Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 22

‫حقيقة السحر وحكمه‬

‫في‬
‫الكتاب والسنة‬
‫إعداد‬
‫الدكتور عواد بن عبد الله المعتق‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪.‬‬
‫أما بعد ؛ فنظرا ً لكثرة المشعوذين في كل زمان وخصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه‬
‫المشكلت النفسية حتى أصبحت سمة هذا العصر‪ .‬وأخذ كثير ممن ابتلوا بمثل هششذه المشششكلت ‪-‬‬
‫وخصوصا من يغلب عليهم الجهل أو قلة اليمان ‪ -‬أخذوا يلجأون إلششى المشششعوذين الششذين يششدعون‬
‫الطب عن طريق الكهانة أو السحر يبحثون عندهم عن حل لمشكلتهم النفسية ظنا ً أن لديهم حل ً‬
‫لها أو علجا ً لثرها‪ .‬ومعلوم ما في هذا من الخطر على السلم والمسلمين لمشا فيشه مشن التعلششق‬
‫بغير الله ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى اللششه عليششه وسششلم‪ .‬لمششا ذكششرت رأيششت أن أكتششب لمحششة‬
‫موجزة عن السحر مبينا ً فيها حقيقته وحكم تعلمه وتعليمه والعمل به ‪ -‬وعقوبة السششاحر وتششوبته ‪-‬‬
‫ثم علجه‪ .‬وقد جعلتها في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة‪.‬‬
‫المقدمة‪ :‬في أهمية الموضوع وبعض الدوافع التي دفعتني لعداده‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬في تعريف السحر وأنواعه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬السحر له حقيقة أم ل ؟‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حكم السحر والسحرة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬في علج السحر‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬في ذكر أهم النتائج التي توصلت إليها‪.‬‬
‫وأخيرا ً أسأل الله أن يتقبل صوابه ويتجاوز عن خطئه إنه سشميع مجيشب وصشلى اللشه علشى‬
‫نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬في تعريف السحر وأنواعه‬
‫أول‪ :‬تعريف السحر‪:‬‬
‫السحر لغة‪ :‬هو الخذة‪ ،‬وكل ما لطف مأخذه ودق فهششو سششحر‪ ،‬والجمششع أسششحار‪ ،‬وسششحور‪.‬‬
‫حار مششن قششوم‬
‫سش ّ‬
‫حار‪ ،‬و َ‬
‫سش ّ‬
‫حره‪ ،‬ورجل ساحر من قوم سحرة و ُ‬ ‫سحرا ً و َ‬
‫س ّ‬ ‫سحرا ً و ِ‬
‫وسحره يسحره َ‬
‫حارين‪ ،‬ول يكسر‪".‬‬
‫س ّ‬
‫والسحر أيضا‪ :‬البيان في فطنة كما جاء في الحديث أنه صلىالله عليه وسلم قال‪" :‬إن مششن‬
‫‪1‬‬
‫البيان لسحرا"‬
‫قال ابن الثير‪ :‬يعني إن من البيان لسحرا‪ :‬أي منه ما يصششرف قلششوب السششامعين وإن كششان‬
‫غيرحق‪ .‬وقيل معناه إن من البيان ما يكسب من الثم مششا يكتسششبه السششاحر بسششحره فيكششون فششي‬
‫معرض الذم‪ .‬ويجوز أن يكون في معرض المدح‪ ،‬لنه تسششتمال بشه القلششوب ويرضشى بشه السششاخط‬
‫ويستنشزل به الصعب‪.‬‬
‫سحر‪:‬صرف الشي عن حقيقته إلششى غيششره فكششأن السششاحر لمششا أرى‬ ‫قال الزهري‪ :‬وأصل ال ّ‬
‫الباطل في صورة الحق وخّيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه‪.‬‬
‫ن{‪ 2‬معناه فأنى تصرفون‪.3‬‬ ‫قال الفراء‪ :‬في قوله تعالى‪َ َ } :‬‬
‫حُرو َ‬
‫س َ‬
‫فأّنى ت ُ ْ‬

‫‪1‬رواه البخاري في كتاب النكاح باب الخطبة‪ ،‬ومسلم في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلة والخطبة‪.‬‬
‫‪ 2‬آية ‪ 89‬المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 3‬لسان العرب ج ‪ 2‬ص‪.106 .‬‬
‫كما يأتي السحر ويراد به الخديعة‪ .‬يقال سحره بالطعششام والشششراب‪ :‬أي خششدعه‪ ،‬والسششحور‬
‫المفسد من الطعام أو المكان‪.‬‬
‫يقال‪ :‬سحر المطر الطين والتراب‪ :‬أفسد فلم يصلح للعمل‪.4‬‬
‫السحر في الصطلح‪:‬‬
‫عرف السحر اصطلحا بتعاريف كثيرة مختلفة متباينة‪ ،‬ذلك لكثرة النواع الداخلة تحتششه ول‬
‫يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعا ً لها مانًعا لغيرها‪.5‬‬
‫ولختلف المذاهب فيه بين الحقيقة والتخييششل‪ .‬فمثل البعششض يعرفششه بتعششاريف ل تصششدق إل‬
‫على ما ل حقيقة له من أنواع السحر‪ ،‬أو ما هو سحر في اللغة‪.‬‬
‫ومن هؤلء أبو بكر الرازي حيث قال‪" :‬هو كل أمر خفششي سششببه وتخيششل علششى غيششر حقيقتششه‬
‫ويجري مجرى التمويه والخدع"‪.6‬‬
‫وعرفه البعض بماله حقيقة وأثر كابن قدامة حيث قال‪" :‬السششحرعزائم ورقششى وعقششد يششؤثر‬
‫في القلوب والبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين امرء وزوجه ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه"‪.7‬‬
‫وعرفه أحد العلماء المعاصرين ‪ -‬تعريفا ً جمع فيه القسمين‪ .‬فقشال‪" :‬هشو عبشارة عشن أمشور‬
‫دقيقة موغلة في الخفاء يمكن اكتسابها بالتعلم تشبه الخارق للعششادة وليششس فيهششا تحششد‪ ،‬أو تجششري‬
‫مجششرى التمششويه والخششداع تصششدر مششن نفششس شششريرة تششؤثر فششي عششالم العناصششر بغيششر مباشششرة أو‬
‫بمباشرة"‪.8‬‬

