأمر ال) ,من روحه ,فيصي حيا بذلك النفخ .وكان قبل ذلك من
جلة الموات .وكذلك ل حياة لروحه وقلبه حت ينفخ فيه الرسول صلى ال عليه وسلم من الروح الذي ألقى اليه ,قال تعال:
{ينل اللئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده} النحل ,2وقال {:يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده}
غافر ,15وقال {:وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليان ولكن جعلناه نورا ندي به من
نشاء من عبادنا} الشورى .52فأخب أن وحيه روح ونور ,فالياة والستنارة موقوفة على نفخ الرسول اللكي ,فمن أصابه
نفخ الرسول اللكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الياتان.
ومن حصل له نفخ اللك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الياتي وفاتته الخرى ,قال تعال {:أو من كان ميتا فأحييناه
وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن مثله ف الظلمات ليس بارج منها}النعام ,122فجمع له بي النور والياة كما جع
لن أعرض عن كتابه بي الوت والظلمة .قال ابن عباس وجيع الفسرين :كان كافرا ضال فهديناه .تفسي ابن كثي .172\2
69
أحدها :أنه يشي ف الناس بالنور وهم ف الظلمة ,فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا ول يهتدوا للطريق .وآخر
معه نور يشي ف الطريق ويراها ويرى ما يذره فيها.
وثانيها :أنه يشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لاجتهم ال النور.
وثالثها :أنه يشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقي أهل الشرك والنفاق ف الظلمات شركهم ونفاقهم.
وقوله {:اعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه} النفال .24الشهور ف الية أنه يول بي الؤمن وبي الكفر ,وبي الكافر
وبي اليان .ويول بي أهل طاعته وبي معصيته ,وبي أهل معصيته وبي طاعته ,وهذا قول ابن عباس وجهور الفسرين.
وف الية قول آخر أن العن أنه سبحانه قريب من قلبه ل تفى عليه خافية ,فهو بينه وبي قلبه .ذكره الواحدي عن قتادة,
وكان هذا أنسب بالسياق ,لن الستجابة أصلها بالقلب فل تنفع الستجابة بالبدن دون القلب ,فان ال سبحانه بي العبد
وبي قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلفه.
وعل القول الول ,فوجه الناسبة أنكم ان تثاقلتم عن الستجابة وأبطأت عنها فل تأمنوا أن يول ال بينكم وبي قلوبكم فل
يكنكم بعد ذلك من الستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الق واستبانته ,فيكون قوله {:ونقلّب أفئدتم وأبصارهم
كما ل يؤمنوا به أول مرة} النعام .110وقوله {:فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم} الصف .5وقوله {:فما كانوا ليؤمنوا با
كذّبوا من قبل} العراف .101ففي الية تذير عن ترك الستجابة بالقلب وان استجاب بالوارح.
وف الية سر آخر :وهو أنه جع لم بي الشرع والمر به ,وهو الستجابة ,وبي القدر واليان به ,فهي كقوله تعال { :لن
شاء منكم أن يستقيم* وما تشاءون ال أن يشاء ال رب العالي} التكوير ,28,29وقوله {:فمن شاء ذكره .وما يذكرون
ال أن يشاء ال} الدثر ,55,56وال أعلم.
قوله تعال {:كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شرّ لكم
وال يعلم وأنتم ل تعلمون} البقرة ,216وقوله عزّ وجلّ {:فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويعل ال فيه خيا
70
كثيا} النساء .19فالية الول ف الهاد الذي هو كمال القوة الغضبية خشية على نفسه منه ,والثانية ف النكاح الذي هو
كمال القوة الشهوانية.
فالعبد يكره مواجهة عدوه بقوته الغضبية خشية على نفسه منه ,وهذا الكروه خي له ف معاشه ومعاده ,ويب الوادعة
والتاركة ,وهذا الحبوب شر له ف معاشه ومعاده.
وكذلك يكره الرأة لوصف من أوصافها وله ف امساكها خي كثي ل يعرفه .ويب الرأة لوصف من أوصافها وله ف
امساكها شر كثي ل يعرفه .فالنسان كما وصفه به خالقه ظلوم جهول ,فل ينبغي أن يعل العيار على ما يضرّه وينفعه ميله
وحبه ونفرته وبغضه ,بل العيار على ذلك ما اختاره ال له بأمره ونيه.
فأنفع الشياء له على الطلق طاعة ربه بظاهره وباطنه ,وأضر الشياء عليه على الطلق معصيته بظاهره وباطنه ,فاذا قام
بطاعته وعبوديته ملصا له فكل ما يري عليه ما يكره يكون خيا له ,واذا تلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من
مبوب هو شر له .فمن صحت له معرفة ربه والفقه ف أسائه وصفاته ,علم يقينا أن الكروهات الت تصيبه والحن الت تنل به
فيها ضروب من الصال والنافع التيل يصيحا علمه وفكره ,بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يب.
فعامة مصال النفوس ف مكروهاتا ,كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها ف مبوباتا .فانظر ال غارس جنة من النات
خبي بالفلحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والصلح حت أثرت أشجارها ,فأقبل عليها يفصل أوصالا ويقطع أغصانا لعلمه
أنا لو خليّت على حالا ل تطب ثرتا ,فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة ,حت اذا اتدت با والتحمت وأعطت ثرتا أقبل
يقلمها ويقطع أغصانا الضعيفة الت تذهب قوتا ,ويذيقها أل القطع والديد لصلحتها وكمالا ,لتصلح ثرتا أن تكون بضرة
اللوك .ث ل يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت ,بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا ,ول يترك عليها الاء دائما وان كان
ذلك أنضر لورقها وأسرع لنباتا .ث يعمد ال تلك الزينة الت زينت با من الوراق فيلقي عنها كثيا منها ,لن تلك الزينة
تول بي ثرتا وبي كمال نضجها واستوائها كما ف شجر العنب ونوه .فهو يقطع أعضاءها بالديد ,ويلقي عنها كثيا من
زينتها ,وذلك عي مصلحتها .فلو أنا ذات تييز وادراك كاليوان ,لتوهت أن ذلك افساد لا واضرار با ,وانا هو عي
مصلحتها.
وكذلك الب الشفيق على ولده العال بصلحته ,اذا رأى مصلحته ف اخراج الدم الفاسد عنه ,بضع جلده وقطع عروقه
وأذاقه الل الشديد .وان رأى شفاءه ف قطع عضو من أعضائه أبانه عنه (أي قطعه) ,كل ذلك رحة به وشفقة عليه .وان رأى
مصلحته ف أن يسك عنه العطاء ل يعطه ول يوسع عليه ,لعلمه أن ذلك أكب السباب ال فساده وهلكه .وكذلك ينعه
كثيا من شهواته حية له ومصلحة ل بل عليه.
71
فأحكم الاكمي وأرحم الراحي وأعلم العالي ,الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتم ,اذا أنزل بم ما
يكرهون كان خيا لم من أن ل ينله بم ,نظرا منه لم واحسانا اليهم ولطفا بم ,ولو مكنوا من الختيار لنفسهم لعجزوا
عن القيام بصالهم علما وارادة وعمل ,لكنه سبحانه تعال تول تدبي أمورهم بوجب علمه وحكمته ورحته ,أحبوا أم
كرهوا ,فعرف ذلك الوقنون بأسائه وصفاته فلم يتهموه ف شيء من أحكامه ,وخفى ذلك على الهال به وبأسائه وصفاته,
فنازعوه تدبيه ,وقدحوا ف حكمته ,ول ينقادوا لكمه ,وعارضوا حكمه بعقولم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتم الائرة,
فل لربم عرفوا ,ول لصالهم حصلوا ,وال الوفق.
ومت ظفر العبد بذه العرفة سكن ف الدنيا قبل الخرة ف جنة ل يشبه نعيمها ال نعيم جنة الخرة ,فانه ل يزال راضيا عن
ربه ,والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفي ,فانه طيب النفس با يري عليها من القادير الت هي عي اختيار ال له ,وطمأنينته
ال أحكامه الدينية ,وهذا هو الرضا بال ربا وبالسلم دينا وبحمد رسول .وما ذاق طعم اليان من ل يصل له ذلك .وهذا
الرضا هو بسب معرفته بعدل ال وحكمته ورحته وحسن اختياره ,فكلما كان بذلك كان به أرضى .فقضاء الرب سبحانه
ف عبده دائر بي العدل والصلحة والكمة والرحة ,ل يرج عن ذلك البتة كما قال صلى ال عليه وسلم ف الدعاء الشهور:
" اللهم ان عبدك ,ابن عبدك ,ابن أمتك ,ناصيت بيدك ,ماض فّ حكمك ,عدل ف قضاؤك ,أسألك بكل اسم هو لك ,سيت
به نفسك ,أو أنزلته ف كتابك ,أو علّمته أحدا من خلقك ,أو استأثرت به ف علم الغيب عندك ,أن تعل القرآن ربيع قلب,
ونور صدري ,وجلء حزن ,وذهاب هي وغمي ,ما قالا أحد قط ال أذهب ال هه وغمه وأبدله مكانه فرجا" .قالوا :أفل
نتعلمهن يا رسول ال؟ قال " :بلى ينبغي لن يسمعهن أن يتعلمهن ,".أخرجه أحد ف السند ,391,452\1وابن السن ف
عمل اليوم والليلة ص 104رقم ,339,340وغيهم.
والقصود قوله "عدل فّ قضاؤك" ,وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو أل وسبب ذلك ,فهو الذي قضى
بالسبب وقضى بالسبب وهو عدل ف هذا القضاء .وهذا القضاء خي للمؤمن كم قال صلى ال عليه وسلم ":والذي نفسي
بيده ل يقضي ال للمؤمن قضاء ال كان خيا له ,وليس ذلك ال للمؤمن ".أحد ف السند ,117,184\3عن أنس بن
مالك.
قال العلمة ابن القيم :فسألت شيخنا "المام الليل ابن تيمية" هل يدخل ف ذلك قضاء الذنب؟ فقال :نعم بشرطه ,فأجل
ف لفظة "بشرطه" ما يترتب على الذنب من الثار الحبوبة ل من التوبة والنكسار والندم والضوع والذل والبكاء وغي
ذلك.
[( ]54فائدة)
الرغبة ف الخرة تقتضي الزهد بالدنيا
ل تتم الرغبة ف الخرة ال بالزهد ف الدنيا ,ول يستقيم الزهد ف الدنيا ال بعد نظرين صحيحي:
72
النظر ف الدنيا وسرعة زوالا وفنائها واضمحللا ونقصها وخسّتها ,وأل الزاحة عليها والرص عليها ,وما ف ذلك من
الغصص والنغص والنكاد ,وآخر ذلك الزوال والنقطاع مع ما يعقب من السرة والسف ,فطالبها ل ينفك من هم قبل
حصولا ,وهم ف حال الظفر با ,وغم وحزن بعد فواتا .فهذا أحد النظرين.
(النظر الثان) ف الخرة واقبالا وميئها ول بد ,ودوامها وبقائها ,وشرف ما فيها من اليات والسرات والتفاوت الذي بينه
وبي ما ها هنا فهي كما قال سبحانه {:والخرة خي وأبقى} العلى .17فهي خيات كاملة دائمة ,وهذه خيالت ناقصة
منقطعة مضمحلة .فاذا ت له هذين النظران آثر ما يقتضي العقل ايثاره ,وزهد فيما يقتضي الزهد فيه .فكل أحد مطبوع على
أن ل يترك النفع العاجل واللذة الاضرة ال النفع الجل واللذة الغائبة النتظرة ,ال اذا تبي الفضل له ,واما لعدم رغبته ف
الفضل ,وكل واحد من المرين يدل على ضعف اليان وضعف العقل والبصية .فان الراغب ف الدنيا الريص عليها الؤثر
لا اما أن يصدّق بأن هناك أشرف وأفضل وأبقى ,واما أن ل يصدّق ,فان ل يصدق بذلك كان عادما لليان رأسا ,وان
صدّق ذلك كان فاسد العقل سيء الختيار لنفسه.
وهذا تقسيم حاضر ضروري ل ينفك العبد من أحد القسمي منه .فايثار الدنيا على الخرة اما من فساد اليان ,واما من
فساد العقل .وما أكثر ما يكون منهما .ولذا نبذها رسول ال صلى ال عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها
قلوبم ,واطرحوها ول يألفوها ,وهجروها ول ييلوا اليها ,وعدّوها سجنا ل جنّة .فزهدوا فيها حقيقة الزهد ,ولو أرادوها
لنالوا منها كل مبوب ولوصلوا منها ال كل مرغوب .فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزها فردّها ,وفاضت على أصحابه فآثروا
با ول يبيعوا حظهم من الخرة با ,وعلموا أنا معب ومر ل دار مقام ومستقر ,وأنا دار عبور ل دار سرور ,وأنا سحابة
صيف تنقشع عن قليل ,وخيال طيف ما استتم الزيارة حت آذن الرحيل.
قال النب صلى ال عليه وسلم " :مال وللدنيا ,انا أنا كراكب قال ف ظل شجرة ث راح وتركها" أخرجه الترمذي ف الزهد
,)2377(508\4وابن ماجه وأحد والسيوطي .وقال ":ما الدنيا ف الخرة ال كما يدخل أحدكم اصبعه ف اليم فلينظر با
ترجع" .أخرجه مسلم ف النة 2193\4رقم ,]2858[ 55والترمذي وابن ماجه.
وقال خالقها سبحانه{ :انا مثل الياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض ما يأكل الناس والنعام حت
اذا أخذت الرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنم قادرون عليها أتاها أمرنا ليل أو نارا فجعلناها حصيدا كأن ل تغن
بالمس كذلك نفصّل اليات لقوم يتفكّرون * وال يدعو ال دار السلم ويهدي من يشاء ال صراط مستقيم} يونس
,24,25فأخب عن خسة الدنيا وزهد فيها ,وأخب عن دار السلم ودعا اليها.
73
وقال تعال {:واضرب لم مثل الياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فأصبح هشيما تذروه الرياح
وكان ال على كل شيء مقتدرا * الال والبنون زينة الياة الدنيا والباقيات الصالات خي عند ربك ثوابا وخي أمل} الكهف
.45,46
وقال تعال {:اعلموا أن الياة الدنيا لعب ولو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ف الموال والولد كمثل غيث أعجب الكفار
نباته ث يهيج فتراه مصفرّا ث يكون حطاما وف الخرة عذاب شديد ومغفرة من ال ورضوان وما الياة الدنيا ال متاع
الغرور} الديد .20
وقال تعال {:زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب والفضة واليل السوّمة والنعام
والرث ذلك متاع الياة الدنيا وال عنده حسن الآب * قل أؤنبئكم بي من ذلكم للذين اتقوا عند ربم جنّات تري من
تتها النار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من ال وال بصي بالعباد} آل عمران .14,15
وقال تعال {:وفرحوا بالياة الدنيا وما الياة الدنيا ف الخرة ال متاع} الرعد .26
وقد توعّد سبحانه أعظم الوعيد لن رضى بالياة الدنيا واطمأن با وغفل عن آياته ول يرج لقاءه ,فقال {:ان الذين ل
يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون} يونس
.7,8
وعيّر سبحانه من رضي بالدنيا من الؤمني ,فقال { :يا أيها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا ف سبيل ال اثّاقلتم ال
الرض أرضيتم بالياة الدنيا من الخرة فما متاع الدنيا ف الخرة ال قليل} التوبة .38
وعلى قدر رغبة العبد ف الدنيا ورضاه با يكون تثاقله عن طاعة ال وطلب الخرة ,ويكفي ف الزهد ف الدنيا قوله تعال{:
أفرأيت ان متّعناهم سني * ث جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغن عنهم ما كانوا يتّعون} الشعراء .207-205
وقوله {:ويوم يشرهم كأن ل يلبثوا ال ساعة من النهار يتعارفون بينهم} يونس .45
وقوله{ :كأنم يوم يرون ما يوعدون ل يلبثوا ال ساعة من نار بلغ فهل يهلك ال القوم الفاسقون} الحقاف .35
وقوله تعال {:يسألونك عن الساعة أيّان مرساها .فيم أنت من ذكراها .ال ربك منتهاها .انا أنت منذر من يشاها .
كأنم يوم يرونا ل يلبثوا ال عشية أو ضحاها} النازعات .46-42
وقوله {:ويوم تقوم الساعة يقسم الجرمون ما لبثوا غي ساعة} الروم .55
74
وقوله { :قال كم لبثتم ف الرض عدد سني * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين * قال ان لبثتم ال قليل لو أنكم
كنتم تعلمون}الؤمنون .114-112
وقوله {:يوم ينفخ ف الصور ونشر الجرمي يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم ان لبثتم ال عشرا * نن أعلم با يقولون اذ يقول
أمثلهم طريقة ان لبثتم ال يوما} طه .104-102
[( ]55قاعدة)
أساس الي أن تؤمن با شاءه تعال
أساس كل خي أن تعلم أن ما شاء ال كان ,وما ل يشأ ل يكن .فتيقن حينئذ أن السنات من نعمه ,فتشكره عليها,
وتتضرّع اليه أن ل يقطعها عنك ,وأن السيئات من خذلنه وعقوبته ,فتبتهل اليه أن يول بينك وبينها ,ول يكلك ف فعل
السنات وترك السيئات ال نفسك .وقد أجع العارفون على أن كل خي فأصله بتوفيق ال للعبد ,وكل شر فأصله خذلنه
لعبده ,وأجعوا أن التوفيق أن ل يكللك ال ال نفسك ,وأن الذلن هو أن يلي بينك وبي نفسك ,فاذا كان كل خي فأصله
التوفيق ,وهو بيد ال ل بيد العبد ,فمفتاحه الدعاء والفتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة اليه .فمت أعطى العبد هذا الفتاح
فقد أراد أن يفتح له ,ومت أضلّه عن الفتاح بقي باب الي مرتا دونه.
قال أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه :ان ل أحل هم الجابة ,ولكن هم الدعاء ,فاذا ألمت الدعاء فان الجابة
معه .وعلى قدر مية العبد وهته ومراده ورغبته ف ذلك يكون توفيقه سبحانه واعانته .فالعونة من ال تنل على العباد على قدر
همهم وثباتم ورغبتهم ورهبتهم ,والذلن ينل عليهم على حسب ذلك ,فال سبحانه أحكم الاكمي وأعلم العالي ,يضع
التوفيق ف مواضعه اللئقة به ,وهو العليم الكيم ,وما أت من أتى ال من قبل اضاعة الشكر واهال الفتقار والدعاء ,ول ظفر
من ظفر بشيئة ال وعونه ال بقيامه بالشكر وصدق الفتقار والدعاء .وملك ذلك الصب فانه من اليان بنلة الرأس من
السد ,فاذا قطع الرأس فل بقاء للجسد.
******
75
•قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الاجة :الكل والنوم والكلم والخالطة .كما أن البدن اذا مرض ل ينفع
فيه الطعام والشراب ,فكذلك القلب اذا مرض بالشهوات ل ينفع فيه الواعظ.
•من أراد صفاء قلبه فليؤثر ال على شهوته.
•القلوب التعلقة بالشهوات مجوبة عن ال بقدر تعلقها با.
•القلوب آنية ال ف أرضه ,فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها.
•شغلوا قلوبم بالدنيا ,ولو شغلوها بال والدار الخرة لالت ف معان كلمه وآياته الشهودة ورجعت ال أصحابا بغرائب
الكم وطرف الفوائد.
•اذا غذي القلب بالتذكر ,وسقي بالتفكّر ,ونقي من الدغل ,ورأى العجائب وألم الكمة.
•ليس كل من تلى بالعرفة والكمة وانتحلها كان من أهلها ,بل أهل العرفة والكمة الذين أحيوا قلوبم بقتل الوى.
وأما من قتل قلبه فأحي الوى ,فالعرفة والكمة عارية على لسانه.
•خراب القلب من الزمن والغفلة ,وعمارته من الشية والذكر.
•اذا زهدت القلوب ف موائد الدنيا قعدت على موائد الخرة بي أهل تلك الدعوة ,واذا رضيت بوائد الدنيا فاتتها تلك
الوائد.
•الشوق ال ال ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا.
•من وطّن قلبه عند ربه ,سكن واستراح ,من أرسله ف الناس اضطرب واشتد به القلق.
•ل تدخل مبة ال ف قلب فيه حب الدنيا ال كما يدخل المل ف سم البرة.
•اذا أحب ال عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لحبته ,واستخلصه لعبادته ,فشغل هه به ,ولسانه بذكره ,وجوارحه بدمته.
القلب يرض كما يرض البدن ,وشفاؤه ف التوبة والميّة ,ويصدأ كما تصدأ الرآة وجلؤه بالذكر ,ويعرى كما يعرى
السم ,وزينته التقوى ,ويوع ويظمأ كما يوع البدن ,وطعامه وشرابه العرفة والحبة والتوكل والنابة والدمة.
ايّاك والغفلة عمن جعل لياتك أجل وليامك وأنفاسك أمدا ومن كل سواه بد ول بد لك منه.
من ترك الختيار والتدبي ف طلب زيادة دنيا أو جاه أو ف خوف نقصان أو ف التخلص من عدو ,توكل على ال وثقة
بتدبيه له وحسن اختياره له ,فألقى كنفه بي يديه ,وسلم المر اليه ,ورضي با يقضيه له ,استراح من الموم والغموم
والحزان.
76
ومن أب ال تدبيه لنفسه ,وقع ف النكد والنصب وسوء الال والتعب ,فل عيش يصفو ,ول قلب يفرح ,ول عمل يزكو,
ول أمل يقوم ,ول راحة تدوم.
وال سبحانه سهّل للقه السبيل اليه وحجبهم عنه بالتدبي ,فمن رضي بتدبي ال له ,وسكن ال اختياره ,وسلّم لكمه ,أزال
ذلك الجاب ,فأفضى القلب ال ربه ,واطمأن اليه وسكن.
•من شغل بنفسه شغل عن غيه ,ومن شغل بربه شغل عن نفسه.
•الخلص هو ما ل يعلمه ملك فيكتبه ول عدو فيفسده ول يعجب به صاحبه فيبطله.
•الرضا سكون القلب تت ماري الحكام.
•الناس ف الدنيا معذّبون على قدر همهم با.
•للقلب ستة مواطن يول فيها ل سابع لا :ثلثة سافلة ,وثلثة عالية.
فالسافلة :دنيا تتزين له ,ونفس تدثه ,وعدو يوسوس له .فهذه مواطن الرواح السافلة الت ل تزال تول با.
والثلثة العالية :علم يتبي له ,وعقل يرشده ,واه يعبده .والقلوب جوّالة ف هذه الواطن.
•اتباع الوى وطول المل مادة كل فساد ,فان اتباع الوى يعمي عن الق معرفة وقصدا ,وطول المل ينسي الخرة,
ويصد عن الستعداد لا.
•ل يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه ,أو يداهن غيه.
•اذا أراد ال بعبد خيا جعله معترفا بذنبه ,مسكا عن ذنب غيه ,جوّادا با عنده ,زاهدا فيما عند غيه ,متمل لذى غيه,
وان أراد به شرا عكس ذلك عليه.
•المّة العليّة ل تزال حائمة حول ثلثة أشياء:
•من عشق الدنيا نظرت ال قدرها عند فصيته من خدمها وعبيدها وأذلّته .ومن أعرض عنها نظرت ال كب قدره فخدمته
وذلّت له.
•انا يقطع السفر ويصل السافر بلزوم الادّة وسي الليل ,فاذا حاد السافر عن الطريق ,ونام الليل كله ,فمت يصل ال
مقصده؟
77
[( ]59فائدة جليلة)
قبول فتوى العابد الزاهد ف دنياه
كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ,فل بد أن يقول على ال غي الق ف فتواه وحكمه ,ف خبه والزامه ,لن أحكام
الرب سبحانه كثيا ما تأت على خلف أغراض الناس ,ول سيما أهل الرئاسة .والذين يتبعون الشهوات فانم ل تتم لم
أغراضهم ال بخالفة الق ودفعه كثيا ,فاذا كان العال والاكم مبي للرئاسة ,متبعي للشهوات ,ل يتم لما ذلك ال بدفع ما
يضاده من الق ,ول سيما اذا قامت له شبهة ,فتتفق الشبهة والشهوة ,ويثور الوى ,فيخفى الصواب ,وينطمس وجه الق.
وان كان الق ظاهرا ل خفاء به ول شبهة فيه ,أقدم على مالفته وقال :ل مرج من التوبة .وف هؤلء وأشباههم قال تعال:
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا الشهوات} مري .59
وقال تعال فيهم أيضا {:فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدن ويقولون سيغفر لنا وان يأتم
عرض مثله يأخذوه أل يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا على ال ال الق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خي للذين
يتقون أفل تعقلون} العراف .169
فأخب سبحانه أنم أخذوا الغرض الدن مع علمهم بتحريه عليهم وقالوا سيغفر لنا ,وان عرض لم عرض آخر أخذوه فهم
مصرون على ذلك ,وذلك هو الامل لم على أن يقولوا على ال غي الق ,فيقولون هذا حكمه وشرعه ودينه وهم يعلمون أن
حكمه وشرعه ودينه خلف ذلك ,أو ل يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه؟ فتارة يقولون على ال ما ل يعلمون ,وتارة
يقولون عليه ما يعلمون بطلنه ,وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الخرة خي من الدنيا ,فل يملهم حب الرئاسة والشهوة
على أن يؤثروا الدنيا على الخرة .وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة ,ويستعينوا بالصب والصلة ,ويتفكروا ف الدنيا
وزوالا وخستها ,والخرة اقبالا ودوامها ,وهؤلء ل بد أن يبتدعوا ف الدين مع الفجور ف العمل فيختمع لم المران ,فان
اتباع الوى يعمى عي القلب ,فل ييز بي السنة والبدعة ,أو ينكسه فيى البدعة سنة ,والسنة بدعة.
{ واتل عليهم نبأ الذي فهذه آفة العلماء اذا آثروا الدنيا ,واتبعوا الرئاسات والشهوات .وهذه اليات فيهم ال قوله:
آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه با ولكنه أخلد ال الرض واتّبع هواه فمثله
كمثل الكلب ان تمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} العراف .176-175فهذا مثل عال السوء الذي يعمل بلف علمه.
78
وثالثها :أن الشيطان أدركه ولقه ,بيث ظفر به وافترسه ,ولذا قال{ :فأتبعه الشيطان} ,ول يقل تبعه ,فان معن أتبعه أدركه
ولقه ,وهو أبلغ من تبعه لفظا ومعن.
ورابعها :أنه غوي بعد الرشد .والغي :الضلل ف العلم والقصد ,وهوأخص بفساد القصد والعمل كما أن الضلل أخص
بفساد العلم والعتقاد .فاذا أفرد أحدها دخل فيه الخر ,وان اقترنا فالفرق ما ذكر.
وخامسها :أنه سبحانه ل يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلكه ,لنه ل يرفع به فصار وبال عليه ,فلو ل يكن عالا لكان
خيا له وأخف لعذابه.
وسادسها :أنه سبحانه أخب عن خسة هته ,وأن اختار السفل الدن على الشرف العلى.
وسابعها :أن اختياره للدن ل يكن عن خاطر وحديث نفس ,ولكنه كان عن اخلد ال الرض ,وميل بكليّته ال ما هناك,
وأصل الخلد اللزوم على الدوام ,كأنه قيل :لزم اليل ال الرض ,ومن هذا يقال :أخلد فلن بالكان اذا لزم القامة به ,قال
مالك بن نويرة (مرتد قتله ضرار بن الزور):
وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا بأبناء حي من قبائل مالك
وعبّر عن ميله ال الدنيا باخلده ال الرض ,لن الدنيا هي الرض وما فيها وما يستخرج منها من الزينة والتاع.
وثامنها :أنه رغب عن هداه ,واتبع هواه ,فجعل هواه اماما له ,يقتدي به ويتبعه.
وتاسعها :أنه شبهه بالكلب الذي هو أخس اليواناتمة ,وأسقطها نفسا ,وأبلها وأشدها كلبا ,ولذا سي كلبا.
وعاشرها :أنه شبه لثه على الدنيا ,وعدم صبه عنها ,وجزعه لفقدها ,وحرصه على تصيلها ,بلهث الكلب ف حالت تركه
والمل عليه بالطرد ,وهكذا .هذا ان ترك فهو لثان على الدنيا ,وان وعظ وزجر فهو كذلك .فاللهث ل يفارقه ف كل حال
كلهث الكلب.
قال ابن قتيبة :كل شيء يلهث فانا يلهث من اعياء أو عطش ال الكلب ف حال الكلل (الكل) ,وحال الراحة ,وحال
الري ,وحال العطش ,فضربه ال مثل لذا الكافر فقال :ان وعظته فهو ضال ,وان تركته فهو ضال ,وان تركته فهو ضال
كالكلب ان طردته لث ,وان تركته على حاله لث .وهذا التمثيل ل يقع بكل كلب ,وانا وقع بالكلب اللهث ,وذلك أخس
ما يكون وأشنعه.
فهذا حال العال الؤثر الدنيا على الخرة ,وأما العبد الاهل فآفته من اعراضه عن العلم وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووجده
وما تواه نفسه .ولذا قال سفيان بن عيينة وغيه :احذروا قتنة العال الفاجر ,وفتنة العابد الاهل ,فان فتنتهما فتنة لكل مفتون,
فهذا بهله يصد عن العلم وموجبه ,وذاك بغيّه يدعو ال الفجور.
وقد ضرب ال سبحانه مثل النوع الخر بقوله { :كمثل الشيطان اذ قال للنسان أكفر فلما كفر قال ان بريء منك ان
أخاف ال رب العالي * فكان عاقبتهما أنما ف النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالي} الشر ,17-16وقصته معروفة,
79
فانه بن أساس أمره على عبادة ال بهل ,فأوقعه الشيطان بهله ,وكفّره بهله .فهذا امام كل عابد جاهل يكفر ول يدري,
وذاك امام كل عال فاجر ,يتار الدنيا على الخرة.
وقد جعل سبحانه رضى العبد بالدنيا ,وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته ,وتدبرها والعمل با ,سبب شقائه وهلكه ,ول
يتمع هذان ,أعن الرضا بالدنيا والغفلة عن آيات الرب ال ف قلب من ل يؤمن بالعاد ,ول يرجو لقاء رب العباد ,وال فلو
رسخ قدمه ف اليان بالعاد ,لا رضي الدنيا ,ول اطمأن اليها ,ول أعرض عن آيات ال.
وأنت اذا تأملت أحوال الناس وجدت هذا الضرب هو الغالب على الناس وهم عمّار الدنيا .وأقل الناس عددا من هو على
خلف ذلك ,وهو من أشد الناس غربة بينهم ,لم شأن وله شأن ,علمه غي علومهم ,وارادته غي ارادتم ,وطريقه غي
طريقهم ,فهو ف واد وهم ف واد ,قال تعال{ :ان الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن
آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون }يونس .8,7
ث ذكر وصف ضد هؤلء ومآلم وعاقبتهم بقوله{ :ان الذين آمنوا وعملوا الصالات يهديهم ربم بايانم تري من تتهم
النار ف جنات النعيم }يونس .9
فهؤلء ايانم بلقاء ال أورثهم عدم الرضا بالدنيا والطمأنينة اليها ,ودوام ذكر آياته ,فهذه مواريث اليان بالعاد ,وتلك
مواريث عدم اليان به والغفلة عنه.
أفضل ما اكتسبته النفوس ,وحصلته القلوب ,ونال به العبد الرفعة ف الدنيا والخرة ,هو العلم واليان ,ولذا قرن ال
سبحانه بينهما ف قوله { :وقال الذين أوتوا العلم واليان لقد لبثتم ف كتاب ال ال يوم البعث فهذا يوم البعث}الروم .56
وقوله {:يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}الجادلة ,11وهؤلء هم خلصة الوجود ولبه ,والؤهلون
للمراتب العالية ,ولكن أكثر الناس غالطون ف حقيقة مسمى العلم واليان اللذين بما السعادة والرفعة ,وف حقيقتهما .حت
أن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم واليان هو هذا الذي به تنال السعادة ,وليس كذلك بل أكثرهم ايس معهم ايان
ينجي ول علم يرفع ,بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم واليان اللذين جاء بما الرسول صلى ال عليه وسلم ودعا اليهما
المة ,وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم.
فكل طائفة اعتقدت أن العلم معها وفرحت به {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب با لديهم فرحون} الؤمنون ,53
وأكثر ما عندهم كلم وآراء وخرص ,والعلم وراء الكلم كما قال حّاد بن زيد :قلت ليوب :العلم اليوم أكثر أو فيما تقدّم؟
فقال :الكلم اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر!
80
ففرق هذا الراسخ بي العلم والكلم .فالكتب كثية جدا والكلم والدال والقدرات الذهنية كثية ,والعلم بعزل عن
أكثرها ,وهو ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم عن ال سبحانه {:فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم }..آل
عمران ,61وقال {:لئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم }..البقرة ,120وقال ف القرآن {:أنزله بعلمه} النساء
,166أي وفيه علمه.
ولا بعد العهد بذا العلم آل المر بكثي من الناس ال أن يتخذوا هواجس الفكار وسوانح الواطر والراء علما ,ووضعوا
فيها الكتب ,وأنفقوا فيها النفاس ,فضيعوا فيها الزمان ,وملوا با الصحف مدادا ,والقلوب سوادا ,حت صرح كثي من الناس
منهم أنه ليس ف القرآن والسنة علم ,وأن أدلتهما لفظية ل تفيد يقينا ول علما .وصرخ الشيطان بذه الكلمة فيهم ,وأذن با
بي أظهرهم ,حت أسعها دانيهم لقاصيهم ,فانسلخت با القلوب من العلم واليان كانسلخ الية من قشرها ,والثوب عن
لبسه.
قال المام العلمة شس الدين ابن القيم :ولقد أخبن بعض أصحابنا عن بعض أتباع أتباع تلميذ هؤلء أنه رآه يشتغل ف
بعض كتبهم ول يفظ القرآن ,فقال له :لو حفظت القرآن أول كان أول ,فقال :وهل ف القرآن علم.
