Professional Documents
Culture Documents
028
028
028
صنْجة *
َ
التّعريف :
-الصّنج لغةً :شيء يتّخذ من صفر يضرب أحدهما على الخر ،وآلة بأوتار يضرب 1
بها ،ويقال لما يجعل في إطار الدّفّ من النّحاس المدوّر صغارا صنوج -أيضا . -
ن المراد بها عندهم :قطع معدنيّة ذات أثقال
ويؤخذ من استعمالت الفقهاء للفظ الصّنجة أ ّ
محدودة مختلفة المقادير يوزن بها .
الحكم الجماليّ :
-ينبغي للبائع أن يتّخذ ما يزن به من قطع من الحديد أو نحوه ممّا ل يتآكل ،وتعيّر 2
على الصّنج الطّيّارة ،ول يتّخذها من الحجارة ،لنّها تنتحت إذا قرع بعضها بعضا
فتنقص ،فإذا دعت الحاجة إلى اتّخاذها من الحجارة لقصور يده عن اتّخاذها من الحديد أو
نحوه أمره المحتسب بتجليدها ،ث ّم يختمها المحتسب بعد العيار ،ويجدّد المحتسب النّظر
فيها بعد كلّ حين ،لئلّ يتّخذ البائع مثلها من الخشب .
قال أبو يعلى :وممّا يتأكّد على المحتسب المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل
والموازين والصّنجات ،وليكن الدب عليه أظهر وأكثر ،ويجوز له إذا استراب بموازين
السّوقة ومكاييلهم أن يختبرها ويعايرها .
ولو كان له على ما عايره منها طابع معروف بين العامّة ل يتعاملون إلّ به كان أحوط
وأسلم ،فإن فعل ذلك وتعامل قوم بغير ما طبع بطابعه توجّه النكار عليهم إن كان مبخوسا
من وجهين :
أحدهما :مخالفته في العدول عن مطبوعه ،وإنكاره من الحقوق السّلطانيّة .
والثّاني :البخس والتّطفيف في الحقوق ،وإنكاره من الحقوق الشّرعيّة .
وإن كان ما تعاملوا به من غير المطبوع سليما من بخس ونقص توجّه النكار بحقّ
السّلطنة وحدها لجل المخالفة .
وللتّفصيل ر ( :مقادير ) .
هذا عن الصّنجة بمعنى ما يوزن به .
أمّا الصّنج بمعنى ما يتّخذ من صفر يضرب أحدهما على الخر ،أو اللة بأوتار يضرب بها
أو ما يجعل في إطار الدّفّ من النّحاس المدوّر فتفصيله في مصطلح ( :معازف ) .
صوْت *
َ
انظر :كلم
صُورة *
انظر :تصوير
صُوف *
انظر :شعر وصوف ووبر
صوْم *
ُ
التّعريف :
-الصّوم في اللّغة :المساك مطلقا عن الطّعام والشّراب والكلم والنّكاح والسّير . 1
للصّوم .
ج -الصّمت :
-الصّمت وكذا السّكوت لغةً :المساك عن النّطق ،وهما أخصّ من الصّوم لغةً ،ل 4
أ -أنّ الصّوم وسيلة إلى شكر النّعمة ،إذ هو كفّ النّفس عن الكل والشّرب والجماع ،
وإنّها من أجلّ النّعم وأعلها ،والمتناع عنها زمانا معتبرا يعرّف قدرها ،إذ النّعم
مجهولة ،فإذا فقدت عرفت ،فيحمله ذلك على قضاء حقّها بالشّكر ،وشكر النّعم فرض
ب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصّيام { :وَ َلعَّل ُكمْ
عقلً وشرعا ،وإليه أشار الرّ ّ
شكُرُونَ } .
َت ْ
ب -أ نّ ال صّوم و سيلة إلى التّقوى ،لنّه إذا انقادت ن فس للمتناع عن الحلل طمعا في
مرضاة اللّه تعالى ،وخوفا معن أليعم عقابعه ،فأولى أن تنقاد للمتناع ععن الحرام ،فكان
ال صّوم سببا لتّقاء محارم اللّه تعالى ،وإنّه فرض ،وإل يه وق عت الشارة بقوله تعالى في
آخر آية الصّوم { َلعَّل ُكمْ تَ ّتقُونَ } .
ن في الصّوم قهر الطّبع وكسر الشّهوة ،لنّ النّفس إذا شبعت تمنّت الشّهوات ،وإذا
ج-أّ
ي صلى ال عليه وسلم » :يا معشر الشّباب :من
جاعت امتنعت عمّا تهوى ،ولذا قال النّب ّ
استطاع منكم الباءة فليتزوّج ،فإنّه أغ ضّ للبصر ،وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه
بالصّوم ،فإنّه له وجاء « فكان الصّوم ذريع ًة إلى المتناع عن المعاصي .
ن ال صّوم موجب للرّحمة والعطف على المساكين ،فإ نّ ال صّائم إذا ذاق ألم الجوع في
د-أّ
بعض الوقات ،ذكر من هذا حاله في جميع الوقات ،فتسارع إليه ال ّرقّة عليه ،والرّحمة
به ،بالحسان إليه ،فينال بذلك ما عند اللّه تعالى من حسن الجزاء .
هع -في الصّوم موافقة الفقراء ،بتحمّل ما يتحمّلون أحيانا ،وفي ذلك رفع حاله عند اللّه
تعالى .
و -في الصّوم قهر للشّيطان ،فإنّ وسيلته إلى الضلل والغواء :الشّهوات ،وإنّما
تقوى الشّهوات بالكل والشّرب ،ولذلك جاء في حديث صفيّة رضي ال عنها قوله -عليه
ن الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم ،فضيّقوا مجاريه
الصلة والسلم » : -إ ّ
بالجوع « .
أنواع الصّوم :
-ينقسم الصّوم إلى صوم عين ،وصوم دين . 8
ص ْمهُ } والشّهر متتابع ،لتتابع أيّامه ،فيكون صومه متتابعا ضرورةً .
شهْرَ فَلْيَ ُ
ال ّ
ب -صوم كفّارة القتل الخطأ ،وصوم كفّارة الظّهار ،والصّوم المنذور به في وقت بعينه ،
وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان .
وتفصيله في مصطلح ( :تتابع ) .
ثانيا :ما ل يجب فيه التّتابع ،ويشمل ما يلي :
-أ -قضاء رمضان ،فمذهب الجمهور عدم اشتراط التّتابع فيه ،لقوله تعالى : 10
{ َفعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ ُأخَرَ } فإنّه ذكر الصّوم مطلقا عن التّتابع .
ي ،وابن عبّاس ،وأبو سعيد ،وعائشة ،
ويروى عن جماعة من الصّحابة ،منهم :عل ّ
رضي ال تعالى عنهم أنّهم قالوا :إن شاء تابع ،وإن شاء فرّق .
ولو كان التّتابع شرطا ،لما احتمل الخفاء على هؤلء الصّحابة ،ولما احتمل مخالفتهم
إيّاه .ومذهب الجمهور هو :ندب التّتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض .
وروي عن مجاهد أنّه يشترط تتابعه لنّ القضاء يكون على حسب الداء ،والداء وجب
متتابعا ،فكذا القضاء .
ب -الصّوم في كفّارة اليمين ،وفي تتابعه خلف ،وتفصيله في مصطلح ( :تتابع ) .
ج -صوم المتعة في الحجّ ،وصوم كفّارة الحلق ،وصوم جزاء الصّيد ،وصوم النّذر
المطلق ،وصوم اليمين المطلقة .
حجّ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ
قال اللّه -عزّ وجلّ -في صوم المتعة َ { :فمَن َتمَتّ َع بِا ْل ُعمْرَةِ إِلَى ا ْل َ
حجّ َوسَ ْب َعةٍ } .
ا ْلهَ ْديِ َفمَن ّلمْ َيجِدْ فَصِيَامُ ثَل َث ِة أَيّامٍ فِي ا ْل َ
ن مِنكُم مّرِيضا
ي َمحِّلهُ َفمَن كَا َ
سكُمْ حَتّى يَ ْبلُ َغ ا ْلهَدْ ُ
وقال في كفّارة الحلق َ { :ولَ َتحْ ِلقُواْ ُرؤُو َ
سهِ َففِدْ َيةٌ مّن صِيَامٍ َأوْ صَدَ َق ٍة َأوْ ُنسُكٍ } .
َأوْ ِبهِ أَذًى مّن ّر ْأ ِ
ق وَبَالَ َأمْرِهِ } .
ك صِيَاما لّيَذُو َ
وقال في جزاء الصّيد { :أَو عَ ْدلُ ذَلِ َ
فذكر الصّوم في هذه اليات مطلقا عن شرط التّتابع .
وكذا :النّاذر ،والحالف في النّذر المطلق ،واليمين المطلقة ،ذكر الصّوم فيها مطلقا عن
شرط التّتابع .
وللتّفصيل انظر مصطلح ( :نذر ،وأيمان ) .
الصّوم المختلف في وجوبه ،ويشمل ما يلي :
الوّل :وهو قضاء ما أفسده من صوم النّفل :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ قضاء نفل الصّوم إذا أفسده واجب ،واستدلّ له 11
الحنفيّة :بحديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت » :كنت أنا وحفصة صائمتين ،
فعرض لنا طعام اشتهيناه ،فأكلنا منه .فجاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فبدرتني إليه
حفصة -وكانت ابنة أبيها -فقالت يا رسول اللّه :إنّا كنّا صائمتين فعرض لنا طعام
اشتهيناه فأكلنا منه قال :اقضيا يوما آخر مكانه « .
ن عمر رضي ال تعالى عنه خرج يوما على أصحابه ،فقال :إنّي أصبحت
وروي أ ّ
صائما ،فمرّت بي جارية لي ،فوقعت عليها ،فما ترون ؟ فقال عليّ :أصبت حللً ،
وتقضي يوما مكانه ،كما قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .قال عمر :أنت أحسنهم
فتيا .
ولنّ ما أتى به قربةً ،فيجب صيانته وحفظه عن البطلن ،وقضاؤه عند الفساد ،لقوله
عمَا َل ُكمْ } ول يمكن ذلك إلّ بإتيان الباقي ،فيجب إتمامه وقضاؤه عند
تعالى { :وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
ج والعمرة المتطوّعين .
الفساد ضرورةً ،فصار كالح ّ
والحنفيّة ل يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النّافلة عن قصد ،أو غير قصد بأن
عرض الحيض للصّائمة المتطوّعة .
وإنّما اختلفوا في الفساد نفسه ،هل يباح أو ل ؟ فظاهر الرّواية ،أنّه ل يباح إلّ بعذر ،
وهذه الرّواية الصّحيحة .
وفي رواية أخرى ،هي رواية المنتقى :يباح بل عذر ،واستوجهها الكمال إذ قال :
واعتقادي أنّ رواية المنتقى أوجه لكن قيّدت بشرط أن يكون من نيّته القضاء .
واختلفوا -على ظاهر الرّواية -هل الضّيافة عذر أو ل ؟ .
قال في الدّرّ :والضّيافة عذر ،إن كان صاحبها ممّن ل يرضى بمجرّد حضوره ،ويتأذّى
بترك الفطار ،فيفطر ،وإلّ ل ،هذا هو الصّحيح من المذهب ،حتّى لو حلف عليه رجل
بالطّلق الثّلث ،أفطر ولو كان صومه قضا ًء ،ول يحنّثه على المعتمد .
وقيل :إن كان صاحب الطّعام يرضى بمجرّد حضوره ،وإن لم يأكل ،ل يباح له الفطر .
وإن كان يتأذّى بذلك يفطر .
وهذا إذا كان قبل الزّوال ،أمّا بعده فل ،إلّ لحد أبويه إلى العصر ،ل بعده .
والمالكيّة أوجبوا القضاء بالفطر العمد الحرام ،احترازا عن الفطر نسيانا أو إكراها ،أو
بسبب الحيض والنّفاس ،أو خوف مرض أو زيادته ،أو شدّة جوع أو عطش ،حتّى لو
أفطر لحلف شخص عليه بطلق باتّ ،فل يجوز الفطر ،وإن أفطر قضى .
واستثنوا ما إذا كان لفطره وجه :
كأن حلف بطلقها ،ويخشى أن ل يتركها إن حنث ،فيجوز الفطر ول قضاء .
أو أن يأمره أبوه أو أمّه بالفطر ،حنانا وإشفاقا عليه من إدامة الصّوم ،فيجوز له الفطر ،
ول قضاء عليه .
أو يأمره أستاذه أو مربّيه بالفطار ،وإن لم يحلف الوالدان أو الشّيخ .
-والشّافعيّة والحنابلة ،ل يوجبون إتمام نافلة الصّوم ،ول يوجبون قضاءها إن 12
فسدت ،وذلك لقول عائشة رضي ال تعالى عنها » :يا رسول اللّه ،أهدي إلينا حيس
فقال :أرنيه فلقد أصبحت صائما .فأكل « وزاد النّسائيّ » :إنّما مثل صوم المتطوّع مثل
الرّجل يخرج من ماله الصّدقة ،فإن شاء أمضاها ،وإن شاء حبسها « .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دخل عليها ،
ولحديث أمّ هانئ رضي ال تعالى عنها أ ّ
فدعا بشراب فشرب ،ثمّ ناولها فشربت ،فقالت :يا رسول اللّه ،أما إنّي كنت صائمةً ،
فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :الصّائم المتطوّع أمين نفسه ،إن شاء صام ،
وإن شاء أفطر « وفي رواية » :أمير نفسه « .
ولحديث أبي سعيد الخدريّ رضي ال تعالى عنه قال :صنعت لرسول اللّه صلى ال عليه
وسلم طعاما ،فأتاني هو وأصحابه ،فلمّا وضع الطّعام قال رجل من القوم :إنّي صائم ،
فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :دعاكم أخوكم ،وتكلّف لكم .ثمّ قال له :أفطر ،
وصم مكانه يوما إن شئت « .
ولنّ القضاء يتبع المقضيّ عنه ،فإذا لم يكن واجبا ،لم يكن القضاء واجبا ،بل يستحبّ .
ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من شرع في نافلة صوم لم يلزمه التمام ،لكن يستحبّ ،
ول كراهة ول قضاء في قطع صوم التّطوّع مع العذر .
عمَا َل ُكمْ } .
أمّا مع عدم العذر فيكره ،لقوله تعالى { :وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
ومن العذر أن يع ّز على من ضيّفه امتناعه من الكل .
وإذا أفطر فإنّه ل يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر ،وإلّ أثيب .
). 17 الثّاني :صوم العتكاف ،وفيه خلف ،وتفصيله في مصطلح ( :اعتكاف ج 5ف
صوم التّطوّع :
-وهو : 13
-قال :قال رسول اللّه -صلى ال عليه وسلم » : -ل تصوموا يوم الجمعة ،إلّ وقبله
ن يوم الجمعة يوم عيد ،فل تجعلوا يوم عيدكم
يوم ،أو بعده يوم « ،وفي رواية » :إ ّ
يوم صيامكم ،إ ّل أن تصوموا قبله أو بعده « .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :
وورد في حديث ابن عبّاس -رضي ال عنهما -أ ّ
ل تصوموا يوم الجمعة وحده « .
وذكر في الخانيّة أنّه ل بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمّد ،لما روي عن ابن
ن المراد -بل
عبّاس رضي ال تعالى عنهما أنّه كان يصومه ول يفطر ،وظاهر هذا أ ّ
بأس -الستحباب ،وقد صرّح الحصكفيّ بندب صومه ،ولو منفردا .
وكذا الدّردير صرّح بندب صومه وحده فقط ،ل قبله ول بعده وهو المذهب عند المالكيّة ،
وقال :فإن ضمّ إليه آخر فل خلف في ندبه .
وقال الطّحطاويّ :ثبت في السّنّة طلب صومه ،والنّهي عنه ،والخير منهما :النّهي .
وقال أبو يوسف :جاء حديث في كراهة صومه ،إلّ أن يصوم قبله أو بعده ،فكان
الحتياط في أن يضمّ إليه يوما آخر .
قال الشّوكانيّ :فمطلق النّهي عن صومه مقيّد بالفراد .
وتنتفي الكراهة بضمّ يوم آخر إليه ،لحديث جويرية بنت الحارث رضي ال عنها » :أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة ،وهي صائمة ،فقال :أصمت أمس ؟
قالت :ل .قال :تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت :ل .قال :فأفطري « .
ب – صوم يوم السّبت وحده خصوصا :
-وهو متّفق على كراهته ،وقد ورد فيه حديث عبد اللّه بن بسر ،عن أخته ،واسمها 15
صمّاء رضي ال تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :ل تصوموا
ال ّ
يوم السّبت إلّ فيما افترض عليكم ،فإن لم يجد أحدكم إلّ لحاء عنبة أو عود شجرة
فليمضغه « ووجه الكراهة أنّه يوم تعظّمه اليهود ،ففي إفراده بالصّوم تشبّه بهم ،إلّ أن
يوافق صومه بخصوصه يوما اعتاد صومه ،كيوم عرفة أو عاشوراء .
ج -صوم يوم الحد بخصوصه :
ن تعمّد صوم يوم الحد بخصوصه مكروه ،إلّ إذا وافق
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أ ّ 16
يوما كان يصومه ،واستظهر ابن عابدين أنّ صوم السّبت والحد معا ليس فيه تشبّه
باليهود والنّصارى ،لنّه لم تتّفق طائفة منهم على تعظيمهما ،كما لو صام الحد مع
الثنين ،فإنّه تزول الكراهة ،ويستظهر من نصّ الحنابلة أنّه يكره صيام كلّ عيد لليهود
والنّصارى أو يوم يفردونه بالتّعظيم إلّ أن يوافق عادةً للصّائم .
د -إفراد يوم النّيروز بالصّوم :
-يكره إفراد يوم النّيروز ،ويوم المهرجان بالصّوم ،وذلك لنّهما يومان يعظّمهما 17
الكفّار ،وهما عيدان للفرس ،فيكون تخصيصهما بالصّوم -دون غيرهما -موافقةً لهم
في تعظيمهما ،فكره ،كيوم السّبت .
ص ابن عابدين على أنّ
وعلى قياس هذا كلّ عيد للكفّار ،أو يوم يفردونه بالتّعظيم ون ّ
الصّائم إذا قصد بصومه التّشبّه ،كانت الكراهة تحريم ّيةً .
هع – صوم الوصال :
– ذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول – إلى كراهة 18
العموم إلى كراهة صوم الدّهر ،وعلّلت الكراهة بأنّه يضعف الصّائم عن الفرائص
والواجبات والكسب الّذي ل بدّ منه ،أو بأنّه يصير الصّوم طبعا له ،ومبنى العبادة على
مخالفة العادة .واستدلّ للكراهة ،بحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص -رضي ال تعالى
عنهما -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :ل صام من صام البد « .
وفي حديث أبي قتادة -رضي ال عنه -قال » :قال عمر :يا رسول اللّه ،كيف بمن
يصوم الدّهر كلّه ؟ قال :ل صام ول أفطر ،أو لم يصم ولم يفطر « أي :لم يحصّل أجر
الصّوم لمخالفته ،ولم يفطر لنّه أمسك .
ي :هو مسنون .
وقال الغزال ّ
وقال الكثرون من الشّافعيّة :إن خاف منه ضررا ،أو فوّت به حقّا كره ،وإلّ فل .
والمراد بصوم الدّهر عند الشّافعيّة :سرد الصّوم في جميع اليّام إ ّل اليّام الّتي ل يصحّ
صومها وهي :العيدان وأيّام التّشريق .
الصّوم المحرّم :
-ذهب الجمهور إلى تحريم صوم اليّام التّالية : 20
أ -صوم يوم عيد الفطر ،ويوم عيد الضحى ،وأيّام التّشريق ،وهي :ثلثة أيّام بعد يوم
النّحر .
ن رسول اللّه
وذلك لنّ هذه اليّام منع صومها لحديث أبي سعيد -رضي ال عنه » : -أ ّ
صلى ال عليه وسلم نهى عن صيام يومين :يوم الفطر ،ويوم النّحر « .
ي -رضي ال تعالى عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه
وحديث نبيشة الهذل ّ
وسلم » :أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب ،وذكر اللّه -ع ّز وجلّ . « -
وذهب الحنفيّة إلى جواز الصّوم فيها مع الكراهة التّحريميّة ،لما في صومها من العراض
عن ضيافة اللّه تعالى ،فالكراهة ليست لذات اليوم ،بل لمعنىً خارج مجاور ،كالبيع عند
ح ،ويفطر وجوبا تحاميا عن المعصية ،
الذان يوم الجمعة ،حتّى لو نذر صومها ص ّ
ويقضيها إسقاطا للواجب ،ولو صامها خرج عن العهدة ،مع الحرمة .
وصرّح الحنابلة بأنّ صومها ل يصحّ فرضا ول نفلً ،وفي رواية عن أحمد أنّه يصومها
عن الفرض .
واستثنى المالكيّة والحنابلة في رواية :صوم أيّام التّشريق عن دم المتعة والقران ،ونقل
المرداويّ أنّها المذهب ،لقول ابن عمر وعائشة -رضي ال تعالى عنهم -لم يرخّص
في أيّام التّشريق أن يصمن إلّ لمن لم يجد الهدي .
وهذا هو القديم عند الشّافعيّة ،والصحّ الّذي اختاره النّوويّ ما في الجديد وهو :عدم
صحّة الصّوم فيها مطلقا .
ي -رحمه ال تعالى -ببطلنه ،لنّه لم
قال الغزاليّ :وأمّا صوم يوم النّحر ،فقطع الشّافع ّ
يظهر انصراف النّهي عن عينه ووصفه ،ولم يرتض قولهم :إنّه نهى عنه ،لما فيه من
ترك إجابة الدّعوة بالكل .
ب -ويحرم صيام الحائض والنّفساء ،وصيام من يخاف على نفسه الهلك بصومه .
ثبوت هلل شهر رمضان :
-يجب صوم رمضان بإكمال شعبان ثلثين يوما اتّفاقا ،أو رؤية الهلل ليلة الثّلثين ، 21
وفي ثبوت الرّؤية خلف بين الفقهاء ينظر في مصطلح ( :رؤية ف ، 2ورمضان ف .) 2
صوم من رأى الهلل وحده :
-من رأى هلل رمضان وحده ،وردّت شهادته ،لزمه الصّوم وجوبا ،عند جمهور 22
الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -وهو مشهور مذهب أحمد ،وذلك :للية
ص ْمهُ } .
شهْرَ فَلْيَ ُ
شهِدَ مِن ُكمُ ال ّ
الكريمة ،وهي قوله تعالى َ { :فمَن َ
ولحديث » :صوموا لرؤيته « .
وحديث » :الصّوم يوم تصومون ،والفطر يوم تفطرون « .
ولنّه تيقّن أنّه من رمضان ،فلزمه صومه ،كما لو حكم به الحاكم .
وروي عن أحمد :أنّه ل يصوم إلّ في جماعة من النّاس .
وقيل :يصوم ندبا احتياطا ،كما ذكره الكاسانيّ .
وقال المالكيّة :إن أفطر فعليه القضاء ،وإذا اعتقد عدم وجوب الصّوم عليه كغيره لجهله
فقولن عندهم في وجوب الكفّارة ،لنّه ليس بعد العيان بيان ،أو عدم وجوب الكفّارة ،
بسبب عدم وجوب الصّوم على غيره .
-وإن رأى هلل شوّال وحده ،لم يفطر عند الجمهور ،خوف التّهمة وسدّا للذّريعة ، 23
وقيل :يفطر إن خفي له ذلك ،وقال أشهب :ينوي الفطر بقلبه ،وعلى المذهب -وقول
الجمهور الّذين منهم المالكيّة -إن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى ،فإن
ص عليه الحنفيّة ،لشبهة الرّدّ .
عثر عليه عوقب إن اتّهم ،ول كفّارة ،كما ن ّ
وقال الشّافعيّ :له أن يفطر ،لنّه تيقّن من شوّال ،فجاز له الكل كما لو قامت بيّنة لكن
يفطر سرّا ،بحيث ل يراه أحد ،لنّه إذا أظهر الفطر عرّض نفسه للتّهمة ،وعقوبة
السّلطان .
وقال الحنفيّة :لو أفطر من رأى الهلل وحده في الوقتين :رمضان وشوّال قضى ول
كفّارة عليه ،لنّه بردّ شهادته في رمضان ،صار مكذّبا شرعا ،ولو كان فطره قبل ما ردّ
ن ما رآه يحتمل أن
القاضي شهادته ل كفّارة عليه في الصّحيح الرّاجح ،لقيام الشّبهة ،ل ّ
يكون خيالً ،ل هل ًل -كما يقول الحصكفيّ . -
وقيل :تجب الكفّارة فيهما -أي في الفطر وفي رمضان -وذلك للظّاهر بين النّاس في
الفطر ،وللحقيقة الّتي عنده في رمضان .
ركن الصّوم :
-ركن الصّوم باتّفاق الفقهاء هو :المساك عن المفطرات ،وذلك من طلوع الفجر 24
هي:
سفَرٍ َفعِدّةٌ
ن مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
صحّة والسّلمة من المرض ،لقوله تعالى َ { :ومَن كَا َ
أ -ال ّ
مّنْ أَيّامٍ ُأخَرَ } .
صحّة والقامة ،فشرطان في وجوب
ب -القامة ،للية نفسها .قال ابن جزيّ :وأمّا ال ّ
ن وجوب الصّوم يسقط عن المريض
الصّيام ،ل في صحّته ،ول في وجوب القضاء ،فإ ّ
ح صومهما إن صاما .
والمسافر ،ويجب عليهما القضاء ،إن أفطرا إجماعا ،ويص ّ
ج -خل ّو المرأة من الحيض والنّفاس ،لنّ الحائض والنّفساء ليستا أهلً للصّوم ،ولحديث
عائشة رضي ال تعالى عنها لمّا سألتها معاذة » :ما بال الحائض ،تقضي الصّوم ول
تقضي الصّلة ؟ فقالت :أحروريّة أنت ؟ قلت :لست بحروريّة ،ولكنّي أسأل ،قالت :كان
يصيبنا ذلك ،فنؤمر بقضاء الصّوم ،ول نؤمر بقضاء الصّلة « .
فالمر بالقضاء فرع وجوب الداء .
والجماع منعقد على منعهما من الصّوم ،وعلى وجوب القضاء عليهما .
شروط صحّة الصّوم :
-شروط صحّة الصّوم هي : 27
صحّة ،كالكمال
أ -الطّهارة من الحيض والنّفاس ،وقد عدّها بعض الفقهاء من شروط ال ّ
من الحنفيّة ،وابن جزيّ من المالكيّة .
صحّة معا .
وعدّها بعضهم من شروط وجوب الداء ،وشروط ال ّ
ب -خلوّه عمّا يفسد الصّوم بطروّه عليه كالجماع .
ج -النّيّة .وذلك لنّ صوم رمضان عبادة ،فل يجوز إلّ بالنّيّة ،كسائر العبادات .
ولحديث » :إنّما العمال بالنّيّات « .
والمساك قد يكون للعادة ،أو لعدم الشتهاء ،أو للمرض ،أو للرّياضة ،فل يتعيّن إلّ
بالنّيّة ،كالقيام إلى الصّلة والحجّ .
قال النّوويّ :ل يصحّ الصّوم إلّ بنيّة ،ومحلّها القلب ،ول يشترط النّطق بها ،بل خلف
.وقال الحنفيّة :التّلفّظ بها سنّة .
صفة ال ّنيّة :
صفة النّيّة ،أن تكون جازمةً ،معيّنةً ،مبيّت ًة ،مجدّدةً ،على ما يلي :
-أ ّولً :الجزم ،فقد اشترط في نيّة الصّوم ،قطعا للتّردّد ،حتّى لو نوى ليلة الشّكّ ، 28
صيام غد ،إن كان من رمضان لم يجزه ،ول يصير صائما لعدم الجزم ،فصار كما إذا
نوى أنّه إن وجد غدا ًء غدا يفطر ،وإن لم يجد يصوم .
ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إن قال :إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ،وإلّ فهو
ح صومه ،إن ظهر أنّه من رمضان ،لعدم جزمه بالنّيّة .
نفل ،أو فأنا مفطر ،لم يص ّ
وإن قال ذلك ليلة الثّلثين من رمضان ،صحّ صومه إن بان منه ،لنّه مبنيّ على أصل لم
يثبت زواله ،ول يقدح تردّده ،لنّه حكم صومه مع الجزم .بخلف ما إذا قاله ليلة
الثّلثين من شعبان ،لنّه ل أصل معه يبني عليه ،بل الصل بقاء شعبان .
-ثانيا :التّعيين ،والجمهور من الفقهاء ذهبوا إلى أنّه ل ب ّد من تعيين النّيّة في صوم 29
رمضان ،وصوم الفرض والواجب ،ول يكفي تعيين مطلق الصّوم ،ول تعيين صوم معيّن
غير رمضان .
وكمال النّيّة -كما قال النّوويّ : -أن ينوي صوم غد ،عن أداء فرض رمضان هذه السّنة
للّه تعالى .
وإنّما اشترط التّعيين في ذلك ،لنّ الصّوم عبادة مضافة إلى وقت ،فيجب التّعيين في
ن التّعيين مقصود في نفسه ،فيجزئ التّعيين عن نيّة
نيّتها ،كالصّلوات الخمس ،ول ّ
الفريضة في الفرض ،والوجوب في الواجب .
وذهب الحنفيّة في التّعيين إلى تقسيم الصّيام إلى قسمين :
القسم الول :ل يشترط فيه التّعيين ،وهو :أداء رمضان ،والنّذر المعيّن زمانه ،وكذا
ح بمطلق نيّة الصّوم ،من غير تعيين .
النّفل ،فإنّه يص ّ
وذلك لنّ رمضان معيار -كما يقول الصوليّون -وهو مضيق ،ل يسع غيره من جنسه
وهو الصّوم ،فلم يشرع فيه صوم آخر ،فكان متعيّنا للفرض ،والمتعيّن ل يحتاج إلى
تعيين ،والنّذر المعيّن معتبر بإيجاب اللّه تعالى ،فيصاب كلّ منهما بمطلق النّيّة ،
وبأصلها ،وبنيّة نفل ،لعدم المزاحم كما يقول الحصكفيّ .
وك ّل يوم معيّن للنّفل -كما سيأتي -ما عدا رمضان ،واليّام المحرّم صومها ،وما يعيّنه
المكلّف بنفسه ،فكلّ ذلك متعيّن ،ول يحتاج إلى التّعيين .
والقسم الثّاني :يشترط فيه التّعيين ،وهو :قضاء رمضان ،وقضاء ما أفسده من النّفل ،
وصوم الكفّارات بأنواعها ،والنّذر المطلق عن التّقييد بزمان ،سواء أكان معلّقا بشرط ،أم
كان مطلقا ،لنّه ليس له وقت معيّن ،فلم يتّأد إلّ بنيّة مخصوصة ،قطعا للمزاحمة .
-ثالثا -التّبييت :وهو شرط في صوم الفرض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة 30
والتّبييت :إيقاع النّيّة في اللّيل ،ما بين غروب الشّمس إلى طلوع الفجر ،فلو قارن
ح ،كما هو قضيّة التّبييت .
ك ،لم يص ّ
الغروب أو الفجر أو ش ّ
ن الصل في النّيّة
وفي قول للمالكيّة ،يصحّ لو قارنت الفجر ،كما في تكبيرة الحرام ،ل ّ
المقارنة للمنويّ .
ويجوز أن تقدّم من أوّل اللّيل ،ول تجوز قبل اللّيل .
ي صلى ال عليه وسلم
وذلك لحديث ابن عمر ،عن حفصة رضي ال تعالى عنهم عن النّب ّ
أنّه قال » :من لم يجمع الصّيام قبل الفجر ،فل صيام له « .
ولنّ صوم القضاء والكفّارات ،ل ب ّد لها من تبييت النّيّة ،فكذا كلّ صوم فرض معيّن .
ول تجزئ بعد الفجر ويجزئ مع طلوع الفجر إن اتّفق ذلك ،وإن روى ابن عبد الحكم أنّها
ن الصل كونها مقارنةً للفجر ،ورخّص
ل تجزئ مع الفجر ،وكلم القرافيّ وآخرين يفيد أ ّ
تقدّمها عليه للمشقّة في مقارنتها له .
والصّحيح عند الشّافعيّة والحنابلة :أنّه ل يشترط في التّبييت النّصف الخر من اللّيل ،
لطلقه في الحديث ،ولنّ تخصيص النّيّة بالنّصف الخير يفضي إلى تفويت الصّوم ،لنّه
وقت النّوم ،وكثير من النّاس ل ينتبه فيه ،ول يذكر الصّوم ،والشّارع إنّما رخّص في
تقديم النّيّة على ابتدائه ،لحرج اعتبارها عنده ،فل يخصّها بمحلّ ل تندفع المشقّة
ن تخصيصها بالنّصف الخير تحكّم من غير دليل ،بل تقرّب النّيّة من
بتخصيصها به ،ول ّ
العبادة ،لمّا تعذّر اقترانها بها .
والصّحيح أيضا :أنّه ل يض ّر الكل والجماع بعد النّيّة ما دام في اللّيل ،لنّه لم يلتبس
بالعبادة ،وقيل :يضرّ فتحتاج إلى تجديدها ،تحرّزا عن تخلّل المناقض بينها وبين
العبادة ،لمّا تعذّر اقترانها بها .
والصّحيح أيضا :أنّه ل يجب التّجديد لها إذا نام بعدها ،ثمّ تنبّه قبل الفجر ،وقيل :يجب ،
تقريبا للنّيّة من العبادة بقدر الوسع .
والحنفيّة لم يشترطوا التّبييت في رمضان .ولمّا لم يشترطوا تبييت النّيّة في ليل رمضان ،
أجازوا النّيّة بعد الفجر دفعا للحرج أيضا ،حتّى الضّحوة الكبرى ،فينوي قبلها ليكون
الكثر منويّا ،فيكون له حكم الكلّ ،حتّى لو نوى بعد ذلك ل يجوز ،لخلوّ الكثر عن
النّيّة ،تغليبا للكثر .
ي ،وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب
والضّحوة الكبرى :نصف النّهار الشّرع ّ
الشّمس .وقال الحنفيّة ،منهم الموصليّ :والفضل الصّوم بنيّة معيّنة مبيّتة للخروج عن
الخلف .ودليل الحنفيّة على ما ذهبوا إليه ،من صحّة النّيّة حتّى الضّحوة الكبرى ،وعدم
شرطيّة التّبييت :حديث ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما » :أنّ النّاس أصبحوا يوم
الشّكّ ،فقدم أعرابيّ ،وشهد برؤية الهلل ،فقال صلى ال عليه وسلم :أتشهد أن ل إله
إلّ اللّه ،وأنّي رسول اللّه ؟ فقال :نعم ،فقال عليه الصلة والسلم :اللّه أكبر ،يكفي
المسلمين أحدهم ،فصام وأمر بالصّيام ،وأمر مناديا فنادى :أل من أكل فل يأكل بقيّة
يومه ،ومن لم يأكل فليصم « .
فقد أمر بالصّوم ،وأنّه يقتضي القدرة على الصّوم الشّرعيّ ،ولو شرطت النّيّة من اللّيل
لما كان قادرا عليه ،فد ّل على عدم اشتراطها .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أرسل غداة
واستدلّوا أيضا ،بما ورد في الحديث » :أ ّ
عاشوراء إلى قرى النصار :من أصبح مفطرا فليتمّ بقيّة يومه ،ومن أصبح صائما
فليصم« .وكان صوم عاشوراء واجبا ،ثمّ نسخ بفرض رمضان .
واشترط الحنفيّة تبييت النّيّة في صوم الكفّارات والنّذور المطلقة وقضاء رمضان .
-أمّا النّفل فيجوز صومه عند الجمهور -خلفا للمالكيّة -بنيّة قبل الزّوال ،لحديث 31
اللّيل أو قبل الزّوال -على الخلف السّابق -وذلك :لكي يتميّز المساك عبادةً ،عن
المساك عاد ًة أو حميةً .
ولنّ كلّ يوم عبادة مستقلّة ،ل يرتبط بعضه ببعض ،ول يفسد بفساد بعض ،ويتخلّلها ما
ينافيها ،وهو اللّيالي الّتي يحلّ فيها ما يحرّم في النّهار ،فأشبهت القضاء ،بخلف الحجّ
وركعات الصّلة .
وذهب زفر ومالك -وهو رواية عن أحمد -أنّه تكفي نيّة واحدة عن الشّهر كلّه في أوّله ،
كالصّلة .وكذلك في كلّ صوم متتابع ،ككفّارة الصّوم والظّهار ،ما لم يقطعه أو يكن على
حاله يجوز له الفطر فيها ،فيلزمه استئناف النّيّة ،وذلك لرتباط بعضها ببعض ،وعدم
جواز التّفريق ،فكفت نيّة واحدة ،وإن كانت ل تبطل ببطلن بعضها ،كالصّلة .
ح صيام الباقي بتلك النّيّة ،كما جزم به
فعلى ذلك لو أفطر يوما لعذر أو غيره ،لم يص ّ
بعضهم ،وقيل :يصحّ ،وقدّمه بعضهم .
ويقاس على ذلك النّذر المعيّن ومع ذلك ،فقد قال ابن عبد الحكم -من المالكيّة : -ل بدّ
في الصّوم الواجب المتتابع من النّيّة كلّ يوم ،نظرا إلى أنّه كالعبادات المتعدّدة ،من حيث
عدم فساد ما مضى منه بفساد ما بعده .
ن المساك متردّد بين العادة
بل روي عن زفر أنّ المقيم الصّحيح ،ل يحتاج إلى نيّة ،ل ّ
ي وجه أتى به وقع عنه .
والعبادة ،فكان متردّدا بأصله متعيّنا بوصفه ،فعلى أ ّ
استمرار ال ّنيّة :
-اشترط الفقهاء الدّوام على النّيّة ،فلو نوى الصّيام من اللّيل ثمّ رجع عن نيّته قبل 33
فإن لم يفق إلّ بعد غروب الشّمس ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم صحّة
ن الصّوم هو المساك مع النّيّة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :قال اللّه
صومه ،ل ّ
:كلّ عمل ابن آدم له إلّ الصّوم ،فإنّه لي وأنا أجزي به ،يدع شهوته وطعامه من أجلي
« فأضاف ترك الطّعام والشّراب إليه ،فإذا كان مغمىً عليه فل يضاف المساك إليه ،فلم
يجزئه .
ن نيّته قد صحّت ،وزوال الستشعار بعد ذلك ل يمنع
وذهب الحنفيّة إلى صحّة صومه ،ل ّ
صحّة الصّوم ،كالنّوم .
أمّا إذا أفاق أثناء النّهار ،فذهب الحنفيّة إلى تجديد النّيّة إذا أفاق قبل الزّوال ،وذهب
المالكيّة إلى عدم صحّة صومه ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أفاق في أيّ جزء
ح صومه ،سواء أكان في أوّله أم في آخره .
من النّهار ص ّ
وفرّق الشّافعيّة بين الجنون والغماء ،فالمذهب :أنّه لو جنّ في أثناء النّهار بطل
صومه ،وقيل :هو كالغماء .
وأمّا الرّدّة بعد نيّة الصّوم فتبطل الصّوم بل خلف .
سنن الصّوم ومستحبّاته :
-سنن الصّوم ومستحبّاته كثيرة ،أهمّها : 35
الظّاهرة والباطنة ،فيصون لسانه عن اللّغو والهذيان والكذب ،والغيبة والنّميمة ،
والفحش والجفاء ،والخصومة والمراء ،ويكفّ جوارحه عن جميع الشّهوات والمحرّمات ،
ويشتغل بالعبادة ،وذكر اللّه ،وتلوة القرآن وهذا كما يقول الغزاليّ :هو س ّر الصّوم .
وفي الصّحيح من حديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم » :قال اللّه تعالى :كلّ عمل ابن آدم له إلّ الصّيام ،فإنّه لي وأنا أجزي به ،
والصّيام جنّة ،وإذا كان يوم صوم أحدكم ،فل يرفث ول يصخب ،فإن سابّه أحد أو قاتله ،
ي صلى ال
فليقل :إنّي امرؤ صائم « ،وفي حديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه أنّ النّب ّ
عليه وسلم قال » :الصّيام جنّة ،ما لم يخرقها بكذب أو غيبة « .
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من
لم يدع قول الزّور ،والعمل به ،فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه « .
مفسدات الصّوم :
-يفسد الصّوم -بوجه عامّ -كلّما انتفى شرط من شروطه ،أو اختلّ أحد أركانه ، 37
كالرّدّة ،وكطروء الحيض والنّفاس ،وكلّ ما ينافيه من أكل وشرب ونحوهما ،ودخول
شيء من خارج البدن إلى جوف الصّائم .
-ويشترط في فساد الصّوم بما يدخل إلى الجوف ما يلي : 38
أ -أن يكون الدّاخل إلى الجوف ،من المنافذ الواسعة -كما قيّده بذلك المالكيّة -
والمفتوحة -كما قال الشّافعيّة -أي :المخارق الطّبيعيّة الصليّة في الجسم ،والّتي تعتبر
موصّلةً للمادّة من الخارج إلى الدّاخل ،كالفم والنف والذن .
وقد استدلّ لذلك ،بالتّفاق على أنّ من اغتسل في ماء ،فوجد برده في باطنه ل يفطر ،
ومن طلى بطنه بدهن ل يضرّ ،لنّ وصوله إلى الجوف بتشرّب .
ولم يشترط الحنابلة ذلك ،بل اكتفوا بتحقّق وصوله إلى الحلق والجوف ،والدّماغ جوف .
ب -أن يكون الدّاخل إلى الجوف ممّا يمكن الحتراز عنه ،كدخول المطر والثّلج بنفسه
حلق الصّائم إذا لم يبتلعه بصنعه ،فإن لم يمكن الحتراز عنه -كالذّباب يطير إلى الحلق ،
وغبار الطّريق -لم يفطر إجماعا .
وهذا استحسان ،والقياس :الفساد ،لوصول المفطر إلى جوفه .
وجه الستحسان ،أنّه ل يستطاع الحتراز عنه ،فأشبه الدّخان .
والجوف هو :الباطن ،سواء أكان ممّا يحيل الغذاء والدّواء ،أي يغيّرهما كالبطن
والمعاء ،أم كان ممّا يحيل الدّواء فقط كباطن الرّأس أو الذن ،أم كان ممّا ل يحيل شيئا
كباطن الحلق.
قال النّوويّ :جعلوا الحلق كالجوف ،في بطلن الصّوم بوصول الواصل إليه ،وقال المام
:إذا جاوز الشّيء الحلقوم أفطر .
قال :وعلى الوجهين جميعا :باطن الدّماغ والمعاء والمثانة ممّا يفطر الوصول إليه .
ج -والجمهور على أنّه ل يشترط أن يكون الدّاخل إلى الجوف مغذّيا ،فيفسد الصّوم
بالدّاخل إلى الجوف ،ممّا يغذّي أو ل يغذّي ،كابتلع التّراب ونحوه ،وإن فرّق بينهما
بعض المالكيّة ،قال ابن رشد :وتحصيل مذهب مالك ،أنّه يجب المساك عمّا يصل إلى
الحلق ،من أيّ المنافذ وصل ،مغذّيا كان أو غير مغذّ .
د -وشرط كون الصّائم قاصدا ذاكرا لصومه ،أمّا لو كان ناسيا أنّه صائم ،فل يفسد
ي صلى ال عليه
صومه عند الجمهور ،وذلك لحديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النّب ّ
وسلم قال » :من نسي وهو صائم ،فأكل أو شرب ،فليتمّ صومه ،فإنّما أطعمه اللّه
وسقاه« .
ويستوي في ذلك الفرض والنّفل لعموم الدلّة .
ن من نسي في رمضان ،فأكل أو شرب ،عليه
وخالف مالك في صوم رمضان فذهب إلى أ ّ
القضاء ،أمّا لو نسي في غير رمضان ،فأكل أو شرب ،فإنّه يتمّ صومه ،ول قضاء
عليه .هع – وشرط الحنفيّة والمالكيّة استقرار المادّة في الجوف ،وعلّلوه بأنّ الحصاة –
ل ما وتنقص الجوع .
مثلً – تشغل المعدة شغ ً
ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة استقرار المادّة في الجوف إذا كان باختياره .
وعلى قول الحنفيّة والمالكيّة :لو لم تستق ّر المادّة ،بأن خرجت من الجوف لساعتها ل
يفسد الصّوم ،كما لو أصابته سهام فاخترقت بطنه ونفذت من ظهره ،ولو بقي النّصل في
جوفه فسد صومه ،ولو كان ذلك بفعله يفسد صومه ،قال الغزاليّ :ولو كان بعض
السّكّين خارجا .
و -وشرط الشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة ،أن يكون الصّائم مختارا فيما يتناوله ،
ب الدّواء في حلقه مكرها ،لم يفسد
من طعام أو شراب أو دواء ،فلو أوجر الماء ،أو ص ّ
صومه عندهم ،لنّه لم يفعل ولم يقصد .
ولو أكره على الفطار ،فأكل أو شرب ،فللشّافعيّة قولن مشهوران في الفطر وعدمه .
ن الحكم الّذي ينبني على اختياره ساقط ،
أصحّهما :عدم الفطر ،وعلّلوا عدم الفطار بأ ّ
لعدم وجود الختيار .
ومذهب الحنابلة :أنّه ل يفسد صومه قولً واحدا ،وهو كاليجار ،وذلك لحديث » :إنّ
اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه « .فإنّه عامّ .
ن الكراه على الفطار يفسد الصّوم ،ويستوجب القضاء ،
ومذهب الحنفيّة والمالكيّة :أ ّ
وذلك لنّ المراد من حديث » :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان ،وما استكرهوا
عليه « رفع الحكم ،لتصحيح الكلم اقتضا ًء ،والمقتضي ل عموم له ،والثم مراد
ح إرادة الحكم الخر -وهو الدّنيويّ -بالفساد .
إجماعا ،فل تص ّ
ما يفسد الصّوم ،ويوجب القضاء :
-وذلك يرجع إلى الخلل بأركانه وشروطه ،ويمكن حصره فيما يلي : 39
والحبوب النّيئة ،كالقمح والشّعير والحمّص والعدس ،والثّمار الفجّة الّتي ل تؤكل قبل
النّضج ،كالسّفرجل والجوز ،وكذا تناول ملح كثير دفع ًة واحدةً يوجب القضاء دون
الكفّارة ،أمّا إذا أكله على دفعات ،بتناول دفعة قليلة ،في كلّ مرّة ،فيجب القضاء والكفّارة
عند الحنفيّة .
أمّا في أكل نواة أو قطن أو ورق ،أو ابتلع حصاة ،أو حديد أو ذهب أو فضّة ،وكذا
شرب ما ل يشرب من السّوائل كالبترول فالقضاء دون كفّارة لقصور الجناية بسبب
الستقذار والعيافة ومنافاة الطّبع ،فانعدم معنى الفطر ،وهو بإيصال ما فيه نفع البدن إلى
ن هذه المذكورات ليست غذائ ّيةً ،
الجوف ،سواء أكان ممّا يتغذّى به أم يتداوى به .ول ّ
ول في معنى الغذاء -كما يقول الطّحاويّ -ولتحقّق الفطار في الصّورة ،وهو البتلع .
قال ابن عبّاس رضي ال عنهما :الفطر ممّا دخل .
وقال الزّيلعيّ :كلّ ما ل يتغذّى به ،ول يتداوى به عادةً ،ل يوجب الكفّارة .
ثانيا :قضاء الوطر أو الشّهوة على وجه القصور :
وذلك في الصّور التية :
-أ -تعمّد إنزال المنيّ بل جماع ،وذلك كالستمناء بالكفّ أو بالتّبطين والتّفخيذ ،أو 41
باللّمس والتّقبيل ونحوهما فإنّه يوجب القضاء دون الكفّارة عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة
والشّافعيّة والحنابلة -وعند المالكيّة يوجب القضاء والكفّارة معا .
ب -النزال بوطء ميّتة أو بهيمة ،أو صغيرة ل تشتهى :
-وهو يفسد الصّوم ،لنّ فيه قضاء إحدى الشّهوتين ،وأنّه ينافي الصّوم ،ول يوجب 42
الكفّارة ،لتمكّن النّقصان في قضاء الشّهوة ،فليس بجماع خلفا للحنابلة ،فإنّه ل فرق
عندهم بين كون الموطوءة كبيرةً أو صغير ًة ،ول بين العمد والسّهو ،ول بين الجهل
ي.
والخطأ ،وفي كلّ ذلك القضاء والكفّارة ،لطلق حديث العراب ّ
والمالكيّة يوجبون في ذلك الكفّارة ،لتعمّد إخراج المنيّ .
ج -المساحقة بين المرأتين إذا أنزلت :
-عمل المرأتين ،كعمل الرّجال ،جماع فيما دون الفرج ،ول قضاء على واحدة 43
منهما ،إ ّل إذا أنزلت ،ول كفّارة مع النزال ،وهذا عند الحنفيّة وهو وجه عند الحنابلة ،
ح قياسه على الجماع .
ص في الكفّارة ،ول يص ّ
وعلّله الحنابلة بأنّه ،ل ن ّ
قال ابن قدامة :وأصحّ الوجهين أنّهما ل كفّارة عليهما ،لنّ ذلك ليس بمنصوص عليه ،
ول في معنى المنصوص عليه ،فيبقى على الصل .
د -النزال بالفكر والنّظر :
-إنزال المنيّ بالنّظر أو الفكر ،فيه التّفصيل التي : 44
ل منهم أنّ النزال بالفكر -وإن طال -وبالنّظر بشهوة ،
مذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلّ قلي ً
ولو إلى فرج المرأة مرارا ،ل يفسد الصّوم ،وإن علم أنّه ينزل به ،لنّه إنزال من غير
مباشرة ،فأشبه الحتلم .
قال القليوبيّ :النّظر والفكر المحرّك للشّهوة ،كالقبلة ،فيحرم وإن لم يفطر به .
ومذهب المالكيّة أنّه إن أمنى بمجرّد الفكر أو النّظر ،من غير استدامة لهما ،يفسد صومه
ويجب القضاء دون الكفّارة .وإن استدامهما حتّى أنزل فإن كانت عادته النزال بهما عند
الستدامة ،فالكفّارة قطعا ،وإن كانت عادته عدم النزال بهما عند الستدامة ،فخالف
عادته وأمنى ،فقولن في لزوم الكفّارة ،واختار اللّخميّ عدم اللّزوم .
ولو أمنى في أداء رمضان بتعمّد نظرة واحدة يفسد صومه ويجب القضاء ،وفي وجوب
الكفّارة وعدمه تأويلن ،محلّهما إذا كانت عادته النزال بمجرّد النّظر ،وإلّ فل كفّارة
اتّفاقا.
وقال الذرعيّ من الشّافعيّة ،وتبعه شيخ القليوبيّ ،والرّمليّ :يفطر إذا علم النزال بالفكر
والنّظر ،وإن لم يكرّره .
ومذهب الحنابلة ،التّفرقة بين النّظر وبين الفكر ،ففي النّظر ،إذا أمنى يفسد الصّوم ،لنّه
أنزل بفعل يتلذّذ به ،ويمكن التّحرّز منه ،فأفسد الصّوم ،كالنزال باللّمس ،والفكر ل
يمكن التّحرّز منه ،بخلف النّظر .
ص في الفطر به ،ول
ولو أمذى بتكرار النّظر ،فظاهر كلم أحمد ل يفطر به ،لنّه ل ن ّ
يمكن قياسه على إنزال المنيّ ،لمخالفته إيّاه في الحكام ،فيبقى على الصل .
وإذا لم يكرّر النّظر ل يفطر ،سواء أمنى أو أمذى ،وهو المذهب ،لعدم إمكان التّحرّز ،
ي ل بالمذي .
ونصّ أحمد :يفطر بالمن ّ
ن الفكر
أمّا الفكر ،فإنّ النزال به ل يفسد الصّوم .واختار ابن عقيل :الفساد به ،ل ّ
يدخل تحت الختيار ،لكن جمهورهم استدلّوا بحديث أبي هريرة رضي ال عنه » :إنّ
اللّه تجاوز لمّتي عمّا وسوست أو حدّثت به أنفسها ،ما لم تعمل به أو تكلّم « .
ولنّه ل نصّ في الفطر به ول إجماع ،ول يمكن قياسه على المباشرة ول تكرار النّظر ،
لنّه دونهما في استدعاء الشّهوة ،وإفضائه إلى النزال .
ثالثا :المعالجات ونحوها ،وهي أنواع أهمّها :
أ -الستعاط :
ب في النف ،والستعاط
-الستعاط :افتعال من السّعوط ،مثال رسول :دواء يص ّ 45
دخانه إلى الحلق فل يفطر ولو جاءته الرّائحة واستنشقها ،لنّ الرّائحة ل جسم لها .
فمن أدخل بصنعه دخانا حلقه ،بأيّة صورة كان الدخال ،فسد صومه ،سواء أكان دخان
عنبر أم عود أم غيرهما ،حتّى من تبخّر بعود ،فآواه إلى نفسه ،واشتمّ دخانه ،ذاكرا
لصومه ،أفطر ،لمكان التّحرّز من إدخال المفطر جوفه ودماغه .
قال الشرنبللي :هذا ممّا يغفل عنه كثير من النّاس ،فلينبّه له ،ول يتوهّم أنّه كشمّ الورد
والمسك ،لوضوح الفرق بين هواء تطيّب بريح المسك وشبهه ،وبين جوهر دخان وصل
إلى جوفه بفعله
ج -بخار القدر :
-بخار القدر ،متى وصل للحلق باستنشاق أوجب القضاء ،لنّ دخان البخور وبخار 47
القدر كلّ منهما جسم يتكيّف به الدّماغ ،ويتقوّى به ،أي تحصل له قوّة كالّتي تحصل من
الكل ،أمّا لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فل قضاء عليه .
هذا بخلف دخان الحطب ،فإنّه ل قضاء في وصوله للحلق ،ولو تعمّد استنشاقه ،لنّه ل
يحصل للدّماغ به قوّة كالّتي تحصل له من الكل .
وقال الشّافعيّة :لو فتح فاه عمدا حتّى دخل الغبار في جوفه ،لم يفطر على الصحّ .
ومذهب الحنابلة الفطار بابتلع غربلة الدّقيق وغبار الطّريق ،إن تعمّده .
د -التّدخين :
ن شرب الدّخان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام ،لنّه من
-اتّفق الفقهاء على أ ّ 48
المفطرات .
). 30 فقرة 10 وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( :تبغ ،الموسوعة الفقهيّة
هع – التّقطير في الذن :
– ذهب جمهور الفقهاء ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة إلى فساد الصّوم بتقطير الدّواء أو 49
والمراد بهذا -كما يقول الكاسانيّ -ما يصل إلى الجوف من غير المخارق الصليّة .
فإذا داوى الصّائم المّة أو الجراح ،فمذهب الجمهور -بوجه عامّ -فساد الصّوم ،إذا
وصل الدّواء إلى الجوف .
قال النّوويّ :لو داوى جرحه فوصل الدّواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء أكان
الدّواء رطبا أم يابسا .
وعلّله الحنابلة بأنّه أوصل إلى جوفه شيئا باختياره ،فأشبه ما لو أكل .
قال المرداويّ :وهذا هو المذهب ،وعليه الصحاب .
وعلّله الحنفيّة -مع نصّهم على عدم التّفرقة بين الدّواء الرّطب وبين الدّواء اليابس -بأنّ
بين جوف الرّأس وجوف المعدة منفذا أصليّا ،فمتى وصل إلى جوف الرّأس ،يصل إلى
جوف البطن .
ك في وصول الدّواء إلى الجوف ،فعند الحنفيّة بعض التّفصيل والخلف :فإن كان
أمّا إذا ش ّ
الدّواء رطبا ،فعند أبي حنيفة الظّاهر هو الوصول ،لوجود المنفذ إلى الجوف ،وهو
السّبب ،فيبنى الحكم على الظّاهر ،وهو الوصول عادةً ،وقال الصّاحبان :ل يفطر ،لعدم
العلم به ،فل يفطر بالشّكّ ،فهما يعتبران المخارق الصليّة ،لنّ الوصول إلى الجوف من
ك.
المخارق الصليّة متيقّن به ،ومن غيرها مشكوك به ،فل نحكم بالفساد مع الشّ ّ
وأمّا إذا كان الدّواء يابسا ،فل فطر اتّفاقا ،لنّه لم يصل إلى الجوف ول إلى الدّماغ .
لكن قال البابرتيّ :وأكثر مشايخنا على أنّ العبرة بالوصول ،حتّى إذا علم أنّ الدّواء
اليابس وصل إلى جوفه ،فسد صومه ،وإن علم أنّ الرّطب لم يصل إلى جوفه ،لم يفسد
صومه عنده ،إلّ أنّه ذكر الرّطب واليابس بنا ًء على العادة .
وإذا لم يعلم يقينا فسد عند أبي حنيفة ،نظرا إلى العادة ،ل عندهما .
ومذهب المالكيّة عدم الفطار بمداواة الجراح ،وهو اختيار الشّيح تقيّ الدّين .
قال المرداويّ :واختار الشّيخ تقيّ الدّين عدم الفطار بمداواة جائفة ومأمومة .
ي :أمّا دواء الجرح بما يصل إلى الجوف ،فل يفطر .
قال ابن جز ّ
وقال الدّردير ،معلّلً عدم الفطار بوضع الدّهن على الجائفة ،والجرح الكائن في البطن
الواصل للجوف :لنّه ل يصل لمحلّ الطّعام والشّراب ،وإلّ لمات من ساعته .
ز -الحتقان :
ب الدّواء أو إدخال نحوه في الدّبر .
-الحتقان :ص ّ 51
وقد يكون بمائع أو بغيره :فالحتقان بالمائع من الماء -وهو الغالب -أو غير الماء ،
يفسد الصّوم ويوجب القضاء ،فيما ذهب إليه الجمهور ،وهو مشهور مذهب المالكيّة ،
ن غير
ومنصوص خليل ،وهو معلّل بأنّه يصل به الماء إلى الجوف من منفذ مفتوح ،وبأ ّ
المعتاد كالمعتاد في الواصل ،وبأنّه أبلغ وأولى بوجوب القضاء من الستعاط استدراكا
للفريضة الفاسدة .
ول تجب الكفّارة ،لعدم استكمال الجناية على الصّوم صور ًة ومعنىً ،كما هو سبب
الكفّارة ،بل هو لوجود معنى الفطر ،وهو وصول ما فيه صلح البدن إلى الجوف ،دون
صورته ،وهو الوصول من الفم دون ما سواه .
واستدلّ المرغينانيّ وغيره للفطار بالحتقان وغيره ،كالستعاط والفطار ،بحديث عائشة
رضي ال تعالى عنها :إنّما الفطار ممّا دخل ،وليس ممّا خرج .
وقول ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما :الفطر ممّا دخل ،وليس ممّا يخرج .
أمّا الحتقان بالجامد ،ففيه بعض الخلف :
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ما يدخل إلى الجوف من الدّبر بالحقنة يفطر ،لنّه واصل
إلى الجوف باختياره ،فأشبه الكل .
كذلك دخول طرف أصبع في المخرج حال الستنجاء يفطر ،قال النّوويّ :لو أدخل الرّجل
أصبعه أو غيرها دبره ،وبقي البعض خارجا ،بطل الصّوم ،باتّفاق أصحابنا .
ن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافّة ،يفسد الصّوم ،وعدم
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ن عدم تمام الدّخول كعدم دخول شيء
التّغييب ل يفسده ،كما لو بقي طرفه خارجا ،ل ّ
بالمرّة ،كإدخال الصبع غير المبلولة ،أمّا المبلولة بالماء والدّهن فيفسده .
وخصّ المالكيّة الفطار وإبطال الصّوم ،بالحقنة المائعة نصّا .
وقالوا :احترز " خليل " بالمائع عن الحقنة بالجامد ،فل قضاء فيها ،ول في فتائل عليها
دهن لخفّتها .
وفي المدوّنة ،قال ابن القاسم :سئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة ؟ قال مالك :أرى ذلك
خفيفا ،ول أرى عليه فيه شيئا ،قال مالك :وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه ،فأرى
عليه القضاء ،قال ابن القاسم :ول كفّارة عليه .
ويبدو مع ذلك تلخيصا ،أنّ للمالكيّة في الحقنة أربعة أقوال :
أحدها :وهو المشهور المنصوص عليه في مختصر خليل :الفطار بالحقنة المائعة .
ن الحقنة تفطر مطلقا .
الثّاني :أ ّ
ن ذلك ل يصل إلى المعدة ،ول موضع
الثّالث :أنّها ل تفطر ،واستحسنه اللّخميّ ،ل ّ
يتصرّف منه ما يغذّي الجسم بحال .
ن استعمال الحقنة مكروه .
الرّابع :أ ّ
قال ابن حبيب :وكان من مضى من السّلف وأهل العلم يكرهون التّعالج بالحقن إلّ من
ضرورة غالبة ،ل توجد عن التّعالج بها مندوحة ،فلهذا استحبّ قضاء الصّوم باستعمالها
.ح -الحقنة المتّخذة في مسالك البول :
ويعبّر عن هذا الشّافعيّة بالتّقطير ،ول يسمّونه احتقانا وفيه هذا التّفصيل :
الوّل :التّقطير في الحليل ،أي الذّكر :
-في التّقطير أقوال :فذهب أبو حنيفة ومحمّد ومالك وأحمد ،وهو وجه عند الشّافعيّة، 52
إلى أنّه ل يفطر ،سواء أوصل إلى المثانة أم لم يصل ،لنّه ليس بين باطن الذّكر وبين
الجوف منفذ ،وإنّما يم ّر البول رشحا ،فالّذي يتركه فيه ل يصل إلى الجوف ،فل يفطر ،
كالّذي يتركه في فيه ول يبتلعه ،وقال الموّاق :هو أخفّ من الحقنة .
ي :لو قطّر فيه ،أو غيّب فيه شيئا فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه .
وقال البهوت ّ
وللشّافعيّة -مع ذلك -في المسألة أقوال :
أحدها :إذا قطّر فيه شيئا لم يصل إلى المثانة لم يفطر ،وهذا أصحّها ،لنّه -كما قال
المحلّيّ -في جوف غير محيل .
الثّاني :ل يفطر .
الثّالث :إن جاوز الحشفة أفطر ،وإلّ ل .
وذهب أبو يوسف إلى أنّه يفطر إذا وصل إلى المثانة ،أمّا ما دام في قصبة الذّكر فل
يفسد .الثّاني :التّقطير في فرج المرأة :
-الصحّ عند الحنفيّة ،والمنصوص في مذهب المالكيّة ،والّذي يؤخذ من مذهب 53
الشّافعيّة والحنابلة -الّذين نصّوا على الحليل فقط -هو فساد الصّوم به ،وعلّله الحنفيّة
بأنّه شبيه بالحقنة .
ووجهه عند المالكيّة ،استجماع شرطين :
أحدهما :أنّه من المنفذ السّافل الواسع ،والخر :الحتقان بالمائع .
ي على وجوب القضاء على المشهور ،
وقد نصّ الدّردير على الفطار به ،ونصّ الدّسوق ّ
ومقابله ما لبن حبيب من استحباب القضاء ،بسبب الحقنة من المائع الواصلة إلى
ن الحتقان بالجامد ل قضاء فيه
المعدة ،من الدّبر أو فرج المرأة ،كما نصّ الدّردير على أ ّ
،ول في الفتائل الّتي عليها دهن .
رابعا :التّقصير في حفظ الصّوم والجهل به :
الوّل :التّقصير :
-أ -من صور التّقصير ما لو تسحّر أو جامع ،ظانّا عدم طلوع الفجر ،والحال أ نّ 54
الفجر طالع ،فإنّه يفطر ويجب عليه القضاء دون الكفّارة ،وهذا مذهب الحنفيّة ،ومشهور
مذهعب المالكيّة ،والصعّحيح معن مذهعب الشّافعيّة ،وهعو المذهعب عنعد الحنابلة ،وذلك
لنع الصعل بقاء اللّيعل ،والجنايعة قاصعرة ،وهعي جنايعة عدم التّثبّت ،ل جنايعة
للشّبهعةّ ،
الفطار ،لنّه لم يقصده ،ولهذا صرّحوا بعدم الثم عليه .
ي الدّين ابن تيميّة -أنّه ل قضاء عليه .
واختار الشّيخ تق ّ
وإذا لم يتبيّن له شيء ،ل يجب عليه القضاء في ظاهر الرّواية -عند الحنفيّة -وقيل :
ن الشّمس لم تغرب ،عليه
يقضي احتياطا وكذلك الحكم إذا أفطر بظنّ الغروب ،والحال أ ّ
القضاء ول كفّارة عليه ،لنّ الصل بقاء النّهار ،وابن نجيم فرّع هذين الحكمين على
ك.
قاعدة :اليقين ل يزول بالشّ ّ
ك في طلوع الفجر ،حرّم عليه الكل ،وقيل :يكره .
ي :من ش ّ
قال ابن جز ّ
ك في الغروب ،
فإن أكل فعليه القضاء وجوبا -على المشهور -وقيل :استحبابا ،وإن ش ّ
لم يأكل اتّفاقا ،فإن أكل فعليه القضاء والكفّارة ،وقيل :القضاء فقط ،وقال الدّسوقيّ :
المشهور عدمها .
ك في الفجر ،دون صيام النّفل ،
ومن المالكيّة من خصّ القضاء بصيام الفرض في الشّ ّ
ومنهم من سوّى بينهما .
وقيل عند الشّافعيّة :ل يفطر في صورتي الشّكّ في الغروب والفجر ،وقيل :يفطر في
الولى ،دون الثّانية .
ن أنّه أفطر ،فأكل عامدا ،فإنّه ل تجب
ن أو اشتبه في الفطر ،كمن أكل ناسيا فظ ّ
ومن ظ ّ
عليه الكفّارة ،لقيام الشّبهة الشّرعيّة .
والقضاء هو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة وهو الصحّ .
ن به الفطر ،كالفصد والحجامة والكتحال واللّمس والتّقبيل بشهوة
أمّا لو فعل ما ل يظ ّ
ن أنّه أفطر بذلك ،فأكل عمدا ،فإنّه يقضي في تلك الصّور ويكفّر لنّه ظنّ
ونحو ذلك ،فظ ّ
في غير محلّه .
فلو كان ظنّه في محلّه فل كفّارة ،كما لو أفتاه مفت -يعتمد على قوله ويؤخذ بفتواه في
البلد -بالفطار في الحجامة فأكل عامدا ،بعدما احتجم ل يكفّر .
والمالكيّة قسّموا الظّنّ في الفطر إلى قسمين :
أ -تأويل قريب ،وهو الّذي يستند فيه المفطر إلى أمر موجود ،يعذر به شرعا ،فل
كفّارة عليه ،كما في هذه الصّور :
ن لفساد صومه إباحة الفطر ،فأفطر ثانيا عامدا ،فل كفّارة عليه .
لو أفطر ناسيا ،فظ ّ
ن الباحة ،فأفطر
أو لزمه الغسل ليلً لجنابة أو حيض ،ولم يغتسل إلّ بعد الفجر ،فظ ّ
عمدا.
ن بطلن صومه ،فأفطر .
أو تسحّر قرب الفجر ،فظ ّ
أو قدم المسافر ليلً ،فظنّ أنّه ل يلزمه صوم صبيحة قدومه ،فأفطر مستندا إلى هذا
التّأويل ،ل تلزمه الكفّارة .
ن إباحة الفطر فبيّت الفطر ،فل كفّارة عليه .
أو سافر دون مسافة القصر ،فظ ّ
أو رأى هلل شوّال نهارا ،يوم ثلثين من رمضان ،فاعتقد أنّه يوم عيد ،فأفطر .
فهؤلء إذا ظنّوا إباحة الفطر فأفطروا ،فعليهم القضاء ول كفّارة عليهم ،وإن علموا
الحرمة ،أو شكّوا فيها فعليهم الكفّارة .
ب -تأويل بعيد ،وهو المستند فيه إلى أمر معدوم ،أو موجود لكنّه لم يعذر به شرعا ،
فل ينفعه ،وعرّفه البيّ بأنّه :ما لم يستند لموجود غالبا ،مثال ذلك .
ن إباحة الفطر ،
من رأى هلل رمضان ،فشهد عند حاكم ،فردّ ولم يقبل لمانع ،فظ ّ
فأفطر ،فعليه الكفّارة لبعد تأويله .
وقال أشهب :ل كفّارة عليه لقرب تأويله لستناده لموجود ،وهو ر ّد الحاكم شهادته .
والتّحقيق :أنّه استند لمعدوم ،وهو أنّ اليوم ليس من رمضان ،مع أنّه منه برؤية عينه .
أو بيّت الفطر وأصبح مفطرا ،في يوم لحمّى تأتيه فيه عادةً ،ثمّ حمّ في ذلك اليوم ،وأولى
إن لم يحمّ .
أو بيّتت الفطر امرأة لحيض اعتادته في يومها ،ثمّ حصل الحيض بعد فطرها ،وأولى إن
لم يحصل .
أو أفطر لحجّامة فعلها بغيره ،أو فعلت به ،فظنّ الباحة ،فإنّه يكفّر .
لكن قال الدّردير :المعتمد في هذا عدم الكفّارة ،لنّه من القريب ،لستناده لموجود ،وهو
قوله عليه الصلة والسلم » :أفطر الحاجم والمحجوم « .
أو اغتاب شخصا في نهار رمضان ،فظنّ إباحة الفطر فأفطر ،فعليه الكفّارة .
ن أنّه أفطر به ،ل كفّارة
ن من جامع عامدا ،بعد الكل ناسيا ،وظ ّ
ونصّ الشّافعيّة على أ ّ
عليه ،وإن كان الصحّ بطلن صومه بالجماع ،لنّه جامع وهو يعتقد أنّه غير صائم ،فلم
ن اللّيل وقت الجماع ،
يأثم به ،لذلك قيل :ل يبطل صومه ،وبطلنه مقيس على من ظ ّ
فبان خلفه .
ن ل يبيح الوطء .
ن هذا الظّ ّ
وعند القاضي أبي الطّيّب ،أنّه يحتمل أن تجب به الكفّارة ،ل ّ
وأمّا لو قال :علمت تحريمه ،وجهلت وجوب الكفّارة ،لزمته الكفّارة بل خلف .
ونصّ الحنابلة على أنّه لو جامع في يوم رأى الهلل في ليلته ،وردّت شهادته لفسقه أو
غيره ،فعليه القضاء والكفّارة ،لنّه أفطر يوما من رمضان بجماع ،فلزمته كما لو قبلت
شهادته .
وإذا لم يعلم برؤية الهلل إلّ بعد طلوع الفجر ،أو نسي النّيّة ،أو أكل عامدا ،ثمّ جامع
تجب عليه الكفّارة ،لهتكه حرمة الزّمن به ،ولنّها تجب على المستديم للوطء ،ول صوم
هناك ،فكذا هنا .
الثّاني :الجهل :
-ب -الجهل :عدم العلم بما من شأنه أن يعلم . 54
فالجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو مشهور مذهب المالكيّة ،على إعذار حديث العهد
بالسلم ،إذا جهل الصّوم في رمضان .
قال الحنفيّة :يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم ،ولم يصلّ ،ولم يزكّ بجهله بالشّرائع ،
مدّة جهله ،لنّ الخطاب إنّما يلزم بالعلم به أو بدليله ،ولم يوجد ،إذ ل دليل عنده على
فرض الصّلة والصّوم .
وقال الشّافعيّة :لو جهل تحريم الطّعام أو الوطء ،بأن كان قريب عهد بالسلم ،أو نشأ
بعيدا عن العلماء ،لم يفطر ،كما لو غلب عليه القيء .
ن الجاهل بأحكام الصّيام ل كفّارة عليه ،وليس هو كالعامد .
والمعتمد عند المالكيّة :أ ّ
وقسّم الدّسوقيّ الجاهل إلى ثلثة :
فجاهل حرمة الوطء ،وجاهل رمضان ،ل كفّارة عليهما ،وجاهل وجوب الكفّارة -مع
علمه بحرمة الفعل -تلزمه الكفّارة .
وأطلق الحنابلة وجوب الكفّارة ،كما قرّر بعض من المالكيّة ،وصرّحوا بالتّسوية بين
العامد والجاهل والمكره والسّاهي والمخطئ .
خامسا :عوارض الفطار :
-المراد بالعوارض :ما يبيح عدم الصّوم . 55
وهي :المرض ،والسّفر ،والحمل ،والرّضاع ،والهرم ،وإرهاق الجوع والعطش ،
والكراه .
