Professional Documents
Culture Documents
حقيقة السحر و حكمه فى الكتاب و السُنة
حقيقة السحر و حكمه فى الكتاب و السُنة
في
الكتاب والسنة
إعداد
الدكتور عواد بن عبد الله المعتق
المقدمة
الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده.
أما بعد ؛ فنظرا ً لكثرة المشعوذين في كل زمان وخصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه
المشكلت النفسية حتى أصبحت سمة هذا العصر .وأخذ كثير ممن ابتلوا بمثل هششذه المشششكلت -
وخصوصا من يغلب عليهم الجهل أو قلة اليمان -أخذوا يلجأون إلششى المشششعوذين الششذين يششدعون
الطب عن طريق الكهانة أو السحر يبحثون عندهم عن حل لمشكلتهم النفسية ظنا ً أن لديهم حل ً
لها أو علجا ً لثرها .ومعلوم ما في هذا من الخطر على السلم والمسلمين لمشا فيشه مشن التعلششق
بغير الله ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى اللششه عليششه وسششلم .لمششا ذكششرت رأيششت أن أكتششب لمحششة
موجزة عن السحر مبينا ً فيها حقيقته وحكم تعلمه وتعليمه والعمل به -وعقوبة السششاحر وتششوبته -
ثم علجه .وقد جعلتها في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
المقدمة :في أهمية الموضوع وبعض الدوافع التي دفعتني لعداده.
المبحث الول :في تعريف السحر وأنواعه.
المبحث الثاني :السحر له حقيقة أم ل ؟
المبحث الثالث :حكم السحر والسحرة.
المبحث الرابع :في علج السحر.
الخاتمة :في ذكر أهم النتائج التي توصلت إليها.
وأخيرا ً أسأل الله أن يتقبل صوابه ويتجاوز عن خطئه إنه سشميع مجيشب وصشلى اللشه علشى
نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المبحث الول :في تعريف السحر وأنواعه
أول :تعريف السحر:
السحر لغة :هو الخذة ،وكل ما لطف مأخذه ودق فهششو سششحر ،والجمششع أسششحار ،وسششحور.
حار مششن قششوم
سش ّ
حار ،و َ
سش ّ
حره ،ورجل ساحر من قوم سحرة و ُ سحرا ً و َ
س ّ سحرا ً و ِ
وسحره يسحره َ
حارين ،ول يكسر".
س ّ
والسحر أيضا :البيان في فطنة كما جاء في الحديث أنه صلىالله عليه وسلم قال" :إن مششن
1
البيان لسحرا"
قال ابن الثير :يعني إن من البيان لسحرا :أي منه ما يصششرف قلششوب السششامعين وإن كششان
غيرحق .وقيل معناه إن من البيان ما يكسب من الثم مششا يكتسششبه السششاحر بسششحره فيكششون فششي
معرض الذم .ويجوز أن يكون في معرض المدح ،لنه تسششتمال بشه القلششوب ويرضشى بشه السششاخط
ويستنشزل به الصعب.
سحر:صرف الشي عن حقيقته إلششى غيششره فكششأن السششاحر لمششا أرى قال الزهري :وأصل ال ّ
الباطل في صورة الحق وخّيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه.
ن{ 2معناه فأنى تصرفون.3 قال الفراء :في قوله تعالىَ َ } :
حُرو َ
س َ
فأّنى ت ُ ْ
1رواه البخاري في كتاب النكاح باب الخطبة ،ومسلم في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلة والخطبة.
2آية 89المؤمنين.
3لسان العرب ج 2ص.106 .
كما يأتي السحر ويراد به الخديعة .يقال سحره بالطعششام والشششراب :أي خششدعه ،والسششحور
المفسد من الطعام أو المكان.
يقال :سحر المطر الطين والتراب :أفسد فلم يصلح للعمل.4
السحر في الصطلح:
عرف السحر اصطلحا بتعاريف كثيرة مختلفة متباينة ،ذلك لكثرة النواع الداخلة تحتششه ول
يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعا ً لها مانًعا لغيرها.5
ولختلف المذاهب فيه بين الحقيقة والتخييششل .فمثل البعششض يعرفششه بتعششاريف ل تصششدق إل
على ما ل حقيقة له من أنواع السحر ،أو ما هو سحر في اللغة.
ومن هؤلء أبو بكر الرازي حيث قال" :هو كل أمر خفششي سششببه وتخيششل علششى غيششر حقيقتششه
ويجري مجرى التمويه والخدع".6
وعرفه البعض بماله حقيقة وأثر كابن قدامة حيث قال" :السششحرعزائم ورقششى وعقششد يششؤثر
في القلوب والبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين امرء وزوجه ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه".7
وعرفه أحد العلماء المعاصرين -تعريفا ً جمع فيه القسمين .فقشال" :هشو عبشارة عشن أمشور
دقيقة موغلة في الخفاء يمكن اكتسابها بالتعلم تشبه الخارق للعششادة وليششس فيهششا تحششد ،أو تجششري
مجششرى التمششويه والخششداع تصششدر مششن نفششس شششريرة تششؤثر فششي عششالم العناصششر بغيششر مباشششرة أو
بمباشرة".8
4انظر لسان العرب مادة سحر ج 2ص ،107 -106.القاموس المحيط ج 2ص .45
5أضواء البيان ج 4ص.444 ،
6أحكام القرآن له ج 1ص .50
7الكافي ج 4ص 164وانظر تيسير العزيز الحميد ص .333
8السحر بين الحقيقة والوهم ص .38
ونستخلص من هذه التعاريف وغيرها تعريفا ً لعله يكون جامعا ً بلفظ موجز إن شاء الله.