قال ابن القيم :وقال ل بعض أئمة هؤلء :اننا نسمع الديث لجل البكة ل لنستفيد منه العلم لن غينا قد كفانا هذه
الؤونة فعمدتنا على ما فهموه وقرروه ,ول شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل:
انم طافوا على أرباب الذاهب ففازوا بأخس الطلب ,ويكفيك دليل على أن هذا الذي عندهم ليس من عند ال ,ما ترى
فيه من التناقض والختلف ومصادمة بعضه لبعض ,قال تعال{ :ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا} النساء
,82وهذا يدل على أن ما كان من عنده سبحانه ل يتلف ,وأن ما اختلف وتناقض فليس من عنده ,وكيف تكون الراء
واليالت وسوانح الفكار دينا يدان به ويكم به على ال ورسوله ,سبحانك هذا بتان عظيم.
وقد كان علم الصحابة الذي يتذاكرون فيه غي علوم هؤلء الختلفي الرّاصي كما حكى الاكم ف ترجة أب عبد ال
البخاري ,قال :كان أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم اذا اجتمعوا انا يتذاكرون كتاب ربم وسنة نبيهم ,ليس بينهم رأي
ول قياس .ولقد أحسن القائل:
81
قال الصحابة ,ليس بالتمويه العلم قال ال قال رسوله
بي الرسول وبي رأي فقيه ما العلم نصبك للخلف سفاهة
حذرا من التمثيل والتشبيه كل ,ول جحد الصفات ونفيها
وأما اليان فأكثر الناس ,أو كلهم ,يدعونه { :وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني} يوسف ,103وأكثر الؤمني انا
عندهم ايان ممل ,وأما اليان الفصل با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم معرفة وعلما واقرارا ومبة ومعرفة بضده
وكراهيته وبغضه ,فهذا ايان خواص المة وخاصة الرسول ,وهو ايان صادق وحزبه.
وكثي من الناس حظهم من اليان القرار بوجود الصانع ,وأنه وحده هو الذي خلق السموات والرض وما بينهما ,وهذا ل
يكن ينكره عبّاد الصنام من قريش ونوهم.
وآخرون اليان عندهم هو التكلم بالشهادتي ,سواء كان معه عمل أو ل يكن ,وسواء وافق تصديق القلب أو خالفه.
وآخرون عندهم اليان مرد تصديق القلب بأن ال سبحانه خالق السموات والرض وأن ممدا عبده ورسوله وان ل يقره
باللسان ول يعمل شيئا ,بل ولو سب ال ورسوله وأتى بكل عظيمة ,وهو يعتقد وحدانية ال ونبوة رسوله فهو مؤمن.
وآخرون عندهم اليان هو جحد صفات الرب تعال من علوه على عرشه وتكلمه بكلماته ومتبه وسعه وبصره ومشيئته
وقدرته وارادته وحبه وبغضه ,وغي ذلك ما وصف به نفسه ,ووصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم فاليان عندهم انكار
حقائق ذلك كله وجحده والوقوف مع ما تقتضيه آراء التهوكي وأفكار الخرصي الذين يرد بعضهم على بعض وينقض
بعضهم قول بعض ,الذين هم كما قال عمر بن الطاب والمام أحد:
وآخرون عندهم اليان عبادة ال بكم أذواقهم ومواجيدهم وما تواه نفوسهم من غي تقييد با جاء به الرسول.
وآخرون اليان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلفهم بكم التفاق كائنا ما كان ,بل ايانم مبن على مقدمتي,
احداها :أن هذا قول أسلفنا وأبائنا .والثانية :أن ما قالوه فهو الق.
82
وآخرون عندهم اليان مكارم الخلق وحسن العاملة وطلقة الوجه واحسان الظن بكل أحد وتلية الناس وغفلتم.
وآخرون عندهم اليان التجرد من الدنيا وعلئقها وتفريغ القلب منها والزهد فيها .فاذا رأوا رجل هكذا جعلوه من سادات
أهل اليان ,وان كان منسلخا من اليان علما وعمل .وأعلى من هؤلء من جعل اليان هو مرد العلم وان ل يقارنه عمل.
وكل هؤلء ل يعرفوا حقائق اليان ول قاموا به ول قام بم ,وهو أنواع :منهم من جعل اليان ما يضاد اليان ,ومنهم من
جعل اليان ما ل يعتب ف اليان ,ومنهم من جعله ما هو شرط فيه ول يكفي ف حصوله ,ومنهم من اشترط ف ثبوته ما
يناقضه ويضاده ,ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه بوجه.
واليان وراء ذلك كله ,وهو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم ,والتصديق به عقدا ,والقرار
به نطقا ,والنقياد له مبة وخضوعا ,والعمل به باطنا وظاهرا ,وتنفيده والدعوة اليه بسب المكان وكماله ف الب ف ال
والبغض ف ال ,والعطاء ل والنع ل ,وأن يكون ال وحده اله ومعبوده .والطريق ال تريد متابعة رسوله ظاهرا وباطنا,
وتغميص عي القلب عن اللتفات ال سوى ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ,وبال التوفيق.
من اشتغل بال عن نفسه ,كفاه ال مؤونة نفسه ,ومن اشتغل بال عن الناس ,كفاه ال مؤونة الناس ,ومن اشتغل بنفسه عن
ال ,وكّله ال ال نفسه ,ومن اشتغل بالناس عن ال ,وكله ال اليهم.
انا يد الشقة ف ترك الألوفات والعوائد من تركها لغي ال .أما من تركها صادقا ملصا ف قلبه ل فانه ل يد ف تركها
مشقة ال ف أول وهلة ليمتحن أصادق هو ف تركها أم كاذب ,فان صب على تلك الشقة قليل استحالت لذة.
قال ابن سيين :سعت شريا يلف بال ما ترك عبدال شيئا فوجده فقده.
وقولم ":من ترك ل شيئا عوضه ال خيا منه" حق ,والعوض أنواع متلفة ,وأجلّ ما يعوض به النس بال ومبته ,وطمأنينة
القلب به ,وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعال.
83
العقول الؤيدة بالتوفيق ترى أن ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم هو الق الوافق للعقل والكمة .والعقول الضروبة
بالذلن ترى العارضة بي العقل والنقل والكمة والشرع .
أقرب الوسائل ال ال ملزمة السنة ,والوقوف معها ف الظاهر والباطن ,ودوام الفتقار ال ال ,وارادة وجهه وحده بالقوال
والفعال ,وما وصل أحد ال ال ال من هذه الثلثة وما انقطع عنه أحد ال بانقطاعه عنها أو عن أحدها.
الصول الت انبن عليها سعادة العبد ثلثة ,ولكل واحد منهما ضد ,فمن فقد ذلك الصل حصل على ضده .التوحيد وضده
الشرك ,والسنة وضدها البدعة ,والطاعة وضدها العصية.
ولذه الثلثة ضد واحد :وهو خلو القلب من الرغبة ف ال وفيما عنده ,ومن الرهبة منه وما عنده.
قال تعال {:وكذلك نفصّل اليات ولتستبي سبيل الجرمي}النعام ,55وقال {:ومن يشاقق ال والرسول من بعد ما تبي
له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نولّه ما تولّى} النساء .115وال نعال قد بي ف كتابه سبيل الؤمني مفصّلة ,وسبيل
الجرمي مفصّلة ,وعاقبة هؤلء مفصّلة ,وأعمال هؤلء وأعمال هؤلء وأولياء هؤلء ,وأولياء هؤلء وخذلنه لؤلء وتوفيقه
لؤلء ,والسباب الت وفق با هؤلء ,والسباب الت خذل با هؤلء ,وجل سبحانه المرين ف كتابه وكشفهما وأوضحهما,
وبيّنهما غاية البيان ,حت شاهدتما البصائر كمشاهدة البصار للضياء والظلم.
فالعالون بال وكتاب ودينه عرفوا سبيل الؤمني معرفة يفصيلية ,وسبيل الجرمي معرفة تفصيلية ,فاستبانت لم السبيلن
كما يستبي للسالك الطريق الوصل ال مقصوده ,والطريق الوصل ال اللكة .فهؤلء أعلم اللق وأنفعهم للناس وأنصحهم
لم ,وهم الدلء الداة ,وبذلك برز الصحابة على جيع من أتى بعدهم ال يوم القيامة.
فانم نشأوا ف سبيل الضلل والكفر والشرك والسبل الوصلة ال اللك وعرفوها مفصّلة ,ث جاءهم الرسول فأخرجهم من
تلك الظلمات ال سبيل الدى ,وصراط ال الستقيم ,فخرجوا من الظلمة الشديدة ال النور التم ,ومن الشرك ال التوحيد,
ومن الهل ال العلم ,ومن الغي ال الرشاد ,ومن الظلم ال العدل ,ومن الية والعمي ال الدى والبصائر ,فعرفوا مقدار ما
نالوه وظفروا به ,ومقدار ما كانوا فيه .فان الضد يظهر حسنة الضد ,وانا تتبي الشياء بأضدادها .فازدادوا رغبة ومبة فيما
انتقلوا اليه ,ونفرا وبغضا لا انتقلوا عنه ,وكانوا أحب الناس للتوحيد واليان والسلم وأبغض الناس لضده ,عالي بالسبيل
على التفصيل.
84
وأما من جاء من بعد الصحابة ,فمنهم من نشأ ف السلم غي عال تفصيل ضده ,فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل الؤمني
بسبيل الجرمي ,فان اللبس انا يقع اذا ضعف العلم بالسبيلي أو أحدها كما قال عمر بن الطاب ":انا تنتقض عرى
السلم عروة عروة اذا نشأ ف السلم من ل يعرف الاهلية" وهذا من كمال علم عمر رضي ال عنه ,فانه اذا ل يعرف
الاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء الرسول صلى ال عليه وسلم فانه من تاجاهلية ,فانا منسوبة ال الهل ,وكل ما
خالف الرسول فهو من الهل.
فمن ل يعرف سبيل الجرمي ,ول تستب له ,أوشك أن يظن ف بعض سبيلهم أنا من سبيل الؤمني ,كما وقع ف هذه المة
من أمور كثية ف باب العتقاد والعلم والعمل هي من سبيل الجرمي والكفار وأعداء الرسل ,أدخلها من ل يعرف أنا من
سبيلهم ف سبيل الؤمني ,ودعا اليها ,وكفّر من خالفها ,واستحل منه ما حرمه ال ورسوله ,كما وقع لكثر أهل البدع من
الهمية والقدرية ولوارج والروافض وأشياههم ,من ابتدع بدعة ,ودعا اليها ,وكفّر من خالفها.
وقد كتبوا ال عمر بن الطاب يسألونه عن هذه السألة أيهما أفضل :رجل ل تطر له الشهوات ول تر بباله ,أو رجل
نازعته اليها نفسه فتركها ل؟ فكتب عمر :ان الذي تشتهي نفسه العاصي ويتركها ل عز وجل من { :الذين امتحن ال
قلوبم للتقوى لم مغفرة وأجر عظيم} ,ذكره ابن كثي ف التفسي 207\4وعزّاه للمام أحد ف كتاب الزهد واسناده
منقطع لن ماهد بن جب ل يسمعه عن عمر بن الطاب.
وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها ل ,وحذرها وحذّر منها ,ودفعها عن نفسه ,ول يدعها تدش
وجه ايانه ,ول تورثه شبهة ول شكا ,بل يزداد بعرفتها بصية ف الق ومبة له ,وكراهة لا ونفرة عنها ,أفضل من ل تطر
بباله ول تر بقلبه .فانه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد مبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به ,فيقوى ايانه با .كما أن
صاحب خواطر الشهوات والعاصي كلما مرت به فرغب عنها ال ضدها وازداد مبة لضدها ورغبة فيه ,وطلبا له وحرصا
عليه ,فما ابتلى ال سبحانه عبده الؤمن بحبة الشهوات والعاصي وميل نفسه اليها ال ليسوقه با ال مبة ما هو أفضل منها,
وخي له وأنفع وأدوم ,وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه ,فتورثه تلك الجاهدة الوصول ال الحبوب العلى .فكلما
نازعته نفسه ال تلك الشهوات واشتدت ارادته لا وشوقه اليها :صرف ذلك الشوق والحبة والرادة ال النوع العال الدائم,
85
فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أت ,بلف النفس الباردة الالية من ذلك ,فانا وان كانت طالبة للعلى لكن بي الطلبي
فرق عظيم .أل ترى أن من مشى ال مبوبه على المر والشوك أعظم من مشى اليه راكبا على النجائب! فليس من آثر مبوبه
على منازعه مع نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها ال غيه ,فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات ,اما حجابا له عنه ,أو حاجبا
له يوصله ال رضاه وقربه وكرامته.
الفرقة الرابعة :فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل الؤمني مملة ,وهذا حال كثي من اعتن بقالت المم
ومقالت أهل البدع ,فعرفها على التفصيل ول يعرف ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم كذلك ,بل عرفه معرفة مملة
وان تفصلت له بعض الشياء .ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا .وكذلك من كان عارفا بطريق الشر والظلم والفساد على
التفصيل سالكا لا ,اذا تاب ورجع عنها ال سبيل البرار يكون علمه با ممل غي عارف با على التفصيل معرفة من أفن
عمره ف تصرفها وسلوكها.
والقصود أن ال سبحانه يب أن تعرف سبيل أعدائه لتتجنب وتبغض ,كما يب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك.
وف هذه العرفة من الفوائد والسرار ما ل يعلمه ال ال من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسائه وصفاته
وتعلقها بتعلقاتا واقتفائها لثارها وموجباتا .وذلك من أعظم الدللة على ربوبيته وملكه واليته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه,
وال أعلم.
أرباب الوائج على باب اللك يسألون قضاء حوائجهم ,وأولياؤه تامبون له الذين هو ههم ومرادهم جلساؤه وخواصه,
فاذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك أذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رحة له وكرامة للشافع ,وسائر الناس
مطرودون عن الباب مضروبون بسياط البعد.
علم ل يعمل به ,وعمل ل اخلص فيه ول اقتداء ,ومال ل ينفق منه فل يستمتع به جامعه ف الدنيا ,ول يقدمه أمامه ال
الخرة ,وقلب فارغ من مبة ال والشوق اليه والنس به ,وبدن معطل من طاعته وخدمته ,ومبة ل تتقيد برضاء الحبوب,
وامتثال أوامره ,ووقت معطل عن استدراك فارط ,أو اغتنام بر وقربة ,وفكر يول فيما ل ينفع ,وخدمة من ل تقربك خدمته
ال ال ,ول تعود عليك بصلح دنياك وخوفك ورجاؤك لن ناصيته بيد ال ,وهوأسي ف قبضته ,ول يلك لنفسه ضرا ول نفعا
ول موتا ول حياة ول نشورا ,سعي ضائع.
86
وأعظم هذه الضاعات اضاعتان ها أصل كل اضاعة :اضاعة القلب واضاعة الوقت ,فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على
الخرة ,واضاعة الوقت من طول المل ,فاجتكع الفساد كله ف اتباع الوى وطول المل ,والصلح كله ف اتباع الدى
والستعداد للقاء ,وال الستعان.
العجب من تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهته فيها ال ال ليقضيها له ول يتصدى للسؤال لياة قلبه من موت الهل
والعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ,ولكن اذا مات القلب ل يشعر بعصيته.
ل سبحانه على عبده أمر أمره به ,وقضاء يقضيه عليه ,ونعمة ينعم با عليه فل ينفك من هذه الثلثة.
وله عليه عبودية ف هذه الراتب كلها ,فأحب اللق اليه من عرف عبوديته ف هذه الراتب ووفاها حقها ,فهذا أقرب اللق
اليه .وأبعدهم منه من جهل عبوديته ف هذه الراتب فعطلها علما وعمل.
وف النهي اجتنابه خوفا منه واجلل ومبة ,وعبوديته ف قضاء الصائب والصب عليها ث الرضا با وهو أعلى منه ,ث الشكر
عليها وهو أعلى من الرضا ,وهذا انا يتأتى مه اذا تكن حبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره ولطفه به واحسانه اليه
بالصيبة وان كره منها والتبأ والوقوف ف مقام العتذار والنكسار ,عالا بأنه ل يرفعها ال هو ,ول يقيه شرها سواه ,وأنا ان
استمرت أبعدته من قربه ,وطردته من بابه ,فياها من الضر الذي ل يكشفه غيه ,حت انه لياها أعظم من ضر البدن.
فهو عائذ برضاه من سخطه ,وبعفوه من عقوبته ,وبه منه مستجي ,وملتجىء منه اليه ,يعلم أنه اذا تلى عنه وخلى بينه وبي
نفسه فعنده أمثالا وشر منها ,وأنه ل سبيل له ال القلع والتوبة ال بتوفيقه واعانته ,وأن ذلك بيده سبحانه ل بيد العبد ,فهو
أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق نفسه أ ,يرضى برضاة سيده بدون اذنه ومشيئته واعانته ,فهو ملتجىء اليه ,متضرع ذليل
مسكي ,ملق نفسه بي يديه ,طريح ببابه ,مستخذ له ,أذل شيء وأكسره له ,وأفقره وأحوجه اليه ,وأرغبه فيه ,وأحبه له ,بدنه
متصرف ف أشغاله ,وقلبه ساجد بي يديه ,يعلميقينا أنه ل خي فيه ول له ول به ول منه ,وأن الي كله ل وف يديه وبه ومنه,
فهو ول نعمته ,ومبتدئه با من غي استحقاق ,ومريها عليه مع تقته اليه باعراضه وغفلته ومعصيته ,فحظه سبحانه المد
والشكر والثناء ,وحظ العبد الذم والنقص والعيب ,قد استأثر بالحامد والدح والثناء ,وول العبد اللمة والنقائص والعيوب,
87
فالمد كله له والي كله ف يديه ,والفضل كله له والثناء كله له والنة كلها له ,فمنه الحسان ,ومن العبد الساءة ,ومنه
التودد ال العبد بنعمه ,ومن العبد التبغض اليه بعاصيه ,ومنه النصح لعبده ,ومن العبد الغش له ف معاملته.
وأما عبودية النعم فمعرفتها والعتراف با أول ,ث العياذ به أن يقع ف قلبه نسبتها واضافتها ال سواه .وان كان سببا من
السباب فهو مسببه ومقيمه ,فالنعمة منه وحده بكل وجه اعتبار ,ث الثناء با عليه ومبته عليها وشكره بأن يستعملها ف
طاعته.
ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه ,ويستقل كثي شكره عليها ,ويعلم أنا وصلت اليه من سيده من غي ثن
بذله فيها ,ول وسيلة منه توسل با اليه ,ول استحقاق منه لا ,وأنا ف القيقة ل ل للعبد ,فل تزيده النعم ال انكسارا وذل
وتواضعا ومبة للمنعم .وكلما جدد له نعمة أحدث لا عبودية ومبة وخضوعا وذل ,كلما أحدث له قبضا أحدث له رضى,
وكلما أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا .فهذا هو العبد الكيّس والعاجز بعزل عن ذلك ,وبال التوفيق.
من ترك الختيار والتدبي ف رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم ,وعلم أن ال على كل كل
شيء قليل ,وأنه التفرد بالختيار والتدبي ,وأن تدبيه لعبده خي من تدبي العبد لنفسه ,وأنه أعلم بصلحته من العبد ,وأقدر
على على جلبها وتصيلها منه ,وأنصح للعبد منه لنفسه ,وأرحم به منه لنفسه ,وأبر به منه بنفسه .وعلم مع ذلك أنه ل
يستطيع أ ،يتقدم بي يدي تدبيه خطوة واحدة ول يتأخر عن تدبيه له خطوة واحدة ,فل متقدم له بي يدي قضائه وقدره
ول متأخر ,فألقى نفسه بي يديه ,وسلم المر كله اليه ,وانطرح بي يديه انطراح عبد ملوك ضعيف بي يدي ملك عزيز قوي
قاهر ,له لبتصرف ف عبده بكل ما يشاء ,وليس للعبد التصرف بوجه من الوجوه ,فاستراح حينئذ من الموم والغموم والنكاد
والسرات ,وحّل كله وحوائجه ومصاله من ل يبال بملها ول يثقله ول يكترث با ,فتولها دونه وأراه لطفه وبره ولطفه
واحسانه فيها من غي تعب من العبد ول نصب ول اهتمام منه ,لنه قد صرف اهتمامه كله اليه وجعله وحده هه ,فصرف
عنه اهتمامه بوائجه ومصال دنياه ,وفرغ قلبه منها ,فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وان أب ال تدبيه لنفسه ,واختياره لا ,واهتمامه بظه ,دون حق ربه ,خله وما اختاره ,ووله ما تول ,فحضره الم
والغم والزن والنكد والوف والتعب وكسف البال وسوء الال ,فل قلب يصفو ,ول عمل يزكو ,ول أمل يصل ,ول راحة
يفوز با ,ول لذة يهنأ با ,بل قد حيل حيل بينه وبي مسرته وفرحه وقرة عينه ,فهو يكدح ف الدنيا كدح الوحش ,ول يظفر
منها بأمل ,ول يتزود منها لعاد.
وال سبحانه قد أمر العبد بأمر ,وضمن له ضمانا ,فان قام بأمره بالنصح والصدق والخلص والجتهاد ,قام ال سبحانه با
ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء الوائج ,فانه سبحانه ضمن الرزق لن عبده ,والنصر لن توكل عليه واستنصر به,
88
والكفاية لن كان هو هه ومراده ,والغفرة لن استغفره ,وقضاء الوائج لن صدقه ف طلبها ,ووثق به ,وقوي رجاؤه وطمعه ف
فضله وجوده .فالفطن الكيّس انا يهتم بأمره واقامته وتوفيته ل بضمانه ,فان الوف الصادق { ,ومن أوف بعهده من ال} التوبة
.111فمن علمات السعادة صرف اهتمامه ال أمر ال دون ضمانه .ومن عل مات الرمان فراغ قلبه من الهتمام بأمره
وحبه وخشيته والهتمام بضمانه ,وال الستعان.
قال بشر بن الارث :أهل الخرة ثلثة :عابد وزاهد وصديق ,فالعابد يعبد ال مع العلئق ,والزاهد يعبده على ترك العلئق,
والصديق يعبده على الرضا والوافقة ,ان أراه أخذ الدنيا أخذها ,وان أراه تركها تركها.
اذا كان ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ف جانب فاحذر أن تكون ف الانب الخر ,فان كان ذلك يفضي ال الشاقة
والحادة ,وهذا أصلها ومنه اشتقاقها ,فان الشقة أن يكون ف شق ومن يالفه ف شق ,والحادة أن تكون ف حد ويكون هو
ف حد.
وكن ف الانب الذي فيه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ,وان كان الناس كلهم ف الانب الخر ,فان لذلك عواقب هي
أحد العواقب وأفضلها ,وليس للعبد شيء أنفع من ذلك ف دنياه قبل آخرته ,وأكثر اللق انا يكونون ف الانب الخر ,ول
سيما اذا قويت الرغبة والرهبة ,فهناك ل تكاد تد أحدا ف الانب الذي فيه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ,بل يعدّه الناس
ناقص العقل سيء الختيار لنفسه ,وربا نسبوه ال النون ,وذلك من مواريث أعداء الرسل.
ولكن من وطّن نفسه على ذلك فانه يتاج ال علم راسخ با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم يكون يقينا له ل ريب
عنده فيه ,وال صب تام على معاداة من عاداه ولومة من لمه ,ول يتم ذلك ال برغبة قوية ف ال والدار الخرة ,بيث تكون
الخرة أحب اليه من الدنيا وآثر عنده منها ,ويكون ال ورسوله صلى ال عليه وسلم أحب اليه ما سواها ,وليس شيء أصعب
على النسان من ذلك ف مبادىء المر ,فان نفسه وهواه وطبعه وشيطانه واخوانه ومعاشريه من ذلك الانب يدعونه ال
العاجل ,فاذا خالفهم تصدوا لربه ,فاذا صب وثبت جاءه العون من ال وصار ذلك الصعب سهل ,وذلك الل لذة ,فل بد أن
يزيقه لذة تيزه ال ال ورسوله ,ويريه كرامة ذلك ,فيشتد به سروره وغبطته ,ويبتهج به قلبه ,ويظفر بقوته وفرحه وسروره,
ويبقى من كان ماربا له -على ذلك -بي هائب له ومسال له ومساعد وتارك ,ويقوى جنده ,ويضعف جند العدو.
ول تستصعب مالفة الناس والتحيز ال ال والرسول ولو كنت وحك ,فان ال معك وأنت بعينه وكلءته وحفظه لك ,وانا
امتحن يقينك وصبك .وأعظم العوان لك على هذا بعد عون ال التجرد من الطمع والفزع ,فمت تردت منهما هان عليك
89
التحيز ال ال ورسوله ,وكنت دائما ف الانب الذي فيه ال ورسوله ,ومت قام بك الطمع والفزع فل تطمع ف المر ول
تدث نفسك به .فان قلت :فبأي شيء أستعي على التجرد من الطمع ومن الفزع؟
قلت :بالتوحيد والتوكل والثقة بال ,وعلمك بأنه ل يأت بالسنات ال هو ,ول يذهب بالسيئات ال هو ,وأن المر كله ل
ليس لحد مع ال شيء.
[( ]68نصيحة)
هلم ال الدخول على ال وماورته ف النة
هلم ال الدخول ال ال وماورته ف دار السلم بل نصب ول تعب ول عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها ,وذلك أنك ف
وقت بي وقتي ,وهو ف القيقة عمرك ,وهو وقتك الاضر بي ما مضى وما يستقبل ,فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم
والستغفار ,وذلك شيء ل تعب عليك فيه ول نصب ,ول معاناة عمل شاق ,انا هو عمل قلب ,وتتنع فيما يستقبل من
الذنوب ,وامتناعك ترك وراحة وليس هو عمل بالوارح يشق عليك معاناته ,وانا هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك
وسرك ,فما مضى تصلحه بالتوبة ,وما يستقبل تصلحه بالمتناع والعزم والنية ,وليس للجوارح ف هذين نصب ول تعب ,ولن
الشأن ف عمرك وهو وقتك الذي بي الوقتي فان أضعته أضعت سعادتك ,وناتك ,وان حفظته مع اصلح الوقتي اللذين قبله
وبعده با ذكر نوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم .وحفظه أشق من اصلح ما قبله وما بعده ,فان حفظه أن تلزم نفسك با
هو أول با وأنفع لا وأعظم تصيل لسعادتا .وف هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت ,فهي وال أيامك الالية الت تمع فيها
الزاد لعادك ,اما ال النة واما ال النار ,فان اتذت اليها سبيل ال ربك بلغت السعاد العظمى ,والفوز الكب ف هذه الدة
اليسية الت ل نسبة لا ال البد ,وان آثرت الشهوات والراحات ,واللهو واللعب,انقضت عنك بسرعة ,وأعقبتك الل العظيم
الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصب عن مارم ال ,والصب على طاعته ,ومالفة الوى لجله.
علمة صحة الرادة أن يكون هم الريض رضا ربه واستعداده للقائه ,وحزنه على وقت مر ف غي مرضاته ,وأسفه على قربه
والنس به .وجاع ذلك أن يصبح ويسي وليس له هم غيه.
اذا استغن الناس بالدنيا استغن أنت بال ,واذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بال ,واذا أنسوا بأحبابم فاجعل أنسك بال ,واذا
تعرفوا بلوكهم وكبائهم وتقربوا اليهم لينالوا بم العزة والرفعة فتعرف أنت ال ال ,وتودد اليه تنل بذلك غاية والرفعة.
90
قال بعض الزهاد :ما علمت أن أحدا سع بالنة والنار تأت عليه ساعة ل يطيع ال فيها بذكر أو بصلة أو قراءة أو احسان.
فقال له الرجل :ان أكثر البكاء .فقال :انك ان تضحك وأنت مقر بطيئتك خي من أن تبكي وأنت مدل بعملك ,فان الدل
ل يصعد عمله فوق رأسه .فقال :أوصن .فقال :دع الدنيا لهلها كما تركوا هم الخرة لهلها ,وكن ف الدنيا كالنحلة ,ان
أكلت طيبا ,وان أطعمت أطعمت طيبا ,وان سقطت على شيئ ل تكسره ول تدشه.
الزهد أقسام :زهد الرام؛ وهو فرض عي .وزهد ف الشبهات؛ وهو بسب مراتب الشبهة ,فان قويت التحقت بالواجب ,وان
كان ضعيفا كان مستحبا .وزهد فيما ل يعن من الكلم والنظر والسؤال واللقاء وغيه .وزهد ف الناس .وزهد ف النفس
بيث تون عليه نفسه ف ال .وزهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى ال ,وف كل ما شغلك عنه.
وأفضل الزهد اخفاء الزهد ,وأصعبه الزهد ف الظوظ .والفرق بينه وبي الورع أن الزهد ترك مال ينفع ف الخرة ,والورع
ترك ما يشى ضرره من الخرة .والقلب معلق بالشهوات ل يصح له زهد ول ورع.
قال يي بن معاذ :عجبت من ثلث :رجل يرائي بعمله ملوقا مثله ويترك أن يعمله ل ,ورجل يبخل باله وربه يستقرضه منه
فل يقرضه منه شيئا ,ورجل يرغب ف صحبة الخلوقي ومودتم ,وال يدعوه ال صحبته ومودته.
قال سهل بن عبدال :ترك المر عند ال أعظم من ارتكاب النهي ,لن آدم ني عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه,
وابليس أمر أن يسجد لدم فلم يسجد فلم يتب عليه.
قلت هي مسألة عظيمة لا شأن وهي أن ترك الوامر أعظم عند ال من ارتكاب الناهي ,وذلك من وجوه عديدة:
(الوجه الثان) :ان ذنب ارتكاب النهي مصدره ف الغالب الشهوة والاجة ,وذنب ترك المر مصدره ف الغالب الكب والعزة,
و "ل يدخل النة من كان ف قلبه مثقال ذرة من كب" ,ويدخلها من مات على التوحيد وان زن وسرق.
91
(الوجه الثالث) :ان فعل الأمور أحب ال ال من ترك النهي ,كما دل على ذلك النصوص كقوله صلى ال عليه وسلم":
أحب العمال ال ال الصلة على وقتها" أخرجه البخاري ف الواقيت 12\2رقم ,527ومسلم ف اليان 90 89\1رقم
.140-137وقوله :أل أنبئكم بي أعمالكم ,وأزكاها عند مليككم ,وأرفعها ف درجاتكم ,وخي لكم من انفاق الذهب
والورق ,وخي لكم من أن تلقو عدوكم ,فتضربوا أعناقهم ,ويضربوا أعناقكم" .قالوا :بلى يا رسول ال .قال" :ذكر ال"
,أخرجه الترمذي ف الدعوات ,)3377( 428\5وابن ماجه ف الدب )3790( 1245\2ومالك ف الوطأ كتاب
القرآن .)24(211\11وقوله" :واعلموا أن خي أعمالكم الصلة" ,أخرجه ابن ماجه برقم ( )277والدرامي برقم ,661
وأحد .277 276\2وغي ذلك من النصوص.
وترك الناهي عمل فانه كف النفس عن الفعل ,ولذا علّق سبحانه الحبة بفعل الوامر كقوله { :ان ال يب الذين يقاتلون
ف سبيله صفا} ,الصف { ,4وال يب الحسني}آل عمران ,134وقوله {:وأقسطوا ان ال يب القسطي}الجرات ,9
{وال يب الصابرين} آل عمران .146
أما ف جانب النهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله {:وال ل بب الفساد}البقرة ,205وقوله { :وال ل يب كل
متال فخور} الديد ,23وقوله { :ول تعتدوا ان ال ل يب العتدين} البقرة ,190وقوله {:ل يب ال الهر بالسوء من
القول ال من ظلم }النساء ,148وقوله {:ان ال ل يب من كان متال فخورا} النساء . 36
وأخب ف موقع آخر أنه يكرهها ويسخطها ,كقوله{ :كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} السراء ,38وقوله {:ذلك
بأنم اتبعوا ما أسخط ال} ممد .28
اذا عرف هذا ففعل ما يبه سبحانه مقصود بالذات .ولذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لفضائه ال ما يب ,كما قدر العاصي
والكفر والفسوق لا ترتب على تقديرها ما يبه من لوازمها من الهاد واتاذ الشهداء .وحصول التوبة من العبد والتضرّع اليه
والستكانة واظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه .وحصول الوالة والعاداة لجله ,وغي ذلك من الثار الت وجودها بسبب
تقديره لا يكره أحب اليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابا ,وهو سبحانه ل يقد ما يب لفضائه ال حصول ما يكرهه ويسخطه
كما يقدر ما يكرهه لفضائه ال حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لفضائه ال ما يبه ,فعلم أن فعل ما يبه
أحب اليه ما يكرههه.
يوضحه الوجه الرابع :ان فعل الأمور مقصود لذاته وترك النهي مقصود لتكميل فعل الأمور ,فهو منهي عنه لجل كونه يل
بفعل الأمور أو يضعفه وينقصه ,كما نبه سبحانه على ذلك ف النهي عن المر واليسر بكونما يصدان عن ذكر ال وعن
الصلة كما قال تعال ف الية 91من سورة الائدة ,فالنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل الأمورات أو عن كمالا ,فالنهي
عنها من باب القصود لغيه ,والمر بالواجبات من باب القصود لنفسه.
92
يوضحه الوجه الامس :ان فعل الأمورات من باب حفظ قوة اليان وبقائها وترك النهيات من باب المية عما يشوش قوة
اليان ويرجها عن العتدال ,وحفظ القوة مقدم على المية ,فان القوة كلما قويت دفعت الواد الفاسدة واذا ضعفت غلبت
الواد الفاسدة ,فالمية مرادة لغيها وهي حفظ القوة وزيادتا وبقاؤها ,ولذا كلما قويت قوة اليان دفعت الواد الرديئة
ومنعت من غلبتها وكثرتا بسب القوة وضعفها ,واذا ضعفت غلبت الواد الفاسدة .فتأمل هذا الوجه.
الوجه السادس :ان فعل الأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه ,وترك النهيات بدون ذلك
ل يصل له شيء من ذلك ,فانه لو ترك جيع النهيات ول يأت باليان والعمال الأمور با ول ينفعه ذلك الترك شيئا وكان
خالدا ملدا ف النار.
وهذا يتبي بالوجه السابع :ان من فعل الأمورات والنهيات فهو اما ناج ان غلبت حسناته سيئاته ,واما ناج بعد أن يؤخذ
منه الق ويعاقب على سيئاته فمآله ال النجاة وذلك بفعل الأمور.
ومن ترك الأمورات والنهيات فهو هالك غي ناج ول ينجو ال بفعل الأمور وهو التوحيد.
