Professional Documents
Culture Documents
السير ة النبوية لابن هشام ج2
السير ة النبوية لابن هشام ج2
السير ة النبوية لابن هشام ج2
شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها :فقالت عمرة بنت ُد َر ْيد في قتل ربيعة دريدا :
ق ()1 جيش العنا ِببطن ُس َم ْير ٍة َ
ِ شيت على ُد َر ْي ٍدلع ْم ُرك ما َخ ُ
َ #
قهم بما فعلوا َعقا ِ وعقتْ ْ جزى عنه االلهُ بني ُسلَْيٍم #
عند التالقي
خيارهم َ ِ دماء
وأسقانا إذا قُ ْدنا إليهم َ
ْ #
نفوسهم التراقي ٍ فر َّ
بلغت ُ
وقد ْ دافعت عنهم
َ عظيمة ب ُ #
ت من الوثا ِ
ق وأخرى قد فك ْك َ ٍ
كريمة أعتقت منهم َّ
ورب #
َ
أجبت وقد دعاك بال َرما ِ
ق ()2 َ ورب ُمَن َّو ٍه بك من ُسلَْيم
َّ #
وه ًّما ماع منه ُم ُّخ ساقي
َ فكان جزاؤنا منهم ُعقوقا #
النها ِ
ق ()3 ف ُّبذي بقَر إلى فَْي ِ بعد ْأي ٍن ت اثار ِ
خيلك َ
َ َعفَ ْ ُ #
وقالت عمرة بنت ُد َر ْيد أيضاً :
ينحدر()4 فظل دمعي على السِّربال َّ ص َدقوا
ُ قالوا قتلنا ُد َر ْيداً قلت قد َ #
تأتمر لوال الذي قهر األقوام كلَّ ٍ
وكعب كيف ُ ٌ هم رأت ُسلَْي ٌم َ #
نواه ْم َج ْح َف ٌل َذ ِف ُر()5
حيث استقرت ُ ُ إذن لصبَّحهم ِغّبا وظاهرة #
أهب ان بن ثعلبة بن
ق ال ابن هش ام :ويق ال اسم ال ذي قتل ُ ،د َري دا :عبد اللّه بن قَُن ْيع بن ْ
ربيعة .
استش هاد أبي ع امر األش عري :ق ال ابن إس حاق :وبعث رس ول اهلل ص لي اهلل عليه وس لم
بعض من انهزم ،فناوشوهأوطاس أبا عامر األشعري ،فأدرك من الناس َ ِ في آثار من توجَّه ِقبل
القت ال ف ُرمي أبو ع امر بس هم فقُتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى األش عري ،وهو ابن عمه فق اتلهم ،
ففتح اللّه على يديه
يزعمون أن س لمة بن ُد َريد هو ال ذي رمى أبا ع امر األش عري -بس هم :
وه زمهم .ف ُ
فأصاب ركبته ،فقتله ،فقال :
َّم ْه
مادير لمن تََوس َ
ابن َس َ
ُ مه
إن تسألوا عني فإني َسلَ ْ #
الم ْسِل َم ْه
رءوس ُ
َ
أضرب بالس ِ
َّيف ُ #
وسمادير :أمه .
ص ر في بني ِرئاب ،فزعموا أن
دعاؤه عليه السالم لبني رئاب :واستحر القت ُل من بني َن ْ
عبد اللّه بن قيس -وهو ال ذي يق ال له ابن الع وراء ،وهو أحد ب ني وهب بن ِرئ اب -ق ال :يا
رس ول اللّه هلكت بنو ِرئ اب فزعم وا أن رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ق ال :اللهم ُ
اجب ْر
مصيبتهم .شعر لمالك بن عوف يوم حنين :وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ،فوقف في
ف وارس من قومه ،على ثَنيَّة من الطريق ،وق ال ألص حابه :قف وا ح تى تمضى ض عفاؤكم ،
وتلحق أخراكم .فوقف هناك
حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛فقال مالك بن عوف في ذلك :
الطريق ()1 ِ
ضاريط الع ولوال َك َّرتان ِ
ُ لضاق على َ اج
على ُم َح ٍ #
ندفَع َّ
الشديق ()2 ِ
النخالت ُم َ لدى بن نصر ولوال َك ُّر ُد ْهمان ِ #
َخ َزايا ُم ْح ِقبين على ُشقُوق ()3 آلبت جعفر وبنو ٍ
هالل ْ #
قال ابن هشام :هذه األبيات لمالك بن َع ْوف في غير هذا اليوم .وما يدلك على ذلك قول
ُدريد بن الص مة في ص در ه ذا الح ديث :ما فعلت كعب وكالب ؟ فق الوا له :لم يش هدها منهم
وجعفر :بن كالب .وقال مالك بن عوف في هذه األبيات " :آلبت جعفر وبنو هالل ".
ٌ أحد.
لق اء الزب ير بعض المنه زمين :ق ال ابن هش ام :وبلغ ني أن خيال طلعت ومالك وأص حابه
رماحهم بين آذان خيلهم ،
َ على الثنية ،فقال ألصحابه :ماذا تََر ْون ؟ فقالوا :نرى قوم اً واضعي
طويلة ب ُّ
وادهم ( )1؛ فق ال :ه ؤالء بنو ُس لَيم ،وال ب أس عليكم منهم ؛ فلما أقبل وا س لكوا في
ال وادي ثم طلعت خيل أخ رى تتبعها ؛ فق ال ألص حابه . :م اذا تَ رون ؟ ق الوا :ن رى قوما
األوس والخ زرج ،وال ب أس عليكم أغف اال( )2على خيلهم فق ال :ه ؤالء ْ
احهم ْ ،
عارضي رم َ
منهم .فلما انته وا إلى الثنيَّة س لكوا طريق ب ني ُس لَيم .ثم طلع ف ارس ؛ فق ال ألص حابه :م اذا
ترون ؟ قالوا :نرى فارسا طويل ِّ
الباد ،واضعاً رمحه على عاتقه ،عاصباً رأسه بمالءة حمراء
ليخالطنكم ،فاثبتوا له .فلما انتهى ُّ
الزبير إلى أصل َّ فقال :هذا الزبير بن العوام وأحلف بالالت
الثنية أبصر القوم ،فصمد لهم ،فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها.
ش عر س لمة بن دريد في ف راره ي وم ح نين :ق ال ابن إس حاق :وق ال َس لَمة بن ُد َر ْيد وهو
يسوق بامرأته حتى أعجزهم :
ظ ُر ِب ()3 ولقد عر ْف ِت غداةَ نع ِ
ف األ ْ غير ُمصابة ِ
ْ #نسَّيتنى ما كنت َ
األن َك ِب ()1
مثل م ْش ِى ْ
ومشيت خلفَك َ
َ كوب ُمحبب
والر ُ
أني منعتُك ُّ #
أمه وخليله لم َي ْع ِ
قب عن ِّ فر ُك ُّل ُمهَ َّذ ٍب ِذي ِلم
إذ َّ #
من حديث أبي عامر األشعري ومقتله يوم حنين :قال ابن هشام ٍ :وحدثني من أثق به من
أهل العلم بالش عر ،وحديثه :أن أبا ع امر( )2األش عري لقي ي وم أوط اس عش رةَ إخ وة من
المش ركين ،فحمل عليه أح ُدهم ،فحمل عليه أبو ع امر وهو ي دعوه إلى اإلس الم ويق ول :اللهم
اشهد عليه ،فقتله أبو عامر؛ ثم حمل عليه آخر ،فحمل عليه أبو عامر ،وهو يدعوه إلى اإلسالم
ْ
هد عليه ،فقتله أبو ع امر .ثم جعل وا يحمل ون عليه رجالً رجالً ،ويحمل أبو
ويق ول :اللهم اش ْ
ع امر وهو يق ول ذلك ،ح تى قتل تس عة ،وبقى العاش ر؛ فحمل على أبي ع امر ،وحمل عليه أبو
على
ع امر ،وهو ي دعوه إلى اإلس الم ويق ول :اللهم اش هد عليه ؛ فق ال الرجل :اللهم ال تش هد َّ
بعد فحسن إسالمه .فكان رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم فكف عنه أبو عامر ،فأفلت ؛ ثم أسلم ُ
العالء وأوفى ابنا الحارث ،من بني
ُ شريد أبي عامر .ورمى أبا عامر أخوان :
ُ إذ رآه قال :هذا
قلبه ،واآلخر ركبتَه ،فقتاله .
أحدهما َ
ُج َشم بن معاوية ،فأصاب ُ
اس أبو موسى األش عري فحمل عليهما فقتلهم ا ،فق ال رجل من ب ني ُج َش م بن ووِل َي الن َ َ
معاوية يرثيهما:
سندا()1
وأوفَى جميعاً ولم ُي َ ِ
العالء #إن الرزيةَ قَ ْت ُل
ْ
وقد كان ذا َهب ٍ
َّة ْأرَب َدا()2 #هما القاتالن أبا عامر
ط ِفه ُم ْج َس َدا()3
كأن على ِع ْ #هما تركاه َلدى َم ْع َر ٍك
يدا()4 وأر َمى َ َّ ِ الناس ِم ْثلَْيهما
ِ
أقل عثاراً ْ #فلم َتر في
بعض أصحابنا :أن رس ول
نهيه عليه السالم عن قتل الضفاء :قال ابن إسحاق :وحدثني ُ
متقصفون عليها ،فق ال
ِّ خالد بن الوليد والناس ٍ
بامرأة وقد قتلها ُ اللّه صلي اهلل عليه وسلم مر يومئذ
ِ
لبعض من :ما ه ذا؟ فق الوا :ام رأة قتلها خالد بن الولي د :فق ال رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم
أدرك خالداً ،فقل له :إن رسول اللّه ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو َعسيفاً(.)6
ْ معه:
الش يماء أخت الرس ول :ق ال ابن إس حاق :وح دثني بعض ب ني َس ْعد بن بكر :أن رس ول
اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ال يومئذ :إن ق درتم على بِج اد ،رجل من ب ني س عد بن بك ر ،فال
َّ
يفلتنكم ،وكان قد أحدث حدثاً ،فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ،وساقوا معه الشيماء ،بنت
الحارث بن
الع َّزى أخت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من الرضاعةَ ،
فعُنفُ وا عليها في السياق ؛ عبد ُ
فق الت للمس لمين :تَعلَّم وا واللّه أنى ألخت ص احبِكم من الرض اعة ؛ فلم يص دقوها ح تى أت وا بها
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
الس عدي ،قال
إكرامه عليه السالم أخته الشيماء :قال ابن إسحاق :فحدثني يزيد بن ُعبيد َّ
:فلما انتهى بها إلى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم،ق الت :يا رس ول اللّه ،إني أختك من
ور َكتُك ق ال :
ضض تنيها في ظه ري وأنا ُمتَ ِّ الرض اعة ،ق ال :وما عالمة ذلك ؟ق الت َع َّ
ض ة َع ْ
فع رف رس ول اهلل ص لي اهلل عليه وس لم العالم ة ،فبسط لها رداءه ،فأجلس ها عليه ،وخيره ا،
أمتِّعك (ا) وت رجعي إلى قومك ُ
فعلت ، وق ال :إن أحببت فعن دي ُمحب ةً ُم ْك َرم ة ،وإ ن أحببت أن َ
فقالت :بل تُمتعنى وتردني إلى قومي ،فمتعها رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم،وردها إلى قومها
؛ فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غالما له يقال له .مكحول وجارية ،فزوجت أحدهما األخرى،
فلم يزل فيهم من نسلهما بقية .
ص َر ُك ْم
ما أنزل اهلل في ُحنين :قال ابن هشام :وأنزل اللّه عز وجل في يوم حنين { :لَقَ ْد َن َ
ِ َع َجَبتْ ُك ْم َكثْ َرتُ ُك ْم } إلى قوله َ { :و َذِل َ
اط َن َكثِ َير ٍة َوَي ْو َم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ أ ْ
اللَّه ِفي م و ِ
ين } اء اْل َك اف ِر َ
ك َج َز ُ ُ ََ
[التوبة.]25،26 :
ش هداء ح نين :ق ال ابن إس حاق :وه ذه تس مية من استُش هد ي وم ح نين من المس لمين :من
قريش ثم من بني هاشم :أيمن بن ُعبيد.
الع َّزى :يزيد بن َز َم َعة بن األس ود بن المطلب ابن أس دَ ،جمح به
ومن ب ني أسد بن عبد ُ
فرس له يقال له الجناح ،فقُتل .
الع ْجالن .
ومن األنصار ُ :سراقة بن الحارث بن عدي ،من بني َ
ومن األشعريين :أبو عامر األشعري .
س بايا ح نين وأمواله ا :ثم ُجمعت إلى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم س بايا ح نين
فاري ،وأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وأموالها ،وكان على المغانم مسعود بن عمرو ِ
الغ ُّ َ
فحبست بها(.)1
الجع َرانةُ ،
بالسبايا واألموال إلى ْ
لمى في يوم ُحنين . شعر بجير يوم حنين :وقال ُب َج ْير بن ُز َهير بن أبي ُس َ
كل ِ
جبان الرعب َّ
ُ استخ َّ
ف حين َ وعبده َولَّيتُُم
ُ لوال اإللهُ #
وسوابح َي ْكُبون لأل ْذقان ()2 أقراننا
يوم َحَبا لنا ُ بالج ْزع َ ُ #
بان ()3 ٍ
بسنابك ولَ ِ ومقطَّ ٍر ُ ثوبه في كفِّه من بين ساع ُ
ِ #
ِ
الرحمن ِ
بعبادة َّ
وأعزنا ديننا
وأظهر َ واهلل أكرمنا #
َ
ِ
الشيطان ِ
بعبادة وأذلَّهم جمعهمق َ وفر َ
واهلل أهل َكهم َّ #
ويروي فيها بعض الرواة : قال ابن هشام َ :
ِ
اإليمان يدعون :يا لَ ِ
كتيبة إذ قام َع ُّم نبيِّكم ووليُّه #
ُ
ِ
ضوان الر
عة ِّ يض و ْبي ِالع َر ِ
َ يوم ُ َ أين الذين ُه ُم أجابوا ربَّهم #
شعر لعباس بن مرداس يوم حنين :قال ابن إسحاق :وقال .عباس بن ِم ْرداس في يوم
ُحَنين :
ِ
الكتاب وما يتلو الرسو ُل من يوم َج ْم ٍع
والسوابح َ
ُ إنى #
ِ
العذاب ()1 الش ْعب أمس من بجن ِب ِّ ْ قيف
ت ثَ ٌ أحببت ما لَِقَي ْ
ُ لقد #
ِ
الشراب فقتلهُ ُم أَلَ ُّذ من اهل نجد من ْ العدو َ رأس ِّ ُه ُم ُ #
ت َب ْر َكها ببنى ِر ِ
ئاب ()2 وح َّك ْ
َ الجمع َج ْم َع بني قَ ِس ٍّى َ هزمنا #
ِ
بالتراب ()3 طاس تُ َعفَُّر
بأو ٍ ْ وص ْرماً من ِهاللي غادرتْهم ِ #
لقام نساؤهم َّ
والن ْقعُ كابي ()4 ولو القَْي َن َجمع بني ٍ
كالب #
َْ
رال تَْن ِحطُ ِّ
بالن ِ
هاب ()5 إلى األو ِ
ْ ضنا الخي َل فيهم َب ْي َن ُبس
َر َك ْ #
ض للض ِ
ِّراب كتيبته تَ َع َّر ُ بذي لَ َج ٍب ،رسو ُل اللّه فيهم #
قال ابن هشام :قوله " تعفر بالتراب " :عن غير ابن إسحاق.
عطية بن عفيف النص ري ي رد على ش عر عب اس بن م رداس :فأجابه عطية ابن عفيف
النصري ،فيما حدثنا ابن هشام ،فقال :
ِ
راضعة الّ ِ
لجاب ()6 ابن ِ
وعباس ُ
ُ أفاخ َرةٌ رفاعةُ في ُحَنين #
ِ
اإلهاب ()1 َلربَّتِها وتَْر ُف ُل في كذات ِم ْر ٍط
والفجار ِ
َ
ك ِ فإن َ
قال ابن إسحاق :قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما اكثر عباس على هوازن في يوم
ُحنين .ورفاعة من ُجهينة .
شعر آخر البن مرداس في يوم حنين :قال ابن إسحاق :وقال عباس بن مرداس أيضا :
ِ
السبيل ُه َدا َكا بالحق ُّ
كل ُه َدى ِّ النب ِ
اء إنك ُم ْر َس ٌل خاتم َُ
يا َ #
ومحمداً سماكا()2 ِ
في خلقه ُ إن اإللهَ بني عليك محبة #
عليهم الضحَّا َكا
ُ ت
بعثْ َ
ُجند َ هم ثم الذين ِوفُوا بما َ
عاه ْدتَ ْ #
العدو َيراكا()3 لما َّ
تكنفه ُّ السالح كأنه
ِ ب
ذر ُ
رجالً به َُ #
الرحمن ثم ِر َ
ضا َكا ِ ضا ِ
القريب وإ نما يبغى ِر َ الن ِ
سب يغ َشى ذوي َّ #
تحت الع ِ
جاجة َي ْد َمغُ اإلشراكا َ َ رأيت َم َك َّرهُ
ُ ْأنبيك أنى قد #
الجماجم صارماً َبتَّا َكا ()4
َ يعانق باليدين وتارةً َي ْفري ُ ط ْورا
َ
عاينت كان ِشفَا َكا منه الذي ْ الكماة ولو ترى ِ هام
يغشى به َ #
العدو ِد َرا َكا()1 ضرباً وطعناً في ِّ أمامه ِ
وبنو ُسلَيم ُم ْعنقون َ #
العرين َأر ْد َن ثََّم ِعرا َكا()2 ِ أس ُد
ْ
ِ
وكأنهم تحت لوائِهيمشون َ #
وه َوا َكا ِ ِ
لطاعة َربِّهم َ إال القريب قرابةَ جون من ما َي ْرتَ َ #
معروفةً َو َوِلُيّناَ َموالكا مشاهدنا التى كانت لنا ُ َه ِذي #
وقال عباس بن مرداس أيضا :
قاد وظُلَّعُ ()3 منها ُم َعطَّلةٌ تُ ُ ى يا َّأم فروةَ َخْيلَنا ِإ َّما تََر ْ #
راح تَْنَبعُ ()4 فيها نواف ُذ ِمن ِج ٍ ِ
األعادي َد َّمها ْأو َهى ُمقَ َارعةُ #
فس ْرُبها ال ُي َفزعُ ()5 الحروب ِ
ِ ْأز َم وقعنا فلَر َّ ٍ
ب قائلة كفاها ُ ُ #
ٍ ِ ِ
ال وفد َكالوفد األلى عقدوا لنا سبباً بحبل محمد ال ُيقطعُ #
ِ وأبو ُ ِ
الغيوث وواسعٌ والم ْقَنعُ ط ٍن ُ :حزابةُ ُ
منهم وفد أبو ق َ #
ألف أ ْقرعُ ()6 فتم ٌتس َع المئين َّ ْ والقائد المائةَ التى وفَّى بها #
وأجلب من ُخفاف أربع خاشن ستًّا ف ورهط م ِ جمعت بنو عو ِ #
َ ُ َْ
فهناك إذ ُنصر النبي ِ
لواء يلمعُ
النبي لنا ً عقد ُّ َ بألفنا #
ودداً ال ُينزعُ وس َ ِ
مجد الحياة ُ َ قده
رث َع ُ وأو َ فُْزَنا برايته ْ #
هزعُ ()7 ببِ ِ
طاح مكةَ والقَنا َيتَ َّ جناحه
النبي ُ نحن مع ِّ وغداة ُ #
ِّ كانت إجابتُنا ِ
ومقََّنعُ
حاسر ُ
ٌ بالحق منا لداعى َربِّنا #
الحديد وتُبَّعُ ()8
َ داود إذ نسج
ُ ٍ
سابغة تَ َخيَّر َس ْر َدها في ِّ
كل #
ضبةٌ ما تُقلَعُوه ْ
النفاق َ
َ دمغ
موكب
َ
ٌ ولنا على بِْئري ُحَن ْي ٍن #
في ِّ ٍ
ض ُّر وننفعُكل نائبة َن ُ ُنصر النبي بنا وكنا معشراً #
جاج َي ْسطعُ
يغمرها َع ٌ
والخي ُل ُ هوازن بالقَنا
َ ُذ ْدَنا َغ َداتَئٍِذ #
الشمس منه تَخشعُ ()1
ُ جمعاً تكاد النبي وأسندواحدهم ُّ إذ خاف َّ #
أفناء نصر واألسنةُ ُش َّرعُ ()2 ُ تُ ْد َعى بنو ُج َشم وتُ ْد َعى َو ْسطه #
وفيتم فارفعوا
ْ أبنى ُسلَْيٍم قد محمد
ٌ حتى إذا قال الرسو ُل #
وأحرزوا ما َج َّمعوا()3بالمؤمنين ْ بأسهم
ف ُ أج َح َ
نحن ْ
ُرحنا ولوال ُ #
قال عباس بن مرداس أيضا في يوم ُحنين :
فالمصانعُ ()4 طال ِأر ٍ
يك قد خال فَ ِم ْ ِ ِ
َ َعفا م ْج َد ٌل من أهله فَ ُمتالعُ #
الدارللحى جامعُ ()5
ِّ َر ِخ ٌّى وصرف ديار لنا يا جم ُل إذ ج ُّل ِ
عيشنا ُ ُْ ٌ #
ِ
العيش راجعُ ٍ
ماض من الن َوى ِلَب ْين فهل
ت بها ُغربةُ َّ ُحَبَيبةٌ أْل َو ْ #
فإن تبتغى الكفار غير ملومة فإنى وزير للنبى وتابع #
والم َّر ُار منهم وواسعُ ()6 ٍ
خير وفد علمتُهم ُخ َزيمةُ َ دعاني إليهم ُ #
بألف من ُسلَْيٍم فجئنا ٍ
داود رائعُ
لَُبوس لهم من َن ْس ِج َ عليهم
ُ #
بين األخ َشبين ُنبايعُ ()1 ِ باألخ َشَب ْي ِن وإ نما
َيد اللّه َ ْ نبايعه #
كاب وساطعُ ()2 ِ
بأسيافنا والنقع ٍ المهدي مكةَ َعنوةً ِّ فجسنا مع #
ُ ُ
ف ناقعُ ()3دم الجو ِوآن من ِحميم ٍ َع َدنِية والخي ُل يغ َشى َ
متونها #
ْ ٌ
ِ
بالنفوس األضالعُ إلينا وضاقت وازن
ويوم ُحنين حين سارت َه ٌ #
ِ ِ َّاك ال ِ
يستف ُّزنا صبرنا مع الضح ِ
منهم والوقائعُ
ق َراعُ األعادي ُ ََ #
ِ
السحابة المعُ ()4 كخ ْذ ِ
روف لواء ُ ق فوقَنا رسول اللّه ِ
يخف ُ ِ أمام #
َ
والموت كانعُ ()5 ِ
رسول اللّه ِ
بسيف بن ُسفيان ُم ْعتَ ٍ
ص
ُ ك ُعشيةَ ضحا ُ #
صاالً لكنا األقربين ُنتابعُ ()6
َم َ َن ُذود أخانا عن أخينا ولو نرى #
ٍ ِ َّ
رضينا به ،فيه الهدى والشرائعُ محمد دين
دين اللّه ُ ولكن َ #
ِ
وليس ألمر َح َّمهُ اللّه دافعُ أمرنابعد الضاللة َ أقام به َ #
وقال عباس بن مرداس أيضا في يوم ُحنين :
واستبدلَت نيةً ُخْلفَا()1 ٍ
بعاقبة صل أم ُم َؤ َّمل َّ
َ تَقَطع باقي َو ْ #
الحْلفَا()2 ِ فت باللّ ِه ال تق َ
صدقت فيه وال َب َّرت َ ْ طعُ القَُوى فما وقد َحلَ ْ #
فالع ْرفَا()3 ُّ ِ
وج َرةَ ُ البادين ْ
َ وتحتل في بطن العقيق َمصيفُها ُخفَافيَّة ُ #
دت قلبى على نأيها َش ْغفَا فقد َز َّو ْ الكفار أ َُم ُم َؤ َّم ٍل
َ تتبع
فإن ِ #
نطلب سوى ربِّنا ِحْل ِفاْ أبينا ولم
ْ الخبير بأنناُ وسوف ُي ْنبيها #
ٍ
عشر الفا()4 يستو ِفها َم ٌ
وفينا ولم ْ ْ محمد وأنا مع الهادي النبي ّ #
أمره َح ْرفَا أطاعوا فما َي ْعصون من ِ ق من ُسلَ ٍيم أعز ٍة ص ْد ٍ بفتيان ِ
ِ #
طروقَتِها ُكْلفا()5 ت في َ ب زافَ ْ كوان وعوف تخالهم م ِ
صاع َ َ َ فاف و َذ ٌ َ ْ ُخ ٌ #
ضفَا()6راصدها ُغ ْ ِ تالقت في َم أسوداً النسيج ُّ
ْ والبيض ُمْلَب ٌس ُ
َ ب الش ْه َ َ كأن #
الحي الذي معه ِ دين اللّ ِه غير تنح ٍ
ض ْعفَا وزدناعلى ِّ ُّل َ بنا َعَّز ُ #
ِ
طفَا
تحليقها َخ ْ عقاب أرادت بعد
ٌ بمكةَ إذ ِجئنا كأن َ
لواءنا #
ِ
مراودها َع ْزفَا()7 بينها إذا هى َجالت في ِ
األبصار تحسب َ على ُش َّخص #
ص ْرفَا ِ
ألمر رسول اللّه َع ْدالً وال َ ِ غداةَ َو ِطئنا المشركين ولم َن ْ
جد #
ٍ
التذام َر َّ
والن ْقفَا()1 ُ لنا َز ْجمة إال طه بمعتَ ِرك ال يسمع ُ
القوم َو ْس َ ْ #
طفَا أعناق ال ُك ِ
ماة بها قَ ْ ونقطف مستقرها الهام عن ٍ
َ ُ ِّ تطير َ
ببيض ُ #
وأرملة تدعو على ِ
بعلها لَ ْهفَا()2 ٍ َّب فكائن تركنا من ٍ
قتيل ملَح ٍ ٌ #
ُ
الناس نبتغى وللّ ِه ما ُ
يبدو جميعاً وما َي ْخفَى ِ ِرضا اللّ ِه ننوي الرضا #
وقال عباس بن مرداس أيضا :
ضى فوقها ُّ
الشفُُر(. )3 ط ِة ْ
أغ َ الحما َ ِ
عائر َس ِه ُر مث َل َ
ِ
ما با ُل َعينك فيها ٌ #
وينحدر
ط ْوراً َ يغمرها َ
فالماء ُ ُ تأوبها من َش ْج ِوها ٌ
أرق ين َّ َع ٌ #
ك منه فهو ُم ْئَنثِ ُر()4 طعُ السِّل ُ
تَقَ ّ اظ ٍ
مة ظم ُدٍّر عند َن ِ
َ كأنه َن ْ ُ #
فالحفَ ُر(، )5
َّمان َ
دونه الص ُ ومن أتى َ منزل َمن ترجو َّ
مودتَه ِ عد
يا ُب َ #
ِ
الشباب فقد تقدم من ِ
عهد ع ما َّ َ د ْ
عر()1 يب َّ
والز ُ الش ُ الشباب وزار َّ ُ ولَّى
ِ
مواطنها بالء ُسلَْيم في واذكر َْ
وفي ُسلَْيٍم ألهل الفخر ُم َ
فتخ ُر
الرحمن واتَّبعو
َ قوم ُه ُم نصروا ٌ
وأمر الناس ُم ْشتَ ِج ُر()2 ِ
دين الرسول ُ َ
هم
ط ُ
ِ
النخل َو ْس َ رسون فَ ِس َ
يل َ ال َي ْغ
البقر()3 تاه ُم ُ خاو ُر في َم ْش ُ ال تُ َ
كالع ِ
قبان ُم ْق َربةٌ إال سوابح ِ
َ
كر()4 والع ُ
األخطار َ ُ في دار ٍة حولَها
وف في جوانِبها وع ٌ فاف َ تُ ْد َعى ُخ ٌ
والض ُج ُر()5 ُ ذكوان المي ٌل
َ وح ُّيَ
الشرك ضاحيةً ِ جنود
َ الضاربون
بتدر
واألرواح تَ ُ
ُ ِ
ببطن مكةَ
وقتالهم كأنهُ ُم
ُ حتى دفعنا
البطحاء ُم ْنقَ ِع ُر()1
ِ نخل بظاهر ِة
مشهدنا
ُ نين كان يوم ُح ٍ ونحن َ
وعند اللّ ِه ُم َّد َخ ُر .
َ ين ِع ّزاً ِّ
للد ِ
بطائنه
ُ ض ّراً الموت ُم ْخ َ
َ نركب
ُ إذ
ينجاب عنها ساطعٌ َك ِد ُر(. )2 ُ والخي ُل
قد ُمناَّاك َي ُ اللواء مع الضح ِ ِ تحت
َ
الخ ِد ُر()3الليث في غاباتِه َ كما َمشى ُ
ِ
الحرب َكْل َكلُها ق من َم َجِّر في مأز ٍ
والقمر()4 الشمس تأفل منه تكاد ِ
ُ
ُ ُ
أسَنتَّنا بأوطاس ِ
ٍ صَبرنا وقد َ
ئناوننتصر
ُ ننصرمن ِش
ُ للّ ِه
ب أقوام منازلَهم تأو َ حتى َّ
ص َد ُروا ال
ك ولوال نحن ما َ
لوال الملي ُ
فما ترى َمعشراً َقلّوا وال َكثُروا في
أثر
فيهم ُ
بح منا ُ
اص َ
إال قد ْ
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
ناء ُم ْج َم َرةُ المناسم ِع ْر ِم ُس (، )5
يأيها الرج ُل الذي تَ ْه ِوي به َو ْج ُ #
ًّ
اطمأن المجلس حقا عليك إذا فقل له
أتيت على النبي ْ
إما ََّ #
ِ
التراب إذا تُ َع ُّد األنفُ ُس ()1 فوق
َ طي ومشى يا خير من ر ِكب ِ
الم َّ #
َ َ َ
ض َر ُس ()2 تُ ْق َدعُ بال ُك ِ
ماة وتُ ْ عاهدتَنا والخي ُل ْ إنا َوفَْينا بالذي #
ِ
المخار ُم تَْر ُج ُس ()3 ظ ُّل به أفناء ُب ْهثةَ ُكلِّها جمغ تَ َإذ سال من ِ #
مام األ ْش َو ُس ()4 يقد ُمها الهُ ُهباء ُ َش َ صَب ْحنا أه َل مكةَ فَْيلقاًحتى َ #
ِ
الدخال وقَ ْوَن ُس ()5 بيضاء ُم ْح َكمةُ
ُ فوقَهب من ُسلَْيم ِ ِمن كل َ
أغن َ #
أسداً إذا ما َي ْعبِ ُس ()6تجاسر في الوغى وتَخالُه َ َ يروي القناةَ إذاِ #
ب َيقُ ُّدبه ولَ ْد ٌن ِم ْد َع ُس () 7 ضٌ َع ْ يغ َشى الكتيبةَ م ِ
علماً وبكفِّه ُ #
ِ
ألف أم َّد به الرسو ُل َعَر ْن َد ُس ()8 ِ
ين قد وفَى من َجمعنا ٌ وعلى ُحَن ٍ #
أشمس ()9
ُ عليهم
ْ والشمس يومئذ
ُ أمام المؤمنين َدريئةً كانوا َ #
رس ِ
ليس بضائع من َي ْح ُ
واللّه َ بحفظه ويحرسنا اإللهُ
ُ نمضي #
فنعم المحبِ ُس ِ إِل ِ
بالمناق ِب َم ْحبِساً
َرض َى ا لهُ به َ ولقد ُحبسنا #
العدو وقيل منها :يا احبسوا
َّ وغداةَ أوطاس َش َد ْدنا َشدةً كفَ ِتَ #
أيبس
هوازن ُ ُ تمد به
ي ُ ثَ ْد ٌ هوازن باإِل خاو ِة َ
بيننا ُ تدعو #
َع ْيٌر تعاقبه السباعُ ُمفََّر ُس جمعهم وكأنه
حتى تركنا َ #
قال ابن هشام :أنشدني خلف األحمر قوله " :وقيل منها يا
احبسوا ".
قال ابن إسحاق :وقال عباس بن مرداس أيضا :
ِ
حواس ُر ْه ()1 بألف َك ِم ٍّي ال تُ َع ُّد
ِ ضب له رسول اللّه من َغ َ
َ ص ْرنا
َن َ #
ناصر ْه ()2 ِ
الموت يذود بها في َح ْو َم ِة مح رايةً
ُ ُ الر َ
َح َملنا له في عام َل ّ #
َغداةَ ُحنين يوم صفوان ِ
شاج ُر ْه ()3 لونها
فه َو ُ
َ ض ْبناها َدماً ْونحن َخ َ #
ِ
وشاه ُر ْه ِ
اللواء وكنا على اإِل سالم َم ْيمنةً له وكان لنا َع ُ
قد #
ونشاور ْه
ُ يشاورنا في ِ
أمره دون الجنو ِد بطانةً وكنا له َ #
يناكره (. )4
ْ وكنا له َع ْوناً على من قدماً فس َّمانا ِّ
الش َع َار ُم َّ دعانا َ #
ناصر ْه
ُ ِ
بالنصر واللّه نبى محمداً وأيده
جزى اللّه خيراً من ٍّ
ق ال ابن هش ام :أنش دني من قوله " :وكنا على اإِل س الم " إلى آخره اُ ،
بعض أهل العلم
بالشعر ،ولم يعرف البيت الذي أوله " :حملنا
له في عامل الرمح راية " وأنشدني بعد قوله " :وكان لنا عقد اللواء وشاهره " " ،ونحن
خضبناه دما فهو لونه ".
قال ابن إسحاق :وقال عباس بن مرداس أيضاً :
حيث َي َّم َما
راشد ُ ٌ رسو ُل اإِل ِ
له األقوام أن محمداً َ م ْن ُم ِبلغ
َ
وحده فأصبح قد وفَّى إليه ْ
وأن َع َما َ ربه واستنصر اللّه دعا َ
َي ُؤ ُّم بنا أمراً من اللّ ٍه ُم ْح َك َما وواعدنا قديداً محمداً
ْ َ س َر ْينا
الفجر ِفتيانا وغاباَ ُمقَ َّو َما()1 ِ الفجر حتى تبينوا مع ِ تمار ْوا بنا في
َ
اآلتى َعَر ْم َر َما()2 ِّ كدفَّاع
ور ْجالً ُ روعنا َ الخيل مشدوداً علينا ُد ُ ِ على
منهم من تَ َسلَّما()3 ُسلَْيم وفيهم ُ كنت سائالًالحى إن َ فإن َسراةَ ِّ
يعصونه ما تَنهَلَّ َماَ أطاعوا فما ِ
األنصار ال يخذلونه وجند منٌ
وقدمتَه فإنه قد تَقَ َّدما
خالداً َّ أمرت في القوم ك قد َّ فإن ت ُ
أظلما ِّ ٍ
الحق من كان َ في
صيب به ِتُ ُ أميره
بج ْند َهداه اللّه أنت ُ ُ
ِ
الخيل ُمْل َج َما فأكملتُها ألفاَمن ٍ
لمحمد فت يميناً َب َّرةً
َ حلَ ُ
المقَ َّد َما
كون ُ ب إلينا أن َن َ وح َّ
ُ نبي المؤمنين َّ
تقدموا وقال ُّ
وتح ُّز َما
الخوف إال َرغبةً َ
ُ بنا ِ
المستدير ولم يكن وبتنا َبن ْهى
أهل َيلَ ْملَ َما()1
الجمع َ بحنا
ص ْ ُّ
َ الناس كلهم وحتى َ أطعناك حتى أسلم ُ
الشيخ حتى ُي َس َّوما()2 ُّ
يطمئن طه وال
الو ْر ُد َو ْس َ ض ُّلي ِ
ُ األبلق َ
ُ الحصان
ُ َ
اح َجما( )3لَ ُد ْن ُغ ْد َوة حتى تركنا حى وكل تراه عن أخيه قد ْ ض ٍ َ سمونا لهم ِو ْر َد القَطا َزفَّهُ ُ
دوافعه َد َما()4
ُ َعشية ُحَنينا وقد سالت
وازن إذا شئت ِمن كل رأيت ِط ِم َّرةً وفارسها يهوي ورمحاً مح َّ
ت منا َه ُ
أحرز َْ ط َما( )5وقد َُ ُ َ َ َ
حر َما()6 ون َخيب ُ ب إليها أن َن َ وح َّ
َس ْرَبها ُ
ش عر ضمضم بن الح ارث في ي وم ح نين :ق ال ابن إس حاق :وق ال ضمضم ( )7ببن
الس لَمى في يوم حنين
ص يَّة ُّ
عبد بن حبيب بن مالك بن َع ْوف بن َيقَظة بن ُع َ الحارث بن ُج َش م بن ْ
وابن عم له ،وهما ِ :وك انت ثقيف أص بابت ِكنانة بن الحكم بن خالد بن َّ
الش ريد ،فقتل به م ْحجن اً َ
من ثقيف :
َّان نحن جلبنا الخي َل من غير م ْجلَ ٍب إلى ُجرش من ِ
أهل زي َ َ
هدمِ ِ
أشبال األسو ِد ونبتغى طواغى كانت قبلَنا لم تُ َّ
َ والفَِم ُنقتِّ ُل
َ
بعد مأتمتركت بِ َو ٍّج مأتماً َ
ُ ِ
الشريد فإننى تفخروا ِ
بابن فإن َ
غير ُم َذ َّمم ِ أبأتُهما ِ
واركم وكان َ ُ وغ َّره ُجالشريد َ بابن
رماحنا وأسيافُنا َي ْكِلمَنهم َّ
كل َم ْكلَم ُ
تُصيب رجاال من ٍ
ثقيف
ْ ُْ
ض ْمضم بن الحارث أيضا : وقال َ
ذات ِخ ِ
مار الدهر َ تأمن َّن َ ك َذ ِوي الحالئِل ايةً ال َ لدي َ
أبلغ ْ
ْ
ي ِ
بدار الغ ِز ُّث َ كنت لو لَبِ َ
قد ُ بعد التى قالت لجار ِة بيتهَا َ
والعظام عواري ()1 ص ِ
يفة وغر الم ِ تسفَّ َع ُ
لونه
ُ ُْ َ رجالً َ لما رأت ُ
ُمتسربالً في ِدرعه ِل ِ
غوار()2 ط العظام تراه اخر ِ
ليله َ ُ م ُش َ
إزاري ()3بالنجاد ِ ِ ق
لح ُهد ٍة جرداء تُ ِ ِ
رحالة َن َ إذ ال أزال على
َ َ
ِ
األنصار تبت ُمجاهدةً مع ُك ْ هاب وتارة الن ِ يوماً على ِ
أثر ِّ
بار()4 وكل َخ ِ مهالً تَمهَّلَهُ ِّ أزه ْقتُها ٍ
ََ خميلة َ هاء كل
وز َ ُ
ود أنى ال أؤوب فَ َج ِار(د) اجة وتَ ُّ أغير ما بها من ح ٍ َ ك ْيما َ
َ
عمه زهير بن العجوة : شعر أبي خراش يرثى ابني
ق ال ابن هش ام :ح دثني أبو ُعبي دة ،ق ال :اسر زه ير بن العج وة الهُ ذلى ي وم ُح نين ،ف ُكتف
الج َمحي ،فق ال له :أأنت الماشى لنا بالمغايظ ؟ فض رب عنقه ؟ فق ال أبو
ف راه جميل بن َم ْعمر ُ
ِخراش ( )6اله َذلى يرثيه ،وكان ابن عمه .
بن َم ْع َمير بذي فَ َج ِر ِ
تأوي إليه األرام ُل َ عجَّف أضيافى جمي ُل ُ
واسترخت عليه الحمائ ُل ()1 بج ْي َد ٍر .إذا َّ
اهتز ِ ِ
ْ طويل نجاد السيف اليس َ
الجود بما أ ْذلقته َّ
الشمائ ُل ()2 ِ إزاره من تكاد يداه تُسلمان َ
وم ْستنبِح بالى الدريسين عائ ُل ()3 ُ ك إذا شتا إلى بببه يأوي الضَّري ُ
في َوائ ُل ()4لها حدب تَ ْحتَثُّهُ ُ تروح مقروراً وهبت عشية َّ
عي الح ِ
الح ُل ()5 َّ أهل ِ ال فما با ُل ِ
اللو َذ ُّ ُ يتصدعوا وقد بان منها ْ الدار بم
الضباعُ الجيائ ُل ()6 عف ّ بالن ِ البك َّ قغير ُموثَ ٍفأقسم لو القيته َ
ُ
كنت ممن ُيناز ُل فنازلتَه أو َ وإ نك لو واجهتَه إذ لَقيتَه
الظهر للمر ِء شاغ ُل ()7 ِ ولكن ِق ْر َن
َّ ص ْر َعةًأفحش القوم ِ َ لظل جمي ٌل
قاب السالس ُل بالر ِ
ولكن أحاطت ِّ الدار يا أ ََّم ٍ
ثابت فليس ِ
كعهد ِ
سوى الحق شيئاً واستراح العواذ ُل ٍ
بفاعل كالشي ِخ ليس
ْ وعاد الفتى
التر ِب هائ ُل ِ
جانب ْ
ُ أها َل عليهم الصفاء كأنما إخوان
ُ وأصبح
نسيت ليالياً بمكةَ إذا لم َن ْع ُد عما نحاول
ُ فال تحسبي أنى
بغر ٍة وإ ذ نحن ال تُثَْنى علينا المداخ ُل ()1
والبالد َّ
ُ الناس ناس
إذ ُ
شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين :قال ابن إسحاق :وقال مالك بن عوف
وهو يعتذر يومئذ من فراره :
أض ُّر
هوازن هل ُ
َ سائل
ْ ضر ُم ()2 بأجزاع الطري ِ
ق ُم َخ َ ِ أغمض ساعةً نِ َع ٌم الرقاد فما ِّ
َ منع
َ
غارمها إذا ما َي ْغ َر ُم
َ عدوها وأعين
َّ
ألم
وم ُحاسر ُ
ٌ بكتيبة ِفَئ ْتين منها
ٍ َّستُها
وكتيبة لَب ْ
أعلم ()3 شهود ِ
ضيقه قدمتُه ِو ُ قدم تعيا النفوس ِل ِ وم َّ
قومى ُ ُ ُ
الدم
وغمرته ُ غمرته ْ ون ْ وتركت إخواناً له َي ِر ُد َ
ُ فور ْدته
َ
ومجد ُغْنم ُي ْق َس ُم ِ
الحياة مجد
غمراتُه أورثْننى َ
َ فإذا انجلت َ
ظ ُلم أع ُّ
ق وأَ ْ ٍ ذنب ِ
ال محمد واللّهُ أعلم َم ْن َ كلفتمونى َ
وخذلتمونى إذ أقاتل واحداً وخذلتموني إذ تقات ُل َخثْ َع ُم
واخر ِ
يهد ُم بعضكم ال يستوي ٍ
بان َ ُ يهدم ُ المجد ُ َ بنيت
وإ ذا ُ
رهت فيه ألَّةً َي َزنية
للعلَى مت َك ِّر ُم ( )4اك ُ ِ
اص الش تاء ُمس ارع في المج د َي ْن َمى ُ ب ِم ْخم ِ وأقَ َّ
نان َسْل َج ُم (ْ) يقد ِ
مهاس ٌ اء َُس ْم َح َ
دم ()6 وتركت َحَّنتهُ تَُر َّد وليَّه وتقو ُل َ
ليس َعلى فُالنة َم ْق ُ
الدرية تُستحل وتُ ْش َر ُم ()7 ِ للرماح ُم َدجَّجاً ِمث َل
ِ ونصبت نفسي
ُ
شعر لرجل من هوازن يذكر سالم قومه بعد الهزيمة :
ق ال ابن إس حاق :وق ال قائل في ه وازن أيض ا ،ي ذكر مس يرهم إلى رس ول اللّه ص لى اهلل
عليه وسلم مع ممالك بن عوف بعد إسالمه :
الرايات تَ ْخ ِتف ُ
ق ُ ك فوقَه ومال ٌ للناس إذ َجمعواِ مسيرهم
أذكر َْ
ق يوم حَنين عليه التاج ِ
يأتل ُ أحد
ك ما فوقَه ٌ ك مال ٌ
ومال ٌ
َ ُ
والدرق حتى لقُوا الناس حين البأس َي ْق ُدم ِ
واألبدان َ
ُ البيض
ُ عليهم
ُ هم ُ َ
سق حول النبي وحتى َجَّنه َ
الغ ُ َ الناس حتى لم َي َر ْوا أحداَ
فضاربوا َ َ
نق (أ)
ومعتَ ُ ِ ِ
فمهزوم ُ
ٌ السماء هم من بنصر ُ ت أنزل جبري ٌل ثُ َّم َ
ق
العتُ ُ ٍ
جبريل يقاتلنا َّ
إذن أسيافُنا ُ
ْ لمن َعتْنا غير
منا ولو ُ
لق ()2
الع ُ َّ ٍ
هزموا بطعنة بل منها َس ْر َجه َ الفاروق إذ ُ
ُ عمر
وفاتنا ُ
ش عر ام رأة من جشم ت رثي أخ وين لها أص يبا ي وم ح نين :وق الت ال ام رأة من ب ني جشم
أخو ْين لها أصيبا يوم حنين :
ترثى َ
ِ
والعالء وال تَ ْج ُم َداً. ودا على مالكء معاً
أعين َّى ُج َ
َ
أربدا()3
َّة َ كان ذا َهب ٍ
هما القاتالن أبا عامر وقد
نزيفاً وما ُوسِّدا()4 ينوء ٍ
هما تركاه لدى ُم ْج َسد ُ
ص حار؛أحد بني سعد بن
زيد بن ُ
شعر"زيد بن صحار في هجاء قريش :وقال أب وثواب ُ
بكر:
وب لها شروطُ والخطُ ُ
هوازن ُ
َ قريش
ٌ ت أال هل أتاك أن َغلََب ْ
ريش إذا َغض بنا
اب َد ٌم عبي طُ ( )1وكنا يا ق ُ ريش إذا َغض بنا يجىء من ِ
الغض ِ وكنا يا ق ُ
ُ
كأن أنوفَنا فيها َسعوطُ ()2
سياق ِ
العير يحدوها َّ
النبيطُ ()3 َ قريش
ٌ فأصبحنا تُ َس ِّوقنا
ألين لهم َنشيطُ ()4
وال أنا إن َ ئلت الخسف ٍ
آب فال أنا إن ُس ُ
ِ
مسامعها القُطوطُ (ْ) وتُكتَب في َ سُينق ُل لحمها في ِّ
كل فَ ٍّج ُ
ويروى " الخطوط " ،وهذا البيت في رواية أي سعد. ُ
قال ابن هشام :ويقال :أبو ثواب زياد بن ثواب .وأنشدنى خلف األحمر قوله " :يجيء
دم عبيط " ،واخرها بيتا عن غير ابن إسحاق . ِ
من الغضاب ٌ
عبد اللّه بن وهب ي رد على ش عر زيد بن ص حار :ق ال ابن إس حاق :فأجابه عبد اللّه
بنوهب ،رجل من بني تميم ،ثم من بني أسيد ،فقال :
ِ
الشروط رأيت من ب من لَقينا كأ ْف ِ
ضل ما ب َش ْر ِط اللّه ِ
َ نضر ُ
ِ
عبيط الهام من َعلَ ٍ
ق ُّ
هوازن حين َنلقَى َنَبل َ ُ وكنا يا
ِ
الخبيط ()6 ك كالور ِ
ق الب ْر َ وجمع بني قَ ِس ٍّى َن ُح ُّ ِ
ك َ ِ كم
بجمع ُْ
ِ
والخليط (أ) الم ِ
باين أصبنا من سراتِ ُك ُم و ِملنا
بقتل في ُ #
الن ِ
حيط ()2 كالب ِ
كر َّ َي ُم ُّج لتاث ُم ِ
الموت ََ لق يديه
فتر ٌ الم ُ به ُ #
ك يرغمهم س ِ ِ
عوطى ْ ُ غضابأ فال ينفَ ُّ ُ فإن تك قَْي ُس َعْي ٍ
الن #
ق ال ابن إس حاق :ومعه امرأت ان من نس ائه ،إح داهما أم َس لَمة بنت أبي أمي ة ،فض رب
ص لَّى رس ول اهلل
لهما قب تين ،ثم ص لى بين القب تين .ثم أق ام ،فلما أس لمت ثَقيف ب ني على ُم َ
ص لى اهلل عليه وس لم َعم رو بن أمية بن وهب بن ُم َعتِّب بن مالك مس جدا ،وك انت في ذلك
المسجد سارية ،فيما يزعمون ،ال تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إال ُس مع لنا َنقيض (،)1
وترام ْوا َّ
بالنبل . َ فحاصرهم رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم ،وقاتلهم ققاالً شديداً،
أول من رمى بالمنجنيق في اإِل سالم :قال ابن هشام :ورماهم
رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ب المنجنيق ح دثني من أثق به أن رس ول اللّه ص لي اهلل
عليه وس لم أول من رمى في اإِل س الم ب المنجنيق )2( ،ق ال ابن إس حاق :ح تى إذا ك ان ي وم
الش ْد َخة عند ج دار الط ائف ،دخل نفر من أص حاب رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم تحت َّ
دبابة ،ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ،فأرسلت عليهم ثقيف ِس َكك الحديد ُمحماة بالن ار،
بالنبل ،فقتلوا منهم رجاالً ،فأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه
فخرجوا من تحتها ،فرمتهم ثَقيف َ
ِ
أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون . وسلم بقطع
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف :
وتق دم أبو س فيان بن ح رب والمغ يرة بن ش عبة إلى الط ائف ،فناديا ثقيف اً :أن أمنونا
حتى نكلمكم فأمنوهما ،فدعوا نساء من ٍ
نساء من قريش وبنى كنانة ً
أبو بكر يفسر رؤيا الرسول صلى اهلل عليه وسلم :وقد بلغني أن رسول اللّه صلى اهلل
أه ِدَيت لي
عليه وسلم قال ألبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفاً :يا أبا بكر ،إني رأيت إني ْ
قَ ْعَبة( )1مملوءة ُز ْبداً ،فنقرها ديك ،فهراق ما فيها.
اللّه ،أعطني إن فتح اللّه عليك الطائف ُحِل َّى بادية بنت َغ ْيالن ( )1بن مظعون ابن
َسلَمة ،أو ُحِل َّى الفارعة بنت عقيل ،وكانتا من أحلى نساء ثَقيف .ف ُذكر لي أن رسول اللّه
ذن لي في ثقيف يا ُخويلة ؟ فخرجت ُخ َويلة، صلى اهلل عليه وسلم قال لها :وإ ن كان لم ُي ْؤ ْ
فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ،فدخل على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول
اللّه ،ما حديث َح َّدثَتْنيه ُخ َويلة ،زعمت .أنك قلتَه ؟ قال :قد قلتُه ؛ قال :أو ما أذن لك فيهم
فأذن عمر بالرحيل .أؤذن بالرحيل ؟ قال :بلى .قال َّ يا رسول اللّه ؟ قال :ال ،قال :أفال ِّ
سعيد بن
ُ الناس نادى
عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف :فلما استقام ُ
صن : ِ
الحي مقيم .قال :يقول ُعيينة بن ح ْ
ُعَبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن عالج :أال إن َّ
أجل ،واللّه مجدةً كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين :قاتلك اللّه يا ُعيينة ،أتمدح المشركين
باالمتناع من رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وقد جئت تنصر رسول اللّه صلى اهلل عليه
محمد الطائف ،
ٌ وسلم ! فقال :إني ِواللّه ما جئت ألقاتل ثقيفاً معكم ،ولكنى أردت أن يفتح
ثقيف جاريةً ِ
أتطُئها ،لعلها تلد لي رجال ،فإن ثقيفاً قوم مناكير. فأصيب من ٍ
( )1بادية بنت غيالن :هو غيالن بن سلمة الثقفى ،وهو الذي أسلم ،وعنده عشر نسوة،
فأمره النبي صلى اهلل عليه وسلم -أن يمسك أربعاً ،ويفارق سائرهن ،فقال فقهاء الحجاز :
يختار أربعاً ،وقال فقهاء العراق :بل يمسك التي تزوج أوال ،ثم التي تليها إلى الرابعة،
واحتج فقهاء الحجاز بأن النبي – صلى اهلل عليه وسلم -لم يستفصله أيتهن تزوج أول ،
وتركه لالستفصال دليل على أنه مخير حتى جعل األصوليون منهم هذا أصال من أصول
العموم ،فقال أبو المعالى الجويني في كتاب البرهان :ترك االستفصال في حكايات االًحوال
مع االحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال ،كحديث غيالن .وغيالن هذا هو الذي قدم على
كسرى ،فسأله أي ولده أحب إليه ؟ فقال غيالن :الغائب حتى يقدم ،والمريض حتى يفيق ،
والصغير حتى يكبر ،ونسب المبرد هذه الحكاية مع كسرى إلى هوذة بن على الحنفي،
والصحيح عند اإلخباريين ما قدمناه واهلل أعلم .
159
عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين :قال ابن إسحاق :وحدثني من ال أتهم ،
عن عبد اللّه بن مُكدَّم ،عن رجال من ثقيف ،قالوا :لما أسلم أهل الطائف تكلم
نفر منهم في أولئك العبيد ،فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :ال ،أولئك عتقاءُ
اللّه ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث ابن كَلَدَة )1( .
قال ابن هشام :وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد .شعر للضحَّاك بن سفيان
وسببه :قال ابن إسحاق :وقد كانت ثقيف أصابت أهال لمروان بن قيس َّ
الد ْوسى ،وكان قد
وظاهر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على ثقيف ،فزعمت ثقيف ،وهو الذي
َ أسلم ،
.تزعم به ثقيف أنها من قَْيس :أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال لمروان بن قيس :
خذ يا مروان
(ا) ذكر العبيد الذين نزلوا من الطائف ،ولم يسمهم ،ومنهم أبو بكرة نفيع بن مسروح
تدلى من سور الطائف على بكرة ،ف ُكني أبا بكرة ،وهو من أفاضل الصحابة ،ومات
بالبصرة .ومنهم األزرق ،وكان عبداً للحارث بن كلدة المتطبب ،وهو زوج سمية موالة
الحارث أم زياد بن أبي سفيان ،وأم سلمة بن األزرق ،بنو سلمة بن األزرق ،وكان لهم
صيت وذكر بالمدينة ،وقد انتسبوا إلى غسان ،وغلط ابن قتيبة في المعارف ،فجعل سمية
هذه المذكورة أم عمار بن ياسر ،وجعل سلمة بن األزرق أخا عمار بن ياسر ألمه ،وقد ذكر
عمار ،كما تقدم في باب المبعث ،فتبين غلط ابن قتيبة ووهمه .
ومن أولئك العبيد :المنبعث ،وكان اسمه المضطجع :فبدل النبي – صلى اهلل عليه وسلم
-اسمه ،وكان عبداً لعثمان بن عامر بن معتب .ومنهم يحنس النبال ،وكان عبداً لبعض
آل يسار .ومنهم وردان .جد الفرات بن زيد بن وردان ،وكان لعبد اهلل بن ربيعة بن خرشة
.وإ براهيم بن جابر ،وكان أيضا لخرشة وجعل النبي – صلى اهلل عليه وسلم -والء هؤالء
العبيد لسادتهم ،حين أسلموا ،كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام ( .عن
الروض األنف للسهيلي جـ – 4صلى اهلل عليه وسلم .) 164
160
ومن بني مخزوم :عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة ،من َرمية ُرميها يومئذ.
ومن بني عدي بن كعب :اللّه بن عامر بن ربيعة حليف لهم .
ي ،وأخوه عبد اللّه بن ِ
ومن بني َس ْهم بن عمرو :السائب بن الحارث بن قَْيس بن َعد ّ
الحارث.
ومن بني سعد بن ليث ُ :جلَْيحة بن عبداللّه .
واستشهد من األنصار :من بني سلمة :ثابت بن الج َذع .
ومن بني مازن بن النجار :الحارث بن َس ْهل بن أبي صعصعة .
ومن بني ساعدة ِ :
المنذر بن عبد اللّه .
ومن األوس ُ :رقَْيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لَ ْوذان بن معاوية.
فجميع من استُشهد بالطائف من أصحاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم اثنا عشر
رجال ،سبعة من قريش ،وأربعة من األنصار ،ورجل من بني لَْيث .
قصيدة ُب َج ْير بن ُز َه ْير في ُحنين والطائف :فلما انصرف رسول
اللّه صلى اهلل عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار ،قال ُب َجير بن ُز َهير بن أبي
سلمى(ا) يذكر حنينا والطائف :
األبر ِ
ق ()2 ويوم ْ ٍ يوم بطن ُحَن ْي ٍن وغداةَ
أوطاس َ كانت ُعاللةَ َ #
(ا) واسم أبي سلمى :ربيعة ،وهو من بني الطم بن عثمان وهم مزينة ،عرفوا بأمهم ،
وأنها بنت كلب بن وبرة ،وأن أختها الحوأب ،وبها سمى ماء الحوأب .
