017

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 229

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء السابع عشر‬

‫حجاب‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجاب في اللّغة ‪ :‬السّتر ‪ ،‬وهو مصدر يقال حجب الشّيء يحجبه حجبا وحجابا ‪ :‬أي‬
‫ستره ‪ ،‬وقد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب ‪ .‬والحجاب اسم ما احتجب به ‪ ،‬وكلّ‬
‫ل ما يستر المطلوب ويمنع من الوصول إليه‬
‫ما حال بين شيئين فهو حجاب ‪ .‬والحجاب ك ّ‬
‫كالسّتر والبوّاب والجسم والعجز والمعصية ‪ : .‬وقوله تعالى { ومن بيننا وبينك حجاب } ‪،‬‬
‫معناه ‪ :‬ومن بيننا وبينك حاجز في النّحلة والدّين ‪ .‬والصل في الحجاب أنّه جسم حائل بين‬
‫جسدين ‪ .‬وقد استعمل في المعاني ‪ ،‬فقيل ‪ :‬العجز حجاب بين النسان ومراده ‪ ،‬والمعصية‬
‫حجاب بين العبد وربّه ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ الّذي هو‬
‫السّتر والحيلولة ‪ .‬والحاجب يأتي بمعنى المانع ‪ ،‬ويأتي بمعنى العظم الّذي فوق العين بلحمه‬
‫وشعره ‪ .‬وينظر ما يتّصل بهما من أحكام في مصطلح ‪ ( :‬حاجب ) ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫الخمار ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الخمار من الخمر وأصله السّتر ‪ ،‬ومنه قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬خمّروا‬
‫ن الخمار صار في التّعارف اسما لما تغطّي به‬
‫ل ما يستر شيئا فهو خماره ‪ .‬لك ّ‬
‫آنيّتكم } وك ّ‬
‫المرأة رأسها ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلحيّ للخمار في بعض الطلقات عن المعنى‬
‫اللّغويّ ‪ ،‬ويعرّفه بعض الفقهاء بأنّه ما يستر الرّأس والصّدغين أو العنق ‪ .‬والفرق بين‬
‫الحجاب والخمار أنّ الحجاب ساتر عامّ لجسم المرأة ‪ ،‬أمّا الخمار فهو في الجملة ما تستر به‬
‫المرأة رأسها ‪ .‬النّقاب ‪:‬‬
‫‪ - 3‬النّقاب ‪ -‬بكسر النّون ‪ -‬ما تنتقب به المرأة ‪ ،‬يقال انتقبت المرأة وتنقّبت غطّت وجهها‬
‫بالنّقاب ‪ .‬والفرق بين الحجاب والنّقاب ‪ ،‬أنّ الحجاب ساتر عا ّم ‪ ،‬أمّا النّقاب فساتر لوجه‬
‫المرأة فقط‬

‫( الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬


‫سيّات ‪ ،‬وهو الجسم الّذي يحول بين‬
‫‪ - 4‬للفظ الحجاب إطلقان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬استعماله في الح ّ‬
‫شيئين ‪ .‬والثّاني ‪ :‬استعماله في المعاني ‪ ،‬وهو المر المعنويّ الّذي يحول دون الوصول إلى‬
‫سيّات ‪،‬‬
‫المطلوب ‪ .‬وتختلف أحكامه في كلّ ذلك باختلف مواضعه ‪ .‬أوّل ‪ :‬استعماله في الح ّ‬
‫ومن ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحجاب بالنّسبة للعورة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على وجوب حجب عورة المرأة والرّجل البالغين بسترها عن نظر الغير‬
‫الّذي ل يحلّ له النّظر إليها ‪ .‬وعورة المرأة الّتي يجب عليها حجبها عن الجنبيّ هي في‬
‫الجملة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين ‪ ،‬وهي بالنّسبة للمحرم من الرّجال ما عدا الوجه‬
‫والرّأس والعنق والذّراع ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬وما عدا الصّدر والسّاقين ‪ ،‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ما عدا‬
‫سرّة والرّكبة ‪ .‬وعورة الرّجل‬
‫ما بين السّرّة والرّكبة ‪ ،‬وبالنّسبة لمثلها من النّساء ما بين ال ّ‬
‫سرّة والرّكبة مع الختلف في حجب الفخذ ‪ .‬وهذا‬
‫الّتي يجب حجبها عن الغير هي ما بين ال ّ‬
‫في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬عورة ) ‪ .‬والدّليل على وجوب حجب‬
‫ل له النّظر إليها قوله تعالى ‪ { :‬قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم‬
‫العورة عمّن ل يح ّ‬
‫ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون ‪ ،‬وقل للمؤمنات يغضضن من‬
‫ن إلّ ما ظهر منها } ‪ ...‬الية ‪ .‬وقول { النّبيّ‬
‫ن ول يبدين زينته ّ‬
‫أبصارهنّ ويحفظن فروجه ّ‬
‫ن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها‬
‫صلى ال عليه وسلم لسماء ‪ :‬يا أسماء إ ّ‬
‫إلّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه } ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم بالنّسبة للرّجال ‪:‬‬
‫{ عورة الرّجل ما بين سرّته إلى ركبته } ووجوب حجب العورة إنّما يتحقّق بما يحول بين‬
‫النّاظر ولون البشرة أو حجم العضاء ‪ .‬وكما يجب حجب العورة عن نظر الغير فإنّه‬
‫ب ‪ -‬وقيل يجب ‪ -‬حجبها في الخلوة حياء من اللّه تعالى ‪ .‬هذا مع مراعاة أنّه ل حجاب‬
‫يستح ّ‬
‫بين الرّجل وزوجته ‪ .‬فعن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جدّه قال ‪ { :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول اللّه ‪ :‬عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال ‪ :‬احفظ عورتك إلّ من زوجتك أو ما‬
‫ملكت يمينك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اللّه ‪ :‬إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال ‪ :‬إن‬
‫استطعت أن ل يرينّها أحد فل يرينّها ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اللّه إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال ‪:‬‬
‫اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس } ‪ .‬والصّغيرة إن كانت بنت سبع سنين إلى تسع فعورتها‬
‫سرّة والرّكبة ‪ ،‬وإن كانت أقلّ من سبع سنين فل حكم‬
‫الّتي يجب حجبها هي ما بين ال ّ‬
‫لعورتها ‪ ،‬وهذا كما يقول الحنابلة ‪ .‬كما أنّه يجب على المرأة أن تحتجب من المراهق الّذي‬
‫يميّز بين العورة وغيرها ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬فإن كان صغيرا ل يميّز بين العورة وغيرها‬
‫فل بأس من إبداء الزّينة له لقوله تعالى ‪ { :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن‬
‫ن ول يبدين‬
‫ن على جيوبه ّ‬
‫ن ول يبدين زينتهنّ إلّ ما ظهر منها وليضربن بخمره ّ‬
‫فروجه ّ‬
‫ن أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو‬
‫ن إلّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولته ّ‬
‫زينته ّ‬
‫ن أو التّابعين غير أولي الربة من‬
‫ن أو ما ملكت أيمانه ّ‬
‫ن أو نسائه ّ‬
‫ن أو بني أخواته ّ‬
‫بني إخوانه ّ‬
‫الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء } ‪ .‬ويستثنى من وجوب حجب العورة‬
‫إباحة كشفها للحاجة والضّرورة كالتّداوي والختان والشّهادة وغير ذلك ‪ .‬فعن عطيّة القرظيّ‬
‫قال ‪ :‬كنت من سبي بني قريظة ‪ ،‬فكانوا ينظرون ‪ ،‬فمن أنبت الشّعر قتل ‪ ،‬ومن لم ينبت لم‬
‫يقتل ‪ ،‬فكنت فيمن لم ينبت ‪ .‬وفي كلّ ما سبق تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬عورة ) ‪.‬‬

‫‪ - 2‬الحتجاب أثناء قضاء الحاجة ‪:‬‬


‫‪ - 6‬يستحبّ لقاضي الحاجة في الفضاء أن يستتر عن أعين النّاس بحيث ل يرى جسمه ‪ .‬أمّا‬
‫بالنّسبة للعورة فيجب حجبها ‪ ،‬فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة استتر به ‪ ،‬وإن لم يجد شيئا‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬من أتى الغائط‬
‫أبعد حتّى ل يراه أحد ‪ ،‬لما روي عن النّب ّ‬
‫فليستتر ‪ ،‬فإن لم يجد إلّ أن يجمع كثيبا من الرّمل فليستدبره } وهذا في الجملة وينظر تفصيل‬
‫ذلك في ( استنجاء ) ‪.‬‬

‫‪ - 3‬الحجاب الّذي يمنع القتداء بالمام في الصّلة ‪:‬‬


‫‪ - 7‬من شرائط القتداء أن ل يحول بين المأموم والمام ما يمنع متابعته ‪ .‬فإن كان بين‬
‫المام والمأموم جدار ل باب فيه ‪ ،‬أو كان بينهما باب مغلق يحول من المتابعة لم يصحّ‬
‫ن يصلّين في حجرتها ‪ :‬ل تصلّين‬
‫القتداء ‪ ،‬لقول عائشة رضي ال تعالى عنها لنساء ك ّ‬
‫ن دونه في حجاب ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬وينظر ذلك في ( اقتداء ) ‪.‬‬
‫بصلة المام فإنّك ّ‬

‫‪ - 4‬الطّلق من وراء حجاب ‪:‬‬


‫‪ - 8‬من خاطب زوجته بالطّلق وهو يظنّها أجنبيّة بأن كانت في ظلمة ‪ ،‬أو من وراء حجاب‬
‫وقع الطّلق ‪ ،‬كما جاء في مغني المحتاج ‪ ،‬لنّه أتى باللّفظ عن قصد واختيار ‪ ،‬وعدم رضاه‬
‫بوقوعه لظنّه أنّه ل يقع ل أثر له لخطأ ظنّه ‪ ،‬وقال النّوويّ في الرّوضة ‪ :‬تطلق عند‬
‫الصحاب ‪ ،‬وفيه احتمال لمام الحرمين وهذا في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في ( طلق )‬
‫‪.‬‬

‫‪ - 5‬احتجاب القاضي ‪:‬‬


‫ل في أوقات استراحته لما روي‬
‫‪ - 9‬ل يجوز للقاضي أن يحتجب عن النّاس من غير عذر إ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من ولي من أمر النّاس شيئا فاحتجب دون خلّتهم‬
‫أّ‬
‫وحاجتهم وفاقتهم احتجب اللّه دون خلّته وفاقته وحاجته وفقره } ‪ .‬وكره الشّافعيّة والحنابلة أن‬
‫ن حاجبه ربّما قدّم المتأخّر وأخّر المتقدّم ‪ ،‬فإن دعت حاجة إلى ذلك‬
‫يتّخذ القاضي حاجبا ‪ ،‬ل ّ‬
‫اتّخذ أمينا بعيدا من الطّمع ‪ .‬وأجاز المالكيّة والحنفيّة أن يتّخذ القاضي حاجبا لمنع دخول من‬
‫ل حاجة له وتأخير من جاء بعد حتّى يفرغ السّابق من قضيّته ‪ .‬أمّا المير فإنّه يجوز له أن‬
‫ل مصلحة وقتا ل‬
‫يتّخذ حاجبا ‪ ،‬لنّه ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لك ّ‬
‫يدخل فيه أحد ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في ( حاجب )‬

‫‪ - 6‬الشّهادة بالسّماع من وراء حجاب ‪:‬‬


‫‪ - 10‬مدرك العلم الّذي تقع به الشّهادة الرّؤية والسّماع ‪ ،‬والرّؤية تكون في المشهود عليه من‬
‫الفعال كالجناية والغصب والزّنى والسّرقة وغيرها ممّا يدرك بالعين ‪ ،‬لنّها ل تدرك إلّ‬
‫بها ‪ ،‬وإن كان المشهود عليه من العقود فقد اختلف الفقهاء هل ل بدّ من الرّؤية والسّماع ؟ أم‬
‫يكفي السّماع فقط ؟ فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة يكفي السّماع إذا عرف القائل وتحقّق أنّه‬
‫كلمه جاء في فتح القدير ‪ :‬لو سمع من وراء حجاب كثيف ل يشفّ من ورائه ل يجوز له‬
‫أن يشهد ‪ ،‬ولو شهد وفسّره للقاضي بأن قال ‪ :‬سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلّم ل يقبله ‪،‬‬
‫ن النّغمة تشبه النّغمة ‪ ،‬إلّ إذا أحاط بعلم ذلك ‪ ،‬لنّ المسوّغ هو العلم غير أنّ رؤيته متكلّما‬
‫لّ‬
‫بالعقد طريق العلم ‪ ،‬فإذا فرض تحقّق طريق آخر جاز ‪ ،‬وذلك بأن يكون دخل البيت فرآه فيه‬
‫وعلم أنّه ليس به أحد غيره ول منفذ غير الباب ‪ ،‬وهو قد جلس عليه وسمع القرار أو‬
‫البيع ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجوز له الشّهادة عليه بما سمع ‪ ،‬لنّه حصل به العلم في هذه الصّورة ‪.‬‬
‫أمّا عند الشّافعيّة فل بدّ من الرّؤية مع السّماع وهذا في الجملة ‪ .‬كما أنّه ل يجوز أن يشهد‬
‫إنسان على منتقبة حتّى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعيّن لداء الشّهادة‬
‫عليها وذلك ل يكون مع النتقاب ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( شهادة ) ‪ .‬وينظر‬
‫تفصيل ما تقبل فيه الشّهادة بالسّماع في مصطلح ‪ ( :‬تسامع ) ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬استعمال الحجاب في المعاني ‪:‬‬


‫‪ - 11‬يستعمل لفظ الحجاب مجازا في المعاني وذلك كما جاء في حديث { معاذ بن جبل لمّا‬
‫بعثه النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى اليمن وقال له ‪ ... :‬واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه‬
‫وبين اللّه حجاب } ‪ .‬قال ابن حجر ‪ :‬قوله ( حجاب ) أي ليس لها صارف يصرفها ول مانع‬
‫والمراد أنّها مقبولة وإن كان عاصيا ‪ ،‬وليس المراد أنّ للّه تعالى حجابا يحجبه عن النّاس ‪،‬‬
‫وقال الطّيبيّ ‪ :‬ليس بينها وبين اللّه حجاب تعليل للتّقاء وتمثيل للدّعاء كمن يقصد دار‬
‫السّلطان متظلّما فل يحجب ‪ .‬وقال الحافظ العلئيّ ‪ :‬المراد بالحاجب والحجاب نفي عدم‬
‫إجابة دعاء المظلوم ثمّ استعار الحجاب لل ّردّ ‪ ،‬فكان نفيه دليل على ثبوت الجابة ‪ ،‬والتّعبير‬
‫ن الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى‬
‫بنفي الحجاب أبلغ من التّعبير بالقبول ‪ ،‬ل ّ‬
‫المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ‪ .‬ومن ذلك أيضا قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ما منكم من‬
‫أحد إلّ سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان ول حجاب يحجبه } ‪.‬‬

‫‪ - 2‬الحجب في الميراث ‪:‬‬


‫‪ - 12‬الحجب في الميراث معناه شرعا ‪ :‬منع من قام به سبب الرث بالكّليّة أو من أوفر‬
‫حظّيه ‪ ،‬ويسمّى الوّل حجب حرمان ‪ ،‬والثّاني حجب نقصان ‪ .‬وحجب الحرمان قسمان ‪،‬‬
‫حجب بالوصف ويسمّى منعا كالقتل وال ّرقّ ‪ ،‬ويمكن دخوله على جميع الورثة ‪ .‬وحجب‬
‫بالشّخص أو الستغراق ‪ ،‬كالخ لبوين أو لب يحجبه الب والبن وابن البن ‪ .‬وحجب‬
‫النّقصان كحجب الولد الزّوج من النّصف إلى الرّبع ‪ .‬وتفصيل ذلك ينظر في ( إرث ‪-‬‬
‫حاجب ) ‪.‬‬

‫حجاز‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجاز لغة من الحجز ‪ ،‬وهو الفصل بين الشّيئين ‪ .‬قال الزهريّ ‪ :‬الحجز أن يحجز‬
‫بين متقاتلين ‪ ،‬والحجاز السم وكذا الحاجز ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وجعل بين البحرين حاجزا }‬
‫أي حجازا بين ماء ملح وماء عذب ل يختلطان ‪ ،‬وذلك الحجاز قدرة اللّه ‪ .‬ويقال للجبال‬
‫أيضا حجاز ‪ ،‬أي لنّها تحجز بين أرض وأرض ‪ .‬والحجاز البلد المعروف ‪ ،‬سمّي بذلك من‬
‫الحجز الّذي هو الفصل بين الشّيئين ‪ ،‬قيل ‪ :‬لنّه فصل بين الغور ( أي تهامة ) والشّام‬
‫ن الحرار‬
‫والبادية ‪ .‬وقيل ‪ :‬لنّه فصل بين تهامة ونجد ‪ .‬وقال الزهريّ ‪ :‬سمّي حجازا ل ّ‬
‫حجزت بينه وبين عالية نجد ‪ .‬وقد اختلفت عبارات اللّغويّين في بيان ما يدخل تحت اسم‬
‫الحجاز وبيان حدوده ‪ ،‬فقال ياقوت الحمويّ ‪ :‬الحجاز الجبل الممتدّ الّذي حال بين الغور ‪،‬‬
‫غور تهامة ‪ ،‬ونجد ‪ ،‬ثمّ نقل عن الصمعيّ الحجاز من تخوم صنعاء من العبلء وتبالة إلى‬
‫ن جبل السّراة من قعرة اليمن إلى أطراف بوادي‬
‫تخوم الشّام ‪ .‬وقريب منه قول هشام الكلبيّ إ ّ‬
‫الشّام سمّته العرب حجازا ‪ ،‬فصار ما خلفه إلى سيف البحر غور تهامة ‪ ،‬وما دونه في‬
‫شرقيّه إلى أطراف العراق والسّماوة نجدا ‪ .‬والجبل نفسه وهو سراته وما احتجز به في‬
‫شرقيّه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيه هو الحجاز ‪ .‬وأمّا في اصطلح الفقهاء وخاصّة عند‬
‫الشّافعيّة والحنابلة الّذين قصروا حكم جزيرة العرب الوارد في الحديث ‪ ،‬فبيان مرادهم‬
‫بالحجاز كما يلي ‪ :‬قال الشّافعيّ ‪ :‬والحجاز مكّة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلّها ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬
‫« ول يتبيّن أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ‪ ،‬ويمنعون من المقام في سواحله ‪ ،‬وكذلك إن‬
‫كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا من سكناها لنّها من أرض الحجاز » ‪ .‬ا‬
‫هـ ‪ .‬وذكر في المنهاج وشرحه من مدن الحجاز وقراه ‪ :‬مكّة والمدينة واليمامة وقراها‬
‫ج وجدّة والينبع وخيبر ‪ ( ،‬وأضاف عميرة البرلّسيّ فدكا ) ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إنّ‬
‫كالطّائف وو ّ‬
‫الكافر يمنع من القامة بجزائر بحر الحجاز ولو كانت خرابا ‪ ،‬ومن القامة في بحر في‬
‫الحجاز ولو في سفينة ‪ .‬وفسّر القليوبيّ اليمامة بأنّها البلد الّتي كان فيها مسيلمة ‪ ،‬والّتي‬
‫سمّيت باسمها زرقاء اليمامة ‪ .‬وهذا يقتضي أنّ الحجاز عند الشّافعيّة ‪ -‬وعند الحنابلة كما‬
‫يأتي ‪ -‬يشمل ما هو شرقيّ جبال الحجاز حتّى اليمامة وقراها وهي منطقة الرّياض الن ‪ ،‬أو‬
‫ما كان يسمّى قديما العرض أو العارض وهي بعض العروض ‪ ،‬جاء في معجم البلدان ‪:‬‬
‫العروض اليمامة والبحرين وما والهما ‪ .‬وليست البحرين وقاعدتها هجر من الحجاز ‪.‬‬
‫ن المراد‬
‫وكذلك فسّره الحنابلة ‪ :‬فإنّهم عندما تعرّضوا لما يمنع الكفّار من سكناه بيّنوا أ ّ‬
‫بجزيرة العرب في الحديث ( الحجاز ) ‪ .‬جاء في المغني ‪ :‬قال أحمد ‪ ،‬في حديث { أخرجوا‬
‫المشركين من جزيرة العرب } ‪ :‬جزيرة العرب المدينة وما والها ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬يعني أنّ‬
‫الممنوع من سكنى الكفّار المدينة وما والها وهو مكّة واليمامة وخيبر والينبع وفدك‬
‫ن تيماء وفيدا ونحوهما ل يمنع أهل‬
‫ومخاليفها وما والها ‪ .‬وجاء في كلمه ما يدلّ على أ ّ‬
‫ال ّذمّة من سكناها وكذلك اليمن ونجران وتيماء وفيد من بلد طيئ ‪ .‬وجاء في مطالب أولي‬
‫النّهى ‪ :‬يمنع أهل ال ّذمّة من القامة بالحجاز ‪ ،‬وهو ما حجز بين تهامة ونجد ‪ .‬والحجاز‬
‫كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك وقراها ‪ ،‬وفدك قرية بينها وبين المدينة يومان ‪ .‬وقال‬
‫ابن تيميّة ‪ :‬ومن الحجاز تبوك ونحوها ‪ ،‬وما دون المنحنى وهو عقبة الصّوّان يعتبر من‬
‫الشّام كمعان ‪.‬‬

‫الحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالحجاز ‪:‬‬


‫‪ - 2‬الحكام الشّرعيّة المتعلّقة بجزيرة العرب ومنها الحجاز ترجع أساسا إلى أربعة أحكام ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬أنّها ل يسكنها غير المسلمين ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّها ل يدفن بها أحد من غير المسلمين ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬أنّها ل يبقى بها دار عبادة لغير المسلمين ‪ .‬والرّابع ‪ :‬أنّها زكويّة كلّها ل يؤخذ من‬
‫أرضها خراج ‪ .‬وقد ذكر ذلك وأدلّته وتفصيله والخلف فيه تحت عنوان ( أرض العرب )‬
‫ن أرض العرب نوعان ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما اتّفق فيه الفقهاء على أنّه مراد‬
‫ن المراد هنا بيان أ ّ‬
‫لك ّ‬
‫بأرض العرب الواردة أحكامها في الحاديث ‪ ،‬فتنطبق عليه الحكام المذكورة إجماعا ‪ ،‬وهو‬
‫أرض الحجاز ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما اختلف في أنّه مراد بالحاديث الواردة في شأن أرض العرب‬
‫وهو ما عدا أرض الحجاز ‪ ،‬كالبحرين ‪ ،‬واليمن ‪ ،‬وما وراء جبال طيئ إلى حدود العراق ‪.‬‬
‫فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مرادة بالحاديث الواردة وتنطبق عليها أحكامها ‪ .‬والشّافعيّة‬
‫والحنابلة يرون أنّها غير مرادة ول تنطبق عليها تلك الحكام ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ‪:‬‬
‫( أرض العرب ) ‪.‬‬

‫حجامة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجامة ‪ :‬مأخوذة من الحجم أي المصّ ‪ .‬يقال ‪ :‬حجم الصّبيّ ثدي أمّه إذا مصّه ‪.‬‬
‫والحجّام المصّاص ‪ ،‬والحجامة صناعته والمحجم يطلق على اللة الّتي يجمع فيها الدّم وعلى‬
‫مشرط الحجّام فعن ابن عبّاس ‪ :‬الشّفاء في ثلث شربة عسل وشرطة محجم وكيّة نار ‪.‬‬
‫والحجامة في كلم الفقهاء قيّدت عند البعض بإخراج الدّم من القفا بواسطة المصّ بعد الشّرط‬
‫بالحجم ل بالفصد ‪ .‬وذكر الزّرقانيّ أنّ الحجامة ل تختصّ بالقفا بل تكون من سائر البدن ‪.‬‬
‫وإلى هذا ذهب الخطّابيّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفصد ‪:‬‬
‫‪ - 2‬فصد يفصد فصدا وفصادا ‪ :‬شقّ العرق لخراج الدّم ‪ .‬وفصد النّاقة شقّ عرقها‬
‫ليستخرج منه الدّم فيشربه ‪ .‬فالفصد والحجامة يجتمعان في أنّ كلّا منهما إخراج للدّم ‪،‬‬
‫ص الدّم بعد الشّرط ‪.‬‬
‫ن الفصد شقّ العرق ‪ ،‬والحجامة م ّ‬
‫ويفترقان في أ ّ‬

‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬


‫‪ - 3‬التّداوي بالحجامة مندوب إليه ‪ ،‬وورد في ذلك عدّة أحاديث عن النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم منها قوله ‪ { :‬خير ما تداويتم به الحجامة } ومنها قوله ‪ { :‬خير الدّواء الحجامة } ‪.‬‬
‫ومنها ما رواه الشّيخان ‪ { :‬إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ‪ ،‬أو شربة‬
‫عسل ‪ ،‬أو لذعة بنار توافق الدّاء ‪ ،‬وما أحبّ أن أكتوي } ‪.‬‬

‫الحكام المتعلّقة بالحجامة ‪:‬‬


‫‪ - 4‬اعتنى الفقهاء ببيان أحكام الحجامة من حيث تأثيرها على الطّهارة ‪ ،‬وعلى الصّوم ‪،‬‬
‫وعلى الحرام ‪ .‬ومن حيث القيام بها ‪ ،‬وأخذ الجر عليها ‪ ،‬والتّداوي بها ‪ .‬تأثير الحجامة‬
‫على الطّهارة ‪:‬‬
‫ن خروج الدّم بالحجامة ناقض من نواقض الوضوء ‪ .‬قال السّرخسيّ‬
‫‪ - 5‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫‪ :‬الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا ‪ ،‬لنّ الوضوء واجب بخروج‬
‫النّجس ‪ ،‬فإن توضّأ ولم يغسل موضع المحجمة ‪ ،‬فإن كان أكثر من قدر الدّرهم لم تجزه‬
‫الصّلة ‪ ،‬وإن كان دون ذلك أجزأته ‪ .‬والفصد مثل الحجامة في نقض الوضوء ‪ .‬فإذا افتصد‬
‫وخرج منه دم كثير ‪ ،‬وينتقض أيضا إذا مصّت علقة عضوا وأخذت من الدّم قدرا يسيل منها‬
‫لو شقّت ‪ .‬وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الحجامة والفصد ومصّ العلق ل يوجب واحد‬
‫منها الوضوء ‪ .‬قال الزّرقانيّ ‪ :‬ل ينتقض الوضوء بحجامة من حاجم ومحتجم وفصد ‪ .‬وفي‬
‫المّ " ل وضوء في قيء ول رعاف ول حجامة ول شيء خرج من الجسد وأخرج منه غير‬
‫الفروج الثّلثة القبل والدّبر والذّكر » ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّ ما خرج من الدّم موجب‬
‫للوضوء إذا كان فاحشا ‪ .‬وفي ح ّد الفاحش عندهم خلف ‪ :‬فقيل ‪ :‬الفاحش ما وجده النسان‬
‫فاحشا كثيرا ‪ .‬قال ابن عقيل ‪ :‬إنّما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط النّاس ل المتبذّلين ول‬
‫الموسوسين ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو مقدار الكفّ ‪ .‬وقيل ‪ :‬عشرة أصابع ‪.‬‬

‫تأثير الحجامة على الصّوم ‪:‬‬


‫ن الحجامة جائزة للصّائم إذا كانت ل تضعفه ‪ ،‬ومكروهة إذا أثّرت‬
‫‪ - 6‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫فيه وأضعفته ‪ ،‬يقول ابن نجيم ‪ :‬الحتجام غير مناف للصّوم وهو مكروه للصّائم ‪ .‬إذا كان‬
‫ن المحتجم إمّا‬
‫يضعفه عن الصّوم ‪ ،‬أمّا إذا كان ل يضعفه فل بأس به ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫ن الحتجام ل‬
‫ل إمّا أن يغلب على ظنّه أ ّ‬
‫أن يكون ضعيف البدن لمرض أو خلقة ‪ .‬وفي ك ّ‬
‫يضرّه ‪ ،‬أو يشكّ أو يغلب على ظنّه أنّه إن احتجم ل يقوى على مواصلة الصّوم ‪ .‬فمن غلب‬
‫على ظنّه أنّه ل يتضرّر بالحجامة جاز له أن يحتجم ‪ .‬ومن غلب على ظنّه أنّه سيعجز عن‬
‫مواصلة الصّوم إذا هو احتجم حرم عليه ‪ .‬إلّ إذا خشي على نفسه هلكا أو شديد أذى بتركه‬
‫ك في تأثير الحجامة على‬
‫‪ ،‬فيجب عليه أن يحتجم ويقضي إذا أفطر ول كفّارة عليه ‪ .‬ومن ش ّ‬
‫ي البنية جاز له ‪ ،‬وإن كان ضعيف البدن كره له ‪.‬‬
‫قدرته على مواصلة الصّوم فإن كان قو ّ‬

‫والفصادة مثل الحجامة فتكره للمريض دون الصّحيح كما في الرشاد ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى‬
‫أنّه ل يفطر الصّائم بالفصد أو الحجامة يقول الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬أمّا الفصد فل خلف فيه ‪،‬‬
‫وأمّا الحجامة فلنّه { صلى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم } ‪ .‬وهو ناسخ لحديث ‪ { :‬أفطر‬
‫الحاجم والمحجوم } ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّ الحجامة تؤثّر في الحاجم والمحجوم ويفطر كلّ‬
‫منهما ‪ .‬يقول ابن قدامة ‪ :‬الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم ‪ ،‬وبه قال إسحاق وابن المنذر‬
‫‪ .‬ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة ‪ ،‬وهو قول عطاء وعبد الرّحمن بن مهديّ ‪ .‬وكان الحسن‬
‫ومسروق وابن سيرين ل يرون للصّائم أن يحتجم ‪ .‬وكان جماعة من الصّحابة يحتجمون ليل‬
‫في الصّوم منهم ابن عمر وابن عبّاس وأبو موسى وأنس ‪ .‬واستدلّوا بقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم { أفطر الحاجم والمحجوم } ‪.‬‬

‫تأثير الحجامة على الحرام ‪:‬‬


‫ن الحجامة ل تنافي الحرام ‪ .‬قال ابن نجيم ‪ :‬وممّا ل يكره له أيضا‬
‫‪ - 7‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫‪ -‬أي للمحرم ‪ -‬الكتحال بغير المطيّب وأن يختتن ويفتصد ‪ .‬ويقلع ضرسه ‪ ،‬ويجبر‬
‫الكسر ‪ ،‬ويحتجم » ‪ .‬فالحجامة إذا لم يترتّب عليها قلع الشّعر ل تكره للمحرم ‪ ،‬أمّا إذا ترتّب‬
‫على ذلك قلع شعر ‪ ،‬فإن حلق محاجمه واحتجم فيجب عليه دم ‪ .‬ول يضرّ تعصيب مكان‬
‫الفصد ‪ :‬يقول ابن عابدين ‪ ( :‬وإن لزم تعصيب اليد لما قدّمناه من أنّ تعصيب غير الوجه‬
‫والرّأس إنّما يكره له بغير عذر ) ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الحجامة في الحرام ‪ :‬إن كانت‬
‫لعذر فجواز القدام عليها ثابت قول واحدا ‪ ،‬وإن كانت لغير عذر حرمت إن لزم قلع الشّعر‬
‫ل من‬
‫ن الحجامة قد تضعفه قال مالك ‪ :‬ل يحتجم المحرم إ ّ‬
‫‪ .‬وكرهت إن لم يلزم منه ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫ضرورة ‪ .‬علّق عليه الزّرقانيّ أي يكره لنّه قد يؤدّي إلى ضعفه كما كره صوم يوم عرفة‬
‫ن الصّوم أخفّ من الحجامة ‪ .‬واستدلّوا بما روى مالك في الموطّأ عن يحيى بن‬
‫للحاجّ مع أ ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق‬
‫سعيد عن سليمان بن يسار { أ ّ‬
‫رأسه } ‪ ،‬وفي رواية الصّحيحين وسط رأسه ‪ ،‬وفي رواية علّقها البخاريّ { احتجم من شقيقة‬
‫ض العظم بل كسر ) وهو يومئذ بلحي جمل ولبي‬
‫كانت به } وللنّسائيّ من وثء ( وهو ر ّ‬
‫داود والحاكم والنّسائيّ عن أنس { على ظهر القدم من وجع كان به } ولفظ الحاكم { على‬
‫ظهر القدمين } ‪ :‬يقول الزّرقانيّ ‪ :‬وهذا يدلّ على تعدّدها منه في الحرام ‪ .‬وعلى الحجامة‬
‫في الرّأس وغيره للعذر ‪ .‬وهو إجماع ‪ ،‬ولو أدّت إلى قلع الشّعر ‪ .‬لكن يفتدي إذا قلع الشّعر ‪.‬‬
‫وأمّا الفصد فيقول الزّرقانيّ ‪ :‬وجاز فصد لحاجة وإلّ كره إن لم يعصبه ‪ ،‬فإن عصّبه ولو‬
‫لضرورة افتدى ‪ .‬وعند الشّافعيّة قال النّوويّ ‪ :‬إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن‬
‫تضمّنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشّعر وإن لم تتضمّنه جازت ‪ .‬واستدلّ بما روى‬
‫البخاريّ عن ابن بحينة رضي ال عنه قال ‪ { :‬احتجم النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو محرم‬
‫بلحي جمل في وسط رأسه } ‪ .‬واستدلّ بهذا الحديث على جواز الفصد ‪ ،‬وبطّ الجرح ‪ ،‬وقطع‬
‫العرق ‪ ،‬وقلع الضّرس ‪ ،‬وغير ذلك من وجوه التّداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي‬
‫عنه المحرم من تناول الطّيب ‪ ،‬وقطع الشّعر ‪ ،‬ول فدية عليه في شيء من ذلك ‪ .‬وذهب‬
‫الحنابلة إلى جواز الحتجام للمحرم إذا لم يقلع شعرا دون تفصيل ‪ ،‬وإن اقتلع شعرا من‬
‫رأسه أو من بدنه فإن كان لغير عذر حرم ‪ .‬وإن كان لعذر جاز ‪ .‬ويجب على من اقتلع‬
‫شعرا بسبب الحجامة فدية في ثلث شعرات مدّ عن كلّ واحدة ‪ .‬وإن كانت أربع شعرات‬
‫فأكثر وجب عليه صيام ثلثة أيّام أو إطعام ثلثة آصع أو ذبح شاة ‪ .‬والفصد مثل الحجامة‬
‫في الحكام ‪.‬‬

‫امتهان الحجامة وأخذ الجر عليها ‪:‬‬


‫‪ - 8‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول ) إلى جواز اتّخاذ‬
‫الحجامة حرفة وأخذ الجرة عليها ‪ ،‬واستدلّوا بما روى ابن عبّاس قال ‪ { :‬احتجم النّبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم وأعطى الحجّام أجره } ‪ ،‬ولو علمه حراما لم يعطه وفي لفظ { لو علمه خبيثا‬
‫لم يعطه } ‪ .‬ولنّها منفعة مباحة فجاز الستئجار عليها كالبناء والخياطة ‪ ،‬ولنّ بالنّاس حاجة‬
‫إليها ول نجد كلّ أحد متبرّعا بها ‪ ،‬فجاز الستئجار عليها كالرّضاع ‪ .‬وذهب الحنابلة في قول‬
‫آخر نسبه القاضي إلى أحمد قال ‪ :‬ل يباح أجر الحجّام ‪ ،‬فإذا أعطي شيئا من غير عقد ول‬
‫ل لهذا‬
‫شرط فله أخذه ‪ ،‬ويصرفه في علف دوابّه ومؤنة صناعته ‪ ،‬ول يحلّ له أكله ‪ ،‬واستد ّ‬
‫القول بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬كسب الحجّام خبيث } ‪.‬‬

‫ضمان الحجّام ‪:‬‬


‫‪ - 9‬الحجّام ل يضمن إذا فعل ما أمر به وتوفّر شرطان ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون قد بلغ مستوى في حذق صناعته يمكّنه من مباشرتها بنجاح ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ل يتجاوز ما ينبغي أن يفعل في مثله ‪ .‬وتفصيله في تداو وتطبيب ‪.‬‬

‫حجب‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجب لغة مصدر حجب يقال ‪ :‬حجب الشّيء يحجبه حجبا إذا ستره ‪ ،‬وقد احتجب‬
‫وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب ‪ .‬وحجبه منعه عن الدّخول ‪ ،‬وكلّ ما حال بين الشّيئين‬
‫ل شيء منع شيئا فقد حجبه‬
‫فهو حجاب ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ومن بيننا وبينك حجاب } ‪ .‬وك ّ‬
‫‪ ،‬وسمّي البوّاب حاجبا لنّه يمنع من أراد الدّخول ‪ .‬وأكثر ما يستعمل الحجب في الميراث‬
‫وهو اصطلحا ‪ :‬منع من قام به سبب الرث من الرث بالكّليّة ويسمّى حجب حرمان ‪ ،‬أو‬
‫من أوفر حظّيه ويسمّى حجب نقصان ‪ .‬وقد يستعمل في الحضانة والولية بمعنى منع‬
‫الشّخص من دونه من ذلك الحقّ كما يقال ‪ :‬المّ تحجب كلّ حاضنة سواها ‪ ،‬ما لم تتزوّج‬
‫ي البعد ‪ .‬وتفصيله في‬
‫بمحرم من الصّغير ‪ ،‬وفي الولية يقال ‪ :‬إنّ الوليّ القرب يحجب الول ّ‬
‫الحضانة والولية ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫المنع ‪:‬‬
‫‪ - 2‬من معاني المنع في اللّغة ‪ :‬الحرمان ‪ ،‬وفي الصطلح ‪ :‬هو تعطيل الحكم مع وجود‬
‫سببه ‪ ،‬كامتناع الميراث مع وجود القرابة الموجبة له بسبب اختلف الدّين ‪ -‬مثل ‪ -‬والمنع‬
‫في الرث أكثر ما يستعمل في الحجب بالوصف ‪ ،‬أمّا الحجب فيستعمل في الحجب بالشّخص‬
‫‪.‬‬

‫الحجب في الميراث ‪:‬‬


‫‪ - 3‬الحجب مطلقا قسمان ‪ :‬حجب بوصف ‪ ،‬وهو المعبّر عنه بالمانع ‪ ،‬وحجب بشخص ‪،‬‬
‫وهو قسمان ‪ :‬حجب حرمان ‪ ،‬وهو أن يسقط الوارث غيره بالكّليّة ‪ .‬وهو ل يدخل على ستّة‬
‫ل من أدلى بنفسه‬
‫من الورثة إجماعا ‪ ،‬وهم ‪ :‬البوان والزّوجان والبن والبنت وضابطه ‪ :‬ك ّ‬
‫ل المعتق ‪ .‬والثّاني ‪ :‬حجب نقصان ‪ :‬وهو حجب عن نصيب أكثر إلى نصيب‬
‫إلى الميّت إ ّ‬
‫أقلّ ‪ .‬وهو لخمسة من الورثة ‪ :‬الزّوجين ‪ ،‬والمّ ‪ ،‬وبنت البن ‪ ،‬والخت لب ‪ ،‬والخوة لمّ‬
‫‪ .‬وللحجب مطلقا قواعد يقوم عليها ‪ ،‬وهي ‪ :‬الولى ‪ :‬أنّ من يدلي إلى الميّت بوارث يحجب‬
‫ن القرب‬
‫حجب حرمان عند وجود ذلك الوارث إلّ الخوة لمّ مع وجود المّ ‪ .‬الثّانية ‪ :‬أ ّ‬
‫ن القوى قرابة يحجب الضعف منه‬
‫يحجب البعد إذا كان يستحقّ بوصفه ونوعه ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬أ ّ‬
‫‪ .‬وفي ذلك تفصيل سبق في مصطلح إرث ( ج ‪ 3‬ص ‪ 45‬فقرة ‪ ) 45‬من الموسوعة ‪ .‬وفي‬
‫تطبيق هذه القواعد التّفصيل التّالي ‪ :‬فابن البن يحجبه البن أو ابن ابن أقرب منه لدلئه به‬
‫إن كان أباه ‪ ،‬أو لنّه عصبة أقرب منه ‪ ،‬ويحجبه كذلك أبوان وبنتان للصّلب باستغراقهم‬
‫ل الب أو ج ّد أقرب منه متوسّط بينه وبين‬
‫للتّركة ‪ .‬والج ّد أبو الب وإن عل ل يحجبه إ ّ‬
‫الميّت تطبيقا لقاعدة أنّ من أدلى بشخص ل يرث مع وجوده إلّ أولد المّ ‪ ،‬والخ الشّقيق‬
‫يحجبه الب والبن وابن البن وإن سفل لقوله تعالى ‪ { :‬يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكللة‬
‫إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وهذه‬
‫المسألة مجمع عليها بين الفقهاء ‪.‬‬

‫‪ - 4‬واختلفوا فيما إذا كان الخوة الشقّاء والخوة للب يحجبون بالجدّ أبي الب وإن عل ‪:‬‬
‫ن الجدّ يحجب الخوة سواء أكانوا أشقّاء أو لب للية المذكورة حيث‬
‫فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬
‫ن الكللة ‪ -‬سواء كانت اسما للميّت الّذي ل ولد ول والد له حسب اختلف العلماء في‬
‫إّ‬
‫صدّيق وعبد اللّه بن‬
‫تفسيرها ‪ -‬ل تشمل الجدّ لنّه والد للميّت ‪ ،‬وإلى هذا ذهب أبو بكر ال ّ‬
‫عبّاس رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫ن الجدّ‬
‫‪ -5‬وذهب جمهور العلماء وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة إلى أ ّ‬
‫ل يحجب الخ الشّقيق أو لب بل يرث معه والخ لب يحجبه هؤلء والخ الشّقيق ‪.‬‬
‫وابن الخ لبوين ‪ ،‬يحجبه ستّة وهم الب ‪ ،‬والجدّ أبو الب وإن عل ‪ ،‬والبن وابن البن‬
‫ستّة وابن‬
‫وإن سفل والخ لبوين ‪ ،‬والخ لب ‪ .‬وابن الخ لب يحجبه سبعة وهم هؤلء ال ّ‬
‫الخ لبوين ‪.‬‬

‫والعمّ لبوين يحجبه ثمانية وهم الب والجدّ وإن عل والبن وابن البن وإن سفل والخ‬
‫لبوين والخ لب وابن الخ لبوين وابن الخ لب ‪ .‬والعمّ لب يحجبه تسعة وهم هؤلء‬
‫الثّمانية والع ّم الشّقيق ‪.‬‬

‫وابن العمّ الشّقيق يحجبه عشرة وهم الب والجدّ أبو الب وإن عل والبن وابن البن وإن‬
‫سفل والخ الشّقيق والخ لب وابن الخ الشّقيق وابن الخ لب والعمّ الشّقيق والعمّ لب ‪.‬‬
‫وابن العمّ لب يحجبه هؤلء العشرة ‪ ،‬وابن العمّ الشّقيق ‪ .‬وهذه المسائل متّفق عليها بين‬
‫الفقهاء ‪.‬‬

‫‪ - 6‬وبنت البن يحجبها البن لنّه أبوها أو عمّها وهو بمنزلة أبيها وتحجبها بنتان لنّ‬
‫الثّلثين فرض البنات ولم يبق منه شيء إلّ إذا كان معها ابن ابن يعصبها فحينئذ تشترك معه‬
‫فيما بقي بعد ثلثي البنتين { للذّكر مثل حظّ النثيين }‬

‫ن الخ الشّقيق يحجب‬


‫والخوات لبوين أو لب كالخوة لبوين أو لب في الحجب إلّ أ ّ‬
‫الخوّة لب وإن كثروا ‪.‬‬

‫ن الثّلثين فرض الخوات ولم يبق منه شيء ‪.‬‬


‫ن أختان لبوين ‪ ،‬ل ّ‬
‫والخت لب فأكثر يحجبه ّ‬

‫وأولد المّ يحجبهم أربعة وهم الب والجدّ أبو الب وإن عل ‪ ،‬والولد للصّلب ذكرا كان أو‬
‫أنثى ‪ ،‬وولد البن كلّ ذلك وإن سفل ‪ .‬وهذا مجمع عليه بين الفقهاء لقوله تعالى ‪ { :‬وإن كان‬
‫رجل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك‬
‫فهم شركاء في الثّلث } ‪ .‬وأجمع الفقهاء كذلك على أنّ الجدّة تحجب بالمّ سواء أكانت من‬
‫ن الجدّات يرثن بالولدة فالمّ أولى لمباشرتها الولدة ‪ ،‬كما‬
‫جهة ال ّم أم من جهة الب ل ّ‬
‫ن القربى من كلّ جهة تحجب البعدى من هذه الجهة لقربها إلى الميّت ‪.‬‬
‫أجمعوا على أ ّ‬

‫‪ - 7‬ولكنّهم اختلفوا في مسألتين من مسائل حجب الجدّة ‪ :‬أوّلهما ‪ :‬فيمن تحجب الجدّة الّتي‬
‫ن الب يحجب الجدّة الّتي‬
‫من جهة الب غير المّ ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫ل أولد المّ كما سبق‬
‫من جهته لنّها تدلي به إلى الميّت ومن أدلى بشخص ل يرث معه إ ّ‬
‫ن الب ل يحجب هذه الجدّة بل ترث معه ‪ ،‬واستدلّوا بما روي‬
‫ذكره ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫عن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ { :‬أوّل جدّة أطعمها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫ي } ‪ .‬ولنّ الجدّات أمّهات يرثن ميراث المّ ل ميراث الب‬
‫السّدس أمّ أب مع ابنها وابنها ح ّ‬
‫فل يحجبن به كأمّهات المّ ‪.‬‬

‫وثانيتهما ‪ :‬هل القربى من الجدّات تحجب البعدى من الجهة الخرى ؟ فذهب المالكيّة‬
‫والشّافعيّة إلى أنّ القربى من جهة المّ تحجب البعدى من جهة الب ‪ ،‬وأنّ القربى من جهة‬
‫ن الب ل يحجبها فالجدّة الّتي تدلي به أولى أن ل‬
‫الب ل تحجب البعدى من جهة المّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫تحجبها ‪ .‬وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ القربى من أيّ جهة كانت تحجب البعدى من أيّ‬
‫جهة كانت كذلك لقوّة القرابة ‪.‬‬

‫ن من ل يرث‬
‫‪ - 8‬واتّفق فقهاء المذاهب ومن سبقهم من علماء السّلف وعامّة الصّحابة على أ ّ‬
‫لمانع فيه كالقتل أو الرّقّ ل يحجب غيره ل حرمانا ول نقصانا بل وجوده كالعدم ‪ .‬وخالفهم‬
‫في ذلك عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه فقال ‪ :‬إنّ المحروم من الرث يحجب غيره‬
‫حرمانا ونقصانا ‪ .‬كما اتّفق هؤلء على أنّ المحجوب بشخص يحجب غيره حجب نقصان ‪.‬‬
‫وأجمعوا كذلك على أنّ المعتق يحجبه عصبة النّسب ‪ ،‬لنّ النّسب أقوى من الولء ‪ .‬أمّا ما‬
‫يتّصل بحجب النّقصان فيرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬إرث ) ‪.‬‬

‫حجّ الحجّ‬
‫التّعريف‬
‫ج إلينا فلن ‪ :‬أي قدم ‪ ،‬وحجّه‬
‫‪ - 1‬الحجّ ‪ :‬بفتح الحاء ويجوز كسرها ‪ ،‬هو لغة القصد ‪ ،‬ح ّ‬
‫يحجّه حجّا ‪ :‬قصده ‪ .‬ورجل محجوج ‪ ،‬أي مقصود ‪ .‬هذا هو المشهور ‪ .‬وقال جماعة من‬
‫ج بالكسر ‪ :‬السم ‪ .‬والحجّة ‪ :‬المرّة الواحدة ‪ ،‬وهو‬
‫ج ‪ :‬القصد لمعظّم ‪ .‬والح ّ‬
‫أهل اللّغة ‪ :‬الح ّ‬
‫ج اصطلحا ‪:‬‬
‫ن القياس بالفتح ‪ .‬تعريف الح ّ‬
‫من الشّواذّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ - 2‬الحجّ في اصطلح الشّرع ‪ :‬هو قصد موضع مخصوص ( وهو البيت الحرام وعرفة )‬
‫ج ) للقيام بأعمال مخصوصة وهي الوقوف بعرفة ‪،‬‬
‫في وقت مخصوص ( وهو أشهر الح ّ‬
‫والطّواف ‪ ،‬والسّعي عند جمهور العلماء ‪ ،‬بشرائط مخصوصة يأتي بيانها ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫العمرة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬وهي قصد البيت الحرام للطّواف والسّعي وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬عمرة ) ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ للحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الحجّ فرض عين على كلّ مكلّف مستطيع في العمر مرّة ‪ ،‬وهو ركن من أركان السلم‬
‫سنّة والجماع ‪.‬‬
‫‪ ،‬ثبتت فرضيّته بالكتاب وال ّ‬
‫أ ‪ -‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقد قال اللّه تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيل ‪،‬‬
‫ص في إثبات الفرضيّة ‪ ،‬حيث عبّر‬
‫ن اللّه غنيّ عن العالمين } ‪ .‬فهذه الية ن ّ‬
‫ومن كفر فإ ّ‬
‫القرآن بصيغة { وللّه على النّاس } وهي صيغة إلزام وإيجاب ‪ ،‬وذلك دليل الفرضيّة ‪ ،‬بل إنّنا‬
‫ن اللّه غنيّ عن‬
‫نجد القرآن يؤكّد تلك الفرضيّة تأكيدا قويّا في قوله تعالى ‪ { :‬ومن كفر فإ ّ‬
‫ج ليس من شأن‬
‫ن ترك الح ّ‬
‫العالمين } فإنّه جعل مقابل الفرض الكفر ‪ ،‬فأشعر بهذا السّياق أ ّ‬
‫المسلم ‪ ،‬وإنّما هو شأن غير المسلم ‪.‬‬
‫سنّة فمنها حديث ابن عمر عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬بني السلم‬
‫ب ‪ -‬وأمّا ال ّ‬
‫ل اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ‪ ،‬وإقام الصّلة ‪ ،‬وإيتاء‬
‫على خمس ‪ :‬شهادة أن ل إله إ ّ‬
‫ج } ‪ .‬وقد عبّر بقوله ‪ { :‬بني السلم ‪ } ...‬فدلّ على أنّ‬
‫الزّكاة ‪ ،‬وصيام رمضان ‪ ،‬والح ّ‬
‫ج ركن من أركان السلم ‪ .‬وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال ‪ { :‬خطبنا رسول اللّه صلى‬
‫الح ّ‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أيّها النّاس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل ‪ :‬أكلّ عام يا‬
‫رسول اللّه ؟ فسكت حتّى قالها ثلثا ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لو قلت نعم‬
‫لوجبت ولما استطعتم ‪ . } ...‬وقد وردت الحاديث في ذلك كثيرة جدّا حتّى بلغت مبلع التّواتر‬
‫الّذي يفيد اليقين والعلم القطعيّ اليقينيّ الجازم بثبوت هذه الفريضة ‪.‬‬
‫ج في العمر مرّة على المستطيع ‪،‬‬
‫ج ‪ -‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد أجمعت المّة على وجوب الح ّ‬
‫وهو من المور المعلومة من الدّين بالضّرورة يكفر جاحده ‪.‬‬

‫وجوب الحجّ على الفور أو التّراخي ‪:‬‬


‫‪ - 5‬اختلفوا في وجوب الحجّ عند تحقّق الشّروط هل هو على الفور أو على التّراخي ؟ ‪.‬‬
‫ذهب أبو حنيفة في أصحّ الرّوايتين عنه وأبو يوسف ومالك في الرّاجح عنه وأحمد إلى أنّه‬
‫يجب على الفور ‪ ،‬فمن تحقّق فرض الحجّ عليه في عام فأخّره يكون آثما ‪ ،‬وإذا أدّاه بعد ذلك‬
‫كان أداء ل قضاء ‪ ،‬وارتفع الثم ‪ .‬وذهب الشّافعيّ والمام محمّد بن الحسن إلى أنّه يجب‬
‫على التّراخي ‪ ،‬فل يأثم المستطيع بتأخيره ‪ .‬والتّأخير إنّما يجوز بشرط العزم على الفعل في‬
‫ج لمن وجب‬
‫المستقبل ‪ ،‬فلو خشي العجز أو خشي هلك ماله حرم التّأخير ‪ ،‬أمّا التّعجيل بالح ّ‬
‫عليه فهو سنّة عند الشّافعيّ ما لم يمت ‪ ،‬فإذا مات تبيّن أنّه كان عاصيا من آخر سنوات‬
‫الستطاعة ‪ .‬استدلّ الجمهور على الوجوب الفوريّ بالتي ‪:‬‬
‫ج فل عليه أن يموت‬
‫أ ‪ -‬الحديث ‪ { :‬من ملك زادا ‪ .‬وراحلة تبلّغه إلى بيت اللّه ‪ ،‬ولم يح ّ‬
‫يهوديّا أو نصرانيّا } ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المعقول ‪ :‬وذلك أنّ الحتياط في أداء الفرائض واجب ‪ ،‬ولو أخّر الحجّ عن السّنة‬
‫الولى فقد يمتدّ به العمر وقد يموت فيفوت الفرض ‪ ،‬وتفويت الفرض حرام ‪ ،‬فيجب الحجّ‬
‫على الفور احتياطا ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة ومن معهم بما يلي ‪:‬‬
‫ج البيت } مطلق عن تعيين‬
‫ج في قوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس ح ّ‬
‫أ ‪ -‬أنّ المر بالح ّ‬
‫ي وقت ‪ ،‬فل يثبت اللزام بالفور ‪ ،‬لنّ هذا تقييد للنّصّ ‪ ،‬ول‬
‫الوقت ‪ ،‬فيصحّ أداؤه في أ ّ‬
‫ن المر على الفور أو‬
‫يجوز تقييده إلّ بدليل ‪ ،‬ول دليل على ذلك ‪ .‬وهذا بناء على الخلف أ ّ‬
‫للتّراخي ( انظر مصطلح ‪ :‬أمر ) ‪.‬‬
‫ج إلّ في السّنة‬
‫ب ‪ ( -‬أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم فتح مكّة عام ثمان من الهجرة ‪ ،‬ولم يح ّ‬
‫العاشرة ولو كان واجبا على الفوريّة لم يتخلّف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن فرض‬
‫عليه ) ‪.‬‬

‫فضل الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 6‬تضافرت النّصوص الشّرعيّة الكثيرة على الشادة بفضل الحجّ ‪ ،‬وعظمة ثوابه وجزيل‬
‫أجره العظيم عند اللّه تعالى ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجال وعلى‬
‫ج عميق ‪ ،‬ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات‬
‫كلّ ضامر يأتين من كلّ ف ّ‬
‫على ما رزقهم من بهيمة النعام ‪ . } ...‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه‬
‫ج للّه فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه } ‪ .‬وعن‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من ح ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ما من يوم أكثر أن يعتق‬
‫عائشة رضي ال عنها أ ّ‬
‫اللّه فيه عبدا من النّار من يوم عرفة ‪ ،‬وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملئكة ‪ } ...‬ومعنى يدنو ‪:‬‬
‫يتجلّى عليهم برحمته وإكرامه ‪ .‬وعن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال‬
‫ج والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث‬
‫عليه وسلم قال ‪ { :‬تابعوا بين الح ّ‬
‫الحديد والذّهب والفضّة ‪ ،‬وليس للحجّة المبرورة ثواب إلّ الجنّة } ‪ .‬وعن أبي هريرة عن‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬الحجّاج والعمّار وفد اللّه ‪ ،‬إن دعوه أجابهم وإن‬
‫استغفروه غفر لهم } ‪ { .‬وعن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قلت يا رسول اللّه ‪ :‬نرى الجهاد‬
‫ج مبرور } ‪ .‬وعن أبي هريرة‬
‫أفضل العمل أفل نجاهد ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬لكنّ أفضل الجهاد ح ّ‬
‫{ رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سئل ‪ :‬أيّ العمال أفضل ؟ فقال ‪:‬‬
‫إيمان باللّه ورسوله ‪ ،‬قيل ثمّ ماذا ؟ قال ‪ :‬جهاد في سبيل اللّه ‪ ،‬قيل ‪ :‬ثمّ ماذا ؟ قال ‪ :‬حجّ‬
‫مبرور } ‪.‬‬
‫حكمة مشروعيّة الحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 7‬شرعت العبادات لظهار عبوديّة العبد لربّه ومدى امتثاله لمره ‪ ،‬ولكن من رحمة اللّه‬
‫تعالى أنّ أكثر هذه العبادات لها فوائد تدركها العقول الصّحيحة وأظهر ما يكون ذلك في‬
‫ج ‪ .‬وتشتمل هذه الفريضة على حكم جليلة كثيرة تمتدّ في ثنايا حياة المؤمن‬
‫فريضة الح ّ‬
‫الرّوحيّة ‪ ،‬ومصالح المسلمين جميعهم في الدّين والدّنيا ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ن الحاجّ يرفض أسباب التّرف والتّزيّن ‪،‬‬
‫ج إظهار التّذلّل للّه تعالى ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫أ ‪ -‬أنّ في الح ّ‬
‫ويلبس ثياب الحرام مظهرا فقره لربّه ‪ ،‬ويتجرّد عن الدّنيا وشواغلها الّتي تصرفه عن‬
‫الخلوص لموله ‪ ،‬فيتعرّض بذلك لمغفرته ورحماه ‪ ،‬ث ّم يقف في عرفة ضارعا لربّه حامدا‬
‫شاكرا نعماءه وفضله ‪ ،‬ومستغفرا لذنوبه وعثراته ‪ ،‬وفي الطّواف حول الكعبة البيت الحرام‬
‫يلوذ بجناب ربّه ويلجأ إليه من ذنوبه ‪ ،‬ومن هوى نفسه ‪ ،‬ووسواس الشّيطان ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أنّ أداء فريضة الحجّ يؤدّي شكر نعمة المال ‪ ،‬وسلمة البدن ‪ ،‬وهما أعظم ما يتمتّع به‬
‫النسان من نعم الدّنيا ‪ ،‬ففي الحجّ شكر هاتين النّعمتين العظيمتين ‪ ،‬حيث يجهد النسان نفسه‬
‫" وينفق ماله في طاعة ربّه والتّقرّب إليه سبحانه ‪ ،‬ول شكّ أنّ شكر النّعماء واجب تقرّره‬
‫بداهة العقول ‪ ،‬وتفرضه شريعة الدّين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يجتمع المسلمون من أقطار الرض في مركز اتّجاه أرواحهم ‪ ،‬ومهوى أفئدتهم ‪،‬‬
‫فيتعرّف بعضهم على بعض ‪ ،‬ويألف بعضهم بعضا ‪ ،‬هناك حيث تذوب الفوارق بين النّاس ‪،‬‬
‫فوارق الغنى والفقر ‪ ،‬فوارق الجنس واللّون ‪ ،‬فوارق اللّسان واللّغة ‪ ،‬تتّحد كلمة النسان في‬
‫أعظم مؤتمر بشريّ اجتمعت كلمة أصحابه على البرّ والتّقوى وعلى التّواصي بالحقّ‬
‫والتّواصي بالصّبر ‪ ،‬هدفه العظيم ربط أسباب الحياة بأسباب السّماء ‪.‬‬

‫شروط فرضيّة الحجّ ‪:‬‬


‫ج صفات يجب توفّرها في النسان لكي يكون مطالبا بأداء الحجّ ‪ ،‬مفروضا‬
‫‪ - 8‬شروط الح ّ‬
‫عليه ‪ ،‬فمن فقد أحد هذه الشّروط ل يجب عليه الحجّ ول يكون مطالبا به ‪ ،‬وهذا الشّروط‬
‫خمسة هي ‪ :‬السلم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬والحرّيّة ‪ ،‬والستطاعة ‪ ،‬وهي متّفق عليها بين‬
‫العلماء ‪ ،‬قال المام ابن قدامة في المغني ‪ :‬ل نعلم في هذا كلّه اختلفا » ‪ .‬الشّرط الوّل ‪:‬‬
‫السلم ‪:‬‬
‫ج عبادة ‪ ،‬بل هو‬
‫ج الكافر ثمّ أسلم بعد ذلك تجب عليه حجّة السلم ‪ ،‬لنّ الح ّ‬
‫‪ - 9‬أ ‪ -‬لو ح ّ‬
‫من أعظم العبادات والقربات ‪ ،‬والكافر ليس من أهل العبادة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ولو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر ‪ ،‬فإنّه ل أثر لها ‪.‬‬
‫ن الكافر ل يطالب بالحجّ بالنّسبة لحكام الدّنيا ‪ ،‬أمّا بالنّسبة‬
‫ج ‪ -‬وقد أجمع العلماء على أ ّ‬
‫للخرة فقد اختلفوا في حكمه ‪ ،‬هل يؤاخذ بتركه أو ل يؤاخذ ‪ .‬وبيان ذلك في المصطلح‬
‫الصوليّ ‪.‬‬

‫( الشّرط الثّاني ) ‪ :‬العقل ‪:‬‬


‫ن العقل شرط للتّكليف والمجنون ليس مكلّفا بفروض‬
‫‪ - 10‬يشترط لفرضيّة الحجّ العقل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ج المجنون فحجّه غير‬
‫الدّين ‪ ،‬بل ل تصحّ منه إجماعا ‪ ،‬لنّه ليس أهل للعبادة ‪ ،‬فلو ح ّ‬
‫صحيح ‪ ،‬فإذا شفي من مرضه وأفاق إلى رشده تجب عليه حجّة السلم ‪ .‬روى عليّ بن أبي‬
‫طالب عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬رفع القلم عن ثلثة ‪ :‬عن المجنون المغلوب‬
‫على عقله حتّى يفيق ‪ ،‬وعن النّائم حتّى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصّبيّ حتّى يحتلم } ‪.‬‬

‫( الشّرط الثّالث ) ‪ :‬البلوغ ‪:‬‬


‫‪ - 11‬يشترط البلوغ ‪ ،‬لنّ الصّبيّ ليس بمكلّف ‪ ،‬وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ‪:‬‬
‫{ رفعت امرأة صبيّا لها فقالت ‪ :‬يا رسول اللّه ألهذا حجّ ؟ قال ‪ :‬نعم ولك أجر } ‪ .‬فلو حجّ‬
‫ح حجّه وكان تطوّعا ‪ ،‬فإذا بلغ الصّبيّ وجب عليه حجّة الفريضة ‪ ،‬بإجماع العلماء‬
‫الصّبيّ ص ّ‬
‫ج الواجب بعد البلوغ ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس‬
‫‪ ،‬لنّه أدّى ما لم يجب عليه ‪ ،‬فل يكفيه عن الح ّ‬
‫ج الصّبيّ فهي له حجّة حتّى يعقل ‪ ،‬وإذا‬
‫قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا ح ّ‬
‫عقل فعليه حجّة أخرى ‪ ،‬وإذا حجّ العرابيّ فهي له حجّة ‪ ،‬فإذا هاجر فعليه حجّة أخرى } ‪.‬‬

‫( الشّرط الرّابع ) ‪ :‬الح ّريّة ‪:‬‬


‫ج ‪ ،‬لنّه مستغرق في خدمة سيّده ‪ ،‬ولنّ الستطاعة‬
‫‪ - 12‬العبد المملوك ل يجب عليه الح ّ‬
‫شرط ول تتحقّق إلّ بملك الزّاد والرّاحلة ‪ ،‬والعبد ل يتملّك شيئا ‪ ،‬فلو حجّ المملوك ولو بإذن‬
‫ح حجّه وكان تطوّعا ل يسقط به الفرض ‪ ،‬ويأثم إذا لم يأذن له سيّده بذلك ‪ .‬ويجب‬
‫سيّده ص ّ‬
‫عليه أن يؤدّي حجّة السلم عندما يعتق ‪ ،‬للحديث السّابق ‪.‬‬

‫( الشّرط الخامس ) ‪ :‬الستطاعة ‪:‬‬


‫ص الخطاب بهذه‬
‫ج على من لم تتوفّر فيه خصال الستطاعة لنّ القرآن خ ّ‬
‫‪ - 13‬ل يجب الح ّ‬
‫ج البيت من استطاع إليه سبيل } ‪.‬‬
‫الصّفة في قوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس ح ّ‬

‫ج قسمان ‪ :‬شروط عامّة للرّجال والنّساء ‪،‬‬


‫وخصال الستطاعة الّتي تشترط لوجوب الح ّ‬
‫ص النّساء ‪ .‬القسم الوّل ‪ :‬شروط عامّة للرّجال والنّساء ‪ :‬شروط الستطاعة‬
‫وشروط تخ ّ‬
‫العامّة أربع خصال ‪ :‬القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب ‪ ،‬وصحّة البدن ‪ ،‬وأمن الطّريق ‪،‬‬
‫وإمكان السّير ‪ .‬الخصلة الولى ‪:‬‬
‫ج القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب ‪ ،‬والنّفقة ذهابا وإيابا عند‬
‫‪ - 14‬تشترط لوجوب الح ّ‬
‫ص اشتراط القدرة على آلة الرّكوب بمن‬
‫الجمهور ومنهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ويخت ّ‬
‫كان بعيدا عن مكّة ‪ .‬قال في " الهداية " ‪ :‬وليس من شرط الوجوب على أهل مكّة ومن حولها‬
‫الرّاحلة لنّه ل تلحقهم مشقّة زائدة في الداء ‪ ،‬فأشبه السّعي إلى الجمعة » ‪ .‬والظهر أنّ‬
‫الّذي يكون عند الحنفيّة بعيدا عن مكّة هو ‪ :‬من بينه وبين مكّة ثلثة أيّام فصاعدا ‪ ،‬أمّا ما‬
‫دونه فل ‪ ،‬إذا كان قادرا على المشي " يعني مسافة القصر في السّفر ‪ .‬وتقدّر ب ( ‪ ) 81‬كيلو‬
‫متر تقريبا ‪ .‬أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكّة مرحلتان ‪ ،‬وهي مسافة‬
‫القصر عندهم ‪ .‬وتقدّر عندهم بنحو المسافة السّابقة ‪.‬‬
‫‪ - 15‬وقد وقع الخلف بين العلماء في شرطيّة الزّاد وآلة الرّكوب لوجوب الحجّ ‪ ،‬وكانوا‬
‫يركبون الدّوابّ ‪ .‬لذلك عبّروا بقولهم ‪ :‬الزّاد والرّاحلة " وهي الجمل المعدّ للرّكوب لنّه‬
‫المعروف في زمانهم ‪ .‬وهذا الخلف في أمرين ‪ :‬المر الوّل ‪ :‬خالف المالكيّة الجمهور في‬
‫ج إذا كان صحيح‬
‫اشتراط القدرة على الرّاحلة وإن كانت المسافة بعيدة فقالوا ‪ :‬يجب عليه الح ّ‬
‫البنية يقدر على المشي بل مشقّة عظيمة ‪ ،‬وهو يملك الزّاد ‪ .‬واستدلّ المالكيّة بقول اللّه تعالى‬
‫‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيل } ‪ .‬وجه الستدلل أنّ " من كان‬
‫صحيح البدن قادرا على المشي وله زاد فقد استطاع إليه سبيل فيلزمه فرض الحجّ » ‪.‬‬
‫واستدلّ الجمهور بما ورد من الحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه فسّر‬
‫السّبيل باستطاعة الزّاد والرّاحلة ‪ ،‬مثل حديث أنس ‪ { :‬قيل يا رسول اللّه ما السّبيل ؟ قال ‪:‬‬
‫الزّاد والرّاحلة } ‪ .‬فقد فسّر النّبيّ صلى ال عليه وسلم الستطاعة المشروطة " بالزّاد‬
‫ن القدرة على المشي ل تكفي لستطاعة الحجّ » ‪.‬‬
‫والرّاحلة جميعا " وبه تبيّن أ ّ‬

‫المر الثّاني ‪ :‬اختلف العلماء في الزّاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكيّة المكلّف لما‬
‫يحصّلها به أو ل يشترط ؟ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ ملك ما يحصّل به الزّاد‬
‫ج ‪ ،‬وفي هذا‬
‫ووسيلة النّقل ( مع ملحظة ما ذكرنا عند المالكيّة ) شرط لتحقّق وجوب الح ّ‬
‫ج ببذل غيره له ‪ ،‬ول يصير مستطيعا بذلك ‪ ،‬سواء كان‬
‫يقول ابن قدامة ‪ :‬ول يلزمه الح ّ‬
‫الباذل قريبا أو أجنبيّا ‪ ،‬وسواء بذل له الرّكوب والزّاد ‪ ،‬أو بذل له مال » ‪ .‬وذهب الشّافعيّ‬
‫فيما يروى عنه إلى أنّه يجب الحجّ بإباحة الزّاد والرّاحلة إذا كانت الباحة ممّن ل منّة له‬
‫على المباح له ‪ ،‬كالوالد إذا بذل الزّاد والرّاحلة لبنه ‪.‬‬
‫( شروط الزّاد وآلة الرّكوب ) ‪:‬‬
‫ج ‪ ،‬هي تفسير‬
‫‪ - 16‬ذكر العلماء شروطا في الزّاد وآلة الرّكوب المطلوبين لستطاعة الح ّ‬
‫وبيان لهذا الشّرط ‪ ،‬نذكرها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أنّ الزّاد الّذي يشترط ملكه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وإيابه من مأكول ومشروب‬
‫وكسوة بنفقة وسط ل إسراف فيها ول تقتير ‪ ،‬فلو كان يستطيع زادا أدنى من الوسط الّذي‬
‫اعتاده ل يعتبر مستطيعا للحجّ ‪ ،‬ويتضمّن اشتراط الزّاد أيضا ما يحتاج إليه من آلت للطّعام‬
‫والزّاد ممّا ل يستغني عنه ‪ .‬واعتبر المالكيّة القدرة على الوصول إلى مكّة ‪ ،‬ولو بل زاد‬
‫وراحلة لذي صنعة تقوم به ‪ ،‬ول تزري بمثله ‪ ،‬أمّا الياب فل يشترط القدرة على نفقته‬
‫عندهم إلّ أن يعلم أنّه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه ولو شكّا ‪ ،‬فيراعى ما يبلّغه‬
‫ويرجع به إلى أقرب المواضع لمكّة ‪ ،‬ممّا يمكنه أن يعيش به بما ل يزري به من الحرف ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬صرّح الفقهاء بأنّه يشترط في الرّاحلة أن تكون ممّا يصلح لمثله إمّا بشراء أو بكراء ‪.‬‬
‫ل ما يوصّله فقط " ‪ ،‬إلّ أن يكون عليه مشقّة فادحة فيخفّف عنه بما‬
‫وعند المالكيّة " ل يعتبر إ ّ‬
‫تزول به المشقّة الفادحة ‪ .‬وهذا المعنى ملحوظ عند غيرهم فيما يصلح لمثلة إذا كان يشقّ‬
‫عليه مشقّة شديدة فيخفّف عنه بما يزيلها ‪ .‬ج ‪ -‬إن ملك الزّاد ووسيلة النّقل يشترط أن يكون‬
‫فاضل عمّا تمسّ إليه الحاجة الصليّة مدّة ذهابه وإيابه ‪ ،‬عند الجمهور ‪ .‬أمّا المالكيّة فاعتبروا‬
‫ما يوصّله فقط ‪ ،‬إلّ أن يخشى الضّياع ‪ ،‬وهو بناء على وجوب الحجّ على الفور عندهم ‪.‬‬
‫وفي هذا تفصيل نوضّحه في المور الّتي تشملها الحاجة الصليّة ‪.‬‬

‫خصال الحاجة الصليّة ‪:‬‬


‫‪ - 17‬خصال الحاجة الصليّة ثلث ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه عند الجمهور ( خلفا للمالكيّة كما نوضّح‬
‫ق للدميّين ‪ ،‬وحقّ العبد مقدّم على حقّ الشّرع ‪ .‬لما روى‬
‫في الخصلة التّالية ) ‪ ،‬لنّ النّفقة ح ّ‬
‫عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬كفى بالمرء إثما أن يضيّع من‬
‫يقوت } ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن ‪ ،‬وممّا ل ب ّد لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر‬
‫العتدال المناسب له في ذلك كلّه ‪ ،‬عند الجمهور خلفا للمالكيّة أيضا ‪ .‬وقال المالكيّة في‬
‫هاتين الخصلتين ‪ :‬يبيع في زاده داره الّتي تباع على المفلس وغيرها ممّا يباع على المفلس‬
‫من ماشية وثياب ولو لجمعته إن كثرت قيمتها ‪ ،‬وخادمه ‪ ،‬وكتب العلم ولو محتاجا إليها ‪.‬‬
‫وإن كان يترك ولده وزوجته ل مال لهم ‪ ،‬فل يراعي ما يؤول إليه أمره وأمر أهله وأولده‬
‫في المستقبل ‪ ،‬وإن كان يصير فقيرا ل يملك شيئا ‪ ،‬أو يترك أولده ونحوهم للصّدقة ‪ ،‬إن لم‬
‫يخش هلكا فيما ذكر أو شديد أذى » ‪ .‬وهذا لنّ الحجّ عندهم واجب على الفور كما قدّمنا ‪.‬‬
‫ن الدّين من حقوق العباد ‪ ،‬وهو من حوائجه الصليّة ‪ ،‬فهو‬
‫ج ‪ -‬قضاء الدّين الّذي عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫آكد ‪ ،‬وسواء كان الدّين لدميّ أو لحقّ اللّه تعالى كزكاة في ذمّته أو كفّارات ونحوها ‪ .‬فإذا‬
‫ملك الزّاد والحمولة زائدا عمّا تقدّم ‪ -‬على التّفصيل المذكور ‪ -‬فقد تحقّق فيه الشّرط ‪ ،‬وإلّ‬
‫بأن اخت ّل شيء ممّا ذكر لم يجب عليه الحجّ ‪.‬‬
‫‪ - 18‬ويتعلّق بذلك فروع نذكر منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته ‪ ،‬بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من‬
‫الدّار الواسعة لوفّى ثمنه للحجّ يجب عليه البيع عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ول يجب‬
‫عليه بيع الجزء الفاضل عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫ج يجب‬
‫ب ‪ -‬كذلك لو كان مسكنه نفيسا يفوق على مثله لو أبدل دارا أدنى لو في تكاليف الح ّ‬
‫عليه عند الثّلثة ‪ ،‬ول يجب عند الحنفيّة ‪.‬‬

‫ج ؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة‬


‫ج ‪ -‬من ملك بضاعة لتجارته هل يلزمه صرف مال تجارته للح ّ‬
‫إلى أنّه يشترط لوجوب الحجّ بقاء رأس مال لحرفته زائدا على نفقة الحجّ ‪ ،‬ورأس المال‬
‫يختلف باختلف النّاس ‪ ،‬والمراد ما يمكنه الكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله ل أكثر ‪،‬‬
‫لنّه ل نهاية له ‪ .‬وعند الشّافعيّة قولن ‪ :‬الصحّ أنّه يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحجّ‬
‫ولو لم يبق له رأس مال لتجارته ‪ .‬وهو مذهب المالكيّة كما سبق نقل كلمهم ‪.‬‬
‫ج إن حصلت له النّقود وقت خروج‬
‫د ‪ -‬إذا ملك نقودا لشراء دار يحتاج إليها وجب عليه الح ّ‬
‫ج فيشتري بالمال ما شاء ‪،‬‬
‫النّاس للحجّ ‪ ،‬وإن جعلها في غيره أثم ‪ .‬أمّا قبل خروج النّاس للح ّ‬
‫لنّه ملكه قبل الوجوب على ما اختاره ابن عابدين ‪.‬‬
‫ل ما يكفي لحدهما ‪،‬‬
‫ج وأراد أن يتزوّج وليس عنده من المال إ ّ‬
‫هـ ‪ -‬من وجب عليه الح ّ‬
‫ففيها التّفصيل التي ‪:‬‬
‫ج على الزّواج عند‬
‫‪ - 1‬أن يكون في حالة اعتدال الشّهوة ‪ ،‬فهذا يجب عليه تقديم الح ّ‬
‫ج ‪ ،‬أمّا إن ملكها في غيرها فله صرفها حيث شاء ‪.‬‬
‫الجمهور ‪ ،‬إذا ملك النّفقة في أشهر الح ّ‬
‫أمّا الشّافعيّة فالصّحيح عندهم أنّه يلزمه الحجّ ويستقرّ في ذمّته ‪ ،‬وله صرف المال إلى النّكاح‬
‫وهو أفضل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزّنى ‪ ،‬فهذا يكون الزّواج في حقّه مقدّما‬
‫على الحجّ اتّفاقا ‪.‬‬
‫و ‪ -‬قال ابن عابدين في حاشيته ‪ :‬تنبيه ‪ :‬ليس من الحوائج الصليّة ما جرت به العادة‬
‫ج لعجزه عن ذلك ‪. » ...‬‬
‫المحدثة لرسم الهديّة للقارب والصحاب ‪ ،‬فل يعذر بترك الح ّ‬
‫وهذا ل يتصوّر فيه خلف بعد ما ذكرناه ‪ ،‬وهو يدلّ على إثم من أخّر الحجّ بسبب هذه‬
‫التّقاليد الفاسدة ‪.‬‬

‫الخصلة الثّانية للستطاعة ‪ :‬صحّة البدن ‪:‬‬


‫ج شرط لوجوب الحجّ ‪ .‬فلو‬
‫‪ - 19‬إنّ سلمة البدن من المراض والعاهات الّتي تعوق عن الح ّ‬
‫وجدت سائر شروط وجوب الحجّ في شخص وهو مريض زمن أو مصاب بعاهة دائمة ‪ ،‬أو‬
‫مقعد أو شيخ كبير ل يثبت على آلة الرّكوب بنفسه فل يجب عليه أن يؤدّي بنفسه فريضة‬
‫اتّفاقا ‪ .‬لكن اختلفوا هل صحّة البدن شرط لصل الوجوب ‪ ،‬أو هي شرط للداء بالنّفس ‪:‬‬
‫ذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ صحّة البدن ليست شرطا للوجوب ‪،‬‬
‫بل هي شرط للّزوم الداء بالنّفس ‪ ،‬فمن كان هذا حاله يجب عليه الحجّ ‪ ،‬بإرسال من ينوب‬
‫عنه ‪ .‬وقال المامان أبو حنيفة ومالك ‪ :‬إنّها شرط للوجوب ‪ ،‬وبناء على ذلك ل يجب على‬
‫ج بنفسه ول بإنابة غيره ‪ ،‬ول اليصاء بالحجّ عنه في المرض ‪.‬‬
‫فاقد صحّة البدن أن يح ّ‬
‫استدلّ الوّلون ‪ :‬بأنّه صلى ال عليه وسلم فسّر الستطاعة بالزّاد والرّاحلة ‪ ،‬وهذا له زاد‬
‫ج ‪ .‬واستدلّ أبو حنيفة ومالك بقوله تعالى ‪ { :‬من استطاع إليه سبيل }‬
‫وراحلة فيجب عليه الح ّ‬
‫وهذا غير مستطيع بنفسه فل يجب عليه الحجّ ‪ - 20 .‬وتفرّع على ذلك مسائل ‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬
‫ج بنفسه إذا تيسّر له‬
‫ج بمساعدة غيره كالعمى ‪ ،‬وجب عليه الح ّ‬
‫أ ‪ -‬من كان قادرا على الح ّ‬
‫من يعينه ‪ ،‬تبرّعا أو بأجرة ‪ ،‬إن كان قادرا على أجرته ‪ ،‬إذا كانت أجرة المثل ‪ ،‬ول يكفيه‬
‫ج بنفسه بمساعدة غيره وجب عليه أن‬
‫ج الغير عنه إلّ بعد أن يموت ‪ .‬ومن لم يستطع الح ّ‬
‫حّ‬
‫يرسل غيره ‪ ،‬ليحجّ عنه ‪ .‬ويجب على المريض أن يوصي بالحجّ عنه بعد موته ‪ .‬هذا على‬
‫مذهب الصّاحبين والجمهور ‪ .‬أمّا على مذهب أبي حنيفة فل يجب عليه شيء ‪ ،‬لنّ الحجّ‬
‫غير واجب عليه ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد وافقوا الجمهور في هذه المسألة ‪ ،‬لكن على أساس مذهبهم‬
‫في مسألة الرّكوب السّابقة ( فقرة ‪ ) 15‬وأوجبوا عليه المشي إن كان يقدر على المشي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إذا وجدت شروط الحجّ مع صحّة البدن فتأخّر حتّى أصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ول‬
‫يرجى زوالها فالحجّ واجب عليه اتّفاقا ‪ ،‬ويجب عليه أن يرسل شخصا يحجّ عنه باتّفاق‬
‫ج بنفسه‬
‫العلماء ‪ .‬أمّا إذا أصيب بعاهة يرجى زوالها فل تجوز النابة ‪ ،‬بل يجب عليه الح ّ‬
‫عند زوالها عنه ‪.‬‬

‫الخصلة الثّالثة ‪ :‬أمن الطّريق ‪:‬‬


‫‪ - 21‬أمن الطّريق يشمل المن على النّفس والمال ‪ ،‬وذلك وقت خروج النّاس للحجّ ‪ ،‬لنّ‬
‫الستطاعة ل تثبت دونه ‪ .‬ووقع الخلف في أمن الطّريق كما في صحّة البدن ‪ :‬فمذهب‬
‫المالكيّة والشّافعيّة ورواية أبي شجاع عن أبي حنيفة ورواية عن أحمد أنّه شرط الوجوب ‪.‬‬
‫ن الستطاعة ل تتحقّق بدون أمن الطّريق ‪ .‬وفي رواية أخرى عند أبي حنيفة وأحمد ‪ ،‬وهو‬
‫لّ‬
‫الصحّ عند الحنفيّة ورجّحه المتأخّرون من الحنفيّة والحنابلة أنّ أمن الطّريق شرط للداء‬
‫ج على من فقد شرط صحّة‬
‫بالنّفس ل لصل الوجوب ‪ .‬واستدلّوا بنحو أدلّتهم في إيجاب الح ّ‬
‫ج عند خوف الطّريق فمات قبل أمنه‬
‫البدن ‪ .‬وعلى هذا المذهب الخير من استوفى شروط الح ّ‬
‫يجب عليه أن يوصي بالحجّ ‪ .‬أمّا إذا مات بعد أمن الطّريق فتجب عليه الوصيّة بالحجّ عنه‬
‫اتّفاقا ‪.‬‬

‫الخصلة الرّابعة ‪ :‬إمكان السّير ‪:‬‬


‫ج في المكلّف والوقت متّسع يمكنه الذّهاب للحجّ ‪.‬‬
‫‪ - 22‬إمكان السّير أن تكمل شرائط الح ّ‬
‫وهذا شرط لصل الوجوب عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وشرط للداء عند الحنابلة ‪.‬‬
‫وعبّر الحنفيّة عن هذا الشّرط بالوقت ‪ .‬وجعله بعضهم شرطا مفردا من شرائط وجوب الحجّ‬
‫ج ‪ ،‬أو وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبلها ‪،‬‬
‫‪ .‬وفسّروا هذا الشّرط بأنّه أشهر الح ّ‬
‫ج إلّ على القادر فيها ‪ ،‬أو في وقت خروجهم ‪ .‬وفسّر غيرهم إمكان السّير بوقت‬
‫فل يجب الح ّ‬
‫ج بالتي ‪:‬‬
‫ن إمكان السّير شرط لوجوب الح ّ‬
‫الخروج للحجّ ‪ - 23 .‬واستدلّ الجمهور على أ ّ‬
‫أ ‪ -‬أنّ إمكان السّير من لواحق الستطاعة وهي شرط لوجوب الحجّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أنّ ذلك بمنزلة دخول وقت الوجوب ‪ ،‬كدخول وقت الصّلة ‪ ،‬فإنّها ل تجب قبل وقتها ‪،‬‬
‫إلّ أنّ ذلك يختلف باختلف البلدان ‪ ،‬فيعتبر وقت الوجوب في حقّ كلّ شخص عند خروج‬
‫ج في الية إنّما هو بالنّسبة إلى أهل أمّ القرى ومن حولها ‪،‬‬
‫أهل بلده ‪ ،‬فالتّقييد بأشهر الح ّ‬
‫وللشعار بأنّ الفضل أن ل يقع الحرام فيما قبلها على مقتضى قواعد الحنفيّة من أنّ‬
‫الحرام شرط ‪ ،‬خلفا للشّافعيّة من أنّه ل يجوز الحرام قبل الشهر لكونه ركنا » ‪ .‬واستدلّ‬
‫ن إمكان السّير شرط للّزوم أداء الحجّ بنفسه بأنّه يتعذّر الداء دون القضاء ‪،‬‬
‫الحنابلة على أ ّ‬
‫كالمرض المرجوّ برؤه ‪ ،‬وعدم الزّاد والرّاحلة يتعذّر معه الجميع ‪.‬‬

‫القسم الثّاني ‪ :‬الشّروط الخاصّة بالنّساء ‪:‬‬


‫ج على المرأة‬
‫‪ - 24‬ما يخصّ النّساء من شروط الستطاعة شرطان ل بدّ منهما لكي يجب الح ّ‬
‫يضافان إلى خصال شرط الستطاعة الّتي ذكرناها ‪ .‬هذان الشّرطان هما ‪ :‬الزّوج أو المحرم‬
‫‪ ،‬وعدم العدّة ‪ .‬أوّل ‪ -‬الزّوج أو المحرم المين ‪:‬‬
‫‪ - 25‬يشترط أن يصحب المرأة في سفر الحجّ زوجها أو محرم منها ‪ ،‬إذا كانت المسافة بينها‬
‫وبين مكّة ثلثة أيّام ‪ ،‬وهي مسيرة القصر في السّفر ‪ ،‬وإلى هذا ذهب الحنفيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل تسافر المرأة ثلثا‬
‫واستدلّوا بحديث ابن عمر أ ّ‬
‫إلّ ومعها ذو محرم } ‪ .‬وتوسّع الشّافعيّة والمالكيّة فسوّغوا الستبدال بالمحرم ‪ :‬ذهب الشّافعيّة‬
‫إلى أنّها إن وجدت نسوة ثقات ‪ :‬اثنتين فأكثر تأمن معهنّ على نفسها كفى ذلك بدل عن‬
‫ح أنّه ل يشترط‬
‫المحرم أو الزّوج بالنّسبة لوجوب حجّة السلم على المرأة ‪ .‬وعندهم " الص ّ‬
‫ن الطماع تنقطع بجماعتهنّ ‪ .‬فإن وجدت امرأة واحدة ثقة فل‬
‫وجود محرم لحداهنّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫يجب عليها الحجّ ‪ ،‬لكن يجوز لها أن تحجّ معها حجّة الفريضة أو النّذر ‪ ،‬بل يجوز لها أن‬
‫تخرج وحدها لداء الفرض أو النّذر إذا أمنت ‪ .‬وزاد المالكيّة توسّعا فقالوا ‪ :‬المرأة إذا لم‬
‫ج الفرض أو النّذر مع الرّفقة المأمونة ‪ ،‬بشرط أن‬
‫تجد المحرم أو الزّوج ولو بأجرة تسافر لح ّ‬
‫تكون المرأة بنفسها هي مأمونة أيضا ‪ .‬والرّفقة المأمونة جماعة مأمونة من النّساء ‪ ،‬أو‬
‫الرّجال الصّالحين ‪ .‬قال الدّسوقيّ ‪ :‬وأكثر ما نقله أصحابنا اشتراط النّساء » ‪ .‬أمّا حجّ النّفل‬
‫فل يجوز للمرأة السّفر له إلّ مع الزّوج أو المحرم فقط اتّفاقا ‪ ،‬ول يجوز لها السّفر‬
‫بغيرهما ‪ ،‬بل تأثم به ‪.‬‬

‫( نوع الشتراط للمحرم ) ‪:‬‬


‫‪ - 26‬اختلفوا في الزّوج أو المحرم هل هو شرط وجوب أو شرط للزوم الداء بالنّفس ‪:‬‬
‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم وهو رواية عن أبي حنيفة إلى أنّ‬
‫ل محلّه عند فقده الرّفقة المأمونة عند الشّافعيّة والمالكيّة‬
‫المحرم شرط لوجوب الحجّ ‪ ،‬ويح ّ‬
‫ن الزّوج أو المحرم شرط للّزوم الداء‬
‫على الوجه الّذي ذكرناه ‪ .‬والرّاجح عند الحنفيّة أ ّ‬
‫بالنّفس ‪ .‬وأدلّة الفريقين هي ما سبق الستدلل به في صحّة البدن وأمن الطّريق ( ف ‪ 19‬و‬
‫‪. ) 21‬‬

‫ج هو كلّ‬
‫( المحرم المشروط للسّفر ) ‪ - 27‬المحرم المين المشروط في استطاعة المرأة للح ّ‬
‫رجل مأمون عاقل بالغ يحرم عليه بالتّأبيد التّزوّج منها سواء كان التّحريم بالقرابة أو‬
‫الرّضاعة أو الصّهريّة ‪ ...‬ونحو ذلك يشترط في الزّوج عند الحنفيّة والحنابلة بزيادة شرط‬
‫السلم في المحرم ‪ .‬وقال المالكيّة بذلك في حقيقة المحرم لكن ل يشترط في المحرم البلوغ‬
‫بل التّمييز والكفاية ‪ .‬وعند الشّافعيّة ‪ :‬يكفي المحرم الذّكر ‪ ،‬وإن لم يكن ثقة فيما يظهر ‪ ،‬لنّ‬
‫ي أقوى من الشّرعيّ ‪ ،‬إذا كان له غيرة تمنعه أن يرضى بالزّنى » ‪.‬‬
‫الوازع الطّبيع ّ‬

‫فروع تتعلّق بالمسألة ‪:‬‬


‫‪ - 28‬أ ‪ -‬يشترط لوجوب الحجّ على المرأة أن تكون قادرة على نفقة نفسها ونفقة المحرم إن‬
‫طلب منها النّفقة ‪ ،‬لنّه يستحقّها عليها عند الحنفيّة ‪ .‬وكذلك عبّر بالنّفقة ابن قدامة من الحنابلة‬
‫‪ .‬وعبّر المالكيّة والشّافعيّة وابن مفلح من الحنابلة بالجرة ‪ .‬والمراد أجرة المثل ‪ .‬ولو امتنع‬
‫ل بأجرة لزمتها إن قدرت عليها ‪ ،‬وحرم عليها الخروج مع الرّفقة‬
‫المحرم عن الخروج إ ّ‬
‫المأمونة وهذا عند المالكيّة ‪ .‬وأمّا عند الشّافعيّة فهي مخيّرة بين أن تكون في صحبة زوج أو‬
‫محرم أو رفقة مأمونة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الزّوج إذا حجّ مع امرأته فلها عليه النّفقة ‪ ،‬نفقة الحضر ل السّفر ‪ ،‬وليس له أن يأخذ‬
‫منها أجرا مقابل الخروج معها عند الحنفيّة ‪ ،‬وهو ظاهر كلم الحنابلة ‪ ،‬لنّهم خصّوا المحرم‬
‫بأخذ الجرة ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة له أخذ الجرة إذا كانت أجرة المثل ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إذا وجدت محرما لم يكن للزّوج منعها من الذّهاب معه لحجّ الفرض ‪ ،‬ويجوز أن‬
‫ج إلّ بإذن‬
‫يمنعها من النّفل عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ليس للمرأة الح ّ‬
‫الزّوج فرضا كان أو غيره " لنّ في ذهابها تفويت حقّ الزّوج ‪ ،‬وحقّ العبد مقدّم ‪ ،‬لنّه‬
‫ي بقول طبيبين عدلين لم‬
‫فرض بغير وقت إلّ في العمر كلّه ‪ " ،‬فإن خافت العجز البدن ّ‬
‫ل الجمهور بأنّ حقّ الزّوج ل يقدّم على فرائض العين كصوم‬
‫يشترط إذن الزّوج » ‪ .‬واستد ّ‬
‫رمضان ‪ ،‬فليس للزّوج منع زوجته منه ‪ ،‬لنّه فرض عين عليها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬عدم العدّة ‪:‬‬


‫‪ - 29‬يشترط أل تكون المرأة معتدّة عن طلق أو وفاة مدّة إمكان السّير للحجّ ‪ ،‬وهو شرط‬
‫ن اللّه تعالى نهى المعتدّات عن‬
‫متّفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه ‪ .‬والدّليل على ذلك أ ّ‬
‫ن من بيوتهنّ ول يخرجن إلّ أن يأتين‬
‫ن بقوله تعالى ‪ { :‬ل تخرجوه ّ‬
‫الخروج من بيوته ّ‬
‫بفاحشة مبيّنة } ‪ ،‬والحجّ يمكن أداؤه في وقت آخر ‪ ،‬فل تلزم بأدائه وهي في العدّة ‪ .‬وقد عمّم‬
‫الحنفيّة هذا الشّرط لك ّل معتدّة سواء كانت عدّتها من طلق بائن أو رجعيّ ‪ ،‬أو وفاة ‪ ،‬أو‬
‫ج في‬
‫فسخ نكاح ‪ .‬ونحو ذلك عند المالكيّة ‪ .‬وفصّل الحنابلة فقالوا ‪ :‬ل تخرج المرأة إلى الح ّ‬
‫عدّة الوفاة ‪ ،‬ولها أن تخرج إليه في عدّة الطّلق المبتوت ‪ ،‬وذلك لنّ لزوم البيت فيه واجب‬
‫ج لنّه يفوت ‪ ،‬والطّلق المبتوت ل يجب فيه ذلك ‪ .‬وأمّا عدّة‬
‫في عدّة الوفاة ‪ ،‬وقدّم على الح ّ‬
‫الرّجعيّة فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النّكاح ‪ ،‬لنّها زوجة ‪ .‬ونحو ذلك عند الشّافعيّة ‪ ،‬فقد‬
‫صرّحوا بأنّ للزّوج أن يمنع المطلّقة الرّجعيّة للعدّة ‪ ،‬وذلك لنّه يحقّ للزّوج عندهم منعها عن‬
‫حجّة الفرض في مذهبهم ‪ - 30 .‬ثمّ اختلف الحنفيّة في عدم العدّة ‪ :‬هل هو شرط وجوب أو‬
‫شرط أداء ‪ ،‬والظهر أنّه شرط للزوم الداء بالنّفس ‪ .‬أمّا عند الجمهور فهو شرط للوجوب ‪.‬‬
‫( فروع ) ‪:‬‬
‫ح حجّها ‪ ،‬وكانت آثمة ‪.‬‬
‫ج في العدّة ص ّ‬
‫‪ - 31‬لو خالفت المرأة وخرجت للح ّ‬
‫ب ‪ -‬إن خرجت من بلدها للحجّ وطرأت عليها العدّة ففيها تفصيل عند الحنفيّة ‪ :‬إن طلّقها‬
‫زوجها طلقا رجعيّا تبعت زوجها ‪ ،‬رجع أو مضى ‪ ،‬لم تفارقه ‪ ،‬والفضل أن يراجعها ‪.‬‬
‫ل من مدّة السّفر وإلى مكّة مدّة سفر فإنّه‬
‫وإن كان بائنا أو مات عنها فإن كان إلى منزلها أق ّ‬
‫يجب أن تعود إلى منزلها ‪ ،‬وإن كانت إلى مكّة أقلّ مضت إلى مكّة ‪ ،‬وإن كانت إلى الجانبين‬
‫أقلّ من مدّة السّفر فهي بالخيار إن شاءت مضت ‪ ،‬وإن شاءت رجعت إلى منزلها سواء كانت‬
‫في المصر أو غيره ‪ ،‬وسواء كان معها محرم أو ل ‪ ،‬إلّ أنّ الرّجوع أولى ‪ .‬وإن كان من‬
‫الجانبين مدّة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج بغير محرم بل خلف ‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك في مفازة أو قرية ل تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي إلى موضع المن ثمّ ل‬
‫تخرج منه حتّى تمضي عدّتها ‪ .‬ونحوه عند الحنابلة ‪ :‬قال في المغني ‪ :‬وإذا خرجت للحجّ‬
‫فتوفّي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتدّ في منزلها ‪ ،‬وإن تباعدت مضت في سفرها » ‪ .‬وقال‬
‫ج الفريضة فمات أو طلّقها في ثلثة أيّام أو نحوها أنّها‬
‫المالكيّة ‪ :‬إذا خرجت مع زوجها لح ّ‬
‫ترجع إذا وجدت ثقة ذا محرم ‪ ،‬أو ناسا ل بأس بهم ‪ .‬وإن بعدت أو كانت أحرمت أو‬
‫أحرمت بعد الطّلق أو الموت ‪ ،‬وسواء أحرمت بفرض أو نفل أو لم تجد رفقة ترجع معهم‬
‫ج التّطوّع ‪ :‬ترجع لتتمّ عدّتها في بيتها إن علمت أنّها تصل قبل‬
‫فإنّها تمضي ‪ . » ...‬وفي ح ّ‬
‫انقضاء عدّتها ‪ ،‬إن وجدت ذا محرم أو رفقة مأمونة ‪ .‬وإلّ تمادت مع رفقتها ‪ " ...‬أمّا‬
‫الشّافعيّة فعندهم تفصيل في المسألة كقولهم في مسألة إذن الزّوج في خروج الزّوجة للحجّ‬
‫حتّى لو طرأت العدّة بعد الحرام ‪ :‬إذا خرجت بغير إذنه فله منعها وتحليلها ‪ ،‬وإن خرجت‬
‫بإذنه فليس له منعها ول تحليلها ‪.‬‬

‫ج وليست داخلة فيه ‪.‬‬


‫ج أمور تتوقّف عليها صحّة الح ّ‬
‫ج ‪ :‬شروط صحّة الح ّ‬
‫شروط صحّة الح ّ‬
‫ل شيء منها كان الحجّ باطل ‪ ،‬وهي ‪ :‬الشّرط الوّل ‪ :‬السلم ‪:‬‬
‫فلو اخت ّ‬
‫ن الكافر ليس أهل للعبادة ول تصحّ منه ‪ ،‬فل يصحّ حجّ الكافر‬
‫‪ - 32‬يشترط السلم ل ّ‬
‫أصالة ول نيابة ‪ ،‬فإن حجّ أو حجّ عنه ثمّ أسلم ‪ ،‬وجبت عليه حجّة السلم ‪.‬‬

‫( الشّرط الثّاني ) ‪ :‬العقل ‪:‬‬


‫ن المجنون ليس أهل للعبادة أيضا ول تصحّ منه ‪ .‬فلو حجّ المجنون‬
‫‪ - 33‬يشترط العقل ل ّ‬
‫فحجّه غير صحيح ‪ ،‬وإذا أفاق وجبت عليه حجّة السلم ‪ .‬لكن يصحّ أن يحجّ عن المجنون‬
‫وليّه ويقع نفل ‪.‬‬
‫الشّرط الثّالث ‪ :‬الميقات الزّمانيّ ‪:‬‬
‫ج زمانا ل يؤدّى في غيره ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬الحجّ أشهر‬
‫‪ - 34‬ذكر اللّه تعالى للح ّ‬
‫معلومات } ‪ .‬قال عبد اللّه بن عمر وجماهير الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم ‪ :‬هي شوّال وذو‬
‫القعدة وعشر من ذي الحجّة » ‪ .‬ووقع الخلف في نهار يوم النّحر ‪ ،‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪:‬‬
‫ج ليلة النّحر ‪ ،‬وليس نهار يوم النّحر‬
‫هو من أشهر الحجّ ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬آخر أشهر الح ّ‬
‫منها ‪ .‬ووسّع المالكيّة فقالوا ‪ :‬آخر أشهر الحجّ نهاية شهر ذي الحجّة ‪ .‬وامتداد الوقت بعد‬
‫ليلة النّحر إلى آخر ذي الحجّة عند المالكيّة إنّما هو بالنّظر إلى جواز التّحلّل من الحرام‬
‫ج خارج وقت الحجّ ل يجزيه ‪ ،‬فلو صام‬
‫وكراهة العمرة فقط ‪ .‬فلو فعل شيئا من أعمال الح ّ‬
‫المتمتّع أو القارن ثلثة أيّام قبل أشهر الحجّ ل يجوز ‪ ،‬وكذا السّعي بين الصّفا والمروة عقب‬
‫ج إلّ فيها ‪ .‬نعم أجاز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الحرام‬
‫طواف القدوم ل يقع عن سعي الح ّ‬
‫بالحجّ قبلها مع الكراهة عندهم ‪ ( .‬انظر مصطلحي إحرام فقرة ‪ ، 34‬وأشهر الحجّ ) ‪ .‬ول‬
‫يصحّ الحرام بالحجّ قبل وقته عند الشّافعيّة ‪ ،‬فلو أحرم به في غير وقته انعقد عمرة على‬
‫الصّحيح عندهم ‪.‬‬

‫الشّرط الرّابع ‪ :‬الميقات المكانيّ ‪:‬‬


‫‪ - 35‬هناك أماكن وقّتها الشّارع أي حدّدها لداء أركان الحجّ ‪ ،‬ل تصحّ في غيرها ‪.‬‬
‫فالوقوف بعرفة ‪ ،‬مكانه أرض عرفة ‪ .‬والطّواف بالكعبة ‪ ،‬مكانه حول الكعبة ‪ .‬والسّعي ‪،‬‬
‫مكانه المسافة بين الصّفا والمروة ‪ .‬ونفصّل توقيت المكان لكلّ منسك في موضعه إن شاء اللّه‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫شروط إجزاء الحجّ عن الفرض ‪:‬‬


‫‪ - 36‬شروط إجزاء الحجّ عن الفرض ثمانية وهي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬السلم ‪ :‬وهو شرط لوقوعه عن الفرض والنّفل ‪ ،‬بل لصحّته من أساسه كما هو معلوم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بقاؤه على السلم إلى الموت من غير ارتداد عياذا باللّه تعالى ‪ ،‬فإن ارتدّ عن السلم‬
‫ج ثمّ تاب عن ردّته وأسلم وجب عليه الحجّ من جديد عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬ورواية‬
‫بعد الح ّ‬
‫عن أحمد ‪ .‬وقال الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد ‪ :‬ل تجب عليه حجّة السلم مجدّدا بعد‬
‫ل الحنفيّة والمالكيّة ومن معهم بقوله تعالى ‪ { :‬لئن أشركت ليحبطنّ‬
‫التّوبة عن ال ّردّة ‪ .‬استد ّ‬
‫ل الشّافعيّ بقوله تعالى ‪ { :‬ومن‬
‫عملك ‪ } ..‬فقد جعلت الية ال ّردّة نفسها محبطة للعمل ‪ .‬واستد ّ‬
‫يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والخرة وأولئك‬
‫ن إحباط ال ّردّة للعمل مشروط بالموت‬
‫أصحاب النّار هم فيها خالدون } ‪ .‬فقد دلّت الية على أ ّ‬
‫كافرا ‪.‬‬
‫ج العبد ثمّ عتق ل تسقط عنه حجّة السلم ‪ .‬وقد سبق الكلم فيها ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الح ّريّة ‪ :‬فإذا ح ّ‬
‫( فقرة ‪. ) 12‬‬

‫هـ ‪ -‬البلوغ ‪ :‬فإذا حجّ الصّبيّ ثمّ بلغ فعليه حجّة السلم ‪ .‬وقد سبق الكلم فيه ( فقرة ‪ 11‬و‬
‫‪. ) 12‬‬

‫و ‪ -‬الداء بنفسه إن قدر عليه ‪ :‬بأن يكون صحيحا مستكمل شروط وجوب أداء الحجّ‬
‫بنفسه ‪ ،‬فإنّه حينئذ إذا أحجّ عنه غيره صحّ الحجّ ووقع نفل ‪ ،‬وبقي الفرض في ذمّته ‪ .‬أمّا إذا‬
‫ح وسقط الفرض عنه ‪ ،‬بشرط‬
‫اختلّ شرط من شروط وجوب الداء بنفسه فأحجّ عنه غيره ص ّ‬
‫استمرار العذر إلى الموت ‪.‬‬

‫ز ‪ -‬عدم نيّة النّفل ‪ :‬فيقع الحجّ عن الفرض بنيّة الفرض في الحرام ‪ ،‬وبمطلق نيّة الحجّ ‪.‬‬
‫ج نفل وعليه حجّة الفرض أو نذر ‪ ،‬فإنّه يقع نفل عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬
‫أمّا إذا نوى الح ّ‬
‫ويقع عن الفرض أو النّذر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة ‪ .‬يدلّ للوّلين حديث‬
‫ل ما نواه‬
‫{ وإنّما لكلّ امرئ ما نوى } ‪ .‬وهذا نوى النّفل فل يقع عن الفرض ‪ ،‬لنّه ليس له إ ّ‬
‫ج‪.‬‬
‫ن المراد بالحديث غير الح ّ‬
‫‪ .‬واستدلّ للخرين بأنّه قول ابن عمر وأنس ‪ .‬وأ ّ‬

‫ح ‪ -‬عدم ال ّنيّة عن الغير ‪ :‬وهذا محلّ اتّفاق إذا كان المحرم بالحجّ قد حجّ عن نفسه قبل‬
‫ج عن نفسه حجّة السلم‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن نوى عن غيره وقع عن غيره اتّفاقا ‪ .‬أمّا إذا لم يكن ح ّ‬
‫ونوى عن غيره فإنّه يقع عن الغير مع الكراهة عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬ويقع عن نفسه عند‬
‫الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ويأتي مزيد تفصيل لذلك في بحث الحجّ عن الغير ‪.‬‬

‫كيفيّات الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 37‬يؤدّى الحجّ على ثلث كيفيّات ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ج أي ينوي الحجّ فقط عند إحرامه ثمّ يأتي بأعمال الحجّ وحده‬
‫أ ‪ -‬الفراد ‪ :‬وهو أن يهلّ الحا ّ‬
‫‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القران ‪ :‬وهو أن يهلّ بالعمرة والحجّ جميعا ‪ ،‬فيأتي بهما في نسك واحد ‪ .‬وقال‬
‫الجمهور ‪ :‬إنّهما يتداخلن ‪ ،‬فيطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا ويجزئه ذلك عن الحجّ‬
‫والعمرة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين ‪ ،‬طواف وسعي للعمرة ‪ ،‬ثمّ‬
‫طواف الزّيارة والسّعي للحجّ ‪ .‬ويجب على القارن أن ينحر هديا بالجماع ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬
‫ج ‪ ،‬ويأتي مكّة‬
‫ل بالعمرة فقط في أشهر الح ّ‬
‫مصطلح ‪ ( :‬قران ) ‪ .‬ج ‪ -‬التّمتّع ‪ :‬وهو أن يه ّ‬
‫فيؤدّي مناسك العمرة ‪ ،‬ويتحلّل ‪ .‬ويمكث بمكّة حلل ‪ ،‬ثمّ يحرم بالحجّ ويأتي بأعماله ‪.‬‬
‫ويجب عليه أن ينحر هديا بالجماع ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تمتّع ) ‪.‬‬

‫مشروعيّة كيفيّات الحجّ ‪:‬‬


‫ج الّتي ذكرناها ‪ .‬ويستدلّ لذلك بالكتاب‬
‫ل كيفيّات الح ّ‬
‫‪ - 38‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة ك ّ‬
‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه‬
‫وال ّ‬
‫ج والعمرة للّه } وقوله ‪ { :‬فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ‬
‫سبيل } ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬وأتمّوا الح ّ‬
‫سنّة ‪ :‬فمنها حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬خرجنا‬
‫فما استيسر من الهدي } ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عام حجّة الوداع ‪ ،‬فمنّا من أهلّ بعمرة ‪ ،‬ومنّا من أهلّ‬
‫ل بالحجّ ‪ .‬وأهلّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالحجّ ‪ .‬فأمّا من‬
‫بحجّة وعمرة ‪ ،‬ومنّا من أه ّ‬
‫ج والعمرة فلم يحلّوا حتّى كان يوم النّحر } ‪ .‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد‬
‫ج ‪ ،‬أو جمع الح ّ‬
‫أهلّ بالح ّ‬
‫ص على ذلك الئمّة ‪،‬‬
‫تواتر عمل الصّحابة ومن بعدهم على التّخيير بين هذه الوجه كما ن ّ‬
‫ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصريح المام الشّافعيّ الّذي نقلناه سابقا ‪ ،‬وقوله " ثمّ ما ل أعلم فيه خلفا " ‪ - 2‬قال‬
‫القاضي حسين من الشّافعيّة ‪ :‬وكلّها جائزة بالجماع " ‪ - 3‬قال المام النّوويّ ‪ :‬وقد انعقد‬
‫الجماع بعد هذا ‪ -‬أي بعد الخلف الّذي نقل عن بعض الصّحابة ‪ -‬على جواز الفراد‬
‫ن الفراد والقران‬
‫والتّمتّع والقران من غير كراهة " ‪ - 4‬قال الخطّابيّ ‪ :‬لم تختلف المّة في أ ّ‬
‫‪ ،‬والتّمتّع بالعمرة إلى الحجّ كلّها جائزة » ‪.‬‬

‫هدي التّمتّع والقران ‪:‬‬


‫‪ - 38‬يجب بإجماع العلماء على القارن والمتمتّع أن يذبح هديا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فمن تمتّع‬
‫ج فما استيسر من الهدي } ‪ .‬وتفصيله في ( هدي ‪ ،‬وتمتّع ‪ ،‬وقران ) ‪.‬‬
‫بالعمرة إلى الح ّ‬

‫المفاضلة بين كيفيّات أداء الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 39‬فضّل كلّ كيفيّة من كيفيّات الحجّ طائفة من العلماء ‪ ،‬وذلك بسبب اختلف الرّوايات في‬
‫حجّه صلى ال عليه وسلم ولستنباطات قوّة ذلك التّفضيل عند كلّ جماعة ‪:‬‬
‫ن الفراد بالحجّ أفضل ‪ ،‬وبه قال عمر بن الخطّاب ‪،‬‬
‫أ ‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫وعثمان ‪ ،‬وعليّ ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬والوزاعيّ ‪ ،‬وأبو ثور ‪ .‬ومن أدلّتهم‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث عائشة السّابق ‪ ،‬وفيه قولها ‪ { :‬وأهلّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالحجّ } ‪.‬‬
‫وغيره من أحاديث تفيد أنّه صلى ال عليه وسلم كان مفردا بالحجّ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنّه أشقّ عمل من القران ‪ ،‬وليس فيه استباحة محظور كما في التّمتّع ‪ ،‬فيكون أكثر ثوابا‬
‫ن المالكيّة فضّلوا الفراد ‪ ،‬ثمّ القران ‪ ،‬ثمّ التّمتّع ‪ ،‬وقدّم الشّافعيّة التّمتّع على القران ‪.‬‬
‫‪ .‬إلّ أ ّ‬
‫ج ثمّ يعتمر في‬
‫وشرط تفضيل الفراد على غيره ‪ -‬على ما صرّح به الشّافعيّة ‪ " -‬أن يح ّ‬
‫ل واحد من التّمتّع والقران أفضل منه ‪ ،‬بل خلف ‪،‬‬
‫ج فك ّ‬
‫سنته ‪ ،‬فإن أخّر العمرة عن سنة الح ّ‬
‫ن تأخير العمرة عن سنة الحجّ مكروه » ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ن أفضلها القران ‪ ،‬ثمّ التّمتّع ‪ ،‬ثمّ الفراد ‪ ،‬وهو قول سفيان الثّوريّ‬
‫ب ‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫والمزنيّ صاحب الشّافعيّ ‪ .‬وابن المنذر ‪ ،‬وأبي إسحاق المروزيّ ‪ .‬ومن أدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث عمر رضي ال عنه { سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بوادي العقيق يقول‬
‫‪ :‬أتاني اللّيلة آت من ربّي ‪ ،‬فقال ‪ :‬صلّ في هذا الوادي المبارك ‪ ،‬وقل ‪ :‬عمرة في حجّة } ‪.‬‬
‫ج بعد أن كان مفردا ‪ ،‬ول يأمره إلّ بالفضل ‪ .‬وهذا‬
‫فقد أمر اللّه نبيّه بإدخال العمرة على الح ّ‬
‫يجمع بين الرّوايات المختلفة في حجّه صلى ال عليه وسلم فالمصير إليه متعيّن ‪ - 2 .‬أنّه‬
‫ن فيه جمعا بين العبادتين فيكون أفضل ‪.‬‬
‫أشقّ لكونه أدوم إحراما ‪ ،‬وأسرع إلى العبادة ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن التّمتّع أفضل ‪ ،‬فالفراد ‪ ،‬فالقران ‪ " .‬وممّن روي عنه اختيار‬
‫ج ‪ -‬ذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫التّمتّع ‪ :‬ابن عمر ‪ ،‬وابن عبّاس ‪ ،‬وابن الزّبير ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وطاوس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وجابر بن زيد ‪ ،‬والقاسم ‪ ،‬وسالم ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وهو أحد قولي الشّافعيّ » ‪ .‬ومن‬
‫أدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في حديث جابر ‪ { : -‬لو أنّي استقبلت من أمري ما‬
‫استدبرت لم أسق الهدي ‪ ،‬وجعلتها عمرة ‪ ،‬فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ ‪ ،‬وليجعلها‬
‫عمرة } ‪ .‬فقد أمر أصحابه بالتّمتّع ‪ ،‬وتمنّاه لنفسه ‪ ،‬ول يأمر ول يتمنّى إلّ الفضل ‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬مع كمالهما ‪ ،‬وكمال أفعالهما ‪،‬‬
‫ج والعمرة في أشهر الح ّ‬
‫‪ - 2‬أنّ المتمتّع ‪ ،‬يجتمع له الح ّ‬
‫على وجه اليسر والسّهولة ‪ ،‬مع زيادة نسك ‪ ،‬لكان ذلك أولى ‪.‬‬

‫ج بكيفيّاته كلّها ‪ :‬ونقسم أعمال الحجّ لتسهيل فهم أدائها إلى قسمين ‪:‬‬
‫صفة أداء الح ّ‬
‫ج حتّى قدوم مكّة ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أعمال الح ّ‬
‫ج بعد قدوم مكّة ‪ .‬أعمال الحجّ حتّى قدوم مكّة ‪:‬‬
‫ب ‪ -‬أعمال الح ّ‬
‫ج فإنّه يشرع بالستعداد للحرام ( انظر مصطلح إحرام ‪ ،‬وخصوصا ف‬
‫‪ - 40‬من أراد الح ّ‬
‫ج عليها ‪ ،‬فإن أراد الفراد نوى الحجّ ‪،‬‬
‫‪ ، ) 117‬وينوي في إحرامه الكيفيّة الّتي يريد أداء الح ّ‬
‫وإن أراد القران نوى الحجّ والعمرة ‪ ،‬وإن أراد التّمتّع نوى العمرة فقط ‪ .‬فإذا دخل مكّة بادر‬
‫إلى المسجد الحرام ‪ ،‬وتوجّه إلى الكعبة المعظّمة بغاية الخشوع والجلل ‪ ،‬ويبدأ بالطّواف‬
‫من الحجر السود ‪ ،‬فيطوف سبعة أشواط ‪ ،‬وهذا الطّواف هو طواف القدوم للمفرد بالحجّ ‪،‬‬
‫وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتّعا ( انظر تمتّع ) ‪ .‬أمّا إن كان قارنا فيقع عن القدوم عند‬
‫الجمهور ‪ ،‬وعن العمرة عند الحنفيّة ‪ ،‬وعليه أن يطوف طوافا آخر للقدوم عندهم ( انظر‬
‫مصطلح قران ) ‪ .‬ويقطع المتمتّع التّلبية بشروعه بالطّواف ‪ ،‬ول يقطعها المفرد والقارن حتّى‬
‫يشرع في الرّمي يوم النّحر ( انظر تلبية ) ‪ .‬ويستلم الحجر في ابتداء الطّواف ويقبّله ‪،‬‬
‫وكلّما مرّ به ‪ ،‬إن تيسّر ذلك من غير إيذاء لحد ‪ ،‬وإلّ لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها‬
‫وقبّله ‪ ،‬وإلّ أشار بيديه ‪ ،‬وإن كان يريد السّعي بعده فيسنّ له أن يضطبع في أشواط طوافه‬
‫هذا كلّها ‪ ،‬ويرمل في الثّلثة الولى ‪ .‬وليكثر من الدّعاء والذّكر في طوافه كلّه ‪ ،‬ول سيّما‬
‫المأثور ( انظر مصطلح ‪ :‬طواف ) ‪ .‬وإذا فرغ من طوافه يصلّي ركعتي الطّواف عند مقام‬
‫إبراهيم إن أمكن ‪ ،‬ثمّ إن أراد السّعي يذهب إلى الصّفا ويسعى بين الصّفا والمروة سبعة‬
‫أشواط ‪ ،‬مراعيا أحكام السّعي وآدابه ‪ ( .‬انظر ‪ :‬سعي ) ‪ .‬وهذا السّعي يقع عن الحجّ‬
‫للمفرد ‪ ،‬وعن العمرة للمتمتّع ‪ ،‬وعن الحجّ والعمرة للقارن ‪ ،‬على ما هو مذهب الجمهور في‬
‫ج عندهم ( انظر‬
‫القران ‪ ،‬أمّا عند الحنفيّة فعن العمرة فقط للقارن ‪ ،‬وعليه سعي آخر للح ّ‬
‫مصطلح ‪ :‬قران ) ‪ .‬وهنا يحلق المتمتّع رأسه بعد السّعي أو يقصّره ( انظر حلق ) ‪ ،‬وقد حلّ‬
‫من إحرامه ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪ . ) 126‬أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن‬
‫يتحلّل بأعمال يوم النّحر ‪.‬‬