فنقول :السحر :هو كل ما فيه مخادعة أوتأثير في عالم العناصر نتيجة الستعانة بغير اللششه
من شيطان أو نحوه ،يشبه الخارق للعادة وليس فيه تحد يمكن اكتسابه بالتعلم.
ثانيًا :أنواع السحر:
السحرأنواع كثيرة منها :ماله حقيقة ،ومنها ما ليس له حقيقة ،ومنها ما هو سحر في اللغة
"هو السحر المجازي" ،ولذا اختلفت تقسشيمات العلمشاء للسششحر فبعضشهم جمشع الجميشع كششالرازي
وبعضهم اقتصر على ما هو سحر في عرف الشرع9وبعضهم اقتصر على ماله حقيقة فقط .وإليك
شيئا ً من هذه النواع بشيء من اليجاز.
القسم الول -:ما هو سحر في الشرع -ومنه ماله حقيقة ،ومنه ما ليس له حقيقة -ومششن
أنواعه ما يلي:
النوع الول:سحر أصحاب الوهام والنفوس القويششة .ذلششك أن الششوهم والنفششس لشششهما تششأثير
على النسان ،وبناًء على ذلك يقوم الساحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في
الخرين بقدرة الله تعالى.
وقد ذكر الرازي وجوها كثيرة تؤكد أن للوهم والنفس تأثيرًا ،منها:
الول :أن النسان يمكنششه أن يمششي علششى الجشذع الموضشوع علششى وجشه الرض ول يمكنششه
المشي عليه إذا كان ممدودا ً على نهر أو نحوه ذلك أن توهم السقوط متى قوي أوجبه.
الثاني:قد أجمع الطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الشياء الحمششر خشششية أن يششؤثر
هذا على نفسه فيستمر رعافه وعلى نهي المصروع عششن النظششر إلششى الشششياء القويششة اللمعششان أو
الدوران لن هذا يؤثر في نفسه فيتمادى به صرعه.
كل ذلك دليل على أن التصورات النفسية التي تعرض للنفس تؤثر في صاحبها.
الثالث :التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحششدوث الكيفيششات فششي
البدان فإن الغضبان تشتد سخونة مزاجششه حششتى إنششه يفيششده سششخونة قويششة .وذلششك دليششل علششى أن
النفوس لها تأثير في بدن صاحبها وإذا جاز كون التصششورات مبششادئ لحششدوث الحششوادث فششي البششدن
فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن.
المراد في عرف الشرع :بحيث يحكم على صاحبه شرعا ً بأنه ساحر. 9
10
الرابع :ومما يؤكد أن النفس قد تؤثر بالخرين الصابة بالعين
وقد اتفق النقل والعقل على ذلك.قال صلى الله عليه وسلم" :العين حق ولو كششان شششيء
11
سابق القدر لسبقته العين"
ً
ثم قال" :12النفس التي تفعل هذه الفاعيل قد تكون قوية جدا تستغني في هذه الفاعيل
عن الستعانة باللت ...وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الستعانة بهذه اللت.
وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية علشى البشدن ششديدة النجشذاب إلشى عشالم السشماوات
صارت كأنها روح من الرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هششذا العششالم ،وإذا كششانت
ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ ل يكون لها تأثير البتة إل فششي هششذا البششدن ...ثششم
أرشد إلى أنه ل بد لمزاولششة هششذه العمششال مششن انقطششاع المألوفششات والمشششتهيات وتقليششل الغششذاء
والنقطاع عن مخالطة الخلق ،وكلما كانت هذه المور أكثر كان ذلك التأثير أقوى".13
والحق أن هذا الساحر لم يؤثر على الخرين بنفسه فقط بششل هنششاك معيششن ،وهششذا المعيششن
إنما هو شيطان ،ذلك أن الساحر عندما خرج عن حد العتدال المشروع في تلبيششة رغبششات الششروح
والجسد وأشقى نفسه في معصية الله ،تعلت روحه على بششدنه وقششويت حششتى أصششبح مششن السششهل
على الرواح التعامشل معهششا ،ومششن ثشم تولتهشا الرواح الششيطانية لكونهشا خبيثشة ورغبتهششا فششي هشذا
السلوك ،وذلك بتحقيق أمور ل تستطيعها في حال اعتدالها ،لتستمر في هذا الطريق الباطششل مششع
14
عدم شعورها بعون تلك الرواح .ولذا يمكن أن يطلق عشلى ما تحققه من أمور أحشوال شيطانية
أعاذنا الله منها.
النوع الثاني :السحر الذي يستعان فيه بالكواكب ومنه:
-1سحر الكلششدانيين وأهششل بابششل وغيرهششم ،وهششؤلء كششانوا قومششا صششابئين يعبششدون الكششواكب
السبعة ويعتقدون أنها المدبرة للعالم وأن حوادث العالم كلها من أفعالها ،ومنها يصدر كل مظهششر
خير وشر ،وقد بعث الله إليهم إبراهيم عليه السلم مبطل ً لمقالتهم ونظرا ً لعتقادهم أنهششا مششدبرة
من دون الله فهم يزعمون أن لها ادراكات روحانية فإذا قوبلت ببخور خششاص ولبششاس خششاص علششى
الذي يباشر البخور مع إقدامه على أفعال خاصششة ،وألفششاظ يخششاطب بهششا الكششواكب كششانت روحانيششة
10
التفسير الكبير للرازي ج ،3ص ) 209-208بتصرف(.
11
رواه مسلم والترمذي جامع الصول حديث .5737
12
الرازي.
