السير ة النبوية لابن هشام ج2

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 343

‫تابع الجزء الخامس‬

‫سيرة ابن هشام‬


‫من صفحة ‪155-56‬‬
‫وب َدْيل بن ورقاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحكيم بن حزام ‪ُ ،‬‬
‫بن حرب َ‬
‫هو فاعل ‪ ،‬وخرج في تلك الليالي أبو سفيان ُ‬
‫َّسون األخبار‪ ،‬وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به‪.‬‬
‫يتحس ُ‬
‫إس الم العب اس رضي اللّه عنه ‪ :‬وقد ك ان العب اس بن عبد المطلب لقي رس ول اللّه ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم ببعض الطريق ‪.‬‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬لقيه بالجحفة مه اجرا بعياله ‪ ،‬وقد ك ان قبل ذلك مقيما بمكة على س قايته ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫راض ‪ ،‬فيما ذكر ابن شهاب الزهري ‪.‬‬ ‫ورسول صلى اهلل عليه وسلم عنه‬
‫إس الم أبي س فيان بن الح ارث وعبد اللّه بن أبي أمية ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وقد ك ان أبو‬
‫س فيان بن الح ارث بن عبد المطلب وعبد اللّه ابن أبي أمية بن المغ يرة قد لقيا رس ول اللّه ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم أيضاً بِنِي ِ‬
‫ق العقاب ‪ ،‬فيما بين مكة والمدينة‪ ،‬فالتمسا الدخول عليه ‪ ،‬فكلمته أم َس لَمة‬
‫فيهما‪،‬‬
‫وص هرك ‪ ،‬قال ‪ :‬ال حاجة لي بهما‪ ،‬أما ابن‬ ‫فقالت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬ابن عمك وابن عمتك ِ‬
‫عمي فهتك ِعرضي ‪ ،‬وأما ابن عم تي ِ‬
‫وص هري فهو ال ذي ق ال لي بمكة ما ق ال (ا)‪ .‬ق ال ‪ :‬فلما‬
‫خرج الخبر إليهما بذلك ‪ ،‬ومع أبي سفيان‬
‫َّ‬
‫آلخذن بيدي ُبَني هذا‪ ،‬ثم لنذهبن في‬ ‫َّ‬
‫ليأذنن لي أو‬ ‫ي له (‪ .)2‬فقال ‪ :‬واللّه‬
‫ُبَن ٌ‬
‫وت عطش اً وجوع اً‪ ،‬فلما بلغ ذلك رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم رق‬ ‫األرض ح تى نم َ‬
‫لهما‪ ،‬ثم ِأذن لهما ؛ فدخال عليه ‪ ،‬فأسلما‪.‬‬
‫ما أنشده أبو سفيان في إسالمه ‪ :‬وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسالمه ‪ ،‬واعتذر‬
‫إليه مما كان مضى منه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫محمد‬ ‫خيل‬ ‫ِ‬
‫الالت َ‬ ‫ب خي ُل‬ ‫ِ‬
‫لتَ ْغل َ‬ ‫لع ْم ُرك إني يوم أحم ُل رايةً‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫فهذا أواني حين أهدى وأهتدي‬ ‫لكالمدلج الحيران أظلم ليلُه‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫طردت ُك َّل ُم َ‬
‫ط َّر ِد‬ ‫مع اللّه من‬ ‫غير نفسي ونالني‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫هداني هاد ُ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫محمد‬ ‫وأدعى وإ ن لم أنتسب من‬ ‫أصد وأنأى جاهداً عن محمدٍ‬ ‫ُّ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫ويفََّن ِد(‪)1‬‬
‫رأي ُيلَ ْم ُ‬
‫وإ ن كان ذا ٍ‬ ‫ِ‬
‫بهواه ُم‬ ‫يقل‬
‫ُه ُم ما ُه ُم َمن لم ْ‬ ‫‪#‬‬
‫أه َد في كل َم ْق َع ِد(‪)2‬‬
‫مع القوم ما لم ْ‬ ‫ٍ‬
‫بالئط‬ ‫ولست‬
‫ُ‬ ‫ألرضيهم‬
‫َ‬ ‫أريد‬ ‫‪#‬‬
‫ي ِ‬
‫أوعدي‬ ‫وقل لثقيف تلك ‪ِ :‬‬ ‫ٍ‬
‫غير َ‬ ‫لثقيف ال أريد ققالها‬ ‫فقل‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫جرا لسانى وال يدي (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫الجيش الذي نال عامراً وما كان عن َّ‬ ‫كنت في‬
‫فما ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وس ْر َد ِد(‪)1‬‬
‫هام ُ‬
‫نزائع جاءت من َس ً‬
‫ٍ‬
‫بعيدة‬ ‫جاءت من ٍ‬
‫بالد‬ ‫ْ‬ ‫قبائل‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويروى‬
‫ِّ‬
‫الحق من طردت ك ّل مطرد‬ ‫ودلنى على‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فزعموا أنه حين أنشد رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم قوله‪:‬‬
‫ونالني مع اللّه من طردت كل مطرد "‬ ‫‪#‬‬
‫ض رب رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم في ص دره ‪ ،‬وق ال ‪ :‬أنت طردت نى كل مط رد‪.‬‬
‫إسالم أبي سفيان على َي َد ِي العباس بن عبد المطلب ‪ :‬فلما نزل رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‬
‫َم َّر الظَّ ْه ران ‪ ،‬ق ال العب اس بن عبد المطلب ‪ :‬فقلت ‪ :‬واص باح ق ريش ‪ ،‬واللّه لئن دخل رس ول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم مكة َعْنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ‪ ،‬إنه لهالك قريش إلى آخر الدهر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فجلست على بغلة رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم البيضاء‪ ،‬فخرجت عليها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫احب لبن أو ذا حاجة ي أتي مك ة‪،‬‬
‫بعض الحطابة أو ص َ‬
‫ح تى جئت األراك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لعلى أج ُد َ‬
‫فيخبرهم بمك ان رسول اللّه صلي اهلل عليه وس لم‪ ،‬ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم‬
‫َع ْنوة ‪.‬‬
‫وب َديل بن‬
‫قال ‪ :‬فواهلل إني ألسير عليها‪ ،‬وألتمس ما خرجت له ‪ ،‬إذ سمعت كالم أبي سفيان ُ‬
‫ورقاء‪ ،‬وهما يتراجعان ‪ ،‬وأبو سفيان يقول ‪ :‬ما رأيت كالليلة نيرانا قط وال عسكرا‪ ،‬قال ‪ :‬يقول‬
‫أذل ُّ‬
‫وأقل من أن‬ ‫ُب َديل ‪ :‬هذه واللّه ُخ َزاعة َحمشتها(‪ )2‬الحرب ‪ .‬قال ‪ :‬يقول أبو سفيان ‪ :‬خزاعة ُّ‬
‫تكون هذه نيرانها وعسكرها‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬فع رفت ص وتَه ؛ فقلت ‪ :‬يا أبا َح ْنظل ة‪ ،‬فع رف ص وتى‪ ،‬فق ال ‪ :‬أبو الفضل ؟ ق ال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم ؛ ق ال ‪ :‬ما لك ؟ ف داك أبي وأمى ؛ ق ال ‪ :‬قلت ‪ :‬ويحك يا أبا س فيان ‪ ،‬ه ذا رس ول اللّه‬
‫واصباح قريش واللّه ‪ .‬قال ‪ :‬فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمى ؛ قال‬
‫َ‬ ‫صلي اهلل عليه وسلم في الناس ‪،‬‬
‫‪ :‬قلت ‪ :‬واللّه لئن ظفر بك ليض ربن عنقك ‪ ،‬ف اركب في عجز ه ذه البغلة ح تى آتى بك رس ول‬
‫اللّه صلي اهلل عليه وسلم فاستأمنه لك ؛ قال ‪ :‬فركب خلفى ورجع صاحباه ‪ .‬قال ‪ :‬فجئت به كلما‬
‫مررت ٍ‬
‫بنار من نيران المسلمين قالوا ‪ :‬من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‬
‫وأنا عليه ا‪ ،‬ق الوا ‪ :‬عم رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم على بغلته ‪ ،‬ح تى م ررت بن ار عمر بن‬
‫إلى ! فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة‪ ،‬ق ال‬
‫الخطاب رضى اللّه عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا ؟ وقام َّ‬
‫عدو اللّه ! الحمد للّه الذي أمكن منك بغير عقد وال عهد‪ ،‬ثم خرج يشتد نحو رسول‬ ‫‪ :‬أبو سفيان ُّ‬
‫اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬وركضت البغلة‪ ،‬فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬ف اقتحمت عن البغل ة‪ ،‬ف دخلت على رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ ،‬ودخل عليه‬
‫فألضرب‬
‫ْ‬ ‫فدعنى‬‫عمر‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬هذا أبو سفيان أمكن اللّه منه بغير عقد وال عهد‪ْ ،‬‬
‫عنقه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول اهللّ‪ ،‬إنى قد أجرته ‪ ،‬ثم جلست إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فأخ ذت برأسه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬واللّه ال يناجيه الليلة دونى رجل ؛ فلما أك ثر عمر من ش أنه ‪ ،‬ق ال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬مهال يا عمر‪ ،‬فواللّه أن لو ك ان من ب ني َع ِد ِّ‬
‫ي بن َك ْعب ما قلت ه ذا‪ ،‬ولكنك قد ع رفت أنه‬
‫إلى‬
‫من رج ال ب ني عبد من اف ‪ ،‬فق ال ‪ :‬مهال يا عب اس ‪ ،‬فواللّه ال سالمك ي وم أس لمت ك ان أحب َّ‬
‫من إس الم الخط اب لو أس لم ‪ ،‬وما بى إال أنى قد ع رفت أن إس المك ك ان َّ‬
‫أحب إلى رس ول اللّه‬
‫صلي اهلل عليه وسلم من إسالم الخطاب لو أسلم‬
‫فقال رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم ‪ :‬اذهب به يا عباس إلى َر ْحلك ‪ ،‬فإذا أصبحت فأتني‬
‫غدوت به إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫ُ‬ ‫به ‪ ،‬قال ‪ :‬فذهبت به إلى رحلى فبات عندي فلما أصبح‬
‫ويحك يا أبا سفيان ‪ ،‬ألم يأن لك أن تعلم‬
‫وسلم ‪ ،‬فلما رآه رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال ‪ْ :‬‬
‫أنه ال إله إال اللّه ؟ ق ال ‪ :‬ب أبي أنت وأمي ‪ ،‬ما أحلمك وأكرمك وأوص لك ‪ ،‬واللّه قد ظننت أن لو‬
‫بعد‪ ،‬قال ‪ :‬ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم ‪،‬‬
‫كان مع اللّه إله غيره لقد أغنى عنى شيئا ُ‬
‫أنى رس ول اللّه ؟ ق ال ‪ :‬ب أبى أنت وأمى‪ ،‬ما أحلمك وأكرمك وأوص لك ! أما ه ذه واللّه ف إن في‬
‫النفس منها حتى االن شيئاً‪.‬‬
‫فق ال له العب اس ‪ :‬ويحك ! أس لم واش هد أن ال إله إال اللّه وأن محم دا رس ول اللّه قبل أن‬
‫تُضرب عنقُك ‪ .‬قال ‪ :‬فشهد شهادة الحق ‪ ،‬فأسلم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رس ول اللّه ‪ ،‬إن أبا س فيان رج ٌل يحب الفخ ر‪ . ،‬فاجعل له ش يئا‪.‬‬
‫ق ال العب اس ‪ُ :‬‬
‫بابه فهو آمن ‪ ،‬ومن دخل المس جد‬
‫ق ال ‪ :‬نعم ‪ ،‬من دخل دار أبي س فيان فهو آمن ‪ ،‬ومن أغلق َ‬
‫فهو آمن ‪ ،‬فلما ذهب لينصرف قال رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪ :‬يا عباس ‪ ،‬أحبسه ِ‬
‫بمض يق‬
‫طم الجبل (‪ ،)1‬حتى تمر به جنود اللّه فيراها قال ‪ :‬فخرجت حتى حبسته ِ‬
‫بمض يق‬ ‫الوادي عند َخ ْ‬
‫الوادي ‪ ،‬أمرنى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أن أحبسه (‪.)2‬‬
‫عرض الجيش على أبي سفيان ‪ :‬قال ‪ :‬ومرت القبائل على راياتها‪ ،‬كلما مرت قبيلة قال ‪:‬‬
‫ولس لَيم ‪ ،‬ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس ‪ ،‬من‬
‫يا عباس‪ ،‬من هذه ؟ فأقول ‪ُ :‬س ليم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ما لي ُ‬
‫هؤالء؟ فأقول ‪ُ :‬م َز ْينة‪ ،‬فيقول ‪ :‬ما لي ولمزينة‪ ،‬حتى نفدت القبائ ُل ‪ ،‬ما تمر به قبيلة إال يسألنى‬
‫عنها ؛ ف إذا أخبرته بهم ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ما لي ولب نى فالن ؛ ح تى مر رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫في كتيبته الخضراء‪.‬‬
‫كتيبته ص لى اهلل عليه وس لم في فتح مكة ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وإ نما قيل لها الخض راء لك ثرة‬
‫الحديد وظهوره فيها‪.‬‬
‫ِ‬
‫الحارث بن حلِّزة َ‬
‫الي ْش ُكري ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫خضراء‬
‫ُ‬ ‫سيةٌ‬ ‫وله ِ‬
‫فار َّ‬ ‫طام‬
‫ابن ِّأم قَ َ‬
‫ثم ُح ْجراً أعنى َ‬ ‫‪#‬‬
‫يعنى الكتيبة‪ ،‬وهذا البيت في قصيدة له ‪ ،‬وقال حسان بن ثابت األنصار ي ‪:‬‬
‫بكتيبة خضراء من بلخزرج‬ ‫لما رأى بدراً تسيل جالهه‬ ‫‪#‬‬
‫وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر‪.‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فيها المه اجرون واألنص ار‪ ،‬رضي اللّه عنهم ‪ ،‬ال ي رى منهم إال الح دق‬
‫عباس ‪ ،‬من هؤالء ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬هذا رسول اللّه صلى اهلل‬ ‫ُ‬ ‫من الحديد‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان اللّه ‪ ،‬يا‬
‫عليه وسلم في المهاجرين واألنصار‪ ،‬قال ‪ :‬ما ألحد بهؤالء ِقَب ٌل وال طاقة‪ ،‬واللّه يا أبا الفضل ‪،‬‬
‫لقد أصبح ُملك ابن أخيك الغداةَ عظيما‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا سفيان ‪ ،‬إنها النبوة(ا) قال ‪ :‬فنعم إذن‬
‫‪.‬‬
‫أبو سفيان يحذر أهل مكة ‪ :‬قال ‪:‬قلت ‪ :‬النجاء إلى قومك ‪ ،‬حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى‬
‫ص وته ‪ :‬يا معشر ق ريش ‪ ،‬ه ذا محمد ج اءكم فيما ال ِقَب َل لكم به ‪ ،‬فمن دخل دار أي س فيان فهو‬
‫األح َمس (‪)2‬‬ ‫ميت ِ‬
‫اللهسم ْ‬ ‫الح َ‬‫آمن ‪ ،‬فقامت إليه هند بنت عتبة‪ ،‬فأخذت بشاربه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬اقتلوا َ‬
‫ِّح من طليعة قوم (‪ )3‬قال ‪ :‬ويلكم ال تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما ال ِقَبل لكم‬ ‫قُب َ‬
‫دارك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ومن‬ ‫به ‪ ،‬فمن دخل دار أبي س فيان فهو آمن ‪ ،‬ق الوا ‪ :‬قاتلك اللّه ! وما تُغ نى عنا ُ‬
‫المسجد فهو آمن ‪ ،‬فتفرق الناس إلى دورهم وإ لى المسجد‪.‬‬
‫َ‬ ‫أغلق عليه بابه فهو آمن ‪ ،‬ومن دخل‬
‫وصوله عليه السالم إلى ذي طوى ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر ‪ :‬أن‬
‫بش قَّ ِة ُب ْرد‬
‫رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم لما انتهى إلى ذي طُ َوى وقف على راحلته ُم ْعتَ ِج راً ُ‬
‫َح ْبرة حمراء‪ ،‬وإ ن رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً للّه حين رأى ما اكرمه‬
‫الر ْحل ‪.‬‬
‫ونه ليكاد يمس واسطة َّ‬‫اللّه به من الفتح ‪ ،‬حتى إن ُعثُْن َ‬
‫إس الم أبي قحاف ة‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني يح يى بن عب اد بن عبد اللّه بن الزب ير‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن َج َّدته أس ماء بنت أبي بك ر‪ ،‬ق الت ‪ :‬لما وقف رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ب ذي‬
‫ظهَ ِري بي على أبي قَ بيس (‪ ،)2‬قالت‬
‫طُ َوى قال أبو قحافة البنة(‪ )1‬من أصغر ولده ‪ :‬أي ُبَنية‪ ،‬أ ْ‬
‫وقد ُك َّ‬
‫ف بص ره ‪ ،‬ق الت ‪ :‬فأش رفت به عليه ‪ ،‬فق ال أي ُبَني ة‪ ،‬م اذا ت رين ؟ ق الت ‪ :‬أرى س واداً‬
‫دي ذلك ُمقبال وم دبراً‪ ،‬ق ال ‪ :‬أي‬
‫مجتمع اً‪ ،‬ق ال ‪ :‬تلك الخيل ‪ ،‬ق الت ‪ :‬وأرى رجال يس عى بين ي ْ‬
‫ُبنية‪ ،‬ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخيل ‪ ،‬ويتقدم إليها‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬قد واللّه انتشر السواد‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫فق ال ‪ :‬قد واللّه إذن ُدفعت الخيل ‪ ،‬فأس رعى بى إلى بي تى‪ ،‬ف انحطت به ‪ ،‬وتلق اه الخي ُل قبل أن‬
‫ق من َو ِرق (‪ )3‬فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها‪.‬‬‫ط ْو ٌ‬
‫يصل إلى بيته ‪ ،‬قالت ‪ :‬وفى ُعنق الجارية َ‬
‫ق الت ‪ :‬فلما دخل رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم مك ة‪ ،‬ودخل المس جد أتى أبو بكر بأبيه‬
‫الشيخ في بيته حتى أكون‬
‫َ‬ ‫تركت‬
‫َ‬ ‫يقوده ‪ ،‬فلما رآه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬هال‬
‫ُ‬
‫أنا آتيه فيه ؟ قال أبو بكر‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬هو أحق أن يمشى‬
‫دره ‪ ،‬ثم ق ال له‬
‫إليك من أن تمشى إليه أنت ‪ .‬ق ال ‪ :‬ق الت ‪ :‬فأجلسه بين يديه ‪ ،‬ثم مسح ص َ‬
‫رأسه ثَغامة(‪ ،)1‬فقال رسول اللّه صلي اهلل عليه‬
‫فأسلَ َم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فدخل به أبو بكر وكأن َ‬
‫أس ْلم ‪ْ ،‬‬
‫‪ْ :‬‬
‫وسلم‪ :‬غيروا هذا من شعره (‪.)2‬‬
‫طوق أختى‪ ،‬فلم يجبه أحد‪ ،‬قالت‬
‫َ‬ ‫ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنشد اللّه واالسالم‬
‫الناس اليوم لقلي ٌل ‪.‬‬
‫‪ :‬فقال ‪ :‬أي أخية‪ ،‬احتسبي طوقك فواللّه إن األمانةَ في َ‬
‫دخ ول مكة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني عب ُد اللّه بن أبي نجيح أن رس ول اللّه ص لي اهلل‬
‫عليه وس لم حين ف رق جيشه من ذي ط وى‪ ،‬أمر الزب ير بن الع وام أن ي دخل في بعض الن اس من‬
‫عد بن عب ادة أن ي دخل في بعض الن اس من‬
‫ُك ًدى‪ ،‬وك ان الزب ير على المجنبة اليس رى‪ ،‬وأمر س َ‬
‫َك َداء(‪.)1‬‬
‫المهاجرون يخشون من شدة سعد بن عبادة على قريش ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فزعم بعض‬
‫أهل العلم أن س عداً حين ُو ّجه داخالً‪ ،‬ق ال ‪ :‬الي وم ي وم الملحم ة‪ ،‬الي وم تُس تحل الحرم ةُ‪ ،‬فس معها‬
‫رجل من‬
‫المهاجرين ‪ -‬قال ابن هشام ‪ :‬هو عمر بن الخطاب ‪ -‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬اسمع ما قال‬
‫ص ْولة ‪.‬‬
‫سعد بن عبادة‪ ،‬ما نأمن أن يكون له في قريش َ‬
‫فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم لعلي بن أبي ط الب ‪ :‬أدر ْكه ‪ ،‬فخذ الراية منه فكن‬
‫أنت الذي تدخل بها(‪.)1‬‬
‫طريق الفتح ‪ :‬ق ال ابن إسحاق ‪ :‬وقد حدثني عب ُد اللّه بن أبي َنجيح في حديثه ‪ :‬أن رسول‬
‫اللّه ص لى اهلل عليه وس لم أمر خالد بن الولي د‪ ،‬ف دخل من اللِّيط ‪ ،‬أس فل مك ة‪ ،‬في بعض الن اس ‪،‬‬
‫وجهَْينة وقبائل من قبائل‬
‫وم َز ْينة ُ‬ ‫ِ‬ ‫الم َجَّنبة اليم نى‪ ،‬وفيها أس لم ُ‬
‫وس لَيم وغفَ ار ُ‬ ‫وك ان خالد على ُ‬
‫اهلل‬
‫دي رس ول ْ‬ ‫ب لمكة بين ي ْ‬ ‫الع رب ‪ .‬وأقبل أبو عبي دة بن الج راح بالصف من المس لمين َينص ُّ‬
‫أذاخ ر‪ ،‬حتى نزل بأعلى مكة‪،‬‬‫صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬ودخل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من ِ‬
‫ضربت له هنالك قبتُه ‪.‬‬
‫ُ‬
‫من تع رض للمس لمين من أهل مكة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ ، :‬وح دثني عبد اللّه بن أبي َنجيح‬
‫فوان بن أمية ِ‬
‫‪.‬وعكرمة بن أي جهل وس هُيل بن َعم رو ك انوا قد‬ ‫وعبد اللّه بن أبي بكر ‪ :‬أن ص َ‬
‫بالخ ْندمة ‪.‬‬
‫جمعوا ناسا َ‬
‫ليقاتلوا‪ ،‬وقد كان ِحماس بن قَْيس بن خالد أخو بني بكر‪ُ ،‬ي ِع ُّد سالحا قبل دخول رسول اللّه‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬ويص لح منه ‪ ،‬فق الت له امرأته ‪ :‬لم اذا تُعد ما أرى؟ ق ال ‪ :‬لمحمد‬
‫وأصحابه ‪ ،‬قالت ‪ :‬واللّه ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شىء‪ ،‬قال ‪ :‬واللّه إنى ألرجو أن أخدمك‬
‫بعضهم ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫سالح كامل وألَ ْه‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬ ‫اليوم فما لي ِعلَّ ْه‬ ‫ِ‬
‫إن ُيقبلوا َ‬ ‫‪#‬‬
‫َّ (‪)2‬‬
‫وذو ِغ ْ‬
‫رارين سريعُ السَّل ْه‬ ‫‪#‬‬
‫وس هَيل ِ‬
‫وع ْكرم ة‪ ،‬فلما لقيهم المس لمون‬ ‫الخندمة مع ص فوان ُ‬
‫من قتل في فتح مكة ‪ :‬ثم شهد َ‬
‫من أص حاب خالد بن الوليد ناوش وهم ش يئا من قق ال ‪ ،‬فقُتل ك رز بن ج ابر‪ ،‬أحد ب ني مح ارب بن‬
‫ابن خالد بن ربيعة بن أصرم ‪ ،‬حليف بني ُم ْنقَ ذ‪ ،‬وكانا في خيل خالد ابن الوليد‬ ‫(‪)3‬‬
‫فهر‪ ،‬وخنيس‬
‫فش ذا عنه فس لكا طريقا غ ير طريقه فقُتال جميع ا‪ ،‬قُتل خ نيس بن خالد قبل ُك رز بن ج ابر‪ ،‬فجعله‬
‫كرز بن جابر بين رجليه ‪ ،‬ثم قاتل عنه حتى قُتل ‪ ،‬وهو يرتجز ويقول ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫نقيَّة الوجه نقية الصدر‬ ‫‪ #‬قد علمت صفراءمن بني ِف ْهر‬
‫صخر‬
‫ْ‬ ‫اليوم عن أبي‬
‫‪ #‬ألضربن َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وكان خنيس يكنى أبا صخر‪ ،‬قال ابن هشام ‪ :‬خنيس بن خالد‪ ،‬من خزاعة‬
‫‪.‬‬
‫ما قاله ِحم اس من الش عر ي وم الفتح ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ح دثني عبداللّه بن أبي َنجيح‬
‫الميالء‪ ،‬من خيل خالد بن الولي د‪،‬‬
‫وعبد اللّه بن أبي بك ر‪ ،‬ق اال‪ :‬وأص يب من ُجهينة س لمة ابن ْ‬
‫وأصيب من المشركين ناس‬
‫اس منهزما‬ ‫ِ‬
‫حم ٌ‬ ‫ق ريب من اث ني عشر رجال‪ ،‬أو ثالثة عشر رجال‪ ،‬ثم انهزم وا‪ ،‬فخ رج‬
‫علي بابي ‪،‬‬
‫حتى دخل بيته ‪ ،‬ثم قال المرأته ‪ :‬أغلقى َّ‬
‫قالت فأين ما كنت تقول ‪ :‬فقال ‪:‬‬
‫وفر ِع ْك ْ‬
‫رمه‬ ‫صفوان َّ‬
‫ُ‬ ‫إذ فر‬ ‫الخ ْن َد َم ْه‬
‫يوم َ‬
‫هدت َ‬
‫إنك لو َش ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫لم ْه (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫المس َ‬
‫واستقبلهُم بالسيوف ْ‬ ‫مه‬
‫كالموتَ ْ‬‫قائم ُ‬‫يزيد ٌ‬‫وابو َ‬ ‫‪#‬‬
‫مه (‪)2‬‬‫مغ ْ‬‫إالغ َ‬
‫ًفالي ْسمع َ‬ ‫ٍ‬ ‫يقطع َن َّ‬
‫ضربا ُ‬ ‫جمه‬
‫وج ْم ْ‬ ‫كل ساعد ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫أدنى َكِل ْ‬
‫مه (‪)3‬‬ ‫تنطقى في اللَّ ِ‬
‫وم َ‬ ‫لم ِ‬ ‫وه ْمهمه‬ ‫يت َخلفَنا َ‬ ‫لهم َن ِه ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬أنش دنى بعض أهل العلم بالش عر قوله " كالموتمه " وت روى للرع اش‬
‫الهذلي ‪.‬‬
‫ش عار المس لمين ي وم فتح مكة ‪ :‬وك ان ش عار أص حاب رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫وح نين والطائف ‪ ،‬شعار المهاجرين ‪ :‬يا بني عبد الرحمن ‪ ،‬وشعار الخزرج ‪ :‬يا‬
‫يوم فتح مكة ُ‬
‫بني عبد اللّه ‪ ،‬وشعار األوس ‪ :‬يا بني ُعبيد اللّه ‪.‬‬
‫من أمر الن بي ص لى اهلل عليه وس لم بقتلهم ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وك ان رس ول اللّه ص لى‬
‫اهلل عليه وس لم قد َع ِهد إلى أمرائه من المس لمين ‪ ،‬حين أم رهم أن ي دخلوا مك ة‪ ،‬أن ال يق اتلوا إال‬
‫من قاتلهم ‪ ،‬إال أنه قد َع ِهد في ‪ -‬نفر َّ‬
‫سماهم أمر بقتلهم وإ ن ُوجدوا تحت أستار الكعبة‪ ،‬منهم عبد‬
‫اللّه بن سعد(ا)‪ ،‬أخو بني عامر بن لؤي ‪.‬‬
‫وإ نما أمر رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بقتله ألنه قد ك ان أس لم ‪ ،‬وك ان يكتب ‪-‬‬
‫َّ‬
‫فارتد ُمشركا راجع اً إلى قريش ‪ ،‬ففر إلى عثم ان ابن‬ ‫لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الوحى‪،‬‬
‫عفان ‪ ،‬وكان أخاه للرضاعة‪ ،‬فغيَّبه حتى أتى به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بعد أن اطمأن‬
‫الناس وأهل مكة‪ ،‬فاستأمن له ‪ .‬فزعموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم صمت طويال‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪،‬فلما انصرف عنه عثمان ‪ ،‬قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لمن‬
‫بعضكم فيضرب عنقه ‪ .‬فقال رجل من األنص ار‬
‫حوله من أصحابه ؛ لقد صمت ليقوم إليه ُ‬
‫إلى يا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬إن النبي ال يقتل باإلشارة‪.‬‬
‫أومأت َّ‬
‫َ‬ ‫‪ :‬فهال‬
‫بعض أعماله ‪ ،‬ثم واله عثم ان بن‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬ثم أس لم بع ُد‪ ،‬ف واله عمر بن الخط اب ‪َ ،‬‬
‫عفان بعد عمر‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وعبد اللّه بن خطل ‪ ،‬رجل من بني تَْيم بن غالب ‪ :‬إنما أمر بقتله أنه كان‬
‫مس لما فبعثه رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ُمص ِّدقا‪ ،‬وبعث معه ال رجال من األنص ار‪ ،‬وك ان‬
‫معه م ولى له يخدمه ‪ ،‬وك ان مس لماً‪ ،‬ف نزل م نزال‪ ، ،‬وأمر الم ولى أن ي ذبح له تَْيس اً‪ ،‬فيص نع له‬
‫طعام ا‪ ،‬فن ام ‪ ،‬فاس تيقظ ولم يص نع له ش يئا‪ ،‬فع دا عليه فقتله ‪ ،‬ثم ارتد مش ركا‪( .‬ا) ؟ وك انت له‬
‫قَْينت ان ‪ :‬فَ ْرتَ نى وص احبتُها‪ ،‬وكانتا تغني ان بهج اء رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ف أمر رس ول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم بقتلهما معه ‪.‬‬
‫صى ‪ ،‬وكان ممن يؤذيه بمكة‪.‬‬
‫والح َو ْيرث بن ُنقَْيذ بن وهب بن َعبد بن قُ َ‬
‫ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم ‪ .‬كلثوم ‪ ،‬ابنتى رسول اللّه‬
‫فرمى بهما إلى‬
‫الح َو ْيرث بن ُنقَْي ذ‪َ ،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة‪ ،‬فنخس بهما ُ‬
‫األرض ‪.‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬و ِم ْقَيس بن ُحَبابة ‪ :‬وإ نما أمر رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بقتله ‪،‬‬
‫لقتل األنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ‪ ،‬ورجوعه إلى قريش مشركا‪.‬‬
‫ْ‬
‫وسارة‪ ،‬موالة لبعض بني عبد المطلب ‪ .‬وعكرمة بن أبي جهل ‪.‬‬
‫وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة‪ ،‬فأما ِع ْكرمة فهرب إلى اليمن وأسلمت امرأته أم حكيم بنت‬
‫الحارث بن هشام ‪ ،‬فاستأمنت له من رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأمنه ‪ ،‬فخرجت في طلبه‬
‫إلى اليمن ‪ ،‬حتى أتت به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأسلم ‪.‬‬
‫طل ‪ ،‬فقتله س عيد بن ُح َريث المخ زومي وأبو ب رزة األس لمي ‪ ،‬اش تركا‬
‫وأما عبد اللّه بن َخ َ‬
‫في دمه ‪.‬‬
‫وأما ِم ْقيس بن ُحبابة فقتله ُن َميلة بن عبد اللّه ‪ ،‬رجل من قومه ‪ ،‬فق الت أخت ِم ْقيس في قتله‬
‫‪:‬‬
‫أضياف الشتاء بم ْقَيس ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وفجَّع‬‫لعمري لقد أخزى ُن َميلةَ رهطُه‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫فلله عينا من رأى مث َل ِم ْقَيس إذا ُّ‬
‫النفَساء أصبحت لم تُ َخ َّر ِ‬
‫س (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫طل فَقُتِلت إحداهما‪ ،‬وهربت األخرى‪ ،‬حتى استؤمن لها رسول اللّه صلى‬ ‫وأما قينتا ابن َخ َ‬
‫فأمنها‪.‬‬
‫بعد‪َّ ،‬‬
‫اهلل عليه وسلم ُ‬
‫فأمنها‪ ،‬ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرس اً في زمن عمر‬
‫وأما سارة فاستُؤمن لها َّ‬
‫بن الخطاب باألبطح فقتلها‪.‬‬
‫الح َو ْيرث بن ُنقَيذ(ا) فقتله علي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫وأما ُ‬
‫قصة ال رجلين الل ذين أمنتهما أم ه انيء وص الة الفتح في بيتها ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪:‬‬
‫وح دثني س عيد بن أبي ِهن د‪ ،‬عن أبي ُم َّرة‪ ،‬م ولى عقيل ابن أي ط الب ‪ ،‬أن أم ه انئ(‪ )2‬بنت أبي‬
‫إلى رجالن من أحمائى‪،‬‬
‫طالب قالت ‪ :‬لما نزل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بأعلى مكة‪ ،‬فر َّ‬
‫على على بن أبي‬
‫من ب ني مخ زوم ‪ ،‬وك انت عند ُهَب ْي رة بن أبي وهب المخ زومي‪ ،‬ق الت ‪ :‬ف دخل َّ‬
‫ت عليهما باب بيتى‪ ،‬ثم جئت رسول اللّه صلى اهلل عليه‬ ‫َّ‬
‫ألقتلنهما‪ ،‬فأغلَ ْق ُ‬ ‫طالب أخى‪ ،‬فقال ‪ :‬واللّه‬
‫وس لم وهو ب أعلى مك ة‪ ،‬فوجدته يغتسل من َج ْفَنة إن فيها ألثر العجين ‪ ،‬وفاطمة ابنته تس تره‬
‫ثوبه ِّ‬
‫فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي فقال‬ ‫بثوبه ‪ ،‬فلما اغتسل أخذ َ‬
‫على ؛ فقال ‪ :‬قد ‪ .‬أجرنا‬
‫‪ :‬مرحباَ وأهال يا أم هانئ‪ ،‬مما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر ٍّ‬
‫أمنت ‪،‬فال يقتلهما(‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫‪،‬وأمنا من َّ‬ ‫ِ‬
‫أجرت‬ ‫من‬
‫وزهير بن أبي أمية بن المغيرة ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬هما الحارث بن هشام ‪ُ ،‬‬
‫الرسول يدخل البيت الحرام ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير‪ ،‬عن‬
‫عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثَ ْور‪ ،‬عن صفية بنت َش ْيبة‪ ،‬أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لما‬
‫نزل مكة‪.،‬واطمأن الناس ‪ ،‬خرج حتى جاء البيت ‪ ،‬فطاف به سبعاً على راحلته ‪ ،‬يستلم الركن‬
‫بن طلحة‪ ،‬فأخذ منه مفتاح الكعبة‪ ،‬ففتحت‬
‫عثمان َ‬
‫َ‬ ‫بِ ِم ْح َجن (‪ )1‬في يده ‪ ،‬فلما قضى طوافَه ‪ ،‬دعا‬
‫له ف دخلها فوجد فيها َحمامة من ِعي دان ‪ ،‬فكس رها بي ده ثم طرحه ا‪ ،‬ثم وقف على ب اب الكعبة وقد‬
‫اس َّ‬
‫تكف له الن اس (‪ )2‬في المس جد‪ .‬ما قاله عليه الس الم على ب اب الكعبة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪:.‬‬
‫بعض أهل العلم أن رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ام على ب اب الكعب ة‪ ،‬فق ال ‪ " :‬ال‬
‫فح دثني ُ‬
‫إله إال اللّه وح ده ‪ ،‬ال ش ريك له ‪ ،‬ص دق وع ده ‪ ،‬ونصر عب ده ‪ ،‬وه زم األح زاب وح ده ‪ ،‬أال كل‬
‫م أثرة(‪ )3‬أو دم أو م ال ي َّدعى فهو تحت ق دمي ه اتين إال س َدانة(‪ )4‬ال بيت ِ‬
‫وس قاية الح اج ؛ أال‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الع ْمد بالس وط والعص ا‪ ،‬ففيه الدية مغلظ ة‪ ،‬مائة من اإلبل أربع ون منها في‬ ‫ِ ِ‬
‫وقتي ُل الخطأ ش ْبه َ‬
‫بطونها أوالدها ‪.‬‬
‫يا معشر قريش إن اللّه قد أذهب عنكم َن ْخ َوةَ الجاهلية‪ ،‬وتعظُّ َمها‬
‫اس إنا خلقناكم من‬
‫الناس من آدم ‪ ،‬وآدم من تراب ‪ ،‬ثم تال هذه اآلية ‪( :‬يا أيها الن ُ‬
‫ُ‬ ‫باآلب اء‪.‬‬
‫عند اهلل أتقاكم) … اآلية كلها ‪ .‬ثم قال‬
‫أكرمكم َ‬
‫ذكر وأنثى‪ ،‬وجعلناكم شعوباً وقبائ َل لتعارفوا‪ ،‬إن َ‬
‫وابن أخ كريم ؛ قال ‪ :‬اذهبو‬
‫يا معشر قريش ‪ ،‬ما ترون أنى فاعل َفيكم ؟ قالوا ‪ :‬خيراً أخ كريم ُ‬
‫فأنتم الطلقاء"(ا)‪ .‬إقرار أمر السدانة لعثمان بن طلحة ‪ :‬ثم جلس رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‬
‫اجمع‬
‫ْ‬ ‫في المسجد ؛ فقام إليه على بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده ؛ ‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ؛‬
‫الس قاية ص لى اللّه عليك ؛ فق ال رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ :‬أين عثم ان بن‬ ‫لنا ِ‬
‫الحجاب ةَ مع ِّ‬
‫يوم بٍِّر ووفاء‪.‬‬
‫اليوم ُ‬
‫مفتاحك يا عثمان ؛ ُ‬
‫َ‬ ‫فد ِع َى له ‪ ،‬فقال ‪ :‬هاك‬
‫طلحة؟ ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وذكر سفيان بن عيينة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال لعلى ‪ :‬إنما‬
‫أعطيكم ما ُتر َزءون ال ما تَْر َزءون‬
‫طمسه ص لي اهلل عليه وس لم ما ك ان في الكعبة من الص ور ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وح دثني‬
‫ور‬
‫بعض أهل العلم ؛ أن رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم دخل ال بيت ي وم الفتح ؛ ف رأى فيه ص َ‬ ‫ُ‬
‫قس ُم بها‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫مصوراً في يده األزالم (‪ )1‬يستَ ِ‬
‫َّ‬ ‫المالئكة وغيرهم ؛ فرأى إبراهيم عليه السالم‬
‫ْ‬
‫يستقسم باألزالم ‪ ،‬ما شأن إبراهيم واألزالم ‪ { ،‬ما َك ِ ِ‬
‫اهيم َيهُ ِ‬
‫وديًّا‬ ‫ِ‬
‫ان إ ْب َر ُ‬
‫َ َ‬ ‫شيخنا‬
‫قاتلهم اللّه ‪ ،‬جعلوا َ‬
‫ان ِم ْن اْل ُم ْش ِر ِكين } [آل عم ران‪ .]67 :‬ثم أمر بتلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َحنيفًا ُم ْس ل ًما َو َما َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َرانيًّا َولَك ْن َك َ‬
‫َواَل َن ْ‬
‫الصور كلها فطُمست ‪.‬‬
‫مكان صالته عليه السالم من البيت ‪ -:‬قال ابن هشام ‪ :‬وحدثني أن رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وس لم دخل الكعبة ومعه بالل ‪ ،‬ثم خ رج رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وتخلف بالل ‪،‬‬
‫عبد اللّه بن عمر على بالل ‪ ،‬فسأله ‪ :‬أين رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ؟ ولم يسأله كم‬
‫فدخل ُ‬
‫ص لَّى ؛ فك ان ابن عمر إذا دخل ال بيت مشى ِقَب َل وجهه ‪ ،‬وجعل الب اب ِقَبل ظه ره ‪ ،‬ح تى يك ون‬
‫بينه وبين الجدار‬
‫ق در ثالث أذرع ثم يص لى‪ ،‬يت َّ‬
‫وخى ب ذلك الموضع ال ذي ق ال له بالل (‪ )2‬إس الم عت اب‬
‫والحارث بن هشام وسببه ‪ :‬قال ابن هشام ‪:‬‬
‫وحدثني ‪ :‬أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ؛ دخل الكعبة عام الفتح ومعه بالل ‪ ،‬فأمره‬
‫وعتَّاب بن أسيد والحارث بن هشام‬
‫أن يؤذن ‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب َ‬
‫جلوس بفناء الكعبة‪ ،‬فقال عتَّاب بن ِ‬
‫أسيد لقد أكرم اللّه أسيدا أال يكون سمع هذا‪ ،‬فيس مع منه‬ ‫َ‬
‫ما يغيظه ‪ .‬فق ال الح ارث بن هش ام ‪ :‬أما واهلل لو أعلم أنه محق التبعته ‪ ،‬فق ال أبو س فيان ‪ :‬ال‬
‫الحصى‪ ،‬فخرج عليهم النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫ت عنى هذه‬
‫ألخَب َر ْ‬
‫أقول شيئا‪ ،‬لو تكلمت ْ‬
‫وعتَّاب ‪ :‬نشهد أنك رسول اللّه ‪ ،‬واللّه‬
‫علمت الذي قلتم ‪ ،‬ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث – َ‬
‫ُ‬ ‫‪ :‬قد‬
‫ما اطَّلع على هذا أحد كان معنا‪ ،‬فنقول أخبرك (‪ .)1‬خراش يقتل ابن األثوع ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫ح دثني س عيد بن أبي َس ْن َدر األس لمى‪ ،‬عن رجل من قومه ‪،‬ق ال ‪ :‬ك ان معنا رجل يق ال له أحفر‬
‫بأس ا‪ ،‬وك ان رجال ش جاعا‪ ،‬وك ان إذا ن ام غط غطيطا ُم ْنك را ال يخفى مكانه ‪ ،‬فك ان إذا ب ات في‬
‫حيه ب ات معت نزاً(‪ ،)2‬ف إذا ُبيِّت الحمى(‪ )3‬ص رخوا يا أحم ر‪ ،‬فيث ور مثل األس د‪ ،‬ال يق وم لس بيله‬
‫حاضره (‪ )4‬؛ حتى إذا دنوا من الحاضر قال ابن األثوع‬
‫َ‬ ‫شىء ‪ .‬فأقبل َغ ِز ٌّ‬
‫ي من ُه َذيل يريدون‬
‫على ح تى أنظ ر‪ ،‬ف إن ك ان في الحاضر أحمر فال س بيل إليهم ‪ ،‬ف إن له‬
‫اله ذلي ‪ :‬ال تعجل وا َّ‬
‫غطيطا ال يخفى‪ ،‬قال ‪ :‬فاستمع ‪ ،‬فلما سمع غطيطه ‪ ،‬مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ‪،‬‬
‫ثم تحامل عليه حتى قتله ‪ ،‬ثم أغاروا على الحاضر‪ ،‬فصرخوا يا أحمر وال أحمر لهم ‪.‬‬
‫فلما ك ان ع ام الفتح ‪ ،‬وك ان الغد من ي وم الفتح ‪ ،‬أتى ابن األث وع اله ذلى ح تى دخل مكة‬
‫ينظر ويس أل عن أمر الن اس ‪ ،‬وهو على ش ركه ‪ ،‬فرأته خزاع ة‪ ،‬فعرف وه ‪ ،‬فأح اطوا به وهو إلى‬
‫جنب جدار من جدار مكة‪ ،‬يقولون ‪ :‬أأنت قاتل أحمر؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أنا قاتل أحمر فَ َم ْه ؟ قال ‪ :‬إذ‬
‫أقبل خراش بن أمية مشتمال على السيف ‪ ،‬فقال هكذا عن الرجل (ا)‪ ،‬وواهلل ما نظن إال أنه يريد‬
‫فرج الناس عنه ‪ .‬فلما انفرجنا عنه حمل عليه ‪ ،‬فطعنه بالسيف في بطنه ‪ ،‬فواللّه لكأني أنظر‬ ‫أن ُي ِ‬
‫وح ْشوته (‪ )2‬تسيل من بطنه ‪ ،‬وإ ن عينيه لَتَُرِّنقان (‪ )3‬في رأسه ‪ ،‬وهو يق ول ‪ :‬أقد فعلتموها‬ ‫إليه ِ‬
‫يا معشر خزاع ة؟ ح تى انجعف (‪ )4‬فوق ع‪ .‬فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬يا معشر‬
‫خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع ‪ ،‬لقد قتلتم قتيال ِ‬
‫ألدَيَّنه ‪.‬‬
‫األس لَمي‪ ،‬عن سعيد بن المسيَّب ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد الرحمن بن َح ْرملة ْ‬
‫لما بلغ رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية‪ ،‬قال ‪ :‬إن خراشا لقتّال ؛ يعيبه‬
‫بذلك ‪.‬‬
‫أبو ش ريح ي ذكر عم رو بن الزب ير بحرمة مكة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني س عيد بن أبي‬
‫سعيد الم ْقُبري ‪ ،‬عن أبي ُش َريح الخزاعي‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لما قدم َعمرو بن الزبير(‪ )1‬مكة لقتال أخيه عبد اللّه بن الزب ير‪ ،‬جئته ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا‬
‫ه ذا‪ ،‬إنا كنا مع رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ ،‬حين افتتح مك ة‪ ،‬فلما ك ان الغد من ي وم الفتح‬
‫عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك ‪ ،‬فقام رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم فينا‬
‫خطيب ا‪ ،‬فق ال ‪ :‬يا أيها الن اس إن اللّه َح َّرم مكة ي وم خلق الس موات واألرض ‪ ،‬فهى ح رام من‬
‫حرام إلى يوم القيامة ؛ فال يحل المرئ يؤمن باللّه واليوم اآلخر ؛ أن يس ِفك فيها دم اً وال يع ِ‬
‫ض َد(‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫‪ )2‬فيها ش جراً لم تَ ْحِل ْل ألحد قبلى‪ ،‬وال تَ ِحل ألحد يك ون بع دي ‪ ،‬ولم تَ ْحِل ْل لي إال ه ذه الس اعة‪،‬‬
‫رج َعت كحرمتها باألمس ‪ ،‬فليبلغ الشاهد منكم الغائب ‪ ،‬فمن قال لكم‬
‫غضبا على أهلها أال‪ ،‬ثم قد َ‬
‫‪ :‬إن رسول اللّه قاتل فيها‪ ،‬فقولوا ‪ :‬إن اللّه قد أحلها لرسوله ‪ ،‬ولم يحللها لكم ‪ ،‬يا معشر خزاعة‬
‫ارفعوا أيديكم عن القتل ‪ ،‬فلقد كثر القتل إن نفع ‪ .‬لقد قتلتم قتيال ِ‬
‫ألدَيَّنه ‪ ،‬فمن قُتل بعد مقامى هذا‬
‫فأهله بخ ير النظ رين ‪ .‬إن ش اءوا ف دم قاتله ‪ ،‬وإ ن ش اءوا فعقله (‪ . )3‬ثم ودى رس ول اللّه ص لي‬
‫اهلل عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة‪.‬‬
‫فق ال عم رو ألبي ش ريح ‪ :‬انص رف أيها الش يخ ‪ ،‬فنحن أعلم بحرمتها منك ‪ ،‬إنها ال تمنع‬
‫وكنت غائبا‪ ،‬ولقد‬
‫َ‬ ‫كنت شاهدا‬
‫سافك َدم ‪ ،‬وال خالع طاعة‪ ،‬وال مانع جزية‪ ،‬فقال أبو شريح ‪ :‬إنى ُ‬
‫أمرنا رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا‪ ،‬وقد أبلغتك ‪ ،‬فأنت وشأنك (‪.)1‬‬
‫أول قتيل وداه عليه الس الم ي وم الفتح ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وبلغ نى أن أول قتيل وداه رس ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم الفتح ُجَن ْيدب بن األكوع ‪ ،‬قتلته بنو كعب ‪ ،‬فوداه بمائة ناقة ‪.‬‬
‫تخوف األنصار من بقاء الرسول بمكة ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وبلغنى عن يحيى بن سعيد ‪ :‬أن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم حين فتح مكة ودخلها‪ ،‬قام‬
‫الص فَا ي دعو اللّه ‪ ،‬وقد أح دقت به األنص ُار‪ ،‬فق الوا فيما بينهم ‪ :‬أت رون ‪ :‬رس ول اللّه‬
‫على َّ‬
‫أرضه وبلده يقيم بها ؟ فلما فرغ من دعائه قال ‪ :‬ماذا قلتم‬
‫صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬إذ فتح اللّه عليه َ‬
‫؟ ق الوا ‪ :‬ال ش ىء يا رس ول اللّه ؛ فلم ي زل بهم ح تى أخ بروه ‪،‬فق ال الن بي ص لي اهلل عليه وس لم‪:‬‬
‫معاذ اللّه ! المحيا محياكم ‪ ،‬والممات مماتكم ‪.‬‬
‫كسر األص نام ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وح دثني من أثق به من أهل الرواي ة‪ ،‬في إس ناد له عن‬
‫ابن ش هاب ُّ‬
‫الزه ري ‪ ،‬عن ُعَب ْيد اللّه بن عبد اللّه ‪ . ،‬عن ابن عب اس ‪ ،‬ق ال ‪ :‬دخل رس ول اللّه‬
‫وم الفتح على راحلته ‪ ،‬فط اف عليها وح ول ال بيت أص نام مش دودة‬ ‫ص لي اهلل عليه وس لم مكة ي َ‬
‫ِ‬
‫األصنام ويقول ‪َ {:‬و ُق ْل‬ ‫بالرصاص ؛ فجعل النبي صلى اهلل عليه وسلم يشير بقضيب في ِ‬
‫يده إلى‬
‫ِ‬ ‫ق و َز َه َ ِ‬
‫ق اْلَباط ُل ِإ َّن اْلَباط َل َك َ‬
‫ان َز ُهوقًا } [اإلس راء ‪]81:‬فما أش ار إلى ص نم منها في‬ ‫ُّ‬
‫اء اْل َح َ‬
‫َج َ‬
‫وجهه إال وقع لقف اه ‪ ،‬وال أش ار إلى قف اه إال وقع لوجهه ‪ ،‬ح تى ما بقى منها ص نم إال وقع ‪،‬فق ال‬
‫تميم بن أسد الخزاعي في ذلك ‪:‬‬
‫الثواب أو العقابا‬
‫َ‬ ‫لمن يرجو‬ ‫ِ‬
‫األصنام ُم ْعتََبٌر وعلم‬ ‫‪ #‬وفي‬
‫الملَ وح اللي ثي أراد قتل‬
‫ض الة بن ُع َم ير بن ُ‬
‫إسالم فضالة‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وح دثني ‪ :‬أن فُ َ‬
‫الن بي ص لي اهلل عليه وسلم وهو يط وف ب البيت ع ام الفتح ‪ ،‬فلما دنا منه ‪ ،‬ق ال رسول اللّه صلي‬
‫نفس ك ؟ قال‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ :‬أفضالةُ ؟ قال ‪ :‬نعم فضالةُ يا رسول اللّه ‪،‬قال ‪ :‬ماذا كنت ِّ‬
‫تحدث به َ‬
‫‪ :‬ال شىء‪ ،‬كنت أذكر اللّه ‪،‬‬
‫يده على صدره ‪،‬‬
‫استغفر اللّه ثم وضع َ‬
‫ْ‬ ‫قال ‪ :‬فضحك النبي صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫فسكن قلبه ‪ ،‬فكان فضالة يقول ‪ :‬واللّه ما رفع يده عن صدري حتى‬
‫إلي منه ‪ .‬قال فضالة ‪ :‬فرجعت إلى أهلي ‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫أحب َّ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫ما من خلق اهلل‬
‫فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها‪ ،‬فقالت ‪ :‬هلم إلى الحديث ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫ال‪ .‬وانبعث فضالة يقول ‪:‬‬
‫واإلسالم‬ ‫يأبى ِ‬
‫عليك اهلل‬ ‫فقلت ال‬ ‫ِ‬
‫الحديث ُ‬ ‫قالت هلم إلى‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ألصنام‬
‫ُ‬ ‫يوم تَ َك َس ّر اَ‬
‫بالفتح َ‬
‫ِ‬ ‫رأيت محمداَّ َوقبيلَه‬ ‫لَوما ِ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫اإلظالم‬
‫ُ‬ ‫والشرك يغ َشى وجهَه‬ ‫أضحى َبيِّناً‬
‫َ‬ ‫دين اللّ ِه‬
‫لرأيت َ‬ ‫‪#‬‬
‫األم ان لص فوان بن أمية ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فح دثني محمد بن جعف ر‪ ،‬عن ُع روة بن‬
‫الزبير قال ‪ :‬خرج صفوان بن أمية يريد َّ‬
‫جدة ليركب منها إلى اليمن ‪ ،‬فقال ُع َم ْير بن وهب ‪ :‬يا‬
‫فأمنه‬
‫ن بى اللّه إن ص فوان بن أمية س يد قومه ‪ ،‬وقد خ رج هارب اً منك ‪ ،‬ليق ذف نفسه في البح ر‪ِّ ،‬‬
‫ص لَّى اللّه عليك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬هو آمن ‪ ،‬ق ال ‪ :‬يا رس ول اللّه ف أعطني آي ةً يع رف بها َ‬
‫أمانك ‪ ،‬فأعط اه‬
‫رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم عمامته التى دخل فيها مكة‪ ،‬فخرج بها عمير حتى أدركه ‪ ،‬وهو‬
‫يريد أن ي ركب في البح ر‪ ،‬فق ال ‪ :‬يا ص فوان ف داك أبي وأمى‪ ،‬اللّه ‪ ،‬اللّه في نفسك أن تهلكه ا‪،‬‬
‫ب ع نى فال‬
‫فه ذا أم ان من رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم قد جئتك به ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ويحك ‪ ،‬أغ ُر ْ‬
‫وخير‬
‫ُ‬ ‫وأحلم الناس ‪،‬‬ ‫وأبر الناس ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس ‪ُّ ،‬‬ ‫تكلمنى‪ ،‬قال ‪ :‬أي صفوان ‪ ،‬فداك أبي وأمي ‪ ،‬أفض ُل‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫الن اس ‪ ،‬ابن عمك ‪ ،‬ع زه ع زك ‪ ،‬وش رفه ش رفك ‪ ،‬وملكه ملكك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬إنى أخافه على نفسي ‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬هو أحلم من ذاك وأك رم ‪ .‬فرجع معه ‪ ،‬ح تى وقف به على رس ول اللّه ص لي اهلل عليه‬
‫وس لم‪ ،‬فق ال ص فوان ‪ :‬إن ه ذا ي زعم أنك قد أمنت ني ق ال ‪ :‬ص دق ؛ ق ال ‪ :‬ف اجعلني فيه بالخي ار‬
‫شهرين ‪ ،‬قال ‪ :‬أنت بالخيار فيه أربعة أشهر‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان‬
‫ويحك ! أغ ُرب ع نى‪ ،‬فال تكلم ني ‪ ،‬فإنك ك ذاب ‪ ،‬لما ك ان ص نع به ؛ وقد‬
‫لع َم ير ‪ْ :‬‬
‫ق ال ُ‬
‫ذكرناه في آخر حديث يوم بدر‪.‬‬
‫إس الم رءوس أهل مكة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني الزه ري ‪ :‬أن أم َحكيم بنت الح ارث‬
‫بن هشام (‪ِ )1‬‬
‫وفاختة بنت الوليد ‪ -‬وكانت‬
‫فأختة عند ص فوان بن أمي ة‪ ،‬وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل ‪ -‬أس لمتا‪ ،‬فأما أم حكيم‬
‫فاس تأمنت رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ِل ِع ْك ِرم ة‪َّ ،‬‬
‫فأمنه فلحقت به ب اليمن ‪ ،‬فج اءت به ‪ ،‬فلما‬
‫أسلم ِع ْك ِرمة وصفوان أقرهما رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عندهما على النكاح األول ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن‬
‫ابن ِّ‬
‫الزَب ْع َرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده‬ ‫حسان َ‬
‫ُ‬ ‫ثابت ؛ قال ؛ َر َمى‬
‫عليه ‪:‬‬
‫أح َّذ ِ‬
‫لئيم (‪)1‬‬ ‫ش َ‬‫نجران في َعْي ٍ‬ ‫ضه‬ ‫َّ‬
‫ال تَ ْع َد َم َّن ُ‬
‫رجالً أحلك ُب ْغ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫بعرى خرج إلى رسول اللّه صلي اهلل‬ ‫شعر ابن الزبعرى بعد إسالمه‪ :‬فلما بلغ ذلك ابن ِّ‬
‫الز َ‬
‫عليه وسلم فأسلم ‪ ،‬فقال حين أسلم ‪. :‬‬
‫بور(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫ت إذ أنا ُ‬‫راتق ما فَتَ ْق ُ‬
‫ٌ‬ ‫المليك إ ْذ لساني‬ ‫‪ #‬يا رسو َل‬
‫بور(‪)3‬‬
‫وم ْن مال ميلَه مثْ ُ‬ ‫َ‬ ‫الشيطان في َسَن ِن َ‬
‫الغ ّى‬ ‫َ‬ ‫‪ #‬إذ أباري‬
‫الشهيد أنت النذير‬
‫ُ‬ ‫ثم قلبى‬ ‫والعظام لربِّى‬
‫َ‬ ‫آم َن اللَّ ْح َم‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫رور‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫م ْن لُ َؤي وكلهم َم ْغ ُ‬ ‫زاجر ثََّم َحيَّا‬
‫إنني عنك ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫الزَب ْع َرى أيضا حين أسلم ‪:‬‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال عبد اللّه بن ِّ‬
‫هيم (‪)1‬‬ ‫واللي ُل معتَِل ُج الروا ِ‬
‫ق َب ُ‬ ‫وهموم‬
‫ُ‬ ‫الرقاد بالب ٌل‬
‫َ‬ ‫منع‬ ‫‪#‬‬
‫محموم‬
‫ُ‬ ‫ت كأننى‬ ‫فيه فَبِ ُّ‬ ‫أحمد المنى‬ ‫مما أتاني أن َ‬ ‫‪#‬‬
‫شوم (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْيرانةٌ ُس ُر ُح اليدين َغ ُ‬ ‫أوصالهَا‬ ‫خير َمن حملَت على‬ ‫يا َ‬ ‫‪#‬‬
‫أهيم (‪)3‬‬
‫الضالل ُ‬
‫إذ أنا في َ‬ ‫ديت‬
‫أس ُ‬ ‫ك من الذي ْ‬‫عتذر إلي َ‬
‫لم ٌ‬ ‫إنى ُ‬ ‫‪#‬‬
‫مخزوم (‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫وتأمرني بها‬ ‫بأغ َوى ُخطة َس ْه ٌم‬
‫تأمرنى ‪ْ -‬‬ ‫أيام ُ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫مشئوم‬ ‫وأمرهم‬ ‫أمر ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫الغواة ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر َدى ويقودنى‬‫أسباب َّ‬
‫َ‬ ‫وأمد‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫محروم‬ ‫خطىء هذه‬ ‫وم‬ ‫بالنبي محمدٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قلبي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫آمن‬
‫فاليوم َ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫لوم‬
‫وح ُ‬‫بيننا ُ‬ ‫أواصر َ‬
‫ُ‬ ‫ودعت‬ ‫أسبابها‬
‫وانقضت ُ‬ ‫ْ‬ ‫مضت العداوةُ‬ ‫‪#‬‬
‫مرحوم‬
‫ُ‬ ‫راحم‬
‫ٌ‬ ‫َزلَلى‪ ،‬فإنك‬ ‫والداي ِكالهما‬
‫َ‬ ‫فاغفر ‪ِ -‬ف ًدى لك‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫مختوم‬ ‫أغ ُّر وخاتٌَم‬
‫نور َ‬ ‫ِ‬
‫المليك عالمةٌ‬ ‫وعليك من ِع ِلم‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫عظيم‬
‫ُ‬ ‫وبرهان اإلله‬
‫ُ‬ ‫شرفاً‬ ‫رهانه‬
‫بعد محبتة ُب َ‬ ‫أعطاك َ‬ ‫‪#‬‬
‫جسيم‬ ‫ِ‬
‫العباد‬ ‫حق وأنك في‬ ‫صادق‬
‫ٌ‬ ‫دينك‬
‫دت بأن َ‬ ‫ولقد َش ِه ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫كريم‬
‫مصطفى مستقب ٌل في الصالحين ُ‬ ‫أحمد‬
‫يشهد أن َ‬ ‫ُ‬ ‫واللّه‬ ‫‪#‬‬
‫ً‬
‫وم (‪)5‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫وأر ُ‬‫فرعٌ تمكن في الذرا ُ‬ ‫بنيانه من هاشم‬ ‫قَ ْوم عال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال ابن هشام ‪:‬‬
‫هب يرة يبقى على كف ره وما قاله من الش عر في إس الم زوجته ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وأما‬
‫عنده ُّأم هانئ بنت أبي طالب ‪،‬‬
‫ُهَب ْيرة بن أبي َو ْهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافراً‪ ،‬كانت َ‬
‫هند ‪ ،‬وقد قال حين بلغه إسالم أم هانئ ‪:‬‬
‫واسمها ٌ‬
‫أسبابها وانفتالها(‪)1‬‬ ‫كذاك َّ‬
‫الن َوى ُ‬ ‫أشاقتك هند أم أتاك سؤالُها‬ ‫‪#‬‬
‫بعد ٍ‬
‫ليل خيالُها‬ ‫يسري َ‬ ‫بنجران ِ‬
‫َ‬ ‫منع‬ ‫رأس ِح ٍ‬
‫صن ُم َّ‬ ‫ت في ِ‬ ‫وقد َّأرقَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ضل ضاللُها‬ ‫بالليل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتعذلُنى‬ ‫ٍ‬
‫وعاذلة هبت بليل تلومنى‬ ‫‪#‬‬
‫سأر َدى وهل ُي ْر ِدين إال ِزيالُها(‪)2‬‬
‫ْ‬ ‫أطعت عشيرتى‬
‫ُ‬ ‫وتزعم أني إن‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫اليوم حالُها‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫فإني لمن قوم إذا َج َّد ِج ُّدهم على‬
‫أي حال أصبح َ‬ ‫‪#‬‬
‫تحت العوالي مجالُها(‪)3‬‬‫إذا كان من ِ‬ ‫وراء عشيرتي‬ ‫لحام من ِ‬‫وإ نى ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫دان ومنها ظاللُها(‪)4‬‬ ‫مخاريق ِوْل ٍ‬
‫ُ‬ ‫السيوف كأنها‬
‫ُ‬ ‫وصارت بأيديها‬ ‫‪#‬‬
‫نفسها وعيالُها‬ ‫ِ‬
‫على اللّه رزقى ُ‬ ‫وإ نى أل ْقلَى الحاسدين وفعلَهم‬ ‫‪#‬‬
‫تهوي ليس فيها نصالها(‪)5‬‬ ‫لكالنْبل ِ‬‫َّ‬ ‫كالم المر ِء في ِ‬
‫غير ُكن ِهه‬ ‫وإ ن َ‬ ‫‪#‬‬
‫األرحام منك حبالُها‬
‫َ‬ ‫وعطَّفَ ِت‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫دين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن كنت قد تابعت َ‬ ‫‪#‬‬
‫براء َي ْبس بِاللها(‪)6‬‬ ‫ٍ‬ ‫فكوني على أعلَى َسحي ٍ‬
‫ُملَ ْملَ َمة َغ َ‬ ‫ضَبة‬
‫ق بهَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫األرحام منك حبالُها "‪.‬‬
‫َ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ويروى ‪ " :‬وقطعت‬
‫ع دة من فتح مكة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وك ان جميع من ش هد فتح مكة من المس لمين عش رة‬
‫أس لَم‬ ‫ِ‬
‫آالف ‪ .‬من ب ني ُس لَيم س بعمائة ‪ .‬ويق ول بعض هم ‪ :‬ألف ‪ ،‬ومن ب ني غف ار أربعمائ ة‪ ،‬ومن ْ‬
‫أربعمائة ؛ ومن ُم َز ْينة ألف وثالثة نف ر‪ ،‬وس ائرهم من قُ ريش واألنص ار وحلف ائهم ‪ ،‬وطوائف‬
‫العرب من تميم وقيس وأسد‪.‬‬
‫ش عر حس ان في فتح مكة ‪ :‬وك ان مما قيل من الش عر في ي وم الفتح ق ول حس ان بن ث ابت‬
‫األنصاري ‪:‬‬
‫خالء(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫راء منزلُها‬
‫إلى َع ْذ َ‬ ‫األصابع فال ِج ُ‬
‫واء‬ ‫ِ‬ ‫ذات‬
‫ت ُ‬ ‫َعفَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫والسماء(‪)2‬‬ ‫الروامس‬ ‫حاس قَ ْفٌر تُ َعفِّيها‬
‫الح ْس ِ‬ ‫ديار من بني ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اء(‪)3‬‬ ‫خالل م ِ‬
‫روجها َن َع ٌم و َش ُ‬ ‫أنيس‬
‫وكانت ال يزال بها ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫شاء(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ط ْي ٍ‬‫ع هذا‪ ،‬ولكن َم ْن ِل َ‬
‫ذهب الع ُ‬ ‫ُي َؤِّرقُني إذا َ‬ ‫ف‬ ‫فد ْ‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫فاء(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫فليـس لقـلبه منها ش ُ‬ ‫َّمتْه‬‫ثاء التى قد تَي َ‬
‫ل َش ْع َ‬ ‫‪#‬‬
‫وماء(‪)3‬‬ ‫مزاجها عس ٌل‬ ‫يكون‬ ‫بيت ٍ‬
‫رأس‬ ‫كأن خبيئةً من ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫داء‬ ‫الر ِ ِ‬ ‫فه ـ َّـن لطي ِ‬ ‫إذا ما األ ْش ِر ُ‬
‫اح الف ُ‬ ‫ِّب َّ‬ ‫كرن يوماً‬ ‫بات ُذ َ‬ ‫‪#‬‬
‫اء(‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ُن َولِّيها المالمةَ إن ألَ ْمنا‬
‫ث أو ل َح ُ‬ ‫إذا ما كان َم ْغ ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫اللقاء(‪)5‬‬
‫ُ‬ ‫وأسدأ ما ُيَن ْهنِهَُنا‬‫ْ‬ ‫ونشربها فتتر ُكنا ملوكاً‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫اء(‪)6‬‬
‫موعدها َك َد ُ‬‫ُ‬ ‫النقع‬
‫تُثير َ‬ ‫خيلنا إن لم تََر ْوها‬ ‫َع ِدمنا َ‬ ‫‪#‬‬
‫ماء(‪)7‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫األس ُل الظ ُ‬ ‫على أكتافها َ‬ ‫صغيات‬
‫ٌ‬ ‫األعنةَ ُم‬ ‫ازع َن‬
‫ُيَن ْ‬ ‫‪#‬‬
‫النساء(‪)8‬‬ ‫بالخ ُمر‬
‫هن ُ‬ ‫لطم َّ‬ ‫جيادنا متمطِّ ٍ‬ ‫تَ ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُي ُ‬ ‫رات‬ ‫ظل ُ‬ ‫‪#‬‬
‫طاء‬ ‫َ ِ‬
‫وانكشف الغ ُ‬ ‫الفتج‬
‫وكان ُ‬ ‫اعتمرنا‬
‫ْ‬ ‫فإما تُعرضوا عنا‬ ‫َّ‬ ‫‪#‬‬
‫شاء‬
‫عين اللّه فيه َم ْن َي ُ‬ ‫ُي ُ‬ ‫وإ ال فاصبروا ل ِجالد ٍ‬
‫يوم‬ ‫‪#‬‬
‫فاء(‪)9‬‬ ‫ِ‬ ‫وروح القُ ْد ِ‬
‫س ليس له ك ُ‬ ‫ُ‬ ‫وجبري ٌل رسو ُل اللّه فينا‬ ‫‪#‬‬
‫يقول الحق إن نفع البالء(‪)1‬‬ ‫وقال اللّه قد أرسلت عبداً‬ ‫‪#‬‬
‫شاء‬ ‫ص ِّدقوه فقلتم ال ُ‬
‫نقوم وال َن ُ‬ ‫َش ِه ْد ُ‬
‫ت به فقوموا َ‬ ‫‪#‬‬
‫قاء(‪)2‬‬ ‫ِّ‬
‫ضتُها الل ُ‬‫األنصار ُع ْر َ‬
‫ُ‬ ‫هم‬
‫ُ‬ ‫ت ُجنداً‬ ‫وقال اللّه قد َسي َّْر ُ‬ ‫‪#‬‬
‫جاء‬
‫باب أو قتال أو َه ُ‬ ‫ِس ٌ‬ ‫كل يوم من َم َع ٍّد‬ ‫لنا في ِّ‬ ‫‪#‬‬
‫الدماء(‪)3‬‬ ‫ضرب حين ِ‬
‫تختلطُ‬
‫ُ‬ ‫ون ْ ُ‬ ‫فنحكم بالقوافي من َه َجانا َ‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫فاء(‪)4‬‬
‫الخ ُ‬‫ُم َغْل َغلَةً فقد َب ِر َح َ‬ ‫فيان عني‬ ‫أبلغ أبا ُس َ‬ ‫أال ْ‬ ‫‪#‬‬
‫اإلماء(‪)5‬‬
‫ُ‬ ‫وعبد ِ‬
‫الدار سادتُها‬ ‫ُ‬ ‫ك عبداً‬ ‫بأن سيوفَنا تركتْ َ‬ ‫‪#‬‬
‫الجزاء‬
‫ُ‬ ‫وعند اللّ ِه في َ‬
‫ذاك‬ ‫َ‬ ‫وأجبت عنه‬
‫ُ‬ ‫ت محمداً‬‫هج ْو َ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫الفداء(‪)6‬‬
‫ُ‬ ‫فشركما ِ‬
‫لخيركما‬ ‫ُّ‬ ‫ف ٍء‬
‫ولست له ب ُك ْ‬
‫َ‬ ‫أتهج َوه‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫الوفاء‬
‫ُ‬ ‫أمين اللّه شيعتُه‬ ‫َ‬ ‫ت ُمباركاً َب ًّرا حنيفاً‬
‫هجو َ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫سواء؟!‬
‫ُ‬ ‫وينصره‬
‫ُ‬ ‫ويمدحه‬
‫ُ‬ ‫رسول اللّه منكم‬
‫َ‬ ‫أمن يهجو‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫ِلع ِ‬ ‫ووالده ِ‬
‫رض محمد منكـم ِو ُ‬
‫قاء‬ ‫وع ْرضى‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن أبي‬ ‫‪#‬‬
‫الدالء(‪)7‬‬
‫ُ‬ ‫وب ْح ِري ال تُ َك ِّدره‬
‫َ‬ ‫عيب فيه‬
‫ارم ال َ‬
‫ص ٌ‬ ‫لساني َ‬ ‫‪#‬‬
‫وي ْروى ‪ " :‬لسانى صارم ال‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قالها حسان يوم الفتح ُ‬
‫عتب فيه "‪.‬‬
‫اء َيْل ِط ْم َن‬
‫وبلغ نى عن الزه ري أنه ق ال ‪ :‬لما رأى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم النس َ‬
‫بالخ ُم ِر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى اللّه عنه ‪.‬‬
‫الخيل ُ‬
‫َ‬
‫الديلى يعتذر‬
‫أنس بن زنيم يعتذر مما قاله ابن سالم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال أنس بن ُزَن ْيم ّ‬
‫إلى رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي ‪:‬‬
‫وقال لك ا ْشهَِد‬
‫بل اللّه َيهديهم َ‬ ‫‪ #‬أأنت الذي تُ ْه َدى َم َع ٌّد ِ‬
‫بأمره‬
‫وأوفى ِذمةً من محمد‬
‫أبر ْ‬‫َّ‬ ‫فوق ِ‬
‫رحلها‬ ‫ناقة َ‬‫ت من ٍ‬ ‫‪ #‬وما َح َملَ ْ‬
‫المهن ِد‬
‫كالسيف الصقيل َّ‬ ‫ِ‬ ‫راح‬
‫إذا َ‬ ‫وأسبغ نائالً‬
‫َ‬ ‫أحث على خير‬ ‫َّ‬ ‫‪#‬‬
‫المتجر ِد(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫لرأس السَّابق‬ ‫وأعطى‬ ‫ال قب َل ِ‬
‫ابتذاله‬ ‫وأكسى لبر ِد ِ‬
‫الخ ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ّ‬ ‫ُْ‬
‫َخ ِذ ِ‬
‫باليد(‪)2‬‬ ‫وأن وعيداً منك كاأل ْ‬ ‫تعلَّ ْم رسو َل اللّه أنك ُم ْد ِركى‬ ‫‪#‬‬
‫وم ْن ِج ِد(‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ِ‬
‫على كل ص ْرٍم ُمتْهمين ُ‬ ‫قادر‬
‫تعلم رسو َل اللّه أنك ٌ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫المخلفُو ُك َّل َم ْو ِع ِد‬
‫ِ‬ ‫هم الكاذبون‬‫ُ‬ ‫عو ْيمر‬
‫كب ر ْكب َ‬ ‫تَ َعلَّ ْم بأن َّ‬
‫الر َ‬ ‫‪#‬‬
‫إلي إذن َي ِدي‬ ‫ِ‬
‫ت ُس ْوطي ّ‬ ‫فال حملَ ْ‬ ‫هجوته‬
‫ونب َّْوا رسو َل اللّه أني ْ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫وأس ًع ِد(‪)1‬‬
‫بنحس ال بطْلق ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أصيبوا‬ ‫وي ُل ِّام ِف ٍ‬
‫تية‬ ‫ِسوى أننى قد ُ‬
‫قلت ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ت عبرتى وتََبلِّدي (‪)2‬‬ ‫فاء َّ‬
‫فعز ْ‬ ‫ك ً‬
‫ِ‬ ‫أصابهم َمن لم يكن لدمائِهم‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫عبد اللّ ِه وابنة َمهود‬
‫بن ِ‬ ‫ِ‬
‫بعبد ِ‬ ‫كنت ساعياً‬
‫ت إن َ‬
‫أخفر َ‬
‫فإنك قد ْ‬ ‫‪#‬‬
‫تدمع ِ‬
‫العين أ َكمد(‪)3‬‬ ‫جميعاً فإال َ‬ ‫وسْل َمى تتابعوا‬ ‫وكلثوم َ‬
‫ٌ‬ ‫ُذ َو ْيب‬ ‫‪#‬‬
‫كأع ِبد؟!‬
‫وإ خوتِه وهل ُملوك ْ‬ ‫ِ‬
‫كمثله‬ ‫وسْلمى‪ ،‬وسْلمى ليس َح ٌّي‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫واقصدِ‬
‫ِ‬ ‫َّن عالم ِّ‬
‫الحق‬ ‫ِ‬
‫رقت تََبي ْ‬
‫َه ُ‬ ‫فإني ال ديناً فتقت وال َدماً‬ ‫‪#‬‬
‫أص َرم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم ‪ :‬فأجابه ُب َدْيل بن عبد مناف ابن أم ْ‬
‫ط ُّل وتُْب َع ُد(‪)4‬‬
‫فَأال َعديِّا إذ تُ َ‬ ‫البكا‬
‫فأعولَه ُ‬ ‫أنس َر ْزناً َ‬ ‫بكى ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫الحرب موقد‬ ‫وقد‬
‫عذ َر إذ ال ُي ُ‬ ‫فتُ ِ‬ ‫رب دمائِها‬ ‫بكيت أبا َع ْبس لقُ ِ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫معَب ُد(‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نادِم ِفتْية‬
‫الخ ِ‬
‫نهم ُنفي ٌل ْ‬ ‫كرام فَ َس ْل ‪ ،‬م ْ‬ ‫يوم َ‬
‫أصابهم َ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫العين فاكمدوا‬‫تدمع ُ‬ ‫عليهم وإ ن لم ْ‬ ‫هنالك إن تُسفَ ْح دموعك ال تُلَ ْم‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وهذه األبيات في قصيده له ‪ .‬شعر بجير بن زهير في يوم الفتح ‪ :‬قال ابن‬
‫لمى في يوم الفتح ‪:‬‬
‫إسحاق ‪ :‬وقال ُب َج ْير بن ُزهير بن أبي ُس َ‬