فان قيل :فهو انا هلك بارتكاب الحظور وهو الشرك ,قيل :يكفي ف اللك ترك نفس التوحيد الأمور به وان ل يأت بضد
وجودي ف الشرك ,بل مت خل قلبه من التوحيد رأسا فلم يوحد ال فهو هالك وان ل يعبد معه غيه ,فاذا انضاف اليه عبادة
غيه عذب على ترك التوحيد الأمور به وفعل الشرك النهي عنه.
يوضحه الوجه الثامن :أن الدعو ال اليان اذا قال :ل أصدق ول أكذب ول أحب ول أبغض ول أعبده ول أعبد غيه,
كان كافرا بجرد الترك والعراض ,بلف ما اذا قال :أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرن ,ولكن شهوت
وارادت وطبعي حاكمة علي ل تدعن أترك ما نان ال عنه وأنا أعلم أنه قد نان وكره ل فعل النهي ولكن ل صب ل عنه,
فهذا ل يعد بذلك كافرا ,ول حكمه حكم الول؛ فان هذا مطيع من وجه ,وتارك الأمور جلة ل يعد مطيعا بوجه.
يوضحه الوجه التاسع :ان الطاعة والعصية انا تتعلق بالمر أصل ,وبالنهي تبعا ,فالطيع متثل الأمور ,والعاصي تارك الأمور,
قال تعال{:ل يعصون ال ما أمرهم} التحري ,6وقال موسى لخيه{ :ما منعك اذ رأيتهم ضلوا * ألّ تتبعن أفعصيت أمري}
طه .93 92
وقال عمرو بن العاص عند موته :أنا الذي أمرتن فعصيت ,ولكن ل اله ال أنت.
وقال الشاعر:
أمرتك أمرا حازما فعصيتن
93
والقصود من ارسال الرسل اطاعة الرسل ول تصل ال بامتثال أوامره ,واجتناب الناهي من تام امتثال الوامر ولوازمه.
ولذا لو اجتنب الناهي ول يفعل ما أمر به ل يكن مطيعا وكان عاصيا ,بلف ما لو أتى الأمورات وارتكب الناهي .فانه وان
عد عاصيا مذنبا فانه مطيع بامتثال المر ,عاص بارتكاب النهي بلف المر فانه ل يعد مطيعا باجتناب النهيات خاصة.
الوجه العاشر :أن امتثال المر عبودية وتقرب وخدمة ,وتلك العبادة الت خلق لجلها اللق كما قال تعال { :وما خلقت
النّ والنس ال ليعبدون} الذاريات ,56فأخب سبحانه أنه انا خلقهم للعبادة ,وكذلك انا أرسل اليهم رسله وأنزل عليهم
كتبه ليعبدوه .فالعبادة هي الغاية الت خلقوا لا ول يلقوا لجرد الترك فانه أمر عدمي ل كمالفيه من حيث هو عدم ,بلف
امتثال الأمور فانه أمر وجودي مطلوب الصول.
وهذا يتبي بالوجه الادي عشر :وهو أن الطلوب بالنهي عدم الفعل وهو أمر عدمي ,والطلوب بالمر اياد فعل وهو أمر
وجودي ,فمتعلق المر بالياد ,ومتعلق النهي العدام أو العدم وهو أمر ل كمال فيه ال اذا تضمّن أمرا وجوديا ,فان العدم
من حيث هو عدم ل كمال فيه ول مصلحة ال اذا تضمن أمرا وجوديا مطلقا ,وذلك المر الوجودي مطلوب مأمور به
فعادت حقيقة النهي ال المر ,وأن الطلوب به ما ف ضمن النهي من المر الوجودي الطلوب به.
وهذا يتضح بالوجه الثان عشر :وهو أن الناس اختلفوا ف الطلوب بالنهي على أقوال:
أحدها :أن الطلوب به كف النفس عن الفعل ,وحبسها عنه ,وهو أمر وجودي .قالوا :لن التكليف انا يتعلق بالقدور,
والعدم الحض غي مقدور .وهذا قول المهور.
وقال أبو هاشم وغيه :بل الطلوب عدم الفعل ,ولذا يصل القصود من بقائه على العدم ,وان ل يطر بباله فعل ,فضل أن
يقصد الكف عنه ,ولو كان الطلوب الكف لكان عاصيا اذ ل يأت به ,ولن الناس يدحون بعدم فعل القبيح من ل يطر بباله
فعله والكف عنه .وهذا أحد قول القاضي أب بكر( صاحب كتاب اعجاز القرآن) ولجله التزم ان عدم الفعل مقدور للعبد
وداخل تت الكسب ,قال :والقصود بالنهي البقاء على العدم الصلي وهو مقدور.
وقالت طائفة :الطلوب بالنهي فعل الضد فانه هو القدور وهو القصود للناهي ,فانه انا ناه عن الفاحشة طلبا للعفة وهي
الأمور با ,وناه عن الظلم طلبا للعدل الأمور به ,وعن الكذب طلبا للصدوق الأمور به وهكذا جيع النهيات .فعند هؤلء أن
حقيقة النهي الطلب لضد النهي عنه ,فعاد المر ال أن الطلب انا تعلق بفعل الأمور.
94
والتحقيق أن الطلوب نوعان :مطلوب لنفسه وهو الأمور به ,ومطلوب اعدامه لضدته الأمور به وهو النهي عنه ,لا فيه من
الفسدة الضادة للمأمور به .فاذا ل يطر بباله الكلف ول دعته نفسه اليه بل استمر على العدم الصلي ل يثب على تركه ,وان
خطر بباله وكف نفسه عنه ل وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه ,فانه فعل وجودي.
والثواب انا يقع على المر الوجودي دون العدم الحض وان تركه مع عزمه الازم على فعله لكن تركه عجزا ,فهذا وان ل
يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وارادته الازمة الت انا تلف مرادها عجزا.
وقد دلت على ذلك النصوص الكثية فل يلتفت ال ما خالفه ,كقوله تعال {:وان تبدوا ما ف أنفسكم أو تفوه ياسبكم به
ال فيغفر لن يشاء ويعذّب من يشاء} البقرة .284
وقوله ف كات الشهادة {:فانه آث قلبه} البقرة ,283وقوله {:ولكن يؤاخذكم با كسبت قلوبكم} البقرة ,225وقوله{:
يوم تبلى السرائر} الطارق .9
وقوله صلى ال عليه وسلم { :اذا تواجه السلمان ف سيفهما فالقاتل والقتول ف النار} ,قالوا :هذا القاتل ,فما بال القتول؟
قال" :انه أراد قتل صاحبه" البخاري ف اليان 106\1رقم ,31ومسلم ف الفت 2213\4رقم .15-14
وقوله ف الديث الخر ":ورجل قال :لو أن ل مال لعملت بعمل فلن فهو بنيته وها ف الوزر سواء" الترمذي ف الزهد
رقم ,2326وابن ماجه وأحد.
وقول من قال :ان الطلوب بالنهي فعل الضد ليس كذلك ,فان القصود عدم الفعل والتلبس بالضد ,فان مال يتم الواجب ال
به فهو غي مقصود بالقصد الول ,وان كان القصود بالقصد الول الأمور الذي نى عما ينعه ويضعفه ,فالنهي عنه مطلوب
اعدامه طلب الوسائل والذرائع ,والأمور به مطلوب اياده طلب القاصد والغايات.
وقول أب هاشم :ان تارك القبائح يمد وان ل يطر بباله كف النفس .فان أراد بمده أن ل يذم فصحيح ,وان أراد أن يثن
عليه بذلك ويب عليه واستحق الثواب فغي صحيح .فان الناس ل يمدون الجبوب (أي مقطوع الذكر) على ترك الزنا ول
الخرس على عدم الغيبة والسب ,وانا يمدون القادر المتنع عن قدرة وداع ال الفعل.
وقول القاضي البقاء على العدم الصلي مقدور ,فان أراد به كف النفس ومنعها فصحيح ,وان أراد مرّد العدم فلبس
كذلك.
95
وهذا يتبي بالوجه الثالث عشر :وهو ان المر بالشيء ني عن ضده من طريق اللزوم العقلي ل القصد الطلب ,فان المر انا
مقصوده فعل الأمور .فاذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودا لغيه ,وهذا هو الصواب ف مسألة المر بالشيء هل
هو ني عن ضده أم ل؟
فهو ني عنه من جهة اللزوم ل من جهة القصد والطلب .وكذلك النهي عن الشيء ,مقصود الناهي بالقصد الول النتهاء عن
النهى عنه وكونه مشتغل بضده جاء من جهة اللزوم العقلي ,لكن انا نى عما يضاد ما أمر به كما تقدم ,فكان الأمور هو
القصود بالقصد الول ف الوضعي.
وحرف السألة :أن طلب الشيء طلب له بالذات ولا هو من ضرورته باللزوم ,والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل
ما هو من ضرورة الترك باللزوم ,والطلوب ف الوضعي فعل وكف ,وكلها أمر وجودي.
الوجه الرابع عشر :ان المر والنهي ف باب الطلب نظي النفي والثبات ف باب الب ,والدح والثناء ل يصلن بالنفي
الحض ان ل يتضمن ثبوتا ,فان النفي كاسه عدم ل كمال فيه ول مدح ,فاذا تضمن ثبوتا صح الدح فيه كنفي النسيان
الستلزم لكمال العلم وبيانه .ونفي اللغوب والعياء والتعب الستلزم لكمال القدرة والقوة .ونفي السنة والنوم الستلزم لكمال
الياة والقيّوميّة ,ونفي الولد والصاحبة الستلزم لكمال الغن واللك والربوبية .ونفي الشريك والول والشفيع بدون الذن
الستلزم لكمال التوحيد والتفرّد بالكمال واللية واللك ونفي الظلم التضمن لكمال العدل .ونفي ادراك البصار له التضمن
لعظمته وأنه أجلّ من أن يدرك وان رأته البصار ,وال فليس ف كونه ل يرى مدح بوجه من الوجوه ,فان العدم الحض
كذلك.
واذ عرف هذا ,فالنهي عنه ان ل يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا ل يدح بتركه ,ول يستحق الثواب والثناء بجرد الترك ,كما ل
يستحق الدح والثناء بجرد الوصف العدمي.
الوجه الامس عشر :ان ال سبحانه جعل جزاء الأمورات عشرة أمثال فعلها ,وجزاء النهيات مثل واحد وهذا يدل على أن
فعل ما أمر به أحب اليه من ترك ما نى عنه .ولو كان المر بالعكس لكانت السيئة بعشرة أمثالا والسنة بواحدة أو تساويا.
الوجه السادس عشر :ان النهي عنه القصود اعدامه ,وأن ل يدخل ف الوجود ,سواء نوى ذلك أو ل ينوه ,وسواء خطر بباله
أو ل يطر .فالقصود أن ل يكون .وأما الأمور به فالقصود كونه واياده والتقرب به نية وفعل.
وسر السألة أن وجود ما طلب اياده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه ,وعدم ما أحبه أكره اليه من وجود ما يبغضه,
فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نى عنه.
96
يوضحه الوجه السابع عشر :ان فعل ما يبه والعانة عليه وجزاءه وما يترتب عليه من الدح والثناء من رحته .وفعل ما
يكرهه وجزاءه وما يترتب عليه من الذم والل والعقاب من غضبه .ورحته سابقة على غضبه غالبة له ,وكل ما كان من صفة
الرحة فهو غالب لا كان من صفة الغضب ,فانه ل يكون ال رحيما ,ورحته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسعه
وبصره واحسانه ,فيستحيل أن يكون على خلف ذلك .وليس كذلك غضبه ,فانه ليس من لوازم ذاته ول يكون غضبان دائما
غضبا ل يتصور انفكاكه ,بل يقول رسله وأعلم اللق به يوم القيامة" :ان رب قد غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله مثله ولن
يغضب بعد مثله" جزء من حديث أخرجه البخاري ف تاب النبياء باب قول ال عز وجل {ولقد أرسلنا نوحا ال قومه} \6
428رقم ,3340ومسلم ف اليان 184\1رقم 327من حديث أبو هريرة عن الرسول .ورحته وسعت كل شيء,
وهو سبحانه كتب على نفسه الرحة ول يكتب على نفسه الغضب ,ووسع كل شيء رحة وعلما ول يسع كل شيء غضبا
وانتقاما.
فالرحة وما كان با ولوازمها وآثارها غالبة على الغضب وما كان منه وآثاره .فوجود ما كان بالرحة أحب اليه من وجود
ما كان من لوازم الغضب .ولذا كانت الرحة أحب اليه من العذاب ,والعفو أحب اليه من النتقام .فوجود مبوبه أحب اليه
من فوات مكروهه ,ول سيما اذا كان ف فوات الكروه فوات ما يبه من لوازمه ,فانه يكره فوات تلك اللوازم الحبوبة كما
يكره وجود ذلك اللزوم الكره.
الوجه الثامن عشر :ان آثار ما يكرهه وهو النهيات أسرع زوال با يبه من زوال آثار ما يبه با يكرهه ,فآثار كراهته
سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز ,وتزول بالتوبة والستغفار والعمال الصالة والصائب الكفرة والشفاعة
والسنات يذهب السيئات ,ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ث استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الرض خطايا ,ث لقيه ل
يشرك به شيئا لتاه بقرابا مغفرة وهو سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت ول يبال ,فيبطلها ويبطل آثارها بأدن سعي من
العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل ,وما ذاك ال لوجود ما يبه من توبة العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل ,وما ذاك ال
لوجود ما يبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده ,فدلّ على أن وجود ذلك أحب اليه وأرضى له.
يوضحه الوجه التاسع عشر :وهو أنه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من النهيات لا يترتب عليها ما يبه ويفرح به من
الأمورات .فانه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد ,والعقيم الوالد ,والظمآن الوارد .وقد ضرب رسول ال صلى ال
عليه وسلم لفرحته لتوبة العبد مثل (ف صحيح مسلم ف كتاب التوبة باب ف الض على التوبة والفرح با 2104\4رقم (
)7عن أنس بن مالك " ل أشد فرحا بتوبة عبده حي يتوب اليه "...وهو ف صحيح البخاري بلفظ آخر ).ليس ف الفروح
به أبلغ منه ,وهذا الفرح انا بفعل الأمور به وهو التوبة ,فقدر الذنب لا يترتب عليه من هذا الفرح العظيم الذي وجوده أحب
اليه من فوات ما يكره .ولبس الراد بذلك أن كل فرد من أفراد ما يب أحب اليه من فوات كل فرد ما يكره حت تكون
ركعت الضحى أحب اليه من فوات قتل السلم ,وانا الراد أن جنس فعل الأمورات أفضل من جنس ترك الحظورات ,كما اذا
فضل الذكر على النثى والنس على اللك ,فالراد النس ل عموم العيان.
97
والقصود أن هذا الفرح الذي ل فرح يشبهه بفعل مأمور التوبة يدل على أن هذا الأمور أحب اليه من فوات الحظور الذي
تفوت به التوبة وأثرها ومقتضاها.
فان قيل :انا الفرح بالتوبة لنا ترك النهى فكان الفرح بالترك ,قيل :ليس كذلك ,فان الترك الحض ل يوجب هذا الفرح
بل ول الثواب ول الدح .وليست التوبة تركا ,وان كان الترك من لوازمها ,وانا هي فعل وجودي يتضمن اقبال التائب على
ربه وانابته اليه والتزام طاعته .ومن لوازم ذلك ترك ما نى عنه ,ولذا قال ال تعال {:وأن استغفروا ربّكم ث توبوا اليه} هود
.3فالتوبة رجوع عما يكره الىما يب ,فان من ترك الذنب تركا مردا ول يرجع عنه ال ما يبه الرب تعال ل يكن تائبا,
فالتوبة رجوع واقبال وانابة ل ترك مض.
الوجه العشرون :ان الأمور به اذا فات فاتت الياة الطلوبة للعبد ,وهي الت قال ال تعال فيها {:يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم}النفال ,24وقال { :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلتا له نورا يشي به ف الناس
كمن مثله ف الظلمات} النعام ,122وقال ف حق الكفار {:أموات غي أحياء} النحل ,21وقال { :انك ل تسمع
الوتى}النحل .8
وأما النهي عنه فاذا وجد فغايته أن يوجد الرض ,وحياة مع السقم خي من موت.
قيل :اللك انا حصل بعدم التوحيد الأمور به الذي به الياة ,فلما فقد حصل اللك ,فما هلك ال من عدم اتيانه بالأمور
به.
وهذا وجه حاد وعشرون ف السألة :وهو أن ف الأمورات ما يوجب فواته اللك والشقاء الدائم ,وليس ف النهيات ما
يقتضي ذلك.
الوجه الثان والعشرون :ان فعل الأمور يقتضي ترك النهي عنه اذا فعل على وجهه من الخلص والتابعة والنصح ل فيه ,قال
تعال {:ان الصلة تنهى عن الفحشاء والنكر}العنكبوت .45ومرد ترك النهي ل يقتضي فعل الأمور ول يستلزمه.
الوجه الثالث والعشرون :ان ما يبه من الأمورات فهو متعلّق بصفاته ,وما يكرهه من النهيات فمتعلق بفعولته ,وهذا وجه
دقيق يتاج ال بيان فنقول:
98
النهيات شرور وتفضي ال الشرور ,والأمورات خي وتفضي ال اليات ,والي بيديه سبحانه والشر ليس اليه ,فان الشر ل
يدخل ف صفاته ول ف أفعاله ول ف أسائه ,وانا هو ف الفعولت مع أنه شر بالضافة والنسبة ال العبد ,وال من حيث
اضافته ونسبته ال الالق سبحانه فليس بشر من هذه الهة .فغاية ارتكاب النهي أن يوجب شرا بالضافة ال العبد مع أنه ف
نفسه ليس بشر .وأما فوات الأمور فيفوت به الي الذي بفواته يصل ضده من الشر ,وكلما كان الأمور أحب ال ال
سبحانه كان الشر الاصل بفواته أعظم كالتوحيد واليان.
وسر هذه الوجوه :أن الأمور به مبوبه ,والنهي مكروهه ,ووقوع مبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ,وفوات مبوبه أكره
اليه من وقوع مكروهه ,وال أعلم.
مبن الدين على قاعدتي :الذكر والشكر ,وقال تعال {:فاذكرون أذكركم واشكروا ل ول تكفرون}البقرة .152وقال
النب صلى ال عليه وسلم ":وال ان لحبك فل تنسى أن تقول دبر كل صلة اللهم أعن على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك" أخرجه أبو داود ف الصلة 86\2رقم ( ,)1522والنسائي وأحد.
وليس الراد بالذكر مردالذكر اللسان بل الذكر القلب واللسان .وذكره يتضمن ذكر اسائه وصفاته وذكر أمره ونيه وذكر
كلمه ,وذلك يستلزم معرفته واليان به وبصفاته كمال ونعوت جلله والثناء عليه بأنواع الدح .وذلك ل يتم ال بتوحيده.
فذكره القيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلئه واحسانه ال خلقه.
وأما الشكر فهو القيام له بطاعته والتقرب اليه بأنواع الحبة ظاهرا وباطنا ,وهذان المران ها جاع الدين ,فذكره مستلزم
لعرفته ,وشكره متضمن لطاعته ,وهذان ها الغاية الت خلق لجلها الن والنس والسموات والرض ,ووضع لجلها الثواب
والعقاب ,وأنزل الكتاب ,وأرسل الرسل ,وهي الق الذي به خلقت السموات والرض وما بينهما ,وضدها هو الباطل
والعبث الذي يتعال ويتقدس عنه ,وهو ظن أعدائه به.
قال تعال {:وما خلقنا السموات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا} ص ,27وقال {:وما خلقنا السموات
والرض وما بينهما لعبي * ما خلقناها ال بالق} الدخان ,39 38وقال {:وما خلقنا السموات والرض وما بينهما ال
بالق وان الساعة لتية}الجر ,85وقال بعد ذكر آياته ف أول سورة يونس {:وما خلق ال ذلك ال بالق} يونس ,5
وقال {:أيسب النسان أن يترك سدى} القيامة ,36وقال {:أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم الينا ل ترجعون} الؤمنون
,115وقال {:وما خلقت الن والنس ال ليعبدون} الذاريات ,56وقال {:ال الذي خلق سبع سوات ومن الرض مثلهن
يتنل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما} الطلق ,12وقال {:جعل ال
99
الكعبة البيت الرام قياما للناس والشهر الرام والدي والقلئد لتعلموا أن ال يعلم ما ف السموات وما ف الرض وأن ال
بكل شيء عليم} الائدة .97
فثبت با ذكره أن غاية اللق والمر* أن يذكر وأن يشكر .يذكر فل ينسى ,ويشكر فل يكفر .وهو سبحانه ذاكر لن
ذكره ,شاكر لن شكره ,فذكره سبب لذكره ,وشكره سبب لزيادته من فضله.
•يشي ال قوله تعال {:أل له اللق والمر} العراف ,54وصدق ال ف خبه فله اللق والمر ,خلقهم وأمرهم با
أحب ,وهذا المر يقتضي النهي .تفسي القرطب .142\7
فالذكر للقلب واللسان ,والشكر للقلب مبة وانابة ,وللسان ثناء وحد ,وللجوارح طاعة وخدمة.
تكرر ف القرآن جعل العمال القائمة بالقلب والوارج سبب الداية والضلل ,فيقوم القلب والوارح أعمال تقتضي
الدى اقتضاء السبب لسببه والؤثرة أثره .وكذلك الضلل ,فأعمال الب تثمر الدى ,وكلما ازداد منها ازداد هدى .وأعمال
الفجور بالضد ,وذلك أن ال سبحانه يب أعمال الب فيجازي عليها بالدى والفلح ,ويبغض أعمال الفجور ويازي عليها
بالضلل والشقاء.
وأيضا فانه الب ويب أهل الب فيقرب قلوبم منهبحسب ما قاموا به من الب ,ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبم منه بسب
ما اتصفوا به من الفجور ,فمن الصل الول قوله تعال{ :ال * ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقي} البقرة ,2 -1وهذا
يتضمن أمرين:
المر الول :أنه يهدي من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب ,فان الناس على اختلف مللهم ونلهم قد استقر عندهم أن ال
سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد ف الرض ويقت فاعل ذلك ,ويب العدل والحسان والود والصدق والصلح ف
الرض ,ويب فاعل ذلك .فلما نزل الكتاب ,أثاب سبحانه أهل الب بأن وفقهم لليان به جزاء لم على برهم وطاعتهم,
وخذل أهل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم وبي الهتداء به.
والمر الثان :أن العبد آمن بالكتاب واهتدى به ممل وقبل أوامره وصدق بأخباره ,وكان ذلك سببا لداية أخرى تصل له
على التفصيل .فان الداية ل ناية لا ولو بلغ العبد فيها ما بلغ ,ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الداية هداية أخرى ال
غي غاية .فكلما اتقى العبد ربه ارتقى ال هداية أخرى ,فهو من مزيد هداية ما دام ف مزيد من التقوى .وكلما فوّت حظا من
التقوى فاته حظ من الداية بسبه ,فكلما اتقى زاد هداه ,وكلما اهتدى زادت تقواه .قال تعال {:قد جاءكم من ال نور
وكتاب مبي يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من الظلمات ال النور باذنه ويهديهم ال صراط مستقيم}
100
الائدة ,16,15وقال تعال {:ال يتب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب} الشورى ,13وقال تعال {:سي ّذكّر من
يشى} العلى ,10وقال {:وما يتذكّر ال من ينيب} غافر ,13وقال {:ان الذين آمنوا وعملوا الصالات يهديهم ربم
بايانم} يونس .9
فهداهم أول لليان ,فلما آمنوا هداهم لليان هداية بعد هداية ,ونظي هذا قوله تعال {:ويزيد ال الذين اهتدوا هدى}مري
,76وقوله تعال {:يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا ال يعل لكم فرقاناْ النفال ,29ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي
يفرقون به بي الق والباطل ,والنصر والعز الذي يتمكنون به من اقامة الق وكسر الباطل ,فسر القرآن هذا بذا .وقال
تعال {:ان ف ذلك لية لكل عبد منيب} سبأ ,9وقال {:ان ف ذلك ليات لكل صبّار شكور} 31من سورة لقمان ,والية
5من سورة ابراهيم ,والية 19من سورة سبأ و 33من سورة الشورى.
فأخب عن آياته الشهودة العيانية أنا انا ينتفع با أهل الصب الشكر ,كما أخب عن آياته اليانية القرآنية أنا انا ينتفع با أهل
التقوى والشية والنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه ,وأنا انا يتذكر با من يشاه سبحانه كما قال {:طه ما أنزلنا عليك
القرآن لتشقى ال تذكرة لن يشى}طه ,3-1وقال ف الساعة {:انا أنت منذر من يشاها} النازعات .45
وأما من ل يؤمن با ول يرجوها ول يشاها فل تنفعه اليات العيانية ول القرآنية .ولذا ذكر ال سبحانه ف سورة هود
عقوبات المم الكذبي للرسل وما حل بم ف الدنيا من الزي ,قال بعد ذلك {:ان ف ذلك لية لن خاف عذاب} هود
,103فأخب أن ف عقوباته للمكذبي عبة لن خاف عذاب الخرة.
وأما من ل يؤمن با ول ياف عذابا فل يكون ذلك عبة وآية ف حقه ,واذا سع ذلك قال :ل يزل ف الدهر الي والشر,
والنعيم والبؤس ,والسعادة والشقاوة .وربا أحال ذلك على أسباب فلكية وقوى نفسانية .وانا كان الصب والشكر سببا
لنتفاع صاحبهما باليات ,لن اليان يبن على الصب والشكر ,فنصفه صب ونصفه شكر ,فعلى حسب صب العبد وشكره
تكون قوة ايانه .وآيات ال انا ينتفع با من آمن بال وآياته ,ول يتم له اليان ال بالصب والشكر ,فان رأس الشكر التوحيد,
ورأس الصب ترك اجابة داعي الوى .فاذا كان مشركا متبعا هواه ل يكن صابرا ول شكورا ,فل تكون اليات نافعة له ول
مؤثرة فيه ايانا.
وأما الصل الثان :وهواقتضاء الفجور والكب والكذب للضلل فكثي أيضا للقرآن كقوله تعال {:يضل به كثيا ويهدي به
كثيا وما يضل به ال الفاسقي الذين ينقضون عهد ال بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض
أولئك هم الاسرون} البقرة ,27-26وقال تعال {:يثبّت ال الذين آمنوا بالقول الثابت ف الياة الدنيا وف الخرة ويضل
ال الظالي ويفعل ال ما يشاء} ابراهيم ,27وقال تعال {:فما لكم ف النافقي فئتي وال أركسهم با كسبوا} النساء ,88
وقال تعال { :وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون} البقرة ,88وقال تعال {:ونقلّب أفئدتم
وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرّة} النعام .110
101
فأخب أنه عاقبهم على تلفهم عن اليان لا جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتم وأبصارهم وحال بينهم وبي
اليان ,كما قال تعال {:يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم واعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه}
النفال ,24فأمرهم بالستجابة له ولرسوله حي يدعوهم ال ما فيه حياتم ,ث حذّرهم من التخلف والتأخر عن الستجابة
الذي يكون سببا لن يول بينهم وبي قلوبم .قال تعال {:فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم وال ل يهدي القوم الفاسقي} الصف
,5وقال تعال {:كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون}الطففي ,8فأخب سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبم وحال
بينها وبي اليان بآياته ,فقالوا {:أساطي الولي}.
وقال تعال ف النافقي {:نسوا ال فنسيهم} التوبه ,67فجازاهم على نسيانم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالدى والرحة,
وأخب أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كمالا بالعلم النافع والعمل الصال وها الدى ودين الق ,فأنساهم طلب ذلك ومبته
ومعرفته والرص عليه عقوبة لنسيانم له ,وقال تعال ف حقّهم {:أولئك الذين طبع ال على قلوبم واتّبعوا أهواءهم والذين
اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} ممد ,17\16فجمع لم بي اتباع الوى والضلل الذي هو ثرته وموجبه كما جع
للمهتدين بي التقوى والدى.
[( ]75فصل)
بي الدى والرحة -والضلل والشقاء
وكما يقرن سبحانه بي الدى والتقى والضلل والغي ,فكذلك يقرن بي الدى والرحة والضلل والشقاء ,فمن الول
قوله {:أولئك على هدى من ربم وأولئك هم الفلحون} البقرة ,5وقال أيضا {:أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة
وأولئك هم الهتدون}البقرة .157
وقال عن الؤمني {:ربنا ل تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك انك أنت الوهاب} آل عمران .8
وقال عن أهل الكهف {:ربنا آتنا من لدنك رحة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} الكهف ,10وقال {:لقد كان ف قصصهم
عبة لول اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بي يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحة لقوم يؤمنون}يوسف
,111وقال {:وما أنزلنا عليك الكتاب ال لتبيّن لم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحة لقوم يؤمنون} النحل ,64وقال{:
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحة وبشرى للمؤمني } ,وقال {:يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم
وشفاء لا ف الصدور وهدى ورحة للمؤمني} يونس .57
ث أعاد سبحانه ذكرها فقال {:قل بفضل ال ورحته فبذلك فليفرحوا} يونس .58
102
وقد تنوعت عبارات السلف ف تفسي الفضل والرحة ,والصحيح أنما الدى والنعمة ,ففضله هداه ,ورحته نعمته ( وقال
أبو سعيد الدري وابن عباس رضي ال عنهما :فضل ال القرآن ,ورحته السلم ,وعنهما أيضا :فضل ال القرآن ورحته أن
جعلكم من أهله ,وعن السن ,والضحّاك ,وماهد وقتادة فضل ال:اليان ,ورحته القرآن .تفسي القرطب )226\8ولذلك
يقرن بي الدى والنعمة كقوله ف سورة الفاتة {:اهدنا الصراط الستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}.6-5
ومن قوله لنبيهيذكره بنعمته عليه {:أل يدك يتيما فآوى ووجدك ضال فهدى ووجدك عائل فأغن}الضحى ,8-6فجمع
له بي هدايته له وانعامه عليه بايوائه واغنائه.
ومن ذلك قول نوح {:يا قوم أرأيتم ان كنت على بيّنة من رب ورزقن منه رزقا حسنا} هود ,88وقال عن الضر{:
فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما} الكهف .65
وقال لرسوله صلى ال عليه وسلّم {:انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر ال ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ويتم نعمته عليك
ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا} الفتح ,3-1وقال {:وأنزل ال عليك الكتاب والكمة وعلّمك ما ل
تكن تعلم وكان فضل ال عليك عظيما}النساء ,113وقال {:ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكى منكم من أحد أبدا}
النور ,21ففضله هدايته ,ورحته انعامه واحسانه اليهم وبره بم.
وقال {:فامّا يأتينّكم من هدى فمن اتّبع هداي فل يضلّ ول يشقى} طه ,123والدى منعه من الضلل ,والرحة منعته من
الشقاء ,وهذا هو الذي ذكره ف أوّل السورة ف قوله {:طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}طه ,2-1فجمع له بي انزال
القرآن عليه ونفى الشقاء عنه ,كما قال ف آخرها ف حق أتباعه {:فل يضل ول يشقى} طه .123
فالدى والفضل والنعمة والرحة متلزمات ل ينفك بعضها عن بعض ,كما أن الضلل والشقاء متلزمان ل ينفك أحدها
عن الخر ,قال تعال {:انّ الجرمي ف ضلل وسعر} القمر ,47والسعر جع سعي وهو العذاب الذي ف غاية الشقاء .وقال
تعال {:ولقد ذرأنا لهنم كثيا من الن والنس لم قلوب ل يفقهون با ولم أعي ل يبصرون با ولم آذان ل يسمعون با
أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} العراف ,179وقال تعال عنهم {:وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا
ف أصحاب السعي} اللك .10
ومن هذا أنه سبحانه يمع بي الدى وانشراح الصدر والياة الطيّبة وبي الضلل وضيق الصدر والعيشة الضنك ,قال
تعال {:فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يعل صدره ضيّقا حرجا} النعام ,125وقال{:
أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه}الزمر .22
103
وكذلك يمع بي الدى والنابة والضلل وقسوة القلب ,قال تعال {:ال يتب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب}الشورى
,13وقال تعال {:فويل للقاسية قلوبم من ذكر ال أولئك ف ضلل مبي} الزمر .22
والدى والرحة ,وتوابعهما من الفضل والنعام ,كله من صفة العطاء ,والضلل والعذاب ,وتوابعهما من صفة النع ,وهو
سبحانه يصرف خلقه بي عطائه ومنعه ,وذلك كله صادر عن حكمة بالغة ,وملك تام ,وحد تام ,فل اله ال ال.
اذا رأيت النفوس البطلة الفارغة من الرادة والطلب لذا الشأن قد تشبث با هذا العال السفلي وقد تشبثت به فكلها اليه,
فانه اللئق با لفساد تركيبها ,ول تنقش عليها ذلك فانه سريع النلل عنها ,ويبقى تشبثها به مع انقطاعه عنها عذابا عليها
بسب ذلك التعلّق ,قتبقى شهوتا وارادتا فيها ,وقد حيل بينها وبي ما تشتهي على وجه يئست معه من حصول شهوتا
ولذتا .فلو تصوّر العاقل ما ف ذلك من الل والسرة لبادر ال قطع هذا التعلق كما يبادر ال حسم مواد الفساد ,ومع هذا
فانه ينال نصيبه من ذلك وقلبه وهه متعلق بالطلب العلى ,وال الستعان.
ايّاك والكذب فانه يفسد عليك تصور العلومات على ما هي عليه ,ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس ,فان الكاذب
يصور العدوم موجودا والوجود معدوما ,والق باطل ,والباطل حقا ,والي شرا ,والشر خيا ,فيفسد عليه تصوره وعلمه.
ونفس الكاذب معرضة عن القيقة الوجودة نزاعة ال العدم مؤثرة للباطل .واذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه الت هي مبدأ
كل
فعلى ارادي ,فسدت عليه تلك الفعال وسرى حكم الكذب اليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب على اللسان ,فل
ينتفع بلسانه ول بأعماله.
ولذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النب صلى ال عليه وسلم {:ان الكذب يهدي ال الفجور وان الفجور يهدي ال
النار} البخاري ف الدب 507\10رقم 6094ومسلم ,وأبو داود وأحد .وأول ما يسري الكذب من النفس ال اللسان
فيفسده ,ث يسري ال الوارح فيفسد عليها أعمالا كما أفسد على اللسان أقواله ,فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله,
فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه ال اللكة ان ل يتداركه ال بدواء الصدق يقلع تلك الادة من أصلها.