13
التفسير الكبير للرازي ج ،3ص .209
14
تفسير ابن كثير ج ،1ص ،145والسحر بين الحقيقة والخيال .ص .21
الفلك مطيعة له متى ما أراد شيئا ً فعلته له على حد زعمهم .والحق أن الروحانيششات الششتي قضششت
15
حوائجهم إنما هي الشياطين أعاذنا الله منها ليستمروا في باطلهم فيضلوا ويضلوا
-2ومنه نوع يسمى بالطلسم :وهششو عبششارة عششن نقششش أسششماء خاصششة لهششا تعلششق بششالفلك
والكواكب -على زعم أهلها -فشي جسشم مشن المعششادن أو غيرهشا تحشدث بشه خاصششية ربطششت فشي
مجاري العادات ،ول بد مع ذلشك مشن نفشس صشالحة لهشذه العمشال فشإن بعشض النفشوس ل تجشري
16
الخاصية المذكورة على يده
وهذا النوع من السحر يحصل في الغالب إما من محتال ذكي مششع مغفششل فنتيجششة تصششديقه
يحصل الشعور النفسي بتأثيره .وأما من صاحب علقة بالشياطين ،وإنما يسششتعمل هششذا الطلسششم
لخفاء ضلله وكفره وكلهما محرم .فالول كذب وغش ،والثاني شرك ظاهر من فاعله .17وعليششه
فليس للكواكب فيه أي أثر.
-3ومنششه :النظششر فششي حركششات الفلك ودورانهششا وطلوعهششا وغروبهششا واقترابهششا وافتراقهششا
معتقدين أن لكل نجم منها تأثير حال انفراده كما أن له تأثيرا ً حال اجتماعه بغيره ،على الحششوادث
الرضية من غلء السعار ورخصها ووقوع الحوادث وهبوب الريششاح ونحششو ذلششك وقششد ينسششبون إليششه
ً18
ذلك مطلقا
15تفسير الرازي ج 3ص 206وأضواء البيان ج 4ص 453وتيسير العزيز الحميد ص 387وأحكام
القرآن ج 1ص .52
16أضواء البيان ج 4ص 453الفصل ج 5ص .4
17انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص .27
18انظر معارج القبول ج 2ص ،560والفتاوى ج 35ص .192
-4ومنه النظر في منازل القمر الثمانية والعشششرين معتقششدين التششأثير ،فششي اقششتران القمششر
بكل منها ومفارقته وان في تلك المقارنة أو المفارقششة سششعودا ً أو نحس شا ً أوتأليفششا أو تفريق شا ً وغيششر
ذلك.19
-5ومنه ما يفعله من يستخدم الرقام لحروف أبجد هوز ....المسمى بعلششم الحششرف .وهششو
أن يكتب حروف أبجد هوز ...الخ .ويجعل لكل حرف منها قششدرا ً مششن العششدد معلومشا ً ويجششري علششى
ذلك أسماء الدميين والزمنة والمكنة وغيرها ويجمع جمعشا ً معروفشا ً عنششده ويطششرح طرحشا ً خاصشا ً
ويثبت إثباتا ً خاصًا ،وينسبه إلى البراج الثني عشر المعروفة عند أهل الحسششاب ،ثششم يحكششم علششى
تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشششيطان وكششثير منهششم يفششرق بيششن المششرء
وزوجته بذلك بدعوى أنهم إن جمعهم بيت ل يعيش أحدهم ،وقد يتحكم بذلك فششي الغيششب فيششدعي
أن هذا يولد له وهذا ل .وهذا يكون غنيا ً وهذا يكون فقيرا ونحو ذلك .كأنه هو الكاتب ذلششك للجنيششن
في بطن أمه ل والله ل يدريه الملك الذي يكتب حتى يسأل ربه فكيف بهذا الكششاذب المفششترى ول
شك في تحريم هذا العمل وكذب مدعيه وأن أحكامه رجم بالغيب.20
19
معارج القبول ج 2ص .560
20
معارج القبول ج 2ص 562 ،560 - 559وتيسير العزيز الحميد ص .364-363
النوع الثالث :الستعانة بالرواح الرضية ،وهم الجن.وهم علشى قسشمين مشؤمنين -وكفشار،
وهم الشياطين .أما المؤمنششون فمششن المعلششوم أنهشم ل يعملششون فعششل محششرم أو يعينششون عليششه .إذا
فالستعانة إنما هي بالشياطين.
واتصال النفوس الناطقة بها سهل ،لما بينهما من المشابهة والقرب .وهذا التصال يحصششل
بشي من الرقى والدخن والتجريد.21
قششال الششرازي" :إن أصششحاب الصششنعة وأربششاب التجربششة شششاهدوا أن التصششال بهششذه الرواح
الرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد ،وهذا النوع هو المسمى بالعزائم
وعمل تسخير الجن".22
وعندما يتحقق التصال تحصل الستعانة ثم العانة لكششن ذلششك ل يكششون دون الشششرك بششالله
تعالى.
