Professional Documents
Culture Documents
الزمان لغز الالغاز
الزمان لغز الالغاز
لغز اللغاز
سبْر أغواره، سهِل عقل النسان الخوض فيه ،و َ "الزمن" ،مفهومًا وتعريفاً وتصوّراً ،ليس بالشيء التي َيسْ َت ْ
فهو ما زال ُلغْزاً عسير الفهم والحل ،ليس في الفلسفة والدين فحسب ،وإنّما في الفيزياء.
ن َفهْم،
ل هذا اللغز ،من حيث المبدأ والساس ،فإ ّ ن آينشتاين ،وفي وجه آخر من وجوه عبقريته ،قد ح ّ ومع أ ّ
أو تمثّل ،هذا الحل ما زال من الصعوبة بمكان؛ ذلك لنّنا اعتدنا النظر إلى الزمن في طريقة ُت َعسّر ،ول
ُت َيسّرَ ،فهْمنا وتَمثّلنا لـ "الحل" الذي جاء به آينشتاين.
وفي قصّة الخَلْق التوراتية لـ "الكون" ،كان "الزمن" قبل أن يشرع الخالِق َيخْلق "الكون" في صورته
التوراتية ،فاليّام (الحد ،والثنين ،والثلثاء ،والربعاء ،والخميس ،والجمعة ،والسبت) كانت موجودة
قبل أن َيخْلِق ال الرض ،التي في بعضٍ من هذه اليّام خلقها.
الجدل الديني ،أو الديني ـ الفلسفي ،في أمر "الزمن" ،تطوّر بعض الشيء ،بعد مئات السنين من إنشاء
قصة الخَلْق التوراتية ،فكان السؤال الذي ُبذِل كثيرٌ من الجهد والوقت من أجل إجابته هو" :هل الزمن
مخلوق ،خلقه ال كما خَلَق سائر الشياء؟".
ن بعضاً من النصوص الدينية كانت في منتهى الوضوح في حديثها عن "الزمن الجابة استعصت؛ ل ّ
اللهي" ،فثمّة "يومٌ عند ال" ،وهذا اليوم يفوق في حجمه الزمني اليوم عند البشر.
ل على خير وجه التناقض في الماركسية ،بفلسفتها "المادية" ،وبمنهجها الجدلي (الدياليكتيكي) الذي ح ّ
العلقة بين "ال ُمطْلَق" و"النسبي"َ ،ف ِهمَت "الزمن" على أنّه ،كـ "الحركة" ،جزء ل يتجزأ من وجود
المادة ،التي تتحرّك دائماً في "المكان" و"الزمان" .وقد اشتملت تلك الفلسفة على أفكارٍ تسمح لها ،أي لتلك
الفلسفة ،بأن تكون على وفاق أساسي وجوهري مع مفهوم الزمن كما أنشأه وطوّره آينشتاين.
سؤال "هل الزمن مخلوق؟" ،أجابت عنه إجابة قاطعة نظرية "النفجار العظيم" Big Bangإذ صوّرت
هذا "النفجار" على أنّه "خالِق الزمن" ،فـ "قَبْلَهُ" ،أي " َقبْل" هذا "النفجار" ،لم يكن لـ "الزمن" من
وجود .لقد َفهِمَتْ هذه النظرية الكوزمولوجية الكون على أنّه شيء لم ينشأ في الزمن ،ففي ذلك "الشيء"
Singularityالذي منه انبثق الكون بقوّة "النفجار العظيم" لم يكن من وجود للزمن ،كما لم يكن من
وجود للفضاء.
ن "الزمن" هو "ال ُبعْد الرابع" ،الذي يتّحد آينشتاين ،في سعيه إلى حلّ ُلغْز "الزمن" ،توصّل ،أ ّولً ،إلى أ ّ
اتّحاداً ل انفصام فيه مع أبعاد المكان الثلثة (الطول ،والعرض ،والرتفاع).
وعليه ،ما عاد ممكناً أن نتصوّر "المكان" و"الزمان" على أنّهما شيئان منفصلن ،فاتحادهما الذي ل
عبّر عنه لغويًا بمصطلح "الزمان ـ المكان (= "الزمكان")" .Space – Time انفصام فيه ُ
حدّد ،ال ُم َعيّن ،الملموس،
"الشيء" Objectإنّما هو "المادة في وجودها الشيئي (الجسماني)" ،أي ال ُم َ
المحسوس .وفي الكون ،ليس من وجود إلّ لـ "الشياء" ،التي بتأثيرها في حواسّنا الخمسُ ،ندْرِك وجودها
إدراكاً حسّياً مباشِراً.
وهذا القول ل ينقضه وجود أشياء ل ُيمْكننا أن ُن ْدرِك وجودها إدراكًا حسّياً مباشِراً ،كأن نرى جسيم
"اللكترون" بالعين المجرّدة .والفيزياء لديها الن من الدوات والوسائل والساليب ما يسمح لنا بتأكيد ،أو
نفي ،وجود شيء ما.
ن هذا الدراك ُي ْمكِن وفي لغة فلسفية ،أقول في شأن الدراك الحسّي المباشِر للشياء بـ "حاسة البصر" إ ّ
ويجب أن يُ ْفهَم ويُفسّر على أنّه نتيجة "تأثير متبادل" ،أو "تفاعل (فيزيائي ،طبيعي ،مادي)" ،بين "مادة
معيّنة (= الضوء)" ،تنطلق من الشيء وبين "العين ـ الدماغ" .ولو ظلّت هذه "المادة" حبيسة في داخل
ل َتحُول بينها وبين الوصول إلى "العين ـ الدماغ"َ ،لمَا أصبح "الشيء" مرئياً، ذلك الشيء ،أو في حا ٍ
ح ِدثُه في أشياء أُخرى (في جواره على س َعيْنا في الستدلل على وجوده (الموضوعي) من خلل ما ُي ْ وَل َ
وجه الخصوص) من تأثير وتغيير محسوسين .ولكم أن تتخيّلوا النتيجة المترتّبة على انطلق تلك "المادة
(= الضوء)" من شيء ما ،مع بقائها تدور حَوْله ،أي مع بقائها عاجزة عن السير في الفضاء حتى تصل
ث ذلك َلمَا تم ّكنّا أبداً من رؤية هذا الشيء ،ول من رؤية حتى تلك "المادة"، حدَ َإلى "العين ـ الدماغ" .لو َ
حوْله.
أي الضوء الذي " ُكتِبَ عليه" أن يظلّ يدور َ
جبَل،
في الكونُ ،ت ْوجَد "الشياء (أو الجسام والجسيمات)" فحسب ،كالنجم ،والكوكب ،والنهر ،وال َ
والبرتقالة .. ،إلخ.
ن العام ،أو المجرّد ،من الشياء ل وجود له البتّة ،فليس من وجود وفي مزيدٍ من التعيين والتحديد ،نقول إ ّ
(في الواقع الموضوعي) لـ "النجم العام" ،أو لـ "النهر العام"" .ال َفرْد" من الشياء هو ما يُ ْوجَد فحسب ،في
الواقع الموضوعي ،فالنجم الموجود إنّما هو "الشمس" مثلً؛ والنهر الموجود إنّما هو "النيل" مثلً ،وإنْ
كان "المفهوم" َي ْعكِس ويُصوّر "العام" من الشياء ،والذي هو "الجوهر" غير ال ُم ْدرَك إدراكاً حسّياً
مباشِراً.