جمعها
العاللة :جري بعد جري ،أو قتال بعد قتال ،يريد :أن هوازن جمعت ْ
(ُ : )2
ُعاللةً في ذلك اليوم ،وحذف التنوين من ُعاللة ضرورة ،وأضمر في كانت اسمها ،وهو
بالنصب ،
ْ القصة وإ ن كانت الرواية بخفض يوم .فهو أولى من التزام الضرورة القبيحة
ولكن ألفيته في =
ّ
162
المتمز ِ
ق ()1 ِّ ِ
كالطائر َّ
فتبد ُدوا جمعها بإغو ٍ
هوازن َ
ُ اء جمعت ْ َ #
وبطن الخند ِ
ق َ جدارهم
إال َ لم َيمنعوا منا َمقاماً واحداً #
ق فتحصنوا منا ٍ
بباب ُم ْغلَ ِ ضنا ِل َك ْيما يخرجوا
تعر ْ
ولقد َّ #
ق ()2شهباء تلمعُ بالمنايا فيل ِ ترتد حسرانا إلى ر ْجراَ ٍ
جة #
َ َ َ ُْ
ق ()3ضناًلظل كأنه لم ُيخلَ ِ مْلم ٍ
َح َ ضراء لو قذفوا بها
َ ومة َخ َ ُ #
ِ ِ
ق في القياد وتلتقى()4 قُ ْدر تَفََّر ُ اس كأننا ِ
َم ْشى الضِّراء على الهََر ِ #
َ
ِ ِ
ريحه المتر ْقرق (ْ) َّ ٍ ِّ
كالن ْهى َهبَّت ُ صنت
في كل سابغة إذا ما استَ ْح َ #
ق ()6 داود ِ
وال ُم َحِّر ِ نسج ٍ من ِ ُج ُد ٌل تَ َم ُّس فضولُهن نِعالَنا #
المقيدة ،وإ ذا كان اليوم مخفوضاً باإلضافة جاز في ُعاللة مع إضافتها إلى = النسخة ّ
يوم ،
تامة مكتفية باسم واحد هو فاعلها ،ويجوز أن تجعلها اسماً علماً
على أن تكون كان ّ
تقيد في النسخة(بتصرف عن
وينصب يوم على الظرف كما ّ
للمصدر مثل برة وفجارُ ،
الروض األنف ج 4ص ) 165بتحقيقنا .ط الكليات األزهرية -القاهرة .
( )1اإلغواء :االنهماك في الجهل وهو خالف الرشد.
( )2حسراناً ،جمع :حسير وهو الكليل .والرجراجة :الكتيبة الضخمة من الرجرجة،
شدة الحركة واالضطراب .وفيلق :من الفلق ،وهى الداهية .
وهي ّ
( )3ملمومة :مجتمعة .خضراء :تظهر كذلك لكثرة ما عليها من الحديد .حضن :
اسم
جبل .
( )4الضراء :الكالب .والهراس :نوع من الشوك ،والكالب إذا مشت في الهراس
شبه الخيل بها .والقُ ْدر :الوعول
ابتغت أليديها موضعاً ثم تضع أرجلها موضع أيديهاّ .
المسنة.
ّ
السيالن فوقف .
النهي :الغدير ُس ّمى بذلك ألنه ماء نهاه ما ارتفع من األرض من َ
(ْ )5
محرق :آل عمر بن هند ملك الحيرة .
الج ُدل :المنسوجة نسجاً ُمح َكماً .آل ِّ
(ُ )6
163
ِ
فقالوا :يا رسول اللّه ،إنا أص ٌل وعشيرة ،وقد أصابنا من البالء ما لم َي ْخف عليك ،
فامُن ْن عليناَ ،م َّن اللّه عليك .قال :وقام رجل من هوازن ،ثم أحد بني سعد بن بكر ،يقال له
ْ
ص َرد(ا) ،فقال :يا رسول اللّه ّ ،إنما في الحظائر عماتُك وخاالتك ُزهيرُ ،يكنى أبا ُ
كن يكفْلنك ،ولو ّأنا َملَ ْحنا( )3للحارث بن أبي َش ِمر ،أو ُّ
للنعمان بن وحواضنك ( )2الالتي ّ
خير
رج ْونا عطفَه وعائدته -علينا ،وأنت ُ منا بمثل الذي نزلت به َ ،المنذر ،ثم نزل ّ
الحارث بن أبي َش ِمر ،أو ُّ
النعمان بن َ ويروى ولو ّأنا مالَ ْحنا المكفولين .قال ابن هشام ُ :
المنذر.
قال ابن إسحاق :فحدثني عمرو بن ُشعيب ،عن أبيه ،عن َج ّده عبد اهلل بن عمرو ،قال
:فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :أبناؤكم ونساؤكم ُّ
أحب إليكم من أموالكم ؟ فقالوا :يا
ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ،فهو ُّ
أحب إلينا .فقال رسول اللّه ،خيَّرتنا بين أموالنا وأحسابنا ،بل ّ
لهم :أما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم ،وإ ذا ما أنا صلّيت الظهر بالناس ،فقوموا
فقولوا :إنا نستشفع برسول اللّه إلى المسلمين ،وبالمسلمين إلى رسول اللّه في أبنائنا ونسائنا
فسأعطيكم عند ذلك ،وأسأل لكم .
ظهر قاموا فتكلّموا بالذي أمرهم به
فلما صلّى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بالناس ال ّ
ّ
،فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم " :وأما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم " فقال
المهاجرون :وما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .وقالت األنصار :وما كان
لنا فهو لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فقال األقرع بن حابس :أما أنا وبنو تميم فال.
صن :-أما أنا وبنو فزارة فال ،وقال ِ
وقال ُعيينة بن ح ْ
(ا) وقيل أبا جرول ،وكان من رؤساء بني جشم .
()2يقصد :حليمة السعدية فهي من بني سعد بن بكر.
(َ )3ملَ ْحنا :أرضعنا.
165
عباس بن ِمرداس :أما أنا وبنو ُسليم فال،فقالت بنو ُسلَيم َ .بلَى ،ما كان لنا فهو لرسول
اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
قال .يقول عباس بن ِم َرداس لبنى ُسلَْيم َّ :
وه ْنتُموني ( . .)1فقال رسول اللّه صلى اهلل
ست فرائض ،من أول عليه وسلم :أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ُّ
ونساءهم (.)2
َ فردوا إلى الناس أبناءهم
َس ْبى أصيبه ّ .
أن رسول اللّه صلى اهلل عليه
َّعدي ّ
قال ابن إسحاق :وحدثني أبو َو ْج َزة يزيد بن ُعبيد الس ّ
على بن أبي طالب رضي اللّه عنه جارية ،يقال لها َر ْيطة بنت هالل بن َحيَّان
وسلم أعطى ّ
صيَّة بن نصر ،ابن سعد بن بكر ،وأعطى عثمان بن
بن ُعميرة بن هالل بن ناصرة بن قُ َ
طاب
عفّان جارية ،يقال لها زينب بنت َحّيان بن عمرو بن َحيَّان ،وأعطى عمر بن الخ ّ
جارية ،فوهبها لعبد اللّه بن عمر ابنه .
قال ابن إسحاق :فحدثني نافع مولى عبد اللّه بن عمر ،عن عبد اللّه ابن عمر ،قال :
صلحوا لي منها،
بعثت بها إلى أخوالي من بني ُج َمح ُ ،لي ْ
(ا) وهنتموني :أي ضعفتموني.
( )2وذكر رد السبايا إلى هوازن ،وأنه من لم تطب نفسه بالرد عوضه مما كان بيده ،
واستطاب نفوس الباقين ،وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم ،وال يجوز لإلمام أن يمن
على األسرى بعد القسم ،ويجوز له ذلك قبل المقاسم ،كما فعل الني –صلى اهلل عليه وسلم
عماالً للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة،
-بأهل خيبر حين من عليهم ،وتركهم َ
كذلك قال أبو عبيدة ،قال :وال يجوز لإلمام أن يمن عليهم ،فيردهم إلى دار الحرب ،ولكن
على أن
يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين ،قال :واإلمام مخير في األسرى بين القتل
والفداء والمن واالسترقاق والفداء بالنفوس ال بالمال كذلك ،قال اكثر الفقهاء هذا في
الرجال ،وأما الذراري والنساء ،فليس إال االسترتاق ،أو المفاداة بالنفوس دون المال كما
تقدم .
166
ويهيئوها ،حتى أطوف بالبيت ،ثم آتيهم ،وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها(ا) .قال
ّ
يشتدون ؛ فقلت :ما شأنكم ؟ قالوا َ :ر َّد
فخرجت من المسجد حين فرغت ،فإذا الناس َّ
ُ :
وأبناءنا،فقلت :تلكم صاحبتكم في بني ُج َمح ،
َ نساءنا
علينا رسو ُل اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ
فاذهبوا فخذوها ،فذهبوا إليها ،فأخذوها . )2( .
ُعيينة والعجوز التي أخذها .:قال ابن إسحاق :وأما ُعيينة بن
صن ( ،)3فأخذ عجوزاً من عجائز هوازن ،وقال حين أخذها :أرى عجوزاً ّإني ِ
ح ْ
رد رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلمألحسب لها في الحي نسباً ،وعسى أن يعظُم فداؤها فلما َّ
ص َرد :خذها عنك ،فواللّه ما فوها بست فرائض ،أبي أن َّ
يردها ،فقال له ُز َه ْير أبو ُ السبايا ّ
بطنها
ثديها بناهد ،وال ُ
ببارد ،وال ُ
( )1هذا ألنها كانت قد أسلمت ،ألنه ال يجوز.وطء وثنيه وال مجوسية بملك يمين ،
وال
بنكاح حتى تسلم ،وإ ن كانت ذات زوج ،فال بد أيضاً من استبرائها ،وأما الكتابيات ،
فال
خالف في جواز وطئهن بملك اليمين .،وقد روي عن طائفة من التابعين منهم عمرو
بن
.دينار إباحة وطء المجوسية والوثنية بملك .اليمين ،وقوله تعالى { واَل تَ ِ
نك ُحوا َ
اْلم ْش ِر َك ِ
ات َحتَّى ُي ْؤ ِم ّن } [البقرة.]221 :تحريم عام إال ما خصصته آية المائدة من الكتابيات ُ
،والنكاح يقع على الوطء بالعقد والملك.
( )2وكان سبي حنين ستة آالف رأس ،وكان النبي -صلى اهلل عليه وسلم -قد ولى
أبا سفيان بن حرب ألمرهم ،وجعله أميناً عليهم ،قاله الزبير في حديث آخر ذكره الزبير
بإسناد احسن أن أبا َج ْهم بن ُحذيفة العدوي كان على األنفال يوم حنين ،فجاءة خالد بن
البرصاء ،فأخذ من األنفال زمام شعر فمانغه أبو جهم ،فلما تمانعا ضربه أبو جهم بالقوس
فشجه منقلة -الشجة التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منها فراش العظام -فاستعدى
عليه خالد رسول – صلى اهلل عليه وسلم -فقال له :خذ خمسين شاة ودعه ،فقال أقدني
منه ،فقال خذ مائة ،ودعه فقال :أقدني منه ،فقال :خذ خمسين ومائة ودعه ،وليس لك إال
وال عليك ،فقومت الخمسون والمائة بخمس عشرة فريضة من اإلبل ذلك ،وال أقصك من ٍ
،فمن هنالك جعلت دية ِ
المنقلة خمس عشرة فريضة.
( )3اسمه :حذيفة بن .جصن بن حذيفة بن بدر الفزاري .
167
تقسيم الفيء :قال ابن إسحاق :ولما فرغ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من رد سبايا
ُحَن ْين إلى أهلها ،ركب ،واتبعه الناس يقولون :يا رسول اللّه ،اقسم علينا فَْيئنا من ِ
اإلبل
علي ردائي أيها الناس ، أدوا َّ والغنم ،حتى ألجئوه إلى شجرة .فاختطفت عنه رداءه ،فقال ُّ :
فواللّه أن لو كان لكم بعدد شجر تِهامة َن َعماً لقسمته عليكم ،ثم ما ألفيتموني بخيال وال جبانا
وال كذابا ،ثم قام إلى جنب بعير ،فأخذ َوَب َرةً من َسنامه (ا) ،فجعلها بين ِإ ْ
صَب َع ْيه ،ثم رفعها ،ثم
والخ ُمس مردود
الخمس ُ ، قال :أيها الناس ،واللّه مالي من فيئكم ( )2وال هذه الوبرة إال ُ
الغلول ( )4يكون على أهله عاراً وناراً ِ
وشَناراً()5 الخياط ِ
والم ْخَيط ( ،)3فإن ُ فأدوا ِ
عليكم ُّ ،
يوم القيامة .قال :فجاء رجل من األنصار ب ُكبة من خيوط شعر ،فقال :يا رسول اللّه ،
أخذت هذه ال ُكبة أعمل بها َب ْر َذعة بعير لي َدبِر؛ فقال :أما نصيبي منها فلك قال :أما إذا
ت هذا فال حاجة لي بها ،ثم طرحها من يده .
بلغ ْ
َ
ال غلول في المغنم :قال ابن هشام :وذكر زيد بن أسلم ،عن
أبيه :أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت َش ْيبة بن ربيعة،
وسيفه متلطخ دما .فقالت :إني قد عرفت أنك قد قاتلت ،فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟
فقال :دونك هذه ِ
اإلبرة تخيطين بها ثيابك ،فدفعها إليها ،فسمع منادي رسول اللّه صلى اهلل
عليه وسلم يقول :
وأسنِم بالبناء للمفعول َعظم
وسنم البعير ْ
السنام :للبعير كاألْلية للغنم والجمع أسنمة ُ
(َ )1
سنامه .
( )2الفيء :الخراج والغنيمة وهو بالهمز وال يجوز ِ
اإلبدال واإلدغام .
( )3الخياط :الخيط :والمخيط آلة الخياطة ( اإلبرة ).
( ) 4الغلو ل :الخيانة .
( )5الشنار :األمر القبيح الشنيع.
170
صن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى األقرع بن حابس التميمي مائة ِ
ُعَي ْينة بن ح ْ
بعير ،وأعطى مالك بن َع ْوف َّ
النصري مائة بعير ،وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير،
فهؤالء أصحاب المئين .
ب
وعمير بن َو َه ْ
دون المائة رجاالً من قريش ،منهم َم ْخرمة بن َن ْوفل الزهري ُ ،
وأعطى َ
الجمحي وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ،ال أحفظ ما أعطاهم ،وقد عرفت أنها ُ
خمسين من اإلبل ،
َ دون المائة ،وأعطى سعيد بن يربوع ابن َعْن َك َشةَ بن عامر بن مخزوم
مي خمسين من اإلبل . َّه َّ
وأعطى الس ْ
قال ابن هشام :واسمه َعِدي بن قَْيس .
وأعطى عباس بن أعطى :قال ابن هشام : شعر عباس بن مرداس يستصغر -ما
َ َ
عباس بن مرداس
ُ ِم ْرداس أباعر فسخطها ،فعاتب فيها رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فقال
يعاتب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم : ُ
األج َر ِع ()1 ِ
المهر في ْ على كانت نِهَاباً تالفيتُها بِ َكِّري #
أه َج ِع ()2
الناس لم ْ
هجع ُ إذا َ القوم أن يرقدوا
يقاظي َ وإ #
َ
واألقرع ()3
ِ بين ُعَي ْيَنةَ ِ
العبيد ونهب فأصبح نهبى #
َ ُ
أمن ِع
ط شيئاً ولم َ أع َ فلم ْ كنت في الحرب ذا تَ ْد ُرا وقد ُ #
األربع ()4
ِ ديد قوائِمها
َع َ إال أفائِ َل أعطيتُها #
( )1األجرع :أجرع وهو االبتالع والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام .
( )2هجع :نام بالليل قال ابن السكيت وال يطلق الهجوع إالَ على نوم الليل تقول جاء بعد
َه ْجعة اًي بعد َن ْومة من الليل .
( )3العبيد :فرس عباس بن مرداس .
( )4األفائل :أصاغر اإلبل .
172
المجم ِع ()1
َ يفوقان َش ْي ِخ َي في
حابس
ٌ #وما كان ِح ٌ
صن وال
فع
اليوم ال ْير ِ
ض ِع َومن تَ َ دون امرئ منهما
كنت َوما ُ #
قال ابن هشام :أنشدني يونس النحوي :
المجمع
رداس في ْ ِ ِ
حابس يفوقان م َ ٌ صن والفما كان ح ْ #
إرضاء الرسول له :قال ابن إسحاق :فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :اذهبوا
ض َى ،فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول اللّه به ،فاقطعوا عني لسانه ،فأعطوه حتى ر ِ
َ
صلى اهلل عليه وسلم .
قال ابن هشام :وحدثني بعض أهل العلم :أن عباس بن ِم ْرداس أتى رسول اللّه صلى
اهلل عليه وسلم ،فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :أنت القائل :
" فأصبح نهبي ونهب العبيد بين األقرع وعيينة( " )2؟ #
فقال أبو بكر الصديق :بين عيينة واألقرع فقال رسول صلى اهلل عليه وسلم :هما واحد
الش ْع َر َو َما َي ْنَب ِغي لَهُ }[.يس.]69 :
،فقال أبو بكر :أشهد أنك كما قال اللَه { وما َعلَّمَناهُ ِّ
ََ ْ
( )1شيخي :أبي .
( )2لم ينطق عليه الصالة والسالم البيت موزونا ألنه ال يقول الشعر وإ ن كان بستمعه
الش ْع َر َو َما َي ْنَب ِغي لَهُ }[.يس ]69 :واألقرع
ويستجيده .يقول سبحانه وتعالى { :وما َعلَّمَناهُ ِّ
ََ ْ
وعيينة من باب قبلية المرتبة ،وقبلية الفضل ،أما قبلية الرتبة فإنه من خندف ،ثم من بني
تميم ،فهو أقرب إلى الني – صلى اهلل عليه وسلم -من عيينة ،فرتب في الذكر قبله ،وأما
قبلية الفضل بن األقرع حسن إسالمه وعيينة لم يزل معدوداً في أهل الجفاء حتى ارتد وآمن
بطليحة،وأخ َذ أسيراً فجعل الصبيان يقولون له -وهو يساق إلى أبي بكر -ويحك يا عدو اهلل
ارتددت بعد إيمانك ،فيقول :واهلل ما كنت آمنت ،ثم أسلم في الظاهر ،ولم يزل جافياً أحمق
حتى
مات ،وبحسبك تسمية الني – صلى اهلل عليه وسلم -له :األحمق المطاع .راجع
اإلصابة البن حجر تصدر قريباً من تحقيقنا.
173
توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش :قال ابن هشام :وحدثني من أثق به من
أهل العلم في إسناد له ،عن ابن شهاب الزهري ،عن عبيد اللّه بن عبد اللّه ،عن ابن عباس
،قال :بايع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من قريش وغيرهم ،فأعطاهم يوم الجعرانة من
غنائم حنين :
من بني أية بن عبد شمس :أبو سفيان بن حرب بن أمية ،وطليق بن سفيان بن أمية،
وخالد بن أسد بن أبي ِ
العيص بن أمية .
الع َّزى بن عثمان
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد ُ
ومن بني عبد الدار بن قصي ْ :
بن عبد الدار ،وأبو السنابل بن َب ْع َكك ( )1بن الحارث بن ُع َمْيلة بن السباق بن عبد الدار،
ِ
وع ْكرمة بن عامر بن هاشم بن بن عبد مناف ابن عبد الدار.
ومن بني مخزوم بن َيقَظة ُ :ز َهير بن أبي أمية بن المغيرة ،والحارث بن هشام بن
المغيرة ،وخالد بن هشام بن المغيرة ،وهشام بن الوليد بن المغيرة ،وسفيان بن األسد بن عبد
اللّه بن عمر بن مخزوم ،والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم .
ضلة ،وأبو َج ْهم بن حذيفة
ومن بني عدي بن كعب ُ :مطيع بن األسود بن حارثة بن َن ْ
بن غانم .
وأح ْيحة بن أمية ابن خلف ،
ومن بني ُج َمح بن عمرو :صفوان بن أمية بن خلف َ ،
وع َم ْير بن وهب بن خلف .
ُ
ومن بني سهم َ :عدي بن قَْيس بن ُحذافة.
( )1اسمه :حبة أحد بني عبد الدار ،وكان شاعراً وحديثه مع سبيعة األسلمية حين
آمت من زوجها مذكور في الصحاح .راجع فتح الباري -بتحقيقنا.
174
لج َعيل بن ُسراقة خير من ِطالع األرض (ُ ،)1كلهم مثل ُعيينة
والذي نفس محمد بيده ُ
ت ُج َعيل بن سراقة إلى إسالمه .
وو َكْل ُ ِ
صن واألقرع بن حابس ولكنى تألفتهماَ ،
بن ح ْ
اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :
وحدثني أبو ُعبيدة بن محمد بن َع َّمار بن ياسر ،عن ِم ْق َسم أبي القاسم ،مولى عبد اللّه بن
الحارث بن نوفل ،قال :خرجت أنا وتَليد بن كالب الليثى ،حتى أتينا عبد اللّه بن عمرو بن
العاص ،وهو يطوف بالبيت ،معلقاً نعله بيده ،فقلنا له :هل حضرت رسول اللّه صلى اهلل
عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم ُحنين ؟ قال :نعم ،جاء رجل من بني تميم ،يقال له ذو
صنعت في هذا
َ رأيت ما
ُ الخو ْيصرة ،فوقف عليه وهو يعطى الناس ،فقال :يا محمد ،قد
َ
رأيت ؟ فقال :لم أرك عدلت .
َ اليوم .فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :أجل ،فكيف
قال :فغضب النبي صلى اهلل عليه وسلم ،ثم قال :ويحك ،إذا لم يكن العدل عندي ،فعند
من يكون ؟! فقال عمر بن الخطاب :يا رسول اللّه ،أال أقتله ؟ فقال :ال ،دعه فإنه سيكون
الر ِميَّة ُينظر في َّ
النصل ( له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من َّ
،)2فال يوجد شىء ،ثم في ِ
الق ْدح ( ،)3فال يوجد شىء ،ثم في الفَ ْوق ( ،)4فال يوجد شىء.
والدم (.)6
ث (َ ،) 5 سبق الفَ ْر َ
(ا) طالع األرض :ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل .
( )2النصل :حديد السهم .
( )3القدح :السهم .
( )4الفوق :طرف السهم .
( )5الفرث :ما يوجد في الكرش .
( )6وقال في حديث آخر " :يخرج من ضئضئه قوم تحقرون صالتكم إلى صالتهم ،
وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " .الحديث ،فكان كما
قال – صلى اهلل عليه وسلم -وظهر صدق الحديث في الخوارج وكان أولهم من ضئضئي
ذلك =
176
قال ابن إسحاق :وحدثني محمد بن على بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة،
وسماه ذا الخويصرة .
قال ابن إسحاق :وحدثني عبد اللّه بن أبي نجيح ،عن أبيه بمثل ذلك شعر حسان بن
ثابت في حرمان األنصار :قال ابن هشام :
ولما أعطى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ولم
يعط األنصار شيئاً ،قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك :
َسحًّا إذا َح َفلَتْه َعْبرةٌ ِد َر ُر()1 العين ِ
منحذ ُر فماء ِ ُ هموم
ٌ زادت #
فاء ال َدَن ٌس فيها وال َخ َو ُر()2 َه ْي ُ وجداً ب َشماء إذ َشماء َب ْه َكَنةٌ #
الن ّز َر()3
ال الواصل َ مودتُها َن ْزراً و َش ُّر وص ِ
ماء إذ كانت َّ
َ َ دع عنك َش َ #
ِ
من للمؤمنين إذا ما ُع ِّدد ُ
البشر خير ُمؤتَ ٍ فقل يا َ وأت الرسو َل ْ #
وه ْم نصروا قوم ُهم َآو ْوا ُ قُ َّدام ٍ وه َي نازحةٌ عالم تُ ْد َعى ُسلَْي ٌم ْ #
َ َ
عر( ) 4وسارعوا في ِ ِ
وعوان الحرب تستَ ُ الهدى َ دين َ
َ بنصرهم سماهم اللّهُ أنصاراً
ب علينا فيك ليس لنا إال والناس أْل ٌ ض ِج ُروا()5 ِ ِ
ُ سبيل اللّه واعترفوا للنائبات وما خاموا وما َ
وأطراف القنا َو َز ُر()6
َ السيوف
َ
= الرجل ،أي :من أصله ،فكان بدؤهم من ذي الخويصرة ،وكان آبتهم ( ذو الثدية )
الذي قتله على رضى اللّه عنه ،وكانت إحدى يديه كثدي المرأة ،واسم ذي الثدية نافع ،
ذكره أبو داود ،وغيره يقول اسمه :حرقوص وقول أبي داود أصح ،واللّه أعلم -انظر
السهيلي في الروض األنف ج 4ص . 198وراجع لنا كتاب المرشد األمين إلى اعتقادات
فرق المسلمين والمشركين .
(ا) حفلته :جمعته ِ .د َرر :سائلة .
الخصر.
ْ (َ )2ب ْهن َكة :كثيرة اللحم .هيفاء :ضامرة
( ) 3النز ر :ا لقليل .
( )4تستعر :تلتهب .
( )5اعترفوا :صبروا .ما خاموا :ما جبنوا.
( )6ألب :مجتمعون .الوزر :الملجأ.
177
َو ْج ُد األنصار من حرمانهم واسترضاء رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن هشام :
حدثني زياد بن عبد اللّه ،قال :حدثنا ابن إسحاق ،قال :
الخدري ،قال :
ْ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ،عن محمود بن لَبيد ،عن أبي سعيد
لما أعلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ،في قريش وفي قبائل
العرب ،ولم يكن في األنصار منها شيء ،وجد هذا الحي من األنصار في ِ
أنفسهم ،حتى َ
قومه .
كثرت منهم القالَةُ حتى قال قائلهم :لقد لقى واللّه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ
عتاب النبي صلى اهلل عليه وسلم لألنصار :فدخل عليه سعد بن عبادة ،فقال :يا
رسول اللّه ،إن هذا الحي من األنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ،لما صنعت في هذا
الفيء الذي أصبت ،قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ،ولم يكن في
هذا الحي من األنصار منها شيء .قال :فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال :يا رسول اللّه ،ما
أنا إال من قومي .قال :فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .قال :فخرج سعد ،فجمع
األنصار في تلك الحظيرة .فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ،فدخلوا ،وجاء آخرون
فردهم .
الحي من
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ،فقال :قد اجتمع لك هذا ُّ
(ا) ال تَ ِهر :ال تكره ُ .جناة الحرب :الخائضون غمارهاُ .س ُعر :الذين يوقدون
ا:جُبنا. ِ
نارها)2( .خ ْمَن َ
178
األنصار ،فأتاهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ،
ثم قال :يا معشر األنصار ،ما قالَة بلغتني عنكم و ِج َدةٌ ( )1وجدتموها َّ
على في أنفسكم ؟ ألم
ضالال فهداكم اللّه ،وعالة فأغناكم اللّه ،وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ؟
آتكم ُ
قالوا :بلى ،اللّه ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال :أال تجيبونني يا معشر األنصار؟
قالوا :بماذا نجيبك يا رسول اللّه ؟ للّه ولرسوِله ُّ
المن والفض ُل .
قال صلى اهلل عليه وسلم :أما واللّه لو شئتم لقلتم ،فلص َد ْقتم ولص ِّد ْقتم :أتيتنا م َّ
كذبا ُ ُ َ
أوج ْدتم يا معشر
فصدقناك ،ومخذوال فنصرناك ،وطريدا فأويناك ،وعائال فآسيناك َ ،
ت بها قوما ليسلموا ،ووكلتكم إلى إسالمكم ،
اعة( )2من الدنيا تأل ْف ُ
األنصار في أنفسكم ،في لُ َع َ
ِ
بالشاة والبعير ،وترجعوا برسول اللّه إلى أال ترضون يا معشر األنصار ،أن يذهب الناس
امرءاً من األنصار ،ولو سلك الناس ِ
رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ،لوال الهجرة لكنت َ
ِش ْعباً وسلكت األنصار ِش ْعباً ،لسلكت ِش ْعب األنصار ،اللهم ارحم األنصار ،وأبناء األنصار،
وأبناء أبناء األنصار.
وحظًّا .ثم
ضلُوا لحاهم ،وقالوا :رضينا .برسول اللّه قَ َسما َ
أخ َ
قال فبكى القوم حتى ْ
انصرف رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وتفرقوا.
الج َدة :مصدر وجد ،أي وجدتم في أنفسكم شيئا .وقال الطبري " موجدة " أيضاً (ِ )1
قاله أهل اللغة وذلك إذا أردت الغضب ،وإ نما الجدة في المال .
شبه بها نعيم الدنيا .ويقال اللعاعة بقلة
الخصب :أو شجرة خضراء ّ
ْ ( )2اللعاعة :
ناعمة ،وهذا نحو من قوله عليه السالم " :المال حلوة خفرة " واللعة من هذا المعنى ،وهى
المرأة المليحة العفيفة ،واللعلع :السراب ،ولعاعه :بصيصه .
179
عمرة الرسول من ِ
الج ْعرانة
واستخالفه عتاب بن أسيد على مكة،
وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني
قال ابن إسحاق :ثم خرج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ،وأمر
بم َجَّنة( ،)1بناحية َمِّر الظهران ،فلما فرغ رسول اللّه صلى اهلل عليه
بس َ فح َ
ببقايا الفيىء ُ
أسيد على مكة ،وخلَّف وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة ،واستخلف عتَّاب بن ِ
َ
معه ُمعاذ بن جبل ،يفقِّه الناس في الدين ،ويعلمهم القران ،واتُّبع رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم ببقايا الفيء .
رزق عناب بن أسيد والى مكة :قال ابن هشام :وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال :لما
استعمل الني صلى اهلل عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً ،فقام فخطب
الناس ،فقال :أيها الناس ،أجاع اللّه كبد من جاع على درهم ،فقد رزقني رسول اللّه صلى
اهلل عليه وسلم درهماً كل يوم ،فليست بى حاجة إلى أحد.
زمان هذه العمرة :قال ابن إسحاق :وكانت ُعمرة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة.
في ذي القعدة ،فقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه ّ
وسلم المدينةَ لست ليال بقين من ذي
قال ابن هشام :وقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه ّ
القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني.
قال ابن إسحاق :وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ،وحج
بالمسلمين تلك السنة عتّاب بن ِ
أسيد ،وهي سنة ثمان ،وأقام َ
(ا) َم َجَّنة :بالفتح وتشديد النون ،بمر الظهران أسفل مكة.
180
قال ابن هشام :ويروي " المأمور " .وقوله " فبين لنا " ،عن غير ابن إسحاق .
ِ
بالشعر وحديثه : وأنشدني بعض أهل العلم
ِ
بالخيف َه ْل لَ َكا()1 قلت
فهل لك فيما ُ من ُمْبلغٌ عني ُب َج ْيراً رسالةً #
وعلَّ َكا
هلك المأمون منها َ فأن َ
ْ المأمون كأساً َر ِوَّيةً
ِ ت معشرب َ
ْ #
غيرك َدلَّ َكا()2
ب ِ
أي شيء َو ْي َ
على ِّ أسباب الهُدى واتبعتَه
َ وخالفت
َ #
عليه ولم تُ ْد ِر ْك عليه أخاً لَ َكا()3 أما وال أَباً ق لم تُْل ِ
ف ًّ على ُخلُ ً #
ت لَعاً لَ َكا وال ٍ
قائل إما َع ْثر َ ٍ
بآسف فلست
ُ تفعل
أنت لم ْ فإن َ #
قال :وبعث بها إلى ُبجير ،فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم فأنشده إياها ،فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لما سمع " سقاك بها المأمون "
تلف أما وال أبا عليه " قال :أجل
صدق وإ نه لكذوب ،أنا المأمون .ولما سمع " على ُخلُق لم َ
لم يلف عليه أباه وال أمه .
الخيف :خيف ِمَنى. (َ )1
ويب :هالك ؛أي هلكت هالك غيرك .
(ْ )2
( )3إنما قال ذلك ألخيه ،ألن أمهما واحدة ،وهى كبشة بنت عمار السحيمية فيما ذكر
ابن األعرابى عن ابن الكلبى.
182
به إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين صلَّى الصبح ،فصلى مع رسول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم ،ثم أشار له إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال :هذا رسول اللّه
فاستأمنه .
ْ فقم إليه
ف ُذكر لي أنه قام إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،حتى جلس إليه ،فوضع يده في
كعب بن
،يده ،وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ال يعرفه ،فقال :يا رسول اللّه ،إن َ
ُزهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ،فهل أنت قاب ٌل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم :نعم ؛ قال :أنا يا رسول اللّه كعب بن زهير.
قال ابن إسحاق :فحدثني عاصم بن ُعمر بن قتادة :أنه وثَب عليه
أضرب عنقه ؛
ْ وعدو اللّه
َّ رجل من األنصار ،فقال :يا رسول اللّه ،دعني
فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ :د ْعه عنك فإنه قد جاء تائباً ،نازعاً عما كان
صاحبهم ،وذلك أنه لم
ُ الحي من األنصار ،لما صنع به
عليه ،قال :فغضب َك ْعب على هذا ِّ
يتكلم فيه رج ٌل من المهاجرين إال بخير ،فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم :
َّم إثَْرها لم ُي ْف َد َم ْكُبو ُل ()1
ُمتَي ٌ الي ْو َم َمتْبو ُل
سعاد فقلبي َ بانت ُ #
أغ ُّن َغضيض الطر ِ
ف م ْكحو ُل ()2 اال َ الب ْي ِن إذ َر َحلُوا
ْ ُ عاد َغ َداةَ َ
وما ُس ُ #
ِ
صٌر منها وال طُو ُل ()3ال ُي ْشتَ َكى ق َ اء ُم ْدبرةًاء ُم ْقبِلةً َع ْج َز ُ
َه ْيفَ ُ #
(ا) بانت :فارقت فراقاً بعيداً .متيم :ذليل مستعبد .متبول :أسقمه الحب وأضناه .لم
ي ْف َد :
األسر .مكبول :ال يجد فكاكا من القيد المكبل به .
لم يخلَص من ْ
أغن :أي ظبي أغن في صوته حسن .غضيض ( )2غداة البين :صبيحة الفراق َ .
الطرف :
فاتره .مكحول :أسود الجفون .
( )3هيفاء :ضامرة البطن والخصر .العجزاء :ضخمة العجز .ال يشتكى :ال يعاب
.
184
قامت فجاوبها ُن ْك ٌد م ِ
ثاكي ُل ()1 النهار ذراعا ع ْيطل َنص ٍ
ف ِ َش َّد #
َ َ َ ً َ
لما َن َعى بِ ْك َرها الناعون َم ْعقو ُل ()2 َّبعين ليس لها رخ َوة الض ْ
َن َّواحة ْ #
ُم َشقَّ ٌ
ق عن تَراقيها َرعابي ُل ()3 تَ ْف ِري اللَّبان بكفَّْيها ،و ِم ْد َر ُعها #
إنك يابن أبي ُسْل َمى لمقتو ُل ()4 وقولُهم
الغواةُ َجَن َاب ْيها ْ
تَ ْس َعى ُ #
(ا) شد النهار :وسطه .عيطل :طويلة .نصف :متوسطة السن وهو غاية قوتها.
نكد :من ال
يعيش لهن ولد .مثاكيل :جمع مثكال :كثيرة فقد األوالد .والمعنى :يشبه سرعة
حركة يدي هذه الناقة بيدي امرأة قوية تلطم خديها فيجاوبها نسوة ثكالى فيشتد لطمها.
( )2نواحة :كثيرة النوح .صيغة مبالغة .من نائحة .رخوة :مسترخية .الضبعين :
العضدين .بكر :الولد األول .الناعون :المخبرون بالموت .معقول :عقل .
.والمعنى :شبه هذه الناقة بتلك المرأة في تلك األحوال فالناقة في ه ْذه الحالة ليس لها
.
عقل تدرك به التعب واإلعياء.
( )3تفري :تقطع .اللبان :الصدر .المدرع :القميص .التراقى :جمع ترقوة عظام
الصدز.
رعابيل :قطع .
أي :أن هذه المرأة لذهاب عقلها تقطع قميصها بأناملها .فقميصها مشقوق يظهر عظام
الصدر يشبه .بها الناقة في ذهاب عقلها فال تحس بمشقة السير.
األبيات السابقة وانتقل "
ْ وهكذا استقصى سيدنا كعب رضى اللّه عنه أوصاف الناقة في
بعد ذلك إلى قول المرجفين به .
( )4الغواة :المفسدون ،جنابيها . :حواليها " .إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول " ويروى
:
" وقيلهم " وهو أحسن في المعنى ،وأولى بالصواب ،ألن القيل الكالم المقول فهو
مبتدأ،
وقوله " :انك يا ابن أبي سلمى لمقتول " :خبر ،تقول ،إذا سئلت ما قيلك ؟ قيلى :إن
اللّه واحد ،فقولك :إن اهلل واحد هو القيل ،والقول مصدر -كالطحن والذبح ،والقيل
اسم
للمقول كالطِّحن ِّ
والذبح بكسر أوله ،وإ نما حسنت هذه الرواية ،ألن القول مصدر =
190
عنك مشغو ُل ()1 ك إني َ ال أْل ِهَيَّن َ آملُه وقال ُّ
كنت ُ
كل صديق ُ - #
الرحمن مفعو ُل ()2 قدر ُّ
فكل ما َّ كم
ُ فقلت َخلّوا سبيلي ال أبا لَ ُ #
باء محمو ُل ()3 ٍ كل ِ
يوماً على آلة َح ْد َ ابن أنثى وإ ن طالت سالمتُه #
ِ
رسول اللّه مأمو ُل ()4 عند
والعفو َ ْع َدنى ِ ُنِّب ْئ ُ
ُ ت أن رسو َل اللّه أو َ #
القرآن فيها مواعيظٌ وتفصي ُل ()5ِ َم ْهالً هداك الذي أعطاك نافلةَ #
ِ
ت في األقاوي ُل ()6
كثر ْ
أ ْذنب ولو َ الوشاة ولم ال تأخ َذِّني بأقوال ُ #
= فتصير " :إنك يا ابن أبي ُسلمى " في موضع المقول فيه ،فيبقى المبتدأ بال خبر إال
أن تجعل المقول هو القول على المجاز ،كما يسمى المخلوق خلقا ،وعلى هذا يكون قوله -
ب }[الزخرف ]88 :في موضع البدل من القيل ،وكذلك قوله {: عز وجل َ { :و ِق ِيل ِه َي َار ِّ
ق ِم ْن اللَّ ِه ِقياًل } [النساء ]122 :أي :حديثاً مقوال.
َص َد ُ
َو َم ْن أ ْ
( )1آمله :أترجاه وأتمنى إعانته .ال ألهينك :أي :ال أشغلك عما أنت فيه من الخوف
فاعمل لنفسك واتكل عليها.
( )2خلوا سبيلي :اتركوني ألقف بين يدي الني –صلى اهلل عليه وسلم -فإنى أعلم
أنه يقبل التائب ولن يطالبي بما كان قبل إسالمي .
( )3آلة حدباء :نعش .
( )4نبئت :أخبرت .أوعدني :تهددني بالقتل .مأمول :مرجو.
( )5هداك :هداك ربك للصفح عني والعفو ،أو زادك هدى .فإنه ال يدعو له بالهدى
ألنه هو الهادي المهدي .نافلة :زيادة ألن القرآن هدية .زائدة عن النبوة ومنحة الرسالة .
( )6لم أذنب :لم أخطىء في حقك .
191
ك ِ
الق ْر َن إال وهو َم ْفلو ُل ()1 أن َي ُتر َ ساو ُر ِق ْرناً ال َي ِح ّل له
إذا ُي ِ #
ِ
األراجي ُل ()2 مشى ِ
بواديه وال تَ َّ ظ ُّل ِسباعُ ِّ
الجو نافرةً منه تَ َ #
ان مأكول ()3 البز ُّ
والد ْر َس ِ ض َّر ُج ِّ
ُم َ أخو ثِقَ ٍة وال يزا ُل ِ
بواديه ُ #
سيوف اللّ ِه مسلو ُل ()4
ِ ُمهََّن ٌد من لنور ُيستضاء به إن الرسو َل ٌ #
أسلَموا ُزولُوا()5 ِ
ببطن مكة لما ْ صبة من قُريش َ قال قائلهم في ُع ْ #
اللقاء وال ِمي ٌل َمعازي ُل ()6
عند ِ َ أنكاس وال ُك ُشف ٌ زالُوا فما زال #
( )1يساور :يواثب ويصرع .القرن :الممائل في الشجاعة .مفلول :المكسور
المهزوم .
( )2الجو :ما بين السماء واألرض .نافرة :بعيدة .األراجيل :أى :الرجالة ،قيل :
إنه جمع الجمع ،كأنه جمع الرجل ،وهم الرجالة على أرجل :ثم جمع أرجال على أراجل
وزاد الياء ضرورة لوزن الشعر.
( )3أخو ثقة :الواثق بنفسه .مضرج :مخضب بالدماء .البز :السالح .الدرسان :
مفرده دريس ؟ الخلق من الثياب .
( )4يستضاء به :يهتدى به إلى نور الحق .مهند :سيف طبع في الهند .مسلول :
مخرج من غمده .
( )5العصبة :الجماعة ما بين العشرة إلى األربعين .زولوا :فعل أمر من زال التامة
أي التي لها فاعل وليس لها اسم وال خبر .أي تحولوا وانتقلوا.
( )6األنكاس :المهانون .وال كشف :أي :ال ينكشفون في الحرب بمعنى ال
ينهزمون .الميل :الذين ال يحسنون الركوب .معازيل :ال سالح معهم .
193
(ا) شم :جمع أشم .وهو من في قصبة أنفه علو مع استواء أعاله ،عالمة العزة
والسيادة .اللبوس :ما يلبس من السالح .من نسج داود :أي منسوجه وهي الدروع .
الهيجاء :الحرب .سرابيل :دروع .
( )2بيض :مجلوة .سوابغ :طويلة ضافية .شكت :أدخل بعضها في بعض .القفعاء
:نبات يشبه الحسك يتفرع على سطح األرض له شوك تشبه به حلق الدرع .مجدول :
محكم صنعه .
( )3مفاريح :كثيرو الفرح ،والمفرد مفراح .نالت :أصابت .مجازبع :كثيرو
الجزع ،
والمفرد مجزاع .نيلوا :أصيبوا.
( )4الزهر :البيض .يعصمهم :يمنعهم .عرد :أعرض عن خصمه ويقال هرب .
التنابيل :جمع تنبال وهو القصير .وجعلهم سوداً لما خالط أهل اليمن من السودان عند غلبة
الحبشة على بالدهم ،ولذلك قال حسان في آل جفنة :
بيض الوجوه من الطراز األول أوالد جفنة حول قبر أبيهم #
يعنى بقوله :من الطراز األول ،أن آل جفنة كانوا من اليمن ،ثم استوطنوا الشام بعد
سيل العرم ،فلم يخالطهم السودان كما خالطوا من كان من اليمن ،من الطراز األول الذي
كانوا عليه في ألوانهم وأخالقهم .وقوله :حول قبر أبيهم ،أي إنهم لعزهم لم يجلوا عن
منازلهم قط ،وال فارقوا قبر أبيهم .
( )5حياض الموت :مراده الهالك ،ويقصد به ساحات القتال .وتهليل :تأخير.
194
قال ابن هشام :قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
المدينة .وبيته " :حرف أخوها أبوها " وبيته " :يمشى القَُراد " ،وبيته َ " :ع ْيرانة قُِذفت "،
اللبان " ،وبيته " :إذا ُيساور ِق ْرناً " ،وبيته
َ وبيته " :تُ ِم ُّر مث َل عسيب النخل ،وبيته " :تَ ْف ِري
" :وال يزال بواديه " :عن غير ابن إسحاق .
يسترضي األنصار بمدحهم :قال ابن إسحاق :وقال عاصم بن ُعمر بن قتادة :
ِ كعب
معشر األنصار ،لما كان صاحبنا
َ عرد السود التنابيل " ،وإ نما يريدنا
فلما قال كعب " :إذا َّ
صنع به ما صنع ،وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم
بالءهم مع رسول
بمدحته ،غضبت عليه األنصار ،فقال بعد أن أسلم يمدح األنصار ،ويذكر َ
اللّه صلى اهلل عليه وسلم وموضعهم من اليمن :
ِ
األنصار()1 كرم الحياة فال َيز ْل في ِم ْقَن ٍب من صالحى من َس َّره َ #
يار ُه ُم بنو األخيار ِ
إن الخ َ المكارم كابراً عن كابر َ ورثوا #
صار()2ندي غير ِق ِ ِ
كسوالف ال ِه ِّ بأذرع
ٍ ي َّم ِ
هر َّ كرهين الس ْ الم ِ
ُ #
ِ
األبصار()3 كالجمر غير َك ِ
ليلة ِ بأعين ُم ْح َم َّر ٍة
ٍ والناظرين #
رار()4وك ِللموت يوم تعانق ِ ِ نفوسهم لنبيِّهم
َ والبائعين َ #
بالمشرفي وبالقنا الخطَّ ِار()5
ِّ والذائدين الناس عن أديانِهم #
بدماء من َعِلقوا من الكفار()6 ِ يتطهرون َي َر ْوَنه ُن ْسكاً لهم #
( )1المقنب :جماعة الخيل .والمراد به هنا األنصار على ظهور خيلهم .
( )2السمهرى :الرمح .سوالف :حواشي .الهندى :السيف المنسوب إلى الهند.
( )3بأعين محمرة :يريد أن الشجاع إذا غضب احمرت عيناه .
( )4تعانق :يريد به التحام الشجعان في ميدان القتال .
( )5المشرفى :السيف .القنا :الرماح .الخطار :المهتز. .
( )6يرونه :يعتقدونه .نسكا :عبادة.
195
(ا) دربوا :تعودوا .خفية :مكان تكثر فيه االًسود .غلب :غالظ .
( )2االًعفار :الوعول الصغيرة ،يضرب بها المثل المتناعها في قمم الجبال .
( )3ضربوا عليا :يريد به على بن مسعود بن مازن الغساني ،وبنو علي :هم بنو
كنانة ،واًراد :ضربوا قريشأ الًنهم من بني كنانة .
( )4أماري :أجادل .
( )5خوت :سقطت ولم تمطر .مقارى :المقاري ،الجفان التي يصنع فيها الطعام .
( )6وتروى :النقار.
196
تبوك ()1
غزوة ُ
في رجب سنة تسع
التهيؤ للغزو :قال :حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام ،قال زياد بن عبد اهلل
البكائي ،عن محمد بن إسحاق المطلبي ،قال :ثم أقام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
بالمدينة ما بين ذي ِ
الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم .وقد ذكر لنا الزهري
،ويزيد بن رومان ،وعبد اللّه بن أبي بكر ،وعاصم بن عمر بن قتادة ،وغيرهم من علمائنا،
وبعض القوم يحدث ما ال ُيحدث
ُ ُك ٌّل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها،
أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ،وذلك
َ بعض :أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أمر
وج ْدب من البالد .وحين طابت الثمار ،والناس
في زمان من ُع ْسرة الناس ،وشدة من الحرَ ،
الشخوص على الحال من الزمان الذي هم َ ثمارهم وظاللهم ،ويكرهون قام في ِ
الم َ
يحبون ُ
عليه ،وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َقلَّما يخرج في غزوة إال َكنى عنها ،وأخبر أنه
يريد غير الوجه الذي يص ِم ُد له ( ،)2إال ما كان من غزوة تَبوك ،فإنه بيَّنها للناس ،لب ِ
عد ُ ُ َ ْ
الناس
أهبتَه ،فأمر َ ص ِمد له ،ليتأهب الناس لذلك ْ ِّ
الشقة ،وشدة الزمان ،وكثرة العدو الذي َي ْ
بالجهاز ،وأخبرهم أنه يريد الروم .
ائذن لي وال تفتني :فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذات يوم وهو في
للج ِّد بن قَْيس أحد بني َسلَمة :يا َج ُّد ،هل لك العام في
جهازه ذلك َ
(ا) سميت بعين تبوك وهي العين التي أمر رسول صلى اهلل عليه وسلم -الناس أال
يمسوا من مائها شيئاً ،فسبق إليها رجالن ،وهى تبض بشىء من ماء ،فجعال يدخالن فيها
سهمين ليكثر ماؤها ،فسبهما رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم -وقال لهما :ما زلتما
تبوكانها منذ اليوم فيما ذكر القتبى ،قال :وبذلك سميت العين تبوك ،والبوك كالنقش والحفر
في الشىء ،ويقال منه :باك الحمار األتان يبوكا إذا نزا عليها.
( )2يصمد له :يقصده .
197
ِ
تفتنى ؟ فواللّه لقد األصفَر( )1؟ فقال :يا رسول اللّه ،أو تأذن لي وال
ْ جالد بني
رأيت نساء بني
ُ َع َرف قومي أنه ما من رجل بأشد ُع ْجباً بالنساء منى ،وإ نى أخشى إن
األصفر أن ال أصبر ،فأعرض عنه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وقال :قد ِأذ ُ
نت لك .
الج ِّد بن قيس نزلت هذه االية : ففي َ
ِ { َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َيقُو ُل ا ْئ َذ ْن ِلي َواَل تَ ْفتِِّني أَاَل في اْل ِفتَْن ِة َسقَطُوا َوإِ َّن َجهََّن َم لَ ُم ِحي َ
طةٌ بِاْل َكاف ِر َْ
ين
[التوبة .]49 :أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني األصفر ،وليس ذلك به فما سقط فيه
من الفتنة أكبر ،بتخلفه عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ،يقول
تعالى :وإ ن جهنم لمن ورائه .
بعضهم لبعض :ال تَ ِنفروا .
شأن المنافقين :وقال قوم من المنافقين ُ
في الحر ،زهادة في الجهاد وشكاً في الحق ،وإ رجافا برسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم َ { :وقَالُوا اَل تَ ِنف ُروا في اْل َحِّر ُق ْل َن ُار َجهََّن َم أَ َش ُّد َح ًّرا لَ ْو َك ُانوا
ِ ِ ِ
ون }[.التوبة]81،82 : اء بِ َما َك ُانوا َي ْكسُب َ
ض َح ُكوا َقلياًل َوْلَي ْب ُكوا َكث ًيرا َج َز ً
ون* َفْلَي ْ
َي ْفقَهُ َ
قال ابن هشام :وحدثني الثقةُ عمن حدثه ،عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن ،عن
إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللّه بن حارثة ،عن أبيه ،عن َ ،ج ِّده ،قال :بلغ رسول اللّه صلى
اهلل عليه وسلم ،أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت ُس َوْيلم اليهودي ،وكان بيته عند
جاسوم ،يثبطون الناس عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في غزوة ُتبوك ،فبعث إليهم
ق عليهم
يحر َ
الني صلى اهلل عليه وسلم طلحة بن ُعَب ْيد اللّه في نفر من أصحابه ،وأمره أن ِّ
بيت ُس َوْيلم ،ففعل طلحة.
( )1بنو األصفر :يريد بهم الروم ؟ ألن عيصو بن إسحاق كان به صفرة ،وهو جدهم ،
وقيل إن الروم بن عيصو هو االًصفر ،وهو أبوهم ،وأمه نسمة بنت إسماعيل ،وليس كل
الروم من ولد بني األصفر ،فإن الروم األول هم فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح ،
واهلل أعلم بحقائق هذه األشياء وصحتها.
198
فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت ،فانكسرت رجلُه ،واقتحم أصحابه ،فأفلتوا،
فقال الضحاك في ذلك :
قك وابن َأب ْي ِر ِ ٍ
محمد َيشيطُ بها الضحَّا ُ نار
كادت وبيت اللّه ُ #
أنوء على ِرجلى كسيراً ومرفقى()1 ُ طبقت ِك ْب َس ُس َوْيلم
ُ ت وقدظْل ُ
وَ #
لمثلهَا أخاف ومن تَ ْشمل به النار ُي ْحرق أعود ِ
سالم عليكم ال ُ #
ٌ
حض األغنياء على النفقة :قال ابن إسحاق :ثم إن رسول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم َج َّد في سفره ،وأمر الناس بالجهاز واالنكماش ،وحض أهل
الغنى على النفقة ِ
والحمالن في سبيل اللّه ،فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا( ،)2وأنفق
أحد مثلَها ما أنفقه عثمان :قال ابن هشام :
عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة ،لم ينفق ٌ
ألف دينار،
حدثني من أثق به :أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك َ
ٍ
راض . ض عن عثمان فإني عنه فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :اللهم ْار َ
أتوا َّ
البكاءون والمعذرون والمخلفون :قال ابن إسحاق :ثم إن رجاال من المسلمين ْ
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وهم البكاءون ،وهم سبعة نفر من األنصار وغيرهم من
عبد
وعْلبة( )3ابن زيد ،أخو .بني حارثة ،وأبو ليلى ُ
بني عمرو بن عوف :سالم بن ُعميرُ ،
الرحمن بن كعب ،وأخو بني
(ا) طبقت :علوت .كبس :بيت صغير.
( )2احثسبوا األجر عند اللّه .
( )3وفي رواية يونس أن علبة خرج من الليل فصلى ما شاء اهلل ،ثم بكى ،وقال :
اللهم إنك
قد أمرت بالجهاد ،ورغبت فيه ،ثم لم تجعل عندي ،ما أتقوى به مع رسولك ولم تجعل
في يد رسولك ما يحملني عليه ،وينى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها
في
مال أو جسد أو عرض " ثم أصبح مع الناس وقال الني – صلى اهلل عليه وسلم : -أين
المتصدق في هذه الليلة فلم يقم أجد ،ثم قال أين المتصدق في هذه الليلة فليقم وال يتزاهد ما
صنع في
199
المغ َّفل
الجموح ،أخو بني َسلمة ،وعبد اللّه بن َ
وعمرو بن ُحمام بن ُ
مازن بن النجارَ ،
مي بن عبد اللّه ،
وه َر ّ
الم َزني َ -
وبعض الناس يقول :بل هو عبد اللّه بن َع ْمرو ُ
ُ الم َزني -
ُ
وع ْرباض بن سارية الفََزاري .فاستحملوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أخو بني واقف ِ ،
وأعينهم تفيض من الدمع َح َزناً أال
ُ أهل حاجة ،فقال :ال أجد ما أحملُكم عليه ،فتولَّوا
،وكانوا َ
يجدوا ما ُينفقون .
ضري لقى أبا ليلى عبد قال ابن إسحاق :فبلغني أن ابن يامين بن ُع َم ْير بن كعب َّ
الن ْ
الرحمن بن كعب وعبد اللّه بن ُم َغ َّفل وهما يبكيان ،فقال -:ما يبكيكما ؟ قاال :جئنا رسول
اللّه صلى اهلل عليه وسلم ليحملنا ،فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على
ناضحاً(ا) له ،فارتحاله ؛ وزودهما شيئاً من تمر ،فخرجا معالخروج معه ؛ فأعطاهما ِ
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
قال ابن إسحاق :وجاءه المع ّذرون من األعراب ،فاعتذروا إليه ،فلم يعذرهم اللّه تعالى
.وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار.
السير ،وقد كان نفر من
سفره ،وأجمع َ
ثم استتب ( )2برسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ُ
المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،حتى تخلفوا عنه ،عن غير
ومرارة بن الربيع ،
شك وال ارتياب ؛ منهم :كعب بن مالك بن أبي كعب ،أخو بني َسلَمة ُ
أخو بني َعمرو بن َع ْوف ،و ِهالل بن أمية ،أخو
=هذه الليلة ،فقام إليه ،فأخبره ،فقال الني – صلى اهلل عليه وسلم : -أبشر فوالذي نفس
محمد بيده ،لقد كتب في الزكاة المتقبلة .وأما سالم بن عمبد وعبداهلل بن المغفل ،فراهما
يامين بن كعب يبكيان ،فزودهما ،وحملهما فلحقا بالني – صلى اهلل عليه وسلم .-عن
السهيلى ( في الروض األنف ) بتحقيقنا ج 4ص . 197ط الكليات األزهرية -القاهرة.
( )1الناضح :الجمل الذي يسقى عليه الماء.
( )2استتب :انتظم وتتابع .
200
بتبوك ،قال الناس :هذا راكب على الطريق ُمقب ٌل ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم :كن أبا َخ ْيثمة .فقالوا يا رسول اللّه هو واللّه أبو َخ ْيثمة .فلما أناخ أقب َل فسلَّ َم على
لك ( )1يا
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ْ :أولَى َ
أبا َخ ْيثمة ثم أخبر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الخبر ؛ فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم خيراً ،ودعا له بخير.
قال ابن هشام :وقال أبو َخ ْيثمة في ذلك شعرا ،واسمه ،مالك بن قيس :
واكر َما
ف َ أع َّ
أتيت التي كانت َ ُ الناس في الدين نافقوا
رأيت َ
ُ لما #
رما ٍ
أغش َم ْح َ فلم أكتسب إثماً ولم ْ لمحمد باليمَنى يدي
( )2وبايعت ْ #
تحم َما
صفايا كراماً ُب ْس ُرها قد َّ ِ
رمةً َ
تركت خضيباً في العريش وص َ #
حيث َي َّم َما
شطره ُ ( )3وكنت إذا َش َّ
ت إلى الدين نفسي َ أسمح ْ
َ المنافق
ُ ك #
بالح ْجر :قال ابن إسحاق :وقد كان رسو ل اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين ما حدث ِ
الناس من بئرها .فلما راحوا قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ِ
مر بالح ْجر نزلها ،واستقى َ
:ال تشربوا من مائها شيئا ،وال تتوضئوا منه للصالة ،وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه
يخرجن أحد منكم الليلَة إال ومعه صاحب له .ففعل الناس ما
ّ ِ
اإلب َل ،وال تأكلوا منه شيئا ،وال
أمرهم به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،إال أن رجلين من بني َساعدة خرج أحدهما
لحاجته ،وخرج اآلخر في طلب بعير له .فأما الذي ذهب لحاجته فإنه ُخنق على مذهبه ،
بجبلي طيِّىء .فأخبر بذلك
ْ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح ،حتى طرحته
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إال ومعه
( )1أولى لك :كلمة تهديد معناها الويل لك .
( )2عف :امتنع عن القبيح .
( )3الصرمة :جماعة النخل .البسر :التمر ،قبل نضجه .وتحمما :قارب أن
يطيب .
203
صاحبه ثم دعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه ف ُشفي ؛ وأما
بجبلي طيِّئ ،فإن طيئا أهدته لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين قدم
ْ اآلخر الذي وقع
المدينة.
والحديث عن الرجلين عن عبد اللّه بن أبي بكر ،عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي
عبد اللّه بن أبي بكر أن قد َس َّمى له العباس الرجلين ،ولكنه استودعه إياهما،
،وقد حدثني ُ
عبد اللّه أن يسميهما لي .
فأبى ُ
قال ابن هشام :بلغني عن الزهري أنه قال :لما مر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
واستح َّ
ث راحلته ،ثم قال :ال تدخلوا بيوت الذين ظلموا إال ثوبه على وجهه ، ِ
َ بالح ْجر سجَّى َ
ماء
الناس وال َ
وأنتم باكون ،خوفا أن يصيبكم مث ُل ما أصابهم .قال ابن إسحاق :فلما أصبح ُ
معهم َش َك ْوا ذلك ٍ
إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فدعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،
الناس ،واحتملوا حاجتَهم من الماء .