وأصحاب هذا النوع قد يخفون استعانتهم بالشياطين بمششا يزعمششونه مششن أن لكششل نششوع مششن
الملئكة أسماء أمروا بتعظيمها ومتى أقسم عليهم بهششا أطششاعواوفعلوا مششا طلششب منهشم ول يخفششى
بطلن هذا الزعم ،وأن ما يحصل من تعظيم وقسم إنما هو متوجه إلى الشياطين.23
21
انظر تفسير الرازي ج 3ص ،210وتفسير ابن كثير ج 1ص .145
22
تفسير الرازي ج 3ص .211
23
أضواء البيان ج 4ص .453
24
د{ق ِ في ال ْ ُ
ع َ ت ِ شّر الن ّ ّ
فاَثا ِ ن َم ْ
و ِ
النوع الرابع :العقد والنفث فيه قال تعالىَ } :
والنفاثات في العقد:هن السواحر اللتي يعقدن الخيوط وينفثن 25في كل عقدة حتى ينعقد
ما يردن مشن السششحر وذلششك إذا كششان المسشحور غيششر مباشششر ،أمششا إذا كششان مباشششرا ً فينفثششن عليشه
مباشرة .وذلك كله بعد أن تكيف نفس الساحر بالخبث والشر الششذي يريششده بالمسششحور ويسششتعين
عليه بالرواح الخبيثة فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري .ويطلق البعششض علششى هششذا النششوع
الرقى لشبهها بها في الصورة ومن هذا النوع سحر لبيد بن ألعصم اليهودي للرسششول صششلى اللششه
عليه وسلم والشرك في هذا النوع ظاهر ذلك أنه استعانة بالرواح الخبيثة وهم الشياطين.26
النوع الخامس :الهيمياء بكسر الهاء على وزن كبرياء ،وهو ما تركب مششن خششواص سششماوية
تضاف لحوال الفلك يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة ،وقششد يبقششى
له إدراك وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالت النائم من غير فرق حتى يتخيل مششرور السششنين
الكثيرة في الزمن اليسير وحدوث الولد وإنقضاء العمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن
اليسير ،ومن لم يعلم له ذلك ل يجد شيئا مما ذكر وكل ما يتصوره المسحور في هذه الحالة مششن
الوهام التي ل حقيقة لها.27
24
آية 4سورة الفلق.
25
النفث :هو النفخ مع الريق وهو دون التفل.
26
انظر بدائع الفوائد ج 2ص 221ومعارج القبول ج 2ص ،563وأضواء البيان ج 4ص .452
27
أضواء البيان ج 4ص ،452وحاشية ابن عابدين ج 1ص .45
النوع السادس :السيمياء :بكسر السين وهو عبارة عما تركشب مشن خشواص أرضشية كشدهن
خاص أو كلمات خاصة توجب إدارك الحواس الخمسة أو بعضها بما له وجششود حقيقششي ،أو بمششا هششو
تخييل صرف.28
ً
وهذا النوع تخييلي .يأتي بأحد أمرين إما بتششأثير عقششاقير بخواصششها .وهششذا ليششس سششحرا فششي
الشرع .وإما بكلمات خاصة ،وهذا ل يحصل بمجرد الكلم وإنما هششو بمعيششن مششن الشششياطين يكششون
منه التخييل على الحواس بعد ذلك الكلم الششذي يسششتدعي بشه السششاحر ذلششك المعيششن وهششذا الكلم
تذلل للشياطين يعاوضون عنه الساحر بما يريد من الخداع .ول شك في حرمته لكونه شركا ً.29
القسم الثاني :ماسحر في اللغة.وهو"السحر المجششازي" ومششداره علششى قششوة البيششان وخفششة
اليد ،والحيل والكتشافات التي سبق بها الساحر عصره وإنما أدخل هذا القسششم فششي فشن السشحر
للطافة مأخذه ،ذلك أن السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه .30وهو أنواع منها:
الول :الخذ بالبصار والشعبذة ،وهذا النوع مبني على مقششدمات .أحششدها :أن أغلط البصششر
كثيرة ومن أمثلة ذلك أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشششط متحرك شا ً
28
أضواء البيان ج 4ص ،452وحاشية ابن عابدين ج 1ص .45
29
انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص .33
30
انظر تفسير ابن كثير ج 1ص .147
ومثلها السيارة ونحوها .وذلك دليل على أن الساكن يرى متحركا ً والمتحرك يرى ساكنًا.
ثانيها :أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوسات وقوفا ً تاما ً إذا أدركت المحسوسششات
في زمان له مقدار ما ،أما إذا أدركت المحسوس في زمان قصير جدا ً ثم أدركت بعده محسوس شا ً
آخر وهكذا فانه يختلط البعض بالبعض.
وثالثها :أن النفس إذاكانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحششس شششيء آخششر ول يشششعر
الحس به ألبتة .مثاله:أن النسان عند دخوله على السلطان قديلقاه إنسان آخششر ويتكلششم معششه فل
صششل الششرازي فششي تلششك
يعرفششه ول يفهششم كلمششه ،إذ إن قلبششه مشششغول بشششيء آخششر .ثششم بعششد أن ف ّ
المقدمات قال :إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلششك تصششور كيفيششة هششذا النششوع مششن السششحر،
وذلك أن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا
استغرقهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل
خفيا ً لتفاوت الشيئين.
أحدهما:اشتغالهم بالمر الول والثاني:سرعة التيان بهذا العمل الثششاني وحينئذ يظهششر لهششم
شيء آخر غيرما انتظروه فيتعجبون منه جدا ً ولو أنه سكت ولم يتكلم بمششا يصششرف الخششواطر إلششى
ضد ما يريد أن يعمله ،ولم تتحرك النفوس والوهام إلى غير مششا يريششد إخراجششه لفطششن النششاظرون
لكل ما يفعله.31
31
تفسير الرازي ج 3ص .211
وهذا النوع -كما نرى -تخييل ل حقيقة له وهو محشرم ،لمششا يتضششمنه مشن الكشذب والخششداع
وقد قال البعض 32بأن سحر سحرة فرعون من هذا النوع والظهر والله أعلم أنه ليس مششن هششذا
النوع ذلك أن سحرة فرعون لم يكن منهم حركات سوى إلقاء الحبال والعصي ثم تششراءى للنششاس
أنها متحركة فكان سحرهم بفعل آخر أثر على العين ،وهو من نوع الستخدامات.33
الثاني :الستعانة بخواص الدوية والطعمة والملبششس ونحوهششا .وهششو ضششرب مششن الحتيششال
يقوم به بعض من يدعي السحر.