أوّلً :المرض :
صحّة من علّة .
-المرض هو :كلّ ما خرج به النسان عن حدّ ال ّ 56
قال ابن قدامة :أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة .
ن أَيّامٍ ُأخَرَ } .
سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ
والصل فيه قول اللّه تعالى َ { :ومَن كَانَ َمرِيضا َأ ْو عَلَى َ
وعن سلمة بن الكوع رضي ال تعالى عنه قال » :لمّا نزلت هذه الية { :وَعَلَى الّذِينَ
سكِينٍ } كان من أراد أن يفطر ،يفطر ويفتدي ،حتّى أنزلت الية الّتي
طعَامُ ِم ْ
ُيطِيقُو َنهُ فِدْ َيةٌ َ
س وَبَيّنَاتٍ مّنَ
شهْرُ َرمَضَانَ الّ ِذيَ أُن ِزلَ فِي ِه ا ْلقُرْآنُ هُدىً لّلنّا ِ
بعدها يعني قوله تعالى َ { :
ن أَيّامٍ
سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ
ص ْمهُ َومَن كَانَ َمرِيضا َأوْ عَلَى َ
شهْرَ فَلْيَ ُ
شهِدَ مِن ُكمُ ال ّ
ا ْلهُدَى وَالْفُ ْرقَانِ َفمَن َ
ُأخَرَ } فنسختها « .
فالمريض الّذي يخاف زيادة مرضه بالصّوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو ،له أن يفطر ،
بل يسنّ فطره ،ويكره إتمامه ،لنّه قد يفضي إلى الهلك ،فيجب الحتراز عنه .
ثمّ إنّ شدّة المرض تجيز الفطر للمريض .
أمّا الصّحيح إذا خاف الشّدّة أو التّعب ،فإنّه ل يجوز له الفطر ،إذا حصل له بالصّوم مجرّد
شدّة تعب ،هذا هو المشهور عند المالكيّة ،وإن قيل بجواز فطره .
وقال الحنفيّة :إذا خاف الصّحيح المرض بغلبة الظّنّ فله الفطر ،فإن خافه بمجرّد الوهم ،
فليس له الفطر .
وقال المالكيّة :إذا خاف حصول أصل المرض بصومه ،فإنّه ل يجوز له الفطر -على
المشهور -إذ لعلّه ل ينزل به المرض إذا صام .وقيل :يجوز له الفطر .
فإن خاف كلّ من المريض والصّحيح الهلك على نفسه بصومه ،وجب الفطر .
وكذا لو خاف أذىً شديدا ،كتعطيل منفعة ،من سمع أو بصر أو غيرهما ،لنّ حفظ النّفس
والمنافع واجب ،وهذا بخلف الجهد الشّديد ،فإنّه يبيح الفطر للمريض ،قيل :والصّحيح
أيضا .
وقال الشّافعيّة :إنّ المريض -وإن تعدّى بفعل ما أمرضه -يباح له ترك الصّوم ،إذا
وجد به ضررا شديدا ،لكنّهم شرطوا لجواز فطره نيّة التّرخّص -كما قال الرّمليّ واعتمده
-وفرّقوا بين المرض المطبق ،وبين المرض المتقطّع :فإن كان المرض مطبقا ،فله ترك
النّيّة في اللّيل .
وإن كان يح ّم وينقطع ،نظر :فإن كان محموما وقت الشّروع في الصّوم ،فله ترك النّيّة ،
وإلّ فعليه أن ينوي من اللّيل ،فإن احتاج إلى الفطار أفطر .
ل ،ثمّ إن
ومثل ذلك الحصّاد والبنّاء والحارس -ولو متبرّعا -فتجب عليهم النّيّة لي ً
لحقتهم مشقّة أفطروا .
قال النّوويّ :ول يشترط أن ينتهي إلى حالة ل يمكنه فيها الصّوم ،بل قال أصحابنا :شرط
إباحة الفطر أن يلحقه بالصّوم مشقّة يشقّ احتمالها ،وأمّا المرض اليسير الّذي ل يلحق به
مشقّة ظاهره فلم يجز له الفطر ،بل خلف عندنا ،خلفا لهل الظّاهر .
وخوف الضّرر هو المعتبر عند الحنابلة ،أمّا خوف التّلف بسبب الصّوم فإنّه يجعل الصّوم
مكروها ،وجزم جماعة بحرمته ،ول خلف في الجزاء ،لصدوره من أهله في محلّه ،
كما لو أتمّ المسافر .
قالوا :ولو تحمّل المريض الضّرر ،وصام معه ،فقد فعل مكروها ،لما يتضمّنه من
الضرار بنفسه ،وتركه تخفيفا من اللّه وقبول رخصته ،لكن يصحّ صومه ويجزئه ،لنّه
عزيمة أبيح تركها رخصةً ،فإذا تحمّله أجزأه ،لصدوره من أهله في محلّه ،كما أتمّ
المسافر ،وكالمريض الّذي يباح له ترك الجمعة ،إذا حضرها .
قال في المبدع :فلو خاف تلفا بصومه ،كره ،وجزم جماعة بأنّه يحرم .ولم يذكروا خلفا
في الجزاء .
ولخصّ ابن جزيّ من المالكيّة أحوال المريض بالنّسبة إلى الصّوم ،وقال :للمريض
أحوال :الولى :أن ل يقدر على الصّوم أو يخاف الهلك من المرض أو الضّعف إن صام ،
فالفطر عليه واجب .
ي :مستحبّ .
الثّانية :أن يقدر على الصّوم بمشقّة ،فالفطر له جائز ،وقال ابن العرب ّ
الثّالثة :أن يقدر بمشقّة ،ويخاف زيادة المرض ،ففي وجوب فطره قولن .
الرّابعة :أن ل يشقّ عليه ،ول يخاف زيادة المرض ،فل يفطر عند الجمهور ،خلفا
لبن سيرين .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه إذا أصبح الصّحيح صائما ،ثمّ مرض ،جاز له الفطر بل خلف ،
لنّه أبيح له الفطر للضّرورة ،والضّرورة موجودة ،فجاز له الفطر .
ثانيا :السّفر :
-يشترط في السّفر المرخّص في الفطر ما يلي : 57
أ -أن يكون السّفر طويلً ممّا تقصر فيه الصّلة قال ابن رشد :وأمّا المعنى المعقول من
إجازة الفطر في السّفر فهو المشقّة ،ولمّا كانت ل توجد في كلّ سفر ،وجب أن يجوز
الفطر في السّفر الّذي فيه المشقّة ،ولمّا كان الصّحابة كأنّهم مجمعون على الحدّ في ذلك ،
وجب أن يقاس ذلك على الحدّ في تقصير الصّلة .
ب -أن ل يعزم المسافر القامة خلل سفره مدّة أربعة أيّام بلياليها عند المالكيّة
والشّافعيّة ،وأكثر من أربعة أيّام عند الحنابلة ،وهي نصف شهر أو خمسة عشر يوما عند
الحنفيّة .
ج -أن ل يكون سفره في معصية ،بل في غرض صحيح عند الجمهور ،وذلك :لنّ
الفطر رخصة وتخفيف ،فل يستحقّها عاص بسفره ،بأن كان مبنى سفره على المعصية ،
ل.
كما لو سافر لقطع طريق مث ً
والحنفيّة يجيزون الفطر للمسافر ،ولو كان عاصيا بسفره ،عملً بإطلق النّصوص
ن نفس السّفر ليس بمعصية ،وإنّما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره ،
المرخّصة ،ول ّ
والرّخصة تتعلّق بالسّفر ل بالمعصية .
د -أن يجاوز المدينة وما يتّصل بها ،والبناءات والفنية والخبية .
وذهب عامّة الصّحابة والفقهاء ،إلى أنّ من أدرك هلل رمضان وهو مقيم ،ثمّ سافر ،
جاز له الفطر ،لنّ اللّه تعالى جعل مطلق السّفر سبب الرّخصة ،بقوله َ { :ومَن كَانَ
سفَرٍ َفعِدّ ٌة مّنْ أَيّامٍ ُأخَرَ } ،ولما ثبت من » أنّ رسول اللّه صلى ال عليه
مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافرًا ،وأفطر « .
ولنّ السّفر إنّما كان سبب الرّخصة لمكان المشقّة .
وحكى النّوويّ عن أبي مخلد التّابعيّ أنّه ل يسافر ،فإن سافر لزمه الصّوم وحرّم الفطر
وعن سويد بن غفلة التّابعيّ :أنّه يلزمه الصّوم بقيّة الشّهر ،ول يمتنع السّفر ،واستدلّ
ص ْمهُ } .
شهْرَ فَلْيَ ُ
شهِ َد مِنكُمُ ال ّ
لهما بقوله تعالى َ { :فمَن َ
ي وابن عبّاس -رضي ال تعالى عنهم -أنّه إذا أهلّ في المصر ،
حكى الكاسانيّ عن عل ّ
ثمّ سافر ،ل يجوز له أن يفطر .
ص ْمهُ } .
شهْرَ فَلْيَ ُ
شهِدَ مِن ُكمُ ال ّ
واستدلّ لهم بقوله تعالى َ { :فمَن َ
ولنّه لمّا استهلّ في الحضر لزمه صوم القامة ،وهو صوم الشّهر حتما ،فهو بالسّفر
يريد إسقاطه عن نفسه فل يملك ذلك ،كاليوم الّذي سافر فيه ،فإنّه ل يجوز له أن يفطر
-وفي وقت جواز الفطر للمسافر ثلث أحوال : 58 فيه .
الولى :أن يبدأ السّفر قبل الفجر ،أو يطلع الفجر وهو مسافر ،وينوي الفطر ،فيجوز له
ي -لنّه متّصف بالسّفر ،عند وجود سبب الوجوب .
الفطر إجماعا -كما قال ابن جز ّ
الثّانية :أن يبدأ السّفر بعد الفجر ،بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده ،ثمّ يسافر بعد طلوع
الفجر ،أو خلل النّهار ،فإنّه ل يحلّ له الفطر بإنشاء السّفر بعدما أصبح صائما ،ويجب
عليه إتمام ذلك اليوم ،وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وهو الصّحيح من مذهب الشّافعيّة ،
ورواية عن أحمد .وذلك تغليبا لحكم الحضر .
ومع ذلك ل كفّارة عليه في إفطاره عند الحنفيّة ،وفي المشهور من مذهب المالكيّة ،خلفا
لبن كنانة ،وذلك للشّبهة في آخر الوقت .ولنّه لمّا سافر بعد الفجر صار من أهل الفطر ،
فسقطت عنه الكفّارة .
والصّحيح عند الشّافعيّة أنّه يحرم عليه الفطر حتّى لو أفطر بالجماع لزمته الكفّارة .
والمذهب عند الحنابلة وهو أصحّ الرّوايتين عن أحمد ،وهو ما ذهب إليه المزنيّ وغيره
من الشّافعيّة :أنّ من نوى الصّوم في الحضر ،ثمّ سافر في أثناء اليوم ،طوعا أو كرها ،
فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة ،وخروجه من بين بنيانها ،واستدلّوا
بما يلي :
ن أَيّا ٍم أُخَرَ } .
سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ
ن مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
ظاهر قوله تعالى َ { :ومَن كَا َ
وحديث جابر -رضي ال تعالى عنه » -أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم خرج إلى
مكّة عام الفتح فصام حتّى بلغ كراع الغميم ،وصام النّاس معه ،فقيل له :إنّ النّاس قد
شقّ عليهم الصّيام ،وإنّ النّاس ينظرون فيما فعلت ،فدعا بقدح من ماء بعد العصر ،
فشرب -والنّاس ينظرون إليه -فأفطر بعضهم ،وصام بعضهم ،فبلغه أنّ ناسا صاموا ،
فقال :أولئك العصاة « .
وحديث ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما قال » :خرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
عام الفتح إلى مكّة ،في شهر رمضان ،فصام حتّى م ّر بغدير في الطّريق ،وذلك في نحر
الظّهيرة .قال :فعطش النّاس ،وجعلوا يمدّون أعناقهم ،وتتوق أنفسهم إليه .قال :فدعا
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقدح فيه ماء ،فأمسكه على يده ،حتّى رآه النّاس ،ثمّ
شرب ،فشرب النّاس « .
ن السّفر مبيح للفطر ،فإباحته في أثناء النّهار كالمرض الطّارئ ولو كان بفعله .
وقالوا :إ ّ
وقال الّذين أباحوه من الشّافعيّة :إنّه تغليب لحكم السّفر .
ن الفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى
وقد نصّ الحنابلة ،المؤيّدون لهذا الرّأي على أ ّ
صومه إتمام صوم ذلك اليوم ،خروجا من خلف من لم يبح له الفطر ،وهو قول أكثر
العلماء ،تغليبا لحكم الحضر ،كالصّلة .
الثّالثة :أن يفطر قبل مغادرة بلده .
وقد منع من ذلك الجمهور ،وقالوا :إنّ رخصة السّفر ل تتحقّق بدونه ،كما ل تبقى
شهِدَ مِن ُكمُ
بدونه ،ولمّا يتحقّق السّفر بعد ،بل هو مقيم وشاهد ،وقد قال تعالى َ { :فمَن َ
ص ْمهُ } ول يوصف بكونه مسافرا حتّى يخرج من البلد ،ومهما كان في البلد فله
شهْرَ فَلْيَ ُ
ال ّ
أحكام الحاضرين ،ولذلك ل يقصر الصّلة .
والجمهور الّذين قالوا بعدم جواز الفطار في هذه الصّورة ،اختلفوا فيما إذا أكل ،هل عليه
كفّارة ؟ فقال مالك :ل .وقال أشهب :هو متأوّل وقال غيرهما :يكفّر .
وقال ابن جزيّ :فإن أفطر قبل الخروج ،ففي وجوب الكفّارة عليه ثلثة أقوال :يفرّق في
الثّالث بين أن يسافر فتسقط ،أو ل ،فتجب .
ل ،وأصبح
-ويتّصل بهذه المسائل في إفطار المسافر :ما لو نوى في سفره الصّوم لي ً 59
صائما ،من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ،ل يحلّ فطره في ذلك اليوم عند الحنفيّة
والمالكيّة ،وهو وجه محتمل عند الشّافعيّة ،ولو أفطر ل كفّارة عليه للشّبهة .
قال ابن عابدين :وكذا ل كفّارة عليه بالولى ،لو نوى نهارا .
وقال ابن جزيّ :من كان في سفر ،فأصبح على نيّة الصّوم ،لم يجز له الفطر إلّ بعذر ،
كالتّغذّي للقاء العدوّ ،وأجازه مطرّف من غير عذر ،وعلى المشهور :إن أفطر ،ففي
وجوب الكفّارة ثلثة أقوال :يفرّق في الثّالث بين أن يفطر بجماع فتجب ،أو بغيره فل
تجب.
لكن الّذي في شروح خليل ،وفي حاشية الدّسوقيّ :أنّه إذا بيّت نيّة الصّوم في السّفر
وأصبح صائما فيه ثمّ أفطر ،لزمته الكفّارة سواء أفطر متأ ّو ًل أم ل .فسأل سحنون ابن
القاسم ،عن الفرق بين من بيّت الصّوم في الحضر ثمّ أفطر بعد أن سافر بعد الفجر من
غير أن ينويه فل كفّارة عليه ،وبين من نوى الصّوم في السّفر ثمّ أفطر فعليه الكفّارة ؟
فقال :لنّ الحاضر من أهل الصّوم ،فسافر فصار من أهل الفطر ،فسقطت عنه الكفّارة ،
والمسافر مخيّر فيهما ،فاختار الصّوم وترك الرّخصة ،فصار من أهل الصّيام ،فعليه ما
عليهم من الكفّارة .
والشّافعيّة في المذهب ،والحنابلة قالوا :لو أصبح صائما في السّفر ،ثمّ أراد الفطر ،جاز
ن العذر قائم -وهو السّفر -أو لدوام العذر -كما يقول المحلّيّ .
من غير عذر ،ل ّ
وممّا استدلّوا به حديث ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما ... » :فصام حتّى م ّر بغدير في
الطّريق « .
وحديث جابر -رضي ال تعالى عنه ... » -فصام حتّى بلغ كراع الغميم « .
قال ابن قدامة :وهذا نصّ صريح ،ل يعرج على ما خالفه .
قال النّوويّ :وفيه احتمال لمام الحرمين ،وصاحب المهذّب :أنّه ل يجوز ،لنّه دخل في
فرض المقيم ،فل يجوز له التّرخّص برخصة المسافر ،كما لو دخل في الصّلة بنيّة
التمام ،ثمّ أراد أن يقصر ،وإذا قلنا بالمذهب ،ففي كراهة الفطر وجهان ،وأصحّهما أنّه
ل يلزمه ذلك ،للحديث الصّحيح ،أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فعل ذلك .
ن من أبيح له
وزاد الحنابلة أنّ له الفطر بما شاء ،من جماع وغيره ،كأكل وشرب ،ل ّ
الكل أبيح له الجماع ،كمن لم ينو ،ول كفّارة عليه بالوطء ،لحصول الفطر بالنّيّة قبل
الجماع ،فيقع الجماع بعده .
صحّة الصّوم في السّفر :
ن الصّوم في السّفر جائز
-ذهب الئمّة الربعة ،وجماهير الصّحابة والتّابعين إلى أ ّ 60
الوّل :إذا عاد المسافر إلى بلده ،ودخل وطنه ،وهو محلّ إقامته ،ولو كان دخوله بشيء
نسيه ،يجب عليه الصّوم ،كما لو قدم ليلً ،أو قدم قبل نصف النّهار عند الحنفيّة .
أمّا لو قدم نهارا ،ولم ينو الصّوم ليلً ،أو قدم بعد نصف النّهار -عند الحنفيّة ،ولم يكن
نوى الصّوم قبلً -فإنّه يمسك بقيّة النّهار ،على خلف وتفصيل في وجوب إمساكه .
الثّاني :إذا نوى المسافر القامة مطلقا ،أو مدّة القامة الّتي تقدّمت في شروط جواز فطر
المسافر في مكان واحد ،وكان المكان صالحا للقامة ،ل كالسّفينة والمفازة ودار الحرب ،
فإنّه يصير مقيما بذلك ،فيتمّ الصّلة ،ويصوم ول يفطر في رمضان ،لنقطاع حكم السّفر
.وصرّحوا بأنّه يحرم عليه الفطر -على الصّحيح -لزوال العذر ،وفي قول يجوز له
الفطر ،اعتبارا بأوّل اليوم .
ي :إنّ السّفر ل يبيح قصرا ول فطرا إلّ بالنّيّة والفعل ،بخلف القامة ،فإنّها
قال ابن جز ّ
توجب الصّوم والتمام بالنّيّة دون الفعل .
وإذا لم ينو القامة لكنّه أقام لقضاء حاجة له ،بل نيّة إقامة ،ول يدري متى تنقضي ،أو
كان يتوقّع انقضاءها في كلّ وقت ،فإنّه يجوز له أن يفطر ،كما يقصر الصّلة .
قال الحنفيّة :ولو بقي على ذلك سنين .
ن أنّها ل تنقضي إلّ فوق أربعة أيّام عند الجمهور ،أو خمسة عشر يوما عند
فإن ظ ّ
الحنفيّة ،فإنّه يعتبر مقيما ،فل يفطر ول يقصر ،إلّ إذا كان الفرض قتالً -كما قال
الغزاليّ -فإنّه يترخّص على أظهر القولين ،أو دخل المسلمون أرض الحرب أو حاصروا
حصنا فيها ،أو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر ،فإنّ لسطح البحر حكم دار
الحرب .
ودليل هذا » :أنّه -صلى ال عليه وسلم -أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصّلة «
ويلحظ أنّ الفطر كالقصر الّذي نصّوا عليه في صلة المسافر ،من حيث التّرخّص ،فإنّ
المسافر له سائر رخص السّفر .
ثالثا :الحمل والرّضاع :
-الفقهاء متّفقون على أنّ الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان ،بشرط أن 62
تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته ،أو الضّرر أو الهلك ،فالولد من
الحامل بمنزلة عضو منها ،فالشفاق عليه من ذلك كالشفاق منه على بعض أعضائها .
قال الدّردير :ويجب -يعني الفطر -إن خافتا هلكا أو شديد أذىً ،ويجوز إن خافتا عليه
المرض أو زيادته .
ونصّ الحنابلة على كراهة صومهما ،كالمريض .
ن أَيّامٍ ُأخَرَ } وليس
سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ
ودليل ترخيص الفطر لهما َ { :ومَن كَانَ َمرِيضا َأ ْو عَلَى َ
المراد من المرض صورته ،أو عين المرض ،فإنّ المريض الّذي ل يضرّه الصّوم ليس له
أن يفطر ،فكان ذكر المرض كنايةً عن أمر يض ّر الصّوم معه ،وهو معنى المرض ،وقد
وجد هاهنا ،فيدخلن تحت رخصة الفطار .
ن الحمل مرض حقيقةً ،والرّضاع في حكم المرض ،وليس مرضا
وصرّح المالكيّة بأ ّ
حقيقةً .وكذلك ،من أدلّة ترخيص الفطر لهما ،حديث أنس بن مالك الكعبيّ رضي ال
ن اللّه وضع عن المسافر
تعالى عنه أنّ رسول اللّه -صلى ال عليه وسلم -قال » :إ ّ
الصّوم وشطر الصّلة ،وعن الحامل أو المرضع الصّوم أو الصّيام « وفي لفظ بعضهم » :
عن الحبلى والمرضع « .
ى وسواء أكانت
ص القليوبيّ -كلّ حمل ،ولو من زن ً
وإطلق لفظ الحامل يتناول -كما ن ّ
المرضع أمّا للرّضيع ،أم كانت مستأجرةً لرضاع غير ولدها ،في رمضان أو قبله ،فإنّ
فطرها جائز ،على الظّاهر عند الحنفيّة ،وعلى المعتمد عند الشّافعيّة ،بل لو كانت
متبرّع ًة ولو مع وجود غيرها ،أو من زنىً ،جاز لها الفطر مع الفدية .
وقال بعض الحنفيّة ،كابن الكمال والبهنسيّ :تقيّد المرضع بما إذا تعيّنت للرضاع ،
كالظّئر بالعقد ،والمّ بأن لم يأخذ ثدي غيرها ،أو كان الب معسرا ،لنّه حينئذ واجب
ن الرضاع واجب على المّ ديان ًة مطلقا وإن لم تتعيّن
عليها ،لكن ظاهر الرّواية خلفه ،وأ ّ
،وقضا ًء إذا كان الب معسرا ،أو كان الولد ل يرضع من غيرها .
وأمّا الظّئر فلنّه واجب عليها بالعقد ،ولو كان العقد في رمضان ،خلفا لمن قيّد الحلّ
بالجارة قبل رمضان .
كما قال بعض الشّافعيّة كالغزاليّ :يقيّد فطر المرضع ،بما إذا لم تكن مستأجرةً لرضاع
غير ولدها ،أو لم تكن متبرّع ًة ،لكن المعتمد المصحّح عندهم خلفه ،قياسا على السّفر
فإنّه يستوي في جواز الفطار به من سافر لغرض نفسه ،وغرض غيره ،بأجرة وغيرها
.
رابعا :الشّيخوخة والهرم :
-وتشمل الشّيخوخة والهرم ما يلي : 63
الشّيخ الفاني ،وهو الّذي فنيت قوّته ،أو أشرف على الفناء ،وأصبح كلّ يوم في نقص
إلى أن يموت .
المريض الّذي ل يرجى برؤه ،وتحقّق اليأس من صحّته .
العجوز ،وهي المرأة المسنّة .
قال البهوتيّ :المريض الّذي ل يرجى برؤه في حكم الكبير .
وقيّد الحنفيّة عجز الشّيخوخة والهرم ،بأن يكون مستمرّا ،فلو لم يقدرا على الصّوم لشدّة
ل ،كان لهما أن يفطرا ،ويقضياه في الشّتاء .
الحرّ مث ً
ول خلف بين الفقهاء في أنّه ل يلزمهما الصّوم ،ونقل ابن المنذر الجماع عليه ،وأنّ
لهما أن يفطرا ،إذا كان الصّوم يجهدهما ويشقّ عليهما مش ّقةً شديدةً .
ي :إنّ الشّيخ والعجوز العاجزين عن الصّوم ،يجوز لهما الفطر إجماعا ،ول
قال ابن جز ّ
قضاء عليهما .
والصل في شرعيّة إفطار من ذكر :
سكِينٍ } فقد قيل في بعض وجوه
ن ُيطِيقُو َنهُ فِدْ َي ٌة طَعَامُ ِم ْ
أ -قوله تعالى { :وَعَلَى الّذِي َ
التّأويل :إنّ ( ل ) مضمرة في الية ،والمعنى :وعلى الّذين ل يطيقونه .
وقال ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما :الية ليست بمنسوخة ،وهي للشّيخ الكبير ،
والمرأة الكبيرة ،ل يستطيعان أن يصوما ،فيطعمان مكان كلّ يوم مسكينا .
والية في محلّ الستدلل ،حتّى على القول بنسخها ،لنّها إن وردت في الشّيخ الفاني
-كما ذهب إليه بعض السّلف -فظاهر ،وإن وردت للتّخيير فكذلك ،لنّ النّسخ إنّما يثبت
في حقّ القادر على الصّوم ،فبقي الشّيخ الفاني على حاله كما كان .
جعَلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ ِمنْ
ب -والعمومات القاضية برفع الحرج ،كقوله تعالى َ { :ومَا َ
حَرَجٍ } .
وموجب الفطار بسبب الشّيخوخة عند الحنفيّة والحنابلة ،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،
وهو قول عند المالكيّة :وجوب الفدية ،ويأتي تفصيله .
خامسا :إرهاق الجوع والعطش :
-من أرهقه جوع مفرط ،أو عطش شديد ،فإنّه يفطر ويقضي . 64
وأفردوا لها أحكاما كلّما عرضت في الصّوم ،كالحيض والنّفاس والغماء والجنون والسّكر
والنّوم والرّدّة والغفلة .
وأحكامهما تنظر في مصطلحاتها .
ما يفسد الصّوم ويوجب القضاء والكفّارة :
أوّلً :الجماع عمدا :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ جماع الصّائم في نهار رمضان عامدا مختارا بأن يلتقي 68
الختانان وتغيب الحشفة في أحد السّبيلين مفطر يوجب القضاء والكفّارة ،أنزل أو لم ينزل .
ن الخلل انجبر بالكفّارة .
وفي قول ثان للشّافعيّة ل يجب القضاء ،ل ّ
وفي قول ثالث لهم :إن كفّر بالصّوم دخل فيه القضاء ،وإلّ فل يدخل فيجب القضاء .
وعند الحنابلة :إذا جامع في نهار رمضان -بل عذر -آدميّا أو غيره حيّا أو ميّتا أنزل أم
ل أو مخطئا ،مختارا أو مكرها ،
ل فعليه القضاء والكفّارة ،عامدا كان أو ساهيا ،أو جاه ً
ي صلى
وهذا لحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال » :بينما نحن جلوس عند النّب ّ
ال عليه وسلم إذ جاءه رجل ،فقال :يا رسول اللّه ،هلكت ،قال :ما لك ؟ قال :وقعت
على امرأتي وأنا صائم ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم هل تجد رقب ًة تعتقها ؟ قال :
ل .قال :فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال :ل .قال :فهل تجد إطعام ستّين
ي صلى ال عليه وسلم فبينا نحن على ذلك ،أتي النّبيّ
مسكينا ؟ قال :ل .قال :فمكث النّب ّ
صلى ال عليه وسلم بعرَقٍ فيها تمر ،قال :أين السّائل ؟ فقال :أنا ،قال :خذ هذا
فتصدّق به ،فقال الرّجل :على أفقر منّي يا رسول اللّه ،فواللّه ما بين لبتيها -يريد
ي صلى ال عليه وسلم حتّى بدت
الحرّتين -أهل بيت أفقر من أهل بيتي ،فضحك النّب ّ
أنيابه ،ثمّ قال :أطعمه أهلك « .
ول خلف في فساد صوم المرأة بالجماع لنّه نوع من المفطرات ،فاستوى فيه الرّجل
والمرأة .وإنّما الخلف في وجوب الكفّارة عليها :
فمذهب أبي حنيفة ومالك وقول للشّافعيّ ،ورواية عن أحمد وهي المذهب عند الحنابلة ،
وجوب الكفّارة عليها أيضا ،لنّها هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها كالرّجل .
ن السّبب في ذلك هو جناية الفساد ،ل نفس الوقاع ،
وعلّل الحنفيّة وجوبها عليها ،بأ ّ
وقد شاركته فيها ،وقد استويا في الجناية ،والبيان في حقّ الرّجل بيان في حقّ المرأة ،
فقد وجد فساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمّد ،فتجب الكفّارة عليها بدللة
ن الكفّارة عبادة أو عقوبة ،ول يجري فيها التّحمّل .
النّصّ ،ول يتحمّل الرّجل عنها ،ل ّ
ن النّبيّ
وفي قول للشّافعيّ وهو الصحّ ،ورواية أخرى عن أحمد :أنّه ل كفّارة عليها ،ل ّ
صلى ال عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبةً ،ولم يأمر المرأة بشيء ،مع
ن الجماع فعله ،وإنّما هي محلّ الفعل .
علمه بوجود ذلك منها .ول ّ
وفي قول للشّافعيّة :تجب ،ويتحمّلها الرّجل .
وروي عن أحمد :أنّ الزّوج تلزمه كفّارة واحدة عنهما ،وضعّفها بعض الحنابلة بأنّ
الصل عدم التّداخل .
وقال ابن عقيل من الحنابلة :إن أكرهت المرأة على الجماع في نهار رمضان حتّى مكّنت
الرّجل منها لزمتها الكفّارة ،وإن غصبت أو أتيت نائمةً فل كفّارة عليها .
ثانيا :الكل والشّرب عمدا :
-ممّا يوجب القضاء والكفّارة ،عند الحنفيّة والمالكيّة :الكل والشّرب . 69
فإذا أكل الصّائم ،في أداء رمضان أو شرب غذا ًء أو دواءً ،طائعا عامدا ،بغير خطأ ول
إكراه ول نسيان ،أفطر وعليه الكفّارة .
وضابطه عند الحنفيّة :وصول ما فيه صلح بدنه لجوفه ،بأن يكون ممّا يؤكل عادةً على
قصد التّغذّي أو التّداوي أو التّلذّذ ،أو ممّا يميل إليه الطّبع ،وتنقضي به شهوة البطن ،
وإن لم يكن فيه صلح البدن ،بل ضرره .
ل ،وأن ل يكون مكرها ،وأن ل يطرأ
وشرطوا أيضا لوجوب الكفّارة :أن ينوي الصّوم لي ً
عذر شرعيّ ل صنع له فيه ،كمرض وحيض .
صةً ،عمدا قصدا لنتهاك حرمة الصّوم ،
وشرط المالكيّة :أن يكون إفساد صوم رمضان خا ّ
من غير سبب مبيح للفطر .
وتجب الكفّارة في شرب الدّخان عند الحنفيّة والمالكيّة ،فإنّه ربّما أضرّ البدن ،لكن تميل
إليه بعض الطّباع ،وتنقضي به شهوة البطن ،يضاف إلى ذلك أنّه مفتر وحرام ،لحديث
أ ّم سلمة رضي ال تعالى عنها قالت » :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن كلّ
مسكر ومفتر « .
ودليل وجوب الكفّارة على من أكل أو شرب عمدا ،ما ورد في الصّحيح عن أبي هريرة
رضي ال تعالى عنه » :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمر رجلً أفطر في رمضان ،
أن يعتق رقب ًة أو يصوم شهرين متتابعين ،أو يطعم ستّين مسكينا « فإنّه علّق الكفّارة
بالفطار ،وهي وإن كانت واقعة حال ل عموم لها ،لكنّها علّقت بالفطار ،ل باعتبار
خصوص الفطار ولفظ الرّاوي عامّ ،فاعتبر ،كقوله » :قضى بالشّفعة للجار « .
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة عدم وجوب الكفّارة على من أكل أو شرب عمدا في نهار
ن النّصّ -وهو حديث العرابيّ الّذي وقع على امرأته في رمضان
رمضان أداءً ،وذلك ل ّ
-ورد في الجماع ،وما عداه ليس في معناه .
ولنّه ل نصّ في إيجاب الكفّارة بهذا ،ول إجماع .
ول يصحّ قياسه على الجماع ،لنّ الحاجة إلى الزّجر عنه أمسّ ،والحكمة في التّعدّي به
آكد ،ولهذا يجب به الحدّ إذا كان محرّما .
ثالثا :رفع ال ّنيّة :
-وممّا يوجب الكفّارة عند المالكيّة ،ما لو تعمّد رفع النّيّة نهارًا ،كأن يقول وهو صائم 70
ن الجماع في حال النّسيان ل يفطّر قياسا على الكل والشّرب ناسيا .
وابن المنذر إلى أ ّ
ن من جامع ناسيا فسد
وذهب المالكيّة في المشهور -وهو ظاهر مذهب الحنابلة -إلى أ ّ
صومه ،وعليه القضاء فقط عند المالكيّة ،والقضاء والكفّارة عند الحنابلة .
ثالثا :دخول الغبار ونحوه حلق الصّائم :
-إذا دخل حلق الصّائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه ،بل صنعه ،ولو كان الصّائم 73
ذاكرا لصومه ،لم يفطر إجماعا -كما قال ابن جزيّ -لعدم قدرته على المتناع عنه ،ول
يمكن الحتراز منه .
ل نحو القطرة أو القطرتين فإنّه ل يفسد صومه ،لنّ
وكذلك إذا دخل الدّمع حلقه وكان قلي ً
التّحرّز منه غير ممكن .
وإن كان كثيرا حتّى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه .
رابعا :الدّهان :
-لو دهن الصّائم رأسه ،أو شاربه ل يضرّه ذلك ،وكذا لو اختضب بحنّاء ،فوجد 74
الطّعم في حلقه لم يفسد صومه ،ول يجب عليه القضاء ،إذ ل عبرة بما يكون من
المسامّ ،وهذا قول الجمهور .
ن المعروف من المذهب وجوب القضاء .
لكن صرّح الدّردير من المالكيّة ،بأ ّ
خامسا :الحتلم :
-إذا نام الصّائم فاحتلم ل يفسد صومه ،بل يتمّه إجماعا ،إذا لم يفعل شيئا يحرم عليه 75
الرّيق ،بشرط أن يبصق بعد مجّ الماء ،لختلط الماء بالبصاق ،فل يخرج بمجرّد المجّ ،
ول تشترط المبالغة في البصق ،لنّ الباقي بعده مجرّد بلل ورطوبة ،ل يمكن التّحرّز عنه
.
سابعا :ابتلع ما بين السنان :
ل ،ل يفسد ول يفطر ،لنّه تبع لريقه ،ولنّه ل
-ابتلع ما بين السنان ،إذا كان قلي ً 77
يمكن الحتراز عنه ،بخلف الكثير فإنّه ل يبقى بين السنان ،والحتراز عنه ممكن .
والقليل :هو ما دون الحمّصة ،ولو كان قدرها أفطر .
ن الفم
ومذهب زفر ،وهو قول للشّافعيّة :فساد الصّوم مطلقا ،بابتلع القليل والكثير ،ل ّ
ي -ولو أكل القليل
له حكم الظّاهر ،ولهذا ل يفسد صومه بالمضمضة -كما قال المرغينان ّ
من خارج فمه أفطر ،فكذا إذا أكل من فمه .
وللشّافعيّة قول آخر بعدم الفطار به مطلقا .
وشرط الشّافعيّة والحنابلة ،لعدم الفطار بابتلع ما بين السنان شرطين :
أوّلهما :أن ل يقصد ابتلعه .
والخر :أن يعجز عن تمييزه ومجّه ،لنّه معذور فيه غير مفرّط ،فإن قدر عليهما أفطر ،
ولو كان دون الحمّصة ،لنّه ل مشقّة في لفظه ،والتّحرّز عنه ممكن .
ومذهب المالكيّة :عدم الفطار بما سبق إلى جوفه من بين أسنانه ،ولو عمدا ،لنّه أخذه
في وقت يجوز له أخذه فيه -كما يقول الدّسوقيّ -وقيل :ل يفطر ،إلّ إن تعمّد بلعه
فيفطر ،أمّا لو سبق إلى جوفه فل يفطر .
ثامنا :دم اللّثة والبصاق :
-لو دميت لثته ،فدخل ريقه حلقه مخلوطا بالدّم ،ولم يصل إلى جوفه ،ل يفطر عند 78
الحنفيّة ،وإن كان الدّم غالبا على الرّيق ،لنّه ل يمكن الحتراز منه ،فصار بمنزلة ما
بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة ،أمّا لو وصل إلى جوفه ،فإن غلب الدّم فسد
صومه ،وعليه القضاء ول كفّارة ،وإن غلب البصاق فل شيء عليه ،وإن تساويا ،
فالقياس أن ل يفسد وفي الستحسان يفسد احتياطا .
ولو خرج البصاق على شفتيه ثمّ ابتلعه ،فسد صومه ،وفي الخانيّة :ترطّبت شفتاه
ببزاقه ،عند الكلم ونحوه ،فابتلعه ،ل يفسد صومه ،وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة .
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة :الفطار بابتلع الرّيق المختلط بالدّم ،لتغيّر الرّيق ،والدّم
نجس ل يجوز ابتلعه وإذا لم يتحقّق أنّه بلع شيئا نجسا ل يفطر ،إذ ل فطر ببلع ريقه
الّذي لم تخالطه النّجاسة .
تاسعا :ابتلع النّخامة :
-النّخامة هي :النّخاعة ،وهي ما يخرجه النسان من حلقه ،من مخرج الخاء 79
المعجمة .
قال الفيّوميّ :هكذا قيّده ابن الثير ،وهكذا قال المطرّزيّ ،وزاد :ما يخرج من الخيشوم
عند التّنحنح .
ومذهب الحنفيّة ،والمعتمد عند المالكيّة :أنّ النّخامة سواء أكانت مخاطا نازلً من
الرّأس ،أم بلغما صاعدا من الباطن ،بالسّعال أو التّنحنح -ما لم يفحش البلغم -ل يفطر
ن البلغم ل يفطر مطلقا ،ولو وصل إلى طرف اللّسان ،
مطلقا .وفي نصوص المالكيّة :إ ّ
لمشقّته ،خلفا لخليل ،الّذي رأى الفساد ،فيما إذا أمكن طرحه ،بأن جاوز الحلق ،ثمّ
ن عليه القضاء .
أرجعه وابتلعه ،وأ ّ
وفي رواية عن أحمد أنّ ابتلع النّخامة ل يفطر ،لنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج،
فأشبه الرّيق .
وعند الشّافعيّة هذا التّفصيل :
إن اقتلع النّخامة من الباطن ،ولفظها فل بأس بذلك في الصحّ ،لنّ الحاجة إليه ممّا
يتكرّر ،وفي قول :يفطر بها كالستقاءة .
ولو صعدت بنفسها ،أو بسعاله ،ولفظها لم يفطر جزما .
ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم ،أفطر جزما .
وإذا حصلت في ظاهر الفم ،يجب قطع مجراها إلى الحلق ،ومجّها ،فإن تركها مع القدرة
على ذلك ،فوصلت إلى الجوف ،أفطر في الصحّ ،لتقصيره ،وفي قول :ل يفطر ،لنّه
لم يفعل شيئا ،وإنّما أمسك عن الفعل .
ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم ،أفطر جزما .
ونصّ الحنابلة على أنّه يحرم على الصّائم بلع نخامة ،إذا حصلت في فمه ،ويفطر بها إذا
بلعها ،سواء أكانت في جوفه أم صدره ،بعد أن تصل إلى فمه ،لنّها من غير الفم ،
فأشبه القيء ،ولنّه أمكن التّحرّز منها فأشبه الدّم .
من أجل هذا الخلف ،نبّه ابن الشّحنة على أنّه ينبغي إلقاء النّخامة ،حتّى ل يفسد صومه
على قول المام الشّافعيّ ،وليكون صومه صحيحا بالتّفاق لقدرته على مجّها .
عاشرا :القيء :
-يفرّق بين ما إذا خرج القيء بنفسه ،وبين الستقاءة . 80
وعبّر الفقهاء عن الوّل ،بما :إذا ذرعه القيء ،أي غلب القيء الصّائم .
فإذا غلب القيء ،فل خلف بين الفقهاء في عدم الفطار به ،ق ّل القيء أم كثر ،بأن مل
الفم ،وهذا لحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه
قال » :من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ،ومن استقاء عمدا فليقض « .
أمّا لو عاد القيء بنفسه ،في هذه الحال ،بغير صنع الصّائم ،ولو كان ملء الفم ،مع
تذكّر الصّائم للصّوم ،فل يفسد صومه ،عند محمّد -من الحنفيّة -وهو الصّحيح
عندهم ،لعدم وجود الصّنع منه ،ولنّه لم توجد صورة الفطر ،وهي البتلع ،وكذا معناه
،لنّه ل يتغذّى به عاد ًة ،بل النّفس تعافه .
وعند أبي يوسف :يفسد صومه ،لنّه خارج ،حتّى انتقضت به الطّهارة ،وقد دخل .
وإن أعاده ،أو عاد قدر حمّصة منه فأكثر ،فسد صومه باتّفاق الحنفيّة ،لوجود الدخال
بعد الخروج ،فتتحقّق صورة الفطر ول كفّارة فيه .
وإن كان أقلّ من ملء الفم ،فعاد ،لم يفسد صومه ،لنّه غير خارج ،ول صنع له في
الدخال .
وإن أعاده فكذلك عند أبي يوسف لعدم الخروج ،وعند محمّد يفسد صومه ،لوجود الصّنع
منه في الدخال .
ومذهب المالكيّة :أنّ المفطر في القيء هو رجوعه ،سواء أكان القيء لعلّة أو امتلء
معدة ،ق ّل أو كثر ،تغيّر أو ل ،رجع عمدا أو سهوا ،فإنّه مفطر وعليه القضاء .
ومذهب الحنابلة :أنّه لو عاد القيء بنفسه ،ل يفطر لنّه كالمكره ،ولو أعاده أفطر ،كما
لو أعاد بعد انفصاله عن الفم .
-أمّا الستقاءة ،وهي :استخراج ما في الجوف عمدا ،أو هي :تكلّف القيء فإنّها 81
مفسدة للصّوم موجبة للقضاء عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -مع
اختلفهم في الكفّارة .
وروي عند الحنابلة ،أنّه ل يفطر بالستقاءة إلّ بملء الفم ،قال ابن عقيل :ول وجه لهذه
الرّواية عندي .
وللحنفيّة تفصيل في الستقاءة :
أ -فإن كانت عمدا ،والصّائم متذكّر لصومه ،غير ناس ،والقيء ملء فمه ،فعليه
القضاء للحديث المذكور ،والقياس متروك به ،ول كفّارة فيه لعدم صورة الفطر .
ب -وإن كان أق ّل من ملء الفم ،فكذلك عند محمّد ،يفسد صومه ،لطلق الحديث ،وهو
ظاهر الرّواية .
وعند أبي يوسف ل يفسد ،لعدم الخروج حكما ،قالوا :وهو الصّحيح ،ثمّ إن عاد بنفسه
لم يفسد عنده ،لعدم سبق الخروج ،وإن أعاده فعنه :أنّه ل يفسد لعدم الخروج ،وهي
أصحّ الرّوايتين عنه .
ونصّ الحنفيّة على أنّ هذا كلّه إذا كان القيء طعاما ،أو مرّةً فإن كان الخارج بلغما ،فغير
مفسد للصّوم ،عند أبي حنيفة ومحمّد ،خلفا لبي يوسف .
حادي عشر :طلوع الفجر في حالة الكل أو الجماع :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه ،ويصحّ 82
صومه .فإن ابتلعه أفطر ،وكذا الحكم عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة فيمن أكل أو شرب
ناسيا ث ّم تذكّر الصّوم ،صحّ صومه إن بادر إلى لفظه .وإن سبق شيء إلى جوفه بغير
اختياره ،فل يفطر عند الحنابلة ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة .
وأمّا المالكيّة فقالوا :إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه -ولو غلبه -أفطر .
وإذا نزع ،وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة -وأحد
قولين للمالكيّة -ل يفسد صومه ،وقيّده القليوبيّ بأن ل يقصد اللّذّة بالنّزع ،وإلّ بطل
صومه ،حتّى لو أمنى بعد النّزع ،ل شيء عليه ،وصومه صحيح ،لنّه كالحتلم ،كما
يقول الحنفيّة ،ولتولّده من مباشرة مباحة ،كما يقول الشّافعيّة .
ومشهور مذهب المالكيّة :أنّه لو نزع عند طلوع الفجر ،وأمنى حال الطّلوع -ل قبله ول
بعده -فل قضاء ،لنّ الّذي بعده من النّهار والّذي قبله من اللّيل ،والنّزع ليس وطئا .
والقول الخر للمالكيّة هو وجوب القضاء .
وسبب هذا الختلف عند المالكيّة هو أنّه :هل يعدّ النّزع جماعا ،أو ل يعدّ جماعا ؟
ولهذا قالوا :من طلع عليه الفجر – وهو يجامع – فعليه القضاء ،وقيل :والكفّارة .
ومذهب الحنابلة :أنّ النّزع جماع ،فمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال ،مع
أوّل طلوع الفجر ،فعليه القضاء والكفّارة ،لنّه يلتذّ بالنّزع ،كما يلت ّذ باليلج ،كما لو
استدام بعد طلوع الفجر .
ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعا ،بطل صومه ،ولو لم يعلم بطلوعه .
وفي وجوب الكفّارة في المكث والبقاء ،في هذه الحال ،خلف :فظاهر الرّواية ،في
مذهب الحنفيّة ،والمذهب عند الشّافعيّة عدم وجوب الكفّارة ،لنّها تجب بإفساد الصّوم ،
والصّوم منتف حال الجماع فاستحال إفساده ،فلم تجب الكفّارة .
أو كما قال النّوويّ :لنّ مكثه مسبوق ببطلن الصّوم .
وروي عن أبي يوسف وجوب الكفّارة .
مكروهات الصّوم :
-يكره للصّائم بوجه عامّ -مع الخلف -ما يلي : 83
أ -ذوق شيء بل عذر ،لما فيه من تعريض الصّوم للفساد ،ولو كان الصّوم نفلً ،على
المذهب عند الحنفيّة ،لنّه يحرم إبطال النّفل بعد الشّروع فيه ،وظاهر إطلق الكراهة يفيد
أنّها تحريميّة .
ومن العذر مضغ الطّعام للولد ،إذا لم تجد المّ منه بدّا ،فل بأس به ،ويكره إذا كان لها
منه ب ّد .
وليس من العذر ،ذوق اللّبن والعسل لمعرفة الجيّد منه والرّديء عند الشّراء ،فيكره ذلك
.وكذا ذوق الطّعام ،لينظر اعتداله ،ولو كان لصانع الطّعام .
ي أن يجتنب ذوق الطّعام ،فإن فعل فل بأس به ،
لكن نقل عن المام أحمد قوله :أحبّ إل ّ
بل قال بعض الحنابلة :إنّ المنصوص عنه :أنّه ل بأس به لحاجة ومصلحة ،واختاره ابن
عقيل وغيره وإلّ كره .
وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر .
ب -ويكره مضغ العلك ،الّذي ل يتحلّل منه أجزاءً ،فل يصل منه شيء إلى الجوف .
ل أم امرأةً ،قال عليّ رضي ال تعالى
ووجه الكراهة :اتّهامه بالفطر ،سواء أكان رج ً
عنه :إيّاك وما يسبق إلى العقول إنكاره ،وإن كان عندك اعتذاره .
أمّا ما يتحلّل منه أجزاء ،فيحرم مضغه ،ولو لم يبتلع ريقه ،إقامةً للمظنّة مقام المئنّة ،
ك في الوصول لم يفطر .
فإن تفتّت فوصل شيء منه إلى جوفه عمدا أفطر ،وإن ش ّ
ج -تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من النزال أو الجماع .
). 17/ وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :تقبيل ف
د -ويرى جمهور الفقهاء أنّ المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء -كاللّمس وتكرار
النّظر -حكمها حكم القبلة فيما تقدّم .
وخصّ الحنفيّة المباشرة الفاحشة ،بالكراهة التّحريميّة ،وهي -عندهم -أن يتعانقا ،
ن الصّحيح أنّها تكره ،وإن أمن على
وهما متجرّدان ،ويمسّ فرجه فرجها .ونصّوا على أ ّ
نفسه النزال والجماع .
ونقل الطّحاويّ وابن عابدين عدم الخلف في كراهتها ،وكذلك القبلة الفاحشة ،وهي :أن
يمصّ شفتها ،فيكره على الطلق .
هع – الحجامة ،وهي أيضا ممّا يكره للصّائم – في الجملة – وهي استخراج الدّم المحقن
من الجسم ،مصّا أو شرطا .
ومذهب الجمهور أنّها ل تفطّر الحاجم ول المحجوم ،ولكنّهم كرهوها بوجه عامّ .
وقال الحنفيّة :ل بأس بها ،إن أمن الصّائم على نفسه الضّعف ،أمّا إذا خاف الضّعف ،
فإنّها تكره ،وشرط شيخ السلم الكراهة ،إذا كانت تورث ضعفا يحتاج معه إلى الفطر .
وقال المالكيّة :إنّ المريض والصّحيح ،إذا علمت سلمتهما بالحجامة أو ظنّت ،جازت
ك تكره
ن عدم السّلمة لهما حرّمت لهما ،وفي حالة الشّ ّ
الحجامة لهما ،وإن علم أو ظ ّ
للمريض ،وتجوز للصّحيح .
ن محلّ المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلكا أو شديد أذىً ،وإلّ وجب فعلها
قالوا :إ ّ
وإن أدّت للفطر ،ول كفّارة عليه .
وقال الشّافعيّة :يستحبّ الحتراز من الحجامة ،من الحاجم والمحجوم ،لنّها تضعفه .
قال الشّافعيّ في المّ :لو ترك رجل الحجامة صائما للتّوقّي ،كان أحبّ إليّ ،ولو احتجم لم
أره يفطره .
ي ،أنّ المحجوم قد يضعف فتلحقه مشقّة ،فيعجز عن الصّوم
ونقل النّوويّ عن الخطّاب ّ
فيفطر بسببها ،والحاجم قد يصل إلى جوفه شيء من الدّم .
ودليل عدم الفطار بالحجامة ،حديث :ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما » :أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم احتجم وهو محرم ،واحتجم وهو صائم « .
ي أنّه قال لنس بن مالك » :أكنتم تكرهون
ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البنان ّ
الحجامة للصّائم على عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم ؟ قال :ل ،إلّ من أجل الضّعف « .
وقالوا أيضا :إنّه دم خارج من البدن ،فأشبه الفصد .
ومذهب الحنابلة أنّ الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم ،لحديث رافع بن خديج رضي ال
ي صلى ال عليه وسلم قال » :أفطر الحاجم والمحجوم « .
ن النّب ّ
عنه أ ّ
قال المرداويّ :ول نعلم أحدا من الصحاب ،فرّق -في الفطر وعدمه -بين الحاجم
والمحجوم .
ن الحجامة مكروهة في حقّ من كان يضعف بها ،
ي :يجمع بين الحاديث ،بأ ّ
قال الشّوكان ّ
ق من كان
وتزداد الكراهة إذا كان الضّعف يبلغ إلى ح ّد يكون سببا للفطار ،ول تكره في ح ّ
ل يضعف بها ،وعلى كلّ حال تجنّب الحجامة للصّائم أولى .
ق ،وكلّ ما
أمّا الفصد ،فقد نصّ الحنفيّة على كراهته ،كالحجامة ،وكراهة كلّ عمل شا ّ
يظنّ أنّه يضعف عن الصّوم ،وكذلك صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّ الفصادة كالحجامة .
غير أنّ الحنابلة الّذين قالوا ،بالفطر في الحجامة ،قالوا :ل فطر بفصد وشرط ،ول
ص فيه ،والقياس ل يقتضيه .
بإخراج دمه برعاف ،لنّه ل ن ّ
وفي قول لهم -اختاره الشّيخ تقيّ الدّين -إفطار المفصود دون الفاصد ،كما اختار إفطار
الصّائم ،بإخراج دمه ،برعاف وغيره .
و -وتكره المبالغة في المضمضة والستنشاق في الصّوم .
ففي المضمضة :بإيصال الماء إلى رأس الحلق ،وفي الستنشاق :بإيصاله إلى فوق
المارن .
ي صلى ال عليه وسلم قال له » :بالغ
وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي ال عنه أنّ النّب ّ
في الستنشاق إلّ أن تكون صائما « ،وذلك خشية فساد صومه .
ومن المكروهات الّتي عدّدها المالكيّة :فضول القول والعمل ،وإدخال كلّ رطب له طعم
-في فمه -وإن مجّه ،والكثار من النّوم في النّهار .
ما ل يكره في الصّوم :
-ل يكره للصّائم -في الجملة -ما يلي ،مع الخلف في بعضها : 84
أ -الكتحال غير مكروه عند الحنفيّة والشّافعيّة ،بل أجازوه ،ونصّوا على أنّه ل يفطر به
ن العين ليست بجوف ،ول منفذ منها
الصّائم ولو وجد طعمه في حلقه ،قال النّوويّ :ل ّ
إلى الحلق .
واحتجّوا بحديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت » :اكتحل رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم وهو صائم « ،وحديث أنس رضي ال تعالى عنه قال » :جاء رجل إلى النّبيّ صلى
ال عليه وسلم فقال :اشتكت عيني ،أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال :نعم « .
وتردّد المالكيّة في الكتحال ،فقالوا :إن كان ل يتحلّل منه شيء لم يفطر ،وإن تحلّل منه
شيء أفطر .وقال أبو مصعب :ل يفطر .ومنعه ابن القاسم مطلقا .
ك كره ،
وقال أبو الحسن :إن تحقّق أنّه يصل إلى حلقه ،لم يكن له أن يفعله ،وإن ش ّ
ولْيَ َتمَادَ -أي يستمرّ في صومه -وعليه القضاء ،فإن علم أنّه ل يصل ،فل شيء عليه .
وقال مالك في المدوّنة :إذا دخل حلقه ،وعلم أنّه قد وصل الكحل إلى حلقه ،فعليه القضاء
ل وهبوطه
ول كفّارة عليه .وإن تحقّق عدم وصوله للحلق ل شيء عليه ،كاكتحاله لي ً
نهارا للحلق ،ل شيء عليه في شيء من ذلك .
وهذا أيضا مذهب الحنابلة ،فقد قالوا :إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقّق الوصول إليه
فسد صومه ،وهذا الصّحيح من المذهب .
ي صلى ال عليه وسلم » :أمر بالثمد المروّح عند النّوم ،وقال :ليتّقه
واستدلّوا بأنّ النّب ّ
الصّائم « ولنّ العين منفذ ،لكنّه غير معتاد ،وكالواصل من النف .
ي الدّين أنّه ل يفطر بذلك .
واختار الشّيخ تق ّ
ب -التّقطير في العين ،ودهن الجفان ،أو وضع دواء مع الدّهن في العين ل يفسد
الصّوم ،لنّه ل ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه ،وهو الصحّ عند الحنفيّة ،والظّاهر من
كلم الشّافعيّة أنّهم يوافقون الحنفيّة .
ن التّقطير في العين مفسد للصّوم إذا وصل إلى الحلق ،لنّ
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أ ّ
العين منفذ وإن لم يكن معتادا .
ج -دهن الشّارب ونحوه ،كالرّأس والبطن ،ل يفطر بذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة ،ولو
وصل إلى جوفه بشرب المسامّ ،لنّه لم يصل من منفذ مفتوح ،ولنّه ليس فيه شيء
ينافي الصّوم ،ولنّه -كما يقول المرغينانيّ : -نوع ارتفاق ،وليس من محظورات
الصّوم .لكن المالكيّة قالوا :من دهن رأسه نهارا ،ووجد طعمه في حلقه ،أو وضع حنّاء
في رأسه نهارا ،فاستطعمها في حلقه ،فالمعروف في المذهب وجوب القضاء وإن قال
الدّردير :ل قضاء عليه ،والقاعدة عندهم :وصول مائع للحلق ،ولو كان من غير الفم ،
مع أنّهم قالوا :ل قضاء في دهن جائفة ،وهي :الجرح النّافذ للجوف ،لنّه ل يدخل مدخل
الطّعام .
د -الستياك ،ل يرى الفقهاء بالستياك بالعود اليابس أوّل النّهار بأسا ،ول يكره عند
الحنفيّة والمالكيّة بعد الزّوال ،وهو وجه عند الشّافعيّة في النّفل ،ليكون أبعد من الرّياء ،
ورواية عند الحنابلة آخر النّهار .بل صرّح الوّلون بسنّيّته آخر النّهار وأوّله ،وذلك
لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من
خير خصال الصّائم السّواك « .
ي صلى ال عليه وسلم ما ل
ولقول عامر بن ربيعة رضي ال تعالى عنه » :رأيت النّب ّ
أحصي ،يتسوّك وهو صائم « .
وقد أطلقت هذه الحاديث السّواك ،فيسنّ ولو كان رطبا ،أو مبلولً بالماء ،خلفا لبي
يوسف في رواية كراهة الرّطب ،ولحمد في رواية كراهة المبلول بالماء ،لحتمال أن
يتحلّل منه أجزاء إلى حلقه ،فيفطّره ،وروي عن أحمد أنّه ل يكره .
وشرط المالكيّة لجوازه أن ل يتحلّل منه شيء ،فإن تحلّل منه شيء كره ،وإن وصل إلى
الحلق أفطر .
وذهب الشّافعيّة إلى سنّيّة ترك السّواك بعد الزّوال ،وإذا استاك فل فرق بين الرّطب
واليابس ،بشرط أن يحترز عن ابتلع شيء منه أو من رطوبته .
واستحبّ أحمد ترك السّواك بالعشيّ ،وقال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
» خلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك الذفر « لتلك الرّائحة ل يعجبني للصّائم
أن يستاك بالعشيّ .
وعنه روايتان في الستياك بالعود الرّطب :
إحداهما :الكراهة -كما تقدّم -والخرى :أنّه ل يكره ،قال ابن قدامة :ولم ير أهل العلم
بالسّواك أوّل النّهار بأسا ،إذا كان العود يابسا .
هع – المضمضة والستنشاق في غير الوضوء والغسل ل يكره ذلك ول يفطر .
ع فيعه تغريرا
وقيّده المالكيّعة بمعا إذا كان لعطعش ونحوه ،وكرهوه لغيعر موجعب ،لن ّ
ومخاطرةً ،وذلك لحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق ،فيفسد الصّوم حينئذ .
وفي الحديث عن عمر رضي ال تعالى عنه » :أنّه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن
القبلة للصّائم ؟ فقال :أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت :ل بأس ،قال :
فمه « .
ولنّ الفم في حكم الظّاهر ،ل يبطل الصّوم بالواصل إليه كالنف والعين .
ومع ذلك ،فقد قال ابن قدامة :إنّ المضمضة ،إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه
ونحوه ،فحكمه حكم المضمضة للطّهارة ،وإن كان عابثا ،أو مضمض من أجل العطش
كره .
ب الماء على رأسه من الحرّ والعطش ،لما روي عن بعض أصحاب رسول
ول بأس أن يص ّ
اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :لقد رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالعرج ،
يصبّ الماء على رأسه وهو صائم ،من العطش ،أو من الحرّ « .
وكذا التّلفّف بثوب مبتلّ للتّبرّد ودفع الحرّ على المفتى به -عند الحنفيّة -لهذا الحديث ،
ولنّ بهذه عونا له على العبادة ،ودفعا للضّجر والضّيق .
وكرهها أبو حنيفة ،لما فيها من إظهار الضّجر في إقامة العبادة .
و -اغتسال الصّائم ،فل يكره ،ول بأس به حتّى للتّبرّد ،عند الحنفيّة وذلك لما روي عن
عائشة وأمّ سلمة رضي ال تعالى عنهما قالتا » :نشهد على رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم إن كان ليصبح جنبا ،من غير احتلم ،ثمّ يغتسل ثمّ يصوم « .
وعن ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما أنّه دخل الحمّام وهو صائم هو وأصحاب له في
شهر رمضان .
وأمّا الغوص في الماء ،إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه ،فل بأس به ،وكرهه بعض
الفقهاء حال السراف والتّجاوز أو العبث ،خوف فساد الصّوم .
الثار المترتّبة على الفطار :
-حصر الفقهاء الثار المترتّبة على الفطار في أمور ،منها :القضاء ،والكفّارة 85
الكبرى ،والكفّارة الصّغرى -وهذه هي الفدية -والمساك بقيّة النّهار ،وقطع التّتابع ،
والعقوبة .
أوّلً :القضاء :
-من أفطر أيّاما من رمضان -كالمريض والمسافر -قضى بعدّة ما فاته ،لنّ القضاء 86
ن أَيّامٍ
سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ
ن مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
يجب أن يكون بعدّة ما فاته ،لقوله تعالى َ { :ومَن كَا َ
ُأخَرَ } .
ومن فاته صوم رمضان كلّه ،قضى الشّهر كلّه ،سواء ابتدأه من أوّل الشّهر أو من
أثنائه ،كأعداد الصّلوات الفائتة .
قال البيّ :القضاء لما فات من رمضان بالعدد :فمن أفطر رمضان كلّه ،وكان ثلثين ،
وقضاه في شهر بالهلل ،وكان تسعةً وعشرين يوما ،صام يوما آخر .وإن فاته صوم
رمضان وهو تسعة وعشرون يوما ،وقضاه في شهر -وكان ثلثين يوما -فل يلزمه
ن أَيّامٍ ُأخَرَ } .
صوم اليوم الخير ،لقوله تعالى َ { :فعِدّةٌ مّ ْ
وقال ابن وهب :إن صام بالهلل ،كفاه ما صامه ،ولو كان تسعةً وعشرين ،ورمضان
ثلثين .
وكذا قال القاضي من الحنابلة :إن قضى شهرا هلليّا أجزأه ،سواء كان تامّا أو ناقصا
ي.
وإن لم يقض شهرا ،صام ثلثين يوما .وهو ظاهر كلم الخرق ّ
قال المجد :وهو ظاهر كلم المام أحمد وقال :هو أشهر .
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف ،ويجوز عكسه ،بأن يقضي يوم صيف عن
يوم شتاء ،وهذا لعموم الية المذكورة وإطلقها .
وقضاء رمضان يكون على التّراخي .لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه ،بأن
يهلّ رمضان آخر ،لقول عائشة رضي ال تعالى عنها » :كان يكون عليّ الصّوم من
رمضان ،فما أستطيع أن أقضيه إلّ في شعبان ،لمكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم « .كما
ل يؤخّر الصّلة الولى إلى الثّانية .
ول يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر ،من غير عذر يأثم به ،
لحديث عائشة هذا ،فإن أخّر فعليه الفدية :إطعام مسكين لكلّ يوم ،لما روي عن ابن
عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي ال عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه
رمضان آخر :عليه القضاء وإطعام مسكين لكلّ يوم ،وهذه الفدية للتّأخير ،أمّا فدية
المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت ،وفدية الهرم لصل الصّوم ،ويجوز الطعام قبل القضاء
ومعه وبعده .
ومذهب الحنفيّة ،وهو وجه محتمل عند الحنابلة :إطلق التّراخي بل قيد ،فلو جاء
رمضان آخر ،ولم يقض الفائت ،قدّم صوم الداء على القضاء ،حتّى لو نوى الصّوم عن
القضاء لم يقع إلّ عن الداء ،ول فدية عليه بالتّأخير إليه ،لطلق النّصّ ،وظاهر قوله
ن أَيّامٍ ُأخَرَ } .
تعالى َ { :فعِدّةٌ مّ ْ
وعند غير الحنفيّة يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان ،ول يصحّ تطوّعه بالصّوم قبل
قضاء ما عليه من رمضان ،بل يبدأ بالفرض حتّى يقضيه ،وإن كان عليه نذر صامه بعد
ن الصّوم عبادة متكرّرة ،فلم يجز تأخير الولى عن الثّانية ،كالصّلوات
الفرض ،ل ّ
المفروضة .
مسائل تتعلّق بالقضاء :
الولى :
-إن أخّر قضاء رمضان -وكذا النّذر والكفّارة -لعذر ،بأن استمرّ مرضه أو سفره 87
المباح إلى موته ،ولم يتمكّن من القضاء ،فل شيء عليه ،ول تدارك للغائب بالفدية ول
بالقضاء ،لعدم تقصيره ،ول إثم به ،لنّه فرض لم يتمكّن منه إلى الموت ،فسقط حكمه ،
كالحجّ ،ولنّه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداءً ،فتأخير القضاء أولى ،كما يقول
النّوويّ .
وسواء استمرّ العذر إلى الموت ،أم حصل الموت في رمضان ،ولو بعد زوال العذر كما
قال الشّربينيّ الخطيب .
وقال أبو الخطّاب :يحتمل أن يجب الصّوم عنه أو التّكفير
الثّانية :
-لو أفطر بعذر واتّصل العذر بالموت فقد اتّفق الفقهاء على أنّه ل يصام عنه ول كفّارة 88
فيه ،لنّه فرض لم يتمكّن من فعله إلى الموت فسقط حكمه ،كالحجّ .
أمّا إذا زال العذر وتمكّن من القضاء ،ولم يقض حتّى مات ففيه تفصيل :
ح والجديد
فذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في المذهب ،وهو الص ّ
عند الشّافعيّة -إلى أنّه ل يصام عنه ،لنّ الصّوم واجب بأصل الشّرع ل يقضى عنه ،
لنّه ل تدخله النّيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصّلة .
وذهب الشّافعيّة في القديم ،وهو المختار عند النّوويّ ،وهو قول أبي الخطّاب من الحنابلة
إلى أنّه يجوز لوليّه أن يصوم عنه ،زاد الشّافعيّة :ويصحّ ذلك ،ويجزئه عن الطعام ،
وتبرأ به ذمّة الميّت ول يلزم الوليّ الصّوم بل هو إلى خيرته ،لحديث عائشة رضي ال
عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من مات وعليه صيام صام عنه وليّه « .
أمّا في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النّحو التّالي :
قال الحنفيّة :لو أخّر قضاء رمضان بغير عذر ،ثمّ مات قبل رمضان آخر أو بعده ،ولم
صحّة من المرض وزوال
يقض لزمه اليصاء بكفّارة ما أفطره بقدر القامة من السّفر وال ّ
العذر ،ول يجب اليصاء بكفّارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر .
وذهب الشّافعيّة -في الجديد -إلى أنّه يجب في تركته لك ّل يوم مدّ من طعام .
وذهب الحنابلة في المذهب إلى الطعام عنه لكلّ يوم مسكينا .
والظّاهر من مذهب المالكيّة :وجوب م ّد عن كلّ يوم أفطره إذا فرّط ،بأن كان صحيحا
مقيما خاليا من العذار .
ثانيا :الكفّارة الكبرى :
ي الّذي واقع زوجته في نهار رمضان .
-ثبتت الكفّارة الكبرى بالنّصّ في حديث العراب ّ 89
ول خلف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصّوم بالوقاع في الجملة ،وإنّما الخلف في
وجوبها بإفساده بالطّعام والشّراب :فتجب -في الجملة أيضا -بإفساد صوم رمضان
صةً ،طائعا متعمّدا غير مضط ّر ،قاصدا انتهاك حرمة الصّوم ،من غير سبب مبيح
خا ّ
للفطر .
ل ،ولم يكن مكرها ،ولم يطرأ مسقط ،كمرض
وقال الحنفيّة :إنّما يكفّر إذا نوى الصّيام لي ً
وحيض .
فل كفّارة في الفطار في غير رمضان ،ول كفّارة على النّاسي والمكره -عند الجمهور -
ول على النّفساء والحائض والمجنون ،ول على المريض والمسافر ،ول على المرهق
بالجوع والعطش ،ول على الحامل ،لعذرهم .
ول على المرت ّد ،لنّه هتك حرمة السلم ،ل حرمة الصّيام خصوصا .
فتجب بالجماع عمدا ،ل ناسيا -خلفا لحمد وابن الماجشون من المالكيّة -وتجب بالكل
ي وأحمد ،وتقدّمت موجبات أخرى مختلف فيها ،كالصباح
والشّرب عمدا ،خلفا للشّافع ّ
بنيّة الفطر ،ورفض النّيّة نهارا والستقاء العامد ،وابتلع ما ل يغذّي عمدا .
أمّا خصال الكفّارة فهي :العتق والصّيام والطعام ،وهذا بالتّفاق بين الفقهاء ،لحديث أبي
هريرة رضي ال تعالى عنه قال » :بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذ
جاءه رجل ،فقال :يا رسول اللّه ،هلكت ،قال :ما لك ؟ قال :وقعت على امرأتي وأنا
صائم ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم هل تجد رقبةً تعتقها ؟ قال :ل ،قال :فهل
تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال :ل ،قال :فهل تجد إطعام ستّين مسكينا ؟ قال :
ي صلى ال عليه
ي صلى ال عليه وسلم فبينا نحن على ذلك ،أتي النّب ّ
ل ،قال :فمكث النّب ّ
وسلم بعَرَقٍ فيها تمر ،قال :أين السّائل ؟ فقال :أنا ،قال :خذ هذا فتصدّق به ،فقال
الرّجل :على أفقر منّي يا رسول اللّه ،فواللّه ما بين لبتيها -يريد الحرّتين -أهل بيت
ي صلى ال عليه وسلم حتّى بدت أنيابه ،ثمّ قال :أطعمه
أفقر من أهل بيتي ،فضحك النّب ّ
أهلك « .
قال ابن تيميّة الجدّ في تعليقه على هذا الحديث :وفيه دللة قويّة على التّرتيب .
قالوا :فكفّارته ككفّارة الظّهار ،لكنّها ثابتة بالكتاب ،وأمّا هذه فبالسّنّة .
وقال الشّوكانيّ :ظاهر الحديث أنّ الكفّارة بالخصال الثّلث على التّرتيب .
ي صلى ال عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر ،
ي :لنّ النّب ّ
قال ابن العرب ّ
وليس هذا شأن التّخيير .
ي :إنّ ترتيب الثّاني على الوّل ،والثّالث على الثّاني ،بالفاء يدلّ على عدم
وقال البيضاو ّ
التّخيير ،مع كونها في معرض البيان وجواب السّؤال ،فنزل منزلة الشّرط وإلى القول
بالتّرتيب ذهب الجمهور .وأنّها ككفّارة الظّهار :فيعتق أ ّولً ،فإن لم يجد صام شهرين
متتابعين ،فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكينا ،لهذا الحديث .
ثالثا :الكفّارة الصّغرى :
-الكفّارة الصّغرى :هي الفدية ،وتقدّم أنّها م ّد من طعام لمسكين إذا كان من الب ّر ،أو 90
نصف صاع إذا كان من غيره ،وذلك عن ك ّل يوم ،وهي عند الحنفيّة كالفطرة قدرا ،
وتكفي فيها الباحة ،ول يشترط التّمليك هنا ،بخلف الفطرة .
وتجب على من أخّر قضاء رمضان حتّى دخل رمضان آخر ،وعلى الحامل والمرضع
والشّيخ الهرم .
وينظر التّفصيل في مصطلح ( :فدية ) .
رابعا :المساك لحرمة شهر رمضان :
-من لوازم الفطار في رمضان :المساك لحرمة الشّهر ،قال النّوويّ :وهو من 91
خواصّ رمضان ،كالكفّارة ،فل إمساك على متعدّ بالفطر ،وفي نذر أو قضاء وفيه خلف
وتفصيل وتفريع في المذاهب الفقهيّة :
فالحنفيّة وضعوا أصلين لهذا المساك :
أوّلهما :أنّ كلّ من صار في آخر النّهار بصفة ،لو كان في أوّل النّهار عليها للزمه
الصّوم ،فعليه المساك .
ثانيهما :كلّ من وجب عليه الصّوم ،لوجود سبب الوجوب والهليّة ،ثمّ تعذّر عليه
ك مفطرا ،ث ّم تبيّن أنّه من رمضان ،أو
المضيّ ،بأن أفطر متعمّدا ،أو أصبح يوم الشّ ّ
ن أنّ الفجر لم يطلع ،ث ّم تبيّن طلوعه ،فإنّه يجب عليه المساك تشبّها على
تسحّر على ظ ّ
الصحّ ،لنّ الفطر قبيح ،وترك القبيح واجب شرعا ،وقيل :يستحبّ .
وأجمع الحنفيّة على أنّه ل يجب على الحائض والنّفساء والمريض والمسافر هذا المساك .