فأرسل اللّه سبحانه سحابة فأمطرت حتى ارتوى ُ
قال ابن إسحاق :فحدثني عاصم بن ُعمر بن قتادة ،عن محمود بن لَبيد ،عن رجال من
بني عبد األشهل ،قال :قلت لمحمود :هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال :نعم واللّه
بعضهم بعضا
،إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفى عشيرته ،ثم َيلبس ُ
على ذلك .ثم قال محمود :لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف
نفاقه ،كان يسير مع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين دعا ،فأرسل اللّه السحابةَ فأمطرت
حتى ارتوى الناس ،قالوا :أقبلنا عليه نقول :ويحك ،هل بعد هذا شىء ؟! قال :سحابة
مارة .
َّ
تقو ُل ابن اللصيت :قال ابن إسحاق :ثم إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم سار حتى إذا
ُّ
كان ببعض الطريق ضلت ناقته ،فخرج أصحابه في طلبها ،وعند رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم رجل من أصحابه ،يقال له ُعمارة بن حزم ،وكان
204
دعوه ،فإن يك فيه خير فسيلحقه اللّه تعالى بكم ،وإ ن يكن غير ذلك فقد ،أراحكم اللّه
منه ،حتى قيل :يا رسول اللّه ،قد تخلف أبو َذر( ،)1وأبطأ به " بعيره ؟ فقال :فإن يك فيه
وتلوم ()2أبو ذر على بعيره ،
خير فسيلحقه اللّه بكم ،وإ ن يك غير ذلك فقد أراحكم اللّه منه ؛ َّ
فلما أبطأ عليه ،أخذ متاعه فحمله على ظهره ،ثم خرج يتبع أثر رسول اللّه .صلى اهلل
عليه وسلم ماشياً .ونزل رسول اللّه في بعض منازله ،فنظر ناظر من المسلمين فقال :يا
وحده ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
رسول اللّه ،إن هذا الرجل يمشي على الطريق َ
:كن ( )3أبا ذر ،فلما تأمله القوم قالوا :يا رسول اللّه هو واللّه أبو ذر ؛ فقال رسول اللّه
وحده .
ويبعث َ
وحده (ُ )4
وحده ،ويموت َ
صلى اهلل عليه وسلم :رحم اللّه أبا َذر ،يمشي َ
(ا) أبو ذر :اسمه :جندب بن جنادة وقيل برير بن عشرقة .وقيل جندب بن عبداهلل .
وقيل جندب بن السكن .راجع اإلصابة البن حجر -تظهر إن شاء اهلل -بتحقيقنا.
( )2تلوم :تمهل .
( )3كن أبا ذر :لفظه األمر ،ومعناه الدعاء ،كما تقول :أسلم سلمك اللّه .
( )4يموت وحده :أي يموت منفرداً ،وأكثر ما تستعمل هذه الحال لنفى االشتراك في
الفعل نحو كلمني زيد وحده ،أي :منفرداً بهذا الفعل ،وإ ن كان حاضراً معه غيره ،أي :
كلمني خصوصاً وكذلك لو قلت :كلمته من بينهم وحده ،كان معناه خصوصاً كما
قرره سيبويه ،وأما الذي في الحديث ،فال يتقدر هذا التقدير ألنه من المحال أن يموت
خصوصاً ،وٍا نما معناه :منفرداً بذاته ،أي :على حدته ،كما قال يونس ،فقول يونس
صالح في هذا الموطن ،وتقدير سيبويه له بالخصوص يصلح أن يحمل عليه في اكثر
المواطن وإ نما لم يتعرف وحده باإلضافة ،ألن معناه كمعنى ال غير ،وألنها كلمة تنبىء
عن نفي وعدم ،والعدم ليس بشىء فضال عن أن يكون متعرفاً متعيناً باإلضافة ،وإ نما لم
يشتق
منه فعل ،وإ ن كان مصدراً في الظاهر لما قدمناه من أنه لفظ ينبىء عن عدم ونفي ،
والفعل
يدل على حدث وزمان ،فكيف يشتق من شىء ليس بحدث ،إنما هو عبارة عن انتفاء
الحدث عن كل أحد إال.عن زيد ،مثال ٍا ذا قلت :جاءني زيد وحده ،أي :لم يجىء
غيره ،
وإ نما يقال :انعدم وانتفى بعد الوجود ال قبله ،ألنه أمر متجدد كالحدث ( .الروض
األنف ج 4ص ) 196بتحقيقنا.
206
األسلمي ،
موت أبي ذر ودفنه في الربذة :قال ابن إسحاق :فحدثني ُب َر ْيدة بن سفيان ْ
عثمان أبا ذر إلى
ُ عن محمد بن كعب القَُرظي ،عن عبد اللّه بن مسعود ،قال :لما َنفى
وغالمه ،فأوصاهما أن اغسالني
ُ قدره ،لم يكن معه أحد إال امرأته
الربذة(ا) ،وأصابه بها ُ
َّ
وكفناني ،ثم ضعاني على قارعة الطريق ،فأو ُل ر ْكب يمر بكم فقولوا :هذا أبو َذر صاحب
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فأعينونا على دفنه .فلما مات فعال ذلك به .ثم وضعاه
عبد اللّه بن مسعود في رهط من أهل العراق ُع َّمار ،فلم َي ُر ْعهم ِ
قارعة الطريق ؛ وأقبل ُ على
إال بالجنازة على ظهر الطريق ،قد كادت اإلبل تطؤها ،وقام إليهم الغالم .فقال :هذا أبو َذر
صاحب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأعينونا على دفنه .قال :فاستهل عبد اللّه بن
ُ
وحدك ،وتموت
مسعود يبكي ويقول :صدق رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،تمشي َ
وحدك .ثم نزل هو أصحابه فواروه ،ثم حدثهم عبد اللّه بن مسعود حديثَه ،
وحدك ،وتُبعث ََ
وما قال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في مسيره إلى تبوك .
تخويف المنافقين المسلمين :قال ابن إسحاق :قد كان رهط من المنافقين ،منهم َو ِديعة
بن ثابت ،أخو بني َع ْمرو بن عوف ،ومنهم رجل من أ ْشجع ،حليف لبني َسلَمة ،يقال له :
ُم َخ ِّشن بن ُحميِّر قال ابن هشام :ويقال َم ْخ ِش ٌّي يشيرون إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
ِ
كقتال وهو منطلق إلى تبوك ،فقال بعضهم لبعض :أتحسبون جالد بني األصغر
( )1الربذة :معناها خرقة الصائغ يجلو بها الحلي وبها سميت الربذة ،وهى قرية كانت
عامرة في صدر اإلسالم وبها قبر أبي َذز ِ
الغفَاري وجماعة من الصحابة.
ويقول صاحب المصباح المنير وهى في وقتنا دارسة ال يعرف بها رسم وهى من المدينة
في جهة الشرق على طريق حاج العراق نحو ثالثة أيام .
207
امرأته ،فباتت البقر تحك بقرونِها باب القصر ،فقالت له امرأته :هل رأيت َ
مثل هذا قطّ ؟
قال :ال واللّه ! قالت :فمن يترك هذه ؟ قال :ال أحد .فنزل فأمر بفرسه ،فأسرج له ،
وركب معه نفر من أهل بيته ،فيهم أخ يقال له
(ا) دومة :بضم الدال هى هذه ،وعرفت بدومى بن إسماعيل فيما ذكروا ،وهى دومة
الجندل ،ودومة بالضم أخرى .وهى عند الحيرة ،ويقال لما حولها النجف ،وأما دومة
بالفتح فأخرى مذكورة في أخبار الردة .
وذكر أنه كتب ألكيدر دومة كتاباً فيه عهد وأمان ة قال ابو عبيدة :أنا قرأته .أتانى به
شيخ هنالك في قضيم ،والقضيم الصحيفة ،وإ ذا فيه " :بسم اهللّ الرحمن الرحيم من
محمد رسول اللّه ألكيدر حين أجاب اإلسالم ،وخلع األنداد واألصنام مع خالد بن
الرليد
سيف اللّه في دومة الجندل وأكفانها .إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعافر،
وأغفال
األرض والحلقة والسالح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من
المعمور
ال تعمل سارحتكم ،وال تعد فاردتكم وال يحظر عليكم النبات ،تقيمون الصالة لوقتها
وتؤتون الزكاة بحقها ،عليكم بذلك عهد اهلل والميثاق ،ولكم بذلك الصدق والوفاء .شهد
اهلل ومن حضر من المسلمين ( .عن الروض األنف بتحقيقنا ج ،4ص .) 196
209
نأتيه .قال :فسبقه إليه نفر من المنافقين ،فاستقوا ما فيه ؛ فلما أتاه رسول اللّه صلى
َ
اهلل عليه وسلم وقف عليه ،فلم َير فيه شيئا .فقال :من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل له يا رسول
اللّه ،فالن وفالن (ا) ؛ فقال :أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ! ثم لعنهم رسول اللّه
الو َشل ،فجعل يصب في يده ما
صلى اهلل عليه وسلم ،ودعا عليهم .ثم نزل فوضع يده تحت َ
صب ،ثم نضحه ( )2به ،ومسحه بيده ،ودعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم شاء اللّه أن َي ُ
بما شاء اللّه أن يدعو به ،فانخرق من الماء -كما يقول من سمعه -ما إن له ِحسًّا ِ
كح ِّس
الناس ،واستقوا حاجتهم منه .فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :
الصواعق ،فشرب ُ
لتسمع َّن بهذا الوادي ،وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .
ُ لئن بقيتم أو من بقي منكم
ذو البجادين ودفنه وتسميته :قال :وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي ،أن
عبد اللّه بن مسعود كان ُيحدث ،قال :قمت من جوف الليل ،وأنا مع رسول اللّه صلى اهلل
عليه وسلم في غزوة تَبوك ،قال :فرأيت ُشعلةً من نار في ناحية العسكر ،قال :فاتبعتها
أنظر إليها ،فإذا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
وأبو بكر وعمر ،وإ ذا عبد اللّه ذو البجادين المزني قد مات ،وإ ذا هم قد حفروا له ،
ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في حفرته ،وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه ،وهو يقول :
فارض
َ إلى أخاكما ،فدلَّياه إليه ،فلما هيأه ِلشقِّه قال :اللهم إني أمسيت راضياً عنه ،
أدنيا َّ
صاحب الحفرة.
َ كنت
عنه .قال :يقول عبد اللّه بن مسعود :يا ليتني ُ
(ا) قال السهيلي :ذكر لي الواقدي قال :سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن
قشير ،والحارث بن يزيد الطائى ،ووديعة بن ثابت ،وزيد بن لصيت .
ش. الب ُّل بالماء َّ
والر ُّ ( )2النضح :هو َ
211
فقال ِ :س ْر ،فجعل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يسألنى عمن تخلف من بني غفار،
الحمر الطوا ُل الثطاط ( )1فحدثته بتخلفهم .قال
فأخبره به ؛ فقال وهو يسألني :ما فعل النفر ُ
:فما فعل النفر السُّود الجعاد القصار ؟ قال :قلت :واللّه ما أعرف هؤالء منا .قال :بلى،
الذين لهم َن َع ٌم ب َشَبكة َش َدخ ( )2؛ فتذكرتهم في بني ِغفار ،ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم َر ْهط
أسلَم كانوا حلفاء فينا ،فقلت :يا رسول اللّه ،أولئك رهط من أسلم ،حلفاء فينا ؛ فقالمن ْ
يحمل على بعير من إبله
َ رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :ما منع أحد أولئك حين تخلف أن
على أن يتخلف عنى المهاجرون من قريش امرءاً نشيطاً في سبيل اللّه ؟ إن َّ
أعز أهلي َّ
واألنصار وغفار وأسلم .
أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك قال ابن إسحاق :ثم أقبل رسول اهللّ
وبين المدينة ساعة من نهار ،وكان أصحاب
صلى اهلل عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بلد بينه َ
مسجد الضرار قد كانوا أتَ ْوه وهو يتجهز إلى تبوك ،فقالوا :يا رسول اللّه ،إنا قد بنينا
فتصلى لنا فيه تأتينا، ِ َّ
َ مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ،وإ نا ُنحب أن َ
؛ فقال :إني على جناح َسفر ،وحال ُش ْغل ،أو كما قال صلى اهلل عليه وسلم ،ولو قد قدمنا
إن شاء اللّه ألتيناكم ،فصلينا لكم فيه .
مالك ابن
فلما نزل بذي أوان ،أتاه خبر المسجد ،فدعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ
وم ْعن بن َعدي ،أو أخاه عاصم ابن عدي ،أخا بني ُّ
الد ْخ َشم ،أخا بني سالم بن عوف َ ،
الع ْجالن فقال :انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهلُه ،
َ
( )1الثطاط :مفرد :ثط .صغير نبات شعر اللحية ،وقيل الذي ال لحية له .قال
الشاعر :
* كهامة الشيخ الثماني الثط * #
( )2شبكة شدخ :موضع من بالد غفار.
213
وحرقاه ،فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ،وهم رهط .مالك بن
فأهدماه ِّ
ُّ
الد ْخشم ،فقال مالك لمعن :أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي .فدخل إلى أهله ،فأخذ
سعفا من النخل ،فأشعل فيه نارا ،ثم خرجا يشتدان حتى دخاله وفيه أهله ،فحرقاه وهدماه ،
وتفرقوا عنه ،ونزل فيهم من القرآن ما نزل { :والَِّذين اتَّ َخ ُذوا مس ِج ًدا ِ
ض َر ًارا َو ُك ْف ًرا َوتَ ْف ِريقًا َْ َ َ
ِ
ين }[.التوبة .]107 :إلى آخر القصة.َب ْي َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
وكان الذين بنوه اثني عشر رجال ِ :خزام بن خالد ،من بني عبيد بن زيد ،أحد بني
َع ْمرو بن عوف ،ومن داره أخرج مسجد الشقاق ،وثعلبة ابن حاطب ،من بني أمية بن
زيد ،ومعتِّب بن قُ َشير ،من بني ضبيعة بن زيد ،وأبو حبيبة بن األزعر ،من بني ضبيعة بن
وعبَّاد بن ُحَنيف ،أخو سهل بن ُحَنيف ،من بني عمرو بن عوف ،وجارية بن عامر(
زيدَ ،
ضَبيعة،
ون ْبتل بن الحارث ،من بني ُ
،)1وابناه ُم َج ِّمع بن جارية( ،)2وزيد بن جاريةَ ،
ضبيعة ،وبجاد بن عثمان ،من بني ضبيعة ،ووديعة بن ثابت ،وهو من
وبحزج ،من بني ُ
بني أمية بن زيد ،رهط أبي لبابة بن عبد المنذر
مساجد الرسول صلى اهلل عليه وسلم :وكانت مساجد رسول اللّه صلى اهلل عليه
وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة :مسجد بتبوك ،ومسجد بثنية مدران ،
(ا) وكان يعرف بحمار الدار ،وهو جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف .
( )2وكان إذ ذاك غالماً حدثاً قد جمع القران فقدموه إماماً لهم ،وهو ال يعلم بشيء من
شأنهم ،وقد ذكر أن عمر بن الخطاب في أيامه أراد عزله عن ِ
اإلمامة ،وقال أليس
بإمام
مسجد الضرار ،فأقسم لهم مجمع أنه ما علم شيئاً من أمرهم ،وما ظن إال الخير،
فصدقه
عمر ،وأقره .وكانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -كلهم يصلون بأذان بالل ،كذلك قال بكير بن عبداهلل األشج ،فيما روى عنه أبو داود
في مراسليه ،
والدارقطنى في سننه ،فمنها مسجد راتج ،ومسجد بني عبد األشهل ،ومسجد بني
عمرو
ابن مبذول ،ومسجد جهينة ،وأسلم ،وأحسبه قال :ومسجد بني سلمة ،وسائرها
مذكور
في السنن .
214
حاجةً ،فأقول في نفسي :أنا قادر على ذلك إذا أردت ،فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى
الناس بالجد ،فأصبح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم غاديا ،والمسلمون معه ،ولم
َش َّم َر ُ
أقض من جهازي شيئاً ،فقلت :أتجهز بعده بيوم أو يومين ،ثم ألحق بهم ،فغدوت بعد أن
فصلوا ألتجهز ،فرجعت ولم ِ
أقض شيئاً ،ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً ،فلم يزل ذلك
فعلت ،
وتفرط ( )1الغزو ،فهممت أن أرتحل ،فأدركهم وليتني ُ
يتمادى بى حتى .أسرعواَّ ،
فلم أفعل ،وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فطفت
فيهم ،فيحزنني إني ال أرى إال رجال َم ْغموصا( )2عليه في النفاق ،أو رجال ممن عذر اللّه
من الضعفاء.
ولم يذكرني رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حتى بلغ تبوك ،فقال وهو جالس في القوم
كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني َسِلمة :يا رسول اللّه ،حبسه ُبرداه ،
بتبوك :ما فعل ُ
قلت ؟ واللّه يا رسول اللّه ما علمنا منه والنظر في ِع ْ
طفَيه ،فقال له معاذ بن جبل :بئس ما َ
إال خيراً ؛ فسكت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم.
فلما بلغني أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد توجَّه قافال من تبوك ،حضرني َبثِّى()3
طه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم غداًفجعلت أتذكر ال َكذب وأقول :بماذا أخرج من س ْخ ِ
َ
كل ذي رأي من أهلى ،فلما قيل إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد وأستعين على ذلك َّ
أظل ( )4قادماً زاح (ْ ) عني الباطل ،وعرفت إني ال أنجو منه إال بالصدق ،فأجمعت أن َّ
أصدقه .
(ا) تفرط :فات .
( ) 2مغموصا :مطعونا .
( )3بثي :حزني .
( )4أظل :أشرف .
( )5زاح :باعد أو نحى :يقال زاح وانزاح :إذا ذهب ،والمصدر زيوحا وزيحانا.
217
وصبَّح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم المدينةَ ،وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد. ،
فركع فيه ركعتين ،ثم جلس للناس ،فلما فعل ذلك ،جاءه المخلَفون ،في فجعلوا يحلفون له
ويعتذرون ،وكانوا بضعة وثمانين رجال ،فيقبل منهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
سرائرهم إلى اللّه تعالى .
َ وي ِك ُل
يمانهم ،ويستغفر لهم َ ،
عالنيتَهم وإ َ
المغضب ،ثم قال لي :تعالَ ْه -فجئت أمشى،
َ حتى جئت فسلمت عليه ،فتبسم تبسم
ظهرك ؟ قال :قلت :إني يا
ت َ ابتع َ
حتى جلست بين يديه ،فقال لي :ما خلفك ؟ألم تكن ْ
أهل الدنيا ،لرأيت إني سأخرج من سخطه بعذر، غيرك من ِ عند ِ
رسول اهللّ ،واللّه لو جلست َ
َّ
لترضين عنى، علمت لَئن حدثتك اليوم حديثاً كذبا
ُ ولقد أعطيت جدال ،لكن واهللّ لقد
علي ،ولئن حدثتك حديثا صدقاً تَ ِج ُد َّ
علي فيه ،إني ألرجو ُع ْقباي وليوشكن اللّه أن يسخطك ّ ُ
تخلفت
ُ من اللّه فيه ،وال واللّه ما كان لي عذر ،واللّه ما كنت قطُّ أقوى وال أيسر مني حين
يقضي اهلل عنك .فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :أما هذا فقد صدقت فيه ،فقُم حتى
َ
فيك فقمت ،وثار معي رجال من بني َسِلمة ،فاتبعوني فقالوا لي :واللّه ما علمناك كنت
اعتذرت إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
َ أذنبت ذنباً قبل هذا ،ولقد عجزت أن ال تكون
استغفار رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لك ذنبك َّ
ُ بما اعتذر به إليه المخلفون ،قد كان كافيك َ
فواللّه ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ِّ
فأكذب نفسي ،
أحد غيري ؟ قالوا :نعم ،رجالن قاال مثل مقالتك ،وقيل لهما مثل
ثم قلت لهم :هل لقي هذا ٌ
الع ْمري ( ،)1من بني َع ْمرو
ما قيل لك ،قلت :من هما ؟ قالوا ُ :مرارة بن الربيع َ
(ا) هو :مرارة بن ربيعة ،ويقال ابن الربيع العمري األنصاري من بني عمر بن عوف
.
218
ابن عوف ،وهالل بن أبي أمية الواقفي( ،)1فذكروا لي رجلين صالحين ،فيهما أسوة،
فص َم ُّ
ت حين ذكروهما لي . َ
ونهى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عن كالمنا أيها الثالثةُ ،من بين من تخلف عنه
كنت
،فاجتنبنا الناس ،وتغيروا لنا ،حتى تنكرت لي نفسي واألرض ،فما هي باألرض التي ُ
أعرف ،فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ،فأما صاحباي فاستكانا ،وقعدا في بيوتهما ،وأما أنا
فكنت َّ
أشب القوم وأجلدهم ،فكنت أخرج ،وأشهد الصلوات مع المسلمين ،وأطوف
باألسواق ،وال يكلمني أحد ،واتى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فأسلم عليه وهو في
حرك شفتيه ِّ
برد السالم على أم ال ؟ ثم أصلي قريباً ِ
الصالة ،فأقول في نفسي :هل َّ بعد
مجلسه َ
َّ
التفت نحوه أعرض عنى . إلى ،وإ ذا
منه ،فأسارقه النظر ،فإذا أقبلت على صالتي نظر َّ
جدار حائط أي
ت (َ )2 تسو ْر ُ
على من َج ْفوة المسلمين ،مشيت حتى َّ حتى إذا طال ذلك َّ
على السالم ،فقلت :يا
رد َّ وأحب الناس إلَّى ،فسلمت عليه فواللّه ما َّ
ُّ قَتادة ،وهو ابن عمى،
أبا قَتادة ،أنشدك باللّه ،هل تعلم إني ُّ
أحب اللّه ورسولَه ؟ فسكت ،فعدت فناشدته ،فسكت
عنى ،فعدت فناشدته فسكت عنى ،فعدت فناشدته ،فقال :اللّه ورسولُه أعلم ،ففاضت عيناي
طى ()3 ِ
فتسورت الحائط .ثم غدوت إلى السوق ،فبينا أنا أمشى بالسوق ،إذا َنَب ٌّ ،ووثبت
يسأل عني من َنَب ِط الشام ممن قَِدم بالطعام يبيعه بالمدينة ،يقول :من يدل على كعب بن مالك
؟ قال :فجعل الناس
( )1الواقفي :نسبة إلى بني واقف .
الحدة والسورة البطر .والمساورة هى الواثبة .وسور
( )2قال الزبيدي :السورة ّ
المدينة البناء ،المحيط بها .وهو هنا بمعنى الصعود والوثب على الجدار.
( )3النبطي :واحد النبط ،قوم كانوا يسكنون بين العراق واألردن عاصمتهم " البتراء
".
219
أدري ما يقول رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في ذلك إذا استأذنتُه فيها ،وأنا رجل
شاب .
قال :فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ،فكمل لنا خمسون ليلة ،من حين نهى رسول اللّه صلى
صبح خمسين ليلة، ،وعلى ظهر بيت
َ الصبح ،
َ اهلل عليه وسلم المسلمين عن كالمنا ،ثم صليت
على
األرض بما َر ُحَبت ،وضاقت َّ
ُ من بيوتنا ،على الحال التي ذكر اهلل منا،قد ضاقت علينا
صوت صارخ
َ سمعت
ُ نفسي ،وقد كنت ابتنيت َخ ْيمةً في ظهر َسْلع ،فكنت أكون فيها .إذ
كعب بن مالك ،أبشر ،قال :فخررت ساجدا، ْأوفى على ظهر َسْل ٍع يقول بأعلى صوته :يا َ
وعرفت أن قد جاء الفرج .
بتوبة اللّ ِه
ِ الناس
َ توبة اللّه على المخلفين قال :وآذن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
مبشرون ،وركض صاحبي ِّ
َّ الناس يبشروننا ،وذهب نحو
علينا حين صلى الفجر ،فذهب ُ
أسرع من
َ الصوت
ُ إلي فرساً ،وسعى ساع من أسلم ،حتى أوفى على الجبل ،فكان
رج ٌل َّ
الفرس .
سمعت صوتَه يبشرني ،نزعت ثَْوَب َّي ،فكسوتهما إياه بشارة ،واللّه ما
ُ فلما جاءني الذي
أملك يومئذ غيرهما ،واستعرت ثوبين فلبستهما ،ثم انطلقت أتيمم رسول اللّه صلى اهلل عليه
ك توبة اللّه عليك ،حتى دخلت الناس يبشرونني بالتوبة ،يقولون َ :لي ْهنِ َ
وسلم ،وتلقاني ُ
إلى طلحة بن ُعَب ْيد اللّه ،
المسجد ،ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس حوله الناس ،فقام َّ
فحياني وهنأني (ا) ،وواهلل ما قام
(ا) فيه :جواز السرور بالقيام إلى رجل كما سر كعب بقيام طلحة إليه ،وقد قال عليه
السالم في خبر سعد بن معاذ " :قوموا إلى سيدكم " ،وقام هو صلى اهلل عليه وسلم إلى قوم
منهم :صفوا ابن أمية حين قدم عليه ،وإ لى عدي بن حاتم ،وإ لى زيد بن حارثة حين قدم
عليه من مكة وغيرهم ،وليس هذا بمعارض لحديث معاوية عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه
قال " :من سره أن ُيمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ،ويروى :ليستجم له
الرجال ،ألن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين ،وإ لى من يغضب ،أو يسخط أال يقام له ،وقد
قال بعض =
221
إلي رجل من المهاجرين غيره .قال :فكان كعب بن مالك ال ينساها لطلحة .
َّ
يبرق من
ُ سلمت على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال لي ،ووجهه
ُ قال كعب :فلما
السرور :أبشر بخير يوم َم َّر عليك منذ ولدتك أمك ،قال :قلت :أمن عندك يا رسول اللّه أم
من عند اللّه ؟ قال :بل من عند اللّه قال :وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إذا استبشر
وجهَه قطعة قمر .قال :وكنا نعرف ذلك منه .
كأن ْ
بين يديه قلت :يا رسول اللّه ،إن من توبتي إلى اللّه عز وجل أن
جلست َ
ُ قال :فلما
أمسك
ْ أنخلع من مالي ،صدقةً إلى اللّه وإ لى رسوله ،قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :
بعض مالك ،فهو في لك .قال :قلت :إني ممسك سهمي الذي بخيبر. عليك َ
أح ِّدث
وقلت :يا رسول اللّه ،إن اللّه قد نجَّاني بالصدق ،وإ ن من تَ ْوبتي إلى اللّه أن ال َ
ذكرت ذلك
ُ إال صدقا ما حييت ،واللّه ما أعلم أحدا من الناس أباله اللّه في صدق الحديث منذ
أفضل مما أبالني اللّه ،واللّه ما تعمدت من َك ْذبة من ُذ
َ لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذلك
ذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى يومي هذا ،وإ ني ألرجو أن يحفظني اللّه
ُ
فيما بقى.
اب اللَّهُ َعلَى َّ
النبِ ِّي ما نزل في ساعة العسرة والمخلفين :وأنزل اللّه تعالى {:لَقَ ْد تَ َ
ق ِم ْنهُ ْم وب فَ ِري ٍ اع ِة اْل ُع ْس َر ِة ِم ْن َب ْع ِد َما َك َ
اد َي ِزيغُ ُقلُ ُ ين اتََّب ُعوهُ في َس َ
َِّ
َنص ِار الذ َ واْلمه ِ
اج ِر َ
ين َواأْل َ َ َُ
ين ُخلِّفُو} [التوبة ]118 : ِ َِّ ثَُّم تَاب علَْي ِهم ِإَّنه بِ ِهم رء ٌ ِ
*و َعلَى الثَّاَل ثَة الذ َ
يم َوف َرح ٌ َ َ ْ ُ َْ ُ
السلف :يقام إلى الوالد برا به ،وإ لى الولد سروراً به ،وصدق هذا القائل ،فإن فاطمة
رضى اللّه عنها كانت تقوم إلى أبيها – صلى اهلل عليه وسلم -براً به ،وكان هو صلى اهلل
عليه وسلم يقوم إليها سروراً بها رضي اهلل عنها ،وكذلك كل قيام أثمره الحب في اللة،
والسرور بأخيك بنعمة اللّه ،والبر بمن يجب بره في اللّه تبارك وتعالى ،فإنه خارج عن
حديث النهى واللّه أعلم ( .عن
السهيلي في الروض األنف من تحقيقنا جـ 4ص .) 199 ،198
222
معهم ،فزعموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال فيه :إن مثله في قومه لكمثل
صاحب ياسين في قومه (.)1
إرسال ثقيف وفدا إليه صلى اهلل عليه وسلم :ثم أقامت ثقيف بعد قتل ُعروةَ أشهراً ،ثم
إنهم ائتمروا بينهم ،ورأوا أنه ال طاقةَ لهم بحرب من حولَهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا.
األخَنس :أن عمرو بن أمية ،أخا بني عالج ،
حدثني يعقوب بن ُعتبة بن المغيرة بن ْ
كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو ،الذي بينهما شئ ،وكان َعمرو بن أمية من ْأدهى العرب ،
داره ،ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك :
فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو،حتى دخل َ
إلي ؟ قال :نعم ،وها هو ذا
عبد ياليل للرسول :ويلك ؟ أعمرو أرسلك َّ
إلى قال :فقال ُ
اخرج ّ
واقفاً في دارك فقال :إن هذا الشيء ما كنت أظنه ،لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ،
فخرج إليه ،فلما رآه رحَّب به ،فقال له عمرو :إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة إنه قد
العرب كلُّها ،وليست لكم بحربهم طاقة،
ُ كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ،قد أسلمت
فانظروا في أمركم .
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها ،وقال بعضهم لبعض :أفال ترون أنه ال يأمن لكم ِس ْر ٌ
ب
( ،)2وال يخرج منكم أحد إال اقتُطع .
(ا) يحتمل قوله صلى " :كمثل صاحب ياسين أن يربد به المذكور في سورة ياسين ،
الذي
ِ
قال لقومه { :اتَّبِ ُعوا اْل ُم ْر َسل َ
ين } يس ]20 :فقتله قومه ،واسمه حبيب بن مري ،
ويحتمل أن يريد
صاحب إلياس ،وهو اليسع ،فإن إلياس يقال في اسمه :ياسين أيضا ،وقال الطبري :
هو
ِ
إلياس بن ياسين ،وفيه قال تبارك وتعالى َ {:ساَل ٌم َعلَى ِإ ْل َياس َ
ين} [الصافات]130 :
فاهلل أعلم .
( )2السرب :القطيع من الحيوان أو الفريق من النساء أو جماعة النخل ،وهو أيضا
الطريق -والقلب والصدر.
225
فأتمروا بينهم ،وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم رجال ،كما
أرسلوا ُعروة ،فكلموا عبد ياليل بن َعمرو بن ُعمير ،وكان سن عروة بن مسعود ،وعرضوا
صنع بعروة .فقال :لست
ذلك عليه ،فأبى أن يفعل ،وخشي أن ُيصنع به إذا رجع كما ُ
فاعال حتى ترسلوا معي رجاال ،فأجمعوا لم أن يبعثوا معه رجلين من األحالف ،وثالثة من
الحكم بن َعمرو بن َو ْهب بن ُم َعتِّب ،
َ بني مالك ،فيكونوا ستة . ،فبعثوا مع عبد ياليل :
و ُش َر ْحبيل ابن َغيالن بن َسِلمة بن ُم َعتِّب ،ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن
ونمير بن َخ َرشة بن وأوس بن َع ْوف ،أخا بني سالم بن عوف ُ ، عبد ُد ْهمان ،أخا بني يسارْ ،
ربيعة ،أخا بني الحارث .
فخرج بهم عبد ياليل ،وهو ناب القوم (ا) وصاحب أمرهم ،ولم يخرج
بعروة بن مسعود ،لكي يشغل كل رجلء منهم إذ رجعوا
صنع ُ
بهم إال خشية من مثل ما ُ
إلى الطائف رهطه .
طلبهم من الرسول أمورا فرفضها :فلما َدَن ْوا من المدينة ،ونزلوا قَناةَ ،أْلفَ ْوا بها المغيرةَ
كاب أصحاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وكانت ِر ْعيتُها بن شعبة ،يرعى في َن ْوبته ِر َ
ُن َوباً على أصحابه صلى اهلل عليه وسلم . ،فلما رآهم ترك ،الركاب عند الثَّقَفيين ،وضبر()2
ليبشر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون َ ُّ
يشتد،
ط لهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم شروطاً ،ويكتتبوا من
البيعة واإلسالم ،بأن َي ْش ُر َ
رسول اللّه صلى كتابا في قومهم وبالدهم وأموا لهم .
أقسمت عليك باللّه ال تسبقني إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه
ُ فقال أبو بكر للمغيرة :
وسلم ،حتى أكون أنا أحدثه ،ففعل المغيرةُ ،فدخل أبو بكر على رسول
( )1ناب القوم :سيدهم .
()2ضبر:وثب .
226
اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأخبره بقدو ِمهم -عليه ،ثم خرج المغيرةُ إلى أصحابه َّ ،
فروح
الظهر معهم ،وعلمهم كيف يحي ون رس ول اهللّ ص لى اهلل عليه وس لم ،فلم يفعل وا إال بتحية
الجاهلية.
ِ
ناحية مسجده ، ولما قدموا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ضرب عليهم قبةً في
يزعمون .فكان خالد بن سعيد بن العاص ،هو الذي يمشى بينهم
كما ُ
وبين رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،حتى اكتتبوا كتابهم ،وكان خالد هو الذي كتب
طعمون طعاما يأتيهم من عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حتى يأكل
كتابهم بيده ،وكانوا ال َي ْ
منه خالد ،حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم .
ُّ
الالت ،ال وقد كان فيما سألوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أن يدع لهم الطاغيةَ ،وهي
يهدمها ثالث سنين ،فأبى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة
سنة ،ويأبى عليهم حتى سألوا شهراً واحداً بعد مقدمهم ،فأبى عليهم أن يدعها شيئاً ُم َس ًّمى ،وإ نما
يريدون بذلك فيما
قومهم
يروعوا َ
يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن ِّ
بهدمها حتى يدخلهم اإلسالم ،فأبى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إال أن يبعث أبا سفيان بن
حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها.
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصالة ،وأن ال يكسروا أوثانهم بأيديهم ،
فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه ،وأما الصالة،
خير في دين ال صالة فيه ،فقالوا :يا محمد ،فسنؤتيكها ،وإ ن كانت دناءة .
فإنه ال َ
تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف :فلما أسلموا وكتب لهم رسول اللّه صلى اهلل
عثمان بن أبي العاص ،وكان من أحدثهم سنا ،وذلك أنه كان
َ أمر عليهم
عليه وسلم كتابهم َّ ،
أحرصهم على التفقه في اإلسالم وتعلُّم القرآن .
َ
الجزء الخامس
من صفحة 303-226
صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بالل إياهم :
ق ال ابن إس حاق :وح دثني عيسى بن عبد اللّه بن عطية بن س فيان بن ربيعة الثقفى ،عن
بعض وف دهم ،ق ال :ك ان بالل يأتينا -حين أس لمنا ..وص منا مع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه
ِ
وسحورنا من - وسلم ما بقي من رمضان -بفطرنا
عند رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ،فيأتينا بالس حور ،وإ نا لنق ول :إن ل نرى الفج َر قد
227
ركت رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم يتس حر ،لت أخير الس حور،ويأتينا
ُ طلع ،فيق ول :قد ت
بفطرن ا ،وإ نا لنق ول :ما ن رى الش مس كلها ذهبت بع د .فيق ول :ما جئتكم ح تى أكل رس ول اللّه
ص لى اهلل عليه وس لم ،ثم يضع ي ده في الجفن ة ،فيلتقم منه ا ، .ق ال ابن هش ام :بفطورنا
وسحورنا، .
عهده صلى اهلل عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف :
ق ال ابن إس حاق :وح دثني س عيد بن أبي هن د ،عن مط رف بن عبد اللّه ابن آلش ِّخير ،عن
إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم حين عثم ان بن أبي الع اص ،ق ال :ك ان من آخر ما عهد َّ
بعث ني على ثقيف أن ق ال :يا عثم ان ،تج او ْز في الص الة ،واق ُد ِر الن اس بأض ِ
عفهم ،ف إن فيهم َ َ
ِ
الحاجة . والضعيف ،وذا
َ والصغير، الكبير،
َ َ
ه دم الالت :ق ال ابن إس حاق :فلما فرغ وا من أم رهم ،وتوجه وا إلى بالدهم راجعين ،
بعث رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم معهم أبا س فيان بن ح رب والمغ يرة بن ش عبة ،في ه دم
الطاغي ة .فخرجا مع الق وم ،ح تى إذا ق دموا الط ائف أراد المغ يرة بن ش عبة أن يق ِّدم أبا س فيان ،
فأبى ذلك أبو سفيان عليه ،وقال :ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهَ ْدم فلما
معتِّب ،خشية أن ُي ْر َمى ِ
دونه ،بنو َ
قومه َدخل المغيرةُ بن شعبة عالها يضربها بالم ْعول ،وقام ُ
نساء
أو يصاب كما أصيب عروة ،وخرج ُ
1
وذكر بعض من أًلف في الس ير أن المغ يرة ق ال ألبي س فيان حين ه دمها :أال أض حكك 1
من ثقيف ؟ فق ال :بلى ،فأخذ المع ول :وض رب به الالت ض ربة ،ثم ص اح وخر على وجهه ،
فارتجت الطائف بالصياح سروراً بأن الالت فد صرعت المغيرة ،وأقبلوا يقولون :كيف رأيتها
يا مغ يرة دونكها إن اس تطعت ،ألم تعلم أنها تهلك من عاداه ا ،ويحكم أال ت رون ما تص نع ؟ فق ام
المغ يرة يض حك منهم ،ويق ول لهم :با خبث اء ،واهلل ما فص دت إال اله زء بكم ،ثم أقبل على
هدمها ،حتى استأصلها واًقبلت عجائز ثقيف تبكى حولها ،وتقول :أسلمها
الرضاع ،إذ كرهوا المصاع ،أي أسلمها اللئام حين كرهوا القتال .
228
قال ابن هشام " :لتبكين " عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس :واه اً لك اه اً لك فلما هدمها
والج ْزع .
المغيرة ،وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ،وما لها من الذهب َ
األس ود ق دما على
من أول من أس لم من ثقيف :وك ان أبو ُملَيح بن ع روة وق ارب ابن ْ
رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم قبل وفد ثقيف ،حين قُتل ع روة يري دان ف راق ثقيف ،وأن ال
يجامع اهم على ش ىء أب داً ،فأس لما ؛ فق ال لهما رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم :وخالكما أبا
سفيان بن حرب ،فقاال :وخالنا أبا سفيان ابن حرب .
سؤال أبي المليح وقارب بن األسود قضاء دينهما من مال الالت :فلما أسلم أه ُل الطائف
ووجَّه رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم أبا س فيان والمغ يرة إلى ه دم الطاغي ة ،س أل رس ول اللّه
ص لى اهلل عليه وس لم أبو ُملَيح بن ع روة أن يقضي عن أبيه ع روة دينا ك ان عليه من م ال
الطاغية فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :
اللئام .
الرضاع ً :
2
نعم ،فق ال له ق ارب بن األس ود :وعن األس ود يا رس ول اللّه فاقضه : ،وع روة واألس ود
أخ وان ألب وأم ،فق ال رس ول اللّه ص لى :إن األس ود م ات مش ركا .فق ال ق ارب لرس ول اللّه
علي ،
صلى اهلل عليه وسلم :يا رسول اللّه ،لكن تصل مسلماً ذا قرابة ،يعنى نفسه ،إنما الدين َّ
وإ نما أنا الذي أطلب به ،فأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أبا سفيان أن يقضى دين عروة
واألس ود من م ال الطاغية ؛ فلما جمع المغ يرةُ مالها ق ال ألبي س فيان :إن رس ول اللّه ص لى اهلل
عليه وسلم قد أمرك أن ال تقضى عن عروة واألسود دينهما ،فقضى عنهما.
كتاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الذي كتَب لهم :
كتابه عليه السالم لثقيف :وكان ُ
5
بسم اللّه الرحمن الرحيم :من محمد النبي ،رسول اللّه ،إلى المؤمنين :إن ِعضاهَ 4وج
ضد ،من ُوجد يفعل شيئاً من
وصيده ال ُي ْع َ
وج :أرض الطائف ،وهى التي جاء فيها الحديث " :إن أخر وطأة وطئها الرب بوج 5
)
ومعناها عند بعض هم :أخر غ زوة ووقعة ك انت ب أرض الع رب ب وج ألنها أخر غزواته –
ص لى اهلل عليه وس لم -إلى الع رب ،وقد قيل في مع نى الح ديث غ ير ه ذا ،مما ذك ره القت بى،
ونحن نضرب عن ذكره ،لما فيه من إبهام التشبيه تعالى اللّه ،واللّه المستعان .
وقد قيل في وج هي الطائف نفسها ،وقيل :هو اسم ٍ
لواد بها ،ويشهد لهذا القول قول
أمية بن األسكر :
دار قومي بربوة وزتوق إن وجاً وما يلي بطن وج
ال يعضد :ال يقطع أي أنه حرام على غير أهله كتحريم مكة والمدينة ( .عن الروض األنف
).
230
ذلك ،فإنه ُيجلد وتنزع ثيابه ،فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد ،وإ ن هذا
أمر النبي محمد رسول اللّه. 6
وكتب خالد بن س عيد :ب أمر الرس ول محمد بن عبد اللّه ،فال يتع َّده أح د ،فيظلم نفسه فيما
أمر به محمد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
حج أبي بكر بالن اس س نة تسع واختص اص الن بي ص لى اهلل عليه وس لم علي بن أبي ط الب
رض وان اللّه عليه بتأدية أول ب راءة عنه ق ال ابن إس حاق :ثم أق ام رس ول اللّه ص لى اهلل عليه
وس لم بقية ش هر رمض ان وش واالً وذا القع دة ،ثم بعث أبا بكر أم يراً على الحج من س نة تسع ،
ليقيم للمسلمين َحجَّهم ،والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم .
وم ْن معه ِم َن المس لمين .ن زول س ورة ب راءة في نقض ما
فخ رج أبو بكر رضى اللّه عنه َ
بين المسلمين والمشركين :
ض ما بين رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وبين المش ركين من ون زلت ( ب راءةُ ) في َن ْق ِ
العه د ،ال ذي ك انوا عليه فيما بينه وبينهم :أن ال ُيصد عن ال بيت أح ٌد ج اءه ،وال يخ اف أحد في
الشهر الحرام .وكان ذلك عهداً عاما بينه وبين
وكتابه ص لى اهلل عليه وس لم ألهل الط ائف أط ول مما ذك ره ابن إس حاق بكث ير ،وقد 6
أورده أبو عبيد بكماله في كت اب األم وال .وذكر فيه ش هادة علي وابنيه الحسن والحس ين ،ق ال
وفيه من الفقه ش هادة الص بيان ،وكتابة أس مائهم قبل البل وغ ،وإ نما تقبل ش هادتهم إذا أدوها بعد
البلوغ ،وفيه من الفقه أيضاً شهادة االبن مع شهادة أبيه في عقد واحد.
231
الناس من أهل .الشرك ،وكانت بين ذلك عهود بين رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وبين
.قبائل الع رب خص ائص ،إلى آج ال ُمس ماة ،ف نزلت فيه وفيمن تخلف من المن افقين عنه في
تب وك ،وفى ق ول َم ْن ق ال منهم ،فكشف اللّه تع الى فيها س رائر أق وام ك انوا َيس تخفون بغ ير ما
اءةٌ ِم ْن اللَّ ِهُيظه رون ،منهم من س َّمى لنا ومنهم ال من لم يس ِّم لنا ،فق ال ع ّز وج ّل َ{ :ب َر َ
7
7أهل التفسير يقولون إن آخر سورة براءة نزل قبل أولها :فإن أول ما نزل فيها ِ { :
انف ُروا
انف ُروا ِخفَافًا
ِخفَافًا وثِقَااًل } [التوبة ]41 :ثم نزل أًولها في نبذ كل عهد إلى صاحبه .وقوله ِ {:
َ
َوثِقَااًل فيه أقوال ،قيل معناه :شباناً وشيوخاً ،وقيل :أغنياء وفقراء ،وقيل أصحاب شغل
وغير ذي شغل ،وقيل :ركبانا ورجالة .
ي وم الحج األ ًك بر " قيل :أراد حين الحج ،أي أي ام الموسم كله ا ،ألن ن داء علي بن أبي 8
ومن كان له عهد جعل له أربعة أشهر أولها يوم النحر من ذلك العام
232
وقد غير عمر رضى اهلل عنه اسم األجدع ،وقال :األجدع :اسم شيطان ،فسماه عبد 10
وم ْنكرا
األرض معروفا إلينا ُ وكان علينا ذمةٌ أن تجاوزوا من
وهذا البيت في ثالثة أبيات له ،وجمعها :ذمم .
ِ ِ َّ ِ ِ ِ
ون* ا ْشتََر ْوا بِ َآيات الله ثَ َمًنا َقلياًل فَ َ
ص ُّدوا ون ُك ْم بِأَ ْف َواه ِه ْم َوتَأَْبى ُقلُ ُ
وبهُ ْم َوأَ ْكثَُر ُه ْم فَاسقُ َ ض َ{ ُي ْر ُ
ون } ون ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإاًّل َواَل ِذ َّمةً َوأ ُْولَئِ َ
ك ُه ْم اْل ُم ْعتَ ُد َ ون* اَل َي ْرقُُب َ اء َما َك ُانوا َي ْع َملُ َ
ِِ
َع ْن َس بِيله ِإَّنهُ ْم َس َ
[التوبة8 :ـ ]10أي قد اعتدوا عليكم
ِ ِ الز َكاةَ فَِإ ْخ َو ُان ُك ْم ِفي ِّ ِ
ص ُل اآْل َي ات لقَ ْوٍم َي ْعلَ ُم َ
ون } الد ِ
ين َوُنفَ ِّ الصاَل ةَ وآتَ ْوا َّ
اموا َّ َ { فَإ ْن تَ ُابوا َوأَقَ ُ
[التوبة.]11 :
اختص اص علي بتأدية ب راءة :ق ال ابن إس حاق :وح دثني حكيم ابن حكيم بن عبَّاد بن
ُحَن ْيف ،عن أبي جعفر محمد بن على رضوان اللّه عليه ،أنه قال :لما نزلت براءةُ على رسول
اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وقد ك ان بعث أبا بكر الص ديق ليقيم للن اس الحج ،قيل له :يا رس ول
اللّه لو بعثت بها إلى أبي بك ر ،فق ال :ال ي ؤدي ع نى إال رج ٌل من أهل بي تي ،ثم دعا علي بن
أبي ط الب .رض وان اللّه عليه ،فق ال له :أخ رج به ذه القصة من ص در ب راءة ،وأذن في الن اس
وم النحر إذا اجتمع وا بم نى ،أنه ال ي دخل الجنة ك افر ،وال يحج بعد الع ام مش رك ،وال يط وف
ي َ
بالبيت عريان ،ومن كان له عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته فخرج
ض باء ،حتىالع ْ ِ
على بن أبي طالب رضوان اللّه عليه على ناقة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ
أدرك أبا بكر بالطريق فلما رآه أبو بكر بالطريق ق ال :أأمير أم مأمور ؟ فق ال :بل م أمور ،ثم
الس نة على منازلهم من الحج ،التي
مضيا .فأقام أبو بكر للناس الحج ،والعرب إذ ذاك في تلك َّ
كانوا عليها في الجاهلية .
ح تى إذا ك ان يوم النحر ،ق ام على بن أبي ط الب رضى اللّه عنه ،ف َّ
أذن في الن اس بال ذي
أمره به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :أيها الناس ،إنه ال يدخل
234
الجن ةَ ك افر ،وال يحج بعد الع ام مش رك ،وال يط وف ب البيت ُعري ان ،ومن ك ان له عند
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ؛ وأجل الناس أربع ةَ أشهر من يوم َّ
أذن
فيهم ،ل يرجع كل ق وم إلى م أمنهم أو ِ
بالدهم ،ثم ال عهد لمش رك وال ذم ة ،إال أحد ك ان له عند
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد إلى مدة ،فهو له إلى مدته .فلم يحج بعد ذلك العام مشرك
. 11
،ولم يطف بالبيت عريان
.ثم قدما على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
المشركين للناس في حجهم وتلبيتهم بالشرك وطوافهم عراة بالبيت ،وكانوا يقصدون بذلك أن
يطوف وا كما ول دوا بغ ير الثي اب ال تي أذنب وا فيه ا ،وظلم وا ،فأمسك ص لى اهلل عليه وس لم -عن
الحج في ذلك الع ام ،وبعث أبا بكر -رضى اهلل عنه -بس ورة ب راءة لينبذ إلى كل ذي عهد
عهده من
المشركين إال بعض بني بكر الذين لهم عهد إلى أجل خاص ،ثم أردف بعلي رضى اللّه
عنه ،فرجع أبو بكر للنبي صلى اهلل عليه وسلم ،وقال :يا رسول اللّه هل أنزل في قرآن
؟ ق ال :ال ،ولكن أردت أن يبلغ ع نى من هو من أهل بي تي ،وق ال أبو هري رة :ف أمرني علي –
رضى اهلل عنه
أن أطوف في المنازل من منى ببراءة ،فكنت أصيح حتى صحل حلقي ،فقيل له :بم
كنت تن ادي ؟ فق ال :ب أربع :أال ي دخل الجنة إال م ؤمن ،وأال يحج بعد ه ذا الع ام مش رك
،وأال يط وف ب البيت عري ان ،ومن ك ان له عه د ،فله أجل أربعة أش هر ثم ال عهد له ،وك ان
المش ركون إذا س معوا الن داء ب براءة يقول ون لعلى :س ترون بعد األش هر ،بأنه ال عهد بيننا وبين
ابن عمك إال الطعن والض رب ،ثم إن الن اس في تلك الم دة رغب وا في اإلس الم ح تى دخل وا فيه
طوع اً ،وحج رسول اللّه – صلى اهلل عليه وسلم -في العام القابل ،وحج المسلمون ،وقد عاد
الدين كله واحدا للّه رب العالمين .
وأما النداء في أيام التشريق بأنها أيام أكل وشرب ،وفي بعض الروايات أكل وشرب وبعال -
مباشرة النساء -فإن الذي أمر أن ينادي بذلك في أيام التشريق هو كعب بن مالك وأوس بن
الحرثان ،وفي الصحيح أن زيد بن مربع ويقال فيه أيضاً أن عبد اللّه بن مربع كان ممن أمر أن
ينادي بذلك وروي مثل ذلك عن بشر بن سحيم الغفاري ،وقد روي أن حذيفة كان المنادي بذلك
،وعن سعيد بن أبي وقاص أيضاً ،وبالل ،ذكر بعض ذلك البزار في مسنده
235
ق ال ابن إس حاق :فك ان ه ذا من ب راءة فيمن ك ان من أهل الش رك من أهل العهد الع ام ،
وأهل المدة إلى األجل المسمى .
األمر بجه اد المش ركين :ق ال ابن إس حاق :ثم أمر اللّه رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم
بجه اد أهل الش رك ،ممن نقض من أهل العهد الخ اص ،ومن ك ان من أهل العهد الع ام ،بعد
فيقتل بعدائه ،فق ال {:أَاَل دو فيها ع اد منهم ُ ، األربعة األش هر ال تي ض رب لهم أجال إال أن يع َ
َّ الرس ِ ِ
َنق أْ ول َو ُه ْم َب َد ُءو ُك ْم أ ََّو َل َم َّر ٍة أَتَ ْخ َش ْوَنهُ ْم فَاللهُ أ َ
َح ُّ اج َّ ُ ون قَ ْو ًما َن َكثُوا أ َْي َم َانهُ ْم َو َه ُّموا بِِإ ْخ َر ِ
تُقَاتلُ َ
ِ َّ ِ تَ ْخ َش وه ِإ ْن ُكنتُم م ؤ ِمنِين* قَ اتِلُ ُ ِّ
ورص ُد َ ص ْر ُك ْم َعلَْي ِه ْم َوَي ْش ف ُ وه ْم ُي َع ذ ْبهُ ْم اللهُ بِأ َْي دي ُك ْم َوُي ْخ ِز ِه ْم َوَي ْن ُ ْ ُْ َ ُْ
َّ ين* َوُي ْذ ِه ْ ِ
اء
وب الله } [التوبة13 :ـ : ]15أي بعد ذلك { َعلَى َم ْن َي َش ُ ظ ُقلُوبِ ِه ْم َوَيتُ ُ ب َغْي َ قَ ْوٍم ُم ْؤ ِمن َ
ون اللَّ ِه
اه ُدوا ِم ْن ُك ْم َولَ ْم َيتَّ ِخ ُذوا ِم ْن ُد ِ ين َج َ َّ َِّ يم* أ َْم َح ِس ْبتُ ْم أ ْ
َن تُتَْر ُك وا َولَ َّما َي ْعلَ ْم اللهُ الذ َ
ِ
يم َحك ٌ
َّ ِ
َواللهُ َعل ٌ
َّ ِ ِ
ون }[.التوب ة ]15،16:ق ال ابن هش ام : يج ةً َواللهُ َخبِ ٌير بِ َما تَ ْع َملُ َ ين َوِل َ َواَل َر ُس وِله َواَل اْل ُم ْؤ ِمن َ
لج :أي دخل ي دخل ،وفي كت اب اللّه عز وليجة :دخيل ،وجمعها :والئج ؛ وهو من َولَج َي ُ
اط} [األعراف :]40 :أي يدخل ،يقول :لم يتخذوا دخيالً وجل {:حتَّى يِلج اْلجم ُل ِفي س ِّم اْل ِخي ِ
َ َ َ َ َ ََ
اإليمان للذين آمنوا
َ من دونه ُي ِس ُّرون إليه غير ما ُيظهرون ،نحو ما يصنع المنافقون ،يظهرون
اطينِ ِه ْم قَالُوا ِإَّنا َم َع ُك ْم } [البقرة ]14 :قال الشاعر :
{ وإِ َذا َخلَوا ِإلَى َشي ِ
َ ْ َ
وب الق ران ي رد على ق ريش ف غ ير م ُش ِ
علت وليج ةً س اقوا إليك الحتْ َ َ َ واعلم بأنك قد ُج َ
الحاج ،
ّ قول قريش :إنا أه ُل الحرم ،وسقاةُ ادعاءهم عمارة البيت :قال ابن إسحاق :ثم ذكر َ
آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم ِ َّ ِ ِ
وعم ار ه ذا ال بيت ،فال أحد أفضل منا ؛ فق ال { :إَّن َما َي ْع ُم ُر َم َس اج َد الله َم ْن َ
ُ
اآْل ِخ ِر } :أي أن عم ارتكم ليست على ذلك ،وإ نما يعمر مس اجد اللّه أَي من يعمرها بحقها {
آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر
َم ْن َ
236
َن
ك أْالز َك اةَ َولَ ْم َي ْخ َش ِإاَّل اللَّهَ } :أي فأولئك عمارها { فَ َع َس ى أ ُْولَئِ َ الص اَل ةَ وآتَى َّ
َوأَقَ َام َّ َ
ين } [التوبة ]18 :وعسى من اللّه :حق . ِ ي ُك ُ ِ
ونوا م ْن اْل ُم ْهتَد َ َ
آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر ِ ِِ َج َعْلتُ ْم ِس قَ َايةَ اْل َح ِّ ِ
اج َوع َم َارةَ اْل َم ْس جد اْل َح َرام َك َم ْن َ ق ال تعالى { :أ َ
ون ِع ْن َد اللَّ ِه }[.التوبة]19 : اه َد ِفي سبِ ِ َّ ِ
يل الله اَل َي ْستَُو َ َ َو َج َ
ثم القصة عن عدوهم ،وما أنزل اللّه تعالى من نصره بعد تخاذلهم ،ثم
ام ِه ْم َه َذا َوإِ ْن ِخ ْفتُ ْم
قال تعالى ِ { :إَّنما اْلم ْش ِر ُكون َنجس فَاَل ي ْقرب وا اْلمس ِج َد اْلح رام بع َد ع ِ
ََ َ َْ َ َْ ََُ َ ٌَ َ ُ
وليذهبن ما كنا نصيب َّ َعْيلَةً } وذلك أن الناس قالوا :لتنقطعن عنا آألسواق ،فلتهلكن التجارة،
فيها من المرافق ،فقال
ضِل ِه } :أي ف ُي ْغنِي ُك ْم اللَّهُ ِم ْن فَ ْاللّه عز وجل َ { :وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم َعْيلَةً فَ َس ْو َ
ون بِاللَّ ِه َواَل بِ اْلَي ْوِم
ين اَل ُي ْؤ ِمُن َ
ِ َِّ
يم* قَ اتلُوا الذ َ
ِ
يم َحك ٌ
َّ ِ
اء ِإ َّن اللهَ َعل ٌ من وجه غ ير ذلك { ِإ ْن َش َ
اب َحتَّى ِ اآْل ِخ ِر واَل يحِّرم ون ما ح َّرم اللَّه ورس ولُه واَل ي ِد ُينون ِدين اْلح ِّ ِ َِّ
ين أُوتُ وا اْلكتَ َ ق م ْن الذ َ َ َ َ َ َُ ُ َ َ َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ
ِ ٍ
ون } [التوب ة : 12]28،29 :أي ففي هذا عوض مما تخوفتم ص اغ ُر َ ُي ْعطُ وا اْل ِج ْزَي ةَ َع ْن َي د َو ُه ْم َ
من قطع األسواق ،فعوضهم اللّه بما قطع عنهم بأمر الشرك ،ما أعطاهم من أعناق أهل
الكتاب ،من الجزية .
ِ ٍ
ون[ التوب ة ]28،29 :قيل فيه قوله تع الى َ :حتَّى ُي ْعطُ وا اْل ِج ْزَي ةَ َع ْن َي د َو ُه ْم َ
ص اغ ُر َ
12
والفرية عليه ،ح تى ما ن زل في أهل الكت ابين :ثم ذكر أه َل الكت ابين بما فيهم من الش ِّر ِ
ِِ انتهى إلى قوله تع الى َ { :كثِ ًيرا ِم ْن اأْل ْ
ون اس بِاْلَباط ل َوَي ُ
ص ُّد َ الن ِ ال َّ الر ْهَب ِ
ان لََي ْأ ُكلُ َ
ون أ َْم َو َ َحَب ِار َو ُّ
اب أَِل ٍيم }.
