Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫إنه الزمن …‪ ..

‬لغز اللغاز‬

‫سبْر أغواره‪،‬‬ ‫سهِل عقل النسان الخوض فيه‪ ،‬و َ‬ ‫"الزمن"‪ ،‬مفهومًا وتعريفاً وتصوّراً‪ ،‬ليس بالشيء التي َيسْ َت ْ‬
‫فهو ما زال ُلغْزاً عسير الفهم والحل‪ ،‬ليس في الفلسفة والدين فحسب‪ ،‬وإنّما في الفيزياء‪.‬‬
‫ن َفهْم‪،‬‬
‫ل هذا اللغز‪ ،‬من حيث المبدأ والساس‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ن آينشتاين‪ ،‬وفي وجه آخر من وجوه عبقريته‪ ،‬قد ح ّ‬ ‫ومع أ ّ‬
‫أو تمثّل‪ ،‬هذا الحل ما زال من الصعوبة بمكان؛ ذلك لنّنا اعتدنا النظر إلى الزمن في طريقة ُت َعسّر‪ ،‬ول‬
‫ُت َيسّر‪َ ،‬فهْمنا وتَمثّلنا لـ "الحل" الذي جاء به آينشتاين‪.‬‬
‫وفي قصّة الخَلْق التوراتية لـ "الكون"‪ ،‬كان "الزمن" قبل أن يشرع الخالِق َيخْلق "الكون" في صورته‬
‫التوراتية‪ ،‬فاليّام (الحد‪ ،‬والثنين‪ ،‬والثلثاء‪ ،‬والربعاء‪ ،‬والخميس‪ ،‬والجمعة‪ ،‬والسبت) كانت موجودة‬
‫قبل أن َيخْلِق ال الرض‪ ،‬التي في بعضٍ من هذه اليّام خلقها‪.‬‬
‫الجدل الديني‪ ،‬أو الديني ـ الفلسفي‪ ،‬في أمر "الزمن"‪ ،‬تطوّر بعض الشيء‪ ،‬بعد مئات السنين من إنشاء‬
‫قصة الخَلْق التوراتية‪ ،‬فكان السؤال الذي ُبذِل كثيرٌ من الجهد والوقت من أجل إجابته هو‪" :‬هل الزمن‬
‫مخلوق‪ ،‬خلقه ال كما خَلَق سائر الشياء؟"‪.‬‬
‫ن بعضاً من النصوص الدينية كانت في منتهى الوضوح في حديثها عن "الزمن‬ ‫الجابة استعصت؛ ل ّ‬
‫اللهي"‪ ،‬فثمّة "يومٌ عند ال"‪ ،‬وهذا اليوم يفوق في حجمه الزمني اليوم عند البشر‪.‬‬
‫ل على خير وجه التناقض في‬ ‫الماركسية‪ ،‬بفلسفتها "المادية"‪ ،‬وبمنهجها الجدلي (الدياليكتيكي) الذي ح ّ‬
‫العلقة بين "ال ُمطْلَق" و"النسبي"‪َ ،‬ف ِهمَت "الزمن" على أنّه‪ ،‬كـ "الحركة"‪ ،‬جزء ل يتجزأ من وجود‬
‫المادة‪ ،‬التي تتحرّك دائماً في "المكان" و"الزمان"‪ .‬وقد اشتملت تلك الفلسفة على أفكارٍ تسمح لها‪ ،‬أي لتلك‬
‫الفلسفة‪ ،‬بأن تكون على وفاق أساسي وجوهري مع مفهوم الزمن كما أنشأه وطوّره آينشتاين‪.‬‬
‫سؤال "هل الزمن مخلوق؟"‪ ،‬أجابت عنه إجابة قاطعة نظرية "النفجار العظيم" ‪ Big Bang‬إذ صوّرت‬
‫هذا "النفجار" على أنّه "خالِق الزمن"‪ ،‬فـ "قَبْلَهُ"‪ ،‬أي " َقبْل" هذا "النفجار"‪ ،‬لم يكن لـ "الزمن" من‬
‫وجود‪ .‬لقد َفهِمَتْ هذه النظرية الكوزمولوجية الكون على أنّه شيء لم ينشأ في الزمن‪ ،‬ففي ذلك "الشيء"‬
‫‪ Singularity‬الذي منه انبثق الكون بقوّة "النفجار العظيم" لم يكن من وجود للزمن‪ ،‬كما لم يكن من‬
‫وجود للفضاء‪.‬‬
‫ن "الزمن" هو "ال ُبعْد الرابع"‪ ،‬الذي يتّحد‬ ‫آينشتاين‪ ،‬في سعيه إلى حلّ ُلغْز "الزمن"‪ ،‬توصّل‪ ،‬أ ّولً‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫اتّحاداً ل انفصام فيه مع أبعاد المكان الثلثة (الطول‪ ،‬والعرض‪ ،‬والرتفاع)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ما عاد ممكناً أن نتصوّر "المكان" و"الزمان" على أنّهما شيئان منفصلن‪ ،‬فاتحادهما الذي ل‬
‫عبّر عنه لغويًا بمصطلح "الزمان ـ المكان (= "الزمكان")" ‪.Space – Time‬‬ ‫انفصام فيه ُ‬
‫حدّد‪ ،‬ال ُم َعيّن‪ ،‬الملموس‪،‬‬
‫"الشيء" ‪ Object‬إنّما هو "المادة في وجودها الشيئي (الجسماني)"‪ ،‬أي ال ُم َ‬
‫المحسوس‪ .‬وفي الكون‪ ،‬ليس من وجود إلّ لـ "الشياء"‪ ،‬التي بتأثيرها في حواسّنا الخمس‪ُ ،‬ندْرِك وجودها‬
‫إدراكاً حسّياً مباشِراً‪.‬‬
‫وهذا القول ل ينقضه وجود أشياء ل ُيمْكننا أن ُن ْدرِك وجودها إدراكًا حسّياً مباشِراً‪ ،‬كأن نرى جسيم‬
‫"اللكترون" بالعين المجرّدة‪ .‬والفيزياء لديها الن من الدوات والوسائل والساليب ما يسمح لنا بتأكيد‪ ،‬أو‬
‫نفي‪ ،‬وجود شيء ما‪.‬‬
‫ن هذا الدراك ُي ْمكِن‬ ‫وفي لغة فلسفية‪ ،‬أقول في شأن الدراك الحسّي المباشِر للشياء بـ "حاسة البصر" إ ّ‬
‫ويجب أن يُ ْفهَم ويُفسّر على أنّه نتيجة "تأثير متبادل"‪ ،‬أو "تفاعل (فيزيائي‪ ،‬طبيعي‪ ،‬مادي)"‪ ،‬بين "مادة‬
‫معيّنة (= الضوء)"‪ ،‬تنطلق من الشيء وبين "العين ـ الدماغ"‪ .‬ولو ظلّت هذه "المادة" حبيسة في داخل‬
‫ل َتحُول بينها وبين الوصول إلى "العين ـ الدماغ"‪َ ،‬لمَا أصبح "الشيء" مرئياً‪،‬‬ ‫ذلك الشيء‪ ،‬أو في حا ٍ‬
‫ح ِدثُه في أشياء أُخرى (في جواره على‬ ‫س َعيْنا في الستدلل على وجوده (الموضوعي) من خلل ما ُي ْ‬ ‫وَل َ‬
‫وجه الخصوص) من تأثير وتغيير محسوسين‪ .‬ولكم أن تتخيّلوا النتيجة المترتّبة على انطلق تلك "المادة‬
‫(= الضوء)" من شيء ما‪ ،‬مع بقائها تدور حَوْله‪ ،‬أي مع بقائها عاجزة عن السير في الفضاء حتى تصل‬
‫ث ذلك َلمَا تم ّكنّا أبداً من رؤية هذا الشيء‪ ،‬ول من رؤية حتى تلك "المادة"‪،‬‬ ‫حدَ َ‬‫إلى "العين ـ الدماغ"‪ .‬لو َ‬
‫حوْله‪.‬‬
‫أي الضوء الذي " ُكتِبَ عليه" أن يظلّ يدور َ‬
‫جبَل‪،‬‬
‫في الكون‪ُ ،‬ت ْوجَد "الشياء (أو الجسام والجسيمات)" فحسب‪ ،‬كالنجم‪ ،‬والكوكب‪ ،‬والنهر‪ ،‬وال َ‬
‫والبرتقالة‪ .. ،‬إلخ‪.‬‬
‫ن العام‪ ،‬أو المجرّد‪ ،‬من الشياء ل وجود له البتّة‪ ،‬فليس من وجود‬ ‫وفي مزيدٍ من التعيين والتحديد‪ ،‬نقول إ ّ‬
‫(في الواقع الموضوعي) لـ "النجم العام"‪ ،‬أو لـ "النهر العام"‪" .‬ال َفرْد" من الشياء هو ما يُ ْوجَد فحسب‪ ،‬في‬
‫الواقع الموضوعي‪ ،‬فالنجم الموجود إنّما هو "الشمس" مثلً؛ والنهر الموجود إنّما هو "النيل" مثلً‪ ،‬وإنْ‬
‫كان "المفهوم" َي ْعكِس ويُصوّر "العام" من الشياء‪ ،‬والذي هو "الجوهر" غير ال ُم ْدرَك إدراكاً حسّياً‬
‫مباشِراً‪.‬‬
‫"الشيء"‪ ،‬في معناه هذا‪ ،‬ينشأ في الزمان‪ ،‬ويزول في الزمان‪ ،‬فكل شيء له "لحظة نشوء"‪ ،‬و"لحظة‬
‫ن "الشيء ـ ال َفرْد" ل ُيمْكنه أبداً أن يكون خالداً‪ ،‬أو أزلياً ـ أبدياً‪ ،‬أو سرمدياً‪ .‬إنّه ينشأ ليزول حتماً‪.‬‬ ‫زوال"‪ .‬إ ّ‬
‫بين نشوئه وزواله "يتغيّر" الشيء‪ ،‬وينبغي له أن يتغيّر‪ ،‬فليس من شيء نشأ‪ ،‬فزال؛ ولكن من غير أن‬
‫يعتريه أي تغيير (بين نشوئه وزواله)‪ .‬على أنّ لحظة نشوء الشيء‪ ،‬ولحظة زواله‪ ،‬ل ُي ْمكِن النظر إليهما‬
