حول قضية المرأة في العالم العربي عبد الرحيم الراجي تقديم: يدخل كتاب قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية ضمن الكتابات السوسيولوجية المعاصرة التي تراهن على المقاربة السوسيولوجية النقدية كخيار منهجي لفهم العالم الجتماعي ( )Le monde socialوقد ركز الباحث مصطفى محسن في هذا المؤلف على مساءلة المسألة الجتماعية ( )La question socialeوتحديدا المسألة النسائية ( )La question féminineبحكم ما أصبح يعرفه هذا الموضوع اليوم من اهتمام متزايد ويتجلى ذلك في تنامي نشاط الحركة النسائية التي تنزع نحو تحسين وضعية المرأة عن طريق الرفع من كفاءتها لضمان انخراطها اليجابي في التنمية الجتماعية والسياسية والقتصادية ،الشكال الذي أطرحه الن من خلل هذه المقالة والذي يمكن أن يطرحه معي كل المهتمين بالعالم الجتماعي وبقضية المرأة وبحقوق النسان والديمقراطية هو :ما هي أهم السئلة السوسيلوجية التي طرحها الباحث المغرب مصطفى محسن في كتاب قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية؟ ثم ما هي المعالجة المقترحة لهذه السئلة؟ وأخيرا وليس آخرا ما هي الملحظات التقييمية التي يمكن تسجيلها إن على مستوى الرؤية أو على مستوى المنهج المعتمدين في المعالجة؟ – 1السئلة السوسيولوجية في كتاب : يندرج الكتاب المذكور أعله ضمن ما يسميه هشام شرابي "بالخطاب النقدي الذي يرفض الشرعيات المطلقة ول يعترف بمطلب الحقيقة الواحدة الشاملة ،ويصر على الختلف السياسي والتعددية الفكرية ،ويضع حقوق النسان والحريات الديمقراطية وقضية المرأة على رأس اهتماماته الفكرية والجتماعية ،ويتشكل مؤلف قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية من أربعة مباحث يمكن تركيزها في ثلث مباحث أساسية فضل عن المدخل التمهيدي، وقد خصص المؤلف هذا الكتاب لطرح استفهامات سوسيولوجية مركزية ودقيقة يمكن تلخيصها في سؤالين أساسيين: السؤال الول :ما هي الوضاع التعليمية التي تعيشها الفتاة العربية وبخاصة الفتاة المغربية كنموذج في الوسط القروي؟ السؤال الثاني :ما هي الفاق الممكنة لتدخل الجمعيات غير الحكومية للمساهمة في تحسين أوضاع الفتاة (المرأة) تسهيل لمأمورية إدماجها في التنمية الجتماعية الشاملة؟. – 2المعالجة المقترحة: ـ في المبحث الول المعنون بالوضاع التربوية والجتماعية للفتاة في الوطن العربي (الفتاة القروية بالمجتمع المغربي المعاصر كنموذج) :أشار مصطفى محسن إلى فكرة أساسية مؤداها أن استفادة الفتاة العربية من الخدمات التعليمية لزالت دون المستوى بالمقارنة مع الفتاة في الدول المتقدمة ،موضحا بأن الفتاة بالوسط القروي ل زالت تعاني من التهميش حتى الن وبشكل كبير وقد توصل المؤلف إلى هذه الفكرة عن طريق استنطاق بعض المعطيات الحصائية المتضمنة في تقرير 1992الذي قدمته منظمة اليونيسكو بخصوص الوضعية التعليمية بالوطن العربي بما في ذلك المغرب وفي إطار الشارة إلى النعكاسات السلبية لهذه الوضعية سجل المؤلف على أن ظاهرة المية في صفوف الناث وبخاصة الفتاة القروية ،من النعكاسات السلبية الناجمة عن عدم كفاية الخدمات التعليمية المقدمة بشكل عام في الوطن العربي وبالمغرب بشكل خاص بالرغم من المجهودات المبذولة في إطار برنامج محو المية ،فحتى سنة – 1990يقول المؤلف -لم يبلغ المعدل الوطني لمحو المية بالمغرب سوى %49.5وقد