‫م َز ْينةُ ُغ ْدوةً وبنو ُخ ِ‬
‫فاف (‪)1‬‬ ‫ق ُك َّل فَج‬‫الحَبلَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َنفى أه َل َ‬ ‫‪#‬‬
‫الخ ِ‬
‫فاف (‪)2‬‬ ‫يض ِ‬‫الخير بالبِ ِ‬ ‫يوم فتح النبي‬ ‫ضربناهم بمكةَ َ‬ ‫‪#‬‬
‫وألف من بني عثمان ِ‬
‫واف (‪)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫بسبع ِم ْن ُسلَْيٍم‬
‫صَب ْحناهم ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طاف (‪)4‬‬‫ِّشة اللِّ ِ‬
‫ور ْشقا بالمري ِ‬ ‫طا أكتافَهم ضرباً‬ ‫َن َ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫واق من الر ِ‬
‫صاف (‪)5‬‬ ‫انصاع الفُ ُ‬ ‫كما‬ ‫بين الصفوف لها حفيفا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ترى َ‬ ‫‪#‬‬
‫مة الثِّ ِ‬
‫قاف (‪)6‬‬ ‫بأرماح مقَ َّو ِ‬ ‫ياد تجو ُل فيهم‬‫فَ ُر ْحَنا وال ِج ُ‬
‫ٍ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الخالف‬ ‫نادمين على‬ ‫وآبوا‬ ‫مين بما اشتهَينا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فأبنا غان َ‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫َمواثِقَنا على ُح ْس ِن التَّصافى‬ ‫وأعطينا رسو َل اللّه منا‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بانصراف (‪)7‬‬ ‫الرو ِع ِمنا‬
‫َغداةَ ْ‬ ‫فهموا‬
‫وقد سمعوا مقالَتنا ّ‬ ‫‪#‬‬
‫السلَمى في‬
‫شعر عباس بن مرداس في فتح مكة ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وقال عباس ابن مرداس ُّ‬
‫فتح مكة ‪:‬‬
‫البطاح ُم َس َّو ُم‬ ‫ألف تسي ُل به‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫فتح‬
‫يوم ِ‬
‫ُ‬ ‫‪ #‬منا بمكةَ َ‬
‫أيَّامه وشعار ُهم يوم ِ‬
‫اللقاء ُمقَ َّد ُم‬ ‫وشاهدوا‬ ‫‪ #‬نصروا الرسو َل‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الح ْنتَ ُم (‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ #‬في ِ‬
‫الهام فيه َ‬
‫ض ْنك كأن َ‬ ‫أقدامهم َ‬‫ت به ُ‬ ‫منزل ثبتَ ْ‬
‫األد َه ُم‬
‫الحجاز ْ‬ ‫ُ‬ ‫بنجد قبلَها حتى استقاد لها‬ ‫ت سنابِ َكها ٍ‬ ‫جر ْ‬
‫َّ‬ ‫‪#‬‬
‫وج ٌّد ِم ْز َح ُم (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫كم السيوف لنا َ‬ ‫ُح ُ‬ ‫‪ #‬اللّه َم َّكَنهُ له وأذلَّه‬
‫ض ِر ُم (‪)3‬‬ ‫المكارم ِخ ْ‬
‫ِ‬ ‫نينه متطلِّعٌ ثُ َغ ُر‬‫شامخ ِع ْر ُ‬
‫ٌ‬ ‫‪َ #‬ع ْود الرياسة‬
‫إس الم عب اس بن م رداس ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وك ان إس الم عب اس بن م رداس (‪ ، )4‬فيما‬
‫ح دثني بعض أهل العلم بالش عر‪ ،‬وحديثه ‪ :‬أنه ك ان ألبيه ِم ْرداس وثَن يعب ده ‪ ،‬وهو َحجر ك ان‬
‫ضمار فإنه ينفعك ويضرك ‪ ،‬فبينا‬ ‫ضمار‪،‬فلما حضر مرداس قال لعباس ‪ :‬أي بني‪ ،‬اعبد َ‬ ‫ُيقال له َ‬
‫عباس يوما‬
‫ضمار‪ ،‬إذ سمع من جوف ضمار (ا) مناديا يقول ‪:‬‬ ‫عند َ‬
‫ِ‬
‫المسجد‬ ‫وعاش أه ُل‬ ‫ضمار‬ ‫للقبائل من ُسلَْيم كلِّها‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْأو َدى َ‬ ‫قل‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ابن مريم من قُريش م ِ‬
‫هتد ٍي‬ ‫بعد ِ‬ ‫إن الذي َو ِرث النبوةَ والهُ َدى‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫محمد‬ ‫ِ‬
‫الكتاب إلى النبي‬ ‫قب َل‬ ‫ضمار وكان ُيعبد مرةً‬ ‫ْأو َدى َ‬ ‫‪#‬‬
‫فحرق عباس ضمار‪ ،‬ولحق بالنبي صلى اهلل عليه وسلم فأسلم(‪)2‬‬
‫الخزاعي يوم فتح مكة ‪:‬‬ ‫قال ابن هشام ‪ :‬وقال َج ْعدة بن عبد اللّه ُ‬
‫ِ‬ ‫أكعب بن عمرو دعوةً غير ِ‬
‫تاح (‪)3‬‬
‫الحديد ُم ِ‬ ‫لحي ٍن له َ‬
‫يوم‬ ‫ْ‬ ‫باطل‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫‪#‬‬
‫سالح‬
‫ِ‬ ‫لتقـتله ليال ًبغي ـ ِـر‬ ‫أرضه وسمائِه‬
‫أتيحت له من ِ‬ ‫‪#‬‬
‫وِل ْفتاً َسددناه وفَ ّج ِط ِ‬
‫الح (‪)1‬‬ ‫ت غزال خيوِلنا‬ ‫ونحن األلى َس َّد ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ماح (‪)2‬‬
‫ور ِ‬ ‫ض ٍد من َ‬
‫خيلنا ِ‬ ‫بج ْح َفل ِ‬
‫ذوي َع ُ‬ ‫وراء المسلمين َ‬‫َ‬ ‫خطرنا‬ ‫‪#‬‬
‫وهذه األبيات في أبيات له ‪.‬‬
‫شعر بجيد في فتح مكة ‪ :‬وقال ُب َج ْيد بن عمران الخزاعي ‪:‬‬
‫ِ‬
‫المتراك ِب (‪)3‬‬ ‫اب الهَْي َد ِب‬
‫صح ِ‬ ‫ِ‬
‫بنصرنا ُركام َ‬ ‫السحاب‬
‫َ‬ ‫وقد أنشأ اللّه‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫وكاتب‬ ‫خير ُم ْم ٍل‬
‫كتاب أتى من ِ‬ ‫ٌ‬ ‫و ِه ْجرتُنا في ِ‬
‫أرضنا عندنا بها‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫القواض ِب (‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫بالسيوف‬ ‫ك ثأراً‬ ‫ِ‬
‫لندر َ‬ ‫أجلنا َحلَّ ْ‬
‫ت بمكةَ ُحرمةٌ‬ ‫ومن ْ‬ ‫‪#‬‬
‫مسير خالد بن الوليد بعد الفتح‬
‫إلى بني جذيمة من كنانة(‪)5‬‬
‫ومسير علي لتالفي خطأ خالد‬
‫الس ّراَيا تدعو‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد َبعث رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم فيما حول مكة َ‬
‫بن‬
‫خالد ُ‬
‫إلى اللّه عز وجل ‪ ،‬ولم يأمرهم بقتال ‪ ،‬وكان ممن ُبعث ُ‬
‫فوطىء بني َج ِذيمة‪ ،‬فأصاب‬
‫الوليد‪ ،‬وأمره أن يسير بأسفل تِهامة داعياً‪ ،‬ولم يبعثه مقاتال‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫منهم ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك ‪:‬‬
‫وقَ َّدمته فإنه قد تَ َّ‬
‫قدما‬ ‫رت في القوم خالداً‬
‫أم َ‬
‫ك قد َّ‬ ‫فإن ت ُ‬ ‫‪#‬‬
‫لما‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ظَ‬ ‫الحق من كان أ ْ‬ ‫يب به في‬
‫ُنص ُ‬ ‫أميره‬
‫بجند َهداهُ اللّه أنت ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬وه ذان البيت ان في قص يدة له في ح ديث ي وم ُحَنين ‪ : ،‬س أذكرها إن ش اء‬
‫اللّه في موض عها‪ .‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فح دثني َحكيم بن َحكيم بن عب اد بن ُحَن ْيف ‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫محمد بن على‪ ،‬قال ‪ :‬بعث رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعي اً‪،‬‬
‫وم ْدلج بن ُم رة‪ ،‬فوطئوا بني َجذيمة‬
‫ولم يبعثْه مقاتالً‪ ،‬ومعه قبائ ُل من العرب ‪ُ :‬سلَيم بن منصور‪ُ ،‬‬
‫بن عامر بن عبد مناة بن كنانة‪ ،‬فلما رآه القوم أخذوا السالح ‪ ،‬فقال خالد ‪ :‬ضعوا السالح ‪ ،‬فإن‬
‫الناس قد أسلموا‪.‬‬
‫بعض أص حابنا من أهل العلم من ب ني َجذيم ة‪ ،‬ق ال ‪ :‬لما أمرنا‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فح دثني ُ‬
‫السالح قال رجل منا يقال له َج ْح َدم ‪ :‬ويلكم يا بني َجذيمة ! إنه خالد واللّه ما َب ْع َد‬
‫َ‬ ‫خالد أن نضع‬
‫ب األعن اق ‪ ،‬واللّه ال أضع س الحي أب داً‪.‬‬ ‫ض ِع الس الح إال اإلس ار(ا)‪ ،‬وما َب ْع َد اإلس ِار إال َ‬
‫ض ْر ُ‬ ‫َو ْ‬
‫دماءنا ؟ إن الن اس أس لموا‬
‫ق ال ‪ :‬فأخ ذه رج ال من قومه ‪ ،‬فق الوا ‪ :‬يا َج ْح َدم ‪ ،‬أتريد أن تس فك َ‬
‫الحرب ‪ ،‬وأمن‬
‫ُ‬ ‫ووضعت‬
‫السالح ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ووضعوا‬
‫الح لق ول خال د‪،‬ق ال ابن‬
‫وم الس َ‬
‫الحه ‪ ،‬ووضع الق ُ‬
‫الن اس ‪ .‬فلم يزال وا به ح تى نزع وا س َ‬
‫إسحاق ‪ :‬فحدثني حكيم بن حكيم ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد‬
‫الح أمر بهم خالد عند ذلك ‪ ،‬ف ُكتف وا‪ ،‬ثم عرض هم على‬
‫ابن على‪ ،‬ق ال ‪ :‬فلما وض عوا الس َ‬
‫الس يف ‪ ،‬فقَتل من قَتل منهم ؛ فلما انتهى الخ بر إلى رس ول اهلل ص لي اهلل عليه وس لم‪ ،‬رفع يديه‬
‫خالد بن الوليد‪.‬‬
‫إلى السماء‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع ُ‬
‫الرسول يتبرأ من فعل خالد ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬حدثني بعض أهل‬
‫العلم ‪ ،‬أنه ُح دث عن إب راهيم بن جعفر المحم ودي ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫طعمه ا‪ ،‬ف اعترض في حلقي منها‬ ‫ت َ‬ ‫وس لم ‪ :‬رأيت ك أني لَِق ْمت (‪ )1‬لُ ْقمة من َح ْيس (‪ )2‬فالت ذ ْذ ُ‬
‫على يده فنزعه فقال أبو بكر الصديق رضى اهلل عنه ‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬ ‫شيء حين ابتلعتها‪ ،‬فأدخل ّ‬ ‫ٌ‬
‫فتبعث‬
‫ُ‬ ‫بعضها اعتراض ‪،‬‬ ‫هذه س ِريَّة من سراياك تبعثها‪ ،‬فيأتيك منها بعض ما تحب ‪ ،‬ويكون في ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عليا فيسهله ‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن هشام‪ :‬وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬ف أخبره الخ بر‪ ،‬فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬هل أنكر‬
‫أحد ؟ فقال ‪:‬‬
‫عليه ٌ‬
‫نعم ‪ ،‬قد أنكر عليه رجل أبيض ربع ة(‪ ،)3‬فنهمه (‪ )4‬خال د‪ ،‬فس كت عنه ‪ ،‬وأنكر عليه‬
‫أما األول‬
‫طرب ‪ ،‬فراجعه ‪ ،‬فاشتدت مراجعتهم ا‪،‬فق ال عمر بن الخط اب ‪َّ :‬‬
‫ض ً‬
‫رجل آخر طويل ُم ْ‬
‫يا رسول اللّه فابني عبد اللّه ‪ ،‬وأما اآلخر فسالم ‪ ،‬مولى أبي حذيفة ‪.‬‬
‫إرس اله ص لي اهلل عليه وس لم عليًّا بدية ب ني جذيمة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فح دثني َحكيم بن‬
‫علي بن أبي‬
‫حكيم ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي ق ال ‪ :‬ثم دعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫علي ‪ ،‬اخرج إلى هؤالء القوم ‪ ،‬فانظر في أمرهم ‪ ،‬واجعل‬
‫طالب رضوان اللّه عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ّ‬
‫ميك ‪ .‬فخ رج علي ح تى ج اءهم ومعه م ال قد بعث به رس ول اللّه ص لي‬ ‫تحت ق َد ْ‬‫‪ ،‬أمر الجاهلية َ‬
‫الدماء وما أصيب لهم من األموال ‪ ،‬حتى‬
‫َ‬ ‫فو َدى لهم‬ ‫اهلل عليه وسلم‪َ ،‬‬
‫وداه ‪ ،‬بقيت معه‬
‫شىء من دم وال م ال إال َ‬
‫ٌ‬ ‫إنه َلي ِدي لهم ميلَ َغ ةَ ال َكْلب (‪ ،)1‬حتى إذا لم َي َ‬
‫بق‬
‫علي رضوان اللّه عليه حين فرغ منهم ‪ :‬هل بقي لكم بقية من دم أو‬ ‫بقي ةٌ من المال ‪ ،‬فقال لهم ٌّ‬
‫ود لكم ؟ قالوا ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪:‬‬
‫مال لم ُي َ‬
‫فإنى أعطيكم هذه البقية من هذا المال ‪ ،‬احتياطا لرسول اللّه صلي اهلل عليه وس لم‪ ،‬مما يعلم‬
‫ت‬
‫أصب َ‬
‫وال تعلمون ‪ ،‬ففعل ‪ .‬ثم رجع إلى رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم فأخبره الخبر‪:‬فقال ‪ْ :‬‬
‫وأحسنت ! قال ‪ :‬ثم قام رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهراً يديه ‪ ،‬حتى‬
‫ثالث‬
‫بن الولي د‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫إنه ُلي رى مما تحت َم ْنكبيه (‪ ،)2‬يق ول ‪ :‬اللهم إني أب رأ إليك مما ص نع خال ُد ً‬
‫َم َّرات ‪.‬‬
‫بعض من َيعذر خالداً إنه قال ‪ :‬ما قاتلت‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد قال ُ‬
‫َّهمي ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪،‬‬ ‫عبد اللّه بن ُحذافة الس ْ‬
‫حتى أمرنى بذلك ُ‬
‫قد أم رك أن تق اتلهم المتن اعهم من اإِل س الم ‪.‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬ق ال أبو َعم رو الم دني ‪ :‬لما أت اهم‬
‫صَبأنا(‪)3‬‬
‫صَبأنا َ‬
‫خالد‪ ،‬قالوا ‪َ :‬‬
‫ما وقع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ‪ :‬قال‬
‫ابن إس حاق ‪ :‬وقد ك ان َح ْج َدم ق ال لهم حين وض عوا الس الح ورأى ما يص نع خالد بب ني‬
‫رب ‪ ،‬قد كنت ح ذرتكم ما وقعتم فيه ‪ .‬قد ك ان بين خالد وبين‬ ‫ِ‬
‫َجذيمة ‪ :‬يا ب ني َجذيم ة‪ ،‬ض اع الض ُ‬
‫عبد ال رحمن بن َع ْوف ‪ ،‬فيما بلغ ني ‪ ،‬كالم في ذلك ‪ ،‬فق ال له عبد ال رحمن بن َع ْوف ‪ :‬عملت‬
‫ب أمر الجاهلية في اإِل س الم ‪ .‬فق ال ‪ :‬إنما ث ارت بأبيك فق ال عبد ال رحمن ‪ :‬ك ذبت ‪ ،‬قد ُ‬
‫قتلت قاتل‬
‫أبي ‪ ،‬ولكنك ث أرت بعمك الفاكه بن المغ يرة‪ ،‬ح تى ك ان بينهما ش ر‪ .‬فبلغ ذلك رس ول اللّه ص لي‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال ‪ :‬مهال يا خالد‪ ،‬دع عنك أصحابي ‪ ،‬فواللّه لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في‬
‫سبيل اللّه ما أدركت َغ ْد َوةَ رجل من أصحابي وال َر ْو َحته ‪)1( .‬‬
‫ما ك ان بين ق ريش بين جذيمة في الجاهلية ‪ :‬وك ان الفاكه بن المغ يرة بن عبد اللّه بن ُعمر‬
‫بن مخ زوم ‪ ،‬وع وف بن عبد من اف بن عبد الح ارث بن ُزه رة‪ ،‬وعف ان بن أبي الع اص بن أمية‬
‫بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ‪ ،‬ومع عفان ابنه عثمان ‪ ،‬ومع عوف ابنه عبد الرحمن‬
‫‪.‬فلما أقبل وا حمل وا م ال رجل من ب ني َج ِذيمة ابن ع امر‪ ،‬ك ان هلك ب اليمن ‪ ،‬إلى ورثته ‪ ،‬فادع اه‬
‫رجل منهم يق ال له خالد بن هش ام ‪ ،‬ولقيهم ب أرض ب ني َج ِذيمة قبل أن يص لوا إلى أه ِل الميت ‪،‬‬
‫فأبوا عليه ‪ ،‬فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه ‪ ،‬وقاتلوه ‪ ،‬فقُتل عوف ‪ ،‬والفاكه بن‬
‫مال الفاكه بن‬
‫المغيرة‪ ،‬ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان ‪ ،‬وأصابوا َ‬
‫عبد الرحمن بن‬
‫المغيرة‪ ،‬ومال عوف بن عبد عوف ‪ ،‬فانطلقوا به ‪ ،‬وقَتل ُ‬
‫خالد بن هشام قاتل أبيه ‪ ،‬فهمت قريش بغزو بني َج ِذيمة‪ ،‬فقالت‬‫عوف َ‬
‫بنو جذيمة ‪ :‬ما كان ُمصاب أصحابكم عن مال منا‪ ،‬إنما عدا عليهم قوم‬
‫نعلم ‪ ،‬فنحن َن ْع ِقل لكم ما كان لكم ِقَبلنا من دم‬
‫بجهالة‪ ،‬فأصابوهم ولم ْ‬
‫أو مال ‪ ،‬فقبلت قريش ‪،‬ذلك ‪ ،‬ووضعوا الحرب ‪.‬‬
‫ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة ‪ :‬وقد قال قائل‬
‫من بني جذيمة‪ ،‬وبعضهم يقول ‪ :‬امرأة يقال لها سلمى ‪:‬‬
‫ناطحا‬
‫َ‬ ‫يوم ذلك‬
‫لالقت ُسلَْي ٌم َ‬
‫ْ‬ ‫أسِلموا‬ ‫القوم ِ‬
‫للقوم ْ‬ ‫ولوال مقا ُل ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ابحا(‪)2‬‬
‫ض َ‬ ‫الب ْرك َ‬
‫ُم َّرةَ حتى يتركوا َ‬ ‫وأصحاب َج ْح َدم‬
‫ُ‬ ‫هم ُب ْسٌر‬
‫لماص َع ْ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ميصاء من فَتًى أصيب ولم يجرح وقد كان َج ِارحا(‪)3‬‬ ‫الغ ْ‬
‫فكائن تَرى يوم ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ناكحا(‪)4‬‬
‫كان َ‬‫منهن من َ‬
‫َغ ٍ‬
‫داتئذ َّ‬ ‫طلَّقت‬
‫األيامى و َ‬
‫َ‬
‫ط ِ‬
‫اب‬ ‫ألَظَّت بِ ُخ ّ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قوله " بسر "‪ " ،‬وألظت بخطاب " عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫الرد على ما قيل ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪:‬فإجابه عباس بن مرداس‬
‫ما قاله عباس بن مرداس في ّ‬
‫‪ ،‬ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمى‪:‬‬
‫ناطحا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واألمس‬ ‫الوغى في ِ‬
‫اليوم‬ ‫لكبش َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضالل َكفَى بنا‬ ‫‪ #‬دعى عنك تَ ْق َوال‬
‫األمر ِ‬‫غداةَ َعال َنهجاً من ِ‬ ‫ُّ‬
‫واض َحا‬ ‫فخالد أولى بالتعذ ِر ُ‬
‫منكم‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وبو ِار َحا‬ ‫ِ‬ ‫‪ُ #‬معاناً ِ‬
‫سوانح ال تكبو له َ‬ ‫َ‬ ‫إليكم‬
‫بأمر اللّه ُي ْزجى ُ‬
‫كوالحا(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الغبار‬ ‫عوابس في كابي‬ ‫طنه‬ ‫‪َ #‬نعوا مالكاً بالس ِ‬
‫َّهل لما َهَب َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ونائحا‬ ‫ٍ‬
‫نائحات‬ ‫تركتم عليه‬ ‫ك‬‫ك أثكلناك َسْل َمى فمال ٌ‬ ‫‪ #‬فإن ن ُ‬
‫َ‬
‫ما قاله الجحاف ردا على ما قيل أيضا ‪ :‬وقال الجحاف بن حكيم السلمي ‪:‬‬
‫الم (‪)2‬‬ ‫مات حَن ْينا وهى داميةُ ِ‬
‫الك ِ‬ ‫‪َ #‬ش ِه ْدن مع النبي مس َّو ٍ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫الحر ِام‬ ‫ِ‬ ‫سنابِ ُك َّ‬
‫هن بالبلد َ‬ ‫ت‬‫وجر ْ‬
‫‪ #‬وغزوة خالد شهدت َّ‬
‫ض ِللِّ ِ‬
‫طام‬ ‫وجوهاً ال تُ َع َّر ُ‬ ‫‪ #‬نعرض للطِّعان إذا التقينا‬
‫إذا َه َّز الكماةُ وال أرامي‬ ‫بخالع عني ثيابى‬
‫ٍ‬ ‫ولست‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الحسام (‪)1‬‬ ‫بالعض ِب‬ ‫إلى الع ِ‬
‫لوات‬ ‫المهر تحتي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ولكني يجو ُل ُ‬ ‫‪#‬‬
‫خ بر ابن أبي ح درد مع ب ني َج ِذيمة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني يعق وب بن عتبة بن‬
‫المغ يرة بن األخنس ‪ ،‬عن الزه ري ‪ ،‬عن ابن أبي َح ْدرد األس لمي‪ ،‬ق ال ‪ :‬كنت يومئذ في خيل‬
‫خالد بن الولي د‪ ،‬فق ال لي ف تى من ب ني َجذيم ة‪ ،‬وهو في س ني‪ ،‬وقد ُجمعت ي داه إلى عنقه ُبر َّمة(‬
‫ق ال ‪ :‬هل أنت اخذ به ذه‬ ‫‪)2‬ونس وة مجتمع ات غ ير بعيد منه ‪ :‬يا ف تى؛ فقلت ‪ :‬ما تش اء؟‬
‫الر َّمة‪ ،‬فقائ دي إلى ه ؤالء النس و ِة ح تى أقضى إليهن حاج ةً‪ ،‬ثم ت ردنى بع ُد‪ ،‬فتص نعوا بي ما ب دا‬ ‫ُّ‬
‫لكم ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬واهلل لََي ِسير ما طلبت ‪ .‬فأخذت ُبرمته فقدته بها‪ ،‬حتى وقف عليهن ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ش (‪.)3‬‬ ‫اسلمى ُحَب ْيش ‪ ،‬على َنفٍَد من ْ‬
‫العي ِ‬
‫ق (‪)4‬‬‫بحْلَية أو أْلفَْيتُكم بالخوانِ ِ‬
‫َ‬ ‫فوجدتُكم‬
‫ْ‬ ‫‪ #‬أريتُ ِك إذ طالبتُكم‬
‫والودائق (‪)5‬‬
‫َ‬ ‫ى‬‫الس ّر َ‬
‫إدالج ُ‬
‫َ‬ ‫تكلف‬ ‫ك أهالً أن ُيَن َّو َل عاشق‬ ‫‪ #‬ألم ي ُ‬
‫ق (‪)6‬‬‫قلت إذ أهلُنا معاً أثيبى بِو ّد قب َل إحدى الصفائ ِ‬ ‫ذنب لي قد ُ‬ ‫‪ #‬فال َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالحبيب المفارق‬ ‫األمير‬ ‫وينأى‬ ‫ط َّ‬
‫الن َوى‬ ‫بود قب َل أن تَ ْش َح َ‬
‫‪ #‬أثيبى ّ‬
‫ُ‬
‫عد ِك رائق‬ ‫راق عيني ِ‬
‫عنك َب َ‬ ‫وال َ‬ ‫ضيعت ِس َّر ٍ‬
‫أمانة‬ ‫ُ‬ ‫‪ #‬فإني ال‬
‫وام ِ‬
‫ق (‪)1‬‬ ‫أن ما نال العشيرةَ شاغل عن الو ِّد إال أن َ َّ‬‫سوى َّ‬
‫يكون الت ُ‬ ‫ُ‬
‫األخيرين منها له ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫قال ابن هشام ‪ :‬وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين‬
‫األخَنس ‪ ،‬عن ُّ‬
‫الز ْه ري عن ابن‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يعقوب بن ُعتبة بن المغيرة بن ْ‬
‫ييت س بعاً وعش راً‪ِ ،‬وتْ راً وثمانيا تَتْ َرى ‪ .‬ق ال ‪ .‬ثم‬
‫فح َ‬‫أبي َح ْدرد األس لمى ق ال ‪ .‬ق الت ‪ :‬وأنت ُ‬
‫فضربت عنقه ‪.‬‬
‫انصرفت به ‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني أبو ِف راس بن أبي ُس نبلة األسلمي ‪ ،‬عن أشياخ منهم ‪ ،‬عمن كان‬
‫ت عليه ‪ ،‬فما زالت تقبله حتى ماتت‬
‫فأكب ْ‬
‫ض ربت عنقه ‪َ ،‬‬
‫حضرها منهم ‪ ،‬قالوا‪ :‬فقامت إليه حين ُ‬
‫عنده ‪.‬‬
‫شعر رجل من بني جذيمة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال رجل من بني َج ِذيمة ‪:‬‬
‫سارت وحلَّ ِت‬
‫ْ‬ ‫حيث‬
‫أصبحت جزاءة ُب ْؤ َسى ُ‬
‫ْ‬ ‫حيث‬
‫جزى اللّه عنا ُم ْدلجاً ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وعلَّ ِت‬
‫الرماح َ‬
‫ُ‬ ‫ت فينا‬
‫وقد َنهَلَ ْ‬ ‫ونها‬
‫سم َ‬ ‫ِ‬
‫أقاموا على أقضاضنا َي ْق ُ‬ ‫‪#‬‬
‫لقد َهربت منهم خيو ٌل فشلَّ ِت‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫دين ِ‬
‫آل‬ ‫فواللّه لوال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫جراد أرسلت فا ْش َم َعلَّ ِت (‪)2‬‬
‫ٍ‬ ‫كر ْج ِل‬
‫ِ‬ ‫ضرهم أن ال ُيعينوا كتيبةً‬
‫وما َّ‬ ‫‪#‬‬
‫أضلَّ ِت‬
‫نحن نجزيهم بما قد َ‬
‫فال ُ‬ ‫فإما ينيبوا أو َيثُوبوا ِ‬
‫ألمرهم‬ ‫‪#‬‬
‫ما أجابه به وهب الليثي ‪ :‬فأجابه وهب ‪ ،‬رجل من بني ليث ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ذنبنا في عامر إذ تََولَّ ِت‬
‫فما ُ‬ ‫والحق عامراً‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم‬ ‫َد َع ْونا إلى‬ ‫‪#‬‬
‫ضلَّ ِت‬‫أحالمهم ثم َ‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ألن َس ِفهَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ذنبنا في عامر ال أبا لهم‬
‫وما ُ‬ ‫‪#‬‬
‫شعر رجل من بني جذيمة ‪ :‬وقال رجل من بني َجذيمة ‪:‬‬
‫كعب مقَ َّدم ٍ‬ ‫ليهنئ بني ٍ‬
‫الكتائب‬
‫ُ‬ ‫وأصحابِه إذ َ‬
‫صبَّحتنا‬ ‫خالد‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫غائب (‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫يسعى بها ابن ُخ َوْي ٍلد وقد ُ‬
‫كنت مكفيًّا لو انك‬ ‫ِ‬
‫فال ترةٌ َ‬ ‫‪#‬‬
‫ذاهب‬ ‫الغم ِ‬
‫يصاء‬ ‫الداء من ِ‬
‫ُ‬ ‫يوم ُ َ‬ ‫وال ُ‬ ‫ينهون عنا ُغواتَهم‬
‫َ‬ ‫قومنا‬
‫فال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ما قاله الغالم الجذامي الهارب ‪ :‬وقال غالم من بني َجذيمة‪ ،‬وهو يسوق بأمه وأختين له‬
‫وهو هارب بهن من جيش خالد‪:‬‬
‫م ْشى حيِي ٍ‬ ‫ِ‬
‫كأن لم ُي ْف َز َع ْن (‪)2‬‬
‫َّات ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫وأرَب َع ْن‬
‫ين أذيا َل المروط ْ‬ ‫‪َ #‬ر ِّخ َ‬
‫نساء تُ ْمَن َع ْن‬
‫اليوم ٌ‬
‫من ِع َ‬
‫‪ #‬إن تُ َ‬
‫ما ارتجز به غلمة من جذيمة ‪ :‬وق ال غلمة من ب ني جذيم ة‪ ،‬يق ال لهم بنو مس ِ‬
‫احق‬ ‫َُ‬
‫‪،‬يرتجزون حين سمعوا بخالد فقال أحدهم ‪:‬‬
‫ط ْل يحوزها ذو ثَلَّ ٍة وذو ِإبِ ْل (‪)3‬‬‫بيضاء اإِل َ‬
‫ُ‬ ‫صفراء‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫علم ْ‬
‫‪ #‬قد َ‬
‫رجل‬
‫اليوم ما أغنى ْ‬‫نين َ‬‫ألغ َّ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫وقال اآلخر‪:‬‬
‫وم منها َن ْه َسا(‪)4‬‬ ‫‪ #‬قد علمت صفراء تُلبى ِ‬
‫الح ُيز َ‬
‫ال تمأل َ‬ ‫الع ْرسا‬ ‫ُ‬
‫ب المجلِّين مخاضاً قُ ْع َسا(‪)1‬‬
‫ض ْر َ‬
‫َ‬ ‫اليوم ضرباً َو ْع َسا‬ ‫َّ‬
‫ألضربن َ‬ ‫‪#‬‬
‫وقال اآلخر ‪:‬‬
‫نان في َغ َد ٍاة َب ْر َد ْه (‪)2‬‬
‫الب ِ‬
‫َشثُ ُن َ‬ ‫إن َخ ِادٌر ذو ِل ْب َد ْه‬
‫أقسمت ما ْ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫َجهم المحيَّا ذو ِس ٍ‬
‫وج ْح َد ْه (‪)3‬‬‫بين أي َكة َ‬ ‫ُي ْر ِز ُم َ‬ ‫بال َو ْر َد ْه‬ ‫ُْ‬ ‫‪#‬‬
‫داة منى َن ْج َد ْه‬ ‫الغ ِ‬
‫بأصدق َ‬
‫َ‬ ‫وح َد ْه‬ ‫ِ‬
‫الرجال ْ‬ ‫ضار بتَ ِ‬
‫أكال‬ ‫ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫الع َّزى‬ ‫خالد يه دم الع َّزى ‪ :‬ثم بعث رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم خال َد َ‬
‫بن الوليد إلى ُ‬
‫ومضر كله ا‪ ،‬وك انت س دنتها‬
‫وك انت َبن ْخلَ ة‪ ،‬وك انت بيت اً يعظمه ه ذا الحي من ق ريش وكنانة ُ‬
‫وحجابها ب ني ش يبان من ب ني ُس لَيم حلف اء ب ني هاشم ‪ ،‬فلما س مع ص احبها الس لمي بمس ير خالد‬
‫وأسَند في الجبل (‪ )4‬الذي هى فيه وهو يقول ‪:‬‬
‫إليها‪ ،‬علق عليها سيفه ‪ْ ،‬‬
‫وشمري (‪)5‬‬
‫ناع ِّ‬ ‫خالد ألقى ِ‬
‫الق َ‬ ‫على ٍ‬ ‫‪ #‬أيا ُعُّز ُش ِّدي ال َش َوى لها‬
‫ٍ‬
‫عاجل أو تنصَّري‬ ‫فبوئى ٍ‬
‫بإثم‬ ‫المرء خالداً‬ ‫‪ #‬يا ُعُّز إن لم تَقتُلي‬
‫َ‬
‫فلما انتهى إليها خالد هدمها‪ ،‬ثم رجع إلى رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ما أقامه رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم في مكة بعد الفتح وتاريخ الغزوة ‪:‬‬
‫ابن شهاب ُّ‬
‫الزهري ‪ ،‬عن عبيد اللّه بن عبد اللّه‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُ‬
‫ابن ُعتبة بن مس عود ق ال ‪ :‬أق ام رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم بمكة بعد فتحها خمس‬
‫عشرة ليلة يقصر الصالة ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان‬
‫سنة ثمان ‪.‬‬
‫غزوة ُحَن ْين (ا) في سنة ثمان ‪ -‬بعد الفتح ‪.‬‬
‫وازن برس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وما فتح اهلل عليه‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ولما س معت َه ُ‬
‫صر‬ ‫ص ري ‪ ،‬فاجتمع إليه مع هوازن ثَقيف كلّها‪ ،‬واجتمعت َن ْ‬ ‫ك بن َع ْوف َّ‬
‫الن ْ‬ ‫من مكة‪ ،‬جمعها مال ُ‬
‫وج َش م كلُّه ا‪ ،‬وس عد بن بك ر‪ ،‬ون اس من ب ني هالل ‪ ،‬وهم قليل ‪ ،‬ولم يش هدها من قيس َع ْيالن إال‬
‫ُ‬
‫ه ؤالء‪ .،‬وغ اب عنها فلم يحض رها من ه وازن كعب وال كالب ‪ ،‬ولم يش هدها منهم أحد له اسم‬
‫الص مة شيخ كبير(‪،)2‬ليس فيه شىء إال التيمن برأيه ومعرفته بالحرب‬
‫‪،‬وفى بني ُج َشم ُد َر ْيد بن ِّ‬
‫ِّدان لهم ‪،‬‬
‫جربا‪ ،‬وفي ثقيف َسي َ‬
‫وكان شيخا ُم ِّ‬
‫في األحالف ‪ :‬قارب بن األسود بن مسعود بن ُم َعتِّب ‪ ،‬وفى بني مالك ‪:‬‬
‫ذو الخمار ُسَب ْيع بن الحارث بن مالك ‪ ،‬وأخوه أحمر بن الحارث ‪،‬‬
‫و ِجم اعُ أمر الن اس إلى مالك بن َع ْوف النص ري ‪ ،‬فلما أجمع الس ير إلى رس ول اللّه ص لي‬
‫اءهم وأبن اءهم ‪ ،‬فلما ن زل بأوط اس (‪ )1‬اجتمع إليه‬
‫اهلل عليه وس لم حط مع الن اس أم والَهم ونس َ‬
‫الصمة في شجار(‪ )2‬له ُيقاد به‬
‫الناس ‪ ،‬وفيهم ُد َريد بن ّ‬
‫قالوا ‪ :‬بأوطاس قال ‪ :‬نِ ْعم‬ ‫ما أشار به دريد بن الصمة ‪ :‬فلما نزل قال ‪ :‬بأي واد أنتم ؟‬
‫ونه اق‬‫ض ْرس ؛ وال َس ْه ٌل َد ْهس (‪ ،)4‬ما لي أس مع ُرغ اء البع ير‪ُ ،‬‬ ‫مج ا ُل الخي ِل ‪ ،‬ال ح ْز ٌن ِ‬
‫َ‬
‫بن َع ْوف (‪ )5‬مع الن اس أم والَهم‬
‫ك ُ‬‫ويع ار الش اء ؟ ق الوا ‪ :‬س اق مال ُ‬
‫وبك اء الص غير‪ُ ،‬‬ ‫الحم ير‪ُ ،‬‬
‫ودعي له فقال ‪ :‬يا مالك ‪ ،‬إنك قد أصبحت‬ ‫ونساءهم وأبناءهم ‪ .‬قال ‪ :‬أين مالك ؟ قيل هذا مالك ُ‬ ‫َ‬
‫رئيس قو ِمك ‪ ،‬وإ ن ه ذا ي وم ك ائن له ما بع ده من األي ام ‪ .‬ما لي أس مع ُرغ اء البع ير‪ُ ،‬‬
‫ونه اق‬ ‫َ‬
‫ونساءهم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ت مع الناس أموالَهم وأبناءهم‬
‫ويعار الشاء ؟ قال ‪ُ :‬س ْق ُ‬
‫وبكاء الصغير‪ُ ،‬‬
‫الحمير‪ُ ،‬‬
‫خلف كل رجل منهم أهلَه ومالَه ‪ ،‬ليقاتل عنهم ‪،‬‬
‫ولم ذاك ؟ قال ‪ :‬أردت أن أجعل َ‬
‫المنهزم شىء ؟ إنها‬ ‫ضأن (‪ ،)2‬واللّه ! وهل َي ُر ُّد‬
‫ٍ‬ ‫فأنقَض به (‪ .)1‬ثم قال ‪ِ :‬‬
‫راع َي‬
‫َ‬ ‫قال ‪َ ْ :‬‬
‫ت في أهلك ومالك ‪.‬‬ ‫إن كانت لك لم ينفعك إال رجل بسيفه ورمحه ‪ ،‬وإ ن كانت عليك فُ ِ‬
‫ض ْح َ‬ ‫ُ‬
‫الح ُّد ِ‬
‫والج ُّد‪ ،‬ولو‬ ‫أحد ‪ ،‬قال ‪ :‬غاب َ‬ ‫ثم قال ‪:‬ما فعلت كعب وكالب ؟ قالوا ‪ :‬لم يشهدها منهم ٌ‬
‫ولو ِد ْدت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكالب‬ ‫يوم عالء ورفعة ‪ .‬لم تغب عنه كعب وال كالب ‪َ ،‬‬ ‫كان َ‬
‫الج َذعان (‪ )3‬من‬
‫وع ْوف بن ع امر‪ ،‬ق ال ‪ :‬ذانك َ‬
‫‪ ،‬فمن ش هدها منكم ؟ قالوا ‪ :‬عم رو بن ع امر‪َ ،‬‬
‫الب ْيضة َب ْيض ة(‪ )4‬ه وازن إلى‬
‫ع امر‪ ،‬ال ينفع ان وال يض ران ؟ يا مالك ‪ ،‬إنك لم تص نع بتق ديم َ‬
‫ِ‬
‫وعْليا قو ِمهم ثم الق ُ‬
‫الص بَّاء(‪ )5‬على متون الخيل ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نحور الخيل شيئاً‪ ،‬ارفعهم إلى ُمتَ َّ‬
‫منع بالدهم ُ‬
‫فإن كانت لك لحق بك َم ْن وراءك ‪ ،‬وإ ن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ألتكئن على‬ ‫معشر هوازن أو‬
‫َ‬ ‫واللّه ال أفعل ذلك ‪ ،‬إنك قد َكبِ ْرت وكبر عقلك ‪ .‬واللّه لَتُط ُ‬
‫يعَّننى يا‬
‫لد َر ْيد بن الص مة فيها ذكر أو رأي ‪،‬‬
‫‪ .‬ه ذا الس يف ح تى يخ رج من ظه ري ‪ .‬وك ره أن يك ون ُ‬
‫فقالوا ‪ :‬أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة ‪ :‬هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى ‪:‬‬
‫وأض ْع (‪)1‬‬ ‫أخ ُّ‬
‫ب فيها َ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫يا ليتنى فيها َج َذ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ع (‪)2‬‬
‫ص َد ْ‬
‫وكأنها شاةٌ َ‬ ‫طفَاء َّ‬
‫الز َم ْع‬ ‫أقود و ْ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله ‪:‬‬
‫ع"‬
‫"يا ليتني فيها َج َذ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ون س يو ِفكم ‪ ،‬ثم ُش دوا‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ثم ق ال مالك للن اس ‪ :‬إذا رأيتم وهم فاكس روا جف َ‬
‫َش َّدة رجل واحد‪.‬‬
‫عي ون مالك بن َع وف ون زول المالئكة ‪ :‬ق ال ‪ :‬وح دثني أمية ابن عبد اللّه بن عم رو بن‬
‫رجاله ‪ ،‬فأتوه وقد تفرقت أوصالُهم ‪ ،‬فقال‬ ‫عثمان أنه ح دث ‪ :‬أن مالك بن عوف بعث عيونا من ِ‬
‫ُ‬
‫‪ :‬ويلكم! ما شأنكم ؟ فقالوا ‪ :‬رأينا ِرجاال بيض اً على َخْيل ُبْلق ‪ ،‬فواللّه ما تماسكنا أن أصابنا ما‬
‫ترى‪ ،‬فواللّه ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد‪.‬‬
‫بي اللّه‬
‫بعث عبد اللّه بن أبي ح درد عينا على خزاعة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ولما س مع بهم ن ُّ‬
‫عبد اللّه بن أبي َح ْد َرد األسلمي (‪ ،)3‬وأمره أن يدخل في الناس‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بعث إليهم َ‬
‫‪ ،‬فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ‪ ،‬ثم يأتيه بخبرهم ‪ .‬فانطلق ابن أبي َح ْد َرد‪ ،‬فدخل فيهم ‪ ،‬فأقام فيهم‬
‫‪ ،‬حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وسمع من مالك‬
‫وأمر َهوازن ما هم عليه ‪ ،‬ثم أقبل حتى أتى رسول‬
‫ْ‬
‫اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ ،‬ف أخبره الخ بر‪ ،‬ف دعا رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم عمر بن‬
‫الخط اب ‪ ،‬ف أخبره الخ بر فق ال عمر ‪ :‬ك ذب ابن أبي َح ْدرد‪ .‬فق ال ابن أبي ح درد ‪ :‬إن ك َّذبتنى‬
‫ت من هو خير منى ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال تسمع ما‬ ‫ت بالحق يا عمر فقد َّ‬
‫كذ ْب َ‬ ‫فربما َّ‬
‫كذ ْب َ‬
‫ض اال" فهداك اللّه يا عمر‪.‬‬
‫يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪:‬قد كنت َ‬
‫استعارة الرسول أدراع صفوان ‪ :‬فلما أجمع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم السير إلى هوازن‬
‫ليلقاهم ُذكر له أن عند صفوان بن أمية ْأدراعا له وسالحا‪ ،‬فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك فقال ‪:‬‬
‫أغص باً يا محمد ؟ قال ‪ :‬بل ‪،‬‬ ‫عدونا غدا‪ ،‬فقال صفوان ‪:‬‬
‫أع ْرنا سالحك هذا نلق فيه َّ‬ ‫يا أبا أمية‪ِ ،‬‬
‫ْ‬
‫عاري ةٌ ومض مونة ح تى ِّ‬
‫نؤدَيها إليك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ليس به ذا ب أس ‪ ،‬فأعط اه مائة درع بما يكفيها من‬
‫السالح ‪ ،‬فزعموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم سأله أن يكفيهم ؟ حملها‪،‬ففعل ‪.‬‬
‫أم َرهُ عليه الس الم على مكة ‪ :‬ق ال ‪ :‬ثم خ رج رس ول اللّه ‪،‬ص لي اهلل عليه وس لم معه‬
‫من َّ‬
‫ألف ان من أهل مكة مع عش رة آالف من أص حابه ال ذين خرج وا معه ‪ ،‬ففتح اللّه بهم مك ة‪ ،‬فك انوا‬
‫العيص بن أمية‬ ‫أس يد بن أبي ِ‬ ‫اثني عشر ألفا‪ ،‬واستعمل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عتَّاب بن ِ‬
‫َ‬
‫بن عبد شمس على مكة‪،‬أميراً على من تخلف عنه من الناس ‪ ،‬ثم مضى رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن ‪.‬‬
‫قصيدة ابن مرداس ‪ :‬فقال عباس بن ِم ْرداس ُّ‬
‫السلَمي ‪:‬‬
‫ألوان (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العام ِر ْعالً غو ُل قو ِمهم َو ْس َ‬
‫الغول ُ‬ ‫البيوت ولَ ْو ُن‬ ‫ط‬ ‫أصابت َ‬ ‫‪#‬‬
‫نسان (‪)1‬‬ ‫خي ُل ِ‬
‫ابن َه ْو َذةَ التُْنهَى وإ ُ‬ ‫كالب إذ تَُبيتهم‬ ‫لهف ِّأم ٍ‬ ‫يا َ‬ ‫‪#‬‬
‫همان (‪)2‬‬
‫ود ُ‬ ‫سعد ُ‬‫كم ٌ‬ ‫عم ُ‬ ‫ابن ِّ‬ ‫أن َ‬ ‫ال تَْلفظوها و ُش ُّدوا َع ْق َد ِذ َّمتِكم‬ ‫‪#‬‬
‫الن َعم المأخو ِذ ُ‬
‫ألبان‬ ‫ما دام في َّ ِ‬ ‫كانت ُم َجلَّلَةً‬
‫لن تَرجعوها وإ ن ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫لوان (‪)3‬‬
‫وس ُ‬ ‫وسال ذو َش ْو َغ ٍر منها ُ‬ ‫ض ٌن‬ ‫َش ْنعاء ُجلل م ْن سوآتها َح َ‬ ‫‪#‬‬
‫فان(‪)4‬‬ ‫شواء ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذ قال ‪ُ :‬ك ُّل‬ ‫ب مما َي ْشتَِوي َح َذف‬
‫العير ُج ْو ُ‬ ‫طَي َ‬
‫ليست بأ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫خانوا‬
‫يغدروا ُ‬ ‫داء اليمانى فإن لم ِ‬ ‫أن بهم‬ ‫غير َّ‬ ‫وفى َه ِ‬
‫َ‬ ‫قوم َ‬ ‫واز َن ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫النوا‬
‫بالطعن قد ُ‬‫ِ‬ ‫ناه ُم‬
‫هم ولو َنه ْك ُ‬‫أخ لو َوفَ ْوا أو َب ّر َع ْه ُد ُ‬ ‫فيهم ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫نصح فيه تبيان‬‫ٍ‬ ‫ِمِّنى رسالة‬ ‫هوازن أعالها وأسفلَها‬ ‫َ‬ ‫أبلغ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫أركان‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫فضاء‬ ‫جيشاً له في‬ ‫صابحكم‬ ‫رسول اللّه‬
‫َ‬ ‫أني ُّ‬
‫أظن‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫غسان‬ ‫عباد اللّه‬
‫والمسلمون َ‬ ‫فيهم أخوكم سلَيم غير ِ‬
‫تارككم‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بيان (‪)5‬‬
‫واألجربان بنو َع ْبس و ُذ ُ‬‫ِ‬ ‫وفى ُعضادته اليمنى بنو أسل‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫وعثمان‬
‫ُ‬ ‫وفى ُمقَ َّدمه ٌ‬
‫أوس‬ ‫ف منه األرض َرهبتَهُ‬ ‫ترج ُ‬
‫تكاد ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪:‬أوس وعثمان ‪:‬قبيال ُم َز ْينة ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬من قوله " أبلغ هوازن أعالها وأسفلها " إلى آخرها‪،‬‬
‫في ه ذا الي وم ‪ ،‬وما قبل ذلك في غ ير ه ذا الي وم ‪ ،‬وهما مفص ولتان ‪ ،‬ولكن ابن إس حاق‬
‫جعلهما واحدةً ‪.‬‬
‫ابن شهاب الزهري ‪ ،‬عن سنان بن أي سنان‬
‫قصة ذات أنواط ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُ‬
‫بن مالك ‪ ،‬ق ال‪ :‬خرجنا مع رس ول اللّه ص لي اهلل عليه‬
‫ارث َ‬
‫ال دؤلى‪ ،‬عن أبي واقد اللي ثي‪ ،‬أن الح َ‬
‫وسلم إلى ُحَن ْين ونحن حديثو عهد ‪ ،‬بالجاهلية‪.،‬قال ‪ :‬فسرنا معه إلى ُح نين ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت كفار‬
‫قريش ومن في سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء‪ ،‬يقال لها ذات ْان واط ‪ ،‬يأتونها ِ‬
‫كل‬
‫سنة‪ ،‬فيعلقون أسلحتَهم عليها‪ ،‬ويذبحون عندها‪ ،‬ويع ُكفون عليها يوم اَ‪ .‬قال‪ :‬فرأينا ونحن نسير‬
‫مع رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم ِسدرة خضراء‬
‫عظيم ة‪ ،‬ق ال ‪ :‬فتنادينا من جنب ات الطريق ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم‬
‫ذات أن واط ‪ .‬ق ال رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ‪ :‬اللّه أك بر‪ ،‬قلتم ‪ ،‬وال ذي نفس محمد بي ده ‪،‬‬
‫ون } [األعراف‪:‬‬ ‫اج َعل لََنا ِإلَهًا َك َما لَهُ ْم ِآلهَ ةٌ قَ َ‬
‫ال ِإَّن ُك ْم قَ ْو ٌم تَ ْجهَلُ َ‬ ‫كما قال قوم موسى لموسى ‪ْ { :‬‬
‫‪]138‬إنها السنن ‪ ،‬لتر َكُب َّن سنن من كان قبلكم ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن ‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن قَتادة‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جابر‪،‬عن أبيه جابر بن‬
‫أج َوف َحطُ وط ‪ ،‬إنما‬‫واد من أودية تِهامة ْ‬
‫عبد اللّه ‪ ،‬ق ال ‪ :‬لما اس تقبلنا وادي حَنين انح درنا في ٍ‬
‫ُ‬
‫من وا لنا في‬ ‫ننحدر فيه انحداراً‪ ،‬قال ‪ :‬وفى ع ِ‬
‫ماية الصبح ‪ ،‬وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ‪ ،‬ف َك ُ‬ ‫َ‬
‫ِش عابِه ‪ ،‬وأحنائِه ومض ايقه ‪ ،‬وقد أجمعوا وته يئوا وأع دوا‪ ،‬فواللّه ما راعنا ونحن ‪ُ ،‬منحطون إال‬
‫أحد على أحد‪.‬‬‫وانشم َر الناس راجعين ‪ ،‬ال َيْل ِوي ٌ‬
‫َ‬ ‫الكتائب قد شدوا علينا َش َّدةَ رجل واحد‪،‬‬
‫وانح از رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ذات اليمين ‪ ،‬ثم ق ال ‪ :‬أين أيها الن اس ؟ هلُ ُّموا‬
‫بعض ها على بعض ‪،‬‬
‫بن عبد اللّه ‪ ،‬قال ‪ :‬فال شىء‪َ ،‬حملَت اإلب ُل ُ‬
‫محمد ُ‬
‫ُ‬ ‫إلى‪ ،‬أنا رسو ُل اللّه ‪ ،‬أنا‬
‫َّ‬
‫ف انطلق الن اس إال أنه قد بقى مع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم نف ٌر من المه اجرين واألنص ار‬
‫وأهل بيته ‪.‬‬
‫من ثبت معه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬وفيمن ثبت معه من المه اجرين أبو بكر وعم ر‪ ،‬ومن‬
‫أهل بيته علي بن أبي ط الب والعب اس بن عبد المطلب ‪ ،‬وأبو س فيان بن الح ارث ‪ ،‬وابنه ‪،‬‬
‫والفضل بن العباس ‪ ،‬وربيعة بن الحارث ‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وأيمن بن ُعَبيد‪ ،‬قُتل يومئذ(‪.)1‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر‪ ،‬واسم أبي سفيان المغيرة‪ ،‬وبعض‬
‫الناس يعد فيهم قثم بن العباس ‪ ،‬وال يعد ابن أبي سفيان ‪.‬‬
‫ال رحمن ابن‬ ‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني عاصم بن ُعمر بن قت ادة‪ ،‬عن عبد‬
‫ج ابر‪ ،‬عن أبيه ج ابر بن عبد اللّه ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ورجل من ه وازن على جمل له أحم ر‪ ،‬بي ده راية‬
‫س وداء‪ ،‬في رأس رمح له طويل ‪ ،‬أم ام ه وازن ‪ ،‬وه وازن خلفه ‪ ،‬إذا أدرك طعن برمحه ‪ ،‬وإ ذا‬
‫وراءه فاتبعوه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫رمحه لمن‬
‫فاته الناس رفع َ‬
‫أبو سفيان بن حرب يشمت بالمسلمين ‪ :‬قال‬
‫ابن إس حاق ‪ :‬فلما انه زم الن اس ‪ ،‬ورأى من ك ان مع رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم من‬
‫ُجفاة أهل مكة الهزيمة‪ ،‬تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من َّ‬
‫الض ْغن ‪،‬فقال أبو سفيان بن حرب ‪:‬‬
‫دون البح ر‪ ،‬وإ ن األزالم لمعه في كنانته ‪ .‬وص رخ َجَبلة بن الحنبل ‪-‬ق ال ‪.‬‬
‫ال تنتهي ه زيمتُهم َ‬
‫ابن هش ام ‪َ ،‬كلَ َدة بن الحنبل ‪ -‬وهو مع أخيه ص فوان بن أمية ُمش رك في الم دة ال تي جعل له‬
‫اليوم ‪ ،‬فقال له صفوان ‪ :‬اسكت َّ‬
‫فض اللّه فاك ‪،‬‬ ‫السحر َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‪ :‬أال بطل‬
‫أحب إلى من أن َي ُربَّني رجل من َه َوازن حسان يهجو كلدة ‪:‬‬ ‫فواللّه ألن يربَّنى رجل من قريش ُّ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقال حسان بن ثابت يهجو َكلَ َدة ‪:‬‬
‫حنبل ينزو على ِّأم ِ‬
‫حنبل‬ ‫أبو ٍ‬ ‫‪ #‬رأيت سواداً من ٍ‬
‫بعيد فراعني‬
‫ذراعُ َقلُوص من نِتاج ابن ِع ْز ِه ِل (‪)1‬‬ ‫ق بطنِها‬
‫‪ #‬كأن الذي ينزو به ْفو َ‬
‫أنش دنا أبو زيد ه ذين البي تين ‪ ،‬وذكر لنا أنه هجا بهما ص فوان بن أمي ة‪ ،‬وك ان أخا َكلَ دة‬
‫ألمه ‪.‬‬
‫شيبة بن طلحة يح اول قتل الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ق ال ابن إسحاق ‪ :‬وق ال َش ْيبة‬
‫وم أدرك ث أري ‪ ،‬وك ان أب وه قُتل ي وم‬
‫بن عثم ان بن أبي طلح ة‪ ،‬أخو ب ني عبد ال دار ‪ :‬قلت ‪ :‬الي َ‬
‫فأدرت برسول اللّه ألقتله ‪ ،‬فأقبل شىء حتى تغشى فؤادي ‪ ،‬فلم‬
‫ُ‬ ‫اليوم أقت ُل محمداً‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أحد‪َ ،‬‬
‫أطق ذاك ‪ ،‬وعلمت أنه ممنوع منى‪)2(.‬‬
‫أن رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم قال حين‬ ‫بعض أهل مكة‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني‪.‬‬
‫اليوم من ِقلَّة ‪.‬‬
‫ب َ‬ ‫صل من مكة إلى ُحنين ‪ ،‬ورأى كثرة من معه من جنود اللّه ‪ :‬لن ُنغلَ َ‬
‫فَ َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وزعم بعض الناس أن رجال من بني بكر قالها‪.‬‬
‫النصر للمس لمين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني الزه ري ‪ ،‬عن كث ير ابن العب اس ‪ ،‬عن أبيه‬
‫العب اس بن عبد المطلب ‪ ،‬ق ال ‪ .‬إنى لمع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم آخذ بحكم ِة بغلته‬
‫شديد الصوت ‪ ،‬قال ‪ :‬ورسول اللّه صلى‬
‫َ‬ ‫البيضاء قد َش َج ْرتُها بها‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت امرءاً جسيماً‬
‫اس َيْل ُوون على‬
‫اهلل عليه وس لم يق ول حين رأى ما رأى من الن اس ‪ :‬أين أيها الن اس ؟ فلم َأر الن َ‬
‫الس ُم َرة‪(،‬ا) ق ال ‪:‬‬ ‫معش ر األنص ار‪ ،‬يا معشر أص ِ‬
‫حاب َّ‬ ‫رخ ‪ ،‬يا َ‬
‫اس اص ْ‬ ‫ش ىء‪ ،‬فق ال ‪ :‬يا عب ُ‬
‫فأج ابوا‪ :‬لَبَّيك ‪ ،‬لَبيك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬في ذهب الرجل ليث نى بع َيره ‪ ،‬فال يق در على ذلك ‪ ،‬فيأخذ ِد ْر َعه ‪،‬‬
‫ت ‪ ،‬حتى‬
‫الصو َ‬
‫ْ‬ ‫وترس ه ويقتحم عن بعيره ‪ ،‬ويخلي سبيلَه ‪ ،‬فيؤم‬
‫َ‬ ‫فيقذفها في عنقه ‪ ،‬ويأخذ سيفه‬
‫اس ‪،‬‬
‫ينتهي إلى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ‪ .‬ح تى إذا اجتمع إليه منهم مائ ة‪ ،‬اس تقبلوا الن َ‬
‫َ‬
‫دع َوى أول ما ك انت ‪ :‬يا لَألنص ار‪ .‬ثم خلصت أخ يرا‪ :‬يا للخ زرج ‪ .‬وك انوا‬
‫ف اقتتلوا‪ ،‬وك انت ال ْ‬
‫عند الحرب ‪ ،‬فأشرف رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم في ركائبه ‪ .‬فنظر إلى ُم ْجتَلَد القوم‬ ‫ص ْبراً َ‬
‫ُ‬
‫طيس ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الو ُ‬
‫وهم يجتلدون ‪ ،‬فقال ‪ :‬اآلن َحم َى َ‬
‫عاصم بن ُعمر بن قتادة‪ ،‬عن‬ ‫ُ‬ ‫قتل علي صاحب راية هوازن ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني‬
‫عبد الرحمن بن جابر‪ ،‬عن أبيه جابر بن عبداهلل‬
‫قال ‪َ :‬ب ْينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما‬
‫يص نع إذ َه َوى له على بن أي ط الب رض وان اللّه عليه ‪ ،‬ورجل من األنص ار يريدانه ‪،‬‬
‫وبي(‪ )1‬الجمل ‪ ،‬فوقع على َع ِج ِزه ‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬فيأتيه على بن أبي ط الب من خلفه ‪ ،‬فض رب ُع ْرقُ َ‬
‫ط َّن َ‬
‫قدمه بنصف س اقه ‪ ،‬ف انجعف عن َر ْحله ‪،‬‬ ‫ووثب األنص اري على الرجل ‪ ،‬فض ربه ض ربة أ َ‬
‫األسارى مكتَّفين‬ ‫ت راجع ةُ الناس من هزيمتهم حتى وجدوا‬ ‫ِ‬
‫فواهلل ما َر َج َع ْ‬ ‫الناس ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬واجتلد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والتفت رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب‬
‫وك ان ممن ص بر يومئذ مع رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ ،‬وك ان َح َس َن اإلس الم حين أس لم ‪،‬‬
‫أمك يا رسول اللّه ‪.‬‬
‫وهو آخذ بثَفَر بغلته (‪،)2‬فقال ‪َ :‬م ْن هذا ؟ قال ‪ :‬أنا ابن َ‬
‫أم ُس ليم في المعرك ة‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني عب ُد اللّه بن أبي بكر ‪ :‬أن رس ول اللّه‬
‫صلي اهلل عليه وسلم التفت فرأى أم ُسلَْيم بنت ِمْلحان (‪ )3‬وكانت مع زوجها أبي طلح ة(‪ )4‬وهى‬
‫حازمة وسطها ُبب ْرد لها‪ ،‬وإ نها‬
‫لحامل بعبد اهلل بن أبي طلحة‪ ،‬ومعها جمل أبي طلحة‪ ،‬وقد َخ ِشيت أن‬
‫يدها في ِخ َزامتِه مع الخطام‪،‬‬ ‫َي ُع َّزها الجمل ‪ ،‬فأدنت َ‬
‫رأسه منها‪ ،‬فأدخلت َ‬
‫فق ال لها رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬أم ُس لَيم ؟ ق الت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ب أبي أنت وأمي يا‬
‫تل هؤالء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ‪ ،‬فإنهم لذلك أهل ‪ ،‬فقال‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬ا ْق ْ‬
‫رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪ :‬أو يكفي اللّه يا أم ُس لَْيم ؟ ق ال ‪ :‬ومعها خنج ر‪ .‬فق ال لها أبو‬
‫طلحة ‪ :‬ما ه ذا الخنجر معك يا أم ُس لَيم ؟ ق الت ‪ :‬خنجر أخذته ‪ ،‬إن دنا م ني أحد من المش ركين‬
‫الر َم ْيصاء‪.‬‬
‫رسول اللّه ما تقول أم ُسلَيم َّ‬
‫َ‬ ‫بع ْجتُه به قال ‪ :‬يقول أبو طلحة‪ :‬أال تسمع يا‬
‫َ‬
‫ش عر مالك بن ع وف ي وم ح نين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وق دكان رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ ،‬حين َوجَّه إلى ُحَن ْين ‪ ،‬قد ضم ب ني ُس لَيم الض حاك بن س فيان الكالبي‪ ،‬فك انوا إليه ومعه ‪،‬‬
‫ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه ‪:‬‬
‫وي ُك ْر(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثلى على مثلك يحمي َ‬ ‫حاج إنه َي ْو ٌم ُن ُك ْر‬
‫‪ #‬أ ْقد ْم ُم ُ‬
‫بعد ُز َم ْر(‪)2‬‬
‫ت ُز َمٌر َ‬ ‫ثم احزألَّ ْ‬ ‫والدب ْر‬
‫الصف يوما ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ #‬إذا أضيع‬
‫ط ُعن الطعنةَ تَ ْق ِذي بالسُُّب ْر(‪)3‬‬ ‫قد أ ْ‬ ‫البصر‬
‫ْ‬ ‫يكل َّ‬
‫فيهن‬ ‫كتائب ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫جالء تَ ْع ِوي َوتَ ِه ْر(‪)4‬‬
‫الن َ‬ ‫وأطعن َّ‬
‫ُ‬ ‫المنج ِح ْر‬
‫َ‬ ‫المستكين‬
‫ُ‬ ‫‪ #‬حين ُي َذ ُّم‬
‫تارات وحينا تَ ِ‬
‫نفج ْر(‪)5‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬
‫تَ ْفهَ ُ‬ ‫نهمر‬ ‫ِ‬
‫شاش ُم ْ‬ ‫الجوف َر ٌ‬ ‫‪ #‬لها من‬
‫أين تَ ْفر(‪)6‬‬ ‫ٍ‬
‫زيد يابن َه ْمهَم َ‬ ‫يا ُ‬ ‫العامل فيها ُم ْن َك ِس ْر‬
‫ِ‬ ‫وثعلب‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫مر‬
‫الخ ْ‬‫الطويالت ُ‬
‫ُ‬ ‫البيض‬
‫ُ‬ ‫قد علم‬ ‫الع ُم ْر‬
‫الضرس وقد طال ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ #‬قد َنفَ َد‬
‫إذ تُخرج الحاصن من ِ‬
‫تحت السثُْر(‪)1‬‬ ‫غير ُغ ِم ْر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أنى في أمثالهَا ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وقال مالك بن َع ْوف أيضاً‪:‬‬
‫نادره (‪)2‬‬ ‫تغرنك ِر ْج ٌل‬
‫وال َّ‬ ‫اوره‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫األس ْ‬ ‫حاج إنها َ‬
‫دم ُم ُ‬
‫أق ْ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم (‪.)3‬‬
‫عبد اللّه بن أبي بكر‪ ،‬أنه ُح دث عن‬
‫من قتل قتيال فله سلبه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُ‬
‫أبي قَتادة األنصاري قال ‪ :‬وحدثني من ال أتهم من أصحابنا‪ ،‬عن نافع مولى بني غفار عن أبي‬
‫محمد عن أبي قتادة‪ ، ،‬قاال ‪ :‬قال أبو قتادة ‪ :‬رأيت يوم حنين رجلين يقتتالن ‪ :‬مسلما ومشركا‪،‬‬
‫ق ال ‪ :‬وإ ذا رجل من المش ركين يريد أن يعين ص احبه المش رك على المس لم ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فأتيته ‪،‬‬
‫فض ربت ي ده فقطعته ا‪ .‬واعتنق نى بي ده األخ رى‪ ،‬فواللّه ما أرس لني ح تى وج دت ريح ال دم ‪-‬‬
‫وي روى ‪ :‬ريح الم وت ‪ ،‬فيما ق ال ابن هش ام ‪ -‬وك اد يقتل ني‪ ،‬فل وال أن ال دم نزفه لقتل ني‪ ،‬فس قط ؛‬
‫فضربته فقتلته ‪.‬‬
‫وأجهضني عنه القتال ‪ ،‬ومر به رجل من أهل مكة فسلبه ‪.‬‬
‫فلما وض عت الح رب أوزارها وفرغنا من الق وم ‪ ،‬ق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫‪:‬من قتل ق تيال فله َس ُلبه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رس ول اللّه ‪ ،‬واللّه لقد قتلت ق تيال ذا َس لَب ‪ ،‬فأجهض ني عنه‬
‫القتال ‪ ،‬فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل‬
‫فأرضه عني من َسلَبه ‪.‬‬ ‫وسلَب ذلك القتيل عندي ‪ْ ،‬‬ ‫مكة ‪ :‬صدق يا رسول اللّه ‪َ ،‬‬
‫أس د‬ ‫ِ‬
‫فق ال أبو بكر الص ديق رضى اللّه عنه ‪ :‬ال واللّه ‪ ،‬ال يرض يه منه ‪ ،‬تَ ْعمد إلى أسد من ْ‬
‫اللّه ‪ ،‬يقاتل عن دين اللّه ‪ ،‬تقاس مه َس لَبه ؟! اردد عليه س لب قتيله ‪ ،‬فق ال رس ول اللّه ص لي اهلل‬
‫عليه وس لم ‪ :‬ص دق ف اردد عليه َس لَبه(ا)‪ .‬فق ال أبو قَت ادة ‪ :‬فأخذته منه ‪ ،‬فبعته ‪ ،‬فاش تريت بثمنه‬
‫اعتقدتُه (‪. )3‬‬
‫ْ‬ ‫َم ْخ َرفاً(‪ )2‬فإنه ألو ُل مال‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني من ال أتهم ‪ ،‬عن أبي س لمة‪ ،‬عن إس حاق ابن عبد اللّه بن أبي‬
‫طلحة‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد استلب أبو طلحة يوم ُحنين وحده عشرين رجال‪.‬‬
‫إسحاق بن يسار‪ ،‬أنه ُح دث عن‬
‫ُ‬ ‫المالئكة تحضر القتال ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني أبي ‪:‬‬
‫ط ِعم ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد رأيت ‪ -‬قب َل‬
‫ُجبير بن ُم ْ‬
‫هزيمة الق وم والن اس يقتتل ون ‪ -‬مثل البج اد(‪ )1‬األس ود أقبل من الس ماء ح تى س قط بيننا‬
‫رت ‪ ،‬ف إذا نمل أس ود مبث وث ‪ ،‬قد مأل ال وادي لم أشك أنها المالئك ة‪ ،‬ثم لم يكن‬
‫وبين الق وم ‪ ،‬فنظ ُ‬
‫إال هزيمة القوم ‪.‬‬
‫وأمكن رسول‬ ‫ِ‬
‫هزيمة هوازن‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ولما هزم اللّه المشركين من أهل ُحَنين ‪ْ ،‬‬
‫اللّه صلي اهلل عليه وسلم منهم ‪ ،‬قالت امرأة من المسلمين ‪:‬‬
‫واللّه أحـ ُّ‬
‫ـق بالثبات‬ ‫قد غلبت خي ُل اللّه خي َل الالت‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر ‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالثبات‬ ‫وخيلُه ُّ‬
‫أحق‬ ‫ِ‬
‫الالت‬ ‫غلبت خي ُل اللّ ِه خي َل‬ ‫‪#‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فلما انه زمت ه وازن اس تحر القت ُل من ثقيف في ب ني مالك ‪ ،‬فقُتل منهم‬
‫س بعون رجال تحت رايتهم ‪ ،‬فيهم عثم ان بن عبد اللّه بن ربيعة بن الح ارث بن ح بيب ‪ ،‬وك انت‬
‫رايتهم مع ذي الخمار(‪ ،)2‬لم فلما قتل أخذها عثمان بن عبد اللّه ‪ ،‬فقاتل بها حتى قُتل ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وأخبرني عامر بن وهب بن األسود‪ ،‬قال ‪ :‬لما بلغ ‪ -‬رسول اللّه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم قتلُه ‪ ،‬قال ‪ :‬أبعده اللّه ‪ ،‬فإنه كان يبغض قريشاً‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن األخنس ‪ :‬أنه قُتل مع عثمان بن‬
‫أغ َرل (ا)‪ ،‬قال ‪ :‬فبينا رجل من األنصار يسلب قتلى ثقيف ‪ ،‬إذ كشف‬
‫عبد اللّه غالم له نصراني ْ‬
‫أغ رل ‪ .‬ق ال ‪ :‬فص اح ب أعلى ص وته ‪ :‬يا معشر الع رب ‪ ،‬يعلم اللّه أن ثقيفا‬
‫العب َد يس لبه ‪ ،‬فوج ده ْ‬
‫ُغ ْرل ‪ .‬قال المغيرة بن شعبة ‪ :‬فأخذت بيده ‪ ،‬وخشيت أن تذهب عنا في العرب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ال تقل‬
‫ذاك ‪ ،‬فداك أبي وأمي‪ ،‬إنما هو غالم لنا نصراني ‪ .‬قال ‪ :‬ثم جعلت أكشف له عن القتلى‪ ،‬وأقول‬
‫له ‪ :‬أال تراهم مختتنين كما ترى ‪.‬‬
‫هروب قارب بن األسود مع قومه يوم حنين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت راية األحالف مع‬
‫ق ارب بن األس ود‪ ،‬فلما انه زم الن اس أس ند رايته إلى ش جرة‪ ،‬وه رب هو وبنو عمه وقومه من‬
‫األحالف ‪ ،‬فلم ُيقتل من األحالف غ ير رجلين ‪ :‬رجل من ِغَي َرة‪ ،‬يق ال له وهب ‪ ،‬وآخر من ب ني‬
‫الجالح ‪ .‬فقال رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم حين بلغه قتل‬
‫ُكبَّة‪ ،‬يقال له ُ‬
‫الجالح ‪ :‬قُتل اليوم سيد شباب ثقيف ‪ ،‬إال ما كان من ابن ُهَن ْيدة‪ ،‬يعني‬
‫ُ‬
‫بابن ُهَنيدة الحارث بن َأو ْيس ‪.‬‬
‫شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه ‪ :‬فقال ‪،‬عباس‬
‫ابن مرداس السلَمي يذكر قارب بن األسود وفراره من بني أبيه ‪ ،‬وذا‬
‫الخمار وحبسه قومه للموت ‪:‬‬
‫الخبير(‪)2‬‬ ‫‪-‬إخا ُل ‪-‬يأتيه‬
‫الن عني وسوف َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أال َم ْن ُمْبلغٌ َغْي َ‬ ‫‪#‬‬
‫غير قوِلكما ُ‬
‫يسير‬ ‫وقوالً َ‬ ‫أهدى جواباً‬
‫وعروةَ إنما َ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫جور‬ ‫ُّ‬
‫لرب ال َيضل وال َي ُ‬ ‫بأن محمداً عبد رسول‬ ‫‪#‬‬
‫فتى يخايره َم ِخ ُير‬ ‫ُّ‬
‫فكل ً‬ ‫مثل موسى‬
‫وجدناه نبيًّا َ‬ ‫‪#‬‬
‫األمور(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫بِ َو ٍّج إذ تُقُسِّمت‬‫أمر بني قَ ِس ٍّي‬‫األمر ُ‬‫وبئس ُ‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫تدور‬
‫والدوائر قد ُ‬
‫ُ‬ ‫أمير‬ ‫أمرهم ولكل ٍ‬
‫قوم‬ ‫أضاعوا َ‬ ‫‪#‬‬
‫تسير(‪)2‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ٍ‬
‫جنود اللّه ضاحية ُ‬ ‫غابات إليهم‬ ‫أس َد‬
‫فجئنا ْ‬ ‫‪#‬‬
‫نطير‬
‫نكاد له ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫على َحَن ٍ‬ ‫جمع بني قَ ِس ٍّى‬
‫الجمع َ‬ ‫َ‬ ‫يوم‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بالجنود ولم َي ُغوروا(‪)3‬‬ ‫إليهم‬ ‫لسرنا‬
‫وأقسم لو ُه ُم مكثوا ْ‬ ‫‪#‬‬
‫صور(‪)4‬‬ ‫الن ُ‬‫وأسلمت ُّ‬
‫أبحناها ْ‬ ‫أسد ِلَّيةَ ثََّم حتى‬
‫فكنا َ‬ ‫‪#‬‬
‫تمور(‪)5‬‬
‫والدماء به ُ‬
‫ُ‬ ‫فأقلع‬
‫َ‬ ‫ويوم كان قب ُل لَ َدى ُحَنين‬
‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫كور‬ ‫سمع ٍ‬ ‫ِ‬
‫قوم ُذ ُ‬
‫سمع به ٌ‬ ‫ولم َي ْ‬ ‫كيوم‬ ‫من األيام لم تَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫زور(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫قتلنا في الغبار بني ح ٍ‬
‫على راياتها والخي ُل ُ‬ ‫طيط‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫كير(‪)7‬‬ ‫رئيس ٍ‬ ‫الخ ِ‬ ‫ولم يك ذو ِ‬
‫يعاقب أو َم ُ‬
‫ُ‬ ‫لهم عق ٌل‬ ‫قوم‬ ‫مار َ‬ ‫‪#‬‬
‫األمور‬ ‫وقد بانت لم ِ‬
‫بصرها‬ ‫أقام بهم على َسَن ِن المنايا‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كثير(‪)1‬‬
‫منهم بشر ُ‬ ‫وقتل ُ‬‫َ‬ ‫فأفلت من نجا منهم َجريضاً‬ ‫‪#‬‬
‫صور(‪)2‬‬
‫الح ُ‬‫الصريِّرةُ َ‬
‫ق ُ‬ ‫الغِل ُ‬
‫وال َ‬ ‫األمور أخو التواني‬‫َ‬ ‫وال ُيغنى‬ ‫‪#‬‬
‫ُّقور‬ ‫ِ‬ ‫وملَّ ُكوه‬
‫أمور ُه ُم وأفلتت الص ُ‬‫َ‬ ‫أحانهم وحان َ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫والشعير(‪)3‬‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫أهين لها الفَصاف ُ‬
‫َ‬ ‫بنو َع ْوف تَميح بهم جياد‬ ‫‪#‬‬
‫والقصور‬
‫ُ‬ ‫تقسمت المزارعُ‬ ‫قارب وبنو أبيه‬
‫ٌ‬ ‫فلوال‬ ‫‪#‬‬
‫المشير‬
‫ُ‬ ‫على ُي ْم ٍن أشار به‬ ‫عم ُموها‬
‫ولكن الرياسةَ َّ‬ ‫‪#‬‬
‫تصير‬
‫ُ‬ ‫عز‬‫وأحالم إلى ّ‬ ‫أطاعوا قارباً ولهم جدود‬ ‫‪#‬‬
‫َّمير(‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫فإن ُيه َدوا إلى اإِل ِ‬
‫الناس ما َس َم َر الس ُ‬ ‫أنوف‬
‫َ‬ ‫سالم ُيْلفُوا‬ ‫ْ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫نصير‬
‫ُ‬ ‫بحرب اللّ ِه ليس لهم‬
‫ِ‬ ‫وإ ن لم ُيسلموا فهُ ُم أ َذان‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت بني ٍ‬ ‫كما َح َّك ْ‬
‫فير(‪)5‬‬ ‫َبر ْهط بني َغ ِزَّيةَ َع ْنقَ ُ‬ ‫وحرب‬ ‫سعد‬ ‫‪#‬‬
‫تخور‬ ‫ِ‬ ‫كأن بني معاويةَ بن ِ‬
‫َّ‬
‫إلى اإلسالم ضائنة ُ‬ ‫بكر‬ ‫‪#‬‬
‫الصدور(‪)6‬‬ ‫اإلح ِن‬ ‫فقلنا ِ‬
‫ُ‬ ‫وقد برأت من َ‬ ‫أسلموا إنا أَخوكم‬ ‫‪#‬‬
‫ور‬ ‫بعد ِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫السْلم ُع ُ‬ ‫البغضاء َ‬ ‫من‬ ‫القوم إذ جاءوا إلينا‬
‫كأن َ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬غيالن ‪َ :‬غيالن بن سلمة الثقفي ‪ ،‬وعروة ‪ :‬عروة بن‬
‫مسعود الثقفي ‪.‬‬
‫مقتل ُد َر ْيد ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ولما انهزم المشركون ‪ ،‬أتوا الطائف ومعهم مالك بن َع ْوف‬
‫‪ ،‬وعس كر بعض هم بأوط اس ‪ ،‬وتوجه بعض هم نح َو َن ْخل ة‪ ،‬ولم يكن فيمن توجَّه نحو نخلة إال بنو‬
‫ِغ َيرة من ثقيف ‪ ،‬وتبعت خي ُل رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم من س لك في نخلة من الن اس ‪،‬‬
‫ولم تتبع من سلك الثنايا‪.‬‬
‫ف أدرك ربيعة بن ُرفَْيع بن أهب ان بن ثعلبة بن ربيعة بن يرب وع بن َس َّمال ابن َع ْوف بن‬
‫الد ُغَّنة وهى أمه ‪ ،‬فغلبت على اس مه ‪ ،‬ويق ال ‪ :‬ابن ل ْذ َعة فيما‬
‫ام رئ القيس ‪ ،‬وك ان يق ال له ابن ّ‬
‫بن الضمة‪ ،‬فأخذ بخطام جمله وهو يظّن أنه امرأة‪ ،‬وذلك أنه في شجار له‬
‫قال ابن هشام ‪ُ -‬د َر ْيد َ‬
‫‪ ،‬ف إذا برجل ‪ ،‬فأن اخ به ‪ ،‬ف إذا ش يخ كب ير‪ .‬وإ ذا هو ُد َر ْيد بن الص َّمة وال يعرفه الغالم ‪ ،‬فق ال له‬
‫ُد َر ْيد ‪ :‬ماذا تريد بي ؟ قال ‪ :‬أقتلك قال ‪ :‬ومن أنت ؟‬
‫الس لَمى‪ ،‬ثم ضربه بسيفه ؛ فلم ُي ْغن شيئا‪ ،‬فقال ‪ :‬بئس ما سلَّحتك‬
‫قال ‪ :‬أنا ربيعة بن ُرفَْيع ُّ‬
‫رب به ‪ ،‬وارفع عن‬‫الش جار‪ ،‬ثم اض ْ‬ ‫الر ْحل في ِّ‬
‫الر ْحل ‪ ،‬وك ان َّ‬
‫أمك ! خذ س يفي ه ذا من م ؤخر َّ‬
‫أمك فأخبرها أنك‬
‫أتيت َّ‬
‫واخفض عن الدماغ ‪ ،‬فإني كنت كذلك أضرب الرجال ‪ ،‬ثم إذا َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫العظام ‪،‬‬
‫نساءك ‪ .‬فزعم بنو ُس لَيم أن ربيعة لما ضربه‬
‫َ‬ ‫منعت فيه‬
‫ُ‬ ‫الصمة‪،‬فر َّ‬
‫ب واللّه يوم قد‬ ‫ُ‬ ‫قتلت ُد َر ْيد بن‬
‫الق ْرطاس ‪ ،‬من ركوب الخيل أعراء ؛فلما رجع‬ ‫جانه (ا) وبطون فَ ِخ َذيه مثل ِ‬‫ف ‪ ،‬فإذا ِع ُ‬ ‫فوقع َّ‬
‫تكش َ‬
‫ٍ‬
‫أمهات لك ثالثاً‪.‬‬ ‫ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ‪ ،‬فقالت ‪ ، :‬أما واللّه لقد أعتق‬

