Professional Documents
Culture Documents
تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة
تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة
التنبيه الول
اعلم أن الحقيقة المحمدية مسماة بالعقل الول ،وبالقلم الذي علم ال تعالى به الخلق كلهم ،
وبالحق الذي قامت السماوات والرض ،وبالباء .وأحسن أسماء هذه السماء ] :الحقيقة
المحمدية [ :الباء .من حيث ظهور الشياء .و إنما ظهرت الشياء بالباء ،أن الحق تعالى :
واحد ،فل يصدر عنه إل واحد ،فكان الباء :أول شيء صدر عن الحق تعالى .فهي ألف على
الحقيقة ،وحداني من جهة مرتبتها ،لنها ظهرت في المرتبة الثانية من الوجود ،فلهذا سميت
باء ،لتمتاز عن الحق تعالى ،ويبقى اسم اللف له تعالى .
فالباء :اثنان من جهة المرتبة فهي عدد ،والشياء عدد ،فصار العدد من العدد :يعني من
الباء وبقي الواحد الحد ،في أحديته مقدسًا منزهًا .
ثم أعلم أن الباء زائدة في حضرة الفعل ،فلهذا كانت النقطة التي تحتها بين العالم
الكوني وبينها :إشارة إلى الحدية ،فلو كان الثر للباء ،لم تكن هذه النقطة ،إذ الثر لها ل
للباء وال تعالى أعلم.
التنبيه الثاني
اعلم أن مرتبة النسان الكامل ،الذي ل أكمل منه :من العالم :مرتبة النفس الناطقة من
النسان } يشير إلى أنه بالنفس الناطقة يتميز النسان من الحيوان ،وكذلك هو صلى ال عليه
وسلم بالنسبة للعالم بمنزلة النفس الناطقة للخلق وهو سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم :الذي
هو الغاية المطلوبة من العالم .
ومرتبة الكمال التنازلي } لنه أعلى مقامات الكمال ،فكل من أوتي شيئًا من الكمال فهو أقل
منه :مرتبًا ترتيبًا تنازليًا ،ل تصاعديًا ،لنه لو كان ترتيبًا تصاعديًا لكان هناك من هو أعلى
خلقي ـ أي خلقي وال ُمنه ،و هذا غير موجود فهو الحائز صلى ال عليه وسلم ذروة الكمال ال َ
خلقه ال تعالى أكمل المخلوقين صلى ال عليه وسلم { .عن مرتبته :بمنزلة القوى الروحانية
من النسان } لن النسان بل روح :جسد ميت ،ل حركة له {وهم النبياء صلى ال عليهم
وسلم .
ومرتبة من نزل عن مرتبتهم } وهم الولياء والصالحون من عباد ال تعالى { بمنزلة القوى
الحسية من النسان في الشكل وهو من جملة الحيوان ،فهم بمنزلة الروح الحيواني في
النسان ،الذي يعطي النمو والحساس.
وإنما قلنا :أنه صلى ال عليه وسلم " :النفس الناطقة " :لما أعطاه الكشف ،لقوله صلى ال
عليه وسلم " :أنا سيد الناس " ،والعالم من الناس ،فلنه النسان الكبير في الجرم ،المتقدم
في التسوية :لتظهر عنه } هناك فرق بين عنه ومنه ..ومعنى عنه أي عن طر يقه ،فمث ً
ل
ط من ناحيةٍ تقول :أخذت هذا العلم عن فلن ،أي بواسطته فهو ُمَمد وُمِمد آخٌذ من ناحيٍة مع ِ
أخرى{ صورة نشأته صلى ال عليه وسلم ،كما سّوى ال تعالى جسم النسان وعدله قبل
وجود روحه } أي قبل النفخ فيه { ثم نفخ فيه من روحه :روحًا كان به إنسانًا تامًا
والملئكة من العالم كالصورة الظاهرة في خيال النسان .وكذلك الجن .فليس العالم إنسانًا إل
بوجود النسان ،الذي هو" نفسه الناطقة .
كما أن نشأة النسان :ل يكون إنسانًا إل بنفسه الناطقة ،ول تكون هذه النفس الناطقة من
النسان كاملة إل بالصورة اللهية .فلذلك " نفس العالم " التي هي عبارة عن سيدنا محمد
صلى ال عليه وسلم ،حازت درجة الكمال بتمام الصورة اللهية في الوجود والبقاء والتنوع
في الصور ،وبقاء العالم به .وكان حال العالم قبل ظهوره صلى ال عليه وسلم بمنزلة الجسد
المسّوى بل روح .وحاله بعد وفاته :بمنزلة النائم .وحاله ببعثه صلى ال عليه وسلم يوم
القيامة :بمنزلة النتباه بعد النوم .
ولما أراد ال بقاء هذه الرواح على ما قبلته من التميز :خلق لها أجسادًا برزخية تميزت بها
عند انتقالها عن أجسادها في الدنيا :في النوم ،وبعد الموت ،وال أعلم .