يل اللَّ ِه فََب ِّش ْر ُهم بِ َع َذ ٍ
ْ
ونها ِفي س بِ ِ
َ
ِ ب َواْل ِف َّ
ض ةَ َواَل ُينفقُ َ َ
َّ
ون ال ذ َه َ
ِ
ين َي ْكن ُز َ
ع ْن س بِ ِ َّ ِ َِّ
يل الله َوالذ َ َ َ
[التوبة]34 :
ىء ،وما ك انت الع رب أح دثت فيه ،والنس يء ما ك ان ما ن زل في النس يء :ثم ذكر النس َ
الش هُ ِ
ور ويح رم مما أحل اللّه منه ا ،فق ال ِ { -:إ َّن ِع َّدةَ ُّ ُيحل مما ح رم اللّه تع الى من الش هورُ ،
ين
الد ُك ِّ ات َواألرض ِم ْنهَا أ َْرَب َع ةٌ ُح ُر ٌم َذِل َ
الس ماو ِ
ق َّ َ َ اب اللَّ ِه َي ْو َم َخلَ َِعْن َد اللَّ ِه اثَْنا َع َشر َش ْهرا ِفي ِكتَ ِ
َ ً
ظِل ُموا ِفي ِه َّن أ َْنفُ َس ُك ْم } [التوبة :]36 :أي ال تجعلوا حرامها حالال ،وال حاللها حراما : ِّم فَاَل تَ ْ
اْلقَي ُ
ادةٌ ِفي اْل ُك ْف ِريء ِزَي َ الن ِس يء } الذي كانوا يصنعون { ِإَّنما َّ ِ
النس ُ َ أي كما فعل أهل الشرك { ِإَّن َما َّ ُ
َّ َّ ِ ُّ ونه ع ِ ِ ِ ين َكفَ ُروا ُي ِحلُّ َ ِ َِّ
اما لُي َواطُئوا ع َّدةَ َما َح َّر َم اللهُ فَُيحلوا َما َح َّر َم اللهُ
اما َوُي َحِّر ُم َ ُ َ ً ونهُ َع ً ض ُّل بِه الذ َُي َ
ِ ِ َّ ُزيِّن لَهم سوء أ ْ ِ
ين } [التوبة.]37 : َع َمال ِه ْم َواللهُ اَل َي ْهدي اْلقَ ْو َم اْل َكاف ِر َ َ ُْ ُ ُ
ما ن زل في تب وك :ثم ذكر تب وك وما ك ان فيها من تثاقل المس لمين عنه ا ،وما أعظم وا من
غ زو ال روم ،حين دع اهم رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم إلى جه ادهم ،ونف اق من ن افق من
المنافقين حين ُدعوا إلى ما ُدعوا إليه من الجهاد ،ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في ِ
اإلسالم ،فقال
يل اللَّ ِه اثَّا َقْلتُ ْم ِإلَى األرض }[التوبة: انف روا ِفي س بِ ِ
َ
ِ ِ
آمُن وا َما لَ ُك ْم ِإ َذا قي َل لَ ُك ْم ُ ين َ
َِّ
تعالى َ { :ياأَيُّهَا الذ َ
يما َوَي ْستَْب ِد ْل قَ ْو ًما َغْي َر ُك ْم } إلى قوله تعالى ِ ِّ
،]38ثم القصة إلى قوله تعالىُ { : :ي َعذ ْب ُك ْم َع َذ ًابا أَل ً
ين َكفَ ُروا ثَ انِ َي اثَْن ْي ِن ِإ ْذ ُه َما ِفي اْل َغ ِار } [التوب ة: َِّ
َخ َر َج هُ الذ َ ص َرهُ اللَّهُ ِإ ْذ أ ْ
نص ُروهُ فَقَ ْد َن َ
اَّل
ِ { :إ تَ ُ
]40
ما نزل في أهل النفاق :ثم قال تعالى لنبيه صلى اهلل عليه وسلم ،يذكر أهل النفاق { :لَ ْو
تك َولَ ِك ْن َب ُع َد ْ َكان عرضا قَ ِريبا وسفَرا قَ ِ
اص ًدا اَل تََّب ُعو َ ً َ ًَ َ ََ ً
238
يريد بالوحد :الف رس الواح د .ش أوه :س بقه .الش ريج :الن وع .الشد واإليض اع : 13
نوعان
من الجري .
239
14الوسق :هو حمل بعير يقال عنده وسق من تمر والجمع وسوق مثل فلس وفلوس ،قال
األزهري :الوسق ستون صاعا بصاع النبي – صلى اهلل عليه وسلم ،-والصاع خمسة
أرطال وثلث ،
والوسق على هذا الحساب مائة وستون َمناً ،والوسق ثالثة آًقفزة وحكى بعضهم الكسر لغة
وجمعه أوساق مثل حمل وأحمال .
15اسمه جثجاث وقد قيل في صاحب الصاع إنه رفاعة بن سهل .
241
ما ن زل في المس تأذنين والمع ذرين والبك ائين :ق ال ابن إس حاق :ثم ق ال تع الى َ { :وإِ َذا
ك أ ُْولُ وا الطَّ ْو ِل ِم ْنهُ ْم } [.التوب ة]86 : ِ ِ
َن آمُن وا بِالله َو َجاه ُدوا َم َع َر ُس وِله ْ
اس تَْأ َذَن َ َّ ِ ت س ورةٌ أ ْ ِ
أُن ِزلَ ْ ُ َ
الر ُس و ُل وك ان ابن أبي من أولئك ،فنعى اللّه ذلك عليه ،وذك ره منه ،ثم ق ال تع الى { :لَ ِك ْن َّ
َّ ِ ات َوأ ُْولَئِ َ اه ُدوا بِأ َْم َو ِال ِه ْم َوأَنفُ ِس ِه ْم َوأ ُْولَئِ َ َِّ
َع َّد اللهُون* أ َ ك ُه ْم اْل ُم ْفل ُح َ ك لَهُ ْم اْل َخ ْي َر ُ آمُنوا َم َعهُ َج َ ين ََوالذ َ
ون ِم ْن ِّ
اء اْل ُم َع ذ ُر َ يم* َو َج َ
ِ
ك اْلفَ ْو ُز اْل َعظ ُ ين ِفيهَا َذِل َ ِ ِ ِ ِ
لَهُ ْم َجَّنات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحتهَا اأْل َْنهَ ُار َخال د َ
ٍ
ين َك َذُبوا اللَّهَ َو َر ُس ولَهُ }[.التوب ة 88 :ـ . . ]90إلى آخر القصة . َِّ َع ر ِ ِ
اب لُي ْؤ َذ َن لَهُ ْم َوقَ َع َد الذ َ اأْل ْ َ
رحضة ،16ثم ك انت ِ
وك ان المع ذرون ،فيما بلغ ني نف راً من ب ني غف ار ،منهم ُخف اف بن ْأيم اء بن َ
َج ُد َما ت اَل أ ِ ك ِلتَ ْح ِملَهُ ْم ُقْل َ
ين ِإ َذا َما أَتَ ْو َ َِّ
القصة ألهل الع ذر ،ح تى انتهى إلى قوله َ { :واَل َعلَى الذ َ
ِ اَّل ِ ِ َح ِملُ ُك ْم َعلَْي ِه تََولَّوا َوأ ْ
ون } ([التوب ة ]92 :وهم يض م ْن ال َّد ْم ِع َح َزًنا أَ َي ِج ُدوا َما ُينفقُ َ َعُيُنهُ ْم تَف ُ أْ
البكاءون .
ك و ُهم أ ْ ِ ين َي ْس تَأ ِْذُن َ َِّ
ون وا َم َع ض وا بِ أ ْ
َن َي ُك ُ اء َر ُ َغنَي ُ ون َ َ ْ الس بِي ُل َعلَى الذ َ ثم ق ال تع الى ِ { :إَّن َما َّ
ون } الخوالف :النس اء .ثم ذكر َحِلفَهم للمس لمين َّ
طَب َع اللهُ َعلَى ُقلُ وبِ ِه ْم فَهُ ْم اَل َي ْعلَ ُم َ ف َو َ اْل َخو ِال ِ
َ
واعتذارهم ،
َّ
ض ْوا َع ْنهُ ْم فَ ِإ َّن اللهَ اَل َي ْر َ
ضى ض وا َعْنهُ ْم } ،إلى قوله تع الى { :فَ ِإ ْن تَْر َ
َع ِر ُ
فق ال { :فَأ ْ
ِِ
ين }[.التوبة]96 : َع ْن اْلقَ ْوِم اْلفَاسق َ
ما ن زل في من افقي األع راب :ثم ذكر األع راب ومن ن افق منهم وتربص هم برس ول اللّه
ق } :أي من اب َم ْن َيتَّ ِخ ُذ َما ُي ِنف ُ
َع ر ِ
ص لى اهلل عليه وس لم وب المؤمنين ،فق ال َ { :و ِم ْن اأْل ْ َ
ِ َّ ِ الد َوائَِر َعلَْي ِه ْم َدائِ َرةُ َّ
الس ْو ِء َواللهُ َس ميعٌ َعل ٌ
يم َّص بِ ُك ْم َّ
صدقة أو نفقة في سبيل اللّه { َم ْغ َر ًما َوَيتَ َرب ُ
}[.التوبة]98 :
يقال فيه :رحضة بالضم ابن خربة ،وكان له وألبيه إيماء ولجده رحضة صحبة ،مات 16
خفاف في خالفة عمر بن الخطاب -رضى اهلل عنه -وكان إماماً لبني غفار.
243
واإليم ان منهم ، اإلخالص ِ راب أه َل ِما ن زل في المخلص ين من األع راب :ثم ذكر األع َ
ات ِع ْن َد اللَّ ِه وص لَو ِ
ق قُرب ٍ ِ ِ ِ َّ ِ َع ر ِ
ات َ َ َ اب َم ْن ُي ْؤ ِم ُن بِالله َواْلَي ْوِم اآْل خ ِر َوَيتَّخ ُذ َما ُينف ُ ُ َ فقال َ { :و ِم ْن اأْل ْ َ
الرس ِ
ول أَاَل ِإَّنهَا قُْرَبةٌ لَهُ ْم }[.التوبة]99 : َّ ُ
ما نزل في السابقين من المهاجرين واألنصار والتابعين لهم بإحسان :ثم ذكر السابقين
األولين من المهاجرين واألنصار ،وفضلَهم ،
ض َي ما وع دهم اللّه من حسن ثوابه إي اهم ،ثم ألحق بهم الت ابعين لهم بإحس ان فق ال { :ر ِ
َ
َه ِل
ون َو ِم ْن أ ْ ِ َع ر ِ ِ َّ
اب ُمَن افقُ َ ض وا َعْن هُ } ثم ق ال تع الى َ { :و ِم َّم ْن َح ْولَ ُك ْم م ْن اأْل ْ َ اللهُ َع ْنهُ ْم َو َر ُ
ق } أي لج وا فيه ،وأب وا غ يره { َس ُن َع ِّذُبهُ ْم َم َّرتَْي ِن } والع ذاب ال ذي اْل َم ِد َين ِة َم َر ُدوا َعلَى ِّ
النفَ ا ِ
اإلس الم ،وما ي دخل عليهم من أوع ده اللّه تع الى م رتين ،فيما بلغ ني غمهم بما هم فيه من أمر ِ
غيظ ذلك على غير ِحسبة ،ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ،ثم العذاب العظيم الذين ُي ردون
ص ِال ًحا
اعتََرفُوا بِ ُذُنوبِ ِه ْم َخلَطُ وا َع َماًل َ ون ْ آخ ُر َإليه ،عذاب النار والخلد فيه .ثم قال تعالى َ { :و َ
ِ َّ
يم } [التوب ة ]102 :ثم ق ال تع الى { : ور َرح ٌ وب َعلَْي ِه ْم ِإ َّن اللهَ َغفُ ٌ آخ َر َس يًِّئا َع َس ى اللَّهُ أ ْ
َن َيتُ َ َو َ
طهِّ ُر ُه ْم َوتَُز ِّكي ِه ْم بِهَا } [التوبة]103 : ِ ِ
ُخ ْذ م ْن أ َْم َوال ِه ْم َ
ص َدقَةً تُ َ
َّ ِ
ون ُم ْر َج ْو َن أِل َْم ِر الله ِإ َّما ُي َع ِّذُبهُ ْم َوإِ َّما َيتُ ُ
وب آخ ُر َ إلى أخر القصة .ثم ق ال تع الى َ { :و َ
َعلَْي ِه ْم } ،وهم الثالثة الذين ُخلفوا ،وأرجأ رسول آللّه صلى اهلل عليه وسلم أمرهم حتى أتت من
ض َر ًارا }[.التوب ة . . ]107 :إلى آخر اللّه ت وبتُهم .ثم ق ال تع الى { :والَِّذين اتَّ َخ ُذوا مس ِج ًدا ِ
َْ َ َ
ين أَنفُ َس هُ ْم َوأ َْم َوالَهُ ْم بِ أ َِّ ِ القصة .ثم ق ال تع الى ِ { :إ َّن اللَّهَ ْ
َن لَهُ ْم اْل َجَّنةَ } اش تََرى م ْن اْل ُم ْؤ ِمن َ
[التوبة ]111 :ثم كان قصة الخبر عن تبوك ،وما كان فيها إلى أخر السورة .
وك انت ب راءة تُس مى في زم ان الن بي ص لى اهلل عليه وس لم وبع ده المبعثِ رة ،لما كش فت من
سرائر الناس .وكانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
244
نسب حسان نفسه لمعد وهو ليس من معد ولكن أراد :ألست خير الناس ،فأقام معدا لكثرتها 17
مقام الناس .وحصلوا :أصلها بتشديد الصاد وخففها لضرورة الشعر .ومعنى حصلوا :
جمعوا.
ألوا :قصروا . 18
َن َكال
الجبن والتأخر ،قال اًبو زيد :نكل إذا أراد أن ِ
عى وهو ُ
األصم ّ
َ من باب تعب لغة ومنعها
يصنع شيئا فهابه ،ونكل عن اليمين امتنع منها ون َكل به ين ُكل من باب قتل ُن ْكلة قبيحة
أصابه بنازلةَّ ،
ونكل به بالتشديد مبالغة أيضا واالسم الن َكال .
جاسوها :وطئوها .البيض :السيوف :األسل :الرماح . 22
األسالب َّ
والن َف ُل ِ
الرسول بها مع نجد ثم كان لهم وغزوةً يوم ٍ
ُ َ
24 ِ
بالحرب إذ َنهَلوا يعلّهم
فيها َ بحَنين جالدوا معه
وليلةً ُ
25
الر َس ُل
رب َّ فرق دون ِ
الم ْش ِ العدو به كما تُ َّ
القاع فََّرقنا َّ
وغزوةَ ِ
َ
فآس ْوه وما َع َدلوا على ِ ِ ويوم ُبويع كانوا أه َل بيعتِه
الجالد َ َ
مرابطين فما طا ُشوا وما َع ِجلوا الفتح كانوآ في َسريَّته وغزوةَ ِ
ط ُل يمشون كلُّهم ُم ْستبس ٌل ب َ ِ
كتيبته خيبركانوا في ويوم ََ
ِ
وتعتد ُل ِ
الضرب أحياناً األيمان عاريةً تَ ْع َو ُّج في ش في ْ ِ
بالبيض تَْر َع ُ
األو ُل
وهم راياتهُ َ وك ْ إلى تَُب َ سار رسو ُل اللّ ِه ُم ْحتَ ِسباً ويوم َ
َ
لهم ا ِإلقبا ُل والقَ َف ُل ِ
بدا ُ لهم حتى َ بدت ُ
حرب ْ وساسةُ الحرب إن
26
ٌ
ص ُل أصير إليهم حين أتَّ ِ قومى ِ أنصار النبي وهم القوم
َ ُ ُ أولئك ُ
سبيل اللّه إذ قُتلوا وقتلُهم في ِ هم
عهود ُ
ُ ماتوا ِكراماً ولم تُْن َك ْ
ث
قال ابن هشام :عجز اخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :وقال حسان بن ثابت أيضاً :
سالم كان لنا الفض ُل ، ِ ٍ ِ
فلما أتى آإل ُ محمد الناس قب َل ك
كنا ملو َ
بأيام مضت ما لها َش ْك ُل ٍ غيره إلهٌ
وأكرمنا اللّه الذي ليس َ
ضى ما له ِمثْ ُل وألبسناه اسماً َم َ والرسول ودينِه
ِ بنصر ا ِإل ِ
له ِ .
أه ُل
فقومي له ْ فماع َّدمن ٍ قوم ِخير ٍ
خير ْ ُ بأسرهم أولئك قومى ُ
ون معرو ِفهم قُ ْف ُل ِ ِ
َي ُربُّون بالمعروف معروف َم ْن مضى وليس عليهم ُد َ
27
يعلهم :يكرر عليهم ،من العلل وهو الشرب الثانى .نهلوا :شربوا الشرب األول . 24
أنفه
األزهري :
ّ الصغانى :وال غرق وال حرق .وقال
ّ إذا مات من غير ضرب وال قتل وزاد
لم
أسمع للحتف فعال وحكاه ابن القوطية فقال :حتفه اللّه يحتفه حتفا أي من باب ضرب إذا
أماته ،ونقل الع دل مقب ول ،ومعن اه أن يم وت على فراشه فيتنفس ح تى ينقضي رمقه ،
ولهذا
خص األنفى ،ومنه يقال للسمك يموت في الماء ويطفو :مات حتف أنفه ،وهذه الكلمة
تكلم بها أهل الجاهلية قال السموأل :
وما مات منا سيد حتف أنفه "
عود :متكر ر . 30
أمير المسلمين :هو سعد بن معاذ فإن األنصار تزعم أن الرسول قال للمسلمين جميعا 31
مهاجرين وأنصار قوموا إلى سيدكم .أما من غسلته المالئكة فهو :حنظلة المدعو غسيل
المالئكة وهو أنصاري أيضا رضى اللّه عنهم .
األيسار :من يدخلون في الميسر .السنم :عظيم السنام . 32
247
33
كح ِّل القَ َس ْمالدهر يوماً ِ
ِ من الناس ،لم ُيملَكوا ِ ملوكاً على
34
ثمود وبعض بقايا ِإ َر ْم
َ ِ
وأشياعها فأنبوا ٍ
بعاد َْ ْ
35
ًّن فيها َّ
الن َع ْم ودج َ
ُحصونا ُ ِ
النخيل بيثرب قد َشيدوا في َ
36
ُدَ :ع ْل -إليك وقَوالً َهلُ ْم واض َح قد َعلَّمتها اليهو َن ِ
هم والعيش رخواً على ِ القطا ِعصير ِِ
غير ْ ف وفما اشتهوا من
ِ 37
جان قَط ْم فحل ِه ٍكل ٍ على ِّ فسرنا إليهم ِ
بأثقالنا ْ
ِ
األد ْم
الل َ ِل قد َجلَّلوها ِج َ ياد الخيو بهن ِج ََجَن ْبنا َّ
38
41
كمثل ُّ
الزلَ ْم أمين الفُصوص ِ ِ ِ
الفؤاد وكل ُك َم ْي ٍت ُمطار ِّ
البهَ ْم ِ
ب ُ وض ْر َ
قراع الكماة َ فوارس قد ُع ِّودوا عليها
42
َ ُ
ون ولكن قُ ُد ْم ِ
ال َي ْنكلُ َ البالد شموا في ك إذا َغ َ ملو ٌ
43
حل القسم :ي راد بها الم دة القص يرة .وقد ذكر الس هيلى ه ذا ال بيت على غ ير ما ذص 33
المؤلف :
من الدهر يوماً كحل القسم وكانوا ملوكا ولم يملكوا
أنبوا :أنبئوا . 34
مطار :ذكى أمين .الفصوص :ما قوي من العظام .الزلم :القدح . 41
لم نرم :تقول " رم العظم يرم " اذا بلى فهو رميم وجمعه في األكثر أرماء مثل دليل وأدالء 44
وفيها رد على من زعم أن الحشمة ال تكون إال بمعنى الغضب وأنها مما يضعها الناس 45
غير موضعها ،وقد جاء عن ابن عباس :لكل طاعم حشمة ،فابدءوه باليمين ،وفي الحديث
المرفوع " :ال يرفعن أحدكم يده عن الطعام قبل اكيله ،فإن ذلك مما يحشمه " وأنشد
اًبو الفرج لمحمد بن يسير ،وإ ن كان ليس مثل حسان في الحجة :
جالست أهل الوفاء والكرم في انقباض وحشمة فإذا
وقلت ماشئت غيرمحتشم أرسلت نفسي على سجيتها
يخترم :يهلك . 46
47له ميعة أي مصقول يشبه المائعات في بريقه وصفائه .الذباب حد السيف .خذم :قاطع .
القروم :السادة .التليد :القديم .األشم :العالى .وعز أشم ،هو كقول العرب :عزة 48
قعساء ،يريد شماء ،ألن االًقعس الذي يخرج صدره ويدخل ظهره ،وقد فسره المبرد غير
هذا التفسير وبيت حسان يشهد لما قلناه إنما هو الشمم الذي يوصف به ذوو العزة،
فوصفت العزة به مجازاً.
249
49
ص ْم
وغادر َن ْسالً إذا ما انفَ َ إذا َم َّر نس ٌل كفى نسلُه
50
عليه وإ ن خاس فض ُل ِّ
الن َع ْم ِ
الناس إال لنا من
إن َ
فما ْ
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد األنصاري بيته :
بأمر ُغ ُش ْم ينادون ُغضباً ٍ ِ
بأرضيهم ال فكانوا ملوكاً
وأنشدني :
ود ِّجن فيها َّ
الن َع ْم ُحصوناً ُ ِ
النخيل بيثرب قد َشيَّدوا في
َ
ميت ُمطار الفؤاد " عنه . وبيته " . . .وكل ُك ْ
ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود
ونزول سورة الفتح
قال ابن إسحاق :لما افتتح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم مكةَ ،وفرغ من تبوك ،
وأسلمت ثقيف وبايعت ،ضربت إليه وفود العرب من ِّ
كل َو ْجه .
قال ابن هشام :حدثني أبو ُعَبيدة :أن ذلك في سنة تسع ،وأنها كانت تسمى سنة الوفود.
ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح } [النصر ]1 :قال ابن إسحاق :وإ نما كانت العرب ِ { :إ َذا َج َ
اء َن ْ
وأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وذلك أنأمر هذا الحي من قريش ْ تَ َربَّص ِ
باإلسالم َ
ريح ولد إسماعيل بن إبراهيموص َ وأهل البيت الحرام َ ،
َ إمام الناس وهاديهم ، قريشا كانوا َ
ت لح ربعليهما الس الم ،وق ادةُ الع رب ال ينك رون ذلك ،وك انت ق ريش هي ال تي نص َب ْ
ودوخها ِ
وخالفه ،فلما افتُتحت مك ة ،ودانت له ق ريش َّ ، رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم
ِ
بحرب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وال عداوته ، سالم ،وعرفت العرب أنه ال طاقةَ لهم ِ
اإل ُ
اجا } يض ربون إليه من كل وجه ،يق ول اللّه ف دخلوا في دين اللّه ،كما ق ال عز وجل { :أَ ْف َو ً
ون ِفي ِد ِ
ين اس َي ْد ُخلُ َ
الن َ ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح* َو َرأ َْي َ
ت َّ اء َن ْ تع الى لنبيه ص لى اهلل عليه وس لم ِ { :إ َذا َج َ
ان تََّو ًابا } [النص ر1 :ـ ]3أي فاحم ِد اللّه على ما ِ
اس تَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ ِّح بِ َح ْم ِد َرب َ
ِّك َو ْ اج ا* فَ َس ب ْ َّ ِ
الله أَ ْف َو ً
أظهر من دينك ،واستغفره انه كان توابا.51
وتفس ير ابن اس حاق لآلية في الظ اهر خالف ما ذك ره ابن عب اس حين س أله عمر عن 51
تأويله ا ،ف أخبره أن اللّه تع الى أعلم فيها نبيه عليه الس الم بانقض اء أجله ،فق ال له عمر ما أعلم
منها إال ما قلت .وظاهر هذا الكالم يدل على ما قاله ابن عباس وعمر ؛ ألن اللّه تعالى لم يقل
ِ ِّح بِ َح ْم ِد َرب َ
اس تَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ
ان ِّك َو ْ فاش كر ربك ،واحم ده ،كما ق ال ابن إس حاق :إنما ق ال :فَ َس ب ْ
تََّو ًابا [النص ر1 :ـ ]3فه ذا أمر لنبيه عليه الس الم باالس تعداد للق اء ربه تع الى والقربة إليه ،
ومعناها الرج وع عما ك ان بس بيله مما اًرسل به من إظه ار ال دين ،إذ قد ف رغ من ذلك ،وتم
ون
اس َي ْد ُخلُ َ
الن َ ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح* َو َرأ َْي َ
ت َّ مراده فيه ،فصار جوآب إذا من قوله تعالى ِ إ َذا َج َ
اء َن ْ
اجا محذوفا ،وكثيراً ما يجىء في القران الجواب ِفي ِد ِ َّ ِ
ين الله أَ ْف َو ً
محذوفاً ،والتقدير :إذا جاء نصر اللّه والفتح ،فقد انقضى األمر ،ودنا األجل ،وحان
كو ِ ِ
استَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ
ان تََّو ًابا .ووقع في مسند البزار مبيناً من ِّح بِ َح ْمد َرِّب َ َ ْ
اللقاء :فَ َسب ْ
قول ابن عباس فقال فيه :دنا أجلك فسبح ،هذا المعنى هو الذي فهمه ابن عباس ،وهو
حذف جواب إذا ،ولما يتنبه لهذه النكتة ،وحسب أن جوآب إذا في قوله سبحانه :فسبح ،
كما تقول :إذا جاء رمضان فصم ،وليس في هذا التأويل من المشاكلة لما قبله ما في .
" تأويل ابن عب اس فت دبره ،فقد وافقه عليه عمر رضى اللّه عنه ،وحس بك بهما فَ ْهم اً
لكتاب اللّه . .تبارك وتعالى ،فالفاء على قول ابن عباس رابطة لألمر بالفعل المحذوف ،وعلى
ما ظهر ،لغيره رابطة لجواب الشرط الذي في إذا.
251
بن يزي د ، .الحت ات وما اخ ذه معاوية من ميراثه :ق ال ابن هش ام :الحت ات وهو ال ذي أخى
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ،وكان رسول اللّه صلى اهلل
عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ،بين أبي بكر وعمر ،وبين عثمان بن
عفان وعبد الرحمن بن عوف ،وبين طلحة
وهو صاحب الحلة التي قال فيها النبي – صلى اهلل عليه وسلم -إنما يلبس هذه الحلة 52
من ال خالق له ،وقول عمر رضى اللّه عنه :أتكسوني هذه ،وقد قلت في حلة عط ارد ما قلت ،
وكان سبب
تلك الحلة أن حاجب بن زرارة أبا عطارد كان وفد على كسرى ليأخذ منه أمانأ ورمه
ليقربوا من ريف العراق لجدب أصاب بالدهم ،فسأله كسرى رهنآ ليستوثق بها منهم ،
فدفع إليه قوسه رهينة فاستحمقه الملك وضحك منه ،فقيل له :أيها إلملك إنهم العرب لو
رهنك أحدهم قينة ما أسلمها غدراً فقبلها منه كسرى ،فلما أخصبت بالدهم انتشروا
ً
،راجعين إليها ،وجاء حاجب يطلب قوسه ،فعند ذلك كساه كسرى تلك الحلة التي كانت
عند عط ارد الم ذكورة في ج امع الموط أ .ذك ره ابن قتيبة في المع ارف أو معن اه ،وفي
الموطأ
أن عمر رضى اللّه عنه -كسا الحلة أخا له مشركأ بمكة ،قال ابن الحذاء :كان أخاه
ألمه ،واسمه عثمان بن حكيم الثقفى ،وهو جد سعيد بن المسيب ألمه ،هكذا ذكر في
تسمية رجال الموطأ ،وغلط من وجهين ،أحدهما أنه قال :كان أخا عمر ألمه ،
وٍا نما هو ،
أخو زيد بن الخطاب ألمه أسماء بنت وهب بن أسد بن خزيمة ،وأما أم عمر فهى حنتمة
بنت هاشم بن المغيرة ،والغلط الثانى أنه جعله ثقيفيا وإ نما هو سلمى ،وهو عثمان بن
حكيم بن أمية بن مسرة بن هالل بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم ،هكذا
نسبه الزبير .وبنته أم سعيد ،ولدت سعيد بن المسيب .
اسم االًهتم :سمي بن سنان ،وهو جد شبيب بن شيبة وخالد بن صفوان الخطيبين 53
البليغين ،وسمي باالًهتم ،ألن قيس بن عاصم ضربه فهتم فاه .
252
253
ابن عبيد اللّه والزب ير بن الع وام ،وبين أبي ذر الغف اري والمق داد بن عم رو البه راني ،
وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعى ،فمات الحتات عند معاوية في خالفته ،
فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه األخوة ،فقال الفرزدق لمعاوية :
أقاربه
التراث ُ
َ فيحتاز
ُ تُراثاً أبوك وعمى يا ُمعاوي ْأو َرثا
ذائبه ٍ ِ ِ
حرب جامد لك ُ وميراث الحتات أكلتَه
فما با ُل ميراث ُ
54
قال ابن إسحاق :وفى وفد بني تميم ُ :ن َعيم بن يزيد ،وقَْيس بن الح ارث ،وقيس بن عاصم
،أخو ب ني س عد ،في وفد عظيم من ب ني تميم .ق ال ابن هش ام :وعط ارد بن ح اجب ،أحد ب ني
دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد َمن اة بن تميم ،واألق رع بن ح ابس ،أحد ب ني َدارم بن مالك ،
والزبرق ان بن ب در ،أحد ب ني َب ْه َدلة بن ع وف بن
والحت ات بن يزي د ،أحد ب ني دارم بن مالك ّ ،
ُ
األهتم ،أحد ب ني ِم ْنقَر بن عبيد بن الح ارث بن
كعب بن س عد بن زيد من اة بن تميم ،وعم رو ابن ْ
عم رو بن كعب بن س عد بن زيد من اة بن تميم ،وقيس بن عاصم ،أحد ب ني ِم ْنقر بن عبيد بن
الحارث .
ص ن بن حذيفة بن ب در الف زاري ،وقد ك ان األق رع ِ
ق ال ابن إس حاق :ومعهم ُعَي ْينة بن ح ْ
وحنينا
بن ح ابس ،وعيينة بن حصن ش هدا مع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم فتح مكة ُ
والطائف .
أص حاب الحج رات وطلبهم المف اخرة :فلما ق دم وفد ب ني تميم كانا معهم ،فلما دخل وفد
بني تميم المسجد نادوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من
رج إلينا يا محم د ،ف آذى ذلك رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم من
وراء حجراته :أن اخ ْ
ِ
لشاعرنا وخطيبنا ،قال :قد صياحهم ،فخرج إليهم ،فقالوا :يا محمد ،جئناك نفاخرك ،فأذن
أذنت لخطيبِكم فليقل .
كلمة عط ارد يفتخر بقومه :فق ام عط ارد بن ح اجب ،فق ال :الحم ُد للّه ال ذي له علينا
روف ،
َ الفضل والمن ،وهو أهلُه ،ال ذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أم واال عظام ا ،نفع ِل فيها المع
ِ
فم ْن مثلُنا في الناس وأولي فضلهم ؟! فمن وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عدداً ،وأيسره ُع َّدةَ ،
ف اخر فليع دد مثل ما ع ددنا ،ولو نش اء ألكثرنا الكالم ،ولكنا نحيا من االكث ار فيما أعطان ا ،وإ نا
أفضل من ِ
أمرنا ،ثم جلس . َ ُنعرف بذلك .أقول هذا ألن تأتوا بمثل قولنا ،وأمر
ث ابت بن قيس ي رد على عط ارد :فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم لث ابت بن قَْيس بن
الش ماس أخى ب ني الح ارث بن الخ زرج :قم ،ف أجب الرجل في خطبته .فق ام ث ابت ،فق ال :َّ
فيهن أم ره ِ ،
ووس ع ُكرس يه علمه ، 55ولم يك قض ى َّ َ الحم ُد للّه ال ذي الس موات واألرض خلقُه َ ،
وفيه رد على من ق ال :الكرسى هو العلم ،وك ذلك من ق ال هو الق درة ،ألنه ال توصف 55
القدرة والعلم بأن العلم وسعها ،وإ نما كرسيه ما أحاط بالسموات واالًرضين ،وهو دون
العرش كما جاءت به االثار ،فعلمه سبحانه قد وسع الكرسى بما حواه من دقائق األشياء
وجالئلها وجملها وتفاصيلها ،وقد قيل ٍ :ا ن الكرسى في القرآن هو العرش ،وهو قول
الحسن ،وفي هذا الحديث ما يكاد أن يكون حجة لهذا القول ،ألنه لم يرد أن العلم وسع
الكرس ى ،فما دونه على الخص وص ،دون ما فوقه ،فج ائز أن يريد به الع رش ،وما تحته
واهلل
أعلم .فإن صحت الرواية عن ابن عباس أن الكرسى هو العلم ،فمؤولة ،كأنه لم يقصد
تفس ير لفظ الكرسى ؛ ولكن أش ار إلى أن مع نى العلم واإلحاطة يفهم من اآلي ة ،ألن
الكرسىالذي هو عند العرب موضع القدمبن من سرير الملك إذا وسع ما وسع ،فقد وسعه علم
الملك وملكه وقدرته ،ونحو هذا ،فليس في أن يسع الكرسى ما وسعه مدح وثناء على
الملك سبحانه ،إال من حيث تضمن سعة العلم والملك ،وإ ال فال مدح في وصف الكرسى
بالسعة ،واالية ال محالة واردة في معرض المدح والتعظيم للعلى العظيم الذي ال يئوده
حفظ مخلوقاته كلها ،وهو الحي القيوم ،وقوى الطبري قول ابن عباس ،واحتج له بقوله
تسمى العلماء كراسى قال : عز وجل :واَل يُئ ُ ِ
ودهُ ح ْفظُهُ َما [البقرة ]255 :وبأن العرب ّ َ َ
ومنه
سميت الكراسى -جمع كراس -لما تضمنه وتجمعه من العلم وأنشد :
255
جعلنا ُملوك اً ،واص طفى من خ ير خلقه رس والً ،أكرمه نس باً ،وأص دقه ح ديثاً ،وأفض له
حس باً. ،ف أنزل عليه كتابه َوا ْئتَ َمَن هُ على َخْلقه ،فك ان ِخ يرة اللّه من الع المين ،ثم دعا الن اس إلى
رم الن اس حس باً ،وأحسن ِ ِ ِ
وذوو َرحمه ،اك ُ اإليم ان به ،ف آمن برس ول اللّه المه اجرون من قومه ُ
الن اس وجوه اً ،وخ ُير الن اس ِفع ااًل .ثم ك ان أول الخلق إجاب ة ،واس تجاب للّه حين دع اه رس ول
اس ح تى يؤمن وا
ووزراء رس وله ،نقات ُل الن َ
ُ نحن ،فنحن أنص ُار اللّه
اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ُ
ودمه ،ومن كفر جاه دناه في اللّه أب داً ،وك ان قتلُه
باللّه ،فمن آمن باللّه ورس وله َمنع منا مالَه َ
علينا يسيرا .أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي وللمؤمنين .والمؤمنات ،والسالم عليكم .
بن بدر ،فقال : 56
شعر الزبرقان يفتخر بقومه :فقام الزبرقان
صُ ِ
ب البَيعُ ك وفيناتُْن َ
منا الملو ُ الكرام فال َح ٌّى يعادلُنا نحن
57
ُ ُ
هاب وفض ُل ِّ
العز ُيتبع الن ِ
عند ِّ ِ
األحياء كلِّهم وكم قَ َس ْرنا من
الزبرقان :اسم من أسماء القمر ،وأيضاً آلخفيف العارضين ،وكانت له ثالثة أسماء : 56
الزبرق ان والقمر والحص ين وثالث ك نى :أبو العب اس ،وأبو ش ذرة وأبو عي اش وهو
الزبرقان
ابن بدربن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن
تميم .
البيع :اماكن العبادة . 57
257
س القََزعُ ِ
الشواء إذا لم ُي ْؤَن ِ من طعمنا ِ
القحط ُم ْ عند
طعم َ
ونحن ُن ُ
58
60
شبعوا
للنازلين إذا ما انزلوا ُ وم ُع ْبطا في أرومتَِنا
حر ال ُك َ
َفن ْن ُ
الرأس ُيقتَطعُ
َ استفادوا فكانوا نفاخرهم إالُ فال ترانا إلى َحي
فم ْن ِ
يفاخرنا في ذاك َن ِ
القوم واألخبار تُستَمعُ
فيرجعُ ُ عرفه َ
ِ
الفخر َنرتفعُ عند
إنا كذلك َ إنا أبينا وال يأبى لنا أحد
قال .ابن هشام :ويروى :
الربعُ
ك وفينا تُقسم َ
منا الملو ُ
61
ويروى :
َّ من ِّ
ارض َهوانا ثم ُنتبعُ
كل ً
رواه لي بعض بني تميم ،واكثر اهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان . . 62حسان يردعلى
الزبرقان :قال ابن إسحاق :وكان حسان . ،.غائبا ،فبعث إليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
ق ال حس ان :ج اءني رس ولُه ،ف أخبرني أنه إنما دع اني الجيب ش اعر ب ني تميم ،فخ رجت إلى
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وأنا أقول :
ِ
وراغم راض ِمن َم َعد
ٍ على ِ
انف منعنا رسو َل اهلل إذ َح َّل َو ْس َ
طَنا
الس راة :وليس جمع س رى كما ظن وا ،وانما هو كما تق ول ذروتهم وس نامهم ،وس راة 59
كل
شىء :اعاله .هويا :سراعا.
الكوم :النوق عظام االسنة .عبطا :بال سبب .االرومة :الكرم . 60
الربع والمرباع :ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية . 61
وذكر البرقى ان الشعر لقيس بن عاصم المنقرى ،وكان الزبرقان يرفع له بيت من عما 62
ئم وثياب ،وينضح بالزعفران والطيب ،وكانت بنو تميم تحج ذلك البيت .قال الشاعر :وهو
المخبل السعدي ،واسمه كعب بن ربيعة بن قتال :
يحجون سيب الزبرقان المزعفرا واشهد من عوف حلوال كثيرة
258
ِ
وظالم باغ
كل ٍ ِ
بأسيافنا من ِّ بين بيوتِنا منعناه لما َّ
حل َ
63
ب اغ :الجمع بغ اة ،وبغى س عى بالفس اد ومنه الفرقة الباغية النها ع دلت عن القص د، 63
واصله
من بغى الجرح اذا ترامى إلى الفساد وبغت المراة تبغي بغاء بالكسر والمد فجرت فهى
بغى قاله االزه ري ،
بغي والجمع بغايا وهو وصف مختص ب المرأة وال يق ال للرجل ّ
َ
والبغى
ّ
القينة ان كانت عفيفة لثبوت الفجور لها في االصل ،قال الجوهري :وال يراد به الشتم
النه اسم جعل كاللقب .
بيت :يريد بيت شرفهم من غسان وهم ملوك الشام ،وهم وسط االعاجم ،والبيت 64
الحريد :المنفرد عن البيوت ،كما انفردت غسان ،وانقطعت عن ارض العرب ،وكان
حسان يضرب بلسانه ارنبة انفه هو وابنه وابوه وجده ،وكان يقول :لو وضعته ،يعني
لسانه ،على حجر لفلقه ،أو على َشعر لحلقه ،وما يسرنى به مقول من معد.
السودد :المجد .والعود :المتكرر. 65
المجلد الخامس
صفحة 256
أهل م ٍ
جد بالندى َمتَعوا()1 وازنوا َ َ
أو َ الناس يوما فاز َس ْبقُهم
إن سابقوا َ
طمع ()2
يهم َ ِ ِ
أعفَّة ُذكرت في ْ
عون وال ُي ْرد ُ
طب َال َي َ الوحي عفتُهم
وال يمسهم من مطمع طبع ()3 ال يبخلون على جار بفضلهم
ية َّ
الذرعُ ()4 ب إلى الو ْح ِش ِكما َي ُد ُّ لحى لم َن ِد َّ
ب لهم
َ إذا نصبنا َ
ِ
أظفارها َخ َش ُعوا() 5 ف منالزعان ُ
ُ إذا مخالبهَا
ُ الحرب نالتنا
ُ نسمو إذا
ور وال ُهلُعُ ()6
وإ ن أصيبوا فال ُخ ٌ هم
عدو ُ
يفخرون إذا نالوا َّ
ال َ
أس ٌد بحْليةَ في أر ِ
ساغها فَ َدعُ ()7 والموت ُمكتنِع
ُ الوغى
كأنهم في َ
ْ ْ َ
يكن َه ُّمك األمر الذي َمَن ُعوا خذ منهم ما اتى عفوا إذا َغ ِ
وال ْ ضبوا ُ
والسلَعُ ()8
َّم َّ خاض عليه الس ُّ
َش ًّرا ُي ُ فاترك عداوتَهم
ْ فان في حربِهم -
ُ ِّ ِ رسول اللّ ِه شيعتُهم
ِ اكر ْم ِ
ِ
األهواء والشَيعُ تفاوتت إذا بقوم
فيما ِ
اح ُّ أهدى لهم ِم ْدحتي ٌ
صَنعُ
ك َ ب -لسان حائ ٌ يؤازره
ُ قلب َ
جد ِ
القول أو َش َمعوا()9 جد بالناس ُّإن َّ هم ِ ِّ
فانهم افض ُل األحياء كل ُ
(ا) متعوا :زادوا وارتفعوا.
( )2ال يطبعون :ال يتدنسون .
( )3طبع :دنس .
( )4نصبنا :أظهرنا العداوة .الذرع :ولد بقرة الوحش .
( )5نسمو :ننهض .الزعانف :يريد بها :أطراف الناس .خشعوا :تذللوا.
( )6الخور :الضعفاء.
( )7مكتنع :قريب .حلية :مكان باليمن كانت تكثر فيه االسود .اإلرساغ :جمع رسغ :
مفصل ما بين الساق والقدم .فدع :اعوجاج .
( )8السلع :نبات سام ،أو شجر مر ،قال أمية :
ما ،وعالت البيقورا عشر ما وفوق سلع ما عائل
يريد انهم كانوا إذا استسقوا في الجاهلية ربطوا السلع والعشر في أذناب البقر.
( )9شمعوا :هزلوا أي ضحكوا ومزحوا وفي الحديث :من تتبع المشمعة شمع اهلل به .
يريد من ضحك من الناس وافرط في المزح عاقبه اللّه بمثل ما فعل .
260
أين ما كنت أمرتُك به ؟ واللّه ما كان على ظهر األرض رجل هو أخوف عندي على
علي ،واللّ ِه ما َه َم ْمت
تعجل َّ
ْ بعد اليوم أبداً .قال :ال ابا لك ؛ ال
وايم اللّه ال أخافك َ
نفسي منك ُ .
أفأضربك
ُ غيرك ،
بالذي أمرتني به من امره اال دخلت بيني وبين الرجل ،حتى ما أرى َ
بالسيف ؟()1
موت عامر بدعاء الرسول عليه :وخرجوا راجعين إلى بالدهم ،حتى إذا كانوا ببعض
الطريق بعث اللّه على ع امر بن الطُّفيل الط اعون في عنقه ،فقتله اللّه في بيت ام ٍ
رأة من ب نى
أغ َّدةٌ كغدة البكر( )2في بيت امرأة من بنى َسلُول ؟!
َسلُول ،فجعل يقول :يا بنى عامرُ ،
دة ِ
اإلبل ،وموتا في بيت َسلُولية . كغ ِ
اغ َّدةٌ ُ
قال ابن هشام :ويقال ُ
ارض
َ موت اربد بصاعقة :قال ابن إسحاق :ثم خرج أصحابهُ حين واروه ،حين قَ ِدموا
ب نى ع امر ش اتين ؛ فلما قَ ِدموا أت اهم فق الوا :ما وراءك يا ْاربد ؟ ق ال ال ش ىء واللّه ،لقد دعانا
ادة ش ىء ل وددت أنه عن دي اآلن ،فارميه َّ
بالنبل ح تى اقتله ،فخ رج بعد مقالته بي وم أو إلى عب ِ
يومين معه
(ا) وفي غير رواية ابن إسحاق :إال رأيت بي ني وبينه س ورا من حديد وك ذلك في رواية
غيره ،قال عامر :ألمألنها عليك خيال جردا ،ورجاال مردا ،والربطن بكل نخلة فرسا ،فجعل
أس يد بن حض ير يض رب في رءوس هما ويق ول :اخرجا ايها الهجرس ان ،فق ال له ع امر :ومن
أنت ؟ فقال :أسيد بن حضير ،فقال :أحضير بن سماك ؟ قال :نعم ،قال أبوك كان خيرا منك
.فقال :بل أنا خير منك ،ومن ابي ،الن ابي كان مشركا ،وأنت مشرك .وذكر سيبويه قول
ع امر :اغ دة كغ دة البع ير ،وموتا في بيت س لولية ،في ب اب ما ينتصب على ا ض مار الفعل
الم تروك إظه اره ،كأنه قيل :اغد غ دة .والس لولية ام رأة منس وبة إلى س لول بن صعص عة وهم
بنو م رة بن صعص عة ،وس لول أمهم ،وهي بنت ذهل بن ش يبان ،وك ان ع امر بن طفيل من ب ني
عامر بن صعصعة ،فلذلك اختصها لقرب النسب بينهما ،حتى مات في بيتها.
( )2الغدة :مرض يصبب االبل تموت منه .البكر :الفتى من االبل .
265
جمل له يتبعه ،فارسل اللّه تعالى عليه وعلى جمله صاعقةً ،فأحرقتهما.
وكان اربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة ألمه .
ما ن زل في ع امر واربد :ق ال ابن هش ام :وذكر زيد بن أس لم عن عط اء بن يس ار ،عن
ابن عب اس ق ال :وأن زل اللّه عز وجل في ع امر وأربد { :اللَّهُ َي ْعلَ ُم َما تَ ْح ِم ُل ُك ُّل أُنثَى َو َما
ال }[.الرع د: اد }[.الرع د ]8 :إلى قوله { وما لَهم ِم ْن ُدونِ ِه ِم ْن و ٍ ام َو َما تَ ْز َد ُ ِ
َ َ َ ُْ يض اأْل َْر َح ُ
تَغ ُ
، ]11قال :المعقبات :هي من أمر اللّه يحفظون محمدا ،ثم ذكر اربد وما قتله اللّه به ،فقال :
يد اْل ِم َح ِ
اء } إلى قوله َ { :ش ِد ُ اع َ ِ { وير ِس ُل الصَّو ِ
ال } [الرعد]13 : يب بِهَا َم ْن َي َش ُ
ق فَُيص ُ َ َ ُْ
شعر لبيد(ا) في بكاء اربد :قال ابن إسحاق :فقال لبيد يبكى أربد:
ق وال َو ِلد()2 ال ٍ
والد مشف ٍ ما ان تُع ِّدي المنون من ٍ
أحد َ
واألس ِد()3
َ
ارهب َنوء الس ِ
ِّماك ُ َْ الحتوف وال
َ اربد
أخ َشى على َ ْ
(ا) على ان لبيد رضى اللّه عنه س لم وحسن إس المه ،وع اش في اإلس الم س تين س نة ،لم
يقل فيها بيت شعر ،فسأله عمر عن تركه الشعر ،فقال ؟ ما كنت ألقول شعرا بعد ان علمني اللّه
البق رة وآل عم ران ؛ ف زاده عمر في عطائه خمس مائة درهم من اجل ه ذا الق ول ،فك ان عط اؤه
ألفين وخمس مائة ،فلما ك ان معاوي ة ،أراد أن ينقصه من عطائه الخمس مائة ،وق ال له :ما ب ال
العالوة ف وق الف ودين ؟ فق ال له لبيد :اآلن أم وت ،ف رق له معاوية وتركها له ،فم ات لبيد اثر
ذلك بأيام قليلة ،وقد قيل أنه قال بيتا واحدا في اإلسالم :
حتى اكتسيت من اإلسالم سرباالً الحمد للّه إذا لم يأتني اجلي
المنِيَّة وكأنها اسم فاعل ننت الشيء َمُّنا إذا قطعته فهو َم ْمُنون َ
والمُنون َ ( )2المنون :يقال َم ُ
الم ّن وهو القطع ألنها تقطع األعمار.
من َ
وء ،ن اء :نهض ،ومنه الن وء للمطر والجمع أن واء وناوأته من اوأة ون واء من ب اب
( )3الن ُ
قاتل إذا عاديته .
266
االس تعمال وباسم المفع ول س مي الرجل ويق ال للم رأة ظعينة فعيلة بمع نى مفعولة الن
زوجها =
269
األيام إال أبني َش ِ
مام ()1 على ِ أخو ْين َداما وهل ُح ِّد َ
ثت عن َ
ِ
بانهدام ()2 ث خوالد ما تُ ِّ
حد ُ َ الفرقد ْين وآل َن ْع ِ
ش َ وإ ال
قال ابن هشام :وهى في قصيدة له .
بد :
قال ابن إسحاق :وقال لبيد أيضا يبكى ْار َ
واللطيف َكبِ َدا
َ الرئيس
َ انع
َ بدا
للكريم ْار َ
َ ريم
ْان َع ال َك َ
َّدا ()3
صوارا أب َ ي ْح ِذي وي ِ
َّه َن ُ
ْأدما ُيشب ْ عطى مالَه ُلي ْح َمدا ُ ُ
الج ْفَنةَ َمْلئا َم َددا ()4 الساب َل ِ
الفضل إذا ما ُع ِّددا
ويمأل َ
ِمث ُل الذي في ِ
الغ ِ
يل َي ْق ُرو ُج ُم َدا()5 ك َو َر َدا ِر ْفها إذا يأتى َ
ضري ٌ
تراث ِ
غير ان َك َدا َ أورثتََنا وع َدا
منهم ان ُي َ
يزداد قُربا ُ
ُ
وأم َر َدا()6
صقورا يافعا ْ َش ْرخا ُ ِغبًّا وماال طارفاً َ
وولدا
وقال لَبيد أيضا :
بِ َد فابكيا حتى َي ُع َ
ودا ِ
خيرات ْأر لن تُ ْفنِيا
الحديدا ون ِ
َ حين َي ْك ُس َ
مي َ الم َحا
قُواَل هو البط ُل ُ
= يظعن بها ويق ال الظعينة اله ودج وس واء ك انت فيه ام رأة أم ال والجمع ظع ائن وظعن
بض متين ،ويق ال الظعينة في األصل وصف للم رأة في هودجها ثم س ميت به ذا االسم وان ك انت
في بيتها ألنها تصير مظعونة فيه .
( )1ابنا شمام :جبالن .
( )2الفرق دان :نجم ان ن يران .وآل نعش :يقصد بن ات نعش الك برى والص غرى
مجموعات من النجوم .
( )3يحذي :يعطى .االدم :االبل البيض .الصور :القطيع من بقر الوحش .أبدا :نافرة
.
( )4الجفنة :وعاء يصنع من خشب األنبوس .
( )5رفها :متك ررا .الض ريك :الفق ير .الغيل :أكمة األس د .يق رو :يتتبع .جم د :اسم
جبل .
( )6شرخا :شبابا .اليافع :الغالم قارب البلوغ .واألمرد :الذي لما تنبت لحيته بعد.
270
يدا(ا)
صَ إذا لَِقينا القوم ِ الظالمين ص َّد عنا
َ َ وي ُ
َ
خلودا()2
إذ رأى أن ال َ ِ
البرية فأعتاقه ُّ
رب
قيدا()3
ب وكان هو الفَ َ
وص ْ
ُي َ وج ْع ولم
فثَوى ولم ُي َ
-وقال لبيد أيضا :
ِ صٍم
رارا()4 ُّ
ألد تخا ُل ُخطتَه ض َ بأربد ُك ُّل َخ ْ
َ ُيذكرنى
اء الحق َج َارا
وان جاروا َس َو َ إذا اقتصدوا فمقتصد كريم
القوم بالمو ِ
ماة َح َارا()5 دلي ُل ِ َ ْ القوم ُمطَّلعا إذا ما
ويهدي َ
َ
قال ابن هشام :آخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :وقال لبيد أيضا :
ب ()6
كاألج ْ وعروة بعد سْلمى بن ٍ
َ وبعد أبي قَْيس ُ مالك ت أمشى َ َأصبح ُ
ْ
صب()7
والع ْ ِ ِ إذا ما رأى َّ
حذارا على باقي السَّناسن َ الغراب أضجَّهُ ظل
قال ابن هشام :وهذان البيتان في أبيات له .
( )1الصيد :المتكبرون .
( )2اعتاقه :أعاقه عن ان يبلغ غايته .
مشوي .الوهب :
ّ ( )3فشوى :شويت اللحم اشويه شيا فانشوى مثل كسرته فانكسر وهو
وص وبا دام ووصب ال َّدين
يء ب الفتح ُ
الوجع وهو مص در ،ورجل وصب مثل وجع ووصب الش ُ
وجب .
( )4ألد :قوي الخصومة .
( )5الموماة :الصحراء.
( )6األجب :مقطوع السنام .
( )7أض جه :ص اح عليه .السناسن :فق ار الظه ر .العصب :القرابة ال ذكور وهو جمع
عاصب .
271
قدوم ِ
ضمام بن ثعلبة وافدا عن بنى سعد بن بكر
قال ابن إسحاق :وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم رجال منهم
،يقال له ِ
ضمام بن ثعلبة.
إسالمه :قال ابن إسحاق :فحدثني محمد بن الوليد بن ُن َو ْيفع عن ُك َريب ،مولى عبد اللّه
ض مام بن ثعلبة وافدا إلى رسول اللّه ت بنو سعد بن بكر ِ بن عباس ،عن ابن عباس ،قال :بعثَ ْ
ص لى اهلل عليه وس لم ،فق دم عليه ،وأن اخ بع َيره على ب اب المس جد ثم عقله ،ثم دخل إلى
المسجد ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس في أصحابه .
اشعر ذا غديرتين (ا) ،فاقبل حتى وقف على رسول اللّه صلى وكان ِ
ض مام رجال َجْل دا
َ
اهلل عليه وس لم في أص حابه ،فق ال :أيكم ابن عبد المطلب ؟ ق ال :فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل
عليه وس لم :أنا ابن عبد المطلب .ق ال :أمحمد ؛ ق ال :نعم ؛ ق ال :ي ابن عبد المطلب ،اني
وم َغلِّظٌ عليك في المس الة ،فال تَ ِج َّ
دن في نفسك ،ق ال :ال أجد في نفسي ،فسل عما ب دا س ائلك ُ
لك .
.ق ال :أنش ُدك اللّه إلهك واله من ك ان قبلك ،واله من ك ائن بع دك ،آللّه بعثك إلينا
رسوال؟ قال :اللهم نعم .
فأنشدك اللّه إلهك واله من كان قبلك ،واله من هو كائن بعدك ،اللّه أمرك ان تأمرنا
ُ قال :
ان نعب ده وح ده ال نش رك به ش يئا ،وان نخلع ه ذه األن داد ال تي ك انت آباؤنا يعب دون معه ؟ ق ال :
اللهم نعم .
ق ال :فأنش دك اللّه إلهك واله من ك ان قبلك ،واله من هو ك ائن بع دك ،اللّه أم َرك ان
تصلِّ َي هذه الصلوات الخمس ؟ قال :اللهم نعم.
(ا) غديرتين :ذؤابتين من شعر.
272
وشرائع
َ َّ
والحج والصيام
َ قال :ثم جعل يذكر فرائض اإلسالم فريضةً فريضة :الزكاةَ
التي قبلها ،حتى إذا فرغ قال :فإني
اإلسالم كلها ،ينشده عند كل فريضة منها ،كما ينشده في ٍ
أشهد ان ال اله اال اللّه واشهد ان محمدا رسول اللّه ،وسأؤدي هذه الفرائض ،واجتنب ما نهيتني
عنه ،ثم ال أزيد وال انقص ،ثم انصرف إلى بعيره راجعا.
قال :فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ان صدق ذو العقيصتين( )1دخل الجنة .
دع وة قومه لإلس الم :ق ال :ف اتى بع َيره ف اطلق عقالَه ،ثم خ رج ح تى ق دم على قومه ،
الالت والع َّزى ،ق الوا :م ْه يا ِ
ض مام اتق ُ ف اجتمعوا إليه .فك ان أول ما تكلم به ان ق ال :بئس مت
َ
الجنون .قال :ويلكم انهما واللّه ال يضران وال ينفعان ،ان اللّه قد بعث رسوال،
َ البرص ،اتق
َ
وان زل عليه كتابا اس تنقذكم به مما كنتم فيه ،وإ ني اش هد ان ال اله اال اللّه وح ده ال ش ريك له ،
وان محم دا عب ده ورس وله ،وقد جئتكم من عن ده بما أم ركم به ،وما نه اكم عنه ق ال :فواللّه ما
امسى من ذلك اليوم في حاضره رجل وال امرأة اال مسلما.
قال :يقول عبد اللّه بن عباس :فما سمعنا بوافد قدم كان افضل من ضمام بن ثعلبة)2(.
( )1العقيصتين :العقيصة ؛ للمرأة الشعر الذي ُي َلوى ويدخل اطرافه في اصوله والجمع
عق ائص وعق اص والعقصة مثلها والجمع عقص مثل س درة وس در ،وعقصت الم رأة ش عرها
عقصا فعلت به ذلك ،وعقص ته ض فرته ،والعق اص خيط يجمع به أط راف ال ذوائب والجمع
ُعقص .
( )2وض مام بن ثعلبة هو ال ذي ق ال فيه طلحة بن عبيد اللّه :جاءنا أع رابي من أهل نجد
ثائر الرأس ُيسمع دوي صوته ،وال يفقه ما يقول ،حتى دنا ،فاذا هو يسال عن اإلسالم ،الحديث
،رواه مالك في الموطأ عن عمه عن جده عن طلحة ،وقد ترجم عليه ابو داود لما فيه من دخول
المشرك المسجد .وذكر معه حديث اليهود حين دخلوا المسجد ،وذكروا ان رجال منهم ،وامرأة
زنيا=،
273
ابن النعمان بن المنذر(ا) ،قام الجارود فتكلم ،فتشهد شهادة الحق ،ودعا إلى اإلسالم فقال
يشهد.
