Professional Documents
Culture Documents
022
022
رأس *
التّعريف :
-الرّأس مفرد ،وجمع القلّة فيه :أرؤس ،وجمع الكثرة رءوس . 1
وهو في اللّغة :أعلى كلّ شيءٍ ،ويطلق مجازا على سيّد القوم وعلى القوم إذا كثروا وعزّوا
.ورأس المال :أصله .والصطلح الشّرعيّ ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
الحكام المتعلّقة بالرّأس :
-تختلف الحكام المتعلّقة بالرّأس باختلف موضوع الحكم . 2
وسلم كان إذا دخل الخلء لبس حذاءه ،وغطّى رأسه « .
ضرب الرّأس في الح ّد والتّأديب :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يضرب رأس المجلود للحدّ أو التّعزير ،لنّه من المقاتل 4
،وربّما يفضي ضربه إلى ذهاب سمعه ،وبصره ،وعقله ،أو قتله ،والمقصود تأديبه ل
قتله ،وروي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال للجلد :اتّق الوجه ،والرّأس .وقال أبو
يوسف من الحنفيّة :إنّه يضرب الرّأس في الحدّ والتّعزير ،لنّه ل يخاف التّلف بسوطٍ أو
ن الشّيطان فيه ،
سوطين ،وقد روي عن أبي بكرٍ رضي ال عنه أنّه قال :اضربوا الرّأس فإ ّ
وهذا هو الرّاجح عند الشّافعيّة .
اليمين على أكل الرّؤوس :
-إذا حلف ل يأكل رأسا وأطلق ،حمل على رءوس النعام ،وهي الغنم ،والبل ،والبقر 5
،لنّها هي الّتي تباع وتشترى في السّوق منفرد ًة ،وهي المتعارفة ،وإلى هذا ذهب الشّافعيّة
على الصّحيح عندهم ،وأبو حنيفة .
وقال الصّاحبان :يحمل على رأس الغنم ،وهو قول عند الشّافعيّة ،أمّا إن عمّم أو خصّص
فإنّه يتبع ،وإن قصد ما يسمّى رأسا حنث بالكلّ .
وتفصيل ذلك في مباحث اليمان من كتب الفقه .
أمّا ما يتعلّق بشعر الرّأس من الحكام فينظر في مصطلح ( :شعر ) .
رأس المال *
التّعريف :
ح ول زيادةٍ ،وهو جملة المال الّتي تستثمر في
-رأس المال في اللّغة :أصل المال بل رب ٍ 1
ل ُتظْلَمُونَ } .وفي
ل ما .قال اللّه تعالى { :وَإِن ُت ْبتُمْ فََل ُكمْ رُؤُوسُ َأ ْموَاِل ُكمْ لَ َتظِْلمُونَ َو َ
عم ٍ
الصطلح ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
مواطن البحث :
-يذكر هذا المصطلح في :الزّكاة ،والشّركة ،والمضاربة ،والسّلم ،والرّبا ،والقرض ، 2
رؤيا *
التّعريف :
-الرّؤيا على وزن فعلى ما يراه النسان في منامه ،وهو غير منصرفٍ للف التّأنيث كما 1
من تدبير أمرٍ ،وفي الصطلح ما يرد على القلب من الخطاب أو الوارد الّذي ل عمل للعبد
فيه ،والخاطر غالبا يكون في اليقظة بخلف الرّؤيا .
د -الوحي :
ل ما ألقيته إلى
-من معانيه في اللّغة كما قال ابن فارسٍ :الشارة والرّسالة والكتابة وك ّ 5
غيرك ليعلمه ،وهو مصدر وحى إليه يحي من باب وعد ،وأوحى إليه باللف مثله ،ثمّ
غلب استعمال الوحي فيما يلقى إلى النبياء من عند اللّه تعالى .فالفرق بينه وبين الرّؤيا
واضح ،ورؤيا النبياء وحي ،وفي الحديث » :أوّل ما بدئ به النّبيّ صلى ال عليه وسلم
من الوحي الرّؤيا الصّادقة « .
الرّؤيا الصّالحة ومنزلتها :
-الرّؤيا الصّالحة حالة شريفة ومنزلة رفيعة كما ذكر القرطبيّ ،قال رسول اللّه صلى ال 6
عليه وسلم » :لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّ الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم الصّالح أو ترى
له«.
وقد أخرج التّرمذيّ في جامعه أنّ رجلً من أهل مصر سأل أبا الدّرداء رضي ال عنه عن
قوله تعالى َ { :ل ُهمُ ا ْل ُبشْرَى فِي ا ْلحَياةِ ال ّد ْنيَا } قال :ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم عنها ،فقال :ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت ،هي الرّؤيا
الصّالحة يراها المسلم أو ترى له .
وقد حكم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّ الرّؤيا الصّالحة جزءٌ من ستّ ٍة وأربعين جزءا
من النّبوّة وروي غير ذلك .
والمراد بالرّؤيا الصّالحة غالب رؤى الصّالحين كما قال المهلّب ،وإلّ فالصّالح قد يرى
ن الصّدق فيها نادر لغلبة
الضغاث ولكنّه نادر لقلّة تمكّن الشّيطان منهم ،بخلف عكسهم ،فإ ّ
تسلّط الشّيطان عليهم ،فالنّاس على هذا ثلث درجاتٍ :
-النبياء ورؤاهم كلّها صدقٌ ،وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبيرٍ .
-والصّالحون والغلب على رؤاهم الصّدق ،وقد يقع فيها ما ل يحتاج إلى تعبيرٍ .
-ومن عداهم وقد يقع في رؤاهم الصّدق والضغاث .
وقال القاضي أبو بكرٍ العربيّ :إنّ رؤيا المؤمن الصّالح هي الّتي تنسب إلى أجزاء النّبوّة
لصلحها واستقامتها ،بخلف رؤيا الفاسق فإنّها ل تعدّ من أجزاء النّبوّة ،وقيل تعدّ من
أقصى الجزاء ،وأمّا رؤيا الكافر فل تعدّ أصلً .
وقريب من ذلك ما قاله القرطبيّ من أنّ المسلم الصّادق الصّالح هو الّذي يناسب حاله حال
النبياء فأكرم بنوعٍ ممّا أكرم به النبياء وهو الطّلع على الغيب ،وأمّا الكافر والفاسق
ل من حدّث
والمخلّط فل ،ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك كما قد يصدق الكذوب ،وليس ك ّ
عن غيبٍ يكون خبره من أجزاء النّبوّة كالكاهن والمنجّم .
هذا ،وقد استشكل كون الرّؤيا جزءا من النّبوّة مع أنّ النّبوّة انقطعت بموت النّبيّ صلى ال
عليه وسلم كما ذكر الحافظ في الفتح فقيل في الجواب :إن وقعت الرّؤيا من النّبيّ صلى ال
عليه وسلم فهي جزءٌ من أجزاء النّبوّة حقيقةً ،وإن وقعت من غير النّبيّ فهي جزءٌ من
أجزاء النّبوّة على سبيل المجاز .
وقال الخطّابيّ :قيل معناه :أنّ الرّؤيا تجيء على موافقة النّبوّة ل أنّها جزء باقٍ من النّبوّة ،
ن النّبوّة وإن انقطعت فعلمها باقٍ .
وقيل المعنى :إنّها جزء من علم النّبوّة ،ل ّ
رؤيا اللّه سبحانه وتعالى في المنام :
ي فيه خيال
ن المرئ ّ
-اختلف في جواز رؤيته سبحانه وتعالى في المنام فقيل :ل تقع ،ل ّ 7
ومثال ،وذلك على القديم محال ،وقيل :تقع لنّه ل استحالة لذلك في المنام .
ي صلى ال عليه وسلم في المنام :
رؤيا النّب ّ
-ذكر البخاريّ في كتاب التّعبير من صحيحه بابا بعنوان من رأى النّبيّ صلى ال عليه 8
وسلم في المنام وذكر فيه خمسة أحاديث منها :ما رواه عن أبي هريرة رضي ال عنه أنّه
قال « :سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول :من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ول
يتمثّل الشّيطان بي « .
ل على جواز رؤيته صلى ال عليه وسلم في المنام ،وقد ذكر الحافظ في
وهذه الحاديث تد ّ
الفتح ،والنّوويّ في شرح مسلمٍ أقوالً مختلف ًة في معنى قوله صلى ال عليه وسلم » :من
رآني في المنام فسيراني في اليقظة « .
والصّحيح منها أنّ مقصوده أنّ رؤيته في كلّ حال ٍة ليست باطل ًة ول أضغاثا ،بل هي حقّ في
نفسها ،ولو رؤي على غير صورته الّتي كانت عليها في حياته صلى ال عليه وسلم فتصوّر
تلك الصّورة ليس من الشّيطان بل هو من قبل اللّه ،وقال :وهذا قول القاضي أبي بكر بن
طيّب وغيره ،ويؤيّده قوله » :فقد رأى الحقّ « أي رأى الحقّ الّذي قصد إعلم الرّائي به
ال ّ
،فإن كانت على ظاهرها وإلّ سعى في تأويلها ول يهمل أمرها ،لنّها إمّا بشرى بخيرٍ ،أو
إنذارٌ من شرّ إمّا ليخيف الرّائي ،إمّا لينزجر عنه ،وإمّا لينبّه على حكمٍ يقع له في دينه أو
دنياه .
ي في الفروق أنّ رؤيته عليه الصلة والسلم إنّما تصحّ لحد رجلين :
وذكر القراف ّ
أحدهما :صحابيّ رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله فإذا رآه جزم بأنّه رأى مثاله
شكّ في رؤيته عليه الصلة والسلم .وثانيهما
المعصوم من الشّيطان ،فينتفي عنه اللّبس وال ّ
:رجل تكرّر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتّى انطبعت في نفسه صفته عليه
الصلة والسلم ،ومثاله المعصوم ،كما حصل ذلك لمن رآه ،فإذا رآه جزم بأنّه رأى مثاله
شكّ في رؤيته عليه الصلة
عليه الصلة والسلم كما يجزم به من رآه ،فينتفي عنه اللّبس وال ّ
والسلم ،وأمّا غير هذين فل يحلّ له الجزم بل يجوز أن يكون رآه عليه السلم بمثاله ،
ويحتمل أن يكون من تخييل الشّيطان ،ول يفيد قول المرئيّ لمن رآه أنا رسول اللّه ،ول قول
من يحضر معه هذا رسول اللّه ،لنّ الشّيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره ،فل يحصل الجزم
،وهذا وإن كان صريحا في أنّه ل بدّ من رؤية مثاله المخصوص ل ينافي ما تقرّر في
التّعبير أنّ الرّائي يراه عليه الصلة والسلم شيخا وشابّا وأسود ،وذاهب العينين ،وذاهب
ن هذه
اليدين ،وعلى أنواعٍ شتّى من المثل الّتي ليست مثاله عليه الصلة والسلم ،ل ّ
الصّفات صفات الرّائين وأحوالهم تظهر فيه عليه الصلة والسلم وهو كالمرآة لهم .
ي صلى ال عليه وسلم أو فعله في الرّؤيا :
ترتّب الحكم على قول النّب ّ
ل أو يفعل فعلً فهل يكون قوله
-من رأى النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المنام يقول قو ً 9
باطنها ،وقيل :هو النّظر في الشّيء ،فيعتبر بعضه ببعضٍ حتّى يحصل على فهمه حكاه
ح ثمّ سكونٍ ،وهو التّجاوز من
الزهريّ ،وبالوّل جزم الرّاغب ،وقال أصله من العبر بفت ٍ
ل ،وخصّوا تجاوز الماء بسباحةٍ أو في سفين ٍة أو غيرها بلفظ العبور بضمّتين ،
حالٍ إلى حا ٍ
وعبّر القوم إذا ماتوا كأنّهم جازوا القنطرة من الدّنيا إلى الخرة ،قال :والعتبار والعبرة
الحالة الّتي يتوصّل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ،ويقال :عبرت الرّؤيا
بالتّخفيف إذا فسّرتها ،وعبّرتها بالتّشديد للمبالغة في ذلك .
وذكر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى { :إِن كُن ُتمْ لِلرّ ْؤيَا َت ْع ُبرُونَ } أنّه مشتقّ من عبور
النّهر ،فعابر الرّؤيا يعبر بما يؤوّل إليه أمرها ،وينتقل بها كما في روح المعاني من
الصّورة المشاهدة في المنام إلى ما هي صورة ومثال لها من المور الفاقيّة والنفسيّة
الواقعة في الخارج .
هذا وقد ذكر ابن القيّم في إعلم الموقّعين صورا لتعبير الرّؤيا وتأويلها ،ومن تلك الصّور :
ن الرّسول صلى ال عليه وسلم أوّل القميص في المنام بالدّين
تأويل الثّياب بالدّين والعلم »،فإ ّ
ن كلً منهما يستر صاحبه ويجمّله بين النّاس ،
والعلم « .والقدر المشترك بينهما هوأ ّ
فالقميص يستر بدنه ،والعلم والدّين يستر روحه وقلبه ،ويجمّله بين النّاس .
وتأويل اللّبن بالفطرة لما في كلّ منهما من التّغذية الموجبة للحياة وكمال النّشأة .
ن البقر كذلك .
وتأويل البقر بأهل الدّين والخير الّذين بهم عمارة الرض كما أ ّ
شرّ .
ن العامل زارع للخير وال ّ
وتأويل الزّرع والحرث بالعمل ،ل ّ
وتأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين ،والجامع بينهما أنّ المنافق ل روح فيه ول ظلّ
ول ثمر ،فهو بمنزلة الخشب الّذي هو كذلك .
وتأويل النّار بالفتنة لفساد كلّ منهما ما يمرّ عليه ويتّصل به .
وتأويل النّجوم بالعلماء والشراف لحصول هداية أهل الرض بكلّ منهما ،ولرتفاع
الشراف بين النّاس كارتفاع النّجوم .
وتأويل الغيث بالرّحمة والعلم والقرآن والحكمة وصلح حال النّاس ،إلى غير ذلك من
الصّور الواردة في تعبير الرّؤيا والمأخوذة من المثلة الواردة في القرآن ،ثمّ قال :وبالجملة
فما تقدّم من أمثال القرآن كلّها أصول وقواعد لعلم التّعبير لمن أحسن الستدلل بها ،وكذلك
من فهم القرآن فإنّه يعبّر به الرّؤيا أحسن تعبيرٍ ،وأصول التّعبير الصّحيحة إنّما أخذت من
ب السّفِينَةِ } وتعبّر
صحَا َ
ج ْينَاهُ وََأ ْ
مشكاة القرآن ،فالسّفينة تعبّر بالنّجاة ،لقوله تعالى َ { :فأَن َ
بالتّجارة .
ح َزنًا } .
عدُوّا َو َ
والطّفل الرّضيع يعبّر بالعدوّ لقوله تعالى { :فَا ْلتَ َقطَهُ آلُ ِفرْعَ ْونَ ِل َيكُونَ َل ُهمْ َ
ش َتدّتْ ِبهِ
عمَاُل ُهمْ َك َرمَادٍ ا ْ
ن كَ َفرُواْ ِب َر ّب ِهمْ أَ ْ
والرّماد بالعمل الباطل لقوله تعالى ّ { :مثَلُ اّلذِي َ
ل الرّائي بما ضرب له من المثل على نظيره ،
الرّيحُ } فإنّ الرّؤيا أمثال مضروبة ليستد ّ
ويعبر منه إلى شبهه .
سنّة حديث أبي موسى رضي ال عنه أنّ » النّبيّ صلى
هذا وممّا ورد في تعبير الرّؤيا من ال ّ
ض بها نخل ،فذهب وهلي
ال عليه وسلم قال :رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أر ٍ
إلى أنّها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ،ورأيت فيها بقرا واللّه خير ،فإذا هم
المؤمنون يوم أحدٍ ،وإذا الخير ما جاء اللّه به من الخير وثواب الصّدق الّذي أتانا اللّه به بعد
يوم بدرٍ « .
وحديث أبي هريرة رضي ال عنه ،قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :بينا أنا
ب فكبرا عليّ وأهمّاني ،فأوحي
نائم إذ أوتيت خزائن الرض فوضع في يديّ سواران من ذه ٍ
إليّ أن انفخهما فنفختهما فطارا ،فأوّلتهما الكذّابين اللّذين أنا بينهما :صاحب صنعاء
وصاحب اليمامة « .
وما أخرجه البخاريّ عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
قال » :رأيت امرأ ًة سوداء ثائرة الرّأس خرجت من المدينة حتّى قامت بمهيعة ،فأوّلت أنّ
وباء المدينة نقل إلى مهيعة وهي الجحفة « .
وما أخرجه البخاريّ عن أبي موسى عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :رأيت في
رؤياي أنّي هززت سيفا فانقطع صدره ،فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحدٍ ،ثمّ هززته
أخرى فعاد أحسن ما كان ،فإذا هو ما جاء اللّه به من الفتح واجتماع المؤمنين « .هذا ول
ل عاقل محبّ ،أو ناصح ،لقوله
ص الرّؤيا على غير شفيق ول ناصحٍ ،ول يحدّث بها إ ّ
تق ّ
ص رُ ْؤيَاكَ عَلَى ِإخْ َو ِتكَ َف َيكِيدُو ْا َلكَ َكيْدا }
تعالى { :قَالَ يَا ُب َنيّ لَ تَ ْقصُ ْ
ح«.
ص الرّؤيا إلّ على عال ٍم أو ناص ٍ
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :ل تق ّ
ل من يحسنها ،فإن
وأن ل يق صّها على من ل يحسن التّأويل ،لقول مال كٍ :ل يعبّر الرّؤيا إ ّ
رأى خيرا أخهبر بهه ،وإن رأى مكروها فليقهل خيرا أو ليصهمت ،قيهل :فههل يعبّرهها على
الخير وهو عنده على المكروه لقول من قال :إنّها على ما تأوّلت عليه ،فقال :ل ،ث مّ قال :
الرّؤيا جزء من النّبوّة ،فل يتلعب بالنّبوّة .
وإذا رأى ما يكره فليتعوّذ باللّه من شرّها ومن شرّ الشّيطان ،وليتفل ثلثا ،ول يحدّث بها
أحدا فإنّها ل تضرّه ،وإذا رأى ما يحبّ فعليه أن يحمد ،وأن يحدّث بها ،لقوله صلى ال
عليه وسلم فيما أخرجه البخاريّ عن عبد ربّه بن سعيدٍ قال :سمعت أبا سلمة يقول :لقد
كنت أرى الرّؤيا فتمرضني حتّى سمعت أبا قتادة يقول :وأنا كنت أرى الرّؤيا تمرضني حتّى
سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول » :الرّؤيا الحسنة من اللّه ،فإذا رأى أحدكم ما يحبّ
فل يحدّث به إلّ من يحبّ ،وإذا رأى ما يكره فليتعوّذ باللّه من شرّها ومن شرّ الشّيطان
وليتفل ثلثا ،ول يحدّث بها أحدا فإنّها لن تضرّه « .
ولقوله صلى ال عليه وسلم فيما أخرجه البخاريّ أيضا عن أبي سعيدٍ الخدريّ » إذا رأى
أحدكم الرّؤيا يحبّها فإنّها من اللّه فليحمد اللّه عليها وليحدّث بها ،وإذا رأى غير ذلك ممّا
يكره فإنّما هي من الشّيطان ،فليستعذ من شرّها ول يذكرها لحدٍ فإنّها لن تضرّه «.
رؤية *
التّعريف :
-الرٌؤ ية لغةً :إدراك الشّ يء بحا سّة الب صر ،وقال ا بن سيده :الرّؤ ية :النّ ظر بالع ين 1
والقلب .والغالب فهي ا ستعمال الفقهاء له هو المعنهى الوّل ،وذلك كمها فهي رؤ ية الهلل ،
ورؤية المبيع ،ورؤية الشّاهد للشّيء المشهود به وهكذا .
وقال الجرجانيّ :الرّؤية :المشاهدة بالبصر حيث كان في الدّنيا والخرة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الدراك :
-الدراك :هو المعرفة في أوسع معانيها ،ويشمل الدراك الحسّيّ والمعنويّ . 2
واجب ًة على الكفاية كرؤية هلل رمضان كما يقول الحنفيّة .
وقد تكون الرّؤية مستحبّةً كرؤية المخطوبة .وقد تكون حرما كرؤية عورة الجنبيّ .
وقد تكون مباحةً كرؤية الشياء العاديّة .وسيأتي تفصيل لذلك في البحث .
ما يتعلّق بالرّؤية من أحكامٍ :
رؤية الجنبيّات والمحارم :
-يحرم على الرّجل تعمّد رؤية ما يعتبر عور ًة من المرأة سواء أكانت محرما أم أجنبيّةً 5
على الختلف بين ما هو عورة بالنّسبة للمحرم وما هو عورة بالنّسبة للجنبيّ .
هذا مع استثناء حالت الضّرورة كالنّظر للعلج أو من أجل الشّهادة .
كذلك يحرم على المرأة تعمّد رؤية ما يعتبر عور ًة من الرّجل سواء أكان محرما أم أجنبيا مع
الختلف بين ما هو عورة بالنّسبة للمحرم وما هو عورة بالنّسبة للجنبيّ .
ويحرم على الرّجل تعمّد رؤية العورة من رجلٍ آخر .ويحرم على المرأة تعمّد رؤية العورة
من امرأ ٍة أخرى .
ج ُهمْ ذَِلكَ
والصل في ذلك قوله تعالى { :قُل لّ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َي ُغضّوا ِمنْ َأ ْبصَارِهِمْ َو َيحْ َفظُوا ُفرُو َ
ن مِنْ َأ ْبصَارِهِنّ َو َيحْ َفظْنَ
ص َنعُونَ َ ،وقُل لّ ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ َي ْغضُضْ َ
خبِيرٌ ِبمَا َي ْ
َأ ْزكَى َل ُهمْ ِإنّ اللّ َه َ
ظهَرَ ِم ْنهَا }...إلخ الية .
جهُنّ وَل ُي ْبدِينَ زِي َن َتهُنّ ِإلّ مَا َ
فُرُو َ
ي صلى ال عليه وسلم لسماء بنت أبي بكرٍ الصّدّيق رضي ال تعالى عنهما :
ولقول النّب ّ
ن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلّ هذا وهذا وأشار إلى
» يا أسماء :إ ّ
وجهه وكفّيه « .
وتعمّد النّظر بشهو ٍة إلى ما ليس بعورةٍ حرام سواء أكان النّظر من الرّجل إلى المرأة أو
العكس ،لنّه يجرّ إلى الفتنة لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :يا عليّ ل تتبع النّظرة
س كان
ن الفضل بن عبّا ٍ
النّظرة ،فإنّ لك الولى وليست لك الخرة « ،ولما ورد » :من أ ّ
ج فجاءته الخثعميّة تستفتيه ،فأخذ الفضل ينظر
رديف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في الح ّ
إليها وتنظر هي إليه فصرف عليه الصلة والسلم وجه الفضل عنها .فقال له العبّاس في
رواي ٍة :لويت عنق ابن عمّك .قال :رأيت شابا وشابّ ًة فلم آمن الشّيطان عليهما « .
هذا مع ما هو معروف من أنّه ل بأس في الجملة بن ظر كلّ من الزّوج ين إلى عورة ال خر
ل منهما النّظر إلى كلّ بدن الخر .
ل لك ّ
فيح ّ
ويجوز في الجملة رؤية النسان عورة نفسه .
وينظر التّفصيل في مصطلحات ( :أجنبيّ ،أنوثة ،حجاب ،ستر العورة ،عورة ،نظر ) .
رؤية المخطوبة :
-الصل أنّ تعمّد رؤية الجنبيّة حرام لقوله تعالى {:قُل لّ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َي ُغضّوا مِنْ َأ ْبصَارِهِمْ } 6
ن الصّعيد
الصّلة بطل تيمّمه ووجب عليه الوضوء لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :إ ّ
طيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين « .
ال ّ
وقيّد المالكيّة بطلن التّيمّم بما إذا اتّسع الوقت لداء ركعةٍ بعد استعمال الماء وإلّ فل يبطل
التّيمّم .
وذهب أبو سلمة بن عبد الرّحمن إلى أنّ التّيمّم ل ينتقض بوجود الماء أصلً ،لنّ الطّهارة
ل بالحدث ،ووجود الماء ليس بحدثٍ .
بعد صحّتها ل تنتقض إ ّ
وتفصيل ذلك في ( :حدث ،ووضوء ،وتيمّم ،وصلة ) .
رؤية المبيع :
ح البيع مع الجهل بالمبيع ،وقوله تعالى{ :
-من شروط صحّة البيع العلم بالمبيع ،فل يص ّ 8
المقا صد ،فليس من اللّزم رؤية جميع أجزاء المبيع ،بل قد تك في رؤية الب عض الّذي يدلّ
ن رؤية جميع أجزاء المبيع قد تكون متعذّرةً كما إذا كان
على بقيّته وعلى العلم بالمقصود ،ل ّ
ل حبّ ٍة منها ،ولذلك يكتفى برؤية ما هو مقصود ،فإذا رآه
المبيع صبر ّة فإنّه يتعذّر رؤية ك ّ
جعل غير المرئيّ تبعا للمرئيّ .
ن ال مبيع إمّا أن يكون شيئا واحدا أو أشياء متعدّد ًة .فإن كان ال مبيع شيئا
وال صل في ذلك أ ّ
واحدا فإنّه يكتفى برؤية البعض الّذي يدلّ على المقصود ،فلو كان المبيع مثلً فرسا أو بغلً
أو حمارا فيكتفى برؤية الوجه والمؤخّرة ،ل نّ الوجه والكفل كلّ واحدٍ منهما عضو مقصود
في هذا الجنس ،وإن كان المبيع بقر ًة حلوبا ،فإنّه مع ذلك ينظر إلى الضّرع ،وهكذا .
وإن كان المبيع أشياء متعدّدةً ،فإن كانت آحاده ل تتفاوت ،وهو ما يعبّر عنه بالمثليّ ،ومن
ل إذا كان البا قي
علم ته أن يعرض بالنّموذج كالمك يل والموزون فإنّه يكت فى برؤ ية بع ضه إ ّ
أردأ ممّا رأى فحينئذٍ يكون للمشتري الخيار .
ل واحدٍ من ها
ولو كان ال مبيع أثوابا متعدّدةً و هي من نم طٍ واحدٍ ل تختلف عاد ًة بح يث يباع ك ّ
ب منها ،لنّها تباع بالنّموذج في عادة
بثم نٍ متّحدٍ فقد استظهر ابن عابدين أنّه يكفي رؤية ثو ٍ
ال ّتجّار ،ويلحق بما ل تتفاوت آحاده العدديّات المتقاربة كالجوز ،فيكتفى برؤية البعض عن
ن التّفاوت بين صغير الجوز وكبيره متقارب ملحق بالعدم عرفا وعادةً ،وهو
ل،لّ
رؤية الك ّ
الصحّ ،خلفا للكرخ يّ حيث ألحقه بالعدديّات المتفاوتة لختلفها في ال صّغر والكبر وجعل
للمشتري الخيار .
وإن كانت آحاد المبيع تتفاوت وهو ما يعبّر عنه بالقيميّ ويسمّى العدديّات المتفاوتة ،ول يباع
بالنّموذج كالدّوا بّ والثّياب المتفاو تة ون حو ذلك ،فل بدّ من رؤ ية ما يدلّ على المق صود من
الشّيهء الواحهد أو رؤيهة ذلك مهن كلّ واحدٍ إن كان المهبيع أكثهر مهن واحدٍ مهن تلك الشياء
المتفاوتة كعددٍ من الدّوابّ .
هذا مذهب الحنفيّة ،والحكم كذلك في بقيّة المذاهب في الجملة ،مع اختلف المذاهب -وكذا
فقهاء المذهب الواحد -في تحديد ما يتمّ به العلم بالمقصود ليكتفى برؤيته .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :خيار الرّؤية ) .
رؤية المشهود به :
-من شروط أداء الشّهادة أن يكون المشهود به معلوما للشّاهد عند أداء الشّهادة .فل 10
س َلكَ
ل تَ ْقفُ مَا َليْ َ
يجوز للشّاهد أن يشهد إلّ بما يعلمه برؤيةٍ أو سماعٍ لقول اللّه تعالى َ { :و َ
عنْ ُه َمسْؤُولً }
سمْعَ وَا ْل َبصَرَ وَالْ ُفؤَادَ كُلّ أُوله ِئكَ كَانَ َ
بِهِ عِ ْلمٌ ِإنّ ال ّ
وعن ابن عبّاسٍ رضي ال تعالى عنهما قال » :ذكر عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
الرّجل يشهد بشهادةٍ ،فقال لي :يا ابن عبّاسٍ ،ل تشهد إلّ على ما يضيء لك كضياء هذه
الشّمس وأومأ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيده إلى الشّمس « .
ومن مدارك العلم بالمشهود به الرّؤية ،فإن كان المشهود به من الفعال كالغصب والتلف
والزّنى وشرب الخمر وسائر الفعال ،وكذا ال صّفات المرئيّة كالعيوب في المبيع ونحو ذلك
ل برؤيتهه ،فهذا يشترط فهي تحمّل الشّهادة فيهه الرّؤيهة ،لنّه ل يمكهن أداء
ممّا ل يعرف إ ّ
الشّهادة عليه قطعا إلّ برؤيته ،وهذا باتّفاقٍ .
وإن كان المشهود عليه مثل العقود كالبيع والجارة وغيرهما من القوال ،فقد اختلف الفقهاء
فيما يشترط فيه من مدارك العلم ،هل ل بدّ من رؤية المتعاقدين مع سماع أقوالهما ،أم يكفي
السّماع فقط ؟
فعند المالكيّة والحنابلة يكفي السّماع ول تعتبر رؤية المتعاقدين إذا عرفهما وتيقّن أنّه كلمهما
ي وربيعة واللّيث وشريح وعطاء وابن أبي ليلى ،لنّه عرف
س والزّهر ّ
،وبهذا قال ابن عبّا ٍ
المشهود عليه يقينا فجازت شهادته عليه كما لو رآه ،وإنّما تجوز الشّهادة لمن عرف المشهود
عليه يقينا ،وقد يحصل العلم بالسّماع يقينا ،وقد اعتبره الشّرع بتجويزه الرّواية من غير
رؤي ٍة ،ولهذا قبلت رواية العمى ورواية من روى عن أزواج رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم من غير محارمهنّ .
والصل عند الحنفيّة أنّه تشترط الرّؤية مع السّماع في المشهود به من القوال كالفعال ،لنّ
من شروط تحمّل الشّهادة عندهم أن يكون التّحمّل بمعاينة المشهود له بنفسه ل بغيره إلّ في
أشياء مخصوصةٍ يصحّ التّحمّل فيها بالتّسامع من النّاس كالنّكاح والنّسب والموت ،والدّليل
س :يا ابن
علىشرط التّحمّل عن طريق المعاينة » قول النّبيّ صلىال عليه وسلم لبن عبّا ٍ
ل على ما يضيء لك كضياء هذه الشّمس ،وأومأ رسول اللّه صلى ال
عبّاسٍ ،ل تشهد إ ّ
عليه وسلم بيده إلى الشّمس « ول يعلم مثل الشّمس إلّ بالمعاينة بنفسه ،ولذلك ل تقبل شهادة
العمى عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ سواء أكان بصيرا وقت التّحمّل أم ل ،وعند أبي يوسف تقبل
إذا كان بصيرا وقت التّحمّل .
وقال الحنفيّة :لو سمع من وراءالحجاب ل يجوز له أن يشهد ،ولو فسّره للقاضي بأن قال :
ن النّغمة تشبه النّغمة .
سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلّم ،ل يقبله ،ل ّ
واستثنى الحنفيّة من ذلك ما إذا كان المشهود عليه دخل البيت وعلم الشّاهد أنّه ليس في البيت
أحد سواه ثمّ جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره فسمع إقرار الدّاخل ول يراه ،فإنّه
حينئذٍ يجوز الشّهادة عليه بما سمع ،لنّه حصل به العلم في هذه الصّورة .وقال الشّافعيّة :
كذلك ل بدّ من الرّؤية مع السّماع في الشّهادة على القوال كالبيع وغيره مثل الشّهادة على
ن الصوات
الفعال .ولذلك ل تقبل فيها شهادة الصمّ ول العمى اعتمادا على الصّوت ،ل ّ
تتشابه ويتطرّق إليها التّلبيس .
واستثنى بعض الشّافعيّة مثل الصّورة الّتي ذكرها الحنفيّة وأنكره أكثر الشّافعيّة .
وفي المسألة خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( :شهادة ) .
رؤية القاضي الخصوم :
-اختلف الفقهاء في صحّة قضاء العمى ،كما اختلفوا في القضاء على الغائب . 11
رؤية الهلل *
التّعريف :
-الرّؤية :النّظر بالعين والقلب ،وهي مصدر رأى ،والرّؤية بالعين تتعدّى إلى مفعولٍ 1
في طلبها ويتأكّد ذلك في ليلة الثّلثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان ،وليلة الثّلثين من
رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوّالٍ ،وليلة الثّلثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجّة
.
ج ،ولتحديد عيد
فهذه الشهر الثّلثة يتعلّق بها ركنان من أركان السلم هما الصّيام والح ّ
الفطر وعيد الضحى .
ي صلى ال عليه وسلم على طلب الرّؤية ،فعن أبي هريرة قال :قال النّبيّ
ث النّب ّ
وقد ح ّ
صلى ال عليه وسلم » :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غمّي عليكم فأكملوا عدّة
شعبان ثلثين « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :الشّهر
وعن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أ ّ
تسع وعشرون ليلةً ،فل تصوموا حتّى تروه فإن غ ّم عليكم فأكملوا العدّة ثلثين « .
أوجهب الحديهث الوّل صهيام شههر رمضان برؤيهة هلله أو بإكمال شعبان ثلثيهن ،وأمهر
ل ،أو بإتمام رمضان ثلثين .
بالفطار لرؤية هلل شوّا ٍ
ونهىالحديث الثّاني عن صوم رمضان قبل رؤية هلله أوقبل إتمام شعبان في حالة الصّحو .
وورد عنه صلى ال عليه وسلم حديث فيه أمر بالعتناء بهلل شعبان لجل رمضان قال :
» أحصوا هلل شعبان لرمضان « وحديث يبيّن اعتناءه بشهر شعبان لضبط دخول رمضان
،عن عائشة » كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتحفّظ من شعبان ما ل يتحفّظ من غيره ،ثمّ
يصوم لرؤية رمضان فإن غمّ عليه ع ّد ثلثين يوما ثمّ صام « قال الشّرّاح :أي يتكلّف في
عدّ أيّام شعبان للمحافظة على صوم رمضان .
وقد اهت مّ ال صّحابة رضي ال عنهم في حياة النّبيّ صلى ال عليه وسلم وبعد وفاته صلى ال
عليه وسلم برؤية هلل رمضان فكانوا يتراءونه .
عن عبد اللّه بن عمر ،قال » :تراءى النّاس الهلل فأخبرت به رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم فصام وأمر النّاس بصيامه « .
و عن أ نس بن مال كٍ قال :كنّا مع ع مر ب ين مكّة والمدي نة ،فتراءي نا الهلل ،وك نت رجلً
حديد البصر فرأيته ،وليس أحد يزعم أنّه رآه غيري .قال :فجعلت أقول لعمر :أما تراه ؟
فجعل ل يراه .قال :يقول عمر :سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي .
وقد أوجب الحنفيّة كفاية التماس رؤية هلل رمضان ليلة الثّلثين من شعبان فإن رأوه صاموا
ن ما ل يحصل الواجب إلّ به فهو واجب .
ل أكملوا العدّة ثمّ صاموا ،ل ّ
،وإ ّ
وقال الحنابلة :يستحبّ ترائي الهلل احتياطا للصّوم وحذارا من الختلف .ولم نجد
للمالكيّة والشّافعيّة تصريحا بهذه المسألة .
طرق إثبات الهلل :
أوّلً :الرّؤية بالعين :
أ -الرّؤية من الجمّ الغفير الّذين تحصل بهم الستفاضة :
-هي رؤية الجمّ الغفير الّذين ل يجوز تواطؤهم على الكذب عاد ًة ،ول يشترط في صفتهم 3
الزّهريّ ،وقال بهذا الرّأي المالكيّة في حالة الغيم والصّحو في المصر الصّغير والكبير
فيثبت برؤية العدلين الصّوم والفطر وشهر ذي الحجّة ،واشترطوا في العدل السلم والحرّيّة
والذّكورة وما تقتضيه العدالة من العقل والبلوغ واللتزام بالسلم .
واعتبر سحنون شهادة اثنين فقط في الصّحو ،وفي المصر الكبير ريبةً ،ولم ينقل عنه تعيين
العدد في هذه الحالة ،والظّاهر أنّه ل يقبل في مثلها غير الرّؤية المستفيضة وأقلّها ثلثة .
قال :ول تقبل شهادة الشّاهدين إذا لم يشهد غيرهما في المصر الكبير والصّحو ،وأيّة ريبةٍ
أكبر من هذه .
ونقل القول باشتراط عدلين في الشّهادة الّتي يثبت بها هلل رمضان عن البويطيّ تلميذ
الشّافعيّ .
ج -رؤية عدلٍ واحدٍ :
-للفقهاء تفصيلت وشروط في قبول رؤية العدل الواحد على النّحو التّالي : 5
قبل الحنفيّة في رؤية هلل رمضان شهادة العدل الواحد في الغيم أو الغبار وانعدام صحو
سيّئات ،وقبلوا شهادة مستور
السّماء ،واكتفوا في وصف العدالة بترجيح الحسنات على ال ّ
الحال ،ولم يشترطوا الذّكورة والح ّريّة ،واعتبروا العلم بالرّؤية من قبيل الخبار .
وتتمّ الشّهادة عندهم في المصر أمام القاضي ،وفي القرية في المسجد بين النّاس ،ومن رأى
الهلل وحده ولم يقبل القاضي شهادته صام،فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفّارة .
واستدلّ الحنفيّة على قبول شهادة العدل الواحد بما رواه ابن عبّاسٍ قال » :جاء أعرابيّ إلى
النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :أبصرت الهلل اللّيلة ،قال :أتشهد أن ل إله إلّ اللّه وأنّ
محمّدا عبده ورسوله ؟ قال :نعم ،قال :يا بلل أذّن في النّاس فليصوموا غدا « .وتقدّم
في ترائي الهلل حديث عبد اللّه بن عمر ،وفيه » :أنّه أخبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم
برؤية الهلل فصام ،وأمر النّاس بالصّيام « .
ن الخبار برؤية الهلل من الرّواية وليس بشهادةٍ ،لنّه يلزم المخبر بال صّوم ،ومضمون
وبأ ّ
الشّهادة ل يلزم الشّا هد بشيءٍ ،والعدد ل يس بشر طٍ في الرّوا ية فأم كن قبول خبر الوا حد في
رؤيهة الهلل بالشّروط الواجهب توفّرهها فهي الرّاوي لخهب ٍر دينيّ ،وههي :السهلم والعقهل
والبلوغ والعدالة .
ولم يعتبر المالكيّة رؤية العدل الواحد في إثبات الهلل ،ولم يوجبوا الصّوم بمقتضاها على
الجماعة ،وألزموا من رأى الهلل وحده بإعلم المام برؤيته لحتمال أن يكون غيره رأى
أو علم فتجوز شهادتهما ،وأوجبوا على الرّائي المنفرد الصّيام ،ولو ردّ المام شهادته فإن
أفطر فعليه القضاء والكفّارة .
واستدلّوا بما ورد عن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب أنّه خطب النّاس في اليوم الّذي يشكّ
فيه ،فقال :إنّي جالست أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وسألتهم وأنّهم كلّهم
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ
حدّثوني أ ّ
عليكم فأكملوا ثلثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا « .
والمشهور عند هم قبول هذا النّوع من الرّؤ ية إذا لم ي كن في البلد من يعت ني بأ مر الهلل .
وقبل بعضهم رؤية الرّجل الواحد والعبد والمرأة إذا أريد من الشّهر معرفة علم التّاريخ بشرط
أن ل يتعلّق به حلول دي نٍ أو إكمال عدّ ٍة ،فإذا كان كذلك فل بدّ من شاهدين .وال صّحيح عند
الشّافعيّة قبول رؤية العدل الواحد في هلل رمضان وإلزام الجميع ال صّيام بمقتضاها احتياطا
لنه الخبار بالرّؤيهة عندههم مهن قبيهل الشّهادة ،
للفرض ،ولم يقبلوهها مهن العبهد والمرأة ّ ،
ي صهلى ال عليهه وسهلم إخبار ابهن عمهر وحده بهلل رمضان ،وقبوله
واسهتدلّوا بقبول النّب ّ
أيضا إخبار أعرابيّ بذلك ،وأوجبوا على الرّائي ال صّوم ولو لم يكن عدلً .وقبل الحنابلة في
هلل رمضان رؤيهة العدل الواحهد ،ولم يشترطوا الذّكورة والحرّيّة ورفضوا شهادة مسهتور
الحال في ال صّحو والغ يم ،وم ستندهم قبول النّبيّ صلى ال عل يه و سلم خبر العراب يّ .ولم
يقبلوا في بقيّة الشّهور إلّ رجلين عدلين على ما سيأتي .
رؤية هلل شوّالٍ وبقيّة الشّهور :
-اتّفق جمهور الفقهاء على اشتراط رؤية عدلين في هلل شوّالٍ ،واختلفوا في بعض 6
التّفصيلت .
ل في حالة الصّحو أن يكون الشّهود جماع ًة يحصل العلم
فاشترط الحنفيّة لثبات هلل شوّا ٍ
للقاضي بخبرهم كما في هلل رمضان ،ولم يقبلوا في حال الغيم إلّ شهادة رجلين ،أو رجلٍ
وامرأتين مسلمين حرّين عاقلين بالغين غير محدودين في قذفٍ ،وإن تابا كما في الشّهادة في
ن الخبار بهلل شوّالٍ من باب الشّهادة .وفيه نفع للمخبر ،وهو
الحقوق والموال ،ل ّ
إسقاط الصّوم عنه فكان متّهما فاشترط فيه العدد نفيا للتّهمة بخلف هلل رمضان فإنّه ل
تهمة فيه .
ل الرّؤية المستفيضة أو شهادة عدلين ممّن يشهدون في الحقوق
واشترط المالكيّة في هلل شوّا ٍ
ن من رأى هلل شوّالٍ وحده ل يفطر ،خوفا من التّهمة وسدّا للذّريعة
العامّة .ونصّوا على أ ّ
،وإن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى ،فإن عثر عليه عوقب إن اتّهم .
واشترط الشّافعيّة والحنابلة في ثبوت هلل شوّالٍ شهادة رجلين حرّين عدلين احتياطا للفرض
،وأباح الشّافعيّة الفطر سرّا لمن رأى الهلل وحده ،لنّه إن أظهره عرّض نفسه للتّهمة
والعقوبة ،ومنع الحنابلة الفطر لمن رأى الهلل وحده .
وقال ابن عقيلٍ :يجب عليه الفطر سرّا لنّه تيقّنه يوم عيدٍ وهو منهيّ عن صومه .
ولم يفرّق الحنفيّة في حالة الصّحو بين أهلّة رمضان وشوّالٍ وذي الحجّة واشترطوا في
الثّلثة رؤية جم ٍع يثبت به العلم ،وفرّقوا بينها في حالة الغيم فاكتفوا في ثبوت هلل ذي
الحجّة بشهادة عدلٍ واحدٍ .
ن هذه الشّهادة
واشترط الكرخيّ منهم شهادة رجلين أو رجلٍ وامرأتين كما في هلل شوّالٍ ل ّ
يتعلّق بها حكم وجوب الضحيّة فيجب فيها العدد .
ورد عليه الكاسانيّ بأنّ الخبار عن هلل ذي الحجّة من باب الرّواية ل الشّهادة لوجوب
الضحيّة على الشّاهد وغيره ،فل يشترط العدد .
وأوجب المالكيّة شهادة عدلين ،فقال مالك في الموسم بأنّه يقام بشهادة رجلين إذا كانا عدلين
.
وسوّى الحنابلة بين شوّالٍ وغيره من الشّهور فاشترطوا رؤية رجلين عدلين لقوله صلى ال
عليه وسلم » :فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا « .
رؤية الهلل نهارا :
-وردت عن صحابة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نقول مختلفة في حكم رؤية هلل 7
نحسب ،الشّهر هكذا وهكذا « يعني مرّ ًة تسعةً وعشرين ومرّةً ثلثين .
وعن عبد اللّه بن مسعودٍ قال » :لما صمنا مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم تسعا وعشرين
أكثر ممّا صمنا ثلثين « .
وإذا لم ير الهلل بعد غروب شمس التّاسع والعشرين من شعبان أو رمضان أو ذي القعدة
ن رسول اللّه صلى
أكمل الشّهر ثلثين يوما حسب الحديث الشّريف عن عبد اللّه بن عمر أ ّ
ال عليه وسلم قال » :الشّهر تسع وعشرون ليل ًة ،فل تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم
فأكملوا العدّة ثلثين « .
وفرّق الحنابلة ب ين حالة ال صّحو وحالة الغ يم فالمذ هب عند هم وجوب صيام يوم الثّلث ين من
شعبان إن حال دون مطل عه غ يم أو ق تر ونحوه ما بنيّة رمضان احتياطا ل يقينا وهذه الم سألة
شكّ وتفصيلها في ( :صوم ) .
تسمّى صيام يوم ال ّ
فإن تبيّن في نهاية رمضان أنّ شعبان ناقص وجب قضاء اليوم الّذي غ ّم فيه الهلل .
توالي الغيم :
-عند توالي الغيم في نهاية الشّهور القمريّة تكمل ثلثين ثلثين عملً بالحديث السّابق » : 9
الحرب فاشتبهت عليه الشهر ،ولم يعرف موعد رمضان ،يتعيّن عليه الجتهاد لمعرفته فإن
اجتهد وتحرّى ووافق صيامه شهر رمضان أو ما بعده أجزأه ذلك ،فإن كان الشّهر الّذي
صامه ناقصا ،ورمضان كاملً قضى النّقص ،وإن صام شهرا قبل رمضان لم يكفه ،لنّ
ح قبل وقتها ،فلو وافق بعضه فما وافقه أو بعده أجزاه دون ما قبله ،وإن صام
العبادة ل تص ّ
بل اجتهادٍ لم يجزه إذا كان قادرا على الجتهاد .
ثالثًا :إثبات الهلّة بالحساب الفلكيّ :
-وقع الخوض في هذه المسألة منذ أواخر القرن الهجريّ الوّل ،فقد أشار إليها أحد 11
التّابعين وبحثت بعد ذلك من لدن فقهائنا السّابقين بالقدر الّذي تستحقّه .
وكان من أسباب بحثها وجود لفظ ٍة مشكل ٍة في حديث ثابتٍ عن رسول اللّه صلى ال عليه
شرّاح في المراد منها ،واستدلّ بها القائلون بالحساب على ما ذهبوا إليه .
وسلم اختلف ال ّ
ويتّضح ذلك من إيراد الحديث بلفظه ،وإتباعه بتفسير الّذين استدلّوا به على جواز اعتماد
الحساب في إثبات الهلل ،ثمّ آراء الّذين فهموا منه خلف فهمهم .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ذكر رمضان
عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أ ّ
فقال » :ل تصوموا حتّى تروا الهلل ،ول تفطروا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فاقدروا له
« .علّق الحديث بداية صيام رمضان والشّروع في الفطار برؤية الهلل ،وأمر عند تعذّرها
في حالة الغيم بالتّقدير ،فقال صلى ال عليه وسلم » :فإن غ ّم عليكم فاقدروا له « ،وقد
اختلف في المراد من هذه العبارة .
رأي القائلين بالحساب :
-تضمّن هذا الرّأي القول بتقدير الهلل بالحساب الفلكيّ ونسب إلى مطرّف بن عبد اللّه 12
عبرة بقول المؤقّتين ولو عدولً ،ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشّرع ،وذهب قوم منهم
إلى أنّه يجوز أن يجتهد في ذلك ،ويعمل بقول أهل الحساب .
ومنع مالك من اعتماد الحساب في إثبات الهلل ،فقال :إنّ المام الّذي يعتمد على الحساب
ل يقتدى به ،ول يتبع .
وبيّن أبو الوليد الباجيّ حكم صيام من اعتمد الحساب فقال :فإن فعل ذلك أحد فالّذي عندي
أنّه ل يعتدّ بما صام منه على الحساب ويرجع إلى الرّؤية وإكمال العدد ،فإن اقتضى ذلك
قضاء شي ٍء من صومه قضاه .
ي قولً آخر للمالكيّة بجواز اعتماد الحساب في إثبات الهليّة .
وذكر القراف ّ
أمّا الشّافعيّة فقال النّوويّ :قال أصحابنا وغيرهم :ل يجب صوم رمضان إلّ بدخوله ،
ويعلم دخوله برؤية الهلل ،فإن غمّ وجب استكمال شعبان ثلثين ،ثمّ يصومون سواء كانت
السّماء مصحي ًة أو مغيّمةً غيما قليلً أو كثيرا .
وفي هذا حصر طرق إثبات هلل رمضان في الرّؤية وإكمال شعبان ثلثين ،وفي هذا
الحصر نفي لعتماد الحساب ،وقد صرّح في موضعٍ آخر برفضه ،لنّه حدس وتخمين
ورأى اعتباره في القبلة والوقت .
ل الحساب القطعيّ على عدم رؤية الهلل لم يقبل قول
نقل القليوبيّ عن العبّاديّ قوله :إذا د ّ
العدول برؤيته ،وتردّ شهادتهم .
ثمّ قال القليوبيّ :وهو ظاهر جليّ ،ول يجوز الصّوم حينئذٍ ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة .
ول يعتمد الحنابلة الحساب الفلكيّ في إثبات هلل رمضان ،ولو كثرت إصابته .
أدلّة القائلين بعدم إثبات الهلّة بالحساب :
ل المانعون بالحديث نفسه الّذي استدلّ المثبتون به ففسّروه بغير المراد منه .
استد ّ
ل :تفسير الحديث المشتمل على التّقدير بما ينقض مفهوم التّقدير الّذي ذهب إليه القائلون
أ ّو ً
بالحساب .
فسّر الئمّة الجلّة قوله صلى ال عليه وسلم » :فاقدروا له « بتفسيرين :
الوّل :حمل التّقدير على إتمامهم الشّهر ثلثين .
الثّاني :تفسير بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر .
التّفسير الوّل :جاء عن عبد اللّه بن عمر أنّه يصبح مفطرا إذا كانت السّماء صاحي ًة وصائما
إذا كانت مغيّم ًة لنّه يتأوّل قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم على أنّ المراد منه إتمام الشّهر
ثلثين .
وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور السّلف والخلف ،فحملوا عبارة :
» فاقدروا له « على تمام العدد ثلثين يوما .
ن رسول اللّه صلى
ي أتبع حديث عبد اللّه بن عمر هنا برواي ٍة أخرى عنه جاء فيها أ ّ
والبخار ّ
ال عليه وسلم قال » :الشّهر تسع وعشرون ليل ًة فل تصوموا حتّى تروه ،فإن غمّ عليكم
ي صلى ال
فأكملوا العدّة ثلثين« .وأتبعه في نفس الباب بحديث أبي هريرة ،قال النّب ّ
عليه وسلم أو قال :قال أبو القاسم صلى ال عليه وسلم » :صوموا لرؤيته ،وأفطروا
لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلثين « .
وقال ابن حجرٍ :قصد البخاريّ بذلك بيان المراد من قوله » فاقدروا له « ،وأيّد ابن رشدٍ
جعَلَ
تفسير البخاريّ وعلّله بأنّ التّقدير يكون بمعنى التّمام ،ودعم رأيه بقوله تعالى َ { :قدْ َ
شيْءٍ َقدْرا } أي تماما .
اللّ ُه ِلكُلّ َ
التّفسير الثّاني بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر :فسّر القائلون به » اقدروا له « بمعنى ضيّقوا
له العدد من قوله تعالى َ { :ومَن ُقدِرَ عََليْ ِه ِرزْقُهُ } ،والتّضييق له أن يجعل شعبان تسعةً
وعشرين يوما .
شكّ إن كانت السّماء
وممّن قال بهذا الرّأي أحمد بن حنبلٍ وغيره ممّن يجوّز صوم يوم ال ّ
مغيّمةً .
وعن ابن عمر رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :إنّا أمّة أ ّميّة ل
نكتب ول نحسب ،الشّهر هكذا وهكذا « يعني مرّ ًة تسعةً وعشرين ومرّةً ثلثين .
ن المنف يّ عنهم الكتاب والح ساب هم أغلب أ هل ال سلم الّذ ين بحضرة النّبيّ
بيّن ا بن حجرٍ أ ّ
صلى ال عل يه و سلم ع ند تحدي ثه بهذا الحد يث ،أو أ نّ المراد به النّبيّ نف سه عل يه ال صلة
وال سلم .ث مّ قال ا بن حجرٍ :المراد بالح ساب ه نا ح ساب النّجوم وت سييرها ،ولو لم يكونوا
ل النّزر اليسير ،فعلّق الحكم بال صّوم وغيره بالرّؤية لدفع الحرج عنهم في
يعرفون من ذلك إ ّ
معاناة حسهاب التّسهيير ،واسهتمرّ الحكهم فهي الصهّوم ولو حدث بعدههم مهن يعرف ذلك ،بهل
ظاهر السّياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلً .
ويوضّحه قوله في الحديث الماضي » فإن غ ّم عليكم فأكملوا العدّة ثلثين « ولم يقل فسلوا
أهل الحساب ،والحكمة فيه كون العدد عند الغماء يستوي فيه المكلّفون فيرتفع الختلف
والنّزاع عنهم .
اختلف المطالع :
-اختلف مطالع الهلل أمر واق عٌ بين البلد البعيدة كاختلف مطالع الشّمس ،لكن هل 14
يع تبر ذلك في بدء صيام الم سلمين وتوق يت عيدي الف طر والض حى و سائر الشّهور فتختلف
بينهم بدءا ونهاي ًة أم ل يعتبر بذلك ،ويتوحّد المسلمون في صومهم وفي عيديهم ؟
ذ هب الجمهور إلى أنّه ل عبرة باختلف المطالع ،وهناك من قال باعتبار ها ،وخا صّ ًة ب ين
القطار البعيدة ،فقهد قال الحنفيّهة فهي هذه الحالة :بأنّهه لكلّ بلدٍ رؤيتههم ،وأوجبوا على
الم صار القري بة اتّباع بعض ها بعضا ،وألزموا أ هل الم صر القر يب في حالة اختلف هم مع
مصرٍ قريبٍ منهم بصيامهم تسعةً وعشرين ،وصيام الخرين ثلثين اعتمادا على الرّؤية أو
إتمام شعبان ثلثين أن يقضوا اليوم الّذي أفطروه لنّه من رمضان حسب ما ثبت عند المصر
الخهر ،والمعت مد الرّا جح ع ند الحنفيّة أنّه ل اعتبار باختلف المطالع فإذا ث بت الهلل فهي
مصرٍ لزم سائر النّاس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب .
وقال المالكيّة بوجوب الصّوم على جميع أقطار المسلمين إذا رئي الهلل في أحدها .
وقيّد بعضهم هذا التّعميم فاستثنى البلد البعيدة كثيرا كالندلس وخراسان .
القرافيه اختلف مطالع الهلل علميّا ،وذكهر سهببا مهن أسهبابه مكتفيا بهه عهن البقيّة
ّ وبيّن
أنه البلد المشرقيّة إذا كان الهلل فيهها فهي الشّعاع وبقيهت
المذكورة فهي علم الهيئة :وههو ّ
الشّمس تتحرّك مع القمر إلى الجهة الغربيّة فما تصل الشّمس إلى أفق المغرب إلّ وقد خرج
الهلل عن الشّعاع فيراه أ هل المغرب ول يراه أ هل المشرق .وا ستنتج من هذا البيان و من
اتّفاق علماء الم سلمين جميع هم على اختلف أوقات ال صّلة ومراعاة ذلك في الميراث بح يث
أفتوا بأنّه إذا مات أخوان ع ند الزّوال أحده ما بالمشرق وال خر بالمغرب ح كم بأ سبقيّة موت
المشرقيّ ،ل نّ زوال المشرق متقدّم على زوال المغرب فيرث المغرب يّ المشرق يّ ،فقرّر بعد
ل قو ٍم رؤيت هم في الهلّة ،ك ما أ نّ
إثبا ته اختلف الهلل باختلف الفاق وجوب أن يكون لك ّ
لكلّ قو مٍ أوقات صلواتهم ،ورأى أ نّ وجوب ال صّوم على جم يع القال يم برؤ ية الهلل بقطرٍ
منها بعيد عن القواعد ،والدلّة لم تقتض ذلك .
ن رؤ ية الهلل ببلدٍ ل يث بت
ن لكلّ بلدٍ رؤيت هم وإ ّ
وع مل الشّافعيّة باختلف المطالع فقالوا :إ ّ
بها حكمه لما بعد عنهم .كما صرّح بذلك النّوويّ .
ن أ مّ الفضل
س لم يعمل برؤية أهل الشّام لحديث كريبٍ أ ّ
واستدلّوا مع من وافقهم بأ نّ ابن عبّا ٍ
بنهت الحارث بعثتهه إلى معاويهة بالشّام ،قال :فقدمهت الشّام فقضيهت حاجتهها واسهتهلّ عليّه
رمضان ،وأ نا بالشّام ،فرأ يت الهلل ليلة الجم عة ث مّ قد مت المدي نة في آ خر الشّ هر ف سألني
س ثمّ ذكر الهلل فقال :متى رأيتم ؟ فقلت :رأيناه ليلة الجمعة .فقال :أنت
عبد اللّه بن عبّا ٍ
رأيته ؟ فقلت :نعم .ورآه النّاس وصاموا ،وصام معاوية فقال :لكنّا رأيناه ليلة ال سّبت فل
نزال نصوم حتّى نكمل ثلثين أو نراه ،فقلت :أول تكتفي برؤ ية معاوية وصيامه ،فقال :
ل .هكذا أمرنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
ن الرّؤية ل يثبت حكمها في ح قّ البعيد .وقال
وقد علّل النّوو يّ هذه الفتوى من ابن عبّا سٍ بأ ّ
الحنابلة بعدم اعتبار اختلف المطالع ،وألزموا جميع البلد بالصّوم إذا رئي الهلل في بلدٍ .
واسهتدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلف المطالع بحديهث رسهول اللّه صهلى ال عليهه وسهلم
» صوموا لرؤي ته وأفطروا لرؤي ته « ،ف قد أو جب هذا الحد يث ال صّوم بمطلق الرّؤ ية لجم يع
س من اجتهاده ،ول يس
الم سلمين دون تقييد ها بمكا نٍ ،واع تبروا ما ورد في حد يث ا بن عبّا ٍ
نقلً عن الرّسول صلى ال عليه وسلم .
أثر الخطأ في رؤية الهلل :
-قد ينتج عن تواصل الغيم أكثر من شهرٍ قبل رمضان أو شوّالٍ أو ذي الحجّة أو عن 15
عدم التّحرّي في رؤية الهلل خطأ في بداية رمضان ،ويترتّب عليه إفطار يومٍ منه ،أو
ل ،ويترتّب عليه إفطار يومٍ من رمضان أو صيام يوم العيد ،أو خطأ في
خطأ في بداية شوّا ٍ
ذي الحجّة ،ويترتّب عليه وقوف بعرفة في غير وقته ،وهذا أخطرها .
وقد استند القائلون بصحّة الوقوف في غير يومه إلى الحديث الصّحيح » :شهران ل
ن الخطأ في الوقفة ل ينقص
ينقصان :شهرا عيدٍ :رمضان وذو الحجّة « .وفهموا منه أ ّ
أجرها ،ومن باب أولى ل يفسدها .