‫على أنّهما "جزء من التغيير الذي يعتري الشيء (حتماً)"‪ ،‬فالتغيّر الذي يعتري الشيء (بين لحظتي نشوئه‬
‫وزواله) إنّما هو كلّ (وأقلّ) اختلف (= تغيير) يطرأ على الشيء‪.‬‬
‫جدَ‬
‫و"الزمن" إنّما هو صنو "التغيير"‪ ،‬فلو كانت الشياء "تتجاور"‪ ،‬ول "تتعاقب"‪ ،‬على استحالة ذلك‪َ ،‬ل ُو ِ‬
‫س َتغْرِق زمناً‪ ،‬قصيراً كان أم‬ ‫َكوْنٌ فيه "مكان"‪ ،‬وليس فيه "زمان"‪ .‬وكل تغيير يعتري الشيء يجب أن َي ْ‬
‫طويلً‪ ،‬فهذه الكرة التي تحرّكت على هذا السطح إذ َدفَ ْعتَها بيدكَ يجب أن تتوقّف عن الحركة َبعْد ‪ 50‬ثانية‬
‫ستَ ْغرِق زمناً يقاس (في عالمنا الرضي)‬ ‫ن هذا التغيير (توقّف هذه الكرة عن الحركة) ل َي ْ‬ ‫مثلً‪ .‬إ ّ‬
‫حدَثُ"‪ ،‬في هذا المثال‪ ،‬إنّما "يبدأ" بتحرّك تلك الكرة‪ ،‬و"ينتهي" بتوقّفها عن‬ ‫بالساعات أو اليّام‪ .‬و"ال َ‬
‫حدَث‪ ،‬لسبب‬ ‫ل الزمن الذي يستغرقه ال َ‬ ‫حدَثٍ" إلّ وله بداية ونهاية في الزمان‪ .‬وكلّما ق ّ‬‫الحركة‪ ،‬فليس من " َ‬
‫حدَث وانتهائه‪ ،‬زادت "سرعة التغيير (أو‬ ‫ما‪ ،‬أي كلّما ضاقت وتقلّصت "المسافة الزمنية" بين بدء ال َ‬
‫التطوّر)"‪.‬‬
‫سرَع التغيّر‪ ،‬وإذا "أبطأ" الزمن أبطأ التغيّر‪ .‬والتغيير‬ ‫"الزمن" إنّما هو "التغيّر"‪ ،‬فإذا "أسْرَع" الزمن‪ ،‬أ ْ‬
‫الذي يعتري الشيء‪ ،‬حتماً‪ ،‬إنّما هو الذي فيه‪ ،‬وبه‪ ،‬يستوفي الشيء شروط زواله‪ ،‬فالشيء إنّما يختلف‬
‫ويتغيّر بما يؤدّي‪ ،‬حتماً‪ ،‬إلى زواله‪ .‬وليس "النمو"‪ ،‬أو "التطوّر"‪ ،‬الذي َي ْعرِفه الشيء سوى الوجه الخر‬
‫لعملية العداد والتهيئة لسباب وعوامل زواله‪.‬‬
‫ِل َن ُعدْ إلى مثال الكرة‪ ،‬فأنا أريد أن أقيس زمن التغيير الذي طرأ عليها (أي توقّفها عن الحركة) بمقياس‬
‫س َتغْرَق هذا التغيير زمناً مقداره ‪ 60‬نبضة‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫آخر‪ ،‬هو "قلبي النابض"‪ .‬وبحسب هذا المقياس‪ ،‬ا ْ‬
‫خ َذ من "قلبي النابض" ساعة أخرى أقيس بها زمن التغيير‪.‬‬ ‫ُيمْكنني أن ا ّت ِ‬
‫وفي الطبيعة أنماط كثيرة من الساعات‪ ،‬فكل شيء َيعْرِف "تغييراً منتظَماً" ُي ْمكِن اتّخاذه ساع ًة نقيس بها‬
‫الزمن الذي يستغرقه التغيير في سائر الشياء‪ .‬و"مقياس الزمن" إنّما هو أن يُقاس معدّل التغيّر في جسم ما‬
‫ن َنبْض‬ ‫سبَ ًة إلى "تغيّر منتظَم" في جسم آخر (دقّات الساعة مثلً)‪ .‬ولو أ ّ‬ ‫(كمعدّل نبضات قلب إنسان حي) ِن ْ‬
‫طعْتُ أن ا ّتخِذ منه ساعة‪ ،‬فـ "الساعة" يجب أن تكون "تغييراً‬ ‫ستَ َ‬
‫قلبي يتسارَع تارةً‪ ،‬ويتباطأ طوراً‪َ ،‬لمَا ا ْ‬
‫منتظَماً"‪.‬‬
‫ن النظر في "الزمان"‪ ،‬ف َتجِد أنّه كل تغيير ُت ْرجِم بتغيير في "المكان"‪ ،‬الذي له ثلثة أبعاد‪ ،‬فـ "الدقيقة‬ ‫أ ْمعِ ْ‬
‫الواحدة"‪ ،‬وفي معنى من معانيها المكانية‪ ،‬إنّما هي مسافة معيّنة يقطعها كوكب الرض في دورانه حَوْل‬
‫ختَلِف "حجماً"‪.‬‬
‫الشمس‪ .‬و"القلب النابض" إنّما هو القلب الم ْ‬
‫إنّ "ال َفرْق في الزمان" هو الوجه الخر لـ "ال َفرْق في المكان"‪ ،‬فليس من " َفرْق في الزمان" ل يَ ْق َترِن‬
‫ب َفرْق في "الطول"‪ ،‬أو "العرض"‪ ،‬أو "الرتفاع"‪ ،‬أو الحجم‪ ،‬أو "المسافة"‪ ،‬أي بـ " َفرْق في المكان"‪.‬‬
‫وليس من فَرْق في المكان والزمان ل ُي ْنتِجه "تغيير آخر" يعتري الشيء‪.‬‬
‫سئِلْت‪" :‬ما هي الثانية (أو الدقيقة‪ ،‬أو الساعة‪ ،‬أو اليوم‪ ،‬أو السبوع‪ ،‬أو الشهر‪ ،‬أو السنة)؟"‪،‬‬ ‫وأنتَ لو ُ‬
‫جبْت بما يؤكّد و ُي ْثبِت اشتمال مفردات الزمان على المكان‪.‬‬ ‫لَ‬
‫كوكب الرض إنّما هو جزء من هذا الكل الكوني‪ ،‬يتبادل وإيّاه التأثير الفيزيائي دائماً‪ .‬و"التأثير الفيزيائي"‬
‫إنّما هو نوع معيّن (أو أنواع معيّنة) من "المادة"‪ ،‬ينتقل في الفضاء‪ ،‬بسرعة معيّنة‪ ،‬من شيء إلى شيء‪،‬‬
‫أو من جسم إلى جسم‪.‬‬
‫حمِل "التأثير الفيزيائي"‪ ،‬من جسم إلى جسم‪ ،‬عبر الفضاء‪ ،‬فما أنْ‬ ‫وثمّة جسيمات‪ ،‬تشبه "العربات"‪َ ،‬ت ْ‬
‫تُ ْفرِغ تلك الجسيمات حمولتها في جسم معيّن حتى تتفاعل تلك "الحمولة (من المادة)" مع هذا الجسم‪،‬‬
‫فيطرأ عليه‪ ،‬بالتالي‪ ،‬تغيير معيّن‪.‬‬
‫ولهذه الجسيمات الحاملة‪ ،‬والناقلة‪ ،‬لـ "التأثير الفيزيائي"‪ ،‬سرع ًة معيّنة (في الفضاء) َت ْعدِل‪ ،‬ول ُي ْمكِن أن‬
‫تتخطى‪" ،‬سرعة الضوء"‪ ،‬التي هي ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن ويجب النظر إلى "حاضرنا" في الكرة الرضية على أنّه محكوم تماماً بـ "ماضينا الكوني"‪،‬‬
‫ن تأثيره هذا هو جزء من ماضينا‬ ‫فذلك الجسم الكوني أثّر الن في الكرة الرضية‪ ،‬أي في حاضرنا؛ ولك ّ‬
‫ن حاضر كوكب الرض هو ثمرة تفاعُل‬ ‫الكوني‪ ،‬فلقد انطلق تأثيره هذا نحونا قبل ‪ 100‬مليون سنة مثلً‪ .‬إ ّ‬
‫هذا الكوكب مع ما وصل إليه من تأثيرات كونية مختلفة هي جزء من ماضي الكون القريب أو البعيد‪ ،‬فـ‬
‫ل في عالمي الصغير (في الرض‪ ،‬أو في جزء منها فحسب)‪.‬‬ ‫"الن" ل وجود لها إ ّ‬
‫وكل ما نراه في السماء‪ ،‬أو الفضاء‪ ،‬من أجسام إنّما هو "صورته في ماضيه" التي وصلت إلى عيوننا‬
‫"الن"‪ ،‬والتي استغرق وصولها دقائق‪ ،‬أو ساعات‪ ،‬أو سنوات‪ ،‬أو مليين السنين‪ .‬وهذه "الصورة" يمكن‬
‫ن خللها نرى "الصل"‪ ،‬أي الجسم الكوني‪ ،‬في ماضيه (الذي يُقاس‪،‬‬ ‫وصفها بأنّها "الصورة المؤثّرة"؛ فَمِ ْ‬
‫حمَل "التأثير‬ ‫وبحسب "الساعة الرضية"‪ ،‬بالثواني‪ ،‬أو الدقائق‪ ،‬أو الساعات‪ ،‬أو السنين‪ .. ،‬إلخ)‪ .‬وفيها ُي ْ‬
‫الفيزيائي" في حاضر كوكبنا الرضي‪.‬‬
‫ظهَر للمراقبين الكونيين جميعاً على أنّه "اجتماع اللحظات الزمنية‬ ‫وليس من حادِث في الكون إلّ و َي ْ‬
‫حدَثٌ َوقَع الن بالنسبة إليّ أنا الذي‬ ‫الثلث‪،‬أي الحاضر‪ ،‬والماضي‪ ،‬والمستقبل"‪ ،‬فانفجار النجم ‪ X‬إنّما هو َ‬
‫أعيش على كوكب الرض‪ ،‬ووقَ َع في الماضي بالنسبة إليكَ أنتَ الذي على مقربة منه‪ ،‬وسيقع مستقبلً‬
‫ن "الضوء" هو "المصوّر"‪،‬‬ ‫حدَث ‪ .‬إ ّ‬ ‫بالنسبة إلى مراقِب كوني ثالث لم تصله حتى الن صورة ال َ‬
‫و"الصورة"‪ ،‬و"ناقِل الصورة"‪ ،‬معاً‪.‬‬