"الشيء" ،في معناه هذا ،ينشأ في الزمان ،ويزول في الزمان ،فكل شيء له "لحظة نشوء" ،و"لحظة
ن "الشيء ـ ال َفرْد" ل ُيمْكنه أبداً أن يكون خالداً ،أو أزلياً ـ أبدياً ،أو سرمدياً .إنّه ينشأ ليزول حتماً. زوال" .إ ّ
بين نشوئه وزواله "يتغيّر" الشيء ،وينبغي له أن يتغيّر ،فليس من شيء نشأ ،فزال؛ ولكن من غير أن
يعتريه أي تغيير (بين نشوئه وزواله) .على أنّ لحظة نشوء الشيء ،ولحظة زواله ،ل ُي ْمكِن النظر إليهما
على أنّهما "جزء من التغيير الذي يعتري الشيء (حتماً)" ،فالتغيّر الذي يعتري الشيء (بين لحظتي نشوئه
وزواله) إنّما هو كلّ (وأقلّ) اختلف (= تغيير) يطرأ على الشيء.
جدَ
و"الزمن" إنّما هو صنو "التغيير" ،فلو كانت الشياء "تتجاور" ،ول "تتعاقب" ،على استحالة ذلكَ ،ل ُو ِ
س َتغْرِق زمناً ،قصيراً كان أم َكوْنٌ فيه "مكان" ،وليس فيه "زمان" .وكل تغيير يعتري الشيء يجب أن َي ْ
طويلً ،فهذه الكرة التي تحرّكت على هذا السطح إذ َدفَ ْعتَها بيدكَ يجب أن تتوقّف عن الحركة َبعْد 50ثانية
ستَ ْغرِق زمناً يقاس (في عالمنا الرضي) ن هذا التغيير (توقّف هذه الكرة عن الحركة) ل َي ْ مثلً .إ ّ
حدَثُ" ،في هذا المثال ،إنّما "يبدأ" بتحرّك تلك الكرة ،و"ينتهي" بتوقّفها عن بالساعات أو اليّام .و"ال َ
حدَث ،لسبب ل الزمن الذي يستغرقه ال َ حدَثٍ" إلّ وله بداية ونهاية في الزمان .وكلّما ق ّالحركة ،فليس من " َ
حدَث وانتهائه ،زادت "سرعة التغيير (أو ما ،أي كلّما ضاقت وتقلّصت "المسافة الزمنية" بين بدء ال َ
التطوّر)".
سرَع التغيّر ،وإذا "أبطأ" الزمن أبطأ التغيّر .والتغيير "الزمن" إنّما هو "التغيّر" ،فإذا "أسْرَع" الزمن ،أ ْ
الذي يعتري الشيء ،حتماً ،إنّما هو الذي فيه ،وبه ،يستوفي الشيء شروط زواله ،فالشيء إنّما يختلف
ويتغيّر بما يؤدّي ،حتماً ،إلى زواله .وليس "النمو" ،أو "التطوّر" ،الذي َي ْعرِفه الشيء سوى الوجه الخر
لعملية العداد والتهيئة لسباب وعوامل زواله.
ِل َن ُعدْ إلى مثال الكرة ،فأنا أريد أن أقيس زمن التغيير الذي طرأ عليها (أي توقّفها عن الحركة) بمقياس
س َتغْرَق هذا التغيير زمناً مقداره 60نبضة .وعليه، آخر ،هو "قلبي النابض" .وبحسب هذا المقياس ،ا ْ
خ َذ من "قلبي النابض" ساعة أخرى أقيس بها زمن التغيير. ُيمْكنني أن ا ّت ِ
وفي الطبيعة أنماط كثيرة من الساعات ،فكل شيء َيعْرِف "تغييراً منتظَماً" ُي ْمكِن اتّخاذه ساع ًة نقيس بها
الزمن الذي يستغرقه التغيير في سائر الشياء .و"مقياس الزمن" إنّما هو أن يُقاس معدّل التغيّر في جسم ما
ن َنبْض سبَ ًة إلى "تغيّر منتظَم" في جسم آخر (دقّات الساعة مثلً) .ولو أ ّ (كمعدّل نبضات قلب إنسان حي) ِن ْ
طعْتُ أن ا ّتخِذ منه ساعة ،فـ "الساعة" يجب أن تكون "تغييراً ستَ َ
قلبي يتسارَع تارةً ،ويتباطأ طوراًَ ،لمَا ا ْ
منتظَماً".
ن النظر في "الزمان" ،ف َتجِد أنّه كل تغيير ُت ْرجِم بتغيير في "المكان" ،الذي له ثلثة أبعاد ،فـ "الدقيقة أ ْمعِ ْ
الواحدة" ،وفي معنى من معانيها المكانية ،إنّما هي مسافة معيّنة يقطعها كوكب الرض في دورانه حَوْل
ختَلِف "حجماً".
الشمس .و"القلب النابض" إنّما هو القلب الم ْ
إنّ "ال َفرْق في الزمان" هو الوجه الخر لـ "ال َفرْق في المكان" ،فليس من " َفرْق في الزمان" ل يَ ْق َترِن
ب َفرْق في "الطول" ،أو "العرض" ،أو "الرتفاع" ،أو الحجم ،أو "المسافة" ،أي بـ " َفرْق في المكان".
وليس من فَرْق في المكان والزمان ل ُي ْنتِجه "تغيير آخر" يعتري الشيء.
سئِلْت" :ما هي الثانية (أو الدقيقة ،أو الساعة ،أو اليوم ،أو السبوع ،أو الشهر ،أو السنة)؟"، وأنتَ لو ُ
جبْت بما يؤكّد و ُي ْثبِت اشتمال مفردات الزمان على المكان. لَ
كوكب الرض إنّما هو جزء من هذا الكل الكوني ،يتبادل وإيّاه التأثير الفيزيائي دائماً .و"التأثير الفيزيائي"
إنّما هو نوع معيّن (أو أنواع معيّنة) من "المادة" ،ينتقل في الفضاء ،بسرعة معيّنة ،من شيء إلى شيء،
أو من جسم إلى جسم.
حمِل "التأثير الفيزيائي" ،من جسم إلى جسم ،عبر الفضاء ،فما أنْ وثمّة جسيمات ،تشبه "العربات"َ ،ت ْ
تُ ْفرِغ تلك الجسيمات حمولتها في جسم معيّن حتى تتفاعل تلك "الحمولة (من المادة)" مع هذا الجسم،
فيطرأ عليه ،بالتالي ،تغيير معيّن.
ولهذه الجسيمات الحاملة ،والناقلة ،لـ "التأثير الفيزيائي" ،سرع ًة معيّنة (في الفضاء) َت ْعدِل ،ول ُي ْمكِن أن
تتخطى" ،سرعة الضوء" ،التي هي 300ألف كيلومتر في الثانية.
وعليه ،يمكن ويجب النظر إلى "حاضرنا" في الكرة الرضية على أنّه محكوم تماماً بـ "ماضينا الكوني"،
ن تأثيره هذا هو جزء من ماضينا فذلك الجسم الكوني أثّر الن في الكرة الرضية ،أي في حاضرنا؛ ولك ّ
ن حاضر كوكب الرض هو ثمرة تفاعُل الكوني ،فلقد انطلق تأثيره هذا نحونا قبل 100مليون سنة مثلً .إ ّ
هذا الكوكب مع ما وصل إليه من تأثيرات كونية مختلفة هي جزء من ماضي الكون القريب أو البعيد ،فـ
ل في عالمي الصغير (في الرض ،أو في جزء منها فحسب). "الن" ل وجود لها إ ّ
وكل ما نراه في السماء ،أو الفضاء ،من أجسام إنّما هو "صورته في ماضيه" التي وصلت إلى عيوننا
"الن" ،والتي استغرق وصولها دقائق ،أو ساعات ،أو سنوات ،أو مليين السنين .وهذه "الصورة" يمكن
ن خللها نرى "الصل" ،أي الجسم الكوني ،في ماضيه (الذي يُقاس، وصفها بأنّها "الصورة المؤثّرة"؛ فَمِ ْ
حمَل "التأثير وبحسب "الساعة الرضية" ،بالثواني ،أو الدقائق ،أو الساعات ،أو السنين .. ،إلخ) .وفيها ُي ْ
الفيزيائي" في حاضر كوكبنا الرضي.