قال الطّيبيّ :ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشّهرين بمزيّ ٍة ليست في غيرهما من
الشّهور ،وليس المراد أنّ ثواب الطّاعة في غيرهما ينقص ،وإنّما المراد رفع الحرج عمّا
عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما .
ومن ثمّ قال » :شهرا عي ٍد « بعد قوله » :شهران ل ينقصان « ولم يقتصر على قوله :
»رمضان وذو الحجّة « .
قال ابن بطّالٍ فيما نقله عنه العينيّ :قالت طائفة من وقف بعرفة بخطأٍ شاملٍ لجميع أهل
الموقف في يومٍ قبل يوم عرفة أو بعده أنّه يجزئ عنه ،وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ
ج أصحابه على جواز ذلك بصيام من التبست
والحسن البصريّ وأبي حنيفة والشّافعيّ ،واحت ّ
عليه الشّهور ،وأنّه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده .
ل ما ورد في رمضان وذي الحجّة من
نكّ
وإلى نفس هذا الرّأي ذهب النّوويّ فقال :إ ّ
الفضائل والحكام حاصل سواء كان رمضان ثلثين أو تسعا وعشرين ،سواء صادف
الوقوف اليوم التّاسع أو غيره بشرط انتفاء التّقصير في ابتغاء الهلل .
ت في غير
وقال ابن حجرٍ :الحديث يطمئن من صام رمضان تسعا وعشرين أو وقف بعرفا ٍ
يومها اجتهادا .
ن حصول النّقص في رمضان واضح ،وفي ذي الحجّة غير واضحٍ لوقوع
ونظرا إلى أ ّ
ج من الغماء والنّقصان مثل ما
المناسك في أوّله فقد بيّن ذلك العينيّ بقوله :قد تكون أيّام الح ّ
يكون في آخر رمضان بأن يغمّى هلل ذي القعدة ويقع فيه الغلط بزيادة يو ٍم أو نقصانه فيقع
عرفة في اليوم الثّامن أو العاشر منه ،فمعناه أنّ أجر الواقفين بعرفة في مثله ل ينقص عمّا
ل غلط فيه .
وعن ابن القاسم أنّهم إن أخطأوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النّحر يجزيهم ،وإن قدّموا
الوقوف يوم التّروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزهم .
تبليغ الرّؤية :
-إذا ثبت الهلل عند الجهة المختصّة الموثوق بها وجب إعلم النّاس للشّروع في الصّوم 16
،أو الفطار وصلة عيد الفطر ،أو صلة عيد الضحى وذبح الضحيّة بالخبر كما قال
القرافيّ :ثلثة أقسامٍ رواية محضة كالحاديث النّبويّة وشهادة محضة كإخبار الشّهود عن
الحقوق على المعيّنين عند الحاكم ومركّب من شهادةٍ وروايةٍ ،وله صور أحدها الخبار عن
ص معيّنٍ بل عامّ على جميع المصر
ص بشخ ٍ
ن الصّوم ل يخت ّ
رؤية هلل رمضان من جهة أ ّ
ن ولعموم الحكم ،ومن جهة
أو أهل الفاق فهو من هذا الوجه رواية لعدم الختصاص بمعيّ ٍ
أنّه حكم يختصّ بهذا العامّ دون ما قبله وما بعده .
ن العلم بها بعد ثبوتها ل خلف
وإذا كانت الرّؤية في حدّ ذاتها تشبه الشّهادة والرّواية ،فإ ّ
في كونه رواية ،لذلك فإنّه يعتمد في نقلها وسائل نقل الخبر ،ويشترط في المخبر بها
شروط الرّاوي المقبول الرّواية المتعارف عليها عند المحدّثين والفقهاء ،وهي :العدالة
والضّبط .
وقت العلم :
-إنّ وقت العلم بالنّسبة لرمضان هو ما قبل فجر اليوم الوّل منه فإن حصل بعد ذلك 17
وجب المساك وعقد نيّة الصّيام وقضاء ذلك اليوم حتّى بالنّسبة لمن بيّت الصّيام على غير
جزمٍ بدخول رمضان .
على خلفٍ وتفصيلٍ ينظر في مصطلح ( :صوم ) .
الدعية المأثورة عند رؤية الهلل :
-وردت عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أدعية عند رؤية الهلل منها ما جاء عن 18
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الهلل قال »:اللّهمّ أهلّه
طلحة بن عبيد اللّه أ ّ
علينا باليمن واليمان والسّلمة والسلم ،ربّي وربّك اللّه « .
ومنها رواية ثانية لهذا المتن عن عبد اللّه بن عمر كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا
رأى الهلل ،قال » :اللّهمّ أهلّه علينا بالمن واليمان ،والسّلمة والسلم والتّوفيق لما
تحبّ وترضى ،ربّنا وربّك اللّه « .
ومنها ما جاء عن عبادة بن الصّامت قال :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا رأى
الهلل قال » :اللّه أكبر ،الحمد للّه ،ل حول ول قوّة إلّ باللّه ،اللّهمّ إنّي أسألك خير هذا
الشّهر ،وأعوذ بك من شرّ القدر ،ومن سوء الحشر « .
ومنها عن قتادة أنّه بلغه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الهلل قال » :هلل
ت ثمّ يقول
خي ٍر ورشدٍ ،هلل خيرٍ ورشدٍ ،هلل خيرٍ ورشدٍ ،آمنت بالّذي خلقك ،ثلث مرّا ٍ
:الحمد للّه الّذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا « .
ي في الذكار ،والحطّاب في مواهب الجليل ،ونقل إثرها
هذه الحاديث نقلها أيضا النّوو ّ
ص فيه على استحباب قراءة سورة الملك عند رؤية الهلل للثرالوارد فيها ،
قولً للدّميريّ ن ّ
ولنّها المنجّية الواقية .
رائحة *
التّعريف :
-الرّائحة والرّيح في اللّغة :النّسيم طيّبا كان أو نتنا .يقال :وجدت رائحة الشّيء وريحه 1
شمّ .
.والرّائحة عرض يدرك بحاسّة ال ّ
ل على الطّيّب ،جاء في الثر »:أنّه صلى ال عليه وسلم أمر
وقيل :ل يطلق اسم الرّيح إ ّ
بالثمد المروّح أي المطيّب عند النّوم « .
الحكم الجماليّ :
ترد كلمة " رائحة " في كتب الفقه في أبوابٍ مختلف ٍة ،وباختلف البواب تختلف أحكامها .
أ -الرّائحة في باب الطّهارة :
سمَاء
ن ال ّ
-الصل في رفع الحدث وإزالة الخبث أن يكون بالماء قال تعالى { :وَأَنزَلنَا مِ َ 2
طهُورا} .
مَاء َ
واشترط جمهور الفقهاء لطهوريّة الماء بقاء أوصافه الصليّة وهي :اللّون والطّعم والرّائحة
.فإن تغيّر أحد أوصافه ،كرائحته ،بشيءٍ خالطه بحيث ل يطلق عليه اسم الماء عرفا ،بل
يضاف إليه قيد لزم ،كماء الورد ونحوه ،فإنّه يسلب عنه الطّهوريّة ،فيصبح الماء طاهرا
غير مطهّرٍ إن كان المخالط المغيّر طاهرا ،فل يرفع حدثا ول يزيل خبثا وإن كان طاهرا
بذاته ،لنّه ليس ما ًء مطلقا .
وقال الحنفيّة :ل يسلب الطّهوريّة عن الماء تغيّر أوصافه إن لم يزل عنه طبع الماء .
وطبع الماء :كونه سيّالً مرطّبا مسكّنا للعطش .
أمّا إذا حصل التّغيّر بمجاورٍ للماء لم يخالطه فإنّه ليسلب الطّهوريّة عنه ،لنّه مجرّد تروّحٍ .
وفي المسألة تفصيل ينظر في ( :مياه ) .
ب -رائحة الطّيب في حقّ المحرم :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه يحظر على المحرم استعمال ما له رائحة طيّبة ويقصد به 3
رائحته كالمسك والعود ونحوهما ،أمّا ما ل تقصد رائحته ،كالتّفّاح والترجّ فل يحرم على
المحرم استعماله ،وإن كانت رائحته طيّبةً .
وانظر ( إحرام ) .
طيّبة والرّائحة الكريهة في المساجد :
ج -الرّائحة ال ّ
-يستحبّ تطييب المساجد ،ويصان المسجد عن الرّائحة الكريهة من ثومٍ أو بصلٍ 4
ونحوهما ،وإن لم يكن فيه أحد ،كما يكره لمن أكل شيئا من ذلك دخول المساجد ويرخّص
له في ترك الجماعة في المسجد ،ومثله من له صنان أو بخر .
وذهب الحنابلة إلى استحباب إخراج من به ذلك إزال ًة للذى ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :
» من أخرج أذىً من المسجد بنى اللّه له بيتا في الجنّة « ،وقال عليه الصلة والسلم :
ل فليعتزلنا -أو قال :فليعتزل مسجدنا « .
من أكل ثوما أو بص ً
وقال » :من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة يعني الثّوم فل يقربنا في المسجد « وفي روايةٍ :
» فل يقرب مصلّنا « .
ويكره عند الحنابلة إخراج الرّيح في المسجد بجامع اليذاء بالرّائحة ،وإن لم يكن فيه أحد ،
ن الملئكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم « .
لخبر » :إ ّ
وصرّح المالكيّة بجواز ذلك إذا احتاج إليه ،لنّ المسجد ينزّه عن النّجاسة العينيّة .
وانظر ( :مساجد ) .
د -التّلف بسبب الرّائحة :
-إذا اتّخذ من داره -بين الدّور المسكونة -معملً له رائحةٌ مؤذيةٌ ،فشمّه أطفال أو 5
الثّوريّ ،وأبو حنيفة ،والشّافعيّ ،وأحمد في إحدى روايتين عنه ،وهي المذهب .
وقالوا :يحتمل أنّه تمضمض بالخمر أو حسبها ما ًء فلمّا صارت في فمه مجّها ،ويحتمل أن
يكون مكرها ،أو شرب شراب التّفّاح فإنّه يكون منه كرائحة الخمر ،وبوجود الحتمال لم
يجب الحدّ ،لنّه يدرأ بالشّبهات .
وقال المالكيّة :يثبت حدّ الشّرب بوجود الرّائحة ،وهي رواية أبي طالبٍ عن أحمد ،وقالوا :
ن الرّائحة تدلّ على شربه للخمر ،
ن ابن مسعو ٍد جلد رجلً وجد منه رائحة الخمر ،ول ّ
إّ
فأجري مجرى القرار .
والتّفصيل في ( :سكر ) .
و -تغيّر رائحة لحم الجلّلة أو لبنها :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره أكل لحم الجلّلة وشرب لبنها إذا تغيّرت رائحتهما 7
بالنّجاسة .
وقال الشّافعيّة بالتّحريم .
وانظر ( :أطعمة ،جلّلة ) .
ز -منع الزّوجة من أكل ما يتأذّى الزّوج من رائحته :
-للزّوج منع زوجته من تناول ما يتأذّى من رائحته كالثّوم ،والبصل ونحوهما .كما له 8
رابغ *
التّعريف :
-رابغ :وادٍ بين الحرمين قرب البحر ،وهو موضع معروف قريب من الجحفة . 1
وأصل هذا المصطلح اللّغويّ :ربغ القوم في النّعيم :أقاموا ...والرّبغ :التّراب ،والرّابغ :
ن له .
من يقيم على أمرٍ ممكّ ٍ
والجحفة ميقات الحرام لهل الشّام وتركيّة ومصر والمغرب ،وتقع قرب السّاحل وسط
ن بعيدٍ وأصبحت ل تكاد تعرف ،
الطّريق بين مكّة والمدينة .وقد اندثرت الجحفة منذ زم ٍ
وأصبح حجّاج هذه البلد يحرمون من رابغٍ احتياطا ،وتقع قبل الجحفة بقليلٍ للقادم من
) كيلو مترا . 220 المدينة وتبعد عن مكّة (
). 40 انظر ( :إحرام :ف
راتب *
التّعريف :
-الرّاتب :لغةً من رتب الشّيء رتوبا إذا ثبت واستقرّ ،فالرّاتب هو الثّابت ،وعيش 1
فيؤذّن غيره ،لما روي عن زياد بن الحارث الصّدائيّ » أنّه أذّن للنّبيّ صلى ال عليه وسلم
حين غاب بلل -رضي ال عنه « » وأذّن رجل حين غاب أبو محذورة « .
ن مؤذّني الرّسول صلى ال عليه وسلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالذان .
ول ّ
وإذا نازع المؤذّن الرّاتب غيره في الذان يقدّم الرّاتب .
ن المؤذّن الرّاتب يعيد الذان إذا أذّن في المسجد من يكره أذانه كالفاسق ،
قال ابن عابدين :إ ّ
والجنب ،والمرأة .
وقال في المجموع شرط المؤذّن الرّاتب أن يكون عالما بالمواقيت إمّا بنفسه أو بواسطة ثقةٍ
آخر .
والتّفاصيل في مصطلح ( :أذان ) .
ج -المام الرّاتب :
-المام الرّاتب -وهو الّذي رتّبه السّلطان ،أو نائبه ،أو الواقف ،أو جماعة من 6
راكب *
انظر :ركوب .
راهب *
التّعريف :
-الرّاهب في اللّغة :اسم الفاعل من رهب يرهب رهبا ورهَبا ورهب ًة إذا خاف . 1
والرّاهب :المنقطع للعبادة من النّصارى .ويجمع على رهبانٍ ،كراكبٍ وركبانٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القسّيس :
-القسّيس بالكسر :عالم النّصارى ،وجمعه قسّيسون ،وقساوسة . 2
قال القرطبيّ :والقسّ بالفتح أيضا رئيس من رؤساء النّصارى في الدّين والعلم .
فالرّاهب :عابد النّصارى ،والقسّيس :عالمهم .
ب -الحبار :
-الحبار جمع الحبر بالكسر ،وهو العالم .والحبر بالفتح لغة فيه ،وهو من التّحبير ، 3
وهو التّحسين ،سمّي العالم حبرا لنّه يحبّر العلم ،أي :يبيّنه ويزيّنه .
وقال الجوهريّ :الحِبر والحَبر واحد أحبار اليهود .
حبَارَ ُهمْ َورُهْبَا َن ُهمْ َأ ْربَابا مّن دُونِ اللّهِ } .
خذُو ْا َأ ْ
ومنه قوله تعالى { :ا ّت َ
الحكام الّتي تتعلّق بالرّاهب :
أ -قتل الرّاهب في الجهاد :
-إذا اشترك الرّهبان في قتال المسلمين فل خلف بين الفقهاء في جواز قتلهم حين الظّفر 4
بهم كسائر المقاتلين ،وكذلك إذا خالطوا النّاس ،أو كانوا يمدّون المقاتلين برأيهم
ويحرّضونهم على القتال .
أمّا إذا لم يشتركوا في القتال ولم يخالطوا النّاس بل كانوا منعزلين في صوامعهم بل رأيٍ ،
فذهب الجمهور " الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة وهو رواية عند الشّافعيّة " إلى أنّهم ل يقتلون
،لعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المسلمين .
صدّيق رضي ال عنه أنّه قال :وستمرّون على أقوامٍ في
ولما روي في حديث أبي بكرٍ ال ّ
الصّوامع قد حبسوا أنفسهم فيها فدعوهم حتّى يميتهم اللّه على ضللهم .
ولنّهم ل يقاتلون تديّنا فأشبهوا من ل يقدر على القتال .
شرِكِينَ } ،ولنّهم
والظهر عند الشّافعيّة جواز قتلهم ،لعموم قوله تعالى { :فَاقْتُلُو ْا ا ْل ُم ْ
أحرار مكلّفون فجاز قتلهم كغيرهم .
ر ( :جهاد ) .
ب -وضع الجزية على الرّهبان :
-وضع الجزية على الرّهبان محلّ خلفٍ وتفصيلٍ يرجع إليه في ( :جزية ) . 5
ربا *
التّعريف :
-الرّبا في اللّغة :اسم مقصور على الشهر ،وهو من ربا يربو ربوا ،و ُربُوّا ورِباءً . 1
وألف الرّبا بدل عن واوٍ ،وينسب إليه فيقال :ربويّ ،ويثنّى بالواو على الصل فيقال :
ربوان ،وقد يقال :ربيان -بالياء -للمالة السّائغة فيه من أجل الكسرة .
والصل في معناه الزّيادة ،يقال :ربا الشّيء إذا زاد ،ومن ذلك قول اللّه تبارك وتعالى :
صدَقَاتِ } .
حقُ اللّ ُه ا ْل ّربَا َو ُي ْربِي ال ّ
{ َي ْم َ
وأربى الرّجل :عامل بالرّبا أو دخل فيه ،ومنه الحديث » :من أجبى فقد أربى «
والجباء :بيع الزّرع قبل أن يبدو صلحه .
ويقال :الرّبا والرّما والرّماء ،وروي عن عمر رضي ال عنه قوله :إنّي أخاف عليكم
الرّما ،يعني الرّبا .
ضمّ والتّخفيف -اسم من الرّبا ،والرّبية :الرّباء ،وفي الحديث عن النّبيّ
والرّبية -بال ّ
صلى ال عليه وسلم في صلح أهل نجران » :أن ليس عليهم ر ّبيّة ول دم « .
قال أبو عبيدٍ :هكذا روي بتشديد الباء والياء ،وقال الفرّاء :أراد بها الرّبا الّذي كان عليهم
في الجاهليّة ،والدّماء الّتي كانوا يطلبون بها ،والمعنى أنّه أسقط عنهم كلّ ربا كان عليهم إلّ
رءوس الموال فإنّهم يردّونها .
ض بمعيارٍ شرعيّ
والرّبا في اصطلح الفقهاء :عرّفه الحنفيّة بأنّه :فضل خالٍ عن عو ٍ
مشروطٍ لحد المتعاقدين في المعاوضة .
ص غير معلوم التّماثل في معيار الشّرع حالة
وعرّفه الشّافعيّة بأنّه :عقد على عوضٍ مخصو ٍ
العقد أو مع تأخيرٍ في البدلين أو أحدهما .
وعرّفه الحنابلة بأنّه :تفاضل في أشياء ،ونسأ في أشياء ،مختصّ بأشياء ورد الشّرع
بتحريمها -أي تحريم الرّبا فيها -نصّا في البعض ،وقياسا في الباقي منها .
وعرّف المالكيّة كلّ نوعٍ من أنواع الرّبا على حدةٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البيع :
-البيع لغةً :مصدر باع ،والصل فيه أنّه مبادلة مالٍ بمالٍ ،وأطلق على العقد مجازا 2
النّخلة الّتي أكل ما عليها ،والجمع عرايا ،ويقال :استعرى النّاس أي :أكلوا الرّطب .
وعرّف الشّافعيّة بيع العرايا بأنّه :بيع الرّطب على النّخل بتمرٍ في الرض ،أو العنب في
الشّجر بزبيبٍ ،فيما دون خمسة أوسقٍ بتقدير الجفاف بمثله .
ويذهب آخرون في تعريف بيع العرايا وحكمه مذاهب يرجع في تفصيلها إلى مصطلح :
. 91/ 9 (تعرية ،وبيع العرايا ) من الموسوعة
وبيع العرايا من المزابنة ،وفيه ما في المزابنة من الرّبا أو شبهته ،لكنّه أجيز بالنّصّ ،ومنه
ما روي عن سهل بن أبي حثمة قال » :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن بيع التّمر
بالتّمر ،ورخّص في العريّة أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا « ،وفي لفظٍ » :عن بيع
الثّمر بالتّمر « وقال :ذلك الرّبا تلك المزابنة ،إلّ أنّه رخّص في بيع العريّة :النّخلة
والنّخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا .
الحكم التّكليفيّ :
سنّة والجماع ،وهو من الكبائر ،ومن السّبع الموبقات ،ولم
-الرّبا محرّم بالكتاب وال ّ 4
يؤذن اللّه تعالى في كتابه عاصيا بالحرب سوى آكل الرّبا ،ومن استحلّه فقد كفر -لنكاره
معلوما من الدّين بالضّرورة -فيستتاب ،فإن تاب وإلّ قتل ،أمّا من تعامل بالرّبا من غير
ل له فهو فاسق .
أن يكون مستح ً
خذِ ِهمُ ال ّربَا َو َقدْ ُنهُواْ
ن الرّبا لم يحلّ في شريع ٍة قطّ لقوله تعالى { :وََأ ْ
قال الماورديّ وغيره :إ ّ
عنْ ُه } يعني في الكتب السّابقة .
َ
ل اللّ ُه ا ْل َبيْعَ َوحَ ّرمَ ال ّربَا } .
ودليل التّحريم من الكتاب قول اللّه تبارك وتعالى { :وََأحَ ّ
ش ْيطَانُ ِمنَ
خّبطُهُ ال ّ
ن ِإلّ َكمَا يَقُومُ اّلذِي َي َت َ
ن ال ّربَا لَ يَقُومُو َ
ن َي ْأكُلُو َ
ل { :اّلذِي َ
وقوله عزّ وج ّ
ا ْلمَسّ } .
-5قال السّرخسيّ :ذكر اللّه تعالى لكل الرّبا خمسا من العقوبات :
خبّطُهُ
ن ِإلّ َكمَا يَقُومُ اّلذِي َي َت َ
ل يَقُومُو َ
إحداها :التّخبّط ..قال اللّه تعالى { :اّلذِينَ َي ْأكُلُونَ ال ّربَا َ
س}.
ن مِنَ ا ْلمَ ّ
شيْطَا ُ
ال ّ
حقُ اللّ ُه ا ْل ّربَا } والمراد الهلك والستئصال ،وقيل :
الثّانية :المحق ..قال تعالى َ { :ي ْم َ
ذهاب البركة والستمتاع حتّى ل ينتفع به ،ول ولده بعده .
ن اللّهِ َو َرسُولِه } .
ب مّ َ
الثّالثة :الحرب ..قال اللّه تعالى َ { :فأْ َذنُو ْا ِبحَرْ ٍ
ن } وقال سبحانه
الرّابعة :الكفر ..قال اللّه تعالى َ { :و َذرُو ْا مَا بَ ِقيَ ِمنَ ال ّربَا إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِي َ
ل كَفّارٍ َأثِيمٍ } أي :كفّارٍ باستحلل الرّبا ،أثيمٍ فاجرٍ بأكل
ل ُيحِبّ كُ ّ
بعد ذكر الرّبا { :وَالّلهُ َ
الرّبا .
صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا
الخامسة :الخلود في النّار .قال تعالى َ { :و َمنْ عَادَ َفأُوْلَهئِكَ َأ ْ
ضعَافا ّمضَاعَفَةً
ن } .وكذلك – قول اللّه تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُو ْا لَ َت ْأكُلُو ْا ال ّربَا َأ ْ
خَاِلدُو َ
عفَة} ليس لتقييد النّهي به ،بل
ضعَافا ّمضَا َ
وَاتّقُواْ الّلهَ َلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ } ،قوله سبحانه َ { :أ ْ
لمراعاة ما كانوا عليه من العادة توبيخا لهم بذلك ،إذ كان الرّجل يربي إلى أجلٍ ،فإذا حلّ
ل أجلٍ
الجل قال للمدين :زدني في المال حتّى أزيدك في الجل ،فيفعل ،وهكذا عند محلّ ك ّ
،فيستغرق بالشّيء الطّفيف ماله بالكّليّة ،فنهوا عن ذلك ونزلت الية .
سنّة أحاديث كثيرة منها :
-6ودليل التّحريم من ال ّ
ما ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :اجتنبوا السّبع
الموبقات قالوا :يا رسول اللّه وما هنّ ؟ قال :الشّرك باللّه ،والسّحر ،وقتل النّفس الّتي
ل بالحقّ ،وأكل الرّبا ،وأكل مال اليتيم ،والتّولّي يوم الزّحف ،وقذف
حرّم اللّه إ ّ
المحصنات الغافلت المؤمنات « .
وما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي ال تعالى عنهما قال » :لعن رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهديه ،وقال :هم سواء « .
وأجمعهت المّة على أصهل تحريهم الرّبها .وإن اختلفوا فهي تفصهيل مسهائله وتهبيين أحكامهه
وتفسير شرائطه .
-7هذا ،وي جب على من يقرض أو يقترض أو يبيع أو يشتري أن يبدأ بتعلّم أحكام هذه
المعاملت ق بل أن يباشر ها ،حتّى تكون صحيحةً وبعيد ًة عن الحرام والشّبهات ،و ما ل يت مّ
الوا جب إلّ به ف هو وا جب ،وتر كه إ ثم وخطيئة ،و هو إن لم يتعلّم هذه الحكام قد ي قع في
الرّبا دون أن يقصد الرباء ،بل قد يخوض في الرّبا وهو يجهل أنّه تردّى في الحرام وسقط
في النّار ،وجهله ل يعفيه من الثم ول ينجّيه من النّار ،لنّ الجهل والقصد ليسا من شروط
ترتّب الجزاء على الرّبها ،فالرّبها بمجرّد فعله -من المكلّف -موجهب للعذاب العظيهم الّذي
ل جلله به المراب ين ،يقول القر طبيّ :لو لم ي كن الرّ با إلّ على من ق صده ما
توعّد اللّه ج ّ
ل على الفقهاء .
حرّم إ ّ
وقد أثر عن ال سّلف أنّهم كانوا يحذّرون من التّجار قبل تعلّم ما يصون المعاملت التّجاريّة
ل من فقه ،
من التّخبّط في الرّبا ،ومن ذلك قول عمر رضي ال عنه :ل يتّجر في سوقنا إ ّ
ل أكل الرّبا ،وقول عليّ رضي ال عنه :من اتّجر قبل أن يتفقّه ارتطم في الرّبا ثمّ ارتطم
وإ ّ
ثمّ ارتطم ،أي :وقع وارتبك ونشب .
ن ما أف ضى إلى الحرام حرام ،
و قد حرص الشّارع على سدّ الذّرائع المفض ية إلى الرّ با ،ل ّ
ل ذريع ٍة إلى الحرام ههي حرام ،روى أبهو داود بسهنده عهن جابرٍ رضهي ال عنهه قال :
وك ّ
ن ا ْلمَ سّ}
ن مِ َ
ش ْيطَا ُ
خبّطُ هُ ال ّ
ل َكمَا َيقُو مُ اّلذِي َي َت َ
ن َي ْأكُلُو نَ ال ّربَا لَ يَقُومُو نَ ِإ ّ
لمّا نزلت { :اّلذِي َ
ب من اللّه ورسوله
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من لم يذر المخابرة فليؤذن بحر ٍ
«.
قال ابهن كثيرٍ :وإنّمها حرّمهت المخابرة وههي المزارعهة ببعهض مها يخرج مهن الرض ،
والمزابنة وهي اشتراء الرّطب في رءوس النّخل بالتّمر على وجه الرض ،والمحاقلة وهي
ب في سنبله في الح قل بالح بّ على و جه الرض ،إنّ ما حرّ مت هذه الشياء و ما
اشتراء الح ّ
شاكلها حسما لمادّة الرّبا ،لنّه ل يعلم التّساوي بين الشّيئين قبل الجفاف ،ولهذا قال الفقهاء :
الجههل بالمماثلة كحقيقهة المفاضلة ،ومهن هذا حرّموا أشياء بمها فهموا مهن تضييهق المسهالك
المفض ية إلى الرّ با والو سائل المو صّلة إل يه ،وتفاوت نظر هم بح سب ما و هب اللّه لكلّ من هم
من العلم .
-8وباب الرّبا من أشكل البواب على كثيرٍ من أهل العلم ،وقد قال عمر رضي ال عنه :
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عهد إلينا فيهنّ عهدا ننتهي إليه :الجدّ
ثلث وددت أ ّ
والكللة وأبواب من الرّبا ،يعني -كما قال ابن كثي ٍر -بذلك بعض المسائل الّتي فيها شائبة
ن عمر رضي ال عنه قال
الرّبا ،وعن قتادة عن سعيد بن المسيّب رحمة اللّه تعالى عليهما أ ّ
:من آخر ما نزل آية الرّبا ،وإنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قبض قبل أن يفسّرها لنا ،
فدعوا الرّبا والرّيبة ،وعنه رضي ال عنه قال :ثلث لن يكون رسول اللّه صلى ال عليه
ب إليّ من الدّنيا وما فيها :الكللة ،والرّبا ،والخلفة .
وسلم بيّنهنّ أح ّ
حكمة تحريم الرّبا :
-أورد المفسّرون لتحريم الرّبا حكما تشريعيّةً : 9
ن الرّبا يقتضي أخذ مال النسان من غير عوضٍ ،لنّ من يبيع الدّرهم بالدّرهمين
منها :أ ّ
ض ،ومال المسلم متعلّق حاجته ،وله
نقدا أو نسيئةً تحصل له زيادة درهمٍ من غير عو ٍ
حرمة عظيمة ،قال صلى ال عليه وسلم » :حرمة مال المسلم كحرمة دمه « وإبقاء المال
في يده مدّ ًة مديد ًة وتمكينه من أن يتّجر فيه وينتفع به أمر موهوم ،فقد يحصل وقد ل يحصل
،وأخذ الدّرهم الزّائد متيقّن ،وتفويت المتيقّن لجل الموهوم ل يخلو من ضررٍ .
ن صاحب الدّرهم إذا تمكّن بواسطة
ن الرّبا يمنع النّاس من الشتغال بالمكاسب ،ل ّ
ومنها :أ ّ
عقد الرّبا من تحصيل الدّرهم الزّائد نقدا كان أو نسيئ ًة خفّ عليه اكتساب وجه المعيشة ،فل
يكاد يتحمّل مشقّة الكسب والتّجارة والصّناعات الشّاقّة ،وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق
الّتي ل تنتظم إلّ بالتّجارات والحرف والصّناعات والعمارات .
ن الرّبا إذا حرّم
ن الرّبا يفضي إلى انقطاع المعروف بين النّاس من القرض ،ل ّ
ومنها :أ ّ
طابت النّفوس بقرض الدّرهم واسترجاع مثله ،ولو حلّ الرّبا لكانت حاجة المحتاج تحمله
على أخذ الدّرهم بدرهمين ،فيفضي إلى انقطاع المواساة والمعروف والحسان .
ومن ذلك ما قال ابن القيّم .. :فربا النّسيئة ،وهو الّذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة ،مثل أن
يؤخّر دينه ويزيده في المال ،وكلّما أخّره زاد في المال ،حتّى تصير المائة عنده آلفا مؤلّفةً
ن المستحقّ يؤخّر مطالبته ويصبر
ل معدم محتاج ،فإذا رأى أ ّ
،وفي الغالب ل يفعل ذلك إ ّ
ت إلى
عليه بزياد ٍة يبذلها له تكلّف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس ،ويدافع من وق ٍ
وقتٍ ،فيشت ّد ضرره ،وتعظم مصيبته ،ويعلوه الدّين حتّى يستغرق جميع موجوده ،فيربو
المال على المحتاج من غير نف ٍع يحصل له ،ويزيد مال المرابي من غير نفعٍ يحصل منه
لخيه ،فيأكل مال أخيه بالباطل ،ويحصل أخوه على غاية الضّرر ،فمن رحمة أرحم
الرّاحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرّم الرّبا . ..
ستّة الّتي حرّم فيها الرّبا بما رواه أبو سعيدٍ الخدريّ رضي ال عنه
-وأمّا الصناف ال ّ 10
عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والبرّ
بالبرّ ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر بالتّمر ،والملح بالملح ،مثلً بمثلٍ ،يدا بيدٍ ،فمن زاد أو
استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطي فيه سواء « .
-أمّا هذه الصناف فقد أجمل ابن القيّم حكمة تحريم الرّبا فيها حيث قال :وس ّر المسألة 11
أو الموزونين عند اختلف الجنس ،أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتّحاد الجنس .
ن ربا البيع ثلثة أنواعٍ :
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
-ربا الفضل ..وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الخر في متّحد الجنس . 1
-ربا اليد ..وهو البيع مع تأخير قبض العوضين أو قبض أحدهما من غير ذكر أجلٍ . 2
-ربا النّساء ..وهو البيع بشرط أجلٍ ولو قصيرا في أحد العوضين . 3
وزاد المتولّي من الشّافعيّة ر با القرض المشروط ف يه جرّ نف ٍع ،قال الزّركش يّ :ويم كن ردّه
إلى ر با الف ضل ،وقال الرّمل يّ :إنّه من ر با الف ضل ،وعلّل الشّبراملّ سي ذلك بقوله :إنّ ما
جعل ربا القرض من ربا الفضل مع أنّه ليس من هذا الباب -يعني البيع -لنّه لمّا شرط
نفعا للمقرض كان بمنزلة أنّه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه فهو منه حكما .
ربا النّسيئة :
-وهو الزّيادة في الدّين نظير الجل أو الزّيادة فيه وسمّي هذا النّوع من الرّبا ربا النّسيئة 13
من أنسأته الدّين :أخّرته -لنّ الزّيادة فيه مقابل الجل أيّا كان سبب الدّين بيعا كان أو
قرضا .
ن آ َمنُو ْا لَ
وسمّي ربا القرآن ،لنّه حرّم بالقرآن الكريم في قول اللّه تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ
سنّة النّبويّة تحريمه في خطبة الوداع وفي
ضعَافا ّمضَاعَ َفةً } .ثمّ أكّدت ال ّ
َت ْأكُلُواْ ال ّربَا َأ ْ
أحاديث أخرى .ثمّ انعقد إجماع المسلمين على تحريمه .
وسمّي ربا الجاهليّة ،لنّ تعامل أهل الجاهليّة بالرّبا لم يكن إلّ به كما قال الجصّاص .
ل بزيادةٍ على
والرّبا الّذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنّما كان قرض الدّراهم والدّنانير إلى أج ٍ
مقدار ما استقرض على ما يتراضون به .
وسمّي أيضا الرّبا الجليّ ،قال ابن القيّم :الجليّ :ربا النّسيئة ،وهو الّذي كانوا يفعلونه في
الجاهليّة ،مثل أن يؤخّر دينه ويزيده في المال ،وكلّما أخّره زاده في المال حتّى تصير
المائة عنده آلفا مؤلّف ًة .
-وربا الفضل يكون بالتّفاضل في الجنس الواحد من أموال الرّبا إذا بيع بعضه ببعضٍ ، 14
وأمّا إذا انفرد نقدا فإنّه كان فيه خلف قديم :صحّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد اللّه بن
مسعودٍ رضي ال عنهم إباحته ،وكذلك عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما مع رجوعه
عنه ،وروي عن عبد اللّه بن الزّبير وأسامة بن زيدٍ رضي ال عنهم ،وفيه عن معاوية
رضي ال عنه شيء محتمل ،وزيد بن أرقم والبراء بن عازبٍ رضي ال عنهما من
الصّحابة ،وأمّا التّابعون :فصحّ ذلك أيضا عن عطاء بن أبي رباحٍ وفقهاء الم ّكيّين ،وروي
عن سعيدٍ وعروة .
انقراض الخلف في ربا الفضل ودعوى الجماع على تحريمه :
-نقل النّوويّ عن ابن المنذر أنّه قال :أجمع علماء المصار :مالك بن أنسٍ ومن تبعه 17
من أهل المدينة ،وسفيان الثّوريّ ومن وافقه من أهل العراق ،والوزاعيّ ومن قال بقوله
من أهل الشّام ،واللّيث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر ،والشّافعيّ وأصحابه ،وأحمد
ب بذهبٍ ،ول فضّةٍ بفضّةٍ ،
وإسحاق وأبو ثورٍ وأبو حنيفة وأبو يوسف أنّه ل يجوز بيع ذه ٍ
ح ،متفاضلً يدا بيدٍ ،ول نسيئةً
ول برّ ببرّ ،ول شعيرٍ بشعيرٍ ،ول تمرٍ بتمرٍ ،ول ملحٍ بمل ٍ
،وأنّ من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ ،قال :وقد روينا هذا القول عن جماعةٍ من
أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وجماعةٍ يكثر عددهم من التّابعين .وناقش السّبكيّ
دعوى الجماع من عدّة وجوهٍ ،وانتهى إلى القول :فعلى هذا امتنع دعوى الجماع في
تحريم ربا الفضل بوج ٍه من الوجوه ،لكنّا بحمد اللّه تعالى مستغنون عن الجماع في ذلك
بالنّصوص الصّحيحة المتضافرة ،وإنّما يحتاج إلى الجماع في مسأل ٍة خفيّ ٍة سندها قياس أو
استنباط دقيق .
الحاديث الدّالّة على تحريم ربا الفضل :
-روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم ربا الفضل : 18
منها :ما روى عثمان بن عفّان أنّ رسول اللّه قال » :ل تبيعوا الدّينار بالدّينارين ول
الدّرهم بالدّرهمين « .
وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
»الدّينار بالدّينار والدّرهم بالدّرهم ،ل فضل بينهما ،فمن كانت له حاجة بورقٍ ،فليصرفها
ب فليصرفها بورقٍ ،والصّرف هاء وهاء « .
بذهبٍ ،ومن كانت له حاجة بذه ٍ
وما روى عبادة بن الصّامت رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
»الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والبرّ بالبرّ ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر بالتّمر ،
ل بمثلٍ ،سواءً بسواءٍ ،يدًا بيدٍ ،فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف
والملح بالملح ،مث ً
شئتم إذا كان يدا بيدٍ « .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :إنّما الرّبا في
وأمّا الحديث الّذي رواه أسامة بن زيدٍ أ ّ
ن الرّبا الكامل إنّما هو في
النّسيئة « فقد قال ابن القيّم :مثل هذا يراد به حصر الكمال وأ ّ
ت قُلُو ُب ُهمْ وَِإذَا تُِليَتْ
ن اّلذِينَ ِإذَا ُذكِ َر اللّهُ َوجِلَ ْ
النّسيئة ،كما قال اللّه تعالى ِ { :إ ّنمَا ا ْل ُم ْؤ ِمنُو َ
ن } وكقول ابن مسعودٍ :إنّما العالم الّذي يخشى
عََل ْي ِهمْ آيَاتُ ُه زَادَ ْت ُهمْ إِيمَانا َوعَلَى َر ّبهِمْ َي َت َوكّلُو َ
اللّه ،ومثله عند ابن حجرٍ ،قال :قيل المعنى في قوله :ل ربا إلّ في النّسيئة :الرّبا الغلظ
الشّديد التّحريم المتوعّد عليه بالعقاب الشّديد ،كما تقول العرب :ل عالم في البلد إلّ زيد مع
ن فيها علماء غيره ،وإنّما القصد نفي الكمل ل نفي الصل .
أّ
وقال الشّوكانيّ :يمكن الجمع بأنّ مفهوم حديث أسامة عامّ ،لنّه يدلّ على نفي ربا الفضل
ل شيءٍ سواء أكان من الجناس الرّبويّة أم ل ،فهو أع ّم منها مطلقا ،فيخصّص هذا
عن ك ّ
المفهوم بمنطوقها .
الجناس الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها :
ص على تحريم الرّبا فيها ستّة وهي :الذّهب والفضّة والبرّ والشّعير
-الجناس الّتي ن ّ 19
رضي ال عنه ،وفي غيره من الحاديث ،هل يحرم الرّبا فيها كما يحرم في هذه الجناس
ستّة أم ل يحرم ؟ .
ال ّ
ستّة ،بل يتعدّى إلى ما
ن تحريم الرّبا ل يقتصر على الجناس ال ّ
فذهب عامّة أهل العلم إلى أ ّ
في معنا ها ،و هو ما وجدت ف يه العلّة الّ تي هي سبب التّحر يم في الجناس المذكورة في
ل مها وجدت فيهه العلّة الّتهي ههي سهبب
الحديهث ،لنّه ثبوت الرّبها فيهها بعلّ ٍة ،فيثبهت فهي ك ّ
ل موض عٍ وجدت علّته
ن القياس دليل شرع يّ ،فتستخرج علّة الحكم ويثبت في ك ّ
التّحريم ،ل ّ
فيه .
واستدلّوا بأنّ مالك بن أنسٍ وإسحاق بن إبراهيم الحنظليّ رويا حديث تحريم الرّبا في العيان
ستّة و في آخره » وكذلك كلّ ما يكال ويوزن « ف هو تن صيص على تعد ية الح كم إلى سائر
ال ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :
الموال ،وفي حديث عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أ ّ
» ل تبيعوا الدّرهم بالدّرهمين ول ال صّاع بال صّاعين فإنّي أخشى عليكم الرّما « أي الرّبا ،
ولم يرد به عين الصّاع وإنّما أراد به ما يدخل تحت الصّاع ،كما يقال خذ هذا الصّاع أي ما
ن صاعا أي من الطّعام .
فيه ،ووهبت لفل ٍ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بعث أخا
وفي حديث أبي هريرة وأبي سعي ٍد الخدر يّ »أ ّ
ب ني عديّ الن صاريّ فا ستعمله على خيبر ،فقدم بتمرٍ جني بٍ ،فقال له ر سول اللّه صلى ال
ل ت مر خ يبر هكذا ؟ قال :ل ،واللّه ،يا ر سول اللّه ،إنّا لنشتري ال صّاع
عل يه و سلم :أك ّ
بال صّاعين من الجمع .فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ل تفعلوا ،ولكن مثلً بمثلٍ ،
أو بيعوا هذا واشتروا بثمنهه مهن هذا ،وكذلك الميزان } .يعنهي مها يوزن بالميزان ،فتهبيّن
ستّة إلى غيرها .وكذلك فإنّه ليس في
بهذه الثار قيام الدّليل على تعدية الحكم من الشياء ال ّ
ستّة .
ن مال الرّبا ستّة أشياء ،ولكن ذكر حكم الرّبا في الشياء ال ّ
الحديث أ ّ
ن عامّة المعاملت يومئذٍ كانت بها
ستّة بالذّكر في الحديث أ ّ
وفائدة تخصيص هذه الجناس ال ّ
على ما جاء في الحديث » :كنّا في المدينة نبيع الوساق ونبتاعها « والمراد به ما يدخل
تحت الوسق ممّا تكثر الحاجة إليه وهي الجناس المذكورة .
س ومسروقٍ والشّعبيّ وقتادة وعثمان البتّ يّ ونفّاة القياس أنّهم قصروا التّحريم
وحكي عن طاو ٍ
ن التّحريم ل يجري في غيرها بل
على الجناس المنصوص على تحريم الرّبا فيها ،وقالوا إ ّ
إنّه على أصل الباحة ،وممّا احتجّوا به :
ص من المكيلت والمطعومات والقوات أربعة أشياء ،فلو كان الحكم ثابتا في
أ نّ الشّارع خ ّ
كلّ المكيلت أو في كلّ المطعومات لقال :ل تبيعوا المك يل بالمك يل متفاضلً أو :ل تبيعوا
المطعوم بالمطعوم متفاضلً ،فإنّه هذا الكلم يكون أشدّ اختصهارا وأكثهر فائد ًة ،فلمّا لم ي قل
ل النّ صّ إلى
ن ح كم الحر مة مق صور علي ها .وأ نّ التّعد ية من مح ّ
ذلك وعدّ الرب عة علم نا أ ّ
غير محلّ الّن صّ ل تمكن إلّ بواسطة تعليل الحكم في مورد النّ صّ وهو عند نفاة القياس غير
جائزٍ .
علّة تحريم الرّبا في الجناس المنصوص عليها :
-اتّفق عامّة الفقهاء على أنّ تحريم الرّبا في الجناس المنصوص عليها إنّما هو لعّلةٍ، 21
وأنّ الحكم بالتّحريم يتعدّى إلى ما تثبت فيه هذه العلّة ،وأنّ علّة الذّهب والفضّة واحدة ،
وعلّة الجناس الربعة الخرى واحدة ..ثمّ اختلفوا في تلك العلّة .
-فقال الحنفيّة :العلّة :الجنس والقدر ،وقد عرف الجنس بقوله صلى ال عليه وسلم » : 22
الثّمنيّة ،وإنّما كانت علّة الرّبا في النّقود ما ذكر ،لنّه لو لم يمنع الرّبا فيها لدّى ذلك إلى
قلّتها فيتضرّر النّاس .
وعلّة ربا الفضل في الطّعام القتيات والدّخار ،وهو المشهور وقول الكثر والمعوّل عليه ،
والقتيات معناه قيام بنية الدميّ به -أي حفظها وصيانتها -بحيث ل تفسد بالقتصار
عليه ،وفي معنى القتيات إصلح القوت كملحٍ وتوابل ،ومعنى الدّخار عدم فساده بالتّأخير
إلى الجل المبتغى منه عاد ًة ،ول حدّ له على ظاهر المذهب بل هو في كلّ شيءٍ بحسبه ،
فالمرجع فيه للعرف ،ول بدّ من أن يكون الدّخار معتادا ،ول عبرة بالدّخار ل على وجه
العادة .
وإنّما كان القتيات والدّخار علّة حرمة الرّبا في الطّعام لخزن النّاس له حرصا على طلب
وفور الرّبح فيه لشدّة الحاجة إليه .
خ وقثّاءٍ
وعلّة ربا النّساء مجرّد الطّعم على وجه التّداوي ،فتدخل الفاكهة والخضر كبطّي ٍ
ونحو ذلك .
-وذهب الشّافعيّة إلى أنّ العلّة في تحريم الرّبا في الذّهب والفضّة كونهما جنس الثمان 24
غالبا -كما نقل الماورديّ عن الشّافعيّ -ويعبّر عنها بجنسيّة الثمان غالبا أو بجوهريّة
الثمان غالبا ،وهذه علّة قاصرة على الذّهب والفضّة ل تتعدّاهما إذ ل توجد في غيرهما ،
فتحريم الرّبا فيهما ليس لمعنى يتعدّاهما إلى غيرهما من الموال ،لنّه لو كان لمعنىً
ن كلّ شيئين جمعتهما
يتعدّاهما إلى غيرهما لم يجز إسلمهما فيما سواهما من الموال ،ل ّ
علّة واحدة في الرّبا ل يجوز إسلم أحدهما في الخر كالذّهب والفضّة والحنطة والشّعير ،
ل على أنّ
فلمّا جاز إسلم الذّهب والفضّة في الموزونات والمكيلت وغيرهما من الموال د ّ
العلّة فيهما لمعنىً ل يتعدّاهما وهو أنّهما من جنس الثمان .
وذكر لفظ " غالبا " في بيان علّة تحريم الرّبا في الذّهب والفضّة للحتراز من الفلوس إذا
راجت رواج النّقود ،فإنّها وإن كانت ثمنا في بعض البلد فليست من جنس الثمان غالبا ،
ويدخل فيما يجري فيه الرّبا الواني والتّبر ونحوهما من الذّهب والفضّة .
قال الماورديّ :ومن أصحابنا من يقول :العلّة كونهما قيم المتلفات ،ومن أصحابنا من
جمعهما ،قال :وكلّه قريب .
ن العلّة كونهما قيم الشياء ،وأنكره القاضي أبو
وقال النّوويّ :جزم الشّيرازيّ في التّنبيه أ ّ
ن الواني والتّبر والحليّ يجري فيها الرّبا ،وليست ممّا يقوم
طيّب وغيره على من قاله ،ل ّ
ال ّ
ن تحريم الرّبا فيهما بعينهما ل لعّلةٍ ،حكاه المتولّي وغيره .
بها ،ولنا وجه ضعيف غريب أ ّ
وما سوى الذّهب والفضّة من الموزونات كالحديد والنّحاس والرّصاص والقطن والكتّان
ض متفاضلً ومؤجّلً .
والصّوف والغزل وغيرها ..ل ربا فيها ،فيجوز بيع بعضها ببع ٍ
والعلّة في تحريم الرّبا في الجناس الربعة وهي البرّ والشّعير والتّمر والملح أنّها مطعومة ،
وهذا قول الشّافعيّ في الجديد ،والدّليل ما روى معمر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلى ال عليه
وسلم قال » :الطّعام بالطّعام مثلً بمثلٍ « فقد علّق الحكم بالطّعام الّذي هو بمعنى المطعوم ،
والمعلّق بالمشتقّ معلّل بما منه الشتقاق كالقطع والجلد المعلّقين بالسّارق والزّاني .ولنّ
الحبّ ما دام مطعوما يحرم فيه الرّبا ،فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه
ب وصار مطعوما حرّم فيه الرّبا ،فدلّ على أنّ العلّة فيه كونه مطعوما،
الرّبا ،فإذا انعقد الح ّ
فعلى هذا يحرم الرّبا في كلّ ما يطعم .
ن العلّة في تحريم الرّبا في الجناس الربعة أنّها مطعومة مكيلة أو
وقول الشّافعيّ في القديم أ ّ
مطعومة موزونة ،وعليه فل يحرم الرّبا إلّ في مطعومٍ يكال أو يوزن .
والجديد هو الظهر ،وتفريع الشّافعيّ والصحاب عليه ،قالوا :المراد بالمطعوم ما قصد
ل نادرا ،والطّعم يكون
لطعم الدميّ غالبا ،بأن يكون أظهر مقاصده الطّعم وإن لم يؤكل إ ّ
ص فيه على البرّ
ستّة ،فإنّه ن ّ
اقتياتا أو تفكّها أو تداويا ،والثّلثة تؤخذ من حديث الجناس ال ّ
ص فيه
والشّعير والمقصود منهما التّقوّت ،فألحق بهما ما في معناهما كالرز والذّرة ،ون ّ
ص فيه
على التّمر والمقصود منه التّفكّه والتّأدّم ،فألحق به ما في معناه كالتّين والزّبيب ،ون ّ
على الملح والمقصود منه الصلح ،فألحق به ما في معناه كالمصطكى والسّقمونيا
والزّنجبيل ،ول فرق بين ما يصلح الغذاء وما يصلح البدن ،فالغذية لحفظ الصّحّة والدوية
لردّ الصّحّة .
ستّة ثلث رواياتٍ :
ل في علّة تحريم الرّبا في الجناس ال ّ
-وروي عن أحمد بن حنب ٍ 25
أشهرها أنّ علّة الرّبا في الذّهب والفضّة كونهما موزوني جنسٍ ،وفي الجناس الباقية كونها
ن بجنسه ولو كان يسيرا
مكيلت جنسٍ ،فعلى هذه الرّواية يجري الرّبا في كلّ مكيلٍ أو موزو ٍ
ل يتأتّى كيله كتمر ٍة بتمر ٍة أو تمرةٍ بتمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل ،ول يتأتّى وزنه
كما دون الرزة من الذّهب أو الفضّة ونحوهما ،مطعوما كان المكيل أو الموزون أو غير
مطعو ٍم ،ول يجري الرّبا في مطعو ٍم ل يكال ول يوزن كالمعدودات من التّفّاح وال ّرمّان
والبطّيخ والجوز والبيض ونحوها ،فيجوز بيع بيضةٍ وخيارةٍ وبطّيخةٍ بمثلها ،نصّ عليه أحمد
لنّه ليس مكيلً ول موزونا ،لكن نقل مهنّا عن أحمد أنّه كره بيع بيضةٍ ببيضتين وقال :ل
ن ،لنّه مطعوم ،ول يجري الرّبا فيما ل يوزن عرفا لصناعته ،ولو
يصلح إلّ وزنا بوز ٍ
كان أصله الوزن غير المعمول من النّقدين كالمعمول من الصّفر والحديد والرّصاص
ونحوه ،كالخواتم من غير النّقدين .
ن العلّة في الثمان الثّمنيّة ،وفيما عداها كونه مطعوم جنسٍ فيختصّ
والرّواية الثّانية :أ ّ
بالمطعومات ويخرج منه ما عداها ،لما روى معمر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلى ال عليه
وسلم قال » :الطّعام بالطّعام مثلً بمثلٍ « ولنّ الطّعم وصف شرفٍ إذ به قوام البدان ،
والثّمنيّة وصف شرفٍ إذ بها قوام الموال ،فيقتضي التّعليل بهما ،ولنّه لو كانت العلّة في
الثمان الوزن لم يجز إسلمهما في الموزونات لنّ أحد وصفي علّة الرّبا الفضل يكفي في
تحريم النّساء .
والرّواية الثّالثة :العلّة فيما عدا الذّهب والفضّة كونه مطعوم جنسٍ مكيلً أو موزونا فل
يجري الرّبا في مطعومٍ ل يكال ول يوزن ،كالتّفّاح وال ّرمّان والخوخ والبطّيخ ونحوها ،ول
ل واحدٍ من هذه الصناف أثرا ،
فيما ليس بمطعو ٍم كالزّعفران والحديد والرّصاص ،لنّ لك ّ
ن الكيل والوزن والجنس
والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه فل يجوز حذفه ،ول ّ
ل يقتضي وجوب المماثلة وإنّما أثره في تحقيقها في العلّة ما يقتضي ثبوت الحكم ل ما
تحقّق شرطه .
والطّعم بمجرّده ل تتحقّق المماثلة به لعدم المعيار الشّرعيّ فيه ،وإنّما تجب المماثلة في
المعيار الشّرعيّ وهو الكيل والوزن ،ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلً وفي الموزون
وزنا ،فوجب أن يكون الطّعم معتبرا في المكيل والموزون دون غيرهما ،والحاديث
ل واحدٍ منها بالخر ،فنهي النّبيّ صلى ال
الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد ك ّ
ل يتقيّد بما فيه معيار شرعيّ وهو الكيل
عليه وسلم عن بيع الطّعام بالطّعام إلّ مثلً بمث ٍ
والوزن ،ونهيه عن بيع الصّاع بالصّاعين يتقيّد بالمطعوم المنهيّ عن التّفاضل فيه .
قال ابن قدامة :ول فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا كالرز والذّرة والدّخن ،أو أدما
ن الكلّ في
كالقطنيّات واللّحم واللّبن ،أو تفكّها كالثّمار ،أو تداويا كالهليلج والسّقمونيا ،فإ ّ
باب الرّبا واحد .
من أحكام الرّبا :
-إذا تحقّقت علّة تحريم الرّبا في مالٍ من الموال ،فإن بيع بجنسه حرّم فيه التّفاضل 26
فل يجوز بيع قفيز برّ بقفيزين منه ،ول بيع قفيز برّ بقفي ٍز منه وأحدهما نساء ،وإن عدما -
أي القدر والجنس -حلّ البيع ،وإن وجد أحدهما أي القدر وحده كالحنطة بالشّعير ،أو
الجنس وحده كالثّوب الهرويّ بهرويّ مثله حلّ الفضل وحرّم النّساء .
قالوا :أمّا إذا وجد المعيار وعدم الجنس كالحنطة بالشّعير والذّهب بالفضّة ،فلقوله عليه
السلم » إذا اختلف الجنسان ،ويروى النّوعان ،فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيدٍ «
ن المعجّل خير من المؤجّل
ي بالهرويّ ،فإ ّ
وأمّا إذا وجدت الجنسيّة وعدم المعيار كالهرو ّ
وله فضل عليه ،فيكون الفضل من حيث التّعجيل ربا ،لنّه فضل يمكن الحتراز عنه وهو
مشروط في العقد فيحرم .
ويحرم بيع كيليّ أو وزنيّ بجنسه متفاضلً ونسيئةً ولو غير مطعومٍ ،كجصّ كيليّ أو حديدٍ
ل بيع ذلك متماثلً ل متفاضلً وبل معيارٍ شرعيّ ،فإنّ الشّرع لم يقدّر المعيار
وزنيّ ،ويح ّ
بالذّرة وبما دون نصف الصّاع كحفن ٍة بحفنتين أو ثلث ٍة ما لم يبلغ نصف الصّاع ،وكذر ٍة من
ذهبٍ أو فضّةٍ وتفّاح ٍة بتفّاحتين بأعيانهما ،فإن كانا غير معيّنين أو أحدهما لم يجز .
وخالف محمّد فرأى تحريم الرّبا في الكثير والقليل كتمرةٍ بتمرتين .
وجيّد مال الرّبا ورديئه عند المقابلة سواء ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :جيّدها ورديئها
ن في اعتبار الجودة والرّداءة سدّ باب البياعات فيلغو ،واستثنوا مسائل ل
سواء « ،ول ّ
يجوز فيها إهدار اعتبار الجودة ،وهي :مال اليتيم والوقف والمريض فل يباع الجيّد منه
بالرّديء .ويجوز بيع الرّديء بالجيّد والقُلب والمرهون إذا انكسر عند المرتهن ونقصت
قيمته فإنّه يضمنها بخلف جنسه .
ي أبدا ،وما ورد النّصّ بوزنه فوزنيّ أبدا اتّباعا للّنصّ ،وعن أبي
ص بكيله فكيل ّ
وما ورد النّ ّ
يوسف أنّه يعتبر فيه العرف مطلقا وإن كان خلف الّنصّ وأشار ابن عابدين إلى تقويته،
ص على ذلك الكيل في الشّيء أو الوزن فيه ما كان في
ن النّ ّ
ورجّحه الكمال بن الهمام ،ل ّ
ن العادة إذ ذاك كذلك ،وقد تبدّلت فتبدّل الحكم ،حتّى لو كان العرف في
ذلك الوقت إلّ ل ّ
ص موافقا له ،ولو تغيّر العرف في حياته لنصّ
زمنه صلى ال عليه وسلم بالعكس لورد النّ ّ
على تغيّر الحكم .
ح ،وبيع رطبٍ برطبٍ
ن في الص ّ
ن بغزل قط ٍ
ويجوز بيع لحمٍ بحيوانٍ ولو من جنسه وبيع قط ٍ
متماثلً كيلً ،وبيع لحومٍ مختلف ٍة بعضها ببعضٍ ولبن بقرٍ بلبن غنمٍ متفاضلً يدا بيدٍ ،ويجوز
بيع اللّبن بالجبن ،ول يجوز بيع الب ّر بدقيقٍ أو سويقٍ ،ول بيع الزّيت بالزّيتون .ول ربا
ن إذا تبايعا من مال الشّركة .
بين متفاوضين وشريكي عنا ٍ
ل مثلً بمثلٍ يدا بيدٍ ،ول
ب بذهبٍ إ ّ
-وقال المالكيّة :ل يجوز بيع فضّةٍ بفضّ ٍة ول ذه ٍ 28
يجوز بيع الفضّة بالذّهب متفاضلً إلّ يدًا بيدٍ ،والطّعام من الحبوب والقطنيّة وشبهها ممّا
ل بمثلٍ يدا بيدٍ ،ول يجوز فيه
ت أو إدامٍ ل يجوز الجنس منه بجنسه إلّ مث ً
يدّخر من قو ٍ
ل ،كان من جنسه أو من خلفه ،كان ممّا يدّخر أو ل
تأخير ،ول يجوز طعام بطعامٍ إلى أج ٍ
يدّخر .
س واحدٍ يدا بيدٍ ،ول يجوز
ول بأس بالفواكه والبقول وما ل يدّخر متفاضلً وإن كان من جن ٍ
التّفاضل في الجنس الواحد فيما يدّخر من الفواكه اليابسة وسائر الدام والطّعام والشّراب إلّ
الماء وحده ،وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثّمار والطّعام فل بأس
بالتّفاضل فيه يدا بيدٍ ،ول يجوز التّفاضل في الجنس الواحد منه إلّ في الخضر والفواكه ،
والقمح والشّعير والسّلت كجنسٍ واحدٍ فيما يحلّ منه ويحرم ،والزّبيب كلّه جنس والتّمر كلّه
صنف ،والقطنيّة أجناس في البيوع ،واختلف قول مالكٍ فيها ولم يختلف قوله في الزّكاة أنّها
جنس واحد ،ولحوم ذوات الربع من النعام كالبل والبقر والغنم والوحش كالغزال وبقر
ب الماء كلّها جنس ،وما تولّد من لحوم
الوحش ،ولحوم الطّير كلّه جنس واحد ،ولحوم دوا ّ
الجنس الواحد من شحمٍ فهو كلحمه ،وألبان ذلك الجنس من ذوات الربع النسيّ منه
ل واحدٍ من الثّلثة
ل واحدٍ منها جنس فك ّ
والوحشيّ كلّها جنس واحد ،وكذلك جبنه وسمنه ،ك ّ
ل ل متفاضلً .