‫شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها ‪ :‬فقالت عمرة بنت ُد َر ْيد في قتل ربيعة دريدا ‪:‬‬
‫ق (‪)1‬‬ ‫جيش العنا ِ‬‫ببطن ُس َم ْير ٍة َ‬
‫ِ‬ ‫شيت على ُد َر ْي ٍد‬‫لع ْم ُرك ما َخ ُ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ق‬‫هم بما فعلوا َعقا ِ‬ ‫وعقتْ ْ‬ ‫جزى عنه االلهُ بني ُسلَْيٍم‬ ‫‪#‬‬
‫عند التالقي‬
‫خيارهم َ‬ ‫ِ‬ ‫دماء‬
‫وأسقانا إذا قُ ْدنا إليهم َ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫نفوسهم التراقي‬ ‫ٍ‬ ‫فر َّ‬
‫بلغت ُ‬
‫وقد ْ‬ ‫دافعت عنهم‬
‫َ‬ ‫عظيمة‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ت من الوثا ِ‬
‫ق‬ ‫وأخرى قد فك ْك َ‬ ‫ٍ‬
‫كريمة أعتقت منهم‬ ‫َّ‬
‫ورب‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫أجبت وقد دعاك بال َرما ِ‬
‫ق (‪)2‬‬ ‫َ‬ ‫ورب ُمَن َّو ٍه بك من ُسلَْيم‬
‫َّ‬ ‫‪#‬‬
‫وه ًّما ماع منه ُم ُّخ ساقي‬
‫َ‬ ‫فكان جزاؤنا منهم ُعقوقا‬ ‫‪#‬‬
‫النها ِ‬
‫ق (‪)3‬‬ ‫ف ُّ‬‫بذي بقَر إلى فَْي ِ‬ ‫بعد ْأي ٍن‬ ‫ت اثار ِ‬
‫خيلك َ‬
‫َ‬ ‫َعفَ ْ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وقالت عمرة بنت ُد َر ْيد أيضاً ‪:‬‬
‫ينحدر(‪)4‬‬ ‫فظل دمعي على السِّربال‬ ‫َّ‬ ‫ص َدقوا‬
‫ُ‬ ‫قالوا قتلنا ُد َر ْيداً قلت قد َ‬ ‫‪#‬‬
‫تأتمر‬ ‫لوال الذي قهر األقوام كلَّ ٍ‬
‫وكعب كيف ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هم رأت ُسلَْي ٌم‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫نواه ْم َج ْح َف ٌل َذ ِف ُر(‪)5‬‬
‫حيث استقرت ُ‬ ‫ُ‬ ‫إذن لصبَّحهم ِغّبا وظاهرة‬ ‫‪#‬‬
‫أهب ان بن ثعلبة بن‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬ويق ال اسم ال ذي قتل ‪ُ ،‬د َري دا ‪ :‬عبد اللّه بن قَُن ْيع بن ْ‬
‫ربيعة ‪.‬‬
‫استش هاد أبي ع امر األش عري ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وبعث رس ول اهلل ص لي اهلل عليه وس لم‬
‫بعض من انهزم ‪ ،‬فناوشوه‬‫أوطاس أبا عامر األشعري ‪ ،‬فأدرك من الناس َ‬ ‫ِ‬ ‫في آثار من توجَّه ِقبل‬
‫القت ال ف ُرمي أبو ع امر بس هم فقُتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى األش عري ‪ ،‬وهو ابن عمه فق اتلهم ‪،‬‬
‫ففتح اللّه على يديه‬
‫يزعمون أن س لمة بن ُد َريد هو ال ذي رمى أبا ع امر األش عري ‪ -‬بس هم ‪:‬‬
‫وه زمهم ‪ .‬ف ُ‬
‫فأصاب ركبته ‪ ،‬فقتله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫َّم ْه‬
‫مادير لمن تََوس َ‬
‫ابن َس َ‬
‫ُ‬ ‫مه‬
‫إن تسألوا عني فإني َسلَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫الم ْسِل َم ْه‬
‫رءوس ُ‬
‫َ‬
‫أضرب بالس ِ‬
‫َّيف‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وسمادير ‪ :‬أمه ‪.‬‬
‫ص ر في بني ِرئاب ‪ ،‬فزعموا أن‬
‫دعاؤه عليه السالم لبني رئاب ‪ :‬واستحر القت ُل من بني َن ْ‬
‫عبد اللّه بن قيس ‪ -‬وهو ال ذي يق ال له ابن الع وراء‪ ،‬وهو أحد ب ني وهب بن ِرئ اب ‪-‬ق ال ‪ :‬يا‬
‫رس ول اللّه هلكت بنو ِرئ اب فزعم وا أن رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ق ال ‪ :‬اللهم ُ‬
‫اجب ْر‬
‫مصيبتهم ‪ .‬شعر لمالك بن عوف يوم حنين ‪ :‬وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة‪ ،‬فوقف في‬
‫ف وارس من قومه ‪ ،‬على ثَنيَّة من الطريق ‪ ،‬وق ال ألص حابه ‪ :‬قف وا ح تى تمضى ض عفاؤكم ‪،‬‬
‫وتلحق أخراكم ‪ .‬فوقف هناك‬
‫حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛فقال مالك بن عوف في ذلك ‪:‬‬
‫الطريق (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ضاريط‬ ‫الع‬ ‫ولوال َك َّرتان ِ‬
‫ُ‬ ‫لضاق على َ‬ ‫اج‬
‫على ُم َح ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫ندفَع َّ‬
‫الشديق (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫النخالت ُم َ‬ ‫لدى‬ ‫بن نصر‬ ‫ولوال َك ُّر ُد ْهمان ِ‬ ‫‪#‬‬
‫َخ َزايا ُم ْح ِقبين على ُشقُوق (‪)3‬‬ ‫آلبت جعفر وبنو ٍ‬
‫هالل‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬هذه األبيات لمالك بن َع ْوف في غير هذا اليوم ‪ .‬وما يدلك على ذلك قول‬
‫ُدريد بن الص مة في ص در ه ذا الح ديث ‪ :‬ما فعلت كعب وكالب ؟ فق الوا له ‪ :‬لم يش هدها منهم‬
‫وجعفر ‪ :‬بن كالب ‪ .‬وقال مالك بن عوف في هذه األبيات ‪ " :‬آلبت جعفر وبنو هالل "‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أحد‪.‬‬
‫لق اء الزب ير بعض المنه زمين ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وبلغ ني أن خيال طلعت ومالك وأص حابه‬
‫رماحهم بين آذان خيلهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫على الثنية‪ ،‬فقال ألصحابه ‪ :‬ماذا تََر ْون ؟ فقالوا ‪ :‬نرى قوم اً واضعي‬
‫طويلة ب ُّ‬
‫وادهم (‪ )1‬؛ فق ال ‪ :‬ه ؤالء بنو ُس لَيم ‪ ،‬وال ب أس عليكم منهم ؛ فلما أقبل وا س لكوا في‬
‫ال وادي ثم طلعت خيل أخ رى تتبعها ؛ فق ال ألص حابه ‪ . :‬م اذا تَ رون ؟ ق الوا ‪ :‬ن رى قوما‬
‫األوس والخ زرج ‪ ،‬وال ب أس عليكم‬ ‫أغف اال(‪ )2‬على خيلهم فق ال ‪ :‬ه ؤالء ْ‬
‫احهم ‪ْ ،‬‬
‫عارضي رم َ‬
‫منهم ‪ .‬فلما انته وا إلى الثنيَّة س لكوا طريق ب ني ُس لَيم ‪ .‬ثم طلع ف ارس ؛ فق ال ألص حابه ‪ :‬م اذا‬
‫ترون ؟ قالوا ‪ :‬نرى فارسا طويل ِّ‬
‫الباد‪ ،‬واضعاً رمحه على عاتقه ‪ ،‬عاصباً رأسه بمالءة حمراء‬
‫ليخالطنكم ‪ ،‬فاثبتوا له ‪ .‬فلما انتهى ُّ‬
‫الزبير إلى أصل‬ ‫َّ‬ ‫فقال ‪:‬هذا الزبير بن العوام وأحلف بالالت‬
‫الثنية أبصر القوم ‪ ،‬فصمد لهم ‪ ،‬فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها‪.‬‬
‫ش عر س لمة بن دريد في ف راره ي وم ح نين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وق ال َس لَمة بن ُد َر ْيد وهو‬
‫يسوق بامرأته حتى أعجزهم ‪:‬‬
‫ظ ُر ِب (‪)3‬‬ ‫ولقد عر ْف ِت غداةَ نع ِ‬
‫ف األ ْ‬ ‫غير ُمصابة‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫‪ #‬نسَّيتنى ما كنت َ‬
‫األن َك ِب (‪)1‬‬
‫مثل م ْش ِى ْ‬
‫ومشيت خلفَك َ‬
‫َ‬ ‫كوب ُمحبب‬
‫والر ُ‬
‫أني منعتُك ُّ‬ ‫‪#‬‬
‫أمه وخليله لم َي ْع ِ‬
‫قب‬ ‫عن ِّ‬ ‫فر ُك ُّل ُمهَ َّذ ٍب ِذي ِلم‬
‫إذ َّ‬ ‫‪#‬‬
‫من حديث أبي عامر األشعري ومقتله يوم حنين ‪ :‬قال ابن هشام ٍ‪ :‬وحدثني من أثق به من‬
‫أهل العلم بالش عر‪ ،‬وحديثه ‪ :‬أن أبا ع امر(‪ )2‬األش عري لقي ي وم أوط اس عش رةَ إخ وة من‬
‫المش ركين ‪ ،‬فحمل عليه أح ُدهم ‪ ،‬فحمل عليه أبو ع امر وهو ي دعوه إلى اإلس الم ويق ول ‪ :‬اللهم‬
‫اشهد عليه ‪ ،‬فقتله أبو عامر؛ ثم حمل عليه آخر‪ ،‬فحمل عليه أبو عامر‪ ،‬وهو يدعوه إلى اإلسالم‬
‫ْ‬
‫هد عليه ‪ ،‬فقتله أبو ع امر‪ .‬ثم جعل وا يحمل ون عليه رجالً رجالً‪ ،‬ويحمل أبو‬
‫ويق ول ‪ :‬اللهم اش ْ‬
‫ع امر وهو يق ول ذلك ‪ ،‬ح تى قتل تس عة‪ ،‬وبقى العاش ر؛ فحمل على أبي ع امر‪ ،‬وحمل عليه أبو‬
‫على‬
‫ع امر‪ ،‬وهو ي دعوه إلى اإلس الم ويق ول ‪ :‬اللهم اش هد عليه ؛ فق ال الرجل ‪ :‬اللهم ال تش هد َّ‬
‫بعد فحسن إسالمه ‪ .‬فكان رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‬ ‫فكف عنه أبو عامر‪ ،‬فأفلت ؛ ثم أسلم ُ‬
‫العالء وأوفى ابنا الحارث ‪،‬من بني‬
‫ُ‬ ‫شريد أبي عامر‪ .‬ورمى أبا عامر أخوان ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫إذ رآه قال ‪ :‬هذا‬
‫قلبه ‪ ،‬واآلخر ركبتَه ‪ ،‬فقتاله ‪.‬‬
‫أحدهما َ‬
‫ُج َشم بن معاوية‪ ،‬فأصاب ُ‬
‫اس أبو موسى األش عري فحمل عليهما فقتلهم ا‪ ،‬فق ال رجل من ب ني ُج َش م بن‬ ‫ووِل َي الن َ‬ ‫َ‬
‫معاوية يرثيهما‪:‬‬
‫سندا(‪)1‬‬
‫وأوفَى جميعاً ولم ُي َ‬ ‫ِ‬
‫العالء‬ ‫‪ #‬إن الرزيةَ قَ ْت ُل‬
‫ْ‬
‫وقد كان ذا َهب ٍ‬
‫َّة ْأرَب َدا(‪)2‬‬ ‫‪ #‬هما القاتالن أبا عامر‬
‫ط ِفه ُم ْج َس َدا(‪)3‬‬
‫كأن على ِع ْ‬ ‫‪ #‬هما تركاه َلدى َم ْع َر ٍك‬
‫يدا(‪)4‬‬ ‫وأر َمى َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الناس ِم ْثلَْيهما‬
‫ِ‬
‫أقل عثاراً ْ‬ ‫‪ #‬فلم َتر في‬
‫بعض أصحابنا ‪ :‬أن رس ول‬
‫نهيه عليه السالم عن قتل الضفاء ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُ‬
‫متقصفون عليها‪ ،‬فق ال‬
‫ِّ‬ ‫خالد بن الوليد والناس‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة وقد قتلها ُ‬ ‫اللّه صلي اهلل عليه وسلم مر يومئذ‬
‫ِ‬
‫لبعض من‬ ‫‪ :‬ما ه ذا؟ فق الوا‪ :‬ام رأة قتلها خالد بن الولي د‪ :‬فق ال رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‬
‫أدرك خالداً‪ ،‬فقل له ‪ :‬إن رسول اللّه ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو َعسيفاً(‪.)6‬‬
‫ْ‬ ‫معه‪:‬‬
‫الش يماء أخت الرس ول ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني بعض ب ني َس ْعد بن بكر ‪ :‬أن رس ول‬
‫اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ال يومئذ ‪ :‬إن ق درتم على بِج اد‪ ،‬رجل من ب ني س عد بن بك ر‪ ،‬فال‬
‫َّ‬
‫يفلتنكم ‪ ،‬وكان قد أحدث حدثاً‪ ،‬فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ‪ ،‬وساقوا معه الشيماء‪ ،‬بنت‬
‫الحارث بن‬
‫الع َّزى أخت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من الرضاعة‪َ ،‬‬
‫فعُنفُ وا عليها في السياق ؛‬ ‫عبد ُ‬
‫فق الت للمس لمين ‪ :‬تَعلَّم وا واللّه أنى ألخت ص احبِكم من الرض اعة ؛ فلم يص دقوها ح تى أت وا بها‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫الس عدي ‪ ،‬قال‬
‫إكرامه عليه السالم أخته الشيماء ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني يزيد بن ُعبيد َّ‬
‫‪ :‬فلما انتهى بها إلى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم‪،‬ق الت ‪ :‬يا رس ول اللّه ‪ ،‬إني أختك من‬
‫ور َكتُك ق ال ‪:‬‬
‫ضض تنيها في ظه ري وأنا ُمتَ ِّ‬ ‫الرض اعة‪ ،‬ق ال ‪ :‬وما عالمة ذلك ؟ق الت َع َّ‬
‫ض ة َع ْ‬
‫فع رف رس ول اهلل ص لي اهلل عليه وس لم العالم ة‪ ،‬فبسط لها رداءه ‪ ،‬فأجلس ها عليه ‪ ،‬وخيره ا‪،‬‬
‫أمتِّعك (ا) وت رجعي إلى قومك ُ‬
‫فعلت ‪،‬‬ ‫وق ال ‪ :‬إن أحببت فعن دي ُمحب ةً ُم ْك َرم ة‪ ،‬وإ ن أحببت أن َ‬
‫فقالت ‪ :‬بل تُمتعنى وتردني إلى قومي‪ ،‬فمتعها رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪،‬وردها إلى قومها‬
‫؛ فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غالما له يقال له ‪ .‬مكحول وجارية‪ ،‬فزوجت أحدهما األخرى‪،‬‬
‫فلم يزل فيهم من نسلهما بقية ‪.‬‬
‫ص َر ُك ْم‬
‫ما أنزل اهلل في ُحنين ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وأنزل اللّه عز وجل في يوم حنين ‪{ :‬لَقَ ْد َن َ‬
‫ِ‬ ‫َع َجَبتْ ُك ْم َكثْ َرتُ ُك ْم } إلى قوله ‪َ { :‬و َذِل َ‬
‫اط َن َكثِ َير ٍة َوَي ْو َم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ أ ْ‬
‫اللَّه ِفي م و ِ‬
‫ين }‬ ‫اء اْل َك اف ِر َ‬
‫ك َج َز ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫[التوبة‪.]25،26 :‬‬
‫ش هداء ح نين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وه ذه تس مية من استُش هد ي وم ح نين من المس لمين ‪ :‬من‬
‫قريش ثم من بني هاشم ‪ :‬أيمن بن ُعبيد‪.‬‬
‫الع َّزى ‪ :‬يزيد بن َز َم َعة بن األس ود بن المطلب ابن أس د‪َ ،‬جمح به‬
‫ومن ب ني أسد بن عبد ُ‬
‫فرس له يقال له الجناح ‪ ،‬فقُتل ‪.‬‬
‫الع ْجالن ‪.‬‬
‫ومن األنصار ‪ُ :‬سراقة بن الحارث بن عدي ‪،‬من بني َ‬
‫ومن األشعريين ‪ :‬أبو عامر األشعري ‪.‬‬
‫س بايا ح نين وأمواله ا‪ :‬ثم ُجمعت إلى رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم س بايا ح نين‬
‫فاري ‪ ،‬وأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫وأموالها‪ ،‬وكان على المغانم مسعود بن عمرو ِ‬
‫الغ ُّ‬ ‫َ‬
‫فحبست بها(‪.)1‬‬
‫الجع َرانة‪ُ ،‬‬
‫بالسبايا واألموال إلى ْ‬
‫لمى في يوم ُحنين ‪.‬‬ ‫شعر بجير يوم حنين ‪:‬وقال ُب َج ْير بن ُز َهير بن أبي ُس َ‬
‫كل ِ‬
‫جبان‬ ‫الرعب َّ‬
‫ُ‬ ‫استخ َّ‬
‫ف‬ ‫حين َ‬ ‫وعبده َولَّيتُُم‬
‫ُ‬ ‫لوال اإللهُ‬ ‫‪#‬‬
‫وسوابح َي ْكُبون لأل ْذقان (‪)2‬‬ ‫أقراننا‬
‫يوم َحَبا لنا ُ‬ ‫بالج ْزع َ‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫بان (‪)3‬‬ ‫ٍ‬
‫بسنابك ولَ ِ‬ ‫ومقطَّ ٍر‬ ‫ُ‬ ‫ثوبه في كفِّه‬ ‫من بين ساع ُ‬
‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الرحمن‬ ‫ِ‬
‫بعبادة‬ ‫َّ‬
‫وأعزنا‬ ‫ديننا‬
‫وأظهر َ‬ ‫واهلل أكرمنا‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الشيطان‬ ‫ِ‬
‫بعبادة‬ ‫وأذلَّهم‬ ‫جمعهم‬‫ق َ‬ ‫وفر َ‬
‫واهلل أهل َكهم َّ‬ ‫‪#‬‬
‫ويروي فيها بعض الرواة ‪:‬‬ ‫قال ابن هشام ‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫يدعون ‪ :‬يا لَ ِ‬
‫كتيبة‬ ‫إذ قام َع ُّم نبيِّكم ووليُّه‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ضوان‬ ‫الر‬
‫عة ِّ‬ ‫يض و ْبي ِ‬‫الع َر ِ‬
‫َ‬ ‫يوم ُ‬ ‫َ‬ ‫أين الذين ُه ُم أجابوا ربَّهم‬ ‫‪#‬‬
‫شعر لعباس بن مرداس يوم حنين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال ‪ .‬عباس بن ِم ْرداس في يوم‬
‫ُحَنين ‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫وما يتلو الرسو ُل من‬ ‫يوم َج ْم ٍع‬
‫والسوابح َ‬
‫ُ‬ ‫إنى‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫العذاب (‪)1‬‬ ‫الش ْعب أمس من‬ ‫بجن ِب ِّ‬ ‫ْ‬ ‫قيف‬
‫ت ثَ ٌ‬ ‫أحببت ما لَِقَي ْ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الشراب‬ ‫فقتلهُ ُم أَلَ ُّذ من‬ ‫اهل نجد‬ ‫من ْ‬ ‫العدو َ‬ ‫رأس ِّ‬ ‫ُه ُم ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ت َب ْر َكها ببنى ِر ِ‬
‫ئاب (‪)2‬‬ ‫وح َّك ْ‬
‫َ‬ ‫الجمع َج ْم َع بني قَ ِس ٍّى‬ ‫َ‬ ‫هزمنا‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بالتراب (‪)3‬‬ ‫طاس تُ َعفَُّر‬
‫بأو ٍ‬ ‫ْ‬ ‫وص ْرماً من ِهاللي غادرتْهم‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫لقام نساؤهم َّ‬
‫والن ْقعُ كابي (‪)4‬‬ ‫ولو القَْي َن َجمع بني ٍ‬
‫كالب‬ ‫‪#‬‬
‫َْ‬
‫رال تَْن ِحطُ ِّ‬
‫بالن ِ‬
‫هاب (‪)5‬‬ ‫إلى األو ِ‬
‫ْ‬ ‫ضنا الخي َل فيهم َب ْي َن ُبس‬
‫َر َك ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ض للض ِ‬
‫ِّراب‬ ‫كتيبته تَ َع َّر ُ‬ ‫بذي لَ َج ٍب ‪ ،‬رسو ُل اللّه فيهم‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قوله " تعفر بالتراب " ‪ :‬عن غير ابن إسحاق‪.‬‬
‫عطية بن عفيف النص ري ي رد على ش عر عب اس بن م رداس ‪ :‬فأجابه عطية ابن عفيف‬
‫النصري ‪ ،‬فيما حدثنا ابن هشام ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫راضعة الّ ِ‬
‫لجاب (‪)6‬‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫وعباس ُ‬
‫ُ‬ ‫أفاخ َرةٌ رفاعةُ في ُحَنين‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫اإلهاب (‪)1‬‬ ‫َلربَّتِها وتَْر ُف ُل في‬ ‫كذات ِم ْر ٍط‬
‫والفجار ِ‬
‫َ‬
‫ك ِ‬‫‪ ‬فإن َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما اكثر عباس على هوازن في يوم‬
‫ُحنين ‪ .‬ورفاعة من ُجهينة ‪.‬‬
‫شعر آخر البن مرداس في يوم حنين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال عباس بن مرداس أيضا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫السبيل ُه َدا َكا‬ ‫بالحق ُّ‬
‫كل ُه َدى‬ ‫ِّ‬ ‫النب ِ‬
‫اء إنك ُم ْر َس ٌل‬ ‫خاتم َُ‬
‫يا َ‬ ‫‪#‬‬
‫ومحمداً سماكا(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫في خلقه ُ‬ ‫إن اإللهَ بني عليك محبة‬ ‫‪#‬‬
‫عليهم الضحَّا َكا‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫بعثْ َ‬
‫ُجند َ‬ ‫هم‬ ‫ثم الذين ِوفُوا بما َ‬
‫عاه ْدتَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫العدو َيراكا(‪)3‬‬ ‫لما َّ‬
‫تكنفه ُّ‬ ‫السالح كأنه‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ذر ُ‬
‫رجالً به َ‬‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫الرحمن ثم ِر َ‬
‫ضا َكا‬ ‫ِ‬ ‫ضا‬ ‫ِ‬
‫القريب وإ نما يبغى ِر َ‬ ‫الن ِ‬
‫سب‬ ‫يغ َشى ذوي َّ‬ ‫‪#‬‬
‫تحت الع ِ‬
‫جاجة َي ْد َمغُ اإلشراكا‬ ‫َ َ‬ ‫رأيت َم َك َّرهُ‬
‫ُ‬ ‫ْأنبيك أنى قد‬ ‫‪#‬‬
‫الجماجم صارماً َبتَّا َكا (‪)4‬‬
‫َ‬ ‫يعانق باليدين وتارةً َي ْفري‬ ‫ُ‬ ‫ط ْورا‬
‫‪َ ‬‬
‫عاينت كان ِشفَا َكا‬ ‫منه الذي ْ‬ ‫الكماة ولو ترى‬ ‫ِ‬ ‫هام‬
‫يغشى به َ‬ ‫‪#‬‬
‫العدو ِد َرا َكا(‪)1‬‬ ‫ضرباً وطعناً في ِّ‬ ‫أمامه‬ ‫ِ‬
‫وبنو ُسلَيم ُم ْعنقون َ‬ ‫‪#‬‬
‫العرين َأر ْد َن ثََّم ِعرا َكا(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫أس ُد‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫وكأنهم‬ ‫تحت لوائِه‬‫يمشون َ‬ ‫‪#‬‬
‫وه َوا َكا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطاعة َربِّهم َ‬ ‫إال‬ ‫القريب قرابةَ‬ ‫جون من‬ ‫ما َي ْرتَ َ‬ ‫‪#‬‬
‫معروفةً َو َوِلُيّناَ َموالكا‬ ‫مشاهدنا التى كانت لنا‬ ‫ُ‬ ‫َه ِذي‬ ‫‪#‬‬
‫وقال عباس بن مرداس أيضا ‪:‬‬
‫قاد وظُلَّعُ (‪)3‬‬ ‫منها ُم َعطَّلةٌ تُ ُ‬ ‫ى يا َّأم فروةَ َخْيلَنا‬ ‫ِإ َّما تََر ْ‬ ‫‪#‬‬
‫راح تَْنَبعُ (‪)4‬‬ ‫فيها نواف ُذ ِمن ِج ٍ‬ ‫ِ‬
‫األعادي َد َّمها‬ ‫ْأو َهى ُمقَ َارعةُ‬ ‫‪#‬‬
‫فس ْرُبها ال ُي َفزعُ (‪)5‬‬ ‫الحروب ِ‬
‫ِ‬ ‫ْأز َم‬ ‫وقعنا‬ ‫فلَر َّ ٍ‬
‫ب قائلة كفاها ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال وفد َكالوفد األلى عقدوا لنا سبباً بحبل محمد ال ُيقطعُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬ ‫وأبو ُ ِ‬
‫الغيوث وواسعٌ والم ْقَنعُ‬ ‫ط ٍن ‪ُ :‬حزابةُ ُ‬
‫منهم‬ ‫وفد أبو ق َ‬ ‫‪#‬‬
‫ألف أ ْقرعُ (‪)6‬‬ ‫فتم ٌ‬‫تس َع المئين َّ‬ ‫ْ‬ ‫والقائد المائةَ التى وفَّى بها‬ ‫‪#‬‬
‫وأجلب من ُخفاف أربع‬ ‫خاشن ستًّا‬ ‫ف ورهط م ِ‬ ‫جمعت بنو عو ِ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫فهناك إذ ُنصر النبي ِ‬
‫لواء يلمعُ‬
‫النبي لنا ً‬ ‫عقد ُّ‬ ‫َ‬ ‫بألفنا‬ ‫‪#‬‬
‫ودداً ال ُينزعُ‬ ‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫مجد الحياة ُ‬ ‫َ‬ ‫قده‬
‫رث َع ُ‬ ‫وأو َ‬ ‫فُْزَنا برايته ْ‬ ‫‪#‬‬
‫هزعُ (‪)7‬‬ ‫ببِ ِ‬
‫طاح مكةَ والقَنا َيتَ َّ‬ ‫جناحه‬
‫النبي ُ‬ ‫نحن مع ِّ‬ ‫وغداة ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِّ‬ ‫كانت إجابتُنا ِ‬
‫ومقََّنعُ‬
‫حاسر ُ‬
‫ٌ‬ ‫بالحق منا‬ ‫لداعى َربِّنا‬ ‫‪#‬‬
‫الحديد وتُبَّعُ (‪)8‬‬
‫َ‬ ‫داود إذ نسج‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫سابغة تَ َخيَّر َس ْر َدها‬ ‫في ِّ‬
‫كل‬ ‫‪#‬‬
‫ضبةٌ ما تُقلَعُ‬‫وه ْ‬
‫النفاق َ‬
‫َ‬ ‫دمغ‬
‫موكب‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫ولنا على بِْئري ُحَن ْي ٍن‬ ‫‪#‬‬
‫في ِّ ٍ‬
‫ض ُّر وننفعُ‬‫كل نائبة َن ُ‬ ‫ُنصر النبي بنا وكنا معشراً‬ ‫‪#‬‬

