Professional Documents
Culture Documents
تفسير الاحاديث النووية كاملة
تفسير الاحاديث النووية كاملة
تفسير الاحاديث النووية كاملة
الحديث الثاني
عن عمر )رضي ال عنه( أيضًا قال :بينما نحن جلوس عند رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ذات يوم إذ طلع علينا رجل
شديد بياض الثياب ،شديد سواد الشعر ،ل يرى عليه أثر السفر ،ول يعرفه منا أحد ،حتى جلس إلى النبي )صلى ال عليه
وسلم( ،فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ،ووضع كفيه على فخذيه ،وقال :يا محّمد أخبرني عن السلم؟! فقال رسول ال )صلى
ال عليه وسلم(" :السلم أن تشهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدًا رسول ال ،وتقيم الصلة ،وتؤتي الزكاة ،وتصوم
ل" ،قال :صدقت .فعجبنا له يسأله ويصّدقه ،قال :فأخبرني عن اليمان؟ قال: رمضان ،وتحج البيت إن استطعت إليه سبي ً
"أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" ،قال :صدقت .قال :فأخبرني عن
الحسان؟ قال" :أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" .قال :فأخبرني عن الساعة؟ قال" :ما المسؤول عنها
بأعلم من السائل" ،قال :فأخبرني عن أماراتها؟ قال" :أن تلد المة ربتها ،وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء
يتطاولون في البنيان" ،ثم انطلق .فلبثت مليًا ،ثم قال" :يا عمر أ تدري من السائل؟" قلت :ال ورسوله أعلم ،قال" :فإنه
)جبريل أتاكم يعّلمكم دينكم") .رواه مسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم :أخبرني عن اليمان :اليمان في اللغة :هو مطلق التصديق ،وفي الشرع :عبارة عن
تصديق خاص ،وهو التصديق بال ،وملئكته وكتبه ،ورسله ،وباليوم الخر ،وبالقدر خيره وشره .وأما السلم فهو
عبارة عن فعل الواجبات ،وهو النقياد إلى عمل الظاهر .قد غاير ال تعالى بين اليمان والسلم كما في الحديث ،قال
ن المنافقين كانوا يصلون سَلْمَنا{ ]الحجرات .[14:وذلك أ ّ ن ُقوُلوا َأ ْ
ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتِْؤُمنوا َوَلِك ْ
عَرا ُت اَل ْ
ال تعالى َ}:قاَل ِ
ويصومون ويتصدقون ،وبقلوبهم ينكرون ،فلما اّدعوا اليمان كّذَبهم ال تعالى في دعواهم اليمان لنكارهم
سوُل الِ
ك َلَر ُ
بالقلوب،وصدقهم في دعوى السلم لتعاطيهم إياه .وقال ال تعالىِ} :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهُد إن َ
ن لَكاذبونَ{ ]المنافقون .[1:أي في دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة ن المنافقي َ شَهُد إ ّ ل َي ْل يعلُم إّنك لرسوُلُه وا ُ وا ُ
قلوبهم ،لن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم ،وشرط الشهادة بالرسالة :أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم ّبين
ال تعالى كذبهم ،ولما كان اليمان شرطًا في صحة السلم استثنى ال تعالى من المؤمنين المسلمين قال ال تعالى } :
ن{ ]الذاريات [36 -35 :فهذا استثناء متصل سلِمي َ
ن الم ِْ
ت ِم َ
جْدَنا فيها غير َبْي ٍ ن فما َو َ ن المؤمني َ ن فيها ِم َ ن َكا َ
جنا َم ْ
فأخر ْ
ل ليضيع إيمانكم{ ]البقرة نا ُ
لما بين الشروط من التصال ولهذا سمى ال تعالى الصلة :إيمانًا :قال ال تعالى َ } :وَما َكا َ
.[143 : .وقال تعالى } :ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان{ ]الشورى [52:أي الصلة
قوله صلى ال عليه وسلم )) :وتؤمن بالقدر خيره وشره(( بفتح الدال وسكونها لغتان ،ومذهب أهل الحق :إثبات القدر
،ومعناه أن ال سبحانه وتعالى قدر الشياء في القدم ،وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه
:وتعالى ،وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره ال سبحانه وتعالى .واعلم أن التقادير أربعة
الول( التقدير في العلم ولهذا قيل :العناية قبل الولية ،والسعادة قبل الولدة ،واللواحق مبنية على السوابق ،قال ال(
تعالى }يؤفك عنه من ُأِفكَ{ ]الذاريات [9:أي يصرف عن سماع القرآن وعن اليمان به في الدنيا من صرف عنه في
.القدم ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم )) :ل يهلك ال إل هالكًا(( أي من كتب في علم ال تعالى أنه هالك
الثاني( التقدير في اللوح المحفوظ ،وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال ال تعالى } :يمحو ال ما يشاُء ويثبت وعنده أم(
الكتاب{ ]الرعد [39:وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أنه كان يقول في دعائه )) :اللهم إن كنت كتبتني شقيًا
)).فامحني واكتبني سعيدًا
.الثالث( التقدير في الرحم ،وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد(
الرابع ( التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت ،وال تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى العبد في أوقات(
حبون في سُعُر * يوم ُيس َ
معلومة .و الدليل على أن ال تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى }:إن المجرمين في ضلل َو ُ
سَقر * إّنا كّل شي خلقناُه بَقَدرِ{ ]القمر [49-47نزلت هذه الية في القدرية ،يقال لهم
س َ
النار على وجوِههْم ذوقوا َم ّ