ظهَر للمراقبين الكونيين جميعاً على أنّه "اجتماع اللحظات الزمنية وليس من حادِث في الكون إلّ و َي ْ
حدَثٌ َوقَع الن بالنسبة إليّ أنا الذي الثلث،أي الحاضر ،والماضي ،والمستقبل" ،فانفجار النجم Xإنّما هو َ
أعيش على كوكب الرض ،ووقَ َع في الماضي بالنسبة إليكَ أنتَ الذي على مقربة منه ،وسيقع مستقبلً
ن "الضوء" هو "المصوّر"، حدَث .إ ّ بالنسبة إلى مراقِب كوني ثالث لم تصله حتى الن صورة ال َ
و"الصورة" ،و"ناقِل الصورة" ،معاً.
ن الحدث يحدث في "موضع متحرّك" .تخيّل حتى الزمن الذي يستغرقه حدوث الحدث يختلف مقداراً؛ ل ّ
ك تراقِب من على سطح الرض مركبة فضائية تسير في الفضاء البعيد ،مبتعدةً عنكَ ،بسرعة كبيرة. أ ّن َ
ن أحد المسافرين على متنها أشعل سيجارة ،وشرع يدخنها .لقد بدأ هذا الحدث (تدخين السيجارة) وتخيّل أ ّ
ن المدخّن ما أن انتهى من تدخين سيجارته (التي استغرق تدخينها ك ُبعْداً معيّناً؛ ولك ّ
والمركبة تبعد عن َ
مقدارًا معيّناً من الزمن ل تتّفِق أنتَ وهو على تعيينه) حتى أصبحت المركبة (المتحرّكة بعيداً عنكَ) َت ْبعُد
أكثر .وهذا الفرق في المسافة الفضائية بين بداية الحدث ونهايته ل بد له من أن ُي َترْجَم بفرق في الزمن
حمِل صورة الحدث ،والذي على سرعته التي ل َتعْدلها الذي استغرقه حدوث الحدث ،فالضوء الذي َي ْ
سرعة أخرى في الكون ،إنّما يسير بسرعة محدودة ،مقدارها 300ألف كيلومتر في الثانية.
"الزمن" يسير ،في كل مكان من الكون ،في اتّجاه واحد فحسب" ..إلى المام" ،أي "من الماضي إلى
المستقبل" .إنّه يسير في "خطّ مستقيم" ،فل انحناء في مساره؛ وليس ممكناً ،بالتالي ،أن يسير في خطّ
ن جنيناً دائري ،فيعود الشيء في تطوّره إلى ماضيه ،أي إلى ما كان عليه في ماضيه ،كأن يعود هذا المُس ّ
في َرحْم ُأمّه!
ن الزمن يمكن في ظروف فيزيائية كونية معيّنة أن س َتنْتِج من نظرية آينشتاين في "الزمن" أ ّ و ُيخْطئ من َي ْ
خ فيه الماضي. س َتنْسَ ُ
يسير في اتّجاه معاكِس ،أي "من المستقبل إلى الماضي" ،فليس من تطوّر في الكون ُي ْ
خ لماضي الشيء ،أو عودة حتى في الجدل الهيجلي أو الماركسي ل ُي ْمكِن َفهْم "نفي النفي" على أنّه استنسا ٌ
إلى ماضيه ،فالماضي ،على أهمية تأثيره في حاضر ومستقبل الشيء ،ل ُي ْمكِن أبداً أن ُيبْعث ح ّياً.
"السَفَر" ،الذي َن ْعرِف إنّما هو "السفر في المكان" ،أي النتقال من موضع إلى موضع .وكل سَ َفرٍ في
المكان ل بدّ له من أن يستغرق زمناً ،يطول أو يَ ْقصُرِ ،وفْقًا لـ "السرعة" ،فأنتَ ،مشياً على قدميكَ ،تجتاز
المسافة بين منزلك ومكان عملك في زمن مقداره 15دقيقة مثلً؛ أمّا في السيّارة ،التي تسير بسرعة أكبر،
ن كل سَ َفرٍ ،أي كل انتقال في المكان ،يجب أن فإ ّنكَ تجتاز المسافة ذاتها في زمن مقداره 5دقائق مثلً .إ ّ
يستغرق زمنا ،أي يجب أن يقترن بانتقال في الزمان.
ولكن ،ثمّة سَ َف ٌر لم َنعْرفه حتى الن ،هو "السَفَر في الزمان" ،الذي ل بدّ لـ "الحاضر" من أن يكون نقطة
جهَة هذا السفر فهي إمّا أن تكون "المستقبل" ،وإمّا أن تكون "الماضي". انطلقه .أمّا ِو ْ
نظرياً ،واستناداً إلى تجارب فيزيائية أيضاً ،يمكن "السفر إلى المستقبل" ،أي "من الحاضر إلى
المستقبل"؛ أمّا "السفر إلى الماضي" فهو ،وبحسب النظرية النسبية ،المستحيل بعينه؛ ذلك لنّ سرعة
ت السفر إلى الماضي فإنّ عليكَ ،بحسب بعض الضوء هي السرعة الكونية القصوى أو العظمى ،فإذا أرد َ
التصوّرات والنظريات الفيزيائية ،أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء.
وحتى ل نهبط بتفكيرنا من "الفيزياء" إلى الدرك السفل من "الميتافيزياء" ،في هذا المر ،ل بدّ لنا من أن
نستمسك (حتى في خيالنا الفيزيائي) دائماً بالحقيقة الفيزيائية الكبرى ،وهي أنّ "السرعة فوق الضوئية"
ن "السفر إلى مستحيلة .ومن هذه الحقيقة تتفرّع حقيقة فيزيائية أخرى على درجة عالية من الهمية ،هي أ ّ
الماضي" مستحيل هو أيضاً .نقول بذلك مع أنّنا ل نميل إلى تصديق أنّ "السفر إلى الماضي" هو العاقبة
الحتمية للسير بسرعة فوق ضوئية.
وهناك من الفيزيائيين من يعتقد بوجود وسيلة أُخرى للسفر إلى الماضي ،هي "المسار (المنحني) ال ُمغْلَق"،
ن كل مادة في والذي يمكن أن يكون حقيقة واقعة في داخل ذلك الجسم الكوني المسمّى "الثقب السود" .إ ّ
داخل هذا الجسم ل ُيمْكنها أبداً أن تغادره إلى "الفضاء الخارجي" .حتى الضوء الذي يسير بسرعة 300
ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (= السرعة القصوى في الكون أو الطبيعة) ليس في مقدوره أن يغادر هذا
ن جسيماً عديم الكتلة هو "الفوتون" يعود دائماً إلى نقطة انطلقه ،فل الجسم الكوني .وهذا إنّما يعني أ ّ
يتمكّن أبدًا من الفلت من قبضة "الثقب السود".