‫ن الحدث يحدث في "موضع متحرّك"‪ .‬تخيّل‬ ‫حتى الزمن الذي يستغرقه حدوث الحدث يختلف مقداراً؛ ل ّ‬
‫ك تراقِب من على سطح الرض مركبة فضائية تسير في الفضاء البعيد‪ ،‬مبتعدةً عنكَ‪ ،‬بسرعة كبيرة‪.‬‬ ‫أ ّن َ‬
‫ن أحد المسافرين على متنها أشعل سيجارة‪ ،‬وشرع يدخنها‪ .‬لقد بدأ هذا الحدث (تدخين السيجارة)‬ ‫وتخيّل أ ّ‬
‫ن المدخّن ما أن انتهى من تدخين سيجارته (التي استغرق تدخينها‬ ‫ك ُبعْداً معيّناً؛ ولك ّ‬
‫والمركبة تبعد عن َ‬
‫مقدارًا معيّناً من الزمن ل تتّفِق أنتَ وهو على تعيينه) حتى أصبحت المركبة (المتحرّكة بعيداً عنكَ) َت ْبعُد‬
‫أكثر‪ .‬وهذا الفرق في المسافة الفضائية بين بداية الحدث ونهايته ل بد له من أن ُي َترْجَم بفرق في الزمن‬
‫حمِل صورة الحدث‪ ،‬والذي على سرعته التي ل َتعْدلها‬ ‫الذي استغرقه حدوث الحدث‪ ،‬فالضوء الذي َي ْ‬
‫سرعة أخرى في الكون‪ ،‬إنّما يسير بسرعة محدودة‪ ،‬مقدارها ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية‪.‬‬
‫"الزمن" يسير‪ ،‬في كل مكان من الكون‪ ،‬في اتّجاه واحد فحسب‪" ..‬إلى المام"‪ ،‬أي "من الماضي إلى‬
‫المستقبل"‪ .‬إنّه يسير في "خطّ مستقيم"‪ ،‬فل انحناء في مساره؛ وليس ممكناً‪ ،‬بالتالي‪ ،‬أن يسير في خطّ‬
‫ن جنيناً‬ ‫دائري‪ ،‬فيعود الشيء في تطوّره إلى ماضيه‪ ،‬أي إلى ما كان عليه في ماضيه‪ ،‬كأن يعود هذا المُس ّ‬
‫في َرحْم ُأمّه!‬
‫ن الزمن يمكن في ظروف فيزيائية كونية معيّنة أن‬ ‫س َتنْتِج من نظرية آينشتاين في "الزمن" أ ّ‬ ‫و ُيخْطئ من َي ْ‬
‫خ فيه الماضي‪.‬‬ ‫س َتنْسَ ُ‬
‫يسير في اتّجاه معاكِس‪ ،‬أي "من المستقبل إلى الماضي"‪ ،‬فليس من تطوّر في الكون ُي ْ‬
‫خ لماضي الشيء‪ ،‬أو عودة‬ ‫حتى في الجدل الهيجلي أو الماركسي ل ُي ْمكِن َفهْم "نفي النفي" على أنّه استنسا ٌ‬
‫إلى ماضيه‪ ،‬فالماضي‪ ،‬على أهمية تأثيره في حاضر ومستقبل الشيء‪ ،‬ل ُي ْمكِن أبداً أن ُيبْعث ح ّياً‪.‬‬
‫"السَفَر"‪ ،‬الذي َن ْعرِف إنّما هو "السفر في المكان"‪ ،‬أي النتقال من موضع إلى موضع‪ .‬وكل سَ َفرٍ في‬
‫المكان ل بدّ له من أن يستغرق زمناً‪ ،‬يطول أو يَ ْقصُر‪ِ ،‬وفْقًا لـ "السرعة"‪ ،‬فأنتَ‪ ،‬مشياً على قدميكَ‪ ،‬تجتاز‬
‫المسافة بين منزلك ومكان عملك في زمن مقداره ‪ 15‬دقيقة مثلً؛ أمّا في السيّارة‪ ،‬التي تسير بسرعة أكبر‪،‬‬
‫ن كل سَ َفرٍ‪ ،‬أي كل انتقال في المكان‪ ،‬يجب أن‬ ‫فإ ّنكَ تجتاز المسافة ذاتها في زمن مقداره ‪ 5‬دقائق مثلً‪ .‬إ ّ‬
‫يستغرق زمنا‪ ،‬أي يجب أن يقترن بانتقال في الزمان‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ثمّة سَ َف ٌر لم َنعْرفه حتى الن‪ ،‬هو "السَفَر في الزمان"‪ ،‬الذي ل بدّ لـ "الحاضر" من أن يكون نقطة‬
‫جهَة هذا السفر فهي إمّا أن تكون "المستقبل"‪ ،‬وإمّا أن تكون "الماضي"‪.‬‬ ‫انطلقه‪ .‬أمّا ِو ْ‬
‫نظرياً‪ ،‬واستناداً إلى تجارب فيزيائية أيضاً‪ ،‬يمكن "السفر إلى المستقبل"‪ ،‬أي "من الحاضر إلى‬
‫المستقبل"؛ أمّا "السفر إلى الماضي" فهو‪ ،‬وبحسب النظرية النسبية‪ ،‬المستحيل بعينه؛ ذلك لنّ سرعة‬
‫ت السفر إلى الماضي فإنّ عليكَ‪ ،‬بحسب بعض‬ ‫الضوء هي السرعة الكونية القصوى أو العظمى‪ ،‬فإذا أرد َ‬
‫التصوّرات والنظريات الفيزيائية‪ ،‬أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء‪.‬‬
‫وحتى ل نهبط بتفكيرنا من "الفيزياء" إلى الدرك السفل من "الميتافيزياء"‪ ،‬في هذا المر‪ ،‬ل بدّ لنا من أن‬
‫نستمسك (حتى في خيالنا الفيزيائي) دائماً بالحقيقة الفيزيائية الكبرى‪ ،‬وهي أنّ "السرعة فوق الضوئية"‬
‫ن "السفر إلى‬ ‫مستحيلة‪ .‬ومن هذه الحقيقة تتفرّع حقيقة فيزيائية أخرى على درجة عالية من الهمية‪ ،‬هي أ ّ‬
‫الماضي" مستحيل هو أيضاً‪ .‬نقول بذلك مع أنّنا ل نميل إلى تصديق أنّ "السفر إلى الماضي" هو العاقبة‬
‫الحتمية للسير بسرعة فوق ضوئية‪.‬‬
‫وهناك من الفيزيائيين من يعتقد بوجود وسيلة أُخرى للسفر إلى الماضي‪ ،‬هي "المسار (المنحني) ال ُمغْلَق"‪،‬‬
‫ن كل مادة في‬ ‫والذي يمكن أن يكون حقيقة واقعة في داخل ذلك الجسم الكوني المسمّى "الثقب السود"‪ .‬إ ّ‬
‫داخل هذا الجسم ل ُيمْكنها أبداً أن تغادره إلى "الفضاء الخارجي"‪ .‬حتى الضوء الذي يسير بسرعة ‪300‬‬
‫ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (= السرعة القصوى في الكون أو الطبيعة) ليس في مقدوره أن يغادر هذا‬
‫ن جسيماً عديم الكتلة هو "الفوتون" يعود دائماً إلى نقطة انطلقه‪ ،‬فل‬ ‫الجسم الكوني‪ .‬وهذا إنّما يعني أ ّ‬
‫يتمكّن أبدًا من الفلت من قبضة "الثقب السود"‪.‬‬
‫إذا كان في مقدوركَ أن ترى تلك "المادة"‪ ،‬أي الضوء‪ ،‬أو "الفوتون"‪ ،‬وهي تحاول أن تغادر "الثقب‬
‫السود" إلى "الفضاء الخارجي"‪ ،‬فسوف تراها (وهي التي تسير في الفضاء الذي َن ْعرِف بسرعة ‪300‬‬
‫ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) تسير في محيط دائرة‪ُ ،‬قطْرها يقلّ طولً عن طول المسافة بين مركز‬
‫ختَره" هي؛ بل ُفرِض عليها َفرْضاً‪.‬‬ ‫"الثقب السود" وسطحه‪ .‬وهذا المسار لم " َت ْ‬
‫إنّها‪ ،‬أي تلك المادة‪ ،‬أو الضوء‪ ،‬ما أن تنطلق في مسارها الدائري الصغير ال ُمغْلَق حتى تعود‪ ،‬حتماً‪ ،‬إلى‬
‫حمَلَت أولئك الفيزيائيين على العتقاد‬ ‫النقطة التي منها انطلقت‪ .‬وعودتها الحتمية إلى المكان ذاته هي ما َ‬
‫ن تلك المادة يجب أن تعود إلى "الماضي"‪ ،‬فهي ل يمكنها أن تعود إلى "نقطة البدء في المكان"‪ ،‬من‬ ‫بأ ّ‬
‫غير أن تعود‪ ،‬أيضاً‪ ،‬إلى "نقطة البدء في الزمان"‪ ،‬أي إلى "الماضي"‪ ،‬فـ "المسار (المنحني) ال ُمغْلَق"‬
‫ت هذا‬ ‫إنّما هو مسارٌ في "المكان" و"الزمان" معاً‪ ،‬أي في "الزمان ـ المكان"‪ ،‬أو "الزمكان"‪ .‬ولو كنتَ أن َ‬
‫ك تسير‪ ،‬بسرعة ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية‪ ،‬في داخل "الثقب السود"‪ ،‬صعوداً‪،‬‬ ‫ت أ ّن َ‬
‫"الفوتون" لرأيْ َ‬
‫عدّتَ إلى النقطة‬ ‫ط مستقيم"‪ ،‬ولرأيْتَ‪ ،‬بعد مُضي زمن معيّن‪ ،‬مُقاسٌ مقداره بحسب ساعتكَ‪ ،‬أ ّنكَ قد ُ‬ ‫في "خ ّ‬