‫أعمال الحجّ بعد قدوم مكّة ‪:‬‬


‫‪ - 41‬يمكث الحاجّ في مكّة بعد القدوم وما ذكرنا فيه ‪ -‬إلى يوم التّروية ليؤدّي سائر المناسك‬
‫ويؤدّي أعمال الحجّ هذه في ستّة أيّام كما يلي ‪ :‬يوم التّروية ‪:‬‬
‫‪ - 42‬وهو يوم الثّامن من ذي الحجّة ‪ ،‬وينطلق فيه الحجّاج إلى منى ‪ ،‬ويحرم المتمتّع‬
‫سنّة ‪ ،‬ويصلّون فيها‬
‫بالحجّ ‪ ،‬أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما ‪ ،‬ويبيتون بمنى اتّباعا لل ّ‬
‫خمس صلوات ‪ :‬الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ‪ .‬وهذا فجر يوم عرفة ‪.‬‬

‫يوم عرفة ‪:‬‬


‫‪ - 43‬وهو يوم عظيم يؤدّي فيه الحجّاج الوقوف بعرفة ركن الحجّ الّذي يتوقّف على فواته‬
‫ج ‪ ،‬ثمّ المبيت بالمزدلفة ‪.‬‬
‫بطلن الح ّ‬
‫ج من منى إلى عرفة بعد طلوع الفجر ‪،‬‬
‫أ ‪ -‬الوقوف بعرفة ‪ :‬وفيه يسنّ أن يخرج الحا ّ‬
‫ن أل يدخل عرفة إلّ بعد الزّوال ‪ ،‬وبعد أن يجمع‬
‫وعرفة كلّها موقف إلّ بطن عرنة ‪ ،‬ويس ّ‬
‫الظّهر والعصر تقديما ‪ ،‬فيقف بعرفة مراعيا أحكامه وسننه وآدابه ‪ ،‬ويستمرّ إلى غروب‬
‫الشّمس ‪ ،‬ول يجاوز عرفة قبله ‪ ،‬ويتوجّه إلى اللّه في وقوفه خاشعا ضارعا بالدّعاء والذّكر‬
‫والقرآن والتّلبية ‪ ...‬حتّى يدفع من عرفة ‪.‬‬
‫ج من عرفة إلى المزدلفة ‪،‬‬
‫ب ‪ -‬المبيت بالمزدلفة ‪ :‬إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحا ّ‬
‫ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا ‪ ،‬ويبيت فيها ‪ ،‬وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة‬
‫‪ ،‬ثمّ يصلّي الفجر ويقف للدّعاء ‪ ،‬والوقوف بعد الفجر واجب عند الحنفيّة سنّة عند الجمهور‬
‫إلّ أنّ الحنفيّة يرون أنّه إذا نفر لعذر كزحمة قبل الفجر فل شيء عليه ‪ .‬ويستمرّ واقفا يدعو‬
‫ويهلّل ويلبّي حتّى يسفر جدّا ‪ ،‬لينطلق إلى منى ‪ .‬ويستحبّ له أن يلقط الجمار ( الحصيات‬
‫ل فسبعة يرمي بها‬
‫الصّغار ) من المزدلفة ‪ ،‬ليرمي بها ‪ ،‬وعددها سبعون ‪ ،‬للرّمي كلّه ‪ ،‬وإ ّ‬
‫يوم النّحر ‪.‬‬

‫يوم النّحر ‪:‬‬


‫ج من مزدلفة إلى منى يوم النّحر قبل طلوع الشّمس ‪ ،‬ليؤدّي أعمال‬
‫ن أن يدفع الحا ّ‬
‫‪ - 44‬يس ّ‬
‫ج عمل ‪ ،‬ويكثر في تحرّكه من الذّكر والتّلبية والتّكبير ‪ .‬وأعمال‬
‫النّحر ‪ ،‬وهو أكثر أيّام الح ّ‬
‫هذا اليوم هي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬رمي جمرة العقبة ‪ :‬فيجب على الحاجّ في هذا اليوم رمي جمرة العقبة وحدها ‪ ،‬وتسمّى‬
‫الجمرة الكبرى ‪ .‬يرميها بسبع حصيات ‪ ،‬ويكبّر مع كلّ حصاة ‪ ،‬ويقطع التّلبية مع ابتداء‬
‫الرّمي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نحر الهدي ‪ ،‬وهو واجب على المتمتّع والقارن ‪ ،‬سنّة لغيرهما ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحلق أو التّقصير ‪ :‬والحلق أفضل للرّجال ‪ ،‬مكروه كراهة شديدة للنّساء ‪.‬‬
‫د ‪ -‬طواف الزّيارة ‪ :‬ويأتي ترتيبه بعد العمال السّابقة ‪ ،‬فيفيض الحاجّ أي يرحل إلى مكّة‬
‫ليطوف الزّيارة ‪ ،‬وهو طواف الرّكن في الحجّ ‪ .‬وإن كان قدّم السّعي فل يضطبع ول يرمل‬
‫في هذا الطّواف ‪ ،‬لنّه لم يبق سعي بعده ‪ ،‬وإن لم يقدّم السّعي فليسع بعد الطّواف ‪ ،‬ويضطبع‬
‫ل طواف بعده سعي ‪.‬‬
‫سنّة في ك ّ‬
‫ويرمل في طوافه ‪ ،‬كما هي ال ّ‬
‫هـ ‪ -‬السّعي بين الصّفا والمروة ‪ :‬لمن لم يقدّم السّعي من قبل ‪.‬‬
‫و ‪ -‬التّحلّل ‪ :‬ويحصل بأداء العمال الّتي ذكرناها ‪ ،‬وهو قسمان ‪ :‬التّحلّل الوّل ‪ :‬أو‬
‫الصغر ‪ :‬تحلّ به محظورات الحرام عدا النّساء ‪ .‬ويحصل بالحلق عند الحنفيّة ‪ ،‬وبالرّمي‬
‫عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وبفعل ثلثة من أعمال يوم النّحر ( استثني منها الذّبح حيث ل دخل‬
‫له في التّحلّل ) عند الشّافعيّة ‪ .‬التّحلّل الثّاني ‪ :‬أو الكبر ‪ :‬تحلّ به كلّ محظورات الحرام‬
‫حتّى النّساء ‪ .‬ويحصل بطواف الفاضة فقط بشرط الحلق عند الحنفيّة ‪ ،‬وبالفاضة مع السّعي‬
‫عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وباستكمال العمال الربعة عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫أوّل وثاني أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫‪ - 45‬هما ثاني وثالث أيّام النّحر ‪ ،‬وفيهما ما يلي ‪ :‬أ ‪ -‬المبيت بمنى ليلتي هذين اليومين ‪:‬‬
‫وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬رمي الجمار الثّلث ‪ :‬يرميها على التّرتيب ‪ :‬الجمرة الولى أو الصّغرى وهي أقرب‬
‫الجمرات إلى مسجد الخيف بمنى ‪ ،‬ثمّ الجمرة الثّانية أو الوسطى ‪ ،‬ثمّ الثّالثة الكبرى جمرة‬
‫ل واحدة بسبع حصيات ‪ ،‬ويدعو بين كلّ جمرتين ‪.‬‬
‫العقبة ‪ .‬يرمي ك ّ‬
‫ج ‪ -‬النّفر الوّل ‪ :‬يحلّ للحاجّ إذا رمى جمار اليوم الثّاني من أيّام التّشريق أن يرحل إلى مكّة‬
‫‪ ،‬ويسقط عنه رمي اليوم الثّالث ‪ ،‬إذا جاوز حدود منى قبل غروب الشّمس عند الجمهور ‪،‬‬
‫وقبل فجر ثالث أيّام التّشريق عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫ج بالمحصّب عند وصوله مكّة إن‬
‫د ‪ -‬التّحصيب ‪ :‬وهو مستحبّ عند الجمهور ‪ ،‬فينزل الحا ّ‬
‫تيسّر له ليذكر اللّه تعالى فيه ويصلّي ‪.‬‬

‫ثالث أيّام التّشريق ‪:‬‬


‫‪ - 46‬هو رابع أيّام النّحر ‪ ،‬وفيه ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الرّمي ‪ :‬يجب رمي الجمار الثّلث في هذا اليوم على من تأخّر ‪ ،‬فلم ينفر النّفر الوّل ‪،‬‬
‫وينتهي وقته ووقت الرّمي كلّه أيضا قضاء وأداء بغروب شمس هذا اليوم اتّفاقا ‪ .‬وتنتهي‬
‫بغروبه مناسك منى ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النّفر الثّاني ‪ :‬ينفر أي يرحل سائر الحجّاج في هذا اليوم إلى مكّة بعد رمي الجمار ‪،‬‬
‫ول يشرع المكث بمنى بعد ذلك ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّحصيب ‪ :‬عند وصول مكّة ‪ ،‬كما مرّ ذكره ‪ ،‬في النّفر الوّل ‪.‬‬
‫د ‪ -‬المكث بمكّة ‪ :‬تنتهي المناسك بنهاية أعمال منى ‪ -‬عدا طواف الوداع ‪ -‬ويمكث الحاجّ‬
‫بمكّة إلى وقت سفره في عبادة ‪ ،‬وذكر ‪ ،‬وطواف ‪ ،‬وعمل خير ‪ .‬ويأتي المفرد بالعمرة ‪ ،‬فإنّ‬
‫وقتها كلّ أيّام السّنة عدا يوم عرفة وأربعة أيّام بعده فتكره فيها كراهة تحريم عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫( انظر مصطلح ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪ ( ) 38‬وعمرة ) ‪.‬‬

‫طواف الوداع ‪:‬‬


‫‪ 46‬م ‪ -‬إذا أراد الحاجّ السّفر من مكّة يجب عليه عند الجمهور أن يطوف بالبيت طواف‬
‫الوداع ‪ ،‬والمعنى الملحظ في هذا الطّواف أن يكون آخر العهد بالبيت ‪ ،‬ول رمل في هذا‬
‫الطّواف ول اضطباع ‪ ،‬وبعد أن يصلّي ركعتي الطّواف ‪ ،‬يأتي زمزم ويشرب من مائها‬
‫مستقبل البيت ‪ ،‬ويتشبّث بأستار الكعبة ‪ ،‬ويستلم الحجر السود إن تيسّر له من غير إيذاء أحد‬
‫‪ ،‬ثمّ يسير إلى باب الحرم ووجهه تلقاء الباب ‪ ،‬داعيا بالقبول ‪ ،‬والغفران ‪ ،‬وبالعود مرّة بعد‬
‫مرّة ‪ ،‬وألّ يكون ذلك آخر العهد من هذا البيت العتيق ‪.‬‬

‫أركان الحجّ ) ‪:‬‬


‫‪ - 47‬أركان الحجّ فيما اتّجه إليه جمهور الفقهاء أربعة ‪ :‬الحرام ‪ .‬والوقوف بعرفة ‪.‬‬
‫ج عند الحنفيّة ركنان ‪ :‬الوقوف‬
‫والطّواف وهو طواف الزّيارة ‪ .‬والسّعي ‪ .‬وأركان الح ّ‬
‫بعرفة ‪ ،‬وطواف الزّيارة ‪ .‬وعند الشّافعيّة ستّ ‪ :‬الربع المذكورة عند الجمهور والحلق أو‬
‫التّقصير ‪ ،‬والتّرتيب بين معظم الركان ‪ .‬الرّكن الوّل ‪ :‬الحرام ‪:‬‬
‫ج ‪ :‬نيّة الحجّ‬
‫‪ - 48‬الحرام في اللّغة ‪ :‬الدّخول في الحرمة ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬الحرام بالح ّ‬
‫عند الجمهور ‪ .‬وال ّنيّة مع التّلبية وهي قول ‪ :‬لبّيك اللّهمّ ‪ -‬عند الحنفيّة ‪ .‬والحرام ركن من‬
‫ج عند الجمهور ‪ ،‬وشرط من شروط صحّته عند الحنفيّة ‪ .‬وهو عندهم شرط من‬
‫أركان الح ّ‬
‫وجه ركن من وجه ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ‪.‬‬

‫الرّكن الثّاني ‪ :‬الوقوف بعرفة ‪:‬‬


‫ج في أرض ( عرفة ) ‪ ،‬بالشّروط والحكام‬
‫‪ - 49‬المراد من الوقوف بعرفة ‪ :‬وجود الحا ّ‬
‫ج ‪ ،‬يختصّ بأنّه من فاته فقد فاته الحجّ‬
‫المقرّرة ‪ .‬والوقوف بعرفة ركن أساسيّ من أركان الح ّ‬
‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا القرآن‬
‫‪ .‬وقد ثبتت ركنيّة الوقوف بعرفة بالدلّة القاطعة من الكتاب وال ّ‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس } ‪ .‬فقد ثبت أنّها نزلت تأمر بالوقوف‬
‫ج عرفة } ‪ .‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد‬
‫سنّة ‪ :‬فعدّة أحاديث ‪ ،‬أشهرها حديث ‪ { :‬الح ّ‬
‫بعرفة ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫صرّح به عدد من العلماء ‪ ،‬وقال ابن رشد ‪ :‬أجمعوا على أنّه ركن من أركان الحجّ ‪ ،‬وأنّه‬
‫ج قابل » ‪.‬‬
‫من فاته فعليه ح ّ‬

‫وقت الوقوف بعرفة ‪:‬‬


‫‪ - 50‬يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشّمس يوم عرفة ‪ -‬وهو تاسع ذي الحجّة ‪ -‬ويمتدّ‬
‫إلى طلوع الفجر الصّادق يوم عيد النّحر حتّى لو وقف بعرفة في غير هذا الوقت كان وقوفه‬
‫باطل اتّفاقا في الجملة ‪ .‬وقد أجمعوا على أنّ آخر وقت وقوف عرفة هو طلوع الفجر يوم‬
‫النّحر ‪ .‬أمّا ابتداء وقت الوقوف بعرفة فقد وقع فيه اختلف ‪ :‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة ) على أنّ أوّله زوال شمس يوم عرفة ‪ .‬وذهب مالك ‪ :‬إلى أنّ وقت الوقوف هو‬
‫ج من قابل ‪ ،‬وأمّا الوقوف‬
‫اللّيل ‪ ،‬فمن لم يقف جزءا من اللّيل لم يجزئ وقوفه وعليه الح ّ‬
‫نهارا فواجب ينجبر بالدّم بتركه عمدا بغير عذر ‪ .‬وعند الحنابلة ‪ :‬وقت الوقوف من طلوع‬
‫الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر "‬
‫الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف ‪ :‬أمّا الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف ففيه تفصيل ‪:‬‬
‫‪ - 51‬قسم الحنفيّة والحنابلة زمان الوقوف إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬زمان الرّكن ‪ :‬الّذي تتأدّى به فريضة الوقوف بعرفة ‪ :‬وهو أن يوجد في عرفة خلل‬
‫المدّة الّتي عرّفناها عند كلّ ‪ ،‬ولو زمانا قليل جدّا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬زمان الواجب ‪ :‬وهو أن يستمرّ من وقف بعد الزّوال إلى أن تغرب الشّمس ‪ ،‬فل‬
‫يجاوز حدّ عرفة إلّ بعد الغروب ‪ ،‬ولو بلحظة ‪ .‬وهو المقصود بقولهم ‪ :‬أن يجمع بين اللّيل‬
‫والنّهار بعرفة ‪ .‬فلو فارق عرفة قبل الغروب وجب عليه دم عند الجمهور ‪ ،‬أمّا إذا لم يقف‬
‫بعرفة إلّ بعد المغرب فل شيء عليه ‪ .‬وأمّا المالكيّة فزمان الرّكن عندهم هو الوقوف ليل ‪،‬‬
‫ن الجمع بين اللّيل والنّهار بعرفة سنّة‬
‫أمّا نهارا فواجب ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة ‪ :‬فالمعتمد عندهم أ ّ‬
‫ليس واجبا ‪ ،‬لكن يستحبّ له بتركه الفداء استحبابا ‪ ،‬وفي أيّ وقت وقف بعرفة من بعد‬
‫الزّوال إلى فجر يوم النّحر أجزأه ‪.‬‬

‫الثّالث ‪ :‬طواف الزّيارة ‪:‬‬


‫ج بعد أن يفيض من عرفة ويبيت بالمزدلفة ‪ ،‬ويأتي منى يوم‬
‫‪ - 52‬طواف الزّيارة يؤدّيه الحا ّ‬
‫العيد فيرمي وينحر ويحلق ثمّ بعد ذلك يفيض إلى مكّة فيطوف بالبيت سمّي طواف الزّيارة‬
‫ن الحاجّ يأتي من منى فيزور البيت ول يقيم بمكّة ‪ ،‬بل يرجع ليبيت بمنى ‪ .‬ويسمّى أيضا‬
‫لّ‬
‫ج يفعله عند إفاضته من منى إلى مكّة ‪ .‬وعدد أشواط الطّواف‬
‫طواف الفاضة ‪ ،‬لنّ الحا ّ‬
‫سبعة ‪ ،‬وكلّها ركن عند الجمهور ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬الرّكن هو أكثر السّبعة ‪ ،‬والباقي واجب‬
‫ينجبر بالدّم ‪ .‬ويجب المشي في الطّواف على القادر عليه عند الجمهور ‪ ،‬وهو سنّة عند‬
‫ل فل يسنّ ‪.‬‬
‫الشّافعيّة ‪ .‬ويسنّ الرّمل والضطباع في الطّواف إذا كان سيسعى بعده وإ ّ‬
‫ويصلّي بعد الطّواف ركعتين وجوبا عند الجمهور وسنّة عند الشّافعيّة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح‬
‫‪ ( :‬طواف ) ‪ .‬ركنيّة طواف الزّيارة ‪:‬‬
‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ - 53‬ثبت فرضيّة طواف الزّيارة بالكتاب وال ّ‬
‫ن الية في طواف الفاضة ‪ ،‬فيكون‬
‫{ وليطّوّفوا بالبيت العتيق } فقد أجمع العلماء على أ ّ‬
‫سنّة ‪ :‬فقد { حجّت أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ رضي ال عنها‬
‫فرضا بنصّ القرآن ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم فحاضت ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أحابستنا هي‬
‫ن طواف الفاضة فرض ل‬
‫؟ قالوا ‪ :‬إنّها قد أفاضت ‪ .‬قال ‪ :‬فل إذن } ‪ .‬فدلّ الحديث على أ ّ‬
‫بدّ منه ‪ ،‬ولول فرضيّته لم يمنع من لم يأت به عن السّفر ‪ .‬وعليه الجماع ‪.‬‬

‫شروط طواف الزّيارة ‪:‬‬


‫‪ - 54‬يشترط في طواف الزّيارة شروط خاصّة به سوى الشّروط العامّة للطّواف وهذه‬
‫الشّروط الخاصّة هي ‪:‬‬
‫ج على الحرام ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون مسبوقا بالحرام ‪ ،‬لتوقّف احتساب أيّ عمل من أعمال الح ّ‬
‫ب ‪ -‬أن يكون مسبوقا بوقوف عرفة ‪ ،‬فلو طاف للفاضة قبل الوقوف بعرفة ل يسقط به‬
‫فرض الطّواف ‪ ،‬إجماعا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ال ّنيّة ‪ :‬بأن يقصد أصل الطّواف ‪ .‬أمّا نيّة التّعيين فليست شرطا في طواف الفاضة عند‬
‫الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) لدخوله في نيّة الحجّ ‪ .‬لذلك صرّحوا بشرطيّة عدم‬
‫صرفه لغيره ‪ ،‬كطلب غريم ‪ ،‬أو هرب من ظالم ‪ .‬أمّا الحنابلة ‪ :‬فقد اشترطوا تعيين الطّواف‬
‫في ال ّنيّة ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الوقت ‪ :‬فل يصحّ طواف الفاضة قبل الوقت المحدّد له شرعا ‪ .‬وهو وقت موسّع يبتدئ‬
‫من طلوع الفجر الثّاني يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ‬
‫ل الحنفيّة‬
‫أوّل وقت طواف الفاضة بعد منتصف ليلة النّحر لمن وقف بعرفة قبله ‪ .‬استد ّ‬
‫والمالكيّة بأنّ ‪ :‬ما قبل الفجر من اللّيل وقت الوقوف بعرفة ‪ ،‬والطّواف مرتّب عليه " ‪ ،‬فل‬
‫يصحّ أن يتقدّم ويشغل شيئا من وقت الوقوف ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة بقياس الطّواف على الرّمي ‪،‬‬
‫لنّهما من أسباب التّحلّل ‪ ،‬فإنّه بالرّمي للجمار والذّبح والحلق يحصل التّحلّل الوّل ‪،‬‬
‫وبالطّواف يحصل التّحلّل الكبر ( بشرط السّعي ) ‪ ،‬فكما أنّ وقت الرّمي يبدأ عندهم بعد‬
‫نصف اللّيل فكذا وقت طواف الفاضة ‪ .‬والفضل عند العلماء أداؤه يوم النّحر بعد الرّمي‬
‫والحلق ‪ - 55 .‬وأمّا آخر وقت طواف الفرض فليس لخره حدّ معيّن لدائه فرضا ‪ ،‬بل‬
‫ن المام أبا حنيفة أوجب أداءه في أيّام النّحر ‪ ،‬فلو‬
‫جميع اليّام واللّيالي وقته إجماعا ‪ .‬لك ّ‬
‫أخّره حتّى أدّاه بعدها صحّ ‪ ،‬ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها ‪ .‬وهو المفتى به في المذهب‬
‫ل بخروج ذي الحجّة ‪ ،‬فإذا خرج لزمه‬
‫‪ .‬والمشهور عند المالكيّة أنّه ل يلزمه بالتّأخير شيء إ ّ‬
‫دم ‪ .‬وذهب الصّاحبان ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه ل يلزمه شيء بالتّأخير أبدا ‪ .‬استدلّ‬
‫أبو حنيفة بأنّ اللّه تعالى عطف الطّواف على الذّبح في الحجّ ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فكلوا منها } ‪ ،‬ثمّ قال‬
‫‪ { :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق } ‪ ،‬فكان وقتهما واحدا ‪ ،‬فيكره تأخير الطّواف عن أيّام النّحر ‪،‬‬
‫ن المالكيّة نظروا إلى شهر ذي الحجّة أنّه تقام فيه أعمال الحجّ ‪ ،‬فسوّوا‬
‫وينجبر بالدّم ‪ .‬إلّ أ ّ‬
‫ل أيّامه ‪ ،‬وجعلوا التّأخير عنه موجبا للفداء ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬بأنّ الصل‬
‫بين ك ّ‬
‫ج فدية إذا أخّر طواف‬
‫عدم التّأقيت ‪ ،‬وليس هناك ما يوجب فعله في أيّام النّحر ‪ ،‬فل يلزم الحا ّ‬
‫الفاضة إلى ما بعد أيّام النّحر ‪ .‬فإذا تأخّر طواف الفاضة عن أيّام النّحر أو شهر ذي الحجّة‬
‫‪ ،‬فإنّه ل يسقط أبدا ‪ ،‬وهو محرم عن النّساء أبدا إلى أن يعود فيطوف ‪ .‬ول يكفي الفداء عن‬
‫أداء طواف الفاضة إجماعا ‪ ،‬لنّه ركن ‪ ،‬وأركان الحجّ ل يجزئ عنها البدل ‪ ،‬ول يقوم‬
‫غيرها مقامها ‪ ،‬بل يجب التيان بها بعينها ‪.‬‬

‫الرّابع ‪ :‬السّعي بين الصّفا والمروة ‪ :‬المراد بالسّعي بين الصّفا والمروة قطع المسافة بينهما‬
‫سبع مرّات ‪ ،‬بعد أن يكون طاف بالبيت ‪ .‬حكم السّعي ‪:‬‬
‫‪ - 56‬ذهب الئمّة الثّلثة إلى أنّ السّعي ركن من أركان الحجّ ل يصحّ بدونه ‪ ،‬حتّى لو ترك‬
‫الحاجّ خطوة منه يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ‪ ،‬ويخطو تلك الخطوة ‪.‬‬
‫وهو قول عائشة وعروة بن الزّبير ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ السّعي واجب في الحجّ وليس‬
‫بركن ‪ ،‬وهو مذهب الحسن البصريّ وسفيان الثّوريّ ‪ .‬وركن السّعي عند الجمهور سبعة‬
‫أشواط ‪ ،‬حتّى لو ترك شيئا منها لم يتحلّل من إحرامه ‪ ،‬أمّا الحنفيّة فإنّ ركن السّعي أكثر‬
‫أشواط السّعي ‪ ،‬والثّلثة الباقية ليست ركنا ‪ ،‬وتنجبر بالفداء ‪ .‬والمشي للقادر واجب في‬
‫السّعي عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬

‫واجبات الحجّ ‪:‬‬


‫ج ‪ :‬هو ما يطلب فعله ويحرم تركه ‪ ،‬لكن ل تتوقّف صحّة الحجّ عليه ‪،‬‬
‫‪ - 57‬الواجب في الح ّ‬
‫ويأثم تاركه ‪ ،‬إلّ إذا تركه بعذر معتبر شرعا ‪ ،‬ويجب عليه الفداء بجبر النّقص ‪ .‬وواجبات‬
‫ج قسمان ‪ :‬القسم الوّل ‪ :‬الواجبات الصليّة ‪ ،‬الّتي ليست تابعة لغيرها ‪ .‬القسم الثّاني ‪:‬‬
‫الح ّ‬
‫الواجبات التّابعة لغيرها ‪ .‬وهي أمور يجب مراعاتها في أداء ركن أو واجب من أعمال الحجّ‬
‫ج الصليّة ‪ :‬المبيت بمزدلفة ‪:‬‬
‫‪ .‬أوّل ‪ :‬واجبات الح ّ‬
‫‪ - 58‬المزدلفة تسمّى " جمعا " أيضا ‪ ،‬لجتماع النّاس بها ليلة النّحر ‪ .‬واتّفق الفقهاء على أنّ‬
‫المبيت بالمزدلفة واجب ليس بركن ‪ .‬ثمّ اختلفوا في مقداره ووقته ‪ .‬فذهب الئمّة الثّلثة إلى‬
‫ن زمن الوقوف الواجب هو المكث بالمزدلفة من اللّيل ‪ ،‬ثمّ اختلف أصحاب هذا الرّأي ‪.‬‬
‫أّ‬
‫ط الرّحال في ليلة النّحر واجب ‪ ،‬والمبيت بها‬
‫فذهب المالكيّة إلى أنّ النّزول بالمزدلفة قدر ح ّ‬
‫سنّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪ ،‬ولو ساعة‬
‫لطيفة ‪ :‬أي فترة ما من الزّمن ولو قصيرة ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه ما بين طلوع الفجر يوم‬
‫النّحر وطلوع الشّمس ‪ ،‬فمن حصّل بمزدلفة في هذا الوقت فترة من الزّمن فقد أدرك‬
‫الوقوف ‪ ،‬سواء بات بها أو ل ‪ ،‬ومن لم يحصّل بها فيه فقد فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة ‪.‬‬
‫ج يجمع في المزدلفة‬
‫وعليه دم إلّ إن تركه لعذر كزحمة فل شيء عليه ‪ .‬واتّفقوا على أنّ الحا ّ‬
‫بين صلتي المغرب والعشاء جمع تأخير ‪ ،‬وهذا الجمع سنّة عند الجمهور ‪ ،‬واجب عند‬
‫الحنفيّة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬رمي الجمار ‪:‬‬
‫‪ - 59‬الرّمي لغة ‪ :‬القذف ‪ .‬والجمار ‪ :‬الحجار الصّغيرة ‪ ،‬جمع جمرة ‪ ،‬وهي الحصاة ‪.‬‬
‫ورمي الجمار واجب في الحجّ ‪ ،‬أجمعت المّة على وجوبه ‪ .‬والرّمي الواجب لكلّ جمرة‬
‫( أي موضع الرّمي ) هو سبع حصيات بالجماع أيضا ‪ .‬توقيت الرّمي وعدده ‪:‬‬
‫‪ - 60‬أيّام الرّمي أربعة ‪ :‬يوم النّحر العاشر من ذي الحجّة ‪ ،‬وثلثة أيّام بعده وتسمّى " أيّام‬
‫التّشريق " الرّمي يوم النّحر ‪:‬‬
‫‪ - 61‬واجب الرّمي في هذا اليوم هو رمي جمرة العقبة وحدها فقط ‪ ،‬يرميها بسبع حصيات ‪.‬‬
‫ووقت الرّمي هذا يبدأ من طلوع فجر يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬ومن منتصف ليلة‬
‫يوم النّحر لمن وقف بعرفة قبله عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬وآخر وقت الرّمي عند الحنفيّة إلى‬
‫فجر اليوم التّالي ‪ ،‬وعند المالكيّة إلى المغرب ‪ .‬حتّى يجب الدّم في المذهبين بتأخير رمي يوم‬
‫عن الوقت المذكور ‪ .‬وآخر وقت الرّمي عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬يمتدّ إلى آخر أيّام التّشريق‬
‫‪ .‬الرّمي في اليوم الوّل والثّاني من أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫‪ - 62‬يجب في هذين اليومين رمي الجمار الثّلث على التّرتيب ‪ :‬أوّل الجمرة الصّغرى ‪،‬‬
‫الّتي تلي مسجد الخيف بمنى ‪ ،‬ثمّ الوسطى ‪ ،‬بعدها ‪ ،‬ثمّ جمرة العقبة ‪ ،‬يرمي كلّ جمرة منها‬
‫بسبع حصيات ‪ .‬ويبدأ وقت الرّمي في هذين اليومين بعد الزّوال ‪ ،‬ول يجوز قبله عند جمهور‬
‫العلماء ‪ ،‬وهي الرّواية الظّاهرة عن أبي حنيفة ‪ .‬وروى الحسن عن أبي حنيفة ‪ « :‬إن كان‬
‫من قصده أن يتعجّل في النّفر الوّل فل بأس أن يرمي في اليوم الثّالث قبل الزّوال ‪ ،‬وإن‬
‫ل بعد الزّوال ‪ ،‬وذلك‬
‫رمى بعده فهو أفضل ‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من قصده ل يجوز أن يرمي إ ّ‬
‫ل باللّيل ‪ ،‬فيحرج في تحصيل‬
‫لدفع الحرج ‪ ،‬لنّه إذا نفر بعد الزّوال ل يصل إلى مكّة إ ّ‬
‫موضع النّزول ‪ .‬أمّا الوقت المسنون فيمتدّ من زوال الشّمس إلى غروبها ‪ .‬وأمّا نهاية وقت‬
‫ل يوم بيومه ‪ ،‬كما في يوم النّحر ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬
‫الرّمي ‪ :‬فقيّده الحنفيّة والمالكيّة في ك ّ‬
‫ن آخر الوقت بغروب شمس اليوم الرّابع من أيّام النّحر ‪ ،‬وهو آخر أيّام‬
‫والحنابلة إلى أ ّ‬
‫التّشريق ‪ .‬النّفر الوّل ‪:‬‬
‫ج الجمار ثاني أيّام التّشريق يجوز له أن ينفر ‪ -‬أي يرحل ‪ -‬إلى مكّة ‪،‬‬
‫‪ - 63‬إذا رمى الحا ّ‬
‫إن أحبّ التّعجّل في النصراف من منى ‪ ،‬ويسمّى هذا اليوم يوم النّفر الوّل ‪ ،‬وبه يسقط‬
‫رمي اليوم الثّالث من أيّام التّشريق اتّفاقا ‪ .‬ومذهب الئمّة الثّلثة ‪ :‬له أن ينفر قبل غروب‬
‫الشّمس ‪ ،‬ومذهب الحنفيّة ‪ :‬له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرّابع من أيّام النّحر ‪.‬‬
‫الرّمي ثالث أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫‪ - 64‬يجب رمي الجمار الثّلث في هذا اليوم على من تأخّر ولم ينفر من منى " النّفر الوّل "‬
‫ووقته عند الجمهور بعد الزّوال ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬يجوز أن يقدّم الرّمي في هذا اليوم قبل‬
‫ن آخر وقت الرّمي في هذا اليوم غروب الشّمس ‪،‬‬
‫الزّوال بعد طلوع الفجر ‪ .‬واتّفقوا على أ ّ‬
‫وأنّ وقت الرّمي لهذا اليوم ولقضاء ما قبله ينتهي أيضا بغروب شمس اليوم الرّابع ‪ ،‬لخروج‬
‫وقت المناسك بغروب شمسه ‪ .‬النّفر الثّاني ‪:‬‬
‫ج الجمار الثّلث في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق وهو رابع أيّام النّحر‬
‫‪ - 65‬إذا رمى الحا ّ‬
‫ن له أن يقيم بمنى ‪ ،‬بعد الرّمي ‪ ،‬ويسمّى يوم النّفر الثّاني‬
‫انصرف من منى إلى مكّة ‪ ،‬ول يس ّ‬
‫‪ ،‬وبه تنتهي مناسك منى ‪.‬‬

‫النّيابة في الرّمي ‪ :‬الرّمي عن الغير ‪:‬‬


‫‪ - 66‬المعذور الّذي ل يستطيع الرّمي بنفسه كالمريض يجب أن يستنيب من يرمي عنه ‪،‬‬
‫وينبغي أن يكون النّائب قد رمى عن نفسه ‪ ،‬فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرم عن نفسه‬
‫الرّمي كلّه ليومه أوّل ‪ ،‬ثمّ ليرم عمّن استنابه ‪ ،‬ويجزئ هذا الرّمي عن الصيل عند الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬إلّ أنّ الحنفيّة قالوا ‪ :‬لو رمى حصاة لنفسه وأخرى للخر جاز ولكره ‪.‬‬
‫ن النابة خاصّة بمريض ل يرجى شفاؤه قبل انتهاء أيّام التّشريق ‪ ،‬وعند‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫الشّافعيّة قول ‪ :‬إنّه يرمي حصيات الجمرة عن نفسه أوّل ‪ ،‬ثمّ يرميها عن نائبه إلى أن ينتهي‬
‫من الرّمي ‪ .‬وهو مخلص حسن لمن خشي خطر الزّحام ‪ .‬ومن عجز عن الستنابة‬
‫كالصّبيّ ‪ ،‬والمغمى عليه ‪ ،‬فيرمي عن الصّبيّ وليّه ‪ ،‬وعن المغمى عليه رفاقه ‪ ،‬ول فدية‬
‫عليه ‪ ،‬وإن لم يرم عند الحنفيّة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬فائدة الستنابة أن يسقط الثم عنه إن‬
‫استناب وقت الداء ‪ " .‬وإلّ فالدّم عليه استناب أم ل ‪ ،‬وإنّما وجب عليه الدّم دون الصّغير‬
‫ومن ألحق به لنّه المخاطب بسائر الركان "‬

‫الحلق والتّقصير ‪:‬‬


‫ن حلق شعر الرّأس أو تقصيره واجب من واجبات الحجّ ‪،‬‬
‫‪ - 67‬اتّفق جمهور العلماء على أ ّ‬
‫وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وذهب الشّافعيّ في المشهور عنه وهو الرّاجح في‬
‫المذهب إلى أنّه ركن في الحجّ ‪ .‬واختلفوا في القدر الواجب حلقه أو تقصيره ‪ .‬فعند المالكيّة‬
‫والحنابلة الواجب حلق جميع الرّأس أو تقصيره ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يكفي مقدار ربع الرّأس ‪،‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬يكفي إزالة ثلث شعرات أو تقصيرها ‪ - 68 .‬والجمهور على أنّ الحلق أو‬
‫سنّة فعله في الحرم أيّام النّحر ‪ .‬وذهب أبو حنيفة‬
‫التّقصير ل يختصّ بزمان ول مكان ‪ ،‬لكنّ ال ّ‬
‫ن الحلق يختصّ بأيّام النّحر ‪ ،‬وبمنطقة الحرم ‪ ،‬فلو أخلّ بأيّ من هذين لزمه الدّم ‪،‬‬
‫إلى أ ّ‬
‫ويحصل له التّحلّل بهذا الحلق ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق ‪:‬‬


‫‪ - 69‬منى ‪ :‬بالكسر والتّنوين شعيب بين جبال ‪ ،‬طوله ميلن وعرضه يسير ‪ .‬والمبيت بها‬
‫ليالي أيّام التّشريق واجب عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬يلزم الدّم لمن تركه بغير عذر ‪ .‬وذهب‬
‫ن المبيت بها سنّة ‪ ،‬والقدر الواجب للمبيت عند الجمهور هو مكث أكثر اللّيل ‪.‬‬
‫الحنفيّة إلى أ ّ‬

‫خامسا ‪ :‬طواف الوداع ‪:‬‬


‫‪ - 70‬طواف الوداع يسمّى طواف الصّدر ‪ ،‬وطواف آخر العهد ‪ :‬وذهب جمهور الفقهاء من‬
‫ن طواف الوداع واجب ‪ ،‬وذهب المالكيّة إلى‬
‫الحنفيّة والحنابلة وهو الظهر عند الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫أنّه سنّة ‪ .‬استدلّ الجمهور على وجوبه بأمره صلى ال عليه وسلم كما روى ابن عبّاس‬
‫رضي ال عنه قال ‪ { :‬أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ‪ ،‬إلّ أنّه خفّف عن المرأة‬
‫الحائض } ‪ .‬واستدلّ المالكيّة على أنّه سنّة ‪ ،‬بأنّه جاز للحائض تركه دون فداء ‪ ،‬ولو وجب‬
‫لم يجز للحائض تركه ‪.‬‬

‫شروط وجوبه ‪:‬‬


‫ج من أهل الفاق ‪ ،‬عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬فل يجب على الم ّكيّ ‪ ،‬لنّ‬
‫‪ - 71‬أن يكون الحا ّ‬
‫الطّواف وجب توديعا للبيت ‪ ،‬وهذا المعنى ل يوجد في أهل مكّة لنّهم في وطنهم وألحق‬
‫ن حكمهم حكم أهل مكّة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يسقط‬
‫الحنفيّة من كان من منطقة المواقيت ‪ ،‬ل ّ‬
‫إلّ عمّن كان منزله في الحرم فقط ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة يطلب طواف الوداع في حقّ‬
‫كلّ من قصد السّفر من مكّة ‪ ،‬ولو كان م ّكيّا إذا قصد سفرا تقصر فيه الصّلة ‪ .‬ووصفه‬
‫المالكيّة بأنّه سفر بعيد كالجحفة ل قريبا كالتّنعيم إذا خرج للسّفر ل ليقيم بموضع آخر أو‬
‫بمسكنه ‪ ،‬فإن خرج ليقيم بموضع آخر أو بمسكنه طلب منه ‪ ،‬ولو كان الموضع الّذي خرج‬
‫إليه قريبا ‪ - 72 .‬الطّهارة من الحيض والنّفاس ‪ :‬فل يجب على الحائض والنّفساء ‪ ،‬ول يسنّ‬
‫ل أنّه خفّف‬
‫أيضا حتّى إنّهما ل يجب عليهما دم بتركه ‪ ،‬لما سبق من حديث ابن عبّاس ‪ { :‬إ ّ‬
‫ي صلى ال‬
‫عن الحائض } وكذا حديث عائشة في قصّة صفيّة لمّا حاضت فقد سافر بها النّب ّ‬
‫عليه وسلم دون أن تطوف للوداع ‪ .‬فأمّا الطّهارة من الجنابة فليست بشرط لوجوب طواف‬
‫الوداع ‪ ،‬فيكون واجبا على المحدث والجنب ‪ ،‬لنّه يمكنهما إزالة الحدث والجنابة في الحال‬
‫بالغسل أو التّيمّم ‪ .‬وإذا طهرت الحائض قبل أن تفارق بنيان مكّة يلزمها طواف الصّدر ‪،‬‬
‫وإن جاوزت جدران مكّة ثمّ طهرت لم يلزمها طواف الصّدر ‪ ،‬اتّفاقا بين الحنفيّة والشّافعيّة‬
‫والحنابلة ‪ .‬لنّها حين خرجت من العمران صارت مسافرة ‪ ،‬بدليل جواز القصر ‪ ،‬فل يلزمها‬
‫العود ول الدّم ‪ - 73 .‬أن يكون قد أدّى مناسك الحجّ مفردا أو متمتّعا أو قارنا ‪ .‬فل يجب‬
‫على المعتمر عند الحنفيّة وحدهم ‪ ،‬ولو كان آفاقيّا ‪ ،‬وكأنّهم نظروا إلى المقصود ‪ ،‬وهو ختم‬
‫أعمال الحجّ ‪ ،‬فل يطلب من المعتمر ‪.‬‬

‫شروط صحّته ‪:‬‬


‫‪ - 74‬يشترط لصحّة طواف الوداع ما يأتي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أصل نيّة الطّواف ل التّعيين ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكون مسبوقا بطواف الزّيارة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الوقت ‪ :‬ووقت طواف الوداع عند الحنفيّة يمتدّ عقب طواف الزّيارة لو تأخّر سفره ‪،‬‬
‫ل طواف يفعله الحاجّ بعد طواف الزّيارة يقع عن طواف الصّدر ‪ .‬أمّا السّفر فور الطّواف‬
‫وك ّ‬
‫فليس من شرائط جوازه عند الحنفيّة ‪ ،‬حتّى لو كان للصّدر ‪ ،‬ثمّ تشاغل بمكّة بعده حتّى ولو‬
‫ن المراد أن يكون آخر عهده بالبيت نسكا ‪،‬‬
‫أقام أيّاما كثيرة ‪ ،‬ل يجب عليه طواف آخر ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن المستحبّ أن يؤخّر طواف الصّدر إلى‬
‫ل إقامة ‪ ،‬والطّواف آخر مناسكه بالبيت ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫الوقت الّذي يريد أن يسافر ‪ .‬فيه ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقته بعد فراغه من‬
‫جميع أموره ‪ ،‬وعزمه على السّفر ‪ ،‬ويغتفر له أن يشتغل بعده بأسباب السّفر ‪ ،‬كشراء الزّاد ‪،‬‬
‫وحمل المتعة ونحو ذلك ول يعيده ‪ ،‬لكن إن مكث بعده مشتغل بأمر آخر غير أسباب السّفر‬
‫كشراء متاع ‪ ،‬أو زيارة صدّيق ‪ ،‬أو عيادة مريض احتاج إلى إعادة الطّواف ‪.‬‬

‫واجبات الحجّ التّابعة لغيرها ‪:‬‬


‫ج التّابعة لغيرها هي أمور يجب أداؤها في ضمن ركن من أركان الحجّ ‪،‬‬
‫‪ - 75‬واجبات الح ّ‬
‫ص أركان الحجّ‬
‫أو ضمن واجب أصليّ من واجباته ‪ .‬وتجد دراستها في المصطلحات الّتي تخ ّ‬
‫أو واجباته ‪ ،‬سوى ترتيب أعمال يوم النّحر ‪ ،‬فندرسه هنا ‪ ،‬ونشير إلى ما سواه إشارة سريعة‬
‫‪ .‬أوّل ‪ :‬واجبات الحرام ‪:‬‬
‫‪ - 76‬أ ‪ -‬كون الحرام من الميقات المكانيّ ‪ ،‬ل بعده ( انظر إحرام ف ‪ ) 32 - 31‬ب ‪-‬‬
‫التّلبية وهي واجبة عند المالكيّة ويسنّ قرنها بالحرام ‪ ،‬وشرط في الحرام عند الحنفيّة ‪،‬‬
‫وسنّة عند الجمهور ( انظر إحرام ‪ :‬ف ‪. ) 29‬‬
‫ج ‪ -‬اجتناب محظورات الحرام ( انظر إحرام ‪ :‬ف ‪ 31‬و ‪. ) 94 - 55‬‬

‫ثانيا ‪ :‬واجبات الوقوف بعرفة ‪:‬‬


‫‪ - 77‬هي امتداد الوقوف إلى ما بعد المغرب على تفصيل المذاهب ‪ ،‬سوى الشّافعيّة فإنّه سنّة‬
‫عندهم ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الوقوف بعد المغرب هو الرّكن ‪ ،‬وقبله واجب ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬واجبات الطّواف ‪:‬‬


‫‪ - 78‬أ ‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ الشواط الثّلث الخيرة من الطّواف واجبة ‪ .‬وهي عند‬
‫الجمهور ركن في الطّواف ( ف ‪ ( ) 128‬وانظر مصطلح طواف ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أوجب الحنفيّة المور التّالية في الطّواف ‪ ،‬وقال الجمهور هي من شروط صحّته ‪.‬‬
‫وهذه المور هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطّهارة من الحداث والنجاس ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ستر العورة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ابتداء الطّواف من الحجر ‪.‬‬
‫‪ - 4‬التّيامن ‪ ،‬أي كون الطّائف عن يمين البيت ‪.‬‬
‫‪ -5‬دخول الحجر ( أي الحطيم ) في ضمن الطّواف ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أوجب الحنفيّة المور التّالية في الطّواف وهي سنّة عند غيرهم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬المشي للقادر عليه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ركعتا الطّواف ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إيقاع طواف الرّكن في أيّام النّحر ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬واجبات السّعي ‪:‬‬


‫‪ - 79‬أ ‪ -‬المشي للقادر عليه عند الحنفيّة ‪ .‬وذهب الجمهور إلى أنّه سنّة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إكمال أشواط السّعي إلى سبعة بعد الربعة الولى عند الحنفيّة ‪ ،‬وكلّها ركن عند‬
‫الجمهور ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬واجب الوقوف بالمزدلفة ‪:‬‬


‫‪ - 80‬أوجب الحنفيّة جمع صلتي المغرب والعشاء تأخيرا في المزدلفة ‪ ،‬وهو سنّة عند‬
‫الجمهور ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬واجبات الرّمي ‪:‬‬


‫‪ - 81‬يجب عدم تأخير رمي يوم لتاليه عند الحنفيّة ‪ ،‬وإلى المغرب عند المالكيّة ‪ .‬سابعا ‪:‬‬
‫واجبات ذبح الهدي ‪:‬‬
‫‪ - 82‬أ ‪ -‬أن يكون الذّبح في أيّام النّحر ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكون في الحرم ‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬واجبات الحلق والتّقصير ‪:‬‬


‫‪ - 83‬أ ‪ -‬كون الحلق في أيّام النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كون الحلق في الحرم عند الحنفيّة فقط ‪.‬‬

‫تاسعا ‪ :‬ترتيب أعمال يوم النّحر ‪:‬‬


‫‪ - 84‬يفعل الحاجّ بمنى يوم النّحر ثلثة أعمال على هذا التّرتيب ‪ :‬رمي جمرة العقبة ‪ ،‬ثمّ‬
‫ذبح الهدي إن كان قارنا أو متمتّعا ( ر ‪ :‬ف ‪ ) 7 - 5‬ثمّ الحلق أو التّقصير ‪ .‬ثمّ يذهب إلى‬
‫مكّة فيطوف طواف الزّيارة ‪ .‬والصل في هذا التّرتيب هو فعله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬عن‬
‫أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ { :‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم‬
‫النّحر ‪ ،‬ث ّم رجع إلى منزله بمنى ‪ ،‬فدعا بذبح فذبح ‪ ،‬ثمّ دعا بالحلّاق فأخذ بشقّ رأسه‬
‫اليمن ‪ ،‬فجعل يقسم بين من يليه الشّعرة والشّعرتين ‪ ،‬ثمّ أخذ بشقّ رأسه اليسر فحلقه } وفي‬
‫حديث جابر ‪ { :‬ثمّ ركب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأفاض إلى البيت } ‪ .‬حكم هذا‬
‫التّرتيب ‪:‬‬
‫‪ - 85‬مع اتّفاقهم على مشروعيّة هذا التّرتيب فقد اختلفوا فيه ‪ :‬والسّبب في هذا الختلف هو‬
‫ن التّرتيب سنّة ‪ ،‬ل فداء على من تركه ‪ .‬ذلك هو حديث عبد‬
‫ورود حديث آخر يدلّ على أ ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقف في حجّة الوداع فجعلوا يسألونه ‪،‬‬
‫اللّه بن عمرو { أ ّ‬
‫فقال رجل ‪ :‬لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال ‪ :‬اذبح ول حرج فجاء آخر فقال ‪ :‬لم أشعر‬
‫فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال ‪ :‬ارم ول حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدّم ول أخّر إلّ قال ‪:‬‬
‫افعل ول حرج } ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة ورواية عن أحمد إلى وجوب ترتيب أعمال يوم‬
‫النّحر على تفصيل فيه ‪ ،‬أخذ كلّ منهم به للتّوفيق بين الدلّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّ والصّاحبان‬
‫ن التّرتيب سنّة ‪ ،‬واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن عمرو الخير ‪ ،‬فإنّ‬
‫ورواية عن أحمد إلى أ ّ‬
‫قوله ‪ :‬فما سئل يومئذ ‪ ..‬يدلّ بعمومه على س ّنيّة التّرتيب ‪ .‬أمّا الوّلون فاستدلّوا بفعل النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فإنّه يدلّ على الوجوب ‪ ،‬ثمّ ذهبوا مذاهب في كيفيّة التّرتيب ‪ :‬فذهب‬
‫الحنفيّة إلى وجوب التّرتيب بين أعمال منى حسب الوارد ‪ ،‬أمّا التّرتيب بينها وبين طواف‬
‫الفاضة فسنّة ‪ .‬واستدلّوا بأدلّة منها ‪ :‬مراعاة اتّباع فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم كما نصّ‬
‫عليه حديث أنس ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة النعام فكلوا‬
‫منها وأطعموا البائس الفقير ‪ ،‬ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق } ‪.‬‬
‫وجه الستدلل أنّه أمر بقضاء التّفث وهو الحلق مرتّبا على الذّبح ‪ ،‬فدلّ على وجوب التّرتيب‬
‫‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الواجب في التّرتيب ‪ :‬تقديم الرّمي على الحلق وعلى طواف الفاضة ‪،‬‬
‫وغير ذلك من التّرتيب ل يجب ‪ ،‬بل هو سنّة ‪ .‬استدلّوا على وجوب تقديم الرّمي على الحلق‬
‫ل برمي‬
‫بأنّه بالجماع ممنوع من حلق شعره قبل التّحلّل الوّل ‪ ،‬ول يحصل التّحلّل الوّل إ ّ‬
‫جمرة العقبة ‪ .‬واستدلّوا على عدم وجوب تقديم الذّبح على الحلق بحديث عبد اللّه بن عمرو‬
‫السّابق ‪ ،‬أخذا بالتّقديم والتّأخير المنصوص عليه في الحديث ‪ ،‬وفسّروا فما سئل عن شيء‬
‫قدّم ول أخّر ‪ ...‬بأنّ المراد ممّا ذكر في صدر الحديث لتقديمه وتأخيره ‪ .‬وأخذ المام أحمد‬
‫في رواية الوجوب عنه بلفظ " لم أشعر " فقال ‪ :‬يجب التّرتيب على العالم به الذّاكر له ‪ ،‬أمّا‬
‫الجاهل والنّاسي فل شيء عليه ‪ ،‬وقيّدوا شطر الحديث الخير " فما سئل ‪ " ...‬لهذا المعنى ‪،‬‬
‫أي قال ‪ { :‬ل حرج } فيما قدّم وأخّر ‪ ،‬من غير شعور ‪ .‬والحاصل كما قال ابن قدامة ‪ :‬ل‬
‫نعلم خلفا بينهم في أنّ مخالفة التّرتيب ل تخرج هذه الفعال عن الجزاء ‪ ،‬ول يمنع وقوعها‬
‫موقعها ‪ ،‬وإنّما اختلفوا في وجوب الدّم على ما ذكرنا » ‪.‬‬

‫التّحلّل من إحرام الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 86‬يحصل التّحلّل بأداء أركان الحجّ وواجباته رمي جمرة العقبة ‪ ،‬والحلق ‪ ،‬والتّحلّل من‬
‫إحرام الحجّ ‪ .‬وهذا التّحلّل قسمان ‪ :‬التّحلّل الوّل أو الصغر ‪ ،‬والتّحلّل الثّاني أو الكبر ‪،‬‬
‫وقد سبق التّحلّل في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ( ف ‪. ) 125 - 122‬‬

‫ج ومستحبّاته وممنوعاته ومباحاته الوّل ‪ :‬سنن الحجّ ‪:‬‬


‫سنن الح ّ‬
‫‪ - 87‬السّنن في الحجّ يطلب فعلها ‪ ،‬ويثاب عليها ‪ ،‬لكن ل يلزم بتركها الفداء من دم أو‬
‫صدقة ‪ .‬أوّل ‪ :‬طواف القدوم ‪:‬‬
‫‪ - 88‬ويسمّى طواف القادم ‪ ،‬طواف الورود ‪ ،‬وطواف الوارد ‪ ،‬وطواف التّحيّة لنّه شرع‬
‫للقادم والوارد من غير مكّة لتحيّة البيت ‪ .‬ويسمّى أيضا طواف اللّقاء ‪ ،‬وأوّل عهده بالبيت ‪،‬‬
‫وطواف القدوم سنّة للفاقيّ القادم من خارج مكّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬تحيّة‬
‫للبيت العتيق ‪ ،‬لذلك يستحبّ البدء به دون تأخير ‪ ،‬وسوّى الشّافعيّة بين داخلي مكّة المحرم‬
‫منهم وغير المحرم في سنّيّة طواف القدوم ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه واجب ‪ ،‬من تركه لزمه‬
‫ل من أحرم من الحلّ ‪ ،‬سواء كان من أهل‬
‫الدّم ‪ .‬ووجوب طواف القدوم عند المالكيّة على ك ّ‬
‫مكّة أو غيرها ‪ ،‬وسواء كان إحرامه من الحلّ واجبا كالفاقيّ القادم محرما بالحجّ ‪ ،‬أم ندبا‬
‫كالمقيم بمكّة الّذي معه نفس ( متّسع من الوقت ) وخرج من الحرم فأحرم من الحلّ ‪ ،‬وسواء‬
‫ج مفردا أم قارنا ‪ ،‬وكذا المحرم من الحرم إن كان يجب عليه الحرام من‬
‫كان أحرم بالح ّ‬
‫الحلّ ‪ ،‬بأن جاوز الميقات حلل مخالفا للنّهي ‪ .‬وهو واجب على هؤلء ما لم يكن أحدهم‬
‫مراهقا ‪ ،‬وهو من ضاق وقته حتّى خشي فوات الوقوف بعرفات ‪ .‬والصل فيه فعل النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم كما ثبت في أوّل حديث جابر قوله ‪ { :‬حتّى إذا أتينا البيت معه استلم‬
‫الرّكن فرمل ثلثا ومشى أربعا } ‪ .‬وعن عائشة رضي ال عنها ‪ { :‬إنّ أوّل شيء بدأ به حين‬
‫قدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم مكّة أنّه توضّأ ثمّ طاف ‪ } ...‬الحديث ‪ .‬فاستدلّ المالكيّة بذلك‬
‫على الوجوب بقوله ‪ { :‬خذوا عنّي مناسككم } ‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬إنّ القرينة قامت على أنّه‬
‫ن المقصود به التّحيّة ‪ ،‬فأشبه تحيّة المسجد ‪ ،‬فيكون سنّة ‪.‬‬
‫غير واجب ل ّ‬

‫متى يسقط طواف القدوم ‪:‬‬


‫‪ - 89‬يسقط طواف القدوم عمّن يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الم ّكيّ ‪ .‬ومن في حكمه ‪ ،‬وهو الفاقيّ إذا أحرم من مكّة ‪ ،‬وشرط فيه المالكيّة أن ل‬
‫يكون وجب عليه الحرام من الحلّ ‪ ،‬كما سبق ‪ ،‬ووسّع الحنفيّة فقالوا ‪ :‬يسقط عمّن كان‬
‫ن لها حكم مكّة ‪ .‬وعلّة سقوط طواف القدوم عن هؤلء أنّه شرع‬
‫منزله في منطقة المواقيت ل ّ‬
‫للقدوم ‪ ،‬والقدوم في حقّهم غير موجود ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المعتمر والمتمتّع ولو آفاقيّا عند الجمهور ‪ ،‬لدخول طواف الفرض عليه ‪ ،‬وهو طواف‬
‫العمرة ‪ ،‬فطواف القدوم عندهم خاصّ بمن أحرم بالحجّ مفردا ‪ ،‬أو قارنا بين الحجّ والعمرة ‪،‬‬
‫وتفرّد الحنابلة فقالوا ‪ :‬يطوف المتمتّع للقدوم قبل طواف الفاضة ‪ ،‬ثمّ يطوف طواف الفاضة‬
‫‪.‬‬
‫ن محلّه المسنون قبل وقوفه‬
‫ج ‪ -‬من قصد عرفة رأسا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم ‪ " ،‬ل ّ‬
‫ج من الحرم أو أحرم به من الحلّ ولكنّه مراهق أو أحرم‬
‫" ‪ ،‬وقرّر المالكيّة أنّه إذا أحرم بالح ّ‬
‫بالعمرة من الحلّ ثمّ أردف بالحجّ عليها في الحرم فإنّه ل يطالب بطواف القدوم وإذا لم‬
‫يطالب بطواف القدوم فإنّه يؤخّر السّعي إلى طواف الفاضة ‪ ،‬لنّه سيأتي أنّه يجب أن يكون‬
‫ج فلمّا سقط طواف القدوم تعيّن أن يكون عقب طواف الفاضة ‪.‬‬
‫السّعي عقب أحد طوافي الح ّ‬

‫فروع ‪:‬‬
‫ج مراهقا إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير‬
‫‪ 89‬م ‪ -‬الوّل ‪ :‬قال في التّوضيح ‪ :‬ومتى يكون الحا ّ‬
‫طوافه ‪ ،‬وإن قدم يوم التّروية أحببت تعجيله وله في التّأخير سعة وفي المختصر عن مالك ‪،‬‬
‫إن قدم يوم عرفة فليؤخّره إن شاء وإن شاء طاف وسعى ‪ ،‬وإن قدم يوم التّروية ومعه أهل‬
‫ن الشتغال يوم عرفة‬
‫فليؤخّر إن شاء ‪ ،‬وإن لم يكن معه أهل فليطف وليسع ‪ .‬ومعنى ذلك أ ّ‬
‫بالتّوجّه إلى عرفة أولى ‪ ،‬وأمّا يوم التّروية فمن كان معه أهل كان في شغل ممّا ل بدّ‬
‫للمسافر بالهل منه ‪ .‬انتهى ‪ .‬وقال ابن فرحون ‪ :‬لنّه بأهله في شغل ‪ ،‬وحال المنفرد أخفّ ‪،‬‬
‫وقال قبله ‪ :‬والمراهق هو الّذي يضيق وقته عن إيقاعه طواف القدوم والسّعي وما ل بدّ له‬
‫ج إن تشاغل بذلك فله تأخير الطّواف ‪ ،‬ثمّ ذكر ما قاله أشهب‬
‫من أحواله ويخشى فوات الح ّ‬
‫ونقله عن مالك في المختصر انتهى من مناسكه ‪.‬‬

‫ج من الحلّ في وجوب طواف‬


‫ل حكم من أحرم بالح ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬حكم من أحرم بالقرآن من الح ّ‬
‫القدوم عليه وتعجيل السّعي بعده ‪ ،‬فإن ترك ذلك وهو غير مراهق فعليه الدّم ‪ ،‬وإن كان‬
‫مراهقا فل دم عليه قاله في المدوّنة ‪ .‬الثّالث ‪ :‬إذا أردف الحجّ على العمرة في الحلّ فحكمه‬
‫ل في وجوب طواف القدوم والسّعي بعده إذا لم يكن مراهقا‬
‫حكم من أحرم بالقران من الح ّ‬
‫وهو ظاهر ‪ .‬الرّابع ‪ :‬إذا أحرم بالقرآن من مكّة أو بالعمرة من مكّة ثمّ أردف عليها حجّة‬
‫ل على المشهور ‪ ،‬فإذا دخل من الحلّ ل يطوف ول‬
‫وصار قارنا فإنّه يلزمه الخروج للح ّ‬
‫يسعى لنّه أحرم من مكّة ‪ .‬قاله ابن رشد عن ابن القاسم ونقله ابن عرفة وقد تقدّم ذلك عند‬
‫قوله ولها وللقران الحلّ ‪.‬‬

‫ل ومضى إلى عرفات ولم يدخل مكّة وليس‬


‫الخامس ‪ :‬من أحرم بالحجّ أو بالقران من الح ّ‬
‫بمراهق فإنّه بمنزلة من ترك طواف القدوم ويجب عليه الدّم ‪ .‬قاله في المدوّنة وكلم‬
‫المصنّف في مناسكه يوهم سقوط الدّم وليس كذلك ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يسقط طواف القدوم‬
‫عمّن تأخّر عنه إلى الوقوف ‪ ،‬فإذا قدم مكّة يبدأ طواف القدوم قبل طواف الزّيارة ‪.‬‬

‫د ‪ -‬قرّر المالكيّة أنّه يسقط طواف القدوم عن الحائض والنّفساء والمغمى عليه والنّاسي ‪ ،‬إلّ‬
‫أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم فإنّه حينئذ يجب ‪.‬‬

‫وقت طواف القدوم ‪:‬‬


‫ب أن يبادر به قبل استئجار المنزل‬
‫‪ - 90‬يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكّة ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬لنّه تحيّة البيت العتيق ‪ ،‬وآخر وقته وقوفه بعرفة عند الجمهور ‪ ،‬لنّه بعد‬
‫الوقوف مطالب بطواف الفرض ‪ ،‬وهو طواف الزّيارة ‪.‬‬

‫كيفيّة طواف القدوم ‪:‬‬


‫‪ - 91‬كيفيّة طواف القدوم كطواف الزّيارة ‪ ،‬إلّ أنّه ل اضطباع فيه ول رمل ‪ ،‬ول سعي‬
‫ج إليه ‪ ،‬فإنّه يسنّ له عندئذ الضطباع والرّمل في الطّواف‬
‫ل إذا أراد تقديم سعي الح ّ‬
‫لجله ‪ ،‬إ ّ‬
‫ل طواف بعده سعي ‪.‬‬
‫‪ ،‬لنّ الرّمل والضطباع سنّة في ك ّ‬

‫ثانيا ‪ :‬خطب المام ‪:‬‬


‫‪ - 92‬وهي سنّة في ثلثة مواضع عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وأربعة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪،‬‬
‫وتؤدّى الخطب كلّ واحدة خطبة واحدة بعد صلة الظّهر ‪ ،‬إلّ خطبة يوم عرفة ‪ ،‬فإنّها‬
‫خطبتان بعد الزّوال قبل الصّلة ‪ .‬ويفتتح الخطبة بالتّلبية إن كان محرما ‪ ،‬وبالتّكبير إن لم‬
‫يكن محرما ‪ ( .‬الخطبة الولى ) ‪:‬‬
‫ن هذه الخطبة في مكّة يوم السّابع من ذي الحجّة قبل يوم التّروية بيوم ‪ ،‬عند الحنفيّة‬
‫‪ - 93‬تس ّ‬
‫والشّافعيّة والمالكيّة ‪ ،‬والغرض منها أن يعلّمهم المناسك ‪ .‬عن ابن عمر رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫{ كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا كان قبل التّروية بيوم خطب النّاس فأخبرهم‬
‫بمناسكهم } ‪ ( .‬الخطبة الثّانية ) ‪:‬‬
‫‪ - 94‬وتسنّ هذه الخطبة يوم عرفة بعرفات ‪ ،‬قبل الصّلة اتّفاقا ‪ ،‬كما ثبت في حديث جابر‬
‫وغيره ‪ .‬وهذه الخطبة خطبتان يفصل بينهما بجلسة كما في خطبة الجمعة ‪ ،‬يبيّن لهم في‬
‫أولهما ما أمامهم من المناسك ويحرّضهم على إكثار الدّعاء والبتهال ‪ ،‬ويبيّن لهم ما يهمّهم‬
‫من المور الضّروريّة لشؤون دينهم ‪ ،‬واستقامة أحوالهم ‪ ( .‬الخطبة الثّالثة ) ‪:‬‬
‫‪ - 95‬الخطبة الثّالثة تكون بمنى في اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تكون بمنى يوم النّحر ‪ .‬استدلّ الشّافعيّة بما روي عن النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم { أنّه خطب يوم النّحر بمنى } ‪ .‬وأجاب الحنفيّة بأنّ المقصود من‬
‫الخطبة التّعليم وإجابة عن أسئلة وجّهت إليه صلى ال عليه وسلم ويوم النّحر يوم اشتغال‬
‫بأعمال كثيرة وهي الرّمي والذّبح والحلق والطّواف ‪ ( .‬الخطبة الرّابعة ) ‪:‬‬
‫‪ - 96‬زاد الشّافعيّة والحنابلة خطبة رابعة ‪ :‬هي بمنى ثاني أيّام التّشريق ‪ ،‬يعلّمهم فيها جواز‬
‫النّفر فيه وغير ذلك ‪ ،‬ويودّعهم ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المبيت بمنى ليلة يوم عرفة ‪:‬‬


‫ن للحاجّ أن يخرج من مكّة إلى منى يوم التّروية ‪ ،‬بعد طلوع الشّمس ‪ ،‬فيصلّي‬
‫‪ - 97‬يس ّ‬
‫بمنى خمس صلوات هي ‪ :‬الظّهر ‪ ،‬والعصر ‪ ،‬والمغرب ‪ ،‬والعشاء ‪ ،‬والفجر ‪ ،‬وذلك سنّة‬
‫باتّفاق الئمّة ‪ .‬وقد ثبت في حديث جابر ‪ { :‬فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا‬
‫بالحجّ ‪ ،‬وركب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فصلّى بهم الظّهر والعصر والمغرب‬
‫والعشاء والفجر ‪ ،‬ثمّ مكث قليل حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة } ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬السّير من منى إلى عرفة ‪:‬‬


‫‪ - 98‬السّير من منى إلى عرفة صباحا بعد طلوع شمس يوم عرفة سنّة عند الجمهور وهو‬
‫مندوب عند الحنابلة ‪ .‬والصل فيه فعله صلى ال عليه وسلم كما في حديث جابر ‪ { :‬ثمّ‬
‫مكث قليل حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول اللّه صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ...‬فأجاز رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد‬
‫ضربت له بنمرة ‪} ..‬‬

‫خامسا ‪ :‬المبيت بالمزدلفة ليلة النّحر ‪:‬‬


‫ن للحاجّ أن يبيت بالمزدلفة ليلة عيد النّحر ‪ ،‬ويمكث بها حتّى يطلع الفجر ‪ ،‬ثمّ يقف‬
‫‪ - 99‬يس ّ‬
‫للدّعاء ويمكث فيها حتّى يسفر جدّا ‪ ،‬ثمّ يدفع إلى منى فهذا سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة ‪،‬‬
‫مندوب عند المالكيّة ‪ ،‬مستحبّ عند الحنابلة ‪ .‬إنّما الواجب الوقوف الّذي سبق ذكره وذلك‬
‫لفعله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قال جابر ‪ { :‬حتّى أتى المزدلفة ‪ ،‬فصلّى بها المغرب والعشاء‬
‫بأذان واحد وإقامتين ‪ ،‬ولم يسبّح بينهما شيئا ‪ ،‬ثمّ اضطجع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫حتّى طلع الفجر وصلّى الفجر حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة ‪ ،‬ثمّ ركب القصواء حتّى أتى‬
‫المشعر الحرام ‪} ...‬‬

‫( مستحبّات الحجّ ) ‪:‬‬


‫سنّة ‪ ،‬ول يلزم تاركها الساءة‬
‫ج يحصل بها الجر لكن دون أجر ال ّ‬
‫‪ - 100‬مستحبّات الح ّ‬
‫ج كثيرة نذكر طائفة هامة منها فيما يلي ‪ :‬أوّل ‪ :‬العجّ ‪:‬‬
‫سنّة ‪ .‬ومستحبّات الح ّ‬
‫بخلف ال ّ‬
‫‪ - 101‬وهو رفع الصّوت بالتّلبية باعتدال ‪ ،‬وهو مستحبّ للرّجال ‪ ،‬عمل بحديث السّائل ‪:‬‬
‫{ أيّ الحجّ أفضل ؟ قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬العجّ ‪ ،‬والثّجّ } ‪ .‬ثانيا ‪ :‬الثّجّ ‪:‬‬
‫‪ - 102‬وهو ذبح الهدي تطوّعا ‪ ،‬لما مرّ في الحديث ‪ ،‬وقد أكثر النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫من هدي التّطوّع جدّا ‪ ،‬حتّى بلغ مجموع هديه في حجّته مائة من البل ‪ .‬قال المام النّوويّ ‪:‬‬
‫ب لمن قصد مكّة بحجّ أو عمرة أن يهدي هديا من النعام ‪ ،‬ونحره هناك‬
‫اتّفقوا على أنّه يستح ّ‬
‫‪ ،‬ويفرّقه على المساكين الموجودين في الحرم " ثالثا ‪ :‬الغسل لدخول مكّة للفاقيّ ‪:‬‬
‫سنّة ‪ ،‬أو غيره من مداخل مكّة ‪ ،‬وقد ثبت أنّه ‪:‬‬
‫‪ - 103‬وذلك عند ذي طوى ‪ ،‬كما ورد في ال ّ‬
‫كان يغتسل لدخول مكّة » ‪ .‬رابعا ‪ :‬الغسل للوقوف بالمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪:‬‬
‫‪ - 104‬صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬حتّى جعل الشّافعيّة التّيمّم بديل عنه عند العجز عن‬
‫الماء قال النّوويّ ‪ :‬يستحبّ أن يغتسل بالمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪ ،‬للوقوف بالمشعر الحرام ‪،‬‬
‫وللعيد ‪ ،‬ولما فيها من الجتماع ‪ ،‬فإن عجز عن الماء تيمّم كما سبق » ‪ .‬خامسا ‪ :‬التّعجيل‬
‫بطواف الفاضة ‪:‬‬
‫‪ - 105‬وذلك بأدائه يوم عيد النّحر ‪ ،‬اتّباعا لفعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬كما في حديث‬
‫جابر سادسا ‪ :‬الكثار من الدّعاء والتّلبية والذكار المتكرّرة في الحوال ‪:‬‬
‫‪ - 106‬كالدعية المأثورة في المناسك ‪ ،‬ول سيّما وقوف عرفة ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬فهذا به روح‬
‫ج ‪ .‬كما جاء في الحديث ‪ { :‬إنّما جعل رمي الجمار والسّعي بين الصّفا والمروة‬
‫شعائر الح ّ‬
‫لقامة ذكر اللّه } ‪ .‬سابعا ‪ :‬التّحصيب ‪:‬‬
‫‪ - 107‬وهو النّزول بوادي المحصّب ‪ ،‬أو البطح في النّفر من منى إلى مكّة عند انتهاء‬
‫المناسك ‪ ،‬ويقع المحصّب عند مدخل مكّة بين الجبلين ‪ ،‬إلى المقبرة المسمّاة بالحجون ‪ .‬وقد‬
‫اتّصل بناء مكّة به في زمننا بل تجاوزه لما وراءه ‪ .‬والتّحصيب مستحبّ عند الجمهور ‪ ،‬سنّة‬
‫عند الحنفيّة ‪ ،‬بأن ينزل الحاجّ فيه في نفره من منى ويصلّي فيه الظّهر والعصر والمغرب‬
‫والعشاء ‪ .‬استدلّ الجمهور بما أخرجه الشّيخان عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬إنّما نزل‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم المحصّب ليكون أسمح لخروجه ‪ ،‬وليس بسنّة فمن شاء‬
‫س ّنيّة بحديث { أسامة بن زيد قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫نزله ‪ ،‬ومن شاء لم ينزله } واستدلّ الحنفيّة على ال ّ‬
‫يا رسول اللّه أين تنزل غدا في حجّته ‪ .‬قال ‪ :‬وهل ترك عقيل لنا من دار ثمّ قال ‪ :‬نحن‬
‫نازلون بخيف بني كنانة ‪ ،‬حيث قاسمت قريش على الكفر } وحيث أصبح المحصّب الن‬
‫ج فيه ما تيسّر تحصيل للسّنة قدر المكان في هذا الموضع الّذي‬
‫ضمن البنيان فيمكث الحا ّ‬
‫يثير تلك الذّكرى من جهاد النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫ممنوعات الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 108‬ممنوعات الحجّ أقسام ‪ :‬مكروهات ‪ ،‬ومحرّمات ‪ ،‬ومفسدات ‪ .‬أمّا المكروهات ‪ :‬فهي‬
‫ترك سنّة من سنن الحجّ ‪ ،‬وهو مكروه تنزيها عند الحنفيّة ‪ .‬ويلزم فيه الساءة ‪ ،‬ول يجب‬
‫فداء ‪ .‬وأمّا المحرّمات ‪ :‬فيدخل فيها ترك الواجبات ‪ ،‬ويسمّيه الحنفيّة ‪ :‬مكروها كراهة تحريم‬
‫‪ .‬وحكمه إثم من ارتكبه بغير عذر ولزوم الفداء فيه اتّفاقا على التّفصيل التي ‪ :‬أمّا المفسدات‬
‫ج ‪ ( .‬انظر في المصطلح ‪ :‬إحرام‬
‫وسائر محرّمات الحجّ فإنّها متعلّقة بالحرام ل تختصّ بالح ّ‬
‫ف ‪ 55‬وما بعد و ‪. ) 173 - 171‬‬

‫مباحات الحجّ ‪:‬‬


‫ل بمحظورات الحرام‬
‫ج مباحات خاصّة به ‪ ،‬سوى المباحات الّتي ل تخ ّ‬
‫‪ - 109‬ليس للح ّ‬
‫( فانظر في المصطلح ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪. ) 107 - 99‬‬

‫أحكام خاصّة بالحجّ ‪:‬‬


‫ج الصّبيّ‬
‫‪ - 110‬تتناول هذه الحكام الموضوعات التّالية ‪ :‬حجّ المرأة الحائض والنّفساء ‪ .‬ح ّ‬
‫‪ .‬حجّ المغمى عليه ‪ .‬الحجّ عن الغير ‪ .‬الوّل ‪ -‬حجّ المرأة والحائض والنّفساء ‪:‬‬
‫ص المرأة دون الرّجل بعدّة أحكام في الحجّ ‪ ،‬بعضها يتعلّق بالحرام ‪ ،‬فينظر‬
‫‪ - 111‬تخت ّ‬
‫فيه ‪ ،‬وبعضها يتعلّق بمناسك الحجّ ‪ ،‬وسبقت في مواضعها ‪ .‬ونبيّن هنا أحكاما أخرى هامة ‪،‬‬
‫ج الحائض والنّفساء ‪ ،‬وله صور متعدّدة نبيّن حكمها فيما يلي ‪:‬‬
‫هي أحكام ح ّ‬
‫ج مفردة أو قارنة ‪ ،‬ثمّ يمنعها الحيض أو النّفاس من أداء الطّواف ‪،‬‬
‫أ ‪ -‬أن تحرم المرأة بالح ّ‬
‫فإنّها تمكث حتّى تقف بعرفة وتأتي بكافّة أعمال الحجّ فيما عدا الطّواف والسّعي ‪ ،‬فإذا‬
‫طهرت تطوف طوافا واحدا وتسعى سعيا واحدا إن كانت مفردة ‪ .‬وتطوف طوافين وتسعى‬
‫سعيا للحجّ والعمرة إن كانت قارنة ‪ ،‬حسبما يجب عند الحنفيّة ‪ ،‬وطوافا وسعيا واحدا للقران‬
‫عند غير الحنفيّة ‪ ،‬ول يسقط عنها طواف الوداع في هاتين الصّورتين اتّفاقا ‪ .‬ويسقط عنها‬
‫طواف القدوم ‪ ،‬أمّا عند الجمهور فلنّه سنّة فات وقتها ‪ ،‬وأمّا عند المالكيّة فلكونه عذرا يسقط‬
‫ل أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجب‬
‫به ‪ ،‬ولو كان واجبا ‪ ،‬إ ّ‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن تحرم بالعمرة ثمّ تحيض أو تنفس قبل الوقوف بعرفة ‪ ،‬ول يتّسع الوقت كي تطهر‬
‫ن المرأة تحرم بالحجّ أي تنويه‬
‫ج ‪ :‬قرّر الحنفيّة في هذه الصّورة ‪ :‬أ ّ‬
‫وتعتمر قبل الحرام بالح ّ‬
‫وتلبّي ‪ ،‬وتؤدّي أعمال الحجّ كما ذكرنا بالنّسبة للمفردة ‪ ،‬وتصبح بهذا رافضة للعمرة ‪ ،‬أي‬
‫ملغية لها ‪ ،‬وتحتسب لها حجّة فقط ‪ ،‬فإذا أرادت العمرة تهلّ بها بعد الفراغ من أعمال الحجّ‬
‫وليس لها إرداف الحجّ على العمرة عندهم ‪ .‬أمّا غير الحنفيّة فقالوا ‪ :‬ل تلغي العمرة ‪ ،‬بل‬
‫ج ‪ ،‬وتصبح قارنة ‪ ،‬فتحتسب لها العمرة ‪ ،‬وقد كفى عنها طواف الحجّ وسعيه تبعا‬
‫تحرم بالح ّ‬
‫ج والعمرة ( انظر مصطلح قران ) ‪.‬‬
‫لمذهبهم في طواف القارن وسعيه أنّهما يجزئان عن الح ّ‬
‫وعليها هدي القران عندهم ‪ ،‬ول يسقط عنها طواف الوداع اتّفاقا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬لو حاضت في أيّام النّحر بعد أن مضت عليها فترة تصلح للطّواف فأخّرت طواف‬
‫الفاضة عن وقته بسبب الحيض وجب عليها دم بهذا التّأخير عند الحنفيّة ‪ .‬أمّا إذا حاضت‬
‫قبل يوم النّحر أو بعده بوقت يسير ل يكفي للفاضة فتأخّر طوافها عن وقته بسبب ذلك فل‬
‫ن وقت طواف الفاضة الواجب يمتدّ‬
‫جزاء عليها ول إثم ‪ .‬ول يتصوّر عند المالكيّة ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫عندهم لخر ذي الحجّة ‪ ،‬ول عند الشّافعيّة والحنابلة لنّه ل وقت يلزم الجزاء بتأخيره عنه‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إن حاضت بعد الوقوف وطواف الزّيارة فإنّها تتمّ أعمال الحجّ ‪ ،‬ثمّ تنصرف ‪ ،‬ويسقط‬
‫عنها طواف الوداع ‪ ،‬إن فارقت مكّة قبل أن تطهر اتّفاقا بين العلماء ‪ ،‬ول يجب عليها الفداء‬
‫بتركه ‪.‬‬

‫ج الصّبيّ ‪:‬‬
‫حّ‬
‫ح منه ‪ ،‬وكان نفل ‪،‬‬
‫‪ - 112‬ل يجب الحجّ على الصّبيّ قبل البلوغ إجماعا ‪ ،‬لكن إذا فعله ص ّ‬
‫ي وأدائه المناسك بتفاوت سنّه‬
‫وعليه حجّة أخرى إذا بلغ إجماعا ‪ .‬وتتفاوت كيفيّة إحرام الصّب ّ‬
‫هل هو مميّز أو ل ‪ .‬وقد سبق بيان ذلك مفصّل في مصطلح إحرام فانظره ( ف ‪136 - 131‬‬
‫) ويلحق بالصّبيّ غير المميّز المجنون جنونا مطبقا باتّفاقهم ‪.‬‬

‫ج المغمى عليه والنّائم المريض ‪:‬‬


‫حّ‬
‫‪ - 113‬إن أغمي عليه قبل الحرام أحرم عنه رفقته عند أبي حنيفة ‪ ،‬على ما سبق بيانه مع‬
‫بيان كيفيّة العمال في مصطلح إحرام ( ف ‪ ، ) 142 - 138‬وإن أغمي عليه بعد الحرام‬
‫فهذا حمله متعيّن على رفقائه على التّفصيل التّالي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوقوف بعرفة ‪ :‬على التّفصيل السّابق بالنّسبة لركن الوقوف ‪ ،‬ول سيّما في مذهب‬
‫المالكيّة ‪ ،‬ومثله النّائم المريض الّذي لم يفق مدّة مكثه حتّى دفع مع النّاس ‪.‬‬
‫‪ - 2‬يحمل المغمى عليه رفاقه في الطّواف ويطوفون به ‪ ،‬ويجزئ الطّواف الواحد عن‬
‫الحامل والمحمول ‪ ،‬إن نواه الحامل عن نفسه وعن المحمول ‪ ،‬وإن كان بغير أمر المغمى‬
‫عليه ‪ .‬أمّا المريض النّائم فإن كان الطّواف بأمره وحملوه من فوره ‪ ،‬أي من ساعته عرفا‬
‫وعادة يجوز ‪ ،‬إلّ بأن طافوا به من غير أن يأمر بالطّواف به ‪ ،‬أو فعلوه لكن ل من فوره فل‬
‫يجزيه الطّواف ‪ .‬هذا كلّه عند الحنفيّة ‪ .‬أمّا على مذهب غيرهم فينتظر به حتّى يفيق ‪،‬‬
‫ويستوفي شروط الطّواف ‪ ،‬الّتي منها الطّهارتان ( انظر طواف ) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويمكن أن يسعى به باتّفاقهم ‪ ،‬لعدم اشتراط ال ّنيّة والطّهارتين في السّعي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ويحلق له رفاقه ‪ ،‬لعدم اشتراط ال ّنيّة فيه ‪.‬‬
‫‪ -5‬ويرمي عنه رفاقه ‪ ،‬على التّفصيل فيه ( انظر مصطلح ‪ :‬رمي ) ‪ - 6‬ويسقط عنه طواف‬
‫الوداع إذا سافر به رفقته ‪ ،‬ولم يتمكّن منه ‪.‬‬

‫ج عن الغير ‪ :‬مشروعيّة الحجّ عن الغير ‪:‬‬


‫الح ّ‬
‫‪ - 114‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى مشروعيّة الحجّ عن الغير وقابليّته‬
‫ج ل يقبل النّيابة ل عن الحيّ ول عن‬
‫للنّيابة ‪ ،‬وذهب مالك على المعتمد في مذهبه إلى أنّ الح ّ‬
‫الميّت ‪ ،‬معذورا أو غير معذور ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إنّ الفضل أن يتطوّع عنه وليّه بغير الحجّ ‪ ،‬كأن‬
‫ل الجمهور على مشروعيّة حجّ النسان‬
‫يهدي أو يتصدّق عنه ‪ ،‬أو يدعو له ‪ ،‬أو يعتق ‪ .‬استد ّ‬
‫سنّة ‪ :‬فمنها حديث ابن عبّاس رضي ال‬
‫سنّة الثّابتة المشهورة ‪ ،‬وبالعقل ‪ .‬أمّا ال ّ‬
‫عن غيره بال ّ‬
‫ن فريضة اللّه‬
‫عنه قال ‪ { :‬جاءت امرأة من خثعم عام حجّة الوداع ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إ ّ‬
‫ج أدركت أبي شيخا كبيرا ل يستطيع أن يستوي على الرّاحلة ‪ ،‬فهل يقضي‬
‫على عباده في الح ّ‬
‫عنه أن أحجّ عنه ؟ قال ‪ :‬نعم } ‪ .‬وعن ابن عبّاس أيضا ‪ { :‬أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى‬
‫ج حتّى ماتت أفأحجّ عنها ؟‬
‫ن أمّي نذرت أن تحجّ فلم تح ّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬إ ّ‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نعم حجّي عنها ‪ ،‬أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته ؟ ‪..‬‬
‫اقضوا اللّه ‪ ،‬فاللّه أحقّ بالوفاء } ‪ .‬وأمّا العقل ‪ ،‬فقال الكمال بن الهمام ‪ :‬وكان مقتضى القياس‬
‫ج ‪ ،‬لتضمّنه المشقّتين البدنيّة والماليّة ‪ ،‬والولى لم تقم بالمر ‪،‬‬
‫أن ل تجري النّيابة في الح ّ‬
‫لكنّه تعالى رخّص في إسقاطه بتحمّل المشقّة الخرى ‪ ،‬أعني إخراج المال عند العجز‬
‫ج عنه ‪ ،‬بخلف‬
‫ج إلى من يح ّ‬
‫المستمرّ إلى الموت ‪ ،‬رحمة وفضل ‪ ،‬وذلك بأن يدفع نفقة الح ّ‬
‫حال القدرة فإنّه لم يعذره لنّ تركه ليس إلّ لمجرّد إيثار راحة نفسه على أمر ربّه ‪ ،‬وهو‬
‫بهذا يستحقّ العقاب ‪ ،‬ل التّخفيف في طريق السقاط ‪ ،‬وإنّما شرط دوامه ( أي العذر ) إلى‬
‫الموت لنّ الحجّ فرض العمر ‪ " ...‬وقال ابن قدامة ‪ :‬هذه عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ‪،‬‬
‫فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله ‪ ،‬كالصّوم إذا عجز عنه افتدى بخلف الصّلة » ‪.‬‬
‫وأخذ المالكيّة بالصل ‪ ،‬وهو عدم جريان النّيابة في العبادة البدنيّة ‪ ،‬كالصّوم ‪.‬‬

‫شروط الحجّ الفرض عن الغير ‪ :‬أوّل ‪ -‬شروط وجوب الحجاج ‪:‬‬


‫‪ - 115‬يتضمّن ذلك شروط الصيل المحجوج عنه لحجّة الفرض ‪ .‬يشترط لوجوب الحجاج‬
‫عن المكلّف عند الجمهور ‪ -‬خلفا للمالكيّة ‪ : -‬العجز عن أداء الحجّ الواجب عليه ‪ .‬ويشمل‬
‫ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كلّ من وجب عليه الحجّ وهو قادر على الحجّ بنفسه وحضره الموت يجب عليه الوصيّة‬
‫بالحجاج عنه عند الحنفيّة ‪ .‬سواء حجّة السلم ‪ ،‬أو النّذر ‪ ،‬أو القضاء ‪ .‬ولم يوقف الشّافعيّة‬
‫وجوب الحجاج عنه على الوصيّة إجراء للحجّ مجرى الدّيون ‪ .‬أمّا المالكيّة ‪ :‬فل يوجبون‬
‫عليه الوصيّة ‪ ،‬ول يسقط عنه الفرض بأداء الغير عنه ‪ -‬كما هو أصل مذهبهم الّذي عرفناه‬
‫‪ -‬لكن إذا أوصى نفذت وصيّته ‪ ،‬وإن لم يوص لم يرسل من يحجّ عنه ‪.‬‬
‫ل شيء من شروط الداء بالنّفس ‪ ،‬يجب‬
‫ب ‪ -‬من توفّرت فيه سائر شروط وجوب الحجّ واخت ّ‬
‫عليه أن يحجّ عن نفسه ‪ ،‬أو يوصي بالحجاج عنه إذا لم يرسل من يحجّ عنه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬من توفّرت فيه شروط وجوب الحجّ بنفسه فلم يحجّ حتّى عجز عن الداء بنفسه يجب‬
‫ج عنه في حال حياته ‪ ،‬أو يوصي بالحجاج عنه بعد موته ‪ .‬ويتحقّق العجز‬
‫عليه أن يح ّ‬
‫بالموت ‪ ،‬أو بالحبس ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬والمرض الّذي ل يرجى زواله كالزّمانة والفالج ‪ ،‬والعمى‬
‫والعرج ‪ ،‬والهرم الّذي ل يقدر صاحبه على الستمساك ‪ ،‬وعدم أمن الطّريق ‪ ،‬وعدم المحرم‬
‫بالنّسبة للمرأة ‪ ،‬إذا استمرّت هذه الفات إلى الموت ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬شروط النّائب عن غيره في الحجّ ‪:‬‬
‫ج الفرض عن الصيل أن يكون النّائب قد حجّ‬
‫‪ - 116‬اشترط الشّافعيّة والحنابلة لجزاء الح ّ‬
‫حجّة السلم عن نفسه أوّل ‪ ،‬وإلّ كانت الحجّة عن نفسه ‪ ،‬ولم تجزئ عن الصيل ‪ ،‬وهو‬
‫قول الوزاعيّ وإسحاق بن راهويه ‪ .‬واكتفى الحنفيّة بأهليّة المأمور لصحّة الحجّ ‪ ،‬بأن يكون‬
‫مسلما عاقل ‪ ،‬فأجازوا أن يكون المأمور لم يحجّ عن نفسه حجّة السلم ( وهو المسمّى‬
‫ح هذه الحجّة البدليّة وتبرأ‬
‫صرورة ) ‪ ،‬وأجازوا حجّ العبد ‪ ،‬والمراهق عن غيرهم ‪ ،‬وتص ّ‬
‫ذمّة الصيل ‪ ،‬مع الكراهة التّنزيهيّة بالنّسبة للمر ‪ ،‬والكراهة التّحريميّة بالنّسبة للمأمور إن‬
‫كان تحقّق وجوب الحجّ عليه ‪ .‬ونحو ذلك عند المالكيّة في الحجّ عن الميّت يصحّ على القول‬
‫ج على التّراخي عندهم ‪ ،‬أمّا على وجوبه على الفور فيحرم الحجّ عنه ‪ .‬استدلّ‬
‫بوجوب الح ّ‬
‫ن النّبيّ صلى‬
‫الوّلون ‪ :‬بما أخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عبّاس رضي ال عنهما { أ ّ‬
‫ال عليه وسلم سمع رجل يقول ‪ :‬لبّيك عن شبرمة ‪ .‬قال ‪ :‬من شبرمة ؟ قال ‪ :‬أخ لي ‪ ،‬أو‬
‫قريب لي ‪ .‬قال ‪ :‬حججت عن نفسك ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬حجّ عن نفسك ‪ ،‬ثمّ حجّ عن‬
‫ل الحنفيّة بإطلق حديث الخثعميّة السّابق ‪ ،‬فإنّه صلى ال عليه وسلم قال لها‬
‫شبرمة } ‪ .‬واستد ّ‬
‫‪ { :‬حجّي عن أبيك } من غير استخبارها عن حجّها لنفسها قبل ذلك ‪ ،‬وترك الستفصال‬
‫يتنزّل منزلة عموم المقال ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬شروط صحّة الحجّ الواجب عن الغير ‪:‬‬


‫‪ - 117‬أ ‪ -‬يشترط أن يأمر الصيل بالحجّ عنه ‪ ،‬باتّفاق العلماء بالنّسبة للحيّ ‪ .‬أمّا الميّت فل‬
‫ج الغير عنه بدون وصيّته عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬واستثنى الحنفيّة ‪ ،‬إذا حجّ أو أحجّ‬
‫يجوز ح ّ‬
‫عن مورثه بغير إذنه فإنّه يجزيه ‪ ،‬وتبرأ ذمّة الميّت إن شاء اللّه تعالى ‪ ،‬مستدلّين بحديث‬
‫الخثعميّة ‪ ،‬فإنّه لم يفصّل في حقّ السّائل هل أوصى أو لم يوص ‪ ،‬وهو وارث ‪ .‬وذهب‬
‫الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ‪ :‬من مات وعليه حجّ وجب الحجاج عنه من جميع تركته ‪ ،‬سواء‬
‫أوصى به أم ل ‪ ،‬كما تقضى منها ديونه سواء أوصى بها أم ل ‪ .‬فلو لم يكن له تركة استحبّ‬
‫لوارثه أن يحجّ عنه ‪ ،‬فإن حجّ عنه بنفسه أو أرسل من حجّ عنه سقط الحجّ عن الميّت ‪ ،‬ولو‬
‫ج عنه أجنبيّ جاز ‪ ،‬وإن لم يأذن له الوارث ‪ ،‬كما يقضى دينه بغير إذن الوارث " ومأخذهم‬
‫حّ‬
‫ج أحكام الدّيون ‪ .‬فإذا‬
‫ج بالدّين ‪ ،‬فأجروا على قضاء الح ّ‬
‫تشبيه النّبيّ صلى ال عليه وسلم الح ّ‬
‫مات والحجّ في ذمّته يجب الحجاج عنه من رأس المال ولو لم يوص ‪ ،‬وهو مقدّم على وفاء‬
‫ج من‬
‫الدّيون ‪ ،‬عند الشّافعيّة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬من ضاق ماله وكان عليه دين يحاصّ نفقة الح ّ‬
‫ج حصّته فيحجّ بها من حيث تبلغ ‪.‬‬
‫الدّين ‪ ،‬ويؤخذ للح ّ‬
‫ج من مال المر كلّها أو أكثرها عند الحنفيّة ‪ ،‬سوى دم القران والتّمتّع‬
‫ب ‪ -‬أن تكون نفقة الح ّ‬
‫ج عن مورثه تبرأ ذمّة الميّت إن لم‬
‫‪ ،‬فهما على الحاجّ عندهم ‪ .‬لكن إذا تبرّع الوارث بالح ّ‬
‫يكن أوصى بالحجاج عنه إن شاء اللّه ‪ .‬أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد أجازوا أن يتبرّع بالحجّ‬
‫عن غير الميّت مطلقا ‪ ،‬كما يجوز أن يتبرّع بقضاء دينه ‪ .‬وأمّا المالكيّة فالمر عندهم في‬
‫هاتين المسألتين تابع للوصيّة ‪ ،‬ولتنفيذها بعقد الجارة ‪ ،‬أو لتبرّع النّائب ‪ ،‬ل لسقاط‬
‫ي المعضوب ‪ :‬إذا بذل له المال أو الطّاعة فل يلزمه قبول ذلك‬
‫الفريضة عن الميّت ‪ .‬وأمّا الح ّ‬
‫للحجاج عن نفسه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو بذل له ولده أو أجنبيّ‬
‫مال للجرة لم يجب قبوله في الصحّ ‪ .‬ولو وجد مال أقلّ من أجرة المثل ورضي به الجير‬
‫لزمه الستئجار ‪ ،‬لنّه مستطيع ‪ ،‬والمنّة فيه ليست كالمنّة في المال ‪ .‬ولو لم يجد أجرة وبذل‬
‫له ولده الطّاعة بأن يذهب هو بنفسه للحجّ عنه وجب عليه قبوله ‪ ،‬وهو الذن له في ذلك ‪،‬‬
‫ن المنّة في ذلك ليست كالمنّة في المال ‪ .‬لحصول الستطاعة ‪ ،‬وكذا الجنبيّ في الصحّ ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ويشترط للزوم قبول طاعتهم أربعة شروط ‪ :‬أن يثق بالبازل ‪ ،‬وأن ل يكون عليه حجّ ولو‬
‫نذرا ‪ ،‬وأن يكون ممّن يصحّ منهم حجّة السلم ‪ ،‬وأن ل يكونا معضوبين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يشترط أن يحجّ عنه من وطنه إن اتّسع ثلث التّركة ‪ ،‬وإن لم يتّسع يحجّ عنه من حيث‬
‫يبلغ عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬وعند الشّافعيّة والحنابلة يعتبر اتّساع جميع مال الميّت ‪ ،‬لنّه دين‬
‫واجب ‪ ،‬فكان من رأس المال كدين الدميّ ‪ .‬لكن عند الشّافعيّة يجب قضاؤه عنه من الميقات‬
‫ج على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه‬
‫لنّ الحجّ يجب من الميقات ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬الح ّ‬
‫منه » ‪.‬‬

‫د ‪ -‬ال ّنيّة ‪ :‬أي نيّة الحاجّ المأمور أداء الحجّ عن الصيل ‪ .‬بأن ينوي بقلبه ويقول بلسانه‬
‫( والتّلفّظ أفضل ) ‪ :‬أحرمت بالحجّ عن فلن ‪ ،‬ولبّيك بحجّة عن فلن ‪ .‬وإن اكتفى بنيّة القلب‬
‫كفى ذلك ‪ ،‬اتّفاقا ‪ .‬ولو نسي اسمه ونوى أن يكون الحجّ عن الشّخص المقصود أن يحجّ عنه‬
‫يصحّ ‪ ،‬ويقع الحجّ عن الصيل ‪.‬‬
‫ج المأمور بنفسه ‪ :‬نصّ عليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ .‬فلو مرض المأمور‬
‫هـ ‪ -‬أن يح ّ‬
‫أو حبس فدفع المال إلى غيره بغير إذن المحجوج عنه ل يقع الحجّ عن الميّت ‪ ،‬والحاجّ‬
‫ج ‪ :‬اصنع ما شئت فله ‪ ،‬حينئذ أن‬
‫ج ‪ ،‬إلّ إذا قال المر بالح ّ‬
‫الوّل والثّاني ضامنان لنفقة الح ّ‬
‫يدفع المال إلى غيره ‪ ،‬ويقع الحجّ عن المر ‪.‬‬
‫ج من ميقات الشّخص الّذي يحجّ عنه من غير مخالفة ‪ .‬ولو أمره بالفراد‬
‫و ‪ -‬أن يحرم بالح ّ‬
‫فقرن عن المر فيقع ذلك عن المر في مذهب الشّافعيّ والصّاحبين استحسانا ‪ ،‬وأمّا عند أبي‬
‫حنيفة فهو مخالف ضامن من النّفقات ول يقع عن المر ‪ .‬أمّا إذا أمره بالفراد فتمتّع عن‬
‫المر لم يقع حجّه عنه ول يجوز ذلك عن حجّة السلم ‪ ،‬ويضمن اتّفاقا عند أئمّة الحنفيّة ‪،‬‬
‫والشّافعيّة ‪ .‬وسوّى المالكيّة بين القران والتّمتّع إذا فعل وكان الفراد يجزئ إن كان الشّرط‬
‫ل الحالت ويرجع على‬
‫ج عن الصيل في ك ّ‬
‫من الوصيّ ل الصيل ‪ .‬وصحّح الحنابلة الح ّ‬
‫الجير بفرق أجرة المسافة ‪ ،‬أو توفير الميقات ‪.‬‬

‫ج النّفل عن الغير ‪ :‬مشروعيّته ‪:‬‬


‫حّ‬
‫ج النّفل عن الغير بإطلق ‪ ،‬وهو مذهب الحنفيّة‬
‫‪ - 118‬اتّفق الجمهور على مشروعيّة ح ّ‬
‫ج المنذور ‪ .‬أمّا الشّافعيّة‬
‫وأحمد ‪ .‬وأجازه المالكيّة أيضا مع الكراهة فيه وفي النّيابة في الح ّ‬
‫ففصّلوا وقالوا ‪ :‬ل تجوز الستنابة في حجّ النّفل عن حيّ ليس بمعضوب ‪ ،‬ول عن ميّت لم‬
‫يوص به ‪ .‬أمّا الميّت الّذي أوصى به والحيّ المعضوب إذا استأجر من يحجّ عنه ‪ ،‬ففيه‬
‫قولن مشهوران للشّافعيّة ‪ :‬أصحّهما الجواز ‪ ،‬وأنّه يستحقّ الجرة ‪ .‬والقول الخر عدم‬
‫الجواز ‪ ،‬لنّه إنّما جاز الستنابة في الفرض للضّرورة ‪ ،‬ول ضرورة ‪ ،‬فلم تجز الستنابة‬
‫فيه ‪ ،‬كالصّحيح ‪ ،‬ويقع عن الجير ‪ ،‬ول يستحقّ الجرة ‪ .‬ويدلّ للجمهور على صحّة حجّ‬
‫النّفل عن الغير المستطيع بنفسه أنّها حجّة ل تلزمه بنفسه ‪ ،‬فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب‬
‫‪ .‬ولنّه يتوسّع في النّفل ما ل يتوسّع في الفرض ‪ ،‬فإذا جازت النّيابة في الفرض فلن تجوز‬
‫في النّفل أولى ‪.‬‬

‫شروطه ‪:‬‬
‫‪ - 119‬يشترط لصحّة حجّ النّفل عن الغير ‪ :‬السلم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والتّمييز ‪ ،‬وقيّده الحنفيّة‬
‫بالمراهق ‪ ،‬وأن يكون النّائب قد حجّ الفرض عن نفسه ‪ ،‬وليس عليه حجّ آخر واجب ‪ ،‬وذلك‬
‫ج النّائب الحجّة عن الصيل ‪.‬‬
‫عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬كما يشترط نيّة الحا ّ‬

‫الستئجار على الحجّ ‪ :‬مشروعيّته ‪:‬‬


‫‪ - 120‬ذهب أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وهو الشهر عن أحمد إلى أنّه ل يجوز‬
‫الستئجار على الحجّ ‪ .‬وذهب الشّافعيّ إلى الجواز ‪ ،‬وبه أخذ المالكيّة ‪ ،‬مراعاة لخلف‬
‫ج النّفل ‪ .‬فلو عقدت الجارة للحجّ عن الغير فهي عند أبي‬
‫الشّافعيّة في جواز النّيابة في ح ّ‬
‫ن الحجّة عن الصيل صحيحة ‪ ،‬على التّحقيق في المذهب ‪ ،‬ويسمّون الجير‬
‫حنيفة باطلة ‪ ،‬لك ّ‬
‫‪ :‬مأمورا ‪ ،‬ونائبا ‪ ،‬وقالوا له نفقة المثل في مال الصيل ‪ ،‬لنّه حبس نفسه لمنفعة الصيل‬
‫فوجبت نفقته في ماله ‪.‬‬

‫الخلل بأركان الحجّ ‪:‬‬


‫ل بركن من أركانه ‪ .‬ثمّ إن ترك ركن من أركان الحجّ إمّا أن يكون‬
‫‪ - 121‬ل يتمّ الحجّ إن أخ ّ‬
‫ج بمانع قاهر ‪ ( :‬الحصار ) ‪:‬‬
‫بمانع قاهر أو بغير ذلك ‪ .‬ترك ركن من الح ّ‬
‫‪ - 122‬ترك ركن أو أكثر من أركان الحجّ بمانع قاهر سبق بحثه تفصيل في مصطلح ‪:‬‬
‫ج ل بمانع قاهر ‪ :‬أوّل ‪ :‬ترك الوقوف بعرفة ‪ ( :‬الفوات ) ‪:‬‬
‫( إحصار ) ‪ .‬ترك ركن من الح ّ‬
‫ن من فاته الوقوف بعرفة بأن " طلع عليه الفجر يوم النّحر ولم‬
‫‪ - 123‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫ج ‪ .‬ويسمّى ذلك ( الفوات ) » ‪ .‬ثمّ إن أراد التّحلّل من الحرام فيتحلّل‬
‫يقف بعرفة فقد فاته الح ّ‬
‫بأعمال العمرة ‪ .‬على تفصيل ينظر في ( فوات ) ‪ .‬ثانيا ‪ :‬ترك طواف الزّيارة ‪:‬‬
‫ل الحاجّ‬
‫‪ - 124‬طواف الزّيارة ركن ل يسقط بتركه إذا فات وقته ‪ ،‬ول ينجبر بشيء ‪ ،‬ويظ ّ‬
‫محرما بالنّسبة للتّحلّل الكبر ( مصطلح إحرام ف ‪ ، ) 124‬حتّى يؤدّيه ‪ .‬فإن ترك طواف‬
‫الزّيارة أو ترك شيئا من شروطه ‪ ،‬أو ركنا ‪ ،‬ولو شوطا أو أقلّ من شوط يجب عليه أن‬
‫يرجع إلى مكّة ويؤدّيه ‪ .‬وإذا رجع فإنّه يرجع بإحرامه الوّل ‪ ،‬ل يحتاج إلى إحرام جديد ‪،‬‬
‫وهو محرم عن النّساء إلى أن يعود ويطوف ‪ ،‬وهذا عند الجمهور ‪ ،‬والحنفيّة معهم على وجه‬
‫الجمال ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬يجدّد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح " أي إنّه يدخل مكّة بعمرة‬
‫‪ .‬أمّا تفصيل مذهب الحنفيّة ‪ :‬ففيه فروع ‪ .‬اختصّوا بها بناء على مذهبهم في شروط الطّواف‬
‫وركنه وواجباته ( انظر مصطلح طواف ) ‪ .‬ثالثا ‪ :‬ترك السّعي ‪:‬‬
‫‪ - 125‬السّعي عند الجمهور ركن ل يحلّ الحاجّ من الحرام بدونه ‪ ،‬فمن تركه عاد لدائه‬
‫لزاما على التّفصيل السّابق في الرّجوع لطواف الزّيارة بالنّسبة للجمهور ‪ .‬أمّا عند الحنفيّة‬
‫ل بدون سعي ‪ ،‬لنّ السّعي واجب عندهم ‪ ،‬ينجبر بالدّم ( ف‬
‫وهو قول عند الحنابلة فإنّه يح ّ‬
‫‪ ، ) 56‬فإن أراد أداءه فإنّه يدخل مكّة بإحرام جديد معتمرا ‪ ،‬ثمّ يأتي بالسّعي ‪ ،‬وإن ترك‬
‫ل شوط صدقة نصف صاع من برّ أو‬
‫ح سعيه عند الحنفيّة ‪ ،‬وعليه لك ّ‬
‫ثلثة أشواط فأقلّ ص ّ‬
‫صاع من تمر أو شعير ‪ ( ..‬انظر مصطلح ‪ :‬سعي ) ‪.‬‬

‫الخلل بواجبات الحجّ ‪:‬‬


‫‪ - 126‬يجب على من ترك واجبا من واجبات الحجّ الفداء ‪ ،‬وهو ذبح شاة ‪ ،‬باتّفاق الفقهاء ‪،‬‬
‫ل إذا تركه لعذر معتبر شرعا ‪ .‬وما صرّحوا بالعذر‬
‫جبرا للنّقص الحادث بترك الواجب ‪ ،‬إ ّ‬
‫فيه ‪ :‬ترك المشي في الطّواف أو في السّعي ‪ ،‬لمرض أو كبر سنّ ‪ ،‬على القول بوجوب‬
‫المشي فيهما ‪ ،‬فإنّه يجوز للمعذور أن يطوف أو يسعى محمول ‪ ،‬ول فداء عليه ‪ .‬وثمّة‬
‫ص لحكم تركها ‪ ،‬وهي ‪ :‬أوّل ‪ :‬ترك الوقوف بالمزدلفة ‪:‬‬
‫مسائل تحتاج ليضاح خا ّ‬
‫‪ - 127‬اتّفقوا على أنّ من ترك الوقوف بالمزدلفة لعذر أنّه ل فداء عليه ‪ .‬وصرّح الحنفيّة‬
‫بثبوت العذر في ترك الوقوف بالمزدلفة ‪ ،‬كالمرض ‪ ،‬والضّعف الجسميّ كما في الشّيخ الفاني‬
‫‪ ،‬وكذا خوف الزّحام على المرأة ‪ ،‬وضعفة الهل ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة بالعذر لمن انتهى إلى‬
‫عرفات ليلة النّحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فل شيء عليه باتّفاق الصحاب ‪،‬‬
‫ولو أفاض من عرفات إلى مكّة وطاف الفاضة بعد نصف ليلة النّحر ففاته المبيت بالمزدلفة‬
‫بسبب الطّواف فل شيء عليه ‪ ،‬لنّه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف ‪ ،‬أي ‪ :‬إلّ أن‬
‫يمكنه العود إلى المزدلفة قبل الفجر فيلزمه العود إليها ‪ .‬ومثل هذا من بادرت إلى الطّواف‬
‫خوف طروء نحو حيض ‪ .‬وجميع أعذار منى تأتي هنا ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ترك المبيت بمنى ليالي التّشريق ‪:‬‬


‫‪ - 128‬والجزاء فيه واجب عند الئمّة الثّلثة ‪ ،‬لوجوب هذا المبيت عندهم ( ف ‪ ) 69‬قال‬
‫ل ليلة فدم ‪ ،‬وكذا ليلة كاملة أو أكثر ‪ ،‬وظاهره ولو كان‬
‫المالكيّة ‪ :‬إن ترك المبيت بها ج ّ‬
‫التّرك لضرورة ‪ " ...‬ولم يسقطوا الدّم بترك المبيت إلّ للرّعاء وأهل السّقاية ( انظر مبيت )‬
‫‪ .‬وأوجب الشّافعيّة وكذا الحنابلة في ترك المبيت كلّه دما واحدا ‪ ،‬وفي ترك ليلة مدّا من‬
‫الطّعام ‪ ،‬وفي ترك ليلتين مدّين ‪ ،‬إذا بات ليلة واحدة ‪ ،‬إلّ إذا ترك المبيت لعذر فل شيء‬
‫عليه ‪ ،‬كأهل سقاية العبّاس ‪ ،‬ورعاء البل فلهم ترك المبيت ليالي منى من غير دم ‪ ،‬ومثلهم‬
‫من يخاف على نفس أو مال ‪ ،‬أو ضياع مريض بل متعهّد ‪ ،‬أو موت نحو قريب في غيبته ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ترك الرّمي ‪:‬‬


‫‪ - 129‬مذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه يجب الدّم على من ترك الرّمي كلّه أو ترك رمي يوم أو‬
‫ي جمرة ‪ .‬وعند الشّافعيّة في الحصاة يجب مدّ واحد‬
‫يومين أو ترك ثلث حصيات من رمي أ ّ‬
‫‪ ،‬وفي الحصاتين ضعف ذلك ‪ .‬وعند الحنابلة في الحصاة أو الحصاتين روايات ‪ .‬قال في‬
‫المغني ‪ :‬الظّاهر عن أحمد أنّه ل شيء عليه في حصاة ول حصاتين " وذهب الحنفيّة إلى أنّه‬
‫يجب الدّم إن ترك الحاجّ رمي الجمار كلّها في اليّام الربعة ‪ ،‬أو ترك رمي يوم كامل ‪،‬‬
‫ويلحق به ترك رمي أكثر حصيات يوم أيضا ‪ ،‬لنّ للكثر حكم الكلّ ‪ ،‬فيلزم فيه الدّم ‪ ،‬أمّا‬
‫ل حصاة نصف صاع من برّ ‪ ،‬أو صاع‬
‫ل من حصيات يوم فعليه صدقة ‪ ،‬لك ّ‬
‫إن ترك الق ّ‬
‫من تمر أو شعير ‪ .‬ومذهب المالكيّة ‪ :‬يلزمه دم في ترك حصاة أو في ترك الجميع ‪.‬‬

‫( ترك سنن الحجّ ) ‪:‬‬


‫ج ل يوجب إثما ول جزاء ‪ .‬لكن يكون تاركها مسيئا على ما‬
‫‪ - 130‬ترك سنّة من سنن الح ّ‬
‫صرّح به الحنفيّة ‪ ،‬ويحرم نفسه من الثّواب الّذي أعدّه اللّه تعالى لمن عمل بالسّنن أو‬
‫المستحبّات والنّوافل ‪ ( .‬انظر مصطلح ‪ :‬سنّة ) ‪.‬‬
‫آداب الحاجّ ‪ :‬آداب الستعداد للحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 131‬أ ‪ -‬يستحبّ أن يشاور من يثق بدينه وخبرته في تدبير أموره ‪ ،‬ويتعلّم أحكام الحجّ‬
‫ح العبادة ممّن ل يعرفها ‪،‬‬
‫وكيفيّته ‪ .‬قال المام النّوويّ ‪ :‬وهذا فرض عين ‪ ،‬إذ ل تص ّ‬
‫ويستحبّ أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها ‪ ،‬وأن يديم مطالعته‬
‫ويكرّرها في جميع طريقه لتصير محقّقة عنده ‪ .‬ومن أخلّ بهذا خفنا عليه أن يرجع بغير حجّ‬
‫‪ ،‬لخلله بشرط من شروطه أو ركن من أركانه ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬وربّما قلّد كثير من النّاس‬
‫بعض عوامّ مكّة وتوهّم أنّهم يعرفون المناسك فاغترّ بهم ‪ ،‬وذلك خطأ فاحش » ‪.‬‬
‫ج نفسه ‪ ،‬فإنّه ل‬
‫ج فيستحبّ له أن يستخير اللّه تعالى ‪ ،‬لكن ليس للح ّ‬
‫ب ‪ -‬إذا عزم على الح ّ‬
‫استخارة في فعل الطّاعات ‪ ،‬لكن للداء هذا العام إن كانت الحجّة نافلة ‪ ،‬أو مع هذه القافلة ‪،‬‬
‫وترد الستخارة على الحجّ الفرض هذا العام لكن على القول بتراخي وجوبه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إذا استقرّ عزمه على الحجّ بدأ بالتّوبة من جميع المعاصي والمكروهات ‪ ،‬ويخرج من‬
‫ل من بينه وبينه‬
‫مظالم الخلق ‪ ،‬ويقضي ما أمكنه من ديونه ‪ ،‬ويردّ الودائع ‪ ،‬ويستحلّ ك ّ‬
‫معاملة في شيء أو مصاحبة ‪ ،‬ويكتب وصيّته ‪ ،‬ويشهد عليها ‪ ،‬ويوكّل من يقضي عنه ما لم‬
‫يتمكّن من قضائه ‪ ،‬ويترك لهله ومن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه ‪ .‬ول يتوهّم أحد‬
‫الفلت من حقوق النّاس بعباداته ‪ ،‬ما لم يؤدّ الحقوق إلى أهلها ‪ ،‬قال رسول اللّه صلى ال‬
‫ل الدّين } ‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬يغفر للشّهيد كلّ شيء إ ّ‬
‫د ‪ -‬أن يجتهد في إرضاء والديه ‪ ،‬ومن يتوجّه عليه برّه وطاعته ‪ ،‬وإن كانت زوجة‬
‫ج بها ‪ ،‬فإن منعه أحد والديه من حجّ‬
‫استرضت زوجها وأقاربها ‪ ،‬ويستحبّ للزّوج أن يح ّ‬
‫ج التّطوّع لم يجز له الحرام ‪ ،‬فإن أحرم فللوالد‬
‫السلم لم يلتفت إلى منعه ‪ ،‬وإن منعه من ح ّ‬
‫تحليله على الصحّ عند الشّافعيّة ‪ ،‬خلفا للجمهور ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ليحرص أن تكون نفقته كثيرة وحلل خالصة من الشّبهة ‪ ،‬فإن خالف وحجّ بمال فيه‬
‫شبهة أو بمال مغصوب صحّ حجّه في ظاهر الحكم ‪ ،‬لكنّه عاص وليس حجّا مبرورا ‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب الشّافعيّ ومالك ‪ ،‬وأبي حنيفة رحمهم ال وجماهير العلماء من السّلف والخلف ‪ ،‬وقال‬
‫ج بمال حرام ‪ .‬وفي رواية أخرى يصحّ مع الحرمة ‪ .‬وفي‬
‫أحمد بن حنبل ‪ :‬ل يجزيه الح ّ‬
‫الحديث الصّحيح ‪ :‬أنّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ذكر الرّجل يطيل السّفر ‪ ،‬أشعث أغبر يمدّ‬
‫ب ومطعمه حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبسه حرام ‪ ،‬وغذّي‬
‫يديه إلى السّماء ‪ :‬يا ربّ ‪ ،‬يا ر ّ‬
‫بالحرام ‪ ،‬فأنّى يستجاب لذلك } ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحجّ ‪ ،‬وإن أمكن أن يصحب أحد‬
‫العلماء العاملين فليتمسّك به ‪ ،‬فإنّه يعينه على مبارّ الحجّ ومكارم الخلق ‪.‬‬
‫آداب السّفر للحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 132‬نشير إلى نبذ هامة منها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يستحبّ أن يودّع أهله وجيرانه وأصدقاءه ‪ ،‬ويقول لمن يودّعه ما جاء في الحديث ‪:‬‬
‫ن للمقيم أن يقول للمسافر ‪ { :‬أستودع اللّه دينك‬
‫{ أستودعك اللّه الّذي ل تضيع ودائعه } ويس ّ‬
‫وأمانتك وخواتيم عملك } ب ‪ -‬أن يصلّي ركعتين قبل الخروج من منزله ‪ ،‬يقرأ في الولى‬
‫ح أنّه صلى ال عليه‬
‫سورة { قل يا أيّها الكافرون } وفي الثّانية { قل هو اللّه أحد } وص ّ‬
‫ل رفع طرفه إلى السّماء فقال ‪ { :‬اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو‬
‫وسلم ما خرج من بيته قطّ إ ّ‬
‫أضلّ ‪ ،‬أو أزلّ أو أزلّ ‪ ،‬أو أظلم أو أظلم ‪ ،‬أو أجهل أو يجهل عليّ } ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يستحبّ الكثار من الدّعاء في جميع سفره ‪ ،‬وعلى آداب السّفر وأحكامه والتّقيّد برخصه‬
‫من غير تجاوز لها ( انظر مصطلح ‪ :‬سفر ) آداب أداء مناسك الحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 133‬أ ‪ -‬التّحلّي بمكارم الخلق ‪ ،‬والتّذرّع بالصّبر الجميل ‪ ،‬لما يعانيه النسان من‬
‫مشقّات السّفر ‪ ،‬والزّحام ‪ ،‬والحتكاك بالنّاس ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬استدامة حضور القلب والخشوع ‪ ،‬والكثار من الذّكر والدّعاء وتلوة القرآن ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬والمحافظة على أذكار مناسك الحجّ ‪.‬‬
‫ج كاملة وعدم تضييع شيء من السّنن ‪ ،‬فضل عن التّفريط‬
‫ج ‪ -‬الحرص على أداء أحكام الح ّ‬
‫بواجب ‪ ،‬إلّ في مواضع العذر الشّرعيّة الّتي بيّنت في مناسباتها ‪.‬‬