‫جاج َي ْسطعُ‬
‫يغمرها َع ٌ‬
‫والخي ُل ُ‬ ‫هوازن بالقَنا‬
‫َ‬ ‫ُذ ْدَنا َغ َداتَئٍِذ‬ ‫‪#‬‬
‫الشمس منه تَخشعُ (‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫جمعاً تكاد‬ ‫النبي وأسندوا‬‫حدهم ُّ‬ ‫إذ خاف َّ‬ ‫‪#‬‬
‫أفناء نصر واألسنةُ ُش َّرعُ (‪)2‬‬ ‫ُ‬ ‫تُ ْد َعى بنو ُج َشم وتُ ْد َعى َو ْسطه‬ ‫‪#‬‬
‫وفيتم فارفعوا‬
‫ْ‬ ‫أبنى ُسلَْيٍم قد‬ ‫محمد‬
‫ٌ‬ ‫حتى إذا قال الرسو ُل‬ ‫‪#‬‬
‫وأحرزوا ما َج َّمعوا(‪)3‬‬‫بالمؤمنين ْ‬ ‫بأسهم‬
‫ف ُ‬ ‫أج َح َ‬
‫نحن ْ‬
‫ُرحنا ولوال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال عباس بن مرداس أيضا في يوم ُحنين ‪:‬‬
‫فالمصانعُ (‪)4‬‬ ‫طال ِأر ٍ‬
‫يك قد خال‬ ‫فَ ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َعفا م ْج َد ٌل من أهله فَ ُمتالعُ‬ ‫‪#‬‬
‫الدارللحى جامعُ (‪)5‬‬
‫ِّ‬ ‫َر ِخ ٌّى وصرف‬ ‫ديار لنا يا جم ُل إذ ج ُّل ِ‬
‫عيشنا‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫العيش راجعُ‬ ‫ٍ‬
‫ماض من‬ ‫الن َوى ِلَب ْين فهل‬
‫ت بها ُغربةُ َّ‬ ‫ُحَبَيبةٌ أْل َو ْ‬ ‫‪#‬‬
‫فإن تبتغى الكفار غير ملومة فإنى وزير للنبى وتابع‬ ‫‪#‬‬
‫والم َّر ُار منهم وواسعُ (‪)6‬‬ ‫ٍ‬
‫خير وفد علمتُهم ُخ َزيمةُ َ‬ ‫دعاني إليهم ُ‬ ‫‪#‬‬
‫بألف من ُسلَْيٍم‬ ‫فجئنا ٍ‬
‫داود رائعُ‬
‫لَُبوس لهم من َن ْس ِج َ‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫بين األخ َشبين ُنبايعُ (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫باألخ َشَب ْي ِن وإ نما‬
‫َيد اللّه َ‬ ‫ْ‬ ‫نبايعه‬ ‫‪#‬‬
‫كاب وساطعُ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫بأسيافنا والنقع ٍ‬ ‫المهدي مكةَ َعنوةً‬ ‫ِّ‬ ‫فجسنا مع‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف ناقعُ (‪)3‬‬‫دم الجو ِ‬‫وآن من ِ‬‫حميم ٍ‬ ‫َع َدنِية والخي ُل يغ َشى َ‬
‫متونها‬ ‫‪#‬‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫بالنفوس األضالعُ‬ ‫إلينا وضاقت‬ ‫وازن‬
‫ويوم ُحنين حين سارت َه ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاك ال ِ‬
‫يستف ُّزنا‬ ‫صبرنا مع الضح ِ‬
‫منهم والوقائعُ‬
‫ق َراعُ األعادي ُ‬ ‫ََ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫السحابة المعُ (‪)4‬‬ ‫كخ ْذ ِ‬
‫روف‬ ‫لواء ُ‬ ‫ق فوقَنا‬ ‫رسول اللّه ِ‬
‫يخف ُ‬ ‫ِ‬ ‫أمام‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫والموت كانعُ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اللّه‬ ‫ِ‬
‫بسيف‬ ‫بن ُسفيان ُم ْعتَ ٍ‬
‫ص‬
‫ُ‬ ‫ك ُ‬‫عشيةَ ضحا ُ‬ ‫‪#‬‬
‫صاالً لكنا األقربين ُنتابعُ (‪)6‬‬
‫َم َ‬ ‫َن ُذود أخانا عن أخينا ولو نرى‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫رضينا به ‪ ،‬فيه الهدى والشرائعُ‬ ‫محمد‬ ‫دين‬
‫دين اللّه ُ‬ ‫ولكن َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫وليس ألمر َح َّمهُ اللّه دافعُ‬ ‫أمرنا‬‫بعد الضاللة َ‬ ‫أقام به َ‬ ‫‪#‬‬
‫وقال عباس بن مرداس أيضا في يوم ُحنين ‪:‬‬
‫واستبدلَت نيةً ُخْلفَا(‪)1‬‬ ‫ٍ‬
‫بعاقبة‬ ‫صل أم ُم َؤ َّمل‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫تَقَطع باقي َو ْ‬ ‫‪#‬‬
‫الحْلفَا(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫فت باللّ ِه ال تق َ‬
‫صدقت فيه وال َب َّرت َ‬ ‫ْ‬ ‫طعُ القَُوى فما‬ ‫وقد َحلَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫فالع ْرفَا(‪)3‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫وج َرةَ ُ‬ ‫البادين ْ‬
‫َ‬ ‫وتحتل في‬ ‫بطن العقيق َمصيفُها‬ ‫ُخفَافيَّة ُ‬ ‫‪#‬‬
‫دت قلبى على نأيها َش ْغفَا‬ ‫فقد َز َّو ْ‬ ‫الكفار أ َُم ُم َؤ َّم ٍل‬
‫َ‬ ‫تتبع‬
‫فإن ِ‬ ‫‪#‬‬
‫نطلب سوى ربِّنا ِحْل ِفا‬‫ْ‬ ‫أبينا ولم‬
‫ْ‬ ‫الخبير بأننا‬‫ُ‬ ‫وسوف ُي ْنبيها‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬
‫عشر الفا(‪)4‬‬ ‫يستو ِفها َم ٌ‬
‫وفينا ولم ْ‬ ‫ْ‬ ‫محمد‬ ‫وأنا مع الهادي النبي‬ ‫ّ‬ ‫‪#‬‬
‫أمره َح ْرفَا‬ ‫أطاعوا فما َي ْعصون من ِ‬ ‫ق من ُسلَ ٍيم أعز ٍة‬ ‫ص ْد ٍ‬ ‫بفتيان ِ‬
‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫طروقَتِها ُكْلفا(‪)5‬‬ ‫ت في َ‬ ‫ب زافَ ْ‬ ‫كوان وعوف تخالهم م ِ‬
‫صاع َ‬ ‫َ َ‬ ‫فاف و َذ ٌ َ ْ‬ ‫ُخ ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ضفَا(‪)6‬‬‫راصدها ُغ ْ‬ ‫ِ‬ ‫تالقت في َم‬ ‫أسوداً‬ ‫النسيج ُّ‬
‫ْ‬ ‫والبيض ُمْلَب ٌس ُ‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫الش ْه َ‬ ‫َ‬ ‫كأن‬ ‫‪#‬‬
‫الحي الذي معه ِ‬ ‫دين اللّ ِه غير تنح ٍ‬
‫ض ْعفَا‬ ‫وزدناعلى ِّ‬ ‫ُّل‬ ‫َ‬ ‫بنا َعَّز ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫طفَا‬
‫تحليقها َخ ْ‬ ‫عقاب أرادت بعد‬
‫ٌ‬ ‫بمكةَ إذ ِجئنا كأن َ‬
‫لواءنا‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫مراودها َع ْزفَا(‪)7‬‬ ‫بينها إذا هى َجالت في‬ ‫ِ‬
‫األبصار تحسب َ‬ ‫على ُش َّخص‬ ‫‪#‬‬
‫ص ْرفَا‬ ‫ِ‬
‫ألمر رسول اللّه َع ْدالً وال َ‬ ‫ِ‬ ‫غداةَ َو ِطئنا المشركين ولم َن ْ‬
‫جد‬ ‫‪#‬‬
‫ٍ‬
‫التذام َر َّ‬
‫والن ْقفَا(‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫لنا َز ْجمة إال‬ ‫طه‬ ‫بمعتَ ِرك ال يسمع ُ‬
‫القوم َو ْس َ‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫طفَا‬ ‫أعناق ال ُك ِ‬
‫ماة بها قَ ْ‬ ‫ونقطف‬ ‫مستقرها‬ ‫الهام عن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫تطير َ‬
‫ببيض ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وأرملة تدعو على ِ‬
‫بعلها لَ ْهفَا(‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّب‬ ‫فكائن تركنا من ٍ‬
‫قتيل ملَح ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫الناس نبتغى وللّ ِه ما ُ‬
‫يبدو جميعاً وما َي ْخفَى‬ ‫ِ‬ ‫ِرضا اللّ ِه ننوي الرضا‬ ‫‪#‬‬
‫وقال عباس بن مرداس أيضا ‪:‬‬
‫ضى فوقها ُّ‬
‫الشفُُر(‪. )3‬‬ ‫ط ِة ْ‬
‫أغ َ‬ ‫الحما َ‬ ‫ِ‬
‫عائر َس ِه ُر مث َل َ‬
‫ِ‬
‫ما با ُل َعينك فيها ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫وينحدر‬
‫ط ْوراً َ‬ ‫يغمرها َ‬
‫فالماء ُ‬ ‫ُ‬ ‫تأوبها من َش ْج ِوها ٌ‬
‫أرق‬ ‫ين َّ‬ ‫َع ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ك منه فهو ُم ْئَنثِ ُر(‪)4‬‬ ‫طعُ السِّل ُ‬
‫تَقَ ّ‬ ‫اظ ٍ‬
‫مة‬ ‫ظم ُدٍّر عند َن ِ‬
‫َ‬ ‫كأنه َن ْ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫فالحفَ ُر(‪، )5‬‬
‫َّمان َ‬
‫دونه الص ُ‬ ‫ومن أتى َ‬ ‫منزل َمن ترجو َّ‬
‫مودتَه‬ ‫ِ‬ ‫عد‬
‫يا ُب َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الشباب فقد‬ ‫تقدم من ِ‬
‫عهد‬ ‫ع ما َّ‬ ‫‪َ ‬د ْ‬
‫عر(‪)1‬‬ ‫يب َّ‬
‫والز ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫الشباب وزار َّ‬ ‫ُ‬ ‫ولَّى‬
‫ِ‬
‫مواطنها‬ ‫بالء ُسلَْيم في‬ ‫واذكر َ‬‫ْ‬ ‫‪‬‬
‫وفي ُسلَْيٍم ألهل الفخر ُم َ‬
‫فتخ ُر‬
‫الرحمن واتَّبعو‬
‫َ‬ ‫قوم ُه ُم نصروا‬ ‫‪ٌ ‬‬
‫وأمر الناس ُم ْشتَ ِج ُر(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫دين الرسول ُ‬ ‫َ‬
‫هم‬
‫ط ُ‬
‫ِ‬
‫النخل َو ْس َ‬ ‫رسون فَ ِس َ‬
‫يل‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬ال َي ْغ‬
‫البقر(‪)3‬‬ ‫تاه ُم ُ‬ ‫خاو ُر في َم ْش ُ‬ ‫ال تُ َ‬
‫كالع ِ‬
‫قبان ُم ْق َربةٌ‬ ‫‪ ‬إال سوابح ِ‬
‫َ‬
‫كر(‪)4‬‬ ‫والع ُ‬
‫األخطار َ‬ ‫ُ‬ ‫في دار ٍة حولَها‬
‫وف في جوانِبها‬ ‫وع ٌ‬ ‫فاف َ‬ ‫‪ ‬تُ ْد َعى ُخ ٌ‬
‫والض ُج ُر(‪)5‬‬ ‫ُ‬ ‫ذكوان المي ٌل‬
‫َ‬ ‫وح ُّي‬‫َ‬
‫الشرك ضاحيةً‬ ‫ِ‬ ‫جنود‬
‫َ‬ ‫‪ ‬الضاربون‬
‫بتدر‬
‫واألرواح تَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ببطن مكةَ‬
‫وقتالهم كأنهُ ُم‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬حتى دفعنا‬
‫البطحاء ُم ْنقَ ِع ُر(‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫نخل بظاهر ِة‬
‫مشهدنا‬
‫ُ‬ ‫نين كان‬ ‫يوم ُح ٍ‬ ‫‪ ‬ونحن َ‬
‫وعند اللّ ِه ُم َّد َخ ُر ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ين ِع ّزاً‬ ‫ِّ‬
‫للد ِ‬
‫بطائنه‬
‫ُ‬ ‫ض ّراً‬ ‫الموت ُم ْخ َ‬
‫َ‬ ‫نركب‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬إذ‬
‫ينجاب عنها ساطعٌ َك ِد ُر(‪. )2‬‬ ‫ُ‬ ‫والخي ُل‬
‫قد ُمنا‬‫َّاك َي ُ‬ ‫اللواء مع الضح ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحت‬
‫‪َ ‬‬
‫الخ ِد ُر(‪)3‬‬‫الليث في غاباتِه َ‬ ‫كما َمشى ُ‬
‫ِ‬
‫الحرب َكْل َكلُها‬ ‫ق من َم َجِّر‬ ‫‪ ‬في مأز ٍ‬
‫والقمر(‪)4‬‬ ‫الشمس‬ ‫تأفل منه‬ ‫تكاد ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أسَنتَّنا‬ ‫بأوطاس ِ‬
‫ٍ‬ ‫صَبرنا‬ ‫‪ ‬وقد َ‬
‫ئناوننتصر‬
‫ُ‬ ‫ننصرمن ِش‬
‫ُ‬ ‫للّ ِه‬
‫ب أقوام منازلَهم‬ ‫تأو َ‬‫‪ ‬حتى َّ‬
‫ص َد ُروا ال‬
‫ك ولوال نحن ما َ‬
‫لوال الملي ُ‬
‫‪ ‬فما ترى َمعشراً َقلّوا وال َكثُروا في‬
‫أثر‬
‫فيهم ُ‬
‫بح منا ُ‬
‫اص َ‬
‫إال قد ْ‬
‫وقال عباس بن مرداس أيضاً ‪:‬‬
‫ناء ُم ْج َم َرةُ المناسم ِع ْر ِم ُس (‪، )5‬‬
‫يأيها الرج ُل الذي تَ ْه ِوي به َو ْج ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ًّ‬
‫اطمأن المجلس‬ ‫حقا عليك إذا‬ ‫فقل له‬
‫أتيت على النبي ْ‬
‫إما َ‬‫َّ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫التراب إذا تُ َع ُّد األنفُ ُس (‪)1‬‬ ‫فوق‬
‫َ‬ ‫طي ومشى‬ ‫يا خير من ر ِكب ِ‬
‫الم َّ‬ ‫‪#‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َر ُس (‪)2‬‬ ‫تُ ْق َدعُ بال ُك ِ‬
‫ماة وتُ ْ‬ ‫عاهدتَنا والخي ُل‬ ‫ْ‬ ‫إنا َوفَْينا بالذي‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫المخار ُم تَْر ُج ُس (‪)3‬‬ ‫ظ ُّل به‬ ‫أفناء ُب ْهثةَ ُكلِّها جمغ تَ َ‬‫إذ سال من ِ‬ ‫‪#‬‬
‫مام األ ْش َو ُس (‪)4‬‬ ‫يقد ُمها الهُ ُ‬‫هباء ُ‬ ‫َش َ‬ ‫صَب ْحنا أه َل مكةَ فَْيلقاً‬‫حتى َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الدخال وقَ ْوَن ُس (‪)5‬‬ ‫بيضاء ُم ْح َكمةُ‬
‫ُ‬ ‫فوقَه‬‫ب من ُسلَْيم ِ‬ ‫ِمن كل َ‬
‫أغن َ‬ ‫‪#‬‬
‫أسداً إذا ما َي ْعبِ ُس (‪)6‬‬‫تجاسر في الوغى وتَخالُه َ‬ ‫َ‬ ‫يروي القناةَ إذا‬‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ب َيقُ ُّدبه ولَ ْد ٌن ِم ْد َع ُس (‪) 7‬‬ ‫ضٌ‬ ‫َع ْ‬ ‫يغ َشى الكتيبةَ م ِ‬
‫علماً وبكفِّه‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫ألف أم َّد به الرسو ُل َعَر ْن َد ُس (‪)8‬‬ ‫ِ‬
‫ين قد وفَى من َجمعنا ٌ‬ ‫وعلى ُحَن ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫أشمس (‪)9‬‬
‫ُ‬ ‫عليهم‬
‫ْ‬ ‫والشمس يومئذ‬
‫ُ‬ ‫أمام المؤمنين َدريئةً‬ ‫كانوا َ‬ ‫‪#‬‬
‫رس‬ ‫ِ‬
‫ليس بضائع من َي ْح ُ‬
‫واللّه َ‬ ‫بحفظه‬ ‫ويحرسنا اإللهُ‬
‫ُ‬ ‫نمضي‬ ‫‪#‬‬
‫فنعم المحبِ ُس‬ ‫ِ إِل‬ ‫ِ‬
‫بالمناق ِب َم ْحبِساً‬
‫َرض َى ا لهُ به َ‬ ‫ولقد ُحبسنا‬ ‫‪#‬‬
‫العدو وقيل منها‪ :‬يا احبسوا‬
‫َّ‬ ‫وغداةَ أوطاس َش َد ْدنا َشدةً كفَ ِت‬‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫أيبس‬
‫هوازن ُ‬ ‫ُ‬ ‫تمد به‬
‫ي ُ‬ ‫ثَ ْد ٌ‬ ‫هوازن باإِل خاو ِة َ‬
‫بيننا‬ ‫ُ‬ ‫تدعو‬ ‫‪#‬‬
‫َع ْيٌر تعاقبه السباعُ ُمفََّر ُس‬ ‫جمعهم وكأنه‬
‫حتى تركنا َ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني خلف األحمر قوله ‪ " :‬وقيل منها يا‬
‫احبسوا "‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال عباس بن مرداس أيضا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫حواس ُر ْه (‪)1‬‬ ‫بألف َك ِم ٍّي ال تُ َع ُّد‬
‫ِ‬ ‫ضب له‬ ‫رسول اللّه من َغ َ‬
‫َ‬ ‫ص ْرنا‬
‫َن َ‬ ‫‪#‬‬
‫ناصر ْه (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫الموت‬ ‫يذود بها في َح ْو َم ِة‬ ‫مح رايةً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر َ‬
‫َح َملنا له في عام َل ّ‬ ‫‪#‬‬
‫َغداةَ ُحنين يوم صفوان ِ‬
‫شاج ُر ْه (‪)3‬‬ ‫لونها‬
‫فه َو ُ‬
‫َ‬ ‫ض ْبناها َدماً ْ‬‫ونحن َخ َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫وشاه ُر ْه‬ ‫ِ‬
‫اللواء‬ ‫وكنا على اإِل سالم َم ْيمنةً له وكان لنا َع ُ‬
‫قد‬ ‫‪#‬‬
‫ونشاور ْه‬
‫ُ‬ ‫يشاورنا في ِ‬
‫أمره‬ ‫دون الجنو ِد بطانةً‬ ‫وكنا له َ‬ ‫‪#‬‬
‫يناكره (‪. )4‬‬
‫ْ‬ ‫وكنا له َع ْوناً على من‬ ‫قدماً‬ ‫فس َّمانا ِّ‬
‫الش َع َار ُم َّ‬ ‫دعانا َ‬ ‫‪#‬‬
‫ناصر ْه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالنصر واللّه‬ ‫نبى محمداً وأيده‬
‫‪ ‬جزى اللّه خيراً من ٍّ‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬أنش دني من قوله ‪ " :‬وكنا على اإِل س الم " إلى آخره ا‪ُ ،‬‬
‫بعض أهل العلم‬
‫بالشعر‪ ،‬ولم يعرف البيت الذي أوله ‪ " :‬حملنا‬
‫له في عامل الرمح راية " وأنشدني بعد قوله ‪ " :‬وكان لنا عقد اللواء وشاهره "‪ " ،‬ونحن‬
‫خضبناه دما فهو لونه "‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال عباس بن مرداس أيضاً ‪:‬‬
‫حيث َي َّم َما‬
‫راشد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫رسو ُل اإِل ِ‬
‫له‬ ‫األقوام أن محمداً‬ ‫‪َ ‬م ْن ُم ِبلغ‬
‫َ‬
‫وحده فأصبح قد وفَّى إليه ْ‬
‫وأن َع َما‬ ‫َ‬ ‫ربه واستنصر اللّه‬ ‫‪ ‬دعا َ‬
‫َي ُؤ ُّم بنا أمراً من اللّ ٍه ُم ْح َك َما‬ ‫وواعدنا قديداً محمداً‬
‫ْ‬ ‫‪َ ‬س َر ْينا‬
‫الفجر ِفتيانا وغاباَ ُمقَ َّو َما(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫الفجر حتى تبينوا مع‬ ‫ِ‬ ‫تمار ْوا بنا في‬
‫‪َ ‬‬
‫اآلتى َعَر ْم َر َما(‪)2‬‬ ‫ِّ‬ ‫كدفَّاع‬
‫ور ْجالً ُ‬ ‫روعنا َ‬ ‫الخيل مشدوداً علينا ُد ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬على‬
‫منهم من تَ َسلَّما(‪)3‬‬ ‫ُسلَْيم وفيهم ُ‬ ‫كنت سائالً‬‫الحى إن َ‬ ‫‪ ‬فإن َسراةَ ِّ‬
‫يعصونه ما تَنهَلَّ َما‬‫َ‬ ‫أطاعوا فما‬ ‫ِ‬
‫األنصار ال يخذلونه‬ ‫وجند من‬‫ٌ‬ ‫‪‬‬
‫وقدمتَه فإنه قد تَقَ َّدما‬
‫خالداً َّ‬ ‫أمرت في القوم‬ ‫ك قد َّ‬ ‫‪ ‬فإن ت ُ‬
‫أظلما‬ ‫ِّ‬ ‫‪ٍ ‬‬
‫الحق من كان َ‬ ‫في‬
‫صيب به ِ‬‫تُ ُ‬ ‫أميره‬
‫بج ْند َهداه اللّه أنت ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخيل ُمْل َج َما‬ ‫فأكملتُها ألفاَمن‬ ‫ٍ‬
‫لمحمد‬ ‫فت يميناً َب َّرةً‬
‫‪َ ‬حلَ ُ‬
‫المقَ َّد َما‬
‫كون ُ‬ ‫ب إلينا أن َن َ‬ ‫وح َّ‬
‫ُ‬ ‫نبي المؤمنين َّ‬
‫تقدموا‬ ‫‪ ‬وقال ُّ‬
‫وتح ُّز َما‬
‫الخوف إال َرغبةً َ‬
‫ُ‬ ‫بنا‬ ‫ِ‬
‫المستدير ولم يكن‬ ‫‪ ‬وبتنا َبن ْهى‬
‫أهل َيلَ ْملَ َما(‪)1‬‬
‫الجمع َ‬ ‫بحنا‬
‫ص ْ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫الناس كلهم وحتى َ‬ ‫‪ ‬أطعناك حتى أسلم ُ‬
‫الشيخ حتى ُي َس َّوما(‪)2‬‬ ‫ُّ‬
‫يطمئن‬ ‫طه وال‬
‫الو ْر ُد َو ْس َ‬ ‫ض ُّل‬‫‪‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫األبلق َ‬
‫ُ‬ ‫الحصان‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اح َجما(‪ )3‬لَ ُد ْن ُغ ْد َوة حتى تركنا‬ ‫حى وكل تراه عن أخيه قد ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫‪َ ‬سمونا لهم ِو ْر َد القَطا َزفَّهُ ُ‬
‫دوافعه َد َما(‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫َعشية ُحَنينا وقد سالت‬
‫وازن‬ ‫‪ ‬إذا شئت ِمن كل رأيت ِط ِم َّرةً وفارسها يهوي ورمحاً مح َّ‬
‫ت منا َه ُ‬
‫أحرز ْ‬‫َ‬ ‫ط َما(‪ )5‬وقد‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حر َما(‪)6‬‬ ‫ون َ‬‫خيب ُ‬ ‫ب إليها أن َن َ‬ ‫وح َّ‬
‫َس ْرَبها ُ‬
‫ش عر ضمضم بن الح ارث في ي وم ح نين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وق ال ضمضم (‪ )7‬ببن‬
‫الس لَمى في يوم حنين‬
‫ص يَّة ُّ‬
‫عبد بن حبيب بن مالك بن َع ْوف بن َيقَظة بن ُع َ‬ ‫الحارث بن ُج َش م بن ْ‬
‫وابن عم له ‪ ،‬وهما‬ ‫ِ‬ ‫‪ :‬وك انت ثقيف أص بابت ِكنانة بن الحكم بن خالد بن َّ‬
‫الش ريد‪ ،‬فقتل به م ْحجن اً َ‬
‫من ثقيف ‪:‬‬
‫َّان‬ ‫‪ ‬نحن جلبنا الخي َل من غير م ْجلَ ٍب إلى ُجرش من ِ‬
‫أهل زي َ‬ ‫َ‬
‫هدمِ‬ ‫ِ‬
‫أشبال األسو ِد ونبتغى طواغى كانت قبلَنا لم تُ َّ‬
‫َ‬ ‫‪ ‬والفَِم ُنقتِّ ُل‬
‫َ‬
‫بعد مأتم‬‫تركت بِ َو ٍّج مأتماً َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشريد فإننى‬ ‫تفخروا ِ‬
‫بابن‬ ‫‪ ‬فإن َ‬
‫غير ُم َذ َّمم‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬أبأتُهما ِ‬
‫واركم وكان َ‬ ‫ُ‬ ‫وغ َّره ُج‬‫الشريد َ‬ ‫بابن‬
‫رماحنا وأسيافُنا َي ْكِلمَنهم َّ‬
‫كل َم ْكلَم‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬تُصيب رجاال من ٍ‬
‫ثقيف‬
‫ْ ُْ‬
‫ض ْمضم بن الحارث أيضا ‪:‬‬ ‫وقال َ‬
‫ذات ِخ ِ‬
‫مار‬ ‫الدهر َ‬ ‫تأمن َّن َ‬ ‫ك َذ ِوي الحالئِل ايةً ال َ‬ ‫لدي َ‬
‫أبلغ ْ‬
‫‪ْ ‬‬
‫ي ِ‬
‫بدار‬ ‫الغ ِز ُّ‬‫ث َ‬ ‫كنت لو لَبِ َ‬
‫قد ُ‬ ‫بعد التى قالت لجار ِة بيتهَا‬ ‫‪َ ‬‬
‫والعظام عواري (‪)1‬‬ ‫ص ِ‬
‫يفة‬ ‫وغر الم ِ‬ ‫تسفَّ َع ُ‬
‫لونه‬
‫ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫رجالً َ‬‫‪ ‬لما رأت ُ‬
‫ُمتسربالً في ِدرعه ِل ِ‬
‫غوار(‪)2‬‬ ‫ط العظام تراه اخر ِ‬
‫ليله‬ ‫َ‬ ‫‪ُ ‬م ُش َ‬
‫إزاري (‪)3‬‬‫بالنجاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬
‫لح ُ‬‫هد ٍة جرداء تُ ِ‬ ‫ِ‬
‫رحالة َن َ‬ ‫‪ ‬إذ ال أزال على‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫األنصار‬ ‫تبت ُمجاهدةً مع‬ ‫ُك ْ‬ ‫هاب وتارة‬ ‫الن ِ‬ ‫‪ ‬يوماً على ِ‬
‫أثر ِّ‬
‫بار(‪)4‬‬ ‫وكل َخ ِ‬ ‫مهالً تَمهَّلَهُ ِّ‬ ‫أزه ْقتُها‬ ‫ٍ‬
‫ََ‬ ‫خميلة َ‬ ‫هاء كل‬
‫وز َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ود أنى ال أؤوب فَ َج ِار(د)‬ ‫اجة وتَ ُّ‬ ‫أغير ما بها من ح ٍ‬ ‫‪َ ‬ك ْيما َ‬
‫َ‬
‫عمه زهير بن العجوة ‪:‬‬ ‫شعر أبي خراش يرثى ابني‬
‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬ح دثني أبو ُعبي دة‪ ،‬ق ال ‪ :‬اسر زه ير بن العج وة الهُ ذلى ي وم ُح نين ‪،‬ف ُكتف‬
‫الج َمحي ‪ ،‬فق ال له ‪ :‬أأنت الماشى لنا بالمغايظ ؟ فض رب عنقه ؟ فق ال أبو‬
‫ف راه جميل بن َم ْعمر ُ‬
‫ِخراش (‪ )6‬اله َذلى يرثيه ‪ ،‬وكان ابن عمه ‪.‬‬
‫بن َم ْع َمير بذي فَ َج ِر ِ‬
‫تأوي إليه األرام ُل‬ ‫‪َ ‬عجَّف أضيافى جمي ُل ُ‬
‫واسترخت عليه الحمائ ُل (‪)1‬‬ ‫بج ْي َد ٍر ‪.‬إذا َّ‬
‫اهتز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫‪ ‬طويل نجاد السيف اليس َ‬
‫الجود بما أ ْذلقته َّ‬
‫الشمائ ُل (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫إزاره من‬‫‪ ‬تكاد يداه تُسلمان َ‬
‫وم ْستنبِح بالى الدريسين عائ ُل (‪)3‬‬ ‫ُ‬ ‫ك إذا شتا‬ ‫‪ ‬إلى بببه يأوي الضَّري ُ‬
‫في َوائ ُل (‪)4‬‬‫لها حدب تَ ْحتَثُّهُ ُ‬ ‫تروح مقروراً وهبت عشية‬ ‫‪َّ ‬‬
‫عي الح ِ‬
‫الح ُل (‪)5‬‬ ‫َّ‬ ‫أهل ِ‬ ‫‪ ‬ال فما با ُل ِ‬
‫اللو َذ ُّ ُ‬ ‫يتصدعوا وقد بان منها ْ‬ ‫الدار بم‬
‫الضباعُ الجيائ ُل (‪)6‬‬ ‫عف ّ‬ ‫بالن ِ‬ ‫البك َّ‬ ‫ق‬‫غير ُموثَ ٍ‬‫فأقسم لو القيته َ‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫كنت ممن ُيناز ُل‬ ‫فنازلتَه أو َ‬ ‫‪ ‬وإ نك لو واجهتَه إذ لَقيتَه‬
‫الظهر للمر ِء شاغ ُل (‪)7‬‬ ‫ِ‬ ‫ولكن ِق ْر َن‬
‫َّ‬ ‫ص ْر َعةً‬‫أفحش القوم ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬لظل جمي ٌل‬
‫قاب السالس ُل‬ ‫بالر ِ‬
‫ولكن أحاطت ِّ‬ ‫الدار يا أ ََّم ٍ‬
‫ثابت‬ ‫‪ ‬فليس ِ‬
‫كعهد ِ‬
‫سوى الحق شيئاً واستراح العواذ ُل‬ ‫ٍ‬
‫بفاعل‬ ‫كالشي ِخ ليس‬
‫ْ‬ ‫‪ ‬وعاد الفتى‬
‫التر ِب هائ ُل‬ ‫ِ‬
‫جانب ْ‬
‫ُ‬ ‫أها َل عليهم‬ ‫الصفاء كأنما‬ ‫إخوان‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬وأصبح‬
‫نسيت ليالياً بمكةَ إذا لم َن ْع ُد عما نحاول‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬فال تحسبي أنى‬
‫بغر ٍة وإ ذ نحن ال تُثَْنى علينا المداخ ُل (‪)1‬‬
‫والبالد َّ‬
‫ُ‬ ‫الناس ناس‬
‫‪ ‬إذ ُ‬
‫شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال مالك بن عوف‬
‫وهو يعتذر يومئذ من فراره ‪:‬‬
‫أض ُّر‬
‫هوازن هل ُ‬
‫َ‬ ‫سائل‬
‫ْ‬ ‫ضر ُم (‪)2‬‬ ‫بأجزاع الطري ِ‬
‫ق ُم َخ َ‬ ‫ِ‬ ‫أغمض ساعةً نِ َع ٌم‬ ‫الرقاد فما ِّ‬
‫َ‬ ‫منع‬
‫‪َ ‬‬
‫غارمها إذا ما َي ْغ َر ُم‬
‫َ‬ ‫عدوها وأعين‬
‫َّ‬
‫ألم‬
‫وم ُ‬‫حاسر ُ‬
‫ٌ‬ ‫بكتيبة ِفَئ ْتين منها‬
‫ٍ‬ ‫َّستُها‬
‫‪ ‬وكتيبة لَب ْ‬
‫أعلم (‪)3‬‬ ‫شهود ِ‬
‫ضيقه قدمتُه ِو ُ‬ ‫قدم تعيا النفوس ِل ِ‬ ‫وم َّ‬
‫قومى ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫الدم‬
‫وغمرته ُ‬ ‫غمرته ْ‬ ‫ون ْ‬ ‫وتركت إخواناً له َي ِر ُد َ‬
‫ُ‬ ‫فور ْدته‬
‫‪َ ‬‬
‫ومجد ُغْنم ُي ْق َس ُم‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫مجد‬
‫غمراتُه أورثْننى َ‬
‫َ‬ ‫‪ ‬فإذا انجلت َ‬
‫ظ ُلم‬ ‫أع ُّ‬
‫ق وأَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ذنب ِ‬
‫ال محمد واللّهُ أعلم َم ْن َ‬ ‫‪ ‬كلفتمونى َ‬
‫‪ ‬وخذلتمونى إذ أقاتل واحداً وخذلتموني إذ تقات ُل َخثْ َع ُم‬
‫واخر ِ‬
‫يهد ُم‬ ‫بعضكم ال يستوي ٍ‬
‫بان َ ُ‬ ‫يهدم ُ‬ ‫المجد ُ‬ ‫َ‬ ‫بنيت‬
‫‪ ‬وإ ذا ُ‬
‫رهت فيه ألَّةً َي َزنية‬
‫للعلَى مت َك ِّر ُم (‪ )4‬اك ُ‬ ‫ِ‬
‫اص الش تاء ُمس ارع في المج د َي ْن َمى ُ‬ ‫ب ِم ْخم ِ‬‫‪ ‬وأقَ َّ‬
‫نان َسْل َج ُم (ْ)‬ ‫يقد ِ‬
‫مهاس ٌ‬ ‫اء ُ‬‫َس ْم َح َ‬
‫دم (‪)6‬‬ ‫‪ ‬وتركت َحَّنتهُ تَُر َّد وليَّه وتقو ُل َ‬
‫ليس َعلى فُالنة َم ْق ُ‬
‫الدرية تُستحل وتُ ْش َر ُم (‪)7‬‬ ‫ِ‬ ‫للرماح ُم َدجَّجاً ِمث َل‬
‫ِ‬ ‫ونصبت نفسي‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫شعر لرجل من هوازن يذكر سالم قومه بعد الهزيمة ‪:‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وق ال قائل في ه وازن أيض ا‪ ،‬ي ذكر مس يرهم إلى رس ول اللّه ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم مع ممالك بن عوف بعد إسالمه ‪:‬‬
‫الرايات تَ ْخ ِتف ُ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ك فوقَه‬ ‫ومال ٌ‬ ‫للناس إذ َجمعوا‬‫ِ‬ ‫مسيرهم‬
‫أذكر َ‬‫‪ْ ‬‬
‫ق‬ ‫يوم حَنين عليه التاج ِ‬
‫يأتل ُ‬ ‫أحد‬
‫ك ما فوقَه ٌ‬ ‫ك مال ٌ‬
‫‪ ‬ومال ٌ‬
‫َ ُ‬
‫والدرق‬ ‫‪ ‬حتى لقُوا الناس حين البأس َي ْق ُدم ِ‬
‫واألبدان َ‬
‫ُ‬ ‫البيض‬
‫ُ‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سق‬ ‫حول النبي وحتى َجَّنه َ‬
‫الغ ُ‬ ‫َ‬ ‫الناس حتى لم َي َر ْوا أحداَ‬
‫فضاربوا َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫نق (أ)‬
‫ومعتَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فمهزوم ُ‬
‫ٌ‬ ‫السماء‬ ‫هم من‬ ‫بنصر ُ‬ ‫ت أنزل جبري ٌل‬ ‫‪ ‬ثُ َّم َ‬
‫ق‬
‫العتُ ُ‬ ‫ٍ‬
‫جبريل يقاتلنا َّ‬
‫إذن أسيافُنا ُ‬
‫ْ‬ ‫لمن َعتْنا‬ ‫غير‬
‫‪ ‬منا ولو ُ‬
‫لق (‪)2‬‬
‫الع ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫هزموا بطعنة بل منها َس ْر َجه َ‬ ‫الفاروق إذ ُ‬
‫ُ‬ ‫عمر‬
‫‪ ‬وفاتنا ُ‬
‫ش عر ام رأة من جشم ت رثي أخ وين لها أص يبا ي وم ح نين ‪ :‬وق الت ال ام رأة من ب ني جشم‬
‫أخو ْين لها أصيبا يوم حنين ‪:‬‬
‫ترثى َ‬
‫ِ‬
‫والعالء وال تَ ْج ُم َدا‪ً.‬‬ ‫ودا على مالكء معاً‬
‫أعين َّى ُج َ‬
‫‪َ ‬‬
‫أربدا(‪)3‬‬
‫َّة َ‬ ‫كان ذا َهب ٍ‬
‫‪ ‬هما القاتالن أبا عامر وقد‬
‫نزيفاً وما ُوسِّدا(‪)4‬‬ ‫ينوء‬ ‫ٍ‬
‫‪ ‬هما تركاه لدى ُم ْج َسد ُ‬
‫ص حار؛أحد بني سعد بن‬
‫زيد بن ُ‬
‫شعر"زيد بن صحار في هجاء قريش ‪ :‬وقال أب وثواب ُ‬
‫بكر‪:‬‬
‫وب لها شروطُ‬ ‫والخطُ ُ‬
‫هوازن ُ‬
‫َ‬ ‫قريش‬
‫ٌ‬ ‫ت‬‫‪ ‬أال هل أتاك أن َغلََب ْ‬
‫ريش إذا َغض بنا‬
‫اب َد ٌم عبي طُ (‪ )1‬وكنا يا ق ُ‬ ‫ريش إذا َغض بنا يجىء من ِ‬
‫الغض ِ‬ ‫‪ ‬وكنا يا ق ُ‬
‫ُ‬
‫كأن أنوفَنا فيها َسعوطُ (‪)2‬‬
‫سياق ِ‬
‫العير يحدوها َّ‬
‫النبيطُ (‪)3‬‬ ‫َ‬ ‫قريش‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬فأصبحنا تُ َس ِّوقنا‬
‫ألين لهم َنشيطُ (‪)4‬‬
‫وال أنا إن َ‬ ‫ئلت الخسف ٍ‬
‫آب‬ ‫‪ ‬فال أنا إن ُس ُ‬
‫ِ‬
‫مسامعها القُطوطُ (ْ)‬ ‫وتُكتَب في‬ ‫‪َ ‬سُينق ُل لحمها في ِّ‬
‫كل فَ ٍّج‬ ‫ُ‬
‫ويروى " الخطوط "‪ ،‬وهذا البيت في رواية أي سعد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬أبو ثواب زياد بن ثواب ‪ .‬وأنشدنى خلف األحمر قوله ‪ " :‬يجيء‬
‫دم عبيط "‪ ،‬واخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من الغضاب ٌ‬
‫عبد اللّه بن وهب ي رد على ش عر زيد بن ص حار ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فأجابه عبد اللّه‬
‫بنوهب ‪ ،‬رجل من بني تميم ‪ ،‬ثم من بني أسيد ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫الشروط‬ ‫رأيت من‬ ‫ب من لَقينا كأ ْف ِ‬
‫ضل ما‬ ‫‪ ‬ب َش ْر ِط اللّه ِ‬
‫َ‬ ‫نضر ُ‬
‫ِ‬
‫عبيط‬ ‫الهام من َعلَ ٍ‬
‫ق‬ ‫ُّ‬
‫هوازن حين َنلقَى َنَبل َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬وكنا يا‬
‫ِ‬
‫الخبيط (‪)6‬‬ ‫ك كالور ِ‬
‫ق‬ ‫الب ْر َ‬ ‫وجمع بني قَ ِس ٍّى َن ُح ُّ‬ ‫‪ِ ‬‬
‫ك َ‬ ‫ِ‬ ‫كم‬
‫بجمع ُ‬‫ْ‬
‫ِ‬
‫والخليط (أ)‬ ‫الم ِ‬
‫باين‬ ‫أصبنا من سراتِ ُك ُم و ِملنا‬
‫بقتل في ُ‬ ‫‪#‬‬
‫الن ِ‬
‫حيط (‪)2‬‬ ‫كالب ِ‬
‫كر َّ‬ ‫َي ُم ُّج‬ ‫لتاث ُم ِ‬
‫الموت َ‬‫َ‬ ‫لق يديه‬
‫فتر ٌ‬ ‫الم ُ‬ ‫به ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ك يرغمهم س ِ‬ ‫ِ‬
‫عوطى‬ ‫ْ ُ‬ ‫غضابأ فال ينفَ ُّ ُ‬ ‫فإن تك قَْي ُس َعْي ٍ‬
‫الن‬ ‫‪#‬‬