‫ك ليس من فضاء آخر غير هذا الفضاء الذي تسير فيه؛ أمّا أنا الذي أُراقبكَ‬ ‫التي منها انطلقت‪ .‬وبالنسبة إلي َ‬
‫ضمْن فضاء ل ُي ْمكِنكَ أبدًا مغادرته‪ ،‬مع أنّني أرى‪،‬‬ ‫ط دائري ِ‬ ‫ك تسير في خ ّ‬ ‫من على سطح الرض فأرى أ ّن َ‬
‫ك في سيركَ هذا إنّما تشبه شخصًا يسير‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬أنّ فضاءكَ هذا هو جزء من الفضاء الكوني‪ .‬إ ّن َ‬
‫ك مثلُ هذا الذي‬ ‫ط دائري‪ ،‬مثل َ‬ ‫ك ل ُتدْرِك أ ّنكَ تسير في خ ّ‬ ‫ضمْن نَفَق دائري ُمغْلَق‪ ،‬مع فارِق أ ّن َ‬ ‫بسرعة ثابتة ِ‬
‫ط مستقيم في موازاة خطّ الستواء الرضي‪.‬‬ ‫يسير في خ ّ‬
‫وعليه‪ ،‬يؤدّي السير بسرعة فوق ضوئية‪ ،‬أو في مكان بلغ غاية النحناء‪ ،‬إلى "العودة إلى الماضي"‪ ،‬على‬
‫ل هذا الذي تطرّف ميتافيزيائياً في فهم‬ ‫ما يزعمون‪ .‬وهذا الزعم ل يمكن أن يكون له من صاحب إ ّ‬
‫الفيزياء‪ ،‬ضارِبًا صفحاً عن صرخة التحذير التي أطلقها نيوتن إذا قال‪" :‬أيّتها الفيزياء احترسي من‬
‫الميتافيزياء!"‪.‬‬
‫حمْل‪ ..‬ليس‬ ‫ن لكل تغيير سرعته (العادية الطبيعية) فالمرأة‪ ،‬مثلً‪ ،‬تضع مولودها بعد ‪ 9‬أشهر من ال َ‬ ‫قُلْنا إ ّ‬
‫ن السرعة‬ ‫حمْل‪ .‬قد تضعه بعد ‪ 7‬أشهر‪ .‬على أنّ هذا ل ينفي‪ ،‬وإنّما يؤكّد‪ ،‬أ ّ‬ ‫بعد ‪ 9‬أيّام‪ ،‬أو ‪ 9‬سنوات‪ ،‬من ال َ‬
‫العادية الطبيعية لهذا التغيير"‪ ،‬أي "الولدة"‪ ،‬هي ‪ 9‬أشهر‪.‬‬
‫ض قلبكَ نحو ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة‪ ،‬فالفاصِل الزمني بين نبضة ونبضة يقلّ عن ثانية‬ ‫وأنتَ‪ ،‬ينب ُ‬
‫واحدة‪ ،‬وليس ممكنًا أن يزيد‪ ،‬مثلً‪ ،‬عن ‪ 10‬ساعات‪ ،‬فالسرعة العادية الطبيعية لنبض قلبكَ تظل ‪ 70‬نبضة‬
‫في الدقيقة الواحدة‪.‬‬
‫ت َتغْلي لتراً من الماء في زمن مقداره ‪ 10‬دقائق مثلً؛ وليس ممكناً أن تغليه في زمن مقداره ‪10‬‬ ‫وأن َ‬
‫ت مثلً‪.‬‬
‫سنوا ٍ‬
‫هذا الذي قُلْنا في كل تلك المثلة ل يمكن فهمه والنظر إليه على أنّه "الحقيقة الزمنية المطلقة"؛ ذلك لنّ‬
‫للزمن سرعة‪ ،‬تزيد أو تقل‪ ،‬بحسب أحد عامَِليْن‪" :‬السرعة"‪ ،‬أو "الجاذبية"‪.‬‬
‫ت في مركبة فضائية تزايدت سرعتها شيئاً فشيئاً حتى بلغت سرعة تقارِب سرعة الضوء‬ ‫لو أ ّنكَ سافر َ‬
‫ت َت ْنظُر إلى ساعتكَ‪ ،‬وتحسب عدد دقّات قلبكَ في‬ ‫فإ ّنكَ لن ترى أيّ اختلف في سرعة نبض قلبكَ‪ ،‬فها أن َ‬
‫الدقيقة الواحدة‪ ،‬فتتأكّد أنّها لم َتزِدْ‪ ،‬ولم َتنْقُص‪ ،‬فقلبكَ ظلّ ينبض نحو ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب‬
‫ساعتكَ أنتَ)‪.‬‬
‫ض َعكَ في كوكب‪ ،‬كتلته (أي جاذبيته) أكبر من‬ ‫ك من مكا ِنكَ على الرض وو َ‬ ‫عَ‬ ‫ن مارِدًا كونياً ا ْن َتزَ َ‬‫ولو أ ّ‬
‫ن قلبكَ يظل ينبض ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ‬ ‫كتلة كوكب الرض بألف مرّة مثلً‪ ،‬فإ ّ‬
‫أنتَ)‪.‬‬
‫أمّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الرض فلن أرى ما ترى‪ .‬في المثال الوّل (سَ َف ُركَ في المركبة‬
‫ك ينبض ‪ 7‬نبضات فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا)‪.‬‬ ‫ن قلب َ‬‫الفضائية) أرى‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أ ّ‬
‫ك ينبض ‪ 20‬نبضة فقط في‬ ‫ن قلب َ‬‫ك إلى ذلك الكوكب) أرى‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أ ّ‬ ‫وفي المثال الثاني (نَقُْل َ‬
‫ك ذلك المارد في كوكب تقلّ كتلته عن كتلة كوكب الرض‬ ‫الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا)‪ .‬ولو َوضَ َع َ‬
‫ل ينبض ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ)‬ ‫كظّ‬ ‫ن قلب َ‬‫بنحو ‪ 10‬مرّات مثلً‪ ،‬لرأيْتَ أنتَ أ ّ‬
‫ك ينبض ‪ 100‬نبضة (على سبيل المثال) في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا)‪.‬‬ ‫ن قلب َ‬‫ولرأيْتُ أنا أ ّ‬
‫ك يظلّ ينبض ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) في كل موضع في الكون تكون‬ ‫ن قلب َ‬
‫إّ‬
‫فيه‪ ،‬ومهما كانت سرعة (أو تسارُع) هذا الموضع‪ ،‬أو جاذبيته‪.‬‬
‫من ذلك نرى أنّ "الفاصِل الزمني (أو "المسافة الزمنية")" بين حادثين (بين نبضة ونبضة من نبضات‬
‫قلبكَ مثلً) يتمدّد ( َي ْكبُر‪ ،‬ي ّتسِع‪ ،‬يزيد) بحسب ساعتي أنا الذي أُراقبكَ من "إطار مرجعي آخر"‪ ،‬من على‬
‫ت (بحسب "النسبية الخاصة") في جسم تسارَع حتى‬ ‫حدُث إذا كنتَ أن َ‬ ‫سطح الرض مثلً‪ .‬وهذا إنّما َي ْ‬
‫قارَبَت سرعته سرعة الضوء‪ ،‬أو (بحسب "النسبية العامّة") إذا كنتَ في جسم كوني عظيم الكتلة‪ ،‬أي‬
‫ن "الجاذبية" ُت ْنتِج تباطؤًا في حركة الزمن‪ ،‬فالزمن في‬ ‫أعظم من كوكب الرض كتلةً‪ ،‬وجاذبي ًة بالتالي‪ .‬إ ّ‬
‫المشتري‪ ،‬أو الشمس‪ ،‬يسير أبطأ من الزمن في الرض‪.‬‬
‫كلما زادت سرعة المركبة الفضائية قلّ معدّل نبضات قلب النسان الذي في تلك المركبة بالنسبة إلى‬
‫المراقب الرضي‪ ،‬فهذا المراقب يرى أن قلب ذلك الرجل ينبض ‪ 30‬نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب‬
‫ساعة المراقب الرضي) ثم يراه (بعدما زادت سرعة المركبة الفضائية) ينبض ‪ 10‬نبضات في الدقيقة‬
‫ن قلبه يظل ينبض ‪ 70‬نبضة في الدقيقة‬ ‫الواحدة‪ .‬أما بالنسبة إلى ذلك الرجل‪ ،‬أي بالنسبة إلى ساعته‪ ،‬فإ ّ‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫ن "التسارُع" هو الذي يتسبّب (في هذا المثال) في إبطاء حركة عقارب الساعة‪ ،‬في تلك‬ ‫وهذا إنّما يعني أ ّ‬
‫المركبة‪ ،‬فمع كل زيادة في سرعتها‪ ،‬أي مع كل تسارُع لها‪ ،‬يقل معدّل نبض قلب المسافِر على متنها‪،‬‬
‫بالنسبة إلى المراقِب الرضي (وساعته)‪ .‬وعلى هذا المثال قِسْ‪.‬‬
‫دعونا الن‪ ،‬ومن أجل مزيدٍ من الوضوح‪ ،‬نتطرّف في القياس على هذا المثال‪ ،‬أو على تلك المثلة‪،‬‬
‫حمْلِها مثلً) انطلقت من الرض بمركبة فضائية‪ ،‬تسارَعت حتى‬ ‫فنتخيّل امرأة حامِل (في الشهر الثالث من َ‬
‫قاربت سرعتها سرعة الضوء‪ ،‬ثمّ عادت إلى الرض‪ ،‬وقد استغرقت رحلتها الفضائية‪ ،‬ذهاباً وإياباً‪ ،‬ستّة‬