يجوز بيع بعضه ببعضٍ متماث ً
-وقال الشّافعيّة :إذا بيع الطّعام بالطّعام إن كانا جنسا اشترط الحلول والمماثلة والتّقابض 29
قبل التّفرّق ،أو جنسين كحنط ٍة وشعيرٍ جاز التّفاضل واشترط الحلول والتّقابض ،ول ب ّد من
القبض الحقيقيّ ،ودقيق الصول المختلفة الجنس وخلّها ودهنها أجناس ،لنّها فروع أصولٍ
مختلف ٍة فأعطيت حكم أصولها ،واللّحوم واللبان كذلك في الظهر .
والنّقد بالنّقد كالطّعام بالطّعام .
والمماثلة تعتبر في المكيل كيلً وفي الموزون وزنا ،والمعتبر غالب عادة أهل الحجاز في
عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وما جهل يراعى فيه بلد البيع ،وقيل :الكيل ،وقيل :
الوزن ،وقيل :يتخيّر ،وقيل :إن كان له أصل اعتبر .
وتعتبر المماثلة وقت الجفاف ،لنّه صلى ال عليه وسلم سئل عن بيع الرّطب بالتّمر فقال :
»أينقص الرّطب إذا يبس فقالوا :نعم ،فنهى عن ذلك « أشار صلى ال عليه وسلم بقوله :
ن المماثلة إنّما تعتبر عند الجفاف وإلّ فالنّقصان أوضح من أن يسأل عنه،
» أينقص « إلى أ ّ
ويعتبر أيضا إبقاؤه على هيئةٍ يتأتّى ادّخاره عليها كالتّمر بنواه ،فل يباع رطب برطبٍ ول
بتمرٍ ،ول عنب بعنبٍ ول بزبيبٍ ،للجهل بالمماثلة وقت الجفاف للحديث السّابق ،وما ل
جفاف له كالقثّاء والعنب الّذي ل يتزبّب ل يباع بعضه ببعضٍ أصلً قياسا على الرّطب ،
ج تكفي مماثلته رطبا ،لنّ معظم منافعه في رطوبته فكان كاللّبن فيباع وزنا
ل مخرّ ٍ
وفي قو ٍ
وإن أمكن كيله .
ص من أصل الخلقة كالتّمر البرنيّ والتّمر المعقليّ فهما جنس
ل شيئين اتّفقا في السم الخا ّ
وك ّ
واحد ،وكلّ شيئين اختلفا في السم من أصل الخلقة كالحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب فهما
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذكر ستّة أشياء وحرّم فيها التّفاضل إذا
جنسان ،والدّليل عليه أ ّ
بيع كلّ منها بما وافقه في السم وأباح فيه التّفاضل إذا بيع بما خالفه في السم ،فدلّ على أنّ
كلّ شيئين اتّفقا في السم فهما جنس وإذا اختلفا في السم فهما جنسان .
ل ما كيل أو وزن من جميع الشياء فل يجوز التّفاضل فيه إذا كان
-وقال الحنابلة :ك ّ 30
جنسا واحدا ،وما كان من جنسين جاز التّفاضل فيه يدا بيدٍ ،ول يجوز نسيئةً ،والدّليل
حديث عبادة السّابق ،وما كان ممّا ل يكال ول يوزن فجائز التّفاضل فيه يدا بيدٍ ونسيئةً
ح الرّوايات -ول يباع شيء من الرّطب بيابسٍ من
سواء بيع بجنسه أو بغيره -في أص ّ
ل العرايا ،فأمّا بيع الرّطب بالرّطب والعنب بالعنب ونحوهما من الرّطب بمثله
جنسه إ ّ
فيجوز مع التّماثل ،وأمّا ما ل ييبس كالقثّاء والخيار فعلى قولين ،ول يباع ما أصله الكيل
بشي ٍء من جنسه وزنا ول ما أصله الوزن كيلً ،والمرجع في معرفة المكيل والموزون إلى
العرف بالحجاز في عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :المكيال مكيال أهل المدينة والوزن
وزن أهل مكّة « .وما ل عرف فيه بالحجاز يحتمل وجهين :
أحدهما :يردّ إلى أقرب الشياء شبها بالحجاز .
والثّاني :يعتبر عرفه في موضعه .
والتّمور كلّها جنس وإن اختلفت أنواعها ،والبرّ والشّعير جنسان .هذا هو المذهب ،وعن
أحمد أنّهما جنس واحد ،ول يجوز بيع الحنطة بشيءٍ من فروعها :السّويق ،والدّقيق في
الصّحيح ،وعن أحمد رواية أنّه يجوز بيعها بالدّقيق ،فأمّا بيع بعض فروعها ببعضٍ فيجوز
بيع كلّ واحدٍ من الدّقيق والسّويق بنوعه متساويا ،فأمّا بيع الدّقيق بالسّويق فالصّحيح أنّه ل
يجوز .
ن اللّحم أجناس باختلف أصوله ،وفي اللّبن روايتان :إحداهما :هو جنس واحد.
والصحّ أ ّ
والثّانية :هو أجناس باختلف أصوله كاللّحم ،ول يجوز بيع اللّحم بحيوانٍ من جنسه ،وأمّا
ن من غير جنسه فظاهر كلم أحمد أنّه ل يجوز ،واختار القاضي جوازه ،
بيع اللّحم بحيوا ٍ
ن غير مأكول اللّحم جائز في ظاهر قولهم ،ول يجوز بيع شيءٍ من مال
وبيع اللّحم بحيوا ٍ
الرّبا بأصله الّذي فيه منه كالسّمسم بالشّيرج والزّيتون بالزّيت وسائر الدهان بأصولها
والعصير بأصله .
وبيع شي ٍء من المعتصرات بجنسه يجوز متماثلً ،ويجوز بيعه بغير جنسه متفاضلً وكيف
شاء ،لنّهما جنسان ،ويعتبر التّساوي فيهما بالكيل ،وسواء أكانا مطبوخين أم نيئين ،أمّا
س واحدٍ فل يجوز .
بيع النّيء بالمطبوخ من جن ٍ
من مسائل الرّبا :
-مسائل الرّبا كثيرة ومتعدّدة ،والعلّة هي الصل الّذي ينبني عليه عامّة مسائل الرّبا .أو 31
أ -العيان المنصوص عليها في حديثي عبادة وأبي سعيدٍ رضي ال تعالى عنهما .
ب -العيان الّتي تحقّقت فيها علّة تحريم الرّبا ،وهي مختلف فيها بحسب اختلف الفقهاء
في العلّة .
ن ما عدا هذه العيان الرّبويّة بنوعيها ل
ح الرّوايات عند الحنابلة :إ ّ
قال الشّافعيّة ،وهي أص ّ
يحرم فيها الرّبا ،فيجوز بيع بعضها ببعضٍ متفاضلً ونسيئ ًة ،ويجوز فيها التّفرّق قبل
التّقابض ،لما روى عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما قال » :أمرني رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم أن أجهّز جيشا فنفدت البل ،فأمرني أن آخذ على قلص الصّدقة،
فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصّدقة « .
س رضي ال
وعن عليّ رضي ال عنه أنّه باع جملً إلى أجلٍ بعشرين بعيرا ،وباع ابن عبّا ٍ
تعالى عنهما بعيرا بأربعة أبعر ٍة ،واشترى ابن عمر رضي ال تعالى عنهما راحل ًة بأربع
رواحل ورواحله بالرّبذة ،واشترى رافع بن خديجٍ رضي ال عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه
أحدهما وقال :آتيك بالخر غدا .
ومنع الحنفيّة ،والحنابلة في رواي ٍة ،بيع الشّيء بجنسه نسيئ ًة ،كالحيوان بالحيوان لحديث
سمرة -مرفوعا » -نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئ ًة « .
ن الجنس أحد وصفي علّة ربا الفضل ،فحرّم النّساء كالكيل والوزن .
ول ّ
وعند المالكيّة :يتصوّر الرّبا في غير النّقدين والطّعام من العروض والحيوان وسائر
التّملّكات ،وذلك باجتماع ثلثة أوصافٍ :
أ -التّفاضل .
ب -النّسيئة .
ل ،وبيع فرسٍ للرّكوب بفرسين
ج -اتّفاق الغراض والمنافع .كبيع ثوبٍ بثوبين إلى أج ٍ
للرّكوب إلى أجلٍ .فإن كان أحدهما للرّكوب دون الخر جاز ،لختلف المنافع .
بيع العين بالتّبر ،والمصنوع بغيره :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عين الذّهب ،وتبره ،والصّحيح ،والمكسور منه ،سواء 36
في جواز البيع مع التّماثل في المقدار وتحريمه مع التّفاضل ،قال الخطّابيّ :وقد حرّم
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يباع مثقال ذهبٍ عينٍ بمثقالٍ وشي ٍء من تبرٍ غير
ب ،وكذلك حرّم التّفاوت بين المضروب من الفضّة وغير المضروب منها ،وذلك
مضرو ٍ
معنى قوله صلى ال عليه وسلم » :الذّهب بالذّهب تبرها وعينها « .
وروي عن كثيرٍ من أصحاب مالكٍ ،وبعضهم يرويه عن مالكٍ ،في التّاجر يحفّزه الخروج
وبه حاجة إلى دراهم مضروب ٍة أو دنانير مضروبةٍ ،فيأتي دار الضّرب بفضّته أو ذهبه
ضرّاب :خذ فضّتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إليّ دنانير مضروبةً في
فيقول لل ّ
ذهبي أو دراهم مضروب ًة في فضّتي هذه لنّي محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج
ي في قبسه
معه ،أنّ ذلك جائز للضّرورة ،وأنّه قد عمل به بعض النّاس ،وحكاه ابن العرب ّ
ن مالكا قد خفّف في ذلك ،قال ابن العربيّ :والحجّة فيه لمالكٍ
عن مالكٍ في غير التّاجر وإ ّ
بيّنة .
ل على
ن ذلك من باب الرّفق لطلب التّجارة ولئلّ يفوت السّوق وليس الرّبا إ ّ
قال البهريّ :إ ّ
من أراد أن يربي ممّن يقصد إلى ذلك ويبتغيه .
وحكي عن أحمد رواية :ل يجوز بيع الصّحاح بالمكسّرة ،ولنّ للصّناعة قيمةً بدليل حالة
التلف ،فيصير كأنّه ض ّم قيمة الصّناعة إلى الذّهب .
وقال ابن قدامة :إن قال لصانعٍ :اصنع لي خاتما وزن درهمٍ ،وأعطيك مثل وزنه وأجرتك
درهما فليس ذلك بيع درهمٍ بدرهمين ،وقال أصحابنا :للصّائغ أخذ الدّرهمين أحدهما في
مقابلة الخاتم والثّاني أجرة له .
الرّبا في دار الحرب :
-ذهب جمهور الفقهاء وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه ل فرق في تحريم الرّبا بين دار 37
الحرب ودار السلم ،فما كان حراما في دار السلم كان حراما في دار الحرب ،سواء
جرى بين مسلمين أو مسلمٍ وحربيّ ،وسواء دخلها المسلم بأمانٍ أم بغيره .
ن ما كان ربا في دار
سنّة في تحريم الرّبا من غير فرقٍ ،ول ّ
واستدلّوا بعموم القرآن وال ّ
السلم كان ربا محرّما في دار الحرب كما لو تبايعه مسلمان مهاجران وكما لو تبايعه مسلم
وحربيّ في دار السلم ،ولنّ ما حرّم في دار السلم حرّم هناك كالخمر وسائر
المعاصي ،ولنّه عقد على ما ل يجوز في دار السلم فلم يصحّ كالنّكاح الفاسد هناك .
وقال أبو حنيفة ومحمّد :ل يحرم الرّبا بين المسلم والحربيّ في دار الحرب ول بين مسلمين
ل أنّه بالمان حرّم التّعرّض له
أسلما في دار الحرب ولم يهاجرا منها ،لنّ مالهم مباح إ ّ
ي طريقٍ
ل أخذ مالهم بأ ّ
بغير رضاهم تحرّزا عن الغدر ونقض العهد ،فإذا رضوا به ح ّ
ن ماله صار محظورا بالمان .
كان ،بخلف المستأمن ل ّ
مسألة مدّ عجوةٍ :
-إذا جمع البيع ربويّا من الجانبين واختلف جنس المبيع منهما بأن اشتمل أحدهما على 38
جنسين ربويّين اشتمل الخر عليهما ،كمدّ عجوةٍ ودرهمٍ بمدّ من عجوةٍ ودرهمٍ ،وكذا لو
اشتمل على أحدهما فقط كمدّ ودرهمٍ بمدّين أو درهمين ،أو اشتمل جميعهما على جنسٍ
ب ،أو في أحدهما كدرهمٍ
ب بدرهمٍ وثو ٍ
ربويّ وانضمّ إليه غير ربويّ فيهما كدرهمٍ وثو ٍ
وثوبٍ بدرهمٍ ،أو اختلف نوع المبيع كصحاحٍ ومكسّر ٍة تنقص قيمتها عن قيمة الصّحاح بهما
ح فقط أو بمكسّر ٍة فقط ...إذا كان البيع على
ح ومكسّرةٍ ،أو بأحدهما أي بصحا ٍ
أي بصحا ٍ
صورةٍ من هذه الصّور فهو باطل ،وهذه هي المسألة الفقهيّة المعروفة بمسألة " مدّ عجوةٍ".
والدّليل على بطلن البيع في هذه الصّور خبر مسلمٍ عن فضالة بن عبي ٍد رضي ال عنه قال:
» أتي النّبيّ صلى ال عليه وسلم بقلد ٍة فيها خرز وذهب تباع ،فأمر النّبيّ صلى ال عليه
وسلم بالذّهب الّذي في القلدة فنزع وحده ثمّ قال :الذّهب بالذّهب وزنا بوزنٍ « وفي روايةٍ:
» ل تباع حتّى تفصل « .
واستدلّ من جهة المعنى بأنّ قضيّة اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في
الخر عليهما اعتبارا بالقيمة ،والتّوزيع يؤدّي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة ،لنّه إذا باع
مدا ودرهما بمدّين إن كانت قيمة المدّ الّذي مع الدّرهم أكثر أو أقلّ منه لزمته المفاضلة ،أو
مثله فالمماثلة مجهولة .
ولجمهور الفقهاء القائلين بتحقّق الرّبا في مسألة مدّ عجو ٍة تفصيل وتفريع على ما سبق من
أحكام المسألة .
وذهب الحنفيّة وحمّاد بن أبي سليمان والشّعبيّ والنّخعيّ إلى جواز ذلك إذا كان الرّبويّ المفرد
ل واحدٍ منهما من غير جنسه ،لنّ العقد إذا أمكن
أكثر من الّذي معه غيره ،أو كان مع ك ّ
ي في مقابلة قدره من الرّبويّ الخر
صحّة لم يحمل على الفساد فيجعل الرّبو ّ
حمله على ال ّ
ويجعل الزّائد في مقابلة ما زاد عن القدر المماثل .
رباط *
التّعريف :
-الرّباط والمرابطة ملزمة ثغر العد ّو ،وأصله أن يربط كلّ من الفريقين خيله ،ثمّ صار 1
لزوم الثّغر رباطا ،وربّما سمّيت الخيل أنفسها رباطا ،ويقال :الرّباط من الخيل :الخمس
صبِرُواْ َوصَا ِبرُواْ َورَابِطُوا } أي :أقيموا على جهاد عدوّكم
فما فوقها .ومنه قوله تعالى { :ا ْ
.
ويطلق الرّباط على المحافظة على الصّلوات الخمس ،أو مداومة الجلوس في المسجد ،كما
جاء في الثر :قال عليه الصلة والسلم » :أل أدلّكم على ما يمحو اللّه به الخطايا ،
ويرفع به الدّرجات ؟ قالوا :بلى يا رسول اللّه .قال :إسباغ الوضوء على المكاره ،وكثرة
الخطى إلى المساجد ،وانتظار الصّلة بعد الصّلة ،فذلكم الرّباط ،ثلثا « .
والربطة :البيوت المسبّلة ليواء الفقراء والغرباء وطلبة العلم وقد يطلق على المكان الّذي
يرابط فيه المجاهدون .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجهاد :
-وهو في اللّغة بذل الوسع في المر . 2
وفي الصطلح :بذل الوسع في القتال في سبيل اللّه مباشرةً ،أو معاونةً بمالٍ ،أو رأيٍ ،
أو تكثير سوا ٍد أو غير ذلك .
فالجهاد أع ّم من الرّباط .
ب -الحراسة :
ن واحترس منه :تحفّظ منه .
-وهو مصدر حرس الشّيء :إذا حفظه ،وتحرّس من فل ٍ 3
حريمهم ،وقوّة لهل الثّغر ولهل الغزو ،قال أحمد :هو أصل الجهاد وفرعه .
ن آ َمنُو ْا اصْ ِبرُواْ َوصَابِرُواْ
وجاء في القرآن الكريم المر به ،قال اللّه تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ
َورَا ِبطُواْ } .وقال القرطبيّ :قال جمهور المّة في تفسير الية :رابطوا أعداءكم بالخيل ،
ن الرّباط هو الملزمة في
وعزا إلى ابن عطيّة قوله :القول الصّحيح في معنى رابطوا :أ ّ
سبيل اللّه ،أصلها من ربط الخيل ،ثمّ سمّي كلّ ملزمٍ لثغرٍ من ثغور المسلمين مرابطا ،
فارسا كان أم راجلً .
فضل الرّباط :
-ورد في فضل الرّباط أحاديث كثيرة منها : 5
قوله صلى ال عليه وسلم » :رباط يو ٍم في سبيل اللّه خير من الدّنيا وما عليها ،وموضع
سوط أحدكم من الجنّة خير من الدّنيا ،وما عليها « .
وقال » :رباط يومٍ وليلةٍ خير من صيام شهرٍ وقيامه ،وإن مات جرى عليه عمله الّذي كان
يعمله ،وأجري عليه رزقه ،وأمن الفتّان « .
ل ميّتٍ يختم على عمله إلّ الّذي مات مرابطا في سبيل
وورد عنه صلى ال عليه وسلم » :ك ّ
اللّه ،فإنّه يُنمّى له عمله إلى يوم القيامة ،ويأمن من فتّان القبر « .
أفضل الرّباط :
-أفضل الرّباط :أشدّ الثّغور خوفا ،لنّ مقامه به أنفع ،وأهله أحوج . 6
ن ما دونه
الحنفيّة :المختار :أنّه ل يكون الرّباط ،إلّ في موضعٍ ل يكون وراءه إسلم ،ل ّ
لو كان رباطا فكلّ المسلمين في بلدهم مرابطون ،وقال بعضهم :إذا أغار العد ّو على
موضعٍ مرّ ٍة سمّي ذلك الموضع رباطا ،أربعين سن ًة .
والصل في هذا حديث » :من حرس من وراء المسلمين في سبيل اللّه متطوّعا ل يأخذه
ل تحلّة القسم « .
سلطان لم ير النّار بعينيه إ ّ
وقال ابن حجرٍ في فتح الباري :إذا نوى بالقامة في أيّ مكان وإن كان وطنه دف َع العدوّ ،
فإنّه يكون مرابطا ،قال :ومن َثمّ اختار كثير من السّلف سكنى الثّغور .
وعزا إلى ابن التّين أنّه قال :الرّباط ملزمة المكان الّذي بين المسلمين والكفّار لحراسة
المسلمين منهم ،بشرط أن يكون غير الوطن ،وعزا ذلك إلى ابن حبيبٍ عن مالكٍ .
وقال القرطبيّ :المرابط عند الفقهاء هو الّذي يشخص إلى ثغرٍ من الثّغور ليرابط فيه مدّ ًة ما
أمّا سكّان الثّغور دائما بأهليهم الّذين يعمرون ويكتسبون هنالك فهم وإن كانوا حما ًة فليسوا
بمرابطين .
مدّة الرّباط :
-قال الفقهاء :تمام الرّباط :أربعون يوما فقد روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه 8
والغرباء والفقراء -من المنافع المشتركة .فمن سبق إلى موضعٍ منها وهو من المستحقّين
لمنافعها صار أحقّ به ،وليس لغيره إزعاجه ،سواء دخل بإذن المام أم ل .ول يبطل حقّه
بالخروج لحاج ٍة كشراء طعامٍ ،ونحوه ،ول يشترط تخليفه نائبا له في الموضع ،ول أن
يترك فيه متاعه .
وإذا سكن بيتا منها من تتوفّر فيه شروط المسبّلة ،وغاب أيّاما قليل ًة فهو أحقّ به إذا عاد .
فإن طالت غيبته بطل حقّه .
وتفصيل ذلك في مصطلحي ( :المنافع المشتركة ،ووقف ) .
رباع *
التّعريف :
ن النسان يربع فيه أي يسكنه
-الرّباع لغ ًة :جمع ربعٍ وهو المنزل والدّار ،سمّي بذلك ل ّ 1
ج -الدّار :
-الدّار اسم جامع للعرصة والبناء والمحلّة ،واللّفظ مؤنّث . 4
وقال ابن ج ّنيّ :هي من دار يدور لكثرة حركات النّاس فيها والجمع أدور وأدؤر ،والكثير
ديار ودور .
ما يتعلّق بالرّباع من أحكامٍ :
أ -رباع مكّة المكرّمة :
-ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع وإجارة رباع مكّة وعدم صحّة ذلك إذا وقع، 5
جعَ ْلنَا ُه لِلنّاسِ سَوَاء ا ْلعَا ِكفُ فِيهِ وَا ْلبَادِ } ،ولحديث
حرَا ِم اّلذِي َ
جدِ ا ْل َ
سِلقوله تعالى { :وَا ْل َم ْ
ل بيع رباعها ،ول إجارة بيوتها « ،
مجاه ٍد مرفوعا » مكّة حرام ،حرّمها اللّه ،ل تح ّ
ولحديث » مكّة مناخ ل تباع رباعها ول تؤاجر بيوتها « ،وقال الحنابلة :فإن سكن بأجرةٍ
في رباع مكّة لم يأثم بدفعها .
وفي روايةٍ عن أبي حنيفة أنّه يجوز بيعها وإجارتها وبه أخذ أبو يوسف ،وبهذا قال
الشّافعيّة ،واستدلّ الشّافعيّ رحمه ال تعالى لجواز بيع رباع مكّة وكراء دورها بقول اللّه
خ ِرجُوا مِن دِيارِهِمْ } فنسب الدّيار إلى المالكين ،وبحديث
ن ُأ ْ
تعالى { :لِلْفُ َقرَاء ا ْل ُمهَاجِرِينَ اّلذِي َ
أسامة بن زيدٍ أنّه قال » :يا رسول اللّه أين تنزل في دارك بمكّة ؟ فقال :وهل ترك لنا
عقيل من رباعٍ أو دورٍ « ،وكان عقيل ورث أبا طالبٍ ،ولم يرث جعفر ول عليّ رضي
ال عنهما شيئا لنّهما كانا مسلمين ،وبقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من دخل
دار أبي سفيان فهو آمن « فنسب الدّيار إلى مالكيها ،وباشتراء عمر رضي ال عنه دار
الحجّامين وإسكانها .
والمالكيّة عندهم في المسألة أربع رواياتٍ :
الولى :المنع وهو المشهور .
والثّانية :الجواز ،قال ابن رشدٍ :وهو أشهر الرّوايات والمعتمد الّذي به الفتوى ،وعليه
جرى العمل من أئمّة الفتوى والقضاة بمكّة .
والثّالثة :الكراهة ،فإن قصد بالكراء اللت والخشاب جاز ،وإن قصد البقعة فل خير فيه.
والرّابعة :تخصيص الكراهة بالموسم لكثرة النّاس واحتياجهم إلى الوقف .
ب -الشّفعة في الرّباع :
-تجب الشّفعة في الرّباع قبل قسمتها بالجماع تبعا للرض عند الحنفيّة والحنابلة ، 6
فمن وقع في نصيبه من قسمة الرض شيء منهما فهو له ،بخلف العكس .
ن كلً من الرض والبناء والشّجر يتبع الخر في بيعه
وخالف المالكيّة في ذلك فنصّوا على أ ّ
ما لم يمنع من ذلك شرط أو عرف .
ولمزيدٍ من اليضاح انظر ( :قسمة ) .
د -وقف الرّباع :
ح وقف العقار من أرضٍ ودورٍ وحوانيت وبساتين ونحوها بالتّفاق بدليل وقف عمر
-يص ّ 8
رضي ال عنه مائة سهمٍ في خيبر ،ولنّ جماع ًة من الصّحابة رضوان ال عليهم وقفوا ،
ن العقار متأبّد على الدّوام والوقف تحبيس الصل وتسبيل المنفعة .
ول ّ
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :وقف ) .
ربح *
التّعريف :
-الرّبح والرّبح والرّباح لغ ًة النّماء في التّجارة ،ويسند الفعل إلى التّجارة مجازا ،فيقال: 1
ن }.
ربحت تجارته ،فهي رابحة ،ومنه قوله تعالى َ { :فمَا َر ِبحَت ّتجَا َر ُتهُمْ َومَا كَانُو ْا ُم ْه َتدِي َ
قال الزهريّ :ربح في تجارته إذا أفضل فيها ،وأربح فيها :صادف سوقا ذات ربحٍ ،
وأربحت الرّجل إرباحا :أعطيته ربحا .
ل قدرٍ من الثّمن ربحا .
وبعته المتاع واشتريته منه مرابح ًة :إذا سمّيت لك ّ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عند الفقهاء عن ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة :
النّماء :
ل شي ٍء على وجه الرض إمّا نامٍ أو صامت ،فالنّامي مثل النّبات
-النّماء الزّيادة ،وك ّ 2
والشجار ،والصّامت كالحجر والجبل ،والنّماء في الذّهب والورق مجاز ،وفي الماشية
حقيقة ،لنّها تزيد بتوالدها .
والنّماء قد يكون بطبيعة الشّيء أو بالعمل .فالنّماء أعمّ من الرّبح .
الغلّة :
-تطلق الغلّة على الدّخل الّذي يحصل من ريع الرض أو أجرتها ،أو أجرة الدّار واللّبن 3
والنّتاج ونحو ذلك ،وفي الحديث » :الغلّة بالضّمان « قال ابن الثير :هو كحديثه صلى
ال عليه وسلم الخر » :الخراج بالضّمان « .
واستغلل المستغلّت ،أخذ غلّتها ،وأغلّت الضّيعة أعطت الغلّة فهي مغلّة :إذا أتت بشيءٍ
وأصلها باقٍ .
الحكم الجماليّ :
-الرّبح إمّا أن يكون مشروعا ،أو غير مشروعٍ أو مختلفا فيه . 4
فالرّبهح المشروع هو مها ن تج عن تصه ّرفٍ مباحٍه كالعقود الجائزة ،مثهل البيهع والمضار بة
والشّر كة وغير ها فالرّ بح النّا تج عن هذه التّ صرّفات المبا حة حلل بالجماع مع مراعاة أ نّ
لكلّ عقدٍ من هذه العقود قواعد وشرائط شرعيّ ًة ل بدّ من مراعاتها .
وينظر التّفصيل في مصطلحات ( :بيع ،شركة ،مرابحة ) .
والرّ بح غ ير المشروع :هو ما ن تح عن ت ص ّرفٍ محرّ مٍ كالرّ با والقمار والتّجارة بالمحرّمات
ل اللّ ُه ا ْل َبيْعَ َوحَ ّرمَ ال ّربَا } .
لقوله عزّ وجلّ { :وََأحَ ّ
ن اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام
وقوله صلى ال عليه وسلم » :إ ّ
«
( ر :ربا ،أشربة ،بيع ) .
وأمّا الرّبح المختلف فيه ،فمنه ما نتج عن التّصرّف فيما كان تحت يد النسان من مال غيره
،سواء كانت يد أمان ٍة كالمودع ،أم يد ضمانٍ كالغاصب وخلفه .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوالٍ :
ن الرّبح ل يطيب لمن تصرّف في المغصوب أو الوديعة ،هذا عند أبي حنيفة
فالحنفيّة على أ ّ
ومح ّمدٍ خلفا ل بي يو سف .وو جه ذلك ع ند أ بي يو سف أنّه ح صل التّ صرّف في ضما نه
وملكه .أمّا الضّمان فظاهر ،ل نّ المغصوب دخل في ضمان الغاصب ،وأمّا الملك ،فلنّه
ن التّ صرّف ح صل في مل كه
ضمّ ن ،وع ند أ بي حني فة ومح ّمدٍ أ ّ
يمل كه من و قت الغ صب إذا ُ
ب خبيثٍ ،لنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ،وما هو كذلك فسبيله
وضمانه ،لكنّه بسب ٍ
التّصدّق به ،إذ الفرع يحصل على وصف الصل ،وأصله حديث الشّاة » حيث أمر النّبيّ
صلى ال عليه وسلم بالتّصدّق بلحمها على السرى « .
وأمّا عند المالكيّة والشّافعيّة في الظهر فالرّبح لمن تصرّف في الوديعة وليس للمالك ،لنّها
لو تلفت لضمنها ،وقال الشّربينيّ الخطيب :لو اتّجر الغاصب في المال المغصوب فالرّبح له
في الظهر ،فإذا غصب دراهم واشترى شيئا في ذمّته ونقد الدّراهم في ثمنه وربح ردّ مثل
الدّراهم ،لنّها مثليّة إن تعذّر عليه ر ّد ما أخذه ،وإلّ وجب عليه ردّه بعينه ،أمّا إذا اشترى
بعينه فالجديد بطلنه .
وعند الحنابلة :الرّبح لصاحب الوديعة أو مالك المغصوب .
قال ا بن قدا مة :إذا غ صب أثمانا فاتّ جر ب ها أو عروضا فباع ها واتّ جر بثمن ها فالرّ بح للمالك
والسّلع المشتراة له .
وقال الشّريهف أبهو جعفرٍ وأبهو الخطّاب :إن كان الشّراء بعيهن المال فالرّبهح للمالك ،قال
الشّريف :وعن أحمد أنّه يتصدّق به .
وإن اشتراه في ذمّته ث مّ نقد الثمان فقال أبو الخطّاب :يحتمل أن يكون الرّبح للغاصب ،لنّه
اشترى لنف سه في ذمّ ته ،فكان الشّراء له ،والرّ بح له ،وعل يه بدل المغ صوب ،وهذا قياس
قول الخرق يّ ،ويحت مل أن يكون الرّ بح للمغ صوب م نه ،لنّه نماء مل كه ،فكان له ،ك ما لو
اشترى له بع ين المال ،وهذا هو ظا هر المذ هب ،وإن ح صل خ سران ف هو على الغا صب ،
لنّه نقص حصل في المغصوب .
الرّبح في المضاربة :
-أجمع الفقهاء على أنّ تحديد النّسبة في قسمة الرّبح من أركان صحّة عقد القراض 5
( المضاربة ) ويكون بين المالك والعامل على ما يتّفقان عليه من التّساوي أو التّفاضل ،
فيجوز أن يكون للعامل نصف الرّبح أو ثلثه ،أو ربعه ،أو خمسه ،أو نحو ذلك ،وكذلك
العكس ،أي يجوز للمالك أن يشرط لنفسه ثلثي الرّبح ،أو ثلثه ،أو ربعه ،أو غير ذلك من
النّسب ،كثير ًة كانت أو قليل ًة ،بشرط أن يكون الرّبح مشتركا بينهما ،فلو قال المالك للعامل:
خذ هذا المال مضاربةً والرّبح كلّه لي ،أو قال :كلّه لك ،فقد اختلف الفقهاء فيه ،فذهب
الشّافعيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة إلى أنّه عقد فاسد رعاي ًة للّفظ ،لنّ المضاربة تقتضي
كون الرّبح مشتركا بينهما ،فإذا انفرد أحدهما بالرّبح انتفى مقتضى العقد ففسد .وقال
المالكيّة :يكون مضارب ًة صحيح ًة في الصّورتين ،لنّهما دخل في التّراضي فإذا شرط
لحدهما الرّبح فكأنّه وهب الخر نصيبه فلم يمنع صحّة العقد ،وهو وجه عند الشّافعيّة ،
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا قال :والرّبح كلّه لي كان إبضاعا صحيحا ،لنّه أثبت له حكم
البضاع فانصرف إليه ،وهذا قول آخر عند الشّافعيّة .
والبضاع بعث المال مع من يتّجر فيه متبرّعا ،والبضاعة المال المبعوث ،ومن الصّيغ
الصّحيحة للبضاع قول المالك للعامل :خذ هذا المال فاتّجر به أو تصرّف فيه والرّبح كلّه
لي ،وكذا قوله :أبضعتك هذا المال .أمّا إذا قال :والرّبح كلّه لك ،فقرض ،وقد جرى
مثل هذا الخلف فيما إذا قال :أبضعتك على أنّ نصف الرّبح لك ،فذهب بعضهم إلى أنّه
قراض فاسد رعاي ًة للمعنى .وذهب آخرون إلى أنّه إبضاع رعاي ًة للّفظ .
والتّفصيل في مصطلح ( :إبضاع ،مضاربة ،قرض ) .
الرّبح في الشّركة :
-الرّ بح في الشّر كة يكون ب ين الشّريك ين أو الشّركاء على ما يتّفقان أو يتّفقون عل يه من 6
ث ،أو رب عٍ ،أو نحو ذلك ،أي يجوز أن يتساويا فيه مع تفاضلهما في المال
نصفٍ ،أو ثل ٍ
وأن يتفاضل فيه مع تساويهما في المال ،لنّ العمل ممّا يستحقّ به الرّبح ،فجاز أن يتفاضل
في الرّ بح مع وجود الع مل منه ما ،ل نّ أحده ما قد يكون أب صر بالتّجارة من ال خر وأقوى
على العمهل ،فجاز له أن يشترط زياد ًة فهي الرّبهح فهي مقابلة عمله ،كمها يشترط الرّبهح فهي
مقابلة عمل المضارب ،وبهذا قال الحنفيّة والحنابلة .
وقال المالكيّة والشّافعيّة :إ نّ من شرط صحّة الشّر كة أن يكون الرّ بح على قدر المال ين فإن
تسهاوى المالن فالرّبهح يكون بينهمها بالتّسهاوي ،وإن تفاضهل يكون الرّبهح بينهمها متفاضلً ،
ن الرّ بح هو ثمرة المال ين ،في جب أن يكون على
سواء ت ساويا في الع مل أو تفاو تا ف يه ،ل ّ
قدرهما ،فل يجوز أن يشترط أحدهما من الرّبح أكثر من نصيبه في المال .
والتّفاصيل في مصطلح ( :شركة ) .
زكاة ربح التّجارة :
-يضمّ الرّبح الحاصل من عروض التّجارة في أثناء الحول إلى الصل ،وذلك لجل 7
حساب الزّكاة .فلو اشترى مثلً عرضا في شهر المحرّم بمائتي درهمٍ فصارت قيمته قبل
آخر الحول ولو بلحظ ٍة ثلثمائة درهمٍ زكّى الجميع آخر الحول ،سواء حصل الرّبح في نفس
العرض كسمن الحيوان ،أم بارتفاع السواق ،قياسا على النّتاج مع المّهات ،ولنّ
ل زياد ٍة مع اضطراب السواق ممّا يشقّ ،ولنّه نماء جارٍ في الحول
المحافظة على حول ك ّ
تابع لصله في الملك فكان مضموما إليه في الحول ،وهذا مذهب المالكيّة والشّافعيّة في قولٍ
هو خلف الظهر والحنابلة وإسحاق وأبي يوسف ،والظهر عند الشّافعيّة أنّه يضمّ الرّبح
إلى الصل ما لم يكن هناك نضوض فإن كان فل يضمّ بل يزكّي الصل لحوله ويستأنف
ل.
للرّبح حو ً
وقال أبو حنيفة :إنّه يبني حول كلّ مستفادٍ على حول جنسه نماءً كان أو غيره .
والتّفاصيل في مصطلح ( :زكاة عروض التّجارة ) .
ربض *
التّعريف :
-الرّبض بفتحتين من معانيه في اللّغة :مأوى الغنم ،يقال :ربضت الدّابّة ربضا 1
وربوضا .
والرّبض والرّبوض للغنم كالبروك للبل ،وجمعه أرباض .ومثل الرّبض بهذا المعنى
المربض ،وجمعه مرابض .وفي الحديث » :مثل المنافق مثل الشّاة بين الرّبيضين « .
ن ذَِلكَ لَ إِلَى
ل ّ { :م َذ ْب َذبِينَ َبيْ َ
ي صلى ال عليه وسلم بهذا المثل قول اللّه عزّ وج ّ
أراد النّب ّ
هَهؤُلء َولَ إِلَى هَهؤُلء } .
ويطلق الرّبض في اصطلح الفقهاء على أمرين :
أ -ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن ،كما يقولون :ل بدّ للقصر في السّفر من مجاوزة
القرية المتّصلة بربض المصر ،وسيأتي تفصيله .
ب -المربض ،أي مأوى الغنم وبروك البهيمة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الفناء :
-الفناء بالكسر :سعة أمام الدّار ،وفناء الشّيء ما اتّصل به معدّا لمصالحه . 2
ثمّ يمل الحوض لها ثاني ًة فتعود من عطنها إلى الحوض لتعلّ ،أي تشرب الشّربة الثّانية ،
وهو العلل .ويسمّى الموضع الّذي تبرك فيه البل معطنا أيضا ،وجمعه معاطن .وقد ورد
في الحديث » :ل تصلّوا في أعطان البل « .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
-الرّبض بالمعنى الوّل ،أي ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن ،ذكر الفقهاء حكمه في 5
صلة المسافر ،حيث اشترطوا مفارقته لقصر الصّلة الرّباعيّة للمسافر .
قال ابن عابدين :يشترط لقصر الصّلة الرّباعيّة في السّفر خروج المسافر من عمارة
موضع إقامته من جانب خروجه ،كما يشترط مفارقته توابع موضع القامة ،كربض المدينة
-وهو ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن -فإنّه في حكم المصر ،وكذا القرى المتّصلة
بالرّبض في الصّحيح .وبخلف البساتين ولو متّصل ًة بالبناء ،لنّها ليست من البلدة ،ولو
سكنها أهل البلدة في جميع السّنة أو بعضها .
وتفصيله في مصطلح ( :صلة المسافر ) .
صلة الجمعة والعيدين في الرباض باعتبارها خارج البلد :
-لم يتعرّض الفقهاء لصحّة صلة الجمعة والعيدين في الرباض نصّا . 6
والرّبض التّابع للبلد ل يجوز القصر للمسافر قبل مجاوزته ،فتجوز فيه صلة الجمعة
ح صلة
والعيدين إذا توفّرت سائر شروطها ،أمّا الرباض خارج البلد غير التّابعة له فل تص ّ
الجمعة والعيدين فيها عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " .
وتفصيله في ( :صلة الجمعة ،وصلة العيد ) .
إحياء الرباض :
-الحياء إنّما يكون لرض الموات ،والموات اسم لما ل ينتفع به من الرض الخراب 7
الدّارسة .فما لم يكن ملكا لحدٍ ،ول حقّا خاصّا له ،ول حريما لمعمورٍ ،ول منتفعا به ،
يعتبر مواتا يحلّ إحياؤه .
واشترط بعض الفقهاء في الموات أن ل يكون قريبا من القرية عرفا " كما هو تحديد الحنابلة
ومن معهم ،أو بحيث يصل إليه صوت المنادي من القرية كما قال الحنفيّة " وذلك لنّ
القريب من القرية ل ينقطع ارتفاق أهلها عنه ،وما وراء ذلك يكون من الموات .
وعلى ذلك فالرباض ل تعتبر مواتا فل يجوز إحياؤها .
). 16 ، 12 ، 11 وتفصيل ما يجوز إحياؤه وما ل يجوز في مصطلح ( :إحياء الموات ف
الرّبض بالمعنى الثّاني " :مأوى الغنم " :
-اتّفق الفقهاء على جواز الصّلة في مرابض الغنم إذا أمنت النّجاسة لحديث » :صلّوا 8
ربيئة *
التّعريف :
ل لئلّ
-الرّبيئة والرّبيء في اللّغة :اسم الطّليعة -عين القوم -يرقب العدوّ من مكان عا ٍ 1
يدهم قومه ،من ربأ القوم يربؤهم ربئا :اطّلع لهم على شرفٍ .
ل رأى العدوّ فانطلق يربأ أهله « .
وفي الحديث » :مثلي ومثلكم كمثل رج ٍ
قال في اللّسان :وإنّما أنّثوه ،لنّ الطّليعة يقال به العين ،والعين مؤنّثة إذ بعينه ينظر
ويرعى أمور القوم ويحرسهم .
ي ،قال الخطّابيّ :هو الرّقيب الّذي يشرف على
ول يخرج في الصطلح عن المعنى اللّغو ّ
ل على شرفٍ أو جبلٍ
المرقب ،وينظر العد ّو من أيّ وجهٍ يأتي ،فينذر أصحابه .ول يكون إ ّ
أو شيءٍ مرتفعٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجاسوس :
-الجاسوس اسم لمن يتتبّع الخبار ويفحص عن بواطن المور ،من جسّ الخبار 2
شرّ .
وتجسّسها أي :تتبّعها .وهو صاحب الشّرّ ،وقيل :يكون في الخير وال ّ
ب -المرابط :
-المرابط :المقيم في ثغرٍ من ثغور المسلمين لعزاز الدّين ومراقبة العدوّ . 3
ج -الحارس :
-الحارس :فاعل من الحراسة بمعنى الحفظ .وجمعه حرّاس ،وحرس السّلطان أعوانه. 4
فالرّبيئة والحارس متقاربان في المعنى ،غير أنّ الرّبيئة يكون غالبا على جبلٍ أو شرفٍ
مرتف ٍع ول يلزم ذلك في الحارس .
د -الرّصديّ :
-الرّصديّ الّذي يقعد على الطّريق ينظر النّاس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما وعدوانا . 5
مصلحة الجهاد تقتضي أن يقاتل بعض القوم ،ويكون بعضهم في الرّدء ،وبعضهم يحفظون
السّواد ،وبعضهم في العلوفة ،ولو قاتل كلّ الجيش لفسد التّدبير .
حكم الرّبيئة في القصاص :
ل واحدٍ منهم في الفعل
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يقتل الجمع بالواحد إذا اشترك ك ّ 8
لتِي
ابنتها فل يقوم الموت مقام الدّخول في التّحريم ،لنّ اللّه تعالى قال { :مّن ّنسَآ ِئكُمُ ال ّ
جنَاحَ عََل ْي ُكمْ } .
ن فَلَ ُ
ن َفإِن ّل ْم َتكُونُو ْا َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ
َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ
ن حرمة الرّبيبة في الية تعلّقت شرعا بشرط الدّخول فلو أقمنا
قال صاحب المبسوط :فإ ّ
الموت مقام الدّخول كان ذلك بالرّأي ،كما ل يجوز نصب شرطٍ بالرّأي ل يجوز إقامة شرطٍ
ن الفرقة النّاتجة عن الموت فرقة قبل الدّخول فلم تحرّم الرّبيبة كفرقة
مقام شرطٍ بالرّأي .ول ّ
الطّلق .
ن الموت ينزل
ويقول الحنابلة في رواي ٍة -وهي اختيار أبي بكرٍ وبه قال زيد بن ثابتٍ : -إ ّ
ن الموت أقيم مقام الدّخول في تكميل العدّة والصّداق
منزلة الدّخول في تحريم الرّبيبة ،ل ّ
فيقوم مقامه في تحريم الرّبيبة .
وللتّفصيل ينظر ( :محرّمات ،وموت ،ودخول ) .
تحريم بنات الرّبيبة وبنات أبنائها :
ن السم يشملهنّ .
-تثبت حرمة بنات الرّبيبة وبنات أبنائها وإن سفلن بالجماع ،ول ّ 4
رتق *
التّعريف :
-الرّتق لغ ًة :ض ّد الفتق ،وقد رتقت الفتق أرتقه فارتتق ،أي :التأم ،ومنه قوله تعالى: 1
ن الرّتق
فالزّوج له الخيار في فسخ النّكاح إذا كانت زوجته رتقاء حال العقد ولم يعلم بها ،ل ّ
ن العفّة عن الزّنا
يتعذّر معه الوطء ،وعامّة مصالح النّكاح يقف حصولها على الوطء .فإ ّ
والسّكن والولد تحصل بالوطء ،والرّتق يمنع منه ،فلهذا يثبت الخيار به .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان بالزّوجة رتق فل خيار للزّوج في فسخ النّكاح .
وبهذا قال عطاء والنّخعيّ وعمر بن عبد العزيز وأبو قلبة وابن أبي ليلى والوزاعيّ
والثّوريّ وأبو سليمان الخطّابيّ ،وفي المبسوط ،وهو مذهب عليّ وابن مسعودٍ رضي ال
عنهما .
ن الرّتق ل يخلّ بموجب العقد وهو الحلّ ،فل يثبت به خيار
واستدلّوا على ما ذهبوا إليه بأ ّ
الفسخ كالعمى والشّلل والزّمانة ،فأمّا الستيفاء فهو ثمرة وفوات الثّمرة ل يؤثّر في عقد
النّكاح .
ن الستيفاء يفوت بموت أحد الزّوجين ،ول يوجب ذلك انفساخ النّكاح حتّى ل يسقط
نظيره أ ّ
شيء من المهر .
ن الستيفاء هنا يتأتّى بواسطةٍ ،لمكان
والرّتق فيما هو المقصود بالنّكاح دون الموت ،ل ّ
ق الرّتق .
شّ
إجبار الرّتقاء على مداواة رتقها :
-ذهب المالكيّة إلى أنّ الرّتقاء إذا طلب زوجها الفسخ وطلبت التّداوي تؤجّل لذلك 5
بالجتهاد ول تجبر عليه إن كان خلق ًة ،ويلزم الرّجل الصّبر حيث لم يترتّب على مداواتها
حصول عيبٍ في فرجها .كما أنّها تجبر على ذلك إذا طلبه الزّوج إذا كان ل ضرر عليها
في المداواة .
ويرى الشّافعيّة أنّه ليس للزّوج إجبار الرّتقاء على شقّ الموضع فلو فعلت وأمكن الوطء فل
خيار لزوال سببه .
وقال صاحب ال ّدرّ من الحنفيّة :للزّوج شقّ رتق زوجته وهل تجبر ؟ الظّاهر :نعم ،لنّ
التّسليم الواجب عليها ل يمكن بدونه .
وتعقّبه ابن عابدين بقوله :لكن هذه العبارة " له شقّ رتقها " غير منقولةٍ وإنّما المنقول قولهم
ن له ذلك ،ولذا قال
في تعليل عدم الخيار بعيب الرّتق " :لمكان شقّه " وهذا ل يدلّ على أ ّ
في البحر بعد نقله التّعليل المذكور :ولكن ما رأيت هل يشقّ جبرا أم ل ؟
ب زال بعد عقدٍ
ل أنّهم قالوا :ل يثبت خيار في عي ٍ
ص للحنابلة في المسألة إ ّ
ولم يستدلّ على ن ّ
لزوال سببه .
نفقة الرّتقاء :
ن الستمتاع
-تجب النّفقة للرّتقاء سواء حدث الرّتق بعد تسليم نفسها للزّوج أم قارنه ،ل ّ 6
بها ممكن من بعض الوجوه ول تفريط من جهتها .بهذا قال جمهور الفقهاء .
وذهب المالكيّة إلى أنّه ل تجب النّفقة لمطيقةٍ بها مانع ،كرتقٍ إلّ أن يتلذّذ بها عالما .
وللتّفصيل ( :ر :نفقة ) .
قسم الزّوج لزوجته الرّتقاء :
-يقسم الزّوج وجوبا لزوجته الرّتقاء ،لنّ القصد بالقسم النس ل الوطء . 7
هذا وللتّفصيل فيما يثبت به الرّتق وشرط ثبوت الخيار به وسائر الحكام المتعلّقة به ينظر :
( عيب ،نكاح ) .
رثاء *
التّعريف :
-من معاني الرّثاء في اللّغة :التّرحّم على الميّت والتّرقّق له ،وبكاؤه ومدحه ،وتعداد 1
قال في المصباح :أبّنت الرّجل تأبينا إذا بكيت وأثنيت عليه بعد الموت .
ب -النّدب :
-النّدب مصدر ندب ومعناه في اللّغة ذكر محاسن الميّت . 3
قال في المصباح :ندبت المرأة الميّت ندبا من باب قتل ،وهي نادبة ،والجمع نوادب ،لنّه
كالدّعاء ،فإنّها تقبل على تعديد محاسنه كأنّه يسمعها .
ومعناه عند الفقهاء مثله في اللّغة .
الحكم التّكليفيّ :
-جاء في الدّرّ المختار من كتب الحنفيّة أنّه ل بأس بترثية الميّت بشعرٍ أو غيره ،لكن 4
رجب *
انظر :الشهر الحرم .
وبالتّثقيل فيقال :أرجحت الشّيء ورجّحته ترجيحا أي فضّلته وقوّيته .وأرجحت الرّجل أي
أعطيته راجحا .
أمّا في الصطلح فقد عرّف الحنفيّة التّرجيح بأنّه :إظهار الزّيادة لحد المتماثلين على الخر
بما ل يستقلّ فخرج بقولهم " المتماثلين " الّنصّ مع القياس ،فل يقال النّصّ راجح على
القياس لنتفاء المماثلة ،ولعدم قيام التّعارض بينهما ،وهذا من قبيل ترتيب الدلّة واستحقاق
تقديم بعضها على بعضٍ من حيث الرّتبة وهو غير التّرجيح .
ل دليلً منفردا آخر
ل " الدّليل المستقلّ ،فإذا وافق دليل مستق ّ
كما خرج بقولهم " بما ل يستق ّ
ل من تلك الدلّة بإثبات
فل يرجّح عليه ،إذ ل ترجيح بكثرة الدلّة عند الحنفيّة لستقلل ك ّ
ن الشّيء إنّما يتقوّى بصفةٍ توجد
المطلوب ،فل ينضمّ إلى الخر ول يتّحد به ليفيد تقويته ،ل ّ
في ذاته ل بانضمام مثله إليه .
ولذا عرّف صاحب المنار التّرجيح بأنّه :فضل أحد المثلين على الخر وصفا ،أي وصفا
تابعا ل أصلً ،ولذا فل يترجّح القياس على قياسٍ آخر يعارضه بقياسٍ آخر ينضمّ إليه يوافقه
في الحكم ،أمّا إذا وافقه في العلّة فإنّه ل يعتبر من كثرة الدلّة بل من كثرة الصول،
ن التّعدّد في العلّة يفيد التّعدّد في القياس .وكذا ل يترجّح
وبالتّالي يفيد التّرجيح بالكثرة ،ل ّ
ث آخر ،ول بنصّ الكتاب كذلك .
ث آخر يعارضه بحدي ٍ
الحديث على حدي ٍ
وعرّف الشّافعيّة -ومن وافقهم -التّرجيح بأنّه :اقتران أحد الصّالحين للدّللة على المطلوب
مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الخر .
واحترز بقوله " أحد الصّالحين " عن غير الصّالحين للدّللة ،ول أحدهما .
واحترز بقوله " مع تعارضهما " عن الصّالحين اللّذين ل تعارض بينهما .
وبقوله " بما يوجب العمل " عمّا اختصّ به أحد الدّليلين عن الخر من الصّفات الذّاتيّة أو
العرضيّة ول مدخل لها في التّقوية والتّرجيح .
ويمكن أن يستخلص من التّعريفين السّابقين أنّ الرّاجح هو :ما ظهر فضل فيه على معادله.
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجمع :
ل منهما على وجهٍ .
-الجمع إعمال الدّليلين المتعارضين بحمل ك ّ 2
ب -النّسخ :
-النّسخ رفع الشّارع الحكم الشّرعيّ بدليلٍ شرعيّ متأخّرٍ . 3
ج -التّعارض :
-التّعارض :التّمانع بين الدّليلين مطلقا بحيث يقتضي أحدهما غير ما يقتضي الخر 4
دلّ على ذلك إجماع الصّحابة والسّلف على تقديم بعض الخبار على بعضٍ لقوّة الظّنّ ،
بسبب علم الرّواة وكثرتهم وعدالتهم وعل ّو منصبهم ،ومن أمثلة ذلك تقديمهم خبر عائشة
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :إذا التقى الختانان -أو مسّ الختان
رضي ال عنها أ ّ
الختان -فقد وجب الغسل « على خبر أبي سعي ٍد الخدريّ -رضي ال عنه -في قوله :
»إنّما الماء من الماء « .
وكذلك تقديمهم خبر عائشة رضي ال عنها » أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يصبح جنبا
وهو صائم « على ما رواه أبو هريرة -رضي ال عنه -من قوله صلى ال عليه وسلم :
» من أصبح جنبا فل صوم له « فقدّموا خبرها على خبره لكونها أعرف بحال النّبيّ صلى
ال عليه وسلم .
ويدلّ على ذلك أيضا تقرير النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن قاضيا على
ن ذلك ليس من باب التّرجيح المصطلح عليه
ترتيب الدلّة وتقديم بعضها على بعضٍ مع أ ّ
لكنّه نظيره .
وإذا كان أحد الدّليلين راجحا فالعقلء يوجبون بعقولهم العمل بالرّاجح ،والصل تنزيل
التّصرّفات الشّرعيّة منزلة التّصرّفات العرفيّة ،ولهذا قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ما
رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن « .
ن كون الفرع أشبه بأحد الصلين وجب اتّباعه بالجماع ،فقد فهم
وكذلك إذا غلب على الظّ ّ
من أصول الشّريعة اعتبار ما هو عادة للنّاس في تجارتهم ،وسلوكهم الطّرق ،فإنّهم عند
تعارض السباب المخوفة يرجّحون ويميلون إلى السلم .
الطّرق الموصّلة إلى معرفة الرّاجح من الدلّة :
-وضع الصوليّون جملةً من قواعد التّرجيح لمعرفة الرّاجح من الدلّة المتعارضة ، 6
الغلط .
-أن يكون أحد الرّاويين من كبار الصّحابة والخر من صغارهم . 2
-5يرجّح خبر الواحد فيما ل تعمّ به البلوى على خبر الواحد فيما تع ّم به البلوى ،حيث إنّ
تفرّد الواحد بنقل ما تعمّ به البلوى مع توفّر الدّواعي على نقله بأكثر من طريقٍ قريب من
الكذب .
-9النّوع الثّاني :قواعد التّرجيح المتعلّقة بالمتن ودللته على الحكم .
أ -أن يكون أحد الحديثين أمرا دالً على الوجوب والثّاني نهيا دالً على الحظر ،فالدّالّ
على الحظر مرجّح على الدّالّ على الوجوب .
ومن أمثلته ترجيح حديث النّهي عن الصّلة في الوقات المكروهة على قوله صلى ال عليه
ن الصّلة
وسلم » :من نسي صلةً أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها « ومن قال بأ ّ
ذات السّبب تصلّى في أوقات الكراهة -وهم الشّافعيّة -استفادوا هذا من حديثٍ آخر أفاد
خصوصيّة الصّلة ذات السّبب فخصّوا به عموم حديث النّهي .
ل على الحظر والخر على الباحة :
ب -أن يكون أحدهما دا ً
وللصوليّين اتّجاهات في هذه القاعدة فمنهم من رجّح الحظر على الباحة ،ومنهم من رجّح
الباحة على الحظر .ومنهم من سوّى بين الحظر والباحة فيتساقطان لتساوي المثبت مع
النّافي .
ج -يرجّح الدّالّ على الوجوب والكراهة والنّدب على الدّالّ على الباحة .
ي للقرينة .
ي على المجازيّ لعدم افتقار الحقيق ّ
د -يرجّح الحقيق ّ
ه -يرجّح ما ل يحتاج إلى إضمارٍ ول حذفٍ على ما احتاج إليهما .
و -أن تكون دللة أحدهما مؤكّد ًة دون الخرى ،فيرجّح المؤكّد على غيره لنّه أقوى دللةً
كحديث » :فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل « .
ز -يرج ّح مها دلّ بمفهوم الموافقهة على مها دلّ بمفهوم المخالفهة للختلف فيهه دون مفهوم
ن المخال فة تف يد التّأ سيس دون
ل يرجّح مفهوم المخال فة على المواف قة ،ل ّ
المواف قة .و في قو ٍ
الموافقة .
ج وقد أثبته غير الحنفيّة :
-النّوع الثّالث :ما يتعلّق بالتّرجيح بأمرٍ خار ٍ 10
رجس *
انظر :نجاسة
رجعة *
التّعريف :
-الرّجعة اسم مصدر رجع ،يقال :رجع عن سفره ،وعن المر يرجع رجعا ورجوعا 1
القاضي ،لنّها استئناف للحياة الزّوجيّة الّتي قطعت بالطّلق ،فلول وقوعه لما كان للرّجعة
فائدة ،فإذا طلّق الرّجل امرأته الطّلقة الثّالثة فليس له حقّ مراجعتها ،إذ بالطّلقة الثّالثة تبين
المرأة من زوجها بينونةً كبرى ول يحلّ له مراجعتها حتّى تتزوّج آخر .قال تعالى َ { :فإِن
غ ْيرَهُ} .والفقهاء جميعا متّفقون على هذا الشّرط
حّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ
طَلّ َقهَا فَلَ َتحِلّ َلهُ مِن َب ْعدُ َ
ولم يخالف فيه أحد منهم .
-6الشّرط الثّاني :أن تحصل الرّجعة بعد الدّخول بالزّوجة المطلّقة ،فإن طلّقها قبل الدّخول
ن آ َمنُوا ِإذَا
وأراد مراجعتها فليس له الحقّ في ذلك وهذا بالتّفاق لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ
عدّ ٍة َت ْعتَدّو َنهَا َف َم ّتعُوهُنّ
ن مِنْ ِ
ن فَمَا َل ُكمْ عََل ْيهِ ّ
ن مِن َقبْلِ أَن َت َمسّوهُ ّ
حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ُثمّ طَلّ ْق ُتمُوهُ ّ
َن َك ْ
جمِيلً } .
سرَاحا َ
ن َ
س ّرحُوهُ ّ
َو َ
إلّ أنّ الحنابلة اعتبروا الخلوة الصّحيحة في حكم الدّخول من حيث صحّة الرّجعة ،لنّ
الخلوة ترتّب أحكاما مثل أحكام الدّخول ،أمّا الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على المذهب فل بدّ
عندهم من الدّخول لصحّة الرّجعة ،ول تكفي الخلوة .
ح ارتجاعها
-7الشّرط الثّالث :أن تكون المطلّقة في العدّة ،فإن انقضت عدّتها فل يص ّ
لثَةَ ُقرُوَء } ثمّ قال تعالى :
ن ثَ َ
سهِ ّ
ن ِبأَنفُ ِ
باتّفاق الفقهاء ،لقوله تعالى { وَا ْل ُمطَلّقَاتُ َي َت َربّصْ َ
ن فِي ذَِلكَ } أي في القروء الثّلثة .
حقّ ِبرَدّهِ ّ
ن َأ َ
{ َو ُبعُوَل ُتهُ ّ
ن في ارتجاع المطلّقة في فترة العدّة استدام ًة واستمرارا لعقد النّكاح ،فإذا انقضت العدّة
ول ّ
انقطعت هذه الستدامة فل تصحّ الرّجعة بعد انقضاء العدّة ،وقال الكاسانيّ :من شروط
ن الرّجعة استدامة الملك ،
ح الرّجعة بعد انقضاء العدّة ،ل ّ
جواز الرّجعة قيام العدّة فل تص ّ
والملك يزول بعد انقضاء العدّة ،فل تتصوّر الستدامة ،إذ الستدامة للقائم لصيانته عن
الزّوال وأمّا ما تنتهي به العدّة فينظر في مصطلح ( :عدّة ) .