ك ثمّ تبيّن أنّه من
وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمدا ،أو خطأً ،أو أفطر يوم الشّ ّ
رمضان ،وكذا على مسافر أقام ،وحائض ونفساء طهرتا ،ومجنون أفاق ،ومريض صحّ،
ي بلغ ،وكافر أسلم .
ومفطر ولو مكرها أو خطأً ،وصب ّ
وقال ابن جزيّ من المالكيّة :وأمّا إمساك بقيّة اليوم ،فيؤمر به من أفطر في رمضان
صةً ،عمدا أو نسيانا ،ل من أفطر لعذر مبيح ثمّ زال العذر مع العلم برمضان ،فإنّه ل
خا ّ
يندب له المساك ،كمن اضطرّ للفطر في رمضان ،من شدّة جوع أو عطش فأفطر ،
وكحائض ونفساء طهرتا نهارا ،ومريض صحّ نهارا ،ومرضع مات ولدها ،ومسافر
قدم ،ومجنون أفاق ،وصبيّ بلغ نهارا ،فل يندب المساك منهم .
وقيّد العلم برمضان ،احتراز عمّن أفطر ناسيا ،وعمّن أفطر يوم الشّكّ ث ّم ثبت أنّه من
رمضان ،فإنّه يجب المساك ،كصبيّ بيّت الصّوم ،واستمرّ صائما حتّى بلغ ،فإنّه يجب
عليه المساك ،لنعقاد صومه له نافل ًة ،أو أفطر ناسيا قبل بلوغه فيجب عليه بعد
المساك ،وإن لم يجب القضاء على الصّبيّ في هاتين الصّورتين .
ن من أكره على الفطر ،فإنّه يجب عليه المساك ،بعد زوال الكراه
ونصّوا كذلك على أ ّ
قالوا :لنّ فعله قبل زوال العذر ،ل يتّصف بإباحة ول غيرها .
ونصّوا على أنّه يندب إمساك بقيّة اليوم لمن أسلم ،لتظهر عليه علمة السلم بسرعة ،
ولم يجب ،تأليفا له للسلم ،كما ندب قضاؤه ،ولم يجب لذلك .
ن المساك تشبّها من خواصّ رمضان ،كالكفّارة ،وأنّ من
والشّافعيّة بعد أن نصّوا على أ ّ
أمسك تشبّها ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة ،وهي :أنّ المساك يجب على كلّ متعدّ
بالفطر في رمضان ،سواء أكل أو ارتدّ أو نوى الخروج من الصّوم -وقلنا إنّه يخرج
بذلك -كما يجب على من نسي النّيّة من اللّيل ،وهو غير واجب على من أبيح له الفطر
إباحةً حقيق ّيةً ،كالمسافر إذا قدم ،والمريض إذا برئ بقيّة النّهار .
ونظروا بعد ذلك في هذه الحوال :
المريض والمسافر ،اللّذان يباح لهما الفطر ،لهما ثلثة أحوال :
الولى :أن يصبحا صائمين ،ويدوما كذلك إلى زوال العذر ،فالمذهب لزوم إتمام الصّوم .
الثّانية :أن يزول العذر بعد ما أفطر ،فل يجب المساك ،لكن يستحبّ لحرمة الوقت -كما
ل يتعرّضا للتّهمة وعقوبة السّلطان ،ولهما الجماع بعد
يقول المحلّيّ -فإن أكل أخفياه ،لئ ّ
زوال العذر ،إذا لم تكن المرأة صائمةً ،بأن كانت صغير ًة ،أو طهرت من الحيض ذلك
اليوم .
الثّالثة :أن يصبحا غير ناويين ،ويزول العذر قبل أن يأكل ،ففي المذهب قولن :
ن من أصبح تاركا للنّيّة فقد أصبح مفطرا ،فكان كما لو
ل يلزمهما المساك في المذهب ،ل ّ
أكل وقيل :يلزمهما المساك حرم ًة لليوم .
وإذا أصبح يوم الشّكّ مفطرا غير صائم ،ث ّم ثبت أنّه من رمضان ،فقضاؤه واجب ،ويجب
إمساكه على الظهر ،وقيل :ل يلزمه ،لعذره .
أمّا لو بان أنّه من رمضان قبل الكل :فقد حكى المتولّي في لزوم المساك القولين ،وجزم
الماورديّ وجماعة بلزومه .
قال القليوبيّ وهو المعتمد .
وإذا بلغ صبيّ مفطرا أو أفاق مجنون ،أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه :
أصحّها أنّه ل يلزمهم إمساك بقيّة النّهار لنّه يلزمهم قضاؤه ،والثّاني :أنّه يلزمهم ،بناءً
على لزوم القضاء .
والثّالث :يلزم الكافر دونهما ،لتقصيره .
والرّابع :يلزم الكافر والصّبيّ لتقصيرهما ،أو لنّهما مأموران على الجملة -كما يقول
الغزاليّ -دون المجنون .
قال المحلّيّ :لو بلغ الصّبيّ بالنّهار صائما ،بأن نوى ليلً ،وجب عليه إتمامه بل قضاء ،
وقيل :يستحبّ إتمامه ،ويلزمه القضاء ،لنّه لم ينو الفرض .
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار ،فالمذهب أنّه ل يلزمهما المساك ،ونقل
المام التّفاق عليه .
وفي مذهب الحنابلة هذه القاعدة بفروعها :
من صار في أثناء يوم من رمضان أهلً للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة
الوقت ،ولقيام البيّنة فيه بالرّؤية ،ولدراكه جزءا من وقته كالصّلة .
وكذا كلّ من أفطر والصّوم يجب عليه ،فإنّه يلزمه المساك والقضاء ،كالفطر لغير عذر ،
ن الشّمس قد غابت ولم تغب ،
ن أنّ الفجر لم يطلع وكان قد طلع ،أو يظنّ أ ّ
ومن أفطر يظ ّ
أو النّاسي للنّيّة ،فكلّهم يلزمهم المساك ،قال ابن قدامة :ل نعلم بينهم فيه اختلفا .أو
تعمّدت مكلّفة الفطر ،ثمّ حاضت أو نفست ،أو تعمّد الفطر مقيم ثمّ سافر ،فكلّهم يلزمهم
المساك والقضاء ،لما سبق .
فأمّا من يباح له الفطر في أوّل النّهار ظاهرا وباطنا كالحائض والنّفساء والمسافر والصّبيّ
والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النّهار ،فطهرت الحائض
ي ،وأفاق المجنون ،وأسلم الكافر ،وصحّ
والنّفساء ،وأقام المسافر ،وبلغ الصّب ّ
المريض ،ففيهم روايتان :
إحداهما :يلزمهم المساك بقيّة اليوم ،لنّه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصّيام ،فإذا
طرأ بعد الفجر أوجب المساك ،كقيام البيّنة بالرّؤية .
واقتصر على موجب هذه الرّواية البهوتيّ ،في كشّافه وروضه .
والخرى :ل يلزمهم المساك ،لنّه روي عن ابن مسعود رضي ال تعالى عنه أنّه قال :
من أكل أوّل النّهار ،فليأكل آخره .
ولنّه أبيح له الفطر أوّل النّهار ظاهرا وباطنا ،فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر
النّهار ،كما لو دام العذر .
قال ابن قدامة :فإذا جامع أحد هؤلء ،بعد زوال عذره ،انبنى على الرّوايتين ،في
وجوب المساك :
-فإن قلنا :يلزمه المساك ،فحكمه حكم من قامت البيّنة بالرّؤية في حقّه إذا جامع . 1
-وإن قلنا :ل يلزمه المساك ،فل شيء عليه . 2
وقد روي عن جابر بن يزيد :أنّه قدم من سفره فوجد امرأته قد طهرت من حيض ،
فأصابها .
خامسا :العقوبة :
-يراد بالعقوبة هنا :الجزاء المترتّب على من أفطر عمدا في رمضان من غير عذر ، 92
الكفّارة .
تتأثّر مدّة الصّوم الّتي يشترط فيها التّتابع نصّا ،بالفطر المتعمّد ،وهي -بعدّ الكاسانيّ -
:صوم رمضان ،وصوم كفّارة القتل ،وكفّارة الظّهار ،والفطار العامد في رمضان ،
وصوم كفّارة اليمين -عند الحنفيّة .
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور ل يسقط عنه صوم رمضان ، 94
الظّلمة ،فقد قال النّوويّ :هذه مسألة مهمّة قلّ من ذكرها ،وفيها ثلثة أوجه للصّواب :
أحدها :يصوم ويقضي لنّه عذر نادر .
ن الجزم بالنّيّة ل يتحقّق مع جهالة الوقت .
الثّاني :ل يصوم ،ل ّ
الثّالث :يتحرّى ويصوم ول يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد ،وهذا هو الرّاجح .
ونقل النّوويّ وجوب القضاء على المحبوس الصّائم بالجتهاد إذا صادف صومه اللّيل ثمّ
ن اللّيل ليس وقتا
عرف ذلك فيما بعد ،وقال :إنّ هذا ليس موضع خلف بين العلماء ،ل ّ
للصّوم كيوم العيد .
صوْمُ التّطوّع *
َ
التّعريف :
-الصّوم لغةً :مطلق المساك . 1
ن في الجنّة بابا
ي صلى ال عليه وسلم قال » :إ ّ
حديث سهل رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ
يقال له :الرّيّان ،يدخل منه الصّائمون يوم القيامة ،ل يدخل منه أحد غيرهم .فيقال :
أين الصّائمون ؟ فيقومون ،ل يدخل منه أحد غيرهم .فإذا دخلوا أغلق ،فلم يدخل منه
أحد «
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :من صام يوما في سبيل اللّه
ومنها ما روي عن النّب ّ
باعد اللّه تعالى وجهه عن النّار سبعين خريفا « .
أنواع صوم التّطوّع :
-قسّم الحنفيّة صوم التّطوّع إلى مسنون ،ومندوب ،ونفل . 3
ي رسول اللّه
في صوم التّطوّع ،لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت » :دخل عل ّ
صلى ال عليه وسلم ذات يوم فقال :هل عندكم شيء ؟ فقلنا :ل ،فقال :فإنّي إذا صائم
« وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في نيّة صوم التّطوّع التّبييت كالفرض .
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من لم يبيّت الصّيام من اللّيل فل صيام له « فل تكفي
ن النّيّة :القصد ،وقصد الماضي محال عقلً .
النّيّة بعد الفجر ،ل ّ
-5واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت نيّة التّطوّع :
فذهب الحنفيّة :إلى أنّ آخر وقت نيّة صوم التّطوّع الضّحوة الكبرى .والمراد بها :نصف
ي ،والنّهار الشّرعيّ :من استطارة الضّوء في أفق المشرق إلى غروب
النّهار الشّرع ّ
الشّمس ،ونصّوا على أنّه ل ب ّد من وقوع النّيّة قبل الضّحوة الكبرى ،فل تجزئ النّيّة عند
ي.
الضّحوة الكبرى اعتبارا لكثر اليوم كما قال الحصكف ّ
وذهب الشّافعيّة :إلى أنّ آخر وقت نيّة صوم التّطوّع قبل الزّوال ،واختصّ بما قبل الزّوال
ن النّبيّ -صلى ال عليه وسلم -قال لعائشة يوما :هل عندكم شيء ؟
لما روي »:أ ّ
قالت :ل .قال :فإنّي إذن صائم « .إذ الغداء اسم لما يؤكل قبل الزّوال ،والعشاء اسم لما
يؤكل بعده ،ولنّه مضبوط بيّن ،ولدراك معظم النّهار به كما في ركعة المسبوق .
قال الشّربينيّ الخطيب :وهذا جرى على الغالب ممّن يريد صوم النّفل وإلّ فلو نوى قبل
ح صومه .
الزّوال -وقد مضى معظم النّهار -ص ّ
وذهب الحنابلة -والشّافعيّة في قول مرجوح -إلى امتداد وقت النّيّة إلى ما بعد الزّوال ،
قالوا :إنّه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة ،ولم ينقل عن أحد من الصّحابة -رضي ال
عنهم -ما يخالفه صريحا ،ولنّ النّيّة وجدت في جزء النّهار ،فأشبه وجودها قبل الزّوال
بلحظة .
ويشترط لصحّة نيّة النّفل في النّهار :أن ل يكون فعل ما يفطره قبل النّيّة ،فإن فعل فل
يجزئه الصّوم حينئذ .
ب -تعيين ال ّنيّة :
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل يشترط في نيّة صوم التّطوّع التّعيين ،فيصحّ صوم التّطوّع 6
بمطلق النّيّة ،وقال النّوويّ :وينبغي أن يشترط التّعيين في الصّوم المرتّب ،كصوم
عرفة ،وعاشوراء ،واليّام البيض ،والسّتّة من شوّال ،ونحوها ،كما يشترط ذلك في
الرّواتب من نوافل الصّلة .
ن الصّوم في
والمعتمد عند الشّافعيّة خلف ما صرّح به النّوويّ ،قال المحلّيّ :ويجاب بأ ّ
اليّام المذكورة منصرف إليها ،بل لو نوى به غيرها حصلت أيضا -كتحيّة المسجد -لنّ
صحّة ،وإن
المقصود وجود الصّوم فيها ،قال القليوبيّ :هذا الجواب معتمد من حيث ال ّ
كان التّعيين أولى مطلقا .
ما يستحبّ صيامه من اليّام :
أ -صوم يوم وإفطار يوم :
-من صيام التّطوّع صوم يوم وإفطار يوم ،وهو أفضل صيام التّطوّع ،لقول النّبيّ صلى 7
ال عليه وسلم » :أحبّ الصّلة إلى اللّه صلة داود عليه السلم ،وأحبّ الصّيام إلى اللّه
صيام داود :وكان ينام نصف اللّيل ،ويقوم ثلثه ،وينام سدسه ،ويصوم يوما ويفطر
يوما« .
ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعبد اللّه بن عمرو رضي ال عنهما » :صم يوما
وأفطر يوما ،فذلك صيام داود عليه السلم ،وهو أفضل الصّيام ،فقلت :إنّي أطيق أفضل
ي صلى ال عليه وسلم :ل أفضل من ذلك « .
من ذلك .فقال النّب ّ
قال البهوتيّ :لكنّه مشروط بأن ل يضعف البدن حتّى يعجز عمّا هو أفضل من الصّيام ،
كالقيام بحقوق اللّه تعالى وحقوق عباده اللزمة ،وإلّ فتركه أفضل .
ب -صوم عاشوراء وتاسوعاء :
-اتّفق الفقهاء على سنّيّة صوم عاشوراء وتاسوعاء -وهما :اليوم العاشر ،والتّاسع 8
من المحرّم -لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في صوم عاشوراء » :أحتسب على اللّه
أن يكفّر السّنة الّتي قبله « .
ولحديث معاوية رضي ال عنه قال :سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول » :هذا يوم
عاشوراء ،ولم يكتب اللّه عليكم صيامه ،وأنا صائم ،فمن شاء فليصم ،ومن شاء
فليفطر« .
ن التّاسع « .
ي صلى ال عليه وسلم » :لئن بقيت إلى قابل لصوم ّ
وقول النّب ّ
وقد كان صوم يوم عاشوراء فرضا في السلم ،ث ّم نسخت فرضيّته بصوم رمضان ،فخيّر
النّبيّ صلى ال عليه وسلم المسلمين في صومه ،وهو اختيار كثيرين واختيار الشّيخ تقيّ
الدّين من الحنابلة ،وهو الّذي قاله الصوليّون .
وصوم يوم عاشوراء -كما سبق في الحديث الشّريف -يكفّر ذنوب سنة ماضية .والمراد
بالذّنوب :الصّغائر ،قال الدّسوقيّ :فإن لم يكن صغائر ،حتّت من كبائر سنة ،وذلك
التّحتيت موكول لفضل اللّه ،فإن لم يكن كبائر رفع له درجات .
ي :قال النّوويّ في شرح مسلم عن العلماء :المراد كفّارة الصّغائر ،فإن لم
وقال البهوت ّ
تكن له صغائر رجي التّخفيف من الكبائر ،فإن لم تكن له كبائر رفع له درجات .
وصرّح الحنفيّة :بكراهة صوم يوم عاشوراء منفردا عن التّاسع ،أو عن الحادي عشر .
كما صرّح الحنابلة :بأنّه ل يكره إفراد عاشوراء بالصّوم ،وهذا ما يفهم من مذهب
المالكيّة.
قال الحطّاب :قال الشّيخ زرّوق في شرح القرطبيّة :واستحبّ بعض العلماء صوم يوم قبله
ويوم بعده ،وهذا الّذي ذكره عن بعض العلماء غريب لم أقف عليه .
وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجها :
ن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر ،وهو مرويّ عن ابن
أحدها :أ ّ
عبّاس رضي ال عنهما فقد روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :
صوموا يوم عاشوراء ،وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما أو بعده يوما « .
ن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم ،كما نهى أن يصوم يوم الجمعة وحده .
الثّاني :أ ّ
الثّالث :الحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلل ووقوع الغلط ،فيكون التّاسع في
العدد هو العاشر في نفس المر .
واستحبّ الحنفيّة والشّافعيّة صوم الحادي عشر ،إن لم يصم التّاسع .
ص الشّافعيّ في المّ والملء على استحباب صوم الثّلثة .
قال الشّربينيّ الخطيب :بل ن ّ
ج -صوم يوم عرفة :
-اتّفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاجّ -وهو :اليوم التّاسع من ذي 9
الحجّة -وصومه يكفّر سنتين :سن ًة ماضيةً ،وسنةً مستقبلةً ،روى أبو قتادة رضي ال
ي صلى ال عليه وسلم قال » :صيام يوم عرفة ،أحتسب على اللّه أن
تعالى عنه أنّ النّب ّ
يكفّر السّنة الّتي قبله ،والسّنة الّتي بعده « .
قال الشّربينيّ الخطيب :وهو أفضل اليّام لحديث مسلم » :ما من يوم أكثر من أن يعتق
اللّه فيه عبدا من النّار من يوم عرفة « .
ج ،ولو
وذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى عدم استحبابه للحا ّ
كان قويّا ،وصومه مكروه له عند المالكيّة والحنابلة ،وخلف الولى عند الشّافعيّة ،لما
ي صلى ال عليه
روت أمّ الفضل بنت الحارث رضي ال عنهما » :أنّها أرسلت إلى النّب ّ
وسلم بقدح لبن ،وهو واقف على بعيره بعرفة ،فشرب « .
وعن ابن عمر رضي ال عنهما » :أنّه حجّ مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ أبي بكر ،
ثمّ عمر ،ثمّ عثمان ،فلم يصمه أحد منهم « ،لنّه يضعفه عن الوقوف والدّعاء ،فكان
تركه أفضل ،وقيل :لنّهم أضياف اللّه وزوّاره .
ج لم
ن صومه لحا ّ
وقال الشّافعيّة :ويسنّ فطره للمسافر والمريض مطلقا ،وقالوا :يس ّ
ل ،لفقد العلّة .
يصل عرفة إلّ لي ً
وذهب الحنفيّة إلى استحبابه للحاجّ -أيضا -إذا لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ول يخلّ
بالدّعوات ،فلو أضعفه كره له الصّوم .
د -صوم الثّمانية من ذي الحجّة :
-اتّفق الفقهاء على استحباب صوم اليّام الثّمانية الّتي من أوّل ذي الحجّة قبل يوم 10
عرفة ،لحديث ابن عبّاس :رضي ال تعالى عنهما مرفوعا » :ما من أيّام العمل الصّالح
فيها أحبّ إلى اللّه من هذه اليّام -يعني أيّام العشر -قالوا :يا رسول اللّه ول الجهاد في
سبيل اللّه ؟ قال :ول الجهاد في سبيل اللّه ،إلّ رجل خرج بنفسه وماله ،فلم يرجع من
ذلك بشيء « .
قال الحنابلة :وآكده :الثّامن ،وهو يوم التّروية .
ن صوم يوم التّروية يكفّر سنةً ماضيةً .
وصرّح المالكيّة :بأ ّ
ج أيضا .
وصرّح المالكيّة ،والشّافعيّة :بأنّه يسنّ صوم هذه اليّام للحا ّ
واستثنى المالكيّة من ذلك صيام يوم التّروية للحاجّ .
ج أن يصوم بمنىً وعرفة تطوّعا .
قال في المتيطيّة :ويكره للحا ّ
ى يعني في يوم التّروية ،يسمّى عند المغاربة :يوم منىً .
قال الحطّاب :بمن ً
هع – صوم ستّة أيّام من شوّال :
– ذهب جمهور الفقهاء – المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ومتأخّرو الحنفيّة – إلى أنّه 11
يسنّ صوم ستّة أيّام من شوّال بعد صوم رمضان ،لما روى أبو أيّوب رضي ال تعالى عنه
ي صلى ال عليه وسلم » :من صام رمضان ،ثمّ أتبعه ستّا من شوّال ،كان
قال :قال النّب ّ
كصيام الدّهر « .
ي صلى ال عليه وسلم » :صيام شهر
وعن ثوبان رضي ال تعالى عنه قال :قال النّب ّ
رمضان بعشرة أشهر وستّة أيّام بعدهنّ بشهرين ،فذلك تمام سنة « يعني :أنّ الحسنة
بعشرة أمثالها :الشّهر بعشرة أشهر ،واليّام السّتّة بستّين يوما ،فذلك سنة كاملة .
ن صوم ستّة أيّام من شوّال -بعد رمضان -يعدل صيام
وصرّح الشّافعيّة ،والحنابلة :بأ ّ
ن الحسنة بعشرة أمثالها .
سنة فرضا ،وإلّ فل يختصّ ذلك برمضان وستّة من شوّال ،ل ّ
ونقل عن أبي حنيفة -رحمه ال تعالى -كراهة صوم ستّة من شوّال ،متفرّقا كان أو
متتابعا .
وعن أبي يوسف :كراهته متتابعا ،ل متفرّقا .لكن عامّة المتأخّرين من الحنفيّة لم يروا
به بأسا .
ل عن صاحب الهداية في كتابه التّجنيس :والمختار أنّه ل بأس به ،
قال ابن عابدين ،نق ً
لنّ الكراهة إنّما كانت لنّه ل يؤمن من أن يعدّ ذلك من رمضان ،فيكون تشبّها
ي محلّ الكراهة :أن يصوم يوم
بالنّصارى ،والن زال ذلك المعنى ،واعتبر الكاسان ّ
الفطر ،ويصوم بعده خمسة أيّام ،فأمّا إذا أفطر يوم العيد ثمّ صام بعده ستّة أيّام فليس
بمكروه ،بل هو مستحبّ وسنّة .
وكره المالكيّة صومها لمقتدىً به ،ولمن خيف عليه اعتقاد وجوبها ،إن صامها متّصلةً
برمضان متتابعةً وأظهرها ،أو كان يعتقد سنّيّة اتّصالها ،فإن انتفت هذه القيود استحبّ
صيامها .
قال الحطّاب :قال في المقدّمات :كره مالك -رحمه ال تعالى -ذلك مخافة أن يلحق
برمضان ما ليس منه من أهل الجهالة والجفاء ،وأمّا الرّجل في خاصّة نفسه فل يكره له
صيامها .
وصرّح الشّافعيّة ،والحنابلة :بأنّه ل تحصل الفضيلة بصيام السّتّة في غير شوّال ،وتفوت
بفواته ،لظاهر الخبار .
ومذهب الشّافعيّة :استحباب صومها لكلّ أحد ،سواء أصام رمضان أم ل ،كمن أفطر
لمرض أو صبا أو كفر أو غير ذلك ،قال الشّربينيّ الخطيب :وهو الظّاهر ،كما جرى
عليه بعض المتأخّرين ،وإن كانت عبارة كثيرين :يستحبّ لمن صام رمضان أن يتبعه
بستّ من شوّال كلفظ الحديث .
وعند الحنابلة :ل يستحبّ صيامها إلّ لمن صام رمضان .
-كما ذهب الشّافعيّة وبعض الحنابلة إلى أفضليّة تتابعها عقب العيد مبادرةً إلى العبادة، 12
-الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى استحباب كونها اليّام البيض -وهي الثّالث عشر
ي -سمّيت بذلك لتكامل ضوء الهلل وشدّة
والرّابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر عرب ّ
ي صلى ال عليه وسلم قال له » :يا
البياض فيها ،لما روى أبو ذ ّر رضي ال عنه أنّ النّب ّ
أبا ذرّ ،إذا صمت من الشّهر ثلثة أيّام ،فصم ثلث عشرة ،وأربع عشرة ،وخمس
عشرة « .
قال الشّافعيّة :والحوط صوم الثّاني عشر معها -أيضا -للخروج من خلف من قال :
إنّه أوّل الثّلثة ،ويستثنى ثالث عشر ذي الحجّة فل يجوز صومه لكونه من أيّام التّشريق .
فيبدّل بالسّادس عشر منه كما قال القليوبيّ .
وذهب المالكيّة إلى كراهة صوم اليّام البيض ،فرارا من التّحديد ،ومخافة اعتقاد وجوبها
صةً
.ومح ّل الكراهة :إذا قصد صومها بعينها ،واعتقد أنّ الثّواب ل يحصل إلّ بصومها خا ّ
.وأمّا إذا قصد صيامها من حيث إنّها ثلثة أيّام من الشّهر فل كراهة .
قال الموّاق :نقلً عن ابن رشد :إنّما كره مالك صومها لسرعة أخذ النّاس بقوله ،فيظنّ
ن مالكا كان يصومها ،وحضّ مالك -أيضا -الرّشيد على
الجاهل وجوبها .وقد روي أ ّ
صيامها .
وصوم ثلثة أيّام من كلّ شهر كصوم الدّهر ،بمعنى :أنّه يحصل بصيامها أجر صيام الدّهر
بتضعيف الجر :الحسنة بعشرة أمثالها .
لحديث قتادة بن ملحان رضي ال عنه » :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يأمرنا أن
ن كهيئة
نصوم البيض :ثلث عشرة ،وأربع عشرة ،وخمس عشرة .قال :قال :وه ّ
الدّهر « أي كصيام الدّهر .
ز -صوم الثنين والخميس من كلّ أسبوع :
-اتّفق الفقهاء على استحباب صوم يوم الثنين والخميس من كلّ أسبوع . 14
الحرم .
ن أفضل الشهر الحرم :المحرّم ،ثمّ رجب ،ثمّ باقيها :ذو
وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأ ّ
القعدة وذو الحجّة .
ي صلى ال عليه وسلم » :أفضل الصّلة بعد الصّلة المكتوبة
والصل في ذلك قول النّب ّ
الصّلة في جوف اللّيل ،وأفضل الصّيام بعد شهر رمضان صيام شهر اللّه المحرّم « .
ومذهب الحنفيّة :أنّه من المستحبّ أن يصوم الخميس والجمعة والسّبت من كلّ شهر من
الشهر الحرم .
ن صوم شهر المحرّم فقط من الشهر الحرم .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يس ّ
وذكر بعضهم استحباب صوم الشهر الحرم ،لكن الكثر لم يذكروا استحبابه ،بل نصّوا
على كراهة إفراد رجب بالصّوم ،لما روى ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما » :أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم نهى عن صيام رجب « .
ولنّ فيه إحياءً لشعار الجاهليّة بتعظيمه .وتزول الكراهة بفطره فيه ولو يوما ،أو بصومه
شهرا آخر من السّنة وإن لم يل رجبا .
ط -صوم شهر شعبان :
-ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -إلى استحباب صوم شهر 16
شعبان ،لما روت عائشة رضي ال تعالى عنها قالت » :ما رأيت رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان « .
وعنها قالت » :كان أحبّ الشّهور إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يصومه
شعبان ،بل كان يصله برمضان « .
قال الشّربينيّ الخطيب :ورد في مسلم » :كان صلى ال عليه وسلم يصوم شعبان كلّه :
كان يصوم شعبان إلّ قليلً « .
قال العلماء :اللّفظ الثّاني مفسّر للوّل ،فالمراد بكلّه غالبه .
وعن عائشة رضي ال عنها قالت » :ما رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم استكمل
صيام شهر قطّ إلّ رمضان « .
ن وجوبه .
قال العلماء :وإنّما لم يستكمل ذلك لئلّ يظ ّ
وذهب الحنابلة إلى عدم استحباب صوم شعبان ،وذلك في قول الكثر ،واستحبّه صاحب
الرشاد .
ى -صوم يوم الجمعة :
-ل بأس عند الحنفيّة بصوم يوم الجمعة بانفراده ،وهو قول أبي حنيفة ومحمّد ويندب 17
عند المالكيّة ،لما روي عن ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما أنّه كان يصومه ول يفطر .
وقال أبو يوسف :جاء حديث في كراهته إ ّل أن يصوم قبله وبعده ،فكان الحتياط أن يضمّ
إليه يوما آخر ،قال ابن عابدين :ثبت بالسّنّة طلبه والنّهي عنه ،والخر منهما النّهي ،
لنّ فيه وظائف ،فلعلّه إذا صام ضعف عن فعلها .
ي صلى ال
ومحلّ النّهي عند المالكيّة هو مخافة فرضيّته ،وقد انتفت هذه العلّة بوفاة النّب ّ
عليه وسلم .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصّوم ،لحديث » :ل يصم أحدكم
يوم الجمعة ،إلّ أن يصوم قبله أو بعده « وليتقوّى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه ،
أو لئلّ يبالغ في تعظيمه كاليهود في السّبت ،ولئلّ يعتقد وجوبه ،ولنّه يوم عيد وطعام .
حكم الشّروع في صوم التّطوّع :
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى لزوم صوم التّطوّع بالشّروع فيه ،وأنّه يجب على الصّائم 18
حيث جاء في الفتاوى الهنديّة ما نصّه :ذكر الرّازيّ عن أصحابنا أنّ الفطار بغير عذر في
صوم التّطوّع ل يح ّل ،هكذا في الكافي .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة قطعه بل عذر ،واستحباب إتمامه لظاهر قوله تعالى :
عمَا َلكُمْ } ،وللخروج من خلف من أوجب إتمامه .
{ وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
ومن العذار الّتي ذكرها الحنفيّة والمالكيّة لجواز الفطر :الحلف على الصّائم بطلق امرأته
ص الحنفيّة على ندب الفطر دفعا لتأذّي أخيه
إن لم يفطر ،فحينئذ يجوز له الفطر ،بل ن ّ
المسلم .لكن الحنفيّة قيّدوا جواز الفطر إلى ما قبل نصف النّهار أمّا بعده فل يجوز .
وكذلك من العذار عند الحنفيّة :الضّيافة للضّيف والمضيف إن كان صاحبها ممّن ل
يرضى بمجرّد الحضور ،وكان الصّائم يتأذّى بترك الفطار ،شريطة أن يثق بنفسه
بالقضاء ،وقيّد المالكيّة جواز الفطر بالحلف بالطّلق بتعلّق قلب الحالف بمن حلف
بطلقها ،بحيث يخشى أن ل يتركها إن حنث ،فحينئذ يجوز للمحلوف عليه الفطر ،ول
قضاء عليه أيضا .
ومن العذار -أيضا : -أمر أحد أبويه له بالفطر .وقيّد الحنفيّة جواز الفطار بما إذا كان
أمر الوالدين إلى العصر ل بعده ،قال ابن عابدين :ولعلّ وجهها أنّ قرب وقت الفطار
يرفع ضرر النتظار .
وألحق المالكيّة بالبوين :الشّيخ في السّفر ،الّذي أخذ على نفسه العهد أن ل يخالفه ،
ي.
ومثله عندهم :شيخ العلم الشّرع ّ
وصرّح الشّافعيّة باستحباب قطع صوم التّطوّع إن كان هناك عذر ،كمساعدة ضيف في
الكل إذا عزّ عليه امتناع مضيفه منه ،أو عكسه .أمّا إذا لم يع ّز على أحدهما امتناع
الخر عن ذلك فالفضل عدم خروجه منه .
-واختلف الفقهاء في حكم قضاء صوم التّطوّع عند إفساده : 20
فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب قضاء صوم التّطوّع عند إفساده .
لما روت عائشة رضي ال تعالى عنها أنّها قالت » :كنت أنا وحفصة صائمتين ،فعرض
لنا طعام اشتهيناه ،فأكلنا منه ،فجاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة
-وكانت ابنة أبيها -فقالت :يا رسول اللّه إنّا كنّا صائمتين ،فعرض لنا طعام اشتهيناه
فأكلنا منه ،فقال :اقضيا يوما آخر مكانه « .
ولنّ ما أتى به قربةً ،فيجب صيانته وحفظه عن البطلن ،وقضاؤه عند الفساد لقوله
عمَا َلكُمْ } ،ول يمكن ذلك إلّ بإتيان الباقي ،فيجب إتمامه ،وقضاؤه
تعالى { :وَلَا تُ ْبطِلُوا أَ ْ
عند الفساد ضرورةً ،فصار كالحجّ والعمرة التّطوّعين .
ومذهب الحنفيّة :وجوب القضاء عند الفساد مطلقا ،أي :سواء أفسد عن قصد -وهذا
ل خلف فيه -أو غير قصد ،بأن عرض الحيض للصّائمة المتطوّعة وذلك في أصحّ
الرّوايتين ،واستثنوا من ذلك :صوم العيدين وأيّام التّشريق ،فل تلزم بالشّروع ،ل أداءً
ول قضاءً ،إذا أفسد ،لرتكابه النّهي بصيامها ،فل تجب صيانته ،بل يجب إبطاله ،
ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصّيانة ،فلم يجب قضا ًء ،كما لم يجب أدا ًء .
وخصّ المالكيّة وجوب القضاء بالفطر العمد الحرام ،وذلك كمن شرع في صوم التّطوّع ،
ثمّ أفطر من غير ضرورة ول عذر ،قال الحطّاب :احترز بالعمد من النّسيان والكراه ،
وبالحرام عمّن أفطر لشدّة الجوع والعطش والح ّر الّذي يخاف منه تجدّد مرض أو زيادته ،
وكذلك عمّن أفطر لمر والديه وشيخه ،وعدّوا السّفر الّذي يطرأ عليه من الفطر العمد .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجب القضاء على من أفسد صوم التّطوّع ،لنّ
القضاء يتبع المقضيّ عنه ،فإذا لم يكن واجبا ،لم يكن القضاء واجبا ،لكن يندب له
القضاء ،سواء أفسد صوم التّطوّع بعذر أم بغير عذر ،خروجا من خلف من أوجب
قضاءه .
ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا أفطر الصّائم تطوّعا لم يثب على ما مضى ،إن خرج
منه بغير عذر ،ويثاب عليه إن خرج بعذر .
الذن في صوم التّطوّع :
-اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّ بإذن زوجها ،لقول النّبيّ 21
صلى ال عليه وسلم » :ل تصم المرأة وبعلها شاهد ،إلّ بإذنه « ،ولنّ حقّ الزّوج
فرض ،فل يجوز تركه لنفل .
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء ،والكراهة
التّحريميّة عند الحنفيّة ،إلّ أنّ الشّافعيّة خصّوا الحرمة بما يتكرّر صومه ،أمّا ما ل يتكرّر
صومه كعرفة وعاشوراء وستّة من شوّال فلها صومها بغير إذنه ،إلّ إن منعها .
ول تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائبا ،لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي .
قال الشّافعيّة :وعلمها برضاه كإذنه .
ج أو عمرة ،قالوا :وإذا كان
ومثل الغائب عند الحنفيّة :المريض ،والصّائم والمحرم بح ّ
الزّوج مريضا أو صائما أو محرما لم يكن له منع الزّوجة من ذلك ،ولها أن تصوم وإن
نهاها .
وصرّح الحنفيّة والمالكيّة بأنّه ل يصوم الجير تطوّعا إلّ بإذن المستأجر ،إن كان صومه
يض ّر به في الخدمة ،وإن كان ل يضرّه فله أن يصوم بغير إذنه .
-وإذا صامت الزّوجة تطوّعا بغير إذن زوجها فله أن يفطّرها ،وخصّ المالكيّة جواز 22
تفطيرها بالجماع فقط ،أمّا بالكل والشّرب فليس له ذلك ،لنّ احتياجه إليها الموجب
لتفطيرها إنّما هو من جهة الوطء .
التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان :
-اختلف الفقهاء في حكم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان : 23
فذهب الحنفيّة إلى جواز التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة ،لكون القضاء
ل يجب على الفور ،قال ابن عابدين :ولو كان الوجوب على الفور لكره ،لنّه يكون
تأخيرا للواجب عن وقته الضّيّق .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى الجواز مع الكراهة ،لما يلزم من تأخير الواجب ،قال
الدّسوقيّ :يكره التّطوّع بالصّوم لمن عليه صوم واجب ،كالمنذور والقضاء والكفّارة .
سواء كان صوم التّطوّع الّذي قدّمه على الصّوم الواجب غير مؤكّد ،أو كان مؤكّدا ،
كعاشوراء وتاسع ذي الحجّة على الرّاجح .
وذهب الحنابلة إلى حرمة التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان ،وعدم صحّة التّطوّع حينئذ
ولو اتّسع الوقت للقضاء ،ول ب ّد من أن يبدأ بالفرض حتّى يقضيه ،وإن كان عليه نذر
ي صلى ال
صامه بعد الفرض أيضا ،لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه أنّ النّب ّ
عليه وسلم قال » :من صام تطوّعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنّه ل يتقبّل منه
حتّى يصومه « ،وقياسا على الحجّ في عدم جواز أن يحجّ عن غيره أو تطوّعا قبل حجّ
الفريضة ومسألة انقلب الصّوم الواجب إلى تطوّع ،والنّيابة في صوم التّطوّع سبق
) 27 ، 19 تفصيلها في مصطلح ( :تطوّع ف
صوْمَعة *
َ
انظر :معابد
صوْمُ النّذر *
َ
انظر :نذر
صِيَاغَة *
التّعريف :
-الصّياغة لغةً :من صاغ الرّجل الذّهب يصوغه صوغا وصياغةً جعله حليّا فهو صائغ 1
بالفضّة ،فيشترط في جواز بيعها التّماثل في وزن المصوغ فيجب أن يساوي المصوغ غير
المصوغ في الوزن .
انظر مصطلح ( :صرف ) .
ي الذّهب والفضّة بجميع أنواعها ،ويحرم على الرّجل
-5ومنها :يحلّ للمرأة اتّخاذ حل ّ
الحليّ من الذّهب والفضّة إلّ التّختّم من الفضّة بمقدار مثقال .
ينظر مصطلح ( :حليّ ) .
ي المستعمل استعمالً محرّما
-6ومنها :اتّفق الفقهاء على وجوب الزّكاة في مصوغ الحل ّ
كحليّ الرّجل ،واختلفوا في زكاة ما تتّخذه المرأة .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :حليّ ،وزكاة ) .
-7ومنها :أنّ تراب دكاكين الصّاغة وهو ما يتخلّف عن الصّياغة من رماد ول يدرى ما
فيه من ذهب أو فضّة ،ل يجوز بيعه إلّ بالفلوس أو بعوض من غير الفلوس ،ول يجوز
بيعه بذهب أو بفضّة ،لنّه ل يخلو من ذهب أو فضّة فيؤدّي بيعه بهما إلى الرّبا لعدم العلم
بالتّماثل .
وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :تراب الصّاغة ) .
ن حرفة الصّياغة
-8ومنها :يجب على المحتسب أن يحتسب على الصّاغة في عملهم ،ل ّ
ممّا يكثر فيها التّدليس والغشّ ،وذلك في المور التّالية :
ي المصوغة بغير جنسها ليحلّ فيها التّفاضل .
أ -أن يبيعوا الحل ّ
ش إن وجد .
ي المصوغة من غ ّ
ب -أن يبيّن للمشتري مقدار ما في الحل ّ
ي فل يسبكه إلّ بحضرة صاحبه بعد تحقيق وزنه ،فإن
ج -إذا أراد صياغة شيء من الحل ّ
فرغ من سبكه أعاد الوزن وإن احتاج إلى لحام فإنّه يزنه قبل إدخاله فيه ول يركّب شيئا
من الفصوص والجواهر على الخواتم والحليّ إلّ بعد وزنه بحضرة صاحبها .
صيَال *
ِ
التّعريف :
-الصّيال في اللّغة :مصدر صال يصول ،إذا قدم بجراءة وقوّة ،وهو :الستطالة 1
والبغاة هم :قوم من المسلمين ،خالفوا المام الحقّ بخروج عليه وترك النقياد له ،أو
منع حقّ توجّه عليهم ،بشرط شوكة لهم ،وتأويل ل يقطع بفساده .
ب -المحارب :
-وهو :قاطع الطّريق لمنع سلوك ،أو أخذ مال مسلم أو غيره ،على وجه يتعذّر معه 3
ا ْل ُمعْتَدِينَ } .
وقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :كلّ المسلم على المسلم حرام :دمه ،وماله ،
وعرضه « .
دفع الصّائل على النّفس وما دونها :
-اختلف الفقهاء في حكم دفع الصّائل على النّفس وما دونها : 5
فذهب الحنفيّة -وهو الصحّ عند المالكيّة -إلى وجوب دفع الصّائل على النّفس وما
دونها ،ول فرق بين أن يكون الصّائل كافرا أو مسلما ،عاقلً أو مجنونا ،بالغا أو صغيرا ،
معصوم الدّم أو غير معصوم الدّم ،آدميّا أو غيره .
واستدلّ أصحاب هذا الرّأي بقوله تعالى َ { :و َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } .
فالستسلم للصّائل إلقاء بالنّفس للتّهلكة ،لذا كان الدّفاع عنها واجبا .
ولقوله تعالى { :وَقَاتِلُو ُه ْم حَتّى لَ َتكُونَ فِتْ َنةٌ } .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :من قتل دون دمه فهو شهيد « .
وقوله صلى ال عليه وسلم » :من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين -يريد قتله -فقد
وجب دمه « .
ولنّه ك ما يحرم على الم صول عل يه ق تل نف سه ،يحرم عل يه إبا حة قتل ها ،ولنّه قدر على
إحياء نفسه ،فوجب عليه فعل ذلك ،كالمضطرّ لكل الميتة ونحوها .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن كان الصّائل كافرا ،والمصول عليه مسلما وجب الدّفاع سواء
كان هذا الكافر معصوما أو غير معصوم ،إذ غير المعصوم ل حرمة له ،والمعصوم بطلت
ن الستسلم للكافر ذلّ في الدّين ،وفي حكمه كلّ مهدور الدّم من
حرمته بصياله ،ول ّ
المسلمين ،كالزّاني المحصن ،ومن تحتّم قتله في قطع الطّريق ونحو ذلك من الجنايات .
كما يجب دفع البهيمة الصّائلة ،لنّها تذبح لستبقاء الدميّ ،فل وجه للستسلم لها ،
مثلها ما لو سقطت جرّة ونحوها على إنسان ولم تندفع عنه إلّ بكسرها .
أمّا إن كان الصّائل مسلما غير مهدور الدّم فل يجب دفعه في الظهر ،بل يجوز الستسلم
له ،سواء كان الصّائل صبيّا أو مجنونا ،وسواء أمكن دفعه بغير قتله أو لم يمكن ،بل قال
ن الستسلم له لقوله صلى ال عليه وسلم » :كن كابن آدم « -يعني
بعضهم :يس ّ
هابيل -ولما ورد عن الحنف بن قيس قال :خرجت بسلحي ليالي الفتنة ،فاستقبلني أبو
بكرة فقال :أين تريد ؟ قلت :أريد نصرة ابن عمّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .قال :
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلهما من أهل
النّار .قيل :فهذا القاتل ،فما بال المقتول ؟ قال :إنّه أراد قتل صاحبه « .
ولنّ عثمان رضي ال عنه ترك القتال مع إمكانه ،ومع علمه بأنّهم يريدون نفسه ،ومنع
حرّاسه من الدّفاع عنه – وكانوا أربعمائة يوم الدّار – وقال :من ألقى سلحه فهو حرّ ،
واشتهر ذلك في الصّحابة رضي ال عنهم فلم ينكر عليه أحد .
ومقابل الظهر -عند الشّافعيّة -أنّه يجب دفع الصّائل مطلقا ،أي سواء كان كافرا أو
ي ،لقوله تعالى َ { :ولَ تُ ْلقُواْ
مسلما ،معصوم الدّم أو غير معصوم الدّم ،آدميّا أو غير آدم ّ
بِأَيْدِي ُكمْ إِلَى ال ّتهُْل َكةِ } .
وفي قول ثالث عندهم :أنّه إن كان الصّائل مجنونا أو صبيّا فل يجوز الستسلم لهما ،
لنّهما ل إثم عليهما كالبهيمة .
واستثنى القائلون بالجواز من الشّافعيّة مسائل منها :
أ -لو كان المصول عليه عالما توحّد في عصره ،أو خليفةً تفرّد ،بحيث يترتّب على قتله
ضرر عظيم ،لعدم من يقوم مقامه ،فيجب دفع الصّائل .
ب -لو أراد الصّائل قطع عضو المصول عليه فيجب دفعه لنتفاء علّة الشّهادة .
ي رحمه ال :ويجب الدّفع عن عضو عند ظنّ السّلمة ،وعن نفس ظنّ بقتلها
قال الذرع ّ
مفاسد في الحريم والمال والولد .
ن المصول عليه إن أمكنه دفع الصّائل بغير قتله وجب عليه
ج -قال القاضي حسين :إ ّ
دفعه وإلّ فل .
وذهب الحنابلة إلى وجوب دفع الصّائل عن النّفس في غير وقت الفتنة ،لقوله تعالى { :
َولَ تُ ْلقُواْ بِأَيْدِي ُكمْ إِلَى ال ّتهُْل َكةِ } .
ولنّه كما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها .
أمّا في زمن الفتنة ،فل يلزمه الدّفاع عن نفسه ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :فإن
خشيت أن يبهرك شعاع السّيف ،فألق ثوبك على وجهك « .
ولنّ عثمان رضي ال عنه ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ،ومنع غيره
قتالهم ،وصبر على ذلك .ولو لم يجز لنكر الصّحابة عليه ذلك .
قتل الصّائل وضمانه :
-إن قتل المصول عليه الصّائل دفاعا عن نفسه ونحوها فل ضمان عليه -عند 6
الجمهور -بقصاص ول دية ول كفّارة ول قيمة ،ول إثم عليه ،لنّه مأمور بذلك .
أمّا إذا تمكّن الصّائل من قتل المصول عليه فيجب عليه القصاص .
ن المصول عليه يضمن
وخالف الحنفيّة جمهور الفقهاء في ضمان الصّائل ،فذهبوا إلى أ ّ
البهيمة الصّائلة عليه إذا كانت لغيره ،لنّه أتلف مال غيره لحياء نفسه ،كالمضط ّر إلى
طعام غيره إذا أكله .
ي والمجنون ،فيضمنهما إذا
ومثل البهيمة عندهم غير المكلّف من الدميّين ،كالصّب ّ
قتلهما ،لنّهما ل يملكان إباحة أنفسهما ،ولذلك لو ارتدّا لم يقتل .
ق قاتل الصّبيّ أو المجنون الصّائلين الدّية ل القصاص ،لوجود المبيح ،
لكن الواجب في ح ّ
ق قاتل البهيمة فهو القيمة .
وهو دفع الشّرّ عن نفسه ،وأمّا الواجب في ح ّ
-7ويدفع الصّائل بالخفّ فالخفّ إن أمكن ،فإن أمكن دفعه بكلم أو استغاثة بالنّاس حرّم
الضّرب ،أو أمكن دفعه بضرب بيد حرّم بسوط ،أو بسوط حرّم بعصا ،أو أمكن دفعه
ن ذلك جوّز للضّرورة ،ول ضرورة في الثقل مع إمكان
بقطع عضو حرّم دفعه بقتل ،ل ّ
تحصيل المقصود بالخفّ .
وعليه فلو اندفع شرّه بشيء آخر ،كأن وقع في ماء أو نار ،أو انكسرت رجله ،أو حال
بينهما جدار أو خندق أو غير ذلك لم يكن له ضربه ،وإن ضربه ضربةً عطّلته لم يكن له
أن يثني عليه ،لنّه كفى شرّه ولنّ الزّائد على ما يحصل به الدّفع ل حاجة إليه ،فلم يكن
له فعله .
والمعتبر في ذلك هو غلبة ظنّ المصول عليه ،فل يكفي توهّم الصّيال ،أو الشّكّ فيه ،فإن
خالف التّرتيب المذكور ،وعدل إلى رتبة -مع إمكان دفعه بما دونها -ضمن ،فإن ولّى
الصّائل هاربا فاتّبعه المصول عليه ،وقتله ضمن بقصاص أو دية ،وكذا إن ضربه فقطع
يمينه ثمّ ولّى هاربا فضربه ثانيةً وقطع رجله مثلً فالرّجل مضمونة بقصاص أو دية ،فإن
مات الصّائل من سراية القطعين فعلى المصول عليه نصف الدّية ،لنّه مات من فعل مأذون
فيه وفعل آخر غير مأذون فيه .
واستثنى الفقهاء من ذلك صورا منها :
أ -لو كان الصّائل يندفع بالسّوط أو العصا ونحوهما ،والمصول عليه ل يجد إلّ السّيف
فله الضّرب به ،لنّه ل يمكنه الدّفع إلّ به ،وليس بمقصّر في ترك استصحاب السّوط
ونحوه .
ب -لو التحم القتال بينهما ،واشتدّ المر عن الضّبط فله الدّفاع عن نفسه بما لديه ،دون
مراعاة التّرتيب المذكور .
ن المصول عليه أنّ الصّائل ل يندفع إلّ بالقتل فله أن يقتله دون مراعاة التّرتيب
ج -إذا ظ ّ
المذكور ،وكذا إن خاف أن يبدره بالقتل إن لم يسبق هو به فله ضربه بما يقتله ،أو يقطع
طرفه .ويصدّق المصول عليه في عدم إمكان التّخلّص بدون ما دفع به ،لعسر إقامة البيّنة
على ذلك .
د -إذا كان الصّائل مهدر الدّم -كمرتدّ وحربيّ وزان محصن -فل تجب مراعاة التّرتيب
في حقّه بل له العدول إلى قتله ،لعدم حرمته .
الهرب من الصّائل :
-اختلف الفقهاء في وجوب الهرب من الصّائل : 8
فذهب جمهور الفقهاء -من الحنفيّة والمالكيّة ،وهو المذهب عند الشّافعيّة ،ووجه عند
الحنابلة -إلى أنّه إن أمكن المصول عليه أن يهرب أو يلتجئ إلى حصن أو جماعة أو
حاكم وجب عليه ذلك ،ولم يجز له القتال ،لنّه مأمور بتخليص نفسه بالهون فالهون ،
وليس له أن يعدل إلى الشدّ مع إمكان السهل ولنّه أمكنه الدّفاع عن نفسه دون إضرار
غيره فلزمه ذلك .
واشترط المالكيّة والشّافعيّة لوجوب الهرب أن يكون بل مشقّة ،فإن كان بمشقّة فل يجب .
وزاد الشّافعيّة أن يكون الصّائل معصوم الدّم ،فلو صال عليه مرتدّ أو حربيّ لم يجب
الهرب ونحوه ،بل يحرم عليه .
فإن لم يهرب -حيث وجب الهرب -فقاتل وقتل الصّائل ،لزمه القصاص ،في قول
للشّافعيّة ،وهو الوجه ،ولزمته الدّية في القول الخر لهم أيضا .
وأمّا في الوجه الثّاني عند الشّافعيّة والحنابلة فهو عدم وجوب الهرب عليه ،لنّ إقامته في
ذلك الموضع جائزة ،فل يكلّف النصراف .
ن المصول عليه إن تيقّن النّجاة بالهرب وجب عليه ،وإلّ
وفي قول ثالث عند الشّافعيّة :أ ّ
فل يجب .
الدّفاع عن نفس الغير :
-ل يختلف قول الحنفيّة والمالكيّة في الدّفاع عن نفس الغير وما دونها من الطراف إذا 9
صال عليها صائل عن قولهم في الدّفاع عن النّفس إذا كان المصول عليه معصوم الدّم ،
بأن يكون من المسلمين أو من أهل ال ّذمّة ،وأن يكون مظلوما .
واستدلّوا في وجوب الدّفاع عن نفس الغير وأطرافه بنفس الدلّة الّتي استدلّوا بها في
المسألة السّابقة .
ن الدّفاع عن نفس الغير -إذا كان آدميّا محترما -حكمه كحكم
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
دفاعه عن نفسه ،فيجب حيث يجب ،وينتفي حيث ينتفي ،إذ ل يزيد حقّ غيره على حقّ
نفسه ،ومحلّ الوجوب -عندهم -إذا أمن الهلك على نفسه ،إذ ل يلزمه أن يجعل روحه
بدلً عن روح غيره ،إ ّل إذا كان ذلك في قتال الحربيّين والمرتدّين فل يسقط الوجوب
بالخوف الظّاهر ،وهذا أصحّ الطّرق عندهم .
وعند الشّافعيّة قولن آخران في هذه المسألة :
ن له اليثار بحقّ
أوّلهما :يجب الدّفاع عن نفس غيره وما دونها من الطراف قطعا ،ل ّ
نفسه دون غيره ،ولقوله صلى ال عليه وسلم » :من أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره -وهو
قادر على أن ينصره -أذلّه اللّه ع ّز وجلّ على رءوس الخلئق يوم القيامة « .
صةً في
ن شهر السّلح يحرّك الفتن ،وخا ّ
ثانيهما :ل يجوز الدّفاع عن نفس الغير ،ل ّ
مجال نصرة الخرين ،وليس الدّفاع عن الغير من شأن آحاد النّاس ،وإنّما هو وظيفة
المام وولة المور .
ويجري هذا الخلف في المذهب بالنّسبة لحاد النّاس ،أمّا المام وغيره -من الولة -
فيجب عليهم دفع الصّائل على نفس الغير اتّفاقا .
أمّا عند الحنابلة فيجب الدّفاع عن نفس غيره وما دونها من الطراف في غير فتنة ،ومع
ظنّ سلمة الدّافع والمدفوع عنه ،وإلّ حرّم الدّفاع .
دفع الصّائل عن العرض :
-أجمع الفقهاء على أنّه يجب على الرّجل دفع الصّائل على بضع أهله أو غير أهله ، 10
لنّه ل سبيل إلى إباحته ،ومثل الزّنا بالبضع في الحكم مقدّماته في وجوب الدّفع حتّى لو
أدّى إلى قتل الصّائل فل ضمان عليه .بل إن قتل الدّافع بسبب ذلك فهو شهيد ،لقوله صلى
ال عليه وسلم » :من قتل دون أهله فهو شهيد « .
ولما في ذلك من حقّه وحقّ اللّه تعالى -وهو منع الفاحشة -ولقوله صلى ال عليه
وسلم » :انصر أخاك ظالما أو مظلوما « .
إلّ أنّ الشّافعيّة شرطوا لوجوب الدّفاع عن عرضه وعرض غيره :أن ل يخاف الدّافع على
نفسه ،أو عضو من أعضائه ،أو على منفعة من منافع أعضائه .
أمّا المرأة المصول عليها من أجل الزّنا بها ،فيجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها
ن التّمكين منها محرّم ،وفي ترك الدّفع نوع تمكين ،فإذا قتلت الصّائل -ولم يكن
ذلك ،ل ّ
يندفع إلّ بالقتل -فل تضمنه بقصاص ول دية ،لما روى أنّ رجلً أضاف ناسا من هذيل ،
فأراد امرأةً على نفسها ،فرمته بحجر فقتلته ،فقال عمر رضي ال عنه :واللّه ل يودى
أبدا .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :من قتل دون عرضه فهو شهيد « .
وفي المغني :لو رأى رجلً يزني بامرأته -أو بامرأة غيره -وهو محصن فصاح به ،
ولم يهرب ولم يمتنع عن الزّنا حلّ له قتله ،فإن قتله فل قصاص عليه ول دية ،لما روى
أنّ عمر -رضي ال عنه -بينما هو يتغدّى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه سيف مجرّد
ملطّخ بالدّم ،فجاء حتّى قعد مع عمر ،فجعل يأكل وأقبل جماعة من النّاس ،فقالوا :يا
أمير المؤمنين :إنّ هذا قتل صاحبنا مع امرأته فقال عمر :ما يقول هؤلء ؟ قال :إنّه
ضرب فخذي امرأته بالسّيف ،فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال لهم عمر :ما يقول ؟
قالوا :ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسط الرّجل فقطعه باثنين فقال عمر :إن
عادوا فعد .
-وإذا قتل رجلً ،وادّعى أنّه وجده مع امرأته ،فأنكر وليّ المقتول فالقول قول الوليّ، 11
لما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه سئل عن رجل دخل بيته ،فإذا مع امرأته رجل ،
ن الصل عدم ما
فقتلها وقتله ،قال عليّ :إن جاء بأربعة شهداء ،وإلّ فليعط برمّته ،ول ّ
يدّعيه ،فل يسقط حكم القتل بمجرّد الدّعوى .
إلّ أنّ الفقهاء اختلفوا في البيّنة :
ن سعد بن عبادة رضي
ي السّابق ،ولما ورد أ ّ
فقال الجمهور :إنّها أربعة شهداء ،لخبر عل ّ
ل أأمهله حتّى آتي بأربعة
ال عنه قال » :يا رسول ،أرأيت إن وجدت مع امرأتي رج ً
شهداء؟ فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :نعم « الحديث .
ن البيّنة تشهد على وجود الرّجل على
وفي رواية عند الحنابلة أنّه يكفي شاهدان ،ل ّ
المرأة ،وليس على الزّنا .
وكذا لو قتل رجلً في داره ،وادّعى أنّه قد هجم على منزله ،فأنكر وليّ المقتول ،قال
الحنفيّة :إن لم تكن له بيّنة ،ولم يكن المقتول معروفا بالشّ ّر والسّرقة ،قتل صاحب الدّار
ص من القاتل في القياس ،وتجب
قصاصا ،وإن كان المقتول معروفا بالشّرّ والسّرقة لم يقت ّ
الدّية في ماله لورثة المقتول في الستحسان ،لنّ دللة الحال أورثت شبهةً في القصاص
ل المال .
وقال المالكيّة :إن لم تكن له بيّنة يقتصّ منه ،ول يصدّق في دعواه ،إلّ إذا كان بموضع
ليس يحضره أحد من النّاس ،فيقبل قوله بيمينه .
وقال الشّافعيّة :لم يقبل قوله إلّ ببيّنة ،ويكفي في البيّنة قولها :دخل داره شاهرا
السّلح ،ول يكفي قولها :دخل بسلح من غير شهر ،إلّ إن كان معروفا بالفساد أو بينه
وبين القتيل عداوة فيكفي ذلك للقرينة .
وقال الحنابلة :لم يقبل قوله إلّ ببيّنة ،وإ ّل فعليه القصاص ،سواء كان المقتول يعرف
ل إلى هذا
بفساد أو سرقة أو لم يعرف بذلك ،فإن شهدت البيّنة :أنّهم رأوا هذا مقب ً
بالسّلح المشهور فضربه هذا ،فقد هدر دمه ،وإن شهدوا أنّهم رأوه داخلً داره ،ولم
يذكروا سلحا ،أو ذكروا سلحا غير مشهور لم يسقط القصاص بذلك ،لنّه قد يدخل
لحاجة ،ومجرّد الدّخول ل يوجب إهدار دمه .
وإن تجارح رجلن ،وادّعى كلّ منهما قائلً :إنّي جرحته دفعا عن نفسي ،حلف كلّ منهما
ن كلّ واحد منهما مدّع على الخر
على إبطال دعوى صاحبه ،وعليه ضمان ما جرحه ،ل ّ
ما ينكره ،والصل عدمه .
والتّفاصيل في مصطلح ( :قصاص ،شهادة ) .
دفع الصّائل على المال :
-ذهب الحنفيّة -وهو الصحّ عند المالكيّة -إلى وجوب دفع الصّائل على المال وإن 12
ل لم يبلغ نصابا ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :قاتل دون مالك « .
كان قلي ً
واسم المال يقع على القليل كما يقع على الكثير .فإذا لم يتمكّن من دفع الصّائل على ماله
إلّ بالقتل فل شيء عليه ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :من قتل دون ماله فهو شهيد
« .ولم يفرّقوا بين ماله ومال غيره .فقد ذكر في الخانيّة :أنّه لو رأى رجلً يسرق ماله
ل يثقب حائطه ،أو حائط غيره ،وهو معروف بالسّرقة
فصاح به ولم يهرب ،أو رأى رج ً
فصاح به ولم يهرب حلّ له قتله ،ول قصاص عليه .
إلّ أنّ المالكيّة اشترطوا للوجوب أن يترتّب على أخذه هلك ،أو شدّة أذىً ،وإلّ فل يجب
الدّفع اتّفاقا .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يجب الدّفع عن المال ،لنّه يجوز إباحته للغير ،إ ّل إذا كان ذا
روح أو تعلّق به حقّ الغير كرهن وإجارة فيجب الدّفاع عنه ،قال المام الغزاليّ :وكذا إن
كان ما ًل محجورا عليه ،أو وقفا أو مالً مودعا ،فيجب على من هو بيده الدّفاع عنه ،
وهذا كلّه إذا لم يخش على نفس ،أو على بُضْع ،وعليه فإذا رأى شخصا يتلف حيوان
نفسه إتلفا محرّما وجب عليه الدّفاع عنه ،من باب المر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
كما ذهبوا إلى أنّه إذا قتل الصّائل على المال فل ضمان عليه بقصاص ول دية ول كفّارة
ول قيمة ،لنّه مأمور بالدلّة السّابقة بالقتال والقتل ،وبين المر بالقتال والضّمان منافاة ،
قال تعالى َ { :فمَنِ اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُو ْا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْث ِل مَا اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ } .
وقال صلى ال عليه وسلم » :انصر أخاك ظالما أو مظلوما « .
وقال أيضا » :من قتل دون ماله فهو شهيد « .
ويستثنى عندهم من جواز الدّفاع عن المال صورتان :
إحداهما :لو قصد مضط ّر طعام غيره ،فل يجوز لمالكه دفعه عنه ،إن لم يكن مضطرّا
مثله ،فإن قتل المالك الصّائل المضطرّ إلى الطّعام وجب عليه القصاص .
والخرى :إذا كان الصّائل مكرها على إتلف مال غيره ،فل يجوز دفعه عنه ،بل يلزم
المالك أن يقي روحه بماله ،كما يتناول المضط ّر طعامه ،ولكلّ منهما دفع المكره .
قال الذرعيّ :وهذا في آحاد النّاس ،أمّا المام ونوّابه فيجب عليهم الدّفاع عن أموال
رعاياهم .
وذهب الحنابلة إلى أنّه :ل يلزمه الدّفاع عن ماله على الصّحيح ،ول مال غيره ،ول
حفظه من الضّياع والهلك ،لنّه يجوز بذله لمن أراده منه ظلما ،وترك القتال على ماله
أفضل من القتال عليه .
وقيل :يجب عليه الدّفاع عن ماله .
أمّا دفع النسان عن مال غيره فيجوز ما لم يفض إلى الجناية على نفس الطّالب ،أو شيء
من أعضائه .
ن سلمة الدّافع والصّائل ،
وقال جماعة من الحنابلة :يلزمه الدّفاع عن مال الغير مع ظ ّ
وإلّ حرّم الدّفاع .
قالوا :ويجب عليه معونة غيره في الدّفاع عن ماله مع ظنّ السّلمة ،لقوله صلى ال
عليه وسلم » :انصر أخاك ظالما أو مظلوما « ،ولنّه لول التّعاون لذهبت أموال النّاس
ن قطّاع الطّريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان -ولم يعنه غيره -فإنّهم يأخذون
وأنفسهم ،ل ّ
أموال الكلّ ،واحدا واحدا .
صَيْد *
التّعريف :
ي أي :فعل الصطياد ،
-الصّيد :لغةً مصدر صاد يصيد ،ويطلق على المعنى المصدر ّ 1
كما يطلق على المصيد ،يقال :صيد المير ،وصيد كثير ،ويراد به المصيد ،كما يقال :
هذا خلق اللّه أي مخلوقه سبحانه وتعالى .
والصّيد هنا بمعنى المصيد :يقول اللّه تعالى َ { :ل َتقْتُلُو ْا الصّيْدَ َوأَن ُتمْ حُ ُرمٌ } .
ي على الطلق الثّانعي -أي المصعيد -بأنّه اسعم لمعا
وفعي الصعطلح :عرّفعه الكاسعان ّ
يتوحّش ويمتنع ،ول يمكن أخذه إلّ بحيلة ،إمّا لطيرانه أو لعدوه .
ي والمصيد -فقال :الصّيد بالمعنى
وعرّفه البهوتيّ بالطلقين -المعنى المصدر ّ
المصدريّ :اقتناص حيوان متوحّش طبعا غير مملوك ول مقدور عليه .
أمّا بالمعنى الثّاني -أي المصيد -فعرّفه بقوله :الصّيد حيوان مقتنص حلل متوحّش
طبعا ،غير مملوك ول مقدور عليه فخرج الحرام كالذّئب ،والنسيّ كالبل ولو توحّشت .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الذّبح :
-الذّبح في اللّغة :الشّقّ ،وفي الصطلح :هو القطع في الحلق ،وهو ما بين اللّبّة 2
واستعمله الفقهاء بمعنى :الصابة القاتلة للحيوان في أيّ موضع كانت من بدنه ،إذا كان
غير مقدور عليه ،سواء أكانت بالسّهم أم بجوارح السّباع والطّير .
( ر :عقر ) .
أقسام الصّيد :
ي.
-الصّيد نوعان :ب ّريّ وبحر ّ 5
فالصّيد الب ّريّ :ما يكون توالده في البرّ ،ول عبرة بالمكان الّذي يعيش فيه .
ن التّوالد
ي :فهو ما يكون توالده في الماء ،ولو كان مثواه في البرّ ،ل ّ
أمّا الصّيد البحر ّ
أصل ،والكينونة بعده عارض .
فكلب الماء والضّفدع ،ومثله السّرطان والتّمساح والسّلحفاة بحريّ يحلّ اصطياده للمحرم ،
لقوله تعالى ُ { :أحِ ّل َلكُمْ صَيْ ُد الْ َبحْرِ } .
وأمّا الب ّريّ :فحرام عليه إلّ ما يستثنى منه .
). 13 ر ( :حرم فقرة :
الحكم التّكليفيّ :
-الصل في الصّيد الباحة ،إلّ لمحرم أو في الحرم ،يدلّ عليها الكتاب والسّنّة 6
بخلفه ففي المغني :قال أحمد :ل بأس بصيد اللّيل .
-9ب -ويكره الصّيد إذا كان الغرض منه التّلهّي والعبث .
لقوله صلى ال عليه وسلم » :ل تتّخذوا شيئا فيه الرّوح غرضا « .أي هدفًا .
وذكر بعض الفقهاء صورا أخرى للكراهة ،فقد ذكر الحنفيّة أنّ تعليم البازي بالصّيود الحيّة
مكروه ،لما في ذلك من تعذيب الحيوان .
أمّا ما ذكره بعض الحنفيّة من كراهة حرفة الصطياد عموما ،فقد ردّه الحصكفيّ وابن
ن التّحقيق إباحة اتّخاذه حرفةً ،لنّه نوع من الكتساب ،وكلّ أنواع
عابدين :وقالوا :إ ّ
الكسب في الباحة سواء على المذهب الصّحيح .
قال ابن عابدين :وهذا إذا لم يكن الكسب بالرّبا والعقود الفاسدة ،ولم يكن بطريق
محظور ،فل يذ ّم بعضها ،وإن كان بعضها أفضل من بعض .
وذكر الحنابلة أنّه يكره الصطياد في صور منها :
أ -أن يكون بشيء نجس ،كالعذرة ،والميتة لما يتضمّنه من أكل المصيد للنّجاسة .
ب -ويكره أن يكون ببنات وردان ،لنّ مأواها الحشوش .
ج -ويكره أن يكون بالضّفادع ،للنّهي عن قتلها .
د -ويكره أن يكون بالخراطيم ،وكلّ شيء فيه الرّوح ،لما فيه من تعذيب الحيوان .
-ويحرم الصّيد في صور ،منها : 10
وقال المالكيّة :ل يحلّ ما صاده الكتابيّ وإن حلّ ما ذبحه ،وفرّقوا بين الذّبح والصّيد :بأنّ
الصّيد رخصة ،والكافر ولو كتابيّا ليس من أهلها .
وقال المالكيّة والشّافعيّة :يعتبر -هذا الشّرط -من حين الرسال إلى حين الصابة ،
وهناك قول آخر للمالكيّة أنّه يشترط وقت الرسال فقط كما تقدّم .
ن غير المسلم
وعلى ذلك فل يحلّ صيد المشرك أو المرت ّد ،ووجه اشتراط هذا الشّرط هو أ ّ
ل يخلص ذكر اسم اللّه ،ووجه حلّ صيد وذبائح أهل الكتاب هو قوله تعالى َ { :وطَعَامُ
حلّ ّلكُمْ } .
الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ ِ
والمقصود بالكتابيّ :اليهوديّ والنّصرانيّ ،ذمّيّا كان أو حربيّا .
). 24 ، 23 وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :ذبائح ف
-الشّرط الرّابع :يشترط في الصّائد أن يسمّي اللّه تعالى عند الرسال أو الرّمي ،وذلك 15
وهذا الشّرط متّفق عليه عند جميع المذاهب ،لقوله تعالى َ { :ومَا أُ ِه ّل ِبهِ ِلغَيْ ِر الّلهِ } .
). 35 وينظر مصطلح ( :ذبائح ف
-الشّرط السّادس :أن يرسل اللة بحيث ينسب إليه الصّيد . 17
وقال المالكيّة :يكون إرسال الجارحة من يد الصّائد أو يد غلمه ،قال الصّاويّ :المراد
باليد :حقيقتها ،ومثلها إرسالها من حزامه أو من تحت قدمه ،ل القدرة عليه أو الملك
فقط ،وقالوا :إنّه تكفي نيّة المر وتسميته ،وإسلمه .
وقد فرّع الفقهاء على ذلك مسائل منها :
أ -لو أطارت الرّيح السّهم فقتلت صيدا أو نصب سكّينا بل قصد فاحتكّ به صيد فقتله لم
يحلّ ،صرّح بذلك الشّافعيّة والحنابلة .
ب -لو استرسلت جارحة بنفسها ،ولم يغرها أحد في أثناء السترسال إغراءً يزيد من
سرعتها حرم ما قتلته من الصّيد ،لعدم تحقّق الرسال .
ج -لو استرسلت جارحة بنفسها وأغراها من هو أهل للصّيد إغراءً يزيد من سرعتها لم
يحلّ ما قتلته عند المالكيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة لعدم الرسال من يد الصّائد عند
المالكيّة ،وأمّا الشّافعيّة فعلّلوا الحرمة بأنّه اجتمع فيه السترسال المانع والغراء المبيح ،
ي الخطيب .
فغلب جانب المنع ،كما يقول الشّربين ّ
أمّا الحنفيّة والحنابلة -وفي مقابل الصحّ عند الشّافعيّة -فقالوا بالحلّ إن اقترن بالغراء
التّسمية لظهور أثر الغراء بزيادة العدو ،ولنّ الغراء أثّر في عدوه ،فأشبه ما لو
أرسله ،كما يقول الرّحيبانيّ .
د -لو أرسل الجارحة وهو أهل للصّيد ،فأغراها من ل يحلّ صيده لم يحرم ما قتلته ،لنّ
الرسال السّابق على الغراء أقوى منه ،فل ينقطع حكم الرسال بالغراء ،كما صرّح به
الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
هع – لو أرسل الجارحة من ليس أهلً للصّيد ،فأغراها من هو أهل له لم يؤكل ما قتلته ،
لنّ العتبار بالرسال الّذي هو أقوى من الغراء .
و -لو انفلتت الجارحة من يد صاحبها غير مسترسلة ،فأغراها من هو أهل للصّيد حلّ ما
قتلته لنّ الغراء ليس مسبوقا بما هو أقوى منه ،صرّح بذلك الحنفيّة .
ن الصطياد ل ينسب
واختلف فيه المالكيّة :فقال مالك أ ّولً بالح ّل ،ثمّ عدل إلى الحرمة ،ل ّ
إليه إلّ إذا أرسل الجارحة من يده ،وهذا هو الّذي جزم به خليل والدّردير ،وإن كان القول
ي وأيّده البنانيّ ،وهو المتّفق مع
بالحلّ قد أخذ به ابن القاسم واختاره غير واحد كاللّخم ّ
سائر المذاهب .
ل له
ز -لو أرسل الجارحة من هو أهل للصّيد ،فوقفت في ذهابها ،فأغراها من ليس أه ً
حرم ما قتلته ،لرتفاع حكم الرسال بالوقوف ،صرّح بذلك الحنفيّة .