‫عمْر هذه المرأة قد زاد‬ ‫ضعَت مولودها ما أن وصلت إلى الرض‪ .‬إنّ ُ‬ ‫أشهر‪ ،‬بحسب ساعتها هي‪ .‬لقد َو َ‬
‫ستّة أشهر فحسب‪.‬‬
‫ن زوجها قد مات منذ مئات‪ ،‬أو‬ ‫خبِرونها‪ ،‬عندئذٍ‪ ،‬أ ّ‬ ‫إذا سأَلَتْ هذه المرأة‪ ،‬عند عودتها‪ ،‬عن زوجها‪ ،‬فسوف ُي ْ‬
‫آلف‪ ،‬أو مليين‪ ،‬السنين!‬
‫إنّ الشيء‪ ،‬أي كل شيء‪ ،‬يتغيّر ويتطوّر بحسب الزمن الخاص به‪ ،‬أي بحسب ساعته هو‪ .‬من وجهة نظر‬
‫الشيء نفسه‪ ،‬أو بحسب ساعته هو‪ ،‬لن تختلف سرعة هذا التغيير (أو ذاك) الذي يعتريه مهما كانت سرعة‬
‫جدُ فيه هذا الشيء‪ ،‬أو جاذبيته‪ .‬من وجهة نظر مراقِب خارجي ما‪ ،‬أو بحسب‬ ‫الموضع الكوني الذي ُي ْو َ‬
‫ساعة هذا المراقِب‪ ،‬تختلف سرعة التغيير في ذلك الشيء‪.‬‬
‫التغيير في الشيء لن يقع قبل أن يستوفي شروط وقوعه‪ ،‬فهذا المقدار من الماء (السائل) لن يتحوّل كله‬
‫إلى جليد قبل أن يستوفي شروطا معيّنة‪ .‬وهذا "الستيفاء" ل بدّ له من أن يستغرق زمناً‪ ،‬قد يطول أو‬
‫ن هذا التغيير‬ ‫يَ ْقصُر‪ ،‬بحسب بيئة الشيء وظروف وجوده‪ ،‬فإذا طال الزمن الذي يستغرقه التغيير قُلْنا إ ّ‬
‫ي ّتسِم بالبطء‪ ،‬وإذا َقصُر قُلْنا إنّه ي ّتسِم بالسرعة‪.‬‬
‫ِلنَ ْف َترِض أنّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوّل كله إلى جليد في زمن (أرضي) مقداره ‪ 30‬دقيقة‪ .‬لو‬
‫كنّا في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء‪ ،‬وأ َتيْنا بمقدار مماثِل من الماء‬
‫ن تجميد هذا الماء كاملً‬ ‫(السائل) محاولين تجميده كله‪ ،‬بعدما هيّأنا لهذا التغيير الشروط ذاتها‪ ،‬فإ ّ‬
‫سيستغرق الزمن ذاته‪ ،‬أي ‪ 30‬دقيقة بحسب ساعة المركبة‪.‬‬
‫ن إحداث هذا التغيير مشروط ببقاء هذا الماء‪ ،‬أو هذا العنصر أو ذاك من عناصر‬ ‫وغنيٌ عن البيان أ ّ‬
‫خ َتبِر ما‬
‫التجربة‪ ،‬محتفظاً بوجوده وهويته في هذه البيئة الجديدة (المركبة بسرعتها تلك) فثمّة أشياء َن ْ‬
‫يعتريها من تغيير في ظروف وجودها الرضية (أي على كوكب الرض) ولكنّ هذه الشياء ل تظل‬
‫محتفظةً بوجودها‪ ،‬أو بخواصّها التي َن ْعرِف‪ ،‬في بيئة فيزيائية كونية أُخرى (في نجم‪ ،‬أو في تلك المركبة‪،‬‬
‫مثلً)‪.‬‬
‫ت الذي تراقِب تلك التجربة من على سطح الرض سترى أنّ تحوّل هذا المقدار من الماء (السائل) إلى‬ ‫أن َ‬
‫ن التغيير هناك‪ ،‬أي في‬ ‫جليد لم يستغرق ‪ 30‬دقيقة‪ ،‬وإنّما ‪ 30‬سنة (مثلً) بحسب ساعتكَ‪ ،‬فتقول‪ ،‬بالتالي‪ ،‬إ ّ‬
‫ج ِريَت في كوكب كتلته أكبر‬ ‫ن تلك التجربة ُأ ْ‬ ‫حدُث في بطء شديد‪ .‬وستقول الشيء نفسه لو أ ّ‬ ‫تلك المركبة‪َ ،‬ي ْ‬
‫من كتلة كوكب الرض بألف مرّة مثلً‪ ،‬فـ "التسارُع (وصولً إلى سرعة تقارِب سرعة الضوء)"‬
‫و"الجاذبية (الشديدة)" ُي ْنتِجان الظاهرة ذاتها‪ ..‬ظاهرة "بطء (سير) الزمن"‪.‬‬

‫كل "تغيير" نراقبه في الرض مثل ل بد له من أن يبطؤ في الجسم المتسارع‪ ،‬أو حيث تشتد الجاذبية‪ .‬إنه‬
‫يبطؤ بالنسبة إلى "الساعة الرضية" مثل‪.‬‬
‫ن الثانية الواحدة تطول‪،‬‬
‫هذا هو "تمدّد الزمن" الناتج عن "التسارع"‪ ،‬أو عن "الجاذبية الشديدة"‪ ،‬وكأ ّ‬
‫وتكبر‪ ،‬وتتسع‪ ،‬لتعدل مقدارا أكبر من الزمن الرضي‪.‬‬
‫تباطؤ حركة الزمن (= تمدّد الزمن‪ ،‬أو تأخّر الساعة) بسبب "التسارُع"‪ ،‬أو "اشتداد الجاذبية"‪ ،‬ما عاد‬
‫بالقول النظري الصرف‪ ،‬فقد َثبُتَ وتأكّد في غير تجربة واختبار‪.‬‬
‫هناك جسيم (غير مستقر) يسمّى "ميون"‪ .‬وهذا الجسيم ينحل ويتفكّك (ف َي ْنتُج من انحلله وتفكّكه جسيمات‬
‫عمْره ‪ 2.2‬ميكرو ثانية‪ .‬تخيّل أنّ‬
‫مختلفة) في زمن متناهٍ في الضآلة‪ ،‬مقداره ‪ 2.2‬ميكرو ثانية‪ ،‬أي أنّ ُ‬
‫أمامكَ "ميون" وُِلدَ (نشأ) الن‪ .‬هذا الجسيم ستراه ينحل ويتفكّك‪ ،‬أي يموت ويزول بعد ‪ 2.2‬ميكرو ثانية‬
‫ضعْ ُه في "مسرّع"‪ ،‬أي في آلة تزيد‬‫خ ْذ هذا الجسيم‪ ،‬وَ َ‬
‫من ولدته‪ .‬سترى كل ذلك بحسب ساعتكَ أنتَ‪ُ .‬‬
‫عمْره‬ ‫سرعته كثيراً‪ .‬بفضل هذا "المسرّع" زادت سرعته كثيرًا حتى بلغت ‪ % 99‬من سرعة الضوء‪ .‬قِسْ ُ‬
‫الن فتراه قد طال‪ .‬لقد أصبح ‪ 16‬ميكرو ثانية بحسب الساعة ذاتها‪ ،‬أي بحسب ساعتكَ أنتَ‪.‬‬
‫ت إحداهما على مقربة من مركز الكرة‬ ‫ت بساعتين متماثلتين‪ ،‬تصميماً‪ ،‬و ِدقّةً‪ ،‬ووقتاً‪ ،‬ف َوضَعْ َ‬ ‫ولو جِئ َ‬
‫ض َعهَا في أعالي الغلف الجوّي‬ ‫ضعْتَ الُخرى بعيداً عنه‪ ،‬كأن ت َ‬ ‫الرضية حيث الجاذبية أقوى وأشد‪ ،‬وو َ‬
‫ن أحد‬ ‫للرض‪ ،‬فسوف ترى أنّ الساعة الولى قد تأخّرت عن الساعة الثانية‪ .‬وهذا إنّما يعني‪ ،‬مثلً‪ ،‬أ ّ‬
‫التوأمين يشيخ قبل الخر إذا ما عاش بعيداً عن مركز الجاذبية الرضية‪ ،‬كأن يعيش على أعلى قِمّة جبلية‪.‬‬
‫ل قليلً عن‬ ‫ليس من شيء (أو جسم‪ ،‬أو مادة ذات كتلة) يمكنه السير بسرعة الضوء‪ .‬قد يسير بسرعة تق ّ‬
‫سرعة الضوء‪ ،‬التي مقدارها ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولكنّه لن يتمكّن أبداً من أن يسير‬
‫بسرعة الضوء‪ .‬لنتخيّل أنّ مركبة انطلقت من الرض في رحلة فضائية‪ ،‬فشرعت تتسارع حتى قاربت‬
‫ن سير عقارِب الساعة في‬ ‫سرعتها سرعة الضوء‪ .‬المراقب لتلك المركبة من على سطح الرض سيرى أ ّ‬
‫المركبة يزداد بطئًا مع كل تسارع‪.‬‬
‫بدايةً‪ ،‬يرى أنّ الدقيقة الواحدة عنده‪ ،‬أي بحسب ساعته هو‪َ ،‬ت ْعدِل نصف دقيقة في ساعة المركبة‪ .‬وبعد أن‬
‫ن في ساعة المركبة‪ .‬وبعد أن تتسارع‬ ‫تزداد سرعة المركبة أكثر‪ ،‬يرى أنّ الدقيقة الواحدة عنده َت ْعدِل ‪ 5‬ثوا ٍ‬
‫مرّات عدّة‪ ،‬يرى أنّ السنة عنده َت ْعدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة‪ .‬وعندما تبلغ سرعة المركبة ‪280‬‬
‫ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‪ ،‬يرى أنّ عشرين سنة عنده َت ْعدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة‪ .‬أمّا إذا‬
‫بلغت سرعة المركبة ‪ 295‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة فإنّ الثانية الواحدة في ساعة المركبة قد َت ْعدِل‬
‫مليون سنة أرضية‪.‬‬
‫ل قليلً عن سرعة الضوء‪ .‬في‬ ‫ن المركبة قد بلغت "سرعتها القصوى"‪ ،‬أي السرعة التي تق ّ‬ ‫لنفرِض الن أ ّ‬