104
ولذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق ,وأضدادها من الرياء والعجب والكب والفخر واليلء والبطر والشر والعجز
والكسل والب والهانة وغيها أصلها الكذب .فكل عمل ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب .وال تعال يعاقب الكذاب بأن
يقعده ويثبطه عن مصاله ومنافعه ,ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بصال دنياه وآخرته ,فما استجلبت مصال الدنيا والخرة
بثل الصدق ,ول مفاسدها ومضارها بثل الكذب .قال تعال {:يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقي} التوبة
,119وقال {:هذا يوم ينفع الصادقي صدقهم} الائدة ,119وقال {:فاذا عزم المر فلو صدقوا ال لكان خيا لم} ممد
,21وقال {:وجاء العذّرون من العراب ليؤذن لم وقعد الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم}
التوبة .90
ف قوله تعال {:وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم لتعلمون}.
ف هذه الية عدة حكم وأسرار ومصال للعبد ,فان العبد اذا علم أن الكروه قد يأت بالحبوب ,والحبوب قد يأت بالكروه,
ل يأمن أن توافيه الضرة من جانب السرّة ,ول ييأس أن تأتيه السرة من جانب الضرة لعدم علمه بالعواقب ,فان ال يعلم منها
مال يعلمه العبد أوجب له ذلك أمورا:
منها :أنه ل أنفع له من امتثال المر وان شق عليه ف البتداء ,لم عواقبه كلها خيات ومسرات ولذات وأفراح وان كرهته
نفسه فهو خي لا وأنفع .وكذلك ل شيء أضرعليه من ارتكاب النهي وان هويته نفسه ومالت اليه ,فان عواقبه كلها آلم
وأحزان وشرور ومصائب ,وخاصية العقل تمل الل اليسي لا يعقبه من اللذة العظيمة والي الكثي ,واجتناب اللذة اليسية لا
يعقبها من الل العظيم والشر الطويل .فنظر الاهل ل ياوز البادئ ال غاياتا ,والعاقل الكيّس دائما ينظر ال الغايات من وراء
تلك الستور من الغايات الحمودة والذمومة .فيى الناهي كطعام لذيذ قد خلط به سم قاتل ,فكلما دعته لذته ال تناوله ناه
ما فيه من السم .ويرى الوامر كدواء كريه الذاق مفضى ال العافية والشفاء ,وكلما ناه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه
بالتناول .ولكن هذا يتاج ال فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها ,وقوة صب يوطن به نفسه على تمّا مشقة الطريق لا
يؤمل عند الغاية ,فاذل فقد اليقي والصب تعذّر عليه ذلك ,واذا قوي يقينه وصبه هان عليه كل مشقة يتحملها ف طلب الي
الدائم واللذة الدائمة.
105
ومن أسرار هذه الية أنا تقتضي من العبد التفويض ال من يعلم عواقب المور ,والرضا با يتاره له ويقضيه له ,لا يرجو فيه
من حسن العاقبة.
ومنها :أنه ل يقترح على ربه ول يتار عليه ول يسأله ما ليس له به علم ,فلعل مضرّته وهلكه فيه وهو ل يعلم ,فل يتار
على ربه شيئا بل يسأله حسن الختيار له وأن يرضيه با يتاره فل أنفع له من ذلك.
ومنها :أنه اذا فوّض أمره ال ربه ورضي با يتاره له أمده فيما يتاره له بالقوة عليه والعزية والصب ,وصرف عنه الفات,
الت هي عرضة اختيار العبد لنفسه ,وأراه من حسن عواقب اختياره له ما ل يكن ليصل ال بعضه ,با يتاره هو لنفسه.
ومنها :أنه يريه من الفكار التعبة ف أنواع الختيارات ,ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيات الت يصعد منها ف عقبة
وينل ف أخرى ,ومع هذا فل خروج له عما قدر عليه ,فلو رضي باختيار ال أصابه القدر وهو ممود مشكور ملطوف به
فيه ,وال جرى عليه القدر وهو مذموم غي ملطوف به فيه .لنه مع اختياره لنفسه ,ومت صح تفويضه ورضاه ,اكتنفه ف
القدور والعطف عليه واللطف به فيصي بي عطفه ولطفه ,فعطفه يقيه ما يذره ,ولطفه يهوّن عليه ما قدره.
اذا نفذ القدر ف العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تيله ف رده ,فل أنفع له من الستسلم والقاء نفسه بي يدي القدر
طريا كاليتة ,فان السبع ل يرضى بأكل اليف.
ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم ال من عرف نفسه ,ووقف با عند قدرها ,ول يتجاوزه ال ما ليس له ,ول يتعد طوره ول
يقل هذا ل ,وتيقّن أنه ل ومن ال وبال ,فهو الان به ابتداء وادامة بل سبب من العبد ول استحقاق منه ,فتذله نعم ال عليه
وتكسره كسرة من ل يرى لنفسه ول فيها خيا البتّة ,وأن الي الذي وصل اليه فهو ل وبه ومنه ,فتحدث له النعم ذل
وانكسارا عجيبا ل يعب عنه.
فكلما جدد له نعمة ازداد له ذل وانكسارا ومبة وخوف ورجاء ,وهذا نتيجة علمي شريفي :علمه بربه وكماله وبره وغناه
وجوده واحسانه ورحته ,وأن الي كله ف يديه ,وهو ملكه يؤت منه من يشاء وينع من يشاء .وله المد على هذا ,وهذا
أكمل حد وأته .وعلمه بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها ,وأنا ل خي فيها البتة ول لا ول با ول
منها ,وأنا ليس لا من ذاتا ال العدم الذي ل شيء أحقر منه ول أنقص ,فما فيها من الي تابع لوجودها الذي ليس اليها ول
با.
106
فاذا صار هذان العلمان صبغة لا ل صبغة على لسانا علمت حينئذ أن المد كله ل ,والمر كله له والي كله ف يديه,
وأنه هو الستحق للحمد والثناء والدح دونا ,وأنا هي أول بالذم والعيب واللوم .ومن فاته التحقق بذين العلمي تلونت به
أقواله وأعماله وأحواله وتبطت عليه ول يهتد ال الصراط الستقيم الوصل له ال ال.
فايصال العبد تقيق هاتي العرفتي علما وحال ,وانقطاعه بفواتما .وهذا معن قولم :من عرف نفسه عرف ربه ,فانه من
عرف نفسه بالهل والظلم والعيب والنقائص والاجة والفقر والذل والسكنة والعدم ,عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند
قدرها ول يتعد با طورها ,وأثن على ربه ببعض ما هو أهله ,وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وانابته وتوكله اليه وحده,
وكان أحب شيء اليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له ,وهذا هو حقيقة العبودية ,وال الستعان.
ويكى أن بعض الكماء كتب على باب بيته :انه لن ينتفع بكمتنا ال من عرف نفسه ووقف با عند قدرها ,فمن كان
كذلك فليدخل وال فليجع حت يكون بذه الصفة.
الصب عن الشهوة أسهل من الصب على ما توجبه الشهوة ,فانا اما ان توجب ألا وعقوبة ,واما أن تقطع لذة أكمل منها,
واما أ ،تضيع وقتا اضاعته حسرة وندامة ,واما أن تلثم عرضا توفيه أنفع للعبد من ثلمه ,واما أن تذهب مال بقاؤه خي له من
ذهابه ,واما أن تضع قدرا وجاها قيامه خي وضعه ,واما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ,واما أ ،تطرق
لوضيع اليك طريقا ل يك يدها قبل ذلك ,واما أن تلب ها وغما وحزنا وخوفا ل يقارب لذة الشهوة ,واما أن تنسي علما
ذكره ألذ من نيل الشهوة ,واما أن تشمت عدوا وتزن وليا ,واما أ ،تقطع الطريق على نعمة مقبلة ,واما أ ،تدث عيبا يبقى
صفة ل تزول ,فان العمال تورث الصفات والخلق.
للخلق حد مت جاوزته صارت عدوانا ,ومت قصّرت عنه كان نقصا ومهانة ,فللغضب حد وهو الشجاعة الحمودة,
والنفة من الرذائل والنقائص ,وهذا كماله .فاذا جاوز حده ,تعدى صاحبه وجار ,وان نقص عنه ,جب ول يأنف من الرذائل.
وللحرص حد ,وهو الكفاية ف أمور الدنيا ,وحصول البلغ منها ,فمت نقص من ذلك كان مهانة واضاعة ,ومت زاذ عليه,
كان شرها ورغبة فيما ل تمد الرغبة فيه.
107
وللحسد حد وهو النافسة ف طلب الكمال ,والنفة أن يتقدم عايه نظيه ,فمت تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمن معه زوال
النعمة عن الحسود ,ويرص على ايذائه ,ومت نقص عن ذلك ,كان دناءة وضعف هة وصغر نفس .قال النب صلى ال عليه
وسلم ":ل حسد ال ف اثنتي :رجل آتاه ال مال فسلطه على هلكته ف الق ,ورجل آتاه ال الكمة فهو يقضي با ويعلمها
الناس" البخاري ف العلم , )73( 165\1وف الزكاة )1409( 276\3ومسلم ,فهذا حسد منافسة يطالب الاسد به
نفسه أن يكون مثل الحسود ,ل حسد مهانة يتمن به زوال النعمة عن الحسود.
وللشهوة حد ,وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والستعانة بقضائها على ذلك ,فمت زادت على
ذلك صارت نمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة اليوانات ,ومت نقصت عنه ول يكن فراغا ف طلب الكمال والفضل كانت
ضعفا وعجزا ومهانة.
وللراحة حد وهو اجام النفس والقوى الدركة والفعالة للستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بيث ل
يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها ,فمت زاد على ذلك صار توانيا وكسل واضاعة ,وفات به أكثر مصال العبد ,ومى نقص
عنه صار مضرا بالقوى موهنا لا وربا انقطع به كالنبت الذي ل أرضا قطع ول ظهرا أبقى.
والود له حد بي طرفي ,فمت جاوز حده صار اسرافا وتبذيرا ,ومت نقص عنه كان بل وتقتيا.
وللشجاعة حد مت جاوزته صار توّرا ,ومت نقصت عنه صار جبنا وخورا ,وحدها القدام ف مواضع القدام ,والحجام ف
مواضع الحجام ,كما قال معاوية لعمرو بن العاص :أعيان أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حت أقول من أشجع الناس,
وتب حت أقول من أجب الناس ,فقال:
والغية لا حد اذا جاوزته صارت تمة وظنا سيئا بالبئ ,واذا قصّرت عنه كانت تغاقل ومبادئ دياثة.
وللواضع حد اذا جاوزه كان ذل ومهانة ,ومن قصر عنه انرف ال الكب والفخر.
وللعز حد اذا جاوزه كان كبا وخلقا مذموما ,وان قصر عنه انرف ال الذل والهانة.
وضابط هذا كله العدل ,وهو الخذ بالوسط الوضوع بي طرف الفراط والتفريط ,وعليه بناء مصال الدنيا والخرة ,بل ل
تقوم مصلحة البدن ال به .فانه مت خرج بعض أخلطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بسب ذلك.
108
وكذلك الفعال الطبيعية كالنوم والسهر والكل والشرب والماع والركة والرياضة واللوة والخالطة وغي ذلك ,اذا كانت
وسطا بي الطرفي الذمومي كانت عدل وان انرفت ال أحدها كانت نقصا وأثرت نقصا.
فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الدود ,ول سيما حدود الشرع الأمور والنهي .فأعلم الناس أعلمهم بتلك الدود ,حت ل
يدخل فيها ما ليس منها ول يرج منها ما هو داخل فيها .قال تعال {:العراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أل يعلموا حدود ما
أنزل ال على رسوله}التوبة .97فأعدل الناس من قام بدود الخلق والعمال والشروعات معرفة وفعل ,وبال التوفيق.
[( ]83فصل)
قال أبو الدرداء رضي ال عنه ":يا حبذا نوم الكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام المقى وصومهم ,والذرة من صاحب
تقوى أفضل من أمثال البال عبادة من الغترّين" .وهذا من جواهر الكلم ,وأدله على كمال فقه الصحابة ,وتقدمهم على من
بعدهم ف كل خي ,رضي ال عنهم.
فاعلم أن العبد انا قطع منازل السي ال ال بقلبه وهته ل ببدنه .والتقوى ف القيقة تقوى القلوب ل تقوى الوارح .قال
تعال {:ذلك ومن يعظّم شعائر ال فانا من تقوى القلوب} الج ,32وقال {:لن ينال ال لومها ول دماؤها ولكن ينالا
التقوى منكم}الج ,37وقال النب صلى ال عليه وسلم ":التقوى هاهنا" وأشار ال صدره ,مسلم ف كتاب الب والصلة
والداب 1986\4رقم .32فالكيّس يقطع من السافة بصحة العزية ,وعلو المة ,وتريد القصد ,وصحة النية مع العمل
القليل ,أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثي والسفر الشاق .فان العزية والحبة تذهب الشقة ,وتطيب
السي ,والتقدم والسبق ال ال سبحانه انا هو بالمم ,وصدق الرغبة والعزية ,فيتقدم صاحب المة مع سكونه صاحب العمل
الكثي براحل ,فان ساواه ف هته تقدم عليه بعمله ,وهذا موضع يتاج ال تفصيل يوافق فيه السلم الحسان.
فأكمل الدي هدي رسول ال ,وكان موفيا كل واحد منهما حقه ,فكان مع كماله وارادته وأحواله مع ال يقوم حت ترم
قدماه ,ويصوم حت يقال ل يفطر ,وياهد ف سبيل ال ,ويالط أصحابه ول يتجب عنهم ,ول يترك شيئا من النوافل
والوراد لتلك الواردات الت تعجز عن حلها قوى البشر.
وال تعال أمر عباده أن يقوموا بشرائع السلم على ظواهرهم وحقائق اليان على بواطنهم ,ول يقبل واحدا منهما ال
بصاحبه وقرينه .وف السند مرفوعا ":السلم علنية واليان ف القلب" .134\3فكل اسلم ظاهر ل ينفذ صاحبه منه ال
حقيقة اليان الباطنة فليس بنافع حت يكون معه شيء من اليان الباطن ,وكل حقيقة باطنة ل يقوم صاحبها بشرائع السلم
الظاهرة ل تنفع ولو كانت ما كانت .فلو تزق القلب بالحبة والوف ول يتعبّد المر وظاهر الشرع ل ينجّه ذلك من النار.
كما أنه لو قام بظواهر السلم ول ف باطنه حقيقة اليان ول ينجّه من النار.
109
واذا عرف هذا ,فالصادقون السائرون ال ال والدار الخرة قسمان:
قسم صرفوا ما فضل من أوقاتم بعد الفرائض ال النوافل البدنية وجعلوها دأبم من غي حرص منهم على تقيق أعمال
القلوب ومنازل أحكامها ,وان ل يكونوا خالي من أصلها ولكن همهم مصروفة ال الستكثار من العمال.
وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن ال الهتمام بصلح قلوبم وعكوفها على ال وحده والمعية عليه وحفظ
الواطر والرادات معه .وجعلوا قوة تعبّدهم بأعمال القلوب من تصحيح الحبة ,والوف والرجاء والتوكل والنابة ورأوا أن
أيسر نصيب من الواردات الت ترد على قلوبم من ال أحب اليهم من كثي من التطوعات البدنية ,فاذا حصل لحدهم جعية
ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل ,ل يستبدل به شيئا سواه البتة ,ال أن ييء المر فيبادر اليه بذلك الوارد ان
أمكنه ,وال بادر ال المر ولو ذهب الوارد.
فاذا جاءت النوافل فهاهنا معترك التردد ,فان أمكن القيام اليها به فذاك ,وال نظر ف الرجح والحي ال ال ,هل هو القيام
ال تلك النافلة ولو ذهب وارده كاغاثة اللهوف وارشاد ضال وجب مكسور واستفادة وايان ونو ذلك ,فهاهنا ينبغي تقدي
النافلة الراجحة ,ومت قدمها ل رغبة فيه وتقرّبا اليه فانه يرد عليه ما فات من وارده أقوى ما كان ف وقت آخر ,وان كان
الوارد أرجح من النافلة فالزم له الستمرار ف وارده حت يتوارى عنه فانه يفوت والنافلة ل تفوت.
وهذا موضع يتاج ال فضل فقه ف الطريق ومراتب العمال وتقدي الهم منها فالهم ,وال الوفق لذلك ل اله غيه ول
رب سواه.
أصل الخلق الذمومة كلها الكب والهانة والدناءة ,وأصل الخلق الحمودة كلها الشوع وعلو المة .فالفخر والبطر
والشر والعجب والسد والبغي واليلء والظلم والقسوة والتجب والعراض واباء قبول النصيحة والستئثار وطلب العلو
وحب الاه والرئاسة وأن يمد با ل يفعل وأمثال ذلك ,كلها ناشئة من الكب ,وأما الكذب والسة واليانة والرياء والكر
والديعة والطمع والفزع والب والبخل والعجز والكسل والذل لغي ال واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي ونو ذلك,
فانا من الهانة والدناءة وصغر النفس.
وأما الخلق الفاضلة كالصب والشجاعة والعدل والروءة والعفة والصيانة والود واللم والعفو والصفح والحتمال
واليثار .وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق والخلص والكافأة والحسان بثله أ ,أفضل ,والتغافل عن
زلت الناس وترك الشتغال با ل يعنيه وسلمة القلب من تلك الخلق الذمومة ونو ذلك ,فكلها ناشئة عن الشوع وعلو
110
المة .وال سبحانه أخب عن الرض بأنا تكون خاشعة ث ينل عليها الاء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبجتها (يشي ال سورة
فصلت آية ,)39فكذلك الخلوق منها اذا أصابه حظه من التوفيق.
وأما النار فطبعها العلو والفساد ث تمد فتصي أحقر شيء وأذله وكذلك الخلوق منها .فهي دائما بي العلو اذا هاجت
واضطربت ,وبي السة والدناءة اذا خدت وسكنت.
والخلق الذمومة تابعة للنار والخلوق منها ,والخلق الفاضلة تابعة للرض والخلوق منها .فمن علت هته وخشعت
نفسه اتصف بكل خلق جيل ,ومن دنت هته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل.
الطلب العلى موقوف حصوله على هة عالية ونية صحيحة ,فمن فقدها تعذّر عليه الوصول اليه ,فان المة اذا مانت عالية
تعلقت به وحده دون غيه .واذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الوصلة اليه ,فالنية تفرد له الطريق والمة تفرد له
الطلوب ,فاذا توحد مطلوبه والطريق الوصلة اليه كان الوصول غايته .واذا كانت هته سافلة تعلّقت بالسفليات ول تتعلّق
بالطلب العلى .واذا كانت النية غي صحيحة كانت طريقه غي موصلة اليه .فمدار الشأن على هة العبد ونيته ها مطلوبه
وطريقه ل يتم ال بترك ثلثة أشياء:
[( ]86فصل)
من حكم ابن مسعود رضي ال عنه
من كلم عبدال بن مسعود رضي ال عنه ,قال رجل عنده :ما أحب أن أكون من أصحاب اليمي ,أحب أن أكون من
القربي ,فقال عبدال :لكن هاهنا رجل ودّ أنه اذا مات ل يبعث .يعن نفسه.
111
وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال لم :ألكم حاجة؟ قالوا ل ,ولكن أردنا أن نشي معك ,قال :ارجعوا ,فانه ذلة للتابع وفتنة
للمتبوع.
وقال :لو تعلمون من ما أعلم من نفسي لثوت على رأسي التراب .قال :حبذا الكروهان :الوت والفقر ,وأي ال ان هو ال
الغن والفقر وما أبال بأيهما بليت ,أرجو ال ف كل واحد منهما ,ان كان الغن ان فيه للعطف ,وان كان الفقر ان فيه للصب.
وقال :انكم ف مر الليل والنهار ف آجال منقوصة ,وأعمال مفوظة ,والوت يأت بغتة ,فمن زرع خيا فيوشك أن يصد
ندامة ,ولكل زارع مثل ما زرع ل يسبق بطىء بظه ,ول يدرك حريص ما ل يقدر له .من أعطى خيا فال أعطاه ,ومن وقى
شرا فال وقاه.
التقون سادة ,والفقهاء قادة ,ومالستهم زيادة ,انا ها اثنتان :الدى والكلم ,فأفضل الكلم كلم ال ,وأفضل الدي هدي
ممد صلى ال عليه وسلم ,وشر المور مدثاتا وكل مدثة بدعة ,فل يطولن عليكم المد ول يلهينكم المل فان كل ما هو
آت قريب ,أل وان البعيد ما ليس آتيا ,أل وان الشقي من شقي ف بطن أمه ,وان السعيد من وعظ بغيه.
أل وان قتال السلم كفر وسبابه فسوق ,ول يل لسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة أيام حت يسلّم عليه اذا لقيه ,وييبه اذا
دعاه ,ويعوده اذا مرض ,أل وان شرّ الروايا روايا الكذب ,ال وان الكذب ل يصلح منه جد ول هزل ول أن يعد الرجل صبيه
شيئا ث ل ينجزه ,أل وان الكذب يهدي ال الفجور ,والفجور يهدي ال النار ,والصدق يهدي ال الب ,والب يهدي ال النة,
وانه يقال للصادق صدق وبر ,ويقال للكاذب كذب وفجر ,وان ممدا صلى ال عليه وسلم حدثنا أن الرجل ليصدق حت
يكتب عند ال صدّيقا ويكذب حت يكتب عند ال كذّابا.
ان أصدق الديث كتاب ال ,وأوثق العرى كلمة التقوى ,وخي اللل ملة ابراهيم ,وأحسن النن سنة ممد ,وخي الدي
هدي النبياء ,وأشرف الديث ذكر ال ,وخي القصص القرآن ,وخي المور عوازمها ,وشر المور مدثاتا ,وما قل وكفى
خي ما كثر وألى ,ونفس تنجيها خيمن امارة ل تصيها ,وشر العذرة حي يضر الوت ,وشر الندامة ندامة يوم القيامة,
وشر الضللة الضللة بعد الدى ,وخي الغن غن النفس ,وخي الزاد التقوى ,وخي ما وقر ف القلب اليقي ,والريب من
الكفر ,وشر العمى عمى القلب ,والمر جاع الث ,والنساء حبائل الشيطان ,الشباب شعبة من النون ,والنوح من عمل
الاهلية.
ومن الناس من ل يأت المعة ال دبرا ول يذكر ال ال هجرا ,ومن أعظم الطايا اللسان الكذّاب ,ومن يعف يعف ال عنه,
ومن يكظم الغيظ يأجره ال ,ومن يغفر يغفر له ,ومن يصب على الرزية يعقبه ال ,وشر الكاسب كسب الربا ,وشر الأكل
مال اليتيم ,وانا يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه ,وانا يصي ال أربعة أذرع والمر ال آخرة ,وملك العمل خواته ,وأشرف
الوت قتل الشهداء ,ومن يستكب يضعه ال ,ومن يعص ال يطع الشيطان.
112
ينبغي لامل القرآن أن يعرف بليله اذا الناس نائمون ,وبنهاره اذا الناس مفطرون ,وبزنه اذا الناس يفرحون ,وببكائه اذا
الناس يضحكون ,وبصمته اذا الناس يوضون ,وبشوعه اذا الناس يتالون.
وينبغي لامل القرآن أن يكون باكيا مزونا حكيما حليما سكينا ول ينبغي لامل القرآن أن يكون جافيا ول غافل ول
سخابا ول صياحا ول حديدا.
من تطاول تعظّما حطّه ال ,ومن تواضع تشّعا رفعه ال ,وان للملك لة وللشيطان لة ,فلمة اللك ايعاد بالي ,وتصديق
بالق ,فاذا رأيتم ذلك فاحدوا ال .ولة الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالق ,فاذا رأيتم ذلك فتعوّذوا بال .ان الناس قد
أحسنوا القول ,فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظّه ,ومن خالف قوله فعله فذاك انا يوبخ نفسه.
ل ألفي أحدكم جيفة ليل قطرب(دويبة) نار ,ان لبغض الرجل أن أراه فارغا ليس ف شيء من عمل الدنيا ول عمل
الخرة ,ومن ل تأمره الصلة بالعروف وتنهه عن النكر ل يزدد با من ال ال بعدا.
من اليقي أن ل ترضي الناس بسخط ال ,ول تمد أحدا على رزق ال ,ول تلوم أحدا على ما ل يؤتك ال .فان رزق ال
ل يسوقه حرص حريص ول يرده كراهة كاره ,وان ال بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح ف اليقي والرضا ,وجعل
الم والزن ف الشك والسخط.
ما دمت ف صلة فأنت تقرع باب اللك ,ومن يقرع باب اللك يفتح له .ان لحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه
بالطيئة يعملها.
كونوا ينابيع العلم ,مصابيح الدى ,أحلس البيوت ,سرج الليل ,جدد القلوب ,خلقان الثياب ,تعرفون ف السماء وتفون
على أهل الرض.
ان للقلوب شهوة وادبارا فاغتنموها عند شهوتا واقبالا ,ودعوها عند فترتا وادبارها.
انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضهم قلبا ,وتلقون الؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضهم جسما ,وأي وال ,لو
مرضت قلوبكم وصحّت أجسامكم لكنتم أهون على ال من العلن.
113
ل يبلغ العبد حقيقة اليان حت يل بذروته ,ول يل بذروته حت يكون الفقر أحب اليه من الغن ,والتواضع أحب اليه من
الشرف وحت يكون حامده وذامه عنده سواء ,وان الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيجع وما معه منه شيء ,يأت الرجل ول
يلك له ول لنفسه ضرا ول نفقعا ,فيقسم له بال انك لذيت وذيت ,فيجع وما حب من حاجته بشيء وبسخط ال عليه.
مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبة ال ملىء عبة -وما منكم ال ضيف وماله عارية ,فالضيف مرتل ,والعارية مؤداة
ال أهلها.
يكون ف آخر الزمان أقوام أفضل أعمالم التلوم بينهم يسمون النتان اذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فلؤت ال الناس
الذي يب أن يؤتى اليه.
الق ثقيل مريء ,والباطل خفيف وبء ,رب شهوة تورث حزنا طويل.
من استطاع منكم أن يعل كنه ف السماء حيث ل يأكله السوس ول يناله السراق فليفعل ,فان قلب الرجل مع كنه.
ل يقلدن أحدكم ف دينه رجل ,فا آمن أمن وان كفر كفر ,وان كنتم ل بد مقتدين فاقتدوا باليت ,فان الي ل تؤمن عليه
الفتنة.
ل يكن أحدكم امعة ,قالوا وما المعة؟ قال :يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وان ضلوا ضللت ,أل ليطن أحدكم نفسه
على أنه ان كفر الناس ل يكفر.
وقال له رجل :علمن كلمات جوامع نوافع ,فقال :اعبد ال ل تشرك به شيئا ,وزل مع القرآن حيث زال ,ومن جاءك بالق
فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا ,ومن جاءك بالبطل فاردد عليه وان كان حبيبا قريبا .يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له :أد
114
أمانتك ,فيقول :يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها ف قعر جهنم ,فينل ويأخذها فيضعها على
عاتقه فيصعد با ,حت اذا ظن أنه خارج با هوت وهوى ف أثرها أبد البدين.
أطلب قلبك ف ثلثة مواطن :عند ساع القرآن ,وف مال الذكر ,وف أوقات اللوة .فان ل تده ف هذه الواطن فسل ال
أن ين عليك بقلب ,فانه ل قلب لك.
قال النيد :دخلت على شاب فسألن عن التوبة فأجبته ,فسألن عن حقيقتها ,فقلت :أن تنصب ذنبك بي عينيك حت يأتيك
الوت .فقال ل :مه ,ما هذه حقيقة التوبة ,فقلت له :فما حقيقة التوبة عندك يا فت؟ قال :أن تنسى ذنبك .وتركن ومضى,
فكيف هو عندك يا أبا القاسم؟ فقلت :القول ما قال الفت .قال :كيف ,قلت :اذا كنت معه ف حال ث نقلن من حال الفاء
ال حال الوفاء ,فذكري للجفاء ف حال الوفاء جفاء.
ل يتمع الخلص ف القلب ومبة الدح والثناء والطمع فيما عند الناس ال كما يتمع الاء والنار والنصب والوت .فاذا
حدثتك نفسك بطلب الخلص فأقبل على الطمع أول فاذبه بسكي اليأس ,وأقبل على الدح والثناء فازهد فيهما زهد
عشّاق الدنيا ف الخرة ,فاذا استقام لك ذبح الطمع والزهد ف الثناء والدح سهل عليك الخلص.
فان قلت :وما الذي يسهّل علي ذبح الطمع والزهد ف الدح والثناء؟ قلت :أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه
ليس من شيء يطمع فيه ال وبيد ال وحده خزائنه ل يلكها غيه ,ول يؤتى العبد منها شيئا سواه .وأما الزهد ف الدح والثناء
فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ,ويضر ذمه ويشي ال ال وحده ,كما قال ذلك العراب للنب صلى ال
عليه وسلم :ان مدحي زين وشتمي شي ,فقال ":ذاك ال عز وجل" الترمذي ف السنن رقم ,3263وأحد ف السند \3
.394 393\6 ,488فازهد ف مدح من ل يزينك مدحه ,وف ذم من ل يشينك ذمه ,وارغب ف مدح من كل الزين ف
مدحه ,وكل الشي ف ذمه ,ولن يقدر على ذلك ال بالصب واليقي ,فمت فقدت البصر واليقي كنت كمن أراد السفر ف
البحر ف غي مركب ,قال ال تعال {:فاصب انّ وعد ال حق ول يستخفّنّك الذين ل يوقنون} الروم ,60وقال تعال{:
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لّا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة .24
لذة كل أحد على حسب قدره وهّته وشرف نفسه ,فأشرف الناس نفسا وأعلهم هّا وأرفعهم قدرا من لذّته ف معرفة ال
ومبته والشوق ال لقائه والتودد اليه با يبه ويرضاه .فلذته ف اقباله عليه وعكوف هته عليه ودون ذلك مراتب ل يصيها ال
ال ,حت تنتهي ال من لذته ف أخس الشياء من القاذورات والفواحش ف كل شيء من الكلم والفعال والشغال .فلو عرض
115
عليه ما يلتذ به الول ل تسمح نفسه بقبوله ول التفت اليه وربا تألت من ذلك ,كما أن الول اذا عرض عليه ما يلتذ به هذا
ل تسمح نفسه به ول تلتفت اليه ونفرت نفسه منه.
وأكمل الناس لذة من جع له بي لذة القلب والروح ولذة البدن .فهو يتناول لذاته الباحة على وجه ل ينقص حظه من الدار
الخرة ول يقطع عليه لذة العرفة والحبة والنس بربه .فهذا من قال تعال فيه {:قل من حرّم زينة ال الت أخرج لعباده
والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا ف الياة الدنيا خالصة يوم القيامة} العراف ,32وأبسهم حظا من اللذة من تناولا
على وجه يول بينه وبي لذات الخرة ,فيكون من يقال لم يوم استيفاء اللذات {:أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا
واستمتعتم با} الحقاف .20فهؤلء تتعوا بالطيبات ,وأولئك تتعوا بالطيبات ,وافترقوا ف وجه التمتع ,فأولئك تتعوا با
على الوجه الذي أذن لم فيه ,فجمع لم بي لذة الدنيا والخرة ,وهؤلء تتعوا با على الوجه الذي دعاهم اليه الوى
والشهوة ,وسواء أذن لم فيه أم ل ,فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الخرة ,فل لذة الدنيا دامت لم ,ول لذة الخرة
حصلت لم .فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيّب فليجعل لذة الدنيا موصل له ال لذة الخرة ,بأن يستعي با على فراغ
قلبه ل ف ارادته وعبادته ,فيتناولا بكم الستعانة والقوة على طلبه ل بكم مرد الشهوة والوى.
وان كان من زويت عنه لذات الدنيا وطيباتا فليجعل ما نقص منها زيادة ف لذة الخرة ,ويم نفسه هاهنا بالترك ليستوفيها
كاملة هناك .فطيبات الدنيا ولذاتا نعم العون لن صح طلبه ل و الدار الخرة وكانت هته لا هناك ,وبئس القاطع لن كانت
هي مقصوده وهته ,وحولا يدندن ,وفواتا ف الدنيا نعم العون لطالب ال والدار الخرة ,وبئس القاطع النازع من ال والدار
الخرة .فمن أخذ منافع الدنيا على وجه ل ينقص حظه من الخرة ظفر بما جيعا وال خسرها جيعا.
سبحان ال رب العالي .لو ل يكن ف ترك الذنوب والعاصي ول اقامة الروءة وصون العرض وحفظ الاه وصيانة الال
الذي جعله ال قواما لصال الدنيا والخرة ,ومبة اللق وجواز القول بينهم وصلح العاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب
النفس ونعيم القلب وانشراح الصدر ,والمن من ماوف الفساق والفجار ,وقلة الم والغم والزن ,وعز النفس عن احتمال
الذل ,وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة العصية ,وحصول الخرج له ما ضاق على الفساق والفجار ,وتيسي عليه الرزق من
حيث ل يتسب ,وتيسي ما عسر على أرباب الفسوق والعاصي ,وتسهيل الطاعات عليه ,وتيسي العلم والثناء السن ف
الناس ,وكثرة الدعاء له ,واللوة الت يكتسبها وجهه ,والهابة ال تلقى له ف قلوب الناس ,وانتصارهم وحيتهم له اذا أوذي
وظلم ,وذبم عن عرضه اذا اغتابه مغتاب ,وسرعة اجابة دعائه ,وزوال الوحشة الت بينه وبي ال ,وقرب اللئكة منه ,وبعد
شياطي النس والن منه ,وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ,وخطبتهم لودته وصحبته ,وعدم خوفه من الوت ,بل
يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيه اليه ,وصغر الدنيا ف قلبه ,وكب الخرة عنده وحرصه على اللك الكبي والفوز
العظيم فيها ,وذوق حلوة الطاعة ,ووجد حلوة اليان ,ودعاء حلة العرش ومن حوله من اللئكة له ,وفرح الكاتبي به
ودعاؤهم له كل وقت ,والزيادة ف عقله وفهمه وايانه ومعرفته ,وحصول مبة ال له واقباله عليه ,وفرحه بتوبته ,وهكذا يازيه
بفرح وسرور ل نسبة له ال فرحه وسروره بالعصية بوجه من الوجوه.
