تفسير الاحاديث النووية كاملة

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 22

‫تفسير الحاديث النووية كاملة‬

‫الحاديث الربعون النووية‬


‫للمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي‬
‫الحديث الول‬
‫عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب )رضي ال عنه( قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪:‬‬
‫"إنما العمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله‪ ،‬فهجرته إلى ال ورسوله‪ ،‬ومن كانت‬
‫هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها‪ ،‬فهجرته إلى ما هاجـر إليه"‪) .‬رواه إماما المحّدثين‪ :‬أبو عبد ال محمـد بن‬
‫إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي‪ ،‬وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري‬
‫‪).‬النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫دل الحديث على أن النية معيار لتصحيح العمال ‪ ،‬فحيث صلحت النية صلح العمل ‪ ،‬وحيث فسدت فسد العمل ‪ ، ،‬وإذا‬
‫‪ :‬وجد العمل وقارنته النية فله ثلثة أحوال‬
‫‪ .‬الول( ‪ :‬أن يفعل ذلك خوفًا من ال تعالى وهذه عبادة العبيد(‬
‫‪.‬الثاني(‪ :‬أن يفعل ذلك لطلب الجنة والثواب وهذه عبادة التجار(‬
‫الثالث(‪ :‬أن يفعل ذلك حياء من ال تعالى وتأدية لحق العبودية وتأدية للشكر ‪ ،‬ويرى نفسه مع ذلك مقصرًا ‪ ،‬ويكون مع(‬
‫ذلك قلبه خائفًا لنه ل يدري هل قبل عمله مع ذلك أم ل ‪ ،‬وهذه عبادة الحرار ‪ ،‬وإليها أشار رسول ال صلى ال عليه‬
‫! وسلم لما قالت له عائشة رضي ال عنها حين قام من الليل حتى تورمت قدماه ‪ :‬يا رسول ال‬
‫أتتكلف هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟قال ‪):‬أفل أكون عبدًا شكورًا ؟(‪ .‬فإن قيل ‪ :‬هل الفضل العبادة مع‬
‫الخوف أو مع الرجاء ؟ ‪ .‬قيل ‪ :‬قال الغزالي رحمه ال تعالى ‪ :‬العبادة مع الرجاء أفضل ‪ ،‬لن الرجاء يورث المحبة ‪،‬‬
‫‪.‬والخوف يورث القنوط‬
‫وهذه القسام الثلثة في حق المخلصين ‪ ،‬واعلم أن الخلص قد يعرض له آفة العجب ‪ ،‬فمن أعجب بعمله حبط عمله ‪،‬‬
‫‪.‬وكذلك من استكبر حبط عمله‬
‫الحال الثاني ‪ :‬أن يفعل ذلك لطلب الدنيا والخرة جميعها ‪ ،‬فذهب بعض أهل العلم إلى أن عمله مردود واستدل بقوله صلى‬
‫ل أشرك فيه غيري فأنا بريء‬ ‫ال عليه وسلم في الخبر الرباني‪)) :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أنا أغنى الشركاء فمن عمل عم ً‬
‫‪)).‬منه‬
‫وإلى هذا ذهب الحارث المحاسبي في كتاب )) الرعاية(( فقال ‪ :‬الخلص أن تريده بطاعته ول تريد سواه ‪ .‬والرياء‬
‫نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ل يريد بطاعته إل الناس والثاني ‪ :‬أن يريد الناس ورب الناس ‪ ،‬وكلهما محبط للعمل ‪ ،‬ونقل هذا‬
‫جبار اُلمَتّكبُر‬
‫القول الحافظ أبو ُنعيم في ))الحلية((عن بعض السلف ‪ ،‬واستدل بعضهم على ذلك أيضًا بقوله تعالى‪ ):‬ال ّ‬
‫ل أشرك فيه‬ ‫ن( )الحشر ‪ ، (23 :‬فكما أنه تكبر عن الزوجة والولد والشريك ‪ ،‬تكبر أن يقبل عم ً‬ ‫شركْو َ‬
‫عّما ُي ْ‬
‫حان ال َ‬
‫سب َ‬
‫ُْ‬
‫‪ .‬غيره ‪ ،‬فهو تعالى أكبر ‪ ،‬وكبير ‪ ،‬ومتكبر‬
‫ل وقصد أداء‬ ‫وقال السمر قندي رحمه ال تعالى‪ :‬ما فعل ل ُِقبَل وما فعل من أجل الناس ُرّد‪ .‬ومثال ذلك من صلى الظهر مث ً‬
‫سن هيئتها من أجل الناس ‪ ،‬فأصل الصلة مقبول ‪ ،‬وأما طوله‬ ‫ما فرض ال تعالى عليه ولكنه طول أركانه وقراءتها وح ّ‬
‫‪ .‬وحسنه من أجل الناس فغير مقبول لنه قصد به الناس‬
‫وسئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلم ‪ :‬عمن صلى فطول صلته من أجل الناس ؟ فقال ‪ :‬أرجو أن ل يحبط عمله هذا كله‬
‫إذا حصل التشريك في صفة العمل ‪ ،‬فإن حصل في أصل العمل بأن صلى الفريضة من أجل ال تعالى والناس ‪ ،‬فل تقبل‬
‫صلته لجل التشريك في أصل العمل ‪ ،‬وكما أن الرياء في العمل يكون في ترك العمل ‪ .‬قال الفضيل بن عياض‪ :‬ترك العمل‬
‫‪.‬من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك ‪ ،‬والخلص ان يعافيك ال منهما‬
‫ومعنى كلمه رحمه ال تعالى أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراها الناس ‪ ،‬فهو ُمراٍء لنه ترك العمل لجل‬
‫الناس ‪ ،‬أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب إل أن تكون فريضة ‪ ،‬أو زكاة واجبة ‪ ،‬أو يكون عالمًا يقتدى به ‪،‬‬
‫فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل ‪ ،‬وكما أن الرياء محبط للعمل كذلك التسميع ‪ ،‬وهو أن يعمل ل في الخلوة ثم يحدث الناس‬
‫‪)).‬بما عمل ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬من سمع سمع ال به ومن راءى راءى ال به‬
‫قال العلماء ‪ :‬فإن كان عالمًا يقتدى به وذكر ذلك تنشيطًا للسامعين ليعملوا به فل بأس ‪ .‬قال المرزباني ‪ ،‬رحمه ال تعالى‬
‫عليه ‪ :‬يحتاج المصلى إلى اربع خصال حتى ترفع صلته ‪ :‬حضور القلب ‪ ،‬وشهود العقل ‪ ،‬وخضوع الركان ‪ ،‬وخشوع‬
‫الجوارح ‪ ،‬فمن صّلى بل حضور قلب فهو مصٍل لٍه ‪ ،‬ومن صلى بل شهود عقل فهو مصل ساٍه ‪ ،‬ومن صلى بل خضوع‬
‫‪.‬الجوارح فهو مصل خاطىء ‪ ،‬ومن صلى بهذه الركان فهو مصٍل وا ٍ‬
‫ف‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬إنما العمال بالنيات (( أراد بها أعمال الطاعات دون أعمال المباحات ‪ ،‬قال الحارث‬
‫المحاسبي ‪ :‬الخلص ل يدخل في مباح ‪ ،‬لنه ل يشتمل على قربة ول يؤدي إلى قربة ‪ ،‬كرفع البنيان ل لغرض الرعونة ‪،‬‬
‫أما إذا كان لغرض كالمساجد والقناطر والربطة فيكون مستحبًا ‪ .‬قال ‪ :‬ول إخلص في محرم ول مكروه ‪ ،‬كمن ينظر إلى‬
‫ما ل يحل له النظر إليه ‪ ،‬ويزعم أنه ينظر إليه ليتفكر في صنع ال تعالى ‪ ،‬كالنظر إلى المرد ‪ ،‬وهذا ل إخلص فيه بل ل‬
‫قربة البتة ‪ ،‬قال ‪ :‬فالصدق في وصف العبد في استواء السر والعلنية والظاهر والباطن ‪ ،‬والصدق يتحقق بتحقق جميع‬
‫المقامات والحوال حتى إن الخلص يفتقر إلى الصدق ‪ ،‬والصدق ل يفتقر إلى شيء ‪ .‬لن حقيقة الخلص هو إرادة ال‬
‫تعالى بالطاعة ‪ ،‬فقد يريد ال بالصلة ولكنه غافل عن حضور القلب فيها ‪ ،‬والصدق هو إرادة ال تعالى بالعبادة مع‬
‫حضور القلب إليه ‪ ،‬فكل صادق مخلص ‪ ،‬وليس كل مخلص صادقًا ‪ ،‬وهو معنى التصال والنفصال ‪ ،‬لنه انفصل عن غير‬
‫‪ .‬ال واتصل بالحضور بال ‪ ،‬وهو معنى التخلي عما سوى ال والتحلي بالحضور بين يدي ال سبحانه وتعالى‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬إنما العمال(( يحتمل ‪ :‬إنما صحة العمال أو تصحيح العمال ‪ ،‬أو قبول العمال ‪ ،‬أو‬
‫كمال العمال ‪ ،‬وبهذا أخذ المام أبو حنيفة رحمه ال تعالى ‪ ،‬ويستثنى من العمال ما كان قبيل التروك كإزالة النجاسة ‪،‬‬
‫ورد الغصوب والعواري ‪ ،‬وإيصال الهدية وغير ذلك ‪ ،‬فل تتوقف صحتها على النية المصححة ‪ ،‬ولكن يتوقف الثواب فيها‬
‫على نية التقرب ‪ ،‬ومن ذلك ما إذا أطعم دابته ‪ ،‬إن قصد بإطعامها امتثال أمر ال تعالى فإنه يثاب ‪ ،‬وإن قصد بإطعامها‬
‫حفظ المالية فل ثواب ‪ ،‬ذكره القرافي ‪ ،‬ويستثنى من ذلك فرس المجاهد ‪ ،‬إذا ربطها في سبيل ال فإنها إذا شربت وهو ل‬
‫يريد سقيها أثيب على ذلك كما في صحيح البخاري ‪ ،‬وكذلك الزوجة وكذلك إغلق الباب وإطفاء المصباح عند النوم إذا‬
‫‪ .‬قصد به امتثال أمر ال أثيب وإن قصد أمرًا آخر فل‬
‫واعلم أن النية لغة ‪ :‬القصد ‪ ،‬يقال نواك ال بخير ‪ :‬أي قصدك به ‪ .‬والنية شرعًا ‪ :‬قصد الشيء مقترنًا بفعله ‪ ،‬فإن قصد‬
‫وتراخى عنه فهو عزم ‪ ،‬وشرعت النية لتمييز العادة من العبادة أو لتمييز رتب العبادة بعضها عن بعض ‪ ،‬مثال الول ‪:‬‬
‫الجلوس في المسجد قد يقصد للستراحة في العادة ‪ ،‬وقد يقصد للعبادة بنية العتكاف ‪ ،‬فالمميز بين العبادة والعادة هو‬
‫النية ‪ ،‬وكذلك الغسل ‪ :‬يقصد به تنظيف البدن في العادة ‪ ،‬وقد يقصد به العبادة فالمميز هو النية وإلى هذا المعنى أشار‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل رياء ويقاتل حمية ويقاتل شجاعة ‪ ،‬أي ذلك في سبيل ال تعالى ؟‬
‫فقال‪ )):‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال تعالى(( ومثال الثاني وهو المميز رتب العبادة ‪ ،‬كمن صلى‬
‫أربع ركعات قد يقصد إيقاعها عن صلة الظهر وقد يقصد إيقاعها عن السنن فالمميز هو النية ‪ ،‬وكذلك العتق قد يقصد به‬
‫‪ .‬الكفارة وقد يقصد به غيرها كالنذر ونحوه ‪ ،‬فالمميز هو النية‬
‫وفي قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وإنما لكل امرىء ما نوى(( دليل على أنه ل تجوز النيابة في العبادات ‪ ،‬ول التوكيل‬
‫من نفس النية ‪ ،‬وقد استثني من ذلك تفرقة الزكاة وذبح الضحية ‪ ،‬فيجوز التوكيل فيهما في النية والذبح ‪ ،‬والتفرقة مع‬
‫القدرة على النية ‪ .‬وفي الحج ‪ :‬ل يجوز ذلك مع القدرة ودفع الدين ‪ ،‬أما اذا كان على جهة واحدة لم يحتج إلى نية ‪ ،‬وإن‬
‫كان على جهتين كمن عليه ألفان بأحدهما رهن فإدى ألفًا قال جعلته عن ألف الرهن ‪ ،‬صدق ‪ ،‬فإن لم ينو شئيًا حالة‬
‫‪ .‬الدفع ‪ ،‬ثم نوى بعد ذلك ‪ ،‬وجعله عما شاء وليس لنا نية تتأخر عن العمل وتصح إل هنا‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله فهجرته إلى ال ورسوله ‪ ،‬ومن كانت هجرته إلى دنيا‬
‫‪)).‬يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‬
‫‪ :‬أصل المهاجرة المجافاة والترك ‪ ،‬فاسم الهجرة يقع على رموز‬
‫الولى ‪ :‬هجرة الصحابة رضي ال عنهم من مكة إلى الحبشة حين آذى المشركون رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬ففروا‬
‫‪ .‬منه إلى النجاشي ‪ ،‬وكانت هذه بعد البعثة بخمس سنين ‪ ،‬قاله البيهقي‬
‫الهجرة الثانية ‪ :‬من مكة إلى المدينة وكانت هذه بعد البعثة بثلث عشرة سنة ‪ ،‬وكان يجب على كل مسلم بمكة أن يهاجر‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة ‪ ،‬وأطلق جماعة أن الهجرة كانت واجبة من مكة إلى المدينة ‪،‬وهذا ليس‬
‫على إطلقه فإنه ل خصوصية للمدينة ‪ ،‬وإنما الواجب الهجرة إلى رسول ال صلى عليه وسلم قال ابن العربي ‪ :‬قسم‬
‫‪ :‬العلماء رضي ال عنهم الذهاب في الرض هربًا وطلبًا ‪ ،‬فالول ينقسم إلى ستة أقسام‬
‫الول(‪ :‬الخروج من دار الحرب إلى دار السلم وهي باقية إلى يوم القيامة ‪،‬و التي انقطعت بالفتح في قوله صلى ال(‬
‫‪ .‬عليه وسلم ‪ )) :‬ل هجرة بعد الفتح(( ‪ .‬هي القصد إلى رسول ال صلى عليه وسلم حيث كان‬
‫ب فيها السلف(‬ ‫س ُ‬‫‪.‬الثاني(‪ :‬الخروج من أرض البدعة ‪ ،‬قال ابن القاسم ‪ :‬سمعت مالكًا يقول ‪ :‬ل يحل لحد أن يقيم بأرض ُي َ‬
‫‪ .‬الثالث( ‪ :‬الخروج من أرض يغلب عليها الحرام ‪ ،‬فإن طلب الحلل فريضة على كل مسلم(‬
‫الرابع( ‪ :‬الفرار من الذية في البدن ‪ ،‬وذلك فضل من ال تعالى أرخص فيه ‪ ،‬فإذا خشي على نفسه في مكان فقد أذن ال(‬
‫تعالى له في الخروج عنه ‪ ،‬والفرار بنفسه يخلصها من ذلك المحذور ‪ ،‬وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلم حيث خاف‬
‫خاِئَفَا‬
‫خَرجَ ِمْنَها َ‬
‫جرُ ِإلى َرّبي{ ]العنكبوت ‪ . [26:‬وقال تعالى مخبرًا عن موسى عليه السلم ‪َ} :‬ف َ‬ ‫من قومه فقال ‪ٍ}:‬إّني ُمَها ِ‬
‫‪َ].‬يَتَرّقبُ{ ]القصص‪21:‬‬
‫الخامس(‪ :‬الخروج خوف المرض في البلد الوخمة ‪ ،‬إلى الرض النزهة ‪ ،‬وقد أذن صلى ال عليه وسلم للعرنيين في(‬
‫‪ .‬ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج‬
‫‪ .‬السادس( الخروج خوفًا من الذية في المال ‪ ،‬فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه(‬
‫‪ :‬وأما قسم الطلب ‪ ،‬فإنه ينقسم إلى عشرة ‪ :‬طلب دين وطلب دنيا ‪ ،‬وطلب الدين ينقسم إلى تسعة أنواع‬
‫ن َقْبلِهم{ ]الروم‪ .[9:‬وقد(‬ ‫ن ِم ْ‬
‫عاِقَبُة اّلذي َ‬
‫ن َ‬
‫ف َكا َ‬
‫ظُروا َكْي َ‬
‫ض َفَيْن ُ‬
‫سْيرُوا ِفي اَلْر ِ‬
‫الول( سفر العبرة قال ال تعالى ‪َ}:‬أَو َلْم َي ِ‬
‫‪ .‬طاف ذو القرنين في الدنيا ليرى عجائبها‬
‫‪ .‬الثاني( ‪ :‬سفر الحج(‬
‫‪.‬الثالث(‪ :‬سفر الجهاد(‬
‫‪.‬الرابع( ‪ :‬سفر العبرة المعاش(‬
‫ن(‬
‫ل ِم ْ‬
‫ضً‬ ‫ن َتْبتُغوا َف ْ‬
‫ح َأ ْ‬
‫جَنا ُ‬
‫عْليُكْم ُ‬
‫س َ‬‫الخامس(‪ :‬سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ‪ ،‬وهو جائز لقوله تعالى ‪َ} :‬لْي َ‬
‫‪].‬رَّبكم{ ]البقرة ‪198 :‬‬
‫‪ .‬السادس( ‪ :‬طلب العلم(‬
‫‪)).‬السابع( ‪:‬قصد البقاع الشريفة ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪)) :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد(‬
‫‪ .‬الثامن( ‪ :‬قصد الثغور للرباط بها(‬
‫التاسع(‪ :‬زيارة الخوان في ال تعالى ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬زار رجل أخًا له في قرية ‪ ،‬فأرسل ال ملكًا على(‬
‫مدرجته ‪ .‬فقال ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬أريد أخًا لي في هذه القرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل له عليك من نعمة تؤديها قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل أنني‬
‫‪ .‬أحبه في ال تعالى قال ‪ :‬فإني رسول ال إليك بأن ال أحبك كما أحببته((‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وغيره‬
‫‪ .‬الثالثة‪ :‬هجرة القبائل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ليتعلموا الشرائع ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم‬
‫‪ .‬الرابعة ‪ :‬هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي النبي صلى ال عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه‬
‫الخامسة ‪ :‬الهجرة من بلد الكفر إلى بلد السلم ‪ ،‬فل يحل للمسلم القامة بدار الكفر ‪ ،‬قال الماوردي ‪ :‬فإن صار له بها‬
‫‪.‬أهل وعشيرة ‪ ،‬وأمكنة إظهار دينه ‪،‬لم يجز له أن يهاجر ‪ ،‬لن المكان الذي هو فيه قدر دار إسلم‬
‫‪.‬السادسة ‪ :‬هجرة المسلم أخاه فوق ثلثة ‪ ،‬بغير سبب شرعي ‪ ،‬وهي مكروهة في الثلثة ‪ ،‬وفيما زاد حرام إل لضرورة‬
‫جعِ{ ] النساء ‪ .[34:‬ومن ذلك هجرة‬ ‫ضا ِ‬
‫ن ِفي َالَم َ‬
‫جُروُه ّ‬
‫السابعة ‪ :‬هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها قال تعالى }واْه ُ‬
‫‪ .‬أهل المعاصي في المكان ‪،‬و الكلم ‪،‬و جواب السلم وابتداؤه‬
‫‪.‬الثامنة ‪ :‬هجرة ما نهى ال عنه ‪ ،‬وهي أعم الهجر‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله(( ‪ :‬أي نية وقصدًا فهجرته إلى ال ورسوله حكمًا‬
‫‪.‬وشرعًا‬
‫ل هاجر من مكة إلى المدينة ل يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما ((‬ ‫ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ‪ ..‬الخ(( نقلوا أن رج ً‬
‫هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس ‪ ،‬فسمي مهاجر أم قيس ‪ .‬فإن قيل النكاح من مطلوبات الشرع ْفلَم كان من مطلوبات‬
‫الدنيا؟ قيل في الجواب ‪ :‬إنه لم يخرج في الظاهر لها ‪ ،‬وإنما خرج في الظاهر للهجرة ‪ ،‬فلما أبطن خلف ما أظهر استحق‬
‫العتاب واللوم ‪،‬وقيس بذلك من خرج في الصورة الظاهرة لطلب الحج وقصد التجارة وكذلك الخروج لطلب العلم إذا قصد‬
‫‪ .‬به حصول رياسة أو ولية‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬فهجرته إلى ما هاجر إليه(( يقتضي أنه ل ثواب لمن قصد بالحج التجارة والزيارة ‪،‬‬
‫وينبغي حمل الحديث على ما إذا كان المحرك الباعث له على الحج إنما هو التجارة ‪ ،‬فإن كان الباعث له الحج فله‬
‫الثواب ‪ ،‬والتجارة تبع له إل أنه ناقص الجر عمن أخرج نفسه للحج ‪ ،‬وإن كان الباعث له كليهما فيحتمل حصول الثواب‬
‫لن هجرته لم تتمخص للدنيا ‪ ،‬ويحتمل خلفه لنه قد خلط عمل الخرة بعمل الدنيا ‪ ،‬لكن الحديث رتب فيه الحكم على‬
‫‪ .‬القصد المجرد ‪ ،‬فأما من قصدهما لم يصدق عليه أنه قصد الدنيا فقط ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم‬