-8الشّرط الرّابع :ألّ تكون الفرقة قبل الرّجعة ناشئةً عن فسخ عقد النّكاح ،وتفصيل ذلك
في مصطلح ( :فسخ ) .
ض فل تصحّ الرّجعة ،
ل يكون الطّلق بعوضٍ ،فإن كان الطّلق بعو ٍ
-9الشّرط الخامس :أ ّ
ض ماليّ ينهي
ن الطّلق حينئذٍ بائن لفتداء المرأة نفسها من الزّوج بما قدّمته له من عو ٍ
لّ
هذه العلقة مثل الخلع والطّلق على مالٍ .
ح تعليقها على شرطٍ أو إضافتها إلى
-10الشّرط السّادس :أن تكون الرّجعة منجّز ًة فل يص ّ
زمنٍ مستقبلٍ ،وصورة التّعليق على الشّرط أن يقول :إن جاء زيد فقد راجعتك ،أو إن
فعلت كذا فقد راجعتك ،وصورة الضافة للزّمن المستقبل كأن يقول :أنت راجعة غدا أو
بعد شهرٍ وهكذا ،وهذا عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " والظهر عند
المالكيّة .
. 31 ص 12 ) الموسوعة ج 46 وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تعليق ف
واستدلّوا لذلك بأنّ الرّجعة استدامة لعقد النّكاح أو إعادة له ،والنّكاح ل يقبل التّعليق
والضافة ،والرّجعة تأخذ حكم النّكاح .
ل لنشاء عقد النّكاح .
-11الشّرط السّابع :أن يكون المرتجع أه ً
ن كلّ من له الحقّ في إنشاء عقد
وهذا الشّرط ورد في كتب المالكيّة والشّافعيّة فيرى المالكيّة أ ّ
الزّواج يكون له الحقّ في ارتجاع مطلّقته عند استيفاء شروط الرّجعة ،وعلى ذلك فل تصحّ
الرّجعة من المجنون والسّكران لعدم أهليّتهما لنشاء عقد النّكاح ،وأجاز المالكيّة رجعة
ناقصي الهليّة ،وهم الصّبيّ المميّز ،والسّفيه ،والمريض مرض الموت ،والمفلس ،وقد
ل من
بنوا إجازة الرّجعة من هؤلء على أساس عدم إلحاق الضّرر بهم ،وعلى حسب حالة ك ّ
هؤلء على حد ٍة ،فأمّا الصّبيّ المميّز فيصحّ عقد نكاحه إلّ أنّه متوقّف على إجازة وليّه ،
فكما صحّ عقده بهذه الحالة صحّت رجعته ،وأمّا السّفيه فيصحّ عقد نكاحه في حدود مهر
المثل فصحّت رجعته لستمرار عقد النّكاح من جهةٍ ،وكذا لعدم وجود السراف منه ،وأمّا
المريض مرض الموت فقد صحّت رجعته ،لنّ الرّجعة ليس فيها إدخال غير وارثٍ مع
الورثة ،وأمّا المفلس فصحّت الرّجعة منه ،لنّها ل تتطلّب مهرا جديدا فل تشغل ذمّته
بالتزاماتٍ ماليّ ٍة ول يحتاج لذن الدّائنين ،كما أجازوا الرّجعة من المحرم بالحجّ أو العمرة
مع عدم جواز عقد نكاحه ،لنّ الرّجعة استمرار لعقد النّكاح وليست إنشاءً جديدا له .وذهب
ن شرط المرتجع أهليّة النّكاح بنفسه بأن يكون بالغا عاقلً مختارا غير مرتدّ ،
الشّافعيّة إلى أ ّ
ن الرّجعة كإنشاء النّكاح فل تصحّ الرّجعة في ال ّردّة والصّبا والجنون ول من مكرهٍ ،كما ل
لّ
يصحّ النّكاح فيها .
ل من بال ٍغ ،عاقلٍ مختارٍ .
فالرّجعة ل تصحّ إ ّ
واستثنى الشّافعيّة من ذلك السّفيه فكما يصحّ نكاحه صحّت رجعته .
والسّكران المتعدّي بسكره تصحّ رجعته عند الشّافعيّة ،لنّه في الصل أهل لبرام عقد
النّكاح ،ول تصحّ رجعته عند المالكيّة ،كما ل تصحّ عند الشّافعيّة رجعة السّكران غير
ن أقواله كلّها لغية .
المتعدّي بسكره ،ل ّ
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى صحّة الرّجعة من المحرم ،لنّ الحرام ل يؤثّر في أهليّة
المحرم لنشاء عقد النّكاح وإنّما هو أمر عارض .
ن } .يدلّ
ق بِ َردّهِ ّ
ن َأحَ ّ
هذا ول يشترط في الرّجعة رضا المرأة .وقوله سبحانه َ { :و ُبعُوَل ُتهُ ّ
على هذا المعنى .
كيفيّة الرّجعة :
للرّجعة كيفيّتان :رجعة بالقول ،ورجعة بالفعل .
أوّلً :الرّجعة بالقول :
ح بالقول الدّالّ على ذلك ،كأن يقول لمطلّقته وهي في
-اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة تص ّ 12
،أو يلمسهها بشهو ٍة ،أو ينظهر إلى فرجهها بشهوةٍ ،وهذا عندنها " ،وقولههم هذا مرويّه عهن
كثيرٍ من التّابعين ،وهم سعيد بن المسيّب ،والحسن البصريّ ،ومحمّد بن سيرين ،وطاوس
،وعطاء بهن أبهي رباحٍه ،والوزاعيّه ،والثّوريّه ،وابهن أبهي ليلى ،والشّعهبيّ ،وسهليمان
التّيميّ ،وصرّح الحنفيّة بأنّه ل يكون النّظر إلى شي ٍء من جسد الزّوجة سوى الفرج رجعةً .
وا ستدلّوا بأ نّ الرّج عة تع تبر ا ستدامةً للنّكاح وا ستمرارا لجم يع آثاره ،و من آثار النّكاح حلّ
ن النّكاح ما زال موجودا إلى
الجماع ومقدّما ته ،لذلك صحّت الرّج عة بالجماع ومقدّما ته ،ل ّ
أن تنقضي العدّة .
ن الفعال صريحها ودللت ها تدلّ على نيّة الفا عل ،فإذا و طئ الزّوج مطلّق ته الرّجعيّة
ك ما أ ّ
وهي في العدّة ،أو قبّلها بشهو ٍة ،أو لمسها بشهوةٍ ،اعتبر هذا الفعل رجعةً بالدّللة ،فكأنّه
بوطئها قد رضي أن تعود إلى عصمته .
و قد قيّد الحنفيّة القبلة والنّ ظر إلى الفرج واللّ مس بالشّهوة .أمّا إذا ح صل ل مس أو ن ظر إلى
الفرج ،أو تقب يل بغ ير شهوةٍ ،فل تتحقّق الرّج عة ،وال سّبب في ذلك أ نّ الشياء المذكورة ،
إذا كانت بغير شهو ٍة فإنّها تحصل من الزّوج وغيره كالمساكنين لها ،أو المتحدّثين معها ،أو
الطّبيب والقابلة " المولّدة " أمّا وجود الشّهوة مع هذه الفعال فإنّ ها ل تح صل إلّ من الزّوج
فقط .
فإذا صحّت الرّجعة مع هذه الفعال بغير شهوةٍ احتاج الزّوج إلى طلقها ،فتطول عليها العدّة
وتقع المرأة في حرجٍ شديدٍ .
وإذا حدثهت هذه الشياء مهن المرأة كأن قبّلت زوجهها ،أو نظرت إليهه ،أو لمسهته بشهوةٍ ،
ح الرّجعة .
فعند أبي حنيفة ومح ّمدٍ تص ّ
ح الرّجعهة منهها إذا
ل المعاشرة الزّوجيّة قهد ثبهت لهمها معا ،فتصه ّ
واسهتدلّ على ذلك بأنّه ح ّ
ن حر مة الم صاهرة تث بت من
نظرت إل يه بشهو ٍة ،ك ما ي صحّ ذلك م نه ،و من جه ٍة أخرى فإ ّ
جهتها ،كأن عاشرت ابن زوجها أو أباه ،كما تثبت حرمة المصاهرة من جهة الزّوج أيضا،
لذلك صحّت الرّجعة من جهتها إذا لمسته أو قبّلته بشهو ٍة ،أو رأت فرجه بشهوةٍ ،وعند أبي
ح الرّج عة من جهت ها إذا لم سته أو قبّل ته بشهو ٍة أو نظرت إلى فر جه بشهوةٍ ،
يو سف ل ت ص ّ
ن الرّجعة حقّ للزّوج على زوجته حتّى إنّه يراجعها بغير رضاها ،وليس لها
وحجّته في ذلك أ ّ
ح قّ مراجعة زوجها ل بالقول ول بالفعل ،فسواء نظرت إليه بشهو ٍة أو بغيرها ل تثبت لها
الرّجعة .
-ويرى المالكيّة صحّة الرّج عة بالف عل كالو طء ومقدّما ته بشرط أن ينوي الزّوج بهذه 14
الفعال الرّجعة ،فإذا قبّلها أو لمسها بشهوةٍ ،أو نظر إلى موضع الجماع بشهوةٍ ،أو وطئها
ن الرّجعة
ولم ينو الرّجعة فل تصحّ الرّجعة بفعل هذه الشياء ،جاء في الخرشيّ ما نصّه :أ ّ
ولمسه ،والدّخول
ٍ ل مج ّردٍ عهن ني ّة الرّجعهة ولو بأقوى الفعال كوطءٍ وقبلةٍ
ل تحصهل بفع ٍ
عليها من الفعل فإذا نوى به الرّجعة كفى .
-والرّجعة عند الشّافعيّة ل تصحّ بالفعل مطلقا ،سواء كان بوطءٍ أو مقدّماته ،وسواء 15
ن المرأة في الطّلق
كان الف عل م صحوبا بنيّة الزّوج في الرّج عة أو ل ،وحجّت هم في ذلك أ ّ
الرّجع يّ تع تبر أج نبيّةً عن الزّوج فل يحلّ له وطؤ ها ،والرّج عة في العدّة تع تبر إعاد ًة لع قد
ل عليهه ،فكذا الرّجعهة ل تصهحّ إلّ
ح إلّ بالقول الدّا ّ
أنه عقهد الزّواج ل يصه ّ
الزّواج ،وكمها ّ
أنه رجلً وطهئ امرأةً قبهل عقهد النّكاح فوطؤه حرام ،فكذا
بالقول الدّالّ عليهها أيضا ،فلو ّ
المطلّ قة الرّجعيّة لو وطئ ها الزّوج في العدّة فوطؤه هذا حرام ،و قد ن صّ الشّافع يّ على ذلك
ن ال ّردّ ثابت لهم دون رضى المرأة قال :
في ال ّم بعد أن بيّن أ نّ الرّجعة ح قّ للزواج ،وأ ّ
وال ّردّ يكون بالكلم دون الفعل من جما عٍ وغيره ،لنّه ردّ بل كل مٍ ،فل تثبت رجعة لرجلٍ
على امرأته حتّى يتكلّم بالرّجعة ،كما ل يكون نكاح ول طلق حتّى يتكلّم بهما ،فإذا تكلّم بها
في العدّة ثبتت له الرّجعة .
-وفرّق الحنابلة في صحّة الرّج عة ب ين الو طء ومقدّما ته ،فإ نّ الرّج عة عند هم ت صحّ 16
المشهورة عن أحمد عدم صحّة الرّجعة بالنّظر إلى موضع الجماع واللّمس والتّقبيل بشهوةٍ ،
وحجّة هذه الرّواية ما يأتي :
أ -أنّ هذه الشياء المذكورة إذا حدثت ل يترتّب عليها عدّة ول يجب بها مهر فل تصحّ بها
الرّجعة .
ب -أنّ النّظر إلى موضع الجماع أو اللّمس قد يحدث من غير الزّوج للحاجة ،فل تكون
رجع ًة من هذه الجهة .
وفي رواي ٍة أخرى هي :تصحّ الرّجعة بفعل هذه الشياء لنّها ل تخلو من استمتاعٍ يجري
بين الزّوجين .
والرّواية الولى :هي المعتمدة في المذهب وقد نصّ عليها أحمد رضي ال عنه .
وكذلك اختلفوا في الخلوة الصّحيحة هل تصحّ معها الرّجعة ؟ على قولين :
القول الوّل :تصحّ الرّجعة مع الخلوة لنّ أحكام النّكاح تتقرّر بالخلوة الصّحيحة بالضافة
إلى إمكان الستمتاع في الخلوة .
ن الخلوة الصّحيحة في حالة الطّلق ل يتأتّى فيها
ح الرّجعة مع الخلوة ل ّ
القول الثّاني :ل تص ّ
الستمتاع فل تصحّ معها الرّجعة .
أحكام الرّجعة :
الشهاد على الرّجعة :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،والجديد من مذهب الشّافعيّ وإحدى الرّوايتين عن أحمد إلى أنّ 19
الشهاد على الرّجعة مستحبّ ،وهذا القول مرويّ عن ابن مسعودٍ ،وعمّار بن ياسرٍ رضي
ن الشهاد مستحبّ .وحجّتهم في
ال عنهما ،فمن راجع امرأته ولم يشهد صحّت الرّجعة ،ل ّ
ذلك ما يأتي :
-الرّجعة مثل النّكاح من حيث كونها امتدادا له ،ومن المتّفق عليه أنّ استدامة النّكاح ل 1
ن الزّوج قد استعمل خالص حقّه ،والحقّ إذا لم يحتج إلى قبولٍ أو وليّ فل
لصحّتها ،ل ّ
تكون الشّهادة شرطا في صحّته .
عدْلٍ مّن ُكمْ } هذا أمر ،والمر في هذه الية
ش ِهدُوا ذَ َويْ َ
قالوا :وأمّا قوله تعالى { :وََأ ْ
ش ِهدُوْ ْا ِإذَا َتبَا َيعْتُم } واتّفق
محمول على النّدب ل على الوجوب ،مثل قوله تعالى { :وََأ ْ
جمهور الفقهاء على صحّة البيع بل إشهادٍ ،فكذا استحبّ الشهاد على الرّجعة للمن من
الجحود ،وقطع النّزاع ،وس ّد باب الخلف بين الزّوجين .
ن البيع إنشاء
ن تأكيد الحقّ في البيع في حاج ٍة إلى إشهادٍ أكثر من الرّجعة ،ل ّ
ويلحظ أ ّ
لتص ّرفٍ شرعيّ ،أمّا الرّجعة فهي استدامة الحياة الزّوجيّة أو إعادتها ،فلمّا صحّ البيع بل
إشهادٍ صحّت الرّجعة بل إشهادٍ من باب أولى .
وأضاف المالكيّة أنّ الزّوجة لو منعت زوجها من وطئها حتّى يشهد على الرّجعة كان فعلها
هذا حسنا وتؤجر عليه ،ول تكون عاصي ًة لزوجها .
وذهب الشّافعيّ في القديم من المذهب وأحمد في الرّواية الثّانية بأنّ الشهاد على الرّجعة
عدْلٍ مّن ُكمْ } .وبالثر المرويّ عن عمران بن حصينٍ
ش ِهدُوا ذَ َويْ َ
واجب لقوله تعالى { :وََأ ْ
فقد سأله رجل عمّن طلّق امرأته طلقا رجعيّا ثمّ وقع بها ولم يشهد ،فقال :طلّقت لغير سنّةٍ
وراجعت لغير سنّ ٍة ،أشهد على ذلك ول تعد ،ولنّ الرّجعة استباحة بضعٍ مح ّرمٍ فيلزمه
الشهاد .
وقال النّوويّ :إنّ الشهاد على الرّجعة ليس شرطا ول واجبا في الظهر .
إعلم الزّوجة بالرّجعة :
-ذ هب جمهور الفقهاء إلى أ نّ إعلم الزّو جة بالرّج عة م ستحبّ ،ل ما ف يه من ق طع 20
العدّة ،لنّه أخبر بما يملك استئنافه فل يكون متّهما في الخبار ،ول يصدّق إذا قال ذلك بعد
انقضاء العدّة ،لنّه أخبر بما ل يملك استئنافه ،فإن ادّعى بعد انقضاء عدّتها أنّه كان راجعها
في عدّتها فأنكرت ،فالقول قولها ،لنّه ادّعى مراجعتها في زمنٍ ل يملك مراجعتها فيه .
وإذا ادّعى الزّوج بعد انقضاء العدّة أنّه قد راجع مطلّقته في أثناء العدّة وأقام بيّنةً على ذلك
صحّت رجعته .
قال السّرخسيّ :وإذا قال زوج المعتدّة لها :قد راجعتك ،فقالت مجيب ًة له :قد انقضت عدّتي
،فالقول قولها عند أبي حنيفة ول تثبت الرّجعة .
ن عدّتها باقية ما لم
وعندهما القول قول الزّوج والرّجعة صحيحة ،لنّها صادفت العدّة ،فإ ّ
تخبر بالنقضاء ،وقد سبقت الرّجعة خبرها بالنقضاء فصحّت الرّجعة وسقطت العدّة ،فإنّها
أخبرت بالنقضاء بعد سقوط العدّة ،وليس لها ولية الخبار بعد سقوط العدّة ولو سكتت
ساع ًة ثمّ أخبرت ،ولنّها صارت متّهمةً في الخبار بالنقضاء بعد رجعة الزّوج فل يقبل
خبرها ،كما لو قال الموكّل للوكيل عزلتك ،فقال الوكيل كنت بعته .
وأبو حنيفة يقول :الرّجعة صادفت حال انقضاء العدّة فل تصحّ ،لنّ انقضاء العدّة ليس بعدّةٍ
مطلقا وشرط الرّجعة أن تكون في عدّة مطلّقةٍ .
رجل *
التّعريف :
-الرّجل في اللّغة خلف المرأة وهو الذّكر من نوع النسان ،وقيل إنّما يكون رجلً إذا 1
احتلم وشبّ ،وقيل هو رجل ساعة تلده أمّه إلى ما بعد ذلك ،وتصغيره رجيل قياسا ،
ورويجل على غير قياسٍ ،ويجمع رجل على رجالٍ .وجمع الجمع رجالت ،ويطلق الرّجل
ن خِ ْف ُتمْ فَ ِرجَالً أَ ْو ُر ْكبَانًا } إلى غير
أيضا على الرّاجل أي الماشي .ومنه قوله تعالى { :فَإ ْ
ذلك من المعاني .
وأمّا في الصطلح فهو كما ذكر الجرجانيّ في التّعريفات :الذّكر من بني آدم جاوز حدّ
الصّغر بالبلوغ .
وهذا في غير الميراث ،وأمّا في الميراث فيطلق الرّجل على الذّكر من حين يولد ،ومنه
ل ْق َربُونَ } .
ك الْوَاِلدَانِ وَا َ
ب ّممّا َترَ َ
قوله تعالى { :لّل ّرجَالِ نَصيِ ٌ
الحكم الجماليّ :
يختصّ الرّجل بأحكا ٍم يخالف فيها المرأة وفيما يلي أهمّها :
أ -لبس الحرير :
-يحرم على الرّجل لبس الحرير اتّفاقا ،ويحرم افتراشه في الصّلة وغيرها عند الجمهور 2
صوتها قد يوقع في الفتنة ،وهذا عند الجمهور في الجملة ،ول يعتدّ بأذانها لو أذّنت .
والتّفصيل محلّه مصطلح ( :أذان ) .
هه – وجوب صلة الجمعة على الرّجال دون النّساء :
– من شرائط وجوب صلة الجمعة الذّكورة ،وأمّا المرأة فل تجب عليها صلة الجمعة 6
اتّفاقا .
انظر مصطلح ( :صلة الجمعة )
و -كون الرّجل إماما في الصّلة دون المرأة :
-اتّفق الفقهاء على اشتراط الذّكورة في إمامة الصّلة للرّجال في الفريضة ،فل تصحّ 7
ن اللّه « ،
إمامة المرأة للرّجال فيها لقوله صلى ال عليه وسلم » أخّروهنّ من حيث أخّره ّ
ن في إمامتها للرّجال افتتانا بها .
ولما روى جابر مرفوعا » ل تؤ ّمنّ امرأة رجلً « ،ول ّ
ز -ما يختصّ بالرّجل من أعمال الحجّ :
-يحرم على الرّجل لبس المخيط من الثّياب بخلف المرأة ،والمشروع في حقّه الحلق أو 8
ن للرّجل الرّمل
ن المشروع في حقّها التّقصير دون الحلق ،ويس ّ
التّقصير بخلف المرأة ،فإ ّ
في طوافه والضطباع والسراع بين الميلين الخضرين في السّعي ورفع صوته بالتّلبية .
وأمّا المرأة فإنّها تخالفه في ذلك كلّه .
ج ،وإحرام ،وتلبية ،وطواف ) .
والتّفصيل محلّه مصطلح ( :ح ّ
ح -دية الرّجل :
ن دية الرّجل الحرّ المسلم مائة من البل ،وأمّا دية المرأة
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 9
قادرٍ على حمل السّلح والقتال من أهل ذلك البلد رجلً كان أو امرأةً أو صبيا أو شيخا ،وأمّا
إذا كان فرض كفايةٍ فإنّه يجب على الرّجال فقط ،وأمّا المرأة فل يجب عليها لضعفها اتّفاقا .
وانظر ( :جهاد ) .
ي -أخذ الجزية من المرأة :
-ل تؤخذ الجزية من المرأة . 11
وتقدّم المرأة على الرّجل في الولية الّتي هي أقوم بمصالحها من الرّجل وهي الحضانة .
وتفصيل ذلك محلّه مصطلح ( :ولية ) .
وانظر أيضا مصطلح ( :ذكورة ) .
رِجل *
التّعريف :
-الرّجل لغةً :قدم النسان وغيره ،وهي مؤنّثة وجمعها أرجل ،ورجل النسان هي من 1
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال في ال سّارق » :إذا سرق ال سّارق فاقطعوا يده ،فإن
عاد فاقطعوا رجله « ولنّه في المحاربة الموجبة قطع عضوين إنّما تقطع يده ورجله ،ول
تقطهع يداه ،وحكهي عهن عطا ٍء وربيعهة أنّه إن سهرق ثانيا تقطهع يده اليسهرى لقوله سهبحانه
ن اليد آلة السّرقة والبطش فكانت العقوبة بقطعها أولى ،قال
طعُو ْا َأ ْيدِ َي ُهمَا } ول ّ
وتعالى { :فَاقْ َ
ابن قدامة -بعد أن ذكر هذا القول -وهذا شذوذ يخالف قول جماعة فقهاء المصار من أهل
الفقه والثر من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم .
-5واختلف الفقهاء فيما إذا سرق ثالثا بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى .
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل يقطع منه شيء بل يعزّر ويحبس ،واستدلّوا بأنّ عمر
رضي ال عنه أتي بسارقٍ أقطع اليد والرّجل قد سرق يقال له :سدوم ،وأراد أن يقطعه ،
ي رضي ال عنه :إنّما عليه قطع يدٍ ورجلٍ ،فحبسه عمر ،ولم يقطعه .
فقال له عل ّ
ولما روى أبو سعيدٍ المقبريّ عن أبيه أنّ عليّا رضي ال عنه أتي بسارقٍ فقطع يده -اليمنى
-ثمّ أتي به الثّانية وقد سرق فقطع رجله -اليسرى -ثمّ أتي به الثّالثة وقد سرق ،فقال
لصحابه :ما ترون في هذا ؟ قالوا :اقطعه يا أمير المؤمنين ،فقال :قتلته إذن وما عليه
القتل ،ل أقطعه ،إن قطعت يده فبأيّ شي ٍء يأكل الطّعام ،وبأيّ شي ٍء يتوضّأ للصّلة ،وبأيّ
ي شيءٍ
شي ٍء يغتسل من جنابته ،وبأيّ شيءٍ يتمسّح ،وإن قطعت رجله بأيّ شيءٍ يمشي ،بأ ّ
يقوم على حاجته ،إنّي لستحيي من اللّه أن ل أدع له يدا يبطش بها ،ول رجلً يمشي عليها
،ثمّ ضربه بخشب ٍة وحبسه .
وإلى هذا ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وحمّاد والثّوريّ .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه إن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى .
ن النّبيّ صلى
فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه » أ ّ
ال عليه وسلم قال في السّارق :إن سرق فاقطعوا يده ،ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله ،ثمّ إن
سرق فاقطعوا يده ،ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله « .
ولنّه فعل أبي بكرٍ وعمر رضي ال عنهما ،وإلى هذا ذهب قتادة وأبو ثورٍ ،وابن المنذر ،
وتقطع رجل السّارق من المفصل بين السّاق والقدم .
ج -قاطع الطّريق :
ن قاطع الطّريق إذا أخذ المال
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ 6
ولم يقتل ،وكان المال الّذي أخذه بمقدار ما تقطع به يد السّارق ،فإنّه تقطع يده اليمنى
ن فِي الَرْضِ
سعَوْ َ
ن الّلهَ َورَسُوَلهُ َو َي ْ
ن ُيحَا ِربُو َ
جزَاء اّلذِي َ
ورجله اليسرى ،لقوله تعالى ِ { :إ ّنمَا َ
ن خِلفٍ } .
فَسَادا أَن يُ َقتّلُو ْا َأوْ ُيصَّلبُواْ َأوْ ُت َقطّعَ َأ ْيدِي ِهمْ وََأ ْرجُلُهُم مّ ْ
وبهذا تتحقّق المخالفة المذكورة في الية ،وهي أرفق به في إمكان مشيه .
وذهب المالكيّة إلى أنّ المام مخيّر ،فيحكم بين القتل والصّلب والقطع والنّفي ،سواء قتل
وأخذ المال ،أم قتل فقط ،أو أخذ المال فقط ،أم خوّف دون أن يقتل أو يأخذ المال .
والتّفصيل في مصطلح ( :حرابة ) .
د -دية الرّجل :
-اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع الرّجلين دي ًة كاملةً ،وفي قطع إحداهما نصف الدّية ،وفي 7
رجم *
التّعريف :
-الرّجم في اللّغة :الرّمي بالحجارة .ويطلق على معانٍ أخرى منها :القتل .ومنها : 1
ملتزم بأحكام الشّرع ،وطئ أو وطئت حال الكمال في نكاحٍ صحيحٍ ،وإن كان ذ ّميّا عند
الجمهور خلفا للشّافعيّة ،أو مرتدّا ،للتزامهما أحكام الشّرع .
وانظر ( :إحصان ) .
أمّا غير المكلّف فل يرجم ،لنّ فعله ل يوصف بتحريمٍ ،كما ل يرجم غير الملتزم
كالحربيّ .وينظر التّفصيل في ( :زنىً )
كيفيّة الرّجم :
-إذا كان المرجوم رجلً أقيم عليه حدّ الرّجم ،وهو قائم ولم يوثق ،ولم يحفر له ،سواء 4
ثبت زناه ببيّن ٍة أو بإقرارٍ ،وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء .
ل تتكشّف عورتها .
أمّا المرأة فيحفر لها عند الرّجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببيّنةٍ ،لئ ّ
وقال أحمد في رواي ٍة :ل يحفر لها ،كالرّجل .
ض فضاءٍ ،ويبتدئ بالرّجم الشّهود إذا ثبت زناه بشهادةٍ ،
ويخرج من يستحقّ الرّجم إلى أر ٍ
ندبا عند الجمهور ووجوبا عند الحنفيّة .
ويحضر المام عند الرّجم كما يحضر جمع من الرّجال المسلمين ،ويرجم بحجار ٍة معتدلةٍ .
والتّفصيل في مصطلح ( :زنىً ) .
الجمع بين الرّجم ،والجلد :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجمع على الزّاني المحصن بين الرّجم والجلد ،وقال 5
أحمد بن حنبلٍ في إحدى روايتين عنه :إنّه يجلد ثمّ يرجم .
( ر :جلد ) .
تكفين المرجوم والصّلة عليه :
ن المرجوم يكفّن ،ويصلّى عليه ،لقوله صلى ال عليه وسلم
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 6
في ماعزٍ » :اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم « ،وأنّه صلى ال عليه وسلم » صلّى على
الغامديّة « .
والتّفصيل في ( صلة الجنازة ) .
رجم الحامل :
-ل يقام حدّ الرّجم على الحامل حتّى تضع ويستغني عنها وليدها ،سواء كان الحمل من 7
رجوع *
التّعريف :
-الرّجوع في اللّغة :النصراف ،يقال :رجع يرجع رجعا ورجوعا ورجعيّ ومرجعا : 1
إذا انصرف ،ورجّعه :ردّه ،والرّجعة :مراجعة الرّجل أهله .ورجع من سفره ،وعن
سكّيت :هو نقيض الذّهاب ،ويتعدّى بنفسه في اللّغة
المر يرجع رجعا ورجوعا ،قال ابن ال ّ
ج َعكَ اللّهُ } .وهذيل تعدّيه باللف ،
الفصحى ،وبها جاء القرآن قال تعالى َ { :فإِن ّر َ
ورجعت الكلم وغيره :رددته ،ورجع في الشّيء :عاد فيه ،ومن هنا قيل :رجع في هبته
إذا أعادها إلى ملكه .
وفي الكّليّات :الرّجوع :العود إلى ما كان عليه مكانا أو صفةً ،أو حالً ،يقال :رجع إلى
صحّة أو المرض ،أو غيره من الصّفات ،
مكانه ،وإلى حالة الفقر أو الغنى ،ورجع إلى ال ّ
ورجع عوده على بدئه ،أي رجع في الطّريق الّذي جاء منه ،ورجع عن الشّيء تركه ،
ورجع إليه :أقبل .
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -ال ّردّ :
-ال ّردّ صرف الشّيء ورجعه ،وردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله ،وكذا إذا خطّأه ،ورددت 2
إليه جوابه ،أي رجعت وأرسلت ،ومنه :رددت عليه الوديعة ،وتردّدت إلى فلنٍ :رجعت
إليه مرّةً بعد أخرى ،وترادّ القوم البيع :ردّوه .
والفقهاء أحيانا يستعملون ال ّردّ والرّجوع بمعنًى واحدٍ .
ل من المستعير والمعير ر ّد العاريّة متى شاء ،ور ّد المعير
قال المحّليّ في شرح المنهاج :لك ّ
بمعنى رجوعه .
ويقول الفقهاء في الوصيّة :يكون الرّجوع في الوصيّة بالقول كرجعت في وصيّتي ،أو
أبطلتها ونحوه كرددتها .
وقد يختصّ الرّجوع بمن يصدر منه التّصرّف كالرّجوع في الهبة والوصيّة ،والرّجوع عن
القرار والشّهادة ،ويستعمل الرّدّ فيمن صدر التّصرّف لصالحه كردّ المستعير للعاريّة ،وردّ
الموصى له الوصيّة ،أو من طرفٍ ثالثٍ كردّ القاضي الشّهادة .
ب -الفسخ :
-الفسخ :النّقض ،يقال فسخ الشّيء يفسخه فسخا فانفسخ :أي نقضه فانتقض ،وفسخ 3
رأيه :فسد ،ويقال :فسخت البيع والنّكاح فانفسخ ،أي نقضته فانتقض ،وفسخت العقد
فسخا رفعته ،وفسخت الشّيء فرّقته .
والفقهاء يستعملون الفسخ بمعنى الرّجوع ،قال الكاسانيّ :الرّجوع :فسخ العقد بعد تمامه.
وفي المنثور للزّركشيّ :الفسخ لفظ ألّفه الفقهاء ،ومعناه ردّ الشّيء واسترداد مقابله .
ج -النّقض :
-النّقض :إفساد ما أبرمت من عق ٍد أو بناءٍ ،والنّقض :انتثار العقد من البناء والحبل 4
والعقد ،وهو ضدّ البرام ،يقال :نقضت البناء والحبل والعقد ،وفي حديث صوم التّطوّع :
»فناقضني وناقضته « ،أي ينقض قولي وأنقض قوله ،وأراد به المراجعة والمرادّة .
ويقول الفقهاء :يحصل الرّجوع عن الوصيّة بالقول كنقضت الوصيّة .
الحكم التّكليفيّ :
-الرّجوع من التّصرّفات الّتي تختلف أحكامها باختلف موضوعها ،ولذلك يعتري 5
صلى ال عليه وسلم أو الجماع ،وإلّ فالقياس والجتهاد إن لم يوجد نصّ ظاهر .ودليل
ن النّاسِ ِبمَا َأرَاكَ الّلهُ} وقوله تعالى
ح ُكمَ َبيْ َ
ب بِا ْلحَقّ ِل َت ْ
ذلك قوله تعالى ِ { :إنّا أَنزَ ْلنَا إَِل ْيكَ ا ْل ِكتَا َ
شيْءٍ
ع ُتمْ فِي َ
ل ْمرِ مِنكُ ْم فَإِن َتنَازَ ْ
{ :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُو ْا َأطِيعُواْ الّلهَ وََأطِيعُواْ ال ّرسُولَ وَُأوْلِي ا َ
ل}.
حسَنُ َتأْوِي ً
خ ْيرٌ وََأ ْ
خرِ ذَِلكَ َ
ن بِاللّهِ وَا ْليَ ْومِ ال ِ
فَ ُردّوهُ إِلَى الّلهِ وَال ّرسُولِ إِن كُن ُتمْ تُ ْؤ ِمنُو َ
وقد بعث النّبيّ صلى ال عليه وسلم معاذا إلى اليمن وقال له » :كيف تقضي إذا عرض لك
قضاء ؟ قال :أقضي بكتاب اللّه ،قال :فإن لم تجد في كتاب اللّه ؟ قال :فبسنّة رسول اللّه،
قال :فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه ول في كتاب اللّه ؟ قال :أجتهد رأيي ول آلو ،
فضرب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صدره وقال :الحمد للّه الّذي وفّق رسولَ رسولِ
ل اللّه « .
اللّه لما يرضي رسو َ
ولذلك ل ينقض قضاء القاضي إلّ إذا خالف نصّا ظاهرا من كتابٍ أو سنّ ٍة ،أو خالف
إجماعا ،أو خالف قياسا جليّا ،كما يقول بعض الفقهاء .
لكن قد يكون الحكم مخالفا للنّصّ لخفاء الدّليل ،وقد تكون الفتوى كذلك ،فإذا ظهر الحقّ
ووجد الدّليل وجب الرّجوع إليه .
ومن أمثلة ذلك أنّه خفي على عمر رضي ال عنه دية الصابع فقضى في البهام والّتي تليها
ن رسول اللّه صلى ال عليه
ن في كتاب آل عمرو بن حزمٍ أ ّ
بخمسٍ وعشرين حتّى أخبر أ ّ
وسلم قضى فيها بعشر عشرٍ فترك قوله ورجع إليه .
ب -استظهار المجتهد رأي مجتهدٍ آخر :
-الختلف بين المجتهدين في مسأل ٍة يوجب على أحدهما الرّجوع إلى رأي من ظهر الحقّ 8
في جانبه ،فقد عارض عمر أبا بكرٍ رضي ال تعالى عنهما في قتال مانعي الزّكاة بعد وفاة
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،لنّهم في نظر عمر رضي ال عنه يشهدون أن ل إله إلّ
اللّه ،وقد قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا ل إله
إلّ اللّه فمن قال ل إله إلّ اللّه فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّ بحقّه وحسابه على اللّه« ،فقال
ن من فرّق بين الصّلة والزّكاة ،فإنّ الزّكاة حقّ المال ،واللّه لو
أبو بكرٍ :واللّه لقاتل ّ
ل كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ،فقال
منعوني عقا ً
ل أن قد رأيت اللّه قد شرح صدر أبي بكرٍ للقتال فعرفت
عمر بن الخطّاب :فواللّه ما هو إ ّ
أنّه الحقّ .
قال النّوويّ والبيّ في شرحهما للحديث :هذا يدلّ على اجتهاد الئمّة في النّوازل وردّها إلى
الصول ،ومناظرة أهل العلم فيها ،ورجوع من ظهر له الحقّ إلى قول صاحبه .
ج -اقتضاء المصلحة :
ن النّبيّ نزل منزلً للحرب في بدرٍ
-قد يكون الرّجوع من أجل المصلحة ،ومن ذلك أ ّ 9
رأيه الوّل يجب عليه الرّجوع عن اجتهاده الوّل والعمل بما تغيّر إليه اجتهاده ،والصل في
ذلك كتاب عمر رضي ال عنه إلى أبي موسى الشعريّ وقد جاء فيه :ول يمنعنّك قضاء
ن الحقّ قديم
قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحقّ ،فإ ّ
ول يبطله شيء ،ومراجعة الحقّ خير من التّمادي في الباطل .
قال ابن القيّم :يريد أنّك إذا اجتهدت في حكوم ٍة ثمّ وقعت لك مرّةً أخرى فل يمنعك الجتهاد
ن الجتهاد قد يتغيّر ،ول يكون الجتهاد الوّل مانعا من العمل بالثّاني
الوّل من إعادته ،فإ ّ
ن الحقّ أولى باليثار ،لنّه قديم سابق على الباطل ،فإن كان الجتهاد
إذا ظهر أنّه الحقّ ،فإ ّ
الوّل قد سبق الثّاني ،والثّاني هو الحقّ فهو أسبق من الجتهاد الوّل ،لنّه قديم سابق على
ما سواه ،ول يبطله وقوع الجتهاد الوّل على خلفه ،بل الرّجوع إليه أولى من التّمادي
على الجتهاد الوّل .
-على أنّ تغيّر الجتهاد وإن كان يوجب الرّجوع إلى ما تغيّر إليه اجتهاده لكن ذلك ل 11
وجب عليه الرّجوع عن رأيه الوّل والفتاء بما أدّاه إليه اجتهاده ثانيا .
وقد كان لئمّة المذاهب أقوال رجعوا عنها لمّا تغيّر اجتهادهم وصارت لهم أقوال أخرى هي
الّتي تغيّر إليها اجتهادهم .
ن الصّدقة أفضل من حجّ التّطوّع لمّا
ففي حاشية ابن عابدين أنّ أبا حنيفة رجع عن القول بأ ّ
حجّ وعرف مشقّته .
ن ابن القاسم لزم
وقد كان لمالكٍ أقوال ث ّم رجع عنها نقلها عنه ابن القاسم وغيره ،ونظرا ل ّ
مالكا كثيرا وكان ل يغيب عن مجلسه إلّ لعذرٍ فقد قالوا :من قلّد مالكا فإنّما يأخذ بالقول
ن أنّه الرّاجح لمصير مالكٍ إليه آخرا مع
المرجوع إليه عند ابن القاسم ،لنّه يغلب على الظّ ّ
ذكره القول الوّل .
كذلك كان للشّافعيّ مذهبان أو قولن وهما القديم والجديد ،يقول النّوويّ :صنّف الشّافعيّ في
العراق كتابه القديم ،ويسمّى كتاب الحجّة ،ويرويه عنه أربعة من جلّة أصحابه وهم أحمد
بن حنبلٍ ،وأبو ثورٍ ،والزّعفرانيّ ،والكرابيسيّ ،ثمّ خرج إلى مصر وصنّف كتبه الجديدة
كلّها بمصر .
ل مسأل ٍة فيها قولن للشّافعيّ قديم وجديد ،فالجديد هو الصّحيح وعليه
ثمّ يقول النّوويّ :ك ّ
ن القديم مرجوع عنه ،ثمّ ذكر النّوويّ بعض المسائل المستثناة والّتي يفتى فيها
العمل ،ل ّ
بالقديم .
ن القوال القديمة ليست من مذهب الشّافعيّ حيث كانت ،لنّه
وقال إمام الحرمين :معتقدي أ ّ
جزم في الجديد بخلفها ،والمرجوع عنه ليس مذهبا للرّاجع .
ن أتباع الئمّة قد يفتون بالقوال القديمة الّتي رجع عنها أئمّة المذاهب لرجاحتها
-على أ ّ 13
والوكالة ،الوديعة ،عقود غير لزمةٍ ،وعدم لزومها يبيح الرّجوع فيها إذا توافرت الشّروط
المعتبرة الّتي حدّدها الفقهاء كشرط نضوض رأس المال في المضاربة ،وشرط علم الطّرف
الخر بالفسخ ،وشرط عدم الضّرر في الرّجوع ،فمن استعار أرضا للزّراعة ،وأراد
ن الرّجوع الفعليّ يتوقّف حتّى يحصد الزّرع ،ومن أعار مكانا لدفنٍ ،
المعير الرّجوع ،فإ ّ
وحصل الدّفن فعلً فل يرجع المعير في موضعه حتّى يندرس أثر المدفون ،كما أنّ العاريّة
ل عند المالكيّة ل رجوع فيها حتّى ينقضي الجل أو العمل .
المقيّدة بأجلٍ أو عم ٍ
ب -العقود الّتي يدخلها الخيار :
-العقود الّتي من طبيعتها اللّزوم كالبيع ،يكون لزومها بتمام اليجاب والقبول ،ما لم 15
يلحقها الخيار فإذا لحقها الخيار صارت عقودا غير لزمةٍ في حقّ من له الخيار ،فيجوز له
الرّجوع فيها .
انظر مصطلح ( :خيار ) .
-الرّجوع بالقالة : 3
-القالة -سواء اعتبرت فسخا أو بيعا -تعتبر رجوعا في العقد برضا المتعاقدين فهي 16
من التّصرّفات الجائزة بل المندوبة لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من أقال مسلما أقاله
- اللّه عثرته « والقصد منها ردّ كلّ حقّ إلى صاحبه ،ففي البيع مثلً يعود
بمقتضاها -المبيع إلى البائع ،والثّمن إلى المشتري ،وفي الجملة فإنّه ل تجوز الزّيادة على
ن مقتضى القالة ردّ المر إلى ما كان عليه ،
الثّمن الوّل أو نقصه أو ردّ غير جنسه ،ل ّ
ورجوع كلّ منهما إلى ما كان له .
وينظر تفصيل ذلك في ( إقالة )
-الرّجوع بسبب الفلس : 4
-الفلس من أسباب الرّجوع ،ذلك أنّ حقّ الغرماء يتعلّق بمال المدين ،فإذا حجر عليه 17
وكان قد اشترى شيئا وقبضه ولم يدفع ثمنه ووجده بعينه قائما ،فللبائع الرّجوع في عين ماله
،ويكون أحقّ به من سائر الغرماء ،ول يسقط حقّه بقبض المشتري للمبيع ،وذلك لحديث
أبي هريرة » أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :إذا ابتاع الرّجل السّلعة ثمّ أفلس وهي عنده
بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء « وهذا عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -هذا
مع مراعاة شروط الرّجوع الّتي حدّدها الفقهاء ككون السّلعة باقي ًة في ملك المشتري ،ولم
تتغيّر صورتها كالحنطة إذا طحنت ،ولم يتعلّق بها حقّ كرهنٍ ،وأن يكون الرّجوع في عين
ماله في المعاوضات المحضة ،كالبيع والقرض والسّلم ،خلفا للمعاوضة غير المحضة ،
كالخلع والصّلح عن دم العمد ،فل يجوز الرّجوع فيها ،وذلك كما يقول المالكيّة والشّافعيّة .
وعند الحنفيّة :ل يكون البائع أحقّ بعين ماله الّذي وجده عند المفلس ،وإنّما يكون أسوة
ن ملك البائع قد زال عن المبيع وخرج من ضمانه
الغرماء فيباع ويقسم ثمنه بالحصص ،ل ّ
إلى ملك المشتري وضمانه ،فساوى باقي الغرماء في سبب الستحقاق ،واستدلّوا بقول النّبيّ
ل وقد أفلس ولم يكن قبض من
صلى ال عليه وسلم » :أيّما رجلٍ باع سلعته بعينها عند رج ٍ
ثمنها شيئًا فهي له ،وإن كان قبض من ثمنها شيئًا فهو أسوة للغرماء « .
وهذا إذا كان المشتري قد قبض المبيع بإذن البائع ،فإن كان قبضه بغير إذنه كان له حقّ
ن.
الرّجوع فيه ،وحملوا الحديث الّذي استدلّ به الجمهور على القبض بغير إذ ٍ
وفي الموضوع تفصيلت كثيرة يرجع إليها في مصطلح ( إفلس من الموسوعة ج .)310/ 5
الرّجوع بسبب الموت :
-من مات وعليه ديون تعلّقت الدّيون بماله ،وإذا مات مفلسا قبل تأدية ثمن ما اشتراه 18
وقبضه ووجد البائع عين ماله في التّركة ،فقال الشّافعيّة :يكون البائع بالخيار بين أن
يضرب مع الغرماء بالثّمن ،وبين أن يفسخ ويرجع في عين ماله ،لقول النّبيّ صلى ال عليه
وسلم » :أيّما رجلٍ مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه « فإن كانت
التّركة تفي بالدّين ففيه وجهان :
أحدهما :وهو قول أبي سعيدٍ الصطخريّ له أن يرجع في عين ماله للحديث السّابق ،
ن المال يفي بالدّين فلم يجز
والثّاني :ل يجوز أن يرجع في عين ماله ،وهو المذهب ،ل ّ
الرّجوع في المبيع كالحيّ المليء .
وعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ليس للبائع الرّجوع في عين ماله ،بل يكون أسوة الغرماء
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :
لحديث أبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ أ ّ
أيّما رجلٍ باع متاعا فأفلس الّذي ابتاعه منه ولم يقبض الّذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه
فهو أحقّ به ،وإن مات الّذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء « ولنّ الملك انتقل
عن المفلس إلى الورثة فأشبه ما لو باعه .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :تركة ) .
-الرّجوع بسبب الستحقاق : 6
-الستحقاق -بمعناه العمّ -ظهور كون الشّيء حقّا واجبا للغير ،والستحقاق يرد في 19
الغصب والسّرقة ،فالمغصوب منه والمسروق منه يثبت لهما حقّ الرّجوع على الغاصب
والسّارق ويجب على الغاصب والسّارق ردّ المغصوب والمسروق لربّه ،لقول النّبيّ صلى
ال عليه وسلم » :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي « .
ويشمل كذلك استحقاق المبيع على المشتري ،أو الموهوب على المتّهب ،فيتبيّن فساد العقد
ح عند الشّافعيّة والحنابلة ،ويتوقّف نفاذ العقد على الجازة عند الحنفيّة والمالكيّة ،
في الص ّ
ويثبت للمشتري في الجملة حقّ الرّجوع بالثّمن على البائع على تفصيلٍ بين ما إذا كان ثبوت
الستحقاق بالبيّنة أو بالقرار .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :استحقاق ) .
-الرّجوع بسبب الداء ووجود الذن : 7
-أداء الدّين بإذن المدين في الداء أو في الضّمان من أسباب الرّجوع على المدين ،فمن 20
حقه
دينه أو أذن له بأدائه فأدّاه قاصهدا الرّجوع بهه ثبهت له ّ
أذن لغيره بضمان مها عليهه مهن ٍ
الرّجوع على المد ين ،وهذا باتّفا قٍ ب ين المذا هب ،مع مراعاة توا فر شروط صحّة الضّمان
مذهبه ،ككون الضّامهن أهلً للتّبرّع ،وككون الدّيهن ثابتا عنهد الضّمان ،
ٍ ل
المعتهبرة فهي ك ّ
وكونه معلوما عند من ل يجيز ضمان المجهول ،وكأن يضيف المضمون الضّمان إلى نفسه
بأن يقول :اضمن عنّي .كما يقول الحنفيّة ،وغير ذلك من الشّروط والستثناءات .
لكن الفقهاء يختلفون في ثبوت ح قّ الرّجوع وعدمه عند ضمان الدّين وأدائه دون إذن المدين
في الضّمان أو في الداء .
فعند الحنفيّة من أدّى دين غيره دون إذنه فل يحقّ له الرّجوع بما أدّى ،لنّ الكفالة بغير أمر
المدين تبرّع بقضاء دين الغير فل يحتمل الرّجوع .
ق الرّجوع لصحّة الضّمان والداء دون إذن المدين ،وهذا إذا
أمّا عند المالكيّة فإنّه يثبت له ح ّ
ض من أو أدّى على سبيل الرّ فق بالمد ين ،أمّا إن كان الغرض إضراره ب سوء طل به وحب سه
ب الدّ ين الّذي أدّاه له .وف صّل
لعداو ٍة بينه ما فل رجوع له على المد ين ،وإنّما ير جع على ر ّ
الشّافعيّة فقالوا :إن انتفهى الذن فهي الداء والضّمان فل رجوع له ،لنّه متهبرّع فهي هذه
الحالة ،ولنّه لو كان له رجوع لما صلّى النّبيّ صلى ال عليه وسلم على الميّت بضمان أبي
قتادة .
ح لنّه أذن في سبب
وإن أذن المد ين في الضّمان ف قط و سكت عن الداء ر جع في ال ص ّ
الداء ،والثّاني :ل يرجع لنتفاء الذن في الداء .
-ويستثنى من أح ّقيّة الرّجوع -إذا وجد الذن في الضّمان -ما إذا ثبت الضّمان ببيّنةٍ 21
دون إذ نه فل يجزئ ما أدّاه عن الزّكاة لشتراط النّيّة في ها وهذا باتّفا قٍ ،ول رجوع له ب ما
ن الزّكاة إن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه ،أو غير إذنه في ذلك ،فإن كان
أدّى ،إلّ أ ّ
غير المام فمقتضى قول أصحابنا في الضحيّة يذبحها غير ربّها بغير علمه وإذنه إن كان
الفا عل لذلك صديقه و من شأ نه أن يف عل ذلك له بغ ير إذ نه ،لنّه بمنزلة نف سه عنده لتمكّن
ال صّداقة بينهما ،أجزأته الضحيّة إن كان مخرج الزّكاة من هذا القبيل ،فمقتضى قولهم في
ن كليهما عبادة مأمور بها مفتقرة لل ّنيّة وإن كان ليس من هذا
ن الزّكاة تجزئه ،ل ّ
الضحيّة أ ّ
القبيل ل تجزئ عن ربّها لفتقارها لل ّنيّة على الصّحيح من المذهب لجل شائبة العبادة .
ل أ نّ
وإن أمر ش خص غيره بأداء الزّكاة عنه أجزأت ،وكان للمؤدّي ح قّ الرّجوع باتّفا قٍ ،إ ّ
الحنفيّة اشترطوا ضمان المهر بأن يقول :على أنّي ضا من ،لنّه فهي باب الزّكاة والكفّارة
ن بالمثل ،حتّى لو ظهر أن ل زكاة عليه ل يستردّ من الفقير
يثبت للقابض ملك غير مضمو ٍ
ما قبض ،فيثبت للمر ملك مثل ذلك ،فل ضمان عليه إلّ بالشّرط .
ن ال مر في الكفالة تضمّن طلب القرض إذا ذ كر لف ظة "
قال في ف تح القد ير :والحا صل أ ّ
عنّي" وفي قضاء الزّكاة والكفّارة طلب اتّهابٍ ،ولو ذكر لفظة " عنّي » .
ثانيا :الرّجوع من المكان وإليه :
-من أسباب الرّجوع من المكان أو إليه النّزول على حكم الشّرع ،ويذكر الفقهاء ذلك في 23
النّسكين واجب على من مرّ به ،ومن جاوز الميقات غير محرمٍ وجب عليه أن يرجع إليه
ليحرم منه إن أمكنه ،فإن رجع إليه فأحرم منه فل دم عليه كما لو لم يتجاوزه ،وهذا
باتّفاقٍ ،لنّه أحرم من الميقات الّذي أمر بالحرام منه .
وإن تجاوز الميقات وأحرم فعليه دم ،سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع ،وهذا عند
ح عند الشّافعيّة أنّه إن رجع قبل أن يتلبّس بنسكٍ سقط عنه الدّم ،
المالكيّة والحنابلة ،والص ّ
وهو قول أبي يوسف ومحمّ ٍد من الحنفيّة ،وقال أبو حنيفة :إن عاد فلبّى سقط عنه الدّم ،
س رضي ال عنهما أنّه قال للّذي أحرم بعد
ب لم يسقط لما روي عن ابن عبّا ٍ
وإن لم يل ّ
ج لك ،فأوجب التّلبية من الميقات فلزم اعتبارها،
الميقات :ارجع إلى الميقات فلبّ وإلّ فل ح ّ
وعند زفر ل يسقط الدّم ،لبّى أو لم يلبّ ،لنّ وجوب الدّم في هذه الجناية بمجاوزة الميقات
من غير إحرامٍ فل تنعدم الجناية بعوده فل يسقط الدّم ،وإن رجع بعد ما تلبّس بأفعال الحجّ
من طوافٍ وغيره فعليه دم باتّفاقٍ .
ب -رجوع المعتدّة إلى منزل العدّة :
ج أو زيار ٍة ث ّم طرأ عليها موجب العدّة من طلقٍ أو
-يختلف الفقهاء فيمن خرجت لح ّ 25
موت زوجها هل يجب عليها الرّجوع إلى منزلها لتعتدّ فيه لوجوب ذلك شرعا عليها حيث
ل { :ل ُتخْ ِرجُو ُهنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ وَل
نهى اللّه تعالى المعتدّات عن الخروج بقوله عزّ وج ّ
َيخْ ُرجْنَ } أم ل يجب عليها الرّجوع ؟
ج فإن كان إلى منزلها
قال الحنفيّة :من لزمتها عدّة طلقٍ بائنٍ أو عدّة وفاةٍ بعدما خرجت للح ّ
أقلّ من مدّة سفرٍ وإلى مكّة مدّة سفرٍ فإنّها ترجع إلى منزلها لتعت ّد فيه ،لنّه ليس فيه إنشاء
ل من مدّة سفرٍ وإلى منزلها مدّة سفرٍ مضت
سفرٍ فصار كأنّها في بلدها .وإن كان إلى مكّة أق ّ
ل من
إلى مكّة ،لنّها ل تحتاج إلى المحرم في أقلّ من مدّة السّفر ،وإن كان من الجانبين أق ّ
مدّة سفرٍ فهي بالخيار إن شاءت مضت وإن شاءت رجعت إلى منزلها ،والرّجوع أولى
ليكون العتداد في منزل الزّوجيّة ،وهو أوجه .
نقل هذا ابن عابدين عن الكافي للحاكم ،وفي العناية والنّهاية يتعيّن الرّجوع ،لنّها إذا
رجعت صارت مقيمةً ،وإذا مضت كانت مسافر ًة .
وإن كان من الجانبين مدّة سفرٍ ،فإن كانت في مصر فليس لها أن تخرج حتّى تنقضي عدّتها
في قول أبي حنيفة وإن وجدت محرما .
وعند أبي يوسف ومح ّمدٍ لها أن تخرج إذا وجدت محرما ،وليس لها أن تخرج بل محرمٍ بل
خلفٍ .
وإن كان ذلك في المفازة أو في بعض القرى بحيث ل تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي
فتدخل موضع المن ،ثمّ ل تخرج منه حتّى تنقضي عدّتها في قول أبي حنيفة ،سواء وجدت
محرما أم لم تجد .وعندهما تخرج إذا وجدت محرما .
وقال المالكيّة :على المعتدّة أن تمضي مدّة العدّة في بيتها الّذي كانت فيه قبل طروء العدّة ،
ولو كانت قد نقلها الزّوج قبل الموت أو الطّلق إلى مكان آخر ،واتّهم أنّه نقلها ليسقط
سكناها فإنّه يجب عليها الرّجوع ،وكذلك لو كانت مقيمةً بغير مسكنها وقت الموت أو الطّلق
فيجب عليها الرّجوع لمنزلها لتعتدّ فيه .
ولو خرجت لحجّ الصّرورة مع زوجها ومات الزّوج أو طلّقها بعد سيرها ثلثة أيّامٍ وجب
عليها أن ترجع لتعتدّ بمنزلها إن بقي شيء من العدّة بعد رجوعها ولو يوما واحدا .
لكن الرّجوع مقيّد بما إذا كانت لم تحرم بالحجّ ،فإن كانت دخلت في الحرام ولو في أوّل
يومٍ من سفرها فل ترجع .
ج التّطوّع أو لزيارةٍ أو غير ذلك من القرب فيجب عليها الرّجوع ولو
ولو خرجت في ح ّ
وصلت إلى المكان الّذي تريده ولو بعد إقامتها نحو ستّة أشهرٍ .
ولو خرجت مع زوجها للقامة في مكان آخر بعد رفض السّكنى في المسكن الوّل فطلقت أو
مات زوجها فهي بالخيار في العتداد بأيّ مكان شاءت .
وقال الشّافعيّة :لو انتقلت الزّوجة بإذن الزّوج إلى مسكنٍ آخر في البلد فوجبت العدّة في أثناء
الطّريق قبل وصولها إلى المسكن الخر فل ترجع إلى مسكنها الوّل ،بل تعتدّ في الثّاني
على ما نصّ عليه في المّ لنّها مأمورة بالقيام فيه ،وقيل :تعتدّ في الوّل ،لنّ موجب
العدّة لم يحصل وقت الفراق في الثّاني ،وقيل :تتخيّر لتعلّقها بكلّ منهما .أمّا إذا وجبت
العدّة بعد وصولها للثّاني اعتدّت فيه جزما .
وإن كان النتقال بغير إذن الزّوج ووجبت العدّة رجعت إلى الوّل ولو بعد وصولها للثّاني
لعصيانها بذلك ،إلّ إذا أذن لها بعد الوصول .
وإن أذن الزّوج لزوجته في سفر حجّ ،أو عمرةٍ ،أو تجارةٍ ،أو استحلل مظلمةٍ ،أو نحو
ذلك كسفرٍ لحاجتها ،ثمّ وجبت عليها العدّة ،فإن كانت لم تفارق عمران البلد فإنّه يجب عليها
الرّجوع في الصحّ ،لنّها لم تشرع في السّفر .وإن فارقت عمران البلد ووجبت العدّة في
أثناء الطّريق فلها الرّجوع ولها المضيّ في السّفر ،لنّ في قطعها عن السّفر مشقّةً ،ل سيّما
إذا بعدت عن البلد ،أو خافت النقطاع عن الرّفقة ،والفضل الرّجوع .وإذا اختارت
المضيّ ومضت لمقصدها أو بلغته فإنّها ترجع بعد قضاء حاجتها دون تق ّيدٍ بمدّة السّفر وهي
ثلثة أيّامٍ .ويجب الرّجوع بعد قضاء الحاجة لتعت ّد ما بقي من العدّة في مسكنها.
وإذا سافرت لنزهةٍ أو زيارةٍ أو سافر بها الزّوج لحاجته ووجبت العدّة فل تزيد على مدّة
إقامة المسافرين ثمّ تعود .
وإن قدّر لها الزّوج مدّةً في نقلةٍ أو سفر حاج ٍة أو في غير ذلك كاعتكافٍ ،استوفتها وعادت
لتمام العدّة .
ج بإذن زوجها أو بغير إذنه ثمّ طلّقها أو مات ،فإن خافت فوات الحجّ لضيق
ولو أحرمت بح ّ
ج لسعة الوقت جاز
الوقت وجب عليها الخروج معتدّ ًة لتقدّم الحرام ،وإن لم تخف فوات الح ّ
لها الخروج إلى ذلك لما في تعيين الصّبر من مشقّة المصابرة على الحرام .
وقال الحنابلة :من سافرت بإذن زوجها أو معه لنقلةٍ من بلدٍ إلى آخر فمات قبل مفارقة
البنيان رجعت واعتدّت بمنزلها ،لنّها في حكم المقيمة ،ولو سافرت لغير نقل ٍة كتجارةٍ
ج ولم تحرم ومات زوجها قبل مسافة القصر رجعت واعتدّت بمنزلها ،لما
وزيارةٍ ولو لح ّ
ن حاجّات
روى سعيد بن منصورٍ بإسناده عن سعيد بن المسيّب قال :توفّي أزواج نساءٍ وه ّ
ن ولنّها أمكنها أن تعتدّ في
أو معتمرات فردّهنّ عمر من ذي الحليفة حتّى يعتددن في بيوته ّ
منزلها قبل أن تبعد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان .
وإن مات زوجها بعد مفارقة البنيان ،فإن كان سفرها لنقلةٍ ،أو بعد مسافة القصر إن كان
ن كل
لغير نقل ٍة ،فإنّها تخيّر بين الرّجوع فتعتدّ في منزلها وبين المضيّ إلى مقصدها ،ل ّ
البلدين سواء .
وحيث مضت أقامت لقضاء حاجتها ،فإن كان لنزه ٍة أو زيار ٍة فإن كان الزّوج قدّر لها مدّة
إقامتها أقامتها ،وإلّ أقامت ثلثا ،فإذا مضت المدّة أو قضت حاجتها ،فإن كان خوف
ونحوه أتمّت العدّة بمكانها ،وكذا إن كانت ل تصل إلى منزلها إلّ بعد انقضاء عدّتها ،وإلّ
لزمها العود لتتمّ العدّة بمنزلها .
ل من مسافة
ج بإذن الزّوج ثمّ مات الزّوج ،فإن كانت سارت مسافةً أق ّ
ومن أحرمت بالح ّ
القصر ،وأمكن الجمع بين اعتدادها بمنزلها وبين الحجّ بأن اتّسع الوقت لهما ،عادت لمنزلها
فاعتدّت به ،وإن لم يمكنها الجمع ،بأن كان الوقت ل يتّسع لهما ،قدّمت الحجّ إن كانت
بعدت عن بلدها بأن كانت سافرت مسافة قصرٍ ،وإن لم تبعد مسافة قصرٍ وقد أحرمت قدّمت
العدّة ورجعت وتتحلّل بعمرةٍ .
ج -الرّجوع عند عدم الذن :
ل بإذنه ،مالكا كان من بالمنزل ،أو مستأجرا ،أو
-ل يجوز لنسانٍ دخول بيت غيره إ ّ 26
مستعيرا ،إذا كان الدّاخل أجنبيّا أو قريبا غير محرمٍ ،وسواء أكان الباب مغلقا أو مفتوحا .
والواجب الستئذان ثلثا ،فإن أذن له بالدّخول دخل ،وإن لم يؤذن له أو قيل له :ارجع ،
رجع وجوبا دون إلحاحٍ ،والصل في ذلك قوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ل َت ْدخُلُوا ُبيُوتا
جدُوا فِيهَا
خيْرٌ ّل ُكمْ َلعَّل ُكمْ َت َذ ّكرُون َفإِن ّلمْ َت ِ
س َت ْأنِسُوا َو ُتسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا ذَِلكُ ْم َ
حتّى َت ْ
غ ْيرَ ُبيُو ِت ُكمْ َ
َ
جعُوا هُ َو َأ ْزكَى َل ُكمْ وَاللّهُ ِبمَا
جعُوا فَارْ ِ
حتّى يُ ْؤ َذنَ َل ُكمْ وَإِن قِيلَ َل ُكمُ ا ْر ِ
َأحَدا فَل َت ْدخُلُوهَا َ
َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ } أي إذا ردّوكم من الباب قبل الذن أو بعده فرجوعكم أزكى لكم وأطهر .
ق الزّوجة :
د -الرّجوع من السّفر لح ّ
-للزّوجة ح قّ في الوطء في الجملة ،وفي مؤانسة زوجها لها ،ولذلك يستحبّ لمن كان 27
مسافرا التّعجيل بالرّجوع إلى أهله بعد قضاء حاجته ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه أنّ
النّبيّ صلى ال عل يه و سلم قال » :ال سّفر قط عة من العذاب يم نع أحد كم طعا مه وشرا به
ونومه ،فإذا قضى نهمته فليعجّل إلى أهله « وفي روايةٍ » :فليعجّل الرّجوع إلى أهله « .
قال ابن حجرٍ :وفي الحديث :كرا هة التّغرّب عن الهل لغير حاجةٍ ،واستحباب استعجال
الرّجوع ،ول سيّما من يخشى عليهم الضّيعة بالغيبة ،ولذلك يكره أن يغيب الرّجل في سفره
أكثر من أربعة أشهرٍ من غير عذرٍ " أي أكثر من مدّة اليلء " ويؤيّد ذلك أ نّ عمر رضي
ال عنهه سهأل حفصهة :كهم تصهبر المرأة عهن الرّجهل ؟ فقالت :أربعهة أشهرٍ ،فأمهر أمراء
الجناد أن ل يتخلّف المتزوّج عن أهله أك ثر من ها عن ها ،قال ا بن عابد ين :ولو لم ي كن في
ن حفصةً
هذه المدّة زيادة مضارّةٍ بها لما شرع اللّه تعالى الفراق باليلء منها ،وفي روايةٍ أ ّ
قالت :خم سة أشهرٍ أو ستّة أشهرٍ ،وأ نّ ع مر وقّت للنّاس في مغازي هم ستّة أشهرٍ يرجعون
بعدها .
هه – الرّجوع عند وجود المنكر :
ي مكان سبب من أسباب الرّجوع عنه إذا لم يقدر على إزالته .فمن
– وجود المنكر في أ ّ 28
دعي إلى وليم ٍة فعليه الجابة إذا لم يكن فيها منكر كخمرٍ ونحوه من أنواع المعاصي ،فإن
كان يمكنه النكار وإزالة المنكر لزمه الحضور ،وإن لم يقدر على النكار ل يلزمه
الحضور ،فإن لم يعلم بوجود المنكر حتّى حضر أزاله ،فإن لم يقدر رجع ،وقيل :يصبر
ل إذا كان إماما يقتدى به فإنّه ينصرف .
مع النكار بقلبه ،إ ّ
وهذا في الجملة ،وينظر التّفصيل في مصطلح ( :منكر ،دعوة ) .
ثالثًا :امتناع الرّجوع :
-يمتنع الرّجوع لسبابٍ متعدّد ٍة منها : 29
كالصّدقة ،فمن تصدّق بصدقةٍ ل يجوز له أن يرجع فيها ،لنّ الصّدقة لرادة الثّواب من
اللّه عزّ وجلّ .
وقد قال عمر رضي ال عنه :من وهب هبةً على وجه الصّدقة فإنّه ل يرجع فيها ،وهذا في
الجملة ،إذ الرّأي الرّاجح عند الشّافعيّة أنّ صدقة التّطوّع على الولد يجوز الرّجوع فيها.
وكذلك ل يجوز الرّجوع في الهبة لغير الولد عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة الحنابلة -
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ل يحلّ للرّجل أن يعطي عطيّةً ث ّم يرجع فيها إلّ الوالد
فيما يعطي ولده « .
وعند الحنفيّة ل يجوز الرّجوع في الهبة لذي الرّحم المحرم ،ول في هبة أحد الزّوجين
ي صلى ال عليه وسلم » :الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها «
للخر ،واستدلّوا بقول النّب ّ
ن التّواصل سبب التّناصر والتّعاون في الدّنيا،
أي لم يعوّض ،وصلة الرّحم عوض معنًى ; ل ّ
فيكون وسيلةً إلى استيفاء النّصرة ،وسبب الثّواب في الدّار الخرة ،فكان أقوى من المال ،
ن صلة الزّوجيّة تجري مجرى
وأمّا امتناع الرّجوع بالنّسبة لهبة أحد الزّوجين للخر ،فل ّ
صلة القرابة الكاملة ،بدليل أنّه يتعلّق بها حقّ التّوارث في جميع الحوال .
ن الهبة إلى الفقير صدقة ،لنّه
وكذلك يمتنع الرّجوع في الهبة إلى الفقير بعد قبضها ،ل ّ
يطلب بها الثّواب كالصّدقة ول رجوع في الصّدقة على الفقير بعد قبضها لحصول الثّواب
الّذي هو في معنى العوض بوعد اللّه تعالى .
والوقف إذا تمّ ولزم ل يجوز الرّجوع فيه لنّه من الصّدقة ،وقد روى عبد اللّه بن عمر قال:
» أصاب عمر أرضا بخيبر ،فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها ،فقال :يا
ط أنفس عندي منه فما تأمر به ؟ فقال :
رسول اللّه ،إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالً ق ّ
إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها قال :فتصدّق بها عمر غير أنّه ل يباع ول يوهب ول
يورث « .
انظر :مصطلحات ( :صدقة ،وقف ،هبة )
ب -العقود الّلزمة :
-العقود الّلزمة كالبيع والجارة إذا تمّت باليجاب والقبول ،وخلت من الخيارات ل 31
ن العقد إذا
ل برضاهما معا كما في القالة -وذلك أ ّ
يجوز الرّجوع فيها من أحد الطّرفين -إ ّ
ب ،لنّها أوجبت حقّا لزما أو ملكا لزما
لزم وتمّ ل يقبل الفسخ من أحد الطّرفين بل موج ٍ
للغير ،وقد قال عمر رضي ال عنه :البيع صفقة أو خيار .
وينظر تفصيل ذلك في موضعه من ( بيع ،إجارة ) .
ج -تعذّر الرّجوع :
-تعذّر الرّجوع فيما يجوز الرّجوع فيه قد يمنع حقّ الرّجوع ويسقطه . 32
ومن ذلك تعذّر الرّجوع في الهبة الّتي يجوز الرّجوع فيها ،وذلك كخروج الموهوب من ملك
الواهب ،وموت الواهب أو الموهوب له .
والزّيادة المتّصلة ،على ما يقول الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،أو المنفصلة كما يقول الشّافعيّة
.
أو كان البن تزوّج لجل الهبة كما يقول المالكيّة ،وهذا في الجملة .
وينظر تفصيل ذلك في ( :هبة ) .
د -السقاط :
ل بسببٍ جدي ٍد يصير مثله
ن السّاقط يصبح كالمعدوم ل سبيل إلى إعادته إ ّ
-من المعلوم أ ّ 33
ل عينه .
ومن الحقوق ما يمتنع الرّجوع فيها بعد إسقاطها .
ومن ذلك :إذا أبرأ الدّائن المدين فقد سقط الدّين ول يجوز الرّجوع إلى مطالبة المدين إلّ إذا
وجد سبب جديد ،ومن ذلك حقّ القصاص لو عفي عنه فقد سقط وسلمت نفس القاتل ول
ل بجنايةٍ أخرى ،وكمن أسقط حقّه في الشّفعة فل يجوز الرّجوع إلى المطالبة بها
تستباح إ ّ
ب جديدٍ ،وكذلك الرّضا بالعيب في المبيع
ن الحقّ قد بطل فل يعود إلّ بسب ٍ
بعد ذلك ،ل ّ
ق المشتري ول يجوز له الرّجوع بالعيب أو
والتّصرّف في زمن الخيار فإنّ ذلك يسقط ح ّ
بفسخ البيع .
وذلك في الجملة وينظر تفصيله في ( :إسقاط ،شفعة ،قصاص ،خيار ) .
رابعا :ما يكون به الرّجوع :
-الرّجوع قد يكون بالقول كقول الموصي :رجعت في الوصيّة أو فسختها ،أو رددتها، 34
أو أبطلتها ،أو نقضتها .ومثل ذلك في الهبة ،وغير ذلك من العقود الّتي يجوز الرّجوع فيها
.
وكقول الرّاجع عن القرار بالزّنى :كذبت ،أو رجعت عمّا أقررت به ،أو ما زنيت .
وقد يكون الرّجوع بالتّصرّف كأن يفعل في الموصى به فعلً يستدلّ به على الرّجوع ،فلو أنّ
الموصي فعل في الموصى به فعلً لو فعله في المغصوب لنقطع به ملك المالك كان رجوعا
ب ث مّ قطعه وخاطه قميصا ،أو بقط نٍ ث مّ غزله ،
كما لو باعه أو وهبه ،وكما إذا أوصى بثو ٍ
ن هذه الفعال لمّا أوجبت حكم الثّابت في المحلّ وهو الملك
أو بحديد ٍة ث مّ صنع منها إناءً ،ل ّ
ل واح ٍد من هذه
فلن توجب بطلن مجرّد كلمٍ من غير حكمٍ أصلً أولى ،ووجه الدّللة أنّ ك ّ
الفعال تبدّل العين وتصيّرها شيئا آخر اسما ومعنىً فكان استهلكا من حيث المع نى ،فكان
دليل الرّجوع .
لكن الفقهاء اختلفوا في الجحود أو النكار هل يكون رجوعا ؟ .
ن الجحد ل يكون رجوعا .
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
وعند الحنفيّة روايتان ،جاء في بدائع ال صّنائع :لو أوصى ث مّ جحد الوصيّة ذكر في الصل
ن مع نى الرّجوع عن الو صيّة هو ف سخها وإبطال ها ،
أنّه يكون رجوعا ولم يذ كر خلفا ،ل ّ
وف سخ الع قد كلم يدلّ على عدم الرّ ضا بالع قد ال سّابق وبثبوت حك مه ،والجحود في معناه ،
ن الجاحد لتصرّفٍ من التّصرّفات غير راضٍ به وبثبوت حكمه ،فيتحقّق فيه معنى الفسخ،
لّ
فحصل معنى الرّجوع ،وقال أبو يوسف في رجلٍ أوصى بوصيّ ٍة ث مّ عرضت عليه من الغد
فقال :ل أعرف هذه الوصههيّة ،قال :هذا رجوع منههه ،وكذلك لو قال :لم أوص بهذه
الوصيّة .
وقال محمّد :ل يكون الجحد رجوعا ،وذكر في الجامع :إذا أوصى بثلث ماله لرجلٍ ثمّ قال
ن بقليلٍ ول كثيرٍ لم يكن هذا رجوعا منه عن وصيّة فلنٍ
بعد ذلك :اشهدوا أنّي لم أوص لفل ٍ
،ولم يذكر خلفا ،لنّ الرّجوع عن الوصيّة يستدعي سابقيّة وجود الوصيّة ،والجحود إنكار
وجودها أصلً ،فل يتحقّق فيه معنى الرّجوع ،فل يمكن أن يجعل رجوعا .
قال الكاسانيّ :فيجوز أن يكون ما ذكر في الصل قول أبي يوسف وما ذكر في الجامع قول
محمّدٍ ،ويجوز أن يكون في المسألة روايتان .
ن الهرب
وممّا يعتبر رجوعا عن القرار بالزّنى هروب الزّاني ولو في أثناء إقامة الحدّ ،ل ّ
دليل الرّجوع ،وقد روي أنّه » لمّا هرب ماعز ذكر ذلك لر سول اللّه صلى ال عليه وسلم
فقال :هلّ تركتموه وجئتموني به « وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وأمّا عند الشّافعيّة
فل يعتهبر الهرب رجوعا ،إلّ أن يصهرّح بالرّجوع ،والهرب فقهط ل يعتهبر رجوعا ،ول
ي سقط عنه الحدّ ،لنّه قد صرّح بالقرار ولم ي صرّح بالرّجوع ،ول كن يكف عنه فإن ر جع
فذاك ،وإلّ حدّ .
خامسا :ارتجاع الزّوجة :
-ارتجاع الزّوجة المطلّقة يسمّى رجعةً ،وهي لغ ًة -بفتح الرّاء -المرّة من الرّجوع، 35
لنه
ثمه رجهع عهن إقراره سهقط عنهه الحدّ ّ ،
تعالى الّتهي تسهقط بالشّبههة كالزّنهى والشّرب ّ ،
رجوعهه يعتهبر شبه ًة دارئةً للحدّ ،لحتمال صهدقه واحتمال كذبهه ،فيورث شبه ًة فهي ظهور
الحدّ ،والحدود ل ت ستوفى مع الشّبهات ،وحين أقرّ ما عز بالزّ نى لقّنّه النّبيّ صلى ال عل يه
و سلم الرّجوع ،فلو لم ي كن الحدّ محتملً لل سّقوط بالرّجوع ما كان للتّلق ين معنىً ،وهذا ع ند
جمهور الفقهاء ،وقال الح سن و سعيد بن جبيرٍ وا بن أ بي ليلى وأ بو ثورٍ :يقام عل يه الحدّ ،
ن ماعزا هرب فقتلوه ،ولو قبل رجوعه للزمتهم الدّية ،ولنّه حقّ وجب بإقراره ،فلم يقبل
لّ
رجوعه كسائر الحقوق .
أمّها حدّ القذف والقصهاص وحقوق اللّه تعالى الّتهي ل تسهقط بالشّبههة كالزّكاة والكفّارات ،
وحقوق العباد من الموال وغيرها فل يقبل الرّجوع فيها .
وهذا فهي الجملة مهع التّفصهيل الّذي ذكره بعهض الفقهاء فهي حقوق العباد فيمها إذا كان هناك
عذر أو لم يكن .
وقد سبق تفصيل ذلك في بحث ( :إقرار ) .
ج -أثر الرّجوع عن السلم وإليه :
-من آثار الرّجوع عن السلم وإليه إهدار الدّم أو عصمته ،فمن كان مسلما ثمّ رجع 39
عن دين السلم اعتبر مرتدّا فال ّردّة هي الرّجوع عن السلم ،ويستتاب المرتدّ ثلثا ،فإن
لم يتب أهدر دمه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من بدّل دينه فاقتلوه « .
وإذا تاب المرت ّد ورجع إلى السلم فقد عصم دمه وماله ،ومثله المحارب الّذي يرجع إلى
السلم ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا ل إله إلّ
ل بحقّها وحسابه على اللّه « .وينظر
اللّه فمن قال ل إله إلّ اللّه فقد عصم منّي نفسه وماله إ ّ
تفصيل ذلك في ( :ردّة -جهاد ) .
رحم *
انظر :أرحام
رخصة *
التّعريف :
-تطلق كلمة رخص ٍة -في لسان العرب -على معانٍ كثيرةٍ نجمل أهمّها فيما يلي : 1
أ -نعومة الملمس ،يقال :رخص البدن رخاص ًة إذا نعم ملمسه ولن ،فهو رخص -بفتحٍ
فسكونٍ -ورخيص ،وهي رخصة ورخيصة .
ن -فهو رخيص ضدّ
ب -انخفاض السعار ،يقال :رخص الشّيء رخصا -بضمّ فسكو ٍ
الغلء .
ج -الذن في المر بعد النّهي عنه :يقال :رخّص له في المر إذا أذن له فيه ،والسم
رخصة على وزن فعل ٍة مثل غرف ٍة ،وهي ضدّ التّشديد ،أي أنّها تعني التّيسير في المور ،
يقال :رخّص الشّرع في كذا ترخيصا ،وأرخص إرخاصا إذا يسّره وسهّله .
ب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته «
قال عليه الصلة والسلم » :إنّ اللّه يح ّ
.وفي الصطلح عرّفها الغزاليّ بأنّها عبارة عمّا وسّع للمكلّف في فعله لعذرٍ عجز عنه مع
قيام السّبب المحرّم .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العزيمة :
-العزيمة لغةً :القصد المؤكّد . 2
واصطلحا عبارة عمّا لزم العباد بإيجاب اللّه تعالى .فل يقال رخصة بدون عزيم ٍة تقابلها ،
فهما ينتميان معا إلى الحكم الشّرعيّ باتّفاق أهل الذّكر ،وهما على القول الرّاجح من الحكام
الوضعيّة ،وعلى المرجوح من الحكام التّكليفيّة ،وبنا ًء على ذلك فإنّ التّكليف -أو
القتضاء -موجود في العزيمة كما أنّه موجود في الرّخصة إلّ أنّه في الولى أصليّ كّليّ
مطّرد واضح ،وفي الثّانية طارئ جزئيّ غير مطّردٍ مع خفائه ودقّته .وقد سبق قريبا أنّ
الولى تمثّل حقّ اللّه تعالى على عباده وأنّ الثّانية تمثّل حظّ العباد من لطفه .
انظر مصطلح ( .عزيمة ) .
ب -الباحة :
ن الحكم فيها أصليّ .
-الباحة هي :تخيير المكلّف بين الفعل والتّرك .فالباحة تشعر بأ ّ 3
ل ،فرفع الحرج
الرّخص فهي فرع يندرج ضمن هذا الصل العامّ وجزء أخذ من هذا الك ّ
ق على بعض النّفوس
مؤدّاه يسر التّكاليف في جميع أطوارها ،والرّخص مؤدّاها تيسير ما ش ّ
عند التّطبيق من تلك الحكام الميسّرة ابتداءً .
-أنّ الحرج مرفوع عن الحكام ابتدا ًء وانتهاءً في الحال والمآل ،بينما الرّخص تشمل - 2
عاد ًة -أحكاما مشروع ًة بناءً على أعذار العباد تنتهي بانتهائها ،وأخرى تراعى فيها أسباب
معيّنة تتبعها وجودا وعدما .
وليست الرّخص مرادفةً لرفع الحرج وإلّ لكانت أحكام الشّريعة كلّها رخصا بدون عزائم .
ولتفصيل ذلك انظر مصطلح ( :رفع الحرج ) .
-إذا رفع المشرّع الحرج عن فعلٍ من الفعال فالّذي يتبادر إلى الذّهن أنّ الفعل إن وقع 3
من المكلّف ل إثم ول مؤاخذة عليه ،ويبقى الذن في الفعل مسكوتا عنه ،فيمكن أن يكون
مقصودا ،ويمكن أن يكون غير مقصودٍ ،إذ ليس كلّ ما ل حرج فيه يؤذن فيه ،بخلف
التّرخيص في الفعل فإنّه يتضمّن -إلى جانب ذلك -الذن فيه .
انظر مصطلح ( :رفع الحرج ) .
د -النّسخ :
ق شرعيّ متراخٍ عنه .
ي بطري ٍ
-النّسخ اصطلحا بيان انتهاء حكمٍ شرع ّ 5
فإذا كان النّسخ من الشدّ للخفّ فإنّه يشترك مع الرّخصة في التماس التّخفيف ،ولكنّه ل يعدّ
منها على النّحو الّذي سبق ،لنّ الدّليل الصليّ لم يعد قائما .
انظر ( :نسخ ) .
الحكمة من تشريع الرّخص :
-تحقيق مبدأ اليسر والسّماحة في السلم تحقيقا عمليّا تطبيقيّا .قال تعالى ُ { :يرِيدُ الّلهُ 6
أ -مادّتها :
مثل رخّص وأرخص ورخصة ،ففي الحديث الصّحيح أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :
» ما بال أقوامٍ يرغبون عمّا رخّص لي فيه « » و نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن بيع
الثّمر بالتّمر ،ورخّص في العريّة .« ..
وفيه -أيضا -أنّه عليه الصلة والسلم » رخّص في الكفّارة قبل الحنث « .
و» رخّص للمسلمين في الحرّ غير المزفّت من الوعية « .
و » رخّص للحائض أن تنفر قبل طواف الوداع « .
و » رخّص للزّبير وعبد الرّحمن بن عوفٍ في لبس الحرير لحكّةٍ كانت بهما « .
و » رخّص في الرّقية من العين « ..
وفي حديث جزاء الصّيد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :عليكم برخصة اللّه الّتي رخّص
لكم « .يعني عليكم بالصّوم إذا كان في تعويضه بالنعام عسر مهما كان مأتاه .
ب -نفي الجناح :
ورد الجناح منفيّا في القرآن الكريم في أكثر من عشرين آي ًة يستفاد من أغلبها التّرخيص فيما
لرْضِ
ضرَ ْب ُتمْ فِي ا َ
تضمّنته كما نصّ على ذلك أهل العلم من المفسّرين لقوله تعالى {:وَِإذَا َ
صرُواْ ِمنَ الصّلَةِ } .
جنَاحٌ أَن تَ ْق ُ
فََليْسَ عََل ْي ُكمْ ُ
ج -نفي الثم :
حمَ ا ْلخِنزِيرِ َومَا أُ ِهلّ بِ ِه ِل َغ ْيرِ
حرّمَ عََل ْي ُكمُ ا ْل َم ْيتَةَ وَال ّدمَ وََل ْ
من ذلك قوله تبارك وتعالى ِ { :إ ّنمَا َ
غفُورٌ ّرحِيمٌ } .
ن اللّهَ َ
غ ْيرَ بَاغٍ َولَ عَادٍ فَل ِإ ْثمَ عََليْ ِه إِ ّ
ضطُرّ َ
اللّ ِه َفمَنِ ا ْ
د -الستثناء من حكمٍ عامّ :
ن ُأكْرِ َه َوقَلْبُهُ
ل مَ ْ
كقوله تعالى - :في شأن الكراه { : -مَن كَ َفرَ بِاللّ ِه مِن َب ْعدِ إيمَانِهِ ِإ ّ
عظِيمٌ }
عذَابٌ َ
ن اللّهِ وََل ُهمْ َ
غضَبٌ مّ َ
ح بِا ْلكُفْ ِر صَدْرا َفعََليْ ِهمْ َ
ن بِالِيمَانِ وَلَهكِن مّن شَرَ َ
ُمطْ َمئِ ّ
رخّص اللّه في هذه الية للمكره إظهار الكفر – إذا خاف على نفسه أو على عضوٍ من
أعضائه التّلف – فله أن يظهر الكفر بشيءٍ من مظاهره الّتي يطلق عليها أنّها كفر في عرف
ل رفقا بعباده ،واعتبارا للشياء بغاياتها ومقاصدها ،وفي الحديث
النّاس من قولٍ أو فع ٍ
الشّريف » أنّ عمّار بن ياسرٍ – رضي ال عنهما – قال – بعد أن عذّب عذابا شديدا : -يا
رسول اللّه ،ما تركت حتّى نلت منك ،وذكرت آلهتهم بخيرٍ فقال صلى ال عليه وسلم :
كيف تجد قلبك ؟ قال :مطمئنّا باليمان .فقال عليه الصلة والسلم :إن عادوا فعد « .
أقسام الرّخصة :
-تنقسم الرّخصة باعتباراتٍ مختلف ٍة أهمّها : 8
أيضا الفطر في رمضان بالنّسبة للمسافر الّذي يشقّ عليه الصّوم ،والبراد بالظّهر ،والنّظر
إلى المخطوبة ،ومخالطة اليتامى في أموالهم وسائر أحوالهم ممّا تدعو إليه الحاجة اعتمادا
ن ا ْلمُصْلِحِ } .حيث
سدَ مِ َ
ن ُتخَالِطُو ُه ْم فَِإخْوَا ُن ُكمْ وَاللّ ُه َيعَْلمُ ا ْلمُ ْف ِ
على قوله سبحانه وتعالى { :وَإِ ْ
ن الية تتضمّن ترخيصا في خلط طعام اليتيم بطعام كافله ،
نصّ علماء التّفسير على أ ّ
وشرابه بشرابه ،وماشيته بماشيته دفعا للحرج ،كما أكّدوا بأنّها أفادت حثّا على هذه
المخالطة وتعريضا بما كانوا عليه من احتقار اليتيم والتّرفّع عنه .
القسم الثّالث :
-رخص مباحة :وقد مثّلوا لها بالعقود الّتي جاءت على خلف القياس ،كالسّلم ، 11
والعريّة ،والقراض ،والمساقاة ،والجارة ،والجعل ،ونحوها ممّا أبيح لحاجة النّاس إليه.
القسم الرّابع :
-رخص جاءت على خلف الولى :مثل الفطر في رمضان بالنّسبة للمسافر الّذي ل 12
يشقّ عليه الصّوم مشقّ ًة قويّةً ،والتّيمّم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل مع قدرته
عليه ،والجمع الّذي ل تدعو إليه حاجة المسافر .والسّؤال عن الشياء في وقتها ،وقراءة
القرآن ونسخه على غير طهار ٍة بالنّسبة للمعلّم والمتعلّم .
ب -باعتبار الحقيقة والمجاز :
تقسيم الرّخص بهذا العتبار يمثّل وجهة نظرٍ الحنفيّة حيث تواطأت كلمتهم سلفا وخلفا على
تقسيمها -بالعتبار المذكور -إلى قسمين رئيسيّين :
القسم الوّل :رخص حقيقيّة :
-وهي الّتي تقع في مقابلة عزائم ما يزال العمل بها جاريا لقيام دليلها ،وهذا القسم ينقسم 13
ن الحرمة لمّا كانت قائمةً مع سببها ،ومع ذلك شرع للمكلّف القدام على الفعل دون
لّ
مؤاخذ ٍة بناءً على عذره ،كان ذلك القدام في أكمل درجاته فهو في هذه الحالة بمنزلة العفو
ن كمال الرّخص بكمال
عن الجناية بعد استحقاق العقوبة .وليس في المر أيّ غرابةٍ ،ل ّ
العزائم ،فكلّما كانت هذه حقيقيّ ًة كاملةً ثابت ًة من كلّ وج ٍه ،كانت الرّخصة في مقابلتها كذلك.
وقد ذكروا -لهذا القسم -أمثلةً :
منها :التّرخيص في إجراء كلمة الكفر على اللّسان مع اطمئنان القلب باليمان عند الكراه
ن في امتناعه عن الفعل إتلف ذاته صور ًة ومعنىً ،وفي إقدامه
الملجئ بالقتل أو بالقطع ،ل ّ
ن الرّكن الصليّ في اليمان -وهو
عليه إتلف حقّ الشّرع صورةً دون معنىً حيث إ ّ
ص العلماء على تخييره بين الفعل والتّرك ،بل رجّح
التّصديق -باقٍ على حاله .ومع ذلك ن ّ
الحنفيّة منهم الخذ بالعزيمة في هذا المثال بالخصوص ،لنّ إحياء النّفوس -هنا -يقابله
موقف عظيم من مواقف السّموّ والباء والتّمسّك بالحقّ مهما اشتدّت الفتنة وعظم البلء .
سنّة من أنّ مسيلمة الكذّاب أكره رجلين -من
واستدلّوا على هذا التّرجيح بما ورد في ال ّ
المسلمين -على الكفر فنطق أحدهما بكلمته فنجا ،وأصرّ الخر على الجهر بالحقّ فهلك ،
فقال فيهما النّبيّ صلى ال عليه وسلم بعد أن بلغه خبرهما » :أمّا الوّل فقد أخذ برخصة
اللّه تعالى ،وأمّا الثّاني فقد صدع بالحقّ فهنيئا له « .
-ما أباحه الشّرع مع قيام السّبب المحرّم وتراخي الحرمة :مثل الفطار في رمضان 2
بالنّسبة للمسافر ،فإنّ السّبب المحرّم للفطار -وهو شهود الشّهر -قائم ،لكن وجوب
الصّوم أو حرمة الفطار غير قائم ٍة على الفور بل ثابتة على التّراخي بنصّ القرآن الكريم .
خرَ } .
ن مِنكُم ّمرِيضا أَوْ عَلَى سَ َفرٍ َف ِعدّ ٌة مّنْ َأيّامٍ ُأ َ
قال تعالى َ { :فمَن كَا َ
والعمل بالعزيمة في هذا القسم أيضا أولى من العمل بالرّخصة عند الحنفيّة ،أي الصّوم أولى
من الفطار عندهم .
أ ّولً :لنّ السّبب الموجب -وهو شهود الشّهر -كان قائما ،وتراخي الحكم بالجل غير
مانعٍ من التّعجيل ،مثلما هو المر في الدّين المؤجّل ،فكان المؤدّي للصّوم في هذه الحالة
ل لنفسه فيما يرجع إلى التّرفيه ،
عاملً للّه تعالى في أداء الفرض ،والمترخّص بالفطر عام ً
فقدّم حقّ اللّه وهو أحقّ بالتّقديم .
ثانيًا :لنّ في الخذ بالعزيمة نوع يسرٍ بنا ًء على أنّ الصّوم مع المسلمين في شهر الصّيام
أيسر من التّفرّد به بعد مضيّ الشّهر .هذا إذا لم يضعفه الصّوم ،فإذا أضعفه كان الفطر
أولى ،فإن صبر حتّى مات كان آثما بل خلفٍ .
ي الخذ بالرّخصة في هذا المثال ،والجميع متّفقون على أنّ من أفطر ثمّ
وقد رجّح الشّافع ّ
مات قبل إدراك ع ّدةٍ من أيّامٍ أخر ل شيء عليه كما لو مات قبل رمضان .
وجمهور الفقهاء يرون أنّ من أخذ بالعزيمة فصام في السّفر وقع صيامه في الفرض ول
قضاء عليه .
القسم الثّاني :رخص مجازيّة :
-وتسمّى أيضا -في اصطلحهم : -رخص السقاط ،وقد قسّموها -كذلك -إلى 14
أ -إسقاط الخروج إلى الجماعة للمرض أو لشدّة البرد ،أو للرّيح والمطر ،فقد كان النّبيّ
صلى ال عليه وسلم يأمر أصحابه في اللّيلة الباردة وفي اللّيلة المطيرة أن يصلّوا في رحالهم
.
ب -إسقاط وجوب الجمعة للعذار المذكورة في المثال الوّل ولغيرها ممّا وقع بسطه في
كتب الفروع والحكام .
ج -إسقاط شرط استقبال القبلة في صلة الخوف .
ج ا ْل َبيْتِ
د -إسقاط الحجّ والعمرة عن غير المستطيع ،قال اللّه تعالى { :وَلِّلهِ عَلَى النّاسِ حِ ّ
سبِيلً } .
ستَطَاعَ إَِليْ ِه َ
ناْ
مَ ِ
ن مِنَ
عدُو َ
ستَوِي الْقَا ِ
ه -إسقاط الجهاد عن ذوي العذار ،قال المولى تبارك وتعالى { :لّ َي ْ
سهِمْ } .
سبِيلِ اللّ ِه ِبَأمْوَاِل ِهمْ وَأَن ُف ِ
غ ْيرُ أُوْلِي الضّ َررِ وَا ْل ُمجَا ِهدُونَ فِي َ
ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َ
طيّب ،في المشهور عن مال كٍ وأبي حنيفة ،إلّ
و -إسقاط ال صّلة عند فقد الماء وال صّعيد ال ّ
ي.
ن أبا حنيفة وأصحابه يقولون بوجوب القضاء عليه ووافقهم الثّوريّ والوزاع ّ
أّ
وقال مالك -في رواية المدنيّين عنه : -ل يجب عليه القضاء .
وب عض المحقّق ين من الفقهاء يرون أ نّ الّذي ي جب إ سقاطه في هذه الحالة هو ح كم ا ستعمال
الماء والتّراب فيوجبون الصّلة عند فقدانهما .
ل بقوله صلى
ز -إسقاط القضاء عمّن أفطر ناسيا في نهار رمضان عند جمهور الئمّة عم ً
ال عليه وسلم » :من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه فإنّما أطعمه اللّه وسقاه«
.
وخالف مالك فقال بوجوب القضاء قياسا على من نسي صلةً فإنّه يقضيها متى تذكّرها .
ح -إسقاط الكفّارة بالعسار عند الشّافعيّة على خلف الظهر وفي إحدى روايتين للحنابلة
وتبعهم على ذلك عيسى بن دينارٍ من المالكيّة استنادا إلى ما جاء في آخر حديث العرابيّ
الّذي وقع على أهله في نهار رمضان » ..أطعمه أهلك « .
ل بمجموعةٍ من الحاد يث الشّري فة يدعّم بعض ها
ط -إ سقاط الحدّ بالشّب هة ل ما تقرّر -عم ً
ن الحدود تدرأ بالشّبهات .
البعض -من أ ّ
ص :مثاله :
النّوع الثّاني :تخفيف تنقي ٍ
-أ -قصر الصّلة الرّباعيّة في السّفر إلى ركعتين بقطع النّظر عن كون القصر واجبا 16
على جوازه جملةً في عدّة حالتٍ منها :السّفر والمرض والخوف .
ب -تقديم الزّكاة على الحول مسارع ًة إلى الخير لما رواه عليّ رضي ال عنه من » أنّ
العبّاس بن عبد المطّلب رضي ال عنه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل
أن تحلّ فرخّص له في ذلك « .
الخامس :تخفيف تأخيرٍ :مثل :
-تأخير الظّهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء وهو المعروف في كتب الفروع ،بجمع 19
التّأخير ،ويكون في السّفر ،وفي مزدلفة ،ومن أجل المرض والمطر وما إليها من العذار
المبيحة للتّأخير .
السّادس :تخفيف إباح ٍة مع قيام المانع :مثل :
-أ -صلة المستجمر مع بقيّة أثر النّجس الّذي ل يزول تماما إلّ بالماء . 20
ب -العفو عن بعض النّجاسات لقلّتها ،أو لعسر الحتراز منها ،أو لعسر إزالتها .
د -تقسيم الرّخص باعتبار أسبابها :
هذا التّقسيم يعدّ أكثر ضبطًا لصول الرّخص ،وأكثر جمعًا لفروعها ،وهي -بحسبه -
تنقسم إلى عدّة أقسامٍ منها :
– أ -رخص سببها الضّرورة :قد تطرأ على المكلّف حالة من الخطر أو المشقّة الشّديدة 21
تجعله يخاف من حدوث أذىً بالنّفس ،أو بالعرض ،أو بالعقل ،أو بالمال ،أو بتوابعها
فيتعيّن عليه -عندئذٍ -أو يباح له ارتكاب الحرام ،أو ترك الواجب ،أو تأخيره دفعا
ن ضمن قيود الشّرع .
للضّرر عنه في غالب الظّ ّ
انظر مصطلح ( :ضرورة ) .
وعلى هذا الساس قعّد الفقهاء قاعدةً ها ّمةً من قواعد الصول القريبة نصّها :
الضّرورات تبيح المحظورات .وهي تعدّ من فروع القاعدتين الكّليّتين :
إذا ضاق المر اتّسع .والضّرر يزال .
وقد فرّعوا على هذه القاعدة وما يتّصل بها فروعا كثير ًة تنظر في أبوابها .
-ب -رخص سببها الحاجة :الحاجة نوعان :عامّة وخاصّة . 22
الشّرعيّة والحيل الشّرعيّة يظفر بعلق ٍة وطيدةٍ بين هذه المور وبين الرّخص تتمثّل إجمالً في
جلب اليسر ودفع العسر عن المكلّفين ،فلتراجع تلك الدلّة في محالّها من الموسوعة .
القياس على الرّخص :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الرّخص المنصوص عليها إذا كانت ممّا يعقل معناه يمكن 24
أن يقاس عليها غيرها من الجزئيّات الّتي تشاركها في علّة الحكم .
فقد قاس بعض الفقهاء صحّة بيع العنب بالزّبيب على بيع العرايا المرخّص فيه بالنّصّ
لتّحادهما في العلّة .
كما حكموا بصحّة صوم من أفطر مخطئا أو مكرها قياسا على من أفطر ناسيا الّذي ثبتت
صحّة صومه بالنّصّ النّبويّ .
وزاد الشّافعيّ فقاس عليه كلم النّاسي في صلته .
وقاسوا الفطار في العين في رمضان على الكتحال المرخّص فيه نصّا .
وذهب أبو حنيفة وأصحابه -باستثناء أبي يوسف -إلى منع القياس على الرّخص لدلّةٍ
مبسوطةٍ في كتب الصول .
الخذ بالرّخص أو العزائم :
-قد يرفع الشّرع عن المكلّف الحرج في الخذ بالعزيمة أو في الخذ بالرّخصة ،أي أنّه 25
يكون مخيّرا في بعض الحالت بين التيان بهذه أو بتلك ،لنّ ما بينهما صار بمثابة ما بين
ع من أنواعه ،ولكن مع ذلك كان
أجزاء الواجب المخيّر الّذي يكتفى فيه بالتيان بأيّ نو ٍ
للتّرجيح بينهما مجال رحب غزير المادّة تباينت فيه أنظار المجتهدين حيث اختلفوا بين مرجّحٍ
ل من الفريقين قد
للخذ بالعزيمة -في هذه الحالة -وبين مرجّحٍ للخذ بالرّخصة فيها ،وك ّ
علّل رأيه بمجموعةٍ من المبرّرات المعقولة تكفّل الشّاطبيّ بعدّها عدّا واضحا مرتّبا .
آراء العلماء في تتبّع الرّخص :
سنّة ل بأس في تتبّعها لقول النّبيّ صلى ال عليه
-الرّخص الشّرعيّة الثّابتة بالكتاب أو ال ّ 26
رخم *
انظر ( :أطعمة )
ردء *
التّعريف :
-الرّدء في اللّغة :المعين والنّاصر ،من ردأ ،يقال :ردأت الحائط ردءا أي :دعّمته 1
المباشر سيّان في أصل الستحقاق في الغنائم ،مع اختلفهم في جواز تفضيل البعض على
البعض ،والجمهور على التّسوية الكاملة ،لستواء الكلّ في سبب الستحقاق ،وهو مجاوزة
الدّرب بنيّة القتال عند الحنفيّة ،وشهود الوقعة عند غيرهم ،ولقول أبي بكرٍ وعمر رضي ال
ل الجيش يقاتل ،لنّ ذلك خلف مصلحة
عنهما " :الغنيمة لمن شهد الوقعة " ولنّه ليس ك ّ
الحرب ،لنّه يحتاج أن يكون بعضهم في الرّدء ،وبعضهم يحفظون السّواد ،وبعضهم في
العلوفة على حسب ما يحتاج إليه في الحرب ،كما بيّنه المالكيّة .
أمّا من حضر الوقعة ل بنيّة القتال ،كالسّوقيّ " التّاجر " والخادم ،والمحترف كالخيّاط ،فإن
قاتل أسهم له عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " وهو الظهر عند الشّافعيّة،
وفي خلف الظهر للشّافعيّة ل يسهم له ،لنّه لم يقصد القتال .وإن لم يقاتل ل يسهم له عند
الجمهور ،لعدم نيّة القتال وعدم الشتراك فيه ،وفي وجهٍ عند الشّافعيّة يسهم له ،لنّه
ن الحضور إلى القتال يجرّ إليه .أمّا
حضر الوقعة ،وفيه تكثير سواد المسلمين ،والغالب أ ّ
من لم يحضر القتال أصلً فل سهم له إلّ إذا حبس في خدمة الجهاد ولمصلحة الجيش ،كأن
طلب المام بعض العسكر ليحرس من هجوم العدوّ ،أو أفرد من الجيش كمينا ،لكونهم
ردءا لمن قاتل ،وعونا لهم على الغنيمة تقوى به نفوس المقاتلين .
وأمّا المدد فإذا لحقوا عساكر المسلمين أثناء القتال يسهم لهم ،وإذا لحقوهم بعد انقضاء القتال
وإحراز الغنيمة ل يسهم لهم باتّفاق الفقهاء .
أمّا إذا لحقوهم بعد القتال قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار السلم فل يسهم لهم عند الحنابلة،
وهو الصّحيح عند الشّافعيّة لنّهم لم يشهدوا الوقعة ،ويسهم لهم عند الحنفيّة ،وهو وجه عند
الشّافعيّة ،لنّ الملك ل يحصل إلّ بعد الحراز في دار السلم عند الحنفيّة .وتفصيل هذه
المسائل في مصطلح ( :غنيمة ) .
الرّدء في الجنايات :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز عقوبة الرّدء في جرائم التّعزير إذا رأى القاضي ذلك . 4
أمّا في الحدود ،فل يحدّ الرّدء حدّ الزّنى ول حدّ الشّرب والقذف ،لنّها جرائم تتعلّق
بشخص المجرم .
واختلفوا في قطع الطّريق " الحرابة " والسّرقة والقتل ،وبيانه فيما يلي :
أ -الرّدء في قطع الطّريق " الحرابة " :
ن الرّدء أي المعين لقطّاع الطّريق
-يرى جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " أ ّ 5
حكمه حكم المباشر ،فإن باشر أحدهم أجري الحدّ عليهم بأجمعهم ،فإذا قتل أحدهم يقتل هو
ولنه
ّ والخرون ،لنّه جزاء المحاربهة ،وههي تتحق ّق بأن يكون البعهض ردءا للبعهض ،
المحاربهة مبني ّة على حصهول المنعهة والمعاضدة والمناصهرة ،ومهن عادة قطّاع الطّريهق
المباشرة من البعض والعانة من البعض الخر ،ول يتمكّن المباشر من فعله إلّ بقوّة الرّدء،
فلو لم يل حق الرّدء بالمبا شر لدّى ذلك إلى انفتاح باب ق طع الطّر يق ،في ستوي ف يه المبا شر
ن الرّدء يشمل من يتقوّى المحاربون بجاهه ،إذ لول
ص الدّسوقيّ على أ ّ
والرّدء كالغنيمة ،ون ّ
جاهه ما تجرّأ القاتل على القتل ،فجاهه إعانة على القتل حكما .
وقال الشّافعيّة :ل يجهب الحدّ على مهن أعان قطّاع الطّريهق أو كثهر جمعههم بالحضور ،أو
كان عينا لهم ولم يباشر بنفسه ،بل يعزّر بالحبس والنّفي وغيرهما .
وتفصيله في مصطلح ( :حرابة ) .
ب -الرّدء في السّرقة :
-اتّفق الفقهاء على أنّ الرّدء إذا لم يدخل الحرز ،ولم يشترك في إخراج المال فل حدّ 6
عليه .
وتفصيل هذه المسائل في مصطلح ( :سرقة ) .
ج -الرّدء فيما يوجب القصاص :
ن فباشر بعضهم الفعل المفضي للقتل ولم يباشره الخرون
-إذا تمال جماعة على قتل إنسا ٍ 7
لكنّهم اتّفقوا على ارتكابه مسبقا وحضروا ردءا للقتلة فقد اختلف الفقهاء فيه :فذهب الجمهور
" الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى عدم وجوب القصاص على من لم يباشر الفعل المفضي
للقتل ،لنّهم اشترطوا في القصاص من الجماعة المباشرة من الكلّ ،واشترط الحنفيّة فضلً
ل واحدٍ جرحا ساريا ،ولم يشترط الشّافعيّة في الصحّ
عن المباشرة أن يكون جرح ك ّ
والحنابلة هذا الشّرط وقالوا :يقتل الجمع بواحدٍ وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد والفحش ،
وعلى ذلك فل قصاص على الرّدء عند الجمهور .
وقال المالكيّة :يقتل المتمالئون على القتل أو الضّرب بأن قصد الجميع القتل أو الضّرب
ل واحد منهم ،بشرط أن يكونوا بحيث لو استعين بهم أعانوا ،وإن
وحضروا وإن لم يتولّه إ ّ
لم يضرب غيرهم ضربوا .
وعلى ذلك فيقتصّ من الرّدء المتمالئين على القتل -أي المتّفقين مسبقا على القتل -وإن لم
يباشره إلّ واحد منهم إذا كانوا بحيث لو استعين بهم أعانوا .
،وقصاص ) . 115 ، 114 وتفصيل الموضوع في مصطلحي ( :تواطؤ ج /14ص
أثر الرّدء في منع الرث :
ن القاتل يمنع من الميراث ،وإذا لم يكن فعله مضمونا
-اتّفق الفقهاء في الجملة على أ ّ 8
بالقصاص أو الدّية أو الكفّارة ل يمنع من ميراث مورّثه القتيل عند الئمّة الثّلثة ،خلفا
ل من له مدخل في القتل يمنع من الميراث ،ولو كان القتل بحقّ
للشّافعيّة حيث قالوا :إنّ ك ّ
كمقتصّ ،وإمامٍ وقاضٍ ،وسواء أكان القتل عمدا أم غيره ،مضمونا أم ل .
ويمنع من الميراث من باشر أو تسبّب خلفا للحنفيّة في التّسبّب ،كما إذا حفر بئرا أو وضع
حجرا في غير ملكه .وهذا في الجملة .
،وقتل ) . 17 وتفصيله في مصطلحي ( :إرث ج 3ف
رداء *
التّعريف :
-من معاني الرّداء في اللّغة :الثّوب يستر الجزء العلى من الجسم فوق الزار ،ويطلق 1
.لما روى أحمد عن ابن عمر رضي ال عنهما مرفوعا » :ليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ
ونعلين «
والتّفاصيل في ( إحرام ) .
وقال المالكيّة :يندب الرّداء لكلّ مصلّ ولو نافلةً .
والرّداء :هو ما يلقيه على عاتقيه أي كتفيه فوق ثوبه دون أن يغطّي به رأسه ،ويتأكّد ذلك
لئمّة المسجد ،ويكره لهم تركه .
ص وردا ٍء ،فإن أراد القتصار على ثوبٍ
وقال جمهور الفقهاء :الفضل أن يصلّي بقمي ٍ
واحدٍ فالقميص أفضل من الرّداء ،لنّه أبلغ في السّتر ،ثمّ الرّداء ثمّ المئزر ،وإن كان
يصلّي بثوبين فالفضل القميص والرّداء ،ثمّ الزار أو السّراويل مع القميص ،ثمّ أحدهما
مع الرّداء ،والزار مع الرّداء أفضل من السّراويل مع الرّداء ،لنّه لبس الصّحابة ،ولنّه
ل يحكي تقاطيع الخلقة .
وقال الشّافعيّة :قميص مع رداءٍ أو إزارٍ أو سراويل ،أولى من رداءٍ مع إزارٍ أو سراويل
وأولى من إزا ٍر مع سراويل .وإن صلّى في الرّداء وحده وكان واسعا التحف به ،وإن كان
ضيّقا خالف بين طرفيه بمنكبيه .
ويكره أن يصلّي بالضطباع بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه اليمن وطرفيه على اليسر ،
صمّاء :بأن يجلّل بدن ًة بالرّداء ثمّ يرفع طرفيه على عاتقه اليسر ،كما يكره
ويكره اشتمال ال ّ
اشتمال اليهود بأن يجلّل بدنه بالثّوب دون رفع طرفيه للنّهي عن ذلك .
ر ( :صلة ) .
تحويل الرّداء في دعاء الستسقاء :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحبّ تحويل الرّداء بعد دعاء الستسقاء ،وهو أن يجعل 3
ما على المنكب اليمن على اليسر ،وما على اليسر على اليمن .
لما روى البخاريّ » :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خرج إلى المصلّى فاستسقى فاستقبل
القبلة وقلب رداءه فصلّى ركعتين « .
وقال أبو حنيفة يدعو بل قلب رداءٍ
رداءة *
التّعريف :
-الرّداءة في اللّغة :نقيض الجودة ،ومعناها الخسّة والفساد ،وردؤ الشّيء رداءةً فهو 1
وتحريمه مع التّفاضل ،لقوله عليه الصلة والسلم » جيّدها ورديئها سواء « ،ولنّ تفاوت
الوصف ل يعدّ تفاوتا عادةً ،ولو اعتبر لفسد باب البياعات ،إذ قلّما يخلو عوضان عن
ت ما ،فلم يعتبر .
تفاو ٍ
ذكر الرّداءة في المسلم فيه :
-يشترط الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قو ٍل لصحّة السّلم ذكر الجودة والرّداءة 4
في المسلم فيه لختلف الغرض بهما فيفضي تركهما إلى النّزاع .
ل بتوافرها :أن يضبط المسلم فيه
وقال ابن قدامة عند ذكر الشّروط الّتي ل يصحّ السّلم إ ّ
بصفاته الّتي يختلف الثّمن بها ظاهرا ،فإنّ المسلم فيه عوض في ال ّذمّة فل بدّ من كونه
معلوما بالوصف كالثّمن .
ن العلم شرط في المبيع ،وطريقه إمّا الرّؤية وإمّا الوصف ،والرّؤية ممتنعة هاهنا فتعيّن
ول ّ
الوصف .
والوصاف على ضربين :متّفق على اشتراطها ومختلفٍ فيها .
فالمتّفق عليها ثلثة أوصافٍ :الجنس ،والنّوع ،والجودة ،أو الرّداءة .فهذه ل ب ّد منها في
كلّ مسلمٍ فيه .
ح إلى أنّه ل يشترط ذكر الجودة والرّداءة في المسلم فيه ،ويحمل
وذهب الشّافعيّة في الص ّ
المطلق على الجيّد للعرف .
وللتّفصيل ( :ر :سلم ) .
ذكر الجودة والرّداءة في الحوالة :
-يشترط المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الصحّ لصحّة الحوالة تماثل الدّينين -المحال به 5
شرطٍ فقضاه خيرا منه في القدر أو الصّفة أو دونه برضاهما جاز في الجملة .
وفي بعض صور المسألة خلف وتفصيل للفقهاء ينظر في مصطلح ( :قرض )
ردّ *
التّعريف :
-ال ّردّ في اللّغة :مصدر رددت الشّيء ،ومن معانيه منع الشّيء وصرفه ،وردّ الشّيء 1
أيضا إرجاعه ،وفي حديث عائشة » :من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو ردّ « .أي فهو
سنّة .
مردود عليه .وذلك إذا كان مخالفًا لما عليه ال ّ
وردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله .ور ّد فلنا خطأه .وتقول :ردّه إلى منزله ،وردّ إليه جوابا
أي :رجعه وأرسله .
ول يخرج معناه الصطلحيّ في الجملة عن معناه اللّغويّ .
وال ّردّ في الرث :دفع ما فضل عن فرض ذوي الفروض النّسبيّة إليهم بقدر حقوقهم عند
عدم استحقاق الغير .
). 49 ج /3ص 63 انظر مصطلح ( :إرث ف
والقسمة بال ّردّ هي الّتي يحتاج فيها لر ّد أحد الشّريكين للخر مالً أجنبيّا ،كأن يكون في أحد
الجانبين من أرضٍ مشترك ٍة بئر أو شجر ل تمكن قسمته ،وما في الجانب الخر ل يعادل
ذلك إلّ بضمّ شيءٍ إليه من خارجٍ ،فيردّ من يأخذ الجانب الّذي فيه البئر أو الشّجر قسط
قيمته أي قيمة ما ذكر من البئر أو الشّجر .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قسمة ) .
الحكم التّكليفيّ :
-يختلف الحكم التّكليفيّ لل ّردّ باختلف موطنه كما يلي : 2
سواء كان ذلك في العقود كالبيع والهبة ،أو في الجنايات كالغصب والسّرقة لقوله صلى ال
عليه وسلم » :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي « .
.)283/ 3 ،استرداد ،ف 5ج 219/ 3 وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( :استحقاق ج
-ب -فسخ العقود غير اللزمة :سواء كان عدم لزومها عائدا إلى طبيعتها ،كالوديعة 4
والشّركة ،أو إلى دخول الخيار -بأنواعه -عليها كالبيع والجارة ،وحينئذٍ يكون لكل
ل ما في يده إلى صاحبه .
الطّرفين ،أو لمن ثبت له الخيار الفسخ ،ويردّ ك ّ
-5ج -بطلن العقد :فإذا ظهر أنّ العقد باطل وجب على ك ّل من المتعاقدين ردّ ما أخذه
ي أثرٍ .
ن العقد الباطل ل وجود له شرعا ،ول ينتج أ ّ
من الخر وذلك ل ّ
ل أنّه
والعقد الفاسد عند الحنفيّة مستحقّ للفسخ حقّا للّه تعالى ،وهو يفيد الملك بالقبض ،إ ّ
ملك غير لزمٍ ،والفسخ في البيع الفاسد يستلزم ر ّد المبيع على بائعه ،وردّ الثّمن على
المشتري .
انظر ( :استرداد ) .
-6د -القالة :ومحلّها العقود اللزمة .
ومقتضى القالة ردّ المر إلى ما كان عليه ،أي ردّ المبيع إلى البائع ،والثّمن إلى المشتري،
سواء عند من اعتبرها فسخا وهم الشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن ،أو عند من اعتبرها
بيعا في حقّ العاقدين وغيرهما وهم المالكيّة وأبو يوسف ،أو عند من اعتبرها فسخا في حقّ
العاقدين بيعا في حقّ غيرهما ،وهو قول أبي حنيفة .
) 324/ 5 وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( :إقالة ج
-هه – انتهاء مدّة العقد :إذا انتهت مدّة العقد في العقود المقيّدة بمدّ ٍة فعلى المستأجر عند 7
بمعنىً واحدٍ ،وقد اختلفوا فيما إذا وقع العقد باطلً هل ينقلب صحيحا إذا رفع المفسد أم ل ؟
ن العقد ل ينقلب صحيحا برفع المفسد إذ ل عبرة بالفاسد .
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّ العقد الفاسد ينقلب صحيحا إذا حذف الشّرط المفسد للعقد .
واستثنوا من ذلك بعض الشّروط فل يصحّ العقد معها ولو حذف الشّرط ،وقد سبق تفصيل
). 11 ف 12/58 ذلك في مصطلح ( :تصحيح ج
وذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين العقد الباطل والعقد الفاسد ،فيصحّ عندهم أن ينقلب العقد
ح ذلك في العقد الباطل ،وإذا انقلب العقد الفاسد
الفاسد صحيحا وذلك برفع المفسد .ول يص ّ
صحيحا سقط ال ّردّ لزوال موجبه .
). 14 ، 13 ، 12 ، 11 ف 12/58 انظر مصطلح ( :تصحيح ج
-9ب -تجديد العقد :ويتأتّى ذلك في العقود المقيّدة بمدّ ٍة كالجارة ،فإذا اتّفق العاقدان على
تجديد العقد لمدّةٍ أخرى سقط ردّ العين المؤجّرة لورود العقد عليها ،ولزوال ما يوجبه وهو
انتهاء فترة العقد .
-ج -سقوط الخيار :ويكون ذلك في العقود غير اللزمة بسبب دخول الخيار عليها ، 10
فإذا سقط الخيار بأحد مسقطاته أصبح العقد لزما وامتنع ال ّر ّد حينئذٍ .
والخيارات متعدّدة وكذلك مسقطاتها ،وهي محلّ خلفٍ بين الفقهاء وتفصيل ذلك في
مصطلح ( :خيار ) .
أنواع الرّدّ :
-يقسّم الحنفيّة ر ّد المبيع بالعيب إلى ردّ بالقضاء وردّ بالتّراضي .وتظهر ثمرة التّفريق 11
ستُم ّم ْنهُمْ ُرشْدا فَادْ َفعُواْ إَِل ْي ِهمْ َأ ْموَاَل ُهمْ } .
ن آ َن ْ
ح فَإِ ْ
حّتىَ ِإذَا بََلغُواْ ال ّنكَا َ
ا ْل َيتَامَى َ
وتفصيل ذلك في ( رشد ،حجر ) .
ردّ السّلم :
-ردّ السّلم واجب في الجملة عند الفقهاء . 13
الصّدق والكذب ،وإنّما يكون حجّةً إذا ترجّح جانب الصّدق فيه ،وبالتّهمة ل يترجّح .
ى في الشّاهد كالفسق ،فإنّ من ل ينزجر عن غير الكذب من
والتّهمة قد تكون لمعن ً
محظورات دينه فقد ل ينزجر عنه أيضا ،فكان متّهما بالكذب ،وقد تكون لمعنىً في المشهود
له من قراب ٍة يتّهم بها بإيثار المشهود له على المشهود عليه ،كقرابة الولدة .وقد تكون لخللٍ
في التّمييز كالعمى المفضي إلى تهمة الغلط في الشّهادة .وقد تكون بالعجز عمّا جعله الشّارع
دليلً على صدقه كالمحدود في القذف ،قال اللّه تعالى َ { :فِإذْ َلمْ َي ْأتُوا بِالشّ َهدَاء َفأُوَْل ِئكَ عِندَ
اللّ ِه ُهمُ ا ْلكَا ِذبُونَ } .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :شهادة ) .
ر ّد اليمين :
-إذا وجبت اليمين على المدّعى عليه فامتنع ،وحكم القاضي بأنّه ناكل ،فقد اختلف 15
الفقهاء فذهب بعضهم إلى أنّ القاضي يحكم بالحقّ بالنّكول ،وذهب آخرون إلى أنّه يردّ
اليمين على المدّعي ،فإذا حلف حكم له .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء ،إثبات ،وأيمان ،ونكول ) .