‫‪4‬انظر لسان العرب مادة سحر ج ‪ 2‬ص‪ ،107 -106.‬القاموس المحيط ج ‪ 2‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 5‬أضواء البيان ج ‪ 4‬ص‪.444 ،‬‬
‫‪ 6‬أحكام القرآن له ج ‪ 1‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 7‬الكافي ج ‪ 4‬ص ‪ 164‬وانظر تيسير العزيز الحميد ص ‪.333‬‬
‫‪ 8‬السحر بين الحقيقة والوهم ص ‪.38‬‬
‫ونستخلص من هذه التعاريف وغيرها تعريفا ً لعله يكون جامعا ً بلفظ موجز إن شاء الله‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬السحر‪ :‬هو كل ما فيه مخادعة أوتأثير في عالم العناصر نتيجة الستعانة بغير اللششه‬
‫من شيطان أو نحوه‪ ،‬يشبه الخارق للعادة وليس فيه تحد يمكن اكتسابه بالتعلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنواع السحر‪:‬‬
‫السحرأنواع كثيرة منها‪ :‬ماله حقيقة‪ ،‬ومنها ما ليس له حقيقة‪ ،‬ومنها ما هو سحر في اللغة‬
‫"هو السحر المجازي"‪ ،‬ولذا اختلفت تقسشيمات العلمشاء للسششحر فبعضشهم جمشع الجميشع كششالرازي‬
‫وبعضهم اقتصر على ما هو سحر في عرف الشرع‪9‬وبعضهم اقتصر على ماله حقيقة فقط‪ .‬وإليك‬
‫شيئا ً من هذه النواع بشيء من اليجاز‪.‬‬
‫القسم الول‪ -:‬ما هو سحر في الشرع ‪ -‬ومنه ماله حقيقة‪ ،‬ومنه ما ليس له حقيقة ‪ -‬ومششن‬
‫أنواعه ما يلي‪:‬‬
‫النوع الول‪:‬سحر أصحاب الوهام والنفوس القويششة‪ .‬ذلششك أن الششوهم والنفششس لشششهما تششأثير‬
‫على النسان‪ ،‬وبناًء على ذلك يقوم الساحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في‬
‫الخرين بقدرة الله تعالى‪.‬‬
‫وقد ذكر الرازي وجوها كثيرة تؤكد أن للوهم والنفس تأثيرًا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن النسان يمكنششه أن يمششي علششى الجشذع الموضشوع علششى وجشه الرض ول يمكنششه‬
‫المشي عليه إذا كان ممدودا ً على نهر أو نحوه ذلك أن توهم السقوط متى قوي أوجبه‪.‬‬
‫الثاني‪:‬قد أجمع الطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الشياء الحمششر خشششية أن يششؤثر‬
‫هذا على نفسه فيستمر رعافه وعلى نهي المصروع عششن النظششر إلششى الشششياء القويششة اللمعششان أو‬
‫الدوران لن هذا يؤثر في نفسه فيتمادى به صرعه‪.‬‬
‫كل ذلك دليل على أن التصورات النفسية التي تعرض للنفس تؤثر في صاحبها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحششدوث الكيفيششات فششي‬
‫البدان فإن الغضبان تشتد سخونة مزاجششه حششتى إنششه يفيششده سششخونة قويششة‪ .‬وذلششك دليششل علششى أن‬
‫النفوس لها تأثير في بدن صاحبها وإذا جاز كون التصششورات مبششادئ لحششدوث الحششوادث فششي البششدن‬
‫فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن‪.‬‬

‫المراد في عرف الشرع‪ :‬بحيث يحكم على صاحبه شرعا ً بأنه ساحر‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪10‬‬
‫الرابع‪ :‬ومما يؤكد أن النفس قد تؤثر بالخرين الصابة بالعين‬
‫وقد اتفق النقل والعقل على ذلك‪.‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬العين حق ولو كششان شششيء‬
‫‪11‬‬
‫سابق القدر لسبقته العين"‬
‫ً‬
‫ثم قال‪" :12‬النفس التي تفعل هذه الفاعيل قد تكون قوية جدا تستغني في هذه الفاعيل‬
‫عن الستعانة باللت‪ ...‬وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الستعانة بهذه اللت‪.‬‬
‫وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية علشى البشدن ششديدة النجشذاب إلشى عشالم السشماوات‬
‫صارت كأنها روح من الرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هششذا العششالم‪ ،‬وإذا كششانت‬
‫ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ ل يكون لها تأثير البتة إل فششي هششذا البششدن‪ ...‬ثششم‬
‫أرشد إلى أنه ل بد لمزاولششة هششذه العمششال مششن انقطششاع المألوفششات والمشششتهيات وتقليششل الغششذاء‬
‫والنقطاع عن مخالطة الخلق‪ ،‬وكلما كانت هذه المور أكثر كان ذلك التأثير أقوى"‪.13‬‬
‫والحق أن هذا الساحر لم يؤثر على الخرين بنفسه فقط بششل هنششاك معيششن‪ ،‬وهششذا المعيششن‬
‫إنما هو شيطان‪ ،‬ذلك أن الساحر عندما خرج عن حد العتدال المشروع في تلبيششة رغبششات الششروح‬
‫والجسد وأشقى نفسه في معصية الله‪ ،‬تعلت روحه على بششدنه وقششويت حششتى أصششبح مششن السششهل‬
‫على الرواح التعامشل معهششا‪ ،‬ومششن ثشم تولتهشا الرواح الششيطانية لكونهشا خبيثشة ورغبتهششا فششي هشذا‬
‫السلوك‪ ،‬وذلك بتحقيق أمور ل تستطيعها في حال اعتدالها‪ ،‬لتستمر في هذا الطريق الباطششل مششع‬
‫‪14‬‬
‫عدم شعورها بعون تلك الرواح‪ .‬ولذا يمكن أن يطلق عشلى ما تحققه من أمور أحشوال شيطانية‬
‫أعاذنا الله منها‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬السحر الذي يستعان فيه بالكواكب ومنه‪:‬‬
‫‪ -1‬سحر الكلششدانيين وأهششل بابششل وغيرهششم‪ ،‬وهششؤلء كششانوا قومششا صششابئين يعبششدون الكششواكب‬
‫السبعة ويعتقدون أنها المدبرة للعالم وأن حوادث العالم كلها من أفعالها‪ ،‬ومنها يصدر كل مظهششر‬
‫خير وشر‪ ،‬وقد بعث الله إليهم إبراهيم عليه السلم مبطل ً لمقالتهم ونظرا ً لعتقادهم أنهششا مششدبرة‬
‫من دون الله فهم يزعمون أن لها ادراكات روحانية فإذا قوبلت ببخور خششاص ولبششاس خششاص علششى‬
‫الذي يباشر البخور مع إقدامه على أفعال خاصششة‪ ،‬وألفششاظ يخششاطب بهششا الكششواكب كششانت روحانيششة‬

‫‪10‬‬
‫التفسير الكبير للرازي ج ‪ ،3‬ص ‪) 209-208‬بتصرف(‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫رواه مسلم والترمذي جامع الصول حديث ‪.5737‬‬
‫‪12‬‬
‫الرازي‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫التفسير الكبير للرازي ج ‪ ،3‬ص ‪.209‬‬
‫‪14‬‬
‫تفسير ابن كثير ج ‪ ،1‬ص ‪ ،145‬والسحر بين الحقيقة والخيال‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫الفلك مطيعة له متى ما أراد شيئا ً فعلته له على حد زعمهم‪ .‬والحق أن الروحانيششات الششتي قضششت‬
‫‪15‬‬
‫حوائجهم إنما هي الشياطين أعاذنا الله منها ليستمروا في باطلهم فيضلوا ويضلوا‬
‫‪ -2‬ومنه نوع يسمى بالطلسم‪ :‬وهششو عبششارة عششن نقششش أسششماء خاصششة لهششا تعلششق بششالفلك‬
‫والكواكب ‪ -‬على زعم أهلها ‪ -‬فشي جسشم مشن المعششادن أو غيرهشا تحشدث بشه خاصششية ربطششت فشي‬
‫مجاري العادات‪ ،‬ول بد مع ذلشك مشن نفشس صشالحة لهشذه العمشال فشإن بعشض النفشوس ل تجشري‬
‫‪16‬‬
‫الخاصية المذكورة على يده‬
‫وهذا النوع من السحر يحصل في الغالب إما من محتال ذكي مششع مغفششل فنتيجششة تصششديقه‬
‫يحصل الشعور النفسي بتأثيره‪ .‬وأما من صاحب علقة بالشياطين‪ ،‬وإنما يسششتعمل هششذا الطلسششم‬
‫لخفاء ضلله وكفره وكلهما محرم‪ .‬فالول كذب وغش‪ ،‬والثاني شرك ظاهر من فاعله‪ .17‬وعليششه‬
‫فليس للكواكب فيه أي أثر‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنششه‪ :‬النظششر فششي حركششات الفلك ودورانهششا وطلوعهششا وغروبهششا واقترابهششا وافتراقهششا‬
‫معتقدين أن لكل نجم منها تأثير حال انفراده كما أن له تأثيرا ً حال اجتماعه بغيره‪ ،‬على الحششوادث‬
‫الرضية من غلء السعار ورخصها ووقوع الحوادث وهبوب الريششاح ونحششو ذلششك وقششد ينسششبون إليششه‬
‫ً‪18‬‬
‫ذلك مطلقا‬