‫( آداب العود من الحجّ ) ‪:‬‬


‫‪ - 134‬من آداب العود من الحجّ ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يراعي آداب السّفر وأحكامه العامّة للذّهاب والياب ‪ ،‬والخاصّة بالياب ‪ ،‬مثل إخبار‬
‫أهله إذا دنا من بلده ‪ ،‬وألّ يطرقهم ليل ‪ ،‬وإن يبدأ بصلة ركعتين في المسجد إذا وصل‬
‫منزله ‪ ،‬وأن يقول إذا دخل بيته ‪ :‬توبا توبا ‪ ،‬لربّنا أوبا ‪ ،‬ل يغادر حوبا " ( انظر مصطلح ‪:‬‬
‫سفر ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يستحبّ لمن يسلّم على الحاجّ أن يطلب من الحاجّ أن يستغفر له ‪ ،‬كما يستحبّ أن يدعو‬
‫ج لزوّاره‬
‫للحاجّ أيضا ويقول ‪ { :‬قبل اللّه حجّك وغفر ذنبك ‪ ،‬وأخلف نفقتك } ‪ .‬ويدعو الحا ّ‬
‫بالمغفرة ‪ ،‬فإنّه مرجوّ الجابة لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬اللّهمّ اغفر للحاجّ ولمن ‪ .‬استغفر‬
‫له الحاجّ } ‪ .‬ج ‪ -‬قال المام النّوويّ ‪ :‬ينبغي أن يكون بعد رجوعه خيرا ممّا كان ‪ ،‬فهذا من‬
‫علمات قبول الحجّ ‪ ،‬وأن يكون خيره آخذا في ازدياد ‪.‬‬

‫حجّة انظر ‪ :‬إثبات ‪.‬‬


‫حجر‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجر لغة المنع ‪ .‬يقال ‪ :‬حجر عليه حجرا منعه من التّصرّف فهو محجور عليه ‪ .‬ومنه‬
‫سمّي الحطيم حجرا لنّه منع من أن يدخل في بناء الكعبة ‪ .‬وقيل ‪ :‬الحطيم جدار الحجر ‪،‬‬
‫والحجر ما حواه الجدر ‪ .‬وسمّي العقل حجرا لنّه يمنع من القبائح ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬هل في‬
‫ذلك قسم لذي حجر } أي لذي عقل ‪ .‬وأمّا تعريفه في الصطلح فقد اختلفت فيه عبارات‬
‫الفقهاء ‪ :‬فعرّفه الشّافعيّة والحنابلة بأنّه المنع من التّصرّفات الماليّة ‪ ،‬سواء أكان المنع قد‬
‫شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء وعلى الرّاهن في المرهون لمصلحة‬
‫المرتهن ‪ ،‬وعلى المريض مرض الموت لحقّ الورثة في ثلثي ماله وغيرها ‪ ،‬أم شرع‬
‫لمصلحة المحجور عليه كالحجر على المجنون ‪ ،‬والصّغير ‪ ،‬والسّفيه ‪ .‬وعرّفه الحنفيّة بأنّه‬
‫ل بإجازة‬
‫منع من نفاذ تصرّف قوليّ ‪ -‬ل فعليّ ‪ -‬فإنّ عقد المحجور ينعقد موقوفا فل ينفذ إ ّ‬
‫من له الحقّ في الجازة ‪ .‬وإنّما كان الحجر عند الحنفيّة من التّصرّفات القوليّة لنّ تلك‬
‫التّصرّفات هي الّتي يتصوّر الحجر فيها بالمنع من نفاذها ‪ .‬أمّا التّصرّف الفعليّ فل يتصوّر‬
‫ن الفعل بعد وقوعه ل يمكن ردّه ‪ ،‬فل يتصوّر الحجر عنه ‪ .‬قال ابن عابدين‬
‫الحجر فيه ‪ ،‬ل ّ‬
‫نقل عن بعض الحنفيّة ما مفاده ‪ :‬الحجر على مراتب ‪ :‬أقوى ‪ ،‬وهو المنع عن أصل‬
‫التّصرّف بعدم انعقاده ( البطلن ) كتصرّف المجنون ‪ .‬ومتوسّط ‪ ،‬وهو المنع عن وصفه‬
‫وهو النّفاذ كتصرّف المميّز ‪ .‬وضعيف ‪ ،‬وهو المنع عن وصف وصفه ‪ ،‬وهو كون النّفاذ‬
‫حالّا مثل تأخير نفاذ القرار من المحجور عليه للفلس إلى ما بعد فكّ الحجر عنه ‪ .‬قال ابن‬
‫عابدين ‪ :‬وقد أدخل في التّعريف المنع عن الفعل ‪ ،‬ويظهر لي أنّ هذا هو التّحقيق ‪ ،‬فإنّه إن‬
‫جعل الحجر هو المنع من ثبوت حكم التّصرّف ‪ ،‬فما وجه تقييده بالقولي ونفي الفعليّ مع أنّ‬
‫لكلّ حكما ؟ وأمّا ما علّل به ( صاحب الدّرّ ) من قوله ‪ :‬لنّ الفعل بعد وقوعه ل يمكن ردّه ‪،‬‬
‫نقول ‪ :‬الكلم في منع حكمه ل منع ذاته ‪ ،‬ومثله ‪ :‬القول ‪ ،‬ل يمكن ردّه بذاته بعد وقوعه بل‬
‫ردّ حكمه ‪ .‬وعرّف المالكيّة الحجر بأنّه صفة حكميّة توجب منع موصوفها من نفوذ تصرّفه‬
‫فيما زاد على قوّته ‪ ،‬أو من نفوذ تبرّعه بزائد على ثلث ماله ‪ .‬فدخل بالثّاني حجر المريض‬
‫والزّوجة ‪ ،‬ودخل بالوّل حجر الصّبيّ والمجنون والسّفيه والمفلس والرّقيق فيمنعون من‬
‫التّصرّف في الزّائد على القوت ولو كان التّصرّف غير تبرّع كالبيع والشّراء ‪ ،‬وأمّا الزّوجة‬
‫والمريض فل يمنعان من التّصرّف إذا كان غير تبرّع أو كان تبرّعا وكان بثلث مالهما ‪ ،‬وأمّا‬
‫تبرّعهما بزائد على الثّلث فيمنعان منه ‪.‬‬

‫مشروعيّة الحجر ‪:‬‬


‫سنّة ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬ول تؤتوا السّفهاء‬
‫‪ - 2‬ثبتت مشروعيّة الحجر بالكتاب وال ّ‬
‫أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قول معروفا } وقوله ‪{ :‬‬
‫وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ‪ .‬وقوله ‪{ :‬‬
‫فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو ل يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل } ‪.‬‬
‫فسّر الشّافعيّ السّفيه بالمبذّر ‪ ،‬والضّعيف بالصّبيّ والكبير المختلّ ‪ ،‬والّذي ل يستطيع أن يملّ‬
‫بالمغلوب على عقله ‪ ،‬فأخبر اللّه تعالى أنّ هؤلء ينوب عنهم أولياؤهم فدلّ على ثبوت الحجر‬
‫سنّة فعن كعب بن مالك رضي ال عنه { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم حجر‬
‫عليهم ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫على معاذ رضي ال عنه ماله وباعه في دين كان عليه } وروى الشّافعيّ في مسنده عن‬
‫عروة بن الزّبير أنّ عثمان رضي ال عنه حجر على عبد اللّه بن جعفر رضي ال عنه بسبب‬
‫تبذيره‬

‫حكمة تشريع الحجر ‪:‬‬


‫‪ - 3‬قرّر الشّارع الحجر على من يصاب بخلل في عقله كجنون وعته حتّى تكون الموال‬
‫مصونة من اليدي الّتي تسلب أموال النّاس بالباطل والغشّ والتّدليس ‪ .‬وتكون مصونة أيضا‬
‫من سوء تصرّف المالك ‪ .‬وقرّر الحجر أيضا على من يسترسلون في غلواء الفسق والفجور‬
‫والخلعة ويبدّدون أموالهم ذات اليمين وذات الشّمال صونا لموالهم ‪ ،‬وحرصا على أرزاق‬
‫أولدهم ‪ ،‬ومن يعولونهم في حياتهم وبعد مماتهم ‪ .‬كما شمل الحجر من يتعرّض للفتاء وهو‬
‫جاهل ل يعلم حقيقة الحكم الشّرعيّ فيضلّ ويضلّ وتصبح فتنة بين المسلمين من وراء فتياه ‪،‬‬
‫وكذا يحجر على الطّبيب الجاهل الّذي يداوي المّة وهو ل يعلم شيئا من فنّ الطّبّ ‪ ،‬فتروح‬
‫أرواح طاهرة بين يديه لجهله ‪ ،‬وينتج من ذلك بلء عظيم وخطب جسيم ‪ .‬وكذا يحجر على‬
‫المكاري المفلس ‪ ،‬لنّه يتلف أموال النّاس بالباطل ‪.‬‬

‫أسباب الحجر ‪:‬‬


‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغر والجنون وال ّرقّ أسباب للحجر ‪ .‬وذهب الجمهور إلى أنّ‬
‫السّفه والمرض المتّصل بالموت أسباب للحجر أيضا ‪ .‬واختلفوا في الحجر على الزّوجة ‪-‬‬
‫فيما زاد على الثّلث ‪ -‬وفي الحجر على المرتدّ لمصلحة المسلمين ‪ ،‬وفي غيرهما على‬
‫تفصيل يذكر فيما بعد ‪ .‬تقسيم الحجر بحسب المصلحة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ينقسم الحجر بحسب المصلحة إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قسم شرع لمصلحة المحجور عليه ( غالبا ) ‪ ،‬وذلك كحجر المجنون والصّبيّ والسّفيه‬
‫والمبذّر وغيرهم ‪ -‬على ما يأتي تفصيله ‪ -‬فالحجر في هذا القسم شرع لمصلحة هؤلء حفظا‬
‫لموالهم من الضّياع ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قسم شرع لمصلحة الغير ( غالبا ) ‪ ،‬وذلك كحجر المدين المفلس لحقّ الغرماء‬
‫( الدّائنين ) ‪ ،‬وحجر الرّاهن لحقّ المرتهن في العين المرهونة ‪ ،‬وكحجر المريض مرض‬
‫الموت لحقّ الورثة فيما زاد على ثلث التّركة حيث ل دين ‪ ،‬وحجر الرّقيق لحقّ سيّده ‪ .‬أوّل‬
‫‪ -‬الحجر على الصّغير ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يبدأ الصّغر من حين الولدة إلى مرحلة البلوغ ‪ ،‬ولمعرفة متى يتمّ البلوغ ينظر مصطلح‬
‫‪ ( :‬بلوغ ) ‪ .‬وقد أجمع الفقهاء على أنّ الصّغير الّذي لم يبلغ الحلم محجور عليه بحكم الشّرع‬
‫حتّى يبلغ ثمّ يستمرّ الحجر عليه إلى أن يرشد ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا‬
‫النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وذلك لعدم أهليّة التّصرّف لقصور إدراكه‬
‫‪ .‬وينتهي الحجر ببلوغه رشيدا عند عامّة الفقهاء لقوله تعالى ‪ { :‬فإن آنستم منهم رشدا } أي‬
‫‪ :‬أبصرتم وعلمتم منهم حفظا لموالهم وصلحهم في تدبيرهم ‪ .‬ول ينتهي الحجر بالنّسبة‬
‫للصّبيّ ول يدفع إليه ماله قبل وجود المرين البلوغ والرّشد ولو صار شيخا عند الجمهور‬
‫خلفا لبي حنيفة كما سيأتي ‪.‬‬
‫ن تحقّقت‬
‫أ ‪ -‬البلوغ ‪ :‬البلوغ انتهاء فترة الصّغر والدّخول في ح ّد الكبر وله أمارات طبيعيّة إ ّ‬
‫حكم به وإلّ فيرجع للسّنّ على تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ‪ ( :‬بلوغ ) ‪ .‬ب ‪ -‬الرّشد‬
‫‪ :‬الرّشد عند الجمهور ( من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة ) هو الصّلح‬
‫في المال فقط ‪ .‬وهذا قول أكثر أهل العلم للية السّابقة ‪ .‬ومن كان مصلحا لماله فقد وجد منه‬
‫ن العدالة ل تعتبر في الرّشد في الدّوام ‪ .‬فل تعتبر في البتداء كالزّهد في الدّنيا ‪،‬‬
‫رشد ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن الحجر عليه إنّما كان لحفظ ماله عليه ‪،‬‬
‫ن هذا مصلح لماله فأشبه العدل ‪ ،‬يحقّقه ‪ :‬أ ّ‬
‫ول ّ‬
‫فالمؤثّر فيه ما أثّر في تضييع المال أو حفظه ‪ .‬ولو كان الرّشد صلح الدّين فالحجر على‬
‫الكافر أولى من الحجر على الفاسق ‪ .‬ثمّ إن كان الفاسق ينفق أمواله في المعاصي كشراء‬
‫الخمر وآلت اللّهو أو يتوصّل به إلى الفساد فهو غير رشيد لتبذيره لماله وتضييعه إيّاه في‬
‫غير فائدة على الخلف في ذلك ‪ ،‬وإن كان فسقه لغير ذلك كالكذب ومنع الزّكاة وإضاعة‬
‫الصّلة مع حفظه لماله دفع ماله إليه ‪ ،‬لنّ المقصود بالحجر حفظ المال ‪ ،‬وماله محفوظ‬
‫ح عند الشّافعيّة‬
‫بدون الحجر ‪ ،‬ولذلك لو طرأ الفسق عليه بعد دفع ماله إليه لم ينزع ‪ .‬والص ّ‬
‫ن كلمة " رشدا " نكرة في‬
‫ن الرّشد الصّلح في الدّين والمال جميعا ‪ .‬والية عندهم عامّة ل ّ‬
‫أّ‬
‫سياق الشّرط فتعمّ المال والدّين ‪ ،‬فالرّشيد هو من ل يفعل محرّما يبطل العدالة ‪ ،‬ول يبذّر بأن‬
‫يضيّع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة ‪ ،‬أو رميه في بحر ‪ ،‬أو إنفاقه في محرّم ‪ .‬قال‬
‫القرطبيّ ‪ :‬واختلف العلماء في تأويل " رشدا " في الية فقال الحسن وقتادة وغيرهما ‪:‬‬
‫س ّديّ والثّوريّ ‪ :‬صلحا في العقل وحفظ المال‬
‫صلحا في العقل والدّين ‪ .‬وقال ابن عبّاس وال ّ‬
‫ن الرّجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده ‪ .‬فل يدفع إلى اليتيم‬
‫‪ .‬قال سعيد بن جبير والشّعبيّ ‪ :‬إ ّ‬
‫ضحّاك ‪ :‬ل يعطى اليتيم وإن بلغ‬
‫ماله ولو صار شيخا حتّى يؤنس منه رشده ‪ .‬وهكذا قال ال ّ‬
‫مائة سنة حتّى يعلم منه إصلح ماله ‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬رشدا " يعني في العقل خاصّة ‪ .‬وأكثر‬
‫ن الرّشد ل يكون إلّ بعد البلوغ ‪ ،‬وعلى أنّه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم وإن‬
‫العلماء على أ ّ‬
‫شاخ ل يزول الحجر عنه ‪.‬‬

‫أثر الحجر على تصرّفات الصّغير ‪:‬‬


‫ن بعض الفقهاء فرّق بين المميّز وغير‬
‫ن من لم يبلغ رشيدا محجور عليه ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫‪ - 7‬سبق أ ّ‬
‫المميّز في حكم تصرّفاته ‪ ،‬هل تقع صحيحة غير نافذة أم تقع فاسدة ؟ وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫ح طلق الصّبيّ ول إقراره ول عتقه ولو كان مميّزا ‪ ،‬وإذا عقد‬
‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يص ّ‬
‫الصّبيّ عقدا فيه نفع محض صحّ العقد كقبول الهبة والصّدقة ‪ .‬وكذا إذا آجر نفسه ومضى‬
‫على ذلك العمل وجبت الجرة استحسانا ‪ .‬وإذا عقد الصّبيّ عقدا يدور بين النّفع والضّرّ وكان‬
‫ن البيع سالب للملك والشّراء جالب له ) ‪ ،‬فإن أجازه الوليّ صحّ ‪ ،‬وإذا ردّه‬
‫يعقله ( أي يعلم أ ّ‬
‫بطل العقد ‪ .‬هذا إذا لم يتضمّن العقد غبنا فاحشا وإلّ فهو باطل وإن أجازه الوليّ ‪ ،‬وأمّا إذا‬
‫كان ل يعقله فقد بطل العقد ‪ .‬وإذا أتلف الصّبيّ ‪ -‬سواء عقل أم ل ‪ -‬شيئا متقوّما من مال أو‬
‫نفس ضمنه ‪ ،‬إذ ل حجر في التّصرّف الفعليّ ‪ ،‬وتضمينه من باب خطاب الوضع وهو ل‬
‫يتوقّف على التّكليف فيضمن الصّبيّ ما أتلفه من المال للحال ‪ ،‬وإذا قتل فالدّية على عاقلته إلّ‬
‫في مسائل ل يضمن فيها لنّه مسلّط من قبل المالك ‪ :‬كما إذا أتلف ما اقترضه ‪ ،‬وما أودع‬
‫عنده بل إذن وليّه ‪ ،‬وكذا إذا أتلف ما أعير له وما بيع منه بل إذن ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ‬
‫الصّبيّ محجور عليه إلى أن يبلغ رشيدا ‪ ،‬وزيد في النثى دخول الزّوج بها ‪ ،‬وشهادة العدول‬
‫على صلح حالها ‪ .‬ولو تصرّف الصّبيّ المميّز بمعاوضة بل إذن وليّه كبيع وشراء وهبة‬
‫ي ر ّد هذا التّصرّف ‪ ،‬فإن كان التّصرّف بغير معاوضة تعيّن‬
‫الثّواب ( الهبة بعوض ) فللول ّ‬
‫على الوليّ ردّه كإقرار بدين ‪ .‬وللصّبيّ المميّز ردّ تصرّف نفسه قبل رشده إن رشد حيث‬
‫تركه وليّه لعدم علمه بتصرّفه أو لسهوه أو للعراض عن ذلك لغير مصلحة أو لم يكن له‬
‫وليّ ‪ .‬ولو حنث بعد رشده كما لو حلف حال صغره ‪ :‬أنّه إن فعل كذا فزوجته طالق أو عبده‬
‫حرّ ‪ ،‬ففعله بعد رشده فله ردّه فل يلزمه طلق ول عتق ‪ ،‬وله إمضاؤه ‪ .‬ول يحجر على‬
‫ل إذا كان ل‬
‫الصّبيّ والسّفيه فيما يتعلّق بضرورة العيش كدرهم مثل ‪ ،‬ول يردّ فعله فيه إ ّ‬
‫يحسن التّصرّف فيه ‪ .‬ويضمن الصّبيّ مميّزا كان أو غير مميّز ما أفسد من مال غيره في‬
‫ال ّذمّة ‪ ،‬فتؤخذ قيمة ما أفسده من ماله الحاضر إن كان ‪ ،‬وإلّ اتّبع بها في ذمّته إلى وجود مال‬
‫‪ ،‬هذا إذا لم يؤتمن الصّبيّ على ما أتلفه ‪ ،‬فإن اؤتمن عليه فل ضمان عليه لنّ من ائتمنه قد‬
‫سلّطه على إتلفه ‪ ،‬ولنّه لو ضمن المحجور لبطلت فائدة الحجر ‪ .‬واستثنى ابن عرفة ‪:‬‬
‫ح وصيّة الصّبيّ‬
‫الصّغير الّذي لم يزد عن شهر فل ضمان عليه لنّه كالعجماء ‪ .‬وتص ّ‬
‫المميّز إذا لم يخلّط فيها ‪ ،‬فإن خلّط بأن تناقض فيها أو أوصى بغير قربة لم تصحّ ‪ .‬وإنّ‬
‫الزّوجة الحرّة الرّشيدة يحجر عليها لزوجها في تصرّف زائد على ثلث مالها وتبرّعها ماض‬
‫حتّى يردّ ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الصّبيّ محجور عليه إلى البلوغ سواء أكان ذكرا أم‬
‫أنثى ‪ ،‬وسواء أكان مميّزا أم غير مميّز ‪ .‬والصّبا يسلب الولية والعبارة في المعاملة كالبيع ‪،‬‬
‫وفي الدّين كالسلم ‪ ،‬إلّ ما استثني من عبادة من مميّز ‪ ،‬لكنّه يثاب على الفريضة أقلّ من‬
‫ثواب البالغ على النّافلة ‪ ،‬ولعلّ وجهه عدم خطابه بها ‪ ،‬وكان القياس أن ل ثواب أصل لعدم‬
‫خطابه بالعبادة ‪ ،‬لكنّه أثيب ترغيبا له في العبادة ‪ ،‬فل يتركها بعد بلوغه إن شاء اللّه تعالى ‪.‬‬
‫واستثني كذلك من المميّز الذن في دخول الدّار ‪ ،‬واستثني أيضا إيصال هديّة من مميّز‬
‫مأمون أي لم يجرّب عليه كذب ‪ .‬وللصّبيّ تملّك المباحات وإزالة المنكرات ويثاب عليها‬
‫كالمكلّف ‪ ،‬ويجوز توكيله في تفرقة الزّكاة إذا عيّن له المدفوع إليه ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد قال في‬
‫المغني ‪ :‬والحكم في الصّبيّ والمجنون كالحكم في السّفيه في وجوب الضّمان عليهما فيما‬
‫أتلفاه من مال غيرهما بغير إذنه أو غصباه فتلف في أيديهما ‪ ،‬وانتفاء الضّمان عنهما فيما‬
‫حصل في أيديهما باختيار صاحبه وتسليطه كالثّمن والمبيع والقرض والستدانة ‪ ،‬وأمّا‬
‫الوديعة والعاريّة فل ضمان عليهما فيما تلف بتفريطهما ‪ ،‬وإن أتلفاه ففي ضمانه وجهان ‪.‬‬

‫متى يدفع المال إلى الصّغير ‪:‬‬


‫ك الحجر عنه ‪ ،‬لقوله‬
‫‪ - 8‬إذا بلغ الصّغير رشيدا أو بلغ غير رشيد ثمّ رشد دفع إليه ماله وف ّ‬
‫تعالى ‪ { :‬وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم }‬
‫ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل يتم بعد احتلم } ‪ .‬ول يحتاج في هذا إلى حكم حاكم ‪ ،‬لنّ‬
‫الحجر عليه ثبت بغير حكم حاكم فيزول من غير حكم وبه قال جمهور الفقهاء ( الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة ‪ -‬في المذهب ‪ -‬والحنابلة ) ‪ .‬ومقابل المذهب عند الشّافعيّة أنّ فكّ الحجر يفتقر‬
‫إلى الحاكم ‪ ،‬لنّ الرّشد يحتاج إلى نظر واجتهاد ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الصّغير إمّا أن يكون ذكرا‬
‫أو أنثى ‪ :‬فإن كان ذكرا فهو على ثلثة أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يكون أبوه حيّا فإنّه ينفكّ الحجر‬
‫عنه ببلوغه ما لم يظهر منه سفه أو يحجره أبوه ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أن يكون أبوه قد مات وعليه‬
‫ل بالتّرشيد ‪ .‬فإن كان الوصيّ من الب ( وهو الوصيّ‬
‫وصيّ فل ينفكّ الحجر عنه إ ّ‬
‫المختار ) فله أن يرشّده من غير إذن القاضي ‪ ،‬وإن كان الوصيّ مقدّما من قاض لم يكن له‬
‫ن الحجر على الصّبيّ بالنّسبة لماله يكون لبلوغه‬
‫ل بإذن القاضي ‪ .‬وقال الدّردير ‪ :‬إ ّ‬
‫ترشيده إ ّ‬
‫ك الوصيّ والمقدّم ( الوصيّ‬
‫مع صيرورته حافظا لماله بعده فقط إن كان ذا أب أو مع ف ّ‬
‫المعيّن من القاضي ) إن كان ذا وصيّ أو مقدّم فذو الب بمجرّد صيرورته حافظا للمال بعد‬
‫بلوغه ينفكّ الحجر عنه وإن لم يفكّه أبوه عنه ‪ ،‬قال ابن عاشر ‪ :‬يستثنى منه ما إذا حجر‬
‫ك الحجر عنه وإن كان‬
‫الب عليه في وقت يجوز له ذلك وهو عنوان البلوغ ‪ ،‬فإنّه ل ينف ّ‬
‫ل لفكّ الب ‪ .‬وأمّا فكّ الحجر عنه من المقدّم والوصيّ فيحتاج بأن يقول للعدول‬
‫حافظا للمال إ ّ‬
‫‪ :‬أشهدوا أنّي فككت الحجر عن فلن وأطلقت له التّصرّف لما قام عندي من رشده وحسن‬
‫ك لزم ل يردّ ‪ .‬ول يحتاج لذن الحاكم في الفكّ ‪ .‬الثّالث ‪ :‬أن يبلغ‬
‫تصرّفه ‪ ،‬فتصرّفه بعد الف ّ‬
‫ول يكون له أب ول وصيّ ‪ ،‬وهو المهمل ‪ ،‬فهو محمول على الرّشد إلّ إن تبيّن سفهه ‪ .‬وإن‬
‫كانت أنثى فهي تنقسم إلى قسمين ‪ :‬أحدها ‪ :‬إن كانت ذات أب فإنّها إذا بلغت تبقى في حجره‬
‫حتّى تتزوّج ويدخل بها زوجها وتبقى مدّة بعد الدّخول ‪ .‬واختلف في تحديد تلك المدّة من عام‬
‫إلى سبعة أعوام ‪ .‬ويشترط أيضا حسن تصرّفها في المال وشهادة العدول بذلك ‪ .‬الثّاني ‪ :‬إن‬
‫ك الحجر عنها إلّ بهذه الربعة ( وهي بلوغها ‪ ،‬والدّخول بها‬
‫ي أو مقدّم ل ينف ّ‬
‫كانت ذات وص ّ‬
‫‪ ،‬وبقاؤها مدّة بعد الدّخول ‪ ،‬وثبوت حسن التّصرّف بشهادة العدول ) وفكّ الوصيّ أو المقدّم ‪.‬‬
‫فإن لم يفكّا الحجر عنها بترشيدها كان تصرّفها مردودا ولو عنّست أو دخل بها الزّوج‬
‫ن الصّبيّ إن بلغ غير رشيد لم يدفع إليه ماله‬
‫وطالت إقامتها عنده ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬
‫حتّى يبلغ خمسا وعشرين سنة وينفذ تصرّفه قبله ( أي قبل بلوغه هذه السّنّ مع إيناس‬
‫الرّشد ) ويدفع إليه ماله متى بلغ المدّة ولو كان مفسدا ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وآتوا اليتامى أموالهم‬
‫طيّب } والمراد باليتيم هنا من بلغ ‪ ،‬وسمّي في الية يتيما لقربه من‬
‫ول تتبدّلوا الخبيث بال ّ‬
‫البلوغ ‪ ،‬ولنّه في أوّل أحوال البلوغ قد ل يفارقه السّفه باعتبار أثر الصّبا فقدّره أبو حنيفة‬
‫بخمس وعشرين سنة ‪ ،‬لنّه حال كمال لبّه ‪ .‬وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال ‪:‬‬
‫ب الرّجل إذا بلغ خمسا وعشرين سنة ‪ .‬وقال أهل الطّبائع ( الطبّاء ) ‪ :‬من بلغ خمسا‬
‫ينتهي ل ّ‬
‫ن أدنى‬
‫وعشرين سنة فقد بلغ رشده ‪ ،‬أل ترى أنّه قد بلغ سنّا يتصوّر أن يصير فيها جدّا ‪ ،‬ل ّ‬
‫مدّة يبلغ فيها الغلم اثنتا عشرة سنة ‪ ،‬فيولد له ولد لستّة أشهر ‪ ،‬ثمّ الولد يبلغ في اثنتي عشرة‬
‫سنة ‪ ،‬فيولد له ولد لستّة أشهر ‪ ،‬فقد صار بذلك جدّا ‪ ،‬حتّى لو بلغ رشيدا ثمّ صار مبذّرا لم‬
‫ن هذا ليس بأثر الصّبا فل يعتبر في منع المال ‪ ،‬ولنّ منع المال عنه على‬
‫يمنع منه ماله ‪ ،‬ل ّ‬
‫سبيل التّأديب عقوبة عليه ‪ ،‬والشتغال بالتّأديب عند رجاء التّأدّب ‪ ،‬فإذا بلغ هذه السّنّ فقد‬
‫انقطع رجاء التّأدّب فل معنى لمنع المال بعده ‪.‬‬
‫الحجر على المجنون ‪:‬‬
‫‪ - 9‬الجنون هو اختلل العقل بحيث يمنع جريان الفعال والقوال على نهجه إلّ نادرا ‪ .‬وهو‬
‫إمّا أن يكون مطبقا أو متقطّعا ‪ .‬ول خلف بين الفقهاء في الحجر على المجنون سواء أكان‬
‫الجنون أصليّا أم طارئا ‪ ،‬وسواء أكان قويّا أم ضعيفا ‪ ،‬والقويّ ‪ :‬المطبق ‪ ،‬والضّعيف ‪ :‬غيره‬
‫‪ .‬وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الجنون من عوارض الهليّة فهو يزيل أهليّة الداء إن كان‬
‫مطبقا ‪ ،‬فل تترتّب على تصرّفاته آثارها الشّرعيّة ‪ .‬أمّا إذا كان الجنون متقطّعا فإنّه ل يمنع‬
‫التّكليف في حال الفاقة ول ينفي أصل الوجوب ‪ .‬وتفصيل ذلك كما يلي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى‬
‫أنّه ل يجوز تصرّف المجنون المغلوب بحال ‪ .‬قال الحصكفيّ ‪ :‬وأمّا الّذي يجنّ ويفيق فحكمه‬
‫كمميّز ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ومثله في المنح والدّرر وغاية البيان وكذا المعراج حيث فسّر‬
‫المغلوب بالّذي ل يعقل أصل ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬واحترز به عن المجنون الّذي يعقل البيع ويقصده‬
‫ي في حال إفاقته كالعاقل‬
‫فإنّ تصرّفه كتصرّف الصّبيّ العاقل وهذا هو المعتوه ‪ .‬وجعله الزّيلع ّ‬
‫‪ ،‬والمتبادر منه أنّه العاقل البالغ ‪ .‬وهذا هو الّذي رجّحه ابن عابدين حيث قال ‪ :‬إنّه كان‬
‫ينبغي للشّارح ( الحصكفيّ صاحب الدّرّ ) أن يقول ‪ :‬فحكمه كعاقل أي ‪ :‬في حال إفاقته كما‬
‫قاله الزّيلعيّ ليظهر للتّقييد بالمغلوب فائدة ‪ ،‬فإنّه حيث كان غير المغلوب كمميّز ل يصحّ‬
‫طلقه ول إعتاقه كالمغلوب ‪ .‬وإذا أتلف المجنون شيئا مقوّما من مال أو نفس ضمنه إذ ل‬
‫حجر في التّصرّف الفعليّ ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ المجنون ل يلزمه شيء من التّصرّفات إلّ‬
‫إذا أتلف شيئا ففي ماله ‪ ،‬والدّية إن بلغت الثّلث فأكثر على عاقلته وإلّ فعليه كالمال ‪ .‬وذهب‬
‫الشّافعيّة إلى أنّه بالجنون تنسلب الوليات الثّابتة بالشّرع كولية النّكاح ‪ ،‬أو التّفويض‬
‫كاليصاء والقضاء لنّه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى ‪ .‬ول تعتبر عبارة المجنون‬
‫سواء أكانت له أم عليه في الدّين والدّنيا كالسلم والمعاملت لعدم قصده ‪ .‬وأمّا أفعاله فمنها‬
‫ما هو معتبر كإحباله وإتلفه مال غيره وتقرير المهر بوطئه ‪ ،‬وترتّب الحكم على إرضاعه‬
‫والتقاطه واحتطابه واصطياده ‪ ،‬وعمده عمد على الصّحيح أي ‪ :‬حيث كان له نوع تمييز ‪،‬‬
‫ومنها ما هو غير معتبر كالصّدقة والهديّة ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد سبق كلمهم على المجنون في‬
‫الكلم على الصّبيّ ‪ .‬ويرتفع حجر المجنون بالفاقة من الجنون من غير احتياج إلى فكّ‬
‫فتعتبر أقواله وتنفذ تصرّفاته ( ر ‪ :‬جنون ) ‪.‬‬

‫الحجر على المعتوه ‪:‬‬


‫‪ - 10‬اختلف الحنفيّة في تفسير المعتوه ‪ ،‬وأحسن ما قيل فيه ‪ :‬هو من كان قليل الفهم مختلط‬
‫ل أنّه ل يضرب ول يشتم كما يفعل المجنون ‪ .‬ولم يذكر غير الحنفيّة‬
‫الكلم فاسد التّدبير إ ّ‬
‫تفسيرا للعته في الصطلح ‪ .‬والمعتوه عند الحنفيّة في تصرّفاته وفي رفع التّكليف عنه‬
‫كالصّبيّ المميّز العاقل ‪ .‬أمّا إذا أفاق فإنّه كالبالغ العاقل في تلك الحالة ‪ .‬ولم نجد عند غير‬
‫الحنفيّة تعرّضا لحكم تصرّفات المعتوه ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬عته ) ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬
‫ن المجنون إذا كان له أدنى تمييز فهو كالصّبيّ المميّز في التّصرّفات الماليّة ‪ .‬وذهب‬
‫إلى أ ّ‬
‫ن من زال عقله فمجنون وإلّ فهو مكلّف ‪ .‬ولم نجد عند المالكيّة‬
‫ي إلى أ ّ‬
‫السّبكيّ والذرع ّ‬
‫والحنابلة تعرّضا للمسألة ‪.‬‬

‫( الحجر على السّفيه ) ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬السّفه ‪:‬‬
‫‪ - 11‬السّفه لغة ‪ :‬هو نقص في العقل ‪ ،‬وأصله الخفّة ‪ ،‬وسفه الحقّ جهله ‪ ،‬وسفّهته تسفيها ‪:‬‬
‫نسبته إلى السّفه ‪ ،‬أو قلت له ‪ :‬إنّه سفيه ‪ .‬وهو سفيه ‪ ،‬والنثى سفيهة ‪ ،‬والجمع سفهاء ‪ .‬وأمّا‬
‫اصطلحا فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفه ‪ :‬فذهب الحنفيّة إلى أنّ السّفه هو تبذير‬
‫المال وتضييعه على خلف مقتضى الشّرع أو العقل ‪ ،‬كالتّبذير والسراف في النّفقة ‪ ،‬وأن‬
‫يتصرّف تصرّفات ل لغرض ‪ ،‬أو لغرض ل يعدّه العقلء من أهل الدّيانة غرضا ‪ ،‬كدفع‬
‫طيّار بثمن غال ‪ ،‬والغبن في التّجارات من غير‬
‫المال إلى المغنّين والّلعّابين وشراء الحمام ال ّ‬
‫محمدة ( أو غرض صحيح ) ‪ .‬وأصل المسامحات في التّصرّفات والبرّ والحسان مشروع‬
‫إلّ أنّ السراف حرام كالسراف في الطّعام والشّراب ‪ ،‬ولذا كان من السّفه عند الحنفيّة تبذير‬
‫المال وتضييعه ولو في الخير كأن يصرفه كلّه في بناء المساجد ونحو ذلك ‪ .‬وذهب المالكيّة‬
‫ن السّفه هو التّبذير ( أي ‪ :‬صرف المال في غير ما يراد له شرعا ) بصرف المال في‬
‫إلى أ ّ‬
‫معصية كخمر وقمار ‪ ،‬أو بصرفه في معاملة من بيع أو شراء بغبن فاحش ( خارج عن‬
‫العادة ) بل مصلحة تترتّب عليه بأن يكون ذلك شأنه من غير مبالة ‪ ،‬أو صرفه في شهوات‬
‫نفسانيّة على خلف عادة مثله في مأكله ومشربه وملبوسه ومركوبه ونحو ذلك ‪ .‬أو بإتلفه‬
‫هدرا كأن يطرحه على الرض أو يرميه في بحر أو مرحاض ‪ ،‬كما يقع لكثير من السّفهاء‬
‫يطرحون الطعمة والشربة فيما ذكر ول يتصدّقون بها ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة فقد ذهب الماورديّ‬
‫إلى التّفرقة بين التّبذير والسّرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬التّبذير ‪ :‬الجهل بمواقع الحقوق ‪ ،‬والسّرف ‪ :‬الجهل‬
‫ن السّفيه عند الشّافعيّة‬
‫بمقادير الحقوق ‪ .‬وكلم الغزاليّ يقتضي ترادفهما ‪ .‬وعلى كلّ حال فإ ّ‬
‫هو الّذي يضيّع ماله باحتمال غبن فاحش في المعاملة ونحوها إذا كان جاهل بها ‪ -‬أمّا إذا‬
‫كان عالما بالمعاملة فأعطى أكثر من ثمنها فإنّ الزّائد صدقة خفيّة محمودة ‪ ،‬أي إن كان‬
‫التّعامل مع محتاج وإلّ فهبة ‪ .‬ومن السّفه عندهم أن يرمي ماله وإن كان قليل في بحر أو نار‬
‫ن صرف المال في الصّدقة‬
‫أو نحو ذلك أو ينفق أمواله في محرّم ‪ .‬والصحّ عند الشّافعيّة أ ّ‬
‫ووجوه الخير ‪ ،‬والمطاعم والملبس الّتي ل تليق بحاله ليس بتبذير ‪ .‬أمّا في الولى وهو‬
‫الصّرف في الصّدقة ووجوه الخير فلنّ له في الصّرف في الخير عوضا ‪ ،‬وهو الثّواب ‪،‬‬
‫فإنّه ل سرف في الخير كما ل خير في السّرف ‪ .‬وحقيقة السّرف ‪ :‬ما ل يكسب حمدا في‬
‫العاجل ول أجرا في الجل ‪ .‬ومقابل الصحّ في هذا النّوع أنّه يكون مبذّرا إن بلغ مفرطا في‬
‫النفاق ‪ .‬فإن عرض له ذلك بعد البلوغ مقتصدا فل ‪ .‬وأمّا في الثّانية وهو الصّرف في‬
‫ح في هذا النّوع يكون‬
‫ن المال يتّخذ لينتفع به ويلتذّ به ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬
‫المطاعم والملبس فل ّ‬
‫ن السّفيه هو المضيّع لماله المبذّر له ‪ .‬قال ابن المنذر ‪:‬‬
‫تبذيرا عادة ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫ل مضيّع‬
‫أكثر علماء المصار من أهل الحجاز والعراق والشّام ومصر يرون الحجر على ك ّ‬
‫لماله صغيرا كان أو كبيرا ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حكم الحجر على السّفيه ‪:‬‬


‫‪ - 12‬ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد ‪ ،‬وهو المفتى به‬
‫عند الحنفيّة إلى أنّ المحجور عليه إذا فكّ عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله ثمّ عاد‬
‫إلى السّفه أعيد عليه الحجر ‪ ،‬وبهذا قال القاسم بن محمّد والوزاعيّ وإسحاق وأبو عبيد ‪.‬‬
‫سنّة ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬ول تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل‬
‫واستدلّوا بالكتاب وال ّ‬
‫اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم ‪ ،‬وقولوا لهم قول معروفا } ‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬فإن‬
‫آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ‪ .‬فقد نهانا اللّه تعالى عن الدّفع إليه ما دام سفيها ‪،‬‬
‫ن منع ماله لعلّة‬
‫وأمرنا بالدّفع إن وجد منه الرّشد ‪ ،‬إذ ل يجوز الدّفع إليه قبل وجوده ‪ ،‬ول ّ‬
‫سنّة ‪ :‬فقوله عليه‬
‫السّفه فيبقى المنع ما بقيت العلّة ‪ ،‬صغيرا كان السّفيه أو كبيرا ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫ن عبد‬
‫الصلة والسلم { خذوا على يد سفهائكم } وأورد ابن قدامة ما رواه عروة بن الزّبير أ ّ‬
‫ن عثمان ليحجر عليك ‪ ،‬فأتى عبد‬
‫اللّه بن جعفر ابتاع بيعا ‪ ،‬فقال عليّ رضي ال عنه ‪ :‬لتي ّ‬
‫ن عليّا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان‬
‫اللّه بن جعفر الزّبير ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد ابتعت بيعا وإ ّ‬
‫فيسأله الحجر عليّ ‪ .‬فقال الزّبير ‪ :‬أنا شريكك في البيع ‪ .‬فأتى عليّ عثمان ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّ ابن‬
‫جعفر قد ابتاع بيع كذا فاحجر عليه ‪ .‬فقال الزّبير ‪ :‬أنا شريكه في البيع ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬كيف‬
‫أحجر على رجل شريكه الزّبير ؟ ثمّ قال ابن قدامة ‪ :‬وهذه قصّة يشتهر مثلها ولم يخالفها أحد‬
‫ن هذا سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ‬
‫في عصرهم فتكون إجماعا حينئذ ‪ ،‬واستدلّوا أيضا بأ ّ‬
‫سفيها فإنّ العلّة الّتي اقتضت الحجر عليه إذا بلغ سفيها سفهه ‪ ،‬وهو موجود ‪ ،‬ولنّ السّفه لو‬
‫قارن البلوغ منع دفع ماله إليه ‪ ،‬فإذا حدث أوجب انتزاع المال كالجنون ‪ ،‬وفي الحجر عليه‬
‫صيانة لماله وورثته من بعده ‪ .‬وأمّا أبو حنيفة فقد ذهب إلى أنّه ل يبتدأ الحجر على بالغ‬
‫عاقل بسبب السّفه لما سبق ‪.‬‬
‫الحجر على السّفيه بحكم الحاكم ‪:‬‬
‫ن الحجر عليه ل بدّ له من حكم‬
‫‪ - 13‬ذهب جمهور الفقهاء القائلين بالحجر على السّفيه إلى أ ّ‬
‫حاكم ‪ ،‬كما أنّ فكّ الحجر عنه ل بدّ له من حكم حاكم أيضا ‪ ،‬لنّ الحجر إذا كان بحكم‬
‫ن الرّشد يحتاج إلى تأمّل واجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان‬
‫الحاكم ل يزول إلّ به ‪ ،‬ول ّ‬
‫كابتداء الحجر عليه ‪ .‬وذهب محمّد بن الحسن من الحنفيّة وابن القاسم من المالكيّة إلى أنّ‬
‫ن فساده في ماله يحجره وصلحه فيه‬
‫السّفيه ل يحتاج في الحجر عليه إلى قضاء القاضي ل ّ‬
‫يطلقه ‪ .‬وإنّ علّة الحجر عليه السّفه وقد تحقّق في الحال ‪ ،‬فيترتّب عليه موجبه بغير قضاء ‪،‬‬
‫كالصّبا والجنون ‪ .‬وتظهر ثمرة الخلف فيما لو باع السّفيه قبل قضاء القاضي فإنّ بيعه جائز‬
‫عند الجمهور ول يجوز عند محمّد وابن القاسم ‪.‬‬

‫تصرّفات السّفيه ‪:‬‬


‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أنّ تصرّف السّفيه في ماله حكمه حكم تصرّف الصّبيّ المميّز ‪،‬‬
‫واختلفوا في التّصرّفات غير الماليّة ‪ .‬وتفصيل ذلك كلّه في مصطلح ( سفه ‪ ،‬وولية ) ‪.‬‬

‫الحجر على ذي الغفلة ‪:‬‬


‫‪ - 15‬ذو الغفلة هو من يغبن في البيوع لسلمة قلبه ول يهتدي إلى التّصرّفات الرّابحة ‪.‬‬
‫ن السّفيه مفسد لماله ومتابع لهواه ‪ ،‬أمّا ذو الغفلة فإنّه ليس بمفسد لماله‬
‫ويختلف عن السّفيه بأ ّ‬
‫ول يقصد الفساد ‪ .‬ولم نجد من الفقهاء من صرّح بأنّ ذا الغفلة يحجر عليه سوى الصّاحبين‬
‫من الحنفيّة ‪ ،‬وقد أدرج الجمهور هذا الوصف في السّفه والتّبذير ‪ .‬فذهب وأبو يوسف ومحمّد‬
‫ن الحجر يثبت على ذي الغفلة كالسّفيه أي ‪ :‬من حين قضاء القاضي عند أبي‬
‫من الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫يوسف ‪ ،‬ومن حين ظهور أمارات الغفلة عند محمّد ‪ ،‬وعلى هذا فيزول الحجر عنه بقضاء‬
‫القاضي عند أبي يوسف ‪ ،‬وبزوال الغفلة عند محمّد ‪ ،‬وقد شرع الحجر عليه صيانة لماله‬
‫ونظرا له ‪ ،‬فقد { طلب أهل حبّان بن منقذ من النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يحجر عليه ‪،‬‬
‫فأقرّهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليهم } ‪ ،‬فلو لم يكن الحجر مشروعا‬
‫على ذي الغفلة لنكر عليهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم طلبهم ‪ .‬وذلك فيما روى أنس بن مالك‬
‫{ أنّ رجل على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يبتاع وفي عقدته ضعف ‪ ،‬فأتى‬
‫أهله نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا نبيّ اللّه ‪ :‬احجر على فلن ‪ ،‬فإنّه يبتاع وفي‬
‫عقدته ضعف ‪ ،‬فدعاه النّبيّ صلى ال عليه وسلم فنهاه عن البيع ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نبيّ اللّه ‪ ،‬إنّي ل‬
‫أصبر عن البيع ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إن كنت غير تارك البيع فقل ‪ :‬هاء‬
‫وهاء ول خلبة } ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل يحجر على الغافل بسبب غفلته ‪ ،‬والنّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم لم يجبهم إلى طلبهم وإنّما قال له ‪ :‬قل ‪ :‬ل خلبة ولي الخيار ‪ .‬ولو كان‬
‫الحجر مشروعا لجابهم إليه ‪.‬‬

‫الحجر على المدين المفلس ‪:‬‬


‫‪ - 16‬سبق في مصطلح إفلس الكلم عن الحجر على المدين المفلس ولو كان غائبا ‪ -‬في‬
‫الجملة ‪ -‬ما يغني عن إعادته هنا ‪ ،‬ابتداء من الفقرة ( ‪ ) 7‬وما بعدها ‪ .‬والحجر على المدين‬
‫هو حجر له عن التّصرّف في أمواله دون ذمّته ‪ .‬انظر مصطلح ( إفلس ) ( وغيبة ) ‪.‬‬

‫الحجر على الفاسق ‪:‬‬


‫‪ - 17‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ) إلى أنّ‬
‫الفاسق إذا لم يكن سفيها مبذّرا لماله ل يحجر عليه ‪ ،‬لنّ مجرّد الفسق فقط ل يوجب‬
‫ن الفسق ل يتحقّق به إتلف المال ول عدم‬
‫الحجر ‪ ،‬لنّ الوّلين لم يحجروا على الفسقة ‪ ،‬ول ّ‬
‫ح إلى أنّ‬
‫إتلفه ( أي ل تلزم بين الفسق وإتلف المال ) ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في مقابل الص ّ‬
‫الفاسق يحجر عليه كالستدامة بأن بلغ فاسقا ‪ .‬والفاسق من يفعل محرّما يبطل العدالة من‬
‫كبيرة أو إصرار على صغيرة ‪ ،‬ولم تغلب طاعاته على معاصيه ‪ ،‬واحترز بالمحرّم عمّا يمنع‬
‫ن الخلل‬
‫قبول الشّهادة لخلله بالمروءة ‪ ،‬كالكل في السّوق ‪ ،‬فإنّه ل يمنع الرّشد ل ّ‬
‫بالمروءة المختلف فيه ليس بحرام على المشهور ‪.‬‬

‫الحجر على تبرّعات الزّوجة ‪:‬‬


‫‪ - 18‬المرأة لها ذمّة ماليّة مستقلّة ‪ ،‬ولها أن تتبرّع من مالها متى شاءت ما دامت رشيدة عند‬
‫جمهور الفقهاء ‪ .‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وهو‬
‫ظاهر في فكّ الحجر عنهم ( ذكورا كانوا أو إناثا ) وإطلقهم في التّصرّف ‪ .‬وقد ثبت أنّ‬
‫ن تصدّقن‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬يا معشر النّساء تصدّقن ولو من حليّكنّ } وأنّه ّ‬
‫فقبل صدقتهنّ ولم يسأل ولم يستفصل ‪ { ،‬وأتته زينب امرأة عبد اللّه وامرأة أخرى اسمها‬
‫زينب فسألته عن الصّدقة هل يجزيهنّ أن يتصدّقن على أزواجهنّ وأيتام لهنّ ؟ فقال ‪ :‬نعم }‬
‫ن من وجب دفع ماله إليه لرشد جاز له التّصرّف فيه من غير‬
‫ن هذا الشّرط ‪ ،‬ول ّ‬
‫ولم يذكر له ّ‬
‫إذن كالغلم ‪ ،‬ولنّ المرأة من أهل التّصرّف ول حقّ لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها‬
‫في التّصرّف بجميعه كأختها ‪.‬‬
‫‪ - 19‬وذهب مالك ‪ -‬وهو رواية عن أحمد ‪ -‬إلى أنّه يحجر على المرأة الحرّة الرّشيدة‬
‫لصالح زوجها في تبرّع زاد على ثلث مالها إلّ بإذن زوجها البالغ الرّشيد أو وليّه إذا كان‬
‫سفيها ‪ .‬فقد حكي عن أحمد في امرأة حلفت أن تعتق جارية ليس لها غيرها فحنثت ولها زوج‬
‫فردّ ذلك عليها زوجها ‪ .‬أنّه قال ‪ :‬له أن ير ّد عليها وليس لها عتق لما روي ‪ :‬أنّ { امرأة‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بحليّ لها فقالت ‪ :‬إنّي تصدّقت بهذا ‪ ،‬فقال لها‬
‫كعب بن مالك أتت النّب ّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل يجوز للمرأة عطيّة حتّى يأذن زوجها ‪ .‬فهل استأذنت كعبا ؟‬
‫فقالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فبعث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى كعب فقال ‪ :‬هل أذنت لها أن‬
‫تتصدّق بحليّها ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقبله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم } ‪ .‬وروي أيضا عن‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل يجوز‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أ ّ‬
‫ن حقّ الزّوج متعلّق بمالها ‪ .‬فإنّ النّبيّ صلى ال عليه‬
‫لمرأة عطيّة إلّ بإذن زوجها } ول ّ‬
‫ن الزّوج‬
‫وسلم قال { تنكح المرأة لربع ‪ :‬لمالها ‪ ،‬ولحسبها ‪ ،‬وجمالها ‪ ،‬ولدينها } والعادة أ ّ‬
‫يزيد في مهرها من أجل مالها ويتبسّط فيه وينتفع به ‪ .‬فإذا أعسر بالنّفقة أنظرته ‪ ،‬فجرى ذلك‬
‫مجرى حقوق الورثة المتعلّقة بمال المريض ‪ ،‬ولنّ الغرض من مالها التّجمّل للزّوج ‪.‬‬
‫ن حقّ الزّوج باق فيمن طلقت طلقا رجعيّا ‪ .‬ول يحجر على المرأة‬
‫والرّجعيّة كالزّوجة ل ّ‬
‫لبيها ونحوه ‪ ،‬إذ الحجر عليها للزّوج فقط دون غيره ‪ .‬ول يحجر على المرأة إذا كان‬
‫إعطاؤها المال عن الواجب عليها من نفقة أبويها ‪ ،‬كما لو تبرّعت بالثّلث فأقلّ ‪ .‬قال المالكيّة‬
‫‪ :‬وفي جواز إقراضها مال زائدا عن الثّلث بغير إذن زوجها قولن ‪ :‬وجه القول بالجواز أنّها‬
‫تأخذ عوضه وهو ر ّد السّلف ‪ ،‬فكان كبيعها ‪ .‬ووجه القول بالمنع أنّ القرض يشبه الهبة من‬
‫حيث إنّه من قبيل المعروف ‪ ،‬ولنّها تخرج لمطالبتها بما أقرضته ‪ ،‬وهو ضرر على الزّوج‬
‫ن تبرّعها بزائد‬
‫‪ .‬وأمّا دفعها المال قراضا لعامل فليس فيه القولن لنّه من التّجارة ‪ .‬هذا وإ ّ‬
‫على ثلثها جائز حتّى يردّ الزّوج جميعه أو ما شاء منه على المشهور من مذهب مالك ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬مردود حتّى يجيزه الزّوج ‪ .‬وللزّوج ردّ الجميع إن تبرّعت بزائد عن الثّلث ‪ ،‬ولو كان‬
‫الزّائد يسيرا ‪ ،‬معاملة لها بنقيض قصدها ‪ ،‬أو لنّها كمن جمع بين حلل وحرام ‪ .‬وللزّوج‬
‫إمضاء الجميع ‪ ،‬وله ردّ الزّائد فقط ‪ .‬وإذا تبرّعت الزّوجة بثلث مالها فليس لها أن تتبرّع مرّة‬
‫أخرى بثلث آخر ‪ ،‬إلّ أن يبعد ما بينهما بعام على قول ابن سهل من المالكيّة ‪ ،‬قيل ‪ :‬وهو‬
‫الرّاجح ‪ ،‬أو بستّة أشهر على قول أصبغ ‪ ،‬ونحوه لبن عرفة ‪.‬‬

‫الحجر على المريض مرض الموت ‪:‬‬


‫‪ - 20‬مرض الموت هو المرض الّذي يخاف فيه الموت في الكثر الّذي يعجز المريض عن‬
‫رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذّكور ‪ ،‬ويعجزه عن رؤية المصالح الدّاخلة‬
‫في داره إن كان من الناث ‪ ،‬ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة صاحب فراش كان أو‬
‫لم يكن ‪ .‬وعرّفه المالكيّة بأنّه المرض المخوف ‪ ،‬وهو الّذي حكم الطّبّ بكثرة الموت به أي‬
‫بسببه أو منه ولو لم يغلب ‪ ،‬فالمدار على كثرة الموت من ذلك المرض بحيث يكون الموت‬
‫منه شهيرا ل يتعجّب منه ‪ ،‬ول يلزم من كثرة الموت منه غلبة الموت به ‪ .‬وقد اتّفق الفقهاء‬
‫على أنّ المريض مرض الموت تحجر عليه تبرّعاته فيما زاد عن ثلث تركته لحقّ ورثته‬
‫وذلك حيث ل دين ‪ ،‬وإذا تبرّع بما زاد عن الثّلث كان له حكم الوصيّة إذا مات ‪ .‬وذهب‬
‫المالكيّة إلى أنّ المريض مرض الموت يمنع ممّا زاد على قدر الحاجة من الكل والشّرب‬
‫والكسوة والتّداوي ‪ .‬وألحق المالكيّة والحنابلة بالمريض مرض الموت من كان في معناه‬
‫كالمقاتل في الصّفّ والمحبوس للقتل ونحوهما ‪ .‬وللتّفصيل انظر مصطلح ‪ ( :‬مرض ‪ ،‬موت‬
‫‪ ،‬وصيّة ) ‪.‬‬

‫الحجر على الرّاهن ‪:‬‬


‫ن الرّاهن يحجر عليه التّصرّف في العين المرهونة بعد لزوم الرّهن‬
‫‪ - 21‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ضمانا لحقّ المرتهن ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( رهن ) ‪.‬‬

‫الحجر للمصلحة العامّة ‪:‬‬


‫‪ - 22‬ذهب الحنفيّة إلى فرض الحجر على ثلثة وهم ‪ :‬المفتي الماجن ‪ ،‬والطّبيب الجاهل ‪،‬‬
‫والمكاري المفلس ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬المفتي الماجن ‪ :‬هو الّذي يعلّم النّاس الحيل الباطلة ‪ ،‬كتعليم الزّوجة ال ّردّة لتبين من‬
‫زوجها ‪ ،‬أو تعليم الحيل بقصد إسقاط الزّكاة ‪ ،‬ومثله الّذي يفتي عن جهل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الطّبيب الجاهل ‪ :‬هو الّذي يسقي المرضى دواء مهلكا ‪ ،‬وإذا قوي عليهم المرض ل‬
‫يقدر على إزالة ضرره ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المكاري المفلس ‪ :‬هو الّذي يكري إبل وليس له إبل ول مال ليشتريها به ‪ ،‬وإذا جاء‬
‫أوان الخروج يخفي نفسه ‪ .‬وليس المراد بالحجر على هؤلء الثّلثة حقيقة الحجر وهو المنع‬
‫ي الّذي يمنع نفوذ التّصرّف ‪ ،‬لنّ المفتي لو أفتى بعد الحجر وأصاب جاز ‪ ،‬وكذا‬
‫الشّرع ّ‬
‫سيّ ‪ ،‬لنّ الوّل مفسد للديان ‪ ،‬والثّاني‬
‫الطّبيب لو باع الدوية نفذ ‪ ،‬وإنّما المقصود المنع الح ّ‬
‫مفسد للبدان ‪ ،‬والثّالث مفسد للموال ‪ .‬فمنع هؤلء المفسدين دفع ضرر لحق بالخاصّ‬
‫والعامّ ‪ ،‬وهو من المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪.‬‬

‫الحجر على المرتدّ ‪:‬‬


‫ن المرتدّ يحجر عليه لحقّ المسلمين ‪ ،‬لنّ تركته فيء‬
‫‪ - 23‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫فيمنع من التّصرّف في ماله لئلّ يفوّته على المسلمين ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪.‬‬

‫حجر‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحجر بالكسر يطلق في اللّغة على معان ‪ :‬منها ‪ :‬حضن النسان ‪ ،‬وهو ما دون إبطه‬
‫إلى الكشح ‪ ،‬أو الصّدر والعضدان وما بينهما ‪ ،‬أو ما بين يدي النسان من ثوبه ‪ .‬ويقال لمن‬
‫في حمايته شخص إنّه في حجره بكسر الحاء وفتحها ‪ :‬أي كنفه ‪ .‬ومنها ‪ :‬العقل وفي هذا‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬هل في ذلك قسم لذي حجر } ومنها ‪ :‬الحرام كما في قوله تعالى ‪ :‬حكاية عن‬
‫ل من نشاء بزعمهم } ‪ .‬وفي‬
‫المشركين ‪ { :‬وقالوا ‪ :‬هذه أنعام ‪ ،‬وحرث حجر ل يطعمها إ ّ‬
‫الصطلح ‪ :‬هو القسم الخارج عن جدار الكعبة ‪ ،‬وهو محوط مدوّر على صورة نصف‬
‫دائرة ويسمّى ( حجر إسماعيل ) قال ابن إسحاق ‪ :‬حمل إبراهيم عليه السلم الحجر إلى جنب‬
‫البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز ‪ ،‬وكان زربا لغنم إسماعيل ‪ .‬ويسمّى الحطيم وقيل ‪:‬‬
‫الحطيم هو جدار الحجر ‪ ،‬وقيل ما بين الرّكن وزمزم والمقام ‪ .‬الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬جمهور الفقهاء على أنّ ستّة أذرع نبويّة من الحجر من البيت ‪ .‬ويدلّ لذلك ما في‬
‫الصّحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت ‪ { :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا‬
‫عائشة لول أنّ قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالرض وجعلت لها بابين بابا‬
‫ن قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة }‬
‫شرقيّا وبابا غربيّا ‪ ،‬وزدت فيها ستّة أذرع من الحجر فإ ّ‬
‫‪ ،‬وفي رواية { فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه ‪ ،‬فهلمّي لريك ما تركوا منه فأراها قريبا‬
‫من سبعة أذرع } ‪ .‬وفي مسلم عن عطاء فذكر شيئا من حريق الكعبة وعمارة بن الزّبير لها‬
‫ن قومك‬
‫ثمّ قال ‪ :‬إنّي سمعت عائشة تقول ‪ { :‬إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬لول أ ّ‬
‫حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النّفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر‬
‫خمسة أذرع } ‪ .‬قال عطاء ‪ :‬وزاد فيه خمسة أذرع من الحجر حتّى أبدى أساسها ونظر إليه‬
‫النّاس فبنى عليه البناء انتهى ‪ .‬واختلفوا في كون جميعه من البيت ‪ .‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪،‬‬
‫وهو قول عند الشّافعيّة ‪ :‬إنّ جميع الحجر من البيت ‪ .‬واستدلّوا بحديث عائشة رضي ال عنها‬
‫قالت ‪ { :‬سألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحجر فقال ‪ :‬هو من البيت } ‪ .‬وعنها رضي‬
‫ب أن أدخل البيت فأصلّي فيه ‪ ،‬فأخذ رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ال عنها { قالت ‪ :‬كنت أح ّ‬
‫وسلم بيدي ‪ ،‬فأدخلني في الحجر فقال ‪ :‬صلّي في الحجر إذا أردت دخول البيت ‪ ،‬فإنّما هو‬
‫قطعة من البيت ‪ ،‬فإنّ قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت } ‪.‬‬

‫استقبال الحجر في الصّلة ‪:‬‬


‫‪ - 3‬اختلف الفقهاء في جواز استقبال الحجر في الصّلة ‪ :‬فقال الحنابلة وهو قول عند‬
‫المالكيّة ‪ :‬يجوز استقبال الحجر في الصّلة إذا كان المصلّي خارج الحجر سواء ‪ ،‬أكانت‬
‫الصّلة فرضا أم نفل ‪ :‬لحديث ‪ { :‬الحجر من البيت } ‪ .‬أمّا إذا كان المصلّي في داخله فل‬
‫يصحّ الفرض ‪ ،‬كصلته في داخل البيت ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ :‬ل تصحّ الصّلة‬
‫ن كونه من البيت مظنون لثبوته بخبر الحاد ‪،‬‬
‫باستقبال الحجر ‪ ،‬فرضا كانت أم نفل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ص الكتاب وهو قوله تعالى ‪ { :‬وحيث ما كنتم فولّوا‬
‫ووجوب التّوجّه إلى البيت ثبت بن ّ‬
‫ص الكتاب بخبر الواحد ‪ .‬وإلى هذا ذهب عياض‬
‫وجوهكم شطره } ول يجوز ترك العمل بن ّ‬
‫والقرافيّ وابن جماعة من المالكيّة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّه مذهب المالكيّة ‪ .‬والتّفصيل في ( طواف ‪،‬‬
‫واستقبال القبلة ) ‪.‬‬

‫الطّواف من داخل الحجر ‪:‬‬


‫ح الطّواف من داخل الحجر ‪ ،‬واشترطوا لصحّة‬
‫‪ - 4‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يص ّ‬
‫ن من طاف‬
‫ن جميع الحجر من البيت أ ّ‬
‫الطّواف أن يكون من خارج الحجر ‪ .‬وقال من يرى أ ّ‬
‫داخل الحجر لم يطف جميع البيت ‪ ،‬وهو المأمور بقول الحقّ تبارك وتعالى ‪ { :‬وليطّوّفوا‬
‫ن الحجر من البيت لحديث عائشة رضي ال عنها ‪ { :‬سألت‬
‫بالبيت العتيق } ‪ .‬وقد ثبت أ ّ‬
‫ن { النّبيّ صلى ال عليه‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحجر ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو من البيت } ‪ .‬ول ّ‬
‫وسلم ‪ :‬طاف خارج الحجر ‪ ،‬وقد قال ‪ :‬لتأخذوا عنّي مناسككم } وقال بعض المالكيّة ‪ :‬يجب‬
‫ستّة الذرع الّتي هي من البيت ‪ .‬وعند هؤلء ل يجب أن يكون‬
‫أن يكون طوافه خارج ال ّ‬
‫خارج جميعه وهو قول لبعض الشّافعيّة ‪ ( .‬ر ‪ :‬طواف ) ‪.‬‬

‫الحجر السود‬
‫التّعريف‬
‫ي في شكله ‪ ،‬يقع في‬
‫‪ - 1‬الحجر السود كتلة من الحجر ضارب إلى السّواد شبه بيضاو ّ‬
‫أصل بناء الكعبة في الرّكن الجنوبيّ الشّرقيّ منها ‪ ،‬يستلمه الطّائفون عند طوافهم ( الحكم‬
‫الجماليّ ) ‪:‬‬
‫‪ - 2‬يتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ استلم الحجر السود باليد وتقبيله للطّائف لمن يقدر ‪ ،‬لما‬
‫ن رجل سأل ابن عمر رضي ال عنهما عن استلم الحجر فقال ‪ :‬رأيت رسول اللّه‬
‫روي { أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم يستلمه ويقبّله } ‪ .‬ولما روى ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬قبّل عمر‬
‫بن الخطّاب الحجر ثمّ قال ‪ :‬أما واللّه لقد علمت أنّك حجر ولول أنّي رأيت رسول اللّه صلى‬
‫ن أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كانوا‬
‫ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك ‪ .‬وروي أ ّ‬
‫يستلمون الحجر ثمّ يقبّلونه ‪ ،‬فيلتزم فعلهم ‪ ،‬لنّه ممّا ل يكون بالرّأي ‪ .‬ويستحبّ أن يستفتح‬
‫الستلم بالتّكبير ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ‪ { :‬طاف النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم بالبيت على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر } ‪ .‬ويرفع يديه عند‬
‫التّكبير ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ترفع اليدي في سبعة مواطن وذكر من جملتها‬
‫الحجر } ‪ ، ،‬وهذا عند الجمهور ‪ .‬وأمّا عند المالكيّة فل يرفع يديه عند التّكبير ‪ .‬ويستحبّ‬
‫ن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ { :‬كان رسول‬
‫ل طواف ‪ ،‬ل ّ‬
‫استلم الحجر السود في ك ّ‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ل يدع أن يستلم الرّكن اليمانيّ والحجر في كلّ طوفة } قال نافع ‪:‬‬
‫وكان ابن عمر يفعله ‪ .‬وإن لم يتمكّن من تقبيل الحجر استلمه بيده وقبّل يده ‪ ،‬وهذا عند‬
‫ن الستلم باليد يكون بعد العجز عن الستلم بالفم ‪ .‬لحديث‬
‫المالكيّة والحنابلة حيث قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم استلمه وقبّل يده } وفعله أصحاب‬
‫ابن عبّاس رضي ال عنهما { أ ّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم وتبعهم أهل العلم على ذلك ‪ .‬وأمّا الحنفيّة والشّافعيّة فقالوا ‪ :‬إنّ‬
‫الستلم باليد كالستلم بالفم ‪ .‬ثمّ إن عجز عن الستلم يمسّ الحجر بشيء في يده كالعصا‬
‫مثل ثمّ يقبّله ‪ ،‬لما روي عن أبي الطّفيل ‪ ،‬قال ‪ { :‬رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫يطوف بالبيت ويستلم الرّكن بمحجن معه ويقبّل المحجن } ‪ .‬وإن لم يستطع أن يستلم الحجر‬
‫بيده ‪ ،‬أو يمسّه بشيء فإنّه يستقبله من بعد ويشير إليه بباطن كفّه كأنّه واضعها عليه ‪ ،‬ثمّ‬
‫يقبّله ويهلّل ويكبّر ‪ ،‬لما روى البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ { :‬طاف النّبيّ‬
‫ن أن يقبّل الحجر من‬
‫صلى ال عليه وسلم على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه وكبّر } ‪ .‬ويس ّ‬
‫غير صوت يظهر للقبلة ‪ ،‬لحديث ابن عمر { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم استقبل الحجر ثمّ‬
‫وضع شفتيه عليه يبكي طويل ‪ ،‬ثمّ التفت فإذا هو بعمر بن الخطّاب يبكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا عمر‬
‫هاهنا تسكب العبرات } ‪ .‬قال الحطّاب ‪ :‬وفي الصّوت قولن ‪ :‬قال الشّيخ زرّوق في شرح‬
‫الرشاد ‪ :‬وفي كراهة التّصويت بالتّقبيل قولن ‪ :‬ورجّح غير واحد الجواز ‪ ،‬وذكر ابن رشد‬
‫ب الطّبريّ جاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر أبصوت أو دونه ؟ فذكر له‬
‫ن الشّيخ المح ّ‬
‫أّ‬
‫ب للنّساء استلم الحجر ول تقبيله إلّ عند خل ّو المطاف‬
‫التّقبيل من غير تصويت ‪ .‬ول يستح ّ‬
‫في اللّيل أو غيره ‪.‬‬

‫البداءة في الطّواف من الحجر السود ‪:‬‬


‫‪ - 3‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّه يتعيّن البداءة في‬
‫الطّواف من الحجر السود ليحسب الشّوط لما روي { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم افتتح‬
‫الطّواف من يمين الحجر ل من يساره } ‪ ،‬وذلك تعليم منه صلى ال عليه وسلم مناسك‬
‫الحجّ ‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬خذوا عنّي مناسككم } فتجب البداءة بما بدأ به النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ولو افتتح الطّواف من غير الحجر لم يعتدّ بذلك الشّوط إلّ أن يصير إلى‬
‫الحجر فيبتدئ منه الطّواف ‪ .‬وأمّا عند الحنفيّة في ظاهر الرّواية ومالك أنّ البداءة في‬
‫الطّواف من الحجر السود سنّة ‪ ،‬ولو بدأ الطّواف من مكان غير الحجر السود بدون عذر‬
‫أجزأه مع الكراهة لقوله تعالى ‪ { :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق } مطلقا عن شرط البتداء بالحجر‬
‫السود ‪.‬‬

‫استلم الحجر وتقبيله في الزّحام ‪:‬‬


‫‪ - 4‬إذا كان في الطّواف زحام وخشي الطّائف إيذاء النّاس فالولى أن يترك تقبيل الحجر‬
‫ن استلم الحجر السود سنّة وترك إيذاء النّاس واجب فل يهمل الواجب‬
‫السود واستلمه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال له ‪ :‬يا‬
‫ن النّب ّ‬
‫سنّة ‪ ،‬وقد ورد عن عمر رضي ال عنه { أ ّ‬
‫لجل ال ّ‬
‫ي ل تزاحم على الحجر فتؤذي الضّعيف ‪ ،‬إن وجدت خلوة فاستلمه ‪ ،‬وإلّ‬
‫عمر إنّك رجل قو ّ‬
‫فاستقبله وهلّل وكبّر } ‪.‬‬

‫السّجود على الحجر السود ‪:‬‬


‫‪ - 5‬حكى ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وطاوس والشّافعيّ وأحمد أنّه يستحبّ‬
‫بعد تقبيل الحجر السود السّجود عليه بالجبهة ‪ ،‬وقد أخرج الشّافعيّ والبيهقيّ عن ابن عبّاس‬
‫موقوفا " أنّه كان يقبّل الحجر السود ويسجد عليه ‪ .‬وكره مالك السّجود وتمريغ الوجه عليه ‪،‬‬
‫ونقل الكاسانيّ عن مالك أنّه بدعة ‪ ،‬ونقل ابن الهمام عن قوام الدّين الكاكيّ قال ‪ :‬وعندنا‬
‫الولى أن ل يسجد لعدم الرّواية من المشاهير ‪.‬‬

‫الدّعاء عند استلم الحجر ‪:‬‬


‫ب أن يقول الطّائف عند استلم الحجر ‪ ،‬أو استقباله‬
‫‪ - 6‬ذهب أكثر الفقهاء إلى أنّه يستح ّ‬
‫بوجهه إذا شقّ عليه استلمه ‪ :‬بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ‪ ،‬واللّه أكبر ‪ ،‬اللّهمّ إيمانا بك ‪،‬‬
‫وتصديقا بكتابك ‪ ،‬ووفاء بعهدك ‪ ،‬واتّباعا لسنّة نبيّك محمّد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬لما روى‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم استلم الرّكن الّذي فيه الحجر وكبّر ثمّ‬
‫جابر رضي ال عنه { أ ّ‬
‫ل اللّه ‪ ،‬اللّه أكبر ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬اللّهمّ وفاء بعهدك وتصديقا بكتابك } ‪ .‬وزاد ابن الهمام ‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫اللّهمّ إليك بسطت يدي ‪ ،‬وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقلني عثرتي ‪ ،‬وارحم‬
‫تضرّعي ‪ ،‬وجد لي بمغفرتك ‪ ،‬وأعذني من مضلّات الفتن ‪ .‬وذكر الكاسانيّ في البدائع ‪ :‬ولم‬
‫يذكر عن أصحابنا فيه دعاء بعينه ‪ ،‬لنّ الدّعوات ل تحصى ‪.‬‬

‫حداد انظر ‪ :‬إثبات ‪.‬‬

‫حدث‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحدث في اللّغة من الحدوث ‪ :‬وهو الوقوع والتّجدّد وكون الشّيء بعد أن لم يكن ‪ ،‬ومنه‬
‫يقال ‪ :‬حدث به عيب إذا تجدّد وكان معدوما قبل ذلك ‪ .‬والحدث اسم من أحدث النسان إحداثا‬
‫‪ :‬بمعنى الحالة النّاقضة للوضوء ‪ .‬ويأتي بمعنى المر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد ول‬
‫معروف ‪ ،‬ومنه محدثات المور ‪ .‬وفي الصطلح يطلق ويراد به أمور ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوصف الشّرعيّ ( أو الحكميّ ) الّذي يحلّ في العضاء ويزيل الطّهارة ويمنع من‬
‫صحّة الصّلة ونحوها ‪ ،‬وهذا الوصف يكون قائما بأعضاء الوضوء فقط في الحدث‬
‫الصغر ‪ ،‬وبجميع البدن في الحدث الكبر ‪ ،‬وهو الغالب في إطلقهم ‪ .‬كما سيأتي تفصيله ‪.‬‬
‫وقد ورد هذا التّعريف في كتب فقهاء المذاهب الربعة باختلف بسيط في العبارة ‪ .‬ب ‪-‬‬
‫السباب الّتي توجب الوضوء أو الغسل ‪ ،‬ولهذا نجد الحنفيّة يعرّفونه بأنّه ‪ :‬خروج النّجس من‬
‫الدميّ سواء أكان من السّبيلين أم من غيرهما معتادا كان أم غير معتاد ‪ .‬والمالكيّة يعرّفونه‬
‫بأنّه الخارج المعتاد من المخرج المعتاد في حال الصّحّة ‪ ،‬والحنابلة يعرّفونه بما أوجب‬
‫وضوءا أو غسل ‪ ،‬كما وضع بعض الشّافعيّة بابا للحداث ذكروا فيها أسباب نقض الوضوء‬
‫‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ويطلق الحدث على المنع المترتّب على المعنيين المذكورين د ‪ -‬وزاد المالكيّة إطلقه‬
‫على خروج الماء في المعتاد كما قال الدّسوقيّ ‪ .‬والمراد هنا من هذه الطلقات هو الوّل ‪،‬‬
‫أمّا المنع فإنّه حكم الحدث ‪ ،‬وهو الحرمة وليس نفس الحدث ‪ ،‬كما صرّح به الحنفيّة والمالكيّة‬
‫والشّافعيّة ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ ( -‬الطّهارة ) ‪:‬‬
‫سيّة كانت كالنجاس ‪ ،‬أم‬
‫‪ - 2‬الطّهارة في اللّغة النّزاهة والنّظافة والخلوص من الدناس ح ّ‬
‫معنويّة كالعيوب من الحقد والحسد ونحوهما ‪ .‬وفي الشّرع رفع ما يمنع الصّلة وما في‬
‫معناها من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتّراب ‪ .‬فالطّهارة ضدّ الحدث ( ر ‪ :‬طهارة‬
‫)‪.‬‬
‫ب ‪ ( -‬الخبث ) ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الخبث بفتحتين النّجس ‪ ،‬وإذا ذكر مع الحدث يراد منه النّجاسة الحقيقيّة أي العين‬
‫المستقذرة شرعا ‪ ،‬ومن هنا عرّفوا الطّهارة بأنّها النّظافة من حدث أو خبث ‪ .‬والخبث بسكون‬
‫الباء في اللّغة مصدر خبث الشّيء خبثا ضدّ طاب ‪ ،‬يقال ‪ :‬شيء خبيث أي نجس أو كريه‬
‫شرّ والوصف منه الخبث وجمعه الخبث ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه‬
‫الطّعم ‪ ،‬والخبث كذلك ال ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث } أي ذكران الشّياطين وإناثهم ‪ ،‬واستعمل‬
‫ل حرام ج ‪ -‬النّجس ‪:‬‬
‫في ك ّ‬
‫ل مستقذر ‪ ،‬والنّجس‬
‫‪ - 4‬النّجس بفتحتين مصدر نجس الشّيء نجسا ‪ ،‬ثمّ استعمل اسما لك ّ‬
‫ي والحكميّ ‪،‬‬
‫بكسر الجيم ضدّ الطّاهر ‪ ،‬والنّجاسة ضدّ الطّهارة ‪ ،‬فالنّجس لغة يعمّ الحقيق ّ‬
‫وعرفا يختصّ بالوّل كالخبث ‪ .‬وإذا أحدث النسان ونقض وضوءه يقال له ‪ :‬محدث ‪ ،‬ول‬
‫ن الحدث يخصّ‬
‫ص النّجاسة الحقيقيّة كما أ ّ‬
‫يقال له نجس في عرف الشّارع ‪ .‬أمّا الخبث فيخ ّ‬
‫ل واحد منهما ‪.‬‬
‫الحكميّة ‪ ،‬والطّهارة ارتفاع ك ّ‬

‫أقسام الحدث ‪:‬‬


‫‪ - 5‬سبق في تعريف الحدث أنّه بالطلق الوّل وصف يحلّ بالعضاء ويمنع من صحّة‬
‫الصّلة ونحوها ‪ .‬فهذا الوصف إن كان قائما في جميع أعضاء البدن وأوجب غسل يسمّى‬
‫حدثا أكبر ‪ ،‬وإذا كان قائما بأعضاء الوضوء فقط وأوجب غسل تلك العضاء فقط يسمّى‬
‫حدثا أصغر ‪ .‬والحدث بالطلق الثّاني أي السباب الّتي توجب الوضوء أو الغسل كذلك‬
‫نوعان ‪ :‬حدث حقيقيّ ‪ ،‬وحدث حكميّ ‪ .‬والحدث الحكميّ ‪ :‬فهو نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن يوجد‬
‫أمر يكون سببا لخروج النّجس الحقيقيّ غالبا فيقام السّبب مكان المسبّب احتياطا ‪ ،‬والثّاني ‪:‬‬
‫أن ل يوجد شيء من ذلك لكنّه جعل حدثا شرعا تعبّدا محضا ‪ .‬وهذا التّقسيم صرّح به الحنفيّة‬
‫وتدلّ عليه تعليلت غيرهم ‪ .‬أسباب الحدث ‪ :‬أوّل ‪ -‬خروج شيء من أحد السّبيلين ‪:‬‬
‫‪ - 6‬قال الحنفيّة ‪ :‬ينتقض الوضوء بخروج النّجس من الدميّ الحيّ من السّبيلين ( الدّبر‬
‫والذّكر أو فرج المرأة ) معتادا كان كالبول والغائط والمنيّ والمذي والو ّديّ ودم الحيض‬
‫والنّفاس ‪ ،‬أم غير معتاد كدم الستحاضة ‪ .‬أو من غير السّبيلين كالجرح والقرح والنف‬
‫والفم سواء كان الخارج دما أو قيحا أو قيئا ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ينتقض الوضوء بالخارج‬
‫المعتاد من المخرج المعتاد ‪ ،‬ل حصى ودود ولو ببلّة ‪ ،‬وهذا يشمل البول والغائط والمذي‬
‫والمنيّ والو ّديّ والرّيح ‪ ،‬سواء أكان خروجه في حال الصّحّة باختيار ‪ ،‬أم بغير اختيار ‪،‬‬
‫كسلس فارق أكثر الزّمن ‪ ،‬أي ارتفع عن الشّخص ‪ ،‬زمانا يزيد على النّصف ‪ .‬فإن لزمه‬
‫كلّ الزّمن أو أكثره أو نصفه فل نقض ‪ ،‬ويشمل الحدث عندهم الخارج من ثقبة تحت المعدة‬
‫إن انس ّد السّبيلن ‪ .‬وعلى ذلك فالخارج غير المعتاد ‪ ،‬والدّود ‪ ،‬والحصى ‪ ،‬والدّم ‪ ،‬والقيح ‪،‬‬
‫والقيء ونحوها ل يعتبر حدثا ولو كان من المخرج المعتاد ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ينتقض‬
‫الوضوء بخروج شيء من قبله أو دبره عينا كان أو ريحا ‪ ،‬طاهرا أو نجسا ‪ ،‬جافّا أو‬
‫ي فليس خروجه‬
‫ل المن ّ‬
‫رطبا ‪ ،‬معتادا كبول أو نادرا كدم ‪ ،‬قليل أو كثيرا ‪ ،‬طوعا أو كرها ‪ .‬إ ّ‬
‫ناقضا قالوا ‪ :‬لنّه أوجب أعظم المرين وهو الغسل فل يوجب أدونهما وهو الوضوء بعمومه‬
‫‪ ،‬وكذلك إذا انسدّ مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬النّاقض‬
‫للوضوء هو الخارج من السّبيلين قليل كان أو كثيرا ‪ ،‬نادرا كان كالدّود والدّم والحصى ‪ ،‬أو‬
‫معتادا كالبول والغائط والودي والمذي والرّيح ‪ ،‬طاهرا أو نجسا ‪ ،‬وكذلك خروج النّجاسات‬
‫من بقيّة البدن ‪ ،‬فإن كانت غائطا أو بول نقض ولو قليل من تحت المعدة أو فوقها ‪ ،‬سواء‬
‫أكان السّبيلن مفتوحين أم مسدودين ‪ .‬وإن كانت النّجاسات الخارجة من غير السّبيلين غير‬
‫ل كثيرها ‪ .‬وممّا سبق يظهر‬
‫الغائط والبول كالقيء والدّم والقيح ‪ ،‬ودون الجراح لم ينقض إ ّ‬
‫ي بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه ‪:‬‬
‫ن أسباب الحدث الحقيق ّ‬
‫أّ‬

‫أسباب الحدث المتّفق عليها ‪:‬‬


‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ الخارج المعتاد من السّبيلين كالبول والغائط والمنيّ والمذي والودي‬
‫والرّيح ‪ ،‬وأيضا دم الحيض والنّفاس يعتبر حدثا حقيقيّا قليل كان الخارج أو كثيرا ‪ ،‬والدّليل‬
‫على ذلك قوله تعالى ‪ { :‬أو جاء أحد منكم من الغائط } فهو كناية عن الحدث من بول أو‬
‫غائط ونحوهما ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه‬
‫أخرج منه شيء أم ل ‪ ،‬فل يخرجنّ من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬وهذه‬
‫السباب بعضها حدث أكبر فيوجب الغسل كخروج المنيّ ‪ ،‬والحيض والنّفاس ‪ ،‬وبعضها‬
‫حدث أصغر يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والمذي والودي والرّيح وسيأتي بيانه ‪.‬‬

‫السباب المختلف فيها ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬ما يخرج من السّبيلين نادرا ‪:‬‬
‫‪ - 8‬ما يخرج من السّبيلين نادرا كالدّود والحصى والشّعر وقطعة اللّحم ونحوها تعتبر أحداثا‬
‫تنقض الوضوء عند جمهور الفقهاء ‪ ( :‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) ‪ ،‬وهو قول ابن عبد‬
‫الحكم من المالكيّة ‪ .‬وبه قال الثّوريّ وإسحاق وعطاء والحسن ‪ ،‬لنّها خارجة من السّبيلين‬
‫فأشبهت المذي ‪ ،‬ولنّها ل تخلو عن بلّة تتعلّق بها ‪ ،‬وقد أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ل صلة ‪ ،‬ودمها خارج غير معتاد ‪ .‬وذهب المالكيّة في المشهور‬
‫المستحاضة بالوضوء لك ّ‬
‫عندهم إلى أنّ الخارج غير المعتاد من السّبيلين كحصى تولّد بالبطن ودود ل يعتبر حدثا ولو‬
‫ببلّة من بول أو غائط غير متفاحش بحيث ينسب الخروج للحصى والدّود ل للبول والغائط ‪.‬‬
‫والقول الثّاني عندهم ‪ :‬أنّه ل وضوء عليه إلّ أن تخرج الدّودة والحصى غير نقيّة ‪.‬‬
‫ح والمالكيّة‬
‫‪ -9‬واختلفوا في الرّيح الخارجة من الذّكر أو قبل المرأة ‪ :‬فقال الحنفيّة في الص ّ‬
‫وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬ل تعتبر حدثا ‪ ،‬ول ينتقض بها الوضوء ‪ ،‬لنّها اختلج وليس في‬
‫ل النّجاسة ‪ ،‬وهذا في غير المفضاة ‪ ،‬فإن كانت من المفضاة‬
‫الحقيقة ريحا منبعثة عن مح ّ‬
‫ن نتنها دليل‬
‫فصرّح الحنفيّة أنّه يندب لها الوضوء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لو منتنة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الخارجة من الذّكر‬
‫خروجها من الدّبر ‪ .‬وقال الشّافعيّة وهو رواية أخرى عند الحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫ل من‬
‫أو قبل المرأة حدث يوجب الوضوء ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل وضوء إ ّ‬
‫صوت أو ريح } ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ما يخرج من غير السّبيلين ‪:‬‬


‫‪ - 10‬الخارج من غير السّبيلين إذا لم يكن نجسا ل يعتبر حدثا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬واختلفوا فيما‬
‫إذا كان نجسا ‪ ،‬فقال الحنفيّة ‪ :‬ما يخرج من غير السّبيلين من النّجاسة حدث ينقض الوضوء‬
‫بشرط أن يكون سائل جاوز إلى محلّ يطلب تطهيره ولو ندبا ‪ ،‬كدم وقيح وصديد عن رأس‬
‫جرح ‪ ،‬وكقيء مل الفم من مرّة أو علق أو طعام أو ماء ‪ ،‬ل بلغم ‪ ،‬وإن قاء دما أو قيحا‬
‫نقض وإن لم يمل الفم عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلفا لمحمّد ‪ ،‬ويشترط عند الحنابلة أن‬
‫ن النّجس الخارج من‬
‫يكون كثيرا إلّ الغائط والبول فل تشترط فيهما الكثرة عندهم ‪ .‬والقول بأ ّ‬
‫غير السّبيلين حدث هو قول كثير من الصّحابة والتّابعين ‪ .‬منهم ‪ :‬ابن مسعود وابن عبّاس‬
‫وزيد بن ثابت وابن عمر ‪ ،‬وسعيد بن المسيّب والحسن البصريّ وقتادة والثّوريّ وإسحاق ‪.‬‬
‫والدّليل على ذلك ما ورد في الحاديث ‪ ،‬منها ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الوضوء من‬
‫كلّ دم سائل } وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي‬
‫ن الدّم ونحوه نجاسة‬
‫فلينصرف ‪ ،‬فليتوضّأ ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلّم } ول ّ‬
‫خارجة من البدن فأشبه الخارج من السّبيلين ‪ .‬ووجه ما اشترطه الحنابلة من الكثرة في غير‬
‫ن ابن‬
‫ن ابن عبّاس قال في الدّم ‪ :‬إذا كان فاحشا فعليه العادة ‪ ،‬ولما ورد أ ّ‬
‫الغائط والبول أ ّ‬
‫عمر رضي ال عنهما عصر بثرة فخرج دم فصلّى ولم يتوضّأ ‪ .‬وقال المالكيّة والشّافعيّة‬
‫وهو قول ربيعة وأبي ثور وابن المنذر ‪ :‬الخارج من غير السّبيلين ل يعتبر حدثا ‪ ،‬لما روى‬
‫أبو داود عن جابر قال ‪ { :‬خرجنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يعني في غزوة‬
‫ذات الرّقاع ‪ -‬فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ‪ ،‬فحلف أن ل أنتهي حتّى أهريق دما‬
‫في أصحاب محمّد ‪ ،‬فخرج يتبع أثر النّبيّ صلى ال عليه وسلم فنزل النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم منزل ‪ ،‬فقال ‪ :‬من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من النصار ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬كونا بفم الشّعب قال ‪ :‬فلمّا خرج الرّجلن إلى فم الشّعب اضطجع المهاجريّ وقام‬
‫ي يصلّي ‪ ،‬وأتى الرّجل ‪ ،‬فلمّا رأى شخصه عرف أنّه ربيئة للقوم ‪ ،‬فرماه بسهم‬
‫النصار ّ‬
‫فوضعه فيه ‪ ،‬فنزعه حتّى رماه بثلثة أسهم ثمّ ركع وسجد ‪ ،‬ثمّ انتبه صاحبه ‪ ،‬فلمّا عرف‬
‫أنّهم قد نذروا به هرب ‪ ،‬ولمّا رأى المهاجريّ ما بالنصاريّ من الدّم ‪ :‬قال ‪ :‬سبحان اللّه ‪،‬‬
‫أل أنبهتني أوّل ما رمى ؟ قال ‪ :‬كنت في سورة أقرؤها ‪ ،‬فلم أحبّ أن أقطعها } ‪ .‬ولما روي‬
‫أنّه عليه الصلة والسلم ‪ { :‬قاء فلم يتوضّأ } ‪ .‬واستثنى المالكيّة والشّافعيّة من هذا الحكم ما‬
‫خرج من ثقبة تحت المعدة إن انسدّ مخرجه ‪ ،‬وكذلك إذا لم ينسدّ في قول عند المالكيّة ‪،‬‬
‫فينتقض الوضوء ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الحدث الحكميّ ‪:‬‬


‫ي غالبا فيقام السّبب مقام‬
‫‪ - 11‬الحدث الحكميّ هو ما يكون سببا لخروج الحدث الحقيق ّ‬
‫المسبّب احتياطا ‪ .‬فيأخذ حكم الحدث الحقيقيّ شرعا ‪ ،‬ويدخل في هذا النّوع ‪ - :‬زوال العقل‬
‫أو التّمييز وذلك بالنّوم أو السّكر أو الغماء أو الجنون أو نحوها ‪ .‬وهذه السباب متّفق عليها‬
‫بين المذاهب في الجملة ‪ .‬واستدلّ الفقهاء لنقض الوضوء بالنّوم بحديث صفوان بن عسّال قال‬
‫‪ { :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يأمرنا إذا كنّا سفرا أن ل ننزع ثلثة أيّام ولياليهنّ‬
‫إلّ من جنابة ‪ ،‬لكن من غائط وبول ونوم } ‪ .‬وبما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫{ العين وكاء السّه فمن نام فليتوضّأ } ‪ .‬واختلفت عباراتهم في كيفيّة النّوم النّاقض للوضوء ‪:‬‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬النّوم النّاقض هو ما كان مضطجعا أو متّكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل منه‬
‫ن الضطجاع سبب لسترخاء المفاصل فل يعرى عن خروج شيء عادة ‪ ،‬والثّابت‬
‫لسقط ‪ ،‬ل ّ‬
‫عادة كالمتيقّن ‪ .‬والتّكاء يزيل مسكة اليقظة ‪ ،‬لزوال المقعدة عن الرض ‪ .‬بخلف النّوم حالة‬
‫ن بعض الستمساك باق ‪ ،‬إذ لو‬
‫القيام والقعود والرّكوع والسّجود في الصّلة وغيرها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن النّاقض هو النّوم الثّقيل بأن لم يشعر‬
‫زال لسقط ‪ ،‬فلم يتمّ السترخاء ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫بالصّوت المرتفع ‪ ،‬بقربه ‪ ،‬أو بسقوط شيء من يده وهو ل يشعر ‪ ،‬طال النّوم أو قصر ‪ .‬ول‬
‫ينقض بالخفيف ولو طال ‪ ،‬ويندب الوضوء إن طال النّوم الخفيف ‪ .‬وعند الشّافعيّة خمسة‬
‫أقوال ‪ :‬الصّحيح منها أنّ من نام ممكّنا مقعدته من الرض أو نحوها لم ينقض وضوءه ‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن ممكّنا ينتقض على أيّة هيئة كان في الصّلة وغيرها لحديث أنس قال ‪ :‬كان أصحاب‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ‪ ،‬أحسبه قال ‪ :‬قعودا حتّى تخفق‬
‫رءوسهم ثمّ يصلّون ول يتوضّئون ‪ .‬وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتّى يضع جنبه إلى‬
‫الرض } ويندب الوضوء عندهم إلّ مع التّمكين خروجا من الخلف ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقسموا‬
‫النّوم إلى ثلثة أقسام ‪ :‬الوّل ‪ :‬نوم المضطجع فينقض به الوضوء قليل كان أو كثيرا أخذا‬
‫لعموم الحديثين السّابقين ‪ .‬الثّاني ‪ :‬نوم القاعد ‪ ،‬فإن كان كثيرا نقض بناء على الحديثين ‪،‬‬
‫وإن كان يسيرا لم ينقض لحديث أنس الّذي ذكره الشّافعيّة ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ما عدا هاتين الحالتين ‪،‬‬
‫وهو نوم القائم والرّاكع والسّاجد ‪ .‬وقد روي عن أحمد في هذه الحالت روايتان ‪ :‬إحداهما ‪:‬‬
‫ينقض مطلقا للعموم في الحديثين ‪ ،‬والثّانية ‪ :‬ل ينقض ‪ ،‬إلّ إذا كثر ‪ ،‬لحديث ابن عبّاس { أنّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يسجد وينام ثمّ يقوم فيصلّي فقلت له ‪ :‬صلّيت ولم تتوضّأ‬
‫‪ ،‬وقد نمت ‪ ،‬فقال إنّما الوضوء على من نام مضطجعا فإنّه إذا اضطجع استرخت مفاصله }‬
‫‪ .‬والعبرة في تحديد الكثير واليسير في الصّحيح عندهم العرف ‪ .‬أمّا السّكر والجنون‬
‫ن النّائم يستيقظ‬
‫والغماء فدليل نقض الوضوء بها أنّها أبلغ في إزالة المسكة من النّوم ‪ ،‬ل ّ‬
‫بالنتباه ‪ ،‬بخلف المجنون والسّكران والمغمى عليه ‪ .‬ولتعريف هذه المور ومعرفة حكمها‬
‫وأثرها على الوضوء يرجع إلى مصطلحاتها ‪.‬‬

‫المباشرة الفاحشة دون الجماع ‪:‬‬


‫‪ - 12‬وتفسيرها ‪ ،‬كما قال الكاسانيّ من الحنفيّة ‪ :‬أن يباشر الرّجل المرأة بشهوة وينتشر لها‬
‫وليس بينهما ثوب ولم ير بلل ‪ .‬وقال في الدّرّ ‪ :‬أن تكون بتماسّ الفرجين ولو بين المرأتين‬
‫أو الرّجلين مع النتشار ولو بل بلل ‪ .‬فهذه تنقض الوضوء عند جمهور الفقهاء ‪ -‬إلّ محمّدا‬
‫من الحنفيّة ‪ -‬فعن أبي أمامة أنّه قال ‪ { :‬بينما رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في المسجد ‪،‬‬
‫ونحن قعود معه ‪ ،‬إذ جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا ‪ ،‬فأقمه عليّ ‪ ،‬فسكت‬
‫عنه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ أعاد فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا فأقمه‬
‫عليّ ‪ ،‬فسكت عنه ‪ .‬وأقيمت الصّلة ‪ .‬فلمّا انصرف نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم قال أبو‬
‫أمامة ‪ :‬فاتّبع الرّجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حين انصرف واتّبعت رسول اللّه صلى‬
‫ال عليه وسلم أنظر ما يردّ على الرّجل فلحق الرّجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ ‪ .‬قال أبو أمامة ‪ :‬فقال له رسول اللّه صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء ؟ قال ‪ :‬بلى يا‬
‫رسول اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬ثمّ شهدت الصّلة معنا فقال ‪ :‬نعم يا رسول اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬فقال له رسول‬
‫ن اللّه قد غفر لك حدّك ‪ ،‬أو قال ذنبك } ‪ .‬ولنّ المباشرة على‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فإ ّ‬
‫ف بحرارة البدن فلم‬
‫ل أنّه يحتمل أن ج ّ‬
‫الصّفة الّتي ذكرنا ل تخلو عن خروج المذي عادة إ ّ‬
‫يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشّبق فكانت سببا مفضيا إلى الخروج ‪ ،‬وهو المتحقّق في‬
‫مقام وجوب الحتياط ‪.‬‬

‫التقاء بشرتي الرّجل والمرأة ‪:‬‬


‫ن لمس بشرتي الرّجل والمرأة حدث‬
‫‪ - 13‬جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أ ّ‬
‫ينقض الوضوء في الجملة ‪ ،‬لكن تختلف عباراتهم في الشّروط والتّفصيل ‪ .‬فقال المالكيّة ‪:‬‬
‫الّذي ينقض الوضوء هو اللّمس بعضو أصليّ أو زائد يلتذّ صاحبه به عادة ‪ ،‬ولو لظفر أو‬
‫شعر أو سنّ ‪ ،‬ولو بحائل خفيف يحسّ اللّامس فوقه بطراوة الجسد ‪ ،‬إن قصد الّلذّة أو وجدها‬
‫بدون القصد ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وممّن يلتذّ به عادة المرد والّذي لم تت ّم لحيته ‪ ،‬فل نقض بلمس جسد‬
‫أو فرج صغيرة ل تشتهى عادة ‪ ،‬ولو قصد ‪ .‬الّلذّة أو وجدها ‪ ،‬كما ل تنقض بلمس محرم‬
‫بغير لذّة ‪ ،‬أمّا القبلة بفم فناقضة ول تشترط فيها الّلذّة ول وجودها ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬هو لمس‬
‫بشرتي الذّكر والنثى اللّذين بلغا حدّا يشتهى ‪ ،‬ولو لم يكونا بالغين ‪ ،‬ول فرق في ذلك بين أن‬
‫يكون بشهوة أو إكراه أو نسيان ‪ ،‬أو يكون الذّكر ممسوحا أو خصيّا أو عنّينا ‪ ،‬أو المرأة‬
‫ل أو أحدهما ميّتا ‪ .‬والمراد بالبشرة‬
‫عجوزا شوهاء ‪ ،‬أو العضو زائدا أو أصليّا سليما أو أش ّ‬
‫ظاهر الجلد ‪ .‬وفي معناها اللّحم ‪ ،‬كلحم السنان واللّسان واللّثة وباطن العين ‪ ،‬فخرج ما إذا‬
‫ل هذا كاللّامس في نقض وضوئه في‬
‫كان على البشرة حائل ولو رقيقا ‪ .‬والملموس في ك ّ‬
‫الظهر ‪ .‬ول ينقض بلمس المحرم في الظهر ‪ ،‬ول صغيرة ‪ ،‬وشعر ‪ ،‬وسنّ ‪ ،‬وظفر في‬
‫الصحّ ‪ ،‬كما ل ينقض بلمس الرّجل الرّجل والمرأة المرأة والخنثى مع الخنثى أو مع الرّجل‬
‫س بشرة الذّكر بشرة أنثى أو عكسه‬
‫أو المرأة ولو بشهوة ‪ ،‬لنتفاء مظنّتها ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬م ّ‬
‫لشهوة من غير حائل غير طفلة وطفل ولو كان اللّمس بزائد أو لزائد أو شلل ‪ ،‬ولو كان‬
‫الملموس ميّتا أو عجوزا أو محرما أو صغيرة تشتهى ‪ ،‬ول ينقض وضوء الملموس بدنه ولو‬
‫وجد منه شهوة ‪ ،‬ول بلمس شعر وظفر وسنّ وعضو مقطوع وأمرد مسّه رجل ول مسّ‬
‫خنثى مشكل ‪ ،‬ول بمسّه رجل أو امرأة ‪ ،‬ول بمسّ الرّجل رجل ‪ ،‬ول المرأة المرأة ولو‬
‫بشهوة فيهم ‪ .‬هذا ‪ ،‬ويستدلّ الجمهور في اعتبارهم اللّمس من الحداث بما ورد في الية من‬
‫قوله تعالى ‪ { .‬أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النّساء } أي لمستم كما قرئ به ‪،‬‬
‫فعطف اللّمس على المجيء من الغائط ورتّب عليهما المر بالتّيمّم عند فقد الماء ‪ ،‬فدلّ على‬
‫أنّه حدث كالمجيء من الغائط ‪ .‬وليس معناه ( أو جامعتم ) لنّه خلف الظّاهر ‪ ،‬إذ اللّمس ل‬
‫يختصّ بالجماع ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬فلمسوه بأيديهم } وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لعلّك‬
‫لمست } ‪ .‬أمّا ما اشترطه المالكيّة من قصد الّلذّة أو وجودها والحنابلة من أن يكون اللّمس‬
‫ل على عدم النّقض بمجرّد اللتقاء كما سيأتي ‪.‬‬
‫بالشّهوة فللجمع بين الية وبين الخبار الّتي تد ّ‬
‫س المرأة من الحداث مطلقا ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال عنها قالت‬
‫أمّا الحنفيّة فل يعتبرون م ّ‬
‫‪ :‬كنت أنام بين يدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ورجلي في قبلته فإذا سجد غمزني‬
‫فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما ‪ .‬وعنها أنّه صلى ال عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثمّ خرج‬
‫إلى الصّلة ولم يتوضّأ ‪.‬‬

‫مسّ فرج الدميّ ‪:‬‬


‫س فرج الدميّ حدث ينقض‬
‫‪ - 14‬ذكر الشّافعيّة والمالكيّة وهو رواية عند الحنابلة أنّ م ّ‬
‫الوضوء في الجملة ‪ ،‬ولكن اختلفت عباراتهم في الشّروط والتّفصيل ‪ :‬فقال المالكيّة ‪ :‬ينقض‬
‫الوضوء مطلق مسّ ذكر الماسّ البالغ المتّصل ولو كان خنثى مشكل ببطن أو جنب لكفّ أو‬
‫إصبع ولو كانت الصبع زائدة وبها إحساس ‪ .‬ول يشترط فيه التّعمّد أو اللتذاذ ‪ .‬أمّا مسّ‬
‫ذكر غيره فيجري على حكم اللّمس من تقييده بالقصد أو وجدان الّلذّة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪:‬‬
‫النّاقض مسّ قبل الدميّ ذكرا كان أو أنثى من نفسه أو غيره متّصل أو منفصل ببطن الكفّ‬
‫ل الجبّ‬
‫من غير حائل ‪ .‬وكذا ( في الجديد ) حلقة دبره ولو فرج الميّت والصّغير ومح ّ‬
‫ح ‪ ،‬ل برأس الصابع وما بينهما ‪ .‬وقال الحنابلة في‬
‫والذّكر الشلّ وباليد الشّلّاء على الص ّ‬
‫س ذكر الدميّ إلى أصول النثيين مطلقا سواء‬
‫الرّواية الّتي تجعل مسّه حدثا ‪ :‬النّاقض م ّ‬
‫س ذكرا أم أنثى ‪ ،‬صغيرا أو كبيرا بشهوة أو غيرها من نفسه أو غيره ‪ ،‬ل مسّ‬
‫أكان الما ّ‬
‫منقطع ول محلّ القطع ‪ ،‬ويكون المسّ ببطن الكفّ أو بظهره أو بحرفه غير ظفر ‪ ،‬من غير‬
‫حائل ‪ ،‬ولو بزائد ‪ .‬كما ينقض مسّ حلقة دبر منه أو من غيره ‪ ،‬ومسّ امرأة فرجها الّذي بين‬
‫شفريها أو فرج امرأة أخرى ‪ ،‬ومسّ رجل فرجها ومسّها ذكره ولو من غير شهوة ‪ .‬والدّليل‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من‬
‫س الفرج حدث ما رواه بسر بن صفوان أ ّ‬
‫على أنّ م ّ‬
‫مسّ ذكره فل يصلّ حتّى يتوضّأ } وما روي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬من أفضى‬
‫بيده إلى ذكره ليس دونه ستر وجب عليه الوضوء } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أيّما‬
‫ن مسّ‬
‫ص الحنفيّة ‪ -‬وهو رواية أخرى عند الحنابلة أ ّ‬
‫امرأة مسّت فرجها فلتتوضّأ } ‪ .‬ون ّ‬
‫الفرج ل يعتبر من الحداث فل ينقض الوضوء ‪ ،‬لحديث طلق بن عليّ عن أبيه { عن النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنّه سئل عن الرّجل يمسّ ذكره في الصّلة فقال ‪ :‬هل هو إلّ بضعة منك‬
‫} ‪ .‬قال الحنفيّة ‪ :‬يغسل يده ندبا لحديث { من مسّ ذكره فليتوضّأ } أي ليغسل يده جمعا بينه‬
‫وبين قوله صلى ال عليه وسلم { هل هو إلّ بضعة منك } حين سئل عن الرّجل يمسّ ذكره‬
‫بعدما يتوضّأ وفي رواية في الصّلة ‪.‬‬

‫القهقهة في الصّلة ‪:‬‬


‫‪ - 15‬جمهور الفقهاء وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬ل يعتبرون القهقهة من الحداث‬
‫مطلقا ‪ ،‬فل ينتقض الوضوء بها أصل ول يجعلون فيها وضوءا ‪ ،‬لنّها ل تنقض الوضوء‬
‫خارج الصّلة فل تنقضه داخلها ‪ ،‬ولنّها ليست خارجا نجسا ‪ ،‬بل هي صوت كالكلم والبكاء‬
‫ل بالغ‬
‫‪ .‬وذكر الحنفيّة في الحداث الّتي تنقض الوضوء القهقهة في الصّلة إذا حدثت من مص ّ‬
‫يقظان في صلة كاملة ذات ركوع وسجود ‪ ،‬سواء أكان متوضّئا أم متيمّما أم مغتسل في‬
‫الصّحيح ‪ ،‬وسواء أكانت القهقهة عمدا أم سهوا ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من ضحك‬
‫في الصّلة قهقهة فليعد الوضوء والصّلة معا } ‪ .‬والقهقهة ما يكون مسموعا لجيرانه ‪،‬‬
‫والضّحك ما يسمعه هو دون جيرانه ‪ ،‬والتّبسّم ما ل صوت فيه ولو بدت أسنانه ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫القهقهة تنقض الوضوء وتبطل الصّلة معا ‪ ،‬والضّحك يبطل الصّلة خاصّة ‪ ،‬والتّبسّم ل‬
‫ح عند‬
‫يبطل شيئا ‪ .‬وعلى ذلك فل يبطل وضوء صبيّ ونائم بالقهقهة في الصّلة على الص ّ‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬كما ل ينقض وضوء من قهقه خارج الصّلة ‪ ،‬أو من كان في صلة غير كاملة ‪،‬‬
‫كصلة الجنازة وسجدة التّلوة ‪ .‬ثمّ قيل ‪ :‬إنّ القهقهة من الحداث عندهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل بل‬
‫وجب الوضوء بها عقوبة وزجرا ‪ ،‬لنّ المقصود بالصّلة إظهار الخشوع والخضوع‬
‫والتّعظيم للّه تعالى ‪ ،‬والقهقهة تنافي ذلك فناسب انتقاض وضوئه زجرا له ‪ .‬والرّاجح أنّها‬
‫ل لستوى فيها جميع الحوال مع أنّها مخصوصة بأن تكون في الصّلة الكاملة‬
‫ليست حدثا وإ ّ‬
‫ل بالغ ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ورجّح في البحر القول الثّاني لموافقته القياس ‪ ،‬لنّها‬
‫من مص ّ‬
‫ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالكلم والبكاء ‪ ،‬ولموافقته للحاديث المرويّة فيها ‪ ،‬إذ‬
‫ليس فيها إلّ المر بإعادة الوضوء والصّلة ول يلزم منه كونها حدثا ‪.‬‬
‫‪ - 16‬وفائدة الخلف في القولين تظهر في جواز مسّ المصحف وكتابة القرآن ‪ ،‬فمن جعلها‬
‫حدثا منع كسائر الحداث ‪ ،‬ومن أوجب الوضوء عقوبة وزجرا جوّز ‪.‬‬

‫أكل لحم الجزور ‪:‬‬


‫‪ - 17‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أكل لحم الجزور ل ينقض الوضوء كأكل سائر الطعمة‬
‫لما روى ابن عبّاس عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬الوضوء ممّا يخرج وليس ممّا‬
‫يدخل } ولما روى جابر قال ‪ { :‬كان آخر المرين من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ترك‬
‫الوضوء ممّا مسّته النّار } ولنّه مأكول أشبه سائر المأكولت في عدم النّقض ‪ ،‬والمر‬
‫بالوضوء فيه محمول على الستحباب أو الوضوء اللّغويّ وهو غسل اليدين ‪ .‬وصرّح‬
‫الحنابلة ‪ -‬وهو أحد قولي الشّافعيّ ‪ -‬بأن أكل لحم البل ينقض الوضوء على كلّ حال نيئا‬
‫ومطبوخا ‪ ،‬عالما كان الكل أو جاهل ‪ .‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬توضّئوا من لحوم‬
‫البل ول تتوضّئوا من لحوم الغنم } ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إنّ وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور‬
‫تعبّديّ ل يعقل معناه فل يتعدّى إلى غيره ‪ ،‬فل يجب الوضوء بشرب لبنها ‪ ،‬ومرق لحمها ‪،‬‬
‫وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها ونحوه ‪.‬‬

‫غسل الميّت ‪:‬‬


‫‪ - 18‬ذهب جمهور الفقهاء وهو قول بعض الحنابلة ‪ :‬إلى عدم وجوب الوضوء بتغسيل‬
‫الميّت ‪ ،‬لنّ الوجوب يكون من الشّرع ‪ ،‬ولم يرد في هذا نصّ فبقي على الصل ‪ .‬ولنّه‬
‫غسل آدميّ فأشبه غسل الحيّ ‪ ،‬وما روي عن أحمد في هذا محمول على الستحباب ‪ .‬ويرى‬
‫ن من غسّل الميّت أو بعضه ولو في قميص يجب عليه الوضوء سواء أكان‬
‫أكثر الحنابلة أ ّ‬
‫المغسول صغيرا أم كبيرا ‪ ،‬ذكرا أم أنثى ‪ ،‬مسلما أم كافرا ‪ .‬لما روي عن ابن عمر وابن‬
‫عبّاس رضي ال عنهم أنّهما كانا يأمران غاسل ‪ .‬الميّت بالوضوء ‪ ،‬ولنّ الغالب فيه أنّه ل‬
‫يسلم أن تقع يده على فرج الميّت فتقام مظنّة ذلك مقام حقيقته كما أقيم النّوم مقام الحدث ‪.‬‬

‫( الرّدّة ) ‪:‬‬
‫‪ - 19‬ال ّردّة ‪ -‬وهي التيان بما يخرج من السلم بعد تقرّره ‪ -‬حدث حكميّ تنقض الوضوء‬
‫عند الحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة ‪ ،‬فالمرتدّ إذا عاد إلى السلم ورجع إلى دين الحقّ‬
‫فليس له الصّلة حتّى يتوضّأ وإن كان متوضّئا قبل ردّته ولم ينقض وضوءه بأسباب أخرى ‪.‬‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك } والطّهارة‬
‫عمل ‪ .‬ونقل عن ابن القاسم من المالكيّة استحباب الوضوء في هذه الحالة ‪ .‬ولم يعدّ الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة ال ّردّة من أسباب الحدث فل ينقض الوضوء بها عندهم لقوله تعالى ‪ { :‬ومن يرتدد‬
‫منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والخرة } فشرط الموت بعد‬
‫ال ّردّة لحبوط العمل ‪ -‬كما قال ابن قدامة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬ردّة )‬

‫شكّ في الحدث ‪:‬‬


‫ال ّ‬
‫شكّ ل الوضوء ‪ .‬فلو أيقن‬
‫‪ - 20‬ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ال ّ‬
‫ك في عروض الحدث بعدها فهو على الطّهارة ‪ ،‬ومن أيقن‬
‫بالطّهارة ( أي علم سبقها ) وش ّ‬
‫شكّ ‪ ،‬والصل في ذلك‬
‫بالحدث وشكّ في الطّهارة فهو على الحدث ‪ ،‬لنّ اليقين ل يزول بال ّ‬
‫ما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه‬
‫أخرج منه شيء أم لم يخرج فل يخرجنّ من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬ولو‬
‫تيقّنهما ولم يعلم الخر منهما ‪ ،‬مثل من تيقّن أنّه كان في وقت الظّهر متطهّرا مرّة ومحدثا‬
‫أخرى ول يعلم أيّهما كان لحقا يأخذ بضدّ ما قبلهما عند الحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ‪،‬‬
‫وذكره بعض الحنفيّة ‪ ،‬وعلى ذلك فإن كان قبلهما محدثا فهو الن متطهّر لنّه تيقّن الطّهارة‬
‫وشكّ في تأخّر الحدث عنها والصل عدم تأخّره ‪ ،‬وإن كان قبلهما متطهّرا فهو الن محدث ‪،‬‬
‫لنّه تيقّن الحدث وشكّ في تأخّر الطّهارة عنه ‪ ،‬والصل عدم تأخّرها ‪ ،‬فإن لم يعلم ما قبلهما‬
‫لزمه الوضوء لتعارض الحتمالين من غير مرجّح ‪ .‬والوجه الثّاني عند الشّافعيّة ل ينظر إلى‬
‫ك في السّابق فهو‬
‫ما قبلهما ويلزمه الوضوء ‪ .‬والمشهور عند الحنفيّة أنّه لو تيقّنهما وش ّ‬
‫متطهّر ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد صرّحوا بنقض الوضوء بشكّ في حدث بعد طهر علم ‪ ،‬فإن أيقن‬
‫شكّ مستنكحا‬
‫بالوضوء ثمّ شكّ فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم ل فليعد وضوءه إلّ أن يكون ال ّ‬
‫‪ .‬قال الحطّاب ‪ :‬هذا إذا شكّ قبل الصّلة ‪ ،‬أمّا إذا صلّى ثمّ شكّ هل أحدث أم ل ففيه قولن ‪.‬‬
‫ن من شكّ أثناء صلته هل هو على وضوء أم ل فتمادى على‬
‫وذكر في التّاج والكليل أ ّ‬
‫صلته وهو على شكّه ذلك ‪ ،‬فلمّا فرغ من صلته استيقن أنّه على وضوئه فإنّ صلته‬
‫شكّ الطّارئ ‪ .‬أمّا إذا طرأ‬
‫مجزئة ‪ ،‬لنّه دخل في الصّلة بطهارة متيقّنة ‪ ،‬فل يؤثّر فيها ال ّ‬
‫ل على طهارة‬
‫شكّ في طهارته قبل دخوله في الصّلة فوجب أل يدخل في الصّلة إ ّ‬
‫عليه ال ّ‬
‫متيقّنة ‪ .‬وينتقض الوضوء عندهم أيضا بشكّ في السّابق من الوضوء والحدث سواء كانا‬
‫محقّقين أو مظنونين أو مشكوكين أو أحدهما محقّقا أو مظنونا والخر مشكوكا أو أحدهما‬
‫محقّقا والخر مظنونا ‪ .‬وقال في البدائع ‪ :‬لو شكّ في بعض وضوئه ‪ -‬وهو أوّل ما شكّ ‪-‬‬
‫شكّ في مثله عادة‬
‫غسل الموضع الّذي شكّ فيه لنّه على يقين من الحدث فيه ‪ ،‬وإن صار ال ّ‬
‫له بأن يعرض له كثيرا لم يلتفت إليه ‪ ،‬لنّه من باب الوسوسة فيجب قطعها ‪ .‬لقول النّبيّ‬
‫ن الشّيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فل‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬
‫ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( شكّ ) ( ووسوسة ) ‪.‬‬