إذا كان في مقدوركَ أن ترى تلك "المادة" ،أي الضوء ،أو "الفوتون" ،وهي تحاول أن تغادر "الثقب
السود" إلى "الفضاء الخارجي" ،فسوف تراها (وهي التي تسير في الفضاء الذي َن ْعرِف بسرعة 300
ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) تسير في محيط دائرةُ ،قطْرها يقلّ طولً عن طول المسافة بين مركز
ختَره" هي؛ بل ُفرِض عليها َفرْضاً. "الثقب السود" وسطحه .وهذا المسار لم " َت ْ
إنّها ،أي تلك المادة ،أو الضوء ،ما أن تنطلق في مسارها الدائري الصغير ال ُمغْلَق حتى تعود ،حتماً ،إلى
حمَلَت أولئك الفيزيائيين على العتقاد النقطة التي منها انطلقت .وعودتها الحتمية إلى المكان ذاته هي ما َ
ن تلك المادة يجب أن تعود إلى "الماضي" ،فهي ل يمكنها أن تعود إلى "نقطة البدء في المكان" ،من بأ ّ
غير أن تعود ،أيضاً ،إلى "نقطة البدء في الزمان" ،أي إلى "الماضي" ،فـ "المسار (المنحني) ال ُمغْلَق"
ت هذا إنّما هو مسارٌ في "المكان" و"الزمان" معاً ،أي في "الزمان ـ المكان" ،أو "الزمكان" .ولو كنتَ أن َ
ك تسير ،بسرعة 300ألف كيلومتر في الثانية ،في داخل "الثقب السود" ،صعوداً، ت أ ّن َ
"الفوتون" لرأيْ َ
عدّتَ إلى النقطة ط مستقيم" ،ولرأيْتَ ،بعد مُضي زمن معيّن ،مُقاسٌ مقداره بحسب ساعتكَ ،أ ّنكَ قد ُ في "خ ّ
ك ليس من فضاء آخر غير هذا الفضاء الذي تسير فيه؛ أمّا أنا الذي أُراقبكَ التي منها انطلقت .وبالنسبة إلي َ
ضمْن فضاء ل ُي ْمكِنكَ أبدًا مغادرته ،مع أنّني أرى، ط دائري ِ ك تسير في خ ّ من على سطح الرض فأرى أ ّن َ
ك في سيركَ هذا إنّما تشبه شخصًا يسير في الوقت نفسه ،أنّ فضاءكَ هذا هو جزء من الفضاء الكوني .إ ّن َ
ك مثلُ هذا الذي ط دائري ،مثل َ ك ل ُتدْرِك أ ّنكَ تسير في خ ّ ضمْن نَفَق دائري ُمغْلَق ،مع فارِق أ ّن َ بسرعة ثابتة ِ
ط مستقيم في موازاة خطّ الستواء الرضي. يسير في خ ّ
وعليه ،يؤدّي السير بسرعة فوق ضوئية ،أو في مكان بلغ غاية النحناء ،إلى "العودة إلى الماضي" ،على
ل هذا الذي تطرّف ميتافيزيائياً في فهم ما يزعمون .وهذا الزعم ل يمكن أن يكون له من صاحب إ ّ
الفيزياء ،ضارِبًا صفحاً عن صرخة التحذير التي أطلقها نيوتن إذا قال" :أيّتها الفيزياء احترسي من
الميتافيزياء!".
حمْل ..ليس ن لكل تغيير سرعته (العادية الطبيعية) فالمرأة ،مثلً ،تضع مولودها بعد 9أشهر من ال َ قُلْنا إ ّ
ن السرعة حمْل .قد تضعه بعد 7أشهر .على أنّ هذا ل ينفي ،وإنّما يؤكّد ،أ ّ بعد 9أيّام ،أو 9سنوات ،من ال َ
العادية الطبيعية لهذا التغيير" ،أي "الولدة" ،هي 9أشهر.
ض قلبكَ نحو 70نبضة في الدقيقة الواحدة ،فالفاصِل الزمني بين نبضة ونبضة يقلّ عن ثانية وأنتَ ،ينب ُ
واحدة ،وليس ممكنًا أن يزيد ،مثلً ،عن 10ساعات ،فالسرعة العادية الطبيعية لنبض قلبكَ تظل 70نبضة
في الدقيقة الواحدة.
ت َتغْلي لتراً من الماء في زمن مقداره 10دقائق مثلً؛ وليس ممكناً أن تغليه في زمن مقداره 10 وأن َ
ت مثلً.
سنوا ٍ
هذا الذي قُلْنا في كل تلك المثلة ل يمكن فهمه والنظر إليه على أنّه "الحقيقة الزمنية المطلقة"؛ ذلك لنّ
للزمن سرعة ،تزيد أو تقل ،بحسب أحد عامَِليْن" :السرعة" ،أو "الجاذبية".
ت في مركبة فضائية تزايدت سرعتها شيئاً فشيئاً حتى بلغت سرعة تقارِب سرعة الضوء لو أ ّنكَ سافر َ
ت َت ْنظُر إلى ساعتكَ ،وتحسب عدد دقّات قلبكَ في فإ ّنكَ لن ترى أيّ اختلف في سرعة نبض قلبكَ ،فها أن َ
الدقيقة الواحدة ،فتتأكّد أنّها لم َتزِدْ ،ولم َتنْقُص ،فقلبكَ ظلّ ينبض نحو 70نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب
ساعتكَ أنتَ).
ض َعكَ في كوكب ،كتلته (أي جاذبيته) أكبر من ك من مكا ِنكَ على الرض وو َ عَ ن مارِدًا كونياً ا ْن َتزَ َولو أ ّ
ن قلبكَ يظل ينبض 70نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ كتلة كوكب الرض بألف مرّة مثلً ،فإ ّ
أنتَ).
أمّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الرض فلن أرى ما ترى .في المثال الوّل (سَ َف ُركَ في المركبة
ك ينبض 7نبضات فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). ن قلب َالفضائية) أرى ،على سبيل المثال ،أ ّ
ك ينبض 20نبضة فقط في ن قلب َك إلى ذلك الكوكب) أرى ،على سبيل المثال ،أ ّ وفي المثال الثاني (نَقُْل َ
ك ذلك المارد في كوكب تقلّ كتلته عن كتلة كوكب الرض الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا) .ولو َوضَ َع َ
ل ينبض 70نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) كظّ ن قلب َبنحو 10مرّات مثلً ،لرأيْتَ أنتَ أ ّ
ك ينبض 100نبضة (على سبيل المثال) في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). ن قلب َولرأيْتُ أنا أ ّ
ك يظلّ ينبض 70نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) في كل موضع في الكون تكون ن قلب َ
إّ
فيه ،ومهما كانت سرعة (أو تسارُع) هذا الموضع ،أو جاذبيته.
من ذلك نرى أنّ "الفاصِل الزمني (أو "المسافة الزمنية")" بين حادثين (بين نبضة ونبضة من نبضات
قلبكَ مثلً) يتمدّد ( َي ْكبُر ،ي ّتسِع ،يزيد) بحسب ساعتي أنا الذي أُراقبكَ من "إطار مرجعي آخر" ،من على
ت (بحسب "النسبية الخاصة") في جسم تسارَع حتى حدُث إذا كنتَ أن َ سطح الرض مثلً .وهذا إنّما َي ْ
قارَبَت سرعته سرعة الضوء ،أو (بحسب "النسبية العامّة") إذا كنتَ في جسم كوني عظيم الكتلة ،أي
ن "الجاذبية" ُت ْنتِج تباطؤًا في حركة الزمن ،فالزمن في أعظم من كوكب الرض كتلةً ،وجاذبي ًة بالتالي .إ ّ
المشتري ،أو الشمس ،يسير أبطأ من الزمن في الرض.
كلما زادت سرعة المركبة الفضائية قلّ معدّل نبضات قلب النسان الذي في تلك المركبة بالنسبة إلى
المراقب الرضي ،فهذا المراقب يرى أن قلب ذلك الرجل ينبض 30نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب
ساعة المراقب الرضي) ثم يراه (بعدما زادت سرعة المركبة الفضائية) ينبض 10نبضات في الدقيقة
ن قلبه يظل ينبض 70نبضة في الدقيقة الواحدة .أما بالنسبة إلى ذلك الرجل ،أي بالنسبة إلى ساعته ،فإ ّ
الواحدة.