‫‪ 15‬تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪ 206‬وأضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ 453‬وتيسير العزيز الحميد ص ‪ 387‬وأحكام‬
‫القرآن ج ‪1‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 16‬أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ 453‬الفصل ج ‪ 5‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 17‬انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص ‪.27‬‬
‫‪ 18‬انظر معارج القبول ج ‪ 2‬ص ‪ ،560‬والفتاوى ج ‪35‬ص ‪.192‬‬
‫‪ -4‬ومنه النظر في منازل القمر الثمانية والعشششرين معتقششدين التششأثير‪ ،‬فششي اقششتران القمششر‬
‫بكل منها ومفارقته وان في تلك المقارنة أو المفارقششة سششعودا ً أو نحس شا ً أوتأليفششا أو تفريق شا ً وغيششر‬
‫ذلك‪.19‬‬
‫‪ -5‬ومنه ما يفعله من يستخدم الرقام لحروف أبجد هوز‪ ....‬المسمى بعلششم الحششرف‪ .‬وهششو‬
‫أن يكتب حروف أبجد هوز‪ ...‬الخ‪ .‬ويجعل لكل حرف منها قششدرا ً مششن العششدد معلومشا ً ويجششري علششى‬
‫ذلك أسماء الدميين والزمنة والمكنة وغيرها ويجمع جمعشا ً معروفشا ً عنششده ويطششرح طرحشا ً خاصشا ً‬
‫ويثبت إثباتا ً خاصًا‪ ،‬وينسبه إلى البراج الثني عشر المعروفة عند أهل الحسششاب‪ ،‬ثششم يحكششم علششى‬
‫تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشششيطان وكششثير منهششم يفششرق بيششن المششرء‬
‫وزوجته بذلك بدعوى أنهم إن جمعهم بيت ل يعيش أحدهم‪ ،‬وقد يتحكم بذلك فششي الغيششب فيششدعي‬
‫أن هذا يولد له وهذا ل‪ .‬وهذا يكون غنيا ً وهذا يكون فقيرا ونحو ذلك‪ .‬كأنه هو الكاتب ذلششك للجنيششن‬
‫في بطن أمه ل والله ل يدريه الملك الذي يكتب حتى يسأل ربه فكيف بهذا الكششاذب المفششترى ول‬
‫شك في تحريم هذا العمل وكذب مدعيه وأن أحكامه رجم بالغيب‪.20‬‬

‫‪19‬‬
‫معارج القبول ج ‪2‬ص ‪.560‬‬
‫‪20‬‬
‫معارج القبول ج ‪ 2‬ص ‪ 562 ،560 - 559‬وتيسير العزيز الحميد ص ‪.364-363‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الستعانة بالرواح الرضية‪ ،‬وهم الجن‪.‬وهم علشى قسشمين مشؤمنين ‪ -‬وكفشار‪،‬‬
‫وهم الشياطين‪ .‬أما المؤمنششون فمششن المعلششوم أنهشم ل يعملششون فعششل محششرم أو يعينششون عليششه‪ .‬إذا‬
‫فالستعانة إنما هي بالشياطين‪.‬‬
‫واتصال النفوس الناطقة بها سهل‪ ،‬لما بينهما من المشابهة والقرب‪ .‬وهذا التصال يحصششل‬
‫بشي من الرقى والدخن والتجريد‪.21‬‬
‫قششال الششرازي‪" :‬إن أصششحاب الصششنعة وأربششاب التجربششة شششاهدوا أن التصششال بهششذه الرواح‬
‫الرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد‪ ،‬وهذا النوع هو المسمى بالعزائم‬
‫وعمل تسخير الجن"‪.22‬‬
‫وعندما يتحقق التصال تحصل الستعانة ثم العانة لكششن ذلششك ل يكششون دون الشششرك بششالله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وأصحاب هذا النوع قد يخفون استعانتهم بالشياطين بمششا يزعمششونه مششن أن لكششل نششوع مششن‬
‫الملئكة أسماء أمروا بتعظيمها ومتى أقسم عليهم بهششا أطششاعواوفعلوا مششا طلششب منهشم ول يخفششى‬
‫بطلن هذا الزعم‪ ،‬وأن ما يحصل من تعظيم وقسم إنما هو متوجه إلى الشياطين‪.23‬‬

‫‪21‬‬
‫انظر تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪ ،210‬وتفسير ابن كثير ج ‪ 1‬ص ‪.145‬‬
‫‪22‬‬
‫تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.211‬‬
‫‪23‬‬
‫أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪.453‬‬
‫‪24‬‬
‫د{‬‫ق ِ‬ ‫في ال ْ ُ‬
‫ع َ‬ ‫ت ِ‬ ‫شّر الن ّ ّ‬
‫فاَثا ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫و ِ‬
‫النوع الرابع‪ :‬العقد والنفث فيه قال تعالى‪َ } :‬‬
‫والنفاثات في العقد‪:‬هن السواحر اللتي يعقدن الخيوط وينفثن‪ 25‬في كل عقدة حتى ينعقد‬
‫ما يردن مشن السششحر وذلششك إذا كششان المسشحور غيششر مباشششر‪ ،‬أمششا إذا كششان مباشششرا ً فينفثششن عليشه‬
‫مباشرة‪ .‬وذلك كله بعد أن تكيف نفس الساحر بالخبث والشر الششذي يريششده بالمسششحور ويسششتعين‬
‫عليه بالرواح الخبيثة فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري‪ .‬ويطلق البعششض علششى هششذا النششوع‬
‫الرقى لشبهها بها في الصورة ومن هذا النوع سحر لبيد بن ألعصم اليهودي للرسششول صششلى اللششه‬
‫عليه وسلم والشرك في هذا النوع ظاهر ذلك أنه استعانة بالرواح الخبيثة وهم الشياطين‪.26‬‬
‫النوع الخامس‪ :‬الهيمياء بكسر الهاء على وزن كبرياء‪ ،‬وهو ما تركب مششن خششواص سششماوية‬
‫تضاف لحوال الفلك يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة‪ ،‬وقششد يبقششى‬
‫له إدراك وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالت النائم من غير فرق حتى يتخيل مششرور السششنين‬
‫الكثيرة في الزمن اليسير وحدوث الولد وإنقضاء العمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن‬
‫اليسير‪ ،‬ومن لم يعلم له ذلك ل يجد شيئا مما ذكر وكل ما يتصوره المسحور في هذه الحالة مششن‬
‫الوهام التي ل حقيقة لها‪.27‬‬