‫حكم الحدث ‪:‬‬


‫‪ - 21‬الحدث إمّا أن يكون أكبر فيوجب الغسل ‪ ،‬أو أصغر فيوجب الوضوء فقط ‪ ،‬أمّا أحكام‬
‫الحدث الكبر وأسبابه من الجنابة والحيض والنّفاس فينظر تفصيله في مصطلحاتها ومصطلح‬
‫‪ ( :‬غسل ) ‪ .‬وفيما يأتي أحكام الحدث الصغر ‪ :‬أوّل ‪ :‬ما ل يجوز بالحدث الصغر ‪:‬‬
‫أ ‪ ( -‬الصّلة ) ‪:‬‬
‫‪ - 22‬يحرم بالمحدث ( حيث ل عذر ) الصّلة بأنواعها بالجماع لحديث الصّحيحين ‪ { :‬ل‬
‫يقبل اللّه صلة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ } وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬ل صلة لمن‬
‫ل وضوء له } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تقبل صلة بغير طهور } وهو يعمّ الفرض‬
‫والنّفل ‪ ،‬ومنها صلة الجنازة باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وفي معنى الصّلة سجدتا التّلوة والشّكر‬
‫ي وابن جرير الطّبريّ جواز الصّلة‬
‫وخطبة الجمعة عند بعض الفقهاء ‪ ،‬وحكي عن الشّعب ّ‬
‫على الجنائز بغير وضوء ول تيمّم ‪ .‬وإذا كان هناك عذر كمن قطعت يداه ورجله وبوجهه‬
‫جراحة ‪ -‬كما ذكره الحنفيّة أو لم يجد ماء ول ترابا مع ضيق الوقت كما قال الشّافعيّة ‪-‬‬
‫صلّى وجوبا بغير طهارة وتفصيله في مصطلح ( فقد الطّهورين ) هذا إذا كان محدثا قبل‬
‫دخوله في الصّلة ‪ - 23 .‬أمّا إذا طرأ عليه الحدث وهو في الصّلة ‪ ،‬فجمهور الفقهاء ‪ ،‬وهم‬
‫المالكيّة والشّافعيّة وهو الصّحيح عند الحنابلة يرون بطلن الصّلة ‪ ،‬غلبة كان الحدث أو‬
‫نسيانا ‪ ،‬سواء أكان المصلّي فذّا أم مأموما أم إماما ‪ ،‬لكن ل يسري بطلن صلة المام على‬
‫صلة المأمومين عند من يجيزون الستخلف كما سيأتي في الفقرة التّالية ‪ .‬وعلى ذلك فمن‬
‫سبقه الحدث في الصّلة تبطل صلته ويلزمه استئنافها ‪ ،‬لما روى عليّ بن طلق قال ‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا فسا أحدكم في الصّلة فلينصرف فليتوضّأ وليعد‬
‫الصّلة } ولنّه فقد شرطا من شروط الصّلة في أثنائها على وجه ل يعود إلّ بعد زمن‬
‫طويل وعمل كثير ففسدت صلته ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إن سبق المصلّي حدث توضّأ وبنى لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي ‪ ،‬فلينصرف ‪ ،‬فليتوضّأ‬
‫ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلّم } لنّ البلوى فيما سبق فل يلحق به ما يتعمّده ‪.‬‬
‫والستئناف أفضل تحرّزا عن شبهة الخلف ‪ .‬وقد فصّل الكاسانيّ ذلك فقال ‪ :‬إذا سبقه‬
‫الحدث ثمّ تكلّم أو أحدث متعمّدا أو ضحك أو قهقه أو أكل أو شرب أو نحو ذلك ل يجوز له‬
‫ن هذه الفعال منافية للصّلة في الصل فل يسقط اعتبار المنافي إلّ لضرورة ول‬
‫البناء ل ّ‬
‫ن أو أغمي عليه أو أجنب لنّه ل يكثر وقوعه فكان للبناء منه بدّ وكذا‬
‫ضرورة ‪ ،‬وكذا إذا ج ّ‬
‫لو أدّى ركنا من أركان الصّلة مع الحدث أو مكث بقدر ما يتمكّن فيه من أداء ركن لنّه‬
‫عمل كثير ليس من أعمال الصّلة وله منه بدّ ‪ ،‬وكذا لو استقى من البئر وهو ل يحتاج إليه‬
‫ولو مشى إلى الوضوء فاغترف الماء من الناء أو استقى من البئر وهو محتاج إليه فتوضّأ‬
‫ن الوضوء أمر ل بدّ للبناء منه والمشي والغتراف والستقاء عند الحاجة من‬
‫جاز له البناء ل ّ‬
‫ضرورات الوضوء ‪ ،‬ولو افتتح الصّلة بالوضوء ثمّ سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمّم وبنى لنّ‬
‫ابتداء الصّلة بالتّيمّم عند فقد الماء جائز فالبناء أولى ‪ ،‬وفي بيان كيفيّة البناء قال الكاسانيّ ‪:‬‬
‫المصلّي ل يخلو إمّا أن كان منفردا أو مقتديا أو إماما ‪ .‬فإن كان منفردا فانصرف وتوضّأ‬
‫فهو بالخيار إن شاء أتمّ صلته في الموضع الّذي توضّأ فيه وإن شاء عاد إلى الموضع الّذي‬
‫افتتح الصّلة فيه ‪ ،‬لنّه إذا أتمّ الصّلة حيث هو فقد سلمت صلته عن المشي لكنّه صلّى‬
‫صلة واحدة في مكانين ‪ ،‬وإن عاد إلى مصلّاه فقد أدّى جميع الصّلة في مكان واحد لكن مع‬
‫زيادة مشي فاستوى الوجهان فيخيّر ‪ ،‬وإن كان مقتديا فانصرف وتوضّأ فإن لم يفرغ من‬
‫الصّلة فعليه أن يعود لنّه في حكم المقتدي بعد ولو لم يعد وأتمّ بقيّة صلته في بيته ل‬
‫يجزيه ‪ .‬ثمّ إذا عاد ينبغي أن يشتغل أوّل بقضاء ما سبق به في حال تشاغله بالوضوء ‪ ،‬لنّه‬
‫لحق فكأنّه خلف المام فيقوم مقدار قيام المام من غير قراءة ‪ ،‬ومقدار ركوعه وسجوده ‪،‬‬
‫ول يضرّه إن زاد أو نقص ‪ ،‬ولو تابع إمامه أوّل ثمّ اشتغل بقضاء ما سبق به بعد تسليم‬
‫المام جازت صلته خلفا لزفر ‪ ،‬وإن كان إماما يستخلف ثمّ يتوضّأ ويبني على صلته ‪،‬‬
‫والمر في موضع البناء وكيفيّته على نحو ما سبق في المقتدي ‪ ،‬لنّه بالستخلف تحوّلت‬
‫المامة إلى الثّاني وصار هو كواحد من المقتدين به ‪.‬‬

‫استخلف المام في حالة الحدث ‪:‬‬


‫‪ - 24‬للمام إذا سبقه الحدث أن يستخلف من يتمّ بهم الصّلة عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة‬
‫والمالكيّة ‪ ،‬وهو الظهر عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة ‪ ،‬لنّ عمر رضي ال عنه لمّا‬
‫طعن أخذ بيد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه فأتمّ بهم الصّلة ‪ ،‬وكان ذلك بمحضر الصّحابة‬
‫وغيرهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا ‪ ،‬ومثله عند الشّافعيّة ما لو تعمّد الحدث أو أبطل‬
‫الصّلة ‪ .‬وفي مقابل الظهر عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية للحنابلة ل يجوز الستخلف قال‬
‫الشّافعيّة ‪ :‬لنّها صلة واحدة فل تصحّ بإمامين معا ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬لنّه فقد شرط صحّة‬
‫الصّلة فتبطل صلة المأمومين ببطلن صلته كما لو تعمّد الحدث ‪ .‬ولجواز الستخلف‬
‫شروط وتفصيل ينظر في مصطلح ( استخلف ) ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الطّواف ‪:‬‬
‫‪ - 25‬جمهور الفقهاء على عدم جواز الطّواف للمحدث ‪ ،‬سواء أكان الطّواف فرضا أم واجبا‬
‫أم نفل ‪ ،‬في نسك أم في غيره ‪ ،‬ويعتبرون الطّهارة شرطا لصحّة الطّواف ‪ ،‬لنّه في حكم‬
‫الصّلة لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الطّواف حول البيت مثل الصّلة ‪ ،‬إلّ أنّكم تتكلّمون فيه‬
‫ن إلّ بخير } ‪ .‬والحنفيّة في الصّحيح عندهم عدّوا الطّهارة في‬
‫‪ ،‬فمن تكلّم فيه فل يتكلّم ّ‬
‫الطّواف من الواجبات ‪ ،‬وبعض الحنفيّة وهو قول عند الحنابلة على أنّها من السّنن ‪ .‬قال في‬
‫ن الطّواف بالبيت شبيه بالصّلة ‪ ،‬ومعلوم أنّه‬
‫البدائع ‪ :‬فإن طاف محدثا جاز مع النّقصان ‪ ،‬ل ّ‬
‫ليس بصلة حقيقة ‪ ،‬فلكونه طوافا حقيقة يحكم بالجواز ‪ ،‬ولكونه شبيها بالصّلة يحكم‬
‫بالكراهة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ( طواف ) ‪.‬‬

‫س المصحف ‪:‬‬
‫ج‪-‬م ّ‬
‫س المصحف كلّه أو بعضه عند فقهاء المذاهب الربعة ‪ ،‬لقوله‬
‫‪ - 26‬ل يجوز للمحدث م ّ‬
‫تعالى ‪ { :‬ل يمسّه إلّ المطهّرون } ولقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬ل تمسّ القرآن إلّ وأنت‬
‫طاهر } واتّفقوا على جواز تلوته لمن كان محدثا حدثا أصغر بغير لمس ‪ .‬واستثنى بعضهم‬
‫من المنع مسّه في حالت خاصّة كما إذا كان بحائل أو عود طاهرين أو في وعائه وعلقته ‪،‬‬
‫أو لمعلّم ومتعلّم لغرض التّعليم ‪ ،‬أو كان حمله في حال الحدث غير مقصود ‪ ،‬كأن كان في‬
‫ل هذه‬
‫صندوق ضمن المتعة ‪ ،‬ويكون القصد حمل المتعة وفي داخلها قرآن ‪ .‬ولتفصيل ك ّ‬
‫المسائل مع آراء الفقهاء راجع مصطلح ( مصحف ) ‪ - 27 .‬ويجوز مسّ وحمل كتب‬
‫التّفسير ورسائل فيها قرآن في حالة الحدث إذا كان التّفسير أكثر من القرآن عند جمهور‬
‫الفقهاء ‪ .‬أمّا إذا كان القرآن أكثر أو مساويا للتّفسير أو يكون القرآن مكتوبا على الدّراهم‬
‫والدّنانير ففي مسّه للمحدث تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( مصحف ) ‪ - 28 .‬هذا وما‬
‫يحرم على المحدث حدثا أصغر يحرم على المحدث حدثا أكبر ( الجنب والحائض والنّفساء )‬
‫ن الحدث الكبر أغلظ من الحدث الصغر ‪ .‬وزيادة على ذلك يحرم على‬
‫بطريق الولى ‪ ،‬ل ّ‬
‫المحدث حدثا أكبر ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تلوة القرآن الكريم بقصد التّلوة ‪ ( .‬ر ‪ :‬تلوة ) ‪.‬‬
‫‪ - 2‬العتكاف ‪ :‬كما فصّل في مصطلح ( اعتكاف ) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬المكث في المسجد باتّفاق الفقهاء ‪ .‬أمّا دخول المسجد عبورا أو مجتازا ‪ ،‬فأجازه الشّافعيّة‬
‫ل لضرورة ‪ .‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ المسجد ل‬
‫والحنابلة ومنعه الحنفيّة والمالكيّة إ ّ‬
‫يحلّ لجنب ول لحائض } ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬مسجد ) ‪ .‬ويحرم بالحيض والنّفاس‬
‫علوة على ذلك الصّيام ‪ ( .‬ر ‪ :‬حيض ‪ ،‬ونفاس ) ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬ما يرفع به الحدث ‪:‬‬


‫‪ - 29‬يرفع الحدث الكبر بالغسل ‪ ،‬والصغر بالغسل وبالوضوء باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وينظر‬
‫تفصيلهما في مصطلحي ‪ ( :‬غسل ‪ ،‬ووضوء ) ‪ .‬أمّا التّيمّم فهو بدل من الغسل والوضوء ‪،‬‬
‫وجمهور الفقهاء على أنّه بدل ضروريّ ل يرفع الحدث لكنّه يباح للمتيمّم الصّلة به ونحوها‬
‫ن التّيمّم بدل مطلق للوضوء والغسل ‪،‬‬
‫للضّرورة مع قيام الحدث حقيقة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫فيرفع الحدث إلى وقت وجود الماء ‪ ،‬فيجوز به ما يجوز بالوضوء والغسل مطلقا ‪ .‬وتفصيله‬
‫في مصطلح ‪ ( :‬تيمّم ) ‪.‬‬

‫حدّ الحرابة انظر ‪ :‬حرابة‬

‫حدّ ال ّردّة انظر ‪ :‬ردّة‬

‫حدّ الزّنى انظر ‪ :‬زنى‬

‫حدّ السّكر انظر ‪ :‬سكر‬

‫حدّ القذف انظر ‪ :‬قذف‬

‫( حدود )‬
‫التّعريف‬
‫سجّان حدّادا ‪،‬‬
‫ل من البوّاب وال ّ‬
‫‪ - 1‬الحدود جمع حدّ ‪ ،‬وهو في اللّغة المنع ‪ ،‬ومنه سمّي ك ّ‬
‫لمنع الوّل من الدّخول ‪ ،‬والثّاني من الخروج ‪ .‬وسمّي المعرّف للماهيّة حدّا ‪ ،‬لمنعه من‬
‫الدّخول والخروج ‪ .‬وحدود اللّه تعالى محارمه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬تلك حدود اللّه فل تقربوها }‬
‫‪ .‬والحدّ في الصطلح ‪ :‬عقوبة مقدّرة وجبت حقّا للّه تعالى ‪ ،‬وعرّفه الشّافعيّة والحنابلة بأنّه‬
‫عقوبة مقدّرة على ذنب وجبت حقّا للّه تعالى كما في الزّنى ‪ ،‬أو اجتمع فيها حقّ اللّه وحقّ‬
‫العبد كالقذف فليس منه التّعزير لعدم تقديره ‪ ،‬ول القصاص لنّه حقّ خالص لدميّ ‪ .‬وعند‬
‫بعض الفقهاء ‪ :‬هو عقوبة مقدّرة بتقدير الشّارع ‪ ،‬فيدخل القصاص ‪ .‬ويطلق لفظ الحدّ على‬
‫جرائم الحدود مجازا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ارتكب الجاني حدّا ‪ ،‬ويقصد أنّه ارتكب جريمة ذات عقوبة‬
‫مقدّرة شرعا ‪ ( .‬اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القصاص ‪:‬‬
‫‪ - 2‬القصاص لغة المماثلة ‪ ،‬واصطلحا ‪ :‬أن يوقع على الجاني مثل ما جنى كالنّفس بالنّفس‬
‫والجرح بالجرح ‪ .‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب } وقوله‬
‫تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ } ‪ .‬فالقصاص غير الح ّد لنّه عقوبة‬
‫مقدّرة وجبت حقّا للعباد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّعزير ‪:‬‬
‫‪ - 3‬أصله من العزر وهو في اللّغة بمعنى ال ّردّ والمنع ‪ ،‬وذلك لنّه يمنع من معاودة القبيح ‪،‬‬
‫ويطلق أيضا على التّفخيم والتّعظيم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى { وتعزّروه وتوقّروه } ‪ ،‬فهو من‬
‫الضداد ‪ .‬وشرعا ‪ :‬تأديب دون الحدّ ‪ ،‬فالتّعزير في بعض إطلقاته اللّغويّة حدّ ‪ .‬وأمّا في‬
‫الشّرع فليس بحدّ ‪ ،‬لنّه ليس بمقدّر ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العقوبة ‪:‬‬
‫ص معاقبة وعقابا ‪ ،‬والسم العقوبة ‪ ،‬وهي اللم الّذي يلحق‬
‫‪ - 4‬العقوبة من عاقبت اللّ ّ‬
‫النسان مستحقّا على الجناية ‪ ،‬ويكون بالضّرب ‪ ،‬أو القطع ‪ ،‬أو الرّجم ‪ ،‬أو القتل ‪ ،‬سمّي بها‬
‫لنّها تتلو الذّنب من تعقّبه إذا تبعه ‪ ،‬فالعقوبة أع ّم من الحدود ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الجناية ‪:‬‬
‫شرّ ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬اسم لفعل محرّم وقع على مال أو‬
‫‪ - 5‬الجناية لغة ‪ :‬اسم لما يكتسب من ال ّ‬
‫ل حدّ‬
‫نفس ‪ .‬فبين الجناية والح ّد على الطلق المجازيّ عموم وخصوص من وجه إذ ك ّ‬
‫ل جناية حدّا ‪ ،‬وأمّا على الطلق الوّل فبينهما تباين ‪.‬‬
‫جناية وليس ك ّ‬

‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬


‫سنّة والجماع ‪ ،‬والمعقول ‪.‬‬
‫‪ - 6‬إقامة الحدود فرض على وليّ المر ودليل ذلك الكتاب وال ّ‬
‫أمّا الكتاب فمنه قوله تعالى في الزّنى ‪ { :‬الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة }‬
‫‪ .‬وفي السّرقة { والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } الية وفي حدّ القذف ‪:‬‬
‫{ والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم‬
‫شهادة أبدا ‪ } ...‬وفي قطع الطّريق ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ‪ ،‬ويسعون في‬
‫سنّة ‪ :‬فحديث ماعز والغامديّة ‪ ،‬والعسيف‬
‫الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا } الية ‪ .‬وأمّا ال ّ‬
‫وغيرها من الحاديث المشهورة ‪ .‬وقد وقع الجماع على وجوب إقامة الحدود ‪ .‬وأمّا المعقول‬
‫ن الطّباع البشريّة ‪ ،‬والشّهوة النّفسانيّة مائلة إلى قضاء الشّهوة ‪ ،‬واقتناص الملذ ‪،‬‬
‫‪ :‬فهو أ ّ‬
‫وتحصيل مقصودها ومحبوبها من الشّرب والزّنى والتّشفّي بالقتل وأخذ مال الغير ‪،‬‬
‫والستطالة على الغير بالشّتم والضّرب ‪ ،‬فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حسما لهذا الفساد‬
‫‪ ،‬وزجرا عن ارتكابه ‪ ،‬ليبقى العالم على نظم الستقامة ‪ ،‬فإنّ إخلء العالم عن إقامة الزّاجر‬
‫يؤدّي إلى انحرافه ‪ ،‬وفيه من الفساد ما ل يخفى ‪ .‬ولذا قال صاحب الهداية ‪ :‬والمقصد‬
‫الصليّ من شرعه النزجار عمّا يتضرّر به العباد ‪.‬‬

‫أنواع الحدود ‪:‬‬


‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ ما يطبّق على جريمة كلّ من الزّنى والقذف ‪ ،‬والسّكر ‪ ،‬والسّرقة ‪،‬‬
‫وقطع الطّريق يعتبر حدّا ‪ ،‬واختلفوا فيما وراء ذلك ‪ .‬فذهب الحنفيّة إلى أنّها ستّة ‪ ،‬وذلك‬
‫ن الحدود سبعة ‪ ،‬فيضيفون إلى المتّفق‬
‫بإضافة حدّ الشّرب للخمر خاصّة ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬
‫عليه ال ّردّة والبغي ‪ ،‬في حين يعتبر بعض الشّافعيّة القصاص أيضا من الحدود ‪ ،‬حيث قالوا‬
‫‪ :‬الحدود ثمانية وعدّوه بينها ‪ .‬واعتبر المالكيّة والشّافعيّة قتل تارك الصّلة عمدا من الحدود‬

‫أوجه الخلف بين الحدّ والقصاص ‪:‬‬


‫ن المام ل يقضي بعلمه في الحدود بخلف القصاص ‪.‬‬
‫‪ - 8‬أ ‪ -‬يرى جمهور الفقهاء أ ّ‬
‫ب ‪ -‬ل تورث الحدود في الجملة ‪ ،‬وأمّا القصاص فيورث ‪ .‬وفي حدّ القذف خلف ينظر في‬
‫( القذف ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ل يصحّ العفو في الحدود في الجملة بخلف القصاص ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّقادم ل يمنع من الشّهادة بالقتل في القصاص بخلف الحدود عند بعض الفقهاء ‪ ،‬سوى‬
‫حدّ القذف ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬يثبت القصاص بالشارة والكتابة من الخرس بخلف الحدود ‪.‬‬
‫و ‪ -‬ل تجوز الشّفاعة في الحدود ‪ ،‬وتجوز في القصاص ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ل تتوقّف الحدود ‪ -‬ما عدا حدّ القذف ‪ -‬على الدّعوى بخلف القصاص ‪ .‬ح ‪ -‬يجوز‬
‫الرّجوع عن القرار في الحدود ول تجوز في القصاص ‪ .‬ومردّ ذلك كلّه أنّ الحدود حقّ اللّه‬
‫تعالى بخلف القصاص ‪ ،‬فإنّه حقّ للعبد ‪ ،‬والتّفصيل في أبواب الحدود من كتب الفقه ‪ ( ،‬و‬
‫ر ‪ :‬قصاص ) ‪.‬‬

‫أوجه الخلف بين التّعزير والحدود ‪:‬‬


‫‪ - 9‬يختلف التّعزير عن الحدود في أمور يرجع إليها في مصطلح ‪ ( :‬تعزير ) ‪.‬‬

‫تداخل الحدود ‪:‬‬


‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على أنّ ما يوجب الح ّد من الزّنى والسّرقة ‪ ،‬والقذف ( إذا وقع على‬
‫شخص واحد ) وشرب الخمر إذا تكرّر قبل إقامة الحدّ ‪ ،‬أجزأ حدّ واحد بغير خلف ‪ ،‬وبه‬
‫قال عطاء والزّهريّ ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبو ثور وابن المنذر ‪ .‬أمّا إذا وقع القذف على أكثر من‬
‫واحد ففيه خلف وتفصيل ‪ ،‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬قذف ) ‪ .‬والصل قاعدة ‪ :‬إذا اجتمع‬
‫أمران من جنس واحد ‪ ،‬ولم يختلف مقصودهما ‪ ،‬دخل أحدهما في الخر غالبا ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فيكتفى بحدّ واحد لجنايات اتّحد جنسها بخلف ما اختلف جنسها ‪ ،‬لنّ المقصود من إقامة‬
‫الحدّ هو الزّجر وأنّه يحصل بحدّ واحد ‪ .‬وإن أقيم عليه الحدّ ‪ ،‬ثمّ حدثت منه جناية أخرى‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ففيها حدّها ‪ ،‬لعموم النّصوص ولوجود الموجب ‪ ،‬ولما روي { أ ّ‬
‫وسلم سئل عن المة تزني قبل أن تحصن قال ‪ :‬إن زنت فاجلدوها ‪ ،‬ثمّ إن زنت فاجلدوها ‪،‬‬
‫ن تداخل الحدود إنّما يكون مع اجتماعها ‪ ،‬وهذا الح ّد الثّاني‬
‫ثمّ إن زنت فاجلدوها } ‪ .‬ول ّ‬
‫وجب بعد سقوط الوّل باستيفائه ‪ .‬وفي حالة اجتماع الحدود المختلفة كما لو زنى ‪ ،‬وسرق‬
‫وشرب الخمر ‪ ،‬أو اجتماعها مع القصاص والتّعزير خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح‬
‫‪ ( :‬تداخل ) ( وتعزير ) ‪.‬‬

‫عدم جواز الشّفاعة في الحدود ‪:‬‬


‫‪ - 11‬ل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّه ل تجوز الشّفاعة في الحدود بعد وصولها للحاكم ‪،‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم { أنكر على أسامة‬
‫والثّبوت عنده ‪ ،‬لنّه طلب ترك الواجب ‪ ،‬ل ّ‬
‫بن زيد حين شفع في المخزوميّة الّتي سرقت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتشفع في ح ّد من حدود اللّه تعالى } ‪.‬‬
‫وقال ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬من حالت شفاعته دون حدّ من حدود اللّه تعالى فقد‬
‫ضادّ اللّه في خلقه ‪ .‬وأمّا قبل الوصول إليه ‪ ،‬فعند جمهور الفقهاء تجوز الشّفاعة عند الرّافع‬
‫له إلى الحاكم ليطلقه ‪ ،‬لنّ وجوب الحدّ قبل ذلك لم يثبت ‪ .‬فالوجوب ل يثبت بمجرّد الفعل ‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬إن عرف بشرّ وفساد فل أحبّ أن يشفع له أحد ‪ ،‬ولكن يترك ليقام عليه الح ّد ‪.‬‬

‫أثر التّوبة على الحدود ‪:‬‬


‫ن حدّ قطّاع الطّريق وال ّردّة يسقطان بالتّوبة إذا تحقّقت توبة‬
‫‪ - 12‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫القاطع قبل القدرة عليه ‪ ،‬وكذلك ح ّد ترك الصّلة عند من اعتبره حدّا ‪ ،‬وذلك لقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫ن اللّه غفور رحيم } ‪ .‬وذهب جمهور‬
‫إلّ الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ‪ ،‬فاعلموا أ ّ‬
‫ن بقيّة الحدود بعد رفعها إلى الحاكم ل تسقط بالتّوبة ‪ ،‬أمّا قبل ذلك ‪ :‬فذهب‬
‫الفقهاء إلى أ ّ‬
‫الحنفيّة والشّافعيّة في مقابل الظهر ‪ ،‬والحنابلة في رواية إلى أنّ الحدّ يسقط بالتّوبة ‪ .‬وذهب‬
‫المالكيّة والشّافعيّة في الظهر ‪ ،‬والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّه ل يسقط بالتّوبة ولو كان‬
‫ل يتّخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود والزّواجر ‪.‬‬
‫قبل الرّفع إلى المام ‪ .‬لئ ّ‬

‫سقوط الحدود بالشّبهة ‪:‬‬


‫‪ - 13‬أجمع الفقهاء على أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬والشّبهة ما يشبه الثّابت وليس بثابت ‪،‬‬
‫سواء كانت في الفاعل ‪ :‬كمن وطئ امرأة ظنّها حليلته ‪ .‬أو في المحلّ ‪ :‬بأن يكون للواطئ‬
‫فيها ملك أو شبهة ملك كالمة المشتركة ‪ .‬أو في الطّريق ‪ :‬بأن يكون حراما عند قوم ‪ ،‬حلل‬
‫عند آخر ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل يرجع إلى " شبهة » ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ادرءوا الحدود بالشّبهات } وفي حديث عائشة رضي ال تعالى عنها ‪:‬‬
‫{ ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ‪ ،‬فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله ‪ ،‬فإنّ المام أن‬
‫يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة } ‪ .‬والحديث المرويّ في ذلك متّفق عليه ‪،‬‬
‫وتلقّته المّة بالقبول ‪.‬‬

‫سقوط الحدود بالرّجوع عن القرار ‪:‬‬


‫‪ - 14‬إذا ثبتت الحدود بالقرار ‪ ،‬فل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّها تسقط بالرّجوع ‪ ،‬إذا‬
‫ن ماعزا لمّا أقرّ بين يدي‬
‫كان الح ّد حقّا للّه تعالى ‪ .‬والحدود تندرئ بالشّبهات ‪ ،‬لما روي أ ّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالزّنى ‪ ،‬لقّنه الرّجوع ‪ ،‬فلو لم يكن محتمل للسّقوط‬
‫بالرّجوع ما كان للتّلقين فائدة ‪ .‬ولنّه يورث الشّبهة ‪ ،‬والرّجوع عن القرار قد يكون نصّا ‪،‬‬
‫وقد يكون دللة ‪ ،‬بأن يأخذ النّاس في رجمه ‪ ،‬فيهرب ول يرجع ‪ ،‬أو يأخذ الجلّاد في الجلد‬
‫ن الهرب في هذه الحالة دللة الرّجوع ‪ .‬واستثنوا‬
‫فيهرب ‪ ،‬ول يرجع ‪ ،‬فل يتعرّض له ‪ ،‬ل ّ‬
‫حدّ القذف ‪ ،‬فإنّه ل يسقط بالرّجوع ‪ ،‬لنّه حقّ العبد ‪ ،‬وهو ل يحتمل السّقوط بالرّجوع بعدما‬
‫ثبت كالقصاص ‪ .‬وإذا ثبت الح ّد بالبيّنة أو الحمل في الزّنى ‪ -‬عند من يقول به ‪ -‬لم يسقط‬
‫ل من النّصاب بعد‬
‫بالرّجوع ‪ .‬ويسقط الحدّ برجوع الشّهود كلّهم أو بعضهم إذا كان الباقي أق ّ‬
‫القضاء ‪ ،‬قبل المضاء ‪ .‬وتفصيل ذلك في " كتاب الشّهادات " من كتب الفقه ‪.‬‬

‫سقوط الحدود بموت الشّهود ‪:‬‬


‫‪ - 15‬يسقط حدّ الرّجم خاصّة بموت الشّهود ‪ -‬عند من يشترطون لقامة الحدّ البداية بالشّهود‬
‫وهم الحنفيّة ‪ -‬لنّ بالموت قد فاتت البداية على وجه ل يتصوّر عوده ‪ ،‬فسقط الحدّ ضرورة‬
‫‪.‬‬

‫سقوط الحدود بالتّكذيب وغيره ‪:‬‬


‫‪ - 16‬تكذيب المزنيّ بها للمقرّ بالزّنى قبل إقامة الحدّ عليه ‪ ،‬وتكذيب المقذوف شهوده على‬
‫القذف ‪ ،‬وهي البيّنة بأن يقول ‪ :‬شهودي زور ‪ ،‬وادّعاء النّكاح والمهر قبل إقامة حدّ الزّنى‬
‫تعتبر من مسقطات الحدود عند الحنفيّة ‪ ،‬وقد فصّلت في أبوابها ‪ .‬و ( ر ‪ :‬زنى ‪ ،‬قذف ) ‪.‬‬

‫عدم إرث الحدود ‪:‬‬


‫‪ - 17‬ل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّ الحدود ل تورث ‪ ،‬وكذا ل يؤخذ عنها عوض ‪،‬‬
‫ن الغالب فيه‬
‫ول صلح فيها ول عفو ‪ ،‬لنّها حقّ الشّرع ‪ .‬واستثنى الشّافعيّة ح ّد القذف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ح العفو عنه ‪ .‬والحنابلة مع الشّافعيّة في جواز العفو عن حدّ‬
‫عندهم حقّ العبد فيورث ويص ّ‬
‫القذف ‪ .‬واختلفت الرّوايات عن مالك في ذلك ‪ :‬فقال في رواية ‪ :‬له العفو ما لم يبلغ المام ‪،‬‬
‫فإن بلغه فل عفو ‪ ،‬وفي رواية أخرى عنه ‪ :‬قال ‪ :‬له العفو مطلقا ‪ ،‬بلغ ذلك المام أو لم‬
‫يبلغ ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( قذف ) ‪.‬‬

‫التّلف بسبب الحدّ ‪:‬‬


‫ن الحدود إذا أتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة أنّه‬
‫‪ - 18‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫ل يضمن من تلف بها ‪ ،‬وذلك لنّه فعلها بأمر اللّه وأمر رسوله ‪ ،‬فل يؤاخذ به ‪ ،‬ولنّه نائب‬
‫عن اللّه تعالى ‪ ،‬ومأمور بإقامة الح ّد ‪ ،‬وفعل المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة ‪ .‬وإن زاد على‬
‫الحدّ فتلف وجب الضّمان بغير خلف ‪.‬‬

‫الحدود كفّارات للذّنوب ‪:‬‬


‫‪ - 19‬يرى جمهور الفقهاء أنّ الحدّ المقدّر في ذنب كفّارة لذلك الذّنب ‪ ،‬وعند الحنفيّة ‪ ،‬الحدّ‬
‫غير مطهّر ‪ ،‬بل المطهّر التّوبة ‪ ،‬فإذا حدّ ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية عندهم ‪ ،‬كما قال‬
‫اللّه تعالى في حدّ قطّاع الطّريق ‪ { :‬ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم }‬
‫‪.‬‬

‫الثبات في الحدود ‪:‬‬


‫ن الحدود تثبت بالبيّنة أو القرار عند استجماع شرائطهما ‪،‬‬
‫‪ - 20‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫واختلفوا فيما وراء ذلك كعلم المام وقرينة الحبل وغيرهما ‪ :‬أوّل ‪ -‬البيّنة وشروطها في‬
‫الحدود ‪ :‬تنقسم شروط البيّنة إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما يعمّ الحدود كلّها ‪:‬‬
‫‪ - 21‬وهي الذّكورة عند الئمّة الربعة ‪ ،‬فل تقبل شهادة النّساء في الحدود ‪ .‬والصالة عند‬
‫الحنفيّة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة والمذهب لدى الحنابلة ‪ ،‬فل تقبل الشّهادة على الشّهادة ‪،‬‬
‫ول كتاب القاضي إلى القاضي ‪ ،‬لتمكّن زيادة شبهة فيها ‪ ،‬والحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬ويرى‬
‫المالكيّة والشّافعيّة في قول عدم اشتراط الصالة ‪ ،‬وهذا إذا تعذّر أداء الشّهادة من الشّاهد‬
‫الوّل لمرض أو غيبة أو موت ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬شهادة ) ‪.‬‬

‫ما تختصّ به بعض الحدود ‪:‬‬


‫أ ‪ ( -‬عدد الربعة ) ‪:‬‬
‫ل عدد الشّهود عن أربعة لقوله‬
‫‪ - 22‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في حدّ الزّنى أن ل يق ّ‬
‫ن أربعة منكم } ‪ { .‬وقال سعد بن‬
‫تعالى ‪ { :‬واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليه ّ‬
‫عبادة لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إن وجدت مع امرأتي رجل أأمهله‬
‫حتّى آتي بأربعة شهداء ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم } ‪.‬‬
‫ب ‪ ( -‬اتّحاد المجلس ) ‪:‬‬
‫‪ - 23‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) إلى أنّه ل بدّ أن يكون الشّهود مجتمعين‬
‫في مجلس واحد عند أداء الشّهادة ‪ ،‬فإن جاءوا متفرّقين يشهدون واحدا بعد واحد ‪ ،‬ل تقبل‬
‫شهادتهم ‪ ،‬ويحدّون وإن كثروا ‪ .‬ويرى الشّافعيّة أنّه ل يشترط ذلك لقوله تعالى ‪ { :‬لول‬
‫جاءوا عليه بأربعة شهداء ‪ } ...‬ولم يذكر المجالس ‪ ،‬وإليه ذهب ابن المنذر والب ّتيّ ‪.‬‬
‫ج ‪ ( -‬عدم التّقادم ) ‪:‬‬
‫‪ - 24‬يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬أنّ الشّهود لو شهدوا بزنى قديم ‪ ،‬وجب الحدّ ‪،‬‬
‫لعموم الية ‪ .‬ولنّ التّأخير يجوز أن يكون لعذر أو غيبة ‪ ،‬والحدّ ل يسقط بمطلق الحتمال ‪،‬‬
‫فإنّه لو سقط بكلّ احتمال لم يجب حدّ أصل ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ عدم التّقادم في البيّنة‬
‫شرط ‪ ،‬وذلك في ح ّد الزّنى والسّرقة وشرب الخمر ‪ ،‬وليس بشرط في حدّ القذف ‪ ،‬وذكر ابن‬
‫ن الشّاهد إذا عاين الجريمة فهو مخيّر بين أداء‬
‫أبي موسى أنّه مذهب لحمد ‪ .‬ووجه ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫الشّهادة حسبة للّه تعالى ‪ { :‬وأقيموا الشّهادة للّه } وبين السّتر على أخيه المسلم لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ { :‬من ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة } فلمّا لم يشهد على فور المعاينة‬
‫ن الضّغينة حملته على ذلك ‪،‬‬
‫ل على أ ّ‬
‫دلّ ذلك على اختيار جهة السّتر ‪ ،‬فإذا شهد بعد ذلك د ّ‬
‫فل تقبل شهادته ‪ ،‬لما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال ‪ :‬أيّما قوم شهدوا على حدّ لم‬
‫يشهدوا عند حضرته ‪ ،‬فإنّما شهدوا عن ضغن ‪ ،‬ول شهادة لهم ‪ ،‬ولم ينقل أنّه أنكر عليه‬
‫ن التّأخير والحالة هذه يورث تهمة ‪ ،‬ول شهادة للمتّهم ‪ .‬وهناك‬
‫أحد ‪ ،‬فيكون إجماعا ‪ .‬ول ّ‬
‫تفصيلت وشروط فيها خلف ينظر في ( شهادة ) ( وزنى ) ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬القرار ‪:‬‬


‫‪ - 25‬شروط القرار في الحدود قسمان ‪ :‬شروط تعمّ الحدود كلّها ‪ :‬وهي البلوغ والعقل‬
‫ن سبب وجوب الح ّد ل بدّ أن يكون جناية ‪ ،‬وفعل‬
‫ح إقرار الصّبيّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫والنّطق ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫الصّبيّ ل يوصف بكونه جناية ‪ .‬وكذلك ل بدّ أن يكون القرار بالخطاب والعبارة دون‬
‫الكتاب والشارة ‪ ،‬لنّ الشّرع علّق وجوب الحدّ بالبيان المتناهي ‪ ،‬ولذلك لو أقرّ بالوطء‬
‫الحرام ل يقام عليه الحدّ ما لم يصرّح بالزّنى ‪ .‬ويقبل إقرار الخرس بالشارة المفهمة عند‬
‫الحنابلة والشّافعيّة ول تقبل عند الحنفيّة والمالكيّة وهو احتمال للخرقيّ من الحنابلة وتفصيله‬
‫في ‪ ( :‬إقرار ) ‪.‬‬

‫شروط تخصّ بعض الحدود منها ‪:‬‬


‫أ ‪ ( -‬تكرار القرار ) ‪:‬‬
‫‪ - 26‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يقرّ الزّاني أو الزّانية أربع مرّات ‪ ،‬وبهذا قال‬
‫ن تكرار القرار ليس بشرط ‪،‬‬
‫الحكم وابن أبي ليلى وإسحاق ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أ ّ‬
‫ويكتفى بإقراره مرّة واحدة ‪ ،‬وبه قال الحسن وحمّاد وأبو ثور والطّبريّ وابن المنذر وجماعة‬
‫‪ .‬لنّ القرار إنّما صار حجّة في الشّرع لرجحان جانب الصّدق فيه على جانب الكذب ‪،‬‬
‫وهذا المعنى عند التّكرار والتّوحيد سواء ‪ ،‬ولنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬اغد يا‬
‫أنيس إلى امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعترفت فارجمها } فعلّق الرّجم على مجرّد العتراف ‪ .‬واستدلّ‬
‫الحنفيّة والحنابلة بما روي { أنّ ماعزا جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأقرّ بالزّنى ‪،‬‬
‫فأعرض عنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم بوجهه الكريم إلى الربع } ‪ ،‬فلو كان القرار مرّة‬
‫موجبا للحدّ لما أخّره إلى الربع ‪.‬‬
‫ب ‪ ( -‬اشتراط عدد المجالس ) ‪:‬‬
‫‪ - 27‬اختلف في اشتراط عدد مجالس القرار عند من اشترط تكراره ‪ ،‬وكون القرار بين‬
‫يدي المام ‪ ،‬وكون الزّاني والمزنيّ بها ممّن يقدر على دعوى الشّبهة ‪ ،‬وكون الزّاني ممّن‬
‫ل حدّ من الحدود وفي مصطلح ‪:‬‬
‫يتصوّر منه وجود الزّنى ‪ ،‬وفي ذلك تفصيل ذكر في ك ّ‬
‫( إقرار ) ‪.‬‬
‫أثر علم المام أو نائبه في الحدود ‪:‬‬
‫‪ - 28‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول ‪ :‬إلى أنّه ليس للمام أو نائبه إقامة‬
‫ن أربعة منكم } وقال أيضا ‪ { :‬فإذ لم يأتوا‬
‫الحدّ بعلمه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فاستشهدوا عليه ّ‬
‫صدّيق رضي ال عنه ‪ .‬وقال‬
‫بالشّهداء فأولئك عند اللّه هم الكاذبون } وبه قال أبو بكر ال ّ‬
‫الشّافعيّة في قول آخر ‪ :‬له إقامته بعلمه ‪ ،‬وهو قول أبي ثور ‪ .‬لنّه إذا جازت له إقامته بالبيّنة‬
‫ن ‪ ،‬فما يفيد العلم هو أولى ‪.‬‬
‫والعتراف الّذي ل يفيد إلّ الظّ ّ‬

‫مدى ثبوت الحدود بالقرائن ‪:‬‬


‫‪ - 29‬تختلف القرائن المعتبرة في الحدود ‪ -‬عند من يقول بها ‪ -‬من ح ّد لخر ‪ .‬فالقرينة‬
‫المعتبرة في الزّنى ‪ :‬هي ظهور الحمل في امرأة غير متزوّجة أو ل يعرف لها زوج ‪.‬‬
‫والقرينة في الشّرب ‪ :‬الرّائحة ‪ ،‬والقيء ‪ ،‬والسّكر ‪ ،‬ووجود الخمر عند المتّهم ‪ ،‬وفي السّرقة‬
‫وجود المال المسروق عند المتّهم ‪ ،‬ووجود أثر للمتّهم في موضع السّرقة وغير ذلك ‪ ،‬وفي‬
‫ل حدّ من الحدود وفي‬
‫كلّ اختلف الفقهاء على أقوال فصّلت في مواطنها ‪ ،‬وتنظر في ك ّ‬
‫مصطلح ‪ ( :‬قرينة ) ‪.‬‬

‫أنواع الحدود ‪ :‬الحدود الشّرعيّة هي ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الرّجم ‪:‬‬
‫ص والجماع والمعقول ‪ ،‬ول خلف بين الفقهاء في أنّه يجب على‬
‫‪ - 30‬الرّجم ثابت بالنّ ّ‬
‫الزّاني إذا كان محصنا ‪ ،‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬زنى ورجم ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الجلد ‪:‬‬
‫‪ - 31‬اتّفق الفقهاء على أنّ عقوبة الزّاني البكر مائة جلدة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬الزّانية والزّاني‬
‫فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة } ‪ .‬واختلفوا في الجمع بين الرّجم والجلد في عقوبة الزّاني‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه‬
‫المحصن ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجلد ل يجتمع مع الرّجم ‪ ،‬ل ّ‬
‫وسلم رجم ماعزا والغامديّة وغيرهما ‪ ،‬ولم يرد أنّه جلد واحدا منهم ‪ ،‬ولنّ الح ّد إنّما وضع‬
‫للزّجر ‪ ،‬ول تأثير للزّجر بالضّرب مع الرّجم ‪ ،‬واختار هذا من الحنابلة أبو إسحاق‬
‫الجوزجانيّ وأبو بكر الثرم ‪ .‬ويرى الحنابلة في رواية أنّ الجلد يجتمع مع الرّجم وبه قال‬
‫الحسن البصريّ وإسحاق ‪ ،‬فيجلد الزّاني المحصن أوّل ‪ ،‬ث ّم يرجم ‪ ،‬واستدلّوا بحديث عبادة‬
‫ي رضي ال عنه ‪،‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ال ّثيّب بال ّثيّب جلد مائة والرّجم } ‪ .‬وبفعل عل ّ‬
‫وهو أنّه جلد شراحة يوم الخميس ثمّ رجمها يوم الجمعة ‪ ،‬ثمّ قال جلدتها بكتاب اللّه ‪،‬‬
‫ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وبه قال ابن عبّاس وأبيّ بن كعب ‪ ،‬وأبو‬
‫ذرّ ‪ ،‬وإليه ذهب إسحاق وابن المنذر ‪ .‬وكذلك اتّفقوا على أنّ الجلد عقوبة القذف والشّرب ‪،‬‬
‫ثمّ اختلفوا في مقداره في الشّرب وينظر تفصيله في أبوابه من كتب الفقه ‪ ( ،‬و ر ‪ :‬قذف ) (‬
‫وشرب ) ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬التّغريب ‪:‬‬
‫‪ - 32‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجتمع مع الجلد تغريب الزّاني البكر ‪ ،‬فالتّغريب عندهم‬
‫يعتبر حدّا كالجلد ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة } ‪،‬‬
‫وروي ذلك أيضا عن الخلفاء الرّاشدين ‪ ،‬وبه قال ابن مسعود ‪ ،‬وابن عمر رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫وإليه ذهب عطاء وطاوس ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬وابن أبي ليلى والوزاعيّ ‪ ،‬وإسحاق وأبو ثور ‪ .‬إلّ‬
‫ن المالكيّة يفرّقون بين الرّجل والمرأة ‪ ،‬فيقولون بتغريب الرّجل دون المرأة ‪ ،‬لنّ المرأة‬
‫أّ‬
‫ل بمحرم ‪ ،‬وهو يفضي إلى تغريب من ليس‬
‫محتاجة إلى حفظ وصيانة ‪ ،‬فل يجوز تغريبها إ ّ‬
‫بزان ‪ ،‬ونفي من ل ذنب له ‪ ،‬ولنّها عورة ‪ ،‬وفي نفيها تضييع لها وتعريضها للفتنة ‪ ،‬ولهذا‬
‫ن التّغريب ليس واجبا ‪ ،‬وليس حدّا كالجلد ‪،‬‬
‫نهيت عن السّفر مع غير محرم ‪ .‬ويرى الحنفيّة أ ّ‬
‫وإنّما هي عقوبة تعزيريّة يجوز للمام أن يجمع بينه وبين الجلد إن رأى في ذلك مصلحة ‪،‬‬
‫ن عليّا رضي ال عنه قال ‪ :‬حسبهما من الفتنة أن ينفيا ‪ .‬وعن ابن المسيّب أنّ عمر رضي‬
‫لّ‬
‫ال عنه غرّب ربيعة بن أميّة بن خلف في الخمر إلى خيبر ‪ ،‬فلحق بهرقل فتنصّر ‪ ،‬فقال‬
‫ن اللّه تعالى أمر بالجلد دون‬
‫عمر رضي ال عنه ل أغرّب مسلما بعد هذا أبدا ‪ ،‬ول ّ‬
‫التّغريب ‪ ،‬فإيجاب التّغريب زيادة على النّصّ ‪ .‬ويرجع لتفصيل ذلك إلى موطنه من كتب‬
‫الفقه ‪ .‬و ( ر ‪ :‬زنى ) ( وتغريب ) ‪.‬‬

‫د ‪ -‬القطع ‪:‬‬
‫ص ‪ ،‬والجماع ‪ .‬أمّا النّصّ ‪:‬‬
‫ن السّرقة موجبة للقطع بالنّ ّ‬
‫‪ - 33‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من اللّه } ‪ .‬ولقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا } ‪ .‬وأجمع المسلمون على وجوب‬
‫ل القطع وموضعه وغير ذلك والتّفصيل في " سرقة‬
‫قطع السّارق في الجملة ‪ ،‬واختلفوا في مح ّ‬
‫» ‪ .‬وكذلك يقطع المحارب من خلف إذا أخذ المال ولم يقتل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‬
‫ن المام مخيّر في عقابه بأيّة عقوبة جاءت بها آية‬
‫وبه قال ابن المنذر ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬
‫المحاربة ما عدا النّفي ‪ ،‬فل تخيير فيه ‪ ،‬وينظر التّفصيل في ( حرابة ) ‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬القتل والصّلب ‪:‬‬


‫‪ - 34‬إذا قتل المحارب وأخذ المال فإنّه يقتل ويصلب ‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع على هذا كلّ‬
‫من نحفظ عنه من أهل العلم ‪ ،‬وروي أيضا عن عمر ‪ ،‬وبه قال سليمان بن موسى الزّهريّ ‪.‬‬
‫وإذا قتل ولم يأخذ المال فإنّه يقتل ول يصلب ‪ ،‬وفي رواية عن أحمد يصلب ‪ ،‬لنّه محارب‬
‫يجب قتله ‪ ،‬فيصلب كالّذي أخذ المال ‪ .‬وينظر التّفصيل في ( تصليب ) ‪ .‬والقتل كذلك عقوبة‬
‫ح ّديّة لل ّردّة بالنّسبة للرّجل ‪ .‬والمرأة كالرّجل عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ي رضي ال تعالى عنهما ‪ ،‬وبه قال‬
‫{ من بدّل دينه فاقتلوه } روي ذلك عن أبي بكر وعل ّ‬
‫ي وإسحاق ‪ .‬ويرى‬
‫الحسن ‪ ،‬والزّهريّ ‪ ،‬والنّخعيّ ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬وحمّاد ‪ ،‬واللّيث ‪ ،‬والوزاع ّ‬
‫ن الرّسول‬
‫ن المرأة ل تقتل بال ّردّة ‪ ،‬بل تجبر على السلم بالحبس والضّرب ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحنفيّة أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم { نهى عن قتل المرأة الكافرة } ‪ .‬ولنّها ل تقتل بالكفر الصليّ ‪ ،‬فل‬
‫تقتل بالطّارئ كالصّبيّ ‪ .‬وفي قتل البغاة ‪ ،‬وهم المحاربون على التّأويل خلف وتفصيل ينظر‬
‫في مصطلح ‪ ( :‬بغي ) ‪.‬‬

‫شروط وجوب الحدّ ‪:‬‬


‫ن الحدّ ل يجب إلّ على مكلّف ‪ ،‬وهو العاقل البالغ ‪ ،‬لنّه إذا‬
‫‪ - 35‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫سقط التّكليف عن غير العاقل البالغ في العبادات ‪ ،‬وسقط الثم عنه في المعاصي ‪ ،‬فالحدّ‬
‫ن الحدود تقام على‬
‫المبنيّ على الدّرء بالشّبهات أولى ‪ .‬وأمّا السلم فالصل عند أبي حنيفة أ ّ‬
‫ل حدّ القذف فيقام عليه باتّفاق فقهاء الحنفيّة ‪ .‬ول يقام على‬
‫ال ّذ ّميّين ول تقام على مستأمن ‪ ،‬إ ّ‬
‫الكافر حدّ الشّرب عندهم ‪ .‬وفي حدّ الزّنى تفصيل ‪ :‬قال أبو حنيفة ‪ :‬إذا زنى الحربيّ‬
‫ي بمستأمنة يحدّ ال ّذ ّميّ ول تحدّ‬
‫( المستأمن ) بذ ّميّة تحدّ ال ّذ ّميّة ول يحدّ الحربيّ ‪ .‬وإذا زنى ذ ّم ّ‬
‫المستأمنة ‪ .‬وقال أبو يوسف كلهما يحدّان ‪ .‬وقال محمّد في الصّورة الولى ‪ :‬ل تحدّ ال ّذ ّميّة‬
‫أيضا لنّ المرأة تابعة للرّجل فامتناع الح ّد في حقّ الصل يوجب امتناعه في حقّ الفرع ‪.‬‬
‫ل حدّ في مصطلحه ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الكافر يقام عليه حدّ القذف والسّرقة‬
‫وتفصيل ك ّ‬
‫ل إذا‬
‫والقتل ول يسقط عنه بإسلمه ‪ .‬أمّا ح ّد الزّنى فإنّه يؤدّب فيه فقط ول يقام عليه الحدّ إ ّ‬
‫اغتصب امرأة مسلمة فإنّه يقتل لنقضه العهد ‪ .‬وكذلك لو ارتكب جريمة اللّواط فإنّه يرجم ‪.‬‬
‫ول حدّ عليه في شرب الخمر ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬يستوفى من ال ّذ ّميّ ما ثبت ولو حدّ زنى أو‬
‫قطع سرقة ‪ ،‬ول يح ّد بشرب خمر لقوّة أدلّة حلّه في عقيدتهم ‪ .‬ول يشترط في إحصان الرّجم‬
‫أن يكون مسلما ‪ .‬ول يقام على المستأمن حدّ الزّنى على المشهور عند الشّافعيّة ‪ .‬ويحدّ‬
‫ل حدّ في مصطلحه ‪ .‬وعند الحنابلة إذا رفع‬
‫الكافر حدّ القذف ذ ّميّا كان أو معاهدا ‪ .‬وتفصيل ك ّ‬
‫إلى الحاكم من أهل ال ّذمّة من فعل محرّما يوجب عقوبة ممّا هو محرّم عليهم في دينهم‬
‫كالزّنى والسّرقة والقذف والقتل فعليه إقامة حدّه عليه لما روى ابن عمر { أنّ النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم أتي بيهوديّين فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما } ‪ .‬وإن كان يعتقد إباحته‬
‫كشرب خمر لم يحدّ ‪ ،‬وإن تحاكم مسلم وذ ّميّ وجب الحكم بينهم بغير خلف ‪ .‬ويقطع ال ّذمّيّ‬
‫بالسّرقة ‪ .‬وكذلك المستأمن ‪ .‬وقال ابن حامد ‪ :‬ل يقطع المستأمن ‪ .‬وقد نصّ أحمد على أنّه ل‬
‫يقام حدّ الزّنى على المستأمن ‪ .‬ودليل وجوب القطع أنّه حدّ يطالب به ‪ ،‬فوجب عليه كحدّ‬
‫ل على من علم التّحريم ‪ ،‬وبهذا قال عامّة أهل العلم ‪ ،‬لقول عمر‬
‫القذف ‪ .‬ول يجب الحدّ إ ّ‬
‫ل على من علمه ‪ .‬فإن ادّعى الزّاني الجهل‬
‫وعثمان وعليّ رضي ال عنهم ‪ :‬ل حدّ إ ّ‬
‫بالتّحريم وكان يحتمل أن يجهله كحديث العهد بالسلم ‪ ،‬قبل منه ‪ ،‬لنّه يجوز أن يكون‬
‫صادقا ‪ ،‬وإن كان ممّن ل يخفى عليه كالمسلم النّاشئ بين المسلمين ‪ ،‬لم يقبل منه ‪ ،‬لنّ‬
‫تحريم الزّنى ل يخفى على من هو كذلك ( كما أجمع أهل العلم على أنّه ل حدّ على مكرهة )‬
‫‪ .‬وروي ذلك عن عمر رضي ال عنه والزّهريّ ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثّوريّ لقوله تعالى ‪ { :‬ول‬
‫ن فإنّ اللّه‬
‫تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا ومن يكرهه ّ‬
‫ن اللّه وضع عن أمّتي‬
‫من بعد إكراههنّ غفور رحيم } ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬
‫الخطأ والنّسيان ‪ ،‬وما استكرهوا عليه } ‪ .‬وعن عبد الجبّار بن وائل عن أبيه { أنّ امرأة‬
‫استكرهت على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فدرأ عنها الحدّ } ‪ .‬وفي حدّ المكره على‬
‫الزّنى خلف يرجع فيه إلى مصطلح ( إكراه ) ( و ر ‪ :‬زنى ) وهناك شروط أخرى لوجوب‬
‫كلّ حدّ فصّل ‪ ،‬الكلم عليها في أبوابها ‪.‬‬

‫ما يراعى في إقامة الحدّ ‪ :‬يراعى في إقامة الحدّ أمور منها ما يعمّ الحدود كلّها ‪ ،‬ومنها ما‬
‫يخصّ البعض دون البعض ‪ :‬ما يراعى في الحدود كلّها ‪ :‬المامة ‪:‬‬
‫‪ - 36‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يقيم الحدّ إلّ المام أو نائبه ‪ ،‬وذلك لمصلحة العباد ‪ ،‬وهي‬
‫صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ‪ .‬والمام قادر على القامة لشوكته ‪ ،‬ومنعته ‪ ،‬وانقياد‬
‫ن تهمة الميل والمحاباة والتواني عن القامة منتفية في حقّه ‪،‬‬
‫الرّعيّة له قهرا وجبرا ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان‬
‫فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين ‪ ،‬ول ّ‬
‫يقيم الحدود ‪ ،‬وكذا خلفاؤه من بعده ‪ ،‬وصرّح الحنفيّة باشتراط المام أو نائبه لقامة الحدّ ‪.‬‬

‫أهليّة الشّهادة عند القامة ‪:‬‬


‫‪ - 37‬لو بطلت أهليّة الشّهادة بالفسق أو ال ّردّة ‪ ،‬أو الجنون ‪ ،‬أو العمى ‪ ،‬أو الخرس ‪ ،‬أو حدّ‬
‫القذف ‪ ،‬أو غيرها بالنّسبة لكلّهم أو بعضهم بحيث ينقص النّصاب ل يقام الحدّ على المشهود‬
‫ن اعتراض أسباب الجرح على الشّهادة عند إمضاء الحدّ بمنزلة اعتراضها عند‬
‫عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫القضاء به ‪ ،‬واعتراضها عند القضاء يبطل الشّهادة ‪ ،‬فكذا عند المضاء في باب الحدود ‪ .‬ر‬
‫‪ ( :‬قذف ) ‪ .‬هذا عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬ولم نعثر على قول للشّافعيّة والحنابلة في ذلك ‪.‬‬

‫شروط تخصّ بعض الحدود ‪ :‬البداية من الشّهود في ح ّد الرّجم ‪:‬‬


‫ن الزّنى إذا ثبت‬
‫‪ - 38‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو رواية عن أبي يوسف إلى أ ّ‬
‫بالشّهود ‪ ،‬فالبداية منهم ليست بشرط ‪ ،‬ولكن يستحبّ حضورهم ‪ ،‬وابتداؤهم بالرّجم ‪ ،‬وهذا‬
‫ن الرّجم أحد نوعي الح ّد فيعتبر بالنّوع الخر وهو الجلد ‪ ،‬والبداية من الشّهود ليست بشرط‬
‫لّ‬
‫ن البداية‬
‫فيه فكذا في الرّجم ‪ .‬ويرى أبو حنيفة ومحمّد وهو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف أ ّ‬
‫من الشّهود شرط في حدّ الرّجم ‪ ،‬حتّى لو امتنع الشّهود عن ذلك ‪ ،‬أو ماتوا ‪ ،‬أو غابوا كلّهم‬
‫أو بعضهم ‪ ،‬ل يقام الرّجم على المشهود عليه ‪ ،‬لما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه قال ‪:‬‬
‫يرجم الشّهود أوّل ‪ ،‬ثمّ المام ‪ ،‬ثمّ النّاس ‪ .‬وكلمة ‪ :‬ثمّ " للتّرتيب ‪ .‬وفي رواية أنّه قال ‪ :‬يا‬
‫ن الزّنى زناءان ‪ :‬زنى س ّر وزنى علنية ; فزنى السّرّ أن يشهد الشّهود ‪،‬‬
‫أيّها النّاس ‪ :‬إ ّ‬
‫فيكون الشّهود أوّل من يرمي ‪ ،‬وزنى العلنية أن يظهر الحبل أو العتراف ‪ ،‬فيكون المام‬
‫أوّل من يرمي ‪ .‬وكان ذلك بمحضر من الصّحابة ‪ ،‬ولم ينقل أنّه أنكر عليه أحد فيكون‬
‫ن الشّهود إذا بدءوا بالرّجم ‪،‬‬
‫إجماعا ‪ .‬ولنّ في اعتبار هذا الشّرط احتياطا في درء الحدّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫ربّما استعظموا فعله ‪ ،‬فيحملهم ذلك على الرّجوع عن الشّهادة ‪ ،‬فيسقط الحدّ عن المشهود‬
‫عليه ‪ .‬وإن ثبت الزّنى بالعتراف ‪ ،‬فالخلف في حضور المام ‪ ،‬والبداية منه كالخلف في‬
‫حضور الشّهود والبداية منهم ‪ .‬عدم خوف الهلك من إقامة الجلد ‪:‬‬
‫ن هذا النّوع من الحدود شرع‬
‫‪ - 39‬يشترط أن ل يكون في إقامة الجلد خوف الهلك ‪ .‬ل ّ‬
‫زاجرا ل مهلكا ‪ ،‬وفي الجلد في الحرّ الشّديد ‪ ،‬والبرد الشّديد ‪ ،‬وجلد المريض ‪ ،‬والنّفساء‬
‫خلف وتفصيل يرجع فيه إلى ‪ :‬زنى " " وقذف » ‪.‬‬

‫الدّعوى في الحدود والشّهادة بها ‪:‬‬


‫‪ - 40‬الحدود ‪ -‬سوى حدّ القذف ‪ -‬ل تتوقّف على الدّعوى لنّها لحقّ اللّه تعالى فتقبل‬
‫الشّهادة فيها حسبة ‪ ،‬وإنّما شرطت الدّعوى في حدّ القذف وإن كان حقّ اللّه تعالى فيه غالبا‬
‫عند بعض الفقهاء ‪ ،‬لنّ المقذوف يطالب القاذف دفعا للعار عن نفسه ظاهرا وغالبا فيحصل‬
‫ما هو المقصود من شرع الحدّ ‪ .‬واختلفوا في السّرقة ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى‬
‫أنّه ل يقطع حتّى يدّعيه المالك ‪ ،‬وقال المالكيّة يقطع ‪ ،‬وبه قال أبو بكر وأبو ثور وابن المنذر‬
‫ن موجب القطع قد ثبت ‪ .‬وأمّا الشّهادة بالحدود سوى القذف فتجوز بل‬
‫‪ ،‬لعموم الية ‪ ،‬ول ّ‬
‫دعوى من غير خلف بين الفقهاء ‪ ،‬لشهادة أبي بكرة ‪ ،‬وأصحابه على المغيرة من غير تقدّم‬
‫دعوى ‪ ،‬ولشهادة الجارود وصاحبه على قدامة بن مظعون بشرب الخمر ‪ ،‬ولم يتقدّمها دعوى‬
‫ن في‬
‫ن الحقّ حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬فلم تفتقر الشّهادة به إلى تقدّم دعوى كالعبادات ‪ .‬ول ّ‬
‫‪ ،‬ول ّ‬
‫ق فيه لحد من الدميّين فيدّعيه ‪ .‬التّأخير‬
‫سائر الحقوق إنّما تكون من المستحقّ ‪ ،‬وهذا ل ح ّ‬
‫ن الحدّ تجب إقامته على الفور إلّ إذا كان هناك‬
‫في إقامة الحدود ‪ :‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫عذر كالمرض وما شابهه ‪ ،‬والحمل ‪ ،‬والسّكر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬إقامة الحدّ على المريض ومن شابهه ‪:‬‬


‫ن نفسه مستوفاة ‪ ،‬فل‬
‫‪ - 41‬الصّحيح الّذي قطع به الجمهور هو أنّ الرّجم ل يؤخّر للمرض ل ّ‬
‫فرق بينه وبين الصّحيح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن ثبت الحدّ بالقرار أخّر حتّى يبرأ ‪ ،‬لنّه ربّما رجع في‬
‫أثناء الرّمي ‪ ،‬ومثل هذا الخلف في مسألة الرّجم في شدّة الحرّ أو البرد ‪ .‬وإن كان الواجب‬
‫الجلد أو القطع ‪ ،‬فإن كان المرض ممّا يرجى برؤه ‪ ،‬فيرى الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة‬
‫تأخيره وهو قول الخرقيّ من الحنابلة ‪ .‬وقال جمهور الحنابلة ‪ :‬يقام الحدّ ول يؤخّر ‪ ،‬كما قال‬
‫أبو بكر في النّفساء ‪ ،‬وهذا قول إسحاق وأبي ثور ‪ ،‬لنّ عمر رضي ال عنه أقام الح ّد على‬
‫قدامة بن مظعون في مرضه ‪ ،‬ولنّ ما أوجبه اللّه تعالى ل يؤخّر بغير حجّة ‪ .‬وإن كان‬
‫المرض ممّا ل يرجى برؤه ‪ ،‬أو كان الجاني ضعيف الخلقة ل يحتمل السّياط ‪ ،‬فهذا يقام عليه‬
‫الحدّ في الحال ‪ ،‬إذ ل غاية تنتظر ‪ ،‬ولكن إذا كان الحدّ جلدا يضرب ضربا يؤمن معه‬
‫التّلف ‪ ،‬كالقضيب الصّغير وشمراخ النّخل ‪ .‬فإن خيف عليه من ذلك قال الشّافعيّة والحنابلة ‪:‬‬
‫جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه‬
‫إلى مصطلح ( جلد ) ‪.‬‬

‫‪ - 2‬إقامة الحدّ على الحبلى ‪:‬‬


‫‪ - 42‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع أهل العلم على أنّه ل يقام الحدّ رجما كان أو غيره على حبلى‬
‫ل يتعدّى إلى الحمل ‪ ،‬لنّه نفس محترمة ل جريمة منه ‪ .‬ثمّ إن‬
‫ولو من زنى حتّى تضع ‪ ،‬لئ ّ‬
‫كان الح ّد رجما لم ترجم حتّى تسقيه اللّبأ ‪ ،‬ثمّ إذا سقته اللّبأ ‪ ،‬فإن كان له من يرضعه ‪ ،‬أو‬
‫ن النّبيّ صلى‬
‫ل تركت حتّى تفطمه ليزول عنه الضّرر ‪ .‬ل ّ‬
‫تكفّل أحد برضاعه رجمت ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ال عليه وسلم رجم الغامديّة بعدما فطمت المولود ‪ ،‬وفي حديث آخر قال ‪ { :‬ل نرجمها وندع‬
‫ولدها صغيرا ليس له من يرضعه ‪ ،‬فقال له رجل من النصار ‪ ،‬إليّ رضاعه ‪ ،‬فرجمها } ‪.‬‬
‫وإن كان الحدّ جلدا ‪ ،‬فتحدّ بعد الوضع وانقطاع النّفاس إذا كانت قويّة يؤمن معه تلفها ‪،‬‬
‫ن أمة لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم زنت ‪ ،‬فأمرني‬
‫ي رضي ال عنه قال ‪ { :‬إ ّ‬
‫لحديث عل ّ‬
‫أن أجلدها ‪ ،‬فإذا هي حديث عهد بنفاس ‪ ،‬فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها ‪ ،‬فذكرت ذلك للنّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أحسنت } أمّا إن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف عليها ‪،‬‬
‫فالجمهور على أنّه ل يقام عليها الحدّ حتّى تطهر وتقوى ليستوفى الحدّ على وجه الكمال من‬
‫غير خوف فواته ‪.‬‬

‫‪ - 3‬إقامة الحدّ على السّكران ‪:‬‬


‫ن إقامة الحدّ على السّكران تؤخّر حتّى يصحو ليحصل‬
‫‪ - 43‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫المقصود من إقامة الحدّ ‪ ،‬وهو الزّجر ‪ ،‬والرّدع ‪ ،‬لنّ غيبوبة العقل أو غلبة النّشوة والطّرب‬
‫تخفّف اللم ‪.‬‬

‫إقامة الحدود في المساجد ‪:‬‬


‫‪ - 44‬اتّفق الفقهاء على أنّه تحرم إقامة الحدود في المساجد ‪ ،‬لما روى حكيم بن حزام ‪ { :‬أنّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن إقامة الحدّ في المساجد } ‪ .‬ولما روى ابن عبّاس أنّ‬
‫ن تعظيم المسجد‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل تقام الحدود في المساجد } ول ّ‬
‫واجب ‪ .‬وفي إقامة الحدود فيه ترك تعظيمه ‪ .‬ول خلف في إقامتها في الحرم على من‬
‫ارتكب موجب الحدّ فيه ‪ ،‬أمّا من ارتكبه خارج الحرم ولجأ إليه فقد اختلف الفقهاء ‪ :‬فذهب‬
‫جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يستوفى فيه حدّ لقوله تعالى ‪ { :‬ومن دخله كان آمنا } ‪ ،‬ولقوله‬
‫ل لمرئ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما } ( أي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل يح ّ‬
‫مكّة ) ‪ .‬وقالوا ‪ :‬يقاطع فل يبايع ول يشارى ول يطعم ول يؤوى ويضيّق عليه حتّى يخرج‬
‫فيستوفى منه الحدّ ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه تستوفى الحدود فيه ‪ ،‬لما روى أنس { أنّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل مكّة وعلى رأسه مغفر ‪ ،‬فلمّا نزع المغفر ‪ ،‬جاءه رجل فقال‬
‫‪ :‬ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة فقال ‪ :‬اقتلوه } ‪.‬‬

‫ما يراعى عند استيفاء كلّ نوع من أنواع الحدود ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬حدّ الرّجم ‪ :‬يراعى في استيفاء الرّجم ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 45‬أن يكون الرّجم في مكان واسع ‪ ،‬لنّه أمكن في رجمه ‪ ،‬ولئلّ يصيب بعضهم بعضا‬
‫ويحيطون بالمرجوم عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يصطفّون كصفوف الصّلة‬
‫لرجمه ‪ ،‬كلّما رجم قوم تنحّوا ورجم آخرون ‪ ،‬وأن يكون الرّجم بحجارة معتدلة قدر ما يطيق‬
‫الرّامي بدون تكلّف ‪ ،‬ل بكبيرة خشية التّشويه أو التّذفيف ( الجهاز عليه مرّة واحدة ) ول‬
‫بصغيرة خشية التّعذيب ‪ .‬ويحفر للمرأة إلى صدرها ‪ ،‬هذا عند الحنفيّة والشّافعيّة في قول ‪:‬‬
‫وهو أيضا قول لدى المالكيّة ‪ ،‬لكونه أستر لها ‪ ،‬وجاز تركه لسترها بثيابها ‪ .‬ويرى المالكيّة‬
‫ن أكثر‬
‫في المشهور ‪ ،‬والحنابلة في المذهب ‪ ،‬وهو قول آخر للشّافعيّة ‪ :‬أنّه ل يحفر لها ل ّ‬
‫ح عندهم ‪ :‬أنّه إن ثبت الحدّ بالقرار لم‬
‫الحاديث على تركه ‪ .‬وللشّافعيّة قول ثالث وهو الص ّ‬
‫يحفر لها ‪ ،‬وإن ثبت بالبيّنة حفر لها إلى صدرها ‪ ،‬وهو قول للمالكيّة والحنابلة أيضا ‪ ،‬قال‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬رجم‬
‫ح عندي ‪ .‬لما روى بريدة أ ّ‬
‫أبو الخطّاب ‪ :‬وهذا أص ّ‬
‫امرأة فحفر لها } ولنّه أستر لها ‪ ،‬ول حاجة إلى تمكينها من الهرب لكون الحدّ قد ثبت بالبيّنة‬
‫فل يسقط بفعل من جهتها ‪ ،‬بخلف الثّابت بالقرار ‪ ،‬فإنّها تترك على حال لو أرادت الهرب‬
‫تمكّنت منه ‪ ،‬لنّ رجوعها عن إقرارها مقبول ‪ .‬وأمّا الرّجل فل يحفر له عند الجمهور وفي‬
‫ن الرّسول صلى ال عليه وسلم لم يحفر‬
‫قول للمالكيّة ‪ :‬يحفر للمشهود عليه دون المقرّ ل ّ‬
‫لماعز ‪ ،‬قال أبو سعيد رضي ال عنه ‪ { :‬لمّا أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم برجم‬
‫ماعز خرجنا به إلى البقيع ‪ ،‬فواللّه ما حفرنا له ول أوثقناه ‪ ،‬ولكن قام لنا } ‪ .‬ولنّ الحفر‬
‫له ‪ ،‬ودفن بعضه عقوبة لم يرد بها الشّرع في حقّه ‪ ،‬فوجب أن ل تثبت ‪ .‬وينظر تفاصيل‬
‫الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬زنى ) ( ورجم ) ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الجلد ‪ :‬يراعى في استيفائه ما يلي ‪:‬‬


‫‪ - 46‬أن يكون الضّرب بسوط ل عقدة له ‪ ،‬ويكون حجمه بين القضيب والعصا ‪ ،‬لرواية‬
‫أنس أنّه { كان يؤمر بالسّوط ‪ ،‬فتقطع ثمرته } ‪ ،‬وثمرته ‪ :‬عقدة أطرافه ‪ ،‬ثمّ يدقّ بين حجرين‬
‫حتّى يلين ‪ ،‬ثمّ يضرب به ‪ .‬وأن يكون الضّرب ضربا متوسّطا ‪ ،‬لقول عليّ رضي ال عنه‬
‫ضرب بين ضربين ‪ ،‬وسوط بين سوطين يعني وسطا ‪ .‬ولذلك فل يبدي الضّارب إبطه في‬
‫ن ذلك مبالغة في الضّرب ‪ .‬وأن يفرّق الجلد على بدنه خل‬
‫رفع يده ‪ ،‬بحيث يظهر إبطه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن جمعه على عضو واحد قد‬
‫رأسه ‪ ،‬ووجهه وفرجه ‪ ،‬وصدره ‪ ،‬وبطنه ‪ ،‬وموضع القتل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل يشقّ الجلد ‪ ،‬أو يؤدّي إلى القتل ‪ .‬وأيضا ضرب‬
‫يفسده ‪ .‬وليأخذ كلّ عضو منه حظّه ‪ ،‬ولئ ّ‬
‫ما استثني قد يؤدّي إلى الهلك حقيقة أو معنى بإفساد بعض الحواسّ الظّاهرة أو الباطنة ‪،‬‬
‫ولقول عليّ رضي ال عنه ‪ :‬اضرب وأوجع ‪ ،‬واتّق الرّأس والوجه ‪ .‬ول يجوز تفريق‬
‫ل يوم سوطا أو سوطين ‪ ،‬لنّه ل يحصل به اليلم ‪.‬‬
‫الضّرب على اليّام بأن يضرب في ك ّ‬
‫ول خلف بين الفقهاء في أنّه ل يمدّ المحدود ول يربط ول تشدّ يده ‪ .‬واختلفوا في تجريده ‪:‬‬
‫‪ - 47‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ينزع ثياب الرّجل خل إزاره ليستر عورته ‪ ،‬وأمّا‬
‫المرأة فل تنزع ثيابها إلّ الفرو والحشو ‪ .‬ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ل يجرّد من ثيابه ‪،‬‬
‫لقول ابن مسعود ‪ :‬ليس في ديننا مدّ ‪ ،‬ول قيد ول تجريد ‪ ،‬بل يكون عليه غير ثياب الشّتاء‬
‫كالقميص والقميصين ‪ ،‬صيانة له عن التّجريد ‪ ،‬وإن كان عليه فروة ‪ ،‬أو جبّة محشوّة نزعت‬
‫‪ ،‬لنّه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضّرب ‪ .‬والرّجل يضرب قائما ‪ ،‬والمرأة جالسة ‪ ،‬وتشدّ‬
‫ي رضي ال عنه ‪ :‬تضرب المرأة جالسة ‪،‬‬
‫عليها ثيابها ‪ ،‬وتمسك يداها لئلّ تنكشف ‪ ،‬لقول عل ّ‬
‫والرّجل قائما في الحدود ‪ ،‬ولنّ المرأة عورة وهذا أستر لها ‪ - 48 .‬وأشدّ الجلد في الحدود‬
‫ن اللّه تعالى خصّ الزّنى بمزيد من التّأكيد بقوله‬
‫جلد الزّنى ‪ ،‬فجلد القذف ‪ ،‬فجلد الشّرب ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ما دونه أخفّ منه عددا ‪ ،‬فل يجوز أن يزيد‬
‫‪ { :‬ول تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه } ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن جناية الزّنى‬
‫ف في عدده كان أخفّ في صفته ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن ما كان أخ ّ‬
‫في إيلمه ووجعه ‪ ،‬ل ّ‬
‫أعظم من جناية الشّرب والقذف ‪ :‬أمّا أنّها أعظم من جناية القذف ‪ ،‬فلنّ القذف نسبة إلى‬
‫الزّنى ‪ ،‬فكان دون حقيقة الزّنى ‪ .‬وأمّا أنّه أعظم من جناية الشّرب فلنّ الجلد في الزّنى ثبت‬
‫بنصّ الكتاب العزيز ‪ ،‬ول نصّ في الشّرب ‪ ،‬وإنّما استخرجه الصّحابة الكرام بالجتهاد ‪،‬‬
‫والستدلل بالقذف فقالوا ‪ :‬إذا سكر هذى ‪ ،‬وإذا هذى افترى ‪ ،‬وح ّد المفتري ثمانون ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬القطع ‪:‬‬
‫‪ - 49‬تقطع يمين السّارق من زنده وهو مفصل الرّسغ ‪ ،‬وتحسم ول تقطع في حرّ وبرد‬
‫شديدين ‪ ،‬لنّ الحدّ زاجر ل متلف ‪ .‬ويقطع بأسهل ما يمكن ‪ ،‬فيجلس ويضبط ‪ ،‬لئلّ يتحرّك‬
‫ف من مفصل الذّراع ‪ ،‬ثمّ‬
‫فيجني على نفسه وتشدّ يده بحبل ‪ ،‬وتجرّ حتّى يبين مفصل الك ّ‬
‫يوضع بينهما سكّين حادّ ‪ ،‬ويدقّ فوقهما بقوّة ‪ ،‬ليقطع في مرّة واحدة ‪ .‬وإن علم قطع أسرع‬
‫من هذا قطع به ‪.‬‬

‫د ‪ -‬التّغريب ‪: :‬‬
‫‪ - 50‬يغرّب الزّاني البكر ‪ -‬عند من يقول بذلك ‪ -‬إلى مسافة القصر حول كامل وفي تغريب‬
‫المرأة وكيفيّته خلف وتفصيل سبق إجماله فقرة ( ‪ . ) 32‬وينظر تفصيله في ( زنى وتغريب‬
‫)‪.‬‬

‫إقامة الحدود في مل من النّاس ‪:‬‬


‫‪ - 51‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحدود تقام في مل من النّاس ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وليشهد عذابهما‬
‫طائفة من المؤمنين } والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى لكنّه يشمل سائر الحدود دللة ‪ ،‬لنّ‬
‫المقصود من الحدود كلّها واحد ‪ ،‬وهو زجر العامّة ‪ ،‬وذلك ل يحصل إلّ أن تكون القامة‬
‫ن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ‪ ،‬والغيّب ينزجرون بإخبار‬
‫على رأس العامّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحضور ‪ ،‬فيحصل الزّجر للكلّ ‪ ،‬وفيه منع الجلّاد من مجاوزة الحدّ الّذي جعل له ‪ ،‬ودفع‬
‫التّهمة والميل ‪ .‬وفي المراد بالطّائفة في الية خلف قيل ‪ :‬الطّائفة أقلّها واحد ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫اثنان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثلثة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أربعة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬خمسة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عشرة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬نفر ‪ .‬وينظر‬
‫تفصيل القائلين بها وأدلّتهم في ( زنى ) ‪.‬‬
‫آثار الحدّ ‪:‬‬
‫‪ - 52‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحدّ إن كان رجما يدفع المرجوم بعد قتله إلى أهله ‪،‬‬
‫فيصنعون به ما يصنع بسائر الموتى ‪ ،‬فيغسّلونه ‪ ،‬ويكفّنونه ‪ ،‬ويصلّون عليه ‪ ،‬ويدفنونه ‪ ،‬لما‬
‫ن ماعزا لمّا رجم قال عليه الصلة والسلم ‪ :‬اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم }‬
‫روي { أ ّ‬
‫ي رضي ال عنه على شراحة ‪ .‬ولنّه مسلم لو مات قبل الحدّ صلّي عليه ‪ ،‬فيصلّى‬
‫وصلّى عل ّ‬
‫ن من قتله المام في حدّ ل يصلّي المام عليه ‪ ،‬لنّ‬
‫عليه بعده كالسّارق ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬
‫جابرا قال في حديث { ماعز ‪ :‬فرجم حتّى مات ‪ ،‬فقال له النّبيّ صلى ال عليه وسلم خيرا‬
‫ولم يصلّ عليه } ‪ .‬وإن كان جلدا فحكم المحدود وغيره سواء في سائر الحكام من الشّهادة‬
‫وغيرها بشروطها إلّ المحدود في القذف خاصّة في أداء الشّهادة ‪ ،‬فإنّه تبطل شهادته على‬
‫التّأبيد ‪ ،‬وفي قبول شهادته بعد التّوبة خلف وتفصيل ذكر في كتاب الشّهادات من كتب الفقه‬
‫‪ .‬وينظر في مصطلح ‪ ( :‬قذف وشهادة ) ‪.‬‬

‫حديث النّفس انظر ‪ :‬نيّة ‪.‬‬

‫حرابة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرابة من الحرب الّتي هي نقيض السّلم ‪ :‬يقال ‪ :‬حاربه محاربة ‪ ،‬وحرابا ‪ ،‬أو من‬
‫الحرب ‪ .‬بفتح الرّاء ‪ :‬وهو السّلب ‪ .‬يقال ‪ :‬حرب فلنا ماله أي سلبه فهو محروب وحريب ‪.‬‬
‫والحرابة في الصطلح وتسمّى قطع الطّريق عند أكثر الفقهاء هي البروز لخذ مال ‪ ،‬أو‬
‫لقتل ‪ ،‬أو لرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة ‪ ،‬اعتمادا على القوّة مع البعد عن الغوث ‪.‬‬
‫وزاد المالكيّة محاولة العتداء على العرض مغالبة ‪ .‬وجاء في المدوّنة من كابر رجل على‬
‫ماله بسلح أو غيره في زقاق أو دخل على حريمه في المصر حكم عليه بحكم الحرابة ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البغي ‪:‬‬
‫‪ - 2‬البغي في اللّغة ‪ :‬الجور ‪ ،‬والظّلم ‪ ،‬والعدول عن الحقّ ‪ .‬وفي الصطلح الشّرعيّ ‪ :‬هو‬
‫الخروج عن طاعة إمام أهل العدل بتأويل غير مقطوع الفساد ‪ .‬وفرّق المام مالك بين‬
‫الحرابة والبغي بقوله ‪ :‬البغي يكون بالخروج على تأويل ‪ -‬غير قطعيّ الفساد ‪ -‬والمحاربون‬
‫خرجوا فسقا وخلوعا على غير تأويل " ب ‪ -‬السّرقة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬السّرقة في اللّغة ‪ :‬أخذ الشّيء خفية ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬أخذه خفية ظلما في حرز‬
‫مثله ‪ ،‬بشروط تذكر في بابها ‪ .‬فالفرق أنّ الحرابة فيها مجاهرة ومكابرة وسلح ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬النّهب ‪ ،‬والختلس ‪:‬‬
‫‪ - 4‬النّهب لغة ‪ :‬الغلبة على المال ‪ .‬واصطلحا ‪ :‬أخذ الشّيء علنية دون رضا ‪.‬‬
‫والختلس ‪ :‬خطف الشّيء بسرعة على غفلة من صاحبه ‪ ،‬مع العتماد على الهرب ‪.‬‬
‫فالنّهب والختلس كلهما أخذ الشّيء علنية ‪ ،‬والفرق بينهما هو ‪ :‬سرعة الخذ في‬
‫الختلس بخلف النّهب فإن ذلك غير معتبر فيه ‪ .‬أمّا الحرابة فهي الخذ على سبيل المغالبة‬
‫‪.‬‬
‫د ‪ -‬الغصب ‪:‬‬
‫‪ - 5‬الغصب أخذ الشّيء ظلما مع المجاهرة ‪ .‬وشرعا ‪ :‬الستيلء على حقّ الغير بغير حقّ ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوّم على سبيل المجاهرة ‪ .‬فالغصب قد يكون بسلح‬
‫أو بغير سلح مع إمكان الغوث ‪.‬‬

‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬


‫‪ - 6‬الحرابة من الكبائر ‪ ،‬وهي من الحدود باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وسمّى القرآن مرتكبيها ‪:‬‬
‫محاربين للّه ورسوله ‪ ،‬وساعين في الرض بالفساد ‪ ،‬وغلّظ عقوبتها أشدّ التّغليظ ‪ ،‬فقال عزّ‬
‫من قائل ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو‬
‫يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض } إلخ ‪ .‬ونفى الرّسول صلى‬
‫ال عليه وسلم انتسابهم إلى السلم فقال في الحديث المتّفق عليه ‪ { :‬من حمل علينا السّلح‬
‫فليس منّا } ‪ .‬الصل في جزاء الحرابة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬الصل في بيان جزاء الحرابة قوله تعالى ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله‬
‫ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا‬
‫من الرض ‪ } ...‬إلخ ‪ .‬وقد أجمع الفقهاء على مشروعيّة حدّ قاطع الطّريق كما سيأتي ‪.‬‬
‫وحديث العرنيّين عن أبي قلبة عن أنس رضي ال عنه قال ‪ { :‬قدم رهط من عكل على‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم كانوا في الصّفّة ‪ ،‬فاجتووا المدينة فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه أبغنا‬
‫ل أن تلحقوا بإبل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأتوها فشربوا‬
‫رسل ‪ ،‬فقال ما أجد لكم إ ّ‬
‫من ألبانها وأبوالها حتّى صحّوا وسمنوا وقتلوا الرّاعي واستاقوا الذّود ‪ ،‬فأتى النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم الصّريخ ‪ ،‬فبعث الطّلب في آثارهم ‪ ،‬فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم ‪ ،‬فأمر‬
‫بمسامير فأحميت فكحّلهم وقطّع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ‪ ،‬ثمّ ألقوا في الحرّة يستسقون ‪،‬‬
‫فما سقوا حتّى ماتوا ‪ .‬وقال أبو قلبة ‪ :‬سرقوا وقتلوا وحاربوا اللّه ورسوله } ‪.‬‬

‫من يعتبر محاربا ‪:‬‬


‫‪ - 8‬المحارب عند الجمهور ‪ :‬هو كلّ ملتزم مكلّف أخذ المال بقوّة في البعد عن الغوث ‪.‬‬
‫وللفقهاء تعريفات أخرى ل تخرج في مفهومها عن هذا المعنى ‪ .‬ول بدّ من توافر شروط في‬
‫المحاربين حتّى يحدّوا حدّ الحرابة ‪ .‬وهذه الشّروط في الجملة هي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اللتزام ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّكليف ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وجود السّلح معهم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬البعد عن العمران ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الذّكورة ‪.‬‬
‫و ‪ -‬المجاهرة ‪ .‬ولم يتّفق الفقهاء على هذه الشّروط كلّها ‪ ،‬بل بينهم في بعضها اختلف بيانه‬
‫كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اللتزام ‪:‬‬
‫‪ - 9‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط في المحارب ‪ :‬أن يكون ملتزما بأحكام الشّريعة ‪،‬‬
‫بأن يكون مسلما ‪ ،‬أو ذ ّميّا ‪ ،‬أو مرتدّا ‪ ،‬فل يحدّ الحربيّ ‪ ،‬ول المعاهد ‪ ،‬ول المستأمن ‪.‬‬
‫ل الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } وهؤلء تقبل توبتهم قبل‬
‫واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬
‫القدرة ‪ ،‬وبعدها ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولخبر ‪:‬‬
‫{ السلم يجبّ ما كان قبله } ‪ .‬ولم يلتزموا أحكام الشّريعة ‪ ،‬أمّا ال ّذ ّميّ فقد التزم أحكام‬
‫ن ال ّذمّيّ حكمه كحكم‬
‫الشّريعة فله ما لنا ‪ ،‬وعليه ما علينا ‪ .‬وظاهر عبارة أكثر الشّافعيّة أ ّ‬
‫المسلم في أحكام الحرابة ‪ .‬وأمّا المستأمن فقد وقع الخلف بينهم في أنّه يكون محاربا أو ل‬
‫‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التّكليف ‪:‬‬
‫ن البلوغ والعقل شرطان في عقوبة الحرابة لنّهما شرطا‬
‫‪ - 10‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫التّكليف الّذي هو شرط في إقامة الحدود ‪ .‬واختلفوا في ح ّد من اشترك مع الصّبيّ والمجنون‬
‫ن الحدّ ل يسقط عنهم وعليهم الحدّ ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لنّها‬
‫في قطع الطّريق ‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫ص بها واحد فلم يسقط الحدّ عن الباقين ‪ .‬كما لو اشتركوا في الزّنى بامرأة ‪ .‬نصّ‬
‫شبهة اخت ّ‬
‫ص الشّافعيّة على أنّ شريك‬
‫على ذلك الحنابلة ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الشّافعيّة والمالكيّة حيث ن ّ‬
‫ص منه ‪ ،‬وحصروا مسقطات الحدّ على قاطع الطّريق في توبته قبل القدرة عليه‬
‫الصّبيّ يقت ّ‬
‫ولم يذكروا مسقطا آخر ‪ ،‬ونصّوا على أنّه إذا أمسك رجل هاربا وقتله صبيّ يقتل الممسك‬
‫عندهم ‪ .‬ومقتضى ذلك كلّه أنّ شريك الصّبيّ في قطع الطّريق يحدّ ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إذا كان‬
‫في القطّاع صبيّ أو مجنون أو ذو رحم محرم من أحد المارّة فل حدّ على أحد منهم ‪ ،‬باشر‬
‫العقلء الفعل أم لم يباشروا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنّها جناية واحدة قامت بالكلّ ‪ ،‬فإن لم يقع فعل‬
‫بعضهم موجبا للحدّ ‪ ،‬كان فعل الباقين بعض العلّة فلم يثبت به الحكم ‪ .‬وقال وأبو يوسف ‪:‬‬
‫إذا باشر العقلء الفعل يحدّون ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الذّكورة ‪:‬‬
‫‪ - 11‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يشترط في المحارب الذّكورة ‪ .‬فلو اجتمع‬
‫ن قوّة ومنعة فهنّ قاطعات طريق ول تأثير للنوثة على الحرابة ‪ ،‬فقد يكون للمرأة‬
‫نسوة له ّ‬
‫من القوّة والتّدبير ما للرّجل فيجري عليها ما يجري على الرّجل من أحكام الحرابة ‪ .‬وقال‬
‫الحنفيّة ‪ :‬يشترط في المحارب الذّكورة ‪ :‬فل تحدّ المرأة وإن وليت القتال وأخذ المال ‪ ،‬لنّ‬
‫ركن الحرابة هو ‪ :‬الخروج على وجه المحاربة والمغالبة ول يتحقّق ذلك في النّساء عادة‬
‫ن ‪ ،‬فل يكنّ من أهل الحرابة ‪ .‬ولهذا ل يقتلن في دار الحرب ‪،‬‬
‫ن وضعف بنيته ّ‬
‫لرقّة قلوبه ّ‬
‫ن في القطع من الرّجال ‪ ،‬عند أبي حنيفة ومحمّد ‪ .‬سواء باشروا‬
‫ول يحدّ كذلك من يشاركه ّ‬
‫الجريمة أم لم يباشروا ‪ .‬وقال أبو يوسف ‪ :‬إذا باشرت المرأة القتال وأخذ المال ‪ ،‬يحدّ الرّجال‬
‫الّذين يشاركونها ‪ ،‬لنّ امتناع وجوب الحدّ على المرأة ليس لعدم الهليّة ‪ ،‬لنّها من أهل‬
‫التّكليف ‪ ،‬بل لعدم المحاربة عادة ‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرّجال الّذين يشاركونها ‪ ،‬فل يمتنع‬
‫وجوب الحدّ عليهم ‪.‬‬

‫د ‪ -‬السّلح ‪:‬‬
‫‪ - 12‬اختلف الفقهاء في اشتراط السّلح في المحارب ‪ .‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪ :‬يشترط أن‬
‫يكون مع المحارب سلح ‪ ،‬والحجارة والعصيّ سلح " هنا " فإن تعرّضوا للنّاس بالعصيّ‬
‫والحجار فهم محاربون ‪ .‬أمّا إذا لم يحملوا شيئا ممّا ذكر فليسوا بمحاربين ‪ .‬ول يشترط‬
‫المالكيّة والشّافعيّة حمل السّلح بل يكفي عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللّكز والضّرب‬
‫بجمع الكفّ ‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬البعد عن العمران ‪:‬‬


‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رأي أبي يوسف من الحنفيّة وكثير من أصحاب أحمد إلى‬
‫أنّه ل يشترط البعد عن العمران وإنّما يشترط فقد الغوث ‪ .‬ولفقد الغوث أسباب كثيرة ‪ ،‬ول‬
‫ينحصر في البعد عن العمران ‪ .‬فقد يكون للبعد عن العمران أو السّلطان ‪ .‬وقد يكون لضعف‬
‫أهل العمران ‪ ،‬أو لضعف السّلطان ‪ .‬فإن دخل قوم بيتا وشهروا السّلح ومنعوا أهل البيت‬
‫ن ذلك‬
‫من الستغاثة فهم قطّاع طرق في حقّهم ‪ .‬واستدلّ الجمهور بعموم آية المحاربة ‪ ،‬ول ّ‬
‫إذا وجد في العمران والمصار والقرى كان أعظم خوفا وأكثر ضررا ‪ ،‬فكان أولى بحدّ‬
‫الحرابة ‪ .‬وذهب الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط البعد عن العمران ‪ .‬فإن‬
‫حصل منهم الرعاب وأخذ المال في القرى والمصار فليسوا بمحاربين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنّ‬
‫ن من في‬
‫الواجب يسمّى ح ّد قطّاع الطّرق ‪ ،‬وقطع الطّريق إنّما هو في الصّحراء ‪ ،‬ول ّ‬
‫القرى والمصار يلحقه الغوث غالبا فتذهب شوكة المعتدين ‪ ،‬ويكونون مختلسين وهو ليس‬
‫بقاطع ‪ ،‬ول حدّ عليه ‪.‬‬

‫و ‪ -‬المجاهرة ‪:‬‬
‫‪ - 14‬المجاهرة أن يأخذ قطّاع الطّريق المال جهرا فإن أخذوه مختفين فهم سرّاق ‪ ،‬وإن‬
‫اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ول قطع عليهم ‪ .‬وكذلك إن خرج الواحد ‪ ،‬والثنان على آخر‬
‫قافلة ‪ ،‬فاستلبوا منها شيئا ‪ ،‬فليسوا بمحاربين لنّهم ل يعتمدون على قوّة ومنعة ‪ .‬وإن‬
‫تعرّضوا لعدد يسير فقهروهم ‪ ،‬فهم قطّاع طرق ‪.‬‬

‫حكم الرّدء ‪:‬‬


‫‪ - 15‬اختلف الفقهاء في حكم الرّدء أي المعين للقاطع بجاهه أو بتكثير السّواد أو بتقديم أيّ‬
‫ن حكمه حكم المباشر ‪،‬‬
‫عون لهم ولم يباشر القطع ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫لنّهم متمالئون وقطع الطّريق يحصل بالكلّ ‪ ،‬ولنّ من عادة القطّاع أن يباشر البعض ‪،‬‬
‫ويدفع عنهم البعض الخر ‪ ،‬فلو لم يلحق الرّدء بالمباشر في سبب وجوب الحدّ لدّى ذلك إلى‬
‫انفتاح باب قطع الطّريق ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يحدّ الرّدء ‪ ،‬وإنّما يعزّر كسائر الجرائم الّتي ل‬
‫حدّ فيها ‪.‬‬

‫عقوبة المحاربين ‪:‬‬


‫ن عقوبة المحارب حدّ من حدود اللّه ل تقبل السقاط ول‬
‫‪ - 16‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫العفو ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم ‪ .‬والصل في ذلك قوله تعالى ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين‬
‫يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم‬
‫وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الخرة عذاب‬
‫ن اللّه غفور رحيم } ‪.‬‬
‫عظيم إلّ الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أ ّ‬
‫‪ - 17‬واختلف الفقهاء في هذه العقوبات ‪ :‬أهي على التّخيير أم على التّنويع ‪ .‬فذهب الشّافعيّة‬
‫ن " أو " في الية على ترتيب الحكام ‪ ،‬وتوزيعها على‬
‫والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ما يليق بها في الجنايات ‪ :‬فمن قتل وأخذ المال ‪ ،‬قتل وصلب ‪ .‬ومن اقتصر على أخذ المال‬
‫قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ‪ .‬ومن أخاف الطّريق ‪ ،‬ولم يقتل ‪ ،‬ولم يأخذ مال نفي من‬
‫الرض ‪ .‬والنّفي في هذه الحالة عند الشّافعيّة تعزير وليس حدّا ‪ ،‬فيجوز التّعزير بغيره‬
‫ويجوز تركه إن رأى المام المصلحة في ذلك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬بهذا فسّر ابن عبّاس الية فقال ‪:‬‬
‫المعنى ‪ :‬أن يقتّلوا إن قتلوا ‪ .‬أو يصلّبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال ‪ .‬أو تقطّع أيديهم‬
‫وأرجلهم من خلف ‪ ،‬إن اقتصروا على أخذ المال ‪ ،‬أو ينفوا من الرض ‪ ،‬إن أرعبوا ‪ ،‬ولم‬
‫يأخذوا شيئا ولم يقتلوا ‪ ،‬وحملوا كلمة " أو " على التّنويع ل التّخيير ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى } أي قالت اليهود ‪ :‬كونوا هودا وقالت النّصارى ‪ :‬كونوا‬
‫نصارى ولم يقع تخييرهم بين اليهوديّة ‪ ،‬والنّصرانيّة ‪ .‬وقالوا أيضا ‪ :‬إنّه ل يمكن إجراء الية‬
‫ن الجزاء على قدر الجناية ‪،‬‬
‫على ظاهر التّخيير في مطلق المحارب لمرين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أ ّ‬
‫يزداد بزيادة الجناية ‪ ،‬وينقص بنقصانها بمقتضى العقل والسّمع أيضا قال تعالى ‪ { :‬وجزاء‬
‫سيّئة سيّئة مثلها } فالتّخيير في جزاء الجناية القاصرة بما يشمل جزاء الجناية الكاملة ‪ ،‬وفي‬
‫الجناية الكاملة بما يشمل جزاء الجناية القاصرة خلف المعهود في الشّرع ‪ .‬يزيد هذا إجماع‬
‫المّة على أنّ قطّاع الطّرق إذا قتلوا وأخذوا المال ‪ ،‬ل يكون جزاؤهم المعقول النّفي وحده ‪،‬‬
‫وهذا يدلّ على أنّه ل يمكن العمل بظاهر التّخيير ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّ التّخيير الوارد في الحكام‬
‫المختلفة بحرف التّخيير إنّما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحدا كما في كفّارة‬
‫اليمين وكفّارة جزاء الصّيد ‪ ،‬أمّا إذا كان السّبب مختلفا ‪ ،‬فإنّه يخرج التّخيير عن ظاهره‬
‫ل واحد في نفسه ‪ .‬وقطع الطّريق متنوّع ‪ ،‬وبين أنواعه تفاوت‬
‫ويكون الغرض بيان الحكم لك ّ‬
‫في الجريمة ‪ ،‬فقد يكون بأخذ المال فقط ‪ ،‬وقد يكون بالقتل ل غير ‪ ،‬وقد يكون بالجمع بين‬
‫المرين ‪ ،‬وقد يكون بالتّخويف فحسب ‪ ،‬فكان سبب العقاب مختلفا ‪ .‬فتحمل الية على بيان‬
‫حكم كلّ نوع فيقتّلون ويصلّبون إن قتلوا وأخذوا المال ‪ ،‬وتقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف إن‬
‫أخذوا المال ل غير ‪ ،‬وينفون من الرض ‪ ،‬إن أخافوا الطّريق ‪ ،‬ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا‬
‫ن اللّه سبحانه وتعالى ‪ :‬بدأ بالغلظ فالغلظ والمعهود من‬
‫مال ‪ .‬ويدلّ أيضا على ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫القرآن فيما أريد به التّخيير ‪ ،‬البداءة بالخفّ ككفّارة اليمين ‪ ،‬وما أريد به التّرتيب يبدأ فيه‬
‫بالغلظ فالغلظ ككفّارة الظّهار ‪ ،‬والقتل ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬إن أخذ قبل قتل نفس أو أخذ‬
‫شيء حبس بعد التّعزير حتّى يتوب ‪ ،‬وهو المراد بالنّفي في الية ‪ ،‬وإن أخذ مال معصوما‬
‫بمقدار النّصاب قطعت يده ورجله من خلف ‪ ،‬وإن قتل معصوما ولم يأخذ مال قتل ‪ .‬أمّا إن‬
‫قتل النّفس وأخذ المال ‪ ،‬وهو المحارب الخاصّ فالمام مخيّر في أمور ثلثة ‪ :‬إن شاء قطع‬
‫أيديهم وأرجلهم من خلف ثمّ قتلهم ‪ ،‬وإن شاء قتلهم فقط ‪ ،‬وإن شاء صلبهم ‪ ،‬والمراد‬
‫بالصّلب هنا طعنه وتركه حتّى يموت ول يترك أكثر من ثلثة أيّام ‪ .‬ول يجوز عنده إفراد‬
‫القطع في هذه الحالة بل ل ب ّد من انضمام القتل أو الصّلب إليه ‪ ،‬لنّ الجناية قتل وأخذ مال ‪،‬‬
‫والقتل وحده فيه القتل ‪ ،‬وأخذ المال وحده فيه القطع ‪ ،‬ففيهما مع الخاقة ل يعقل القطع وحده‬
‫‪ .‬وقال ‪ :‬صاحباه في هذه الصّورة ‪ :‬يصلبون ويقتلون ول يقطعون ‪ .‬وقال قوم من السّلف ‪:‬‬
‫ل على التّخيير بين الجزاءات الربعة ‪ .‬فإذا خرجوا لقطع الطّريق وقدر عليهم‬
‫ن الية تد ّ‬
‫إّ‬
‫المام ‪ ،‬خيّر بين أن يجري عليهم أي هذه الحكام إن رأى فيه المصلحة وإن لم يقتلوا ولم‬
‫يأخذوا مال ‪ .‬وإلى هذا ذهب المام مالك على التّفصيل التّالي ‪ :‬وهو إن قتل فل بدّ من قتله ‪،‬‬
‫ن في إبقائه مصلحة أعظم من قتله ‪ .‬وليس له تخيير في قطعه ‪ ،‬ول‬
‫إلّ إن رأى المام أ ّ‬
‫نفيه ‪ ،‬وإنّما التّخيير في قتله أو صلبه ‪ .‬وإن أخذ المال ولم يقتل ل تخيير في نفيه ‪ ،‬وإنّما‬
‫التّخيير في قتله ‪ ،‬أو صلبه ‪ ،‬أو قطعه من خلف ‪ ،‬وإن أخاف السّبيل فقط فالمام مخيّر بين‬
‫قتله ‪ ،‬أو صلبه ‪ ،‬أو قطعه ‪ ،‬باعتبار المصلحة ‪ .‬هذا في حقّ الرّجال ‪ .‬أمّا المرأة فل‬
‫تصلب ‪ ،‬ول تنفى ‪ ،‬وإنّما حدّها ‪ :‬القطع من خلف ‪ ،‬أو القتل المجرّد واستدلّوا بظاهر‬
‫ن اللّه تعالى ذكر هذه العقوبات بكلمة " أو " وهي موضوعة للتّخيير ‪ ،‬وهو مذهب‬
‫الية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫سعيد بن المسيّب ومجاهد ‪ ،‬والحسن وعطاء بن أبي رباح ‪ .‬وقال ابن عبّاس ‪ :‬ما كان في‬
‫القرآن " أو " فصاحبه بالخيار ‪.‬‬

‫كيفيّة تنفيذ العقوبة ‪:‬‬


‫أ ‪ ( -‬النّفي ) ‪:‬‬
‫‪ - 18‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إن أخاف الطّريق ولم يأخذ مال ولم يقتل نفسا فعقوبته‬
‫النّفي من الرض ‪ .‬واختلفوا في معنى النّفي فقال أبو حنيفة ‪ :‬نفيه حبسه حتّى تظهر توبته أو‬
‫ن المراد بالنّفي إبعاده عن بلده إلى مسافة البعد ‪ ،‬وحبسه فيه ‪.‬‬
‫يموت ‪ .‬وذهب مالك ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫وقال الشّافعيّ ‪ :‬المراد بالنّفي الحبس أو غيره كالتّغريب كما في الزّنى ‪ .‬وقال الحنابلة ‪:‬‬
‫نفيهم ‪ :‬أن يشرّدوا فل يتركوا يستقرّون في بلد ‪ .‬ويروى ذلك عن ابن عبّاس ‪ ،‬وهو قول‬
‫النّخعيّ وقتادة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وروي عن ابن عبّاس ‪ :‬أنّه ينفى من بلده إلى بلد غيره كنفي‬
‫الزّاني ‪ .‬وأمّا المرأة فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تغرّب واستدلّوا لذلك بعموم النّصّ { أو‬
‫ينفوا من الرض } ‪ .‬واشترطوا لتغريب المرأة أن يخرج معها محرمها فإن لم يخرج معها‬
‫محرمها فعند أحمد رواية أنّها تغرّب إلى دون مسافة القصر لتقرب من أهلها فيحفظوها ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة يؤخّر التّغريب ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه ل تغريب على المرأة ول صلب ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬القتل ‪:‬‬
‫‪ - 19‬اختلف الفقهاء فيما يغلّب في قتل قاطع الطّريق ‪ ،‬إذا قتل فقط ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬
‫وهو قول عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إلى أنّه يغلّب الحدّ ‪ ،‬فيقتل وإن قتل بمثقل ‪ ،‬ول يشترط‬
‫التّكافؤ بين القاتل والمقتول ‪ ،‬فيقتل الحرّ بالعبد ‪ ،‬والمسلم بال ّذ ّميّ ‪ ،‬كما ل عبرة بعفو مستحقّ‬
‫القود ‪ .‬وقال الشّافعيّة في الرّاجح عندهم ‪ ،‬والحنابلة في إحدى روايتين لحمد ‪ :‬يغلّب جانب‬
‫القصاص لنّه حقّ آدميّ ‪ ،‬وهو مبنيّ على المضايقة فيقتل قصاصا أوّل ‪ ،‬فإذا عفا مستحقّ‬
‫القصاص عنه يقتل حدّا ‪ ،‬ويشترط التّكافؤ بين القاتل والمقتول ‪ ،‬لخبر ‪ { :‬ل يقتل مسلم بكافر‬
‫} وعلى هذا إذا قتل مسلم ذ ّميّا ‪ ،‬أو الحرّ غير حرّ ‪ ،‬ولم يأخذ مال ‪ ،‬لم يقتل قصاصا ‪،‬‬
‫ويغرم دية ال ّذ ّميّ ‪ ،‬وقيمة الرّقيق ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القطع من خلف ‪:‬‬
‫‪ - 20‬يراعى في كيفيّة القطع ما يراعى في قطع السّارق ‪ .‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬سرقة ) ‪.‬‬

‫د ‪ -‬الصّلب ‪:‬‬
‫‪ - 21‬اختلف الفقهاء في وقت الصّلب ‪ ،‬ومدّته ‪ :‬فقال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬يصلب حيّا ‪ ،‬ويقتل‬
‫مصلوبا ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يترك مصلوبا ثلثة أيّام بعد موته ‪ .‬وعند المالكيّة تحدّد مدّة الصّلب‬
‫باجتهاد المام ‪ .‬وفي قول للشّافعيّة ‪ :‬إنّه يصلب حيّا للتّشهير به ثمّ ينزل فيقتل ‪ .‬وقال‬
‫الشّافعيّة في المعتمد والحنابلة ‪ :‬يصلب بعد القتل ‪ ،‬لنّ اللّه تعالى قدّم القتل على الصّلب لفظا‬
‫ن الصّفا والمروة من شعائر اللّه } ‪.‬‬
‫‪ .‬فيجب تقديم ما ذكر أوّل في الفعل كقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬
‫ن اللّه كتب الحسان على كلّ‬
‫ن في صلبه حيّا تعذيبا له ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬
‫ول ّ‬
‫شيء ‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة } ‪ .‬وعلى هذا الرّأي ‪ :‬يقتل ‪ ،‬ثمّ يغسّل ‪ ،‬ويكفّن ‪ ،‬ويصلّى‬
‫عليه ‪ ،‬ثمّ يصلب ‪ ،‬ويترك مصلوبا ثلثة أيّام بلياليها ول يجوز الزّيادة عليها ‪ .‬وينظر تفصيل‬
‫ما يتّصل بالصّلب في مصطلح ‪ ( :‬تصليب ) ‪.‬‬

‫ضمان المال والجراحات بعد إقامة الحدّ ‪:‬‬


‫‪ - 22‬إذا أقيم الحدّ على المحارب ‪ ،‬فهل يضمن ما أخذه من المال ‪ ،‬ويقتصّ منه للجراحات ؟‬
‫اختلف الئمّة في ذلك ‪ :‬فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إذا أخذ المحاربون مال وأقيم‬
‫عليهم الحدّ ضمنوا المال مطلقا ‪ .‬ثمّ صرّح الحنابلة أنّه يجب الضّمان على الخذ فقط ‪ ،‬ل‬
‫على من كان معه ولم يباشر الخذ ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الشّافعيّة ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لنّ وجود‬
‫الضّمان ليس بحدّ فل يتعلّق بغير المباشر له كالغصب والسّرقة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يعتبر كلّ‬
‫واحد منهم ضامنا للمال المأخوذ بفعله أو بفعل صاحبه لنّهم كالحملء ( الكفلء ) فكلّ من‬
‫قدر عليه منهم أخذ بجميع ما أخذه هو وأصحابه لتقوّي بعضهم ببعض ‪ ،‬ومن دفع أكثر ممّا‬
‫أخذ يرجع على أصحابه ‪ .‬أمّا الجراحات فقال الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ :‬إذا جرح جرحا فيه قود‬
‫فاندمل لم يتحتّم به قصاص في الظهر عند الشّافعيّة بل يتخيّر المجروح بين القود والعفو‬
‫ن الشّرع لم‬
‫ص بالنّفس كالكفّارة ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن التّحتّم تغليظ لحقّ اللّه ‪ ،‬فاخت ّ‬
‫على مال أو غيره ل ّ‬
‫يرد بشرع الحدّ في حقّ المحارب بالجراح ‪ ،‬فبقي على أصله في غير الحرابة ‪ .‬وفي قول‬
‫عند الشّافعيّة وإحدى روايتين لحمد ‪ :‬يتحتّم فيه القصاص كالنّفس لنّ الجراح تابعة للقتل‬
‫فيثبت فيها مثل حكمه ‪ .‬والقول الثّالث للشّافعيّة ‪ :‬يتحتّم في اليدين والرّجلين لنّهما ممّا‬
‫يستحقّان في المحاربة دون غيرهما ‪ .‬أمّا إذا سرى الجرح إلى النّفس فمات المجروح يتحتّم‬
‫القتل ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا أخذ المحاربون مال وأقيم عليهم الحدّ فإن كان المال قائما‬
‫ردّوه ‪ ،‬وإن كان تالفا أو مستهلكا ل يضمنونه ‪ ،‬لنّه ل يجمع عندهم بين الح ّد والضّمان ‪،‬‬
‫وكذلك الجراحات سواء كانت خطأ أم عمدا ‪ ،‬لنّه إذا كانت خطأ ‪ ،‬فإنّها توجب الضّمان ‪،‬‬
‫وإن كانت عمدا ‪ ،‬فإنّ الجناية فيما دون النّفس يسلك بها مسلك الموال ‪ ،‬ول يجب ضمان‬
‫المال مع إقامة الحدّ فكذلك الجراحات ‪.‬‬

‫ما تثبت به الحرابة ‪:‬‬


‫ن جريمة الحرابة تثبت قضاء بالقرار ‪ ،‬أو بشهادة عدلين ‪.‬‬
‫‪ - 23‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫وتقبل شهادة الرّفقة في الحرابة ‪ ،‬فإذا شهد على المحارب اثنان من المقطوع عليهم لغيرهما‬
‫ولم يتعرّضا لنفسهما في الشّهادة قبلت شهادتهما ‪ ،‬وليس على القاضي البحث عن كونهما من‬
‫المقطوع عليهم ‪ ،‬وإن بحث لم يلزمهم الجابة ‪ ،‬أمّا إذا تعرّضوا لنفسهما بأن يقول ‪ :‬قطعوا‬
‫ق غيرهما للعداوة ‪ .‬وقال‬
‫علينا الطّريق ‪ ،‬ونهبوا أموالنا لم يقبل ‪ ،‬ل في حقّهما ول في ح ّ‬
‫مالك ‪ :‬تقبل شهادتهم في هذه الحالة ‪ ،‬وتقبل عنده في الحرابة شهادة السّماع ‪ .‬حتّى لو شهد‬
‫اثنان عند الحاكم على رجل اشتهر بالحرابة أنّه هو المشتهر بالحرابة تثبت الحرابة بشهادتهما‬
‫وإن لم يعايناه ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬شهادة وإقرار ) ‪.‬‬

‫سقوط عقوبة الحرابة ‪:‬‬


‫‪ - 24‬يسقط حدّ الحرابة عن المحاربين بالتّوبة قبل القدرة عليهم ‪ ،‬وذلك في شأن ما وجب‬
‫ل اتّفاق‬
‫عليهم حقّا للّه ‪ ،‬وهو تحتّم القتل ‪ ،‬والصّلب ‪ ،‬والقطع من خلف ‪ ،‬والنّفي ‪ ،‬وهذا مح ّ‬
‫ل الّذين تابوا من قبل أن تقدروا‬
‫بين أصحاب المذاهب الربعة ‪ .‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬
‫عليهم } فاللّه سبحانه وتعالى قد أوجب عليهم الحدّ ‪ ،‬ثمّ استثنى التّائبين قبل القدرة عليهم ‪ .‬أمّا‬
‫حقوق الدميّين فل تسقط بالتّوبة ‪ .‬فيغرمون ما أخذوه من المال عند الجمهور وعند الحنفيّة‬
‫إن كان المال قائما ‪ ،‬ويقتصّ منهم إذا قتلوا على التّفصيل السّابق ‪ ،‬ول يسقط إلّ بعفو‬
‫مستحقّ الحقّ في مال أو قصاص ‪.‬‬

‫حراسة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحراسة في اللّغة اسم مصدر من حرس الشّيء يحرسه ويحرسه حرسا ‪ ،‬حفظه حفظا‬
‫مستمرّا ‪ ،‬وهو أن يصرف الفات عن الشّيء قبل أن تصيبه صرفا مستمرّا ‪ ،‬فإذا أصابته‬
‫فصرفها عنه سمّي تخليصا ‪ ،‬واشتقاقه من الحرس وهو الدّهر ‪ .‬وحرس أيضا إذا سرق‬
‫فالفعل من الضداد عند العرب ‪ ،‬ويطلقون على الشّاة يدركها اللّيل قبل رجوعها إلى مأواها‬
‫فتسرق ‪ ،‬حريسة ‪ .‬وفي الصطلح ل يخرج عن المعنى اللّغويّ وهو حفظه الشّيء حفظا‬
‫مستمرّا ( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الرّباط ‪:‬‬
‫‪ - 2‬هو القامة بالثّغر تقوية للمسلمين على الكفّار ‪ ،‬والثّغر كلّ مكان يخيف أهله العدوّ‬
‫ويخيفهم ‪ ،‬وأصل الرّباط من رباط الخيل لنّ هؤلء يربطون خيولهم وهؤلء يربطون‬
‫خيولهم كلّ يعدّ لصاحبه فسمّي المقام بالثّغر رباطا وإن لم يكن فيه خيل ‪ .‬وقد روي في فضل‬
‫الرّباط أحاديث منها ما روى سلمان رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪ { :‬رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ‪ ،‬وإن مات جرى عليه عمله الّذي‬
‫كان يعمله ‪ ،‬وأجري عليه رزقه وأمن الفتّان } ‪ .‬فالرّباط أخصّ من الحراسة لنّه حراسة‬
‫لثغر بالقامة فيه ب ‪ -‬الحمى ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الحمى يكون في بقعة موات لرعي نعم جزية أو صدقة ‪ ،‬ويكون بمنع المام النّاس من‬
‫ن الزّهريّ‬
‫رعيها إذا لم يضرّ بهم ‪ ،‬لنّه { حمى النّقيع لخيل المسلمين } ‪ .‬وعن البخاريّ أ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حمى النّقيع } ‪ ،‬وأنّ عمر حمى الشّرف والرّبذة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬بلغنا { أ ّ‬
‫فالحمى حراسة بقعة معيّنة حتّى ل يرعاها غير نعم الجزية أو الصّدقة ‪.‬‬

‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬


‫‪ - 4‬يختلف حكم الحراسة باختلف أحوالها وتعتريها الحكام الخمسة ‪ :‬فتكون الحراسة‬
‫واجبة كحراسة طائفة من الجيش للخرى الّتي تصلّي صلة الخوف عمل بقول ربّنا جلّ‬
‫وعل { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا‬
‫فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم‬
‫و ّد الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ول جناح عليكم‬
‫ن اللّه أعدّ‬
‫إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إ ّ‬
‫للكافرين عذابا مهينا } ‪ .‬وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح ( صلة الخوف ) ‪ .‬وتكون مستحبّة‬
‫كالحراسة والمرابطة في الثّغور تطوّعا وفي غير تهديد العد ّو لنا ‪ ،‬لحديث سلمان رضي ال‬
‫عنه السّابق ‪ .‬ومنها الحراسة في الغزو تطوّعا جاء في فضلها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ { :‬من حرس من وراء المسلمين متطوّعا ل يأخذه سلطان لم ير النّار بعينيه إلّ تحلّة القسم }‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬عينان ل تمسّهما النّار عين بكت من خشية اللّه وعين باتت‬
‫تحرس في سبيل اللّه } ‪ .‬وتكون مباحة كمن يؤجّر نفسه لحراسة مباح كحارس الثّمار‬
‫والسواق وما شابه ذلك ‪ .‬وتكون محرّمة كحراسة ما يؤدّي إلى فساد الدّين ‪ ...‬ومن ذلك‬
‫حراسة أماكن اللّهو المحرّم والخمر والفجور ونحوها ‪.‬‬

‫حكم استخدام الكلب وما شابه للحراسة ‪:‬‬


‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء في الجملة على جواز استخدام الكلب للحراسة ‪ ،‬لحديث أبي هريرة مرفوعا‬
‫ل كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كلّ يوم قيراط } أمّا في‬
‫{ من اتّخذ كلبا إ ّ‬
‫حكم ضمان الحارس فخلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬ضمان ) و ( وديعة ) ‪.‬‬