‫الحديث الثاني‬
‫عن عمر )رضي ال عنه( أيضًا قال‪ :‬بينما نحن جلوس عند رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ذات يوم إذ طلع علينا رجل‬
‫شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر‪ ،‬ل يرى عليه أثر السفر‪ ،‬ول يعرفه منا أحد‪ ،‬حتى جلس إلى النبي )صلى ال عليه‬
‫وسلم( ‪ ،‬فأسند ركبتيه إلى ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه‪ ،‬وقال‪ :‬يا محّمد أخبرني عن السلم؟! فقال رسول ال )صلى‬
‫ال عليه وسلم(‪" :‬السلم أن تشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدًا رسول ال‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم‬
‫ل"‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬فعجبنا له يسأله ويصّدقه‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن اليمان؟ قال‪:‬‬ ‫رمضان‪ ،‬وتحج البيت إن استطعت إليه سبي ً‬
‫"أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن‬
‫الحسان؟ قال‪" :‬أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة؟ قال‪" :‬ما المسؤول عنها‬
‫بأعلم من السائل"‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن أماراتها؟ قال‪" :‬أن تلد المة ربتها‪ ،‬وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء‬
‫يتطاولون في البنيان"‪ ،‬ثم انطلق‪ .‬فلبثت مليًا‪ ،‬ثم قال‪" :‬يا عمر أ تدري من السائل؟" قلت‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬فإنه‬
‫)جبريل أتاكم يعّلمكم دينكم"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أخبرني عن اليمان ‪ :‬اليمان في اللغة ‪ :‬هو مطلق التصديق ‪ ،‬وفي الشرع ‪ :‬عبارة عن‬
‫تصديق خاص ‪ ،‬وهو التصديق بال ‪ ،‬وملئكته وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬وباليوم الخر ‪ ،‬وبالقدر خيره وشره ‪ .‬وأما السلم فهو‬
‫عبارة عن فعل الواجبات‪ ،‬وهو النقياد إلى عمل الظاهر ‪ .‬قد غاير ال تعالى بين اليمان والسلم كما في الحديث ‪ ،‬قال‬
‫ن المنافقين كانوا يصلون‬ ‫سَلْمَنا{ ]الحجرات ‪.[14:‬وذلك أ ّ‬ ‫ن ُقوُلوا َأ ْ‬
‫ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتِْؤُمنوا َوَلِك ْ‬
‫عَرا ُ‬‫ت اَل ْ‬
‫ال تعالى ‪َ}:‬قاَل ِ‬
‫ويصومون ويتصدقون ‪ ،‬وبقلوبهم ينكرون‪ ،‬فلما اّدعوا اليمان كّذَبهم ال تعالى في دعواهم اليمان لنكارهم‬
‫سوُل الِ‬
‫ك َلَر ُ‬
‫بالقلوب‪،‬وصدقهم في دعوى السلم لتعاطيهم إياه ‪ .‬وقال ال تعالى‪ِ} :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهُد إن َ‬
‫ن لَكاذبونَ{ ]المنافقون ‪ .[1:‬أي في دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة‬ ‫ن المنافقي َ‬ ‫شَهُد إ ّ‬ ‫ل َي ْ‬‫ل يعلُم إّنك لرسوُلُه وا ُ‬ ‫وا ُ‬
‫قلوبهم ‪ ،‬لن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم ‪،‬وشرط الشهادة بالرسالة ‪ :‬أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم ّبين‬
‫ال تعالى كذبهم ‪ ،‬ولما كان اليمان شرطًا في صحة السلم استثنى ال تعالى من المؤمنين المسلمين قال ال تعالى ‪} :‬‬
‫ن{ ]الذاريات ‪ [36 -35 :‬فهذا استثناء متصل‬ ‫سلِمي َ‬
‫ن الم ِْ‬
‫ت ِم َ‬
‫جْدَنا فيها غير َبْي ٍ‬ ‫ن فما َو َ‬ ‫ن المؤمني َ‬ ‫ن فيها ِم َ‬ ‫ن َكا َ‬
‫جنا َم ْ‬
‫فأخر ْ‬
‫ل ليضيع إيمانكم{ ]البقرة‬ ‫نا ُ‬
‫لما بين الشروط من التصال ولهذا سمى ال تعالى الصلة ‪ :‬إيمانًا ‪:‬قال ال تعالى ‪َ } :‬وَما َكا َ‬
‫‪ .[143 : .‬وقال تعالى ‪} :‬ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان{ ]الشورى ‪ [52:‬أي الصلة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وتؤمن بالقدر خيره وشره(( بفتح الدال وسكونها لغتان ‪ ،‬ومذهب أهل الحق ‪ :‬إثبات القدر‬
‫‪ ،‬ومعناه أن ال سبحانه وتعالى قدر الشياء في القدم ‪ ،‬وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه‬
‫‪ :‬وتعالى ‪ ،‬وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره ال سبحانه وتعالى ‪ .‬واعلم أن التقادير أربعة‬
‫الول( التقدير في العلم ولهذا قيل ‪ :‬العناية قبل الولية ‪ ،‬والسعادة قبل الولدة ‪،‬واللواحق مبنية على السوابق ‪ ،‬قال ال(‬
‫تعالى }يؤفك عنه من ُأِفكَ{ ]الذاريات ‪ [9:‬أي يصرف عن سماع القرآن وعن اليمان به في الدنيا من صرف عنه في‬
‫‪ .‬القدم ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬ل يهلك ال إل هالكًا(( أي من كتب في علم ال تعالى أنه هالك‬
‫الثاني( التقدير في اللوح المحفوظ ‪ ،‬وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال ال تعالى ‪} :‬يمحو ال ما يشاُء ويثبت وعنده أم(‬
‫الكتاب{ ]الرعد ‪ [39:‬وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أنه كان يقول في دعائه ‪ )) :‬اللهم إن كنت كتبتني شقيًا‬
‫‪)).‬فامحني واكتبني سعيدًا‬
‫‪ .‬الثالث( التقدير في الرحم ‪ ،‬وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد(‬
‫الرابع ( التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت ‪ ،‬وال تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى العبد في أوقات(‬
‫حبون في‬ ‫سُعُر * يوم ُيس َ‬
‫معلومة ‪.‬و الدليل على أن ال تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى‪ }:‬إن المجرمين في ضلل َو ُ‬
‫سَقر * إّنا كّل شي خلقناُه بَقَدرِ{ ]القمر ‪ [49-47‬نزلت هذه الية في القدرية ‪ ،‬يقال لهم‬
‫س َ‬
‫النار على وجوِههْم ذوقوا َم ّ‬
‫ذلك في جهنم‪ ،‬وقال تعالى } قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق{ ]الفلق ‪ .[2-1‬وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد‬
‫‪ .‬صرف عنه قبل أن يصل إليه‬
‫‪ )).‬وفي الحديث ‪ )) :‬إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة‬
‫‪)).‬وفي الحديث ‪ )):‬إن الدعاء والبلء بين السماء والرض يقتتلن ‪ ،‬ويدفع الدعاء البلء قبل أن ينزل‬
‫وزعمت القدرية ‪ :‬أن ال تعالى لم يقدر الشياء في القدم ‪ ،‬ول سبق علمه بها ‪ ،‬وأنها مستأنفة ‪ ،‬وأنه تعالى يعلمها بعد‬
‫وقوعها ‪ ،‬وكذبوا على ال سبحانه وتعالى جّل عن إقوالهم الكاذبة وتعالى علوًا كبيرًا ‪ ،‬وهؤلء انقرضوا وصارت القدرية‬
‫في الزمان المتأخرة يقولون ‪ :‬الخير من ال والشر من غيره ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم ‪ ،‬وصح عنه صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪ )) :‬القدرية مجوس هذه المة(( ‪ .‬سماهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس ‪ ،‬وزعمت الثنوية أن الخير‬
‫من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية ‪ ،‬كذلك القدرية يضيفون الخير إلى ال والشر إلى غيره وهو تعالى‬
‫‪ .‬خالق الخير والشر‬
‫قال إمام الحرمين في كتاب ))الرشاد(( إن بعض القدرية تقول ‪ :‬لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لعتقادكم أخبار القدر ‪،‬و رد‬
‫على هؤلء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم ‪ ،‬ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن‬
‫‪ .‬يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن الحسان قال ‪ )) :‬الحسان أن تعبد ال كأنك تراه (( وهذا مقام المشاهدة لن‬
‫من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلىغيره في الصلة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الحسان مقام الصديقين وقد‬
‫‪ .‬تقدم في الحديث الول الشارة إلى ذلك‬
‫ل إن غفلت في الصلة وحدثت النفس فيها‬ ‫‪ .‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪)) :‬فإنه يراك(( غاف ً‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن الساعة فقال ‪ )) :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل(( هذا الجواب على أنه‬
‫صلى ال عليه وسلم كان ل يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر ال تعالى به ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ } :‬إن ال عنده‬
‫علم الساعة{ ]لقمان‪ .[34:‬وقال تعالى ‪} :‬ثقلت في السماوات والرض ‪ ،‬ل تأتيكم إل بغتة{ ]العراف‪.{187:‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫‪ }].‬وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا{]الحزاب‪63:‬‬
‫ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثلثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه الطوخي في‬
‫))أسباب التنزيل(( عن بعض المنجمين وأهل الحساب ‪ ،‬ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعة آلف سنة فهذا يسوف على‬
‫‪.‬الغيب ول يحل اعتقاده‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن أماراتها قال ‪ )) :‬أن تلد المة ربتها(( المار والمارة بإثبات التاء وحذفها‬
‫لغتان ‪ ،‬وروي ربها وربتها ‪ ،‬قال الكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري وأولدهن ‪ ،‬فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها‬
‫لن مال النسان صائر إلى ولده ‪ ،‬وقيل معناه الماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته ‪ ،‬ويحتمل أن يكون المعنى ‪:‬‬
‫‪.‬أن الشخص يستولد الجارية ولدًا ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه ‪ ،‬وهذا من أشراط الساعة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وأن ترى الحفاة العراة العالة ‪ ،‬رعاء الشاء يتطاولون في البنيان(( إذ العالة هم الفقراء ‪،‬‬
‫والعائل الفقير ‪ ،‬والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر ‪ .‬والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء‬
‫وزيادة تاء بل مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا‬
‫‪ .‬في البنيان‬
‫قوله ‪ )) :‬فلبث مليا(( هو بفتح الثاء على أنه للغائب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكلهما صحيح ‪ .‬ومليًا بتشديد‬
‫ل‪.‬وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال ‪ :‬بعد ثلثة أيام ‪ .‬وفي )) شرح التنبيه(( للبغوي أنه قال ‪:‬‬ ‫الياء معناه وقتًا طوي ً‬
‫بعد ثلثة فأكثر ‪ ،‬وظاهر هذا أنه بعد ثلث ليال‪ .‬وفي ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه ‪ ،‬ثم أدبر الرجل فقال‬
‫ى الرجل(( فأخذوا يردونه فلم يروا شيئًا فقال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬رودا‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬ردوا عل ّ‬
‫علىّ الرجل(( فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئًا فقال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬هذا جبريل(( فيمكن الجمع بينهما بأن عمر‬
‫رضي ال عنه لم يحضر قول النبي صلى ال عليه وسلم لهم في الحال ‪ ،‬بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى ال‬
‫‪ .‬عليه وسلم الحاضرين في الحال ‪ ،‬وأخبروا عمر بعد ثلث إذ لم يكن حاضرًا عن إخبار الباقين‬
‫وفي قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم(( ‪ ،‬فيه دليل على ان اليمان ‪،‬و السلم ‪،‬و‬
‫الحسان ‪ ،‬تسمى كلها دينًا ‪ ،‬وفي الحديث دليل على أن اليمان بالقدر واجب ‪ ،‬وعلى ترك الخوض في المور ‪ ،‬وعلى‬
‫وجوب الرضا بالقضاء ‪ .‬دخل رجل على ابن حنبل رحمه ال ‪ .‬فقال ‪ :‬عظني ‪ .‬فقال له ‪ :‬إن كان ال تعالى قد تكفل بالرزق‬
‫فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الخلف على ال حقًا فالبخل لماذا ؟ وإن كانت الجنة حقًا فالراحة لماذا ؟ وإن كان سؤال منكر‬
‫ونكير حقًا فالنس لماذا؟وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟ وإن كان الحساب حقًا فالجمع لماذا ؟ وإن كان كل شيء‬
‫بقضاء وقدر فالخوف لماذا ؟‬
‫فائدة( ذكر صاحب )) مقامات العلماء(( أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسمًا ‪ :‬خمسة بالقضاء والقدر ‪(،‬‬
‫وخمسة بالجتهاد ‪ ،‬وخمسة منها بالعادة ‪ ،‬وخمسة بالجوهر ‪ ،‬وخمسة بالوراثة ‪ .‬فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر ‪:‬‬
‫فالرزق ‪ ،‬والولد ‪ ،‬والهل ‪ ،‬والسلطان ‪ ،‬والعمر ‪ .‬والخمسة التي بالجتهاد ‪ :‬فالجنة ‪ ،‬والنار ن والعفة ‪،‬و الفروسية ‪،‬‬
‫والكتابة ‪ .‬والخمسة التي بالعادة ‪ :‬فالكل ‪ ،‬والنوم ‪ ،‬والمشي ‪،‬و النكاح ‪،‬و التغوط ‪.‬و الخمسة التي بالجوهر ‪ :‬فالزهد ‪،‬‬
‫والزكاة ‪ ،‬والبذل ‪ ،‬والجمال ‪،‬و الهيبة‪ .‬والخمسة التي بالوراثة ‪ :‬فالخير ‪ ،‬والتواصل ‪ ،‬والسخاء والصدق ‪،‬و المانة ‪.‬وهذا‬
‫كله ل ينافي قوله صلى ال عليه وسلم )) كل شيء بقضاء وقدر((‪ .‬وإنما معناه ‪ :‬أن بعض هذه الشياء يكون مرتبًا على‬
‫‪ .‬سبب ‪،‬وبعضها يكون بغير سبب ‪ ،‬والجميع بقضاء وقدر‬

‫الحديث الثالث‬
‫عن أبي عبد الرحمن عبد ال بن عمر بن الخطاب رضي ال عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪:‬‬
‫س؛ شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسول ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪،‬‬ ‫"بني السلم على خم ٍ‬
‫)وصوم رمضان"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬بني السلم على خمس(( أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلمه ‪ ،‬كما أن البيت يتم‬
‫بأركانه كذلك السلم يتم بأركانه وهي خمس ‪ ،‬وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ‪ ،‬ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم‬
‫‪ :‬بعض أركانه لم يتم ‪ ،‬فكذلك البناء المعنوي ‪ ،‬ولهذا قال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬الصلة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين(( ‪،‬و كذلك يقاس البقية ((‬
‫ن ال ورضوان خُير أم من أسس‬ ‫ل للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى ‪ } :‬أفمن أسسُبنياَنُه على تقوى ِم َ‬
‫وقد ضرب ال مث ً‬
‫جُرف هاٍر فانهاَر به في نار جهنم وال ل يهدي القوم الظالمين { ]التوبة ‪ .[109‬شبه بناء المؤمن بالذي‬ ‫بنيانه علىشفا ُ‬
‫وضع بنيانه على وسط طود أي ‪ :‬جبل راسخ ‪،‬وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار ‪ ،‬ل ثبات له‬
‫‪ .‬فأكله البحر فانهار الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر ‪ ،‬فغرق ‪ ،‬فدخل جهنم‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬بني السلم على خمس(( أي بخمس على أن تكون على ‪ :‬بمعنى الباء وإل فالمبني غير‬
‫المبنى عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن السلم وهو فاسد ‪ ،‬ويحتمل أن تكون بمعنى من كقوله تعالى }‬
‫إل على أزواجهم{‪] .‬المومنون‪6:‬والمعارج ‪ .[30:‬أي من أزواجهم ‪ .‬الخمسة المذكورة في الحديث أصول البناء وأما‬
‫التتمات المكملت كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي زينة للبناء ‪ .‬وقد ورد في الحديث أنه صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫‪)))).‬اليمان بضع وسبعون شعبة أعلها قول ل إله إل ال ‪ ،‬قالوأدناها إماطة الذى عن الطريق‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬وحج البيت وصوم رمضان((‪ .‬هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم ‪ ،‬وهذا‬
‫من باب الترتيب في الذكر دون الحكم ‪ ،‬لن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية الخرى تقديم الصوم على‬
‫‪.‬الحج‬