‫‪24‬‬
‫آية ‪ 4‬سورة الفلق‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫النفث‪ :‬هو النفخ مع الريق وهو دون التفل‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫انظر بدائع الفوائد ج ‪ 2‬ص ‪ 221‬ومعارج القبول ج ‪ 2‬ص ‪ ،563‬وأضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪.452‬‬
‫‪27‬‬
‫أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ ،452‬وحاشية ابن عابدين ج ‪ 1‬ص ‪.45‬‬
‫النوع السادس‪ :‬السيمياء‪ :‬بكسر السين وهو عبارة عما تركشب مشن خشواص أرضشية كشدهن‬
‫خاص أو كلمات خاصة توجب إدارك الحواس الخمسة أو بعضها بما له وجششود حقيقششي‪ ،‬أو بمششا هششو‬
‫تخييل صرف‪.28‬‬
‫ً‬
‫وهذا النوع تخييلي‪ .‬يأتي بأحد أمرين إما بتششأثير عقششاقير بخواصششها‪ .‬وهششذا ليششس سششحرا فششي‬
‫الشرع‪ .‬وإما بكلمات خاصة‪ ،‬وهذا ل يحصل بمجرد الكلم وإنما هششو بمعيششن مششن الشششياطين يكششون‬
‫منه التخييل على الحواس بعد ذلك الكلم الششذي يسششتدعي بشه السششاحر ذلششك المعيششن وهششذا الكلم‬
‫تذلل للشياطين يعاوضون عنه الساحر بما يريد من الخداع‪ .‬ول شك في حرمته لكونه شركا ً‪.29‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ماسحر في اللغة‪.‬وهو"السحر المجششازي" ومششداره علششى قششوة البيششان وخفششة‬
‫اليد‪ ،‬والحيل والكتشافات التي سبق بها الساحر عصره وإنما أدخل هذا القسششم فششي فشن السشحر‬
‫للطافة مأخذه‪ ،‬ذلك أن السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه‪ .30‬وهو أنواع منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬الخذ بالبصار والشعبذة‪ ،‬وهذا النوع مبني على مقششدمات‪ .‬أحششدها‪ :‬أن أغلط البصششر‬
‫كثيرة ومن أمثلة ذلك أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشششط متحرك شا ً‬

‫‪28‬‬
‫أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ ،452‬وحاشية ابن عابدين ج ‪ 1‬ص ‪.45‬‬
‫‪29‬‬
‫انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص ‪.33‬‬
‫‪30‬‬
‫انظر تفسير ابن كثير ج ‪ 1‬ص ‪.147‬‬
‫ومثلها السيارة ونحوها‪ .‬وذلك دليل على أن الساكن يرى متحركا ً والمتحرك يرى ساكنًا‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوسات وقوفا ً تاما ً إذا أدركت المحسوسششات‬
‫في زمان له مقدار ما‪ ،‬أما إذا أدركت المحسوس في زمان قصير جدا ً ثم أدركت بعده محسوس شا ً‬
‫آخر وهكذا فانه يختلط البعض بالبعض‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن النفس إذاكانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحششس شششيء آخششر ول يشششعر‬
‫الحس به ألبتة‪ .‬مثاله‪:‬أن النسان عند دخوله على السلطان قديلقاه إنسان آخششر ويتكلششم معششه فل‬
‫صششل الششرازي فششي تلششك‬
‫يعرفششه ول يفهششم كلمششه‪ ،‬إذ إن قلبششه مشششغول بشششيء آخششر‪ .‬ثششم بعششد أن ف ّ‬
‫المقدمات قال‪ :‬إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلششك تصششور كيفيششة هششذا النششوع مششن السششحر‪،‬‬
‫وذلك أن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا‬
‫استغرقهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل‬
‫خفيا ً لتفاوت الشيئين‪.‬‬
‫أحدهما‪:‬اشتغالهم بالمر الول والثاني‪:‬سرعة التيان بهذا العمل الثششاني وحينئذ يظهششر لهششم‬
‫شيء آخر غيرما انتظروه فيتعجبون منه جدا ً ولو أنه سكت ولم يتكلم بمششا يصششرف الخششواطر إلششى‬
‫ضد ما يريد أن يعمله‪ ،‬ولم تتحرك النفوس والوهام إلى غير مششا يريششد إخراجششه لفطششن النششاظرون‬
‫لكل ما يفعله‪.31‬‬

‫‪31‬‬
‫تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.211‬‬
‫وهذا النوع ‪ -‬كما نرى ‪ -‬تخييل ل حقيقة له وهو محشرم‪ ،‬لمششا يتضششمنه مشن الكشذب والخششداع‬
‫وقد قال البعض‪ 32‬بأن سحر سحرة فرعون من هذا النوع والظهر والله أعلم أنه ليس مششن هششذا‬
‫النوع ذلك أن سحرة فرعون لم يكن منهم حركات سوى إلقاء الحبال والعصي ثم تششراءى للنششاس‬
‫أنها متحركة فكان سحرهم بفعل آخر أثر على العين‪ ،‬وهو من نوع الستخدامات‪.33‬‬
‫الثاني‪ :‬الستعانة بخواص الدوية والطعمة والملبششس ونحوهششا‪ .‬وهششو ضششرب مششن الحتيششال‬
‫يقوم به بعض من يدعي السحر‪.‬‬
‫فمن ذلك أن يدعي القدرة على فعل أمور خارقششة‪ ،‬فيسششتخدم خششواص بعششض المششواد الششتي‬
‫خلقها الله مما عرف خاصيته ولم يعلمه بقية الناس‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك دخول بعض هؤلء النار بعد أن يدهنوا جلودهم بمششواد لهششا خاصششية مقاومششة‬
‫النار‪ ،‬أو يلبس ثياب ل تحرقها النار‪ ،‬فيظن الرائي الجاهل أنه فعل أمرا ً خارقًا‪ ،‬ولو علم بمششا فعششل‬
‫لزال العجب‪ ،‬كذلك من هذا النوع أن يجعل في طعام من يريد إيششذاءه بعششض الدويششة أو الطعمششة‬
‫المبلدة المزيلة للعقل أو الدخن المسكرة‪،‬فإذا تناولها الضحية تبلد عقله وقلششت فطنتششه فيتصششرف‬
‫تصرفا ً غيرسليم فيقول الناس إنه مسحور‪ ،‬وقد يستعين بهذه الدوية ونحوها في مسششك الحيششات‪،‬‬
‫ثم يزعم أمام جهلة الناس أنها أحوال له‪.34‬‬

‫‪32‬‬
‫تفسير ابن كثير ج ‪ 1‬ص ‪.146‬‬
‫‪33‬‬
‫انظر‪ :‬السحر بين الحقيقة والخيال ص ‪.35‬‬
‫‪34‬‬
‫انظر تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص‪ 212 .‬وتفسير ابن كثير ج ‪1‬ص ‪ 146‬وعالم السحر والشعوذة ص ‪.144‬‬
‫الثالث‪ :‬السعي بالنميمة وإغراء بعض الناس ببعض من وجوه لطيفة خفية وهذا شششائع بيششن‬
‫الناس‪ 35‬وخصوصا ً ضعاف اليمان منهم‪.‬‬
‫قشال أبشو الخطششاب فششي عيشون المسشائل‪" :‬ومششن السششحر السشعي بالنميمششة والفسشاد بيششن‬
‫‪36‬‬
‫الناس"‬
‫وإنما أطلق على النميمة للفساد سشحرًا‪ ،‬لنهششا تحشول مششا بيشن الصشديقين مشن محبشة إلششى‬
‫عداوة بوسيلة خفية كاذبة‪.‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬النميمة على قسمين تارة تكون على وجه التحريش بيشن النشاس وتفريشق‬
‫قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه‪ ،‬فأما إذا كانت على وجششه الصششلح بيششن النششاس‪ ...‬أو علششى‬
‫وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة فهذا أمر مطلوب كما فعل نعيم بن مسعود"‪.37‬‬
‫الرابع‪ :‬تعليق القلب‪:‬‬
‫وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف اسم الله العظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له فششي‬
‫أكثر المور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبششه‬
‫بذلك‪ ،‬وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة‪ ،‬وإذا حصل الخوف ضششعفت القششوى الحساسششة‬
‫فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء‪.38‬‬