ن "التسارُع" هو الذي يتسبّب (في هذا المثال) في إبطاء حركة عقارب الساعة ،في تلك وهذا إنّما يعني أ ّ
المركبة ،فمع كل زيادة في سرعتها ،أي مع كل تسارُع لها ،يقل معدّل نبض قلب المسافِر على متنها،
بالنسبة إلى المراقِب الرضي (وساعته) .وعلى هذا المثال قِسْ.
دعونا الن ،ومن أجل مزيدٍ من الوضوح ،نتطرّف في القياس على هذا المثال ،أو على تلك المثلة،
حمْلِها مثلً) انطلقت من الرض بمركبة فضائية ،تسارَعت حتى فنتخيّل امرأة حامِل (في الشهر الثالث من َ
قاربت سرعتها سرعة الضوء ،ثمّ عادت إلى الرض ،وقد استغرقت رحلتها الفضائية ،ذهاباً وإياباً ،ستّة
عمْر هذه المرأة قد زاد ضعَت مولودها ما أن وصلت إلى الرض .إنّ ُ أشهر ،بحسب ساعتها هي .لقد َو َ
ستّة أشهر فحسب.
ن زوجها قد مات منذ مئات ،أو خبِرونها ،عندئذٍ ،أ ّ إذا سأَلَتْ هذه المرأة ،عند عودتها ،عن زوجها ،فسوف ُي ْ
آلف ،أو مليين ،السنين!
إنّ الشيء ،أي كل شيء ،يتغيّر ويتطوّر بحسب الزمن الخاص به ،أي بحسب ساعته هو .من وجهة نظر
الشيء نفسه ،أو بحسب ساعته هو ،لن تختلف سرعة هذا التغيير (أو ذاك) الذي يعتريه مهما كانت سرعة
جدُ فيه هذا الشيء ،أو جاذبيته .من وجهة نظر مراقِب خارجي ما ،أو بحسب الموضع الكوني الذي ُي ْو َ
ساعة هذا المراقِب ،تختلف سرعة التغيير في ذلك الشيء.
التغيير في الشيء لن يقع قبل أن يستوفي شروط وقوعه ،فهذا المقدار من الماء (السائل) لن يتحوّل كله
إلى جليد قبل أن يستوفي شروطا معيّنة .وهذا "الستيفاء" ل بدّ له من أن يستغرق زمناً ،قد يطول أو
ن هذا التغيير يَ ْقصُر ،بحسب بيئة الشيء وظروف وجوده ،فإذا طال الزمن الذي يستغرقه التغيير قُلْنا إ ّ
ي ّتسِم بالبطء ،وإذا َقصُر قُلْنا إنّه ي ّتسِم بالسرعة.
ِلنَ ْف َترِض أنّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوّل كله إلى جليد في زمن (أرضي) مقداره 30دقيقة .لو
كنّا في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء ،وأ َتيْنا بمقدار مماثِل من الماء
ن تجميد هذا الماء كاملً (السائل) محاولين تجميده كله ،بعدما هيّأنا لهذا التغيير الشروط ذاتها ،فإ ّ
سيستغرق الزمن ذاته ،أي 30دقيقة بحسب ساعة المركبة.
ن إحداث هذا التغيير مشروط ببقاء هذا الماء ،أو هذا العنصر أو ذاك من عناصر وغنيٌ عن البيان أ ّ
خ َتبِر ما
التجربة ،محتفظاً بوجوده وهويته في هذه البيئة الجديدة (المركبة بسرعتها تلك) فثمّة أشياء َن ْ
يعتريها من تغيير في ظروف وجودها الرضية (أي على كوكب الرض) ولكنّ هذه الشياء ل تظل
محتفظةً بوجودها ،أو بخواصّها التي َن ْعرِف ،في بيئة فيزيائية كونية أُخرى (في نجم ،أو في تلك المركبة،
مثلً).
ت الذي تراقِب تلك التجربة من على سطح الرض سترى أنّ تحوّل هذا المقدار من الماء (السائل) إلى أن َ
ن التغيير هناك ،أي في جليد لم يستغرق 30دقيقة ،وإنّما 30سنة (مثلً) بحسب ساعتكَ ،فتقول ،بالتالي ،إ ّ
ج ِريَت في كوكب كتلته أكبر ن تلك التجربة ُأ ْ حدُث في بطء شديد .وستقول الشيء نفسه لو أ ّ تلك المركبةَ ،ي ْ
من كتلة كوكب الرض بألف مرّة مثلً ،فـ "التسارُع (وصولً إلى سرعة تقارِب سرعة الضوء)"
و"الجاذبية (الشديدة)" ُي ْنتِجان الظاهرة ذاتها ..ظاهرة "بطء (سير) الزمن".
كل "تغيير" نراقبه في الرض مثل ل بد له من أن يبطؤ في الجسم المتسارع ،أو حيث تشتد الجاذبية .إنه
يبطؤ بالنسبة إلى "الساعة الرضية" مثل.
ن الثانية الواحدة تطول،
هذا هو "تمدّد الزمن" الناتج عن "التسارع" ،أو عن "الجاذبية الشديدة" ،وكأ ّ
وتكبر ،وتتسع ،لتعدل مقدارا أكبر من الزمن الرضي.
تباطؤ حركة الزمن (= تمدّد الزمن ،أو تأخّر الساعة) بسبب "التسارُع" ،أو "اشتداد الجاذبية" ،ما عاد
بالقول النظري الصرف ،فقد َثبُتَ وتأكّد في غير تجربة واختبار.
هناك جسيم (غير مستقر) يسمّى "ميون" .وهذا الجسيم ينحل ويتفكّك (ف َي ْنتُج من انحلله وتفكّكه جسيمات
عمْره 2.2ميكرو ثانية .تخيّل أنّ
مختلفة) في زمن متناهٍ في الضآلة ،مقداره 2.2ميكرو ثانية ،أي أنّ ُ
أمامكَ "ميون" وُِلدَ (نشأ) الن .هذا الجسيم ستراه ينحل ويتفكّك ،أي يموت ويزول بعد 2.2ميكرو ثانية
ضعْ ُه في "مسرّع" ،أي في آلة تزيدخ ْذ هذا الجسيم ،وَ َ
من ولدته .سترى كل ذلك بحسب ساعتكَ أنتَُ .
عمْره سرعته كثيراً .بفضل هذا "المسرّع" زادت سرعته كثيرًا حتى بلغت % 99من سرعة الضوء .قِسْ ُ
الن فتراه قد طال .لقد أصبح 16ميكرو ثانية بحسب الساعة ذاتها ،أي بحسب ساعتكَ أنتَ.
ت إحداهما على مقربة من مركز الكرة ت بساعتين متماثلتين ،تصميماً ،و ِدقّةً ،ووقتاً ،ف َوضَعْ َ ولو جِئ َ
ض َعهَا في أعالي الغلف الجوّي ضعْتَ الُخرى بعيداً عنه ،كأن ت َ الرضية حيث الجاذبية أقوى وأشد ،وو َ
ن أحد للرض ،فسوف ترى أنّ الساعة الولى قد تأخّرت عن الساعة الثانية .وهذا إنّما يعني ،مثلً ،أ ّ
التوأمين يشيخ قبل الخر إذا ما عاش بعيداً عن مركز الجاذبية الرضية ،كأن يعيش على أعلى قِمّة جبلية.
ل قليلً عن ليس من شيء (أو جسم ،أو مادة ذات كتلة) يمكنه السير بسرعة الضوء .قد يسير بسرعة تق ّ
سرعة الضوء ،التي مقدارها 300ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولكنّه لن يتمكّن أبداً من أن يسير
بسرعة الضوء .لنتخيّل أنّ مركبة انطلقت من الرض في رحلة فضائية ،فشرعت تتسارع حتى قاربت
ن سير عقارِب الساعة في سرعتها سرعة الضوء .المراقب لتلك المركبة من على سطح الرض سيرى أ ّ
المركبة يزداد بطئًا مع كل تسارع.