كانت نسبة استفادة الفتاة من برنامج محو المية دون المستوى. وهذه المعطيات ستكون لها آثار سلبية على اندماج المرأة في محيطها الجتماعي والقتصادي والثقافي ،بمعنى آخر ستكون هناك تنمية معطوبة بتعبير المؤلف. ـ في المبحث الثاني المعنون بعوائق تمدرس الفتاة في الوسط القروي المغربي :ركز الباحث المغربي على تصنيف وتحديد العوائق المعرقلة لتمدرس الفتاة بالوسط القروي وقد حددها في أربعة أنواع: أ – العوائق التربوية ويمكن رصدها في ثلث نقط أساسية: النقطة الولى وتتعلق بطبيعة ونوعية العرض التربوي :فالعرض التربوي في نظر المؤلف يتسم في الوسط القروي المغربي بسمات التشتت والختلف واللتكامل ويتجلى ذلك في ضعف تغطية حاجة الدواوير إلى المدارس حيث ل تتجاوز هذه التغطية نسبة %33بشكل عام ،عدم كفاية هذه التغطية حسب الدواوير والمناطق القروية المتباينة ،عدم توفر المدارس حتى في حالة وجودها على بنية بيداغوجية سواء في هيكلها المادي (البنية التحتية) أو التربوي (توفر كل المستويات الدراسية المتعلقة بطور معين) ،عدم ملءمة التنظيم البيداغوجي (التوقيت ،استعمالت الزمن والعطل لخصوصيات الوساط القروية المختلفة) .هذه الوضعية المختلة التي تميز العرض التربوي بالوسط القروي تؤدي في نظر الباحث إلى حدوث ظواهر تربوية سلبية متعددة مثل :ظاهرة العزوف عن التمدرس ،ظاهرة النقطاع المبكر وظاهرة التكرار.. النقطة الثانية وتتعلق بابتعاد بعض مضامين المناهج الدراسية عن قيم ومكونات الثقافة القروية بالمفهوم السوسيو-أنثروبولوجي للثقافة: في هذه النقطة تمت الشارة إلى أن المناهج المعممة على المستوى الوطني ل تدمج آليات وأساليب التنشئة الجتماعية التي تراعي خصوصيات الثقافة المحلية من عادات وأعراف وتقاليد وقيم ،..وتأكيد الباحث على ضرورة استدخال الثقافة المحلية في أساليب التنشئة الجتماعية للفتاة القروية التي تفتقر إليها الدبيات التربوية حتى الن ل تعني أنه يدعو إلى وضع مناهج خاصة بالوسط القروي وأخرى خاصة بالوسط الحضري لن الهدف في النهاية هو تكوين مواطن مغربي مستجيب في ثقافته وقيمه لمتطلبات الندماج والسهام في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة .إن الهدف الستراتيجي من الدعوة إلى استدخال الثقافة المحلية هو جعل المؤسسة التعليمية أكثر انفتاحا على محيطها الجتماعي الثقافي والقتصادي. النقطة الثالثة والخيرة وتتعلق بعدم كفاية الخدمات التربوية المتوفرة :تبرز عدم كفاية الخدمات التربوية المقدمة في قلة المطاعم المدرسية ،عدم توفر المطاعم على الشروط الغذائية والصحية الضرورية ،غياب الداخليات في جل مستويات التعليم ،عدم توفر المؤسسات على قاعات للستراحة خاصة وأن أغلب التلميذ ول سيما البنات ل يستطيعون ،نظرا لعامل البعد أن يعودوا إلى منازلهم فيما بين الفترتين الصباحية والمسائية ،غياب التجهيزات الساسية التي يتطلبها السير العادي للعمل التربوي مثل :الماء ،الكهرباء ،التدفئة ،السكن الخاص برجال التعليم ،المراحيض ،العتاد البيداغوجي المتعلق بوسائل التعليم والتبليغ واليضاح .