-الشّرط السّابع :قصد ما يباح صيده . 18
يشترط في الصّائد أن يقصد بإرساله صيد ما يباح صيده ،فلو أرسل سهما أو جارحةً على
إنسان أو حيوان مستأنس ،أو حجر فأصابت صيدا لم يحلّ .
ثمّ اختلفت عبارات الفقهاء في تطبيق هذا الشّرط ،وفي الفروع الّتي ذكروها :
فقال الحنفيّة :إذا سمع الصّائد حسّ ما ل يحلّ صيده من إنسان أو غيره ،كفرس وشاة
وطير مستأنس وخنزير أهليّ ،فأطلق سهما فأصاب ما يحلّ صيده ،لم يحلّ لنّ الفعل ليس
باصطياد .
س أسد فرمى إليه أو أرسل كلبه ،فإذا هو صيد حلل الكل حلّ ،لنّه
بخلف ما إذا سمع ح ّ
أراد صيد ما يحلّ اصطياده ،كما إذا رمى إلى صيد فأصاب غيره .
لنّ الحنفيّة يجيزون صيد ما ل يؤكل لحمه لمنفعة جلده ،أو شعره أو ريشه ،أو لدفع
شرّه ،كما سيأتي في شروط المصيد .
ونقل ابن عابدين عن الزّيلعيّ قوله :ل يح ّل الصّيد إلّ بوجهين :
أن يرميه وهو يريد الصّيد .
وأن يكون الّذي أراده ،وسمع حسّه ،ورمى إليه صيدا ،سواء أكان ممّا يؤكل أم ل .
وقال المالكيّة :يشترط علم الصّائد حين إرسال الجارح على المصيد أنّه من المباح ،
كالغزال والحمار الوحشيّ ،وإن لم يعلم نوعه ،بأن اعتقد أنّه مباح ،لكن تردّد :هل هو
حمار وحشيّ أو ظبي ؟ فإنّه يؤكل .
وكذا إن تعدّد مصيده ونوى الجميع .
ي قبل
وإن لم ينو الجميع فما نواه يؤكل إن صاده أ ّولً قبل غيره ،فإن صاد غير المنو ّ
المنويّ لم يؤكل واحد منهما إلّ بذكاة ،أمّا المنويّ فلتشاغله ابتداءً بغير المنويّ عنه ،
وأمّا غير المنويّ فلعدم نيّة اصطياده .
فإن لم يكن له نيّة في واحد ،ول في الجمع ،لم يؤكل شيء ،كما نقله الصّاويّ عن
الجهوريّ .
ك أو توهّم -في حرمته ،كخنزير فإذا هو حلل
ول يؤكل المصيد إن تردّد -بأن ظنّ أو ش ّ
كظبي ،لعدم الجزم بالنّيّة .
ونقل الصّاويّ عن جدّ الجهوريّ أنّه لو نوى واحدا بعينه لم يؤكل إلّ هو إن عرف ،وإن
نوى واحدا ل بعينه لم يؤكل إلّ الوّل ،ولو شكّ في أوّليّته لم يؤكل شيء .
وقال الشّافعيّة :لو أرسل سهما مثلً لختبار قدرته ،أو إلى غرض ،فاعترضه صيد فقتله
حرم في الصحّ المنصوص ،لنّه لم يقصد صيدا معيّنا .
وفي القول الثّاني عندهم :ل يحرم ،نظرا إلى قصد الفعل ،دون مورده .
وإذا أرسله على ما ل يؤكل ،كخنزير ،فأصاب صيدا ،فإنّه ل يؤكل على الصحّ كذلك ،
وكذا لو أرسل الكلب حيث ل صيد ،فاعترضه صيد ،فقتله لم يحلّ ،وذلك لعدم قصد
الصطياد حين الرسال .
أمّا إذا رمى صيدا ظنّه حجرا ،أو حيوانا ل يؤكل ،فأصاب صيدا حلّ ،وكذا إذا رمى سرب
ظباء ،ونحوها من الوحوش ،فأصاب واحدةً من ذلك السّرب حلّت ،أمّا في الولى ،فلنّه
قتله بفعله ،ول اعتبار بظنّه ،وأمّا في الثّانية ،فلنّه قصد السّرب ،وهذه الواحدة منه .
وإن قصد واحدةً من السّرب ،فأصاب غيرها منه حلّت في الصحّ المنصوص ،سواء أكان
هذا الغير على سمت الولى أم ل ،لوجود قصد الصّيد .
ومقابل الصحّ :المنع ،نظرا إلى أنّها غير المقصودة .
ولو قصد ،وأخطأ في الظّنّ والصابة معا ،كمن رمى صيدا ظنّه حجرا ،أو خنزيرا ظنّه
صيدا فأصاب صيدا غيره حرم ،لنّه قصد محرّما ،فل يستفيد الحلّ .
وقال الحنابلة :إن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيدا ،أو أرسله يريد الصّيد ول
يرى صيداص ،أو قصد إنسانا أو حجرا ،أو رمى عبثا غير قاصد صيدا ،أو رمى حجرًا
ك فيه أو غلب على ظنّه أنّه ليس بصيد ،أو ظنّه آدميّا أو بهيمةً فأصاب
يظنّه صيدا ،أو ش ّ
صيدا لم يحلّ في جميع هذه الصّور ،لنّ قصد الصّيد شرط ،ولم يوجد .
ولو رمى صيدا فأصاب غيره ،أو رمى صيدا فقتل جماع ًة حلّ الجميع ،لنّه أرسله على
صيد فح ّل ما صاده .
وكذا إذا أرسل سهمه على صيد فأعانته الرّيح فقتله ،ولولها ما وصل السّهم حلّ ،لنّه
قتله بسهمه ورميه ،أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فردّه على الصّيد فقتله .ولنّ
الرسال له حكم الحلّ ،والرّيح ل يمكن الحتراز عنها ،فسقط اعتبارها .
والجارح بمنزلة السّهم ،فلو أرسله على صيد فأصاب غيره ،أو على صيد فصاد عددا حلّ
الجميع .
-الشّرط الثّامن :أن يكون الصّائد بصيرا ،وهذا الشّرط ذكره الشّافعيّة ،حيث نصّوا 19
على أنّه يحرم صيد العمى برمي سهم أو إرسال كلب وغيره من الجوارح في الصحّ ،
لعدم صحّة قصده ،فأشبه استرسال الكلب بنفسه .
ومقابل الصحّ :يحلّ صيده ،كذبحه .
ي :ومح ّل الخلف ما إذا دلّه بصير على الصّيد فأرسل ،أمّا إذا لم يدلّه أحد فل
قال الرّمل ّ
يحلّ قطعا ،نعم لو أحسّ البصير بصيد في ظلمة ،أو من وراء شجرة أو نحوهما فرماه
ن هذا مبصر بالقوّة ،فل يعدّ عرفا رميه عبثا .
حلّ بالجماع ،فكأنّ وجهه أ ّ
ثانيا :ما يشترط في المصيد :
يشترط في المصيد الشّروط التّالية :
-الشّرط الوّل :يشترط في المصيد أن يكون حيوانا مأكول اللّحم أي جائز الكل ،وهذا 20
ي -أي ما يكون توالده وتناسله في البرّ -سواء أكان مأكول اللّحم أم
صيد الحيوان الب ّر ّ
غير مأكول اللّحم .
ن اللّه حرّم مكّة ،فلم تحلّ
أمّا حرمة صيد الحرم المكّيّ فلقوله صلى ال عليه وسلم » :إ ّ
لحد قبلي ول تحلّ لحد بعدي ،إنّما حلّت لي ساعةً من نهار ،ل يختلى خلها ،ول يعضد
شجرها ول ينفّر صيدها « .
وحرمة صيد الحرم تشمل المحرم والحلل ،كما تشمل إيذاء الصّيد وتنفيره والمساعدة على
ي وجه من الوجوه ،مثل الدّللة عليه ،أو الشارة إليه أو المر بقتله .
الصّيد بأ ّ
). 30 أمّا صيد الحرم المدنيّ ففيه خلف وتفصيل ،ينظر في مصطلح ( :حرم ف
-الشّرط الرّابع :أن ل يدرك الصّيد حيّا حياةً مستقرّةً بعد الصابة ،وذلك بأن يذهب 23
الصّائد ،أو تأتي به الجارحة فيجده ميّتا ،أو في حركة مذبوح ،أو يكون بحيث لو ذهب
إليه لوجده كذلك ،ففي الحالة الولى :وهي وجوده ميّتا يح ّل باتّفاق الفقهاء ،وفي الحالة
الثّانية وهي :وجوده في حياة غير مستقرّة إذا ذبحه حلّ ،وكذا إذا لم يذبحه ومات ،لنّ
سكّين عليه .
الذّكاة في مثل هذا ل تفيد شيئا ،إلّ أنّه يستحبّ إمرار ال ّ
أمّا إذا وجد الصّائد الصّيد حيّا حياةً مستقرّةً بعد الصابة ،أو كان بحيث لو ذهب إليه
ن ذكاته تحوّلت من
لوجده كذلك ولم يذبحه مع تمكّنه من ذلك ،فمات لم يحلّ أكله ،ل ّ
الجرح إلى الذّبح ،فإذا لم يذبح كان ميتةً ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :ما ردّ عليك
كلبك المكلّب ،وذكرت اسم اللّه عليه ،وأدركت ذكاته فذكّه ،وإن لم تدرك ذكاته فل تأكل ،
وما ردّت عليك يدك ،وذكرت اسم اللّه وأدركت ذكاته فذكّه ،وإن لم تدرك ذكاته فكله « .
وكذا إذا جاء الصّائد وليس معه آلة الذّبح ،أو تراخى في اتّباع الصّيد ،ثمّ وجده ميّتا ،أو
جعل اللة مع غلمه ،وكان شأنه أن يسبق الغلم فسبقه ،وأدرك الصّيد حيّا ،ولم يأت
الغلم إلّ بعد موت الصّيد ،أو وضع اللة في خرجه أو نحوه ممّا يستدعي طول زمن في
إخراجها منه ،فأدركه حيّا فلم يتمّ إخراج اللة إلّ بعد موت الصّيد أو تشبّثت اللة في الغمد
وكان ضيّقا ،أو سقطت منه ،أو ضاعت فمات الصّيد حرم أكله في هذه الصّور ،وكذا كلّ
صورة ل يتمكّن فيها من ذبح الصّيد بتقصير منه .
سكّين فمات قبل إمكان ذبحه ،أو
أمّا إذا تعذّر ذبحه بدون تقصير من صائده :كأن سلّ ال ّ
امتنع بقوّته ،ومات قبل القدرة عليه واشتغل الصّائد بطلب المذبح ،أو وقع الصّيد منكّسا
سكّين في الغمد لعارض
فاحتاج إلى قلبه فقلبه ،أو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة ،أو تشبّثت ال ّ
ولم يكن ضيّقا ،أو حال بين الصّيد وصائده سبع فمات الصّيد المصاب حلّ أكله لعدم
تقصيره.
وقال الشّافعيّة :لو مشى الصّائد على هيئته ولم يأته عدوا فوجده ميّتا بسبب الصابة حلّ
على أصحّ القولين ،وفي القول الثّاني :يشترط العدو إلى الصّيد عند إصابته ،لنّه هو
المعتاد في هذه الحالة .
وقال الحنابلة -في أصحّ الرّوايتين عن أحمد -إذا أدرك الصّائد الصّيد وفيه حياة
مستقرّة ،ولم يجد ما يذبح به ،وكانت معه جارحة ،وجب أن يرسلها عليه حتّى تقتله
فيحلّ أكله ،وفي الرّواية الخرى عن أحمد :أنّه ل يحلّ مطلقا ،وقال القاضي :يحلّ إذا
مات من غير ذبح ول إرسال جارحة عليه .
-الشّرط الخامس :أن ل يغيب عن الصّائد مدّةً طويل ًة وهو قاعد عن طلبه ،فإن 24
توارى الصّيد عنه ،وقعد عن طلبه لم يؤكل أمّا إذا لم يتوار ،أو توارى ولم يقعد عن طلبه
أكل ،وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء ،في الجملة ،وإن اختلفت عباراتهم وآراؤهم في بعض
الفروع .
والغرض من اشتراط هذا الشّرط هو حصول التّيقّن أو الظّنّ ،أي العتقاد الرّاجح ،بأنّ ما
وجده قبل الغياب ،أو بعده مع استمرار الطّلب هو صيده ،وما أرسله من السّهم أو الكلب
أو نحوهما من اللة هو الّذي أصابه وأماته دون غيره .
فإن شكّ في صيده ،هل هو أو غيره ؟ أو شكّ في اللة الّتي أرسلها هل هي قتلته ؟ أو
غيرها فل يؤكل .
وقد فرّع الفقهاء على هذا الشّرط فروعا ،منها :
-أ -إذا غاب الصّيد بعد إرسال السّهم أو الكلب عليه ،ث ّم وجده ميّتا وفيه جرح آخر 25
غير سهمه ،لم يؤكل باتّفاق الفقهاء ،لنّه مشكوك فيه هل قتل بسهمه أو بسهم آخر ،
ل أتى النّبيّ صلى ال
وقد ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه » :أنّ رج ً
عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه أفتني في قوسي ،قال :ما ر ّد عليك سهمك فكل .قال :
وإن تغيّب عليّ ؟ قال :وإن تغيّب عليك ،ما لم تجد فيه أثر سهم غير سهمك « .
– ب – إن أرسل سهما أو كلبا إلى الصّيد وغاب عنه ،فقعد عن طلبه غير متحامل على 26
المشي ،ثمّ وجده ميّتا ل يح ّل ما لم يعلم جرحه بسهمه يقينا ،كما صرّح به الحنفيّة .
ص الشّافعيّة على أنّه لو غاب
ولم يذكر المالكيّة والشّافعيّة قيد القعود عن الطّلب ،فقد ن ّ
عنه الكلب والصّيد قبل أن يجرحه الكلب ،ثمّ وجده ميّتا حرّم على الصّحيح ،لحتمال موته
بسبب آخر ،وكذلك إن جرحه الكلب ،أو أصابه بسهم وغاب ،ثمّ وجده ميّتا حرّم في
ي :لو فات عنه الصّيد ثمّ وجده
ي :وهو المذهب المعتمد ،قال ابن جز ّ
الظهر ،قال الرّمل ّ
غدا منفوذ المقاتل لم يؤكل في المشهور ،وقيل :يؤكل ،وقيل يكره .
والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم » :لعلّ هوامّ الرض قتلته « .
أمّا الحنابلة فقد ن صّوا على أ نّ من رمى صيدا ،ولو ليلً ،فجرحه ولو جرحا غير موح ،
فغاب عن عينه ،ث مّ وجده ميّتا ،بعد موته الّذي رماه فيه وسهمه فقط فيه ،أو أثر ال سّهم
ول أثر به غيره حلّ ذلك لحديث عمرو بن شعيب السّابق .
قال ابن قدامة :وهذا هو المشهور عن أحمد .
ل لم يأكله ،وعن أحمد ما يدلّ على أنّه إن
وعنه إن غاب نهارا فل بأس ،وإن غاب لي ً
غاب مدّةً طويل ًة لم يبح ،وإن كانت يسير ًة أبيح له ،لنّه قيل له :إن غاب يوما ؟ قال :
يوم كثير .
ووجه ذلك قول ابن عبّاس رضي ال عنهما إذا رميت فأقعصت فكل ،وإن رميت فوجدت
فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل ،وإن بات عنك ليل ًة فل تأكل ،فإنّك ل تدري ما حدث
فيه بعد ذلك .
تحديد مدّة الغياب :
-ذهب الحنفيّة والحنابلة -في المشهور عندهم -إلى عدم اشتراط مدّة معيّنة لغياب 27
الصّيد ليحرم بعد ذلك ،حتّى إنّه لو وجده بعد ثلثة أيّام بشرط الطّلب عند الحنفيّة ،ومطلقا
عند الحنابلة قبل أن ينتن حلّ ،وذلك لما روى عديّ بن حاتم رضي ال عنه عن النّبيّ
صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :وإن رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلّ
أثر سهمك فكل « .
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :إذا رميت الصّيد
وعن أبي ثعلبة رضي ال عنه عن النّب ّ
فأدركته بعد ثلث وسهمك فيه فكله ،ما لم ينتن « .
ول نّ جرحه بسهمه سبب إباحته ،وقد وجد يقينا ،والمعارض له مشكوك فيه ،فل نزول
ك.
عن اليقين بالشّ ّ
لكن يشترط في أكله أن ل يكون قد قعد عن طلبه عند الحنفيّة ،وذلك توفيقا بين هذين
الحديثين وبين قوله صلى ال عليه وسلم » :لعلّ هوامّ الرض قتلته « فيحمل هذا على ما
إذا قعد عن طلبه ،والوّل على ما إذا لم يقعد .
ولنّه يحتمل أن يموت بسبب آخر فيعتبر فيما يمكن التّحرّز عنه ،لنّ الموهوم في
الحرمات كالمتحقّق ،وسقط اعتباره فيما ل يمكن التّحرّز عنه للضّرورة ،لنّ اعتباره فيه
ن الصطياد يكون في الصّحراء بين الشجار عادةً ،
يؤدّي إلى سدّ باب الصطياد ،وهذا ل ّ
ول يمكنه أن يقتله في موضعه من غير انتقال ،وتوار عن عينه غالبا ،فيعذر -ما لم
يقعد عن طلبه -للضّرورة لعدم إمكان التّحرّز عنه ،ول يعذر فيما إذا قعد عن طلبه ،لنّ
الحتراز عن مثله ممكن فل ضرورة إليه فيحرم .
أمّا المالكيّة :فالمشهور عندهم التّحديد بأقلّ من يوم حيث قالوا :لو مات منه صيد ثمّ
وجده غدا منفوذ المقاتل لم يؤكل في المشهور .
والشّافعيّة :يقولون بالحرمة بمجرّد الغياب ،ولم يحدّدوا له مدّ ًة معيّنةً ،فالصّحيح عندهم
:أنّه لو غاب عنه الكلب والصّيد قبل أن يجرحه ث ّم وجده ميّتا حرّم ،وكذلك إن جرحه
الكلب ،أو أصابه سهم ثمّ وجده ميّتا يحرم في الظهر لحتمال موته بسبب آخر ،والتّحريم
يحتاط له .
-ج لو رمى صيدا فوقع في ماء ،أو على سطح أو جبل ثمّ تردّى منه إلى الرض حرّم 28
بل خلف بين الفقهاء لقوله صلى ال عليه وسلم » :ما قطع من البهيمة وهي حيّة فما
قطع منها فهو ميتة « .
أمّا المقطوع منه ،وهو الحيوان الحيّ ،فل بدّ فيه من ذكاة ،وإلّ يحرم -أيضا -باتّفاق.
وإذا رماه فقطع رأسه ،أو قدّه نصفين أو أثلثا -والكثر ممّا يلي العجز -حلّ كلّه ،لنّ
المبان منه حيّ صورةً ل حكما ،إذ ل يتوهّم سلمته وبقاؤه حيّا بعد هذه الجراحة ،فوقع
ل أو فخذا ،أو نحوها ولم تبق فيه
ذكاةً في الحال فح ّل كلّه .أمّا إذا قطع منه يدا أو رج ً
حياة مستقرّة ففيه التّفصيل التي :
قال الحنفيّة :إذا قطع يدا أو رجلً أو فخذا أو ثلثه ممّا يلي القوائم أو أق ّل من نصف الرّأس
يحرم المبان منه ،لنّه يتوهّم بقاء الحياة في الباقي .
ولو ضرب صيدا فقطع يده أو رجله ولم ينفصل ،ثمّ مات ،إن كان يتوهّم التئامه واندماله
حلّ أكله ،لنّه بمنزلة سائر أجزائه ،وإن كان ل يتوهّم ،بأن بقي متعلّقا بجلد حلّ ما سواه
دونه ،لوجود البانة معنىً ،والعبرة للمعاني .
وقال المالكيّة :إذا كان المقطوع النّصف فأكثر جاز أكل الجميع ،ولو قطع الجارح دون
النّصف كيد أو رجل فهو ميتة ،ويؤكل ما سواه ،إلّ أن يحصل بالقطع إنفاذ مقتل كالرّأس
فليس بميتة فيؤكل كالباقي .
وصرّح الشّافعيّة :بأنّه لو أبان من الصّيد عضوا كيده بجرح مذفّف -أي مسرع للقتل -
فمات حلّ العضو والبدن كلّه .
وعند الحنابلة في المسألة روايتان :أشهرهما عن أحمد إباحتهما .
ي ميتة « .إذا
ي صلى ال عليه وسلم » :ما قطعت من الح ّ
قال أحمد :إنّما حديث النّب ّ
قطعت وهي حيّة تمشي وتذهب ،أمّا إذا كانت البينونة والموت جميعا ،أو بعده بقليل إذا
كان في علج الموت فل بأس به أل ترى الّذي يذبح ربّما مكث ساعةً ،وربّما مشى حتّى
يموت .
ل بقوله صلى ال عليه وسلم » :ما أبين من
والرّواية الثّانية :ل يباح ما بان منه ،عم ً
حيّ فهو ميّت « .
ولنّ هذه البينونة ل تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن .
وهذه الشّروط كلّها إنّما تشترط في المصيد الب ّريّ ،إذا عقرته الجوارح أو السّلح أو أنفذت
مقاتله ،فإن أدركه حيّا غير منفوذ المقاتل ذكّي ،ويشترط في ذلك ما يشترط في الذّبح ،
). 39 - 16 وتفصيله في مصطلح ( :ذبائح ف
-أمّا المصيد البحريّ فل تشترط فيه هذه الشّروط . 30
ويجوز عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والحنابلة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة -صيد وأكل
حلّ َل ُكمْ صَيْ ُد الْ َبحْرِ
جميع حيوانات البحر سواء أكانت سمكا أم غيره ،لقوله تعالى ُ { :أ ِ
َوطَعَا ُمهُ } أي مصيده ومطعومه .
ولقوله صلى ال عليه وسلم » :هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته « .
و في قول ع ند الشّافعيّة :ل يحلّ ما ل يس على صورة ال سّمك المشهورة ،و في قول آ خر
عندهم :إن أكل مثله في الب ّر كالبقر والغنم حلّ ،وإلّ فل .
لكن الشّافعيّة والحنابلة استثنوا من الحلّ :الضّفدع ،والتّمساح ،والحيّة ،وذلك لنهيه
صلى ال عليه وسلم عن قتل الضّفدع ولستخباث النّاس التّمساح ،ولكله النّاس ،
سمّيّة في الحيّة .
ولل ّ
أمّا الحنفيّة فقالوا :ل يؤكل مائيّ إلّ السّمك غير طاف ،لقوله تعالى { :وَ ُيحَ ّرمُ عَلَ ْي ِهمُ
ا ْلخَبَآئِثَ } وما سوى السّمك خبيث ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :أحلّت لنا ميتتان
ودمان ،أمّا الميتتان فالسّمك والجراد ،وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال « .
وأمّا الطّافي فيكره أكله لقول جابر رضي ال عنه :أنّه عليه الصلة والسلم قال » :ما
نضب عنه الماء فكلوا ،وما طفا فل تأكلوا « .
وتفصيله في مصطلح ( :أطعمة ف 6ج . ) 5
شروط آلة الصّيد :
آلة الصّيد نوعان :أداة جامدة ،أو حيوان .
أ ّولً :الداة الجامدة :
سكّين ،ومنها ما ينطلق من
-الداة الجامدة :منها ماله حدّ يصلح للقطع ،كالسّيف وال ّ 31
آلة أخرى وله رأس محدّد يصلح للخزق كالسّهم ،ومنها ماله رأس محدّد ل ينطلق من آلة
أخرى كالحديدة المثبّتة في رأس العصا ،أو العصا الّتي بري رأسها حتّى صار محدّدا يمكن
القتل به طعنا .
وهذه الدوات ونحوها يجوز الصطياد بها إذا قتلت الصّيد بحدّها ،أو رأسها وحصل الجرح
بالمصيد بل خلف .
أمّا اللت الّتي ل تصلح للقتل بحدّها ،ول برأسها المحدّد ،وإنّما تقتل بالثّقل كالحجر الّذي
لم يرقّق ،أو العمود والعصا غير محدّدة الرّأس ،أو المعراض بعرضه ونحوها ،فل يجوز
ي من التّذكية ،وإلّ ل يحلّ أكله .
بها الصطياد ،وإذا استعملت فل بدّ في المرم ّ
ي بها
وكذلك جميع اللت المحدّدة إذا استعملت وأصابت بعرضها غير المحدّد ل يحلّ المرم ّ
إلّ بالتّذكية .
ويمكن أن تختصر شروط اللة فيما يلي :
-الشّرط الوّل :أن تكون اللة محدّدةً تجرح وتؤثّر في اللّحم بالقطع أو الخزق ،وإلّ 32
فإذا ردّ السّهم ريح إلى ورائه ،أو يمنةً أو يسرةً ،فأصاب صيدا ل يحلّ ،وكذا لو ردّه
حائط أو شجرة .
وقال الشّافعيّة والحنابلة في إعانة الرّيح للسّهم :لو قتل الصّيد بإعانة الرّيح للسّهم لم
يحرم.
وزاد الحنابلة :أنّه لو ردّ السّهم حجر أو غيره على الصّيد فقتله لم يحرم ،لعسر الحتراز
عنه .
مسائل وفروع في اللة الجامدة :
تعرّض الفقهاء في شروط اللة الجامدة لمسائل بيّنوا أحكامها ،ومن أهمّ هذه المسائل ما
يلي :
أ -الصطياد بالشّبكة والحبولة :
-لو نصب شبكةً أو أحبولةً ،وسمّى ،فوقع فيها صيد ومات مجروحا لم يحلّ إذا لم 35
تكن بها آلة جارحة ،ولو كان بها آلة جارحة كمنجل ،أو نصب سكاكين ،وسمّى حلّ ،
كما لو رماه بها ،صرّح به الحنفيّة والحنابلة .
وأضاف الحنابلة :أنّه يحلّ ،ولو بعد موت ناصبه أو ردّته ،اعتبارا بوقت النّصب ،لنّه
كالرّمي .
ن النّصب جرى مجرى المباشرة في الضّمان ،فكذا في الباحة لقوله صلى
قال البهوتيّ :ل ّ
ال عليه وسلم » :كل ما ردّت إليك يدك « .ولنّه قتل الصّيد بما له حدّ جرت العادة
بالصّيد به ،أشبه ما لو رماه .
أمّا إذا لم يجرحه ما نصبه من مناجل أو سكاكين -كالمنخنقة بالحبولة -فل يباح الصّيد
لعدم الجرح ،وقد قال اللّه تعالى في المحرّمات { :وَا ْلمُ ْنخَ ِن َقةُ وَا ْل َموْقُوذَةُ وَا ْلمُتَرَدّ َيةُ
حةُ َومَا َأكَ َل السّبُعُ ِإلّ مَا َذكّيْ ُتمْ } .
وَال ّنطِي َ
وعند المالكيّة كما جاء في المدوّنة :قلت :أرأيت إذا قتلت الحبالت من الصّيد ،أيؤكل أم
ل؟ قال مالك :ل يؤكل إلّ ما أدركت ذكاته من ذلك ،قال :فقلت لمالك :فإن كانت في
الحبالت حديدة فأنفذت الحديدة مقاتل الصّيد ؟ قال :قال مالك :ل يؤكل إلّ ما أدركت
ذكاته.
ب -الصطياد بالبندق :
-يطلق البندق على معان ،منها :ما يؤكل ،ومنها :ما يصنع من طينة مدوّرة أو 36
على قتل الصّيد أو احتمل ذلك ،لنّه اجتمع في قتله مبيح ومحرّم ،فغلب المحرّم ،كما لو
اجتمع سهم مجوسيّ ومسلم في قتل الحيوان .فإن لم يحتمل ذلك فل يحرّم .
وفصّل المالكيّة في المسألة فقالوا :ما مات بسهم مسموم ولم ينفذ مقتله ول أدركت ذكاته
طرح ،فإن أنفذ السّهم مقاتله قبل أن يسري السّمّ فيه لم يحرّم أكله ،إلّ أنّه يكره ،خوفا
سمّ ،قال الموّاق نقلً عن الباجيّ :فإن أنفذ مقاتله فقد ذهبت علّة الخوف من أن
من أذى ال ّ
سمّ ،وبقيت علّة الخوف من أكله ،فإن كانت من السّموم الّتي يؤمن على
يعين على قتله ال ّ
أكلها كالبقلة فقد ارتفعت العلّتان ،وجاز أكله على قول ابن القاسم .
وإذا رمى بسهم مسموم ولم ينفذ مقاتله ،وأدركت ذكاته ،قال ابن رشد في سماع ابن
القاسم :ل يؤكل ،ونحوه حكى ابن حبيب ،وقال سحنون :إنّه يؤكل ،واستظهره ابن
رشد ،لنّه قد ذكي وحياته فيه مجتمعة قبل أن ينفذ مقاتله .
ثانيا :الحيوان :
-يجوز الصطياد بالحيوان المعلّم وهو ما يسمّى بالجوارح ،من الكلب والسّباع 38
والطّيور ممّا له ناب أو مخلب ،ويستوي في ذلك الكلب المعلّم والفهد والنّمر والسد
والبازي وسائر الجوارح المعلّمة ،كالشّاهين والباشق والعقاب والصّقر ونحوها .
فالقاعدة :أنّ كلّ ما يقبل التّعليم وعلّم يجوز الصطياد به في الجملة وسيأتي ما يستثنى
من ذلك عند بعض الفقهاء .
ول يشترط في الحيوان أن يكون ممّا يؤكل لحمه عند عامّة الفقهاء ،كما ل يشترط أن
يكون طاهرا عند بعضهم ،كما سيأتي تفصيله .
جوَارِحِ ُمكَلّبِينَ
حلّ َل ُكمُ الطّيّبَاتُ َومَا عَّلمْتُم مّنَ ا ْل َ
والصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى ُ { :أ ِ
سمَ الّل ِه عَلَ ْيهِ } .
ن عَلَ ْي ُكمْ وَاذْكُرُواْ ا ْ
ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َمكُ ُم الّلهُ َفكُلُواْ ِممّا َأ ْمسَكْ َ
واسعتثنى الفقهاء معن ذلك الخنزيعر ،فل يحلّ الصعطياد بعه ،لنّه ل يجوز النتفاع بعه .
واسعتثنى الحنابلة كذلك الكلب السعود ،والبهيعم السعود ،وهعو معا ل بياض فيعه ،أو كان
أسود بين عينيه نكتتان ،قال البهوتيّ :وهو الصّحيح .
ووجه الستثناء :ما ورد في حديث جابر رضي ال عنه مرفوعا » :عليكم بالسود
البهيم ذي الطّفيتين فإنّه شيطان « قالوا :فيحرم صيده ،لنّه صلى ال عليه وسلم أمر
بقتله .
واستثنى أبو يوسف من الجوارح السد والدّبّ ،لنّهما ل يعملن لغيرهما ،أمّا السد فلعلوّ
همّته ،وأمّا الدّبّ فلخساسته ،ولنّهما ل يتعلّمان عاد ًة .
وألحق بعض الحنفيّة الحدأة بهما لخساستها .
واستثنى ابن جزيّ من المالكيّة النّمس ،فل يؤكل ما قتل ،لنّه ل يقبل التّعليم ،والمعتمد
ن المدار على كونه علّم بالفعل ،ولو في نوع ما ل يقبل التّعليم ،كأسد ونمر
عندهم :أ ّ
ونمس ،كما قال العدويّ .
ويشترط في الحيوان الشّروط التّالية :
{ -الشّرط الوّل :يشترط فيه أن يكون معلّما ،وهذا باتّفاق الفقهاء ،لقوله تعالى : 39
جوَارِحِ } .
عّلمْتُم مّنَ ا ْل َ
َومَا َ
ولقوله صلى ال عليه وسلم لبي ثعلبة رضي ال عنه » :ما صدت بكلبك المعلّم فذكرت
اسم اللّه فكل ،وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل « .
وذ هب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّه يشترط في الكلب المعلّم
أنّه إذا أرسل أطاع وإذا زجر انزجر .
وأضاف الشّافعيّة والحنابلة شرطا آخر وهو :أنّه إذا أمسك لم يأكل ،وذلك لقوله صلى ال
عليه وسلم » :إلّ أن يأكل الكلب فل تأكل ،فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه « .
ويشترط هذا في جارحة الطّير -أيضا -عند الشّافعيّة في الظهر ،قياسا على جارحة
السّباع ،ول يشترط هذا الشّرط في جارحة الطّير عند الحنابلة ،وهو مقابل الظهر عند
الشّافعيّة ،لنّها ل تحتمل الضّرب لتتعلّم ترك الكل ،بخلف الكلب ونحوه ،ولقول ابن
عبّاس رضي ال عنهما :إذا أكل الكلب فل تأكل ،وإن أكل الصّقر فكل .
وإن شرب الكلب ونحوه دم الصّيد ولم يأكل منه لم يحرّم ،كما صرّح به الشّافعيّة
والحنابلة.
وأضاف الشّافعيّة :أنّه يشترط تكرّر هذه المور المعتبرة في التّعليم بحيث يظنّ تأدّب
الجارحة ،ول ينضبط ذلك بعدد ،بل الرّجوع في ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح .
ولو ظهر بما ذكر من الشّروط كونه معلّما ،ثمّ أكل من لحم صيد لم يحلّ ذلك الصّيد في
الظهر عندهم ،فيشترط تعليم جديد .
وقال الحنابلة :ل يعتبر تكرار ترك الكل ،بل يحصل التّعليم بترك الكل مرّةً ،لنّه تعلّم
صنعةً أشبه سائر الصّنائع ،فإن أكل بعد تعليمه لم يحرّم ما تقدّم من صيده ،لعموم الية
والخبار ،ولم يبح ما أكل منه ،ولم يخرج بالكل عن كونه معلّما ،فيباح ما صاده بعد
الّذي أكل منه .
وعند المالكيّة عصيان المعلّم مرّةً ل يخرجه عن كونه معلّما ،كما ل يكون معلّما بطاعته
مرّ ًة ،بل العرف في ذلك كاف .
ي :إنّ شرط النزجار غير معتبر في البازي ،لنّه ل ينزجر بالزّجر بل رجّح
وقال الدّسوق ّ
بعضهم عدم اعتبار النزجار مطلقا ،لنّ الجارح ل يرجع بعد استيلئه .
وقال الصّاحبان من الحنفيّة :إنّ التّعليم في الكلب ونحوه يكون بترك الكل ثلث مرّات ،
وفي البازي ونحوه من الطّيور بالرّجوع إذا دعي ،قال الزّيلعيّ :روي ذلك عن ابن عبّاس
رضي ال عنهما .
ن تعلّمه يعرف بتكرار التّجارب والمتحان .
وإنّما شرط ترك الكل ثلث مرّات ،ل ّ
وعند أبي حنيفة ل يثبت التّعلّم ما لم يغلب على ظنّه أن قد تعلّم ،ول يقدّر بشيء ،لنّ
ص ل بالجتهاد .ول نصّ هنا ،فيفوّض إلى رأي المبتلى به ،كما هو
المقادير تعرف بالنّ ّ
دأبه ،ولنّ مدّة التّعلّم تختلف بالحذاقة والبلدة ،فل يمكن معرفتها .
قال ابن عابدين :ظاهر الملتقى ترجيح عدم التّقدير .
أمّا شرب الجارح دم المصيد فل يضرّ عند الجميع .
-الشّرط الثّاني :أن يجرح الحيوان الصّيد في أيّ موضع من بدنه ،وهذا عند المالكيّة 40
والحنابلة ،وهو ظاهر الرّواية والمفتى به عند الحنفيّة ،ومقابل الظهر عند الشّافعيّة .
ض بل جرح لم يبح ،كالمعراض إذا قتل بعرضه أو ثقله ،
فلو قتله الجارح بصدم ،أو ع ّ
وكذا لو أرسل الكلب فأصاب الصّيد وكسر عنقه ولم يجرحه ،أو جثم على صدره وخنقه .
جوَارِحِ } ولنّ
عّلمْتُم مّنَ ا ْل َ
ووجه اشتراط هذا الشّرط ،أي الجرح ،هو قوله تعالى َ {:ومَا َ
المقصود إخراج الدّم المسفوح ،وهو يخرج بالجرح عادةً ،ول يتخلّف عنه إلّ نادرا ،
فأقيم الجرح مقامه ،كما في الذّكاة الختياريّة والرّمي بالسّهم ،ولنّه إذا لم يجرحه صار
موقوذةً ،وهي محرّمة بال ّنصّ ،كما علّله الزّيلعيّ وابن قدامة .
وقال الشّافعيّة في الظهر عندهم ،وهو قول أبي يوسف ورواية عن أبي حنيفة ،وقول
أشهب من المالكيّة :ل يشترط في الحيوان أن يجرح الصّيد ،فلو تحاملت الجارحة على
صيد فقتلته بثقلها ،أو مات بصدمتها ،أو بعضّها ،أو بقوّة إمساكها من غير عقر حلّ ،
سكْنَ عَلَ ْيكُمْ } ولنّه يعسر تعليمه أن ل يقتل إلّ
وذلك لعموم قوله تعالى َ { :فكُلُواْ ِممّا َأ ْم َ
بجرح .
-الشّرط الثّالث :أن يكون الحيوان مرسلً من قبل مسلم أو كتابيّ مقرونا بالتّسمية ، 41
فلو انبعث من تلقاء نفسه ،أو انفلت من يد صاحبه ،أو ترك التّسمية عند الرسال فأخذ
صيدا وقتله لم يؤكل ،وذلك في الجملة .
وقد مرّ تفصيل هذا الشّرط في شروط الصّائد .
-الشّرط الرّابع :أن ل يشتغل الحيوان بعمل آخر بعد الرسال ،وذلك ليكون الصطياد 42
منسوبا للرسال ،وهذا الشّرط منصوص عليه عند الحنفيّة والمالكيّة ،قال ابن عابدين :
لو أكل خبزا بعد الرسال أو بال لم يؤكل ،ولو عدل عن الصّيد يمن ًة أو يسر ًة ،أو تشاغل
في غير طلب الصّيد ،وفتر عن سننه ،ث ّم اتّبعه فأخذه ،لم يؤكل إلّ بإرسال مستأنف ،أو
أن يزجره صاحبه ويسمّي فيما يحتمل الزّجر فينزجر ،بخلف ما إذا كمن واستخفى ،كما
يكمن الفهد على وجه الحيلة ،ل للستراحة ،فل يحتاج إلى إرسال مستأنف .
وقريب منه ما ذكره المالكيّة ،حيث قالوا في شروط الجارح :أن ل يرجع عن الصّيد ،فإن
رجع بالكلّيّة لم يؤكل ،وكذلك لو اشتغل بصيد آخر ،أو بأكله .
وفصّل الموّاق في المسألة فقال :من أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساع ًة ،ثمّ رجع
عن الطّلب ،ثمّ عاد فقتله ،فإن كان كالطّالب له يمينا وشمالً ،وهو على طلبه فهو على
إرساله الوّل ،وإن وقف لجل الجيفة أو شمّ كلبا أو سقط البازي عجزا عنه ،ثمّ رأياه
فاصطاده ،فل يؤكل إلّ بإرسال مستأنف .
وقال الشّافعيّة :لو أرسل كلبا على صيد فعدل إلى غيره ،ولو إلى جهة غير الرسال
فأصابه ومات ح ّل ،لنّه يعسر تكليفه ترك العدول .
استئجار الكلب للصّيد :
-ل يجوز استئجار الكلب للصّيد عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الصحّ ، 43
والصحّ عند الشّافعيّة أنّه ل يعفى عنه كولوغه .والثّاني :يعفى عنه للحاجة .
ض سبعا بماء وتراب في
قال الشّربينيّ الخطيب :والصحّ على الوّل أنّه يكفي غسل المع ّ
ن ،كغيره ،وأنّه ل يجب أن يقوّر المعضّ ويطرح ،لنّه لم يرد .
إحداه ّ
والثّاني :يجب ذلك ،ول يكفي الغسل ،لنّ الموضع تشرّب لعابه ،فل يتخلّله الماء .
وقال ابن قدامة :يجب غسل أثر فم الكلب ،لنّه قد ثبت نجاسته ،فيجب غسل ما أصابه
كبوله .
وذهب المالكيّة -وهو رواية أخرى عند الحنابلة -إلى طهارة معضّ الكلب ،وعدم وجوب
غسله .قال ابن جزيّ :موضع ناب الكلب يؤكل ،لنّه طاهر في المذهب .
ن اللّه ورسوله أمرا
وعلّل ابن قدامة عدم وجوب غسل المعضّ بناءً على هذه الرّواية بأ ّ
بأكله ،ولم يأمرا بغسله .
أمّا الحنفيّة فلم نجد لهم نصّا في المسألة .لكن المفتى به عندهم :أنّ الكلب ليس نجس
ي ،كما قال ابن
العين ،وإنّما نجاسته بنجاسة لحمه ودمه ،ول يظهر حكمها وهو ح ّ
عابدين .
الشتراك في الصّيد :
-الشتراك إمّا أن يكون في الصّائدين :بأن يجتمع اثنان أو أكثر في الرّمي ،أو إرسال 45
الجارح على الصّيد ،أو يكون في آلة الصّيد :بأن يصطاد المصيد بسهم وبندقة مثلً ،أو
بكلبين أو نحوهما ،وبيان كلتا الصّورتين فيما يلي :
أوّلً :اشتراك الصّائدين :
أ -اشتراك من هو أهل للصّيد مع من ليس أهلً له :
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اشترك في الصّيد من يحلّ صيده كمسلم ونصرانيّ مع من 46
ل بقاعدة تغليب
ن الصّيد حرام ل يؤكل ،وذلك عم ً
ي أو وثنيّ فإ ّ
ل يحلّ صيده ،كمجوس ّ
جانب الحرمة على جانب الحلّ .
ي مسلما ،كأن رميا صيدا أو أرسل عليه جارحا يحرم الصّيد ،
وعلى ذلك فلو شارك مجوس ّ
لنّه اجتمع في قتله مبيح ومحرّم ،فغلّبنا التّحريم ،كالمتولّد بين ما يؤكل وما ل يؤكل ،
لقوله صلى ال عليه وسلم » :ما اجتمع الحلل والحرام إلّ وقد غلب الحرام الحلل « .
ولنّ الحرام واجب التّرك والحلل جائز التّرك ،فكان الحتياط في التّرك .
وهذا إذا مات الصّيد بسهميهما أو بكلبيهما ،ول يختلف الحكم في هذه الحالة إذا وقع
سهماهما فيه دفعةً واحدةً ،أو وقع سهم أحدهما قبل الخر .
أمّا إذا أرسل كلبين أو سهمين على صيد فسبقت آلة المسلم فقتلته أو أنهته إلى حركة
مذبوح ،ثمّ أصاب كلب المجوسيّ أو سهمه حلّ ،ول يقدح ما وجد من المجوسيّ .
قال البهوتيّ :وإن كان الجرح الثّاني -أي من المجوسيّ -موحيا -أيضا -لنّ الباحة
حصلت بالوّل ،فلم يؤثّر فيه الثّاني .
وإذا ردّه كلب المجوسيّ على كلب المسلم فقتله حلّ كذلك ،كما صرّح به الحنفيّة
والحنابلة ،وإذا رمى المجوسيّ سهمه فر ّد السّهم الصّيد فأصابه سهم المسلم فقتله فإنّه
ن المسلم انفرد بقتله ،لكن الحنفيّة وصفوا الحلّ في صورة ر ّد كلب المجوسيّ
يحلّ ،ل ّ
بالكراهة .
أمّا إذا سبقت آلة المجوسيّ فقتلته ،أو أنهته إلى حركة مذبوح ،أو لم يسبق واحد منهما
وجرحاه معا ،وحصل الهلك بهما ،أو جهل ذلك ،أو جرحاه مرتّبا ولكن لم يذفّف أحدهما
فهلك بهما حرّم الصّيد تغليبا للتّحريم .
ب -اشتراك من هو أهل للصّيد مع مثله :
-إن اشترك في الرّمي أو الصابة من هو أهل للصّيد مع مثله ،كمسلمين أو نصرانيّين 47
ويحرّم بالخر ،يحرّم الصّيد ،فالصل أنّه إذا اجتمع الحلّ والحرمة يغلب جانب الحرمة ،
ل بقوله » :ما اجتمع الحلل والحرام إلّ وقد غلب الحرام الحلل « أو احتياطا ،كما
عم ً
قال الفقهاء .
فلو وجد المسلم أو الكتابيّ مع كلبه كلبا آخر جهل ،هل سمّي عليه أم ل ؟ وهل استرسل
بنفسه أم أرسله شخص ؟ وهل مرسله من أهل الصّيد أم ل ؟ لم يبح ،سواء علم أنّ
ن المجهول هو الّذي قتله ،لقوله صلى ال
الكلبين قتله معا ،أو لم يعلم القاتل ،أو علم أ ّ
عليه وسلم » :إن وجدت مع كلبك أو كلبك كلبا غيره فخشيت أن يكون أخذه معه ،وقد
قتله فل تأكل ،فإنّما ذكرت اسم اللّه على كلبك ،ولم تذكره على غيره « .
ولتغليب الحظر على الباحة .
الثر المترتّب على الصّيد :
ن الصطياد إذا تمّ بالشّروط الّتي قدّمناها يكون سببا لتملّك الصّائد
-ذهب الفقهاء إلى أ ّ 50
للمصيد ،وذلك بوضع اليد عليه أو بجرح مذفّف ،أو بإزمان وكسر جناح ،بحيث يعجز
عن الطّيران والعدو جميعا ،إن كان ممّا يمتنع بهما ،وإلّ فبإبطال ما يمتنع به ،أو
بوقوعه في شبكة نصبها للصّيد ،أو بإلجائه إلى مضيق ل يفلت منه ،كإدخال صيد ب ّريّ
إلى بيت ،أو اضطرار سمكة إلى بركة صغيرة أو حوض صغير ونحو ذلك ،وهذا في
الجملة ،وبيان ذلك فيما يلي :
أ -وضع اليد على الصّيد :
ن المصيد غير الحرميّ يملكه الصّائد بضبطه بيده ،كما عبّر به
-ذهب الفقهاء إلى أ ّ 51
الشّافعيّة والحنابلة ،أو بالستيلء الحقيقيّ ،كما هو تعبير الحنفيّة ،وذلك إذا لم يكن عليه
أثر ملك لخر ،كخضب أو قصّ جناح أو قرط ،أو نحو ذلك .
ول يشترط في وضع اليد أن يقصد تملّكه ،حتّى لو أخذه لينظر إليه ملكه ،لنّه مباح ،
فيملك بوضع اليد عليه ،كسائر المباحات ،ول يملك بمجرّد الرّؤية ،وقد عبّر عنه المالكيّة
بلفظ " :المبادر " ،حيث قالوا :وملك الصّيد المبادر .
ب -الجرح المذفّف :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا جرح الصّائد جرحا مذفّفا بإرسال سهم ،أو كلب أو نحوهما 52
يملكه ولو لم يضع يده عليه حقيقةً ،لنّه يعتبر استيل ًء حكميّا ،لكن يشترط في هذه الحالة
أن يقصد الصّائد بفعله الصطياد ،فلو أرسل سهما أو جارحةً لهوا ،أو على حيوان
ل فأصاب صيدا وذفّفه لم يحلّ ،ول يملك .
مستأنس مث ً
ج -الجرح المثخن :
-والمراد به الجرح الّذي يثبت الصّيد ويبطل امتناعه وإن لم يكن مسرعا لقتله . 53
فإذا أثخن صيدا ،أو كسر جناح الطّير ،أو رجل الظّبي مثلً ،بحيث يعجز عن الطّيران أو
العدو يملكه ،فإذا تحامل الصّيد بعد إثباته ،ومشى غير ممتنع فأخذه غير مثخنه لزمه
ردّه.
د -نصب الحبالة أو الشّبكة :
-إذا نصب حبالةً أو شبكةً للصّيد فتعلّق بها صيد ملكه باتّفاق الفقهاء ،لنّه استيلء 54
أو أدخل السّمكة حوضا صغيرا فسد منفذه ،بحيث يمكنه تناول ما فيه باليد دون حاجة إلى
شبكة أو سهم ملكه ،لحصول الستيلء عليه ،وإن كان الحوض كبيرا ل يمكنه أن يتناول
ما فيه إلّ بجهد وتعب ،أو إلقاء شبكة في الماء لم يملكه به .
لكن الشّافعيّة قالوا :هو أولى به من غيره ،فل يصيده غيره إ ّل بإذنه .
و -وقوع الصّيد في ملك غير الصّائد :
-لو رمى طائرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم ،أو طرد الصّيد لدار قوم ، 56
فأخذوه فيه فإنّه ملك للرّامي والطّارد ،دون مالكي الدّار ،كما صرّح به المالكيّة
والحنابلة ،بخلف ما لو رمى صيدا فأصابه ،وبقي على امتناعه حتّى دخل دار إنسان
ن الوّل لم يملكه ،لكونه ممتنعا ،فملكه الثّاني بأخذه .
فأخذه ،فهو لمن أخذه ل ّ
وقال الشّافعيّة :يملك الصّيد بوقوعه في شبكة نصبها للصّيد ،طرده إليها طارد أم ل .
وقال المالكيّة :إن اشترك في الصّيد طارد مع ذي حبالة وقصد الطّارد إيقاعه فيها ،
ولولهما لم يقع الصّيد في الحبالة ،فعلى حسب فعليهما ،أي نصب الحبالة وطرد الطّارد ،
فإذا كانت أجرة الطّارد درهمين وأجرة الحبالة درهما ،كان للطّارد الثّلثان ،ولصاحب
الحبالة الثّلث .
وإن لم يقصد الطّارد إيقاع الصّيد في الحبالة ،وأيس من الصّيد فوقع فيها ،يملكه ربّ
الحبالة ول شيء للطّارد ،وإن كان الطّارد على تحقّق من أخذه بغير الحبالة ،فقدّر اللّه
ص ًة ،ول شيء عليه لصاحب
أنّه وقع فيها -بقصده أو بغير قصده -فهو للطّارد خا ّ
الحبالة .قال الدّسوقيّ :نعم إذا قصد الطّارد إيقاعه فيها لجل إراحة نفسه من التّعب ،
لزمه أجرة الحبالة لصاحبها .
فروع في تملّك الصّيد :
-الوّل :السّفينة إذا وثبت فيها سمكة فوقعت في حجر إنسان فهي له ،دون صاحب 57
السّفينة ،لنّ حوزه أخصّ بالسّمكة من حوز صاحب السّفينة ،لنّ حوز السّفينة شمل هذا
ص مقدّم على العمّ .
الرّجل وغيره ،وحوز هذا الرّجل ل يتعدّاه .والخ ّ
ن السّفينة ملكه ،ويده عليها ،فما حصل من
وإذا وقعت في السّفينة فهي لصاحبها ،ل ّ
المباح فيها كان أحقّ به .
وأضاف الحنابلة :أنّه إن كانت السّمكة وثبت بفعل إنسان بقصد الصّيد ،كالصّائد الّذي
يجعل في السّفينة ضوءا باللّيل ويدقّ بشيء كالجرس ليثب السّمك في السّفينة فهذا
للصّائد ،دون من وقع في حجره ،لنّه أثبتها بذلك .
-الثّاني :إذا أمسك الصّائد الصّيد ،وثبتت يده عليه لم يزل ملكه عنه بانفلته عند 58
الجمهور -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -كما لو شردت فرسه أو ندّ بعيره ،قال
الشّافعيّة :سواء أكان يدور في البلد أم التحق بالوحوش في البرّيّة .
وكذا ل يزول ملكه بإرسال المالك له في الصحّ عند الشّافعيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة ،
كما لو أرسل بعيره ،لنّ رفع اليد عنه ل يقتضي زوال الملك عنه .
وفي القول الثّاني عند الشّافعيّة ،وهو محتمل عند الحنابلة :يزول ملكه عن المرسل ،
فيجوز اصطياده ،وذلك لنّ الصل الباحة ،والرسال يردّه إلى أصله .
والثّالث عند الشّافعيّة أنّه :إن قصد بإرساله التّقرّب إلى اللّه تعالى زال ملكه ،وإلّ فل
يزول ملكه بالرسال .
ن الصّيد ل يخرج عن ملك صاحبه بالرسال أو العتاق .
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
قال ابن عابدين :هذا يحتمل معنيين :
الوّل :أنّه ل يخرج عن ملكه قبل أن يأخذه أحد ،فإن أخذه أحد بعد الباحة ملكه ،كما
تفيده عبارة مختارات النّوازل :سيّب دابّته فأخذها آخر وأصلحها فل سبيل للمالك عليها إن
قال عند تسييبها :هي لمن أخذها .
ح مطلقا ،أو إلّ لقوم
ن التّمليك لمجهول ل يص ّ
الثّاني :أنّه ل يخرج عن ملكه مطلقا ،ل ّ
معلومين ،وتكون فائدة الباحة حلّ النتفاع به مع بقائه على ملك المالك .
أمّا المالكيّة فعندهم كما يقول الحطّاب :إن ن ّد صيد من صاحبه وصاده غيره ففيه طريقان :
إن صيد قبل توحّشه ،وبعد تأنّسه فهو للوّل اتّفاقا ،وإن صاده بعد توحّشه فقال مالك
وابن القاسم :هو للثّاني ،وإن ملكه بشراء فهل يكون كالوّل أم ل ؟ قال ابن الموّاز :هو
كالوّل ،وقال ابن الكاتب :هو للوّل على كلّ حال .
-الثّالث :من أحرم وفي حيازته صيد ،فللفقهاء فيه التّفصيل التّالي : 59
ذهب الحنفيّة إلى أنّ من دخل الحرم أو أحرم في حلّ ،وفي يده الحقيقيّة صيد وجب
إطلقه ،أو إرساله للحلّ وديعةً على وجه غير مضيّع له ،لنّ تضييع الدّابّة حرام .
ول يخرج الصّيد عن ملكه بهذا الرسال ،فله إمساكه في الحلّ ،وله أخذه من إنسان أخذه
منه ،لنّه لم يخرج عن ملكه .
وقال المالكيّة :يرسل المحرم الصّيد وجوبا إذا كان مملوكا له قبل الحرام ،وكان في قفص
أو نحوه ،بيده ،أو بيد رفقته الّذين معه ،فإن لم يرسله وتلف ضمنه ،وإذا أرسله زال
ملكه عنه حالً ومآلً ،فلو أخذه أحد قبل لحوقه بالوحش أو بعده فقد ملكه ،وليس لصاحبه
الصليّ أخذه منه .
ول يجب إرساله إن كان الصّيد حال إحرامه ببيته ،وإن أحرم من بيته وفيه صيد ففيه
تأويلن :والمعتمد عدم وجوب الرسال ،وعدم زوال الملكيّة .
وقال الشّافعيّة :إن كان في ملكه صيد فأحرم زال ملكه عنه ،ولزمه إرساله ،لنّه ل يراد
للدّوام ،فتحرم استدامته ،فلو لم يرسله حتّى تحلّل لزمه إرساله -أيضا -إذ ل يرتفع
اللّزوم بالتّعدّي ،ومن أخذه ولو قبل إرساله وليس محرما ملكه ،لنّه بعد لزوم الرسال
صار مباحا .
وقال الحنابلة :إذا أحرم وفي ملكه صيد لم يزل ملكه عنه ،ول يده الحكميّة ،مثل أن
يكون في بلده ،أو في يد نائب له في غير مكانه ،ولكن يلزمه إزالة يده المشاهدة ،فإذا
كان في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفص معه أو مربوطا بحبل معه لزمه إرساله ،وإذا
أرسله لم يزل ملكه عنه ،فمن أخذه ردّه عليه إذا حلّ .ومن قتله ضمنه له ،لنّ ملكه
كان عليه ،وإزالة يده ل تزيل الملك بدليل الغصب والعاريّة .
دخول مالك الصّيد الحرم :
-ل يختلف عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة حكم الصّيد من حيث لزوم الرسال والملكيّة 60
وغيرهما لمن دخل الحرم بغير إحرام عن حكمه بالنّسبة للمحرم ،فما قالوه هناك نصّوا
عليه هنا أيضا .
أمّا الشّافعيّة فقالوا :إنّ دخول مالك الصّيد الحرم من غير إحرام ل يزول به ملك الصّيد ،
ن صيد الحلّ إذا ملكه إنسان ل يصير صيد حرم .
ول يجب عليه إرساله ،ل ّ
ضمان الصّيد :
-تعرّض الفقهاء لبيان حكم ضمان الصّيد في صور منها : 61
الولى :ضمان صيد الحرم ،فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المحرم والحلل
التّعرّض لصيد في الحرم بالقتل والجرح واليذاء والستيلء عليه ،وكذا التّنفير والمساعدة
في اصطياده بأيّ وجه من الوجوه ،كالدّللة والشارة والمر ونحوها .
كما اتّفقوا على ضمان قتله وإصابته عمدا أو خطأ على المحرم والحلل ،ويكون الضّمان
فيما له مثل من النّعم بالمثل ،أو تقويمه بنقد يشتري به طعاما يتصدّق به على مساكين
الحرم ،أو ما يعدل ذلك من الصّيام .
أمّا فيما ل مثل له فقيمته بتقويم رجلين عدلين يتصدّق بها على المساكين ،كما ورد في
ن آمَنُواْ َل َتقْتُلُو ْا الصّيْدَ َوأَن ُتمْ حُ ُرمٌ َومَن قَتَ َل ُه مِنكُم مّ َت َعمّدا َفجَزَاء
قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
طعَامُ َمسَاكِينَ أَو
حكُمُ ِب ِه َذوَا عَ ْد ٍل مّنكُمْ هَدْيا بَالِ َغ الْ َكعْ َبةِ َأوْ َكفّارَةٌ َ
مّ ْثلُ مَا قَ َتلَ ِمنَ ال ّن َعمِ َي ْ
عَ ْدلُ َذلِكَ صِيَاما } .
). 164 - 160 وينظر تفصيله في مصطلح ( :إحرام ف
الثّانية :ضمان صيد الحلّ إذا أراد أن يدخل به الحرم ،فمن ملك صيدا في الحلّ ،وأراد أن
يدخل به الحرم لزمه رفع يده عنه وإرساله عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة
والحنابلة -كما قدّمناه ،فإن لم يرسله وتلف فعليه ضمانه ،لنّه تلف تحت اليد المعتدية .
وقال الشّافعيّة :لو أدخل الحلل معه صيدا إلى الحرم ل يضمنه ،لنّه صيد حلّ .
). 13 وتفصيله في مصطلح ( :حرم
صِيغَة *
التّعريف :
-الصّيغة في اللّغة من الصّوغ مصدر صاغ الشّيء يصوغه صوغا وصياغةً ،وصغته 1
أصوغه صياغ ًة وصيغةً ،وهذا شيء حسن الصّيغة ،أي حسن العمل .
وصيغة المر كذا وكذا ،أي هيئته الّتي بني عليها .
وصيغة الكلمة :هيئتها الحاصلة من ترتيب حروفها وحركاتها ،والجمع :صيغ ،قالوا :
اختلفت صيغ الكلم :أي تراكيبه وعباراته .
واصطلحا :لم نعرف للفقهاء تعريفا جامعا للصّيغة يشمل صيغ العقود والتّصرّفات
والعبادات وغيرها ،لكنّه يفهم من التّعريف اللّغويّ ومن كلم بعض الفقهاء أنّ الصّيغة هي
اللفاظ والعبارات الّتي تعرب عن إرادة المتكلّم ونوع تصرّفه ،يقول ابن القيّم :إنّ اللّه
تعالى وضع اللفاظ بين عباده تعريفا ودللةً على ما في نفوسهم ،فإذا أراد أحدهم من
الخر شيئا عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه ،ورتّب على تلك الرادات والمقاصد أحكامها
بواسطة اللفاظ ولم يرتّب تلك الحكام على مجرّد ما في النّفوس من غير دللة فعل أو
قول.
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العبارة :
-في اللّغة :عبّر عمّا في نفسه :أعرب وبيّن ،والسم العبرة والعبارة ،وعبّر عن 2
فلن تكلّم عنه ،واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير أي يبيّنه ،وهو حسن العبارة أي البيان .
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ " عبارة " عن المعنى اللّغويّ .
ب -اللّفظ :
-في اللّغة :اللّفظ أن ترمي بشيء كان في فيك ،ولفظ بالشّيء يلفظ :تكلّم ،وفي 3
ب عَتِيدٌ } .
التّنزيل العزيز { :مَا َي ْلفِظُ مِن َق ْولٍ إِل لَدَ ْيهِ رَقِي ٌ
ولفظ بقول حسن :تكلّم به ،وتلفّظ به كذلك .
ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ :
-الصّيغة :ركن في كلّ اللتزامات باعتبارها سببا في إنشائها باتّفاق الفقهاء . 4
صيغة الماضي جعلت إيجاباص للحال في عرف أهل اللّغة والشّرع ،والعرف قاض على
الوضع .
لكن الفقهاء اختلفوا في انعقاد العقد بالصّيغة الدّالّة على الحال أو الستقبال ،ولذلك اختلفوا
ن صيغة المضارع تحتمل الحال والستقبال :
في انعقاد العقد بصيغة المضارع ،ل ّ
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى صحّة انعقاد العقد بصيغة المضارع لكن مع الرّجوع إلى
النّيّة ،يقول الكاسانيّ :وأمّا صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشتري :أبيع منك هذا
الشّيء بكذا ونوى اليجاب ،فقال المشتري :اشتريت ،أو قال البائع :أبيعه منك بكذا ،
وقال المشتري :أشتريه ونويا اليجاب فإنّ الرّكن يتمّ وينعقد العقد ،وإنّما اعتبرنا النّيّة هنا
وإن كانت صيغة أفعل للحال هو الصّحيح ،لنّه غلب استعمالها للستقبال ،إمّا حقيقةً أو
مجازا فوقعت الحاجة إلى التّعيين بالنّيّة .
وقريب من هذا مذهب المالكيّة ،ففي الحطّاب :إن أتى بصيغة المضارع فكلمه محتمل
فيحلف على ما أراده .
ول ينعقد بصيغة المضارع عند الحنابلة ،لنّه يعتبر وعدا .
وأمّا صيغة المر فعند المالكيّة وهو الظهر عند الشّافعيّة ينعقد العقد بصيغة المر لدللة
" بعني " على الرّضا .
أمّا الحنفيّة فل ينعقد العقد بصيغة المر عندهم لنّ هذه الصّيغة للستقبال ،وهي مساومة
حقيقيّة فل تكون إيجابا وقبولً حقيقةً ،بل هي طلب اليجاب والقبول فل بدّ لليجاب
والقبول من لفظ آخر يدلّ عليهما .
ويوضّح ابن قدامة مذهب الحنابلة فيقول :إن تقدّم اليجاب بلفظ الطّلب فقال بعني ثوبك
فقال :بعتك ،ففيه روايتان :إحداهما يصحّ ،والثّانية ل يصحّ .
هذا في الجملة وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :عقد ) .
الصّريح والكناية في الصّيغة :
-من الصّيغ ما هو صريح في الدّللة على المراد فل يحتاج إلى نيّة أو قرينة ،لنّ 8
ذلك أنّ القول هو الصل في التّعبير عمّا يريده النسان ،إذ هو من أوضح الدّللت على ما
في النّفوس .
ويقوم مقام الصّيغة في التّعبير عن المراد الكتابة أو الشارة .
وبيان ذلك إجمالً فيما يلي :
أ -الكتابة :
-الكتابة تقوم مقام اللّفظ في التّصرّفات ويتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها 11
بالكتابة ،والكتابة الّتي تقوم مقام اللّفظ هي :الكتابة المستبينة المرسومة كالكتابة على
الصّحيفة أو الحائط أو الرض ،أمّا الكتابة الّتي ل تقرأ كالكتابة على الماء أو الهواء فل
ينعقد بها أي تصرّف .
وإنّما تصحّ التّصرّفات بالكتابة المستبينة لنّ القلم أحد اللّسانين كما يقول الفقهاء فنزلت
ي صلى ال عليه وسلم بتبليغ الرّسالة وكان في حقّ
الكتابة منزلة اللّفظ ،وقد أمر النّب ّ
البعض بالقول وفي حقّ آخرين بالكتابة إلى ملوك الطراف .
واعتبر الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية فتنعقد بها العقود مع النّيّة .
واستثنى جمهور الفقهاء من صحّة التّصرّفات بالكتابة عقد النّكاح فل ينعقد بالكتابة عند
ن النّكاح يفسخ مطلقا -قبل الدّخول
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،بل إنّ المالكيّة يقولون إ ّ
وبعده -وإن طال ،كما لو اختلّ ركن كما لو زوّجت المرأة نفسها بل وليّ أو لم تقع
الصّيغة بقول بل بكتابة أو إشارة أو بقول غير معتبر شرعا .
ن النّكاح ينعقد عندهم بالكتابة كسائر العقود .
أمّا الحنفيّة فإ ّ
وأجاز المالكيّة والحنابلة النّكاح بالكتابة من الخرس فينعقد نكاحه بالكتابة للضّرورة .
وينظر تفصيل ذلك في ( :تعبير ،وخرس ) .
ب -الشارة :
-ممّا يقوم مقام الصّيغة في التّصرّفات الشارة . 12
قال الزّركشيّ :إشارة الخرس في العقود والحلول والدّعاوى والقارير وغيرها كعبارة
النّاطق ،قال المام عنه في " الساليب " وكان السّبب فيه أنّ الشارة فيها بيان ،ولكن
الشّارع تعبّد النّاطقين بالعبارة ،فإذا عجز الخرس بخرسه عن العبارة أقامت الشّريعة
إشارته مقام عبارته .
ويوضّحه أنّ النّاطق لو أشار بعقد أو فسخ لم يعتدّ به فإذا خرس اعتدّ به فد ّل على أنّ
المعنى المعتبر في قيام الشارة مقام العبارة الضّرورة ،وأنّه أتى بأقصى ما يقدر عليه في
البيان .
هذا مع اختلف الفقهاء في اشتراط قبول الشارة من الخرس العاجز عن الكتابة ،كما
اختلفوا في إشارة غير الخرس وهل تقبل كنطقه أم ل ؟ .
وينظر تفصيل ذلك في بحث ( إشارة – ف . ) 5
ج -الفعل :
-قد يقوم الفعل مقام الصّيغة في بعض التّصرّفات ،ومن أه ّم ما ورد في ذلك عند 13
الفقهاء التّعاطي في العقود فأجاز جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة -البيع
بالتّعاطي وهو قول للشّافعيّة ،كما أجاز جمهور الفقهاء القالة والجارة بالتّعاطي .
وقد سبق تفصيل ذلك في بحث ( :تعاطي -ف ) . 3
أثر العرف في دللة الصّيغة على المقصود :
-للعرف أثر في دللة الصّيغة على المراد ،ومراعاة حمل الصّيغة على العرف له أثر 14
المراد من الصّيغة التّعبير عمّا يلتزم به النسان من ارتباط مع الغير ،كصيغ العقود من
بيع وإجارة وصلح ونكاح وغير ذلك ،أو ارتباط مع اللّه سبحانه وتعالى ،والتّقرّب إليه
كالنّذر والذّكر ،أو التّعبير عمّا هو في ال ّذمّة ،أو لدى الغير من حقوق كالقرارات .
وعلى ذلك فالصّيغة متى استوفت شرائطها ترتّب عليها ما تضمّنته ،ففي البيع مثلً يثبت
الملك للمشتري في المبيع وللبائع الثّمن للحالّ مع وجوب تسليم البدلين .
وفي الجارة يثبت الملك في المنفعة للمستأجر وفي الجرة المسمّاة للجر .
وفي الهبة يثبت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض .
وفي النّكاح يثبت حلّ الستمتاع لكلّ من الزّوجين بالخر وحلّ النّظر والمسّ وغير ذلك ،
ويجب المهر ،كما يجب في النّذور واليمان الوفاء والبرّ ..وهكذا .
والصّيغة الّتي تصدر من النسان متى استوفت شرائطها كانت هي الساس الّذي يعتمد عليه
القاضي في صدور الحكام ،ولو كان الواقع خلف ذلك ،ومن ذلك حديث عويمر العجلنيّ
ي صلى ال عليه
لمّا وضعت امرأته الّتي لوعنت ،ولدا يشبه الّذي رميت به ،قال النّب ّ
وسلم » :لول اليمان لكان لي ولها شأن « يعني لول ما قضى اللّه من ألّ يحكم على أحد
ي صلى ال عليه وسلم لشريك ول
إلّ باعتراف على نفسه أو بيّنة ،ولم يعرض النّب ّ
ن أحدهما كاذب ث ّم علم بعد أنّ الزّوج هو الصّادق .
للمرأة ،وأنفذ الحكم وهو يعلم أ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم سمع خصومةً بباب حجرته فخرج
وفي حديث أمّ سلمة » :أ ّ
إليهم فقال :إنّما أنا بشر وإنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ،
فأحسب أنّه صادق فأقضي له بذلك ،فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النّار
فليأخذها أو ليتركها « .
ن الحكم بين النّاس يقع على ما يسمع من
قال الشّافعيّ لمّا تكلّم على الحديث :في الحديث أ ّ
الخصمين بما لفظوا به ،وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك ،وأنّه ل يقضي
على أحد بغير ما لفظ به ،فمن فعل ذلك فقد خالف كتاب اللّه وسنّة نبيّه ،مثل هذا قضاؤه
صلى ال عليه وسلم لعبد بن زمعة بابن الوليدة ،فلمّا رأى الشّبه بيّنا بعتبة قال » :
احتجبي منه يا سودة « .
وقال ابن فرحون :الحاكم إنّما يحكم بما ظهر وهو الّذي تعبّد به ،ول ينقل الباطن عند من
علمه عمّا هو عليه من التّحليل والتّحريم ،قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إنّما
أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ،ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له
ق أخيه شيئًا فل يأخذه ،فإنّما أقطع له قطع ًة من
على نحو ما أسمع فمن قضيت له من ح ّ
النّار « .
قال ابن فرحون :وهذا إجماع من أهل العلم في الموال ،واختلفوا في انعقاد النّكاح أو حلّ
ي وجمهور أهل
عقده بظاهر ما يقضي به الحاكم وهو خلف الباطن ،فذهب مالك والشّافع ّ
العلم إلى أنّ الموال والفروج في ذلك سواء ،لنّها حقوق كلّها تدخل تحت قوله صلى ال
ق أخيه فل يأخذه « .فل يحلّ منها القضاء
عليه وسلم » :فمن قضيت له بشيء من ح ّ
الظّاهر ما هو حرام في الباطن .
وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ،وكثير من فقهاء المالكيّة على ما حكى عنهم ابن عبد البرّ :
صةً ،فلو أنّ رجلين تعمّدا الشّهادة بالزّور على رجل أنّه طلّق
إنّما ذلك في الموال خا ّ
امرأته فقبل القاضي شهادتهما لظاهر عدالتهما ،وهما قد تعمّدا الكذب أو غلطا ففرّق
القاضي بشهادتهما بين الرّجل وامرأته ،ثمّ اعتدّت المرأة فإنّه جائز لحد الشّاهدين أن
يتزوّج لنّها لمّا حلّت للزواج بالحكم الظّاهر ،فالظّاهر ،وغيره سواء ،واحتجّوا بحكم
اللّعان وقالوا :معلوم أنّ الزّوجة إنّما وصلت إلى فراق زوجها باللّعان الكاذب ونقل ابن
ي ما يشبه هذا التّفصيل .
حجر في فتح الباري عن الطّحاو ّ
وقد قسّم ابن القيّم اللفاظ بالنّسبة إلى مقاصد المتكلّمين ونيّاتهم وإراداتهم لمعانيها ثلثة
أقسام .
القسم الوّل :
-أن تظهر مطابقة القصد للّفظ ،وللظّهور مراتب تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد 16
المتكلّم بحسب الكلم في نفسه ،وما يقترن به من القرائن الحاليّة واللّفظيّة وحال المتكلّم
به وغير ذلك .
القسم الثّاني :
ن المتكلّم لم يرد معناه ،وقد ينتهي هذا الظّهور إلى حدّ اليقين بحيث ل
-ما يظهر بأ ّ 17
واحد من المرين ،واللّفظ دالّ على المعنى الموضوع له ،وقد أتى به اختيارا .