ْ :أيها الناس ،إني اشهد ان ال اله اال اللّه ،وان محمدا عبده ورسوله ،واكفِّر من لم
قال ابن هشام :ويروى :وأكفى من لم يشهد.
س َاوى :قال ابن إسحاق :وقد كان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ِ
إسالم المنذر بن َ
ساوى العبدي ،فاسلم فحسن إسالمه ،ثم ِ
بعث العالء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن َ
البحرين ،والعالء عنده أميرا لرسول
هلك بعد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قبل ردة أهل ْ
اللّه صلى اهلل عليه وسلم على البحرين .
س ْيلمة الكذاب
قدوم وفد بني حنيفة ومعهم ُم َ
وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وفد بنى حنيفة( ،)2فيهم ُمسيلمة بن حبيب
الحنفي الكذاب (.)3
ويكنى ابا ثُمامة.
قال ابن هشام :مسيلمة بن ثُمامةَ ،
( )1اسمه المنذر ،وكان كسرى حين قتل النعمان صير أمر الحيرة إلى هانىء بن قبيصة
الش يبانى ،ولم يبق آلل المن ذر رسم وال أمر ي ذكر ح تى ك انت ال ردة ،وم ات ه انىء بن قبيصة
غر قومه
الردة أمر الغرور بن النعمان ،واسمه :المنذر .وانما سمي الغرور ألنه ّ
فاظهر أهل ّ
في تلك الردة ،أو غروه واستعانوا به على حربهم فقُتل هنالك ،وزعم وثيمة بن موسى في كتاب
الردة أنه اسلم بعد ارتداده ،واهلل اعلم .
( )2اسم حنيفة :أثال بن لجيم بن سعد بن علي بن بكر بن وائل .
( )3هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هفان بن ذهل
بن ال دؤل بن حنيف ة ،يك نى ابا ثمام ة ،وقيل :ابا ه ارون ،وك ان يس مى ب الرحمن فيما روي عن
الزه ري قبل مولد عبداهلل والد رس ول اللّه – ص لى اهلل عليه وس لم -وقتل وهو ابن مائة
وخمسين سنة= ،
275
ما طلبه مسيلمة الكذاب من الرسول صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن
إسحاق :فكان منزلُهم في دار بنت الحارث ( )1امرأة من األنصار ،ثم من
-------
وك انت ق ريش حين س معت بسم اللّه ال رحمن ال رحيم ،ق ال ق ائلهم دق ف وك ،انما ت ذكر
مسيلمة رحمان اليمامة ،وكان الرحال الحنفي ،واسمه نهار بن عنفوة ( والعنفوة يابس الحلي ،
وهو نب ات ،وذك ره ابو حنيف ة ،فق ال فيه :عنث وة بالث اء المثلث ة ،وق ال :ه و ،ي ابس الحلي ،
والحلي :النص ،وهو نبت ) ق دم في وفد اليمامة على الن بي -ص لى اهلل عليه وس لم – ف آمن
وتعلم س ورا من الق ران ،ف راه الن بي -ص لى اهلل عليه وس لم -يوما جالسا مع رجلين من
أص حابه ،أح دهما ف رات بن حي ان ،واآلخر :ابو هري رة ،فق ال :ض رس أح دكم في الن ار مثل
أحد فما زاال خائفين حتى ارتد الرحَّال ،وآمن بمسيلمة وشهد زورا ان النبي -صلى اهلل عليه
وسلم -قد شركه معه في النبوة ،ونسب إليه بعض ما تعلم من القران ،فكان من أقوى أسباب
الفتنة على ب ني حنيف ة ،وقتله زيد بن الخط اب ي وم اليمام ة ،ثم قتل زيد بن الخط اب س لمه بن
صبيح الحنفي ،وكان مسيلمة صاحب نيروجات يقال :أنه أول من دخل البيضة في القارورة،
يدعي ان ظبية تأتيه من الجبل ،فيحلب لبنها
وأول من وصل جناح الطائر المقصوص ،وكان ّ
وقال رجل من بنى حنيفة يرثيه :
لهفي على ركني شمامه لهفي عليك يا ابا ثمامه
كالشمس تطلع من غمامه كم آية لك فيهم
وك ذب بل ك انت آياته منكوسة أهانه اللّه عكس ما يفعل بأنبيائه من الكرام ة ،تفل في ب ئر
قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤه ا ،ومسح رأس صبى فقرع قرعا فاحش ا ،ودعا لرجل في ابنين
له بالبرك ة ،فرجع إلى منزله فوجد أح دهما قد س قط في الب ئر ،واآلخر قد أكله ال ذئب ،ومسح
على عيني رجل استشفى بمسحه ،فابيضت عيناه .
واسم مؤذنه :حجير ،وكان أول ما أمر ان يذكر مسيلمة في اآلذان توقف ،فقال له
محكم بن الطفيل :صرح حجير ،فذهبت مثال.
وأما سجاح التى تنبأت في زمانه وتزوجها ،فكان مؤذنها جنبة بن طارق ،وقال القتبي :
اسمه :زهير بن عمرو ،وقيل :ان شبث بن ربعي أذن لها أيضا ،وتكنى ام صادر ،وكان
آخر أمرها ان أسلمت في زمان عمر.
ولمسيلمة الكذاب وسجاح التميمية مخاز بعضها من الفاحشة تنظر في تاريخ الطبري .
عففنا ان نذكرها في كتاب يضم سيرة أشرف الخلق صلى اهلل عليه وسلم .
276
(ا) واس مها :كيسة بنت الح ارث بن كريز بن ح بيب بن عبد ش مس ،وكيسة ب التخفيف
وأنها كانت امرأة لمسيلمة قبل ذلك ،فلذلك انزل بدارها وكانت تحت مسيلمة ،ثم خلف عليها =
277
بعض علمائنا من المدينة :ان بنى حنيفة أتت به رسول اللّه صلى اهلل
بني النجار ،فحدثني ُ
عليه وسلم تستره بالثياب ،ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس في أصحابه .معه َعسيب
من َس َعف النخل ،في رأسه ُخوص ات ؛ فلما انتهى إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ،وهم
يسترونه بالثياب كلمه وسأله ،فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :لو سألتني هذا العسيب
ما أعيتُ َكه .
= عبداللّه بن ع امر ،وان الص واب ما قاله ابن إس حاق ان اسم تلك الم رأة زينب بنت
الح ارث ،ك ذا وقع في رواية ي ونس عن ابن إس حاق ،والم ذكورة ها هنا كيسة بنت الح ارث ،
وإ ياه عنى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين خطب ،ففال :أريت في يدي سوارين من ذهب
فكرهتهم ا،فنفخت فيهما فط ارا فأولتهما ك ذاب اليمامة والعنس ى ،ص احب ص نعاء ،فاما مس يلمة
فقتله خالد بن الولي د ،وأف ني قومه قتال وس بيا .واما مس عود بن كعب العنسي ،وعنس بن م ذحج
فاتبعته قبائل من مذحج واليمن على امره وغلب على صنعاء ،وكان يقال له ذو الخمار ،يلقب :
يدعي ان سحيقا وشريقا يأتيانه بالوحي ،ويقول هما ملكان يتكلمان على لساني ،
عيهلة،وكان ّ
في خدع كثيرة يزخرف بها ،وهو من ولد مالك بن عنس وبنو عنس جشم وجشيم ومالك وعامر
وعم رو ،وعزيز ومعاوية وعتيكة وش هاب والقرية وي ام ومن ولد ي ام بن عنس عم ار بن ياس ر،
وأخ وه عبداهلل وح ويرث ابنا ياسر بن عمر بن مالك ،قتل ف يروز ال ديلمي ،وقيس بن مكش وح
وداذويه رجل من األبناء قتلوا االسود العنسي الك ذاب دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة
ك ان قد غلب عليها من األبن اء ،فوج دوه س كران ال يعقل من الخم ر ،فخبط ود بأس يافهم وهم
يقولون :
والناس تلقى جلهم كالذبان ضل نبي مات وهو سكران
النور والنار لديهم سيان
ذكره الدوالبي ،وزاد ابن إسحاق في رواية يونس عنه ان امرأته سقته البنج في شرابه
تلك الليلة ،وهي التي احتفرت السرب للدخول عليه ،وكان اغتصبها ،ألنها كانت من اجمل
النساء ،وكانت مسلمة صالحة ،وكانت تحدث عنه أنه ال يغتسل من الجنابة ،واسمها المرزبانة،
وفي صورة قتله اختالف .وقوله صلى اهلل عليه وسلم " :أريت سوارين من ذهب ،فنفختهما
فطارا .،وقال بعض أهل العلم بالتعبير .وتأويل نفخه لهما انهما بريحه قتال ،ألنه لم يغزهما
بنفسه ،وتأويل الذهب أنه زخرف ،فدل لفظه على زخرفهما ،وكذبهما ،ودل اإلسواران
بلفظهما على ملكين الن األساورة هم الملوك ،وبمعناهما على التضييق عليه لكون السوار
مضيقا على الذراع .وراجع تاريخ الطبري .
278
ق ال ابن إس حاق :وقد ح دثني ش يخ من ب نى حنيفة من أهل اليمامة ان حديثه ك ان على غ ير
هذا ،زعم ان وفد بني حنيفة أتوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،وخلفوا مسيلمة في رحالهم ،
مكانه ،فق الوا :يا رس ول اللّه أنا قد خلفنا ص احبا لنا في رحالنا وفي ركابنا
فلما اس لموا ذك روا َ
يحفظها لن ا ،ق ال :ف أمر له رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بمثل ما أمر به للق وم ،وق ال :أما
يعةَ أص حابه ،وذلك ال ذي يريد رس ول اللّه ص لى اهلل عليه
أنه ليس بش ّركم مكانا أي لحفظه ض َ
وسلم
تنبؤ مس يلمة :ق ال :ثم انص رفوا عن رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم :وج اءوه بما
دو اللّه وتنبَّا وتك َّذب لهم ،وق ال :إني قد أش ركت في
اعط اه ،فلما انته وا إلى اليمامة ارتد ع ُّ
األمر معه ،وق ال لوف ده ال ذين ك انوا معه :ألم يقل لكم حين ذكرتم ونى له :أما أنه ليس بش ركم
مكان ا ،ما ذاك إال لما ك ان يعلم اني قد أش ركت في األمر معه ،ثم جعل َي ْس جع لهم األس اجيع ،
الحْبلَى ،اخرج منها نسمة تسعى،ويقول لهم فيما يقول مضاهاة( )1للقران " :لقد انعم اللّه على ُ
الخمر والزنا ،ووضع عنهم الصالةَ ،وهو مع ذلك يشهد وح َشي " واحل لهم ِ
َ من بين صفاق (َ )2
نبي ،فاصفقت ( )3معه حنيفة على ذلك ،فاللّه اعلم أي لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بأنه ٌّ
ذلك كان .
( )1مضاهاة :مشابهة.
َّ
مارق من البطن. ( )2الصفاق :
()3أصفقت:اجتمعت.
279
أقمت
الح ْوش ية ق ال ابن هش ام -وخلفت بنت ا(ا) لح اتم في الحاضر ؛ فلما – ق دمت الش ام ُ
َ
بها.
اسر الرسول ابنة حاتم :وتُخالفني خي ٌل لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم،
ْ
فتص يب ابن ةَ ح اتم ،فيمن أص ابت ،فق دم بها على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم في
س بايا ،من ط يىء ،وقد بلغ رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ه ربي إلى الش ام ،ق ال :فجعلت
حبس َن فيها ،فمر بها
بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد ،كانت السبايا ُي ْ
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فقامت إليه ،وكانت امرأة َج ْزلة( ،)2فقالت :يا رسول
على َم َّن اللّه عليك .ق ال :من واف دك ؟ ق الت ع دي بن
اللّه ،هلك الوال د ،وغ اب الوافد ف امنن ّ
الفار من اللّه ورسوله ؟
حاتم .قال ُّ :
ق الت :ثم مضى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وترك ني ،ح تى إذا ك ان من الغد م ّرر
بي ،فقلت له مثل ذلك ،وقال لي مثل ما قال باألمس .
قالت :حتى إذا كان بعد الغد مر بى وقد يئست منه ،فاشار إلى
رج ٌل من خلفه أن ق ومي فكلميه ،ق الت :فقمت إليه ،فقلت :يا رس ول اللّه هلك الوال د،
تعجلي على َم َّن اللّه عليك ،فق ال ص لى اهلل عليه وس لم :قد ُ ،
فعلت ،فال َ امنن َّ
وغ اب الواف ُد ،ف ْ
بخروج حتى تجدي من قو ِمك من يكون لك ثقة ،حتى يبلغك إلى بالدك ،ثم آذنينى .
(ا) يقول السهيلي :اسمها سفانة ،النى وجدت في خبر عن امرأة حاتم تذكر فيه سخاءه
قالت :فأخذ حاتم عديا يعلله من الجوع ،وأخذت أنا سفانة ،وال يعرف لعدي ولد،
انق رض عقبه ،ولح اتم عقب من قبل عبداللّه بن ح اتم ،ذك ره القت بي ،وال يع رف له بنت
اال س فانة ،فهى إذا هذه المذكورة في الس يرة .واهلل اعلم .وأم حاتم :عنبة بنت عفيف من اكرم
الناس وهى التى تقول :
فآليت اال احرم الدهر جائعا لعمري لقد ما عضنى الجوع عضة
الدرة ،وبها كان يكنى حاتم .
والسفانة ّ :
( )2جزل :الحطب بالضم جزالة إذا عظم وغلظ ،فهو جزل ،ثم استعير في العطاء فقيل
اجزل له في العطاء إذا أوسعه .
282
الت عن الرجل ال ذي أش ار إلى أن أكلمه ،فقيل :على بن أبى ط الب رض وان اللّه
فس ُ
عليه .
وأقمت حتى قدم ركب من َبِل ّى أو قُضاعة ،قالت :وإ نما أريد ان اتى أخى بالشام .قالت
:فجئت رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم فقلت :يا رس ول اللّه ،قد ق دم رهط من ق ومي ،لي،
فيهم ثقة وبالغ .ق الت :فكس اني رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ،وحمل ني ،وأعط اني نفق ة،
فخرجت معهم حتى قدمت الشام .
نظرت إلى
ُ نصيحة ابنة حاتم أخاها باإلسالم :قال عدي :فواللّه إني لقاعد في أهلي ،إذ
على
وقفت ّ
ْ صوب إلى تؤمنا ،قال :فقلت :ابنةُ حاتم ،قال :فاذا هي هي ،فلما ظعينة(ا) تَ ُ
احتملت بأهلك وولدك ،وتركت بقية والدك عورتَك ،
َ انسحلت ( )2تقول :القاطع بر الظالم ،
ِ
ذكرت .قال : صنعت ما
ُ أخية ،ال تقولي إال خيرا ،فواللّه ما لي من عذر ،لقد
قال :قلت :أي َ
نزلت فأقامت عندي ،فقلت لها ،وكانت امرأة حازمة :ماذا تريدين في أمر هذا الرجل ؟
ْ ثم
تلحق به سريعا ،؟ فان يكن الرج ُل نبيا فللسابق إليه فضله ،وان يكن َملكا
َ قالت :أرى واللّه ان
أنت قال :قلت :واللّه ان هذا الرأي . فلن تَِذ َّل في عز اليمن َ ،
وأنت َ
اقدم
إسالم عدي بعد قدومه على الرسول صلى اهلل عليه وسلم :قال :فخرجت حتى َ
على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم المدينة ،فدخلت عليه ،وهو في مسجده ،فسلمت عليه ،
فقال :من الرجل ؟ فقلت َعدي بن حاتم ؟ فقام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فانطلق بي
إلى بيته ،فواللّه أنه لعامد بى إليه ،إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويال
تكلمه في حاجتها.
قال :قلت في نفسي :واللّه ما هذا بملك .
( )1الظعينة :المرأة في الهودج .
( )2انسحلت :أخذت تلوم .
283
ق ال :ثم مضى بى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ح تى إذا دخل في بيته ،تن اول -
آدم محش وة ليف ا ،فق ذفها إلى ،فق ال :اجلس على ه ذه ،ق ال :قلت :بل أنت ف اجلس
وس ادة في َ
أنت ،فجلست عليها،وجلس رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم باألرض .
عليها .فقال :بل َ
قال :قلت في نفسي :واللّه ما هذا بامر ملك .ثم قال :إيه يا عدي بن حاتم ألم تك
َر ُكوسيا ؟ قال :قلت :بلى ،ثم قال :أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟قال :قلت :بلى ،قال :
فان ذلك لم يكن ُّ
يحل لك في دينك ؟قال :قلت :اجل واللّه وقال :وعرفت أنه نبي مرسل َ ،يعلم
ما ُيجهل .
ثم ق ال :لعلك يا ع دي إنما يمنعك من دخ ول في ه ذا ال دين ما ت رى من ح اجتهم ،فواللّه
يفيض فيهم حتى ال يوجد من يأخذه .ولعلك انما يمنعك من دخول فيه ما ترى ِ
ليوشكن المال ان
َ
من ك ثر ِة ع دوهم وقلة ع ددهم ،فواللّه ليوش كن ان تس مع ب المرأة تخ رج من القادس ية على
بعيرها ،حتى تزور هذا البيت ،ال تخاف .ولعلك انما يمنعك من دخول فيه انك ترى ان الملك
والس لطان في غ يرهم ،وايم اللّه ليوش كن ان تس مع بالقص ور ال بيض من ارض بابل قد فُتحت
عليهم ،قال :فأسلمت .
وكان عدي يقول :قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة ،واللّه لتكونن ،قد رأيت القصور
:ية على بعيرها ال
:رج من القادس: البيضَ من ارض بابل قد فُتحت ،وقد رأيت المرأة تخ:
تخاف حتى تحج هذا البيت ،وايم اللّه لتكون الثالثة ،ليفيض المال حتى ال يوجد من يأخذه
(.)1
( )1قد حدث أول ما حدث في عهد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز -رضى اللّه عنه .
284
المرادي
س ْيك ُ
قدوم فروة بن ُم َ
المرادي على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
قال ابن إسحاق :وقدم فروة بن ُم َس ْيك ُ
مفارقا لملوك كندة ،ومباعدا لهم ،إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم .
وه ْم دان وقعة ؛ أصابت
يوم الردم بين همدان ومراد :وقد كان قبيل اإلسالم بين مراد َ
الر ْدم ،فكان الذي قاد
فيها همدان من مراد ما أرادوا ؛ حتى اثخنوهم في يوم كان يقال له :يوم َّ
َه ْمدان إلى مراد :االجدع بن مالك في ذلك اليوم .
الهمداني .
قال ابن هشام :الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن َحريم ْ
ش عر ف روة بن مس يك في ي وم ال ردم :ق ال ابن إس حاق :وفي ذلك الي وم يق ول ف روة بن
ُم َس ْيك :
تحينا()1
نازعن األعنة َي ْن َ ُي ِ خوص
ٌ وه َّن
َم َر ْرنا على لُفاةَ ُ
فغير ُم َغلَّ َ
بينا()2 وان ُن ْغلَب ُ ب فغالّبون قُ ْدما فان َن ِ
غل ْ
آخرينا()3َ َمنايانا وطُعمةُ بن ولكن وما ان ِطُبّنا ُج ٌ
فحينا
تَ ُك ُّر صروفُه حينا َ الدهر دولتُه ِسجا ٌلكذاك ُ
ت َغضارتُه ِس َ
نينا بس ْ
ولو لُ َ ضىونر َ سربه ْ فبينا ما ُن ُّ
َ
ط ِحينا
فألفيت األلى ُغبطوا َ َ ات دهر انقلبت به َك َّر ُ
ْ إذ
ونا()4 ِ
الزمان له َخُئ َ َي ِج ْد َر ْي َ
ب ِ
الدهر منهم ط ِ
بريب ،فمن ُي ْغَب ْ
إذن ِبقينا
رام ْ ِ
ولو بقى الك ُ ك إذن َخلَ ْدنا
فلو َخلَ َد الملو ُ
لينا
األو َ
القرون َّ كما أفنى سروات قومي ِ فأفنى ذلكم
َ
قال ابن هشام :أول بيت منها ،وقوله " :فان َنغلب " عن غير ابن
ا سحا ق .
قدوم فروة على الرسول صلى اهلل عليه وسلم وما قاله من الشعر :قال ابن
إس حاق :ولما توجه فَ روة بن ُم َس يك إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم مفارقا لمل وك
كندة ،قال :
عرق َنسائِها()1
ُ الرجل
َ كالرجل خان
ِّ تأعرض ْ
َ ك ِك َ
ندة رأيت ملو َ
ُ لما
وحس َن ثرائِها
ْ أرجو فواضلَها
ُ أؤم محمدا
قََّربت راحلتي ُّ
قال ابن هشام :أنشدني أبو ُعبيدة " .أرجو فواضله وحسن ثنائها ".
قال ابن إسحاق :فلما انتهى إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،قال له رسول اللّه
فروة ،هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال :
صلى اهلل عليه وسلم ،فيما بلغني :يا َ
يا رسول اللّه ،من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ال يسوءه
ذلك ! فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم :أما ان ذلك لم ي زد قومك في اإلس الم إال
خيرا .واستعمله النبي صلى اهلل عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها ،وبعث معه خالد بن
سعيد بن العاص على الصدقة ،فكان معه في بالده حتى توفى رسول
اللّه صلى اهلل عليه وسلم
(َّ )1
النسا :عرق يمتد من الورك إلى الكعب ،مده لضرورة الشعر واألصح أنه ال يقال
عرق
َّ
النسا الن الشىء ال يضاف إلى نفسه .
286
ليثافوقَه ِل ُ
بد ْه ()1 يت
فلو القيتَني للقَ َ
جراثن ناشزا َكتَ ُد ْه ()2 ِ تُالقى َش ْنبثا َشثْ َن إلى
ض ُد ْه ()3 تيممه فَيعتَ َِّ الق ْر َن ان ِق ْر ٌن
يسامي ِ
ْ
فيقتص ُد ْه ()4 ِ ضه ِ
فيخف ُ فيرفعه
ُ فيأخ ُذه
فيخ ِ
ض ُمه فََي ْز َد ِر ُد ْه (ْ) فيدم ُغه ْ ِ
ْ فيحط ُمهُ َ ُ
وي ُد ْه
انيابه َت ُ أحرز َْ الشرك فيما ظلوم َّ
قال ابن هشام :أنشدني ابو عبيدة :
َء أمرا َبيِّنا َر َش ُد ْه ص ْنعا
يوم ذي َ أمرتُك َ
تأتيه وتتَّ ِع ُد ْه باتقاء اللّ ِه
ِ أمرتُك
غرره مما به وتَ ُد ْه
َ الح َميِّر
فكنت كذي ُ
َ
ارتداد عمرو بعد موت الرسول :قال ابن إسحاق :فاقام
عم رو بن مع ديكرب في قومه من ب نى زبيد وعليهم ف روة بن مس يك فلما ت وفى رس ول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب وقال حين ارتد :
ِحمارا َ
ساف ُم ْن َخره بثَ ْف ِر()6 شر ٍ
ملك وجدنا ُملك فروةَ َّ
الء من َخَب ٍث َ
وغ ْد ِر()7 الح َو َ
ترى ُ رأيت أبا ُع َمير
َ وكنت إذا
َ
قال ابن هشام :قوله :بشفر ،عن ابي عبيدة.
( )1اللبد :الشعر الذي على أكتاف ورءوس االسود ،المفرد لبدة .
( )2الشنبث :الذي ال يزايل خصمه .الشثن :غليظ األصابع .البراثن :مخالب األسد.
وناشز :مرتفع .الكتد :ما بين الكتفين .
( )3يعتضده :يضعه تحت عضده فيصرعه .
( )4يقتصده :يصرعه .
( )5يدمغه :يشج رأسه ح تى يصل الج راح إلى أم دماغه .يحطمه :يكس ره .يخض مه :
يأكله .
يزدرده :يبتلعه .
( )6ساف :شم .الثفر :للبهائم كالرحم للنساء. .
( )7الح والء :ما يخ رج من األخالط مع الولد س اعة ال والدة ؟ يش به من يهج وه أنه في
الخبث والقذارة مثل الحوالء.
288
قال ابن هشام :االشعث بن قيس من ولد آكل المرار من ِقبل النساء ،وآكل المرار :الحارث
بن عم رو بن ُح ْجر بن معاوية بن الح ارث ابن ُمعاوية بن ث ور بن مرتع بن معاوية بن ِكن دى،
ويقال ِكندة ،وانما ُسمى آكل المرار ،الن عمرو بن الهَبولة الغساني اغار عليهم ،وكان الحارث
غائب ا ،فغنم وس بى ،وك ان فيمن سبى ُّأم أناس بنت عوف بن محلَّم الشيباني ،امرأة الح ارث بن
عم رو ،فق الت لعم رو في مس يره :لك أنب برجل ْادلم (ا) اس ود ،ك أن مش افره مش افر بع ير آكل
فسمى آكل المرار.
ُمرار( )2قد اخذ برقبتك ،تعني الحارث ُ ،
والمرار :شجر .
ثم تبعه الح ارث في ب ني بكر بن وائل فلحقه ،فقتله ،واس تنقذ امرأته ،وما ك ان اص اب .
ِ
الي ْش ُكري لعمرو بن المنذر ،وهو عمرو بن هند اللخمي : فقال الحارث بن حلَِّزة َ
الدماء
ُ َك ْرها إذ ال تُكال َّان بالمنذر
ب َغس َ وأقدناك َر ّ
المنذر أباه ،وهذا البيت في قصيدة
ُ الن الحارث االعرج الغسانى قتل
له.
ذكرت من القطع (: )3
ُ وهذا الحديث أطول مما ذكرت ،وانما منعني من استقصائه ما
ويقال :بل آكل المرار ُ :ح ْجر بن عمرو بن معاوية ،وهو صاحب هذا الحديث ،وانما ُسمي
المرار.
آكل المرار ،ألنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له ُ
كتاب الرسول إليهم :فكتب إليهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :
ِ
رسول اللّه النبي ،إلى الحارث بن عبد ُكالل ،وإ لى ٍ
محمد بسم اللّه الرحمن الرحيم .من
ُن َع ْيم بن عبد ُكالل ،والى النعمان ،قَْي ِل ذي رعين ومعافر وهمدان .
أما بعد ذلكم :فإني أحمد إليكم اللّه الذي ال اله اال هو،
أما بعد :فانه قد وقع بنا رسولُكم منقلبناً من أرض الروم فلقينا بالمدينة ،فبلَّغ ما أرسلتم
به ،وخبَّرنا ما قبلكم ،وأنبانا بإسالمكم وقتلكم المشركين ،وان اللّه قد هداكم بهداه ،ان أصلحتم
وس ْه َم
وأطعتم اللّه ورسوله ،وأقمتم الصالة ،وآتيتم الزكاة ،وأعطيتم من المغانم ُخمس اللّه َ ،
العين ِ
وصفيَّه (ا) ،وما ُكتب على المؤمنين من الصدقة من العقار( ،)2عشر ما َسقت ُ الرسول َ
ب ( )3نصف العشر . الغ ْر ُ
السماء ،وعلى ما َسقى َ
ُ وسقت
وان في اإلبل االربعين ابنةَ لبون ،وفي ثالثين من اإلبل شاتان ،وفي كل اربعين من
البقر بقرة ؛ وفي كل ثالثين من البقر تبيع َ ،ج َذع أو ال َج َذعة ؛ وفي كل أربعين من الغنم سائمة
وحدها ،شاة .وأنها فريضة اللّه ؟ التى فرض على المؤمنين في الصدقة ؛ فمن زاد خيرا فهو
واشهد على إسالمه ،وظاهر المؤمنين على المشركين ،فانه من .
َ خير له ،ومن أدى ذلك
المؤمنين ،له ما لهم ،وعليه ما عليهم ،وله ذمة اللّه وذمة رسوله .وانه من اسلم من يهودي
أو نصراني ،فإنه من المؤمنين ،له ما لهم ،
(ا) أصل الصفي :ما يصطفيه القائد من الغنيمة قبل القسمة .
( ) 2العقار :األرض .
( )3الغرب :الدلو.
293
وعليه ما عليهم ؛ ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه ال يرد عنها ، ،وعليه الجزية،
واف ،من قيمة المعافر(ا) أو عوضه ثيابا ،أدىعلى كل حال ذكر أو أنثى ،حر أو عبد ،دينار ٍ
عدو
ذلك إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فانه له ذمة .اللّه وذمةَ رسوله ،ومن منعه فانه ُّ
للّه ولرسوله .
أما بعد :فان رسول اللّه محمدا النبي أرسل إلى ُزرعة ذي َي َزن إن إذا آتاكم ُرسلى
وعقبة بن َنمر،
ك بن ُعبادةُ ،
وعبد اللّه بن َز ْيد ،ومال ُ
ُ بن جبل ،
فأوصيكم بهم خيرا ُ :معا ُذ ُ
ومالك بن م َّرة وأصحابهم .وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة ِ
والجزية من مخالفيكم ، ُ
أميرهم معاذ بن جبل ،فال َي َنق َّ
لبن اال راضيا. وابلغوها ُرسلي ،وأن َ
عبده ورسوله ،ثم ان مالك بن ُم َّرة
أما بعد :فان محمدا يشهد ان ال اله اال اهلل وانه ُ
وأمرك بحمير
فابشر بخير ُ
ْ وقتلت المشركين
َ أسلمت من أول حمير،
َ الرهاوي قد حدثني انك
َّ
ِ
وفقيركم ،وان الصدقة ال تحل خيرا ،وال تخونوا وال تخاذلوا ،فان رسول اللّه هو ولي غنيِّكم
زكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل . ٍ
لمحمد وال ألهل بيته ،انما هي زكاةٌ ُي َّ
الخبر ،وحفظ الغيب ،وأمركم به خيرا ،وإ ني قد أرسلت إليكم من َّ
وان مالكا قد بلغ َ
صالحى أهلى وأولى دينهم وأولى علمهم ،وأمرك بهم خيرا ،فانهم منظور إليهم ،والسالم
عليكم ورحمه اللّه وبركاته .
وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن :قال ابن إسحاق :وحدثني عبد اللّه بن أبي
بكر أنه ُحدث :ان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين بعث معاذا ،أوصاه وعهد إليه ،تم قال
له :يسِّر وال تُعسِّر وبشر وال تُنفر ،وانك ستقدم على قوم من أهل الكتاب ،يسئلونك :ما
مفتاح الجنة،
( )1المعافر :نوع من ثياب اليمن .
294
فقل :شهادة ان ال اله اال اللّه وحده ال شريك له ( )1؛ فخرج ُمعاذ ،حتى إذا قدم اليمن
قام بما امره به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،فاتته امرأة من أهل اليمن ،فقالت :يا
ِ
المرأة عليها ؟ قال :ويحك ! ان المرأة ال تقدر على ان صاحب رسول اللّه ؛ ما ُّ
حق زوج َ
كنت صاحبحق زو ِجها فاجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت ،قالت :واللّه لئن َ ي َّ ِّ
تؤد َ
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم انك لتعلم ما ُّ
حق الزوج على المرأة .قال :ويحك ؟ لو رجعت
أديت حقَّه
إليه فوجدته تَْنثَعب ( )2منخراه قيحا ودما ،فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما ْ
اسالم فروة بن َعمرو الجذامي
الج ذامي ،ثم ُّ
النفَ اثي ،إلى رس ول اللّه ق ال ابن إس حاق :وبعث ف روة بن عم رو الن افرة ُ
صلى اهلل عليه وسلم رسوال بإسالمه ،وأهدى له بغلةً بيضاء وكان فروة عامال للروم على من
يليهم من العرب ،وكان منزله ُمعان وما حولها من أرض الشام .
روم ذلك من إس المه ،طلب وه ح تى أخ ذوه ،
حبس ال روم له وش عره ومقتله :فلما بلغ ال َ
فحبسوه عندهم ،فقال في محبسه ذلك :
(ا) وفي البخاري :قيل لوهب -:أليس مفتاح الجنة ال اله اال اهلل ؟ فقال :بلى ولكن ليس
من مفتاح إال وله أسنان ،فان جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك ،وإ ال لم يفتح لك ،وفي رواية
غيره :ان ابن عباس ذكر له قولة وهب ،فقال :صدق وهب ،وأنا أخبركم عن األسنان
ما
هي ،فذكر الصالة والزكاة وشرائع اإلسالم .وانظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري
من
تحقيقنا ط :القاهرة الكليات األزهرية -بيروت ،عالم الكتب .
( )2تنثعب :تسيل .
295
الباب ِ
والق ْر َو ِ
ان ()1 بين ِ ت ُسلَْي َمى ُمو ِهنا أصحابي
والروم َ
ُ طرقَ ْ
اغ ِفي وقد ابكاني ت ان ْ وهم ْم ُرأى َ وساءه ما قد
َ ص َّد الخيا ُل
َ
ِ
لالتيان َسْلمى وال تَِدَي َّن ال تَ ْكحِل َّن العين بعدي ِ
إثمدا َ َ
حص لساني ()2 ط األعزة ال ُي ُّ َو ْس َ ت ابا ُكَب ْيشة أنني ولقد َعِل ْم َ
قيت ِ
لتعرفُ َّن مكاني ولئن َب ُ أخاكم
ُ كت لتَ ْفِق َد َّنفلئن هلَ ُ
ِ
وبيان ٍ
وشجاعة من َج ْو َد ٍة اجل ما جمع الفتى ت َّ جمع ُ
ولقد ْ
فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم :يقال له َع ْفراء بِفلَ ْسطين ،قال :
ِ
الرواحل إحدى
فوق َ ماء َعفراء َ على ِ أال هل أتى َسْلمى بان َحليلَها
ِ
بالمناجل ()3 ُم َش َّذَبةٌ أطرافُها أمها ِ
يضرب الفح ُل َّ على ٍ
ناقة لم
( )1الموهن :نحو نصف الليل أو بعد ساعة منه .القروان :يجوز ان يكون جمع قرو،
وهو حوض الماء مثل صنوان ،ويجوز ان بكون جمع :قرى مثل صليب وصلبان .واصح ما
قيل في الف رو أنه ح ويض من خشب تس قى فيه ال دواب ،وتلغ فيه الكالب ،وفي المثل :ما فيها
العى قرو ،أي :ما في الدار حيوان ،وأراد :بالعي قرو ،العق قرو ،وقلب القاف االولى ياء
للتضعيف .
وحسن ذلك أنه اسم فاعل ،وقد يب دلون من أخر ح روف في اسم الفاعل ي اء ،وأن لم يكن
ثم تضعيف ،كقولهم في خامسهم :خاميهم ،وفي سادسهم ساديهم ،وكذلك إلى العاشر ،ونحو
منه :ما أنشد سيبويه :
* ولضفادي جمه نقانق *
أي لضفادع جمه ،وأنشد :
* من الثعالي ووخز من أرانبها *
أراد الثعالب ،وإ ذا كان هذا معروفا فالعي قرو أحق أن يقلب أخره ياء كراهة اجتماع
قافين .
( )2ال يحص :ال يقطع .
( )3المشذبة :التى أزيلت أغصانها.
296
من خالد بن الولي د ،الس الم عليك يا رس ول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ف إني أحم ُد إليك اللّه
الذي ال اله اال هو.
أما بع ُد :يا رس ول اللّه ص لى اللّه عليك .فانك بعثت ني إلى ب نى الح ارث بن كعب ،
أقمت فيهم ،
وأمرت ني إذا آتيتهم أال أق اتلهم ثالثة أي ام ،وأن أدع وهم إلى اإلس الم ،ف ان اس لموا ُ
وقبلت منهم ،وعلمتهم مع الم اإلس الم وكت اب اللّه وس نة نبيه ،وان لم يس لموا ق اتلتهم .وإ نى
قدمت
عليهم ف دعوتهم إلى اإلس الم ثالثة أي ام ،كما ام رني رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ،
وبعثت فيهم ركبانا ق الوا :يا ب نى الح ارث :اس ِلموا تس لموا ،فاس لَموا ولم يق اتلوا ،وأنا مقيم بين
أظهرهم ،أمرهم بما أمرهم اللّه به وأنهاهم عما نهاهم اللّه عنه ،وأعلمهم معالم اإلسالم وسنة
النبي صلى اهلل عليه وسلم ،حتى يكتب إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،والسالم عليك يا
رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته .
فكتب إليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم
رد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على خالد :بسم اللّه الرحمن الرحيم :من محمد
أحمد إليك اللّه الذي ال اله اال هو. . ِ
رسول اللّه ،إلى خالد بن الوليد .سالم عليك ،فإني ُ النبي .
أما بعد :فان كتابك جاءني مع رسولك تخبر ان بنى الحارث بن كعب قد اسلموا قبل ان تقاتلهم
وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من اإلسالم ،وشهدوا أن ال اله اال اللّه ،وان محمدا عبد اللّه
والسالم عليك
ُ ولي ْقبِ ْل معك ُ
وفدهم ، ورسوله ،وان قد هداهم اللّه بهداه ،فبشرهم وأنذرهم ُ ،
ورحمة اللّه وبركاته .
قدوم خالد مع وفدهم على الرسول :فاقبل خالد إلى رسول
ص ْين
الح َ
اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،واقبل معه وفد بني الحارث بن كعب ،منهم قيس بن ُ
298
(ا) ذو الغصة :واسمه الحصين بن زيد بن شداد الحارث ،وقيل له :ذو الغصة ،لغصة
كانت في حلقه ال يكاد ببين منها ،وذكره عمر بن الخطاب يوما ،فقال :ال تزاد امراة في
صداقها على كذا وكذا ،ولو كانت بنت ذي الغصة.
( )2واسم عبد الم دان عم رو بن ال ديان ،وال ديان اس مه :يزيد بن قطن بن .زي اد بن
الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب الحارثي .
( )3الض بابي :من ض باب بكسر الض اد في ب نى الح ارث بن كعب بن م ذحج ،وض باب
ايضا في ق ريش وه وابن حج يربن عبد بن معيص بن ع امر اخو حجر بن عب د.وفي حجر
وحجير قال الشاعر :
ومن حجير بالذنب أراغوني أنبئت أن غواة من بنى حجر
ويا حجير إليكم ال تبوروني أغنوا بنى حجر عنا غواتكم
والض باب في ب نى ع امر بن صعص عة ،وهم ض باب ومض بب وحسل وحس يل بنو معاوبة
بن كالب ،واما الض باب ب الفتح ،ففي نسب النابغة ال ذبياني ض باب بن يرب وع بن غيظ ،واما
الضباب بالضم فزيد ومنجا ابنا ضباب من بنى بكر ،ذكره الدارقطنى .
( )4زجرته :زج را من ب اب قتل منعته ف انزجر وازدجر ازدج ارا واألصل أزتجر على
ومتعديا وتزاجروا عن المنكر زجر بعضهم بعضا.
ّ افتعل يستعمل الزما
299
مرار ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ؛ لو أن خالدا لم يكتب إلى أنكم أسلمتم ولم
رءوسكم تحت أقدامكم ؛ فقال يزيد بن عبد المدان :َ تقاتلوا ،أللقيت
أما واللّه ما حم دناك وال حم دنا خال دا .ق ال :فمن َح ِم دتم ؟ ق الوا :حم دنا اللّه عز وجل
الذي هدانا بك يا رسول اللّه ؛ قال :صدقتم .
ثم قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ ؟ قالوا :
لم نكن نغلب أحدا ؛ قال :بلى ،قد كنتم تغلبون من قاتلكم ؛ قالوا :كنا نغلب من قاتلنا ؛ يا رسول
وأمر رسو ُل اللّه صلى اهلل
اللّه إنا كنا نجتمع وال نفترق ،وال نبدأ أحدا بظلم ،قال :صدقتم َّ .
ص ْين .
الح َ
عليه وسلم على بني الحارث ابن كعب :قيس بن ُ
فرجع وفد بنى الحارث إلى قومهم في بقية من شوال ،أو في صدر
ذي القع دة ،فلم يمكث وا بعد ان رجع وا إلى ق ومهم إال أربعة اش هر ،ح تى تُ وفّ َي رس ول اللّه
صلى اهلل عليه وسلم ،ورحم وبارك ،ورضى وانعم .
الرسول يبعث عمرو بن حزم بعهده إليهم :وقد كان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد
بعت إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ،ليفقههم في الدين ،ويعلمهم السنة ومعالم اإلسالم
،ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده ،وأمره فيه بأمره :
آمُن وا أ َْوفُ وا بِ اْل ُعقُو ِد } َِّ ِ
ين َ
بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا بيان من اللّه ورسوله َ { ،يا أَيُّهَا الذ َ
[المائ دة ،]1 :عه ٌد من محمد الن بي رس ول اللّه لعم رو بن ح زم ،حين بعثه إلى اليمن ،آم ره
ِّ
بالحق كما بتقوى اللّه في أمره كلِّه فان اللّه مع الذين اتَّقَ وا والذين هم محسنون ،وآمره أن يأخذ
اس الق ران ،ويفقههم فيه ،وينهى
ام ره اللّه ،وان يبشر الن اس ب الخير ،وي أمرهم به ويعلم الن َ
الناس بالذي لهم ،والذي عليهم ،ويلين
َ الناس ،فال يمس القرآن انسان اال وهو طاهر ،ويخبر
ِّ
الحق ،ويشتد عليهم في الظلم ،فان اللّه ِ
للناس في
300
خمس اللّه ،وما كتب على المؤم نين في الص دقة من العق ار
وأم ره أن يأخذ من المغ انم َ
ب نصف العشر ؛ وفي كل عشر من
الغ ْر ُ
عشر ما س قت العين وس قت الس ماء ،وعلى ما س قى ُ
اإلبل ش اتان ،وفي كل عش رين أربع ش ياه وفي كل اربعين من البقر بق رة ؛ وفي كل ثالثين من
البقر ت بيع ؛ َج َذع أو َج َذع ة ،وفي كل أربعين من الغنم س ائمة وح دها ؛ ش اة ،فإنها فريضة اللّه
التى افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له .
وانه من اس لم من يه ودي أو نص راني إس الما خالصا من نفسه ودان ب دين اإلس الم ،فانه
من المؤم نين ،له مثل ما لهم ،وعليه مثل ما عليهم ،ومن ك ان على نص رانيته أو يهوديته فانه
رد عنه ا ،وعلى كل ح الم :ذكر أو أن ثى ،حر أو عبد دين ار واف أو عوضه ثياب ا .فمن أدى
ال ي ّ
ذلك ،فإن له ذمة اللّه وذمة رسوله ،ومن َمَن َع ذلك ،فانه عدو للّه ولرسوله وللمؤمنين
جميعا ،صلوات اللّه على محمد ،والسالم عليه ورحمة اللّه وبركاته .
قدوم رقاعة بن زيد الجذامي
الح َد ْيبية ،قبل َخ ْي بر رفاع ةُ بن .زيد
وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في هدنة ُ
الض ْبيبى. ،فأه دى لرس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم غالم ا(ا) ،واس لم ،فحسن
الج ذامي ثم ُ
ُ
إسالمه وكتب له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كتابا إلى قومه .وفي كتابه . :
اب من محمد
كتاب الرسول إلى قوم رقاعة بن زيد :بسم اللّه الرحمن الرحيم .ه ذا كت ٌ
رسول اللّه ،لرفاعة بن زيد .إني بعثته إلى .
قومه عام ة ،ومن دخل فيهم ،ي دعوهم إلى اللّه والى رس وله ،فمن اقبل منهم ففي ِح ْزب
اللّه وحزب رسوله ،ومن أدبر فله أمان شهرين .فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا واس لموا،
الرجالء ،و نزلوها .
الحرة َح َّرة َ .
ثم ساروا إلى َّ
قدوم وفد همدان
من رجال الوفد :قال ابن هشام :وقدم وفد َه ْمدان على رسول ا للّه صلى اهلل عليه وسلم
الس ّب ْي ِعى،
الع ْب دي ،عن ابي إس حاق ُ
اذينة َ
،فيما ح دثني من اثق به ،عن عم رو بن عبد اللّه بن ْ
قال :قدم وفد َه ْمدان على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ،منهم مالك بن َن َمط (ا) ،وابو ثَْور،
وعم يرة بن مالك الخ ِارفى ،فلق وا ِ ِ
وهو ذو الم ْش عار ،ومالك بن ْايفع وض مام بن مالك الس لَماني ُ
الحَب رات ( ،)2والعم ائم رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم مرجعه من تَب وك وعليهم مقَطَّع ات ِ
ُ ُ ََ
العدنية،
( )1مالك بن نمط الهم دانى ال ذي يق ال له المش عار ،وكنيته :ابو ث ور وقع في النس خة،
وفي
اكثر النسخ :وابو ثور بالواو ،كأنه غيره ،والصواب سقوط الواو ،ألنه هو هو ،وقد
يخرج اثبات الواو على إضمار هو ،كأنه قال :وهو ابو ثور ذو المشعار ،وقد ذكره ابن
قتيبة ،فقال في غريب الحديث :مالك ذو المشعار ،وذكره ابو عمر فقال :هو ذو
المشعار يكنى :اباثور ،وفي الكتاب الذي كتبه له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم :
هذاكتاب من محمد رسول اهلل إلى خالف خارف ويام وأهل نجاب الهضب وحقاف
الرمل مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ،فهذا كله يدل على ان الواو في قوله :
وابو ثور ذو المشعار ال معنى له ( .الروض األنف من تحقيقنا ج 4ص .) 229
( )2المقطع ات :من الثي اب في تفس ير أبي عبي د ،هي القص ار ،واحتج بح ديث ابن عب اس
في
صالة الضحى إذا انقطعت الظالل ،أي :قصرت ،وبقولهم في االراجيز :مقطعات ،
ظاه ابن قتيبة في هذا التأويل ،وقال :انما المقطعات الثياب المخيطة كالقمص =
وخ َ
303
= ونحوها ،سميت بذلك ألنها تقطع ثم تخاط ،واحتج بحديث رواه عن بعض ولد عبد
الملك بن مروان ،وفيه أنه خرج وعليه مقطعات يجرها ،فقال له شيخ من بني أوبة :لقد
رأيت أباك ،وكان مشمرا غير جرار لثيابه ،فقال له الفتى :لقد هممت بتقصيرها ،فمعنى قول
الشاعر في أبيك :
لشر قريش في قريش مركبا قصير الثياب فاحش عند ضيفه
والظاهر في قوله عليهم مقطعات الحبرات ما قاله ابن قتيبة وال معنى لوص فها بالقصر في
هذا الموطن .
( )1الميس :خشب متين تصنع منه الرحال .
( )2المهر بة :منسوبة إلى قبيلة باليمن مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة.
وهي ابل نجيبة
( )3االرحبية :منسوبة ا لي أرحب بطن من همدان .وارحب مكان .
( )4السوقة :الشعب .واالقيال :رؤساء االقاليم .
( )5االطابات :ما طاب من االموال .واخال :ما يأخذه الحاكم من الشعب كالضرائب .
( )6السواد :القرى .الهبوات :الغبار.
( )7النصية :خيار القوم .
( )8القلص :االبل الشابة .نواج :مسرعة .
304
لومةُ الئم ،من ِم ْخالف خارف ويام وشاكر(ا) أهل السود والقود ،اجابوا .دعوةَ
عهدهم ال ُينقض ما أقامت لَ ْعلَع ،وما جرى اليعفور
االنصاب ُ ، ِ
االلهات الرسول ،وفارقوا
َ
بصلَع (.)2
َ
فكتب لهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كتابا فيه :
كتاب من رسول اللّه .كتابه صلى اهلل عليه وسلم لهم :بسم اللّه الرحمن الرحيم .هذا ٌ
وحقاف الرمل ،مع وافدها ذي ِ
الم ْشعار مالك بن ضب ِ محمد ،لمخالف خارف وأهل َجناب الهَ ْ
ْ
طها ( ،)3ما أقاموا الصالة وآتَوا الزكاة راعها ِ
وو َها َ ِ
َن َمط ،ومن اسلم من قومه ،على ان لهم ف َ
ِ
وشاه ُدهم المهاجرون وذمام رسوله ، يأكلون ِعالفَها ويرعون َعافيها( ،)4لهم بذلك ُ
عهد اللّه ِ
واألنصار .
ُ
فقال في ذلك مالك بن َن َمط :
وصْل َد ِد() 5
حان َ
ونحن بأعلى َر ْح َر َ
ُ مة ُّ
الد َجى ذكرت رسو َل اللّه في فَ ْح ِ
ُ
الح ٍب متَ ِ
مدد(ا) بر ْكبانِها في ِ طالئح تَ ْغتَِلى وص وه َّن ُ
ُ ُ ُ بناخ ٌ ُ
( )1المخالف :المدينة ،وما بعدها اسماء قبائل .ينتسب لها ،يام ،وهو يام بن أصبى،
وخارف بن الحارث بطنان من همدان ينسب إلى يام :زيد بن الحارث بن عبد الكريم اليامي
المحدث ،وأهل الحديث يقولون فيه :األيامي .
( )2لعلع :اسم جبل أو سلسلة من الجبال .اليعفور :ولد الظبية .الصلع :األرض
الملساء.
( )3فراعها :الفراع ما عال من األرض .الوهاط :ما انخفض من األرض ،وأحدها :
وهط .
( )4العالف :ثمر الطلح .عافيها :ما كثر من نباتها.
( )5حرصان وصلدد :موضعان .
( )6الخوص :غائرات العيون .طالئح :متعبة .تغتلي :تنشط في سيرها .الالحب :
الطريق الواضحة .
305
تحقُّق رؤياه صلى اهلل عليه وسلم فيهما :قال ابن إسحاق :حدثني يزيد بن عبداللّه بن
الخ ْدري ،قال :سمعت
قُ َسيط ،عن عطاء بن يسار عن اخيه سليمان بن يسار ،عن أبي سعيد ُ
الناس ،اني
رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره ،وهو يقول :أيها ُ
ذراعي سوارين من ذهب ِ ،
فكرهتهما ،فنفختهما َّ رأيت ليلةَ القدر ،ثم أنسيتها ،ورأيت في -
ُ قد
وصاحب اليمامة. صاحب اليمن ، فطارا ( ،)1فأولتُهما هذين َّ .
الكذابين :
َ َ
الرسول يتحدث عن الدجالين :قال ابن إسحاق :وحدثني من ال أتهم ،عن أبى هريرة،
أنه قال :سمعت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يقول :ال .
تقوم الساعةُ حتى يخرج ثالثون َدجَّاال ،كلهم َي َّدعى النبوةَ.
ومعاوية وعتيكة وشهاب والقرية ويام ،ومن ولد يام بن عنس عمار بن ياسر ،وأخوه
عبداهلل وحويرث ابنا ياسر بن عمر بن مالك ،قتله فيروز الديلمي ،وقيس بن مكشوح وداذويه
رجل من األبناء دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة كان قد غلب عليها من االبناء ،فوجدوه
سكران ال يعقل من الخمر ،فخبطوه بأسيافهم وهم يقولون :
والناس تلقى جلهم كالذبان ضل نبي مات وهو سكران
النور والنار لديه سيان
ذكره الدوالبي ،وزاد ابن إسحاق في رواية يونس عنه أن أمراته سقته البنج في شرابه
تلك الليلة ،وهى التي أتفرت السرب للدخول عليه ،وكان اغتصبها ،ألنها كانت من اجمل
النساء ،وكانت مسلمة صالحة ،وكانت تحدث عنه أنه ال يغتسل من الجنابة ،واسمها المرزبانة،
وفي صورة قتله اختالف وقد ذكرنا فيما تقدم اكثر من ذلك .السهيلي الروض اآلنف من تحقيقنا
،4ص 326ويراجع تاريخ الطبري .
وقال بعض أهل العلم بالتعبير .وتأويل نفخه لهما انهما يقتالن بسببه صلى اهلل عليه وسلم ، ()1
ألنه لم يغزهما بنفسه ،وتأويل الذهب أنه زخرف ،فدل لفظه على زخرفهما ،وكذبهما ،ودل
االسواران بلفظهما على ملكين الن األساورة هم الملوك ،وبمعناهما على التضييق عليه لكون
السوار مضيقا على الذراع .
307
حجة الوداع
تجهز الرسول :قال ابن إسحاق :فلما دخل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذو الق
الناس بالجهاز له .
عدة تجهز للحج ،وأمر َ
قال ابن إسحاق :فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ،عن أبيه القاسم ابن محمد ،عن عائشةَ
زوج النبي صلى اهلل عليه وسلم ،قالت :خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى الحج
ِ
لخمس ليال بقين من ذي القعدة .
استعماله على المدينة أبا ُدجانة :قال ابن هشام :فاستعمل على المدينة أبا ُدجانة
الساعدي ويقال :سباع بن ُع ْرفُطة الغفاري .
حكم الحائض في الحج :قال ابن إسحاق :فحدثني عبد الرحمن ابن القاسم ،عن أبيه
القاسم بن محمد ،عن عائشة ،قالت :ال يذكر وال يذكر الناس إال الحج ، 69حتى إذا كان بسرف
- 69وهذا يدل على أنهم أفردوا ..وقد بين ذلك جابر في حديثه أن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم
– أفرد الحج ،وهذا هو الصحيح في حديث جابر ،قد روي من طرق فيها لين عن جابر أنه قال قرن
رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بين الحج والعمرة ،وطاف لهما طوافاً واحداً ،وسعى لهما سعياً
واحداً ،رواه الدارقطني ،وروي أيضاً أن جابراً قال :حج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثالث حجات
،حجتين قبل الهجرة ،وحجته التي قرنها بعمرته ،وأما حديث ابن عباس فصحيح ،وقال فيه :طاف
رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -عن حجته وعمرته طوافاً واحداً ،وقد اختلف عن على ،فروي عنه
أنه طاف عنهما طوافين ،ولم يختلف عنه أنه كان قارناً ؟ وكذلك حديث عمران بن حصين في أنه عليه
الصالة والسالم كان قارناً ،وأما حديث أنس فصرح فيه بأنه كان قارناً ،وقال :ما تعدونا إال صبياناً،
سمعت رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم – كما ترى :هل كان مفرداً أو قارناً ،أو متمتعاً ،وكلها
أهل بعمرة ،وأما من قال :بتمتع رسول اهلل -صلى اهلل صحاح إال من قال :كان متمتعاً ،وأراد به َّ
عليه وسلم – أى :أمر بالتمتع وفسخ الحج والعمرة ،فقد يصح هذا التأويل ،ويصح أيضاً أن يقال تمتع
إذا قرن ،ألن القران ضرب من المتعة لما فيه من إسقاط أحد السفرين .والذي يرفع اإلشكال حديث
البخاري أنه أهل بالحج ،فلما كان بالعقيق أتاه جبريل ،فقال له إنك بهذا الوادي المبارك ،فقل :لبيك
بحج وعمرة معاً ،فقد صار قارناً بعد أن كان مفرداً .،وصح القوالن جميعاً ،وأمره ألصحابه أن
يفسخوا الحج بالعمرة خصوص لهم ،وليس لغيرهم أن يفعله وإ نما فعل ذلك ليذهب من قلوبهم أمر
الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحج ،فكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر،
ويقولون :إذا برأ الدبر ،وعفا األثر ،وانسلخ صفر حلَت العمرة لمن اعتمر ،ولم يفسخ رسول اهلل -
صلى اهلل عليه وسلم -حجه كما فعل أصحابه ،ألنه ساق الهدي ،
وقلده ؛ واهلل سبحانه يقول ( :حتى يبلغ الهدي محله) وقال حني رأى أصحابه قد شق عليهم خالفه :لو استقبلت2
من أمري ما استدبرت جلعلتها عمرة ،وملا سقت اهلدي ،قال شيخنا أبو بكر رضى اهلل عنه :إمنا ندم على ترك ما هو
310
من كراهة أصحابه ملخالفته ،ومل يكن ساق اهلدي معه من أصحابه إال طلحة بن عبيد اهلل
أسهل ،وأرفق ؟ وذلك ملا رأى َ
وعلى أيضاً أتى من اليمن وساق اهلدي فلم حيل إال بإحالل رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم( .
،فلم حيل حىت حنرّ ،
.عن الروض األنف ) وانظر أيضا ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) بتحقيقنا ط دار اجليل -بريوت
311
اهلل صلى اهلل عليه وسلم معه الهَ ْدي ،وأشراف من أشراف الناس ،أمر الناس أن ُي ِحلوا
علي وأنا أبكي ،فقال :ما لك
وحضت ذلك اليوم ،فدخل َّ الهدي ،،قالت ِ :
بعمرة ،إال من ساق ْ َ
يا عائش ة؟ لعلك ِنف ْس ِت ؟ ق الت :قلت :نعم ،واهلل ل وددت إني لم أخ رج معكم ع امى في ه ذا
ُّ
الحاج إال أنك ال تطوفين بالبيت . السفر ،فقال :ال تقولن ذلك ،فإنك تَ ْقضين كل ما يقض
ي َّ ُّ
قالت :ودخل رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم بمكة ،فحل كل من كان ال َه ْد َ
معه ،وحل نساؤه بعمرة .
312
فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير .فطُرح في بيتي ،فقلت :ما هذا؟ قالوا :ذبح
البقر.
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن نسائه َ
صبة ، 70بعث بي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مع أخى عبد
الح ْ
حتى إذا كانت ليلة َ
الرحمن بن أبي بكر فأعمرنى من التنعيم ،مكان عمرتى التي فاتتنى.
قال ابن إسحاق :حدثني نافع ،مولى عبد اهلل بن عمر ،عن عبد اهلل ابن عمر ،عن
حفصة بنت عمر ،قالت :لما أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نسائه أن ُيحللن بعمرة ،قلن
أهديت ولَب َّْدت ، 71فال أحل حتى أنحر هدى.
ُ :فما يمنعك يا رسول اهلل أن تُ َّ
حل معنا ؟ فقال :إني
موافاة على في قفوله من اليمن رسول اهلل في الحج :ق ال ابن إسحاق :حدثني عبد اهلل
بن أبي َنجيح :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان بعث عليا رضى اهلل عنه إلى نجران ،
فلقيه بمكة وقد أحرم ،فدخل على فاطمة بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورضى اهلل عنها،
فوجدها قد َحلَّت وتهيأت ،فقال :ما لك يا َ
بنت رسول اهلل ؟ قالت :أمرنا رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم أن نحل بعمرة فحللنا.