فمن ذلك أن يدعي القدرة على فعل أمور خارقششة ،فيسششتخدم خششواص بعششض المششواد الششتي
خلقها الله مما عرف خاصيته ولم يعلمه بقية الناس.
ومن أمثلة ذلك دخول بعض هؤلء النار بعد أن يدهنوا جلودهم بمششواد لهششا خاصششية مقاومششة
النار ،أو يلبس ثياب ل تحرقها النار ،فيظن الرائي الجاهل أنه فعل أمرا ً خارقًا ،ولو علم بمششا فعششل
لزال العجب ،كذلك من هذا النوع أن يجعل في طعام من يريد إيششذاءه بعششض الدويششة أو الطعمششة
المبلدة المزيلة للعقل أو الدخن المسكرة،فإذا تناولها الضحية تبلد عقله وقلششت فطنتششه فيتصششرف
تصرفا ً غيرسليم فيقول الناس إنه مسحور ،وقد يستعين بهذه الدوية ونحوها في مسششك الحيششات،
ثم يزعم أمام جهلة الناس أنها أحوال له.34
32
تفسير ابن كثير ج 1ص .146
33
انظر :السحر بين الحقيقة والخيال ص .35
34
انظر تفسير الرازي ج 3ص 212 .وتفسير ابن كثير ج 1ص 146وعالم السحر والشعوذة ص .144
الثالث :السعي بالنميمة وإغراء بعض الناس ببعض من وجوه لطيفة خفية وهذا شششائع بيششن
الناس 35وخصوصا ً ضعاف اليمان منهم.
قشال أبشو الخطششاب فششي عيشون المسشائل" :ومششن السششحر السشعي بالنميمششة والفسشاد بيششن
36
الناس"
وإنما أطلق على النميمة للفساد سشحرًا ،لنهششا تحشول مششا بيشن الصشديقين مشن محبشة إلششى
عداوة بوسيلة خفية كاذبة.
وقال ابن كثير" :النميمة على قسمين تارة تكون على وجه التحريش بيشن النشاس وتفريشق
قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه ،فأما إذا كانت على وجششه الصششلح بيششن النششاس ...أو علششى
وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة فهذا أمر مطلوب كما فعل نعيم بن مسعود".37
الرابع :تعليق القلب:
وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف اسم الله العظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له فششي
أكثر المور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبششه
بذلك ،وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة ،وإذا حصل الخوف ضششعفت القششوى الحساسششة
فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء.38
35
انظر تفسير الرازي ج 3ص .213
36
فتح المجيد ص .232
37
تفسير ابن كثير ج 1ص .147
38
تفسير الرازي ج 3ص .213
قال الرازي" :وإن من جرب المور وعرف أحوال أهل العلششم علششم أن لتعلششق القلششب أثششرا ً
عظيما ً في تنفيذ العمال وإخفاء السرار".39
المبحث الثاني :السحر له حقيقة أم ل ؟
ختلف في السحر هل له حقيقة أم ل حقيقة له بل مجرد تخييل؟ علشى قشولين وإليشك رأي ا ُ
كل من الفريقين مع بيان الرأي الصائب إن شاء الله.
القول الول :قول أهل السنة والجماعة:
وهو أن للسحر حقيقة وأثرا ً ثابتا ً بالكتاب والسنة.قششال النششووي" :والصششحيح أن السششحر لششه
حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء "40...وقال القرطبي رحمه الله "ذهششب أهششل السششنة
إلى أن السحر ثابت وله حقيقة 41"...وقال أيضًا" :وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنششدها مششا
يشاء" 42وقال المام المازري" :مذهب أهل السنة وجمهور علماء المة علششى إثبششات السششحر وأن
له حقيقة كحقيقة غيره من الشياء الثابتة خلفا ً لمششن أنكششر ذلششك "43 ...وقششال المششام ابششن القيششم:
44
د{
ق ِ في ال ْ ُ
ع َ ت ِ شّر الن ّ ّ
فاَثا ِ ن َ
م ْ
و ِ
"وقد دل قوله تعالىَ } :
45
التفسير القيم ص .571
46
آية 102سورة البقرة.
47
انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج 14ص .174
الثاني :أن الله تعالى قد أخبر في هذه اليششة بششأن للسششحر آثششارا ً محسوسششة كششالتفريق بيششن
المرء وزوجه والثر دليل على وجود المؤثر وأن له حقيقة.48
ً
الثالث:كما أخبر الله تعالى في هذه الية بأن للسحرضششررا ل يتحقششق إل بششإذنه ،والسششتثناء
دليل على حصول الثار بسببه والضرر أو الثر ل يكون إل مماله حقيقة.49
ق إِ َ
ذا سف
ِ ٍ َ
غا رّ َ
شف نق َ ِ ْ
مف و خَلف َ
مفا َ شفّر َ ن َمف ْ
ق ِ فل َ ِب ال ْ َ
عوذُ ب َِر ّ ل أَ ُ -2قوله تعالىُ } :
ق ْ
50
د{ س
َ َ َ ح ذاَ إ د س حا
ّ َ ِ ٍ ِ رشَ ن م و
ُ ِ َ ِ ْ د َ
ق ع ْ ل ا في ت شّر الن ّ ّ
فاَثا ِ ِ ن َ
م ْ
و ِ
ب َ و َ
ق َ َ
وجه الستدلل :أن الله تعالى أمرنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السششورة بالسششتعاذة
من شر النفاثات في العقد وهن السواحر كمششا فسششرها جمهششور المفسششرين 51ممششا يششدل علششى أن
للسحر حقيقة وأثرا 52إضافة إلى ذلك أن هذه السورة وسورة الناس باتفششاق جمهششور المفسششرين
سبب نزولهما 53سحر لبيد بن العصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو لم يكن له حقيقة وأثر لما أنزلت هاتان السورتان لبطال أثره.