ثمّ بيّن ابن القيّم ما يحمل على ظاهره من هذه القسام ،وما ل يحمل على ظاهره ،وما
يحمل على غير ظاهره فقال :إذا ظهر قصد المتكلّم لمعنى الكلم ،أو لم يظهر قصد يخالف
ق ل ينازع فيه عالم ،وقد ذكر الشّافعيّ على
كلمه وجب حمل كلمه على ظاهره ،وهذا ح ّ
ذلك أدّلةً كثير ًة ،وإذا عرف هذا فالواجب حمل كلم اللّه تعالى ،ورسوله وحمل كلم
المكلّف على ظاهره الّذي هو ظاهره ،وهو الّذي يقصد من اللّفظ عند التّخاطب ول يتمّ
التّفهيم والفهم إلّ بذلك ،ومدّعي غير ذلك على المتكلّم القاصد للبيان والتّفهيم كاذب عليه .
قال ابن القيّم :وإنّما النّزاع في الحمل على الظّاهر حكما بعد ظهور مراد المتكلّم والفاعل
بخلف ما أظهره ،فهذا هو الّذي وقع فيه النّزاع وهو :هل العتبار بظواهر اللفاظ
والعقود وإن ظهرت المقاصد والنّيّات بخلفها ؟ أم للقصود والنّيّات تأثير يوجب اللتفات
إليها ومراعاة جانبها ؟
ن القصود في العقود معتبرة ،وأنّها تؤثّر في
وقد تظاهرت أدلّة الشّرع وقواعده على أ ّ
صحّة العقد وفساده ،وفي حلّه ،وحرمته ،بل أبلغ من ذلك ،وهي :أنّها تؤثّر في الفعل
الّذي ليس بعقد تحليلً وتحريما فيصير حللً تار ًة وحراما تارةً أخرى باختلف النّيّة ،
والقصد ،كما يصير صحيحا تارةً ،وفاسدا تارةً باختلفها ،وهذا كالرّجل يشتري الجارية
ينوي أن تكون لموكّله فتحرم على المشتري ،وينوي أنّها له فتحلّ له .
ثمّ بعد أن يوضّح ابن القيّم أنّ العبرة في العقود القصد دون اللّفظ المجرّد يقول :وهذه
القوال إنّما تفيد الحكام إذا قصد المتكلّم بها ما جعلت له ،وإذا لم يقصد بها ما يناقض
صحّة ،
معناها ،وهذا فيما بينه وبين اللّه تعالى ،فأمّا في الظّاهر فالمر محمول على ال ّ
ل على أنّه قصد
وإلّ لما تمّ عقد ول تصرّف فإذا قال :بعت أو تزوّجت كان هذا اللّفظ دلي ً
معناه المقصود به وجعله الشّارع بمنزلة القاصد إن كان هازلً ،وباللّفظ والمعنى جميعا
يتمّ الحكم ،فكلّ منهما جزء السّبب وهما مجموعه ،وإن كانت العبرة في الحقيقة بالمعنى ،
واللّفظ دليل ،ولهذا يصار إلى غيره عند تعذّره ،وهذا شأن عامّة أنواع الكلم .
ضَأْن *
انظر :غنم
ضَائِع *
التّعريف :
-الضّائع في اللّغة :من ضاع الشّيء يضيع ضَيْعا وضِيعا وضَياعا وضياعا -بكسر 1
الضّاد وفتحها فيهما -إذا فقد وهلك وتلف وصار مهملً .
والضّيعة :العقار والجمع ضياع وضيع .
وخصّ أهل اللّغة لفظ " ضائع " بغير الحيوان كالعيال والمال ،يقال :أضاع الرّجل عياله
وماله ،وضيّعهم إضاعةً فهو مضِيّع ومضَيّع بكسر الضّاد وفتحها .
والمعنى الصطلحيّ ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضّالّة :
-في اللّغة :الضّالّة الحيوان الضّائع وعرّف الفقهاء الضّالّة بأنّها :نعم وجد بغير حرز 2
محترم .
ب -اللّقطة :
-اللّقطة :المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره أو الشّيء الّذي يجده المرء ملقىً فيأخذه 3
أمانةً .
ن الوّل يعرف مالكه ،أمّا الثّاني فل ،كما أنّ
والفرق بين المال الملقوط والمال الضّائع :أ ّ
اللّقطة يخصّ إطلقها بالمال أو الختصاص المحترم ،أمّا الضّائع فيطلق على الموال
والشخاص .
الحكم الجماليّ :
يتعلّق بالضّائع جملة من الحكام الفقهيّة ومنها :
أ -ضياع المال بعد وجوب الزّكاة :
-من وجبت عليه الزّكاة فلم يخرجها حتّى ضاع المال فعند جمهور الفقهاء إن كان 4
ضياعه بتفريطه أو فرّط في الخراج بعد التّمكّن وجبت عليه الزّكاة .
). 139 وللتّفصيل ينظر ( :زكاة ف
ب -ما يجمع في بيت الضّوائع :
-من أقسام بيت المال بيت الضّوائع ،وتجمع فيه الموال الضّائعة ونحوها من لقطة ل 5
يعرف صاحبها أو مسروق ل يعلم صاحبه ،فتحفظ محرزةً لصحابها ،فإن حصل اليأس
من معرفتهم صرف في وجهه .
). 10 وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :بيت المال ف
ج -ضمان المال الضّائع :
-اعتبر الفقهاء إضاعة المال صور ًة من صور التلف الموجب للضّمان في كثير من 6
أوجه المعاملت :كالعاريّة الوديعة والرّهن واللّقطة مع اختلف بينهم في التّفصيل ،وذلك
لنّ إضاعة المال نوع من الهمال المفضي إلى ضياع الحقوق على أصحابها .
،وضمان ،ولقطة 15 وإعارة ف 53 و 28 وللتّفصيل انظر المصطلحات التّالية ( :إتلف ف
).
ضالّة *
التّعريف :
-الضّالّة في اللّغة من ضلّ الشّيء :خفي وغاب ،وأضللت الشّيء -باللف -إذا 1
ضاع منك ،فلم تعرف موضعه :كالدّابّة والنّاقة وما أشبههما ،فإن أخطأت موضع الشّيء
الثّابت كالدّار قلت :ضللته وضلّلته ،ول تقل :أضللته باللف .
والضّالّة بالتّاء :الحيوان الضّائع ،يطلق على الذّكر والنثى ،والثنين والجمع ،وتجمع
على ضوالّ ،مثل :دابّة ودوابّ ،ويقال لغير الحيوان :ضائع ،ولقطة ،والضّالّ بدون
التّاء :النسان .
وقد تطلق الضّالّة على المعاني ،ومنه حديث » :الكلمة الحكمة ضالّة المؤمن « أي ل
يزال يتطلّبها كما يتطلّب الرّجل ضالّته .
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ الضّالّة عن المعنى اللّغويّ .
ففي الختيار :الضّالّة :الدّابّة تض ّل الطّريق إلى مربطها ،وفي كشّاف القناع :الضّالّة :
ص ًة ،وفي الموّاق بهامش الحطّاب :الضّالّة :نعم وجد بغير حرز محترما .
اسم حيوان خا ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
اللّقطة :
-في اللّغة :يقال :لقطت الشّيء لقطا من باب قتل :أخذته . 2
واللّقطة شرعا -كما عرّفها بعض الفقهاء : -ما يوجد مطروحا على الرض ممّا سوى
ي.
الحيوان من الموال ل حافظ له ،وهذا هو تعريف الموصل ّ
ومثله تعريف ابن عرفة من المالكيّة ،قال :اللّقطة :مال وجد بغير حرز محترما ،ليس
حيوانا ناطقا ول نعما .
أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيطلقون لفظ اللّقطة على الحيوان وغير الحيوان .
ن اللّقطة تطلق على
وعلى هذا ،فإنّ بعض الفقهاء يفرّق بين اللّقطة والضّالّة :باعتبار أ ّ
غير الحيوان ،والضّالّة تطلق على الحيوان ،وبعضهم يطلق لفظ اللّقطة على الجميع .
الحكم الجماليّ :
-الضّوالّ الّتي تمتنع من صغار السّباع لقوّتها وكبر جثّتها -كالبل والبقر والخيل 3
والبغال -أو تمتنع لسرعة عدوها كالظّباء أو تمتنع لطيرانها ،هذه الضّوالّ إن كانت في
الصّحراء فإنّه يحرم أخذها للتّملّك ،وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة ،وذلك لحديث زيد بن
ي صلى ال عليه وسلم عن ضالّة البل
خالد الجهنيّ رضي ال تعالى عنه » :سئل النّب ّ
فقال :مالك ولها ،دعها ،فإنّ معها حذاءها وسقاءها ،ترد الماء وتأكل الشّجر حتّى يجدها
ربّها « .
ي المر أخذها على وجه الحفظ لربّها ،ل على أنّها لقطة ،فإنّ عمر
إلّ أنّه يجوز لول ّ
رضي ال تعالى عنه حمى موضعا يقال له :النّقيع لخيل المجاهدين والضّوالّ ،ولنّ للمام
نظرا في حفظ مال الغائب ،وفي أخذ الضّوالّ حفظ لها عن الهلك ،ول يلزم المام تعريفها
،لنّ عمر رضي ال تعالى عنه لم يكن يعرّف الضّوالّ ،ومن كانت له ضالّة فإنّه يجيء
إلى موضع الضّوالّ ،فإذا عرف ضالّته أقام البيّنة وأخذها ،لكن قال السّبكيّ من الشّافعيّة :
ي المر ،بل جزم الذرعيّ بتركها عند
إن لم يخش على الضّالّة الضّياع فل يتعرّض لها ول ّ
اكتفائها بالرّعي والمن عليها .
كما أجاز الشّافعيّة في الصحّ لغير وليّ المر أخذها للحفظ لربّها إذا خشى عليها من أخذ
خائن ،فإذا أمن عليها امتنع أخذها قطعا ،فإذا أخذها ضمنها لربّها ،ول يبرأ إلّ بردّها
للحاكم ،لكن هذا إذا لم يعرف صاحبها ،وإلّ جاز له أخذها ،وتكون أمانةً في يده .
أمّا زمن النّهب والفساد فيجوز التقاطها للتّملّك في الصّحراء وغيرها .
ويضمن كذلك -عند الحنابلة -من أخذ ما حرّم التقاطه من الضّوالّ إن تلف أو نقص ،
لعدم إذن الشّارع فيه ،فإن كتمه عن ربّه ثمّ ثبت بإقرار أو بيّنة فتلف فعليه قيمته مرّتين
لربّه نصّا ،لحديث » :وفي الضّالّة المكتومة غرامتها ومثلها معها « وهذا حكم رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم فل يردّ .
ويزول الضّمان بر ّد الضّالّة إلى ربّها إن وجده ،أو دفعها إلى المام إن لم يجد ربّها ،أو
ردّها إلى مكانها إن أمره المام بذلك .
هذا بالنّسبة للضّوالّ الّتي بالصّحراء والممتنعة من صغار السّباع ،أمّا إن وجدت بقرية :
ن في العمران يضيع بامتداد اليد الخائنة
ح يجوز التقاطها للتّملّك ،ل ّ
فعند الشّافعيّة في الص ّ
إليه ،بخلف المفازة فإنّ طروقها ل يعمّ ،ومقابل الصحّ :المنع لطلق الحديث ،ولم
يفرّق الحنابلة في الحكم بين الصّحراء وغيرها .
-أمّا الضّوالّ الّتي ل تمتنع من صغار السّباع -كالشّاة والفصيل -فإنّه يجوز 4
ضَبّ *
انظر :أطعمة
ضبّة *
َ
انظر :آنية
ضَبْع *
انظر :أطعمة
ضُحَى *
انظر :صلة الضّحى
ضَحِك *
التّعريف :
-الضّحك في اللّغة :مصدر :ضحِك بكسر الحاء ،والضّحك :انبساط الوجه ،وبدوّ 1
السنان من السّرور ،والتّبسّم مبادئ الضّحك ،ويستعمل في السّرور المجرّد ،نحو قوله
ح َكةٌ ّمسْتَ ْبشِرَةٌ } ،واستعمل للتّعجّب المجرّد .
سفِرَةٌ ،ضَا ِ
تعالى ُ { :وجُوهٌ َي ْومَئِذٍ ّم ْ
ول يخرج التّعريف الصطلحيّ عن التّعريف اللّغويّ ،وقد حدّه بعض الفقهاء :بأنّه ما
يكون مسموعا له ل لجيرانه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القهقهة :
-في اللّغة :قهقه :أي رجّع في ضحكه ،أو اشتدّ ضحكه . 2
العلماء ،بل كان من فعله صلى ال عليه وسلم وقد حثّ عليه صلى ال عليه وسلم فقد
ورد من حديث عبد اللّه بن الحارث رضي ال عنه أنّه قال » :ما كان ضحك رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم إلّ تبسّما « .
وقال الرّسول صلى ال عليه وسلم » :تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة « .
وأمّا الضّحك قهقهةً فقد كرهه الفقهاء ونهوا عن كثرته ،فقد قال صلى ال عليه وسلم :
ن كثرة الضّحك تميت القلب « .
» ل تكثروا الضّحك ،فإ ّ
ي :ضحك المؤمن من غفلته يعني غفلته عن أمر الخرة ،ولول غفلته لما
وقال ثابت البنان ّ
ضحك .
الضّحك داخل الصّلة :
-الضّحك بصوت ،يفسد الصّلة عند جمهور الفقهاء إن ظهر حرفان فأكثر ،أو حرف 5
مفهم من المصلّي ،فالبطلن فيها من جهة الكلم المشتملة عليه ،والكلم في الصّلة
مبطل لها .
والمقابل للصحّ عند الشّافعيّة :أنّها ل تبطل بذلك مطلقا ،لكونه ل يسمّى في اللّغة كلما ،
ول يتبيّن منه حرف محقّق ،فكان شبيها بالصّوت الغفل .
أمّا الضّحك بغير صوت وهو التّبسّم ،فل تفسد الصّلة به عند جمهور الفقهاء لنّه لم
يحدث فيها كلم ،ولما روي عن جابر رضي ال عنه قال » :بينما كنّا نصلّي مع رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم في غزوة بدر إذ تبسّم في صلته ،فلمّا قضى الصّلة قلنا :يا
رسول اللّه رأيناك تبسّمت .قال :م ّر بي ميكائيل وعلى جناحه أثر غبار وهو راجع من
طلب القوم ،فضحك إليّ ،فتبسّمت إليه « .
ي ،من المالكيّة الضّحك إلى وجهين :بغير صوت ،وهو التّبسّم ،
وقد قسّم القفهس ّ
وبصوت ،وهو المراد بقول الرّسالة :ومن ضحك في الصّلة أعادها ولم يعد الوضوء .
وقال أصبغ كذلك :ل شيء عليه في التّبسّم ،إلّ الفاحش منه شبيه بالضّحك ،فأحبّ إليّ
أن يعيد في عمده ،ويسجد في سهوه .
ضرَاب الفَحْل *
ِ
انظر :عسب الفحل
ضرَار *
ِ
انظر :ضرر
ضرْب *
َ
التّعريف :
-يطلق الضّرب لغةً :على معان منها :الصابة باليد ،أو السّوط ،أو بغيرهما ،يقال : 1
ضربه بيده أو بالسّوط يضربه ضربا :عله به ،والسّير في الرض ابتغاء الرّزق ،أو
الغزو في سبيل اللّه ،وصياغة النّقود ،وطبعها ،وتضعيف أحد العددين بالخر ،ومعان
ف.
أخرى ،منها ضرب الدّ ّ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للضّرب عن هذه المعاني اللّغويّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّأديب :
-التّأديب مصدر أدّبه تأديبا :إذا عاقبه على إساءته بالضّرب ،أو بغيره . 2
ب -التّعزير :
ي في كلّ معصية ليس فيها
-التّعزير :عقوبة غير مقدّرة شرعا تجب حقّا للّه أو لدم ّ 3
فالضّرب بالسّوط أو اليد ،أو بغيرهما :يختلف باختلف سببه ،وتعتريه الحكام التّالية :
فتارةً يكون حراما ،كضرب البريء ،وتارةً يكون واجبا ،كضرب شارب المسكر ،
والزّاني غير المحصن لقامة الحدّ عليهما ،وضرب القاذف بطلب المقذوف ،باتّفاق
الفقهاء ،وبدون طلبه -أيضا -عند بعضهم ،وضرب ابن عشر سنين لترك الصّلة ،
ونحوها .وتارةً يكون جائزا كضرب الزّوج زوجته لحقّه ،كالنّشوز وغيره ،وضرب المعلّم
الصّبيّ للتّعليم ،وضرب السّلطان من ارتكب محظورا ل ح ّد فيه ،ول كفّارة ،على خلف
بين الفقهاء في الوجوب والجواز .
). 14 ،تأديب ف ، 8تعزير ف 31 والتّفصيل :في مصطلحات ( :حدود ف
أداة الضّرب :
ن الضّرب في الحدود يكون بالسّوط إلّ ح ّد الشّرب ،فقد
-ل خلف بين الفقهاء في أ ّ 6
اختلفوا فيه ،فذهب بعضهم إلى أنّه يضرب بالسّوط ،كما يضرب أيضا بالنّعال واليدي ،
وأطراف الثّياب ،واستدلّوا بما ورد من حديث أبي هريرة قال » :أتي النّبيّ صلى ال عليه
وسلم بسكران فأمر بضربه ،فمنّا من يضربه بيده ،ومنّا من يضربه بنعله ،ومنّا من
يضربه بثوبه « .
وذهب آخرون إلى أنّه يتعيّن السّوط ،وقالوا :يفهم من إطلق الجلد الضّرب بالسّوط ،
ولنّه صلى ال عليه وسلم جلد في الخمر .
كما أمر اللّه بجلد الزّاني ،فكان بالسّوط مثله والخلفاء الرّاشدون ضربوا بالسّوط فكان ذلك
إجماعا .
ي في التّأديب
أمّا الضّرب للتّعزير ،أو التّأديب فيكون بالسّوط ،واليد ،وأمّا ضرب الصّب ّ
ي الضّرب بسوط ونحوه وإنّما يضرب بيد ،ول يجاوز ثلثا ،وكذا المعلّم
فليس للول ّ
والوصيّ لقوله صلى ال عليه وسلم لمرداس المعلّم » :إيّاك أن تضرب فوق الثّلث ،فإنّك
ص اللّه منك « .
إن ضربت فوق ثلث اقت ّ
،وتأديب ف . ) 8 14 ،وتعزير ف 31 والتّفصيل في مصطلح ( :شرب ،وحدود ف
صفة سوط الضّرب :
-يكون سوط الضّرب في الحدود والتّعازير وسطا بين قضيب ،وعصا ،ورطب ، 7
ويابس ،لما روي » :أنّ رجلً اعترف على نفسه بالزّنا في عهد رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم فدعا له رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال :فوق
هذا ،فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال :دون هذا ،فأتي بسوط قد ركب به ولن ،
فأمر به رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فجلد « .
ن المقصود تأديبه ،ل
وكذلك الضّرب يكون وسطا ل شديدا فيقتل ،ول ضعيفا فل يردع ،ل ّ
قتله .
كيفيّة الضّرب :
-يفرّق الضّرب على العضاء ،فل يجمع على عضو واحد ،ويتّقي المقاتل ،كالوجه ، 8
أن يكون الضّرب غير مبرّح ،ول مدم ،وأن يتوقّى الوجه ،والماكن المخيفة ،ول
ق اللّه عند جمهور الفقهاء ،كترك
يضربها إلّ لما يتعلّق بحقّه كالنّشوز ،فل يضربها لح ّ
الصّلة .
( ر :نشوز ) .
ضرب الدّراهم :
-ضرب الدّراهم من المصالح العامّة المنوطة بالمام فليس للفراد ضربها ،لما يترتّب 10
على ذلك من مخاطر الغشّ ،ومنع المام أحمد من الضّرب بغير إذن المام ،لما في ذلك
من الفتيات عليه .
والتّفصيل في مصطلح ( :دراهم ف . ) 7
ضرب ال ّدفّ :
ف لعرس وختان وعيد ممّا هو سبب لظهار الفرح ،لحديث عائشة
-يجوز ضرب الدّ ّ 11
رضي ال عنها قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أعلنوا هذا النّكاح ،
واجعلوه في المساجد ،واضربوا عليه الدّفوف « .
ي اللّه صلى
وعن عائشة رضي ال عنها » :أنّها زفّت امرأةً إلى رجل من النصار فقال نب ّ
ن النصار يعجبهم اللّهو « .
ال عليه وسلم :يا عائشة ما كان معكم لهو ؟ فإ ّ
وحديث » :فصل ما بين الحلل والحرام الدّفّ ،والصّوت « .
ن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيّام منىً :
وعن عائشة رضي ال عنها » :أ ّ
تدفّفان وتضربان ،والنّبيّ صلى ال عليه وسلم متغشّ بثوبه ،فانتهرهما أبو بكر ،فكشف
النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن وجهه ،فقال :دعهما يا أبا بكر ،فإنّها أيّام عيد « .
والتّفصيل في ( :لهو ،وليمة ،عرس ) .
ضرَر *
َ
التّعريف :
-الضّرر :اسم من الضّرّ ،وقد أطلق على كلّ نقص يدخل العيان ،والضّ ّر -بفتح 1
الضّاد -لغةً :ض ّد النّفع ،وهو النّقصان ،يقال :ضرّه يضرّه إذا فعل به مكروها وأضرّ
به ،يتعدّى بنفسه ثلثيّا وبالباء رباعيّا .
ضمّ ،وما كان ضدّ
ضرّ بال ّ
ي :كلّ ما كان سوء حال وفقر وشدّة في بدن فهو ُ
قال الزهر ّ
النّفع فهو بفتحها .
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ الضّرر عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التلف :
-التلف في اللّغة :الفناء يقال :تلف المال يتلف إذا هلك ،وأتلفه :أفناه ،وهو في 2
اصطلح الفقهاء :إخراج الشّيء من أن يكون منتفعا به منفعةً مطلوب ًة منه عاد ًة .
فهو في اللّغة ل يطلق إلّ على ما أصابه العدم ،فإذا تعطّل الشّيء ولم يمكن النتفاع به
عاد ًة كان تالفا لدى الفقهاء دون اللّغويّين ،وعلى هذا فالتلف نوع من الضّرر وبينهما
عموم وخصوص وجهيّ .
ب -العتداء :
-العتداء في اللّغة وفي الصطلح :الظّلم وتجاوز الحدّ يقال :اعتدى عليه إذا ظلمه ، 3
ق.
واعتدى على حقّه أي جاوز إليه بغير ح ّ
وعلى هذا فالعتداء نوع من أنواع الضّرر وفرع عنه .
الحكم التّكليفيّ :
-الصل تحريم سائر أنواع الضّرر إلّ بدليل ،وتزداد حرمته كلّما زادت شدّته ،وقد 4
أهمّيّة بالغة في استقرار العلقات بين النّاس ،وقعّدوا لذلك مجموعةً من القواعد الفقهيّة
الكلّيّة تضبطه ،وتوضّح معالمه العامّة وتنظّم آثاره ،وأهمّ هذه القواعد هي :
الضّرر يزال :
ي صلى ال عليه وسلم » :ل ضرر ول ضرار « ويبتنى
-أصل هذه القاعدة قول النّب ّ 6
على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه فمن ذلك الرّدّ بالعيب ،وجميع أنواع الخيارات ،
والحجر بسائر أنواعه ،والشّفعة ،وما إلى ذلك .
ويتعلّق بهذه القاعدة قواعد :
-الولى :الضّرورات تبيح المحظورات : 7
ومن ثمّ جاز أكل الميتة عند المخمصة وإساغة اللّقمة بالخمر .
وزاد الشّافعيّة على هذه القاعدة " :بشرط عدم نقصانها عنها " .
-8الثّانية :ما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها :
ومن فروعها :المضطرّ ل يأكل من الميتة إلّ قدر سدّ الرّمق ،والطّعام في دار الحرب
يؤخذ على سبيل الحاجة ،لنّه إنّما أبيح للضّرورة ،قال في الكنز :وينتفع فيها بعلف
وطعام وحطب وسلح ودهن بل قسمة ،وبعد الخروج منها ل ينتفع بها وما فضل ر ّد إلى
الغنيمة .وللتّفصيل ( :ر :ضرورة ) .
الضّرر ل يزال بمثله :
ن الضّرر مهما كان واجب الزالة ،
-9هذه القاعدة مقيّدة لقاعدة " الضّرر يزال " بمعنى أ ّ
فإزالته إمّا بل ضرر أصلً أو بضرر أخفّ منه ،كما هو مقتضى قاعدة " الضّرر الشدّ يزال
بالخفّ " وأمّا إزالة الضّرر بضرر مثله أو أشدّ فل يجوز ،وهذا غير جائز عقلً -أيضا -
لنّ السّعي في إزالته بمثله عبث .
ن هذا إزالة
ومن فروع هذه القاعدة ما لو أكره على قتل المسلم بالقتل مثلً ل يجوز ل ّ
الضّرر بضرر مثله ،بخلف أكل ماله فإنّه إزالة الضّرر بما هو أخفّ .
ومنها لو ابتلعت دجاجة لؤلؤةً ،أو أدخل البقر رأسه في قدر ،أو أودع فصيلً فكبر في
بيت المودع ولم يمكن إخراجه إلّ بهدم الجدار ،أو كسر القدر ،أو ذبح الدّجاجة ،يضمن
ن الضّرر الشدّ يزال بالخفّ .
صاحب الكثر قيمة القلّ ،لنّ الصل أ ّ
يتحمّل الضّرر الخاصّ لدفع الضّرر العامّ :
-هذه القاعدة مقيّدة لقاعدة " الضّرر ل يزال بمثله " أي ل يزال الضّرر بالضّرر إلّ إذا 10
كان أحدهما عامّا والخر خاصّا ،فيتحمّل حينئذ الضّرر الخاصّ لدفع الضّرر العامّ .
وهذه قاعدة مهمّة من قواعد الشّرع مبنيّة على المقاصد الشّرعيّة في مصالح العباد
ي نقلً عن الغزاليّ :إنّ
استخرجها المجتهدون من الجماع ومعقول النّصوص ،قال التاس ّ
الشّرع إنّما جاء ليحفظ على النّاس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم ،فك ّل ما
يكون بعكس هذا فهو مضرّة يجب إزالتها ما أمكن وإلّ فتأييدا لمقاصد الشّرع يدفع في هذا
السّبيل الضّرر العمّ بالضّرر الخصّ .
إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفّهما :
-هذه القاعدة وقاعدة " الضّرر الشدّ يزال بالخفّ " وقاعدة " يختار أهون الشّرّين " 11
متّحدات والمسمّى واحد وإن اختلف التّعبير وما يتفرّع عليها يتفرّع على أختيها .
ق بطن الميتة لخراج الولد إذا كانت ترجى حياته .
ومن فروعها جواز ش ّ
استعمال الحقّ بالنّظر إلى ما يؤوّل إليه من أضرار :
-يقول الشّاطبيّ :جلب المصلحة أو دفع المفسدة إذا كان مأذونا فيه على ضربين : 12
على قول جمهور الفقهاء ،لقوله تعالى َ { :ل تُضَآ ّر وَالِدَةٌ ِبوَلَ ِدهَا } والمنع من إرضاع
ولدها مضارّة لها .
وقيل :إن كانت المّ في حبال الزّوج فله منعها من إرضاع ولدها إلّ أن ل يمكن ارتضاعه
من غيرها ،ولكن إنّما يجوز له ذلك إذا كان قصد الزّوج به توفير الزّوجة للستمتاع ،ل
مجرّد إدخال الضّرر عليها ،ويلزم الب إجابة طلب المطلّقة في إرضاع ولدها ما لم تطلب
زياد ًة على أجرة مثلها ،أمّا إن طلبت زيادةً على أجرة مثلها زيادةً كبير ًة ،ووجد الب من
يرضعه بأجرة المثل لم يلزم الب إجابتها إلى ما طلبت ،لنّها تقصد المضارّة .
وللتّفصيل ( :ر :رضاع ) .
الضرار في البيع :
-من أمثلة الضّرر في البيوع بيع الرّجل على بيع أخيه ،والسّوم والشّراء على شراء 17
أخيه ،والنّجش وتلقّي الجلب أو الرّكبان ،وبيع الحاضر للبادي ،وبيع المضطرّ .
). 132 - 100 وينظر أحكام هذه البيوع في ( بيع منهيّ عنه :ف
-وممّا يندرج في القسم الثّاني حسب تقسيمات الشّاطبيّ : 18
استعمال صاحب الحقّ حقّه لتحقيق مصلحة مشروعة له على وجه يتضرّر منه غيره .
يقول الشّاطبيّ :لكن يبقى النّظر في العمل الّذي اجتمع فيه قصد نفع النّفس ،وقصد إضرار
الغير هل يمنع منه فيصير غير مأذون فيه ،أم يبقى على حكمه الصليّ من الذن ويكون
عليه إثم ما قصد ؟ هذا ممّا يتصوّر فيه الخلف على الجملة ،وهو جار في مسألة الصّلة
في الدّار المغصوبة مع ذلك فيحتمل الجتهاد فيه .
وهو أنّه إمّا أن يكون إذا رفع ذلك العمل وانتقل إلى وجه آخر في استجلب تلك المصلحة ،
أو درء تلك المفسدة جعل له ما أراد أو ل ،فإن كان كذلك فل إشكال في منعه منه ،لنّه لم
يقصد غير الضرار ،وإن لم يكن محيص عن تلك الجهة الّتي يستض ّر منها الغير ،فحقّ
الجالب أو الدّافع مقدّم وهو ممنوع من قصد الضرار ،ول يقال :إنّ هذا تكليف بما ل
يطاق ،فإنّه إنّما كلّف بنفي قصد الضرار وهو داخل تحت الكسب ل بنفي الضرار بعينه .
-ومن فروع هذا النّوع ما ذكره التّسوّليّ ،فيمن أراد أن يحفر بئرا في ملكه ويضرّ 19
بجدار جاره ،وأمّا إن وجد عنه مندوح ًة ولم يتضرّر بترك حفره فل يمكّن من حفره
لتمحّض إضراره بجاره حينئذ .
ومذهب الحنابلة ومتأخّري الحنفيّة قريب من مذهب المالكيّة في هذا الصّدد ،إذ هم يقيّدون
حقّ المالك في التّصرّف بملكه بما يمنع الضرار الفاحش عن جاره فقد جاء في المغني :
ليس للجار التّصرّف في ملكه تصرّفا يضرّ بجاره ،نحو أن يبني فيه حمّاما بين الدّور ،أو
يفتح خبّازا بين العطّارين .
والزّيلعيّ من الحنفيّة يقرّر هذا المعنى ويقول :إنّ للنسان أن يتصرّف في ملكه ما شاء
من التّصرّفات ما لم يض ّر بغيره ضررا ظاهرا ،ولو أراد بناء تنّور في داره للخبز الدّائم ،
كما يكون في الدّكاكين ،أو رحا للطّحن ،أو مدقّات للقصّارين لم يجز ،لنّ ذلك يضرّ
بالجيران ضررا ظاهرا فاحشا ل يمكن التّحرّز منه ،والقياس أنّه يجوز لنّه تصرّف في
ملكه ،وترك ذلك استحسانا لجل المصلحة .
القسم الثّالث :لحوق الضّرر بجالب المصلحة أو دافع المفسدة عند منعه من
استعمال حقّه :
-هذا ل يخلو أن يلزم من منعه الضرار به بحيث ل ينجبر أوّلً ،فإن لزم قدّم حقّه 20
للمحاربين وللكفّار في فداء السرى ،ولمانعي الحاجّ حتّى يؤدّوا خراجا ،ك ّل ذلك انتفاع
أو دفع ضرر بتمكين من المعصية ،ومن ذلك طلب فضيلة الجهاد ،مع أنّه تعرّض لموت
الكافر على الكفر ،أو قتل الكافر المسلم ،بل قال عليه الصلة والسلم » :والّذي نفسي
بيده لوددت أنّي أقتل في سبيل اللّه ثمّ أحيا ثمّ أقتل « ولزم ذلك دخول قاتله النّار ،وقول
أحد ابني آدم { :إِنّي أُرِيدُ أَن تَبُو َء بِإِ ْثمِي َوإِ ْثمِكَ } .
ن ذلك كلّه
بل العقوبات كلّها جلب مصلحة أو درء مفسدة يلزم عنها إضرار الغير ،إلّ أ ّ
ن جانب الجالب
إلغاء لجانب المفسدة لنّها غير مقصودة للشّارع في شرع هذه الحكام ،ول ّ
والدّافع أولى .
القسم الخامس :التّصرّف المفضي إلى المفسدة قطعا :
-المفروض في هذا الوجه أنّه ل يلحق الجالب للمصلحة أو الدّافع للمفسدة ضرر ، 22
ن الصل الباحة والذن فظاهر ،وأمّا أنّ الضّرر والمفسدة تلحق ظنّا فهل
الخلف ،أمّا أ ّ
ن مجرى العلم فيمنع من الوجهين المذكورين أم ل ،لجواز تخلّفهما وإن كان
يجري الظّ ّ
ن هو الرجح ،ول يلتفت إلى أصل الذن والباحة لمور :
التّخلّف نادرا ؟ لكن اعتبار الظّ ّ
ن الظّنّ في أبواب العمليّات جار مجرى العلم فالظّاهر جريانه هنا .
أحدها :أ ّ
ن الّلهِ فَ َيسُبّواْ الّلهَ عَدْوا ِبغَيْرِ
ن مِن دُو ِ
ن يَدْعُو َ
والثّاني :قوله تعالى َ { :ولَ َتسُبّواْ الّذِي َ
ب غيظا وحم ّيةً للّه وإهان ًة للهتهم
ب آلهة المشركين مع كون السّ ّ
عِ ْلمٍ } فحرّم اللّه تعالى س ّ
،لكونه ذريعةً إلى سبّهم للّه تعالى وكانت مصلحة ترك مسبّته تعالى أرجح من مصلحة
سبّنا للهتهم ،وهذا كالتّنبيه بل كالتّصريح على المنع من الجائز لئلّ يكون سببا في فعل ما
ل يجوز .
القسم الثّامن :التّصرّف المؤدّي إلى المفسدة كثيرا :
-إذا كان أداء التّصرّف إلى المفسدة كثيرا ل غالبا ول نادرا ،فهو موضع نظر 25
في رمضان ،وترك ركعتين من الصّلة لدفع ضرورة السّفر ،وكذلك يستعمل المحرّم لدفع
الضّرر كأكل الميتة لدفع ضرر التّلف ،وتساغ الغصّة بشرب الخمر كذلك ،وذلك كلّه لتعيّن
الواجب أو المحرّم طريقا لدفع الضّرر .
أمّا إذا أمكن تحصيل الواجب ،أو ترك المحرّم مع دفع الضّرر بطريق آخر من المندوبات
أو المكروهات فل يتعيّن ترك الواجب ول فعل المحرّم ،ولذلك ل يترك الغسل بالماء ،ول
القيام في الصّلة ول السّجود لدفع الضّرر واللم والمرض ،إلّ لتعيّنه طريقا لدفع ذلك
الضّرر ،وهذا كلّه قياس مطّرد .
وجوب دفع الضّرر :
ي :يجب قطع الصّلة لغاثة ملهوف وغريق وحريق ويقول ابن عابدين:
-قال الحصكف ّ 27
المصلّي متى سمع أحدا يستغيث وإن لم يقصده بالنّداء ،أو كان أجنبيّا وإن لم يعلم ما حلّ
به ،أو علم وكان له قدرة على إغاثته قطع الصّلة فرضا كانت أو غيره .
وفي الجملة يجب إغاثة المضطرّ بإنقاذه من ك ّل ما يعرّضه للهلك من غرق أو حرق ،فإن
كان قادرا على ذلك دون غيره وجبت العانة عليه وجوبا عينيّا ،وإن كان ثمّ غيره كان
ذلك واجبا كفائيّا على القادرين ،فإن قام به أحد سقط عن الباقين وإلّ أثموا جميعا .
وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء ،وإنّما اختلفوا في تضمين من امتنع عن دفع الضّرر عن
ن كلّ من رأى إنسانا في مهلكة فلم
المضطرّ مع قدرته على ذلك ،فيرى أكثر الفقهاء أ ّ
ينجّه منها مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه ،وقد أساء ،لنّه لم يهلكه ،ولم يكن سببا
في هلكه كما لو لم يعلم بحاله .
وذهب المالكيّة وأبو الخطّاب من الحنابلة إلى أنّ الممتنع مع القدرة يلزمه الضّمان ،لنّه لم
ينجّه من الهلك مع إمكانه ،فيضمنه كما لو منعه الطّعام والشّراب .
والتّفصيل في ( :ضمان ) .
الحجر لدفع الضّرر :
-يحجر على بعض النّاس الّذين تكون مضرّتهم عا ّم ًة ،كالطّبيب الجاهل ،والمفتي 28
فالزّوجة بالخيار إن شاءت صبرت وأنفقت على نفسها من مالها أو ممّا اقترضته ،وإن
شاءت رفعت أمرها إلى القاضي وطلبت فسخ نكاحها .
ي وأبي هريرة ،وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن وعمر
وروي نحو ذلك عن عمر وعل ّ
بن عبد العزيز وربيعة وحمّاد ويحيى القطّان وعبد الرّحمن بن مهديّ وإسحاق وأبو عبيد
وأبو ثور .
ن من أعسر بنفقة امرأته لم يفرّق بينهما ،
ويرى الحنفيّة وعطاء والزّهريّ وابن شبرمة أ ّ
ويقال لها :استديني .
ولمعرفة أحكام الفرقة بسبب ضرر فقد الزّوج أو غيبته ( ر :مفقود ،غيبة ،وفسخ ،
وطلق ) .
ضرّة *
َ
انظر :قسم بين الزّوجات
ضرْس *
ِ
انظر :سنّ
ضرُورَة *
َ
التّعريف :
-الضّرورة في اللّغة :اسم من الضطرار ،والضطرار :الحتياج الشّديد .تقول : 1
حملتني الضّرورة على كذا وكذا ،وقد اضطرّ فلن إلى كذا وكذا .
وعرّفها الجرجانيّ :بأنّها النّازل ممّا ل مدفع له .
وهي عند الفقهاء :بلوغ النسان حدّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ،كالمضطرّ
للكل واللّبس بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات ،أو تلف منه عضو ،وهذا يبيح تناول
المحرّم.
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الحاجة :
-الحاجة في اللّغة :تطلق على الفتقار ،وعلى ما يفتقر إليه . 2
واصطلحا :هي -كما عرّفها الشّاطبيّ -ما يفتقر إليه من حيث التّوسعة ،ورفع الضّيق
المؤدّي -في الغالب -إلى الحرج والمشقّة اللحقة بفوت المطلوب ،فإذا لم تراع دخل
على المكلّفين -على الجملة -الحرج والمشقّة .
قال الزّركشيّ وغيره :والحاجة كالجائع الّذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ،غير أنّه يكون
في جهد ومشقّة وهذا ل يبيح المحرّم .
والفرق بين الحاجة والضّرورة ،أنّ الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقّة فهي دون
الضّرورة ،ومرتبتها أدنى منها ول يتأتّى بفقدها الهلك .
ب -الحرج :
-الحرج في اللّغة :بمعنى الضّيق ،ويطلق عند الفقهاء على كلّ ما تسبّب في الضّيق ، 3
سواء أكان واقعا على البدن أم على النّفس أم عليهما معا .
والصّلة بين الضّرورة والحرج أنّ الضّرورة هي أعلى أنواع الحرج الموجبة للتّخفيف .
ج -العذر :
ص.
-العذر نوعان :عامّ ،وخا ّ 4
والعذر العامّ :هو الّذي يتعرّض له الشّخص غالبا في بعض الحوال كفقد الماء للمسافر ،
فيسقط قضاء الصّلة ،وقد يكون نادرا ،وهو إمّا أن يدوم كالحدث الدّائم والستحاضة
والسّلس ونحوه ،فيسقط القضاء أيضا ،أمّا النّادر الّذي ل يدوم ول بدل معه كفقد
الطّهورين ونحوه ،فيوجب القضاء عند بعض الفقهاء .
ص :فهو ما يطرأ للنسان أحيانا ،كالنشغال بأمر ما عن أداء الصّلة ،
وأمّا العذر الخا ّ
فهذا يوجب القضاء .
ن العذر نوع من المشقّة المخفّفة للحكام الشّرعيّة ،
والصّلة بين الضّرورة وبين العذر أ ّ
وهو أعمّ من الضّرورة .
د -الجائحة :
-5الجائحة في اللّغة :الشّدّة ،تجتاح المال من سنةً أو فتنة وهي مأخوذة من الجوح
بمعنى الستئصال والهلك ،يقال :جاحتهم الجائحة واجتاحتهم ،وجاح اللّه ماله وأجاحه
بمعنىً :أي أهلكه بالجائحة .
والجائحة قد تكون سببا للضّرورة .
هع – الكراه :
– الكراه لغةً :حمل الغير على شيء ل يرضاه ،يقال :أكرهت فلنا إكراها :حملته 6
أ -أن تكون الضّرورة قائم ًة ل منتظر ًة ،وتظهر هذه القاعدة في الفروع الفقهيّة المبنيّة
على الرّخص منها :
يشترط الفقهاء لتحقّق الكراه خوف المكره إيقاع ما هدّد به في الحال بغلبة ظنّه ،وبناءً
على هذا الشّرط فقول المكره " لقتلنك غدا " ليس بإكراه .
قال الشّيخ عميرة :لو كانت الحاجة غير ناجزة فهل يجوز الخذ لما عساه يطرأ ؟ الظّاهر
ل ،كاقتناء الكلب لما عساه يكون من الزّرع ونحوه .
يقول الشّاطبيّ :الصّواب الوقوف مع أصل العزيمة ،إلّ في المشقّة المخلّة الفادحة فإنّ
الصّبر أولى ،ما لم يؤدّ ذلك إلى دخل في عقل النسان أو دينه ،وحقيقة ذلك أن ل يقدر
ن المشقّة الفادحة
على الصّبر ،لنّه ل يؤمر بالصّبر إلّ من يطيقه ،فأنت ترى بالستقراء أ ّ
ن التّوهّم غير صادق في كثير من الحوال
ل يلحق بها توهّمها ،بل حكمها أخفّ بناءً على أ ّ
فإذا :ليست المشقّة بحقيقيّة ،والمشقّة الحقيقيّة هي العلّة الموضوعة للرّخصة فإذا لم
توجد كان الحكم غير لزم .
ب -أ ّل يكون لدفع الضّرورة وسيلة أخرى إلّ مخالفة الوامر والنّواهي الشّرعيّة قال أبو
ص َل َلكُم مّا حَ ّر َم عَلَ ْي ُكمْ ِإلّ مَا
بكر الجصّاص عند تفسيره لقول اللّه تعالى { :وَقَدْ فَ ّ
ضطُرِرْ ُتمْ إِلَ ْيهِ } :معنى الضّرورة -هنا : -هو خوف الضّرر على نفسه أو بعض
ا ْ
أعضائه بتركه الكل وقد انطوى تحته معنيان :
أحدهما :أن يحصل في موضع ل يجد غير الميتة .
والثّاني :أن يكون غيرها موجودا ،ولكنّه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو
تلف بعض أعضائه ،وكل المعنيين مراد بالية عندنا .
ج -يجب على المضطرّ مراعاة قدر الضّرورة ،لنّ ما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها ،
ن المضطرّ ل يأكل من الميتة إلّ قدر سدّ
وتفريعا على هذا الصل قرّر جمهور الفقهاء أ ّ
الرّمق .
د -يجب على المضطرّ أن يراعي عند دفع الضّرورة مبدأ درء الفسد فالفسد ،والرذل
فالرذل ،فمن أكره على قتل مسلم بحيث لو امتنع منه قتل يلزمه أن يدرأ مفسدة القتل
بالصّبر على القتل ،لنّ صبره على القتل أقلّ مفسدةً من إقدامه عليه ،وإن قدر على دفع
المكروه بسبب من السباب لزمه ذلك ،لقدرته على درء المفسدة ،وإنّما قدّم درء القتل
بالصّبر ،لجماع العلماء على تحريم القتل ،واختلفهم في الستسلم للقتل فوجب تقديم
درء المفسدة المجمع على وجوب درئها على درء المفسدة المختلف في وجوب درئها .
هع – ألّ يقدم المضط ّر على فعل ل يحتمل الرّخصة بحال .
قال ابن عابدين :الكراه على المعاصي أنواع :
ي صلى ال عليه
نوع يرخّص له فعله ويثاب على تركه ،كإجراء كلمة الكفر ،وشتم النّب ّ
وسلم وترك الصّلة ،وكلّ ما يثبت بالكتاب .
ونوع يحرم فعله ويأثم بإتيانه كالزّنى وقتل مسلم ،أو قطع عضوه ،أو ضربه ضربا
متلفا ،أو شتمه أو أذيّته .
وللتّفصيل في أقسام الرّخصة والحكام المتعلّقة بها ( ر :مصطلح :رخصة ) .
حالت الضّرورة :
ن أهمّ حالت الضّرورة عبارة عن :
-بتتبّع عبارات الفقهاء والمفسّرين يتبيّن أ ّ 9
إلّ أنّهم اختلفوا في المقصود بإباحة الميتة ،ومقدار ما يأكله المضط ّر من الميتة ونحوها ،
وتفصيل المحرّمات الّتي تبيحها الضّرورة وترتيبها عند التّعدّد ،وأثر الضّرورة في رفع
حرمة الميتة ونحوها ،وفيما يلي تفصيل هذه المسائل الخلفيّة :
أ -الميتة :
إذا كان للمضطرّ أكل الميتة ونحوها في حالة الضطرار ،سواء كان هذا الضطرار بجوع
أو عطش في مخمصة ،أو بإكراه من ظالم ،فهل يجب عليه تناولها أم يجوز له المتناع
من الكل حتّى يموت ؟ .
ذهب الحنفيّة – في ظاهر الرّواية – والمالكيّة والشّافعيّة – في أحد الوجهين – والحنابلة
-على الصّحيح من المذهب – إلى أنّ المضط ّر يجب عليه أكل الميتة .
ن الّذي يخاف الهلك من الجوع والعطش إذا وجد ميتةً أو لحم خنزير أو دما فلم
وقالوا :إ ّ
ن ذلك يسعه كان آثما ،قال اللّه سبحانه وتعالى :
يأكل ولم يشرب حتّى مات وهو يعلم أ ّ
ك أنّ الّذي يترك تناول الميتة ونحوها حتّى يموت
{ َو َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } ،ول ش ّ
ن الكفّ عن التّناول فعل منسوب إلى النسان ،
ل لنفسه ملقيا بها إلى التّهلكة ،ل ّ
يعتبر قات ً
ولنّه قادر على إحياء نفسه بما أحلّه اللّه له ،فلزمه كما لو كان معه طعام حلل .
ن المضطرّ
وقال كلّ من الحنابلة والشّافعيّة -في وجه -وأبو يوسف -في رواية عنه -إ ّ
يباح له أكل الميتة ،ول يلزمه ،فلو امتنع عن التّناول في حالة الضّرورة ومات .فل إثم
ول حرج عليه ،لما روي عن عبد اللّه بن حذافة السّهميّ صاحب رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم :أنّ طاغية الرّوم حبسه في بيع ،وجعل معه خمرا ممزوجا بماء ولحم خنزير
مشويّ ثلثة أيّام ،فلم يأكل ولم يشرب ،حتّى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا
موته ،فأخرجوه فقال :قد كان اللّه أحلّه لي لنّي مضط ّر ولكن لم أكن لشمّتك بدين السلم
.
ولنّ إباحة الكل رخصة فل تجب عليه ،كسائر الرّخص ،ولنّ له غرضا في اجتناب
النّجاسة والخذ بالعزيمة وربّما لم تطب نفسه بتناول الميتة وفارق ،الحلل في الصل من
هذه الوجوه .
مقدار ما يأكله المضطرّ من الميتة ونحوها :
اتّفق الفقهاء على أنّ المضطرّ يباح له أكل ما يسدّ الرّمق ويأمن معه الموت ،كما اتّفقوا
على أنّه يحرم ما زاد على الشّبع ،واختلفوا في الشّبع :
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة -في الظهر عندهم -والحنابلة -في أظهر الرّوايتين -وابن
الماجشون ،وابن حبيب من المالكيّة :إلى أنّ المضط ّر ل يأكل من الميتة إلّ قدر سدّ
ضطُرّ غَ ْيرَ بَاغٍ َو َل عَادٍ فَل إِ ْثمَ عَلَ ْيهِ } دلّت
نا ْ
الرّمق ،ول يباح له الشّبع ،لنّ آية َ { :فمَ ِ
على تحريم الميتة ،واستثنت ما اضطرّ إليه ،فإذا اندفعت الضّرورة لم يحلّ له الكل
ن بعد سدّ رمقه كحاله قبل أن يضط ّر ،وثمّ لم يبح له الكل كذا هاهنا .
للية ،يحقّقه أ ّ
وقال المالكيّة على المعتمد عندهم ،والشّافعيّة في قول ،والحنابلة في الرّواية الثّانية :إنّ
ل نزل الحرّة
المضطرّ يباح له الشّبع لطلق الية ،ولما روى جابر بن سمرة » :أنّ رج ً
فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته :اسلخها حتّى نقدّد شحمها ولحمها ونأكله ،فقال :حتّى
أسأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فسأله فقال :هل عندك غنىً يغنيك ؟ قال :ل ،قال
:فكلوها « ولم يفرّق .
ن الضّرورة ترفع التّحريم فيعود
ولنّ ما جاز سدّ الرّمق منه جاز الشّبع منه كالمباح ،ول ّ
مباحا ،ومقدار الضّرورة إنّما هو من حالة عدم القوت إلى حالة وجوده حتّى يجد .
قال ابن قدامة :يحتمل أن يفرّق بين ما إذا كانت الضّرورة مستمرّةً وبين ما إذا كانت
مرجوّة الزّوال ،فما كانت مستمرّةً كحالة العرابيّ الّذي سأل رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم جاز الشّبع ،لنّه إذا اقتصر على سدّ الرّمق عادت الضّرورة إليه عن قرب ،ول
يتمكّن من البعد مخافة الضّرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه ،وربّما أدّى ذلك إلى
تلفه ،بخلف الّتي ليست مستمرّةً فإنّه يرجو الغنى عنها بما يحلّ .
ب -ذبح الحيوان غير المأكول للضّرورة :
كلّ حيوان حيّ من الحيوانات الّتي ل تؤكل يحلّ للمضطرّ قتله بذبح أو بغير ذبح ،للتّوصّل
إلى أكله .
قال الجصّاص عند تفسيره ليات الضّرورة :ذكر اللّه تعالى الضّرورة في هذه اليات ،
وأطلق الباحة في بعضها ،لوجود الضّرورة من غير شرط ول صفة ،وهو قوله تعالى :
ضطُرِرْ ُتمْ إِلَ ْيهِ } فاقتضى ذلك وجود الباحة بوجود
ص َل َلكُم مّا حَ ّر َم عَلَ ْي ُكمْ ِإلّ مَا ا ْ
{ وَقَدْ فَ ّ
الضّرورة في كلّ حال وجدت الضّرورة فيها .
ج -تناول ما حرّم من غير الحيوان :
تناول ما حرّم من غير الحيوان نوعان :
أحدهما :ما حرّم لكونه يقتل النسان إذا تناوله كالسّموم ،فإنّه ل تبيحه الضّرورة ،لنّ
تناوله استعجال للموت ،وقتل للنّفس ،وهو من أكبر الكبائر .
والخر :ما حرّم لنجاسته ويمثّل له الفقهاء بالتّرياق المشتمل على خمر ولحوم حيّات .
( ر :سمّ ) .
د -شرب الخمر لضرورة العطش والغصص :
ص بها عند جمهور الفقهاء .
يجوز للمضطرّ شرب الخمر إن لم يجد غيرها لساغة لقمة غ ّ
ويرى ابن عرفة من المالكيّة أنّ ضرورة الغصص تدرأ الحدّ ول تمنع الحرمة .
ن من
وأمّا شرب الخمر لدفع العطش فعند الحنفيّة والشّافعيّة على القول المقابل للصحّ أ ّ
خاف على نفسه من العطش يباح له أن يشرب الخمر كما يباح للمضطرّ تناول الميتة
والخنزير وقيّد الحنفيّة جواز شرب الخمر لضرورة العطش بقولهم :إن كانت الخمر تردّ
ذلك العطش .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة -على الصحّ عندهم -إلى تحريم شرب الخمر لدفع العطش .
هع – تناول المضطرّ لحم إنسان :
اتّفق الفقهاء على أنّ المضط ّر إن لم يجد إلّ آدميّا حيّا محقون الدّم لم يبح له قتله ،ول
إتلف عضو منه ،مسلما كان أو كافرا ،لنّه مثله ،فل يجوز أن يبقي نفسه بإتلفه .
واختلفوا فيما إذا وجد آدميّا معصوما ميّتا ،فأجاز بعض الحنفيّة والشّافعيّة على أصحّ
الطّريقين وأشهرهما أكله ،لنّ حرمة الحيّ أعظم .
ويرى المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة -في وجه -أنّ المضط ّر ليس له أكل ابن آدم ولو
ي صلى ال عليه وسلم » :كسر عظم الميّت ككسره حيّا « .
مات لقول النّب ّ
ي الميّت فل يجوز أن يأكل منه إلّ ما يسدّ الرّمق
قال الماورديّ :فإن جوّزنا الكل من الدم ّ
بل خلف ،حفظا للحرمتين .
ن الضّرورة تندفع بذلك ،وفي طبخه
قال :وليس للمضطرّ طبخه وشيّه ،بل يأكله نيئا ،ل ّ
هتك لحرمته ،فل يجوز القدام عليه ،بخلف سائر الميّتات ،فإنّ للمضطرّ أكلها نيئةً
ومطبوخةً .
ترتيب المحرّمات :
-إذا وجد المضطرّ ميت ًة -ونحوها -من محظورات الطعمة والشربة ووجد طعاما أو 11
الضّرورة ،فهل تصير مباح ًة ،أو تبقى على الحرمة ويرتفع الثم ؟
فذهب بعضهم :إلى أنّها ل تحلّ لكن يرخّص في الفعل إبقاءً للمهجة كما في الكراه على
ي.
الكفر ،وهو رواية عن أبي يوسف وأحد قولي الشّافع ّ
ن الحرمة ترتفع في هذه الحالة .
وذهب أكثر أصحابنا -الحنفيّة -إلى أ ّ
ثمّ ذكر للخلف فائدتين :
إحداهما :إذا صبر حتّى مات ل يكون آثما على الوّل بخلفه على الخر .
الثّانية :إذا حلف ل يأكل حراما فتناولها في حال الضّرورة يحنث على الوّل ول يحنث على
الثّاني .
ي).
وللتّفصيل ( :ر :رخصة ،والملحق الصول ّ
تناول المضطرّ الميتة في سفر المعصية :
-ذهب الشّافعيّة على المذهب والحنابلة والمالكيّة في قول إلى أنّه ليس للمضطرّ في 13
الولى :الضطرار إلى قتل نفسه ،كما تقدّم ،ويأتي في الدّفاع عن النّفس ،والخرى :
الضطرار إلى قتل غيره وبيانه فيما يلي :
ن من أكره على قتل غيره أنّه ل يجوز له القدام على قتله ،ول انتهاك
أجمع العلماء على أ ّ
حرمته بجلد أو غيره ،ويصبر على البلء الّذي نزل به ،ول يح ّل له أن يفدي نفسه بغيره،
ويسأل اللّه العافية في الدّنيا والخرة .
قال الصّاويّ المالكيّ :لو قال لك ظالم :إن لم تقتل فلنا أو تقطعه قتلتك ،فل يجوز ذلك
ويجب على من قيل له ذلك أن يرضى بقتل نفسه ويصبر .
وللفقهاء خلف وتفصيل فيمن يجب عليه القصاص عند وقوع القتل ،أو قطع العضو تحت
تأثير الكراه ينظر في ( :إكراه ،وقصاص ) .
القتل لضرورة الدّفاع :
إذا صال صائل على إنسان جاز له الدّفع ،وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء وإنّما اختلفوا في
وجوب الدّفع عن النّفس على المصول عليه .
فذهب الحنفيّة والمالكيّة -في أصحّ القولين -والشّافعيّة والحنابلة -في إحدى
الرّوايتين -إلى أنّه يجب على المصول عليه أن يدافع عن نفسه ،إلّ أنّ الشّافعيّة قيّدوا
وجوب دفع الصّائل بما إذا كان الصّائل كافرا أو بهيمةً .
ن المصول عليه ل يجب
ويرى المالكيّة -في قول -والحنابلة -في الرّواية الثّانية -أ ّ
عليه دفع الصّائل .
وللتّفصيل ( :ر :صيال ) .
الزّنى تحت تأثير الكراه :
يرى جمهور الفقهاء :أنّ الزّنى ل يباح ول يرخّص للرّجل بالكراه وإن كان تامّا ،ولو
فعل يأثم .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :إكراه وزنىً ) .
الحالة الرّابعة :الضطرار إلى أخذ مال الغير وإتلفه :
-إذا اضط ّر إنسان ولم يجد إلّ طعاما لغيره نظر :فإن كان صاحبه مضطرّا إليه فهو 17
أحقّ به ،ولم يجز لحد أخذه منه ،لنّه ساواه في الضّرورة وانفرد بالملك ،فأشبه غير
ق ،وإن لم يكن
حال الضّرورة ،وإن أخذه منه فمات لزمه ضمانه ،لنّه قتله بغير ح ّ
ي معصوم فلزمه
صاحبه مضطرّا إليه لزمه بذله للمضطرّ ،لنّه يتعلّق به إحياء نفس آدم ّ
بذلك ،كما يلزمه بذل منافعه وإنجاؤه من الغرق والحريق ،لنّ المتناع عن بذله إعانة
ي صلى ال عليه وسلم » :من أعان على قتل مؤمن
على قتل المضطرّ ،وقد قال النّب ّ
بشطر كلمة لقي اللّه ع ّز وجلّ مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه « .
فإن لم يبذل فللمضطرّ أخذه منه ،لنّه مستحقّ له دون مالكه ،فجاز له أخذه كغير ماله ،
فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه ،فإن قتل المضط ّر فهو شهيد وعلى قاتله
ضمانه ،وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه فهو هدر ،لنّه ظالم بقتاله فأشبه الصّائل ،إلّ أن
يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه ،لمكان الوصول إليه دونها .
وللفقهاء خلف وتفصيل في أثر الضطرار في إبطال حقّ الغير ينظر في ( :إتلف ،
وضمان ) .
إتلف مال الغير لضرورة إنقاذ السّفينة :
إذا أشرفت السّفينة على الغرق جاز إلقاء بعض أمتعتها في البحر ،ويجب اللقاء رجاء
نجاة الرّاكبين إذا خيف الهلك ،ويجب إلقاء ما ل روح فيه ،لتخليص ذي الرّوح ،ول
يجوز إلقاء الدّوابّ إذا أمكن دفع الغرق بغير الحيوان ،وإذا مسّت الحاجة إلى إلقاء الدّوابّ
ألقيت لنقاذ الدميّين ،والعبيد في ذلك كالحرار ،ول سبيل لطرح الدميّ بحال ذكرا كان
أو أنثى ،حرّا أو عبدا ،مسلما أو كافرا .
إتلف مال الغير تحت تأثير الكراه :
من أكره على إتلف مال مسلم بأمر يخاف على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن
يفعل ذلك .
وللفقهاء خلف وتفصيل فيمن يجب عليه الضّمان في هذه الحالة ينظر في ( :إكراه ،
وضمان ) .
الحالة الخامسة :الضطرار إلى قول الباطل :
النّطق بالكفر تحت تأثير الكراه :
-من أكره على الكفر حتّى خشى على نفسه القتل ل إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئنّ 18
باليمان ،ول تبين منه زوجته ،ول يحكم عليه بحكم الكفر ،وإن صبر حتّى قتل كان
شهيدا .
). 24 ،وإكراه ف 13 وللتّفصيل ( :ر :رخصة ف
الضطرار إلى الكذب :
يحلّ الكذب في أمور ثبتت بالسّنّة ،ففي حديث أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنّها سمعت
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهو يقول » :ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس ،
ويقول خيرا وينمي خيرا « .
قال ابن شهاب -أحد رواة هذا الحديث : -ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس
كذب إلّ في ثلث :الحرب والصلح بين النّاس ،وحديث الرّجل امرأته وحديث المرأة
زوجها .
قال العزّ بن عبد السّلم :والتّحقيق أنّ الكذب يصير مأذونا فيه ويثاب على المصلحة الّتي
تضمّنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الموال والبضاع والرواح .
الضطرار إلى التّقيّة :
ق.
تجوز التّقيّة عند الضطرار إليها دفعا لتلف النّفس بغير وجه ح ّ
قال السّرخسيّ :ل بأس باستعمال التّقيّة وإنّه يرخّص له في ترك ما هو فرض عند خوف
التّلف على نفسه .
وللتّفصيل في مشروعيّة العمل بالتّقيّة ( :ر :تقيّة فقرة . ) 5
القواعد الفقهيّة النّاظمة لحكام الضّرورة :
-وضع الفقهاء مجموعةً من القواعد الفقهيّة لضبط أحكام الضّرورة ،وتوضيح 19
ضرُوريّات *
َ
التّعريف :
-الضّروريّات :جمع ضروريّ ،والضّروريّات عند الصوليّين هي :المور الّتي ل بدّ 1
منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا ،بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على استقامة ،
بل على فساد وتهارج ،وفوت حياة ،وفي الخرى فوت النّجاة والنّعيم ،والرّجوع
بالخسران المبين وهي :حفظ الدّين ،والنّفس ،والعقل ،والنّسب ،والمال ،وهذا التّرتيب
بين الضّروريّات من العالي إلى النّازل هو ما جرى عليه في مسلّم الثّبوت وشرحه ،وهو
ي في المستصفى مع استبدال لفظ النّسل بلفظ النّسب .
-أيضا -ما جرى عليه الغزال ّ
ورتّبها الشّاطبيّ ترتيبا آخر فقال :مجموع الضّروريّات خمسة وهي :حفظ الدّين ،
والنّفس ،والنّسل ،والمال ،والعقل ،فأخّر العقل عن النّسل والمال .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الحاجيّات :
ي لغةً :مأخوذ من معنى الحاجة وهي :الحتياج ،وتطلق على ما يفتقر إليه .
-الحاج ّ 2
وهي عند الصوليّين :ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ،ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب
إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب ،فإذا لم تراع دخل على المكلّفين -على
الجملة -الحرج والمشقّة ولكنّه ل يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقّع في المصالح العامّة .
والفرق بين الضّروريّات والحاجيّات أنّ الحاجيّات تأتي في المرتبة الثّانية بعد الضّروريّات ،
فهي ل تصل إلى حدّ الضّرورة .
ب -التّحسينيّات :
-التّحسينيّات لغةً :مأخوذة من مادّة الحسن ،والحسن لغةً :الجمال ،أو هو ضدّ 3
ي :يجوز أن يؤدّي إليها اجتهاد مجتهد وإن لم يشهد لها أصل معيّن ،ومثال
فقال الغزال ّ
ن الكفّار إذا تترّسوا بجماعة من أسارى المسلمين ،فلو كففنا عنهم لصدمونا ،
ذلك :أ ّ
وغلبوا على دار السلم ،وقتلوا كافّة المسلمين ،ولو رمينا التّرس لقتلنا مسلما معصوما
لم يذنب ذنبا ،وهذا ل عهد به في الشّريعة ،ولو كففنا لسلّطنا الكفّار على جميع المسلمين
فيقتلونهم ثمّ يقتلون السارى أيضا .
ي إنّما يعتبرها بشروط ثلثة قال :وانقدح اعتبارها باعتبار ثلثة أوصاف :
لكن الغزال ّ
أن تكون ضرور ّي ًة قطع ّيةً كلّ ّيةً .
ن اللّه تعالى إنّما بعث الرّسل لتحصيل مصالح العباد عملً
وهي حجّة عند المام مالك ،ل ّ
ن أنّها مطلوبة للشّرع .
بالستقراء ،فمهما وجدنا مصلحةً غلب على الظّ ّ
وينظر تفصيل ذلك ( :في الملحق الصوليّ ) .
د -الضّروريّات أصل لما سواها من المقاصد :
-المقاصد الضّروريّة في الشّريعة أصل للحاجيّة والتّحسينيّة ،فلو فرض اختلل 8
ضِفْدع *
انظر :أطعمة
ضَفَائِر *
انظر :شعر ،غسل
ضِلع *
التّعريف :
-الضّلع -بفتح اللم وسكونها -لغتان بمعنى :محنيّة الجنب . 1
وهي مؤنّثة وجمعها :أضلع وأضالع وأضلع وضلوع وهي عظام الجنبين .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
الحكام المتعلّقة بالضّلع :
الجناية على الضّلع :
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل قصاص في كسر العظام -بما فيها الضّلع -لما روي عن 2
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :ل قصاص في العظم « .
ولعدم الوثوق بالمماثلة لنّه ل يعلم موضعه ،فل يؤمن فيه التّعدّي .
). 31 ( ر :جناية على ما دون النّفس ف
ثمّ اختلفوا في موجب كسر الضّلع :
ن كسر
فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -في الصّحيح -وأحمد -في رواية -إلى أ ّ
الضّلع ليس فيه شيء مقدّر ،وإنّما تجب فيه حكومة العدل ،لنّه كسر عظم في غير
الرّأس والوجه ،فلم يجب فيه أرش مقدّر ،ككسر عظم السّاق .
وقد قيّد المام مالك وجوب حكومة العدل في كسر الضّلع إذا برأ على عثل وإذا برأ على
غير عَثَل فل شيء فيه .
ويرى الحنابلة -على المذهب -والشّافعيّة في أحد قولين -وهو المذهب القديم عندهم
كما قال السّيوطيّ -أنّه يجب في كسر الضّلع جمل ،لما روى أسلم مولى عمر رضي ال
عنه عن عمر أنّه قضى في التّرقوة بجمل وفي الضّلع بجمل .
وللتّفصيل في كيفيّة تقدير حكومة العدل وشروطها ينظر ( :حكومة عدل وجناية على ما
دون النّفس ) .
ضمَار *
ِ
التّعريف :
-تطلق كلمة " الضّمار " في لغة العرب على :كلّ شيء لست منه على ثقة . 1
قال الجوهريّ :الضّمار ما ل يرجى من الدّين والوعد ،وكلّ ما ل تكون منه على ثقة .
كذلك يطلق الضّمار في اللّغة على :خلف العيان ،وعلى :النّسيئة أيضا ،وقيل :أصل
ق.
الضّمار ما حبس عن صاحبه ظلما بغير ح ّ
وحكى المطرّزيّ أنّ أصله من الضمار ،وهو التّغيّب والختفاء ،ومنه أضمر في قلبه
شيئا .أمّا الضّمار من المال :فهو الغائب الّذي ل يرجى عوده ،فإذا رجي فليس بضمار .
-واصطلحا يطلق الفقهاء " المال الضّمار " على المال الّذي ل يتمكّن صاحبه من 2
أ -المال المغصوب إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بيّنة ،فإن كانت له عليه بيّنة فليس
بضمار .
ب -المال المفقود ،كبعير مفقود ،إذ هو كالهالك ،لعدم قدرته عليه .
ج -المال السّاقط في البحر ،لنّه في حكم العدم .
د -المال المدفون في برّيّة أو صحراء إذا نسي صاحبه مكانه ،ثمّ تذكّره بعد زمان .
هع – المال الّذي أخذه السّلطان مصادرةً ظلما ،ثمّ وصل إليه بعد سنين .
و – الدّ ين المجحود الّذي جحده المد ين سنين علني ًة إذا لم ي كن عل يه بيّ نة ،ث مّ صارت له
بيّنة بعد سنين ،بأن أق ّر الجاحد عند قوم به .
ز -المال الّذي ذهب به العد ّو إلى دار الحرب .
ح -المال المودع عند من ل يعرفه إذا نسي شخصه سنين ،ثمّ تذكّره .
ن المال الضّمار قد يكون عينا
-ويلحظ بالتّأمّل في هذه الصّور الّتي ذكرها الفقهاء أ ّ 4
يئس صاحبها من الوصول إليها ،وقد يكون دينا ل يرجى لجحود المدين وعدم البيّنة .
يشهد لذلك في الدّيون ما روى ابن أبي شيبة في مصنّفه وأبو عبيد في الموال وابن
زنجويه عن عمرو بن ميمون قال :أخذ الوليد بن عبد الملك مال رجل من أهل الرّقّة يقال
له أبو عائشة ،عشرين ألفا ،فألقاها في بيت المال ،فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز أتاه
ولده ،فرفعوا مظلمتهم إليه ،فكتب إلى ميمون أن ادفعوا إليهم أموالهم ،وخذوا زكاة
عامهم هذا ،فإنّه لول أنّه كان مالً ضمارا أخذنا منه زكاة ما مضى .
ي أنّه قال :إذا حضر الوقت الّذي يؤدّي الرّجل فيه زكاته أدّى
وما روي عن الحسن البصر ّ
عن كلّ مال وعن كلّ دين ،إلّ ما كان منه ضمارا ل يرجوه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الدّين :
-هو :كلّ ما ثبت في ال ّذمّة من مال بسبب يقتضي ثبوته ( .ر :دين ) . 5
ب -العين :
-هي :الشّيء المعيّن المشخّص ،كبيت وسيّارة ،وحصان ،وكرسيّ ،وصبرة حنطة ، 6
من انتفاعه بالمملوك ،والعوض عنه من حيث هو كذلك ( .ر :ملكيّة ) .
د -التّوى :
-التّوى معناه :الهلك ،والمال التّاوي :هو الذّاهب الّذي ل يرجى ( .ر :توًى ) . 8
مالكه بعد إياسه من الحصول عليه ،وذلك على ثلثة أقوال :
القول الوّل :
ي -في الجديد -وأحمد -في رواية عنه -والثّوريّ وزفر وأبو عبيد
-ذهب الشّافع ّ 13
القاسم بن سلم -وهو المعتمد عند الحنابلة -إلى أنّه ل زكاة فيه وهو ضمار ،وإنّما
تجب فيه الزّكاة للسّنين الماضية إذا وصلت إليه يده .
واستدلّوا على ذلك :
أ ّولً :بقول الصّحابة -رضي ال عنهم -حيث روى أبو عبيد في كتابه -الموال -
بسنده عن عليّ رضي ال عنه في الدّين المظنون أنّه قال :إن كان صادقا فليزكّه إذا قبضه
لما مضى ،وروي -أيضا -بسنده عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال :إذا لم ترج
أخذه فل تزكّه حتّى تأخذه ،فإذا أخذته فزكّ عنه ما عليه .
ن السّبب -وهو الملك -قد تحقّق ،وفوات اليد غير مخلّ بالوجوب كمال ابن
ثانيا :بأ ّ
ن وجوب الزّكاة يعتمد الملك دون اليد ،بدليل :ابن السّبيل ،
السّبيل ،قال الكاسانيّ :ل ّ
فإنّه تجب الزّكاة في ماله وإن كانت يده فائت ًة ،لقيام ملكه .
فثبت أنّ الزّكاة وظيفة الملك ،والملك موجود ،فتجب الزّكاة فيه ،إلّ أنّه ل يخاطب بالداء
للحال ،لعجزه عن الداء لبعد يده عنه ،وهذا ل ينفي الوجوب كما في :ابن السّبيل .
ن هذا المال -وإن كان صاحبه غير راج له ول طامع فيه -فإنّه
وقال أبو عبيد :وذلك ل ّ
ماله وملك يمينه ،فمتى ثبّته على غريمه بالبيّنة أو يسر بعد إعدام ،كان حقّه جديدا
عليه ،فإن أخطأه ذلك في الدّنيا فهو له في الخرة ،وكذلك إن وجده بعد الضّياع كان له
دون النّاس ،فل أرى ملكه زال عنه على حال ،ولو كان زال عنه لم يكن أولى به من
غيره عند الوجدان ،فكيف يسقط حقّ اللّه عنه في هذا المال ،وملكه لم يزل عنه ؟ ،أم
كيف يكون أحقّ به إن كان غير مالك له ؟ .
القول الثّاني :
-ذهب أبو حنيفة ،وصاحباه أبو يوسف ومحمّد ،وأحمد -في رواية عنه - 14
والشّافعيّ -في القديم -واللّيث ،وأبو ثور ،وإسحاق ،وقتادة :إلى أنّه ل تجب الزّكاة
في المال الضّمار ،ويستقبل مالكه حولً مستأنفا من يوم قبضه ،ونقله ابن حبيب عن
المام مالك .
واستدلّوا على ذلك :
ي رضي ال عنه أنّه قال :ل
أ ّولً :بقول الصّحابة رضي ال عنهم ،حيث روي عن عل ّ
زكاة في مال الضّمار .