‫هذه الحال‪ ،‬سيرى المراقِب الرضي أنّ عقارب ساعة المركبة جميعًا قد توقّفت توقّفاً تا ّماً عن الحركة‪،‬‬
‫ن آخر مشهد رآه في المركبة (كأن يكون‬ ‫فيظن أنّ الزمن في المركبة قد توقّف نهائياُ‪ ،‬أو "تجمّد"‪ .‬إ ّ‬
‫المسافِر على متنها قد رفع يده) سيظل يراه سكّان الرض إلى البد‪ .‬قبل أن "يتجمّد" الزمن في المركبة‪،‬‬
‫أو قبل أن يرى هذا "المشهد البدي"‪ ،‬كان يرى الحداث في المركبة تزداد بطئاً‪َ ،‬ف َرسْ ُم خطّ على ورقة‬
‫ل يستغرق ثانية واحدة بحسب ساعة المراقب الرضي‪ ،‬فأصبح‬ ‫هناك‪ ،‬أي في داخل المركبة‪ ،‬كان عم ً‬
‫يستغرِق سنةً‪ ،‬ثمّ مليون سنة‪ ،‬بحسب الساعة الرضية‪.‬‬
‫الزمن في المركبة توقّف‪ ،‬أو "تجمّد"؛ ولكن بالنسبة إلى المراقب الرضي فحسب‪ ،‬فالمسافِر على متن‬
‫ن سير الزمن عنده قد تباطأ‪ ،‬أو توقّف‪ ،‬فها هو قلبه ينبض ‪ 70‬نبضة في‬ ‫المركبة لن يرى أبدًا ما يدلّ على أ ّ‬
‫الدقيقة الواحدة بحسب ساعته هو‪ ،‬وها هو ينام ‪ 8‬ساعات في اليوم‪ ،‬وها هو يتناول وجبة الغداء (كل يوم)‬
‫بعد ‪ 8‬ساعات من تناوله وجبة الفطور‪ ،‬وها هو يُدخّن السيجارة في زمن مقداره ‪ 5‬دقائق بحسب ساعته‪.‬‬
‫الظاهرة ذاتها تقريباً يراها المراقب الرضي في مراقبته لمركبة فضائية وصلت إلى "ضواحي" جسم‬
‫كوني يسمّى "الثقب السود"‪ .‬ما أن تقترب تلك المركبة كثيراً من سطح "الثقب السود" حتى يتوقّف‬
‫الزمن نهائياً في تلك المركبة بالنسبة إلى ساعة المراقب الرضي‪ .‬وآخر مشهد يشاهده هذا المراقب في‬
‫المركبة قبل دخولها إلى عمق "الثقب السود" سيظل سكّان الرض يشاهدونه إلى البد‪ ،‬فهم لن يروا أبداً‬
‫المركبة وهي تدخل "الثقب السود"‪ .‬أمّا المسافِر على متن تلك المركبة فلن يرى ما يدلّ على أنّ الزمن‬
‫عمْق "الثقب السود"‪ ،‬وسيظل الزمن عنده يسير بالسرعة ذاتها‪،‬‬ ‫عنده قد توقّف‪ .‬هذا المسافِر سيدخل إلى ُ‬
‫ن هذا المسافِر يمكنه العيش في داخل "الثقب السود" فإنّه لن‬ ‫أي بل تسارع‪ ،‬وبل تباطؤ‪ .‬إذا افترضْنا أ ّ‬
‫يرى أي تغيير في سرعة الزمن عنده‪ ،‬فها هو قلبه ينبض ‪ 70‬نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته‪،‬‬
‫عمْق "الثقب السود"‪.‬‬ ‫وهو في ُ‬
‫ل بالنسبة إلى مراقب خارجي ما‪ ،‬كالمراقٍب الرضي‪.‬‬ ‫ن الزمن ل يتوقف‪ ،‬ول "يتجمّد"‪ ،‬في أي شيء إ ّ‬ ‫إّ‬
‫ن ليس من توقّف ُمطْلَق للزمن‪ .‬حتى في داخل "الثقب السود"‪ ،‬أو في تلك "البيضة" التي‬ ‫وهذا إنّما يعني أ ْ‬
‫منها نشأ كوننا‪ ،‬ل يتوقّف الزمن توقّف ُمطْلقاً‪ .‬إنّه يتوقّف فحسب بالنسبة إلى مراقِب خارجي ما‪.‬‬
‫الزمن يتمدّد (أي يبطؤ) بـ "التسارع" و"الجاذبية"‪ .‬هذه حقيقة فيزيائية ما عاد ممكناً‪ ،‬بعد التجربة‬
‫والختبار‪ ،‬الشك في صحّتها‪ .‬وثمّة حقيقة فيزيائية أُخرى ما عاد ممكناً الشك في صحّتها هي أيضاً‪ .‬وهذه‬
‫الحقيقة هي أنّ سرعة الضوء في الفضاء تظل ثابت ًة ل تتغيّر بالنسبة إلى كل مراقٍب (أو كل "إطار‬
‫مرجعي") في الكون‪ ،‬فأيّ مراقِب إذا قاس سرعة أي ضوء َيجِدها ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‪.‬‬
‫ظهِر ويُؤكّد حقيقة ثالثة ل شكّ في صحّتها‪ ،‬هي تقلّص‪ ،‬وانكماش‪،‬‬ ‫اجتماع هاتين الحقيقتين إنّما ُي ْ‬
‫واختصار‪" ،‬المسافة الفضائية"‪.‬‬
‫المسافة بين كوكب الرض والشمس تبلغ ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬يجتازها الضوء المنطلق من الشمس إلى‬
‫الرض في زمن مقداره ‪ 8‬دقائق بحسب الساعة الرضية‪.‬‬
‫ن جاذبيته أكبر‬ ‫ا ْف َترِض الن وجود شخص في كوكب آخر‪ ،‬كتلته أكبر من كتلة الرض بألف مرّة‪ ،‬أي أ ّ‬
‫من الجاذبية الرضية بألف مرّة‪ .‬الزمن في هذا الكوكب أبطأ من الزمن الرضي‪ .‬ا ْف َترِض أنّ الثانية‬
‫ن الضوء المنطلق من الشمس يصل‬ ‫الواحدة في هذا الكوكب َت ْعدِل ‪ 8‬دقائق أرضية‪ .‬هذا الشخص يرى أ ّ‬
‫إلى الرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو‪ .‬ولقد قاس سرعة هذا الضوء (بمتره هو‪،‬‬
‫جدَ أنّها ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‪.‬‬ ‫وبساعته هو) فو َ‬
‫بالنسبة إلى هذا الشخص‪ ،‬يصل ضوء الشمس إلى الرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو‪.‬‬
‫ن الشمس ل تبعد عن الرض ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬وإنّما ‪ 300‬ألف‬ ‫وهذا إنّما يعني‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬أ ّ‬
‫كيلومتر فقط‪.‬‬
‫لو تباطأ الزمن عنده وظلّت المسافة ثابتة لرأى التي‪ :‬في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته اجتاز‬
‫الضوء المنطلق من الشمس إلى الرض مسافة مقداره ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬وكأنّ سرعة الضوء زادت‬
‫فأصبحت ‪ 150‬مليون كيلومتر في الثانية الواحدة عنده؛ وهذا يتناقض مع مبدأ "ثبات سرعة الضوء"‪،‬‬
‫فسرعة هذه المادة يجب أن تظل ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‪ ،‬لدى قياس كل المراقبين لها‪.‬‬
‫ن كل تمدّد (أو تباطؤ) في الزمن يَ ْق َترِن‪ ،‬ويجب أن يَ ْق َترِن‪ ،‬بتقلّص‪ ،‬وانكماش‪،‬‬ ‫يترتّب على ذلك أ ّ‬
‫واختصار‪ ،‬كل مسافة فضائية‪.‬‬
‫ن المسافِر على‬ ‫ن مركبة فضائية دارت بسرعة تقارِب سرعة الضوء‪ ،‬في مدارٍ قريب من الرض‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ولو أ ّ‬
‫ل كثيراً عن ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬فهذه المسافة تتقلّص بما‬ ‫ن المسافة بين الرض والشمس تق ّ‬ ‫متنها س َيجِد أ ّ‬
‫يتناسب مع تمدّد (أو تباطؤ) الزمن في المركبة‪ ،‬وبما يوافِق قانون "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى‬
‫المراقبين جميعاً"‪.‬‬
‫هذا المسافِر‪ ،‬وبكل ما لديه من أجهزة ووسائل وطرائق لقياس البعاد والطوال والمسافات‪ ،‬سيتأكّد أنّ‬
‫المسافة بين الرض والشمس تقلّ عن ‪ 150‬مليون كيلومتر‪.‬‬
‫عمْر‬‫س َت ْنتِج أنّ ُ‬
‫ن أبعد مجرّة عن الرض تبعد عن هذا الكوكب ‪ 12000‬مليون سنة ضوئية‪ .‬وعليه قد َن ْ‬ ‫إّ‬