بدايةً ،يرى أنّ الدقيقة الواحدة عنده ،أي بحسب ساعته هوَ ،ت ْعدِل نصف دقيقة في ساعة المركبة .وبعد أن
ن في ساعة المركبة .وبعد أن تتسارع تزداد سرعة المركبة أكثر ،يرى أنّ الدقيقة الواحدة عنده َت ْعدِل 5ثوا ٍ
مرّات عدّة ،يرى أنّ السنة عنده َت ْعدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة .وعندما تبلغ سرعة المركبة 280
ألف كيلومتر في الثانية الواحدة ،يرى أنّ عشرين سنة عنده َت ْعدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة .أمّا إذا
بلغت سرعة المركبة 295ألف كيلومتر في الثانية الواحدة فإنّ الثانية الواحدة في ساعة المركبة قد َت ْعدِل
مليون سنة أرضية.
ل قليلً عن سرعة الضوء .في ن المركبة قد بلغت "سرعتها القصوى" ،أي السرعة التي تق ّ لنفرِض الن أ ّ
هذه الحال ،سيرى المراقِب الرضي أنّ عقارب ساعة المركبة جميعًا قد توقّفت توقّفاً تا ّماً عن الحركة،
ن آخر مشهد رآه في المركبة (كأن يكون فيظن أنّ الزمن في المركبة قد توقّف نهائياُ ،أو "تجمّد" .إ ّ
المسافِر على متنها قد رفع يده) سيظل يراه سكّان الرض إلى البد .قبل أن "يتجمّد" الزمن في المركبة،
أو قبل أن يرى هذا "المشهد البدي" ،كان يرى الحداث في المركبة تزداد بطئاًَ ،ف َرسْ ُم خطّ على ورقة
ل يستغرق ثانية واحدة بحسب ساعة المراقب الرضي ،فأصبح هناك ،أي في داخل المركبة ،كان عم ً
يستغرِق سنةً ،ثمّ مليون سنة ،بحسب الساعة الرضية.
الزمن في المركبة توقّف ،أو "تجمّد"؛ ولكن بالنسبة إلى المراقب الرضي فحسب ،فالمسافِر على متن
ن سير الزمن عنده قد تباطأ ،أو توقّف ،فها هو قلبه ينبض 70نبضة في المركبة لن يرى أبدًا ما يدلّ على أ ّ
الدقيقة الواحدة بحسب ساعته هو ،وها هو ينام 8ساعات في اليوم ،وها هو يتناول وجبة الغداء (كل يوم)
بعد 8ساعات من تناوله وجبة الفطور ،وها هو يُدخّن السيجارة في زمن مقداره 5دقائق بحسب ساعته.
الظاهرة ذاتها تقريباً يراها المراقب الرضي في مراقبته لمركبة فضائية وصلت إلى "ضواحي" جسم
كوني يسمّى "الثقب السود" .ما أن تقترب تلك المركبة كثيراً من سطح "الثقب السود" حتى يتوقّف
الزمن نهائياً في تلك المركبة بالنسبة إلى ساعة المراقب الرضي .وآخر مشهد يشاهده هذا المراقب في
المركبة قبل دخولها إلى عمق "الثقب السود" سيظل سكّان الرض يشاهدونه إلى البد ،فهم لن يروا أبداً
المركبة وهي تدخل "الثقب السود" .أمّا المسافِر على متن تلك المركبة فلن يرى ما يدلّ على أنّ الزمن
عمْق "الثقب السود" ،وسيظل الزمن عنده يسير بالسرعة ذاتها، عنده قد توقّف .هذا المسافِر سيدخل إلى ُ
ن هذا المسافِر يمكنه العيش في داخل "الثقب السود" فإنّه لن أي بل تسارع ،وبل تباطؤ .إذا افترضْنا أ ّ
يرى أي تغيير في سرعة الزمن عنده ،فها هو قلبه ينبض 70نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته،
عمْق "الثقب السود". وهو في ُ
ل بالنسبة إلى مراقب خارجي ما ،كالمراقٍب الرضي. ن الزمن ل يتوقف ،ول "يتجمّد" ،في أي شيء إ ّ إّ
ن ليس من توقّف ُمطْلَق للزمن .حتى في داخل "الثقب السود" ،أو في تلك "البيضة" التي وهذا إنّما يعني أ ْ
منها نشأ كوننا ،ل يتوقّف الزمن توقّف ُمطْلقاً .إنّه يتوقّف فحسب بالنسبة إلى مراقِب خارجي ما.
الزمن يتمدّد (أي يبطؤ) بـ "التسارع" و"الجاذبية" .هذه حقيقة فيزيائية ما عاد ممكناً ،بعد التجربة
والختبار ،الشك في صحّتها .وثمّة حقيقة فيزيائية أُخرى ما عاد ممكناً الشك في صحّتها هي أيضاً .وهذه
الحقيقة هي أنّ سرعة الضوء في الفضاء تظل ثابت ًة ل تتغيّر بالنسبة إلى كل مراقٍب (أو كل "إطار
مرجعي") في الكون ،فأيّ مراقِب إذا قاس سرعة أي ضوء َيجِدها 300ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
ظهِر ويُؤكّد حقيقة ثالثة ل شكّ في صحّتها ،هي تقلّص ،وانكماش، اجتماع هاتين الحقيقتين إنّما ُي ْ
واختصار" ،المسافة الفضائية".
المسافة بين كوكب الرض والشمس تبلغ 150مليون كيلومتر ،يجتازها الضوء المنطلق من الشمس إلى
الرض في زمن مقداره 8دقائق بحسب الساعة الرضية.
ن جاذبيته أكبر ا ْف َترِض الن وجود شخص في كوكب آخر ،كتلته أكبر من كتلة الرض بألف مرّة ،أي أ ّ
من الجاذبية الرضية بألف مرّة .الزمن في هذا الكوكب أبطأ من الزمن الرضي .ا ْف َترِض أنّ الثانية
ن الضوء المنطلق من الشمس يصل الواحدة في هذا الكوكب َت ْعدِل 8دقائق أرضية .هذا الشخص يرى أ ّ
إلى الرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو .ولقد قاس سرعة هذا الضوء (بمتره هو،
جدَ أنّها 300ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وبساعته هو) فو َ
بالنسبة إلى هذا الشخص ،يصل ضوء الشمس إلى الرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو.
ن الشمس ل تبعد عن الرض 150مليون كيلومتر ،وإنّما 300ألف وهذا إنّما يعني ،بالنسبة إليه ،أ ّ
كيلومتر فقط.
لو تباطأ الزمن عنده وظلّت المسافة ثابتة لرأى التي :في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته اجتاز
الضوء المنطلق من الشمس إلى الرض مسافة مقداره 150مليون كيلومتر ،وكأنّ سرعة الضوء زادت
فأصبحت 150مليون كيلومتر في الثانية الواحدة عنده؛ وهذا يتناقض مع مبدأ "ثبات سرعة الضوء"،
فسرعة هذه المادة يجب أن تظل 300ألف كيلومتر في الثانية الواحدة ،لدى قياس كل المراقبين لها.
ن كل تمدّد (أو تباطؤ) في الزمن يَ ْق َترِن ،ويجب أن يَ ْق َترِن ،بتقلّص ،وانكماش، يترتّب على ذلك أ ّ
واختصار ،كل مسافة فضائية.
ن المسافِر على ن مركبة فضائية دارت بسرعة تقارِب سرعة الضوء ،في مدارٍ قريب من الرض ،فإ ّ ولو أ ّ
ل كثيراً عن 150مليون كيلومتر ،فهذه المسافة تتقلّص بما ن المسافة بين الرض والشمس تق ّ متنها س َيجِد أ ّ
يتناسب مع تمدّد (أو تباطؤ) الزمن في المركبة ،وبما يوافِق قانون "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى
المراقبين جميعاً".