‫الحديث الرابع‬
‫عن أبي عبد الرحمن عبد ال بن مسعود )رضي ال عنه( قال‪ :‬حّدثنا رسول ال )صلى ال عليه وسلم( وهو الصادق‬
‫المصدوق‪" :‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفًة ثم يكون علقًة مثل ذلك ثم يكون مضغًة مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات‪ :‬بَكْتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد‪ ،‬فوال الذي ل إله غيره‬
‫إن أحد كم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪،‬‬
‫وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"‪.‬‬
‫))رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله ‪ :‬وهو الصادق المصدوق ‪ ،‬أي شهد ال له بأنه الصادق ‪ ،‬والمصدوق بمعنى المصدق فيه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم )) يجمع خلقه في بطن أمه(( يحتمل أن يراد أن يجمع بين ماء الرجل والمرأة فيخلق منهما‬
‫خُرج من بين الصلب والترائب{ ]الطارق‪6،7:‬‬ ‫‪].‬الولد كما قال ال تعالى ‪ } :‬خلق من ماء دافق * َي ْ‬
‫ويحتمل أن المراد أنه يجمع من البدن كله ‪ ،‬وذلك أنه قيل ‪ :‬إن النطفة في الطور الول تسري في جسد المرأة أربعين يومًا‬
‫‪ ،‬وهي أيام التوحمة ‪ ،‬ثم بعد ذلك يجمع ويدر عليها من تربة المولود فتصير علقة ثم يستمر في الطور الثاني فيأخذ في‬
‫الكبر حتى تصير مضغة ‪ ،‬وسميت مضغة لنها بقدر اللقمة التي تمضغ ‪ ،‬ثم في الطور الثالث يصور ال تلك المضغ‬
‫ويشق فيها السمع والبصر والشم والفم ‪ ،‬ويصور في داخل جوفها الحوايا والمعاء ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ } :‬هوالذي يصّوُرُكم‬
‫في الرحام كيف يشاء ل إله إل هو العزيُز الحكيُم{ ]آل عمران ‪ ،[6:‬ثم إذا تم الطور الثالث وهو أربعون صار للمولود‬
‫أربعة أشهر نفخت فيه الروح ‪ ،‬قال ال تعالى‪} :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب{ يعني‬
‫أباكم آدم } ثممن نطفة{ يعني ذريته ‪ ،‬والنطفة المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف } ثم من علقة{ وهو الدم الغليظ‬
‫خّلَقةٍ{ ]الحج‪ .[5:‬قال ابن عباس‬
‫خّلَقٍة وغير ُم َ‬
‫المتجمد ‪ ،‬وتلك النطفة تصير دمًا غليظًا }ثم من مضغٍة{ وهي لحمة } ُم َ‬
‫مخلقة ‪ :‬أي تامة ‪ ،‬وغير مخلقة أي غيرتامة بل ناقصة الخلق‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬مصورة وغير مصورة ‪ ،‬يعنيالسقط ‪ .‬وعن‬
‫ابن مسعود رضي ال تعالى عنه ‪ )) :‬إن النطفة إذااستقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال ‪ :‬أي رب مخلقة ‪ ،‬أو غير‬
‫مخلقة ؟ فإن قال ‪ :‬غير مخلقة ‪ ،‬قذفها في الرحم دمًا ولم تكن نسمة ‪،‬وإن قال ‪ :‬مخلقة ‪ ،‬قال الملك ‪ :‬أي رب ذكُر أم أنثى ؟‬
‫أشقي أم سعيُد ؟ ‪ ،‬ما الرزق وما الجل وبأي أرض تموت ؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك ‪ .‬فيذهب‬
‫‪)).‬فيجدها في أم الكتاب فينسخها فل تزال معه حتى يأتي إلى آخر صفته‬
‫‪ .‬ولهذا قيل ‪ :‬السعادة قبل الولدة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬فيسبق عليه الكتاب(( أي الذي سبق في العلم ‪ ،‬أو الذي سبق في اللوح المحفوظ ‪ ،‬أو‬
‫‪ .‬الذي سبق في بطن الم ‪ .‬وقد تقدم أن المقادير أربعة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع (( هو تمثيل وتقريب ‪ ،‬والمراد قطعة من الزمان من‬
‫آخر عمره وليس المراد حقيقة الذراع وتحديده من الزمان ‪ ،‬فإن الكافر إذا قال ‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال ثم مات‬
‫‪ .‬دخل الجنة ‪ ،‬والمسلم إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر دخل النار‬
‫وفي الحديث دليل على عدم القطع بدخول الجنة أو النار ‪ ،‬وإن عمل سائر أنواع البر ‪ ،‬أو عمل سائر أنواع الفسق ‪ ،‬وعلى‬
‫أن الشخص ل يتكل على عمله ول يعجب به لنه ل يدري ما الخاتمة ‪ .‬وينبغي لكل أحد أن يسأل ال سبحانه وتعالى حسن‬
‫الخاتمة ويسعيذ بال تعالى من سوء الخاتمة وشر العاقبة ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬قال ال تعالى ‪ }:‬إن الذين آمنواوعملوا الصالحات‬
‫ل{‪] .‬الكهف‪ [30:‬ظاهر الية أن العمل الصالح من المخلص يقبل ‪ ،‬وإذا حصل القبول بوعد‬ ‫ضّيع أجر َمن أحسن عم ً‬‫إنا ل ُن َ‬
‫‪ .‬الكريم أمن مع ذلك من سوء الخاتمة‬
‫فالجواب من وجهين ‪ :‬احدهما أن يكون ذلك معلقًا على شرط القبول وحسن الخاتمة ‪،‬و يحتمل أن من آمن وأخلص العمل‬
‫ل يختم له دائمًا إل بخير ‪ ،‬وأن خاتمة السوء إنما تكون في حق من أساء العمل أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع‬
‫من الرياء والسمعة ويدل عليه الحديث الخر )) إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس (( أي ‪ :‬فيما يظهر لهم‬
‫‪ .‬صلح مع فساد سريرته وخبثها ‪،‬و ال أعلم‬
‫وفي الحديث دليل على استحباب الحلق لتأكيد المر في النفوس وقد أقسم ال تعالى ‪ } :‬فورب السماء والرض إنه لحق{‬
‫‪].].‬الذاريات‪ ،[23:‬وقال ال تعالى ‪}:‬قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم{‪] .‬التغابن‪7:‬‬
‫‪ .‬وال تعالى أعلم‬
‫الحديث الخامس‬
‫عن أم المؤمنين أم عبد ال عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬من أحدث في أمرنا‬
‫ل ليس عليه أمرنا فهو رد‬ ‫‪".‬هذا ما ليس منه فهو رد"‪) .‬رواه البخاري ومسلم( وفي رواية لمسلم‪" :‬من عمل عم ً‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد(( أي مردود‪ .‬فيه دليل على أن العبادات من‬
‫الغسل والوضوء والصوم والصلة إذا فعلت على خلف الشرع تكون مردودة على فاعلها ‪ ،‬وأن المأخوذ بالعقد الفاسد‬
‫يجب رده على صاحبه ول يملك ‪،‬وقال صلى ال عليه وسلم للذي قال له ‪ :‬إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته ‪،‬‬
‫وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاه ووليدة‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬الوليدة والغنم رّد عليك((‬
‫‪ .‬وفيه دليل على أن من ابتدع في الدين بدعة ل توافق الشرع فإثمها عليه ‪،‬و عمله مردود عليه وإنه يستحق الوعيد ‪،‬‬
‫‪)).‬وقد قال صلى عليه وسلم ‪ )):‬من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة ال‬

‫الحديث السادس‬
‫عن أبي عبد ال النعمان بن بشير رضي ال عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪" :‬إن الحلل بّين‪،‬‬
‫ن كثير من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات‪ ،‬فقد استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن‬ ‫وإن الحرام بّين‪ ،‬وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمه ّ‬
‫وقع في الشبهات وقع في الحرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك حمى‪ ،‬أل وإن حمى‬
‫ال محارمه‪ ،‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب"‪) .‬رواه‬
‫)البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ‪ ....‬الخ(( اختلف العلماء في حد الحلل‬
‫والحرام ‪ ،‬فقال أبو حنيفة رحمه ال تعالى‪ :‬الحلل مادل الدليل على حله ‪.‬وقال الشافعي رحمه ال ‪ :‬الحرام ما دل الدليل‬
‫‪.‬على تحريمه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وبينهما أمور مشتبهات(( أي بين الحلل والحرام أمور مشتبهة بالحلل والحرام ‪ ،‬فحيث‬
‫انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة ‪.‬وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فل يجب البحث عن ذلك ‪ ،‬بل ول يستحب ‪،‬ويكره‬
‫‪ .‬السؤال عنه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه(( أي طلب براءة دينه وسلم من الشبهة ‪ .‬وأما‬
‫براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الثم وقد‬
‫ورد عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ )) :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يقفمواقف التهم((‪ ..‬وعن علي رضي ال‬
‫‪.‬عنه أنه قال ‪ :‬إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ‪ ،‬وإن كان عندك اعتذاره‪ ،‬فرب سامع نكرًا ل تستطيع أن تسمعه عذرً‌ا‬
‫وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصلة والسلم قال‪)) :‬إذا أحدث أحدكم في الصلة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف(( وذلك لئل‬
‫‪ .‬يقال عنه أحدث‬
‫قوله عليه الصلة والسلم‪ )):‬فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام(( يحتمل أمرين ‪ :‬احدهما أن يقع في الحرام وهو‬
‫يظن أنه ليس بحرام ‪ .‬والثاني ‪ :‬أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما يقال ‪ :‬المعاصي بريد الكفر ‪.‬لن النفس‬
‫إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر منها ‪،‬قيل ‪ :‬وإلى ذلك الشارة بقوله تعالى ‪ } :‬ويقتلون النبياء‬
‫‪ .‬بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون{‪] .‬آل عمران‪ .[112:‬يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل النبياء‬
‫‪)).‬وفي الحديث ‪ )):‬لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده‬
‫أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة ‪ ،‬والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في الرض المباحة فمن رعى‬
‫حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخلف ما إذا رعى إبله بعيدًا من الحمى ‪.‬واعلم أن كل‬
‫ل حريمًا للمحرم ‪ ،‬وكذلك الخلوة بالجنبية حمى‬‫محرم له حمى يحيط به ‪ ،‬فالفرج محرم وحماه الفخذان لنهما جع ً‬
‫للمحرم ‪ ،‬فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحّرم‪ ،‬فالمحرم حرام لعينه‪ ،‬والحريم محرم لنه يتدرج به إلى المحرم‬
‫‪.‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬أل وإن في الجسد مضغة(( أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح‪ ،‬وإذا طمحت‬
‫طمحت الجوارح وإذا فسدت فسدت الجوارح ‪ .‬قال العلماء ‪ :‬البدن مملكةوالنفس مدينتها‪،‬و القلب وسط المملكة ‪،‬و‬
‫العضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة ‪ ،‬والعقل كالوزير المشفق الناصح به ‪ ،‬والشهوة طالب أرزاق الخدام‪،‬و‬
‫الغضب صاحب الشرطة ‪ ،‬وهو عبد مكار خبيث‪ ،‬يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل ‪،‬و دأبه أبدًا منازعة الوزير‬
‫الناصح والقوة المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن ‪ ،‬والقوة المفكرة في وسط الدماغ‪ ،‬والقوة الحافظة في آخر الدماغ ‪،‬‬
‫واللسان كالترجمان ‪،‬و الحواس الخمس جواسيس ‪ ،‬وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات ‪ ،‬فوكل العين بعالم‬
‫اللوان ‪ ،‬والسمع بعالم الصوات ‪،‬وكذلك سائرها فإنها أصحاب الخبار‪ ،‬ثم قيل ‪ :‬هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه‬
‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها النفس ‪ ،‬فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا‬
‫فسد فسدت الرعية ‪ ،‬وإنما يحصل صلحه بسلمته من المراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر‬
‫والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور‪ ،‬وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الربعين ‪،‬‬
‫‪.‬عافانا ال منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم‬
‫الحديث السابع‬
‫عـن أبي رقية تميم بن أوس الداري )رضي ال عنه( أن النبي )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬الدين النصيحة"‪ ،‬قلنا لمن؟‬
‫)قال‪" :‬ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬الدين النصيحة ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم(( قال الخطابي‪ :‬النصيحة‬
‫كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له‪ .‬وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه‪ ،‬فشبهوا فعل‬
‫الناصح فيما يتحراه من صلح الرجل ثوبه إذا خاطه‪ ،‬فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلح المنصوح له بما يسد‬
‫من خلل الثوب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها مأخوذة من نصحت العسل ‪ ،‬إذا صفيته من الشمع ‪ ،‬شبهوا تخليص القول من الغش‬
‫‪ .‬بتخليص العسل من الخلط‬
‫قال العلماء ‪ :‬أما النصيحة ل تعالى فمعناها ينصرف إلى اليمان بال ‪ ،‬ونفي الشريك عنه ‪،‬وترك اللحاد في صفاته‬
‫ووصفه بصفات الكمال والجلل كلها ‪ ،‬وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع أنواع النقائص ‪،‬و القيام بطاعته ‪،‬و اجتناب‬
‫معصيته‪ ،‬والحب فيه ‪،‬والبغض فيه ‪ ،‬ومودة من أطاعه ‪ ،‬ومعاداة من عصاه ‪ ،‬وجهاد من كفر به ‪ ،‬والعتراف بنعمته ‪،‬‬
‫وشكره عليها ‪ ،‬والخلص في جميع المور‪ ،‬والدعاء إلى جميع الوصاف المذكورة والحث عليها ‪،‬و التطلف بجميع‬
‫الناس‪ ،‬أو من أمكن منهم عليها ‪ ،‬وحقيقة هذه الوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه ‪،‬و ال تعالى غني عن نصح‬
‫‪.‬الناصحين‬
‫وأما النصيحة لكتاب ال تعالى ‪ :‬فاليمان بأنه كلم ال تعالى وتنزيله‪ ،‬ل يشبهه شيء من كلم الناس ‪ ،‬ول يقدر على‬
‫مثله أحد من الخلق ثم تعظيمه وتلوته حق تلوته ‪،‬وتحسينها ‪ ،‬والخشوع عندها ‪،‬و إقامة حروفه في التلوة ‪،‬و الذب‬
‫عنه لتأويل المحرفين ‪ ،‬وتعريض الطاعنين والتصديق بما فيه ‪ ،‬والوقوف مع أحكامه ‪ ،‬وتفهم علومه وأمثاله‪ ،‬والعتبار‬
‫بمواعظه‪،‬و التكفير في عجائبه‪ ،‬والعمل بمحكمه ‪ ،‬والتسليم لمتشابهه ‪ ،‬والبحث عن عمومه وخصوصه ‪ ،‬وناسخه‬
‫‪ .‬ومنسوخه ‪ ،‬ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته‬
‫وأما النصيحة لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فتصديقه على الرسالة ‪،‬واليمان بجميع ما جاء به ‪ ،‬وطاعته في أمره‬
‫ونهيه ونصرته حيًا وميتًا ‪ ،‬ومعاداة من عاداه وموالة من وله ‪ ،‬وإعظام حقه وتوقيره ‪ ،‬وإحياء طريقته وسننه‪ ،‬وبث‬
‫دعوته ونشر سنته ‪ ،‬ونفس التهم عنها ‪ ،‬و نشر علومها ‪ ،‬والفقه فيها ‪ ،‬والدعاء لها ‪ ،‬والتلطف في تعلمها وتعليمها ‪،‬‬
‫وإعظامها وإجللها ‪ ،‬والتأدب عند قراءتها‪ ،‬والمساك عن الكلم فيها بغير علم ‪،‬و إجلل أهلها لنتسابهم إليها ‪ .‬والتخلق‬
‫‪ .‬بأخلقه والتأدب بآدابه ‪ ،‬ومحبة أهل بيته وأصحابه ‪ ،‬ومجانبة من ابتدع سنته أو تعرض لحد من أصحابه ونحو ذلك‬
‫وأما النصيحة لئمة المسلمين ‪ :‬فمعاونتهم على الحق ‪ ،‬وطاعتهم فيه ‪ ،‬وأمرهم به ونهيهم وتذكيرهم برفق ‪ ،‬وإعلمهم‬
‫‪ .‬بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخورج عليهم ‪ ،‬وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم‬
‫قال الخطابي ‪ :‬ومن النصيحة لهم ‪ ،‬الصلة خلفهم ‪ ،‬والجهاد معهم ‪ ،‬وأداء الصدقات إليهم‪ ،‬وترك الخروج بالسيف عليهم‬
‫‪.‬إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ‪ ،‬وأن ل يغروا بالثناء الكاذب عليهم ‪ ،‬وأن يدعى لهم بالصلح‬
‫قال ابن بطال رحمه ال تعالى ‪ :‬في هذا الحديث دليل أن النصيحة تسمى دينًا وإسلمًا ‪ ،‬وأن الدين يقع على العمل كما يقع‬
‫على القول ‪ ،‬قال‪ :‬والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به ‪ ،‬يسقط عن الباقين ‪،‬قال ‪ :‬والنصيحة واجبة على قدر الطاعة إذا‬
‫علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه ‪ ،‬فإن خشي أذى فهو في سعة وال تعالى أعلم‪ .‬فإن‬
‫قيل ففي صحيح البخاري أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ )) :‬إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له (( ‪ ،‬وهويدل على تعليق‬
‫الوجوب بالستنصاح ل مطلقًا ‪ ،‬ومفهوم الشرط حجة في تخصيص عموم المنطوق ‪ .‬فجوابه ‪ :‬يمكن حمل ذلك على‬
‫المور الدنيونية كنكاح امرأة ومعاملة رجل ونحو ذلك ‪ ،‬والول يحتمل بعمومه في المور الدينية التي هي واجبة على كل‬
‫‪.‬مسلم ‪،‬و ال تعالى أعلم‬
‫الحديث الثامن‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله‬
‫إل ال وأن محمدًا رسول ال‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحق‬
‫)السلم‪ ،‬وحسابهم على ال تعالى"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬أمرت إلخ‪ ((..‬فيه دليل على أن مطلق المر وصيغته تدل على الوجوب‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم(( ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬فالصوم من أركان السلم‬
‫وكذلك الحج ولم يذكرهما ‌‪ ،‬فجوابه ‪ :‬أن الصوم ل يقاتل النسان عليه بل يحبس ويمنع الطعام والشراب ‪ ،‬والحج على‬
‫التراخي‪ ،‬فليقاتل عليه ‪ ،‬وإنما ذكر رسول ال صلى عليه وسلم هذه الثلثة لنه يقاتل على تركها ولهذا لم يذكر الصوم‬
‫‪ ..‬والحج لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ‪ ،‬بل ذكر هذه الثلثة ‪ ،‬خاصة‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪)) :‬إل بحق السلم(( فمن حق السلم فعل الواجبات ‪ ،‬فمن ترك الواجبات جاز قتاله‬
‫كالبغاة ‪ ،‬وقطاع الطريق ‪ ،‬والصائل ‪ ،‬ومانع الزكاة ‪ ،‬والممتنع من بذله الماء للمضطر والبهيمة المحترمة ‪ .‬والجاني‬
‫‪.‬والممتنع من قضاء الدين مع الُقدرة ‪ ،‬والزاني المحصن ‪،‬و تارك الجمعة والوضوء‬
‫‪ .‬ففي تلك الحوال يباح قتله وقتاله ‪ ،‬وكذلك لو ترك الجماعة ‪،‬وقلنا إنها فرض عين ‪ ،‬أو كفاية‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬و حسابهم على ال (( يعني من أتى بالشهادتين واقام الصلة وآتى الزكاة عصم دمه‬
‫وماله ‪ ،‬ثم إن كان فعل ذلك بنية خالصة صالحة فهو مؤمن ‪ ،‬وإن كان فعله تقية وخوفًا من السيف كالمنافق فحسابه على‬
‫ال ‪ ،‬وهو متولي السرائر ‪،‬وكذلك من صلى بغير وضوء أو غسل من الجنابة ‪ ،‬أو أكل في بيته وادعى أنه صائم ‪ ،‬يقبل‬
‫‪.‬منه وحسابه على ال عز وجل وال أعلم‬
‫الحديث التاسع‬
‫عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪" :‬ما نهيتكم‬
‫عنه فاجتنبوه‪ ،‬وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم‪ ،‬فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم"‪.‬‬
‫))رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم )) ما نهيتكم عنه فاجتنبوه (( أي اجتنبوه جملة واحدة ل تفعلوه ول شيئًا منه ‪ ،‬وهذا محموله‬
‫‪ .‬على نهي التحريم ‪ ،‬فأما نهي الكراهة فيجوز فعله ‪ ،‬وأصل النهي في اللغة ‪ :‬المنع‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم(( فيه مسائل ‪ :‬منها إذا وجد ماء للوضوء ل يكفيه‬
‫فالظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي ‪ .‬ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه ‪ .‬ومنها إذا وجد‬
‫بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله ‪ .‬وهذا بخلف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه ل يجب‬
‫‪ .‬عتقه عن الكفارة ‪ ،‬لن الكفارة لها بدل وهو الصوم‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم علىأنبيائهم((‪ .‬اعلم ان السؤال على‬
‫‪ :‬أقسام‬
‫‪ .‬القسم الول ‪ :‬سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلة والصوم ‪ ،‬وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك‬
‫وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬طلبالعلم فريضة على كل مسلم(( ومسلمة ‪ ،‬ول يسع‬
‫النسان السكوت عن ذلك قال تعالى ‪ } :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون{ ]النحل‪ ،[43:‬وقال ابن عباس رضي ال‬
‫‪ .‬عنهما ‪ :‬إني أعطيت لسانًا سؤوًل وقلبًا عقوًل ‪ ،‬كذلك أخبر عن نفسه رضي ال تعالى عنه‬
‫ن ُكّل فرقٍة منهم طائفة ‪ ،‬ليتفقهوا في الدين‬
‫نفر ِم ْ‬
‫والقسم الثاني‪ :‬السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى ‪ }:‬فلول َ‬
‫‪].‬وِلينِذروا قوَمُهْم إذا َر َ‬
‫جعوا إليهم لعلهم َيحَذرون{ ]التوبة‪122:‬‬
‫‪)).‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬أل فليعلم الشاهد منكم الغائب‬
‫القسم الثالث ‪ :‬أن يسأل عن شيء لم يوجبه ال عليه ‪ ،‬ول على غيره ‪ ،‬وعلى هذا حمل الحديث لنه قد يكون في السؤال‬
‫ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وسكت عن أشياءرحمة لكم فل تسألوا عنها(( ‪.‬‬
‫‪].‬وعن علي رضي ال عنه لما نزلت }ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلً{‪] .‬آل عمران ‪97:‬‬
‫‪ :‬قال رجل ‪ :‬أكل عام يا رسول ال ؟ فأعرض عنه ‪ ،‬حتى أعاد مرتين أو ثلثًا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وما يوشك أن أقول نعم ‪ ،‬وال لو قلت ‪ :‬نعم لو جبت ‪ ،‬ولو وجبت لما استطعتم ‪ ،‬فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين ((‬
‫‪)).‬من قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه‬
‫سُؤُكم{ ]المائدة‪ .[101:‬أي لم آمركم بالعمل بها ‪،‬‬ ‫فإنزل ال تعالى ‪ } :‬يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا عن أشياء إن ُتْبَد لكم َت ُ‬
‫وهذا النهي خاص بزمانه صلى ال عليه وسلم ‪ .‬أما بعد أن استقرت الشريعة ‪،‬و أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال‬
‫‪ .‬سببه ‪،‬وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني اليات المشتبهة‬
‫سئل مالك رحمه ال تعالى عن قوله تعالى ‪}:‬الرحمن على العرشاستوى{]طه‪ [5:‬فقال ‪ :‬الستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‬
‫‪ ، .‬واليمان بهواجب ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني‬
‫‪.‬وقال بعضهم‪ :‬مذهب السلف أسلم ‪ ،‬ومذهب الخلف أعلم ‪ :‬وهوالسؤال‬
‫الحديث العاشر‬
‫عن أبي هريرة )رضي ال عنه( قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬إن ال تعـالى طيب ل يقبل إل طيبًا‪ ،‬وإن‬
‫ال أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى‪) :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا(‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬يا‬
‫ب‪،‬‬
‫ب يا ر ّ‬‫أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء‪ :‬يا ر ّ‬
‫)ومطعمه حرام‪ ،‬ومشربه حرام‪ ،‬وملبسه حرام‪ ،‬وغذي بالحرام‪ ،‬فأنى يستجاب له؟"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬إن ال تعالى طيب(( ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬سمعت رسول ال صلى عليه‬
‫وسلم يقول ‪ )):‬اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر ‪ ،‬الطيب المبارك الحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت ‪ ،‬وإذا سئلت‬
‫به أعطيت ‪ ،‬وإذا استرحمت به رحمت ‪ ،‬واذا استفرجت به فرجت(( ‪ ،‬ومعنى الطيب ‪ :‬المنزه عن النقائص والخبائث ‪،‬‬
‫فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ السماء عند العارفين بها ‪ :‬وهو طيب عباده لدخول الجنة بالعمال‬
‫‪ .‬الصالحة وطيبها لهم ‪ ،‬والكلمة الطيبة ‪ :‬ل إله إل ال‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬ل يقبل إل طيبًا(( أي فل يتقرب إليه بصدقة حرام ‪ ،‬ويكره التصدق بالرديء من الطعام‬
‫كالحب العتيق المسوس ‪ ،‬وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال ال تعالى ‪ }:‬ولتيمموا الخبيث منه تنفقون{ ]البقرة‪:‬‬
‫‪ .[267‬فكما أنه تعالى ل يقبل المال إل الطيب كذلك ل يقبل من العمل إل الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب‬
‫‪ .‬والسمعة ونحوها‬
‫قوله‪ :‬فقال تعالى‪ }:‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا{ ]المؤمنون‪.[51:‬وقوله تعالى ‪ }:‬يا أيها الذين أمنوا‬
‫‪.‬كلوا منطيبات ما رزقناكم{]البقرة ‪ .[172:‬المراد بالطيبات الحلل‬
‫في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه ‪،‬و ذلك من الواجبات‬
‫‪ ، .‬بخلف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم‬
‫قوله ‪ )):‬مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام(( أي شبع ‪ ،‬وهو بضم الغين المعجمة وكسر الذال المعجمة المخففة‬
‫من الغذي بالكسر والقصر ‪،‬و أما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة ‪ :‬فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ‪،‬‬
‫‪].‬قال ال تعالى ‪ }:‬قال لفتاه آتناغداءنا{ ]الكهف ‪62:‬‬
‫قوله ‪)) :‬فأنى يستجاب له(( أي استبعادُا لقبوله إجابة الدعاء ‪،‬و لهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل الحلل ‪ ،‬والصحيح‬
‫‪].‬أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال ‪}:‬إنك من المنظرين{ ]العراف‪15:‬‬
‫الحديث الحادي عشر‬
‫عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول ال )صلى ال عليه وسلم( وريحانته رضي ال عنهما قال‪:‬‬
‫حفظت من رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك"‪) .‬رواه الترمذي والنسائي‪ ،‬وقال‬
‫)الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ))دع ما يريبك إلى ما ل يريبك(( فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن ل يأكل المال الذي فيه‬
‫‪ .‬شبهة ‪ ،‬كما يحرم عليه أكل الحرام ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫قوله ‪ )) :‬إلى ما ل يريبك(( أي اعدل إلى ما ل ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس ‪ .‬والريبة ‪:‬‬
‫‪.‬الشك وتقدم الكلم عن الشبهة‬
‫الحديث الثاني عشر‬
‫عن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬من حسن إسلم المرء تركه مال‬
‫)يعنيه"‪) .‬حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه (( أي ما ل يهمه من أمر الدين والدنيا من الفعال‬
‫والقوال ‪ .‬وقال صلى الله عليه وسلم لبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال ‪ )):‬كانت أمثاًل كلها ‪ ،‬كان فيها ‪ :‬أيها‬
‫السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني ل أردها ‪،‬‬
‫ولوكانت من كافر‪ .‬وكان فيها ‪ :‬على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له أربع ساعات ‪ :‬ساعة يناجي فيها ربه‬
‫‪،‬وساعة يتفكر في صنع ال تعالى ‪ ،‬وساعة يحدث فيها نفسه ‪ ،‬وساعة يخلو بذي الجلل والكرام ‪ ،‬وإن تلك الساعة‬
‫عون له علىتلك الساعات‪. ،‬و كان فيها ‪ :‬على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله ‪ ،‬أن ل يكون ساعيًا إل في ثلث ‪ :‬تزود‬
‫لمعاد‪ ،‬ومؤنة لمعاش ‪،‬ولذة في غير محرم ‪.‬وكان فيها ‪ :‬على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون بصيرًا لزمانه ‪،‬‬
‫ل على شأنه ‪ .‬حافظًا للسانه‪ ،‬ومن حسب الكلم من عمله يوشك أن يقل الكلم إل فيما يعنيه‬ ‫‪)) .‬مقب ً‬
‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال ‪ )) :‬كانت عبرًا كلها ‪ ،‬كان فيها ‪ :‬عجبًا لمن أيقن بالنار كيف يضحك ‪،‬‬
‫وعجبًا لمنأيقن بالموت كيف يفرح ‪ ،‬وعجبًا لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها ‪،‬و عجبًا لمن أيقن بالقدر ثم‬
‫‪!.‬هو يغضب ‪ ،‬وعجبًا لمن أيقن بالحساب غدًا وهو ل يعمل((؟‬
‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال ‪)) :‬نعم ياأباذر} قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى*‬
‫ف الولى * صحف إبراهيم وموسى{ ]العلى‪-14:‬‬ ‫ح ِ‬‫صُ‬
‫ن هذا لفي ال ّ‬
‫خُرة خيّر وأبقى * إ ّ‬
‫بل تؤثرون الحياةالدنيا * وال ِ‬
‫‪ .[19 .‬إلى آخر السورة‬
‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي أوصني ‪،‬قال ‪ )):‬أوصيك بتقوى ال فإنها رأسأمرك كله(( ‪،‬قال ‪ :‬قلت زدني ‪ ،‬قال‪ )) :‬عليك بتلوة‬
‫القرآن واذكرال كثيرًا فإنه يذكرك في السماء(( ‪ ،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ )):‬عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين(( ‪ ،‬قلت زدني‬
‫‪ ،‬قال ‪ )) :‬عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك ‪ ،‬وعون لك على أمر دينك(( ‪ ،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ )) :‬قل الحق ولو‬
‫كان مرًا(( ‪،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ )):‬ل تأخذك في ال لومة لئم((‪ ،‬قلت ‪:‬زدني‪ ،‬قال))صل رحمك وإنقطعوك((‪ ،‬قلت‪ :‬زدني ‪،‬‬
‫قال ‪)) :‬بحسب امرئ من الشر ما يجهل مننفسه ‪ ،‬ويتكلف ما ل يعنيه ‪ .‬يا أبا ذر ‪ :‬ل عقل كالتدبير ‪ ،‬ول ورع كالكف‪ ،‬ول‬
‫‪)).‬حسن كحسن الخلق‬