علياً في هديه :ثم أتى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم،
ّ إشراكه صلى اهلل عليه وسلم
فلما فرغ من الخبر عن س فره ،ق ال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :انطلق قطف ب البيت ،
أهللت ،فق ال :ارجع فاحلل كما
َ أهللت كما
ُ وح ّل كما حل أص حابك ؟ ق ال :يا رس ول اهلل إني
قلت حين أح رمت :اللهم إني أهل بما أهل به نبيك
حل أص حابك ،ق ال :يا رس ول اهلل ،إني ُ
وعب دك ورس ولك محمد ص لى اهلل عليه وس لم ،ق ال :فهل معك من َه ْدي ؟ ق ال :ال .فأش ركه
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
70
.احلصبة :يوم الرمي باحلصى ،واحملصب موضع مبكة
71
.جعل يف رأسه صلى اهلل عليه وسلم صمغا لئال يتشعث
313
في هديه ،وثبت على إحرامه مع رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ،ح تى فرغا من الحج
ونحر رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم الهدي عنهما.
شكوى جند علي منه رضي اهلل عنه وسببها :قال ابن إسحاق :وحدثني يحيى بن عبد اهلل
بن عبد ال رحمن بن أبي َعم رة ،عن بريد ابن طلحة بن يزيد بن ُركان ة ،ق ال :لما أقبل على
رضى اهلل عنه من اليمن ليلقى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بمكة ،تعجل إلى رسول اهلل ص لى
اهلل عليه وس لم واس تخلف على جن ده ال ذين معه رجل من أص حابه ،فعمد ذلك الرجل فكسا ك َّل
رجل من القوم ُحلة من البز الذي كان مع على رضى اهلل عنه فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم :فإذا
كس ْوت الق وم ليتجمل وا به إذا ق دموا في الن اس ق ال :
عليهم الحلل ،ق ال :ويلك ما ه ذا؟ ق ال َ :
ويلك ؟ ان زع قبل أن تنتهى به إلى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ،ق ال :ف انتزع الحلل من
الناس .فردها في البز ،قال :وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم .
قال ابن إسحاق :فحدثني عبد اهلل بن عبد الرحمن بن َح ْزم بن معمر بن حزم ،عن
الخ ْدري
ُسليمان بن محمد بن كعب بن ُع ْجرة عن عمته زينب بنت كعب ،وكانت عند أبي سعيد ُ
الخ ْدري ،قال :اشتكى الناس عليا رضوان اهلل عليه ؟ فقام رسول اهلل صلى اهلل
،عن أبي سعيد ُ
عليه وسلم فينا خطيبا ،فسمعته يقول :أيها الناس ،ال تشكوا عليا ،فواهلل إنه ألخشن في ذات اهلل
،أو في سبيل اهلل ،من أن ُي ْشكى .
خطبة الوداع :فال ابن إسحاق :ثم مضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على َح ِّجه ،
فح ِمد
فأرى الناَس مناسكهم ،وأعلمهم ُسَنن حجهم ،وخطب الناس خطبته التي بيَّن فيها ما بيَّن َ ،
اهلل وأثنى عليه ،ثم قال :
الناس ،اسمعوا قولى ،فإنى ال أدري لعلِّى ال ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً.
أيها ُ
314
ِ
كحرمة يو ِمكم هذا، دماءكم وأموالَكم عليكم حرام إلى أن تلقَ ْوا ربَّكم ،
أيها الناس ،إن َ
ِ
وكحرمة شهركم هذا ،وإ نكم ستلقون ربَّكم ،فيسألكم عن أعمالكم ،وقد بلغت ،فمن كانت عنده
أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإ ن كل ربا موضوع ،ولكن لكم رءوس أموالكم ،ال تَظلمون وال تُظلمون قضى اهلل أنه
ال ربا ،وإ ن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع له.
72 وإ ن َّ
كل دم كان في الجاهلية موضوع ،وإ ن أو َل دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث
بن عبد المطلب ،وكان مسترضعاً في بني ليث ،فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء
الجاهلية .
أما بعد :أيها الناس ،فإن الشيطان َقد َيئس من أن ُيعبد بأرضكم هذه أبداً،
ولكنه إن ُي َطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما َت ْحقِرون من أعمالكم ،فحذروه
على دينكم .
النسىء زيادة في الكفرُ ،يضل ُّ به الذين كفرواُ ،يحلُّونه َ أيها الناس :إن
ويحرموا
ِّ ويحرمونه عاماً ،ليواطئوا عد َة ما َح َّرم -هللا ،ف ُيحلوا ما حرم هللا ،
ِّ عاما ً
واألرض ،
َ استدار كهيئة يو َم خلق هللا السموات . َ ما أحل هللا ،وإن الزمان قد
وإن عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهراً ،منها أربعة ُح ُرم ،ثالثة .متوالية،
ورجب ُمضر ، 73الذي بين ُجمادى وشعبان .
72
امسه :آدم ،وقيل :متام وكان سبب قتله حرب كانت بنب قبائل هذيل تقاذفوا فيها باحلجارة فأصاب الطفل حجر
.وهو حيبو بني البيوت ،كذلك ذكر الزبري
73
رجب مضر :إمنا قال ذلك ألن ربيعة كانت حترم شهر رمضان ،وتسميه :رجباً من رجبت الرجل ورجبته إذا عظمته
، .ورجبت النخلة إذا دعمتها ،فبني عليه السالم أنه رجب مضر ال رجب ربيعة ،وأنه الذي بني مُج َادى وشعبان
315
أما بعد أيها الن اس ،ف إن لكم على نس ائكم حقّ اً ولهن عليكم حقّ اً ،لكم عليهن أن ال ي وطئن
فُُرش كم أح داً تكرهونه ،وعليهن أن ال ي أتين بفاحشة مبين ة ،ف إن فعْل َن ف إن اهلل قد أذن لكم أن
تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير ُمَب َّرح ، 74فإن انتّهين فلهن رزقهن ،وكسوتهن
بالمعروف ،واستوصوا بالنساء خيراً ،فإنهن عندكم َع َوان 75ال يملكن ألنفسهن شيئاً ،وإ نكم إنما
أخذتموهن بأمانة اهلل ،واستحللتم فروجهن بكلمات اهلل ،فاعقلوا أيها الناس قولى ،ف إنى قد بلغت
.
كتاب اهلل وسنةَ نبيه.
َ وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ،أمراً بينا: ،
أخ للمسلم ،وأن المسلمين إخوة كل مسلم ٌ من أن َّأيها الناس ،اسمعوا قولى واعقلوه ،تَ َعلَّ َّ
،فال يحل الم رئ من أخيه إال ما أعط اه عن طيب نفس منه ،فال تظلمن أنفس كم ،اللهم هل
بلغت ؟
اشهد.
ف ُذكر لى أن الناس قالوا :اللهم نعم ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :اللهم ْ
من كان يردد قوله صلى اهلل عليه وسلم رافعاً صوته ليسمع الناس :قال :ابن إسحاق
:وحدثني يحيى بن َعبَّاد بن عبد اهلل بن الزبير ،عن أبيه عبَّاد قال :كان الرجل الذي يصرخ
في الناس بقَ ْول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو بعرفة ،ربيعة بن أمية بن خلف قال :
يق ول له رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم :قل يأيها الن اس ،إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
أي شهر هذا؟ فيقول لهم ،فيقولون :الشهر الحرام .
وسلم يقول :هال تدرون َّ
74
.غري مربح :غري شديد
75
.عوان :أسريات ،مفردها :عانية
316
76
.اللغام :الرغوة اليت خترج من فم الناقة
77
وقوله عليه السالم " وللعاهر احلجر " أي إمنا يثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج ،وللعاهر اخليبة ،وال يثبت له
.نسب ،وهو كما يقال له الرتاب يف فيه أي اخليبة ألن بعض العرب كان يثبت النسب من الزنا فأبطله الشرع
317
تعاليم الرسول عليه السالم للحاج :قال ابن إسحاق :وحدثني .عبد اهلل بن أبي نجيح :
الم ْوقف ،للجبل الذي هو عليه
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين وقف بعرفة ،قال :هذا َ
،وكل عرفة موقف .وقال حين وقف على قَُزح 78صبيحة المزدلفة :هذا الموقف ،وكل
بمنى قال :هذا المنحر وكل ِمنى منحر.
المزدلفة موقف .ثم لما نحر بالمنحر ً
فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم ،وأعلمهم ما فرض اهلل
عليهم من حجهم :من الموقف ،ورمى الجمار ،وطواف بالبيت . ،وما َّ
أحل لهم من حجهم ،
وما حرم عليهم ،فكانت حجة البالغ ،وحجة الوداع ،وذلك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
بعدها.
لم يحج َ
بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين
ق ال ابن إسحاق :ثم قفل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة
وأمر عليهم أس امة بن زيد بن حارثة
والمح رم وص فر ،وض رب على الن اس بعث اً إلى الش ام َّ ،
البلق اء وال داروم من أرض ِفلَ ْس طين ،فتجهز الن اس ،
م واله وأم ره أن ُي وطىء الخي َل تخ وم َ
ابن زيد المهاجرون األولون.80 وأوعب 79مع أسامةَ ِ
78
.قزح :جبل باملزدلفة
79
.أوعب :اجتمع
80
أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسامة على جيش كثيف َّ ،أمره أن يغري على أبىن صباحاً ،وأن حيرق .وأبنا ،هي
القرية اليت عند مؤتة حيث قُتل أبوه زيد ،ولذلك أمره على حداثة سنه ليدرك ثأره ،وطعن يف إمارته أهل الريب ،فقال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :وامي اهلل إنه خلليق باإلمارة ،وإن كان أبوه خلليقاً هبا ،وإمنا طعنوا يف إمرته ،ألنه موىل مع
حداثة سنه ،ألنه كان إذ ذاك ابن مثان عشرة سنة ،و كان رضى اهلل عنه أسود اجللد 2،وكان أبوه أبيض صاىف البياض ،
نزع يف اللون إىل أمه بركة ،وهى أم أمين ،وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيبه وميسح خشمه ،وهو صغري بثوبه ،
وعثر يوماً فأصابه جرح يف رأسه ،فجعل رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم ميص دمه وميجه -يرمي به ،-ويقول :لو
احلب بن احلب
.كان أسامة جارية حلليناها ،حىت يرغب فيها ،وكان يسمى ّ
318
81
احلواريون :أصح ما قيل يف معىن احلواريني أن احلواري هو اخللصان ،أي اخلالص الصاىف من كل شىء ،ومنه احلواري
، .واحلور ،وقول املفسرين هو :اخللصان كلمة فصيحة
319
82فقدم دحية على قيصر ،قال له :يا قيصر أرسلني إليك من هو خير منك ،والذي أرسله هو خير منه
ومنك ،فاسمع بذل ،ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم ،وإ ن
لم تنصح لم تنصف ،قال :هات ،قال " :هل تعلم أكان المسيح يصلي ؟ قال :نعم ،
قال :فإ نى أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له ،وأدعوك إلى من دبر خلق السموات واألرض
والمسيح في بطن أمه ،وأدعوك إلى هذا النبى األمى الذي بشر به موسى ،وبشر به عيسى ابن مريم
بعده ،وعندك من ذلك أثاره من علم تكفي من العيان وتشفي من الخبر ،فإن أجبت كانت لك الدنيا
واالخرة ،وإ ال ذهبت عنك اآلخرة و ُشوركت في الدنيا ،واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ،ويغير النعم.
فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه وقبله ،ثم قال :إما واهلل ما تركت كتاباً إال وقرأته ،وال
عالماً إال سألته ،فما رأيت إال خيراً ،فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له ،فإنى اكره أن
أجيبك اليوم بأمر أرى غداً ما هو أحسن منه ،فأرجع
عنه ،فيضرىن ذلك ،وال ينفعىن ،أقم حىت أنظر ،فلم يلبث أن أتاه وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( .السهيلى .
.الروض األنف ج ،4ص ) 249
قال عند قدومه على المقوقس :إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب األعلى ،فأخذه اهلل نكال 83
اآلخرة واألولى ،فانتقم به ،ثم انتقم منه ،فاعتبر بغيرك ،وال يعتبر بك غيرك ،قال :هات ،قال :
" إن لك ديناً لن تدعه إال لما هو خير منه ،وهو اإلسالم ،الكافى به اهلل فقد ما سواه .إن هذا النبى
صلى اهلل عليه وسلم دعا الناس ،فكان أشدهم عليه قريش ،وأعداهم له يهود ،وأقربهم منه النصارى،
ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إال كبشارة عيسى بمحمد صلى اهلل عليه وسلم وما دعاؤنا إياك إلى
القرآن إال كدعائك أهل التوراة إلى اإلنجيل ،وكل نبى أدرك قوماً فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه
،فأنت ممن أدركه هذا النبي ،ولسنا ننهاك عن دين المسيح ،ولكن نأمرك به " .قال المقوقس " :إنى
قد نظرت في أمر هذا النبي ،فوجدته ال يأمر بمزهود فيه ،وال ينهى إال عن مرغوب عنه ،ولم أجده
بالساحر الضال ،وال الكاهن الكاذب ،ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء واإلخبار بالنجوى،
وسأنظر .فأهدى للنبي صلى اهلل عليه وسلم أم إبراهيم القبطية ،واسمها :مارية بنت شمعون ،وأختها
معها :واسمها سيرين وهى أم عبد الرحمن ابن ثابت ،وغالماً اسمه مأبور ،وبغلة اسمها دلدل ،
وكسوة ،وقدحاً من قوارير كان يشرب فيه النبى صلى اهلل عليه وسلم وكاتبه .
320
وأما عمرر بن العاص ،فقدم على الجلندي ،فقال له " :يا جلندي إنك وإ ن كنت منا بعيداً ،فإندك من 84
اهلل غير بعيد ،إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك ،وأن ال تشرك به من لم يشركه فيك ،واعلم
أنه يميتك الذي أحياك ،ويعيدك الذي بدأك ،فانظر في هذا النبي األمى الذي جاء بالدنيا واآلخرة ،فإن
كان يريد به أجراً فامنعه ،أو يميل به هوى فدعه ،ثم انظر فيما يجىء به :هل يشبه ما يجيء به
الناس ،فإن كان يشبهه ،فسله العيان ،وتخير عليه في الخبر ،وإ ن كان ال يشبهه فاقبل ما قال ،وخف
ما وعد " .قال الجلندي :إنه واللّه لقد دلنى على هذا النبي األمى أنه ال يأمر بخير إال كان أولمن أخذ به
ويغلب فال يضجر وأنه يفى بالعهد،
،وال ينهى عن شر إال كان أول تارك له ،وأنه َيغلب فال يبطرُ .
وينجز الموعود ،وأنه ال يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله وأشهد أنه نبي .
وأما العالء بن الحضرمي ،فقدم على المنذر بن ساوى فقال له " :يا منذر إنك عظيم العقل في 85
الدنيا ،فال تصغرن عن اآلخرة ،إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب ،وال علم أهل الكتاب
،ينكحون ما يستحيا من نكاحه ،ويأكلون ما يتكرم عن أكله ،ويعبدون في الدنيا ناراً تأكلهم يوم
القيامة ،ولست بعديم العقل ،وال رأي فانظر :هل ينبغى لمن ال يكذب أن ال تصدقه ،ولمن ال يخون أن
ال تأمنه ،ولمن ال يخلف أن ال تثق به ،فإن كان هذا هكذا ،فهو هذا النبى األمي الذي واللَه ال يستطيع
ذو عقل أن يقول :ليت ما أمر به َنهى عنه ،أو ما نهى عنه أمر به ،أو ليته زاد في عفوه ،أو نقص
من عقابه ،إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر " .فقال المنذر :قد نظرت في هذا
األمر الذي في يدي ،فوجدته للدنيا دون اآلخرة ،ونظرت في دينكم ،فوجدته لالخرة والدنيا ،فما
يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ،ولقد عجبت أمس ،ممن يقبله ،وعجبت اليوم
ممن يرده ،وإ ن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله ،وسأنظر.
321
وأما شجاع بن وهب ،فقدم على جبلة بن األيهم ،وهو جبلة بن األيهم بن الحارث ابن أبى شمر، 86
وجبلة ،هو الذي أسلم ثم تنصر من أجل لطمة حاكم فيها إلى أبى عبيدة بن الجراح وكان طوله اثني
عشر شبراً ،وكان يمسح برجليه األرض ،وهو راكب ،فقال له :يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبى
األمى من داره إلى دارهم ،يعني :األنصار ،فاووه ،ومنعوه ،وإ ن هذا الدين الذي أنت عليه ليس
بدين ابائك ،ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ،ولو .جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك
العراق ،وقد أقر بهذا النبي األمى من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك ،وإ ن فضلناك عليه
لم يرضك ،فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم ،وإ ن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك االخرة،
والجمع بالشعانين والقبلة بالصليب ،وكان ما
وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع ،واألذان بالناقوس ُ ،
عند اهلل خير وأبقى " .فقال جبلة :إنى واللّه لوددت أن الناس أجمعوا على هذا النبى األمي اجتماعهم
على خلق السموات واألرض ،ولقد سرنى اجتماع قومي له ،وأعجبني قتله أهل األوثان واليهود،
واستبقاؤه النصارى ،ولقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤتة ،فأبيت عليه ،فانتدب مالك بن نافلة
من سعد العشيرة فقتله اهلل ،ولكنى لست أرى حقاً ينفعه . ،وال باطالً يضره والذي يمدنى إليه أقوى
من الذي يختلجنى عنه ،وسأنظر.
87وأما المهاجر بن أبى أمية ،فقدم على الحارث بن عبد كالل ،وقال له " :يا حارث إنك كنت أول من
عرض عليه النبى صلى اهلل عليه وسلم نفسه فخطئت عنه ،وأنت أعظم الملوك قدرا ،فإذا نظرت في
غلبة الملوك ،فانظر في غالب الملوك ،وإ ذا سرك يومك فخف غدك ،وقد كان قبلك ملوك ذهبت
اثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويال ،وأملوا بعيداً وتزودوا قليال ،منهم من أدركه الموت ،ومنهم من
اكلته النقم ،وإ نى أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك ،وإ ن أرادك لم يمنعه منك أحد،
وأدعوك إلى النبى األمى الذي ليس له شيء أحسن مما يأمر به ،وال أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك
ربًّا يميت الحى ويحيى الميت ،ويعلم خائنة األعين ،وما تخفى الصدور " فقال الحارث :قد كان هذا
النبى عرض نفسه علي فخطئت عنه ،وكان ذخراً لمن صار إليه ،وكان أمره أمراً سبق فحضره
البأس وغاب عنه الطمع ،ولم يكن لى قرابة أحتمله عليها ،وال لى فيه هوى أتبعه له ،غير أنى أرى
أمراً لم يوسوسه الكذب ،ولم يسنده الباطل .له بدء سار ،وعاقبة نافعة ،وسأنظر.
322
ِ
والمنذر . .قال ابن إسحاق :حدثني وه ْو َذة
قال ابن هشام :أنا نسيت َسليطا وثُمامة َ
يزيد بن أي حبيب المصري :أنه وجد كتابا فيه ِذ ْكر من َبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
فبعثت به إلى محمد بن
ُ إلى البلدان وملوك العرب والعجم ،وما قال ألصحابه حين بعثهم قال :
شهاب الزهري فعرفه ،وفيه :أن ٍ
رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم خرج على أصحابه فقال
على كما اختلف لهم :إن اهلل بعثنى رحمةً وكافةُّ ،
فأدوا عنى يرحمكم اهلل ،وال تختلفوا َّ
الحواريون على عيسى ابن مريم ،قالوا :وكيف يا رسول اهلل كان اختالفهم ؟ قال :دعاهم
وسلَّم ،وأما من ُ
بعد به فكره وأبى ،فشكا ذلك َّ
فأحب َ لمثل ما دعوتكم له ،فأما من قرب به
عيسى منهم إلى اهلل ،فأصبحوا ُّ
وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين ُوجه إليهم .
أسماء رسل عيسى عليه السالم :قال ابن إسحاق :وكان من بعث عيسى ابن مريم
من الحواريين واألتباع ،الذين 88
عليه السالم
88وأصح ما قيل في معنى المسيح على كثرة األقوال في ذلك أنه الصديق بلغتهم ،عربته العرب .
وكان إرسال المسيح للحواريين بعد ما رفع وصلب الذي شبه به ،فجاءت مريم الصديقة والمرأة التي
كانت مجنونة ،فأبرأها المسيح ،وقعدتا عند الجذع تبكيان ،وقد أصاب أمه من الحزن عليه ما ال يعلم
علمه إال اهلل فأهبط إليهما ،وقال :على ما تبكيان ؟ فقالتا :عليك ،فقال إنى لم أقتل ،ولم أصلب ،ولكن
اهلل رفعني وكرمني ،وشبه عليهم في أمري ،أبلغا عنى الحواريين أمري ،أن يلقونى في موضع كذا
ليال فجاء الحواريون ذلك الموضع ،فإ ذا الجبل قد اشتعل نوراً لنزوله به ،ثم أمرهم أن يدعوا الناس
إلى دينه وعبادة ربهم ،فوجههم إلى األمم التي ذكر ابن إسحاق وغيره .
323
89
.وهم من األساودة ذكره الطربى
324
طف ان ،وهى الس ويق ،يطلب أبا س فيان بن ح رب ،ثم غ زوة َغ َ ح تى بلغ ال ُك ْدر ،ثم غزوة َّ
أم ر ،ثم غ زوة َب ْح ران ،مع ِدن بالحج از ،ثم غ زوة أح د ،ثم غ زوة َح ْم راء األس د ،ثم غ زوة ذي ِ
الرق اع من نخل ،ثم غ زوة ب در االخ رة ،ثم غ زوة ُدومة النض ير ،ثم غ زوة ذات ِّ غ زوة ب ني َّ
الجن دل ،ثم غ زوة الخن دق ،ثم غ زوة ب ني قَُريظ ة ،ثم غ زوة ب ني ِل ْحي ان ،من ُه َذْيل ،ثم غ زوة
الحديبية ،ال يريد قتاالً ،فصده المشركون طلق من ُخ َزاعة ثم غزوة ُ المص َ
ْ ذي قََرد ،ثم غزوة بني
،ثم غ زوة َخي بر ،ثم غ زوة القَض اء ،ثم غ زوة الفتح ،ثم غ زوة حنين ،ثم غ زوة َّ
الطائف ،ثم َُ ْ
طلق ،وغ زوة تَُب وك .قاتل منها في تسع غ زوات :ب در ،وأح د ،والخن دق ،وقريظ ة ،والمص َ
خيبر ،و الفتح ،و ُحَنين ،والطائف .
ذكر جملة السرايا والبعوث
وس ِريَّة :غزوة
وكانت بعوثه صلى اهلل عليه وسلم وسراياه ثمانياً وثالثين ،من بين َب ْعث َ
90
90
قيل :مثان وأربعون وهو قول الواقدي ،ونسب املسعودي إىل بعضهم أن البعوث والسرايا كانت ستني .قاتل رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف تسع غزوات ،وقال الواقدي :قاتل يف إحدى عشرة غزوة ،منها الغابة ووادي القرى واللّه
.أعلم
325
ذا القَصَّة ،من طريق العراق ،وغزوة عمر بن الخطاب تُربة 91من أرض بني عامر،
علي بن أبي طالب اليمن ،وغزوة غالب بن عبد اهلل الكلبى ،كلب ليث ،بال َكديد،
وغزوة ّ
الملَ َّوح .
فأصاب بني ُ
يعقوب بن ُعتبة بن
َ الملوح :وكان من حديثها أن
َّ غزوة غالب بن عبد هللا الليثي بني
المغيرة بن األخنس ،حدثني عن ُمسلم بن عبد هللا بن ُخ َب ْيب الجهني ،عن المنذِر ،عن
ُجن َدب بن ُمكيث الجهنى ،قال :بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غالب بن عبد هللا الكلبي
الملوح ،
َّ علي بني
ّ ُ
كنت فيها ،وأ َمره أن يشن الغارة س ِر َّية
،كلب بن عوف ابن ليث ،في َ
وهم بال َك ديد ،فخرجنا ،حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ،
خرجت إال إلى
ُ الب ْرصاء الليثى ،فأخذناه ،فقال :إني جئت أريد اإلسالم ،ما
وهو ابن َ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلنا له :إن تك مسلما فلن يضيرك رباطُ ليلة ،وإ ن تك على
غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ،فشددناه رباطاً ،ثم خلفنا عليه رجال من أصحابنا أسود ،وقلنا له
فاحتز رأسه . 92
:إن َّ
عازك
ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة :قال :ثم سرنا حتى أتَْينا .الكديد عند غروب الشمس
،فكنا في ناحية الوادي ،وبعثنى أصحابى ربيئة 93لهم ،فخرجت حتى اتي تالُّ مشرفا على
فأسَن ْدت فيه ، 95فعلوت على رأسه .فنظرت إلى الحاضر ،فواللّه إني لمنبطح على
الحاضر ْ ،
94
،
91
تربة :وهى تربة بفتح الراء أرض كانت خلثعم وفيها جاء املثل :صادف بطنه بطن تربة ،يريدون الشبع واخلصب .
.قال البكري :وكذلك :عرنة بفتح الراء يعين اليت عند عرفة
92
.عازَّك :غالبك
93
.الربيئة :الطليعة الذي يتجسس األخبار
94
.احلاضر :من ينزلون على املاء
95
.أسندت :ارتفعت
326
التل ،إذ خرج رج ٌل منهم من ِخبائه ،فقال المرأته :إني ألرى على ِّ
التل سواداً ما رأيتُه ِّ
بعضها؟ قال :الكالب َج َّرت َ
ُ في ِ
أول يومى ،فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ،ال تكون
فنظرت ،فقالت :ال ،واللّه ما أفقد شيئاً قال :فناولينى قَ ْوسى وسهمين ،فناولته ،قال :فأرسل
ْ
ُّ
وثبت مكانى ،قال :ثم أرسل اآلخر ،فوضعه سهما ،فواللّه ما أخطأ جنبى ،فأنزعه ،فأضعه ،
وثب ُّ
ت مكانى ،فقال المرأته :لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ،لقد في منكبى ،فأنزعه فأضعه َ ،
الكالب .قال :ثم على ِ
أصبحت فابتغيهما ،فخذيهما ،ال يمضغهما َّ خالطه سهماي ال أبا لك ،إذا
ُ
دخل .
غنائم المسلمين في هذه الغزوة :قال :وأمهلناهم ،حتى إذا اطمأنوا وناموا ،وكان في وجه
السحر R،شننا عليهم الغارة ،قال :فق َت ْلناْ ،
واس َتقنا Rالنعم ،وخرج صريخ القوم ،فجاءنا دَ هْ م 96ال قِبل َّ
لنا Rبه ،ومضينا Rبالنعم ،ومررنا Rبابن البرصاء وصاحبه ،فاحتملناهما Rمعنا؟ قال :وأدركنا القوم
حتى قربوا منا ،قال :فما بيننا وبينهم إال وادي قديد ،فأرسل هللا الوادي بالسيل من حيث شاء تباركR
وتعالى R،من غير سحابة نراها R،وال مطر ،فجاء بشيء ليس ألح ٍد به قوة ،وال يقدر على أن
جيز إلينا ،ونحن يجاوزه ،فوقفوا ينظرون إلينا R،وإنا لنسوق َن َعمهم ،ما يستطيع منهم رجل أن ُي َ َ
رسول هللا صلى هللا
ِ ُ ً
نحدوها سِ راعا ،حتى فتناهم ،فلم يقدروا على طلبنا .قال :فقدمنا بها على
عليه وسلم .
شعار المسلمين في هذه الغزوة :قال ابن إسحاق :وحدثني رجل من أسلم ،عن رجل منهم :
أن شعار أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه Rوسلم كان تلك الليلة : Rأمِتْ أَمِتْ .فقال راجز من
المسلمين وهو يحدوها:
96
.الدهم :اجلماعة الكثرية
327
97 في َخ ِ
ض ٍل نباتُه ُم ْغلَ ْوِل ِب أبي أبو القاسم أن تَ َع َّزبى
ص ْفر أعاليه ِ
كلون الم ْذ َهب ُ
قال ابن هشام :ويروى " :كلون الذهب ".
تم خبر الغزاة ،وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث .
97
.تعزيب :تغيىب يف املرعى .اخلضل :األخضر املبتل .املغلولب :الكثري
98
.وهم بنو قرط وقريط .وقريط بنو أىب بكر بن كالب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
328
صلى اهلل عليه وسلم إليه ومعه تجارة له ،حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم يقال له
الضلَ ِعيَّان ،
َشنار ،أغار على ِد ْحية بن خليفة الهَُن ْيد بن ُعوص ،وابنه ُعوص بن الهُنيد ُّ
ُّب ْيب ،رهط والضلَْيع :بطن من ُجذام ،فأصابا كل شىء كان معه ،فبلغ ذلك قوما من الضَ ُّ
رفاعة بن زيد ،ممن كان أسلم وأجاب ،فنفروا إلى الهُنيد وابنه فيهم من بني الضبيب النعمان
بن أبي ِجعال ،حتى لقوهم ،فاقتتلوا ،وانتمى يومئذ قَُّرة بن أشقر الضَّفاوي ثم ُّ
الضلَعى ،فقال :
أنا ابن لُْبَنى ،ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ،فأصاب ركبته ؟ فقال حين أصابه :خذها
الضَب ْينى قد صحب ِدحية بن َّ
وكانت له أم تدعى لُبنى ،وقد كان حسان بن َملة ُ َ وأنا ابن لُْبنى،
خليفة قبل ذلك ،فعلَّمه َّأم الكتاب .
وحيَّان بن ِملَّة .
قال ابن هشام :ويقال :قُرة بن أشقر الضَّفاري َ
انتصار المسلين :قال ابن إسحاق :حدثني من ال أتهم ،عن رجال من ُجذام ،قال :
فاستنقذوا ما كان في يد الهُنيد وابنه ،فردوه على ِد ْحية ،حتى قدم على رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ،فأخبره خبره ،واستسقاه دم الهنيد وابنه ،فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
فان
ط ُ ت َغ َ
إليهم زيد بن حارثة ،وذلك الذي هاج غزوة زيد ُج َذام ،وبعث معه جيشاً ،وقد َوجَّهَ ْ
المان وسعد بن ُه َذ ْيم ، 99حين جاءهم رفاعة ابن زيد ،بكتابمن ُجذام ووائل ومن كان من َس َ
ربة،
الر ْجالء ،ورفاعة بن زيد ب ُكراع َ
الح َّرة؟ َح َّرة َّ
وسلم ،حتى نزلوا َ
رسول اهلل صلى اهلل عليه ّ
الح َّرة ،مما
ُّب ْيب بوادي َم َدان ،من ناحية َ
الضب ْيب ،وسائر بني الضَ
َ لم يعلم ومعه ناس من بني
الح َّرة، ِ ِ
يسيل ُم َش َّرقاً ،وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية األوالج ،فأغار بالماقص من قبل َ
99
قال السهيلى :وإمنا هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن احلاف بن قضاعة .وإمنا نسب إىل هذمي ألن هذمياً
.حضنه .وهو عبد حبشى
329
فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ،وقتلوا الهُنيد وابنه ورجلين من بني األجنف .
قال ابن هشام :من بني األحنف .
سمعت بذلك بنو الضُّبيب
ْ الخصيب .فلما
قال ابن إسحاق في حديثه :ورجال من بني َ
لس َويد ِ َّ والجيش بفَْيفاء َم َد ٍ
ان ركب نفر منهم ،وكان فيمن ركب معهم َح ّسان بن ملة ،على فرس ُ
العجاجة ،وأنيف بن ِملَّة على ٍ
فرس لملة يقال لهاِ :رغال ،وأبو زيد بن عمرو بن زيد ،يقال لها َ
على فرس يقال لها َش ِمر ،فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش ،قال أبو زيد وحسان ألنيف بن ِملَّة
:كف عنا وانصرف ،فإنا نخشى لسانك ،فوقف عنهما ،فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث
بيديها وتََوثَّب ،فقال :ألنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ،فأرخى لها ،حتى أدركهما ،فقاال له :
فتواص ْوا أن ال يتكلم منهم إال حسان
َ اليوم ،
تشأمنا َ
لسانك ،وال ْ
أما إذا فعلت ما فعلت ف ُكف عنا َ
بعضهم من بعض ،إذا أراد أحدهم أن يضرب ِ َّ
بن ملة ،وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها ُ
القوم يبتدرونهم فقال لهم حسان
وري أو ثُوري ؟ فلما برزوا على الجيش ،أقبل ُ .بسيفه قال ُ :ب ِ
:إنا قوم مسلمون ،وكان أول من لقيهم رج ٌل على فرس ْأدهم ، 100فأقبل يسوقهم فقال َأنيف :
بوري ،فقال حسان :مهال .فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان :إنا قوم مسلمون ،فقال
له زيد فاقرءوا أم الكتاب ،فقرأها حسان ،فقال زيد بن حارثة :نادوا في الجيش ،أن اهلل قد
حرم علينا ثُ ُغرة 101القوم التي جاءوا منها إال من َختَر.102
100
أدهم :يقال فرس أدهم وبعري أدهم وناقة دمهاء اذا اشت ّدت ُو ْرقته حىت ذهب بياضه وأيضاً يقال شاة دمهاء خالصة
.احلمرة
101
.الثغرة :ما حيمونه من جانبهم
102
.خرت :نقض العهد
330
قدوم جذام على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :وإ ذا أخت ثم حسان
ُّب ْيب في األسارى ،فقال له زيد :خذها، ِ َّ
بن ملة ،وهى امرأة أبي َو ْبر بن عدي بن أمية بن الضَ
الضلَعية :أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتِكم ؟ فقال أحد بني وأخذت بِح ْقويه 103فقالت أم ِ
الف ْزر ُّ ْ َ َ
ص ْيب :
الخ َُ
فس ِمعها بعض الجيش ،فأخبر بها زيد بن سائر اليوم َ ،
الضَبيب وسحر ألسنتهم َ إنها بنو ُ
حارثة ،فأمر بأخت حسان ،ففُ َّكت يداها من ِح ْقو ْيه ،وقال لها :اجلسي مع ِ
بنات عمك حتى َ
،فأم َس ْوا يحكم اهلل َّ
فيكن حكمه ،فرجعوا ،ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم ا لذي جاءوا منه ْ
ركبوا إلى رفاعة بن زيد، لس َويد بن زيد ،فلما شربوا َعتَ َمتَهم
105
ُ
104
في أهليهم ،واستعتموا َذ ْوداً
وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة :أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو،
وم َخ َّرمة
وب ْرذع بن زيد ،وثعلبة بن زيدُ ، وب ْع َجة بن زيدَ ،
وس َويد ابن زيدَ ،
ُ
وأنيف بن ِملَّة ،وحسان بن ِملَّة ،حتى صبحوا سحراً رفاعة ابن زيد ب ُكراع ابن عدي ّ ،
الح َّرة ،على بئر هنالك من َح َّرة لَْيلَى ،فقال له حسان بن ِملَّة إنك لجالس تحلُب
َربَّة ،بظهر َ
الم ْع َزى ونساء ُجذام أسارى قد غرها كتا ُبك الذي جئت به ،فدعا رفاعة بن زيد بجمل له . ِ
فجعل يشد عليه رحلَه وهو يقول :
حى أو تنادي َحيَّا
هل أنت ٌّ
الح َّرة .
الخصيبى المقتول ،مبكرين من ظهر َ ضفارة أخى َ ثم غدا وهم معه بأمية بن َ
ِ
المسجد ،نظر إليهم ثالث ٍ
ليال .فلما دخلوا المدينةَ ،وانتهوا إلى فساروا إلى َج ْوف المدينة َ
ِ
الناس ،فقال :ال رجل من
103
.حقويه :خصريه
104
.استعتموا :انتظروا إىل العتمة .الذود :مجاعة اإلبل ما بني الثالثة إىل العشرة
105
.عتمتهم :لبنهم الذي يشربونه يف العتمة
331
المنطق ،قام رجل من الناس فقال :يا رسول اهلل ،إن هؤالء قوم َس َحرةَّ ،
فرددها مرتين ،فقال
رفاعة بن زيد :رحم اهلل من لم َي ْح ُذنا 107في يومه هذا إال خيراً .ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى
كتابه حديثا
دونك يا رسول اهلل قديما ُ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي كان كتبه له .فقال َ :
وأعلن ،فلما قرأ كتابه استخبره
َغ ْدره .فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :اقرأه يا غالم ْ . ،
،فأخبروهم الخبر ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :كيف أصنع بالقتلى؟ ثالث مرات .
فقال رفاعة :أنت يا رسول اهلل أعلم ،ال نحرم عليك حالال ،وال نحلل لك حراما ،فقال أبو زيد
بن عمرو :أطلق لنا يا رسول اهلل من كان حيا ،ومن قُتل فهو تحت قدمى هذه ،فقال له رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم :صدق أبو زيد ،اركب معهم يا على ،فقال له رضى اهلل عنه :إن زيدا
يطيعنى يا رسول اهلل ،قال :فخذ سيفى هذا ،فأعطاه سيفَه ،فقال على :ليس لى يا رسول لن َ
اهلل راحلةٌ أركبها ،فحملوه على بعير لثعلبة بن َعمرو ،يقال له ِم ْكحال ،فخرجوا ،فإذا رسو ٌل
الش ِمر ،فأنزلوه عنها ،فقال :يا على ،ما
لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي و ْبر ،يقال لهاَّ :
َ
شأنى؟ فقال :مالهم عرفوه فأخذوه ،ثم ساروا فلقوا الجيش بفَيفاء 108الفَحلتين ،فأخذوا ما في
فرغوا من
الر ْحل ،فقال أبو جعال حين َ
أيديهم ،حتى كانوا ينزعون لَُب ْيد المرأة 109من تحت َّ
شأنهم :
106
.أالح :أشا ر
107
.مل حيذنا :مل يعطنا
108
.الفىء :اخلراج والغنيمة وهو باهلمز وال جيوز اإلبدال واإلدغام
109
.لبيد :ما يتلبد من شعر أو صوف ،ولبد الشيء مبعىن لصق
332
حور ِ
تناطحت ُّ ِف ًدى ألبي ُسلَْي َمى ُك ُّل ٍ
الن ُ بيثرب إذ
َ جيش
تدور خالف ِ
القوم هامتُه ُ َ ب ُمستكيناً
المج َّر َ
غداةَ تَرى َ
ثم قال ابن هشام :قوله "وال يرجى لها عتق يسير" وقوله "عن ِ
العتق األمور" عن غير ُ َ
ابن إسحاق .
تمت الغزاة ،وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث .
ط َرف :قال ابن إسحاق :وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطَّ َرف من ناحية
غزوة زيد :ال َ
َن ْخل ،من طريق العراق .
غزوة زيد بن حارثة :في فََزارة :وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القُرى :لقى به بني
ورد بن ناس من أصحابه ،وارتُ َّ
زيد من بين القتلى ،وفيها أصيب َ ث فزارة ،فأصيب بها ٌ
115
َعمرو بن َمداش ،وكان أحد بني سعد بن ُه َذيل ،أصابه أحد بني بدر.
قال ابن هشام :سعد بن ُه َذْيل .
110
.بطب :برفق
111
.حار :ر جع
112
.يعل :يكرر
113
.الربع :ورود اإلبل املاء ألربعة أيام .القرب :السري
114
.السيد :الذئب .النهد :الغليظ .أمخاد :أدوات الرحل .الناجية :أي ناقة ناجية وهى الصبور
115
.ارتث :محل جرحيا من املعركة وبه رمق
333
يغزو
رأسه ُغسل من جنابة حتى َ قال ابن إسحاق :فلما قدم زيد بن حارثة آلى أن ال يمس َ
بني فََزارة ،فلما استبل من جراحته بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى بني فََزارة في
بن َح َكمة ِ
الي ْع ُمري َم ْس َعدة َ
المسحَّر َ
يس بن َجيش ،ققتلهم بوادي القُرى ،وأصاب فيهم ،وقتل قَ ُ
ت أم ِقرفة 116فاطمة بنت ربيعة بن بدر كانت عجوزا كبيرة وأسر ْ
بن مالك ابن ُحذيفة بن بدرَ ،
وبنت لها ،وعبداللّه بن َم ْس َعدة ،فأمر زيد بن حارثة قيس بن
ٌ عند مالك بن ُحذيفة بن بدر،
المسحَّر أن يقتل َّأم قرفة ،فقتلها قتال عنيفاً ،ثم قدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بابنة
أم قرفة وبابن َم ْس َعده. 117
وكانت بنت أم قِرْفة 118لسلَمة بن عمرو بن األكوع ، 119كان هو
أم قرفة :التي جرى فيها المثل " :أمنع من أم قرفة ،،ألنها كان يعلق في بيتها خمسون سيفاً
116
لفرسان كلهم لها ذو محرم ،واسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر كنيت بابنها قرفة .قتله النبي عليه
السالم فيما ذكر الواقدي .وذكر أن سائر بنيها ،وهم كثير ،قتلوا مع طليحة بن بزاخة في الردة وهم
حكمة وخرشة وجبلة وشريك وواالن ورمل وحصين الخ .وذكر أن أم قرفة قتلت يوم بزاخة أيضاً.
وذكر عن عبد اهلل بن جعفر أنه أنكر ذلك .وهو الصحيح كما في هذا الكتاب .وذكر الدوالبى أن زيد
بن حارثة حين قتلها ربطها بفرسين .ثم ركضا بها حتى ماتت ،وذلك لسبها رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم .
117
.مسعدة :هو ابن حكمة بن حذيفة بن بدر
في مصنف أبى داود .وخرجه مسلم أيضاً أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال لسلمة :هب لى 118
المرأة يا سلمة ،للّه أبوك .فقال :هي لك يا رسول اهلل ،ففدى بها أسيراً كان في قريش من المسلمين ،
وهذه الرواية أصح .وأحسن من رواية ابن إسحاق .فإنه ذكر أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وهبها لخاله بمكة؟ وهو حزن بن أبي وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم ،وفاطمة جدة النبي صلى
اهلل عليه وسلم أم أبيه هي بنت عمرو بن عائذ فهذه الخئولة التي ذكر .وقُتل عبد الرحمن بن حزن
باليمامة شهيداً .وحزن هذا هو جد سعيد بن المسيب بن حزن .
119
.هو سلمة بن األكوع .واسم األكوع :سنان .وقيل :هو سلمة بن سالمة 2بن وقش ،قاله الزبري
334
الذي أصابها ،وكانت في بيت شرف من قومها ،كانت العرب تقول " :لو ِ
كنت أعز من
زد ِت " .فسألها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سلمة ،فوهبها له ،فأهداها لخاله
أم قرفة ما ْ
المسحَّرفى قتل َم ْسعدة
َح ْزن بن أبي وهب ،فولدت له عبد الرحمن ابن َح ْزن .فقال قيس .بن َ
:
الحياة لثائِ ُر
120 ِ وإ نى َبو ْر ٍد في أمه ت َبو ْر ٍد مث َل َس ْع ِى ِ
ابن ِّ َس َع ْي ُ
ط ٍل من ِ
آل َب ْد ٍر ُم َغ ِاو ِر على َب َ المه َر لما رأيتُه
كررت عليه ْ ُ
121
ِ
لناظر بم ْع َر ٍاة ُي َذ َّكى ِ
شهاب َ ضبِيًّا كأنه
ت فيه قَ ْع َ َّ
فرك ْب ُ
غزوة عبد اهلل بن رواحة لقتل اليسير بن ِرزام :وغزوة عبد اهلل ابن رواحة خيبر
مرتين :إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن ِرزام .
قال ابن هشام :ويقال بن َرازم .
وكان من حديث اليسير بن ِرزام أنه كان بخيبر يجمع َغ َ
طفان لغزو رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ،فبعث إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عبد اهلل بن رواحة في نفر من أصحابه
انيس ،حليف بني َسِلمة فلما قدموا عليه كلموه ،وقربوا له ،وقالوا له :إنك
منهم عبد اهلل بن ْ
إن قدمت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم استعملك وأكرمك ،فلم يزالوا به ،حتى خرج
معهم في نفر من يهود ،فحمله عبد اهلل بن أنيس .على بعيره ،حتى إذا كان بالقَ ْرقرة 122من
اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،
خيبر ،على ستة أميال ،ندم ُ
ففطن به عبد اهلل بن أنيس ،وهو يريد .السيف ،فاقتحم به ،
120
.الثائر :اآلخذ بثأره
قعضبياً :سناناً منسوباً إلى قعضب ،رجل كان يصنعها .معراة :مكان ال يستره شىء . 121
يذكى:يشعل .
122
.القرقرة :املكان املستوي
335
ثم ضربه بالسيف ،فقطع رجلَه ،وضربه اليسير ِ
بم ْخرش 123في يده من َش ْو َحط، 124
ومال كل رجل من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على صاحبه من يهود 125
فأمه
َّ
فقتله ،إال رجال واحدا أفلت على رجليه ،فلما قدم عبد اهلل بن أنيس على رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم تفل على َشجَّته ،فلم تَِقح ولم تُ ْؤذه .
غزوة ابن عتيك خيبر :وغزوة عبد اهلل بن عتيك خيبر ،فأصاب بها أبا رافع بن أبي
الحقيق .
سفيان بن ُن َب ْيح الهذلي :وغزوة عبد اهلل بن أنيس
غزوة عبد اهلل بن أنيس لقتل خالد بن ُ
خالد بن سفيان بن ُنَب ْيح ،بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه وهو َبَن ْخلة أو بِ ُع ْرنة ،يجمع
لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الناس ليغزوه ،فقتله .قال ابن إسحاق :حدثني محمد بن جعفر
بن الزبير ،قال :قال عبد اهلل بن أنيس :دعانى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :إنه قد
بع ْرنة ،فأته فاقتْله
ليغزونى ،وهو َبن ْخلة ،أو ُ
َ بلغنى أن ابن ُس ْفيان ابن ُنَبيح الهُ َذلى يجمع لي الناس
الشيطان ،وآية ما
َ ك
.قلت :يا رسول اهلل ،انعته لى حتى أعرفه .قال :إنك إذا رأيته أ ْذ َكر َ
بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قَ ْشعريرة .
يرتاد َّ
لهن منزال ،وحيث 126
قال :فخرجت متوشحا سيفى ،حتى دفعت إليه وهو في ظُ ُع ٍن
كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من القشعريرة،
فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون
123
.املخرش :عصا معقوفة
124
.الشوحط :نوع من الشجر
125
َّ .أمه :أصاب أم رأسه
126
.الظعن :النساء يف اهلوادج
336
127
.املتخصرون :املتكئون على املخاصر ،واملخاصر :مفردها خمصرة العصا
128
.احلوار :ولد الناقة .تفري :تقطع .القدد :الشق طوال
129
.الظعن :اهلوادج ،فيها النساء
337
130
ضى من ُمْلهَ ٍب ُمتوقِِّد شهاب َغ ً
ُ عين كأنه
الدار َ
جوم ِ
لهام ِ َع ٍ
ِ 131
ابن أنيس فارساً غير قُ ْع ُدد
أنا ُ رأسه
والسيف َي ْع ُجم َ
ُ أقول له
ِ 132 رحيب ِف ِ
غير ُم َزَّندالدار ُ ناء ِ ُ قدره
الدهر َ
نزل ُ ابن الذي لم ُي ِ
أنا ُ
ِ 133 ٍ بضربة ٍ
ِ
النبى محمد دين ِّحنيف على ِ ماجد قلت له خ ْذها
ُ
ِ
وباليد ِ
باللسان ت إليه
سب ْق ُ النبى بكافر
وكنت إذا َه َّم ُّ
ُ
تمت الغزاة ،وعدنا إلى خبر البعوث .
بعض غزوات أخر :قال ابن إسحاق :وغزوة زيد بن حارثة وجعفر ابن أبي طالب
وعبداللّه بن رواحة مؤتة من أرض الشام ،فأصيبوا بها جميعا ،وغزوة كعب بن عم ْير ِ
الغفاري َُ
طالح ،إلى أرض الشام ،أصيب بها هو وأصحابه جميعا ،وغزوة ُعيينة بن ِحصن بن ذات أ ْ
حذيفة ابن بدر بني العنبر من بني تميم .
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
َ غزوة عيينة بن حصن بني تميم :وكان من حديثهم أن
وسَبى منهم أناسا .فحدثني عاصم بن ُعمر بن
بعثه إليهم ،فأغار عليهم ،فأصاب منهم أناساً َ
قتادة :أن عائشة قالت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :
يقدم االن ،
بني العنبر ُ
134
على رقبةً من ولد إسماعيل .قال :هذا َس ْبي
يا رسول اهلل إن َّ
فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه .
130
.عجوم :عضوض .الغضى :شجر سريع االلتهاب
131
.يعجم :هنا جاء مبعىن يضرب .غري قعدد :غري لئيم
132
.املزند :البخيل
133
.ماجد :اسم فاعل من اجملد وهو العز والشرف ورجل ماجد كرمي شريف
134
يب :هو الغالم ويقال له َم ْسىِب ّ واجلارية سبية ومسبية ومجعها سبايا مثل عطية وعطايا وقوم سىب وصف باملصدر
َس ّ
.وقال األصمعى 2ال يقال للقوم إال كذلك
338
135
.املهواة :املكان املنخفض بني جبلني .الكئود :الصعبة
136
.اجلدود :احلظوظ
137
.اخلطة :اخلصلة .السوار :الوثاب
138
.اخلالفني :املتخلفني
339
وقال ابن حبيب :حرقة بن ثعلبة .وحرقة بن مالك كالهما من بنى حبيب بن كعب ابن يشكر. 139
وفي قضاعة :حرقة بن جذيمة بن نهد .وفي تميم حرقة بن زيد بن مالك ابن حنظلة .وقال القاض أبو
الوليد .هكذا وقعت هذه األسماء كلها بالقاف .وذكرها الدارقطنى كلها بالفاء (عن الروض األنف)
140
.السالسل :مياه واحدها سلسل
340
امرأة من َبلى ، 141فبعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ،حتى
إذا كان على ماء بأرض ُجذام يقال له السَّلسل ،وبذلك ُسميت تلك ؟ الغزوة غزوة ذات
السالسل ،فلما كان عليه خاف فبعث إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يستمده ،فبعث
األولين ،فيهم أبو
إليه رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين َّ
بكر وعمر؟ وقال ألبي عبيدة حين وجَّهه :ال تختلفا ،فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ،
جئت مدداً لى؟ قال أبو عبيدة :ال ،ولكنى على ما أنا عليه ،وأنت على
قال له عمرو إنما َ
ما أنت عليه ،وكان أبو ُعبيدة رجال لينا سهال ،هينا عليه أمر الدنيا ،فقال له عمرو :بل
أنت َم َد ٌد لي ؟ فقال أبو عبيدة :يا عمرو ،إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال .لى :
فدونك
األمير عليك ،وأنت َم َد ٌد لي ،قال َ :
ُ ال تختلفا ،وإ نك إن عصيتى أطعتك ؟ قال فإني
.فصلى َعمرو بالناس .
وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع :قال :وكان من الحديث في هذه الغزاة ،أن رافع بن
أبي رافع الطائى ،وهو رافع بن ُع َميرة ، 142كان يحدث فيما بلغنى عن نفسه ،قال :كنت امرأً
الماء في بيض
الرمل ،كنت أدفن َ وسميت سرجس ،فكنت َأد َّل الناس وأهداهم بهذا َّنصرانياًُ ،
لبت عليها ،فلم
الرمل َغ ُ
َ النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ،ثم أغير على إبل الناس ،فإذا أدخلتها
أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، يستطع أحد أن يطلبني فيه ،حتى َّ
فأشرب منه فلما
141
وذلك أن عمرو بن العاص كان األمري يومئذ ،وكان عليه السالم أمره أن يسري إىل بلى :وأن أم أبيه العاصى كانت
.من بلي ،وامسها :سلمى 2فيما ذكر الزبري ،وأما أم عمرو ،فهي لَيلى تلقب بالنابغة سبيت من بين جالن بن عنرتة بن ربيعة
142
ويقال فيه :ابن عمري ،وهو الذي كلمه الذئب ،وله شعر مشهور يف تكليم الذئب له ،وكان الذئب قد أغار على
غنمه فاتبعه ،فقال له الذئب :اال أدلك على ما هو خري لك ،قد بُعث نيب اهلل ،وهو يدعو اىل اهلل ،فاحلق به ففعل ذلك
( ..السهيلي الروض األنف ج 4ص ) 252
341
خرجت في تلك الغزوة التي َبعث فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عمرو ابن
ُ أسلمت
ُ
العاص إلى ذات السالسل ،قال :فقلت :واللّه ألختارن لنفسي صاحباً ،قال :فصحبت أبا بكر،
قال :فكنت معه في َر ْحله ،قال :وكانت عليه عباءة له فَ َدكية ، 143فكان إذا نزلنا بسطها وإ ذا
ركبنا لبسها ،ثم َّ
شكها عليه بخالل له ، 144قال :وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتَ ُّدوا
كفاراً :نحن نبايع ذا العباءة؟
قال :فلما دنونا من المدينة قافلين ،قال :قلت :يا أبا بكر ،إنما صحبتُك لينفعنى اهلل بك ،
لفعلت .
ُ فانصحني وعلمنى ،قال :لو لم تسألني ذلك
تقيم الصالةَ .،وأن تؤتى الزكاةَ،
تشرك به شيئاً ،وأن َ
ْ توحد اهلل وال
َ قال :امرك أن
تتأمر على رجل من المسلمين َّ
وتحج هذا البيت ،وتغتسل من الجنابة ،وال َّ رمضان ،
َ وتصوم
َ
أبدا.
قال :قلت يا أبا بكر ،أما أنا واللّه فإنى أرجو أن ال أشرك باللّه أحدا أبدا ،وأما الصالةُ فلن
أتركها أبدا إن شاء اهلل ،وأما الزكاة فإن يك لي مال ِّ
أؤدها إن شاء اهلل ،وأما رمضان فلن أتركه
أبداً إن شاء اهلل ،وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء اهلل تعالى ،وأما الجنابة فسأغتسل منها إن
شاء اهلل .
وأما اإلمارة فإنى رأيت الناس يا أبا بكر ال َي ْش ُرفون عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
فلم تنهانى عنها؟
إال بهاَ ،
فدكية :ربما يقصد هنا نسبة إلى المكان التي صنعت بها هذه العباءة وهو فدك .وفدك مما أفاء اهلل 143
ُخفرته ،فإن
،أحدكم ُي ْخفَر في جاره ،فيظل ناتئاً عضله غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير،
فاللّه أشد غضباً لجاره .قال :ففارقته على ذلك .
وأمر أبو بكر على الناس ،قال قَِدمت
قال :فلما قُبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ِّ ،
عليه ،فقلت له :يا أبا بكر ،ألم تك نهيتنى عن أن أتأمر على َر ُجلَين من المسلمين ؟ قال :بلى،
أمر الناس ؟ قال :ال أجد من فقلت له :فما حملكعلى أن تلي َوأنا اآلن أنهاك عن ذلك ؟ قال ُ :
ذلك ب ُّداَ ،خ ِشيت على ِ
أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم الفُْرقة . ُ
قال ابن إسحاق أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه ُحدث عن عوف ابن مالك األ ْش َج ِعى ،قال
الغزاة التي بعث فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َعمرو بن العاص إلى ذات
:كنت في َ
السالسل ،قال :فصحبت أبا بكر وعمر ،فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ،وهم ال
ضوها ، 146وقال :وكنت امرءاً لبقا ِ
جازراً ،قال فقلت :أتعطونى منها يقدرون على أن ُي ْع ُ
بينكم ؟ قالوا :نعم ،قال :فأخذت الشفرتين ،فجزأتها مكانى،
عشيرا على أن أقسمها َ
147
وأخذت منها جزءاً ،فحملته إلى أصحابي ،فاطَّبخناه فأكلناه .فقال لي أبو بكر وعمر رضى اهلل
عنهما :إني لك هذا اللحم يا عوف ؟ قال :فأخبرتهما خبره .فقاال :واللّه ما أحسنت حين
أطعمتنا
145
.ال ختفر اهلل :ال تنقض عهده
146
.يعضوها :يقتسموها أجزاء
147
.العشرب :جزء من عشرة أجزاء
343
هذا ،ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ،قال :فلما قفل الناس من ذلك السفر ،كنت
أول قادم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال :فجئته وهو يصلى في بيته ،قال فقلت :
َ
السالم عليك يا رسول اهلل ورحمة اهلل وبركاته ،قال :أعوف بن مالك ؟ قال :قلت نعم ،بأبى
أنت وأمى .قال أصاحب الجزور؟ ولم يزدنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على ذلك شيئاً.
شجعي :قال
األضبط األ ْ
إضم وقتل محلم بن جثامة عامر ابن ْ
غزوة ابن أبي حدرد بطن َ
ابن إسحاق :حدثني يزيد بن عبد اهلل ابن قُ َس ْيط ،عن القَ ْعقاع بن عبد اهلل بن أي َح ْدرد ،عن أبيه
إضم في نفر من عبد اهلل ابن أبي َح ْدرد ،قال :بعثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى َ
148
148
.وامسه :سلمة بن عمري ،وقيل :عبيدة بن عامر
149
.املتيع :تصغري متاع
150
.الرطب :وعاء اللنب
وخبر قتل محلم بن جثامة في غير رواية ابن إسحاق أن محلم بن جثامة مات بحمص في إمارة ابن 151
الزبير وأما الذي نزلت فيه اآلية ِ {:ل َم ْن أَْلقَى ِإلَْي ُك ْم َّ
الساَل م } [النساء ]94 :واالختالف فيه شديد ،فقد قيل
اسمه فليت وقيل وهو محلم كما قد تقدم ،وقيل نزلت في المقداد ابن عمرو ،وقيل في أسامة ،وقيل في
أبي الدرداء ،واختلف أيضأ قي المقتول فقيل :مرداس بن نهيك ،وقيل :عامر األضبط واللّه أعلم كل
هذا مذكور في التفاسبر والمسندات ( .عن السهيلى .الروض األنف من تحقيقنا ج 4ص .) 253
344
من اختصم في دم ابن األضبط :قال ابن إسحاق :حدثني محمد بن جعفر بن الزبير،
ض َم ْيرة بن سعد السُّلمى يحدث عن ُعروة بن الزبير عن أبيه ،عن جده ،
قال :سمعت زياد بن ُ
وكانا شهدا ُحَنينا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال :صلى بنا رسول اهلل صلى اهلل عليه
بحنين ،فقام إليه األقرع بن حابس ، وسلم الظهر ،ثم عمد إلى ظل شجرة ،فجلس تحتها ،وهو ُ
وعيينة بن ِحصن بن حذيفة بن بدر ،يختصمان في عامر ابن األضبط األ ْش َجعى ُ :عيينة يطلب
طفان ،واألقرع بن حابس يدفع عن ُمحلِّم بن َجثَّامة ،لمكانه من
بدم عامر ،وهو يومئذ رئيس َغ َ
ِخ ْندف ،فتداوال الخصومة عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ونحن نسمع ،فسمعنا عيينة بن
الح ْرقة مثل ما أذاق نسائى،
حصن وهو يقول :واللّه يا رسول اهلل ال أدعه حتى أذيق نساءه من ُ
ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا
رجعنا ،وهو يأبى عليه ،إذ قام رجل من بني لَْيث ،يقال له ُ :م َك ْيثر ،قصير مجموع – قال ابن
إال كغنم 152
مكيل فقال :واللّه يا رسول اهلل ما وجدت لهذا القتيل شبهاً في ُغَّرة اإلسالم
هشام َ :
اليوم ،وغيِّر غداً قال :فرفع رسو ُل اهلل صلى اهلل
اسنن َفرميت أوالها ،فنفََرت أخراهاُ ،
وردت ُ
يده .فقال :بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ،وخمسين إذا رجعنا .قال فقبلوا
عليه وسلم َ
الدية .