ثانيًا :الدلة من السنة وهي كثيرة منها ما يلي:
48انظر تفسير القرطبي ج 2ص ،46وشرح النووي على صحيح مسلم ج 14ص 174أضواء البيان ج 4
ص 437
49تفسير الرازي ج 3ص .213
50سورة الفلق.
51انظر تفسير ابن كثير ج 4ص 573ومختصر تفسير الطبري ص 707والتفسير القيم ص .563
52انظر أضواء البيان ج 4ص ،437ونيل الوطار ص 363والمغني ج 8ص 151وشرح المهذب ج
19ص 240وفتح المجيد ص 222
53أسباب النوزل للنيسابوري ص 347وأسباب النزول للسيوطي ص 550والتفسير القيم ص 567
وتفسير القرطبي ج 2ص 546وقد يقول قائل كيف أن سورة الفلق مكية ويكون سبب نزولها ماوقع
من سحر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ؟ ويجاب على ذلك بأن سورة الفلق ليست مكية
وإنما هي من السور المختلف فيها والرجح أنها مدنية كما في الصحاح ،قال اللوسي بعد أن حكى
الخلف ورجح أنها مدنية قال:فل يلتفت لمن قال بمكيتها وحتى لوسلمنا بأنها مكية فإنه ل يلزم منه أنها
ل تكون علجا ً للسحر .انظر الناسخ والمنسوخ ص 144وروح المعاني ج 30ص 278والسحر بين
الحقيقة والوهم ص .69
-1أخرج البخاري بسنده إلى عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضششي اللششه
عنها قالت :سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بششن العصششم
حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه فعششل الشششيء ومششا فعلششه حششتى إذا كششان
ذات يوم ،أو ذات ليلة -وهو عندي لكنه دعا ودعا ،ثم قال "يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما
استفتيته فيه .أتاني رجلن فقعد أحدهما عند رأسي والخر عند رجلي فقششال أحششدهما لصششاحبه مششا
54
وجع الرجل؟ قال :مطبوب
55
قال:ومن طبه؟ قال لبيد بن العصم.قال في أي شيئ؟ قال في مشط ومشاطة وجششف
طلع 56نخلة ذكر.قال :وأين هو؟ قال في بئر ذروان.57فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ناس من أصحابه ،فجاء فقششال :يششا عائشششة كششأن مائهششا نقاعششة الحنششا 58وكششأن رؤوس نخلهششا رؤوس
الشياطين 59قلت يا رسول الله أفل استخرجته؟ قال قد عافاني الله فكرهت أن أثير على النششاس
60
فيه شرا ً فأمر بها فدفنت
61
وفي رواية لمسلم "فقلت يا رسول الله أفل أحرقته"
54المطبوب :المسحور.
55المشط:ما يسرح به الشعر ،المشاطة هي الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه.
56وعاء طلع النخل:هو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والنثى ،ولذا قيده في الحديث بالذكر.
57وهي بئر في المدينة في بستان بني رزيق.
58الماء الذي ينقع فيه الحنا أي أحمر
59أي كأن نخلها الذي يشرب من مائها -وقد التوى سعفه -رؤس الشياطين أي في قبحه
60رواه البخاري في كتاب الطب باب السحر 5763ومسلم في كتاب السلم باب السحر .انظر مسلم
المطبوع مع شرح النووي ج 14ص 178 - 174
61رواه مسلم في كتاب السلم باب السحر.صحيح مسلم بشرح النووي ج 14ص ) 177المتن(
ويقول المام النووي عن الروايتين" :كلهماصحيح :فطلبت أن يخرجه ثششم يحرقششه والمششراد
إخراج السحر".62
وفي رواية عمرة عن عائشة "فنزل رجل فاسششتخرجه" وفيششه مششن الزيششادة أنششه "وجششد فششي
الطلعة تمثال ً من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه إبر مغروزة ،وإذابششه وتششر
فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبششرة وجششد
63
لها ألما ثم يجد بعدها راحة"
وجه الستدلل :الحديث كما نرى يشروي واقعشة سشحره عليشه الصشلة والسشلم ابتشداًء مشن
تغيرعادته صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه فعششل الشششيء ولششم يفعلششه وانتهششاًء بقششراءة
المعوذتين وحل العقد ونزع البر وما بين ذلك من دعائه صلىالله عليششه وسششلم ثششم نششزول الملكيششن
ونقاشهما فيما حصل له صلى الله عليه وسلم ثم ذهابه إلى البئر في جماعة من أصششحابه وإخبششار
عائشة فيما حصل .وطلبها رضي اللششه عنهششا اسششتخراجه ،قششوله صششلى اللششه عليششه وسششلم "إن اللششه
شفاني" كل هذا ل يكون إل فيما له حقيقة وأثر بّين.64
-2ما رواه البخاري بسنده إلى أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنششه أن النششبي صششلى
الله عليه وسلم قال":اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله ومششا هششن؟ قششال:الشششرك بششالله،
والسحر ،وقتل النفس التي حششرم اللششه إل بششالحق ،وأكششل الربششا ،وأكشل مششال اليششتيم ،والتششولي يششوم
65
الزحف وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات"
66ضرب من أجود تمر المدينة والينه .انظر فتح الباري ج 10ص .238
67رواه البخاري في كتاب الطب باب الدواء بالعجوة للسحر برقم ،5769ومسلم في كتب الشربة باب
فضل تمر المدينة .انظر:صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ج 14ص .2
68انظر :السحر بين الحقيقة والخيال ص .66
69انظر :المغني لبن قدامه ج 8ص .151
70انظر :متشابه القرآن ج 1ص .101
71التوحيد له209 ،
72آية 66سورة طه.