ذلك في جهنم ،وقال تعالى } قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق{ ]الفلق .[2-1وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد
.صرف عنه قبل أن يصل إليه
)).وفي الحديث )) :إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة
)).وفي الحديث )):إن الدعاء والبلء بين السماء والرض يقتتلن ،ويدفع الدعاء البلء قبل أن ينزل
وزعمت القدرية :أن ال تعالى لم يقدر الشياء في القدم ،ول سبق علمه بها ،وأنها مستأنفة ،وأنه تعالى يعلمها بعد
وقوعها ،وكذبوا على ال سبحانه وتعالى جّل عن إقوالهم الكاذبة وتعالى علوًا كبيرًا ،وهؤلء انقرضوا وصارت القدرية
في الزمان المتأخرة يقولون :الخير من ال والشر من غيره ،تعالى ال عن قولهم ،وصح عنه صلى ال عليه وسلم
أنه قال )) :القدرية مجوس هذه المة(( .سماهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس ،وزعمت الثنوية أن الخير
من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية ،كذلك القدرية يضيفون الخير إلى ال والشر إلى غيره وهو تعالى
.خالق الخير والشر
قال إمام الحرمين في كتاب ))الرشاد(( إن بعض القدرية تقول :لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لعتقادكم أخبار القدر ،و رد
على هؤلء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم ،ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن
.يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه
قوله صلى ال عليه وسلم :فأخبرني عن الحسان قال )) :الحسان أن تعبد ال كأنك تراه (( وهذا مقام المشاهدة لن
من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلىغيره في الصلة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الحسان مقام الصديقين وقد
.تقدم في الحديث الول الشارة إلى ذلك
ل إن غفلت في الصلة وحدثت النفس فيها .قوله صلى ال عليه وسلم )) :فإنه يراك(( غاف ً
قوله صلى الله عليه وسلم :فأخبرني عن الساعة فقال )) :ما المسؤول عنها بأعلم من السائل(( هذا الجواب على أنه
صلى ال عليه وسلم كان ل يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر ال تعالى به ،قال ال تعالى } :إن ال عنده
علم الساعة{ ]لقمان .[34:وقال تعالى } :ثقلت في السماوات والرض ،ل تأتيكم إل بغتة{ ]العراف.{187:وقال تعالى :
}].وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا{]الحزاب63:
ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثلثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه الطوخي في
))أسباب التنزيل(( عن بعض المنجمين وأهل الحساب ،ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعة آلف سنة فهذا يسوف على
.الغيب ول يحل اعتقاده
قوله صلى ال عليه وسلم :فأخبرني عن أماراتها قال )) :أن تلد المة ربتها(( المار والمارة بإثبات التاء وحذفها
لغتان ،وروي ربها وربتها ،قال الكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري وأولدهن ،فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها
لن مال النسان صائر إلى ولده ،وقيل معناه الماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته ،ويحتمل أن يكون المعنى :
.أن الشخص يستولد الجارية ولدًا ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه ،وهذا من أشراط الساعة
قوله صلى ال عليه وسلم )) :وأن ترى الحفاة العراة العالة ،رعاء الشاء يتطاولون في البنيان(( إذ العالة هم الفقراء ،
والعائل الفقير ،والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر .والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء
وزيادة تاء بل مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا
.في البنيان
قوله )) :فلبث مليا(( هو بفتح الثاء على أنه للغائب ،وقيل :فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكلهما صحيح .ومليًا بتشديد
ل.وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال :بعد ثلثة أيام .وفي )) شرح التنبيه(( للبغوي أنه قال : الياء معناه وقتًا طوي ً
بعد ثلثة فأكثر ،وظاهر هذا أنه بعد ثلث ليال .وفي ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه ،ثم أدبر الرجل فقال
ى الرجل(( فأخذوا يردونه فلم يروا شيئًا فقال صلى ال عليه وسلم )) :رودا رسول ال صلى ال عليه وسلم )) :ردوا عل ّ
علىّ الرجل(( فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئًا فقال صلى ال عليه وسلم )):هذا جبريل(( فيمكن الجمع بينهما بأن عمر
رضي ال عنه لم يحضر قول النبي صلى ال عليه وسلم لهم في الحال ،بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى ال
.عليه وسلم الحاضرين في الحال ،وأخبروا عمر بعد ثلث إذ لم يكن حاضرًا عن إخبار الباقين
وفي قوله صلى ال عليه وسلم )) :هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم(( ،فيه دليل على ان اليمان ،و السلم ،و
الحسان ،تسمى كلها دينًا ،وفي الحديث دليل على أن اليمان بالقدر واجب ،وعلى ترك الخوض في المور ،وعلى
وجوب الرضا بالقضاء .دخل رجل على ابن حنبل رحمه ال .فقال :عظني .فقال له :إن كان ال تعالى قد تكفل بالرزق
فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الخلف على ال حقًا فالبخل لماذا ؟ وإن كانت الجنة حقًا فالراحة لماذا ؟ وإن كان سؤال منكر
ونكير حقًا فالنس لماذا؟وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟ وإن كان الحساب حقًا فالجمع لماذا ؟ وإن كان كل شيء
بقضاء وقدر فالخوف لماذا ؟
فائدة( ذكر صاحب )) مقامات العلماء(( أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسمًا :خمسة بالقضاء والقدر (،
وخمسة بالجتهاد ،وخمسة منها بالعادة ،وخمسة بالجوهر ،وخمسة بالوراثة .فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر :
فالرزق ،والولد ،والهل ،والسلطان ،والعمر .والخمسة التي بالجتهاد :فالجنة ،والنار ن والعفة ،و الفروسية ،
والكتابة .والخمسة التي بالعادة :فالكل ،والنوم ،والمشي ،و النكاح ،و التغوط .و الخمسة التي بالجوهر :فالزهد ،
والزكاة ،والبذل ،والجمال ،و الهيبة .والخمسة التي بالوراثة :فالخير ،والتواصل ،والسخاء والصدق ،و المانة .وهذا
كله ل ينافي قوله صلى ال عليه وسلم )) كل شيء بقضاء وقدر(( .وإنما معناه :أن بعض هذه الشياء يكون مرتبًا على
.سبب ،وبعضها يكون بغير سبب ،والجميع بقضاء وقدر
الحديث الثالث
عن أبي عبد الرحمن عبد ال بن عمر بن الخطاب رضي ال عنهما قال :سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول:
س؛ شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسول ال ،وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وحج البيت، "بني السلم على خم ٍ
)وصوم رمضان") .رواه البخاري ومسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )) :بني السلم على خمس(( أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلمه ،كما أن البيت يتم
بأركانه كذلك السلم يتم بأركانه وهي خمس ،وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ،ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم
:بعض أركانه لم يتم ،فكذلك البناء المعنوي ،ولهذا قال صلى ال عليه وسلم
.الصلة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين(( ،و كذلك يقاس البقية ((
ن ال ورضوان خُير أم من أسس ل للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى } :أفمن أسسُبنياَنُه على تقوى ِم َ
وقد ضرب ال مث ً
جُرف هاٍر فانهاَر به في نار جهنم وال ل يهدي القوم الظالمين { ]التوبة .[109شبه بناء المؤمن بالذي بنيانه علىشفا ُ
وضع بنيانه على وسط طود أي :جبل راسخ ،وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار ،ل ثبات له
.فأكله البحر فانهار الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر ،فغرق ،فدخل جهنم
قوله صلى ال عليه وسلم )) :بني السلم على خمس(( أي بخمس على أن تكون على :بمعنى الباء وإل فالمبني غير
المبنى عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن السلم وهو فاسد ،ويحتمل أن تكون بمعنى من كقوله تعالى }
إل على أزواجهم{] .المومنون6:والمعارج .[30:أي من أزواجهم .الخمسة المذكورة في الحديث أصول البناء وأما
التتمات المكملت كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي زينة للبناء .وقد ورد في الحديث أنه صلى ال عليه وسلم قال:
)))).اليمان بضع وسبعون شعبة أعلها قول ل إله إل ال ،قالوأدناها إماطة الذى عن الطريق
قوله صلى ال عليه وسلم )) :وحج البيت وصوم رمضان(( .هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم ،وهذا
من باب الترتيب في الذكر دون الحكم ،لن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية الخرى تقديم الصوم على
.الحج
الحديث الرابع
عن أبي عبد الرحمن عبد ال بن مسعود )رضي ال عنه( قال :حّدثنا رسول ال )صلى ال عليه وسلم( وهو الصادق
المصدوق" :إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفًة ثم يكون علقًة مثل ذلك ثم يكون مضغًة مثل ذلك ،ثم
يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات :بَكْتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ،فوال الذي ل إله غيره
إن أحد كم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع ،فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها،
وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
))رواه البخاري ومسلم
شرح وفوائد الحديث
.قوله :وهو الصادق المصدوق ،أي شهد ال له بأنه الصادق ،والمصدوق بمعنى المصدق فيه
قوله صلى ال عليه وسلم )) يجمع خلقه في بطن أمه(( يحتمل أن يراد أن يجمع بين ماء الرجل والمرأة فيخلق منهما
خُرج من بين الصلب والترائب{ ]الطارق6،7: ].الولد كما قال ال تعالى } :خلق من ماء دافق * َي ْ
ويحتمل أن المراد أنه يجمع من البدن كله ،وذلك أنه قيل :إن النطفة في الطور الول تسري في جسد المرأة أربعين يومًا
،وهي أيام التوحمة ،ثم بعد ذلك يجمع ويدر عليها من تربة المولود فتصير علقة ثم يستمر في الطور الثاني فيأخذ في
الكبر حتى تصير مضغة ،وسميت مضغة لنها بقدر اللقمة التي تمضغ ،ثم في الطور الثالث يصور ال تلك المضغ