‫حرام انظر ‪ :‬تحريم ‪.‬‬

‫حرب انظر ‪ :‬جهاد‬

‫حربيّ انظر ‪ :‬أهل الحرب ‪ ،‬دار الحرب ‪.‬‬

‫حرج‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرج في اللّغة بمعنى الضّيق يقال حرج الرّجل ‪ :‬أثم ‪ ،‬وصدر حرج ‪ :‬ضيّق ‪ ،‬ورجل‬
‫حرج ‪ :‬آثم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تحرّج النسان تحرّجا أي فعل فعل جانب به الحرج ‪ ،‬وهذا ممّا ورد‬
‫لفظه مخالفا لمعناه ‪ ،‬ويطلق الحرج في اللّغة على معان أخرى لكنّها ل تخرج في دللتها عن‬
‫معنى الضّيق وما يلزمه من المعاني المجازيّة كالثم والحرام ‪ .‬ومن إطلقاته أيضا ‪:‬‬
‫الموضع الّذي فيه أشجار كثيرة ل تصل إليه الرّاعية ‪ ،‬يقال ‪ :‬هذا مكان حرج أي ضيّق كثير‬
‫ل ما تسبّب في الضّيق ‪،‬‬
‫الشّجر ‪ .‬ويفهم من استعمالت الفقهاء لكلمة الحرج أنّه يطلق على ك ّ‬
‫سواء أكان واقعا على البدن ‪ ،‬أم على النّفس ‪ ،‬أم عليهما معا ‪ .‬وأمّا عند الصوليّين ‪ :‬فهو‬
‫كّليّ مشكّك بعض أفراده أقوى من بعض ول يعتبر كلّ مرتبة منه ‪ ،‬بل ما ثبت من الشّارع‬
‫سنّة ‪:‬‬
‫اعتباره حرجا ‪ .‬ورود لفظ الحرج في الكتاب وال ّ‬
‫‪ - 2‬ورد لفظ الحرج في القرآن الكريم ‪ ،‬فتارة فسّر بمعنى الثم كما في قوله تعالى ‪ { :‬ليس‬
‫على الضّعفاء ول على المرضى ول على الّذين ل يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه‬
‫شدّة والضّيق كما في قوله تعالى ‪ { :‬فل وربّك ل يؤمنون‬
‫ورسوله } ‪ ،‬وتارة فسّر بمعنى ال ّ‬
‫حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ ل يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما } ‪.‬‬
‫سنّة ‪ :‬وردت كلمة الحرج بكثرة وأغلبها يعود إلى المعاني التّالية ‪ - :‬الثم ‪ :‬كما‬
‫وكذلك في ال ّ‬
‫في قوله صلى ال عليه وسلم { حدّثوا عن بني إسرائيل ول حرج } أي ول إثم عليكم أن‬
‫تحدّثوا عنهم ما سمعتم ‪ - .‬الحرام ‪ :‬كما روى أبو هريرة مرفوعا { اللّهمّ إنّي أحرّج حقّ‬
‫شدّة ‪ :‬كقول ابن عبّاس حينما سئل عن‬
‫الضّعيفين ‪ :‬اليتيم والمرأة } ‪ :‬أي أحرّم ‪ - .‬الضّيق وال ّ‬
‫ي على الصّلة ‪ :‬إنّي كرهت‬
‫أسباب أمره المؤذّن أن يقول ‪ :‬صلّوا في بيوتكم " بدل من " ح ّ‬
‫أن أخرجكم فتمشون في الطّين والدّحض ( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الرّخصة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الرّخصة في اللّغة اليسر والسّهولة يقال ‪ :‬رخص السّعر إذا تراجع ‪ ،‬وسهل الشّراء ‪.‬‬
‫وفي الشّريعة ‪ :‬عبارة عمّا وسّع للمكلّف في فعله لعذر ‪ ،‬وعجز عنه مع قيام السّبب المحرّم ‪.‬‬
‫كتناول الميتة عند الضطرار ‪ ،‬وسقوط أداء رمضان عن المسافر ‪ .‬وهذا هو المراد من‬
‫عبارات الصوليّين ‪ ،‬وهو المعنى الحقيقيّ للرّخصة ‪ .‬والعلقة بين الرّخصة والحرج الضّدية‬
‫‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬رخصة ) والملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العزيمة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬العزيمة في اللّغة عبارة عن القصد المؤكّد ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ولم نجد له عزما } ‪.‬‬
‫ن العزيمة عبارة عمّا‬
‫وفي الشّريعة لها تعريفات كثيرة أقربها ما عرّفها به الغزاليّ وهو ‪ :‬أ ّ‬
‫لزم العباد بإيجاب اللّه تعالى » ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬عزيمة ) والملحق الصوليّ‬
‫‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المشقّة ‪:‬‬
‫شدّة ‪ ،‬يقال ‪ :‬شقّ عليه الشّيء يشقّ شقّا ‪،‬‬
‫‪ - 5‬المشقّة في اللّغة بمعنى الجهد والعناء وال ّ‬
‫ل بشقّ النفس } ‪.‬‬
‫ومشقّة إذا أتعبه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬لم تكونوا بالغيه إ ّ‬
‫د ‪ -‬الضّرورة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الضّرورة اسم من الضطرار ومأخوذة من الضّرر ‪ ،‬وهو ضدّ النّفع ‪ .‬وفي الشّرع‬
‫بلوغ النسان حدّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ‪ ،‬وهذا يبيح تناول الحرام ‪ .‬وتعتبر‬
‫حالة الضّرورة من أعلى أنواع الحرج الموجبة للتّخفيف ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪:‬‬
‫( ضرورة ) والملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الحاجة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬الحاجة في الصل ‪ :‬الفتقار إلى الشّيء الّذي يوفّر تحقّقه رفع الضّيق المؤدّي في‬
‫الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب ‪ ،‬ولكنّها لو لم تراع لم يدخل على المكلّف‬
‫الفساد العظيم المتحقّق لفقدان المصالح الضّروريّة ‪ .‬كالجائع الّذي لو لم يأكل لم يهلك ‪.‬‬
‫والحاجة قد تنزّل منزلة الضّرورة لعتبارات معيّنة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 8‬الحرج مرفوع شرعا لقوله تعالى ‪ { :‬يريد اللّه بكم اليسر ول يريد بكم العسر } قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وما جعل عليكم في الدّين من حرج } ومنه القاعدة الفقهيّة ‪ :‬المشقّة تجلب التّيسير "‬
‫قال الفقهاء ‪ :‬على هذه القاعدة يتخرّج جميع رخص الشّرع كالتّخفيف لجل السّفر والمرض‬
‫ونحوها ‪ .‬ومثلها قاعدة ‪ :‬الضّرورات تبيح المحظورات » ‪ .‬كأكل الميتة عند المخمصة‬
‫وإساغة اللّقمة بالخمر ونحوها ‪ .‬وتفصيل ذلك وما يترتّب على الحرج من أحكام في الملحق‬
‫الصوليّ ‪.‬‬

‫حرّ‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرّ من الرّجال خلف العبد ‪ ،‬وسمّي حرّا لخلوصه من ال ّرقّ ‪ ،‬وهو مأخوذ من قولهم‬
‫‪ :‬رجل حرّ إذا خلص من الختلط بغيره ‪ ،‬وجمع الحرّ أحرار ‪ ،‬والحرّة خلف المة ‪،‬‬
‫والحرّة أيضا الكريمة ‪ ،‬وجمعها حرائر على خلف القياس ‪ ،‬كشجرة مرّة وشجر مرائر ‪،‬‬
‫ويستعار الحرّ أيضا للكريم ‪ ،‬كالعبد للّئيم ‪ .‬وهو في اصطلح الفقهاء ‪ :‬من خلصت ذاته عن‬
‫شائبة ال ّرقّ والملك ‪ ،‬وهو ضربان ‪ :‬ضرب استقرّت له الحرّيّة فذاك ‪ ،‬وضرب يحكم بح ّريّته‬
‫ظاهرا كاللّقيط ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المبعّض ‪:‬‬
‫‪ - 2‬المبعّض هو من بعضه حرّ وبعضه مملوك ‪ ،‬وتعرف أحكامه بالرّجوع إلى مصطلح‬
‫( تبعيض ) ب ‪ -‬العبد ‪:‬‬
‫‪ - 3‬العبد هو المملوك من الذّكور خاصّة ‪ .‬قال الزّرقانيّ ‪ :‬وإن كان لفظ العبد يشمل النثى‬
‫شرعا نحو { وما ربّك بظلّام للعبيد } لكنّ العرف أصل من أصول الشّرع يخصّص العامّ‬
‫ويقيّد المطلق ‪ .‬وهو يصدق على القنّ ‪ ،‬وهو من ملك هو وأبواه ‪ ،‬أو هو الّذي لم ينعقد له‬
‫سبب الح ّريّة ‪ .‬وعلى المدبّر ‪ :‬وهو من علق عتقه بالموت الّذي هو دبر الحياة ‪ .‬وعلى‬
‫المكاتب ‪ :‬وهو من علق عتقه بلفظ الكتابة وبعوض منجّم بنجمين فأكثر ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬المة وهي النثى من المماليك سواء أكانت كاملة العبوديّة أم مكاتبة أم مدبّرة ‪ ،‬ولفظ‬
‫المة يصدق على أمّ الولد ‪ ،‬وهي الّتي أحبلها سيّدها فولدت حيّا أو ميّتا ‪ ،‬أو ما تجب فيه‬
‫غرّة كمضغة فيها صورة آدميّ ظاهرة أو خفيّة أخبر بها القوابل ‪ .‬الحكام الجماليّة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬الصل في النسان الح ّريّة ‪ ،‬وال ّرقّ طارئ على النسان ‪ ،‬والصل في أحكام الشّريعة‬
‫أنّها للحرار ‪ ،‬ويوافق الرّقيق الحرار في أغلب الحكام ‪ ،‬وهناك أحكام يختصّ بها الرّقيق‬
‫تنظر في مصطلح ‪ ( :‬رقّ ) ‪ .‬الحرّ ل يدخل تحت اليد ‪:‬‬
‫ن الحرّ ل يستولى عليه استيلء‬
‫‪ - 6‬وهي قاعدة فقهيّة تذكرها كتب القواعد ومعناها ‪ :‬أ ّ‬
‫الغصب والملك فل يباع ول يشترى ‪ ،‬ومن فروعها أنّه لو حبس إنسان حرّا ولم يمنعه الطّعام‬
‫حتّى مات حتف أنفه أو بانهدام حائط ونحوه لم يضمنه ‪ ،‬ولو كان عبدا ضمنه ‪ ،‬ول يضمن‬
‫ن ثياب‬
‫منافعه ما دام في حبسه إذا لم يستوفها ‪ ،‬ويضمن منافع العبد ‪ .‬ومن فروعها أيضا أ ّ‬
‫الحرّ وما في يده من المال ل يدخل في ضمان الغاصب ‪ ،‬لنّها في يد الحرّ حقيقة ‪ ،‬وكذا لو‬
‫كان صغيرا أو مجنونا على الصحّ ‪.‬‬

‫حرز‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرز في اللّغة ‪ :‬الموضوع الّذي يحفظ فيه الشّيء ‪ ،‬والجمع أحراز ‪ ،‬تقول ‪ :‬أحرزت‬
‫الشّيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الخذ ‪ .‬وللحرز معان أخرى منها‬
‫‪ :‬الموضع الحصين ‪ :‬يقال ‪ :‬هذا حرز حريز ‪ ،‬للتّأكيد ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬حصن حصين ‪.‬‬
‫والتّعويذة ‪ .‬والنّصيب ‪ ،‬كما يقال ‪ .‬أخذ حرزه ‪ .‬أي نصيبه ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬هو ما نصب‬
‫عادة لحفظ أموال النّاس ‪ ،‬كالدّار ‪ ،‬والحانوت ‪ ،‬والخيمة ‪ ،‬والشّخص ‪ .‬وقال ابن رشد ‪:‬‬
‫الشبه أن يقال في ح ّد الحرز ‪ :‬إنّه ما شأنه أن تحفظ به الموال كي يعسر أخذها مثل‬
‫ن تحديد الحرز مرجعه إلى العرف والعادة ‪ .‬قال‬
‫الغلق والحظائر ‪ .‬والفقهاء متّفقون على أ ّ‬
‫الغزاليّ ‪ :‬والحرز ما ل يعدّ المالك أنّه مضيّع لماله إذا وضعه فيه ‪ .‬ومرجعه العرف لنّه‬
‫ليس له ضابط لغة ول شرعا ‪ ،‬كالقبض في المبيع والحياء في الموات ‪ .‬والعرف يتفاوت ‪،‬‬
‫ولذلك فهو يختلف باختلف الحوال ‪ ،‬والوقات ‪.‬‬
‫( الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الخذ من الحرز شرط من شروط القطع في السّرقة للمال المملوك عند جمهور الفقهاء ‪،‬‬
‫فل يجب القطع حتّى ينفصل المال عن جميع الحرز ‪ ،‬ولذلك إذا جمع المتاع ولم يخرج به‬
‫من الحرز ل يجب القطع ‪ ،‬وإليه ذهب عطاء ‪ ،‬والشّعبيّ ‪ ،‬وأبو السود الدّؤليّ ‪ ،‬وعمر بن‬
‫عبد العزيز ‪ ،‬والزّهريّ ‪ ،‬وعمرو بن دينار ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬ومالك والشّافعيّ ‪ ،‬وأهل الرّأي ‪.‬‬
‫ل قول حكي عن عائشة والحسن‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ل نعلم لحد من أهل العلم خلفا ‪ ،‬إ ّ‬
‫والنّخعيّ فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع ‪ .‬والصل في اشتراط الحرز‬
‫ما روي في الموطّأ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬ل قطع في ثمر معلّق ول في‬
‫ن } وروي عنه عليه‬
‫حريسة جبل ‪ ،‬فإذا آواه المراح أو الجرين ‪ ،‬فالقطع فيما بلغ ثمن المج ّ‬
‫ل فيما آواه الجرين ‪ .‬فما‬
‫الصلة والسلم أنّه قال ‪ { :‬ليس في شيء من الثّمر المعلّق قطع إ ّ‬
‫ن ففيه غرامة مثليّة‬
‫أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجنّ ففيه القطع ‪ ،‬وما لم يبلغ ثمن المج ّ‬
‫وجلدات نكال } ‪ .‬واختلف الفقهاء فيما يعتبر به المال محرزا ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬يعتبر محرزا‬
‫بالملحظة أو حصانة الموضع ‪ .‬وفي المسألة تفصيل ينظر في سرقة وقطع ‪.‬‬

‫أنواع الحرز ‪ :‬الحرز نوعان ‪:‬‬


‫‪ - 1‬الحرز بالمكان ‪:‬‬
‫ل بإذن كالدّور ‪،‬‬
‫‪ - 3‬وهو كلّ بقعة معدّة للحراز ممنوع الدّخول فيها أو الخذ منها إ ّ‬
‫والحوانيت ‪ ،‬والخيم ‪ ،‬والخزائن ‪ ،‬والصّناديق ‪ .‬فهذا النّوع يكون حرزا بنفسه سواء وجد‬
‫ن البناء يقصد به الحراز وهو المعتبر‬
‫حافظ أم ل ‪ ،‬وسواء كان الباب مغلقا ‪ ،‬أو مفتوحا ‪ ،‬ل ّ‬
‫بنفسه ‪ ،‬بدون صاحبه ‪ ،‬لنّه عليه الصلة والسلم علق القطع بإيواء الجرين والمراح من‬
‫ل منهما حرزا ‪.‬‬
‫غير شرط وجود الحافظ ‪ ،‬لصيرورة ك ّ‬
‫‪ - 2‬الحرز بالحافظ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ويكون في كلّ مكان غير معدّ للحراز ‪ ،‬يدخل إليه بل إذن ‪ ،‬ول يمنع منه كالمساجد‬
‫والطّرق ‪ ،‬فهذا النّوع حكمه حكم المفاوز والصّحراء إن لم يكن هناك حافظ قريب من المال‬
‫يمكنه حفظه ‪ ،‬فإن كان فهو محرز به ‪ .‬وفي المسألة تفصيل وخلف ينظر في ( سرقة ‪،‬‬
‫وقطع ) ‪ .‬والفرق بين النّوعين ‪ :‬أنّ القطع ل يجب بالخذ من الحرز بالمكان إلّ بالخراج‬
‫ن يد المالك قائمة ما لم يخرجه ‪ ،‬فلم تت ّم السّرقة ‪ .‬وأمّا المحرز‬
‫منه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن يد المالك تزال بمجرّد الخذ ‪ ،‬فتمّت السّرقة ‪.‬‬
‫بالحافظ فيجب القطع بمجرّد أخذه ‪ ،‬ل ّ‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 5‬فصّل الفقهاء الكلم حول الحرز في باب السّرقة عند الكلم عن شروطها ‪ ،‬وفي العقود‬
‫الّتي لها ضمان كالوديعة وغيرها ‪ .‬وباب السّير عند الكلم عن الغنيمة ‪ .‬وينظر مصطلح‬
‫( قبض ) ‪.‬‬

‫حرفة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرفة اسم من الحتراف وهو الكتساب ‪ ،‬يقال ‪ :‬هو يحرف لعياله ويحترف ‪.‬‬
‫والمحترف ‪ :‬الصّانع ‪ ،‬وفلن حريفيّ ‪ ،‬أي معامليّ ‪ ،‬وجمعه حرفاء ‪ .‬والمحرّف ‪ :‬الّذي نما‬
‫ماله وصلح ‪ ،‬والسم ‪ :‬الحرفة ‪ .‬والحرفة ‪ :‬الصّناعة وجهة الكسب ‪ .‬وفي حديث عائشة ‪:‬‬
‫لمّا استخلف أبو بكر رضي ال عنهما قال ‪ :‬لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة‬
‫أهلي ‪ ،‬وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ‪ ،‬واحترف للمسلمين فيه ‪.‬‬
‫أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتثمير مكاسبهم وأرزاقهم ‪ .‬ول يخرج استعمال‬
‫الفقهاء للفظ الحرفة عن المعنى اللّغويّ فهم يعتبرون كلّ ما كان طريقا للكتساب حرفة ومن‬
‫ذلك الوظائف ‪ .‬يقول ابن عابدين ‪ :‬الوظائف تعتبر من الحرف ‪ ،‬لنّها صارت طريقا‬
‫للكتساب ‪ .‬وفي نهاية المحتاج ‪ :‬الحرفة هي ما يتحرّف به لطلب الرّزق من الصّنائع‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫‪ - 2‬صنعة ‪ -‬كسب ‪ -‬عمل ‪ -‬مهنة ‪ :‬هذه اللفاظ ترادف الحرفة بمعنى الطّريقة الّتي‬
‫ل منها حرفة‬
‫يكتسب بها ‪ .‬وقد يكون الكسب والعمل والمهنة أعمّ من الحرفة إذ قد يكون ك ّ‬
‫وقد ل يكون ‪ .‬والحرفة أع ّم من الصّنعة ‪ .‬إذ الصّنعة تكون في العمل باليد في حين أنّ‬
‫الحرفة قد تكون باليد قد تكون بالعقل والتّفكير ‪ .‬وينظر تفصيل معاني هذه اللفاظ في أبحاث‬
‫( احتراف ‪ -‬اكتساب ‪ -‬امتهان ) ‪ .‬الحكم التّكليفيّ للقيام بالحرف ‪:‬‬
‫‪ - 3‬القيام بالحرف في الجملة فرض كفاية وقد ينقلب إلى فرض عين ‪ ،‬وتفصيل ذلك في‬
‫مصطلح ‪ :‬احتراف فقرة ‪. 10‬‬

‫ما يتعلّق بالحرفة من أحكام ‪ :‬أوّل ‪ :‬الصّلة بثياب الحرفة ‪:‬‬


‫‪ - 4‬طهارة الثّوب والبدن والمكان شرط من شروط الصّلة ‪ .‬ومن كانت حرفته تصيب‬
‫النّجاسة بسببها ثوبه ‪ ،‬أو بدنه كالجزّار والكنّاس فإنّه يجعل لنفسه ثوبا طاهرا للصّلة فيه ‪ ،‬أو‬
‫يجتهد في إبعاد ثوبه عن النّجاسة ‪ .‬فإن تعذّر إعداد ثوب آخر ‪ ،‬وتعذّر إبعاد ثوبه عن‬
‫النّجاسة ‪ .‬وغلب وصول النّجاسة للثّوب فإنّه يصلّي فيه ‪ ،‬ويعفى عن النّجاسة بالنّسبة إليه‬
‫لدفع الحاجة ‪ .‬بهذا صرّح المالكيّة ‪ .‬وقال ابن قدامة ‪ :‬من لم يجد إلّ ثوبا نجسا قال أحمد ‪:‬‬
‫يصلّي فيه ول يصلّي عريانا وهو قول المزنيّ ‪ .‬وقال الشّافعيّ وأبو ثور ‪ :‬يصلّي عريانا ول‬
‫يعيد لنّها سترة نجسة فلم تجز له الصّلة فيها كما لو قدر على غيرها ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬إن‬
‫كان جميع الثّوب نجسا فهو مخيّر في الفعلين ‪ ،‬لنّه ل بدّ من ترك واجب في كل الفعلين ‪،‬‬
‫وإن كان صلته في الثّوب النّجس أولى ‪ ،‬لنّه بالصّلة في الثّوب النّجس يستر عورته وستر‬
‫العورة واجب في الصّلة وخارجها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وقت الصّلة للمحترف ‪:‬‬
‫ل مسلم مكلّف ‪ .‬وصاحب الحرفة إذا كان أجيرا خاصّا‬
‫‪ - 5‬الصّلة في أوقاتها واجبة على ك ّ‬
‫لمدّة معيّنة فإنّ الجارة ل تمنعه من أداء المفروض عليه من الصّلة ول يحتاج لذن‬
‫المستأجر في ذلك ‪ ،‬ول ينقص ذلك من أجره ‪ .‬وفي أداء السّنن خلف ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك‬
‫في ( إجارة ‪ ،‬صلة ) ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬صيام أصحاب الحرف ‪:‬‬


‫ل مسلم مكلّف ‪ ،‬ول يعفى من أداء الصّيام في وقته إلّ‬
‫‪ - 6‬صيام رمضان فرض على ك ّ‬
‫أصحاب العذار المرخّص لهم في الفطر كالمريض والمسافر ‪ .‬أمّا بالنّسبة لصحاب الحرف‬
‫فمفاد نصوص الفقهاء أنّه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان ‪ ،‬أو خشي تلف‬
‫المال إن لم يعالجه ‪ ،‬أو سرقة الزّرع إن لم يبادر لحصاده ‪ ،‬فله أن يعمل مع الصّوم ولو أدّاه‬
‫العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد ‪ .‬وليس عليه ترك العمل ليقدر على إتمام الصّوم ‪ ،‬وإذا‬
‫أفطر فعليه القضاء فقط ‪ .‬وفيما يلي بعض النّصوص في ذلك ‪ :‬فقد نقل ابن عابدين عن‬
‫الفتاوى ‪ :‬سئل عليّ بن أحمد عن المحترف إذا كان يعلم أنّه لو اشتغل بحرفته يلحقه مرض‬
‫يبيح الفطر وهو محتاج للنّفقة هل يباح له الكل قبل أن يمرض فمنع من ذلك أشدّ المنع ‪،‬‬
‫وهكذا حكاه عن أستاذه الوبريّ ‪ .‬وسئل أبو حامد عن خبّاز يضعف في آخر النّهار هل له‬
‫أن يعمل هذا العمل قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن يخبز نصف النّهار ويستريح الباقي ‪ ،‬فإن قال ل يكفيه‬
‫كذّب بأيّام الشّتاء فإنّها أقصر فما يفعله فيها يفعله اليوم ‪ .‬وقال الرّمليّ في جامع الفتاوى ‪ :‬لو‬
‫ل يوم نصف صاع إذا لم‬
‫ضعف عن الصّوم لشتغاله بالمعيشة ‪ ،‬فله أن يفطر ويطعم لك ّ‬
‫يدرك عدّة من أيّام أخر يمكنه الصّوم فيها وإلّ وجب عليه القضاء ‪ .‬وعلى هذا الحصاد إذا لم‬
‫يقدر عليه مع الصّوم ويهلك الزّرع بالتّأخير ‪ ،‬ل شكّ في جواز الفطر والقضاء ‪ ،‬وكذا الخبّاز‬
‫ن طول النّهار وقصره ل دخل له في الكفاية ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬والّذي‬
‫وفي تكذيبه نظر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ينبغي في مسألة المحترف ‪ -‬حيث كان الظّاهر أنّ ما مرّ من تفقّهات المشايخ ل من منقول‬
‫المذهب ‪ -‬أن يقال ‪ :‬إذا كان عنده ما يكفيه وعياله ل يحلّ له الفطر ‪ ،‬لنّه يحرم عليه السّؤال‬
‫ل فله العمل بقدر ما يكفيه ‪ ،‬كأن يعلم أنّ صيامه مع العمل‬
‫من النّاس فالفطر أولى ‪ ،‬وإ ّ‬
‫سيؤدّيه إلى الفطر يحلّ له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك ممّا ل يؤدّيه إلى الفطر ‪ ،‬وكذا لو‬
‫خاف هلك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها ‪ .‬ولو آجر‬
‫ن له الفطر ‪ ،‬وإن كان عنده ما يكفيه إذا‬
‫نفسه في العمل مدّة معلومة فجاء رمضان فالظّاهر أ ّ‬
‫لم يرض المستأجر بفسخ الجارة ‪ ،‬كما في الظّئر فإنّه يجب عليها الرضاع بالعقد ‪ ،‬ويحلّ‬
‫لها الفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى ‪ .‬وفي التّاج والكليل من كتب‬
‫المالكيّة ‪ :‬نقل ابن محرز عن مالك في الّذي يعالج من صنعته فيعطش فيفطر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل‬
‫ينبغي للنّاس أن يتكلّفوا من علج الصّنعة ما يمنعهم من الفرائض وشدّد في ذلك ‪ .‬فقال ابن‬
‫محرز ‪ :‬يحتمل أن يكون إنّما شدّد في ذلك لمن كان في كفاية من عيشه أو كان يمكنه من‬
‫التّسبّب ما ل يحتاج معه إلى الفطر ‪ ،‬وإلّ كره له ‪ .‬بخلف ربّ الزّرع فل حرج عليه ‪ .‬وفي‬
‫ن الحصاد المحتاج له الحصاد ‪ ،‬أي ولو أدّى به إلى الفطر‬
‫نوازل البرزليّ ‪ :‬الفتوى عندنا أ ّ‬
‫ل كره له ‪ ،‬بخلف ربّ الزّرع فل حرج عليه مطلقا لحراسة ماله ‪ ،‬وقد نهى عن إضاعة‬
‫وإ ّ‬
‫المال ‪ .‬وفي حاشية الجمل من كتب الشّافعيّة ‪ :‬يباح ترك الصّوم لنحو حصاد ‪ ،‬أو بناء لنفسه‬
‫أو لغيره تبرّعا أو بأجرة ‪ ،‬وإن لم ينحصر المر فيه وقد خاف على المال إن صام وتعذّر‬
‫العمل ليل ‪ ،‬أو لم يكفه فيؤدّي لتلفه أو نقصه نقصا ل يتغابن بمثله ‪ .‬هذا هو الظّاهر من‬
‫كلمهم ‪ ،‬ويؤيّده إباحة الفطر لنقاذ محترم ‪ ،‬خلفا لمن أطلق في نحو الحصاد المنع ‪ ،‬ولمن‬
‫أطلق الجواز ‪ .‬ولو توقّف كسبه لنحو قوته المضطرّ إليه هو أو مموّنه على فطره ‪ ،‬فظاهر‬
‫ن له الفطر لكن بقدر الضّرورة ‪ .‬وفي كشّاف القناع ‪ :‬قال أبو بكر الج ّريّ ‪ :‬من صنعته‬
‫أّ‬
‫شاقّة فإن خاف بالصّوم تلفا أفطر وقضى إن ضرّه ترك الصّنعة ‪ ،‬فإن لم يضرّه تركها أثم‬
‫بالفطر ويتركها ‪ ،‬وإن لم ينتف التّضرّر بتركها فل إثم عليه بالفطر للعذر ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬ما يتعلّق بالزّكاة ‪:‬‬


‫‪ - 7‬أ ‪ -‬يرى الفقهاء أنّه ل زكاة في آلت العمل للمحترفين ‪ ،‬لنّها من الحاجات الصليّة‬
‫الّتي ل تجب فيها الزّكاة ‪ .‬يقول ابن عابدين ‪ :‬سبب وجوب الزّكاة ملك نصاب فارغ عن دين‬
‫ن المشغول بها كالمعدوم ‪ ،‬والحاجة الصليّة هي ما يدفع الهلك‬
‫وعن حاجته الصليّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫عن النسان تحقيقا كالنّفقة ‪ ،‬ودور السّكنى ‪ ،‬وآلت الحرب ‪ ،‬وكآلت الحرفة ‪ ،‬وكتب العلم‬
‫لهلها ‪ ..‬هذا إذا كانت آلت الحرف لم تقتن بنيّة التّجارة وإلّ ففيها الزّكاة كباقي عروض‬
‫التّجارة وينظر تفصيل ذلك في ( زكاة ) ‪.‬‬
‫ن الفقير من الصناف المستحقّة للزّكاة ‪ .‬ويرى جمهور الفقهاء من المالكيّة‬
‫ب ‪ -‬من المعلوم أ ّ‬
‫ن من له حرفة يكسب منها ما يكفيه فل يعتبر فقيرا ول يستحقّ الزّكاة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪ .‬أمّا إن كان ما يكسبه من حرفته ل يكفيه فإنّه يعطى من الزّكاة تمّام كفايته ‪ ،‬ويصدّق إن‬
‫ادّعى كساد الحرفة ‪ .‬وإن كان يحسن حرفة ويحتاج إلى اللة فإنّه يعطى من الزّكاة ثمن آلة‬
‫حرفته وإن كثرت ‪ ،‬وكذا إن كان يحسن تجارة فيعطى رأس مال يكفيه ربحه غالبا باعتبار‬
‫عادة بلده ‪ .‬ويعتبر الحنفيّة أنّ الفقير الّذي يستحقّ الزّكاة من كان يملك أقلّ من نصاب ‪ ،‬وإن‬
‫كان مكتسبا ‪ ،‬لنّه فقير ‪ ،‬والفقراء هم من المصارف ‪ ،‬ولنّ حقيقة الحاجة ل يوقف عليها ‪،‬‬
‫فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النّصاب ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( زكاة ) ‪.‬‬

‫ج بالنّسبة لصحاب الحرف ‪:‬‬


‫خامسا ‪ :‬الح ّ‬
‫‪ - 8‬من شروط وجوب الحجّ الستطاعة بالزّاد والرّاحلة ‪ ،‬ومن لم يجد زادا وراحلة ل يجب‬
‫ج ‪ ،‬وهذا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬لكن من كان صاحب حرفة يمكنه أن يكتسب منها أثناء‬
‫عليه الح ّ‬
‫ج ؟ ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه‬
‫سفره للحجّ ما يكفيه فهل يعتبر مستطيعا ويجب عليه الح ّ‬
‫يعتبر مستطيعا ويجب عليه الحجّ إذا كانت الحرفة ل تزري به ويكتسب منها ‪ ،‬أثناء سفره‬
‫ن عدم كسادها ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يعتبر‬
‫وعودته ما يكفيه وعلم أو ظ ّ‬
‫ن الستطاعة ملك الزّاد والرّاحلة ‪ .‬لكن يستحبّ أن يحجّ‬
‫مستطيعا ول يجب عليه الحجّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫لنّه يقدر على إسقاط الفرض بمشقّة ل يكره تحمّلها ‪ ،‬فاستحبّ له إسقاط الفرض كالمسافر‬
‫إذا قدر على الصّوم كما يقول الشّافعيّة ‪ .‬وخروجا من الخلف كما يقول الحنابلة ‪ .‬وينظر‬
‫تفصيل ذلك في مصطلح ( حجّ ) ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬القيام بالحرف في المساجد ‪:‬‬


‫‪ - 9‬للمساجد حرمة لنّها بيوت اللّه أقيمت للعبادة والذّكر والتّسبيح ‪ ،‬ويجب صيانتها عن كلّ‬
‫ما يشغل عن ذلك ‪ .‬لكن هل يعتبر القيام بالحرف سواء أكانت تجارة أم صناعة في المساجد‬
‫منافيا لحرمتها ؟ أمّا بالنّسبة للبيع والشّراء فقد اتّفق الفقهاء على منعه ‪ .‬واستدلّوا جميعا بما‬
‫روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال ‪ { :‬نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن البيع‬
‫والشتراء في المسجد } ‪ .‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪ { :‬إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا ‪ :‬ل أربح اللّه تجارتك ‪.‬‬
‫وإذا رأيتم من ينشد ضالّة في المسجد فقولوا ‪ :‬ل ردّ اللّه عليك } وقد رأى عمر رضي ال‬
‫عنه رجل ( يسمّى القصير ) يبيع في المسجد فقال له ‪ :‬يا هذا إنّ هذا سوق الخرة فإن‬
‫أردت البيع فاخرج إلى سوق الدّنيا ‪ .‬واختلفوا في صفة المنع ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬
‫والشّافعيّة إلى الكراهة ‪ ،‬وذهب الحنابلة إلى التّحريم ‪ .‬وهذا بالنّسبة لغير المعتكف ‪ .‬أمّا‬
‫بالنّسبة للمعتكف فعند الحنفيّة والشّافعيّة يجوز له من ذلك ما يحتاج إليه لنفسه وعياله ‪ ،‬فإن‬
‫كان لتجارة كره ‪ ،‬وقيّد الحنفيّة جواز ما يحتاج إليه من البيع والشّراء أثناء العتكاف بعدم‬
‫ن المسجد محرز عن حقوق العباد وفيه شغله بها ‪.‬‬
‫إحضار السّلعة إلى المسجد وإلّ كره ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولم يفرّق المالكيّة والحنابلة بين المعتكف وغيره ‪.‬‬
‫‪ - 10‬أمّا بالنّسبة للقيام بالصّنعة فيه ‪ ،‬فإنّه يكره عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬لكن قال المالكيّة ‪:‬‬
‫ص بنفعه آحاد النّاس ممّا يتكسّب به ‪ ،‬فأمّا‬
‫إنّما يمنع في المساجد من عمل الصّناعات ما يخت ّ‬
‫إن كان يشمل المسلمين في دينهم مثل إصلح آلت الجهاد ممّا ل امتهان للمسجد في عمله‬
‫فيه فل بأس به ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يكره للمعتكف الصّنائع في المسجد كالخياطة والكتابة ما‬
‫لم يكثر ‪ ،‬فإن أكثر منها كرهت لحرمته ‪ ،‬إلّ كتابة العلم ثمّ قالوا ‪ :‬تكره الحرفة كخياطة‬
‫ونحوها في المسجد كالمعاوضة من بيع وشراء بل حاجة وإن قلّت صيانة له ‪ .‬وقال الحنابلة‬
‫‪ :‬ل يجوز التّكسّب في المسجد بالصّنعة كخياطة وغيرها قليل كان ذلك أو كثيرا لحاجة‬
‫وغيرها ‪ ،‬وفي المستوعب ‪ :‬سواء كان الصّانع يراعي المسجد بكنس أو رشّ ونحوه أم لم‬
‫يكن ‪ ،‬لنّه بمنزلة التّجارة بالبيع والشّراء فل يجوز أن يتّخذ المسجد مكانا للمعايش ‪ ،‬لنّه لم‬
‫صنّاع والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه‬
‫يبن لذلك ‪ .‬وقعود ال ّ‬
‫ي المر منعهم من ذلك كسائر المحرّمات ‪ ،‬والمساجد إنّما‬
‫ينتظرون من يشتريها ‪ ،‬وعلى ول ّ‬
‫بنيت للذّكر والتّسبيح والصّلة فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه لقوله تعالى ‪ { :‬فإذا قضيت‬
‫الصّلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل اللّه } ‪ .‬ويجب أن يصان المسجد عن عمل‬
‫صنعة لتحريمها فيه ‪ .‬ول يكره اليسير من العمل في المسجد لغير التّكسّب كرقع ثوبه‬
‫وخصف نعله ومثل أن ينحلّ شيء يحتاج إلى ربط فيربطه ‪ ،‬أو أن ينشقّ قميصه فيخيطه ‪.‬‬
‫ويحرم فعل ذلك للتّكسّب ‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬اعتبار الحرفة في النّكاح ‪:‬‬


‫‪ - 11‬الكفاءة في الحرفة معتبرة في النّكاح عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‬
‫ن المرأة الشّريفة تعيّر بذلك ‪ ،‬ول تعتبر‬
‫في رواية ‪ ،‬وهي معتبرة في حقّ الرّجال للنّساء ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الولد يشرف بشرف أبيه ل أمّه فلم يعتبر ذلك في المّ ‪.‬‬
‫الكفاءة في حقّ المرأة للرّجل ‪ ،‬ل ّ‬
‫وقد بنى الفقهاء اعتبار الكفاءة في الحرفة على العرف وعادة أهل البلد ‪ .‬هذا والمعتبر في‬
‫ن المدار على عارها وعدمه ‪ ،‬وذلك إنّما يعرف‬
‫الحرفة هو عرف بلد الزّوجة ل بلد العقد ‪ ،‬ل ّ‬
‫بالنّسبة لعرف بلدها ‪ ،‬أي الّتي هي بها حالة العقد ‪ .‬واعتبار الحرفة في الكفاءة عند القائلين‬
‫بذلك إنّما هو عند ابتداء العقد ول يض ّر زوالها بعد العقد ‪ ،‬فلو كان الزّوج كفئا وقت العقد ثمّ‬
‫زالت الكفاءة لم يفسخ العقد ‪ .‬لكن لو بقي أثر الحرفة لم يكن كفئا ‪ .‬أمّا لو كان الزّوج حال‬
‫العقد غير كفء في حرفته فقد اختلف الفقهاء في بطلن النّكاح أو ثبوت الخيار وينظر‬
‫تفصيل ذلك في ( نكاح ‪ -‬كفاءة ) ‪.‬‬

‫كون النتفاع بالحرفة مهرا ‪:‬‬


‫‪ - 12‬يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة أن يكون النتفاع بالحرفة مهرا ‪ ،‬فيصحّ أن يتزوّج الرّجل‬
‫المرأة على عمل معلوم كخياطة ثوب معيّن ‪ ،‬وبناء دار وتعليم صنعة وغير ذلك من كلّ ما‬
‫هو مباح ‪ ،‬ويجوز أخذ الجرة عليه لقوله تعالى حكاية عن شعيب مع موسى عليهما الصلة‬
‫والسلم ‪ { :‬إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } ‪ .‬ولنّ‬
‫منفعة الح ّر يجوز أخذ العوض عنها في الجارة فجازت صداقا وعند الحنفيّة خلف ملخّصه‬
‫ن ما هو مال أو منفعة يمكن تسليمها يجوز التّزوّج عليها ‪ ،‬وما ل يمكن تسليمه ل يجوز‬
‫أّ‬
‫ن موضوع الزّوجيّة أن تكون هي‬
‫ولذلك ل يجوز أن يتزوّج الحرّ على خدمته إيّاها سنة ‪ ،‬ل ّ‬
‫خادمة له ل بالعكس ‪ .‬لنّ خدمة الزّوج لزوجته ‪ -‬كما قيل قلب للوضاع ‪ -‬لنّ المفروض‬
‫أن تخدمه هي ل العكس ‪ .‬وأمّا إذا سمّى إيجار بيت أو غير ذلك من منافع العيان فإنّ هذا‬
‫جائز عندهم ‪ .‬وأمّا ما تردّد بين أن يكون خدمة أو ل كرعي غنمها أو زراعة أرضها ‪ ،‬فإنّ‬
‫الرّوايات قد اختلفت في ذلك ‪ ،‬كما اختلفوا فيما هو الرجح ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إذا تزوّج الحرّ امرأة‬
‫على أن يخدمها هو سنة مثل فهذه التّسمية عند الشّيخين فاسدة والعقد صحيح ووجب عليه إمّا‬
‫مهر المثل في بعض الرّوايات ‪ ،‬أو قيمة خدمته المدّة المنصوص عليها في عقد الزّواج ‪.‬‬
‫كذلك اختلف المالكيّة في جعل الصّداق خدمته لها في زرع أو في بناء دار أو تعليمها فمنعه‬
‫مالك وهو المعتمد في المذهب ‪ ،‬وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ ‪ .‬قال اللّخميّ ‪ :‬وعلى قول‬
‫مالك يفسخ النّكاح قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ‪ .‬وقال ابن الحاجب على القول بالمنع‬
‫‪ :‬النّكاح صحيح قبل البناء وبعده ‪ ،‬ويمضي بما وقع به من المنافع للختلف فيه ‪ .‬وهذا هو‬
‫المشهور ‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬شهادة أهل الحرف ‪:‬‬


‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على ردّ شهادة صاحب الحرفة المحرّمة كالمنجّم والعرّاف ‪ ،‬وكذلك‬
‫صاحب الحرفة الّتي يكثر فيها الرّبا كالصّائغ والصّيرفيّ إذا لم يتوقّيا ذلك ‪ .‬واختلفوا في‬
‫ح عند الحنفيّة‬
‫قبول شهادة أصحاب الحرف الدّنيئة ‪ ،‬كالحائك ‪ ،‬والحجّام ‪ ،‬وال ّزبّال ‪ .‬فالص ّ‬
‫والشّافعيّة وهو مذهب المالكيّة وفي وجه عند الحنابلة أنّه تقبل شهادتهم ‪ ،‬لنّه قد تولّى هذه‬
‫الحرف قوم صالحون فما لم يعلم القادح ل يبنى على ظاهر الصّناعة ‪ ،‬فالعبرة للعدالة ل‬
‫للحرفة ‪ ،‬فكم من دنيء الصّناعة أتقى من ذي منصب ووجاهة ‪ ،‬وقد قال اللّه تعالى ‪ { :‬إنّ‬
‫أكرمكم عند اللّه أتقاكم } ‪ .‬لكن يقول المالكيّة والشّافعيّة ‪ :‬إذا كان من يقوم بهذه الحرف ممّن‬
‫ل تليق به ‪ ،‬ورضيها اختيارا بأن كان من غير أهلها ولم يتوقّف قوته وقوت عياله عليها لم‬
‫ن ذلك يدلّ على قلّة المبالة وعلى خبل في عقله ‪ ،‬وتقبل إن كان من أهلها‬
‫تقبل شهادته ‪ ،‬ل ّ‬
‫أو اضطرّ إليها ‪ .‬ومقابل الصحّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والوجه الخر عند الحنابلة أنّه ل تقبل‬
‫شهادتهم ‪ ،‬لنّ القيام بهذه الحرف يسقط المروءة وخاصّة إذا كان في الحرفة مباشرة النّجاسة‬
‫ن شهادة الجير الخاصّ لمستأجره ل تقبل ‪ ،‬لنّ المنافع بينهم متّصلة ‪ ،‬ولقول النّبيّ‬
‫‪ .‬كما أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تجوز شهادة الوالد لولده ‪ ،‬ول الولد لوالده ‪ ،‬ول المرأة لزوجها ‪،‬‬
‫سيّد لعبده ‪ ،‬ول الشّريك لشريكه ‪ ،‬ول الجير‬
‫ول الزّوج لمرأته ‪ ،‬ول العبد لسيّده ‪ ،‬ول ال ّ‬
‫لمن استأجره } ‪ .‬ولنّ الجير يستحقّ الجرة في مدّة أداء الشّهادة ‪ ،‬فصار كالمستأجر لداء‬
‫الشّهادة ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ‪ .‬وتقبل شهادته لمستأجره عند المالكيّة إن كان الجير‬
‫مبرّزا في العدالة ولم يكن في عيال المشهود له ‪.‬‬

‫تاسعا ‪ :‬بيع آلة الحرفة على المفلس وإجباره على الحتراف ‪:‬‬
‫‪ - 14‬من الحكام الّتي تتعلّق بالحجر على المفلس بيع ماله لسداد ديون الغرماء ‪ .‬وقد اختلف‬
‫الفقهاء في بيع آلة الحرفة للمحترف ‪ .‬فعند الشّافعيّة تباع آلة حرفته لسداد ديونه ‪ .‬وهو رأي‬
‫المالكيّة إن كثرت قيمتها أو لم يحتج إليها ‪ .‬فإن كان محتاجا لها أو قلّت قيمتها فل تباع ‪.‬‬
‫ص في ذلك عند الحنفيّة ‪ .‬وإذا‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تترك له آلة حرفته ول تباع ‪ .‬ولم يعثر على ن ّ‬
‫فرّق مال المفلس على الغرماء وبقيت عليه ديون ‪ ،‬وكانت له صنعة فهل يجبره الحاكم على‬
‫التّكسّب أو إيجار نفسه ليقضي دينه ؟ ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عند‬
‫الحنابلة إلى أنّه ل يجبر على ذلك ‪ ،‬ول يلزم بتجر أو عمل أو إيجار نفسه لتوفية ما بقي عليه‬
‫لغرمائه من ديونهم ‪ ،‬لنّ الدّيون إنّما تعلّقت بذمّته ل ببدنه لقوله تعالى ‪ { :‬وإن كان ذو‬
‫ن رجل أصيب في ثمار ابتاعها فكثر‬
‫عسرة فنظرة إلى ميسرة } ‪ ،‬ولما روى أبو سعيد { أ ّ‬
‫دينه فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬تصدّقوا عليه فتصدّق النّاس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء‬
‫ل ذلك } ‪ ،‬ولنّ هذا‬
‫دينه ‪ ،‬فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إ ّ‬
‫تكسّب للمال ‪ ،‬فل يجبره عليه الحاكم ‪ ،‬كقبول الهبة والصّدقة ‪ .‬وقال اللّخميّ من المالكيّة ‪:‬‬
‫يجبر الصّانع ‪ -‬ل التّاجر ‪ -‬على العمل إن كان غرماؤه قد عاملوه على ذلك ‪ .‬والرّواية‬
‫ن الحاكم يجبره على الكسب ‪.‬‬
‫الثّانية للحنابلة أ ّ‬

‫عاشرا ‪ :‬تضمين أصحاب الحرف ‪:‬‬


‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على أنّ صاحب الحرفة يضمن ما هلك في يده من مال ‪ ،‬أو ما هلك بعمله‬
‫إذا كان الهلك بسبب إهمال منه أو تعدّ ‪ ،‬وسواء أكان أجيرا خاصّا أم أجيرا مشتركا ‪ ،‬أمّا ما‬
‫هلك بغير تعدّ أو تفريط فل ضمان عليه في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي‬
‫( إجارة ف ‪ 133 - 107‬وضمان )‬

‫حادي عشر ‪ :‬التّسعير على أهل الحرف ‪:‬‬


‫ل إذا احتاج النّاس إلى حرفة طائفة‬
‫‪ - 16‬ل يجوز التّسعير على أهل الحرف والصّنائع إ ّ‬
‫ي المر يجبرهم على ذلك بأجرة المثل ‪،‬‬
‫ن ول ّ‬
‫كالفلحة ‪ ،‬والنّساجة ‪ ،‬والبناء وغيرها ‪ .‬فإ ّ‬
‫وهذا من التّسعير الواجب كما يقول ابن القيّم ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تسعير ف‬
‫‪. ) 14‬‬

‫حرق انظر ‪ :‬إحراق ‪.‬‬

‫حرم‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرم بفتحتين من حرم الشّيء حرما وحراما وحرم حرما وحراما أي امتنع فعله ‪ .‬ومنه‬
‫الحرام بمعنى الممنوع ‪ .‬والحرمة ما ل يحلّ انتهاكه ‪ .‬والحرمة أيضا المهابة ‪ ،‬وهي اسم‬
‫بمعنى الحترام ‪ ،‬مثل الفرقة والفتراق ‪ ،‬والجمع حرمات ‪ .‬وفي الصطلح يطلق الحرم‬
‫على أمور ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مكّة وما حولها ‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد عند إطلق كلمة الحرم يقول الماورديّ ‪ ( :‬أمّا‬
‫الحرم فمكّة وما طاف بها من جوانبها إلى أنصاب الحرم ) وعلى ذلك فمكّة جزء من الحرم‬
‫‪ .‬قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف النّاس من‬
‫حولهم } هي مكّة ‪ ،‬وهم قريش ‪ .‬أمّنهم اللّه تعالى فيها ‪ .‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ‪{ :‬‬
‫ن اللّه‬
‫ل لحد قبلي ول تحلّ لحد بعدي } ‪ .‬وجه تسمية الحرم هو أ ّ‬
‫ن اللّه حرّم مكّة فل تح ّ‬
‫إّ‬
‫سبحانه وتعالى حرّم فيه كثيرا ممّا ليس بمحرّم في غيره ‪ ،‬كالصّيد وقطع النّبات ونحوهما ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المدينة وما حولها ‪ ،‬كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬المدينة حرم من كذا إلى‬
‫كذا ل يقطع شجرها ‪ ،‬ول يحدث فيها حدث ‪ .‬من أحدث حدثا فعليه لعنة اللّه والملئكة‬
‫والنّاس أجمعين } ‪ .‬وسيأتي بيان حدوده ‪ .‬أوّل ‪ :‬حرم مكّة ‪:‬‬
‫أ ‪ ( -‬دليل تحريمه ) ‪:‬‬
‫ن مكّة وما حولها أي الحرم الم ّكيّ حرام بتحريم اللّه تعالى إيّاه ‪ .‬وقد‬
‫‪ - 2‬صرّح الفقهاء بأ ّ‬
‫وردت في ذلك آيات وأحاديث منها ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف‬
‫النّاس من حولهم } قال القرطبيّ ‪ :‬أي جعلت لهم حرما آمنا أمنوا فيه من السّبي والغارة‬
‫والقتل ‪ .‬ومنها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق‬
‫السّماوات والرض } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ اللّه حرّم مكّة فلم تحلّ لحد قبلي‬
‫ول تحلّ لحد بعدي ‪ ،‬وإنّما أحلّت لي ساعة من نهار } ‪ .‬وذكر الزّركشيّ في حكمته وجوها‬
‫منها ‪ :‬التزام ما ثبت له من أحكام ‪ ،‬وتبيين ما اختصّ به من البركات ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحديد حرم مكّة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬حدّ الحرم من جهة المدينة المنوّرة عند التّنعيم وهو على ثلثة أميال ‪ .‬وفي كتب المالكيّة‬
‫أنّه أربعة أو خمسة أميال ‪ .‬ومبدأ التّنعيم من جهة مكّة عند بيوت السّقيا ‪ ،‬ويقال لها بيوت‬
‫نفار ‪ ،‬ويعرف الن بمسجد عائشة ‪ ،‬فما بين الكعبة المشرّفة والتّنعيم حرم ‪ .‬والتّنعيم من الحلّ‬
‫‪ .‬ومن جهة اليمن سبعة أميال عند أضاة لبن ( بكسر فسكون كما في القاموس وشفاء الغرام )‬
‫ومن جهة جدّة عشرة أميال عند منقطع العشاش لخر الحديبية ‪ ،‬فهي من الحرم ‪ .‬ومن جهة‬
‫الجعرانة تسعة أميال في شعب عبد اللّه بن خالد ‪ .‬ومن جهة العراق سبعة أميال على ثنيّة‬
‫بطرف جبل المقطّع ‪ ،‬وذكر في كتب المالكيّة أنّه ثمانية أميال ‪ .‬ومن جهة الطّائف على‬
‫ل الختلف في تحديد الميال‬
‫عرفات من بطن نمرة سبعة أميال عند طرف عرنة ‪ .‬ولع ّ‬
‫يرجع إلى الختلف في تحديد أذرع الميل وأنواعها ‪ .‬وابتداء الميال من الحجر السود ‪.‬‬
‫هذا وقد حدّد الحرم الم ّكيّ الن من مختلف الجهات بأعلم بيّنة مبيّنة على أطرافه مثل المنار‬
‫مكتوب عليها اسم العلم باللّغات العربيّة والعجميّة ‪ .‬وانظر مصطلح ( أعلم الحرم ) ‪.‬‬

‫دخول الحرم الم ّكيّ ‪:‬‬


‫ج أو العمرة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدّخول بقصد الح ّ‬
‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على أنّ من أراد دخول الحرم بقصد الحجّ أو العمرة فعليه أن يحرم من‬
‫المواقيت المحدّدة أو قبلها ‪ .‬ومن جاوز الميقات بغير إحرام فعليه أن يعود إليه ويحرم منه ‪.‬‬
‫ل أنّه إذا‬
‫فإن لم يرجع فعليه دم سواء أترك العود بعذر أم بغير عذر ‪ ،‬عامدا كان أم ناسيا ‪ .‬إ ّ‬
‫خاف فوات الوقوف بعرفة لضيق الوقت أو المرض الشّاقّ فيحرم من مكانه وعليه الدّم ‪.‬‬
‫وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدّخول لغراض أخرى ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يجوز لمن كان داخل المواقيت ( بين الميقات والحرم ) أن يدخل الحرم بغير إحرام‬
‫لحاجته ‪ ،‬لنّه يتكرّر دخوله لحوائجه فيحرج في ذلك ‪ ،‬والحرج مرفوع ‪ ،‬فصار كالم ّكيّ إذا‬
‫ج لنّه ل يتكرّر ‪ ،‬فإنّه ل يكون في السّنة إلّ مرّة ‪.‬‬
‫خرج ثمّ دخل ‪ ،‬بخلف ما إذا دخل للح ّ‬
‫ل ( داخل‬
‫وكذا لداء العمرة لنّه التزمها لنفسه ‪ .‬كما يجوز لمن يخرج من الحرم إلى الح ّ‬
‫المواقيت ) أن يدخل الحرم بغير إحرام ‪ ،‬ولو لم يكن من أهل الحرم ‪ ،‬كالفاقيّ المفرد‬
‫بالعمرة ‪ ،‬والمتمتّع ‪ ،‬وهذا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬كذلك يجوز دخول الحرم لقتال مباح أو خوف من‬
‫صيّادين ونحوهما بغير إحرام ‪ { ،‬لنّ النّبيّ صلى ال‬
‫ظالم أو لحاجة متكرّرة كالحطّابين وال ّ‬
‫عليه وسلم دخل مكّة يوم الفتح بغير إحرام } ‪ ،‬وفي وجوب الحرام على من تتكرّر حاجته‬
‫مشقّة ‪ - 6 .‬أمّا الفاقيّ ومن في حكمه ‪ -‬غير من تقدّم ذكره ‪ -‬ممّن يمرّون على المواقيت‬
‫إذا أرادوا دخول الحرم لحاجة أخرى غير النّسك فجمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‬
‫وهو قول عند الشّافعيّة ) يرون وجوب الحرام عليهم بأحد النّسكين ‪ ،‬ول يجوز لهم مجاوزة‬
‫الميقات بغير إحرام ‪ .‬وفي قول آخر للشّافعيّة وهو المشهور عندهم ‪ :‬أنّه يجوز دخول الحرم‬
‫للفاقيّ أيضا بغير إحرام لكنّه يستحبّ له أن يحرم ‪ .‬وهذا في الجملة ‪ ،‬وتفصيله كالتّالي ‪:‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬الفاقيّ إذا أراد دخول الحرم بغير النّسك كمجرّد الرّؤية أو النّزهة أو التّجارة‬
‫ن فائدة التّأقيت هذا ‪ ،‬لنّه يجوز تقديم الحرام‬
‫ل يجوز له أن يتجاوز الميقات إلّ محرما ‪ ،‬ل ّ‬
‫على المواقيت ‪ .‬لما روي أنّ النّبيّ عليه الصلة والسلم قال ‪ { :‬ل تجاوز الموقّت إلّ بإحرام‬
‫} فإن جاوزها الفاقيّ بغير إحرام فعليه شاة ‪ .‬فإن عاد فأحرم منه سقط الدّم ‪ .‬أمّا لو قصد‬
‫ل به التحق بأهله فله‬
‫موضعا من الحلّ ‪ ،‬كخليص وجدّة حلّ له مجاوزته بل إحرام ‪ .‬فإذا ح ّ‬
‫دخول الحرم بل إحرام ‪ .‬قالوا ‪ :‬وهو الحيلة لمريد ذلك بقصد أولى ‪ ،‬كما إذا كان قصده لجدّة‬
‫مثل لبيع أو شراء ‪ ،‬وإذا فرغ منه يدخل مكّة ثانيا ‪ ،‬إذ لو كان قصده الوّليّ دخول مكّة ومن‬
‫ضرورته أن يمرّ بالحلّ فل يحلّ له تجاوز الميقات بدون إحرام ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إنّ كلّ‬
‫مكلّف ح ّر أراد دخول مكّة فل يدخلها إلّ بإحرام بأحد النّسكين وجوبا ‪ ،‬ول يجوز له تعدّي‬
‫ل أن يكون من المتردّدين أو يعود إلى مكّة بعد خروجه منها من مكان‬
‫الميقات بل إحرام ‪ ،‬إ ّ‬
‫قريب ( أي دون مسافة القصر ) لم يمكث فيه كثيرا فل يجب عليه ‪ ،‬وكذلك ل يجب على‬
‫غير المكلّف كصبيّ ومجنون ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يجوز لمن أراد دخول مكّة أو الحرم أو‬
‫ل لقتال مباح لدخوله صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكّة وعلى‬
‫أراد نسكا تجاوز الميقات ‪ ..‬إ ّ‬
‫رأسه المغفر ‪ .‬أو لخوف ‪ ،‬أو حاجة متكرّرة كحطّاب ‪ ،‬وناقل الميرة ‪ ،‬ولصيد ‪،‬‬
‫واحتشاش ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وم ّكيّ يتردّد إلى قريته بالحلّ ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ -‬كما نصّ عليه‬
‫ن من أراد دخول مكّة لحاجة ل تتكرّر كزيارة ‪ ،‬أو تجارة ‪ ،‬أو رسالة ‪ ،‬أو كان‬
‫النّوويّ ‪ : -‬إ ّ‬
‫ل فقد‬
‫م ّكيّا عائدا من سفره يستحبّ له أن يحرم ‪ .‬وفي قول ‪ :‬يجب عليه الحرام ‪ .‬وعلى ك ّ‬
‫نصّوا أنّه لو جاوز الميقات بغير إحرام ثمّ أراد النّسك فميقاته موضعه ول يكلّف العود إلى‬
‫الميقات ‪.‬‬

‫دخول الكافر للحرم ‪:‬‬


‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز لغير المسلم السّكنى والقامة في الحرم لقوله تعالى ‪ { :‬يا‬
‫أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } والمراد‬
‫بالمسجد الحرام الحرم بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده ‪ { :‬وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه‬
‫من فضله } أي إن خفتم فقرا وضررا بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما‬
‫يجلبونه إليكم من المكاسب فسوف يغنيكم اللّه من فضله ‪ .‬ومعلوم أنّ الجلب إنّما يجلب إلى‬
‫البلد والحرم ‪ ،‬ل إلى المسجد نفسه ‪ .‬والمعنى في ذلك أنّهم أخرجوا النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم منه ‪ ،‬فعوقبوا بالمنع من دخوله بكلّ حال ‪ .‬صلى ال عليه وسلم واختلفوا في اجتياز‬
‫الكافر الحرم بصفة مؤقّتة ‪ ،‬فذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول عند المالكيّة ‪ :‬إلى منع دخول‬
‫الكفّار إلى الحرم مطلقا ‪ ،‬لعموم الية ‪ .‬فإن أراد كافر الدّخول إلى الحرم منع منه ‪ .‬فإن‬
‫كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل ‪ .‬وإن كان رسول‬
‫إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلّغها إيّاه ‪ .‬فإن قال ‪ :‬ل بدّ لي من لقاء المام‬
‫وكانت المصلحة في ذلك خرج إليه المام ‪ ،‬ولم يأذن له بالدّخول ‪ .‬وإذا أراد مشرك دخول‬
‫الحرم ليسلم فيه منع منه حتّى يسلم قبله ‪ .‬قال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬وإذا دخل المشرك الحرم‬
‫بغير إذن عزّر ولم يستبح به قتله ‪ ،‬وإن دخله بإذن لم يعزّر وينكر على من أذن له ‪ .‬وقال‬
‫الحنفيّة ‪ :‬ل يمنع ال ّذ ّميّ من دخول الحرم ‪ ،‬ول يتوقّف جواز دخوله على إذن مسلم ولو كان‬
‫المسجد الحرام ‪ .‬يقول الجصّاص في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬إنّما المشركون نجس فل يقربوا‬
‫المسجد الحرام } ‪ :‬يجوز لل ّذ ّميّ دخول سائر المساجد ‪ ،‬وإنّما معنى الية على أحد الوجهين ‪:‬‬
‫إمّا أن يكون النّهي خاصّا في المشركين الّذين كانوا ممنوعين من دخول مكّة وسائر‬
‫ل السلم أو السّيف وهم مشركو‬
‫المساجد ‪ ،‬لنّهم لم تكن لهم ذمّة ‪ ،‬وكان ل يقبل منهم إ ّ‬
‫العرب ‪ .‬أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكّة للحجّ ‪ ،‬ويدلّ على ذلك قوله تعالى ‪ { :‬وإن‬
‫ج ‪ ،‬لنّهم‬
‫خفتم عيلة } الية ‪ ،‬وإنّما كانت خشية العيلة لنقطاع تلك المواسم بمنعهم من الح ّ‬
‫ج‪.‬‬
‫كانوا ينتفعون بالتّجارات الّتي كانت في مواسم الح ّ‬

‫مرض الكافر في الحرم وموته ‪:‬‬


‫‪ - 8‬تقدّم أنّ الكافر ل يجوز له الدّخول إلى الحرم عند الجمهور ‪ .‬فلو دخل مستورا ومرض‬
‫أخرج إلى الحلّ ‪ .‬وإذا مات في الحرم حرم دفنه فيه ‪ ،‬فإن دفن نبش قبره ونقل إلى الحلّ ‪،‬‬
‫إلّ أن يكون قد بلي فيترك كما ترك أموات الجاهليّة ‪.‬‬

‫القتال في الحرم ‪:‬‬


‫ن من دخل الحرم مقاتل وبدأ القتال فيه ‪ ،‬يقاتل ‪ ،‬لقوله تعالى‬
‫‪ - 9‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ‪ .‬وكذلك من‬
‫ارتكب في الحرم جريمة من جرائم الحدود أو القصاص ممّا يوجب القتل فإنّه يقتل فيه اتّفاقا‬
‫لستخفافه بالحرم ‪ ،‬كما سيأتي في الفقرة التّالية ‪ .‬واختلفوا في قتال الكفّار والبغاة على أهل‬
‫العدل في الحرم إذا لم يبدءوا بالقتال ‪ .‬فذهب طاووس والحنفيّة ‪ ،‬وهو قول ابن شاس وابن‬
‫الحاجب من المالكيّة ‪ ،‬وصحّحه القرطبيّ ‪ ،‬وقول القفّال والماورديّ من الشّافعيّة ‪ ،‬وبعض‬
‫الحنابلة إلى أنّه يحرم قتالهم في الحرم مع بغيهم ‪ .‬ولكنّهم ل يطعمون ول يسقون ول يؤوون‬
‫ول يبايعون حتّى يخرجوا من الحرم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى‬
‫يقاتلوكم فيه } قال مجاهد ‪ :‬الية محكمة ‪ ،‬فل يجوز قتال أحد إلّ بعد أن يقاتل ‪ .‬لقوله تعالى‬
‫‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا } ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه‬
‫تعالى يوم خلق السّموات والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة اللّه تعالى إلى يوم القيامة ‪ ،‬وإنّه لم‬
‫ل لي إلّ ساعة من نهار } ‪ .‬وقال الشّافعيّة في المشهور‬
‫يحلّ القتال فيه لحد قبلي ‪ ،‬ولم يح ّ‬
‫عندهم وصوّبه النّوويّ ‪ :‬إنّه إذا التجأ إلى الحرم طائفة من الكفّار والعياذ باللّه ‪ ،‬أو طائفة من‬
‫البغاة ‪ ،‬أو قطّاع الطّريق يجوز قتالهم في الحرم فقد ورد عن أبي شريح العدويّ عن رسول‬
‫ن مكّة حرّمها اللّه ولم يحرّمها النّاس ‪ ،‬فل يحلّ لمرئ‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬إ ّ‬
‫يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما ‪ ،‬ول يعضد بها شجرة ‪ .‬فإن أحد ترخّص لقتال‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقولوا له ‪ :‬إنّ اللّه أذن لرسوله صلى ال عليه وسلم ولم‬
‫يأذن لكم ‪ ،‬وإنّما أذن لي ساعة من نهار ‪ ،‬وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالمس } ‪.‬‬
‫وهذا قول سند وابن عبد البرّ من المالكيّة ‪ ،‬وصوّبه ابن هارون في الحاصر من الحجّ ‪،‬‬
‫وحكى الحطّاب عن مالك جواز قتال أهل مكّة إذا بغوا على أهل العدل ‪ ،‬قال ‪ :‬وهو قول‬
‫عكرمة وعطاء ‪ .‬وهذا قول للحنابلة أيضا ‪ ،‬فقد جاء في تحفة الرّاكع والسّاجد ‪ :‬فإن بغوا‬
‫على أهل العدل قاتلهم على بغيهم إذا لم يمكن ردّهم عن البغي إلّ بالقتال ‪ .‬واستدلّ من أجاز‬
‫القتال في الحرم بقوله تعالى ‪ { :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }‬
‫ن هذه الية ناسخة لقوله تعالى ‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام } ‪ .‬وقالوا أيضا‬
‫وقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫ن ابن خطل متعلّق‬
‫‪ { :‬إنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل مكّة وعليه المغفر ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫بأستار الكعبة فقال ‪ :‬اقتلوه } ‪ .‬وأجابوا عن الحاديث الواردة في تحريم القتال بمكّة أنّ‬
‫معناها تحريم نصب القتال عليهم بما يعمّ كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلح الحال بدون ذلك‬
‫ن قتال أهل البغي من حقوق اللّه تعالى الّتي ل يجوز أن تضاع ‪ ،‬ولن تكون محفوظة‬
‫‪ .‬ول ّ‬
‫في حرمه أولى من أن تكون مضاعة فيه ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬قطع نبات الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 10‬واتّفق الفقهاء على تحريم قطع أو قلع نبات الحرم إذا كان ممّا ل يستنبته النّاس عادة‬
‫وهو رطب ‪ ،‬كالطّرفاء ‪ ،‬والسّلم ‪ ،‬والبقل ‪ ،‬الب ّريّ ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬سواء أكان شجرا أم غيره ‪،‬‬
‫ن النّبيّ‬
‫والصل فيه قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا } ‪ .‬ولما ورد في الحديث أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬حرّم اللّه مكّة } إلى قوله ‪ { :‬ل يختلى خلها ول يعضد شجرها‬
‫} ‪ .‬ويستوي في الحرمة المحرّم وغيره ‪ ،‬لنّه ل تفصيل في النّصوص المقتضية للمن ‪.‬‬
‫ن حرمة التّعرّض لجل الحرم ‪ ،‬فيستوي فيه المحرّم وغيره باتّفاق الفقهاء ‪ .‬واستثني من‬
‫ول ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا قال في الحديث السّابق ‪ { :‬ل يعضد‬
‫ذلك الذخر ‪ ،‬لما ورد أ ّ‬
‫ل الذخر يا رسول اللّه فإنّه متاع لهل مكّة لحيّهم‬
‫شجرها قال العبّاس رضي ال عنه إ ّ‬
‫وميّتهم ‪ ،‬فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إلّ الذخر } ‪ .‬والمعنى فيه ما أشار إليه العبّاس‬
‫رضي ال عنه وهو حاجة أهل مكّة إلى ذلك في حياتهم ومماتهم ‪ .‬وألحق بعض الفقهاء‬
‫سنّا والسّواك والعصا وما أزيل من النّبات بقصد السّكنى بموضعه‬
‫( المالكيّة ) بالذخر ال ّ‬
‫للضّرورة ‪ .‬كما ألحق به جمهور الشّافعيّة والقاضي وأبو الخطّاب من الحنابلة الشّوك‬
‫كالعوسج وغيره من كلّ ما هو مؤذ ‪ .‬وأطلق غيرهم القول بالحرمة ليشمل سائر الشجار‬
‫ص باستثنائه وهو الذخر ‪ ،‬وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة ‪:‬‬
‫ل ما ورد النّ ّ‬
‫والحشيش إ ّ‬
‫ن الغالب في شجر الحرم الشّوك ‪ ،‬فلمّا حرّم النّبيّ صلى‬
‫{ ول يختلى شوكها } أي مكّة ‪ .‬ول ّ‬
‫ال عليه وسلم قطع شجره والشّوك غالبه كان ظاهرا في تحريمه ‪ .‬ول بأس بأخذ الكمأة‬
‫( الفقع ) لنّهما ل أصل لهما فليسا بشجر ول حشيش ‪ .‬أمّا اليابس من شجر الحرم وحشيشه‬
‫فل يحرم النتفاع به عند جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) ‪ ،‬لنّه بمنزلة الميّت‬
‫لخروجه عن حدّ النّم ّو ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل فرق بين أخضره ويابسه ‪ .‬ويجوز قطع وقلع ما‬
‫يستنبته النّاس عادة كخسّ ‪ ،‬وبقل ‪ ،‬وكرّات ‪ ،‬وحنطة ‪ ،‬وبطّيخ ‪ ،‬وقثّاء ونخل وعنب ‪ ،‬وإن‬
‫ن النّاس من لدن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫لم يعالج بأن نبت بنفسه ‪ ،‬اعتبارا بأصله ‪ ،‬فإ ّ‬
‫وسلم إلى يومنا هذا يزرعونه في الحرم ويحصدونه من غير نكير من أحد ‪ .‬ول فرق في‬
‫ن ما استنبته الدميّ‬
‫الجواز بين الشّجر وغيره عند جمهور الفقهاء ‪ .‬والمذهب عند الشّافعيّة أ ّ‬
‫من الشّجر كغير المستنبت في الحرمة والضّمان ‪ ،‬لعموم الحديث المانع من قطع الشّجر ‪.‬‬
‫والقول الثّاني عندهم ‪ :‬قياسه بالزّرع كالحنطة والشّعير والخضراوات ‪ ،‬فإنّه يجوز قطعه ول‬
‫ضمان فيه بل خلف ‪ .‬وإذا كان أصل الشّجرة في الحرم وأغصانها في الحلّ فهي من شجر‬
‫الحرم ‪ ،‬وإن كان أصلها في الحلّ وأغصانها في الحرم فهي من الحلّ اعتبارا للصل ‪.‬‬

‫رعي حشيش الحرم والحتشاش فيه ‪ - 11‬يجوز رعي حشيش الحرم عند جمهور الفقهاء‬
‫ن الهدي‬
‫( المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو وجه عند الحنابلة ‪ ،‬وقول أبي يوسف من الحنفيّة ) ل ّ‬
‫كان يدخل إلى الحرم فيكثر فيه فلم ينقل أنّهم كانوا يكمّون أفواهه ‪ ،‬ولنّ بهم حاجة إلى ذلك‬
‫أشبه الذخر ‪ .‬ول يجوز ذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ‪ ،‬وفي رواية عند الحنابلة ‪ ،‬لنّه لمّا منع‬
‫ن فعل‬
‫من التّعرّض لحشيش الحرم استوى فيه التّعرّض بنفسه وبإرسال البهيمة عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫البهيمة يضاف إلى صاحبها ‪ ،‬كما في الصّيد فإنّه لمّا حرم عليه التّعرّض استوى فيه‬
‫اصطياده بنفسه ‪ ،‬وبإرسال الكلب ‪ ،‬كذا هذا ‪ .‬أمّا الحتشاش أي قطع نبات الحرم للبهائم‬
‫فمنعه الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو رواية عند الشّافعيّة ) لقوله صلى ال عليه‬
‫ل أخذ نباته من حشيش أو نحوه بالقطع‬
‫وسلم { ل يختلى خلها } وفي الصحّ عند الشّافعيّة ح ّ‬
‫ل بالقلع لعلف البهائم للحاجة إليه كالذخر ‪ .‬والخلف فيما ل يستنبته النّاس عادة ‪ :‬أمّا ما‬
‫يستنبته النّاس عادة فيجوز فيه الحتشاش اتّفاقا ‪.‬‬

‫ضمان قطع النّبات في الحرم ‪:‬‬


‫ن من قطع ما يحرم من نبات‬
‫‪ - 12‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ‬
‫الحرم فعليه ضمانه محرما كان أو حلل ‪ .‬واستدلّوا بفعل عمر ‪ ،‬وعبد اللّه بن الزّبير رضي‬
‫ال عنهما فقد أمر عمر بشجر كان في المسجد يضمر بأهل الطّواف فقطع وفداه ‪ .‬ويقول ابن‬
‫عبّاس ‪ :‬في الدّوحة بقرة ‪ ،‬وفي الجزلة شاة ‪ .‬والدّوحة الشّجرة العظيمة ‪ ،‬والجزلة الصّغيرة ‪.‬‬
‫ثمّ اختلفوا في نوع الضّمان ‪ :‬فقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬تضمن الشّجرة الكبيرة والمتوسّطة‬
‫عرفا ببقرة ‪ ،‬والصّغيرة بشاة ‪ ،‬لما تقدّم عن ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ .‬ويضمن الغصن‬
‫بما نقص ‪ .‬وإن قلع شجرا من الحرم فغرسه في الحلّ لزمه ردّه ‪ ،‬فإن تعذّر أو يبست وجب‬
‫الضّمان ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬الضّمان في جميع الصّور بالقيمة ‪ .‬واتّفق الجمهور على أنّه ل‬
‫ن حرمته بسبب الحرم ل بالحرام ‪،‬‬
‫يكون للصّوم في جزاء قطع نبات الحرم مدخل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولهذا يجب على المحرم والحلل على السّواء ‪ .‬أمّا المالكيّة فمع قولهم بحرمة قطع نبات‬
‫الحرم الّذي يحرم قطعه ‪ .‬قالوا ‪ :‬إن فعل فليستغفر اللّه ‪ ،‬ول جزاء عليه ‪.‬‬

‫صيد الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم في الحرم صيد الحيوان البرّيّ ‪ ،‬وهو ما يكون توالده‬
‫وتناسله في البرّ دون البحريّ وهو ما يكون توالده في البحر ‪ .‬والمراد بصيد الحيوان الب ّريّ‬
‫أن يكون الحيوان متوحّشا في أصل الخلقة ‪ ،‬ولو صار مستأنسا ‪ ،‬نحو الظّبي المستأنس ‪.‬‬
‫ويستوي عند الحنفيّة والمالكيّة أن يكون مأكول اللّحم أو غير مأكول اللّحم ‪ .‬وقيّده الشّافعيّة‬
‫والحنابلة بأن يكون مأكول اللّحم ‪ ،‬فل يحرم صيد الحيوان الب ّريّ غير مأكول اللّحم عندهم ‪.‬‬
‫ودليل حرمة صيد الحرم قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق‬
‫السّموات والرض } إلى قوله ‪ { :‬ل يختلى خلها ول يعضد شوكها ول ينفّر صيدها } ‪.‬‬
‫وحرمة صيد الحرم تشمل المحرم والحلل ‪ ،‬كما تشمل الحرمة إيذاء الصّيد أو الستيلء‬
‫عليه وتنفيره أو المساعدة على الصّيد بأيّ وجه من الوجوه ‪ ،‬مثل الدّللة عليه ‪ ،‬أو الشارة‬
‫ل فأراد أن يدخل به الحرم لزمه رفع يده عنه‬
‫إليه أو المر بقتله ‪ .‬ومن ملك صيدا في الح ّ‬
‫وإرساله عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ ،‬لنّ الحرم سبب محرّم للصّيد ويوجب ضمانه ‪،‬‬
‫فحرم استدامة إمساكه كالحرام ‪ ،‬فإن لم يرسله وتلف فعليه ضمانه ‪ ،‬فإن باعه ردّ البيع إن‬
‫بقي ‪ ،‬وإن فات فعليه الجزاء ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو أدخل الحلل معه إلى الحرم صيدا مملوكا‬
‫له ل يضمنه ‪ ،‬بل له إمساكه فيه والتّصرّف فيه كيف شاء ‪ ،‬لنّه صيد حلّ ‪ .‬ولو رمى من‬
‫الحلّ صيدا في الحرم ضمنه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬لنّه صيد الحرم ‪ .‬وكذا لو رمى من‬
‫ن بداية الرّمي من الحرم ‪ .‬وقال أشهب من المالكيّة‬
‫الحرم صيدا في الحلّ عند الجمهور ‪ ،‬ل ّ‬
‫وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬ل يضمن نظرا لنتهاء الرّمية ‪ .‬وضمان الصّيد يكون بالمثل فيما‬
‫له مثل من النّعم ‪ ،‬أو القيمة فيه ‪ ،‬وفيما ل مثل له بتقويم رجلين عدلين يتصدّق بها على‬
‫المساكين على النّحو المبيّن في جزاء الحرام ‪ .‬ينظر في مصطلح ( إحرام ‪ :‬ف ‪164 - 160‬‬
‫) ‪ .‬وفي الزّيلعيّ ول يجزيه الصّوم لنّه غرامة كغرامة الموال وشجر الحرم ‪ .‬والجامع‬
‫أنّهما ضمان المحلّ ل جزاء الفعل ‪.‬‬
‫‪ - 14‬ول يجوز للمحرم ول للحلل أكل لحم صيد الحرم الب ّريّ ‪ ،‬ول النتفاع به بأيّ وجه‬
‫ل لكم صيد‬
‫من الوجوه ‪ .‬أمّا صيد البحر فحلل أكله للمحرم والحلل لقوله تعالى ‪ { :‬أح ّ‬
‫سيّارة ‪ ،‬وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما } ‪ .‬أمّا إذا صاد‬
‫البحر وطعامه متاعا لكم ولل ّ‬
‫الحلل صيدا خارج الحرم فهل يحلّ للمحرم أكله أم ل ؟ فيه خلف وتفصيل سبق في‬
‫مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) وتفصيل أحكام الصّيد في مصطلح ‪ ( :‬صيد ) ‪.‬‬

‫ما يجوز قتله في الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على جواز قتل الغراب والحدأة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والحيّة ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه‬
‫العقور ‪ ،‬والذّئب في الحلّ والحرم ‪ ،‬لما ورد في الحديث المتّفق عليه أ ّ‬
‫ب ليس على المحرم في قتلهنّ جناح ‪ :‬الغراب ‪ ،‬والحدأة ‪،‬‬
‫وسلم قال ‪ { :‬خمس من الدّوا ّ‬
‫والعقرب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور } وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬خمس‬
‫ل والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب البقع ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪،‬‬
‫فواسق يقتلن في الح ّ‬
‫والحديّا } ‪ .‬والغراب البقع هو الّذي يأكل الجيف ‪ ،‬فل يجوز صيد الغراب الصّغير الّذي‬
‫يأكل الحبّ ‪ .‬وفي قول عند المالكيّة ‪ :‬ل يجوز قتل الحدأة الصّغيرة أيضا لنتفاء اليذاء منها‬
‫‪ .‬وأجاز جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) قتل كلّ مؤذ بطبعه كالسد والنّمر‬
‫والفهد وسائر السّباع ‪ ،‬خلفا للحنفيّة في السّباع غير الصّائلة ونحوها كالبازي والصّقر ‪ .‬كما‬
‫أجاز الجمهور قتل سائر الهوامّ والحشرات ‪ .‬واستثنى المالكيّة من الجواز قتل ما ل يكون‬
‫مؤذيا منها ‪ .‬وقد سبق تفصيله في مصطلح ( إحرام ) ‪.‬‬

‫نقل تراب الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 16‬صرّح الشّافعيّة بحرمة نقل تراب الحرم وأحجاره وما عمل من طينه ‪ -‬كالباريق‬
‫وغيرها ‪ -‬إلى الحلّ ‪ ،‬فيجب ردّه إلى الحرم ‪ ،‬ونقل عن بعض الشّافعيّة كراهته ‪ .‬قال‬
‫الزّركشيّ في إعلم السّاجد ‪ :‬يحرم نقل تراب الحرم وأحجاره عنه إلى جميع البلدان ‪ ،‬وهذا‬
‫هو الصحّ والّذي أورده الرّافعيّ كراهته ‪ .‬وعند الحنفيّة أنّه ل بأس بإخراج أحجار الحرم‬
‫وترابه ‪ ،‬نقله الشّافعيّ في المّ ‪ ،‬وهو المنقول عن عمر وابن عبّاس ‪ ،‬لكنّهما كرهاه ‪ .‬وذهب‬
‫الحنابلة إلى أنّه ل يخرج من تراب الحرم ‪ ،‬ول يدخل إليه من الحلّ ‪ ،‬ول يخرج من حجارة‬
‫مكّة إلى الحلّ ‪ ،‬والخراج أشدّ في الكراهة ‪ .‬أمّا نقل تراب الحلّ إلى الحرم فجوّزه الفقهاء ‪،‬‬
‫ل يحدث لها حرمة لم تكن ‪.‬‬
‫لكنّه قال بعضهم ‪ :‬مكروه ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬خلف الولى ‪ ،‬لئ ّ‬
‫ول خلف في جواز نقل ماء زمزم إلى الحلّ لنّه يستخلف ‪ ،‬فهو كالثّمرة ‪ .‬وروي عن‬
‫عائشة رضي ال عنها أنّها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان‬
‫ص في الموضوع ‪.‬‬
‫يحمله ‪ .‬ولم نعثر في كتب الحنفيّة والمالكيّة على ن ّ‬

‫بيع رباع الحرم وكراؤها ‪:‬‬


‫‪ - 17‬يرى الحنفيّة وهو المشهور عن مالك ورواية عن أحمد ‪ ،‬أنّه ل يجوز بيع رباع الحرم‬
‫وبقاع المناسك ول كراؤها ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬مكّة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها }‬
‫وروي عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة قال ‪ { :‬توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫وأبو بكر وعمر ودور مكّة كانت تدعى السّوائب ‪ ،‬من احتاج سكن ومن استغنى أسكن } ‪.‬‬
‫قال في البدائع ‪ :‬ثبت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قوله ‪ { :‬إنّ مكّة حرام } وهي اسم‬
‫للبقعة ‪ ،‬والحرام ل يكون محلّا للتّمليك ‪ .‬وعلّل البهوتيّ التّحريم بأنّ مكّة فتحت عنوة ولم‬
‫تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلمين ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن مالك وأحمد‬
‫وهو غير المشهور ‪ ،‬عن أبي حنيفة إنّه يجوز بيع وإجارة دور الحرم ‪ ،‬لنّها على ملك‬
‫أربابها ‪ ،‬يجوز لهم التّصرّف فيها ببيع ‪ ،‬ورهن ‪ ،‬وإجارة ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬للفقراء‬
‫المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم } فنسب الدّيار إلى المالكين ‪ .‬وقال النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬من دخل دار أبي سفيان فهو آمن } نسب الدّار إلى مالكها ‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وسلم أيضا ‪ « :‬وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور » ‪ .‬واستدلّوا للجواز أيضا بعموم‬
‫ن الصل في الراضي أن تكون محلّا‬
‫النّصوص الواردة في جواز البيع من غير فصل ‪ .‬ول ّ‬
‫للتّمليك ‪ ،‬إلّ أنّه امتنع تملّك بعضها شرعا لعارض الوقف كالمساجد ‪ ،‬ولم يوجد في الحرم ‪.‬‬
‫وقال بعض الفقهاء ‪ :‬بالجواز مع الكراهة ‪ .‬وقيّد بعض الفقهاء ‪ ،‬منهم أبو حنيفة ومحمّد وهو‬
‫ج والمعتمر ‪ ،‬لكثرة احتياج‬
‫رواية عن مالك ‪ -‬كراهة إجارة بيوت مكّة بالموسم من الحا ّ‬
‫النّاس إليها ‪ -‬أمّا من المقيم والمجاور فل بأس بها ‪ .‬هذا ‪ ،‬وقد بحث الزّركشيّ هذا‬
‫الموضوع مع اتّجاهات الفقهاء وأدلّتهم بإسهاب ‪ .‬وينظر تفصيله أيضا في مصطلح ‪:‬‬
‫( رباع ) ‪.‬‬

‫ما اختصّ به الحرم من أحكام أخرى ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬نذر المشي إلى الحرم والصّلة فيه ‪:‬‬
‫‪ - 18‬جمهور الفقهاء على أنّه لو نذر المشي إلى بيت اللّه أو إتيانه ولم ينو شيئا آخر ولم‬
‫يعيّنه فعليه أحد النّسكين ‪ ( :‬الحجّ أو العمرة ) لنّه قد تعورف إيجاب النّسك بهذا اللّفظ فكان‬
‫كقوله ‪ :‬عليّ أحد النّسكين ‪ .‬ولما ورد من حديث { أخت عقبة أنّها نذرت أن تمشي إلى بيت‬
‫اللّه فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن تمشي وتركب } ‪ .‬وكذا إذا نذر المشي إلى مكّة أو‬
‫إلى الكعبة فهو كقوله إلى بيت اللّه ‪ .‬أمّا إذا نذر التيان أو المشي إلى الحرم أو المسجد‬
‫الحرام أو غير ذلك ‪ ،‬أو نوى ببيت اللّه مسجد المدينة أو المسجد القصى ‪ ،‬أو سائر المساجد‬
‫فاختلفت عبارات الفقهاء ‪ :‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو قال ‪ :‬عليّ المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام ل‬
‫شيء عليه عند أبي حنيفة لعدم العرف في التزام النّسك به ‪ .‬وقال الصّاحبان ‪ :‬يلزمه النّسك‬
‫أخذا بالحتياط لنّه ل يتوصّل إلى الحرم ول المسجد الحرام إلّ بالحرام فكان بذلك ملتزما‬
‫للحرام ‪ ،‬ولو نوى بقوله ( بيت اللّه ) مسجد المدينة المنوّرة أو بيت المقدس أو مسجدا‬
‫غيرهما لم يلزمه شيء ‪ ،‬لنّ النّذر إنّما يجب وفاؤه ‪ -‬عند الحنفيّة ‪ -‬إذا كان من جنسه‬
‫واجب ‪ ،‬إذ المساجد كلّها بيوت اللّه ‪ ،‬وسائر المساجد يجوز الدّخول فيها بل إحرام فل يصير‬
‫به ملتزما للحرام ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه لو نذر المشي إلى مسجد مكّة ولو لصلة يلزمه ‪،‬‬
‫كما يلزم ناذر المشي إلى مكّة أو البيت الحرام أو جزئه المتّصل به كبابه ‪ ،‬وركنه ‪ ،‬وملتزمه‬
‫‪ ،‬وشاذروانه وحجره ‪ .‬ول يلزم المشي لغير ذلك ‪ ،‬سواء أكان في المسجد الحرام والحرم ‪،‬‬
‫كزمزم والمقام ‪ ،‬والصّفا والمروة ‪ ،‬أو خارجا عن الحرم كعرفة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إذا نذر‬
‫المشي إلى بيت اللّه أو إتيانه وقصد البيت الحرام ‪ ،‬أو صرّح بلفظ الحرام ‪ ،‬فالمذهب وجوب‬
‫ج أو عمرة ‪ .‬أمّا إذا لم يقل البيت الحرام ول نواه ‪ ،‬أو نذر أن يأتي عرفات ولم ينو‬
‫إتيانه بح ّ‬
‫ن بيت اللّه تعالى يصدق على بيته الحرام وعلى سائر المساجد ‪ ،‬ولم‬
‫ج لم ينعقد نذره ‪ ،‬ل ّ‬
‫الح ّ‬
‫يقيّده بلفظ ول نيّة ‪ .‬ولو نذر إتيان مكان من الحرم كالصّفا أو المروة ‪ ،‬أو مسجد الخيف ‪ ،‬أو‬
‫منى ‪ ،‬أو مزدلفة ‪ ،‬لزمه إتيان الحرم بحجّ أو عمرة ‪ ،‬لنّ القربة إنّما تتمّ في إتيان بنسكه ‪،‬‬
‫والنّذر محمول على الواجب ‪ .‬وحرمة الحرم شاملة لجميع ما ذكر من المكنة ونحوها في‬
‫تنفير الصّيد وغيره ‪ .‬وتفصيل المسألة في مصطلح ; ( نذر ) وانظر أيضا مصطلح ‪:‬‬
‫( المسجد الحرام ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬لقطة الحرم ‪:‬‬
‫‪ - 19‬اللّقطة هي المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره ‪ .‬ول فرق عند جمهور الفقهاء بين لقطة‬
‫ن أخذها من غير نيّة التّملّك مأذون فيه شرعا ‪ ،‬وصرّح‬
‫الحرم والحلّ في الحكام الفقهيّة من أ ّ‬
‫بعضهم بوجوب الخذ إذا خاف الضّياع ‪ ،‬وهي أمانة في يد الخذ ( الملتقط ) ويشهد على‬
‫أخذها ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ‪ ،‬ول يكتم‬
‫ل يؤتيه من يشاء }‬
‫‪ ،‬ول يغيّب ‪ ،‬فإن وجد صاحبها فليردّها عليه ‪ ،‬وإلّ فهو مال اللّه عزّ وج ّ‬
‫‪ .‬ويجب تعريف اللّقطة إلى سنة أو إلى أن يغلب على ظنّه أنّ صاحبها ل يطلبها ‪ .‬وتختلف‬
‫بعض أحكامها على حسب اختلف نوعيّة اللّقطة وقيمتها ‪ ،‬وهل يملكها بعد التّعريف أو‬
‫يتصدّق بها أو يحبسها في ذلك خلف وتفصيل ‪ ،‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬لقطة ) ‪ .‬وفي‬
‫الصّحيح عند الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد وقول الباجيّ وابن رشد وابن العربيّ من المالكيّة‬
‫ن هذا بلد‬
‫‪ :‬إنّه ل تحلّ لقطة الحرم للتّملّك بل تؤخذ للحفظ ويجب تعريفها أبدا ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬فإ ّ‬
‫حرّم اللّه ‪ ،‬ل يلتقط لقطته إلّ من عرّفها } ففرّق بينها وبين لقطة غير الحرم ‪ ،‬وأخبر أنّها ل‬
‫تحلّ إلّ للتّعريف ‪ ،‬ولم يوقّت التّعريف بسنة كغيرها ‪ .‬فدلّ على أنّه أراد التّعريف على الدّوام‬
‫‪ .‬والمعنى فيه أنّ حرم مكّة شرّفها اللّه تعالى مثابة للنّاس يعودون إليه المرّة بعد الخرى ‪،‬‬
‫فربّما يعود مالكها أو يبعث في طلبها بعد السّنة ‪.‬‬

‫الغسل لدخول الحرم ‪:‬‬


‫ن الغسل لدخول الحرم ‪ ،‬وذلك تعظيما لحرمته ‪ ،‬قال‬
‫‪ - 20‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يس ّ‬
‫الزّركشيّ ‪ :‬ويستحبّ الغسل لدخول مكّة اتّفاقا لما في الصّحيحين عن { ابن عمر أنّه كان ل‬
‫يقدم مكّة إلّ بات بذي طوى حتّى يصبح ويغتسل ثمّ يدخل مكّة نهارا ‪ ،‬ويذكر عن النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنّه فعله } ‪ .‬ول فرق بين أن يكون الدّاخل محرما أو حلل ‪.‬‬

‫المؤاخذة بالهمّ ‪:‬‬


‫ن النسان إذا ه ّم بسيّئة فيه يؤاخذ به وإن لم يفعلها ‪ ،‬بخلف‬
‫‪ - 21‬من اختصاصات الحرم أ ّ‬
‫سائر البلدان فإنّه إذا ه ّم النسان فيها بسيّئة ل يؤاخذ بهمّه ما لم يفعلها ‪ .‬ووجه المؤاخذة بالهمّ‬
‫في الحرم قوله تعالى ‪ { :‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ‪ .‬وروى أحمد من‬
‫ن رجل همّ فيه بإلحاد وهو‬
‫حديث عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه في الية قال ‪ ( :‬لو أ ّ‬
‫بعدن أبين لذاقه اللّه عذابا أليما ) وذلك تعظيما لحرمة الحرم ‪ -‬وكذلك فعل اللّه بأصحاب‬
‫الفيل ‪.‬‬

‫المجاورة بمكّة والحرم ‪:‬‬


‫‪ - 22‬تستحبّ المجاورة بمكّة والحرم عند جمهور الفقهاء ( الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف‬
‫ومحمّد وهو قول ابن القاسم من المالكيّة ) وذلك لما يحصل من الطّاعات الّتي ل تحصل في‬
‫غيرها من الطّواف وتضعيف الصّلوات والحسنات ‪ .‬وحكي عن بعض الفقهاء منهم أبو حنيفة‬
‫كراهة المجاورة بالحرم خوفا من التّقصير في حرمته والتّبرّم واعتياد المكان ‪ .‬ولما يحصل‬
‫بالمفارقة من تهييج الشّوق وانبعاث داعية العود ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس‬
‫وأمنا } أي يثوبون إليه ‪ ،‬ويتردّدون إليه مرّة بعد أخرى ‪ .‬وعلّل بعضهم الكراهة بالخوف من‬
‫ركوب الخطايا والذّنوب فيه ‪.‬‬

‫تضاعف الصّلة والحسنات في الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 23‬اتّفق الفقهاء على أنّ صلة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلة فيما سواه من‬
‫المساجد ‪ ،‬لما ورد فيها من أحاديث ‪ :‬منها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬صلة في مسجدي‬
‫ن الصّلة فيه تفضل على‬
‫ل المسجد الحرام } والمعنى أ ّ‬
‫هذا خير من ألف صلة فيما سواه إ ّ‬
‫مسجد الرّسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وذكر بعض الفقهاء أنّ حرم مكّة كالمسجد الحرام في‬
‫المضاعفة المذكورة بناء على أنّ المسجد الحرام في الخبر المراد به جميع الحرم ‪ ،‬ويتأيّد‬
‫بقوله تعالى ‪ { :‬والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والبّاد } وقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ سبحان الّذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصى } ‪ ،‬وكان ذلك من‬
‫بيت أمّ هانئ ‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد به مسجد الجماعة الّذي يحرم على الجنب القامة فيه ‪ .‬وقد‬
‫ل المسجد الكعبة } ورواه مسلم عنها‬
‫ذكر في رواية النّسائيّ في سننه من حديث ميمونة ‪ { :‬إ ّ‬
‫ن المضاعفة تختصّ بمسجد الجماعة بالنّسبة‬
‫ب الطّبريّ أ ّ‬
‫ل مسجد الكعبة } ‪ .‬ورجّح المح ّ‬
‫‪{:‬إّ‬
‫إلى الصّلة ‪ .‬هذا وقد ورد عن ابن عبّاس رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ل خطوة سبعمائة حسنة‬
‫ج من مكّة ماشيا حتّى يرجع إلى مكّة كتب اللّه له بك ّ‬
‫قال ‪ { :‬من ح ّ‬
‫ل حسنة مائة‬
‫من حسنات الحرم } فقال بعضهم لبن عبّاس ‪ :‬وما حسنات الحرم ؟ قال ‪ :‬بك ّ‬
‫ألف حسنة ‪ ،‬وهذا الحديث يدلّ على أنّ المراد بالمسجد الحرام في تضعيف الصّلة الحرم‬
‫ن حسنة الحرم مطلقا بمائة‬
‫جميعه ‪ ،‬قال الزّركشيّ نقل عن المحبّ الطّبريّ ‪ :‬نقول بموجبه إ ّ‬
‫ن الصّلة في مسجد الجماعة تزيد على ذلك ‪ .‬ولهذا قال ‪ :‬بمائة صلة في مسجدي‬
‫ألف لك ّ‬
‫ولم يقل حسنة ‪ .‬وصلة في مسجده صلى ال عليه وسلم بألف صلة ‪ ،‬كلّ صلة بعشر‬
‫حسنات ‪ ،‬فتكون الصّلة في مسجده صلى ال عليه وسلم بعشرة آلف حسنة ‪ ،‬وتكون في‬
‫المسجد الحرام بألف ألف حسنة إمّا مسجد الجماعة وإمّا الكعبة على اختلف القولين ‪ .‬ومثله‬
‫ما ورد في شفاء الغرام ‪ .‬وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ :‬المسجد الحرام "‬
‫سيّئات بالحرم ‪:‬‬
‫مضاعفة ال ّ‬
‫سيّئات تضاعف بمكّة كما تضاعف الحسنات ‪ .‬ممّن‬
‫‪ - 24‬ذهب جماعة من العلماء إلى أنّ ال ّ‬
‫قال ذلك ابن مسعود وابن عبّاس ومجاهد وأحمد بن حنبل وغيرهم لتعظيم البلد ‪ .‬وسئل ابن‬
‫سيّئات كما تضاعف الحسنات ؟‬
‫عبّاس عن مقامه بغير مكّة فقال ‪ :‬مالي ولبلد تضاعف فيه ال ّ‬
‫سيّئات بالحرم ‪ ،‬ثمّ قيل ‪ :‬تضعيفها كمضاعفة الحسنات بالحرم‬
‫فحمل ذلك منه على مضاعفة ال ّ‬
‫‪ .‬وقيل ‪ :‬بل كخارجه ‪ ،‬ومن أخذ بالعمومات لم يحكم بالمضاعفة قال تعالى ‪ { :‬ومن جاء‬
‫سيّئة بمكّة‬
‫ن ال ّ‬
‫ل مثلها } ‪ .‬وقال الفاسيّ ‪ :‬والصّحيح من مذاهب العلماء أ ّ‬
‫بالسّيّئة فل يجزى إ ّ‬
‫كغيرها ‪.‬‬

‫ل تمتّع ول قران على أهل مكّة ‪:‬‬


‫ج مفردا فقط‬
‫‪ - 25‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل تمتّع ول قران على أهل مكّة ‪ ،‬فالم ّكيّ يحرم بالح ّ‬
‫ول دم عليه ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ‪ .‬وهل يجوز‬
‫لهل الحرم أن يحرم بالتّمتّع أو القران أو ل يجوز ؟ خلف وتفصيل ينظر في مصطلحي ‪:‬‬
‫( تمتّع وقران ) ‪.‬‬

‫ذبح الهدي والفدية في الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 26‬الهدي هو ما يهدى إلى البيت من بهيمة النعام ‪ ،‬سواء أكان تطوّعا أم هدي تمتّع ‪ ،‬أم‬
‫ص بالحرم لقوله تعالى ‪ { :‬هديا بالغ‬
‫ن ذبحه يخت ّ‬
‫قران أم جزاء صيد ‪ .‬وقد ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫الكعبة } وقوله ‪ { :‬ول تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } وقوله ‪ { :‬ثمّ محلّها إلى البيت‬
‫ص بمنى { لقول النّبيّ صلى‬
‫العتيق } ‪ .‬ويجوز الذّبح في أيّ موضع شاء من الحرم ول يخت ّ‬
‫ال عليه وسلم ‪ :‬نحرت هاهنا ومنى كلّها منحر وك ّل فجاج مكّة طريق ومنحر } والفضل‬
‫للحاجّ أن يذبح بمنى ‪ ،‬وللمعتمر أن يذبح بمكّة ‪ .‬وهذا في غير المحصر ‪ ،‬أمّا المحصر ففي‬
‫ذبحه خارج الحرم أو داخله خلف ينظر في ( إحصار ) ‪ .‬وأمّا ما يذبح في فدية الذى فقد‬
‫اختلف فيه الفقهاء ‪ ،‬ففي قول الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬يجب ذبحه بمكّة وهو الظهر عند الشّافعيّة‬
‫ورواية عن أحمد ‪ .‬وحكم الطّعام كحكم الفدية في أنّه يوزّع على مساكين الحرم ‪ .‬وأمّا‬
‫الصّيام فيجوز فعله في الحرم وخارجه ‪ .‬وللتّفصيل انظر ( فدية ) ( وصيام ) ‪ .‬وفي بيان‬
‫أنواع الهدي ووقت ذبحه ‪ ،‬ومن يتصدّق عليهم بالهدي تفصيل وخلف ينظر في مصطلحات‬
‫‪ ( :‬حجّ ‪ ،‬هدي ‪ ،‬فدية ‪ ،‬نذر ) ‪ ،‬ويراجع أيضا مصطلح ‪ ( :‬إحصار ف ‪. ) 39 ، 38‬‬

‫تغليظ الدّية في الحرم ‪:‬‬


‫‪ - 27‬يرى بعض الفقهاء تغليظ الدّية على الجناية الّتي ترتكب في الحرم ‪ ،‬فقد قضى عمر بن‬
‫الخطّاب رضي ال عنه فيمن قتل في الحرم بالدّية وثلث الدّية ‪ .‬وقال بعضهم ل تغلّظ الدّية‬
‫في الحرم ‪ .‬وفي كيفيّة تغليظها خلف ‪ ،‬تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬دية ) ‪ .‬هذا ‪ ،‬وهناك أحكام‬
‫أخرى بعضها يختصّ بالمسجد الحرام ‪ ،‬كجواز قصده بالزّيارة وشدّ الرّحال إليه ‪ ،‬وتقدّم‬
‫المام على المأموم ‪ ،‬وعدم كراهة الصّلة فيه في الوقات المكروهة ‪ ،‬فصّلها الزّركشيّ في‬
‫إعلم السّاجد ‪ .‬وينظر تفصيلها أيضا في مصطلح ‪ ( :‬المسجد الحرام ) ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حرم المدينة ‪:‬‬


‫ن المدينة المنوّرة حرم ‪ ،‬له‬
‫‪ - 28‬ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ‬
‫حدود وأحكام ‪ ،‬تختلف عن سائر البقاع ‪ ،‬كما تختلف عن الحرم الم ّكيّ في بعض الحكام ‪،‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬إنّي حرّمت المدينة كما حرّم‬
‫وذلك لما ورد في الحديث أ ّ‬
‫إبراهيم مكّة ‪ ،‬وإنّي دعوت في صاعها ومدّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لهل مكّة } وعلى‬
‫ذلك فل يحلّ صيدها ول يعضد شجرها ‪ .‬أمّا الحنفيّة فقالوا ‪ :‬ليس للمدينة المنوّرة حرم ‪ ،‬ول‬
‫يمنع أحد من أخذ صيدها وشجرها ‪ .‬وإنّما أراد النّبيّ صلى ال عليه وسلم بحديثه المتقدّم بقاء‬
‫زينتها ‪ ،‬كما ورد في حديث آخر من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تهدموا الطام فإنّها‬
‫ل صيدها حديث أنس قال ‪ { :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ل على ح ّ‬
‫زينة المدينة } ‪ .‬ويد ّ‬
‫أحسن النّاس خلقا ‪ ،‬وكان لي أخ يقال له أبو عمير ‪ ،‬قال أحسبه فطيما ‪ ،‬وكان إذا جاء قال ‪:‬‬
‫يا أبا عمير ما فعل النّغير ؟ } ونغير بالغين المعجمة طائر صغير كان يلعب به ‪.‬‬

‫حدود الحرم المدنيّ ‪:‬‬


‫‪ - 29‬يرى الجمهور أنّ حدّ حرم المدينة ما بين ثور إلى عير ‪ ،‬لما ورد من حديث عليّ‬
‫رضي ال عنه مرفوعا ‪ { :‬حرم المدينة ما بين ثور إلى عير } ‪ .‬وورد في حديث آخر { أنّ‬
‫الحرم ما بين لبتي المدينة } ‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬ما بين لبتيها حرام } ‪ ،‬واللّابة الحرّة ‪ ،‬وهي أرض تركبها حجارة سود ‪ .‬وورد في‬
‫رواية ‪ { :‬ما بين جبليه } ‪ ..‬وقدره بريد في بريد أي اثنا عشر ميل من كلّ جهة ‪.‬‬

‫ما يختلف فيه الحرم المدنيّ عن الحرم الم ّكيّ ‪:‬‬


‫‪ - 30‬يختلف الحرم المدنيّ عن الحرم الم ّكيّ عند من يقول بوجود حرم للمدينة في بعض‬
‫الحكام منها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يجوز أخذ ما تدعو إليه الحاجة من شجر المدينة للرّحل ‪ ،‬وآلة الحرث ‪ ،‬كآلة الدّياس‬
‫والجذاذ ‪ ،‬والحصاد ‪ ،‬والعارضة لسقف المحمل ‪ ،‬والمساند من القائمتين ‪ ،‬والعارضة بينهما‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا حرّم المدينة‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬لما روى جابر رضي ال عنه { أ ّ‬
‫قالوا ‪ :‬يا رسول اللّه إنّا أصحاب عمل ‪ ،‬وأصحاب نضح ‪ ،‬وإنّا ل نستطيع أرضا غير أرضنا‬
‫فرخّص لنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬القائمتان والوسادة والعارضة والمسند ‪ ،‬أمّا غير ذلك فل يعضد } ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من حشيشها للعلف ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم في‬
‫ن المدينة‬
‫حديث عليّ ‪ { :‬ول يصلح أن يقطع منها شجرة إلّ أن يعلف رجل بعيره } ‪ .‬ول ّ‬
‫يقرب منها شجر وزرع ‪ ،‬فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الحرج ‪ ،‬بخلف حرم مكّة ففيه‬
‫تفصيل تقدّم بيانه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬من أدخل إليها صيدا فله إمساكه وذبحه ‪ ،‬وخصّه المالكيّة بساكني المدينة ‪.‬‬
‫د ‪ -‬ل جزاء فيما حرم من صيدها وشجرها وحشيشها عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬بخلف حرم‬
‫مكّة ‪ .‬وفي القول القديم للشّافعيّ ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة فيه الجزاء ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬يجوز دخول المدينة بغير إحرام بل خلف ‪ - .‬ول يمنع الكافر من دخول المدينة من‬
‫أجل المصلحة مؤقّتا من غير استيطان باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬بخلف حرم مكّة المكرمة ‪.‬‬
‫ص حرم المدينة بالنّسك وذبح الهدايا ‪ ،‬كما هو الحكم في حرم مكّة ‪ .‬ح ‪ -‬ليس‬
‫ز ‪ -‬ل يخت ّ‬
‫للقطة الحرم المدنيّ حكم خاصّ كالحرم الم ّكيّ من عدم تملّكها ووجوب تعريفها للبد ‪ ،‬كما‬
‫ذهب إليه الشّافعيّة ‪ .‬هذا ‪ ،‬وقد ذكر الزّركشيّ في أعلم السّاجد سائر خصائص الحرم المدنيّ‬
‫وأحكامه بإسهاب ‪ .‬وبعض هذه الحكام تختصّ بمسجد النّبيّ صلى ال عليه وسلم كمضاعفة‬
‫الثّواب ‪ ،‬والعقاب ‪ ،‬وجواز شدّ الرّحال إليه ونحوهما ‪ .‬وينظر التّفصيل هناك وفي مصطلح ‪:‬‬
‫( مسجد ) ومصطلح ‪ ( :‬المسجد الحرام ) ‪.‬‬

‫حرير‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحرير معروف وهو مأخوذ من دودة تسمّى دودة القزّ ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫البريسم ‪:‬‬
‫‪ - 2‬البريسم بفتح السّين وضمّها ‪ :‬الحرير وخصّه بعضهم بالخام ‪ .‬الستبرق ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الستبرق ‪ :‬غليظ الدّيباج فارسيّ معرّب ‪.‬‬
‫الخزّ‬
‫‪ - 4‬الخزّ من الثّياب ما ينسج من صوف وإبريسم ‪ ،‬أو من خالص البريسم ‪ .‬وفي اللّسان ‪،‬‬
‫الخزّ ينسج من صوف وغيره ويحمل عليه ما ورد أنّ الصّحابة لبسوه ‪.‬‬
‫الدّيباج ‪:‬‬
‫‪ - 5‬الدّيباج ‪ :‬ثوب سداه ولحمته إبريسم ‪.‬‬
‫السّندس‬
‫‪ - 6‬السّندس ‪ :‬ضرب من رقيق الدّيباج ‪.‬‬
‫القزّ ‪:‬‬
‫ن القزّ هو نوع من الحرير كمد اللّون‬
‫‪ - 7‬القزّ البريسم ‪ :‬وجاء في بعض الكتب الفقهيّة أ ّ‬
‫وهو ما قطعته الدّودة وخرجت منه ‪ .‬والحرير ما يحلّ بعد موتها ‪.‬‬
‫الدّمقس ‪:‬‬
‫‪ - 8‬الدّمقس ‪ :‬البريسم أو القزّ أو الدّيباج ‪ ،‬أو الكتّان ‪.‬‬

‫ما يتعلّق بالحرير من أحكام‬


‫لبس الحرير المصمت واستعماله ‪:‬‬
‫ل الحرير المصمت أي الخالص للنّساء لبسا واستعمال ‪ .‬لما روى‬
‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على ح ّ‬
‫ل الذّهب والحرير لناث من أمّتي وحرّم‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬أح ّ‬
‫أبو موسى أ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أخذ‬
‫على ذكورها } ‪ .‬ولما روي عن عليّ رضي ال عنه { أ ّ‬
‫حريرا فجعله في يمينه وذهبا في شماله ‪ ،‬ثمّ رفع يديه بهما فقال ‪ :‬إنّ هذين حرام على ذكور‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‬
‫ن النّب ّ‬
‫أمّتي حلّ لناثهم } ‪ .‬ولحديث زيد بن أرقم وواثلة بن السقع أ ّ‬
‫قال ‪ { :‬الذّهب والحرير حلّ لناث أمّتي حرام على ذكورها } ‪ .‬ولما روي عن أنس ( أنّه‬
‫رأى على أمّ كلثوم بنت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم برد حرير سيراء ) ولما روي عنه‬
‫أيضا قال ‪ ( :‬رأيت على زينب بنت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قميص حرير سيراء )‬
‫واتّفقوا على حرمة لبس الحرير المصمت على الرّجال ثيابا وغطاء للرّأس واشتمال ولو‬
‫بحائل للحاديث السّابقة الّتي تصرّح بحرمته على الرّجال ‪ .‬وهذا في غير حالة الحرب أو‬
‫المرض أو ما في معناهما ‪ .‬أمّا في الحرب فإنّه يجوز لبس الحرير للرّجال عند أبي يوسف‬
‫ومحمّد وابن الماجشون من المالكيّة مطلقا ‪ .‬وعند الحنابلة بقيد ‪ ،‬وهو ما إذا كانت باللّابس‬
‫ن المنع‬
‫حاجة إليه ‪ .‬فإذا لم تكن باللّابس حاجة إليه فعلى وجهين عندهم ‪ .‬أحدهما ‪ :‬الباحة ل ّ‬
‫من لبسه للخيلء ‪ ،‬والخيلء وقت الحرب غير مذمومة ‪ .‬والوجه الخر ‪ :‬الحرمة وظاهر‬
‫كلم أحمد إباحته مطلقا ‪ .‬وأضاف ابن حبيب من المالكيّة حال الحكّة ‪ .‬وهذا موافق لرواية‬
‫عند الحنابلة لما روى أنس رضي ال عنه { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬رخّص لعبد‬
‫الرّحمن بن عوف والزّبير رضي ال عنهما في لبس الحرير لحكّة كانت بهما } ‪ .‬والرّواية‬
‫الخرى عندهم أنّه ل يباح للمرض لحتمال أن تكون الرّخصة خاصّة بهذين الصّحابيّين ‪.‬‬
‫وتوسّع الشّافعيّة في حال العذر المبيح مع التّقييد فقالوا ‪ :‬كحرّ وبرد مضرّين إذا لم يجد غيره‬
‫‪ ،‬وحاجة كجرب إن آذى المريض غيره ‪ .‬وعند أبي حنيفة والمشهور عند المالكيّة أنّه ل‬
‫يجوز لبس ثياب الحرير المصمت مطلقا لعموم الخبر ‪.‬‬
‫إلباس الحرير لصغار الذّكور ‪:‬‬
‫‪ - 10‬يذهب الحنفيّة وهو قول عند المالكيّة ووجه عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ل يجوز‬
‫إلباس الصّغير الذّكر الحرير ‪ .‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أدار الحرمة على الذّكورة ‪ .‬إلّ‬
‫ن اللّابس إذا كان صغيرا فالثم على من ألبسه ل عليه ‪ .‬لنّه ليس مكلّفا ‪ .‬ولعموم قول النّبيّ‬
‫أّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وحرّم على ذكورها } ‪ .‬ولما رواه أبو داود بإسناده عن { جابر قال‬
‫‪ :‬كنّا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري } والجواري البنات الصّغيرات ‪ .‬ومن قال‬
‫من المالكيّة بذلك استثنى الرّضيع للمشقّة الدّاخلة على أمّه ‪ .‬ويذهب الشّافعيّة إلى جواز إلباسه‬
‫صغار الذّكور ‪ .‬وهذا قول للمالكيّة ‪ ،‬ووجه عند الحنابلة لنّه غير مكلّف فل يتعلّق التّحريم‬
‫ي سبع سنوات يحرم إلباسه‬
‫بلبسهم ‪ .‬وهناك وجه ثالث عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو أنّه إذا بلغ الصّب ّ‬
‫ثوب حرير ‪.‬‬

‫أعلم الحرير في الثّوب غير الحرير ‪:‬‬


‫‪ - 11‬العلم جمع علم ‪ .‬وهو القطعة في الثّوب من غير جنسه أو من غير لونه ‪ .‬يذهب‬
‫الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول عند المالكيّة ‪ :‬إلى أنّ أعلم الحرير في الثّوب غير الحرير جائزة‬
‫إذا كانت قدر أربع أصابع فما دونها ‪ .‬لما روى عمر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬نهى‬
‫ل البخاريّ ‪ .‬وزاد‬
‫عن لبس الحرير إلّ موضع إصبعين أو ثلث أو أربع } رواه الجماعة إ ّ‬
‫ن لبسه‬
‫ن هذه العلم تابعة ‪ .‬والعبرة للمتبوع ‪ .‬ول ّ‬
‫فيه أحمد وأبو داود { وأشار بكفّه } ول ّ‬
‫ل يسمّى لبس حرير ‪ .‬وقال ابن حبيب من المالكيّة ‪ :‬ل بأس بالعلم الحرير في الثّوب وإن‬
‫عظم ‪ .‬وتباح العرى والزرار عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو المعتمد عند المالكيّة‬
‫لنّها تبع ويسير ‪ .‬وتباح أيضا لبنة جيب ‪ -‬بكسر اللّام وسكون الموحّدة ‪ -‬وهو الزّيق المحيط‬
‫بالعنق ‪ .‬والجيب وهو ما يفتح على نحر أو طوق عند الحنفيّة والشّافعيّة وقول عند المالكيّة ‪.‬‬
‫وقيّدته بعض كتب الحنابلة بما إذا كان قدر أربع أصابع مضمومة فما دونها ‪ .‬والقول الخر‬
‫للمالكيّة إنّه ل يجوز ‪.‬‬

‫لبس الثّياب المنسوجة من الحرير وغيره ‪:‬‬


‫ن الثّوب إن كانت لحمته حريرا وسداه غير حرير ‪ ،‬فإنّه ل يكره‬
‫‪ - 12‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫لبسه في حال الحرب لدفع مضرّة السّلح وتهيّب العدوّ ‪ .‬أمّا في غير حال الحرب فمكروه ‪-‬‬
‫كراهة التّحريم ‪ -‬لنعدام الضّرورة ‪ .‬وإن كان سداه حريرا ولحمته غير حرير ل يكره في‬
‫ن الثّوب يصير ثوبا باللّحمة ‪ .‬لنّه إنّما يصير ثوبا بالنّسج ‪ .‬والنّسج‬
‫حال الحرب وغيرها ‪ .‬ل ّ‬
‫تركيب اللّحمة بالسّدى ‪ .‬فكانت اللّحمة كالوصف الخير فيضاف الحكم إليه ‪ .‬وأظهر القوال‬
‫ن لبس هذه الثّياب مكروه يؤجر على‬
‫وأولها بالصّواب عند المالكيّة كما قال ابن رشد ‪ ،‬أ ّ‬
‫تركه ول يأثم في فعله ‪ .‬لنّه من المشتبهات المتكافئة أدلّة حرمتها وأدلّة حلّها الّتي قال فيها‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه } ‪ .‬وذهب‬
‫ن ما أكثره من الحرير يحرم تغليبا للكثر ‪ .‬بخلف ما أكثره من‬
‫الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫ن الحرير‬
‫ل ‪ .‬وتغليبا للكثر ‪ .‬ول ّ‬
‫غيره ‪ .‬لنّ كلّا منهما ل يسمّى ثوب حرير ‪ .‬والصل الح ّ‬
‫مستهلك في غيره ‪ .‬أمّا المستوي منهما فإنّ الشّافعيّة يبيحونه ‪ .‬والتّفصيل الّذي قال به‬
‫الشّافعيّة كما ورد في المجموع أنّه إذا كان بعض الثّوب حريرا وبعضه غيره ونسج منهما‬
‫ففيه طريقان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬إن كان الحرير ظاهرا يشاهد حرم وإن قلّ وزنه ‪ ،‬وإن استتر لم‬
‫يحرم وإن كثر وزنه لنّ الخيلء والمظاهر إنّما تحصل بالظّاهر ‪ .‬والطّريق الثّاني ‪ :‬وهو‬
‫ن العتبار بالوزن فإن كان الحرير أقلّ وزنا حلّ ‪ ،‬وإن كان أكثر حرم ‪،‬‬
‫الصّحيح المشهور أ ّ‬
‫ن الشّرع إنّما حرّم ثوب الحرير ‪ ،‬وهذا ليس‬
‫وإن استويا فوجهان ‪ .‬الصّحيح منهما الحلّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫بحرير ‪ .‬وللمالكيّة في المخلوط بالحرير وغيره سواء كان مساويا له أو أكثر منه عدّة أقوال ‪:‬‬
‫قول بالجواز ‪ ،‬وقول بالكراهة ‪ ،‬وقول بالحرمة ‪ ،‬واختاره بعضهم لما ثبت عن كثير من‬
‫الصّحابة ‪ .‬وعند الحنابلة فيما استوى فيه الحرير وغيره وجهان ‪ .‬وقال ابن عقيل من الحنابلة‬
‫‪ :‬الشبه التّحريم لنّ النّصف كثير ‪ .‬وقال الثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن لبس الخزّ‬
‫فلم ير به بأسا ‪ .‬ويراد بالخزّ هنا ما كان سداه حريرا ولحمته صوفا أو قطنا أو غيرهما ‪.‬‬
‫وأطلق ابن عبّاس جواز السّدى والعلم من الحرير دون تقييد ‪ .‬فعنه أنّه قال ‪ { :‬إنّما نهى‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الثّوب المصمت من قزّ } ‪ .‬قال ابن عبّاس ‪ :‬أمّا السّدى‬
‫والعلم فل نرى به بأسا رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الحاكم بإسناد صحيح ‪ ،‬والطّبرانيّ‬
‫بإسناد حسن ‪.‬‬