‫الكون ‪ 12000‬مليون سنة‪.‬‬
‫ت تعيش في داخل "ثقب أسود"؟ الثانية الواحدة عندكَ قد َت ْعدِل ‪ 1000‬مليون‬ ‫هل سترى المر ذاته لو كن َ‬
‫عظَم جاذبية هذا الجسم الكوني‪.‬‬ ‫سنة أرضية‪ ،‬بسبب ِ‬
‫عمْر الكون ل‬ ‫ن أبعد مجرّة ستراها تبعد عن "الثقب السود" الذي فيه تعيش ‪ 12‬ثانية ضوئية‪ ،‬أي أنّ ُ‬ ‫إّ‬
‫يزيد‪ ،‬بالنسبة إليكَ‪ ،‬أو بالنسبة إلى ساعتكَ‪ ،‬عن ‪ 12‬ثانية‪.‬‬
‫في هذا الجسم الكوني ("الثقب السود") يبلغ تمدّد الزمان ‪ Time dilation‬حدّه القصى‪ ،‬ويبلغ تقلّص‬
‫المكان ‪ Length contraction‬حدّه القصى‪.‬‬
‫ت الذي في مركبة تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء‪ ،‬أو في موضع كوني شديد‬ ‫كل شيء عندكَ (أن َ‬
‫ن هذا التضاؤل ل تراهُ أنتَ‪ .‬أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الرض‪ ،‬مثلً‪،‬‬ ‫الجاذبية) يتضاءل حجماً؛ ولك ّ‬
‫أرى هذا التضاؤل‪ .‬في تقلّص وانكماش المكان‪ ،‬أنتَ ترى فحسب تقلّص وانكماش "المسافات الفضائية"‪.‬‬
‫ل كثيراً عن ‪ 150‬مليون كيلومتر؛ أمّا أنا‪ ،‬الذي أعيش‬ ‫ن المسافة بين الرض والشمس تق ّ‬ ‫ت ترى‪ ،‬مثلً‪ ،‬أ ّ‬ ‫أن َ‬
‫على الرض‪ ،‬فأراها ‪ 150‬مليون كيلومتر‪.‬‬
‫أنتَ تقيس سرعة الضوء المنطلق من الشمس إلى الرض ف َتجِدها ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‬
‫(بحسب متركَ وساعتكَ)‪ .‬وأنا أقيسها فأجِدها‪ ،‬أيضاً‪ 300 ،‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب متري‬
‫وساعتي)‪.‬‬
‫تمدّد‪ ،‬أو تباطؤ‪ ،‬الزمن إنّما هو‪ ،‬في معنى آخر له‪َ " ،‬ترَكّز ( َت َكثّف) الزمن"‪ ،‬فـ "الدقيقة الواحدة"‪ ،‬بحسب‬
‫الساعة في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء‪ ،‬إنّما َتعْدِل في "نظام مرجعي‬
‫آخر"‪ ،‬كوكب الرض مثلً‪ ،‬ساعة‪ ،‬أو يوم‪ ،‬أو شهر‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو مليون سنة‪ .. ،‬إلخ‪.‬‬
‫قياس سرعة الشيء إنّما يحتاج إلى أداتين‪" :‬الساعة"‪ ،‬و"المتر (أو غيره من أدوات قياس المكان)"‪ .‬وإذا‬
‫سبَةً إلى الساعة‬
‫كانت حركة الساعة‪ ،‬في "نظام مرجي متسارِع (أو عظيم الكتلة والجاذبية)" تتباطأ ( ِن ْ‬
‫ن "المتر"‪ ،‬في هذا النظام‪ ،‬يتقلّص وينكمش (أي يتضاءل طوله ِنسْبَ ًة إلى المتر الرضي‬ ‫الرضية مثلً) فإ ّ‬
‫مثلً)‪ .‬وينبغي لنا أن نفهم هذا التغيير الذي يطرأ على "الساعة" و"المتر" على أنّه تغيير حقيقي‪ ،‬فعلي‪،‬‬
‫موضوعي‪ ،‬أي َي ْعكِس "حقيقة موضوعية"‪ ،‬مستقلة تماماً عن أحاسيسنا ومشاعرنا‪.‬‬
‫ن "المتر" فيه َي ْعدِل‬
‫ن الثانية الواحدة في هذا "النظام المرجعي" َت ْعدِل ‪ 60‬ثانية أرضية‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ا ْف َترِض الن أ ّ‬
‫نصف متر أرضي‪ .‬وافْ َترِض أيضاً‪ ،‬أو بعد ذلك‪ ،‬وجود مركبة فضائية‪ ،‬انطلقت من الرض‪ ،‬فتسارَعت‬
‫حتى بلغت سرعتها ‪ 280‬ألف كيلومتر في الثانية الواحدة‪.‬‬
‫طول هذه المركبة قبل انطلقها كان‪ ،‬على سبيل المثال‪ 600 ،‬ألف كيلومتر‪ ،‬فما أن أصبحت سرعتها ‪280‬‬
‫ألف كيلومتر في الثانية الواحدة حتى أصبح طولها‪ ،‬بعدما تقلّص في اتّجاه حركتها‪ 300 ،‬ألف كيلومتر‪.‬‬
‫هذا الختصار في طول المركبة ل ُي ْدرِكه المسافِر على متنها؛ لنّه سيقيس طولها بمتره الذي تقلّص‬
‫بالنسبة ذاتها‪.‬‬
‫ن طول "المتر" الذي‬ ‫المراقب الرضي‪ ،‬فحسب‪ ،‬هو الذي ُيدْرِك ذلك‪ .‬وهذا المراقِب ُيدْرِك‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أ ّ‬
‫يحمله "المسافِر" معه قد تقلّص هو‪ ،‬أيضاً‪ ،‬فأصبح َي ْعدِل‪ ،‬مثلً‪ ،‬نصف متر أرضي‪.‬‬
‫"النسبية"‪ ،‬هنا‪ ،‬وكما نراها في اختلف نتائج القياس الزماني والمكاني بين "المسافِر" و"المراقِب‬
‫ن الزمن في تلك المركبة‬ ‫الرضي"‪ ،‬ل تتعارض‪ ،‬ويجب ألّ تتعارض‪ ،‬مع "الحقيقة الموضوعية"‪ ،‬وهي أ ّ‬
‫ن طولها قد تقلّص فعلً‪.‬‬ ‫قد تباطأ فعلً‪ ،‬وأ ّ‬
‫هذا المسافِر أضاء مصباحاً في مقدّم المركبة‪ ،‬فوصل ضوءه إلى مؤخّرها في زمن مقداره ‪ 2‬ثانية (بحسب‬
‫ساعته هو)‪ .‬وقام‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بقياس طول مركبته بالمتر الذي معه‪ ،‬ف َوجَد أنّ طولها لم َيزِد‪ ،‬ولم َينْقُص‪ ،‬أي أنّه‬
‫(طول المركبة) ظلّ ‪ 600‬ألف كيلومتر‪ .‬وعليه‪ ،‬مهما كان النكماش الذي اعترى "متر" هذا المسافِر‪،‬‬
‫والتباطؤ الذي اعترى حركة الزمن في مركبته‪ ،‬تظل نتيجة قياسه لسرعة الضوء‪ ،‬أي ضوء‪ ..‬الضوء في‬
‫داخل مركبته أم في خارجها‪ ،‬ثابتة ل تتغيّر‪ ،‬أي أنّ سرعة الضوء تظل ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية‬
‫الواحدة‪ .‬أمّا أنا الذي أُراقِب تلك المركبة من على سطح الرض‪ ،‬وأقيس البعاد بمتري أنا‪ ،‬والزمان‬
‫بساعتي أنا‪ ،‬فأرى أنّ طول المركبة قد أصبح‪ ،‬بعدما تقلّص وانكمش في اتّجاه حركتها‪ 300 ،‬ألف‬
‫ن ذلك الضوء (الذي ظلّت سرعته ‪ 300‬ألف كيلومتر في الثانية‪ ،‬بحسب متري‬ ‫كيلومتر‪ ،‬وأرى‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أ ّ‬
‫خرِها) في زمن مقداره‪ ،‬بحسب ساعتي أنا‪،‬‬ ‫أنا وساعتي أنا) قد اجتاز تلك المسافة (بين مقدّم المركبة ومؤ ّ‬
‫ثانية واحدة‪.‬‬
‫حوّلْنا كل ثانية هنا إلى ‪ 60‬ثانية أرضية‪ ،‬وكل متر هنا إلى نصف متر‬ ‫ولكن‪ ،‬ما معنى هذه الظاهرة إذا ما َ‬
‫ن هذا الضوء قطع مسافة مقدارها ‪ 300‬ألف كيلومتر في زمن مقداره ‪ 120‬ثانية‪.‬‬ ‫أرضي؟ معناها أ ّ‬
‫ظهَر في القياس‪ ،‬أي عندما يقيسها المسافِر أو أنا)‬ ‫ومعناها‪ ،‬تالياً‪ ،‬أنّ سرعة هذا الضوء (التي ل يمكن أن تَ ْ‬
‫تبلغ ‪ 2500‬كيلو"متر(بحسب المتر الرضي)"‪ ،‬في "الثانية (بحسب الساعة الرضية)"‪.‬‬
‫هذا المسافِر لن يَ ْقبَل أبداً فكرة أنّ سرعة هذا الضوء كانت (في داخل مركبته) ‪ 2500‬كيلومتر في الثانية‬
‫الواحدة‪ ،‬فهو متأكّد تماماً (بما لديه من وسائل وأدوات وأجهزة وأساليب لقياس المسافة‪ ،‬والطول‪ ،‬والزمن‪،‬‬
‫ن هذا الضوء قد اجتاز المسافة من مقدّم‬ ‫ن طول مركبته ما زال ‪ 600‬ألف كيلومتر‪ ،‬وأ ّ‬ ‫والسرعة) أ ّ‬