‫شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين ‪ :‬وقال خديج بن ال َع ْوجاء ال َّن ْ‬


‫صري‬
‫صفَا(‪)3‬‬
‫أخ َ‬ ‫رأينا َسواداً ُمن َك َر ِ‬
‫اللون ْ‬ ‫لما َدَن ْونا من ُحَن ْي ٍن ومائِه‬ ‫‪#‬‬
‫صفَا(‪)4‬‬
‫ص ْف َ‬
‫إذن عاد َ‬
‫شماريخ من ُع ْز َوى ْ‬
‫َ‬ ‫باء لو قَذفوا بها‬
‫بملمومة َش ْه َ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِّ‬
‫المتكشفَا(ْ)‬ ‫المعارض‬
‫َ‬ ‫ولو أن قومى طاوعتني َس َراتُهم إذن لما لَقينا‬ ‫‪#‬‬
‫ثمانين ألفاً واستمدوا بخندفا(‪)6‬‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫يناجن َد ِ‬
‫ال‬ ‫إذن مالقَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ْ‬
‫ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان‬
‫الصنائع للقتال ‪.‬‬
‫َ‬ ‫أبواب مدينتها‪ ،‬وصنعوا‬
‫َ‬ ‫الطائف (‪)2‬أغلقوا عليهم‬
‫َ‬ ‫ولما قَِدم َفلُّوا ثقيف‬
‫من لم يش هد ح نين والط ائف ‪ :‬ولم يش هد ُحنينا وال حص َار الط ائف ُع روة بن مس عود‪ ،‬وال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والضبور‬ ‫(‪)2‬‬
‫والمجانيق‬ ‫(‪)1‬‬
‫بج َرش ‪ ،‬يتعلمان صنعة الدبابات‬
‫َغ ْيدن بن سلمة‪ ،‬كانا ُ‬
‫ش عر كعب بن مالك في غ زوة الط ائف ‪ :‬ثم س ار رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم إلى‬
‫الطائف حين فرغ من ُح نين ؛ فقال كعب بن مالك ‪ ،‬حين أجمع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫السير إلى الطائف ‪:‬‬
‫أج َم ْمَنا السِّيوفَا(‪)1‬‬
‫وخ ْيَب َر ثم ْ‬
‫َ‬ ‫قضينا من تِهامةَ ُك َّل َر ْي ٍب‬ ‫‪#‬‬
‫قواطعهن ‪َ :‬د ْوساً أو ثقيفَا‬
‫ُ‬ ‫نطقت لقالت‬
‫ْ‬ ‫نخيرها ولو‬ ‫‪#‬‬
‫داركم منا ألوفا‬ ‫ِ‬
‫بساحة ِ‬ ‫ٍ‬
‫لحاضن إن لم تََر ْوها‬ ‫فلست‬ ‫‪#‬‬
‫وتصبح دوركم ِ‬
‫منكم ُخلوفَا(‪)2‬‬ ‫العروش ِ‬
‫ببطن َو ّج‬ ‫َ‬ ‫وننتزعُ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫َخْلفَه َجمعاَ كثيفَا‬ ‫غادر‬ ‫ويأتيكم لنا سر ُ ٍ‬
‫عان َخْيل ُي ُ‬ ‫ََ‬ ‫‪#‬‬
‫مما أناخ بها َرجيفا(‪)3‬‬ ‫إذا نزلوا بساحتِكم سمعتم لها‬ ‫‪#‬‬
‫الحتوفَا(‪)4‬‬ ‫طلين بها ُ‬ ‫المص َ‬
‫ْ‬ ‫ُي ِز ْر َن‬ ‫فات‬
‫ره ٌ‬ ‫واضب ُم َ‬
‫ُ‬ ‫بأيديهم قَ‬ ‫‪#‬‬
‫ضرب َكتيفَا(ْ)‬ ‫قُيون ِ‬
‫الهند لم تُ ْ‬ ‫أخلصتْه‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫كأمثال العقائ ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الزحف َج ِادّياً َم ُدوفا(‪)6‬‬
‫ِ‬ ‫َغداةَ‬ ‫ِ‬
‫األبطال فيهم‬ ‫تخال َج ِدَّيةَ‬ ‫‪#‬‬
‫األقوام كان بنا َعريفَا(‪)7‬‬ ‫ِ‬ ‫أ ِج َّد ُه ُم أليس لهم َنصيخ من‬ ‫‪#‬‬
‫طروفا(‪)8‬‬ ‫ب ال ّ‬
‫والن ُج َ‬ ‫ِ‬
‫الخيل ُّ‬ ‫بأنا قد جمعنا ِع َ‬
‫تاق‬ ‫يخبِّرهم َّ‬ ‫‪#‬‬
‫صفوفَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫هم ُ‬‫بسور حصن ُ‬ ‫بزحف ُيحيطُ‬ ‫وأنا قد أتيناهم‬ ‫‪#‬‬
‫طبِراَ َعزوفا‬
‫صَ‬ ‫قى ِ‬
‫القلب ُم ْ‬ ‫َن َّ‬ ‫صْلباً‬
‫هم النبي وكان ُ‬
‫رئيس ُ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫وح ٍلم لم يكن َن ِزقاً َخفيفَا(أ)‬ ‫األمر ذو ُح ْكمء ٍ‬
‫وعلم‬ ‫رشيد ِ‬‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫الرحمن كان بِنا رؤوفاً‬
‫ُ‬ ‫نطيعُ نبيَّنا ونطيعُ ربًّا هو‬ ‫‪#‬‬
‫ضداً وريفَا(‪)2‬‬
‫ونجعْلكم لنا َع ُ‬ ‫نقبل‬
‫السْل َم ْ‬ ‫فإن تُْلقوا إلينا ِّ‬ ‫‪#‬‬
‫أمرنا َر ِعشاً ضعيفَا(‪)3‬‬ ‫ك ُ‬ ‫وال ي ُ‬ ‫ونصبر‬
‫ْ‬ ‫نجاهدكم‬
‫ْ‬ ‫وإ ن تَ َأب ْوا‬ ‫‪#‬‬
‫سالم إذعانا ُمضيفَا(‪)4‬‬ ‫اإِل ِ‬ ‫نجال ُد ما َبقينا أو تُنيبوا إلى‬ ‫ِ‬ ‫‪#‬‬
‫التالد أم الطَّ ِريفَا(‪)5‬‬
‫َ‬ ‫اهل ْكنا‬ ‫نجاهد ال ُنبالي َم ْن لَِقينا‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫صميم ال ِج ْذِم منهم َ‬
‫والحليفَا(‪6‬‬ ‫َ‬ ‫وكم من َم ْع َش ٍر أَلَُبوا علينا‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫فجدعنا المسامع‬ ‫َّ‬ ‫كفاء‬
‫أتونا ال َي َر ْو َن لهم ً‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫هم بها َس ْوقاً َعنِيفا‬
‫يسوقُ ْ‬ ‫صقيل‬ ‫هند لَْين َ‬ ‫ِّ‬
‫بكل ُم َّ‬ ‫‪#‬‬
‫الدين معتدالً حنيفَا‬ ‫ألمر اللّ ِه واإِل ِ‬
‫ِ‬
‫يقوم ُ‬
‫َ‬ ‫سالم حتى‬ ‫‪#‬‬
‫القالئد ُّ‬
‫والشنوفَا(‪)7‬‬ ‫ونسلُبها‬ ‫وو ٌّد‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الالت والعزى َ‬
‫ُ‬ ‫وتُْن َسى‬ ‫‪#‬‬
‫قبل ُخسوفَا‬
‫يمتنع َي ْ‬
‫ْ‬ ‫ومن ال‬ ‫فأم َس ْوا قد أقَُّروا واطمأنوا‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫كنانة بن عبد ياليل ي رد على كعب بن مالك ‪ :‬فأجابه كنانة ابن عبد ياليل بن عم رو بن‬
‫عمير‪،‬فقال ‪:‬‬
‫بدار َم ْعلٍَم ال َن ِريمها‬
‫فإنا ٍ‬
‫َّ‬ ‫يريد ققالنا‬
‫من كان ُي ْبغينا ُ‬ ‫‪#‬‬
‫وكرومها(‪)1‬‬ ‫وج ْدنا بها اآلباء من ِ‬
‫قبل ما تَرى وكانت لنا أطواؤها‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وحليمها(‪)2‬‬
‫ُ‬ ‫بن عامر فأخبرها ذو رأيِها‬
‫عمرو ُ‬‫وقد َج َّربتنا قب ُل ‪ُ :‬‬ ‫‪#‬‬
‫نقيمها(‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ص ْع ُر الخدود ُ‬‫أبت ُ‬
‫الحق أننا إذا ما ْ‬ ‫علمت إن قالت‬
‫ْ‬ ‫وقد‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫المبين ظلُومها‬ ‫ِّ‬
‫للحق‬ ‫عرف‬
‫وي ُ‬ ‫ريسها ُ‬‫يلين َش ُ‬
‫قومها حتى َ‬‫ُن ِّ‬ ‫‪#‬‬
‫نجومها(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫السماء َزيَّنتها‬ ‫كلو ِن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الص بن تُراث ُم َح َّرق ْ‬
‫علينا د ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫يمها(‪)5‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ُنرفِّهها عنا ببيض صوارم إذا ُجِّر ْ‬
‫دت في غمرة ال َنش ُ‬ ‫‪#‬‬
‫شعر شداد بن عارض في المسير إلى الطائف ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال شداد بن عارض‬
‫الجشمي في مسير رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم إلى الطائف ‪:‬‬
‫صر‬
‫الالت إن اهلل ُمهل ُكها وكيف ُينصر َم ْن هو ليس َي ْنتَ ُ‬‫َ‬ ‫ال تَنصروا‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫أحجارها َه َد ُر(‪)6‬‬ ‫ت ولم ُيقَاتَ ْل لدى‬ ‫إن التى ُحِّرقت بالس ِّ‬
‫ُّد فاشتعلَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫أهِلها َب َش ُر الطريق إلى الطائف‬ ‫ظ َع ْن وليس بها من ْ‬
‫كم َي ْ‬
‫بالد ُ‬
‫ينزل َ‬
‫إن الرسو َل متى ْ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فسلك رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم على َن ْخلَة اليمانية‪ ،‬ثم قَ ْرن ‪ ،‬ثم‬
‫الرغاء من ِليَّة(‪ ،)1‬فابتنى بها مسجداً فصلى فيه ‪.‬‬ ‫الملَْيح ‪ ،‬ثم على ُب ْح َر ِة ُّ‬
‫على ُ‬
‫الرغاء‪ ،‬حين نزلها‪،‬‬ ‫عمرو بن ُش َعيب ‪ :‬أنه أقاد يومئذ ُبب ْح َرة ُّ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني ُ‬
‫بدم وهو أول دم أقيد به في اإِل سالم ‪ ،‬رجل ‪،‬من بني ‪ ،‬لَْيث قتل رجال من ُه ذيل ‪،‬فقتله به ‪ .‬وأمر‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو بلية‪ ،‬بحصن مالك بن عوف فهُدم ‪،‬ثم سلك في طريق يقال‬
‫الض يقة فلما توجه فيها رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس أل عن اس مها‪ ،‬فق ال ‪ :‬ما اسم ه ذه‬
‫لها ّ‬
‫تحت‬
‫الي ْس رى‪ ،‬ثم خ رج منها على َن ْخب ‪ ،‬ح تى ن زل َ‬
‫الطريق ؟ فقيل له الض يقة‪ ،‬فق ال ‪ :‬بل هي ُ‬
‫ِس ْد َرة يق ال لها َّ‬
‫الص ادرة‪ ،‬قريبا من م ال رجل من ثقيف ‪ ،‬فأرسل إليه رس ول اللّه ص لي اهلل عليه‬
‫وس لم‪ :‬إما أن تخ رج ‪ ،‬وإ ما أن ُن ْخ رب عليك حائطك ؛ ف أبى أن يخ رج ‪ ،‬ف أمر رس ول اللّه ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم بإخرابه ‪.‬‬
‫القت ال ‪ :‬ثم مضى رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف ‪ ،‬فضرب‬
‫كره ‪ ،‬فقُتل به ن اس من أص حابه َّ‬
‫بالنْبل ‪ ،‬وذلك أن العس كر اق ترب من حائط الط ائف ‪،‬‬ ‫به عس َ‬
‫دونهم ؛ فلما أص يب‬
‫طهم ‪،‬أغلق وه َ‬
‫النبل تن الهم ‪،‬ولم يق در المس لمون على أن ي دخلوا ح ائ َ‬
‫وك انت َ‬
‫أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ‪ ،‬فحصرهم بضعاً‬
‫وعشرين ليلة ‪.‬‬
‫سبع عشرةَ ليلة ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال َ‬
‫‪156‬‬

‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ومعه امرأت ان من نس ائه ‪ ،‬إح داهما أم َس لَمة بنت أبي أمي ة‪ ،‬فض رب‬
‫ص لَّى رس ول اهلل‬
‫لهما قب تين ‪ ،‬ثم ص لى بين القب تين ‪ .‬ثم أق ام ‪ ،‬فلما أس لمت ثَقيف ب ني على ُم َ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم َعم رو بن أمية بن وهب بن ُم َعتِّب بن مالك مس جدا‪ ،‬وك انت في ذلك‬
‫المسجد سارية‪ ،‬فيما يزعمون ‪ ،‬ال تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إال ُس مع لنا َنقيض (‪،)1‬‬
‫وترام ْوا َّ‬
‫بالنبل ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فحاصرهم رسول اللّه صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقاتلهم ققاالً شديداً‪،‬‬
‫أول من رمى بالمنجنيق في اإِل سالم ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬ورماهم‬
‫رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم ب المنجنيق ح دثني من أثق به أن رس ول اللّه ص لي اهلل‬
‫عليه وس لم أول من رمى في اإِل س الم ب المنجنيق ‪ )2( ،‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ح تى إذا ك ان ي وم‬
‫الش ْد َخة عند ج دار الط ائف ‪،‬دخل نفر من أص حاب رس ول اللّه ص لي اهلل عليه وس لم تحت‬ ‫َّ‬
‫دبابة‪ ،‬ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ‪ ،‬فأرسلت عليهم ثقيف ِس َكك الحديد ُمحماة بالن ار‪،‬‬
‫بالنبل ‪ ،‬فقتلوا منهم رجاالً‪ ،‬فأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫فخرجوا من تحتها‪ ،‬فرمتهم ثَقيف َ‬
‫ِ‬
‫أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون ‪.‬‬ ‫وسلم بقطع‬
‫أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‪:‬‬
‫وتق دم أبو س فيان بن ح رب والمغ يرة بن ش عبة إلى الط ائف ‪ ،‬فناديا ثقيف اً ‪ :‬أن أمنونا‬
‫حتى نكلمكم فأمنوهما‪ ،‬فدعوا نساء من ٍ‬
‫نساء من قريش وبنى كنانة‬ ‫ً‬

‫تابع الجزء الخامس‬


‫من صفحة ‪225- 156‬‬
‫ليخرجن إليهما‪ ،‬وهما يخافان عليهن السباء‪ ،‬فأبين ‪ ،‬منهن آمنة بنت أبي سفيان ‪ ،‬كانت‬
‫عند عروة بن مسعود‪ ،‬له منها داود بن عروة‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ‪ ،‬وكانت عند أبي مرة بن‬
‫عروة بن مسعود‪ ،‬فولدت له داود بن مرة ‪.‬‬
‫والفر ِ‬
‫اسيَّة بنت ُس َويد بن عمرو بن ثعلبة‪ ،‬لها عبد الرحمن بن قارب ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قال ابن إسحاق ‪َ :‬‬
‫أبين عليهما‪ ،‬قال لهما ابن األسود بن مسعود ‪:‬‬
‫أمية بن َقْلع ؛ فلما ْ‬
‫أميمة بنت الناسئ َ‬
‫والفُقَيمية َ‬
‫يا أبا سفيان ويا مغيرة‪ ،‬أال أدلكما على خير مما جئتما له ‪ ،‬إن مال بني األسود بن مسعود‬
‫حيث قد علمتما‪ ،‬وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بينه وبين الطائف ‪ ،‬نازال بواد يقال له‬
‫شاء‪ ،‬وال أشد ُم ْؤنة‪ ،‬وال أبعد عمارة من مال بني األسود‪،‬‬‫العقيق ‪ ،‬ليس بالطائف مال أبعد ِر ً‬
‫والر ِحم ‪ ،‬فإن بيننا وبينه‬ ‫وإ ن محمدا إن قطعه لم ُي ْع َمر أبداً‪ ،‬فكلَّماه فليأخذ لنفسه ‪ ،‬أو َ‬
‫ليد ْعه للّه َّ‬
‫من القرابة ما ال ُيجهل فزعموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم تركه لهم ‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫أبو بكر يفسر رؤيا الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وقد بلغني أن رسول اللّه صلى اهلل‬
‫أه ِدَيت لي‬
‫عليه وسلم قال ألبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفاً ‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬إني رأيت إني ْ‬
‫قَ ْعَبة(‪ )1‬مملوءة ُز ْبداً‪ ،‬فنقرها ديك ‪ ،‬فهراق ما فيها‪.‬‬

‫فقال أبو بكر ‪ :‬ما أظن أن تُ ْد ِرك منهم َ‬


‫يومك هذا ما تريد‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اهلل‬
‫وسلم ‪ :‬وأنا ال أرى ذلك ‪.‬‬
‫عليه ّ‬
‫ارتحال المسلمين عن الطائف ‪ :‬ثم إن ُخ َويلة بنت حكيم بن‬
‫السلَمية‪ ،‬وهى امرأة عثمان ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول‬ ‫األوقَص َّ‬
‫أمية بن حارثة بن ْ‬
‫(‪ )1‬قعبة ‪ :‬القَ ْعب ‪ :‬إناء ضخم كالقصعة والجمع ِق َعاب وأ ْق ُعب مثل سهم وسهام وأسهم‬
‫‪.‬‬
‫‪158‬‬

‫اللّه ‪ ،‬أعطني إن فتح اللّه عليك الطائف ُحِل َّى بادية بنت َغ ْيالن (‪ )1‬بن مظعون ابن‬
‫َسلَمة‪ ،‬أو ُحِل َّى الفارعة بنت عقيل ‪ ،‬وكانتا من أحلى نساء ثَقيف ‪ .‬ف ُذكر لي أن رسول اللّه‬
‫ذن لي في ثقيف يا ُخويلة ؟ فخرجت ُخ َويلة‪،‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال لها ‪ :‬وإ ن كان لم ُي ْؤ ْ‬
‫فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ‪ ،‬فدخل على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫اللّه ‪ ،‬ما حديث َح َّدثَتْنيه ُخ َويلة‪ ،‬زعمت ‪ .‬أنك قلتَه ؟ قال ‪ :‬قد قلتُه ؛ قال ‪ :‬أو ما أذن لك فيهم‬
‫فأذن عمر بالرحيل ‪.‬‬‫أؤذن بالرحيل ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال َّ‬ ‫يا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬قال ‪ :‬أفال ِّ‬
‫سعيد بن‬
‫ُ‬ ‫الناس نادى‬
‫عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف ‪ :‬فلما استقام ُ‬
‫صن ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الحي مقيم ‪ .‬قال ‪ :‬يقول ُعيينة بن ح ْ‬
‫ُعَبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن عالج ‪ :‬أال إن َّ‬
‫أجل ‪ ،‬واللّه مجدةً كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين ‪ :‬قاتلك اللّه يا ُعيينة‪ ،‬أتمدح المشركين‬
‫باالمتناع من رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقد جئت تنصر رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫محمد الطائف ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وسلم ! فقال ‪ :‬إني ِواللّه ما جئت ألقاتل ثقيفاً معكم ‪ ،‬ولكنى أردت أن يفتح‬
‫ثقيف جاريةً ِ‬
‫أتطُئها‪ ،‬لعلها تلد لي رجال‪ ،‬فإن ثقيفاً قوم مناكير‪.‬‬ ‫فأصيب من ٍ‬
‫(‪ )1‬بادية بنت غيالن ‪ :‬هو غيالن بن سلمة الثقفى‪ ،‬وهو الذي أسلم ‪ ،‬وعنده عشر نسوة‪،‬‬
‫فأمره النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يمسك أربعاً‪ ،‬ويفارق سائرهن ‪ ،‬فقال فقهاء الحجاز ‪:‬‬
‫يختار أربعاً‪ ،‬وقال فقهاء العراق ‪ :‬بل يمسك التي تزوج أوال‪ ،‬ثم التي تليها إلى الرابعة‪،‬‬
‫واحتج فقهاء الحجاز بأن النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لم يستفصله أيتهن تزوج أول ‪،‬‬
‫وتركه لالستفصال دليل على أنه مخير حتى جعل األصوليون منهم هذا أصال من أصول‬
‫العموم ‪ ،‬فقال أبو المعالى الجويني في كتاب البرهان ‪ :‬ترك االستفصال في حكايات االًحوال‬
‫مع االحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال ‪ ،‬كحديث غيالن ‪ .‬وغيالن هذا هو الذي قدم على‬
‫كسرى‪ ،‬فسأله أي ولده أحب إليه ؟ فقال غيالن ‪ :‬الغائب حتى يقدم ‪ ،‬والمريض حتى يفيق ‪،‬‬
‫والصغير حتى يكبر‪ ،‬ونسب المبرد هذه الحكاية مع كسرى إلى هوذة بن على الحنفي‪،‬‬
‫والصحيح عند اإلخباريين ما قدمناه واهلل أعلم ‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني من ال أتهم ‪،‬‬
‫عن عبد اللّه بن مُكدَّم ‪ ،‬عن رجال من ثقيف ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لما أسلم أهل الطائف تكلم‬
‫نفر منهم في أولئك العبيد‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ال‪ ،‬أولئك عتقاءُ‬
‫اللّه ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث ابن كَلَدَة ‪)1( .‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد‪ .‬شعر للضحَّاك بن سفيان‬
‫وسببه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كانت ثقيف أصابت أهال لمروان بن قيس َّ‬
‫الد ْوسى ‪ ،‬وكان قد‬
‫وظاهر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على ثقيف ‪ ،‬فزعمت ثقيف ‪ ،‬وهو الذي‬
‫َ‬ ‫أسلم ‪،‬‬
‫‪.‬تزعم به ثقيف أنها من قَْيس ‪ :‬أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال لمروان بن قيس ‪:‬‬
‫خذ يا مروان‬
‫(ا) ذكر العبيد الذين نزلوا من الطائف ‪ ،‬ولم يسمهم ‪ ،‬ومنهم أبو بكرة نفيع بن مسروح‬
‫تدلى من سور الطائف على بكرة‪ ،‬ف ُكني أبا بكرة‪ ،‬وهو من أفاضل الصحابة‪ ،‬ومات‬
‫بالبصرة‪ .‬ومنهم األزرق ‪ ،‬وكان عبداً للحارث بن كلدة المتطبب ‪ ،‬وهو زوج سمية موالة‬
‫الحارث أم زياد بن أبي سفيان ‪ ،‬وأم سلمة بن األزرق ‪ ،‬بنو سلمة بن األزرق ‪ ،‬وكان لهم‬
‫صيت وذكر بالمدينة‪ ،‬وقد انتسبوا إلى غسان ‪ ،‬وغلط ابن قتيبة في المعارف ‪ ،‬فجعل سمية‬
‫هذه المذكورة أم عمار بن ياسر‪ ،‬وجعل سلمة بن األزرق أخا عمار بن ياسر ألمه ‪ ،‬وقد ذكر‬
‫عمار‪ ،‬كما تقدم في باب المبعث ‪ ،‬فتبين غلط ابن قتيبة ووهمه ‪.‬‬
‫ومن أولئك العبيد ‪ :‬المنبعث ‪ ،‬وكان اسمه المضطجع ‪ :‬فبدل النبي – صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬اسمه ‪ ،‬وكان عبداً لعثمان بن عامر بن معتب ‪ .‬ومنهم يحنس النبال ‪ ،‬وكان عبداً لبعض‬
‫آل يسار‪ .‬ومنهم وردان ‪.‬جد الفرات بن زيد بن وردان ‪ ،‬وكان لعبد اهلل بن ربيعة بن خرشة‬
‫‪ .‬وإ براهيم بن جابر‪ ،‬وكان أيضا لخرشة وجعل النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والء هؤالء‬
‫العبيد لسادتهم ‪ ،‬حين أسلموا‪ ،‬كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام ‪ ( .‬عن‬
‫الروض األنف للسهيلي جـ ‪ – 4‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.) 164‬‬
‫‪160‬‬

‫بن مالك القُشيري فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله‬ ‫ِ‬


‫فلقي َأب َّي َ‬
‫أول رجل من قيس تلقاه ‪َ ،‬‬
‫بأهلك َ‬
‫الكالبي‪،‬فكلم ثقيفا حتى أرسلوا أهل مروان ‪ ،‬وأطلق لهم‬ ‫‪ ،‬فقام في ذلك الضحاك بن سفيان ِ‬
‫أبي بن مالك ‪ ،‬فقال الضحاك بن سفيان في شىء كان بينه وبين أبي بن مالك‬
‫عرض عنك أ ْش َو ُس (‪)1‬‬ ‫أتنسى بالئي يا أبي بن مالك غداةَ الرسو ُل ُم ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫َّس (‪)2‬‬ ‫يد َّ‬ ‫ذليالً كما ِق َ‬ ‫بحبل ِه‬
‫يقودك مروان بن قيس ِ‬
‫المخي ُ‬
‫الذلول َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قبسوا‬ ‫فعادت عليك من ثَ ٍ‬
‫الشر ُي ُ‬
‫بس ِّ‬ ‫متى يأتهم مستَ ْق ُ‬ ‫قيف عصابةٌ‬ ‫‪#‬‬
‫تيأس‬
‫النفس ُ‬
‫عليك وقد كادت بك ُ‬ ‫حلومهم‬
‫ُ‬ ‫المولَى فعادت‬
‫فكانوا هم ْ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ " :‬يقبسوا " عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫الشهداء يوم الطائف ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وهذه تسمية من استُشهد من المسلمين مع‬
‫وسلم يوم الطائف ‪:‬‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه َ‬
‫من قريش ‪ ،‬ثم من بني أمية بن عبد شمس ‪ :‬سعيد بن سعيد بن العاص ابن أمية‪.‬‬
‫وع ْرفُطة بن َجَّناب ‪ ،‬حليف لهم ‪ ،‬من األسد بن الغوث ‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬ابن ُحباب ‪.‬‬
‫‪،‬رمى بسهم ‪،‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ومن بني تَْيم بن ُمرة ‪ :‬عبد اللّه بن أبي بكر الصديق ُ‬
‫وفاة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫فمات منه بالمدينة بعد ِ‬
‫(‪ )1‬األشوس ‪ :‬من يعرض بنظره إلى جهة أخرى من العظمة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المخيس ‪ :‬المذلل ‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫ومن بني مخزوم ‪ :‬عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة‪ ،‬من َرمية ُرميها يومئذ‪.‬‬
‫ومن بني عدي بن كعب ‪ :‬اللّه بن عامر بن ربيعة حليف لهم ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬وأخوه عبد اللّه بن‬ ‫ِ‬
‫ومن بني َس ْهم بن عمرو ‪ :‬السائب بن الحارث بن قَْيس بن َعد ّ‬
‫الحارث‪.‬‬
‫ومن بني سعد بن ليث ‪ُ :‬جلَْيحة بن عبداللّه ‪.‬‬
‫واستشهد من األنصار ‪ :‬من بني سلمة ‪ :‬ثابت بن الج َذع ‪.‬‬
‫ومن بني مازن بن النجار ‪ :‬الحارث بن َس ْهل بن أبي صعصعة ‪.‬‬
‫ومن بني ساعدة ‪ِ :‬‬
‫المنذر بن عبد اللّه ‪.‬‬
‫ومن األوس ‪ُ :‬رقَْيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لَ ْوذان بن معاوية‪.‬‬
‫فجميع من استُشهد بالطائف من أصحاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم اثنا عشر‬
‫رجال‪ ،‬سبعة من قريش ‪ ،‬وأربعة من األنصار‪ ،‬ورجل من بني لَْيث ‪.‬‬
‫قصيدة ُب َج ْير بن ُز َه ْير في ُحنين والطائف ‪ :‬فلما انصرف رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار‪ ،‬قال ُب َجير بن ُز َهير بن أبي‬
‫سلمى(ا) يذكر حنينا والطائف ‪:‬‬
‫األبر ِ‬
‫ق (‪)2‬‬ ‫ويوم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫يوم بطن ُحَن ْي ٍن وغداةَ‬
‫أوطاس َ‬ ‫كانت ُعاللةَ َ‬ ‫‪#‬‬
‫(ا) واسم أبي سلمى ‪ :‬ربيعة‪ ،‬وهو من بني الطم بن عثمان وهم مزينة‪ ،‬عرفوا بأمهم ‪،‬‬
‫وأنها بنت كلب بن وبرة‪ ،‬وأن أختها الحوأب ‪ ،‬وبها سمى ماء الحوأب ‪.‬‬
‫جمعها‬
‫العاللة ‪ :‬جري بعد جري ‪ ،‬أو قتال بعد قتال ‪ ،‬يريد ‪ :‬أن هوازن جمعت ْ‬
‫(‪ُ : )2‬‬
‫ُعاللةً في ذلك اليوم ‪ ،‬وحذف التنوين من ُعاللة ضرورة‪ ،‬وأضمر في كانت اسمها‪ ،‬وهو‬
‫بالنصب ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫القصة وإ ن كانت الرواية بخفض يوم ‪ .‬فهو أولى من التزام الضرورة القبيحة‬
‫ولكن ألفيته في =‬
‫ّ‬
‫‪162‬‬

‫المتمز ِ‬
‫ق (‪)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫كالطائر‬ ‫َّ‬
‫فتبد ُدوا‬ ‫جمعها‬ ‫بإغو ٍ‬
‫هوازن َ‬
‫ُ‬ ‫اء‬ ‫جمعت ْ َ‬ ‫‪#‬‬
‫وبطن الخند ِ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫جدارهم‬
‫إال َ‬ ‫لم َيمنعوا منا َمقاماً واحداً‬ ‫‪#‬‬
‫ق‬ ‫فتحصنوا منا ٍ‬
‫بباب ُم ْغلَ ِ‬ ‫ضنا ِل َك ْيما يخرجوا‬
‫تعر ْ‬
‫ولقد َّ‬ ‫‪#‬‬
‫ق (‪)2‬‬‫شهباء تلمعُ بالمنايا فيل ِ‬ ‫ترتد حسرانا إلى ر ْجراَ ٍ‬
‫جة‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ‬
‫ق (‪)3‬‬‫ضناًلظل كأنه لم ُيخلَ ِ‬ ‫مْلم ٍ‬
‫َح َ‬ ‫ضراء لو قذفوا بها‬
‫َ‬ ‫ومة َخ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق في القياد وتلتقى(‪)4‬‬ ‫قُ ْدر تَفََّر ُ‬ ‫اس كأننا‬ ‫ِ‬
‫َم ْشى الضِّراء على الهََر ِ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريحه المتر ْقرق (ْ)‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كالن ْهى َهبَّت ُ‬ ‫صنت‬
‫في كل سابغة إذا ما استَ ْح َ‬ ‫‪#‬‬
‫ق (‪)6‬‬ ‫داود ِ‬
‫وال ُم َحِّر ِ‬ ‫نسج ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ُج ُد ٌل تَ َم ُّس فضولُهن نِعالَنا‬ ‫‪#‬‬
‫المقيدة‪ ،‬وإ ذا كان اليوم مخفوضاً باإلضافة جاز في ُعاللة مع إضافتها إلى‬ ‫= النسخة ّ‬
‫يوم ‪،‬‬
‫تامة مكتفية باسم واحد هو فاعلها‪ ،‬ويجوز أن تجعلها اسماً علماً‬
‫على أن تكون كان ّ‬
‫تقيد في النسخة(بتصرف عن‬
‫وينصب يوم على الظرف كما ّ‬
‫للمصدر مثل برة وفجار‪ُ ،‬‬
‫الروض األنف ج ‪ 4‬ص ‪ ) 165‬بتحقيقنا‪ .‬ط الكليات األزهرية ‪ -‬القاهرة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلغواء ‪ :‬االنهماك في الجهل وهو خالف الرشد‪.‬‬
‫(‪ )2‬حسراناً‪ ،‬جمع ‪ :‬حسير وهو الكليل ‪ .‬والرجراجة ‪ :‬الكتيبة الضخمة من الرجرجة‪،‬‬
‫شدة الحركة واالضطراب ‪ .‬وفيلق ‪ :‬من الفلق ‪ ،‬وهى الداهية ‪.‬‬
‫وهي ّ‬
‫(‪ )3‬ملمومة ‪ :‬مجتمعة ‪ .‬خضراء ‪ :‬تظهر كذلك لكثرة ما عليها من الحديد‪ .‬حضن ‪:‬‬
‫اسم‬
‫جبل ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الضراء ‪ :‬الكالب ‪ .‬والهراس ‪ :‬نوع من الشوك ‪ ،‬والكالب إذا مشت في الهراس‬
‫شبه الخيل بها‪ .‬والقُ ْدر ‪ :‬الوعول‬
‫ابتغت أليديها موضعاً ثم تضع أرجلها موضع أيديها‪ّ .‬‬
‫المسنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫السيالن فوقف ‪.‬‬
‫النهي ‪ :‬الغدير ُس ّمى بذلك ألنه ماء نهاه ما ارتفع من األرض من َ‬
‫(‪ْ )5‬‬
‫محرق ‪ :‬آل عمر بن هند ملك الحيرة ‪.‬‬
‫الج ُدل ‪ :‬المنسوجة نسجاً ُمح َكماً‪ .‬آل ِّ‬
‫(‪ُ )6‬‬
‫‪163‬‬

‫أمر أموال هوازن وسباياها‪،‬‬


‫وعطايا المؤلفة قلوبهم منها‬
‫وإ نعام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فيها‬
‫ثم خرج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على َد ْحنا(‪)1‬‬
‫ى كثير وقد قال له رجل‬
‫فيمن معه من الناس ‪ ،‬ومعه من هوازن َس ْب ٌ‬
‫الجع َرانة(‪َ )2‬‬
‫حتى نزل ْ‬
‫ظ َعن في ثقيف ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬ادعُ عليهم ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫من أصحابه يوم َ‬
‫وسلم ‪ :‬اللهم اهد ثقيفا ِ‬
‫وأت بهم ‪.‬‬
‫بالجعرانة‪ ،‬وكان مع رسول‬
‫ْ‬ ‫وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته ‪ :‬ثم أتاه وفد َه َوازن‬
‫وسلم من سبى هوازن ستة آالف من الذراري (‪ )3‬والنساء‪ ،‬ومن ِ‬
‫اإلبل‬ ‫اللّه صلى اهلل عليه ّ‬
‫والشاء ما ال ُيدرى ما عدته ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني َع ْمرو بن ُش َع ْيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َج ِّده‬
‫عبد اللّه بن عمرو‪ ،‬أن وفد َهوازن أتوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وقد أسلموا‪،‬‬
‫() َد ْحَنا ‪ :‬بفتح أوله وسكون ثانيه ‪ .‬من مخاليف الطائف ‪ ،‬ويقال إن دحنا هي التي‬
‫خلق من ترابها آدم صلى اهلل على نبينا وعليه ‪ ،‬وفي الحديث ان اهلل خلق آدم من دحنا‪،‬‬
‫ومسح‬
‫ظهره بنعمان األراك رواه ابن عباس ‪ ،‬وكان مسح ظهر آدم بعد خروجه من الجنة‬
‫باتفاق‬
‫من الروايات ‪ ،‬واختلفت الرواية في مسح ظهره ‪ ،‬فروي ما تقدم ‪ ،‬وهو أصح ‪ ،‬وروي‬
‫أن ذلك كان في سماء الدنيا قبل هبوطه إلى األرض ‪ ،‬وهو قول السدي‪ ،‬وكلتا الروايتين‬
‫ذكرهما الطبري والحديث ليس بالقوي ‪ -‬فاللّه أعلم أي ذلك كان ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجعرانة ‪ :‬بسكون العين فيها هو أصح ‪ ،‬وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها‬
‫من بعد قوة كانت تلقب بالجعرانة‪ ،‬واسمها ‪ :‬ريطة بنت سعد‪ ،‬وأن الموضع يسمى بها‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫الذرية‬
‫ّ‬ ‫والذرية فعلية من الذز وهم الصغار وتكون‬
‫ّ‬ ‫الذراري ‪ :‬الذر والنسل ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫واحداً وجمعاً وفيها ثالث لغات أفصحها ضم الذال وبها قرأ السبعة‪ ،‬والثانية كسرها ويروى‬
‫عن زيد بن ثابت ‪ ،‬والثالثة فتح الذال مع تخفيف الراء وزان كريمة وبها قرأ أبان بن عثمان‬
‫الذراري وقد أطلقت الذرية على اآلباء أيضا مجازاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ذريات وقد تجمع على‬
‫وتجمع على ّ‬
‫‪164‬‬

‫ِ‬
‫فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إنا أص ٌل وعشيرة‪ ،‬وقد أصابنا من البالء ما لم َي ْخف عليك ‪،‬‬
‫فامُن ْن علينا‪َ ،‬م َّن اللّه عليك ‪ .‬قال ‪ :‬وقام رجل من هوازن ‪ ،‬ثم أحد بني سعد بن بكر‪ ،‬يقال له‬
‫ْ‬
‫ص َرد(ا)‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ّ ،‬إنما في الحظائر عماتُك وخاالتك‬ ‫ُزهير‪ُ ،‬يكنى أبا ُ‬
‫كن يكفْلنك ‪ ،‬ولو ّأنا َملَ ْحنا(‪ )3‬للحارث بن أبي َش ِمر‪ ،‬أو ُّ‬
‫للنعمان بن‬ ‫وحواضنك (‪ )2‬الالتي ّ‬
‫خير‬
‫رج ْونا عطفَه وعائدته ‪ -‬علينا‪ ،‬وأنت ُ‬ ‫منا بمثل الذي نزلت به ‪َ ،‬‬‫المنذر‪ ،‬ثم نزل ّ‬
‫الحارث بن أبي َش ِمر‪ ،‬أو ُّ‬
‫النعمان بن‬ ‫َ‬ ‫ويروى ولو ّأنا مالَ ْحنا‬ ‫المكفولين ‪ .‬قال ابن هشام ‪ُ :‬‬
‫المنذر‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عمرو بن ُشعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َج ّده عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أبناؤكم ونساؤكم ُّ‬
‫أحب إليكم من أموالكم ؟ فقالوا ‪ :‬يا‬
‫ترد إلينا نساءنا وأبناءنا‪ ،‬فهو ُّ‬
‫أحب إلينا‪ .‬فقال‬ ‫رسول اللّه ‪ ،‬خيَّرتنا بين أموالنا وأحسابنا‪ ،‬بل ّ‬
‫لهم ‪ :‬أما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم ‪ ،‬وإ ذا ما أنا صلّيت الظهر بالناس ‪ ،‬فقوموا‬
‫فقولوا ‪ :‬إنا نستشفع برسول اللّه إلى المسلمين ‪ ،‬وبالمسلمين إلى رسول اللّه في أبنائنا ونسائنا‬
‫فسأعطيكم عند ذلك ‪ ،‬وأسأل لكم ‪.‬‬
‫ظهر قاموا فتكلّموا بالذي أمرهم به‬
‫فلما صلّى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بالناس ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬وأما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم " فقال‬
‫المهاجرون ‪ :‬وما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬وقالت األنصار ‪ :‬وما كان‬
‫لنا فهو لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال األقرع بن حابس ‪ :‬أما أنا وبنو تميم فال‪.‬‬
‫صن ‪ :-‬أما أنا وبنو فزارة فال‪ ،‬وقال‬ ‫ِ‬
‫وقال ُعيينة بن ح ْ‬
‫(ا) وقيل أبا جرول ‪ ،‬وكان من رؤساء بني جشم ‪.‬‬
‫(‪)2‬يقصد‪ :‬حليمة السعدية فهي من بني سعد بن بكر‪.‬‬
‫(‪َ )3‬ملَ ْحنا ‪ :‬أرضعنا‪.‬‬
‫‪165‬‬

‫عباس بن ِمرداس ‪ :‬أما أنا وبنو ُسليم فال‪،‬فقالت بنو ُسلَيم ‪َ .‬بلَى‪ ،‬ما كان لنا فهو لرسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال ‪ .‬يقول عباس بن ِم َرداس لبنى ُسلَْيم ‪َّ :‬‬
‫وه ْنتُموني (‪ . .)1‬فقال رسول اللّه صلى اهلل‬
‫ست فرائض ‪ ،‬من أول‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ُّ‬
‫ونساءهم (‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫فردوا إلى الناس أبناءهم‬
‫َس ْبى أصيبه ‪ّ .‬‬
‫أن رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫َّعدي ّ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني أبو َو ْج َزة يزيد بن ُعبيد الس ّ‬
‫على بن أبي طالب رضي اللّه عنه جارية‪ ،‬يقال لها َر ْيطة بنت هالل بن َحيَّان‬
‫وسلم أعطى ّ‬
‫صيَّة بن نصر ‪ ،‬ابن سعد بن بكر‪ ،‬وأعطى عثمان بن‬
‫بن ُعميرة بن هالل بن ناصرة بن قُ َ‬
‫طاب‬
‫عفّان جارية‪ ،‬يقال لها زينب بنت َحّيان بن عمرو بن َحيَّان ‪ ،‬وأعطى عمر بن الخ ّ‬
‫جارية‪ ،‬فوهبها لعبد اللّه بن عمر ابنه ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني نافع مولى عبد اللّه بن عمر‪ ،‬عن عبد اللّه ابن عمر‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫صلحوا لي منها‪،‬‬
‫بعثت بها إلى أخوالي من بني ُج َمح ‪ُ ،‬لي ْ‬
‫(ا) وهنتموني ‪ :‬أي ضعفتموني‪.‬‬
‫(‪ )2‬وذكر رد السبايا إلى هوازن ‪ ،‬وأنه من لم تطب نفسه بالرد عوضه مما كان بيده ‪،‬‬
‫واستطاب نفوس الباقين ‪ ،‬وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم ‪ ،‬وال يجوز لإلمام أن يمن‬
‫على األسرى بعد القسم ‪ ،‬ويجوز له ذلك قبل المقاسم ‪ ،‬كما فعل الني –صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عماالً للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة‪،‬‬
‫‪ -‬بأهل خيبر حين من عليهم ‪ ،‬وتركهم َ‬
‫كذلك قال أبو عبيدة‪ ،‬قال ‪ :‬وال يجوز لإلمام أن يمن عليهم ‪ ،‬فيردهم إلى دار الحرب ‪ ،‬ولكن‬
‫على أن‬
‫يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين ‪ ،‬قال ‪ :‬واإلمام مخير في األسرى بين القتل‬
‫والفداء والمن واالسترقاق والفداء بالنفوس ال بالمال كذلك ‪ ،‬قال اكثر الفقهاء هذا في‬
‫الرجال ‪ ،‬وأما الذراري والنساء‪ ،‬فليس إال االسترتاق ‪ ،‬أو المفاداة بالنفوس دون المال كما‬
‫تقدم ‪.‬‬
‫‪166‬‬

‫ويهيئوها‪ ،‬حتى أطوف بالبيت ‪ ،‬ثم آتيهم ‪ ،‬وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها(ا)‪ .‬قال‬
‫ّ‬
‫يشتدون ؛ فقلت ‪ :‬ما شأنكم ؟ قالوا ‪َ :‬ر َّد‬
‫فخرجت من المسجد حين فرغت ‪ ،‬فإذا الناس َّ‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬
‫وأبناءنا‪،‬فقلت ‪ :‬تلكم صاحبتكم في بني ُج َمح ‪،‬‬
‫َ‬ ‫نساءنا‬
‫علينا رسو ُل اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫فاذهبوا فخذوها‪ ،‬فذهبوا إليها‪ ،‬فأخذوها ‪. )2( .‬‬
‫ُعيينة والعجوز التي أخذها ‪ .:‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وأما ُعيينة بن‬
‫صن (‪ ،)3‬فأخذ عجوزاً من عجائز هوازن ‪ ،‬وقال حين أخذها ‪ :‬أرى عجوزاً ّإني‬ ‫ِ‬
‫ح ْ‬
‫رد رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم‬‫ألحسب لها في الحي نسباً‪ ،‬وعسى أن يعظُم فداؤها فلما َّ‬
‫ص َرد ‪ :‬خذها عنك ‪ ،‬فواللّه ما فوها‬ ‫بست فرائض‪ ،‬أبي أن َّ‬
‫يردها‪ ،‬فقال له ُز َه ْير أبو ُ‬ ‫السبايا ّ‬
‫بطنها‬
‫ثديها بناهد‪ ،‬وال ُ‬
‫ببارد‪ ،‬وال ُ‬
‫(‪ )1‬هذا ألنها كانت قد أسلمت ‪ ،‬ألنه ال يجوز‪.‬وطء وثنيه وال مجوسية بملك يمين ‪،‬‬
‫وال‬
‫بنكاح حتى تسلم ‪ ،‬وإ ن كانت ذات زوج ‪ ،‬فال بد أيضاً من استبرائها‪ ،‬وأما الكتابيات ‪،‬‬
‫فال‬
‫خالف في جواز وطئهن بملك اليمين ‪.،‬وقد روي عن طائفة من التابعين منهم عمرو‬
‫بن‬
‫‪ .‬دينار إباحة وطء المجوسية والوثنية بملك‪ .‬اليمين ‪،‬وقوله تعالى { واَل تَ ِ‬
‫نك ُحوا‬ ‫َ‬
‫اْلم ْش ِر َك ِ‬
‫ات َحتَّى ُي ْؤ ِم ّن } [البقرة‪.]221 :‬تحريم عام إال ما خصصته آية المائدة من الكتابيات‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬والنكاح يقع على الوطء بالعقد والملك‪.‬‬
‫(‪ )2‬وكان سبي حنين ستة آالف رأس ‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قد ولى‬
‫أبا سفيان بن حرب ألمرهم ‪ ،‬وجعله أميناً عليهم ‪ ،‬قاله الزبير في حديث آخر ذكره الزبير‬
‫بإسناد احسن أن أبا َج ْهم بن ُحذيفة العدوي كان على األنفال يوم حنين ‪ ،‬فجاءة خالد بن‬
‫البرصاء‪ ،‬فأخذ من األنفال زمام شعر فمانغه أبو جهم ‪ ،‬فلما تمانعا ضربه أبو جهم بالقوس‬
‫فشجه منقلة ‪ -‬الشجة التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منها فراش العظام ‪ -‬فاستعدى‬
‫عليه خالد رسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال له ‪ :‬خذ خمسين شاة ودعه ‪ ،‬فقال أقدني‬
‫منه ‪ ،‬فقال خذ مائة‪ ،‬ودعه فقال ‪ :‬أقدني منه ‪ ،‬فقال ‪ :‬خذ خمسين ومائة ودعه ‪ ،‬وليس لك إال‬
‫وال عليك ‪ ،‬فقومت الخمسون والمائة بخمس عشرة فريضة من اإلبل‬ ‫ذلك ‪ ،‬وال أقصك من ٍ‬
‫‪ ،‬فمن هنالك جعلت دية ِ‬
‫المنقلة خمس عشرة فريضة‪.‬‬
‫(‪ )3‬اسمه ‪ :‬حذيفة بن ‪.‬جصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ‪.‬‬
‫‪167‬‬

‫بست فرائض حين قال له‬


‫فردها ّ‬
‫بوالد‪ ،‬وال زوجها بواجد(ا)‪ ،‬وال َد ُّرها بماكد(‪ّ .)2‬‬
‫أن ُعيينة لقي األقرع بن حابس (‪ ،)3‬فشكا إليه ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك واللّه‬
‫ُزهير ما قال ‪ ،‬فزعموا ّ‬
‫صفا وثيرة ( ‪. ) 4‬‬
‫ما أخذتها بيضاء غزيرة‪ ،‬وال َن َ‬
‫أمر مالك بن عوف وإ سالمه وشعره في ذلك ‪ :‬وقال رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم لوفد َه َوازن ‪ ،‬وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ؟ فقالوا ‪:‬‬
‫هو بالطائف مع ثقيف ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أخبروا مالكاً‪ .‬أنه إن أتاني‬
‫مسلماً رددت عليه أهلَه ومالَه ‪ ،‬وأعطيته مائةً من اإلبل ‪ ،‬فأتى مالك بذلك ‪ . ،‬فخرج إليه من‬
‫الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن َيعلموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ّ‬
‫قال له ما قال ‪ ،‬فيحبسوه ‪ ،‬فأمر براحلته فهُيئت له ‪،‬وأمر بفرس له ‪ ،‬فأتى به إلى الطائف ‪،‬‬
‫فخرج ليال‪ ،‬فجلس على فرسه ‪ ،‬فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تُحبس ‪ ،‬فركبها‪،‬‬
‫فلحق برسول‬
‫( ‪ ) 1‬الواجد ‪ :‬الحزين ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الماكد ‪ :‬ويقال أيضا بناكد‪ ،‬يريد ليست بغزيرة الدر‪ ،‬والنوق النكد ‪ :‬الغزيرات‬
‫اللبن‬
‫وأحسبه من األضداد‪ ،‬ألنه قد يقال أيضاً نكد لبنها إذا نقص ‪ ،‬قاله صاحب العين ‪،‬‬
‫والصحيح عند أكثرهم أن النكد هي القليالت اللبن من قوله عز وجل { اَل َي ْخر ُج ِإاَّل‬
‫ُ‬
‫َن ِكدا } [األعراف‪ ]58 :‬وأن المكد بالميم هي الغزيرات اللبن ‪ ،‬قال ابن سراج ‪ ،‬ألنه من مكد‬
‫في المكان إذا أقام فيه ‪ ،‬وقد يقال أيضا نكد في مكد‪ ،‬أى ثبت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وكان من المؤلفة قلوبهم ‪ ،‬ثم حسن إسالمه بعد‪ ،‬وهو الذي قال لرسول – صلى اهلل‬
‫اس ِح ُّج اْلَب ْي ِت } [آل عمران‪ ]97 :‬أفي كل عام يا‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬حين نزلت ‪َ { :‬وِللَّ ِه َعلَى َّ‬
‫الن ِ‬
‫رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬لو قلتها لوجبت ‪ ،‬وهو الذي قال للنبي – صلى اهلل عليه وسلم – حين أقطع‬
‫أبيض بن حمال الماء الذي بمأرب ‪ :‬أتدرى ما أقطعته يا رسول اهلل إنما أقتطعته الماء العد –‬
‫الذي ال ينقطع – فاسترجعه الني صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو حديث مشهور‪ .‬وأما نسب‬
‫األقرع بن حابس فهو ابن حابس بن عقال أبن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي الدارمي‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )4‬الغريرة ‪ :‬متوسطة السن ‪ ،‬وكذلك النصف أيضا‪ .‬والوثيرة ‪ :‬السمينة ‪.‬‬
‫‪168‬‬

‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأدركه ِ‬


‫بالج ْعرانة أو بمكة‪ ،‬فرد عليه أهلَه ومالَه ‪ ،‬وأعطاه‬
‫هن إسالمه ‪ ،‬فقال مالك بن عوف حين أسلم ‪:‬‬ ‫فحس َ‬
‫مائةً من اإلبل ‪ ،‬وأسلم ُ‬
‫بمثل محمد‬ ‫الناس كلِّهم ِ‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫سمعت ِ‬
‫بمثله‬ ‫ُ‬ ‫رأيت وال‬‫ُ‬ ‫ما إن‬ ‫‪#‬‬
‫عما في ِ‬
‫غد‬ ‫ك َّ‬ ‫يخبر َ‬ ‫ِ‬
‫ومتى تشأ ْ‬ ‫اجتُدى‬
‫للجزيل إذا ْ‬ ‫ْأوفَى وأعطى‬ ‫‪#‬‬
‫هن ِد‬
‫ري وضرب كل ُم َّ‬ ‫َّمهَ ِّ‬
‫بالس ْ‬ ‫أنيابها‬
‫ت ُ‬ ‫وإ ذا الكتيبةُ َع َّر َد ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ص ِد(‪)1‬‬‫خادر في َم ْر َ‬
‫ِ‬
‫الهَباءة ٌ‬ ‫ط‬
‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫ليث على أشباله ْ‬ ‫َّ‬
‫فكأنه ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫فاستعمله رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على من أسلم من قومه ‪ .‬وتلك القبائل ‪:‬‬
‫وسِلمة‪ ،‬وفَ ْهم فكان ‪ .‬يقاتل بهم ثقيفا‪ ،‬ال يخرج لهم َس ْرح إال أغار عليه ‪ ،‬حتى ضيق‬ ‫ُمالة(‪َ ،)2‬‬
‫عليم فقال ‪،‬أبو محجن (‪ )4‬بن حبيب بن عمرو بن ُعمير الثقفي ‪:‬‬
‫ثم تغزونا بنو َسِل ْ‬
‫مه‬ ‫جانبنا‬
‫األعداء َ‬
‫ُ‬ ‫هابت‬ ‫‪#‬‬
‫والحرمه‬
‫ْ‬ ‫ناقضاً للعهد‬ ‫ك بهم‬‫وأتانا مال ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫ولقد كنا َأولى َن ِق َم ْه (‪)5‬‬ ‫وأتونا في منازلنا‬ ‫‪#‬‬
‫والخدر ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫الم ْنَبث ‪.‬الذي ُي َرى في ضوء الشمس ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الهََباءة ‪ :‬دقاق التُراب والشيء ُ‬
‫هو الستر والجمع خدور ويطلق الخدر على البيت إن كان فيه امرأة وإ ال فال‪ ،‬وخذروها‬
‫بالنثقبل أيضا بمعنى ستروها وصانوها عن االمتهان والخروج لقضاء حوائجها وخدرة وزان‬
‫غرفة قبيلة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ثمالة ‪ :‬هم بنو أسلم بن أحجن ‪ .‬أمهم ثمالة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هكذا تقيد في النسخة ‪ -‬بكسر الالم ‪ -‬والمعروف في قبائل قيس سلمة ‪ -‬بالفتح‬
‫‪ -‬كما قال السهيلي الروض األنف ‪.‬‬
‫(‪ )4‬اسمه ‪ :‬مالك بن حبيب ‪ ،‬وقيل عبداهلل بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن‬
‫عقدة بن غيرة بن عوف بن قيس الثقفي ‪.‬‬
‫؛نقَمت‬
‫(‪ )5‬نقمه ‪ :‬عبته وكرهته أشذ الكراهة لسوء فعله ‪ ،‬ويقصد هنا من نقمه ‪ :‬تقول َ‬
‫عليه‬
‫ون ِق ُ‬
‫مت أنقم من باب تعب ‪.‬‬ ‫ونقُوما َ‬
‫أمره ونقمت منه َن ْقما من باب ضرب ُ‬
‫‪169‬‬