غياب هذه الخدمات وضعفها يؤثر سلبا على تمدرس الطفال وبخاصة تمدرس الفتاة القروية ونظرا لوضعها الجتماعي ستكون العنصر الكثر تضررا في ظل هذا الواقع المأزوم. ب – العوائق السوسيو-اقتصادية: لقد أضحت العوائق الجتماعية-القتصادية ،في ظل النظام العالمي الجديد وزحف العولمة ( )Mondialisationمن أبرز العوائق التي تتحكم اليوم في ثقافة ووعي النسان وهذا يذكرنا بمدى صمود المقولة الماركسية التي تقر بأن الواقع القتصادي هو الذي يتحكم بل ويحدد وهي الناس وعلقاتهم الجتماعية وهذا ما يؤكده كارل ماركس في قوله" :إن الحياة المادية هي التي تحدد الحياة الجتماعية والسياسية والفكرية عامة" ،وفي إطار رصد العوائق الجتماعية-القتصادية المؤثرة على الوضعية التربوية بالمغرب وبخاصة في الوسط القروي ،أكد المؤلف على أن هناك عوائق متعددة ومتنوعة نذكر منها على سبيل الحصر ما يلي: ـ تدهور الوضعية القتصادية بالوسط القروي. ـ اتساع فئة الفقراء لن أغلب القرويين يعتمدون على أنشطة فلحية معاشية تعتمد على التساقطات المطرية. ـ ارتفاع كلفة التمدرس. ـ تشبث النسان القروي ،بحكم المية وضعف الدخل الفردي وضعف التغطية الصحية ،بفكرة استثمار الطفال كرأسمال بشري في عملية النتاج في العمال المنزلية وفي العمال الحقلية الزراعية أو الرعوية. لقد ختم مصطفى محسن الحديث عن العوائق السوسيو-اقتصادية بالشارة إلى فكرة مفادها أن تعاظم تشغيل الطفال والشباب من الجنسين اليوم تعود في الصل إلى تدهور المكانة الجتماعية والقتصادية للمدرسة المغربية سواء في القرية أو المدينة وهذا التدهور بدأ مع نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات ذلك أن التعليم لم يعد أداة للحركية الجتماعية والترقي بمعنى آخر لم يعد ينظر إلى التعليم على أساس أنه أداة للتنمية والتطور الجتماعي. ج – العوائق السوسيو-ثقافية: في إطار الحديث عن العوائق يؤكد صاحب المؤلف بأن للعوائق السوسيو-ثقافية تأثير كبير على الوضعية الجتماعية التربوية للفتاة بالوسط القروي ،وهذا التأثير يتجلى في تصدي الوعي الجتماعي التقليدي للتربية الحديثة التي أضحت تركز على إدماج أفكار جديدة وعلم جديد وقيم جديدة مثل الدعوة إلى: ـ أعمال العقل. ـ استخدام الذكاء. ـ مناقشة الفكار مناقشة علمية قبل تبنيها. ـ الحرص على الحوار واحترام الغير. ـ احترام حقوق النسان. ولم تفت المؤلف فرصة لفت انتباهنا إلى أن هناك مفارقة بين مكونات الوعي الجتماعي وبين الممارسة أحيانا وقد مثل لذلك بالموقف من المرأة بالمغرب ،مبينا بأن بالرغم من خروج المرأة إلى مجال العمل والنتاج في قطاعات متعددة ومختلفة فإنها ل زالت تواجه أفكارا مناهضة لتحررها ومساواتها مع الرجل وبخاصة في الوساط المهمشة في المدن والمناطق القروية ،ولهذا انعكاس سلبي على تمدرس الفتاة وتحديدا الفتاة القروية. د – العوائق اليكولوجية: لقد حصر مصطفى محسن العوائق اليكولوجية التي تحد من مستوى القبال عن التمدرس في الوسط القروي بالنسبة للناث في: ـ طبيعة التضاريس التي يتميز بها الوسط القروي. ـ نوعية المناخ السائد كذلك بالمجال القروي. ـ بالضافة إلى مشكلة التأهيل اللمتكافئ للمناطق القروية على مستوى هيكلتها التجهيزية (من كهرباء وماء وطرق ووسائل النقل والتصال) وعلى مستوى هيكلتها التنظيرية (من خدمات وأجهزة إدارية وصحية ومؤسسات تربوية.).. وبالتالي ينبغي حسب وجهة نظر الباحث مراعاة سياسة تخطيطية تنموية شاملة قائمة على أسس البحث العلمي الذي يراعي بدوره نوعية الطلب الجتماعي في الوسط القروي. في ظل هذا الوضع المتأزم لتمدرس الفتاة القروية بالوطن العربي وبالمغرب على الخصوص نتساءل عما هي البدائل أو الحلول التي يقترحها الباحث السوسيولوجي مصطفى محسن لتجاوز هذا الواقع المتردي الذي تعيشه الفتاة بالوسط القروي المغربي؟ بمعنى آخر ما هي السبل الكفيلة بتأهيل المرأة القروية وجعلها عنصرا فاعل في التنمية بمعناها الشامل والموسع؟ وإذا سلمنا بأن الباحث سيقترح حل هذا المشكل عن طريق تدخل المنظمات والجمعيات النسائية كما سيتضح فيما بعد ،فالسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا راهن الباحث السوسيولوجي المغربي على المنظمات والجمعيات النسائية؟ بمعنى أكثر شمولية لماذا راهن المؤلف على حل مشكل تمدرس الفتاة القروية بالمغرب على المجتمع المدني وتجنب الحديث عن دور الدولة في هذا المجال؟ هل الدولة أصبحت عاجزة ،في ظل العولمة وما تطرحه من إكراهات ،عن حل المشاكل ذات الطبيعة الجتماعية كما ذهب إلى ذلك المفكر التونسي الحبيب الجنحاني؟. ـ في المبحث الثالث والخير المعنون بالجمعيات الغير الحكومية ومستقبل تمدرس الفتاة القروية :عمل الباحث المغربي مصطفى محسن على رصد مجموعة من المقترحات ،التي رآها ملئمة لتحسين وضعية الفتاة (المرأة) المغربية القروية تحديدا ،ويمكن تلخيصها كما يلي: +الدعوة إلى خلق نشاط جمعوي مكثف في الوسط القروي لما تعيشه الفتاة (المرأة) المغربية في هذا الوسط من مشكلت معقدة كالمية ،الستغلل في مجال العمل والنتاج ،عوائق التمدرس المتنوعة، الصورة المتدنية للمكانة الجتماعية للمرأة بالوسط القروي وما ينجم عن ذلك من زواج مبكر وحجر ووصاية.. +التركيز في العمل الجمعوي الموجه لفائدة المرأة القروية على التعليم لنه على كل تنمية والمدخل الساس لدماج المرأة حتى ولو لم يؤدي هذا التعليم إلى شغل ،لن المعرفة في نهاية المر رأسمال رمزي يساعد المرأة على مواجهة مشكلت اجتماعية من مثل :التنظيم العائلي ،الصحة ،مخاطر الزواج المبكر ،الطلق وما ينجم عنه من أخطار نفسية واجتماعية على الطفال. +تحسيس المرأة وتوعيتها بالمشاكل الجتماعية التي تعرقل انخراطها في التنمية إلى جانب الرجل مثل المية ،الرشوة. +الدعوة إلى استدخال تقنية التصال والتواصل الحديثة في مجال النشاط الجمعوي مثل الشرطة المسموعة أو المرئية كالقوافل السينمائية والملصقات المصورة ،إنه يدعو إلى استعمال كل التقنيات المتطورة التي تساعد على شرح وتبسيط الموضوعات سواء كانت موضوعات تربوية أو صحية أو اجتماعية. +الدعوة إلى ضرورة تأسيس العمل الجمعوي على نتائج البحث العلمي وعلى الدراسات الميدانية حتى تتمكن الجمعيات من تجاوز مسألة السقوط في بلورة خطاب مفارق للواقع ،فمثل الخطاب النسائي يقتضي طرح التساؤلت التية :عن أية امرأة أو فتاة نتحدث؟ ما هي مواصفاتها ومشكلتها وهمومها؟ هل يهم هذا الخطاب كل النساء أم أنه يهم فقط فئات وشرائح نسائية محددة وخاصة؟ من هن هؤلء النساء تحديدا؟ ونفس الشيء يمكن قوله عن الخطابات المتعلقة بالطفال والشباب والمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق النسان. إن تأمل المقترحات السابقة التي تقدم بها مصطفى محسن لرسم أفق إيجابي للمرأة العربية ولحل المشاكل التي تعترضها في كل القطار العربية مع الخذ بالخصوصيات المحلية ،يجعلنا ننتهي إلى أن حل هذه المشاكل ل يمكن أن يتم في نظر هذا الباحث المحب للسؤال السوسيولوجي إل من خلل المراهنة على المجتمع المدني ،وعندما نقول المجتمع المدني نقول الحركات الجتماعية أي المنظمات والجمعيات غير الحكومية ،السئلة التي تعترضنا الن: هل توجد بالمغرب وبالعالم العربي حركات اجتماعية بالمواصفات التي أثارها آلن تورين في كتابه Sociologie de l'actionوغي روشيه في كتابه Introduction à la sociologie social: le changement social وبالمواصفات التي أثارها الباحث المغربي نفسه؟ وعلى سبيل التوضيح هل توجد جمعيات تحدد برامجها التنمية انطلقا من دراسات عميقة وبحوث ميدانية تستند إلى الخبرة العلمية؟ فضل عن ذلك ،لماذا تجنب مصطفى محسن اقتراح حلول تدمج المجتمع السياسي والدولة ككل في تحمل مسؤوليات تنمية المرأة في الوطن العربي وإدماجها في الحياة العامة للمجتمع؟ هل تجنبه لمثل هذه القتراحات يعود إلى إدراكه بأن "الدولة في زمن العولمة تحولت كما يقول الحبيب الجنحاني إلى مضيفة للشركات المتعددات الجنسية وما يقترن بالضيافة من كرم وترحيب وفرش البسط وتزيين الطرقات ..وإعفاء الشركات العالمية من الضرائب أو التخفيض فيها ،وهو ما يؤدي حتما إلى تقليص النفاق الحكومي على الرعاية الجتماعية والخدمات العامة من نقل ومدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسسات ثقافية" أم أن المر يقتضي تقديم اقتراحات محكومة فقط بمنطق "موضة العصر" حيث ل حديث اليوم إل عن المجتمع المدني؟ – 3ملحظات تقييمية للرؤية والمنهج: يبرز أوكست كونت في كتابه Cours de la philosophie positive بأنه " :ل تدرس المناهج في استقلل عن البحوث وكل دراسة تنزع نحو الفصل بينهما ستكون دراسة عديمة القيمة ولن تغني الفكر" ومنطوق هذا القول يبين بأن مسألة الفصل بين الشكل والمضمون بين المنهج والرؤية هي مسألة صعبة لن فهم الشكل (المنهج) متوقف على المضمون وفهم المضمون (الرؤية) متوقف على الشكل .إن محتوى القول المشار إليه أعله ،يوضح بأن أوغست كونت يرفض الفصل بين المنهج والرؤية بالمعنى الستراتيجي ،أما الفصل الجرائي المحكومي بغائية المساءلة النقدية لكل واحد منهما على حدة فهذا مقبول ،بل واجب باصطلح الفيلسوف الفرنسي ديكارت ،لن تأسيس المعرفة بالمعنى الديكارتي ل يتأتى إل بالنتقال من قاعدة البداهة إلى قاعدة التحليل فقاعدة التركيب ،وإذن فتأسيس المعرفة يستوجب ممارسة الفصل والتفكيك والسير من البسيط نحو المعقد. بناء على ما تقدم ،نقول إذن بأن الفصل بين الرؤية والمنهج ،بين المضمون والشكل ،بين ما قيل وكيف قيل ،هو فصل منهجي إجرائي نستدعيه هنا كما يستدعيه كل المهتمين بالمقاربات النقدية بهدف الوقوف على كل واحد منهما .السئلة المطروحة الن هي كالتالي :ما هو السلوب المنهجي الذي اختاره مصطفى محسن؟ ثم ما هي قيمته البستمولوجية؟ علوة على ذلك أين تكمن قيمة الرؤية التي بلورها المؤلف في كتابه قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية؟،وعندما نقول الرؤية فإننا نقصد موقف الباحث من المرأة ومن الواقع الجتماعي والثقافي والقتصادي الذي أنتجها ،إذن هل مصطفى محسن راض عن الواقع بمعناه المادي والرمزي الذي تعيشه المرأة في العالم الجتماعي العربي أم ل؟ بالضافة إلى ذلك هل الباحث المغربي قدم للقضية النسائية كل ما تستحقه باعتبارها قضية اجتماعية حقيقية كما فعل بيير بورديو في كتابهLa domination : masculineوهشام شرابي في مؤلفه البنية البطريكية وفاطمة المرنيسي في كتاباتها المتعددة ،Le harem politique :هل أنتم محصنون ضد الحريم ..