‫حمِله على الشكّ‬ ‫خرِها في زمن مقداره ثانيتين اثنتين فقط (بحسب ساعته التي ليس لديه ما َي ْ‬ ‫مركبتها إلى مؤ ّ‬
‫ن طول مركبته قد ظلّ ‪ 600‬ألف كيلومتر (فهو تقلّص بالنسبة إليّ‪ ،‬أي‬ ‫في ِدقّتها)‪ .‬وأنا أيضًا لن أقبل أبداً أ ّ‬
‫بالنسبة إلى أدوات ووسائل قياسي للطوال‪ ،‬وأصبح ‪ 300‬ألف كيلومتر)‪ .‬ولن أقبل أيضا أنّ سرعة‬
‫ن هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة (‬ ‫الضوء في تلك المركبة تبلغ ‪ 2500‬كيلومتر في الثانية الواحدة‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ 300‬ألف كيلومتر) في زمن مقداره ‪ 120‬ثانية‪ ،‬فما لديّ من أدوات ووسائل وأجهزة وطرائق لقياس‬
‫ن هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة (التي هي ‪ 300‬ألف كيلومتر)‬ ‫الطوال والمسافات والزمن يؤكّد لي أ ّ‬
‫في ثانية واحدة فحسب‪.‬‬
‫خيّل الن أنّ "ع َربَة" تسير على طريق في داخل تلك المركبة من مقدّمها إلى مؤّخرها‪ ،‬وأنّها قد‬ ‫ولكن‪ِ ،‬ل َت َت َ‬
‫خرِها‪ .‬المسافِر على متن تلك المركبة‬ ‫شرعت تسير عندما انطلق ذلك الضوء من مقدّم المركبة إلى مؤ ّ‬
‫ن "العربة" قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها بالنسبة إليه ‪ 600‬ألف كيلومتر) في زمن مقداره‪،‬‬ ‫رأى أ ّ‬
‫بحسب ساعته‪ 100 ،‬ثانية (أي أنّ سرعتها‪ ،‬بالنسبة إليه‪ 6000 ،‬كيلومتر في الثانية)‪ .‬أنا الذي أُراقِب تلك‬
‫ن "العربة قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها‪،‬‬ ‫"العربة" من على سطح الرض أرى غير ذلك‪ .‬أرى أ ّ‬
‫بالنسبة إليّ‪ 300 ،‬ألف كيلومتر) في زمن (أرضي) مقداره ‪ 6000‬ثانية (‪ 1.6‬ساعة) فالثانية الواحدة في‬
‫ن سرعتها تبلغ ‪ 50‬كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب‬ ‫المركبة إنّما َت ْعدِل ‪ 60‬ثانية أرضية‪ .‬وعليه‪ ،‬أرى أ ّ‬
‫متري أنا‪ ،‬وساعتي أنا)‪.‬‬
‫في "مثال الضوء (في داخِل المركبة)"‪ ،‬اتّفَقْتُ أنا وأنتَ على سرعته فحسب‪ ،‬واختلفنا في حساب‬
‫"المسافة" التي قطعها‪ ،‬و"الزمن" الذي استغرقه قطعها‪ .‬وفي "مثال ال َعرَبَة"‪ ،‬لم نتّفِق في شيء‪ ،‬ل في‬
‫"سرعة العربة"‪ ،‬ول في "المسافة" التي قطعتها‪ ،‬ول في "الزمن" الذي استغرقه قطعها‪.‬‬
‫ولو انطلقت هذه المركبة من الرض نحو الشمس‪ ،‬متسارِع ًة حتى بلغت سرعتها ‪ 280‬ألف كيلومتر في‬
‫الثانية‪َ ،‬ل َقطَعت المسافة بين الرض والشمس‪ ،‬والتي مقدارها ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬بحسب القياس‬
‫ت المسافِر على‬ ‫الرضي لها‪ ،‬في زمن مقداره موضع خلف بيني (أنا المراقِب الرضي) وبينكَ (أن َ‬
‫ن سفركَ‬ ‫ن مثلً‪ .‬أمّا أنا فسوف أرى أ ّ‬ ‫ت سيستغرِق سفركَ إلى الشمس‪ ،‬وبحسب ساعتكَ‪ 10 ،‬ثوا ٍ‬ ‫متنها)‪ .‬أن َ‬
‫ن المسافة التي قطعتها مركبتكَ لم‬ ‫ت متأ ّكدٌ الن أ ّ‬‫قد استغرق‪ ،‬بحسب ساعتي الرضية‪ 535.7 ،‬ثانية‪ .‬أن َ‬
‫تظل ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ ،‬وأنّها قد تقلّصت‪ ،‬فأصبحت ‪ 2800000‬كيلومتر (‪ %18.6‬من المسافة‬
‫ن الضوء المنطلق من‬ ‫ت ترى أ ّ‬‫الصلية)‪ .‬أمّا أنا فأراها على حالها‪ ،‬أي أنّها ظلّت ‪ 150‬مليون كيلومتر‪ .‬أن َ‬
‫الشمس يصل إلى الرض في زمن مقداره‪ ،‬بحسب ساعتكَ‪ 9.3 ،‬ثانية‪ .‬وأنا أراه يصل إلى الرض في‬
‫ك فتَجِدها ‪ 280‬ألف‬ ‫ت تقيس سرعة مركبت َ‬ ‫زمن مقداره‪ ،‬بحسب ساعتي‪ 500 ،‬ثانية (‪ 8.3‬دقيقة)‪ .‬أن َ‬
‫كيلومتر في الثانية (بحسب متركَ وساعتكَ)‪ .‬وأنا أقيسها فأجدها أيضاً ‪ 280‬ألف كيلومتر في الثانية‬
‫(بحسب متري وساعتي)‪.‬‬

‫ك إنّما َت ْعدِل ‪ 50‬ثانية عندي؛ والمتر عندكَ إنّما َي ْعدِل ‪ 18.6‬سنتيمتر عندي (‪ %18.6‬من‬ ‫كل ثانية عند َ‬
‫ظهَر نتائجه في أيّ من أدوات القياس‬ ‫ت إجراء "حساب ثالث" ل ُي ْمكِن أن َت ْ‬ ‫المتر الرضي)‪ .‬ولو أرد ُ‬
‫ك المسافة التي قطعتها مركبتكَ فوجدتَ‬ ‫ت بمتر َ‬‫ت قِسْ َ‬‫ت التي‪ :‬أن َ‬ ‫(المكانية والزمانية) التي لديكَ ولديّ‪ ،‬لَقُلْ ُ‬
‫ن متركَ َي ْعدِل ‪ %18.6‬من المتر الرضي‪ .‬وعليه‪ ،‬تكون المسافة ‪ 520‬ألف‬ ‫أنّها ‪ 2800000‬كيلومتر؛ ولك ّ‬
‫كيلومتر‪ .‬وهذه المسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره‪ ،‬بحسب ساعتكَ‪ 9.3 ،‬ثانية‪ .‬ولكنّ الثانية عندكَ‬
‫َت ْعدِل ‪ 50‬ثانية عندي‪ .‬وهذا إنّما يعني أنّ الضوء الذي قطعها كانت سرعته ‪ 1118‬كيلومتر في الثانية‪ .‬أمّا‬
‫سرعة مركبتكَ فتكون ‪ 1040‬كيلومتر في الثانية‪.‬‬
‫تخيّل الن أ ّنكَ مقيم في داخل "ثقب أسود"‪ ،‬فكم يبلغ طول نصف قطر هذا الجسم الكوني ال ُمظْلِم؟ أقيسه أنا‬
‫ت ف َتجِده ‪ 3000000‬كيلومتر (مثلً)‪ .‬أنا أرى‬ ‫المراقِب الرضي فأجده ‪ 300000‬كيلومتر (مثلً)‪ .‬تقيسه أن َ‬
‫ت فتراه يجتازها في‬ ‫أنّ الضوء يجتاز تلك المسافة (أي نصف القطر هذا) في ثانية (أرضية) واحدة‪ .‬أمّا أن َ‬
‫ك َيعْدِل ‪ 10‬سنتيمتر عندي (‪ %10‬من المتر الرضي)‪.‬‬ ‫زمن مقداره‪ ،‬بحسب ساعتكَ‪ 10 ،‬ثوانٍ‪ .‬المتر عند َ‬
‫ن تتخيّل التغيير الذي سيطرأ على تلك النتائج الحسابية إذا ما‬ ‫والثانية عندكَ َت ْعدِل ‪ 10‬ثوانٍ عندي‪ .‬ولكَ أ ْ‬
‫ك َي ْعدِل ‪ %0.000001‬من المتر‬ ‫ك َتعْدِل مليون سنة أرضية‪ ،‬أو أكثر؛ والمتر عند َ‬ ‫كانت الثانية عند َ‬
‫الرضي‪ ،‬أو أقل!‬
‫ك لدينا في مبدأ "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى المراقبين جميعا"‪ ،‬فكل مراقِب يقيس سرعة أي‬ ‫لش ّ‬
‫ضوء ل بدّ له من أن َيجِدها ‪ 300‬ألف كيلو"متر" في "الثانية" الواحدة‪ .‬ولكن "المتر" ليس هو ذاته‪ ،‬لجهة‬
‫طوله‪ ،‬في كل أنحاء الكون؛ و"الثانية" ليست هي ذاتها‪ ،‬لجهة "كثافة الزمن فيها"‪ ،‬في كل أنحاء الكون‪.‬‬
‫ويكفي أن يتمدّد (أو يبطؤ) الزمن‪ ،‬ويزداد تمدّداً‪ ،‬وأن ينحني المكان (تنكمش الطوال والمسافات‪)..‬‬
‫ويزداد انحناءً‪ ،‬حتى يبطؤ كل تغيير‪ ،‬وكل سرعة‪ ..‬إلّ سرعة الضوء‪.‬‬
‫عن ميدل ايست اونلي‬

You might also like