صاحبكم هذا ،يستغفر له رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :
ُ قال :ثم قالوا :أين
152
.غرة اإلسالم : 2أوله
345
ض ْرب 154طويل ،عليه ُحلة له ،قد كان تهيأ للقتل فيها ،حتى جلس بين َ
153
ادم
فقام رجل ُ
اسمك ؟ قال :أنا محلِّم بن َجثَّامة ،قال :
ي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال له :ما ُ َي َد ْ
فرفع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يده ،ثم قال :اللهم ال تغفر لمحلِّم بن َجثَّامة ثالثا .فقام
دمعه بفضل ردائه .قال :فأما نحن فنقول فيما بيننا :إنا لنرجو أن يكون رسول اهلل
وهو يتلقى َ
صلى اهلل عليه وسلم قد استغفر له ،وأما ما ظهر من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهذا.
من دألئل نبوته صلى اهلل عليه وسلم قال ابن إسحاق :فحدثني من ال أتهم عن الحسن
أم ْنتَهُ باللّه ثم قتلتَه
البصري ،قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين جلس بين يديه َّ :
ثم قال له المقالة التي قال .
قال :فواللّه ما مكث ُمحلِّم بن َجثَّامة إال سبعاً حتى مات ،فلفظته -والذي نفس الحسن
بيده -األرض ،ثم عادوا له فلفظته األرض ،ثم عادوا فلفظته ،فلما ُغلب قومه عمدوا إلى
ص َّدين فسطحوه بينهما ،ثم َر َ
ضموا عليه الحجارةَ حتى واروه .قال :فبلغ رسول اهلل صلى 155
ُ
َّ
اهلل عليه وسلم شأنه ،فقال :واللّه إن األرض لتطابق على من هو شر منه .ولكن اهلل أراد أن
يعظكم في ُح ْرم ما بينكنم بما أراكم منه .
دية ابن األضبط :قال ابن إسحاق :واخبرنا سالم أبو َّ
النضر أنه ُحدث :أن ُعيينة بن
صن وقيساً حين قال األقرع بن حابس وخال بهم :يا معشر قيس ،منعتم رسول اهلل صلى اهلل ِ
ح ْ
عليه وسلم قتيال يستصلح به الناس أفأمنتم أن يلعنكم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فيلعنكم
اهلل بلعنته ،أو أن يغضب عليكم فيغضب اهلل عليكم بغضبه ؟ واللّه الذي نفس األقرع بيده
لتُ ْسِل َّ
منه
153
.األدم :األمسر
154
.ضرب :خفيف اللحم
155
.صدين :جبلني
346
إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد ،أو آلتين بخمسين رجال من
صاحبكم كافراً ما صلى قط ،فالطُلَّ َّن دمه 156فلما سمعوا
ُ بني تميم يشهدون باهللّ كلهم ،لقُتِل
ذلك ،قبلوا الدية .
قال ابن هشام ُ :محلِّم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ،وهو ُمحلِّم بن َجثَّامة
بن قَْيس الليثى
وقال ابن إسحاق :ملجَّم ،فيما حدثناه زياد عنه .
غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي .قال ابن إسحاق :وغزوة ابن أبي
حدرد االًسلمي الغابة .
ت امرأة من
تزوج ُ
ْ وكان من حديثها فيما بلغني ،عمن ال أتهم ،عن ابن أي َح ْدرد ،قال .
ِ
درهم ،قال :فجئت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أستعينه على قومى؟ وأصدقتها مائتى
نكاحى فقال :وكم أصدقت ؟ فقلت :مائتى درهم يا رسول اهلل ،قال :سبحان اهلل ،لو كنتم
تأخذون الدراهم من بطن ٍ
واد ما زدتم .واللّه ما عندي ما أعينك به .قال :فلبثت أياما،
وأقبل رجل من بني ُج َشم ،يقال له :رفاعة بن قَْيس ،أو قَْيس بن رفاعة ،في عظيم من
بني ُج َشم ،حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ،يريد أن يجمع قيساً على حرب رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم وكان ذا اسم في ُج َشم وشرف .قال :فدعاني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ورجلين معي من المسلمين ،فقال :اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر ِ
وعْلم .قال :
أحدنا ،فواللّه ما قامت به ضعفا حتى َّ
وقدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليها َ
157
156
.أطل دمه :جعل دمه باطال فال يؤخذ بثأره وال تأخذ فيه الدية
الشارف :الناقة المسنة .عجفاء :جمعها األعجف وعجاف على غير قياس ،وإ نما جمع على 157
جحاف إما حمال على نقيضه وهو ِس َمان وإ ما حمال على نظيره وهو ضعاف َّ
ويعدى بالهمزة فيقال
عجفته عجفا ومعناها التعب والضعف .انظر المصباح المنير،
عدى بالحركة فقيل ّ
أعجفته وربما ّ
واألشباه والنظائر النحوية للسيوطي -بتحقيقنا.
347
َد َعمها الرجال من خلفها بأيديهم ،حتى استقلَّت وما كادت ،ثم قال :تبلَّغوا عليها
واعتَِقُبوها.
سالحنا
ُ ما استعان به ابن أبي حدرد من هذه الغزوة في زواجه :قال :فخرجنا ِومعنا
شي ِشيةً 158مع غروب الشمس .قال :من الثَبل والسيوف ،حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر ُع ْ
فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ؟ وقلت لهما :إذا
صاحبىَ ،
َّ كمنت في ناحية ،وأمرتْ
فكبرا و ُشدا معى .قال :فواللّه إنا لكذلك ننتظر
وشد ْدت في ناحية العسكر َّ
سمعتمانى قد كبَّرت َ
ِغ َّرةَ 159القوم ،أو أن نصيب منهم شيئا.
سرح في هذا البلد، قال :وقد غشينا الليل حتى ذهبت فَ ْحمة ِ
العشاء ،وقد كان لهم راع قد َّ
تخوفوا عليه .
فأبطأ عليهم حتى َّ
قال :فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قَْيس ،فأخذ سيفه ،فجعله في عنقه ،ثم قال :واللّه
َّ
ألتبعن أثر راعينا هذا ،ولقد أصابه شر ،فقال له نفر ممن معه :واللّه ال تذهب نحن َن ْكفيك ؟ قال
:واللّه ال يذهب إال أنا ،قالوا :فنحن معك ،قال :واللّه ال يتبعني أحد منكم .
قال :وخرج حتى يمر بى .قال :فلما أمكننى نفحته بسهمى ،فوضعته في فؤاده .قال :
َّرت ،
رأسه .قال :وشددت في ناحية العسكر ،وكب ُ فاحتززت َ
ُ فواللّه ما تكلم ،ووثبت إليه ،
وشد صاحباي وكبَّرا .قال :فواللّه ما كان إال النجاء ممن فيه ،عندك ،بكل ما قدروا عليه من
نسائهم وأبنائهم ،وما خف معهم من أموالهم .
قال :واستقنا إبال عظيمة ،وغنماً كثيرة ،فجئنا بها إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
158
.عشيشة :تصغري عشية على غري قياس
159
.ا لغر ة :الغفلة
348
قال :وجئت برأسه أحمله معى .قال :فأعاننى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من تلك
إلى أهلى .
ت َّفجمع ُ
ْ صداقي
اإلبل بثالثةَ ع َشر بعيراً في َ
غزوة عبد الرحمن بن عَوْف إلى دومة الجندل :قال ابن إسحاق :
وحدثني من ال أتهم عن عطاء بن أبي رباح ،قال :سمعت ،رجال من أهل
البصرة يسأل عبد اهلل بن عمر بن الخطاب ،عن إرسال ،العمامة من خلف
الرجل إذا اعتَمَّ ،قال :فقال عبد اهلل :سأخبرك إن
شاء اهلل عن ذلك بعلم .كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم في مسجده :أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلى ،وعبد الرحمن ابن عوف ،وابن مسعود،
الخ ْدري ،وأنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه
وح َذيفة بن اليمان ،وأبو سعيد ُ
ومعاذ بن جبل ُ ،
وسلم ،إذ أقبل فتى من األنصار فسلَّم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ثم جلس ،فقال :يا
رسول اهلل ،صلى اهلل عليك ،أي المؤمنين أفضل ؟ فقال :أحسنهم ُخلقا؟ قال :فأي المؤمنين
ا ْكَيس 160؟ قال :أكثرهم ذكراً للموت ،وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به ،أولئك األكياس ،
ثم سكت الفتى ،وأقبل علينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا معشر المهاجرين ،خمس
خصال إذا نزلن بكم -وأعوذ باللّه أن تُدركوهن -إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قَطّ حتى ُيعلنوا
بها ،إال ظهر فيهم الطاعون واألوجاع ،التي لم تكن في أسالفهم الذين مضوا ولم ُينقصوا
وج ْور السلطان ولم َيمنعوا الزكاة من ِ 161
المكيال والميزان إال أخذوا بالسنين وشدة المؤنة ََ
وعهد رسوله
َ عهد اهلل
طر من السماء ،فلوال البهائم ما ُمطروا وما نقضوا َ
أموالهم إال ُمنعوا القَ ْ
إال
ألنه مصدر من كاس كيسا من باب باع وأما المثقل فاسم فاعل والجمع اكياس .
161
.بالسنني :باجلدب
349
ِ
بكتاب بعض ما كان في أيديهم ،وما لم يحكم أئمتهم ُسلط عليهم عدؤ من ِ
غيرهم ،فأخذ َ
بينهم .
بأسهم َ
اهلل وتجبروا فيما أنزل اهلل إال جعل اهلل َ
إلباسه صلى اهلل عليه وسلم العمامة البن عوف :ثم أمر عبد الرحمن بن عوف ؟ أن
سوداء ،فأدناه رسول اهلل 162
يتجهز لسرية بعثه عليها ،فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس
أربع أصابع أو نحواً من
صلى اهلل عليه وسلم منه ،ثم نقضها ،ثم عممه بها ،وأرسل .من خلفه َ
ذلك ،ثم قال :هكذا يابن عوف فاعتَ َّم ،فإنه أحسن وأعرف ،ثم أمر بالالً أن يدفع إليه اللواء.
فدفعه إليه ،فحمد اهلل تعالى ،وصلى على نفسه ،ثم قال :خذه يابن عوف ،اغزوا جميعا في
سبيل اهلل ،فقاتلوا من كفر باللّه ،ال تغلوا 163وال تغدروا ،وال تُمثلوا ،وال ،تقتلوا وليداً ،فهذا عهد
اهلل وسيرة نبيه فيكم .فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء.
162
.الكرابيس :األقطان .واحده كربوس
163
.ال تغلوا :ال ختونوا يف املغنم
164
.سيف البحر :جانبه وساحله
165
.اجلراب :جريب الطعام أربعة أقفزة قاله األزهري
350
بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه :فال
من بعوث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسراياه 168
ابن هشام :ومما لم يذكره ابن إسحاق
بعث َع ْمرو بن أمية الضمري ،بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فيما حدثني من أثق به
من أهل العلم بعد مقتل ُخَبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ،وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ،
وحبسا ِ
ص ْخر األنصاري ،فخرجا حتى قَدما مكةَ ،
وبعث معه َجبَّار بن َ
166
.الودك :الشحم
167
.ابتللنا :أخذنا الراحة
يقول السهيلى في الروض األنف ج 4ص ،253وذكر الشيخ الحافظ أبو بحر سفيان بن العاص 168
رحمه اهلل في هذا الموضع قال :نقلت من حاشية نسخة من كتاب السير منسوبة بسماع أبى سعيد عبد
الرحيم بن عبداهلل بن عبد الرحيم وأخويه محمد وأحمد ابنى عبداهلل بن عبد الرحيم ما هذا نصه :
وجدت بخط أخي قول ابن هشام :هذا مما لم يذكره ابن إسحاق هو غلط منه ،قد ذكره ابن إسحاق عن
جعفر بن عمرو بن أمية عن عمرو بن أمية فيا ح َذث أسد عن يحى بن زكرياء عن ابن إسحاق والقائل
في الحاشية وجدت بخط أخى هو أبو بكر بن عبد اهلل بن عبد الرحيم .وفي الكتاب المذكور قول أبي
بكر المذكور في غزوة الطائف بعد قوله :فولدت له داود ابن أبى مرة .إلى هاهنا انتهى سماعى من
أخي ،وما بقى من هذا الكتاب سمعته من ابن هشام نفسه .
351
ثم دخال مكة ليال؟ فقال جبار لعمرو :لو أنا طفنا أجج جمليهما ِ
من شعاب َي َ بش ْعب
170 169
169
.الشعب :الطريق بني جبلني
170
.يأجج :جبل مبكة
171
.خيلي :جيمع اخللى .وهو ما ينبته الرببع
172
.اجليفة :امليتة مسيت بذلك لتغري ما يف جوفها
173
.جرفا :بضم الراء وبالسكون للتخفيف ما جرفته السيل وأكلته من األرض
352
الج ْرف ،فغيبه اهلل عنهم :فلم يقدروا عليه ،قال :وقلت
يأجج ،فرمى بالخشبة في ُ
القوم ، 174وكان
سأشغل عنك َ فتقعد عليه ،فإني بعيرك
تأتى َ
النجاء ،حتى َ
َ َ َ النجاء
َ لصاحبى :
األنصاري ال ُر ْجلة له. 175
ض ْجنان ،ثم أولت إلى جبل ،فأدخل كهفاً ،فبينا أنا فيه ،
قال :ومضيت حتى أخرج على َ
علي شيخ من بني ِّ
الديل أعور ،في ُغَنيمة له ،فقال :من الرجل ؟ فقلت :من بني بكر، إذ دخل َّ
فمن أنت ؟ قال :من بني بكر .فقلت :مرحباً ،فاضطجع ،ثم رفع عقيرته فقال :
دان ِ
لدين المسلمينا وال ٍ حياً ٍ
بمسلم ما دمت ّ ولست
ُ
فقلت في نفسي :ستعلم ،فأمهلته ،حتى إذا نام أخذت قوسي ،فجعلت ِسيتَها 176في عينه
الع ْرج ، 177ثم
جاء ،حتى جئت َ الصحيحة ،ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ،ثم خرجت َّ
الن َ
كوبة ، 178حتى إذا هبطت َّ
النقيع ، 179إذا رجالن من قريش من المشركين ،كانت قريش سلكت َر َ
أحدهما بسهم فأقتلُه ،
بعثتهما َع ْينأ إلى المدينة ينظران ويتحسسان ،فقلت :استأسا فأبيا ،فأرمى َ
واستأسر االخر ،فأوثقه رباطاً ؟ وقَِدمت به المدينة .
سرية زيد بن حارثة إلى مدين :قال ابن هشام :وسرية زيد ابن حارثة إلى َم ْدَين .ذكر
علي عليهم رضوان اهلل ،أنذلك عبد اهلل بن حسن بن حسن ،عن أمه فاطمة بنت الحسين بن ٍّ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
174
.ويف مسند ابن أيب شيبة زيادة حسنة أهنما حني حاله من اخلشبة التقمته األرض
175
.ال رجلة له :ضعيف املشى على رجليه
176
.سيتها :طرفها
177
.العرج :واد باحلجاز
178
.ركوبة :ثنية بني احلرمني
179
.النقيع :موضع ببالد مزينة
353
ض َم ْيرة مولى علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه زيد بن حارثة نحو َم ْدين ،ومعه ُ
بعث َ
،وأخ له .قالت :فأصاب سبياً من أهل ِميناء ،وهى السواحل ،وفيها ُج َّماع من الناس فبيعوا،
ففُرق بينهم ،فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهم يبكون ،فقال :ما لهم ؟ فقيل :يا
رسول اهلل ،فُرق بينهم ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :ال تبيعوهم إال جميعا.
قال ابن هشام :أراد األمهات واألوالد.
سرية سالم بن عمير لقتل أبي َعفَك :قال ابن إسحاق :وغزوة سالم بن ُعمير لقتل أبي
َعفَك ،أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني ُعبيدة ،وكان قد نجم 180نِفاقُه ،حين قَتل رسو ُل اهلل
صلى اهلل عليه وسلم :الحارث ابن ُس َو ْيد بن صامت فقال :
مجمعا
َ ِ
الناس داراً وال من عشت دهراً وما ِإ ْن أرى
ُ لقد
فيهم إذا ما َد َعا
ُيعاقد ْ وأوفَى لمن
أبر عهوداً َّْ
ضعا َيهُ ُّد اوالد قَْيلَة في ِ
من ِ
الجبال ولم َي ْخ َ
َ جمعهم
181
182
رام ل َشتَّى َم َعا
َحال ٌل َح ٌ راكب جاءهم
ٌ َّ
فصدعهم
ِ
ِأو الملك تابعتم تُب َ
َّعا قتم
صد ُبالعز َّ
فلوأن ِّ
فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :من لي بهذا الخبيث ،فخرج سالم بن ُعمير ،أخو
الم َز ْيرية في ذلك :
بني َعمرو بن عوف ،وهو أحد البكائين فقتله ؟ فقالت أمامة ُ
ِ 183 تُ ِّ
بئس ما ُي ْمنى
أمناك أن ْ الذي ْ مرولع ُ
أحمدا َ
والمرء َ
َ دين اهلل
ب َ كذ ُ
180
.جنم :وضح
181
.قيلة :أم األوس واخلزرج
182
.صدعهم :فرقهم
183
أتسلك
.أمناك َ :
354
بر ِّ
السن الليل طعنةً أبا َعفَ ٍك ُخ ْذها على ِك ِ
اخر ِ ِ
ك حنيف َ
حبا َ
غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان :وغزوة ُعمير بن عدي
طمي عصماء بنت مروان ،وهى من بني أمية بن زيد ،فلما قُتل أبو َعفك نافقت ،فذكر عبد الخ ْ
َ
طمة ،يقال
اهلل بن الحارث ابن الفضيل عن أبيه ،قال :وكانت تحت رجل من بني َخ ْ
له يزيد بن زيد ،فقالت تعيب اإلسالم وأهله :
الخزرج
ِ وباس ِت بني
وعوف ْ باست بني مالك والنبيت
184
فال من مراد وال َم ْذ ِح ِج أتاوي من ِ
غيركم َّ أطعتم
ضجالم ْن َ ِ بعد ِ
كما ُيرتَ َجى مرق ُ الرءوس قتل ترجُّونه َ
185
األتاوي :الغريب .مذحج :اسم أكمه باليمن ولدت غدها امرأة من حمير واسمها ُم ِدلَة ثم كانت 184
زوجة َأدد فسميت المرأة باسمها ثم صار اسما للقبيلة ،ومنهم قبيلة األنصار ،وعلى هذا فال ينصرف
للتأنيث والعلمية ،وقال الجوهرى مذحج اسم األب قال والميم عند سيبويه أصلية ،وعلى هذا فهو
منصرف ،ولكن جعل الميم أصلية ضعيف لفقد فَ ْعِلل اال أن تفتح الحاء فهو لغة ،وسيبويه ال يفتحها
وأيضا ففد قال ابن جنى :ومرضع زيادة الميم أن تقع ّأوال وبعدها ثالثة أحرف أصول ويلزم زيادتها
والم ْفثل بالكسر موضع الفعل كالمصرف موضع
هنا ألنهم قالوا ذحجت المرأة بولدها تذحج اذا رمته َ
الصرف والمنزل موضع النزول .
185
املنضج :الذي طاب اكله واالسم النُّضج بضم النون وفتحها لغة والفاعل ناضج ونضيج وأنضجته بالطبخ فهو منضج
.ونضيج أيضا
186
.األنف :املرتفع .الغرة :الغفلة
355
رج
والمخ ِ
ْ ِ
المداخل كريم
ُ ت فتى ماجداً ِع ْرقُه
فهََّز ْ
187
بعدالهُ ُد ِّو فلم َي ْح َر ِج
َ ِ
الدماء نجيع
فضرجها من ِ َّ
فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين بلغه ذلك :أال آخذ لى من ابنة مروان ؟ فسمع
طمى ،وهو عنده ؟ فلما أمسى
ذلك من قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُع َمير بن عدي الخ ْ
مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :
من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ،ثم أصبح ِ
علي شىء من
يا رسول اهلل ،إني قد قتلتها .فقال َ :نصرت اهلل ورسولَه يا ُعمير ،فقال . :هل َّ
شأنها يا رسول اهلل ؟ فقال :ال َي ْنتطح فيها عنزان. 188
في شأن بنت مروان ،ولها 189
طمة يومئذ كثير َم ْوجهم
فرجع ُعمير إلى قومه ،وبنو َخ ْ
يومئذ بنون خمسة رجال ،فلما جاءهم ُعمير بن عدي من عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
طمة ،أنا قتلت ابنة مروان ،فكيدونى جميعا ثم ال تُْن ِظ ِ
رون .فذلك اليوم أول ما قال :يا بني َخ ْ
طمة ،وكان يستخفى بإسالمهم فيهم من أسلم ،وكان أول من أسلم من
اإلسالم في دار بني َخ ْ
ُ عز
وخزيمة بن ثابت ،
طمة ُع َمير بن عدي ،وهو الذي ُي ْد َعى القارئ ،وعبداللّه بن ْأوس ُ ،
بني َخ ْ
وأسلم يوم قُتلت ابنة مروان ،رجال من بني خطمة ،لما رأوا من عز اإلسالم .
187
.اهلدو :منتصف الليل ،أو بعد ساعة منه .حيرج :يأمث
وقال السهيلى :وكانت -عصماء بنت مروان -تسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقتلها 188
بعلها على ذلك ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :اشهدرا أن دمها هدر .قال الدارقطنى :من
هاهنا يقوم أصل التسجيل في الفقه ألنه قد أشهد على نفسه بإمضاء الحكم ،ووقع في مصنف حماد بن
سلمة أنها كانت يهودية .وكانت تطرح المحائض في مسجد بنى حطمة ،فأهدر رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم دمها ،وقال :ال ينتطح فيها عنزان .راجع للشريف الرضى :المجازات النبوية بتحقيقنا.
189
.موجهم :اختالطهم واختالقهم
356
أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإ سالمه :بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه
قال :خرجت خيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فأخذت رجالً من بني حنيفة ،ال يشعرون
من هو ،حتى أتوا به رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن
إساره .ورجع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أهله ؟ فقال :اجمعوا أثال الحنفي ،أحسنوا َ
ويراح فجعل ال ما كان عندكم من طعام ،فابعثوا به إليه ،وأمر بل ْقحته أن ُي ْغ َدى عليه بها ُ
190
191
يقع من ثُمامة موقعا ،ويأتيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقول أسلم يا ثُمامة ،فيقول :إيها
فسل ما شئت ،فمكث ما شاء اهلل أن يمكث .
الفداء ْ
َ يا محمد ،إن تَقتل تقتل ذا دم ،وإ ن تَرد
ثم قال النبى صلى اهلل عليه وسلم يوما :أطلقوا ثمامة ،فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ،
النبي صلى اهلل عليه وسلم على اإلسالم ؟
فتطهَّر فأحسن طُهوره .ثم أقبل فبايع َّ
فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ،فلم ينل منه إال قليال ،وبالل ْقحة فلم ُيصب
من حالبها إال يسيرا ،فعجب المسلمون من ذلك ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين بلغه
أول النهار في ِمعى كافر ،واكل اخر النهار في ِمعى م ٍ
سلم ! ذلك ِ :م َّم تعجبون ؟ أمن رجل اكل َ
َ ُ َ
إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ،وإ ن ،المسلم يأكل في ِم ًعى واحد.192
190
.اللقحة :الناقة اليت هلا لنب
191
.إ يها :حسبك
وقد خرج أهل الحديث حديث إسالمه ،وفيه قال للنبى صلى اهلل عليه وسلم :إن تقتل تقتل ذا دم ، 192
قال أبن هشام :فبلغنى أنه خرج معتمرا ،حتى إذا كان لبطن مكة لبى ،فكان أول من دخل
اخترت علينا ،فلما قدموه ليضربوا عنقه ،قال قائل منهم
َ مكة يلبي ،فأخذته قريش ،فقالوا :لقد
:دعوه فانكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ،فخلوه ،فقال الحنفى في ذلك :
الح ُرِم ِ
األشهر ُ سفيان في
َ
ِ
برغم أبي ومنا الذي لبَّى بمكةَ ُم ْعِلناً
وحدثت أنه قال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،حين أسلم :لقد كان وجهك أبغض ُ
إلى .وقال في الدين والبالد مثل ذلك . إلى ،ولقد أصبح وهو ُّ
أحب الوجوه َّ الوجوه َّ
ثم خرج معتمراً ،فلما قدم مكة ،قالوا :أصبوت يا ثُمام ؟ فقال :ال ،ولكنى اتبعت خير
يأذن فيها رسول اهلل صلى اهلل
الدين ،دين محمد ،وال واللّه ال تصل إليكم حبة من اليمامة حتى َ
عليه وسلم .ثم خرج إلى اليمامة ،فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا ،فكتبوا إلى رسول اهلل صلى
أرحامنا ،وقد قتلت االباء بالسيف ،
َ اهلل عليه وسلم :إنك تأمر بصلة الرحم ،وإ نك قد قطعت
واألبناء بالجوع ،فكتب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه أن يخلِّ َى بينهم وبين َ
الح ْمل .
الروض األنف من تحقيقنا .ج 4ص ،253وانظر ما في هذا الحديث من البالغة ،في كتاب المجازات
النبوية بتحقيقنا .ط مصطفى الحلبى .وانظر شرحه أيضاً في فتح الباري بتحقيقنا ط عالم الكتب .
358
مج ّزز .لماسرية علقمة بن مجزز :وبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َعْلقمة بن ُ
رسول اهلل صلى اهلل عليه
َ المدلجى يوم ذي قََرد ،سأل علقمةُ بن مجزز
قُتل وقاص بن مجزز ْ
اثار ِ
القوم ،ليدرك ثأره فيهم .فذكر عبد العزيز بن محمد ،عن محمد بن وسلم أن يبعثه في ِ
الخ ْدري ،قال :بعث رسول
عمرو بن علقمة ،عن عمرو بن الحكم بن ثَْوبان ،عن أبي سعيد ُ
اهلل صلى اهلل عليه وسلم علقمة م بن ُمجزز -قال أبو سعيد الخدري :وأنا فيهم -حتى إذا
رأس َغزاتنا أو كنا ببعض الطريق ،أذن لطائفة من الجيش ،واستعمل عليهم عبد اهلل بن
بلغنا َ
َّهمى ،وكان من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وكانت فيه ُدعابة ،فلما
ُحذافة الس ْ
كان ببعض الطريق أوقد ناراً ،ثم قال للقوم :أليس لى عليكم السمعُ والطاعةُ؟ قالوا :بلَى ،قال :
أفما أنا امركم بشيء إال فعلتموه ؟ قالوا :نعم ،قال :فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتى إال
تواثبتم في هذه النار قال :فقام بعض القوم يحتجز 193حتى ظن أنهم واثبون فيها ،فقال لهم :
كنت أضحك معكم ،ف ُذكر ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد أنقَِدموا عليه ،
اجلسوا،فإنما ُ
فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :من أمركم بمعصية منهم فال تطيعوه .
وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيداً.
سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يساراً :حدثني ُ
بعض أهل العلم ،عمن
حدثه ،عن محمد بن طلحة ،عن عثمان بن عبد الرحمن ،قال :أصاب رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة عبداً يقال له يسار ،فجعله رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم في لقاح له كانت
193
.حيتجز :يشد ثوبه على خصره
359
ترعى في ناحية الجماء ،فقَِدم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نفر من قيس ُكبَّة من
ط ِحلوا ،194فقال فهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :لو خرجتم إلى اللقاح
َبجيلة ،فاستوبئوا ،و َ
دوا على راعي
فشربتم من ألبانها وأبوالها ،فخرجوا إليها .؟ فلما صحُّوا وانطوت بطونهم َ ،ع ْ
الشوك في عينيه ،واستاقوا اللقاح ،
َ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يسار ،فذبحوه وغرزوا
رسول اهلل
َ فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في اثارهم ُك ْرز بن جابر ،فلحقهم ،فأتى بهم
مل أعينهم .
وس َ صلى اهلل عليه وسلم َم ْر ِج َعه من غزوة ذي قََرد ،فقطع َ
أيديهم وأرجلَهم َ ،
غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن :وغزوة علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه إلى
اليمن ،غزاها مرتين .
قال ابن هشام :قال أبو عمرو المدنى :بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على ابن أبي
طالب إلى اليمن ،وبعث خالد بن الوليد في جند اخر ،وقال :إن التقَْيتُما فاألمير علي بن أبي
طالب .
بعث خالد بن الوليد في حديثه ،ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا
وقد ذكر ابن إسحاق ْ
فينبغى أن تكون العدة في قوله تسعةً وثالثين .
سطين وهو آخر البعوث :فال ابن إسحاق :وبعث
بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلَ ْ
الخيل
َ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ،وأمره أن ُيوطىء
تُخوم البلقاء ،والداروم ،من أرض ِفلَ ْسطين ،فتجهز الناس ،وأوعب مع أسامةَ المهاجرون
األولون .
قال ابن هشام :وهو اخر بعث بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
194
.استوبئوا :أصيبوا باألوبئة .طلحوا :أصيبوا بداء الطحال
360
195
.أي على االستعداد 2لالنضمام إىل جيش أسامة
361
ابن مسعود ،عن عائشة زوج النبى صلى اهلل عليه وسلم قالت :رجع رسو ُل اهلل صلى اهلل
أساه ،فقال :بل أنا
وار َ
صداعاً في رأسي ،وأنا أقول َ :
عليه وسلم من البقيع ،فوجدني وأنا أجد ُ
واللّه يا عائشة وارأساه .
فقمت عليك وكفنتك ،وصليت عليك ودفنتك ؟
ُ ض َّرك لو ُم ِّ
ت قبلى، قالت :ثم قال :وما َ
رجعت إلى بيتى ،فأعرست فيه ببعضَ قالت :قلت :واللّه لكأنى بك ،لو قد فعلت ذلك ،لقد
وجعه ،وهو يدور على نسائه نسائِك ،قالت :فتبسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ ،
وتتام به ُ
مرض في بيتى، َّ
فاستأذنهن في أن ُي َّ نساءه ،
استعز به ،وهو في بيت ميمونة ،فدعا َ
196
َّ ،حتى
ِ
فأذ َّن له .
ذكر أزواجه صلى اهلل عليه وسلم
عددهن وأسماؤهن :قال ابن هشام :و ُكن تسعاً :عائشة بنت أبي بكر ،197وحفصة بنت
عمر بن الخطاب ،وأم َحبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ،وأم َسلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة،
وس ْودة بنت َز ْم َعة بن قَْيس ،وزينب بنت َج ْحش بن ِرئاب ،وميمونة بنت الحارث
َ
196
.استعز به :غلبه
197عائشة :كانت تكنى أم عبداهلل ،روى ابن األعرابي في المعجم حديثاً مرفوعاً أنها أسقطت جنينا
من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسمى :عبداللَه ،فكانت تكنى به ،وهذا الحديث يدور على داود بن
المحبَّر وهو ضعيف ،وأصح منه حديث أبى داود أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال لما :تكنى
بابن أختك عبد اهلل بن الزبير ،ويروى بابنك عبد اهلل بن الزبير ،ألنها كانت قد استوهبته من أبويه ،
فكان في حجرها يدعوها أماً ،ذكره ابن إسحاق وغيره .وأصح ما روي في فضلها على النساء قوله
عليه السالم :فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام ،وأراد الثريد باللحم ،كذا رواه
معمر في جامعه مفسراً عن قتادة ،وأبان يرفعه ،فقال فيه :كفضل الثريد باللحم ،ووجه التفضيل من
هذا الحديث أنه قال في حديث آخر :سيد إدام الدنيا واالخرة اللحم .مع أن الثريد إذا أطلق لفظه ،فهو
ثريد اللحم ،وأنشد سيبويه :
فذاك أمانة اهلل الثريد إذا ما الخبز تأدمه بلحم
وأفضل نساء العالم على اإلطالق مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السالم ،وفاطمة بنت محمد صلى
اهلل عليه وسلم ،وخديجة بنت خويلد زوج محمد األولى صلى اهلل عليه وسلم وعالًشة بنت أبي بكر
الصديق أحب نسائه إليه صلى اهلل عليه وسلم ،ورضى اهلل عن آله وأصحابه وأزواجه أجمعين .
362
طب ،فيما
أخ َ
وج َو ْيرية بنت الحارث بن أبي ضرار ،وصفية بنت ُحيى ابن ْ
ابن َح ْزن ُ ،
حدثني غير واحد من أهل العلم .
ثالث ع ْشرةَ :
َ خديجة :وكان جميع من تزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
خديجة بنت ُخويلد ،وهى أول من تزوج ،زوجه إياها أبوها ُخ َويلد ابن أسد ،ويقال
أخوها عمرو بن ُخ َويلد ،وأصدقها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عشرين َب ْكرة ،فولدت
لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ولَ َده كلَّهم إال إبراهيم ،وكانت قبله عند أبي هالة بن مالك ،
أسيِّد بن عمرو بن تميم ،حليف بني عبد الدار ،فولدت له ِهند بن أبي هالة ،وزينب
أحد بني َ
بنت أبي هالة ،وكانت قبل أبي هالة عند ُع ّتيق بن عابد بن عبد اهلل بن ُعمر بن مخزوم ،
فولدت له عبد اهلل ،وجارية.198
في بن أبي رفاعة .
ص ْي ُّ
قال ابن هشام :جارية من الجواري ،تزوجها َ
عائشة :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عائشةَ بنت أبي بكر الصديق بمكة،
بنت سبع سنين ،وبنى بها بالمدينة ،وهى بنت تسع سنين أو عشر ،ولم يتزوج
وهي ُ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بكراً غيرها ،زوجه إياها أبوها أبو بكر ،وأصدقها رسو ُل اهلل
صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم . ..
198قال ابن أبي خيثمة :ولدت لعتيق عبد مناف ،وكان اسنم أبي هالة هند بن زرارة ابن النباش وقيل
:بل أبو هالة هو زرارة .وابنه هند ،مات في طاعون البصرة .
363
س ْودة :تزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َس ْودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن َ
عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل بن عامر بن لُؤي ،زوجه إياها َسليط بن عمرو ،ويقال أبو
حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل ،وأصدقها رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم .
فال ابن هشام :ابن إسحاق يخالف هذا الحديث ،يذكر أن سليطا وأبا حاطب كانا غائبين
بأرض الحبشة في هذا الوقت .
وكانت قبله عند السكران بن َعمرو بن عبد شمس بن عبد ُو ّد ابن نصر بن ِح ْسل .
زينب بنت جحش :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش ابن ِرئاب
األسدية .199زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن َج ْحش ،وأصدقها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
أربعمائة درهم ،وكانت قبله عند َز ْيد بن حارثة ،مولى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ففيها
ضى َز ْي ٌد ِم ْنهَا َو َ
ط ًرا َز َّو ْجَنا َكهَ} [.األحزاب]37 : أنزل اهلل تبارك وتعالى َ {:فلَ َّما قَ َ
أم سلَمة :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة
ابنها ،وأصدقها رسول اهلل صلى
بن أبي سلمة ُ
المخزومية واسمها هند؟ زوجه إياها َسلمةُ ُ
ْ
َّ 200
وص ْحفة ،ومجشة ِ
اهلل عليه وسلم فراشاً حشوه ليف ،وقدحاَ ،
199وذكر زينب بنت جحش ،وأن أخاها أبا أحمد هو الذي أنكحها من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وهذا خالف ما ثبت في الحديث أنها كانت تفخر على صواحبها ،وتقول :زوجكن أهلوكن من رسول
اللَه صلى اهلل عليه وسلم وزوجنى رب العالمين من فوق سبع سماوات وفى آخر أنه لما نزلت االية
ضى َز ْي ٌد ِم ْنهَا َو َ
ط ًرا َز َّو ْجَنا َكهَا }[.األحزاب ]37 :قام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم { َفلَ َّما قَ َ
.فدخل عليها بغري إذن
المجشة :وهى الرحى ،ومنه سمي الجشيش .وذكر مع المجشة أشياء ال تعرف قيمتها ،منها جفنة 200
وفراش .وفى مسند البزار ذكر قيمتها ،قال أنس :أصدقها متاعاً قيمته عشرة دراهم ،قال البزار:
ويروى أربعون درهماً .
364
كان بالعقيق نظر إلى اإلبل التي جاء بها للفداء ،فرغب في بعيرين منها ،فغيبهما في ِش ْعب
النبى صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :يا محمد ،أصبتم ابنتى ،وهذا من ِشعاب العقيق ،ثم أتى َّ
غيبت بالعقيق في ِش ْعب كذا
َ ِفداؤها ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :فأين البعيران اللذان
وكذا؟ فقال الحارث :أشهد أن ال إله إال اهلل ،وأنك رسول اهلل صلى اهلل عليك ،فواللّه ما اطَّلع .
على ذلك إال اهلل تعالى ،فأسلم الحارث ،وأسلم معه ابنان له وناس من قومه ،وأرسل إلى
ودفعت إليه ابنته ُج َويرية،
اإلبل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم ُ ،
البعيرين ،فجاء بهما ،فدفع َ
فأسلمت وحسن إسالمها ،وخطبها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها،
عند ابن عم لها يقال له
وأصدقها أربعمائة درهم ،وكانت قبل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ
عبد اهلل. 201
ُ
قال ابن هشام :ويقال .اشتراها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من ثابت بن قَْيس ،
فأعتقها وتزوجها ،وأصدقها أربعمائة درهم .
حي َي :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صفية بنت ُحيى بن أخطب ، صفية بنت ُ
وأولم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليمة ،فيها شحم والخيبر ،فاصطفاها لنفسه ْ ، سباها من ْ
الحقَْيق. ِ
سو ْيقاً وتمراً ،وكانت قبله عند كنانة ابن الربيع بن أبي ُ
لَحم ،كان َ
ميمونة بنت الحارث :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ميمونةَ َ
بنت الحارث
ابن َح ْزن بن َب ِحير بن ُه َزم بن ُر َو ْيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر ابن صعصعة ،زوجه
العباس عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة
ُ إياها العباس بن عبد المطلب ،وأصدقها
درهم ،وكانت قبله عند أبي ُر ْهم بن
قال السهيلي :كانت قبله -أي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم -عند مسافع بن صفوان الخزاعى 201
وقال ابن إسحاق :أسلم الحارث ،وأسلم ابناه ،ولم يسمهما ،وهما الحارث بن الحارث وعمرو بن
الحارث ،ذكره البخارى في التاريخ .
366
الع َّزى بن أبي قيس بن عبد ُو ّد بن َنصر بن مالك بن ِح ْسل ابن عامر بن لُؤي ويقال
عبد ُ
للنبى صلى اهلل عليه وسلم ،وذلك ،أن خطبة النبى صلى اهلل عليه
نفسها ِّ
:إنها التي وهبت َ
وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها ،فقالت :البعير وما عليه للّه ولرسوله .فأنزل اهلل تبارك {
ت َن ْف َسهَا ِل َّلنبِ ّي } [األحزاب ]50 :ويقال :إن التي وهبت نفسها للنبى
ام َرأَةً ُم ْؤ ِمَنةً ِإ ْن َو َهَب ْ
َو ْ
صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش ،ويقال أم شريك ،غزية بنت جابر بن وهب من بني
منقذ بن عمرو بن َم ِعيص ابن عامر بن لُؤي ،ويقال :بل هي امرأة من بني َسامة بن لُؤي ،
فأرجأها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
زيمة ابنزينب بنت ُخزيمة :وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َزينب بنت ُخ ْ
صعصعة ،وكانت تُسمى أم
َ الحارث بن عبد اهلل بن َعمرو بن عبد مناف بن هالل بن عامر ابن
المساكين ؟ لرحمتها إياهم ،ورقتها عليهم زوجه إياها قَبيصة بن عمرو الهاللى ،وأصدقها
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم .وكانت قبله عند ُعبيدة بن الحارث بن عبد
المطلب بن عبد مناف ،وكانت قبل ُعبيدة عند َج ْهم بن عمرو بن الحارث ،وهو ابن عمها.
فهؤالء الالتي بنى بهن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إحدى عشرة ،فمات قبله منهن
ثنتان :خديجة بنت ُخويلد ،وزينب بنت ُخ َزيمة .وتوفى عن تسع قد ذكرناهن في أول هذا
202
الحديث وثنتان لم يدخل بهما :أسماء بنت النعمان الكندية ،تزوجها فوجد بها بياضا فمتَّعها
الكالبية وكانت حديثة عهد بكفر؟ فلما قدمت على رسول اهلل وردها إلى أهلها ،وعمرة بنت يزيد ِ
َْ
صلى اهلل عليه وسلم ،استعاذت من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم :
متعها :أعطاها ما توصل بها بعد الطالق لتنتفع به من مال أو خادم أو مالبس والمتعة واجبة عند 202
الحنفية فيما إذا طلقت المرأة ولم يدخل بها ولم يكن سمى لها مهرا.
367
منيعٌ عائذاللّه ،فردها إلى أهلها ،ويقال :إن التي استعاذت من رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ِكندية بنت عم ألسماء بنت النعمان ،ويقال إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعاها،
فقالت :إنا قوم ُنؤتَى وال َنأتِى؟ فردها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أهلها.
القرشيات منهن :القرشيات من أزواج النبى صلى اهلل عليه وسلم :خديجة بنت خويلد
العزى بن قصي بن كالب بن مرة بن ،كعب بن لؤي ، 203وعائشة بنت أبي بكر
بن أسد بن عبد ُ
بن أبي قُحافة بن عامر بن َعمرو بن َك ْعب بن سعد بن تَْيم بن ُمرة بن كعب بن لُؤي بن غالب ،
الع َّزى بن عبد اهلل ابن قُْرط بن رياح بن رزاح
وحفصة بنت ُعمر بن الخطاب بن ُنفَْيل بن عبد ُ
بن عدي بن كعب بن لؤي ،وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد
مناف بن قصي بن كالب بن ُمرة بن كعب بن لُ َؤي ،وأم َسلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد
وس ْودة بنت َزمعة بن قَْيس بن عبد
اهلل بن ُعمر بن مخزوم بن َيقَظة بن مرة بن كعب بن لؤي ؟ َ
شمس بن عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل بن عامر بن لؤي .
ولوال ما تقدم من الحديث المخصص لخديجة بالفضل عليها حيث ق ال :واهلل ما أبدلني اهلل خيرأ 203
منها ،لقلنا بتفضيلها على خديجة ،وعلى نساء العالمين ،وكذلك القول في مريم الصديقة ،فإ نها عند
كثير من العلماء نبية نزل عليها جبريل عليه السالم بالوحي ،وال يفضل على األنبياء غيرهم ،ومن
ين } [آل عمران]42 : ِ ِ ِ قال :لم تكن نبية ،وجعل قوله تعالى { :واص َ ِ
طفَاك َعلَى ن َساء اْل َعالَم َ َ ْ
مخصوصأ بعالم زمانها ،فمن قوله :إن عائشة وخديجة أفضل منها ،وكذلك يقولون في سائر أزواج
رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم إنهن أفضل نساء العالمين ونزعوا في تصحيح هذا المذهب بما يطول
ذكره واللّه أعلم .وفي مسند البزار أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال في فاطمة هي سيدة نساء
أهل الجنة إال مريم ( .الروض األنف من تحقيقناج 4ص .) 268
368
العربيات وغيرهن :والعربيات وغيرهن سبع :زينب بنت جحش بن رئاب بن َي ْع َمر بن
ص ْبرة بن ُمرة بن كبير بن َغْنم بن ُدودان ابن أسد بن ُخزيمة ،وميمونة بنت الحارث بن َح ْزن َ
صعة بن معاوية ابن بكر بن ص ْع َ
بن ُب َجير بن ُه َزم بن ُر َو ْيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر بن َ
صفة بن قَْيس بن َع ْيالن ،وزينب بنت ُخزيمة بن الحارث ِ
َه َوازن بن منصور بن ع ْكرمة بن َخ َ
وج َو ْيرية بنت
بن عبد اهلل بن َعمرو بن عبد مناف بن هالل بن عامر بن صصعة بن معاويةُ ،
طلقية ،وأسماء بنت النعمان الكندية ،وعمرة بنت
صَالم ْ
الخزاعية ،ثم ُ
الحارث ابن أبي ضرار ُ
يزيد الكالبية .
:صفية بنت ُحّيى بن أخطب ،من بني النضير.204
ومن غيرالعربيات َ
تمريض وسول اهلل في بيت عائشة
قال ابن إسحاق :حدثني يعقوب بن ُعتبة ،عن محمد بن مسلم الزهري ،عن عبيداللّه بن
عتبة ،عن عائشة زوج النبى صلى اهلل عليه وسلم قالت :فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم يمشى بين َر ُجلين من أهله :أحدهما الفضل ابن العباس ،ورجل آخر ،عاصباً رأسه ،
تخط قدماه حتى دخل بيتى .
لم يذكر ابن إسحاق في أزواج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت ِدحية بن 204
خليفة الكلبي ،وذكرها غيره ،ولم تقم عنده إال يسيرأ حتى ماتت ،وكذلك العالية بنت ظبيان بن عمرو
بن عوف ،ذكرها غيره في أزواج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :وكذلك وسنى بنت النعمان بن
الجون الكندية ،اتفقوا على تزويج النبى صلى اهلل عليه وسلم إياها ،واختلفوا في سبب فراق النبى صلى
اهلل عليه وسلم لها .وكذلك قيل في شراف بنت خليفة :إنها هلكت قبل أن يدخل بها .واللَه أعلم .
369
ت هذا الحديث عبد اهلل بن العباس ،فقال :هل تدري من الرجل االخر قال ُ .عبيدَّ ،
فحدثْ ُ
علي بن أبي طالب .
قال :قلت :ال؟ قال ّ :
اشتداد المرض :ثم ُغمررسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،واشتد به وجعه ،فقال :
فأعهد إليهم ،قالت :فأقعدناه في
َ أخرج إلى الناس
َ على سبع قرب من ابار َشتَّى ،حتى
هريقوا َّ
لحفصة بنت عمر ،ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول َ :حسبكم حسبكم . 205
ضب
َم ْخ َ
خطبة للنبي وتفضيله أبا بكر :قال ابن إسحاق :وقال الزهري :حدثني أيوب بن بشير:
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ،ثم كان أول ما
ِ
أصحاب أحد ،واستغفر لهم ،فأكثر الصالة عليهم ،ثم قال :إن عبدا من تكلم به أنه صلى على
عباد اهلل خيَّره اهلل بين الدنيا وبين ما عنده ،فاختار ما عند اهلل .قال :ففهمها أبو بكر وعرف
أن نفسه يريد ،فبكى وقال :بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ،فقال :على ِر ْسِل َ
ك يا أبا بكر ،ثم قال
:انظروا هذه األبواب الالفظة 206في المسجد ،فسدوها إال بيت أبي بكر ،فإنى ال أعلم أحداً كان
أفضل في الصحبة عندي يداً منه .
قال ابن هشام :ويروى :إال باب أبي بكر.
عبد الرحمن بن عبد اهلل ،عن بعض آل أبي سعيد بن المعلَّى:
قال ابن إسحاق :وحدثني ُ
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال يومئذ في كالمه هذا :فإنى لو كنت ُمتخذاً من العباد
عنده.207
خليال التخذت أبا بكر خليال ،ولكن صحبة وإ خاء إيمان ،حتى يجمع اهلل بيننا َ
205
.املخضب :اناء يغتسل منه
206
.الالفظة :النافذة
207ذكر خروجه صلى اهلل عليه وسلم في مرضه إلى المسجد ،وأن أبا بكر كان اإلمام ،وأن رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم كان يأتم به ،وهذا الحديث مرسل في السيرة والمعروف في الصحاح أن أبا بكر
كان يصلى بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يصلون بصالة أبي بكر ،ولكن روي عن
أنس من طريق متصل أن أبا بكر كان اإلمام يومئذ ،واختلف فيه عن عائشة رضى اللَه عنها ،وروى
الدارقطنى من طريق المغيرة بن شعبة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :ما مات نبي حتى
يؤمه رجل من أمته ،وذكر أبو عمر هذا الحديث إال أنه ساقه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ُمرسال،
وقد أسنده البزار أيضاً من طريق ابن الزبير عن عمر عن أبى بكر ،وفى مراسيل الحسن البصري أن
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مرض عشرة أيام صلى أبو بكر بالناس تسعة أيام منها .ثم خرج رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم في اليوم العاشر منها يهادي بين رجلين أسامة والفضل بن عباس حتى صلى
خلف أبى بكر ،رواه الدارقطنى ،ففي هذا الحديث أنه مرض عشرة أيام ،وهو غريب ،وفيه أن أحد
علي بن أبى طالب ،وفيه صالته عليه السالم
الرجلين كان أسامة ،والمعروف عن ابن عباس أنه كان ّ
خلف أبى بكر.
370
أمره بإنفاذ بعث أسامة :قال ابن إسحاق :وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،عن
عروة بن الزبير وغيره من العلماء ،أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم استبطأ الناس في بعث
رأسه حتى جلس على المنبر ،وقد كان الناس أسامة بن زيد ،وهو في وجعه ،فخرج عاصباً َ
أمر غالما َح َدثأ على ِجلَّة المهاجرين واألنصار.
قالوا في إمرة أسامة َّ :
فلع ْمري
فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو له أهل ،ثم قال :أيها الناس ،أنفذوا بعث أسامةَ ،
لخليق لإلمارة ،وإ ن كان أبوه لخليقاً
ٌ لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ،وإ نه
لها.
َّ
واستعز قال :ثم نزل رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وانكمش 208الناس في ِ
جهازهم ،
ف،
الج ْر َ
وجعه ،فخرج أسامة ،وخرج جي ُشه معه حتى نزلوا ُ
برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ
ام إليه الناس ،وثَُقل رسول اهلل صلى اهلل عليه
عسكره ،وتَتَ َّ
َ فضرب به
َ من المدينة على فَ ْرسخ ،
وسلم ،فأقام أسامةُ والناس ،لينظروا ما اهلل قاض في رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ً.
208
.انكمش الناس يف جهازهم :أسرعوا فبه
371
وصايته باألنصار :قال ابن إسحاق :قال الزهري :وحدثني عبد اهلل ابن كعب بن مالك
يوم صلَّى واستغفر ألصحاب .أحد ،وذكر من أمرهم ما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال َ
استوصوا .باألنصار خيراً ،فإن الناس يزيدون ،
ُ ذكر مع مقالته يومئذ :يا معشر المهاجرين ،
فأحسنوا إلى ِ
محسنهم تزيد ،وأنهم كانوا ع ْيبتى 209التي أويت إليهاِ ،
األنصار على هيئتها ال ُ وإ ن
َ َ
،وتجاوزوا عن ُمسيئهم .
وجعه ،حتى
وتتام به ُ
قال عبد اهلل :ثم نزل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فدخل بيته َّ ،
ُغ ِم َر.
اللدود :قال عبد اهلل :فاجتمع إليه نساء من نسائه :أم َسلمة ،وميمونة ،ونساء من نساء
عمه ،فأجمعوا أن َيلُ ُّدوهُ ،وقال العباس :
العباس ُّ
ُ المسلمين ،منهن أسماء بنت ُع َم ْيس ،وعنده
اللدَّنهُ .قال :فلَ ُّدوه ،فلما أفاق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال :من صنع هذا بي ؟
َّ
قالوا :يا رسول اهلل َ ،ع ُّمك ،قال :هذا دواء أتى به نساء ِج ْئن من نحو هذه األرض ،وأشار
ولم فعلتم ذلك ؟ فقال عمه العباس :خشينا يا رسول اهلل أن يكون بك ِ
أرض الحبشة قال َ : نحو
الج ْنب ،فقال :إن ذلك لداء ما كان للّه عز وجل ليقذفنى به ،ال يبق في البيت أحد إال لُ َّد
ذات َ
ُ
إال عمي .
فلقد لُدت ميمونة وإ نها لصائمة ،لقَ ِسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عقوبةً لهم بما
صنعوا به. 210
209
.عيبة الرجل :مكمن سره
210ففي هذا الحديث أن العباس حضره ولَ َّده مع من لُ َذ .وفى الصحيحين أن رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم قال :ال يبقين أحد بالبيت إال لُ َّد إال عمي العباس ،فإنه لم يشهدكم ،وهذه أصح من رواية ابن
إسحاق ،وإ نما ّلدوه ألنه عليه السالم قد قال في القسط ،فيه سبعة أشفية يلد به من ذات الجنب ،ويسعط
به من العذرة ،ولم يذكر الخمسة قال ابن شهاب :فنحن نستعمله في أدويتنا كلها لعلنا نصيبها ،واللدود
في جانب الغم من داخله يجعل هناك الدواء ويحك باإلصبع قليال .ذات الجنب ( :ذاك داء ما كان اهلل
ليقذفني به ) ،وقال في هذا الحديث من رواية الطبرى له :ا أنا اكرم على اللَه من أن يقذفنى بها ) ،وفي
رواية أخرى :وهى من الشيطان ،وما كان اهلل ليسلطها علي .وهذا يدل على أنها من سىء األسقام
التي تعوذ النبى عليه السالم منها في دعائه حيث يقول :اللهم إنى أعوذ بك من الجنون والجذام وسيىء
األسقام ،وإ ن كان صاحبها من الشهداء السبعة ،ولكنه عليه السالم .قد تعوذ من الغرق والحرق ،مع
قوله عليه السالم :الغريق شهيد ،والحريق شهيد .وقد ذكر أن أسماء بنت عميس هي التي لدته فاللّه
أعلم .والوجع الذي كان بالنبى عليه السالم فلُد هو الوجع الذي يسمى خاصرة ،وقد جاء ذكره في
كتاب النذور من الموطأ ،قال فيه :فأصابتني خاصرة ،قالت عائشة :وكثيراً كان يصيب رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم -الخاصرة .قالت وال نهتدي السم الخاصرة ،ونقول :أخذ رسول اهلل صلى اهلل
372
دعاؤه ألسامة باإلشارة :قال ابن إسحاق :وحدثني سعيد بن عبيد بن السَّباق ،عن
هبطت
ُ محمد بن أسامة ،عن أبيه أسامة بن َز ْيد ،قال :لما ثَُقل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
أص ِمت فال
وهبط الناس معي إلى المدينة ،فدخلت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وقد ْ
يضعهاعلى،فأعرف أنه يدعو لي.
َّ يده إلى السماءثم
يتكلم ،فجعل يرفع َ
قال ابن إسحاق :وقال ابن ُشهاب الزهري :حدثني عبيد بن عبد اهلل ابن ُعتبة ،عن
عائشة ،قالت :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كثيرا ما أسمعه يقول :إن اهلل لم يقبض نبياً
ضر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان اخر كلمة سمعتها وهو حتى ي َخيره ،قالت :فلما ح ِ
ُ ُ
يقول :بل الرفيق األعلى 211من
عليه وسلم ،عرق في الكلية .وفى مسند الحارث بن أبى أسامة يرفعه إلى النبي عليه السالم ،قال :
الخاصرة عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه دواؤه العسل بالماء المحرق ،وهو حديث يرويه عبد
الرحيم بن عمرو عن الزهري عن عروة ،وعبد الرحيم ضعيف مذكور عن المحدثين في الضعفاء،
ولكن قد روت عنه جماعة منهم .
ول فَأ ُْولَئِ َ
ك َم َع 211اللهم الرفيق األعلى :وهذا منتزع من قوله تبارك وتعالى { َو َم ْن ُي ِط ْع اللَّهَ َو َّ
الر ُس َ
ك َر ِفيقًا } [النساء]69 : ين } إلى قوله سبحانه َ { :و َح ُس َن أ ُْولَئِ َ النبِيِّين و ِّ ِ
الص ِّديق َ
ِ ِ َّ
ين أ َْن َع َم اللهُ َعلَ ْيه ْم م ْن َّ َ َ
َِّ
الذ َ
فهذا هو الرفيق األعلى ،ولم يقل الرفقاء ألن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد ،وهى تتضمن
ين أ َْن َع َم اللَّهُ َعلَ ْي ِه ْم } وهم َِّ
معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كالم المؤمن ،فإنه قالى َ {:م َع الذ َ
ط ط اْلمستَِقيم* ِ
ص َرا َ ِ
ِّرا َ ُ ْ َ أصحاب الصراط المستقيم ،وهم أهل ال إله إال اهلل .قال اهلل تعالى ْ {:هدَنا الص َ
ت َعلَ ْي ِه ْم } [الفاتحة ]6،7 :ثم بين في االية المتقدمة من الذين أنعم اهلل عليهم فذكرهم ،وهم ين أ َْن َع ْم َ َِّ
الذ َ
الرفيق األعلى الذين ذكرهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين ُخير فاختار.