ويشق فيها السمع والبصر والشم والفم ،ويصور في داخل جوفها الحوايا والمعاء ،قال ال تعالى } :هوالذي يصّوُرُكم
في الرحام كيف يشاء ل إله إل هو العزيُز الحكيُم{ ]آل عمران ،[6:ثم إذا تم الطور الثالث وهو أربعون صار للمولود
أربعة أشهر نفخت فيه الروح ،قال ال تعالى} :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب{ يعني
أباكم آدم } ثممن نطفة{ يعني ذريته ،والنطفة المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف } ثم من علقة{ وهو الدم الغليظ
خّلَقةٍ{ ]الحج .[5:قال ابن عباس
خّلَقٍة وغير ُم َ
المتجمد ،وتلك النطفة تصير دمًا غليظًا }ثم من مضغٍة{ وهي لحمة } ُم َ
مخلقة :أي تامة ،وغير مخلقة أي غيرتامة بل ناقصة الخلق ،وقال مجاهد :مصورة وغير مصورة ،يعنيالسقط .وعن
ابن مسعود رضي ال تعالى عنه )) :إن النطفة إذااستقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال :أي رب مخلقة ،أو غير
مخلقة ؟ فإن قال :غير مخلقة ،قذفها في الرحم دمًا ولم تكن نسمة ،وإن قال :مخلقة ،قال الملك :أي رب ذكُر أم أنثى ؟
أشقي أم سعيُد ؟ ،ما الرزق وما الجل وبأي أرض تموت ؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك .فيذهب
)).فيجدها في أم الكتاب فينسخها فل تزال معه حتى يأتي إلى آخر صفته
.ولهذا قيل :السعادة قبل الولدة
قوله صلى ال عليه وسلم )) :فيسبق عليه الكتاب(( أي الذي سبق في العلم ،أو الذي سبق في اللوح المحفوظ ،أو
.الذي سبق في بطن الم .وقد تقدم أن المقادير أربعة
قوله صلى ال عليه وسلم )) :حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع (( هو تمثيل وتقريب ،والمراد قطعة من الزمان من
آخر عمره وليس المراد حقيقة الذراع وتحديده من الزمان ،فإن الكافر إذا قال :ل إله إل ال محمد رسول ال ثم مات
.دخل الجنة ،والمسلم إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر دخل النار
وفي الحديث دليل على عدم القطع بدخول الجنة أو النار ،وإن عمل سائر أنواع البر ،أو عمل سائر أنواع الفسق ،وعلى
أن الشخص ل يتكل على عمله ول يعجب به لنه ل يدري ما الخاتمة .وينبغي لكل أحد أن يسأل ال سبحانه وتعالى حسن
الخاتمة ويسعيذ بال تعالى من سوء الخاتمة وشر العاقبة .فإن قيل :قال ال تعالى }:إن الذين آمنواوعملوا الصالحات
ل{] .الكهف [30:ظاهر الية أن العمل الصالح من المخلص يقبل ،وإذا حصل القبول بوعد ضّيع أجر َمن أحسن عم ًإنا ل ُن َ
.الكريم أمن مع ذلك من سوء الخاتمة
فالجواب من وجهين :احدهما أن يكون ذلك معلقًا على شرط القبول وحسن الخاتمة ،و يحتمل أن من آمن وأخلص العمل
ل يختم له دائمًا إل بخير ،وأن خاتمة السوء إنما تكون في حق من أساء العمل أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع
من الرياء والسمعة ويدل عليه الحديث الخر )) إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس (( أي :فيما يظهر لهم
.صلح مع فساد سريرته وخبثها ،و ال أعلم
وفي الحديث دليل على استحباب الحلق لتأكيد المر في النفوس وقد أقسم ال تعالى } :فورب السماء والرض إنه لحق{
].].الذاريات ،[23:وقال ال تعالى }:قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم{] .التغابن7:
.وال تعالى أعلم
الحديث الخامس
عن أم المؤمنين أم عبد ال عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( " :من أحدث في أمرنا
ل ليس عليه أمرنا فهو رد ".هذا ما ليس منه فهو رد") .رواه البخاري ومسلم( وفي رواية لمسلم" :من عمل عم ً
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )) :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد(( أي مردود .فيه دليل على أن العبادات من
الغسل والوضوء والصوم والصلة إذا فعلت على خلف الشرع تكون مردودة على فاعلها ،وأن المأخوذ بالعقد الفاسد
يجب رده على صاحبه ول يملك ،وقال صلى ال عليه وسلم للذي قال له :إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته ،
وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاه ووليدة ،فقال صلى ال عليه وسلم )) :الوليدة والغنم رّد عليك((
.وفيه دليل على أن من ابتدع في الدين بدعة ل توافق الشرع فإثمها عليه ،و عمله مردود عليه وإنه يستحق الوعيد ،
)).وقد قال صلى عليه وسلم )):من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة ال
الحديث السادس
عن أبي عبد ال النعمان بن بشير رضي ال عنهما قال :سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول" :إن الحلل بّين،
ن كثير من الناس ،فمن اتقى الشبهات ،فقد استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وإن الحرام بّين ،وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمه ّ
وقع في الشبهات وقع في الحرام ،كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ،أل وإن لكل ملك حمى ،أل وإن حمى
ال محارمه ،أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب") .رواه
)البخاري ومسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )) :الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ....الخ(( اختلف العلماء في حد الحلل