‫‪35‬‬
‫انظر تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.213‬‬
‫‪36‬‬
‫فتح المجيد ص ‪.232‬‬
‫‪37‬‬
‫تفسير ابن كثير ج ‪ 1‬ص ‪.147‬‬
‫‪38‬‬
‫تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.213‬‬
‫قال الرازي‪" :‬وإن من جرب المور وعرف أحوال أهل العلششم علششم أن لتعلششق القلششب أثششرا ً‬
‫عظيما ً في تنفيذ العمال وإخفاء السرار"‪.39‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬السحر له حقيقة أم ل ؟‬
‫ختلف في السحر هل له حقيقة أم ل حقيقة له بل مجرد تخييل؟ علشى قشولين وإليشك رأي‬ ‫ا ُ‬
‫كل من الفريقين مع بيان الرأي الصائب إن شاء الله‪.‬‬
‫القول الول‪ :‬قول أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫وهو أن للسحر حقيقة وأثرا ً ثابتا ً بالكتاب والسنة‪.‬قششال النششووي‪" :‬والصششحيح أن السششحر لششه‬
‫حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء‪ "40...‬وقال القرطبي رحمه الله "ذهششب أهششل السششنة‬
‫إلى أن السحر ثابت وله حقيقة‪ 41"...‬وقال أيضًا‪" :‬وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنششدها مششا‬
‫يشاء"‪ 42‬وقال المام المازري‪" :‬مذهب أهل السنة وجمهور علماء المة علششى إثبششات السششحر وأن‬
‫له حقيقة كحقيقة غيره من الشياء الثابتة خلفا ً لمششن أنكششر ذلششك‪ "43 ...‬وقششال المششام ابششن القيششم‪:‬‬
‫‪44‬‬
‫د{‬
‫ق ِ‬ ‫في ال ْ ُ‬
‫ع َ‬ ‫ت ِ‬ ‫شّر الن ّ ّ‬
‫فاَثا ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫و ِ‬
‫"وقد دل قوله تعالى‪َ } :‬‬

‫‪ 39‬تفسير الرازي ج ‪3‬ص ‪.213‬‬


‫‪ 40‬فتح الباري ج ‪ 10‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 41‬تفسير القرطبي ج ‪ 2‬ص ‪.44‬‬
‫‪42‬تفسير القرطبي ج ‪ 2‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 43‬شرح صحيح مسلم للنووي ج ‪ 14‬ص ‪.174‬‬
‫‪ 44‬آية ‪ 4‬سورة الفلق‪.‬‬
‫وحديث عائشة رضى الله عنها على تأثير السحر وأن له حقيقة‪.45‬‬
‫أدلة أهل السنة‪:‬‬
‫لقد استدل أهل السنة على أن للسحر حقيقة وأثرا ً بأدلة كثيرة من الكتاب والسششنة‪ ،‬ومششن‬
‫الواقع وإليك شيئا منها‪:‬‬
‫أول‪ :‬الدلة من الكتاب منها ما يلي‪:‬‬
‫ففَر‬ ‫مفا ك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬ ‫سفل َي ْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫مْلف ِ‬ ‫عَلفى ُ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شفَيا ِ‬ ‫مفا ت َت ُْلفوا ال ّ‬ ‫عوا َ‬ ‫وات ّب َ ُ‬ ‫‪ -1‬قششوله تعششالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فروا يعل ّمون الن ّففاس السفحر ومففا أ ُ‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫فى‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ّ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ففْر‬‫فل ت َك ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫فت َْنف ٌ‬ ‫ن ِ‬ ‫حف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫مفا‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫قفول‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫تفى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫حف‬ ‫من أ َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫رو‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫رو‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ب َِباب ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫د ِإل‬ ‫حف ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫مفف ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن بِف ِ‬ ‫ضاّري َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ِ‬ ‫وَز ْ‬ ‫ء َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫في َت َ َ‬ ‫َ‬
‫فففي‬ ‫ه ِ‬ ‫مففا ل َف ُ‬ ‫شفت ََراهُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫فوا‬ ‫ف‬‫م‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫مو‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫بِ ِ ِ‬‫ذ‬ ‫إ‬
‫ه أَ‬
‫عل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪46‬‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫َ ْ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ئ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ٍ َ‬ ‫ق‬ ‫خل‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫خ َ‬ ‫ال ِ‬
‫وجه الستدلل‪ :‬الية تدل على أن للسحر حقيقة من وجوه الول‪ :‬أن الله سبحانه وتعششالى‬
‫قد أخبر فيها عن السحر وأنه مما يعلم ويتعلم وأن متعلمه يكفر بذلك وهذه الصششفات ل تكششون إل‬
‫لماله حقيقة‪ ،‬مما يدل على أن له حقيقة‪.47‬‬

‫‪45‬‬
‫التفسير القيم ص ‪.571‬‬
‫‪46‬‬
‫آية ‪ 102‬سورة البقرة‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج ‪ 14‬ص ‪.174‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الله تعالى قد أخبر في هذه اليششة بششأن للسششحر آثششارا ً محسوسششة كششالتفريق بيششن‬
‫المرء وزوجه والثر دليل على وجود المؤثر وأن له حقيقة‪.48‬‬
‫ً‬
‫الثالث‪:‬كما أخبر الله تعالى في هذه الية بأن للسحرضششررا ل يتحقششق إل بششإذنه‪ ،‬والسششتثناء‬
‫دليل على حصول الثار بسببه والضرر أو الثر ل يكون إل مماله حقيقة‪.49‬‬
‫ق إِ َ‬
‫ذا‬ ‫سف‬
‫ِ ٍ‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫شف‬ ‫ن‬‫ق َ ِ ْ‬
‫مف‬ ‫و‬ ‫خَلف َ‬
‫مفا َ‬ ‫شفّر َ‬ ‫ن َ‬‫مف ْ‬
‫ق ِ‬ ‫فل َ ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫عوذُ ب َِر ّ‬ ‫ل أَ ُ‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ق ْ‬
‫‪50‬‬
‫د{‬ ‫س‬
‫َ َ َ‬ ‫ح‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫حا‬
‫ّ َ ِ ٍ ِ‬ ‫ر‬‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ُ ِ َ ِ ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫شّر الن ّ ّ‬
‫فاَثا ِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫و ِ‬
‫ب َ‬ ‫و َ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫وجه الستدلل‪ :‬أن الله تعالى أمرنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السششورة بالسششتعاذة‬
‫من شر النفاثات في العقد وهن السواحر كمششا فسششرها جمهششور المفسششرين‪ 51‬ممششا يششدل علششى أن‬
‫للسحر حقيقة وأثرا‪ 52‬إضافة إلى ذلك أن هذه السورة وسورة الناس باتفششاق جمهششور المفسششرين‬
‫سبب نزولهما‪ 53‬سحر لبيد بن العصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ولو لم يكن له حقيقة وأثر لما أنزلت هاتان السورتان لبطال أثره‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدلة من السنة وهي كثيرة منها ما يلي‪:‬‬