التنبيه الثالث
اعلم :أن الرض الواسعة } المذكورة في قوله تعالى يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة
فإياي فاعبدون " ــ 56من سورة العنكبوت .إنما هي أرض عبادتك ،فتعبد الحق " كأنك تراه
" في ذاتك من حيث بصرك ،على ما يليق بجلله سبحانه وتعالى .وعين بصيرتك تشهد
بأنه :
عْلْم ل ظهور رؤية { فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من ظاهر لها ظهور ِ
العبادة في الخيال } أي في خيالك أيها العابد { ،وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن
الخيال }أي في موطن الحقيقة وهو الموطن الذي يعتقد أنه يشاهد ال جّل وعل حقيقًة
فتعبده مطلقًا ومقيدًا } أي بما افترض عليك من الفرائض )المقيد
وبما تنتقل به ) المطلق ( { وليس هذا لغير هذه النشأة النسانية المؤمنة ،التي جعلها ال
تعالى حرمه المحرم ،وبيته المعظم فكل من في الوجود يعبد ال تعالى على الغيب ،إل النسان
الكامل ،فإنه يعبد ال تعالى على المشاهدة ول يكمل العبد إل باليمان الكامل ،فإنه النور الذي
يزيل كل ظلمة
فإذا عبده على المشاهدة :رءآه جميع قواه } من قوله جل وعل :
" كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " إلى آخر الحديث القدسي المعروف { فما
قام بعبادته غيره } الضمير يرجع إلى "ال" تعالى ،لنه هو الذي أمدك سرًا وجهرًا ،وهو
الفاعل على الحقيقة سبحانه تعالى { .ول ينبغي أن يقوم بها سواه واعلم أنك إذا لم تكن بهذه
المنزلة ،ومالك قدم في هذه الدرجة ،فأنا أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا ،وذلك
سَلَم أعدل الناس أمزجة لقبول رسالت ربهم تعالى .وكل عَلْيهِْم َو َ
ل َىا ُصَل ْ
أن تعلم أن الرسل َ
شخص منهم قبل من الرسالت اللهية على قدر ما أعطاه ال تعالى في مزاجه من التركيب
سْيَدَنا
فلذلك لم يبعث نبي منهم إل لقوم معينين ،لنه على مزاج خاص مقصور ،وأن َ
سَلَم بعثه ال برسالة عامة إلى جميع الناس كافة عَلْيِه وآله َو َ
ل َىا ُصَل ْ
حَمْدًا َ
ُم َ
وما َقِبَل مثل هذه الرسالة العامة إل لكونه على مزاج عام ،يحتوي على مزاج كل نبي ورسول
فمزاجه :أعدل المزجة كلها ،ونشأته أقوم النشآت أجمعها.
فإذا علمت هذا ،وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة
سَلَم ،واجعله مثل المرآة أمامك .وقد عَلْيِه وآله َو َ ل َ
ىا ُ صَل ْ
النسانية ،فألزم اليمان والتباع له َ
سَلَم في مرآته :أكمل عَلْيِه وآله َو َ
ل َ ىا ُ صَل ْ
حَمْدًا َسْيَدَنا ُم َ
علمت أن ال تعالى لبد أن يتجلى ل َ
ظهور وأعدله وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال.
عَلْيِه وآله َوسََلَم ل َ ىا ُ صَل ْ
فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته َ
سَلَم .
عَلْيِه وآله َو َل َ ىا ُ صَل ْ
تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته َ
أل ترى ــ في باب اليمان ــ بما جاء به من المور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان
الشرع ــ بما تحيله العقول ،ولول الشرع واليمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي فكما
أعطانا بالرسالة واليمان :ما قصرت العقول التي ل إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق
تعالى ،كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبنا ـ عند المشاهدة ــ عن إدراك ما تجلى في
سَلَم أن تدركه في مرآتها. عَلْيِه وآله َو َ
ل َىا ُصَل ْ
مرآته َ
وكما آمنت به في الرسالة غيبًا :شهدته عند التجلي عينًا .فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة
سَلَم .
علَْيِه وآله َو َ ل َ
ىا ُ صَل ْ
،فل تطلب مشاهدة الحق تعالى إل في مرآته َ
سَلَم ــ أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق في عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
ىا ُ
صَل ْ
واحذر أن تشهد النبي ــ َ
عَلْيِه
ل َىا ُ
صَل ْ
مرادك ،فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم القتداء به ،والتباع له ـــ َ
سَلَم .
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
ىا ُصَل ْ
سَلَم ــ ول تطأ مكانًا ل ترى فيه قدم نبيك َ وآله َو َ
سَلَم في كل صغيرة وكبيرة { إن عَلْيِه وآله َو َ
ل َىا ُ صَل ْ
فضع قدمك على قدمه } يعني اتبع آثاره َ
أردت أن تكون من أهل الدرجات العل ،والشهود الكامل في المكانة الزلفى ،وال الموفق .
التنبيه الرابع
اعلم أن الحق تعالى لما تجلى بذاته لذاته بأنوار السبحات الوجهية من كونه عالمًا ومريدًا ،
فظهرت الرواح المهيمنة بين الجلل والجمال ،وخلق ــ في الغيب المستور الذي ل يمكن
كشفه لحد من المخلوقين ــ العنصر العظم ،وكان هذا الخلق دفعة واحدة من غير ترتيب
سببي ،وما منهم روح يعرف أن ثم سواه ،لفنائه في الحق بالحق .