‫تقسيم الفيء ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ولما فرغ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من رد سبايا‬
‫ُحَن ْين إلى أهلها‪ ،‬ركب ‪ ،‬واتبعه الناس يقولون ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬اقسم علينا فَْيئنا من ِ‬
‫اإلبل‬
‫علي ردائي أيها الناس ‪،‬‬ ‫أدوا َّ‬ ‫والغنم ‪ ،‬حتى ألجئوه إلى شجرة ‪ .‬فاختطفت عنه رداءه ‪ ،‬فقال ‪ُّ :‬‬
‫فواللّه أن لو كان لكم بعدد شجر تِهامة َن َعماً لقسمته عليكم ‪ ،‬ثم ما ألفيتموني بخيال وال جبانا‬
‫وال كذابا‪ ،‬ثم قام إلى جنب بعير‪ ،‬فأخذ َوَب َرةً من َسنامه (ا)‪ ،‬فجعلها بين ِإ ْ‬
‫صَب َع ْيه ‪،‬ثم رفعها‪ ،‬ثم‬
‫والخ ُمس مردود‬
‫الخمس ‪ُ ،‬‬ ‫قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬واللّه مالي من فيئكم (‪ )2‬وال هذه الوبرة إال ُ‬
‫الغلول (‪ )4‬يكون على أهله عاراً وناراً ِ‬
‫وشَناراً(‪)5‬‬ ‫الخياط ِ‬
‫والم ْخَيط (‪ ،)3‬فإن ُ‬ ‫فأدوا ِ‬
‫عليكم ‪ُّ ،‬‬
‫يوم القيامة ‪ .‬قال ‪ :‬فجاء رجل من األنصار ب ُكبة من خيوط شعر‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪،‬‬
‫أخذت هذه ال ُكبة أعمل بها َب ْر َذعة بعير لي َدبِر؛ فقال ‪ :‬أما نصيبي منها فلك قال ‪ :‬أما إذا‬
‫ت هذا فال حاجة لي بها‪ ،‬ثم طرحها من يده ‪.‬‬
‫بلغ ْ‬
‫َ‬
‫ال غلول في المغنم ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وذكر زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ :‬أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت َش ْيبة بن ربيعة‪،‬‬
‫وسيفه متلطخ دما‪ .‬فقالت ‪ :‬إني قد عرفت أنك قد قاتلت ‪ ،‬فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟‬
‫فقال ‪ :‬دونك هذه ِ‬
‫اإلبرة تخيطين بها ثيابك ‪ ،‬فدفعها إليها‪ ،‬فسمع منادي رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫وأسنِم بالبناء للمفعول َعظم‬
‫وسنم البعير ْ‬
‫السنام ‪ :‬للبعير كاألْلية للغنم والجمع أسنمة ُ‬
‫(‪َ )1‬‬
‫سنامه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفيء ‪ :‬الخراج والغنيمة وهو بالهمز وال يجوز ِ‬
‫اإلبدال واإلدغام ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخياط ‪ :‬الخيط ‪ :‬والمخيط آلة الخياطة ( اإلبرة )‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬الغلو ل ‪ :‬الخيانة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الشنار ‪ :‬األمر القبيح الشنيع‪.‬‬
‫‪170‬‬

‫والمخَيط ‪ .‬فَرجع عقيل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أرى إبرتك إال‬


‫ْ‬ ‫َّ‬
‫فليرده ‪ ،‬حتى الخياط‬ ‫من أخذ شيئاً‬
‫قد ذهبت ‪ ،‬فأخذها‪ ،‬فألقاها في الغنائم ‪.‬‬
‫إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وأعطى رسول اللّه صلى‬
‫قومهم ‪،‬‬
‫اهلل عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ‪ ،‬وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ‪،‬يتألفهم ويتألف بهم َ‬
‫ابنه معاوية مائة بعير‪ ،‬وأعطى َحكيم بن حزام‬
‫فأعلى أبا سفيان بن حرب مائة بعير‪،‬وأعلى َ‬
‫مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن َكلَدة‪ ،‬أخا بني عبد الدار مائة بعير(‪)1‬‬
‫قال ابن هشام ‪َ :‬نصير بن الحارث بن َكلَدة‪ ،‬ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير‪ ،‬وأعطى ُسهَيل ابن عمرو مائة‬
‫الع َّزى بن أبي قيس مائة بعير‪ ،‬وأعطى العالء بن جارية‬
‫بعير‪ ،‬وأعطى ُح َو ْيطب بن عبد ُ‬
‫الثقفي ‪ ،‬حليف بني ُزهرة مائة بعير‪ ،‬وأعطى‬
‫( ‪ )1‬وإ عطاء رسول اللَه –صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المؤلفة‪.‬قلوبهم من غنائم حنين‬
‫حتى تكلمت األنصار في ذلك ‪،‬وكثرت منهم القالة‪ ،‬وقالت ‪ :‬يعطى صناديد العرب وال‬
‫يعطينا‪ ،‬وأسيافنا تقطر من دمائهم ‪ ،‬فللعلماء في هذه المسألة ثالثة أقوال ‪ :‬أحدها أنه أعطاهم‬
‫من خمس الخمس ‪ ،‬وهذا القول مردود‪ ،‬ألن خمس الخمس ملك له وال كال م ألحد فيه ‪.‬‬
‫القول الثانى ‪ :‬أنه أعطاهم من رأس الغتيمة‪ ،‬وأن ذلك مخصوص بالنبي –صلى اهلل عليه‬
‫الرس ِ‬
‫ول } [األنفال‪ ]1 :‬وهذا القول أيضا‬ ‫َِّ ِ‬
‫وسلم ‪ -‬لقوله تبارك وتعالى ‪ُ {:‬ق ْل اأْل َْنفَا ُل لله َو َّ ُ‬
‫يرده ما تقدم من نسخ هذه اآلية‪ ،‬و قد تقدم الكالم عليها في غزوة بدر‪ ،‬غير أن بعض العلماء‬
‫احتج لهذا القول بأن األنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد اهلل رسوله وأمده بمالئكته ‪ ،‬فلم‬
‫يرجعوا حتى كان الفتح ‪ ،‬رد اهلل تعالى أمر المغانم إلى رسوله من أجل ذلك فلج يعطهم منها‬
‫شيئاً وقال لهم أال ترضون يا معشر األنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير‪ ،‬وترجعوا‬
‫برسول اللّه إلى رحالكم ‪ ،‬فطيب نفوسهم بذلك بعدما فعل ما أمره به ‪.‬‬
‫والقول الثالث ‪ :‬وهو الذي اختاره أبو عبيد أي أن إعطاءهم كان كل من الخمس حيث‬
‫يرى أن فيه مصلحة للمسلمين ‪.‬‬
‫‪171‬‬

‫صن بن حذيفة بن بدر مائة بعير‪ ،‬وأعطى األقرع بن حابس التميمي مائة‬ ‫ِ‬
‫ُعَي ْينة بن ح ْ‬
‫بعير‪ ،‬وأعطى مالك بن َع ْوف َّ‬
‫النصري مائة بعير‪ ،‬وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير‪،‬‬
‫فهؤالء أصحاب المئين ‪.‬‬
‫ب‬
‫وعمير بن َو َه ْ‬
‫دون المائة رجاالً من قريش ‪ ،‬منهم َم ْخرمة بن َن ْوفل الزهري ‪ُ ،‬‬
‫وأعطى َ‬
‫الجمحي وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ‪ ،‬ال أحفظ ما أعطاهم ‪ ،‬وقد عرفت أنها‬ ‫ُ‬
‫خمسين من اإلبل ‪،‬‬
‫َ‬ ‫دون المائة‪ ،‬وأعطى سعيد بن يربوع ابن َعْن َك َشةَ بن عامر بن مخزوم‬
‫مي خمسين من اإلبل ‪.‬‬ ‫َّه َّ‬
‫وأعطى الس ْ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬واسمه َعِدي بن قَْيس ‪.‬‬
‫وأعطى عباس بن‬ ‫أعطى ‪ :‬قال ابن هشام ‪:‬‬ ‫شعر عباس بن مرداس يستصغر‪ -‬ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عباس بن مرداس‬
‫ُ‬ ‫ِم ْرداس أباعر فسخطها‪ ،‬فعاتب فيها رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫يعاتب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫األج َر ِع (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫المهر في ْ‬ ‫على‬ ‫كانت نِهَاباً تالفيتُها بِ َكِّري‬ ‫‪#‬‬
‫أه َج ِع (‪)2‬‬
‫الناس لم ْ‬
‫هجع ُ‬ ‫إذا َ‬ ‫القوم أن يرقدوا‬
‫يقاظي َ‬ ‫وإ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫واألقرع (‪)3‬‬
‫ِ‬ ‫بين ُعَي ْيَنةَ‬ ‫ِ‬
‫العبيد‬ ‫ونهب‬ ‫فأصبح نهبى‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أمن ِع‬
‫ط شيئاً ولم َ‬ ‫أع َ‬ ‫فلم ْ‬ ‫كنت في الحرب ذا تَ ْد ُرا‬ ‫وقد ُ‬ ‫‪#‬‬
‫األربع (‪)4‬‬
‫ِ‬ ‫ديد قوائِمها‬
‫َع َ‬ ‫إال أفائِ َل أعطيتُها‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬األجرع ‪ :‬أجرع وهو االبتالع والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هجع ‪ :‬نام بالليل قال ابن السكيت وال يطلق الهجوع إالَ على نوم الليل تقول جاء بعد‬
‫َه ْجعة اًي بعد َن ْومة من الليل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬العبيد ‪ :‬فرس عباس بن مرداس ‪.‬‬
‫(‪ )4‬األفائل ‪ :‬أصاغر اإلبل ‪.‬‬
‫‪172‬‬

‫المجم ِع (‪)1‬‬
‫َ‬ ‫يفوقان َش ْي ِخ َي في‬
‫حابس‬
‫ٌ‬ ‫‪ #‬وما كان ِح ٌ‬
‫صن وال‬
‫فع‬
‫اليوم ال ْير ِ‬
‫ض ِع َ‬‫ومن تَ َ‬ ‫دون امرئ منهما‬
‫كنت َ‬‫وما ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني يونس النحوي ‪:‬‬
‫المجمع‬
‫رداس في ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حابس يفوقان م َ‬ ‫ٌ‬ ‫صن وال‬‫فما كان ح ْ‬ ‫‪#‬‬
‫إرضاء الرسول له ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اذهبوا‬
‫ض َى‪ ،‬فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول اللّه‬ ‫به ‪ ،‬فاقطعوا عني لسانه ‪ ،‬فأعطوه حتى ر ِ‬
‫َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وحدثني بعض أهل العلم ‪ :‬أن عباس بن ِم ْرداس أتى رسول اللّه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أنت القائل ‪:‬‬
‫" فأصبح نهبي ونهب العبيد بين األقرع وعيينة(‪ " )2‬؟‬ ‫‪#‬‬
‫فقال أبو بكر الصديق ‪ :‬بين عيينة واألقرع فقال رسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬هما واحد‬
‫الش ْع َر َو َما َي ْنَب ِغي لَهُ }‪[.‬يس‪.]69 :‬‬
‫‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬أشهد أنك كما قال اللَه { وما َعلَّمَناهُ ِّ‬
‫ََ ْ‬
‫(‪ )1‬شيخي ‪ :‬أبي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم ينطق عليه الصالة والسالم البيت موزونا ألنه ال يقول الشعر وإ ن كان بستمعه‬
‫الش ْع َر َو َما َي ْنَب ِغي لَهُ }‪[.‬يس‪ ]69 :‬واألقرع‬
‫ويستجيده ‪ .‬يقول سبحانه وتعالى ‪ { :‬وما َعلَّمَناهُ ِّ‬
‫ََ ْ‬
‫وعيينة من باب قبلية المرتبة‪ ،‬وقبلية الفضل ‪ ،‬أما قبلية الرتبة فإنه من خندف ‪ ،‬ثم من بني‬
‫تميم ‪ ،‬فهو أقرب إلى الني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من عيينة‪ ،‬فرتب في الذكر قبله ‪ ،‬وأما‬
‫قبلية الفضل بن األقرع حسن إسالمه وعيينة لم يزل معدوداً في أهل الجفاء حتى ارتد وآمن‬
‫بطليحة‪،‬وأخ َذ أسيراً فجعل الصبيان يقولون له ‪ -‬وهو يساق إلى أبي بكر ‪ -‬ويحك يا عدو اهلل‬
‫ارتددت بعد إيمانك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬واهلل ما كنت آمنت ‪ ،‬ثم أسلم في الظاهر‪ ،‬ولم يزل جافياً أحمق‬
‫حتى‬
‫مات ‪ ،‬وبحسبك تسمية الني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬له ‪ :‬األحمق المطاع ‪ .‬راجع‬
‫اإلصابة البن حجر تصدر قريباً من تحقيقنا‪.‬‬
‫‪173‬‬

‫توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وحدثني من أثق به من‬
‫أهل العلم في إسناد له ‪ ،‬عن ابن شهاب الزهري ‪ ،‬عن عبيد اللّه بن عبد اللّه ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬بايع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من قريش وغيرهم ‪ ،‬فأعطاهم يوم الجعرانة من‬
‫غنائم حنين ‪:‬‬
‫من بني أية بن عبد شمس ‪ :‬أبو سفيان بن حرب بن أمية‪ ،‬وطليق بن سفيان بن أمية‪،‬‬
‫وخالد بن أسد بن أبي ِ‬
‫العيص بن أمية ‪.‬‬
‫الع َّزى بن عثمان‬
‫شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد ُ‬
‫ومن بني عبد الدار بن قصي ‪ْ :‬‬
‫بن عبد الدار‪ ،‬وأبو السنابل بن َب ْع َكك (‪ )1‬بن الحارث بن ُع َمْيلة بن السباق بن عبد الدار‪،‬‬
‫ِ‬
‫وع ْكرمة بن عامر بن هاشم بن بن عبد مناف ابن عبد الدار‪.‬‬
‫ومن بني مخزوم بن َيقَظة ‪ُ :‬ز َهير بن أبي أمية بن المغيرة‪ ،‬والحارث بن هشام بن‬
‫المغيرة‪ ،‬وخالد بن هشام بن المغيرة‪ ،‬وهشام بن الوليد بن المغيرة‪ ،‬وسفيان بن األسد بن عبد‬
‫اللّه بن عمر بن مخزوم ‪ ،‬والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ‪.‬‬
‫ضلة‪ ،‬وأبو َج ْهم بن حذيفة‬
‫ومن بني عدي بن كعب ‪ُ :‬مطيع بن األسود بن حارثة بن َن ْ‬
‫بن غانم ‪.‬‬
‫وأح ْيحة بن أمية ابن خلف ‪،‬‬
‫ومن بني ُج َمح بن عمرو ‪ :‬صفوان بن أمية بن خلف ‪َ ،‬‬
‫وع َم ْير بن وهب بن خلف ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومن بني سهم ‪َ :‬عدي بن قَْيس بن ُحذافة‪.‬‬
‫(‪ )1‬اسمه ‪ :‬حبة أحد بني عبد الدار‪ ،‬وكان شاعراً وحديثه مع سبيعة األسلمية حين‬
‫آمت من زوجها مذكور في الصحاح ‪ .‬راجع فتح الباري ‪ -‬بتحقيقنا‪.‬‬
‫‪174‬‬

‫العزى بن أبي قيس بن عبد ُو ّد‪ ،‬وهشام بن‬


‫ومن بني عامر بن لؤي ‪ُ :‬ح َو ْيطب بن عبد ُ‬
‫عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ‪.‬‬
‫ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل ‪ :‬ومن أفناء القبائل ‪ :‬من بني بكر بن مناة بن كنانة ‪:‬‬
‫َن ْوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن َر ْزن بن َي ْع َمر بن ُنفَاثَة بن عدي بن ِّ‬
‫الديل ‪.‬‬
‫ص ْعصعة‪ ،‬ثم من بني كالب ابن ربيعة بن عامر‬
‫ومن بني قيس ‪ ،‬ثم من بني عامر بن َ‬
‫األح َوص بن جعفر بن كالب ‪ ،‬ولَبيد بن ربيعة‬
‫بن صعصعة ‪ :‬علقمة بن ُعالثة بن عوف بن ْ‬
‫بن مالك بن جعفر بن كالب ‪ .‬ومن بني عامر بن ربيعة ‪ :‬خالد بن َه ْو َذة بن ربيعة بن عمرو‬
‫وح ْرملة بن َه ْو َذة بن ربيعة بن عمرو‪ .‬ومن بني نصر بن‬
‫بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪َ ،‬‬
‫معاوية ‪ :‬مالك بن َع ْوف بن سعيد بن يربوع‪.‬‬
‫ومن بني ُسلَْيم بن منصور ‪ :‬عباس بن ِم ْرداس بن أبي عامر‪ ،‬أخو بني الحارث بن‬
‫ُب ْهثَة بن ُسليم ‪.‬‬
‫صن بن حذيفة ابن بدر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومن بني غطفان ‪ ،‬ثم من بني فزارة ‪ُ :‬عَي ْينة بن ح ْ‬
‫ومن بني تميم ثم من بني ‪.‬حنظلة ‪ :‬األقرع بن حابس بن ِعقال ‪ ،‬من بني مجاشع بن‬
‫دارم ‪.‬‬
‫لماذا لم يعط ُج َعْيل بن سراقة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث‬
‫التيمي ‪ :‬أن قائال قال لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من أصحابه ‪ :‬يا رسول اللّه ‪،‬‬
‫َّمري ؟!‬ ‫ِ‬
‫بن سراقة الض ْ‬
‫صن واألقرع بن حابس مائة مائة‪ ،‬وتركت ُج َعيل َ‬ ‫أعطيت ُعيينة بن ح ْ‬
‫فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أما‬
‫‪175‬‬

‫لج َعيل بن ُسراقة خير من ِطالع األرض (‪ُ ،)1‬كلهم مثل ُعيينة‬
‫والذي نفس محمد بيده ُ‬
‫ت ُج َعيل بن سراقة إلى إسالمه ‪.‬‬
‫وو َكْل ُ‬ ‫ِ‬
‫صن واألقرع بن حابس ولكنى تألفتهما‪َ ،‬‬
‫بن ح ْ‬
‫اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫وحدثني أبو ُعبيدة بن محمد بن َع َّمار بن ياسر‪ ،‬عن ِم ْق َسم أبي القاسم ‪ ،‬مولى عبد اللّه بن‬
‫الحارث بن نوفل ‪ ،‬قال ‪ :‬خرجت أنا وتَليد بن كالب الليثى‪ ،‬حتى أتينا عبد اللّه بن عمرو بن‬
‫العاص ‪ ،‬وهو يطوف بالبيت ‪ ،‬معلقاً نعله بيده ‪ ،‬فقلنا له ‪ :‬هل حضرت رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم ُحنين ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬جاء رجل من بني تميم ‪ ،‬يقال له ذو‬
‫صنعت في هذا‬
‫َ‬ ‫رأيت ما‬
‫ُ‬ ‫الخو ْيصرة‪ ،‬فوقف عليه وهو يعطى الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد‪ ،‬قد‬
‫َ‬
‫رأيت ؟ فقال ‪ :‬لم أرك عدلت ‪.‬‬
‫َ‬ ‫اليوم ‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أجل ‪ ،‬فكيف‬
‫قال ‪ :‬فغضب النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ويحك ‪ ،‬إذا لم يكن العدل عندي ‪ ،‬فعند‬
‫من يكون ؟! فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬أال أقتله ؟ فقال ‪ :‬ال‪ ،‬دعه فإنه سيكون‬
‫الر ِميَّة ُينظر في َّ‬
‫النصل (‬ ‫له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من َّ‬
‫‪ ،)2‬فال يوجد شىء‪ ،‬ثم في ِ‬
‫الق ْدح (‪ ،)3‬فال يوجد شىء‪ ،‬ثم في الفَ ْوق (‪ ،)4‬فال يوجد شىء‪.‬‬
‫والدم (‪.)6‬‬
‫ث (‪َ ،) 5‬‬ ‫سبق الفَ ْر َ‬
‫(ا) طالع األرض ‪ :‬ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل ‪.‬‬
‫(‪ )2‬النصل ‪ :‬حديد السهم ‪.‬‬
‫(‪ )3‬القدح ‪ :‬السهم ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفوق ‪ :‬طرف السهم ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الفرث ‪ :‬ما يوجد في الكرش ‪.‬‬
‫(‪ )6‬وقال في حديث آخر ‪ " :‬يخرج من ضئضئه قوم تحقرون صالتكم إلى صالتهم ‪،‬‬
‫وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "‪ .‬الحديث ‪ ،‬فكان كما‬
‫قال – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وظهر صدق الحديث في الخوارج وكان أولهم من ضئضئي‬
‫ذلك =‬
‫‪176‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني محمد بن على بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة‪،‬‬
‫وسماه ذا الخويصرة ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد اللّه بن أبي نجيح ‪ ،‬عن أبيه بمثل ذلك شعر حسان بن‬
‫ثابت في حرمان األنصار ‪ :‬قال ابن هشام ‪:‬‬
‫ولما أعطى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ولم‬
‫يعط األنصار شيئاً‪ ،‬قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك ‪:‬‬
‫َسحًّا إذا َح َفلَتْه َعْبرةٌ ِد َر ُر(‪)1‬‬ ‫العين ِ‬
‫منحذ ُر‬ ‫فماء ِ‬ ‫ُ‬ ‫هموم‬
‫ٌ‬ ‫زادت‬ ‫‪#‬‬
‫فاء ال َدَن ٌس فيها وال َخ َو ُر(‪)2‬‬ ‫َه ْي ُ‬ ‫وجداً ب َشماء إذ َشماء َب ْه َكَنةٌ‬ ‫‪#‬‬
‫الن ّز َر(‪)3‬‬
‫ال الواصل َ‬ ‫مودتُها َن ْزراً و َش ُّر وص ِ‬
‫ماء إذ كانت َّ‬
‫َ َ‬ ‫دع عنك َش َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫من للمؤمنين إذا ما ُع ِّدد ُ‬
‫البشر‬ ‫خير ُمؤتَ ٍ‬ ‫فقل يا َ‬ ‫وأت الرسو َل ْ‬ ‫‪#‬‬
‫وه ْم نصروا‬ ‫قوم ُهم َآو ْوا ُ‬ ‫قُ َّدام ٍ‬ ‫وه َي نازحةٌ‬ ‫عالم تُ ْد َعى ُسلَْي ٌم ْ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عر(‪ ) 4‬وسارعوا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعوان الحرب تستَ ُ‬ ‫الهدى َ‬ ‫دين َ‬
‫َ‬ ‫بنصرهم‬ ‫سماهم اللّهُ أنصاراً‬ ‫‪‬‬
‫ب علينا فيك ليس لنا إال‬ ‫والناس أْل ٌ‬ ‫ض ِج ُروا(‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫سبيل اللّه واعترفوا للنائبات وما خاموا وما َ‬
‫وأطراف القنا َو َز ُر(‪)6‬‬
‫َ‬ ‫السيوف‬
‫َ‬
‫= الرجل ‪ ،‬أي ‪ :‬من أصله ‪ ،‬فكان بدؤهم من ذي الخويصرة‪ ،‬وكان آبتهم ( ذو الثدية )‬
‫الذي قتله على رضى اللّه عنه ‪ ،‬وكانت إحدى يديه كثدي المرأة‪ ،‬واسم ذي الثدية نافع ‪،‬‬
‫ذكره أبو داود‪ ،‬وغيره يقول اسمه ‪ :‬حرقوص وقول أبي داود أصح ‪ ،‬واللّه أعلم ‪ -‬انظر‬
‫السهيلي في الروض األنف ج ‪ 4‬ص ‪ . 198‬وراجع لنا كتاب المرشد األمين إلى اعتقادات‬
‫فرق المسلمين والمشركين ‪.‬‬
‫(ا) حفلته ‪ :‬جمعته ‪ِ .‬د َرر ‪ :‬سائلة ‪.‬‬
‫الخصر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫(‪َ )2‬ب ْهن َكة ‪ :‬كثيرة اللحم ‪ .‬هيفاء ‪ :‬ضامرة‬
‫( ‪ ) 3‬النز ر ‪ :‬ا لقليل ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تستعر ‪ :‬تلتهب ‪.‬‬
‫(‪ )5‬اعترفوا ‪ :‬صبروا‪ .‬ما خاموا ‪ :‬ما جبنوا‪.‬‬
‫(‪ )6‬ألب ‪ :‬مجتمعون ‪ .‬الوزر ‪ :‬الملجأ‪.‬‬
‫‪177‬‬

‫ِّو ُر‬ ‫ِ‬ ‫نجالد الناس ال ُنبقى على ٍ‬


‫ضيِّع ما تُوحى به الس َ‬ ‫وال ُن َ‬ ‫أحد‬ ‫ُ َ‬ ‫‪#‬‬
‫نارها ُس ُع ُر(‪)1‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وال تَ ِه ُّر ُجَناةُ‬
‫ونحن حين تَلَظى ُ‬ ‫الحرب نادينا‬ ‫‪#‬‬
‫ق وفينا ُي َنز ُل الظَّفَ ُر‬ ‫أهل النفا ِ‬
‫َ‬ ‫طلبوا‬
‫دون ما َ‬
‫ببدر َ‬ ‫كما رددنا ٍ‬ ‫‪#‬‬
‫ض ُر‬
‫أحزابها ُم َ‬
‫َ‬ ‫إ ْذ َح َّز ْ‬
‫بت َبطراً‬ ‫أح ِد‬ ‫جندك يوم َّ ِ‬
‫الن ْعف من ُ‬ ‫َ‬ ‫ونحن ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الناس قد َع ُثروا(‪)2‬‬ ‫ِمنا ِعثاراً ُّ‬
‫وكل‬ ‫فما َونِينا وما ِخ ْمَنا وما َخَبروا‬ ‫‪#‬‬

‫َو ْج ُد األنصار من حرمانهم واسترضاء رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن هشام ‪:‬‬
‫حدثني زياد بن عبد اللّه ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ابن إسحاق ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الخدري ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة‪ ،‬عن محمود بن لَبيد‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫لما أعلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا‪ ،‬في قريش وفي قبائل‬
‫العرب ‪ ،‬ولم يكن في األنصار منها شيء ‪ ،‬وجد هذا الحي من األنصار في ِ‬
‫أنفسهم ‪ ،‬حتى‬ ‫َ‬
‫قومه ‪.‬‬
‫كثرت منهم القالَةُ حتى قال قائلهم ‪ :‬لقد لقى واللّه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫عتاب النبي صلى اهلل عليه وسلم لألنصار ‪ :‬فدخل عليه سعد بن عبادة‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬إن هذا الحي من األنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ‪ ،‬لما صنعت في هذا‬
‫الفيء الذي أصبت ‪ ،‬قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ‪ ،‬ولم يكن في‬
‫هذا الحي من األنصار منها شيء ‪ .‬قال ‪:‬فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬ما‬
‫أنا إال من قومي ‪ .‬قال ‪ :‬فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ‪ .‬قال ‪ :‬فخرج سعد‪ ،‬فجمع‬
‫األنصار في تلك الحظيرة‪ .‬فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬وجاء آخرون‬
‫فردهم ‪.‬‬
‫الحي من‬
‫فلما اجتمعوا له أتاه سعد‪ ،‬فقال ‪ :‬قد اجتمع لك هذا ُّ‬
‫(ا) ال تَ ِهر ‪ :‬ال تكره ‪ُ .‬جناة الحرب ‪ :‬الخائضون غمارها‪ُ .‬س ُعر ‪ :‬الذين يوقدون‬
‫ا‪:‬جُبنا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نارها‪)2( .‬خ ْمَن َ‬
‫‪178‬‬

‫األنصار‪ ،‬فأتاهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا معشر األنصار‪ ،‬ما قالَة بلغتني عنكم و ِج َدةٌ (‪ )1‬وجدتموها َّ‬
‫على في أنفسكم ؟ ألم‬
‫ضالال فهداكم اللّه ‪ ،‬وعالة فأغناكم اللّه ‪ ،‬وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ؟‬
‫آتكم ُ‬
‫قالوا ‪ :‬بلى‪ ،‬اللّه ورسوله أمن وأفضل ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬أال تجيبونني يا معشر األنصار؟‬
‫قالوا ‪ :‬بماذا نجيبك يا رسول اللّه ؟ للّه ولرسوِله ُّ‬
‫المن والفض ُل ‪.‬‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أما واللّه لو شئتم لقلتم ‪ ،‬فلص َد ْقتم ولص ِّد ْقتم ‪ :‬أتيتنا م َّ‬
‫كذبا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أوج ْدتم يا معشر‬
‫فصدقناك ‪ ،‬ومخذوال فنصرناك ‪ ،‬وطريدا فأويناك ‪ ،‬وعائال فآسيناك ‪َ ،‬‬
‫ت بها قوما ليسلموا‪ ،‬ووكلتكم إلى إسالمكم ‪،‬‬
‫اعة(‪ )2‬من الدنيا تأل ْف ُ‬
‫األنصار في أنفسكم ‪ ،‬في لُ َع َ‬
‫ِ‬
‫بالشاة والبعير‪ ،‬وترجعوا برسول اللّه إلى‬ ‫أال ترضون يا معشر األنصار‪ ،‬أن يذهب الناس‬
‫امرءاً من األنصار‪ ،‬ولو سلك الناس‬ ‫ِ‬
‫رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لوال الهجرة لكنت َ‬
‫ِش ْعباً وسلكت األنصار ِش ْعباً‪ ،‬لسلكت ِش ْعب األنصار‪ ،‬اللهم ارحم األنصار‪ ،‬وأبناء األنصار‪،‬‬
‫وأبناء أبناء األنصار‪.‬‬
‫وحظًّا‪ .‬ثم‬
‫ضلُوا لحاهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬رضينا ‪.‬برسول اللّه قَ َسما َ‬
‫أخ َ‬
‫قال فبكى القوم حتى ْ‬
‫انصرف رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وتفرقوا‪.‬‬
‫الج َدة ‪ :‬مصدر وجد‪ ،‬أي وجدتم في أنفسكم شيئا‪ .‬وقال الطبري " موجدة " أيضاً‬ ‫(‪ِ )1‬‬
‫قاله أهل اللغة وذلك إذا أردت الغضب ‪ ،‬وإ نما الجدة في المال ‪.‬‬
‫شبه بها نعيم الدنيا‪ .‬ويقال اللعاعة بقلة‬
‫الخصب ‪ :‬أو شجرة خضراء ّ‬
‫ْ‬ ‫(‪ )2‬اللعاعة ‪:‬‬
‫ناعمة‪ ،‬وهذا نحو من قوله عليه السالم ‪ " :‬المال حلوة خفرة " واللعة من هذا المعنى‪ ،‬وهى‬
‫المرأة المليحة العفيفة‪ ،‬واللعلع ‪ :‬السراب ‪ ،‬ولعاعه ‪ :‬بصيصه ‪.‬‬
‫‪179‬‬

‫عمرة الرسول من ِ‬
‫الج ْعرانة‬
‫واستخالفه عتاب بن أسيد على مكة‪،‬‬
‫وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم خرج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من الجعرانة معتمراً‪ ،‬وأمر‬
‫بم َجَّنة(‪ ،)1‬بناحية َمِّر الظهران ‪ ،‬فلما فرغ رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫بس َ‬ ‫فح َ‬
‫ببقايا الفيىء ُ‬
‫أسيد على مكة‪ ،‬وخلَّف‬ ‫وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة‪ ،‬واستخلف عتَّاب بن ِ‬
‫َ‬
‫معه ُمعاذ بن جبل ‪ ،‬يفقِّه الناس في الدين ‪ ،‬ويعلمهم القران ‪ ،‬واتُّبع رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ببقايا الفيء ‪.‬‬
‫رزق عناب بن أسيد والى مكة ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال ‪ :‬لما‬
‫استعمل الني صلى اهلل عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً‪ ،‬فقام فخطب‬
‫الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أجاع اللّه كبد من جاع على درهم ‪ ،‬فقد رزقني رسول اللّه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم درهماً كل يوم ‪ ،‬فليست بى حاجة إلى أحد‪.‬‬
‫زمان هذه العمرة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت ُعمرة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة‪.‬‬
‫في ذي القعدة‪ ،‬فقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه ّ‬
‫وسلم المدينةَ لست ليال بقين من ذي‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه ّ‬
‫القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ‪ ،‬وحج‬
‫بالمسلمين تلك السنة عتّاب بن ِ‬
‫أسيد‪ ،‬وهي سنة ثمان ‪ ،‬وأقام‬ ‫َ‬
‫(ا) َم َجَّنة ‪ :‬بالفتح وتشديد النون ‪ ،‬بمر الظهران أسفل مكة‪.‬‬
‫‪180‬‬

‫أهل الطائف على ِ‬


‫شركهم وامتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة إذ‬
‫انصرف رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع ‪.‬‬
‫أمر كعب بن زهير بعد االنصراف عن الطائف ‪:‬‬
‫منصر ِفه عن الطائف كتب‬
‫َ‬ ‫ولما قَِدم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫ُب َج ْير بن ُز َه ْير بن أبي ُسْل َمى (‪)5‬إلى أخيه َك ْعب بن ُز َهير يخبره أن رسول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قتل رجاال بمكة‪ ،‬ممن كان يهجوه ويؤذيه ‪ ،‬وأن من بقى من‬
‫وهَب ْيرة بن أبي وهب ‪ ،‬قد هربوا في كل وجه ‪،‬‬ ‫شعراء قريش ‪ ،‬ابن ِّ‬
‫الزَب ْع َرى(‪ُ )2‬‬
‫هر إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فإنه‬ ‫ِ‬
‫فإن كانت لك في نفسك حاجة‪ ،‬فَط ْ‬
‫فانج إلى نجائك من األرض ‪ ،‬وكان‬ ‫ال يقتل أحداً جاءه تائباً‪ ،‬وإ ن أنت لم تفعل ُ‬
‫كعب ابن زهير قد قال ‪:‬‬
‫حك َه ْل لَ َكا؟‬
‫قلت َو ْي َ‬
‫فهل لك فيما ُ‬
‫ْ‬ ‫أال ْأبِل َغا عنى ُب َج ْيراً رسالةً‬ ‫‪#‬‬
‫غير ذلك َدلَّ َكا‬
‫أي شيء ِ‬ ‫على ِّ‬ ‫ٍ‬
‫بفاعل‬ ‫لست‬
‫كنت َ‬
‫فبيِّن لنا إن َ‬ ‫‪#‬‬
‫عليه وما تُْل ِفي عليه أباً لَ َكا‬ ‫ف يوماً أباً له‬ ‫على ُخلُ ٍ‬
‫ق لم أْل َ‬ ‫‪#‬‬
‫ت لَعاً ل َكا(‪)3‬‬ ‫وال ٍ‬
‫قائل ِإ َّما َع ْثر َ‬ ‫ٍ‬
‫بآسف‬ ‫فلست‬
‫ُ‬ ‫تفعل‬
‫أنت لم ْ‬
‫فإن َ‬ ‫‪#‬‬
‫وعلَّكا(‪)4‬‬‫المأمون منها َ‬ ‫ُ‬ ‫فأنهلك‬ ‫المأمون كأساً َر ِوَّيةً‬
‫ُ‬ ‫سقاك بها‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬اسم أبي سلمى ‪ :‬ربيعة بن رباح أحد بني مزينة ‪.‬‬
‫السهمي‬
‫ّ‬ ‫الزَب ْعرى بن قيس بن عدي القرشي‬
‫الزب ْع َرى ‪ :‬هو عبداللّه بن ً‬
‫(‪ )2‬ابن َ‬
‫الشاعر‪ ،‬كان‬
‫وحسن إسالمه ‪.‬‬
‫أشعر قريش في الجاهلية‪ ،‬وأسلم بعد الفتح ُ‬
‫(‪ )3‬لعاً لك ‪ :‬كلمة تقال للعاثر دعاء له باإلقالة ‪ .‬أنشد أبو عبيد ‪.‬‬
‫فال لعاً لبني فالن إذا عثروا ‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬ويروي ‪ :‬المحمود في غير رواية ابن إسحاق ‪ ،‬أراد بالمحمود محمداً صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وكذلك المأمون واألمين كانت قريش تسمي بهما الني – صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬قبل النبوة‪ .‬النهل ‪ :‬الشرب األول ‪ .‬والعلل ‪ :‬الشرب الثاني ‪.‬‬
‫‪181‬‬

‫قال ابن هشام ‪ :‬ويروي " المأمور "‪ .‬وقوله " فبين لنا "‪ ،‬عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالشعر وحديثه ‪:‬‬ ‫وأنشدني بعض أهل العلم‬
‫ِ‬
‫بالخيف َه ْل لَ َكا(‪)1‬‬ ‫قلت‬
‫فهل لك فيما ُ‬ ‫من ُمْبلغٌ عني ُب َج ْيراً رسالةً‬ ‫‪#‬‬
‫وعلَّ َكا‬
‫هلك المأمون منها َ‬ ‫فأن َ‬
‫ْ‬ ‫المأمون كأساً َر ِوَّيةً‬
‫ِ‬ ‫ت مع‬‫شرب َ‬
‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫غيرك َدلَّ َكا(‪)2‬‬
‫ب ِ‬
‫أي شيء َو ْي َ‬
‫على ِّ‬ ‫أسباب الهُدى واتبعتَه‬
‫َ‬ ‫وخالفت‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫عليه ولم تُ ْد ِر ْك عليه أخاً لَ َكا(‪)3‬‬ ‫أما وال أَباً‬ ‫ق لم تُْل ِ‬
‫ف ًّ‬ ‫على ُخلُ ً‬ ‫‪#‬‬
‫ت لَعاً لَ َكا‬ ‫وال ٍ‬
‫قائل إما َع ْثر َ‬ ‫ٍ‬
‫بآسف‬ ‫فلست‬
‫ُ‬ ‫تفعل‬
‫أنت لم ْ‬ ‫فإن َ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ‪ :‬وبعث بها إلى ُبجير‪ ،‬فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فأنشده إياها‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لما سمع " سقاك بها المأمون "‬
‫تلف أما وال أبا عليه " قال ‪ :‬أجل‬
‫صدق وإ نه لكذوب ‪ ،‬أنا المأمون ‪ .‬ولما سمع " على ُخلُق لم َ‬
‫لم يلف عليه أباه وال أمه ‪.‬‬
‫الخيف ‪ :‬خيف ِمَنى‪.‬‬ ‫(‪َ )1‬‬
‫ويب ‪ :‬هالك ؛أي هلكت هالك غيرك ‪.‬‬
‫(‪ْ )2‬‬
‫(‪ )3‬إنما قال ذلك ألخيه ‪ ،‬ألن أمهما واحدة‪ ،‬وهى كبشة بنت عمار السحيمية فيما ذكر‬
‫ابن األعرابى عن ابن الكلبى‪.‬‬
‫‪182‬‬

‫ثم قال بجير لكعب ‪:‬‬


‫زم‬
‫أح ُ‬
‫تلوم عليها باطالً وهي ْ‬ ‫من ُمْبلغٌ كعباً فهل لك في التي‬ ‫‪#‬‬
‫وتسلم‬
‫ُ‬ ‫جاء‬ ‫وحده فتنجو إذا كان َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َ‬ ‫الع َّزى وال الالت –‬
‫إلى اللّه ‪ -‬ال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬ ‫يوم ينجو وليس ِ‬
‫سلم‬
‫طاهر القلب ُم ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس إال‬ ‫من‬ ‫ت‬
‫بمفل َ‬ ‫لَ َدى ٍ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫حرم (‪)1‬‬
‫علي ُم َّ‬
‫ودين أبي ُسْلمى َّ‬
‫دينه ُ‬
‫شيء ُ‬
‫َ‬ ‫فدين زهير وهو ال‬ ‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وإ نما يقول كعب ‪ " :‬المأمون "‪ ،‬ويقال ‪:‬‬
‫" المأمور " في قول ابن هشام لقول قريش الذي كانت تقول لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫كعب بن زهير(‪ )2‬وقصيدته الشهيرة " بانت سعاد " ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما بلغ كعباً‬
‫عدوه ‪،‬‬
‫نفسه ‪ ،‬وأرجف به من كان في حاضره من ِّ‬ ‫الكتاب ضاقت به األرض ‪ ،‬وأشفق على ِ‬
‫فقالوا ‪ :‬هو مقتول ‪ ،‬فلما لم يجد من شىء ُبداً‪ ،‬قال قصيدته التي يمدح بها رسول اللّه صلى‬
‫رجاف الوشاة به من عدوه ‪ ،‬ثم خرج حتى قَِدم المدينة‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وذكر فيها خوفَه وإ‬
‫فنزل على ٍ‬
‫رجل كانت بينه وبينه معرفة‪ ،‬من ُجهَْينة‪ ،‬كما ُذكر لي ‪ ،‬فغدا‬
‫(‪ )1‬رواية مستقيمه ‪ ،‬وقد رواه القالى‪ ،‬فقال ‪ :‬وهو ال شىء غيره ‪ .‬وفسره على التقديم‬
‫والتأخير أراد‪ :‬ودين زهير غيره ‪ ،‬وهو ال شيء ‪ ،‬ورواية ابن إسحاق أبعد من اإلشكال‬
‫وأصح ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وكعب هذا من فحول الشعراء هو وأبوه زهير‪ ،‬وكذلك ابنه عقبة بن كعب بن زهير‬
‫يعرف عقبة بالمضرب وابن عقبة العوام شاعر أيضا‪.‬‬
‫‪183‬‬

‫به إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين صلَّى الصبح ‪ ،‬فصلى مع رسول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ثم أشار له إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬هذا رسول اللّه‬
‫فاستأمنه ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فقم إليه‬
‫ف ُذكر لي أنه قام إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حتى جلس إليه ‪ ،‬فوضع يده في‬
‫كعب بن‬
‫‪ ،‬يده ‪ ،‬وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ال يعرفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إن َ‬
‫ُزهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً‪ ،‬فهل أنت قاب ٌل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬نعم ؛ قال ‪ :‬أنا يا رسول اللّه كعب بن زهير‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن قتادة ‪ :‬أنه وثَب عليه‬
‫أضرب عنقه ؛‬
‫ْ‬ ‫وعدو اللّه‬
‫َّ‬ ‫رجل من األنصار‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬دعني‬
‫فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪َ :‬د ْعه عنك فإنه قد جاء تائباً‪ ،‬نازعاً عما كان‬
‫صاحبهم ‪،‬وذلك أنه لم‬
‫ُ‬ ‫الحي من األنصار‪ ،‬لما صنع به‬
‫عليه ‪،‬قال ‪:‬فغضب َك ْعب على هذا ِّ‬
‫يتكلم فيه رج ٌل من المهاجرين إال بخير‪ ،‬فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫َّم إثَْرها لم ُي ْف َد َم ْكُبو ُل (‪)1‬‬
‫ُمتَي ٌ‬ ‫الي ْو َم َمتْبو ُل‬
‫سعاد فقلبي َ‬ ‫بانت ُ‬ ‫‪#‬‬
‫أغ ُّن َغضيض الطر ِ‬
‫ف م ْكحو ُل (‪)2‬‬ ‫اال َ‬ ‫الب ْي ِن إذ َر َحلُوا‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عاد َغ َداةَ َ‬
‫وما ُس ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫صٌر منها وال طُو ُل (‪)3‬‬‫ال ُي ْشتَ َكى ق َ‬ ‫اء ُم ْدبرةً‬‫اء ُم ْقبِلةً َع ْج َز ُ‬
‫َه ْيفَ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫(ا) بانت ‪ :‬فارقت فراقاً بعيداً‪ .‬متيم ‪ :‬ذليل مستعبد‪ .‬متبول ‪ :‬أسقمه الحب وأضناه ‪ .‬لم‬
‫ي ْف َد ‪:‬‬
‫األسر‪ .‬مكبول ‪ :‬ال يجد فكاكا من القيد المكبل به ‪.‬‬
‫لم يخلَص من ْ‬
‫أغن ‪ :‬أي ظبي أغن في صوته حسن ‪ .‬غضيض‬ ‫(‪ )2‬غداة البين ‪ :‬صبيحة الفراق ‪َ .‬‬
‫الطرف ‪:‬‬
‫فاتره ‪ .‬مكحول ‪ :‬أسود الجفون ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هيفاء ‪ :‬ضامرة البطن والخصر‪ .‬العجزاء ‪ :‬ضخمة العجز‪ .‬ال يشتكى ‪ :‬ال يعاب‬
‫‪.‬‬
‫‪184‬‬

‫اح َم ْعلُو ُل (‪)1‬‬


‫بالر ِ‬
‫كأنه ُم ْنهَ ٌل َّ‬ ‫ت‬
‫ابتس َم ْ‬ ‫وارض ِذي َ ٍ‬
‫ظْلم إذا َ‬ ‫َ‬ ‫تَ ْجلو َع‬ ‫‪#‬‬
‫أضحى َو ْه َو َم ْش ُمو ُل (‪)2‬‬ ‫صاف بأبطح‬ ‫ٍ‬ ‫شبم من ماء َم ْحنَِي ٍة‬ ‫َّت بذي ٍ‬ ‫ُشج ْ‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬
‫بيض َي َعالي ُل (‪)3‬‬ ‫ٍ‬
‫غادية ٌ‬ ‫ص ْو ِب‬ ‫ِ‬ ‫تَْن ِفي‬
‫م ْن َ‬ ‫طهُ‬‫الرياح القَ َذى َعنه وأ ْف َر َ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫النصح مقبو ُل (‪)4‬‬ ‫ان‬‫عدها أو لَ َو َّ‬ ‫بو ِ‬ ‫قت‬
‫ص َد ْ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فيالها خلةٌ لو أنها َ‬ ‫‪#‬‬
‫خالف وتبدي ُل (‪)5‬‬
‫ٌ‬ ‫ووْلعٌ وإ‬
‫فجعٌ َ‬
‫ْ‬ ‫من َد ِمها‬‫ط ِ‬‫لكنها ُخلَّةٌ قد ِسي َ‬ ‫‪#‬‬
‫كما تَلَ َّو ُن في أثوابِها ُ‬
‫الغو ُل (‪)6‬‬ ‫تكون بها‬
‫ُ‬ ‫فما تدوم على ٍ‬
‫حال‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫(ا) تجلو ‪ :‬تصقل وتظهر وتكشف ‪ .‬العوارض ‪ :‬األسنان التي تظهر عند الضحك ‪.‬‬
‫الظلم ‪ :‬ماء األسنان وبريقها ورقتها وهو أيضاً الثلج شبهت به األسنان ‪ .‬النهل ‪ :‬المسقى‬
‫وهو الشرب األول ‪ .‬الراح ‪ :‬الخمر‪ .‬معلول ‪ :‬اسم مفعول من علَّه ‪ ،‬والعلل الشرب الثانى‪.‬‬
‫(‪ )2‬شجت ‪ :‬مزجت حتى انكسرت َس ْورتها‪ ،‬وشجت كسرت من أعالها ألن الشجة ال‬
‫تكون إال في الرأس ‪ .‬والشبم ‪ :‬ماء شديد البرودة‪ .‬محنية منعطف الوادي ‪ .‬ماؤه أصفى‬
‫وأبرد وألذ‪ .‬أبطح ‪ :‬مسيل واسع فيه حصى دقيق ‪ .‬أضحى ‪ :‬أخذ في وقت الضحى قبل أن‬
‫يشتد الحر‪ .‬مشمول ‪ :‬ضربته ريح الشمال حتى برد‪.‬‬
‫(‪ )3‬تنفى ‪ :‬تبعد‪ .‬القذى ‪ :‬كل غريب يقع في الماء من تبن ونحوه ‪ .‬أفرطه ‪ :‬أي سبق‬
‫إليه‬
‫ومأله ‪ .‬صوب ‪ :‬مطر سحابة ‪ .‬غادية ‪ :‬مبكرة‪ .‬بيض يعاليل ‪ :‬السحاب ؟ وقيل ‪:‬‬
‫جبال‬
‫ينحدر الماء من أعالها‪ ،‬واليعاليل أيضا ‪ :‬الغدران ‪ ،‬واحدها يعلول ألنه يعل األرض‬
‫بمائه‬
‫ويقال حباب يعلو وجه الماء‪.‬‬
‫(‪ )4‬الخلة ‪ :‬الصديقة والخليلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬سيط ‪ :‬خلط ؛ أي ‪ :‬خلط بلحمها ودمها هذه األخالق التي وصفها من الولع وهو‬
‫الخلف ‪ .‬واإلخالف ‪ :‬خلف الوعد‪.‬‬
‫(‪ )6‬الغول ‪ :‬تزعم العرب أنها ساحرة الجن تظهر في الفالة بألوان شتى‪ ،‬تضلل من‬
‫يتبعها‪.‬‬
‫‪185‬‬

‫الماء الغرابي ُل (‪)1‬‬


‫ك َ‬ ‫إال كما َي ْم ِس ُ‬ ‫مت‬ ‫ِ‬
‫بالعهد الذي َز َع ْ‬ ‫ك‬
‫مس ُ‬
‫وما تَ َّ‬ ‫‪#‬‬
‫ضلي ُل (‪)2‬‬
‫واألحالم تَ ْ‬
‫َ‬ ‫انى‬
‫األم َّ‬
‫إن َ‬ ‫دت‬
‫وع ْ‬
‫ت وما َ‬ ‫ك ما َمّن ْ‬
‫غر ْن َ‬
‫فال َي َّ‬ ‫‪#‬‬
‫مواعيدها إال األباطي ُل (‪)3‬‬
‫ُ‬ ‫وما‬ ‫مواعيد ُع ٍ‬
‫رقوب لها مثالً‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬ ‫‪#‬‬
‫وما إخا ُل لدينا ِ‬
‫منك تَْنوي ُل (‪)4‬‬ ‫وآم ُل أن تدنو َّ‬
‫مودتُها‬ ‫أرجو ُ‬ ‫‪#‬‬
‫المراسي ُل (‪)5‬‬ ‫تاق َّ‬ ‫إال ِ‬ ‫بأرض ال ُيبلِّ ُغها‬
‫ٍ‬
‫جيبات َ‬
‫ُ‬ ‫الن‬ ‫الع ُ‬ ‫سعاد‬
‫ت ُ‬ ‫أم َس ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪#‬‬
‫لها علَى األ َْي ِن ْإرقا ٌل وتَْبغي ُل (‪)6‬‬ ‫ولَ ْن ُيَبلِّ َغها إال ُع َذ ِاف َرةٌ‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬ما تمسك ‪ :‬أي ال تتمسك ‪.‬‬
‫منتك به من الوصل ‪ .‬األماني ‪ :‬ما‬ ‫يغر ْنك ‪ :‬فال يخدعثَك ‪ .‬ما َّ‬
‫منت ‪ :‬أي ‪ :‬ما ّ‬ ‫(‪ )2‬فال ً‬
‫يرجوه اإلنسان من اآلمال ‪ .‬األحالم ‪ :‬ما يتخيله النائم ‪ .‬تضليل ‪ :‬سبب في ضالل اإلنسان‬
‫عن وجه الصواب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬عرقوب ‪ :‬هو عرقوب بن صخر من العماليق الذين سكنوا بثرب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل هو‬
‫من‬
‫األوس والحزرج ‪ ،‬وقصته في إخالف الوعد مشهورة حين وعد أخاه بجنا نخلة له‬
‫وعداً‬
‫من بعد وعد‪ ،‬ثم جذها ليال‪ ،‬ولم يعطه شيئاً‪ .‬قال علقمة ‪:‬‬
‫بيثرب‬
‫َ‬ ‫مواعيد عرقوب أخاه‬
‫َ‬ ‫جيةً‬
‫الخْلف منك َس ّ‬
‫ت وكان ُ‬
‫وعد َ‬ ‫‪#‬‬
‫واألباطيل ‪ :‬جمع باطل ‪ ،‬جمعه على غير القياس ‪.‬‬
‫ظهر‪ .‬إخال ‪ :‬بكسر الهمزة لغة تميم بمعنى أظن‪ .‬تنويل ‪ :‬الوصل و‬
‫(‪ )4‬تدنو ‪ :‬ت ْ‬
‫العطاء‪.‬‬
‫(‪ )5‬العتاق ‪ :‬جمع عتيق ‪ :‬الكريم ‪ .‬النجيبات ‪ :‬جمع نجيبة ‪ :‬الخفيفة السريعة‪.‬‬
‫المراسيل ‪:‬‬
‫جمع مرسال ‪ ،‬السريعة أيضاً‪.‬‬
‫األين ‪ :‬التعب ‪ .‬إرقال وتبغبل ‪ :،‬ضربان من‬
‫(آ) العذافرة ‪ :‬الناقة القوية العظيمة ‪ْ .‬‬
‫العدو السريع ‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪186‬‬

‫طام ُس األعالم مجهو ُل (‪)1‬‬ ‫عرضتُها ِ‬ ‫الذ ْفرى إذا َع ِرقَ ْ‬


‫ت‬ ‫َّاخ ِة ِّ‬
‫كل َنض َ‬ ‫ِم ْن ِّ‬ ‫‪#‬‬
‫ُْ َ‬
‫الح َّزان ِ‬
‫والمي ُل (‪)2‬‬ ‫دت ِ‬ ‫إذا تَوقَّ ِ‬ ‫يوب بِ َع ْيَني م ٍ‬
‫فرد لَهَ ٍ‬
‫ق‬ ‫تر ِمي ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫الغ َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الفحل تفضي ُل (‪)3‬‬ ‫في َخْل ِقها عن بنات‬ ‫قيدها‬‫ض ْخ ٌم ُم َقلَّ ُدها فَ ْع ٌم ُم ُ‬
‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫امها ِمي ُل (‪)4‬‬ ‫ِّ‬
‫في َدفها َس َعةٌ قُ َّد ُ‬ ‫ناء ُعل ُكوم ُم َذ َّك َرةٌ‬
‫باء َو ْج ُ‬ ‫َغْل ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بضاحية المتْ ْني ِن َمهزو ُل (‪)5‬‬ ‫ِطْل ٌح‬ ‫ِّسه‬ ‫ِ‬
‫وجْل ُدها من أَطُوم ما ُي َؤي ُ‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬نضاخة ‪ :‬كثيرة رشح العرق ‪ .‬الذفرى ‪ُ :‬ن ْقرة توجد خلف أذن الناقة ‪ُ .‬ع ْرضتُها ‪:‬‬
‫ِهمتها‪ .‬طامس ‪ :‬دارس ‪ .‬األعالم ‪ :‬العالمات التي تكون في الطريق ُليهتدى بها‪ .‬يصف‬
‫متعودة على األسفار تعرف الطُّرق بال عالمات ‪.‬‬
‫ناقته بالسرعة والنشاط حتى تعرق وهى ّ‬
‫تفرد‬
‫وحشى ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬الغيوب ‪ :‬آثار الطريق التي غابت معالمها عن العيون ‪ .‬مفرد ‪ :‬ثور‬
‫في‬
‫الصحراء‪ .‬لهق ‪ :‬أبيض ‪ .‬الحزان ‪ :‬جمع حزن وهو ما غلظ من األرض أي األمكنة‬
‫الغليظة الصلبة فيها حصباء كثيرة‪ ،‬الميل ‪ :‬الكثبان الضخمة من الرمال ‪ ،‬أي ما اتسع من‬
‫هذه األرض الصلبة‪.‬‬
‫(‪ )3‬مقلد ‪ :‬موضع القالدة من العنق ‪ .‬فعم ‪ :‬ممتلىء ‪ .‬مقيد ‪ :‬موضع القيد‪ ،‬أي‬
‫قوائمها‪ .‬وبنات الفحط ‪ :‬اإلناث من اإلبل المنسوبة إلى أبيها‪.‬‬
‫(‪ )4‬غلباء ‪ :‬غليظة العنق ‪ .‬وجناء ‪ :‬عظيمة الوجنتين ‪ .‬علكوم ‪ :‬شديدة‪ .‬مذكرة ‪:‬‬
‫تشبه الذكر في عظم الخلقة‪ .‬الدف ‪ :‬الجنب ‪ .‬قدامها ميل ‪ :‬كناية إما عن سعة الخطو أو‬
‫طول العنق ‪.‬‬
‫السلَ ْحفاة البحرية أو الزرافة غليظة الجلد‪ .‬يؤيسه ‪ :‬يؤثر فيه ‪ .‬طلح ‪:‬‬
‫(‪ )5‬األطوم ‪ُ :‬‬
‫حشرة صغيرة تلزق بالجلد وهى ما يعرف بالقراد‪ .‬الضاحية ‪ :‬الناحية الظاهرة للشمس ‪.‬‬
‫المتين ‪ :‬ما اكتف صلبها عن يمين وشمال ‪ .‬ومهزول ‪ :‬صفة لطلح ‪ .‬أي قراد مهزول ‪.‬‬
‫والمعنى أن جلد هذه الناقة غاية في المالسة فال بؤثر فيه القراد ولذلك هو مهزول ‪.‬‬
‫‪187‬‬