ن من شروط وجوب الزّكاة في المال :الملك التّا ّم ،وهو غير متحقّق فيه ،إذ هو
ثانيا :بأ ّ
مملوك رقب ًة ل يدا ،فقد خرج عن يده ،وتصرّفه فلم تجب عليه زكاته ،كالمال الّذي في يد
مكاتبه .
ن المال الضّمار غير منتفع به في حقّ المالك ،لعدم وصول يده إليه ،والمال إذا
ثالثا :وبأ ّ
لم يكن مقدور النتفاع به في حقّ المالك ل يكون المالك به غنيّا ،ول زكاة على غير الغنيّ
للحديث .
ن السّبب في وجوب الزّكاة هو المال النّامي ،ول نماء إلّ بالقدرة على
رابعا :ول ّ
ن النّماء شرط
التّصرّف ،ول قدرة عليه في الضّمار ،فل زكاة ،قال العينيّ :وذلك ل ّ
لوجوب الزّكاة ،وقد يكون النّماء تحقيقا كما في عروض التّجارة ،أو تقديرا كما في
النّقدين ،والمال الّذي ل يرجى عوده ل يتصوّر تحقّق الستنماء فيه ،فل يقدّر الستنماء
-أيضا . -
ن من ملك
ن السّبب هو المال النّامي تحقيقا أو تقديرا بالتّفاق ،للتّفاق على أ ّ
خامسا :ول ّ
من الجواهر النّفيسة ما تساوي آلفا من الدّنانير ولم ينو فيها التّجارة ،ل تجب فيها
الزّكاة .وولية إثبات حقيقة التّجارة باليد ،فإذا فاتت انتفى تصوّر الستنماء تحقيقا ،
ن الشّيء إنّما يقدّر تقديرا إذا تصوّر تحقيقا ،وعلى هذا انتفى في النّقدين
فانتفى تقديرا ،ل ّ
-أيضا -لنتفاء نمائهما التّقديريّ بانتفاء تصوّر التّحقيقيّ بانتفاء اليد ،فصار بانتفائهما
كالتّاوي ،فلذلك لم تجب صدقة الفطر عن البق ،وإنّما جاز عتقه عن الكفّارة ،لنّ
الكفّارة تعتمد مجرّد الملك ،وبالباق والكتابة ل ينتقص الملك أصلً ،بخلف مال ابن
السّبيل لثبوت التّقديريّ فيه ،لمكان التّحقيقيّ إذا وجد نائبا .
القول الثّالث :
ي والحسن البصريّ إلى أنّ على مالكه أن
-ذهب مالك -في المشهور عنه -والوزاع ّ 15
صِيَام *
انظر :صوم
ضمانة *
انظر :كفالة
ضَمَان *
التّعريف :
-يطلق الضّمان في اللّغة على معان : 1
أ -منها اللتزام ،تقول :ضمنت المال ،إذا التزمته ،ويتعدّى بالتّضعيف ،فتقول :
ضمّنته المال ،إذا ألزمته إيّاه .
ب -ومنها :الكفالة ،تقول :ضمّنته الشّيء ضمانا ،فهو ضامن وضمين ،إذا كفله .
ج -ومنها التّغريم ،تقول :ضمّنته الشّيء تضمينا ،إذا غرّمته ،فالتزمه أمّا في اصطلح
الفقهاء فيطلق على المعاني التّالية :
أ -يطلق على كفالة النّفس وكفالة المال عند جمهور الفقهاء من غير الحنفيّة ،وعنونوا
للكفالة بالضّمان .
ب -ويطلق على غرامة المتلفات والغصوب والتّعييبات والتّغييرات الطّارئة .
ج -كما يطلق على ضمان المال ،والتزامه بعقد وبغير عقد .
ق أو بحقّ على العموم .
د -كما يطلق على وضع اليد على المال ،بغير ح ّ
هع – كما يطلق على ما يجب بإلزام الشّارع ،بسبب العتداءات :كالدّيات ضمانا
للنفس ،والروش ضمانا لما دونها ،وكضمان قيمة صيد الحرم ،وكفّارة اليمين ،
وكفّارة الظّهار ،وكفّارة الفطار عمدا في رمضان .
وقد وضعت له تعاريف شتّى ،تتناول هذه الطلقات في الجملة ،أو تتناول بعضها ،منها
:
أ -أنّه :عبارة عن ر ّد مثل الهالك ،إن كان مثليّا ،أو قيمته إن كان قيميّا .
ب -وأنّه :عبارة عن غرامة التّالف .
ج -وبالمعنى الشّامل للكفالة -كما يقول القليوبيّ : -إنّه التزام دين أو إحضار عين أو
بدن .
د -وفي مجلّة الحكام العدليّة أنّه إعطاء مثل الشّيء إن كان من المثليّات وقيمته إن كان
من القيميّات .
هع -وعند المالكيّة :شغل ذمّة أخرى بالحقّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللتزام :
-اللتزام في اللّغة :الثّبوت والدّوام ،وفي الصطلح الفقهيّ :إلزام المرء نفسه ما لم 2
اليجاب بالقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محلّه ،فإذا قلت :زوّجت ،وقال :
ي ،وهو :ملك المتعة .
قبلت ،وجد معنىً شرعيّ ،وهو النّكاح ،يترتّب عليه حكم شرع ّ
ج -العهدة :
-العهدة في اللّغة :وثيقة المتبايعين ،لنّه يرجع إليها عند اللتباس . 4
وهي كتاب الشّراء ،أو هي الدّرك أي ضمان الثّمن للمشتري إن استحقّ المبيع أو وجد فيه
عيب .
وفي الصطلح تطلق عند جمهور الفقهاء على هذين المعنيين :الوثيقة والدّرك .
وعرّفها المالكيّة بأنّها :تعلّق ضمان المبيع بالبائع أي كون المبيع في ضمان البائع بعد
العقد ،ممّا يصيبه في مدّة خاصّة .
والضّمان أعمّ ،والعهدة أخصّ .
د -التّصرّف :
-التّصرّف هو التّقليب ،تقول :صرّفته في المر تصريفا فتصرّف ،أي قلّبته فتقلّب . 5
وفي الصطلح يفهم من كلم الفقهاء :أنّه ما يصدر من الشّخص من قول أو فعل ،ويرتّب
عليه الشّارع حكما ،كالعقد والطّلق والبراء والتلف .
( ر :تصرّف ف . ) 1
وهو بهذا المعنى أعمّ من الضّمان .
مشروعيّة الضّمان :
-شرع الضّمان ،حفظا للحقوق ،ورعايةً للعهود ،وجبرا للضرار ،وزجرا للجناة ، 6
وحدّا للعتداء ،في نصوص كثيرة من القرآن الكريم ،والسّنّة النّبويّة ،وذلك فيما يلي :
ح ْملُ َبعِيرٍ َوأَنَ ْا ِبهِ زَعِيمٌ } أي
أ -فيما يتّصل بمعنى الكفالة ،بقوله تعالى { :وَ ِلمَن جَاء ِب ِه ِ
كفيل ضامن ،فقد ضمن يوسف عليه السلم لمن جاء بصواع الملك -وهو إناؤه الّذي كان
يشرب به -قدر ما يحمله البعير من الطّعام .
ب -وفيما يتّصل بالتلفات الماليّة ونحوها ،بحديث :أنس رضي ال تعالى عنه قال :
ي صلى ال عليه وسلم طعاما في
ي صلى ال عليه وسلم إلى النّب ّ
» أهدت بعض أزواج النّب ّ
قصعة ،فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
طعام بطعام ،وإناء بإناء « .
ج -وفيما يتّصل بضمان وضع اليد :حديث سمرة بن جندب رضي ال تعالى عنه قال :
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي « أي ضمانه .
ن عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُواْ
د -وفيما يتّصل بالجنايات -بوجه عامّ -ونحوها قوله تعالى َ { :وإِ ْ
ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُم ِبهِ } .
هع – وفيما يتّصل بجنايات البهائم :حديث البراء بن عازب » :أنّه كانت له ناقة ضارية
فدخلت حائطا فأفسدت فيه ،فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّ حفظ الحوائط
ن ما أصابت الماشية باللّيل
بالنّهار على أهلها ،وأنّ حفظ الماشية باللّيل على أهلها ،وأ ّ
فهو على أهلها « .
وحديث النّعمان بن بشير قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من أوقف دا ّبةً في
سبيل من سبل المسلمين ،أو في سوق من أسواقهم ،فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن « .
ن الصل فيها الحظر ،
ن الدّماء والموال مصونة في الشّرع ،وأ ّ
وقد أجمع الفقهاء على أ ّ
وأنّه ل يحلّ دم المسلم ول يحلّ ماله إلّ بحقّ .
ما يتحقّق به الضّمان :
-ل يتحقّق الضّمان إلّ إذا تحقّقت هذه المور :التّعدّي ،والضّرر ،والفضاء . 7
وفي الصطلح هو :مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه شرعا أو عرفا أو عادةً .
وضابط التّعدّي هو :مخالفة ما حدّه الشّرع أو العرف .
ومن القواعد المقرّرة في هذا الموضوع :أنّ كلّ ما ورد به الشّرع مطلقا ،ول ضابط له
فيه ،ول في اللّغة ،يرجع فيه إلى العرف .
وذلك مثل :الحرز في السّرقة ،والحياء في الموات ،والستيلء في الغصب ،وكذلك
التّعدّي في الضّمان ،فإذا كان التّعدّي مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه ،رجع في ضابطه
إلى عرف النّاس فيما يعدّونه مجاوزةً وتعدّيا ،سواء أكان عرفا عامّا أم خاصّا .
ويشمل التّعدّي :المجاوزة والتّقصير ،والهمال ،وقلّة الحتراز ،كما يشتمل العمد
والخطأ .ثانيا :الضّرر :
-الضّرر في اللّغة :نقص يدخل على العيان . 9
وفي الصطلح :إلحاق مفسدة بالغير ،وهذا يشمل التلف والفساد وغيرهما .
والضّرر قد يكون بالقول ،كرجوع الشّاهدين عن شهادتهما ،بعد القضاء وقبض المدّعي
المال ،فل يفسخ الحكم ،ويضمنان ما أتلفاه على المشهود عليه ،سواء أكان دينا أم
عينا .وقد ينشأ الضّرر عن الفعل كتمزيق الثّياب ،وقطع الشجار ،وحرق الحصائد .
والضّرر قد يكون بالقول والفعل كما سبق ،وقد يكون بالتّرك ،ومثاله :امرأة تصرع
أحيانا فتحتاج إلى حفظها ،فإن لم يحفظها الزّوج حتّى ألقت نفسها في النّار عند الصّرع ،
فعليه ضمانها .
ودابّة غصبت فتبعها ولدها ،فأكله الذّئب يضمنه الغاصب ،مع أنّه لم يباشر فيه فعلً .
وينظر التّفصيل في مصطلح ( :ضرر ) .
ثالثا :الفضاء :
-من معاني الفضاء في اللّغة :الوصول يقال :أفضيت إلى الشّيء :وصلت إليه .ول 10
والصل -عندئذ -تقديم المباشر على المتسبّب في التّضمين وذلك للقاعدة العامّة
المعروفة عند جميع الفقهاء :إذا اجتمع المباشر والمتسبّب ،يضاف الحكم إلى المباشر .
ومن أمثلة هذه القاعدة ما يلي :
أ -لو حفر شخص حفر ًة في الطّريق ،فألقى آخر نفسه ،أو ألقى غيره فيها عمدا ،ل
يضمن الحافر ،بل الملقي وحده ،لنّه المباشر .
ب -لو دلّ سارقا على مال إنسان ،فسرقه ،ل ضمان على الدّالّ .
-ويستثنى من قاعدة تقديم المباشرة على التّسبيب صور ،يقدّم فيها السّبب على العلّة 13
المباشرة ،وذلك إذا تعذّرت إضافة الحكم إلى المباشر بالكلّيّة فيضاف الحكم -وهو
الضّمان هنا -إلى المتسبّب وحده ،كما إذا دفع رجل إلى صبيّ سكّينا ليمسكه له ،فسقط
ن السّبب هنا في معنى العلّة .
من يده ،فجرحه ،ضمن الدّافع ،ل ّ
تتابع الضرار :
ن المتعدّي المتسبّب يضمن
-إذا ترتّبت على السّبب الواحد أضرار متعدّدة ،فالحكم أ ّ 14
جميع الضرار المترتّبة على تسبّبه ،ما دام أثر تسبّبه باقيا لم ينقطع ،فإن انقطع بتسبّب
آخر لم يضمن .
فمن صور ذلك عند الحنفيّة :
أ -سقط حائط إنسان على حائط إنسان آخر ،وسقط الحائط الثّاني على رجل فقتله :كان
ضمان الحائط الثّاني والقتيل على صاحب الحائط الوّل لنّ تسبّب حائطه لم ينقطع .
ن التّفريغ ليس
فإن عثر إنسان بأنقاض الحائط الثّاني ،فانكسر ،لم يضمن الوّل ،ل ّ
عليه ،ول يضمن صاحب الحائط الثّاني إلّ إذا علم بسقوط حائطه ،ولم ينقل ترابه في مدّة
تسع النّقل .
ب -لو أشهد على حائطه بالميل ،فلم ينقضه صاحبه حتّى سقط ،فقتل إنسانا ،وعثر
بالنقاض شخص فعطب ،وعطب آخر بالقتيل ،كان ضمان القتيل الوّل وعطب الثّاني على
ن الحائط وأنقاضه مطلوبان منه ،أمّا التّلف الحاصل بالقتيل الوّل،
صاحب الحائط الوّل ،ل ّ
فليس عليه ،لنّ نقله ليس مطلوبا منه ،بل هو لولياء القتيل .
إثبات السّببيّة :
ن المعتدى عليه الّذي وقع عليه الضّرر ،أو وليّه إن قتل،
-الصل في الشّريعة ،هو أ ّ 15
هو المكلّف بإثبات الضّرر ،وإثبات تعدّي من ألحق به الضّرر ،وأنّ تعدّيه كان هو السّبب
في الضّرر .
وذلك لحديث ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
» :لو يعطى النّاس بدعواهم ،لدّعى رجال أموال قوم ودماءهم ،لكن البيّنة على المدّعي
،واليمين على من أنكر « .
وتثبت السّببيّة بإقرار المعتدي ،كما تثبت بالبيّنة إذا أنكر وتثبت بالقرائن ،وبيمين المدّعي
وشاهد -على الجملة -ونحوها من طرق الثبات .
( ر :إثبات ) .
شروط الضّمان :
-يمكن تقسيم شروط الضّمان إلى قسمين : 16
شروط ضمان الجناية على النّفس ،وشروط ضمان الجناية على المال .
أ ّولً :شروط ضمان الجناية على النّفس :الجناية على النّفس إن كانت عمدا وكان الجاني
مكلّفا يجب فيها القصاص ،فإن كان الجاني غير مكلّف ،أو كانت الجناية خطأً وجبت فيها
الدّية .
وينظر التّفصيل في ( :ديات ) .
ثانيا :شروط ضمان الجناية على المال :تتلخّص هذه الشّروط في أن يكون العتداء ،
واقعا على مال متقوّم ،مملوك ،محترم ،كما يشترط أن يكون الضّرر الحادث دائما -فلو
ن الحيوان لم تضمن المكسورة ، -وأن يكون المعتدي من أهل الوجوب ،فل
نبتت س ّ
تضمن البهيمة ،ول مالكها إذا أتلفت مال إنسان وهي مسيّبة ،لنّه جبار .
ول يشترط كون الجاني على المال مكلّفا ،فيضمن الصّبيّ ما أتلفه من مال على الخرين ،
ن الضطرار ل يبطل حقّ الغير .
ول عدم اضطراره ،والمضطرّ في المخمصة ضامن ،ل ّ
أسباب الضّمان :
-من أسباب الضّمان عند الشّافعيّة والحنابلة ما يلي : 17
-العقد ،كالمبيع والثّمن المعيّن قبل القبض والسّلم في عقد البيع . 1
-اليد ،مؤتمنةً كانت كالوديعة والشّركة إذا حصل التّعدّي ،أو غير مؤتمنة كالغصب 2
كان ناشئا عن إتلف ويد ،قال ابن رشد :فهو كلّ مال أتلفت عينه ،أو تلفت عند الغاصب
عينه ،بأمر من السّماء ،أو سلّطت اليد عليه وتملّك .
وقال ابن القيّم :مح ّل الضّمان هو ما كان يقبل المعاوضة .
ويمكن التّوسّع في محلّ الضّمان ،بحيث يشمل جميع المضمونات ،بأن يقسّم الفعل
الضّارّ ،باعتبار محلّه ،إلى قسمين :فعل ضا ّر واقع على النسان ،وفعل ضارّ واقع على
ما سواه من الموال ،كالحيوان والشياء .
وقد اعتبر بعض الفقهاء العتداء على المال والحيوان ضربا من الجنايات ،فقال الكاسانيّ
:الجناية في الصل نوعان :جناية على البهائم والجمادات وجناية على الدميّ ،فهذه
ي مضمون بالجناية عليه ،في النّفس ،أو الطراف .
محالّ الضّمان ،فالدم ّ
وأمّا الموال فتقسم إلى :أعيان ،ومنافع ،وزوائد ،ونواقص ،وأوصاف .
ونبحثها فيما يلي :
أ ّولً :العيان :
-وهي نوعان :أمانات ،ومضمونات . 20
ن العقار
مذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،ومحمّد من الحنفيّة ،أ ّ
يضمن بالتّعدّي ،وذلك بغصبه ،وغصبه متصوّر ،لنّ الغصب هو :إثبات اليد على مال
الغير بغير إذن مالكه ،أو هو :الستيلء على حقّ الغير عدوانا ،أو إزالة يد المالك عن
ماله – كما يقول محمّد من الحنفيّة – والفعل في المال ليس بشرط ،وهذا يتحقّق في العقار
والمنقول .
ي صلى ال عليه وسلم فيمن استولى على أرض غيره » :من ظلم قيد شبر
وقد قال النّب ّ
من الرض ،طوّقه من سبع أرضين « .
ومذهب أبي حنيفة :أنّ الغصب إزالة يد المالك عن ماله بفعل في المال ،ولهذا عرّفه في
الكنز بأنّه إزالة اليد المحقّة ،بإثبات اليد المبطلة ،وهذا ل يوجد في العقار ،ولنّه ل
يحتمل النّقل والتّحويل ،فلم يوجد التلف حقيقةً ول تقديرا .
فلو غصب دارا فانهدم البناء ،أو جاء سيل فذهب بالبناء والشجار ،أو غلب الماء على
الرض فبقيت تحت الماء فعليه الضّمان عند الجمهور ،ول ضمان عليه عند أبي حنيفة
وأبي يوسف .
ولو غصب عقارا ،فجاء آخر فأتلفه ،فالضّمان على المتلف ،عند أبي حنيفة وأبي
يوسف ،وعند الجمهور يخيّر المالك بين تضمين الغاصب أو المتلف .
وقالوا :لو أتلفه بفعله أو بسكناه ،يضمنه ،لنّه إتلف ،والعقار يضمن به ،كما إذا نقل
ترابه .
ثانيا :المنافع :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المنافع أموال متقوّمة في ذاتها فتضمن بالتلف ،كما 22
أ -ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها مضمونة ضمان الغصب ،لنّها مال المغصوب منه ،
وقد حصلت في يد الغاصب بالغصب ،فيضمنها بالتّلف كالصل الّذي تولّدت منه .
ب -وعند الحنفيّة أنّ زوائد المغصوب -سواء أكانت متّصلةً كالسّمن ،أم منفصلةً كاللّبن
والولد ،وثمرة البستان ،وصوف الغنم -أمانة في يد الغاصب ،ل تضمن إلّ بالتّعدّي
عليها ،بالكل أو التلف ،أو بالمنع بعد طلب المالك .وذلك لنّ الغصب إزالة يد المالك ،
بإثبات اليد عليه ،وذلك ل يتحقّق في الزّوائد ،لنّها لم تكن في يد المالك .
ج -وللمالكيّة هذا التّفصيل :
أ ّولً :ما كان متولّدا من الصل وعلى خلقته ،كالولد ،فهو مردود مع الصل .
ثانيا :وما كان متولّدا من الصل ،على غير خلقته مثل الثّمر ولبن الماشية ففيه قولن :
أحدهما أنّه للغاصب ،والخر أنّه يلزمه ردّه قائما ،وقيمته تالفا .
ثالثا :وما كان غير متولّد ،ففيه خمسة أقوال :
-قيل :يردّ الزّوائد مطلقا ،لتعدّيه ،من غير تفصيل . 1
-وقيل :ل يردّها مطلقا من غير تفصيل ،لنّها في مقابلة الضّمان الّذي عليه . 2
-وقيل :ير ّد قيمة منافع الصول والعقار ،لنّه مأمون ول يتحقّق الضّمان فيه ،ول 3
ير ّد قيمة منافع الحيوان وشبهه ممّا يتحقّق فيه الضّمان .
-وقيل :يردّها إن انتفع بها ،ول يردّها إن عطّلها . 4
ن ضمان الغصب
التلف أو نحوها ،سواء أكان ذلك النّقص عمدا أم خطأً أم تقصيرا ،ل ّ
-كما يقول الكاسانيّ -ضمان جبر الفائت ،فيتقدّر بقدر الفوات .
فمن نقص في يده شيء فعليه ضمان النّقصان ،وفيه تفصيل في المذاهب الفقهيّة :
أ -مذهب الحنفيّة أنّ النّقص إمّا أن يكون يسيرا ،وإمّا أن يكون فاحشا .
والصّحيح عندهم -كما قال الزّيلعيّ -أنّ اليسير ما ل يفوت به شيء من المنفعة ،بل
يدخل فيه نقصان في المنفعة ،كالخرق في الثّوب .
والفاحش :ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة ،ويبقى بعض العين وبعض المنفعة .
وقيل اليسير :ما لم يبلغ ربع القيمة ،والفاحش ما يساوي ربع القيمة فصاعدا ،وبهذا
./ 900 أخذت المجلّة في المادّة /
ففي النّقصان اليسير ليس للمالك إلّ أخذ عين المغصوب ،لنّ العين قائمة من كلّ وجه ،
ويضمن الغاصب النّقصان .
وفي النّقص الفاحش ،يخيّر المالك بين أخذ العين ،وتضمين الغاصب النّقصان ،وبين ترك
العين للغاصب وتضمينه قيمة العين .
فلو ذبح حيوانا لغيره مأكول اللّحم ،أو قطع يده ،كان ذلك إتلفا من بعض الوجوه ،
ونقصا فاحشا ،فيخيّر فيه المغصوب منه ،ولو كان غير مأكول اللّحم ،ضمن الغاصب
الجميع ،لنّه استهلك مطلق من كلّ وجه ،وإتلف لجميع المنفعة .
ولو غصب العقار ،فانهدم أو نقص بسكناه ،ضمنه ،لنّه إتلف بفعله ،والعقار يضمن
بالتلف ،ول يشترط لضمان التلف أن يكون بيده .
وهذا بخلف ما لو هلك العقار ،بعد أن غصبه وهو في يده فإنّه ل يضمنه ،لنّه لم
يتصرّف فيه بشيء ،فل يجب الضّمان عند الشّيخين ،لنّه غاصب للمنفعة ،وليست مالً ،
ولنّه منع المالك عن النتفاع ول يضمن عينه .
ب -ومذهب المالكيّة في النّقص ،أنّه إمّا أن يكون من قبل الخالق ،أو من قبل المخلوق
.فإن كان من قبل الخالق ،فليس للمغصوب منه إلّ أن يأخذه ناقصا -كما يقول ابن جنّيّ
-أو يضمن الغاصب قيمة المغصوب يوم الغصب .
ن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب .
وقيل :إ ّ
وإن كان من قبل المخلوق وبجنايته فالمغصوب منه مخيّر :
-بين أن يضمّنه القيمة يوم الغصب ،ويتركه للغاصب ،وبين أن يأخذه ويأخذ قيمة 1
النّقص ،يوم الجناية عند ابن القاسم ،أو يوم الغصب ،عند سحنون .
-وعند أشهب وابن الموّاز :هو مخيّر بين أن يضمّنه القيمة ،وبين أن يأخذه ناقصا ، 2
هبوط السعار في السّوق ،وإمّا أن يكون بسبب فوات وصف مرغوب فيه :
أ -فإن كان النّقص بسبب هبوط السعار في السواق ،فليس على الغاصب أو المتعدّي
ن المضمون نقصان المغصوب ،ونقصان السّعر ليس
ضمان نقص القيمة اتّفاقا ،ل ّ
بنقصان المغصوب ،بل لفتور يحدثه اللّه في قلوب العباد ،ل صنع للعبد فيه ،فل يكون
ق للمغصوب منه في القيمة
، /ولنّه ل ح ّ 900 مضمونا وهذا ما أخذت به المجلّة /المادّة :
ن الغاصب إنّما
،مع بقاء العين ،وإنّما حقّه في العين ،وهي باقية ،كما كانت ،ول ّ
يضمن ما غصب ،والقيمة ل تدخل في الغصب .
ب -وإن كان النّقص بسبب فوات وصف مرغوب فيه ،فهو مضمون باتّفاق الفقهاء كما
لو سقط عضو الحيوان المغصوب ،وهو في يد الغاصب بآفة سماويّة ،أو حدث له عند
الغاصب عرج أو شلل أو عمىً ،ونحو ذلك فإنّ المالك يأخذ المغصوب ،ويضمن الغاصب
النّقصان ،لفوات جزء من البدن ،أو فوات صفة مرغوب فيها ،ولنّه دخلت جميع أجزائه
في ضمانه بالغصب ،فما تعذّر ردّ عينه ،يجب ر ّد قيمته .
وطريق معرفة النّقصان أن يقوّم صحيحا ،ويقوّم وبه العيب ،فيجب قدر ما بينهما .
تصنيف العقود من حيث الضّمان :
-يمكن تصنيف العقود من حيث الضّمان إلى أربعة أقسام : 26
أ ّولً :فهناك عقد شرع للضّمان ،أو هو الضّمان بذاته ،وهو :الكفالة -كما يسمّيها
الحنفيّة -وهي -أيضا -الضّمان كما يسمّيها الجمهور .
ثانيا :وهناك عقود لم تشرع للضّمان ،بل شرعت للملك والرّبح ونحوهما ،لكن الضّمان
يترتّب عليها باعتباره أثرا لزما لحكامها ،وتسمّى :عقود ضمان ،ويكون المال
ي سبب هلك ،كعقد البيع ،والقسمة ،والصّلح
المقبوض فيها مضمونا على القابض ،بأ ّ
عن مال بمال ،والمخارجة ،والقرض ،وكعقد الزّواج ،والمخالعة .
ثالثا :وهناك عقود يتجلّى فيها طابع الحفظ والمانة ،والرّبح في بعض الحيان ،وتسمّى
عقود أمانة ،ويكون المال المقبوض فيها أمانةً في يد القابض ،ل يضمنه إلّ إذا تلف
بسبب تقصيره في حفظه ،كعقد اليداع ،والعاريّة ،والشّركة بأنواعها ،والوكالة ،
والوصاية .
رابعا :وهناك عقود ذات وجهين ،تنشئ الضّمان من وجه ،والمانة من وجه ،وتسمّى
لهذا :عقود مزدوجة الثر ،كعقد الجارة ،والرّهن والصّلح عن مال بمنفعة .
-ومناط التّمييز -بوجه عامّ -بين عقود الضّمان ،وبين عقود المانة ،يدور مع 27
المعاوضة :فكلّما كان في العقد معاوضة ،كان عقد ضمان ،وكلّما كان القصد من العقد
غير المعاوضة ،كالحفظ ونحوه ،كان العقد عقد أمانة .
ي من الحنفيّة ،في تعليل كون يد أحد
ويستند هذا الضّابط المميّز ،إلى قول المرغينان ّ
الشّركاء في مال الشّركة ،يد أمانة :لنّه قبض المال بإذن المالك ،ل على وجه البدل
والوثيقة ،فصار كالوديعة .
ن القبض الّذي يستوجب الضّمان ،هو :ما كان بغير إذن المالك ،
وهذا يشير إلى أ ّ
كالمغصوب ،وما كان بسبيل المبادلة ،أي المعاوضة ،أو ما كان بسبيل التّوثيق ،كالرّهن
والكفالة .
والرّهن -في الواقع -يؤوّل إلى المعاوضة ،لنّه توثيق للبدل ،وكذا الكفالة ،فكان
المعوّل عليه في ضمان العقود ،هو المبادلة ،وفي غير العقود ،هو عدم الذن ،وما
المبادلة إلّ المعاوضة ،فهي منشأ التّمييز ،بين عقود الضّمان ،وبين عقود الحفظ
والمانة.
وبيان الضّمان في هذه العقود فيما يلي :
أوّلً :الضّمان في العقود الّتي شرعت للضّمان :
الضّمان في عقد الكفالة :
ح الضّمان -أو الكفالة باستجماع شروطها -لزم الضّامن أداء ما ضمنه ،
-إذا ص ّ 28
وكان للمضمون له -الدّائن -مطالبته ،ول يعلم فيه خلف ،وهو فائدة الضّمان ثمّ :
إذا كانت الكفالة بأمر المدين ،وهو المكفول عنه ،رجع عليه الكفيل بما أدّى عنه بالتّفاق
-على ما يقول ابن جزيّ -في الجملة .
أمّا إذا كانت الكفالة بغير إذن المكفول عنه ،ففي الرّجوع خلف :
فمذهب الحنفيّة عدم الرّجوع ،إذ اعتبر متبرّعا في هذه الحال .
والمالكيّة قرّروا الرّجوع في هذه الحال إن ثبت دفع الكفيل ببيّنة ،أو بإقرار صاحب الحقّ ،
وعلّلوه بسقوط الدّين بذلك .
والشّافعيّة فصّلوا ،وقالوا :إن أذن المكفول عنه ،في الضّمان والداء فأدّى الكفيل ،
رجع .وإن انتفى إذنه فيهما فل رجوع .
وإن أذن في الضّمان فقط ،ولم يأذن في الداء ،رجع في الصحّ ،لنّه أذن في سبب
الغرم.
وإن أذن في الداء فقط ،من غير ضمان ،ل يرجع في الصحّ ،لنّ الغرم في الضّمان ،
ولم يأذن فيه .
واعتبر الحنابلة نيّة الرّجوع عند قضاء الدّين عن المكفول عنه ،فقرّروا أنّه :إن قضى
الضّامن الدّين متبرّعا ،ل يرجع ،سواء أضمنه بإذنه أم بغير إذنه ،لنّه متطوّع بذلك .
وإن قضاه ناويا الرّجوع ،يرجع لنّه قضاه مبرئا من دين واجب ،فكان له الرّجوع .
ل عن قصد الرّجوع وعدمه ،ل يرجع ،لعدم قصد الرّجوع ،سواء أكان
ولو قضاه ذاه ً
الضّمان أو الداء بإذن المضمون عنه ،أم بغير إذن .
ولهم تفصيل رباعيّ في نيّة الرّجوع يقرب من تفصيل الشّافعيّة .
يراجع فيه مصطلح ( :كفالة ) .
-إذا مات الكفيل قبل حلول أجل الدّين ،ففي حلول الدّين ومطالبة الورثة به خلف 29
يقبضه المشتري ،مع رواية تفرقة الحنابلة بين المكيلت ،والموزونات ،ونحوها ،وبين
غيرها .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الضّمان ينتقل إلى المشتري -كما يقول ابن جزيّ -بنفس العقد ،
إلّ في مواضع منها :ما بيع على الخيار ،وما بيع من الثّمار قبل كمال طيبه .
وأهمّ ما يستوجب الضّمان في عقد البيع :هلك المبيع ،وهلك الثّمن ،واستحقاق
المبيع ،وظهور عيب قديم فيه .
ويلحق به :ضمان المقبوض على سوم الشّراء ،وضمان المقبوض على سوم النّظر ،
وضمان الدّرك .
وبيان ذلك ما يلي :
هلك المبيع :
-يفرّق في الحكم فيه ،تبعا لحوال هلكه :هلك كلّه ،وهلك بعضه ،وهلك نمائه ، 32
وهلكه في البيع الصّحيح ،والفاسد ،والباطل ،وهلكه وهو في يد البائع ،أو في يد
المشتري .
ومصطلح :هلك ) . 59 وينظر تفصيل ذلك في ( :بيع ف
هلك نماء المبيع :
ي -إلّ إذا
-الصل المقرّر عند الحنفيّة أنّ زوائد المبيع مبيعة -كما يقول الكاسان ّ 33
كانت منفصلةً غير متولّدة من الصل ،كغلّة المباني والعقارات ،فإنّها إمّا أن تحدث في
المبيع قبل قبضه أو بعده :
أ -فقبل القبض ،إذا أتلف البائع الزّيادة يضمنها ،فتسقط حصّتها من الثّمن عن
المشتري ،كما لو أتلف جزءا من المبيع ،وكما لو أتلفها أجنبيّ .
وإذا هلكت بآفة سماويّة ،كما لو هلك الثّمر ،فل تضمن ،لنّها كالوصاف ،ل يقابلها
شيء من الثّمن ،وإنّها وإن كانت مبيعةً ،لكنّها مبيعة تبعا ل قصدا .
ب -أمّا لو هلكت بعد أن قبضها المشتري ،أو أتلفها هو ،فهي غير مضمونة بقبضه ،
ولها حصّتها من الثّمن ،فيقسم الثّمن على قيمة الصل يوم العقد وعلى قيمة الزّيادة يوم
القبض .
ولو أتلفها أجنبيّ ،ضمنها بل خلف ،لكن المشتري بالخيار :إن شاء فسخ العقد ،
ويرجع البائع على الجاني بضمان الجناية ،وإن شاء اختار البيع ،واتّبع الجاني
بالضّمان ،وعليه جميع الثّمن كما لو أتلف الصل .
الضّمان في البيع الباطل :
-جمهور الفقهاء ل يفرّقون في قواعدهم العامّة بين البيع الباطل ،والبيع الفاسد 34
من قطيع ،أو غرر كبيع بقرة على أنّها تحلب كذا في اليوم ،أو كان منهيّا عنه ،كبيع
الطّعام قبل قبضه ،وبيع العينة .
ومع التّفاق على وجوب فسخه ،وخبث الرّبح النّاشئ عنه ،فقد اختلف في ضمان المبيع
فيه بعد قبضه ،وملكه :
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه وإن كان ل يملك بالقبض ،ول ينفذ التّصرّف فيه ببيع ول
هبة ،لكنّه يضمن ضمان الغصب ،وعليه مؤنة ردّه كالمغصوب ،وإن نقص ضمن
نقصانه ،وزوائده مضمونة ،وفي تعيّبه أرش النّقص ،وفي تلفه وإتلفه الضّمان .
وعلّله ابن قدامة بأنّه مضمون بعقد فاسد ،فلم يملكه ،كالميتة ،فكان مضمونا في
جملته ،فأجزاؤه مضمونة أيضا .
ومذهب الحنفيّة أنّ البيع الفاسد يفيد الملك إذا اتّصل به القبض ،ولم يكن فيه خيار شرط
لحديث بريرة المعروف ،ولصدور العقد من أهله ووقوعه في محلّه ،لكنّه ملك خبيث حرام
لمكان النّهي ،وهذا هو الصّحيح ،المختار عندهم .
ويكون مضمونا في يد المشتري ،ويلزمه مثله إن كان مثليّا ،وقيمته إن كان قيميّا ،بعد
هلكه أو تعذّر ردّه .
ومذهب المالكيّة أنّ المشتري إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ،دخل في ضمانه ،لنّه لم
يقبضه على جهة المانة ،وإنّما قبضه على جهة التّمليك ،بحسب زعمه ،وإن لم ينتقل
إليه الملك بحسب المر نفسه .
ي على أنّ ملك الفاسد ل ينتقل إلى المشتري بقبضه ،بل ل ب ّد من فواته -سواء
ونصّ الب ّ
أنقد الثّمن أم ل -قال ابن الحاجب :ل ينتقل الملك فيه إلّ بالقبض والفوات .
والفوات -كما يقول ابن جزيّ -يكون بخمسة أشياء ،ذكر منها تغيّر الذّات والتّعيّب
وتعلّق حقّ الخرين . ...
-وفي وقت تقدير قيمة المبيع بيعا فاسدا خلف بين الفقهاء : 36
فعند جمهور الحنفيّة والمالكيّة ،تجب القيمة يوم القبض ،وذلك لنّ به يدخل في ضمانه ،
ل من يوم العقد ،لنّ ما يضمن يوم العقد هو العقد الصّحيح .
وذهب الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة وقول محمّد من الحنفيّة :أنّه تعتبر قيمته يوم
ن بهما يتقرّر الضّمان كما يقول محمّد .
التلف أو الهلك ،ل ّ
وعلّله الحنابلة بأنّه قبضه بإذن مالكه فأشبه العاريّة وهي مضمونة عندهم .
والمذهب عند الشّافعيّة اعتبار أقصى القيمة ،في المتقوّم ،من وقت القبض إلى وقت
التّلف.
وهذا -أيضا -وجه ذكره الحنابلة في الغصب ،وهو هاهنا كذلك ،كما يقول المقدسيّ .
-ولو نقص المبيع بيعا فاسدا ،وهو في يد المشتري ،فالتّفاق على أنّ النّقص 37
كالسّمن ،فهو مضمون على المشتري -كزوائد المغصوب -كما قال النّوويّ .
وعدم ضمان الزّيادة هو -أيضا -وجه شا ّذ عند الشّافعيّة ،ذكره النّوويّ .
والحنابلة قالوا :إذا تلفت العين بعد الزّيادة ،أسقطت الزّيادة من القيمة ،وضمنها بما بقي
من القيمة حين التّلف .
وذكر المقدسيّ فيه احتمالين :
أ -أحدهما :الضّمان ،لنّها زيادة في عين مضمونة ،فأشبهت الزّيادة في المغصوب .
ب -والخر :عدم الضّمان ،لنّه دخل على أن ل يكون في مقابلة الزّيادة عوض ،فعلى
هذا تكون الزّيادة أمانةً في يده :إن هلكت بتفريطه أو عدوانه ،ضمنها ،وإلّ فل .
والحنفيّة قرّروا أنّ الزّيادة أربعة أنواع :
أ -الزّيادة المنفصلة المتولّدة من الصل ،كالولد ،فهذه يضمنها بالستهلك ل بالهلك .
ب -الزّيادة المنفصلة غير المتولّدة من الصل ،كالكسب ،ل تضمن بالستهلك ،عند
المام ،وعند صاحبيه تضمن بالستهلك ،ل بالهلك ،كالمنفصلة المتولّدة .
ح -الزّيادة المتّصلة المتولّدة من الصل ،كالسّمن ،يضمنها بالستهلك ل بالهلك .
د -الزّيادة المتّصلة غير المتولّدة من الصل ،كالصّبغ والخياطة - ،فإنّها ملك
المشتري ،وهلكها أو استهلكها من حسابه -وإنّما الخلف في هذه من حيث الفسخ :
فعند المام يمتنع الفسخ فيها ،وتلزم المشتري قيمتها .
وعندهما :ينقضها البائع ،ويستردّ المبيع .
وما سواها ل يمنع الفسخ .
ولو هلك المبيع فقط ،دون الزّيادة المنفصلة ،فللبائع أخذ الزّيادة ،وأخذ قيمة المبيع يوم
القبض .
ولو هلك المبيع فقط ،دون الزّيادة المنفصلة ،غير المتولّدة ،كالكسب ،فللبائع أخذها مع
تضمين المبيع ،لكن ل تطيب له ،ويتصدّق بها .
ن ضمانه
-إذا استغلّ المشتري المبيع بيعا فاسدا ،بعد أن قبضه ،ل يردّ غلّته ،ل ّ 39
حتّى أريه غيري ،ول يقول :فإن رضيته أخذته فهذا غير مضمون مطلقا بل هو أمانة ،
ذكر الثّمن أو ل ،ويضمن بالستهلك .
والفرق بينهما -كما حرّره ابن عابدين : -
أ -أنّ المقبوض على سوم الشّراء ل ب ّد فيه من ذكر الثّمن ،أمّا الخر فل يذكر فيه ثمن .
ب -وأنّه ل بدّ أن يقول المشتري :إن رضيته أخذته .فلو قال :حتّى أراه لم يكن
مقبوضا على سوم الشّراء ،وإن صرّح البائع بالثّمن .
وعند الحنابلة إن أخذ إنسان شيئا بإذن ربّه ليريه الخذ أهله فإن رضوه أخذه وإلّ ردّه من
غير مساومة ول قطع ثمن فل يضمنه إذا تلف بغير تفريط .
الضّمان في عقد القسمة :
-تشتمل القسمة على الفراز والمبادلة . 42
الصل أنّ كلّ ما يجوز بيعه وشراؤه ،يجوز الصّلح عليه وما ل فل .
وقال المالكيّة :ال صّلح على غ ير المدّ عى -به -ب يع ،فتشترط ف يه شروط الب يع والب يع
أبرز عقود الضّمان ،فكذلك الصّلح عن المال بمال .
فإذا قبض المصالح عليه ،وهو بدل الصّلح ،وهلك في يد المصالح ،هلك من ضمانه ،
كما لو هلك المبيع بعد قبضه في عقد البيع ،في يد المشتري .
( انظر :صلح ) .
الضّمان في عقد التّخارج :
-التّخارج :اصطلح الورثة على إخراج بعضهم من التّركة ،بشيء معلوم . 44
ويعتبر بمثابة تنازل أحد الورثة عن نصيبه من التّركة ،في مقابل ما يتسلّمه من المال ،
عقارا كان أو عروضا أو نقودا ،فيمكن اعتباره بيعا ،فإذا قبض المخرج من التّركة بدل
المخارجة أخذ حكم المبيع بعد قبضه ،تملّكا وتصرّفا واستحقاقا ،فإذا هلك هلك من حسابه
الخاصّ ،كالمبيع إذا هلك في يد المشتري بعد قبضه ،وهذا لنّه أمكن اعتباره بيعا ،فكان
مضمونا كضمان المبيع .
( انظر :تخارج ) .
الضّمان في عقد القرض :
-يشبه القرض العاريّة في البتداء ،لما فيه من الصّلة ،والمعاوضة في النتهاء ، 45
لوجود ر ّد المثل ،لكنّه ليس بتبرّع محض ،لمكان العوض ،وليس جاريا على حقيقة
المعاوضات ،بدليل الرّجوع فيه ما دام باقيا .
ويملك القرض بالقبض ،كالموهوب -عند الجمهور -لنّه ل يتمّ التّبرّع إلّ بالقبض .
وعند المالكيّة ،وفي قول للشّافعيّة ،بالتّصرّف والعقد .
فإذا قبضه المقترض ،ضمنه ،كلّما هلك ،بآفة أو تعدّ منه أو من غيره ،كالمبيع
والموهوب بعد القبض ،لنّ قبضه قبض ضمان ،ل قبض حفظ وأمانة كقبض العاريّة .
ن المقبوض بقرض فاسد كالمقبوض ،ببيع فاسد ،سواء ،فإذا
ص الحنفيّة على أ ّ
-ون ّ 46
هلك ضمنه المقترض فيحرم النتفاع به ،لكن يصحّ بيعه ،لثبوت الملك ،وإن كان البيع ل
ن الفاسد يجب فسخه ،والبيع مانع من الفسخ ،فل يحلّ ،كما ل تحلّ سائر
يحلّ ،ل ّ
التّصرّفات المانعة من الفسخ .
والقرض الفاسد يملك بقبضه ،ويضمن بمثله أو قيمته ،كبيع فسد .
ولو أقرض صبيّا ،فهلك القرض في يده ،ل يضمن بالتّفاق ،عند الحنفيّة ،لنّه سلّطه
عليه .
أمّا لو استهلكه الصّبيّ ،فالحكم كذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ،وعند أبي يوسف يضمن
بالتّعمّد والستهلك .قال في الخانيّة :وهو الصّحيح .
وهذا إذا كان الصّبيّ غير مأذون له بالبيع فإن كان مأذونا له بالبيع ،كان كالبائع ،يضمن
القرض ،بالهلك والستهلك .
( انظر :قرض ) .
الضّمان في عقد الزّواج :
-ل بدّ من المهر في عقد الزّواج ،فيجري فيه الضّمان . 47
الدّفع إلى الزّوج :فمذهب الحنفيّة :أنّ عليها مثلها أو قيمتها .
قال الحصكفيّ :ولو هلك بدله -يعني بدل الخلع -في يدها ،قبل الدّفع ،أو استحقّ ،
فعليها قيمته لو البدل قيميّا ،ومثله لو مثليّا ،لنّ الخلع ل يقبل الفسخ .
ومذهب الشّافعيّة أنّ عليها مهر مثلها .
( انظر :خلع ) .
ثالثا :الضّمان في عقود المانة :
ضمان الوديعة :
-تعتبر الوديعة من عقود المانة ،وهي أمانة في يد المودع -أو الوديع -فهو أمين 49
وقول أشهب من المالكيّة ،أنّ العاريّة مضمونة ،سواء أتلفت بآفة سماويّة ،أم تلفت بفعل
المستعير ،بتقصير أو بغير تقصير وهو مرويّ عن ابن عبّاس وأبي هريرة ،وإليه ذهب
عطاء وإسحاق ،واستدلّوا :بحديث جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما » :أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم استعار من صفوان بن أميّة أدرعا ،يوم حنين ،فقال :أغصبا يا
محمّد ؟ قال :بل عاريّة مضمونة « وفي رواية » :فقال :يا رسول اللّه ،أعاريّة مؤدّاة ،
قال :نعم عاريّة مؤدّاة « .
وحديث الحسن عن سمرة رضي ال عنه ،عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال :
» على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي « .
ولنّه أخذ ملك غيره ،لنفع نفسه ،منفردا بنفعه ،من غير استحقاق ول إذن ،فكان
مضمونا ،كالغاصب ،والمأخوذ على وجه السّوم .
ومذهب الحنفيّة ،وهو قول ضعيف عند الشّافعيّة أنّ العاريّة أمانة عند المستعير ،فل
تضمن إذا هلكت من غير تعدّ ول تقصير وذلك لحديث » :ليس على المستعير غير المغلّ
ضمان « .
ول نّ عقد العاريّة تمليك أو إباحة للمنفعة ،ول تعرّض فيه للعين ،وليس في قبضها تعدّ ،
لنّه مأذون فيه ،فانتفى سبب وجوب الضّمان .
وإنّما يتغيّر حال العاريّة من المانة إلى الضّمان ،بما يتغيّر به حال الوديعة .
وذهب المالكيّة إلى تضمين المستعير ما يغاب عليه من العاريّة ،وهو :ما يمكن إخفاؤه
ي والكتب ،إلّ أن تقوم البيّنة على هلكها أو ضياعها بل سبب منه فل
كالثّياب والحل ّ
يضمن حينئذ ،خلفا لشهب القائل :إنّ ضمان العواريّ ضمان عداء ،ل ينتفي بإقامة
البيّنة كما ذهبوا إلى عدم تضمينه ما ل يغاب عليه ،كالحيوان والعقار ،فل يضمنه
المستعير ،ولو شرط عليه المعير الضّمان ،ولو كان لمر خافه ،من طريق مخوف أو
ي.
لصوص على المعتمد كما قرّره الدّسوق ّ
أمّا لو شرط المستعير نفي الضّمان عن نفسه ،فيما يغاب عليه ،فلهم فيه قولن :
ن الشّرط يزيده تهمةً ،ولنّه من إسقاط
أحدهما :أنّه ل عبرة بالشّروط ،ويضمن ،ل ّ
الحقّ قبل وجوبه ،فل يعتبر .
الخر :أنّه يعتبر الشّرط ،ول يضمن ،لنّه معروف من وجهين :فالعاريّة معروف ،
ن المؤمنين عند شروطهم كما جاء في الحديث :
وإسقاط الضّمان معروف آخر ،ول ّ
» المسلمون عند شروطهم « .
). 17 وفي كيفيّة ضمان العاريّة ووقته تفصيل ينظر في ( :إعارة ف
الضّمان في الشّركة :
-الشّركة قسمان -كما يقول الحنابلة -شركة أملك وشركة عقد . 51
ص بنفع
ص بنفعه ،فكان أمينا ،كالوكيل ،وفارق المستعير ،لنّه يخت ّ
على وجه ل يخت ّ
العاريّة .
ب المال ،فيصبح عندئذ غاصبا .
وهذا ما لم يخالف ما قيّده به ر ّ
ومع اختلف الفقهاء في جواز تقييد المضارب ببعض القيود ،لنّه مفيد ،كما يقول
الكاسانيّ ،وفي عدم الجواز لما فيه من التّحجير الخارج عن سنّة القراض كما يقول
الدّردير ،كالتّجار بالدّين ،واليداع ،لكن هناك قيودا ،ل تجوز له مخالفتها ،منها :
ب المال ،وهذا لما فيه من الخطر ،والتّعريض للتّلف ،فلو
أ -السّفر إذا لم يأذن به ر ّ
سافر بالمال بغير إذنه ،ضمنه .
ب -إذا قيّده بأن ل يسافر ببحر ،أو يبتاع سلعةً عيّنها له ،فخالفه ،ضمن .
ن الشّيء ل
ج -وإذا دفع مال المضاربة قراضا -أي ضارب فيه -بغير إذن ،ضمن ل ّ
يتضمّن مثله إلّ بالتّنصيص عليه ،أو التّفويض إليه .
ضمان المضارب في غير المخالفات العقديّة :
-المضارب وإن كان أمينا ،لكنّه يضمن -في غير المخالفات العقديّة -فيما يلي : 53
أ -إذا باع بأق ّل من ثمن المثل ،أو اشترى بأكثر منه ،ممّا ل يتغابن فيه النّاس ،ضمن .
ب -إذا تصدّق بشيء من مال القراض ،أو أنفق من مال المضاربة في الحضر ،على
ن النّفقة جزاء الحتباس ،فإذا كان في مصره ل يكون
نفسه أو على من يموّله ،ضمن ،ل ّ
محتبسا .
أمّا لو أنفق في السّفر ،ففيه خلف وأوجه وشروط في انتفاء ضمانه .
تنظر في مصطلح ( :مضاربة ) .
ج -إذا هلك مال المضاربة في يده ،بسبب تعدّيه أو تقصيره أو تفريطه ،فإنّه يضمنه ،
وإلّ فالخسران والضّياع على ربّ المال ،دون العامل ،لنّه أمين ،كالوديع .
ولو هلك في يده من غير تفريط ،ل يضمنه ،لنّه متصرّف فيه بإذن مالكه ،على وجه ل
يختصّ بنفعه .
د -إذا أتلف العامل مال القراض -المضاربة -ضمنه ،ووجب عليه بدله ،لكن يرتفع
القراض ،لنّه وإن وجب عليه بدله ،لكن ل يدخل في ملك المالك إلّ بالقبض ،فيحتاج إلى
استئناف القراض .
الضّمان في عقد الوكالة :
-الوكيل أمين وذلك لنّه نائب عن الموكّل ،في اليد والتّصرّف ،فكانت يده كيده ، 54
المقوّمين -إذا لم يكن سعره معروفا ،فإن كان سعره معروفا ،ل ينفذ على الموكّل وإن
قلّت الزّيادة " ،فيضمنها الوكيل " وهذا لنّ التّهمة في الكثر متحقّقة ،فلعلّه اشتراه لنفسه
فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره .
والوكيل بالبيع ،إذا كانت الوكالة مطلقةً ،ل يجوز بيعه ،إلّ بمثل القيمة ،عند الصّاحبين
ومالك والشّافعيّ ول يجوز بيعه بنقصان ل يتغابن النّاس في مثله ،ول بأقلّ ممّا قدّره له
الموكّل ،فلو باع كذلك كان ضامنا ،ويتقيّد مطلق الوكالة بالمتعارف .
وممّا يضمنه الوكيل قبض الدّين ،وهو وكيل بالخصومة .
ن الخصومة غير القبض حقيقةً ،وهي لظهار
والوكيل بالخصومة ل يملك القبض ،ل ّ
الحقّ.
ن كلّ ما يعتدي
ويعتبر قبض الوكيل بالخصومة للدّين تعدّيا ،فيضمنه إن هلك في يده ،ل ّ
فيه الوكيل ،يضمنه عند من يرى أنّه تعدّى ،وهذا عند جمهور الفقهاء وهو المفتى به
عند الحنفيّة .
-وهناك أحكام تتعلّق بالضّمان في عقد الوكالة منها : 56
-إذا اشترى الوكيل شيئا ،وأخّر تسليم الثّمن لغير عذر ،فهلك في يده ،فهو ضامن 1
وكذا إذا وكّله بشراء شيء ،أو قبض مبيع ،فإنّه ل يسلّم الثّمن حتّى يتسلّم المبيع .
فلو سلّم الثّمن قبل تسلّم المبيع ،وهلك المبيع قبل تسلّمه ضمنه للموكّل ،إلّ بعذر .
-للوكيل بالشّراء نسيئةً أن يحبس المبيع لستيفاء الثّمن ،عند الحنفيّة ثمّ : 57
أ -إن هلك قبل الحبس ،يهلك على الموكّل ،ول يضمن الوكيل .
ب -وإن هلك بعد الحبس ففيه تفصيل :
أ -يهلك بالثّمن ،هلك المبيع ،ويسقط الثّمن عن الموكّل في قول أبي حنيفة .
ب -ويهلك بأقلّ من قيمته ومن الثّمن ،عند أبي يوسف ،حتّى لو كان الثّمن أكثر من
قيمته رجع الوكيل بذلك الفضل على موكّله .
ج -وقال :زفر يهلك على الوكيل هلك المغصوب ،لنّ الوكيل عنده ل يملك الحبس من
الموكّل ،فيصير غاصبا بالحبس .
واشترط الشّافعيّة على الوكيل إذا باع إلى أجل ،أن يشهد ،وإلّ ضمن .وتردّدت النّقول ،
في أنّ عدم الشهاد ،شرط صحّة أو شرط للضّمان .
ونقل الجمل أنّه إن سكت الموكّل عن الشهاد ،أو قال :بع وأشهد ،ففي الصّورتين يصحّ
البيع ،ولكن يجب على الوكيل الضّمان .
انظر مصطلح ( وكالة ) .
ضمان الوصيّ في عقد الوصاية -أو اليصاء : -
-اليصاء :تفويض الشّخص التّصرّف في ماله ،ومصالح أطفاله ،إلى غيره ،بعد 58
موته .
ويعتبر الوصيّ نائبا عن الموصي ،وتصرّفاته نافذة ،ويده على مال المتوفّى يد أمانة ،فل
يضمن ما تلف من المال بدون تعدّ أو تقصير ،ويضمن في الحوال التّالية :
أ -إذا باع أو اشترى بغبن فاحش ،وهو :الّذي ل يدخل تحت تقويم المتقوّمين ،لنّ
وليته للنّظر ،ول نظر في الغبن الفاحش .
ي إذا دفع المال إلى اليتيم بعد الدراك ،قبل ظهور رشده ،لنّه دفعه
ب -كما يضمن الوص ّ
إلى من ليس له دفعه إليه ،وهذا مذهب الصّاحبين .
ن له ولية الدّفع
وقال المام :بعدم الضّمان ،إذا دفعه إليه بعد خمس وعشرين سنةً ،ل ّ
إليه حينئذ .
ج -ليس للوليّ التّجار في مال اليتيم لنفسه ،فإن فعل :فعند أبي حنيفة ومحمّد يضمن
رأس المال ،ويتصدّق بالرّبح .
وعند أبي يوسف يسلّم له الرّبح ،ول يتصدّق بشيء .
الضّمان في عقد الهبة :
-لمّا كانت الهبة عقد تبرّع ،فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ قبض الهبة هو قبض أمانة ، 59
أ -فقد تكون المنفعة بمجرّدها هي المعقود عليها ،وتتحدّد بالمدّة ،كإجارة الدّور
للسّكنى ،والحوانيت للتّجارة ،والسّيّارات للنّقل ،والواني للستعمال .
ب -وقد تكون المنفعة المعقود عليها عملً معلوما يؤدّيه العامل ،كبناء الدّار ،وخياطة
الثّوب ،وإصلح الجهزة الليّة ،ونحو ذلك .
ج -فإذا كانت المنفعة المعقود عليها ،وهي مجرّد السّكنى أو الرّكوب ،أو نحوهما ،
يفرّق في الضّمان ،بين العين المأجورة ،وبين المنفعة المعقود عليها :
ل -أمانةً في يد المستأجر ،حتّى
أ -فتعتبر الدّار المأجورة ،والسّيّارة المستأجرة -مث ً
لو خربت الدّار ،أو عطبت السّيّارة ،وهي في يده ،بغير تفريط ول تقصير ،ل ضمان
عليه ،لنّ قبض الجارة -كما يقول الكاسانيّ -قبض مأذون فيه ،فل يكون مضمونا ،
كقبض الوديعة والعاريّة ،سواء أكانت الجارة صحيح ًة أم فاسدةً .
ن يد المستأجر على العين المأجورة يد أمانة كذلك ،بعد انتهاء عقد
ونصّ الشّافعيّة على أ ّ
الجارة ،إذا لم يستعملها ،في الصحّ ،استصحابا لما كان ،كالمودع ،وفي قول ثان :يد
ضمان .
قال السّبكيّ :فإن تلفت عقب انقضاء المدّة ،قبل التّمكّن من الرّ ّد على المالك ،أو
إعلمه ،فل ضمان جزما ،أمّا إذا استعملها فإنّه يضمنها قطعا .
فلو شرط المؤجّر على المستأجر ضمان العين المأجورة ،فهو شرط فاسد ،لنّه ينافي
مقتضى العقد ،وفي فساد الجارة فيه وجهان ،بنا ًء على الشّروط الفاسدة في البيع .
وصرّح الحنفيّة بأنّ اشتراط الضّمان على المين باطل .
وقال ابن قدامة :ما ل يجب ضمانه ،ل يصيّره الشّرط مضمونا ،وما يجب ضمانه ،ل
ينتفي ضمانه بشرط نفيه .
وروي عن أحمد ما يدلّ على نفي الضّمان بشرطه ،ووجوبه بشرطه ،استدلّ بحديث :
» المسلمون على شروطهم « .
ب -أمّا المنفعة المعقود عليها ،وهي :السّكنى أو الرّكوب ،فهي مضمونة ،بضمان
بدلها على المستأجر ،بمجرّد تمكّنه من استيفائها ،إذا كانت الجارة صحيحةً ،بل
/من 470 خلف ،سواء انتفع بها المستأجر أم لم ينتفع ،وهذا ما نصّت عليه المادّة /
المجلّة ،وفيها :تلزم الجرة في الجارة الصّحيحة -أيضا -بالقتدار على استيفاء
ل :لو استأجر أحد دارا بإجارة صحيحة ،فبعد قبضها يلزمه إعطاء الجرة ،
المنفعة ،مث ً
وإن لم يسكنها .
أمّا إذا كانت الجارة فاسد ًة فقد اختلف في الضّمان الواجب فيها :فمذهب الجمهور ،وزفر
من الحنفيّة ،وهو رواية عن المام أحمد -أشار إليها ابن رجب -أنّها كالصّحيحة ،وأنّه
ن المنافع متقوّمة ،فتجب القيمة بالغةً ما
يجب في الضّمان أجر المثل ،بالغا ما بلغ ،ل ّ
بلغت ،والجارة بيع المنافع ،فتعتبر ببيع العيان ،وفي بيع العيان إذا فسد البيع تعتبر
القيمة ،بالغةً ما بلغت ،فكذا بيع المنافع .
والحنفيّة عدا زفر ،وهو الرّاوية الثّانية عن المام أحمد ،يرون التّفرقة بين الصّحيحة
والفاسدة :ففي الصّحيحة :يضمن الجرة المتّفق عليها ،مهما بلغت .
أمّا في الفاسدة ،فضمان الجرة منوط باستيفاء المنفعة ،ول تجب الجرة إلّ بالنتفاع ،
ن المنافع ل تضمن في
ويقول ابن رجب في توجيه هذه الرّواية :ولعلّها راجعة إلى أ ّ
الغصب ونحوه ،إلّ بالنتفاع ،وهو الشبه .
-أمّا إذا كانت المنفعة المعقود عليها هي إنجاز عمل من العمال ،كالبناء والخياطة 61
ونحوهما ،فإنّ الضّمان يختلف بحسب صفة العامل ،وهو الجير في اصطلحهم لنّه إمّا
أن يكون أجيرا خاصّا ،أو مشتركا أي عامّا .
والجير الخاصّ هو الّذي يتقبّل العمل من واحد ،أو يعمل لواحد مدّةً معلومةً ،ويستحقّ
الجر بالوقت دون العمل .
ق الجر حتّى يعمل ،
والجير المشترك ،هو الّذي يتقبّل العمل من غير واحد ،ول يستح ّ
والضّابط :أنّ :كلّ من ينتهي عمله بانتهاء مدّة معلومة فهو أجير واحد -أي خاصّ -
وك ّل من ل ينتهي عمله بانتهاء مدّة مقدّرة ،فهو أجير مشترك .
وفي ضمان ك ّل منهما تفصيل ينظر في مصطلح ( :إجارة ) .
ضمان الرّهن :
-اختلف الفقهاء في ضمان الرّهن ،إذا هلكت العين المرهونة عند المرتهن ،بعد 62
ص الحنفيّة ،على أنّ قيمة المرهون إذا هلك ،تعتبر يوم القبض ،لنّه يومئذ دخل في
فن ّ
ضمانه ،وفيه يثبت الستيفاء يدا ،ثمّ يتقرّر بالهلك .
أمّا إذا استهلكه المرتهن أو أجنبيّ ،فتعتبر قيمته يوم الستهلك ،لوروده على العين
المودعة ،وتكون القيمة رهنا عنده .
وللمالكيّة -في اعتبار قيمة الرّهن التّالف -ثلثة أقوال ،كلّها مرويّة عن ابن القاسم :
الوّل :يوم التّلف ،لنّ عين الرّهن كانت قائمةً ،فلمّا تلفت قامت قيمتها مقامها .
الثّاني :يوم القبض ،لنّه كشاهد ،وضع خطّه ومات ،فيعتبر خطّه ،وتعتبر عدالته يوم
كتبه .
ن النّاس إنّما يرهنون ما يساوي
ي :وهو أقرب ،ل ّ
الثّالث :يوم عقد الرّهن ،قال الباج ّ
الدّين المرهون فيه غالبا .
ضمان الرّهن الموضوع على يد العدل :
-يصحّ وضع الرّهن عند عدل ثالث ،غير الرّاهن والمرتهن ،ويتمّ ويلزم بقبض 64
هذا الصّلح بمثابة عقد إجارة ،وعبارة التّنوير :وكإجارة إن وقع عن مال بمنفعة .
كما لو كان لشخص على آخر ألف دينار ،فصالحه المدين على سكنى داره ،أو على
زراعة أرضه ،أو ركوب سيّارته ،مدّةً معلومةً ،جاز هذا الصّلح .
وتثبت لهذا النّوع من الصّلح شروط الجارة ،منها التّوقيت -إن احتيج إليه -وتثبت فيه
أحكامها -كما يقول النّوويّ -ومن أهمّها :اعتبار العين المتصالح على منفعتها ،كالدّار
والسّيّارة ،أمانةً في يد المصالح ،أمّا المنفعة ذاتها فإنّها مضمونة على المصالح ،بمجرّد
تسلّم العين ،فإذا مضت مدّة الصّلح المتّفق عليها ،اعتبر المصالح مستوفيا لبدل الصّلح
حكما ،سواء استوفى المنفعة فعلً أو عطّلها ،كما تقرّر في العين المستأجرة في يد
المستأجر في الجارة .
يد المانة ويد الضّمان :
-المشهور تقسيم اليد إلى قسمين :يد أمانة ،ويد ضمان . 66
ويد المانة :حيازة الشّيء أو المال ،نياب ًة ل تملّكا ،كيد الوديع ،والمستعير ،
والمستأجر ،والشّريك ،والمضارب وناظر الوقف ،والوصيّ .
ويد الضّمان :حيازة المال للتّملّك أو لمصلحة الحائز ،كيد المشتري والقابض على سوم
الشّراء ،والمرتهن ،والغاصب والمالك ،والمقترض .
وحكم يد المانة ،أنّ واضع اليد أمانةً ،ل يضمن ما هو تحت يده ،إلّ بالتّعدّي أو
التّقصير ،كالوديع فإنّه إذا أودع الوديعة عند من ل يودع مثلها عند مثله يضمنها .
ن واضع اليد على المال ،على وجه التّملّك أو النتفاع به لمصلحة
وحكم يد الضّمان ،أ ّ
نفسه ،يضمنه في كلّ حال ،حتّى لو هلك بآفة سماويّة ،أو عجز عن ردّه إلى صاحبه ،
كما يضمنه بالتّلف والتلف .
فالمالك ضامن لما يملكه وهو تحت يده ،فإذا انتقلت اليد إلى غيره بعقد البيع ،أو بإذنه ،
كالمقبوض على سوم الشّراء ،أو بغير إذنه كالمغصوب ،فالضّمان في ذلك على ذي اليد .
ولو انتقلت اليد إلى غيره ،بعقد وديعة أو عاريّة ،فالضّمان -أيضا -على المالك .
أهمّ الحكام والفوارق بين هاتين اليدين :
أ -تأثير السّبب السّماويّ :
-إذا هلك الشّيء بسبب ل دخل للحائز فيه ول لغيره ،انتفى الضّمان في يد المانة ،ل 67
في يد الضّمان ،فلو هلكت العاريّة في يد المستعير بسبب الحرّ أو البرد ،ل يضمن
ن يده يد أمانة .
المستعير ،ل ّ
بخلف يد البائع قبل تسليم المبيع إلى المشتري ،فإنّه ل ينتفي الضّمان بهلكه بذلك ،بل
يفسخ العقد ،ويسقط الثّمن ،لعدم الفائدة من بقائه ،لعجز البائع عن تسليم المبيع كلّما
طالب بالثّمن ،فامتنعت المطالبة ،وارتفع العقد كأن لم يكن .
والمذهب عند مالك ،انتقال الضّمان إلى المشتري بنفس العقد .
ب -تغيّر صفة وضع اليد :
-تتغيّر صفة يد المين وتصبح يد ضمان بالتّعدّي ،فإذا تلف الشّيء بعد ذلك ضمنه ، 68
قال البغداديّ :اشتراط الضّمان على المستعير باطل ،وقيل :تصير مضمونةً .
وقال التّمرتاشيّ :واشتراط الضّمان على المين باطل ،به يفتى ،فلو شرط المؤجّر على
المستأجر ضمان العين المؤجّرة ،فالشّرط فاسد .
ولو شرط المودع على الوديع ضمان الوديعة فالشّرط باطل ،ول ضمان لو تلفت وكذا
الحكم في سائر المانات .
وعلّله المالكيّة ،بأنّه لما فيه من إخراجها عن حقيقتها الشّرعيّة .
وقال الحنابلة :لنّه شرط ينافي مقتضى العقد ،ولو قال الوديع :أنا ضامن لها لم يضمن
ما تلف بغير تعدّ ول تقصير ،لنّ ضمان المانات غير صحيح .
ن شرط المانة في العاريّة -وهي مضمونة عند الشّافعيّة إذا هلكت
ونصّ القليوبيّ على أ ّ
بغير الستعمال -هو شرط مفسد على المعتمد ،وشرط أن ل ضمان فيها فاسد ل مفسد .
ن مقتضى العقد
وجاء في نصوص الحنابلة :كلّ ما كان أمانةً ل يصير مضمونا بشرطه ،ل ّ
كونه أمانةً ،فإذا شرط ضمانه ،فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه ،فلم يلزمه ،
كما لو اشترط ضمان الوديعة ،أو ضمان مال في يد مالكه .
ن مقتضى العقد الضّمان ،فإذا شرط نفي
وما كان مضمونا ل ينتفي ضمانه بشرطه ،ل ّ
ضمانه ل ينتفي مع وجود سببه ،كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدّى فيه .
وعن أحمد أنّه ذكر له ذلك ،فقال " :المؤمنون على شروطهم " ،وهذا يد ّل على نفي
الضّمان بشرطه ،والوّل ظاهر المذهب ،لما ذكرناه .
القواعد الفقهيّة في الضّمان :
القواعد في الضّمان كثيرة ،نشير إلى أهمّها ،باختصار في التّعريف بها ،والتّمثيل لها ،
كلّما دعت الحاجة ،مرتّب ًة بحسب أوائل حروفها :
القاعدة الولى :
الجر والضّمان ل يجتمعان :
-الجر هو :بدل المنفعة .والضّمان -هنا -هو :اللتزام بقيمة العين المنتفع بها ، 71
هلكت أو لم تهلك ،وهذه القاعدة من قواعد الحنفيّة ،المتّصلة برأيهم في عدم ضمان
منافع المغصوب ،خلفا للجمهور .
فلو استأجر دا ّبةً أو سيّارةً ،لحمل شيء معيّن ،فحمّلها شيئا آخر أو أثقل منه بخلف
جنسه ،كأن حمل مكان القطن حديدا فتلفت ،ضمن قيمتها ،ول أجر عليه ،لنّها هلكت
بغير المأذون فيه .
وكذا لو استأجرها ،ليركبها إلى مكان معيّن ،فذهب بها إلى مكان آخر فهلكت ،ضمن
ن الجر والضّمان ل يجتمعان ،عند الحنفيّة .
قيمتها ،ول أجر عليه ،ل ّ
لكن القاعدة مشروطة عندهم ،بعدم استقرار الجر في ذمّة الضّامن ،كما لو استوفى
ل ،ثمّ تجاوز فصار غاصبا ،وضمن ،يلزمه أجر ما سمّى
منفعة الدّابّة -مثلً -فع ً
عندهم ،إذا سلمت الدّابّة ولم تهلك .
ن المنافع متقوّمة كالعيان ،فإذا
والجمهور يوجبون الجر كلّما كان للمغصوب أجر ،ل ّ
تلفت أو أتلفها فقد أتلف متقوّما ،فوجب ضمانه كالعيان وإذا ذهب بعض أجزاء المغصوب
في مدّة الغصب ،وجب مع الجرة أرش نقصه لنفراد كلّ بإيجاب .
وللمالكيّة أقوال :وافقوا في بعض ها الحنفيّة ،و في بعض ها الجمهور وانفردوا بتف صيل في
بعضها .
القاعدة الثّانية :
إذا اجتمع المباشر والمتسبّب يضاف الحكم إلى المباشر .
-المباشر للفعل :هو الفاعل له بالذّات ،والمتسبّب هو المفضي والموصّل إلى وقوعه، 72
ويتخلّل بين فعله وبين الثر المترتّب عليه فعل فاعل مختار ،والمباشر يحصل الثر بفعله
من غير تخلّل فعل فاعل مختار .
وإنّما قدّم المباشر لنّه أقرب لضافة الحكم إليه من المتسبّب ،قال خليل :وقدّم عليه
ي المر ،فألقى شخص
المردي فلو حفر رجل بئرا في الطّريق العامّ ،بغير إذن من ول ّ
حيوان غيره في تلك البئر ،ضمن الّذي ألقى الحيوان ،لنّه العلّة المؤثّرة ،دون حافر
ن التّلف لم يحصل بفعله .
البئر ،ل ّ
ولو وقع الحيوان فيه بغير فعل أحد ،ضمن الحافر ،لتسبّبه بتعدّيه بالحفر بغير إذن .
وكذلك لو دلّ سارقا على متاع ،فسرقه المدلول ،ضمن السّارق ل الدّالّ .
ي سكّينا ،فوجأ به نفسه ،ل يضمن الدّافع ،لتخلّل فعل فاعل مختار .
ولذا لو دفع إلى صب ّ
سكّين على رجل الصّبيّ فجرحها ضمن الدّافع .
ولو وقع ال ّ
القاعدة الثّالثة :
الضطرار ل يبطل حقّ الغير .
ي كالكراه ،
-تطّرد هذه القاعدة سواء أكان الضطرار فطريّا كالجوع ،أم غير فطر ّ 73
فإنّه يسقط الثم ،وعقوبة التّجاوز ،أمّا حقّ الخرين فل يتأثّر بالضطرار ،ويبقى المال
مضمونا بالمثل إن كان مثليّا ،والقيمة إن كان قيميّا .
فلو اضطرّ في مخمصة إلى أكل طعام غيره ،جاز له أكله ،وضمن قيمته ،لعدم إذن
المالك ،وإنّما الّذي وجد هو إذن الشّرع الّذي أسقط العقوبة فقط .
القاعدة الرّابعة :
المر بالتّصرّف في ملك الغير باطل .
-المر :هو طلب الفعل جزما ،فإذا أمر شخص غيره بأخذ مال شخص آخر أو بإتلفه 74
فلو حفر حفرةً في ملكه ،أو في الطّريق ،بإذن الحاكم ،فتردّى فيها حيوان أو إنسان ،ل
يضمن الحافر شيئا .