والحرام ،فقال أبو حنيفة رحمه ال تعالى :الحلل مادل الدليل على حله .وقال الشافعي رحمه ال :الحرام ما دل الدليل
.على تحريمه
قوله صلى ال عليه وسلم )):وبينهما أمور مشتبهات(( أي بين الحلل والحرام أمور مشتبهة بالحلل والحرام ،فحيث
انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة .وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فل يجب البحث عن ذلك ،بل ول يستحب ،ويكره
.السؤال عنه
قوله صلى ال عليه وسلم )):فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه(( أي طلب براءة دينه وسلم من الشبهة .وأما
براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الثم وقد
ورد عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال )) :من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يقفمواقف التهم(( ..وعن علي رضي ال
.عنه أنه قال :إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ،وإن كان عندك اعتذاره ،فرب سامع نكرًا ل تستطيع أن تسمعه عذرًا
وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصلة والسلم قال)) :إذا أحدث أحدكم في الصلة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف(( وذلك لئل
.يقال عنه أحدث
قوله عليه الصلة والسلم )):فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام(( يحتمل أمرين :احدهما أن يقع في الحرام وهو
يظن أنه ليس بحرام .والثاني :أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما يقال :المعاصي بريد الكفر .لن النفس
إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر منها ،قيل :وإلى ذلك الشارة بقوله تعالى } :ويقتلون النبياء
.بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون{] .آل عمران .[112:يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل النبياء
)).وفي الحديث )):لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده
أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة ،والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في الرض المباحة فمن رعى
حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخلف ما إذا رعى إبله بعيدًا من الحمى .واعلم أن كل
ل حريمًا للمحرم ،وكذلك الخلوة بالجنبية حمىمحرم له حمى يحيط به ،فالفرج محرم وحماه الفخذان لنهما جع ً
للمحرم ،فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحّرم ،فالمحرم حرام لعينه ،والحريم محرم لنه يتدرج به إلى المحرم
.
قوله صلى ال عليه وسلم )):أل وإن في الجسد مضغة(( أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح ،وإذا طمحت
طمحت الجوارح وإذا فسدت فسدت الجوارح .قال العلماء :البدن مملكةوالنفس مدينتها،و القلب وسط المملكة ،و
العضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة ،والعقل كالوزير المشفق الناصح به ،والشهوة طالب أرزاق الخدام،و
الغضب صاحب الشرطة ،وهو عبد مكار خبيث ،يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل ،و دأبه أبدًا منازعة الوزير
الناصح والقوة المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن ،والقوة المفكرة في وسط الدماغ ،والقوة الحافظة في آخر الدماغ ،
واللسان كالترجمان ،و الحواس الخمس جواسيس ،وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات ،فوكل العين بعالم
اللوان ،والسمع بعالم الصوات ،وكذلك سائرها فإنها أصحاب الخبار ،ثم قيل :هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه
،وقيل :إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها النفس ،فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا
فسد فسدت الرعية ،وإنما يحصل صلحه بسلمته من المراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر
والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور ،وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الربعين ،
.عافانا ال منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم
الحديث السابع
عـن أبي رقية تميم بن أوس الداري )رضي ال عنه( أن النبي )صلى ال عليه وسلم( قال" :الدين النصيحة" ،قلنا لمن؟
)قال" :ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم") .رواه مسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )):الدين النصيحة ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم(( قال الخطابي :النصيحة
كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له .وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه ،فشبهوا فعل
الناصح فيما يتحراه من صلح الرجل ثوبه إذا خاطه ،فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلح المنصوح له بما يسد
من خلل الثوب ،وقيل :إنها مأخوذة من نصحت العسل ،إذا صفيته من الشمع ،شبهوا تخليص القول من الغش
.بتخليص العسل من الخلط
قال العلماء :أما النصيحة ل تعالى فمعناها ينصرف إلى اليمان بال ،ونفي الشريك عنه ،وترك اللحاد في صفاته
ووصفه بصفات الكمال والجلل كلها ،وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع أنواع النقائص ،و القيام بطاعته ،و اجتناب
