رامسفيلد قام بزيارة سرية ثانية إلى بغداد عام 1984
واشنطن :دانا بريست*
كشفت وثائق سرية اميركية ان وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد ذهب الى بغداد في مارس (آذار) 1984وهو يحمل تعليمات بتسليم رسالة خاصة حول اسلحة الدمار الشامل مفادها :ان نقد الوليات المتحدة العلني للعراق لستخدامه اسلحة كيماوية لن يؤثر على محاولت واشنطن اقامة علقات افضل. وقد طُلب من رامسفيلد الذي كان عندئذ المبعوث الخاص للرئيس الميركي السبق رونالد ريجان في الشرق الوسط ،ان يبلغ طارق عزيز ،وزير الخارجية العراقي آنذاك ،بان البيان الميركي حول السلحة الكيماوية صدر «من منطلق معارضتنا الشديدة لستخدام اسلحة كيماوية قاتلة او تشل الحركة» ،حسبما جاء في برقية لرامسفيلد من وزير الخارجية الميركي انذاك جورج شولتز .واشارت البرقية الى ان البيان لم يهدف الى اليحاء بتغيير في السياسة ،وان رغبة الوليات المتحدة في «تحسين العلقات الثنائية حسب ما يختاره العراق» ،لتزال «كما كانت» و«تستحق التأكيد على اهمية هذه الرسالة خلل المناقشات». وتكشف هذه الوثائق ،التي حصل عليها ،طبقا لقانون حرية المعلومات، ارشيف المن القومي ،خفايا جديدة للجهود الميركية وراء الستار للتودد للعراق كحليف حتى وهو يستخدم السلحة الكيماوية في حربه مع ايران .وكان قد تردد على نطاق واسع ان رحلة لرامسفيلد قبل ذلك الى بغداد في ديسمبر (كانون الول) ،1983ساعدت على تشجيع العراق على استئناف العلقات الدبلوماسية مع الوليات المتحدة .وكان الهدف المكشوف لزيارة رامسفيلد الثانية في مارس (آذار) ،1984والذي كشفت عنه الوثيقة السرية لول مرة، هو احتواء تداعيات الدانة الميركية لستخدام السلحة الكيماوية. ول توضح الوثائق ما قاله رامسفيلد خلل اجتماعاته مع عزيز لكنها تكشف عن التعليمات التي صدرت اليه بخصوص ما يقوله .وتجدر الشارة الى انه كان من غير العادي ان يتجاهل مبعوث رئاسي تعليمات من شولتز .وعندما تم الكشف العام الماضي عن تفاصيل زيارة رامسفيلد الى بغداد في ديسمبر (كانون الول) ،1983ذكر وزير الدفاع لشبكة «سي ان ان» التلفزيونية انه «حذر» صدام بخصوص استخدام السلحة الكيماوية ،وهي رواية تتعارض مع الملحظات السرية عن اجتماعه الذي استغرق 90دقيقة ،التي لم تشر الى هذا التحذير .وقد اعلن متحدث باسم «البنتاغون» ،فيما بعد ،ان رامسفيلد اثار الموضوع مع طارق عزيز وليس مع صدام .واوضح المتحدث باسم «البنتاغون» لري دي ريتا اول من امس ان «الوزير ذكر ما ذكره واوافق على ذلك .فقد كان يتذكر كيف تم الجتماع ،ول يمكنني تخيل ان تغير برقية اضافية ذكرياته عما دار في الجتماع» واضاف دي ريتا «ل اعتقد انها غير متطابقة .ستدين ادانة قوية استخدام السلحة الكيماوية ،او أي عناصر قاتلة اخرى ،ثم تقول واضعا ذلك في العتبار :فيما يلي مجموعة اخرى من القضايا» التي سنناقشها. وفي العام الماضي اشارت ادارة الرئيس جورج بوش الى اعتقادها بان العراق لديه ويمكن ان يستخدم اسلحة دمار شامل -بما في ذلك معدات كيماوية وبيولوجية ونووية -باعتبارها السبب الرئيس لدخول الحرب ضد العراق. ولكن خلل الثمانينات ،وفي الوقت الذي كان فيه العراق في حرب مطولة مع ايران ،فإن الوليات المتحدة اعتبرت نظام صدام حليفا هاما وسندا ضد الثورة اليرانية عام .1979وكانت واشنطن قلقة من ان النموذج اليراني ربما يهدد بقية دول المنطقة .وقد حافظت الوليات المتحدة ،علنا ،على حيادها خلل الحرب العراقية اليرانية التي استمرت لمدة 8سنوات وبدأت عام .1980 ولكن ،في الواقع ،كانت ادارة ريجان وجورج بوش الب ،تبيع معدات عسكرية للعراق ،بما في ذلك عناصر كيماوية سامة وعناصر بيولوجية قاتلة ،وعملت على وقف تدفق السلحة الى ايران ،واتخذت عدة مبادرات دبلوماسية سرية، شملت الزيارتين السريتين لرامسفيلد الى بغداد ،لتحسين العلقات مع صدام. وذكر توم بلنتون ،المدير التنفيذي لرشيف المن القومي ،وهو مركز ابحاث مقره واشنطن ،ان الدعم السري لصدام يقدم درسا في مجال العلقات الخارجية الميركية في مرحلة ما بعد 11سبتمبر(ايلول) .واضاف ان الجوانب المظلمة للدبلوماسية تستحق بعض الهتمام. وقد أقر شولتز في تعليماته الى رامسفيلد بالرتباك الذي احدثته الشارات الميركية المتضاربة للعراق .واضاف بلنتون «ان المسؤولين العراقيين شعروا بالرتباك في محاولة فهم تصرفاتنا في اطار اهدافنا المعلنة .وفي ما يتعلق ببيان السلحة الكيماوية كان الغراء كبيرا للتخلي عن التحليل المنطقي والتراجع الى وجهة النظر القائلة بأن السياسات الميركية هي سياسات معادية اساسا للعرب ورهينة لرغبات اسرائيل». وتكشف الوثائق السرية ايضا عن امال دبلوماسي كبير اخر هو السفير البريطاني في العراق في العمل بطريقة بناءة مع صدام .فبعد فترة قصيرة من تولي صدام حسين منصب نائب الرئيس في عام 1969بعث السفير البريطاني انذاك اتش جي بالفور بول ببرقية عن انطباعاته بعد اللقاء الول قال فيها «يمكنني الحكم عليه ،وكونه شابا صغيرا ،بأنه شخصية هائلة وذات تركيز وعنيدة في التسلسل القيادي للبعث ،ال انه شخص يمكن ،اذا ما امكن لنا اللتقاء به اكثر من ذلك ،العمل معه» .وقال بول «هو شاب انيق له ابتسامة جذابة .يعتبر مبدئيا من المتشددين في حزب البعث ،غير ان المسؤوليات ربما تحد من ذلك». *خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الوسط»