‫استعمال الحرير في غير اللّباس ‪:‬‬


‫ن ذلك بمنزلة‬
‫‪ - 13‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة وجمهور المالكيّة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫اللّباس فيكون محرّما على الرّجال ‪ .‬واستدلّوا لذلك بقول حذيفة رضي ال عنه ‪ { :‬نهانا النّبيّ‬
‫أن نشرب في آنية الذّهب والفضّة وأن نأكل فيها ‪ ،‬وعن لبس الحرير والدّيباج وأن نجلس‬
‫عليه } ‪ .‬وقول عليّ رضي ال عنه ‪ { :‬نهاني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن لبس‬
‫سيّ ‪ ،‬وعن جلوس على المياثر } ‪ .‬وذهب أبو حنيفة وبعض المالكيّة إلى جواز استعمال‬
‫الق ّ‬
‫ن النّهي خاصّ باللّبس ولما روي عن ابن عبّاس أنّه‬
‫الحرير في البسط والفتراش والوسائد ل ّ‬
‫ن فرشه استخفاف به فصار كالتّصاوير على‬
‫كان له مرفقة من حرير على بساطه ‪ ،‬ول ّ‬
‫البساط فإنّه يجوز الجلوس عليه ‪.‬‬

‫كسوة الكعبة بالحرير ‪:‬‬


‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على جواز كسوة الكعبة المشرّفة بالحرير بل صرّح بعضهم بأنّه مندوب‬
‫تعظيما لها ‪.‬‬

‫تبطين الثّياب بالحرير ‪:‬‬


‫ن لبس الثّوب المبطّن‬
‫‪ - 15‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز تبطين الثّياب بالحرير ‪ .‬ل ّ‬
‫لبس للحرير حقيقة ‪ .‬ومعنى التّنعّم حاصل للتّزيّن بالحرير ولطفه ‪ .‬وقيّد المالكيّة عدم الجواز‬
‫بما إذا كان كثيرا ‪ .‬وقول المالكيّة قريب ممّا يقول الشّافعيّة إذ قيّدوا عدم الجواز بمخالفة‬
‫العادة ‪.‬‬

‫استعمال الحرير رباطا للسّراويل ‪:‬‬


‫‪ - 16‬وهو الّذي يطلق عليه ‪ -‬ال ّتكّة ‪ -‬تكره في الصّحيح عند الحنفيّة ‪ .‬وقيل ل بأس بها‬
‫عندهم ‪ .‬وهذا القول موافق لما يقول الشّافعيّة ‪ .‬وتحرم عند الحنابلة وهو الظّاهر من عبارات‬
‫المالكيّة ‪.‬‬

‫عصب الجراحة بالحرير ‪:‬‬


‫‪ - 17‬قد صرّح ابن عابدين بأنّه مختلف فيه ‪ .‬ولم نجد لغيرهم تصريحا بذلك ‪ .‬استعمالت‬
‫أخرى ‪:‬‬
‫‪ - 18‬اتّفق الفقهاء على جواز خياطة الثّياب بالحرير واتّخاذه كيسا للمصحف واتّخاذ الرّاية‬
‫منه ‪ ،‬كما يجوز حشو الجباب والفرش به ‪ .‬لنّه ل فخر فيه ول خيلء ول عجب وليس لبسا‬
‫له ول افتراشا إلّ أنّ المالكيّة قيّدوا الجواز بما إذا لم يكن كثيرا أمّا إذا كان كثيرا فل يجوز ‪.‬‬
‫ل من الحنفيّة والشّافعيّة وبعض الحنابلة ‪،‬‬
‫ويجوز اتّخاذ خيط حرير وشرابه للمسبّحة عند ك ّ‬
‫وأكثر الحنابلة منع ذلك ‪ .‬ولم نجد للمالكيّة نصّا في إباحة ذلك أو منعه ‪ .‬وأجاز الحنفيّة‬
‫والمالكيّة تزيين الجدران بالحرير ومنعه الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬مواطن البحث ‪ - 19‬تذكر‬
‫الحكام المتعلّقة بالحرير في باب الحظر والباحة أو الكراهة أو الستحسان عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫وباب ستر العورة عند كلّ من المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في بعض الكتب ‪ ،‬وفي بعض آخر‬
‫كتاب اللّباس ‪.‬‬

‫حريم‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬للحريم في اللّغة معان متعدّدة منها ‪ :‬ما حرّم فل ينتهك ‪ ،‬والحريم أيضا ما يتجرّد عنه‬
‫المحرم من ثياب ‪ ،‬وفناء الدّار أو المسجد ‪ ،‬وحريم الرّجل ما يقاتل عنه ويحميه ‪ ،‬والحريم‬
‫أيضا الحمى ‪ ،‬وجمعه حرم ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬حريم الشّيء ‪ :‬ما حوله من حقوقه‬
‫ومرافقه ‪ ،‬سمّي بذلك لنّه يحرم على غير مالكه أن يستب ّد بالنتفاع به ‪ .‬وعرّف الشّافعيّة‬
‫الحريم بأنّه ما تمسّ الحاجة إليه لتمام النتفاع وإن حصل أصل النتفاع بدونه ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫الحمى ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الحمى بمعنى المحميّ ‪ ،‬مصدر يراد به اسم المفعول ‪ ،‬أو المراد به الحماية والتّحجير ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬هذا شيء حمى ‪ .‬أي محظور ل يقرب ‪ .‬وشرعا ‪ :‬أن يحمي المام أرضا من‬
‫الموات ‪ ،‬فيمنع النّاس من رعي ما فيها من الكل ليختصّ بها دونهم لمصلحة المسلمين ل‬
‫لنفسه ‪ .‬وعرّف المالكيّة الحمى الشّرعيّ بقولهم ‪ :‬أن يحمي المام مكانا خاصّا لحاجة‬
‫المسلمين ‪ .‬وحمى اللّه محارمه كما في الحديث ‪ { :‬المعاصي حمى اللّه ‪ ،‬من يرتع حول‬
‫الحمى يوشك أن يواقعه } ‪ .‬فالحمى والحريم في بعض إطلقاتهما اللّغويّة متّفقان ‪ .‬وأمّا في‬
‫الصطلح فمختلفان ‪.‬‬

‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬


‫ل مملوك‬
‫‪ - 3‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجوز إحياء حريم البئر والنّهر ‪ ،‬والعين ‪ ،‬وك ّ‬
‫ل يجوز إحياء ما تعلّق بمصالحه ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أحيا أرضا ميّتة في‬
‫غير حقّ مسلم فهي له } ‪ .‬لنّه تابع للمملوك ‪ ،‬فلو جوّز إحياؤه لبطل الملك في العامر على‬
‫أهله ‪ .‬وكذلك اتّفق جمهور الفقهاء على أنّه ل يجوز تملّك حريم الراضي العامرة لنّه تابع‬
‫للعامر ‪ ،‬فل يملك ‪ ،‬لكنّ صاحب الراضي أحقّ به من غيره ‪ .‬وقال الشّافعيّ ‪ :‬يملك وهو‬
‫ظاهر قول الخرقيّ من الحنابلة في حريم البئر ‪ ،‬والنّهر ‪ ،‬لنّه مكان استحقّه بالحياء ‪ ،‬فملكه‬
‫كالمحميّ ‪ ،‬ولنّ معنى الملك موجود فيه ‪ ،‬لنّه يدخل في البيع يختصّ به صاحبها ‪.‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جعل للبئر والعين وكلّ‬
‫‪ - 4‬والصل في مشروعيّة الحريم أ ّ‬
‫أرض حريما ‪ ،‬بقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا‬
‫لماشيته } ‪ .‬وشروط تملّك حريم البئر وما في معناه كالعيون ‪ ،‬والنهار وغيرها ‪ ،‬فإنّه‬
‫يرجع فيها إلى شروط تملّك الرض الموات بإحيائها ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪:‬‬
‫( إحياء الموات ) ‪.‬‬

‫مقدار الحريم ‪:‬‬


‫‪ - 5‬يختلف مقدار الحريم باختلف ما يتعلّق به الحريم كالبئر ‪ ،‬والنّهر ‪ ،‬والعين ‪ ،‬والشّجر‬
‫وغيرها ‪ ،‬وفي كلّ خلف وتفصيل على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حريم البئر ‪:‬‬
‫ن حريم بئر‬
‫‪ - 6‬اختلف الئمّة في مقدار حريم البئر على التّفصيل التي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫العطن أربعون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬وقيل من الجوانب كلّها ‪ :‬أي من كلّ جانب عشرة‬
‫أذرع لظاهر قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته }‬
‫والصّحيح الوّل ‪ ،‬لنّ المقصود من الحريم دفع الضّرر ‪ ،‬كي ل يحفر بحريمه أحد بئرا‬
‫أخرى فيتحوّل إليها ماء بئره ‪ ،‬وهذا الضّرر ل يندفع بعشرة أذرع من كلّ جانب ‪ ،‬فإنّ‬
‫الراضي تختلف بالصّلبة والرّخاوة ‪ ،‬وأيضا فإنّ حافر البئر يحتاج أن يقف على شفير البئر‬
‫ليستقي الماء ‪ ،‬وإلى أن يبني على شفير البئر ما يركّب عليه البكرة ‪ ،‬وإلى أن يبني حوضا‬
‫يجتمع فيه الماء ‪ ،‬وإلى موضع تقف فيه مواشيه حالة الشّرب وبعده ‪ ،‬فقدّره الشّارع بأربعين‬
‫ذراعا ‪ .‬ثمّ اختلف أئمّة الحنفيّة في بئر النّاضح ‪ -‬وهي البئر الّتي ينزع الماء منها بالبعير ‪-‬‬
‫ن حريم بئر النّاضح ستّون‬
‫فذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل فرق ‪ ،‬وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أ ّ‬
‫ذراعا ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬حريم العين خمسمائة ذراع ‪ ،‬وحريم بئر العطن‬
‫أربعون ذراعا ‪ ،‬وحريم بئر النّاضح ستّون ذراعا } ولنّه يحتاج فيه إلى أن يسيّر دابّته‬
‫للستسقاء ‪ ،‬وأمّا بئر العطن فالستسقاء منه باليد ‪ ،‬فقلّت الحاجة ‪ ،‬فل ب ّد من التّفاوت ‪.‬‬
‫وذكر ابن عابدين نقل عن التتارخانية أنّه يفتى بقول الصّاحبين ‪ ،‬وفي الشرنبللية أنّه يفتى‬
‫بقول المام ‪ .‬وهناك قول آخر ذكره القهستانيّ وعزاه للهداية ‪ :‬وهو أنّ التّقدير في البئر بما‬
‫ل ينتقل الماء إلى‬
‫ذكر في أراضيهم لصلبتها ‪ ،‬أمّا في أراضينا ففيها رخوة ‪ ،‬فيزداد ‪ ،‬لئ ّ‬
‫الثّاني ويرى المالكيّة في المذهب والشّافعيّة أنّ البئر ليس لها حريم مقدّر ‪ .‬فقد قال المالكيّة ‪:‬‬
‫ن حريم البئر ما حوله ‪ ،‬فهو يختلف بقدر كبر البئر ‪ ،‬وصغرها ‪ ،‬وشدّة الرض ورخاوتها ‪،‬‬
‫إّ‬
‫وما يضيق على وارد لشرب أو سقي ‪ .‬قال عياض ‪ :‬حريم البئر ما يتّصل بها من الرض‬
‫الّتي من حقّها أن ل يحدث فيها ما يضرّ بها ل باطنا كحفر بئر ينشّف ماءها أو يذهبه ‪ ،‬أو‬
‫يغيّره كحفر مرحاض تطرح النّجاسات فيه ‪ ،‬ويصل إليها وسخها ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة بأنّ‬
‫حريم البئر المحفورة في الموات موقف النّازح منها ( وهو القائم على رأس البئر ليستقي ) ‪،‬‬
‫والحوض ( وهو ما يصبّ النّازح فيه ما يخرجه من البئر ) وموضع الدّولب ‪ ،‬ومجتمع‬
‫الماء الّذي يطرح فيه من الحوض لسقي الماشية والزّرع ‪ ،‬ومتردّد البهيمة إن كان الستقاء‬
‫ل ذلك غير محدّد ‪ ،‬وإنّما هو بحسب‬
‫بها ‪ .‬وحريم بئر الشّرب ‪ :‬موضع المستقي منها ‪ ،‬وك ّ‬
‫الحاجة عند الشّافعيّة في المشهور من المذهب ‪ ،‬وهل من سائر الجوانب ‪ ،‬أو جانب واحد ؟‬
‫القرب اعتبار العادة في مثل ذلك المحلّ ‪ .‬وفي مخالف المشهور ‪ :‬حريم البئر قدر عمقها‬
‫من كلّ جانب ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد فرّقوا بين البئر القديمة ‪ ،‬والبئر البديء أي الّتي ابتدئ‬
‫ن حريم البئر القديمة‬
‫عملها ‪ :‬فذهب جمهور الحنابلة وهو قول ابن نافع من المالكيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫خمسون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬والمقصود بالبئر القديمة هي الّتي انطمّت وذهب ماؤها فجدّد‬
‫حفرها وعمارتها ‪ .‬وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬لما روي عن‬
‫سنّة في حريم القليب ‪ -‬البئر العاديّة ‪ -‬خمسون ذراعا ‪ ،‬وحريم‬
‫سعيد بن المسيّب قال ‪ :‬ال ّ‬
‫ن الحاجة إلى البئر‬
‫البديء خمسة وعشرون ذراعا ‪ ،‬وحريم بئر الزّرع ثلثمائة ذراع " ‪ ،‬ول ّ‬
‫ل تنحصر في ترقية الماء ‪ ،‬فإنّه يحتاج إلى ما حولها عطنا لبله ‪ ،‬وموقفا لدوابّه وغنمه ‪،‬‬
‫وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪ ،‬فل يختصّ الحريم بما يحتاج‬
‫إليه لترقية الماء فقط ‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى وأبو الخطّاب ‪ :‬ليس هذا على طريق التّحديد ‪،‬‬
‫بل حريمها في الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولب فقدر م ّد الثّور أو‬
‫غيره ‪ ،‬وإن كان بساقيّة فبقدر طول البئر ‪ ،‬لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪:‬‬
‫{ حريم البئر قدر رشائها } ‪ .‬ولنّه المكان الّذي تمشي إليه البهيمة ‪ .‬وإن كان يستقي منها‬
‫بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها ‪ .‬وانظر مصطلح ( إحياء الموات ) فقرة ‪. 18‬‬

‫ب ‪ -‬حريم العين ‪:‬‬


‫ل جانب ‪،‬‬
‫ن حريم العين خمسمائة ذراع من ك ّ‬
‫‪ - 7‬صرّح الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة بأ ّ‬
‫ل ناحية ‪ .‬فيمنع غيره من الحفر فيه ‪ ،‬وله‬
‫لقول الزّهريّ ‪ :‬حريم العين خمسمائة ذراع من ك ّ‬
‫تضمين المعتدي ‪ ،‬أو ردم الحفرة ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬حريم‬
‫ن العين تستخرج للزّراعة فل بدّ من موضع يجتمع فيه الماء ‪،‬‬
‫العين خمسمائة ذراع } ‪ .‬ول ّ‬
‫ومن موضع يجري إليه ومنه إلى المزرعة ‪ ،‬فقدّره الشّارع بخمسمائة ذراع ‪ ،‬ول مدخل‬
‫للرّأي في المقادير فاقتصر عليه ‪ .‬وفي قول عند الحنابلة ‪ :‬هو القدر الّذي يحتاج إليه صاحبها‬
‫للنتفاع بها ‪ ،‬ولو على ألف ذراع ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه ليس لذلك حدّ مقدّر ‪،‬‬
‫والمرجع فيه إلى العرف ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬حريم القناة ‪:‬‬


‫‪ - 8‬اختلف الحنفيّة في حريم القناة على أقوال ‪ :‬فقيل ‪ :‬يكون حريمها بقدر ما يصلحها للقاء‬
‫ص في الشّرع ‪.‬‬
‫الطّين ونحوه ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّ لها حريما مفوّضا إلى رأي المام ‪ ،‬لنّه ل ن ّ‬
‫وقيل ‪ :‬حكم القناة عند خروج الماء كالعين ‪ ،‬وقبله مفوّض إلى رأي المام ‪ ،‬قيل ‪ :‬هذا‬
‫قولهما ‪ ،‬أمّا على قول أبي حنيفة فل حريم للقناة ما لم يظهر الماء ‪ ،‬لنّه نهر مطويّ فيعتبر‬
‫بالنّهر الظّاهر ‪ ،‬ول حريم للنّهر عنده في قول كما سيأتي ‪ .‬وروي عن محمّد ‪ :‬أنّها كالبئر ‪.‬‬
‫ن حريم القناة المحيّاة ‪ ،‬ل للستسقاء منها القدر الّذي لو حفر فيه لنقص‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫ماؤها ‪ ،‬أو خيف منه انهيار أو انكباس ‪ ،‬ويختلف ذلك بصلبة الرض ورخاوتها ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الصحّ ‪ ،‬وفي وجه حريمها حريم البئر الّتي يستقى منها ‪ ،‬ول يمنع من الحفر إذا جاوره وإن‬
‫نقص الماء ‪ ،‬وبهذا الوجه قطع الشّيخ أبو حامد ومن تابعه ‪ .‬ويرى الحنابلة أنّ حكمها حكم‬
‫العين ‪.‬‬

‫د ‪ -‬حريم النّهر ‪:‬‬


‫ن للنّهر حريما بقدر ما يحتاج إليه للقاء الطّين ونحوه ‪ ،‬فيما لو‬
‫ح عند الحنفيّة أ ّ‬
‫‪ - 9‬الص ّ‬
‫أحياه في أرض موات ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل حريم له عند أبي حنيفة ‪ .‬ثمّ اختلف أئمّة الحنفيّة فيما لو‬
‫كان النّهر في ملك الغير ‪ :‬فعند أبي حنيفة ل حريم للنّهر في ملك الغير إلّ ببرهان ‪ ،‬لنّ‬
‫الظّاهر ل يشهد له ‪ ،‬بل لصاحب الرض ‪ ،‬لنّه من جنس أرضه ‪ ،‬والقول لمن يشهد له‬
‫ل أن يقيم البيّنة على ذلك ‪ .‬وقال أبو يوسف ومحمّد ‪ :‬له حريم من الجانبين ‪ ،‬لنّ‬
‫الظّاهر ‪ ،‬إ ّ‬
‫استحقاق الحريم للحاجة ‪ ،‬وصاحب النّهر يحتاج إليه كصاحب البئر والعين ‪ ،‬إذ إنّه يحتاج‬
‫إلى المشي على حافّتي النّهر ‪ ،‬كما يحتاج إلى موضع للقاء الطّين عليه عند كري النّهر ‪ .‬ثمّ‬
‫اختلفا في مقداره ‪ :‬فقدّره محمّد بقدر عرض النّهر من كلّ جانب ‪ ،‬واختاره الكرخيّ ‪ ،‬وهو‬
‫أرفق ‪ ،‬لنّه قد ل يمكنه إلقاء التّراب من الجانبين فيحتاج إلى إلقائه في أحدهما ‪ ،‬وقدّره أبو‬
‫يوسف بنصف عرضه واختاره الطّحاويّ ‪ ،‬لنّ المعتبر الحاجة الغالبة وذلك بنقل ترابه إلى‬
‫حافّتيه ‪ ،‬وعليه الفتوى ‪ .‬وذكر ابن عابدين قول القهستانيّ الّذي عزاه إلى أبي جعفر‬
‫ن الختلف المذكور بين الحنفيّة في نهر كبير ل يحتاج إلى كريه ( حفره ) في‬
‫الهندوانيّ ‪ :‬أ ّ‬
‫ل حين فله حريم بالتّفاق ‪.‬‬
‫كلّ حين ‪ ،‬وأمّا لو كان النّهر صغيرا يحتاج إلى كريه في ك ّ‬
‫وحريم النّهر عند المالكيّة ما ل يضيق على من يرده من الدميّين ‪ ،‬والبهائم ‪ ،‬وقيل ألفا ذراع‬
‫ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّ حريم النّهر من حافّتيه ما يحتاج إليه النّهر للقاء الطّين‬
‫‪ .‬ون ّ‬
‫وما يخرج منه بحسب العرف ‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬حريم الشّجر ‪:‬‬


‫ن حريم الشّجرة المغروسة بالذن السّلطانيّ في الراضي الموات‬
‫‪ - 10‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جعل حريم الشّجرة خمسة أذرع ‪،‬‬
‫من كلّ جهة خمسة أذرع ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولنّه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره ‪ ،‬والوضع فيه ‪ .‬وفي رواية ل تقدير له ‪ ،‬لنّه يختلف‬
‫الحال بكبر الشّجرة وصغرها ‪ .‬وعند المالكيّة ما كان فيه مصلحة عرفا لشجرة من نخل أو‬
‫غيرها ‪ ،‬ويترك ما أضرّ بها ‪ .‬ويسأل عن ذلك أهل العلم به ‪ ،‬فيكون الحريم لكلّ شجرة بقدر‬
‫ن الصل في تقدير الحريم الرّجوع إلى‬
‫مصلحتها ‪ .‬وهو الموافق لما ذهب إليه الشّافعيّة من أ ّ‬
‫العرف ‪ ،‬حتّى إنّ المنصوص عليه قد روعي فيه العرف والحاجة ‪ .‬وقد قال المالكيّة في‬
‫النّخلة ‪ :‬إنّ حريمها من اثني عشر ذراعا من نواحيها كلّها إلى عشرة أذرع ‪ ،‬قال الموّاق ‪:‬‬
‫وذلك حسن ‪ .‬وأمّا عند الحنابلة فحريم الشّجرة قدر ما تمدّ إليه أغصانها حواليها ‪ ،‬وفي النّخلة‬
‫قدر مدّ جريدها ‪ ،‬لما روى أبو داود بإسناده عن أبي سعيد قال ‪ :‬اختصم إلى النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم في حريم نخلة ‪ ،‬فأمر بجريدة من جرائدها ‪ ،‬فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة‬
‫‪ ،‬فقضى بذلك ‪.‬‬

‫و ‪ -‬حريم الدّار ‪:‬‬


‫ن حريم الدّار المحفوفة بالموات ما يرتفق به من مطرح تراب‬
‫‪ - 11‬ذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫ن هذا كلّه يرتفق به ساكنها ‪.‬‬
‫وكناسة وثلج ‪ ،‬أو مصبّ ميزاب ‪ ،‬وممرّ في صوب الباب ل ّ‬
‫ن من بنى دارا في مفازة ل يستحقّ حريما ‪ ،‬وإن احتاجه للقاء‬
‫وأمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بأ ّ‬
‫الكناسة ‪ .‬ول تختصّ الدّار المحفوفة بملك الغير من كلّ جانب بالحريم ‪ ،‬لنتفاء المرجّح لها‬
‫على غيرها ‪ ،‬لنّ الملك متعارضة ‪ ،‬وليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله حريما‬
‫لخرى ‪ ،‬وكلّ واحد من الملّاك يتصرّف في ملكه على العادة في التّصرّف ‪.‬‬

‫ز ‪ -‬حريم القرية ‪:‬‬


‫ن حريم القرية محتطبها ومرعاها ونحو‬
‫‪ - 12‬صرّح المالكيّة وهو المتبادر من كلم الحنفيّة بأ ّ‬
‫ذلك على العادة من الذّهاب والياب مع مراعاة المصلحة ‪ ،‬فيختصّون به ‪ ،‬ولهم منع غيرهم‬
‫ص به بعضهم دون بعض ‪ ،‬لنّه مباح للجميع ‪ .‬ومن أتى منه بحطب أو‬
‫منه ‪ ،‬ول يخت ّ‬
‫حشيش أو نحو ذلك ملكه وحده ‪.‬‬

‫ح ‪ -‬حريم أرض الزّراعة ‪:‬‬


‫‪ - 13‬قال أبو حنيفة ‪ :‬حريم أرض الزّرع ما بعد منها ولم يبلغه ماؤها ‪ ،‬وقال أبو يوسف ‪:‬‬
‫ن حريم‬
‫حريمها ما انتهى إليه صوت المنادي من حدودها ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأ ّ‬
‫أرض الزّراعة قدر ما يحتاجه زرّاعها لسقيها ‪ ،‬وربط دوابّها ‪ ،‬وطرح سبخها ونحوه ‪ ،‬لنّ‬
‫كلّ المذكور من مرافقها ‪.‬‬

‫البناء في حريم النّهر والدّار والنتفاع به ‪:‬‬


‫‪ - 14‬يجوز البناء في حريم الدّار ‪ ،‬ويمتنع في حريم النّهر ‪ ،‬ولو مسجدا ‪ ،‬ويهدم ما بني فيه‬
‫عند الفقهاء ‪ ،‬وإن بعد عنه الماء ‪ ،‬لحتمال عوده إليه ‪ .‬ويقول الشبراملسي ‪ :‬ويؤخذ من ذلك‬
‫أنّه لو أيس من عوده جاز ‪ .‬ول تحرم الصّلة في حريم النّهر ‪ ،‬فكذلك في المسجد الّذي بني‬
‫فيه ‪ ،‬وإن كان واجب الهدم ‪ .‬أمّا النتفاع بحريم النهار كحافّاتها بوضع الحمال والثقال ‪،‬‬
‫وجعل زريبة من قصب ونحوه لحفظ المتعة فيها فيجوز بشرط أن يفعله للرتفاق به ول‬
‫يضرّ بانتفاع غيره ‪ ،‬ول يضيق على المارّة ونحوهم ‪ ،‬ول يعطّل أو ينقص منفعة النّهر ‪ .‬فإذا‬
‫ل حرم ‪،‬‬
‫كان النتفاع من الحريم بهذه الصّفة فل يجوز أخذ عوض منه على ذلك ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ولزمته الجرة لمصالح المسلمين ‪.‬‬

‫استعمالت أخرى لكلمة الحريم ‪ :‬استعمل بعض الفقهاء كلمة الحريم في مواضع أخرى ‪:‬‬
‫كحريم المصلّي ‪ ،‬وحريم النّجاسة وغيرها ‪ ،‬نجملها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حريم المصلّي ‪:‬‬
‫‪ - 15‬صرّح الدّسوقيّ من المالكيّة بأنّ الفقهاء اختلفوا في حريم المصلّي الّذي يمنع المرور‬
‫فيه ‪ :‬قال ابن هلل ‪ :‬كان ابن عرفة يقول ‪ :‬هو ما ل يشوّش عليه المرور فيه ‪ ،‬ويحدّه بنحو‬
‫ن حريم المصلّي قدر ما يحتاجه لقيامه وركوعه‬
‫عشرين ذراعا ‪ .‬واختار ابن العربيّ ‪ :‬أ ّ‬
‫وسجوده ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّ قدره رمية الحجر أو السّهم ‪ ،‬أو المضاربة بالسّيف ‪ .‬وهناك قول آخر‬
‫عندهم وهو ‪ :‬أنّ حريم المصلّي غاية إمكان سجوده المقدّر بثلثة أذرع ‪ .‬والئمّة الثّلثة وإن‬
‫لم يستعملوا هذا الطلق إلّ أنّهم قدّروا هذه المسافة بثلثة أذرع ‪ ،‬وأقلّها عند الحنفيّة ذراع‬
‫واحد ‪ .‬والظّاهر أنّ المراد بالذّراع ذراع اليد ‪ -‬كما صرّح به الشّافعيّة ‪ -‬وهو شبران ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حريم النّجاسة ‪:‬‬


‫ن النّجاسة ل حريم لها يجتنب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجب التّباعد عن‬
‫‪ - 16‬صرّح جمهور الشّافعيّة بأ ّ‬
‫ن ترا ّد الماء يوجب تساوي‬
‫حريم النّجاسة ‪ ،‬وهو ما تغيّر شكله بسبب النّجاسة ‪ .‬ودليلهم ‪ :‬أ ّ‬
‫أجزائه في النّجاسة ‪ ،‬فالقريب ‪ ،‬والبعيد سواء ‪ .‬وأمّا الفقهاء في المذاهب الخرى فقد‬
‫تعرّضوا لهذا الموضوع دون استعمال كلمة الحريم ‪.‬‬

‫حريم الحرام ‪ ،‬والواجب ‪ ،‬والمكروه ‪:‬‬


‫‪ - 17‬حكم الحريم حكم ما هو حريم له ‪ ،‬قال الزّركشيّ ‪ :‬الحريم يدخل في الواجب والمكروه‬
‫ل محرّم له حريم يحيط به ‪ ،‬والحريم هو المحيط بالحرام كالفخذين ‪ :‬فإنّهما حريم للعورة‬
‫‪ ،‬فك ّ‬
‫الكبرى ‪ .‬وحريم الواجب ‪ ،‬ما ل يتمّ الواجب إلّ به ‪ ،‬وأمّا الباحة فل حريم لها لسعتها ‪،‬‬
‫وعدم الحجر فيها ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الحلل بيّن والحرام بيّن‬
‫وبينهما مشتبهات ل يعلمهنّ كثير من النّاس ‪ ،‬فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ‪،‬‬
‫ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ‪ ،‬كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه } ‪.‬‬

‫حسب‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحسب لغة ‪ :‬الكرم وهو الشّرف الثّابت في الباء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬الحسب في الصل الشّرف‬
‫بالباء وبالقارب ‪ ،‬مأخوذ من الحساب لنّهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم‬
‫وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره ‪ .‬وقيل الحسب ‪ :‬هو الفعال الصّالحة ‪ .‬قال‬
‫سكّيت ‪ :‬والحسب والكرم يكونان في الرّجل وإن لم يكن لبائه شرف ‪ ،‬والشّرف والمجد‬
‫ابن ال ّ‬
‫ل يكونان إلّ بالباء ‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬الحسب ‪ :‬هو المال فجعل المال بمنزلة شرف النّفس أو‬
‫الباء ‪ .‬وقال الزهريّ ‪ :‬الحسب ‪ :‬الشّرف الثّابت للشّخص ولبائه ‪ .‬وفرّق بعضهم بين‬
‫الحسب والنّسب ‪ .‬فجعل النّسب عدد الباء والمّهات إلى حيث انتهى ‪ .‬والحسب ‪ ،‬الفعال‬
‫الحسنة مثل الشّجاعة والجود وحسن الخلق والوفاء ‪ .‬وغالب استعمال الفقهاء للحسب‬
‫بالمعنى الوّل وهو مآثر الباء والجداد أي شرف النّسب ‪ .‬الحكام المتعلّقة بالحسب ‪:‬‬
‫‪ - 2‬اختلف الفقهاء في اعتبار الكفاءة في الحسب في الزّواج ‪ .‬فذهب الجمهور من الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة إلى اعتبار الكفاءة في الحسب ‪ -‬وهو النّسب ‪ -‬لقول عمر رضي ال عنه‬
‫ن خروج ذوات الحساب إلّ من الكفاء ‪ -‬قال الرّاوي ‪ -‬قيل له ‪ :‬وما الكفاء ؟ قال‬
‫‪ :‬لمنع ّ‬
‫ن أهل السلم كلّهم أكفاء‬
‫ن الكفاءة في الدّين وحده ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ :‬في الحساب ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫بعضهم لبعضهم ول اعتبار للحسب ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم } ولقول‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلّ تفعلوا تكن فتنة‬
‫في الرض وفساد كبير } وفي رواية ‪ { :‬وفساد عريض ‪ :‬قالوا يا رسول اللّه ‪ :‬وإن كان فيه‬
‫؟ قال ‪ :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه } ‪ .‬الحديث وكرّره ثلث مرّات ‪ .‬ولنّ‬
‫الرّسول صلى ال عليه وسلم وصحابته رضي ال عنهم كانوا يزوّجون من هم دونهم في‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن‬
‫الحسب ‪ ،‬فقد روي { أ ّ‬
‫زيد موله فنكحها بأمره } وقدّمه على أكفائها ‪ ،‬كمعاوية وأبي جهم ‪ { ،‬وزوّج النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم زيد بن حارثة ابنة عمّته زينب بنت جحش رضي ال عنهم جميعا } ‪ .‬وإلى هذا‬
‫ذهب عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن مسعود رضي ال عنهما ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز ومحمّد‬
‫بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان ‪ ،‬وهو أحد القولين للشّافعيّ ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح‬
‫( نكاح وكفاءة ) ‪.‬‬

‫حسبة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحسبة لغة ‪ :‬اسم من الحتساب ‪ ،‬ومن معانيها الجر وحسن التّدبير والنّظر ‪ ،‬ومنه‬
‫قولهم ‪ :‬فلن حسن الحسبة في المر إذا كان حسن التّدبير له ‪ .‬ومن معاني الحتساب البدار‬
‫إلى طلب الجر وتحصيله ‪ ،‬وفي حديث عمر ‪ :‬أيّها النّاس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب‬
‫عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته ‪ .‬واسم الفاعل المحتسب أي طالب الجر ‪ .‬ومن‬
‫معانيها النكار يقال ‪ :‬احتسب عليه المر إذا أنكره عليه ‪ .‬والختبار يقال ‪ :‬احتسبت فلنا أي‬
‫اختبرت ما عنده ‪ .‬والحسبة اصطلحا ‪ :‬عرّفها جمهور الفقهاء بأنّها المر بالمعروف إذا‬
‫ظهر تركه ‪ ،‬والنّهي عن المنكر إذا ظهر فعله ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬
‫أوّل ‪:‬‬
‫القضاء ‪:‬‬
‫ي على سبيل اللزام ‪ ،‬وهو باب من أبواب المر‬
‫‪ - 2‬القضاء هو الخبار عن حكم شرع ّ‬
‫ن الحسبة كذلك قاعدتها وأصلها المر بالمعروف والنّهي‬
‫بالمعروف والنّهي عن المنكر كما أ ّ‬
‫عن المنكر ‪ .‬وقد فرّق العلماء بين الوليتين فرقا يتحدّد به معالم كلّ ولية قال الماورديّ ‪:‬‬
‫فأمّا ما بينها وبين القضاء فهي موافقة لحكام القضاء من وجهين ‪ ،‬ومقصورة عنه من‬
‫وجهين ‪ ،‬وزائدة عليه من وجهين ‪ :‬فأمّا الوجهان في موافقتها لحكام القضاء ‪ :‬فأحدهما ‪:‬‬
‫جواز الستعداء إليه وسماعه دعوى المستعدي على المستعدى عليه من حقوق الدميّين ‪،‬‬
‫ن له إلزام المدّعى عليه للخروج من الحقّ‬
‫وليس في عموم الدّعاوى ‪ .‬والوجه الثّاني ‪ :‬أ ّ‬
‫الّذي عليه وليس على العموم في كلّ الحقوق ‪ ،‬وإنّما هو خاصّ في الحقوق الّتي جاز له‬
‫سماع الدّعوى فيها إذا وجبت باعتراف وإقرار مع المكان واليسار ‪ ،‬فيلزم المقرّ الموسر‬
‫ن في تأخيره لها منكرا هو منصوب لزالته ‪ .‬وأمّا‬
‫الخروج منها ودفعها إلى مستحقّها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الوجهان في قصورها عن أحكام القضاء فأحدهما ‪ :‬قصورها عن سماع عموم الدّعاوى‬
‫الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدّعاوى في العقود والمعاملت وسائر الحقوق‬
‫والمطالبات ‪ .‬والوجه الثّاني ‪ :‬أنّها مقصورة على الحقوق المعترف بها ‪ ،‬فأمّا ما تداخله جحد‬
‫وإنكار فل يجوز له النّظر فيها ‪ .‬وأمّا الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء ‪ :‬فأحدهما ‪:‬‬
‫أنّه يجوز للنّاظر فيها أن يتعرّض بتصفّح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر‬
‫ل بحضور خصم يجوز له‬
‫وإن لم يحضره خصم مستعد ‪ ،‬وليس للقاضي أن يتعرّض لذلك إ ّ‬
‫سماع الدّعوى منه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّ الحسبة موضوعة للرّهبة فل يكون خروج المحتسب إليها‬
‫بالغلظة تجوّزا فيها ‪ .‬والقضاء موضوع للمناصفة فهو بالناة والوقار أخصّ ‪ .‬ثانيا ‪ :‬المظالم‬
‫‪ - 3‬ولية المظالم قود المتظالمين إلى التّناصف بالرّهبة ‪ ،‬وزجر المتنازعين عن التّجاحد‬
‫بالهيبة ‪ .‬وقد بيّن الماورديّ الصّلة بين الحسبة وبين المظالم فقال ‪ :‬بينهما شبه مؤتلف وفرق‬
‫مختلف ‪ ،‬فأمّا الشّبه الجامع بينهما فمن وجهين ‪ :‬فأحدهما ‪ :‬أنّ موضوعهما على الرّهبة‬
‫المختصّة بقوّة السّلطنة ‪ .‬والثّاني ‪ :‬جواز التّعرّض فيهما لسباب المصالح ‪ ،‬والتّطلّع إلى‬
‫إنكار العدوان الظّاهر ‪ .‬وأمّا الفرق بينهما فمن وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنّ النّظر في المظالم‬
‫موضوع لما عجز عنه القضاة ‪ ،‬والنّظر في الحسبة موضوع لما رفه عنه القضاة ‪ ،‬ولذلك‬
‫كانت رتبة المظالم أعلى ورتبة الحسبة أخفض ‪ ،‬وجاز لوالي المظالم أن يوقع إلى القضاة‬
‫والمحتسب ‪ ،‬ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم ‪ ،‬وجاز له أن يوقع إلى المحتسب ‪،‬‬
‫ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّه يجوز لوالي المظالم أن يحكم ‪،‬‬
‫ول يجوز ذلك للمحتسب ‪ .‬ثالثا ‪ :‬الفتاء ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الفتاء تبليغ عن اللّه ورسوله ‪ ،‬والمفتي هو المتمكّن من درك أحكام الوقائع على يسر‬
‫من غير معاناة تعلّم ‪ ،‬ويتعيّن على المفتي فتوى من استفتاه إن لم يكن بالموضع الّذي هو فيه‬
‫ن الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما ب ّينّاه‬
‫مفت سواه لقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬
‫للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون } وقال قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬وإذ أخذ‬
‫اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ول تكتمونه } الية ‪ ،‬هذا ميثاق أخذه اللّه على‬
‫أهل العلم ‪ ،‬فمن علم علما فليعلّمه ‪ ،‬وإيّاكم وكتمان العلم فإنّها هلكة ‪ ،‬ول يتكلّفنّ الرّجل ما ل‬
‫يعلم فيخرج من دين اللّه ويكون من المتكلّفين ‪ .‬ولما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي ال‬
‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة‬
‫بلجام من نار } ‪ .‬وعلى هذا يكون بين الفتاء وبين الحسبة معنى جامع هو التّبليغ عن اللّه‬
‫ورسوله ‪ ،‬والكشف عن الحقّ ‪ ،‬وإرشاد المستعلم الجاهل ‪ ،‬فالفتاء باب من أبواب الحسبة‬
‫ودونها في وسائل الكشف والبانة لنّه ل يتعدّى التّعريف بالحكم والحتساب يكون التّعريف‬
‫أولى مراتبه ‪ .‬رابعا ‪ :‬الشّهادة ‪:‬‬
‫ن أو شكّ‬
‫‪ - 5‬الشّهادة في الصطلح هي إخبار الشّاهد الحاكم إخبارا ناشئا عن علم ل عن ظ ّ‬
‫ت الحكم ‪ .‬وهي‬
‫‪ ،‬وعرّفها بعضهم بأنّها إخبار بما حصل فيه التّرافع وقصد به القضاء وب ّ‬
‫مشروعة بقوله تعالى ‪ { :‬وأشهدوا إذا تبايعتم } ولها حالتان حالة تحمّل وحالة أداء ‪ ،‬وحكم‬
‫تحمّلها الوجوب على جهة الوجوب الكفائيّ إن وجد غيره ‪ ،‬وإلّ تعيّن لقوله تعالى ‪ { :‬وأقيموا‬
‫الشّهادة للّه } وأمّا الداء ففرض عين لقوله تعالى ‪ { :‬ول يأب الشّهداء إذا ما دعوا } ويجب‬
‫المبادرة إلى أدائها في حقوق اللّه الّتي يستدام فيها التّحريم حسبة ‪ .‬أمّا ما ل يستدام فيه‬
‫التّحريم كالحدود والسّرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخيّر بين أن يشهد حسبة للّه تعالى‬
‫ل واحد منهما أمر مندوب إليه قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من ستر‬
‫وبين أن يستر ‪ ،‬لنّ ك ّ‬
‫على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } ‪ .‬وقد ندبه الشّارع إلى كلّ واحد منهما إن شاء‬
‫اختار جهة الحسبة فأقامها للّه تعالى ‪ ،‬وإن شاء اختار جهة السّتر فيستر على أخيه المسلم ‪.‬‬
‫فتكون الشّهادة مرتبة من مراتب الحسبة ‪ ،‬ووسيلة من وسائل تغيير المنكر ‪.‬‬

‫مشروعيّة الحسبة ‪:‬‬


‫‪ - 6‬شرعت الحسبة طريقا للرشاد والهداية والتّوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضّرر ‪ .‬وقد‬
‫حبّب اللّه إلى عباده الخير وأمرهم بأن يدعوا إليه ‪ ،‬وكرّه إليهم المنكر والفسوق والعصيان‬
‫ونهاهم عنه ‪ ،‬كما أمرهم بمنع غيرهم من اقترافه ‪ ،‬وأمرهم بالتّعاون على البرّ والتّقوى ‪،‬‬
‫فقال تعالى ‪ { :‬وتعاونوا على البرّ والتّقوى ‪ ،‬ول تعاونوا على الثم والعدوان } وقال جلّ‬
‫شأنه ‪ { :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك‬
‫هم المفلحون } ووصف المؤمنين والمؤمنات بها ‪ ،‬وقرنها بإقامة الصّلة وإيتاء الزّكاة وطاعة‬
‫اللّه ‪ ،‬مع تقديمها في الذّكر في قوله تعالى ‪ { :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلة ويؤتون الزّكاة ويطيعون اللّه ورسوله‬
‫أولئك سيرحمهم اللّه إنّ اللّه عزيز حكيم } ووصف المنافقين بكونهم عاملين على خلف ذلك‬
‫في قوله تعالى { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون } وذمّ من تركها وجعل‬
‫تركها سببا للّعنة في قوله تعالى { لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى‬
‫ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ‪ ،‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا‬
‫يفعلون } وجعل تركها من خطوات الشّيطان وشيعته في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل‬
‫تتّبعوا خطوات الشّيطان ومن يتّبع خطوات الشّيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر } وفضّل من‬
‫يقوم بها من المم على غيرهم في قوله تعالى ‪ { :‬كنتم خير أمة أخرجت للنّاس تأمرون‬
‫بالمعروف وتنهون عن المنكر } وامتدح من يقوم بها من المم على غيرهم في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون يؤمنون باللّه واليوم‬
‫الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين‬
‫} وجعل القيام بها سببا للنّجاة في قوله تعالى ‪ { :‬فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون‬
‫عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } وإلى ذلك كلّه جاء في القرآن‬
‫أنّها شرعة فرضت على غيرنا من المم وذلك في قوله تعالى ‪ { :‬يا بنيّ أقم الصّلة وأمر‬
‫بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم المور } وقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من‬
‫ل على شرعها من الكتاب الحكيم ‪ .‬ولقد سلكت‬
‫النّاس فبشّرهم بعذاب أليم } ذلك بعض ما يد ّ‬
‫سنّة في دللتها على ذلك مسلك الكتاب من المر بها ‪ ،‬والتّشديد على التّهاون فيها ‪ ،‬روى‬
‫ال ّ‬
‫مسلم من حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ { :‬من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه ‪،‬‬
‫وذلك أضعف اليمان } ‪ .‬وجاء في التّحذير من تركها ما رواه ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظّالم‬
‫ولتأطرنّه على الحقّ أطرا } ‪.‬‬

‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬


‫‪ - 7‬الحسبة واجبة في الجملة من حيث هي ل بالنّظر إلى متعلّقها إذ إنّها قد تتعلّق بواجب‬
‫يؤمر به ‪ ،‬أو مندوب يطلب عمله ‪ ،‬أو حرام ينهى عنه ‪ ،‬فإذا تعلّقت بواجب أو حرام‬
‫فوجوبها حينئذ على القادر عليها ظاهر ‪ ،‬وإذا تعلّقت بمندوب أو بمكروه فل تكون حينئذ‬
‫واجبة ‪ ،‬بل تكون أمرا مستحبّا مندوبا إليه تبعا لمتعلّقها ‪ ،‬إذ الغرض منها الطّاعة والمتثال ‪،‬‬
‫والمتثال في ذلك ليس واجبا بل أمرا مستحبّا ‪ ،‬فتكون الوسيلة إليه كذلك أمرا مستحبّا ‪ .‬وقد‬
‫يترتّب عليها من المفسدة ما يجعل القدام عليها داخل في المحظور المنهيّ عنه فتكون حراما‬
‫‪ .‬وقد استدلّ العلماء على وجوب الحسبة في الجملة من حيث هي بالدلّة الّتي وردت جملة‬
‫ن الحكم بين‬
‫وتفصيل في المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ،‬قال ابن القيّم ‪ :‬والمقصود أ ّ‬
‫النّاس في النّوع الّذي ل يتوقّف على الدّعوى هو المعروف بولية الحسبة ‪ .‬وقاعدته وأصله‬
‫‪ :‬المر بالمعروف والنّهي عن المنكر الّذي بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه ‪ .‬ووجوب‬
‫سنّة والجماع قال الجصّاص ‪ :‬وقد ذكر‬
‫المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ثبت بالكتاب وال ّ‬
‫اللّه تعالى فرض المر بالمعروف والنّهي عن المنكر في مواضع من كتابه ‪ ،‬وبيّنه رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم في أخبار متواترة ‪ ،‬وأجمع السّلف وفقهاء المصار على وجوبه ‪.‬‬
‫سنّة‬
‫وقال النّوويّ ‪ :‬وقد تطابق على وجوب المر بالمعروف والنّهي عن المنكر الكتاب وال ّ‬
‫وإجماع المّة ‪ ،‬وهو أيضا من النّصيحة الّتي هي الدّين ‪ .‬وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ‬
‫الحسبة فرض على الكفاية ‪ ،‬وقد تكون فرض ‪ ،‬عين في الحالت التية ‪ ،‬وفي حقّ طائفة‬
‫مخصوصة كما يلي ‪ :‬الولى ‪ :‬الئمّة والولة ومن ينتدبهم أو يستنيبهم وليّ المر عنه ‪ ،‬لنّ‬
‫هؤلء متمكّنون بالولية ووجوب الطّاعة ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬الّذين إن م ّكنّاهم في الرض‬
‫ن من أنواع القيام بذلك‬
‫أقاموا الصّلة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } فإ ّ‬
‫ما يدعو إلى الستيلء ‪ ،‬وإقامة الحدود والعقوبات ممّا ل يفعله إلّ الولة والحكّام ‪ ،‬فل عذر‬
‫لمن قصّر منهم عند اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه إذا أهمل الولة والحكّام القيام بذلك فجدير أل يقدر عليه‬
‫من هو دونهم من رعيّتهم ‪ ،‬فيوشك أن تضيع حرمات الدّين ويستباح حمى الشّرع والمسلمين‬
‫‪ .‬الثّانية ‪ :‬من يكون في موضع ل يعلم بالمعروف والمنكر إلّ هو ‪ ،‬أو ل يتمكّن من إزالته‬
‫غيره كالزّوج والب ‪ ،‬وكذلك كلّ من علم أنّه يقبل منه ويؤتمر بأمره ‪ ،‬أو عرف من نفسه‬
‫صلحيّة النّظر والستقلل بالجدال ‪ ،‬أو عرف ذلك منه ‪ ،‬فإنّه يتعيّن عليه المر والنّهي ‪.‬‬
‫الثّالثة ‪ :‬أنّ الحسبة قد تجب على غير المنصوب لها بحسب عقد آخر ‪ ،‬وعلى المنصوب لهل‬
‫تجب ابتداء ‪ ،‬كما إذا رأى المودع سارقا يسرق الوديعة فلم يمنعه وهو يقدر على منعه ‪،‬‬
‫وكذلك إذا صال فحل على مسلم فإنّه يلزمه أن يدفعه عنه وإن أدّى إلى قتله ‪ ،‬سواء كان‬
‫ن دفعه فرض‬
‫القاتل هو أو الّذي صال عليه الفحل ‪ ،‬أو معيّنا له من الخلق ول ضمان ‪ ،‬ل ّ‬
‫يلزم جميع المسلمين فناب عنهم فيه ‪ .‬الحالة الرّابعة ‪ :‬النكار بالقلب فرض عين على كلّ‬
‫مكلّف ول يسقط أصل ‪ ،‬إذ هو كراهة المعصية وهو واجب على كلّ مكلّف ‪ .‬وقال المام‬
‫ل على وجوب‬
‫ن ترك النكار بالقلب كفر لحديث { وهو أضعف اليمان } الّذي يد ّ‬
‫أحمد ‪ :‬إ ّ‬
‫إنكار المنكر بحسب المكان والقدرة عليه ‪ ،‬فالنكار بالقلب ل ب ّد منه فمن لم ينكر قلبه المنكر‬
‫دلّ على ذهاب اليمان من قلبه ‪ .‬وقد استدلّ الجمهور على أنّها فرض كفاية لقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم‬
‫ن الخطاب موجّه إلى الكلّ مع إسناد الدّعوة إلى البعض بما‬
‫المفلحون } ‪ .‬ووجه الستدلل أ ّ‬
‫يحقّق معنى فرضيّتها على الكفاية ‪ ،‬وأنّها واجبة على الكلّ ‪ ،‬لكن بحيث إن أقامها البعض‬
‫سقطت عن الباقين ‪ ،‬ولو أخلّ بها الك ّل أثموا جميعا ‪ .‬ولنّها من عظائم المور وعزائمها‬
‫الّتي ل يتولّاها إلّ العلماء العالمون بأحكام الشّريعة ‪ ،‬ومراتب الحتساب ‪ ،‬فإنّ من ل يعلمها‬
‫يوشك أن يأمر بمنكر وينهى عن معروف ‪ ،‬ويغلظ في مقام اللّين ‪ ،‬ويلين في مقام الغلظة ‪،‬‬
‫ل التّمادي والصرار ‪ .‬ويكون الحتساب حراما في حالتين‬
‫وينكر على من ل يزيده النكار إ ّ‬
‫‪ :‬الولى ‪ :‬في حقّ الجاهل بالمعروف والمنكر الّذي ل يميّز موضوع أحدهما من الخر فهذا‬
‫يحرم في حقّه ‪ ،‬لنّه قد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ‪ .‬والثّانية ‪ :‬أن يؤدّي إنكار المنكر‬
‫إلى منكر أعظم منه مثل أن ينهى عن شرب الخمر فيؤدّي نهيه عن ذلك إلى قتل النّفس فهذا‬
‫يحرم في حقّه ‪ .‬ويكون الحتساب مكروها إذا أدّى إلى الوقوع في المكروه ‪ .‬ويكون‬
‫الحتساب مندوبا في حالتين ‪ :‬الولى ‪ :‬إذا ترك المندوب أو فعل المكروه فإنّ الحتساب‬
‫فيهما مستحبّ أو مندوب إليه واستثني من هذه الحالة وجوب المر بصلة العيد وإن كانت‬
‫سنّة ‪ ،‬لنّها من الشّعار الظّاهر فيلزم المحتسب المر بها وإن لم تكن واجبة ‪ .‬وحملوا كون‬
‫المر في المستحبّ مستحبّا على غير المحتسب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّ المام إذا أمر بنحو صلة‬
‫الستسقاء أو صومه صار واجبا ‪ ،‬ولو أمر به بعض الحاد لم يصر واجبا ‪ .‬والثّانية ‪ :‬إذا‬
‫سقط وجوب الحتساب ‪ ،‬كما إذا خاف على نفسه ويئس من السّلمة وأدّى النكار إلى تلفها ‪.‬‬
‫ن تحقيق المصلحة ودرء‬
‫ويكون حكم الحتساب التّوقّف إذا تساوت المصلحة والمفسدة ‪ ،‬ل ّ‬
‫المفسدة أمر مطلوب في المر والنّهي ‪ ،‬فإذا اجتمعت المصالح والمفاسد ‪ ،‬فإن أمكن تحصيل‬
‫المصالح ودرء المفاسد فعل ذلك امتثال لمر اللّه تعالى لقوله ‪ { :‬فاتّقوا اللّه ما استطعتم }‬
‫وإن تعذّر الدّرء درئت المفسدة ولو فاتت المصلحة قال تعالى ‪ { :‬يسألونك عن الخمر‬
‫والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما } حرّم الخمر والميسر لنّ‬
‫مفسدتهما أكبر من نفعهما ‪ .‬وإذا اجتمعت المفاسد المحضة ‪ ،‬فإن أمكن درؤها درئت ‪ ،‬وإن‬
‫تعذّر درء الجميع درئ الفسد فالفسد ‪ ،‬والرذل فالرذل ‪ ،‬وإن تساوت فقد يتوقّف ‪ ،‬وقد‬
‫يتخيّر ‪ ،‬وقد يختلف التّساوي والتّفاوت ‪ .‬ويقول ابن تيميّة ‪ :‬وجماع ذلك داخل في القاعدة‬
‫سيّئات ‪ ،‬أو تزاحمت ‪ ،‬فإنّه يجب‬
‫العامّة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد ‪ ،‬والحسنات وال ّ‬
‫ن المر والنّهي وإن كان‬
‫ترجيح الرّاجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد ‪ ،‬فإ ّ‬
‫متضمّنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة ‪ ،‬فينظر في المعارض له ‪ ،‬فإن كان الّذي يفوت من‬
‫المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ‪ ،‬بل يكون محرّما إذا كانت مفسدته‬
‫أكثر من مصلحته ‪ ،‬لكنّ اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشّريعة فمتى قدّر‬
‫ل اجتهد رأيه لمعرفة الشباه والنّظائر ‪،‬‬
‫لنسان على اتّباع النّصوص لم يعدل عنها ‪ ،‬وإ ّ‬
‫وعلى هذا إذا كان الشّخص أو الطّائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث ل يفرّقون بينهما ‪،‬‬
‫بل إمّا أن يفعلوهما جميعا ‪ ،‬أو يتركوهما جميعا لم يجز أن يؤمروا بمعروف ول أن ينهوا‬
‫عن منكر ‪ ،‬بل ينظر ‪ ،‬فإن كان المعروف أكثر أمر به ‪ ،‬وإن استلزم ما هو دونه من المنكر‬
‫صدّ‬
‫ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ‪ ،‬بل يكون النّهي حينئذ من باب ال ّ‬
‫عن سبيل اللّه والسّعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات ‪ ،‬وإن كان‬
‫المنكر أغلب نهي عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ‪ ،‬ويكون المر بذلك‬
‫المعروف المستلزم للمنكر الزّائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية اللّه ورسوله ‪ .‬وإن تكافأ‬
‫المعروف والمنكر المتلزمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما ‪ .‬فتارة يصلح المر ‪ ،‬وتارة‬
‫يصلح النّهي ‪ ،‬وتارة ل يصلح ل أمر ول نهي ‪ .‬وإذا اشتبه المر استبان المؤمن حتّى يتبيّن‬
‫ل بعلم ونيّة ‪ ،‬وإذا تركها كان عاصيا ‪ ،‬فترك المر الواجب‬
‫له الحقّ ‪ ،‬فل يقدم على الطّاعة إ ّ‬
‫معصية ‪ ،‬وفعل ما نهي عنه من المر معصية وهذا باب واسع ‪.‬‬

‫حكمة مشروعيّة الحسبة ‪:‬‬


‫‪ - 8‬ما برح النّاس ‪ -‬في مختلف العصور ‪ -‬في حاجة إلى من يعلّمهم إذا جهلوا ‪ ،‬ويذكّرهم‬
‫ف بأسهم إذا أضلّوا ‪ ،‬وإذا سهل تعليم الجاهل ‪ ،‬وتذكير‬
‫إذا نسوا ‪ ،‬ويجادلهم إذا ضلّوا ‪ ،‬ويك ّ‬
‫ل ذو بصيرة وحكمة وبيان ‪.‬‬
‫ل ل يستطيعهما إ ّ‬
‫ن جدال الضّالّ وكفّ بأس المض ّ‬
‫النّاسي ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ولمنع هذا شرعت ال ّديّانات ‪ ،‬وقامت النّبوّات وظهرت الرّسالت آمرة بالمعروف ‪ ،‬وناهية‬
‫عن المنكر ‪ ،‬ليكون المن والسّلم ‪ ،‬والستقرار والنّظام ‪ ،‬وصلح العباد والنّجاة من العذاب‬
‫‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا‬
‫بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } ‪ .‬ومن هذا كان المر بالمعروف والنّهي عن المنكر سبيل‬
‫النّبيّين والمرسلين ‪ ،‬وطريق المرشدين ‪ .‬الصّادقين ‪ ،‬ومنهاج الهادين الصّالحين ‪ ،‬وكان أمرا‬
‫متّبعا وشريعة ضروريّة ومذهبا واجبا ‪ ،‬سواء في ذلك أسمّيت باسم " الحسبة " أو باسم آخر‬
‫كالمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ،‬وقد صارت بسببها هذه المّة خير أمّة أخرجت للنّاس‬
‫قال تعالى ‪ { :‬كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون‬
‫باللّه } ‪ .‬وروي { أنّ أبا بكر رضي ال عنه خطب النّاس فقال ‪ :‬يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون‬
‫هذه الية ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم } فتضعونها في‬
‫غير موضعها ‪ ،‬وإنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬إنّ النّاس إذا رأوا‬
‫المنكر ول يغيّروه أوشك اللّه أن يعمّهم بعقابه } ‪ .‬وفي سنن أبي داود من حديث العرس بن‬
‫عميرة الكنديّ رضي ال عنه قال ‪ { :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إذا عملت‬
‫الخطيئة في الرض كان من شهدها فكرهها } ( وفي رواية ) ‪ { -‬فأنكرها كان كمن غاب‬
‫عنها ‪ ،‬ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها } ‪ .‬لجل ذلك عهد الشّارع الحكيم إلى‬
‫المّة أن تقوم طائفة منها على الدّعوة إلى الخير وإسداء النّصح للفراد والجماعات ‪ ،‬ول‬
‫تخلص من عهدتها حتّى تؤدّيها طائفة على النّحو الّذي هو أبلغ أثرا في استجابة الدّعوة‬
‫وامتثال الوامر واجتناب النّواهي ‪ .‬والحسبة ولية شرعيّة ‪ ،‬ووظيفة دينيّة تلي في المرتبة‬
‫وظيفة القضاء ‪ ،‬إذ إنّ وليات رفع المظالم عن النّاس على العموم على ثلث مراتب ‪:‬‬
‫أسماها وأقواها ولية المظالم ‪ ،‬وتليها ولية القضاء ‪ ،‬وتليها ولية الحسبة ‪ .‬والحسبة من‬
‫الخطط الدّينيّة الشّرعيّة كالصّلة والفتيا والقضاء والجهاد ‪ ،‬وقد جمع بعض العلماء الوليات‬
‫الشّرعيّة في عشرين ولية ‪ ،‬أعلها الخلفة العامّة ‪ ،‬والبقيّة كلّها مندرجة تحتها ‪ ،‬وهي‬
‫الصل الجامع لها ‪ ،‬وكلّها متفرّعة عنها ‪ ،‬وداخلة فيها ‪ ،‬لعموم نظر المام في سائر أحوال‬
‫المّة الدّينيّة والدّنيويّة ‪ ،‬وتنفيذ أحكام الشّرع فيها على العموم ‪ ،‬وقد عني الئمّة بولية‬
‫الحسبة عناية كبيرة ‪ ،‬ووضعوا فيها المؤلّفات مفصّلين أحكامها ومراتبها ‪ ،‬وأركانها ‪،‬‬
‫وشرائطها ‪ ،‬وتأصيل مسائلها ‪ ،‬ووضع القواعد في مهمّاتها ‪.‬‬

‫أنواع الحسبة ‪:‬‬


‫‪ - 9‬ولية الحسبة نوعان ‪ :‬ولية أصليّة مستحدثة من الشّارع ‪ ،‬وهي الولية الّتي اقتضاها‬
‫التّكليف بها لتثبت لكلّ من طلبت منه ‪ .‬وولية مستمدّة وهي الولية الّتي يستمدّها من عهد‬
‫إليه في ذلك من الخليفة أو المير وهو المحتسب ‪ ،‬وعلى ذلك فإنّه يجمع بين الوليتين ‪ ،‬لنّه‬
‫مكلّف بها شخصيّا من جهة الشّارع ومكلّف بها كذلك من قبل من له المر ‪ .‬أمّا غيره من‬
‫النّاس فليس له من ذلك إلّ الولية الّتي أضفاها الشّارع عليه وهي الولية الصليّة ‪ ،‬وهذه‬
‫الولية كما تتضمّن المر بالمعروف والنّهي عن المنكر على وجه الطّلب مباشرة تتضمّن‬
‫كذلك القيام بما يؤدّي إلى اجتناب المنكر ‪ ،‬ل على وجه الطّلب بل على وجه الدّعاء‬
‫والستعداء ‪ ،‬وذلك يكون بالتّقدّم إلى القاضي بالدّعوى بالشّهادة لديه ‪ ،‬أو باستعداء‬
‫المحتسب ‪ ،‬وتسمّى الدّعوى لدى القاضي بطلب الحكم بإزالة المنكر دعوى حسبة ‪ ،‬ول تكون‬
‫ق وشاهدا به في وقت واحد ‪ .‬ويطلق الفقهاء‬
‫إلّ فيما هو حقّ للّه ‪ ،‬وعندئذ يكون مدّعيا بالح ّ‬
‫على من يقوم بالحتساب دون انتداب لها من المام أو نائبه المتطوّع ‪ ،‬أمّا من انتدبه المام‬
‫وعهد إليه النّظر في أحوال الرّعيّة والكشف عن أمورهم ومصالحهم فهو المحتسب ‪.‬‬
‫ن قيام المحتسب‬
‫والفرق بينهما من عدّة أوجه كما بيّنه الماورديّ وغيره وهي ‪ :‬الوّل ‪ :‬أ ّ‬
‫بالولية صار من الحقوق الّتي ل يسوغ أن يشتغل عنها بغيرها وقيام المتطوّع بها من نوافل‬
‫عمله يجوز أن يشتغل عنها بغيرها ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّه منصوب للستعداء فيما يجب إنكاره ‪،‬‬
‫ن على المحتسب بالولية إجابة من استعداه‬
‫وليس المتطوّع منصوبا للستعداء ‪ .‬الثّالث ‪ :‬أ ّ‬
‫وليس على المتطوّع إجابته ‪ .‬الرّابع ‪ :‬أنّ عليه أن يبحث عن المنكرات الظّاهرة ليصل إلى‬
‫إنكارها ويفحص عمّا ترك من المعروف الظّاهر ليأمر بإقامته ‪ ،‬وليس على غيره من‬
‫المتطوّعة بحث ول فحص ‪ .‬الخامس ‪ :‬أنّ له أن يتّخذ على النكار أعوانا ‪ ،‬لنّه عمل هو له‬
‫منصوب وإليه مندوب ليكون عليه أقدر ‪ ،‬وليس للمتطوّع أن يندب لذلك أعوانا ‪ .‬السّادس ‪:‬‬
‫ن له أن يعزّر في المنكرات الظّاهرة ول يتجاوز إلى الحدود ‪ ،‬وليس للمتطوّع أن يعزّر‬
‫أّ‬
‫ن له أن يرتزق على حسبته من بيت المال ‪ ،‬ول يجوز للمتطوّع أن‬
‫على منكر ‪ .‬السّابع ‪ :‬أ ّ‬
‫ن له اجتهاد رأيه فيما تعلّق بالعرف دون الشّرع كالمقاعد‬
‫يرتزق على إنكار منكر ‪ .‬الثّامن ‪ :‬أ ّ‬
‫في السواق ‪ ،‬وإخراج الجنحة فيقرّ وينكر من ذلك ما أدّاه إليه اجتهاده ‪ ،‬وليس هذا للمتطوّع‬
‫‪.‬‬
‫أركان الحسبة ‪:‬‬
‫‪ - 10‬ذكر المام الغزاليّ أنّها أربعة ‪ :‬المحتسب ‪ ،‬والمحتسب عليه ‪ ،‬والمحتسب فيه ‪ ،‬ونفس‬
‫الحتساب ‪ .‬ولكلّ ركن من هذه الركان حدود وأحكام وشروط تخصّه ‪ :‬الرّكن الوّل ‪:‬‬
‫المحتسب وهو من نصّبه المام أو نائبه للنّظر في أحوال الرّعيّة والكشف عن أمورهم‬
‫ومصالحهم ‪ ،‬وتصفّح أحوال السّوق في معاملتهم ‪ ،‬واعتبار موازينهم وغشّهم ‪ ،‬ومراعاة ما‬
‫يسري عليه أمورهم ‪ ،‬واستتابة المخالفين ‪ ،‬وتحذيرهم بالعقوبة ‪ ،‬وتعزيرهم على حسب ما‬
‫يليق من التّعزير على قدر الجناية ‪ .‬شروط المحتسب ‪:‬‬
‫‪ - 11‬اشترط الفقهاء في صاحب هذه الولية شروطا حتّى يتحقّق المقصود منها ‪ ،‬وهذه‬
‫الشّروط هي ‪ :‬أوّل ‪ :‬السلم ‪ :‬السلم شرط لصحّة الحتساب لما فيه من السّلطنة وعزّ‬
‫التّحكيم ‪ ،‬فخرج الكافر لنّه ذليل ل يستحقّ ع ّز التّحكيم على المسلمين قال تعالى ‪ { :‬ولن‬
‫ن في المر والنّهي نصرة للدّين فل يكون من‬
‫يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيل } ول ّ‬
‫أهلها من هو جاحد لصل الدّين ‪.‬‬

‫الشّرط الثّاني ‪ :‬التّكليف ( البلوغ والعقل ) ‪:‬‬


‫‪ - 12‬التّكليف طلب ما فيه كلفة ومشقّة وشرطه القدرة على فهم الخطاب ‪ ،‬وصلحية المكلّف‬
‫لصدور الفعل منه على الوجه المطلوب شرعا ‪ ،‬ودعامته العقل الّذي هو أداة الفهم ‪ ،‬وقد‬
‫جعله اللّه تعالى أصل للدّين وللدّنيا فأوجب التّكليف بكماله ‪ .‬فالتّكليف شرط لوجوب‬
‫الحتساب وتولّي وليتها ‪ ،‬أمّا مجرّد المر والنّهي فإنّ الصّبيّ غير مخاطب ول يلزمه فعل‬
‫ل العقل فإذا عقل القربة وعرف المناكر‬
‫ذلك ‪ ،‬أمّا إمكان الفعل وجوازه في حقّه فل يستدعي إ ّ‬
‫وطريق التّغيير فتبرّع به كان منه صحيحا سائغا ‪ ،‬فله إنكار المنكر ‪ ،‬وله أن يريق الخمر ‪،‬‬
‫وكسر الملهي ‪ ،‬وإذا فعل ذلك نال به ثوابا ‪ ،‬ولم يكن لحد منعه من حيث إنّه ليس بمكلّف‬
‫فإنّ هذه قربة وهو من أهلها كالصّلة والمامة وسائر القربات ‪ ،‬وليس حكمه حكم الوليات‬
‫حتّى يشترط فيه التّكليف ‪ ،‬ولذلك جاز لحاد النّاس فعله وهو من جملتهم ‪ ،‬وإن كان فيه نوع‬
‫ولية وسلطنة ‪ ،‬ولكنّها تستفاد بمجرّد اليمان كقتل المحارب ‪ ،‬وإبطال أسبابه ‪ ،‬وسلب‬
‫أسلحته فإنّه للصّبيّ أن يفعل ذلك حيث ل يستض ّر به ‪ ،‬فالمنع من الفسق كالمنع من الكفر ‪.‬‬

‫الشّرط الثّالث ‪ :‬العلم ‪ - 13‬العلم الّذي يشترط تحقّقه في المحتسب على ضربين ‪ :‬الضّرب‬
‫ن الجاهل بها ربّما‬
‫الوّل ‪ :‬أن يكون عارفا بأحكام الشّريعة ليعلم ما يأمر به وينهى عنه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫استحسن ما قبّحه الشّرع وارتكب المحذور وهو غير مل ّم بالعلم به ولكن ل يشترط فيه بلوغ‬
‫مرتبة الجتهاد الشّرعيّ على رأي جمهور الفقهاء بل يكتفى فيه أن يكون من أهل الجتهاد‬
‫ي ما ثبت حكمه بالعرف لقوله تعالى ‪ { :‬خذ العفو‬
‫ن الجتهاد العرف ّ‬
‫العرفيّ ‪ .‬والفرق بينهما أ ّ‬
‫وأمر بالعرف } ‪ .‬والجتهاد الشّرعيّ ما روعي فيه أصل ثبت حكمه الشّرعيّ ‪ .‬وذهب أبو‬
‫سعيد الصطخريّ من الشّافعيّة إلى اشتراط الجتهاد الشّرعيّ في المحتسب ليجتهد برأيه فيما‬
‫اختلف فيه ‪ .‬ويظهر أثر الخلف في أنّ من اشترط فيه بلوغه مرتبة الجتهاد في المسائل‬
‫المختلف فيها ‪ ،‬أمّا من لم يشترط ذلك فقد ذهب إلى عدم جواز حمل النّاس على رأيه ‪ .‬ول‬
‫ل مجمعا على إنكاره أو ما يرى الفاعل تحريمه ‪ ،‬أمّا ما عدا ذلك فإنكاره‬
‫ينكر المحتسب إ ّ‬
‫يكون على سبيل النّدب على وجه النّصيحة والخروج من الخلف إن لم يقع في خلف آخر‬
‫وترك سنّة ثابتة لتّفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلف ‪ .‬ول يأمر ول ينهى في‬
‫ل العلماء ‪ ،‬وكذلك ما اختصّ علمه بهم دون العامّة لجهلهم بها ‪ .‬فالعا ّميّ‬
‫دقائق المور إ ّ‬
‫ينبغي له أن ل يحتسب إلّ في الجليّات المعلومة كالصّوم والصّلة والزّنى وشرب الخمر‬
‫ونحوه ‪ ،‬أمّا ما يعلم كونه معصية بالضافة إلى ما يطيف به من النفال ويفتقر إلى اجتهاد ‪،‬‬
‫فالعاصي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ‪ .‬الضّرب الثّاني ‪ :‬أن يعلم صفة‬
‫ن أمره بالمعروف مؤثّر فيه‬
‫التّغيير بأن يعلم أو يغلب على ظنّه أنّ إنكاره المنكر مزيل له وأ ّ‬
‫ونافع ‪.‬‬

‫الشّرط الرّابع ‪ :‬العدالة ‪:‬‬


‫‪ - 14‬العدالة هيئة راسخة في النّفس تمنع من اقتراف كبيرة أو صغيرة دالّة على الخسّة ‪ ،‬أو‬
‫مباح يخلّ بالمروءة وقال الجصّاص ‪ :‬أصلها اليمان باللّه واجتناب الكبائر ومراعاة حقوق‬
‫اللّه عزّ وجلّ في الواجبات والمسنونات وصدق اللّهجة والمانة ‪ .‬والعدل من يكون مجتنبا‬
‫عن الكبائر ول يكون مصرّا على الصّغائر ‪ ،‬ويكون صلحه أكثر من فساده ‪ ،‬وصوابه‬
‫أكثر من خطئه ‪ ،‬ويستعمل الصّدق ديانة ومروءة ويجتنب الكذب ديانة ومروءة ‪ .‬ولم يشترط‬
‫جمهور الفقهاء تحقّق العدالة في المحتسب إذا كان متطوّعا غير صاحب ولية ‪ ،‬واشترطوها‬
‫ل عند الضّرورة لما سيأتي ‪ :‬أمّا وجه عدم اشتراطها في الوّل ‪ ،‬فلنّ‬
‫في صاحب الولية إ ّ‬
‫الدلّة تشمل البرّ والفاجر ‪ ،‬وإن ترك النسان لبعض الفروض ل يسقط عنه فروضا غيرها ‪،‬‬
‫فمن ترك الصّلة ل يسقط عنه فرض الصّوم وسائر العبادات ‪ ،‬فكذلك من لم يفعل سائر‬
‫المعروف ولم ينته عن سائر المنكر ‪ ،‬فإن فرض المر بالمعروف والنّهي عن المنكر غير‬
‫ن الرّسول صلى ال عليه وسلم أجرى فرض المر بالمعروف والنّهي عن‬
‫ساقط عنه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫المنكر مجرى سائر الفروض في لزوم القيام به مع التّقصير في بعض الواجبات ‪ .‬في قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم { مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به ‪ ،‬وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه‬
‫كلّه } ‪ .‬وقال أبو عبد اللّه العقبانيّ التّلمسانيّ المالكيّ ‪ :‬اختلف في العدالة هل هي شرط في‬
‫ن الفاسق ل يغيّر ‪ ،‬وأبى‬
‫صفة المغيّر ( المحتسب ) أو ل ‪ .‬فاعتبر قوم شرطيّتها ‪ ،‬ورأوا أ ّ‬
‫من اعتبارها آخرون ‪ ،‬وذلك الصّحيح المشهور عند أهل العلم ‪ ،‬لنّ ذلك من الشّروط الواجبة‬
‫على الشّخص في رقبته كالصّلة فل يسقطه الفسق ‪ ،‬كما ل يسقط وجوب الصّلة بتعلّق‬
‫التّكليف بأمر الشّرع ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من رأى منكم منكرا فليغيّره } وليس‬
‫كونه فاسقا أو ممّن يفعل ذلك المنكر بعينه يخرجه عن خطاب التّغيير لنّ طريق الفرضيّة‬
‫سنّة ‪ ،‬لنّ‬
‫متغاير ‪ .‬وقال ابن العربيّ المالكيّ ‪ :‬وليس من شرطه أن يكون عدل عند أهل ال ّ‬
‫العدالة محصورة في قليل من الخلق ‪ ،‬والنّهي عن المنكر عامّ في جميع النّاس ‪ .‬وقال المام‬
‫الغزاليّ ‪ :‬الحقّ أنّ للفاسق أن يحتسب ‪ ،‬وبرهانه أن تقول ‪ :‬هل يشترط في الحتساب أن‬
‫يكون متعاطيه معصوما عن المعاصي كلّها ؟ فإن شرط ذلك فهو خرق للجماع ‪ ،‬ثمّ حسم‬
‫ن جنود المسلمين لم تزل‬
‫لباب الحتساب ‪ ،‬إذ ل عصمة للصّحابة فضل عمّن دونهم ‪ ،‬وأ ّ‬
‫مشتملة على البرّ والفاجر ‪ ،‬وشارب الخمر ‪ ،‬وظالم اليتام ‪ ،‬ولم يمنعوا من الغزو ل في‬
‫ن الحسبة تكون بالقول والفعل نحو إراقة‬
‫عصر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول بعده ‪ ،‬وأ ّ‬
‫الخمر ‪ ،‬وكسر الملهي وغيرها ‪ ،‬فإذا منع الفاسق من الحسبة بالقول لما فيه من مخالفة قوله‬
‫عمله فإنّه ل يمنع من الحسبة بالفعل ‪ ،‬لنّ المراد منه القهر ‪ ،‬وتمام القهر أن يكون بالفعل‬
‫والحجّة جميعا وإن كان فاسقا ‪ .‬فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجّة ‪ ،‬وأنّ الحسبة القهريّة ل‬
‫يشترط فيها ذلك ‪ ،‬فل حرج على الفاسق في إراقة الخمر وكسر الملهي إذا قدر ‪ .‬وكما إذا‬
‫أخبر وليّ الدّم الفاسق بالعفو عن القصاص فله أن يدفع من أراد القصاص من الجاني ولو‬
‫بالقتل إذا لم يصدّقه بعفو وليّ الدّم دفعا لمفسدة القتل بغير حقّ ‪ .‬أمّا من اشترطها في حالة‬
‫التّطوّع والحتساب ‪ ،‬فقد استدلّ بالنّكير الوارد على من يأمر بما ل يفعله ‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم } وقوله تعالى ‪ { :‬كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما ل‬
‫تفعلون } وقوله تعالى ‪ :‬فيما أخبر به عن نبيّه شعيب عليه السلم لمّا نهى قومه عن بخس‬
‫الموازين ونقص المكاييل ‪ { :‬وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } وبما روي عن النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار‬
‫قلت ‪ :‬ما هؤلء ؟ قال ‪ :‬هؤلء خطباء أمّتك من أهل الدّنيا ‪ ،‬كانوا يأمرون النّاس بالبرّ‬
‫وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفل يعقلون } أمّا وجه الشتراط في صاحب الولية ‪،‬‬
‫فلنّه كما قال صاحب تحفة النّاظر ‪ :‬إنّ ولية الحسبة من أشرف الوليات في السلم قدرا ‪،‬‬
‫وأعظمها في هذه الملّة مكانة وفخرا ‪ ،‬فل بدّ أن يكون متولّيها متوفّرة فيه شروط الولية ‪،‬‬
‫فل يصحّ أن يليها إلّ من طالت يده في الكمالت وبرز في الخير وأحرز أوصافه المرضيّة ‪،‬‬
‫ن من شرف منزلة من تولّاها أن يحتسب على أئمّة‬
‫ول تنعقد لمن لم تتوفّر فيه الشّروط ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن سبيل عقد الولية الشّرعيّة أنّه ل يصحّ لمن قام بها‬
‫المساجد وعلى قضاة المسلمين ‪ .‬ول ّ‬
‫وصف فسق وفقد عدالة ‪ ،‬إذ العدالة مشترطة في سائر الوليات الشّرعيّة ‪ ،‬كالمامة الكبرى‬
‫ن من انعقدت له الولية في القيام بحقّ من الحقوق المهمّة في الدّين صار‬
‫فما دونها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي أمين ‪ ،‬ول أمانة مع‬
‫مفوّضا له فيما قدّم إليه النّيابة عن المسلمين ‪ ،‬فل بدّ أن يكون أمينا أ ّ‬
‫من لم يقم به وصف العدالة ‪ .‬ولهذا اشترطها في والي الحسبة جمهور الفقهاء وأغفل‬
‫ي وابن بسّام وأدار المحقّقون من العلماء حكمها كابن عبد السّلم ‪ ،‬وابن‬
‫اشتراطها الشّيراز ّ‬
‫تيميّة على رعاية المصلحة ودفع المفسدة ‪ ،‬ورفع المشقّة ‪ ،‬وأورد ابن عبد السّلم قاعدة عامّة‬
‫في تعذّر العدالة في الوليات سواء أكانت عامّة أم خاصّة بتولية أقلّهم فسوقا ‪ .‬ولبن تيميّة‬
‫كلم طويل في هذا الشّأن خلصته ‪ :‬أنّه يستعمل الصلح الموجود وقد ل يكون في موجوده‬
‫من هو صالح لتلك الولية فيختار المثل فالمثل في كلّ منصب بحسبه ‪ .‬أمّا تفاصيل أحكام‬
‫الولية ففي مصطلح ولية ‪.‬‬

‫الشّرط الخامس ‪ :‬القدرة ‪:‬‬


‫‪ - 15‬قال ابن العربيّ ‪ :‬وأمّا القدرة فهي أصل وتكون منه في النّفس ‪ ،‬وتكون في البدن إن‬
‫احتاج إلى النّهي عنه بيده ‪ ،‬فإن خاف على نفسه الضّرب ‪ ،‬أو القتل من تغييره ‪ ،‬فإن رجا‬
‫زواله جاز عند أكثر العلماء القتحام عند هذا الغرر ‪ ،‬وإن لم يرج فأيّ فائدة فيه ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬
‫ن ال ّنيّة إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ول يبالي ‪ .‬وعنده أنّ تخليص الدميّ أوجب من‬
‫إّ‬
‫تخليص حقّ اللّه تعالى ‪ .‬وللمام الغزاليّ تفصيل فيما تسقط به الحسبة وجوبا غير العجز‬
‫الحسّيّ ‪ ،‬وهو أن يلحقه من الحتساب مكروه ‪ ،‬أو يعلم أنّ احتسابه ل يفيد ‪ ،‬وعنده أنّ‬
‫صحّة ‪،‬‬
‫المكروه هو ضدّ المطلوب ‪ ،‬ومطالب النسان ترجع إلى أربعة أمور ‪ :‬هي العلم وال ّ‬
‫والثّروة ‪ ،‬والجاه ‪ ،‬وكلّ واحدة من هذه الربعة يطلبها النسان لنفسه ولقاربه المختصّين‬
‫به ‪ ،‬والمكروه من هذه الربعة أمران أحدهما ‪ :‬زوال ما هو حاصل موجودا ‪ .‬والخر امتناع‬
‫ما هو منتظر مفقود ‪ ،‬ثمّ يستطرد في بيان ما يعدّ مؤثّرا في إسقاط الحسبة وما ل يعدّ منها‬
‫ن الستطاعة شرط في الحتساب ‪ ،‬كما أنّها شرط في جميع‬
‫على ما سنذكره بعد والحقّ أ ّ‬
‫التّكاليف الشّرعيّة ‪ ،‬وهي متحقّقة بأصحاب الوليات من الئمّة ‪ ،‬والولة ‪ ،‬والقضاة ‪ ،‬وسائر‬
‫الحكّام ‪ ،‬فإنّهم متمكّنون بعل ّو اليد وامتثال المر ‪ ،‬ووجوب الطّاعة ‪ ،‬وانبساط الولية يدلّ‬
‫عليه قوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬الّذين إن م ّكنّاهم في الرض أقاموا الصّلة وآتوا الزّكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر } ‪ .‬فإنّ من أنواع القيام بذلك ما يدعو إلى إقامة الحدود‬
‫والعقوبات ممّا ل يفعله إلّ الولة والحاكم فل عذر لمن قصّر منهم عند اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه إذا‬
‫أهمل هؤلء القيام بذلك فجدير أل يقدر عليه من هو دونهم من رعيّتهم ‪ ،‬فيوشك أن تضيع‬
‫حرمات الدّين ويستباح حمى الشّرع والمسلمين ‪ .‬ولمّا كانت ولية الحسبة من الوليات‬
‫الشّرعيّة وهي من وظائف المام وتفويضه إلى غيره من قبيل الستنابة ‪ ،‬ويقوم بها نيابة عنه‬
‫وطبيعتها تقوم على الرّهبة ‪ ،‬واستطالة الحماة ‪ ،‬وسلطة السّلطنة ‪ ،‬واتّخاذ العوان ‪ ،‬كان‬
‫القيام بالحسبة في حقّه من فرائض العيان الّتي ل تسقط عنه بحال ‪ ،‬بخلف الحاد فإنّه ل‬
‫ل مع القدرة والسّلمة ‪ ،‬فمن علم أو غلب على ظنّه أنّه يصله مكروه في‬
‫تلزمهم الحسبة إ ّ‬
‫بدنه بالضّرب ‪ ،‬أو في ماله بالستهلك ‪ ،‬أو في جاهه بالستخفاف به بوجه يقدح في مروءته‬
‫أو علم أنّ حسبته ل تفيد سقط عنه الوجوب ‪ ،‬أمّا إذا غلب على ظنّه أنّه ل يصاب بأذى فيما‬
‫ذكر فل يسقط عنه الوجوب وكذلك إذا احتمل المران ‪ .‬وإذا سقط الوجوب هل يحسن‬
‫ن التّرك أفضل ؟ من الفقهاء من قال بالوّل لقوله تعالى‬
‫النكار ويكون أفضل من تركه ‪ ،‬أم إ ّ‬
‫‪ { :‬واصبر على ما أصابك } ومنهم من قال التّرك أفضل لقوله تعالى ‪ { :‬ول تلقوا بأيديكم‬
‫إلى التّهلكة } لكن ذهب ابن رشد إلى وجوب التّرك مع تيقّن الذى ل سقوط الوجوب وبقاء‬
‫الستحباب فتلك طريقة ع ّز الدّين بن عبد السّلم وعين ما قاله الغزاليّ ‪.‬‬

‫الشّرط السّادس ‪ :‬الذن من المام ‪:‬‬


‫‪ - 16‬اشترط فريق من العلماء في المحتسب أن يكون مأذونا من جهة المام أو الوالي ‪،‬‬
‫ل فيما كان محتاجا فيه إلى‬
‫وقالوا ‪ :‬ليس للحاد من الرّعيّة الحسبة ‪ ،‬والجمهور على خلفه إ ّ‬
‫الستعانة وجمع العوان ‪ ،‬وما كان خاصّا بالئمّة أو نوّابهم ‪ ،‬كإقامة الحدود ‪ ،‬وحفظ البيضة‬
‫‪ ،‬وسدّ الثّغور وتسيير الجيوش ‪ ،‬أمّا ما ليس كذلك فإنّ لحاد النّاس القيام به ‪ ،‬لنّ الدلّة الّتي‬
‫وردت في المر والنّهي والرّدع عامّة ‪ ،‬والتّخصيص بشرط التّفويض من المام تحكّم ل‬
‫أصل له ‪ ،‬وأنّ احتساب السّلف على ولتهم قاطع بإجماعهم على الستفتاء عن التّفويض ‪.‬‬
‫ن الحسبة لها خمس مراتب ‪ :‬أوّلها التّعريف ‪ ،‬والثّاني‬
‫وشرح المام الغزاليّ ذلك فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫الوعظ بالكلم اللّطيف ‪ ،‬والثّالث السّبّ والتّعنيف ‪ ،‬والرّابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ‪،‬‬
‫ككسر الملهي ونحوه ‪ ،‬والخامس التّخويف والتّهديد بالضّرب ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬أمّا التّعريف‬
‫والوعظ فل يحتاج إلى إذن المام ‪ ،‬وأمّا التّجهيل ‪ ،‬والتّحميق ‪ ،‬والنّسبة إلى الفسق ‪ ،‬وقلّة‬
‫الخوف من اللّه وما يجري مجراه فهو كلم صدق ‪ ،‬والصّدق مستحقّ لحديث ‪ { :‬أفضل‬
‫الجهاد كلمة حقّ عند إمام جائر } فإذا جاز الحكم على المام على مراغمته فكيف يحتاج إلى‬
‫ن تعاطي ما يعرف كونه حقّا من غير‬
‫إذنه ‪ ،‬وكذلك كسر الملهي ‪ ،‬وإراقة الخمور ‪ ،‬فإ ّ‬
‫اجتهاد فلم يفتقر إلى إذن المام ‪ ،‬وأمّا جمع العوان ‪ ،‬وشهر السلحة فذلك قد يجرّ إلى فتنة‬
‫عامّة ففيه نظر وقد ذهب إلى اشتراط الذن في هذه الحالة جمهرة العلماء ‪ ،‬لنّه يؤدّي إلى‬
‫الفتن وهيجان الفساد ‪ .‬وكذلك ما كان مختصّا بالئمّة والولة فل يستقلّ بها الحاد كالقصاص‬
‫ن النفراد باستيفائه محرّك للفتن ‪ ،‬ومثله ح ّد القذف‬
‫‪ ،‬فإنّه ل يستوفى إلّ بحضرة المام ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل ينفرد مستحقّه باستيفائه ‪ ،‬لنّه غير مضبوط في شدّة وقعه وإيلمه ‪ .‬وكذلك التّعزير ل‬
‫يفوّض إلى مستحقّه إلّ أن يضبطه المام بالحبس في مكان معلوم في مدّة معلومة ‪ ،‬فيجوز له‬
‫أن يتولّاه المستحقّ ‪ .‬أمّا لو فوّض المام قطع السّرقة إلى السّارق أو وكّل المجنيّ عليه‬
‫الجاني في قطع العضو فوجهان ‪ :‬أحدهما يجوز لحصول المقصود باستيفائه ‪ ،‬والثّاني ل‬
‫ن الستيفاء لغيره أزجر له ‪ .‬وقد بيّن إمام الحرمين ما يتعلّق بالئمّة من أصل‬
‫يجوز ‪ ،‬ل ّ‬
‫الدّين وفروعه ‪ ،‬وما يتعلّق بهم من أحكام الدّنيا ‪ ،‬وما يلزمهم في حفظ أهل السلم عن‬
‫النّوائب ‪ ،‬والتّغالب ‪ ،‬والتّقاطع ‪ ،‬والتّدابر ‪ ،‬والتّواصل ‪ ،‬وأنّ الحدود بجملتها منوطة إلى‬
‫الئمّة والّذين يتولّون المور من جهتهم ‪.‬‬

‫الشّرط السّابع ‪ :‬الذّكورة ‪.‬‬


‫‪ - 17‬اشترطت طائفة فيمن يتولّى الحسبة أن يكون ذكرا ‪ ،‬وأيّده ابن العربيّ ‪ ،‬وتبعه‬
‫ن المرأة ل يتأتّى منها أن تبرز إلى المجالس ‪ ،‬ول أن تخالط الرّجال ‪ ،‬ول‬
‫القرطبيّ وقال ‪ :‬إ ّ‬
‫تفاوضهم مفاوضة النّظير للنّظير ‪ ،‬لنّها إن كانت فتاة حرم النّظر إليها وكلمها ‪ ،‬وإن كانت‬
‫متجالّة برزة لم يجمعها والرّجال مجلس تزدحم فيه معهم ‪ ،‬وتكون منظّرة لهم ‪ ،‬ولن يفلح قطّ‬
‫من تصوّر هذا ول من اعتقده ‪ .‬واستدلّ على منعها من الولية بحديث ‪ { :‬لن يفلح قوم ولّوا‬
‫ن عمر رضي ال عنه قدّم امرأة على حسبة السّوق إنّه‬
‫أمرهم امرأة } وقال ‪ :‬فيما روي من أ ّ‬
‫لم يصحّ وهو من دسائس المبتدعة ‪ .‬وأجاز توليتها آخرون لما ثبت من أنّ سمراء بنت شهيك‬
‫السدية كانت تمرّ في السواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ‪ ،‬وتنهى النّاس عن ذلك‬
‫بسوط معها ‪ .‬ويستدلّ على جواز وليتها وعدمه بالخلف الوارد في جواز توليتها المارة‬
‫والقضاء ‪ .‬قال ابن حجر بعد أن نقل كلم الخطّابيّ ‪ :‬إنّ المرأة ل تلي المارة ول القضاء ‪،‬‬
‫وأنّها ل تزوّج نفسها ول تلي العقد على غيرها ‪ ،‬والمنع من أن تلي المارة والقضاء قول‬
‫الجمهور وأجازه الطّبريّ ‪ ،‬وهي رواية عن مالك ‪ ،‬وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه‬
‫شهادة النّساء ‪.‬‬

‫ارتزاق المحتسب ‪:‬‬


‫‪ - 18‬الرّزق ما يرتّبه المام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين فإن كان يخرجه كلّ‬
‫شهر سمّي رزقا ‪ ،‬وإن كان يخرجه كلّ عام سمّي عطاء ‪ .‬وممّا جاء في ردّ المام أبي‬
‫يوسف على الخليفة هارون الرّشيد في كتاب الخراج قوله ‪ :‬فاجعل ‪ -‬أعزّ اللّه أمير المؤمنين‬
‫بطاعته ‪ -‬ما يجري على القضاة والولة من بيت مال المسلمين ‪ ،‬من جباية الرض أو من‬
‫خراج الرض والجزية ‪ ،‬لنّهم في عمل المسلمين فيجري عليهم من بيت مالهم ‪ ،‬يجري على‬
‫ل رجل تصيّره في عمل المسلمين ‪ ،‬فأجر عليه‬
‫كلّ والي مدينة وقاضيها بقدر ما يحتمل ‪ ،‬وك ّ‬
‫من بيت مالهم ‪ .‬ويعطى المحتسب المنصوب كفايته في بيت المال من الجزية والخراج ‪ ،‬لنّه‬
‫عامل للمسلمين محبوس لهم ‪ ،‬فتكون كفايته في مالهم كالولة ‪ ،‬والقضاة ‪ ،‬والغزاة ‪ ،‬والمفتين‬
‫‪ ،‬والمعلّمين ‪ .‬وكذلك سبيل أرزاق أعوانه سبيل أرزاق العوان الّذين يوجّههم الحاكم في‬
‫مصالح النّاس تكون لهم من بيت المال كأرزاق سائر العمّال والولة ‪ ،‬لنّ اشتغالهم بذلك‬
‫يضيّع عليهم الزّمان في شأنه عن القيام بمعايشهم وطلب أقواتهم ‪ .‬ول يجوز للمحتسب ول‬
‫لحد من أعوانه أخذ المال من النّاس لجل الحتساب ‪ ،‬لنّه من قبيل الرّشوة ‪ ،‬وهي حرام‬
‫ن ما أخذه المحتسب ينظر فيه ‪ ،‬إن أخذه ليسامح في منكر ‪ ،‬أو يداهن فيه ‪ ،‬أو‬
‫شرعا ‪ ،‬ل ّ‬
‫يقصّر في معروف ‪ ،‬فهو أحد أنواع الرّشوة وأنّها حرام وإذا جعل لمن ولي في السّوق شيء‬
‫من أهل السّوق فيما يشترونه سامحهم في الفساد بما له معهم فيه من النّصيب ‪ ،‬أمّا إذا لم يكن‬
‫لهم رزق من بيت المال أو كان ل يكفيهم فإنّه ربّما يرخّص لهم بقدر ما يكفيهم ‪ ،‬لنّهم‬
‫يعملون لهم ‪ ،‬فيأخذون كفايتهم ‪ ،‬أمّا الزّيادة على الكفاية فل تجوز ‪ ،‬لنّه مال مأخوذ من‬
‫المسلم قهرا وغلبة بغير رضاه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّ أن تكون‬
‫تجارة عن تراض منكم } وقد شدّد العلماء النّكير على أخذ المال من النّاس بدون وجه حقّ ‪.‬‬
‫والرزاق ليست بمعاوضة ألبتّة لجوازها في أضيق المواضع المانعة من المعاوضة ‪ ،‬وهو‬
‫القضاء والحكم بين النّاس ‪ ،‬فل ورع حينئذ في ترك تناول الرّزق والرزاق على المامة‬
‫ن الرزاق ل يجوز‬
‫من هذا الوجه ‪ ،‬وإنّما يقع الورع من جهة قيامه بالوظيفة خاصّة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫تناولها إلّ لمن قام بذلك على الوجه الّذي صرّح به المام في إطلقه لتلك الرزاق ‪.‬‬

‫آداب المحتسب ‪:‬‬


‫‪ - 19‬المقصود من الداب الخذ بما يحمد قول وفعل ‪ ،‬والتّحلّي بمكارم الخلق ‪ ،‬فينبغي‬
‫للمحتسب أخذ نفسه بها حتّى يكون عمله مقبول ‪ ،‬وقوله مسموعا ‪ ،‬وتحقّق وليته الهدف منها‬
‫‪ ،‬وذلك بأن يكون عفيفا عن قبول الهدايا من أرباب الصّناعات والمهرة ‪ ،‬فإنّ ذلك أسلم‬
‫لعرضه وأقوم لهيبته ‪ ،‬وأن يلزم السواق ‪ ،‬ويدور على الباعة ‪ ،‬ويكشف الدّكاكين‬
‫والطّرقات ‪ ،‬ويتفقّد الموازين والطعمة ‪ ،‬ويقف على وسائل الغشّ في أوقات مختلفة ‪ ،‬وعلى‬
‫غفلة من أهلها ‪ ،‬ويستعين في عمله بالمناء العارفين الثّقات ‪ ،‬ليعتمد على أقوالهم ويبالغ في‬
‫الكشف فيها ‪ ،‬ويباشر ذلك بنفسه ‪ ،‬فقد ذكر أنّ عليّ بن عيسى الوزير وقع إلى محتسب كان‬
‫في وقت وزارته يكثر الجلوس في داره ببغداد " الحسبة ل تحتمل الحجبة فطف السواق تحلّ‬
‫لك الرزاق ‪ ،‬واللّه إن لزمت دارك نهارا لضرمنها عليك نارا والسّلم » ‪ .‬وأن يتّخذ أعوانا‬
‫يستعين بهم على قدر الحاجة ‪ ،‬ويشترط فيهم العفّة والصّيانة ‪ ،‬ويؤدّبهم ويهذّبهم ‪ ،‬ويعرّفهم‬
‫كيف يتصرّفون بين يديه ‪ ،‬وكيف يخرجون في طلب الغرماء ‪ ،‬ول ينفرد أحد منهم بعمل إلّ‬
‫سرّ إن استطاع ‪ ،‬ليكون أبلغ في الموعظة‬
‫بعد مشورته ‪ .‬وأن يكون أمره ونهيه في ال ّ‬
‫سرّ أمره بالعلنية ‪ ،‬وقد أوصى بعض الوزراء‬
‫والنّصيحة ‪ ،‬فإن لم تنفعه الموعظة في ال ّ‬
‫ن ظهور معاصيهم عيب في‬
‫الصّالحين بعض من يأمر بالمعروف " اجتهد أن تستر العصاة فإ ّ‬
‫أهل السلم " وأن يقصد من حسبته وجه اللّه تعالى وإعزاز دينه ‪ ،‬وينبغي أن يكون‬
‫المحتسب عالما بما يأمر به وينهى عنه ‪ ،‬وأن يتحلّى بالرّفق واللّين والشّفقة ‪ ،‬ول يقصد إلّ‬
‫ل إنسان وحاله ‪،‬‬
‫الصلح ول يخشى في اللّه لومة لئم ‪ ،‬وتكون عقوبته مناسبة مع جرم ك ّ‬
‫وما يليق به ‪ ،‬ويكون متأنّيا غير مبادر إلى العقوبة ‪ ،‬ول يؤاخذ أحدا بأوّل ذنب يصدر منه ‪،‬‬
‫ول يعاقب بأوّل زلّة تبدو ‪ ،‬وإذا عثر على من نقص المكيال أو بخس الميزان أو غشّ‬
‫بضاعة أو صناعة استتابه عن معصيته ‪ ،‬ووعظه وخوّفه وأنذره العقوبة والتّعزير ‪ ،‬فإن عاد‬
‫إلى فعله عزّره على حسب ما يليق به من التّعزير بقدر الجناية ‪ .‬ومن آكد وألزم ما ينبغي‬
‫أن يكون عليه المحتسب أن يكون متحلّيا بالعلم والرّفق والصّبر ‪ ،‬العلم قبل المر والنّهي ‪،‬‬
‫والرّفق معه ‪ ،‬والصّبر بعده فإذا جمع إلى ذلك كلّه بعد النّظر مع الفطنة والصّدق في القول‬
‫والعمل والصّرامة في الحقّ وأحكم أموره وتحرّى الصابة فيها فإنّه حريّ أن تثمر هذه‬
‫الولية أطيب الثّمار ‪ ،‬وتحقّق الغاية المرجوّة منها ‪.‬‬

‫عزل المحتسب ‪:‬‬


‫‪ - 20‬أجمل الماورديّ أسباب العزل من الولية في عدّة أمور ‪ :‬أحدها الخيانة ‪ ،‬والثّاني أن‬
‫يكون سببه العجز والقصور ‪ ،‬والثّالث والرّابع أن يكون السّبب اختلل العمل من عسف‬
‫وجور ‪ ،‬أو ضعف وقلّة هيبة ‪ ،‬والخامس أن يكون سببه وجود من هو أكفأ منه ‪ .‬وذكر‬
‫صاحب معالم القربة أنّه إذا بلغ المحتسب أمر وتركه أثم ‪ ،‬وإن تكرّر شكوى ذلك منه ولم‬
‫يأخذ له بحقّه سقطت وليته شرعا ‪ ،‬أو خرج عن أهليّة الحسبة وسقطت مروءته وعدالته ‪،‬‬
‫ي المر وهو المام أو نائبه ‪،‬‬
‫ول يبقى محتسبا شرعا ‪ ،‬وإن عجز عن ذلك يرفعه إلى ول ّ‬
‫والّذي يجب على السّلطان إدرار رزقه الّذي يكفيه وتعجيله ‪ ،‬وبسط يده ‪ ،‬وترك معارضته ‪،‬‬
‫وردّ الشّفاعة عنده من الخاصّة والعامّة ‪.‬‬

‫الرّكن الثّاني المحتسب فيه ‪:‬‬


‫‪ - 21‬تجري الحسبة في كلّ معروف إذا ظهر تركه ‪ ،‬وفي كلّ منكر إذا ظهر فعله ‪،‬‬
‫ويجمعها لفظ ( الخير ) في قوله تعالى ‪ { :‬ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر } فالخير يشمل كلّ شيء يرغب فيه من الفعال الحسنة وكلّ‬
‫ما فيه صلح دينيّ ودنيويّ وهو جنس يندرج تحته نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬التّرغيب في فعل ما‬
‫ينبغي وهو المر بالمعروف ‪ .‬والثّاني ‪ :‬التّرغيب في ترك ما ل ينبغي وهو النّهي عن المنكر‬
‫‪ .‬فذكر الحقّ جلّ وعل الجنس أوّل وهو الخير ‪ ،‬ثمّ أتبعه بنوعيه مبالغة في البيان ‪ .‬معنى‬
‫المعروف والمراد منه ‪:‬‬
‫‪ - 22‬ذكر العلماء جملة معان للمعروف بينها عموم وخصوص ‪ .‬فمنهم من قصره على‬
‫اليمان باللّه ومنهم من قيّده بواجبات الشّرع ومنهم من جعله شامل لما طلبه الشّارع على‬
‫سبيل الوجوب كالصّلوات الخمس ‪ ،‬وبرّ الوالدين ‪ ،‬وصلة الرّحم ‪ ،‬أو على سبيل النّدب‬
‫ل ما‬
‫كالنّوافل وصدقات التّطوّع ومنهم من جعله أشمل وأعمّ من ذلك فقال ‪ :‬هو اسم جامع لك ّ‬
‫عرف من طاعة اللّه والتّقرّب إليه ‪ ،‬والحسان إلى النّاس بكلّ ما ندب إليه الشّرع ‪ ،‬ونهى‬
‫عنه من المحسّنات والمقبّحات ‪ ،‬وهو من الصّفات الغالبة أي أمر معروف بين النّاس إذا رأوه‬
‫ل ينكرونه ‪ ،‬والمعروف النّصف ( العدل ) وحسن الصّحبة مع الهل وغيرهم من النّاس‬
‫ل عاقل صوابه ‪ ،‬وقيل المعروف‬
‫وقال ابن الجوزيّ في التّفسير ‪ :‬المعروف هو ما يعرف ك ّ‬
‫هاهنا طاعة اللّه‬

‫أقسام المعروف ‪ :‬ينقسم المعروف إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬


‫‪ - 23‬أحدهما ‪ :‬ما يتعلّق بحقوق اللّه تعالى ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما يتعلّق بحقوق الدميّين ‪ .‬والثّالث ‪:‬‬
‫ن التّكاليف‬
‫ما يكون مشتركا بينهما ‪ .‬ومعنى حقّ اللّه أمره ونهيه ‪ ،‬وحقّ العبد مصالحه ‪ .‬ل ّ‬
‫على ثلثة أقسام ‪ :‬قسم فيه حقّ اللّه تعالى فقط كاليمان وتحريم الكفر ‪ ،‬وقسم فيه حقّ العبد‬
‫فقط كالدّيون والثمان ‪ ،‬وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حقّ اللّه أو حقّ العبد كحدّ القذف ‪،‬‬
‫والفرق بين ما كان حقّا محضا للعبد وبين حقّ اللّه أنّ حقّ العبد المحض لو أسقطه لسقط ‪،‬‬
‫ق للّه تعالى ‪ ،‬وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى مستحقّه‬
‫ل وفيه ح ّ‬
‫ل فما من حقّ للعبد إ ّ‬
‫وإ ّ‬
‫فيوجد حقّ اللّه تعالى دون حقّ العبد ‪ ،‬ول يوجد حقّ العبد إلّ وفيه حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬وإنّما‬
‫ل ما‬
‫يعرف ذلك بصحّة السقاط ‪ ،‬فكلّ ما للعبد إسقاطه فهو الّذي يقصد به حقّ العبد ‪ ،‬وك ّ‬
‫ن النّاس كلّهم خصوم في إثبات‬
‫ق اللّه تعالى ‪ .‬وأ ّ‬
‫ليس له إسقاطه فهو الّذي يقصد بأنّه ح ّ‬
‫حقوق اللّه تعالى نيابة عنه تعالى لكونهم عبيده ‪ ،‬أمّا حقّ العبد فل ينتصب أحد خصما عن‬
‫أحد لعدم ما يوجب انتصابه خصما ‪ .‬القسم الوّل ‪ :‬المتعلّق بحقوق اللّه تعالى وهو ضربان‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 24‬أحدهما ‪ :‬ما يلزم المر به في الجماعة دون النفراد وله أمثلة ‪ :‬المثال الوّل ‪ :‬صلة‬
‫الجمعة وتلزم في وطن مسكون ‪ ،‬فإن كانوا عددا قد اتّفق على انعقاد الجمعة بهم كالربعين‬
‫فما زاد ‪ ،‬فواجب أن يأخذهم المحتسب بإقامتها ‪ ،‬ويأمرهم بفعلها ويؤدّب على الخلل بها ‪،‬‬
‫وإن كانوا عددا قد اختلف في انعقاد الجمعة بهم فله فيهم أربعة أحوال ‪ :‬إحداها ‪ :‬أن يتّفق‬
‫رأي المحتسب ورأي القوم على انعقاد الجمعة بذلك العدد ‪ ،‬فواجب عليه أن يأمرهم بإقامتها ‪،‬‬
‫وعليهم أن يسارعوا إلى أمره بها ‪ ،‬ويكون في تأديبهم على تركها ألين منه في تأديبهم على‬
‫ن الجمعة ل‬
‫ترك ما انعقد الجماع عليه ‪ .‬الحالة الثّانية ‪ :‬أن يتّفق رأيه ورأي القوم على أ ّ‬
‫تنعقد بهم ‪ ،‬فل يجوز أن يأمرهم بإقامتها وهو بالنّهي عنها لو أقيمت أحقّ ‪ .‬الحالة الثّالثة ‪:‬‬
‫أن يرى القوم انعقاد الجمعة بهم ول يراه المحتسب ‪ ،‬فل يجوز له أن يعارضهم فيها ‪ ،‬ول‬
‫يأمر بإقامتها ‪ ،‬لنّه ل يراه ‪ ،‬ول يجوز أن ينهاهم عنها ويمنعهم ممّا يرونه فرضا عليهم ‪.‬‬
‫الحالة الرّابعة ‪ :‬أن يرى المحتسب انعقاد الجمعة بهم ول يراه القوم ‪ ،‬فهذا ممّا في استمرار‬
‫تركه تعطيل الجمعة مع تطاول الزّمان وبعده وكثرة العدد وزيادته ‪ ،‬فهل للمحتسب أن‬
‫يأمرهم بإقامتها اعتبارا بهذا المعنى أم ل ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على وجهين ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬
‫وهو قول أبي سعيد الصطخريّ أنّه يجوز له أن يأمرهم بإقامتها اعتبارا بالمصلحة لئلّ ينشأ‬
‫الصّغير على تركها ‪ ،‬فيظنّ أنّها تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه ‪ .‬الوجه الثّاني ‪:‬‬
‫أنّه ل يتعرّض لمرهم بها ‪ ،‬لنّه ليس له حمل النّاس على اعتقاده ‪ ،‬ول يقودهم إلى مذهبه ‪،‬‬
‫ن نقصان العدد يمنع‬
‫ول أن يأخذهم في الدّين برأيه مع تسويغ الجتهاد فيه ‪ ،‬وأنّهم يعتقدون أ ّ‬
‫من إجزاء الجمعة ‪ .‬المثال الثّاني ‪ :‬صلة العيد وهل يكون المر بها من الحقوق اللّازمة ‪ ،‬أو‬
‫من الحقوق الجائزة ؟ على وجهين ‪ :‬من قال إنّها مسنونة قال ‪ :‬يندب المر بها ‪ ،‬ومن قال‬
‫إنّها من فروض الكفاية قال ‪ :‬المر بها يكون حتما ‪ .‬المثال الثّالث ‪ :‬صلة الجماعة ‪ :‬صلة‬
‫الجماعة في المساجد وإقامة الذان فيها للصّلوات من شعائر السلم ‪ ،‬وعلمات متعبّداته‬
‫الّتي فرّق بها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بين دار السلم ودار الشّرك ‪ ،‬فإذا اجتمع أهل‬
‫محلّة أو بلد على تعطيل الجماعات في مساجدهم ‪ ،‬وترك الذان في أوقات صلواتهم ‪ ،‬كان‬
‫المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالذان والجماعة في الصّلوات ‪ ،‬وهل ذلك واجب عليه يأثم‬
‫بتركه ‪ ،‬أو مستحبّ له يثاب على فعله ‪ ،‬على وجهين من اختلف الفقهاء في اتّفاق أهل بلد‬
‫على ترك الذان والجماعة ‪ ،‬وهل يلزم السّلطان محاربتهم عليه أم ل ؟ فأمّا من ترك صلة‬
‫الجماعة من آحاد النّاس أو ترك الذان والقامة لصلته ‪ ،‬فل اعتراض للمحتسب عليه إذا لم‬
‫ل أن يقترن به استرابة ‪ ،‬أو يجعله‬
‫يجعله عادة وإلفا ‪ ،‬لنّها من النّدب الّذي يسقط بالعذار ‪ ،‬إ ّ‬
‫إلفا وعادة ويخاف تعدّي ذلك إلى غيره في القتداء به ‪ ،‬فيراعي حكم المصلحة به في زجره‬
‫عمّا استهان به من سنن عبادته ‪ ،‬ويكون وعيده على ترك الجماعة معتبرا بشواهد حاله ‪،‬‬
‫كالّذي روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬لقد هممت أن آمر فتياني أن يستعدّوا‬
‫إليّ بحزم من حطب ‪ ،‬ثمّ آمر رجل يصلّي بالنّاس ثمّ تحرّق بيوت على من فيها } ‪ .‬الضّرب‬
‫الثّاني ‪ :‬ما يأمر به آحاد النّاس وأفرادهم كتأخير الصّلة حتّى يخرج وقتها ‪ ،‬فيذكّر بها ويأمر‬
‫بفعلها ‪ ،‬ويراعي جوابه عنها ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬تركتها لنسيان ‪ ،‬حثّه على فعلها بعد ذكره ولم‬
‫يؤدّبه ‪ ،‬وإن تركها لتوان أدّبه زجرا وأخذه بفعلها جبرا ‪ ،‬ول اعتراض على من أخّرها‬
‫والوقت باق لختلف الفقهاء في فضل التّأخير بالنّسبة لبعض الصّلوات ‪ ،‬ولكن لو اتّفق أهل‬
‫بلد أو محلّة على تأخير صلة الجماعات إلى آخر وقتها ‪ ،‬والمحتسب يرى فضل تعجيلها فهل‬
‫له أن يأمرهم بالتّعجيل أو ل ؟ من رأى أنّه يأمرهم بذلك راعى أنّ اعتياد تأخيرها وإطباق‬
‫ن الصّغير ينشأ وهو يعتقد أنّ هذا هو الوقت دون ما قبله ‪ ،‬ولو‬
‫جميع النّاس عليه مفض إلى أ ّ‬
‫عجّلها بعضهم ترك المحتسب من أخّرها منهم وما يراه من التّأخير ‪ .‬فأمّا الذان والقنوت في‬
‫الصّلوات إذا خالف فيه رأي المحتسب ‪ ،‬فل اعتراض له فيه بأمر ول نهي ‪ ،‬وإن كان يرى‬
‫خلفه ‪ ،‬إذا كان ما يفعل مسوّغا في الجتهاد ‪ ،‬وكذلك الطّهارة إذا فعلها على وجه سائغ‬
‫يخالف فيه رأي المحتسب من إزالة النّجاسة بالمائعات ‪ ،‬والوضوء بماء تغيّر بالمذرورات‬
‫الطّاهرات ‪ ،‬أو القتصار على مسح أقلّ الرّأس ‪ ،‬والعفو عن قدر الدّرهم من النّجاسة ‪ ،‬فل‬
‫اعتراض له في شيء من ذلك بأمر ول نهي ‪.‬‬

‫القسم الثّاني ما تعلّق بحقوق الدميّين ‪:‬‬


‫ص ‪ .‬فأمّا العامّ فكالبلد إذا تعطّل‬
‫‪ - 25‬المعروف المتعلّق بحقوق الدميّين ضربان ‪ :‬عامّ وخا ّ‬
‫شربه ‪ ،‬أو استهدم سوره ‪ ،‬أو كان يطرقه بنو السّبيل من ذوي الحاجات فكفّوا عن معونتهم ‪،‬‬
‫ن هذا حقّ مصروف إلى سهم المصالح وهو‬
‫نظر المحتسب ذلك كلّه على حسب ما يجب ‪ ،‬ل ّ‬
‫في بيت المال ‪ ،‬فإن كان في بيت المال مال لم يتوجّه عليهم فيه ضرر أمر بإصلح شربهم ‪،‬‬
‫وبناء سورهم وبمعونة بني السّبيل في الجتياز بهم ‪ ،‬لنّها حقوق تلزم بيت المال دونهم ‪،‬‬
‫وكذلك لو استهدمت مساجدهم وجوامعهم ‪ ،‬فأمّا إذا أعوز بيت المال كان المر ببناء‬
‫سورهم ‪ ،‬وإصلح شربهم ‪ ،‬وعمارة مساجدهم وجوامعهم ‪ ،‬ومراعاة بني السّبيل فيهم متوجّها‬
‫إلى كافّة ذوي المكنة منهم ‪ ،‬ول يتعيّن أحدهم في المر به ‪ ،‬فإن شرع ذوو المكنة في عملهم‬
‫وفي مراعاة بني السّبيل ‪ ،‬وباشروا القيام به ‪ ،‬سقط عن المحتسب حقّ المر به ‪ ،‬ول يلزمهم‬
‫الستئذان في مراعاة بني السّبيل ‪ ،‬ول في بناء ما كان مهدوما ‪ ،‬ولكن لو أرادوا هدم ما‬
‫ل باستئذان وليّ المر‬
‫يريدون بناءه من المسترمّ والمستهدم لم يكن لهم القدام على هدمه إ ّ‬
‫دون المحتسب ‪ ،‬ليأذن لهم في هدمه بعد تضمينهم القيام بعمارته ‪ ،‬هذا في السّور والجوامع ‪،‬‬
‫وأمّا المساجد المختصرة فل يستأذنون فيها ‪ .‬وعلى المحتسب أن يأخذهم ببناء ما هدموه‬
‫وليس له أن يأخذهم بإتمام ما استأنفوه ‪ .‬فأمّا إذا كفّ ذوو المكنة عن بناء ما استهدم وعمارة‬
‫ما استرمّ ‪ ،‬فإن كان المقام في البلد ممكنا وكان الشّرب ‪ ،‬وإن فسد أو قلّ مقنعا تركهم وإيّاه ‪،‬‬
‫وإن تعذّر المقام فيه لتعطّل شربه واندحاض سوره نظر ‪ ،‬فإن كان البلد ثغرا يضرّ بدار‬
‫السلم تعطيله لم يجز لوليّ المر أن يفسح في النتقال عنه ‪ ،‬وكان حكمه حكم النّوازل إذا‬
‫حدثت في قيام كافّة ذوي المكنة به ‪ ،‬وكان تأثير المحتسب في مثل هذا إعلم السّلطان‬
‫وترغيب أهل المكنة في عمله ‪ ،‬وإن لم يكن البلد ثغرا مضرّا بدار السلم كان أمره أيسر‬
‫وحكمه أخفّ ‪ ،‬ولم يكن للمحتسب أن يأخذ أهله جبرا بعمارته ‪ ،‬لنّ السّلطان أحقّ أن يقوم‬
‫بعمارته ‪ ،‬وإن أعوزه المال فيقول لهم المحتسب ما دام عجز السّلطان عنه ‪ :‬أنتم مخيّرون‬
‫بين النتقال عنه أو التزام ما يصرف في مصالحه الّتي يمكن معها دوام استيطانه ‪ .‬فإن‬
‫أجابوا إلى التزام ذلك كلّف جماعتهم ما تسمح به نفوسهم من غير إجبار ويقول ‪ :‬ليخرج كلّ‬
‫واحد منكم ما يسهل عليه وتطيب به نفسه ‪ ،‬ومن أعوزه المال أعان بالعمل حتّى إذا اجتمعت‬
‫ل واحد من أهل المكنة قدرا طاب به نفسا ‪،‬‬
‫كفاية المصلحة أو تعيّن اجتماعها بضمان ك ّ‬
‫ل واحد من الجماعة بما التزم به ‪ ،‬وإن‬
‫شرع المحتسب حينئذ في عمل المصلحة ‪ ،‬وأخذ ك ّ‬
‫عمّت هذه المصلحة لم يكن للمحتسب أن يتقدّم بالقيام بها حتّى يستأذن السّلطان فيها ‪ ،‬لئلّ‬
‫يصير بالتّفرّد مفتاتا عليه ‪ ،‬إذ ليست هذه المصلحة من معهود حسبته ‪ ،‬وإن قلّت وشقّ‬
‫استئذان السّلطان فيها أو خيف زيادة الضّرر لبعد استئذانه جاز شروعه فيها من غير استئذان‬
‫ص فكالحقوق إذا مطلت ‪ ،‬والدّيون إذا أخّرت ‪ ،‬فللمحتسب أن يأمر بالخروج منها‬
‫‪ .‬وأمّا الخا ّ‬
‫مع المكنة إذا استعداه أصحاب الحقوق ‪ ،‬وليس له أن يحبس عليها ‪ ،‬لنّ الحبس حكم وله أن‬
‫ن لصاحب الحقّ أن يلزم وليس له الخذ بنفقات القارب لفتقار ذلك إلى‬
‫يلزم عليها ‪ ،‬ل ّ‬
‫اجتهاد شرعيّ فيمن يجب له وعليه ‪ ،‬إلّ أن يكون الحاكم قد فرضها فيجوز أن يأخذ بأدائها ‪،‬‬
‫وكذلك كفالة من تجب كفالته من الصّغار ل اعتراض له فيها حتّى يحكم بها الحاكم ‪ ،‬ويجوز‬
‫حينئذ للمحتسب أن يأمر بالقيام بها على الشّروط المستحقّة فيها ‪ .‬فأمّا قبول الوصايا والودائع‬
‫فليس له أن يأمر بها أعيان النّاس وآحادهم ‪ ،‬ويجوز أن يأمر بها على العموم حثّا على‬
‫التّعاون بالبرّ والتّقوى ‪ ،‬ثمّ على هذا المثال تكون أوامره بالمعروف في حقوق الدميّين ‪.‬‬