أم أنه اكتفى فقط بقراءة قضية المرأة بالقضية التربوية؟ أ – تقييم رؤية الباحث السوسيولوجي مصطفى محسن: لقد ذهب إميل دوركايهم في مؤلفه Les règles de la méthode sociologiqueإلى القول بأن" :النسان نتاج المجتمع" ومقاسا على هذا أكد مصطفى محسن بدوره بأن المرأة العربية المية والفقيرة والمقهورة هي نتاج لمجتمع عربي متأزم ،وقد حصر محددات الزمة وأسبابها في معطيات متعددة :إيكولوجية ،اقتصادية ،سوسيولوجية وثقافية ،..لكن ما يثير النتباه هو أنه بالرغم من اعترافه بأن الزمة التي تعيشها المرأة ويعيشها الشباب في العالم العربي هي أزمة مجتمع كما أشار إلى ذلك في كتابه الخطاب الصلحي التربوي :أسئلة الزمة وتحديات التحول الحضاري رؤية سوسيولوجية نقدية فإنه اكتفى فقط بدعوتنا إلى العتماد على المجتمع المدني لتجاوز الزمة التي تعيشها المرأة ،وهذا يبرز نوعا من المفارقة ،إذ كيف يمكن القول بأن للزمة طبيعة كليانية (اقتصادية ،اجتماعية ،ثقافية إلخ) ويتم النتهاء إلى اقتراح حلول جزئية؟ إن المطلع على كتاب قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية ل بد وأن يكتشف كذلك بأن الباحث لم يعط للقضية النسائية كل ما تستحقه من دراسة عميقة وموسعة ويتجلى ذلك في عدم النفتاح على المرجعيات السوسيولوجية والفكرية التي ركزت على رصد ماهية المرأة وقيمتها وعلقتها بأخيها الرجل داخل مؤسسات المجتمع ،وقد أشرت إلى البعض منها سابق .لقد اكتفى صاحب المؤلف بقراءة قضية المرأة بالقضية التربوية ويبرز ذلك في النفتاح المكثف على المفاهيم والنظريات التربوية كنظرية إعادة النتاج لبيير بورديو وغيرها. إن دعوة مصطفى محسن إلى إشراك المنظمات والجمعيات في التنمية ليس جديدا في مجال المقاربة السوسيولوجية وإنما هو تثمين واستحضار للطروحات السوسيولوجية الدينامية التي تحدثت عن الحركات الجتماعية Les mouvements sociauxودورها في تحقيق التنمية ،وقد حصل هذا مع السوسيولوجي آلن تورين في كتابه Sociologie de l'actionالذي انتهى فيه إلى تأسيس منهجية تحليل الحركة التاريخية أو ما يسمى بـ L’analyse actionalisteالذي اقترحه كمنهج بديل لـ L’analyse fonctionalisteو ،L’analyse structuraliste وإنصافا لمصطفى محسن نقول بأن الجديد عند هذا الرجل يتمثل في نظرنا في مناداته اليوم بفكرة إعادة النظر في الكيفية التي تتم بها عملية تأسيس الحركات الجتماعية سواء في الوسط القروي أو الحضري ،نظرا لما تؤديه هذه الحركات الجتماعية من وظائف مهمة كوظيفة الوساطة بين الفراد والدولة ( )Fonction de médiationووظيفة توضيح (وبناء) الوعي الجماعي Fonction de clarification de la conscience collectiveووظيفة الضغط ،Fonction de pressionإنه يدعونا إلى جعل مسألة تأسيس الحركات الجتماعية في العالم العربي مسبوقة بالدراسات والبحاث الميدانية العلميةوتجاوز فكرة النخراط في التأسيس الرتجالي المحكوم بالمزايدات السياسوية والحزبوية لنها تجعل العمل الجمعوي ضيق الفق ومحكوم بالرؤية الذاتية البراغماتية اللحظية. ب – تقييم المنهج الذي اعتمده الباحث السوسيولوجي مصطفى محسن: انسجاما مع التقديم الذي افتتحت به مقالتي هاته أعود لقول من جديد بأن كتاب قضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية يندرج ضمن تجربة البداع السوسيولوجي النقدي المعاصر ،والهتمام بالمساءلة النقدية في المجال السوسيولوجي كما هو المر في مجال العلوم النسانية الخرى :كالفلسفة والتاريح ،..