ردّ مال الغير :
ي كالغصب فإنّه يجب
ن من أخذ مال الغير بطريق غير شرع ّ
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 16
عليه ردّه إلى صاحبه فورا ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :على اليد ما أخذت حتّى
ن بقاءها بيده ظلم آخر .
تؤدّي « ولنّ المظالم يجب التّخلّص منها فورا ،ل ّ
وكذا السّارق يجب عليه ردّ العين المسروقة إن كانت قائمةً اتّفاقا .
ل فقيمتها ،سواء قطع أو لم
فإن هلكت أو استهلكت وجب عليه ردّ مثلها إن كانت مثليّةً ،وإ ّ
يقطع ،وهذا مذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن قطع في السّرقة والعين
هالكة ل يضمن حينئذٍ ،فل يجتمع عندهم القطع والغرم ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
» ل يغرم صاحب سرق ٍة إذا أقيم عليه الحدّ « وفي رواية البزّار » ل يضمن السّارق سرقته
بعد إقامة الحدّ « وفي روايةٍ » ل غرم على السّارق بعد قطع يمينه « .
ولنّ وجوب الضّمان ينافي القطع ،لنّه لو ضمنه لملكه ملكا مستندا إلى وقت الخذ فتبيّن
أنّه ورد على ملكه فينتفي القطع للشّبهة وما يؤدّي إلى انتفائه فهو المنتفي .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إن كان موسرا يوم القطع ضمن قيمة المسروق ،وإن كان عديما لم
يضمن ولم يغرم .
ي عندما يوجد ما يوجب الرّدّ ،وذلك كردّ
وكذلك يجب ر ّد مال الغير إذا أخذه بطريقٍ شرع ّ
اللّقطة عند ظهور المالك ،الوديعة والعاريّة عند الطّلب .
مؤنة الرّدّ :
-من أحكام العقد الفاسد الفسخ ور ّد المبيع إلى بائعه والثّمن إلى المشتري ،وتكون مؤنة 17
ردّة *
التّعريف :
-ال ّردّة لغ ًة :الرّجوع عن الشّيء ،ومنه الرّدّة عن السلم . 1
يقال :ارتدّ عنه ارتدادا أي تحوّل .والسم ال ّردّة ،وال ّردّة عن السلم :الرّجوع عنه .
وارتدّ فلن عن دينه إذا كفر بعد إسلمه .
ح أو لفظٍ يقتضيه أو فعلٍ يتضمّنه .
ل صري ٍ
وفي الصطلح :ال ّردّة :كفر المسلم بقو ٍ
شرائط الرّدّة :
ل إذا توفّرت شرائط البلوغ والعقل والختيار .
-ل تقع ال ّردّة من المسلم إ ّ 2
وقال الشّافعيّ :إنّ الصّبيّ إذا ارتدّ ل يقتل حتّى بعد بلوغه ،قال في المّ " :فمن أقرّ
باليمان قبل البلوغ وإن كان عاقلً ،ث ّم ارتدّ قبل البلوغ أو بعده ،ثمّ لم يتب بعد البلوغ ،فل
ن إيمانه لم يكن وهو بالغ ،ويؤمر باليمان ،ويجهد عليه بل قتلٍ " .
يقتل ،ل ّ
ردّة المجنون :
ن أحكام
ن ول لردّته .ويترتّب على ذلك :أ ّ
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل صحّة لسلم مجنو ٍ 5
ال ّردّة تبنى على العتقاد ،والسّكران غير معتقدٍ لما يقول .
وذهب أحمد في أظهر الرّوايتين عنه ،والشّافعيّة في المذهب إلى وقوع ردّة السّكران ،
ن الصّحابة أقاموا حدّ القذف على السّكران ،وأنّه يقع طلقه ،فتقع ردّته ،وأنّه
وحجّتهم :أ ّ
مكلّف ،وأنّ عقله ل يزول كّليّا ،فهو أشبه بالنّاعس منه بالنّائم أو المجنون .
المكره على الرّدّة :
-الكراه :اسم لفعلٍ يفعله المرء بغيره ،فينتفي به رضاه ،أو يفسد به اختياره ،من غير 7
ومن اعتقد حلّ شي ٍء مجمعٍ على تحريمه ،كالزّنا وشرب الخمر ،أو أنكر أمرا معلوما من
الدّين بالضّرورة .
ب اللّه تعالى :
حكم س ّ
-اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ اللّه تعالى كفر ،سواء كان مازحا أو جادّا أو مستهزئا . 14
وسلم وسابّه كافر ،فكذا كلّ نبيّ مقطوعٍ بنبوّته ،وعلى ذلك اتّفق الفقهاء .
ع بنبوّته ،فمن سبّه زجر ،وأدّب ونكل به ،لكن ل يقتل ،صرّح
وإن كان نبيّا غير مقطو ٍ
بهذا الحنفيّة .
حكم سبّ زوجات النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
-اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي ال عنها ،فقد كذّب صريح القرآن الّذي 18
ظكُ ُم اللّهُ
نزل بحقّها ،وهو بذلك كافر قال تعالى في حديث الفك بعد أن برّأها اللّه منه َ { :ي ِع ُ
ن.
أَن َتعُودُوا ِل ِمثْلِهِ َأبَدا إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ } .فمن عاد لذلك فليس بمؤم ٍ
ن؟
وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى ال عليه وسلم ورضي اللّه عنه ّ
ن مثلها في ذلك .واستدلّ لذلك
قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة :إنّه ّ
طيّبَاتِ
ن لِل ّ
ط ّيبُو َ
ط ّيبِينَ وَال ّ
خبِيثَاتِ وَالطّ ّيبَاتُ لِل ّ
خبِيثُونَ لِ ْل َ
خبِيثِينَ وَا ْل َ
ت لِ ْل َ
خبِيثَا ُ
بقوله تعالى { :ا ْل َ
ن َلهُم ّمغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ َكرِيمٌ } .
ن ِممّا يَقُولُو َ
أُوَْل ِئكَ ُم َبرّؤُو َ
والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه ،وذلك ممنوع .
والقول الخر وهو مذهب للشّافعيّة والرّواية الخرى للحنابلة :إنّهنّ -سوى عائشة -كسائر
الصّحابة ،وسابّهنّ يجلد ،لنّه قاذف .
أمّا سابّ الخلفاء فهو ل يكفر ،وتوبته مقبولة .
حكم من قال لمسلمٍ يا كافر :
-عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أيّما 19
امرئٍ قال لخيه :يا كافر ،فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال ،وإلّ رجعت عليه «
وقال الحنفيّة بفسق القائل .
قال السّمرقنديّ :وأمّا التّعزير فيجب في ٍجنايةٍ ليست بموجبةٍ للحدّ ،بأن قال :يا كافر ،أو
يا فاسق ،أو يا فاجر .
وقال الحنابلة من أطلق الشّارع كفره ،مثل قوله صلى ال عليه وسلم » :من أتى كاهنا أو
عرّافا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مح ّمدٍ صلى ال عليه وسلم « .فهذا كفر ل
يخرج عن السلم بل هو تشديد .
وقال الشّافعيّة :من كفّر مسلما ولو لذنبه كفر ،لنّه سمّى السلم كفرا ،ولخبر مسلمٍ :
ل بالكفر أو قال عد ّو اللّه وليس كذلك إلّ حار عليه « .أي رجع عليه هذا إن
» من دعا رج ً
ل فل يكفر ،وهذا ما نقله الصل عن المتولّي ،
كفّره بل تأويلٍ للكفر بكفر النّعمة أو نحوه وإ ّ
وأقرّه ،والوجه ما قاله النّوويّ في شرح مسلمٍ أنّ الخبر محمول على المستحلّ فل يكفر
غيره ،وعليه يحمل قوله في أذكاره أنّ ذلك يحرم تحريما مغلّظا .
ما يوجب الرّدّة من الفعال :
ن فعل ذلك
-اتّفق الفقهاء على أنّ إلقاء المصحف كلّه في محلّ قذرٍ يوجب ال ّردّة ،ل ّ 20
أمّا إذا قتل المرتدّ ذ ّميّا أو مستأمنا عمدا فيقتل به عند الحنفيّة والحنابلة وهو أظهر قولي
ل ذبيحته ،ول مناكحته ،
الشّافعيّ ،لنّه أسوأ حالً من ال ّذ ّميّ ،إذ المرتدّ مهدر الدّم ول تح ّ
ول يقرّ بالجزية .
ول يقتل عند المالكيّة وهو القول الخر للشّافعيّ لبقاء علقة السلم ،لنّه ل يق ّر على ردّته.
وإذا قتل المرتدّ حرّا مسلما أو ذ ّميّا خطأً وجبت الدّية في ماله ،ول تكون على عاقلته عند
الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
ل دمه
والدّية يشترط لها عصمة الدّم ل السلم عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّه قد ح ّ
وصار بمنزلة أهل الحرب .
ن بيت المال يأخذ أرش الجناية عليه ممّن
وقال المالكيّة :بأنّ الضّمان على بيت المال ،ل ّ
جنى فكما يأخذ ماله يغرم عنه .وهذا إن لم يتب .فإن تاب فقيل :في ماله ،وقيل :على
عاقلته ،وقيل :على المسلمين ،وقيل :على من ارتدّ إليهم .
جناية المرتدّ على ما دون النّفس :
-قال المالكيّة :ل فرق في جناية المرتدّ بين ما إذا كانت على النّفس أو على ما دونها، 24
ول يقتل المرتدّ بال ّذمّيّ ،وإنّما عليه الدّية في ماله لزيادته على ال ّذ ّميّ بالسلم الحكميّ .
وقال ابن قدامة :يقتل المرتدّ بالمسلم وال ّذ ّميّ .وإن قطع طرفا من أحدهما فعليه القصاص
فيه أيضا .
ن أحكام
وقال بعض أصحاب الشّافعيّ :ل يقتل المرتدّ بال ّذ ّميّ ول يقطع طرفه بطرفه ،ل ّ
السلم في حقّه باقية بدليل وجوب العبادات عليه ومطالبته بالسلم .
قال ابن قدامة :ولنا :أنّه كافر فيقتل بالذّ ّميّ كالصليّ .
وفي مغني المحتاج :الظهر قتل المرتدّ بالذّ ّميّ لستوائهما في الكفر .بل المرتدّ أسوأ حالً
من ال ّذمّيّ لنّه مهدر الدّم فأولى أن يقتل بال ّذ ّميّ .
زنى المرتدّ :
-إذا زنى مرتدّ أو مرتدّة وجب عليه الح ّد ،فإن لم يكن محصنا جلد .وإن كان محصنا 25
ففي زوال الحصان بردّته خلف .أساسه الخلف في شروط الحصان ،هل من بينها
السلم أم ل ؟
قال الحنفيّة والمالكيّة :من ارتدّ بطل إحصانه ،إلّ أن يتوب أو يتزوّج ثانيةً .
ن السلم ليس من
وقال الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف :إنّ ال ّردّة ل تؤثّر في الحصان ،ل ّ
شروط الحصان .
قذف المرتدّ غيره :
ل أن يحصل منه ذلك في دار
-إذا قذف المرتدّ غيره ،وجب عليه الحدّ بشروطه ،إ ّ 26
شرائط السّرقة أو قطع الطّريق السلم .لذا فالمسلم والمرتدّ في ذلك سواء .
مسئوليّة المرتدّ عن جناياته قبل الرّدّة :
-إذا جنى مسلم على غيره ،ث ّم ارتدّ الجاني يكون مؤاخذا بكلّ ما فعل سواء استمرّ على 29
حدث على عهد الخليفة الرّاشد أبي بكرٍ رضي ال عنه .فإن حصل ذلك ،فقد اتّفق الفقهاء
على وجوب قتالهم مستدلّين بما فعله أبو بكرٍ بأهل ال ّردّة .
ثمّ اختلفوا بمصير دارهم على قولين :
الوّل للجمهور " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومح ّمدٍ من الحنفيّة " :إذا أظهروا
ن البقعة إنّما تنسب إلينا ،أو إليهم
أحكام الشّرك فيها ،فقد صارت دارهم دار حربٍ ،ل ّ
ل موضعٍ كان
باعتبار القوّة والغلبة .فكلّ موضعٍ ظهر فيه أحكام الشّرك فهو دار حربٍ ،وك ّ
الظّاهر فيه أحكام السلم ،فهو دار إسلمٍ .
وعند أبي حنيفة رضي ال عنه إنّما تصير دار المرتدّين دار حربٍ بثلث شرائط :
ل :أن تكون متاخم ًة أرض الشّرك ،ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين .
أ ّو ً
ثانيا :أن ل يبقى فيها مسلم آمن بإيمانه ،ول ذ ّميّ آمن بأمانه .
ثالثا :أن يظهروا أحكام الشّرك فيها .
فأبو حنيفة يعتبر تمام القهر والقوّة ،لنّ هذه البلدة كانت من دار السلم ،محرزة للمسلمين
ل بتمام القهر من المشركين ،وذلك باستجماع الشّرائط الثّلث .
فل يبطل ذلك الحراز ،إ ّ
الجناية على المرتدّ :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا ارتدّ مسلم فقد أهدر دمه ،لكن قتله للمام أو نائبه ،ومن قتله 31
أمّا إذا وقعت الجناية على مسلمٍ ثمّ ارت ّد فسرت ومات منها ،أو وقعت على مرتدّ ثمّ أسلم
فسرت ومات منها ففيها أقوال تنظر في باب " القصاص " من كتب الفقه .
قذف المرتدّ :
ن من شروط وجوب حدّ
-اتّفق الفقهاء على عدم وجوب الحدّ على قاذف المرتدّ ،ل ّ 33
نطقه بالشّهادتين ،ولو أتى بالشّهادتين على وجه العادة أو بدون التّبرّي لم ينفعه ما لم يرجع
عمّا قال إذ ل يرتفع بهما كفره .
قالوا :إن شهد الشّاهدان على مسل ٍم بال ّردّة وهو منكر ل يتعرّض له ل لتكذيب الشّهود ،بل
ن إنكاره توبة ورجوع ،فيمتنع القتل فقط وتثبت بقيّة أحكام ال ّردّة .
لّ
قال ابن عابدين :ويحتمل أن يكون النكار مع القرار بالشّهادتين .
وإذا نطق المرتدّ بالشّهادتين :صحّت توبته عند الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،لقوله عليه
الصلة والسلم » :أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا :ل إله إلّ اللّه ،فمن قال :ل إله إلّ
اللّه عصم منّي ماله ونفسه إلّ بحقّه وحسابه على اللّه « .متّفق عليه .
ن الشّهادة يثبت بها إسلم الكافر الصليّ فكذا المرتدّ .
وحيث إ ّ
ح توبته .
فإذا ادّعى المرتدّ السلم ،ورفض النّطق بالشّهادتين ،ل تص ّ
وصرّح الحنابلة بأنّ المرتدّ إن مات ،فأقام وارثه بيّن ًة أنّه صلّى بعد ال ّردّة :حكم بإسلمه .
ويؤخذ من ذلك أنّه تحصل توبة المرتدّ بصلته .
وقال الشّافعيّة والحنابلة :ل بدّ في إسلم المرت ّد من الشّهادتين فإن كان كفره لنكار شيءٍ
آخر ،كمن خصّص رسالة مح ّمدٍ بالعرب أو جحد فرضا أو تحريما فيلزمه مع الشّهادتين
القرار بما أنكر .
قال الحنابلة :ولو صلّى المرتدّ حكم بإسلمه إلّ أن تكون ردّته بجحد فريضةٍ ،أو كتابٍ ،
أو نبيّ ،أو ملكٍ ،أو نحو ذلك من البدع المكفّرة الّتي ينتسب أهلها إلى السلم ،فإنّه ل
يحكم بإسلمه بمجرّد صلته ،لنّه يعتقد وجوب الصّلة ويفعلها مع كفره .وأمّا لو زكّى أو
صام فل يكفي ذلك للحكم بإسلمه ،لنّ الكفّار يتصدّقون ،والصّوم أمر باطن ل يعلم .
واختلف الفقهاء في قبول توبة الزّنديق ،وتوبة من تكرّرت ردّته ،وتوبة السّاحر على أقوالٍ
ينظر تفصيلها في مصطلح ( :توبة ) .
توبة سابّ اللّه تعالى أو رسوله صلى ال عليه وسلم :
ب اللّه تعالى .وكذا الحنابلة ،مع ضرورة تأديب السّابّ
-قال الحنفيّة بقبول توبة سا ّ 37
لِّلذِينَ كَ َفرُو ْا إِن يَن َتهُواْ ُيغَ َف ْر َلهُم مّا َقدْ سَلَفَ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :أمرت أن
ن محمّدا رسول اللّه ،ويقيموا الصّلة ويؤتوا
أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن إله إلّ اللّه وأ ّ
ل بحقّ السلم وحسابهم على اللّه وفي
الزّكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إ ّ
قولٍ عند الحنفيّة ورواية عند الحنابلة :توبة من تكرّرت ردّته ل تقبل .
ن آ َمنُو ْا ُثمّ كَ َفرُو ْا ُثمّ آ َمنُو ْا ُثمّ كَ َفرُواْ ُثمّ ا ْزدَادُو ْا كُفْرا ّلمْ َيكُنِ
وحجّتهم قوله تعالى ِ { :إنّ اّلذِي َ
ن تكرار ال ّردّة ،دليل على فساد العقيدة ،وقلّة المبالة
سبِيلً } ول ّ
ل ِل َي ْه ِديَ ُهمْ َ
اللّ ُه ِل َيغْ ِفرَ َل ُهمْ َو َ
.
توبة السّاحر :
-قال الحنفيّة والشّافعيّة :بعدم قبول توبة السّاحر ،وعن أحمد روايتان . 39
الستتابة .فلو قتل قبل الستتابة فقاتله مسيء ،ول يجب بقتله شيء غير التّعزير ،إلّ أن
يكون رسولً للكفّار فل يقتل ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يقتل رسل مسيلمة .
فإذا قتل المرتدّ على ردّته ،فل يغسّل ،ول يصلّى عليه ،ول يدفن مع المسلمين .
ودليل قتل المرتدّ قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من بدّل دينه فاقتلوه « وحديث » :ل
ث :النّفس
ل بإحدى ثل ٍ
يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن ل إله إلّ اللّه وأنّي رسول اللّه إ ّ
بالنّفس ،وال ّثيّب الزّاني والتّارك لدينه المفارق للجماعة « .
أمّا المرتدّة فهي عند جمهور الفقهاء كالمرتدّ ،لعموم قوله صلى ال عليه وسلم » :من بدّل
ن امرأةً يقال لها أمّ رومان ارتدّت فأمر النّبيّ صلى ال
دينه فاقتلوه « ،ولما روى جابر » أ ّ
عليه وسلم أن يعرض عليها السلم فإن تابت وإلّ قتلت « .
ن المرتدّة ل تق تل ،بل تح بس حتّى تتوب أو تموت ،لن هي النّبيّ صلى
وذ هب الحنفيّة إلى أ ّ
ال عليه وسلم عن قتل الكافرة الّتي ل تقاتل أو تحرّض على القتال ،فتقاس المرتدّة عليهما.
أثر الرّدّة على مال المرت ّد وتصرّفاته :
ديون المرتدّ :
ن المرتدّ إذا مات أو قتل على ردّته ابتدئ من
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ 41
ملك المرت ّد ل يزول عن ماله بمجرّد ردّته ،وإنّما هو موقوف على ماله فإن مات أو قتل
على ال ّردّة زال ملكه وصار فيئا ،وإن عاد إلى السلم عاد إليه ماله ،لنّ زوال العصمة ل
يلزم منه زوال الملك ،ولحتمال العود إلى السلم .
وبنا ًء على ذلك يحجر عليه ويمنع من التّصرّف ،ولو تصرّف تكون تصرّفاته موقوف ًة فإن
أسلم جاز تصرّفه ،وإن قتل أو مات بطل تصرّفه وهذا عند المالكيّة والحنابلة وأبي حنيفة .
وفصّل الشّافعيّة فقالوا :إن تصرّف تصرّفا يقبل التّعليق كالعتق والتّدبير والوصيّة كان
تصرّفه موقوفا إلى أن يتبيّن حاله ،أمّا التّصرّفات الّتي تكون منجّزةً ول تقبل التّعليق كالبيع
والهبة والرّهن فهي باطلة بناءً على بطلن وقف العقود ،وهذا في الجديد ،وفي القديم تكون
موقوف ًة أيضا كغيرها .
ن الملك كان ثابتا
وقال أبو يوسف ومحمّد وهو قول عند الشّافعيّة :ل يزول ملكه بردّته ،ل ّ
له حالة السلم لوجود سبب الملك وأهليّته وهي الح ّريّة ،والكفر ل ينافي الملك كالكافر
الصليّ ،وبناءً على هذا تكون تصرّفاته جائز ًة كما تجوز من المسلم حتّى لو أعتق ،أو
ن أبا يوسف قال :يجوز
دبّر ،أو كاتب ،أو باع ،أو اشترى ،أو وهب نفذ ذلك كلّه ،إلّ أ ّ
تصرّفه تصرّف الصّحيح ،أمّا محمّد فقال :يجوز تصرّفه تصرّف المريض مرض الموت ،
ن المرتدّ مشرف على التّلف ،لنّه يقتل فأشبه المريض مرض الموت .
لّ
ن استيلد المرتدّ وطلقه وتسليمه الشّفعة صحيح ونافذ ،لنّ
وقد أجمع فقهاء الحنفيّة على أ ّ
ال ّردّة ل تؤثّر في ذلك .
والقول الثّالث :عند الشّافعيّة -وصحّحه أبو إسحاق الشّيرازيّ -وهو قول أبي بك ٍر من
الحنابلة أنّ ملكه يزول بردّته لزوال العصمة بردّته فما له أولى ،ولما روى طارق بن شهابٍ
صدّيق قال لوفد بزاخّة وغطفان :نغنم ما أصبنا منكم وتردّون إلينا ما أصبتم منّا
ن أبا بكرٍ ال ّ
أّ
ن المسلمين ملكوا دمه بال ّردّة فوجب أن يملكوا ماله .
،ول ّ
وعلى هذا فل تصرّف له أصلً لنّه ل ملك له .
وما سبق إنّما هو بالنّسبة للمرتدّ الذّكر باتّفاق الفقهاء وهو كذلك بالنّسبة للمرتدّة النثى عند
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وعند الحنفيّة ل يزول ملك المرتدّة النثى عن أموالها بل خلفٍ عندهم فتجوز تصرّفاتها ،
لنّها ل تقتل فلم تكن ردّتها سببا لزوال ملكها عن أموالها .
أثر الرّدّة على الزّواج :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا ارتدّ أحد الزّوجين حيل بينهما فل يقربها بخلو ٍة ول جماعٍ ول 44
نحوهما .
ثمّ قال الحنفيّة :إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين بانت منه امرأته مسلمةً كانت أو كتابيّةً ،
دخل بها أو لم يدخل ،لنّ ال ّردّة تنافي النّكاح ويكون ذلك فسخا عاجلً ل طلقا ول يتوقّف
على قضاءٍ .
ثمّ إن كانت ال ّردّة قبل الدّخول وكان المرتدّ هو الزّوج فلها نصف المسمّى أو المتعة ،وإن
كانت هي المرتدّة فل شيء لها .
وإن كان بعد الدّخول فلها المهر كلّه سواء كان المرتدّ الزّوج أو الزّوجة .
وقال المالكيّة في المشهور :إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين كان ذلك طلقةً بائن ًة ،فإن رجع
إلى السلم لم ترجع له إلّ بعقدٍ جديدٍ ،ما لم تقصد المرأة بردّتها فسخ النّكاح ،فل ينفسخ ،
معاملةً لها بنقيض قصدها .وقيل :إنّ ال ّردّة فسخ بغير طلقٍ .
وقال الشّافعيّة :إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين فل تقع الفرقة بينهما حتّى تمضي عدّة
الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى السلم ،فإذا انقضت بانت منه ،وبينونتها منه فسخ ل
طلق ،وإن عاد إلى السلم قبل انقضائها فهي امرأته .
وقال الحنابلة :إذا ارتدّ أحد الزّوجين قبل الدّخول انفسخ النّكاح فورا وتنصّف مهرها إن كان
الزّوج هو المرتدّ ،وسقط مهرها إن كانت هي المرتدّة .
ولو كانت الرّدّة بعد الدّخول ففي رواي ٍة تنجّز الفرقة .وفي أخرى تتوقّف الفرقة على انقضاء
العدّة .
حكم زواج المرتدّ بعد الرّدّة :
-اتّفق الفقهاء على أنّ المسلم إذا ارتدّ ثمّ تزوّج فل يصحّ زواجه ،لنّه ل ملّة له ،فليس 45
مسلم ،قال بذلك الحنفيّة والشّافعيّة ،لنّ بداية الحمل كان لمسلمين في دار السلم ،وإن
ولد خلل ال ّردّة .
لكن من كان حمله خلل ردّة أبويه كليهما ،ففيه خلف ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وهو
المذهب عند الحنابلة والظهر عند الشّافعيّة ،إلى أنّه يكون مرتدّا تبعا لبويه فيستتاب إذا بلغ
.
ل للشّافعيّة أنّه يقرّ على دينه بالجزية كالكافر الصليّ ،واستثنى
وفي رواي ٍة للحنابلة وقو ٍ
الشّافعيّة ما لو كان في أصول أبويه مسلم فإنّه يكون مسلما تبعا له ،واستثنى المالكيّة أيضا
ما لو أدرك ولد المرتدّ قبل البلوغ فإنّه يجبر على السلم .
إرث المرتدّ :
-اختلف الفقهاء في مال المرتدّ إذا قتل ،أو مات على ال ّردّة على ثلثة أقوالٍ : 47
أ -أنّ جميع ماله يكون فيئا لبيت المال ،وهذا قول مالكٍ ،والشّافعيّ وأحمد .
ب -أنّه يكون ماله لورثته من المسلمين ،سواء اكتسبه في إسلمه أو ردّته ،وهذا قول أبي
يوسف ومح ّمدٍ .
ج -أنّ ما اكتسبه في حال إسلمه لورثته من المسلمين ،وما اكتسبه في حال ردّته لبيت
المال ،وهذا قول أبي حنيفة .
ن المرتدّ ل يرث أحدا من أقاربه المسلمين لنقطاع الصّلة بال ّردّة .
ول خلف بينهم في أ ّ
كما ل يرث كافرا ،لنّه ل يقرّ على الدّين الّذي صار إليه .ول يرث مرتدّ مثله .
ووصيّة المرتدّ باطلة لنّها من القرب وهي تبطل بال ّردّة .
أثر الرّدّة في إحباط العمل :
عمَاُلهُمْ فِي
ح ِبطَتْ َأ ْ
-قال تعالى َ { :ومَن يَ ْر َت ِددْ مِن ُكمْ عَن دِينِ ِه فَ َيمُتْ وَهُ َو كَافِرٌ َفأُوْلَه ِئكَ َ 48
رزق *
التّعريف :
-الرّزق لغ ًة العطاء دنيويّا كان أم أخرويّا ،والرّزق أيضا ما يصل إلى الجوف ويتغذّى به 1
،يقال :أعطى السّلطان رزق الجند ،ورزقت علما قال الجرجانيّ :الرّزق اسم لما يسوقه
اللّه إلى الحيوان فيأكله ،فيكون متناولً للحلل والحرام .
والرّزق عند الفقهاء هو :ما يفرض في بيت المال بقدر الحاجة والكفاية مشاهرةً أو مياومةً.
وقيل :الرّزق هو ما يجعل لفقراء المسلمين إذا لم يكونوا مقاتلين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العطاء :
-العطاء لغةً اسم لما يعطى ،والجمع أعطية ،وجمع الجمع أعطيات . 2
كالقضاء والفتيا والذان والمامة وتعليم القرآن وتدريس العلم النّافع من الحديث والفقه ،
وتحمّل الشّهادة وأدائها .
ن ذلك من المصالح العامّة .
كما يدفع منه أرزاق المقاتلة وذراريّهم ل ّ
قال ابن تيميّة :أمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرةً بل رزق للعانة على الطّاعة
،وأخذ الرّزق على العمل ل يخرجه عن كونه قربةً ول يقدح في الخلص ،لنّه لو قدح ما
استحقّت الغنائم وسلب القاتل .
). 251 ج8ص 12 وللتّفصيل ر ( :بيت المال ف
وفيما يلي بعض الحكام المتّصلة بالرّزق :
-أ -قال القرافيّ :إنّ الرزاق الّتي تطلق للقضاة والعمّال والولة يجوز فيها الدّفع 4
والقطع والتّقليل والتّكثير والتّغيير ،لنّ الرزاق من باب المعروف وتصرف بحسب
المصلحة ،وقد تعرض مصلحة أعظم من تلك المصلحة فيتعيّن على المام الصّرف فيها .
فقد كتب أبو يوسف في رسالته لمير المؤمنين هارون الرّشيد :ما يجري على القضاة
والولة من بيت مال المسلمين من جباية الرض أو من خراج الرض والجزية لنّهم في
عمل المسلمين فيجري عليهم من بيت مالهم ويجري على كلّ والي مدينةٍ وقاضيها بقدر ما
ل رجلٍ تصيّره في عمل المسلمين فأجر عليه من بيت مالهم ول تجر على الولة
يحتمل ،وك ّ
والقضاة من مال الصّدقة شيئا إلّ والي الصّدقة فإنّه يجرى عليه منها كما قال اللّه تبارك
وتعالى { :وَا ْلعَامِلِينَ عََل ْيهَا } فأمّا الزّيادة في أرزاق القضاة والعمّال والولة والنّقصان ممّا
يجري عليهم فذلك إليك ،من رأيت أن تزيده في رزقه منهم زدت ،ومن رأيت أن تحطّ
رزقه حططت ،أرجو أن يكون ذلك موسّعا عليك .
-5ب -قال القرافيّ :أرزاق المساجد والجوامع يجوز أن تنقل عن جهاتها إذا تعطّلت أو
وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من الجهة الولى ،لنّ الرزاق معروف يتبع
المصالح فكيفما دارت دار معها .
ي أيضا :القطاعات الّتي تجعل للمراء والجناد من الراضي الخراجيّة
-6ج -قال القراف ّ
وغيرها من الرّباع هي أرزاق بيت المال ،وليست إجارةً لهم ،لذلك ل يشترط فيها مقدار
ل سن ٍة بكذا
من العمل ول أجل تنتهي إليه الجارة ،وليس القطاع مقدّرا كلّ شهرٍ بكذا ،وك ّ
حتّى تكون إجارةً ،بل هو إعانة على الطلق ،ولكن ل يجوز تناوله إلّ بما قاله المام من
الشّرط من التّهيّؤ للحرب ،ولقاء العداء ،والمناضلة على الدّين ،ونصرة كلمة السلم
والمسلمين ،والستعداد بالسّلح والعوان على ذلك .فمن لم يفعل ما شرطه المام من ذلك
ل بإطلق المام على ذلك الوجه الّذي
لم يجز له التّناول ،لنّ مال بيت المال ل يستحقّ إ ّ
أطلقه .
-د -وقال القرافيّ أيضا :المصروف من الزّكاة للمجاهدين ليس أجرةً ،بل هو رزق 7
ص.
خاصّ من مالٍ خا ّ
ح أن يبقى في بيت
ص وبين أصل الرزاق هو أنّ أصل الرزاق يص ّ
والفرق بين الرّزق الخا ّ
ن جهة
المال ،وهذا يجب صرفه إمّا في جهة المجاهدين أو غيرهم من الصناف الثّمانية ،ل ّ
ل أن يمنع
هذا المال عيّنها اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز فيجب على المام إخراجها فيها إ ّ
مانع .
-8هه -ما يصرف من جهة الحكّام لقسّام العقار بين الخصوم ،ولمترجم الكتب عند
القضاة ولكاتب القاضي ،ولمناء القاضي على اليتام ،وللخرّاص على خرص الموال
الزّكويّة من الدّوالي أو النّخل ،ولسعاة المواشي والعمّال على الزّكاة ،ونحو ذلك من المسائل
رزق يجري عليه أحكام الرزاق دون أحكام الجارات .
ي عن ابن تيميّة قوله :الرزاق الّتي يقدّرها الواقفون ثمّ يتغيّر نقد البلد
-9و -نقل الرّحيبان ّ
فيما بعد فإنّه يعطى المستحقّ من نقد البلد ما قيمته قيمة المشروط .
وظائف المام في القسمة على أهل الجهاد من المرتزقة :
للمام في القسمة على أهل الجهاد من المرتزقة وظائف :
-إحداها :يضع ديوانا -وهو الدّفتر الّذي يثبت فيه السماء -فيحصي المرتزقة 10
ل قبيل ٍة أو عددٍ يراه عريفا ليعرض عليه أحوالهم ويجمعهم عند الحاجة
بأسمائهم وينصب لك ّ
ويثبت فيه قدر أرزاقهم .
-الثّانية :يعطي كلّ شخصٍ قدر حاجته فيعرف ،وعدد من في نفقته ،وقدر نفقتهم 11
وكسوتهم وسائر مؤنتهم ،ويراعي الزّمان والمكان وما يعرض من رخصٍ وغلءٍ ،وحال
الشّخص في مروءته وضدّها ،وعادة البلد في المطاعم ،فيكفيه المؤنات ليتفرّغ للجهاد
فيعطيه لولده الّذين هم في نفقته أطفالًا كانوا أو كبارا ،وكلّما زادت الحاجة بالكبر زاد في
حصّته .
ب أن يقدّم المام في العطاء وفي إثبات السم في الدّيوان قريشا على
-الثّالثة :يستح ّ 12
يصلح للغزو كالعمى والزّمن ،وإنّما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله يعطي لهم كما سبق،
وإنّما يثبت في الدّيوان الرّجال المكلّفين المستعدّين للغزو .
ولخّص الماورديّ وأبو يعلى شرط إثبات الجيش في الدّيوان في خمسة أوصافٍ وهي :
البلوغ ،والح ّريّة ،والسلم ،والسّلمة من الفات المانعة من القتال ،والستعداد للقدام
على الحروب .
-الخامسة :يفرّق المام الرزاق في كلّ عامٍ مرّةً ويجعل له وقتا معلوما ل يختلف ، 14
صنف منهم محتاجون والمام يبغي سدّ حاجاتهم وهؤلء معظم مستحقّي الزّكوات في الية
ت لِلْفُ َقرَاء } الية .
ص َدقَا ُ
المشتملة على ذكر أصناف المستحقّين .قال اللّه تعالى ِ { :إ ّنمَا ال ّ
وللمساكين استحقاق في خمس الفيء والغنيمة كما يفصّله الفقهاء ،وهؤلء صنف من
الصناف الثّلثة .
والصّنف الثّاني :أقوام ينبغي للمام كفايتهم ويدرأ عنهم بالمال الموظّف لهم حاجتهم ،
ويتركهم مكفيّين ليكونوا متجرّدين لما هم بصدده من مهامّ السلم وهؤلء صنفان :
-أحدهما :المرتزقة وهم نجدة المسلمين وعدّتهم ووزرهم وشوكتهم ،فينبغي أن يصرف 16
إليهم ما ير ّم خلّتهم ويسدّ حاجتهم ويستعفوا به عن وجوه المكاسب والمطالب ،ويتهيّئوا لما
رشّحوا له ،وتكون أعينهم ممتدّ ًة إلى أن يندبوا فيخفوا على البدار ،وينتدبوا من غير أن
يتثاقلوا ويتشاغلوا بقضاء أربٍ وتمهيد سببٍ .
فقد ورد عن المستورد بن شدّادٍ أنّه قال :سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول » :من
كان لنا عاملً فليكتسب زوج ًة ،فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما ،فإن لم يكن له مسكن
فليكتسب مسكنا « .
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :من استعملناه على عملٍ
وفي حديث بريدة عن النّب ّ
فرزقناه فما أخذ بعد ذلك فهو غلول « .
-والصهّنف الثّانهي :الّذيهن انتصهبوا لقا مة أركان الدّ ين ،وانقطعوا بسهبب اشتغالههم 17
واستقللهم بها عن التّو سّل إلى ما يقيم أودهم ويسدّ خلّتهم ،ولول قيامهم بما لبسوه لتعطّلت
أركان اليمان .فعلى المام أن يكفيهم مؤنهم حتّى يسترسلوا فيما تصدّروا له بفراغ جنا نٍ ،
أذهانه ،وهؤلء ههم القضاة والحكّام والقسهّام والمفتون والمتفقّهون ،وكلّ مهن يقوم
ٍ وتجرّد
بقاعدةٍ من قواعد الدّين يلهيه قيامه بها عمّا فيه سداده وقوامه .
فأمّا المرتزقة فالمال المخصوص بهم أربعة أخماس الفيء ،والصّنف الثّاني يدرّ عليهم
كفايتهم وأرزاقهم من سهم المصالح .
( ر :بيت المال ) .
-والصّنف الثّالث :قوم تصرف إليهم طائفة من مال بيت المال على غناهم واستظهارهم 18
ول يوقف استحقاقهم على سدّ حاج ٍة ول على استيفاء كفاي ٍة وهم بنو هاشمٍ وبنو المطّلب ،
فهؤلء يستحقّون سهما من خمس الفيء والغنيمة من غير اعتبار حاجةٍ وكفاي ٍة عند بعض
الفقهاء .
ج 1ص ،105وخمس ، 14 وفي المسألة خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :آل ف
وغنيمة ،وقرابة ) .
رسالة *
انظر :إرسال .
رسغ *
التّعريف :
-الرّسغ لغ ًة هو من النسان مفصل ما بين السّاعد والكفّ ،والسّاق والقدم ،وهو من 1
يقم ،لنّها الّتي تغمس في الناء وتنقل ماء الوضوء إلى العضاء ففي غسلهما إحراز لجميع
الوضوء .
وقد كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يفعله ،ولنّه ورد غسلهما في صفة وضوء النّبيّ صلى
ال عليه وسلم الّتي رواها عثمان ،وكذلك في وصف عليّ وعبد اللّه بن زيدٍ وغيرهما
لوضوئه صلى ال عليه وسلم .
وقيل :إنّه فرض وتقديمه سنّة ،واختاره في فتح القدير والمعراج والخبّازيّة ،وإليه يشير
قول مح ّمدٍ في الصل .
وللتّفصيل في أحكام غمس اليد في الناء قبل غسلها ،وحكم غسل اليدين عند القيام من نوم
اللّيل أو نوم النّهار ،وكيفيّة غسلهما تنظر مصطلحات ( :نوم ،وضوء ،ويد ) .
مسح اليدين إلى الرّسغين في التّيمّم :
-اختلف الفقهاء في حدّ اليدي الّتي أمر اللّه سبحانه وتعالى بمسحها في التّيمّم في قوله : 3
{ فَا ْمسَحُو ْا بِ ُوجُو ِه ُكمْ وََأ ْيدِيكُم ّمنْهُ } على التّجاهات التية :
يرى الحنفيّة والشّافعيّة على المذهب ومالك في إحدى الرّوايتين عنه وجوب استيعاب اليدين
إلى المرفقين بالمسح واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :التّيمّم ضربتان :ضربة
للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين « .
وكذلك بما ورد من حديث السلع قال » :كنت أخدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأتاه جبريل
بآية التّيمّم ،فأراني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كيف المسح للتّيمّم ،فضربت بيديّ
الرض ضربةً واحدةً ،فمسحت بهما وجهي ،ثمّ ضربت بهما الرض فمسحت بهما يديّ
إلى المرفقين « .
وذهب الحنابلة وأبو حنيفة -فيما رواه الحسن عنه -ومالك في الرّواية الخرى وعليها
جمهور المالكيّة والشّافعيّة على القديم والوزاعيّ والعمش إلى وجوب مسح اليدين في التّيمّم
إلى الرّسغين ،واستدلّوا بقوله تعالى { :فَا ْمسَحُو ْا بِ ُوجُو ِه ُكمْ وََأ ْيدِيكُم ّمنْهُ } وقالوا في وجه
ن الحكم إذا علّق بمطلق اليدين لم يدخل فيه الذّراع كقطع السّارق ومسّ
الستدلل بالية :إ ّ
الفرج .
كما احتجّوا بحديث عمّارٍ قال » :بعثني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في حاجةٍ فأجنبت
فلم أجد ماءً فتمرّغت في الصّعيد كما تتمرّغ الدّابّة ،ث ّم أتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم
فذكرت ذلك له فقال :إنّما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ،ث ّم ضرب بيديه الرض ضربةً
واحد ًة ثمّ مسح الشّمال على اليمين وظاهر كفّيه ووجهه « .وفي لفظٍ » :أنّ النّبيّ صلى
ال عليه وسلم أمره بالتّيمّم للوجه والكفّين « .
ن الفرض هو المسح إلى المناكب .
وذهب الزّهريّ ومحمّد بن مسلمة وابن شهابٍ إلى أ ّ
وللتّفصيل ( ر :تيمّم ) .
موضع القطع من اليد في السّرقة :
-ذهب فقهاء المصار إلى أنّ المستحقّ في السّرقة هو قطع اليمنى من الرّسغ ،لنّ 4
المنصوص قطع اليد ،وقطع اليد قد يكون من الرّسغ ،وقد يكون من المرفق ،وقد يكون
من المنكب ،ولكن هذا البهام زال ببيان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فإنّه أمر بقطع يد
ن هذا القدر متيقّن به ،وفي العقوبات إنّما يؤخذ بالمتيقّن .وللتّفصيل
السّارق من الرّسغ ،ول ّ
( :ر :سرقة ) .
رسول *
التّعريف :
-الرّسول في اللّغة هو الّذي أمره المرسل بأداء الرّسالة بالتّسليم أو القبض ،والّذي يتابع 1
أخبار الّذي بعثه ،أخذا من قولهم جاءت البل رسلً :أي متتابع ًة قطيعا بعد قطيعٍ .وسمّي
الرّسول رسولً ،لنّه ذو رسالةٍ .وهو اسم مصدرٍ من أرسلت ،وأرسلت فلنا في رسالةٍ
فهو مرسل ورسول .
قال الرّاغب الصفهانيّ :والرّسول يقال تار ًة للقول المتحمّل كقول الشّاعر :أل أبلّغ أبا
ص رسولً وتار ًة لمتحمّل القول .
حف ٍ
ويجوز استعماله بلفظٍ واح ٍد للمذكّر والمؤنّث والمثنّى والجمع ،كما يجوز التّثنية والجمع
س ُكمْ } ،وقال في موضعٍ
ن أَن ُف ِ
فيجمع على رسلٍ .كما قال اللّه تعالى { :لَ َق ْد جَاء ُكمْ َرسُولٌ مّ ْ
ل رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ } .
آخر { :فَقُول ِإنّا َرسُو ُ
وللرّسول في الصطلح معنيان :أحدهما الشّخص المرسل من إنسانٍ إلى آخر بمالٍ أو
رسال ٍة أو نحو ذلك ،وينظر حكمه بهذا المعنى في مصطلح ( إرسال ) .
والثّاني :الواحد من رسل اللّه .
ك لَن يَصِلُو ْا إَِل ْيكَ}
ط ِإنّا ُرسُلُ َربّ َ
ويراد برسل اللّه تارةً الملئكة مثل قوله تعالى { :قَالُو ْا يَا لُو ُ
وقوله { :بَلَى َو ُرسُُلنَا َل َد ْيهِمْ َي ْك ُتبُونَ } وقوله { :ولمّا جاءت رسلنا لوطا سيء بهم} ،وتارةً
ت مِن َقبْلِ ِه ال ّرسُلُ }.
ل رَسُولٌ َقدْ خَلَ ْ
ح ّمدٌ ِإ ّ
يراد بهم النبياء مثل قوله تعالى َ { :ومَا ُم َ
والرّسول من البشر هو ذكر حرّ أوحى اللّه إليه بشرعٍ وأمره بتبليغه ،فإن لم يؤمر بتبليغه
فنبيّ فحسب .
الحكم التّكليفيّ :
-يجب على الرّسول من قبل اللّه تبليغ الدّعوة إلى المرسل إليهم لقوله تعالى { يَا َأ ّيهَا 2
الرّسُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ إَِل ْيكَ مِن ّر ّبكَ وَإِن ّل ْم تَ ْفعَلْ َفمَا بَّلغْتَ ِرسَاَلتَهُ } .
ويجب على من بلغته دعوة الرّسل اليمان بهم وتصديقهم فيما جاءوا به ومتابعتهم وطاعتهم .
حكم من سبّ رسولً من الرّسل عليهم الصلة والسلم :
-أجمع أهل العلم على كفر من أنكر نبوّة نبيّ من النبياء ،أو رسالة أحدٍ من الرّسل 3
عليهم الصلة والسلم ،أو كذّبه ،أو سبّه ،أو استخفّ به ،أو سخر منه ،أو استهزأ بسنّة
ن ،لَ
س َتهْ ِزئُو َ
رسولنا عليه الصلة والسلم لقوله تعالى { :قُلْ َأبِاللّهِ وَآيَاتِهِ َو َرسُوِلهِ كُن ُتمْ َت ْ
ن اللّهَ َو َرسُوَلهُ َل َع َن ُهمُ
ن اّلذِينَ ُي ْؤذُو َ
َت ْعتَ ِذرُو ْا قَدْ َك َفرْتُم َب ْعدَ إِيمَا ِن ُكمْ } الية .وقوله تعالى { :إِ ّ
عذَابا ّمهِينا } .
عدّ َل ُهمْ َ
خرَةِ وَأَ َ
اللّ ُه فِي ال ّدنْيَا وَال ِ
ن من سبّ الرّسول يقتل .
كما أ ّ
والتّفاصيل في مصطلح ( :ردّة ،وتوبة ) .
ويماثل الرّسول صلى ال عليه وسلم في ذلك بقيّة الرّسل والنبياء والملئكة ،فمن سبّهم أو
لعنهم ،أو عابهم أو قذفهم أو استخفّ بحقّهم ،أو ألحق بهم نقصا ،أو غضّ من مرتبتهم أو
نسب إليهم ما ل يليق بمنصبهم على طريق ال ّذمّ قتل .
والتّفصيل في ( :توبة ،ردّة ) .
الذّبح باسم رسول اللّه :
-ل يجوز الذّبح باسم رسول اللّه ،ول باسم اللّه ومحمّ ٍد رسول اللّه -بالجرّ -حيث يجب 4
تجريد اسم اللّه سبحانه وتعالى عن اسم غيره في هذا الموطن لقوله تعالى َ { :ومَا أُ ِهلّ ِل َغ ْيرِ
اللّ ِه بِهِ } الية ،وقول عبد اللّه بن مسعو ٍد رضي ال عنه :جرّدوا التّسمية عند الذّبح ،ولنّ
هذا إشراك اسم اللّه عزّ شأنه واسم غيره .
والتّفصيل في ( :ذبائح ) .
حمى الرّسول صلى ال عليه وسلم :
-كان لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يحمي لخاصّة نفسه ،ولكنّه لم يفعله صلى ال 5
ي صلى
عليه وسلم وإنّما » حمى النّقيع لخيل المسلمين « وعن ابن عمر قال » :حمى النّب ّ
ال عليه وسلم الرّبذة لبل الصّدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين « .
وقد اختلف الفقهاء في نقض ما حماه الرّسول صلى ال عليه وسلم .
فذهب الجمهور إلى أنّ ما حماه صلى ال عليه وسلم نصّ ل يجوز لحدٍ من الخلفاء أن
ينقضه ،وأن يغيّر بحالٍ ،سواء بقيت الحاجة الّتي حمى لها أم زالت ،لنّه ل يجوز أن
ن هذا تغيير المقطوع
ض ول إبطالٍ ،ول ّ
يعارض حكم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بنق ٍ
بصحّته باجتهادٍ بخلف حمى غيره من الئمّة والخلفاء فيجوز نقضه للحاجة .
وذهب بعض العلماء إلى جواز نقض ما حماه الرّسول صلى ال عليه وسلم إذا زالت الحاجة
الّتي حمى من أجلها .
والتّفصيل في مصطلح ( :إحياء الموات ،وحمًى ) .
رسل أهل الحرب والموادعة :
-أهل الحرب والموادعة إذا أرسلوا أحدا إلى ديار السلم لتبليغ رسال ٍة فهو آمن حتّى 6
رشد *
التّعريف :
-الرّشد في اللّغة :الصّلح وإصابة الصّواب والستقامة على طريق الحقّ مع تصلّبٍ فيه، 1
وهو خلف الغيّ والضّلل ،قال في المصباح :رشد رشدا من باب تعب ،ورشد يرشد من
باب قتل ،فهو راشد ،والسم الرّشاد .
والرّشيد في صفات اللّه تعالى الهادي إلى سواء الصّراط ،والّذي حسن تقديره ،قال في
اللّسان :ومن أسماء اللّه تعالى الرّشيد :هو الّذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي هداهم ،
ودلّهم عليها ،فهو رشيد بمعنى مرشدٍ ،وقيل :هو الّذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على
سبيل السّداد من غير إشارة مشيرٍ ول تسديد مس ّددٍ .
ص من الرّشْد فإنّه يقال في
ول يخرج تعريفه في الصطلح عن المعنى اللّغويّ ،والرّشَد أخ ّ
المور الدّنيويّة والخرويّة ،والرّشد محرّكة في المور الخرويّة ل غير .
والرّشد المشترط لتسليم اليتيم ماله ونحو ذلك ممّا يشترط له الرّشد هو صلح المال عند
الجمهور ،وصلح المال والدّين معا عند الشّافعيّ .
ح عند
وذلك في الحكم برفع الحجر للرّشد ابتداءً ،فلو فسق بعد ذلك لم يحجر عليه في الص ّ
الشّافعيّة .
والمراد بالصّلح في الدّين أن ل يرتكب محرّما يسقط العدالة .وفي المال :أن ل يبذّر .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الهليّة :
-الهليّة لغ ًة :الصّلحية ،وهي نوعان :أهليّة وجوبٍ ،وأهليّة أدا ًء . 2
وأمّا عند الفقهاء فهو قوّة تحدث للشّخص تنقله من حال الطّفولة إلى حال الرّجولة ،وهو
يحصل بظهور علمةٍ من علماته الطّبيعيّة كالحتلم ،وكالحبل والحيض في النثى ،فإن
لم يوجد شيء من هذه العلمات كان البلوغ بالسّنّ ،والرّشد والبلوغ قد يحصلن في وقتٍ
واحدٍ ،وقد يتأخّر الرّشد عن البلوغ تبعا لتربية الشّخص واستعداده .
ج -التّبذير :
-وهو في اللّغة :مشتقّ من بذر الحبّ في الرض ،وفي الصطلح :تفريق المال على 4
مو صوفها من نفوذ ت صرّفه في الزّائد على قوّ ته أو تبرّعه بماله ،أو الم نع من التّ صرّفات
الماليّة .
والصّلة بين الحجر والرّشد أنّ الحجر أثر من آثار فقدان الرّشد .
هه – السّفه :
– وهو في اللّغة :نقص في العقل وأصله الخفّة . 6
وفي الصطلح :خفّة تعتري النسان فتبعثه على التّصرّف في ماله بخلف مقتضى العقل ،
مع عدم الختلل في العقل ،والسّفه نقيض الرّشد .
وقت الرّشد وكيفيّة معرفته :
ل بعد البلوغ ،
ن الرّشد المعتدّ به لتسليم المال لليتيم ل يكون إ ّ
-ذهب أكثر الفقهاء إلى أ ّ 7
فإن لم يرشد بعد بلوغه استمرّ الحجر عليه حتّى ولو صار شيخا عند جمهور الفقهاء خلفا
لبي حنيفة .
وهذا الرّشد قد يأتي مع البلوغ ،وقد يتأخّر عنه قليلً أو كثيرا ،تبعا لتربية الشّخص
واستعداده وتعقّد الحياة الجتماعيّة أو بساطتها ،فإذا بلغ الشّخص رشيدا كملت أهليّته ،
وارتفعت الولية عنه وسلّمت إليه أمواله باتّفاق الفقهاء ،لقول اللّه تعالى { :وَا ْبتَلُواْ ا ْل َيتَامَى
ستُم ّم ْن ُهمْ ُرشْدا فَادْ َفعُو ْا إَِل ْي ِهمْ َأمْوَاَل ُهمْ } .
حّتىَ ِإذَا بََلغُو ْا ال ّنكَاحَ َفإِنْ آ َن ْ
َ
ل أنّه ل
وإذا بلغ غير رشيدٍ وكان عاقلً كملت أهليّته ،وارتفعت الولية عنه عند أبي حنيفة إ ّ
تسلّم إليه أمواله ،بل تبقى في يد وليّه أو وصيّه حتّى يثبت رشده بالفعل ،أو يبلغ خمسا
ن سلّمت إليه أمواله ،ولو كان مبذّرا ل يحسن التّصرّف ،
وعشرين سنةً ،فإذا بلغ هذه السّ ّ
ن منع المال عنه كان على سبيل الحتياط والتّأديب ،وليس على سبيل الحجر عليه ،لنّ
لّ
سنّ وصلحيته لن يكون
أبا حنيفة ل يرى الحجر على السّفيه ،والنسان بعد بلوغه هذه ال ّ
ل للتّأديب .
جدّا ل يكون أه ً
ن الشّخص
وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول أبي يوسف ومح ّمدٍ من الحنفيّة :إ ّ
إذا بلغ غير رشيدٍ كملت أهليّته ،ولكن ل ترتفع الولية عنه ،وتبقى أمواله تحت يد وليّه أو
جعَلَ الّلهُ َل ُكمْ ِقيَاما
ل تُ ْؤتُو ْا السّ َفهَاء َأ ْموَاَل ُكمُ اّلتِي َ
وصيّه حتّى يثبت رشده ،لقوله تعالى َ { :و َ
ح َفإِنْ
حّتىَ ِإذَا بََلغُواْ ال ّنكَا َ
وَا ْرزُقُو ُه ْم فِيهَا وَا ْكسُو ُهمْ َوقُولُو ْا َل ُهمْ قَ ْولً ّم ْعرُوفا .وَا ْبتَلُو ْا ا ْل َيتَامَى َ
ستُم ّم ْن ُهمْ ُرشْدا فَا ْد َفعُواْ إَِل ْي ِهمْ َأ ْموَاَل ُهمْ } فإنّه منع الولياء والوصياء من دفع المال إلى
آ َن ْ
السّفهاء ،وناط دفع المال إليهم بتوافر أمرين :البلوغ والرّشد ،فل يجوز أن يدفع المال
إليهم بالبلوغ مع عدم الرّشد .
حّتىَ ِإذَا بََلغُو ْا ال ّنكَاحَ}
-ويعرف رشد الصّبيّ باختباره لقول اللّه تعالى {:وَا ْبتَلُواْ ا ْل َيتَامَى َ 8
يعني اختبروهم ،واختباره بأن تفوّض إليه التّصرّفات الّتي يتصرّف فيها أمثاله وذلك يختلف
باختلف طبقات النّاس ،فولد التّاجر يختبر في البيع والشّراء والمماكسة فيهما ،وولد الزّارع
في أمر الزّراعة والنفاق على القوام بها ،والمحترف فيما يتعلّق بحرفته ،والمرأة في أمر
تدبير المنزل ،وحفظ الثّياب ،وصون الطعمة وشبهها من مصالح البيت ،ول تكفي المرّة
ن برشده .وذكر الشّافعيّة
الواحدة في الختبار بل ل بدّ من مرّتين فأكثر بحيث يفيد غلبة الظّ ّ
وجهين في كيفيّة الختبار أصحّهما :
أن يدفع إليه قدر من المال ويمتحن في المماكسة والمساومة فإذا آل المر إلى العقد ،عقد
الوليّ .
ح منه هذا العقد للحاجة ،ولو تلف في يده المال المدفوع إليه
والثّاني :يعقد الصّبيّ ويص ّ
ي.
للختبار فل ضمان على الول ّ
وذكر ابن العربيّ أيضا وجهين في كيفيّة اختبار الصّبيّ :
أحدهما :أن يتأمّل أخلقه ويستمع إلى أغراضه ،فيحصل له العلم بنجابته والمعرفة بالسّعي
في مصالحه ،وضبط ماله ،أو الهمال لذلك .
الثّاني :أن يدفع إليه شيئا يسيرا من ماله إن توسّم الخير منه ويبيح له التّصرّف فيه ،فإن
نمّاه وأحسن النّظر فيه فليسلّم إليه ماله جميعه ،وإن أساء النّظر فيه وجب عليه إمساك ماله
عنه .
-9وأمّا وقت الختبار فقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة في الصحّ والحنابلة في ظاهر المذهب أنّه
حتّىَ ِإذَا بََلغُو ْا ال ّنكَاحَ } الية فإنّ ظاهر هذه
يكون قبل البلوغ لقوله تعالى { :وَا ْبتَلُو ْا ا ْل َيتَامَى َ
ل على أنّ ابتلءهم قبل البلوغ لوجهين :
الية يد ّ
أحدهما :أنّه سمّاهم يتامى ،وإنّما يكونون يتامى قبل البلوغ .
ل على أنّ الختبار قبله ،ولنّ تأخير
والثّاني :أنّه مدّ اختبارهم إلى البلوغ بلفظة حتّى ،فد ّ
ن الحجر يمتدّ إلى أن يختبر
الختبار إلى البلوغ يؤدّي إلى الحجر على البالغ الرّشيد ،ل ّ
ل المراهق المميّز
ويعلم رشده ،واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك فكان أولى ،لكن ل يختبر إ ّ
الّذي يعرف البيع والشّراء والمصلحة من المفسدة .
وذكر المالكيّة والشّافعيّة في مقابل الصحّ والحنابلة في وجهٍ أنّه يكون بعد البلوغ ،لنّه قبله
ل للتّصرّف ،إذ البلوغ الّذي هو مظنّة العقل لم يوجد ،فكان عقله بمنزلة المعدوم .
ليس أه ً
ولم يجوّز مالك في المدوّنة للصّبيّ الّذي يعقل التّجارة أن يدفع إليه وليّه أو وصيّه مالً ليتّجر
ن الصّبيّ مولىً عليه ،
به حيث قال في جواب من سأله عن ذلك :ل أرى ذلك جائزا ،ل ّ
فإذا كان مولى عليه فل أرى الذن له في التّجارة إذنا .
ل خيرا فأعطاه ذهبا بعد احتلمه
وقال في اليتيم الّذي بلغ واحتلم والّذي ل يعلم عنه وليّه إ ّ
ليختبره به وأذن له في التّجارة ليختبره بذلك ،أو ليعرف ،فداين النّاس فرهقه دين :ل أرى
أن يعدّى عليه في شي ٍء من ماله ،ل فيما في يده ،ول في غير ذلك .
قيل لمالكٍ :إنّه قد أمكنه وأذن له في التّجارة ،أفل يكون ذلك على ما في يديه ؟ قال :ل ،
لم يدفع إليه ماله المحجور عليه ،وإن كان دفعه إليه ليختبره به فهو محجور عليه .
ن المخاطب بالختبار على القول بأنّه يكون قبل
وجاء في نهاية المحتاج من كتب الشّافعيّة أ ّ
ل وليّ ،وأمّا على القول بأنّه يكون بعد البلوغ فوجهان :
البلوغ ك ّ
ي.
أحدهما :أنّ الختبار يكون للول ّ
والثّاني :يكون للحاكم فقط .
ونسب الجوريّ الوّل إلى عامّة الصحاب ،والثّاني إلى ابن سريجٍ .
ول فرق في وقت الختبار بين الذّكر والنثى عند الجمهور ،إلّ أنّ أحمد أومأ في موضعٍ
ص بالمراهق الّذي يعرف المعاملة والمصلحة ،بخلف
ن الختبار قبل البلوغ خا ّ
إلى أ ّ
الجارية لنقص خبرتها ،وأمّا بعد البلوغ فهما سواء .