ثم أنه تعالى أوجد بتجل آخر من غير تلك المرتبة المتقدمة :أرواحًا متحيزة في أرض بيضاء ،
وهيامهم فيها بالتسبيح و التقديس ،ل يعرفون أن ال تعالى خلق سواهم .وكٍل منهم على مقام
من العلم بال تعالى والحال .وهذه الرض خارجة عن عالم الطبيعة ،وسميت أرضًا نسبة
مكانية لهذه الرواح المتحيزة ،ول يجوز عليها التبديل } لن التبديل الذي قاله ال تعالى يوم
تبدل الرض غير الرض والسماوات " هي أرضنا وسماؤنا {ول يجوز كذلك أبد الباد ،لما
سبق في علم ال تعالى .
وللنسان الكامل في هذه الرض :مثال ،وله فيهم حظ ،وله في الرواح الولى مثال الخر ،
وهو في كل عالم على مثال ذلك العالم ثم إن هذا العنصر العظم له التفاته مخصوصة إلى عالم
التدوين والتسطير ،ول وجود لذلك العالم في العين ،وهذا العنصر المشار إليه :أكمل موجود
في العالم .
خَذ على أهل هذه الطريقة لبسطنا الكلم فيه ،وبينا كيفية تعلق كل ماولول عهد الستر الذي ُأ ِ
سوى ال تعالى به ،فأوجد ما قال الوارد عند تلك اللتفاته " :العقل الول " ،وقيل فيه "
الول " ،لنه أول عالم التدوين والتسطير وتلك اللتفاته ،إنما كانت للحقيقة النسانية ،التي
لها الكمال من هذا العالم ،فكان المقصود من خلق العقل وغيره إلى أسفل عالم المركز :أسبابًا
مقدمة لترتيب نشأته كما سبق في العلم ـ ومملكته ممتدة ،قائمة القواعد والنيابة عن ال تعالى
،فل بد من تقدم وجود العالم ــ الذي هو مملكته عليه ،وأن يكون هو آخر موجود بالفعل ،وان
كانت له الولية بالقصد .
فعين الحقيقة المحمدية هي المقصودة ،وإليه توجهت العناية الكلية
ىا ُ
ل صَل ْ
فهو عين الجمع الموجود ،والنسخة العظمى ،والمختصر الشرف الكمل في مبانيه َ
سَلَم
عَلْيِه وآله َو َ
َ
التنبيه الخامس
اعلم أن الوجود واحد } أي وجود الحق تبارك وتعالى هو الوجود الحق { وله ظهور }بمعنى
المظاهر { وله بطون ،وهو السماء ،وله برزخ جامع ،فاصل بينهما ،ليتميز الظهور عن
سَلَم .
عَلْيِه وآله َو َ
ل َ
ىا ُصَل ْ
البطون ،والبطون عن الظهور ،وهو :النسان الكامل َ
ل.فالبطون مرآة الظهور .والظهور مرآة البطون .وما بينهما فهو مرآة لهما :جملة وتفصي ً
واعلم :كما أنه بين ذات الحق تعالى وذات النسان الكامل مضاهاة وبين علمه وعلمه مضاهاة
وأن كل ما فيها مجمل فهو فيها مجمل .وكل ما فيها مفصل فهو فيها مفصل .فكذلك بين القلم
وروح النسان الكامل مضاهاة .وبين اللوح وقلبه مضاهاة .وبين العرش وجسمه مضاهاة .
وبين الكرسي ونفسه مضاهاة .وكل منهما مرآة لما يضاهيه .
فكل ما في القلم مجمل ....فهو في روحه مجمل .وكل ما في اللوح مفصل ...فهو في قلبه
مفصل وكل ما في العرش مجمل ...فهو في جسمه مجمل .وكل ما في الكرسي مفصل ...فهو
في نفسه مفصل .
فالنسان الكامل :جامع لجميع الكتب اللهية و الكونية فكما أن علم الحق تعالى بذاته مستلزم
لعلمه بجميع الشياء ،وأنه يعلم جميع الشياء} التي هو خلصتها لن العلم بكل شيء ل
وحده { من علمه بذاته ،فكذلك نقول :حق النسان الكامل :إذ علمه بذاته} الضمير في
"بذاته" راجع إلى النسان الكامل { مستلزم لعلمه بجميع الشياء ،وأنه يعلم جميع الشياء
من علمه بذاته " ،فمن عرف نفسه عرف ربه " وعرف جميع الشياء .
وأنظر إلى قوله تعالى " :الم ذلك الكتاب ل ريب فيه فاللف يشار بها إلى ألذات الحدية من
حيث أنه أول الشياء .واللم :يشار به إلى الوجود المنبسط على العيان الوجودية والميم :
يشار به إلى الكون الجامع ،وهو النسان الكامل فالحق تعالى ،والعالم ،والنسان الكامل :
كتاب ل ريب فيه