116
فهذه بعض آثار ترك العاصي ف الدنيا .فاذا مات تلتقه اللئكة بالبشرى من ربه بالنة ,وبأنه ل خوف عليه ول حزن,
وينتقل من سجن الدنيا وضيقها ال روضة من رياض النة ينعم فيها ال يوم القيامة .فاذا كان يوم القيامة كان الناس ف الر
والعرق ,وهو ف ظل العرش .فاذا انصرفوا بي يدي ال أخذ به ذات اليمي مع أوليائه التقي وحزبه الفلحي:و{ ذلك فضل
ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم} الديد .21
ذكر ابن سعد ف الطبقات عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا خطب على النب فخاف على نفسه العجب قطعه .واذا كتب
كتابا فخاف فيه العجب مزقه ,ويقول :اللهم ان أعوذ بك من شر نفسي .طبقات ابن سعد .330\5
اعلم أن العبد اذا شرع ف قول أو عمل يبتغي به مرضاة ال مطالعا فيه منة ال عليه به وتوفيقه له فيه وأنه بال ل بنفسه ول
بعرفته وفكره وحوله وقوته ,بل هو الذي أنشأ له اللسان والقلب والعي والذن .فالذي منّ عليه بذلك هو الذي منّ عليه
بالقول والفعل ,فاذا ل يغب ذلك عن ملحظته ونظر قلبه ل يضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منّة ربه
وتوفيقه واعانته .فاذا غاب من تلك اللحظة وثبت النفس وقامت ف مقام الدعوى ,فوقع العجب ففسد عليه القول والعمل,
فتارة يال بينه وبي تامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحة به حت ل يغيب عن مشاهدة النّة والتوفيق .وتارة يتم له ولكن ل
يكون له ثرة ,وان أثر أثر ثرة ضعيفة غي مصلة للمقصود .وتارة يكون ضرره عليه أعظم من انتفاعه ,ويتولد له منه مفاسد
شتّى بسب غيبته عن ملحظة التوفيق والنّة ورؤية نفسه وأن القول والفعل به.
ومن هذا الوضع يصلح ال سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثرتا أو يفسدها عليه وينعه ثرتا .فل شيء أفسد
للغعمال من العجب ورؤية النفس ,فاذا أراد ال بعبده خيا أشهده منّته وتوفيقه واعانته له ف كل ما يقوله ويفعله فل يعجب
به .ث أشهده تقصيه فيه وأنه ل يرضى لربه به فيتوب اليه منه ويستغفره ,ويستحيي أن يطلب عليه أجرا .واذا ل يشهده ذلك
وغيّبه عنه فرأى نفسه ف العمل ورآه بعي الكمال والرضا ,ل يقع ذلك العمل منه موقع القبول والرضا والحبة .فالعارف
يعمل العمل لوجهه مشاهدا فيه منّته وفضله وتوفيقه ,معتذرا منه اليه ,مستحييا منه اذ ل يوفقه حقه .والاهل يعمل العمل
لظه وهواه ناظرا فيه ال نفسه ,ينّ به على ربه راضيا بعمله ,فهذا لون وذاك لون آخر.
الوصول ال الطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق .فالعوائد السكون ال الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه
من الرسوم والوضاع الت جعلوها بنلة الشرع التّبع ,بل هي عندهم أعظم من الشرع .فانم ينكرون على من خرج عنها
وخالفها ما ل ينكرون على من خالف صريح الشرع .وربا كفّروه أو بدّعوه وضلّلوه ,أو هجروه وعاقبوه لخالفة تلك
117
الرسوم ,وأماتوا لا السنن ,ونصبوها أندادا للرسول صلى ال عليه وسلم يوالون عليها ويعادون .فالعروف عندهم ما وافقها
والنكر ما خالفها.
وهذه الوضاع والرسوم قد استولت عليها طوائف من بن آدم من اللوك والولة والفقهاء والصوفية والفقراء ,والطوعي
والعامة .فرب فيها الصغي ونشأ عليها الكبي واتذت سننا بل هي أعظم عند أصحابا من السنن .والواقف معها مبوس
والتقيّد با منقطع .عمّ با الصاب ,وهجر لجلها السنة والكتاب.
من استنصر با فهو عند ال مذول ,ومن اقتدى با دون كتاب ال وسنة رسول ال فهو عند ال غي مقبول .وهذا أعظم
الجب والوانع بي العبد وبي النفوذ ال ال ورسوله صلى ال عليه وسلّم.
وأما العوائق فهي أنواع الخالفات ظاهرها وباطنها ,فانا تعوق القلب عن سيه ال ال وتقطع عليه طريقه ,وهي ثلثة أمور:
شرك وبدعة ومعصية ,فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد ,وعائق البدعة بتحقيق السنة ,وعائق العصية بتصحيح التوبة .وهذه
العوائق ل تتبي للعبد حت يأخذ ف أهبة السفر ويتحقق بالسي ال ال والدار الخرة .فحينئذ تظهر له هذه العوائق يسس
بتعويقها له بسب قوة سيه وترّده للسفر ,وال فما دام قاعدا ل تظهر له كوامنها وقواطعها.
وأما العلئق فهي كل ما تعلق به القلب دون ال ورسوله من ملذ الدنيا وشهواتا ورئاستها وصحبة الناس والتعلق بم ,ول
سبيل له ال قطع هذه المور الثلثة ورفضها ال بقوة التعلق بالطلب العلى ,وال فقطعها عليه بدون تعلّقه بطلوبه متنع .فان
النفس ل تترك مألوفها ومبوبا ال لحبوب هو أحب اليها منه آثر عندها منه .وكلما قوي تعلقه بطلوبه ضعف تعلقه بغيه.
وكذا بالعكس والتعلق بالطلوب هو شدة الرغبة فيه .وذلك على قدر معرفته به وشرفه وفضله على ما سواه.
لا كمل للرسول صلى ال عليه وسلم مقام الفتقار ال ال سبحانه أحوج اللئق كلهم اليه ف الدنيا والخرة .أما حاجتهم
اليه ف الدنيا فأشد من حاجتهم ال الكعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانم .وأما حاجتهم اليه ف الخرة فانم
يستشفعون بالرسل ال ال حت يريوهم من ضيق مقامهم .فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لم ,وهو الذي يستفتح لم باب
النة .ف صحيح مسلم كتاب اليان حديث عن أنس بن مالك عن رسول ال أنه قال ":آت باب النة يوم القيامة فأستفتح
فيقول الازن :من أ،ت ,فأقول ممد .فيقول :لك أمرت ل أفتح لحد قبلك" 188\1رقم(.)333
118
[ ]94من علمات السعادة والفلح
من علمات السعادة والفلح أن العبد كلما زيد ف علمه زيد ف تواضعه ورحته .وكلما زيد ف عمله زيد ف خوفه
وحذره .وكلما زيد ف عمره نقص من حرصه .وكلما زيد ف ماله زيد ف سخائه وبذله .وكلما زيد ف قدره وجاهه زيد ف
قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لم.
وعلمات الشقاوة أنه كلما زيد ف علمه زيد ف كبه وتيهه ,وكلما زيد ف عمل زيد ف فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه
بنفسه ,وكلما زيد ف قدره وجاهه زيد ف كبه وتيهه .وهذه المور ابتلء من ال وامتحان يبتلي با عباده فيسعد با أقوام
ويشقى با أقوام.
قال تعال عن نبيه سليمان لا رأى عرش بلقيس {:هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر} النمل .40فالنعم ابتلء من
ال وامتحان يظهر با شكر الشكور وكفر الكفور .كما أن الحن بلوى منه سبحانه ,فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالصائب,
قال تعال {:فأمّا النسان اذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعّمه فيقول رب أكرمن * وأمّا اذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول رب
أهانن * كل }..الفجر ,17-15أي ليس كل ما وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك اكراما من له ,ول كل من
ضيّقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك اهانة من له ( .أي ليس المر كما زعم ل ف هذا ول ف هذا فان ال تعال يعطي الال
من يب ومن ل يب ويضيق على من يب ومن ل يب ,وانا الدار ف ذلك على طاعة ال ف كل من الالي اذا كان غنيّا
بأن يشكر ال على ذلك وان كان فقيا بأن يصبأنظر تفسي ابن كثي .)509\4
من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه واحكامه وشدة العتناء به .فان علو البنيان على قدر توثيق الساس واحكامه.
فالعمال والدرجات بنيان وأساسها اليان ,ومت كان الساس وثيقا حل البنيان واعتلى عليه .واذا تدم شيء من البنيان
سهل تداركه ,واذا كان الساس غي وثيق ل يرتفع البنيان ول يثبت ,واذا تدم شيء من الساس سقط البنيان أو كاد.
فالعارف هّته تصحيح الساس واحكامه ,والاهل يرفع ف البناء من غي أساس فل يلبث بنيانه أن يسقط .قال تعال {:أفمن
أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خي أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانار به ف نار جهنّم} التوبة .109
119
فالساس لبناء العمال كالقوة لبدن النسان ,فاذا كانت القوة قوية حلت البدن ودفعت عنه كثيا من الفات ,واذا كانت
القوة ضعيفة ضعف حلها للبدن وكانت الفات اليه أسرع شيء ,فاحل بنيانك على قوة أساس اليان ,فاذا تشعث شيء من
أعال البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الساس.
وهذا الساس أمران :صحة العرفة بال وأمره وأسائه وصفاته .والثان :تريد النقياد له ولرسوله دون ما سواه ,فهذا أوثق
أساس أسس العبد عليه بنيانه ,وبسبه يعتلي البنيان ما شاء .فاحكم الساس ,واحفظ القوة ,ودم على المية ,واستفرغ اذا زاد
بك اللط ,والقصد القصد وقد بلغت الراد ,وال فما دامت القوة ضعيفة والادة الفاسدة موجودة والستفراغ معدوما:
فاذا كمل البناء فبيضه بسن اللق والحسان ال الناس ,ث حطه بسور من الذر ,ل يقتحمه عدو ,ول تبدو منه العورة ,ث
أرخ الستور على أبوابه ,ث أقفل الباب العظم بالسكوت عما تشى عاقبته ,ث ركب له مفتاحا من ذكر ال به تفتحه وتغلقه,
فان فتحت فتحت بالفتاح وان أغلقت الباب أغلقته به ,فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تصنت فيه من أعدائك اذا طاف به
العدو ل يد منه مدخل فييأس منك .ث تعاهد بناء الصن كل وقت ,فان العدو اذا ل يطمع ف الدخول من الباب نقّب عليك
النقوب من بعيد بعاول الذنوب ,فان أهلت أمره وصل اليك النقب ,فاذا العدو معك ف داخل الصن فيصعب عليك
اخراجه ,وتكون معه على ثلث خلل:
اما أم يغلبك على الصن ,ويستول عليه ,واما أن يساكنك فيه ,واما أن يشغلك بقابلته عن تام مصلحتك ,وتعود ال سد
النقب ول شعث الصن.
واذا دخل نقبه اليك نالك منه ثلث آفات :افساد الصن ,والغارة على حواصله وذخائره ,ودللة السراق من بن جنسه
على عورته .فل تزال تبتلي منه بغارة بعد غارة حت يضعفوا قواك ويوهنوا عزمك فتتخلى عن الصن وتلي بينهم وبينه.
وهذه حال أكثر النفوس مع هذا العدو ,ولذا تراهم يسخطون ربم برضا أنفسهم ,بل برضا ملوق مثلهم ل يلك لم ضرا
ول نفعا ,ويضيعون كسب الدين بكسب الموال ,ويهلكون أنفسهم با ل يبقى لم ,ويرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم,
ويزهدون ف الخرة وقد هجمت عليهم ,ويالفون ربم باتباع أهوائهم ,ويتكلون على الياة ول يذكرون الوت ,ويذكرون
شهواتم وحظوظهم وينسون ما عهد ال اليهم ,ويهتمون با ضمنه ال لم ول يهتمون با أمرهم به ,ويفرحون بالدنيا ويزنون
على فوات حظهم منها ول يزنون على فوات النة وما فيها ول يفرحون باليان فرحهم بالدرهم والدينار ,ويفسدون حقهم
بباطلهم وهداهم بضللم ومعروفهم بنكرهم ,ويلبسون ايانم بظنونم ,ويلطون حللم برامهم ,ويترددون ف حية آبائهم
وأفكارهم ,ويتركون هدى ال الذي أهداه اليهم .ومن العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب الصن ف هدم حصنه بيديه.
120
[ ]96أركان الكفر
فالكب ينعه النقياد ,والسد ينعه قبول النصيحة وبذلا ,والغضب ينعه العدل ,والشهوة تنعه التفرّغ للعبادة .فاذا اندم
ركن الكب سهل عليه النقياد ,واذا اندم ركن السد سهل عليه قبول النصح وبذله ,واذا اندم ركن الغضب سهل عليه
العدل والتواضع ,واذا اندم ركن الشهوة سهل عليه الصب والعفاف والعبادة.
وزوال البال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الربعة عمن ابتلي با ,ول سيما اذا صارت هيئات راسخة وملكات وصفات
ثابتة ,فانه ل يستقيم له معها عمل البتة ول تزكو نفسه مع قيامها با .وكلما اجتهد ف العمل أفسدته عليه هذه الربعة ,وكل
الفات متولدة منها .واذا استحكمت ف القلب أرته الباطل ف صورة الق ,والق ف صورة الباطل ,والعروف ف صورة
النكر ,والنكر ف صورة العروف ,وقربت منه الدنيا ,وبعدت عنه الخرة ,واذا تأملت كفر المم رأيته ناشئا منها ,وعليها يقع
العذاب ,وتكون خفته وشدته بسب خفتها وشدتا .فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجل وآجل ,ومن
أغلقها على نفسه أغلق عنه أبواب الشرور ,فانا تنع النقياد والخلص والتوبة والنابة وقبول الق ونصيحة السلمي
والتواضع ل وللقه.
ومنشأ هذه الربعة من جهله بربه وجهله بنفسه ,فانه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت اللل ,وعرف نفسه بالنقائص
والفات ,ل يتكب ول يغضب لا ول يسد أحدا على ما أتاه ال ,فانه السد ف القيقة نوع من معاداة ال ,فانه يكره نعمة
ال على عبده وقد أحبها ال ,ويب زوالا عنه ويكره ال ذلك .فهو مضاد ل ف قضائه وقدره ومبته وكراهته ,ولذلك كان
ابليس عدوه حقيقة لن ذنبه كان عن كب وحسد .فقلع هاتي الصفتي بعرفة ال وتوحيده ,والرضا به وعنه ,والنابة اليه,
وقلع الغضب بعرفة النفس وأنا ل تستحق أن يغضب لا وينتقم لا ,فان ذلك ايثار لا بالغضب والرضا على خالقها وفاطرها,
وأعظم ما تدفع به هذه الفة أن يعوّدها أن تغضب له سبحانه وترضى له ,فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج
منها مقابله من الغضب والرضا لا ,وكذا بالعكس.
وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والعرفة بأن اعطاءها شهواتا أعظم أسباب حرمانا اياها ومنعها منها .وحيتها أعظم
أسباب اتصالا اليها ,فكلما فتحت عليك باب الشهوات منت ساعيا ف حرمانا اياها ,وكلما أغلقت عنها ذلك الباب كنت
ساعيا ف ايصالا على أكمل الوجوه.
فالغضب مثل السبع اذا أفلته صاحبه بدأ بأكله ,والشهوة مثل النار اذا أضرمها صاحبها بدأت برقه ,والكب بنلة منازعة
اللك ملكه فان ل يهلكك طردك عنه ,والسد بنلة معاداة من هو أقد منك ,والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من
ظله .ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله (أي ياف).
121
[( ]97فصل عظيم النفع)
الهال بأساء ال وصفاته
الهال بأساء ال وصفاته العطلون لقائقها يبغضون ال ال خلقه ,ويقطعون عليهم طريق مبته والتودد اليه بطاعته من حيث
ل يعلمون .ونن نذكر من ذلك أمثلة تتذى عليها:
فمنها أنم يقررون ف نفوس الضعفاء أن ال سبحانه ل تنفع معه طاعة ,وان طال زمانا وبالغ العبد وأتى با بظاهره وباطنه.
وأن العبد ليس على ثقة ول أمن من مكروه ,بل شأنه سبحانه أن يأخذ الطيع التقي من الحراب ال الاخور ,ومن التوحيد
والسبحة ال الشرك والزمار .ويقلب قلبه من اليان الالص ال الكفر .ويروون ف ذلك آثارا صحيحة ل يفهموها ,وباطلة
ل يقلها العصوم ,ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد ,ويتلون على ذلك قوله تعال {:ول يسأل عما يفعل} النبياء ,23
وقوله {:أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال ال القوم الاسرون}العراف ,99وقوله {:واعلموا أن ال يول بي الرء
وقلبه}النفال ,24ويقيمون ابليس حجة لم على هذه العرفة وأنه كان طاووس اللئكة ,وأنه ل يترك ف السماء رقعة ,ول
ف الرض بقعة ال وله فيها سجدة أو ركعة ,لكن جن عليه جان القدر ,وسطا عليه الكم ,فقلب عينه الطيبة ,وجعلها
أخبث شيء ,حت قال بعض عارفيهم :انك ينبغي أن تاف ال كما تاف السد الذي يثب عليك بغي جرم منك ول ذنب
أتيته اليه .ويتجون بقول النب صلى ال عليه وسلم ":ان أحدكم ليعمل بعمل أهل النة حت ما يكون بينه وبينها ال ذراع,
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" البخاري ف بدء اللق 303\6رقم ( )3208ومسلم ف القدر \4
2036رقم ( )1وف غي مواقع .ويروون عن بعض السلف :أكب الكبائر المن من مكر ال والقنوط من رحة ال.
وذكر المام أحد عن عون بن عبد ال أو غيه أنه سع رجل يدعو :اللهم تؤمن مكرك ,فأنكر ذلك وقال :اللهم ل تعلن
من يأمن مكرك .وبنوا هذا على أصلهم الباطل وهو انكار الكمة والتعليل والسباب ,فل يفعل لشيء ول بشيء ,وأنه يوز
عليه أن يعذب أهل طاعته أشد العذاب ,وينعّم أعدائه وأهل معصيته بزيل الثواب ,وأن المرين بالنسبة اليه سواء ,ول يعلم
امتناع ذلك ال بب من الصادق أنه ل يفعله .فحينئذ يعلم امتناعه لوقوع الب بأنه ل يكون ,ل لنه ف نفسه باطل وظلم ,فان
الظلم ف نفسه مستحيل ,فانه غي مكن .بل هو بنلة جعل السم الواحد ف مكاني ف آن واحد .فهذا حقيقة الظلم عندهم.
فاذا رجع العال ال نفسه قال :من ل يستقر له أمر ,ول يؤمن له مكر ,كيف يوثق بالتقرّب اليه؟ وكيف يعول على طاعته
واتباع أوامره ,وليس بنا سوى هذه الدة اليسية؟ فاذا هجرنا فيها اللذات وتركنا الشهوات وتكلفنا أثقال العبادات ,وكنا مع
ذلك على غي ثقة منه أن يقلب علينا اليان كفرا ,والتوحيد شركا ,والطاعة معصية ,والب فجورا ,ويدي علينا العقوبات ,كنا
خاسرين ف الدنيا والخرة.
فاذا استحكم هذا العتقاد ف قلوبم ,وتمّر ف نفوسهم ,صاروا اذا مروا بالطاعات وهجر اللذات بنلة انسان جعل يقول
لولده :معلمك ان كتبت وأحسنت وتأدبت ول تعصه ربا أقام لك حجة وعاقبك ,وان كسلت وبطلت وتعطلت وتركت ما
122
أمرك به ربا قربك وكرمك ,فيودع بذا القول قلب الصب ما ل يثق بعده ال وعيد العلم على الساءة ,ول وعده على
الحسان ,وان كب الصب وصلح للمعاملت والناصب قال له :هذا سلطان بلدنا يأخذ اللص من البس فيجعله وزيرا أميا,
ويأخذ الكيّس الحسن فيخلّده ف البس ويقتله ويصلبه .فاذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه ,وجعله على غي ثقة من وعد
ووعيده ,وأزال مبته من قلبه ,وجعله يافه مافة الظال الذي يأخذ الحسن بالعقوبة ,والبيء بالعذاب ,فأفلس هذا السكي
من اعتقاد كون العمال نافعة أو ضارة ,فل بفعل الي يستأنس ,ول بفعل الشر يستوحش ,وهل هو تنفي عن ال وتبغيضه
ال عباده أكثر من هذا؟ ولو اجتهد اللحدة على تبغيض الدين والتنفي عن ال لا أتوا بأكثر من هذا.
وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ,ويرد على أهل البدع وينصر الدين ,ولعمر ال العدو العاقل أقل ضررا
من الصديق الاهل .وكتب ال النلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ول سيما القرآن .فلو سلك الدعاة السلك الذي
دعا ال ورسوله به الناس لصلح العال صلحا ل فساد معه ,فال سبحانه أخب وهو الصادق الوف :أنه انا يعمل الناس بكسبهم
ويازيهم بأعماللهم ول ياف الحسن لديه ظلما ول هضما ,ول ياف بسا ول رهقا ,ول يضيع عمل مسن أبدا ,ول يضيع
على العبد مثقال ذرة ,ول يظلمها ,وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ,وان كان مثقالبة من خردل جازاه
با ول يضيعها عليه .وأنه يزي بالسيئة مثلها ويبطها بالتوبة والندم والستغفار والسنات والصائب ,ويزي بالسنة عشر
أمثالا ويضاعفها ال سبعمائة ضعف ال أضعاف كثية.
وهو الذي أصلح الفسدين وأقبل بقلوب العرضي وتاب على الذنبي ,وهدى الضالي ,وأنقذ الالكي ,وعلم الاهلي,
وبصّر التحيين ,وذكر الغافلي ,وآوى الشاردين .واذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ,ودعوة العبد ال الرجوع
اليه والقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة ,حت اذا أيس من استجابته ,والقرار بربوبيته ووحدانيته ,أخذه ببعض كفره وعتوّه
وترّده ,بيث يعذر العبد من نفسه ,ويعترف بأنه سبحانه ل يظلمه ,وأنه هو الظال لنفسه ,كما قال تعال {:فاعترفوا بذنبهم
فسحقا لصحاب السعي} اللك ,11وقال عمن أهلكهم ف الدنيا انم لا رأوا آياته ,وأحسوا بعذابه {:قلوا يا ويلنا لنا كنا
ظالي * فما زالت تلك دعواهم حت جعلناهم حصيدا خامدين} النبياء ,14,15وقال أصحاب النة (وهم أصحاب
الديقة أو البستان الت حكى القرآن قصتهم ف سورة القلم وكانت النة لرجل يؤدي حق ال تعال منها فلما مات صار ال
بنيه فمنعوا الناس خيها وبلوا بق ال فيها فأهلكها ال .الامع لحكام القرآن ,156\18وتفسي ابن كثي )406\4الت
أفسدها عليهم لا رأوها قالوا {:سبحان ربنا انا كنا ظالي}القلم ,29وقال السن :لقد دخلوا النار وانّ حده لفي قلوبم ما
وجدوا عليه حجة ول سبيل .ولذا قال تعال {:فقطع دابر القوم الذين ظلموا والمد ل رب العالي} النعام .45
فهذه الملة ف موضع الال أي قطع دابرهم كونه سبحانه ممودا على ذلك ,فقطع دابرهم قطعا مصاحبا لمده ,فهو قطع
واهلك يمد عليه الرب تعال لكمال حكمته وعدله ووضعه العقوبة ف موضعها الذي ل يليق به غيها .فوضعها ف الوقع
الذي يقول من علم الال :ل تليق العقوبة ال بذا الحل ,ول يليق به ال العقوبة .ولذا قال عقيب اخباره عن الكم بي
عباده ,ومصي أهل السعادة ال النة ,وأهل الشقاء ال النار {:قضي بينهم بالق وقيل المد ل رب العالي} الزمر ,75
فحذف فاعل القول اشعارا بالعموم وأن الكون كله قال {:المد ل رب العالي} لا شاهدوا من حكمة الق وعدله وفضله.
123
ولذا قال ف حق أهل النار {:قيل ادخلوا أبواب جهنم}الزمر ,72كأن الكون كله يقول ذلك حت تقوله أعضاءهم
وأرواحهم وأرضهم وساؤهم ,وهو سبحانه يب أنه اذا أهلك أعداءه نّى أولياءه ول يعمهم باللك بحض الشيئة.
ولا سأله نوح ناة ابنه أخبه أنه يغرقه بسوء أعماله وكفره ,ول يقل ان أغرقه بحض مشيئت وارادت بل سبب ول ذنب.
وقد ضمن سبحانه زيادة الداية للمجاهدين ف سبيله ول يب أنه يضلهم ويبطل سعيهم.
وكذلك ضمن زيادة الداية للكتقي الذين يتبعون رضوانه ,وأخب أنه ل يضل ال الفاسقيت الذين ينقضون عهده من بعد
ميثاقه ,وأنه انا يضل من آثر الضلل واختاره على الدى ,فيطبع حينئذ على سعه وقلبه ,وانه يقلب قلب من ل يرض بداه اذا
جاءه ول يؤمن به ,ودفعه وردّه ,فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لا تققه وعرفه ,وأنه سبحانه لو علم ف تلك
الحال الت حكم عليها بالضلل والشقاء خيا لفهمها وهداها ,ولكنها ل تصلح لنعمته ول تليق با كرامته.
وقد أزاح سبحانه العلل ,وأقام الجج ,ومكّن من أسباب الداية ,وأنه ل يضل ال الفاسقي الضالي الظالي ,ول يطبع ال
على قلوب العتدين ,ول يركس ف الفتنة ال النافقي بكسبهم ,وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عي كسبهم
وأعمالم كما قال {:كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون} الطففي ,14وقال عن أعدائه اليهود {:وقولم قلوبنا
غلف بل طبع ال عليها بكفرهم} النساء ,155وأخب أنه ل يضل من هداه حت يتبي له ما يتقى ,فيختار لشقوته وسوء
طبيعة الضلل على الدى والغي على الرشاد ,ويكون مع نفسه وشيطانه وعدو ربه عليه.
وأما الكر الذي وصف به نفسه ,فهو مازاته للماكرين بأوليائه ورسله ,فيقابل مكرهم السيء بكره السن ,فيكون الكر
منهم أقبح شيء ,ومنه أحسن شيء لنه عدل ومازاة .وكذلك الخادعة منه جزاء على مادعة رسله وأوليائه ,فل أحسن من
تلك الخادعة والكر.
وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل النة حت ما يكون بينه وبينها ال ذراع فيسبق عليه الكتاب ,فان عمل أهل النة فيما
يظهر للناس ,ولو كان عمل صالا مقبول للجنة قد أحبه ال ورضيه ول يبطله عليه.
وقوله ":ل يبق بينه وبينها ال ذراع" يشكل على هذا التأويل ,فيقال :لا كان العمل بآخره وخاتته ل يصب هذا العامل على
عمله حت يتم له ,بل كان فيه آفة كامنة ,ونكتة خذل با ف آخر عمره ,فخانته تلك الفة الداهية الباطنة ف وقت الاجة,
فرجع ال موجبها وعملت عملها ,ولو ل يكن هناك غش وآفة ل يقلب ال ايانه ,لقد أورده مع صدقه فيه واخلصه بغي
سبب منه يقتضي افساده عليه ,وال يعلم من سائر العباد ما ل يعلمه بعضهم من بعض.
124
وأما شأن ابليس :فان ال سبحانه قال للملئكة {:ان أعلم ما ل تعلمون} البقرة ,30فالرب تعال كان يعلم ما ف قلب
ابليس من الكفر والكب والسد ما ل يعلمه اللئكة ,فلما أمروا بالسجود ,ظهر ما ف قلوبم من الطاعة والحبة والشية
والنقياد ,فبادروا ال المتثال ,وظهر ما ف قلب عدوه من الكب والغش والسد ,فأب واستكب ,وكان من الكافرين.
وأما خوف أوليائه من مكره فحق ,فانم يافون أن يذلم بذنوبم وخطاياهم فيصيون ال الشقاء ,فخوفهم من ذنوبم
ورجاؤهم لرحته ,وقوله {:أفأمنوا مكر ال} العراف ,99انا هو حق الفجار والكفار.
ومعن الية :فل يعصي ويأمن مقابلة ال له على مكر السيئات بكره ال القوم الاسرون .والذي يافه العارفون بال من
مكره أن يؤخر عنهم عذاب الفعال فيحصل منهم نوع اغترار ,فيأنسوا بالذنوب ,فيجيئهم العذاب على غرّة وفترة.
وأمر آخر :وهو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنهم اذا تلوا عن ذكره وطاعته ,فيسرع اليهم البلء والفتنة فيكون
مكره بم تليه عنهم.
وأمر آخر :أن يعلم من ذنوبم وعيوبم ما ل يعلمونه من نفوسهم ,فيأتيهم الكر من حيث ل يشعرون.
وأمر آخر :أن يتحنهم ويبتليهم با ل صب لم عليه ,فيفتنون به ,وذلك مكر.
السنة شجرة ,والشهور فروعها ,واليام أغصانا ,والساعات أوراقها ,والنفاس ثرها .فمن كانت أنفاسه ف طاعة ,فثمرة
شجرته طيبة ,ومن كانت ف معصية فثمرته حنظل .وانا يكون الذاذ يوم العاد ,فعند الذاذ يتبي حلو الثمار من مرّها.
والخلص والتوحيد شجرة ف القلب ,فروعها العمال ,وثرها طيب الياة ف الدنيا والنعيم القيم ف الخرة .وكما أن ثار
النة ل مقطوعة ول منوعة ,فثمرة التوحيد والخلص ف الدنيا كذلك .والشرك والكذب والرياء شجرة ف القلب ,ثرها ف
الدنيا الوف والمم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب ,وثرها ف الخرة الزقّوم والعذاب القيم وقد ذكر ال هاتي الشجرتي
ف سورة ابراهيم.
اذا بلغ العبد أعطى عهده الذي عهده اليه خالقه ومالكه ,فاذا أخذ عهده بقوة وقبول ,وعزم على تنفيذ ما فيه ,صلح
للمراتب والناصب الت يصلح لا الوفون بعهودهم ,فاذا هز نفسه عند أخذ العهد ,وانتخاها وقال :قد أهّلت لعهد رب ,فمن
أول بقبوله وفهمه وتنفيذه من؟ فحرص أول على فهم عهده وتدبره ومعرفة وصايا سيده له ,ث وطّن نفسه على امتثال ما ف
عهده ,والعمل به ,وتنفيذه حسبما تضمّن عهده ,فأبصر بقلبه حقيقة العهد وما تضمنه ,فاستحدث هة أخرى ,وعزية غي
125
العزية الت كان فيها وقت الصبا ,قبل وصول العهد ,فاستقال من ظلمة غرة الصبا والنقياد للعادة والنشأ ,وصب على شرف
المة وهتك ستر الظلمة ال نةر اليقي ,فأدرك بقدر صبه وصدق اجتهاده ما وهبه ال له من فضله.
فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية ,وقلب يعقل ما تعيه الذن .فاذا سع وعقل ,واستبانت له الادة ,ورأى عليها
تلك العلم ,ورأى أكثر الناس منحرفي عنها يينا وشال فلزمها ,ول ينحرف مع النحرفي الذين كان سبب انرافهم عدم
قبول العهد ,أو قبلوه بكره ,ول يأخذوه بقوة ول عزية ,ول حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره ,والعمل با فيه ,وتنفيذ وصاياه ,بل
عرض عليهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة ,وما ألفوا عليه الباء والمهات ,فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف با
وجد عليه آباءه وسلفه ,وعادته ل تكفي من يمع هه وقلبه على فهم العهد والعمل به ,حت كأن ذلك العهد أتاه وحده,
وقيل له :تأمل ما فيه ث اعمل بوجبه ,فاذا ل يتلق عهده هذا التلقي أخلد ال سية القرابة ,وما استمرت عليه عادة أهله
وأصحابه وجيانه وأهل بلده ,فان علت هته أخلد ال ما عليه سلفه ومن تقدمه من غي التفات ال تدبر العهد وفهمه ,فرضي
لنفسه أن يكون دينه دين العادة.
فاذا شامه الشيطان ورأى هذا مبلغ هته وعزيته ,رماه بالعصبية والمية للباء وسلفه ,وزيّن له أن هذا هو الق وما خالفه
باطل ,ومثل له الدى ف صورة الضلل ,والضلل ف صورة الدى ,بتلك العصبية والمية الت أسست على غي علم ,فرضاه
أن يكون مع عشيته وقومه ,له ما لم ,وعليه ما عليهم ,فخذل عن الدى ووله ال ما تولّى ,فلو جاءه كل هدى يالف قومه
وعشيته ل يره ال ضللة .واذا كانت هته أعلى من ذلك وأشرف وقدره أعلى ,أقبل على حفظ عهده وفهمه وتدبره ,وعلم
أن لصاحب العهد شأنا ليس كشأ ،غيه ,فأخذ نفسه بعرفته من العهد نفسه ,فوجده قد تعرف اليه وعرفه نفسه وصفاته
وأساءه وأفعاله وأحكامه ,فعرف من ذلك العهد قيوما بنفسه ,مقيما لغيه ,غنيا عن كل ما سواه ,وكل ما سواه فقي اليه,
مستو على عرشه فوق جيع خلقه ,يرى ويسمع ,ويرضى ويغضب ,ويب ويبغض ,ويدبر أمر ملكته ,وهو فوق عرشه
متكلم ,آمر ناه ,يرسل رسله ال أقطار ملكته بكلمه الذي يسمعه من يشاء من خلقه ,وأنه قائم بالقسط ,ماز بالحسان
والساءة ,وأ،ه حليم غفور ,شكور جواد مسن ,موصوف بكل كمال ,منّه عن كل عيب ونقص ,وأنه ل مثل له.
ويشهد حكمته ف تدبي ملكته ,وكيف يقدّر مقاديره بشيئته ,غي مضادة لعدله وحكمته ,وتظاهر عنده العقل والشرع
والفطرة ,فصدق كل منهما صاحبيه ,وفهم عن ال سبحانه ما وصف به نفسه ف كتابه من حقائق أسائه الت نزل با الكتاب,
وبا نطق ,ولا أثبت وحقق ,وبا تعرف ال عباده ,حت أقرّت به العقول ,وشهدت به الفطر.