‫‪48‬انظر تفسير القرطبي ج ‪2‬ص ‪ ،46‬وشرح النووي على صحيح مسلم ج ‪ 14‬ص ‪ 174‬أضواء البيان ج ‪4‬‬
‫ص ‪437‬‬
‫‪ 49‬تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.213‬‬
‫‪ 50‬سورة الفلق‪.‬‬
‫‪ 51‬انظر تفسير ابن كثير ج ‪ 4‬ص ‪ 573‬ومختصر تفسير الطبري ص ‪ 707‬والتفسير القيم ص ‪.563‬‬
‫‪ 52‬انظر أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ ،437‬ونيل الوطار ص ‪ 363‬والمغني ج ‪8‬ص ‪ 151‬وشرح المهذب ج‬
‫‪19‬ص ‪ 240‬وفتح المجيد ص ‪222‬‬
‫‪ 53‬أسباب النوزل للنيسابوري ص ‪ 347‬وأسباب النزول للسيوطي ص ‪ 550‬والتفسير القيم ص ‪567‬‬
‫وتفسير القرطبي ج ‪2‬ص ‪ 546‬وقد يقول قائل كيف أن سورة الفلق مكية ويكون سبب نزولها ماوقع‬
‫من سحر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ؟ ويجاب على ذلك بأن سورة الفلق ليست مكية‬
‫وإنما هي من السور المختلف فيها والرجح أنها مدنية كما في الصحاح‪ ،‬قال اللوسي بعد أن حكى‬
‫الخلف ورجح أنها مدنية قال‪:‬فل يلتفت لمن قال بمكيتها وحتى لوسلمنا بأنها مكية فإنه ل يلزم منه أنها‬
‫ل تكون علجا ً للسحر‪ .‬انظر الناسخ والمنسوخ ص ‪ 144‬وروح المعاني ج ‪30‬ص ‪278‬والسحر بين‬
‫الحقيقة والوهم ص ‪.69‬‬
‫‪ -1‬أخرج البخاري بسنده إلى عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضششي اللششه‬
‫عنها قالت‪ :‬سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بششن العصششم‬
‫حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه فعششل الشششيء ومششا فعلششه حششتى إذا كششان‬
‫ذات يوم‪ ،‬أو ذات ليلة ‪ -‬وهو عندي لكنه دعا ودعا‪ ،‬ثم قال "يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما‬
‫استفتيته فيه‪ .‬أتاني رجلن فقعد أحدهما عند رأسي والخر عند رجلي فقششال أحششدهما لصششاحبه مششا‬
‫‪54‬‬
‫وجع الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‬
‫‪55‬‬
‫قال‪:‬ومن طبه؟ قال لبيد بن العصم‪.‬قال في أي شيئ؟ قال في مشط ومشاطة وجششف‬
‫طلع‪ 56‬نخلة ذكر‪.‬قال‪ :‬وأين هو؟ قال في بئر ذروان‪.57‬فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫ناس من أصحابه‪ ،‬فجاء فقششال‪ :‬يششا عائشششة كششأن مائهششا نقاعششة الحنششا‪ 58‬وكششأن رؤوس نخلهششا رؤوس‬
‫الشياطين‪ 59‬قلت يا رسول الله أفل استخرجته؟ قال قد عافاني الله فكرهت أن أثير على النششاس‬
‫‪60‬‬
‫فيه شرا ً فأمر بها فدفنت‬
‫‪61‬‬
‫وفي رواية لمسلم "فقلت يا رسول الله أفل أحرقته"‬

‫‪ 54‬المطبوب‪ :‬المسحور‪.‬‬
‫‪ 55‬المشط‪:‬ما يسرح به الشعر‪ ،‬المشاطة هي الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه‪.‬‬
‫‪56‬وعاء طلع النخل‪:‬هو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والنثى‪ ،‬ولذا قيده في الحديث بالذكر‪.‬‬
‫‪ 57‬وهي بئر في المدينة في بستان بني رزيق‪.‬‬
‫‪ 58‬الماء الذي ينقع فيه الحنا أي أحمر‬
‫‪ 59‬أي كأن نخلها الذي يشرب من مائها ‪ -‬وقد التوى سعفه ‪ -‬رؤس الشياطين أي في قبحه‬
‫‪ 60‬رواه البخاري في كتاب الطب باب السحر ‪ 5763‬ومسلم في كتاب السلم باب السحر‪ .‬انظر مسلم‬
‫المطبوع مع شرح النووي ج ‪ 14‬ص ‪178 - 174‬‬
‫‪ 61‬رواه مسلم في كتاب السلم باب السحر‪.‬صحيح مسلم بشرح النووي ج ‪ 14‬ص ‪) 177‬المتن(‬
‫ويقول المام النووي عن الروايتين‪" :‬كلهماصحيح‪ :‬فطلبت أن يخرجه ثششم يحرقششه والمششراد‬
‫إخراج السحر"‪.62‬‬
‫وفي رواية عمرة عن عائشة "فنزل رجل فاسششتخرجه" وفيششه مششن الزيششادة أنششه "وجششد فششي‬
‫الطلعة تمثال ً من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه إبر مغروزة‪ ،‬وإذابششه وتششر‬
‫فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبششرة وجششد‬
‫‪63‬‬
‫لها ألما ثم يجد بعدها راحة"‬
‫وجه الستدلل‪ :‬الحديث كما نرى يشروي واقعشة سشحره عليشه الصشلة والسشلم ابتشداًء مشن‬
‫تغيرعادته صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه فعششل الشششيء ولششم يفعلششه وانتهششاًء بقششراءة‬
‫المعوذتين وحل العقد ونزع البر وما بين ذلك من دعائه صلىالله عليششه وسششلم ثششم نششزول الملكيششن‬
‫ونقاشهما فيما حصل له صلى الله عليه وسلم ثم ذهابه إلى البئر في جماعة من أصششحابه وإخبششار‬
‫عائشة فيما حصل‪ .‬وطلبها رضي اللششه عنهششا اسششتخراجه‪ ،‬قششوله صششلى اللششه عليششه وسششلم "إن اللششه‬
‫شفاني" كل هذا ل يكون إل فيما له حقيقة وأثر بّين‪.64‬‬
‫‪ -2‬ما رواه البخاري بسنده إلى أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنششه أن النششبي صششلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪":‬اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله ومششا هششن؟ قششال‪:‬الشششرك بششالله‪،‬‬
‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حششرم اللششه إل بششالحق‪ ،‬وأكششل الربششا‪ ،‬وأكشل مششال اليششتيم‪ ،‬والتششولي يششوم‬
‫‪65‬‬
‫الزحف وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات"‬

‫‪ 62‬صحيح مسلم بشرح النووي ج ‪ 14‬ص ‪)177‬الشرح(‬


‫‪ 63‬فتح الباري ج ‪ 10‬ص ‪230‬‬
‫‪ 64‬انظر‪ :‬التفسير القيم ص ‪ 571‬والتفسير الكبير للرازي ج ‪3‬ص ‪ ،213‬وشرح النووي على صحيح مسلم‬
‫ج ‪ 14‬ص ‪ 174‬وتفسير القرطبي ج ‪2‬ص ‪.213‬‬
‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫لم‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫مى‬ ‫تا‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫}‬ ‫تعالى‬ ‫‪65‬رواه البخاري في كتاب الوصايا‪ .‬باب قوله‬
‫ِّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫عيرًا{ برقم ‪ 2615‬ورواه مختصرا بلفظ"اجتنبوا الموبقات‬ ‫ْ‬
‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫صل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫م َنارا ً َ‬
‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ب ُ ُ‬
‫طون ِ ِ‬ ‫ي َأك ُُلو َ‬
‫ن ِ‬
‫الشرك بالله والسحر"في كتاب الطب باب الشرك والسحر من الموبقات برقم ‪5431‬‬
‫وجه الستدلل‪ :‬أن الرسول صلى الله عليه وسشلم أمرنششا باجتنششاب السششبع الموبقشات وعشد‬
‫منها السحر بل جعله في المرتبة الثانية بعد الشرك بالله‪ .‬مما يدل على أن له حقيقة‪.‬‬
‫صبح بسبع تمرات عجشوة‪ 66‬لشم يضشره ذلشك‬ ‫‪ -3‬قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬من ت ّ‬
‫‪67‬‬
‫اليوم سم ول سحر"‬
‫وجه الستدلل‪ :‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى مشا فيشه وقايشة مشن السشحر‬
‫وليتوقى إلشيء له حقيقة وأثر بين‪،‬كما أنششه قششارنه بالسششم والسششم متفششق بششأن لششه حقيقششة وأثششرا ً‬
‫فكذلك إذا ً السحر‪.68‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدليل من الواقع‪ :‬كذلك من أدلة أهل السنة على أن للسحر حقيقة‪ :‬الواقع المشاهد‬
‫وما اشتهر بين الناس من عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجهششا فل يقششدرعلى إتيانهششا‪.‬وحششل عقششده‬
‫فيقدر عليها بعد عجز عنها حتى صار متواترا ً ل يمكن جحده‪.‬‬
‫وروى من أخبار السحرة ما ل يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه‪.69‬‬
‫كل هذا دليل ظاهر على أن للسحر حقيقة والله أعلم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو قول عامة المعتزلة‪.‬‬
‫وجماعة من العلمششاء كششأبي منصششور الماتريششدي وابششن حششزم وأبششي جعفششر السششتراباذي مششن‬
‫الشافعية وأبي بكر الجصاص‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ويتلخص رأيهم في أن السحر ل حقيقة له وإنما هو تمويه وتخييل فل تأثير له ل في مششرض‬
‫ول حل ول عقد ولغير ذلك‪ ،‬وعلى ذلك فهم ينكرون من أنواع السحر ما كان له حقيقة ويجعلونه‬
‫ضربا ً واحدا ً وهو سحر التخييل‪.‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبششار ‪":‬إن السششحر فششي الحقيقششة ل يششوجب المضششرة لنششه ضششرب مششن‬
‫‪70‬‬
‫التمويه والحيلة…"‬
‫ويقول أبو منصور الماتريدي‪" :‬والصل أن الكهانة محمول أكثرها على الكششذب والمخادعششة‬
‫‪71‬‬
‫والسحر على التشبيه والتخييل"‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫حب َففال ُ‬
‫ذا ِ‬ ‫ويقول ابن حزم‪…" :‬وقد نص الله عز وجل على مششا قلنششا فقششال تعششالى‪َ } :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫َ‬
‫عى{‪ 72‬فأخبر الله تعالى أن عمل أولئك السحرة‬ ‫س َ‬
‫ها ت َ ْ‬
‫م أن ّ َ‬‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫ح ِ‬‫س ْ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫خي ّ ُ‬
‫م يُ َ‬
‫ه ْ‬
‫صي ّ ُ‬
‫ع ِ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫‪73‬‬
‫إنما كان تخيل ً ل حقيقة‪"...‬‬