73الفصل له ج 5ص 506وانظر المحلى له ج 1ص .36
وقال ابن حجر" :واختلف في السحر :فقيل هو تخييل فقط ول حقيقة له وهذا اختيار أبي
74
جعفر الستراباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري وطائفة"
وقد أيدوا قولهم هذا بشبهات نقلية وعقلية.
وإليك شيئا ً منها مع المناقشة:
أول :الشبهات النقلية منها ،ما يلي
مه ْ هُبو ُ سفت َْر َ وا ْ س َ ن الن ّففا ِ عي ُف َ حُروا أ َ ْ سف َ وا َ قف ْ ما أ َل ْ َ فل َ ّ الشبهة الولششى :قششوله تعششالىَ } :
75
م{ ظي ٍ ع ِ ر َ ح ٍس ْ ءوا ب ِ ِ جا ُ و َ َ
وجه الستدلل :قالوا الية تدل على أن السحرة حاولوا إرهاب الناس وتخويفهم بأن خيلوا
لعين الناظرين أمرا ً ل حقيقة له مما يدل على أن السحر ل حقيقة له.76
َ
هففا م أن ّ َ ه ْ ر ِح ِ سفف ْن ِ مفف ْ ه ِل إ ِل َي ْ ِ خي ّ ُ م يُ َ ه ْ صي ّ ُ ع ِ و ِ م َ ه ْ حَبال ُ ُ ذا ِ فإ ِ َ الشبهة الثانية قوله تعالىَ } :
77
عى{ س َتَ ْ
78
ث أَتى{ َ حي ْ ُ ول ي ُ ْ َ
حُر َ سا ِ ح ال ّ فل ِ ُ ر َ ٍ ح
ِ ساَ ُ دْ ي ك عوا ُ َ ن ص
َ ما َ ّ ن ِ إ }: تعالى قوله الثالثة: الشبهة
ذاففإ ِ َ وجه الستدلل :يقول ابن حزم ":وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقششال تعششالى } َ
َ
79
عى{ س َ ها ت َ ْ م أن ّ َ ه ْ ر ِ ح ِ س ْ ن ِ م ْه ِل إ ِل َي ْ ِخي ّ ُ م يُ َ ه ْصي ّ ُع ِ و ِم َ ه ْحَبال ُ ُ ِ
فأخبر تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخييل ل حقيقة له.
80
ث أ ََتى{ حي ْ ُ حُر َ سا ِ ح ال ّ فل ِ ُ ول ي ُ ْ ر َ ح ٍ سا ِ عوا ك َي ْدُ َ صن َ ُ ما َ وقال تعالى }إ ِن ّ َ
81
فأخبر تعالى أنه كيد ل حقيقة له"
الجواب يقال لهم:
أول ًً :اليات دليششل علششى أن للسششحر حقيقششة إذ إنهششا دلششت علششى أن للسششحر أثششرا ً فششي نظششر
المسحور حتى تخيل الشيء علىخلف ما هو عليه وهو تأثير في إحساسهم ،وإذا جششاز ،فمششا الششذي
يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟ وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية
والتغيير الواقع في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟ وعليه فاليات حجة عليكم ل لكم.
ثانيًا:على التسليم بدللة اليات على التخييل فقط فإن هذا ل يمنع أن يكششون غيششر التخييششل
من جملة السحر؛ لنها لم تحصر السحر في التخييل ،وإنما دلشت علشى أن سشحر سشحرة فرعشون
ونحوهم كان من هذا النوع ونحن لننكر أن يكون التخييل من أنواع السششحر وعلششى ذلششك فل حجششة
في اليات على نفي حقيقة السحر وتأثيره82والله أعلم.
ثانيُا :الشبهات العقلية :منها ما يلي:
الشبهة الولى :قالوا إن في القول بأن للسحر أثرا ً خارقا ً للعادة يلزم منه أن يكششون هنششاك
موجودا ً مثل ً لله تعالى.كما أنه ل يمكن العلم معه بالفرق بين ما يختص اللششه بالقششدرة عليششه وبيششن
مقدور العباد.83
الجواب :يقال لهم هذه الشبهة باطلة ول يلزم من القول بأن للسحر أثرا ً ما زعمتشم ،ذلششك
أن أهل السنة لما قالوا بأن للسحر أثرا ً لم يطلقوا القول بحصول كششل أثششر أو بحصششول أثششر يصششل
إلى مرتبة الخلق واليجاد ،ذلك أن الموجد الحق هو الله وحده ل شريك له.