دفع المال إلى الحرّ البالغ العاقل غير الرّشيد :
ن الغلم إذا بلغ غ ير رشيدٍ لم ي سلّم إل يه ماله حتّى يبلغ خم سا
-ذ هب أ بو حني فة إلى أ ّ 10
وعشرين سنةً ،فإن تصرّف فيه قبل ذلك نفذ تصرّفه ،لنّه ل يرى الحجر على الحرّ العاقل
البالغ إلّ إذا تعدّى ضرره إلى العامّة كالطّبيب الجاهل ،والمفتي الماجن ،والمكاري المفلس،
فإذا بلغ خمسا وعشرين سن ًة يسلّم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرّشد ،وبه قال زفر بن الهذيل
وهو مذهب النّخع يّ وذهب أبو يوسف ،ومحمّد من الحنفيّة ،والمالكيّة والشّافعيّة ،والحنابلة
في الشهر إلى عدم جواز دفع المال إلى غير الرّشيد حتّى يؤنس منه الرّشد بعد البلوغ ،ول
ينفكّ الحجر عنه حتّى ولو صار شيخا ،ول يجوز تصرّفه في ماله أبدا ،وهو قول القاسم بن
صدّيق ،وعليه أكثر أهل العلم .
محمّد بن أبي بكرٍ ال ّ
قال ابن المنذر :أكثر علماء المصار من أهل الحجاز والعراق والشّام ومصر يرون الحجر
على ك ّل مضيّ عٍ لماله صغيرا كان أو كبيرا ،ولم يفرّق الشّافعيّة في ذلك بين الذّكر والنثى .
ك الح جر عن ها دخول زو جٍ ب ها وشهادة العدول
وأمّا المالكيّة ف قد زادوا في ح قّ الن ثى لف ّ
بحفظها مالها .
ح عندهم أ نّ الجار ية ل يدفع إليها مالها بعد رشد ها
وذكر الحنابلة في مقابل الشهر وال ص ّ
حتّى تتزوّج وتلد أو تقيم في بيت الزّوج سن ًة .
ل ل ما روى شر يح قال :ع هد إل يّ ع مر
واختار ذلك أ بو بكرٍ والقا ضي والشّيراز يّ وا بن عقي ٍ
ل أو تلد .
ابن الخطّاب أن ل أجيز لجاري ٍة عطيّ ًة حتّى تحول في بيت زوجها حو ً
وذ كر صاحب ال ّدرّ المختار أ نّ الخلف ب ين أ بي يو سف ومح ّمدٍ وب ين أ بي حني فة في الح جر
على الحرّ المكلّف بسبب السّفه والغفلة إنّما محلّه التّصرّفات الّتي تحتمل الفسخ ويبطلها الهزل
،وأمّا التّ صرّفات الّ تي ل تحت مل الف سخ ول يبطل ها الهزل فل يح جر عل يه في ها بالجماع .
وقولهما هو المفتى به صيان ًة لماله فيكون في أحكامه كصغيرٍ .
خبِي ثَ
وا ستدلّ أ بو حني فة ل ما ذ هب إل يه بقوله تعالى { :وَآتُواْ ا ْل َيتَامَى َأمْوَاَلهُ مْ َولَ َت َت َبدّلُو ْا ا ْل َ
طيّ بِ } فإ نّ المراد به بعد البلوغ فهو تنصيص على وجوب دفع المال إليه بعد البلوغ ،إلّ
بِال ّ
أنّه منع عنه ماله قبل هذه المدّة بالجماع ول إجماع هنا فيجب دفع المال بالنّصّ .
وإنّ ما سمّي يتيما لقر به من البلوغ ،ول نّ أوّل أحوال البلوغ قد ل يفار قه ال سّفه باعتبار أ ثر
الصّبا فقدّرناه بخمسٍ وعشرين سن ًة ،لنّه حال كمال لبّه .
وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال :ينتهي " يتم " لبّ الرّجل إذا بلغ خمسا وعشرين
سنةً .
وقال أههل الطّبائع :مهن بلغ خمسها وعشريهن سهن ًة فقهد بلغ رشده ،أل ترى أنّه قهد بلغ سهنّا
ن أد نى مدّةٍ يبلغ في ها الغلم اثن تا عشرة سنةً ،فيولد له ولد ل ستّة
يت صوّر أن ي صير جدّا ،ل ّ
أشهرٍ ،ث مّ الولد يبلغ في اثن تي عشرة سنةً ،فيولد له ولد ل ستّة أشه ٍر ف قد صار بذلك جدّا ،
ن منع المال عنه على سبيل التّأديب عقوبة عليه ،والشتغال بالتّأديب عند رجاء التّأدّب،
ول ّ
فإذا بلغ هذه السّهنّ فقهد انقطهع رجاء التّأدّب فل معنهى لمنهع المال بعده ،وأيضا فإنّه هذا حرّ
بالغ عاقل مكلّف فل يحجر عليه كالرّشيد .
واستدلّ القائلون بعدم جواز دفع المال إليه قبل رشده ،وعدم صحّة تصرّفه فيه بقوله تعالى:
ستُم ّم ْنهُ مْ رُشْدا فَادْ َفعُو ْا إَِل ْيهِ مْ َأمْوَاَلهُ مْ } فقد علّق
حتّىَ ِإذَا بََلغُو ْا ال ّنكَا حَ َفإِ نْ آنَ ْ
{ وَا ْبتَلُواْ ا ْل َيتَامَى َ
دفع المال إليهم على شرطين :البلوغ ،وإيناس الرّشد .والحكم المعلّق على شرطين ل يثبت
بدونهما ،واستدلّوا بقوله تعالى َ { :ولَ تُ ْؤتُواْ السّ َفهَاء َأمْوَاَل ُكمُ } يعني أموالهم .
ستَطِيعُ أَن
وا ستدلّوا أيضا بقوله تعالى { :فَإن كَا نَ اّلذِي عََليْ ِه ا ْلحَقّ سَفِيها أَ ْو ضَعِيفا َأ ْو لَ يَ ْ
ُيمِلّ ُهوَ فَ ْل ُيمْلِلْ وَِليّ ُه بِا ْل َعدْلِ } فأثبت الولية على السّفيه ،ولنّه مبذّر لماله فل يجوز دفعه إليه
كمن له دون ذلك .
هذا والخلف في ا ستدامة الح جر إلى إيناس الرّ شد ،أو إلى بلوغ خم سٍ وعشر ين سنةً إنّ ما
هو فيمن بلغ مبذّرا .فإن بلغ مصلحا للمال فاسقا في الدّين استديم الحجر عليه عند الشّافعيّة
ستُم ّم ْنهُ مْ ُرشْدا فَا ْد َفعُواْ إَِل ْيهِ ْم َأمْوَاَلهُ مْ } والفاسق لم يؤنس منه الرّشد ،
ن آنَ ْ
لقوله تعالى َ { :فإِ ْ
ن حفظه للمال ل يوثق به مع الفسق ،لنّه ل يؤمن أن يدعوه الفسق إلى التّبذير فلم يف كّ
ول ّ
الحجر عنه .
مواطن البحث :
-ذكر الفقهاء الرّشد في كثي ٍر من أبواب الفقه ،فقد ذكروه في البيع وفي الشّركة وفي 11
الوكالة وفي ضمان تلف العاريّة وفي شرط المعير وفي القرار فيما لو أق ّر أحد الوارثين
بوارثٍ .
وجعله الشّافعيّة شرطا لخروجه لفرض الكفاية ،وذكره الفقهاء في الهبة ،وفي الوقف ،وفي
وليّ النّكاح ،وفي رضا الزّوج بالنّكاح ،وفي الخلع في شروط الموجب والقابل ،وفي
حاضن اللّقيط ،والتّفصيل محلّه البواب الخاصّة بتلك المواضع هذا فضلً عمّا ذكره الفقهاء
في أحكام الحجر على الصّبيّ والسّفيه .
وينظر ( :حجر ،وسفه ) .
رشوة *
التّعريف :
-الرّشوة في اللّغة :مثلّثة الرّاء :الجعل ،وما يعطى لقضاء مصلح ٍة ،وجمعها رشا 1
ورشا .
قال الفيّوميّ :الرّشوة -بالكسر : -ما يعطيه الشّخص للحاكم أو غيره ليحكم له ،أو يحمله
على ما يريد .
وقال ابن الثير :الرّشوة :الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة ،وأصله من الرّشاء الّذي يتوصّل
به إلى الماء .
وقال أبو العبّاس :الرّشوة مأخوذة من رشا الفرخ إذا مدّ رأسه إلى أمّه لتزقّه .
وراشاه :حاباه ،وصانعه ،وظاهره .
وارتشى :أخذ رشوةً ،ويقال :ارتشى منه رشوةً :أي أخذها .
وترشّاه :لينه ،كما يصانع الحاكم بالرّشوة .
واسترشى :طلب رشوةً .
والرّاشي :من يعطي الّذي يعينه على الباطل .
والمرتشي :الخذ .
والرّائش :الّذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ،ويستنقص لهذا .
وقد تسمّى الرّشوة البرطيل وجمعه براطيل .
قال المرتضى الزّبيديّ :واختلفوا في البرطيل بمعنى الرّشوة ،هل هو عربيّ أو ل ؟ .
وفي المثل :البراطيل تنصر الباطيل .
ل.
والرّشوة في الصطلح :ما يعطى لبطال حقّ ،أو لحقاق باط ٍ
ي ،حيث قيّد بما أعطي لحقاق الباطل ،أو إبطال الحقّ .
ص من التّعريف اللّغو ّ
وهو أخ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المصانعة :
-المصانعة :أن تصنع لغيرك شيئا ليصنع لك آخر مقابله ،وكنايةً عن الرّشوة ،وفي 2
-وهي لغة أهل المدينة -يقال :أهديت له وإليه ،وفي التّنزيل { وَِإنّي ُمرْسِلَ ٌة إَِل ْيهِم ِب َه ِديّةٍ}
.
ض ،والمهدى :الطّبق
قال الرّاغب :والهديّة مختصّة باللّطف ،الّذي يهدي بعضنا إلى بع ٍ
الّذي يهدى عليه .
والمهداء :من يكثر إهداء الهديّة .
وفي كشّاف القناع الرّشوة هي :ما يعطى بعد الطّلب ،والهديّة قبله .
د -الهبة :
-الهبة في اللّغة العطيّة بل عوضٍ . 5
قال ابن الثير :الهبة :العطيّة الخالية عن العواض والغراض ،فإذا كثرت سمّي صاحبها
وهّابا .
واتّهبت الهبة :قبلتها ،واستوهبتها :سألتها ،وتواهبوا :وهب بعضهم البعض .واصطلحا
ض .وقد تكون بعوضٍ فتسمّى هبة الثّواب .
:إذا أطلقت هي التّبرّع بماله حال الحياة بل عو ٍ
والصّلة بين الرّشوة والهبة ،أنّ في ك ّل منهما إيصالً للنّفع إلى الغير ،وإن كان عدم العوض
ظاهرا في الهبة ،إلّ أنّه في الرّشوة ينتظر النّفع ،وهو عوض .
و -الصّدقة :
-ما يخرجه النسان من ماله على وجه القربة كالزّكاة ،لكن الصّدقة في الصل تقال 6
للمتطوّع به ،والزّكاة للواجب ،وقد يسمّى الواجب صدقةً ،إذا تحرّى صاحبها الصّدق في
فعله .
قال ابن قدامة :الهبة والصّدقة والهديّة والعطيّة معانيها متقاربة ،وكلّها تمليك في الحياة بغير
عوضٍ ،واسم العطيّة شامل لجميعها .
ن الرّشوة
ن الصّدقة تدفع طلبا لوجه اللّه تعالى ،في حين أ ّ
والفرق بين الرّشوة والصّدقة :أ ّ
ض دنيويّ عاجلٍ .
تدفع لنيل غر ٍ
أحكام الرّشوة :
ل حرام بل خلفٍ ،وهي من الكبائر .قال
-الرّشوة في الحكم ،ورشوة المسئول عن عم ٍ 7
أ -الرّشوة على تقليد القضاء والمارة وهي حرام على الخذ والمعطي .
ب -ارتشاء القاضي ليحكم ،وهو كذلك حرام على الخذ والمعطي ،ولو كان القضاء بحقّ،
لنّه واجب عليه .
ج -أخذ المال ليسوّي أمره عند السّلطان ،دفعا للضّرر أو جلبا للنّفع ،وهو حرام على
الخذ فقط .
د -إعطاء إنسانٍ غير موظّفٍ عند القاضي أو الحاكم مالً ليقوم بتحصيل حقّه له ،فإنّه يحلّ
دفع ذلك وأخذه ،لنّه وإن كانت معاونة النسان للخر بدون مالٍ واجب ًة ،فأخذ المال مقابل
المعاونة لم يكن إلّ بمثابة أجرةٍ .
حكم الرّشوة بالنّسبة للمرتشي :
أ -المام والولة :
-قال ابن حبيبٍ :لم يختلف العلماء في كراهية الهديّة إلى السّلطان الكبر ،وإلى القضاة 9
حبيبٍ لما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم »:هدايا المراء غلول « .
ولحديث ابن اللّتبيّة .
ن تعزّز المير ومنعته بالجند وبالمسلمين ل بنفسه،
قال الصّدر الشّهيد :وإنّما كان كذلك ،ل ّ
فكانت الهديّة لجماعة المسلمين بمنزلة الغنيمة ،فإذا استبدّ به كان ذلك منه خيان ًة ،بخلف
ن تعزّزه ومنعته كانت بنفسه ل بالمسلمين ،
هدايا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،ل ّ
فصارت الهديّة له ل للمسلمين .
ج -القاضي :
-والرّشوة إلى القاضي حرام بالجماع . 11
قال الجصّاص :ول خلف في تحريم الرّشا على الحكام ،لنّه من السّحت الّذي حرّمه اللّه
في كتابه ،واتّفقت المّة عليه ،وهي محرّمة على الرّاشي والمرتشي .
ن المنافع
قال في كشّاف القناع :ويحرم قبوله هديّ ٍة ،واستعارته من غيره كالهديّة ل ّ
ن ذلك وسيلة إلى
كالعيان ،ومثله ما لو ختن ولده ونحوه فأهدي له ،ولو قلنا إنّها للولد ،ل ّ
الرّشوة ،فإن تصدّق عليه فالولى أنّه كالهديّة ،وفي الفنون له أخذ الصّدقة .
وهديّة القاضي فيها تفصيل تنظر في ( هديّة ،قضاء ) .
د -المفتي :
-يحرم على المفتي قبول رشو ٍة من أحدٍ ليفتيه بما يريد ،وله قبول هدّيةٍ . 12
قال ابن عرفة :قال بعض المتأخّرين :ما أهدي للمفتي ،إن كان ينشط للفتيا أهدي له أم ل،
فل بأس ،وإن كان إنّما ينشط إذا أهدي له فل يأخذها ،وهذا ما لم تكن خصومة ،والحسن
ن وكان يجعل ذلك رشوةً.
أن ل يقبل الهديّة من صاحب الفتيا ،وهو قول ابن عيشو ٍ
هه – المدرّس :
– إن أهدي إليه تحبّبا وتودّدا لعلمه وصلحه فل بأس بقبوله ،وإن أهدي إليه ليقوم 13
ظل ٍم في خراجه ،لنّه يتوصّل بذلك إلى كفّ اليد العادية عنه ،ول يجوز أن يرشوه أو يهديه
ليدع عنه خراجا ،لنّه يتوصّل به إلى إبطال حقّ .
ج -القاضي :
-مذهب جمهور الفقهاء أنّه يحرم على القاضي أن يرشو لتحصيل القضاء ،ومن تقبّل 17
الحنفيّة وابن القصّار من المالكيّة إلى أنّ الحاكم ينعزل بفسقه ،ومن ذلك قبوله الرّشوة .قال
ل حكمٍ حكم به بعد
أبو حنيفة :إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل ،وبطل ك ّ
ذلك .
ومذهب الخرين أنّه ل ينعزل بذلك ،بل ينعزل بعزل الّذي وله .
أثر الرّشوة :
أ -في التّعزير :
-هذه الجريمة ليس فيها عقوبة مقدّرة فيكون فيها التّعزير . 20
بضربٍ ل يزيد على عشرة أسواطٍ وحبس ،وأن يعفو عنه ،ولو لم يثبت افتياته عليه ببيّنةٍ.
ج -في الحكم بالرّشد :
-صرف المال في مح ّرمٍ كرشو ٍة عدم صلحٍ للدّين وللمال ،ممّا يؤثّر في الحكم برشد 22
الصّبيّ .
د -المال المأخوذ :
-إن قبل الرّشوة أو الهديّة حيث حرّم القبول وجب ردّها إلى صاحبها ،كمقبوضٍ بعقدٍ 23
رضا *
التّعريف :
-الرّضا لغ ًة :مصدر رضي يرضى رضا -بكسر الرّاء وضمّها ،ورضوانا -بالكسر 1
يفضي أثره إلى الظّاهر من ظهور البشاشة في الوجه ،ونحوها ،وبعبارةٍ أخرى لخصّها
ن الرّضا :إيثار الشّيء واستحسانه .
ي منهم ،هي أ ّ
التّفتازانيّ ،وابن عابدين ،والرّهاو ّ
وعرّفه الجمهور بأنّه قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه .
ص من الرّضا عند الجمهور ،فمجرّد القصد إلى
فعلى ضوء ذلك :إنّ الرّضا عند الحنفيّة أخ ّ
تحقيق أثرٍ في المعقود عليه يسمّى الرّضا عند الجمهور ،وإن لم يبلغ الختيار غايته ،ولم
يظهر السّرور ،في حين ل يسمّى به عند الحنفيّة إلّ إذا تحقّق الستحسان والتّفضيل على
أقلّ تقديرٍ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الرادة :
-الرادة لغةً المشيئة ويستعملها الفقهاء بمعنى القصد إلى الشّيء والتّجاه إليه ،وقد 3
إيجاد الفعل جزما ،وعرّفها الشّافعيّة بأنّها قصد الشّيء مقترنا بفعله ،فال ّنيّة مرتبطة بالعمل.
ج -القصد :
-القصد لغةً :العتزام والتّوجّه ،والنّهوض نحو الشّيء ،وفي اصطلح الفقهاء هو 5
،والمراد به في إطلق الفقهاء :تفويض المر إلى آخر ،فيقولون :صبيّ مأذون ،أو عبد
مأذون في التّجارة ،وهو تعبير عن الرّضا .
هه – الكراه :
– الكراه والجبار ،وهما من أضداد " الرّضا " . 7
يقول البزدويّ وعبد العزيز البخاريّ :ما يكون الفاعل في قصده مستبدّا -أي مستقلً .
والختيار الصّحيح -عندهم -يتحقّق حتّى وإن صاحبه إكراه ما لم يكن ملجئا ،لكن الرّضا
ن الختيار
ع من الكراه ،وأمّا إذا وجد إكراه غير ملجئٍ ،فإ ّ
يتحقّق إذا لم يكن معه أيّ نو ٍ
صحيح ،والرّضا فاسد .
-اختيار باطل وهو حينما يكون صاحبه مجنونا ،أو صبيّا غير مميّزٍ ،وحينئذٍ يكون 2
الصّحيح والباطل ،كما أنّ الكراه عندهم ينافي الختيار كما ينافي الرّضا ،قال الشّاطبيّ :
فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الحكام التّكليفيّة ،وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به
شيء منها .
فلو فرضنا العمل مع عدم الختيار كالملجأ ،والنّائم والمجنون ،فل يتعلّق بأفعالهم مقتضى
ل بالختيار ل بدّ فيه من قصدٍ.
الدلّة ،فليس هذا النّمط بمقصو ٍد للشّارع ،فبقي ما كان مفعو ً
ن طلق المكره ل يقع ،لنّه ساقط الختيار ،ونقل ابن ال ّنجّار عن
وصرّح الغزاليّ وغيره بأ ّ
ن الكراه يزيل الختيار .
أحمد قوله :إ ّ
آثار هذا الختلف :
-لم يكن هذا الخلف بين الحنفيّة والجمهور لفظيّا ل تترتّب عليه الثار ،وإنّما خلف 11
معنويّ ثبت عليه آثار فقهيّة تظهر في تصرّفات وعقود الهازل ،والمكره ،والمخطئ ،
والسّكران ،ومن لم يفهم المعنى الموضوع لليجاب والقبول ،حيث ذهب الحنفيّة إلى صحّة
العقود غير الماليّة من هؤلء ،فطلق هؤلء ،ونكاحهم ورجعتهم ونحوها صحيح -كقاعدةٍ
عامّ ٍة -اعتمادا على أصل القصد والختيار ،ووجود العبارة الصّادرة منهم ،فلو أراد
شخص أن يقول لزوجته :يا عالمة ،فسبق لسانه فقال :أنت طالق فقد وقع طلقه عندهم ،
وعلّل ذلك عبد العزيز البخاريّ الحنفيّ بقوله :اعتبارا بأنّ القصد أمر باطن ل يوقف عليه ،
فل يتعلّق بوجوده حقيقةً ،بل يتعلّق بالسّبب الظّاهر الدّالّ عليه ،وهو أهليّة القصد بالعقد
والبلوغ نفيا للحرج .
ن السّكر وإن كان يعدم القصد الصّحيح ،لكنّه ل
وقال في تعليل وقوع طلق السّكران :إ ّ
يعدم العبارة ،ويقول الحصكفيّ في :ول يشترط العلم بمعنى اليجاب والقبول فيما يستوي
فيه الجدّ والهزل مثل الطّلق والنّكاح ،ولم يحتج لنيّةٍ ،وبه يفتى .
وأمّا العقود الماليّة -مثل البيع والجارة -فاشترط فيها الختيار عندهم للنعقاد ،واشترط
لصحّتها الرّضا ،فإذا تحقّقا في التّصرّف كان صحيحا ومنعقدا -مع توفّر الشّروط الخرى
-وإذا انعدم الختيار انعدم العقد وأصبح باطلً ،وأمّا إذا وجد الختيار وانعدم الرّضا فإنّ
العقد يكون فاسدا .
ل دليل
وأمّا الجمهور فاشترطوا وجود الرّضا -أي الختيار -في جميع العقود ،إلّ إذا د ّ
خاصّ على عدم اعتباره في عق ٍد خاصّ ،مثل الهزل في الطّلق والنّكاح والرّجعة .
-ثمّ إنّ التّحقيق أنّ الحنفيّة فرّقوا بين ثلثة أمورٍ : 12
أ -العبارة الصّادرة ممّن له الهليّة ،والموضوعة للدّللة على ترتيب الثار ،كبعت ،
وطلّقت .
ب -قصد العبارة دون قصد الثر المترتّب عليها ،وهو الختيار .
ج -قصد العبارة والثر ،وهو الرّضا .
فالوّل هو ركن في جميع التّصرّفات والعقود ،أو شرط لنعقادها ،والثّاني شرط لنعقاد
العقود الماليّة ،وليس شرطا للعقود الّتي يستوي فيها الجدّ والهزل كالطّلق والنّكاح ونحوهما
،ولذلك يقع طلق السّكران ،والمكره ،والسّاهي عندهم ،والختيار بهذا المعنى ل ينافي
الكراه ،بل يجتمع معه ،ولذلك تنعقد عقود المكره الماليّة ،ولكنّها ل تكون صحيحةً نافذة
العقود ،لكونها تحتاج إلى شرطٍ آخر وهو الرّضا .
وأمّا الثّالث فهو شرط لصحّة العقود الماليّة ،وليس بشرطٍ في العقود غير الماليّة إطلقا .
وأمّا جمهور الفقهاء ،فجعلوا العبارة هي الوسيلة ،وإنّما الساس هو القصد ،وهو المقصود
بالرّضا والختيار ،سواء أكان ذلك في العقود الماليّة أم غير الماليّة ،يقول الشّاطبيّ :
فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الحكام التّكليفيّة ،وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به
شيء منها .
وقال العزّ بن عبد السّلم :مدار العقود على العزوم والقصود .
ي :الرّكن الثّالث -أي من أركان الطّلق -القصد إلى لفظ الطّلق
ويقول الغزاليّ والنّوو ّ
ومعناه ،ولذلك ل يقع عندهم طلق المكره والمخطئ والسّاهي والغافل ونحوهم .
وأمّا الخلف فيما بين الجمهور في طلق السّكران فيعود في الواقع إلى مدى النّظرة إلى
عقابه وردعه ،ولذلك ل يقع طلقه بالجماع إذا كان غير متعدّ بسكره ،وإنّما الخلف في
السّكران بتعدّ ،حيث نظر الّذين أوقعوا طلقه إلى أنّ القول به رادع له عن ذلك ،أو يكيّف
فقهيّا بأنّ رضاه بتناول المسكر الّذي يعلم بأنّ عقله سيغيب به رضا بالنّتائج الّتي تترتّب عليه
.
وكما يشترط في تحقّق الرّضا قصد العبارة -أو التّعبير عنه -فل بدّ كذلك من قصد الثار
المترتّبة عليه ،فالمكره مثلً قصد العبارة مثل بعت لكنّه لم يقصد انتقال الملكيّة ،وإنّما تنفيذ
ما هدّده المكره -بكسر الرّاء -وكذلك ل يتحقّق قصد الثار إلّ إذا كان عالما بها في الجملة
،فلو ردّد شخص وراء آخر " بعت " أو " قبلت " ولم يفهم معناه ،لم يتمّ القصد ،يقول
الغزاليّ :ولكنّ شرطه -أي القصد -الحاطة بصفات المقصود .
ويقول ابن القيّم :فإن لم يكن -أي العاقد -عالما بمعناها -أي العبارة ،ول مقصودا له لم
تترتّب عليها أحكامها أيضا ،ول نزاع بين أئمّة السلم في ذلك .
الحكم الجماليّ :
ل أموال النّاس منوط بالرّضا ،لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا
نحّ
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 13
ل َت ْأكُلُواْ َأ ْموَاَل ُكمْ َب ْينَ ُكمْ بِا ْلبَاطِلِ ِإلّ أَن َتكُونَ ِتجَارَةً عَن َترَاضٍ مّن ُكمْ } .
اّلذِينَ آ َمنُواْ َ
ي صلى ال عليه وسلم » :إنّما البيع عن تراضٍ « .
ولقول النّب ّ
ل ما طابت به نفسه « ،وفي روايةٍ » :ل يحلّ
وقوله » :ول يحلّ لمرئٍ من مال أخيه إ ّ
س « ،واختلفوا في كون الرّضا في التّصرّفات شرطا أو ل ؟
ل بطيب نف ٍ
مال امرئٍ مسلمٍ إ ّ
ن الرّضا شرط لصحّة العقود الّتي تقبل الفسخ – وهي العقود الماليّة من
فذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ل مع التّراضي ،وقد تنعقد الماليّة لكنّها تكون
بيعٍ وإجارةٍ ،ونحوها – أي أنّها ل تصحّ إ ّ
ن من شروط صحّة هذه العقود
فاسد ًة كما في بيع المكره ونحوه ،ويقول المرغينانيّ :ل ّ
التّراضي ،وجاء في التّلويح :أنّه – أي البيع – يعتمد القصد تصحيحا للكلم ،ويعتمد
الرّضا ،لكونه ممّا يحتمل الفسخ ،بخلف الطّلق .
وقد صرّح الحنفيّة بأنّ أصل العقود الماليّة تنعقد بدون الرّضا ،لكنّها ل تكون صحيحةً ،
يقول أمير بادشاه الحنفيّ :وينعقد بيع المخطئ نظرا إلى أصل الختيار ،لنّ الكلم صدر
عنه باختياره ،أو بإقامة البلوغ مقام القصد ،لكن يكون فاسدا غير نافذٍ لعدم الرّضا حقيقةً.
وأمّا العقود الّتي ل تقبل الفسخ في نظرهم ،فالرّضا ليس شرطا لصحّتها ول له أثر فيها ،
فقد ذكر الفقيه أبو اللّيث السّمرقنديّ التّصرّفات الّتي تصحّ مع الكراه عندهم ،فبلغت ثمانية
عشر تصرّفا ،منها الطّلق ،والنّكاح ،والعتاق ،والرّجعة ،والحلف بطلقٍ وعتاقٍ
وظهارٍ ،واليلء ،وقبول المرأة الطّلق على مالٍ .
ن الغفلة عن معنى اللّفظ خفيّ ،فأقيم تمييز
ويقول ابن الهمام :ويقع طلق المخطئ ،ل ّ
ن حقيقة العقد تعلّق بالسّبب الظّاهر الدّالّ
البلوغ مقامه ،وعلّل عبد العزيز البخاريّ ذلك بأ ّ
عليه .
ن الرّضا أصل أو أساس أو شرط للعقود
وأمّا جمهور الفقهاء فتدور عباراتهم بين التّصريح بأ ّ
كلّها ،فعلى ضوء ما صرّحوا به إذا لم يتحقّق الرّضا ل ينعقد العقد ،سواء أكان ماليّا أم
غير ماليّ ،يقول الدّسوقيّ والخرشيّ وغيرهما :إنّ المطلوب في انعقاد البيع ما يدلّ على
ن انتقال الملك متوقّف على الرّضا ،ويقول الزّنجانيّ الشّافعيّ :الصل الّذي
الرّضا ،وإ ّ
تبنى عليه العقود الماليّة اتّباع التّراضي .
ن التّراضي شرط من شروط صحّة العقد ما لم يكره بحقّ ،كالّذي يكرهه
ويصرّح الحنابلة بأ ّ
الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه .
ن الرّضا أمر خفيّ ل يطّلع عليه ،لنّه ميل النّفس فأنيط الحكم بسببٍ ظاهرٍ
-هذا ،وإ ّ 14
ل أو فعلٍ أو
وهو الصّيغة الّتي هي اليجاب والقبول ،فينعقد العقد بما يدلّ على الرّضا من قو ٍ
إشارةٍ .
عيوب الرّضا :
ن " الرّضا " بمعناه الصطلحيّ إنّما يتحقّق إذا وجد القصد إلى آثار العقد ،ولكنّه
م-إّ 14
إلّ من خلل وسائل تعبّر عنه ،وهي اللّفظ والفعل -أي البذل -والكتابة ،والشارة ،
والسّكوت في معرض البيان .
ي بعد أن ذكر ضرورة وجود الرّضا حقيق ًة :لكنّه لمّا خفي نيط باللّفظ الدّالّ
يقول البيضاو ّ
عليه صريحا .
ن اللّه تعالى وضع اللفاظ بين عباده تعريفا ودلل ًة على ما في نفوسهم ،
ويقول ابن القيّم :إ ّ
فإذا أراد أحدهم من الخر شيئا عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه ،ورتّب على تلك الرادات
والمقاصد أحكامها بواسطة اللفاظ ،ولم يرتّب تلك الحكام على مجرّد ما في النّفوس من
ن المتكلّم بها لم يرد معانيها ولم
غير دللة فعلٍ ،أو قولٍ ،ول على مجرّد ألفاظٍ مع العلم بأ ّ
يحط بها علما ،بل تجاوز للمّة عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تعمل ،أو تكلّم به .فإذا اجتمع
القصد والدّللة القوليّة ،أو الفعليّة ترتّب الحكم ،هذه قاعدة الشّريعة ،وهي من مقتضيات
عدل اللّه وحكمته ورحمته ،فإنّ خواطر القلوب وإرادة النّفوس ل تدخل تحت الختيار .
وسنوجز القول في دللة هذه الوسائل :
-دللة اللّفظ على الرّضا ،حيث هو الوسيلة الولى والفضل في التّعبير عن الرّضا ، 16
ول خلف بين الفقهاء في ذلك ،وإن كان الخلف فيه منصبّا على بعض الصّيغ ،كصيغ
الستفهام ،أو الكناية ،أو المضارع ،حيث وقف بعض الفقهاء عند ملحظة نوعيّة الدّللة
اللّغويّة ،واشترطوا أن ل يكون فيها احتمال ،في حين أنّ جماع ًة من الفقهاء -منهم المالكيّة
ن المرجع في ذلك هو
ن العمدة في ذلك دللة اللّفظ على المقصود ،وأ ّ
-ذهبوا إلى أ ّ
العرف ،كما أنّ القرينة أيضا لها دور في جعل اللّفظ دالً على المقصود .
وهناك تفصيل واسع يذكر في مصطلح ( :عقد ) .
-دللة الفعل على الرّضا " البذل " أي عرض الشّخص المعقود عليه فيأخذه الخر فيدفع 17
قيمته ،وهذا ما يسمّى بالمعاطاة ،أي من الطّرفين ،أو القول من أحدهما والعرض من
الخر ،أي العطاء من أحدٍ دون قولٍ ،والجانب الثّاني يعبّر عن الرّضا بالقول ،أو الكتابة
،أو نحوهما .
وقد ثار الخلف في مدى دللته على الرّضا على ثلثة آرا ٍء موجزها :
الرّأي الوّل :عدم صلحية الفعل " البذل " للتّعبير عن الرّضا في العقود ،هذا رأي الشّافعيّة
في المشهور عندهم .
الرّأي الثّاني :صلحيته للدّللة على الرّضا ،وإنشاء العقد به مطلقا ،وهذا مذهب الحنفيّة -
ما عدا الكرخيّ -والمالكيّة ،والحنابلة -ما عدا القاضي -واختاره جماعة من الشّافعيّة
منهم البغويّ والنّوويّ ،وإن كان بعض هؤلء قيّدوا ذلك بالعرف .
الرّأي الثّالث :صلحيته في الشياء الرّخيصة ،وعدم صلحيته في الغالية والنّفيسة ،وهذا
رأي الكرخيّ من الحنفيّة ،وابن سريجٍ ،والغزاليّ من الشّافعيّة ،والقاضي أبي يعلى من
الحنابلة .
دللة الكتابة على الرّضا :
ن الكتاب كالخطاب في دللته على
-ذهب المالكيّة والحنابلة ،وبعض الشّافعيّة إلى أ ّ 18
الفقهيّة على أنّه " :ل يسند لساكتٍ قول ،ولكن السّكوت في معرض الحاجة بيان " وذلك إذا
صاحبته قرائن وظروف بحيث خلعت عليه ثوب الدّللة على الرّضا .
ن سكوت البكر دليل على الرّضا للحديث الصّحيح الوارد ،حيث قال
وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ل تنكح البكر حتّى تستأذن ،قالوا يا رسول اللّه :وكيف
إذنها ؟ قال :أن تسكت « وفي رواي ٍة أخرى » :ال ّثيّب أحقّ بنفسها من وليّها ،والبكر
يستأذنها أبوها في نفسها ،وإذنها صماتها « .
رضاع *
التّعريف :
-الرّضاع -بكسر الرّاء وفتحها -في اللّغة :مصدر رضع أمّه يرضعها بالكسر والفتح 1
الب على قول جمهور الفقهاء ،لقوله تعالى { :لَ ُتضَآرّ وَاِلدَ ٌة بِوََلدِهَا } .
والمنع من إرضاع ولدها مضارّة لها ،ولنّها أحنى على الولد وأشفق ،ولبنها أمرأ وأنسب
له غالبا .
ل للشّافعيّة :للزّوج منعها من الرضاع سواء كان الولد منه أو من غيره ،كما أنّ له
وفي قو ٍ
منعها من الخروج من منزله بغير إذنه .
حقّ المّ في أجرة الرّضاع :
-للمّ طلب أجرة المثل بالرضاع سواء كانت في عصمة الب أم خليّ ًة ،لقوله تعالى : 6
أ -تحريم النّكاح سواء حصل الرّضاع في زمن إسلم المرأة أو كفرها ،لقوله صلى ال
عليه وسلم » :يحرم من الرّضاعة ما يحرم من النّسب « .وسيأتي تفصيل ذلك .
ب -ثبوت المحرميّة المفيدة لجواز النّظر ،والخلوة ،وعدم نقض الطّهارة باللّمس عند من
يرى ذلك من الفقهاء .
أمّا سائر أحكام النّسب كالميراث ،والنّفقة ،والعتق بالملك ،وسقوط القصاص ،وعدم القطع
في سرقة المال ،وعدم الحبس لدين الولد ،والولية على المال أو النّفس فل تثبت
ل اتّفاقٍ بين الفقهاء .
بالرّضاع ،وهذا مح ّ
الرّضاع المحرّم ،ودليل التّحريم :
-للرّضاع المحرّم ثلثة أركانٍ : 8
-المرضع 1
-الرّضيع 2
-أن تكون امرأ ًة ،فل يثبت التّحريم بلبن الرّجل لندرته وعدم صلحيّته غذاءً للطّفل ،ول 1
بلبن البهيمة ،فلو ارتضع طفلن من بهيم ٍة لم يصيرا أخوين ،لنّ تحريم الخوّة فرع على
تحريم المومة ،ول يثبت تحريم المومة بهذا الرّضاع فالخوّة أولى .
ن الحيض وهو تسع سنين ،
-اشترط الحنفيّة والشّافعيّة أن تكون محتملةً للولدة بأن تبلغ س ّ 2
الرتضاع على وج ٍه ينبت اللّحم وينشز العظم من امرأةٍ فأثبت التّحريم كما لو كانت حيّةً ،
ل الحياة أو النّجاسة ،وهذا
ولنّه ل فارق بين شرب لبنها في حياتها ،وشربه بعد موتها ،إ ّ
ن اللّبن ل يموت ،ول أثر للنّجاسة أيضا ،كما لو حلب بإناء نجسٍ ،ولنّه لو
ل أثر له ،ل ّ
حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها تنتشر الحرمة بالتّفاق ،ولنّ ثديها ل يزيد على
الناء في عدم الحياة ،وهي ل تزيد على عظم الميّتة في ثبوت النّجاسة .
وقال الشّافعيّة :يشترط أن تكون المرضع حيّةً حيا ًة مستقرّةً عند انفصال اللّبن منها ،فل
ن انفصل عن ميّتةٍ كما ل تثبت المصاهرة بوطئها ،ولضعف حرمته بموتها،
تثبت الحرمة بلب ٍ
ولنّه من جثّ ٍة منفكّةٍ عن الحلّ والحرام ،كالبهيمة ،وإن انفصل اللّبن في حياتها فأوجر
الطّفل بعد موتها حرّم بالتّفاق .
تقدّم الحمل على الرّضاع :
-ذهب الجمهور وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّه ل يشترط لثبوت التّحريم بلبن المرأة أن 11
إسعاطٍ من النف ،سواء كان اللّبن صرفا أو مشوبا بمائعٍ لم يغلب على اللّبن ،بأن كان اللّبن
غالبا ،بأن كانت صفاته باقي ًة .
ول فرق بين أن يكون المخالط نجسا كالخمر وأن يكون طاهرا كالماء ولبن الشّاة .
م -أمّا إن كان اللّبن مغلوبا فقد اختلف الفقهاء في ثبوت التّحريم به . 12
فذهب الجمهور " الحنفيّة والمالكيّة وأحمد في روايةٍ عنه " وكثير من الصّحابة والتّابعين إلى
ن قليل الرّضاع وكثيره يحرّم وإن كان مصّةً واحد ًة ،فالشّرط في التّحريم أن يصل اللّبن
أّ
إلى جوف الطّفل مهما كان قدره .
ن اللّه سبحانه وتعالى علّق
ض ْع َنكُمْ } .وقالوا :إ ّ
لتِي َأرْ َ
واحتجّوا بقوله تعالى { :وَُأ ّمهَا ُت ُكمُ ال ّ
التّحريم باسم الرّضاع ،فحيث وجد وجد حكمه ،وورد الحديث موافقا للية » :يحرم من
الرّضاعة ما يحرم من النّسب « حيث أطلق الرّضاع ولم يذكر عددا ،ولحديث » كيف بها
وقد زعمت أنّها قد أرضعتكما « ولم يستفصل عن عدد الرّضعات .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة في القول الصّحيح عندهم إلى أنّ ما دون خمس رضعاتٍ ل يؤثّر
في التّحريم .وروي هذا عن عائشة ،وابن مسعو ٍد وابن الزّبير رضي ال عنهم وبه قال
عطاء وطاوس ،واستدلّوا بما ورد عن عائشة ،قالت » :كان فيما أنزل من القرآن عشر
ت يحرّمن ثمّ نسخن بخمسٍ معلوماتٍ فتوفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
رضعاتٍ معلوما ٍ
ن نسخ تلوة ذلك تأخّر جدّا حتّى أنّه
وهنّ فيما يقرأ من القرآن « .والمعنى واللّه أعلم :أ ّ
توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وبعض النّاس لم يبلغه نسخ تلوته ،فلمّا بلغهم نسخ
تلوته تركوه وأجمعوا على أنّه ل يتلى مع بقاء حكمه ،وهو من نسخ التّلوة دون الحكم ،
وهو أحد أنواع النّسخ .
-ول يشترط اتّفاق صفات اللّبن وطرق وصوله إلى المعدة .فإن م صّه من الثّدي مرّةً، 15
وشرب من إنا ٍء مرّةً ،وأوجر من حلقه مرّةً ،وأكله جبنا مرّةً بحيث ت ّم له خمس مرّا تٍ أثّر
في التّحريم .
ت عند من يرى اشتراط تعدّد الرّضعات .
ويشترط أن تكون الرّضعات متفرّقا ٍ
والمعتمد في التّعدّد والتّفرّق هو العرف إذ ل ضابط له في اللّغة ،ول في الشّرع .
والرّجوع فهي الرّضعهة والرّضعات إلى العرف ،ومها تنزل عليهه اليمان فهي ذلك ،ومتهى
تخلّل فصل طويل تعدّد .
ولو ارتضع ثمّ قطع إعراضا ،واشتغل بشيءٍ آخر ،ثمّ عاد وارتضع ،فهما رضعتان ،ولو
قطعت المرضعة ،ث مّ عادت إلى الرضاع ،فهما رضعتان على الصحّ عند الشّافعيّة ،كما
لو قطهع الصهّبيّ ،والرّاجهح عنهد الحنابلة أنّهها رضعهة واحدة ،ول يحصهل التّعدّد بأن يلفهظ
الثّدي ،ث ّم يعود إلى التقامه في الحال ،ول بأن يتحوّل من ثد يٍ إلى ثد يٍ ،أو تحوّله لنفاد ما
في الوّل ،ول بأن يلهو عن المتصاص ،والثّدي في فمه ،ول بأن يقطع التّنفّس ،ول بأن
يتخلّل النّومة الخفيفة ،ول بأن تقوم وتشتغل بشغلٍ خفيفٍ ،ثمّ تعود إلى الرضاع ،فكلّ ذلك
رضعة واحدة .
ثالثا :الرّضيع :
أ -أن يصل اللّبن إلى المعدة :
-يشترط أن يصل اللّبن إلى المعدة بارتضاعٍ أو إيجا ٍر أو إسعاطٍ وإن كان الطّفل نائما ، 16
ن المؤثّر في التّحريم هو حصول الغذاء باللّبن وإنبات اللّحم وإنشاز العظم وسدّ المجاعة
لّ
لتتحقّق الجزئيّة ،ول يحصل ذلك إلّ بما وصل إلى المعدة .
أمّا القطار في الذن أو الحليل ،أو الحقنة في الدّبر فل يثبت به التّحريم .
ب -ألّ يبلغ الرّضيع حولين :
ن ارتضاع الطّفل وهو دون الحولين يؤثّر في التّحريم .فقال
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 17
ن مدّة الرّضاع
الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد وهو الصحّ المفتى به عند الحنفيّة :إ ّ
المؤثّر في التّحريم حولن ،فل يحرّم بعد حولين .
ن َأرَادَ أَن ُي ِتمّ
ن كَامَِليْنِ ِلمَ ْ
ن حَوَْليْ ِ
لدَهُ ّ
ضعْنَ َأ ْو َ
ت ُيرْ ِ
واستدلّوا بقوله تعالى { :وَالْوَاِلدَا ُ
عةَ } ،وقالوا :جعل اللّه الحولين الكاملين تمام الرّضاعة ،وليس وراء تمام الرّضاعة
الرّضَا َ
شيء .
شهْرا } وأقلّ
ن َ
حمْلُهُ َوفِصَالُ ُه ثَلثُو َ
وقال ع ّز من قائلٍ َ { :و ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ } وقال َ { :و َ
الحمل ستّة أشهرٍ فتبقى مدّة الفصال حولين ،ولحديث » :ل رضاع إلّ ما كان في الحولين
« ولحديث أمّ سلمة مرفوعا » :ل يحرّم من الرّضاعة إلّ ما فتق المعاء في الثّدي وكان
قبل الفطام « .
ن إرضاع الكبير يحرّم .
قال ابن تيميّة :وقد ذهب طائفة من السّلف والخلف إلى أ ّ
ن أمّ سلمة قالت لعائشة :إنّه
واحتجّوا بما في صحيح مسلمٍ وغيره عن زينب بنت أمّ سلمة أ ّ
ب أن يدخل عليّ .فقالت عائشة :أما لك في رسول اللّه
يدخل عليك الغلم اليفع الّذي ما أح ّ
ن سالما يدخل عليّ وهو
ن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول اللّه :إ ّ
أسوة حسنة ؟ .قالت :إ ّ
رجل ،وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أرضعيه
حتّى يدخل عليك « وفي رواي ٍة لمالكٍ في الموطّأ قال » :أرضعيه خمس رضعاتٍ « فكان
بمنزلة ولده من الرّضاعة .
وهذا الحديث أخذت به عائشة ،وأبى غيرها من أزواج النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يأخذن
ن عائشة روت عنه قال » :الرّضاعة من المجاعة « لكنّها رأت الفرق بين أن
به ،مع أ ّ
ل ما كان قبل الفطام ،وهذا
يقصد رضاع ًة أو تغذيةً .فمتى كان المقصود الثّاني لم يحرّم إ ّ
هو إرضاع عامّة النّاس .وأمّا الوّل فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرمٍ .وقد يجوز
للحاجة ما ل يجوز لغيرها ،وهذا قول متوجّه .
وقال :رضاع الكبير تنتشر به الحرمة في حقّ الدّخول والخلوة إذا كان قد تربّى في البيت
بحيث ل يحتشمون منه للحاجة ،وهو مذهب عائشة وعطا ٍء واللّيث .
-وقال المالكيّة :يشترط في التّحريم أن يرتضع في حولين أو بزيادة شهرٍ أو شهرين، 18
ل يفطم قبل انتهاء الحولين فطاما يستغني فيه بالطّعام عن اللّبن ،فإن فطم واستغنى بالطّعام
وأ ّ
عن اللّبن ث ّم رضع في الحولين فل يحرّم .
وقال أبو حنيفة :مدّة الرّضاع المحرّم حولن ونصف ول يحرّم بعد هذه المدّة ،سواء أفطم
ض ْع َنكُمْ } قال :فأثبت
لتِي َأرْ َ
ج بقوله تعالى { :وَُأ ّمهَا ُت ُكمُ ال ّ
في أثناء المدّة أم لم يفطم ،واحت ّ
ل أنّه قام الدّليل على أنّ
سبحانه الحرمة بالرّضاع مطلقا عن التّعرّض لزمان الرّضاع ،إ ّ
زمان ما بعد الحولين والنّصف ليس بمرادٍ ،فيعمل بإطلقه فيما وراءه .
شهْرا } أي :ومدّة كلّ منهما ثلثون شهرا.
ن َ
حمْلُهُ َوفِصَالُ ُه ثَلثُو َ
واستدلّوا بقوله تعالى َ { :و َ
تحريم النّكاح بالرّضاع :
أ -ما يحرم على الرّضيع :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه يحرم على الرّضيع من النّساء من يحرمن عليه من النّسب 19
كأبيه ،وجدّه ،ول حواشيه كإخوته وأعمامه وأخواله ،فيجوز لهؤلء أن يتزوّجوا المرضعة
أو بناتها أو أخواتها ،فالرّضاعة ل تنشر الحرمة إلى أصول الرّضيع وحواشيه .
ج -الفحل صاحب اللّبن :
-إنّ صاحب اللّبن -وهو زوج المرضعة الّتي نزل لها منه اللّبن -وهو المسمّى في 21
عرف الفقهاء " لبن الفحل " ينشر الحرمة ،فيحرم على صاحب اللّبن من أرضعتها زوجته ،
لنّها ابنته من الرّضاع ،وتحرم على أبنائه الّذين من غير المرضعة ،لنّهم إخوتها من
الرّضاعة ،وأبناء بناته من غير المرضعة ،لنّهم أبناء إخوتها لبٍ من الرّضاعة ،وإن
ب من الرّضاعة ،فيحرم
ل أجنبيّا عن الخر فقد صارا أخوين ل ٍ
ل من زوجتيه طف ً
أرضعت ك ّ
ب من الرّضاعة ،وتحرم الرّضيعة
التّناكح بينهما إن كانت إحداهما أنثى ،لنّ بينهما أخ ّوةً ل ٍ
على آباء زوج المرضعة ،لنّهم أجدادها من قبل الب من الرّضاعة ،وعلى إخوته ،لنّهم
أعمامها من الرّضاعة ،وأخواته عمّات الرّضيع فيحرمن عليه ،ول حرمة بين صاحب اللّبن
وأمّهات الرّضيع وأخواته من النّسب .
-ودليل نشر الحرمة من صاحب اللّبن :ما روته عائشة رضي ال عنها قالت » :إنّ 22
أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليّ بعد أن نزل الحجاب ،فقلت :واللّه ل آذن حتّى أستأذن
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فإنّ أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ،ولكن أرضعتني
امرأة أبي القعيس .فدخل عليّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول اللّه إنّ
الرّجل ليس هو أرضعني ،ولكن أرضعتني امرأته ،فقال :ائذني له فإنّه عمّك تربت يمينك
وقال عروة :قالت عائشة رضي ال عنها " :حرّموا من الرّضاعة ما يحرم من النّسب"
س رضي ال عنه عن رجلٍ تزوّج امرأتين فأرضعت إحداهما جاريةً والخرى
وسئل ابن عبّا ٍ
غلما هل يتزوّج الغلم الجارية ؟ قال :ل ،اللّقاح واحد .
وقد ذهب إلى عدم التّحريم بلبن الفحل سعيد بن المسيّب ،وأبو سلمة بن عبد الرّحمن ،
وسليمان بن يسارٍ ،وعطاء ،والنّخعيّ ،وأبو قلبة ،ويروى عدم التّحريم به أيضا عن
بعض الصّحابة .
ثبوت البوّة ولو بعد الطّلق أو الموت :
-تثبت البوّة باللّبن ولو بعد الطّلق أو الموت ،قصر الزّمان أو طال . 23
الفقهاء ،لنّه رضع لبنها حقيقةً والولد منسوب إليها ،واختلفوا في ثبوت الحرمة بين
الرّضيع وبين الرّجل الّذي ثاب اللّبن بوطئه .
فذهب الشّافعيّة والخرقيّ وابن حامدٍ من الحنابلة إلى أنّه يشترط في ثبوت الحرمة بين
الرّضيع وبين صاحب اللّبن أن يكون اللّبن لبن حملٍ ينتسب إلى الواطئ بأن يكون الوطء في
نكاحٍ أو شبهةٍ .
أمّا إن نزل اللّبن بحملٍ من الزّنى فل تثبت الحرمة بين الرّضيع والفحل الزّاني ،لنّه لبن
ن التّحريم بينهما فرع لحرمة البوّة ،فلمّا لم تثبت حرمة البوّة لم يثبت ما
غير محترمٍ ،ول ّ
هو فرع لها وهو الوجه عند الحنفيّة .
وقال المالكيّة ،وأبو بكرٍ عبد العزيز من الحنابلة وهي رواية عند الحنفيّة :إنّ لبن الفحل
ينشر الحرمة ،وإن نزل بزنىً ،وقالوا :لنّه معنىً ينشر الحرمة فاستوى في ذلك مباحه
ومحظوره كالوطء .
فإنّ الواطئ حصل منه ولد ولبن ،ثمّ إنّ الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ فكذلك اللّبن ;
ولنّه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فينشرها إلى الواطئ .
لبن الولد المنفيّ باللّعان :
ن ،فأرضعت معه صغيرةً بلبنه لم تثبت الحرمة بين
-إذا نفى زوج المرضعة ولدها بلعا ٍ 25
الزّوج وبين الرّضيع ،لنتفاء نسبة اللّبن إليه بانتفاء الولد عنه .
وإن نفاه بعد الرّضاع انتفى الرّضيع عنه أيضا .كما انتفى الولد .وإن استلحق الولد بعد
ل من يثبت منه النّسب يثبت منه الرّضاع ،ومن ل يثبت
اللّعان لحق الرّضيع ،فالصل أنّ ك ّ
منه النّسب ل يثبت منه الرّضاع .
المحرّمات بالمصاهرة المتعلّقة بالرّضاع :
-أ -تحرم أ ّم الزّوجة وجدّاتها من الرّضاعة مهما علون ،سواء أكان هناك دخول 26
ع مقارنٍ وبين طارئٍ عليه ،ثمّ قد يقتضي الرّضاع الطّارئ على النّكاح مع
تفرّق بين رضا ٍ
القطع حرمةً مؤبّدةً ،وقد ل يقتضي ذلك .
فإذا كانت عنده زوجة صغيرة فأرضعتها امرأة تحرّم عليه بنتها " كأمّه من النّسب ،أو
الرّضاع ،أو جدّته ،أو بنته ،أو حفيدته ،أو زوجة أبيه ،أو زوجة ابنه ،أو زوجة أخيه
بلبانهم " رضاعا محرّما انفسخ النّكاح ،وحرّمت عليه حرمةً مؤبّدةً ،لنّها صارت أخته ،
أو عمّته ،أو خالته ،أو حفيدته ،أو بنت ابنه ،أو ابنة أخيه .
أمّا إن كان اللّبن من غير الب ،والبن ،والخ فل يؤثّر ،لنّ غايته أن تكون ربيب ًة لهم
وليست بحرامٍ عليهم .
وإن أرضعتها زوجة له أخرى فسد نكاح الكبيرة المرضعة في الحال ،وحرّمت عليه مؤبّدا
باتّفاق الفقهاء ،لنّها صارت أمّ زوجته ،وال ّم تحرّم بنكاح البنت لقوله تعالى { :وَُأ ّمهَاتُ
ِنسَآ ِئ ُكمْ } ولم يشترط الدّخول بها ،أمّا الصّغيرة فإن أرضعتها بلبن الزّوج أو دخل بالمرضعة
انفسخ النّكاح ،وحرّمت عليه مؤبّدا ،لنّها صارت بنته بالرّضاع ،أو ربيبةً دخل بأمّها .أمّا
إن أرضعت بلبن غيره ولم يدخل بالمرضعة ،فلم تحرم عليه مؤبّدا ،وهذا محلّ اتّفاقٍ بين
جنَاحَ عََل ْي ُكمْ
ن فَلَ ُ
الفقهاء ،لنّها ربيبة لم يدخل بأمّها .واللّه يقول َ { :فإِن ّلمْ َتكُونُواْ َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ
} وانفسخ النّكاح عند جمهور الفقهاء ،لنّ اجتماع المّ والبنت في نكاحٍ ممتنع.
وفي هذا الموضوع تفريعات تنظر في الكتب المطوّلة في باب الرّضاع .
ما يثبت به الرّضاع :
-يثبت الرّضاع بالقرار أو بالبيّنة . 28
القرار بالرّضاع :
-إذا تزوّج رجل امرأ ًة ثمّ قال :هي أختي أو ابنتي من الرّضاع انفسخ النّكاح .فإن كان 29
قبل الدّخول وصدّقته المرأة فل مهر لها ،وإن كذّبته فلها نصفه .
وإن كانت المرأة هي الّتي قالت :هو أخي من الرّضاعة فأكذبها ولم تأت بالبيّنة ،فهي
زوجته في الحكم .
وهذا إن كان القرار ممكنا .فإن لم يكن ممكنا ،بأن يقول :فلنة بنتي من الرّضاعة وهي
أكبر منه سنّا فهو لغو .
الرّجوع عن القرار :
ح القرار ،فرجع عنه المقرّ أو رجعا لم يقبل
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا ص ّ 30
ول بيّنة لم ينفسخ النّكاح ،لنّه حقّ عليها ،وإن كان قبل الدّخول فل مهر لها ،لنّها تقرّ
بأنّها ل تستحقّه .
فإن كانت قد قبضته لم يكن للزّوج أخذه منها ،لنّه يقرّ بأنّه حقّ لها ،وإن كان بعد الدّخول
فأقرّت بأنّها كانت عالم ًة بأنّها أخته ،وبتحريمها عليه ومطاوعة له في الوطء فل مهر لها ،
لنّها أقرّت بأنّها زانية مطاوعة ،وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر ،لنّه وطء بشبهةٍ ،
وهي زوجته في ظاهر الحكم ،لنّ قولها عليه غير مقبولٍ .
وقال الشّافعيّة :إن أقرّت الزّوجة بالرّضاع وأنكر الزّوج ،صدق بيمينه إن زوّجت منه
برضاها ،بأن عيّنته في إذنها لتضمّنه إقرارها بحلّها له ،فلم يقبل منها نقيضه ،وتستمرّ
الزّوجيّة ظاهرا بعد حلف الزّوج على نفي الرّضاع .وإن لم تزوّج برضاها بل زوّجت
ح عندهم تصديقها بيمينها ما لم تمكّنه من وطئها
إجبارا ،أو أذنت بغير تعيين الزّوج ،فالص ّ
مختار ًة لحتمال صحّة ما تدّعيه ،ولم يسبق منها ما ينافيه ،فأشبه إقرارها قبل النّكاح ،ولها
مهر مثلها إن وطئ ولم تكن عالمةً بالحكم مختار ًة في التّمكين ،ل المسمّى لقرارها بنفي
استحقاقها .فإن قبضته لم يستردّ منها لزعمه أنّه لها ،وإن لم يدخل بها أو كانت عالمةً
بالتّحريم مختار ًة في التّمكين فل شيء لها ،لنّها بغي مطاوعة .
والمنكر للرّضاع يحلف على نفي العلم ،لنّه ينفي فعل الغير ،ومدّعيه يحلف على البتّ .
نصاب الشّهادة على الرّضاع :
-اختلف الفقهاء في نصاب الشّهادة على الرّضاع : 32
فذهب الحنفيّة إلى أنّه يثبت بشهادة العدول ،رجلين أو رجلٍ وامرأتين ،ول يقبل أقلّ من
ذلك ،ول شهادة النّساء بانفرادهنّ .
واستدلّوا بقول عمر رضي ال عنه :ل يقبل على الرّضاع أقلّ من شاهدين وكان ذلك
بمحضرٍ من الصّحابة ،ولم يظهر النّكير من أحدٍ ،فصار إجماعا .
ن هذا ممّا يطّلع عليه الرّجال في الجملة ،فل يقبل فيه شهادة النّساء على النفراد ،لنّ
ول ّ
ن بانفرادهنّ في أصول الشّرع للضّرورة ،وهي ضرورة عدم اطّلع الرّجال
قبول شهادته ّ
على المشهود به ،فإذا جاز الطّلع عليه في الجملة لم تتحقّق الضّرورة .
ل وامرأتين مطلقا قبل العقد وبعده .
وقال المالكيّة :يثبت الرّضاع بشهادة رجلين أو رج ٍ
ويعمل قبل العقد في غير الرّشيد بإقرار أحد البوين ،ولو أمّا ،وأولى بإقرارهما معا ،
فيفسخ إذا وقع ،ول يعتبر إقرارهما بعده .وأمّا بعد العقد فيقبل شهادة رجلٍ وامرأةٍ ،أو
شهادة امرأتين إن فشا ذلك قبل العقد ،ول يقبل شهادة امرأةٍ واحدةٍ ولو فشا ذلك .
وقال الشّافعيّة :يثبت الرّضاع بشهادة رجلين ،وبرجلٍ وامرأتين ،وبأربع نسو ٍة ،لنّه ممّا
ل نادرا ،ول يثبت بدون أربع نسو ٍة .
ل يطّلع الرّجال عليه إ ّ
وقال الحنابلة :يثبت الرّضاع بشهادة المرأة المرضيّة .