وبعض الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث ،فأشار بأصبعه ،وقال في الرفيق ،وفى رواية أخرى
أنه قال اللهم الرفيق ،وأشار بالسبابة ،يريد التوحيد ،فقد دخل بهذه اإلشارة في عموم قوله عليه السالم "
من كان آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل الجنة " ،وال شك أنه عليه السالم في أعلى درجات الجنة ولو لم
يشر .ولكن ذكرنا هذا لئال يقول القائل ِ :ل َم لَ ْم يكن آخر كالمه :ال إله إال اهلل .وأول كلمة تكلم بها
رسول اهلل وهو مسترضع عند حليمة أن قال " :اهلل أكبر " قاله الواقدي وأما اخر ما أوصى به عليه
السالم بأن قال " :الصالة وما ملكت أيمانكم " ،حرك .بها لسانه وما يكاد يبين ،وفي قوله " :ملكت
أيمانكم " قوالن .قيل :أراد الرفق بالمملوك وقيل :أراد الزكاة ألنها في القرآن مقرونة بالصالة،
وهى من ملك اليمين ،قاله الخطابى.
373
الجنة ،قالت فقلت :إذاً واللّه ال يختارنا ،وعرفت أنه الذي كان يقول .لنا:إن نبيالم ُيقبض
حتى ُيخير.212
أبو بكر يصلي بالناس :قال الزهري :وحدثني حمزةُ بن عبد اهلل ة ابن ُعمر ،أن عائشة
ِّ
فليصل بالناس .قالت : استعز برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال مروا أبا بكر
ّ قالت :لما
كثير البكاء إذا قرأ القران .قال
ضعيف الصوت ُ ،
ُ رقيق ،
ٌ قلت :يا نبى اهلل ،إن أبا بكر رجل
:مروه فليصل بالناس .
212قد قالت عائشة حين قبض صلى اهلل عليه وسلم :فمن سفهى وحداثة سنى أنه قبض في حجري
فوضعت رأسه على الوسادة ،وقمت ألتدم مع النساء .اإللتدام :ضرب الخد باليد ،ولم يدخل هذا في
التحريم :ألن التحريم إنما وقع على الصراخ والنوح ،ولعنت الخارقة والحالقة والصالقة وهي الرافعة
لصوتها ولم يذكر اللّدم ،لكنه ،وإ ن لم يذكره ،فإنه مكروه في حال المصيبة ،وتركه أحمد إال على
أحمد صلى اهلل عليه وسلم .وروي :
كلها إال عليك فإنه مذموم المصاب
ً فالصبر يحمد في
وروي :
فأصبح حازماً حين يجزع وقد كان يدعى البس الصبر حازماً
374
ِّ
فليصل بالناس ،قالت َّ
إنكن صواحب يوسف ،فمروه فعدت بمثل قَ ْولي .فقال
قالت ُ :
فواللّه ما أقول ذلك إال إني كنت أحب أن ُيصرف ذاك
مقامه أبدا ،وأن الناس سيتشاءمون به
عن أي بكر وعرفت أن الناس ال يحبون رجالً قام َ
ص َرف ذلك عن أبي بكر .قال ابن إسحاق :وقال ابن فكنت أحب أن ُي ْ
ُ في كل َحدث كان ،
شهاب :حدثني عبد الملك بن أي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،عن أبيه ،عن
عبد اهلل ابن َزمعة بن األسود بن المطلب بن أسد ،قال :لما استُ ِع َّز برسول اهلل صلى اهلل عليه
مروا من يصلي
وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين ،قال :دعاه بالل إلى الصالة ،فقال ُ :
بالناس .قال :فخرجت فإذا عمر في الناس .
وكان أبو بكر غائباً؟ فقلت :قم يا عمر فصل بالناس قال :فقام ،فلما َكبَّر ،سمع رسو ُل
عمر رجال مجهراً ،قال :فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه اهلل صلى اهلل عليه وسلم صوتهَ ،وكان ُ
وسلم :فأين أبو بكر؟ يأبى اهلل ذلك والمسلمون ،يأبى اهلل ذلك والمسلمون .
ِ
فصلى بالناس .قال :قال قال :فبعث إلى أبي بكر ،فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصالة،
ظننت حين
ُ وي َحك ،ماذا صنعت بى يابن َز ْمعة ،واللّه ما
عبد اهلل بن َز ْمعة :قال لى عمرْ :
صليت بالناس .قال
ُ أمرتنى إال أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أمرك بذلك ،ولوال ذلك ما
:قلت واللّه مما أمرنى رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم بذلك ،ولكني حين لم َأر أبا بكر رأيتُك
أحق من حضر بالصالة بالناس . َّ
375
واتفقوا أنه توفي صلى اهلل عليه وسلم يوم االثنين إال شيئاً ذكره ابن قتيبة في المعارف " :األربعاء 213
" ،قالوا كلهم :وفى ربيع األول .غير أنهم قالوا ،أو قال أكثرهم في الثانى عشر من ربيع ،وال يصح
أن يكون توفى صلى اهلل عليه وسلم إال في الثانى من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس
عشر إلجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة ،وهو التاسع من ذي
الحجة فدخل ذو الحجة يوم الخميس ،فكان المحرم إما الجمعة وإ ما السبت ،فإن كان الجمعة ،فقد كان
صفر إما السبت وإ ما األحد ،فإ ن كان السبت ،فقد كان فىربيع األحد .أو االثنين ،وكيفا دارت الحال
على هذا الحساب ،فلم يكن الثانى عشر من ربيع يوم االثنين بوجه ،وال األربعاء أيضا كما قال القتبي
،وذكر الطبرى عن ابن الكلبي وأبى مخنف أنه توفي الثانى من ربيع األول ،وهذا القول وإ ن كان -
خالف قول الجمهور فإنه ال يبعد أن كانت الثالثة األشهر التي قبله كلها من تسعة وعشرين ،فتدبره ،
فإنه صحيح ،ولم أر أحداً تفطن له ،وقد رأيت للخوارزمى أنه توفي عليه السالم في أول يوم من ربيع
األول ،وهذا أقرب من القياس بما ذكره الطبري عن ابن الكلبى وأبي مخنف ( .عن الروض األنف
).
376
قال ابن إسحاق :وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ،عن القاسم ابن محمد أن رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال حين سمع تكبير عمر في الصالة :أين أبو بكر؟ يأبى اهلل ذلك
والمسلمون ،فلوال مقالة قالها عمر عند ،وفاته ،لم يشك المسلمون أن رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم قد استخلف أبا بكر ،؟ ولكنه قال عند وفاته :إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى،
وإ ن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ،فعرف الناس أن رسول " اهلل صلى اهلل عليه وسلم لم
غير متَّهم على أبي بكر.
عمر َ
يستخلف أحداً ،وكان ُ
قال ابن إسحاق :وحدثني أبو بكر بن عبد اهلل بن أي ُملَْيكة ،قال :لما كان يوم االثنين
خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ،وأبو بكر يصلى بالناس ،فلما
تفرج الناس ،فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ
إال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فنكص عن ُمصالَّه ،فدفع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ص ِّل بالناس ،وجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى َج ْنبه ،فصلى
في ظهره ،وقال َ :
قاعداً عن يمين أبي بكر ،فلما فرغ من الصالة أقبل على الناس ،فكلمهم رافعاً صوتَه ،حتى
ظلم خرج صوتُه من باب المسجد ،يقول :أيها الناسُ ،سعِّرت النار ،وأقبلت الفتن َك ِق َ
طع الليل الم ْ
حرم
القرآن ،ولم أحرم إال ما َّ
ُ علي بشىء إني لم أحل إال ما أحل ،وإ نى واللّه ما تَمسَّكون َّ
القران .
ُ
قال :فلما فرغ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من كالمه ،قال له أبو بكر :يا نبى اهلل إني
ٍ
بنعمة من اهلل وفضل كما تحب ،واليوم يوم بنت خارجة ،214أفاتيها؟ قال :نعم أراك قد أصبحت
؟ ثم دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالس ُّْنح .
بنت خارجة اسمها :حبيبة ،وقيل مليكة ،وخارجة هو ابن زيد بن أبو زهير ،وابن 214
شأن علي والعباس قبل وفاته :قال ابن إسحاق :قال الزهري :وحدثني عبد اهلل بن
علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه
كعب بن مالك ،عن عبد اهلل بن عباس ،قال :خرج يومئذ ّ
على الناس من عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال له الناس :يا أبا َح َس ًن ،كيف أصبح
رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال أصبح بحمد اهلل بارئاً ،قال :فأخذ العباس بيده ،ثم قال :
أحلف باللّه لقد عرفت الموت في وجه رسول اهلل ُ عبد العصا بعد ثالث ،
علي ،أنت واللّه ُ
يا ُّ
فانطلق بنا إلى رسول اهلل
ْ كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ،
صلى اهلل عليه وسلم ،كما ُ
أم ْرناه فأوصى بنا
صلى اهلل عليه وسلم ،فإن كان هذا األمر فينا عرفناه ،وإ ن كان في غيرناَ ،
الناس ،قال :فقال له على :إني واللّه ال أفعل ،واللّه لئن ُمنِ ْعناه ال ُي ْؤتيناه أحد بعده .
ُّحاء من ذلك اليوم .فتُوفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين اشتد الض ُ
سواك الرسول قبل وفاته :قال ابن إسحاق :وحدثني يعقوب ابن ُعتبة ،عن الزهري ،
إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في ذلك اليوم
عن ُعروة ،عن عائشة ،قال :قالت :رجع ّ
على رجل من ال أبي بكر ،وفى يده سواكطجع في حجري ،فدخل َّ فاض َ ِ
المسجدْ ، حين دخل من
أخضر .قالت :فنظر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه في يده نظراً عرفت أنه يريده قالت :
أعطيك هذا السواك ؟ قال :نعم ،قالت :فأخذته فمضغته له
َ فقلت :يا رسول اهلل ،أتُحب أن
حتى ليَّنته ،ثم أعطيته .إياه :قالت :فاستن به كأشد ما رأيته َي ْستَن بسواك قط ،ثم وضعه، 215
ووجدت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
215فيه من الفقه :التنظف والتطهر للموت ،ولذلك يستحب االستعداد لمن استشعر القتل أو الموت كما
فعل خبيب ،ألن الميت قادم على ربه كما أن المصلى مناج لربه فالنظافة من شأنهما ،وفي الحديث :
إن اهلل نظيف يحب النظافة ،خرجه الترمذي ،وإ ن كان معلول السنة ،فإن معناه صحيح ،وليس
النظيف من أسماء الرب ،ولكنه حسن في هذا الحديث ،الزدواج الكالم ولقرب معنى النظافة من
معنى القدس ،ومن أسمائه سبحانه :القدوس ،وكان السواك المذكور في هذا الحديث من عسيب نخل
فيما روي بعضهم ،والعرب تستاك بالعسيب ،وكان أحب السواك إلى رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم
صرع األراك ،واحدهما صريع وهو قضيب ينطوي من األراكة حتى يبلغ التراب ،فيبقى قي ظلها
فهو ألين من فرعها.
378
َيثُْقل في ِحجري ،فذهبت أنظر في وجهه ،فإذا بصره قد َش َخص ،وهو يقول :بل
فاخترت والذي بعثك بالحق .قالت :وقبض
َ يرت
الرفيق األعلى من الجنة،قالت :فقلت ُ :خ َ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
ابن إسحاق :وحدثني يحيى بن َعبَّاد بن عبد اهلل بن الزبير ،عن أبيه عباد ،قال :
قال ُ
بين 216
سمعت عائشة تقول :مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
216ومما روي من قول عائشة -رضى اهلل عنها -في معنى قولها :بين سحري ونحري ،أنها قالت :
قبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى قالحاقنة الثغرة ،والذاقنة :تحت الذقن ،ويقال
لها :النونة أيضاً ،وروي أيضاً :بين شجري -بالشين والجيم -ونحري ،وسئل عمارة بن عقيل عن
وغسل عليه السالم حين قبض من بئر لسعد بن
معناه ،ف ّشبك بين أصابع يديه ،وضمها إلى نحره ُ .
خيثمة يقال لها بئر الغرس .عن عائشة رضى اللَه عنها وغيرها من الصحابة أن النبي صلى اهلل عليه
وسلم لما قبض ،و ارتفعت الرنة وسجى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دهش الناس ،وطاشت
عقولهم وأفحموا ،واختلوا ،فمنهم من خبل ،ومنهم من أصت ،ومنهم من أقعد إلى األرض ،فكان عمر
ممن خبل ،وجعل يصيح ،ويحلف ما مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكان ممن أخرس عثمان
بن عفان حتى جعل ُيذهب به ويجاء ،وال يستطيع كالمأ ،وكان ممن أقعد :على ،رضى اهلل عنه ،فلم
يستطع حراكاً ،وأما عبد اهلل بن أنيس ،فأضنى حتى مات كمداً ،وبلغ الخبر أبا بكر رضى اللَه عنه ،
وهو بالسنح ،فجاء وعيناه تهمالن ،وزفراته تتردد في صدره ،وغصصه ترتفع ،وهو في ذلك
رضوان اهلل عليه ،جلد العقل والمقالة ،حتى دخل على
فأكب عليه ،وكشف وجهه ومسحه وقبل جبية وجعل يبكى ويقول :
ّ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
بأبي أنت وأمى طبت حيأ وميتأ ،وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من األنبياء من النبوة ،فعظمت
وخصصت حتى صرت مسالة ،وعممت حتى صرنا فيك سواء ،ولو
عن الصفة ،وجللت عن البكاءُ ،
أن موتك كان اختيارا ،لجدنا لموتك بالنفوس ،ولوال أنك نهيت عن البكاء ألنفدنا عليك ماء الشئون ،
اللهم أبلغه عنا ،اذكرنا يا محمد عند ربك ،ولنكن من بالك ،فلوال ما خلفت من السكينة ،لم نقم لما
خلفت من الوحشة ،اللهم أبلغ نبيك عنا ،واحفظه فينا .ثم خرج لما قضى الناس غمراتهم ،وقام خطيبا
فيهم بخطبة جلها الصالة على النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم وقال فيها :أشهد أن ال إله إال اهلل وحده
ال شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه ،وأشهد أن الكتاب كما نزل ،وأن الدين كما
شرع ،وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال ،وأن اهلل هو الحق المبين ،في كالم طويل .ثم قال
:أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ،ومن كان يعبد اهلل فإ ن اهلل حى لم يمت ،وأن اهلل
قد تقدم لكم في أمره ،فال تدعوه جزعاً ،وأن اهلل تبارك وتعالى قد اختار لنبيه عليه السالم ما عنده على
ما عندكم ،وقبضه إلى ثوابه ،وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه ،فمن أخذ بهما عرف ،ومن فرق بينهما
379
ين بِاْلِق ْس ِط } [النساء ]135 :وال يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم وال ِ
ونوا قَ َّوام َ
آمُنوا ُك ُ
ين َ
َِّ
أنكر { َياأَيُّهَا الذ َ
يلفتنكم عن دينكم ،وعاجلوا الشيطان بالخزي تُعجزوه ،وال تستنظروه فيلحق بكم .
فلما فرغ من خطبته ،قال :يا عمر أأنت الذي بلغنى عنك أنك تقول على باب نبي اهلل ،والذي نفس
عمر بيده :ما مات نبى اهلل ،أما علمت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال يوم كذا :كذا وكذا،
ِّت َوإِ َّنهُ ْم َميِّتُون } [الزمر ]30 :فقال عمر :واللّه لكأني لم أسمع وقال اهلل عز وجل في كتابه ِ { :إَّن َ
ك َمي ٌ
بها في كتاب اهلل تعالى قبل االن لما نزل بنا ،أشهد أن الكتاب كما نزل ،وأن الحديث كما حدث ،وأن
اللة تبارك وتعالى حى ال يموت ،إنا للّه وإ نا إليه راجعون ،صلوات اللَه .على رسوله ،وعند اهلل
نحتسب رسوله .ومن أحسن ما قيل :
ولكنما أبدي الذي قلته الجزع لعمري لقد أيقنت أنك ميت
كما غاب موسى ،ثم يرجع كما رجع وقلت يغيب الوحى عنا لفقده
وليس لحى في بقا ميت طمع وكان هواي أن تطول حياته
فلما كشفنا البرد عن ُحر وجهه إذا األمر بالجزير المرهب قد وقع
أرد بها أهل الشماتة والقذع فلم تك لى عند المصيبة حيلة
وما اذن اهلل العباد به يقع سوى ما آذن اهلل في كتابه
لها في حلوق الشامتين به بشع وقد قلت من بعد المقالة قولة
أجل وافى به الوقت فانقطع أال إ نمأ كان النبى محمد إلى
ونعطى الذي أعطى ،ونمنع ما منع ندين على العالت منا بدينه
اكفكف دمعى والفؤاد قد انصدع ووليت محزونا بعين سخينة
فجودي به إن الشجى له دفع وقلت لعينى :كل دمع ذخرته
380
َس ْحري ونحري وفى َد ْولتى ،لم أظلم فيه أحداً فمن سفهى وحداثة ِسني أن رسول اهلل صلى
مع 217
رأسه على وسادة ،وقمت .أْلتَدم
اهلل عليه وسلم قُبض وهو في حجري ،ثم وضعت َ
النساء ،وأضرب وجهي .
مقالة عمر بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :قال الزهري :وحدثني
سعيد بن المسيب ،عن أبي ُهريرة ،قال :لما توفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قام عمر بن
الخطاب ،فقال :إن رجاال من المنافقين يزعمون أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد تُوفى،
وإ ن رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم ما مات ،ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران
َّ
ليرجعن رسول اهلل ،فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ،ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ،وواللّه
َّ
فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول اهلل وسلم كما رجع موسى،
صلى اهلل عليه َ
صلى اهلل عليه وسلم قد مات .
شأن أبي بكر بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم :قال :وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب
المسجد حين بلغه الخبر ،وعمر يكلم الناس ،فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم في بيت عائشة ،ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُم َسجًّى في ناحية البيت ،
عليه ُب ْرد َحبِرة ،فأقبل حتى كشف عن وجه رسول اهلل صلى اهلل عليه ّ
وسلم .قال :ثم أقبل عليه
فقبَّله ،ثم قال :بأبي أنت وأمي ،أما الموتةُ التي كتب اهلل عليك فقد ُذقتها ،ثم لن تصيبك بعدها
الب ْرد على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ثم خرج وعمر يكلم الناس
موتةٌ أبدا .قال :ثم رد ُ
أنصت ،فأبى إال أن يتكلم ،فلما رآه أبو بكر ال ينصت أقبل على
ْ ،فقال :على ِر ْسلك يا عمر،
كالمه أقبلوا عليه وتركوا عمر ،فحمد اهلل ،وثنى عليه ثم قال :
الناس َ
الناس ،فلما سمع ُ
يعبد محمداً فإن محمدا قد مات ،ومن
أيها الناس ،إنه من كان ُ
217
.ألتدم :أضرب صدري
381
يموت .قال :ثم تال هذه االية { َو َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ
ت ُ كان يعبد اهلل فإن اهلل َحى ال
ض َّر اللَّهَ َش ْيًئا ِ ِ
ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي َُعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ
ات أ َْو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى أ ْ ِم ْن قَْبِل ِه ُّ
الر ُس ُل أَفَِإ ْين َم َ
وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ
ين } [آل عمران ]144 :قال :فواللّه لكأن الناس لم يعلموا أن هذه األية الشاك ِر َ ُ َ ََ
نزلت حتى تالها أبو بكر يومئذ؟ قال :وأخذها الناس عن أبي بكر ،فإنما هي في أفواههم ؟
وقال :فقال أبو هريرة :قال عمر :واللّه ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها ،فَ َع ِق ْر ُ
ت
218
رجالي ،وعرفت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد َ وقعت إلى األرض ما تحملنى
ُ حتى
218عقرت :دهشت فلم أستطع التقدم أو التأخر .حتى سقط إلى اآلرض ،يقال عقر الرجل إذا سقط إلى
وصوب ابن كيسان
َّ األرض من قامته ،وحكاه يعقوب عفر بالفاء كأنه من العفر وهو التراب ،
الروايتبن ،وقالت عائشة -رضى اهلل عنها -توفى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :فلو نزل بالجبال
الصم ما نزل بأبي لها منها ،ارتدت العرب وأشرأب النفاق وما كان من ثبات جأش أبي بكر وقوته في
ذلك المقام ،ففيه ما كان عليه الصديق رضى اهلل عنه من شدة التأله ،وتعلق القلب باإلله ،ولذلك قال
لهم :من كان يعبد محمدأ ،فإن محمداً قد مات ،ومن كان يعبد اهلل فإن اللَه حى ال يموت .ومن قوة
تألهه -رضي اهلل عنه -حين أجمع أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على رد جيش أسامة
حين رأوا الردة قد استعرت نارها ،وخافوا على نساء المدينة وذراريها ،فقال :واهلل لو لعبت الكالب
بخالخل نساء المدينة ،ما رددت جيشاً أنفذه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكلمه عمر وأبو عبيدة
وسالم مولى أبي حذيفة ،وكان أشد شىء عليه أن يخالف رأيه رأي سالم ،فكلموه أن يدع للعرب زكاة
ذلك العام تألفاً لهم حتى يتمكن له األمر ،فقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتألفهم ،وكلمه عمر
أن يتولى مكان أسامة من هو أسن منه ،وأجلد ،فأخذ بلحية عمر ،وقال له :يا ابن الخطاب أتأمرني أن
اكون أول حال عقداً عقده رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم واللّه ألن أخر من السماء إلى األرض ،
فتخطفنى اطلير أحب إ لى من أن أمالئكم على هذا الرأي ،وقال لهم :واهلل لو أفردت من جميعكم
شك أنتم إن وعد اهلل حق
لقاتلتهم وحدي حتى تنفرد سالفتى ،ولو منعونى عقاال ،لجاهدتهم عليه ،أو في ً
.وإ ن قوله لصدق ،وليظهرن اهلل هذا الدين ،ولو كره المشركون ثم خرج وحده إلى ذي القصة حتى
اتبعوه ،وسمع الصوت بين يديه في كل قبيلة أال إن الخليفة قد توجه إليكم الهرب الهرب ،حتى اتصل
الصوت من يومه ببالد حمير .وكذلك في اكثر أحواله رضى اهلل عنه ،كان يلوح الفرق في التأله بينة
وبين عمر رضى اهلل عنهما ،أال ترى إلى قوله حين قال النبي صلى اهلل عليه وسلم :سمعتك وأنت
تخفض من صوتك يعني في صالة الليل ،فقال :قد أسمعت من ناجيت ،وقال للفاروق :سمعتك وأنت
ترفع من صوتك ،فقال :كى أطرد الشيطان ،وأوقظ الوسنان .فلينظر إلى فضل الصديق على
الفاروق ،هذا في مقام المجاهدة ،وهذا في بساط المشاهدة ،وكذلك ما كان منه يوم بدر ،وقد ذكرنا
مقالته للنبى عليه السالم ذلك اليوم ،وهو معه في العريش ،وكذلك في أمر الصدقة حين رغب رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيها ،فجاء عمر بنصف ماله ،وجاء الصديق بجميع ماله ،فقال له النبي عليه
382
مات .
السالم :ما أبقيت ألهلك ؟ قال :اهلل ورسوله ،وكذلك فعله في قسم الفىء حين سوى بين المسلمين ،
وقال :هم إخوة ،أبوهم اإلسالم ،فهم في هذا الفىء أسوة ،وأجور أهل السوابق على اهلل .وفضل عمر
في قسم الفىء بعضهم على بعض على حسب سوابقهم ،ثم قال في آخر عمره :لئن بقيت إلى قابل
ألسوين بين الناس ،وأراد الرجوع إلى رأي أبي بكر ،ذكره أبو عبيد رضى اهلل عنه ،وعن جميع
أصحاب رسول اللة صلى اهلل عليه وسلم .
383
ألبي بكر :انطلق بنا إلى إخوانِنا هؤالء من األنصار ،حتى ننظر ما هم عليه قال ابن
إسحاق :وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها األنصار ،أن عبد اهلل بن أبي بكر ،حدثني
عن ابن شهاب الزهري ،عن ُعبيد اهلل بن عبد اهلل بن ُعتبة بن مسعود ،عن عبد اهلل بن عباس ،
قال :أخبرني عبد الرحمن بن عوف ،قال :وكنت في منزله بمنى أنتظره ،وهو عند عمر في
اخر حجة حجها عمر ،قال :فرجع عبد الرحمن ابن عوف من عند عمر ،فوجدنى في منزله
بمنى أنتظره ،وكنت أقرئه القران ،قال ابن عباس :فقال لى عبد الرحمن بن عوف :لو رأيت
رجال أتى أمير المؤمنين ،فقال :يا أمير المؤمنين ،هل لك في فالن
يقول :واللّه لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فالنا ،واللّه ما كانت بيعة أبي بكر إال
َفْلتة فتمت .
قال :فغضب عمر ،فقال :إني إن شاء اهلل لقائم العشية في الناس ،فمحذرهم هؤالء الذين
أمرهم .
يريدون أن يغصبوهم َ
قال عبد الرحمن :فقلت :يا أمير المؤمنين ال تفعل ،فإن الموسم يجمع رعاع الناس
وغوغاءهم ،وإ نهم هم الذين يغلبون على قُربك ،حين تقومفى الناس ،وإ نى أخشى أن تقوم
َ
فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ،وال َيعوها وال يضعوها على مواضعها فأمهل حتى
تقدم المدينة فإنها دار السُّنة ،وتخلص بأهل الثقة وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا،
فيعى أه ُل الفقه مقالتك ،ويضعوها على مواضعها.
أول مقام أقومه بالمدينة .
قال :فقال عمر :أما واللّه إن شاء اهلل ألقومن بذلك َ
عمر يذكر البيعة ألبي بكر :قال ابن عباس :فقدمنا المدينةَ في عقب ذي الحجة ،فلما كان
الرواح حين زالت
يوم الجمعة عجلت َّ
385
الشمس ،فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن ُنفَيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس
ركبتى ركبته ،فلم ْأن َشب أن خرج عمر بن الخطاب ،فلما رأيته مقبال ،قلت لسعيد بن زيد:
علي سعيد بن َّ
لقولن العشيةَ على هذا المنبر مقالةً لم يقلها منذ استُخلف ،قال :فأنكر َّ
زيد ذلك ،وقال :ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله .
فجلس عمر على المنبر ،فلما سكت المؤذنون ،قام فأثنى على اهلل بما هو أهل له .،ثم قال
يدي أجلي ،فمن
:أما بعد ،فإنى قائل لكم اليوم مقالةً قد قُدر لى أن أقولها ،وال أدري لعلها بين ْ
عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلتُه ،ومن خشي أن ال يعيها فال يحل
علي .
ألحد أن يكذب َّ
الر ْجم ،فقرأناها
الكتاب ،فكان مما أنزل عليه آية َّ
َ إن اهلل بعث محمداً ،وأنزل عليه
وعلمناها ووعيناها ،ورجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورجمنا بعده ،فأخشى إن طال
الرجم في كتاب اهلل ،فيضلوا بترك فريضة أنزلها اهلل ،
َ بالناس زمان يقول قائل :واللّه ما نجد
زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ،وإ ذا قامت البينة ،أو
حق على من َ وإ ن الرجم في كتاب اهلل ٌّ
كان الحبل أو االعتراف .
ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اهلل " :ال ترغبوا عن ابائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا
عن ابائكم ".
أال إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال " :ال تطرونى كما أطري عيسى ابن مريم ،
عبد اهلل ورسوله ".
وقولواُ :
يغرن
بايعت فالنا ،فال َّ
ُ عمر بن الخطاب لقد
ثم إنه قد بلغني أن فالنا قال :واللّه لو قد مات ُ
امرءاً أن يقول :إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ،وإ نها قد كانت كذلك ،إال أن اهلل قد وقى
شرها ،وليس
َّ
386
فيكم من تنقطع األعناق إليه مثل أبي بكر ،فمن بايع رجال عن غير مشورة من المسلمين ،
فإنه ال بيعة له هو وال الذي بايعه تَ ِغ َّرةً أن يقتال .إنه كان من خبرنا حين تُوفى اهلل .نبيه صلى
علي
اهلل عليه وسلم أن األنصار خالفونا ،فاجتمعوا بأ شرافهم في سقيفة بني ساعدة ،وتخلف عنا ّ
بن أي طالب ،والزبير بن العوام ،ومن معهما ،واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ،فقلت ألبى
بكر :انطلق بنا إلى أخواننا هؤالء من األنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجالن صالحان
إخواننا
َ فذكرا لنا ما تماأل عليه القوم ،وقال :أين تريدون يا معشر المهاجرين ،قلنا :نريد
أمركم .قال :
هؤالء من األنصار ،قاال :فال عليكم أال تقربوهم يا معشر المهاجرين ،اقضوا َ
قلت :واللّه لنأتينهم .فانطلقنا حتىأتيناهم في سقيفة بني ساعدة ،فإذا بين ظهرانيهم رجل ُم َز َّمل
فقلت :من هذا؟ فقالوا :سعد بن عبادة ،فقلت :ما له ؟ فقالوا :وجع .فلما جلسنا تشهد خطيبهم
فنحن أنصار اهلل وكتيبة اإلسالم ،وأنتم يا
،فأثنى على اهلل بما هو له أهل ،ثم قال :أما بعدُ ،
معشر المهاجرين رهط منا ،وقد دفَّت دافَّة 219من قومكم ،قال :وإ ذا هم يريدون أن يجتازونا
األمر.
من أصلنا ،ويغصبونا َ
في نفسي مغالةً قد أعجبتنى ،أريد أن أقدمها ت
أتكلم ،وقد َز َّو ْر ُ
220
فلما سكت أردت أن َ
الح ِّد ، 221فقال أبو بكر :على ِر ْسلك يا عمر ،فكرهت
بعض َبين يدي أبي بكر ،وكنت أداري منه َ
أن أغضبه ،فتكلم ،وهو كان أعلم منى وأوقر .فواللّه ما ترك من كلمة أعجبتنى من تزويري
إال قالها في بديهته ،أو مثلها أو أفضل ،حتى سكت .
219
.الدافة :اجلماعة من الناس تأيت من بلد إىل بلد
220
.زورت :أعددت
221
.احلد :احلدة اليت كان يتصف هبا عمر رضى اهلل عنه
387
ط
االختالف ،فقلت :ابس ْ
َ ت
تخو ْف ُ
األصوات ،حتى َّ
ُ اللغطُ ،وارتفعت
معشر قريش .قال :فكثر َ
يدك يا أبا بكر . ،فبسط يده ،فبايعته ،ثم بايعه المهاجرون ،ثم بايعه األنصار ،ونزونا 224على
َ
بن عبادة .
سعد َ
بن عبادة .قال فقلت :قتل اهلل َ
سعد َ
َ سعد بن ُعبادة ،فقال قائل منهم :قتلتم
قال ابن إسحاق :قال الزهري أخبرني ُعروة بن الزبير أن أحد الرجلين اللذين لَقَوا من
ألع ْجالن
األنصار حين ذهبوا إلى السقيفةُ :ع َو ْيم بن ساعدة ،واالخر َم ْعن بن عدي ،أخو بني َ
فأما ُع َويم بن ساعدة ،فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من الذين قال اهلل
عز وجل لهم :
َّ طهَُّروا َواللَّهُ ُي ِح ُّ ِ ِِ
ين } [التوبة ]108 :فقال رسول اهلل ب اْل ُمطهِّ ِر َ َن َيتَ َ { فيه ِر َجا ٌل ُيحب َ
ُّون أ ْ
صلى اهلل عليه وسلم :نعم المرء منهم ُع َويم بن ساعدة .وأما َم ْعن بن عدي ،فبلغنا أن الناس
بكوا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين توفاه اهلل عز وجل ،وقالوا :واللّه لوددنا أنا متنا
ي: ِ
قبله إنا نخشى أن ُنفتتن بعده .قال َم ْعن بن َعد ّ
222
.اجلذيل :تصغري جذل .عود من احلطب يف مربك اإلبل حتتك به فتسرتيح
223
.العذيق :تصغري عذق النخلة .واملرجب :من الرتجيب وهو بناء يساعده لكثرة محله
224
.نزونا :وثبنا
388
خطبة عمر بعد البيعة ألبي بكر :قال ابن إسحاق :وحدثني الزهري ،قال :حدثني ُ
أنس
الغد ،جلس أبو بكر على المنبر ،فقام عمر،
بن مالك ،قال :لما ُبويع أبو بكر في السقيفة وكان ُ
فتكلم قبل أبي بكر ،فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو أهله ،ثم قال :أيها الناس .،إني
إلى
قلت لكم أمس مقالة ما كانت مما وجدتُها في كتاب اهلل ،وال كانت عهداً عهد َّ
كنت ُ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ولكنى قد كنت أرى
آخرنا ،وإ ن اهلل قد ،أبقى
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سيدبر أمرنا ،يقول :يكون َ
كتابه الذي به َهدى اهلل رسولَه صلى اهلل عليه وسلم ،فإن اعتصمتم به هداكم اهلل لما كان
فيكم َ
صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وثانىِ أمركم على ِ
خيركم ، هداه له ،وإ ن اهلل قد جمع َ
اثنين إذ هما في الغار ،فقوموا فبايعوه ،فبايع الناس أبا بكر بيعةَ العامة ،بعد ِ
بيعة السقيفة . ُ
ُخطبة أبي بكر بعد البيعة :فتكلم أبو بكر ،فحمد اهلل ،وأثنى عليه بالذي هو أهله ،ثم قال
أسأت
ُ أحسنت فأعينوني ،وإ ن
ُ ولست ِ
بخيركم ،فان ُ بعد أيها الناس ،فإنى قد ُوليت عليكم
،أما ُ
قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن
والضعيف فيكم ّ
ُ ذب خيانة،
الصدق أمانة ،وال َك ُ
ُ فقَ ِّوموني،
الجهاد في
َ شاء اهلل ،والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخ َذ َّ
الحق منه إن شاء اهلل ،ال يدعُ قوم
سبيل اهلل إال ضربهم اهلل ِّ
بالذل ،وال تشيعُ الفاحشةُ في قوم قط إال َع َّمهم اهلل بالبالء ،أطيعوني ما
عصيت اهلل ورسولَه فال طاعة لي عليكم .
ُ أطعت اهلل ورسولَه ،فإذا
ُ
قوموا إلى صالتكم يرحمكم اهلل .
قال ابن إسحاق :وحدثني ُحسين بن عبد اهلل ،عن ِعكرمة ،عن
389
ابن عباس ،قال :واللّه إني ألمشى مع عمر في خالفته وهو عامد إلى حاجة له ،وفي
وح ِش َّي 225قدمه ِبد َّرته ،قال :إذا نفسه ،ويضرب ْ الد ّرة ،وما معه غيري ،قال وهو يحدث َ يده ِّ
إلى ،فقال :يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتى التي ُقلت حين تُوفى التفت َّ
.رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؟ قال :قلت :ال أدري يا أمير المؤمنين ،أنت أعلم ،
قال :فإنه واللّه إن كان الذي حملنى على ذلك إال إني كنت أقرأ هذه اآليِة َ { :و َك َذِل َ
ك َج َعْلَنا ُك ْم
يدا } [البقرة ،]144 :فواللّه ، الر ُسو ُل َعلَْي ُك ْم َش ِه ً
ون َّ الن ِ
اس َوَي ُك َ اء َعلَى َّ طا ِلتَ ُك ُ
ونوا ُشهَ َد َ ُمةً َو َس ً
أ َّ
إن كنت ألظن أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها باخر
قلت .
قلت ما ُ
أعمالها ،فإنه للذي حملني على أن ُ
جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ودفنه
من تولى غسله صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :فلما ُبويع أبو بكر
يوم الثالثاء، ِ
رضى اهلل عنه ،أقبل الناس على جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ
وحسين بن عبد اهلل وغيرهما من أصحابنا:
فحدثني عبد اهلل بن أبي بكر ُ
علي بن أي طالب ،والعباس بن عبد المطلب ،والفضل بن العباس . ،وقُثَم بن
أن ّ
العباس ،وأسامة بن زيد ،و ُش ْقران مولى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،هم الذين َولُوا غسلَه
،وأن ْأوس بن َخ ْوِل ٍّى ،أحد بني َع ْوف بن الخزرج ،قال لعلي بن أبي طالب :أن ُش ُدك اهلل يا
على وحظَّنا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وكان ْأوس من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل ُّ
خل ،
عليه وسلم وأهل بدر ،قال ْ :اد ْ
225
.وحشى :خارج
390
وكلهم سمع الصوت ،ولم ير الشخص ،وذلك من كراماته صلى اهلل عليه وسلم ،ومن آيات نبوته 226
بعد الموت ،فقد كان له عليه السالم معجزات في حياته ،وإ رهاصات قبل مولده وكرامات بعد موته ،
ومنها ما رواه أبو عمر رحمه اهلل في التمهيد من طرق صحاح :أن أهل بيته سمعوا وهو مسجى بينهم
قائال يقول :السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته يا أهل البيت ،إن في اهلل عوضاً من كل تالف ،وخلفاً
من كل هالك ،وعزاء من كل مصيبة ،فاصبروا واحتسبوا ،إن ،اهلل مع الصابرين ،وهو حسبنا ،ونعم
الوكيل .ومن ذلك أيضاً أن الفضل بن عباس كان يغسله هو وعلى ،فجعل الفضل وهو يصب الماء
يقول :أرحنى أرحنى ،فإنى أجد شيئاً يتنزل على ظهري .ومنها أنه عليه السالم لم يظهر منه شىء
مما يظهر من الموتى ،وال تغيرت له رائحة ،وقد طال مكثه في البيت .قبل أن ُيدفن ،وكان موته في
شهر سبتمبر " أيلول " ،فكان طيباً حياً وميتاً .وروى يونس بن بكير في السيرة أن أم سلمة قالت :
وضعت يدي على صدر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو ميت فمرت على جمع ال آكل وال أتوضأ
إال وجدت ريح المسك من يدي ،وفي روايته أيضا :أن علياً نودي ،وهو يغسله أن ارفع طرفك إلى
السماء.
391
قالت :فقاموا إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فغسَّلوه وعليه قميصه ،يصبون الماء
فوق القميص ،ويدلكونه والقميص دون أيديهم .
تكفينه صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :فلما فُرغ من غسل رسول اهلل صلى اهلل
وب ْرد َحبرة ،أدرج فيها إدراجا ،كما
ُ
227
ص َح ِاريين ٍ
أثواب ،ثوبين ُ فن في ثالثة
عليه وسلم ُك َ
علي بن الحسين ،والزهري ،
الحسين ،عن أبيه ،عن َجده ّ
علي بن ُ
حدثني جعفر بن محمد بن ّ
علي بن الحسين. 228
عن ّ
قبره صلى اهلل عليه وسلم :قال ابن إسحاق :وحدثني ُحسين بن عبد اهلل ،عن ِعكرمة،
عن ابن عباس ،قال :لما أرادوا أن يحفروا لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وكان أبو ُعبيدة
كحفر أهل مكة ،وكان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذي يحفر ألهل 229
ض َرح
بن الجراح َي ْ
المدينة ،يلحد ،فدعا العباس رجلين ،فقال ألحدهما :اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ،ولالخر
صاحب أبي طلحة أبا
ُ اذهب إلى أبي طلحة ،اللهم ِخ ْر لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فوجد
طلحة ،فجاء به ،فلحد لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
الصالة عليه ودفنه صلى اهلل عليه وسلم :فلما فُرغ من جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه
يوم الثالثاءُ ،وضع في سريره في بيته ،وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه .فقال قائل :
وسلم َ
ندفنه في مسجده ،وقال قائل :بل ندفنه مع أصحابه ،فقال أبو بكر :إني سمعت رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ،يقول :ما قُبض نبى إال
227
.صحاريني :نسبة إىل صحار .مدينة باليمن
وأما االختالف في كفنه عليه السالم وعدد أثوابه وفي الذين أدخلوه قبره ونزلوا فيه :فكثير، 228
وأصح ما روي في كفنه أنه كفن في ثالثة أثواب بيض سحولية ،وكانت تلك األثواب من كرسف " قطن
" وكذلك قميصه عليه السالم كان من قطن ،ووقع في السيرة من غير رواية البكائى أنها كانت إزاراً
ورداء ،ولفافة ،وهو موجود في كتب الحديث وفى الشروح ،وكانت اللبن التي نصبت عليه في قبره
تسع لبنات .
229
.يضرح :يشق األرض ليجعلها ضرحيا
392
فحفر
فرفع فراش رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي تُوفي عليه ُ ،
ُدفن حيث ُيقبض ُ .
له تحته ،ثم دخل الناس على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلون عليه ْأرساال،
دخل الرجال ،حتى إذا فرغوا أدخل النساء ،حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان .ولم َي ُؤم
أحد. 230
الناس على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ٌ
َ
ثم ُدفن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من وسط الليل ليلة األربعاء.
قال ابن إسحاق :وحدثني عبد اهلل بن أبي بكر ،عن امرأته فاطمة
ذكر ابن إسحاق وغيره :أن المسلمين صلوا عليه أفذاذاً ،ال يؤمهم أحد ،كلما جاءت طائفة صلت 230
عليه ،وهذا خصوص به صلى اهلل عليه وسلم وال يكون هذا الفعل إال عن توقيف ،وكذلك روى أنه
أوصى بذلك ،ذكره الطبري مسنداً ،ووجه الفقه فيه أن اهلل تبارك وتعالى افترض الصالة عليه بقوله
يما } [األحزاب ،]56 :وكل هذه الصالة التي تضمنتها االية أال تكون بإمام ، ِ ِ ِّ { ُّ
صلوا َعلَ ْيه َو َسل ُموا تَ ْسل ًَ
والصالة عليه عند موته داخلة في لفظ االية وهي متناولة لها ،وللصالة عليه على كل حال ،وأيضا فإ
ن الرب تبارك وتعالى ،قد أخبر أنه يصلى عليه ومالئكته ،فإذا كان الرب تعالى هو المصلى والمالئكة
قبل المؤمنين ،وجب أن تكون صالة المؤمنين تبعاً لصالة المالئكة ،وأن تكون المالئكة هم اإلمام .
والحديث المذكور عن الطبري فيه طول ،وقد رواه البزار أيضا من طريق مرة عن ابن مسعود ،وفيه
أنه حين جمع أهله في بيت عائشة -رضى اللة عنها – أنهم قالوا :فمن يصلى عليك يا رسول اهلل ؟
قال فهال غفر لكم وجزاكم عن نبيكم خيراً ،فبكينا وبكى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال :إذا
غسلتمونى ،وكفنتمونى ،فضعونى على سريري في بيتى هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة،
فإن أول من يصلى على جليسي وخليلي جبريل ،ثم ميكائيل ،ثم إسرافيل ،ثم ملك الموت مع جنوده ،
على وسلموا تسليما ،وال تؤذوني بتزكية،
ثم المالئكة بأجمعها ،ثم ادخلوا على فوجا بعد فوج ،فصلوا َّ
على رجال بيتى ثم نساؤهم ،وأنتم بعد أقرءوا أنفسكم السالم مني ،
وال ضجة ،وال رنة وليبدأ بالصالة َّ
ومن غاب من أصحابى فأقرءوه مني السالم ،ومن تابعكم بعدي على دينى ،فاقرءوه مني السالم ،فإنى
أشهدكم أني قد سلمت على من تابعنى على دينى من اليوم إلى يوم القيامة ،قلت :فمن يدخلك قبرك يا
رسول اهلل ؟ قال :أهلى مع مألئكة كثير يرونكم من حيث ال ترونهم .
393
بنت عمارة ،عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ،عن عائشة رضى اهلل
عنها :جوف الليل من ليلة األربعاء.
من تولى دفنه صلى اهلل عليه وسلم :وكان الذين نزلوا في قبر رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم .
مولى رسول اهلل 231
علي بن أبي طالب والفض ُل بن عباس ،وقُثَم بن عباس ،و ُش ْقران
ّ
صلى اهلل عليه وسلم .
وقد قال أوس بن َخ ْولي لعلي بن أبي طالب :يا علي ،أن ُش ُدك اهلل ،وحظَّنا من رسول اهلل
انزل ،فنزل مع القوم ،وقد كان مواله ُش ْقران حين وضع
صلى اهلل عليه وسلم ،فقال له ْ :
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في ُحفرته وبنى عليه قد أخذ قطيفة ،وقد كان رسول اهلل صلى
بعدك أبداً.
أحد َ
اهلل عليه وسلم يلبسها ويفترشها ،فدفنها في القبر ،وقال :واللّه ال يلبسها ٌ
قال :فدفنت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
أحدث الناس عهداً به صلى اهلل عليه وسلم :وقد كان المغيرة بن ُشعبة ُي ْد َعي أنه أحدث
الناس عهداً برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :أخذت خاتمى ،فألقيته في القبر ،وقلت :إن
أحدث
َ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فأكون
َ خاتمي سقط مني ،وإ نما طرحتُه عمداً ألمس
الناس عهداً به صلى اهلل عليه وسلم .
بن يسار ،عن ِم ْقسم أبي القاسم ،مولى عبد اهلل
إسحاق ُ
ُ قال ابن إسحاق :فحدثني أبي :
علي بن أبي طالب
بن الحارث بن نوفل ،عن مواله عبد اهلل بن الحارث ،قال :اعتمرت مع ّ
رضوان اهلل عليه في زمان ُعمر أو زمان عثمان ،فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ،
فسكب له ُغسل ،فاغتسل ،فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من
فلما فرغ من عمرته رجع ُ
أهل العراق ،فقالوا :يا أبا الحسن ،جئنا نسألك عن أمر
231
.وامسه :صاحل ،وشهد بدراً ،وهو عبد قبل أن يعتق ،فلم يسهم له ،انقرض عقبه فال عقب له
394
232
.قال أبو هريرة :لوال أبو بكر هللكت 2أمة حممد عليه السالم بعد نبيها
233
.كان عتاب واىل مكة
395
فحمد اهلل ،وأثنى عليه ،ثم ذكر وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وقال :إن ذلك لم
َي ِزد اإلسالم إال قوة فمن رابنا ضربنا ُعنقَه ،فتراجع الناس وكفوا عما َه ُّموا به ،وظهر َعتَّاب
بن ِ
أسيد.
فهذا المقام الذي أراد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب :
تذمه .
إنهعسى أن يقوم مقاماً ال ُّ
شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول :وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم فيما حدثنما ابن هشام ،عن أبي زيد األنصاري :
الرسوم وتَ ْه ُم ُد ُمنيروقد تَعفُو وم ْعهَ ُد ِ
ط ْيبةَ َر ْس ٌم للرسول َ
بَ
234
ُ
دار ح ٍ
ص َعد
منبر الهادي الذي كان َي ْ بها ُ رمة االيات من ِ ُ ُ وال تمتحى
ومسجد
ُ صلَّى
ور ْبعٌ له فيه ُم َ َ
اثار وباقى م ٍ
عالم َ وواضح ٍ
ُ
وقد
وي ُ ستضاء ُ
ُ من اهلل نور ُي طها حجرات كان ينز ُل َو ْس َ ٌ بها
فاآلي منها تَ َج َّد ُد معارف لم تطمس على ِ
العهد آيها أتاها البِلَى ُ
ُ ْ
التر ِب ُمْل ِح ُد وعهده وقبراً بها واراهُ في ْ َ ِ
الرسول رسم
عرفت بها َ
ُ
235
سعد
الجفن تُ ُ ِ فأسعدت عيون ومثالها ِم َنْ الرسول
َ ظللت بها أبكى
ُ
صياً نفسي فنفسى تََبلَّ ُد لها م ْح ِ
ُ
ِ
الرسول وما َأرى آالء
كر َن َ ُي َذ ْ
ِ
الرسول تُ َع ِّد ُد اِل ِ
الء َّعةً قد َشفَّهافَ ْق ُدأحمد فظلَّت
ُمفَج َ
236
237
َّد
ولكن لنفسى َب ْع ُدما قد تََوج َ
ْ عشيرهُ كل ٍ
أمر بلغت من ِّ وما ْ
َ
أحمد
القبر الذي فيه ُ طلَ ِل ِ أطالت وقوفاً تَ ْذ ِرفطُ َ
العين ُج ْه َدها على َ ْ
المس َّد ُد ِ
الرشيد َ
ُ بالد ثََوى فيها
ٌ وبوركت
ْ الرسول قبر
ت يا َ فبور ْك َ
234
.الرسم :ما بقي من آثار الديار .تعفو :تدرس .هتمد :تبلى
235
.أسعدت :أعانت
236
.شفها :أضعفها
237
.عشريه :عُشره .توجد :من الوجد وهو احلزن
396
238
َّد
صفيح ُمَنض ُ
ٍ بناء من عليه ٌ طيِّباً
ض ِّم َن َ
ورك لَ ْح ٌد منك ُ وب َ ُ
ٍ
أس ُع ُد
غارت بذلك ْْ عليه وقد وأعي ٌن
رب أ يد ُ تَهي ُل عليه التُّ َ
َع ِشيةَ َعلَّ ْوهُ الثََّرى ال ُي َوس ُ
َّد وعلماً ورحمة لقد َغيَّبوا ِحلماً ِ
ض ُد
وأع ُ
ظهور ْ ٌ وهنت منهم وقد َ بحزن ليس فيهم نبيُّهم ٍ وراحوا
فالناس أ ْكمد
ُ األرض
ُ ومن قد بكته يومه
السموات َ ُ ون من تبكى ُيّب ُّك َ
محمد؟! يوم مات فيه ت يوماً ر ِزَّيةُ ٍ
ُ رزيةَ ً هالك َ وهل َع َدلَ ْ
ِ 239
وي ْنجد وقدكان ذا ٍ طع فيه ِ تقَ َّ
نور يغور ُ عنهم
الوحى ُ منز ُل ْ
وي ْر ِش ُد.
وينق ُذ من َه ْو ِل الخزايا ُ ُ الرحمن من يقتَدي به ِ يدل على ُّ
ق إن ُيطيعوه ُي ْس َع ُدوا الحق جاهداً سلِّم ِ
ص ْد ٍ َّ يهديهم إمام لهم
ُُ ُ ٌ
أجود ِ
بالخير عفٌُّو عن َّ ِ
ُ وإ ن ُيحسنوا فاللّهُ ذرهم الزالت َيقب ُل ُع َ َ
تيسير ما َّ
يتشد ُد فمن ِ
عنده ِ وإ ن ناب أمر لم يقوموا ِ
بحمله
ُ ٌ
صد ِ فبيناهم في ِ
دلي ٌل به َنهج الطريقة ُي ْق َ نعمة اهلل بينهم ُ
ويهتدوا
ُ حريص على أن يستقيموا ٌ عزيز عليه أن َيجوروا عن الهُ َدى ٌ
ٍ
ويمهَ ُد إلى َكَنف يحنوعليهم َ الي ِّثني َج َ
ناحه عطوف عليهم ُ
240
ٌ
ِ 241 ِ
الموت ُمقص ُد نورهم سهَ ٌم من إلى ِ فبينا ُه ُم في ذلك ِ
النور إذ غدا
حمد
وي ُ ِ
فأصبح محموداً إلى اهلل راجعاً ُيبكيه حتى المرسالت ُ
242
لغ ْي ِ
هد
بة ما كانت من الوحى تُ ْع ُ َ الح ْرِم َو ْحشاً ُ
بقاعها بالد ُ
وأمست ُ
ْ
243
وغرقَ ُد فقيد ُيَبكينه َبالطٌ
ٌ ِقفاراً سوى معمور ِة ِ
اللحد ضافَها
ْ
وم ْق َع ُد . فالموحشات ِ
قام َ الء له فيه َم ٌ َخ ٌ لفقده ُ سجده
وم ُ َ
238
.الصفيح :احلجارة .منضد :بعضه فوق بعض
239
.يغور :من الغور وهو ما اخنفض من األرض .وينجد من النجد :وهو ما ارتفع من األرض
240
.الكشف :اجلانب
241
.مقصد :مصيب :اسم فاعل من أقصد
242
.املر سالت :املالئكة
243
.ضافها :نزل هبا .البالط :ما استوى من األرض .الغرقد :نوع من الشجر
397
لد
وم ْو ُ
ور ْبعٌ َ ات َص ٌوع ْر َ
ديار َ وبالجمر ِة الكبرى له ثََّم ْأو َح َش ْ
ت
دمعك َي ْج َم ُد ِّ
الدهر ُ
َ أعرفنك
ْ وال عين َعبرةًرسول اهلل يا ُ
َ فبكى
ِ
الناس منهاسابغ ُيتَ َغ َّم ُد على الن ِ
عمة التي التبكين ذا ِّ وم ِ
الك
َ َ
يوج ُد ِ ال فجودي عليه بالدموع ِ
الدهر َ لفقد الذي المثلُه َ وأعولى
والمثلُه حتى القيامةَ ُيفقَ ُد ٍ
محمد مثل
ومافقدالماضون َ
َّ 244
وأقرب منه نائالً ال ُيَنك ُد
َ بعد ِذمة
وأوفَى ذمةً َ
ف ْ أع َّ
َ
245
ضن ِم ْعطاء بماكان ُي ْتلَ ُد إذا َّ وتال ٍد
للطريف ِ
ِ وأبذ َل منه
طحياً ُي َس َّو ُد، 246 وأكرم َج ًّدا أب َ انتمى ِ
البيوت إذا وأكرم صيتأ في
َ َ
دعائم ِعزشاهقات تُشي ُ
َّد العال ِ
وأمنع ذروات وأثبت في ُ
247
َ
248
يد
أغ ُ
فالعود ْ
ُ الم ْز َن
وعوداً َغذاهُ ُ
ُ وم ْنَبتا
الفروع َ
ِ وأثبت فرعاً في
َ
َّد ِ
الخيرات َرب ُممج ُ ِ
اكرم تمامه على
فاستتم ُ
َّ َرباه وليداً
249
الرأي ُي ْفَن ُد
ُ العلم محبوس وال
فال ُ تناهت َوصاةُ المسلمين بكفِّه
ْ
250 عازب ِ
العقل ُم ْب َع ُد ُ عائب
ٌ ِ
الناس إال
لقولي من
أقول وال ُيْلقَى
َ
الخْل ِد ْ
أخلُ ُد جنة ُلعلِّى به في ِ
هواي نازعاً عن ثنائِه
َ وليس
وأجهَ ُد
أسعى ْ مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي ِ
نيل ذاك ِ
اليوم َ َ
وقال حسان بن ثابت أيضا ،يبكى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :
األر َم ِد ِ
ت ماقيها ب ُكحل ُْك ِحلَ ْ تنام كأنما
ما با ُل عينك ال ُ
بع ِد
خير من وطىء الحصى التَ َ المهدي أصبح ثَاوياً يا َ
ِّ جزعاً على
244
.ال ينكد :ال يكدر
245
.الطريف :ما استحدث من املال .التالد :املال املوروث .يتلد :يكتسب قدميا
246
.الصيت :الذكر احلسن .األبطحي :املنسوب إىل أبطح مكة
247
.الذروات :األعاىل
248
.املزن :السحاب .أغيد :ناعم
249
.يفند :خيطأ
250
.عازب العقل :بعيد العقل غائبه
398
الغ ْرقَِد
بقيع َ
يبت قبلَك في ِ
ُغ ُ لهفي ليتنى وجهي يقيك التُّْر َ
ب َ
251
251
.بقيع الغرقد :مدافن أهل املدينة
252
.صبحت سم األسود :أى سقيت صباحاً سم األسود ،واألسود نوع من احليات
253
.الضرائب :الطبائع .احملتد :األصل
254
.تثىن :تبعد
255
.واللّه أمسع :أي واللَه ال أمسع
256
.يريد :بولدنا ،أن أخوال والد الرسول صلى اهلل عليه وسلم من بىن النجار
399
257
عنهم َس َح َرا
النبى تولى ُ
مع ِّ الخير فارقَهم المساكين أن َ َ بَن ِّ
ط َرا
ورزق أهلى إذا لم ُيؤنسوا الم َ ُ رحلى وراحلتى من ذا الذي عنده ْ
258
القول أو َع َثرا اللسان َعتَا في ِ أم من نعاتب ال نخشى ج ِ
ناد َعه إذ
ُ َ
والبصرا
َ السمع
َ بعد االله وكان َ نتبعه
النور ُ الضياء وكان َ َ كان
المد َرا
وغيَّبوه وألقَ ْوا فوقَه َ بمْل ِح ِده
يوم واروه ُ فليتنا َ
كرا
بعده أنثى وال َذ َ ولم َي ِع ْش َ بعده أحداً يترك اهلل منا َ لم ِ
امر اهلل قد قُِدرا وكان أمراً من ِ النجار كلِّهم
ِ رقاب بني
ُ تُذلَّ ْ
بينهم َه َد َرا وبددوه ِجهاراً َ َّ الناس كلِّهم
ِ دون
الفىء َ ُ واقتُسم
وقال حسان بن ثابت يبكى رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيضاً:
ِ 259 ِ
رغير إ ْفنادمنى ألَّيةَ َب َ الناس ُمجتهداً ِ جميع
ِ اليت مافي
ُ
األمة ِ
الهادي نبي ِ ِ
الرسول ِّ ِ
مثل ت
ض َع ْ
تاللّه ما حملت أنثى وال َو َ
ِ
بميعاد أوفى ِ
بذمة جار أو وال َب َرا اهلل خلقاً من بريتِه
ْ
عدل وإ ِ
رشاد األمر ذا ٍ ُمبارك ِ ضاء به
من الذي كان قينا ُيستَ ُ
ِ
بأوتاد فوق قَفا ستْر ض ِر ْبن َ فما َي ْ البيوت
َ أمسى نساؤك َعطَّْل َن
260
النعمة الباديِ بعد ِ
بالبؤس َ َّ
أيقن المباذل قد
َ يلبسن ِ
الرواهب مثل
َ
َ
ِ 261 ِ
المفر ِدالصادي أصبحت منه كمثل َ ُ الناس إني كنت في َنهَر ِ يا أفض َل
قال ابن هشام :عجز البيت األول عن غير ابن إسحاق .
257
.نب :نىِّب ،سهل فعل األمر حبذف اهلمزة ،مث بناه على حذف حرف العلة كما يبىن املعتل
258
.اجلنادع :أوائل الشر
259
.األلية :اليمني .اإلفناد :اخلطأ والعيب
260
.املباذل :األثواب اليت تستعمل يومياً أو األثواب اخللقة
الصادي :الشديد العطش . .وقد رثاه غير حسان الكثير من الشعراء .ولكن كان المرثي أعظم من 261
أن يرثى وكانت المصيبة اكبر من شعر الشعراء ورثاء الراثين وحزن المحزونين .
400