ء
ي ٍ ْ ف شَ ّ
ل فُ ك ق
َ فَ ل خ
َ و
َ } ء....اليششة{ 84وقششال تعششالى ي ٍ شف ْ ل َ ق ك ُف ّ خال ِ ُ ه َ قال تعششالى} :الل ّ ُ
ق 000اليششة{ والقششول بششأن أثششر 86 ُ َ ُ َ
ديرًا{ 85وقال تعالى }أ َ قدَّرهُ ت َ ْ ف َ َ
خل ُ ن ل يَ ْ م ْ قك َ خل ُ ن يَ ْ م ْ ف َ ق ِ
74
فتح الباري ج 10ص ،222وانظر أحكام القرآن للجصاص ج 1ص 59 ،52
75
آية 116سورة العراف
76
انظر :أضواء البيان ج 4ص 437والفصل ج 5ص 6
77
آية 66سورة طه.
78
آية 69سورة طه.
79
آية 66سورة طه.
80
آية 69سورة طه.
81
الفصل ج 5ص .6 - 5
82
انظر التفسير القيم ص ،572– 571وتفسير القرطبي ج 2ص .46
83
انظر تفسير الرازي ج 3ص 207-206ومتشابه القرآن ج 1ص .102
84
آية 62سورة الزمر.
85
آية 2سورة الفرقان.
86
آية 17سورة النحل.
السحر يصل إلى درجة الخلق شرك في الربوبية .أعاذنا الله منه.
وإنما قالوا له أثر على النفس والبدن يؤدي إلى المرض.
فهو سبب قد ربط الله به بعض المسببات في حدود قدرة الخلق من الجششن والنششس وبمششا
أن قدرة الشياطين تختلف عن قدرة النس لذا قد يظن الجاهل أن حصول الثر المناقض للعششادة
فوق قدرة الخلق والواقع أنه في حدود قدرة الخلق من الجن والنس ولذا يمكن معارضته بمثلششه
وأقوى منه.87
وإذا كان كذلك فلن يلزم من القول بان للسحر أثرا ً ما زعمتم .والله أعلم.
الشبهة الثانية :يروي الرازي عن القاضي أنه قال" :أنا لو جوزنششا ذلك "88لتعششذر السششتدلل
بالمعجزات على النبوات لنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى
الرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي النبياء عليهششم السششلم صششدرت
عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها عن طريق السحر وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كششل
الوجوه.89
الجواب :يقال لهم العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر.
ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة بها
لتصديقه فلو كان كاذبا ً لم تنخرق العادة على يديه .ولذا ل يمكن معارضته بمثله أو أقششوى منششه؛ إذ
إّنه ليس في مقدور الجن والنس.
ن ي َأ ُْتوا ب ِ ِ
ذا ال ْ ُ َ
نل قفْرآ ِ ه َ
ل َمث ْ ِ عَلى أ ْن َج ّوال ْ ِ
س َت ال ِن ْ ُع ِ
م َ
جت َ َنا ْ ل ل َئ ِ ِ قال تعالىُ } :
ق ْ
ً 90 َ ْ
هيرا{ ِ ظ ض ع بِ
ُ ْ َ ْ ٍل م ه ض
ُ ع
كا َ َ ْ
ب ن ول َ ْ
و َ ه َمث ْل ِ ِ
ن بِ ِ
ي َأُتو َ
أما الولي والساحر :فل يتحديان الخلق ول يستدلن على نبوة ولو ادعيا شيئا ً من ذلششك لششم
تنخرق العادة لهما.
وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجوه منها:
الول :وهو المشهور،إجماع المسلمين على أن السحر ل يظهششر إل علششى فاسششق أو كششافر،
والكرامة ل تظهر إل على ولي.
الثاني :أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم لساحر ما يريد.
والكرامة ل تفتقر إلى شيئ من ذلك .وفي كثير من الوقات تقع الكرامة اتفاقششا مششن غيششر
أن يستدعيها أو يشعر بها.
الثالث :أن ما يأتي به السحرة ،يمكن معارضته بمثله وأقششوى منششه كمششا هششو الواقششع بخلف
الكرامات فهي كالمعجزات ل يمكن لحد أن يعارضها بمثلها أو أقوى منها.
الرابع :إن مايأتي به السحرة ل يخرج عن كششونه مقششدورا ً للنششس والجششن بخلف الكرامششات
فهي كالمعجزات ل يقدر عليها إل الله.91
الشبهة الثالثة :يروي الرازي عن القاضي أنه قال...":لو جوزنششا أن يكششون فششي النششاس مشن
يقدر علىخلق الجسم والحياة واللوان لقدر ذلك النسان على تحصيل الموال العظيمششة مششن غيششر
تعب .لكنا نرى من يدعي السحر متوصششل إلششى اكتسششاب الحقيششر مششن المششال بجهششد جهيششد فعلمنششا
92
كذبه".
الجواب :يقال لهم هذه الشبهة باطلة ول تلزمنا لنا لششم نطلششق الحكششم بحصششول كششل تششأثير
مهما كان بل قلنا في نطاق معين ل يتجاوز التصرف في العراض من باب التششأثير علششى القلششوب
بالحب والبغض وعلى البدان باللم والسقم .أما أن يقلب الجماد حيوانا ً أو عكسه أو الحديد ذهب شا ً
أو نحوه فليس في مقدور الساحر.93
وبذلك يزول اللبس وتبطل هذه الشبهة .والله أعلم.
والظهر في هذه المسألة -والله أعلششم -أن السششحر المششذموم صششاحبه ليششس كلششه حقيقششة
ل .بل منه ما هو حقيقة كما دلت عليه أدلة أهل السششنة ،ومنششه مششا هششو تخييششل كمششا وليس كله تخيي ً
دلت عليه اليات التي استدل بها المخالفون .وبذلك يتضح عدم التعارض بين الدلة النقلية .وعلى
هذا جماهير العلماء من المسلمين .94والله أعلم.