‫الحديث الثالث عشر‬


‫عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي ال عنه خادم رسول ال )صلى ال عليه وسلم( عن النبي )صلى ال عليه وسلم( قال‪:‬‬
‫)"ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم )) ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه((‪ :‬الولى أن يحمل ذلك علىعموم الخوة ‪،‬‬
‫حتي يشمل الكافر والمسلم‪ ،‬فيحب لخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في السلم ‪ ،‬كما يحب لخيه المسلم دوامه على‬
‫السلم ‪،‬ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحبًا‪ ،‬والحديث محمول على نفي اليمان الكامل عمن لم يحب لخيه ما يحب‬
‫لنفسه ‪ .‬والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة‪ ،‬ثم المراد‪ :‬المحبة الدينية ل المحبة البشرية ‪ ،‬فإن الطباع البشرية قد تكره‬
‫حصول الخير وتمييز غيرها عليها ‪ ،‬والنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو لخيه ويتمنى له ما يحب‬
‫‪ .‬لنفسه ‪،‬والشخص متى لم يحب لخيه ما يحب لنفسه كان حسودًا‬
‫‪ :‬والحسد كما قال الغزالي‪ :‬ينقسم إلى ثلثة أقسام‬
‫‪ .‬الول ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه‬
‫‪ .‬الثاني ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ‪ ،‬وهذا أشر من الول‬
‫الثالث‪ :‬أن ل يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواةول يرضى‬
‫بالزيادة ‪،‬وهذا أيضًا محرم لنه لم يرض بقسمة ال تعالى ‪ }:‬أهم يقسمون رحمة ربك؟!نحن قسمنا معيشتهم في الحياة‬
‫ك خيُرمما يجمعون{ ]الزخرف‪ .[32:‬فمن‬ ‫ضًهم بعضًا سخريًا ورحمُة رب َ‬
‫ت ليتخَذ بع ُ‬
‫ض درجا ٍ‬
‫ضُهم فوق بع ٍ‬
‫الدنيا ورفعنا بع َ‬
‫لم يرض بالقسمة فقد عارض ال تعالى في قسمته وحكمته‪.‬وعلى النسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء‬
‫‪.‬ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس‬
‫الحديث الرابع عشر‬
‫عن ابن مسعود رضي ال تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى‬
‫)ثلث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬الثيب الزاني(( المراد ‪ :‬من تزوج ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك ‪ ،‬فإنه يرجم ‪،‬‬
‫‪ .‬وإن لم يكن متزوجًا في حالة الزنا لتصافه بالحصان‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والنفس بالنفس(( أي بشرط المكافأة فل يقتل المسلم بالكافر ول الحر بالعبد عند‬
‫‪.‬الشافعية ‪ ،‬ل الحنفية‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والتارك لدينه المفارق للجماعة((وهو المرتد والعياذ بال تعالى ‪ ،‬وقد يكون موافقًا‬
‫للجماعة كاليهودي إذا تنصر ‪ ،‬وبالعكس يقتل لنه تارك لدينه غير مفارق للجماعة ‪ ،‬وفيه قولن ‪ ،‬أصحها ‪ :‬ل يقتل بل‬
‫يلحق بالمأمن ‪ .‬والثاني ‪:‬يقتل لنه اعتقد بطلن دينه الذي كان عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطلنه قبل ذلك ‪ ،‬وهو غير‬
‫‪.‬الحق فل يترك بل إن لم يسلم يقتل ‪،‬وقد تقدم القتل أيضًا في صورة سبق الكلم عليها‬
‫الحديث الخامس عشر‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪ " :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليقل خيرًا‬
‫أو ليصمت‪ ،‬ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه"‪) .‬رواه‬
‫)البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليقلخيرًا أو ليصمت(( قال الشافعي رحمه ال تعالى ‪:‬‬
‫معنى الحديث ‪ :‬إذا أراد أن يتكلم فليفكر ‪ ،‬فإن ظهر أنه ل ضرر عليه تكلم ‪ ،‬وإن ظهر أن فيه ضرر أو شك فيه أمسك‪.‬‬
‫وقال المام الجليل أبو محمد ابن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه ‪ :‬جميع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث‪:‬‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلم )) من كانيؤمن بال واليوم الخر فليقل خيرًا أو ليصمت((‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫)) من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه(( ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬للذي اختصر له الوصية ‪ )):‬ل تغضب((‪.‬‬
‫‪)).‬وقوله ‪ )):‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه‬
‫ونقل عن أبي القاسم القشيري رحمه ال تعالى أنه قال ‪ :‬السكوت فيوقته صفة الرجال ‪ ،‬كما أن النطق في موضعه من‬
‫أشرف الخصال ‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت أبا علي الدقاق يقول ‪ :‬من سكت عن الحق فهو شيطانأخرس‪.‬وكذا نقله في )) حلية‬
‫العلماء(( عن غير واحد ‪ .‬وفي )) حليةالولياء(( أن النسان ينبغي له أن ل يخرج من كلمه إل ما يحتاج إليه ‪ ،‬كما أنه ل‬
‫ينفق من كسبه إل ما يحتاج إليه وقال ‪ :‬لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لسكتم عن كثير من الكلم ‪ .‬وروي عنه صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ )):‬من فقه الرجل قلة كلمه فيما ل يعنيه(( وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ )) :‬العافية في‬
‫عشرة أجزاء‪ :‬تسعة منها في الصمت إّل عن ذكر ال تعالى عز وجل(( ‪.‬ويقال ‪ :‬من سكت فسلم ‪ ،‬كمن قال فغنم ‪ .‬وقيل‬
‫لبعضهم‪ :‬لم لزمت السكوت ؟ قال ‪ :‬لن لم أندم على السكوت قط ‪،‬و قد ندمت على الكلم مرارًا‪ .‬ومما قيل‪ :‬جرح اللسان‬
‫‪ .‬كجرح اليد‪ ،‬وقيل ‪ :‬اللسان كلب عقور إن خلي عنه عقر ‪.‬وروي عن على رضي ال عنه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم‬
‫‪)).‬ضيفه‬
‫قال القاضي عياض ‪ :‬معنى الحديث ‪ :‬أن من التزم شرائع السلم ‪،‬لزمه إكرام الضيف والجار ‪.‬وقد قال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪)):‬ما زالجبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (( ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم )) من آذى جاره ملكه ال‬
‫‪].‬داره((‪ .‬وقوله تعالى ‪}:‬والجارذي القربي والجار الجنب{]النساء‪36:‬‬
‫الجار يقع على أربعة ‪ :‬الساكن معك في البيت‪ .‬قال الشاعر‪ :‬أجارتنا بالبيت إنك طالق‬
‫ويقع على من لصق لبيتك‪ ،‬ويقع على أربعين دارًا من كل جانب‪ ،‬ويقع على من يسكن معك في البلد ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬ثم‬
‫ل{]الحزاب‪ [6:‬فالجار القريب المسلم له ثلثة حقوق‪ ،‬والجار البعيد المسلم له حقان ‪ ،‬وغير‬ ‫ل يجاورنكفيها إل قلي ً‬
‫‪ .‬القريب المسلم له حق واحد‬
‫والضيافة من آداب السلم ‪،‬وخلق النبين والصالحين ‪،‬و قد أوجبها الليث ليلة واحدة ‪،‬واختلفوا ‪ :‬اهل الضيافة على‬
‫الحاضر والبادي ‪ ،‬أم على البادي خاصة ؟ فذهب الشافعي ‪ ،‬ومحمد بن عبد الحكم إلى أنها على الحاضر والبادي ‪.‬وذهب‬
‫مالك وسحنون ‪ :‬إلى أنها على أهل البوادي ‪ ،‬لن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق ومواضع النزول وما‬
‫‪)).‬يشتري من السواق وقد جاء في حديث ‪ )) :‬الضيافةعلى أهل الوبر وليست على أهل المدر‬
‫‪.‬لكنه حديث موضوع‬