فاذا عرف بقلبه وتيقن صفات صاحب العهد ,أشرقت أنوارها على قلبه ,فصارت له كالعاينة ,فرأى حينئذ تعلقها باللق
والمر,وارتباطهما با ,وسريان آثارها ف العال السي والعال الروحي ,ورأى تصرفها ف اللئق ,كيف عمّت وخصّت,
وقرّبت وأبعدت ,وأعطت ومنعت ,فشهد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحته ,واجتمع له اليان بلزوم حجته,
مع نفوذ أقضيته ,وكمال قدرته ,مع كمال عدله وحكمته ,وناية علوّه على جيع خلقه,مع احاطته ومعيّته ,وعظمته وجلله,
وكبيائه وبطشه وانتقامه ,مع رحته وبره ولطفه وجوده وعفوه وحلمه ,ورأى لزوم الجة مع قهر القادير الت ل خروج
126
لخلوق عنها .وكيف اصطحاب الصفات وتوافقها ,وشهادة بعضها لبعض ,وانعطاف المة الت هي ناية وغاية على القادير
الت هي أول وبداية .ورجوع فروعها ال اصولا ,ومبادئها ال غاياتا ,حت كأنه يشاهد مبادىء الكمة ,وتأسيس القضايا
على وفق الكمة والعدل والصلحة والرحة والحسان ,ل ترج قضية عن ذلك ال انقضاء الكوان ,وانفصال الحكام يوم
الفصل بي العباد ,وظهور عدله وحكمته ,وصدق رسله وما أخبت به عنه لميع الليقة ,انسها وجنّها ,مؤمنها وكافرها.
وحينئذ يتبي من صفات جلله ونعوت كماله للخلق ما ل يكونوا يعرفونه قبل ذلك ,حت ان أعرف خلقه به ف الدنيا يثن
عليه يومئذ من صفات كماله ونعوت جلله ما ل يكن يسنه ف الدنيا ,وكما يظهر ذلك للقه تظهر لم السباب الت زاغ
با الزائغون ,وضلّ الضالّون ,وانقطع النقطعون ,فيكون الفرق بي العلم يومئذ بقائق الصفات والعلم با ف الدنيا كالفرق بي
العلم بالنة والنار ومشاهدتما أعظم من ذلك.
وكذلك يفهم من العهد كيف اقتضت أساؤه وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن ل يترك خلقه سدى ,وكيف اقتضت كا
تضمّنته من الوامر والنواهي ,وكيف اقتضت وقوع الثواب والعقاب والعاد ,وأن ذلك من موجبات أسائه وصفاته ,بيث ينّه
عما زعم أعداؤه من انكار ذلك ,ويرى شول القدرة ,واحاطتها بميع الكائنات ,حت ل يشذّ عنها مقال ذرة ,ويرى أنه لو
كان معه اله آخر لفسد هذا العال ,فكانت تفسد السموات والرض ومن فيهن.
وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم أو الوت لتدكدك هذا العال بأسره ,ول يثبت طرفة عي .ويرى مع ذلك السلم واليان
الذين تعبّد بما جيع عباده ,كيف انبعاثهما من الصفات القدسة ,وكيف اقتضيا الثواب والعقاب عاجل وآجل .ويرى مع
ذلك أنه ل يستقيم قبول هذا العهد والتزامه لن جحد صفاته ,وأنكر علوه على خلقه وتكلمه بكتبه وعهوده ,كما ل يستقيم
قبوله لن أنكر حقيقة سعه وبصره وحياه وارادته وقدرته ,وأن هؤلء هم الذين ردوا عهده وأبوا قبوله ,وأن من قبله منهم ل
يقبله بميع ما فيه ,وبال التوفيق.
خلق بدن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء ,وقرن بينهما .فاذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه ف الدمة ,وجدت
روحه خفة وراحة ,فتاقت ال الوضع الذي خلقت منه ,واشتاقت ال عالها العلوي .واذا أشبعه ونعّمه ونومه واشتغل بدمته
وراحته ,أخلد البدن ال الوضع الذي خلق منه ,فانذبت الروح معه ,فصارت ف السجن ,فلول أنا ألفت السجن لستغاثت
من أل مفرقتها وانقطاعها عن عالها الذي خلقت منه كما يستغيث العذّب.
127
وكلما ثقل وأخلد ال الشهوات والراحة ثقلت الروح وهبطت من عالها وصارت أرضية سفليّة ,فترى الرجل روحه ف
الرفيق العلى وبدنه عندك ,فيكون نائما على فراشه وروحه عند سدرة النهى تولول العرش ,وآخر واقف ف الدمة ببدنه
وروحه ف السفل تول حول السفليات .فاذا فارقت الروح البدن ,التحقت برفيقها العلى أو الدن ,فعند الرفيق العلى كل
قرّة عي ,وكل نعيم وسرور ,وبجة ولذة ,وحياة طيبة ,وعند الرفيق السفل كل هم وغم ,وضيق وحزن ,وحياة نكدة,
ومعيشة ضنك ,قال تعال {:ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا } طه .124
فذكره كلمه الذي أنزله على رسوله ,والعراض عنه ترك تدبره والعمل به .والعيشة الضنك ,فأكثر ما جاء ف التفسي
أناعذاب القب ,قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الدري وابن عباس .وفيه حديث مرفوع ( .ذكره ابن كثي ف تفسيه
عن أب سعيد الدري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ف قول ال عز وجل {:فان له معيشة ضنكا} قال ":ضمّة
القب له" .تفسي ابن كثي .169\3
وأصل الضنك ف اللغة :الضيق والشدة ,وكل ما ضاق فهو ضنك ,يقال :منل ضنك وعيش ضنك ,فهذه العيشة الضنك,
ف مقابلة التوسيع على النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة .فان النفس كلما وسعت عليها ضيّقت على القلب حت
تعيش معيشة ضنكا ,وكلما ضيّقت عليها وسعت على القلب حت ينشرح وينفسح .فضنك العيشة ف الدنيا بوجب التقوى
سعتها ف البزخ والخرة ,وسعة العيشة ف الدنيا بكم الوى ضنكها ف البزخ والخرة ,فآثر أحسن العيشتي وأطيبهما
وأدومها.
فأشق البدن بنعيم الروح ول تشق الروح بنعيم البدن ,فان نعيم الروح وشقاءها أدوم وأعظم ,ونعيم البدن وشقاءه أقصر
وأهون ,وال الستعان.
العارف ل يأمر الناس بترك الدنيا فانم ل يقدرون على تركها ,ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع اقامتهم على دنياهم ,فترك
الدنيا فضيلة ,وترك الذنوب فريضة .فكيف يؤمر بالفضيلة من ل يقم بالفريضة! فان صعب عليهم ترك الذنوب ,فاجتهد أن
تبب ال اليهم بذكر آلئه وانعامه واحسانه وصفات كماله ونعوت جلله ,فان القلوب مفطورة على مبته .فاذا تعلقت ببه
هان عليك ترك الذنوب ,والصرار عليها ,والستقلل منها ,وقد قال يي بن معاذ ":طلب العاقل لدنيا خي من ترك الاهل
لا".
العارف يدعو الناس ال ال من دنياهم ,فتسهل عليهم الجابة ,والزاهد يدعوهم ال ال بترك الدنيا ,فتشق عليهم الجابة.
فان الفطام عن الثدي الذي ما عقل النسان نفسه ال وهو يرتضع منه شديد ,ولكن تي من الرضعات أزكاهن وأفضلهن,
فان للب تأثيا ف طبيعة الرتضع ,ورضاع الرأة المقى يعود بمق الولد .وأنفع الرضاعة ما كان من الجاعة ,فان قويت على
مرارة الفطام وال فارتضع بقدر ,فان من البشم ما يقتل.
128
[ ]100رعاية القوق مع الضر ورعايتها مع العافية
ان عبدي كل عبدي الذي يذكرن وهو ملق قرنه {:يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعلكم
تفلحون} النفال .45ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع الدمة ,انا العجب من ضعيف سقيم تعتوره الشغال,
وتتلف عليه الحوال ,وقلبه ف الدمة ,غي متخلف با يقدر عليه.
النوع الول :معرفة واقرار ,وهي الت اشترك فيها الناس ,الب والفاجر ,والطيع والعاصي.
النوع الثان :معرفة توجب الياء منه ,والحبة له ,وتعلق القلب به ,والشوق ال لقائه ,وخشيته ,والنابة اليه ,والنس به,
والفرار من اللق اليه .وهذه هي العرفة الاصة الارية على لسان القوم ,وتفاوتم فيما ل يصيه ال الذي عرفهم بنفسه,
وكشف لقلوبم من معرفته ما أخفاه عن سواهم ,وكل أشار ال هذه العرفة بسب مقامه وما كشف له منها .وقد قال
أعرف اللق به ":ل أحصي ثناء عليك ,أنت كما أثنيت على نفسك" مسلم ف الصلة 352\1رقم .222وأخب انه
سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من مامده با ل يسنه الن.
ولذه العرفة بابان واسعان :باب التفكّر والتأمّل ف آيات القرآن كلها ,والفهم الاص عن ال ورسوله صلى ال عليه وسلم.
والباب الثان :التفكّر ف آياته الشهودة ,وتأمل حكمته فيها ,وقدرته ولطفه ,واحسانه وعدله ,وقيامه بالقسط على خلقه.
وجاع ذلك :الفقه ف معان أسائه السن ,وجللا وكمالا ,وتفرّده بذلك ,وتعلّقها باللق والمر ,فيكون فقيها ف أوامره
ونواهيه ,فقيها ف قضائه وقدره ,فقيها ف أسائه وصفاته ,فقيها ف الكم الدين الشرعي والكم الكون القدري ,و {:ذلك
فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم} الديد .21
الدراهم أربعة :درهم اكتسب بطاعة ال ,وأخرج ف حق ال ,فذاك خي الدراهم ,ودرهم اكتسب بعصية ,وأخرج ف
معصية ال ,فذاك شر الدراهم ,ودرهم اكتسب ف أذى مسلم ,وأخرج ف أذى مسلم فهو كذلك ,ودرهم اكتسب بباح,
وأنفق ف شهوة فذاك ل له ول عليه.
هذه أصول الدراهم ويتفرّع عليها دراهم أخر :منها درهم اكتسب بق وأنفق ف باطل ,ودرهم اكتسب بباطل وأنفق ف
حق فانفاقه كفّارته ,ودرهم اكتسب من شبهة فكفّارته أن ينفق ف طاعة ال.
129
وكما يتعلق الثواب والعقاب والدح والذم باخراج الدرهم فكذلك يتعلق باكتسابه .وكذلك يسأل عن مستخرجه ومصروفه
من أين اكتسبه وفيما أنفقه.
الواساة للمؤمني أنواع :مواساة بالال ,ومواساة بالاه ,ومواساة بالبدن والدمة ,ومواساة بالنصيحة والرشاد ,ومواساة
بالدعاء والستغفار لم ,ومواساة بالتوجع لم .وعلى قدر اليان تكون هذه الواساة .فكلما ضعف اليان ضعفت الواساة,
وكلما قوى قويت ,وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم أعظم مواساة لصحابه بذلك كله ,فلتباعه من الواساة بسب
اتباعهم له.
ودخلوا على بشر الاف ف يوم شديد البد وقد ترد وهو ينتفض ,فقالوا :ما هذا يا أبا نصر؟ فقال :ذكرت الفقراء وبردهم
وليس ل ما أواسيهم ,فأحببت أن أواسيهم ف بردهم.
الهل بالطريق وآفاتا والقصود يوجب التعب الكثي مع الفائدة القليلة ,فان صاحبه اما أن يتهد ف نافلة مع اضاعة الفرض,
أو ف عمل الوارح ل يواطئه عمل القلب ,أو عمل بالباطن والظاهر ل يتقيد بالقتداء ,أو هة ال عمل ل ترق صاحبها ال
ملحظة القصود ,أو عمل ل يترز من آفاته الفسدة له حال العمل وبعده ,أ ,عمل غفل فيه عن مشاهدة النّة ,فلم يتجرّد عن
مشاركة النفس فيه ,أو عمل ل يشهد تقصيه فيه ,فيقوم بعده ف مقام العتذارمنه ,أو عمل ل يوفّه حقه من النصح
والحسان ,وهويظن أنّه وفّاه ,فهذا كله ما ينقض الثمرة مع كثرة التعب ,وال الوفّق.
اذا عزم العبد على السفر ال ال تعال وارادته ,عرضت له الوادع والقواطع ,فيتخدع أول بالشهوات والرئاسات ,واللذ
والناكح واللبس ,فان وقف معها انقطع ,وان رفضها ول يقف معها وصدق ف طلبه ابتلي بوطء عقبه(كثي التباع) ,وتقبيل
يده ,والتوسعة له ف الجلس ,والشارة اليه بالدعاء ,ورجاء بركته ,ونو ذلك .فان وقف معه انقطع به عن ال وكان حظه
منه ,وان قطعه ول يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات ,فان وقف معها انقطع با عن ال وكانت حظّه ,وان ل يقف معها
ابتلي بالتجريد والتخلي ولذة المعية وعزة الةحدة والفراغ من الدنيا .فان وقف مع ذلك انقطع به عن القصود ,وان ل يقف
130
معه ,وسار ناظرا ال مراد ال منه ,وما يبه منه ,بيث يكون عبده الوقوف على مابه ومراضيه أين كانت وكيف كانت,
تعب با أو استراح ,تنعّم أو تألّم ,أخرجته ال الناس أو عزلته عنهم ,ل يتار لنفسه غي ما يتاره له سيده ووليه ,واقف مع
أمره ينفذ بسب المكان ,ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتا على مرضاة سيده وأمره .فهذا هو العبد الذي قد
وصل ,ونفذ ول يقطعه عن سيده شيء البتة ,وبال التوفيق.
النعم ثلثة :نعمة حاصلة يعلم با العبد ,ونعمة منتظرة يرجوها ,ونعمة هو فيها ل يشعر با ,فاذا أراد ال اتام نعمته على
عبده عرّفه نعمته الاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيّدها به حت ل تشرد ,فانا تشرد بالعصية ,وتقيّد بالشكر .ووفقه لعمل
يستجلب النعمة النتظرة ,وبصّره بالطرق ال تسدها وتقطع طريقها ,ووفقه لجتنابا .واذا با قد وافت اليه على أت الوجوه,
وعرّفه النعم الت هو فيها ول يشعر با.
ويكى أن أعرابيا دخل على الرشيد ,فقال يا أمي الؤمني ثبّت ال عليك النعم الت أنت فيها بادامة شكرها ,وحقق لك
النعم الت ترجوها بسن الظن به ودوام طاعته ,وعرّفك النعم الت أنت فيها ول تعرفها لتشكرها .فأعجبه ذلك منه وقال :ما
أحسن تقسيمه.
(قاعدة جليلة)
الواطر والفكار مبدأ كل علم نظري
مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الواطر والفكار ,فانا توجب التصورات ,والتصورات تدعو ال الرادات,
والرادات تقتضي وقوع الفعل ,وكثرة تكراره تعطي العادة .فصلح هذه الراتب بصلح الواطر والفكار ,وفسادها
بفسادها .فصلح الواطر بأن تكون مراقبة لوليها والها صاعدة اليه ,دائرة على مرضاته ومابه ,فانه سبحانه به كل صلح,
ومن عنده كل هدى ,ومن توفيقه كل رشد ,ومن تولّيه واعراضه عنه كل ضلل وشقاء .فيظفر العبد بكل خي وهدى ورشد,
بقدر اثبات عي فكرته ف آلئه ونعمه وتوحيده ,وطرق معرفته ,وطرق عبوديته ,وانزاله اياه حاضرا معه ,مشاهدا له ,ناظرا
اليه ,رقيبا عليه ,مطّلعا على خواطره وارادته وهّه فحينئذ يستحيي منه ,ويله أن يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليها
ملوق مثله ,أو يرى ف نفسه خاطرا يقته عليه.
فمت أنزل ربه هذه النلة منه رفعه وقرّبه منه ,وأكرمه واجتباه وواله ,وبقدر ذلك يبعد عنه الوساخ والدناءات والواطر
الرديئة والفكار الدنيئة .كما أنه كلما بعد منه وأعرض عنه قرب من الوساخ والدناءات والقذار ,ويقطع عنه جيع
الكمالت ويتصل بميع النقائص.
131
فالنسان خي الخلوقات ,اذا تقرّب من بارئه ,والتزم أوامره ونواهيه ,وعمل برضاته ,وآثره على هواه .وشرّ الخلوقات اذا
تباعد عنه ول يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته .فمت اختار التقرّب اليه ,وآثره على نفسه وهواه ,فقد حكّم قلبه
وعقله وايانه على نفسه وشيطانه ,وحكّم رشده على غيّه ,وهداه على هواه .ومت اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه
وشيطانه على عقله وقلبه ورشده.
واعلم أن الطرات والوساوس تؤدي متعلقاتا ال الفكر ,فيأخذها الفكر فيؤديها ال التذكر .فيأخذها الذكر فيؤديها ال
الرادة ,فتأخذها الرادة فتؤديها ال الوارح والعمل ,فتستحكم فتصي عادة ,فرّدها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتا
وتامها .فانا تجم عليه هجوم النفس ,ال ان قوة اليان والعقل تعينه على قبول أحسنها ,ورضاه به ,ومساكنته له ,وعلى دفع
أقبحها ,وكراهته له ,ونفرته منه كما قال الصحابة رضوان ال عليهم :يا رسول ال ,ان أحدنا يد ف نفسه ما لن يترق حت
يصي حمة أحب اليه من أن يتكلم به ,فقال":أوقد وجدتوه؟" قالوا :نعم ,قال" :ذاك صريح اليان" مسلم ف اليان \1
119رقم .209وف لفظ "المد ل الذي رد كيده ال الوسوسة" .أبو داود ف الدب باب رد الوسوسة 330 329\4
رقم .5112
وفيه قولن :أحدها :أن رده وكراهته صريح اليان .والثان :أن وجوده والقاء الشيطان له ف النفس صريح اليان ,فانه انا
ألقاه ف النفس طلبا لعارضة اليان وازالته به.
وقد خلق ال سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة الت ل تسكن ول بد لا من شيء تطحنه ,فان وضع فيها حب طحنته,
وان وضع فيها تراب أو حصى طحنته .فالفكار والواطر الت تول ف النفس هي بنلة الب الذي يوضع ف الرحى ,ول
تبقى تلك الرحى معطلة قط ,بل ل بد من شيء يوضع فيها ,فمن الناس من تطحن رحاه حبا يرج دقيقا ينفع به نفسه وغيه,
وأكثرهم يطحن رمل وحصى وتبنا ونو ذلك ,فاذا جاء وقت تاعجن والبز تبيّن له حقيقة طحينه.
فاذا دفعت الاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده ,وان قبلته صار فكرا جوّال ,فاستخدم الرادة فتساعد هي والفكر على
استخدام الوارح ,قان تعذّر استخدامها رجعا ال القلب بالتمن والشهوة ,وتوجههوال جهة الراد .ومن العلوم أن اصلح
الواطر أسهل من اصلح الفكار ,واصلح الفكار أسهل من اصلح الرادات ,واصلح الرادات أسهل من تدارك فساد
العمل ,وتداركه أسهل من قطع العوائد .فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما ل يعنيك ,فالفكر ف ما ل
يعن باب كل شر ,ومن فكّر فيما ل يعنيه ,فاته ما يعنيه ,واشتغل عن أنفع الشياء له با ما ل منفعة له فيه ,فالفكر والواطر,
والرادة والمة أحق شيء باصلحه من نفسك ,فان هذه خاصتك وحقيقتك الت تبتعد با أو تقرب با من الك ومعبودك
الذي ل سعادة لك ال ف قربه ورضاه عنك ,وكل الشقاء ف بعدك عنه وسخطه عليك ,ومن كان ف خواطره ومالت فكره
دنيئا خسيسا ل يكن ف سائر أمره ال كذلك.
132
وايّاك أ ،تكّن الشيطان من بيت أفكارك واراداتك ,فانه يفسدها عليك فسدا يصعب تداركه ,ويلقي اليك أنواع الوساوس
والفكار الضرّة ,ويول بينك وبي الفكر فيما ينفعك ,وأنت الذي أعنته على نفسك ,بتمكينه من قلبك وخوطرك فملكها
عليك .فمثلك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيّد البوب ,فأتاه شخص معه حل تراب وبعر فحم وغثاء ليطحنه ف
طاحونه ,فان طرده ول يكنه من القاء ما معه ف الطاحون استمر على طحن ما ينفعه ,وان مكّنه من القاء ذلك ف الطاحون
أفسد ما فيها من الب وخرج الطحي كله فاسدا .والذي يلقيه الشيطان ف النفس ل يرج عن الفكر فيما كان ودخل ف
الوجود لو كان على خلف ذلك ,وفيما ل يكن لو كان كيف كان يكون .أ ,فيما يلك الفكر فيه من أنواع الفواحش
والرام ,أو ف خيالت وهية ل حقيقة لا أو ف باطل ,أو فيما ل سبيل ال ادراكه من أنواع ما طوى عنه علمه ,فيلقيه ف
تلك الواطر الت ل يبلغ منها غاية ,ول يقف منها على ناية ,فيجعل ذلك مال فكره ومسرح هّه.
وجاع اصلح ذلك :أن تشغل فكرك ف باب العلوم والتصورات بعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه ,وف الوت وما بعده
ال دخول النة والنار .وف آفات العمال وطرق التحرز منها .وف باب الرادات والعزوم أن تشغل نفسك بارادة ما ينفعك
ارادته ,وطرح ارادة ما يضرك ارادته .وعند العارفي أن تنّى اليانة واشغال الفكر والقلب با أضر على القلب من نفس
اليانة ,ول سيما اذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتا ,فان تنيها يشغل القلب با ويلؤه منها ويعلها هه ومراده.
وأنت تد ف الشاهد أن اللك ف البشر اذا كان ف بعض حاشيته وخدمه من هو متمن ليانته مشغول القلب والفكر با
متلىء منها ,وهو مع ذلك ف خدمته وقضاء أشغاله ,فاذا اطّلع على سره وقصده ,مقته غاية القت ,وأبغضه ,وقابله با
يستحقّه ,وكان أبغض اليه من رجل بعيد عنه جن بعض النايات وقلبه وسره مع اللك غي منطو على تنّي اليانة ومبتها
والرص عليها ,فالوّل يتركها عجزا واشتغال با هو فيه وقلبه منلىء با ,والثان يفعلها وقلبه كاره لا ليس فيه اضمار اليانة
ول الصرار عليها ,فهذا أحسن حال وأسلم علقبة من الول.
وبالملة ,فالقلب ل يلو قط من الفكر اما ف واجب آخرته ومصالها ,واما ف مصال دنياه ومعاشه ,واما ف الوساوس
والمان الباطلة والقدرات الفروضة .وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور با يلقى فيها ,فان ألقيت فيها حبا دارت به,
وان ألقيت فيها حصى وزجاجا وبعرا دارت به ,وال سبحانه هو قيّم تلك الرحى ومالكها ومصرّفها وقد أقام لا ملكا يلقي
فيها ما ينفعها فتدور به ,وشيطانا يلقي فيها ما يضر فتدور به ,فاللك يلم مرة والشيطان يلم با مرة ,فالب الذي يلقيه اللك
ايعاد بالي وتصديق بالوعد ,والب الذي يلقيه الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالوعد .والطحي على قدر الب ,وصاحب
الب الضر ل يتمكن من القائه ال اذا وجد الرحى فارغة من الب وقيّمها قد أهلها وأعرض عنها ,فحينئذ يبادر ال القاء ما
معه فيها.
وبالملة ,فقيّم الرحى اذا تلى عنها وعن اصلحها وعن القاء الب النافع فيها وجد العدو السبيل ال افسادها وادارتا با
معه .وأصل صلح هذه الرحى بالشتغال با يعنيك ,وفاسدها كله الشتغال با ل يعنيك ,وما أحسن ما قال بعض العقلء :لا
133
وجدت أنواع الذخائر منصوبة غرضا للمتالف ,ورأيت الزوال حاكما عليها مدركا لا ,انصرفت عن جيعها ال ما ل ينازع
فيه ذو الجا أنه أنفع الذخائر وأفضل الكاسب وأربح التاجر ,وال الستعان.
قال شفيق بن ابرهيم :أغلق باب التوفيق عن اللق من ستة أشياء :اشتغالم بالنعمة عن شكرها .ورغبتهم ف العلم ,وتركهم
العمل .والسارعة ال الذنب وتأخي التوبة .والغترار بصحبة الصالي وترك القتداء بفعالم .وادبار الدنيا عنهم وهم يتبعونا.
واقبال الخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت :وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة ,وأصله ضعف اليقي ,وأصله ضعف البصية ,وأصله مهانة النفس ودناءتا واستبدالا
بالذي هو خي .وال فلو مانت النفس شريفة كبية ل ترض بالدون .فأصل الي كله -بتوفيق ال ومشيئته -وشرف النفس
وكبها ونبلها .وأصل الشر خستها ودناءتا وصغرها ,قال تعال {:قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها} الشمس 9
, 10أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونّاها بطاعة ال ,وخاب من صغّرها وحقّرها بعاصي ال.
فالنفوس الشريفة ل ترضى من الشياء ال بأعلها وأفضلها وأحدها عاقبة ,والنفوس الدنيئة توم حول الدناءات وتقع عليها
كما يقع الذباب على القذار .فالنفس الشريفة العليّة ل ترضى بالظلم ول بالفواحش ول بالسرقة واليانة ,لنا أكب من ذلك
وأجل .والنفس الهينة القية السيسة بالضد من ذلك .فكل نفس تيل ال ما يناسبها ويشاكلها ,وهذا معن قوله تعال {:قل
كل يعمل على شاكلته} السراء ,84أي على ما يشاكله ويناسبه ,فهو يعمل على طريقته الت تناسب أخلقه وطبيعته ,وكل
انسان يري على طريقته ومذهبه وعاداته ال ألفها وجبل عليها .فالفاجر يعمل با يشبه طريقته من مقابلة النعم بالعاصي,
والعراض عن النعم ,والؤمن يعمل با يشاكله من شكر النعم ,ومبته والثناء عليه ,والتودد اليه والياء منه ,والراقبة له,
وتعظيمه واجلله.
من ل يعرف نفسه ,كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن اللع تعال قد خلق ف صدرك بيتا وهو القلب ,ووضع ف صدره عرشا
لعرفته ,يستوي عليه الثل العلى ,فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه ,والثل العلى من معرفته ومبته وتوحيده مستو
على سرير القلب ,وعلى السرير بساط من الرضا .ووضع عن يينه وعن شاله مرافق شرائعه وأوامره ,وفتح اليه بابا من جنة
رحته ,والنس به ,والشوق ال لقائه ,وأمطره من وابل كلمه .ما أنبت فيه أصناف الرياحي ,والشجار الثمرة من أنواع
الطاعات ,والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعل ف وسط البستان شجرة معرفة ,فهي {:تؤت أكلها كل حي باذن
ربا} ابراهيم ,25من الحبة والنابة والشية والفرح به والبتهاج بقربه .وأجرى ال تلك الشجرة ما يسقيها من تدبّر كلمه
وفهمه والعمل بوصاياه .وعلّق ف ذلك البيت قنديل ,أسرجه بضياء معرفته ,واليان به وتوحيده .فهو يستمد من{ :شجرة
134
مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار} النور .35ث أحاط عليه حائطا ينعه من دخول
الفات والفسدين ومن يؤذي البستان ,فل يلحقه أذاهم ,وأقام عليه حرسا من اللئكة يفظونه ف يقظته ومنامه ,ث أ‘ل
صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما هه اصلح السكن ول شعثه ,ليضاه السكن منل .واذا أحس بأدن شعث ف
السكن ,بادر ال اصلحه ,ولّه خشية انتقال السكن منه ,فنعم السكن ونعم السكن.
فسبحان ال رب العالي ,كم بي هذا البيت وبيت قد استول عليه الراب ,وصار مأوى للحشرات والوام ,ومل للقاء
النتان والقاذورات فيه .فمن أراد التخلي وقضاء الاجة وجد خربة ل ساكن فيها ,ول حافظ لا ,وهي معدة لقضاء الاجة,
مظلمة الرجاء ,منتنة الرائحة ,قد عمّها الراب ,وملتا القاذورات ,فل يأنس با ,ول ينل فيها ال من يناسبه سكنها من
الشرات ,والديدان والوام .الشيطان جالس على سريرها ,وعلى السرير بساط من الهل ,وتفق فيه الهواء ,وعن يينه
وشاله مرافق الشهوات ,وقد فتح اليه باب من حقل الذلن والوحشة ,والركون ال الدنيا ,والطمأنينة با ,والزهد ف الخرة,
وأمطر من وابل الهل والوى والشرك والبدع ما أنبت فيه أصناف الشوك والنظل ,والشجار الثمرة بأنواع العاصي
والخالفات ,من الزوائد والتنديبات ,والنوادر والزليات والضحكات ,والشعار الغزليات ,والمريات الت تيج على ارتكاب
الحرمات ,وتزهد ف الطاعات .وجعل ف وسط القل شجرة الهل به والعراض عنه ,فهي تؤت أكلها كل حي من الفسوق
والعاصي ,واللهو واللعب ,والجون والذهاب مع كل ريح ,واتباع كل شهوة .ومن ثرها الموم والغموم والحزان واللم.
ولكنها متوارية باشتغال النفس بلهوها ولعبها ,فاذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم ,وحزن وقلق ,ومعيشة ضنك,
وأجرى ال تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الوى وطول المل والغرور.
ث ترك ذلك البيت وظلماته ,وخراب حيطانه ,بيث ل ينع منه مفسدة ,ول حيوان ول مؤذ ول قذر ,فسبحان خالق هذا
البيتوذاك البيت ,فمن عرف بيته وقدّر ما فيه من الكنوز والذخائر واللت انتفع بياته ونفسه ,ومن جهل ذلك جهل نفسه
وأضاع سعادته ,وبال التوفيق.
سئل سهل التستري :الرجل يأكل ف اليوم أكلة؟ قال :أكل الصديقي ,قيل له :فأكلتي؟ قال :أكل الؤمني ,قيل له ثلث
أكلت؟ فقال :قل لهله يبنوا له معلفا.
قال السود بن سال :ركعتي اصليه ل أحب ال من النة با فيها .فقيل له :هذا خطأ ,فقال :دعونا من كلمكم ,النة
رضى نفسي ,والركعتان رضى رب ,ورضى رب أحب ال من رضى نفسي.
العارف ف الرض ريانة من رياحي النة ,اذا شها الريد اشتاقت نفسه ال النة.
قلب الحب موضوع بي جلل مبوبه وجاله ,فاذا لحظ جلله هابه وعظّمه ,واذ لحظ جاله أحبه واشتاق اليه.
135
[ ]110من أنواع معرفة ال تعال
من الناس من يعرف ال بالود والفضال والحسان ,ومنهم من يعرفه بالعفو واللم والتجاوز ,ومنهم من يعرفه بالبطش
والنتقام ,ومنهم من يعرفه بالعلم والكمة ,ومنهم من يعرفه بالعزة والكبياء ,ومنهم من يعرفه بالرحة والب واللطف ,ومنهم
من يعرفه بالقهر واللك ,ومنهم من يعرفه باجابة دعوته واغاثة لفته وقضاء حاجته.
واعلم هؤلء معرفة من عرف من كلمه ,فانه يعرف ربا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت اللل ,منّه عن الثال,
بريء من النقائص والعيوب ,له كل اسم حسن وكل وصف كمال ,فعّال لا يريد ,فوق كل شيء ومع كل شيء ,وقادر على
كل شيء ,ومقيم لكل شيء ,آمر ناه متكلم بكلماته الدينية والكونية ,أكب من كل شيء ,وأجل من كل شيء ,أرحم
الراحي ,وأقدر القادرين ,وأحكم الاكمي .فالقرآن أنزل لتعريف عباده به ,وبصراطه الوصل اليه ,وبال السالكي بعد
الوصول اليه.
من الفات الفية العامة أن يكون العبد ف نعمة أنعم ال با عليه واختارها له ,فيملها العبد ويطلب النتقال منها ال ما يزعم
لهله أنه خي له منها ,وربه برحته ل يرجه من تلك النعمة ,ويعذره بهله وسوء اختياره لنفسه ,حت اذا ضاق ذرعا بتلك
النعمة وسخطها وتبّم با واستحكم ملله لا سلبه ال ايّاها .فاذا انتقل ال ما طلبه ورأى التفاوت بي ما كان فيه وصار اليه,
اشتد قلقه وندمه وطلب العودة ال ما كان فيه ,فاذا أراد ال بعبده خيا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه
ورضاه به ,وأوزعه شكره عليه ,فاذا حدثته نفسه بالنتقال عنه ,استخار ربه استخارة جاهل بصلحته عاجز عنها ,مفوض ال
ال طالب منه حسن اختياره له.
وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال ,فانه ل يراها نعمة ,ول يشكره عليها ,ول يفرح با ,بل يسخطها ,ويشكو ويعدّها
مصيبة .هذا وهي من أعظم نعم ال عليه ,فأكثر الناس أعداء نعم ال عليهم ,ول يشعرون بفتح ال عليهم نعمه ,وهم متهدون
ف دفعها وردها جهل وظلما .فكم سعت ال أحدهم من نعمة ,وهو ساع ف ردها بهده ,وكم وصلت اليه وهو ساع ف
دفعها وزوالا بظلمه وجهله ,قال تعال {:ذلك بأن ال ل يك مغيّرا نعمة أنعمها على قوم حت يغيّروا ما بأنفسهم}النفال
,53وقال تعال {:ان ال ل يغيّر ما بقوم حت يغيّروا ما بأنفسهم} الرعد .11
فليس للنعم أعدى من نفس العبد ,فهو مع عدوه ظهي على نفسه ,فعدوه يطرح النار ف نعمه وهو ينفخ فيها ,فهو الذي
مكّنه من طرح النار ث أعانه بالنفخ ,فاذا اشتدّ ضرامها استغاث من الريق وكان غايته معاتبة القدار:
136
حت اذا فات أمر عاتب القدرا وعاجز الرأي مضياع لفرصته
من أعز أنواع العرفة معرفة الرب سبحانه وتعال بالمال ,وهي معرفة خواص اللق ,وكلهم عرفه بصفة من صفاته ,وأتهم
معرفة من عرفه بكماله وجلله ,وجاله سبحانه ليس كمثله شيء ف سائر صفاته ,لو فرضت اللق كلهم على أجلهم صورة
وكلهم على تلك الصورة ,ونسبت جالم الظاهر والباطن ال جال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف ال قرص
الشمس.