‫‪ - 26‬القسم الثّالث ‪ :‬ما كان مشتركا بين حقوق اللّه تعالى وحقوق الدميّين كأخذ الولياء‬
‫ن إذا طلبن ‪ ،‬وإلزام النّساء أحكام العدد إذا فورقن ‪ ،‬وله تأديب من‬
‫بإنكاح اليامى من أكفائه ّ‬
‫خالف في العدّة من النّساء ‪ ،‬وليس له تأديب من امتنع من الولياء ‪ ،‬ومن نفى ولدا قد ثبت‬
‫فراش أمّه ولحوق نسبه أخذه بأحكام الباء أو عزّره على النّفي أدبا ‪ ،‬ويأخذ أرباب البهائم‬
‫بعلفها إذا قصّروا فيها ‪ ،‬وألّ يستعملوها فيما ل تطيق ‪ ،‬ومن أخذ لقيطا فقصّر في كفالته أمره‬
‫أن يقوم بحقوق التقاطه من التزام كفالته أو تسليمه إلى من يلتزمها ويقوم بها ‪ ،‬وكذلك واجد‬
‫الضّوالّ إذا قصّر فيها أخذه بمثل ذلك من القيام بها أو تسليمها إلى من يقوم بها ‪ ،‬ويكون‬
‫ضامنا للضّالّة بالتّقصير ول يكون به ضامنا للّقيط ‪ ،‬وإذا سلّم الضّالّة إلى غيره ضمنها ول‬
‫يضمن اللّقيط بالتّسليم إلى غيره ‪ ،‬ث ّم على نظائر هذا المثال يكون أمره بالمعروف في الحقوق‬
‫المشتركة ‪.‬‬

‫معنى المنكر والمراد منه ‪ - 27‬المنكر ضدّ المعروف وقد اختلفت عبارات العلماء في تحديد‬
‫معناه عموما وخصوصا ‪ ،‬فمنهم من قصره على الكفر ومنهم من جعله شامل لمحرّمات‬
‫ل ما نهى عنه الشّرع ‪ .‬واستعمله آخرون في كلّ ما عرف‬
‫الشّرع ومنهم من استعمله في ك ّ‬
‫ل ما تقدّم ‪ ،‬هو ما تنكره النّفوس السّليمة‬
‫بالعقل والشّرع قبحه وقال غيرهم هو أشمل من ك ّ‬
‫وتتأذّى به ممّا حرّمه الشّرع ونافره الطّبع وتعاظم استكباره وقبح غاية القبح استظهاره في‬
‫محلّ المل لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬البرّ حسن الخلق والثم ما حاك في صدرك‬
‫وكرهت أن يطّلع عليه النّاس } ‪ .‬والمنكر منه ما هو مكروه ‪ ،‬ومنه ما هو محظور وهو‬
‫المسمّى عند الحنفيّة بكراهة التّحريم وهو المراد من المكروه عند إطلقهم ‪ ،‬وعند غيرهم‬
‫ن المنع من‬
‫يساوي المحرّم ‪ ،‬ويسمّى أيضا معصية وذنبا والفرق بين المكروه والمحظور ‪ ،‬أ ّ‬
‫المنكر المكروه مستحبّ ‪ ،‬والسّكوت عليه مكروه ‪ ،‬وليس بحرام ‪ ،‬وإذا لم يعلم الفاعل أنّه‬
‫مكروه وجب ذكره له ‪ ،‬فإنّ للكراهة حكما في الشّرع يجب تبليغه إلى من ل يعرفه ‪ .‬أمّا‬
‫المحظور فالنّهي عنه واجب والسّكوت عليه محظور إذا تحقّق شرطه ‪ ،‬وبهذا اشترط صاحب‬
‫الفواكه الدّواني أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه ‪ ،‬أو يكون مدرك عدم التّحريم فيه‬
‫ضعيفا ‪.‬‬

‫( شروط المنكر ) ‪:‬‬


‫‪ - 28‬يشترط في المنكر المطلوب تغييره ما يلي ‪ :‬الشّرط الوّل ‪ :‬أن يكون منكرا بمعنى أن‬
‫يكون محظورا في الشّرع ‪ ،‬وقال الغزاليّ ‪ :‬المنكر أع ّم من المعصية ‪ ،‬إذ من رأى صبيّا أو‬
‫مجنونا يشرب الخمر فعليه أن يريق خمره ويمنعه ‪ ،‬وكذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو‬
‫بهيمة فعليه أن يمنعه منه ‪ ،‬وهذا ل يسمّى معصية في حقّ المجنون ‪ ،‬إذ معصية ل عاصي‬
‫بها محال ‪ ،‬ولهذا قال صاحبا الفروق والقواعد ‪ :‬ل يشترط في المر بالمعروف والنّهي عن‬
‫المنكر أن يكون المأمور والمنهيّ عاصيين ‪ ،‬بل يشترط فيه أن يكون أحدهما ملبسا لمفسدة‬
‫واجبة الدّفع والخر تاركا لمصلحة واجبة التّحصيل ‪ ،‬وساقا جملة أمثلة للمنكر الّذي يجب‬
‫تغييره ممّن يملك ذلك ‪ .‬أحدها ‪ :‬أمر الجاهل بمعروف ل يعرف وجوبه ‪ ،‬ونهيه عن منكر ل‬
‫يعرف تحريمه كنهي النبياء عليهم السلم أممهم أوّل بعثهم ‪ .‬الثّاني ‪ :‬قتال البغاة مع أنّه ل‬
‫إثم عليهم في بغيهم لتأوّلهم ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ضرب الصّبيان على ملبسة الفواحش وترك الصّلة‬
‫والصّيام وغير ذلك من المصالح ‪ .‬الرّابع ‪ :‬قتل الصّبيان والمجانين إذا صالوا على الدّماء‬
‫والبضاع ولم يمكن دفعهم إلّ بقتلهم ‪ .‬الخامس ‪ :‬إذا وكّل وكيل في القصاص ثمّ عفا ولم‬
‫يعلم الوكيل أو أخبره فاسق بالعفو فلم يصدّقه وأراد القتصاص ‪ ،‬فللفاسق أن يدفعه بالقتل إذا‬
‫لم يمكن دفعه إلّ به دفعا لمفسدة القتل من غير حقّ ‪ .‬السّادس ‪ :‬ضرب البهائم في التّعليم‬
‫والرّياضة دفعا لمفسدة الشّراس والجماح ‪ ،‬وكذلك ضربها حمل على السراع لمسّ الحاجة‬
‫إليه على الكرّ والفرّ والقتال ‪ .‬ول يقتصر النكار على الكبيرة ‪ ،‬بل يجب النّهي عن الصّغائر‬
‫أيضا ‪.‬‬

‫( الشّرط الثّاني ) ‪:‬‬


‫‪ - 29‬أن يكون المنكر موجودا في الحال بأن يكون الفاعل مستمرّا على فعل المنكر ‪ ،‬فإن‬
‫علم من حاله ترك الستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل ‪ ،‬وهو احتراز عن‬
‫الحسبة على من فرغ من شرب الخمر ‪ ،‬واحتراز عمّا سيوجد ‪ ،‬كمن يعلم بقرينة الحال أنّه‬
‫عازم على الشّرب في ليلة فل حسبة عليه إلّ بالوعظ ‪ ،‬وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه‬
‫ن بالمسلم ‪ ،‬وربّما صدّق في قوله ‪ ،‬وربّما ل يقدم على ما عزم عليه‬
‫ن فيه إساءة ظ ّ‬
‫أيضا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫لعائق ‪ ،‬واستثني من ذلك حالتان ‪ :‬الحالة الولى ‪ :‬الصرار على فعل الحرام من غير إحداث‬
‫توبة فهذا يجب النكار عليه وفي رفعه إلى وليّ المر خلف مبنيّ على وجوب السّتر‬
‫واستحبابه وعلى سقوط الذّنب بالتّوبة وعدمه ‪ ،‬أمّا عن وجوب السّتر واستحبابه فإنّ للعلماء‬
‫ن الشّاهد في حقوق اللّه ( أسباب الحدود )‬
‫أقاويل نوجزها في التي ‪ :‬ذهب الحناف إلى أ ّ‬
‫ن كلّ واحد منهما أمر‬
‫مخيّر بين حسبتين ‪ :‬بين أن يشهد حسبة للّه تعالى وبين أن يستر ل ّ‬
‫مندوب إليه ‪ .‬قال اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬وأقيموا الشّهادة } وقال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من‬
‫ستر على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } وقد ندبه الشّرع إلى كلّ واحد منهما إن شاء‬
‫اختار جهة الحسبة فأقامها للّه تعالى ‪ ،‬وإن شاء اختار جهة السّتر فيستر على أخيه المسلم ‪،‬‬
‫والسّتر أولى ‪ .‬وأمّا في حقوق اللّه تعالى من غير أسباب الحدود نحو طلق وإعتاق وظهار‬
‫وإيلء ونحوها من أسباب الحرمات تلزمه إقامة الشّهادة حسبة للّه تبارك وتعالى عند الحاجة‬
‫إلى إقامتها من غير طلب من أحد من العباد ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬تجب المبادرة لداء الشّهادة في‬
‫حقّ اللّه إن استدام فيه التّحريم كالعتق والطّلق والرّضاع والوقف ‪ ،‬وإن كان التّحريم ينقضي‬
‫بالفراغ من متعلّقه كالزّنى وشرب الخمر كان مخيّرا في الرّفع وعدمه ‪ ،‬والتّرك أولى لما فيه‬
‫ن ستر النسان على نفسه‬
‫من معنى السّتر المطلوب في غير المجاهر بالفسق ‪ .‬وفي الموّاق أ ّ‬
‫وعلى غيره واجب حينئذ فيكون ترك الرّفع واجبا ‪ .‬وذكر العزّ بن عبد السّلم تفصيل‬
‫ن الزّواجر نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما هو زاجر عن الصرار على ذنب حاضر ‪ ،‬أو‬
‫خلصته أ ّ‬
‫مفسدة ملبسة ل إثم على فاعلها وهو ما قصد به دفع المفسدة الموجودة ويسقط باندفاعها ‪.‬‬
‫‪ - 30‬النّوع الثّاني ‪ :‬ما يقع زاجرا عن مثل ذنب ماض منصرم أو عن مثل مفسدة ماضية‬
‫ل بالستيفاء وهو ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما يجب إعلم مستحقّه ليبرأ منه‬
‫منصرمة ول يسقط إ ّ‬
‫أو يستوفيه ‪ ،‬وذلك كالقصاص في النّفوس والطراف وكحدّ القذف ‪ ،‬فإنّه يلزم من وجب عليه‬
‫أن يعرف مستحقّه ليستوفيه أو يعفو عنه ‪ .‬الضّرب الثّاني ‪ :‬ما الولى بالمتسبّب إليه ستره‬
‫كحدّ الزّنى والخمر والسّرقة ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬وأمّا الشّهود على هذه الجرائم ‪ ،‬فإن تعلّق بها حقوق‬
‫العباد لزمهم أن يشهدوا بها وأن يعرّفوا بها أربابها وإن كانت زواجرها حقّا محضا للّه فإن‬
‫كانت المصلحة في إقامة الشّهادة بها ‪ ،‬فيشهدوا بها مثل أن يطّلعوا من إنسان على تكرّر‬
‫الزّنى والسّرقة والدمان على شرب الخمور وإتيان الذّكور فالولى أن يشهدوا عليه دفعا لهذه‬
‫المفاسد ‪ ،‬وإن كانت المصلحة في السّتر عليه مثل زلّة من هذه الزّلّات تقع ندرة من ذوي‬
‫الهيئات ثمّ يقلع عنها ويتوب منها فالولى أن ل يشهدوا { لقوله صلى ال عليه وسلم لهزّال ‪:‬‬
‫يا هزّال لو سترته بردائك كان خيرا لك } وحديث ‪ { :‬وأقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم }‬
‫وحديث ‪ { :‬من ستر على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } وقال ابن مفلح من الحنابلة ‪:‬‬
‫عدم النكار والتّبليغ على الذّنب الماضي مبنيّ على سقوط الذّنب بالتّوبة ‪ ،‬فإن اعتقد الشّاهد‬
‫ل رفعه ‪ .‬وأمّا إذا كان مصرّا على المحرّم لم يتب ‪ ،‬فهذا يجب إنكار‬
‫سقوطه لم يرفعه وإ ّ‬
‫فعله الماضي وإنكار إصراره ‪ - 31 .‬الحالة الثّانية المستثناة من اشتراط وجود المنكر في‬
‫الحال ‪ :‬النكار على أرباب المذاهب الفاسدة والبدع المضلّة ‪ .‬قال إمام الحرمين في تفصيل‬
‫ما إلى الئمّة والولة ‪ :‬فأمّا نظره في الدّين فينقسم إلى ‪ :‬النّظر في أصل الدّين ‪ ،‬وإلى النّظر‬
‫في فروعه ‪ ،‬فأمّا القول في أصل الدّين فينقسم إلى حفظ الدّين بأقصى الوسع على المؤمنين‬
‫ودفع شبهات الزّائفين ‪ ،‬وإلى دعاء الجاحدين والكافرين إلى التزام الحقّ المبين ‪ .‬قال‬
‫الشّاطبيّ ‪ :‬من أظهر بدعته ودعا إليها فحكمه حكم سائر من تظاهر بمعصية صغيرة أو‬
‫كبيرة أو دعا إليها ‪ ،‬يؤدّب ‪ ،‬أويزجر ‪ ،‬أو يقتل ‪ ،‬إن امتنع من فعل واجب أو ترك محرّم ‪.‬‬
‫ويرى المام الغزاليّ أنّ البدع كلّها ينبغي أن تحسم أبوابها وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن‬
‫اعتقدوا أنّها الحقّ ‪ .‬ويرى ابن القيّم وجوب إتلف الكتب المشتملة على البدعة ‪ ،‬وأنّها أولى‬
‫بذلك من إتلف آنية الخمر وآلت اللّهو والمعازف ‪ ،‬ولنّ الحسبة على أهل الضواء والبدع‬
‫أهمّ من الحسبة على ك ّل المنكرات ‪.‬‬

‫الشّرط الثّالث أن يكون المنكر ظاهرا للمحتسب بغير تجسّس ‪:‬‬


‫‪ - 32‬التّجسّس معناه طلب المارات المعرّفة فالمارة المعرّفة إن حصلت وأورثت المعرفة‬
‫جاز العمل بمقتضاها ‪ ،‬أمّا طلبها فل رخصة فيه ‪ ،‬والحكمة من وراء ذلك أنّنا أمرنا أن‬
‫نجري أحكام النّاس على الظّواهر من غير استكشاف عن المور الباطنة قال عمر رضي ال‬
‫ن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وإنّ‬
‫عنه ‪ :‬إ ّ‬
‫الوحي قد انقطع وإنّما نأخذكم الن بما ظهر لنا من أعمالكم ‪ ،‬فمن أظهر لنا خيرا أ ّمنّاه‬
‫وقرّبناه وليس إلينا من سريرته شيء ‪ ،‬اللّه يحاسب سريرته ‪ ،‬ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه‬
‫ي في قوله تعالى ‪ { :‬ول تجسّسوا }‬
‫ن سريرته حسنة ‪ .‬وقال القرطب ّ‬
‫ولم نصدّقه وإن قال إ ّ‬
‫خذوا ما ظهر ‪ ،‬ول تتّبعوا عورات المسلمين ‪ ،‬أي ل يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتّى يطّلع‬
‫عليه بعد أن ستره اللّه فليس للمحتسب أن يتجسّس ول أن يبحث أو يقتحم على النّاس دورهم‬
‫بظنّ أنّ فيها منكرا ‪ ،‬لنّ ذلك من قبيل التّجسّس المنهيّ عنه وفي حكمه من ابتعد عن‬
‫النظار واستتر في موضع ل يعلم به غالبا غير من حضره ويكتمه ول يحدّث به ‪ .‬والنّاس‬
‫ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬مستور ل يعرف بشيء من المعاصي ‪ ،‬فإذا وقعت منه هفوة أو زلّة فإنّه‬
‫ن ذلك غيبة ‪ ،‬وفي ذلك قال اللّه تعالى ‪ { :‬إنّ‬
‫ل يجوز كشفها وهتكها ول التّحدّث بها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا والخرة } والمراد‬
‫إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه أو اتّهم به وهو بريء منه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬من‬
‫كان مشتهرا بالمعاصي معلنا بها ول يبالي بما ارتكب منها ول بما قيل له ‪ ،‬فهذا هو الفاجر‬
‫المعلن وليس له غيبة ‪ ،‬ومثل هذا فل بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود ‪ .‬أمّا تسوّر‬
‫الجدران على من علم اجتماعهم على منكر فقد أنكره الئمّة وهو داخل في التّجسّس المنهيّ‬
‫عنه ويتحقّق الظهار في حالة ما إذا أتى معصية بحيث يراه النّاس في ذهابهم وإيابهم ‪ ،‬أو‬
‫يعلم بها عن طريق الحواسّ الظّاهرة بحيث ل تخفى على من كان خارج الدّار ‪ ،‬وما ظهرت‬
‫دللته فهو غير مستور بل هو مكشوف ‪ .‬قال الماورديّ ‪ :‬ليس للمحتسب أن يبحث عمّا لم‬
‫يظهر من المحرّمات ‪ ،‬فإن غلب على الظّنّ استسرار قوم بها لمارة وآثار ظهرت فذلك‬
‫ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها ‪ ،‬مثل أن يخبره من يثق‬
‫بصدقه أنّ رجل خل برجل ليقتله ‪ ،‬أو بامرأة ليزني بها ‪ ،‬فيجوز له في مثل هذه الحال أن‬
‫يتجسّس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك ‪ ،‬وكذا لو عرف ذلك غير‬
‫المحتسب من المتطوّعة جاز لهم القدام على الكشف والنكار ‪ .‬والضّرب الثّاني ‪ :‬ما قصر‬
‫عن هذه الرّتبة فل يجوز التّجسّس عليه ول كشف الستار عنه ‪ ،‬فإن سمع أصوات الملهي‬
‫المنكرة من دار كان له أن ينكر ذلك من خارج الدّار وليس له أن يدخلها لنّ المنكر ظاهر‬
‫وليس عليه أن يكشف عن الباطن ‪.‬‬
‫ن نوعان ‪:‬‬
‫النكار بغلبة الظّنّ ‪ :‬الظّ ّ‬
‫‪ - 33‬نوع مذموم نهى الشّارع عن اتّباعه وأن يبنى عليه ما ل يجوز بناؤه عليه ‪ ،‬مثل أن‬
‫يظنّ بإنسان أنّه زنى أو سرق أو قطع الطّريق أو قتل نفسا أو أخذ مال أو ثلب عرضا ‪،‬‬
‫فأراد أن يؤاخذه بذلك من غير حجّة شرعيّة يستند إليها ظنّه ‪ ،‬وأراد أن يشهد عليه بذلك بناء‬
‫على هذا الظّنّ فهذا هو الثم لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظّنّ إنّ‬
‫ن الظّنّ أكذب الحديث } ‪ .‬ونوع محمود أجمع‬
‫ن إثم } وحديث ‪ { :‬إيّاكم والظّنّ فإ ّ‬
‫بعض الظّ ّ‬
‫ن معظم المصالح مبنيّة على الظّنون المضبوطة بالضّوابط‬
‫المسلمون على وجوب اتّباعه ل ّ‬
‫ن ترك العمل بهذا النّوع يؤدّي إلى تعطيل مصالح كثيرة غالبة خوفا من وقوع‬
‫الشّرعيّة وإ ّ‬
‫مفاسد قليلة نادرة وذلك على خلف حكمة الله الّذي شرع الشّرائع لجلها ومن هذا القبيل‬
‫إنكار المنكر في مثل الحالت التية ‪ :‬الولى ‪ :‬لو رأى إنسانا يسلب ثياب إنسان لوجب عليه‬
‫النكار عليه بناء على الظّنّ المستفاد من ظاهر يد المسلوب ‪ .‬الثّانية ‪ :‬لو رأى رجل يجرّ‬
‫ن الصل عدم‬
‫امرأة إلى منزله يزعم أنّها زوجته وهي تنكر ذلك ‪ ،‬فإنّه يجب النكار عليه ل ّ‬
‫ما ادّعاه ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬لو رأى إنسانا يقتل إنسانا يزعم أنّه كافر حربيّ دخل إلى دار السلم‬
‫بغير أمان وهو يكذّبه في ذلك ‪ ،‬لوجب عليه النكار ‪ ،‬لنّ اللّه خلق عباده حنفاء ‪ ،‬والدّار دالّة‬
‫على إسلم أهلها لغلبة المسلمين عليها ‪ .‬ففي هذه الحالت وأمثالها يعمل بالظّنون فإن أصاب‬
‫من قام بها فقد أدّى ما أوجب اللّه عليه إذا قصد بذلك وجه اللّه تعالى ‪ ،‬وإن لم يصب كان‬
‫معذورا ول إثم عليه في فعله ‪ .‬وللمحتسب أن يطوف في السّوق وأن يتفحّص أحوال أهله من‬
‫غير أن يخبره أحد بخيانتهم ول يكون هذا من قبيل التّجسّس المنهيّ عنه بل هو من صميم‬
‫عمله الّذي ينبغي أن ل يشغله عنه شاغل كما سبق في بحث آداب المحتسب ‪.‬‬

‫‪ :‬الشّرط الرّابع ‪ :‬أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد ‪ ،‬فكلّ ما هو محلّ للجتهاد فل حسبة‬
‫فيه وعبّر صاحب الفواكه الدّواني عن هذا الشّرط بقوله ‪ :‬أن يكون المنكر مجمعا على‬
‫ن الحكام الشّرعيّة على‬
‫تحريمه ‪ ،‬أو يكون مدرك عدم التّحريم فيه ضعيفا وبيان ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫ضربين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما كان من الواجبات الظّاهرة كالصّلة والصّيام والزّكاة والحجّ ‪ ،‬أو من‬
‫‪ .‬المحرّمات المشهورة كالزّنى ‪ ،‬والقتل ‪ ،‬والسّرقة ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬وقطع الطّريق ‪،‬‬
‫والغصب ‪ ،‬والرّبا ‪ ،‬وما أشبه ذلك فكلّ مسلم يعلم بها ول يختصّ الحتساب بفريق دون فريق‬
‫‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما كان في دقائق الفعال والقوال ممّا ل يقف على العلم به سوى العلماء ‪ ،‬مثل‬
‫فروع العبادات والمعاملت والمناكحات وغير ذلك من الحكام ‪ ،‬وهذا الضّرب على نوعين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ما أجمع عليه أهل العلم وهذا ل خلف في تعلّق الحسبة فيه لهل العلم ولم يكن‬
‫للعوامّ مدخل فيه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما اختلف فيه أهل العلم ممّا يتعلّق بالجتهاد ‪ ،‬فكلّ ما هو محلّ‬
‫الجتهاد فل حسبة فيه ‪ .‬ولكنّ هذا القول ليس على إطلقه بل المراد به الخلف الّذي له دليل‬
‫ن النكار إمّا أن يتوجّه إلى القول‬
‫‪ ،‬أمّا ما ل دليل له فل يعتدّ به ويقرّر هذا المام ابن القيّم بأ ّ‬
‫والفتوى ‪ ،‬أو العمل ‪ .‬أمّا الوّل فإذا كان القول يخالف سنّة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره‬
‫اتّفاقا ‪ ،‬وإن لم يكن كذلك فإنّ بيان ضعفه ومخالفته للدّليل إنكار مثله ‪ ،‬وأمّا العمل فإذا كان‬
‫على خلف سنّة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات النكار ‪ ،‬وكيف يقول فقيه ل إنكار‬
‫في المسائل المختلف فيها ‪ ،‬والفقهاء من سائر الطّوائف قد صرّحوا بنقض حكم الحاكم إذا‬
‫خالف كتابا أو سنّة ‪ ،‬وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء ‪ .‬وأمّا إذا لم يكن في المسألة سنّة‬
‫أو إجماع وللجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلّدا وقال المام النّوويّ‬
‫‪ :‬ول ينكر محتسب ول غيره على غيره ‪ ،‬وكذلك قالوا ‪ :‬ليس للمفتي ول للقاضي أن‬
‫يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصّا أو إجماعا أو قياسا جليّا ‪ .‬وهذا الحكم متّفق عليه‬
‫سنّة أو الجماع أو القياس‬
‫عند الئمّة الربعة ‪ ،‬فإنّ الحكم ينقص إذا خالف الكتاب أو ال ّ‬
‫وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح ( فتوى وقضاء ) ‪.‬‬

‫أقسام المنكر ‪:‬‬


‫‪ - 34‬المنكر على ثلثة أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬ما كان من حقوق اللّه تعالى ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما كان من‬
‫حقوق الدميّين ‪ .‬والثّالث ‪ :‬ما كان مشتركا بين الحقّين ‪ .‬فأمّا النّهي عنها في حقوق اللّه‬
‫تعالى فعلى أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬ما تعلّق بالعقائد ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما تعلّق بالعبادات ‪ .‬والثّالث ‪ :‬ما‬
‫تعلّق بالمحظورات ‪ .‬والرّابع ‪ :‬ما تعلّق بالمعاملت ‪ .‬فأمّا المتعلّق بالعقائد فإنّ الحقّ فيها هو‬
‫ص خصائصهم أنّهم يتّبعون أمّ‬
‫سنّة والجماعة ‪ .‬ومن أخ ّ‬
‫جملة ما عليه أهل الحديث وأهل ال ّ‬
‫الكتاب ويتركون المتشابه ‪ ،‬وأمّ الكتاب يعمّ ما هو من الصول العتقاديّة والعمليّة ‪ .‬وأمّا‬
‫المتعلّق بالعبادات فكالقاصد مخالفة هيئتها المشروعة والمتعمّد تغيير أوصافها المسنونة ‪ ،‬مثل‬
‫أن يقصد الجهر في صلة السرار ‪ ،‬والسرار في صلة الجهر ‪ ،‬أو يزيد في الصّلة أو في‬
‫الذان أذكارا غير مسنونة ‪ ،‬فللمحتسب إنكارها ‪ ،‬وتأديب المعاند فيها ‪ ،‬إذا لم يقل بما ارتكبه‬
‫إمام متبوع ‪ .‬وأمّا ما تعلّق بالمحظورات فهو أن يمنع النّاس من مواقف الرّيب ومظانّ التّهمة‬
‫‪ ،‬فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك } فيقدّم النكار ول‬
‫يعجّل بالتّأديب قبل النكار ‪ .‬وأمّا ما تعلّق بالعاملت المنكرة كالرّبا والبيوع الفاسدة ‪ ،‬وما‬
‫منع الشّرع منه مع تراضي المتعاقدين به إذا كان متّفقا على حظره ‪ ،‬فعلى والي الحسبة‬
‫إنكاره والمنع منه والزّجر عليه ‪ .‬وأمّا ما اختلف الفقهاء في حظره وإباحته فل مدخل له في‬
‫إنكاره إلّ أن يكون بما ضعف الخلف فيه وكان ذريعة إلى محظور متّفق عليه ‪ ،‬كربا النّقد ‪،‬‬
‫فالخلف فيه ضعيف ‪ ،‬وهو ذريعة إلى ربا النّساء المتّفق على تحريمه ‪ .‬وممّا هو عمدة‬
‫نظره المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات ‪ ،‬وله الدب عليه‬
‫والمعاقبة فيه ‪ .‬ويجوز له إذا استراب بموازين أهل السّوق ومكاييلهم أن يختبرها ويعايرها ‪،‬‬
‫ولو كان على ما عايره منها طابع معروف بين العامّة ل يتعاملون إلّ به كان أحوط وأسلم ‪.‬‬
‫فإن فعل ذلك وتعامل قوم بغير ما طبع عليه طابعه توجّه النكار عليهم ‪ -‬إن كان مبخوسا ‪-‬‬
‫من وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬لمخالفته في العدول عن مطبوعه وإنكاره من الحقوق السّلطانيّة ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬للبخس والتّطفيف وإنكاره من الحقوق الشّرعيّة ‪ ،‬فإن كان ما تعاملوا به من غير‬
‫المطبوع سليما من بخس ونقص توجّه النكار عليهم بحقّ السّلطنة وحدها لجل المخالفة ‪.‬‬
‫وإن زوّر قوم على طابعه كان الزّور فيه كالمبهرج على طابع الدّراهم والدّنانير ‪ ،‬فإن قرن‬
‫ق السّلطنة من‬
‫التّزوير بغشّ كان النكار عليه والتّأديب مستحقّا من وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬في ح ّ‬
‫جهة التّزوير ‪ .‬والثّاني ‪ :‬من جهة الشّرع في الغشّ وهو أغلظ النّكرين ‪ ،‬وإن سلم التّزوير‬
‫ش تفرّد بالنكار لحقّ السّلطنة خاصّة‬
‫من غ ّ‬

‫وأمّا الحسبة في حقوق الدميّين المحضة ‪ :‬فمنها ما يتعلّق بالجيران مثل أن يتعدّى رجل في‬
‫حدّ لجاره ‪ ،‬أو في حريم لداره ‪ ،‬أو في وضع أجذاع على جداره ‪ ،‬فل اعتراض للمحتسب‬
‫ح منه العفو عنه والمطالبة به ‪ ،‬فإن خاصمه‬
‫فيه ما لم يستعده الجار ‪ ،‬لنّه حقّ يخصّه يص ّ‬
‫إلى المحتسب نظر فيه ما لم يكن بينهما تنازع وتناكر ‪ ،‬وأخذ المتعدّي بإزالة تعدّيه ‪ ،‬وكان‬
‫تأديبه عليه بحسب شواهد الحال ‪ .‬ومنها ما يتعلّق بأرباب المهن والصّناعات وهم ثلثة‬
‫أصناف ‪ :‬منهم من يراعى عمله في الوفور والتّقصير ‪ .‬ومنهم من يراعى حاله في المانة‬
‫والخيانة ‪ .‬ومنهم من يراعى عمله في الجودة والرّداءة ‪ .‬فأمّا من يراعى عمله في الوفور‬
‫ن للطّبيب إقداما على النّفوس يفضي التّقصير فيه إلى تلف‬
‫والتّقصير فكالطّبيب والمعلّمين ‪ ،‬ل ّ‬
‫أو سقم ‪ ،‬وللمعلّمين من الطّرائق الّتي ينشأ الصّغار عليها ما يكون نقلهم عنه بعد الكبر‬
‫عسيرا ‪ ،‬فيقرّ منهم من توفّر علمه وحسنت طريقته ‪ ،‬ويمنع من قصّر وأساء ‪ .‬وأمّا من‬
‫صبّاغين ‪ ،‬لنّهم ربّما‬
‫يراعى حاله في المانة والخيانة فمثل الصّاغة والحاكة والقصّارين وال ّ‬
‫هربوا بأموال النّاس ‪ ،‬فيراعي أهل الثّقة والمانة منهم فيقرّهم ‪ ،‬ويبعد من ظهرت خيانته ‪.‬‬
‫وأمّا من يراعى عمله في الجودة والرّداءة ممّا يتعلّق بفساد العمل ورداءته وإن لم يكن فيه‬
‫مستعديا ‪ ،‬وإمّا في عمل مخصوص اعتاد الصّانع فيه الفساد والتّدليس ‪ ،‬فإذا استعداه الخصم‬
‫قابل عليه بالنكار والزّجر ‪ ،‬فإن تعلّق بذلك غرم روعي حال الغرم ‪ ،‬فإن افتقر إلى تقدير أو‬
‫تقويم لم يكن للمحتسب أن ينظر فيه لفتقاره إلى اجتهاد حكميّ ‪ ،‬وكان القاضي بالنّظر فيه‬
‫أحقّ ‪ ،‬وإن لم يفتقر إلى تقدير ول تقويم واستحقّ فيه المثل الّذي ل اجتهاد فيه ول تنازع ‪،‬‬
‫فللمحتسب أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتّأديب على فعله ‪ ،‬لنّه أخذ بالتّناصف وزجر عن‬
‫التّعدّي ‪.‬‬

‫وأمّا الحسبة في الحقوق المشتركة بين حقوق اللّه وحقوق الدميّين ‪ :‬فكالمنع من الشراف‬
‫على منازل النّاس ‪ ،‬ول يلزم من عل بناؤه أن يستر سطحه وإنّما يلزم أن ل يشرف على‬
‫غيره ‪ .‬وإذا كان في أئمّة المساجد السّابلة والجوامع الحافلة من يطيل الصّلة حتّى يعجز‬
‫الضّعفاء وينقطع بها ذوو الحاجات أنكر ذلك ‪ ،‬وإذا كان في القضاة من يحجب الخصوم إذا‬
‫قصدوه بمنع النّظر بينهم إذا تحاكموا إليه حتّى تقف الحكام ويتضرّر الخصوم فللمحتسب‬
‫النكار عليه مع ارتفاع العذار ‪ ،‬ول يمنع علوّ رتبته من إنكار ما قصّر فيه ‪ .‬وإن كان في‬
‫أرباب المواشي من يستعملها فيما ل تطيق الدّوام عليه أنكره المحتسب عليهم ومنعهم منه ‪.‬‬
‫وللمحتسب أن يمنع أرباب السّفن من حمل ما ل تسعه ويخاف منه غرقها ‪ ،‬وكذلك يمنعهم‬
‫من المسير عند اشتداد الرّيح ‪ ،‬وإذا حمل فيها الرّجال والنّساء حجز بينهم بحائل ‪ ،‬وإذا كان‬
‫في أهل السواق من يختصّ بمعاملة النّساء راعى المحتسب سيرته وأمانته فإذا تحقّق منه‬
‫أقرّه على معاملتهنّ ‪ .‬وإن بنى قوم في طريق سابل منع منه ‪ ،‬وإن اتّسع له الطّريق ‪،‬‬
‫ويأخذهم بهدم ما بنوه ‪ .‬ولو كان المبنيّ مسجدا ‪ ،‬لنّ مرافق الطّريق للسّلوك ل للبنية ‪،‬‬
‫ويجتهد المحتسب ‪ ،‬وإذا وضع النّاس المتعة وآلت البنية في مسالك الشّوارع والسواق‬
‫ارتفاعا لينقلوه حال بعد حال مكّنوا منه إن لم يستض ّر به المارّة ‪ .‬ومنعوا منه إن استضرّوا‬
‫به ‪ .‬وهكذا القول في إخراج الجنحة والسبطة ومجاري المياه يقرّ ما ل يضرّ ويمنع ما‬
‫ضرّ ‪ ،‬ويجتهد رأيه فيما ضرّ ل يضرّ ‪ ،‬لنّه من الجتهاد العرفيّ دون الشّرعيّ ‪ .‬ولوالي‬
‫الحسبة أن يمنع من نقل الموتى من قبورهم إذا دفنوا في ملك أو مباح إلّ من أرض مغصوبة‬
‫فيكون لمالكها أن يأخذ من دفنه فيها بنقله منها ‪ .‬ويمنع من خصاء الدميّين والبهائم ويؤدّب‬
‫عليه وإن استحقّ فيه قود أو دية استوفاه لمستحقّه ما لم يكن فيه تنازع وتناكر ‪ .‬ويمنع من‬
‫التّكسّب بالكهانة واللّهو ‪ ،‬ويؤدّب عليه الخذ والمعطي ‪.‬‬

‫الرّكن الثّالث ‪ :‬المحتسب عليه ‪:‬‬


‫‪ - 35‬المحتسب عليه هو المأمور بالمعروف والمنهيّ عن المنكر وشرطه أن يكون ملبسا‬
‫لمفسدة واجبة الدّفع ‪ ،‬أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وقال الغزاليّ ‪ :‬وشرطه أن يكون‬
‫بصفة مصير الفعل الممنوع في حقّه منكرا ‪ ،‬ول يشترط كونه مكلّفا ‪ ،‬ول يشترط في‬
‫المأمور والمنهيّ أن يكونا عاصيين ‪ .‬ولهذا أمثلة تقدّمت في معنى المنكر والمراد منه ‪.‬‬

‫أوّل ‪ -‬الحتساب على الصّبيان ‪:‬‬


‫‪ - 36‬صرّح ابن حجر الهيتميّ بالوجوب ‪ ،‬ونقل عن الئمّة أنّه يجب إنكار الصّغيرة والكبيرة‬
‫‪ ،‬بل لو لم يكن الفعل معصية لخصوص الفاعل ‪ ،‬كمنع الصّغير والمجنون عن شرب الخمر‬
‫والزّنى ‪ .‬ورجّح ابن مفلح والسّفارينيّ الوجوب عند ابن الجوزيّ ‪ ،‬ورجّح الحجّاويّ‬
‫ب النكار على الولد الّذين دون البلوغ سواء أكانوا ذكورا أم إناثا‬
‫الستحباب وقال ‪ :‬يستح ّ‬
‫تأديبا لهم وتعليما ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الحتساب على الوالدين ‪:‬‬


‫ن النّصوص الواردة في المر والنّهي‬
‫‪ - 37‬أجمع الفقهاء على أنّ للولد الحتساب عليهما ‪ ،‬ل ّ‬
‫مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما ‪ ،‬ولنّ المر والنّهي لمنفعة المأمور والمنهيّ ‪ ،‬والب والمّ‬
‫أحقّ أن يوصل الولد إليهما المنفعة ولكن ل يتجاوز مرتبتي التّعرّف والتّعريف ‪ ،‬وقد اختلف‬
‫الفقهاء فيما يجاوز ذلك بحيث يؤدّي إلى سخطهما بأن يكسر مثل عودا ‪ ،‬أو يريق خمرا ‪ ،‬أو‬
‫يحلّ الخيوط عن ثيابه المنسوجة من الحرير ‪ ،‬أو يردّ ما يجده في بيتهما من المال الحرام ‪.‬‬
‫وذهب الغزاليّ إلى أنّ للولد فعل ذلك لنّ هذه الفعال ل تتعلّق بذات الب ‪ .‬فسخط الب في‬
‫هذه الحالة منشؤه حبّه للباطل وللحرام ‪ .‬وذهب آخرون إلى عدم جواز ذلك وهو مذهب‬
‫الحنفيّة ونقله القرافيّ عن مالك وهو أيضا مذهب أحمد ‪ .‬قال صاحب نصاب الحتساب ‪:‬‬
‫سنّة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرّة فإن قبل فبها ‪ ،‬وإن كرها سكت‬
‫ال ّ‬
‫عنهما ‪ ،‬واشتغل بالدّعاء والستغفار لهما ‪ ،‬فإنّه تعالى يكفيه ما يهمّه من أمرهما ‪ .‬وقال في‬
‫موضع آخر ‪ :‬يجوز للولد أن يخبر المحتسب بمعصية والديه إذا علم الولد أن أبويه ل‬
‫يمتنعان بموعظته ‪ .‬ونقل القرافيّ عن مالك أنّ الوالدين يؤمران بالمعروف وينهيان عن‬
‫المنكر ويخفض لهما في ذلك جناح الذّلّ من الرّحمة ‪ .‬وروي عن أحمد مثل ذلك ‪ ،‬وفي‬
‫رواية حنبل إذا رأى أباه على أمر يكرهه يكلّمه بغير عنف ول إساءة ‪ ،‬ول يغلّظ له في‬
‫الكلم ‪ ،‬وليس الب كالجنبيّ ‪ ،‬وفي رواية يعقوب بن يوسف إذا كان أبواه يبيعان الخمر لم‬
‫يأكل من طعامهما ‪ ،‬وخرج عنهما ‪ .‬أمّا الحتساب بالتّعنيف والضّرب والرهاق إلى ترك‬
‫ن المر بالمعروف والنّهي‬
‫ي يتّفق مع غيره في المنع منه حيث قال ‪ :‬إ ّ‬
‫ن الغزال ّ‬
‫الباطل ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عن المنكر ورد عامّا ‪ ،‬وأمّا النّهي عن إيذاء البوين فقد ورد خاصّا في حقّهما ممّا يوجب‬
‫ن الجلّاد ليس له أن يقتل أباه في الزّنى حدّا ‪،‬‬
‫استثناءهما من ذلك العموم ‪ ،‬إذ ل خلف في أ ّ‬
‫ول له أن يباشر إقامة الحدّ عليه ‪ ،‬بل ل يباشر قتل أبيه الكافر ‪ ،‬بل لو قطع يده لم يلزم‬
‫قصاص ‪ ،‬ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته ‪ ،‬فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حقّ على جناية‬
‫سابقة ‪ ،‬فل يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقّعة بل أولى وترخّص ابن‬
‫شدّة ‪.‬‬
‫حجر في حالة الضطرار مجاوزة الرّفق إلى ال ّ‬
‫ثالثا ‪ -‬احتساب التّلميذ على الشّيخ ‪ ،‬والزّوجة على زوجها ‪ ،‬والتّابع على المتبوع ‪:‬‬
‫ن هذا‬
‫ل منه وقال ‪ :‬اعلم أ ّ‬
‫‪ - 38‬عقد النّوويّ في الذكار بابا في وعظ النسان من هو أج ّ‬
‫الباب ممّا تتأكّد العناية به ‪ ،‬فيجب على النسان النّصيحة ‪ ،‬والوعظ ‪ ،‬والمر بالمعروف‬
‫ل صغير وكبير ‪ ،‬إذا لم يغلب على ظنّه ترتّب مفسدة على وعظه ‪.‬‬
‫والنّهي عن المنكر لك ّ‬
‫وألحق المام الغزاليّ الزّوجة بالنّسبة لزوجها بالولد بالنّسبة لبيه ‪ .‬وقال في باب ما يقوله‬
‫التّابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه ‪ :‬اعلم أنّه يستحبّ للتّابع إذا رأى شيخه وغيره ممّن‬
‫يقتدي به شيئا في ظاهره مخالفة المعروف أن يسأله عنه بنيّة السترشاد ‪ ،‬فإن كان فعله ناسيا‬
‫تداركه ‪ ،‬وإن فعله عامدا وهو صحيح في نفس المر بيّنه له ‪ ،‬وأورد جملة آثار في ذلك ‪.‬‬
‫ن المحترم هو الستاذ المفيد للعلم من‬
‫وللمام الغزاليّ تفصيل ‪ ،‬فبعد أن قرّر كأصل عامّ أ ّ‬
‫حيث الدّين ‪ ،‬ول حرمة لعالم ل يعمل بعلمه ويعامله بموجب علمه الّذي تعلّمه منه ‪ .‬قال‬
‫بسقوط الحسبة على المتعلّم إذا لم يجد إلّ معلّما واحدا ول قدرة له على الرّحلة إلى غيره ‪،‬‬
‫ن المحتسب عليه قادر على أن يسدّ عليه طريق الوصول إليه ‪ ،‬ككون العالم مطيعا له‬
‫وعلم أ ّ‬
‫أو مستمعا لقوله ‪ ،‬فالصّبر على الجهل محذور ‪ ،‬والسّكوت على المنكر محذور ‪ ،‬ول يبعد أن‬
‫يرجّح أحدهما ويختلف ذلك بتفاحش المنكر وشدّة الحاجة إلى العلم لتعلّقه بمهمّات الدّين ‪.‬‬
‫وناط الحتساب وتركه باجتهاد المحتسب حتّى يستفتي فيها قلبه ‪ ،‬ويزن أحد المحذورين‬
‫بالخر ويرجّح بنظر الدّين ل بموجب الهوى والطّبع ‪.‬‬

‫رابعا ‪ -‬احتساب الرّعيّة على الئمّة والولة ‪:‬‬


‫‪ - 39‬أجمع الفقهاء على وجوب طاعة الئمّة والولة في غير معصية ‪ ،‬وعلى تحريمها في‬
‫ن الجائز في الحسبة من الرّعيّة على الئمّة والولة رتبتان ‪:‬‬
‫المعصية ويرى الغزاليّ أ ّ‬
‫شرّ ‪ ،‬ويكون ما يتولّد منه من‬
‫التّعريف والوعظ ‪ ،‬أمّا ما تجاوز ذلك فإنّه يحرّك الفتنة ويهيّج ال ّ‬
‫ل على نفسه فهو جائز عند جمهور‬
‫المحذور أكثر ‪ .‬وزاد ابن الجوزيّ ‪ :‬وإن لم يخف إ ّ‬
‫الفقهاء ‪.‬‬

‫خامسا ‪ -‬الحتساب على أهل ال ّذمّة ‪:‬‬


‫‪ - 40‬أهل ال ّذمّة عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم اللّه ورسوله ‪ ،‬إذ هم مقيمون‬
‫في الدّار الّتي يجري فيها حكم اللّه ورسوله بخلف أهل الهدنة فإنّهم صالحوا المسلمين على‬
‫أن يكونوا في دارهم ‪ ،‬ول تجري عليهم أحكام السلم ‪ ،‬وبخلف المستأمنين فإنّ إقامتهم في‬
‫بلد المسلمين من غير استيطان لها ‪ ،‬ولذلك كان لهل ال ّذمّة أحكام تخصّهم دون هؤلء ‪.‬‬
‫ل ما‬
‫ومن هذه الحكام أنّهم إن أقاموا مع المسلمين في مصر واحد فإنّه يحتسب عليهم في ك ّ‬
‫يحتسب فيه على المسلمين ‪ ،‬ولكن ل يتعرّض لهم فيما ل يظهرونه في كلّ ما اعتقدوا حلّه‬
‫في دينهم ممّا ل أذى للمسلمين فيه من الكفر وشرب الخمر واتّخاذه ‪ ،‬ونكاح ذوات المحارم ‪،‬‬
‫فل تعرّض لهم فيما التزمنا تركه ‪ ،‬وما أظهروه من ذلك تعيّن إنكاره عليهم ‪ ،‬ويمنعون من‬
‫إظهار ما يحرم على المسلمين ‪ .‬وإذا انفردوا في مصرهم فل يمنعون من إظهار ذلك ‪،‬‬
‫وكذلك في القرى ‪ ،‬ولو كان من بين سكّانها مسلمون ‪ ،‬لنّها ليست بموضع إعلم الدّين من‬
‫إقامة الجمعة والعياد وإقامة الحدود وتنفيذ الحكام ‪ .‬وإذا أظهروا شيئا من الفسق في قراهم‬
‫ن هذا ليس بديانة منهم ‪،‬‬
‫ممّا لم يصالحوا عليه مثل الزّنى وإتيان الفواحش منعوا منه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولكنّه فسق في الدّيانة فإنّهم يعتقدون حرمة ذلك كما يعتقده المسلمون ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬
‫مصطلح " أهل ال ّذمّة » ‪.‬‬

‫الرّكن الرّابع ‪ :‬في الحتساب ومراتبه ‪:‬‬


‫‪ - 41‬القيام بالحسبة ‪ -‬وهو المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ -‬من أعظم الواجبات وأهمّ‬
‫المحتسبات ذكره اللّه في كتابه مرّات كثيرة وامتدحه فيه بأساليب عديدة ‪ ،‬وكان حظّه مع ذلك‬
‫سنّة أوفر وذكره فيها أكثر ‪ ،‬وذلك لعظم ما يترتّب عليه من مصالح ‪ ،‬وما يدرأ به من‬
‫من ال ّ‬
‫ل ما أمر به الدّين ‪ ،‬وحكمة كلّ ما نهى عنه ‪ .‬والمعتبر في ذلك هو‬
‫مفاسد ‪ ،‬وذلك أساس ك ّ‬
‫رجحان أحد النّوعين على الخر إذ ل يخلو كلّ أمر ونهي من مصلحة يحقّقها ومفسدة يترتّب‬
‫عليه ‪ ،‬فإذا رجحت المصلحة أمر به ‪ ،‬وإذا رجحت المفسدة نهى عنه ‪ .‬كان كلّ من المر‬
‫والنّهي في هذه الحال مشروعا وطاعة مطلوبة ‪ ،‬وكان تركها ‪ ،‬أو وضع أحدهما موضع‬
‫ب الفساد ‪.‬‬
‫ن مغبّة ذلك الفساد واللّه ل يح ّ‬
‫الخر عصيانا وأمرا محرّما مطلوبا تركه ‪ ،‬ل ّ‬
‫مراتب الحتساب ‪ :‬ذكر بعض العلماء في مراتب التّغيير ما يمكن إيجازه فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 42‬النّوع الوّل ‪ :‬التّنبيه والتّذكير وذلك فيمن يعلم أنّه يزيل فساد ما وقع لصدور ذلك على‬
‫غرّة وجهالة ‪ ،‬كما يقع من الجاهل بدقائق الفساد في البيوع ‪ ،‬ومسالك الرّبا الّتي يعلم خفاؤها‬
‫عنه ‪ ،‬وكذلك ما يصدر من عدم القيام بأركان الصّلة وشروط العبادات فينبّهون بطريق ‪.‬‬
‫التّلطّف والرّفق والستمالة ‪ - 43 .‬النّوع الثّاني ‪ :‬الوعظ والتّخويف من اللّه ويكون ذلك لمن‬
‫عرف أنّه قد اقترف المنكر وهو عالم به من أنواع المعاصي الّتي ل تخفى على المسلم‬
‫المكلّف فيتعاهده المحتسب بالعظة والخافة من ربّه ‪ - 44 .‬النّوع الثّالث ‪ :‬الزّجر والتّأنيب‬
‫شدّة في التّهديد والنكار ‪ ،‬وذلك فيمن ل ينفع فيه وعظ‬
‫والغلظ بالقول والتّقريع باللّسان وال ّ‬
‫‪ ،‬ول ينجح في شأنه تحذير برفق ‪ ،‬بل يظهر عليه مبادئ الصرار على المنكر والستهزاء‬
‫بالعظة ‪ ،‬ويكون ذلك بما ل يعدّ فحشا في القول ول إسرافا فيه خاليا من الكذب ‪ ،‬ومن أن‬
‫ينسب إلى من نصحه ما ليس فيه مقتصرا على قدر الحاجة حتّى ل يكون من نتيجته إصرار‬
‫واستكبار ‪ - 45 .‬النّوع الرّابع ‪ :‬التّغيير باليد بإزالة ذلك المنكر وذلك فيمن كان حامل الخمر‬
‫‪ ،‬أو ماسكا لمال مغصوب ‪ ،‬وعينه قائمة بيده ‪ ،‬وربّه متظلّم من بقاء ذلك بيده ‪ ،‬طالب رفع‬
‫المنكر في بقائه تحت حوزه وتصرّفه ‪ ،‬فأمثال هذا ل بدّ فيه من الزّجر والغلظ من‬
‫المباشرة للزالة باليد ‪ ،‬أو ما يقوم مقام اليد كأمر العوان الممتثلين أمر المغيّر في إزالة‬
‫المنكر ‪ - 46 .‬النّوع الخامس ‪ :‬إيقاع العقوبة بالنّكال والضّرب ‪ .‬وذلك فيمن تجاهر بالمنكر‬
‫وتلبّس بإظهاره ولم يقدر على دفعه إلّ بذلك ‪ - 47 .‬النّوع السّادس ‪ :‬الستعداء ورفع المر‬
‫إلى الحاكم والمام لما له من عموم النّظر ونفوذ الكلمة ‪ ،‬ما لم تدع الضّرورة لترك النّصرة‬
‫به لما يخشى من فوات التّغيير ‪ ،‬فيجب قيام المحتسب بما تدعو إليه الحاجة في الحال ‪- 48 .‬‬
‫ن للمحتسب أن يتّخذ ما يلزمه من أمور الحسبة بما يرى فيه صلح‬
‫وقد ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ل معصية ل‬
‫الرّعيّة ‪ ،‬وزجر المفسدين ‪ ،‬وله في سبيل ذلك ‪ -‬بوجه خاصّ ‪ -‬التّعزير في ك ّ‬
‫حدّ فيها ول كفّارة ‪ ،‬ممّا ل يدخل في اختصاص القاضي ‪ ،‬ويكون التّعزير بالضّرب ‪ ،‬أو‬
‫الحبس ‪ ،‬أو التلف ‪ ،‬أو القتل أو النّفي ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح " تعزير » ‪.‬‬

‫خطأ المحتسب وما يترتّب عليه من الضّمان " ضمان الولة " ‪:‬‬
‫ل من اقترف شيئا من المعاصي‬
‫‪ - 49‬المحتسب مأمور بإزالة المنكر ‪ ،‬فله أن يحتسب على ك ّ‬
‫وأن يعاقبه عليها بما يراه مناسبا ‪ ،‬وقد يحدث أثناء ذلك تجاوز في العقوبة ‪ ،‬فيتسبّب عنه‬
‫تلف في المال أو في البدن فهل يضمن شيئا من ذلك ؟ اختلف الفقهاء في حكم التّجاوز في‬
‫إتلف المال على الوجه التي ‪ :‬ذهب الحنفيّة وأحمد في إحدى الرّوايات عنه إلى عدم‬
‫الضّمان مطلقا وقال الحنابلة ‪ :‬ل ضمان في إتلف خمر وخنزير ‪ ،‬وكذا لو كسر صليبا أو‬
‫مزمارا أو طنبورا أو صنما ‪ .‬للنّهي عن بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام ‪ .‬ولحديث ‪:‬‬
‫{ بعثت بمحق القينات والمعازف } وقال صاحب المغني ‪ :‬وفي كسر آنية الخمر روايتان ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة وهي الرّواية الخرى عند الحنابلة إلى الضّمان إذا تجاوز المحتسب‬
‫القدر المحتاج إليه ‪ .‬قال صاحب تحفة النّاظر من المالكيّة ‪ :‬إذا لم يقع التّمكّن من إراقة الخمر‬
‫إلّ بكسر أنابيبها وتحريق وعائها ‪ ،‬فل ضمان على من فعل ذلك على الوجه المتقدّم في هذا‬
‫النّوع ‪ ،‬وإن أمكن زوال عينها مع بقاء الوعاء سليما ولم يخف الفاعل مضايقة في الزّمان ول‬
‫في المكان بتغلّب فاعله مع انتفاء هذه الموانع ضمن قيمته ‪ ،‬إن كان لمثاله قيمة وهو ينتفع‬
‫في غير الخمر ‪ .‬وقال الغزاليّ ‪ :‬وفي إراقة الخمور يتوقّى كسر الواني إن وجد إليه سبيل‬
‫وحيث كانت الراقة متيسّرة بل كسر ‪ ،‬فكسرها لزمه الضّمان ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬الوالي له أن‬
‫يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه ‪ ،‬وله أن يأمر بكسر الظّروف الّتي فيها الخمر زجرا ‪ ،‬وقد‬
‫فعل ذلك في زمن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تأكيدا للزّجر ‪ ،‬ولم يثبت نسخه ‪ ،‬ولكن‬
‫كانت الحاجة إلى الزّجر والفطام شديدة ‪ ،‬فإذا رأى الوالي باجتهاده مثل الحاجة جاز له مثل‬
‫شقّ‬
‫ذلك ‪ ،‬وإذا كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لحاد الرّعيّة ‪ - 50 .‬أمّا ال ّ‬
‫الخر وهو الضّمان في تلف النّفوس بسبب ما يقوم به المحتسب ‪ ،‬فإنّ للفقهاء أقوال في ذلك‬
‫‪ :‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ من مات من التّعزير لم يجب ضمانه ‪ ،‬لنّها عقوبة مشروعة‬
‫للرّدع والزّجر ‪ ،‬فلم يضمن من تلف بها كالحدّ ‪ ،‬ولنّه فعل ما فعل بأمر الشّرع ‪ ،‬وفعل‬
‫ن اللّه أماته‬
‫المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة ‪ ،‬ولنّه استوفى حقّ اللّه تعالى بأمره ‪ ،‬فصار كأ ّ‬
‫من غير واسطة فل يجب الضّمان ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد قال صاحب التّبصرة ‪ :‬فإن عزّر الحاكم‬
‫أحدا فمات أو سرى ذلك إلى النّفس فعلى العاقلة ‪ ،‬وكذلك تحمل العاقلة الثّلث فأكثر ‪ ،‬وفي‬
‫عيون المجالس للقاضي عبد الوهّاب إذا عزّر المام إنسانا فمات في التّعزير لم يضمن‬
‫ن عدم الضّمان مبنيّ على‬
‫المام شيئا ل دية ول كفّارة ‪ .‬وذهب المحقّقون من فقهائهم إلى أ ّ‬
‫ظنّ السّلمة ‪ ،‬فإن شكّ فيها ضمن ما سرى على نفس أو عضو ‪ ،‬وإن ظنّ عدم السّلمة‬
‫فالقصاص ‪ .‬والشّافعيّ يرى التّضمين في التّعزير إذا حصل به هلك ‪ ،‬لنّه مشروط بسلمة‬
‫العاقبة ول يعفى من التّعزير إلّ أن يكون الهلك بنحو توبيخ بكلم وصفع فل شيء فيه ول‬
‫ضمان على من عزّر غيره بإذنه ‪ ،‬ول على من عزّره ممتنعا من أداء حقّ عليه ‪ ،‬وإن أدّى‬
‫إلى قتله قال الرّمليّ ‪ :‬للحاكم تعزير الممتنع من أداء دين عليه بعد طلب مستحقّه بحبس أو‬
‫ضرب وإن زاد على التّعزير بل وإن أدّى إلى موته لنّه بحقّ ول ضمان عليه فيه ‪ .‬ول‬
‫يكون التّعزير بما يقتل غالبا ‪ ،‬فإن ضربه ضربا يقتل غالبا أو بما يقتل غالبا أو قصد قتله‬
‫وجب القصاص أو دية مغلّظة في ماله ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحات ‪ ( :‬تعزير ‪ ،‬حدود ‪،‬‬
‫ضمان ) ‪.‬‬

‫مقدار الضّمان وعلى من يجب ‪:‬‬


‫‪ - 51‬وحيث قيل بوجوب الضّمان ففي قدره قولن ‪ :‬الوّل ‪ :‬لزوم كامل الدّية لنّه قتل‬
‫حصل من جهة اللّه وعدوان الضّارب ‪ ،‬فكان الضّمان على العادي ‪ ،‬كما لو ضرب مريضا‬
‫سوطا فمات به ‪ ،‬ولنّه تلف بعدوان وغيره فأشبه ما لو ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرّقها‬
‫‪ ،‬وهو قول المالكيّة والحنابلة ‪ .‬والثّاني ‪ :‬عليه نصف الضّمان لنّه تلف بفعل مضمون وغير‬
‫مضمون ‪ ،‬فكان الواجب نصف الدّية كما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات وبهذا قال أبو‬
‫حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه ‪ .‬والقول الخر ‪ :‬يجب من الدّية بقدر ما تعدّى به ‪.‬‬

‫على من يجب الضّمان ‪:‬‬


‫‪ - 52‬في غير حالت التّعمّد والتّعدّي إذا قلنا يضمن المام فهل يلزم عاقلته أو بيت المال ؟‬
‫اختلف العلماء على قولين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬هو في بيت المال لنّ خطأه يكثر فلو وجب ضمانه‬
‫على عاقلته أجحف بهم وهو قول الحنفيّة ورواية عند الحنابلة ‪ .‬والثّانية ‪ :‬على عاقلته لنّها‬
‫وجبت بخطئه فكانت على عاقلته ‪ ،‬كما لو رمى صيدا فقتل آدميّا ‪ .‬وهو قول المالكيّة‬
‫والشّافعيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة ‪.‬‬

‫حسد‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحسد بفتح السّين أكثر من سكونها مصدر حسد ‪ ،‬ومعناه في اللّغة أن يتمنّى الحاسد‬
‫زوال نعمة المحسود ‪ .‬وأمّا معنى الحسد في الصطلح فل يخرج عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّمنّي ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّمنّي في اللّغة مأخوذ من المنا ‪ ،‬وهو القدر ‪ ،‬لنّ المتمنّي يقدّر حصول المر ‪،‬‬
‫والسم المنية ‪ ،‬والمنيّة ‪ .‬وأمّا في الصطلح فهو طلب حصول الشّيء سواء كان ممكنا أو‬
‫ي في المنثور ‪.‬‬
‫ممتنعا ‪ ،‬والعلقة بينه وبين الحسد هي أنّ الحسد نوع منه كما ذكر الزّركش ّ‬
‫ب الحقد ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الحقد في اللّغة النطواء على العداوة والبغضاء ‪ ،‬وهو مأخوذ من حقد من باب ضرب ‪،‬‬
‫وفي لغة من باب تعب وجمعه أحقاد ‪ .‬وفي الصطلح طلب النتقام وتحقيقه أنّ الغضب إذا‬
‫لزم كظمه لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا ‪ .‬وسوء‬
‫ن الحقد‬
‫الظّنّ في القلب على الخلئق لجل العداوة فهو ثمرة الغضب ‪ ،‬والحسد ثمرته ‪ ،‬ل ّ‬
‫يثمر ثمانية أمور من بينها الحسد ‪ ،‬وبيان ذلك كما جاء في الحياء أنّ الحقد يخمل صاحبه‬
‫على تمنّي زوال النّعمة عن عدوّه فيغتمّ بالنّعمة الّتي تصيبه ويسرّ بالمصيبة الّتي تنزل به ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الشّماتة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الشّماتة في اللّغة الفرح بما ينزل بالغير من المصائب ‪ ،‬والشّماتة والحسد يتلزمان ‪،‬‬
‫ن الحسود يفرح بمصائب الغير ‪.‬‬
‫لّ‬
‫د ‪ -‬عين ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المراد بها هنا الصابة بالعين الّتي يسمّى صاحبها عائنا ‪ ،‬يقال تعيّن الرّجل المال إذا‬
‫أصابه بعين ‪ ،‬وعنت الرّجل أصبته بعيني ‪ ،‬فأنا عائن وهو معين ومعيون ‪ .‬والحاسد والعائن‬
‫ن كلّا منهما تتكيّف نفسه وتتوجّه نحو من تريد أذاه ‪ ،‬إلّ أنّ العائن تتكيّف نفسه‬
‫يشتركان في أ ّ‬
‫عند مقابلة العين والمعاينة ‪ ،‬والحاسد يحصل جسده في الغيبة والحضور ‪ ،‬وأيضا العائن قد‬
‫ك من حسد مالكه ‪ .‬قال ابن القيّم ‪ :‬الحسد‬
‫تزال ما ل يحسده من حيوان وزرع وإن كان ل ينف ّ‬
‫أصل الصابة بالعين ‪ .‬وقد تزال الرّجل نفسه ‪ ،‬وقد تزال بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ ما‬
‫يكون من النّوع النسانيّ ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الغبطة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الغبطة تسمّى حسدا مجازا ‪ ،‬ومعناها في اللّغة حسن الحال ‪ ،‬وهي اسم من غبطته غبطا‬
‫من باب ضرب إذا تمنّيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم‬
‫عندك ‪ .‬وأمّا معناها في الصطلح فهو كمعناها في اللّغة ‪ ،‬أي أن يتمنّى أن يكون له مثل‬
‫ما لغيره من غير أن يزول عنه ‪ ،‬والحرص على هذا يسمّى منافسة ‪ ،‬فإن كان في الطّاعة‬
‫فهو محمود ‪ ،‬وإن كان في المعصية فهو مذموم ‪ ،‬وإن كان في الجائزات فهو مباح ‪.‬‬

‫أسباب الحسد ‪:‬‬


‫‪ - 7‬سبب الحسد أنّ الطّباع مجبولة على حبّ التّرفّع على الجنس ‪ ،‬فإذا رأى لغيره ما ليس‬
‫ي في الحياء‬
‫له أحبّ أن يزول ذلك عنه إليه ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه ‪ .‬وذكر الغزال ّ‬
‫ن من‬
‫سبعة أسباب للحسد ‪ :‬السّبب الوّل ‪ :‬العداوة والبغضاء ‪ ،‬وهذا أشدّ أسباب الحسد ‪ ،‬فإ ّ‬
‫آذاه شخص بسبب من السباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه ‪ ،‬وغضب‬
‫عليه ‪ ،‬ورسخ في نفسه الحقد ‪ .‬والحقد يقتضي التّشفّي والنتقام فإن عجز عن أن يتشفّى‬
‫ب أن يتشفّى منه الزّمان ‪ .‬السّبب الثّاني ‪ :‬التّعزّز ‪ ،‬وهو أن يثقل عليه أن يترفّع‬
‫بنفسه أح ّ‬
‫عليه غيره ‪ ،‬فإذا أصاب بعض أمثاله ولية أو علما أو مال خاف أن يتكبّر عليه ‪ ،‬وهو ل‬
‫يطيق تكبّره ‪ ،‬ول تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه ‪ ،‬وليس من غرضه أن يتكبّر ‪،‬‬
‫بل غرضه أن يدفع كبره ‪ ،‬فإنّه قد رضي بمساواته مثل ‪ ،‬ولكن ل يرضى بالتّرفّع عليه ‪.‬‬
‫السّبب الثّالث ‪ :‬الكبر ‪ ،‬وهو أن يكون في طبعه أن يتكبّر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقّع‬
‫منه النقياد له والمتابعة في أغراضه ‪ ،‬ومن التّكبّر والتّعزّز كان حسد أكثر الكفّار لرسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم إذ قالوا ‪ :‬كيف يتقدّم علينا غلم يتيم وكيف نطأطئ رءوسنا له فقالوا‬
‫‪ { :‬لول نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } السّبب الرّابع ‪ :‬التّعجّب ‪ ،‬كما أخبر‬
‫اللّه تعالى عن المم السّالفة إذ قالوا ‪ { :‬ما أنتم إلّ بشر مثلنا } ‪ .‬وقالوا ‪ { :‬أنؤمن لبشرين‬
‫مثلنا } ‪ { -‬ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنّكم إذا لخاسرون } ‪ ،‬فتعجّبوا من أن يفوز برتبة الرّسالة‬
‫والوحي والقرب من اللّه تعالى بشر مثلهم ‪ ،‬فحسدوهم ‪ ،‬وأحبّوا زوال النّبوّة عنهم جزعا أن‬
‫يفضّل عليهم من هو مثلهم في الخلقة ‪ ،‬ل عن قصد تكبّر ‪ ،‬وطلب رئاسة ‪ ،‬وتقدّم عداوة ‪،‬‬
‫أو سبب آخر من سائر السباب ‪ .‬السّبب الخامس ‪ :‬الخوف من فوت المقاصد وذلك يختصّ‬
‫ل واحد يحسد صاحبه في كلّ نعمة تكون عونا له في‬
‫بمتزاحمين على مقصود واحد ‪ ،‬فإنّ ك ّ‬
‫النفراد بمقصوده ‪ ،‬ومن هذا الجنس تحاسد الضّرائر في التّزاحم على مقاصد الزّوجيّة ‪،‬‬
‫ب الرّئاسة‬
‫وتحاسد الخوة في التّزاحم على نيل المنزلة في قلب البوين ‪ .‬السّبب السّادس ‪ :‬ح ّ‬
‫وطلب الجاه لنفسه من غير توصّل به إلى مقصود ‪ ،‬وذلك كالرّجل الّذي يريد أن يكون عديم‬
‫النّظير في فنّ من الفنون إذا غلب عليه حبّ الثّناء واستفزّه الفرح بما يمدح به ‪ ،‬فإنّه لو سمع‬
‫ب موته ‪ ،‬أو زوال النّعمة عنه ‪ .‬السّبب السّابع ‪:‬‬
‫بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك ‪ ،‬وأح ّ‬
‫خبث النّفس وشحّها بالخير لعباد اللّه تعالى ‪ ،‬فإنّك تجد من ل يشتغل برياسة وتكبّر ول طلب‬
‫ق ذلك‬
‫مال ‪ ،‬إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد اللّه تعالى فيما أنعم اللّه به عليه يش ّ‬
‫عليه ‪ ،‬وإذا وصف له اضطراب أمور النّاس ‪ ،‬وإدبارهم ‪ ،‬وفوات مقاصدهم ‪ ،‬وتنغّص‬
‫عيشهم فرح به ‪ ،‬فهو أبدا يحبّ الدبار لغيره ‪ ،‬ويبخل بنعمة اللّه على عباده كأنّهم يأخذون‬
‫ذلك من ملكه وخزائنه ‪.‬‬

‫أقسام الحسد ‪:‬‬


‫ن الحسد قسمان ‪ :‬أحدهما حقيقيّ ‪ :‬وهو أن يتمنّى زوال‬
‫‪ - 8‬ذكر النّوويّ في شرح مسلم أ ّ‬
‫النّعمة عن صاحبها ‪ .‬والثّاني مجازيّ ‪ :‬وهو أن يتمنّى مثل النّعمة الّتي عند غيره من غير‬
‫زوالها عن صاحبها وهو المسمّى بالغبطة ‪.‬‬

‫مراتب الحسد ‪:‬‬


‫‪ - 9‬مراتب الحسد أربعة ‪ :‬الولى ‪ :‬أن يحبّ الحاسد زوال النّعمة عن المحسود ‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك ل ينتقل إليه ‪ ،‬وهذا غاية الخبث ‪ .‬الثّانية ‪ :‬أن يحبّ زوال النّعمة عن المحسود إليه‬
‫لرغبته في تلك النّعمة ‪ ،‬مثل رغبته في دار حسنة ‪ ،‬أو امرأة جميلة ‪ ،‬أو ولية نافذة ‪ ،‬أو‬
‫سعة نالها غيره وهو يحبّ أن تكون له ومطلوبه تلك النّعمة ل زوالها عنه ‪ ،‬ومكروهه فقد‬
‫النّعمة ل تنعّم غيره بها ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬أن ل يشتهي الحاسد عين النّعمة لنفسه بل يشتهي مثلها ‪،‬‬
‫فإن عجز عن مثلها أحبّ زوالها كي ل يظهر التّفاوت بينهما ‪ .‬الرّابعة ‪ :‬الغبطة ‪ ،‬وهي أن‬
‫يشتهي لنفسه مثل النّعمة ‪ ،‬فإن لم تحصل فل يحبّ زوالها عنه ‪ .‬وهذا الخير هو المعفوّ‬
‫عنه إن كان في شأن دنيويّ ‪ ،‬والمندوب إليه إن كان في شأن دينيّ ‪ ،‬والثّالثة فيها مذموم‬
‫وغير مذموم ‪ ،‬والثّانية أخفّ من الثّالثة ‪ ،‬والولى مذمومة محضة ‪ .‬وتسمية هذه الرّتبة‬
‫الخيرة حسدا فيه تجوّز وتوسّع ‪ ،‬ولكنّه مذموم لقوله تعالى ‪ { :‬ول تتمنّوا ما فضّل اللّه به‬
‫بعضكم على بعض } فتمنّيه لمثل ذلك غير مذموم ‪ ،‬وأمّا تمنّيه عين ذلك فهو مذموم ‪.‬‬

‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬


‫‪ - 10‬الحسد إن كان حقيقيّا ‪ ،‬أي بمعنى تمنّي زوال النّعمة عن الغير فهو حرام بإجماع المّة‬
‫‪ ،‬لنّه اعتراض على الحقّ ‪ ،‬ومعاندة له ‪ ،‬ومحاولة لنقض ما فعله ‪ ،‬وإزالة فضل اللّه عمّن‬
‫سنّة والمعقول ‪ .‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪ { :‬ومن‬
‫أهّله له ‪ ،‬والصل في تحريمه الكتاب وال ّ‬
‫ش ّر حاسد إذا حسد } فقد أمرنا اللّه سبحانه وتعالى بالستعاذة من شرّ الحاسد ‪ ،‬وشرّه كثير ‪،‬‬
‫فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين ‪ ،‬ومنه ما هو مكتسب كسعيه في تعطيل الخير‬
‫عنه وتنقيصه عند النّاس ‪ ،‬وربّما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك ‪ .‬وقد اختلف أهل‬
‫التّأويل في الحاسد الّذي ورد المر بالستعاذة من شرّه ‪ :‬فقال قتادة ‪ :‬المراد شرّ عينه ونفسه‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بهذه الية أن يستعيذ من شرّ اليهود الّذين‬
‫‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬بل أمر النّب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أمر‬
‫ن النّب ّ‬
‫حسدوه ‪ ،‬والولى بالصّواب في ذلك كما قال الطّبريّ ‪ { :‬إ ّ‬
‫ل حاسد إذا حسد } ‪ .‬وإنّما كان ذلك أولى بالصّواب ‪ ،‬لنّ اللّه عزّ وجلّ‬
‫بأن يستعيذ من شرّ ك ّ‬
‫لم يخصص من قوله ‪ { :‬ومن شرّ حاسد إذا حسد } حاسدا دون حاسد بل ع ّم أمره إيّاه‬
‫بالستعاذة من شرّ كلّ حاسد فذلك على عمومه ‪ .‬والحاسد كما قال القرطبيّ عد ّو نعمة اللّه ‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء ‪ :‬بارز الحاسد ربّه من خمسة أوجه ‪ :‬أحدها ‪ :‬أنّه أبغض كلّ نعمة ظهرت‬
‫على غيره ‪ .‬ثانيها ‪ :‬أنّه ساخط لقسمة ربّه كأنّه يقول ‪ :‬لم قسمت هذه القسمة ؟ ثالثها ‪ :‬أنّه‬
‫ن فضل اللّه يؤتيه من يشاء ‪ ،‬وهو يبخل بفضل اللّه ‪ .‬ورابعها ‪ :‬أنّه‬
‫ضادّ فعل اللّه ‪ ،‬أي إ ّ‬
‫خذل أولياء اللّه ‪ ،‬أو يريد خذلنهم وزوال النّعمة عنهم ‪ .‬وخامسها ‪ :‬أنّه أعان عدوّه إبليس ‪.‬‬
‫سنّة فقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إيّاكم والحسد فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل‬
‫وأمّا ال ّ‬
‫ن الحاسد مذموم ‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬إنّ الحاسد ل ينال‬
‫النّار الحطب أو العشب } ‪ .‬وأمّا المعقول فإ ّ‬
‫في المجالس إلّ ندامة ‪ ،‬ول ينال عند الملئكة إلّ لعنة وبغضاء ‪ ،‬ول ينال في الخلوة إلّ‬
‫ل حزنا واحتراقا ‪ ،‬ول ينال من اللّه إلّ بعدا ومقتا ‪.‬‬
‫جزعا وغمّا ‪ ،‬ول ينال في الخرة إ ّ‬
‫ويستثنى من تحريم الحسد ما إذا كانت النّعمة الّتي يتمنّى الحاسد زوالها عند كافر أو فاسق‬
‫يستعين بها على معاصي اللّه تعالى ‪ .‬أمّا إذا كان الحسد مجازيّا ‪ ،‬أي بمعنى الغبطة فإنّه‬
‫محمود في الطّاعة ‪ ،‬ومذموم في المعصية ‪ ،‬ومباح في الجائزات ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬ل حسد إلّ في اثنتين ‪ :‬رجل آتاه اللّه القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار ‪،‬‬
‫ورجل آتاه اللّه مال فهو ينفقه آناء اللّيل وآناء النّهار } أي كأنّه قال ‪ :‬ل غبطة أعظم أو‬
‫أفضل من الغبطة في هذين المرين ‪.‬‬

‫علج الحسد ‪:‬‬


‫‪ - 11‬ذكر الغزاليّ في الحياء أنّ الحسد من المراض العظيمة للقلوب ‪ ،‬ول تداوى أمراض‬
‫ل بالعلم والعمل ‪ ،‬والعلم النّافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أنّ الحسد ضرر‬
‫القلوب إ ّ‬
‫على الحاسد في الدّنيا والدّين ‪ ،‬وأنّه ل ضرر فيه على المحسود في الدّنيا والدّين ‪ .‬أمّا كونه‬
‫ن الحاسد بالحسد سخط قضاء اللّه تعالى ‪ ،‬وكره نعمته‬
‫ضررا على الحاسد في الدّين ‪ ،‬فهو أ ّ‬
‫الّتي قسمها بين عباده ‪ ،‬وعدله الّذي أقامه في ملكه بخفيّ حكمته ‪ ،‬فاستنكر ذلك واستبشعه‬
‫وهذه جناية على حدقة التّوحيد ‪ ،‬وقذى في عين اليمان ‪ ،‬وكفى بهما جناية على الدّين ‪ .‬وأمّا‬
‫كون الحسد ضررا على الحاسد في الدّنيا فهو أنّه يتألّم بحسده في الدّنيا ‪ ،‬أو يتعذّب به ول‬
‫يزال في كمد وغ ّم ‪ ،‬إذ أعداؤه ل يخلّيهم اللّه تعالى عن نعم يفيضها عليهم ‪ ،‬فل يزال يتعذّب‬
‫ل نعمة يراها ‪ ،‬ويتألّم بكلّ بليّة تنصرف عنهم فيبقى مغموما محروما متشعّب القلب ضيّق‬
‫بك ّ‬
‫الصّدر قد نزل به ما يشتهيه العداء له ويشتهيه لعدائه ‪ ،‬فقد كان يريد المحنة لعدوّه‬
‫فتنجّزت في الحال محنته وغمّه نقدا ‪ ،‬ومع هذا فل تزول النّعمة عن المحسود بحسده ‪ .‬وأمّا‬
‫أنّه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح ‪ ،‬لنّ النّعمة ل تزال عنه بالحسد ‪ ،‬بل ما‬
‫قدّره اللّه تعالى من إقبال ونعمة ‪ ،‬فل بدّ أن يدوم إلى أجل معلوم قدّره اللّه سبحانه فل حيلة‬
‫ل أجل كتاب ‪ ،‬ومهما لم تزل النّعمة بالحسد لم يكن‬
‫ل شيء عنده بمقدار ‪ ،‬ولك ّ‬
‫في دفعه ‪ ،‬بل ك ّ‬
‫ن المحسود ينتفع به في‬
‫على المحسود ضرر في الدّنيا ول يكون عليه إثم في الخرة ‪ ،‬وأمّا أ ّ‬
‫الدّين والدّنيا فواضح ‪.‬‬

‫القدر المعفوّ عنه من الحسد وعكسه وما فيه خلف ‪:‬‬


‫ن المرء ل يمكنه نفي الحسد عن قلبه بالكّليّة ‪ ،‬بل يبقى دائما في نزاع‬
‫‪ - 12‬ذكر الغزاليّ أ ّ‬
‫ن للشّخص‬
‫مع قلبه ‪ ،‬لنّه ل بدّ أن يبقى فيه شيء من الحسد لعدائه ‪ ،‬وذكر في هذا المقام أ ّ‬
‫في أعدائه ثلثة أحوال ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يحبّ مساءتهم بطبعه ‪ ،‬ويكره حبّه لذلك وميل قلبه إليه‬
‫بعقله ‪ ،‬ويمقت نفسه عليه ‪ ،‬ويودّ لو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل منه ‪ ،‬وهذا معفوّ عنه‬
‫ب ذلك ويظهر الفرح بمساءته‬
‫قطعا ‪ ،‬لنّه ل يدخل تحت الختيار أكثر منه ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أن يح ّ‬
‫إمّا بلسانه أو بجوارحه فهذا ‪ .‬هو الحسد المحظور قطعا ‪ .‬الثّالث ‪ :‬وهو بين الطّرفين أن‬
‫يحسد بالقلب من غير مقت لنفسه على حسده ‪ ،‬ومن غير إنكار منه على قلبه ‪ ،‬ولكن يحفظ‬
‫ل الخلف ‪ ،‬والظّاهر أنّه ل يخلو عن‬
‫جوارحه عن طاعة الحسد في مقتضاه ‪ ،‬وهذا في مح ّ‬
‫إثم بقدر قوّة ذلك الحبّ وضعفه ‪.‬‬

‫علج المحسود ممّا لحق به من أذى بسبب الحسد ‪:‬‬


‫‪ - 13‬المقصود بالعلج هنا العلج النّبويّ لتلك العلّة وهو أنواع ‪ :‬أحدها ‪ :‬الكثار من التّعوّذ‬
‫‪ ،‬ومن ذلك قراءة المعوّذتين ‪ ،‬وفاتحة الكتاب ‪ ،‬وآية الكرسيّ ‪ ،‬والتّعوّذات النّبويّة ‪ ،‬نحو‬
‫أعوذ بكلمات اللّه التّامّات من شرّ ما خلق ‪ .‬الثّاني ‪ :‬الرّقى ‪ :‬ومن أمثلتها رقية جبريل عليه‬
‫السلم للنّبيّ صلى ال عليه وسلم الّتي رواها مسلم في صحيحه وهي ‪ { :‬باسم اللّه أرقيك من‬
‫ل نفس أو عين حاسد ‪ ،‬اللّه يشفيك ‪ ،‬باسم اللّه أرقيك } ‪ .‬هذا وممّا‬
‫كلّ شيء يؤذيك من شرّ ك ّ‬
‫ل باللّه ‪.‬‬
‫يدفع به ضرر الحاسد عن غيره دعاؤه لغيره بالبركة وقولة ‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إ ّ‬
‫كما في قوله صلى ال عليه وسلم لعامر بن ربيعة في الحديث الّذي رواه أبو أمامة عن أبيه ‪:‬‬
‫{ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة } وكما في قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫من حديث أنس ‪ { :‬من رأى شيئا فأعجبه فقال ‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إلّ باللّه ‪ ،‬لم يضرّه } ‪.‬‬
‫وروى هشام بن عروة عن أبيه أنّه كان إذا رأى شيئا يعجبه ‪ ،‬أو دخل حائطا من حيطانه قال‬
‫‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إلّ باللّه‬

‫( الثار الفقهيّة ) ‪:‬‬


‫‪ - 14‬إذا أدّى الحسد إلى التّلف أو القتل أو اعترف الحاسد بأنّه قتله بالعين ففي وجوب‬
‫القصاص أو الدّية خلف ‪ .‬فقال القرطبيّ كما ذكر الحافظ في الفتح ‪ :‬لو أتلف العائن شيئا‬
‫ضمنه ‪ ،‬ولو قتل فعليه القصاص أو الدّية ‪ ،‬إذا تكرّر ذلك منه ‪ ،‬بحيث يصير عادة ‪ ،‬وهو في‬
‫ذلك كالسّاحر ‪ .‬وتذكر كتب الشّافعيّة أنّ العائن إذا أصاب غيره بالعين واعترف بأنّه قتله‬
‫بالعين فل قصاص ‪ ،‬وإن كانت العين حقّا ‪ ،‬لنّه ل يفضي إلى القتل غالبا ‪ ،‬ول يعدّ مهلكا ‪،‬‬
‫ن الحكم إنّما يترتّب على منضبط عامّ دون ما يختصّ ببعض النّاس‬
‫ول دية فيه ول كفّارة ‪ ،‬ل ّ‬
‫في بعض الحوال ‪ ،‬فما ل انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصل وإنّما غايته حسد وتمنّ‬
‫لزوال النّعمة ‪.‬‬

‫حسم‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحسم في اللّغة ‪ :‬يأتي بمعنى القطع ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم في شأن السّارق ‪:‬‬
‫{ اقطعوه ثمّ احسموه } أي اكووه لينقطع الدّم ‪ ،‬وحسم العرق ‪ :‬قطعه ‪ ،‬ثمّ كواه لئلّ يسيل دمه‬
‫‪ .‬ويأتي الحسم أيضا بمعنى المنع ‪ .‬وهو في الصطلح ‪ :‬أن يغمس موضع القطع من يد أو‬
‫رجل في السّرقة ونحوها في زيت أو دهن مغليّ ‪ ،‬أو الكيّ بحديدة محماة لتنسدّ أفواه العروق‬
‫وينقطع الدّم ‪ .‬حكم الحسم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة في الحدّ إلى وجوب الحسم ‪ ،‬وإلى أنّه‬
‫من تمام حدّ السّرقة ‪ ،‬لنّه لو لم يحسم العضو المقطوع من اليد أو الرّجل يؤدّي إلى التّلف ‪.‬‬
‫والحدّ زاجر ل متلف ‪ .‬فعلى هذا لو ترك المام الحسم حيث يجب عليه فالظّاهر أنّه آثم إن‬
‫تعمّد ‪ .‬وصرّح المالكيّة بأنّه يحتمل أن ل يكون الحسم من تمام حدّ السّرقة ‪ ،‬بل يكون واجبا‬
‫مستقلّا وعلى الكفاية يقوم به المام ‪ ،‬أو المقطوعة يده ‪ ،‬أو غيرهما ‪ .‬ويرى الشّافعيّة في‬
‫الصحّ ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬أنّه مندوب ‪ ،‬لنّه حقّ للمقطوع ‪ ،‬ونظر له ‪ ،‬وتداو يدفع به الهلك‬
‫بسبب نزف الدّم ‪ .‬فعلى هذا لو تركه المام ‪ ،‬فل شيء عليه ‪ ،‬لنّ عليه القطع ‪ ،‬ل مداواة‬
‫المحدود ‪ .‬ويستحبّ للمقطوع حسم نفسه ‪ ،‬فإن لم يفعل لم يأثم ‪ ،‬لنّ في الحسم ألما شديدا ‪،‬‬
‫وقد يهلك الضّعيف ‪ ،‬والمداواة بمثل هذا ل تجب بحال ‪.‬‬

‫مئونة الحسم ‪:‬‬


‫ح إلى أنّ ثمن زيت الحسم ‪ ،‬وكذا ثمن حطب وأجرة‬
‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الص ّ‬
‫إناء يغلي فيه الزّيت على السّارق ‪ ،‬لنّه المتسبّب ‪ .‬وصرّح الحنابلة والشّافعيّة في وجه بأنّ‬
‫الزّيت يكون من بيت المال ‪ ،‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر به القاطع ‪ ،‬وذلك يقتضي‬
‫أن يكون من بيت المال ‪.‬‬
‫( مواطن البحث ) ‪:‬‬
‫‪ - 4‬قد تكلّم الفقهاء على الحسم في الحدود عند الكلم عن السّرقة وقطع الطّريق ‪.‬‬

‫حشرات‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحشرات ‪ :‬صغار دوابّ الرض ‪ ،‬وصغار هوامّها ‪ ،‬والواحدة حشرة بالتّحريك ‪ .‬وقيل‬
‫الحشرات ‪ :‬هوامّ الرض ممّا ل سمّ له ‪ .‬قال الصمعيّ ‪ :‬الحشرات والحراش والحناش‬
‫واحد ‪ ،‬وهو هوا ّم الرض ‪ ،‬وقيل من الحشرات ‪ :‬الفأر واليربوع والضّبّ ونحوها ‪.‬‬
‫أ ‪ ( -‬أكل الحشرات ) ‪:‬‬
‫‪ - 2‬للفقهاء في أكل الحشرات اتّجاهان ‪ :‬التّجاه الوّل ‪ :‬هو حرمة أكل جميع الحشرات ‪،‬‬
‫لستخباثها ونفور الطّباع السّليمة منها ‪ ،‬وفي التّنزيل في صفة النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪{ :‬‬
‫ويحرّم عليهم الخبائث } وهذا مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬واستثنوا من ذلك الجراد‬
‫فإنّه ممّا أجمعت المّة على حلّ أكله ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أحلّت لنا ميتتان‬
‫ودمان ‪ ،‬فأمّا الميتتان ‪ :‬فالحوت والجراد ‪ ،‬وأمّا الدّمان ‪ :‬فالكبد والطّحال } وزاد الشّافعيّة‬
‫والحنابلة الضّبّ ‪ ،‬فإنّه من الحشرات الّتي يباح أكلها عندهم ‪ ،‬مستدلّين بحديث { ابن عبّاس‬
‫رضي ال عنهما ‪ :‬قال ‪ :‬دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيت‬
‫ميمونة ‪ ،‬فأتي بضبّ محنوذ ‪ ،‬فرفع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يده فقلت ‪ :‬أحرام هو يا‬
‫رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد ‪ :‬فاجتزرته فأكلته‬
‫ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينظر } ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى حرمته على تفصيل ينظر في‬
‫مصطلح ( أطعمة ) ف ( ‪ . ) 54‬وقد استثنى الحنابلة أيضا اليربوع والوبر فقالوا ‪ :‬بإباحة‬
‫أكلهما ‪ ،‬وزاد الشّافعيّة عليهما أمّ حبّين ‪ ،‬والقنفذ ‪ ،‬وبنت عرس فيباح أكلها ‪.‬‬
‫ل جميع أصناف الحشرات ‪ ،‬وهو مذهب المالكيّة ‪ ،‬وهو في الصل‬
‫‪ - 3‬التّجاه الثّاني ‪ :‬ح ّ‬
‫إحدى الرّوايتين فيه ‪ ،‬ث ّم انعقد المذهب عليها ‪ .‬قال الطّرطوشيّ ‪ :‬انعقد المذهب في إحدى‬
‫الرّوايتين وهي رواية العراقيّين ‪ ،‬أنّه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النّمل والدّود ‪ ،‬وما‬
‫بين ذلك إلّ الخنزير فهو محرّم بالجماع ‪ .‬وقد ذهب بعض المالكيّة إلى حرمة الحشرات‬
‫والهوامّ ‪ ،‬كابن عرفة والقرافيّ ‪ ،‬ولعلّهم أخذوا بالرّواية الخرى في المذهب ‪ .‬ثمّ إنّ القول‬
‫بحلّ جميع الحشرات ليس على إطلقه ‪ ،‬فإنّهم قد اختلفوا في بعضها وذلك كالفأر فإنّهم‬
‫اختلفوا فيه على قولين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أنّه يكره إن كان يصل إلى النّجاسة بأن تحقّق أو ظنّ‬
‫وصوله إليها ‪ ،‬فإن شكّ في وصوله إليها لم يكره ‪ ،‬وكذلك إن تحقّق عدم وصوله إليها من‬
‫باب أولى ‪ .‬وقد شهر هذا القول الدّردير والخرشيّ والعدويّ ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّه يحرم أكل الفأر‬
‫مطلقا ‪ ،‬أي سواء كان يصل للنّجاسة أو ل ‪ ،‬وشهر هذا القول الدّسوقيّ ‪ ،‬ونقل الحطّاب عن‬
‫ابن رشد استظهار التّحريم ‪ ،‬وكذا جواز أكل الحيّة عندهم مقيّد بأن يؤمن سمّها ‪ ،‬إلّ أن يكون‬
‫بالكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمّها ‪ .‬وقال ابن حبيب ‪ :‬يكره أكلها لغير ضرورة‬
‫‪ .‬وذكر الجهوريّ حرمة أكل بنت عرس ‪ .‬وللمالكيّة قول ‪ :‬بكراهة العقرب على خلف‬
‫ن للّدود تفصيلت أخرى وأحكاما خاصّة ‪ ،‬وكثير من الفقهاء‬
‫المشهور في المذهب ‪ .‬ثمّ إ ّ‬
‫يفرّقون بين الدّود المتولّد في الطّعام وغيره ‪ ،‬وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( أطعمة ) ‪.‬‬
‫ف ( ‪. ) 55‬‬

‫ب ‪ ( -‬بيع الحشرات ) ‪:‬‬


‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على عدم جواز بيع الحشرات الّتي ل نفع فيها ‪ ،‬إذ يشترط في المبيع أن‬
‫يكون منتفعا به ‪ ،‬فل يجوز بيع الفئران ‪ ،‬والحيّات والعقارب ‪ ،‬والخنافس ‪ ،‬والنّمل ونحوها ‪،‬‬
‫إذ ل نفع فيها يقابل بالمال ‪ ،‬أمّا إذا وجد من الحشرات ما فيه منفعة ‪ ،‬فإنّه يجوز بيعه كدود‬
‫القزّ ‪ ،‬حيث يخرج منه الحرير الّذي هو أفخر الملبس ‪ ،‬والنّحل حيث ينتج العسل ‪ .‬وقد نصّ‬
‫الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز بيع دود العلق ‪ ،‬لحاجة النّاس إليه للتّداوي بمصّه‬
‫الدّم ‪ ،‬وزاد ابن عابدين من الحنفيّة دود القرمز ‪ .‬قال ‪ :‬وهو أولى من دود الق ّز وبيضه فإنّه‬
‫ينتفع به في الحال ‪ ،‬ودود القزّ في المآل ‪ .‬كما نصّ الشّافعيّة على جواز بيع اليربوع والضّبّ‬
‫ونحوه ممّا يؤكل ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬بجواز بيع الدّيدان لصيد السّمك ‪ .‬وقد عدّى الحنفيّة الحكم‬
‫ل عدم الجواز عند‬
‫إلى هوا ّم البحر أيضا ‪ ،‬كالسّرطان ونحوه ‪ ،‬فل يجوز بيعها عندهم ‪ .‬ومح ّ‬
‫الشّافعيّة فيما ل يؤكل منها ‪ ،‬وأمّا ما يؤكل منها فإنّه يجوز بيعه مطلقا حتّى لو لم يعتد أكله‬
‫ن جواز‬
‫كبنات عرس ‪ .‬وقد وضع الحصكفيّ من الحنفيّة ضابطا لبيع الحشرات ‪ ،‬فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫البيع يدور مع حلّ النتفاع ‪.‬‬

‫ج ‪ ( -‬ذكاة الحشرات ) ‪:‬‬


‫ل إذا كانت لها نفس سائلة‬
‫‪ - 5‬اتّفق القائلون بإباحة أكل الحشرات أو بعضها على أنّها ل تح ّ‬
‫إلّ بالتّذكية ‪ ،‬فإن ماتت بدون تذكية لم يجز أكلها ‪ ،‬وكانت ميتة كسائر الميتات ‪ .‬أمّا ما ل‬
‫نفس سائلة له ‪ ،‬كالجراد والجندب فما حلّ أكله منها ل تشترط تذكيته عند جمهور القائلين‬
‫بإباحته ‪ ،‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل بدّ من تذكيته وتحصل عندهم بأيّ فعل يموت به ‪ ،‬من قطف‬
‫ل في ماء‬
‫رأس ‪ ،‬أو قلي ‪ ،‬أو شيّ ‪ ،‬أو إلقائه في ماء بارد ‪ ،‬وقال سحنون ‪ :‬ل يجوز ذلك إ ّ‬
‫حارّ ‪ ،‬أو بقطع أرجله أو أجنحته ‪ ،‬وفي تلك الحالة ل يؤكل ما قطع منه ‪ ،‬إلّ أن يكون‬
‫الرّأس أو النّصف فما فوقه فإنّه يؤكل ‪ ،‬ول بدّ من ال ّنيّة والتّسمية عند ذكاتها ‪ ،‬فل يكفي‬
‫مجرّد أخذه على المشهور بل ل بدّ أن يقصد إزهاق روحه ‪ ،‬وأن يسمّي عند ذكاتها ‪ .‬وقد قيّد‬
‫بعض المالكيّة الفعل بأن يكون ممّا يعجّل الموت ‪ ،‬فإن لم يعجّل الموت كان بمنزلة العدم ‪،‬‬
‫ول بدّ من ذكاة أخرى بنيّة وتسمية ‪ .‬واعتمد بعضهم الطلق أي سواء عجّل الفعل الموت أم‬
‫ل ‪ ،‬وهذا ما نصّ عليه الخرشيّ ووافقه عليه محشّيه العدويّ ‪ ،‬وضعّف قيد التّعجيل ‪ ،‬وهو‬
‫سمّ لمن يضرّه‬
‫ما مال إليه الدّسوقيّ ‪ .‬وقد شرط المالكيّة في ذكاة الحيّة الذّكاة الّتي يؤمن بها ال ّ‬
‫ص من ذنبها ‪ .‬كما هو موضّح في باب المباح‬
‫ذلك ‪ ،‬وذلك بأن تكون في حلقها وفي قدر خا ّ‬
‫عندهم ‪.‬‬

‫د ‪ ( -‬قتل الحشرات ) ‪:‬‬


‫‪ - 6‬قتل الحشرات ليس مأمورا به مطلقا ‪ ،‬ول منهيّا عنه مطلقا ‪ ،‬فقد ندب الشّارع إلى قتل‬
‫بعض الحشرات ‪ ،‬كما أنّه نهى عن قتل بعضها أيضا ‪ .‬ما ندب قتله من الحشرات ‪:‬‬
‫‪ - 7‬من المندوب قتله من الحشرات الحيّة ‪ ،‬لما روت عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬عن النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب‬
‫البقع ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪ ،‬والحديّا } وعن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه سمع النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم يخطب على المنبر يقول ‪ { :‬اقتلوا الحيّات واقتلوا ذا الطّفيتين والبتر ‪،‬‬
‫فإنّهما يطمسان البصر ‪ ،‬ويستسقطان الحبل } قال { عبد اللّه ‪ :‬فبينا أنا أطارد حيّة لقتلها ‪،‬‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قد أمر بقتل‬
‫فناداني أبو لبابة ‪ :‬ل تقتلها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إ ّ‬
‫الحيّات ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت ‪ ،‬وهي العوامر } ‪ .‬من أجل ذلك فرّق‬
‫الفقهاء غير الحنفيّة بين حيّات البيوت وغيرها ‪ ،‬فحيّات غير العمران تقتل مطلقا من غير‬
‫إنذار لبقائها على المر بقتلها ‪ ،‬وأمّا حيّات البيوت فتنذر قبل قتلها ثلثا لقوله صلى ال عليه‬
‫ن شيء فاقتلوه } ‪.‬‬
‫ن ثلثا ‪ ،‬فإن بدا لكم بعد ذلك منه ّ‬
‫ن لبيوتكم عمّارا فحرّجوا عليه ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬إ ّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ي ‪ :‬ل بأس بقتل الكلّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولم يفرّق الحنفيّة بينهما ‪ ،‬قال الطّحاو ّ‬
‫عاهد الجنّ أن ل يدخلوا بيوت أمّته ‪ ،‬ول يظهروا أنفسهم ‪ ،‬فإذا خالفوا فقد نقضوا عهدهم فل‬
‫ن ل للحرمة ‪ ،‬بل لدفع‬
‫حرمة لهم ‪ .‬ومع ذلك فالولى عندهم المساك عمّا فيه علمة الجا ّ‬
‫الضّرر المتوهّم من جهتهم ‪ .‬وللفقهاء في حكم النذار وكيفيّته تفصيل ينظر في مواضعه من‬
‫كتب الفقه ‪ .‬ويستحبّ كذلك قتل الوزغ ولو لم يحصل منه أذيّة ‪ ،‬لما روى سعد بن أبي‬
‫وقّاص رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم { أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقا } ‪.‬‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمرها بقتل الوزاغ } ‪ .‬ومن المستحبّ قتله‬
‫وعن { أمّ شريك أ ّ‬
‫كذلك الفأر لحديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقتل‬
‫خمس فواسق في الحلّ والحرم ‪ :‬الغراب ‪ ،‬والحدأة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور }‬
‫ومن حيث العموم يستحبّ قتل كلّ ما فيه أذى من الحشرات كالعقرب ‪ ،‬والبرغوث ‪،‬‬
‫والزّنبور ‪ ،‬والبقّ ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى الجواز لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم وقد { سئل‬
‫عن حشرات الرض تؤذي أحدا فقال ‪ :‬ما يؤذيك فلك إذايته قبل أن يؤذيك }‬

‫‪ 7‬م ‪ -‬ما يكره قتله من الحشرات ‪ :‬كره الشّارع قتل بعض الحشرات كالضّفدع لما روى عبد‬
‫الرّحمن بن عثمان قال ‪ { :‬ذكر طبيب عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دواء ‪ ،‬وذكر‬
‫الضّفدع يجعل فيه ‪ ،‬فنهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن قتل الضّفدع } ‪ .‬وقال صاحب‬
‫الداب الشّرعيّة ‪ :‬ظاهره التّحريم ‪ .‬وكره قتل النّمل والنّحل ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس رضي ال‬
‫ب ‪ :‬النّملة ‪،‬‬
‫عنهما قال ‪ { :‬نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن قتل أربع من الدّوا ّ‬
‫والنّحلة ‪ ،‬والهدهد ‪ ،‬والصّرد } ‪ .‬واستثنى الفقهاء النّمل في حالة الذيّة ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجوز‬
‫قتله ‪ .‬وفصّل المالكيّة ‪ ،‬فأجازوا قتل النّمل بشرطين ‪ :‬أن تؤذي ‪ ،‬وأن ل يقدر على تركها ‪،‬‬
‫وكرهوه عند الذاية مع القدرة على تركها ‪ ،‬ومنعوه عند عدم الذاية ‪ ،‬ول فرق عندهم في‬
‫ذلك بين أن تكون الذاية في البدن أو المال ‪ .‬وقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز قتل‬
‫الحشرات ‪ ،‬لكنّ المالكيّة شرطوا لجواز قتل الحشرات المؤذية أن يقصد القاتل بالقتل دفع‬
‫ل والحرم ‪ .‬وقسم‬
‫ل منع حتّى الفواسق الخمس الّتي يباح قتلها في الح ّ‬
‫اليذاء ل العبث ‪ ،‬وإ ّ‬
‫الشّافعيّة الحشرات إلى ثلثة أقسام ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما هو مؤذ منها طبعا ‪ ،‬فيندب قتله كالفواسق‬
‫الخمس ‪ ،‬لحديث عائشة قالت ‪ { :‬أمر الرّسول صلى ال عليه وسلم بقتل خمس فواسق في‬
‫الحرم ‪ :‬الحدأة ‪ ،‬والغراب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والكلب العقور } وألحق بها البرغوث‬
‫ل مؤذ ‪ .‬الثّاني ‪ :‬ما ينفع ويض ّر فل يسنّ قتله ول يكره ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ما ل‬
‫والبقّ والزّنبور ‪ ،‬وك ّ‬
‫يظهر فيه نفع ول ضرر كالخنافس ‪ ،‬والجعلن ‪ ،‬والسّرطان فيكره قتله ‪ .‬ويحرم عندهم قتل‬
‫النّمل السّليمانيّ ‪ ،‬والنّحل والضّفدع ‪ ،‬أمّا غير السّليمانيّ ‪ ،‬وهو الصّغير المسمّى بالذّرّ ‪،‬‬
‫فيجوز قتله بغير الحراق ‪ ،‬وكذا بالحراق إن تعيّن طريقا لدفعه ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى‬
‫ل ما كان طبعه الذى من الحشرات ‪ ،‬وإن لم يوجد منه أذى قياسا على‬
‫استحباب قتل ك ّ‬
‫الفواسق الخمس ‪ ،‬فيستحبّ عندهم قتل الحشرات المؤذية كالحيّة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والزّنبور ‪،‬‬
‫والبقّ ‪ ،‬والبعوض ‪ ،‬والبراغيث ‪ ،‬وأمّا ما ل يؤذي بطبعه كالدّيدان ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يجوز قتله ‪،‬‬
‫ل من أذيّة شديدة ‪ ،‬فإنّه‬
‫وقيل ‪ :‬يكره ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يحرم ‪ .‬وقد نصّوا على كراهة قتل النّمل إ ّ‬
‫يجوز قتلهنّ ‪ ،‬وكذا القمّل ‪.‬‬

‫ما يجوز للمحرم قتله من الحشرات ‪:‬‬


‫ن الحشرات والهوامّ ل تدخل في الصّيد الوارد‬
‫‪ - 8‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫تحريمه في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } ‪ .‬وذلك لعدم‬
‫امتناعها عند الحنفيّة ‪ ،‬حيث إنّهم شرطوا في الصّيد أن يكون ممتنعا بجناحه أو قوائمه ‪،‬‬
‫ولكونها غير مأكولة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬حيث إنّهم اشترطوا في الصّيد أن يكون مأكول‬
‫‪ .‬وقد صرّح الحنفيّة بأنّه ل يحلّ قتل ما ل يؤذي من الحشرات ‪ ،‬وإن لم يوجبوا فيها‬
‫ن في قتل القمّل والجراد الجزاء ‪ ،‬غير أنّهم فرّقوا بين القليل‬
‫الجزاء ‪ ،‬كما أنّهم نصّوا على أ ّ‬
‫والكثير ‪ ،‬ففي القليل التّصدّق بما شاء ‪ ،‬وهو عندهم في الثّلث فما دونها ‪ ،‬وفي الكثير نصف‬
‫صاع ‪ .‬ومذهب المالكيّة كمذهب الحنفيّة حيث إنّهم ل يجوّزون قتل ما ل يؤذي من‬
‫ن للمحرم قتله إن قصد دفع الذاية ‪ ،‬أمّا لو‬
‫الحشرات ويوجبون فيها الجزاء ‪ ،‬وأمّا المؤذي فإ ّ‬
‫قتله بقصد الذّكاة فل يجوز وعليه الجزاء ‪ ،‬واستثنوا من ذلك الفأرة ‪ ،‬والحيّة ‪ ،‬والعقرب ‪،‬‬
‫فإنّها تقتل مطلقا كبيرة كانت أو صغيرة بدأت بالذيّة أم ل ‪ ،‬وألحقوا بالفأرة ابن عرس وما‬
‫يقرض الثّياب من الدّوابّ ‪ ،‬وبالعقرب الزّنبور والرّتيلى ‪ ،‬وهي دابّة صغيرة سوداء ربّما‬
‫قتلت من لدغته ‪ .‬قال سند ‪ :‬الهوامّ على ضربين ‪ :‬ضرب يختصّ بالجسام ‪ ،‬ومنها يعيش فل‬
‫يقتله المحرم ول يميطه عن الجسد المختصّ به إلى غيره ‪ ،‬فإن قتله أطعم وكذا إذا طرحه ‪،‬‬
‫ص بالجسام كالنّمل ‪ ،‬وال ّذرّ ‪ ،‬والدّود وشبهه فإن قتله افتدى ‪ ،‬وإن طرحه فل‬
‫وضرب ل يخت ّ‬
‫شيء عليه إذ طرحه كتركه ‪ .‬ومذهب الشّافعيّة والحنابلة في المحرم كمذهبهم في غير المحرم‬
‫‪ ،‬وقد سبق فيما يكره قتله من الحشرات ‪ ،‬وقد اتّفق الحنابلة على عدم تأثير ذلك في الحرام‬
‫ن اللّه تعالى إنّما أوجب الجزاء في الصّيد ‪ ،‬وليس شيء‬
‫والحرم ‪ ،‬وعدم الجزاء في ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫من ذلك بصيد ‪ .‬وعندهم في القمّل روايتان ‪ :‬إحداهما يباح قتلها ‪ ،‬والرّواية الثّانية ل يباح‬
‫قتلها وهي الصّحيحة في المذهب ‪ ،‬قال الزّركشيّ من الحنابلة ‪ :‬هي أنصّ الرّوايتين ‪ ،‬وإن‬
‫قتلها فل جزاء عليه في إحدى الرّوايتين ‪ ،‬وهي المذهب ‪.‬‬

‫حشفة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحشفة في اللّغة ‪ :‬ما فوق الختان من الذّكر ‪ ،‬ويقال لها الكمرة أيضا ‪ .‬والحشفة أيضا‬
‫واحدة الحشف ‪ ،‬وهو أردأ التّمر الّذي يجفّ من غير نضج ول إدراك ‪ ،‬فل يكون له لحم ‪.‬‬
‫وفي عرف الفقهاء ‪ :‬هي ما تحت الجلدة المقطوعة من الذّكر في الختان ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الختان ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الختان موضع قطع جلد القلفة ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا التقى الختانان ‪،‬‬
‫أو مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل } فموضع القطع غير داخل في الحشفة ‪.‬‬

‫أحكام تتعلّق بالحشفة ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬أحكام تتعلّق بإيلج الحشفة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬تترتّب أحكام كثيرة على إيلج الحشفة في القبل أو في الدّبر ( مع حرمة الوطء في‬
‫الدّبر ) ‪ .‬وذكر منها ابن جزيّ ‪ :‬خمسين حكما ‪ ،‬والسّيوطيّ ‪ :‬مائة وخمسين حكما ‪ ،‬وقال‬
‫صاحب كفاية الطّالب ‪ :‬إنّه يوجب نحو ستّين حكما ‪ ،‬ذكر منها سبعة وهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬وجوب الغسل ‪:‬‬
‫‪ - 4‬أجمع الفقهاء على أنّه يجب الغسل بغيبوبة الحشفة كلّها في فرج آدميّ حيّ ‪ -‬على‬
‫التّفصيل الّذي ذكر في باب الغسل ‪ -‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬إذا التقى الختانان ‪،‬‬
‫وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل } ‪ .‬وكذا في الدّبر ( مع حرمته ) لقول عليّ رضي ال عنه‬
‫‪ :‬توجبون فيه الحدّ ‪ ،‬ول توجبون فيه صاعا من ماء ؟ ول غسل بتغييب بعض الحشفة ‪.‬‬
‫ولتغييب قدر الحشفة من مقطوعها حكم تغييب الحشفة عند الجمهور ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في‬
‫ن تغييب قدر الحشفة من ذكر مقطوع الحشفة ل يوجب الغسل ‪ ،‬وإنّما يوجبه‬
‫قول ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫تغييب جميع الباقي إن كان قدر الحشفة فصاعدا ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬هذا الوجه مشهور ‪ ،‬ولكنّ‬
‫الوّل أصحّ ‪ .‬واختلفوا في وجوب الغسل بوطء البهيمة والميّتة ‪ :‬فذهب جمهور الفقهاء إلى‬
‫أنّه ل فرق بين آدميّة وبهيمة ‪ ،‬ول بين حيّة وميّتة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يجب الغسل بوطء‬
‫ل أن يحصل إنزال ‪ -‬لنّه ليس بمقصود ‪ ،‬وأيضا لنّه ليس بمنصوص‬
‫البهيمة والميّتة ‪ -‬إ ّ‬
‫ول في معنى المنصوص ‪ .‬واختلفوا أيضا فيما إذا لفّ على الحشفة خرقة ‪ :‬فذهب الحنفيّة في‬
‫الصحّ والمالكيّة وهو وجه لدى الشّافعيّة إلى أنّه يجب الغسل إذا كانت الخرقة خفيفة يجد‬
‫معها حرارة الفرج والّلذّة ‪ ،‬وإلّ فل يجب ‪ ،‬إلّ أن يحصل إنزال ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في الصحّ‬
‫إلى وجوب الغسل مطلقا ‪ :‬أي سواء أكانت الخرقة خفيفة أم غليظة ‪ ،‬وهذا جار في سائر‬
‫الحكام كإفساد الصّوم ‪ ،‬والحجّ ‪ ،‬والعمرة ‪ .‬ويرى الحنابلة ‪ ،‬وهو قول آخر لدى الشّافعيّة‬
‫عدم وجوب الغسل في هذه الحالة ‪ .‬وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأن تكون الحشفة‬
‫أصليّة ‪ ،‬فل غسل بتغييب حشفة زائدة أو من خنثى مشكل لحتمال الزّيادة ‪ .‬وأمّا المالكيّة فل‬
‫فرق عندهم بين أن يكون ذلك التّغييب من ذكر محقّق أو خنثى مشكل ‪ ،‬فيجب عليه الغسل‬
‫بتغييب حشفته ‪ ،‬قياسا على من تيقّن الطّهارة ‪ ،‬وشكّ في الحدث ‪.‬‬

‫‪ - 2‬فساد الصّوم ‪:‬‬


‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّ تغييب الحشفة في أحد السّبيلين في صوم رمضان مفسد للصّوم إذا‬
‫ن النزال شبع ‪ ،‬وقضاء‬
‫كان عامدا ‪ ،‬ويلزمه القضاء والكفّارة ‪ ،‬ول يشترط النزال ‪ ،‬ل ّ‬
‫الشّهوة يتحقّق بدونه ‪ ،‬وقد وجب به الحدّ وهو عقوبة محضة ‪ ،‬فالكفّارة الّتي فيها معنى‬
‫ن الكفّارة إنّما وجبت‬
‫العبادة أولى ‪ .‬ول كفّارة في غير رمضان ‪ ،‬بل فيه قضاء فقط ‪ ،‬ل ّ‬
‫لهتك حرمة شهر رمضان ‪ ،‬فل تجب بإفساد قضائه ‪ ،‬ول بإفساد صوم غيره ‪ .‬والصل في‬
‫ذلك { قوله صلى ال عليه وسلم للعرابيّ حين قال ‪ :‬واقعت أهلي نهار رمضان متعمّدا ‪،‬‬
‫اعتق رقبة } ‪ .‬واختلفوا فيما إذا كان إيلج الحشفة نسيانا ‪ :‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في‬
‫المذهب إلى عدم وجوب القضاء والكفّارة ‪ ،‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة في قول ‪ :‬وجوب‬
‫القضاء دون الكفّارة ‪ .‬وصرّح الحنابلة بوجوب القضاء والكفّارة ولو كان ناسيا للصّوم ‪.‬‬
‫وكذلك اختلفوا في الميّتة والبهيمة ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل فرق بين آدميّة وبهيمة ‪،‬‬
‫ول بين حيّة وميّتة ‪ .‬أمّا عند الحنفيّة فل كفّارة بجماع بهيمة أو ميّتة ولو أنزل ‪ ،‬بل ل قضاء‬
‫ما لم ينزل ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( صوم )‬

‫‪ - 3‬فساد الحجّ ‪:‬‬


‫ج ‪ .‬قال ابن‬
‫‪ - 6‬اتّفق الفقهاء على أنّ تغييب الحشفة في الفرج قبل الوقوف بعرفة مفسد للح ّ‬
‫ل الجماع ‪.‬‬
‫ج ل يفسد بإتيان شيء في حال الحرام إ ّ‬
‫المنذر ‪ :‬أجمع أهل العلم على أنّ الح ّ‬
‫ن رجل سأله ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّي‬
‫والصل في ذلك ما روي عن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬أ ّ‬
‫واقعت امرأتي ونحن محرمان ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفسدت حجّك وكذلك قال ابن عبّاس ‪ ،‬وروي ذلك‬
‫ي وإسحاق‬
‫عن عمر رضي ال عنه أيضا ‪ .‬وبه قال ابن المسيّب وعطاء والنّخعيّ ‪ ،‬والثّور ّ‬
‫وأبو ثور ‪ .‬ثمّ ل فرق عند الجمهور بين ما قبل الوقوف ‪ ،‬وكذا بعده قبل التّحلّل الوّل ‪ ،‬لنّه‬
‫ن الصّحابة لم يفرّقوا بين ما قبل الوقوف وما بعده ‪ .‬وقال‬
‫جماع صادف إحراما تامّا ‪ ،‬ول ّ‬
‫الحنفيّة ‪ :‬إن جامع قبل الوقوف فسد حجّه وعليه شاة ‪ ،‬ويمضي في حجّه ويقضيه ‪ ،‬وإذا‬
‫جامع بعد الوقوف لم يفسد حجّه وعليه بدنة ‪ ،‬وأمّا بعد الحلق فعليه شاة لبقاء الحرام في حقّ‬
‫النّساء ‪ .‬واختلفوا في تغييب الحشفة في البهيمة والدّبر ‪ :‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الحجّ‬
‫ل يفسد بوطء البهيمة ‪ ،‬لنّه ل يوجب الحدّ ‪ ،‬فأشبه الوطء فيما دون الفرج ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬
‫والحنابلة إلى أنّه ل فرق بين القبل والدّبر من آدميّ أو بهيمة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح‬
‫( حجّ ‪ ،‬وعمرة ‪ ،‬وإحرام )‬

‫‪ - 4‬وجوب كمال الصّداق ‪:‬‬


‫‪ - 7‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ إيلج الحشفة في قبل المرأة الحيّة ‪ ،‬يوجب كمال الصّداق‬
‫إذا كانا بالغين ‪ ،‬أو كان الزّوج بالغا ‪ ،‬والمرأة ممّن يوطأ مثلها ‪ .‬واختلفوا في تكميل الصّداق‬
‫بإيلج الحشفة في دبر الزّوجة ( مع اتّفاقهم على حرمة ذلك ) ‪ :‬فذهب الجمهور إلى إيجاب‬
‫كمال الصّداق ولو كان اليلج في الدّبر ‪ ،‬لنّه قد وجد استيفاء المقصود باستقرار العوض ‪.‬‬
‫ويرى الحنفيّة أنّه ل يلزمه كمال المهر بالوطء في الدّبر لنّه ليس بمحلّ النّسل ‪ .‬وتفصيل‬
‫ذلك في مصطلح ‪ ( :‬نكاح ومهر ) ‪.‬‬