هذا المسافِر ،وبكل ما لديه من أجهزة ووسائل وطرائق لقياس البعاد والطوال والمسافات ،سيتأكّد أنّ
المسافة بين الرض والشمس تقلّ عن 150مليون كيلومتر.
عمْرس َت ْنتِج أنّ ُ
ن أبعد مجرّة عن الرض تبعد عن هذا الكوكب 12000مليون سنة ضوئية .وعليه قد َن ْ إّ
الكون 12000مليون سنة.
ت تعيش في داخل "ثقب أسود"؟ الثانية الواحدة عندكَ قد َت ْعدِل 1000مليون هل سترى المر ذاته لو كن َ
عظَم جاذبية هذا الجسم الكوني. سنة أرضية ،بسبب ِ
عمْر الكون ل ن أبعد مجرّة ستراها تبعد عن "الثقب السود" الذي فيه تعيش 12ثانية ضوئية ،أي أنّ ُ إّ
يزيد ،بالنسبة إليكَ ،أو بالنسبة إلى ساعتكَ ،عن 12ثانية.
في هذا الجسم الكوني ("الثقب السود") يبلغ تمدّد الزمان Time dilationحدّه القصى ،ويبلغ تقلّص
المكان Length contractionحدّه القصى.
ت الذي في مركبة تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء ،أو في موضع كوني شديد كل شيء عندكَ (أن َ
ن هذا التضاؤل ل تراهُ أنتَ .أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الرض ،مثلً، الجاذبية) يتضاءل حجماً؛ ولك ّ
أرى هذا التضاؤل .في تقلّص وانكماش المكان ،أنتَ ترى فحسب تقلّص وانكماش "المسافات الفضائية".
ل كثيراً عن 150مليون كيلومتر؛ أمّا أنا ،الذي أعيش ن المسافة بين الرض والشمس تق ّ ت ترى ،مثلً ،أ ّ أن َ
على الرض ،فأراها 150مليون كيلومتر.
أنتَ تقيس سرعة الضوء المنطلق من الشمس إلى الرض ف َتجِدها 300ألف كيلومتر في الثانية الواحدة
(بحسب متركَ وساعتكَ) .وأنا أقيسها فأجِدها ،أيضاً 300 ،ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب متري
وساعتي).
تمدّد ،أو تباطؤ ،الزمن إنّما هو ،في معنى آخر لهَ " ،ترَكّز ( َت َكثّف) الزمن" ،فـ "الدقيقة الواحدة" ،بحسب
الساعة في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء ،إنّما َتعْدِل في "نظام مرجعي
آخر" ،كوكب الرض مثلً ،ساعة ،أو يوم ،أو شهر ،أو سنة ،أو مليون سنة .. ،إلخ.
قياس سرعة الشيء إنّما يحتاج إلى أداتين" :الساعة" ،و"المتر (أو غيره من أدوات قياس المكان)" .وإذا
سبَةً إلى الساعة
كانت حركة الساعة ،في "نظام مرجي متسارِع (أو عظيم الكتلة والجاذبية)" تتباطأ ( ِن ْ
ن "المتر" ،في هذا النظام ،يتقلّص وينكمش (أي يتضاءل طوله ِنسْبَ ًة إلى المتر الرضي الرضية مثلً) فإ ّ
مثلً) .وينبغي لنا أن نفهم هذا التغيير الذي يطرأ على "الساعة" و"المتر" على أنّه تغيير حقيقي ،فعلي،
موضوعي ،أي َي ْعكِس "حقيقة موضوعية" ،مستقلة تماماً عن أحاسيسنا ومشاعرنا.
ن "المتر" فيه َي ْعدِل
ن الثانية الواحدة في هذا "النظام المرجعي" َت ْعدِل 60ثانية أرضية ،وأ ّ ا ْف َترِض الن أ ّ
نصف متر أرضي .وافْ َترِض أيضاً ،أو بعد ذلك ،وجود مركبة فضائية ،انطلقت من الرض ،فتسارَعت
حتى بلغت سرعتها 280ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
طول هذه المركبة قبل انطلقها كان ،على سبيل المثال 600 ،ألف كيلومتر ،فما أن أصبحت سرعتها 280
ألف كيلومتر في الثانية الواحدة حتى أصبح طولها ،بعدما تقلّص في اتّجاه حركتها 300 ،ألف كيلومتر.
هذا الختصار في طول المركبة ل ُي ْدرِكه المسافِر على متنها؛ لنّه سيقيس طولها بمتره الذي تقلّص
بالنسبة ذاتها.
ن طول "المتر" الذي المراقب الرضي ،فحسب ،هو الذي ُيدْرِك ذلك .وهذا المراقِب ُيدْرِك ،أيضاً ،أ ّ
يحمله "المسافِر" معه قد تقلّص هو ،أيضاً ،فأصبح َي ْعدِل ،مثلً ،نصف متر أرضي.
"النسبية" ،هنا ،وكما نراها في اختلف نتائج القياس الزماني والمكاني بين "المسافِر" و"المراقِب
ن الزمن في تلك المركبة الرضي" ،ل تتعارض ،ويجب ألّ تتعارض ،مع "الحقيقة الموضوعية" ،وهي أ ّ
ن طولها قد تقلّص فعلً. قد تباطأ فعلً ،وأ ّ
هذا المسافِر أضاء مصباحاً في مقدّم المركبة ،فوصل ضوءه إلى مؤخّرها في زمن مقداره 2ثانية (بحسب
ساعته هو) .وقام ،أيضاً ،بقياس طول مركبته بالمتر الذي معه ،ف َوجَد أنّ طولها لم َيزِد ،ولم َينْقُص ،أي أنّه
(طول المركبة) ظلّ 600ألف كيلومتر .وعليه ،مهما كان النكماش الذي اعترى "متر" هذا المسافِر،
والتباطؤ الذي اعترى حركة الزمن في مركبته ،تظل نتيجة قياسه لسرعة الضوء ،أي ضوء ..الضوء في
داخل مركبته أم في خارجها ،ثابتة ل تتغيّر ،أي أنّ سرعة الضوء تظل 300ألف كيلومتر في الثانية
الواحدة .أمّا أنا الذي أُراقِب تلك المركبة من على سطح الرض ،وأقيس البعاد بمتري أنا ،والزمان
بساعتي أنا ،فأرى أنّ طول المركبة قد أصبح ،بعدما تقلّص وانكمش في اتّجاه حركتها 300 ،ألف
ن ذلك الضوء (الذي ظلّت سرعته 300ألف كيلومتر في الثانية ،بحسب متري كيلومتر ،وأرى ،أيضاً ،أ ّ
خرِها) في زمن مقداره ،بحسب ساعتي أنا، أنا وساعتي أنا) قد اجتاز تلك المسافة (بين مقدّم المركبة ومؤ ّ
ثانية واحدة.
حوّلْنا كل ثانية هنا إلى 60ثانية أرضية ،وكل متر هنا إلى نصف متر ولكن ،ما معنى هذه الظاهرة إذا ما َ
ن هذا الضوء قطع مسافة مقدارها 300ألف كيلومتر في زمن مقداره 120ثانية. أرضي؟ معناها أ ّ
ظهَر في القياس ،أي عندما يقيسها المسافِر أو أنا) ومعناها ،تالياً ،أنّ سرعة هذا الضوء (التي ل يمكن أن تَ ْ
تبلغ 2500كيلو"متر(بحسب المتر الرضي)" ،في "الثانية (بحسب الساعة الرضية)".