ويكفي ف جاله "أنه لو كشف الجاب عن وجهه لحرقت سبحاته ما انتهى اليه بصره من خلقه" أخرجه مسلم ف كتاب
اليان .161\1ويكفي ف جاله أن كل جال ظاهر وباطن ف الدنيا والخرة فمن آُثار صنعته ,فما الظن بن صدر عنه هذا
المال.
ويكفي ف جاله أن له العزة جيعا ,والقوة جيعا ,والود كله ,والحسان كله ,والعال كله ,والفضل كله ,ولنور وجهه
أشرقت الظلمات كما قال النب صلى ال عليه وسلم ":أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ,وصلح عليه أمر الدنيا
والخرة" .اليثمي ف ممع الزوائد .35\6
وقال عبد ال بن مسعود :ليس عند ربكم ليل ول نار ,نور السموات وال{ض من نور وجهه ,فهو سبحانه نور السموات
والرض ,ويوم القيامة اذا جاء لفصل القضاء تشرق الرض بنوره .ومن أسائه السن "الميل" .وف الصحيحعنه صلى ال
عليه وسلم ":ان ال جيل يب المال" .أبو داود كتاب اللباس باب ما جاء ف الكب 59\4رقم .4091
وجاله سبحانه على أربعة مراتب :جال الذات ,وجال الصفات ,وجال الفعال ,وجال الساء .فأساؤه كلها حسن,
وصفاته كلها صفات كمال ,وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحة .وأما جال الذات وما هو عليه ,فأمر ل يدركه
سواه ,ول يعلمه غيه ,وليس عند الخلوقي منه ال تعريفات تعرّف با ال من أكرمه من عباده ,فان ذلك المال مصون عن
الغيار ,مجوب بستر الرداء والزار ,كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":الكبياء ردائي والعظمة ازاري" أبو داود
كتاب اللباس بال ما جاء ف الكب 59\4رقم .409ولا كانت الكبياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء ,فانه سبحانه
الكبي التعال فهو سبحانه العلي العظيم.
قال ابن عباس :حجب الذات بالصفات ,وحجب الصفات بالفعال ,فما ظنك بمال حجب بأوصاف الكمال ,وستر
بنعوت العظمة واللل.
137
ومن هذا العن يفهم البعض معان جال ذاته ,فانه العبد يترقّى من معرفة الفعال ال معرفة الصفات ,ومن معرفة الصفات ال
معرفة الذات فاذا شاهد شيئا من جال الفعال استدل به على جال الصفات ث استدل بمال الصفات على جال الذات .ومن
هاهنا يتبي أنه سبحانه له المد كله ,وأن أحدا من خلقه ل يصي ثناء عليه ,بل هو كما أثن على نفسه ,وأنه يستحق أن
يعبد لذاته ,ويشكر لذاته ,وأنه سبحانه يب نفسه ,ويثن على نفسه ,ويمد نفسه ,وأن مبته لنفسه ,وحده لنفسه ,وثناءه
على نفسه ,وتوحيده لنفسه ,هو ف القيقة المد والثناء والب والتوحيد ,فهو سبحانه كما أثن على نفسه ,وفوق كا يثن به
عليه خلقه ,وهو سبحانه كما يب ذاته يب صفاته وأفعاله ,فكل أفعاله حسن مبوب وان كان ف مفعولته ما يبغضه
ويكرهه ,فليس ف أفعاله ما هو مكروه مسخوط ,وليس ف الوجود ما يب لذاته ,ويمد لذاته ال هو سبحانه وتعال ,وكل
ما يب سواه فان كانت مبته تابعة لحبته سبحانه بيث يب لجله ,فمحبته صحيحة ,وال فهي مبة باطلة ,وهذا هو حقيقة
اللية ,فان ال الق هو الذي يب لذاته ويمد لذاته .فكيف اذا انضاف ال ذلك احسانه وانعامه ,وحلمه وتاوزه وعفوه
وبرّه ورحته؟
فعلى العبد أن يعلم أنه ل اله ال ال فيحبه ويمده لذاته وكماله ,وأن يعلم أنه ل مسن على القيقة بأصناف النعم الظاهرة
والباطنة ال هو ,فيحبه لحسانه وانعامه ,ويمده على ذلك ,فيحبه من الوجهي جيعا .وكما أمه ليس كمثله شيء فليس
كمحبته مبة .والحبة مع الضوع هي العبودية الت خلق اللق لجلها ,فانا غاية الب بغاية الذل ,ول يصلح ذلك ال له
سبحانه .والشراك به ف هذا هو الشرك الذي ل يغفره ال ول يقبل لصاحبه عمل.
وحده يتضمن أصلي :الخبار بحامده وصفات كماله ,والحبة له عليها ,فمن أخب بحاسن غيه من غي مبة له ل يكن
حامدا .ومن أحبّه من غي اخبار بحاسنه ل يكن حامدا حت يمع المرين ,وهو سبحانه يمد نفسه با يريه على ألسنة
الامدين له من ملئكته وأنبائه ورسله وعباده الؤمني ,فهو الامد لنفسه بذا وهذا ,فان حدهم له بشيئته واذنه وتكوينه ,فانه
هو الذي جعل الامد حامدا والسلم مسلما والصلي مصليا والتائب تائبا ,فمنه ابتدأت النعم واليه انتهت ,فابتدأت بمده
وانتهت ال حده ,وهو الذي ألهم عبده التوبة وفرح با أعظم فرح ,وهي من فضله وجوده .وهو سبحانه غن عن كل ما
سواه بكل وجه ,وما سواه فقي اليه بكل وجه ,والعبد مفتقر اليه لذاته ف السباب والغايات ,فان ما ل يكون به ل يكون,
وما ل يكون له ل ينفع.
وقوله ف الديث "ان ال جيل يب المال" الترمذي باب ما جاء ف النظافة ,يتناول جال الثياب السؤول عنه ف نفس
الديث .ويدخل فيه بطريق العموم المال من كل شيء كما ف الديث الخر ":ان ال نظيف يب النظافة" 111\5رقم
.2799
وف الصحيح ":ان ال طيب ل يقبل ال طيبا"مسلم كتاب الزكاة 703\2رقم .65
138
وف السنن ":ان ال يب أ ،يرى أثر نعمته على عبده" الترمذي ف الدب 123\5رقم .2819
وفيها عن أب الحوص الشمي ,قال ":رآن النب صلى ال عليه وسلم وعلى أطمار ,فقال ":هل لك من مال؟" قلت نعم,
قال :من أي مال؟ قلت :من كل مل أتى ال من البل والشاء ,قال ":فلتر نعمته وكرامته عليك".أبوداود ف اللباس 51\4
رقم .4063
فهو سبحانه يب ظهور أثر نعمته على عبده ,فانه من المال الذي يبه ,وذلك من شكره على نعمه ,وهو جال باطن
فيحب أن يرى على عبده المال الظاهر بالنعمة والمال الباطن بالشكر عليها .ولحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا
وزينة تمّل ظواهرهم ,وتقوى تمّل بواطنهم فقال {:يا بن آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى
ذلك خي}العراف ,26وقال ف أهل النة {:ولقّاهم نضرة وسرورا .وجزاهم با صبوا جنّة وحريرا}النسان ,12-11
فجمّل وجوههم بالنضرة ,وبواطنهم بالسرور ,وأبدانم بالرير.
وهو سبحانه كما يب المال ف القوال والفعال واللباس واليئة ,يبغض القبيح من القوال والفعال والثياب واليئة,
فيبغض القبيح وأهله ويب المال وأهله .ولكن ضل ف هذا الوضوع فريقان :فريق قالوا كل ما خلقه جيل ,فهو يب كل
ما خلقه ,ونن نب جيع ما خلقه فل نبغض منه شيئا ,قالوا :ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جيلة .وأنشد منشدهم:
واحتجوا بقول ال تعال {:الذي أحسن كل شيء خلقه} السجدة ,7وقوله {:صنع ال الذي أتقن كل شيء} النمل ,88
وقوله {:ما ترى ف خلق الرحن من تفاوت} اللك ,3والعارف عندهم هو الذي يصرح باطلق المال ,ول يرى ف
الوجود قبيحا.
وهؤلء قد عدمت الغية ل ف قلوبم ,والبغض ف ال ,والعاداة فيه ,وانكار النكر ,والهاد ف سبيله ,واقامة حدوده! ويرى
جال الصور من الذكور والناث من المال الذي يبه ال ,فيتعبدون بفسقهم ,وربا غل بعضهم حت يزعم أن معبوده يظهر
ف تلك الصورة ويل فيها .وان كان اتاديا ( ومعناه من يقول أن الالق هو عي الخلوق) قال :هي مظهر من مظاهر الق,
ويسميها الظاهر المالية.
139
وقابلهم الفريق الثان فقالوا :قد ذم ال سبحانه وتعال جال الصور ,وتام القامة واللقة ,فقال عن النافقي {:واذا رأيتهم
تعجبك أجسامهم} النافقون ,4وقال{ :وكم أهلكنا قبلهم من قرن أحسن أثاثا ورءيا}مري ,74أي أموال ومناظر .قال
السن :هو الصور تفسي ابن كثي .134\3وف صحيح مسلم عن النب صلى ال عليه وسلم ":ان ال ل ينظر ال صوركم
وأموالكم وانا ينظر ال قلوبكم وأعمالكم" كتاب الب والصلة .1986\4قالوا :ومعلوم أنه ل ينف نظر الدراك ,وانا نفى
نظر الحبة قالوا :وقد حرّم علينا لباس الرير والذهب وآنية الذهب والفضة ,وذلك من أعظم جال الدنيا ,وقال[ :ول تدّن
عينيك ال ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم فيه} طه ,131وف الديث "البذاذة من اليان" النهاية ف
غريب الديث .110\1وقد ذم ال السرفي .والسرف كما يكون ف الطعام والشراب يكون ف اللباس.
وفصل الناع أن يال :المال ف الصورة واللباس واليئة ثلثة أنواع :منه ما يمد ,ومنه ما يذم ,ومنه ما ل يتعلق به مدح
ول ذم .فالحمود منه ما كان ل ,وأعان على طاعة ال ,وتنفيذ أوامره ,والستجابة له ,كما كان النب صلى ال عليه وسلم
يتجمّل للوفود .وهو نظي آلة الرب للقتال ولباس الرير ف الرب واليلء فيه .فان ذلك ممود اذا تضمّن اعلء كلمة ال,
ونصر دينه ,وغيظ عدوّه .والذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة والفخر واليلء والتوسل ال الشهوات ,وأن يكون هو غاية
العبد وأقصى مطلبه .فان كثيا من النفوس ليس لا هّة ف سوى ذلك .وأما ما ل يمد ول يذم فهو ما خل عن هذين
القصدين ,وترّد عن الوصفي.
والقصود أن هذا الديث الشريف مشتمل على أصلي عظيمي :فأوله معرفة ,وآخره سلوك .فيعرف ال سبحانه بالمال
الذي ل ياثله فيه شسء ,ويعبد بالمال الذي يبه من القوال والعمال والخلق .فيحب من عبده أن يمل لسانه بالصدق,
وقلبه بالخلص والحبة والنابة والتوكل ,وجوارحه بالطاعة ,وبدنه باظهار نعمه عليه ف لباسه ,وتطهيه له من الناس
والحداث والوساخ والشعور الكروهة والتان وتقليم الظافر ,فيعرفه بصفات المال الذي هو وصفه ,ويعبده بالمال
الذي هو شرعه ودينه ,فجمع الديث قاعدتي :العرفة والسلوك.
ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه ف جيع أموره مع صدق العزية ,فيصدقه ف عزمه وف فعله ,قال تعال {:فاذا عزم المر
فلو صدقوا ال لكان خي لم} ممد ,21فسعادته ف صدق العزية وصدق الفعل ,فصدق العزية جعها وجزمها وعدم التردد
فيها بل تكون عزية ل يشوبا تردد ول تلوّم .فاذا صدقت عزيته بقي عليه صدق الفعل ,وهو استفراغ الوسع وبذل الهد
فيه ,وأن ل يتخلّف عنه بشيء من ظاهره وباطنه ,فعزية القصد تنعه من ضعف الرادة والمّة ,وصدق الفعل ينعه من الكسل
والفتور .ومن صدق ال ف جيع أموره صنع ال له فوق ما يصنع لغيه .وهذا الصدق معن يلتئم من صحّة الخلص وصدق
التوكّل ,فأصدق الناس من صحّ اخلصه وتوكّله.
140
رب ذو ارادة أمر عبدا ذا ارادة ,فان وفّقه وأراد من نفسه أن يعينه ويلهمه فعل ما أمر به .وان خذله وخله وارادته ونفسه,
وهو من هذه اليثية ل يتار ال ما تواه نفسه وطبعه ,فهو من حيث هو انسان ل يريد ال ذلك .ولذلك ذمّه ال ف كتابه من
هذه اليثية ول يدحه ال بأمر زائد على تلك اليثية ,وهو كونه مسلما ومؤمنا وصابرا ومسنا وشكورا وتقيا وبرا ,ونو
ذلك .وهذا أمر زائد على مرّد كونه انسانا وارادته صالة ,ولكن ل يكفي مرّد صلحيتها ان ل تؤيد بقدر زائد على ذلك
وهو النوفيق ,كما أنه ل يكفي ف الرؤية مرّد صلحية العي للدراك ان ل يصل سبب آخر من النور النفصل عنها.
[ ]117أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظيم لتفسك وقلبك خال من تعظّم ال تعال
من أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظيم والتوقي لك من الناس وقلبك خال من تعظيم ال وتوقيه ,فانك توقّر الخلوق
وتلّه أن يراك ف حال ل توقّر ال أن يراك عليها ,قال تعال {:مالكم ل ترجون ل وقارا}نوح ,13أي ل تعاملونه معاملة
من توقّرونه ,والتوقي :العظمة .ومنه قوله تعال {:وتوقّروه} الفتح من الية ,9قال السن :ما لكم ل تعرفون ال حقا ول
تشكرونه؟ وقال ماهد :ل تبالون فظمة ربكم .وقال ابن زيد :ل ترون ل طاعة .وقال ابن عباس :ل تعرفون حق عظمته.
الامع لحكام القرآن .196\18
وهذه القوال ترجع ال معن واحد ,وهو أنم لو عظّموا ال وعرفوا حق عظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه ,فطاعته سبحانه,
واجتناب معاصيه ,والياء منه ,بسب وقاره ف القلب .ولذا قال بعض السلف :ليعظم وقار ال ف قلب أحدكم أ ،يذكره
حي يستحي من ذكره ,فيقرن اسه به كما تقول :قبّح ال الكلب والنير والنت ونوذلك ,فهذا من وقار ال.
ومن وقاره أن ل تعدل به شيئا من خلقه ,ل ف اللفظ ,بيث تقول :وال وحياتك ,مال ال ال وأنت ,وما شاء ال وشئت,
ول ف الب والتعظيم والجلل ,ول ف الطاعة ,فتطيع الخلوق ف أمره ونيه كما تطيع ال ,بل أعظم ,كما عليه أكثر الظامة
والفجرة ,ول ف الوف والرجاء .ويعله أهون الناظرين اليه ,ول يستهي بقه ويقول :هو مبن على السامة ,ول يعله على
الفضلة ,ويقدّم حق الخلوق عليه ,ول يكون ال ورسوله ف حد وناحية ,والناس ف ناحية وحد ,ويكون ف الد والشق الذي
فيه الناس دون الد والشق الذي فيه ال ورسوله ,ول يعطي الخلوق ف ماطبته قلبه ولبه ويعطي ال ف خدمته بدنه ولسانه
دون قلبه وروحه ,ول يعل مراد نفسه مقدما على مراد ربه.
فهذا كله من عدم وقار ال ف القلب ,ومن كان كذلك فان ال ل يلقي ف قلوب الناس وقارا ول هيبة ,بل يسقط وقاره
وهيبته من قلوبم ,وان وقّروه مافة شرّه فذاك وقار بغض ل وقار حب وتعظيم ,ومن وقار ال أن يستحي من اطلعه على
سره وضميه فيى فيه ما يكره .ومن وقاره أن يستحي منه ف اللوة أعظم ما يستحي من أكابر الناس.
والقصود أن من ل يوقّر ال وكلمه ,وما آتاه من العلم والكمة كيف يطلب من الناس توقيه.
141
القرآن وتاعلم وكلم الرسول صلى ال عليه وسلّم صلت من الق ,وتنبيهات وروادع وزواجر واردة اليك ,والشيب رادع
وموقظ قائم بك ,فل ما ورد اليك وعظك! ول ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التوقي والتعظيم من غيك! فأنت مصاب
ل تؤثّر فيه مصيبته وعظا وانزجارا ,وهو يطلب من غيه أ ،يتّعظ وينجر بالنظر ال مصابه .فالضرب ل يؤثر فيه جزرا ,وهو
يريد النزجار من نظر ال ضربه.
من سع بالثلت والعقوبات واليات ف حق غيه ليس كمن رآها عيانا ف غيه ,فكيف بن وجدها ف نفسه؟ {:سنريهم
آياتنا ف الفاق وف أنفسهم} فصلت ,53فآياته ف الفاق مسموعة معلومة ,وآياته ف النفس مشهودة مرئيّة ,فعياذا بال من
الذلن .قال تعال {:ان الذين حقّت عليهم كلمت ربك ل يؤمنون .ولو جاءتم كل آية حت يروا العذاب الي} يونس
,96,97وقال {:ولو أنّنا أنزلنا اليهم اللئكة وكلّمهم الوتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا ال أن يشاء
ال} النعام .111
والعاقل الؤيد بالتوفيق يعتب بدون هذا ,ويتمم نقائص خلقته بفضائل أخلقه وأعماله ,فكلما امتحى من جثمانه أثر ,زاد
ايانه أثر ,وكلما نقص من قوى بدنه ,زاد ف قوة ايانه ويقينه ورغبته ف ال والدار الخرة ,وان ل يكن هكذا فالوت خي له؛
لنه ل يقف به على حد معي من الل والفساد ,بلف العيوب والنقائص مع طول العمر ,فانا زيادة ف أله وهّه وغمّه
وحسرته ,وانا حسن طول العمر ونفع ليحصل التذكّر والستدراك واغتنام الغرض والتوبة النصوح كما قال تعال {:أول
نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر} فاطر ,37فمن ل يورثه التعمي وطول البقاء اصلح معائبه ,وتدارك فارطه ,واغتنام بقيّة
أنفاسه ,فيعمل على حياة قلبه ,وحصول النعيم القيم ,وال فل خي له ف حياته.
فان العبد على جناح سفر اما ال النة واما ال النار .فاذا طال عمره ,وحسن عمله ,كان طول سفره زيادة له ف حصول
النعيم واللذة ,فانه كلما طال السفر اليها كانت الصبابة أجلّ وأفضل ,واذا طال عمره ,وساء عمله كان طول سفره زيادة ف
أله وعذابه ,ونزول له ال أسفل :فالسافر اما صاعد واما نازل ,وف الديث الرفوع ":خيكم من طال عمره وحسن عمله,
وشرّكم من طال عمره وقبح عمله" الترمذي ف السنن 566\4رقم .2330
فالطالب الصادق ف طلبه كلما خرب شيء من ذاته ,جعله عمارة لقلبه وروحه ,وكلما نقص شيء من دنياه ,جعله زيادة ف
آخرته ,وكلما منع شيئا من لذّات دنياه ,جعله زيادة ف لذّات آخرته .فنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاهه ورئاسته ان زاد ف
حصول ذلك وتوفيه عليه ف معاده ,كان رحة به وخيا له ,وال كان حرمانا وعقوبة على ذنوب ظاهرة أو باطنة ,أو ترك
واجب أو باطن ,فن حرمان خي الدنيا والخرة مرتّب على هذه الربعة ,وبال التوفيق.
(فائدة)
[ ]118مثل الرء ف الياة الدنيا كمثل مسافر
142
الناس منذ خلقوا ل يزالوا مسافرين ,وليس لم حط رحالم ال ف النة أو ف النار .والعاقل يعلم أ ،السفر مبن على الشقّة
وركوب الخطار .ومن الحال عادة أ ،يطلب فيه نعيم ولذّة وراحة ,انا ذلك بعد انتهاء السفر .ومن العلوم أن كل وطأة
قدم ,أ ,كل آ ،من آنات السفر غي واقفة ,ول الكلف واقف ,وقد ثبت أ،ه مسافر على الال الت يب أن يكون السافر
عليها من تيئة الزاد الوصل ,واذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الستعداد للسي.
[( ]119فائدة)
الشتغال بالشاهدة
عند العارفي أن الشتغال بالشاهدة عن الد ف السي ف السر وقوفه ,لنه ف زمن الشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أ,
باطن أو ازدياد من معرفة وايان مفصّل كان أول به ,فان اللطيفة النسانية تشر على صورة عملها ومعرفتها وهّتها وارادتا,
والبدن يشر على صورة عمله السن أو القبيح .واذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك .وعلى قدر قرب قلبك من
ال تبعد من النس بالناس ومساكنتهم ,وعلى قدر صيانتك لسرّك وارادتك يكون حفظه .ومل ذلك صحة التوحيد ,ث صحّة
العلم بالطريق ,ث صحة الرادة ,ث صحة العمل .والذر كل الذر من قصد الناس لك واقبالم عليك وأن يعثروا على موضع
غرضك؛ فانا الفة العظمى.
[( ]120فائدة)
الذر من طريق الشيطان
أحدها :التزيّد والسراف ,فيزيد على قدر الاجة فتصي فضلة وهي حظ الشيطان ومدخله ال القلب ,وطريق الحتراز منه
[عدم] اعطاء النفس تام مطلبها من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة .فمت أغلقت هذه البواب حصل المان من دخول العدو
منه.
الثانبة :الغفلة ,فان الذاكر ف حصن الذكر ,فمت غفل فتح باب الصن فوله العدو فيعسر عليه أو يصعب اخراجه.
الثالثة :تكلف ما ل يعنيه من جيع الشياء.
[( ]121فائدة)
طلب النفوذ ال ال والدار الخرة
143
طالب النفوذ ال ال والدار الخرة بل وال كل علم وصناعة ورئاسة بيث يكون رأسا ف ذلك مقتدى به فيه ,يتاج أن
يكون شجاعا مقداما حاكما على وهه ,غي مقهور تت سلطان تيّله ,زاهدا ف كل ما سوى مطلوبه ,عاشقا لا توجه اليه,
عارفا بطريق الوصول اليه والطرق والقواطع عنه ,مقدام الهمة ,ثلبت الأش ,ل يثنيه عن مطلوبه لوم لئم ,ول عذل عاذل,
كثي السكون ,دائم الفكر ,غي مائل مع لذة الدح ول أل الذم ,قائما با يتاج اليه من أسباب معونته ,ل تستفزه العارضات,
شعاره الصب ,وراحته التعب ,مبا لكارم الخلق ,حافظا لوقته ,ل يالط الناس ال على حذر ,كالطائر الذي يلتقط الب
بينهم ,قائما على نفسه بالرغبة والرهبة ,طامعا ف نتائج الختصاص على بن جنسه ,غي مرسل شيئا من حواسه عبثا ,ول
مسرحا خواطره ف مراتب الكون .وملك ذلك هجر العوائد ,وقطع العلئق الائلة بينك وبي الطلوب ,وعند العوام أ ،لزوم
الدب مع الجاب ,خي من اطرح الدب مع الكشف.
[( ]122فائدة)
تواطؤ اللسان والقلب على ذكر ال
من الذاكرين من يبتديء بذكر اللسان وان كان على غفلة ,ث ل يزال فيه حت يضر قلبه فيتواطأ على الذكر .ومنهم من ل
يرى ذلك ول يبتديء على غفلة بل يسكن حت حت يضر قلبه فيشرع ف الذكر بقلبه ,فاذا قوي استتبع لسانه فتواطآ جيعا.
فالول ينتقل الذكر من لسانه ال قلبه .والثان ينتقل من قلبه ال لسانه ,من غي أن يلو قلبه منه ,بل يسكن أول حت يس
بظهور الناطق فيه .فاذا أحس بذلك نطق قلبه ث انتقل النطق القلب ال الذكر اللسان ث يستغرق ف ذلك حت يد كل شيء
منه ذكرا ,وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده.
[ ]123فصل
أنفع الناس لك
أنفع الناس لك رجل مكّنك من نفسه حت تزرع فيه خيا ,أو تصنع اليه معروفا ,فانه نعم العون لك على منفعتك وكمالك.
فانتفاعك به ف القيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر .وأضر الناس عليك من مكّن نفسه منك حت تعصي ال فيه فانه عون لك
على مضرّتك ونقصك.
فصل
[ ]124اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح
اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح حال تناولا ,مثمرة للل بعد انقضائها ,فاذا اشتدّت الداعية منك اليها ,ففكر ف انقطاعها,
وبقاء قبحها وألها ,ث وازن بي المرين ,وانظر ما بينهما من التفاوت ,والتعب بالطاعة مزوج بالسن ,مثمر للذة والراحة,
فاذا ثقلت على النفس ,ففكر ف انقطاع تعبها ,وبقاء حسنها ولذتا وسرورها ,ووازن بي المرين ,وآثر الراجح على
144
الرجوح ,فان تألّمت بالسبب ,فانظر ال ما ف السبب من الفرحة والسرور واللذة ,يهن عليك مقاساته ,وان تألت بترك اللذة
الحرمة ,فانظر ال الل الذي يعقبه ,ووازن بي اللي ,وخاصيّة العقل تصيل أعظم النفعتي بتفويت أدناها واحتمال أصغر
اللي لدفع أعلها.
وهذا يتاج ال علم بالسباب ومقتضياتا ,وال عقل يتار به الول والنفع له منها ,فمن وفّر قسمه من العقل العلم اختار
الفضل وآثره ,ومن نقص حظه منهما أو من أحدها اختار خلفه ,ومن فكّر ف الدنيا والخرة علم أنه ل ينال واحدا منهما
ال بشّقة ,فليتحمّل الشقّة ليها وأبقاها.
فصل
[ ]125ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر
ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر ,وله عليه فيه ني ,وله فيه نعمة ,وله به منفعة ولذة .فان قام ل ف ذلك العضو
بأمره ,واجتنب فيه نيه ,فقد أدّى شكر نعمته عليه فيه ,وسعى ف تكميل انتفاعه ولذته به ,وان عطّل أمر ال ونيه فيه ,عطّله
ال من انتفاعه بذلك العضو ,وجعله من أكب أسباب أله ومضرّته.
وله عليه ف كل وقت من أوقاتته عبوديّة تقدمه اليه ,وتقرّبه منه ,فان شغل وقته بعبودية الوقت ,تقدم تاى ربه ,وان شغله
بوى أو راحة وبطالة تأخّر ,فالعبد ل يزال ف تقدّم أو تأخّر ,ول وقوف على الطريق البتّة .قال تعال {:لن شاء منكم أن
يتقدّم أو يتأخّر} الدثر .37
فصل
[{ ]126فريق ف النة وفريق ف السعي}
أقام ال سبحانه هذا اللق بي المر والنهي ,والعطاء والنع .فافترقوا فرقتي:
فرقة قابلت أمره بالترك ,ونيه بالرتكاب ,وعطاءه بالغفلة عن الشكر ومنعه بالسخط ,وهؤلء أعداؤه ,وفيهم من العداوة
بسب ما فيهم من ذلك.
وقسم قالوا :انا نن عبيدك ,فان أمرتنا سارعنا ال الجابة ,وان نيتنا أمسكنا نفسنا ,وكففناها عمّا نيتنا عنه ,وان أعطيتنا
حدناك وشكرناك ,وان منعتنا تضرّعنا اليك وذكرناك .فليس بي هؤلء وبي النة ال ستر الياة الدنيا ,فاذا مزّقه عليه الوت,
صاروا ال السرة والل.
145
فاذا تصادمت جيوش الدنيا والخرة ف قلبك ,وأردت أن تعلم من أي الفريقي أنت ,فانظر مع من تيل منهما ,ومع من
تقاتل ,اذ ل يكنك الوقوف بي اليشي ,فأنت مع أحدها ل مالة .فالفريق الول استغشوا الوى فخالفوه ,واستنصحوا
بالعقل فشاوروه ,وفرّغوا قلوبم للفكر فيما خلقوا له ,وجوارحهم للعمل با أمروا به ,وأوقاتم لعمارتا با يعمر منازلم ف
الخرة ,واستظهروا على سرعة الجل بالبادرة ال العمال ,وسكنوا الدنيا وقلوبم مسافرة عنها ,واستوطنوا الخرة قبل
انتقالم اليها ,واهتموا بال على قدر حاجتهم اليه ,وتزودوا للخرة على قدر مقامهم فيها ,فجعل لم سبحانه من نعيم النة
وروحها أن آنسهم بنفسه ,وأقبل بقلوبم اليه ,وجعها على مبته ,وشوقهم ال لقائه ,ونعمهم بقربه ,وفرغ قلوبم ما مل
قلوب غيهم من مبة الدنيا والم والزن على فوقها ,والغم من خوف ذهابا ,فاستلنوا ما استرعوه الترفون ,وأنسوا با
استوحش منه الاهلون ,صحبوا الدنيا بأبدانم ,والل العلى بأرواحهم.
فصل
[ ]127صفات التوحيد
التوحيد ألطف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه ,فأدن شيء يدشه ويدنّسه ويؤثّر فيه ,فهو كأبيض ثوب يكون ,يؤثّر فيه أدن
أثر ,وكالرآة الصافية جدا ,أدن شيء يؤثر فيها .ولذا تشوشه الظة واللفظة والشهوة الفية ,فان بادر صاحبه وقلع ذلك
الثر بضده ,وال اساحكم وصار طبعا يتعسّر عليه قلعه.
وهذه الثار والطبوع الت تصل فيه :منها ما يكون سريع الصول بطيء الزوال ,ومنها ما يكون بطيء الصول سريع
الزوال ,ومنا ما يكون بطيء الصول بطيء الزوال .ولكن من الناس ما يكون توحيده كبيا عظيما ,ينغمر فيه كثي من تلك
الثار ,ويستحيل فيه بنلة الاء الكثي الذي يالطه أدن ناسة أو وسخ ,فيغتر به صاحب التوحيد الضعيف با خلط به صاحب
التوحيد العظيم الكثي توحيده ,فيظهر من تأثيه فيه ما ل يظهر ف التوحيد الكثي .وأيضا فان الحل الصاف جدا يظهر لصاحبه
ما يدنّسه ما ل يظهر ف الحل الذي ل يبلغ ف الصفاء مبلغه ,فيتداركه بالزالة دون هذا فانه ل يشعر به أيضا فان قوة اليان
والتوحيد اذا كانت قوية جدا أحالت الواد الرديئة وقهرتا ,بلف القوة الضعيفة ,وأيضا فان صاحب الحاسن الكثية
والغامرة للسيئات ليسامح با ل يسامح به من أتى مثل تلك السيئات وليست له مثل الحاسن ,كما قيل:
وأيضا فان صدق الطلب ,وقوة الرادة ,وكمال النقياد ييل تلك العوارض والغواشي الغريبة ال مقتضاه وموجبه ,كما أن
الكذب ,وفساد القصد ,وضعف النقياد ييل القوال والفعال المدوحة ال مقتضاه وموجبه ,كما يشاهد ذلك ف الخلط
الغالبة ,واحالتها لصال الغذية ال طبعها.
[( ]128فائدة)
146
ترك الشهوات ل
ترك الشهوات ل وان أنى من عذاب ال وأوجب الفوز برحته ,فذخائر ال ,وكنوز الب ,ولذة النس ,والشوق اليه,
والفرح والبتهاج به ,ل تصل ف قلب فيه غيه ,وان كان من أهل العبادة والزهد والعلم ,فان ال سبحانه أب أ ،يعل ذخائره
ف قلب فيه سواه ,وهّته متعلّقة بغيه ,وانا يودع ذخائره ف قلب يرى الفقر غن مع ال ,والغن فقرا دون ال والعز ذل دونه,
والذل عزا معه ,وبالملة ,فل يرى الياة ال به ومعه ,والوت والل والم والغم والزن ,اذا ل يكن معه ,فهذا له جنتان جنة
ف الدنيا معجلة ,وجنة يوم القيامة مؤجلة.
[( ]129فائدة)
النابة اليه تعال
النابة هي عكوف القلب على ال عز وجل كاعتكاف البدن ف السجد ل يفارقه .وحقيقة ذلك عكوف القلب على مبّته,
وذكره بالجلل والتعظيم ,وعكوف الوارح على طاعته ,بالخلص له ,والتابعة لرسوله صلى ال عليه وسلم ,ومن ل
يعكف قلبه على ال وحده ,عكف على التمائيل التنوعة ,كما قال امام النفاء لقومه {:ما هذه التماثيل الت أنتم لا
عاكفون} آل عمران .67فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف ,فكان حظ قومه العكوف على التماثيل ,وكان حظه العكوف
على الرب الليل .والتماثيل جع تثال ,وهي الصور المثلة .فتعلق القلب بغي ال ,واشتغاله به ,والركون اليه ,عكوف منه
على التمائيل الت قامت بقلبه ,وهو نظي العكوف على تاثيل الصنام ,ولذا كان شرك عبادة الصنام بالعكوف بقلوبم
وهمهم وارادتم على تاثيلهم ,فاذا كان ف القلب تاثيل قد ملكته واستعبدته بيث يكون عاكفا عليها ,فهو نظي عكوف
الصنام عليها ,ولذا سّاه النب صلى ال عليه وسلم عبدا لا ودعا عليه بالتعس والنكس فقال ":تعس عبد الدينار ,تعس عبد
الدرهم ,تعس وانتكس واذا شيك فل انتقش" البخاري ف كتاب الهاد 81\6رقم (.)2887
والناس ف هذه الدار على جناح سفر كلهم ,وكل مسافر فهو ظاعن مقصده ونازل على من يسرّ بالنول عليه ,وطالب ال
والدار الخرة انا هو ظاعن ال ال ف حال سفره ونازل عليه عند القدوم عليه ,فهذه هته ف سفره وف انقضائه {:يا أيتها
النفس الطمئنة * ارجعي ال ربك راضية مرضية * فادخلي ف عبادي * وادخلي جنّت}الفجر .30- 27وقالت امرأة
فرعون {:رب ابن ل عندك بيتا ف النة} التحري ,11فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون ف النة ,فان الار قبل
الدار.