وهذا مقيّد بشرطين :
ل -راكب السّيّارة وقائد الدّابّة
-أن ل يكون المباح مقيّدا بشرط السّلمة ،فيضمن -مث ً 1
-ونفقة ر ّد الوديعة على المودع ،لنّه هو الّذي استفاد من حفظها . 2
-وأجرة كتابة عقد الملكيّة على المشتري ،لنّها توثيق لنتقال الملكيّة إليه ،وهو 3
وحيث تقدّم القول في ضمان العقود في أنواع الضّمان ومحلّه ،فنقصر القول على ضمان
الدّماء ،وضمان الفعال الضّارّة بالموال .
ضمان الدّماء -النفس والجراح : -
-ضمان الدّماء أو النفس هو :الجزاء المترتّب على الضّرر الواقع على النّفس فما 80
دونها .
ويشمل القصاص والحدود ،وهي مقدّرة ،كما يشمل التّعزير و حكومة العدل وهي غير
مقدّرة من جهة الشّارع .
ويقسّم الضّمان -بحسب الجناية -إلى ثلثة أقسام :
أ -ضمان الجناية على النّفس .
ب -ضمان الجناية على ما دون النّفس ،من الطراف والجراح .
ج -ضمان الجناية على الجنين ،وهي :الجهاض .
وبيان ذلك فيما يلي :
أوّلً :ضمان الجناية على النّفس :
يتمثّل فيما يلي ،باعتبار أنواعها :
القتل العمد :
-القتل العمد ،إذا تحقّقت شروطه ،فضمانه بالقصاص . 81
حنيفة ،من غير الحديد والمعدن -وإن كان المالكيّة يرون هذا من العمد .
وهو مضمون بالدّية المغلّظة في الحديث » :أل وإنّ قتيل الخطأ شبه العمد ،ما كان
بالسّوط والعصا ،مائة من البل ،أربعون في بطونها أولدها « .
القتل الخطأ :
-وهو مضمون بالدّية على العاقلة اتّفاقا بال ّنصّ الكريم ،وفيه كذلك الكفّارة والحرمان 83
ص.
من الرث والوصيّة وهذا لعموم النّ ّ
والضّمان كذلك في القتل الشّبيه بالخطأ في اصطلح الحنفيّة ،ويتمثّل بانقلب النّائم على
شخص فيقتله ،أو انقلب المّ على رضيعها فيموت بذلك .
القتل بسبب :
-قال به الحنفيّة ،ويتمثّل بما لو حفر حفرةً في الطّريق ،فتردّى فيها إنسان فمات . 84
وهو مضمون بالدّية فقط ،عندهم ،فل كفّارة فيه ،ول حرمان ،لنعدام القتل فيه حقيقةً ،
وإنّما أوجبوا الدّية صونا للدّماء عن الهدر .
والجمهور من الفقهاء ،يلحقون هذا النّوع من القتل بالخطأ في أحكامه ،دي ًة ،وكفّارةً ،
وحرمانا ،لنّ الشّارع أنزله منزلة القاتل .
وللتّفصيل ر :مصطلح ( :قتل وديات وجناية ) .
ثانيا :ضمان الجناية على ما دون النّفس :
وتتحقّق في الطراف ،والجراح في غير الرّأس ،وفي الشّجاج .
-أ -أمّا الطراف :فحدّدت عقوبتها بالقصاص بالنّصّ ،في قوله تعالى َ { :وكَتَبْنَا 85
فيها :ففيه الرش مقدّرا ،كما في الموضحة ،لحديث » :قضى رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم في الموضحة ،خمس من البل « .
وقد يكون غير مقدّر ،فتجب الحكومة .
ومذهب الجمهور :أنّ ما دون الموضحة ،ليس فيه أرش مقدّر ،لما روي » :أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم لم يقض فيما دون الموضحة بشيء « .فتجب فيه الحكومة .
ومذهب أحمد أنّه ورد التّقدير في أرش الموضحة ،وفيما دونها ،كما ورد فيما فوقها
فيعمل به .
وللتّفصيل ر :مصطلح ( :شجاج ،ديات ،حكومة عدل ) .
ثالثا :ضمان الجناية على الجنين :
-وهي الجهاض ،فإذا سقط الجنين ميّتا بشروطه ،فضمانه بالغرّة اتّفاقا ،لحديث 88
ولضمان هذا النّوع من الفعال الضّارّة ،أحكام عامّة ،وأحكام خاصّة :
أ ّولً :الحكام العامّة في ضمان الفعال الضّارّة بالموال :
-تقوم فكرة هذا النّوع من الضّمان -خلفا لما تقدّم في ضمان الفعال الضّارّة بالنفس 90
-على مبدأ جبر الضّرر الما ّديّ الحائق بالخرين ،أمّا في تلك فهو قائم على مبدأ زجر
الجناة ،وردع غيرهم .
والتّعبير بالضّمان عن جبر الضّرر وإزالته ،هو التّعبير الشّائع في الفقه السلميّ ،وعبّر
بعض الفقهاء من المتأخّرين بالتّعويض ،كما فعل ابن عابدين .
وتوسّع الفقهاء في هذا النّوع في أنواع الضّمان وتفصيل أحكامه ،حتّى أفرده البغداديّ
بالتّصنيف في كتابه :مجمع الضّمانات .
ومن أهمّ قواعد الضّمان قاعدة :الضّرر يزال .
وإزالة الضّرر الواقع على الموال يتحقّق بالتّعويض الّذي يجبر فيه الضّرر .
وقد عرّف الفقهاء الضّمان بهذا المعنى ،بأنّه :ر ّد مثل الهالك أو قيمته .
وعرّفه الشّوكانيّ بأنّه :عبارة عن غرامة التّالف .
وكل التّعريفين يستهدف إزالة الضّرر ،وإصلح الخلل الّذي طرأ على المضرور ،وإعادة
حالته الماليّة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضّرر .
طريقة التّضمين :
-القاعدة العامّة في تضمين الماليّات هي :مراعاة المثليّة التّامّة بين الضّرر ،وبين 91
من السّوق ،وقد اختلفت أنظارهم فيها على الوجه التّالي :
ذهب أبو يوسف :إلى اعتبار القيمة يوم الغصب ،لنّه لمّا انقطع من السّوق التحق بما ل
ي تعتبر قيمته كذلك
مثل له ،فتعتبر قيمته يوم انعقاد السّبب ،وهو الغصب ،كما أنّ القيم ّ
يوم الغصب .
وذهب محمّد :إلى اعتبار القيمة يوم النقطاع ،لنّ الواجب هو المثل في ال ّذمّة وإنّما ينتقل
إلى القيمة بالنقطاع ،فتعتبر قيمته يوم النقطاع .
ن الواجب هو المثل ،ول ينتقل إلى
ومذهب أبي حنيفة :اعتبار القيمة يوم القضاء ،ل ّ
ن للمغصوب منه أن ينتظر حتّى يوجد المثل ،بل إنّما ينتقل
القيمة بمجرّد النقطاع ،ل ّ
بالقضاء ،فتعتبر القيمة يوم القضاء .
أمّا القيميّ إذا تلف ،فتجب قيمته يوم الغصب اتّفاقا .
أمّا في الستهلك :فكذلك عند المام وعندهما يوم الستهلك .
ومذهب المالكيّة :أنّ ضمان القيمة يعتبر يوم الغصب والستيلء على المغصوب سواء
أكان عقارا ،أم غيره ،ل يوم حصول المفوّت ،ول يوم الرّ ّد ،وسواء أكان التّلف
بسماويّ أم بجناية غيره عليه .
وفي التلف والستهلك -في غير المثليّات -كالعروض والحيوان ،تعتبر يوم الستهلك
والتلف .
ي إذا تعذّر وجوده ،في بلده وحواليه تعتبر أقصى قيمة ،
والصحّ عند الشّافعيّة :أنّ المثل ّ
من وقت الغصب إلى تعذّر المثل ،وفي قول إلى التّلف ،وفي قول إلى المطالبة .
وإذا كان المثل مفقودا عند التّلف ،فالصحّ وجوب أكثر القيم من وقت الغصب إلى التّلف ،
ل إلى وقت الفقد .
وأمّا المتقوّم فيضمن في الغصب بأقصى قيمة من الغصب إلى التّلف .
وأمّا التلف بل غصب ،فتعتبر قيمته يوم التّلف ،لنّه لم يدخل في ضمانه قبل ذلك ،
وتعتبر في موضع التلف ،إلّ إذا كان المكان ل يصلح لذلك كالمفازة ،فتعتبر القيمة في
أقرب البلد .
ومذهب الحنابلة :أنّه يجب ردّ قيمة المغصوب ،إن لم يكن مثليّا ،يوم تلفه في بلد غصبه
من نقده ،لنّ ذلك زمن الضّمان وموضع الضّمان ومنصرف اللّفظ عند الطلق –
ي إن لم تختلف قيمة التّالف ،من حين الغصب إلى حين الرّدّ .
كالدّينار -كما يقول البهوت ّ
فإن اختلفت لمعنىً في التّالف من كبر وصغر وسمن وهزال -ونحوها -ممّا يزيد في
القيمة وينقص منها ،فالواجب ر ّد أكثر ما تكون عليه القيمة من حين الغصب إلى حين
الرّدّ ،لنّها مغصوبة في الحال الّتي زادت فيها ،والزّيادة مضمونة لمالكها .
وإن كان المغصوب مثليّا يجب ر ّد مثله ،فإن فقد المثل ،فتجب القيمة يوم انقطاع المثل ،
لنّ القيمة وجبت في ال ّذمّة حين انقطاع المثل ،فاعتبرت القيمة حينئذ ،كتلف المتقوّم .
ن الواجب هو المثل ،إلى حين قبض
وقال القاضي :تجب قيمته يوم قبض البدل ،ل ّ
البدل ،بدليل أنّه لو وجد المثل بعد فقده ،لكان الواجب هو المثل دون القيمة ،لنّه
الصل ،قدر عليه قبل أداء البدل ،فأشبه القدرة على الماء بعد التّيمّم .
تقادم الحقّ في التّضمين :
ي زمن طويل ،على حقّ أو عين في ذمّة
-التّقادم -أو مرور الزّمان -هو :مض ّ 93
وطريق معرفته :أن تقوّم الحديقة مع الشّجر القائم ،وتقوّم بدونه فالفضل هو قيمته ،
فالمالك مخيّر بين أن يضمّنه تلك القيمة ،ويدفع له الشجار المقطوعة ،وبين أن
يمسكها ،ويضمّنه نقصان تلك القيمة .
ولو كانت قيمة الشجار مقطوعةً وغير مقطوعة سواء ،برئ .
ولو أتلف شجر ًة من ضيعة ،ولم يتلف به شيء ،قيل :تجب قيمة الشّجرة المقطوعة ،
وقيل تجب قيمتها نابتةً ،ولو أتلف شجرةً ،قوّمت مغروسةً وقوّمت مقطوع ًة ،ويغرم ما
بينهما .
ولو أتلف ثمارها ،أو نفضها لمّا نوّرت ،حتّى تناثر نورها ،قوّمت الشّجرة مع ذلك ،
وقوّمت بدونها فيغرم ما بينهما ،وكذا الزّرع .
ب -هدم المباني :
-إذا هدم إنسان بناءً أو جدارا لغيره ،يجب عليه بناء مثله ،وهذا عند أبي حنيفة 96
والشّافعيّ ،فإن تعذّرت المماثلة رجع إلى القيمة ،لحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه
قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :كان رجل في بني إسرائيل يقال له :
جريج ،يصلّي ،فجاءته أمّه فدعته ،فأبى أن يجيبها ،فقال :أجيبها أو أصلّي ؟ ثمّ أتته
فقالت :اللّه ّم ل تمته حتّى تريه وجوه المومسات ،وكان جريج في صومعته فقالت امرأة :
لفتننّ جريجا ،فتعرّضت له ،فكلّمته ،فأبى .فأتت راعيا فأمكنته من نفسها .فولدت
غلما ،فقالت :هو من جريج .فأتوه كسروا صومعته وأنزلوه وسبّوه ،فتوضّأ وصلّى ،
ثمّ أتى الغلم فقال :من أبوك يا غلم ؟ قال :الرّاعي .قالوا :نبني صومعتك من ذهب ،
قال :ل ،إ ّل من طين « .
ن الحائط والبناء من القيميّات ،فتضمن بالقيمة .
والصل :أ ّ
ي الحنفيّ أنّه لو هدم جدار غيره ،تقوّم داره مع جدرانها ،وتقوّم بدون هذا
وقد نقل الرّمل ّ
الجدار فيضمن فضل ما بينهما .
وفي القنية عن محمّد بن الفضل :إذا هدم حائطا متّخذا من خشب أو عتيقا متّخذا من
رهص -طين -يضمن قيمته ،وإن كان حديثا يؤمر بإعادته كما كان .
وقال ابن نجيم :من هدم حائط غيره فإنّه يضمن نقصانها -أي قيمتها مبن ّي ًة -ول يؤمر
بعمارتها ،إلّ في حائط المسجد ،كما في كراهة الخانيّة .
لكن المذهب ،ما قاله العلمة قاسم في شرحه للنّقاية :وإذا هدم الرّجل حائط جاره فللجار
الخيار :إن شاء ضمّنه قيمة الحائط ،والنّقض للضّامن ،وإن شاء أخذ النّقض ،وضمّنه
ن الحائط قائم من وجه ،وهالك من وجه ،فإن شاء مال إلى جهة القيام ،
النّقصان ،ل ّ
وضمّنه النّقصان ،وإن شاء مال إلى جهة الهلك وضمّنه قيمة الحائط ،وليس له أن
ن الحائط ليس من ذوات المثال .
يجبره على البناء ،كما كان ،ل ّ
وطريق تقويم النّقصان :أن تقوّم الدّار مع حيطانها ،وتقوّم بدون هذا الحائط فيضمن
فضل ما بينهما .
والضّمان في هذه الحال مقيّد بما إذا لم يكن الهدم للضّرورة ،كمنع سريان الحريق ،بإذن
الحاكم ،فإن كان كذلك فل ضمان ،وإن لم يكن بإذن الحاكم ،ضمن الهادم قيمتها معرّضةً
للحريق .
ج -البناء على الرض المغصوبة أو الغرس فيها :
-إذا غرس شخص شجرا ،أو أقام بناءً على أرض غصبها ،فمذهب جمهور الفقهاء، 97
وهو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة أنّه يؤمر بقلع الشّجر ،وهدم البناء ،وتفريغ الرض من
كلّ ما أنشأ فيها ،وإعادتها كما كانت .
ن رسول اللّه صلى ال
قال ابن قدامة :ل نعلم فيه خلفا وذلك :لحديث عروة بن الزّبير أ ّ
عليه وسلم قال » :من أحيا أرضا ميّتةً فهي له ،وليس لعرق ظالم حقّ « ،قال :فلقد
أخبرني الّذي حدّثني هذا الحديث » :أنّ رجلين اختصما إلى رسول اللّه صلى ال عليه
ل في أرض الخر ،فقضى لصاحب الرض بأرضه وأمر صاحب
وسلم غرس أحدهما نخ ً
النّخل أن يخرج نخله منها ،قال :فلقد رأيتها ،وإنّها لتضرب أصولها بالفؤوس ،وإنّها
لنخل عمّ « أي طويلة .
ولنّه شغل ملك غيره ،فيؤمر بتفريغه ،دفعا للظّلم ،وردّا للحقّ إلى مستحقّه .
قال الشّافعيّة والحنابلة :عليه أرش نقصها إن كان ،وتسويتها ،لنّه ضرر حصل بفعله ،
مع أجرة المثل إلى وقت التّسليم .
وقال القليوبيّ :وللغاصب قلعهما قهرا على المالك ،ول يلزمه إجابة المالك لو طلب البقاء
بالجر ،أو التّملّك بالقيمة ،وللمالك قلعهما جبرا على الغاصب ،بل أرش لعدم احترامهما
عليه .
والمالكيّة خيّروا المالك بين قلع الشّجر وهدم البناء ،وبين تركهما ،على أن يعطى المالك
الغاصب ،قيمة أنقاض الشّجر والبناء ،مقلوعا ،بعد طرح أجرة النّقض والقلع ،لكنّهم
قيّدوا قلع الزّرع بما إذا لم يفت ،أي لم يمض وقت ما تراد الرض له فله عندئذ أخذه
بقيمته مقلوعا مطروحا منه أجرة القلع .فإن فات الوقت ،بقي الزّرع للزّارع ،ولزمه
الكراء إلى انتهائه .
ونصّ على مثل هذا الحنفيّة .
( ر :غرس -غصب ) .
د -قلع عين الحيوان :
-الحيوان وإن كان من الموال ،وينبغي أن تطبّق في إتلفه -كلّيّا أو جزئيّا - 98
القواعد العامّة ،إ ّل أنّه ورد في السّمع تضمين ربع قيمته ،بقلع عينه ،ففي الحديث :
» قضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في عين الدّابّة ربع ثمنها « .
وروي ذلك عن عمر وشريح رضي ال تعالى عنهما ،وكتب عمر إلى شريح ،لمّا كتب
إليه يسأله عن عين الدّابّة :إنّا كنّا ننزلها منزلة الدميّ ،إلّ أنّه أجمع رأينا أنّ قيمتها ربع
الثّمن .
قال ابن قدامة :هذا إجماع يقدّم على القياس .
وهذا ممّا جعل الحنفيّة -وهو رواية عند الحنابلة عن أحمد -يعدلون عن القياس ،
بالنّظر إلى ضمان العين فقط .
فعملوا بالحديث ،وتركوا فيه القياس ،لكنّهم خصّوه بالحيوان الّذي يقصد للّحم ،كما يقصد
للرّكوب والحمل والزّينة أيضا ،كما في عين الفرس والبغل والحمار ،وكذا في عين البقرة
والجزور .
أمّا غيره ،كشاة القصّاب المعدّة للذّبح ،ممّا يقصد منه اللّحم فقط ،فيعتبر ما نقصت
قيمته .وطرد المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة القياس ،فضمّنوا ما يتلف من سائر أجزاء
الحيوان ،بما ينقص من قيمته ،بفقد عينه وغيرها ،بالغا ما بلغ النّقص بل تفرقة بين
أنواع الحيوان.
قال المحلّيّ :ويضمن ما تلف أو أتلف من أجزائه بما نقص من قيمته .
ي :ول يجب في عين البقرة والفرس إلّ أرش النّقص .
وقال الغزال ّ
وعلّل ذلك ابن قدامة :بأنّه ضمان مال من غير جناية ،فكان الواجب ما نقص ،كالثّوب ،
ولنّه لو فات الجميع لوجبت قيمته ،فإذا فات منه شيء ،وجب قدره من القيمة ،كغير
الحيوان .
ضمان الشّخص الضّرر النّاشئ عن فعل غيره وما يلتحق به :
ن الشّخص مسئول عن ضمان الضّرر الّذي ينشأ عن فعله ل عن فعل غيره
-الصل أ ّ 99
لكن الفقهاء استثنوا من هذا الصل ضمان أفعال القصّر الخاضعين لرقابته ،وضمان أفعال
تابعيه :كالخدم والعمّال وكالموظّفين ،وضمان ما يفسده الحيوان ،وضمان الضّرر الحادث
بسبب سقوط البنية ،وضمان التّلف الحادث بالشياء الخرى ،وتفصيله فيما يلي :
أ ّولً :ضمان النسان لفعال الشخاص الخاضعين لرقابته :
-ويتمثّل هذا النّوع من الضّمان ،في الفعال الضّارّة ،الصّادرة من الصّغار القصّر ، 100
والعامل في المصنع ،والموظّف في الحكومة ،وفي سائق السّيّارة لمالكها كلّ في دائرة
عمله .
والعلقة هنا عقديّة ،وفيما تقدّم من الرّقابة على عديمي التّمييز :هي :دينيّة أو أدبيّة .
والفقهاء بحثوا هذا في باب الجارة ،في أحكام الجير الخاصّ ،وفي تلميذ الجير
ق أجره
ل مؤقّتا بالتّخصيص ،ويستح ّ
المشترك عند الحنفيّة ،وهو الّذي يعمل لواحد عم ً
بتسليم نفسه في المدّة ،وإن لم يعمل .
والمعقود عليه هو منفعته ،ول يضمن ما هلك في يده بغير صنعه ،لنّ العين أمانة في
يده ،لنّه قبض بإذنه ،ول يضمن ما هلك من عمله المأذون فيه ،لنّ المنافع متى صارت
مملوكةً للمستأجر ،فإذا أمره بالتّصرّف في ملكه ،صحّ ،ويصير نائبا منابه ،فيصير فعله
منقو ًل إليه ،كأنّه فعله بنفسه ،فلهذا ل يضمنه وإنّما الضّمان في ذلك على مخدومه .
وينظر تفصيل ذلك في ( :إجارة ) .
ثالثا :ضمان الشّخص فعل الحيوان :
هناك نوعان من الحيوان :
أحدهما الحيوان العاديّ ،والخر الحيوان الخطر ،وفي تضمين جناية كلّ منهما ،خلف
بين الفقهاء ،ونوضّحه فيما يلي :
أ -ضمان جناية الحيوان العاديّ غير الخطر :
-اختلف الفقهاء في ضمان ما يتلفه الحيوان العاديّ ،غير الخطر : 102
فذهب جمهورهم إلى ضمان ما تفسده الدّابّة من الزّرع والشّجر ،إذا وقع في اللّيل ،وكانت
وحدها إذا لم تكن يد لحد عليها .
وأمّا إذا وقع ذلك في النّهار ،ولم تكن يد لحد عليها -أي الدّابّة -فل ضمان فيه .
واستدلّوا بحديث البراء بن عازب رضي ال تعالى عنه » :أنّه كانت له ناقة ضارية فدخلت
حائطا ،فأفسدت فيه ،فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّ حفظ الحوائط بالنّهار
ن حفظ الماشية باللّيل على أهلها ،وأنّ ما أصابت الماشية باللّيل فهوعلى
على أهلها ،وأ ّ
ن العادة من أهل المواشي إرسالها في النّهار للرّعي ،وحفظها
أهلها « قال ابن قدامة :ول ّ
ليلً ،وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون اللّيل ،فإذا ذهبت ليلً كان التّفريط من أهلها ،
بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ .
وإن أتلفت نهارا ،كان التّفريط من أهل الزّرع ،فكان عليهم ،وقد فرّق النّبيّ صلى ال
عليه وسلم بينهما ،وقضى على كلّ إنسان بالحفظ في وقت عادته .
وقال -أيضا : -قال بعض أصحابنا :إنّما يضمن مالكها ما أتلفته ليلً ،إذا فرّط بإرسالها
ل أو نهارا أو لم يضمّها باللّيل ،أو ضمّها بحيث يمكنها الخروج ،أمّا لو ضمّها فأخرجها
لي ً
غيره بغير إذنه ،أو فتح عليها بابها ،فالضّمان على مخرجها ،أو فاتح بابها ،لنّه
المتلف.
وقيّد المالكيّة عدم ضمان التلف نهارا بشرطين :
أوّلهما :أن ل يكون معها راع .
والخر :أن تسرح بعيدا عن المزارع ،وإ ّل فعلى الرّاعي الضّمان .
ل كان
وإن أتلفت البهيمة غير الزّرع والشّجر من النفس والموال ،لم يضمنه مالكها ،لي ً
أو نهارا ،ما لم تكن يده عليها ،واستدلّوا بحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه أنّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :العجماء جبار « ويروى » العجماء جرحها جبار
« ومعنى جبار :هدر .
ل ،بما إذا لم يقصّر في حفظها ،ولم يكن من فعل من
وقيّد المالكيّة ،عدم ضمان ذلك لي ً
معها ،ففي المدوّنة :من قاد قطارا فهو ضامن لما وطئ البعير ،في أوّل القطار أو
ل بيدها أو رجلها ،لم يضمن القائد إلّ أن يكون ذلك من شيء فعله
آخره ،وإن نفحت رج ً
بها .وذهب الحنفيّة إلى أنّ الحيوان إذا أتلف مالً أو نفسا ،فل ضمان على صاحبه
مطلقا ،سواء أوقع ذلك في ليل أم في نهار .
وذلك لحديث » :العجماء جبار « المتقدّم آنفا .
لكن قيّدها محمّد بن الحسن ،بالمنفلتة المسيّبة حيث تسيّب النعام ،كما هو الشّأن في
البراري ،فهذه الّتي جرحها هدر وهذا ما ذكره الطّحاويّ فقد فرّق بين ما إذا كان معها
حافظ فيضمن ،وبين ما إذا لم يكن معها حافظ ،فل يضمن ،وروى في ذلك آثارا .
ولنّه ل صنع له في نفارها وانفلتها ،ول يمكنه الحتراز عن فعلها ،فالمتولّد منه ل
يكون مضمونا .
وأثار المالكيّة -هنا -مسألة ما لو كان الحيوان ممّا ل يمكن الحتراز منه ،ول حراسته
كحمام ،ونحل ،ودجاج يطير .
فذهب ابن حبيب -وهو رواية مطرّف عن مالك -إلى أنّه يمنع أربابها من اتّخاذه ،إن
آذى النّاس .
وذهب ابن القاسم وابن كنانة وأصبغ إلى أنّهم ل يمنعون من اتّخاذه ،ول ضمان عليهم
فيما أتلفته من الزّرع ،وعلى أرباب الزّرع والشّجر حفظها .
وصوّب ابن عرفة الوّل ،لمكان استغناء ربّها عنها ،وضرورة النّاس للزّرع والشّجر .
ويؤيّده -كما قال الدّسوقيّ -قاعدة ارتكاب ،أخفّ الضّررين عند التّقابل ،لكن قال :
ولكن المعتمد -كما قال شيخنا -قول ابن قاسم .
والتّجاهان كذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة .
شروط ضمان جناية الحيوان :
بدا ممّا تقدّم اتّفاق الفقهاء على تضمين جناية الحيوان ،كلّما كان معها راكب أو حافظ ،أو
ذو يد ،ول ب ّد حينئذ من توفّر شروط الضّمان العامّة المتقدّمة :من الضّرر والتّعدّي
والفضاء .
-فالضّرر يستوي فيه الواقع على النّفوس أو الموال ،وصرّح العينيّ بأنّ حديث » : 103
العجماء جبار « المتقدّم ،محتمل لن تكون الجناية على البدان أو الموال ،وذكر أنّ
الوّل أقرب إلى الحقيقة ،لما ورد في الصّحيحين بلفظ » :العجماء جرحها جبار « .
-والتّعدّي بمجاوزة ذي اليد في استعمال الدّابّة ،فحيث استعملها في حدود حقّه ،في 104
ملكه ،أو المحلّ المعدّ للدّوا بّ أو أدخلها ملك غيره بإذنه ،فأتلفت نفسا أو ما ًل ،ل ضمان
عل يه إذ ل ضمان مع الذن بخلف ما لو كان ذلك بغ ير إذن المالك أو أوقف ها في محلّ لم
يعدّ لوقوف الحيوانات ،أو في طر يق الم سلمين ،فإنّه يكون ضامنا ل ما تتل فه حينئذ إذ كلّ
ل لم يؤذن له فيه ضمن ما تولّد منه .
من فعل فع ً
والصل في هذا حديث النّعمان بن بشير رضي ال تعالى عنهما قال :قال رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم » :من أوقف دا ّبةً في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم ،
فأوطأت بيد أو رجل ،فهو ضامن « .
/على أنّه " :ل يضمن صاحب الدّابّة الّتي أضرّت بيدها أو 930 ونصّت المجلّة في المادّة /
/ 931/ ذيلها أو رجلها ،حال كونها في ملكه ،راكبا كان أو لم يكن " ،كما نصّت المادّة
على أنّه " :إذا أدخل أحد دابّته في ملك غيره بإذنه ،ل يضمن جنايتها ،في الصّور الّتي
ذكرت في المادّة آنفا حيث إنّها تعدّ كالكائنة في ملكه ،وإن كان أدخلها بدون إذن صاحبه
يضمن ضرر تلك الدّابّة وخسارها على كلّ حال .
/على أنّه " :إذا ربط شخصان دابّتيهما في مح ّل لهما حقّ 939 كما نصّت في المادّة /
الرّبط فيه ،فأتلفت إحدى الدّابّتين الخرى ،ل يلزم الضّمان " .
وفي النّصوص :لو أوقفها على باب المسجد العظم ،أو مسجد آخر ،يضمن إلّ إذا جعل
المام للمسلمين موضعا يوقفون دوابّهم فل يضمن .
ولو ربط دابّته في مكان ،ثمّ ربط آخر فيه دابّته ،فعضّت إحداهما الخرى ،ل ضمان لو
كان لهما في المربط ولية الرّبط .
ي ،نقلً عن القاضي ،بأنّ الرّبط جناية ،فما تولّد منه ضمنه .
وعلّله الرّمل ّ
-وأمّا الفضاء ،وهو وصول الضّرر مباشرةً أو تسبّبا ،فإنّ فعل الحيوان ل يوصف 105
بمباشرة أو تسبيب ،لنّه ليس ممّا يصحّ إضافة الحكم إليه ،وإنّما يوصف بذلك صاحبه ،
فتطبّق القاعدة العامّة :أنّ المباشر ضامن وإن لم يتعدّ ،والمتسبّب ل يضمن إلّ بالتّعدّي .
ويعتبر ذو اليد على الحيوان ،وصاحبه مباشرا إذا كان راكبا في ملكه أو في ملك غيره ،
ولو بإذنه أو في طريق العامّة ،فيضمن ما يحدثه بتلفه ،وإن لم يتعدّ .
فراكب الدّابّة يضمن ما وطئته برجلها ،أو يدها -كما يقول الكاسانيّ -أي ومات لوجود
ن ثقل الرّاكب على الدّابّة ،والدّابّة
الخطأ في هذا القتل ،وحصوله على سبيل المباشرة ل ّ
آلة له ،فكان القتل الحاصل بثقلها مضافا إلى الرّاكب ،والرّديف والرّاكب سواء ،وعليهما
ن ثقلهما على الدّابّة ،والدّابّة آلة لهما ،
الكفّارة ،ويحرمان من الميراث والوصيّة ،ل ّ
فكانا قاتلين على طريق المباشرة .
ولو كدمت أو صدمت ،فهو ضامن ،ول كفّارة ول حرمان ،لنّه قتل بسبب .
ولو أصابت ومعها سائق وقائد ،فل كفّارة ول حرمان ،لنّه قتل تسبيبا ل مباشرةً ،
بخلف الرّاكب والرّديف .
وهذا خلف ما في مجمع النهر ،حيث نصّ على أنّ الرّاكب في ملكه ل يضمن شيئا ،لنّه
غير متعدّ ،بخلف ما إذا كان في طريق العامّة ،فيضمن للتّعدّي .
ومثال ما لو أتلفت شيئا بتسبيب صاحبها :ما لو أوقفها في ملك غيره ،فجالت في
رباطها ،حيث طال الرّسن فأتلفت شيئا ،ضمن ،لنّه ممسكها في أيّ موضع ذهبت ،ما
دامت في موضع رباطها .
فقد وجد شرط الضّمان بالتّسبيب بالتّعدّي ،وهو الرّبط في ملك غيره .
ومثال اجتماع المباشرة والتّسبيب ،حيث تقدّم المباشرة ،ما لو ربط بعيرا إلى قطار ،
والقائد ل يعلم ،فوطئ البعير المربوط إنسانا ،فقتله ،فعلى عاقلة القائد الدّية ،لعدم
صيانة القطار عن ربط غيره ،فكان متعدّيا -مقصّرا -لكن يرجع على عاقلة الرّابط ،
لنّه هو الّذي أوقعه في هذه العهدة .
وإنّما لم يجب الضّمان عليه ابتداءً ،وكلّ منهما متسبّب ،لنّ الرّبط ،من القود ،بمنزلة
التّسبيب من المباشرة ،لتّصال التّلف بالقود دون الرّبط .
ومثال ما إذا لم يكن مباشرا ول متسبّبا ،حيث ل يضمن ،ما إذا قتل سنّوره حمامةً فإنّه ل
يضمن ،لحديث » :العجماء جرحها جبار « المتقدّم آنفا .
ل أونهارا ضمن مالكها إن عهد
والصحّ عند الشّافعيّة أنّ الهرّة إن أتلفت طيرا أو طعاما لي ً
ذلك منها ،وإلّ فل يضمن في الصحّ .
-ومن مشمولت الفضاء :التّعمّد ،كما لو ألقى هرّ ًة على حمامة أو دجاجة ،فأكلتها 106
بل هو ذو اليد ،القابض على زمامه ،القائم على تصريفه ،ولو لم يكن مالكا ،ولو لم
يحلّ له النتفاع به ،ويشمل هذا السّائس والخادم .
ن الضّمان يجب في مال الّذي هو معها ،سواء كان مالكا أو مستأجرا أو
قال النّوويّ :إ ّ
مستعيرا ،أو غاصبا أو مودعا ،أو وكيلً أو غيره .
ويقول الشّرقاويّ في جناية الدّابّة :ل تتعلّق برقبتها ،بل بذي اليد عليها .
-ولو تعدّد واضعو اليد على الحيوان ،فالضّمان -فيما يبدو من النّصوص -على 108
القوى يدا ،والكثر قدرةً على التّصرّف ،وعند الستواء يكون الضّمان عليهما .
قال الكاسانيّ :وإن كان أحدهما سائقا ،والخر قائدا ،فالضّمان عليهما لنّهما اشتركا في
التّسبيب ،فيشتركان في الضّمان ،وكذلك إذا كان أحدهما سائقا والخر راكبا أو كان
أحدهما قائدا والخر راكبا ،فالضّمان عليهما ،لوجود سبب الضّمان من كلّ واحد منهما ،
إلّ أنّ الكفّارة تجب على الرّاكب وحده ،فيما لو وطئت دابّته إنسانا فقتلته ،لوجود القتل
ي صحّح عدم تضمين السّائق ،لنّ الضافة إلى
منه وحده مباشرةً ،وإن كان الحصكف ّ
المباشر أولى ،لكن السّبب -هنا -ممّا يعمل بانفراده ،فيشتركان كما حقّقه ونقله ابن
عابدين .
وقال ابن قدامة :فإن كان على الدّابّة راكبان ،فالضّمان على الوّل منهما ،لنّه المتصرّف
فيها ،القادر على كفّها ،إلّ أن يكون الوّل منهما صغيرا أو مريضا أو نحوهما ،ويكون
الثّاني المتولّي لتدبيرها ،فيكون الضّمان عليه .
وإن كان مع الدّابّة قائد وسائق ،فالضّمان عليهما ،لنّ كلّ واحد منهما لو انفرد ضمن ،
فإذا اجتمعا ضمنا ،وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب ،ففيه وجهان :
ن الضّمان عليهما جميعا ،لذلك .
أحدهما :أ ّ
والخر :أنّه على الرّاكب ،لنّه أقوى يدا وتصرّفا .
ويحتمل أن يكون على القائد لنّه ل حكم للرّاكب على القائد .
ب -ضمان جناية الحيوان الخطر :
-ويتمثّل في الكبش النّطوح ،والجمل العضوض ،والفرس الكدوم ،والكلب العقور ، 109
كما يتمثّل في الحشرات المؤذية ،والحيّة والعقرب ،والحيوانات الوحشيّة المفترسة ،
وسباع البهائم ،كالسد والذّئب ،وسباع الطّير كالحدأة والغراب ،وفيها مذاهب للفقهاء :
مذهب الحنفيّة هو ضمان ما يتلفه الحيوان الخطر ،من مال أو نفس إذا وجد من مالكه
إشلء أو إغراء أو إرسال ،وهو قول أبي يوسف ،الّذي أوجب الضّمان في هذا كلّه ،
احتياطا لموال النّاس خلفا لبي حنيفة ،والّذي أفتوا به هو :الضّمان بعد الشلء كالحائط
المائل ،في النّفس والمال كما في الغراء .
وعلّل الضّمان بالشلء ،بأنّه بالغراء .يصير الكلب آلةً لعقره ،فكأنّه ضربه بحدّ سيفه .
ي ،وهو :إذا اتّخذ الكلب العقور ،بقصد قتل إنسان
وفي مذهب مالك تفصيل ذكره الدّسوق ّ
معيّن وقتله فالقود ،أنذر عن اتّخاذه أو ل .
وإن قتل غير المعيّن فالدّية ،وكذلك إن اتّخذه لقتل غير المعيّن ،وقتل شخصا فالدّية ،أنذر
أم ل .
وإن اتّخذه لوجه جائز فالدّية إن تقدّم له إنذار قبل القتل ،وإلّ فل شيء عليه .
وإن اتّخذه ل لوجه جائز ضمن ما أتلف ،تقدّم له فيه إنذار أم ل ،حيث عرف أنّه عقور ،
وإلّ لم يضمن ،لنّ فعله حينئذ كفعل العجماء .
ن الحيوان الخطر ينبغي أن يربط ويكفّ شرّه ،كالكلب العقور ،
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
وكالسّنّور إذا عهد منه إتلف الطّير أو الطّعام ،فإذا أطلق الكلب العقور أو السّنّور ،فعقر
إنسانا ،أو أتلف طعاما أو ثوبا ،ليلً أو نهارا ،ضمن ما أتلفه ،لنّه مفرّط باقتنائه
وإطلقه إلّ إذا دخل داره إنسان بغير إذنه ،فعقره ،فل ضمان عليه ،لنّه متعدّ بالدّخول ،
متسبّب بعدم الستئذان لعقر الكلب له ،فإن دخل بإذن المالك فعليه ضمانه ،لنّه تسبّب إلى
إتلفه .
وكذلك إذا اقتنى سنّورا ،يأكل أفراخ النّاس ،ضمن ما أتلفه كالكلب العقور ،وهذا -هو
الصحّ -عند الشّافعيّة ،كلّما عهد ذلك منه ليلً أو نهارا ،قال المحلّيّ :لنّ هذه الهرّة
ينبغي أن تربط ويكفّ شرّها .
أمّا ما يتلفه الكلب العقور لغير العقر ،كما لو ولغ في إناء ،أو بال ،فل يضمن ،لنّ هذا
ص به الكلب العقور .
ل يخت ّ
رابعا :ضمان سقوط المباني :
-بحث الفقهاء موضوع سقوط المباني وضمانها بعنوان :الحائط المائل . 110
ويتناول القول في ضمان الحائط ،ما يلحق به ،من الشّرفات والمصاعد والميازيب
والجنحة ،إذا شيّدت مطّلةً على ملك الخرين أو الطّريق العامّ وما يتّصل بها من أحكام .
وقد ميّز الفقهاء ،بين ما إذا كان البناء ،أو الحائط أو نحوه ،مبنيّا من الصل متداعيا ذا
ل ،وبين ما إذا كان الخلل طارئا ،فهما حالتان :
خلل ،أو مائ ً
الحالة الولى :الخلل الصليّ في البناء :
ل إلى الطّريق العامّ أو
-هو الخلل الموجود في البناء ،منذ النشاء ،كأن أنشئ مائ ً 111
أشرع الجناح أو الميزاب أو الشّرفة ،بغير إذن ،أو أشرعه في غير ملكه .
قال الحنفيّة والمالكيّة إن سقط البناء في هذه الحال ،فأتلف إنسانا أو حيوانا أو ما ًل ،كان
ذلك مضمونا على صاحبه ،مطلقا من غير تفصيل ،ومن غير إشهاد ول طلب ،لنّ في
البناء تعدّيا ظاهرا ثابتا منذ البتداء وذلك بشغل هواء الطّريق بالبناء ،وهواء الطّريق
كأصل الطّريق حقّ المارّة ،فمن أحدث فيه شيئا ،كان متعدّيا ضامنا .
ن النتفاع
والشّافعيّة ل يفرّقون في الضّمان ،بين أن يأذن المام في الشراع أو ل ،ل ّ
بالشّارع مشروط بسلمة العاقبة ،بأن ل يضرّ بالمارّة ،وما تولّد منه مضمون ،وإن كان
إشراعا جائزا .
لكن ما تولّد من الجناح ،في درب منسدّ ،بغير إذن أهله ،مضمون ،وبإذنهم ل ضمان
فيه.
ل إلى الطّريق ،أو إلى ملك غيره ،فتلف به
وقال الحنابلة :وإذا بنى في ملكه حائطا مائ ً
شيء أو سقط على شيء فأتلفه ضمنه ،لنّه متعدّ بذلك ،فإنّه ليس له النتفاع بالبناء في
هواء ملك غيره ،أو هواء مشترك ،ولنّه يعرّضه للوقوع على غيره في غير ملكه ،
ل يصيد به .
فأشبه ما لو نصب فيه منج ً
الحالة الثّانية :الخلل الطّارئ :
-إذا أنشئ البناء مستقيما ثمّ مال ،أو سليما ثمّ تشقّق ووقع ،وحدث بسبب وقوعه 112
تلف ،فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة -استحسانا -والمالكيّة ،وهو المختار عند
الحنابلة ،والمرويّ عن عليّ رضي ال عنه وشريح والنّخعيّ والشّعبيّ وغيرهم من
التّابعين إلى أنّه يضمن ما تلف به ،من نفس أو حيوان أو مال ،إذا طولب صاحبه
بالنّقض ،وأشهد عليه ،ومضت مدّة يقدر على النّقض خللها ،ولم يفعل .
وهذا قول عند الشّافعيّة ،فقد قالوا :إن أمكنه هدمه أو إصلحه ،ضمن ،لتقصيره بترك
النّقض والصلح .
والقياس عند الحنفيّة عدم الضّمان ،لنّه لم يوجد من المالك صُنْ ٌع هو تعدّ ،لنّ البناء كان
في ملكه مستقيما ،والميلن وشغل الهواء ليس من فعله ،فل يضمن ،كما إذا لم يشهد
عليه ،ولما قالوه في هذه المسألة :ومن قتله الحجر ،بغير فعل البشر ،فهو بالجماع
هدر .
ن الحائط لمّا
ووجه الستحسان :ما روي عن الئمّة من الصّحابة والتّابعين المذكورين ،وأ ّ
مال فقد شغل هواء الطّريق بملكه ،ورفعه بقدرة صاحبه ،فإذا تقدّم إليه وطولب بتفريغه
لزمه ذلك ،فإذا امتنع مع تمكّنه صار متعدّيا .
ولنّه لو لم يضمن يمتنع من الهدم ،فينقطع المارّة خوفا على أنفسهم ،فيتضرّرون به ،
ص يتحمّل لدفع العامّ .
ودفع الضّرر العامّ من الواجب ،وكم من ضرر خا ّ
ن المطالبة
ن الشّرط هو التّقدّم ،دون الشهاد ،ل ّ
ص الحنفيّة على أ ّ
ومع ذلك فقد ن ّ
تتحقّق ،وينعدم به معنى العذر في حقّه ،وهو الجهل بميل الحائط .
أمّا الشهاد فللتّمكّن من إثباته عند النكار ،فكان من باب الحتياط .
والمالكيّة يشترطون الشهاد مع النذار ،فإذا انتفى النذار والشهاد فل ضمان ،إلّ أن
يعترف بذلك مع تفريطه فيضمن ،كما أنّ الشهاد المعتبر عندهم يكون عند الحاكم ،أو
جماعة المسلمين ولو مع إمكان الشهاد عند الحاكم .
-وشروط التّقدّم أو النذار هي :ومعنى التّقدّم :طلب النّقض ممّن يملكه ،وذلك بأن 113
يقول المتقدّم :إنّ حائطك هذا مخوف ،أو يقول :مائل فانقضه أو اهدمه ،حتّى ل يسقط
ول يتلف شيئا ،ولو قال :ينبغي أن تهدمه ،فذلك مشورة .
أ -أن يكون التّقدّم ممّن له حقّ مصلحة في الطّلب .
ل إلى
وفرّقوا في هذا :بين ما إذا كان الحائط مائلً إلى الطّريق العامّ ،وبين ما إذا كان مائ ً
ملك إنسان .
ففي الصّورة الولى :يصحّ التّقدّم من كلّ مكلّف ،مسلم أو غيره ،وليس للمتقدّم ول
ق العامّة ،وتصرّفه
للقاضي حقّ إبراء صاحب الحائط ،ول تأخيره بعد المطالبة ،لنّه ح ّ
في حقّ العامّة نافذ -كما يقول الحصكفيّ نقلً عن الذّخيرة -فيما ينفعهم ،ل فيما يضرّهم
ح التّقدّم إلّ من المالك الّذي شغل الحائط هواء ملكه ،كما
.وفي الصّورة الثّانية :ل يص ّ
أنّ له حقّ البراء والتّأخير .
ل إلى الطّريق الخاصّ ،يلزم
/على أنّه لو كان الحائط مائ ً 928 بل نصّت المجلّة في المادّة /
أن يكون الّذي تقدّم ممّن له حقّ المرور في ذلك الطّريق .
ب -أن يكون الطّلب قبل السّقوط بمدّة يقدر على النّقض خللها ،لنّ مدّة التّمكّن من
إحضار الجراء مستثناة في الشّرع .
ج -أن يكون التّقدّم بعد ميل الحائط ،فلو طلب قبل الميل لم يصحّ ،لعدم التّعدّي .
د -أن يكون التّقدّم إلى من يملك النّقض ،كالمالك ووليّ الصّغير ،ووصيّه ووصيّ
المجنون ،والرّاهن ،وكذا الواقف والقيّم على الوقف وأحد الشّركاء ،بخلف المرتهن
والمستأجر والمودع ،لنّهم ليست لهم قدرة على التّصرّف ،فل يفيد طلب النّقض منهم ،
ول يعتبر فيهم النذار كما قال الدّردير ،ولهذا ل يضمنون ما تلف من سقوطه ،بل قال
الحصكفيّ :ل ضمان أصلً على ساكن ول مالك .
ومحلّ هذه الشّروط -كما قال الدّسوقيّ :إذا كان منكرا للميلن ،أمّا إذا كان مقرّا به فل
يشترط ذلك .
-وذهب الشّافعيّة إلى عدم الضّمان مطلقا بسقوط البناء ،إذا مال بعد بنائه مستقيما 114
والصول :
الوّل :كلّ موضع يجوز للواضع أن يضع فيه أشياءه ل يضمن ما يترتّب على وضعها فيه
ن الجواز الشّرعيّ ينافي الضّمان .
من ضرر ،ل ّ
الثّاني :كلّ موضع ل يجوز له أن يضع فيه أشياءه يضمن ما ينشأ عن وضعها فيه من
أضرار ،ما دامت في ذلك الموضع ،فإن زالت عنه لم يضمن .
الثّالث :كلّ من فعل فعلً لم يؤذن له فيه ،ضمن ما تولّد عنه من ضرر .
الرّابع :أنّ المرور في طريق المسلمين مباح ،بشرط السّلمة فيما يمكن الحتراز عنه .
الخامس :أنّ المتسبّب ضامن إذا كان متعدّيا ،وإلّ ل يضمن ،والمباشر ضامن مطلقا .
ومن الفروع الّتي انبثقت منها هذه الصول :
أ -من وضع جرّةً أو شيئا في طريق ل يملكه فتلف به شيء ضمن ،ولو زال ذلك الشّيء
الموضوع أ ّولً إلى موضع آخر -غير الطّريق -فتلف به شيء ،برئ واضعه ولم
يضمن.
ب -لو قعد في الطّريق ليبيع ،فتلف بقعدته شيء :فإن كان قعد بإذن المام ل يضمنه ،
وإن كان بغير إذنه يضمنه وللحنابلة قولن في الضّمان .
ج -ولو وضع جرّةً على حائط ،فأهوت بها الرّيح ،وتلف بوقوعها شيء ،لم يضمن ،
إذ انقطع أثر فعله بوضعه ،وهو غير متعدّ في هذا الوضع بأن وضعت الجرّة وضعا مأمونا
،فل يضاف إليه التّلف .
د -لو حمل في الطّريق شيئا على دابّته أو سيّارته ،فسقط المحمول على شيء فأتلفه أو
اصطدم بشيء فكسره ،ضمن الحامل ،لنّ الحمل في الطّريق مباح بشرط السّلمة ،ولنّه
أثر فعله .
ولو عثر أحد بالحمل ضمن ،لنّه هو الواضع ،فلم ينقطع أثر فعله .
هع – لو ألقى في الطّريق قشرا ،فزلقت به دابّة ،ضمن ،لنّه غير مأذون فيه ،وهو
الصّحيح عند الشّافعيّة ،ومقابل الصّحيح عندهم :أنّه غير مضمون ،لجريان العادة
بالمسامحة في طرح ما ذكر .
ش في الطّريق ما ًء ،فتلفت به دابّة ،ضمن ،وقال القليوبيّ :إنّه غير مضمون
وكذا لو ر ّ
إذا كان لمصلحة عامّة ،ولم يجاوز العادة ،وإلّ فهو مضمون على الرّاشّ ،لنّه المباشر .
القسم الثّاني :ضمان التّلف بالشياء الخطرة :
» ي صلى ال عليه وسلم
-روى أبو موسى الشعريّ رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ 117
إذا م ّر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ،ومعه نبل ،فليمسك على نصالها -أو قال :
فليقبض بكفّه -أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء « .
وفي الفروع :لو انفلتت فأس من يد قصّاب ،كان يكسر العظم ،فأتلف عضو إنسان ،
يضمن ،وهو خطأ .
ول تعليل للضّمان في هذه المسألة إلّ التّقصير في رعاية هذه اللة الحادّة ،وعدم الحتراز
أثناء الستعمال ،فاستدلّ بوقوع الضّرر على التّعدّي ،وأقيم مقامه .
ن ذا اليد على الشياء الخطرة يضمن من الضرار المترتّبة عليها ما كان
وقال الحنفيّة :إ ّ
بفعله ،ول يضمن ما كان بغير فعله .ومن نصوصهم :
أ -لو خرج البارود من البندقيّة بفعله ،فأصاب آدميّا أو مالً ضمن ،قياسا على ما لو
طارت شرارة من ضرب الحدّاد ،فأصابت ثوب مارّ في الطّريق ،ضمن الحدّاد .
ب -ولو هبّت الرّيح فحملت نارا ،وألقتها على البندقيّة ،فخرج البارود ،ل ضمان .
ج -ولو وقع الزّند المتّصل بالبندقيّة المجرّبة ،الّتي تستعمل في زماننا ،على البارود
بنفسه ،فخرجت رصاصتها ،أو ما بجوفها ،فأتلف مالً أو آدميّا ،فإنّه ل ضمان .
ضمان الصطدام :
تناول الفقهاء حوادث الصطدام ،وميّزوا بين اصطدام النسان والحيوان ،وبين اصطدام
الشياء كالسّفن ونحوها .
أ ّولً :اصطدام النسان :
-ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا اصطدم الفارسان خطأً وماتا منه ضمنت عاقلة كلّ فارس 118
دية الخر إذا وقعا على القفا ،وإذا وقعا على وجوههما يهدر دمهما .
ولو كانا عامدين فعلى عاقلة كلّ نصف الدّية ،ولو وقع أحدهما على وجهه هدر دمه فقط .
ل فانقطع الحبل ،فسقطا على القفا وماتا هدر دمهما ،لموت كلّ
وإذا تجاذب رجلن حب ً
بقوّة نفسه ،فإن وقعا على الوجه وجب دية كلّ واحد منهما على الخر ،لموته بقوّة
ل فماتا معا ،فل قصاص
صاحبه .وعند المالكيّة :إن تصادم مكلّفان عمدا ،أو تجاذبا حب ً
ول دية وإن مات أحدهما فقط فالقود .
وإن تصادما خطأً فماتا ،فدية كلّ واحد منهما على عاقلة الخر ،وإن مات أحدهما فديته
على من بقي منها .
وإن كان التّجاذب لمصلحة فل قصاص ول دية ،كما يقع بين صنّاع الحبال فإذا تجاذب
ل لصلحه فماتا أو أحدهما فهو هدر .
صانعان حب ً
ولو تصادم الصّبيّان فماتا ،فدية كلّ واحد منهما على عاقلة الخر ،سواء حصل التّصادم
ن فعل الصّبيان عمدا حكمه كالخطأ .
أو التّجاذب بقصد أو بغير قصد ،ل ّ
وذهب الشّافعيّة :إلى أنّه إذا اصطدم شخصان -راكبان أو ماشيان ،أو راكب وماش
طويل -بل قصد ،فعلى عاقلة كلّ منهما نصف دية مخفّفة ،لنّ كلّ واحد منهما هلك
بفعله ،وفعل صاحبه ،فيهدر النّصف ،ولنّه خطأ محض ،ول فرق بين أن يقعا منكبّين أو
مستلقيين ،أو أحدهما منكبّا والخر مستلقيا .
ن كلّ واحد
وإن قصدا الصطدام فنصف الدّية مغلّظةً على عاقلة كلّ منهما لورثة الخر ،ل ّ
ن القتل حينئذ شبه عمد فتكون الدّية
منهما هلك بفعله وفعل صاحبه ،فيهدر النّصف ،ول ّ
مغلّظةً ،ول قصاص إذا مات أحدهما دون الخر ،لنّ الغالب أنّ الصطدام ل يفضي إلى
الموت .
والصّحيح أنّ على كلّ منهما في تركته كفّارتين :إحداهما لقتل نفسه ،والخرى لقتل
ن الكفّارة ل تتجزّأ .
صاحبه ،لشتراكهما في إهلك نفسين ،بناءً على أ ّ
وفي تركة كلّ منهما نصف قيمة دية الخر ،لشتراكهما في التلف ،مع هدر فعل كلّ
ق نفسه .
منهما في ح ّ
ولو تجاذبا حبلً فانقطع وسقطا وماتا ،فعلى عاقلة كلّ منهما نصف دية الخر ،سواء
أسقطا منكبّين أم مستلقيين ،أم أحدهما منكبّا والخر مستلقيا ،وإن قطعه غيرهما فديتهما
على عاقلته .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اصطدم الفارسان ،فعلى كلّ واحد من المصطدمين ضمان ما
تلف من الخر من نفس أو دابّة أو مال ،سواء كانا مقبلين أم مدبرين ،لنّ كلّ واحد
منهما مات من صدمة صاحبه وإنّما هو قربها إلى محلّ الجناية ،فلزم الخر ضمانها كما
ن قيمة الدّابّتين إن تساوتا تقاصّا وسقطتا ،وإن كانت
لو كانت واقفةً إذا ثبت هذا ،فإ ّ
إحداهما أكثر من الخرى فلصاحبها الزّيادة ،وإن ماتت إحدى الدّابّتين فعلى الخر قيمتها ،
وإن نقصت فعليه نقصها .
فإن كان أحدهما يسير بين يدي الخر ،فأدركه الثّاني فصدمه فماتت الدّابّتان ،أو إحداهما
فالضّمان على اللحق ،لنّه الصّادم والخر مصدوم ،فهو بمنزلة الواقف .
ص أحمد على هذا
وإن كان أحدهما يسير والخر واقفا ،فعلى السّائر قيمة دابّة الواقف ،ن ّ
لنّ السّائر هو الصّادم المتلف ،فكان الضّمان عليه وإن مات هو أو دابّته فهو هدر ،لنّه
أتلف نفسه ودابّته ،وإن انحرف الواقف فصادفت الصّدمة انحرافه فهما كالسّائرين ،لنّ
التّلف حصل من فعلهما ،وإن كان الواقف متعدّيا بوقوفه ،مثل أن يقف في طريق ضيّق
فالضّمان عليه دون السّائر ،لنّ التّلف حصل بتعدّيه فكان الضّمان عليه ،كما لو وضع
حجرا في الطّريق ،أو جلس في طريق ضيّق فعثر به إنسان .
وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا ،فعلى عاقلة ك ّل واحد منهما دية الخر ،روي هذا عن
ي رضي ال عنه والخلف -هاهنا -في الضّمان كالخلف فيما إذا اصطدم الفارسان ،
عل ّ
ق ،لكون الضّمان على
إلّ أنّه ل تقاصّ -هاهنا -في الضّمان ،لنّه على غير من له الح ّ
ق مثل أن تكون العاقلة
عاقلة كلّ واحد منهما ،وإن اتّفق أن يكون الضّمان على من له الح ّ
هي الوارثة ،أو يكون الضّمان على المتصادمين تقاصّا ،ول يجب القصاص سواء كان
ن الصّدمة ل تقتل غالبا ،فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد
اصطدامهما عمدا أو خطأً ،ل ّ
الخطأ .
ثانيا :اصطدام الشياء :
السّفن والسّيّارات :
-قال الفقهاء :إذا كان الصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ ،كهبوب الرّيح أو العواصف، 119
-أن يكون الصّول حالً ،والصّائل شاهرا سلحه أو سيفه ،ويخاف منه الهلك ،بحيث 1
ل يمكن المصول عليه ،أن يلجأ إلى السّلطة ليدفعه عنه .
-أن يسبقه إنذار وإعلم للصّائل ،إذا كان ممّن يفهم الخطاب كالدميّ ،وذلك بأن 2
يناشده اللّه ،فيقول :ناشدتك اللّه إلّ ما خلّيت سبيلي ،ثلث مرّات ،أو يعظه ،أو يزجره
لعلّه ينكفّ ،فأمّا غيره ،كالصّبيّ والمجنون -وفي حكمهما البهيمة -فإنّ إنذارهم غير
ن النذار
مفيد ،وهذا ما لم يعاجل بالقتال ،وإلّ فل إنذار ،قال الخرشيّ :والظّاهر أ ّ
مستحبّ ،وهو الّذي قاله الدّردير :بعد النذار ندبا .
ي :ويجب تقديم النذار ،في كلّ دفع ،إلّ في مسألة النّظر إلى حرم النسان
وقال الغزال ّ
من كوّة .
-كما يشترط أن يكون الدّفع على سبيل التّدرّج :فما أمكن دفعه بالقول ل يدفع بالضّرب، 3
وما أمكن دفعه بالضّرب ل يدفع بالقتل ،وذلك تطبيقا للقواعد الفقهيّة المقرّرة في نحو
هذا ،كقاعدة الضّرر الشدّ يزال بالضّرر الخفّ .
-وشرط المالكيّة أن ل يقدر المصول عليه على الهروب ،من غير مضرّة تحصل له ، 4
فإن كان يقدر على ذلك بل مضرّة ول مشقّة تلحقه ،لم يجز له قتل الصّائل ،بل ول
جرحه ،ويجب هربه منه ارتكابا لخفّ الضّررين .
الضّمان في دفع الصّائل :
-ذهب الجمهور إلى أنّه إن أدّى دفع الصّائل إلى قتله ،فل شيء على الدّافع . 121
-لو ابتلعت دجاجة لؤلؤةً ،ينظر إلى أكثرهما قيمةً ،فيضمن صاحب الكثر قيمة القلّ . 3
-إذا مضت مدّة الجارة ،والزّرع بقل ،لم يحصد بعد ،فإنّه يترك بالقضاء أو الرّضى ، 4
ن له نهايةً .
بأجر المثل إلى إدراكه رعايةً للجانبين ،ل ّ
ج -حال تنفيذ المر :
-يشترط لنتفاء الضّمان عن المأمور وثبوته على المر ،ما يلي : 123
-أن يكون المأمور به جائز الفعل ،فلو لم يكن جائزا فعله ضمن الفاعل ل المر ،فلو 1
غيره فأخذه ،ضمن الخذ ل المر ،لعدم الولية عليه أصلً ،فلم يصحّ المر ،وفي كلّ
موضع لم يصحّ المر كان الضّمان على المأمور ،ولم يضمن المر .
ح المر بالشّرطين السّابقين ،وقع الضّمان على المر ،وانتفى عن المأمور ولو
وإذا ص ّ
كان مباشرا ،لنّه معذور لوجوب طاعته لمن هو في وليته ،كالولد إذا أمره أبوه ،
والموظّف إذا أمره رئيسه .
قال الحصكفيّ :المر ل ضمان عليه بالمر ،إلّ إذا كان المر سلطانا أو أبا أو سيّدا ،أو
كان المأمور صبيّا أو عبدا .
وكذا إذا كان مجنونا ،أو كان أجيرا للمر .
د -حال تنفيذ إذن المالك وغيره :
-الصل أنّه ل يجوز لحد أن يتصرّف في ملك الغير بل إذنه ،فإن أذن وترتّب على 124
الفعل المأذون به ضرر انتفى الضّمان ،لكن ذلك مشروط :بأن يكون الشّيء المأذون
بإتلفه مملوكا للذن ،أو له ولية عليه .
وأن يكون الذن بحيث يملك هو التّصرّف فيه ،وإتلفه ،لكونه مباحا له .
وعبّر المالكيّة عن ذلك بأن يكون الذن معتبرا شرعا .
وقال الشّافعيّة :ممّن يعتبر إذنه ،فلو انتفى الذن أصلً ،كما لو استخدم سيّارة غيره بغير
إذنه ،أو قاد دابّته ،أو ساقها ،أو حمل عليها شيئا ،أو ركبها فعطبت ،فهو ضامن .
أو انتفى الملك -كما لو أذن شخص لخر بفعل ترتّب عليه إتلف ملك غيره -ضمن
المأذون له ،لنّه ل يجوز التّصرّف في مال غيره بل إذنه ول وليته .
ولو أذن الخر بإتلف ماله ،فأتلفه فل ضمان ،كما لو قال له :أحرق ثوبي ففعل ،فل
يغرم ،إلّ الوديعة إذا أذن له بإتلفها يضمنها ،للتزامه حفظها ،ولو داوى الطّبيب صبيّا
ي نفسه ،فمات أو عطب ،ضمن الطّبيب ،ولو كان الطّبيب عالما ،ولو لم
بإذن من الصّب ّ
يقصّر ،ولو أصاب وجه العلم والصّنعة لنّ إذن الصّبيّ غير معتبر شرعا .
وكذا لو أذن الرّشيد لطبيب في قتله ففعل ،لنّ هذا الذن غير معتبر شرعا ،وهذا عند
المالكيّة .
ن الباحة ل تجري في النّفس ،لنّ
وقال الحنفيّة :لو قال له اقتلني فقتله ،ضمن ديته ،ل ّ
النسان ل يملك إتلف نفسه ،لنّه محرّم شرعا ،لكن يسقط القصاص ،لشبهة الذن ،
كما يقول الحصكفيّ ،وهو قول للشّافعيّة .
وفي قول للحنفيّة :ل تجب الدّية أيضا ،وهو قول سحنون من المالكيّة ،وهو الظهر عند
الشّافعيّة ،فهو هدر للذن ،وفي قول ابن قاسم :يقتل ،وهو قول الحنفيّة .
هع – حال تنفيذ أمر الحاكم أو إذنه :
– إذا ترتّب على تنفيذ أمر الحاكم ،أو إذنه بالفعل ضرر ،ففيه خلف وتفصيل . 125
فلو حفر حفرةً في طريق المسلمين العامّ ،أو في مكان عامّ لهم ،كالسّوق والمنتدى
والمحتطب والمقبرة ،أو أنشأ بنا ًء ،أو شقّ ترع ًة ،أو نصب خيم ًة ،فعطب بها رجل ،أو
تلف بها إنسان ،فديته على عاقلة الحافر ،وإن تلف بها حيوان ،فضمانه في ماله ،لنّ
ق العامّة ل خلف في ذلك .
ذلك تعدّ وتجاوز ،وهو محظور في الشّرع صيان ًة لح ّ
فإن كان ذلك بإذن الحاكم أو أمره أو أمر نائبه :فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يضمن ،لنّه
ن للمام وليةً عا ّمةً على الطّريق ،إذ ناب عن العامّة ،فكان كمن
غير متعدّ حينئذ ،فإ ّ
فعله في ملكه .
ي أو غيره ضمن الحافر
وقال المالكيّة :لو حفر بئرا في طريق المسلمين فتلف فيها آدم ّ
لتسبّبه في تلفه ،أذن السّلطان أو لم يأذن ويمنع من ذلك البناء .
وقال الشّافعيّة :لو حفر بطريق ضيّق يضرّ المارّة فهو مضمون وإن أذن فيه المام ،إذ
ليس له الذن فيما يض ّر ،ولو حفر في طريق ل يضرّ المارّة وأذن فيه المام فل ضمان ،
سواء حفر لمصلحة نفسه أو لمصلحة المسلمين ،وإن لم يأذن فإن حفر لمصلحته فقط
فالضّمان فيه ،أو لمصلحة عامّة فل ضمان في الظهر لجوازه ،ومقابل الظهر :فيه
الضّمان ،لنّ الجواز مشروط بسلمة العاقبة .
وفصّل الحنابلة ناظرين إلى الطّريق :فإن كان الطّريق ضيّقا ،فعليه ضمان من هلك به ،
لنّه متعدّ ،سواء أذن المام أو لم يأذن ،فإنّه ليس للمام الذن فيما يضرّ بالمسلمين ،
ولو فعل ذلك المام ،يضمن ما تلف به ،التّعدية .
وإن كان الطّريق واسعا ،فحفر في مكان يضرّ بالمسلمين ،فعليه الضّمان كذلك .
وإن حفر في مكان ل ضرر فيه ،نظرنا :فإن حفر لنفسه ،ضمن ما تلف بها ،سواء
حفرها بإذن المام ،أو بغير إذنه وإن حفرها لنفع المسلمين -كما لو حفرها لينزل فيها
ماء المطر ،أو لتشرب منه المارّة -فل يضمن ،إذا كان بإذن المام ،وإن كان بغير
إذنه ،ففيه روايتان :
إحداهما :أنّه ل يضمن .
والخرى :أنّه يضمن ،لنّه افتات على المام .
الضّمان في الزّكاة :
في ضمان زكاة المال ،إذا هلك النّصاب حالتان :
الحالة الولى :
-لو هلك المال بعد تمام الحول ،والتّمكّن من الداء : 126
فذهب الجمهور ،إلى أنّ الزّكاة تضمن بالتّأخير ،وعليه الفتوى عند الحنفيّة .
ن وجوب
وذهب بعض الحنفيّة كأبي بكر الرّازيّ ،إلى عدم الضّمان في هذه الحال ،ل ّ
الزّكاة على التّراخي ،وذلك لطلق المر بالزّكاة ،ومطلق المر ل يقتضي الفور ،فيجوز
للمكلّف تأخيره ،كما يقول الكمال .
الحالة الثّانية :
-لو أتلف المالك المال بعد الحول ،قبل التّمكّن من إخراج الزّكاة ،فإنّها مضمونة عند 127
الجمهور أيضا ،وهو الّذي أطلقه النّوويّ ،وأحد قولين عند الحنفيّة ،لنّها كما قال
ي الحول ،وعلّله الحنفيّة بوجود التّعدّي منه .
البهوتيّ استقرّت بمض ّ
والقول الخر عند الحنفيّة :أنّه ل يضمن .
ن أنّه مصرفها ،فبان غير ذلك ففي الجزاء
-لو دفع المزكّي زكاته بتح ّر ،إلى من ظ ّ 128
-عند الجمهور -من طير أو دابّة ،سواء أصيد من حرم أم من غيره ،وذلك بقوله
تعالىَ { :وحُ ّرمَ عَلَ ْي ُكمْ صَيْ ُد الْبَرّ مَا ُدمْ ُتمْ حُرُما } .
وأطلق المالكيّة عدم جواز قتل شيء من صيد الب ّر ،ما أكل لحمه وما لم يؤكل ،لكنّهم
أجازوا -كالجمهور -قتل الحيوانات المضرّة :كالسد ،والذّئب ،والحيّة ،والفأرة ،
والعقرب ،والكلب العقور ،بل استحبّ الحنابلة قتلها ،ول يقتل ضبّ ول خنزير ول قرد ،
إلّ أن يخاف من عاديته .
وأوجب الشّارع في الصّيد المنهيّ عنه بالحرم وبالنّسبة للمحرم ضمان مثل الحيوان المصيد
من النعام ،فيذبحه في الحرم ويتصدّق به ،أو ضمان قيمته من الطّعام -إن لم يكن له
مثل -فيتصدّق بالقيمة ،أو صيام يوم عن طعام كلّ مسكين ،وهو المدّ عند الشّافعيّة ،
ونصف الصّاع من البرّ ،أو الصّاع من الشّعير عند الحنفيّة .
ن ال ّنعَمِ } ...الية .
وهذا التّخيير في الجزاء ،لقوله تعالى َ { :فجَزَاء مّ ْث ُل مَا قَ َتلَ مِ َ
ضمان الطّبيب ونحوه :
-مثل الطّبيب :الحجّام ،والختّان ،والبيطار ،وفي ضمانهم خلف : 134
يقول الحنفيّة :في الطّبيب إذا أجرى جراحةً لشخص فمات ،إذا كان الشّقّ بإذن ،وكان
معتادا ،ولم يكن فاحشا خارج الرّسم ،ل يضمن .
ن اشتراط الضّمان على المين
وقالوا :لو قال الطّبيب :أنا ضامن إن مات ل يضمن ديته ل ّ
ن هذا الشّرط غير مقدور عليه ،كما هو شرط المكفول به .
باطل ،أو ل ّ
وقال ابن نجيم :قطع الحجّام لحما من عينه ،وكان غير حاذق ،فعميت ،فعليه نصفا
الدّية.
وقال المالكيّة :في الطّبيب والبيطار والحجّام ،يختن الصّبيّ ،ويقلع الضّرس ،فيموت
صاحبه ل ضمان على هؤلء ،لنّه ممّا فيه التّعزير ،وهذا إذا لم يخطئ في فعله ،فإن
أخطأ فالدّية على عاقلته .
وينظر :فإن كان عارفا فل يعاقب على خطئه ،وإن كان غير عارف ،وغرّ من نفسه ،
فيؤدّب بالضّرب والسّجن ،وقالوا :الطّبيب إذا جهل أو قصّر ضمن ،والضّمان على
ي.
العاقلة ،وكذا إذا داوى بل إذن ،أو بل إذن معتبر ،كالصّب ّ
وقال الشّافعيّ :في الحجّام والختّان ونحوهما :إن كان فعل ما يفعله مثله ،ممّا فيه
الصّلح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصّناعة ،فل ضمان عليه ،وله أجره .
وإن كان فعل ما ل يفعله مثله ،كان ضامنا ،ول أجر له في الصحّ .
وللشّافعيّة في الختان تفصيل بين الوليّ وغيره :فمن ختنه في سنّ ل يحتمله ،لزمه
القصاص ،إلّ الوالد ،وإن احتمله ،وختنه وليّ ختان ،فل ضمان عليه في الصحّ .
ضمان المعزّر :
ن المام مأمور بالتّعزير،
-قال الحنفيّة :من عزّره المام فهلك ،فدمه هدر ،وذلك ل ّ 135
وفعل المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة في التّعزير الواجب ،وقيّده جمهور المالكيّة بأن يظنّ
المام سلمته ،وإلّ ضمن ،وكذلك الشّافعيّة يرون التّعزير مقيّدا بسلمة العاقبة .
ن سلمة
ومعنى هذا :أنّ التّعزير إذا أفضى إلى التّلف ل يضمن عند الجمهور بشرط ظ ّ
العاقبة ،لنّه مأذون فيه ،فل يضمن ،كالحدود ،وهذا ما لم يسرف ،كما نصّ عليه
الحنابلة بأن يجاوز المعتاد ،أو ما يحصل به المقصود ،أو يضرب من ل عقل له من صبيّ
أو مجنون أو معتوه ،فإنّه يضمن حينئذ ،لنّه غير مأذون بذلك شرعا .
وللتّفصيل يراجع مصطلح ( :تعزير ) .
ضمان المؤدّب والمعلّم :
-ذهب الفقهاء إلى منع التّأديب والتّعليم بقصد التلف وترتّب المسئوليّة على ذلك ، 136
واختلفوا في حكم الهلك من التّأديب المعتاد ،وفي ضمانه تفصيل ينظر في مصطلحي :
). 14 ،وتعليم ف 11 ( تأديب ف
ضمان قطّاع الطّريق :
-اختلف الفقهاء في تضمين قطّاع الطّريق ما أخذوه من الموال أثناء الحرابة ،وذلك 137
بعد إقامة الحدّ عليهم فذهب جمهور الفقهاء إلى تضمينهم ،وفي ذلك تفصيل ينظر في
). 22 ( حرابة ف
ضمان البغاة :
ن العادل إذا أصاب من أهل البغي ،من دم أو جراحة ،أو مال
-ل خلف في أ ّ 138
استهلكه أنّه ل ضمان عليه ،وذلك في حال الحرب وحال الخروج ،لنّه ضرورة ،ولنّا
مأمورون بقتالهم ،فل نضمن ما تولّد منه .
أمّا إذا أصاب الباغي من أهل العدل شيئا من نفس أو مال فمذهب الجمهور -وهو الرّاجح
عند الشّافعيّة -أنّه موضوع ،ول ضمان فيه .