‫وعمها خالُها قَ ْوداء ِش ْملي ُل (‪)1‬‬


‫ُّ‬ ‫أخوها أبوها ِمن مهج ٍ‬
‫َّنة‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ف ‪ُ ،‬‬ ‫َح ْر ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫اب َزهالي ُل (‪)2‬‬ ‫ان وأ ْق َر ٌ‬
‫منها لََب ٌ‬ ‫راد عليها ثم ُي ْزِلقُهُ‬‫يمشى القُ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫الز ْو ِر َمفتو ُل (‪)3‬‬‫بنات َّ‬‫ِمرفَقُها عن ِ‬ ‫ض عن ُع ُر ٍ‬
‫ض‬ ‫بالن ْح ِ‬
‫ت َّ‬ ‫َع ْيرانةٌ قُِذفَ ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ْ‬
‫ط ِمها ومن اللِّ ْحَي ْين بِ ْرطي ُل (‪)4‬‬‫من َخ ْ‬ ‫ومذب َحها‬‫فات َعْيَن ْيهَا َ‬
‫كأنما َ‬ ‫‪#‬‬
‫غار ٍز لم تَ َخ َّو ْنه األحالي ُل (‪)5‬‬‫في ِ‬ ‫ص ٍل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تُم ُّر مث َل َعسيب النخل ذا ُخ َ‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬حرف ‪ :‬أي هي حرف أو كأنها حرف فعلى األول يكون الحرف ‪ :‬الضامرة‬
‫وعلى الثانى يكون شبهها بحرف الجبل وهى القطعة الخارجة منه ‪ .‬أبوها أخوها‪ ،‬وعمها‬
‫خالها ‪ :‬أي مداخلة النسب كريمة لم يدخل في نسبها غريب ‪ .‬المهجنة ‪ :‬كريمة األبوين ‪.‬‬
‫قوداء ‪ :‬طويلة الظهر والعنق ‪ .‬شمليل ‪ :‬سريعة في خفة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يزلقه ‪ :‬يسقطه ‪ .‬لبان ‪ :‬صدر‪ .‬أقراب ‪ :‬خواصر‪ .‬زهاليل ‪ :‬جمع زهلول ‪ :‬أملس‬
‫‪ .‬والمعنى‪:‬أن هذه الناقة لنعومتها ال يثبت القراد على جسدها‪. .‬‬
‫(‪ )2‬عيرانة ‪ :‬أي هى ناقة تشبه عير الوحش في قوته وصرعته ونشاطه ‪ .‬النحض‬
‫اللحم ‪ .‬عرض ‪ :‬جانب ‪ .‬المرفق ‪ :‬موصل الذراع في العضد‪ .‬بنات الزور ‪ :‬ما يتصل به‬
‫مما حول مرفقها من األضالع ‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أن مرفق تلك الناقة بعيد عما حوالى الصدر من األضالع ‪ ،‬فتكون محفوظة‬
‫عن الضغط ألن مرفقها بعيد عن أضالعها‪.‬‬
‫(‪ )4‬فات ‪ :‬تقدم ‪ .‬مذبحها ‪ :‬مكان الذبح من الرقبة ‪ .‬الخطم ‪ :‬األنف وما حوله ‪.‬‬
‫اللحيان ‪ :‬العظمان اللذان تنبت عليهما األسنان السفلى ‪ .‬برطيل ‪ :‬حجر مستطيل ‪ .‬أو معول‬
‫من‬
‫حديد‪.‬‬
‫(‪ )5‬عسيب النخل ‪ :‬جريده الذي لم ينبت عليه الخوص ‪ .‬ذا خصل ‪ :‬أي ذيل له لفائف‬
‫‪.‬من الشعر‪ .‬الغارز ‪ :‬الضرع ‪ .‬تخونه ‪ :‬تنقصه ‪ .‬األحاليل ‪ :‬مخارج اللبن مفرده إحليل‬
‫‪188‬‬

‫تق ُمبين وفى َّ‬


‫الخدين تسهي ُل (‪)1‬‬ ‫ِع ٌ‬ ‫ِ‬
‫للبصير بها‬ ‫قنواء في ُح َّرتيها‬ ‫‪#‬‬
‫األرض تحلي ُل (‪)2‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ذوابل َمسُّهن‬ ‫وه َى الحقة‬ ‫تَ ْخ ِدي على َي َسرات ْ‬ ‫‪#‬‬
‫لم َيق ِه َّن‬ ‫ِ‬
‫رءوس األكم تنعي ُل (‪)3‬‬
‫ُ‬ ‫زيماً‬
‫صى َ‬ ‫الح َ‬ ‫ُس ْم ِر ُ‬
‫الع َج َايات يتر ْك َن َ‬ ‫‪#‬‬
‫العساقي ُل (‪)4‬‬
‫ور َ‬‫وقَد تَلفَّع بالقُ ِ‬ ‫ت‬‫ب ِذراعيها وقد َعرقَ ْ‬ ‫كأن ْأو َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بالشمس َم ْملو ُل (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ط ِخداً‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ضاحيهُ‬‫كأن َ‬ ‫رباء مص َ‬
‫يوماً يظل به الح ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الجنادب يركضن الحصا قيلوا(‪)6‬‬ ‫رق‬
‫ُو ُ‬ ‫حاديهم وقد ُجعلت‬ ‫وقا َل للقوم‬ ‫‪#‬‬
‫ْ‬
‫(‪ )1‬القوناء ‪ :‬محدودبة األنف ‪ .‬الحرتان ‪ :‬األ ُذنان ‪ .‬عتق ‪ :‬كرم ‪ .‬مبين ‪ :‬واضح ‪.‬‬
‫تسهيل‬
‫سهولة أي ال خشونة فيهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬تخدي ‪ :‬تُسرع ‪ .‬يسرات ‪ :‬أي قوائم يسرات واليسرات ‪ِ :‬‬
‫الخفاف ‪ .‬الحقة ‪:‬‬
‫سابقة‪.‬‬
‫تمس‬
‫أن هذه الناقة سريعة ال ّ‬
‫الزوابل ‪ :‬الرماح الصْلبة ‪ .‬تحليل ‪ :‬قليل والمعنى‪َ ،‬‬
‫عدوها‪.‬‬
‫إالمساً سريعاً لشدة ْ‬
‫ّ‬ ‫األرض‬
‫(‪ )3‬العجايات ‪ :‬األعصاب المتصلة بالحافر‪ .‬زيما ‪ :‬متفرقة‪ .‬األكم ‪ :‬األرض‬
‫المرتفعة‪ .‬التنعل ‪ :‬هو شد النعل على ظفر الدابة ليقيها الحجارة ‪.‬‬
‫ف ‪ .‬القور ‪ :‬جمع قَارة ‪:‬‬ ‫األوب ‪ :‬سرعة تقتب ورجوع ذراعيها‪ .‬تلفَّع ‪ :‬اْل َ‬
‫تح َ‬ ‫(‪ْ )4‬‬
‫الجبل‬
‫الصغير ؟ وقيل الحجارة السود‪ .‬والعساقيل ‪ :‬هنا السراب ‪ ،‬وهذا من المقلوب أراد وقد‬
‫تلفعت القور بالعساقيل ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحرباء ‪ :‬نوع من الدواب الصغيرة‪ .‬مصطخدا ‪ :‬محترقا بحرارة الشمس‪.‬‬
‫ضاحية ‪ :‬ما برز للشمس منه ‪ .‬مملول ‪ :‬محروق ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الحادى ‪ :‬سائق اإلبل ‪ .‬ورق ‪ :‬جمع أورق أو ورقاء‪ ،‬وهو األخضر الذي يضرب‬
‫إلى السواد‪ .‬الجنادب ‪ :‬جمع جندب ‪ :‬نوع من الجراد‪ .‬يركضن ‪ :‬يدفعن ‪ .‬قيلوا ‪ :‬خذوا‬
‫راحتكم وقت القيلولة ‪.‬‬
‫‪189‬‬

‫قامت فجاوبها ُن ْك ٌد م ِ‬
‫ثاكي ُل (‪)1‬‬ ‫النهار ذراعا ع ْيطل َنص ٍ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫َش َّد‬ ‫‪#‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬
‫لما َن َعى بِ ْك َرها الناعون َم ْعقو ُل (‪)2‬‬ ‫َّبعين ليس لها‬ ‫رخ َوة الض ْ‬
‫َن َّواحة ْ‬ ‫‪#‬‬
‫ُم َشقَّ ٌ‬
‫ق عن تَراقيها َرعابي ُل (‪)3‬‬ ‫تَ ْف ِري اللَّبان بكفَّْيها‪ ،‬و ِم ْد َر ُعها‬ ‫‪#‬‬
‫إنك يابن أبي ُسْل َمى لمقتو ُل (‪)4‬‬ ‫وقولُهم‬
‫الغواةُ َجَن َاب ْيها ْ‬
‫تَ ْس َعى ُ‬ ‫‪#‬‬
‫(ا) شد النهار ‪ :‬وسطه ‪ .‬عيطل ‪ :‬طويلة‪ .‬نصف ‪ :‬متوسطة السن وهو غاية قوتها‪.‬‬
‫نكد ‪ :‬من ال‬
‫يعيش لهن ولد‪ .‬مثاكيل ‪ :‬جمع مثكال ‪ :‬كثيرة فقد األوالد‪ .‬والمعنى ‪ :‬يشبه سرعة‬
‫حركة يدي هذه الناقة بيدي امرأة قوية تلطم خديها فيجاوبها نسوة ثكالى فيشتد لطمها‪.‬‬
‫(‪ )2‬نواحة ‪ :‬كثيرة النوح ‪ .‬صيغة مبالغة‪ .‬من نائحة‪ .‬رخوة ‪ :‬مسترخية‪ .‬الضبعين ‪:‬‬
‫العضدين ‪ .‬بكر ‪ :‬الولد األول ‪ .‬الناعون ‪ :‬المخبرون بالموت ‪ .‬معقول ‪ :‬عقل ‪.‬‬
‫‪ .‬والمعنى ‪ :‬شبه هذه الناقة بتلك المرأة في تلك األحوال فالناقة في ه ْذه الحالة ليس لها‬
‫‪.‬‬
‫عقل تدرك به التعب واإلعياء‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفري ‪ :‬تقطع ‪ .‬اللبان ‪ :‬الصدر‪ .‬المدرع ‪ :‬القميص ‪ .‬التراقى ‪ :‬جمع ترقوة عظام‬
‫الصدز‪.‬‬
‫رعابيل ‪ :‬قطع ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬أن هذه المرأة لذهاب عقلها تقطع قميصها بأناملها‪ .‬فقميصها مشقوق يظهر عظام‬
‫الصدر يشبه ‪ .‬بها الناقة في ذهاب عقلها فال تحس بمشقة السير‪.‬‬
‫األبيات السابقة وانتقل "‬
‫ْ‬ ‫وهكذا استقصى سيدنا كعب رضى اللّه عنه أوصاف الناقة في‬
‫بعد ذلك إلى قول المرجفين به ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الغواة ‪ :‬المفسدون ‪ ،‬جنابيها ‪ . :‬حواليها‪ " .‬إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول " ويروى‬
‫‪:‬‬
‫" وقيلهم " وهو أحسن في المعنى‪ ،‬وأولى بالصواب ‪ ،‬ألن القيل الكالم المقول فهو‬
‫مبتدأ‪،‬‬
‫وقوله ‪ " :‬انك يا ابن أبي سلمى لمقتول " ‪ :‬خبر‪ ،‬تقول ‪ ،‬إذا سئلت ما قيلك ؟ قيلى ‪ :‬إن‬
‫اللّه واحد‪ ،‬فقولك ‪ :‬إن اهلل واحد هو القيل ‪ ،‬والقول مصدر ‪-‬كالطحن والذبح ‪ ،‬والقيل‬
‫اسم‬
‫للمقول كالطِّحن ِّ‬
‫والذبح بكسر أوله ‪ ،‬وإ نما حسنت هذه الرواية‪ ،‬ألن القول مصدر =‬
‫‪190‬‬

‫عنك مشغو ُل (‪)1‬‬ ‫ك إني َ‬ ‫ال أْل ِهَيَّن َ‬ ‫آملُه‬ ‫وقال ُّ‬
‫كنت ُ‬
‫كل صديق ‪ُ -‬‬ ‫‪#‬‬
‫الرحمن مفعو ُل (‪)2‬‬ ‫قدر‬ ‫ُّ‬
‫فكل ما َّ‬ ‫كم‬
‫ُ‬ ‫فقلت َخلّوا سبيلي ال أبا لَ ُ‬ ‫‪#‬‬
‫باء محمو ُل (‪)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل ِ‬
‫يوماً على آلة َح ْد َ‬ ‫ابن أنثى وإ ن طالت سالمتُه‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫رسول اللّه مأمو ُل (‪)4‬‬ ‫عند‬
‫والعفو َ‬ ‫ْع َدنى‬ ‫ِ‬ ‫ُنِّب ْئ ُ‬
‫ُ‬ ‫ت أن رسو َل اللّه أو َ‬ ‫‪#‬‬
‫القرآن فيها مواعيظٌ وتفصي ُل (‪)5‬‬‫ِ‬ ‫َم ْهالً هداك الذي أعطاك نافلةَ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫ت في األقاوي ُل (‪)6‬‬
‫كثر ْ‬
‫أ ْذنب ولو َ‬ ‫الوشاة ولم‬ ‫ال تأخ َذِّني بأقوال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫= فتصير ‪ " :‬إنك يا ابن أبي ُسلمى " في موضع المقول فيه ‪ ،‬فيبقى المبتدأ بال خبر إال‬
‫أن تجعل المقول هو القول على المجاز‪ ،‬كما يسمى المخلوق خلقا‪ ،‬وعلى هذا يكون قوله ‪-‬‬
‫ب }[الزخرف‪ ]88 :‬في موضع البدل من القيل ‪ ،‬وكذلك قوله ‪{:‬‬ ‫عز وجل ‪َ { :‬و ِق ِيل ِه َي َار ِّ‬
‫ق ِم ْن اللَّ ِه ِقياًل } [النساء‪ ]122 :‬أي ‪ :‬حديثاً مقوال‪.‬‬
‫َص َد ُ‬
‫َو َم ْن أ ْ‬
‫(‪ )1‬آمله ‪ :‬أترجاه وأتمنى إعانته ‪ .‬ال ألهينك ‪ :‬أي ‪ :‬ال أشغلك عما أنت فيه من الخوف‬
‫فاعمل لنفسك واتكل عليها‪.‬‬
‫(‪ )2‬خلوا سبيلي ‪ :‬اتركوني ألقف بين يدي الني –صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فإنى أعلم‬
‫أنه يقبل التائب ولن يطالبي بما كان قبل إسالمي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬آلة حدباء ‪ :‬نعش ‪.‬‬
‫(‪ )4‬نبئت ‪ :‬أخبرت ‪ .‬أوعدني ‪ :‬تهددني بالقتل ‪ .‬مأمول ‪ :‬مرجو‪.‬‬
‫(‪ )5‬هداك ‪ :‬هداك ربك للصفح عني والعفو‪ ،‬أو زادك هدى‪ .‬فإنه ال يدعو له بالهدى‬
‫ألنه هو الهادي المهدي ‪ .‬نافلة ‪ :‬زيادة ألن القرآن هدية ‪ .‬زائدة عن النبوة ومنحة الرسالة ‪.‬‬
‫(‪ )6‬لم أذنب ‪ :‬لم أخطىء في حقك ‪.‬‬
‫‪191‬‬

‫أرى وأسمعُ ما لو َيسمعُ الفي ُل (‪)1‬‬ ‫يقوم به‬


‫أقوم َمقاماً لو ُ‬
‫لقد ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الرسول ِ‬
‫بإذن اللّه تَْنوي ُل (‪)2‬‬ ‫من‬ ‫يكون له‬
‫لظل َي ْر َع ُد إال أن َ‬ ‫‪#‬‬
‫ف ذي َن ِقمات قيلُه القي ُل (‪)3‬‬
‫في َك ِّ‬ ‫وضعت يميني ما ِ‬
‫أناز ُعه‬ ‫ُ‬ ‫حتى‬ ‫‪#‬‬
‫وقيل إنك منسوب ومسئو ُل (‪)4‬‬ ‫أكلمهً‬
‫وف عندي إذ ُ‬‫أخ ُ‬ ‫َفلَ ْه َو ْ‬ ‫‪#‬‬
‫بطن َعثَّر ِغي ٌل َ‬
‫دونه غي ُل (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫األرض ُم ْخ َد ُرهُ في ِ‬ ‫من ض ْي َغم بِضر ِ‬
‫اء‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫الناس معفور خرادي ُل (‪)6‬‬ ‫لحم من‬ ‫غامين عي ُشهما‬‫ض ْر ْ‬‫يغدو فيْل ِحم ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ ُ‬
‫(ا) مقام ‪ :‬مجلس النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ .-‬يقوم ‪ :‬يحضر‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أن الشاعر حضر مجلسه – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فشعر بالهيبة ولو‬
‫حضر هذا المجلس الفيل الضطرب من شدة األمر‪ .‬والعرب تضرب المثل بالفيل لعظم خلقه‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬يرعد ‪ :‬تأخذه الرعدة بسبب الخوف ‪ .‬تنويل ‪ :‬عطاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ال أنازعه ‪ :‬أي أطيعه ‪ .‬نقمات ‪ :‬جمع نقمة ‪ :‬السطوة ‪ .‬قيله القيل ‪ :‬قوله النافذ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخوف ‪ :‬أي هو – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أشد إخافة وإ رهابا‪ .‬منسوب ومسئول ‪:‬‬
‫إلى أشياء قلتها ومسئول عنها‪.‬‬
‫أي منسوب ّ‬
‫(‪ )5‬الضيغم ‪ :‬األسد‪ .‬ضراء األرض ‪ :‬األرض التي بها شجر‪ .‬مخدر ‪ :‬غابة األسد‪.‬‬
‫عثَر ‪ :‬مكان تكثر فيه السباع ‪ .‬والغيل ‪ :‬األجمة‪ ،‬وهي الشجر الكثير الملتف ‪.‬‬
‫(‪ )6‬يغدو ‪ :‬يخرج أول النهار للصيد‪ .‬يلحم ‪ :‬يطعم لحما‪ .‬ضرغامين ‪ :‬مثنى ضرغام‬
‫وهو شبل‬
‫األسد‪ .‬معفور ‪ :‬ملقى في التراب ‪ .‬خراديل ‪:‬قتطع اللحم مقطع قطعا صغيرة‪ ،‬وفى‬
‫الحديث‬
‫في صفة الصراط ‪ " :‬فمنهم الموبق بعمله ‪ ،‬ومنهم المخردل "‪ ،‬أي تخردل لحمه‬
‫الكالليب‬
‫التي حول الصراط وقال السهيلى ‪ :‬سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر رحمه اهلل يقول ‪ :‬تلك‬
‫الكالليب هى الشهوات ‪ ،‬ألنها تجذب العبد في الدنيا عن االستقامة على الصراط ‪،‬‬
‫فتمثل له‬
‫في اآلخرة على نحو ذلك أعاذنا اللّه من شر هذا اليوم ‪.‬‬
‫‪192‬‬

‫ك ِ‬
‫الق ْر َن إال وهو َم ْفلو ُل (‪)1‬‬ ‫أن َي ُتر َ‬ ‫ساو ُر ِق ْرناً ال َي ِح ّل له‬
‫إذا ُي ِ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫األراجي ُل (‪)2‬‬ ‫مشى ِ‬
‫بواديه‬ ‫وال تَ َّ‬ ‫ظ ُّل ِسباعُ ِّ‬
‫الجو نافرةً‬ ‫منه تَ َ‬ ‫‪#‬‬
‫ان مأكول (‪)3‬‬ ‫البز ُّ‬
‫والد ْر َس ِ‬ ‫ض َّر ُج ِّ‬
‫ُم َ‬ ‫أخو ثِقَ ٍة‬ ‫وال يزا ُل ِ‬
‫بواديه ُ‬ ‫‪#‬‬
‫سيوف اللّ ِه مسلو ُل (‪)4‬‬
‫ِ‬ ‫ُمهََّن ٌد من‬ ‫لنور ُيستضاء به‬ ‫إن الرسو َل ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫أسلَموا ُزولُوا(‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫ببطن مكة لما ْ‬ ‫صبة من قُريش َ قال قائلهم‬ ‫في ُع ْ‬ ‫‪#‬‬
‫اللقاء وال ِمي ٌل َمعازي ُل (‪)6‬‬
‫عند ِ‬ ‫َ‬ ‫أنكاس وال ُك ُشف‬ ‫ٌ‬ ‫زالُوا فما زال‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )1‬يساور ‪ :‬يواثب ويصرع ‪ .‬القرن ‪ :‬الممائل في الشجاعة ‪ .‬مفلول ‪ :‬المكسور‬
‫المهزوم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجو ‪ :‬ما بين السماء واألرض ‪ .‬نافرة ‪ :‬بعيدة ‪ .‬األراجيل ‪ :‬أى ‪ :‬الرجالة‪ ،‬قيل ‪:‬‬
‫إنه جمع الجمع ‪ ،‬كأنه جمع الرجل ‪ ،‬وهم الرجالة على أرجل ‪ :‬ثم جمع أرجال على أراجل‬
‫وزاد الياء ضرورة لوزن الشعر‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخو ثقة ‪ :‬الواثق بنفسه ‪ .‬مضرج ‪ :‬مخضب بالدماء‪ .‬البز ‪ :‬السالح ‪ .‬الدرسان ‪:‬‬
‫مفرده دريس ؟ الخلق من الثياب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يستضاء به ‪ :‬يهتدى به إلى نور الحق ‪ .‬مهند ‪ :‬سيف طبع في الهند‪ .‬مسلول ‪:‬‬
‫مخرج من غمده ‪.‬‬
‫(‪ )5‬العصبة ‪ :‬الجماعة ما بين العشرة إلى األربعين ‪ .‬زولوا ‪ :‬فعل أمر من زال التامة‬
‫أي التي لها فاعل وليس لها اسم وال خبر‪ .‬أي تحولوا وانتقلوا‪.‬‬
‫(‪ )6‬األنكاس ‪ :‬المهانون ‪ .‬وال كشف ‪ :‬أي ‪ :‬ال ينكشفون في الحرب بمعنى ال‬
‫ينهزمون ‪ .‬الميل ‪ :‬الذين ال يحسنون الركوب ‪ .‬معازيل ‪ :‬ال سالح معهم ‪.‬‬
‫‪193‬‬

‫داود في الهَْيجا سرابي ُل (ا)‬‫من َن ْس ِج َ‬ ‫لبوسهُ ُم‬


‫ُش ُّم العرانين أبطال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫اء مجدو ُل (‪)2‬‬ ‫ق القَ ْفع ِ‬ ‫بيض َس َوابغُ قد ُش َّك ْ‬
‫كأنها َحلَ ُ َ‬ ‫ق‬
‫ت لها َحلَ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نِيلُوا(‪)3‬‬ ‫رماحهُ ُم‬
‫ُ‬ ‫مفاريح إن نالت‬
‫َ‬ ‫ليسوا‬ ‫‪#‬‬
‫ُّود التَّنابي ُل (‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫الجمال ُّ‬
‫ب إذا َعَّر َد الس ُ‬
‫ض ْر ٌ‬
‫َ‬ ‫الز ْه ِر َي ُ‬
‫عصمهم‬ ‫مشي‬
‫يمشون َ‬ ‫‪#‬‬
‫المو ِت تهلي ُل (‪)5‬‬
‫ياض ْ‬ ‫وما لهم عن ِح ِ‬ ‫هم‬ ‫ِ‬
‫نحور ُ‬ ‫الطعن إال في‬
‫ُ‬ ‫ال يقعُ‬ ‫‪#‬‬

‫(ا) شم ‪ :‬جمع أشم ‪ .‬وهو من في قصبة أنفه علو مع استواء أعاله ‪ ،‬عالمة العزة‬
‫والسيادة ‪ .‬اللبوس ‪ :‬ما يلبس من السالح ‪ .‬من نسج داود ‪ :‬أي منسوجه وهي الدروع ‪.‬‬
‫الهيجاء ‪ :‬الحرب ‪ .‬سرابيل ‪ :‬دروع ‪.‬‬
‫(‪ )2‬بيض ‪ :‬مجلوة‪ .‬سوابغ ‪ :‬طويلة ضافية‪ .‬شكت ‪ :‬أدخل بعضها في بعض ‪ .‬القفعاء‬
‫‪ :‬نبات يشبه الحسك يتفرع على سطح األرض له شوك تشبه به حلق الدرع ‪ .‬مجدول ‪:‬‬
‫محكم صنعه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مفاريح ‪ :‬كثيرو الفرح ‪ ،‬والمفرد مفراح ‪ .‬نالت ‪ :‬أصابت‪ .‬مجازبع ‪ :‬كثيرو‬
‫الجزع ‪،‬‬
‫والمفرد مجزاع ‪ .‬نيلوا ‪ :‬أصيبوا‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزهر ‪ :‬البيض ‪ .‬يعصمهم ‪ :‬يمنعهم ‪ .‬عرد ‪ :‬أعرض عن خصمه ويقال هرب ‪.‬‬
‫التنابيل ‪ :‬جمع تنبال وهو القصير‪ .‬وجعلهم سوداً لما خالط أهل اليمن من السودان عند غلبة‬
‫الحبشة على بالدهم ‪ ،‬ولذلك قال حسان في آل جفنة ‪:‬‬
‫بيض الوجوه من الطراز األول‬ ‫أوالد جفنة حول قبر أبيهم‬ ‫‪#‬‬
‫يعنى بقوله ‪ :‬من الطراز األول ‪ ،‬أن آل جفنة كانوا من اليمن ‪ ،‬ثم استوطنوا الشام بعد‬
‫سيل العرم ‪ ،‬فلم يخالطهم السودان كما خالطوا من كان من اليمن ‪ ،‬من الطراز األول الذي‬
‫كانوا عليه في ألوانهم وأخالقهم ‪ .‬وقوله ‪ :‬حول قبر أبيهم ‪ ،‬أي إنهم لعزهم لم يجلوا عن‬
‫منازلهم قط ‪ ،‬وال فارقوا قبر أبيهم ‪.‬‬
‫(‪ )5‬حياض الموت ‪ :‬مراده الهالك ‪ ،‬ويقصد به ساحات القتال ‪ .‬وتهليل ‪ :‬تأخير‪.‬‬
‫‪194‬‬

‫قال ابن هشام ‪ :‬قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫المدينة ‪ .‬وبيته ‪ " :‬حرف أخوها أبوها " وبيته ‪ " :‬يمشى القَُراد "‪ ،‬وبيته ‪َ " :‬ع ْيرانة قُِذفت "‪،‬‬
‫اللبان "‪ ،‬وبيته ‪ " :‬إذا ُيساور ِق ْرناً "‪ ،‬وبيته‬
‫َ‬ ‫وبيته ‪ " :‬تُ ِم ُّر مث َل عسيب النخل ‪ ،‬وبيته ‪ " :‬تَ ْف ِري‬
‫‪ " :‬وال يزال بواديه " ‪ :‬عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫يسترضي األنصار بمدحهم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال عاصم بن ُعمر بن قتادة ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫كعب‬
‫معشر األنصار‪ ،‬لما كان صاحبنا‬
‫َ‬ ‫عرد السود التنابيل "‪ ،‬وإ نما يريدنا‬
‫فلما قال كعب ‪ " :‬إذا َّ‬
‫صنع به ما صنع ‪ ،‬وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم‬
‫بالءهم مع رسول‬
‫بمدحته ‪ ،‬غضبت عليه األنصار‪ ،‬فقال بعد أن أسلم يمدح األنصار‪ ،‬ويذكر َ‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم وموضعهم من اليمن ‪:‬‬
‫ِ‬
‫األنصار(‪)1‬‬ ‫كرم الحياة فال َيز ْل في ِم ْقَن ٍب من صالحى‬ ‫من َس َّره َ‬ ‫‪#‬‬
‫يار ُه ُم بنو األخيار‬ ‫ِ‬
‫إن الخ َ‬ ‫المكارم كابراً عن كابر‬ ‫َ‬ ‫ورثوا‬ ‫‪#‬‬
‫صار(‪)2‬‬‫ندي غير ِق ِ‬ ‫ِ‬
‫كسوالف ال ِه ِّ‬ ‫بأذرع‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫َّم ِ‬
‫هر َّ‬ ‫كرهين الس ْ‬ ‫الم ِ‬
‫ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫األبصار(‪)3‬‬ ‫كالجمر غير َك ِ‬
‫ليلة‬ ‫ِ‬ ‫بأعين ُم ْح َم َّر ٍة‬
‫ٍ‬ ‫والناظرين‬ ‫‪#‬‬
‫رار(‪)4‬‬‫وك ِ‬‫للموت يوم تعانق ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفوسهم لنبيِّهم‬
‫َ‬ ‫والبائعين َ‬ ‫‪#‬‬
‫بالمشرفي وبالقنا الخطَّ ِار(‪)5‬‬
‫ِّ‬ ‫والذائدين الناس عن أديانِهم‬ ‫‪#‬‬
‫بدماء من َعِلقوا من الكفار(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫يتطهرون َي َر ْوَنه ُن ْسكاً لهم‬ ‫‪#‬‬

‫(‪ )1‬المقنب ‪ :‬جماعة الخيل ‪ .‬والمراد به هنا األنصار على ظهور خيلهم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬السمهرى ‪ :‬الرمح ‪ .‬سوالف ‪ :‬حواشي ‪ .‬الهندى ‪ :‬السيف المنسوب إلى الهند‪.‬‬
‫(‪ )3‬بأعين محمرة ‪ :‬يريد أن الشجاع إذا غضب احمرت عيناه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تعانق ‪ :‬يريد به التحام الشجعان في ميدان القتال ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المشرفى ‪ :‬السيف ‪ .‬القنا ‪ :‬الرماح ‪ .‬الخطار ‪ :‬المهتز‪. .‬‬
‫(‪ )6‬يرونه ‪ :‬يعتقدونه ‪ .‬نسكا ‪ :‬عبادة‪.‬‬
‫‪195‬‬

‫ض َو ِاري (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ِ ٍِ‬ ‫‪َ #‬د ِربوا كما َد ِرَب ْ‬


‫الرقاب من األسود َ‬ ‫ب‬ ‫ببطن َخفيَّة ُغْل ُ‬
‫ِ‬
‫األعفار(‪)2‬‬ ‫عند ِ‬
‫معاقل‬ ‫أصبحت َ‬ ‫إليهم‬
‫َ‬ ‫حللت ليمنعوك ُ‬ ‫َ‬ ‫وإ ذا‬ ‫‪#‬‬
‫جميج نَِز ِار(‪)3‬‬
‫ُ‬ ‫دانت لوقعتِها‬ ‫بدر ضربة‬ ‫يوم ٍ‬ ‫ضربوا عليًّا َ‬ ‫‪#‬‬
‫لصدقني الذين اماري (‪)4‬‬ ‫فيهم َّ‬ ‫األقوام علمى كلَّه‬‫ُ‬ ‫لو يعلم‬ ‫‪#‬‬
‫للطارقين النازلين َمقَ ِاري (‪)5‬‬ ‫النجوم‬
‫ُ‬ ‫قوم إذا َح َو ِت‬
‫ٌ‬ ‫‪#‬‬
‫الم ِ‬
‫نقار(‪)6‬‬ ‫حافرها على ِ‬ ‫ِ‬ ‫الغِّر من َغسَّان من جرثُ ٍ‬
‫ت َم ُ‬ ‫أعَي ْ‬
‫ْ‬ ‫ومة‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫في ُ‬ ‫‪#‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال له حين أنشده ‪:‬‬
‫أهل ‪ ،‬فقال‬
‫األنصار بخير‪ ،‬فإنهم لذلك ْ‬
‫َ‬ ‫" بانت سعاد فقلبي اليوم متبول " لوال ذكرت‬
‫كعب هذه األبيات ‪ .‬وهى في قصيدة له ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬و ُذكر لي عن على بن زيد بن ُج ْدعان أنه قال ‪ :‬أنشد كعب بن ُز َه ْير‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في المسجد ‪:‬‬
‫اليوم متبول‬
‫عاد فقلبى َ‬
‫بانت ُس ُ‬ ‫‪#‬‬

‫(ا) دربوا ‪ :‬تعودوا‪ .‬خفية ‪ :‬مكان تكثر فيه االًسود‪ .‬غلب ‪ :‬غالظ ‪.‬‬
‫(‪ )2‬االًعفار ‪ :‬الوعول الصغيرة‪ ،‬يضرب بها المثل المتناعها في قمم الجبال ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ضربوا عليا ‪ :‬يريد به على بن مسعود بن مازن الغساني ‪ ،‬وبنو علي ‪ :‬هم بنو‬
‫كنانة‪ ،‬واًراد ‪ :‬ضربوا قريشأ الًنهم من بني كنانة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أماري ‪ :‬أجادل ‪.‬‬
‫(‪ )5‬خوت ‪ :‬سقطت ولم تمطر‪ .‬مقارى ‪ :‬المقاري ‪ ،‬الجفان التي يصنع فيها الطعام ‪.‬‬
‫(‪ )6‬وتروى ‪ :‬النقار‪.‬‬
‫‪196‬‬

‫تبوك (‪)1‬‬
‫غزوة ُ‬
‫في رجب سنة تسع‬
‫التهيؤ للغزو ‪ :‬قال ‪ :‬حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام ‪ ،‬قال زياد بن عبد اهلل‬
‫البكائي‪ ،‬عن محمد بن إسحاق المطلبي ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أقام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫بالمدينة ما بين ذي ِ‬
‫الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم ‪ .‬وقد ذكر لنا الزهري‬
‫‪ ،‬ويزيد بن رومان ‪ ،‬وعبد اللّه بن أبي بكر‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة‪ ،‬وغيرهم من علمائنا‪،‬‬
‫وبعض القوم يحدث ما ال ُيحدث‬
‫ُ‬ ‫ُك ٌّل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها‪،‬‬
‫أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬ ‫بعض ‪ :‬أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أمر‬
‫وج ْدب من البالد‪ .‬وحين طابت الثمار‪ ،‬والناس‬
‫في زمان من ُع ْسرة الناس ‪ ،‬وشدة من الحر‪َ ،‬‬
‫الشخوص على الحال من الزمان الذي هم‬ ‫َ‬ ‫ثمارهم وظاللهم ‪ ،‬ويكرهون‬ ‫قام في ِ‬
‫الم َ‬
‫يحبون ُ‬
‫عليه ‪ ،‬وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َقلَّما يخرج في غزوة إال َكنى عنها‪ ،‬وأخبر أنه‬
‫يريد غير الوجه الذي يص ِم ُد له (‪ ،)2‬إال ما كان من غزوة تَبوك ‪ ،‬فإنه بيَّنها للناس ‪ ،‬لب ِ‬
‫عد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫الناس‬
‫أهبتَه ‪ ،‬فأمر َ‬ ‫ص ِمد له ‪ ،‬ليتأهب الناس لذلك ْ‬ ‫ِّ‬
‫الشقة‪ ،‬وشدة الزمان ‪ ،‬وكثرة العدو الذي َي ْ‬
‫بالجهاز‪ ،‬وأخبرهم أنه يريد الروم ‪.‬‬
‫ائذن لي وال تفتني ‪ :‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذات يوم وهو في‬
‫للج ِّد بن قَْيس أحد بني َسلَمة ‪ :‬يا َج ُّد‪ ،‬هل لك العام في‬
‫جهازه ذلك َ‬
‫(ا) سميت بعين تبوك وهي العين التي أمر رسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الناس أال‬
‫يمسوا من مائها شيئاً‪ ،‬فسبق إليها رجالن ‪ ،‬وهى تبض بشىء من ماء‪ ،‬فجعال يدخالن فيها‬
‫سهمين ليكثر ماؤها‪ ،‬فسبهما رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وقال لهما ‪ :‬ما زلتما‬
‫تبوكانها منذ اليوم فيما ذكر القتبى‪ ،‬قال ‪ :‬وبذلك سميت العين تبوك ‪ ،‬والبوك كالنقش والحفر‬
‫في الشىء‪ ،‬ويقال منه ‪ :‬باك الحمار األتان يبوكا إذا نزا عليها‪.‬‬
‫(‪ )2‬يصمد له ‪ :‬يقصده ‪.‬‬
‫‪197‬‬

‫ِ‬
‫تفتنى ؟ فواللّه لقد‬ ‫األصفَر(‪ )1‬؟ فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬أو تأذن لي وال‬
‫ْ‬ ‫جالد بني‬
‫رأيت نساء بني‬
‫ُ‬ ‫َع َرف قومي أنه ما من رجل بأشد ُع ْجباً بالنساء منى‪ ،‬وإ نى أخشى إن‬
‫األصفر أن ال أصبر‪ ،‬فأعرض عنه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وقال ‪ :‬قد ِأذ ُ‬
‫نت لك ‪.‬‬
‫الج ِّد بن قيس نزلت هذه االية ‪:‬‬ ‫ففي َ‬
‫ِ‬ ‫{ َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َيقُو ُل ا ْئ َذ ْن ِلي َواَل تَ ْفتِِّني أَاَل في اْل ِفتَْن ِة َسقَطُوا َوإِ َّن َجهََّن َم لَ ُم ِحي َ‬
‫طةٌ بِاْل َكاف ِر َْ‬
‫ين‬
‫[التوبة‪ .]49 :‬أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني األصفر‪ ،‬وليس ذلك به فما سقط فيه‬
‫من الفتنة أكبر‪ ،‬بتخلفه عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ‪ ،‬يقول‬
‫تعالى ‪ :‬وإ ن جهنم لمن ورائه ‪.‬‬
‫بعضهم لبعض ‪ :‬ال تَ ِنفروا ‪.‬‬
‫شأن المنافقين ‪ :‬وقال قوم من المنافقين ُ‬
‫في الحر‪ ،‬زهادة في الجهاد وشكاً في الحق ‪ ،‬وإ رجافا برسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم ‪َ { :‬وقَالُوا اَل تَ ِنف ُروا في اْل َحِّر ُق ْل َن ُار َجهََّن َم أَ َش ُّد َح ًّرا لَ ْو َك ُانوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون }‪[.‬التوبة‪]81،82 :‬‬ ‫اء بِ َما َك ُانوا َي ْكسُب َ‬
‫ض َح ُكوا َقلياًل َوْلَي ْب ُكوا َكث ًيرا َج َز ً‬
‫ون* َفْلَي ْ‬
‫َي ْفقَهُ َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وحدثني الثقةُ عمن حدثه ‪،‬عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن‬
‫إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللّه بن حارثة‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ‪َ ،‬ج ِّده ‪ ،‬قال ‪ :‬بلغ رسول اللّه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت ُس َوْيلم اليهودي ‪ ،‬وكان بيته عند‬
‫جاسوم ‪ ،‬يثبطون الناس عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في غزوة ُتبوك ‪ ،‬فبعث إليهم‬
‫ق عليهم‬
‫يحر َ‬
‫الني صلى اهلل عليه وسلم طلحة بن ُعَب ْيد اللّه في نفر من أصحابه ‪ ،‬وأمره أن ِّ‬
‫بيت ُس َوْيلم ‪ ،‬ففعل طلحة‪.‬‬

‫(‪ )1‬بنو األصفر ‪ :‬يريد بهم الروم ؟ ألن عيصو بن إسحاق كان به صفرة‪ ،‬وهو جدهم ‪،‬‬
‫وقيل إن الروم بن عيصو هو االًصفر‪ ،‬وهو أبوهم ‪ ،‬وأمه نسمة بنت إسماعيل ‪ ،‬وليس كل‬
‫الروم من ولد بني األصفر‪ ،‬فإن الروم األول هم فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح ‪،‬‬
‫واهلل أعلم بحقائق هذه األشياء وصحتها‪.‬‬
‫‪198‬‬

‫فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت ‪ ،‬فانكسرت رجلُه ‪ ،‬واقتحم أصحابه ‪ ،‬فأفلتوا‪،‬‬
‫فقال الضحاك في ذلك ‪:‬‬
‫ق‬‫ك وابن َأب ْي ِر ِ‬ ‫ٍ‬
‫محمد َيشيطُ بها الضحَّا ُ‬ ‫نار‬
‫كادت وبيت اللّه ُ‬ ‫‪#‬‬
‫أنوء على ِرجلى كسيراً ومرفقى(‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫طبقت ِك ْب َس ُس َوْيلم‬
‫ُ‬ ‫ت وقد‬‫ظْل ُ‬
‫وَ‬ ‫‪#‬‬
‫لمثلهَا أخاف ومن تَ ْشمل به النار ُي ْحرق‬ ‫أعود ِ‬
‫سالم عليكم ال ُ‬ ‫‪#‬‬
‫ٌ‬
‫حض األغنياء على النفقة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم إن رسول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم َج َّد في سفره ‪ ،‬وأمر الناس بالجهاز واالنكماش ‪ ،‬وحض أهل‬
‫الغنى على النفقة ِ‬
‫والحمالن في سبيل اللّه ‪ ،‬فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا(‪ ،)2‬وأنفق‬
‫أحد مثلَها ما أنفقه عثمان ‪ :‬قال ابن هشام ‪:‬‬
‫عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة‪ ،‬لم ينفق ٌ‬
‫ألف دينار‪،‬‬
‫حدثني من أثق به ‪ :‬أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك َ‬
‫ٍ‬
‫راض ‪.‬‬ ‫ض عن عثمان فإني عنه‬ ‫فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اللهم ْار َ‬
‫أتوا‬ ‫َّ‬
‫البكاءون والمعذرون والمخلفون ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم إن رجاال من المسلمين ْ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهم البكاءون ‪ ،‬وهم سبعة نفر من األنصار وغيرهم من‬
‫عبد‬
‫وعْلبة(‪ )3‬ابن زيد‪ ،‬أخو‪ .‬بني حارثة‪ ،‬وأبو ليلى ُ‬
‫بني عمرو بن عوف ‪ :‬سالم بن ُعمير‪ُ ،‬‬
‫الرحمن بن كعب ‪ ،‬وأخو بني‬
‫(ا) طبقت ‪ :‬علوت ‪ .‬كبس ‪ :‬بيت صغير‪.‬‬
‫(‪ )2‬احثسبوا األجر عند اللّه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وفي رواية يونس أن علبة خرج من الليل فصلى ما شاء اهلل‪ ،‬ثم بكى‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫اللهم إنك‬
‫قد أمرت بالجهاد‪ ،‬ورغبت فيه ‪ ،‬ثم لم تجعل عندي ‪ ،‬ما أتقوى به مع رسولك ولم تجعل‬
‫في يد رسولك ما يحملني عليه ‪ ،‬وينى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها‬
‫في‬
‫مال أو جسد أو عرض " ثم أصبح مع الناس وقال الني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ : -‬أين‬
‫المتصدق في هذه الليلة فلم يقم أجد‪ ،‬ثم قال أين المتصدق في هذه الليلة فليقم وال يتزاهد ما‬
‫صنع في‬
‫‪199‬‬

‫المغ َّفل‬
‫الجموح ‪ ،‬أخو بني َسلمة‪ ،‬وعبد اللّه بن َ‬
‫وعمرو بن ُحمام بن ُ‬
‫مازن بن النجار‪َ ،‬‬
‫مي بن عبد اللّه ‪،‬‬
‫وه َر ّ‬
‫الم َزني ‪َ -‬‬
‫وبعض الناس يقول ‪ :‬بل هو عبد اللّه بن َع ْمرو ُ‬
‫ُ‬ ‫الم َزني ‪-‬‬
‫ُ‬
‫وع ْرباض بن سارية الفََزاري ‪ .‬فاستحملوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫أخو بني واقف ‪ِ ،‬‬
‫وأعينهم تفيض من الدمع َح َزناً أال‬
‫ُ‬ ‫أهل حاجة‪ ،‬فقال ‪ :‬ال أجد ما أحملُكم عليه ‪ ،‬فتولَّوا‬
‫‪ ،‬وكانوا َ‬
‫يجدوا ما ُينفقون ‪.‬‬
‫ضري لقى أبا ليلى عبد‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فبلغني أن ابن يامين بن ُع َم ْير بن كعب َّ‬
‫الن ْ‬
‫الرحمن بن كعب وعبد اللّه بن ُم َغ َّفل وهما يبكيان ‪ ،‬فقال ‪ -:‬ما يبكيكما ؟ قاال ‪ :‬جئنا رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم ليحملنا‪ ،‬فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على‬
‫ناضحاً(ا) له ‪ ،‬فارتحاله ؛ وزودهما شيئاً من تمر‪ ،‬فخرجا مع‬‫الخروج معه ؛ فأعطاهما ِ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وجاءه المع ّذرون من األعراب ‪ ،‬فاعتذروا إليه ‪ ،‬فلم يعذرهم اللّه تعالى‬
‫‪ .‬وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار‪.‬‬
‫السير‪ ،‬وقد كان نفر من‬
‫سفره ‪ ،‬وأجمع َ‬
‫ثم استتب (‪ )2‬برسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ُ‬
‫المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حتى تخلفوا عنه ‪ ،‬عن غير‬
‫ومرارة بن الربيع ‪،‬‬
‫شك وال ارتياب ؛ منهم ‪ :‬كعب بن مالك بن أبي كعب ‪ ،‬أخو بني َسلَمة ُ‬
‫أخو بني َعمرو بن َع ْوف ‪ ،‬و ِهالل بن أمية‪ ،‬أخو‬

‫=هذه الليلة‪ ،‬فقام إليه ‪ ،‬فأخبره ‪ ،‬فقال الني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ : -‬أبشر فوالذي نفس‬
‫محمد بيده ‪ ،‬لقد كتب في الزكاة المتقبلة ‪ .‬وأما سالم بن عمبد وعبداهلل بن المغفل ‪ ،‬فراهما‬
‫يامين بن كعب يبكيان ‪ ،‬فزودهما‪ ،‬وحملهما فلحقا بالني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ .-‬عن‬
‫السهيلى ( في الروض األنف ) بتحقيقنا ج ‪ 4‬ص ‪ . 197‬ط الكليات األزهرية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )1‬الناضح ‪ :‬الجمل الذي يسقى عليه الماء‪.‬‬
‫( ‪ )2‬استتب ‪ :‬انتظم وتتابع ‪.‬‬
‫‪200‬‬

‫واقف ‪ ،‬وأبو خيثمة‪ ،‬أخو بني سالم بن عوف وكانوا نفر ِ‬


‫ص ْدق ‪ ،‬ال ُيتَّهمون في‬ ‫بني ِ‬
‫َ‬
‫إسالمهم ‪.‬‬
‫الوداع ‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫عسكره على ثُنثة َ‬
‫َ‬ ‫فلما خرج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ضرب‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬واستعمل على المدينة محمد بن َم ْسلَمة األنصارىَّ‪ .‬وذكر عبد العزيز‬
‫راو ْردي عن أبيه ‪ :‬أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم استعمل على المدينة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بن محمد الد َ‬
‫باع بن َع ْرفَطة‪.‬‬
‫َم ْخ َرجه إلى تَُبوك ‪ُ ،‬س َ‬
‫تخلف المنافقين عن تبوك ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪:‬وضرب عبداللّه ابن أبي معه على حدة‬
‫عسكره أسفل منه ‪ ،‬نحو ذباب (‪ ،)1‬وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين ‪ .‬فلما سار‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم تخلف عنه عبد اللّه بن أبي ‪ ،‬فيمن تخلف من المنافقين وأهل‬
‫الريب ‪.‬‬
‫على بن أبي طالب ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بعلي ‪ :‬و رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫المنافقين ير جفون ّ‬
‫رضوان اللّه عل يه ‪ ،‬إلى أهله ‪ ،‬وأمره باإلقامة فيهم ‪ ،‬فأرجف به المنافقون ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما‬
‫خلفه إال استثقاال له ‪ ،‬وتخففاً منه ‪ .‬فلما قال ذلك ‪ .‬المنافقون ‪ ،‬أخذ علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫رضوان اللّه عليه سالحه ‪ ،‬ثم خرج ‪ .‬حتى أتى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وهو ناز ٌل‬
‫نبي اهلل زعم المنافقون أنك إنما خلَّفتني أنك استثقلتني وخففت منى‪،‬‬
‫بالج ْرف (‪ ،)2‬فقال ‪ :‬يا َّ‬
‫ُ‬
‫فقال ‪ :‬كذبوا‪،‬‬
‫فارجع فاخل ْفني في أهلي وأهلك ‪ ،‬أفال ترضى يا‬
‫ْ‬ ‫تركت ورائي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ولكني‪ .‬خلفتك لما‬
‫على أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إال أنه ال نبي بعدي ‪ ،‬فرجع على إلى المدينة‬
‫؛ ومضى ‪ .‬رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على سفره ‪.‬‬

‫(ا) ذباب ‪ :‬جبل بالمدينة‪..‬‬


‫(‪ )2‬الجرف ‪ :‬مكان بينه وبين المدينة ثالثة أميال ‪.‬‬
‫‪201‬‬

‫بن طلحة بن يزيد بن ُر َكانة‪ ،‬عن ‪ ،‬إبراهيم بن سعد بن‬


‫محمد ُ‬
‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني‬
‫أبي وقاص ‪ ،‬عن أبيه سعد ‪ :‬أنه سمع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يقول لعلى هذه المقالة‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم رجع إلى المدينة‪ ،‬ومضى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على‬
‫سفره ‪.‬‬
‫وعمير بن وهب يلحقان بالرسول ‪ :‬ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول‬
‫خيثمة ُ‬
‫أبو ْ‬
‫اهلل أياما إلى أهله في يوم حار‪ ،‬فوجد امرأتين له في عري َش ْين (‪ )1‬لهما في حائطه (‪ )2‬قد‬
‫وبردت له فيه ماء‪ ،‬وهيأت له فيه طعاما‪ .‬فلما دخل ؛ قام‬ ‫ر َّشت ُّ‬
‫كل واحدة منهما عريشها‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫امرأتيه وما صنعتا له ‪ ،‬فقال ‪ :‬رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ْ‬ ‫على باب العريش ‪ ،‬فنظر إلى‬
‫الض ِّح (‪ )3‬والريح والحر‪ ،‬وأبو َخ ْيثمة في ظل بارد‪ ،‬وطعام ُمهَيَّأ‪ ،‬وامرأة‬
‫في ِّ‬
‫عريش واحدة منكما‬
‫َ‬ ‫صف ؟ ثم قال ‪ :‬واللّه ال أدخل‬ ‫حسناء‪ ،‬في ماله مقيم ‪ ،‬ما هذا َّ‬
‫بالن َ‬
‫ألحق برسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فهيِّئا لي زادا‪ ،‬ففعلتا‪ .‬ثم قَ َّدم ناضحه (‬
‫َ‬ ‫حتى‬
‫‪)4‬فارتحله ‪ ،‬ثم خرج في طلب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حتى أدركه حين ‪ .‬نزل‬
‫محى في الطريق ‪ ،‬يطلب رسول اللّه‬ ‫بتَبوك ‪ .‬وقد كان أدرك أبا َخ ْيثمة عمير بن وهب الج ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فترافقا‪ ،‬حتى إذا َدَن َوا من تَُبوك ‪ ،‬قال أبو َخ ْيثمة ِل ُع َمير بن وهب ‪ :‬إن‬
‫ف عنى حتى آتى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ففعل ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫لي ذنباً‪ ،‬فال عليك أن تَ َخلَّ َ‬
‫دنا من رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وهو نازل‬

‫(‪ )1‬العريش ‪ :‬ما يستظل به ‪.‬‬


‫( ‪ ) 2‬الحائط ‪ :‬ا لبستان ‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬الضح ‪ :‬الشمس ‪.‬‬
‫لس ْقي الزرع فهو ناضح ‪،‬‬
‫(‪ )4‬الناضح ‪ :‬البعير الذي يحمل الماء من نهر أو بئر َ‬
‫وسمى ناضحاً‬
‫ألنه ينضح العطش أي َيُبلُّه بالماء الذي َي ْحمله ‪ ،‬هذا أصله ‪ ،‬ثم استعمل الناضح في كل‬
‫بعير‬
‫وإ ن لم يحمل الماء وفى حديث " أطعمه ناضحك " أي بعيرك والجمع نواضح ‪.‬‬
‫‪202‬‬

‫بتبوك ‪ ،‬قال الناس ‪ :‬هذا راكب على الطريق ُمقب ٌل ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ :‬كن أبا َخ ْيثمة ‪ .‬فقالوا يا رسول اللّه هو واللّه أبو َخ ْيثمة ‪ .‬فلما أناخ أقب َل فسلَّ َم على‬
‫لك (‪ )1‬يا‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ْ :‬أولَى َ‬
‫أبا َخ ْيثمة ثم أخبر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الخبر ؛ فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم خيراً‪ ،‬ودعا له بخير‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقال أبو َخ ْيثمة في ذلك شعرا‪ ،‬واسمه ‪ ،‬مالك بن قيس ‪:‬‬
‫واكر َما‬
‫ف َ‬ ‫أع َّ‬
‫أتيت التي كانت َ‬ ‫ُ‬ ‫الناس في الدين نافقوا‬
‫رأيت َ‬
‫ُ‬ ‫لما‬ ‫‪#‬‬
‫رما‬ ‫ٍ‬
‫أغش َم ْح َ‬ ‫فلم أكتسب إثماً ولم ْ‬ ‫لمحمد‬ ‫باليمَنى يدي‬
‫(‪ )2‬وبايعت ْ‬ ‫‪#‬‬
‫تحم َما‬
‫صفايا كراماً ُب ْس ُرها قد َّ‬ ‫ِ‬
‫رمةً َ‬
‫تركت خضيباً في العريش وص َ‬ ‫‪#‬‬
‫حيث َي َّم َما‬
‫شطره ُ‬ ‫(‪ )3‬وكنت إذا َش َّ‬
‫ت إلى الدين نفسي َ‬ ‫أسمح ْ‬
‫َ‬ ‫المنافق‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫‪#‬‬
‫بالح ْجر ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان رسو ل اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين‬ ‫ما حدث ِ‬
‫الناس من بئرها‪ .‬فلما راحوا قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ِ‬
‫مر بالح ْجر نزلها‪ ،‬واستقى َ‬
‫‪ :‬ال تشربوا من مائها شيئا‪ ،‬وال تتوضئوا منه للصالة‪ ،‬وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه‬
‫يخرجن أحد منكم الليلَة إال ومعه صاحب له ‪ .‬ففعل الناس ما‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫اإلب َل ‪ ،‬وال تأكلوا منه شيئا‪ ،‬وال‬
‫أمرهم به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬إال أن رجلين من بني َساعدة خرج أحدهما‬
‫لحاجته ‪ ،‬وخرج اآلخر في طلب بعير له ‪ .‬فأما الذي ذهب لحاجته فإنه ُخنق على مذهبه ‪،‬‬
‫بجبلي طيِّىء‪ .‬فأخبر بذلك‬
‫ْ‬ ‫وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح ‪ ،‬حتى طرحته‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إال ومعه‬
‫(‪ )1‬أولى لك ‪ :‬كلمة تهديد معناها الويل لك ‪.‬‬
‫(‪ )2‬عف ‪ :‬امتنع عن القبيح ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصرمة ‪ :‬جماعة النخل ‪ .‬البسر ‪ :‬التمر ‪ ،‬قبل نضجه ‪ .‬وتحمما ‪ :‬قارب أن‬
‫يطيب ‪.‬‬
‫‪203‬‬

‫صاحبه ثم دعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه ف ُشفي ؛ وأما‬
‫بجبلي طيِّئ ‪ ،‬فإن طيئا أهدته لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين قدم‬
‫ْ‬ ‫اآلخر الذي وقع‬
‫المدينة‪.‬‬
‫والحديث عن الرجلين عن عبد اللّه بن أبي بكر‪ ،‬عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي‬
‫عبد اللّه بن أبي بكر أن قد َس َّمى له العباس الرجلين ‪ ،‬ولكنه استودعه إياهما‪،‬‬
‫‪،‬وقد حدثني ُ‬
‫عبد اللّه أن يسميهما لي ‪.‬‬
‫فأبى ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬بلغني عن الزهري أنه قال ‪ :‬لما مر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واستح َّ‬
‫ث راحلته ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ال تدخلوا بيوت الذين ظلموا إال‬ ‫ثوبه على وجهه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫بالح ْجر سجَّى َ‬
‫ماء‬
‫الناس وال َ‬
‫وأنتم باكون ‪ ،‬خوفا أن يصيبكم مث ُل ما أصابهم ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما أصبح ُ‬
‫معهم َش َك ْوا ذلك ٍ‬
‫إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فدعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫الناس ‪ ،‬واحتملوا حاجتَهم من الماء ‪.‬‬
‫فأرسل اللّه سبحانه سحابة فأمطرت حتى ارتوى ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن قتادة‪ ،‬عن محمود بن لَبيد‪ ،‬عن رجال من‬
‫بني عبد األشهل ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لمحمود ‪ :‬هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال ‪ :‬نعم واللّه‬
‫بعضهم بعضا‬
‫‪ ،‬إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفى عشيرته ‪ ،‬ثم َيلبس ُ‬
‫على ذلك ‪ .‬ثم قال محمود ‪ :‬لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف‬
‫نفاقه ‪ ،‬كان يسير مع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين دعا‪ ،‬فأرسل اللّه السحابةَ فأمطرت‬
‫حتى ارتوى الناس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أقبلنا عليه نقول ‪ :‬ويحك ‪ ،‬هل بعد هذا شىء ؟! قال ‪ :‬سحابة‬
‫مارة ‪.‬‬
‫َّ‬
‫تقو ُل ابن اللصيت ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم سار حتى إذا‬
‫ُّ‬
‫كان ببعض الطريق ضلت ناقته ‪ ،‬فخرج أصحابه في طلبها‪ ،‬وعند رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم رجل من أصحابه ‪ ،‬يقال له ُعمارة بن حزم ‪ ،‬وكان‬
‫‪204‬‬