‫‪ 66‬ضرب من أجود تمر المدينة والينه‪ .‬انظر فتح الباري ج ‪ 10‬ص ‪.238‬‬
‫‪67‬رواه البخاري في كتاب الطب باب الدواء بالعجوة للسحر برقم ‪ ،5769‬ومسلم في كتب الشربة باب‬
‫فضل تمر المدينة‪ .‬انظر‪:‬صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ج ‪14‬ص ‪.2‬‬
‫‪ 68‬انظر‪ :‬السحر بين الحقيقة والخيال ص ‪.66‬‬
‫‪ 69‬انظر‪ :‬المغني لبن قدامه ج ‪8‬ص ‪.151‬‬
‫‪ 70‬انظر‪ :‬متشابه القرآن ج ‪1‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 71‬التوحيد له‪209 ،‬‬
‫‪ 72‬آية ‪ 66‬سورة طه‪.‬‬
‫‪ 73‬الفصل له ج ‪ 5‬ص ‪ 506‬وانظر المحلى له ج ‪1‬ص ‪.36‬‬
‫وقال ابن حجر‪" :‬واختلف في السحر‪ :‬فقيل هو تخييل فقط ول حقيقة له وهذا اختيار أبي‬
‫‪74‬‬
‫جعفر الستراباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري وطائفة"‬
‫وقد أيدوا قولهم هذا بشبهات نقلية وعقلية‪.‬‬
‫وإليك شيئا ً منها مع المناقشة‪:‬‬
‫أول‪ :‬الشبهات النقلية منها‪ ،‬ما يلي‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫هُبو ُ‬ ‫سفت َْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الن ّففا ِ‬ ‫عي ُف َ‬ ‫حُروا أ َ ْ‬ ‫سف َ‬ ‫وا َ‬ ‫قف ْ‬ ‫ما أ َل ْ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫الشبهة الولششى‪ :‬قششوله تعششالى‪َ } :‬‬
‫‪75‬‬
‫م{‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ٍ‬‫س ْ‬ ‫ءوا ب ِ ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وجه الستدلل‪ :‬قالوا الية تدل على أن السحرة حاولوا إرهاب الناس وتخويفهم بأن خيلوا‬
‫لعين الناظرين أمرا ً ل حقيقة له مما يدل على أن السحر ل حقيقة له‪.76‬‬
‫َ‬
‫هففا‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬‫ح ِ‬ ‫سفف ْ‬‫ن ِ‬ ‫مفف ْ‬ ‫ه ِ‬‫ل إ ِل َي ْ ِ‬ ‫خي ّ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صي ّ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حَبال ُ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫الشبهة الثانية قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫‪77‬‬
‫عى{‬ ‫س َ‬‫تَ ْ‬
‫‪78‬‬
‫ث أَتى{‬ ‫َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫حُر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ٍ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫سا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫‪}:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫الثالثة‪:‬‬ ‫الشبهة‬
‫ذا‬‫ففإ ِ َ‬ ‫وجه الستدلل‪ :‬يقول ابن حزم ‪":‬وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقششال تعششالى } َ‬
‫َ‬
‫‪79‬‬
‫عى{‬ ‫س َ‬ ‫ها ت َ ْ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫ل إ ِل َي ْ ِ‬‫خي ّ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬‫صي ّ ُ‬‫ع ِ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫حَبال ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫فأخبر تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخييل ل حقيقة له‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ث أ ََتى{‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫سا ِ‬ ‫عوا ك َي ْدُ َ‬ ‫صن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫‪81‬‬
‫فأخبر تعالى أنه كيد ل حقيقة له"‬
‫الجواب يقال لهم‪:‬‬
‫أول ًً‪ :‬اليات دليششل علششى أن للسششحر حقيقششة إذ إنهششا دلششت علششى أن للسششحر أثششرا ً فششي نظششر‬
‫المسحور حتى تخيل الشيء علىخلف ما هو عليه وهو تأثير في إحساسهم‪ ،‬وإذا جششاز‪ ،‬فمششا الششذي‬
‫يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟ وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية‬
‫والتغيير الواقع في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟ وعليه فاليات حجة عليكم ل لكم‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬على التسليم بدللة اليات على التخييل فقط فإن هذا ل يمنع أن يكششون غيششر التخييششل‬
‫من جملة السحر؛ لنها لم تحصر السحر في التخييل‪ ،‬وإنما دلشت علشى أن سشحر سشحرة فرعشون‬
‫ونحوهم كان من هذا النوع ونحن لننكر أن يكون التخييل من أنواع السششحر وعلششى ذلششك فل حجششة‬
‫في اليات على نفي حقيقة السحر وتأثيره‪82‬والله أعلم‪.‬‬
‫ثانيُا‪ :‬الشبهات العقلية‪ :‬منها ما يلي‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قالوا إن في القول بأن للسحر أثرا ً خارقا ً للعادة يلزم منه أن يكششون هنششاك‬
‫موجودا ً مثل ً لله تعالى‪.‬كما أنه ل يمكن العلم معه بالفرق بين ما يختص اللششه بالقششدرة عليششه وبيششن‬
‫مقدور العباد‪.83‬‬
‫الجواب‪ :‬يقال لهم هذه الشبهة باطلة ول يلزم من القول بأن للسحر أثرا ً ما زعمتشم‪ ،‬ذلششك‬
‫أن أهل السنة لما قالوا بأن للسحر أثرا ً لم يطلقوا القول بحصول كششل أثششر أو بحصششول أثششر يصششل‬
‫إلى مرتبة الخلق واليجاد‪ ،‬ذلك أن الموجد الحق هو الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫ء‪....‬اليششة{‪ 84‬وقششال تعششالى‬ ‫ي ٍ‬ ‫شف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ك ُف ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قال تعششالى‪} :‬الل ّ ُ‬
‫ق ‪000‬اليششة{ والقششول بششأن أثششر‬ ‫‪86‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ديرًا{‪ 85‬وقال تعالى }أ َ‬ ‫قدَّرهُ ت َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫خل ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قك َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ِ‬