ب ،فجاءت أمة سوداء فقالت :
واستدلّوا بحديث عقبة قال » :تزوّجت أمّ يحيى بنت أبي إها ٍ
قد أرضعتكما ،فأتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال :كيف بها وقد زعمت
أنّها أرضعتكما « .وهو يدلّ على الكتفاء بالمرأة الواحدة .
ل بشهادة رجلين عليه إن أقرّ بذلك ،وهذا عند الشّافعيّة
أمّا القرار بالرّضاع فل يثبت إ ّ
والحنابلة .
والتّفصيل في ( :باب الشّهادة ) .
قبول شهادة أمّي الزّوجين بالرّضاع :
-ذهب المالكيّة إلى أنّ شهادة أمّي الزّوجين على الرّضاع بين الزّوجين مقبولة 33
نفع مقصود ،ول تدفع به ضررا ،فقبلت شهادتها فيه كفعل غيرها ،وإلى هذا ذهب الحنابلة
.
وقال الشّافعيّة والمالكيّة :تقبل مع غيرها ،ول تقبل وحدها ،واشترط الشّافعيّة لقبول
شهادتها فيمن يشهد أن ل تطلب أجر ًة ،فإن طلبت أجرة الرّضاع فل تقبل للتّهمة .
ل مفصّلةً ،فل يكفي قول
وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه ل تقبل الشّهادة على الرّضاع إ ّ
الشّاهد " :بينهما رضاع " بل يجب ذكر وقت الرضاع وعدد الرّضعات ،كأن يقول :أشهد
ت خلص اللّبن فيهنّ إلى جوفه في الحولين أو
ن هذا ارتضع من هذه خمس رضعاتٍ متفرّقا ٍ
أّ
قبل الحولين لختلف العلماء في ذلك .
رضاع الكفّار :
-إن ارتضع مسلم من ذ ّميّ ٍة رضاعا محرّما حرّمت عليه بناتها وفروعها كلّهنّ وأصولها 35
ن النّصوص لم تفرّق بين مسلمةٍ وكافر ٍة ،وقد صرّح بذلك المالكيّة والحنابلة
كالمسلمة ،ل ّ
ول تأبى ذلك قواعد المذاهب الخرى .
الرتضاع بلبن الفجور :
-قال أحمد بن حنبلٍ :يكره الرتضاع بلبن الفجور ولبن المشركات ،لنّه ربّما أفضى 36
إلى شبه المرضعة في الفجور ،ويجعلها أمّا لولده فيتعيّر بها ،ويتضرّر طبعا وتعيّرا ،
والرتضاع من المشركة يجعلها أمّا لها حرمة المّ مع شركها ،وربّما مال إليها المرتضع
ب دينها .
وأح ّ
وروي عن عمر بن الخطّاب وعمر بن عبد العزيز أنّهما قال :اللّبن يشتبه ،فل تستق من
يهوديّةٍ ،ول نصرانيّ ٍة ول زانيةٍ ،ويكره بلبن الحمقاء كي ل يشبهها الطّفل في الحمق .
صلة المرضعة وذويها :
ل على ذلك حديث
-للمرضعة حقّ على من أرضعته ولو كان الرضاع بأجرٍ ،يد ّ 37
حجّاجٍ السلميّ ،قال » :قلت :يا رسول اللّه ما يذهب عنّي مذمّة الرّضاعة ؟ قال :الغرّة
العبد أو المة « .
ق الرّضاع حتّى أكون بأدائه مؤدّيا حقّ
قال القاضي :والمعنى أيّ شيءٍ يسقط عنّي ح ّ
المرضعة بكماله ؟ وكانت العرب يستحبّون أن يرضخوا للظّئر بشيءٍ سوى الجرة عند
الفصال ،وهو المسئول عنه في الحديث .
ي في المعالم :يقول :إنّها قد خدمتك وأنت طفل ،وحضنتك وأنت صغير ،
وقال الخطّاب ّ
فكافئها بخادمٍ يخدمها ويكفيها المهنة ،قضاءً لذمامها " أي لحقّها " وجزا ًء لها على إحسانها.
و قد ا ستدلّ بالحد يث على ا ستحباب العطيّة للمرض عة ع ند الفطام ،وأن يكون عبدا أو أمةً ،
لنّها كانت أغلى الموال ولذا سمّيت " غرّ ًة " .
كما يدلّ على ذلك فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقد روى أبو الطّفيل قال » :رأيت النّبيّ
صلى ال عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة .قال أبو الطّفيل :وأنا يومئذٍ غلم أحمل عظم
الجزور إذ أقبلت امرأة حتّى دنت إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فبسط لها رداءه فجلست
عليه ،فقلت :من هي ؟ فقالوا :هذه أمّه الّتي أرضعته « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان جالسا يوما
وروى عمر بن السّائب أنّه بلغه » :أ ّ
فأقبل أبوه من الرّضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ،ثمّ أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه
من جانبه الخر فجلست عليه ،ثمّ أقبل أخوه من الرّضاعة ،فقام له رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم فأجلسه بين يديه « .
رضخ *
التّعريف :
-الرّضخ في اللّغة العطاء القليل ،يقال :رضخت له رضخا ،ورضيخا ،أي أعطيته 1
يشترطه المام أو نائبه لمن يقوم بما فيه نكاية في العدوّ .
ل منهما جزء غير مق ّدرٍ من الغنيمة .
والصّلة بين الرّضخ والتّنفيل ،أنّ ك ً
ج -السّلب :
ل شيءٍ على النسان من اللّباس وغيره :ويقال :سلبته أسلبه سلبا:
-وهو في اللّغة :ك ّ 4
القتال ،كالنّساء ،والصّبيان المميّزين ،ونحو ذلك ممّن ليس من أهل الجهاد ،ووجب
إعطاؤهم للثار الواردة في ذلك .
كخبر عميرٍ مولى أبي اللّحم قال » :شهدت خيبر مع سادتي فكلّموا فيّ رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم وكلّموه أنّي مملوك ،فأمر لي بشيءٍ من خرثيّ المتاع « .
س قال » :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يغزو بالنّساء فيداوين المرضى ،
وخبر ابن عبّا ٍ
ويحذين من الغنيمة ،وأمّا بسهمٍ فلم يضرب لهنّ بسهمٍ « .
وكان الصّبيان يحذون من الغنيمة ول يسهم لهم إذا حضروا الحرب ،لنّهم ليسوا من أهل
الجهاد .
ل الصّبيان فإنّهم يسهم
وقال المالكيّة :ل يرضخ لحدٍ ممّن ذكر ،ول يسهم لهم وإن قاتلوا ،إ ّ
لهم إذا قاتلوا .
وال ّذ ّميّ إن حضر القتال بإذن المام فإنّه يرضخ له عند الحنفيّة والشّافعيّة ول يسهم له ،لنّه
ليس من أهل الجهاد واختلفت الرّوايات عن أحمد فروي عنّة أنّه يسهم له كالمسلم ،وبهذا قال
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم استعان
الوزاعيّ ،والزّهريّ ،والثّوريّ ،وقالوا » :إ ّ
بأناسٍ من اليهود في حربه فأسهم لهم « .
الرّضخ للدّوابّ :
-ل يسهم لغير الفرس من الدّوابّ ،كالبعير ،والحمار ،والفيل والبغل ،لنّ هذه الدّوابّ 7
ل تصلح للكرّ والفرّ صلحية الخيل لهما ،ولكن يرضخ لها فيرضخ لراكبها ،بعد أن يأخذ
سهم الرّاجل .
والتّفصيل في مصطلح ( :غنيمة ) .
محلّ الرّضخ :
-اختلف الفقهاء في محلّ الرّضخ ،فقال الحنفيّة :إنّه يرضخ من أصل الغنيمة قبل إخراج 8
للمام .
زمن الرّضخ :
-هو تبع لزمن قسمة الغنيمة إن في دار الحرب أو بعد الرّجوع ،للخلف الوارد في 10
قسمتها .
( ر :غنيمة ) .
رطل *
انظر :مقادير
رطوبة *
التّعريف :
-الرّطوبة لغةً :مصدر رطب ،تقول رطب الشّيء بالضّ ّم إذا ندي ،وهو خلف اليابس 1
.
فذهب أبو حنيفة والحنابلة إلى طهارتها ،ومن ثمّ فإنّ رطوبة الولد عند الولدة طاهرة .
ل الطّهارة عند الحنفيّة إذا لم يكن دم ،ولم يخالط رطوبة الفرج مذي أو منيّ من الرّجل،
ومح ّ
أو المرأة .
وذهب المالكيّة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى نجاسة رطوبة الفرج ،ويترتّب على
نجاسة رطوبة الفرج تنجيس ذكر الواطئ أو ما يدخل من خرقةٍ أو أصبعٍ .
وقسّم الشّافعيّة رطوبة الفرج إلى ثلثة أقسامٍ :طاهر ٍة قطعا ،وهي ما تكون في المحلّ الّذي
يظهر عند جلوس المرأة ،وهو الّذي يجب غسله في الغسل والستنجاء ،ونجسةٍ قطعا وهي
ح وهي
الرّطوبة الخارجة من باطن الفرج ،وهو ما وراء ذكر المجامع ،وطاهر ٍة على الص ّ
ما يصله ذكر المجامع .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( فرج ) .
ب -رطوبة فرج الحيوان :
ص الحنفيّة على طهارة
-ذهب الجمهور إلى طهارة رطوبة فرج الحيوان الطّاهر ،وقد ن ّ 3
رطوبة السّخلة إذا خرجت من أمّها وكذا البيضة ،فل يتنجّس بها الثّوب ول الماء إذا وقعت
فيه ،وإن كرهوا التّوضّؤ به للختلف .
وعند الشّافعيّة رطوبة الفرج طاهرة من كلّ حيوانٍ طاهرٍ ولو غير مأكولٍ .
ص المالكيّة طهارة رطوبة فرج الحيوان بالمباح الكل فقط ،وقيّدوه بقيدين :
وخ ّ
ل كانت
ل يتغذّى على نجسٍ ،وثانيهما :أن يكون ممّا ل يحيض كالبل ،وإ ّ
أحدهما :أ ّ
نجسةً عقب حيضه ،وأمّا بعده فطاهرة .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( فرج ،نجاسة ) .
ج -ملقي رطوبة النّجاسة :
ن ملقي رطوبة النّجاسة ل ينجّس.
ح والمالكيّة في المذهب إلى أ ّ
-ذهب الحنفيّة في الص ّ 4
ن محلّ المنيّ اليابس يطهر بفركه ،ول يضرّ بقاء أثره ،فإن كان رطبا
فذهب الحنفيّة إلى أ ّ
فل بدّ من غسله ول يجزئ الفرك ،وعند المالكيّة ل تطهر النّجاسة إلّ بالغسل فيما ل يفسد
بالغسل .
وعند الشّافعيّة يسنّ غسل المنيّ مطلقا سواء كان رطبا أو جافّا .
ن غسله رطبا وفركه جافّا ،لقول عائشة رضي ال عنها في المنيّ » :لقد
وعند الحنابلة يس ّ
رأيتني أفركه من ثوب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فركا ،فيصلّي فيه « علما بأنّ
ي خلفا للشّافعيّة والحنابلة الّذين يقولون بطهارته .انظر
الحنفيّة والمالكيّة يقولون بنجاسة المن ّ
مصطلح ( نجاسة ،ومنيّ ) .
رعاف *
التّعريف :
-الرّعاف لغةً :اسم من رعف رعفا ،وهو خروج الدّم من النف ،وقيل :الرّعاف الدّم 1
نفسه ،وأصله السّبق والتّقدّم ،وفرس راعف أي سابق ،وسمّي الرّعاف بذلك لنّه يسبق
علم الشّخص الرّاعف .
ي.
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغو ّ
الحكام المتعلّقة بالرّعاف :
انتقاض الوضوء بالرّعاف :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ نّ الوضوء ل ينتقض بخروج شيءٍ من غير ال سّبيلين كدم 2
الفصد ،والحجامة ،والقيء ،والرّعاف ،سواء قلّ ذلك أو كثر ،لما روى أنس رضي ال
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم احتجم فصلّى ولم يتوضّأ ولم يزد على غسل محاجمه
عنه »:أ ّ
« .وبهذا قال عمر ،وابن عبّا سٍ وابن أبي أوفى ،وجابر وأبو هريرة ،وعائشة وسعيد بن
المسهيّب وسهالم بهن عبهد اللّه بهن عمهر ،والقاسهم بهن مح ّمدٍ ،وطاوس ،وعطاء ،ومكحول
وربيعة ،وأبو ثورٍ .
قال البغويّ :وهو قول أكثر الصّحابة .
ويرى الحنابلة أنّ الرّعاف ل ينقض الوضوء إلّ إذا كان فاحشا كثيرا .
أمّا كون الكثير ينقض الوضوء ،فلقوله عليه الصلة والسلم في حديث عائشة لفاطمة بنت
أ بي حبيشٍ عن دم ال ستحاضة » :إنّ ما ذلك عرق ،ولي ست بالحي ضة ،فإذا أقبلت الحي ضة
ل صلةٍ « .ول نه نجا سة خار جة من البدن
فد عي ال صّلة « ،و في روايةٍ » :توضّئي لك ّ
أشبهت الخارج من السّبيل .
وأمّا كون القليل ل ينقض فلمفهوم قول ابن عبّا سٍ في الدّم إذا كان فاحشا فعليه العادة .قال
أحمد :عدّة من ال صّحابة تكلّموا فيه ،وابن عمر عصر بثر ًة فخرج الدّم فصلّى ولم يتوضّأ ،
وابن أبي أوفى عصر دمّلً ،وذكر أحمد غيرهما ،ولم يعرف لهم مخالف من الصّحابة فكان
إجماعا .
ن الرّعاف ينقض الوضوء،
ويرى الحنفيّة القائلون بنقض الوضوء بسيلن الدّم عن موضعه أ ّ
وكذا لو نزل الدّم من الرّأس إلى ما لن من النف ولم يظهر على الرنبة نقض الوضوء .
و هو مذ هب الثّور يّ والوزاع يّ وأح مد وإ سحاق ،قال الخطّاب يّ :و هو قول أك ثر الفقهاء ،
وحكاه غيره عن ع مر بن الخطّاب وعليّ ر ضي ال عنه ما ،و عن عطاءٍ ،وا بن سيرين ،
وابن أبي ليلى .
واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :الوضوء من كلّ د مٍ سائلٍ « ووجه الستدلل
ن مثل هذا التّركيب يفهم منه الوجوب .
أّ
ي صلى ال عليه وسلم » :من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي
كما احتجّوا بقول النّب ّ
فلينصرف فليتوضّأ ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلّم « .
ونقل العينيّ أنّ وجه الستدلل بالحديث من وجوهٍ :
الوّل :أن ّه أمهر بالبناء وأدنهى درجات المهر الباحهة والجواز ،ول جواز للبناء إلّ بعهد
النتقاض ،فدلّ بعبارته على البناء وعلى النتقاض بمقتضاه .
والثّاني :أنّه أمر بالوضوء ومطلق المر للوجوب .
ل به .
والثّالث :أنّه أباح النصراف ،وهو ل يباح بعد الشّروع إ ّ
ن الرّعاف ين قض الوضوء يع تبر الرّعاف الدّائم عذرا من العذار الّ تي تب يح
هذا و من يرى أ ّ
العبادة مع وجود العذر .
-وشرط اعتبار الرّعاف عذرا ابتداءً عند هؤلء الفقهاء أن يستوعب استمراره وقت 3
هذا عند الحنفيّة والحنابلة إن خرج منه الدّم ،أمّا إن لم يخرج منه شيء فل يتوضّأ عندهم .
وينتقض وضوء الرّاعف بخروج الوقت عند أبي حنيفة ،ومح ّمدٍ ،والحنابلة ،وعند زفر
ينتقض بدخول الوقت .وعند أبي يوسف بأيّهما كان ،وهو قول أبي يعلى .
ن من رعف قبل الدّخول في الصّلة فإنّه يؤخّر الصّلة لخر
أمّا المالكيّة فإنّهم يقولون :إ ّ
الوقت الختياريّ إذا كان يرجو انقطاع الرّعاف ،أمّا إذا علم أنّه ل ينقطع فإنّه يصلّي به
على تلك الحال في أوّل الوقت ،إذ ل فائدة في تأخيره ،ثمّ إن انقطع في وقته ليست عليه
إعادة .
بناء الرّاعف على صلته :
ن الرّعاف ل يفسد الصّلة فيجوز للرّاعف البناء على صلته لما
-يرى الحنفيّة والمالكيّة أ ّ 5
حلقه فل شيء عليه ،لنّ منفذ النف إلى الفم دون الجوف ،فهو ما لم يصل إلى الجوف ل
شيء فيه ،ومن دخل دم رعافه حلقه فسد صومه .
ن ما يصل إلى جوف الصّائم بل قصدٍ ل يفطر .
أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيؤخذ من عباراتهم أ ّ
وللتّفصيل ( ر :صوم ) .
رعي *
التّعريف :
-الرّعي :مصدر رعى الكل ونحوه يرعى رعيا ،يقال :الماشية رعت الكل أي أكلته ، 1
والرّاعي يرعى الماشية أي يحوطها ويحفظها ،والجمع رعاة مثل قاضٍ وقضاةٍ ،ورعاء
ن.
مثل جائعٍ وجياعٍ ،ورعيان مثل شابّ وشبّا ٍ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للرّعي عن معناه اللّغويّ .
الحكم التّكليفيّ :
-الصل في الرّعي الباحة لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :المسلمون شركاء في 2
ثلثٍ :في الكل والماء والنّار « فالكل ينبت في موات الرض يرعاه النّاس وليس لحدٍ أن
يختصّ به دون أحدٍ أو يحجزه عن غيره .
وكان أهل الجاهليّة إذا غزا الرّجل منهم حمى بقع ًة من الرض لماشيته يرعاها يذود النّاس
عنها ،فأبطل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذلك ،وجعل النّاس فيها شركاء يتعاورونه بينهم .
وقد يعرض للرّعي بعض الحكام الخرى وتفصيلها فيما يلي :
منع أهل قريةٍ رعي غير مواشيهم :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز لهل قريةٍ أن يمنعوا غيرهم من رعي مواشيهم 3
ن الهدي كان يدخل إلى الحرم ،فيكثر فيه ،فلم ينقل أنّهم كانوا يكمّمون
عند الحنابلة ،ل ّ
ن بهم حاج ًة إلى ذلك فأشبه الذخر .
أفواهه ،ول ّ
ول يجوز ذلك عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ ،وهي رواية عند الحنابلة ،لنّه لمّا منع من التّعرّض
ن فعل البهيمة
لحشيش الحرم استوى فيه تعرّض الشّخص بنفسه أو بإرسال البهيمة عليه ،ل ّ
يضاف إلى صاحبها ،كما في الصّيد فإنّه لمّا حرّم عليه التّعرّض استوى فيه اصطياده بنفسه
وبإرسال الكلب .
واستدلّوا على حرمة التّعرّض لحشيش الحرم بما رواه ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما عن النّبيّ
ن اللّه حرّم مكّة ،فلم تحلّ لحدٍ قبلي ول تحلّ لحدٍ بعدي
صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :إ ّ
،وإنّما أحلّت لي ساع ًة من نهارٍ ،ل يختلى خلها ،ول يعضد شجرها ،ول ينفّر صيدها ،
ل لمعرّفٍ «.
ول تلتقط لقطتها إ ّ
أخذ العوض عن الرّعي في الحمى :
-ل يجوز لحدٍ من الولة أن يأخذ شيئا من أصحاب المواشي عن مراعي مواتٍ أو حمىً 5
لقوله صلى ال عليه وسلم » :المسلمون شركاء في ثلثٍ :الكل والماء والنّار « .ولقوله
ن المعنى ل
صلى ال عليه وسلم » :ل حمى إلّ للّه ولرسوله صلى ال عليه وسلم « فإ ّ
ل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،لنّه من خصائصه وإن لم يقع ،ولو وقع
يحمي لنفسه إ ّ
ل حمى مثل حمى اللّه
كان للمسلمين ،لنّ مصلحته مصلحتهم ،أو بأنّ المعنى ل حمى إ ّ
ورسوله من كونه ل عوض فيه ول غير ذلك ،فإنّه يحرم على المام أخذ العوض ممّن
يرعى فيه كالموات .
ضمان الرّاعي :
-ل ضمان على الرّاعي المستأجر فيما تلف من الماشية ما لم يتعدّ أو يقصّر في حفظها، 6
لنّه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعدّ كالمودع ،ولنّها عين قبضها بحكم الجارة
فلم يضمنها من غير تعدّ كالعين المستأجرة ،فأمّا ما تلف بتعدّيه فيضمنه بغير خلفٍ .
وإن اختلف صاحب الماشية مع الرّاعي في التّعدّي وعدمه ،فالقول قول الرّاعي ،لنّه أمين،
وإن فعل فعلً اختلفا في كونه تعدّيا رجعا إلى أهل الخبرة ،وإذا خاف الرّاعي الموت على
شاةٍ مثلً وغلب على ظنّه أنّها تموت إن لم يذبحها فذبحها فل يضمن استحسانا ،وإذا اختلفا
فالقول قول الرّاعي .
إجارة الرّاعي :
ل منهما أحكام
-الرّاعي إمّا أن يكون أجيرا مشتركا أو أجيرا خاصّا ،فتجري على ك ّ 7
الجارة .
). 301 وينظر مصطلح ( :إجارة ف /150ج 1ص
سقي الرّاعي من لبن الغنم الّتي يرعاها :
ل لبن الماشية إلّ بإذن
-ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " إلى أنّه ل يح ّ 8
صاحبها أو علم طيب نفسه ،أو لمن كان مضطرّا فحينئذٍ يجوز له ذلك قدر دفع الحاجة.
ودليلهم حديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ل يحلبنّ أحد ماشية امرئٍ بغير إذنه أيحبّ
أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه ،فإنّما تخزّن لهم ضروع ماشيتهم
أطعماتهم ،فل يحلبنّ أحد ماشية أحدٍ إلّ بإذنه « .
قال ابن عبد البرّ :في الحديث النّهي عن أن يأخذ المسلم من مال المسلم شيئا إلّ بإذنه ،
ص اللّبن بالذّكر لتساهل النّاس فيه ،فنبّه به على ما هو أولى منه ،وبهذا أخذ
وإنّما خ ّ
ن عامّ ،واستثنى كثير من السّلف ما إذا علم بطيب
ن خاصّ ،أو بإذ ٍ
الجمهور ،سواء كان بإذ ٍ
نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاصّ ول عامّ .ا هه .
وذهب الحنابلة إلى الجواز مطلقا في الكل والشّرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم ودليلهم
في ذلك :ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندبٍ مرفوعا » :إذا أتى أحدكم على ماشيةٍ فإن
كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب ،فإن لم يكن فيها فليصوّت ثلثا ،
ل فليحتلب وليشرب ول يحمل « .
فإن أجابه فليستأذنه ،وإ ّ
وكذلك ما رواه أبو سعيدٍ الخدريّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :إذا أتيت على
ل فاشرب في غير أن تفسد « .
راعٍ فناده ثلث مرارٍ ،فإن أجابك ،وإ ّ
قال ابن حجرٍ :ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوهٍ من الجمع منها حمل الذن على ما إذا
علم بطيب نفس صاحبه ،والنّهي على ما إذا لم يعلم ،ومنها تخصيص الذن بابن السّبيل
دون غيره ،أو بالمضطرّ ،أو بحال المجاعة ،وهي متقاربة .
رغائب *
التّعريف :
-الرّغائب ج مع رغيبةٍ و هي لغةً العطاء الكث ير ،أو ما ح ضّ عل يه من ف عل الخ ير . 1
والرّغيبة اصطلحا عند المالكيّة على ما قاله الدّسوقيّ هي :ما رغّب فيه الشّارع وحده ولم
يفعله في جماعةٍ .
وقال الشّيخ عليشٍ :صارت الرّغيبة كالعلم بالغلبة على ركعتي الفجر .
وقالوا أيضا :الرّغيبة هي ما داوم الرّسول صلى ال عليه وسلم على فعله بصفة النّوافل ،أو
رغّب فيه بقوله :من فعل كذا فله كذا ،قال الحطّاب :ول خلف أ نّ أعلى المندوبات يسمّى
سنّةً وسمّى ابن رشدٍ النّوع الثّاني رغائب ،وسمّاه المازريّ فضائل ،وسمّوا النّوع الثّالث من
المندوبات نوافل .
ب أو في منتصف شعبان .
والرّغائب عند الفقهاء صلة بصفةٍ خاصّ ٍة تفعل أوّل رج ٍ
الحكم الجماليّ :
ن صلة الرّغائب في أوّل جمعةٍ من رجبٍ ،أو في ليلة
ص الحنفيّة والشّافعيّة على أ ّ
-ن ّ 2
النّصف من شعبان بكيفيّ ٍة مخصوصةٍ ،أو بعددٍ مخصوصٍ من الرّكعات بدعة منكرة .
قال النّوويّ :وهاتان الصّلتان بدعتان مذمومتان منكرتان قبيحتان ،ول تغترّ بذكرهما في
كتاب قوت القلوب والحياء ،وليس لحدٍ أن يستدلّ على شرعيّتهما بما روي عنه عليه
ن ذلك يختصّ بصلةٍ ل تخالف
ع « فإ ّ
الصلة والسلم أنّه قال » :الصّلة خير موضو ٍ
الشّرع بوج ٍه من الوجوه .
قال إبراهيم الحلبيّ من الحنفيّة :قد حكم الئمّة عليها بالوضع قال في العلم المشهور :حديث
ليلة النّصف من شعبان موضوع ،قال أبو حاتمٍ محمّد بن حبّان :كان محمّد بن مهاجرٍ يضع
الحديث على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وحديث أنسٍ موضوع ،لنّ فيه إبراهيم بن
ب القاضي
إسحاق قال أبو حاتمٍ :كان يقلّب الخبار ويسوق الحديث ،وفيه وهب بن وه ٍ
أكذب النّاس ذكره في العلم المشهور ،وقال أبو الفرج بن الجوزيّ :صلة الرّغائب
موضوعة على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وكذب عليه .قال :وقد ذكروا على
بدعيّتهما وكراهيتهما عدّة وجوهٍ منها :
ن الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم من الئمّة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصّلتان ،فلو
أّ
ي أخبرني
كانتا مشروعتين لما فاتتا السّلف ،وإنّما حدثتا بعد الربعمائة ،قال الطّرطوش ّ
المقدسيّ قال :لم يكن ببيت المقدس قطّ صلة الرّغائب في رجبٍ ول صلة نصف شعبان ،
فحدث في سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائةٍ أن قدم علينا رجل من نابلس يعرف بابن الحيّ ،
وكان حسن التّلوة فقام يصلّي في المسجد القصى ليلة النّصف من شعبان فأحرم خلفه رجل،
ثمّ انضاف ثالث ورابع فما ختم إلّ وهم جماعة كثيرة ،ثمّ جاء في العام القابل فصلّى معه
خلق كثير ،وانتشرت في المسجد القصى وبيوت النّاس ومنازلهم ،ثمّ استقرّت كأنّها سنّة
إلى يومنا هذا .ا هه .
) وانظر للتّفصيل مصطلح ( صلة الرّغائب ) . 23 ( ر :بدعة ف
الرّغيبة بمعنى سنّة الفجر :
-الرّغيبة تدلّ على سنّة صلة الفجر في اصطلح المالكيّة ،ورتبتها عندهم أعلى من 3
المندوبات ودون السّنن ،والمندوبات عندهم كالنّوافل الرّاتبة الّتي تصلّى مع الفرائض قبلها أو
بعدها والسّنن عندهم نحو الوتر والعيد والكسوف والستسقاء .
وعند ابن رشدٍ :ركعتا الفجر سنّة لنّه صلى ال عليه وسلم قضاها بعد طلوع الشّمس .
وعند الحنفيّة ركعتا الفجر من أقوى السّنن .
وعند الشّافعيّة والحنابلة هما من السّنن الرّواتب .
وانظر للتّفصيل مصطلح ( :صلة الفجر ) .
رفادة *
التّعريف :
-الرّفد بالكسر العطاء والصّلة ،وبالفتح القدح الضّخم ويكسر ،والرّفد مصدر رفده يرفده 1
أي أعطاه ،والرفاد :العانة والعطاء ،والرتفاد :الكسب ،والسترفاد :الستعانة .
والتّرافد :التّعاون .
ل بقدر طاقته ،
والرّفادة شيء كانت قريش تترافد به في الجاهليّة ،فيخرج كلّ إنسانٍ ما ً
ج الجزر " البل " ،والطّعام ،
فيجمعون من ذلك مالً عظيما أيّام الموسم فيشترون به للحا ّ
والزّبيب للنّبيذ ،فل يزالون يطعمون النّاس حتّى تنقضي أيّام موسم الحجّ ،وكانت الرّفادة
والسّقاية لبني هاشمٍ ،والسّدانة واللّواء لبني عبد الدّار ،وكان أوّل من قام بالرّفادة هاشم بن
عبد منافٍ ،وسمّي هاشما لهشمه الثّريد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّدانة :
-ومعناه خدمة الكعبة .تقول سدنت الكعبة أسدنها سدنا إذا خدمتها ،فالواحد سادن والجمع 2
.
د -العمارة :
-العمارة اسم مصدرٍ من عمّرت الدّار عمرا أي بنيتها ،ومنه عمارة المسجد الحرام . 5
الجاهليّة ،ويعتبرونها من العمال الّتي يمتازون بها عن غيرهم من العرب ،فهم حماة البيت
يصدّون الذى عنه ،ويطعمون ويسقون من جاءه حاجّا أو زائرا ،وقد بلغ بهم المر أن
جعلوا هذه العمال كعمل من آمن باللّه واليوم الخر وجاهد في سبيله ،وقد أنكر اللّه سبحانه
حرَامِ َكمَنْ آ َمنَ
جدِ ا ْل َ
سِعمَارَةَ ا ْل َم ْ
جعَ ْل ُتمْ سِقَايَ َة ا ْلحَاجّ وَ ِ
وتعالى عليهم ذلك في قوله تعالى َ { :أ َ
ستَوُونَ عِندَ الّلهِ وَاللّ ُه لَ َي ْهدِي الْ َق ْومَ الظّاِلمِينَ } .
ل اللّ ِه لَ َي ْ
سبِي ِ
بِاللّهِ وَا ْليَ ْو ِم الخِرِ َوجَا َهدَ فِي َ
الحكم الجماليّ :
-الرّفادة مشروعة لقرار السلم لها ،وهي من وجوه البرّ ،لنّها إكرام للحجّاج وهم 7
ضيوف الرّحمن ،وهي صدقة على الفقراء منهم ،وصلة لغيرهم .
رفث *
التّعريف :
-الرّفث بفتح الرّاء والفاء -في اللّغة :الجماع وغيره ممّا يكون بين الرّجل والمرأة من 1
تقبيلٍ ونحوه ممّا يكون في حالة الجماع ،ويطلق على الفحش .
وقال قوم :الرّفهث ههو قول الخنها ،والفحهش ،واحتجّه هؤلء بخهبر » :إذا كان يوم صهوم
أحدكم ،فل يرفث ،ول يصخب « .
وقال أبو عبيدة :الرّفث :اللّغو من الكلم .يقال :رفث في كلمه يرفث ،وأرفث إذا تكلّم
ل ما يتعلّق به ،فالرّفث باللّسان :ذكر المجامعة
بالقبيح ،ث مّ جعل كناي ًة عن الجماع وعن ك ّ
وما يتعلّق بها ،والرّفث باليد :اللّمس ،وبالعين :الغمز ،والرّفث بالفرج :الجماع .
ي كما ذكره أبو عبيدة .
وفي اصطلح الفقهاء :ل يخرج الرّفث عن المعنى اللّغو ّ
الحكم التّكليفيّ :
-الرّفث بمعنى مباشرة النّساء بالجماع أو غيره في العبادات منهيّ عنه على التّفصيل 2
التّالي :
الرّفث في الصّوم :
ن من جامع في نهار رمضان عمدا ذاكرا لصومه أنّه يأثم،
-ل خلف بين أهل العلم في أ ّ 3
ويفسد صومه ،وعليه القضاء والكفّارة ،سواء أنزل أم لم ينزل ،لقوله تعالى ُ { :أحِلّ َل ُكمْ
َليْلَ َة الصّيَامِ ال ّرفَثُ إِلَى ِنسَآ ِئكُمْ } والرّفث هنا الجماع .
وكالجماع في الثم وإفساد الصّوم والقضاء النزال بمباشر ٍة أو بقبلةٍ أو بلمسٍ ولو بدون
ل اتّفاقٍ بين
جماعٍ ،فإن قبّل أو لمس أو ضمّها إليه فلم ينزل لم يفسد صومه ،وهو مح ّ
الفقهاء .
أمّا الجماع ناسيا فقد اختلف الفقهاء فيه .
فذهب الحنفيّة ،والشّافعيّة إلى أنّه ل يفسد الصّوم ،لقوله صلى ال عليه وسلم في الّذي يأكل
ويشرب ناسيا » :فليتمّ صومه فإنّما أطعمه اللّه وسقاه « .
وإذا ثبت هذا في الكل والشّرب ثبت في الجماع للستواء في الرّكنيّة .
ن النّاسي كالمتعمّد فيفسد صومه إذا جامع
ص عندهم :إ ّ
وقال المالكيّة والحنابلة في ظاهر النّ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :أمر الّذي جامع في نهار رمضان بالكفّارة
ناسيا ،وقالوا :إ ّ
ولم يسأله عن كونه عمدا « .ولو افترق الحال لسأل واستفصل ; ولنّه يجب التّعليل بما
تناوله لفظ السّائل وهو الوقوع على المرأة في الصّوم ،ولنّ الصّوم عبادة يحرم الوطء فيه ،
فاستوى فيها عمده وسهوه كالحجّ .
والتّفصيل في باب ( الصّوم ) .
الرّفث في العتكاف :
شرُوهُنّ
ل ُتبَا ِ
ن الرّفث في العتكاف محرّم ،لقوله تعالى َ { :و َ
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 4
ن الجماع
جدِ } فإن جامع متعمّدا فسد اعتكافه بإجماع أهل العلم ،ل ّ
ن فِي ا ْل َمسَا ِ
وَأَن ُتمْ عَاكِفُو َ
ج والصّوم .
إذا حرّم في العبادة أفسدها كالح ّ
واختلفوا في الجماع ناسيا ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،إلى أنّه إن جامع المعتكف
ليلً أو نهارا عامدا أو ناسيا بطل اعتكافه ،لنّ ما حرّم في العتكاف استوى عمده وسهوه
في إفساده كالخروج من المسجد .
وقال الشّافعيّة :إن جامع ناسيا فل يبطل اعتكافه .
أمّا التّقبيل واللّمس بشهوةٍ فهو حرام ،ويفسد اعتكافه إن أنزل لعموم آية َ { :ولَ ُتبَاشِرُو ُهنّ
جدِ } أمّا إن كان ذلك بغير شهو ٍة مثل أن تغسل رأسه أو تناوله شيئا
ن فِي ا ْل َمسَا ِ
وَأَن ُتمْ عَاكِفُو َ
ي صلى ال عليه وسلم » :كان يدني رأسه لعائشة رضي ال عنها
ن النّب ّ
فل بأس به .ل ّ
وهو معتكف فترجّله « .
والتّفصيل في مصطلح ( :اعتكاف ) .
الرّفث في الحرام :
-الرّ فث في الحرام محرّم ،وهذا محلّ اتّفا قٍ ب ين الفقهاء ،لقوله تعالى { :فَمَن َفرَ ضَ 5
رفض *
التّعريف :
ضمّ ،وأرفضه بالكسر
-الرّفض في اللّغة :التّرك :يقال :رفضت الشّيء أرفضه بال ّ 1
على الشّيء بالبطلن سواء وجد صحيحا ث مّ طرأ عليه سبب البطلن ،وهو مرادف للرّفض
عند المالكيّة .
الحكام المتعلّقة بالرّفض :
أ -رفض نيّة الوضوء :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ال ّنيّة ركن في الوضوء ،فإذا رفض ال ّنيّة بعد كمال الوضوء 5
أثناء الصّلة ،أو عزم على قطعها ،أو تردّد هل يقطع أم يستمرّ فيها ؟ وطال التّردّد ،أو
يأتي بما يتنافى مع نيّة الصّلة ،لنّه قطع حكم ال ّنيّة قبل إتمام صلته ففسدت كما لو سلّم فيها
ن ال ّنيّة شرط في جميع الصّلة ،وقد قطعها بما حدث ،ففسدت.
ينوي قطع الصّلة ،ول ّ
والتّفصيل في ( نيّة ،وصلة ) .
ج -رفض نيّة الصّوم :
ن رفض نيّة الصّوم يبطل
ل :إلى أ ّ
-ذهب المالكيّة والحنابلة في المذهب والشّافعيّة في قو ٍ 7
فيلزمه الدّم كالمحصر ،وعليه كذلك حجّة وعمرة ،لنّ الحجّة وجبت بالشّروع ،وأمّا
ج.
العمرة فلعدم إتيانه بأفعال الحجّة في السّنة الّتي أحرم فيها فصار كفائت الح ّ
وإذا رفض العمرة على قولهما فعليه دم ،وقضاء العمرة ،لنّه أدّى الحجّ ،والعمرة وجبت
عليه بالشّروع .
ج ول العمرة صحّ ،لنّه أدّى أفعالهما كما التزمهما
هذا ،وإن مضى فيهما ،ولم يرفض الح ّ
غير أنّه منهيّ عنهما ،والنّهي ل يمنع تحقّق الفعل كما هو مقرّر عند الحنفيّة ،لكن يلزمه
دم لجمعه بينهما ،لنّه تمكّن النّقصان في عمله ،لرتكابه المنهيّ عنه ،وهذا دم إجبارٍ في
حقّ الم ّكيّ ،ودم شكرٍ في حقّ الفاقيّ .
) 27 - 22 وتفصيل هذه الحكام في ( إحرام ،وقران ف
رفع الحرج *
التّعريف :
-رفع الحرج :مركّب إضافيّ ،تتوقّف معرفته على معرف ٍة لفظيّ ٍة ،فالرّفع لغةً :نقيض 1
شرّ ،وفي
» إنّ الدّين يسر « أي أنّه سهل سمح قليل التّشديد ،والتّيسير يكون في الخير وال ّ
سرَى } .
سرُهُ لِ ْل ُي ْ
س ُنيَ ّ
التّنزيل العزيز قوله َ { :ف َ
سرَى } .
سرُهُ لِ ْل ُع ْ
س ُنيَ ّ
وقوله َ { :ف َ
ول يخرج معناه الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ .
ل بعد شدّةٍ .
ن رفع الحرج ل يكون إ ّ
والنّسبة بين التّيسير ورفع الحرج أ ّ
ب -الرّخصة :
-الرّخصة :التّسهيل في المر والتّيسير ،يقال :رخّص الشّرع لنا في كذا ترخيصا 3
أ -أن يكون الحرج حقيقيّا ،وهو ما له سبب معيّن واقع ،كالمرض والسّفر ،أو ما تحقّق
بوجوده مشقّة خارجة عن المعتاد .
ومن ثمّ فل اعتبار بالحرج التّوهّميّ ،وهو الّذي لم يوجد السّبب المرخّص لجله ،إذ ل
ب لم يوجد بعد ،كما أنّ الظّنون والتّقديرات غير المحقّقة راجعة
يصحّ أن يبنى حكم على سب ٍ
إلى قسم التّوهّمات ،وهي مختلفة .وكذلك أهواء النّاس ،فإنّها تقدّر أشياء ل حقيقة لها .
ن التّوهّم غير صادقٍ في كثيرٍ من
فالصّواب أنّه ل اعتبار بالمشقّة والحرج حينئذٍ ،بناءً على أ ّ
الحوال .
ب -أن ل يعارض نصّا .
ص فيه ،وأمّا في حال مخالفة النّصّ فل يعتدّ
فالمشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضعٍ ل ن ّ
بهما .
وهناك تفصيل وخلف يأتي في تعارض رفع الحرج مع الّنصّ .
ج -أن يكون عامّا .
قال ابن العربيّ :إذا كان الحرج في نازلةٍ عا ّمةٍ في النّاس فإنّه يسقط ،وإذا كان خاصّا لم
يعتبر عندنا ،وفي بعض أصول الشّافعيّ اعتباره ،وذلك يعرض في مسائل الخلف .
ي الحرج العامّ بأنّه هو الّذي ل قدرة للنسان على النفكاك عنه ،كالتّغيّر
وقد فسّر الشّاطب ّ
ص هو ما يطّرد
اللحق للماء بالتّراب والطّحلب ونحو ذلك ممّا ل ينفكّ عنه غالبا ،والخا ّ
ل والزّعفران ونحوه .
النفكاك عنه من غير حرجٍ كتغيّر الماء بالخ ّ
أسباب رفع الحرج :
-أسباب رفع الحرج هي السّفر ،والمرض ،والكراه ،والنّسيان ،والجهل ،والعسر ، 9
ي العاقل ،ول على المعتوه البالغ ،ولم يجب قضاء الصّلة في
شيء من الحكام على الصّب ّ
الحيض والنّفاس .
ن هناك الكثير من الحكام والتّشريعات الّتي جاءت ابتدا ًء لرفع الحرج والمشقّة عن
كما أ ّ
النّاس ،ولولها لوقع النّاس فيهما .
ن البيع يقع غالبا من غير تروّ ويحصل فيه النّدم فيشقّ على
ومنها مشروعيّة الخيار ،إذ إ ّ
العاقد ،فسهّل الشّارع ذلك عليه بجواز الفسخ في مجلسه .
ومنها ال ّردّ بالعيب والتّحالف والقالة والحوالة والرّهن والضّمان والبراء والقرض والشّركة
والصّلح والحجر والوكالة والجارة والمزارعة والمساقاة والمضاربة والعاريّة والوديعة
ل واحدٍ ل ينتفع إلّ بما هو ملكه ،ول يستوفي إلّ ممّن
للحرج والمشقّة العظيمة في أنّ ك ّ
ل بنفسه ،فسهل المر بإباحة النتفاع
ل بكماله ،ول يتعاطى أموره إ ّ
عليه حقّه ،ول يأخذه إ ّ
بملك الغير بطريق الجارة والعارة والقرض ،وبالستعانة بالغير وكالةً وإيداعا وشركةً
ومضارب ًة ومساقاةً ،وبالستيفاء من غير المديون حوال ًة ،وبالتّوثيق على الدّين برهنٍ وكفيلٍ
وضمانٍ وحجرٍ ،وبإسقاط بعض الدّين صلحا أو كلّه إبرا ًء .
ومن تلك الحكام الّتي جاءت لرفع الحرج والمشقّة أيضا جواز العقود غير اللزمة ،لنّ
ل لم يستقرّ بيع ول
ق فتكون سببا لعدم تعاطيها ،ومنها لزوم العقود اللزمة ،وإ ّ
لزومها شا ّ
غيره .
ومنها مشروعيّة الطّلق لما في البقاء على الزّوجيّة من المشقّة والحرج عند التّنافر ،وكذا
مشروعيّة الخلع والفتداء والرّجعة في العدّة قبل الثّلث ،ولم يشرع دائما لما فيه من المشقّة
على الزّوجة .
رفع الحرج عند تحقّق وجوده :
-قد يأتي الحرج والمشقّة في التّكاليف من أسبابٍ خارجيّ ٍة ،إذ إنّ نفس التّكليف ليس فيه 11
مشقّة وحرج بل فيه كلفة أي مشقّة معتادة ،وإنّما يأتي الحرج بسبب اقتران التّكليف بأمورٍ
أخرى كالمرض والسّفر ،وللشّارع أنواع متعدّدة من التّخفيفات تناسب تلك المشاقّ وتكون
تلك التّخفيفات بالسقاط أو التّنقيص أو البدال أو التّقديم أو التّأخير أو التّرخيص أو التّغيير
.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( رخصة ) ومصطلح ( تيسير ) .
تعارض رفع الحرج مع النّصّ :
ظنّيّ إمّا أن يشهد له أصل قطعيّ أو ل .
ص إمّا أن يكون قطعيّا أو ظنّيّا ،وال ّ
-النّ ّ 12
ظنّيّ الرّاجع
ول خلف بين الفقهاء في عدم اعتبار الحرج المعارض للنّصّ القطعيّ ،وكذا ال ّ
إلى أصلٍ قطعيّ ،فيجب حينئذٍ الخذ بالنّصّ وترك الحرج .
ي المعارض لصلٍ قطعيّ كرفع الحرج ،ول يشهد له أصل
ظّن ّ
ن الفقهاء قد اختلفوا في ال ّ
ثمّ إ ّ
قطعيّ .
فذهب جمهور الحنفيّة إلى الخذ بالنّصّ وعدم اعتبار الحرج ،قال ابن نجيمٍ في الشباه :
ص بخلفه فل ،ولذا قال
المشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضعٍ ل نصّ فيه ،وأمّا مع النّ ّ
ل الذخر لقول النّبيّ صلى ال
أبو حنيفة ،ومحمّد :بحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إ ّ
ن هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والرض ..ل يعضد شوكه ،ول
عليه وسلم » :إ ّ
ينفّر صيده ،ول تلتقط لقطته إلّ من عرّفها ،ول يختلى خلها « .
ص فل
ص فيه بخلفه ،فأمّا مع وجود النّ ّ
قال السّرخسيّ :وإنّما تعتبر البلوى في موضعٍ ل ن ّ
يعت ّد به .
ج أو العمرة يكونون على
ن الّذين يدخلون الحرم للح ّ
وقال أبو يوسف :ل بأس بالرّعي ،ل ّ
ب ول يمكنهم منع الدّوابّ من رعي الحشيش ففي ذلك من الحرج ما ل يخفى فيرخّص
الدّوا ّ
فيه لدفع الحرج .
ونقل الشّاطبيّ عن ابن العربيّ قوله :إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعد ٍة من قواعد الشّرع
هل يجوز العمل به أم ل ؟
فقال أبو حنيفة :ل يجوز العمل به ،وقال الشّافعيّ يجوز ،وتردّد مالك في المسألة .
ن الحديث إن عضّدته قاعدة أخرى قال به ،وإن
قال :ومشهور قوله والّذي عليه المعوّل أ ّ
كان وحده تركه .
قال الشّاطبيّ :ولقد اعتمده مالك بن أنسٍ في مواضع كثيرةٍ لصحّته في العتبار ،كإنكاره
لحديث إكفاء القدور الّتي طبخت من البل والغنم قبل قسم الغنيمة ،تعويلً على أصل رفع
الحرج الّذي يعبّر عنه بالمصالح المرسلة ،فأجاز أكل الطّعام قبل القسم لمن احتاج إليه ،
وإلى هذا المعنى أيضا يرجع قوله في حديث خيار المجلس .حيث قال بعد ذكره " :وليس
ن المجلس مجهول المدّة ،ولو
لهذا عندنا حدّ معروف ول أمر معمول به فيه " إشار ًة إلى أ ّ
شرط أحد الخيار مدّةً مجهول ًة لبطل إجماعا ،فكيف يثبت بالشّرع حكم ل يجوز شرطا
بالشّرع ؟ فقد رجع إلى أصلٍ إجماعيّ ،وأيضا فإنّ قاعدة الضّرر والجهالة قطعيّة ،وهي
ظّنيّ .
تعارض هذا الحديث ال ّ
قواعد الدلّة الصوليّة والقواعد الفقهيّة المراعى فيها رفع الحرج :
-لمّا كان رفع الحرج مقصدا من مقاصد الشّريعة ،وأصلً من أصولها ،فقد ظهر في 13
رفق *
التّعريف :
-الرّفق في اللّغة :لين الجانب ،ولطافة الفعل ،وإحكام العمل ،والقصد في السّير . 1
لم يكلّفهم إلّ بما يدخل تحت قدرتهم وطاقتهم بل مش ّقةٍ ،فقد أمرهم بالصّلة وبصوم رمضان
إلّ أنّه شرع لهم الرّخص الّتي تخفّف عنهم المشقّة الحاصلة من تلك العبادات ،فرخّص لهم
الفطر والقصر والجمع في المرض والسّفر ،وأباح لهم المحظور عند الضّرورة إن كانت
تلك الضّرورة مساوي ًة للمحظور أو تزيد عليه ،كإباحة الميتة للمضطرّ ،ولم يوجب عليهم
من العبادات إلّ ما هو يسير عليهم ،وأمرهم أن يأخذوا من النّوافل ما يطيقون ،وألّ يتحمّلوا
منها ما فيه مشقّة زائدة عليهم رفقا بهم ،لنّ تلك المشقّة تؤدّي إلى عدم المداومة على تلك
العمال ،وقد نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن التّنطّع والتّكلّف وقال » :خذوا من
ن اللّه لن يملّ حتّى تملّوا « .
العمال ما تطيقون ،فإ ّ
ن الشّارع الحكيم لم يقصد من التّكاليف الّتي فرضها
وقال أيضا » :القصد القصد تبلغوا « فإ ّ
على عباده العنت والمشقّة .
وتفصيل ذلك بأدلّته في مصطلح ( تيسير ،ورخصة ،ورفع الحرج ) .
الرّفق بالوالدين :
-أمر اللّه سبحانه وتعالى بالرّفق بالوالدين والحسان إليهما وبرّهما في عددٍ من اليات 4
حسَانا}
ن ِإ ْ
شيْئا َوبِالْوَاِل َديْ ِ
ش ِركُواْ بِ ِه َ
ح ّرمَ َر ّبكُمْ عََل ْي ُكمْ َألّ ُت ْ
ل مَا َ
كقوله تعالى { :قُلْ َتعَالَوْاْ َأتْ ُ
حدُ ُهمَا
حسَانا ِإمّا َيبُْلغَنّ عِن َدكَ ا ْل ِك َبرَ َأ َ
ل َت ْعبُدُو ْا ِإلّ ِإيّاهُ َوبِالْوَاِل َديْنِ ِإ ْ
قوله تعالى َ { :و َقضَى َر ّبكَ َأ ّ
ل مِنَ
جنَاحَ الذّ ّ
ض َل ُهمَا َ
ل َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُل ّل ُهمَا قَ ْولً َكرِيما ،وَاخْفِ ْ
أَ ْو كِلَ ُهمَا فَلَ تَقُل ّل ُهمَا ُأفّ َو َ
ح ْمهُمَا َكمَا َر ّبيَانِي صَغِيرا } .
ال ّرحْمَ ِة َوقُل رّبّ ا ْر َ
والتّفصيل في مصطلح ( برّ الوالدين ) .
الرّفق بالجار :
-أمر اللّه سبحانه وتعالى بالرّفق بالجار ،والحسان إليه ،وحفظه والقيام بحقّه في كتابه 5
والهيئات ،ويأ تي بأد نى الكمال مراعا ًة للمر يض والضّع يف و صاحب الحا جة ،لقوله صلى
ال عليه وسلم » :إذا صلّى أحدكم بالنّاس فليخفّف فإ نّ فيهم الضّعيف وال سّقيم والكبير « .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( إمامة الصّلة ) .
الرّفق بالغير وتجنّب إيذائه في مواطن الزدحام للعبادة :
-من سنن الطّواف في الحجّ والعمرة استلم الحجر وتقبيله ،فإن لم يكن ذلك ،اكتفى 7
بالشارة إليه بيده أو بعودٍ ،وعند غير المالكيّة يقبّل ما أشار به إليه ،ويكبّر ،ول يؤذي
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لعمر
غيره لجل أن يصل إليه ويقبّله ،فقد روي أ ّ
رضي ال عنه » :يا عمر :إنّك رجل قويّ ل تزاحم على الحجر فتؤذي الضّعيف ،إن
ل اتّفاقٍ بين
ل فاستقبله فهلّل وكبّر « .وهذا كلّه مستحبّ ،ومح ّ
وجدت خلو ًة فاستلمه ،وإ ّ
الفقهاء .
17/107 وتفصيل ذلك في بحث ( الحجر السود ) من الموسوعة ج
الرّفق في تغيير المنكر :
-ينبغي لمن يتصدّى لتغيير المنكر أن يأخذ نفسه بما يحمد قولً وفعلً ،وأن يتحلّى بمكارم 8
والّتي جرى عليها عمل الصّحابة رضوان اللّه تعالى عليهم ،فقد أمر الرّسول صلى ال عليه
وسلم بأن نحسن معاملتهم ،ونرفق بهم في المطعم والملبس والعمل ،فنطعمهم من طعامنا
ونلبسهم من لباسنا ول نكلّفهم بالعمال الّتي يشقّ عليهم القيام بها ،فإن فعلنا ذلك فعلينا أن
نعينهم ،فقد أخرج البخاريّ في صحيحه عن المعرور قال :لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة
ل فعيّرته بأمّه ،فقال لي النّبيّ
وعلى غلمه حلّة فسألته عن ذلك ،فقال :إنّي ساببت رج ً
صلى ال عليه وسلم » :يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه ؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة ،إخوانكم خولكم
جعلهم اللّه تحت أيديكم ،فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس ،ول
تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم « .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( خدمة ) .
الرّفق بالحيوان :
-ممّا ورد في الرّفق بالحيوانات النّهي عن صبرها وتعذيبها ،وبيان فضل ساقيها 10
رفقة *
التّعريف :
-الرّفقة في اللّغة :الصّحبة ،والرّفقة أيضا اسم جمعٍ ومفرده رفيق ،والجمع منه رفاق 1
ج ْمنَاكَ } ويطلق على الجماعة من الرّجال من ثلث ٍة إلى عشر ٍة كالنّفر .
طكَ َل َر َ
ل رَهْ ُ
وَلَ ْو َ
الحكم التّكليفيّ :
-يستحبّ لمن يسافر أن يسافر مع رفق ٍة ،ويكره أن يسافر الرّجل منفردا ،ول تزال 6
ل بثلثةٍ ،لحديث ابن عمر رضي ال عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
الكراهة إ ّ
وسلم » :لو يعلم النّاس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليلٍ وحده « .
ولخبر » :الرّاكب شيطان ،والرّاكبان شيطانان والثّلثة ركب « فينبغي أن يسير مع النّاس
ول ينفرد بطريقٍ ،ول يركب اثنان الطّريق ،ويستحبّ أن تكون الرّفقة من أهل الصّلح
شرّ ،يذكّرونه إن نسي ،وإن ذكر أعانوه ،ويستحبّ أن
الّذين يحبّون الخير ويكرهون ال ّ
تكون الرّفقة من الصدقاء والقارب الموثوقين ،لنّهم أعون له في مهمّاته ،وأرفق به في
أموره ،وينبغي أن يحرص على إرضاء رفقائه في جميع طريقه ،وأن يحتمل ما يصدر
ت ،ويصبر على ما يقع منهم في بعض الوقات .
منهم من هفوا ٍ
-7وينبغي للرّفقة أن يؤمّروا على أنفسهم أفضلهم ،وأجودهم رأيا ،وأن يطيعوه ،لحديث
أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي ال عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إذا
خرج ثلثة في سفرٍ فليؤمّروا أحدهم « .
ن ترك المشاركة
ب للرّفقة ألّ يشتركوا في الزّاد والرّاحلة والنّفقة ،ل ّ
قال النّوويّ :يستح ّ
أسلم منه ،لنّه يمتنع بسببها من التّصرّف في وجوه الخير من الصّدقة ،وغيرها ،ولو أذن
ب أن يقتصر على ما دون حقّه ،ولنّه
شريكه لم يوثق باستمراره ،فإن شارك جاز ،واستح ّ
ربّما أفضى إلى النّزاع .
أمّا اجتماعهم على طعامٍ يوما بيومٍ ،أو يأكلوا كلّ يو ٍم عند أحدهم تناوبا فحسن .
ن أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قالوا :يا رسول اللّه ،إنّا نأكل ول
فقد روي » :أ ّ
نشبع ،فقال عليه الصلة والسلم :فلعلّكم تفترقون ،قالوا :نعم .قال :فاجتمعوا على
طعامكم واذكروا اسم اللّه يبارك لكم فيه « .
اشتراط وجود رفقةٍ في وجوب الحجّ :
-يشترط في وجوب الحجّ وجود رفقةٍ يخرج معهم في الوقت الّذي جرت عادة بلده 8
بالخروج فيه ،إذا كان الطّريق مخوفا ،وأن يسيروا السّير المعتاد ،فإن خرجوا قبل الوقت
المعتاد ،أو أخّروا الخروج بحيث ل يصلون إلى مكّة إلّ بالسّير بأكثر من مرحلةٍ في كلّ
يومٍ ،أو كانوا يسيرون فوق العادة لم يجب عليه الحجّ ،أمّا إن كان الطّريق آمنا بحيث ل
يخاف الواحد فيه لزمه الحجّ ،وإن لم يجد رفقةً ول غيره للوحشة .
ج).
والتّفصيل في ( ح ّ
هذا في حقّ الرّجل .
ج ،لحديث :
ل مع محرمٍ أو زو ٍ
-9أمّا المرأة فل يجب عليها الحجّ ول يجوز لها السّفر إ ّ
ل مع ذي محرمٍ ،ول يدخل عليها إلّ ومعها محرم « .
» ل تسافر المرأة إ ّ
وحديث »:ل يحلّ لمرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ ليس معها
حرمة « .
وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء .
وعند الحنفيّة والحنابلة ل تخرج إلّ مع محرمٍ أو زوجٍ ،وعند الشّافعيّة تخرج مع محرمٍ أو
زوجٍ أو جماع ٍة من النّساء .
وقال المالكيّة :إذا لم تجد المرأة محرما ول زوجا تخرج معه ،أو امتنعا من الخروج معها
جاز أن تخرج للسّفر الواجب مع رفقةٍ مأمونةٍ ،وقالوا :والرّفقة المأمونة رجال صالحون ،
أو نساء صالحات ،وأولى إن اجتمعا .
وقال صاحب مواهب الجليل :قال مالك :إذا أرادت المرأة الحجّ وليس لها وليّ فلتخرج مع
من تثق به من الرّجال والنّساء ،فإن كان وليّ فأبى أن يحجّ معها فل أرى بأسا أن تخرج مع
من ذكرت لك .
وقال أيضا :وتخرج المرأة مع المرأة الواحدة .
ج.
أمّا سفر التّطوّع والمباح فل يجوز لها الخروج فيه إلّ مع محرمٍ أو زو ٍ
وقيّد الباجيّ من المالكيّة المنع بالعدد القليل من الرّفقة .
أمّا القوافل العظيمة فهي كالبلد فيجوز فيها سفرها ،دون نساءٍ أو محارم .
والتّفصيل في ( حجّ ) .
الرّفقة في السّفر بمنزلة الهل في الحضر :
-يجب على الرّفقة في سفرٍ دفن من مات منهم وتجهيزه ،فإن لم يدفنوه أثموا ،وللحاكم 10
تعزيرهم .
وصرّح الحنفيّة أنّه يجوز للرّفقة في السّفر الشّراء للمريض من ماله إذا احتاج إلى ذلك ،كما
يجوز للورثة أن يشتروا من ماله ،لنّ الرّفقة في السّفر بمنزلة الهل في الحضر .
بيع الرّفقة متاع من مات منهم :
-قال الحنفيّة :للرّفقة بيع متاع من مات منهم ،ومركبه ،وحمله إلى ورثته بعد مؤنة 11
بالسّؤال ،بأن ينادي فيهم :من معه ماء ؟ فإن تيمّم قبل سؤال الرّفقة لم يصحّ تيمّمه .
والتّفصيل في ( :تيمّم ) .
جواز السّفر في يوم الجمعة خشية فوات الرّفقة :
-يجوز لمن وجبت عليه الجمعة أن يسافر في يوم الجمعة قبل صلة الجمعة إذا كان 14