وفي قول للشّافعيّة :أنّه مضمون ،يقول الرّمليّ من الشّافعيّة :لو أتلفوا علينا نفسا أو
ي بأنّهما
مالً ضمنوه ،وعلّق عليه الشّبراملّسي بقوله :أي بغير القصاص ،وعلّله الشّربين ّ
فرقتان من المسلمين ،محقّة ومبطلة ،فل يستويان في سقوط الغرم ،كقطّاع الطّريق ،
لشبهة تأويلها .
واستدلّ الجمهور بما روي عن الزّهريّ ،أنّه قال :وقعت الفتنة ،وأصحاب رسول اللّه
ن كلّ دم استحلّ بتأويل القرآن فهو
صلى ال عليه وسلم متوافرون ،فاتّفقوا على أ ّ
موضوع ،وكلّ مال استحلّ بتأويل القرآن فهو موضوع .
قال الكاسانيّ :ومثله ل يكذب ،فوقع الجماع من الصّحابة -رضي ال عنهم -على
ذلك ،وهو حجّة قاطعة .
ولنّ الولية من الجانبين منقطعة ،لوجود المنعة ،فلم يكن وجوب الضّمان مفيدا لتعذّر
الستيفاء ،فلم يجب .
ولنّ تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من الرّجوع إلى الطّاعة فسقط ،كأهل الحرب ،أو كأهل
العدل .
هذا الحكم في حال الحرب ،أمّا في غير حال الحرب ،فمضمون .
ضمان السّارق للمسروق :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّ المسروق إن كان قائما فإنّه يجب ردّه إلى من سرق 139
منه .
). 24 ج 80 ، 79 فإن تلف ففي ضمانه تفصيل ينظر في مصطلح ( :سرقة ف
ضمان إتلف آلت اللّهو :
-آلة اللّهو :كالمزمار ،والدّفّ ،والبربط ،والطّبل ،والطّنبور ،وفي ضمانها بعض 140
الخلف :
فمذهب الجمهور ،والصّاحبين من الحنفيّة ،أنّها ل تضمن بالتلف وذلك :لنّها ليست
محترمةً ،ل يجوز بيعها ول تملّكها ،ولنّها محرّمة الستعمال ،ول حرمة لصنعتها .
ومذهب أبي حنيفة أنّه يضمن بكسرها قيمتها خشبا منحوتا صالحا لغير اللّهو ل مثلها ،
ف يضمن قيمته دفّا يوضع فيه القطن ،وفي البربط يضمن قيمته قصعة ثريد .
ففي الدّ ّ
ويصحّ بيعها ،لنّها أموال متقوّمة لصلحيّتها بالنتفاع بها في غير اللّهو ،فلم تناف
الضّمان ،كالمة المغنّية ،بخلف الخمر فإنّها حرام لعينها ،والفتوى على مذهب
الصّاحبين ،أنّه ل يضمنها ،ول يصحّ بيعها .
ف الّذي يباح ضربه في العرس ،فمضمون اتّفاقا ،
قالوا :وأمّا طبل الغزاة والصّيّادين والدّ ّ
كالمة المغنّية ،والكبش النّطوح ،والحمامة الطّيّارة ،والدّيك المقاتل .
حيث تجب قيمتها غير صالحة لهذا المر .
وذكر ابن عابدين ،أنّ هذا الختلف بين أبي حنيفة وبين صاحبيه إنّما هو :في الضّمان ،
دون إباحة إتلف المعازف ،وفيما يصلح لعمل آخر ،وإلّ لم يضمن شيئا اتّفاقا ،وفيما إذا
فعل بغير إذن المام ،وإلّ لم يضمن اتّفاقا .
وفي غير عود المغنّي وخابية الخمّار ،لنّه لو لم يكسرها لعاد لفعله القبيح ،وفيما إذا كان
ي ضمن اتّفاقا قيمته بالغا ما بلغ ،وكذا لو كسر صليبه ،لنّه مال متقوّم
لمسلم ،فلو لذمّ ّ
في حقّه .
ضمان ما يترتّب على ترك الفعل :
ل من
-لمال المسلم حرمة كما لنفسه ،وقد اختلف الفقهاء في تضمين من يترك فع ً 141
حتّى خفّت السّفينة ،يضمن قيمتها في تلك الحال ،أي مشرفةً على الغرق ،ول شيء على
الغائب الّذي له مال فيها ،ولم يأذن باللقاء ،فلو أذن باللقاء ،بأن قال :إذا تحقّقت هذه
الحال فألقوا ،اعتبر إذنه .
وقالوا :إذا خشى على النفس ،فاتّفقوا على إلقاء المتعة فالغرم بعدد الرّءوس إذا قصد
ص ًة -كما يقول ابن عابدين -لنّها لحفظ النفس ،وهذا اختيار الحصكفيّ
حفظ النفس خا ّ
وهو أحد أقوال ثلثة ،ثانيها :أنّه على الملك مطلقا ،ثالثها عكسه .
ولو خشى على المتعة فقط -بأن كانت في موضع ل تغرق فيه النفس -فهي على قدر
الموال ،وإذا خشى عليهما ،فهي على قدرهما ،فمن كان غائبا ،وأذن باللقاء ،اعتبر
ماله ،ل نفسه .
ومن كان حاضرًا بماله اعتبر ماله ونفسه فقط .
ومن كان بنفسه فقط اعتبر نفسه .
وقال المالكيّة :إذا خيف على السّفينة الغرق ،جاز طرح ما فيها من المتاع ،أذن أربابه
أو لم يأذنوا ،إذا رجا بذلك نجاته ،وكان المطروح بينهم على قدر أموالهم ،ول غرم على
من طرحه .
وقال الشّافعيّة :إذا أشرفت سفينة فيها متاع وركاب على غرق ،وخيف هلك الرّكاب ،
جاز إلقاء بعض المتاع في البحر ،لسلمة البعض الخر :أي لرجائها ،وقال البلقينيّ :
بشرط إذن المالك .
وقال النّوويّ :ويجب لرجاء نجاة الرّاكب .
وقالوا -أيضا -ويجب إلقاؤه -وإن لم يأذن مالكه -إذا خيف الهلك لسلمة حيوان
محترم ،بخلف غير المحترم ،كحربيّ ومرت ّد .
ويجب إلقاء حيوان ،ولو محترما ،لسلمة آدميّ محترم ،إن لم يمكن دفع الغرق بغير
إلقائه .
وقال الذرعيّ :ينبغي أن يراعي في اللقاء تقديم الخسّ فالخسّ قيمةً من المتاع إن
أمكن ،حفظا للمال ما أمكن ،قالوا :وهذا إذا كان الملقي غير المالك .
وقالوا :يجب إلقاء ما ل روح فيه لتخليص ذي روح ،وإلقاء الدّوابّ لبقاء الدميّين .
وإذا اندفع الغرق بطرح بعض المتاع اقتصر عليه .
قال النّوويّ في منهاجه :فإن طرح مال غيره بل إذن ضمنه ،وإلّ فل ،كأكل المضطرّ
طعام غيره بغير إذنه .
ي ضمانه ،أو على أنّي ضامن ضمن ،ولو اقتصر على :
قالوا :ولو قال :ألق متاعك عل ّ
ألق ،فل ،على المذهب -لعدم اللتزام . -
والحنابلة قالوا بهذه الفروع :
أ -إذا ألقى بعض الرّكبان متاعه ،لتخفّ السّفينة وتسلم من الغرق ،لم يضمّنه أحد ،لنّه
أتلف متاع نفسه باختياره ،لصلحه وصلح غيره .
ب -وإن ألقى متاع غيره بغير أمره ،ضمنه وحده .
ج -وإن قال لغيره :ألق متاعك فقبل منه ،لم يضمنه له ،لنّه لم يلتزم ضمانه .
وعليع قيمتعه ،لزمعه ضمانعه ،لنّه أتلف ماله
ّ د -وإن قال :ألق وأنعا ضامعن له ،أو :
بعوض لمصلحته ،فوجب له العوض على ما التزمه .
هع – وإن قال :ألقه وعليّ وعلى ركبان السّفينة ضمانه ،فألقاه ،ففيه وجهان :
أحدهما :يلزمه ضمانه وحده ،لنّه التزم ضمانه جميعه ،فلزمه ما التزمه ،وقال
القاضي :إن كان ضمان اشتراك ،مثل أن يقول :نحن نضمن لك أو على ك ّل واحد منّا
ضمان قسطه لم يلزمه إ ّل ما يخصّه من الضّمان لنّه لم يضمن إ ّل حصّته ،وإنّما أخبر عن
الباقين بالضّمان ،فسكتوا وسكوتهم ليس بضمان .
وإن التزم ضمان الجميع ،وأخبر عن كلّ واحد منهم بمثل ذلك ،لزمه ضمان الكلّ .
منع المالك عن ملكه حتّى يهلك :
-مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،في مسألة منع المالك عن ملكه حتّى يهلك ،وإزالة يده 146
والتّفويت تعطيل ،ويفرّق جمهور الفقهاء بين استيفاء منافع النسان ،وبين تفويتها ،
بوجه عامّ في تفصيل :
ص المالكيّة على أنّ تعطيل منافع النسان وتفويتها ،ل ضمان فيه ،كما لو حبس امرأةً
فن ّ
حتّى منعها من التّزوّج ،أو الحمل من زوجها ،أو حبس الح ّر حتّى فاته عمل من تجارة
ونحوها ،ل شيء عليه .
أمّا لو استوفى المنفعة ،كما لو وطئ البضع أو استخدم الح ّر فإنّه يضمن ذلك ،فعليه في
وطء الحرّة صداق مثلها ،ولو كانت ثيّبا ،وعليه في وطء المة ما نقصها ،ونصّ
الشّافعيّة على أنّ منفعة البضع ل تضمن إلّ بالتّفويت بالوطء ،وتضمن بمهر المثل ،ول
ن اليد ل تثبت عليها ،إذ اليد في بضع المرأة لها ،وكذا منفعة بدن الحرّ
تضمن بفوات ،ل ّ
ل تضمن إلّ بتفويت في الصحّ ،كأن قهره على عمل .
وفي قول ثان لهم :تضمن بالفوات أيضا ،لنّها لتقوّيها في عقد الجارة الفاسدة تشبه
منفعة المال .
ودليل القول الوّل :أنّ الح ّر ل يدخل تحت اليد ،فمنفعته تفوت تحت يده .
ونصّ الحنابلة على أنّ الح ّر ل يضمن بالغصب ،ويضمن بالتلف ،فلو أخذ حرّا فحبسه ،
فمات عنده لم يضمنه ،لنّه ليس بمال .
وإن استعمله مكرها ،لزمه أجر مثله ،لنّه استوفى منافعه ،وهي متقوّمة ،فلزمه
ضمانها ،ولو حبسه مدّ ًة لمثلها أجر ،ففيه وجهان :
أحدهما :أنّه يلزمه أجر تلك المدّة ،لنّه فوّت منفعته ،وهي مال فيجوز أخذ العوض
عنها .والثّاني :ل يلزمه لنّها تابعة لما ل يصحّ غصبه .
ولو منعه العمل من غير حبس ،لم يضمن منافعه وجها واحدا .
أمّا الحنفيّة فل يقولون بالضّمان بتفويت منافع النسان ،لنّه ل يدخل تحت اليد ،فليس
بمال ،فل تضمن منافع بدنه .
ضَمَان ال ّدرَك *
التّعريف :
-الدّرك :بفتحتين ،وسكون الرّاء لغةً ،اسم من أدركت الرّجل أي لحقته ،وقد جاء 1
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :أنّه كان يتعوّذ من جهد البلء ودرك الشّقاء « أي من
لحاق الشّقاء .
قال الجوهريّ :الدّرك التّبعة ،قال أبو سعيد المتولّي :سمّي ضمان الدّرك للتزامه الغرامة
عند إدراك المستحقّ عين ماله ويستعمل الفقهاء كذلك هذا اللّفظ بمعنى التّبعة أي المطالبة
والمؤاخذة .
فقد عرّف الحنفيّة ضمان الدّرك :بأنّه التزام تسليم الثّمن عند استحقاق المبيع .
وعرّفه الشّافعيّة بأنّه :هو أن يضمن شخص لحد العاقدين ما بذله للخر إن خرج مقابله
مستحقّا أو معيبا أو ناقصا لنقص الصّنجة ،سواء أكان الثّمن معيّنا أم في ال ّذمّة .
ول يخرج تعريف الفقهاء الخرين لضمان الدّرك عمّا قاله الحنفيّة والشّافعيّة في تعريفه .
ويعبّر عنه الحنابلة بضمان العهدة ،كما يعبّر عنه الحنفيّة في الغالب بالكفالة بالدّرك .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العهدة :
-العهدة :هي ضمان الثّمن للمشتري إن استحقّ المبيع أو وجد فيه عيب . 2
ك القديم ،وقد تطلق على العقد
ن العهدة قد تطلق على الصّ ّ
والعهدة أعمّ من الدّرك ،ل ّ
وعلى حقوقه ،وعلى الدّرك وعلى الخيار ،بخلف الدّرك فإنّه يستعمل في ضمان
الستحقاق عرفا .
الحكم الجماليّ :
-ضمان الدّرك جائز عند جمهور الفقهاء ،ومنع بعض الشّافعيّة ضمان الدّرك لكونه 3
وبدله أي قيمته إن عسر ردّه ،ومثل المثليّ وقيمة المتقوّم إن تلف ،وتعلّقه بالبدل أظهر .
ويرى الحنابلة أنّ متعلّق ضمان الدّرك -ضمان العهدة -هو الثّمن أو جزء منه ،سواء
كان الضّمان عن البائع للمشتري أو عن المشتري للبائع ،حيث يقولون :ويصحّ ضمان
عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع ،فضمانه عن المشتري :هو أن
يضمن الثّمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ،وإن ظهر فيه عيب أو استحقّ رجع بذلك على
الضّامن ،وضمانه عن البائع للمشتري :هو أن يضمن عن البائع الثّمن متى خرج المبيع
مستحقّا أو ر ّد بعيب أو أرش العيب ،فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثّمن أو
جزء منه .
ن متعلّق ضمان الدّرك عندهم هو الثّمن
ويؤخذ من عبارات فقهاء الحنفيّة والمالكيّة أ ّ
أيضا ،إلّ أنّه يختلف مذهب الحنابلة عن مذهب الحنفيّة والمالكيّة في أنّ الحنابلة يعتبرون
ضمان الثّمن الواجب تسليمه عن المشتري للبائع من قبيل ضمان الدّرك -ضمان العهدة -
ص ضمان الدّرك عند الحنفيّة والمالكيّة بالكفالة بأداء ثمن المبيع إلى المشتري
في حين يخت ّ
وتسليمه إليه إن استحقّ المبيع وضبط من يده ،أمّا ضمان الثّمن الواجب تسليمه عن
المشتري للبائع فهو يتحقّق ضمن الكفالة بالمال بشروطها .
شروط صحّة ضمان الدّرك :
-من شروط صحّة ضمان الدّرك أن يكون المضمون دينا صحيحا ،والدّين الصّحيح : 6
هو ما ل يسقط إلّ بالداء أو البراء ،فل يصحّ بغيره كبدل الكتابة فإنّه يسقط بالتّعجيز .
ويشترط الشّافعيّة لصحّة ضمان الدّرك قبض الثّمن ،فل يصحّ ضمان الدّرك عندهم قبل
قبض الثّمن ،لنّ الضّامن إنّما يضمن ما دخل في يد البائع ،ول يدخل الثّمن في ضمانه إلّ
بقبضه .
حكم ضمان الدّرك في حالتي الطلق والتّقييد :
ص بما إذا خرج الثّمن المعيّن مستحقّا إذ هو
-إذا أطلق ضمان الدّرك أو العهدة اخت ّ 7
المتبادر ،ل ما خرج فاسدا بغير الستحقاق ،فلو انفسخ البيع بما سوى الستحقاق مثل
الرّ ّد بالعيب أو بخيار الشّرط أو بخيار الرّؤية ل يؤاخذ به الضّامن ،لنّ ذلك ليس من
الدّرك.
أمّا إذا قيّده بغير استحقاق المبيع كخوف المشتري فساد البيع بدعوى البائع صغرا أو
ك المشتري في كمال الصّنجة الّتي تسلّم
إكراها ،أو خاف أحدهما كون العوض معيبا ،أو ش ّ
بها المبيع ،أو شكّ البائع في جودة جنس الثّمن فضمن الضّامن ذلك صريحا صحّ ضمانه
كضمان العهدة .
وتجدر الشارة إلى أ نّ الكف يل بالدّرك يض من المكفول به ف قط ،ول يض من مع المكفول به
ضرر التّغرير لنّه ليس للكفيل كفالة بذلك .
ما يترتّب على ضمان الدّرك :
أ -حقّ المشتري في الرّجوع بالثّمن :
ق المشتري في الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع ،
-يترتّب على ضمان الدّرك ح ّ 8
أحد ،فيأخذ من البائع رهنا بالثّمن لو استحقّه أحد ،والرّهن بالدّرك باطل ،حتّى إنّ
المرتهن ل يملك حبس الرّهن إن قبضه قبل الوجوب استحقّ المبيع أو ل ،لنّ الرّهن جعل
مشروعا لجل الستيفاء ول استيفاء قبل الوجوب .
ونقل ابن قدامة الجماع على عدم جوازه ،لنّه يؤدّي إلى أن يبقى الرّهن مرهونا أبدا .
ضِيافة *
التّعريف :
-الضّيافة في اللّغة :مصدر ضاف ،يقال :ضاف الرّجل يضيفه ضيفا ،وضيافةً :مال 1
إليه ونزل به ضيفا وضيافةً ،وأضافه إليه أنزله عليه ضيفا ،وضياف ًة .
وفي الصطلح :هي اسم لكرام الضّيف -وهو النّازل بغيره لطلب الكرام -والحسان
إليه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القراء :
-القراء من قرى الضّيف قراءً وقرىً :أضافه إليه وأطعمه . 2
ب -الخفر :
-يقال :خفر بالعهد يخفر إذا وفّى به ،وخفرت الرّجل حميته وأجرته من طالبه ،وخفر 3
تمام الكرام طلقة الوجه وطيب الحديث عند الخروج والدّخول ليحصل له النبساط ،ول
يتكلّف ما ل يطيق لقوله صلى ال عليه وسلم » :أنا وأتقياء أمّتي برآء من التّكلّف « .
وأن يقول للضّيف أحيانا " :كل " من غير إلحاح ،وألّ يكثر السّكوت عند الضّيف ،وأن ل
يغيب عنه ،ول ينهر خادمه بحضرته ،وأن يخدمه بنفسه ،وألّ يجلسه مع من يتأذّى
بجلوسه أو ل يليق له الجلوس معه ،وأن يأذن له بالخروج إذا استأذنه وأن يخرج معه
إلى باب الدّار تتميما لكرامه وأن يأخذ بركاب ضيفه إذا أراد الرّكوب .
آداب الضّيف :
-من آداب الضّيف أن يجلس حيث يُجلس ،وأن يرضى بما يقدّم إليه ،وألّ يقوم إلّ 7
بإذن المضيف ،وأن يدعو للمضيف بدعاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بأن يقول :
» أفطر عندكم الصّائمون ،وأكل طعامكم البرار ،وصلّت عليكم الملئكة « .
مقام الضّيف عند المضيف :
-من نزل ضيفا فل يزيد مقامه عند المضيف على ثلثة أيّام ،لقوله صلى ال عليه 8
وسلم » :الضّيافة ثلثة أيّام ،فما زاد فصدقة « لئلّ يتبرّم به ويضط ّر لخراجه ،إلّ إن
ب المنزل بالمقام عنده عن خلوص قلب فله المقام .
ألحّ عليه ر ّ
أكل طعام الضّيافة :
-يأكل المضيف ممّا قدّم له بل لفظ اكتفاءً بالقرينة ،إلّ إذا كان المضيف ينتظر غيره 9
من الضّيوف ،فل يجوز حينئذ الكل إلّ بإذن المضيف ،ول يأكل من الطّعام إلّ بالمقدار
الّذي يقتضيه العرف ،ما لم يعلم رضا المضيف ،ول يتصرّف به إلّ بأكل ،لنّه المأذون
ن المدار على طيب نفس
ل ،ول هرّةً ،وله أخذ ما يعلم رضاه ،ل ّ
له فيه ،فل يطعم سائ ً
المالك ،فإذا دلّت القرينة على ذلك حلّ .
وتختلف قرائن الرّضى في ذلك باختلف الموال ،ومقاديرها .
وصرّح الشّافعيّة :أنّ الضّيف ل يضمن ما قدّم له من طعام إن تلف بل تعدّ منه ،كما ل
يضمن إناءه وحصيرا يجلس عليه ونحوه ،سواء قبل الكل ،أو بعده ،ول يلزمه دفع هرّة
عنه ،ويضمن إنا ًء حمله بغير إذن .
اشتراط الضّيافة في عقد الجزية :
-يجوز بل يستحبّ عند الشّافعيّة :أن يشترط المام على أهل ال ّذمّة ضيافة من يم ّر بهم 10
من المسلمين زائدا على أق ّل الجزية إذا صولحوا في بلدهم ،ويجعل الضّيافة على الغنيّ
والمتوسّط ،ل الفقير ،ويذكر وجوبا في العقد :عدد الضّيفان ،وعدد أيّام الضّيافة ،وقدر
القامة فيهم ،وجنس الطّعام ،والدم ،وقدرهما ،وعلف الدّوابّ إن كانوا فرسانا ،ومنزل
الضّيوف من كنيسه ،وفاضل مسكن ،ول يزيد مقامهم على ثلثة أيّام .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار ،
والصل في ذلك » :أ ّ
وعلى ضيافة من يم ّر بهم من المسلمين « .
فإن لم يشترطها عليهم لم تجب عليهم ،لنّه أداء مال ،فلم يجب بغير رضاهم .
طاعة *
التّعريف :
-الطّاعة في اللّغة :النقياد والموافقة ،يقال :أطاعه إطاعةً أي :انقاد له ،والسم 1
لنّ ذلك ممّا أتى به ،وقد تضافرت الدلّة وتواترت على وجوب طاعة الرّسول صلى ال
عليه وسلم .
س َمعُونَ }
قال اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأطِيعُواْ الّلهَ َو َرسُو َلهُ َولَ َتوَّلوْا عَ ْنهُ َوأَن ُتمْ َت ْ
حمُونَ } .
وقال تعالى َ { :وَأطِيعُواْ الّل َه وَال ّرسُولَ َلعَّلكُمْ ُت ْر َ
وقال تعالى َ { :وإِن ُتطِيعُوهُ َتهْتَدُوا } .
ع الّلهَ } فجعل اللّه تعالى طاعة رسوله طاعته ،
ن ُيطِعِ ال ّرسُولَ َفقَدْ َأطَا َ
وقال تعالى { :مّ ْ
وقرن طاعته بطاعته .
قال القاضي عياض :قال المفسّرون والئمّة :طاعة الرّسول التزام سنّته والتّسليم لما جاء
به ،وما أرسل اللّه من رسول إلّ فرض طاعته على من أرسله إليهم ،وقد حكى اللّه عن
طعْنَا
طعْنَا الّل َه َوأَ َ
ن يَا لَيْتَنَا َأ َ
ب ُوجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُو َ
الكفّار في دركات جهنّم َ { :ي ْومَ ُتقَلّ ُ
ال ّرسُول } فتمنّوا طاعته حيث ل ينفعهم التّمنّي .
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول :
» من أطاعني فقد أطاع اللّه ،ومن عصاني فقد عصى اللّه « .
ي صلى ال عليه وسلم » :إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ،وإذا أمرتكم بشيء
وقال النّب ّ
فأتوا منه ما استطعتم « .
وقال صلى ال عليه وسلم » :إنّما مثلي ومثل ما بعثني اللّه به ،كمثل رجل أتى قوما
فقال :يا قوم ،إنّي رأيت الجيش بعيني ،وإنّي أنا النّذير العريان فالنّجاء ،فأطاعه طائفة
من قومه فأدلجوا ،فانطلقوا على مهلهم فنجوا ،وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ،
فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ،فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به ،ومثل من
ق«.
عصاني وكذّب بما جئت به من الح ّ
شجَ َر بَيْ َنهُ ْم ُثمّ
ح ّكمُوكَ فِيمَا َ
ن حَ ّتىَ ُي َ
ك لَ ُي ْؤمِنُو َ
ل وَرَبّ َ
قال الجصّاص :في قوله تعالى { :فَ َ
سهِمْ حَرَجا ّممّا قَضَيْتَ وَ ُيسَّلمُواْ َتسْلِيما } دللة على أنّ من ر ّد شيئا من
لَ َيجِدُواْ فِي أَن ُف ِ
أوامر اللّه تعالى أو أوامر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فهو خارج من السلم ،سواء
ردّه من جهة الشّكّ فيه أو من جهة ترك القبول والمتناع من التّسليم ،وذلك يوجب صحّة
ما ذهب إليه الصّحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزّكاة ،وقتلهم وسبي ذراريّهم
ي صلى ال عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من
ن من لم يسلّم للنّب ّ
،لنّ اللّه تعالى حكم بأ ّ
أهل اليمان .
ج -طاعة أولي المر :
-أجمع العلماء على وجوب طاعة أولي المر من المراء والحكّام ،وقد نقل النّوويّ عن 7
القاضي عياض وغيره هذا الجماع ،قال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأطِيعُواْ الّلهَ َوَأطِيعُواْ
ال ّرسُولَ َوُأوْلِي ا َلمْ ِر مِنكُمْ } .
ن المقصود بأولي المر في الية :المراء وأهل
وقد ذهب جمهور الفقهاء والمفسّرين إلى أ ّ
ن المقصود بأولي المر في الية هم العلماء ،قال الطّبريّ :
السّلطة والحكم ،وهناك قول بأ ّ
وأولى القوال في ذلك بالصّواب قول من قال :هم المراء والولة ،لصحّة الخبار عن
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالمر بطاعة الئمّة والولة فيما كان طاعةً للّه وللمسلمين
ي صلى ال عليه وسلم قال » :سيليكم
مصلحةً ،فعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ النّب ّ
بعدي ولة ،فيليكم البرّ ببرّه والفاجر بفجوره ،فاسمعوا لهم وأطيعوا في كلّ ما وافق
الحقّ ،وصلّوا وراءهم ،فإن أحسنوا فلكم ولهم ،وإن أساءوا فلكم وعليهم « .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :السّمع والطّاعة
وعن ابن عمر رضي ال عنهما عن النّب ّ
على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ،ما لم يؤمر بمعصية ،فإذا أمر بمعصية فل سمع ول
طاعة « .
وعن ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من
رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ،فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلّ مات
ميتةً جاهل ّيةً « .
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :
عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك ،وأثرة عليك « .
ق وتكرهه النّفوس وغيره
قال النّوويّ قال العلماء :معناه تجب طاعة ولة المور فيما يش ّ
ممّا ليس بمعصية .
وهذه الحاديث في الحثّ على السّمع والطّاعة في جميع الحوال وسببها اجتماع كلمة
ي :إذا قام
المسلمين ،فإنّ الخلف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم ،قال الماورد ّ
ق اللّه تعالى فيما لهم وعليهم ،ووجب عليهم حقّان :
المام بحقوق المّة فقد أدّى ح ّ
الطّاعة والنّصرة ما لم يتغيّر حاله .
طاعة العلماء :
ن آمَنُواْ َأطِيعُواْ الّل َه َوَأطِيعُواْ ال ّرسُولَ
-طاعة العلماء واجبة ،لقوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ 8
َوُأوْلِي ا َلمْرِ مِن ُكمْ } حيث ذهب جابر بن عبد اللّه ،وابن عبّاس رضي ال عنهم -في
رواية -ومجاهد وعطاء والحسن البصريّ وأبو العالية إلى أنّ المقصود بأولي المر في
الية هم العلماء والفقهاء ،وهو قول لحمد ،واختاره المام مالك ،وبه قال ابن القيّم .
قال مطرّف وابن مسلمة :سمعنا مالكا يقول :هم العلماء .
ص الكتاب .
وقال ابن القيّم :طاعة الفقهاء أفرض على النّاس من طاعة المّهات والباء بن ّ
قال اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأطِيعُواْ الّلهَ َوَأطِيعُواْ ال ّرسُو َل َوأُوْلِي ا َلمْرِ مِن ُكمْ فَإِن
ك خَيْرٌ
تَنَا َزعْ ُتمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّو ُه إِلَى الّل ِه وَال ّرسُولِ إِن كُن ُتمْ ُت ْؤمِنُونَ بِالّلهِ وَالْ َي ْومِ الخِ ِر ذَلِ َ
ن تَ ْأوِيلً } .
حسَ ُ
َوأَ ْ
قال القرطبيّ :أمر اللّه تعالى بردّ المتنازع فيه إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى ال عليه
وسلم وليس لغير العلماء معرفة كيفيّة الرّ ّد إلى الكتاب والسّنّة ،ويد ّل هذا على صحّة كون
سؤال العلماء واجبا ،وامتثال فتواهم لزما .
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنّ المقصود بأولي المر هم المراء والعلماء جميعا ،وبه
أخذ الجصّاص وابن العربيّ وابن كثير وابن تيميّة .
قال الجصّاص :وليس يمتنع أن يكون ذلك أمرا بطاعة الفريقين من أولي المر وهم أمراء
السّرايا والعلماء ،وقال ابن العربيّ :والصّحيح عندي أنّهم المراء والعلماء جميعا ،أمّا
ن أصل المر منهم والحكم إليهم ،وأمّا العلماء فلنّ سؤالهم واجب متعيّن على
المراء فل ّ
الخلق ،وجوابهم لزم ،وامتثال فتواهم واجب ،قال ابن كثير :والظّاهر -واللّه أعلم -
أنّها عامّة في كلّ أولي المر من المراء والعلماء .
وقال النّوويّ :قال العلماء :المراد بأولي المر من أوجب اللّه طاعته من الولة والمراء ،
هذا قول جماهير السّلف والخلف من المفسّرين والفقهاء وغيرهم ،وقيل :هم العلماء ،
وقيل :العلماء والمراء .
هع – طاعة الوالدين :
ك َألّ
– طاعة الوالدين والحسان إليهما فرض على الولد ،قال تعالى { :وَقَضَى رَبّ َ 9
المسلم طاعتهما مطلقا في ك ّل ما أمرا به ونهيا عنه فقد أمر اللّه تعالى بطاعته وطاعة
ن آمَنُواْ َأطِيعُواْ الّل َه َوَأطِيعُواْ
رسوله من غير تقييد بقيد فقال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
ي صلى ال عليه وسلم أصحابه على ذلك ،فعن عبادة بن الصّامت
ال ّرسُولَ } وقد بايع النّب ّ
رضي ال تعالى عنه قال » :بايعنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على السّمع والطّاعة
في العسر واليسر والمنشط والمكره « .
ي صلى ال عليه وسلم قال » :إذا نهيتكم
وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّب ّ
عن شيء فاجتنبوه ،وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم « .
ن وجوب
أمّا طاعة المخلوقين -ممّن تجب طاعتهم -كالوالدين والزّوج وولة المر ،فإ ّ
طاعتهم مقيّد بأن ل يكون في معصية ،إذ ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ك عَلى أَن ُتشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ ِب ِه عِ ْلمٌ فَل
قال تعالى في الوالدين َ { :وإِن جَاهَدَا َ
طعْ ُهمَا } .وفي طاعة الزّوج روت صفيّة عن عائشة رضي ال تعالى عنهما قالت » :إنّ
ُت ِ
امرأةً من النصار زوّجت ابنتها ،فتمعّط شعر رأسها ،فجاءت إلى النّبيّ صلى ال عليه
ن زوجها أمرني أن أصل في شعرها فقال :ل ،إنّه قد لعن
وسلم فذكرت ذلك له ،فقالت :إ ّ
الموصلت « قال ابن حجر :لو دعاها الزّوج إلى معصية فعليها أن تمتنع ،فإن أدّبها على
ذلك كان الثم عليه .
وفي طاعة ولة المر روى عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه
وسلم قال » :السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية ،
فإذا أمر بمعصية فل سمع ول طاعة « .
الخروج على الطّاعة :
-سبق أنّ حكم الطّاعة هو الوجوب بمختلف أحوالها ،ومن ثمّ يترتّب على الخروج 12
على الطّاعة الثم والمعصية والعقاب قال تعالى محذّرا عن مخالفة أمره { :فَلْ َيحْذَ ِر الّذِينَ
ب أَلِيمٌ } .
عنْ َأمْرِ ِه أَن تُصِي َب ُهمْ فِتْ َنةٌ َأوْ يُصِي َب ُهمْ عَذَا ٌ
ُيخَا ِلفُونَ َ
ن المر على الوجوب ،ووجهها :أنّ اللّه
قال القرطبيّ :احتجّ الفقهاء بهذه الية على أ ّ
تبارك وتعالى قد حذّر من مخالفة أمره وتوعّد بالعقاب عليها بقوله { :أَن تُصِي َب ُهمْ فِتْ َنةٌ َأوْ
يُصِي َب ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فتحرم مخالفته ،ويجب امتثال أمره .
وفي مخالفة أمر الرّسول صلى ال عليه وسلم الثم والعقاب ،فعن أبي هريرة رضي ال
تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّ من
أبى ،قالوا :يا رسول اللّه ومن يأبى ؟ قال :من أطاعني دخل الجنّة ومن عصاني فقد أبى
« .وعقوق الوالدين من الكبائر لحديث أبي بكرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم » :أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا :بلى يا رسول اللّه .قال :
ثلث :الشراك باللّه ،وعقوق الوالدين ،وكان متّكئا فجلس فقال :أل وقول الزّور ،
وشهادة الزّور :أل وقول الزّور وشهادة الزّور ،فما زال يقولها حتّى قلت :ل يسكت « .
ق لوالديه ،والمدمن على
وقال صلى ال عليه وسلم » :ثلثة ل يدخلون الجنّة :العا ّ
الخمر ،والمنّان بما أعطى « .
). 15 وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ب ّر الوالدين ف
وفي مخالفة أمر الزّوج والخروج على طاعته الثم العظيم ،لما روى جابر رضي ال عنه
ي صلى ال عليه وسلم قال » :ثلثة ل يقبل اللّه لهم صلةً ،ول ترفع لهم إلى
أنّ النّب ّ
السّماء حسنة :العبد البق حتّى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم ،والمرأة السّاخط
عليها زوجها حتّى يرضى ،والسّكران حتّى يصحو « .
وفي مخالفة المير والخروج على طاعته حديث ابن عبّاس رضي ال عنهما السّابق ،في
طاعة أولي المر .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :بغاة ف . ) 4
طاعون *
التّعريف :
-قال ابن منظور :الطّاعون لغةً :المرض العامّ والوباء الّذي يفسد له الهواء فتفسد له 1
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :الطّاعون آية الرّجز ابتلى اللّه عزّ وجلّ به أناسا من
عباده ،فإذا سمعتم به فل تدخلوا عليه ،وإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تفرّوا منه « .
ل سأل سعد بن أبي وقّاص رضي ال عنه
وأخرج مسلم من حديث عامر بن سعد أنّ رج ً
عن الطّاعون ،فقال أسامة بن زيد رضي ال عنهما أنا أخبرك عنه ،قال رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم » :هو عذاب أو رجز أرسله اللّه على طائفة من بني إسرائيل أو ناس
كانوا قبلكم ،فإذا سمعتم به بأرض فل تدخلوها عليه ،وإذا دخلها عليكم فل تخرجوا منها
فرارا « وأخرج أحمد من حديث عائشة رضي ال عنها مرفوعا » :قلت :يا رسول اللّه
فما الطّاعون ؟ قال :غدّة كغدّة البل ،المقيم فيها كالشّهيد ،والفارّ منها كالفارّ من الزّحف
«.
– قال ابن القيّم :وفي المنع من الدّخول إلى الرض الّتي قد وقع بها الطّاعون عدّة حكم: 4
حسن عن عتبة بن عبد السّلميّ رفعه » :يأتي الشّهداء والمتوفّون بالطّاعون ،فيقول
أصحاب الطّاعون :نحن الشّهداء ،فيقال :انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشّهداء
تسيل دما وريحها كريح المسك فهم شهداء ،فيجدونهم كذلك « .
ي من حديث عائشة رضي ال عنها » :أنّها سألت رسول اللّه صلى ال
وأخرج البخار ّ
ي اللّه أنّه كان عذابا يبعثه اللّه على من يشاء فجعله
عليه وسلم عن الطّاعون ،فأخبرها نب ّ
اللّه رحمةً للمؤمنين فليس من عبد يقع الطّاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنّه لن يصيبه
إلّ ما كتبه اللّه له إلّ كان له مثل أجر الشّهيد « .
ويفهم من سياق هذا الحديث أنّ حصول أجر الشّهادة لمن يموت بالطّاعون مقيّد بما يلي :
أ -أن يمكث صابرا غير منزعج بالمكان الّذي يقع به الطّاعون فل يخرج فرارا منه .
ب -أن يعلم أنّه لن يصيبه إ ّل ما كتب اللّه له .
فلو مكث وهو قلق أو نادم على عدم الخروج ظانّا أنّه لو خرج لما وقع به أصلً ورأسا ،
وأنّه بإقامته يقع به ،فهذا ل يحصل له أجر الشّهيد ولو مات بالطّاعون ،هذا الّذي يقتضيه
مفهوم هذا الحديث ،كما اقتضى منطوقه أنّه من اتّصف بالصّفات المذكورة يحصل له أجر
الشّهيد وإن لم يمت بالطّاعون .
والمراد بشهادة الميّت بالطّاعون أنّه يكون له في الخرة ثواب الشّهيد ،وأمّا في الدّنيا
فيغسّل ويصلّى عليه .
قال القاضي البيضاويّ :من مات بالطّاعون ،أو بوجع البطن ملحق بمن قتل في سبيل اللّه
لمشاركته إيّاه في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابده ،ل في جملة الحكام
والفضائل.
طَالبُ العِلم *
التّعريف :
-الطّالب :اسم فاعل من الطّلب ،والطّلب لغةً :محاولة وجدان الشّيء وأخذه . 1
أ -ينبغي لطالب العلم أن يطهّر قلبه من الدناس ،ليصلح لقبول العلم وحفظه واستثماره .
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :أل وإنّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد
كلّه ،وإذا فسدت فسد الجسد كلّه أل وهي القلب « .
ب -ينبغي لطالب العلم أن يقطع العلئق الشّاغلة عن كمال الجتهاد في التّحصيل ويرضى
باليسير من القوت ،ويصبر على ضيق العيش ،وأن يتواضع للعلم والمعلّم ،فبتواضعه
ينال العلم ،قال الشّافعيّ :ل يطلب أحد هذا العلم بالملك وع ّز النّفس فيفلح ،ولكن من
طلبه بذ ّل النّفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح .
ج -أن ينقاد لمعلّمه ويشاوره في أموره ويأتمر بأمره ،وينبغي أن ينظر لمعلّمه بعين
الحترام ،ويعتقد كمال أهليّته ورجحانه على أكثر طبقته فهو أقرب إلى انتفاعه به ورسوخ
ما سمعه منه في ذهنه .
د -أن يتحرّى رضا المعلّم وإن خالف رأي نفسه ،ول يغتاب عنده ،ول يفشي له سرّا ،
وأن ير ّد غيبته إذا سمعها ،فإن عجز فارق ذلك المجلس ،وألّ يدخل عليه بغير إذن ،وأن
يدخل كامل الهليّة فارغ القلب من الشّواغل متطهّرا متنظّفا ،ويسلّم على الحاضرين كلّهم ،
ويخصّ المعلّم بزيادة إكرام .
هع – أن يجلس حيث انتهى به المجلس إذا حضر إلى الدّرس ،ول يتخطّى رقاب النّاس إلّ
أن يصرّح له الشّيخ أو الحاضرون بالتّقدّم ،ول يجلس وسط الحلقة إلّ لضرورة ،ول بين
ل بل
صاحبين إلّ برضاهما ،وأن يحرص على القرب من الشّيخ ليفهم كلمه فهما كام ً
مشقّة .
و -أن يتأدّب مع رفقته وحاضري الدّرس ،ول يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة ،
ول يضحك ول يكثر الكلم بل حاجة ،ول يعبث بيده ول غيرها ،ول يلتفت بل حاجة ،ول
يسبق الشّيخ إلى شرح مسألة أو جواب سؤال إلّ أن يعلم من حال الشّيخ إيثار ذلك .
ز -ينبغي أن يكون حريصا على التّعلّم مواظبا عليه في جميع أوقاته ،ول يضيّع من
أوقاته شيئا في غير العلم إلّ بقدر الضّرورة والحاجة ،وأن تكون همّته عاليةً فل يرضى
باليسير مع إمكان الكثير ،وأن ل يسوّف في اشتغاله ،ول يؤخّر تحصيل فائدة ،لكن ل
يحمّل نفسه ما ل تطيق مخافة الملل ،وهذا يختلف باختلف النّاس .
ح -أن يعتني بتصحيح درسه الّذي يتعلّمه تصحيحا متقنا على الشّيخ ،ثمّ يحفظ حفظا
محكما ،ويبدأ درسه بالحمد للّه والصّلة على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والدّعاء
للعلماء ومشايخه ،ويداوم على تكرار محفوظاته .
وسيأتي تفصيل آداب المعلّم والمتعلّم في ( :طلب العلم ) .
استحقاق طالب العلم للزّكاة :
-اتّفق الفقهاء على جواز إعطاء الزّكاة لطالب العلم ،وقد صرّح بذلك الحنفيّة 4
والشّافعيّة ،والحنابلة ،وهو ما يفهم من مذهب المالكيّة ،إذ أنّهم يجوّزون إعطاء الزّكاة
للصّحيح القادر على الكسب ،ولو كان تركه التّكسّب اختيارا على المشهور .
وذهب بعض الحنفيّة إلى جواز أخذ طالب العلم الزّكاة ولو كان غنيّا إذا فرّغ نفسه لفادة
العلم واستفادته ،لعجزه عن الكسب .
نقل ابن عابدين عن المبسوط قوله :ل يجوز دفع الزّكاة إلى من يملك نصابا إلّ إلى طالب
العلم ،والغازي ،ومنقطع الحجّ .
قال ابن عابدين :والوجه تقييده بالفقير ويكون طلب العلم مرخّصا لجواز سؤاله من الزّكاة
وغيرها وإن كان قادرا على الكسب إذ بدونه ل يحلّ له السّؤال .
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه تحلّ لطالب العلم الزّكاة إذا لم يمكن الجمع بين طلب العلم
والتّكسّب بحيث لو أقبل على الكسب لنقطع عن التّحصيل .
قال النّوويّ :ولو قدر على كسب يليق بحاله إلّ أنّه مشتغل بتحصيل بعض العلوم الشّرعيّة
بحيث لو أقبل على الكسب لنقطع من التّحصيل حلّت له الزّكاة ،لنّ تحصيل العلم فرض
كفاية ،وأمّا من ل يتأتّى منه التّحصيل ل تح ّل له الزّكاة إذا قدر على الكسب وإن كان مقيما
بالمدرسة .
ي -وإن لم يكن لزما له -
ي :وإن تفرّغ قادرا على التّكسّب للعلم الشّرع ّ
وقال البهوت ّ
وتعذّر الجمع بين العلم والتّكسّب أعطى من الزّكاة لحاجته .
وسئل ابن تيميّة عمّن ليس معه ما يشتري به كتبا يشتغل فيها ،فقال :يجوز أخذه من
الزّكاة ما يحتاج إليه من كتب العلم الّتي ل بدّ لمصلحة دينه ودنياه منها .
قال البهوتيّ :ولعلّ ذلك غير خارج عن الصناف ،لنّ ذلك من جملة ما يحتاجه طالب
العلم فهو كنفقته .
وخصّ الفقهاء جواز إعطاء الزّكاة لطالب العلم الشّرعيّ فقط .
وصرّح الحنفيّة بجواز نقل الزّكاة من بلد إلى بلد آخر لطالب العلم .
وأمّا حقّه في طلب النّفقة عليه لطلب العلم فيراجع في مصطلح ( :نفقة ) .
طَاوُوس *
انظر :أطعمة
طِبّ *
انظر :تطبيب
طحَال *
ِ
انظر :أطعمة ،جنايات
طرّار *
َ
التّعريف :
-الطّرّار :فعّال من ط ّر ،يقال :ط ّر الثّوب يط ّر طرّا أي شقّه . 1
وفي الصطلح :هو الّذي يط ّر الهميان أو الجيب أو الصّرّة ويقطعها ويسلّ ما فيه على
غفلة من صاحبه .
قال الفيّوميّ :الطّرّار وهو الّذي يقطع النّفقات ويأخذها على غفلة من أهلها ،والهميان
صرّة هي
صرّة ،قال ابن الهمام :ال ّ
كيس تجعل فيه النّفقة ويشدّ على الوسط ،ومثله ال ّ
الهميان ،والمراد منها هنا الموضع المشدود فيه دراهم من الكمّ .
ن الطّرّار هو :الّذي يسرق من جيب الرّجل أو كمّه أو
ونقل ابن قدامة عن المام أحمد أ ّ
صفنه -يعني الخريطة يكون فيها المتاع والزّاد . -
ل أي أسرع نزعه ،وال ّنشّال كثير
وقريب من معنى الطّرّار ال ّنشّال ،من نشل الشّيء نش ً
النّشل والخفيف اليد من اللّصوص السّارق على غرّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّارق .
– السّارق :فاعل من السّرقة ،وهي :أخذ مال الغير خفيةً من حرز مثله بل شبهة . 2
وفي الصطلح :هو الّذي يسرق أكفان الموتى بعد الدّفن .
الحكم الجماليّ :
ن الطّرّار يعتبر سارقا تقطع يده إذا
-ذهب الصوليّون والجمهور من الفقهاء إلى أ ّ 4
طرْد *
َ
التّعريف :
ي يقال :
-الطّرد في اللّغة مصدر ،وهو البعاد ،والطّرد بالتّحريك السم كما قال الفيّوم ّ 1
عليه ،وعكسته عن أمره منعته ،وكلم معكوس :مقلوب غير مستقيم في التّرتيب أو في
المعنى .
والعكس اصطلحا :هو ترتّب عدم الشّيء على عدم غيره .
وهو في مباحث العلّة :انتفاء الحكم عند انتقاء العلّة .
فالعكس ض ّد الطّرد .
ب -النّقض :
-النّقض في اللّغة :إفساد ما أبرم من عقد أو بناء أو عهد ،ويأتي بمعنى الهدم ،يقال: 3
واصطلحا :أن يوجد الحكم عند وجود الوصف وينعدم عند عدمه .
فذلك الوصف يسمّى مدارا ،والحكم دائرا ،وسمّى بعضهم الدّوران بالدّوران الوجوديّ
ن هذا
ي أو الدّوران المطلق ،وأمّا إذا كان بحيث يوجد الحكم عند وجود الوصف فإ ّ
والعدم ّ
ي أو الطّرد ،وإذا كان بحيث ينعدم الحكم عند عدم الوصف فهذا
يسمّى بالدّوران الوجود ّ
يطلق عليه الدّوران العدميّ أو العكس .
الحكم الجماليّ :
-اشترط بعض الصوليّين لصحّة العلّة في القياس أن تكون مطّرد ًة أي :كلّما وجدت 5
العلّة وجد الحكم دون أن يعارضها نقض وإلّ بطلت العلّة .
قال الزّركشيّ في البحر عند سرده لشروط العلّة :
السّادس :أن تكون مطّرد ًة أي كلّما وجدت وجد الحكم لتسلم من النّقص والكسر .
وقال العضد في شرحه لمختصر المنتهى :قد يعدّ من شروط العلّة أن تكون مطّرد ًة أي كلّما
وجدت وجد الحكم ،وعدمه يسمّى نقضا ،وهو أن يوجد الوصف الّذي يدّعى أنّه علّة في
محلّ ما مع عدم الحكم فيه وتخلّفه عنها .
-6واختلف الصوليّون في كون الطّرد مفيدا للعلّيّة -أي اعتباره مسلكا من مسالكها -
جةً مستدلّين بفعل الصّحابة رضي
فذهب أكثر الصوليّين إلى أنّه ل يفيد العلّيّة ول يكون ح ّ
ال تعالى عنهم حيث إنّهم متى ما عدموا الدّليل من الكتاب والسّنّة استندوا في أقيستهم إلى
إجماعهم على المسألة وفقا للمصالح الّتي جاءت بها الشّريعة السلميّة ،ولم نجدهم بحال
يحتكمون بطرد ل يناسب الحكم ول يثير شبها ولم يلتفتوا إليه في شيء ،وقد دلّنا ذلك
على أنّهم أدركوا أنّ الطّرد ل يستند إلى دليل سمعيّ قاطع ،بل الظّاهر أنّهم كانوا يأبونه
ول يرونه ،وممّا ل شكّ فيه أنّهم لو وجدوا في الطّرد مناطا لحكام اللّه لما أهملوه
وعطّلوه .وذهب جماعة من الصوليّين إلى أنّه مفيد للعلّيّة ويحتجّ به فيها ،وجهتهم في
ذلك أنّ وجود الحكم مع الوصف في جميع الصّور ما عدا صورة النّزاع ممّا يغلب على
الظّنّ أن يكون الوصف عّل ًة ،لنّ فرض المسألة أنّه لم يوجد للحكم علّة غيره ،فلو لم
يجعل هذا الوصف عّلةً للحكم لخل الحكم عن العلّة فيخلو عن المصلحة ،وهذا خلف ما
ثبت بالستقراء من أنّ كلّ حكم ل يخلو عن مصلحة ،وحيث ثبتت علّيّته في غير المتنازع
فيه ،ثبتت العلّيّة في المتنازع فيه كذلك إلحاقا بالكثير الغالب فيكون الظّنّ مفيدا للعلّيّة وهو
المدّعى .
وسيأتي تفصيل ذلك في الملحق الصوليّ .
طرَف *
َ
التّعريف :
-الطّرَف -بفتحتين -لغةً :جزء من الشّيء وجانبه ونهايته . 1
وبتتبّع عبارات الفقهاء يتبيّن أنّهم يطلقون الطّرف على ك ّل عضو له حدّ ينتهي إليه .
فالطراف هي النّهايات في البدن كاليدين ،والرّجلين .
( ر :أعضاء ف . ) 2
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العضو :
-العضو في اللّغة :هو كلّ عظم وافر بلحمه سواء :أكان من إنسان ،أم حيوان . 2
والفقهاء يطلقون العضو على الجزء المتميّز عن غيره من بدن إنسان أو حيوان كاللّسان ،
والنف ،والصبع .
فالعضو أعمّ من الطّرف ،إذ كلّ طرف عضو وليس كلّ عضو طرفا .
( ر :أعضاء ف ) 1
الحكام المتعلّقة بالطّرف :
الجناية على الطّرف :
-يرى جمهور الفقهاء -من المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،والحنفيّة في القول 3
طريق *
التّعريف :
-الطّريق في اللّغة :السّبيل ،يذكّر ويؤنّث . 1
عموم وخصوص مطلق ،فالطّريق عامّ في الصّحاري ،والبنيان ،والنّافذ وغير النّافذ ،أمّا
الشّارع فهو خاصّ في البنيان النّافذ .
سكّة :
ب -ال ّ
سكّة :هي الطّريق المصطفّة من النّخيل .
– ال ّ 3
سكّة .
والطّريق أعمّ من ال ّ
ج -الزّقاق :
سكّة ،ويكون نافذا وغير نافذ والطّريق أعمّ من الزّقاق .
– الزّقاق :طريق ضيّق دون ال ّ 4
د -الدّرب :
سكّة الواسع ،وأصل الدّرب :الطّريق الضّيّق في الجبل ،ويطلق على
-الدّرب :باب ال ّ 5
فالطّريق العامّ :ما يسلكه قوم غير محصورين ،أو ما جعل طريقا عند إحياء البلد ،أو
قبله ،أو وقفه مالك الرض ليكون طريقا ،ولو بغير إحياء .
وإن وجد سبيل يسلكه النّاس عا ّمةً ،اعتمد فيه الظّاهر واعتبر طريقاص عامّا ،ول يبحث
عن أصله .
أمّا بنيات الطّريق -وهي الممرّات الخفيّة الّتي يعرفها الخواصّ -فل تكون بذلك طريقا .
قدر مساحة الطّريق :
-إن كانت الطّريق من أرض مملوكة يسبّلها مالكها فتقدير مساحة الطّريق إلى اختياره ، 8
والفضل توسيعه ،وعند الحياء :إلى ما اتّفق عليه المحيون ،فإن تنازعوا جعل سبعة
ي إذا تشاجروا في الطّريق
أذرع ،لحديث أبي هريرة رضي ال عنه قال » :قضى النّب ّ
الميتاء بسبعة أذرع « ،ورواه مسلم بلفظ » :إذا اختلفتم في الطّريق جعل عرضه سبعة
أذرع « .
ي تبعا للذرعيّ :تابع
ونازع في هذا التّحديد جمع من متأخّري الشّافعيّة ،قال الزّركش ّ
النّوويّ في هذا التّحديد إفتاء ابن الصّلح ،ومذهب الشّافعيّ :اعتبار قدر الحاجة في قدر
ن ذلك كان عرف
الطّريق ،زاد عن سبعة أذرع أو نقص عنها ،والحديث محمول عليه ،ل ّ
ي من الشّافعيّة .
أهل المدينة ،وصرّح بذلك الماورديّ والرّويان ّ
وإن زاد على سبعة أذرع ،أو عن قدر الحاجة لم يغيّر ،لنّ الطّرق والفنية كالحباس
للمسلمين ،فل يجوز لحد أن يستولي على شيء منها ،أو يقتطع من طريق المسلمين
شيئا وإن كان الطّريق واسعا ،ل يتضرّر المارّة بالجزء المقتطع منه ،لما روي عن الحكم
ي صلى ال عليه وسلم قال » :من أخذ من طريق المسلمين ،
ي أنّ النّب ّ
بن الحارث السّلم ّ
شبرا طوّقه اللّه يوم القيامة من سبع أرضين « ،ويهدم إن استولى شخص أو اقتطع من
الطّريق وأدخله في بنائه وفي قول للمالكيّة :أنّه ل يهدم عليه ما اقتطع منها إذا كان ممّا ل
يتضرّر به المارّة ،ول يضيّق على المارّة لسعته .
النتفاع بالطّريق النّافذة :
-الطّريق النّافذة ويعبّر عنها " بالشّارع " من المرافق العامّة ،وللجميع النتفاع بها بما 9
ل يضرّ الخرين باتّفاق الفقهاء ،ومنفعتها الصليّة :المرور فيها ،لنّها وضعت لذلك ،
فيباح لهم النتفاع بما وضع له ،وهو المرور بل خلف ،وكذلك يباح للجميع النتفاع بغير
المرور ممّا ل يضرّ المارّة ،كالجلوس في الطّريق الواسعة لنتظار رفيق أو سؤال إن لم
يضرّ المارّة ،وإن لم يأذن المام بذلك لتّفاق النّاس في سائر الزمان والعصار على
ذلك ،وهذا أيضا مح ّل اتّفاق بين الفقهاء ،فإن ضرّ المارّة أو ضيّق عليهم لم يجز لخبر :
» ل ضرر ول ضرار « .
ويجوز عند الحنفيّة والشّافعيّة الجلوس في الطّريق النّافذة للمعاملة كالبيع والصّناعة ونحو
ذلك ،وإن طال عهده ولم يأذن المام ،كما ل يحتاج في الحياء إلى إذنه ،لتّفاق النّاس
عليه في جميع العصار .
ول يزعج عن الموضع الّذي سبق إليه للمعاملة ،وإن طال مقامه فيه ،لخبر » :من سبق
إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له « ،ولنّه أحد المرتفقين ،وقد ثبت له باليد فصار أحقّ
من غيره فيه .
وقال المالكيّة والحنابلة :يشترط أ ّل يطول الجلوس أو البيع ،فإن طال أخرج عنه ،لنّه
يصير كالمتملّك إن طال الجلوس للمعاملة ،وينفرد بنفع يساويه فيه غيره .
وأضاف المالكيّة أنّه ل يجوز الجلوس في الطّريق العامّ لستراحة ونحوها كالحديث ،ويمنع
من ذلك .
وصرّح الشّافعيّة بجواز الجلوس في الطّريق العامّ للستراحة ،لحديث المر بإعطاء
الطّريق حقّه ،من :غضّ للبصر ،وكفّ للذى ،ور ّد للسّلم ،وأمر بمعروف ،ونهي عن
منكر ،ما لم يضرّ المارّة ،ولم يضيّق عليهم ،وإلّ كره .
إذن المام في الرتفاق بالطّريق :
-ل يشترط في جواز الجلوس للمعاملة في الطّريق النّافذة إذن المام ،ول يجوز له ول 10
لحد من الولة أخذ عوض ممّن يرتفق بالجلوس فيه للمعاملة ،ول أن يبيع جزءا من
الطّريق بل خلف ،وإن فضل الجزء المباع عن حاجة الطّروق ،لنّ البيع يستدعي تقدّم
ن الطّرق كالحباس
الملك ،وهو منتف ،ولو جاز ذلك لجاز بيع الموات ول قائل به ،ول ّ
للمسلمين ،فليس لحد أن يتصرّف فيها تصرّفا يغيّر وضعها .
وللمام أن يقطع بقعةً من الطّريق العامّ لمن يجلس فيها للمعاملة ارتفاقا ،ل تمليكا ،إن لم
ن له نظرا واجتهادا في الضّرر وغيره ،ول يملك المقطوع له البقعة ،
يض ّر المسلمين ،ل ّ
إنّما يكون أحقّ بالجلوس فيها كالسّابق إليها .
التّزاحم في الرتفاق :
-للجالس في الطّريق العا ّم للمعاملة تظليل موضع جلوسه بما ل ثبات له من حصير ، 11
أو عباءة ،أو ثوب ،لجريان العادة بذلك ،وليس لغيره أن يزاحمه في محلّ جلوسه بحيث
يضرّه ،ويضيّق عليه عند الكيل والوزن والخذ والعطاء ،ول أن يزاحمه في موضع
أمتعته وموقف معامليه ،وله أن يمنع الوقوف بقربه إن كان الوقوف يمنع رؤية بضاعته ،
أو وصول القاصدين إليه ،لنّ ذلك كلّه من تمام النتفاع بموضع اختصاصه ،وليس له
ص به من المرافق
المنع من الجلوس بقربه لبيع مثل بضاعته ،إن لم يزاحمه فيما يخت ّ
ق به من
المذكورة .ومن سبق إلى الجلوس في موضع من الطّريق النّافذ للمعاملة فهو أح ّ
غيره ،كما سبق ،وإن سبق اثنان ،وتنازعا فيه ولم يسعهما معا أقرع بينهما ،لنتفاء
المرجّح .
ترك صاحب الختصاص موضعا اختصّ به :
-إن ترك الجالس موضع اختصاصه ،وانتقل إلى غيره أو ترك الحرفة الّتي كان 12
يزاولها فيه بطل حقّه فيه ،سواء أأقطعه المام له ،أم سبق إليه بل إقطاع من المام .
وإن فارقه ليعود إليه لم يبطل حقّه إلّ أن يطول غيابه عنه ،لحديث » :من قام من
ق به « فإن طال غيابه عنه بحيث ينقطع معاملوه عنه
مجلسه ،ثمّ رجع إليه فهو أح ّ
ويألفون غيره يبطل حقّه فيه ،ولو كان فارقه لعذر أو ترك متاعه فيه أو كان بإقطاع المام
له إلى هذا ذهب الشّافعيّة .
وقال الحنابلة :إن نقل متاعه عن موضع اختصاصه ،بطل حقّه فيه ،وإن ترك متاعه
فيه ،أو أجلس شخصا فيه ليحفظ له المكان ،لم يجز لغيره إزالة متاعه .
وقال المالكيّة :إن قام لقضاء الحاجة أو وضوء لم يبطل حقّه .
وكل المذهبين -المالكيّة والحنابلة -ل يجيز إطالة الجلوس في الطّريق العامّ للمعاملة ،
ص بنفع يساويه فيه غيره ،وحدّد المالكيّة
فإن أطال أزيل عنه ،لنّه يصير كالمتملّك ،يخت ّ
طول المقام بيوم كامل .
وإن جلس لستراحة ،أو حديث ،ونحو ذلك بطل حقّه فيه بمفارقته ،بل خلف .
النتفاع في الطّريق بغير المرور ،والجلوس للمعاملة :
-ذهب الفقهاء إلى حرمة التّصرّف في الطّريق النّافذة ويعبّر عنه " بالشّارع " بما يضرّ 13
جناح إلي ها أو رو شن أو ساباط ،و هو سقيفة على حائط ين ويمرّ الطّر يق بينه ما ،ون حو
ذلك كالميزاب ،إن رفعهعا بحيعث يم ّر تحتعه الماشعي منتصعبا ،معن غيعر احتياج إلى طأطأة
رأ سه ،وعلى رأ سه الحمولة المعتادة ،ولم ي س ّد الضّوء عن الطّر يق ،وإن كان الطّر يق
ممرّا للقوافعل يرفعع الميزاب والجناح ونحوهعا بحيعث يم ّر تحتهعا المحمعل على البعيعر ،
والمظلّة فوق المحمل ،فإن أخلّ بشيء من ذلك هدمه الحاكم ،ولكلّ المطالبة بإزالته ،لنّه
إزالة للمنكر وال صل في جواز إخراج الجناح إلى الطّر يق النّا فذ ما صحّ من أنّه صلى ال
» ن صب بيده الشّري فة ميزابا في دار عمّه العبّاس إلى الطّر يق ،وكان عل يه و سلم :
شارعا إلى م سجده « وق يس عل يه الجناح ونحوه ،ولطباق النّاس على ف عل ذلك من غ ير
إنكار .
وقال الحنفيّة ،لكلّ من أ هل الخ صومة من العامّة من عه من إحداث ذلك ابتدا ًء ،ومطالب ته
بنقضه بعد البناء ض ّر أم لم يض ّر .
وقال الحنابلة :ل يجوز إخراج شيعء ممّا ذكعر إلى طريعق نافذة أذن المام ،أو لم يأذن ،
ضرّ المارّة أو لم يض ّر وقالوا :لنّه بناء في غ ير مل كه ،بغ ير إذن مال كه ،فلم ي جز كبناء
الدّكّة ،أو بنائه في درب غيعر نافعذ بغيعر إذن أهله ،ويفارق المرور في الطّر يق ،فإنّهعا
جعلت لذلك ول مضرّة فيعه ،والجلوس لنّعه ل يدوم ول يمكعن التّحرّز منعه ،ول يخلو
الخراج إلى الطّر يق العا مّ عن مضرّة ،فإنّه يظلم الطّر يق ب سدّ الضّوء ع نه ،وربّ ما سقط
على المارّة ،أو سقط م نه ش يء ،و قد تعلو الرض بمرور الزّ من في صدم رءوس النّاس ،
ب بالحمال ،وما يفضي إلى الضّرر في ثاني الحال يجب المنع منه في
ويمنع مرور الدّوا ّ
ابتدائه ،كما لو أراد بناء حائط مائل إلى الطّريق يخشى وقوعه على من يم ّر فيها .
وقال ا بن عق يل من الحنابلة يجوز ذلك بإذن المام ،أو نائ به ،إن لم ي كن في ذلك ضرر ،
لنّ المام ،نائب عن المسلمين -وفي حكمه نوّابه -وإذنه كإذن المسلمين .
ن ع مر ر ضي ال ع نه :اجتاز على دار العبّاس ر ضي ال عنه ما و قد ن صب
ول ما ورد أ ّ
ميزابا إلى الطّريق فقلعه ،فقال العبّاس :تقلعه وقد نصبه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
بيده ؟ فقال :واللّه ل تنصبه إلّ على ظهري ،فانحنى حتّى صعد على ظهره فنصبه ،ولنّ
العادة جارية به .
ما تولّد من إخراج الميزاب ونحوه إلى الطّريق النّافذ :
-قال الشّافعيّة ،والحنابلة :إنّ ما تولّد من إخراج ميزاب ونحوه :كالجناح والسّاباط 15
إلى الطّريق النّافذ من تلف مال ،أو موت نفس فمضمون وإن جاز إخراجه ،وأذن المام
ولم يضرّ المارّة ،وتناهى في الحتياط ،وحدث ما لم يتوقّع ،كصاعقة ،أو ريح شديدة ،
لنّ الرتفاق بالطّريق العامّ مشروط بسلمة العاقبة ،وما لم تسلم عاقبته فليس بمأذون
فيه ،ويجب به الضّمان ،وكذا إن وضع ترابا في الطّريق لتطيين سطح منزله ،فز ّل به
إنسان فمات ،أو بهيمة فتلفت يضمن ،لنّه تسبّب في تلفه ،فتجب دية الخطأ على
عاقلته ،وقيمة الدّابّة في ماله .
وقال الحنفيّة :هذا إذا لم يأذن المام ،فإن أذن المام بإخراج الميزاب ونحوه إلى الطّريق
العامّ فل ضمان ،لنّه غير متعدّ في إخراج الجناح حينئذ ،لنّ للمام وليةً على الطّريق
لنّه نائب عن العامّة ،فكان المخرج كمن فعله في ملكه .
وعند المالكيّة ل يضمن شيئا أذن المام أو لم يأذن ،جاء في مواهب الجليل :قال مالك في
جناح خارج إلى الطّريق فسقط على رجل فمات .قال مالك :ل شيء على من بناه .
ما يجب في الضّمان عند القائلين به :
-إن كان بعض الجناح في الجدار ،وبعضه خارجا إلى الطّريق فسقط الخارج وحده 16
-كلّه ،أو بعضه -فأتلف شيئا فعلى المخرج ضمان ما تلف به من نفس ،أو مال ،لنّه
ص ًة ،سواء كان المخرج مالكه أو مستعيرا أو مستأجرا أو
تلف بما هو مضمون عليه خا ّ
غاصبا ،وإن سقط ما في الدّاخل والخارج ،وتلف به إنسان ،أو مال فعلى صاحب
الجدار ،نصف الدّية ،إن كان التّالف إنسانا ،ونصف قيمة المتلف إن كان ما ًل ،لنّ
التّلف حصل بسقوط ما في داخل الجدار من الجناح ،وهو غير مضمون لنّه في ملكه ،
والمشروع إلى الطّريق العامّ ،وهو مضمون .
وقال الحنابلة :يضمن ك ّل الدّية أو القيمة في الحالين ،لنّه تلف بما أخرجه إلى الطّريق
فضمن ،كما لو بنى حائطا مائلً إلى الطّريق فأتلف شيئا ،ولنّه إخراج يضمن به بعضه
فيضمن كلّه .
سقوط جدار مائل إلى طريق نافذ :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا بنى في ملكه جدارا مائلً إلى الطّريق النّافذة فسقط فيه فتلف 17
به شيء ضمن ،لنّه متعدّ في ذلك ،وإن بناه في ملكه مستويا فسقط بغير استهدام ول
ميل ،فأتلف شيئا فل ضمان عليه بل خلف ،لنّه لم يتعدّ في بنائه ،ول حصل منه تفريط
بإبقائه ،وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطّريق ،فإن لم يمكنه نقضه وإصلحه فل ضمان
عليه ،لنّه لم يتعدّ ببنائه ،ول فرّط في تركه وإصلحه ،لعجزه عنه ،فأشبه كما لو سقط
من غير ميل .
وإن أمكنه نقضه وإصلحه ،فلم يفعل فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة وأحمد إلى الضّمان
بشرط أن يطالب واحد أو أكثر من أهل المصلحة في الخصومة بالنّقض ،ويشهد على ذلك
عند حاكم أو جمع من المسلمين ،وقال الشّافعيّة :يضمن لتقصيره وإن لم يطالب ولم
يشهد .
إلقاء شيء في الطّريق العامّ :
-لو ألقى قمامات ،أو قشور بطّيخ ورمّان وموز بطريق نافذ فمضمون ،ما لم يتعمّد 18
بشرط السّلمة فيما يمكن الحتراز عنه ،فإن ترتّب على ذلك ضرر ففي ضمانه تفصيل
ينظر في مصطلح ( :ضمان ) .
الطّريق غير النّافذ :
-الطّريق غير النّافذ ملك لهله ،فل يجوز لغير أهله التّصرّف فيه إلّ برضاهم ،وإن 21
طعَام *
َ
انظر :أطعمة ،أكل
طعْم *
َ
التّعريف :
-الطّعم -بالفتح -ما يؤدّيه الذّوق ،فيقال :طعمه حلو أو حامض ،وتغيّر طعمه إذا 1
ي.
خرج عن وصفه الخلق ّ
والطّعم أيضا ما يشتهى من الطّعام يقال :ليس له طعم وما فلن بذي طعم إذا كان غثّا .
وقال الفيّوميّ في معنى قول الفقهاء " :الطّعم علّة الرّبا " كونه ممّا يطعم أي ممّا يساغ
جامدا كان أو مائعا .
ضمّ -الطّعام .
والطّعم -بال ّ
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
الذّوق :
-الذّوق :إدراك طعم الشّيء باللّسان يقال :ذقت الطّعام أذوقه ذوقا وذوقانا وذواقا 2
والملح .
وقد اختلف الفقهاء في علّة الرّبا فيما عدا الثمان هل هي الطّعم أو غير ذلك .
). 68 - 64 وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ربا ف
طِفْل *
انظر :صغر
ط َفيْليّ *
ُ
انظر :تطفّل
طِلء *
التّعريف :
-من معاني الطّلء -بكسر الطّاء وبالمدّ -في اللّغة :الشّراب المطبوخ من عصير 1
العنب ،وهو الرّبّ كما قاله ابن الثير ،وأصله القطران الخاثر الّذي تطلى به البل وفي
الصطلح :الطّلء :هو العصير يطبخ بالنّار أو الشّمس حتّى يذهب أقلّ من ثلثيه ،ويصير
مسكرا .
وقيل :ما طبخ من ماء العنب حتّى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مسكرا .قال التّمرتاشيّ :
وهو الصّواب .
ويسمّى الطّلء أيضا بالمثلّث ،يقول الزّيلعيّ :المثلّث ما طبخ من ماء العنب حتّى يذهب
ثلثاه ،ويبقى الثّلث .
وقال الحصكفيّ نقلً عن الشّرنبلليّة :وسمّي بالطّلء لقول عمر -رضي ال عنه : -ما
أشبه هذا بطلء البعير ،وهو القطران الّذي يطلى به البعير الجربان .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الخمر :
-الخمر :هي النّيء من ماء العنب إذا غلى واشتدّ عند جمهور الفقهاء ،وزاد أبو 2
حنيفة :وقذفا بالزّبد ،وتطلق الخمر أيضا عند الجمهور على كلّ ما يسكر ولو من غير
ماء العنب .
ب -الباذق والمنصّف :
-الباذق :هو المطبوخ أدنى طبخةً من ماء العنب حتّى ذهب أقلّ من ثلثيه ،سواء أكان 3
الشربة المسكرة كلّها حرام ،وقالوا :كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام من أيّ نوع كان
لقوله صلى ال عليه وسلم » :كلّ مسكر خمر وكلّ خمر حرام « .
ي صلى ال عليه وسلم عن البتع وهو نبيذ
وعن عائشة رضي ال عنها قالت » :سئل النّب ّ
العسل ،وكان أهل اليمن يشربونه ،فقال :كلّ شراب أسكر فهو حرام « .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :ما أسكر كثيره
وعن ابن عمر رضي ال عنهما أ ّ
فقليله حرام « .
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن الطّلء بالتّفسير الثّاني ،وهو ما طبخ من ماء العنب
حتّى ذ هب ثلثاه وإذا ك ثر م نه أ سكر و هو الم سمّى بالمثلّث حلل ،ول يحرم م نه إلّ القدح
الخير الّذي يحصل به السكار ،أمّا ما ذهب أقلّ من ثلثيه فحرام بالجماع .
-7ومحلّ حلّ المثلّث عندهما للتّداوي واستمراء الطّعام والتّقوّي على الطّاعة .
قال الكاسانيّ :في المثلّث :ل خلف في أنّه ما دام حلوا ل يسكر يحلّ شربه ،وأمّا المعتّق
المسكر فيحلّ شربه للتّداوي واستمراء الطّعام والتّقوّي على الطّاعة عند أبي حنيفة وأبي
يوسف وأجمعوا على أنّه ل يحلّ شربه للّهو والطّرب ،لكن الفتوى عند الحنفيّة على ما
ذهب إليه محمّد -رحمه ال -من الحرمة ،وذلك لغلبة الفساد في زماننا ،كما حرّره ابن
عابدين والزّيلعيّ .
وهذا موافق لما ذهب إليه جمهور الفقهاء .
وينظر تفصيل الشربة وأنواعها في مصطلح ( :أشربة ) .