‫‪74‬‬
‫فتح الباري ج ‪10‬ص ‪ ،222‬وانظر أحكام القرآن للجصاص ج ‪ 1‬ص ‪59 ،52‬‬
‫‪75‬‬
‫آية ‪ 116‬سورة العراف‬
‫‪76‬‬
‫انظر‪ :‬أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ 437‬والفصل ج ‪5‬ص ‪6‬‬
‫‪77‬‬
‫آية ‪ 66‬سورة طه‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫آية ‪ 69‬سورة طه‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫آية ‪ 66‬سورة طه‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫آية ‪ 69‬سورة طه‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫الفصل ج ‪ 5‬ص ‪.6 - 5‬‬
‫‪82‬‬
‫انظر التفسير القيم ص ‪ ،572– 571‬وتفسير القرطبي ج ‪ 2‬ص ‪.46‬‬
‫‪83‬‬
‫انظر تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪ 207-206‬ومتشابه القرآن ج ‪1‬ص ‪.102‬‬
‫‪84‬‬
‫آية ‪ 62‬سورة الزمر‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫آية ‪ 2‬سورة الفرقان‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫آية ‪ 17‬سورة النحل‪.‬‬
‫السحر يصل إلى درجة الخلق شرك في الربوبية‪ .‬أعاذنا الله منه‪.‬‬
‫وإنما قالوا له أثر على النفس والبدن يؤدي إلى المرض‪.‬‬
‫فهو سبب قد ربط الله به بعض المسببات في حدود قدرة الخلق من الجششن والنششس وبمششا‬
‫أن قدرة الشياطين تختلف عن قدرة النس لذا قد يظن الجاهل أن حصول الثر المناقض للعششادة‬
‫فوق قدرة الخلق والواقع أنه في حدود قدرة الخلق من الجن والنس ولذا يمكن معارضته بمثلششه‬
‫وأقوى منه‪.87‬‬
‫وإذا كان كذلك فلن يلزم من القول بان للسحر أثرا ً ما زعمتم‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬يروي الرازي عن القاضي أنه قال‪" :‬أنا لو جوزنششا ذلك‪ "88‬لتعششذر السششتدلل‬
‫بالمعجزات على النبوات لنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى‬
‫الرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي النبياء عليهششم السششلم صششدرت‬
‫عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها عن طريق السحر وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كششل‬
‫الوجوه‪.89‬‬
‫الجواب‪ :‬يقال لهم العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر‪.‬‬
‫ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة بها‬
‫لتصديقه فلو كان كاذبا ً لم تنخرق العادة على يديه‪ .‬ولذا ل يمكن معارضته بمثله أو أقششوى منششه؛ إذ‬
‫إّنه ليس في مقدور الجن والنس‪.‬‬
‫ن ي َأ ُْتوا ب ِ ِ‬
‫ذا ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫قفْرآ ِ‬ ‫ه َ‬
‫ل َ‬‫مث ْ ِ‬ ‫عَلى أ ْ‬‫ن َ‬‫ج ّ‬‫وال ْ ِ‬
‫س َ‬‫ت ال ِن ْ ُ‬‫ع ِ‬
‫م َ‬
‫جت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ل ل َئ ِ ِ‬ ‫قال تعالى‪ُ } :‬‬
‫ق ْ‬
‫ً ‪90‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫هيرا{‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ِ‬
‫ُ ْ َ ْ ٍ‬‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫كا َ َ ْ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫ول َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬‫مث ْل ِ ِ‬
‫ن بِ ِ‬
‫ي َأُتو َ‬
‫أما الولي والساحر‪ :‬فل يتحديان الخلق ول يستدلن على نبوة ولو ادعيا شيئا ً من ذلششك لششم‬
‫تنخرق العادة لهما‪.‬‬
‫وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجوه منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو المشهور‪،‬إجماع المسلمين على أن السحر ل يظهششر إل علششى فاسششق أو كششافر‪،‬‬
‫والكرامة ل تظهر إل على ولي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم لساحر ما يريد‪.‬‬
‫والكرامة ل تفتقر إلى شيئ من ذلك‪ .‬وفي كثير من الوقات تقع الكرامة اتفاقششا مششن غيششر‬
‫أن يستدعيها أو يشعر بها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ما يأتي به السحرة‪ ،‬يمكن معارضته بمثله وأقششوى منششه كمششا هششو الواقششع بخلف‬
‫الكرامات فهي كالمعجزات ل يمكن لحد أن يعارضها بمثلها أو أقوى منها‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إن مايأتي به السحرة ل يخرج عن كششونه مقششدورا ً للنششس والجششن بخلف الكرامششات‬
‫فهي كالمعجزات ل يقدر عليها إل الله‪.91‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬يروي الرازي عن القاضي أنه قال‪...":‬لو جوزنششا أن يكششون فششي النششاس مشن‬
‫يقدر علىخلق الجسم والحياة واللوان لقدر ذلك النسان على تحصيل الموال العظيمششة مششن غيششر‬
‫تعب‪ .‬لكنا نرى من يدعي السحر متوصششل إلششى اكتسششاب الحقيششر مششن المششال بجهششد جهيششد فعلمنششا‬
‫‪92‬‬
‫كذبه‪".‬‬
‫الجواب‪ :‬يقال لهم هذه الشبهة باطلة ول تلزمنا لنا لششم نطلششق الحكششم بحصششول كششل تششأثير‬
‫مهما كان بل قلنا في نطاق معين ل يتجاوز التصرف في العراض من باب التششأثير علششى القلششوب‬
‫بالحب والبغض وعلى البدان باللم والسقم‪ .‬أما أن يقلب الجماد حيوانا ً أو عكسه أو الحديد ذهب شا ً‬
‫أو نحوه فليس في مقدور الساحر‪.93‬‬
‫وبذلك يزول اللبس وتبطل هذه الشبهة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫والظهر في هذه المسألة ‪ -‬والله أعلششم ‪ -‬أن السششحر المششذموم صششاحبه ليششس كلششه حقيقششة‬
‫ل‪ .‬بل منه ما هو حقيقة كما دلت عليه أدلة أهل السششنة‪ ،‬ومنششه مششا هششو تخييششل كمششا‬ ‫وليس كله تخيي ً‬
‫دلت عليه اليات التي استدل بها المخالفون‪ .‬وبذلك يتضح عدم التعارض بين الدلة النقلية‪ .‬وعلى‬
‫هذا جماهير العلماء من المسلمين‪ .94‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪ 87‬النبوات ص ‪.278،281 -277 ،258‬‬


‫‪ 88‬أن يكون للسحر أثر خارق للعادة‪.‬‬
‫‪ 89‬تفسير الرازي ج ‪3‬ص ‪ 306،314‬وانظر الفصل ج ‪ 5‬ص ‪ 7‬ومتشابه القرآن ج ‪ 1‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 90‬آية ‪ 88‬سورة السراء‪.‬‬
‫‪ 91‬شرح النووي على صحيح مسلم ج ‪ 14‬ص ‪ ،176-175‬النبوات لبن تيمية ص ‪ ،282-281‬فتح الباري‬
‫ج ‪ 10‬ص ‪.223‬‬
‫‪ 92‬تفسير الرازي ج ‪ 3‬ص ‪.206‬‬
‫‪ 93‬انظر فتح الباري ج ‪ 10‬ص ‪.223‬‬
‫‪ 94‬أضواء البيان ج ‪ 4‬ص ‪ ،438-437‬ص ‪455‬وتيسيير العزيز الحميد ‪.334‬‬

You might also like