‫‪ - 5‬التّحليل للزّوج الوّل ‪:‬‬


‫ل بشروط ‪ :‬منها إيلج‬
‫ن تحليل المطلّقة ثلثا ل يحصل إ ّ‬
‫‪ - 8‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫الحشفة في قبل امرأة بل حائل يمنع الحرارة والّلذّة ‪ .‬ثمّ اختلفوا في اشتراط النزال مع‬
‫اليلج ‪ :‬فذهب الجمهور إلى عدم اشتراطه ‪ ،‬لنّ الشّرط الذّوق ل الشّبع ‪ .‬ويرى المالكيّة‬
‫اشتراطه ‪ .‬والصل في هذا الباب أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم علّق الحلّ على ذوق العسيلة‬
‫ل بالوطء في الفرج ‪ ،‬وأدناه تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها ‪،‬‬
‫منهما ‪ ،‬ول يحصل إ ّ‬
‫ن الحكم يتعلّق‬
‫ن أحكام الوطء تتعلّق به ‪ .‬ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحلّ له ‪ ،‬ل ّ‬
‫لّ‬
‫بذوق العسيلة ‪ ،‬ول تحصل من غير انتشار ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬طلق ) ‪.‬‬

‫‪ - 6‬تحصين الزّوجين ‪:‬‬


‫‪ - 9‬اتّفق الئمّة على أنّه يثبت الحصان بغيبوبة الحشفة في القبل على وجه يوجب الغسل‬
‫سواء أنزل أم لم ينزل بشرط الح ّريّة والتّكليف وغيرهما من الشّروط المذكورة في موضعها‬
‫‪ .‬والظّاهر أنّه ل يحصل تحصين الزّوجين بتغييبها ملفوفا عليها حائل كثيف ‪ ،‬وفي الخفيف‬
‫خلف ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إحصان ) ‪.‬‬
‫‪ - 7‬وجوب الحدّ ‪:‬‬
‫ن من شروط وجوب الح ّد في الزّنى تغييب حشفة أصليّة أو‬
‫‪ - 10‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫قدرها من مقطوعها في فرج أصليّ ولو لم ينزل ‪ .‬فإن لم يغيّب أو غيّب بعضها فل حدّ ‪.‬‬
‫ن ذلك ل يسمّى زنى ‪ ،‬إذ الوطء ل يتمّ بدون تغييب جميع الحشفة ‪ ،‬لنّه القدر الّذي تثبت‬
‫لّ‬
‫به أحكام الوطء ‪ ،‬ولذا لم يجب الغسل ولم يفسد الحجّ ‪ .‬واختلفوا في إيلجها في الدّبر من‬
‫ذكر أو أنثى ‪ -‬مع حرمته ‪ : -‬فذهب الجمهور إلى أنّه ل فرق بين القبل والدّبر في وجوب‬
‫الح ّد بتغييب الحشفة ‪ ،‬ويرى أبو حنيفة أنّه ل بدّ من إيلج الحشفة في القبل ‪ .‬وإن لفّ عليها‬
‫خرقة كثيفة فذهب الحنفيّة في الصحّ والمالكيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى عدم وجوب الح ّد قياسا على‬
‫مسألة الغسل بل أولى ‪ .‬وأمّا بحائل خفيف ل يمنع الّلذّة فيجب الحدّ ‪ ،‬وفي قول عند المالكيّة‬
‫ل يجب ‪ ،‬لنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬ويرى الشّافعيّة وجوب الحدّ ‪ ،‬ولو كان الحائل غليظا‬
‫‪ .‬ويشترط الحنفيّة والحنابلة النتشار أثناء تغييب الحشفة في وجوب الحدّ ‪ ،‬وهو غير شرط‬
‫عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬زنى ) ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ما يترتّب على قطع الحشفة ‪:‬‬


‫‪ - 1‬وجوب القصاص ‪:‬‬
‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أنّه يجب القصاص بقطع جميع الحشفة عمدا إذ لها حدّ معلوم‬
‫كالمفصل ‪ .‬واختلفوا في قطع بعضها ‪ :‬فذهب الجمهور إلى وجوب القصاص في قطع بعضها‬
‫ص منه مثل ذلك ‪ ،‬ول يؤخذ‬
‫أيضا ‪ ،‬ويقدّر بالجزاء كنصف وثلث ‪ ،‬وربع ‪ ،‬ويؤخذ من المقت ّ‬
‫بالمساحة لئلّ يفضي إلى أخذ جميع عضو الجاني ببعض عضو المجنيّ عليه ‪ .‬لقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ والجروح قصاص } ‪ .‬ول قصاص في قطع بعضها عند الحنفيّة ‪ ،‬لتعذّر المساواة وتجب‬
‫الدّية ‪ ،‬لنّه متى تعذّر القصاص ‪ ،‬تجب الدّية كاملة ‪ ،‬لئلّ تخلو الجناية عن موجب ‪.‬‬

‫‪ - 2‬وجوب الدّية ‪:‬‬


‫‪ - 12‬أجمع الفقهاء على أنّ في قطع الحشفة خطأ دية كاملة ‪ ،‬لنّها أصل في منفعة اليلج‬
‫ن فيه إزالة الجمال على وجه‬
‫والدّفق ‪ ،‬والقصبة كالتّابع لها كالكفّ مع الصابع ‪ .‬ول ّ‬
‫ن معظم منافع الذّكر وهو لذّة المباشرة تتعلّق بها ‪ .‬وفي‬
‫الكمال ‪ ،‬وتفويت جنس المنفعة ‪ ،‬ول ّ‬
‫قطع بعضها قسطه من الدّية عند الجمهور ‪ ،‬ويكون التّقسيط على الحشفة فقط ‪ ،‬لنّ الدّية‬
‫تكمل بقطعها ‪ ،‬فقسّطت على أبعاضها ‪ .‬وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬يكون التّقسيط على جملة‬
‫ل فعليه أكثر المرين من قسطه من الدّية‬
‫الذّكر ‪ .‬هذا إذا لم يختلّ مجرى البول ‪ ،‬فإن اخت ّ‬
‫وحكومة فساد المجرى ‪ .‬وأمّا الحنفيّة فلم يفرّقوا في وجوب الدّية بين قطع الكلّ والبعض ‪.‬‬
‫حشيش انظر ‪ :‬كل ‪،‬‬

‫حشيشة انظر ‪ :‬مخدّر‬

‫حصاد‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحصاد بفتح الحاء وكسرها مصدر حصد الزّرع حصادا أي ‪ :‬جزّه ‪ ،‬وقطعه بالمنجل ‪،‬‬
‫ومثله الحصد ‪ ،‬وحصائد اللسنة الّذي في الحديث ‪ :‬هو ما قيل في النّاس باللّسان ‪ ،‬والمحصد‬
‫‪ :‬المنجل وزنا ومعنى ‪ ،‬والحصاد الزّرع المحصود ‪ ،‬والحصاد أيضا ‪ :‬أوان الحصاد ‪ ،‬ومنه‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬كلوا من ثمره إذا أثمر ‪ ،‬وآتوا حقّه يوم حصاده } والفقهاء يستعملون الحصاد‬
‫لهذا المعنى ‪ .‬وأطلقوه أيضا على ما بقي في الرض بعد حصاد الزّرع توسّعا ‪ ،‬كما ذكره‬
‫ي نقل عن شرح القدوريّ ‪.‬‬
‫المطرّز ّ‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدّياس ‪:‬‬
‫ب ‪ ،‬ويكرّر عليه الدّوس حتّى يصير تبنا ‪ .‬وهو‬
‫‪ - 2‬الدّياس في الحبوب أن توطأ بقوائم الدّوا ّ‬
‫عند الفقهاء من المواسم المعتادة يأتي بعد الحصاد ب ‪ -‬الجذاذ والجداد ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الجذاذ بضمّ الجيم وكسرها ‪ ،‬والجداد بفتح الجيم وكسرها ‪ ،‬بمعنى القطع ‪ ،‬ومنه ‪ :‬جدّ‬
‫النّخل ‪ :‬أي صرمه ‪ ،‬أي قطع ثمره ‪ .‬وكذلك جذّ النّخل جذّا ‪ ،‬وجذاذا ‪ ،‬صرمه ‪ ،‬أي قطع‬
‫ن الجذاذ ‪ ،‬والجداد خاصّان بالنّخل ونحوه ‪ ،‬والحصاد‬
‫ثمره ‪ .‬والفرق بينهما وبين الحصاد أ ّ‬
‫في الزّرع ‪ .‬في الحديث ‪ { :‬نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن جداد اللّيل } ‪ .‬ح ‪ -‬الجزاز‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 4‬الجزاز بفتح الجيم وكسرها كالحصاد ‪ ،‬واقع على الحين والوان ‪ ،‬قال الفرّاء ‪ :‬جاءنا‬
‫وقت الجزاز ‪ ،‬أي ‪ :‬زمن الحصاد ‪ .‬وأجزّ النّخل ‪ ،‬والبرّ ‪ ،‬والغنم ‪ :‬حان له أن يجزّ ‪ ،‬وأجزّ‬
‫البرّ والشّعير ‪ :‬أي حان حصاده ‪ .‬فالجزاز أع ّم من الحصاد والجذاذ ‪ ،‬لنّ الجذاذ أو الجداد‬
‫خاصّ بالنّخل وأمثاله ‪ ،‬والحصاد ‪ :‬في الزّرع ‪ ،‬وأمّا الجزاز ‪ :‬ففي النّخل ‪ ،‬والزّرع‬
‫والصّوف والشّعر ‪ .‬وفرّق محمّد بن الحسن بينهما ‪ ،‬فذكر أنّ الجداد قبل الدراك ‪ ،‬والجزاز‬
‫بعده ‪ .‬وكلّ من الحصاد والدّياس والجذاذ والجزاز من المواسم المعتادة الّتي اختلف الفقهاء‬
‫في جواز التّأجيل إليها في المعاملت وغيرها ‪.‬‬

‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬


‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحصاد من الجال المجهولة جهالة متقاربة ‪ ،‬واختلفوا في جواز‬
‫التّأجيل إليه ‪ :‬فذهب الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة ‪ ،‬وابن المنذر إلى أنّه ل‬
‫يجوز التّأجيل إلى الحصاد ونحوه في البيع والسّلم ‪ :‬وغيرهما لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫في السّلم { إلى أجل معلوم } ‪ .‬ولما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنه أنّه قال ‪ { :‬ل‬
‫تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس ‪ ،‬ول تتبايعوا إلّ إلى أجل معلوم } ‪ .‬ولنّ ذلك يختلف ‪،‬‬
‫ويقرب ويبعد ‪ ،‬فل يجوز أن يكون أجل ‪ ،‬لنّه يؤدّي إلى المنازعة ‪ .‬ث ّم اختلف هؤلء الفقهاء‬
‫في أثر اشتراط التّأجيل إلى الحصاد ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬أجل ) ‪.‬‬
‫( مواطن البحث ) ‪:‬‬
‫‪ - 6‬قد فصّل الفقهاء الكلم على الحصاد في البيع عند الكلم عن خيار الشّرط وفي السّلم ‪،‬‬
‫والجارة ‪ ،‬والمزارعة ‪ ،‬والمساقاة ‪ ،‬والزّكاة وغيرها وفي كلّ خلف وتفصيل يرجع فيها‬
‫إلى مواطنها ‪.‬‬

‫حصار‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحصار مصدر حاصر ‪ ،‬ومثله المحاصرة ‪ ،‬أي التّضييق على الشّخص والحاطة به ‪،‬‬
‫والحصير في اللّغة المحبس ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا } أي محبسا ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء هو التّضييق على العدوّ ‪ ،‬والحاطة به في بلد ‪ ،‬أو قلعة ‪ ،‬أو حصن ‪،‬‬
‫أو غيرها ‪ ،‬ومنع الخروج والدّخول حتّى يستسلم ‪ ( .‬الحكم الشّرعيّ ) ‪:‬‬
‫‪ - 2‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه يجوز للمام أو نائبه محاصرة الكفّار في بلدهم ‪،‬‬
‫والحصون والقلع ‪ ،‬وتشديد المر عليهم بالمنع من الدّخول والخروج ‪ ،‬والمنع من الماء‬
‫والطّعام حتّى يستسلموا وإن كان فيهم النّساء والصّبيان ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬فإذا انسلخ الشهر‬
‫الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم } وقد حاصر الرّسول صلى‬
‫ال عليه وسلم أهل الطّائف ‪ .‬وحاصر المسلمون بعده القدس في خلفة عمر رضي اللّه عنه‬
‫وأرضاه ‪ .‬وعلى المام إذا حاصر حصنا أو مدينة أن يأخذه بواحدة من خصال خمس ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يسلّموا فيعصموا بالسلم دماءهم وأموالهم ‪ ،‬وأولدهم الصّغار ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يبذلوا مال على الموادعة فيجوز للمام قبوله منهم ‪ ،‬سواء جعلوه خراجا مستمرّا‬
‫يؤخذ منهم كلّ عام ‪ ،‬أو دفعوه جملة ‪ ،‬ولهم أن يدفعوا جزية إن كانوا ممّن تقبل منهم الجزية‬
‫فيقبل منهم وجوبا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يفتحه ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يرى المصلحة في النصراف عنهم ‪ ،‬إمّا لضرر في القامة ‪ ،‬وإمّا لليأس منه ‪ ،‬وإمّا‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حاصر‬
‫لمصلحة تفوت بإقامته هناك فينصرف ‪ ،‬لما روي { أ ّ‬
‫أهل الطّائف فلم ينل منهم شيئا ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّا قافلون إن شاء اللّه غدا ‪ ،‬فقال المسلمون أنرجع‬
‫عنه ولم تفتحه ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اغدوا على القتال ‪ ،‬فغدوا عليه‬
‫فأصابهم الجراح فقال لهم ‪ :‬إنّا قافلون غدا فأعجبهم فقفل } ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن ينزلوا على حكم حاكم فيجوز قبوله ‪ .‬لما روي { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا‬
‫حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم إلى ذلك } ‪ .‬والتّفصيل‬
‫في مصطلح ( تحكيم ) ‪ .‬ول يعتبر الحصار ظفرا بهم ‪ ،‬فإن أسلم المحصورون أثناء الحصار‬
‫وقبل الستسلم عصموا دماءهم وأموالهم ‪ ،‬وأولدهم الصّغار ‪ ،‬فل يقتلون ول يستولى على‬
‫أموالهم ‪ ،‬وإن كان الفتح قريبا ‪ .‬أمّا إذا أسلموا بعد الفتح فإنّهم يعصمون دماءهم دون أموالهم‬
‫‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬جهاد ) ‪.‬‬

‫حصار البغاة ‪:‬‬


‫‪ - 3‬ذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يجوز للمام حصار البغاة بمنع الطّعام ‪ ،‬أو الشّراب ‪ ،‬لنّ‬
‫المقصود من قتالهم ردّهم إلى الطّاعة ل إهلكهم ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الحنابلة ‪ .‬وقال‬
‫المالكيّة ‪ :‬يجوز قتالهم بما يجوز قتال الكفّار به ‪ ،‬فيمنع عنهم الميرة والماء ‪ ،‬إلّ أن يكون‬
‫معهم صبيان ونساء ‪ .‬والتّفصيل في ( بغاة ) ‪.‬‬

‫فكّ حصار العد ّو بالمال ‪:‬‬


‫ك الحصار عنهم لم يجبهم المام ‪ ،‬لما فيه من‬
‫‪ - 4‬إذا حاصر العد ّو المسلمين وطلبوا مال لف ّ‬
‫إعطاء الدّنيّة ‪ ،‬وإلحاق المذلّة بأهل السلم ‪ ،‬إلّ إذا خاف هلك المسلمين فيجوز ‪ .‬لنّ‬
‫{ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أرسل إلى عيينة بن حصن ‪ ،‬والحارث بن عوف وهما قائدا‬
‫غطفان لمّا اشتدّ البلء على المسلمين في وقعة الخندق ‪ ،‬وطلب منهما أن يرجعا بمن معهما‬
‫ي صلى ال عليه وسلم سعد بن‬
‫على أن يعطيهما كلّ سنة ثلث ثمار المدينة ‪ ،‬فاستشار النّب ّ‬
‫معاذ ‪ ،‬وسعد بن عبادة فقال ‪ :‬يا رسول اللّه إن كان وحيا فامض لما أمرت به ‪ ،‬وإن كان‬
‫ل السّيف ‪ .‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنتم وذاك } ‪ .‬فقد مال النّبيّ‬
‫رأيا رأيته ‪ ،‬ل نعطيهم إ ّ‬
‫س الضّعف بالمسلمين ‪ ،‬فلمّا رأى‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى الصّلح بالمال في البتداء لمّا أح ّ‬
‫قوّة المسلمين بما قال السّعدان امتنع عن ذلك ‪ ،‬ودفع الهلك عن المسلمين واجب بأيّ طريق‬
‫ممكن ‪.‬‬

‫حصر‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحصر مصدر حصره العد ّو أو المرض ‪ ،‬أي حبسه عن السّفر ‪ .‬قال أبو إسحاق‬
‫النّحويّ ‪ :‬الرّواية عند أهل اللّغة أن يقال للّذي يمنعه الخوف والمرض أحصر ‪ ،‬ويقال‬
‫ن الرّجل إذا امتنع من التّصرّف فقد حصر نفسه ‪ ،‬فكأنّ‬
‫للمحبوس حصر ‪ ،‬وإنّما كان كذلك ل ّ‬
‫المرض أحبسه أي جعله يحبس نفسه ‪ ،‬وقولك ‪ :‬حصرته ‪ ،‬إنّما هو حبسته ‪ ،‬ل أنّه أحبس‬
‫نفسه ‪ ،‬فل يجوز فيه أحصر ‪ .‬وقيل الحصر للحبس بالمرض ‪ ،‬والحصار للحبس بالعدوّ ‪.‬‬
‫سكّيت ‪ :‬يقال أحصره المرض إذا منعه من السّفر ‪ ،‬أو من حاجة يريدها ‪،‬‬
‫وقال ابن ال ّ‬
‫وأحصره العد ّو إذا ضيّق عليه فحصر أي ضاق صدره ‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪ :‬حصر الرّجل في‬
‫الحبس ‪ ،‬وأحصر في السّفر من مرض أو انقطاع به ‪ ،‬وأمّا الحصر فهو ضيق الصّدر ‪،‬‬
‫والبخل ‪ ،‬والمنع من الشّيء عجزا ‪ ،‬أو حياء ‪ ،‬والعيّ في المنطق ‪ .‬ومنه حصر القارئ أي‬
‫ي في كتبهم استعمال كثيرا ‪ .‬إلّ‬
‫منع القراءة ‪ .‬واستعمل الفقهاء ( الحصر ) بالمعنى اللّغو ّ‬
‫أنّهم غلّبوا استعمال هذه المادّة ( حصر ) ومشتقّاتها في باب الحجّ والعمرة للدّللة على منع‬
‫المحرم من أركان النّسك ‪ ،‬وذلك اتّباعا للقرآن الكريم ‪ ،‬وتوافقت على ذلك عباراتهم حتّى‬
‫أصبح ( الحصار ) اصطلحا فقهيّا مشهورا ‪ .‬ومسائل الحصار قد تمّ استيفاؤها في‬
‫مصطلح ( إحصار ) ‪ .‬ولهذه الكلمة معان أخرى مختلفة بحسب العلم المبحوث فيه ‪.‬‬

‫أحكام الحصر ‪:‬‬


‫‪ - 2‬فيما يلي بعض المثلة الّتي وردت في كتب الفقه من أبواب مختلفة ‪ ،‬وينظر تفصيلها في‬
‫مواضعها من الموسوعة وغيرها من كتب الفقه ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬جاء في حاشية ابن عابدين ‪ ،‬يجوز عند الصّاحبين أن يستخلف المام إذا حصر ببول أو‬
‫غائط خلفا لبي حنيفة ‪ ( .‬انظر استخلف ‪ ،‬إمامة الصّلة ‪ ،‬حاقن ) ‪ .‬ب ‪ -‬وجاء فيها‬
‫صدّيق‬
‫أيضا ‪ :‬للمام أن يستخلف إذا حصر عن قراءة القدر المفروض ‪ ،‬لحديث { أبي بكر ال ّ‬
‫س بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم حصر عن القراءة فتأخّر فتقدّم‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬فإنّه لمّا أح ّ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأتمّ الصّلة } ‪ ،‬ولو لم يكن جائزا لما فعله وأقرّه ‪ ( .‬انظر‬
‫استخلف ‪ -‬إمامة ‪ -‬صلة ) ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وذكر صاحب مواهب الجليل أنّه لو سها المام أو حصر فلم يكبّر في صلة العيد السّبع‬
‫والخمس وجب على المأمومين أن يكبّروا ( انظر ‪ :‬صلة العيد ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬وعند الشّافعيّة يجب على المزكّي أن يستوعب آحاد كلّ صنف من مستحقّي الزّكاة إن‬
‫كانوا محصورين ‪ -‬أي سهل عدّهم ‪ -‬في البلد الّذي وجبت فيه الزّكاة ‪ ،‬ووفّى بهم المال ‪،‬‬
‫ل فيجب إعطاء ثلثة من كلّ صنف لذكره في الية بصيغة الجمع ‪ ( .‬وانظر ‪ :‬زكاة ) ‪.‬‬
‫وإ ّ‬

‫هـ ‪ -‬ل يكلّف القاضي غرماء المفلس ‪ ،‬وكذا غرماء الميّت ببيّنة تثبت حصر الدّائن فيهم ‪.‬‬
‫ن الحاكم ل يقسم عليهم حتّى يكلّفهم ببيّنة تشهد بحصرهم ‪ ،‬وموت مورثهم‬
‫بخلف الورثة فإ ّ‬
‫ومرتبتهم من الميّت ‪ ،‬لنّ عددهم معلوم للجيران وأهل البلد فل كلفة في إثباته ‪ ،‬والدّين يقصد‬
‫إخفاؤه ‪ -‬غالبا ‪ -‬فإثبات حصر الغرماء يتعسّر ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إفلس ‪ ،‬إرث ‪ ،‬تركة ‪ ،‬حجر ‪،‬‬
‫دين ) ‪.‬‬
‫و ‪ -‬قال المالكيّة ‪ :‬إذا أوصى بثلثه لمجهول غير محصور كقبيلة كبيرة لم يلزم التّعميم ‪،‬‬
‫وكغزاة أو فقراء أو مساكين ‪ ،‬فل يلزم تعميمهم ول التّسوية بينهم ‪ ،‬وإنّما يقسم بينهم باجتهاد‬
‫الوصيّ ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إيصاء ) ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ل يكفي في اليمين الثبات ولو مع الحصر كقوله ‪ :‬ما بعت إلّ بكذا بل ل بدّ من‬
‫ن اليمان ل يكتفى فيها باللّوازم ‪ ،‬بل‬
‫التّصريح مع الثبات بنفي ما ادّعاه الخصم صريحا ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن فيها نوعا من التّعبّد كقول البائع ‪ :‬واللّه ما بعت بكذا وإنّما بعت بكذا‬
‫ل بدّ من الصّريح ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ ( .‬انظر ‪ :‬أيمان ) ‪.‬‬

‫ب أن يقضي‬
‫ح ‪ -‬اختلف المالكيّة في جلوس أهل العلم مع القاضي ‪ ،‬فقال ابن الموّاز ‪ :‬ل أح ّ‬
‫إلّ بحضرة أهل العلم ومشاورتهم ‪ ،‬وقال أشهب ‪ :‬إلّ أن يخاف الحصر ( أي الضّيق ) من‬
‫جلوسهم عنده ‪ ،‬وقال سحنون ‪ :‬ل ينبغي أن يكون معه في مجلسه من يشغله عن النّظر ‪،‬‬
‫كانوا أهل فقه أو غيرهم ‪ ،‬فإنّ ذلك يدخل عليه الحصر ‪ ،‬وقاله مطرّف وابن الماجشون‬
‫وأضافا ‪ :‬لكن إذا ارتفع من مجلس القضاء شاور ‪ ( .‬انظر ‪ :‬قضاء ) ‪.‬‬

‫ط ‪ -‬قال الشّافعيّة ‪ :‬العقود الّتي تفيد الكفّار المن ثلثة ‪ :‬أمان ‪ ،‬وجزية ‪ ،‬وهدنة ‪ ،‬لنّه إن‬
‫ل فالجزية ‪،‬‬
‫تعلّق بمحصور فالمان ‪ ،‬أو بغير محصور ‪ ،‬فإن كان إلى غاية فالهدنة ‪ ،‬وإ ّ‬
‫وهما مختصّان بالمام بخلف المان أي فإنّه يجوز لغير المام إعطاؤه إذا كان لحربيّين‬
‫محصورين أي معدودين إلّ لنحو جاسوس وأسير ‪ ( .‬انظر ‪ :‬أمان ‪ ،‬جزية ‪ ،‬حصار ‪،‬‬
‫هدنة ‪ ،‬معاهدة ) ‪.‬‬

‫حضانة‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحضانة في اللّغة ‪ :‬مصدر حضن ‪ ،‬ومنه حضن الطّائر بيضه إذا ضمّه إلى نفسه تحت‬
‫جناحيه ‪ ،‬وحضنت المرأة بها إذا جعلته في حضنها أو ربّته ‪ ،‬والحاضن والحاضنة الموكّلن‬
‫بالصّبيّ يحفظانه ويربّيانه ‪ ،‬وحضن الصّبيّ يحضنه حضنا ‪ :‬ربّاه ‪ .‬والحضانة شرعا ‪ :‬هي‬
‫حفظ من ل يستقلّ بأموره ‪ ،‬وتربيته بما يصلحه ‪.‬‬
‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكفالة ‪ - 2‬الكفالة لغة الضّمّ ‪ ،‬وكفلت المال وبالمال ضمنته ‪ ،‬وكفلت الرّجل وبالرّجل‬
‫كفل وكفالة ‪ ،‬وتكفّلت به ضمنته ‪ ،‬والكافل العائل ‪ ،‬والكافل والكفيل الضّامن ‪ .‬قال ابن‬
‫العرابيّ ‪ :‬كفيل وكافل وضمين وضامن بمعنى واحد ‪ ،‬وفي التّهذيب ‪ :‬وأمّا الكافل فهو‬
‫الّذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه ‪ ،‬وقال ابن بطّال ‪ :‬الكفالة بالولد أن يعوله ويقوم بأمره ‪،‬‬
‫ضمّ والتّضمين ‪.‬‬
‫ل على ال ّ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وكفّلها زكريّا } وفي المغرب ‪ :‬وتركيبه يد ّ‬
‫والفقهاء يفردون بابا للكفالة بالدّين أو بالنّفس ‪ ،‬ويعرّفونها بأنّها ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة‬
‫الصيل في المطالبة مطلقا بنفس ‪ ،‬أو بدين ‪ ،‬أو عين كمغصوب ‪ .‬كما يستعملون لفظ الكفالة‬
‫في باب الحضانة ‪ ،‬ويريدون بالكفيل من يعول الصّغير ويقوم بأموره ‪ .‬وعلى ذلك فلفظ‬
‫الكفالة مشترك بين ضمّ ال ّذمّة وبين الحضانة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الولية ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الولية لغة ‪ :‬النّصرة ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬القدرة على التّصرّف أو هي ‪ :‬تنفيذ القول على الغير‬
‫‪ .‬وقد يكون مصدرها الشّرع كولية الب والجدّ ‪ ،‬وقد يكون مصدرها تفويض الغير‬
‫كالوصاية ونظارة الوقف ‪ .‬والوليات متعدّدة كالولية في المال ‪ ،‬وفي النّكاح ‪ ،‬وفي‬
‫الحضانة ‪ ،‬وتختلف من تثبت له الولية من نوع إلى نوع ‪ ،‬فقد تكون للرّجال فقط ‪ .‬وقد‬
‫تكون للرّجال والنّساء ‪ .‬والحضانة نوع من أنواع الوليات الثّابتة بالشّرع ‪ ،‬ويقدّم فيها النّساء‬
‫على الرّجال ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الوصاية ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الوصاية لغة ‪ :‬المر ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬المر بالتّصرّف بعد الموت ‪ ،‬كوصيّة النسان إلى من‬
‫ل أنّها‬
‫يغسّله ‪ ،‬أو يصلّي عليه إماما ‪ ،‬أو يزوّج بناته ونحو ذلك ‪ ،‬فالوصاية ولية كغيرها ‪ ،‬إ ّ‬
‫تثبت بتفويض الغير ‪ ،‬أمّا الحضانة فهي ثابتة بالشّرع ‪ ،‬وقد يكون الوصيّ حاضنا ‪ .‬الحكم‬
‫التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 5‬الحضانة واجبة شرعا ‪ ،‬لنّ المحضون قد يهلك ‪ ،‬أو يتضرّر بترك الحفظ ‪ ،‬فيجب‬
‫حفظه عن الهلك ‪ ،‬محكمها الوجوب العينيّ إذا لم يوجد إلّ الحاضن ‪ ،‬أو وجد ولكن لم يقبل‬
‫الصّبيّ غيره ‪ ،‬والوجوب الكفائيّ عند تعدّد الحاضن ‪.‬‬
‫صفة المحضون ( من ثبت عليه الحضانة ) ‪:‬‬
‫‪ - 6‬تثبت الحضانة على الصّغير باتّفاق الفقهاء وكذلك الحكم عند الجمهور ‪ -‬الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة وفي قول عند المالكيّة ‪ -‬بالنّسبة للبالغ المجنون والمعتوه ‪ .‬والمشهور عند‬
‫المالكيّة أنّ الحضانة تنقطع في الذّكور بالبلوغ ولو كان زمنا أو مجنونا ‪.‬‬

‫مقتضى الحضانة ‪:‬‬


‫‪ - 7‬مقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عمّا يؤذيه ‪ ،‬وتربيته لينمو ‪ ،‬وذلك بعمل ما‬
‫يصلحه ‪ ،‬وتعهّده بطعامه وشرابه ‪ ،‬وغسله وغسل ثيابه ‪ ،‬ودهنه ‪ ،‬وتعهّد نومه ويقظته ‪.‬‬

‫حقّ الحضانة ‪:‬‬


‫ل من الحاضن والمحضون حقّ في الحضانة ‪ ،‬فهي حقّ الحاضن بمعنى أنّه لو امتنع‬
‫‪ - 8‬لك ّ‬
‫عن الحضانة ل يجبر عليها ‪ ،‬لنّها غير واجبة عليه ‪ ،‬ولو أسقط حقّه فيها سقط ‪ ،‬وإذا أراد‬
‫العود وكان أهل لها عاد إليه حقّه عند الجمهور ‪ ،‬لنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان ‪ .‬وهي حقّ‬
‫المحضون بمعنى أنّه لو لم يقبل المحضون غير أمّه أو لم يوجد غيرها ‪ ،‬أو لم يكن للب ول‬
‫للصّغير مال ‪ ،‬تعيّنت المّ للحضّانة وتجبر عليها ‪ ،‬ولذلك يقول الحنفيّة ‪ :‬لو اختلعت ‪.‬‬
‫ح الخلع وبطل الشّرط ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة‬
‫الزّوجة على أن تترك ولدها عند الزّوج ص ّ‬
‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ويوافقهم المالكيّة في المشهور عندهم ‪ ،‬غير أنّهم يخالفون الجمهور في‬
‫عودة الحقّ بعد السقاط ‪ ،‬فعندهم إذا أسقط الحاضن حقّه في الحضانة دون عذر بعد وجوبها‬
‫سقط حقّه ول يعود إليه الحقّ بعد ذلك لو أراد ‪ ،‬ومقابل المشهور يعود إليه حقّه بناء على أنّها‬
‫حقّ المحضون ‪.‬‬

‫المستحقّون للحضانة وترتيبهم ‪:‬‬


‫ن النّساء يقدّمن على الرّجال ‪،‬‬
‫‪ - 9‬الحضانة تكون للنّساء والرّجال من المستحقّين لها ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫لنّهنّ أشفق وأرفق ‪ ،‬وبها أليق وأهدى إلى تربية الصّغار ‪ ،‬ثمّ تصرف إلى الرّجال لنّهم‬
‫على الحماية والصّيانة وإقامة مصالح الصّغار أقدر ‪ .‬وحضانة الطّفل تكون للبوين إذا كان‬
‫ن امرأة أتت رسول‬
‫النّكاح قائما بينهما ‪ ،‬فإن افترقا فالحضانة ل ّم الطّفل باتّفاق ‪ ،‬لما ورد { أ ّ‬
‫ن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه ‪ :‬إ ّ‬
‫حواء ‪ ،‬وثديي له سقاء ‪ ،‬وزعم أبوه أنّه ينزعه منّي ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت أحقّ به ما لم تنكحي } ‪.‬‬
‫ل أهل مذهب طريقة خاصّة في ترتيب مستحقّي الحضانة بعد المّ ومن يقدّم عند الستواء‬
‫ولك ّ‬
‫ن الحضانة ل تنتقل من المستحقّ إلى من بعده من المستحقّين‬
‫في الستحقاق ‪ .‬مع مراعاة أ ّ‬
‫إلّ إذا أسقط المستحقّ حقّه في الحضانة أو سقطت لمانع ‪ .‬وبيان ترتيب المذاهب للمستحقّين‬
‫هو كما يلي ‪:‬‬
‫ن أمّ المّ تلي المّ في الحضانة إذا سقطت حضانة المّ لمانع ‪ ،‬ثمّ أمّ‬
‫‪ - 10‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫الب وإن علت ‪ ،‬ثمّ الخت لبوين ‪ ،‬ثمّ الخت لمّ ‪ ،‬ثمّ الخت لب ‪ ،‬ثمّ بنت الخت‬
‫لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ الخالت لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ بنت الخت لب ( وتأخيرها عن‬
‫الخالت هو الصّحيح ) ‪ .‬ثمّ بنات الخ لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ العمّات لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ‬
‫‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ خالة المّ ‪ ،‬ثمّ خالة الب ‪ ،‬ثمّ عمّات المّهات والباء ‪ ،‬ثمّ العصبات من‬
‫الرّجال بترتيب الرث ‪ ،‬فيقدّم الب ‪ ،‬ث ّم الجدّ ‪ ،‬ثمّ الخ الشّقيق ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ بنوه كذلك ‪ ،‬ثمّ‬
‫ن ‪ ،‬ثمّ إذا لم يكن عصبة انتقل حقّ الحضانة‬
‫العمّ ‪ ،‬ثمّ بنوه ‪ .‬وإذا اجتمعوا قدّم الورع ثمّ الس ّ‬
‫لذوي الرحام الذّكور إذا كانوا من المحارم ‪ ،‬فيقدّم الج ّد لمّ ‪ ،‬ثمّ يقدّم الخ لمّ ‪ ،‬ثمّ لبنه ‪ ،‬ثمّ‬
‫للعمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ للخال لبوين ‪ ،‬ثمّ للخال لمّ ‪ ،‬فإن تساووا فأصلحهم ‪ ،‬ثمّ أورعهم ثمّ أكبرهم ‪.‬‬
‫‪ - 11‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الحقّ بالحضانة بعد المّ أمّ المّ ‪ ،‬ثمّ جدّة المّ ‪ ،‬وتقدّم من كانت‬
‫من جهة المّ على من كانت من جهة الب ‪ ،‬ثمّ خالة المحضون الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي للمّ ‪ ،‬ثمّ‬
‫الّتي للب ‪ ،‬ثمّ خالة المّ الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي لل ّم ‪ ،‬ثمّ الّتي للب ‪ ،‬ثمّ عمّة المّ ‪ ،‬ثمّ الجدّة لب‬
‫( وتشمل أمّ الب وأ ّم أمّه وأمّ أبيه وتقدّم القربى على البعدى ) ثمّ بعد الجدّة من جهة الب‬
‫تكون الحضانة للب ‪ ،‬ثمّ أخت المحضون الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي للمّ ‪ ،‬ثمّ الّتي للب ‪ ،‬ثمّ العمّة ‪،‬‬
‫ثمّ عمّة الب على التّرتيب المذكور ‪ ،‬ثمّ خالة الب ‪ .‬ثمّ اختلف بعد ذلك في تقديم بنت الخ‬
‫أو بنت الخت أو تقديم الكفأ منهنّ وهو أظهر القوال ‪ ،‬ثمّ الوصيّ ‪ ،‬ثمّ الخ ‪ ،‬ث ّم الجدّ من‬
‫جهة الب ‪ ،‬ثمّ ابن الخ ‪ ،‬ثمّ العمّ ‪ ،‬ث ّم ابن العمّ ‪ ،‬ثمّ المولى العلى ‪ ،‬وهو المعتق ‪ ،‬ثمّ‬
‫المولى السفل وهو المعتق ‪ .‬واختلف في حضانة الجدّ لمّ ‪ ،‬فمنع ذلك ابن رشد ‪ ،‬واختار‬
‫اللّخميّ أنّ له حقّا في الحضانة ‪ ،‬ومرتبته تكون بعد مرتبة الجدّ لب ‪ .‬ويقدّم عند التّساوي‬
‫الكثر صيانة وشفقة ‪ ،‬ثمّ الكبر سنّا عند التّساوي في ذلك ‪ ،‬ثمّ القرعة عند التّساوي في كلّ‬
‫شيء ‪.‬‬
‫‪ - 12‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الحقّ بالحضانة بعد المّ البنت ‪ ،‬ثمّ أمّهات المّ اللّاتي يدلين‬
‫بإناث وارثات تقدّم القربى فالقربى ‪ ،‬ث ّم الصّحيح بعد ذلك ‪ -‬على الجديد ‪ -‬تنتقل الحضانة‬
‫إلى أمّ الب ‪ ،‬وإنّما قدّمت أمّهات المّ على أمّ الب لوفور شفقتهنّ ولنّهنّ أقوى ميراثا من‬
‫أمّهات الب ‪ ،‬ث ّم بعد أمّ الب أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬ث ّم أمّ أبي الب ‪ ،‬ثمّ أمّهاتها‬
‫المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬ثمّ أ ّم أبي الجدّ ثمّ أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬وتقدّم من كلّ‬
‫ذلك القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الخت الشّقيقة ثمّ الّتي لب ‪ -‬على الصحّ ‪ -‬ثمّ الّتي لمّ ‪ ،‬ثمّ لخالة‬
‫بهذا التّرتيب على الصحّ ‪ ،‬ث ّم بنت الخت ‪ ،‬ثمّ بنت الخ ‪ ،‬ثمّ العمّة من الب والمّ ‪ ،‬ثمّ‬
‫العمّة من الب ‪ ،‬ثمّ العمّة من المّ ‪ .‬وعلى القديم يقدّم الخوات والخالت على أمّهات الب‬
‫ن اجتمعن معه في الصّلب والبطن ‪ ،‬وأمّا الخالت لقول النّبيّ‬
‫والجدّ ‪ ،‬أمّا الخوات فلنّه ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الخالة بمنزلة المّ } ‪ .‬والصحّ إثبات حقّ الحضانة للناث غير‬
‫ن إلى‬
‫ن بالقرابة وهدايته ّ‬
‫المحارم كبنت الخالة ‪ ،‬وبنت العمّة ‪ ،‬وبنت الخال ‪ ،‬وبنت العمّ لشفقته ّ‬
‫ن في الحضانة ‪ .‬أمّا بالنّسبة لحضانة الرّجال فقد‬
‫ح ل حقّ له ّ‬
‫التّربية بالنوثة ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬
‫ذكر الشّافعيّة أنّها تثبت لكلّ محرم وارث على ترتيب الرث عند الجتماع ‪ ،‬فيقدّم أب ‪ ،‬ثمّ‬
‫جدّ وإن عل ‪ ،‬ثمّ أخ شقيق ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬وهكذا كترتيب ولية النّكاح ‪ ،‬كما تثبت الحضانة لغير‬
‫المحرم إن كان وارثا كابن العمّ ‪ ،‬وهذا على الصّحيح لوفور شفقته بالولية ‪ ،‬ومقابل الصّحيح‬
‫ل حضانة له لفقد المحرميّة ‪ .‬فإن فقد الذّكر الرث والمحرميّة معا كابن الخال وابن العمّة ‪،‬‬
‫أو فقد الرث فقط مع بقاء المحرميّة كالخال وأبي المّ ‪ ،‬فل حضانة لهم في الصحّ ‪،‬‬
‫ح لهم الحضانة لشفقتهم بالقرابة ‪ .‬وإذا اجتمع للمحضون مستحقّون من الذّكور‬
‫ومقابل الص ّ‬
‫والناث قدّمت المّ ‪ ،‬ثمّ أمّهات المّ المدليات بإناث ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬وقيل تقدّم الخالة والخت من‬
‫المّ على الب ‪ ،‬ويقدّم الصل على الحاشية مطلقا ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬كالخ والخت لقوّة‬
‫ح أن يقدّم من الحواشي القرب فالقرب‬
‫الصول ‪ ،‬فإن فقد الصل وهناك حواش فالص ّ‬
‫كالرث ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬وإن استووا وفيهم ذكر وأنثى ‪ ،‬فالنثى مقدّمة على الذّكر ‪ .‬وإن‬
‫استوى اثنان من كلّ وجه كأخوين وأختين ‪ ،‬وخالتين ‪ ،‬أقرع بينهما قطعا للنّزاع ‪ .‬ومقابل‬
‫ن نساء القرابة وإن بعدن أحقّ بالحضانة من الذّكور وإن كانوا عصبات ‪ ،‬لنّهنّ‬
‫الصحّ أ ّ‬
‫أصلح للحضانة ‪ .‬قال البيضاويّ ‪ :‬إن تزاحموا قدّمت في الصول المّ ما لم تنكح أجنبيّا ‪ ،‬ثمّ‬
‫الجدّة ‪ ،‬ثمّ المدلية بها ‪ ،‬لنّها بالناث أليق ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ المدلية به ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬ثمّ المدلية‬
‫به ‪ ،‬ثمّ الخت ‪ ،‬ثمّ الخ ‪ ،‬ثمّ الخالت ‪ ،‬ثمّ بنت الخت ‪ ،‬ثمّ بنت الخ ‪ ،‬ثمّ ابنه ‪ ،‬ثمّ العمّ ‪،‬‬
‫ثمّ ابنته ‪ ،‬ثمّ ابنه ‪ ،‬وتسلّم المراهقة إلى ثقة ‪ ،‬وقدّم ولد البوين ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ المّ ‪ .‬ثمّ أبو المّ‬
‫‪ .‬ثمّ الخال ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل حقّ لهما ‪ ،‬ول لبن ولد المّ ‪ ،‬لعدم النوثة والرث ‪.‬‬
‫ن الحقّ بالحضانة بعد المّ أمّهاتها القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ‬
‫‪ - 13‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫أمّهات الب القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬ثمّ أمّهات الجدّ القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الخت لبوين ‪،‬‬
‫ثمّ الخت لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ الخالة لبوين ‪ ،‬ثمّ الخالة لمّ ‪ ،‬ثمّ الخالة لب ‪ ،‬ثمّ العمّة‬
‫لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ خالة أمّه كذلك ‪ ،‬ثمّ خالة أبيه ‪ ،‬ث ّم عمّة أبيه ‪ ،‬ثمّ بنات إخوته‬
‫وبنات أخواته ‪ ،‬ثمّ بنات أعمامه وبنات عمّاته ‪ ،‬ثمّ بنات أعمام أبيه وبنات عمّات أبيه ‪ ،‬تقدّم‬
‫من كلّ ذلك من كانت لبوين ثمّ من كانت لمّ ‪ ،‬ث ّم من كانت لب ‪ .‬ثمّ تكون الحضانة لباقي‬
‫العصبة القرب فالقرب ‪ .‬فإن كان المحضون أنثى فالحضانة عليها للعصبة من محارمها‬
‫ولو برضاع ونحوه كمصاهرة ‪ ،‬وهذا متى بلغت النثى المحضونة سبعا ‪ ،‬فل حضانة عليها‬
‫بعد السّبع لبن الع ّم ونحوه إن لم يكن محرما لها برضاع أو مصاهرة ‪ .‬هذا ما حرّره‬
‫صاحب كشّاف القناع ‪ ،‬وقال عنه ابن قدامة إنّه المشهور في المذهب ‪ .‬وذكر ابن قدامة‬
‫ن أمّ الب وأمّهاتها مقدّمات على أمّ المّ ‪،‬‬
‫بعض الرّوايات الخرى عن المام أحمد ‪ ،‬فعنه أ ّ‬
‫وعلى هذه الرّواية يكون الب أولى بالتّقديم ‪ ،‬فيكون الب بعد المّ ثمّ أمّهاته ‪ .‬كما حكي عن‬
‫ق منه ومن‬
‫ن الخت من المّ والخالة أحقّ من الب ‪ ،‬فتكون الخت من البوين أح ّ‬
‫أحمد أ ّ‬
‫جميع العصبات ‪ .‬وأمّا ترتيب الرّجال فأولهم الب ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬أبو الب وإن عل ‪ ،‬ثمّ الخ‬
‫من البوين ‪ ،‬ث ّم الخ من الب ‪ ،‬ث ّم بنوهم وإن نزلوا على ترتيب الميراث ‪ ،‬ثمّ العمومة ‪ ،‬ثمّ‬
‫بنوهم كذلك ‪ ،‬ثمّ عمومة الب ‪ ،‬ثمّ بنوهم ‪ .‬وإن اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة‬
‫ق منهم بالقرعة ‪ .‬وإذا لم يكن للحاضن أحد ممّن ذكر‬
‫وتساووا ‪ ،‬كأخوين شقيقين قدّم المستح ّ‬
‫انتقلت الحضانة لذوي الرحام في أحد الوجهين وهو الولى ‪ ،‬لنّ لهم رحما وقرابة يرثون‬
‫بها عند عدم من هو أولى ‪ ،‬فيقدّم أبو أمّ ‪ ،‬ثمّ أمّهاته ‪ ،‬ث ّم أخ من أمّ ‪ ،‬ثمّ خال ‪ ،‬ثمّ حاكم‬
‫يسلّمه إلى من يحضنه من المسلمين ‪ .‬وفي الوجه الخر ل حقّ لذوي الرحام من الرّجال‬
‫ل موطن اجتمع فيه أخ وأخت ‪ ،‬أو عمّ وعمّة ‪ ،‬أو ابن أخ وبنت‬
‫وينتقل المر للحاكم ‪ .‬وفي ك ّ‬
‫أخ ‪ ،‬أو ابن أخت وبنت أخت قدّمت النثى على من في درجتها من الذّكور ‪ ،‬لنّ النوثة هنا‬
‫مع التّساوي توجب الرّجحان ‪.‬‬

‫ق الحضانة ‪:‬‬
‫ما يشترط فيمن يستح ّ‬
‫ل إذا‬
‫‪ - 14‬الحضانة من الوليات والغرض منها صيانة المحضون ورعايته ‪ ،‬وهذا ل يتأتّى إ ّ‬
‫كان الحاضن أهل لذلك ‪ ،‬ولهذا يشترط الفقهاء شروطا خاصّة ل تثبت الحضانة إلّ لمن‬
‫توفّرت فيه ‪ ،‬وهي أنواع ثلثة ‪ :‬شروط عامّة في النّساء والرّجال ‪ ،‬وشروط خاصّة بالنّساء ‪،‬‬
‫وشروط خاصّة بالرّجال ‪ .‬أمّا الشّروط العامّة فهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلم ‪ .‬وذلك إذا كان المحضون مسلما ‪ ،‬إذ ل ولية للكافر على المسلم ‪ ،‬وللخشية‬
‫على المحضون من الفتنة في دينه ‪ ،‬وهذا شرط عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض فقهاء‬
‫المالكيّة ‪ ،‬ومثله مذهب الحنفيّة بالنّسبة للحاضن الذّكر ‪ ..‬أمّا عند المالكيّة في المشهور عندهم‬
‫وعند الحنفيّة بالنّسبة للحاضنة النثى ‪ ،‬فل يشترط السلم إلّ أن تكون المرأة مرتدّة ‪ ،‬لنّها‬
‫تحبس وتضرب ‪ -‬كما يقول الحنفيّة ‪ -‬فل تتفرّغ للحضانة ‪ .‬أمّا غير المسلمة ‪ -‬كتابيّة كانت‬
‫أو مجوسيّة ‪ -‬فهي كالمسلمة في ثبوت حقّ الحضانة ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬ما لم يعقل المحضون‬
‫الدّين ‪ ،‬أو يخشى أن يألف الكفر فإنّه حينئذ ينزع منها ويضمّ إلى أناس من المسلمين ‪ ،‬لكن‬
‫عند المالكيّة إن خيف عليه فل ينزع منها ‪ ،‬وإنّما تض ّم الحاضنة لجيران مسلمين ليكونوا‬
‫رقباء عليها ‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ والعقل ‪ ،‬فل تثبت الحضانة لطفل ول لمجنون ‪ ،‬أو معتوه ‪ ،‬لنّ هؤلء عاجزون‬
‫عن إدارة أمورهم وفي حاجة لمن يحضنهم ‪ ،‬فل توكل إليهم حضانة غيرهم ‪ ،‬وهذا باتّفاق‬
‫ن للمالكيّة تفصيل في شرط البلوغ ‪.‬‬
‫في الجملة حيث إ ّ‬
‫ن الفاسق ل يؤتمن ‪ ،‬والمراد ‪ :‬الفسق الّذي‬
‫‪ - 3‬المانة في الدّين ‪ ،‬فل حضانة لفاسق ‪ ،‬ل ّ‬
‫يضيع المحضون به ‪ ،‬كالشتهار بالشّرب ‪ ،‬والسّرقة ‪ ،‬والزّنى واللّهو المحرّم ‪ ،‬أمّا مستور‬
‫الحال فتثبت له الحضانة ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬الحاصل أنّ الحاضنة إن كانت فاسقة فسقا يلزم‬
‫ل فهي أحقّ به إلى أن يعقل الولد فجور أمّه فينزع‬
‫منه ضياع الولد عندها سقط حقّها ‪ ،‬وإ ّ‬
‫منها ‪ ،‬وقال الرّمليّ ‪ :‬يكفي مستورها أي مستور العدالة ‪ .‬قال الدّسوقيّ ‪ :‬والحاضن محمول‬
‫على المانة حتّى يثبت عدمها ‪.‬‬
‫‪ - 4‬القدرة على القيام بشأن المحضون ‪ ،‬فل حضانة لمن كان عاجزا عن ذلك لكبر سنّ ‪ ،‬أو‬
‫مرض يعوق عن ذلك ‪ ،‬أو عاهة كالعمى والخرس والصّمم ‪ ،‬أو كانت الحاضنة تخرج كثيرا‬
‫ل إذا كان لديهم من يعنى‬
‫لعمل أو غيره وتترك الولد ضائعا ‪ ،‬فكلّ هؤلء ل حضانة لهم إ ّ‬
‫بالمحضون ‪ ،‬ويقوم على شؤونه ‪ ،‬فحينئذ ل تسقط حضانتهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬ألّ يكون بالحاضن مرض معد ‪ ،‬أو منفّر يتعدّى ضرره إلى المحضون ‪ ،‬كالجذام ‪،‬‬
‫والبرص وشبه ذلك من كلّ ما يتعدّى ضرره إلى المحضون ‪.‬‬
‫‪ -6‬الرّشد ‪ :‬وهو شرط عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬فل حضانة لسفيه مبذّر لئلّ يتلف مال‬
‫المحضون ‪.‬‬
‫‪ -7‬أمن المكان بالنّسبة للمحضون الّذي بلغ سنّا يخشى عليه فيه الفساد ‪ ،‬أو ضياع ماله ‪ ،‬فل‬
‫حضانة لمن يعيش في مكان مخوف يطرقه المفسدون والعابثون ‪ .‬وقد صرّح بهذا الشّرط‬
‫المالكيّة ‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم سفر الحاضن أو الوليّ سفر نقلة على التّفصيل المذكور في ( مكان الحضانة ) ‪ .‬أمّا‬
‫الشّروط الخاصّة بالحاضنين من الرّجال فهي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون محرما للمحضون إذا كانت المحضونة أنثى مشتهاة فل حضانة لبن العمّ لنّه‬
‫ليس محرما ‪ ،‬ولنّه يجوز له نكاحها فل يؤتمن عليها ‪ ،‬فإن كانت المحضونة صغيرة ل‬
‫تشتهى ‪ ،‬ول يخشى عليها فل تسقط حضانة ابن عمّها ‪ .‬وإذا لم يكن للمشتهاة غير ابن العمّ ‪،‬‬
‫وضعت عند أمينة يختارها ابن العمّ ‪ ،‬كما يقول الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬أو يختارها القاضي كما‬
‫يقول الحنفيّة إذا لم يكن ابن عمّها أصلح لها ‪ ،‬وإلّ أبقاها القاضي عنده ‪ ،‬وعند المالكيّة يسقط‬
‫حقّ الحضانة لغير المحرم ‪ .‬وأجاز الشّافعيّة أن تضمّ لبن عمّها إذا كانت له بنت يستحى‬
‫منها ‪ ،‬فإنّها تجعل عنده مع بنته ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يشترط المالكيّة لثبوت الحضانة للذّكر أن يكون عنده من النّساء من يصلح للحضانة‬
‫كزوجة ‪ ،‬أو أمة ‪ ،‬أو مستأجرة لذلك ‪ ،‬أو متبرّعة ‪ .‬وأمّا الشّروط الخاصّة بالحواضن من‬
‫ل تكون الحاضنة متزوّجة من أجنبيّ من المحضون ‪ ،‬لنّها تكون‬
‫النّساء فهي ‪ :‬أوّل ‪ -‬أ ّ‬
‫مشغولة بحقّ الزّوج ‪ ،‬وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أنت أحقّ به ما لم تنكحي } ‪،‬‬
‫ي من المحضون ‪ ،‬وتسقط حضانتها من حين العقد عند الحنفيّة‬
‫فل حضانة لمن تزوّجت بأجنب ّ‬
‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وبالدّخول عند المالكيّة ‪ ،‬وهو احتمال لبن قدامة في المغني ‪ .‬واستثنى‬
‫المالكيّة حالت ل يسقط فيها حقّ الحاضنة بتزوّجها من أجنبيّ من المحضون وهي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يعلم من له حقّ الحضانة بعدها بدخول زوجها بها ‪ ،‬وسقوط حقّها في الحضانة‬
‫ويسكت ‪ -‬بعد علمه بذلك بل عذر ‪ -‬سنة فل تسقط حضانتها حينئذ ‪.‬‬
‫ل يقبل المحضون غير مستحقّة الحضانة أمّا أو غيرها ‪ -‬فل تسقط بدخول الزّوج بها‬
‫ب‪-‬أّ‬
‫في هذه الحالة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أل تقبل المرضعة أن ترضعه عند بدل أمّه الّذي انتقلت له الحضانة بسبب تزوّج المّ ‪.‬‬
‫د ‪ -‬ألّ يكون للولد حاضن غير الحاضنة الّتي دخل الزّوج بها ‪ ،‬أو يكون له حاضن غيرها‬
‫ولكنّه غير مأمون ‪ ،‬أو عاجز عن القيام بمصالح المحضون ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ألّ تكون الحاضنة الّتي تزوّجت بأجنبيّ وصيّة على المحضون ‪ ،‬وذلك في رواية عند‬
‫المالكيّة ‪ ،‬وفي رواية أخرى عندهم ل يشترط ذلك ‪ .‬هذا بالنّسبة لزواج الحاضنة من أجنبيّ‬
‫من المحضون ‪ ،‬فإن تزوّجت بذي رحم محرم من المحضون كالجدّة إذا تزوّجت بجدّ‬
‫الصّبيّ ‪ ،‬أو تزوّجت بقريب ولو غير محرم من المحضون كابن عمّه فل تسقط حضانتها ‪،‬‬
‫وهذا عند الجمهور ‪ -‬المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة ‪ -‬في الصحّ ‪ ،‬ومقابل الصحّ عندهم‬
‫يسقط حقّها لشتغالها بالزّوج ‪ .‬واشترط الشّافعيّة والحنابلة أن يكون من نكحته ممّن له حقّ‬
‫في الحضانة ‪ ،‬لنّ شفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على ذلك ‪ .‬كما اشترط الشّافعيّة رضا‬
‫الزّوج ‪ ،‬وقيّد الحنفيّة بقاء الحضانة بما إذا كان الزّوج رحما محرما ‪ ،‬فلو كان غير محرم‬
‫كابن العمّ سقطت حضانتها ‪ .‬ثانيا ‪ -‬أن تكون الحاضنة ذات رحم محرم من المحضون كأمّه‬
‫وأخته ‪ ،‬فل حضانة لبنات العمّ والعمّة ‪ ،‬والخال والخالة ‪ ،‬وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة وليس‬
‫هذا شرطا عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وصرّح الشّافعيّة بأنّه ل تثبت الحضانة لبنت العمّ على‬
‫ل تقيم الحاضنة بالمحضون‬
‫الذّكر المشتهى ‪ ،‬وهو قول نقله ابن عابدين من الحنفيّة ‪ .‬ثالثا ‪ -‬أ ّ‬
‫في بيت من يبغض المحضون ويكرهه ‪ ،‬كما لو تزوّجت المّ وأخذته أمّ المّ ‪ ،‬وأقامت‬
‫بالمحضون مع ال ّم فحينئذ تسقط حضانة أمّ المّ إذا كانت في عيال زوج المّ ‪ ،‬وهذا عند‬
‫ل تمتنع الحاضنة عن إرضاع الطّفل إذا‬
‫الحنفيّة ‪ .‬وهو المشهور عند المالكيّة ‪ .‬رابعا ‪ -‬أ ّ‬
‫كانت أهل له ‪ ،‬وكان محتاجا للرّضاع وهذا في الصّحيح عند الشّافعيّة ‪.‬‬

‫مكان الحضانة وحكم انتقال الحاضن أو الوليّ ‪:‬‬


‫‪ - 15‬مكان الحضانة هو المسكن الّذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمّه وهي‬
‫ن الزّوجة ملزمة بمتابعة‬
‫في زوجيّة أبيه ‪ ،‬أو في عدّته من طلق رجعيّ أو بائن ‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫زوجها والقامة معه حيث يقيم ‪ ،‬والمعتدّة يلزمها البقاء في مسكن الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة‬
‫ن ول يخرجن إلّ أن يأتين‬
‫ن من بيوته ّ‬
‫سواء مع الولد أو بدونه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ل تخرجوه ّ‬
‫بفاحشة مبيّنة } ‪ .‬وإذا انقضت عدّة ال ّم فمكان الحضانة هو البلد الّذي يقيم فيه والد المحضون‬
‫ن للب حقّ رؤية المحضون ‪ ،‬والشراف‬
‫أو وليّه ‪ ،‬وكذلك إذا كانت الحاضنة غير المّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫على تربيته ‪ ،‬وذلك ل يتأتّى إلّ إذا كان الحاضن يقيم في بلد الب أو الوليّ ‪ .‬هذا قدر‬
‫مشترك بين المذاهب ‪ ،‬وهو ما صرّح به الحنفيّة وتدلّ عليه عبارات المذاهب الخرى ‪ .‬أمّا‬
‫مسألة انتقال الحاضن ‪ ،‬أو الوليّ إلى مكان آخر ففيه اختلف المذاهب ‪ ،‬وبيان ذلك كما يلي ‪:‬‬
‫يفرّق جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬بين سفر الحاضنة ‪ ،‬أو الوليّ للنّقلة‬
‫والنقطاع والسّكنى في مكان آخر ‪ ،‬وبين السّفر لحاجة كالتّجارة والزّيارة ‪ .‬فإن كان سفر‬
‫أحدهما ( الحاضنة أو الوليّ ) للنّقلة والنقطاع سقطت حضانة المّ ‪ ،‬وتنتقل لمن هو أولى‬
‫بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطّريق آمنا ‪ ،‬والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنّسبة للصّغير ‪،‬‬
‫والب هو الولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ‪ ،‬لنّ الب في العادة هو الّذي‬
‫يقوم بتأديب الصّغير ‪ ،‬وحفظ نسبه ‪ ،‬فإذا لم يكن الولد في بلد الب ضاع ‪ ،‬لكن قيّد الحنابلة‬
‫أولويّة الب بما إذا لم يرد مضارّة ال ّم وانتزاع الولد منها ‪ ،‬فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ‪ ،‬بل‬
‫يعمل ما فيه مصلحة الولد ‪ .‬وإن سافرت المّ مع الب بقيت على حضانتها ‪ .‬هذا قول‬
‫الجمهور ‪ ،‬لكنّهم اختلفوا في تحديد مسافة السّفر ‪ .‬فحدّدها المالكيّة بستّة برد فأكثر على‬
‫المعتمد ‪ ،‬أو مسافة بريدين على قول ‪ ،‬والصحّ عند الشّافعيّة أنّه ل فرق بين السّفر الطّويل‬
‫والقصير ‪ ،‬والصّحيح من المذهب عند الحنابلة التّحديد بمسافة القصر ‪ ،‬وهو قول عند‬
‫الشّافعيّة ‪ ،‬والمنصوص عن المام أحمد أنّه إذا كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الب كلّ‬
‫يوم ويرونه فتكون المّ على حضانتها ‪ .‬وإن كان السّفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع‬
‫المقيم منهما حتّى يعود المسافر ‪ ،‬وسواء أكان السّفر طويل أم قصيرا ‪ ،‬وكذا يكون الولد مع‬
‫المقيم لو كان الطّريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النّقلة والنقطاع ‪ .‬وإن اختلف‬
‫الب والمّ فقال الب ‪ :‬سفري للقامة ‪ ،‬وقالت المّ سفرك للحاجة ‪ ،‬فالقول قول الب مع‬
‫يمينه ‪ .‬وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة وزاد الشّافعيّة أنّه إن كان المقيم المّ وكان في مقامه‬
‫معها مفسدة أو ضياع مصلحة ‪ ،‬كعدم تعليم الصّبيّ القرآن ‪ ،‬أو حرفة حيث ل يقوم مقام الب‬
‫غيره في ذلك ‪ ،‬فالمتّجه كما قال الزّركشيّ تمكين الب من السّفر به ‪ ،‬ل سيّما إن اختاره‬
‫الولد ‪ .‬وعند المالكيّة إن كان سفر أحدهما ‪ -‬الحاضنة أو الوليّ ‪ -‬لتجارة أو زيارة فل تسقط‬
‫حضانة المّ ‪ ،‬وتأخذه معها إن سافرت ‪ ،‬ويبقى معها إن سافر الب ‪ ،‬وسواء أكانت مسافة‬
‫السّفر ستّة برد أم أقل أم أكثر على ما قاله الجهوريّ وعبد الباقي ‪ ،‬وقال إبراهيم اللّقانيّ‬
‫ل إذا كان السّفر قريبا كبريد ‪ ،‬فإن بعد فل تأخذه ‪،‬‬
‫والخرشيّ والعدويّ ‪ :‬ل تأخذ الولد معها إ ّ‬
‫وإن كانت حضانتها باقية ‪ .‬أمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّه ل يجوز للمّ الحاضنة الّتي في‬
‫زوجيّة الب أو في عدّته الخروج إلى بلد آخر ‪ ،‬وللزّوج منعها من ذلك ‪ .‬أمّا إن كانت‬
‫منقضية العدّة فإنّه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الحوال التية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألّ يكون‬
‫المكان الّذي انتقلت إليه أقلّ حال من المكان الّذي تقيم فيه حتّى ل تتأثّر أخلق الصّبيّ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقّق الشّروط التية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون البلد الّذي انتقلت إليه وطنها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكون الزّوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد ‪.‬‬
‫ل يكون المكان الّذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزّوج مسلما أو ذ ّميّا ‪ .‬فإذا تحقّقت‬
‫ج‪-‬أّ‬
‫ن المانع من السّفر أصل‬
‫هذه الشّروط جاز لها السّفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ‪ ،‬ل ّ‬
‫هو ضرر التّفريق بين الب وبين ولده ‪ ،‬وقد رضي به لوجود دليل الرّضا وهو التّزوّج بها‬
‫في بلدها لنّ من تزوّج امرأة في بلدها فالظّاهر أنّه يقيم فيه ‪ ،‬والولد من ثمرات النّكاح فكان‬
‫راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ‪ ،‬فكان راضيا بالتّفريق ‪ ،‬وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل‬
‫بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النّكاح قد وقع فيه ‪ ،‬ول أن تنتقل إلى البلد الّذي وقع فيه عقد‬
‫النّكاح إذا لم يكن بلدها ‪ ،‬لنّه لم يوجد دليل الرّضا من الزّوج ‪ ،‬فل بدّ من تحقّق الشّرطين‬
‫على ما ذكر محمّد في الصل ‪ ،‬واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط ‪ .‬أمّا شرط ألّ يكون‬
‫المكان حربيّا إذا كان الزّوج مسلما أو ذ ّميّا فلما في ذلك من إضرار بالصّبيّ لنّه يتخلّق‬
‫بأخلق الكفّار ‪ .‬هذا إذا كانت الحاضنة هي المّ فإن كانت غيرها فل يجوز لها الخروج‬
‫بالصّغير إلى أيّ مكان إلّ بإذن الب لعدم العقد بينهما كما يرى الحنفيّة أنّه ليس للب أو‬
‫الوليّ أخذ الصّغير ممّن له الحضانة من النّساء والنتقال به من بلد أمّه بل رضاها ما بقيت‬
‫حضانتها قائمة ‪ ،‬ول يسقط حقّها في الحضانة بانتقاله ‪ ،‬وسواء أكان المكان الّذي ينتقل إليه‬
‫قريبا أم بعيدا ‪.‬‬
‫أجرة الحضانة ‪:‬‬
‫ن الحاضنة لها الحقّ في طلب أجرة على الحضانة ‪،‬‬
‫‪ - 16‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫ن الحضانة غير واجبة على المّ ‪ ،‬ولو امتنعت من‬
‫سواء أكانت الحاضنة أمّا أم غيرها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحضانة لم تجبر عليها في الجملة ‪ .‬ومؤنة الحضانة تكون في مال المحضون ‪ .‬فإن لم يكن‬
‫له مال فعلى من تلزمه نفقته ‪ ،‬لنّها من أسباب ‪ ،‬الكفاية كالنّفقة ‪ .‬والجرة على الحضانة للمّ‬
‫هي أجرة المثل ‪ ،‬قال الحنابلة ‪ :‬ولو مع وجود متبرّعة بالحضانة ‪ ،‬لكنّ الشّافعيّة قيّدوا ذلك‬
‫بما إذا لم توجد متبرّعة ‪ ،‬ول من ترضى بأقلّ من أجرة المثل ‪ ،‬فإن وجدت متبرّعة أو‬
‫ن حضانة المّ ل تسقط‬
‫وجدت من ترضى بأقلّ من أجرة المثل سقطت حضانة المّ وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫وتكون أحقّ بالحضانة إذا طلبت أجرة المثل ‪ ،‬وإن تبرّعت بها أجنبيّة أو رضيت بأقلّ من‬
‫أجرة المثل ‪ ،‬وهذا على ما بحثه أبو زرعة ‪ .‬وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا كانت الحاضنة أمّا في‬
‫عصمة أبي المحضون أو معتدّة رجعيّة منه فل تستحقّ أجرة على الحضانة لوجوب ذلك‬
‫عليها ديانة ‪ ،‬لنّه يكون في معنى الرّشوة ‪ ،‬وهو رواية أيضا في المعتدّة من طلق بائن ‪.‬‬
‫وإن كانت الحاضنة غير المّ أو كانت أمّا مطلّقة وانقضت عدّتها ‪ ،‬أو في عدّة الطّلق البائن‬
‫ل فمن مال أبيه أو من‬
‫في رواية ‪ ،‬فإنّها تستحقّ الجرة من مال الصّغير إن كان له مال ‪ ،‬وإ ّ‬
‫تلزمه نفقته ‪ ،‬وهذا ما لم توجد متبرّعة ‪ ،‬فإن وجدت متبرّعة بالحضانة ‪ ،‬فإن كانت غير‬
‫محرم للمحضون فإنّ المّ تقدّم عليها ولو طلبت أجرا ‪ ،‬ويكون لها أجر المثل ‪ ،‬وإن كانت‬
‫المتبرّعة محرما للمحضون فإنّه يقال للمّ ‪ :‬إمّا أن تمسكيه مجّانا وإمّا أن تدفعيه للمتبرّعة ‪،‬‬
‫ن هذا مقيّد بقيدين ‪:‬‬
‫لك ّ‬
‫أ ‪ -‬إعسار الب سواء أكان للصّغير مال أم ل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يسار الب مع وجود مال للصّغير صونا لمال الصّغير ‪ ،‬لنّها في هذه الحالة تكون في‬
‫مال الصّغير ‪ .‬فإن كان الب موسرا ول مال للصّغير فتقدّم المّ وإن طلبت الجرة نظرا‬
‫للصّغير ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه ل أجرة على الحضانة وهو قول مالك الّذي رجع إليه ‪ ،‬وبه‬
‫أخذ ابن القاسم ‪ ،‬وقال مالك أوّل ‪ :‬ينفق على الحاضنة من مال المحضون ‪ ،‬قال في المنح ‪:‬‬
‫والخلف إذا كانت الحاضنة غنيّة ‪ ،‬أمّا إذا كانت فقيرة فينفق عليها من مال المحضون‬
‫لعسرها ل للحضانة ‪.‬‬

‫أجرة مسكن الحضانة ‪:‬‬


‫‪ - 17‬اختلف فقهاء الحنفيّة في وجوب أجر المسكن للحاضنة إذا لم تكن في مسكن الب ‪،‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬على الب سكنى الحاضنة وهو المختار عند نجم الئمّة ‪ ،‬وبمثله قال أبو‬
‫حفص فقد سئل عمّن لها إمساك الولد وليس لها مسكن مع الولد فقال ‪ :‬على الب سكناهما‬
‫جميعا ‪ ،‬واستظهر الخير الرّمليّ اللّزوم على من تلزمه نفقته ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬تجب أجرة‬
‫ل فعلى من تجب نفقته ‪ .‬ونقل ابن عابدين عن البحر‬
‫ي مال ‪ ،‬وإ ّ‬
‫السّكن للحاضنة إن كان للصّب ّ‬
‫أنّه ل تجب في الحضانة أجرة المسكن ‪ ،‬ورجّح ذلك في النّهر ‪ ،‬لنّ وجوب الجر ( أي أجر‬
‫الحضانة ) ل يستلزم وجوب المسكن واختاره ابن وهبان والطّرسوسيّ ‪ .‬قال ابن عابدين ‪-‬‬
‫بعد نقله لهذه القوال ‪ : -‬والحاصل أنّ الوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة‬
‫ن السّكن من النّفقة ‪ ،‬لكنّ هذا إذا لم يكن لها مسكن ‪ ،‬أمّا لو كان لها مسكن‬
‫المحضون ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فل تجب الجرة لعدم احتياجه إليه ‪ .‬قال ابن‬
‫عابدين ‪ :‬فينبغي أن يكون هذا توفيقا بين القولين ‪ ،‬ول يخفى أنّ هذا هو الرفق للجانبين‬
‫ص المحضون من أجرة المسكن فهو على الب‬
‫فليكن عليه العمل ‪ .‬وعند المالكيّة ‪ :‬ما يخ ّ‬
‫باتّفاق وإنّما الخلف فيما يخصّ الحاضنة من أجرة المسكن ‪ .‬ومذهب المدوّنة الّذي عليه‬
‫ن أجرة المسكن على الب للمحضون والحاضنة معا ‪ .‬وقيل ‪ :‬تؤدّي الحاضنة‬
‫الفتوى أ ّ‬
‫حصّتها من الكراء ‪ .‬وقيل ‪ :‬تكون الجرة على قدر الرّءوس فقد يكون المحضون متعدّدا ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬للحاضنة السّكنى بالجتهاد ‪ ،‬أي على قدر ما يجتهد الحاكم ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة والحنابلة‬
‫فقد اعتبروا السّكنى من النّفقة ‪ ،‬فمن تجب عليه نفقة الحاضنة يجب عليه إسكانها ‪.‬‬

‫سقوط الحضانة وعودها ‪:‬‬


‫‪ - 18‬تسقط الحضانة بوجود مانع منها ‪ ،‬أو زوال شرط من شروط استحقاقها ‪ ،‬كأن تتزوّج‬
‫الحاضنة بأجنبيّ عن المحضون ‪ ،‬وكأن يصاب الحاضن بآفة كالجنون والعته ‪ ،‬أو يلحقه‬
‫مرض يضرّ بالمحضون كالجذام وغير ذلك ممّا سبق بيانه ‪ ،‬أو بسبب سفر الوليّ أو الحاضن‬
‫ق لها ‪ .‬كذلك إذا‬
‫حسب ما هو مبين في مكانه ‪ .‬وقد تسقط الحضانة بسبب إسقاط المستح ّ‬
‫أسقط الحاضن حقّه ثمّ عاد وطلب أجيب إلى طلبه ‪ ،‬لنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان كالنّفقة ‪.‬‬
‫وإذا امتنعت الحضانة لمانع ثمّ زال المانع كأن عقل المجنون ‪ ،‬أو تاب الفاسق ‪ ،‬أو شفي‬
‫المريض ‪ ..‬عاد حقّ الحضانة ‪ ،‬لنّ سبيلها قائم وأنّها امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحقّ‬
‫بالسّبب السّابق الملزم طبقا للقاعدة المعروفة ( إذا زال المانع عاد الممنوع ) ‪ .‬وهذا كلّه‬
‫متّفق عليه عند جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬واختلفوا في بعض‬
‫ق الحضانة يعود بطلق‬
‫نحّ‬
‫التّفصيلت ‪ .‬فقال الحنابلة وهو المذهب عند الشّافعيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫المنكوحة من أجنبيّ فور الطّلق ‪ ،‬سواء أكان بائنا أم رجعيّا دون انتظار انتهاء العدّة وذلك‬
‫ن حقّ الحضانة يعود فور الطّلق البائن‬
‫لزوال المانع ‪ .‬وعند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة أ ّ‬
‫ل بعد انتهاء العدّة ‪ .‬أمّا المالكيّة فإنّهم‬
‫أمّا الطّلق الرّجعيّ فل يعود حقّ الحضانة بعده إ ّ‬
‫يفرّقون بين زوال الحضانة لعذر اضطراريّ وبين زوالها لعذر اختياريّ ‪ .‬فإذا سقطت‬
‫الحضانة لعذر اضطراريّ ل يقدر معه الحاضن على القيام بحال المحضون كمرض الحاضن‬
‫ي بالمحضون سفر نقلة ‪ ،‬أو سفر الحاضنة لداء فريضة الحجّ ‪ ،‬ثمّ زال العذر‬
‫أو سفر الول ّ‬
‫بشفاء الحاضنة من المرض ‪ ،‬أو عودة الوليّ من السّفر ‪ ،‬أو عودتها من أداء فريضة الحجّ ‪،‬‬
‫عادت الحضانة للحاضن ‪ ،‬لنّ المانع كان هو العذر الضطراريّ وقد زال ‪ ،‬وإذا زال‬
‫المانع عاد الممنوع ‪ .‬وإذا زالت الحضانة لمانع اختياريّ كأن تتزوّج الحاضنة بأجنبيّ من‬
‫المحضون ثمّ طلقت ‪ ،‬أو أسقطت الحاضنة حقّها في الحضانة بإرادتها دون عذر ‪ ،‬ثمّ أرادت‬
‫ن الحضانة حقّ للحاضن ‪،‬‬
‫العود للحضانة ‪ .‬فل تعود الحضانة بعد زوال المانع بناء على أ ّ‬
‫وهو المشهور في المذهب ‪ .‬وقيل ‪ :‬تعود بناء على أنّ الحضانة حقّ المحضون ‪ .‬لكنّهم قالوا‬
‫‪ :‬إذا كانت الحضانة ل تعود للمطلّقة إلّ أنّه من حقّ من انتقلت له الحضانة ردّ المحضون‬
‫لمن انتقلت عنه الحضانة ‪ ،‬فإن كان الرّدّ لل ّم فل مقال للب ‪ ،‬لنّه نقل لما هو أفضل ‪ ،‬وإن‬
‫ن الحضانة ل تعود ‪ ،‬أي ل تجبر من‬
‫كان ال ّردّ لختها مثل فللب المنع من ذلك ‪ ،‬فمعنى أ ّ‬
‫انتقلت لها الحضانة على ردّ المحضون ‪ ،‬ولها الرّ ّد باختيارها ‪.‬‬

‫انتهاء الحضانة ‪:‬‬


‫ن الحضانة على‬
‫ن النّساء أحقّ بالحضانة من الرّجال في الجملة ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ - 19‬من المقرّر أ ّ‬
‫ن إنهاء حضانة النّساء على الصّغار حال افتراق الزّوجين‬
‫الصّغار تبدأ منذ الولدة ‪ ،‬لك ّ‬
‫ن حضانة النّساء على‬
‫مختلف فيه بين المذاهب ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ل حتّى يستغني عن رعاية النّساء له فيأكل وحده ‪ ،‬ويشرب وحده ‪ ،‬ويلبس وحده ‪،‬‬
‫الذّكر تظ ّ‬
‫وقدّر ذلك بسبع سنين ‪ -‬وبه يفتى ‪ -‬لنّ الغالب الستغناء عن الحضانة في هذه السّنّ ‪ ،‬وقيل‬
‫ل الحضانة على النثى قائمة حتّى تبلغ بالحيض أو الحتلم أو السّنّ ‪ ،‬وهذا‬
‫تسع سنين ‪ .‬وتظ ّ‬
‫كما في ظاهر الرّواية إن كانت الحاضنة ال ّم أو الجدّة ‪ ،‬أمّا غير المّ والجدّة فإنّهنّ أحقّ‬
‫ن الحكم في المّ والجدّة‬
‫بالصّغيرة حتّى تشتهى ‪ ،‬وقدّر بتسع سنين وبه يفتى ‪ .‬وعن محمّد أ ّ‬
‫كالحكم في غيرهما ‪ ،‬فتنتهي حضانة النّساء مطلقا ‪ -‬أمّا أو غيرها ‪ -‬على الصّغيرة عند‬
‫بلوغها حدّ الشتهاء الّذي قدّر بتسع سنين ‪ ،‬والفتوى على رواية محمّد لكثرة الفساد ‪ .‬فإذا‬
‫انقضت حضانة النّساء فل يخيّر المحضون ذكرا كان أو أنثى بل يضمّ إلى الب ‪ ،‬لنّه‬
‫لقصور عقله يختار من عنده اللّعب ‪ ،‬ولم ينقل أنّ الصّحابة رضي ال عنهم خيّروا وتظلّ‬
‫ولية الب على الصّغير والصّغيرة إلى البلوغ ‪ ،‬فإذا بلغ الغلم مستغنيا برأيه مأمونا عليه‬
‫فيخيّر حينئذ بين المقام مع وليّه ‪ ،‬أو مع حاضنته ‪ ،‬أو النفراد بنفسه ‪ ،‬وكذلك النثى إن‬
‫كانت ثيّبا أو كانت بكرا طاعنة في السّنّ ولها رأي ‪ ،‬فإنّها تخيّر كما يخيّر الغلم ‪ .‬وإن كان‬
‫الغلم أو ال ّثيّب أو البكر الطّاعنة في السّنّ غير مأمون عليهم لو انفردوا بأنفسهم بقيت ولية‬
‫سنّ ‪ ،‬وكذلك الحكم بالنّسبة‬
‫الب عليهم ‪ ،‬كما تبقى الولية على البكر إذا كانت حديثة ال ّ‬
‫ن حضانة النّساء على‬
‫للمعتوه تبقى ولية الب عليه إلى أن يعقل ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫الذّكر تستمرّ إلى بلوغه وتنقطع حضانته بالبلوغ ولو مريضا أو مجنونا على المشهور ‪ .‬أمّا‬
‫الحضانة بالنّسبة للنثى فتستم ّر إلى زواجها ودخول الزّوج بها ‪ .‬وقال ابن شعبان من المالكيّة‬
‫‪ :‬أمد الحضانة على الذّكر حتّى يبلغ عاقل غير زمن ‪ .‬وعند الشّافعيّة تستمرّ الحضانة على‬
‫المحضون حتّى التّمييز ذكرا كان المحضون أو أنثى ‪ ،‬فإذا بلغ حدّ التّمييز ‪ -‬وقدّر بسبع‬
‫سنين أو ثمان غالبا ‪ -‬فإنّه يخيّر بين أبيه وأمّه ‪ ،‬فإن اختار أحدهما دفع إليه ‪ ،‬وإذا عاد‬
‫واختار الثّاني نقل إليه ‪ ،‬وهكذا كلّما تغيّر اختياره ‪ ،‬لنّه قد يتغيّر حال الحاضن ‪ ،‬أو يتغيّر‬
‫ن سببه قلّة تمييزه ‪ ،‬فإنّه‬
‫رأي المحضون فيه بعد الختيار ‪ ،‬إلّ إن كثر ذلك منه بحيث يظنّ أ ّ‬
‫يجعل عند ال ّم ويلغى اختياره ‪ .‬وإن امتنع المحضون عن الختيار فالمّ أولى ‪ ،‬لنّها أشفق ‪،‬‬
‫واستصحابا لما كان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقرع بينهما ‪ ،‬وإن اختارهما معا أقرع بينهما ‪ ،‬وإن امتنع‬
‫المختار من كفالته كفله الخر ‪ ،‬فإن رجع الممتنع منهما أعيد التّخيير ‪ ،‬وإن امتنعا وبعدهما‬
‫مستحقّان للحضّانة كجدّ وجدّة خيّر بينهما ‪ ،‬وإلّ أجبر عليها من تلزمه نفقته ‪ ،‬وتظلّ الولية‬
‫عليه لمن بقي عنده إلى البلوغ ‪ .‬فإن بلغ ‪ ،‬فإن كان غلما وبلغ رشيدا ولي أمر نفسه‬
‫لستغنائه عمّن يكفله فل يجبر على القامة عند أحد أبويه ‪ ،‬والولى أن ل يفارقهما ليبرّهما ‪.‬‬
‫قال الماورديّ ‪ :‬وعند الب أولى للمجانسة ‪ ،‬نعم إن كان أمرد أو خيف من انفراده ففي كتاب‬
‫صبّاغ أنّه يمنع من مفارقة البوين ‪ .‬ولو بلغ عاقل غير رشيد فأطلق مطلقون أنّه‬
‫العدّة لبن ال ّ‬
‫ج ‪ :‬إن كان لعدم إصلح ماله فكذلك ‪ ،‬وإن كان لدينه فقيل ‪ :‬تدام‬
‫كالصّبيّ ‪ ،‬وقال ابن ك ّ‬
‫حضانته إلى ارتفاع الحجر ‪ ،‬والمذهب أنّه يسكن حيث شاء ‪ .‬وإن كان أنثى ‪ ،‬فإن بلغت‬
‫رشيدة فالولى أن تكون عند أحدهما حتّى تتزوّج إن كانا مفترقين ‪ ،‬وبينهما إن كانا مجتمعين‬
‫‪ ،‬لنّه أبعد عن التّهمة ‪ ،‬ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة ‪ ،‬هذا إذا لم تكن ريبة ‪ ،‬فإن‬
‫ي من العصبة إسكانها معه إذا كان محرما لها‬
‫كانت هناك ريبة فللمّ إسكانها معها ‪ ،‬وكذا للول ّ‬
‫‪ ،‬فإن لم يكن محرما لها فيسكنها في موضع لئق بها ويلحظها دفعا لعار النّسب ‪ .‬وإن‬
‫بلغت غير رشيدة ففيها التّفصيل الّذي قيل في الغلم ‪ .‬أمّا المجنون والمعتوه فل يخيّر وتظلّ‬
‫الحضانة عليه لمّه إلى الفاقة ‪ .‬والحكم عند الحنابلة في الغلم أنّه يكون عند حاضنته حتّى‬
‫ن السّابعة فإن اتّفق أبواه بعد ذلك أن يكون عند أحدهما جاز ‪ ،‬لنّ الحقّ في حضانته‬
‫يبلغ س ّ‬
‫إليهما ‪ ،‬وإن تنازعا خيّره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما ‪ ،‬قضى بذلك عمر رضي‬
‫ال عنه ورواه سعيد وعليّ ‪ ،‬وروى أبو هريرة قال ‪ { :‬جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم فقالت ‪ :‬إنّ زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني ‪ ،‬فقال‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هذا أبوك وهذه أمّك فخذ بيد أيّهما شئت فأخذ بيد أمّه فانطلقت به‬
‫} ‪ .‬ولنّه إذا مال إلى أحد أبويه دلّ على أنّه أرفق به وأشفق ‪ ،‬وقيّد بالسّبع لنّها أوّل حال‬
‫أمر الشّرع فيها بمخاطبته بالصّلة ‪ ،‬بخلف ال ّم فإنّها قدّمت في حال الصّغر لحاجته‬
‫ومباشرة خدمته لنّها أعرف بذلك ‪ ،‬قال ابن عقيل ‪ :‬التّخيير إنّما يكون مع السّلمة من‬
‫فساد ‪ ،‬فإن علم أنّه يختار أحدهما ليمكّنه من فساد ويكره الخر للتّأديب لم يعمل بمقتضى‬
‫شهوته ‪ ،‬لنّ ذلك إضاعة له ‪ .‬ويكون الغلم عند من يختار فإن عاد فاختار الخر نقل إليه ‪،‬‬
‫ن هذا اختيار تشهّ ‪ ،‬وقد يشتهي أحدهما في وقت‬
‫وإن عاد فاختار الوّل ردّ إليه هكذا أبدا ‪ ،‬ل ّ‬
‫دون آخر فاتّبع بما يشتهيه ‪ ،‬فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما معا أقرع بينهما ‪ ،‬لنّه ل مزيّة‬
‫لحدهما على الخر ‪ ،‬ثمّ إن اختار غير من قدّم بالقرعة ردّ إليه ‪ ،‬ول يخيّر إذا كان أحد‬
‫ن من ليس أهل للحضانة وجوده كعدمه ‪ .‬وإلّ اختار أباه ثمّ‬
‫أبويه ليس من أهل الحضانة ‪ ،‬ل ّ‬
‫زال عقله ردّ إلى المّ لحاجته إلى من يتعهّده كالصّغير وبطل اختياره ‪ ،‬لنّه ل حكم لكلمه ‪.‬‬
‫أمّا النثى فإنّها إذا بلغت سبع سنين فل تخيّر وإنّما تكون عند الب وجوبا إلى البلوغ ‪ ،‬وبعد‬
‫ن الغرض من‬
‫البلوغ تكون عنده أيضا إلى الزّفاف وجوبا ‪ ،‬ولو تبرّعت المّ بحضانتها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحضانة الحفظ ‪ ،‬والب أحفظ لها ‪ ،‬وإنّما تخطب منه ‪ ،‬فوجب أن تكون تحت نظره ليؤمن‬
‫عليها من دخول الفساد لكونها معرّضة للفات ل يؤمن عليها للنخداع لغرّتها ‪ .‬والمعتوه ولو‬
‫أنثى يكون عند أمّه ولو بعد البلوغ لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره ‪ ،‬والنّساء أعرف‬
‫بذلك ‪.‬‬

‫رؤية المحضون ‪ - 20 .‬لكلّ من أبوي المحضون إذا افترقا حقّ رؤيته وزيارته ‪ ،‬وهذا أمر‬
‫متّفق عليه بين الفقهاء ‪ ،‬لكنّهم يختلفون في بعض التّفاصيل ‪ .‬وبيان ذلك فيما يلي ‪ :‬يرى‬
‫الشّافعيّة والحنابلة أنّ المحضون إن كان أنثى فإنّها تكون عند حاضنها ‪ -‬أمّا أو أبا ‪ -‬ليل‬
‫ن تأديبها وتعليمها يكون داخل البيت ول حاجة بها إلى الخراج ‪ ،‬ول يمنع أحد‬
‫ونهارا ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرّحم ‪ ،‬ول يطيل‬
‫البوين من زيارتها عند الخر ‪ ،‬ل ّ‬
‫الزّائر المقام ‪ ،‬لنّ المّ بالبينونة صارت أجنبيّة ‪ ،‬والورع إذا زارت المّ ابنتها أن تتحرّى‬
‫أوقات خروج أبيها إلى معاشه ‪ .‬وإذا لم يأذن زوج المّ بدخول الب أخرجتها إليه ليراها ‪،‬‬
‫ويتفقّد أحوالها ‪ ،‬وإذا بخل الب بدخول المّ إلى منزله أخرجها إليها لتراها ‪ ،‬وله منع البنت‬
‫من زيارة أمّها إذا خشي الضّرر حفظا لها ‪ .‬والزّيارة عند الشّافعيّة تكون مرّة كلّ يومين‬
‫ل يوم إذا كان البيت قريبا كما قال الماورديّ ‪.‬‬
‫ل يوم ‪ .‬ول بأس أن يزورها ك ّ‬
‫فأكثر ل في ك ّ‬
‫وعند الحنابلة تكون الزّيارة على ما جرت به العادة كاليوم في السبوع ‪ .‬وإن كان المحضون‬
‫ن المنع من‬
‫ذكرا ‪ ،‬فإن كان عند أبيه كان عنده ليل ونهارا ‪ ،‬ول يمنعه من زيارة أمّه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرّحم ‪ ،‬ول يكلّف المّ الخروج لزيارته ‪ ،‬والولد أولى منها‬
‫بالخروج ‪ ،‬لنّه ليس بعورة ‪ .‬ولو أرادت المّ زيارته فل يمنعها الب من ذلك ‪ ،‬لما في ذلك‬
‫من قطع الرّحم ‪ ،‬لكن ل تطيل المكث ‪ ،‬وإن بخل الب بدخولها إلى منزله أخرجه إليها ‪،‬‬
‫والزّيارة تكون مرّة كلّ يومين فأكثر ‪ ،‬فإن كان منزل المّ قريبا فل بأس أن يزورها البن‬
‫كلّ يوم ‪ ،‬كما قاله الماورديّ من الشّافعيّة أمّا الحنابلة فكما سبق تكون الزّيارة كلّ أسبوع ‪.‬‬
‫وإن كان المحضون الذّكر عند أمّه كان عندها ليل ‪ ،‬وعند الب نهارا لتعليمه وتأديبه ‪ .‬وإن‬
‫ل ففي‬
‫مرض الولد كانت المّ أحقّ بالتّمريض في بيت الب إن كان عنده ورضي بذلك ‪ ،‬وإ ّ‬
‫بيتها يكون التّمريض ‪ ،‬وهذا كما يقول الشّافعيّة وعند الحنابلة يكون التّمريض في بيتها‬
‫ويزوره الب إن كان التّمريض عند المّ مع الحتراز من الخلوة ‪ .‬وإن مرض أحد البوين‬
‫والولد عند الخر لم يمنع من عيادته ‪ ،‬سواء أكان ذكرا أم أنثى ‪ .‬وإن مرضت المّ لزم الب‬
‫أن يمكّن النثى من تمريضها إن أحسنت ذلك ‪ ،‬بخلف الذّكر ل يلزمه أن يمكّنه من ذلك‬
‫ن الولد متى كان عند أحد‬
‫وإن أحسن التّمريض ‪ ،‬وذلك كما يقول الشّافعيّة ‪ .‬ويقول الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫البوين فل يمنع الخر من رؤيته إليه وتعهّده إن أراد ذلك ‪ .‬ول يجبر أحدهما على إرساله‬
‫إلى مكان الخر ‪ ،‬بل يخرجه كلّ يوم إلى مكان يمكن للخر أن يراه فيه ‪ .‬وعند المالكيّة إن‬
‫كان المحضون عند المّ فل تمنعه من الذّهاب إلى أبيه يتعهّده ويعلّمه ‪ ،‬ث ّم يأوي إلى أمّه يبيت‬
‫عندها ‪ .‬وإن كان عند الب فلها الحقّ في رؤيته كلّ يوم في بيتها لتفقّد حاله ‪ .‬ولو كانت‬
‫متزوّجة من أجنبيّ من المحضون فل يمنعها زوجها من دخول ولدها في بيتها ‪ ،‬ويقضى لها‬
‫بذلك إن منعها ‪.‬‬

‫حطيطة انظر ‪ ( :‬وضيعة ) ‪.‬‬

‫حطيم انظر ‪ ( :‬حجر ) ‪.‬‬

‫حظر‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬من معاني الحظر في اللّغة ‪ :‬الحبس ‪ ،‬والحجر ‪ ،‬والحيازة ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬وهو خلف‬
‫الباحة ‪ ،‬والمحظور هو الممنوع ‪ .‬وأمّا المعنى الصطلحيّ فل يخرج عن المعنى اللّغويّ‬
‫إلّ أن يقال ‪ :‬المحظور هو الممنوع شرعا ‪ ،‬وهو أعمّ من أن يكون حراما أو مكروها ‪،‬‬
‫وقصره بعضهم على المحرّم فقط ‪ .‬قال الجرجانيّ ‪ :‬المحظور ما يثاب بتركه ويعاقب على‬
‫ي ‪ :‬فقد عرّفه بأنّه ما يذمّ شرعا فاعله ‪ .‬وأمّا المحظور عند‬
‫فعله ‪ .‬ومثل هذا ما قاله البيضاو ّ‬
‫الصوليّين فقد عرّفه ‪ .‬المديّ بأنّه ما ينتهض فعله سببا لل ّذمّ شرعا بوجه ما من حيث هو‬
‫فعل له ‪ ،‬فالقيد الوّل فاصل له عن الواجب والمندوب وسائر الحكام ‪ ،‬والثّاني فاصل له عن‬
‫المخيّر ‪ ،‬والثّالث أصل له عن المباح الّذي يستلزم فعله ترك واجب ‪ ،‬فإنّه يذمّ عليه لكن ل‬
‫من جهة فعله بل لما لزمه من ترك الواجب والحظر فهو خطاب الشّارع بما فعله سبب لل ّذمّ‬
‫شرعا بوجه ما من حيث هو فعله ‪ ،‬ومن أسمائه أنّه محرّم ‪ ،‬ومعصية ‪ ،‬وذنب ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّحريم ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحريم هو خطاب اللّه تعالى المتعلّق بمنع المكلّف من فعل الشّيء بحيث يستحقّ الثّواب‬
‫على تركه والعقاب على فعله ‪ .‬وهذا يتّفق مع من سوّى بين الحظر والتّحريم فيكونان‬
‫مترادفين ب ‪ -‬كراهية ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الكراهية هي خطاب اللّه تعالى المتعلّق بنهي المكلّف عن الفعل بحيث يستحقّ الثّواب‬
‫على التّرك ول يستحقّ العقوبة على الفعل ‪ ،‬وإن كان قد يلم عليه ‪ .‬وهي بهذا المعنى أخصّ‬
‫ن الحظر يتناول الكراهية ‪ ،‬والتّحريم عا ّم عند بعض العلماء أو يتناول التّحريم‬
‫من الحظر ‪ ،‬ل ّ‬
‫فقط عند بعضهم فيكون بهذا التّقديم قسيما للحظر ‪ .‬الثار الصوليّة والفقهيّة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الثار الصوليّة ‪:‬‬
‫ن الحظر والمحظور عند الصوليّين معناهما واحد ‪ ،‬ومن أسماء المحظور عندهم‬
‫‪ - 4‬سبق أ ّ‬
‫محرّم ومعصية وذنب ‪ ،‬وقد ذكر فيه المديّ ثلث مسائل ‪ :‬الولى ‪ :‬في جواز أن يكون‬
‫المحرّم أحد أمرين ل بعينه والخلف فيها مع المعتزلة ‪ .‬والثّانية ‪ :‬في استحالة الجمع بين‬
‫الحظر والوجوب في فعل واحد من جهة واحدة ‪ .‬والثّالثة ‪ :‬في أنّ المحرّم بوصفه مضادّ‬
‫لوجوب أصله والخلف فيها بين الشّافعيّة والحنفيّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الثار الفقهيّة ومواطن البحث ‪:‬‬


‫‪ - 5‬يعتبر مصطلح حظر من النّاحية الفقهيّة مقسما لما استخرج من مصطلحات أصليّة‬
‫ن الحنفيّة أفردوا‬
‫كمصطلح ‪ :‬نظر ‪ ،‬ولمس ‪ ،‬ولباس ‪ ،‬وغيرها ‪ .‬والنّاظر في كتب الفقه يجد أ ّ‬
‫في كتبهم قسما خاصّا ذكروا فيه أحكاما تناولت الكثير من مسائل الفقه ‪ ،‬فإنّ منها ما يتعلّق‬
‫س ‪ ،‬وقد ذكروا فيه حكم نظر الرّجل إلى الرّجل ‪ ،‬والمرأة إلى المرأة ‪ ،‬والرّجل‬
‫بالنّظر والم ّ‬
‫إلى المرأة ‪ ،‬والمرأة إلى الرّجل ‪ ،‬وما يتّصل بذلك من أحكام المسّ ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق باللّبس‬
‫وما يكره منه وما ل يكره ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق باستعمال الذّهب والفضّة كالكل والشّرب في‬
‫النية المصنوعة منهما وما يتعلّق به ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالكل ومراتبه وما يتّصل بذلك ‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلّق بالهدايا والضّيافات ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بنثر الدّراهم والسّكر وما يتّصل به ‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلّق بالحكام الّتي تعود على أهل ال ّذمّة كدخولهم المسجد الحرام أو سائر‬
‫المساجد ‪ ،‬ودخول المسلمين إلى بيعهم وكنائسهم ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالكسب وبيان أنواعه ‪،‬‬
‫وأسبابه ‪ ،‬وبيان الفضل منها ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بزيارة القبور وقراءة القرآن في المقابر ‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلّق بالغناء واللّهو وسائر المعاصي والمر بالمعروف ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالتّداوي‬
‫والمعالجات وفيه العزل وإسقاط الولد ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالختان والخصاء ‪ ،‬وقلم الظفار ‪،‬‬
‫ص الشّارب ‪ ،‬وحلق الرّأس ‪ ،‬وحلق المرأة شعرها ‪ ،‬ووصلها شعر غيرها ‪ ،‬وما يتّصل به‬
‫وق ّ‬
‫‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالزّينة واتّخاذ الخادم للخدمة ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بما يسع من جراحات بني‬
‫آدم والحيوانات ‪ ،‬وقتل الحيوانات ‪ ،‬وما ل يسع من ذلك ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بتسمية الولد‬
‫وكناهم والعقيقة ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالغيبة والحسد والنّميمة والمدح ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بدخول‬
‫الحمّام للنّساء والرّجال وما يتّصل به ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالبيع والستيام على سوم الغير ‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلّق بالرّجل الّذي يخرج إلى السّفر فيمنعه أبواه أو أحدهما أو الدّائن ‪ ،‬وفي سفر‬
‫المرأة ومنع زوجها لها ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالقرض والدّين ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بملقاة الملوك‬
‫والتّواضع لهم ‪ ،‬وتقبيل أيديهم أو يد غيرهم ‪ ،‬وتقبيل الرّجل وجه غيره وما يتّصل بذلك ‪،‬‬
‫ومنها ما يتعلّق بالنتفاع بالشياء المشتركة ‪ ،‬ومسائل أخرى متفرّقة ‪ .‬والعمل بخبر الواحد ‪،‬‬
‫وبغالب الرّأي ‪ ،‬وبالرّجل الّذي رأى رجل يقتل أباه وما يتّصل به ‪ ،‬وبالصّلة ‪ ،‬وبالتّسبيح ‪،‬‬
‫وقراءة القرآن والذّكر والدّعاء ‪ ،‬ورفع الصّوت عند قراءة القرآن ‪ ،‬وبآداب المسجد ‪ ،‬والقبلة‬
‫والمصحف ‪ ،‬وما كتب فيه شيء من القرآن نحو الدّراهم والقرطاس أو كتب فيه اسم اللّه‬
‫تعالى ‪ ،‬وبالمسابقة والسّلم وتشميت العاطس ‪ .‬هذا والحنفيّة لم يتّفقوا على اسم معيّن يطلقونه‬
‫على ذلك القسم الّذي ذكروا فيه تلك الحكام فبعضهم كصاحب ال ّدرّ المختار ومختصر‬
‫القدوريّ والفتاوى البزّازيّة وغيرهم يلقّبونه بكتاب الحظر والباحة ‪ .‬وبعضهم كصاحب‬
‫المبسوط وصاحب البدائع يلقّبونه بكتاب الستحسان ‪ ،‬وبعضهم كصاحب الكنز وصاحب‬
‫الهداية وصاحب الختيار وصاحب الفتاوى الهنديّة يلقّبونه بكتاب الكراهية ‪ .‬وسبب هذا‬
‫ن المسائل الّتي تذكر فيه من أجناس مختلفة‬
‫الخلف كما جاء في حاشية ابن عابدين هو أ ّ‬
‫فلقّب بذلك ‪ ،‬لما يوجد في عامّة مسائله من الكراهية والحظر والباحة والستحسان كما في‬
‫ن فيه كثيرا من المسائل أطلقها الشّرع ‪،‬‬
‫النّهاية ‪ ،‬ولقّبه بعضهم بكتاب الزّهد والورع ‪ ،‬ل ّ‬
‫والزّهد والورع تركها ‪ .‬وأمّا غير الحنفيّة من الفقهاء فإنّهم ذكروا تلك المسائل في مواضع‬
‫متفرّقة ولم يفردوا لها قسما مستقلّا ‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال النّظر الّذي هو بمعنى الرّؤيا‬
‫‪ ،‬فإنّهم ذكروا أحكامه في عدد من المواطن ‪ ،‬فالمالكيّة ذكروا تلك الحكام في نواقض‬
‫الوضوء ‪ .‬وفي شرائط الصّلة عند الكلم على ستر العورة ‪ ،‬وفي النّكاح ‪ ،‬وفي تحمّل‬
‫الشّهادة ‪ .‬والشّافعيّة ذكروا تلك الحكام في النّكاح وفي الشّهادات ‪ .‬وذكرها الحنابلة في‬
‫النّكاح ‪ .‬والتّفصيل محلّه المصطلحات الخاصّة بتلك المسائل ‪.‬‬

‫حفظ‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الحفظ لغة ‪ :‬من حفظ الشّيء حفظا إذا منعه من الضّياع والتّلف ‪ .‬ويأتي بمعنى التّعاهد‬
‫وقلّة الغفلة ‪ ،‬يقال حفظ القرآن إذا وعاه عن ظهر قلب ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن‬
‫المعنى اللّغويّ الحكام المتعلّقة بالحفظ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬يختلف الحكم التّكليفيّ بالنّسبة للحفظ تبعا لختلف ما يضاف إليه على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫حفظ ما يقرأ في الصّلة ‪:‬‬
‫ن قراءة الفاتحة في الصّلة ركن من أركان الصّلة على‬
‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء الّذين يرون أ ّ‬
‫ل مكلّف يستطيع ذلك ‪ ،‬فإن لم يستطع قراءتها فيلزمه كسب‬
‫وجوب قراءة الفاتحة على ك ّ‬
‫القدرة إمّا بالتّعلّم أو التّوسّل إلى مصحف يقرؤها منه ‪ ،‬سواء قدر عليه بالشّراء أو الستئجار‬
‫أو الستعارة ‪ ،‬فإن كان باللّيل أو كان في ظلمة فعليه تحصيل الضاءة ‪ ،‬فلو امتنع عن ذلك‬
‫مع المكان فعليه إعادة كلّ صلة صلّاها إلى أن يقدر على قراءتها من حفظه ‪ ،‬أو من‬
‫مصحف ‪ ،‬أو عن طريق التّلقين ‪ .‬ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه تتعيّن قراءة الفاتحة في كلّ‬
‫ل ركعة مسبوق ‪ ،‬فإن جهل المصلّي الفاتحة وضاق الوقت عن تعلّمها‬
‫ركعة من الصّلة إ ّ‬
‫فسبع آيات ‪ ،‬فإن عجز أتى بذكر ‪ ،‬فإن لم يحسن شيئا وقف قدر الفاتحة ‪ .‬وذهب المالكيّة في‬
‫المختار عندهم إلى أنّ القراءة تسقط عمّن عجز عنها ‪ ،‬واختار ابن سحنون أن يبدّل الذّكر‬
‫بذلك ‪ .‬وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه تجزئ قراءة آية طويلة أو ثلث آيات‬
‫قصار من القرآن في الصّلة من أيّ موضع كان ‪ ،‬وأنّ الفاتحة ل تتعيّن ‪ ،‬وأنّه يفرض عينا‬
‫ل واحد من المكلّفين بعينه حفظ آية من القرآن الكريم لتكون صلته صحيحة ‪ ،‬كما‬
‫على ك ّ‬
‫ذهب الحنفيّة إلى وجوب حفظ الفاتحة وسورة أخرى على كلّ واحد من المكلّفين ‪ ،‬لنّ قراءة‬
‫الفاتحة في الصّلة عند الحنفيّة من واجباتها وليست من أركانها ‪ ،‬وكذلك السّورة وإن كانت‬
‫أقصر سور القرآن أو ما يقوم مقامها من ثلث آيات قصار ‪.‬‬

‫حكم تقديم الحفظ للقرآن لمامة الصّلة ‪:‬‬


‫‪ - 4‬اختلف الفقهاء فيمن يقدّم لمامة الصّلة ‪ :‬الحفظ أم الفقه ؟ فذهب جمهور الفقهاء وهم‬
‫ح عندهم إلى أنّ الفقه ‪ :‬أي العلم بالحكام الشّرعيّة‬
‫الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الص ّ‬
‫أولى بالمامة في الصّلة من القرأ وإن كان حافظا لجميع القرآن ‪ ،‬وذلك إذا كان الفقه‬
‫يحفظ ما تجوز به الصّلة من القرآن ‪ ،‬لنّ الحاجة إلى الفقه أهمّ لكون الواجب من القرآن في‬
‫الصّلة محصورا والحوادث فيها ل تنحصر فيفتقر إلى العلم ليتمكّن به من تدارك ما عسى‬
‫ن " النّبيّ صلى ال عليه وسلم قدّم أبا بكر‬
‫أن يعرض فيها من العوارض المختلفة ‪ .‬ول ّ‬
‫رضي ال عنه في إمامة الصّلة على غيره من الصّحابة رضي ال عنهم " ‪ ،‬ومنهم من كان‬
‫أحفظ منه للقرآن الكريم لكونه أفقههم جميعا ‪ .‬وذهب الحنابلة والشّافعيّة في مقابل الصحّ‬
‫عندهم إلى أنّ القرأ والحفظ أولى بالمامة في الصّلة من الفقه لقوله صلى ال عليه وسلم‬
‫سنّة ‪ ،‬فإن كانوا في‬
‫‪ { :‬يؤ ّم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه ‪ ،‬فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بال ّ‬
‫سنّة سواء فأقدمهم هجرة ‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما } ‪ .‬وقوله صلى ال‬
‫ال ّ‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬إذا كانوا ثلثة فليؤمّهم أحدهم وأحقّهم بالمامة أقرؤهم } ‪ .‬وقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ليؤمّكم أكثركم قرآنا } ‪.‬‬

‫الوقف والوصيّة على حفّاظ القرآن ‪:‬‬


‫ن الوقف على القرّاء ‪ ،‬أو أهل القرآن أو الوصيّة لهم تصرف لحفّاظ كلّ‬
‫‪ - 5‬يرى الشّافعيّة أ ّ‬
‫القرآن عن ظهر الغيب ‪ ،‬ول يدخل فيهم القرّاء الّذين يقرءون القرآن من المصحف ‪ .‬وذهب‬
‫الحنابلة كذلك إلى أنّ الوقف على القرّاء أو أهل القرآن الن أوالوصيّة لهم يصرف لحفّاظ‬
‫القرآن كلّه ‪ .‬أمّا في الصّدر الوّل فكان الوقف على القرّاء أو أهل القرآن أو الوصيّة لهم‬
‫ن القرأ في ذلك الزّمان كان فقيها لتلقّيهم القرآن بمعانيه وأحكامه ‪.‬‬
‫يصرف للفقهاء ل ّ‬

‫حكم جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا ‪:‬‬


‫‪ - 6‬اختلف الفقهاء في جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة ‪ :‬فذهب الحنفيّة‬
‫والمالكيّة في المشهور عندهم وأحمد في رواية عنه إلى عدم جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم‬
‫ل بالموال لقوله تعالى ‪ { :‬وأحلّ لكم ما وراء ذلكم‬
‫صداقا للمرأة ‪ ،‬لنّ الفروج ل تستباح إ ّ‬
‫ن تحفيظ القرآن الكريم ل‬
‫أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ول متّخذي أخدان } ول ّ‬
‫يجوز أن يقع إلّ قربة لفاعله ‪ .‬وذهب الشّافعيّة وهو خلف المشهور عند بعض المالكيّة‬
‫ن رسول اللّه‬
‫وأحمد في رواية عنه إلى جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة " ل ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم زوّج رجل امرأة بما معه من القرآن بقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫{ أملكناكها بما معك من القرآن } ‪ .‬ثمّ إنّ الذّاهبين إلى جواز ذلك اتّفقوا على أنّه ل بدّ من‬
‫تعيين ما يحفّظها إيّاه من السّور واليات ‪ ،‬لنّ السّور واليات تختلف ‪ ،‬كما اتّفقوا على‬
‫وجوب تحفيظها للقدر المتّفق عليه من السّور واليات ‪ ،‬ولكنّهم اختلفوا هل يشترط تعيين‬
‫القراءة الّتي يعلّمها وفقا لها أم ل ؟ فذهب جمهور الشّافعيّة وهو أحد الوجهين عند الحنابلة‬
‫ن النّبيّ صلى ال‬
‫ن كلّ قراءة تنوب مناب القراءة الخرى ‪ " ،‬ول ّ‬
‫إلى عدم اشتراط ذلك ل ّ‬
‫عليه وسلم لم يعيّن للمرأة قراءة معيّنة " وقد كانوا يختلفون في القراءة أشدّ من اختلف القرّاء‬
‫اليوم ‪ .‬فيعلّمها ما شاء من القراءات المتواترة ‪ .‬ويرى بعضهم أنّه يجب تعيين قراءة بعينها‬
‫لنّ الغراض تختلف ‪ ،‬والقراءات كذلك تختلف ‪ ،‬فمنها صعب ومنها سهل ‪ ،‬ونقل عن‬
‫البصريّين من الشّافعيّة أنّه يعلّمها ما غلب على قراءة أهل البلد ‪ ،‬وإن لم يكن فيها أغلب‬
‫علّمها ما شاء من القراءات ‪ ،‬وهذا إذا لم يتّفقوا على قراءة معيّنة ‪ ،‬أمّا إذا اتّفقوا على قراءة‬
‫معيّنة فيجب عليه أن يحفّظها هذه القراءة ‪ ،‬فإن خالف وعلّمها قراءة أخرى غيرها فمتطوّع‬
‫ويلزمه تعليمها القراءة المتّفق عليها عمل بالشّرط ‪.‬‬
‫‪ -7‬واختلف القائلون بجواز جعل تعليم القرآن صداقا فيما لو أصدق زوجته الكتابيّة تعليم‬
‫سورة من القرآن ‪ .‬فذهب الشّافعيّة إلى جواز ذلك إذا كان يتوقّع إسلمها لقوله تعالى ‪ { :‬وإن‬
‫أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلم اللّه } أمّا إذا لم يتوقّع إسلمها فل يجوز‬
‫ذلك ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى عدم جواز ذلك لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تسافروا بالقرآن‬
‫إلى أرض العد ّو } وذلك مخافة أن تناله أيديهم فالتّحفيظ أولى أن يمنع منه ولها مهر المثل ‪.‬‬

‫حكم حفظ القرآن الكريم ‪:‬‬


‫ن حفظ ما عدا الفاتحة وسورة معها من القرآن الكريم فرض من‬
‫‪ - 8‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫فروض الكفاية ‪ ،‬يجب على المسلمين كافّة أن يوجد بينهم عدد كاف يسقط بهم الفرض فإذا‬
‫لم يوجد بينهم هذا العدد أثم الجميع ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحات ‪ ( :‬صلة ‪ ،‬وقراءة ‪،‬‬
‫وقرآن ‪. ) .‬‬

‫( حفظ الوديعة ) ‪:‬‬


‫ن الوديعة ‪ -‬وهي عقد استنابة حفظ المال ‪ -‬توجب على المودع أن‬
‫‪ - 9‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫يحفظ المال في حرز مثله ‪ ،‬وأن ل يخالف في كيفيّة الحفظ عن أمر صاحب المال ‪ ،‬وأن ل‬
‫ل للضّرورة ‪ .‬وأن ل ينقله من مكان الحفظ من‬
‫يضع المال في يد ثالثة بدون إذن صاحبه إ ّ‬
‫ن الوديعة أمانة ‪ ،‬فإذا تلفت بغير تفريط أو تعدّ من‬
‫غير إذن صاحبه إلّ للضّرورة كذلك ‪ .‬وأ ّ‬
‫المودع فليس عليه ضمان ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ليس على المستودع ضمان } ‪.‬‬
‫ن المستودع إنّما يحفظها لصاحبها متبرّعا من غير نفع يرجع عليه ‪ ،‬فلو لزمه الضّمان‬
‫ول ّ‬
‫لمتنع النّاس من قبول الودائع ‪ ،‬وذلك مضرّ لحاجة النّاس إليها ‪ ،‬فإنّه يتعذّر على جميعهم‬
‫حفظ أموالهم بأنفسهم ‪ ،‬فأمّا إذا تلفت الوديعة بتفريط أو تعدّ من المودع فعليه الضّمان ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬وديعة وضمان ) ‪.‬‬

‫حفيد‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬أصل الحفد في اللّغة ‪ :‬الخدمة ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬والحفدة ‪ :‬العوان والخدم ‪ ،‬وواحدهم " حافد‬
‫ل من عمل عمل أطاع فيه أمرا وسارع‬
‫" قال ابن عرفة ‪ :‬الحفدة عند العرب ‪ :‬العوان ‪ ،‬فك ّ‬
‫إليه فهو حافد ‪ .‬ومن هذا المعنى الدّعاء المأثور ‪ { :‬وإليك نسعى ونحفد } أي إلى طاعتك‬
‫نسرع ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬الحفدة من خدمك من ولدك ‪ ،‬وولد ولدك ‪ .‬وقال الزهريّ في قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } إنّ الحفدة أولد الولد ‪ ،‬قال القرطبيّ ‪ :‬هو‬
‫ظاهر القرآن بل نصّه ‪ .‬وفي الصطلح الحفيد هو ولد الولد ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪ :‬السّبط ‪:‬‬
‫‪ - 2‬السّبط ‪ :‬يطلق في اللّغة على ولد الولد قال العسكريّ ‪ :‬وأكثر ما يستعمل السّبط في ولد‬
‫البنت ‪ .‬وفي الصطلح يطلق عند الشّافعيّة على ولد البنت ‪ ،‬ومنه قيل للحسن والحسين‬
‫رضي ال عنهما سبطا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأمّا ولد البن فيطلق عليه عندهم‬
‫ل من الحفيد والسّبط على ولد البن وولد البنت ‪ .‬النّافلة ‪:‬‬
‫لفظ الحفيد ‪ .‬وعند الحنابلة يطلق ك ّ‬
‫‪ - 3‬النّافلة في اللّغة الزّيادة ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة } أي زيادة‬
‫لنّه دعا في إسحاق ‪ ،‬وزيد يعقوب من غير دعاء فكان ذلك نافلة ‪ ،‬أي زيادة على ما سأل ‪،‬‬
‫ب هب لي من الصّالحين } ويقال ‪ :‬لولد الولد نافلة ‪ ،‬لنّه زيادة على الولد ‪.‬‬
‫إذ قال ‪ { :‬ر ّ‬
‫وهو في الصطلح كذلك ولد الولد ذكرا كان أو أنثى ‪ .‬الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الحفيد الّذي هو ابن البن من العصبات باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وينزّل منزلة البن للصّلب عند‬
‫فقده ‪ ،‬ويعصب أخواته وبنات أعمامه اللّاتي في درجته ‪ ،‬كما أنّه يعصب من فوقه من عمّاته‬
‫إن لم يكن لهنّ من فرض البنات شيء ( ر ‪ :‬ابن البن ) ‪ .‬أمّا ابن البنت فهو حفيد عند‬
‫الحنابلة ‪ ،‬وهو في الميراث من ذوي الرحام ‪ ،‬ولهم أحكام خاصّة ( ر ‪ :‬إرث ‪ .‬وصيّة ‪.‬‬
‫وقف ‪ .‬أرحام ) ‪ .‬والحفيدة ‪ :‬بنت البن ‪ ،‬تنزّل منزلة البنت عند عدم البنت ‪ ،‬وترث السّدس‬
‫مع بنت الصّلب تكملة للثّلثين ‪ ،‬وتحجب بابن الصّلب ‪ ،‬وبالبنتين فأكثر ‪ ،‬ويعصبها أخوها ‪،‬‬
‫وابن أخيها ‪ ،‬وابن عمّها الّذي هو في درجتها أو أنزل منها ‪ ( ،‬ر ‪ :‬بنت البن ) ‪..‬‬

‫دخول الحفدة في الوقف على الولد ‪:‬‬


‫‪ - 5‬اختلف الفقهاء في ذلك ‪ ،‬فذهب الحنابلة وهو ظاهر الرّواية المفتى به عند الحنفيّة إلى‬
‫أنّه يدخل أولد البنين دون أولد البنات في الوقف على الولد ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ‬
‫الحفدة ل يدخلون في الوقف على الولد في الصحّ عندهم ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح‬
‫( وقف ) ‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬نهاية الجزء السابع عشر‬

You might also like