147
ل تبد فاقة ال غيي فأضاعفها عليك مكافأة لروجك عن حدك ف عبوديتك.
حكمت لك بالفقر ولنفسي الغن ,فان وصلتها ب وصلتك بالغن ,وان وصلتها بغيي حسمت عنك مواد معونت طردا لك
عن باب.
ل تركنن ال شيء دوننا فانه وبال عليك ,وقاتل لك .وان ركنت ال العمل ردنناه عليك ,وان ركنت ال العرفة نكرناها
عليك ,وان ركنت ال الوجد استدرجناك فيه ,وان ركنت ال العمل أوقفناك معه ,وان ركنت ال الخلوقي وكلناك اليهم,
ارضنا لك ربا نرضاك لنا عبدا.
[( ]131فائدة)
الشهقة الت تعرض عند ساع القرآن أو غيه
لا أسباب:
أحدها :أن يلوح له عند السماع درجة ليست له ,فيتاح اليها ,فتحدث الشهقة ,فهذه شهقة شوق.
وثانيها :أنيلوح له ذنب ارتكبه ,فيشهق خوفا وحزنا على نفسه ,وهذه شهقة خشية.
وثالثها :أن يلوح له نقص فيه ل يقدر على دفعه عنه ,فيحدث له ذلك حزنا .فيشهق شهقة حزن.
ورابعها :أن يلوح له كمال مبوبه ,ويرى الطريق اليه مسدودة عنه ,فيحدث ذلك شهقة أسف وحزن.
وخامسها :أن يكون قد توارى عنه مبوبه ,واشتغل بغيه ,فذكره السماع مبوبه ,فلح له جاله ,ورأى الباب مفتوحا
والطريق ظاهرة ,فشهق فرحا وسرورا با لح له.
وبكل حال فسبب الشهقة قوة الوارد ,وضعف الحل عند الحتمال .والقوة أن يعمل ذلك الوارد عمله داخل ول يظهر
عليه ,وذلك أقوى له وأدوم ,فانه اذا أظهره ضعف أثره وأوشك انقطاعه .هذا حكم الشهقة من الصادق ,فان الشاهق اما
صادق واما سارق واما منافق.
148
[( ]132قاعدة نافعة)
الفكر مبدأ الرادة وهو أصل الي والشر
أصل الي والشر من قبل التفكّر ,فن الفكر مبدأ الرادة والطلب ف الزهد والترك والب والبغض .وأنفع الناس الفكر الفكر
ف مصال العاد وف طرق اجتلبا وف دفع مفاسد العاد وف طرق اجتنابا ,فهذه أربعة أفكار من أجل الفكار .ويليها أربعة:
فكّر ف مصال الدنيا وطرق تصيلها ,وفكّر ف مفاسد الدنيا وطرق الحتراز منها ,فعلى هذه القسام الثمانية دارت أفكار
العقلء .ورأس القسم الول الفكر ف آلء ال ونعمه ,وأمره ونيه ,وطرق العلم به وبأسائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه صلى
ال عليه وسلم وما والها ,وهذا الفكر يثمر لصاحبه الحبة والعرفة .فاذا فكر ف الخرة وشرفها ودوامها ,وف الدنيا خستها
وفنائها ,أثر له ذلك الرغبة ف الخرة ,والزهد ف الدنيا ,وكلما فكّر ف قصر المل ,وضيق الوقت ,أورثه ذلك الد
والجتهاد ,وبذل الوسع ف اغتنام الوقت.
وهذه الفكار تعلي هّته ,وتييها بعد موتا ,وسفولا ,وتعله ف واد والناس ف واد .وبازاء هذه الفكار الرديئة الت تول ف
قلوب أكثر هذا اللق ,كالفكر فيما ل يكلف الفكر فيه ,ول أعطى الحاطة به من فضول العلم الذي ل ينفع ,كالفكرف
كيفية ذات الرب وصفاته ,ما ل سبيل للعقول ال ادراكه ,ومنها الفكر ف الصناعات الدقيقة الت ل تنفع بل تضر ,كالفكر ف
الشطرنج والوسيقى وأنواع الشكال والتصاوير.
ومنها الفكر ف العلوم الت لو كانت صحيحة ل يعط الفكر فيها النفس كمال ول شرفا ,كالفكر ف دقائق النطق والعلم
الرياضي والطبيعي ,وأكثر علوم الفلسفة الت لو بلغ النسان غاياتا ل يكمل بذل ول يزك بنفسه.
ومنها الفكر ف الشهوات واللذات وطرق تصيلها ,وهذا وان كان للنفس فيه لذة لكن ل عاقبة له ,ومضرّته ف عاقبة الدنيا
قبل الخرة أضعاف مسرّته .ومنها الفكر فيما ل يكن لو كان كيف كان يكون ,كالفكر فيما اذا صار ملكا ,أو وجد كنا,
أو ملك ضيعة ,ماذا يصنع؟ وكيف يتصرّف ,ويأخذ ,ويعطي ,وينتقم؟ نو ذلك من أفكار السفل .ومنها الفكر ف جزئيات
أحوال الناس ومداخلهم ومارجهم وتوابع ذلك من فكر النفوس البطلة الفارغة من ال ورسوله والدار الخرة .ومنها الفكر ف
أنواع الشعر وصروفه وأفانينه ف الدح والجاء والغزل والراثي ونوها ,فانه يشغل النسان عن الفكر فيما فيه سعادته وحياته
الدائمة .ومنها الفكر ف القدرات الذهنية الت ل وجود لا ف الارج ول بالناس حاجة اليها البتة ,وذلك موجود ف كل علم
حت ف علم الفقه والصول والطب ,فكل هذه الفكار مضرّتا أرجح من منفعتها ويكفي ف مضرّتا شغلها عن الفكر فيما هو
أول به وأعود عليه بالنفع عاجل وآجل.
[( ]133قاعدة)
الطلب لقاح اليان
149
الطلب لقاح اليان ,فاذا اجتمع اليان والطلب أثرا العمل الصال .وحسن الظن بال لقاح الفتقار والضطرار اليه ,فاذا
اجتمعا أثرا اجابة الدعاء .والشية لقاح الحبة ,فاذا اجتمعا أثرا امتثال الوامر واجتناب الناهي .والصب لقاح اليقي ,فاذا
اجتمعا أورثا المامة ف الدين ,قال تعال {:وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لّا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة .24
وصحة القتداء بالرسول لقاح الخلص ,فاذا اجتمعا أثرا قبول العمل والعتداد به.
والعمل لقاح العلم ,فاذا اجتمعا كان الفلح والسعادة ,وان انفرد أحدها عن الخر ل يفد شيئا .واللم لقاح العلم ,فاذا
اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والخرة حصل النتفاع بعلم العال ,وان انفرد أحدها عن صاحبه فات النفع والنتفاع .والعزية
لقاح البصية ,فاذا اجتمعا نال صاحبهما خي الدنيا والخرة وبلغت به هّته من العلياء كل مكان.
وحسن القصد لقاح لصحة الذهن ,فاذا فقدا فقد الي كله واذا اجتمعا أثرا أنواع اليات .وصحة الرأي لقاح الشجاعة,
فاذا اجتمعا كان النصر والظفر ,وان فقدا فالذلن واليبة ,وان وجد الرأي بل شجاعة فالب والعجز ,وان حصلت
الشجاعة بل رأي فالتهوّر والعطب .والصب لقاح البصية ,فاذا اجتمعا فالي ف اجتماعهما.
قال السن :اذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته ,واذا شئت أن ترى صابرا ل بصية له رأيته ,فاذا رأيت صابرا بصيا
فذاك.
والنصيحة لقاح العقل ,فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار .والتذكّر والتفكّر كل منهما لقاح الخر ,اذا اجتمعا أنتجا
الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة .والتقوى لقاح التوكل ,فاذا اجتمعا استقام القلب .ولقاح أخذ البة الستعداد لقصر المل,
فاذا اجتمعا فالي كله ف اجتماعهما والشر ف فرقتهما .ولقاح المّة العالية النيّة الصحيحة ,فاذا اجتمعا بلغ العبد غاية الراد.
[( ]134قاعدة)
موقفان للعبد بي يدي ال تعال
للعبد بي يدي ال موقفان :موقف بي يديه ف الصلة ,وموقف بي يديه يوم لقائه .فمن قام بق الوقف الول هوّن عليه
الوقف الخر ,ومن استهان بذا الوقف ول يوفّه حقّه ,شدّد عليه ذلك الوقف .قال تعال {:ومن الليل فاسجد له وسبحه ليل
طويل .انّ هؤلء يبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيل} النسان .27_26
(قاعدة) []135
150
قاعدة اللذة من حيث هي مطلوبة للنسان بل ولكل حي فل تذم من جهة كونا لذة وإنا تذم ويكون تركها خيا من نيلها
وانفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل أو أعقبت ألا حصوله اعظم من أل فواتا فههنا يظهر الفرق بي العاقل الفطن
والحق الاهل ضمن عرف العقل بي فمت علف التفاوت بي اللذتي واللي وأنه ل نسبة لحدها إل الخر هان عليه
ترك أدن اللذتي لتحصيل أعلها واحتمال أيسر اللي لدفع أعلها وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الخرة أعظم وأدوم ولذة
الدنيا أصغر واقصر وكذلك أل الخرة وأل الدنيا والعول ف ذلك على اليان واليقي فإذا قوى اليقي وباشر القلب آثر
.العلى على الدن ف جانب اللذة واحتمل الل السهل على الصعب وال الستعان
(فائدة) []136
ف قصّة أيّوب
فائدة قوله تعال {:وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر وأنت أرحم الراحي} النبياء .83جمع ف هذا الدعاء بي حقيقة
التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إل ربه ووجود طعم الحبة ف التملق له والقرار له بصفة الرحة وإنه أرحم الراحي والتوسل
إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته وهو فقره ومت وجد البتلى هذا كشف عنه بلواه وقد جرب أنه من قالا سبع مرات ول
سيما مع هذه العرفة كشف ال ضره .
فائدة قوله تعال عن يوسف نبيه أنه قال {:أنت ول ف الدنيا والخرة توفن مسلما والقن بالصالي} يوسف ,101
جعت هذه الدعوة القرار بالتوحيد والستلم للرب وإظهار الفتقار إليه والباءة من موالة غيه سبحانه وكون الوفاة على
.السلم اجل غايات العبد وان ذلك بيد ال ل بيد العبد والعتراف بالعاد وطلب مرافقة السعداء
(فائدة) []138
قوله ال تعال {:وان من شيء ال عندنا خزائنه} الجر ,21متضمن لكن من الكنوز وهو أن يطلب كل شيء ل يطلب
إل من عنده خزائنه ومفاتيح تلك الزائن بيديه وأن طلبه من غيه طلب من ليس عنده ول يقدر عليه وقوله وإن إل ربك
النتهى متضمن لكن عظيم وهو أن كل مراد إن ل يرد لجله ويتصل به وإل فهو مضمحل منقطع فإنه ليس إليه النتهى وليس
النتهى إل إل الذي انتهت إليه المور كلها فانتهت إل خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فهو غاية كل مطلوب وكل مبوب ل
يب لجله فمحبته عناء وعذاب وكل عمل ل يراد لجله فهو ضائع وباطل وكل قلب ل يصل إليه فهو شقي مجوب عن
151
سعادته وفلحه فاجتمع ما يراد منه كله ف قوله وإن من شيء إل عندنا خزائنه واجتمع ما يراد له كله ف قوله وان إل ربك
.النتهى فليس وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليها النتهى
وتت هذا سر عظيم من أسرار التوحيد وهو أن القلب ل يستقر ول يطمئن ويسكن إل بالوصول إليه وكل ما سواه ما
يب ويراد فمراد لغيه وليس الراد الحبوب لذاته إل واحد إليه النتهى ويستحيل أن يكون النتهى إل اثني كما يستحيل أن
يكون ابتداء الخلوقات من اثني فمن كان انتهاء مبته ورغبته وإرادته وطاعته إل غيه بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج
ما كان إليه ومن كان انتهاء مبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعمه ولذته وبجته وسعادته أبد الباد
العبد دائما متقلب بي أحكام الوامر وأحكام النوازل فهو متاج بل مضطر إل العون عند الوامر وإل اللطف عند النوازل
وعلى قدر قيامه بالوامر يصل له من اللطف عند النوازل فإن كمل القيام بالوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا وإن
.قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف ف الظاهر وقل نصيبه من اللطف ف الباطن
فإن قلت وما اللطف الباطن فهو ما يصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والضطراب والزع
فيستخذى بي يدي سيده ذليل له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو
فيه من الل وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بسن اختياره له وأنه عبد مض يري عليه سيده أحكامه رضى أو سخط فإن
.رضى نال الرضا وإن سخط فحظه السخط فهذا اللطف الباطن ثرة تلك العاملة الباطنة يزيد بزيادتا وينقص بنقصانا
لا يزال منقطعا عن ال حت تتصل إرادته ومبته بوجه العلى والراد بذا التصال أن تفضي الحبة إليه وتتعلق به وحده فل
يجبها شيء دونه وأن تتصل العرفة بأسائه وصفاته وأفعاله فل يطمس نورها ظلمة التعطيل كما ل يطمس نور الحبة ظلمة
الشرك وأن يتصل ذكره به سبحانه فيزول بي الذاكر والذكور حجاب الغفلة والتفاته ف حال الذكر إل غي مذكوره فحينئذ
يتصل الذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواهيه فيفعل الطاعة ل أنه أمر با وأحبها ويترك الناهي لكونه نى عنها وابغضها فهذا
معن اتصال العمل بأمره ونيه وحقيقة زوال العلل الباعثة على الفعل والترك من الغراض والظوظ العاجلة ويتصل التوكل
والب به بيث يصي واثقا به سبحانه مطمئنا إليه راضيا بسن تدبيه له غي متهم له ف حال من الحوال.
ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون سواه ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتهاجه به وحده فل ياف غيه ول
يرجوه ول يفرح به كل الفرح ول يسر به غاية السرور وإن ناله بالخلوق بعض الفرح والسرور فليس الفرح التام والسرور
الكامل والبتهاج والنعيم وقرة العي وسكون القلب إل به سبحانه وما سواه إن أعان على هذا الطلوب فرح به وسر به وإن
152
حجب عنه فهو بالزن به والوحشة منه واضطراب القلب بصوله أحق منه بأن يفرح به فل فرحة ول سرور إل به أو با
أوصل إليه وأعان على مرضاته.
وقد أخب سبحانه أنه ل يب الفرحي بالدنيا وزينتها وأمر بالفرح بفضله ورحته وهو السلم واليان والقرآن كما فسره
الصحابة والتابعون.
والقصود أن من اتصلت له هذه المور بال سبحانه فقد وصل وإل فهو مقطوع عن ربه متصل بظه ونفسه ملبس عليه ف
معرفته وإرادته وسلوكه.
(قاعدة جليلة)[]140
نعم الطاعات واللذات كلها من عند ال تعال
قد فكرت ف هذا المر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من ال وحده نعم الطاعات ونعم اللذات فترغب إليه أن يلهمك
ويوزعك شكرها قال تعال {:وما بكم من نعمة فمن ال ث إذا مسكم الضر فإليه تأرون} النحل ,53وقال {:فاذكروا
آلء ال لعلكم تفلحون} العراف ,69وقال {:واشكروا نعمة ال إن كنتم إياه تعبدون} النحل ,114وكما أن تلك النعم
منه ومن ومرد فضله فذكرها وشكرها ل ينال إل بتوفيقه والذنوب من خذلنه وتليه عن عبده وتليته بينه وبي نفسه وإن ل
يكشف ذلك عن عبده فل سبيل له ال كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إل التضرع والبتهال إليه أن تدفع عنه أسبابا حت ل
تصدر منه وإذا وقعت بكم القادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إل التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباتا وعقوباتا فل
ينفك عن العبد عن ضرورته إل هذه الصول الثلثة ول فلح له إل با الشكر وطلب العافية والتوبة النصوح.
ث فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء فإن وفق عبده
اقبل بقلبه إليه ومله رغبة ورهبة وأن خذله له تركه ونفسه ول يأخذ بقلبه إليه ول يسأله ذلك وما شاء ال كان وما ل يشاء
ل يكن.
ث فكرت هل للتوفيق والذلن سبب أم ها بجرد الشية ل سبب لما فإذا سببهما أهلية الحل وعدمها فهو سبحانه خالق
الحال متفاوتة ف الستعداد والقبول أعظم تفاوت فالمادات ل تقبل ما يقبله اليوان وكذلك النوعان كل منهما متفاوت ف
القبول فاليوان الناطق يقبل ما ل يقبله البهيم وهو متفاوت ف القبول أعظم تفاوت وكذلك اليوان البهيم متفاوت ف القبول
لكن ليس بي النوع الواحد م ن التفاوت كما بي النوع النسان فإذا كان الحل قابل للنعمة بيث يعرفها ويعرف قدرها
وخطرها ويشكر النعم با ويثن عليه با ويعظمه عليها ويعلم أنا من مض الود وعي النة من غي أن يكون هو مستحقا لا
ول هي له ول به وإنا هي ل وحده وبه وحده فوحده بنعمته إخلصا وصرفها ف مبته شكرا وشهدها من مض جوده منه
وعرف قصوره وتقصيه ف شكرها عجز أو ضعفا وتفريطا وعلم أنه أن أدامها عليه فذلك مض صدقته وفضله وإحسانه وإن
سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له.
153
وكلما زاده من نعمه ازداد زللة وانكسارا وخضوعا بي يديه وقياما بشكره وخشيته له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته
شكرها كما سلب نعمته عمن ل يعرفها ول يرعها حق رعايتها فإن ل يشكر نعمته وقابلها بضد ما يلق أن يقابل به سلبه إياها
ول بد قال تعال {:وكذلك فتنا بعضهم ليقولوا أهؤلء من ال عليهم من بيننا أليس ال بأعلم بالشاكرين}النعام ,53وهم
الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على النعم با وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعال {:وإذا جاءتم آية قالوا لن
نؤمن حت نؤت مثل ما أوتى رسل ال ال أعلم حيث يعل رسالته} النعام .124
(فصل) []141
ف بيان سبب الذلن
وسبب الذلن عدم صلحية الحل وأهليته وقبوله للنعمة بيث لو وافته النعم لقال هذا ل وإنا أوتيته لن أهله ومستحقه
كما قال تعال {:قال إنا أوتيته على علم عندي} القصص .78أي على علم علمه عندي استحق به ذلك وأستوجبه
واستأهله قال الفراء أي على فضل عندي إن كنت أهله ومستحقا له إذ أعطيته وقال مقاتل يقول على خي علمه ال عندي.
وذكر عبد ال بن الارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوت من اللك ث قرأ قوله تعال {:هذا من فضل رب ليبلون أأشكر
أم أكفر} النمل ,40ول يقل هذا من كرامت ث ذكر قارون وقوله {:إنا أوتيته على علم عنديْ القصص ,78يعن أن
سليمان رأى ما أوتيته من فضل ال عليه ومنته وأنه ابتلى به شكره وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله
سبحانه {:ولئن أذقناه رحة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا ل} فصلت ,50أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به
كاختصاص الالك بلكه.
والؤمن يري ذلك ملكا لربه وفضل منه من به على عبده من غي استحقاق منه بل صدقة تصدق با على عبده وله أن ل
يتصدق با فلو منعه إياها ل يكن قد منعه شيئا هو له يستحقه عليه فإذا ل يشهد ذلك رأي فيه أهل ومستحقا فأعجبه نفسه
وطغت بالنعمة وعلت با واستطالت على غيها فكان حظها منها الفرح والفخر كما قال تعال {:ولئن أذقنا النسان منا
رحة ث نزعتاها منه إنه ليؤس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عن إنه لفرح فخور} هو\ -9
.10
فذمه باليأس والكفر عند المتحان بالبلء وبالفرح والفخر عند البتلء بالنعماء واستبدل بمد ال وشكره والثناء عليه إذ
كشف عنه البلء قوله {:ذهب السيئات عن} لو أنه قال اذهب ال السيئات عن برحته ومنه لا ذم على ذلك بل كان ممودا
عليه ولكنه غفل عن النعم بكشفها ونسب الذهاب إليها فرح وافتخر.
فإذا علم ال سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلنه وتليه عنه فإن مله ل تناسبه النعمة الطلقة التامة
كما قال تعال {:إن شر الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون ولو علم ال فيهم خيا لسعهم ولو أسعهم لتولوا وهم
154
معرضون} النفال ,23-22فاخب سبحانه أن ملهم غي قابل لنعمته ومع عدم القبول ففيهم مانع آخر ينع وصولا إليهم
وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتققوها.
وما ينبغي أن يعلم أن أسباب الذلن من بقاء النفس على ما خلقت عليه ف الصل وإهالا وتليتها فأسباب الذلن منها
وفيها وأسباب التوفيق من جعل ال سبحانه لا قابلة للنعمة فأسباب التوفيق منه ومن فضله وهو الالق لذه وهذه كما خلق
أجزاء الرض هذه قابلة للنبات وهذه غي قابلة له وخلق الشجر هذه تقبل الثمرة وهذه ل تقبلها وخلق النحلة قابلة لن يرج
من بطونا شراب متلف ألوانه والزنبور غي قابل لذلك وخلق الرواح الطيبة قابلة لذكره وشكره وحجته وإجلله وتعظيمه
وتوحيده ونصيحة عباده وخلق الرواح البيثة غي قابلة لذلك بل لضده وهو الكيم العليم قال معناه شيخ السلم بر العلوم
مفت الفرق أبو العباس احد بن تيمية رحه ال.
قال ال تعال {:أل .أح سب الناس أن يتركوا أن يقولوا آم نا و هم ل يفتنون .ول قد فت نا الذ ين من قبل هم فليعل من ال الذ ين
صدقوا وليعلمن الكاذبي .أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يكمون .من كان يرجو لقاء ال فإن أجل ال
لت وهو السميع العليم .ومن جاهد فإنا ياهد لنفسه إن ال لغن عن العالي .والذين آمنوا وعملوا الصالات لنكفرن عنهم
سيئاتم ولنجزينهم احسن الذي كانوا يعملون .ووصينا النسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك ب ما ليس لك به علم فل
تطعهما إل مرجعكم فأنبئكم با كنتم تعلمون .والذين آمنوا وعملوا الصالات لندخلنهم ف الصالي .ومن الناس من يقول
آمنا بال فإذا أوذى ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس ال بأعلم با ف
صدور العالي .وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن النافقي} العنكبوت .11-1
وقال ال تعال {:أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت
يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن نصر ال قريب} البقرة .214
وقال ال تعال لا ذكر الرتد والكره بقوله {:من كفر بال من بعد إيانه} النحل ,106قال بعد ذلك {:ث إن ربك للذين
هاجروا من بعد ما فتنوا ث جاهدوا وصبوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} النحل .110
فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بي أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن ل يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن
قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتله وألبسه البتلء والختبار ليبي الصادق من الكاذب ومن ل يقل آمنا فل يسب أنه
يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز ال تعال هذه سنته تعال يرسل الرسل إل اللق فيكذبم الناس ويؤذنم قال تعال{:
وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن} النعام ,112وقال تعال {:كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول
إل قالوا ساحر أو منون} الذاريات ,52وقال تعال {:ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك} فصلت .43
155
ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى با يؤله وإن ل يؤمن بم عوقب فحصل ما يؤله أعظم وأدوم فل بد من
حصول الل لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن الؤمن يصل له الل ف بد من الدنيا ابتداء ث تكون له العاقبة والخرة
والكافر تصل له النعمة ابتداء ث يصي ف الل.
سأل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد ال أيا أفضل للرجل أن يكن أو يبتلي فقال الشافعي ل يكن حت يبتلي فإن ال ابتلي
نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وممدا صلوات ال وسلمه عليهم أجعي فلما صبوا مكنهم فل يظن أحد أنه يلص من الل
البتة.
وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يصل لكل أحد فإن النسان مدن بالطبع ل بد له من أن يعيش مع الناس
والناس لم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن ل يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الذى
والعذاب تارة منهم وتاره من غيهم ومن اختب أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيا كقوم يريدون الفواحش
والظلم ,ولم أقوال باطلة ف الدين أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره ال من الحرمات ف قوله تعال {:قل إنا حرم رب
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والث والبغي بغي الق وأن تشركوا بال ما ل ينل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل
تعلمون} العراف .33وهم ف مكان مشترك كدار جامعة أو خان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة
فيها غيهم وهم ل يتمكنون ما ل يريدون إل بوافقة ألئك أو بسكوتم عن النكار عليهم فيطلبون من أولئك الوافقه أو
السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم ف البتلء ث قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونم ويعاقبونم
أضعاف ما كما أولئك يافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلم ف الدين بالباطل إما ف الب وإما ف المر أو
العاونة على الفاحشة والظلم فإن ل يبهم آذوه وعادوه وإن أجابم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما
كان يافه وإل عذب بغيهم.
فالواجب ما ف حديث عائشة الذي بعثت به إل معاوية ويروي موقوفا ومرفوعا ":من أرضى ال بسخط الناس كفاه ال
مؤنة الناس" وف لفظ ":رضي ال عنه وأرضي عنه الناس ومن أرضي الناس بسخط ال ل يغنوا عنه من ال شيئا" وف لفظ":
عاد حامده من الناس ذاما" الترمذي ف السنن كتاب الزهد باب ( 609\4 )64رقم .2414
وهذا يري فيمن يعي اللوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعي أهل البدع النتسبي إل العلم والدين على بدعهم
فمن هداه ال وأرشده امتنع من فعل الحرم وصب على أذاهم وعداوتم ث تكون العاقبة ف الدنيا والخرة كما جرى للرسل
واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل الهاجرين ف هذه المة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتارها وولته.
ا وقد يوز ف بعض المور إظهار الوافقة وإبطان الخالفة كالكره على الكفر كما هو مبسوط ف غي هذا الوضع إذ القصود
هنا أنه ل بد من البتلء با يؤذي الناس فل خلص لحد ما يؤذيه البتة ولذا ذكر ال تعال ف غي موضع انه ل بد أن يبتلي
الناس والبتلء يكون بالسراء والضراء ول بد أن يبتلى النسان با يسره وبا يسوؤه فهو متاج إل أن يكون صابرا شكورا.
156
قال تعال {:إنا جعلنا ما على الرض زينة لا لنبلوهم أي هم احسن عمل] الكهف ,7وقال تعال {:وبلوناهم بالسنات
والسيئات لعلهم يرجعون} العراف ,168وقال تعال {:فأما يأتينكم من هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى .ومن
أعرض عن ذكري فإن له معي شة ضن كا ونشره يوم القيا مة أع مى} طه ,124-123وقال تعال {:أم ح سبتم أن تدخلوا
النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} هذا ف آل عمران .142
وقد قال قبل ذلك ف البقرة نزل أكثرها قبل آل عمران {:أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم
مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال إل إن نصر ال قريب} البقرة .214
وذلك أن النفس ل تزكو وتصلح حت تحص بالبلء كالذهب الذي ل يلص جيده من رديئه حت يفت ف كب المتحان إذ
كانت النفس جاهلة ظالة وهي منشأ كل شر يصل للعبد فل يصل له شر إل منها.
قال تعال {:ما أصابك من حسنة فمن ال وما أ صابك من سيئة فمن نفسك} الن ساء ,79وقال تعال{:أو لا أ صابتكم
مصيبة من مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أن هذا قل هو من عند أنفسكم} آل عمران ,165وقال {:وما أصابكم من مصيبة
فيما كسبت أيدكم ويعفو عن كثي} الشورى ,30وقال تعال {:ذلك بأن ال ل يك مغيا نعمة أنعمها على قوم حت يغيوا
ما بأنفسهم} النفال .53
وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له ومالم من دونه من وال وقد ذكر عقوبات المم من آدم إل آخر وقت وف كل ذلك
يقول إنم ظلموا أنفسهم فهم الظالون ل الظلومون وأول من اعترف بذلك أبواهم قال {:ربنا ظلمنا أنفسنا وإن ل تغفر لنا
وترحنا لنكونن من الاسرين] العراف ,23وقال لبليس {:لملن جهنم منك ومن تبعك منهم أجعي} ص ,85وإبليس
إنا اتبعه الغواة منهم كما قال {:با أغويتن لزينن لم ف الرض ولغوينهم أجعي إل عبادك منهم الخلصي} الجر -39
,40وقال تعال {:إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين} الجر ,42والغي اتباع هوى النفس.
وما زال السلف معترفون بذلك كقول أب بكر وعمر وابن مسعود أقول فيها برأب فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ
فمن ومن الشيطان وال ورسوله بريئان منه.
وف الديث اللي حديث أب ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل ":يا عبادي إنا هي أعمالكم أحصيها لكم ث
أوفيكم إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه" مسلم ف الصحيح 1994\4رقم
,2577وف الديث الصحيح حديث ":سيد الستغفار أن يقول العبد اللهم أنت رب ل آله إل أنت خلقتن وأنا عبدك وأنا
على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنب فاغفر ل أنه ل يغفر الذنوب
إل أنت من قالا إذا أصبح موقنا با فمات من يومه دخل النة ومن قالا إذا أمسى موقنا با فمات من ليلته دخل النة"
البخاري ف الدعوات 100\11رقم .6306
157
وف حديث أب بكر الصديق من طريق أب هريرة وعبد ال بن عمرو ":أن رسول ال علمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى
وإذا أخذ مضجعه اللهم فاطر السماوات والرض عال الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه اشهد أن ل إله إل أنت أعوذ
بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوأ أو أجرة إل مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا
أخذت مضجعك" الترمذي ف الدعوات رقم .3389
وكان النب يقول ف خطبته ":المد ل نستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا" أبو داود ف
النكاح رقم .2118وقد قال النب ":إن أخذ بجركم عن النار وأنتم تافتون تافت الفراش" البخاري ف الرقاق 323\11
رقم ,6483شبههم بالفراش لهله وخفة حركته وهي صغية النفس فإنا جاهلة سريعة الركة.
وف الديث ":مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلة" ابن ماجه ف القدمة رقم .88وف حديث آخر ":للقلب أشد تقلبا
من القدر إذا استجمعت غليان" أحد ف السند .24\6ا ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الهل ولذا يقال لن أطاع
من يغويه أنه استخفه .قال عن فرعون إنه {:فاستخف قومه فأطاعوه} الزخرف ,54وقال تعال {:فاصب إن وعد ال حق
ول يستخفنك الذين ل يوقنون} الروم .60فإن الفيف ل يثبت بل يطيش .وصاحب اليقي ثابت يقال أيقن إذا كان مستقرا
واليقي واستقرار ليان ف القلب علما وعمل فقد يكون علم العبد جيدا لكن نفسه ل تصب عند الصائب بل تطيش.
قال السن البصري :إذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا ل بصية له رأيته فإذا رأيت بصيا
صابرا فذاك .قال تعال {:وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة ,24ولذا تشبه النفس
بالنار ف سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهوتا من النار والشيطان من النار.
وف السنن عن النب أنه قال ":الغضب من الشيطان والشيطان من النار وإنا تطفأ النار بالاء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"
أبو داود ف الدب .4784وف الديث الخر ":الغضب جرة توقد ف جوف ابن آدم" الترمذي ف الفت ,2192أل ترى
إل حرة عينيه وانتفاخ أوداجه وهو غليان دم القلب لطلب النتقام.
وف الديث التفق على صحته ":إن الشيطان يري من ابن آدم مرى الدم" البخاري ف العتكاف 326\4رقم ,2035
وف الصحيحي أن رجلي استبا عند النب وقد اشتد غضب أحدها فقال النب ":إن لعلم كلمة لو قالا لذهب عنه ما يد لو
قال :أعوذ بال من الشيطان الرجيم" البخاري ف الدب 535\10رقم 6115وسلم ف السلم 1712\4رقم ,24-23
وقد قال تعال {:ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم .وما يلقاها إل الذين صبوا وما يلقاها إل
ذو حظ عظيم .وإما ينغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العليم} فصلت .36-34وقال تعال {:خذ
العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الاهلي وإما ينغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه سيع عليم} .وقال تعال {:ادفع
بالت هي أحسن السيئة نن أعلم با يصفون وقل رب أعوذ بك من هزات الشياطي وأعوذ بك رب أن يضرون} الؤمنون
.98-96
158
ت الكتاب والمد ل أول وآخرا وصلى ال على رسولنا ممد النب المي وعلى آله وصحبه وتابعيه والقتدين بآثارهم إل يوم
.الدين وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي
159
الفهرس :
{هو الذي جعل لكم الرض ذلول فامشوا ف مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}اللك 51
………………………………………………………………………11.
160
الكلم قي ألاكم التكائر19.................................................................................
الغية نوعان21.............................................................................................
ايّاك والعاصي22............................................................................................
مثل الدنيا26.....................................................................................................
فائدة26...........................................................................................................
حبسان منجيان31...............................................................................................
(فائدة جليلة)31.............................................................................................-1-
(فائدة جليلة)31.............................................................................................-2-
161
(فائدة)34.........................................................................................................
162
شكوى الاهل من ال51...................................................................................
مرض القلب58..................................................................................................
ترك الختيار58..............................................................................................
(قاعدة جليلة)64.................................................................................................
163
علمة صحة الرادة69........................................................................................
أقسام الزهد69...................................................................................................
ايّاك والكذب79.................................................................................................
ف ظلل الية الكرية{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم لتعلمون}.
80.........................................................................
حدود الخلق81............................................................................................
(فصل)82....................................................................................................
164
الخلص ومبة الدح ل يتمعان ف قلب87.........................................................
من العوائق89................................................................................................
من العلئق90.................................................................................................
أركان الكفر91..................................................................................................
أنواع الكسب98...............................................................................................
165
نعم ال تعال وأنواعها99....................................................................................
نظرات ف المال106.......................................................................................
ف القدر106...................................................................................................
الشتغال بالشاهدة108......................................................................................
166
اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح109.........................................................................
صفات التوحيد110...........................................................................................
(قاعدة)114.................................................................................................
ف قصّة أيّوب114........................................................................................
ف قصة يوسف114......................................................................................
فائدة))115.................................................................................................
167
حول قوله تعال
أل .أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا } ...العنكبوت } 117.......................11-1
168