معصيته ،والحب فيه ،والبغض فيه ،ومودة من أطاعه ،ومعاداة من عصاه ،وجهاد من كفر به ،والعتراف بنعمته ،
وشكره عليها ،والخلص في جميع المور ،والدعاء إلى جميع الوصاف المذكورة والحث عليها ،و التطلف بجميع
الناس ،أو من أمكن منهم عليها ،وحقيقة هذه الوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه ،و ال تعالى غني عن نصح
.الناصحين
وأما النصيحة لكتاب ال تعالى :فاليمان بأنه كلم ال تعالى وتنزيله ،ل يشبهه شيء من كلم الناس ،ول يقدر على
مثله أحد من الخلق ثم تعظيمه وتلوته حق تلوته ،وتحسينها ،والخشوع عندها ،و إقامة حروفه في التلوة ،و الذب
عنه لتأويل المحرفين ،وتعريض الطاعنين والتصديق بما فيه ،والوقوف مع أحكامه ،وتفهم علومه وأمثاله ،والعتبار
بمواعظه،و التكفير في عجائبه ،والعمل بمحكمه ،والتسليم لمتشابهه ،والبحث عن عمومه وخصوصه ،وناسخه
.ومنسوخه ،ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته
وأما النصيحة لرسوله صلى ال عليه وسلم :فتصديقه على الرسالة ،واليمان بجميع ما جاء به ،وطاعته في أمره
ونهيه ونصرته حيًا وميتًا ،ومعاداة من عاداه وموالة من وله ،وإعظام حقه وتوقيره ،وإحياء طريقته وسننه ،وبث
دعوته ونشر سنته ،ونفس التهم عنها ،و نشر علومها ،والفقه فيها ،والدعاء لها ،والتلطف في تعلمها وتعليمها ،
وإعظامها وإجللها ،والتأدب عند قراءتها ،والمساك عن الكلم فيها بغير علم ،و إجلل أهلها لنتسابهم إليها .والتخلق
.بأخلقه والتأدب بآدابه ،ومحبة أهل بيته وأصحابه ،ومجانبة من ابتدع سنته أو تعرض لحد من أصحابه ونحو ذلك
وأما النصيحة لئمة المسلمين :فمعاونتهم على الحق ،وطاعتهم فيه ،وأمرهم به ونهيهم وتذكيرهم برفق ،وإعلمهم
.بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخورج عليهم ،وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم
قال الخطابي :ومن النصيحة لهم ،الصلة خلفهم ،والجهاد معهم ،وأداء الصدقات إليهم ،وترك الخروج بالسيف عليهم
.إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ،وأن ل يغروا بالثناء الكاذب عليهم ،وأن يدعى لهم بالصلح
قال ابن بطال رحمه ال تعالى :في هذا الحديث دليل أن النصيحة تسمى دينًا وإسلمًا ،وأن الدين يقع على العمل كما يقع
على القول ،قال :والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به ،يسقط عن الباقين ،قال :والنصيحة واجبة على قدر الطاعة إذا
علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه ،فإن خشي أذى فهو في سعة وال تعالى أعلم .فإن
قيل ففي صحيح البخاري أنه صلى ال عليه وسلم قال )) :إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له (( ،وهويدل على تعليق
الوجوب بالستنصاح ل مطلقًا ،ومفهوم الشرط حجة في تخصيص عموم المنطوق .فجوابه :يمكن حمل ذلك على
المور الدنيونية كنكاح امرأة ومعاملة رجل ونحو ذلك ،والول يحتمل بعمومه في المور الدينية التي هي واجبة على كل
.مسلم ،و ال تعالى أعلم
الحديث الثامن
عن ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال" :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله
إل ال وأن محمدًا رسول ال ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحق
)السلم ،وحسابهم على ال تعالى") .رواه البخاري ومسلم
شرح وفوائد الحديث
.قوله صلى ال عليه وسلم )):أمرت إلخ ((..فيه دليل على أن مطلق المر وصيغته تدل على الوجوب
قوله صلى ال عليه وسلم )):فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم(( ،فإن قيل :فالصوم من أركان السلم
وكذلك الحج ولم يذكرهما ،فجوابه :أن الصوم ل يقاتل النسان عليه بل يحبس ويمنع الطعام والشراب ،والحج على
التراخي ،فليقاتل عليه ،وإنما ذكر رسول ال صلى عليه وسلم هذه الثلثة لنه يقاتل على تركها ولهذا لم يذكر الصوم
..والحج لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ،بل ذكر هذه الثلثة ،خاصة
وقوله صلى ال عليه وسلم )) :إل بحق السلم(( فمن حق السلم فعل الواجبات ،فمن ترك الواجبات جاز قتاله
كالبغاة ،وقطاع الطريق ،والصائل ،ومانع الزكاة ،والممتنع من بذله الماء للمضطر والبهيمة المحترمة .والجاني
.والممتنع من قضاء الدين مع الُقدرة ،والزاني المحصن ،و تارك الجمعة والوضوء
.ففي تلك الحوال يباح قتله وقتاله ،وكذلك لو ترك الجماعة ،وقلنا إنها فرض عين ،أو كفاية
قوله صلى ال عليه وسلم )) :و حسابهم على ال (( يعني من أتى بالشهادتين واقام الصلة وآتى الزكاة عصم دمه
وماله ،ثم إن كان فعل ذلك بنية خالصة صالحة فهو مؤمن ،وإن كان فعله تقية وخوفًا من السيف كالمنافق فحسابه على
ال ،وهو متولي السرائر ،وكذلك من صلى بغير وضوء أو غسل من الجنابة ،أو أكل في بيته وادعى أنه صائم ،يقبل
.منه وحسابه على ال عز وجل وال أعلم
الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي ال عنه قال :سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول" :ما نهيتكم
عنه فاجتنبوه ،وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ،فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم".