‫الحديث السادس عشر‬


‫ل قال للنبي )صلى ال عليه وسلم( ‪ :‬أوصني‪ ،‬قال‪" :‬ل تغضب"‪ ،‬فرّدد مرارًا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن رج ً‬
‫)"ل تغضب"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم )) ل تغضب(( معناه لتنفذ غضبك ‪ ،‬وليس النهي راجعًا إلىنفس الغضب ‪ ،‬لنه من طباع‬
‫‪ .‬البشر ‪ ،‬ول يمكن النسان دفعه‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ‪ ،‬ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف‬
‫‪ )).‬تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ‪ ،‬فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالرض‬
‫وجاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال علمني علمًا يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال‪ )) :‬ل‬
‫تغضب ولك الجنة((‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء‬
‫‪)).‬النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‬
‫وقال أبو ذر الغفاري ‪ :‬قال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ‪،‬فإن ذهب عنه‬
‫‪)).‬الغضب وإل فليضجع‬
‫وقال عيسى عليه الصلة والسلم ليحي بن زكريا عليه الصلة والسلم ‪ :‬إني معلمك علمًا نافعًا ‪ :‬ل تغضب ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫وكيف لي أن ل أغضب ؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل ‪ :‬ذنب ذكرته أستغفر ال منه ‪ ،‬وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد ال إذ‬
‫‪ .‬لم يجعل فيك ما عيرت به ‪ ،‬وهي حسنة سيقت إليك‬
‫‪)).‬وقال عمرو بن العاص ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عما يبعدني عن غضب ال تعالى قال ‪ )):‬ل تغضب‬
‫‪.‬وقال لقمان لبنه ‪ :‬إذا أردت أن تؤاخي أخًا فأغضبه ‪ ،‬فإن أنصفكوهو مغضب ‪ ،‬وإل فاحذره‬
‫الحديث السابع عشر‬
‫عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي ال عنه عن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬إن ال كتب الحسان على كل‬
‫)شيء‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة؛ وليحّد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )):‬إن ال كتب الحسان على كل شيء(( من جملة الحسان عند قتل المسلم في القصاص أن‬
‫يتفقد آلة القصاص ‪ ،‬ول يقتل بآلة كاّلة‪،‬وكذلك يحد الشفرة عند الذبح ‪،‬و يريح البهيمة ‪،‬و ل يقطع منها شيء حتى‬
‫تموت ‪،‬و ل يحد السكين قبالتها ‪ ،‬وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح ‪ ،‬ول يذبح اللبون ‪ ،‬ول ذات الولد ‪ ،‬حتى يستغني عن‬
‫‪.‬اللبن‪.‬وإن ل يستقصي في الحلب ‪ ،‬ويقلم أظفاره عند الحلب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ول يذبح واحدة قّدام أخرى‬
‫الحديث الثامن عشر‬
‫عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي ال عنهما عن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪:‬‬
‫"اتق ال حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن"‪) .‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وفي‬
‫)بعض النسخ‪ :‬حسن صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬اتق ال حيثما كنت(( أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة الناس ‪ ،‬واتقه في‬
‫سائر المكنة والزمنة‪ .‬مما يعين على التقوى استحضار أن ال تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫}ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إلهو معهم أين ما كانوا ثم‬
‫ن ال بكل شيء عليم{ ]المجادلة‪ .[7:‬والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات‬ ‫ُيَنّبُئهم بما عملوا يوم القيامة إ ّ‬
‫‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وأتبع السيئه الحسنة تمحها(( أي إذا فعلت سيئة فاستغفر ال تعالى منها وافعل بعدها‬
‫‪ .‬حسنة تمحها‬
‫اعلم ‪ :‬أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسنة ل تمحو إل سيئة واحدة ‪ ،‬وإن كانت الحسنة بعشر ‪ ،‬وأن التضعيف ل‬
‫يمحو السيئه ‪ ،‬وليس هذا على ظاهره ‪ ،‬بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سئيات ‪ .‬وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ُ)) :‬تّكبرون دبر كل الصلة عشرًا وتحمدون عشرًا وُتسّبحون عشرًا فذلك َمائة وخمسون‬
‫‪)).‬باللسان وألف وخمسائة في الميزان‬
‫ثم قال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬أيكم يفعل في اليوم الواحد ألفًا وخمسمائة سيئة((دل على أن التضعيف يمحو السيئات ‪.‬‬
‫وظاهر الحديث ‪ :‬أن الحسنة تمحو السيئة المتعلقة بحق ال تعالى ‪ ،‬أما السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة‬
‫‪ .‬والنميمة ‪ ،‬فل يمحوها إل الستحلل من العباد ‪ ،‬ول بد أن يعين له جهة الظلمة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬قلت عليك كيت وكيت‬
‫وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا (( ‪.‬‬
‫س ما قدمت لغدٍ{ ]الحشر‪18:‬‬‫ظر نف ُ‬ ‫‪].‬وقال ال تعالى ‪ } :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولَتن ُ‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وخالق الناس بخلق حسن((‪ ..‬اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للحسان إلى الناس ‪،‬‬
‫وإلى كف الذى عنهم ‪،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوها ببسط الوجه وحسن‬
‫‪)).‬الخلق‬
‫‪)).‬وعنه صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬خيركم أحسنكم أخلقاً‬
‫ل أتاه فقال ‪ :‬يا رسول ال ما أفضل العمال ؟ قال ‪ )):‬حسن الخلق(( ‪ ،‬وهو على‬ ‫وعنه صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬أن رج ً‬
‫‪ .‬ما مر أن أن ل تغضب‬
‫‪ .‬ويقال ‪ :‬اشتكى نبي إلى ربه سوء خلق امرأته ‪ ،‬فأوحى ال إليه ‪ :‬قد جعلت ذلك حظك من الذى‬
‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلقًا ‪،‬‬
‫‪)) .‬وخيارهم خيارهملنسائهم‬
‫‪)).‬وعنه صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬إن ال اختار لكم السلم دينًا فأكرموهبحسن الخلق والسخاء ‪ ،‬فإنه ل يكمل إل بها‬
‫وقال جبريل عليه السلم للنبي صلى ال عليه وسلم حين نزل قوله تعالى ‪ } :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن‬
‫‪].‬الجاهلين{ ]العراف ‪199 :‬‬
‫‪.‬قال في تفسير ذلك ‪ :‬أن تعفو عمن ظلمك ‪ ،‬وتصل من قطعك وتعطي من حرمك‬
‫‪].‬وقال ال تعالى ‪ُ }:‬اْدَفْع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم{ ]فصلت‪34:‬‬
‫ق عظيم{ ]القلم‪4:‬‬ ‫خُل ٍ‬ ‫‪].‬وقيل في تفسير قوله تعالى ‪ }:‬وإّن َ‬
‫ك لعلى ُ‬
‫‪.‬قال ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬يأتمر بأمره وينزجر بزواجره ‪ ،‬ويرضى لرضاه ‪ ،‬ويسخط لسخطه صلى ال عليه وسلم‬
‫الحديث التاسع عشر‬
‫عن أبي العباس عبد ال بن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬كنت خلف النبي )صلى ال عليه وسلم( يومًا‪ ،‬فقال لي‪" :‬يا‬
‫غلم إني أعّلمك كلمات‪ :‬احفظ ال يحفظك‪ ،‬احفـظ ال تجده تجاهك‪ ،‬إذا سألت فاسأل ال‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بال‪،‬‬
‫واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لـم ينفعـوك إل بشيء قـد كتبـه ال لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضّروك‬
‫)بشيء لم يضّروك إل بشيء قد كتبه ال عليك‪ ،‬رفعت القلم وجّفت الصحف"‪) .‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح‬
‫وفي رواية غير الترمذي‪" :‬احفظ ال تجده أمامك‪ ،‬تعّرف إلى ال في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬واعلم أن ما أخطأك لم‬
‫‪".‬يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك لم يكن ليخطئك‪ ،‬واعلم أن النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر يسرًا‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬احفظ ال يحفظك(( أي احفظ أوامره وامتثلها ‪ ،‬وانته عن نواهيه ‪ ،‬يحفظك في تقلباتكم‬
‫ودنياك وآخرتك قال ال تعالى ‪ } :‬من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينهحياة طيبة{ ]النحل‪ .[97:‬وما‬
‫يحصل للعبد من البلء والمصائب بسبب تضييع أوامر ال تعالى ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬وما أصابكم منمصيبة فبما كسبت‬
‫‪].‬أيديكم{]الشورى‪30:‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬تجده تجاهك(( أي أمامك ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬تعرف إلى ال في الرخاء يعرفك‬
‫في الشدة (( وقد نص ال تعالى في كتابه‪ :‬أن العمل الصالح ينفع في الشدة وينجي فاعله ‪ ،‬وأن عمل المصائب يؤدي‬
‫بصاحبه إلى الشدة ‪ ،‬قال ال تعالى حكاية عن يونس عليه الصلة والسلم ‪} :‬فلو ل أنه كان من المسبحينللبث في بطنه‬
‫إلى يوم يبعثون { ]الصافات ‪ .[144-143:‬ولما قال فرعون ‪} :‬آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل{ قال الملك‪:‬‬
‫‪}].‬الن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين{ ]يونس ‪91-90:‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬إذا سألت فاسأل ال(( إشارة إلى أن العبد ل ينبغي له أن يعلق سره بغير ال ‪ ،‬بل يتوكل‬
‫عليه في سائر أموره ‪ ،‬ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه ‪ :‬كطلب الهداية ‪ ،‬والعلم ‪،‬‬
‫والفهم في القرآن والسنة ‪،‬وشفاء المرض ‪ ،‬وحصول العافية من بلء الدنيا وعذاب الخرة ‪ ،‬سأل ربه ذلك ‪ .‬وإن كانت‬
‫الحاجة التي يسألها جرت العادة أن ال سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه ‪ ،‬كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف‬
‫والصنائع وولة المور ‪ ،‬سأل ال تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول ‪ :‬اللهم حنن علينا قلوب عبادك وإمائك ‪ ،‬و ما أشبه‬
‫ذلك ‪ ،‬ول يدعو ال تعالى باستغنائه عن الخلق لنه صلى ال عليه وسلم سمع عليًا يقول ‪ :‬اللهم اغننا عن خلقكفقال ‪)) :‬‬
‫ل تقل هكذا فإنالخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ولكن قل ‪ :‬اللهم اغننا عن شرار خلقك (( وأما سؤال الخلق والعتماد‬
‫عليهم فمذموم ‪ ،‬ويروى عن ال تعالى في الكتب المنزلة ‪ :‬أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح ؟ أم هل يؤمل‬
‫ن من أمل غيري ثوب المذلة بين الناس ‪ ...‬الخ‬ ‫‪ .‬للشدائد سواي وأنا الملك القادر ؟ لكسو ّ‬
‫قوله‪ )) :‬واعلم أن المة(( الخ ‪ ،‬لما كان قد يطمع في بر من يحبه ويخاف شر من يحذره ‪ ،‬قطع ال اليأس من نفع الخلق‬
‫بقوله ‪}:‬وإن يمسسك ال ُبضٍر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله{]يونس‪ .[107:‬ول ينافي هذا كله قوله‬
‫تعالى حكاية عن موسى عليه الصلة والسلم ‪} :‬فأخاف أن يقتلون{]الشعراء‪] .[14:‬والقصص‪ .[33:‬وقوله تعالى ‪}:‬إنّنا‬
‫طغى{ ]طه‪ .[45:‬وكذا قوله‪ } :‬خذوا حذركم{ ]النساء‪ [71:‬إلى غير ذلك‬ ‫ط علينا أو أْنَي ْ‬ ‫‪.‬نخا ُ‬
‫ف أن يفر َ‬
‫بل السلمة بقدر ال ‪ ،‬والعطب بقدر ال ‪ ،‬والنسان يفر من أسباب العطب إلى أسباب إلى أسباب السلمة ‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫‪}].‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهُلكة{]البقرة‪195:‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬واعلم أن النصر مع الصبر(( قال صلى عليه وسلم ‪ )):‬ل تتمنوا لقاء العدو ‪ ،‬واسألوا ال‬
‫‪.‬العافية‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا ول تفروا ‪ ،‬فإن ال مع الصابرين((‪ ..‬وكذلك الصبر على الذى في موطن يعقبه النصر‬
‫ن الفرج مع الكرب(( والكرب هو شدة البلء ‪ ،‬فإذا اشتد البلء أعقبه ال تعالى الفرج‬ ‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وأ ّ‬
‫‪.‬كما قيل ‪ :‬اشتدي أزمة تنفرجي‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬وأن مع العسر يسرًا(( قد جاء في حديث آخر أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ )):‬لن يغلب‬
‫عسر يسرين(( وذلك أن ال تعالى ذكر العسر مرتين وذكر اليسر مرتين ‪ ،‬لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة‬
‫توحدت لن اللم الثانية للعهد ‪ ،‬واذا أعيدت النكرة تعددت فالعسر ذكر مرتين معرفًا ‪ ،‬واليسر مرتين منكرًا فكان ‪ ،‬اثنين‬
‫‪)).‬فلهذا قال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬لن يغلب عسر يسرين‬
‫الحديث العشرون‬
‫عن أبي مسعود عقبة بن عمرو النصاري البدري رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬إن مما‬
‫)أدرك الناس من كلم النبوة الولى‪ :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت"‪) .‬رواه البخاري‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬اذا لم تستح فاصنع ما شئت(( معناُه‪ :‬إذا أردت فعل شيء ‪ ،‬فإن كان مما ل تستحي من فعله‬
‫من ال ‪ ،‬ول من الناس فافعله ‪ ،‬وإل فل‪ .‬وعلى هذا الحديث يدور مدار السلم كله ‪ ،‬وعلى هذا يكون قوله صلى ال عليه‬
‫‪.‬وسلم ‪)):‬فاصنع ما شئت (( أمر إباحة ‪ ،‬لن الفعل إذا لم يكن منهيًا عنه شرعًا كان مباحًا‬
‫ومنهم من فسر الحديث بأنك إذا كنت ل تستحي من ال ول تراقبه فاعط نفسك مناها وافعل ما تشاء ‪ ،‬فيكون المر فيه‬
‫للتهديد ل للباحة ‪ ،‬ويكون كقوله تعالى‪} :‬اعملوا ما شئتم{]فصلت‪ .[40:‬وكقوله تعالى‪} :‬واستفزز من استطعت منهم‬
‫ن إل غرورًا{]السراء‪:‬‬ ‫عْدُهم وما يعدهم الشيطا ُ‬
‫ك وشاِركُهْم في الموال والولد و ِ‬‫بصوتك وأجلب عليهم بخيلك وَرجل َ‬
‫‪64].‬‬
‫الحديث الحادي والعشرون‬
‫عن أبي عمرو‪ ،‬وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد ال رضي ال عنه قال‪" :‬قلت‪ :‬يا رسول ال قل لي في السلم قوًل ل‬
‫)أسأل عنه أحدًا غيرك‪ ،‬قال‪" :‬قل آمنت بال ثم استقم"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬قل آمنت بال ثم استقم((أي كما أمرت ونهيت ‪ ،‬والستقامة ملزمة الطريق بفعل الواجبات‬
‫وترك المنهيات ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬فاستقم كما أمرت ومن تاب معك{]هود‪.[112:‬وقال ال تعالى ‪}:‬إن الذين قالوا ربنا ال‬
‫ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة{]فصلت‪ .[30:‬أي عند الموت تبشرهم بقوله تعالى‪} :‬ل تخافواول تحزنوا وأبشروا‬
‫‪].‬بالجنة التي كنت توعدون {]فصلت‪30:‬‬
‫وفي التفسير أنهم إذا بشروا بالجنة قالوا‪ :‬وأولدنا ما يأكلون وما حالهم بعدنا؟ فيقال لهم ‪} :‬نحن أولياؤكم في الحياة‬
‫‪.‬الدنيا وفي الخرة{‪].‬فصلت‪[31:‬أي نتولى أمرهم بعدكم‪ ،‬فتقر بذلك أعينهم‬
‫الحديث الثاني والعشرون‬
‫ل سأل رسول ال )صلى ال عليه وسلم( فقال‪:‬‬ ‫عن أبي عبد ال جابر بن عبد ال النصاري رضي ال عنهما‪" :‬أن رج ً‬
‫أرأيت إذا صّليت المكتوبات‪ ،‬وصمت رمضان وأحللت الحلل وحّرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئًا أدخل الجنة ؟ قال‪:‬‬
‫)نعم"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬ومعنى حّرمت الحرام‪ :‬اجتنبته‪ ،‬ومعنى أحللت الحلل‪ :‬فعلته معتقدًا حّله‬
‫حّلُه‬‫حلَل‪َ:‬فَعْلُتُه ُمْعَِتقدًا ِ‬
‫ت ال َ‬
‫حَلْل ُ‬
‫جَتَنْبُتُه ‪َ .‬وَمْعنى َأ ْ‬
‫حراَم‪ :‬ا ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫‪َ.‬ومَْعنى َ‬
‫حّرْم ُ‬
‫‪.‬قوله ‪ )) :‬أرأيت ‪ ...‬إلخ(( معناه ‪ :‬أخبرني‬
‫‪.‬وقوله ‪ )) :‬وأحللت الحلل (( أي اعتقدته حلًل وفعلت منه الواجبات ‪)) ،‬وحرمت الحرام(( أي اعتقدته حرامًا ولم أفعله‬
‫‪.‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬نعم(( أي تدخل الجنة‬
‫الحديث الثالث والعشرون‬
‫عن أبي مالك الحارث بن عاصم الشعري رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬الطهور شطر‬
‫اليمان‪ ،‬والحمد ل تمل الميزان‪ ،‬وسبحان ال والحمد ل تملن أو تمل بين السماء والرض‪ ،‬والصلة نور‪ ،‬والصدقة‬
‫)برهان‪ ،‬والصبر ضياء‪ ،‬والقرآن حجة لك أو عليك‪ .‬كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه‪ ،‬فمعتقها‪ ،‬أو موبقها"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬الطهور شطر اليمان (( فسر الغزالي الطهور ‪ :‬بطهارة القلب من الغل والحسد والحقد‬
‫وسائر أمراضالقلب‪ .‬وذلك أن اليمان الكامل إنما يتم بذلك ‪ ،‬فمن أتى بالشهادتين حصل له الشطر ‪ ،‬ومن طهر قلبه من‬
‫‪ .‬بقية المراض كمل إيمانه ‪ ،‬ومن لم يطهر قلبه فقد نقص إيمانه‬
‫قال بعضهم‪ :‬ومن طهر قلبه وتوضأ واغتسل وصلى ‪ ،‬فقد دخل الصلة بالطهارتين جميعًا‪ ،‬ومن دخل في الصلة بطهارة‬
‫العضاء خاصة فقد دخل بإحدى الطهارتين‪ ،‬وال سبحانه وتعالى ل ينظر إل إلى طهارة القلب لقوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪)):)).‬إن ال ل ينظر إلىصوركم وأبشاركم ولكن ينظر إلى قلوبكم‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والحمد ل تمل الميزان ‪ ،‬وسبحان اللهوالحمد ل تملن أو تمل ما بين السماء والرض((‬
‫وهذا قد يشكل على الحديث الخر وهو أن موسى عليه الصلة والسلم قال ‪ )) :‬يا رب دلني على عمل يدخلني الجنة ؟‬
‫قال ‪ :‬يا موسى قل ‪ :‬ل إله إلال ‪ ،‬فلو وضعت السماوات السبع والرضون السبع في كفة ‪ ،‬ول إلهإل ال في كفة ‪،‬‬
‫لرجحت بهم ل إله إل ال ((‪ .‬ومعلوم أن السماوات والرضين أوسع مما بين السماء والرض‪ ،‬وإذا كانت الحمد ل تمل‬
‫الميزان وزيادة ‪ ،‬لزم أن تكونا لحمد ل تمل ما بين السماء والرض لن الميزان أوسع مما بين السماء الرض ‪،‬و الحمد‬
‫جسما لمل الميزان ‪ ،‬أو أن ثواب الحمد ل يملؤها‬ ‫ً‬ ‫‪ .‬ل تملؤها ‪ .‬والمراد لو كان‬
‫شر الماشين في الظلم إلى المساجد بالنور‬ ‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والصلة نور(( أي ثوابها نور وفي الحديث ‪َ )):‬ب ّ‬
‫‪)).‬التام يوم القيامة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والصدقة برهان(( أي دليل على صحة إيمان صاحبها ‪ ،‬وسميت صدقة لنها دليل على‬
‫‪.‬صدق إيمانه ‪،‬وذلك أن المنافق قد يصلي ‪،‬ول تسهل عليه الصدقة غالبًا‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والصبر ضياء(( أي الصبر المحبوب ‪ ،‬وهو الصبر على طاعة ال ‪،‬و البلء ومكاره الدنيا‬
‫‪ ، .‬ومعناه ‪ :‬ل يزال صاحبه مستمرًا على الصواب‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬كل الناس يغدو فبائع نفسه(( معناه كل إنسان يسعى لنفسه ‪ ،‬فمنهم من يبيعها ل بطاعته‬
‫فيعتقها من العذاب ‪ ،‬ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما ))فيوبقها(( أي يهلكها‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪)):‬‬
‫من قال حين يصبح أو يمسي‪ :‬اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملئكتك وأنبياءك وجميع خلقك أنك أنت‬
‫ال ل إله إل أنت وحدك ل شريك لك ‪،‬وأن محمدًا عبدك ونبيك‪ ،‬أعتق ال ربعه من النار ‪ ،‬فإن قالها مرتين أعتق ال‬
‫‪)).‬نصفه من النار ‪ ،‬فإن قالها ثلثُا أعتق ال ثلثة أرباعه من النار ‪ ،‬فإن قالها أربعًا أعتق ال كله من النار‬
‫‪.‬فإن قيل ‪ :‬المالك إذا أتق بعض عبده سرى العتق إلى باقيه وال تعالى أعتق الربع الول فلم يسر عليه وكذلك الباقي‬
‫فالجواب‪ :‬إن السراية قهرية ‪ ،‬وال تعالى ل تقع عليه الشياء القهرية بخلف غيره ‪ ،‬ول يقع في حكمه سبحانه ما ل‬
‫ن لهُم الجنَة ُيقاتلون في سبيِل ال َفَيقتلون‬
‫يريد ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأ ّ‬
‫وُيقَتلون وعدًا عليه حقًا في التوارة والنجيل والقرآن و من أوفى بعهده من ال فاستبشروا ببِيعُكم الذي بايعتم به وذلك‬
‫‪].‬هو الفوز العظيم {]التوبة‪111:‬‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬لم يقع بيع أشرف من هذا ‪ ،‬وذلك أن المشتري هو ال ‪،‬و البائع المؤمنون ‪،‬والمبيع النفس ‪ ،‬والثمن‬
‫‪.‬الجنة‬
‫وفي الية دليل على أن البائع يجبر أوًل على تسليم السلعة قبل أن يقبض الثمن ‪،‬وأن المشتري ل يجبر أوًل على تسليم‬
‫‪.‬الثمن‬
‫وذلك أن ال تعالى أوجب على المؤمنين الجهاد حتى يقتلوا في سبيل ال فأوجب عليهم أن يسلموا النفس المبيعة‬
‫ويأخذوا الجنة ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬كيف يشتري السيد من عبيده أنفسهم ‪،‬و النفس ملك له ؟! قيل ‪ :‬كاتبهم ثم اشترى منهم ‪،‬وال‬
‫‪.‬تعالى أوجب عليهم الصلوات الخمس والصوم وغير ذلك ‪،‬فإذا أّدوا ذلك فهم أحرار ‪،‬و ال تعالى أعلم‬
‫الحديث الرابع والعشرون‬
‫عن أبي ذر الغفاري رضي ال عنه عن النبي )صلى ال عليه وسلم( فيما يرويه عن ربه ‪-‬عّز وجّل‪ -‬أنه قال‪" :‬يا عبادي‬
‫إني حّرمت الظلم على نفسي‪ ،‬وجعلته بينكم محّرما؛ فل تظالموا‪ .‬يا عبادي كلكم ضال إل من هديته؛ فاستهدوني أهدكم‪ .‬يا‬
‫عبادي كلكم جائع إل من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم‪ .‬يا عبادي كلكـم عاٍر إل مـن كسوته؛ فاستكسوني أكسكم‪ .‬يا‬
‫عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا؛ فاستغفروني أغفر لكم‪ .‬يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضّري‬
‫فتضّروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني‪ .‬يا عبادي لو أن أّولكم وآخركم وإنسكم وجّنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم‬
‫ما زاد ذلك في ملكي شيئا‪ ،‬يا عبادي لو أن أّولكم وآخركم وإنسكم وجّنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص‬
‫ذلك من ملكي شيئا‪ .‬يا عبادي لو أن أّولكم وآخركم وإنسكم وجّنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني؛ فأعطيت كل واحد‬
‫مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر‪ .‬يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم‬
‫ن إل نفسه"‪) .‬رواه مسلم‬‫)إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد ال‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلوم ّ‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله عز وجل ‪ )) :‬إني حرمت الظلم على نفسي(( أي تقدست عنه ‪ ،‬والظلم مستحيل في حق ال تعالى ‪ ،‬فإن الظلم‬
‫‪ .‬مجاوزة الحد والتصرف في ملك الغير وهما جميعًا محال في حق ال تعالى‬
‫‪.‬قوله تعالى ‪ )):‬فل تظالموا(( أي فل يظلم بعضكم بعضًا‬
‫طأون بالليل والنهار(( بفتح التاء والطاء على أنه من خطىء بفتح الخاء وكسر الطاء يخطأ في‬ ‫قوله تعالى ‪ )):‬إنكم َتخ َ‬
‫المضارع ‪ ،‬ويجوز فيه ضم التاء على أنه من أخطاء ‪ ،‬والخطأ يستعمل في العمد والسهو ول يصح إنكار هذه اللغة ويرد‬
‫خطًأ كبيرًا{]السراء‪ .[31:‬بفتح الخاء والطاء وقرىء))خطئًاكبيرًا(( أيضًا‬‫ن ِ‬ ‫‪.‬عليه قوله تعالى ‪ }:‬إ ّ‬
‫ن َقْتلهُم كا َ‬
‫قوله تعالى ‪)):‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم((‪...‬إلخ دلت الدلةالسمعية والعقلية على أن ال مستغن في ذاته عن‬
‫كل شيء ‪ ،‬وأنه تعالى ل يتكثر بشيء من مخلوقاته ‪ ،‬وقد بين ال تعالى أن له ملك السماوات والرض وما بينهما ‪ ،‬ثم‬
‫بين أنهم مستغن عن ذلك قالتعالى ‪}:‬يخلق ال ما يشاء{]آل عمران‪ .[47:‬وهو قادر على أن يذهب هذا الوجود ويخلق‬
‫غيره ‪ ،‬ومن قدر على أن يخلق كل شيء‪ ،‬فقد استغنى عن كل موجود ‪ ،‬ثم بين سبحانه وتعالى أنه مستغن عن الشريك‬
‫فقال تعالى ‪}:‬ولم يكن له شريك في الملك{‪ .‬ثم بين سبحانهوتعالى أنه مستغن عن المعين والظهير فقال تعالى ‪}:‬ولم يكن‬
‫له ولي من الذل{]السراء‪ .[111:‬فوصف العز ثابت أبدًا‪ ،‬ووصف الذل منتف عنه تعالى ‪ ،‬ومن كان كذلك فهو مستغن‬
‫عن طاعة المطيع ‪،‬ولو أن الخلق كلهم أطاعوا كطاعة أتقى رجل منهم ‪ ،‬وبادروا إلى أوامرهونواهيه ولم يخالفوه‪ ،‬لم‬
‫يتكثر سبحانه وتعالى بذلك ‪،‬ول يكون ذلك زيادة في ملكه ‪،‬و طاعتهم إنما حصلت بتوفيقه وإعانته ‪،‬وطاعتهم نعمة منه‬
‫عليهم ‪،‬ولو إنهم كلهم عصوه كمعصية أفجر رجل وهو إبليس ‪ ،‬وخالفوه أمره ونهيه لم يضره ذلك ولم ينقص ذلك من‬
‫‪ .‬كمال ملكه شيئًا ‪ ،‬فإنه لو شاء أهلكهم وخلق غيرهم فسبحان من ل تنفعه الطاعة ‪ ،‬ول تضره المعصية‬
‫قوله تعالى ‪ )):‬فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط اذا أدخل البحر(( ومعلوم أن‬
‫المخيط وهو البرة وذلك في المشاهدة ل تنقص من البحر شيئًا‪ ،‬والذي يتعلق بالمخيط ل يظهر له أثر في المشاهدة ول‬
‫‪ .‬الوزن‬
‫‪.‬قوله تعالى ‪ )):‬فمن وجد خيرًا فليحمد ال(( أي على توفيقه لطاعته‬
‫‪.‬قوله تعالى‪ )):‬ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه (( حيث اعطاها مناها واتبع هواها‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬


‫عن أبي ذر رضي ال عنه أيضًا‪ :‬أن ناسًا من أصحاب رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قالوا للنبي )صلى ال عليه‬
‫وسلم( ‪ :‬يا رسول ال ذهب أهل الدثور بالجور‪ ،‬يصّلون كما نصلي‪ ،‬ويصومون كما نصوم‪ ،‬ويتصدقون بفضول أموالهم‪،‬‬
‫قال‪" :‬أو ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون؛ إن بكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل تكبيرة صدقة‪ ،‬وكل تحميدة صدقة‪ ،‬وكل تهليلة‬
‫صدقة‪ ،‬وأمر بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهي عن منكر صدقة‪ ،‬وفي بضع أحدكم صدقة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال! أيأتي أحدنا شهوته‬
‫ويكون له فيها أجر؟ قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر‌؟ فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجر"‪) .‬رواه‬
‫)مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله‪ :‬قالوا يا رسول ال أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال‪ )):‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر(( اعلم أن‬
‫ض البصر وكسر الشهوة‬ ‫شهوة الجماع أحبها النبياء والصالحون ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لما فيها من المصالح الدينية والدنيوية من غ ّ‬
‫عن الزنا وحصول النسل الذي تتم به عمارة الدنيا وتكثر المة إلى يوم القيامة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وسائر الشهوات يقسي تعاطيها‬
‫‪.‬القلب ‪ ،‬إل هذه فإنها ترقق القلب‬

‫الحديث السادس والعشرون‬


‫عن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬كل سلمى من الناس عليه صدقة‪ ،‬كل‬
‫يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة‪ ،‬وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة‪،‬‬
‫)والكلمة الطيبة صدقة‪ ،‬وبكل خطوة تمشيها صدقة‪ ،‬وتميط الذى عن الطريق صدقة"‪) .‬رواه البخاري ومسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬كل سلمى من الناس عليه صدقة(( والسلمى أعضاء النسان ‪،‬وذكر أنها ثلث مائة‬
‫وستون عضوًا منها صدقة كل يوم ‪ ،‬وكل عمل بر من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو خطوة يخطوها إلى الصلة صدقة ‪،‬‬
‫‪ .‬فمن أدى هذه في أول يومه فقد أدى زكاة بدنه فيحفظ بقيته‬
‫‪)).‬وجاء في الحديث‪ )) :‬أن ركعتين من الضحى تقوم مقام ذلك‬
‫‪)).‬وفي الحديث‪ )) :‬يقول ال تعالى ‪ :‬يا ابن آدم صّل لي أربع ركعات في أول اليومأكفك في أول اليوم وأكفك في آخره‬

‫الحديث السابع والعشرون‬


‫عن النواس بن سمعان رضي ال عنهما عن النبي )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬البر حسن الخلق‪ ،‬والثم ما حاك في‬
‫)نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"‪) .‬رواه مسلم‬
‫وعن وابصة بن معبد رضي ال عنه قال‪ :‬أتيت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( فقال‪" :‬جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬استفت قلبك‪ ،‬البر ما اطمأنت إليه النفس‪ ،‬واطمأن إليه القلب‪ ،‬والثم ما حاك في النفس‪ ،‬وتردد في الصدر‪ ،‬وإن أفتاك‬
‫)الناس وأفتوك"‪) .‬حديث حسن رويناه في مسندي المامين‪ :‬أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )):‬البر حسن الخلق(( وقد تقدم الكلم في حسن الخلق ‪ ،‬قال ابن عمر ‪ :‬البر أمر هين ‪ ،‬وجه‬
‫ن بال واليوِم الخر{ ]البقرة‬
‫طلق ولسان لين ‪ .‬وقد ذكر ال تعالى آية جمعت أنواع البر فقال تعالى ‪}:‬ولكن البّر َمْنآَم َ‬
‫‪177].‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬والثم ما حاك في نفسك(( أي اختلج وتردد ولم تطمئن النفس إلىفعله ‪ ،‬وفي الحديث دليل‬
‫على أن النسان يراجع قلبه إذا أراد القدام على فعل شيء فإن اطمأنت عليه النفس فعله وإن لم تطمئن تركه ‪ ،‬وقد تقدم‬
‫الكلم على الشبهة في حديث )) الحلل بين والحرام بين((‪ .‬ويروى أن آدم عليه الصلة والسلم أوصى بنيه بوصايا‪،‬‬
‫منها أنه قال ‪:‬إذا أردتم فعل شيء فإن اضطربت قلوبكم فل تفعلوه ‪ ،‬فإني لما دنوت من أكل الشجرة اضطرب قلبي عند‬
‫الكل‪ .‬ومنها أنه قال ‪ :‬إذا أردتم فعل شيء فانظروا في عاقبتهفإني لو نظرت في عاقبة الكل ما أكلت من الشجرة‪ .‬ومنها‬
‫ي بترك الكل من الشجرة‬ ‫‪ .‬أنه قال ‪:‬إذا أردتم فعل شيء فاستشيروا الخيار فإني لو استشرت الملئكة لشاروا عل ّ‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وكرهت أن يطلع عليه الناس(( لن الناس قد يلومون النسان على أكل الشبهة وعلى‬
‫أخذها وعلى نكاح امرأة قد قيل إنها أرضعت معه ولهذا قال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬كيف وقد قيل((‪ .‬وكذلك الحرام إذا‬
‫تعاطاه الشخص يكره أن يطلع عليه الناس ‪ ،‬ومثال الحرام الكل من مال الغير ‪ ،‬فإن يجوز إن كان يتحقق رضاه ‪ ،‬فإن‬
‫شك في رضاه حرم الكل ‪،‬وكذلك التصرف في الوديعة بغير إذن صاحبها ‪ ،‬فإن الناس إذا اطلعوا على ذلك أنكروه عليه ‪،‬‬
‫‪ .‬وهو يكره اطلع الناس على ذلك لنهم ينكرون عليه‬
‫‪)).‬قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬ما حاك في النفس ‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتوك‬
‫مثاله الهدية إذا جاءتك من شخص ‪ ،‬غالب ماله حرام ‪،‬وترددت النفس في حلها ‪،‬وأفتاك المفتي بحل الكل فإن الفتوى‬
‫لتزيل الشبهة ‪،‬وكذلك إذا أخبرته امرأة بأنه ارتضع مع فلنة ‪ ،‬فإن المفتي إذا أفتاه بجواز نكاحها لعدم استكمال النصاب‬
‫‪.‬ل تكون الفتوى مزيلة للشبهة ‪ ،‬بل ينبغي الورع وإن أفتاه الناس ‪،‬وال أعلم‬

‫الحديث الثامن والعشرون‬


‫ظنا رسول ال )صلى ال عليه وسلم( موعظًة وجلت منها‬ ‫عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي ال عنه قال‪ :‬وع َ‬
‫صنا‪ ،‬قال‪ :‬أوصيكم بتقوى ال عّز وجّل‪،‬‬‫القلوب وذرفت منها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال كأنها موعظة موّدع‪ ،‬فأو ِ‬
‫والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد‪ ،‬فإنه من يعش منكم فسيرى اختلفًا كثيرًا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النار"‪) .‬رواه أبو داود‬
‫)والترمذي وقال حديث حسن صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله ‪)):‬وعظنا(( الوعظ هو التخويف‬
‫‪.‬قوله ‪)):‬وذرفت منها العيون(( أي بكت ودمعت‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬عليكم بسنتي((أي عند اختلف المور الزموا سنتي ‪ ،‬وعضوا عليها بالنواجذ وهي مؤخر‬
‫الضراس وقيل ‪ :‬النياب ‪،‬والنسان متى عض بنواجذه كأن يجمع أسنانه فيكون مبالغة ‪ ،‬فمن العض على السنة الخذ‬
‫بها وعدم اتباع آراء أهل الهواء والبدع ‪ ،‬وعضوا ‪ :‬فعل أمر من عض يعض ‪ ،‬وهو بفتح العين ‪ ،‬وضمها لحن ‪،‬ولذلك‬
‫‪ .‬تقول ‪ :‬بر أمك يازيد ‪ ،‬لنه من بر يبر ول تقول ‪ ،‬بر إمك بضم الباء‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬وسنة الخلفاء الراشدين المهديين(( رضي ال عنهم ‪ ،‬يريد الربعة وهم ‪ :‬أبوبكر ‪ ،‬وعمر‬
‫‪.‬وعثمان‪ ،‬وعلي‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬


‫عن معاذ بن جبل رضي ال عنه قال‪ :‬قلت يا رسول ال أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال‪ :‬لقد سألت‬
‫عن عظيم وإنه ليسير على من يسره ال تعالى عليه‪ :‬تعبد ال ل تشرك به شيئًا‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم‬
‫رمضان‪ ،‬وتحج البيت‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار‪،‬‬
‫وصلة الرجل في جوف الليل‪ ،‬ثم تل‪) :‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع( حتى بلغ )يعملون( ثم قال‪ :‬أل أخبرك برأس المر‬
‫وعموده وذروة سنامه؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬رأس المر السلم‪ ،‬وعموده الصلة‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد‪ ،‬ثم‬
‫ف عليك هذا‪ ،‬قلت يا نبي ال وإنا لمؤاخذون‬‫قال‪ :‬أل أخبرك بملك ذلك كله؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬فأخذ بلسانه‪ ،‬وقال‪ :‬ك ّ‬
‫بما نتكلم به؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ‪ ،‬وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال‪ :‬على مناخرهم إل حصائد‬
‫)ألسنتهم"‪) .‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وذرون سنامة(( أي أعله ‪ ،‬و))ِملك الشيء(( بكسر الميم‪ :‬أي مقصوده‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ثكلتك أمك(( أي فقدتك ‪ ،‬ولم يقصد رسول ال صلى ال عليه وسلم حقيقة الدعاء بل جرى‬
‫ذلك على عادة العرب في المخاطبات ‪ ،‬و)) حصائد ألسنتهم(( جناياتها على الناس بالوقوع في أعراضهم والمشي‬
‫بالنميمة ونحو ذلك ‪ ،‬وجنايات اللسان ‪ :‬الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وكلمة الكفر والسخرية وخلف الوعد ‪ ،‬قال ال‬
‫ن تقولوا ما ل َتْفَعلون{ ]الصف‪30:‬‬ ‫‪].‬تعالى ‪َ}:‬كُبَر مقتًا ِ‬
‫عْنَد ال أ ْ‬

‫الحديث الثلثون‬
‫عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي ال عنه عن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪ " :‬إن ال تعالى فرض‬
‫فرائض فلتضيعوها‪ ،‬وحد حدودًا فل تعتدوها‪ ،‬وحّرم أشياء فل تنتهكوها‪ ،‬وسكت عن أشياء رحمًة لكم غير نسيان فل‬
‫)تبحثوا عنها"‪) .‬حديث حسن رواه الدارقطني وغيره‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬حرم أشياء فل تنتهكوها(( أي فل تدخلوا فيها‬
‫‪.‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وسكت عن أشياء رحمة لكم(( تقدم معناه‬