دفع ويدفع اليوم محترف السوسيولوجيا إلى تمثل واقتفاء آثار التجربة النقدية الكانطية في رصد ومعالجة الوقائع الجتماعية ،Les faits sociauxوهذا التوجه نجده عند العديد من السوسيولوجيين السابقين كماكس فيبر ( )Max Weberوبيير بورديو وغيرهم وكل هذا يحتم في نهاية المطاف على السوسيولوجيين أن يتزودوا بأساليب منهجية تقوي ملكة النقد بمعناها العلمي ،ومن هنا تأتي ضرورة النفتاح على إبستيمولوجيا علم الجتماع أو ما يسميه بيير بورديو بـ Sociologie de la sociologieالتي بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر حيث سيتم الحديث عن تجارب منهجية متعددة كـ :ـ المنهج التكويني ـ المنهج الوظيفي ـ المنهج الصطلحي ـ المنهج البنيوي ـ المنهج التاريخ الخ. السؤال الذي يطرح الن :ما هو المنهج الذي اعتمده مصطفى محسن في تناوله لقضية المرأة وتحديات التعليم والتنمية البشرية؟ جوابا على السؤال المطروح نقول بأن الباحث المغربي حرص على المزاوجة بين أسلوبين منهجيين أساسيين يتعلق المر هنا بالمنهج الحصائي والمنهج التاريخي ،والعتماد على هذين المنهجين يعود في الواقع إلى أهميتهما العلمية في تناول الظواهر الجتماعية والثقافية، وفي سياق التنبيه إلى أهمية المنهج التاريخي وتأكيد عناية الباحثين المعاصرين به يقول محمد عابد الجابري" :لقد صار الباحثون المعاصرون يحاولون استكناه حقيقة الظاهرة وأسبابها الموضوعية بتوظيف المناهج الحديثة وفي مقدمتها المنهج الفينومينولوجي والمنهج التاريخي وإذن فمراهنة الباحث المغربي على المنهج التاريخي والمنهج الحصائي ترتبط بقيمتهما وأهميتها العلمية ،وفي إطار تتميم البعد التقييمي للجانب المنهجي ،نسجل كذلك بأن اهتمام مصطفى محسن بالمنهجين المذكورين آنفا ينم بوضوح عن الرغبة الملحة لديه في النفتاح على التجربة السوسيولوجية الغربية والمتح منها ،ونحن بدورنا نقول بأنه يجب أن يكون هذا المتح مشروطا بالوعي المتوقف على إدراك واستيعاب الخبرة المنهجية وتمييزها عن البعد اليديولوجي والعمل على استثمار هذه الخبرة المنهجية السوسيولوجية في رصد ومساءلة الوقائع الجتماعية التي تواجهنا في العالم العربي. خلصة: استقراء التقييم الذي انتهينا إليه ،إن على مستوى الرؤية أو على مستوى المنهج يؤدي بنا بصفة عامة إلى استخلص نتيجة أساسية وجوهرية ،مفادها أن معالجة الباحث السوسيولوجي مصطفى محسن لقضية المرأة في العالم العربي ،لم تتم إل من خلل تمثل الفكر الماركسي (منهج) ،ذلك أن المنهج التاريخي الذي اعتمده لم يتأسس إل في حضن الفكر الماركسي وتمثل الفكر الليبرالي (كرؤية) ،لن الفكر الليبرالي هو الذي أخذ السبق فيما يخص التقعيد لمفهوم المجتمع المدني والتنبيه إلى دوره الساسي في إعادة ترتيب العلقات الجتماعية وتصحيحها في أوروبا خلل القرن الثامن عشر .الستفهام الذي يطرح نفسه :هل الفكر العربي الحديث والمعاصر ل يملك بدوره رؤية ومنهجا لمعالجة القضايا الراهنة المطروحة عليه ،كقضية المرأة وغيرها أم المر هنا يتعلق فقط بتغييب الجتهادات الحقيقية والجادة التي قدمها الباحثون العرب في موضوع المرأة؟