))رواه البخاري ومسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )) ما نهيتكم عنه فاجتنبوه (( أي اجتنبوه جملة واحدة ل تفعلوه ول شيئًا منه ،وهذا محموله
.على نهي التحريم ،فأما نهي الكراهة فيجوز فعله ،وأصل النهي في اللغة :المنع
قوله صلى ال عليه وسلم )) :وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم(( فيه مسائل :منها إذا وجد ماء للوضوء ل يكفيه
فالظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي .ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه .ومنها إذا وجد
بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله .وهذا بخلف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه ل يجب
.عتقه عن الكفارة ،لن الكفارة لها بدل وهو الصوم
وقوله صلى ال عليه وسلم )):فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم علىأنبيائهم(( .اعلم ان السؤال على
:أقسام
.القسم الول :سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلة والصوم ،وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك
وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى ال عليه وسلم )):طلبالعلم فريضة على كل مسلم(( ومسلمة ،ول يسع
النسان السكوت عن ذلك قال تعالى } :فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون{ ]النحل ،[43:وقال ابن عباس رضي ال
.عنهما :إني أعطيت لسانًا سؤوًل وقلبًا عقوًل ،كذلك أخبر عن نفسه رضي ال تعالى عنه
ن ُكّل فرقٍة منهم طائفة ،ليتفقهوا في الدين
نفر ِم ْ
والقسم الثاني :السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى }:فلول َ
].وِلينِذروا قوَمُهْم إذا َر َ
جعوا إليهم لعلهم َيحَذرون{ ]التوبة122:
)).وقال صلى ال عليه وسلم )):أل فليعلم الشاهد منكم الغائب
القسم الثالث :أن يسأل عن شيء لم يوجبه ال عليه ،ول على غيره ،وعلى هذا حمل الحديث لنه قد يكون في السؤال
ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى ال عليه وسلم )) :وسكت عن أشياءرحمة لكم فل تسألوا عنها(( .
].وعن علي رضي ال عنه لما نزلت }ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلً{] .آل عمران 97:
:قال رجل :أكل عام يا رسول ال ؟ فأعرض عنه ،حتى أعاد مرتين أو ثلثًا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
وما يوشك أن أقول نعم ،وال لو قلت :نعم لو جبت ،ولو وجبت لما استطعتم ،فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين ((
)).من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه
سُؤُكم{ ]المائدة .[101:أي لم آمركم بالعمل بها ، فإنزل ال تعالى } :يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عن أشياء إن ُتْبَد لكم َت ُ
وهذا النهي خاص بزمانه صلى ال عليه وسلم .أما بعد أن استقرت الشريعة ،و أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال
.سببه ،وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني اليات المشتبهة
سئل مالك رحمه ال تعالى عن قوله تعالى }:الرحمن على العرشاستوى{]طه [5:فقال :الستواء معلوم ،والكيف مجهول
، .واليمان بهواجب ،والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني
.وقال بعضهم :مذهب السلف أسلم ،ومذهب الخلف أعلم :وهوالسؤال
الحديث العاشر
عن أبي هريرة )رضي ال عنه( قال :قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( " :إن ال تعـالى طيب ل يقبل إل طيبًا ،وإن
ال أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى) :يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا( ،وقال تعالى) :يا
ب،
ب يا ر ّأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء :يا ر ّ
)ومطعمه حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،وغذي بالحرام ،فأنى يستجاب له؟") .رواه مسلم
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )):إن ال تعالى طيب(( ،عن عائشة رضي ال عنها قالت :سمعت رسول ال صلى عليه
وسلم يقول )):اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر ،الطيب المبارك الحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت ،وإذا سئلت
به أعطيت ،وإذا استرحمت به رحمت ،واذا استفرجت به فرجت(( ،ومعنى الطيب :المنزه عن النقائص والخبائث ،
فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ السماء عند العارفين بها :وهو طيب عباده لدخول الجنة بالعمال
.الصالحة وطيبها لهم ،والكلمة الطيبة :ل إله إل ال
قوله صلى ال عليه وسلم )) :ل يقبل إل طيبًا(( أي فل يتقرب إليه بصدقة حرام ،ويكره التصدق بالرديء من الطعام
كالحب العتيق المسوس ،وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال ال تعالى }:ولتيمموا الخبيث منه تنفقون{ ]البقرة:
.[267فكما أنه تعالى ل يقبل المال إل الطيب كذلك ل يقبل من العمل إل الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب
.والسمعة ونحوها
قوله :فقال تعالى }:يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا{ ]المؤمنون.[51:وقوله تعالى }:يا أيها الذين أمنوا
.كلوا منطيبات ما رزقناكم{]البقرة .[172:المراد بالطيبات الحلل
في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه ،و ذلك من الواجبات
، .بخلف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم
قوله )):مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام(( أي شبع ،وهو بضم الغين المعجمة وكسر الذال المعجمة المخففة
من الغذي بالكسر والقصر ،و أما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة :فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ،
].قال ال تعالى }:قال لفتاه آتناغداءنا{ ]الكهف 62:
قوله )) :فأنى يستجاب له(( أي استبعادُا لقبوله إجابة الدعاء ،و لهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل الحلل ،والصحيح
].أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال }:إنك من المنظرين{ ]العراف15:
الحديث الحادي عشر
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول ال )صلى ال عليه وسلم( وريحانته رضي ال عنهما قال:
حفظت من رسول ال )صلى ال عليه وسلم( " :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك") .رواه الترمذي والنسائي ،وقال
)الترمذي :حديث حسن صحيح
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم ))دع ما يريبك إلى ما ل يريبك(( فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن ل يأكل المال الذي فيه
.شبهة ،كما يحرم عليه أكل الحرام ،وقد تقدم
قوله )) :إلى ما ل يريبك(( أي اعدل إلى ما ل ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس .والريبة :
.الشك وتقدم الكلم عن الشبهة
الحديث الثاني عشر
عن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( " :من حسن إسلم المرء تركه مال
)يعنيه") .حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )) :من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه (( أي ما ل يهمه من أمر الدين والدنيا من الفعال
والقوال .وقال صلى الله عليه وسلم لبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال )):كانت أمثاًل كلها ،كان فيها :أيها
السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني ل أردها ،
ولوكانت من كافر .وكان فيها :على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له أربع ساعات :ساعة يناجي فيها ربه
،وساعة يتفكر في صنع ال تعالى ،وساعة يحدث فيها نفسه ،وساعة يخلو بذي الجلل والكرام ،وإن تلك الساعة
عون له علىتلك الساعات. ،و كان فيها :على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله ،أن ل يكون ساعيًا إل في ثلث :تزود
لمعاد ،ومؤنة لمعاش ،ولذة في غير محرم .وكان فيها :على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون بصيرًا لزمانه ،
ل على شأنه .حافظًا للسانه ،ومن حسب الكلم من عمله يوشك أن يقل الكلم إل فيما يعنيه )) .مقب ً
قلت :بأبي وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال )) :كانت عبرًا كلها ،كان فيها :عجبًا لمن أيقن بالنار كيف يضحك ،
وعجبًا لمنأيقن بالموت كيف يفرح ،وعجبًا لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها ،و عجبًا لمن أيقن بالقدر ثم
!.هو يغضب ،وعجبًا لمن أيقن بالحساب غدًا وهو ل يعمل((؟
قلت :بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال )) :نعم ياأباذر} قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى*
ف الولى * صحف إبراهيم وموسى{ ]العلى-14: ح ِصُ
ن هذا لفي ال ّ
خُرة خيّر وأبقى * إ ّ
بل تؤثرون الحياةالدنيا * وال ِ
.[19 .إلى آخر السورة
قلت :بأبي وأمي أوصني ،قال )):أوصيك بتقوى ال فإنها رأسأمرك كله(( ،قال :قلت زدني ،قال )) :عليك بتلوة
القرآن واذكرال كثيرًا فإنه يذكرك في السماء(( ،قلت زدني ،قال )):عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين(( ،قلت زدني
،قال )) :عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك ،وعون لك على أمر دينك(( ،قلت زدني ،قال )) :قل الحق ولو
كان مرًا(( ،قلت زدني ،قال )):ل تأخذك في ال لومة لئم(( ،قلت :زدني ،قال))صل رحمك وإنقطعوك(( ،قلت :زدني ،
قال )) :بحسب امرئ من الشر ما يجهل مننفسه ،ويتكلف ما ل يعنيه .يا أبا ذر :ل عقل كالتدبير ،ول ورع كالكف ،ول
)).حسن كحسن الخلق
الحديث الثلثون
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي ال عنه عن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال " :إن ال تعالى فرض
فرائض فلتضيعوها ،وحد حدودًا فل تعتدوها ،وحّرم أشياء فل تنتهكوها ،وسكت عن أشياء رحمًة لكم غير نسيان فل
)تبحثوا عنها") .حديث حسن رواه الدارقطني وغيره
شرح وفوائد الحديث
.وقوله صلى ال عليه وسلم )):حرم أشياء فل تنتهكوها(( أي فل تدخلوا فيها
.قوله صلى ال عليه وسلم )):وسكت عن أشياء رحمة لكم(( تقدم معناه
الحديث الربعون
عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :أخذ رسول ال )صلى ال عليه وسلم( بمنكبي فقال" :كن في الدنيا كأنك غريب أو
عابر سبيل ،وكان ابن عمر رضي ال عنهما يقول :إذا أمسيت فل تنتظر الصباح ،وإذا أصبحت فل تنتظر المساء ،وخذ
)من صحتك لمرضك ،ومن حياتك لموتك") .رواه البخاري
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى ال عليه وسلم )):كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل(( أي ل تركن إليها ول تتخذها وطنًا ول تحدث
نفسك بالبقاء فيها ول تتعلق منها إل بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي يريد الذهاب منه إل أهله ،وهذا معنى قول
.سلمان الفارسي رضي ال عنه :أمرني خليلي صلى ال عليه وسلم أن ل أتخذ من الدنيا إل كمتاع الراكب
وفي الحديث دليل على قصر المل وتقديم التوبة والستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء ال تعالى ،قال ال تعالى }:ول
].تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إل أن يشاء ال{ ]الكهف24-23:
قوله )):وخذ من صحتك(( أمره صلى ال عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها ،فإنه يعجز عن الصيام
.والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر
وقوله صلى ال عليه وسلم )):ومن حياتك لموتك(( ،أمره صلى ال عليه وسلم بتقديم الزاد .وهذا كقوله تعالى} :نظر
ن لعلي أعمل صالحًا فيما تركت{ ت ِلغدٍ{]الحشر .[18:ل يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول }:ربارجعو ِ نفسٌ ما َقّدم ْ
]المؤمنون.[99:100:وقال الغزالي رحمه ال تعالى :ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بهاالعمال الصالحة ،فإذا اكتسب
خيرًا ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة ،وهو البدن الذي فارقه بالموت ،ول شك أن النسان إذا مات انقطعت
شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لنه زاد القبر ،فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع
منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد ،وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له:هيهات قد فات! فيبقى متحيرًا دائمًا نادمًا على
.تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة
)).فلهذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :وخذ من حياتك لموتك((.لحول ول قوة إل بال العلي العظيم