‫الحديث الحادي والثلثون‬


‫عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي ال عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي )صلى ال عليه وسلم( فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال دّلني على عمل إذا عملته أحبني ال وأحبني الناس‪ ،‬فقال‪" :‬ازهد في الدنيا يحبك ال‪ ،‬وازهد فيما عند الناس يحبك‬
‫)الناس"‪) .‬حديث حسن‪ ،‬رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم)) ازهد في الدنيا يحبك ال(( الزهد ‪ :‬ترك ما ل يحتاج إليه من الدنيا ‪،‬و إن كان حلًل ‪،‬و‬
‫القتصار على الكفاية ‪،‬والورع ‪ :‬ترك الشبهات قالوا ‪ :‬وأعقل الناس الزهاد ‪ ،‬لنهم أحبوا ما أحب ال ‪ ،‬وكرهوا ما كره‬
‫‪.‬ال من جمع الدنيا ‪ ،‬واستعلموا الراحة لنفسهم ‪ .‬قال الشافعي رحمه ال تعالى ‪ :‬لو أوصى لعقل الناسصرف للزهاد‬
‫طاف حّرم زادهم ‪ ---‬فغدا رئيسًا في الحجور قريبًا‬ ‫أو ما ترى الخ ّ‬
‫وللشافعي رضي ال عنه في ذم الدنيا قوله ‪ )) :‬حرام على نفس التقي ارتكابها(( يدل على تحريم الفرح بالدنيا ‪ ،‬وقد‬
‫صرح بذلك البغوي في تفسير قوله تعالى‪} :‬وفرحوا بالحياة الدنيا{ ]الرعد‪ .[26:‬ثم المراد بالدنيا بالمذمومة ‪ :‬طلب الزائد‬
‫على الكفاية ‪ ،‬أما طلب الكفاية فواجب ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬وليس ذلك من الدنيا ‪ ،‬وأما الدنيا فالزائدة على الكفاية ‪،‬واستدل‬
‫ن والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسّوِمة‬ ‫ت من النساِء والَبِني َ‬‫ب الشهوا ِ‬
‫ح ّ‬
‫س ُ‬
‫بقوله تعالى ‪ُ } :‬زّين للنا ِ‬
‫ع الحياِة الدنيا وال عنده حسن المآب{]آل عمران ‪ .[14:‬فقوله تعالى ذلك إشارة إلى ما تقدم من‬ ‫والنعاِم والحرث ذلك متا ُ‬
‫طلب التوسع والتبسط ‪ ،‬قال الشافعي رحمه تعالى ‪ :‬طلب الزائد من الحلل عقوبة ابتلى ال بها أهل التوحيد‪ .‬ثم بعد ذلك‬
‫إذا فرح بها لجل المباهاة والتفاخر والتطاول على الناس فهو مذموم ‪ ،‬ومن فرح بها لكونها من فضل ال عليه فهو‬
‫‪.‬محمود‬
‫‪ .‬قال عمر رضي ال عنه ‪ :‬اللهم إنا ل نفرح إل بما رزقتنا‬
‫وقد ال تعالى المقتصدين في العيش فقال تعالى ‪}:‬والذين إذا أنفقوا لم ُيسرفوا ولم َيقُتروا وكان بين ذلك قواماً{]الفرقان‪:‬‬
‫‪67].‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ما خاب من استخار ول ندم من استشار ‪ ،‬ول افتقر من اقتصد((‪ .‬وكان يقال ‪ :‬القصد في‬
‫المعيشة يكفي عنك نصف المؤنة ‪ ،‬والقتصاد ‪ :‬الرضى بالكفاية ‪ ،‬قال بعض الصالحين ‪ :‬من اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا قدم‬
‫‪.‬فض ً‬
‫ل‬

‫الحديث الثاني والثلثون‬


‫عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي ال عنه أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬ل ضرر ول‬
‫ل عن عمرو بن يحيى‬
‫ضرار"‪) .‬حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندًا‪ ،‬ورواه مالك في الموطأ مرس ً‬
‫)عن أبيه عن النبي )صلى ال عليه وسلم( فأسقط أبا سعيد‪ ،‬وله طرق يقوي بعضها بعضًا‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ل ضرار(( أي ل يضر أحدكم أحدًا بغير حق ول جناية سابقة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ول ضرار(( أي لتضر من ضرك ‪ ،‬وإذا سبك أحد فل تسبه ‪ ،‬وإن ضربك فل تضربه ‪ ،‬بل‬
‫اطلب حقك منه عند الحاكم من غير مسابة ‪ ،‬وإذا تساب رجلن أو تقاذفا لم يحصل التقاص ‪ ،‬بل كل واحد يأخذ حقه‬
‫بالحاكم ‪ ،‬وفي الحديث عنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ )) :‬للمتسابين ما قال ‪ ،‬وعلى البادي منهما الثم ‪ ،‬ما لم يعتد‬
‫‪ )).‬المظلوم بسبب زائد‬
‫الحديث الثالث والثلثون‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬لو يعطى الناس بدعواهم‪ ،‬لدعى رجال‬
‫أموال قوم ودماءهم‪ ،‬لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"‪) .‬حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا‪ ،‬وبعضه‬
‫)في الصحيحين‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ))البينة على المدعي واليمين على منأنكر(( إنما كانت البينة على المدعي لنه يدعي خلف‬
‫‪ .‬الظاهر والصل براءة الذمة ‪ ،‬وإنما كانت اليمين في جانب المدعى عليه لنه يدعي ما وافق الصل وهو براءة الذمة‬
‫ويستثنى مسائل ‪ ،‬فيقبل المدعي بل بينة فيما ل يعلم إل من جهته كدعوى الب حاجة إلى العفاف ‪ ،‬ودعوى السفيه‬
‫التوقان إلى النكاح مع القرينة‪ ،‬ودعوى الخنثى النوثة والذكورة ‪ ،‬ودعوى الطفل البلوغ بالحتلم ‪،‬ودعوى القريب عدم‬
‫المال ليأخذ النفقة ‪ ،‬ودعوى المدين العسار في دين لزمه بل مقابل ‪ ،‬كصداق الزوجة ‪،‬و الضمان ‪،‬وقيمة المتلف ‪،‬و‬
‫دعوى المرأة انقضاء العدة بالقراء ‪ ،‬أو بوضع الحمل ‪ ،‬ودعواها أنها استحلت وطلقت ‪،‬ودعوى المودع تلف الوديعة أو‬
‫‪ .‬ضياعها بسرقة ونحوها‬
‫ويستثنى أيضًا‪ :‬القسامة فإن اليمان يكون في جانب المدعي مع اللوث ‪ ،‬والِلعان فإن الزوج يقذف ويلعن ويسقط عنه‬
‫الحدود ‪،‬و دعوى الوطء في مدة اللعنة ‪ ،‬فإن المرأة اذا أنكرته يصدق الزوج بدعواه ‪ ،‬إل أن تكون الزوجة بكرًا ‪ ،‬وكذا لو‬
‫ادعى أنه وطىء في مدة اليلء ‪،‬وتارك الصلة إذا قال ‪ :‬صليت في البيت ‪،‬ومانع الزكاة إذا قال ‪ :‬أخرجتها إل أن ينكر‬
‫الفقراء وهم محصورون فعليه البينة ‪ ،‬وكذا لو ادعى الفقر وطلب الزكاة أعطي ول يحلف ‪ ،‬بخلف ما إذا ادعى العيال‬
‫فإنه يحتاج إلى البينة ‪ ،‬ولو أكل في يوم الثلثين من رمضان وادعى أنه رأى الهلل لم يقبل منه إن ادعى ذلك بعد الكل ‪،‬‬
‫‪.‬فإنه ينفي عن نفسه التعزير‪ ،‬وإذا ادعى ذلك قبل الكل قبل ولم يعزر‪ ،‬وينبغي أن يأكل سرًا لن شهادته وحده ل تقبل‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬واليمين على من أنكر(( هذه اليمين تسمى يمين الصبر‪ ،‬وتسمى الغموس ‪ ،‬وسميت يمين‬
‫الصبر لنها تحبس صاحب الحق عن حقه والحبس ‪ :‬الصبر ‪ ،‬ومنه قيل للقتيل والمحبوس عن الدفن مصبر ‪ ،‬قال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ )):‬من حلفعلى يمين صبر يقتطع به مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي وهو عليه غضبان(( وهذه اليمين‬
‫حُلفون بال ما قالوا{‬ ‫ل تكون إل على الماضي‪ ،‬ووقعت في القرآن العظيم في مواضع كثيرة ‪ :‬منها قوله تعالى ‪}:‬ي ِ‬
‫]التوبة‪ ،[74:‬ومنها قوله تعالى إخبارًا عن الكفرة ‪} :‬ثم لم تكن فتنتهم إل أن قالوا ‪ :‬وال رّبنا ما ُكّنا ُمشِركين{]النعام‪:‬‬
‫ل أولئك لخلق لهم في الخرة ول ُيكلُمُهم الُ ول‬ ‫ن الذين يشترون بعهِد ال وأيمانهم ثمنًا قلي ً‬ ‫‪ .[23‬ومنها قوله تعالى‪}:‬إ ّ‬
‫ب أليم{]آل عمران‪77:‬‬ ‫‪].‬ينظُر إليهم يوم القيامِة ول ُيزكيهْم وُلهْم عذا ّ‬
‫‪.‬ويستحب للحاكم أن يقرأ هذه الية عن تحليفه للخصم لينزجر‬

‫الحديث الرابع والثلثون‬


‫عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪" :‬من رأى منكم منكرًا فليغيره‬
‫)بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬وذلك أضعف اليمان(( ليس المراد أن العاجز إذا أنكر بقلبه يكون إيمانه أضعف من إيمان‬
‫غيره ‪ ،‬وإنما المراد أن ذلك أدنى اليمان وذلك أن العمل ثمرة اليمان ‪،‬وأعلى ثمرة اليمان في باب النهي عن المنكر أن‬
‫ف واْنه عن الُمنَكِر‬
‫ينهي بيده ‪ ،‬وإن قتل كان شهيدًا‪ ،‬قال ال تعالى حاكيًا عن لقمان ‪}:‬يا ُبّني أِقِم الصلَة وأُمْر بالمعرو ِ‬
‫واصِبْر على ما أصاَبك{]لقمان‪ [17:‬ويجب النهي على القادر باللسان وإن لم يسمع منه ‪ ،‬كما إذا علم أنه إذا سلم ل ُيرد‬
‫‪.‬عليه السلم فإنه يسلم‬
‫فإن قيل قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬فإن‪ ،‬لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لميستطع فبقلبه(( يقتضي أن غير المستطيع ل يجوز‬
‫له التغيير بغير القلب والمر للوجوب ‪ .‬فجوابه من وجهين ‪ :‬احدهما أن المفهوم مخصص بقوله تعالى ‪}:‬واصبر على ما‬
‫‪}.‬أصابك‬
‫والثاني أن المر فيه يعني رفع الحرج ل رفع المستحب‪ .‬فإن قيل النكار بالقلب ليس تغيير المنكر فما معنى قوله صلى ال‬
‫‪)).‬عليه وسلم ))فبقلبه‬
‫فجوابه ‪ :‬أن المراد أن ينكر ذلك ول يرضاه ويشتغل بذكر ال ‪ ،‬وقد مدح ال تعالى العاملين بذلك فقال ‪}:‬وإذا مّروا بالّلغو‬
‫‪].‬مّروا كرامًا{]الفرقان‪72:‬‬
‫الحديث الخامس والثلثون‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬ل تحاسدوا‪ ،‬ول تناجشوا‪ ،‬ول تباغضوا‪،‬‬
‫ول تدابروا‪ ،‬ول يبع بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد ال إخوانًا‪ ،‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله‪ ،‬ول يكذبه‬
‫ول يحقره‪ ،‬التقوى ههنا ‪-‬ويشير إلى صدره ثلث مرات‪ -‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على‬
‫)المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه"‪) .‬رواه مسلم‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ل تحاسدوا(( قد تقدم أن الحسد على ثلثة أنواع ‪ .‬والنجش‪ :‬أصله الرتفاع والزيادة ‪،‬و هو‬
‫‪.‬أن يزيد في ثمن سلعة ليغر غيره ‪ ،‬وهو حرام ‪،‬لنه غش وخديعة‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ول تدابروا(( أي ل يهجر أحدكم أخاه وإن رآه أعطاه دبره أو ظهره قال صلى ال عليه‬
‫‪)).‬وسلم ‪ )):‬ليحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة أيام يلتقيان فُيعرض هذا وُيعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلم‬
‫والبيع على بيع أخيه ‪ ،‬صورته ‪ :‬أن يبيع أخوه شيئًا فيأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله أ و أحسن منه بأقبل من ثمن ذلك‬
‫‪ ،‬والشراء علىالشراء حرام ‪ :‬بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه منه بأغلى ثمن ‪ ،‬وكذلك يحرم السوم على سوم أخيه ‪،‬‬
‫وكل هذا داخل في الحديث لحصول المعنى ‪،‬و هو التباغض والتدابر ‪ ،‬وتقييد النهي ببيع أخيه يقتضي أنه ل يحرم على‬
‫‪.‬بيع الكافر ‪ ،‬وهو وجه لبن خالويه ‪ ،‬والصحيح ل فرق لنه من باب الوفاء بالذمة والعهد‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬التقوى ههنا (( وأشار بيده إلى صدره وأراد القلب‪ ،‬وقدتقدم قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬‬
‫أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله(( قوله صلى ال عليه وسلك ‪ )):‬ول يخذله(( أي عند أمره‬
‫‪.‬بالمعروف أو نهيه عن المنكر ‪ ،‬أو عند مطالبته بحق من الحقوق ‪ ،‬بل ينصره ويعينه ويدفع عنه الذى ما استطاع‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ول يحقره(( أي فل يحكم على نفسه بأنه خير من غيره ‪ ،‬بل يحكم على غيره بأنه خير‬
‫منه ‪ ،‬أو ل يحكم بشيء فإن العاقبة منطوية ول يدري العبد بما يختم له ‪ ،‬فإذا رأى صغيرًا مسلمًا حكم بأنه خير منه‬
‫باعتبار أنه أخف ذنوبًا منه ‪ ،‬وإن رأى من هو أكبر سنًا منه حكم له بالخيرية باعتبار أنه أقدم هجره مه في السلم ‪ ،‬وإن‬
‫‪.‬رأى كافرًا لم يقطع له بالنار ل حتمال أنه يسلم فيموت مسلمًا‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬بحسب امرىء من الشر(( ‪ .‬أي يكفيه من الشر )) أن يحقر أخاه(( يعني أن هذا شر عظيم‬
‫‪ ..‬يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬كل المسلم إلخ(( قال في حجة الوداع ‪ )):‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‬
‫كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ((‪ .‬واستدل الكرابيسي بهذا الحديث على أن الغيبة الوقوع في عرض المسلمين كبيرة إما‬
‫لدللة القتران بالدم والمال إما لتشبيه بقوله ‪ )):‬كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا(( وقد توعد ال تعالى‬
‫ب أليٍم{]الحج‪25:‬‬
‫عَذا ٍ‬
‫ن َ‬
‫ظلٍم ُنِذْقُه ِم ْ‬
‫حاٍد ِب ْ‬
‫ن ُيِرْد ِفيِهِبِإْل َ‬‫‪].‬بالعذاب الليم عليه فقال تعالى ‪َ}:‬وَم ْ‬
‫الحديث السادس والثلثون‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬من نّفس عن مؤمن كربًة من كرب الدنيا نّفس ال‬
‫سر ال عليه في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن ستر مسلمًا ستره ال في‬ ‫سر على معسر ي ّ‬ ‫عنه كربًة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ي ّ‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬وال في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‪ ،‬ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سّهل ال له به طريقًا‬
‫إلى الجنة‪ ،‬وما اجتمع قوم في بيت من بيوت ال يتلون كتاب ال ويتدارسونه بينهم إل نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم‬
‫طأ به عمله لم يسرع به نسبه"‪) .‬رواه مسلم بهذا اللفظ‬ ‫)الرحمة‪ ،‬وحّفتهم الملئكة‪ ،‬وذكرهم ال فيمن عنده‪ ،‬ومن ب ّ‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة(( فيه‬
‫دليل على استحباب خلص السير من أيدي الكفار بماله يعطيه ‪،‬و على تخليص المسلم من أيدي الظلمة وخلصه من‬
‫السجن ‪.‬يقال ‪ :‬إن يوسف عليه السلم لما خرج من السجن كتب على بابه ‪ )):‬هذا قبر الحياء ‪،‬وشماتة العداء ‪ ،‬وتجربة‬
‫الصدقاء((‪ .‬ويدخل في هذا الباب الضمان عن المعسر ‪ ،‬والكفالة ببدنه ‪ ،‬لمن هو قادر عليه ‪ ،‬أما العاجز فل ينبغي له ذلك‬
‫‪،‬وقال بعض أصحاب القفال ‪ :‬إن في التوراة مكتوبًا ‪ )):‬الكفالة مذمومة(( أولها ندامة وأوسطها ملمة‪ ،‬وآخرها‬
‫شُر أمثالها{]النعام‪ .[160:‬وهذا الحديث يدل على أن‬ ‫ع ْ‬ ‫غرامة ((‪ .‬فإن قيل ‪:‬قال ال تعالى ‪}:‬ومن جاء بالحسنة فله َ‬
‫‪.‬الحسنة بمثلها لنها قوبلت بتنفيس كربة واحدة ‪،‬و لم تقابل بعشر كرب من يوم القيامة‬
‫‪ .‬فجوابه من وجهين ‪ :‬أحدهما أن هذا من باب مفهوم العدد ‪ ،‬والحكم المعلق بعدد ل يدل على نفي الزيادة والنقصان‬
‫والثاني ‪ :‬أن كل كربة من كرب يوم القيامة تشتمل على أهوال كثيرة وأحوال صعبة ومخاوف جمة ‪ ،‬وتلك الهوال تزيد‬
‫علىالعشرة وأضعافها ‪ .‬وفي الحديث سر آخر مكتوم يظهر بطريق اللزم للملزوم ‪،‬وذلك أن فيه وعدًا بإخبار الصادق‪ :‬أن‬
‫من نفس الكربة عن المسلم يختم له بخير ‪ ،‬ويموت على السلم ‪ ،‬لن الكفار ل يرحم في دار الخرة ول ينفس عنه من‬
‫كربه شيء ‪ ،‬ففي الحديث إشارة إلى بشارة تضمنتها العبارة الواردة عن صاحب المارة ‪ ،‬فبهذا الوعد العظيم فليثق‬
‫‪.‬الواثقون }لمثل هذا فليعمل العاملون{]الصافات‪.[61:‬فأفضل العمل تنفيس الكرب‬
‫ن الذين يحبون أن تشيع‬ ‫وفي الحديث دليل على استحباب ستر المسلم إذا اطلع عليه أنه عمل فاحشة قال ال تعالى ‪}:‬إ ّ‬
‫الفاحشة في الذينآمنوا‪ ،‬لهم عذاب أليم في الدنيا والخرة{]النور‪ .[19:‬والمستحب للنسان إذا اقترف ذنبًا أن يستر‬
‫‪.‬علىنفسه ‪ ،‬وأما شهود الزنا ‪ ،‬فاختلف فيهم على وجهين ‪ ،‬احدهما ‪ :‬يستحب لهم الستر‪ ،‬والثاني ‪ :‬الشهادة‬
‫‪.‬وفصل بعضهم فقال ‪ :‬إن رأوا مصلحة في الشهادة شهدوا ‪ ،‬أو في الستر ستروا‬
‫وفي الحديث دليل على استحباب المشي في طلب العلم ‪،‬ويروى أن ال سبحانه وتعالى أوحى إلى داود عليه الصلة‬
‫‪.‬والسلم ‪:‬أن خذ عصا من حديد ونعلين من حديد وامش في طلب العلم حتى يتخرق النعلن وتتكسر العصا‬
‫وفيه دليل على خدمةالعلماء وملزمتهم والسفر معهم واكتساب العلم منهم ‪،‬قال ال تعالى حاكيًا عن موسى عليه الصلة‬
‫‪].‬والسلم‪}:‬هل َأِتبُعَكعلى أن تعلمني مما علمت ُرشدًا{]الكهف‪66:‬‬
‫وعلم أن هذا الحديث له شرائط‪ ،‬منها العمل بما يعلمه ‪ ،‬وقال أنس رضي ال عنه ‪ :‬العلماء همتهم الرعاية ‪ ،‬والسفهاء‬
‫‪.‬همتهم الرواية‬
‫ومن شرائطه نشره قال ال تعالى ‪}:‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة َليَتَفّقُهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا‬
‫إليهم لعلهم يحذرون{]التوبة‪ .[122:‬وروى أنس رضي ال تعالى عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لصحابه ‪)):‬أل‬
‫أخبركم عن أجود الجواد(( قالوا بلى يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ )):‬ال أجود الجواد‪ ،‬وأنا أجود ولد آدم ‪ ،‬وأجودهم بعدي رجل‬
‫‪)).‬علم علمًا فنشره يبعث يوم القيامة أمةوحده‪،‬ورجل بنفسه في سبيل ال حتى قتل‬
‫ومن شرائطه ترك المباهاة والممارة ‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ )):‬من طلب العلم لربعة دخل‬
‫‪ )).‬النار ‪ :‬ليباهي به العلماء ‪ ،‬أو يماري به السفهاء ‪ ،‬أو يأخذ به الموال ‪ ،‬أو يصرف به وجوه الناس إليه‬
‫‪].‬ومن شرائطه الحتساب في نشره وترك البخل به ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬قل ل أسألكم عليه أجرًا{]النعام‪90:‬‬
‫ومن شرائطه ترك النفة من قول ل أدري ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم في علو مرتبته لما سئل عن الساعة‪ )):‬ما المسؤول‬
‫‪)).‬عنها بأعلم منالسائل(( ‪ .‬وسئل عن الروح فقال ‪ )):‬ل أدري‬
‫ومن شرائطه التواضع قال ال تعالى ‪}:‬وعباُد الرحمن الذين يمشون على الرض هوناً{]الفرقان ‪ .[63‬قال صلى ال عليه‬
‫وسلم لبي ذر‪ )):‬يا أبا ذر احفظ وصية نبيك عسى أن ينفعك ال بها ‪ ،‬تواضع ل عزوجل عسى أن يرفعك القيامة ‪ ،‬وسلم‬
‫على من لقيت من أمتي بّرها وفاجرها ‪ ،‬والبس الخشن من الثياب ‪ ،‬ولتُِرْد بذلك إل وجه ال تعالى ‪ ،‬لعل الكبر والحمية ل‬
‫‪)).‬يجدان في قبلك مساغًا‬
‫ومن شرائطه احتمال الذى في بذل النصيحة والقتداء بالسلف الصالح في ذلك قال ال تعالى ‪}:‬وأنه عن المنكر واصبر‬
‫‪)).‬على ما أصابك{]لقمان‪ . [17:‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪)):‬ما أوذي نّبي مثلما أوذيت‬
‫ومن شرائطه أن يقصد بعلمه من كان أحوج إلى التعليم ‪ ،‬كما يقصد بالصدقة بالمال الحوج فالحوج ‪ ،‬فمن أحيا جاه ُ‬
‫ل‬
‫‪ .‬بتعليم العلم فكأنما أحيا الناس جمعيًا ‪ ،‬ومما قيل في تنبيه الغافل ورده إلى الطاعة‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬إل نزلت عليه السكينة (( هي فعيلة من السكون ‪ ،‬أي الطمأنينة من ال ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ن القلوب{]الرعد‪ .[28:‬وكفى بذكر ال شرفًا ذكر ال العبد في المل العلى‬ ‫‪} .‬أل بذكِر تطَمِئ ّ‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ومن بطأ به عمله(( أي وإنكان نسيبًا )) لم يسرع به نسبه(( إلى الجنة فيقدم العامل‬
‫بالطاعة ولو كان عبدًا حبشيًا على غير العامل ولو كان شريفًا قرشيًا ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم{‬
‫‪]].‬الحجرات‪13:‬‬