هذا المسافِر لن يَ ْقبَل أبداً فكرة أنّ سرعة هذا الضوء كانت (في داخل مركبته) 2500كيلومتر في الثانية
الواحدة ،فهو متأكّد تماماً (بما لديه من وسائل وأدوات وأجهزة وأساليب لقياس المسافة ،والطول ،والزمن،
ن هذا الضوء قد اجتاز المسافة من مقدّم ن طول مركبته ما زال 600ألف كيلومتر ،وأ ّ والسرعة) أ ّ
حمِله على الشكّ خرِها في زمن مقداره ثانيتين اثنتين فقط (بحسب ساعته التي ليس لديه ما َي ْ مركبتها إلى مؤ ّ
ن طول مركبته قد ظلّ 600ألف كيلومتر (فهو تقلّص بالنسبة إليّ ،أي في ِدقّتها) .وأنا أيضًا لن أقبل أبداً أ ّ
بالنسبة إلى أدوات ووسائل قياسي للطوال ،وأصبح 300ألف كيلومتر) .ولن أقبل أيضا أنّ سرعة
ن هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة ( الضوء في تلك المركبة تبلغ 2500كيلومتر في الثانية الواحدة ،وأ ّ
300ألف كيلومتر) في زمن مقداره 120ثانية ،فما لديّ من أدوات ووسائل وأجهزة وطرائق لقياس
ن هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة (التي هي 300ألف كيلومتر) الطوال والمسافات والزمن يؤكّد لي أ ّ
في ثانية واحدة فحسب.
خيّل الن أنّ "ع َربَة" تسير على طريق في داخل تلك المركبة من مقدّمها إلى مؤّخرها ،وأنّها قد ولكنِ ،ل َت َت َ
خرِها .المسافِر على متن تلك المركبة شرعت تسير عندما انطلق ذلك الضوء من مقدّم المركبة إلى مؤ ّ
ن "العربة" قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها بالنسبة إليه 600ألف كيلومتر) في زمن مقداره، رأى أ ّ
بحسب ساعته 100 ،ثانية (أي أنّ سرعتها ،بالنسبة إليه 6000 ،كيلومتر في الثانية) .أنا الذي أُراقِب تلك
ن "العربة قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها، "العربة" من على سطح الرض أرى غير ذلك .أرى أ ّ
بالنسبة إليّ 300 ،ألف كيلومتر) في زمن (أرضي) مقداره 6000ثانية ( 1.6ساعة) فالثانية الواحدة في
ن سرعتها تبلغ 50كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب المركبة إنّما َت ْعدِل 60ثانية أرضية .وعليه ،أرى أ ّ
متري أنا ،وساعتي أنا).
في "مثال الضوء (في داخِل المركبة)" ،اتّفَقْتُ أنا وأنتَ على سرعته فحسب ،واختلفنا في حساب
"المسافة" التي قطعها ،و"الزمن" الذي استغرقه قطعها .وفي "مثال ال َعرَبَة" ،لم نتّفِق في شيء ،ل في
"سرعة العربة" ،ول في "المسافة" التي قطعتها ،ول في "الزمن" الذي استغرقه قطعها.
ولو انطلقت هذه المركبة من الرض نحو الشمس ،متسارِع ًة حتى بلغت سرعتها 280ألف كيلومتر في
الثانيةَ ،ل َقطَعت المسافة بين الرض والشمس ،والتي مقدارها 150مليون كيلومتر ،بحسب القياس
ت المسافِر على الرضي لها ،في زمن مقداره موضع خلف بيني (أنا المراقِب الرضي) وبينكَ (أن َ
ن سفركَ ن مثلً .أمّا أنا فسوف أرى أ ّ ت سيستغرِق سفركَ إلى الشمس ،وبحسب ساعتكَ 10 ،ثوا ٍ متنها) .أن َ
ن المسافة التي قطعتها مركبتكَ لم ت متأ ّكدٌ الن أ ّقد استغرق ،بحسب ساعتي الرضية 535.7 ،ثانية .أن َ
تظل 150مليون كيلومتر ،وأنّها قد تقلّصت ،فأصبحت 2800000كيلومتر ( %18.6من المسافة
ن الضوء المنطلق من ت ترى أ ّالصلية) .أمّا أنا فأراها على حالها ،أي أنّها ظلّت 150مليون كيلومتر .أن َ
الشمس يصل إلى الرض في زمن مقداره ،بحسب ساعتكَ 9.3 ،ثانية .وأنا أراه يصل إلى الرض في
ك فتَجِدها 280ألف ت تقيس سرعة مركبت َ زمن مقداره ،بحسب ساعتي 500 ،ثانية ( 8.3دقيقة) .أن َ
كيلومتر في الثانية (بحسب متركَ وساعتكَ) .وأنا أقيسها فأجدها أيضاً 280ألف كيلومتر في الثانية
(بحسب متري وساعتي).
ك إنّما َت ْعدِل 50ثانية عندي؛ والمتر عندكَ إنّما َي ْعدِل 18.6سنتيمتر عندي ( %18.6من كل ثانية عند َ
ظهَر نتائجه في أيّ من أدوات القياس ت إجراء "حساب ثالث" ل ُي ْمكِن أن َت ْ المتر الرضي) .ولو أرد ُ
ك المسافة التي قطعتها مركبتكَ فوجدتَ ت بمتر َت قِسْ َت التي :أن َ (المكانية والزمانية) التي لديكَ ولديّ ،لَقُلْ ُ
ن متركَ َي ْعدِل %18.6من المتر الرضي .وعليه ،تكون المسافة 520ألف أنّها 2800000كيلومتر؛ ولك ّ
كيلومتر .وهذه المسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره ،بحسب ساعتكَ 9.3 ،ثانية .ولكنّ الثانية عندكَ
َت ْعدِل 50ثانية عندي .وهذا إنّما يعني أنّ الضوء الذي قطعها كانت سرعته 1118كيلومتر في الثانية .أمّا
سرعة مركبتكَ فتكون 1040كيلومتر في الثانية.
تخيّل الن أ ّنكَ مقيم في داخل "ثقب أسود" ،فكم يبلغ طول نصف قطر هذا الجسم الكوني ال ُمظْلِم؟ أقيسه أنا
ت ف َتجِده 3000000كيلومتر (مثلً) .أنا أرى المراقِب الرضي فأجده 300000كيلومتر (مثلً) .تقيسه أن َ
ت فتراه يجتازها في أنّ الضوء يجتاز تلك المسافة (أي نصف القطر هذا) في ثانية (أرضية) واحدة .أمّا أن َ
ك َيعْدِل 10سنتيمتر عندي ( %10من المتر الرضي). زمن مقداره ،بحسب ساعتكَ 10 ،ثوانٍ .المتر عند َ
ن تتخيّل التغيير الذي سيطرأ على تلك النتائج الحسابية إذا ما والثانية عندكَ َت ْعدِل 10ثوانٍ عندي .ولكَ أ ْ
ك َي ْعدِل %0.000001من المتر ك َتعْدِل مليون سنة أرضية ،أو أكثر؛ والمتر عند َ كانت الثانية عند َ
الرضي ،أو أقل!
ك لدينا في مبدأ "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى المراقبين جميعا" ،فكل مراقِب يقيس سرعة أي لش ّ
ضوء ل بدّ له من أن َيجِدها 300ألف كيلو"متر" في "الثانية" الواحدة .ولكن "المتر" ليس هو ذاته ،لجهة
طوله ،في كل أنحاء الكون؛ و"الثانية" ليست هي ذاتها ،لجهة "كثافة الزمن فيها" ،في كل أنحاء الكون.
ويكفي أن يتمدّد (أو يبطؤ) الزمن ،ويزداد تمدّداً ،وأن ينحني المكان (تنكمش الطوال والمسافات)..
ويزداد انحناءً ،حتى يبطؤ كل تغيير ،وكل سرعة ..إلّ سرعة الضوء.
عن ميدل ايست اونلي