‫الحديث السابع والثلثون‬


‫عن ابن عباس رضي ال عنهما عن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال‪" :‬إن ال‬
‫كتب الحسنات والسيئات‪ ،‬ثم بين ذلك‪ ،‬فمن هّم بحسنة فلم يعملها كتبها ال عنده حسنًة كاملًة‪ ،‬وإن هّم بها فعملها كتبها‬
‫ال عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬وإن هّم بسيئة فلم يعملها كتبها ال عنده حسنًة كاملًة‪ ،‬وإن هم بها فعملها‬
‫)كتبها ال سيئًة واحدًة"‪) .‬رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬كتبها ال عنده عشر حسنات إلىسبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة(( روى البزار في‬
‫مسنده أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪):‬العمال سبعة ‪ :‬عملن موجبان ‪،‬وعملنواحد بواحد‪ ،‬وعمل الحسنة فيه بعشرة ‪،‬‬
‫وعمل الحسنة فيه بسبعمائة ضعف ‪ ،‬وعمل ل يحصي ثوابه إل ال تعالى ‪ .‬فأما العملن الموجبان فالكفر واليمان ‪،‬‬
‫فاليمان يوجب الجنة والكفر يوجب النار‪ ،‬وأما العملن اللذان هما واحد بواحد ‪ ،‬فمن هم بحسنة ولم يعملها كتبها ال له‬
‫حسنة ‪ ،‬ومن عمل سيئة كتب ال عليه سيئة واحدة ‪ ،‬وأما العمل الذي بسبعمائة ضعف فهو الجهاد في سبيل ال تعالى ‪}:‬‬
‫ت سبع سنابل في كل سنبلة مائُة حبة{]البقرة‪ .[26:‬ثم ذكر ال سبحانه وتعالى أنه يضاعف لمن يشاء زيادة‬ ‫كمثلحبٍة أْنبَت ْ‬
‫ت من لدنه أجرًا عظيماً{]النساء‪.[40:‬فدلت الية والحديث وهو‬ ‫سنة يضاعفها ويؤ ِ‬ ‫ح َ‬
‫ك َ‬‫على ذلك ‪ ،‬وقال ال تعالى ‪}:‬وإن ت ُ‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬إلى أضعاف كثيرة (( إن العشر والسبعمائة كلمة ليست للتحديد وأنه يضاعف لمن يشاء‬
‫‪ .‬ويعطي من لدنه ما ل يعد ول يحصى فسبحان من ل تحصى آلؤه ول تعد نعماؤه فله الشكر والنعمة والفضل‬
‫عَمِل اْبن آدم له إلالصوُم فإّنُه لي وأنا أجزي به((‪ .‬فل يعلم ثواب الصوم‬
‫وأما السابع فهو الصوم ‪))،‬يقول ال تعالى ‪ُ:‬كّل َ‬
‫‪.‬إل ال‬
‫الحديث الثامن والثلثون‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬إن ال تعالى قال‪ :‬من عادى لي وليًا فقد‬
‫ي بالنوافل حتى‬‫ي مما افترضته عليه‪ ،‬ول يزال عبدي يتقرب إل ّ‬ ‫ب إل ّ‬
‫ي عبدي بشيء أح ّ‬ ‫آذنته في الحرب‪ ،‬وما تقّرب إل ّ‬
‫أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن‬
‫)سألني لعطيّنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذّنه"‪) .‬رواه البخاري‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم عن ربه تعالى ‪)):‬من عادى لي وليًا فقدآذنته بالحرب(( المراد هنا بالولي ‪:‬المؤمن قال ال‬
‫تعالى‪}:‬ال ولي الذين آمنوا{]البقرة‪.[257:‬فمن آذى مؤمنًا فقد آذنه ال ‪ ،‬أي أعلمه ال أنه محارب له ‪ ،‬وال تعالى إذا‬
‫ي عبدي بشيء أحب إليّ مما‬ ‫حارب العبد أهلكه ‪ ،‬فليحذر النسان من التعرض لكل مسلم قوله تعالى ‪ )):‬وما تقرب إل ّ‬
‫افترضته عليه(( فيه دليل على أن فعل الفريضة من أفضل النوافل‪ ،‬وجاء في الحديث‪)):‬إن ثواب الفريضة يفضل‬
‫‪)).‬علىثواب النافلة بسبعين مرة‬
‫ل فقالوا‪ :‬مثل‬ ‫ي بالنوافل حتى أحبه(( ضرب العلماء رضي ال تعالى عنهم لذلك مث ً‬ ‫قوله تعالى‪ )):‬ول يزال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫الذي يأتيبالنوافل مع الفرائض ‪ ،‬ومثل غيره كمثل رجل أعطى لحد عبديه درهمًا ليشتري به فاكهة‪ ،‬وأعطى آخر درهمًا‬
‫ليشتري فاكهة ‪ ،‬فذهب أحد العبدين فاشترى فاكهة فوضعها في قوصرة ‪ ،‬وطرح عليها ريحانًا ومشمومًا من عنده ‪ ،‬ثم‬
‫جاء فوضعها بين يدي السيد ‪ ،‬وذهب الخر واشترى الفاكهة في حجره ثم جاء فوضعها بين يدي السيد على الرض ‪،‬‬
‫فكل واحد من العبدين قد امتثل ‪ ،‬لكن أحدهما زاد من عنده القوصرة والمشموم فيصير أحب إلى السيد‪.‬فمن صلى النوافل‬
‫مع الفرائض يصير أحب إلى ال ‪ ،‬والمحبة من ال إرادة الخير ‪ ،‬فإذا أحب عبده شغله بذكره وطاعته وحفظه من‬
‫الشيطان ‪ ،‬واستعمل أعضاءه في الطاعة ‪ ،‬وحبب إليه سماع القرآن والذكر وكّره إليه سماع الغناء وآلت اللهو وصار‬
‫من الذين قال ال تعالى ‪}:‬وإذاخاطبهم الجاهلون قالوا سلمًا{]الفرقان‪.[63:‬فإذا سمعوا منهم كلمًا فاحشًا أضربوا عنه‬
‫وقالوا قوًل يسلمون فيه ‪ ،‬وحفظ بصره عن المحارم فل ينظر إلى ما ل يحل له ‪ ،‬وصار نظره فكر واعتبار ‪ ،‬فل يرى شيئًا‬
‫من المصنوعات إل استدل به على خالقه ‪ .‬وقال على رضي ال عنه ‪ :‬ما رأيت شيئًا إل ورأيت ال تعالى قبله‪ .‬ومعنى‬
‫العتبار العبور الفكر في المخلوقات إلى قدرة الخالق ‪ ،‬فيسبح عند ذلك ويقدس ويعظم وتصير حركاته باليدين والرجلين‬
‫كلها ل تعالى ول يمشي فيما ل يعنيه ول يفعل بيده شيئًا عبثًا بل تكون حركاته وسكناته ل تعالى ‪ ،‬فيثاب على ذلك في‬
‫‪ .‬حركاته وسكناته وفي وفي سائر أفعاله‬
‫قوله تعالى ‪)):‬كنت سمعه((يحتمل كنت الحافظ لسمعه ولبصره ولبطش يده ورجله من الشيطان ‪،‬ويحتمل كنت في قلبه‬
‫ف عن العمل لغيري‬
‫‪.‬عند سمعه وبصره وبطشه‪ .‬فإذا ذكرني ك ّ‬
‫الحديث التاسع والثلثون‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما أن رسول ال )صلى ال عليه وسلم( قال‪" :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان‬
‫)وما استكرهوا عليه"‪) .‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪)):‬إن ال تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه((أي تجاوز عنهم إثم‬
‫الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‪ ،‬وأما حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه فغير مرفوع ‪ ،‬فلو أتلف شيئًا خطأ أو‬
‫ضاعت منه الوديعة نسيانًا ضمن ‪ ،‬ويستثنى من الكراه علىالزنا والقتل فل يباحان بالكراه ‪ ،‬ويستثنى من النسيان ما‬
‫‪.‬تعاطى النسان سببه فإنه يأثم بفعله لتقصيره‬

‫الحديث الربعون‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬أخذ رسول ال )صلى ال عليه وسلم( بمنكبي فقال‪" :‬كن في الدنيا كأنك غريب أو‬
‫عابر سبيل‪ ،‬وكان ابن عمر رضي ال عنهما يقول‪ :‬إذا أمسيت فل تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا أصبحت فل تنتظر المساء‪ ،‬وخذ‬
‫)من صحتك لمرضك‪ ،‬ومن حياتك لموتك"‪) .‬رواه البخاري‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل(( أي ل تركن إليها ول تتخذها وطنًا ول تحدث‬
‫نفسك بالبقاء فيها ول تتعلق منها إل بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي يريد الذهاب منه إل أهله ‪ ،‬وهذا معنى قول‬
‫‪.‬سلمان الفارسي رضي ال عنه‪ :‬أمرني خليلي صلى ال عليه وسلم أن ل أتخذ من الدنيا إل كمتاع الراكب‬
‫وفي الحديث دليل على قصر المل وتقديم التوبة والستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء ال تعالى ‪ ،‬قال ال تعالى ‪}:‬ول‬
‫‪].‬تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إل أن يشاء ال{ ]الكهف‪24-23:‬‬
‫قوله ‪)):‬وخذ من صحتك(( أمره صلى ال عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها ‪ ،‬فإنه يعجز عن الصيام‬
‫‪.‬والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬ومن حياتك لموتك((‪ ،‬أمره صلى ال عليه وسلم بتقديم الزاد‪ .‬وهذا كقوله تعالى‪} :‬نظر‬
‫ن لعلي أعمل صالحًا فيما تركت{‬ ‫ت ِلغدٍ{]الحشر‪ .[18:‬ل يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول ‪}:‬ربارجعو ِ‬ ‫نفسٌ ما َقّدم ْ‬
‫]المؤمنون‪.[99:100:‬وقال الغزالي رحمه ال تعالى ‪:‬ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بهاالعمال الصالحة ‪،‬فإذا اكتسب‬
‫خيرًا ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة ‪ ،‬وهو البدن الذي فارقه بالموت ‪ ،‬ول شك أن النسان إذا مات انقطعت‬
‫شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لنه زاد القبر ‪ ،‬فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع‬
‫منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد ‪ ،‬وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له‪:‬هيهات قد فات! فيبقى متحيرًا دائمًا نادمًا على‬
‫‪ .‬تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة‬
‫‪)).‬فلهذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬وخذ من حياتك لموتك((‪.‬لحول ول قوة إل بال العلي العظيم‬

‫الحديث الحادي والربعون‬


‫عن أبي محمد عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال )صلى ال عليه وسلم( ‪" :‬ل يؤمن‬
‫‪).‬أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"‪) .‬حديث حسن صحيح‪ ،‬رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لماجئت به(( يعني أن الشخص يجب عليه أن يعرض‬
‫عمله على الكتاب والسنةويخالف هواه ويتبع ما جاء به صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهذا نظير قوله تعالى‪} :‬وما كان لمؤمن‬
‫ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم{ ]الحزاب‪ .[36:‬فليس لحد مع ال عز وجل‬
‫‪.‬ورسوله صلى ال عليه وسلم أمر ول هوى‬
‫وعن إبراهيم بن محمد الكوفي قال ‪ :‬رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس‪ ،‬ورأيت إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل‬
‫ل لم تر عيناك مثله‪ .‬فقال له إسحاق‪ :‬لم تر عيناي مثله؟! قل نعم ؛‬‫حاضرين ‪،‬فقال أحمد لسحاق ‪ :‬تعال حتى أريك رج ً‬
‫فجاء به فوقفه على الشافعي فذكرالقصةإلى أن قال ‪ :‬ثم تقدم إسحاق إلى مجلس الشافعي فسأله عنكراء بيوت مكة ‪،‬فقال‬
‫الشافعي‪ :‬هذا عندنا جائز‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬فهل ترك لنا عقيل من دار((؟ فقال إسحاق‪:‬أخبرنا يزيد‬
‫ابن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك ‪ ،‬وعطاءوطاووس لم يكونا يريان ذلك‪ ،‬فقال له الشافعي‪ :‬أنت‬
‫الذي تزعم أهل خرسان أنك فقيههم؟قال إسحاق‪ :‬كذا يزعمون!قال الشافعي‪ :‬ماأحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت‬
‫آمرًا بفرك أذنيه‪ ،‬أنا أقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬وأنت تقول ‪ :‬قال عطاءوطاووس والحسن وإبراهيم‪،‬‬
‫هؤلء ل يرون ذلك؟ وهل لحد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حجة ؟ثم قال الشافعي‪ :‬قال ال تعالى‪}:‬للفقراء‬
‫المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم{ ]الحشر‪ .[8:‬أفتنسب الديار إلى مالكين أو غير مالكين؟ قال إسحاق‪ :‬إلى مالكين‪.‬قال‬
‫الشافعي‪ :‬فقول ال تعالى أصدق القاويل‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬من دخل دار أبي سفيان فهو‬
‫آمن((‪ .‬وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه دار الحجلتين ‪ .‬وذكر الشافعي جماعات من أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال له إسحاق‪}:‬سواءالعاكف فيه والباد {]الحج‪.[25:‬فقال له الشافعي‪ :‬فالمراد به المسجد خاصة‬
‫‪ ،‬وهو الذي حول الكعبة ولو كان كما تزعم لكان ل يجوز لحد أن ينشد في دور مكة ضالة‪ ،‬ول تحبس فيها البدن ‪ ،‬ول‬
‫‪.‬تلقى الرواث ‪ ،‬ولكن هذا في المسجد خاصة ‪ ،‬فسكت إسحاق ولم يتكلم فسكت الشافعي عنه‬
‫الحديث الثاني والربعون‬
‫عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال )صلى ال عليه وسلم( يقول‪" :‬قال ال تعالى‪ :‬يا ابن آدم إنك ما دعوتني‬
‫ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ول أبالي‪ ،‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك‪ ،‬يا ابن‬
‫آدم إنك لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيئًا لتيتك بقرابها مغفرة"‪) .‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬
‫‪).‬حسن صحيح‬
‫شرح وفوائد الحديث‬
‫‪.‬قوله تعالى ‪)):‬عنان السماء((‪ ،‬هو بفتح العين المهملة قيل هوالسحاب وقيل ‪ :‬ما عن لك منها‪ ،‬أي ظهر إذا رفعت رأسك‬
‫قوله تعالى‪ )):‬ثم استغفرتني غفرت لك((‪ ،‬هو نظير قوله تعالى‪}:‬ومنيعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال يجد ال‬
‫غفورًا رحيمًا{]النساء‪ .[110:‬الستغفار ل بد أن يكون مقرونًا بالتوبة‪ .‬قال ال تعالى ‪}:‬وأن استغفروا ربكم ثم توبوا‬
‫‪].‬إليه{]هود‪.[3:‬وقال تعالى‪}:‬وتوبوا إلى ال جمعيًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون{]النور‪31:‬‬
‫واعلم أن الستغفار معناه طلب المغفرة وهو استغفار المذنبين ‪ ،‬وقد يكون عن تقصير في أداء الشكر؛ وهو استغفار‬
‫الولياء والصالحين ‪ ،‬وقد يكون ل عن واحد منهما بل يكون شكرًا وهو استغفاره صلى ال عليه وسلم واستغفار النبياء‬
‫عليهم الصلة والسلم قال صلى ال عليه وسلم ‪ )):‬سيد الستغفار ‪ :‬ال أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا‬
‫على عهدك ووعدك ما استعطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأوبوء بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر‬
‫الذنوب إل أنت((‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم لبي بكر رضي ال عنه ‪ )):‬قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا‪ .‬وفي‬
‫رواية كبيرًا ول يغفر الذنوب إل أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم((‪ .‬انتهى‬

You might also like