‫ص ْيت القَْيُنقاعى‪،‬‬ ‫ُّ‬


‫َعقَبيا بدريًّا‪ ،‬وهو عم بني َعمرو بن حزم ‪ ،‬وكان في رحله زيد بن الل َ‬
‫وكان منافقا‪.‬‬
‫صيب ( بالباء )‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬ابن لُ َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن قتادة‪ ،‬عن محمود بن لَبيد‪ ،‬عن رجال من‬
‫وعمارة عند رسول‬ ‫ُّ‬
‫ص ْيت ‪ ،‬وهو في رحل ُعمارة ُ‬ ‫بني عبد األشهل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فقال زيد بن الل َ‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أليس مجمد يزعم أنه ‪ -‬نبي ‪ ،‬ويخبركم عن خبر السماء‪ ،‬وهو ال‬
‫وعمارة عنده ‪ :‬إن رجال قال ‪ :‬هذا‬
‫يدري أين ناقته ؟ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ُ‬
‫محمد يخبركم أنه نبى‪ ،‬ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو ال يدري أين ناقته ‪ ،‬وإ ني واللّه‬
‫ما أعلم إال ما علَّمني اللّه وقد دلني اهللّ عليها‪ ،‬وهى في هذا الوادي ‪ ،‬في ِش ْعب كذا وكذا‪ ،‬وقد‬
‫حبستها شجرةٌ بزمامها‪ ،‬فانطلقوا حتى تأتوني بها‪ ،‬فذهبوا‪ ،‬فجاءوا بها‪ .‬فرجع ُعمارة بن َح ْزم‬
‫ب من شىء َح َّدثناه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم انفا‪ ،‬عن‬
‫لع َج ٌ‬
‫إلى رحله ‪ ،‬فقال ‪ :‬واللّه َ‬
‫ص ْيت ؛ فقال رجل ممن كان في‬
‫مقالة قائل أخبره اللّه عنه بكذا وكذا‪ ،‬الذي قال زيد بن اللّ َ‬
‫رحل عمارة ولم يحضر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬زيد واللّه قال هذه المقالة قبل أن‬
‫تأتى‪.‬‬
‫َ‬
‫إلى عباد اللّه ‪ ،‬إن في رحلي لداهيةً‬ ‫فأقبل عمارة على زيد يجأ(‪ )1‬في ِ‬
‫عنقه ويقول ‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عدو اللّه من َر ْحلي ‪ ،‬فال تصحبني ‪.‬‬
‫اخ ُر ْج أي َّ‬
‫وما أشعر ! ْ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك ؛ وقال بعض الناس ‪ :‬لم‬
‫يزل متهما بشر حتى هلك ‪.‬‬
‫خبر أبي ذر في غزوة تبوك ‪ :‬ثم مضى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم سائرا‪ ،‬فجعل‬
‫يتخلف عنه الرجل ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬تخلف فالن ‪ :‬فيقول‬
‫(‪ )1‬يجأ ‪ :‬يطعن ‪.‬‬
‫‪205‬‬

‫دعوه ‪ ،‬فإن يك فيه خير فسيلحقه اللّه تعالى بكم ‪ ،‬وإ ن يكن غير ذلك فقد‪ ،‬أراحكم اللّه‬
‫منه ‪ ،‬حتى قيل ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬قد تخلف أبو َذر(‪ ،)1‬وأبطأ به " بعيره ؟ فقال ‪ :‬فإن يك فيه‬
‫وتلوم (‪)2‬أبو ذر على بعيره ‪،‬‬
‫خير فسيلحقه اللّه بكم ‪ ،‬وإ ن يك غير ذلك فقد أراحكم اللّه منه ؛ َّ‬
‫فلما أبطأ عليه ‪ ،‬أخذ متاعه فحمله على ظهره ‪ ،‬ثم خرج يتبع أثر رسول اللّه ‪ .‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ماشياً‪ .‬ونزل رسول اللّه في بعض منازله ‪ ،‬فنظر ناظر من المسلمين فقال ‪ :‬يا‬
‫وحده ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬إن هذا الرجل يمشي على الطريق َ‬
‫‪ :‬كن (‪ )3‬أبا ذر‪ ،‬فلما تأمله القوم قالوا ‪ :‬يا رسول اللّه هو واللّه أبو ذر ؛ فقال رسول اللّه‬
‫وحده ‪.‬‬
‫ويبعث َ‬
‫وحده (‪ُ )4‬‬
‫وحده ‪ ،‬ويموت َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬رحم اللّه أبا َذر‪ ،‬يمشي َ‬
‫(ا) أبو ذر ‪ :‬اسمه ‪ :‬جندب بن جنادة وقيل برير بن عشرقة ‪ .‬وقيل جندب بن عبداهلل ‪.‬‬
‫وقيل جندب بن السكن ‪ .‬راجع اإلصابة البن حجر ‪ -‬تظهر إن شاء اهلل ‪ -‬بتحقيقنا‪.‬‬
‫(‪ )2‬تلوم ‪ :‬تمهل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬كن أبا ذر ‪ :‬لفظه األمر‪ ،‬ومعناه الدعاء‪ ،‬كما تقول ‪ :‬أسلم سلمك اللّه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يموت وحده ‪ :‬أي يموت منفرداً‪ ،‬وأكثر ما تستعمل هذه الحال لنفى االشتراك في‬
‫الفعل نحو كلمني زيد وحده ‪ ،‬أي ‪ :‬منفرداً بهذا الفعل ‪ ،‬وإ ن كان حاضراً معه غيره ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫كلمني خصوصاً وكذلك لو قلت ‪ :‬كلمته من بينهم وحده ‪ ،‬كان معناه خصوصاً كما‬
‫قرره سيبويه ‪ ،‬وأما الذي في الحديث ‪ ،‬فال يتقدر هذا التقدير ألنه من المحال أن يموت‬
‫خصوصاً‪ ،‬وٍا نما معناه ‪ :‬منفرداً بذاته ‪ ،‬أي ‪ :‬على حدته ‪ ،‬كما قال يونس ‪ ،‬فقول يونس‬
‫صالح في هذا الموطن ‪ ،‬وتقدير سيبويه له بالخصوص يصلح أن يحمل عليه في اكثر‬
‫المواطن وإ نما لم يتعرف وحده باإلضافة‪ ،‬ألن معناه كمعنى ال غير‪ ،‬وألنها كلمة تنبىء‬
‫عن نفي وعدم ‪ ،‬والعدم ليس بشىء فضال عن أن يكون متعرفاً متعيناً باإلضافة‪ ،‬وإ نما لم‬
‫يشتق‬
‫منه فعل ‪ ،‬وإ ن كان مصدراً في الظاهر لما قدمناه من أنه لفظ ينبىء عن عدم ونفي ‪،‬‬
‫والفعل‬
‫يدل على حدث وزمان ‪ ،‬فكيف يشتق من شىء ليس بحدث ‪ ،‬إنما هو عبارة عن انتفاء‬
‫الحدث عن كل أحد إال‪.‬عن زيد‪ ،‬مثال ٍا ذا قلت ‪ :‬جاءني زيد وحده ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يجىء‬
‫غيره ‪،‬‬
‫وإ نما يقال ‪ :‬انعدم وانتفى بعد الوجود ال قبله ‪ ،‬ألنه أمر متجدد كالحدث ‪ ( .‬الروض‬
‫األنف ج ‪ 4‬ص ‪ ) 196‬بتحقيقنا‪.‬‬
‫‪206‬‬

‫األسلمي ‪،‬‬
‫موت أبي ذر ودفنه في الربذة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني ُب َر ْيدة بن سفيان ْ‬
‫عثمان أبا ذر إلى‬
‫ُ‬ ‫عن محمد بن كعب القَُرظي ‪ ،‬عن عبد اللّه بن مسعود‪ ،‬قال ‪ :‬لما َنفى‬
‫وغالمه ‪ ،‬فأوصاهما أن اغسالني‬
‫ُ‬ ‫قدره ‪ ،‬لم يكن معه أحد إال امرأته‬
‫الربذة(ا)‪ ،‬وأصابه بها ُ‬
‫َّ‬
‫وكفناني‪ ،‬ثم ضعاني على قارعة الطريق ‪ ،‬فأو ُل ر ْكب يمر بكم فقولوا ‪ :‬هذا أبو َذر صاحب‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأعينونا على دفنه‪ .‬فلما مات فعال ذلك به ‪ .‬ثم وضعاه‬
‫عبد اللّه بن مسعود في رهط من أهل العراق ُع َّمار‪ ،‬فلم َي ُر ْعهم‬ ‫ِ‬
‫قارعة الطريق ؛ وأقبل ُ‬ ‫على‬
‫إال بالجنازة على ظهر الطريق ‪ ،‬قد كادت اإلبل تطؤها‪ ،‬وقام إليهم الغالم ‪ .‬فقال ‪ :‬هذا أبو َذر‬
‫صاحب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأعينونا على دفنه ‪ .‬قال ‪ :‬فاستهل عبد اللّه بن‬
‫ُ‬
‫وحدك ‪ ،‬وتموت‬
‫مسعود يبكي ويقول ‪ :‬صدق رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬تمشي َ‬
‫وحدك ‪ .‬ثم نزل هو أصحابه فواروه ‪ ،‬ثم حدثهم عبد اللّه بن مسعود حديثَه ‪،‬‬
‫وحدك ‪ ،‬وتُبعث َ‬‫َ‬
‫وما قال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في مسيره إلى تبوك ‪.‬‬
‫تخويف المنافقين المسلمين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬قد كان رهط من المنافقين ‪ ،‬منهم َو ِديعة‬
‫بن ثابت ‪ ،‬أخو بني َع ْمرو بن عوف ‪ ،‬ومنهم رجل من أ ْشجع ‪ ،‬حليف لبني َسلَمة‪ ،‬يقال له ‪:‬‬
‫ُم َخ ِّشن بن ُحميِّر قال ابن هشام ‪ :‬ويقال َم ْخ ِش ٌّي يشيرون إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬
‫كقتال‬ ‫وهو منطلق إلى تبوك ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬أتحسبون جالد بني األصغر‬
‫(‪ )1‬الربذة ‪ :‬معناها خرقة الصائغ يجلو بها الحلي وبها سميت الربذة‪ ،‬وهى قرية كانت‬
‫عامرة في صدر اإلسالم وبها قبر أبي َذز ِ‬
‫الغفَاري وجماعة من الصحابة‪.‬‬
‫ويقول صاحب المصباح المنير وهى في وقتنا دارسة ال يعرف بها رسم وهى من المدينة‬
‫في جهة الشرق على طريق حاج العراق نحو ثالثة أيام ‪.‬‬
‫‪207‬‬

‫مقرنين (‪ )1‬في الحبال ‪ ،‬إرجافاً وترهيبا للمؤمنين‬


‫بعضهم بعضا ؟! واللّه لكأنا بكم غدا َّ‬
‫‪ ،‬فقال ُم َخ ِّش ُن بن ُح َميِّر‪ .‬واللّه لوددت إني أ َ‬
‫َقاضى على أن ُيضرب كل رجل منا مائة جلدة‪،‬‬
‫وإ نا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم‬
‫هذه ‪.‬‬
‫لع َّمار بن ياسر ‪ :‬أدرك القوم ‪،‬‬
‫وقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ .-‬فيما بلغني ‪َ -‬‬
‫‪ -‬فإنهم قد احترقوا‪ ،‬فسلهم عما قالوا‪ ،‬فإن أنكروا فقل ‪ :‬بلى‪ ،‬قلتم كذا وكذا‪ .‬فانطلق إليهم‬
‫عمار‪ ،‬فقال ذلك لهم ‪ .‬فأتوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يعتذرون إليه ‪ ،‬فقال وديعة بن‬
‫بحقَبها(‪:)2‬‬ ‫ثابت ‪ ،‬ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم واقف على ناقته ‪ ،‬فجعل يقول وهو اخذ َ‬
‫ونلعب ؛ فأنزل اللّه عز وجل ‪َ { :‬ولَئِ ْن َسأَْلتَهُ ْم لََيقُولُ َّن ِإَّن َما ُكَّنا‬ ‫ُ‬ ‫يا رسول اللّه ‪ ،‬إنما كنا نخوض‬
‫وض َوَنْل َعب }‪[.‬التوبة‪ .]65 :‬وقال ُم َخ ِّشن بن ُح َميِّر‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬قعد بي اسمي واسم‬ ‫َن ُخ ُ‬
‫فتسمى عبد ‪ .‬الرحمن ‪ ،‬وسأل اللّه‬ ‫أبي ؛ وكأن الذي عفى عنه في هذه اآلية ُم َخ ِّشن بن ُح َميِّر‪ّ ،‬‬
‫تعالى أن يقتله شهيداً ال ُيعلم بمكانه ‪ ،‬فقُتل يوم اليمامة‪ ،‬فلم ُيوجد له أثر‪.‬‬
‫الصلح مع صاحب ْأيلة ‪ :‬ولما انتهى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إلى تَُبوك ‪ ،‬أتاه‬
‫ُي َحَّنة بن ُرؤبة‪ ،‬صاحب ْأيلة‪ ،‬فصالح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأعطاه الجزية‪ ،‬وأتاه‬
‫أهل َجرباء وأ ْذ ُرح ‪ ،‬فأعطوه الجزية‪ ،‬فكتب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لهم كتابا‪ ،‬فهو‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫كتابه لصاحب أيلة ‪ :‬فكتب ُلي َحنة بن رؤبة‪:‬‬

‫الشخص للسائل إذا جمع له بعيرين في قران وهو الحبل ‪ ،‬والقََرن‬


‫ُ‬ ‫(ا) قرن ‪ :‬يقال قََر َن‬
‫بفتحتين لغة فيه قال الثعالبي ال يقال للحبل قرن حتى ُي َقرن فيه بعيران ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحقب ‪ :‬حزام يشد به على حقو الجمل ‪.‬‬
‫‪208‬‬

‫أمَنةٌ من اللّه ومحمد الني رسول اللّه ُلي َحَّنةَ ِ‬


‫بن ُرؤبة‬ ‫‪ .‬بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ .‬هذه َ‬
‫وأهل ْأيلة‪ ،‬سفنهم وسيَّارتهم في البر والبحر‪ ،‬لهم ذمةُ‬
‫اللّه ‪ ،‬وذمة محمد الني‪ ،‬ومن كان معهم من أهل الشام ‪ ،‬وأهل اليمن ‪،‬‬
‫دون نفسه ‪ ،‬وإ نه‬
‫وأهل البحر‪ ،‬فمن أحدث منهم حدثاً‪ ،‬فإنه ال يحول ماله َ‬
‫طيب لمن أخذه من الناس ‪ ،‬وإ نه ال يحل أن ُيمنعوا ماء َي ِردونه ‪ ،‬وال طريقا ُيريدونه ‪،‬‬
‫من َبر أو بحر‪.‬‬
‫خالد يأسر أكيدر دومة ‪ :‬ثم إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم دعا خالد بن الوليد‪،‬‬
‫فبعثه إلى أ َك ْيدر َد ْومة(‪ ،)1‬وهو أكيدر بن عبد الملك ‪ ،‬رجل من ِك ْندة كان َمِلكاً عليها‪ ،‬وكان‬
‫نصرانيا‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لخالد ‪ :‬إنك ستجده يصيد البقر‪ .‬فخرج خالد‪،‬‬
‫ليلة مقمرة صائفة‪ ،‬وهو على سطح له ‪ ،‬ومعه‬ ‫حتى إذا كان من حصنِه بمنظر العين ‪ ،‬وفى ٍ‬

‫امرأته ‪ ،‬فباتت البقر تحك بقرونِها باب القصر‪ ،‬فقالت له امرأته ‪ :‬هل رأيت َ‬
‫مثل هذا قطّ ؟‬
‫قال ‪ :‬ال واللّه ! قالت ‪ :‬فمن يترك هذه ؟ قال ‪ :‬ال أحد‪ .‬فنزل فأمر بفرسه ‪ ،‬فأسرج له ‪،‬‬
‫وركب معه نفر من أهل بيته ‪ ،‬فيهم أخ يقال له‬

‫(ا) دومة ‪ :‬بضم الدال هى هذه ‪ ،‬وعرفت بدومى بن إسماعيل فيما ذكروا‪ ،‬وهى دومة‬
‫الجندل ‪ ،‬ودومة بالضم أخرى‪ .‬وهى عند الحيرة‪ ،‬ويقال لما حولها النجف ‪ ،‬وأما دومة‬
‫بالفتح فأخرى مذكورة في أخبار الردة ‪.‬‬
‫وذكر أنه كتب ألكيدر دومة كتاباً فيه عهد وأمان ة قال ابو عبيدة ‪ :‬أنا قرأته ‪ .‬أتانى به‬
‫شيخ هنالك في قضيم ‪ ،‬والقضيم الصحيفة‪ ،‬وإ ذا فيه ‪ " :‬بسم اهللّ الرحمن الرحيم من‬
‫محمد رسول اللّه ألكيدر حين أجاب اإلسالم ‪ ،‬وخلع األنداد واألصنام مع خالد بن‬
‫الرليد‬
‫سيف اللّه في دومة الجندل وأكفانها‪ .‬إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعافر‪،‬‬
‫وأغفال‬
‫األرض والحلقة والسالح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من‬
‫المعمور‬
‫ال تعمل سارحتكم ‪ ،‬وال تعد فاردتكم وال يحظر عليكم النبات ‪ ،‬تقيمون الصالة لوقتها‬
‫وتؤتون الزكاة بحقها‪ ،‬عليكم بذلك عهد اهلل والميثاق ‪ ،‬ولكم بذلك الصدق والوفاء‪ .‬شهد‬
‫اهلل ومن حضر من المسلمين ‪ ( .‬عن الروض األنف بتحقيقنا ج ‪ ،4‬ص ‪.) 196‬‬
‫‪209‬‬

‫حسان ‪ .‬فركب ‪ ،‬وخرجوا معه بمطاردهم ‪ .‬فلما خرجوا تلقتهم خي ُل رسول‬


‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬وقتلوا أخاه ؛ وقد كان عليه قَباء من ديباج ُم َخ َّوص‬
‫قبل قدومه به عليه ‪.‬‬
‫؟ بالذهب ‪ ،‬فاستَلبه خالد‪ ،‬فبعث به إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫من نعيم الجنة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن قَتادة‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت قباء أكيدر‪.‬حين قدم به على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فجعل‬
‫المسلمون يلمسونه بأيديهم ‪ ،‬ويتعجبون منه ‪ ،‬فقال فئ رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده لمنادي ُل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا(‪.)1‬‬
‫ابن إسحاق ‪ :‬ثم إن خالداً قدم بأ َك ْيدر على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فحقن‬
‫قال ُ‬
‫له دمه ‪ ،‬وصالحه على الجزية‪ ،‬ثم خلَّى سبيله ‪ ،‬فرجع إلى قريته ‪ ،‬فقال رجل من ِّ‬
‫طيىء ‪:‬‬ ‫َ‬
‫يقال له ُب َج ْير بن ُب َج َرة‪ ،‬يذكر قول رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لخالد ‪ :‬إنك ستجده يصيد‬
‫البقر‪ ،‬وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته ‪ ،‬لتصديق قول رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫كل ِ‬
‫هاد‬ ‫رأيت اللّه يهدي َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البقرات إني‬ ‫سائق‬
‫ُ‬ ‫تبارك‬ ‫‪#‬‬
‫ِ‬
‫بالجهاد‬ ‫فمن يك حائداً عن ذي تَب ٍ‬
‫وك فإنا قد أمرنا‬ ‫‪#‬‬
‫ُ‬
‫فأقام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة‪ ،‬لم ُيجاوزها‪ ،‬ثم انصرف‬
‫قافال إلى المدينة‪ .‬وادي الم َشقَّق وماؤه ‪ :‬وكان في الطريق ماء يخرج من َو ً‬
‫شل (‪،)2‬‬
‫الم َشقَّ ِ‬
‫ق ؛ فقال رسول اللّه‬ ‫ٍ‬
‫ما يروي الراكب والراكبين والثالثة‪ ،‬بواد يقال له وادي ُ‬
‫يستقي َّن منه شيئاً حتى‬
‫َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من سبقنا إلى ذلك الوادي فال‬
‫(ا) وهذا في المناديل وهى مما تمتهن ‪ .‬فما بالك برفيع الثياب ؟‍‍‪.‬‬
‫(‪ )2‬الوشل ‪ :‬الماء القليل يسيل من صخر أو جبل ‪.‬‬
‫‪210‬‬

‫نأتيه ‪ .‬قال ‪ :‬فسبقه إليه نفر من المنافقين ‪ ،‬فاستقوا ما فيه ؛ فلما أتاه رسول اللّه صلى‬
‫َ‬
‫اهلل عليه وسلم وقف عليه ‪ ،‬فلم َير فيه شيئا‪ .‬فقال ‪ :‬من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل له يا رسول‬
‫اللّه ‪ ،‬فالن وفالن (ا) ؛ فقال ‪ :‬أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ! ثم لعنهم رسول اللّه‬
‫الو َشل ‪ ،‬فجعل يصب في يده ما‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ودعا عليهم ‪ .‬ثم نزل فوضع يده تحت َ‬
‫صب ‪ ،‬ثم نضحه (‪ )2‬به ‪ ،‬ومسحه بيده ‪ ،‬ودعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫شاء اللّه أن َي ُ‬
‫بما شاء اللّه أن يدعو به ‪ ،‬فانخرق من الماء‪ -‬كما يقول من سمعه ‪ -‬ما إن له ِحسًّا ِ‬
‫كح ِّس‬
‫الناس ‪ ،‬واستقوا حاجتهم منه ‪ .‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫الصواعق ‪ ،‬فشرب ُ‬
‫لتسمع َّن بهذا الوادي ‪ ،‬وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لئن بقيتم أو من بقي منكم‬
‫ذو البجادين ودفنه وتسميته ‪ :‬قال ‪ :‬وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي ‪ ،‬أن‬
‫عبد اللّه بن مسعود كان ُيحدث ‪ ،‬قال ‪ :‬قمت من جوف الليل ‪ ،‬وأنا مع رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم في غزوة تَبوك ‪ ،‬قال ‪ :‬فرأيت ُشعلةً من نار في ناحية العسكر‪ ،‬قال ‪ :‬فاتبعتها‬
‫أنظر إليها‪ ،‬فإذا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وأبو بكر وعمر‪ ،‬وإ ذا عبد اللّه ذو البجادين المزني قد مات ‪ ،‬وإ ذا هم قد حفروا له ‪،‬‬
‫ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في حفرته ‪ ،‬وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫فارض‬
‫َ‬ ‫إلى أخاكما‪ ،‬فدلَّياه إليه ‪ ،‬فلما هيأه ِلشقِّه قال ‪ :‬اللهم إني أمسيت راضياً عنه ‪،‬‬
‫أدنيا َّ‬
‫صاحب الحفرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫عنه‪ .‬قال ‪ :‬يقول عبد اللّه بن مسعود ‪ :‬يا ليتني ُ‬

‫سمى ذا ال ِبجادين ‪ ،‬ألنه كان ينازع إلى‬


‫قال ابن هشام ‪ :‬وإ نما ُ‬

‫(ا) قال السهيلي ‪ :‬ذكر لي الواقدي قال ‪ :‬سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن‬
‫قشير‪ ،‬والحارث بن يزيد الطائى‪ ،‬ووديعة بن ثابت ‪ ،‬وزيد بن لصيت ‪.‬‬
‫ش‪.‬‬ ‫الب ُّل بالماء َّ‬
‫والر ُّ‬ ‫(‪ )2‬النضح ‪ :‬هو َ‬
‫‪211‬‬

‫ويضيقون عليه ‪ ،‬حتى تركوه في بجاد ليس عليه‬


‫اإلسالم ‪ ،‬فيمنعه قومه من ذلك ‪ُ ،‬‬
‫غيره ‪ ،‬والبِجاد ‪ :‬الكساء الغليظ الجافي ‪ ،‬فهرب منهم إلى رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فلما كان قريبا منه ‪ ،‬شق بجاده باثنين ‪ ،‬فاتَّزر بواحد‪ ،‬و‬
‫اشتمل باآلخر‪ ،‬ثم أتى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ذو البِجادين لذلك ‪ ،‬والبِجاد‬
‫‪،‬أيضاً ‪ِ :‬‬
‫الم ْسح ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قال امرؤ القَْيس ‪:‬‬
‫أناس في بِ ٍ‬
‫جاد ُم َز َّمل‬ ‫كبير ٍ‬
‫‪ #‬كأن أباناً في َعرانين َو ْدقة ُ‬ ‫‪#‬‬
‫حديث ابي ُر ْهم في تبوك ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وذكر ابن شهاب ‪ ،‬الزهري ‪ ،‬عن ابن‬
‫أ َك ْي َمة الليثي عن ابن أخي أبي ُر ْهم الغفاري ‪ ،‬أنه سمع‬
‫ص ْين ‪ ،‬وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الذين‬
‫الح َ‬
‫بن ُ‬‫لثوم َ‬
‫أبا ُر ْهم ُك َ‬
‫بايعوا تحت الشجرة‪ ،‬يقول ‪َ :‬غَز ْوت مع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم غزوة تَُبوك ‪.،‬‬
‫فسرت ذات ٍ‬
‫ليلة معه ونحن باألخضر قريباً من رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وألقى اللّه‬
‫ط ِف ْق ُ‬
‫ت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫علينا النعاس ف َ‬
‫وز(‪ )1‬راحلتي عنه ‪،‬‬ ‫الغ ْر ِز‪ ،‬فطفقت و ُ‬
‫أح ُ‬ ‫دنوها منه ‪ ،‬مخافة أن أصيب رجلَه في َ‬
‫فيفزعني ُّ‬
‫فزاحمت راحلتى راحلة‬
‫ْ‬ ‫حتى غلبتني عيني في بعض الطريق ‪ ،‬ونحن في بعض الليل ‪،‬‬
‫الغ ْرز‪ ،‬فما استيقظت إال بقوله ‪َ :‬ح ْس (‪ ،)2‬فقلت‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ورجله في َ‬
‫استغفر لي ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪ :‬يا رسول اللّه ‪،‬‬
‫(ا) أحوز ‪ :‬أبعد‪.‬‬
‫(‪ )2‬حس ‪ :‬كلمة تقولها العرب عند وجود األلم ‪ ،‬وفي الحديث أن طلحة لما أصيبت يده‬
‫يوم‬
‫أحد‪ ،‬قال ‪ :‬حس ‪ ،‬فقال الني – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لو أنه قال ‪ :‬بسم اللة‪ ،‬يعني‬
‫مكان حس ‪ ،‬لدخل الجنة والناس ينظرون ‪ ،‬أو كالماً هذا معناه ‪ ،‬وليست حس باسم وال بفعل‬
‫فإنها ال موضع لها من اإلعراب ‪ ،‬وليست بمنزلة صه ‪ ،‬ومه ‪ ،‬ورويد‪ ،‬ألن تلك أسماء سمي‬
‫الفعل بها‪ ،‬وإ نما حس صوت كاألنين الذي يخرجه المتألم نحو آه ‪ .‬ونحو قول الغراب غاق ‪.‬‬
‫وقد يقال‬
‫لها اسم صوت ‪.‬‬
‫‪212‬‬

‫فقال ‪ِ :‬س ْر‪ ،‬فجعل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يسألنى عمن تخلف من بني غفار‪،‬‬
‫الحمر الطوا ُل الثطاط (‪ )1‬فحدثته بتخلفهم ‪ .‬قال‬
‫فأخبره به ؛ فقال وهو يسألني ‪ :‬ما فعل النفر ُ‬
‫‪ :‬فما فعل النفر السُّود الجعاد القصار ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬واللّه ما أعرف هؤالء منا‪ .‬قال ‪ :‬بلى‪،‬‬
‫الذين لهم َن َع ٌم ب َشَبكة َش َدخ (‪ )2‬؛ فتذكرتهم في بني ِغفار‪ ،‬ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم َر ْهط‬
‫أسلَم كانوا حلفاء فينا‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬أولئك رهط من أسلم ‪ ،‬حلفاء فينا ؛ فقال‬‫من ْ‬
‫يحمل على بعير من إبله‬
‫َ‬ ‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ما منع أحد أولئك حين تخلف أن‬
‫على أن يتخلف عنى المهاجرون من قريش‬ ‫امرءاً نشيطاً في سبيل اللّه ؟ إن َّ‬
‫أعز أهلي َّ‬
‫واألنصار وغفار وأسلم ‪.‬‬

‫أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم أقبل رسول اهللّ‬
‫وبين المدينة ساعة من نهار‪ ،‬وكان أصحاب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بلد بينه َ‬
‫مسجد الضرار قد كانوا أتَ ْوه وهو يتجهز إلى تبوك ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إنا قد بنينا‬
‫فتصلى لنا فيه‬ ‫تأتينا‪،‬‬ ‫ِ َّ‬
‫َ‬ ‫مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية‪ ،‬وإ نا ُنحب أن َ‬
‫؛ فقال ‪ :‬إني على جناح َسفر‪ ،‬وحال ُش ْغل ‪ ،‬أو كما قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ولو قد قدمنا‬
‫إن شاء اللّه ألتيناكم ‪ ،‬فصلينا لكم فيه ‪.‬‬
‫مالك ابن‬
‫فلما نزل بذي أوان ‪ ،‬أتاه خبر المسجد‪ ،‬فدعا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫وم ْعن بن َعدي ‪ ،‬أو أخاه عاصم ابن عدي ‪ ،‬أخا بني‬ ‫ُّ‬
‫الد ْخ َشم ‪ ،‬أخا بني سالم بن عوف ‪َ ،‬‬
‫الع ْجالن فقال ‪ :‬انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهلُه ‪،‬‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬الثطاط ‪ :‬مفرد ‪ :‬ثط ‪ .‬صغير نبات شعر اللحية‪ ،‬وقيل الذي ال لحية له ‪ .‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫* كهامة الشيخ الثماني الثط *‬ ‫‪#‬‬
‫(‪ )2‬شبكة شدخ ‪ :‬موضع من بالد غفار‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫وحرقاه ‪ ،‬فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ‪ ،‬وهم رهط ‪ .‬مالك بن‬
‫فأهدماه ِّ‬
‫ُّ‬
‫الد ْخشم ‪ ،‬فقال مالك لمعن ‪ :‬أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي ‪ .‬فدخل إلى أهله ‪ ،‬فأخذ‬
‫سعفا من النخل ‪ ،‬فأشعل فيه نارا‪ ،‬ثم خرجا يشتدان حتى دخاله وفيه أهله ‪ ،‬فحرقاه وهدماه ‪،‬‬
‫وتفرقوا عنه ‪ ،‬ونزل فيهم من القرآن ما نزل ‪ { :‬والَِّذين اتَّ َخ ُذوا مس ِج ًدا ِ‬
‫ض َر ًارا َو ُك ْف ًرا َوتَ ْف ِريقًا‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ين }‪[.‬التوبة‪ .]107 :‬إلى آخر القصة‪.‬‬‫َب ْي َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫وكان الذين بنوه اثني عشر رجال ‪ِ :‬خزام بن خالد‪ ،‬من بني عبيد بن زيد‪ ،‬أحد بني‬
‫َع ْمرو بن عوف ‪ ،‬ومن داره أخرج مسجد الشقاق ‪ ،‬وثعلبة ابن حاطب ‪ ،‬من بني أمية بن‬
‫زيد‪ ،‬ومعتِّب بن قُ َشير‪ ،‬من بني ضبيعة بن زيد‪ ،‬وأبو حبيبة بن األزعر‪ ،‬من بني ضبيعة بن‬
‫وعبَّاد بن ُحَنيف ‪ ،‬أخو سهل بن ُحَنيف ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬وجارية بن عامر(‬
‫زيد‪َ ،‬‬
‫ضَبيعة‪،‬‬
‫ون ْبتل بن الحارث ‪ ،‬من بني ُ‬
‫‪ ،)1‬وابناه ُم َج ِّمع بن جارية(‪ ،)2‬وزيد بن جارية‪َ ،‬‬
‫ضبيعة‪ ،‬وبجاد بن عثمان ‪ ،‬من بني ضبيعة‪ ،‬ووديعة بن ثابت ‪ ،‬وهو من‬
‫وبحزج ‪ ،‬من بني ُ‬
‫بني أمية بن زيد‪ ،‬رهط أبي لبابة بن عبد المنذر‬
‫مساجد الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وكانت مساجد رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة ‪ :‬مسجد بتبوك ‪ ،‬ومسجد بثنية مدران ‪،‬‬
‫(ا) وكان يعرف بحمار الدار‪ ،‬وهو جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وكان إذ ذاك غالماً حدثاً قد جمع القران فقدموه إماماً لهم ‪ ،‬وهو ال يعلم بشيء من‬
‫شأنهم ‪ ،‬وقد ذكر أن عمر بن الخطاب في أيامه أراد عزله عن ِ‬
‫اإلمامة‪ ،‬وقال أليس‬
‫بإمام‬
‫مسجد الضرار‪ ،‬فأقسم لهم مجمع أنه ما علم شيئاً من أمرهم ‪ ،‬وما ظن إال الخير‪،‬‬
‫فصدقه‬
‫عمر‪ ،‬وأقره ‪ .‬وكانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كلهم يصلون بأذان بالل ‪ ،‬كذلك قال بكير بن عبداهلل األشج ‪ ،‬فيما روى عنه أبو داود‬
‫في مراسليه ‪،‬‬
‫والدارقطنى في سننه ‪ ،‬فمنها مسجد راتج ‪ ،‬ومسجد بني عبد األشهل ‪ ،‬ومسجد بني‬
‫عمرو‬
‫ابن مبذول ‪ ،‬ومسجد جهينة‪ ،‬وأسلم ‪ ،‬وأحسبه قال ‪ :‬ومسجد بني سلمة‪ ،‬وسائرها‬
‫مذكور‬
‫في السنن ‪.‬‬
‫‪214‬‬

‫طمي ‪ ،‬ومسجد بأالء‪،‬‬ ‫الزراب ‪ ،‬ومسجد باألخضر‪ ،‬ومسجد بذات ِ‬


‫الخ ْ‬ ‫ومسجد بذات ّ‬
‫بالشق ‪ ،‬شق تارا‪ ،‬ومسجد بذي ِ‬
‫الجيفة(‬ ‫ومسجد بطرف البتراء‪ ،‬من ذنب كواكب ‪ ،‬ومسجد ِّ‬
‫‪ ،)1‬ومسجد بصدر حوضى ومسجد ِ‬
‫بالح ْجر‪ ،‬ومسجد بالصَّعيد‪ ،‬ومسجد بالوادي اليوم ‪،‬‬ ‫َْ َ‬
‫المروة‪ ،‬ومسجد‬ ‫وادي القُرى‪ ،‬ومسجد بالرقُعة من ِّ ِ‬
‫الشقة‪ ،‬شقة بني ُعذرة‪ ،‬ومسجد بذي ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫بالفَْيفاء‪ ،‬ومسجد بذي ُخ ُشب ‪.‬‬
‫أمر الثالثة الذين ُخلِّفوا وأمر المع ّذرين في غزوة تبوك وقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم المدينة‪ ،‬وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين ‪ ،‬وتخلف أولئك الرهط الثالثة من‬
‫ومرارة بن الربيع ‪،‬وهالل بن أمية‪ ،‬فقال‬ ‫المسلمين من غير شك وال نفاق ‪ :‬كعب بن مالك ‪ُ ،‬‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه ‪ :‬ال تُ َكلِّ َّ‬
‫من أحداً من هؤالء الثالثة‪ ،‬وأتَاه من تخلف‬
‫عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ‪ ،‬فصفح عنهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كالم أولئك النفر الثالثة ‪.‬‬
‫‪ ،‬ولم يعذرهم اللّه وال رسوله ‪ ،‬واعتزل المسلمون َ‬
‫حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فذكر ُّ‬
‫الزهري محمد بن‬
‫مسلم بن شهاب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن (‪ )2‬مالك ‪ :‬أن أباه عبد اللّه ‪،‬‬
‫وكان قائد أبيه حين‬
‫(‪ )1‬وقع في كتاب أي بحر بالخاء معجمة‪ ،‬ووقع الجيفة بالجيم في كتاب قرئ‬
‫على ابن أي سراج ‪ ،‬وابن ِ‬
‫اإلفليلى وأحمد بن خالد‪ ( .‬عن الروض األنف )‪.‬‬
‫(‪ )2‬كعب بن مالك بن أي كعب ‪ ،‬واسم أبن كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن‬
‫غنم ابن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن سارة بن يزيد بن ج ّشمم بن الخزرج‬
‫األنصاري السلمي ‪،‬يِكنى ‪ :‬أبا عبد اللّه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أبا عبد الرحمن ‪ ،‬أمه ‪ :‬ليلى بنت زين بن‬
‫ثعلبة من بني سلمة ‪.‬‬
‫‪215‬‬

‫كعب بن مالك ‪ ،‬يحدث حديثَه حين تخلف عن رسول‬


‫أصيب بصره ‪ ،‬قال سمعت أبي ‪َ ،‬‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬وحديث صاحبيه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ما تخلفت عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في غزوة غزاها قط ‪ ،‬غير إني كنت قد‬
‫تخلفت عنه في غزوة بدر‪ ،‬وكانت غزوة لم ُيعاتب اللّه وال رسولُه أحداً تخلف عنها‪ ،‬وذلك أن‬
‫عير قريش ‪ ،‬حتى ‪ ،‬جمع اللّه بينه وبين‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إنما خرج يريد َ‬
‫عدوه على غير ميعاد‪.‬‬
‫ولقد َش ِهدت مع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم العقبةَ‪ ،‬وحين تواثقنا على ِ‬
‫اإلسالم ‪،‬‬
‫مشهد بدر‪ ،‬وإ ن كانت غزوةٌ بدر هي أذكر في‬
‫َ‬ ‫وما ُّ‬
‫أحب أن لي بها‬
‫تخلفت عن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ُ‬ ‫الناس منها‪ .‬قال ‪ :‬كان من خبري حين‬
‫أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة‪ ،‬وواهلل‬‫في غزوة تَُبوك أني لم أكن قطّ أقوى وال َ‬
‫ما اجتمعت لي راحلتان قَطُّ حتى اجتمعتا في تلك الغزوة‪،‬وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫بغيرها‪ ،‬حتى كانت تلك الغزوة‪ ،‬فغزاها رسول اللّه‬ ‫وسلم َقلَّما يريد غزوة يغزوها إال َو َّرى ِ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم في َحٍّر شديد‪ ،‬واستقبل سفراً بعيداً‪ ،‬واستقبل غزو عدو كثير‪ ،‬فجلَّى‬
‫ليتأهبوا لذلك أهبتَه وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد‪ ،‬والمسلمون من تبع‬‫للناس أمرهم َّ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كثير‪ ،‬ال يجمعهم كتاب حافظ ‪ -‬يعنى بذلك الديوان ‪ -‬يقول‬
‫ال يجمعهم ديوان مكتّوب ‪.‬‬
‫قال كعب َّ‬
‫فقل رجل يريد أن يتغيب إال ظن أنه سيخفى له ذلك ‪ ،‬ما‬
‫لم ينزل فيه وحي من اللّه ‪ ،‬وغزا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم تلك الغزوة حين‬
‫ص ْعر‬ ‫ِ‬
‫طابت الثمار واحبَّت الظال ُل ‪ ،‬فالناس إليها ُ‬
‫وجعلت أغدو ألتجهز‬
‫ُ‬ ‫فتجهز رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وتجهز المسلمون معه ‪،‬‬
‫معهم ‪ ،‬فأرجع ولم ِ‬
‫أقض‬
‫صعر ‪ :‬مفرده أصعر وهو المائل ‪.‬‬
‫(ا) ُ‬
‫‪216‬‬

‫حاجةً‪ ،‬فأقول في نفسي ‪ :‬أنا قادر على ذلك إذا أردت ‪ ،‬فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى‬
‫الناس بالجد‪ ،‬فأصبح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم غاديا‪ ،‬والمسلمون معه ‪ ،‬ولم‬
‫َش َّم َر ُ‬
‫أقض من جهازي شيئاً‪ ،‬فقلت ‪ :‬أتجهز بعده بيوم أو يومين ‪ ،‬ثم ألحق بهم ‪ ،‬فغدوت بعد أن‬
‫فصلوا ألتجهز‪ ،‬فرجعت ولم ِ‬
‫أقض شيئاً‪ ،‬ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً‪ ،‬فلم يزل ذلك‬
‫فعلت ‪،‬‬
‫وتفرط (‪ )1‬الغزو‪ ،‬فهممت أن أرتحل ‪ ،‬فأدركهم وليتني ُ‬
‫يتمادى بى حتى‪ .‬أسرعوا‪َّ ،‬‬
‫فلم أفعل ‪ ،‬وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فطفت‬
‫فيهم ‪ ،‬فيحزنني إني ال أرى إال رجال َم ْغموصا(‪ )2‬عليه في النفاق ‪ ،‬أو رجال ممن عذر اللّه‬
‫من الضعفاء‪.‬‬
‫ولم يذكرني رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حتى بلغ تبوك ‪ ،‬فقال وهو جالس في القوم‬
‫كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني َسِلمة ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬حبسه ُبرداه ‪،‬‬
‫بتبوك ‪ :‬ما فعل ُ‬
‫قلت ؟ واللّه يا رسول اللّه ما علمنا منه‬ ‫والنظر في ِع ْ‬
‫طفَيه ‪ ،‬فقال له معاذ بن جبل ‪ :‬بئس ما َ‬
‫إال خيراً ؛ فسكت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فلما بلغني أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد توجَّه قافال من تبوك ‪ ،‬حضرني َبثِّى(‪)3‬‬
‫طه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم غداً‬‫فجعلت أتذكر ال َكذب وأقول ‪ :‬بماذا أخرج من س ْخ ِ‬
‫َ‬
‫كل ذي رأي من أهلى‪ ،‬فلما قيل إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد‬ ‫وأستعين على ذلك َّ‬
‫أظل (‪ )4‬قادماً زاح (ْ ) عني الباطل ‪ ،‬وعرفت إني ال أنجو منه إال بالصدق ‪ ،‬فأجمعت أن‬ ‫َّ‬
‫أصدقه ‪.‬‬
‫(ا) تفرط ‪ :‬فات ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬مغموصا ‪ :‬مطعونا ‪.‬‬
‫(‪ )3‬بثي ‪ :‬حزني ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أظل ‪ :‬أشرف ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زاح ‪ :‬باعد أو نحى ‪ :‬يقال زاح وانزاح ‪ :‬إذا ذهب ‪ ،‬والمصدر زيوحا وزيحانا‪.‬‬
‫‪217‬‬

‫وصبَّح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم المدينةَ‪ ،‬وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد‪. ،‬‬
‫فركع فيه ركعتين ‪ ،‬ثم جلس للناس ‪ ،‬فلما فعل ذلك ‪ ،‬جاءه المخلَفون ‪ ،‬في فجعلوا يحلفون له‬
‫ويعتذرون ‪ ،‬وكانوا بضعة وثمانين رجال‪ ،‬فيقبل منهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫سرائرهم إلى اللّه تعالى ‪.‬‬
‫َ‬ ‫وي ِك ُل‬
‫يمانهم ‪ ،‬ويستغفر لهم ‪َ ،‬‬
‫عالنيتَهم وإ َ‬
‫المغضب ‪ ،‬ثم قال لي ‪ :‬تعالَ ْه ‪ -‬فجئت أمشى‪،‬‬
‫َ‬ ‫حتى جئت فسلمت عليه ‪ ،‬فتبسم تبسم‬
‫ظهرك ؟ قال ‪:‬قلت ‪ :‬إني يا‬
‫ت َ‬ ‫ابتع َ‬
‫حتى جلست بين يديه ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬ما خلفك ؟ألم تكن ْ‬
‫أهل الدنيا‪ ،‬لرأيت إني سأخرج من سخطه بعذر‪،‬‬ ‫غيرك من ِ‬ ‫عند ِ‬
‫رسول اهللّ‪ ،‬واللّه لو جلست َ‬
‫َّ‬
‫لترضين عنى‪،‬‬ ‫علمت لَئن حدثتك اليوم حديثاً كذبا‬
‫ُ‬ ‫ولقد أعطيت جدال‪ ،‬لكن واهللّ لقد‬
‫علي ‪ ،‬ولئن حدثتك حديثا صدقاً تَ ِج ُد َّ‬
‫علي فيه ‪ ،‬إني ألرجو ُع ْقباي‬ ‫وليوشكن اللّه أن يسخطك ّ‬ ‫ُ‬
‫تخلفت‬
‫ُ‬ ‫من اللّه فيه ‪ ،‬وال واللّه ما كان لي عذر‪ ،‬واللّه ما كنت قطُّ أقوى وال أيسر مني حين‬
‫يقضي اهلل‬ ‫عنك ‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أما هذا فقد صدقت فيه ‪ ،‬فقُم حتى‬
‫َ‬
‫فيك فقمت ‪ ،‬وثار معي رجال من بني َسِلمة‪ ،‬فاتبعوني فقالوا لي ‪ :‬واللّه ما علمناك كنت‬
‫اعتذرت إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫أذنبت ذنباً قبل هذا‪ ،‬ولقد عجزت أن ال تكون‬
‫استغفار رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لك‬ ‫ذنبك‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫بما اعتذر به إليه المخلفون ‪ ،‬قد كان كافيك َ‬
‫فواللّه ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ِّ‬
‫فأكذب نفسي ‪،‬‬
‫أحد غيري ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬رجالن قاال مثل مقالتك ‪ ،‬وقيل لهما مثل‬
‫ثم قلت لهم ‪ :‬هل لقي هذا ٌ‬
‫الع ْمري (‪ ،)1‬من بني َع ْمرو‬
‫ما قيل لك ‪ ،‬قلت ‪ :‬من هما ؟ قالوا ‪ُ :‬مرارة بن الربيع َ‬
‫(ا) هو ‪ :‬مرارة بن ربيعة‪ ،‬ويقال ابن الربيع العمري األنصاري من بني عمر بن عوف‬
‫‪.‬‬
‫‪218‬‬

‫ابن عوف ‪ ،‬وهالل بن أبي أمية الواقفي(‪ ،)1‬فذكروا لي رجلين صالحين ‪،‬فيهما أسوة‪،‬‬
‫فص َم ُّ‬
‫ت حين ذكروهما لي ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ونهى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عن كالمنا أيها الثالثةُ‪ ،‬من بين من تخلف عنه‬
‫كنت‬
‫‪،‬فاجتنبنا الناس ‪ ،‬وتغيروا لنا‪ ،‬حتى تنكرت لي نفسي واألرض ‪ ،‬فما هي باألرض التي ُ‬
‫أعرف ‪ ،‬فلبثنا على ذلك خمسين ليلة‪ ،‬فأما صاحباي فاستكانا‪ ،‬وقعدا في بيوتهما‪ ،‬وأما أنا‬
‫فكنت َّ‬
‫أشب القوم وأجلدهم ‪ ،‬فكنت أخرج ‪ ،‬وأشهد الصلوات مع المسلمين ‪ ،‬وأطوف‬
‫باألسواق ‪ ،‬وال يكلمني أحد‪ ،‬واتى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأسلم عليه وهو في‬
‫حرك شفتيه ِّ‬
‫برد السالم على أم ال ؟ ثم أصلي قريباً‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬فأقول في نفسي‪ :‬هل َّ‬ ‫بعد‬
‫مجلسه َ‬
‫َّ‬
‫التفت نحوه أعرض عنى ‪.‬‬ ‫إلى‪ ،‬وإ ذا‬
‫منه ‪ ،‬فأسارقه النظر‪ ،‬فإذا أقبلت على صالتي نظر َّ‬
‫جدار حائط أي‬
‫ت (‪َ )2‬‬ ‫تسو ْر ُ‬
‫على من َج ْفوة المسلمين ‪ ،‬مشيت حتى َّ‬ ‫حتى إذا طال ذلك َّ‬
‫على السالم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫رد َّ‬ ‫وأحب الناس إلَّى‪ ،‬فسلمت عليه فواللّه ما َّ‬
‫ُّ‬ ‫قَتادة‪ ،‬وهو ابن عمى‪،‬‬
‫أبا قَتادة‪ ،‬أنشدك باللّه ‪ ،‬هل تعلم إني ُّ‬
‫أحب اللّه ورسولَه ؟ فسكت ‪ ،‬فعدت فناشدته ‪ ،‬فسكت‬
‫عنى‪ ،‬فعدت فناشدته فسكت عنى‪ ،‬فعدت فناشدته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللّه ورسولُه أعلم ‪،‬ففاضت عيناي‬
‫طى (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫فتسورت الحائط ‪ .‬ثم غدوت إلى السوق ‪ ،‬فبينا أنا أمشى بالسوق ‪ ،‬إذا َنَب ٌّ‬ ‫‪ ،‬ووثبت‬
‫يسأل عني من َنَب ِط الشام ممن قَِدم بالطعام يبيعه بالمدينة‪ ،‬يقول ‪ :‬من يدل على كعب بن مالك‬
‫؟ قال ‪ :‬فجعل الناس‬
‫(‪ )1‬الواقفي ‪ :‬نسبة إلى بني واقف ‪.‬‬
‫الحدة والسورة البطر‪ .‬والمساورة هى الواثبة‪ .‬وسور‬
‫(‪ )2‬قال الزبيدي ‪ :‬السورة ّ‬
‫المدينة البناء‪ ،‬المحيط بها‪ .‬وهو هنا بمعنى الصعود والوثب على الجدار‪.‬‬
‫(‪ )3‬النبطي ‪ :‬واحد النبط ‪ ،‬قوم كانوا يسكنون بين العراق واألردن عاصمتهم " البتراء‬
‫"‪.‬‬
‫‪219‬‬

‫إلي كتابا من ملك غسان ‪ ،‬وكتب كتابا في‬


‫إلي ‪ ،‬حتى جاءني ‪ ،‬فدفع َّ‬
‫يشيرون له َّ‬
‫َس َرقة(ا) من حرير‪ ،‬فإذا فيه ‪:‬‬
‫" أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ‪ ،‬ولم يجعلك اللّه بدار ‪.‬‬
‫ضيعة ‪ .‬فالحق بنا ِ‬
‫نواسك (‪." )2‬‬ ‫هوان وال َم ْ َ‬
‫قال ‪ :‬قلت حين قرأتها ‪ :‬وهذا من البالء أيضا‪ ،‬قد بلغ بي ما وقعت ‪ ،‬فيه أن طمع في‬
‫فسج ْرتُه (‪ )3‬بها ‪ . .‬فأقمنا على ذلك‬
‫َ‬ ‫رجل من أهل الشرك ‪ .‬قال ‪ :‬فعمدت بها إلى تَُّنور‪،‬‬
‫حتى إذا مضت أربعون ليلةً من الخمسين إذا رسو ُل ‪.‬‬
‫رسول اللّه يأتيني‪ ،‬فقال ‪ :‬إن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يأمرك أن‬‫ِ‬
‫تعتزل امرأتك ‪،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أطلقها أم ماذا ؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬بل اعتزلها وال تقربها‪،‬‬
‫صاحبي بمثل ذلك ‪ ،‬فقلت المرأتي ‪ :‬الحقي بأهلك ؛ فكوني عندهم‬
‫َّ‬ ‫وأرسل إلى‬
‫يقضى اللّه في هذا األمر ما هو قاض ‪.‬‬ ‫حتى‬
‫َ‬
‫قال ‪ :‬وجاءت امرأةُ ِ‬
‫هالل بن أمية رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فقالت‬
‫خادم له أفتكره أن أخدمه ؟‬
‫‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إن هالل بن أمية شيخ كبير ضائع ال َ‬
‫إلى‪ ،‬واللّه ما‬ ‫َّ‬
‫يقربنك ؛ قالت ‪ :‬واللّه يا رسول اللّه ما به من حركة َّ‬ ‫قال ‪ :‬ال‪ .‬ولكن ال‬
‫ت على بصره ‪.‬‬
‫تخو ْف ُ‬
‫زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا‪ ،‬ولقد َّ‬
‫استأذنت رسول اهلل المرأتِك ‪ ،‬فقد أذن‬
‫َ‬ ‫بعض أهلي ‪ :‬لو‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فقال لي ُ‬
‫ِ‬
‫المرأة هالل بن أمية أن ‪ .‬تخدمه ؛ قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬واللّه ال أستأذنه فيها ما ‪.‬‬
‫(‪)1‬السرقة ‪ :‬الشقة‬
‫(‪ )2‬نواسك ‪ :‬أي يكون فينا المواساة لك ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سجرته ‪:‬أحرقته بلهب النار‬
‫‪220‬‬

‫أدري ما يقول رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في ذلك إذا استأذنتُه فيها‪ ،‬وأنا رجل‬
‫شاب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ‪ ،‬فكمل لنا خمسون ليلة‪ ،‬من حين نهى رسول اللّه صلى‬
‫صبح خمسين ليلة‪، ،‬وعلى ظهر بيت‬
‫َ‬ ‫الصبح ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل عليه وسلم المسلمين عن كالمنا‪ ،‬ثم صليت‬
‫على‬
‫األرض بما َر ُحَبت ‪ ،‬وضاقت َّ‬
‫ُ‬ ‫من بيوتنا‪ ،‬على الحال التي ذكر اهلل منا‪،‬قد ضاقت علينا‬
‫صوت صارخ‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫نفسي ‪ ،‬وقد كنت ابتنيت َخ ْيمةً في ظهر َسْلع ‪ ،‬فكنت أكون فيها‪ .‬إذ‬
‫كعب بن مالك ‪ ،‬أبشر‪ ،‬قال ‪ :‬فخررت ساجدا‪،‬‬ ‫ْأوفى على ظهر َسْل ٍع يقول بأعلى صوته ‪ :‬يا َ‬
‫وعرفت أن قد جاء الفرج ‪.‬‬
‫بتوبة اللّ ِه‬
‫ِ‬ ‫الناس‬
‫َ‬ ‫توبة اللّه على المخلفين قال ‪ :‬وآذن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مبشرون ‪ ،‬وركض‬ ‫صاحبي ِّ‬
‫َّ‬ ‫الناس يبشروننا‪ ،‬وذهب نحو‬
‫علينا حين صلى الفجر‪ ،‬فذهب ُ‬
‫أسرع من‬
‫َ‬ ‫الصوت‬
‫ُ‬ ‫إلي فرساً‪ ،‬وسعى ساع من أسلم ‪ ،‬حتى أوفى على الجبل ‪ ،‬فكان‬
‫رج ٌل َّ‬
‫الفرس ‪.‬‬
‫سمعت صوتَه يبشرني ‪ ،‬نزعت ثَْوَب َّي ‪ ،‬فكسوتهما إياه بشارة‪ ،‬واللّه ما‬
‫ُ‬ ‫فلما جاءني الذي‬
‫أملك يومئذ غيرهما‪ ،‬واستعرت ثوبين فلبستهما‪ ،‬ثم انطلقت أتيمم رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫ك توبة اللّه عليك ‪ ،‬حتى دخلت‬ ‫الناس يبشرونني بالتوبة‪ ،‬يقولون ‪َ :‬لي ْهنِ َ‬
‫وسلم ‪ ،‬وتلقاني ُ‬
‫إلى طلحة بن ُعَب ْيد اللّه ‪،‬‬
‫المسجد‪ ،‬ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس حوله الناس ‪ ،‬فقام َّ‬
‫فحياني وهنأني (ا)‪ ،‬وواهلل ما قام‬
‫(ا) فيه ‪ :‬جواز السرور بالقيام إلى رجل كما سر كعب بقيام طلحة إليه ‪ ،‬وقد قال عليه‬
‫السالم في خبر سعد بن معاذ ‪ " :‬قوموا إلى سيدكم "‪ ،‬وقام هو صلى اهلل عليه وسلم إلى قوم‬
‫منهم ‪ :‬صفوا ابن أمية حين قدم عليه ‪ ،‬وإ لى عدي بن حاتم ‪ ،‬وإ لى زيد بن حارثة حين قدم‬
‫عليه من مكة وغيرهم ‪ ،‬وليس هذا بمعارض لحديث معاوية عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪ " :‬من سره أن ُيمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ‪ ،‬ويروى ‪ :‬ليستجم له‬
‫الرجال ‪ ،‬ألن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين ‪ ،‬وإ لى من يغضب ‪ ،‬أو يسخط أال يقام له ‪ ،‬وقد‬
‫قال بعض =‬
‫‪221‬‬

‫إلي رجل من المهاجرين غيره ‪ .‬قال ‪ :‬فكان كعب بن مالك ال ينساها لطلحة ‪.‬‬
‫َّ‬
‫يبرق من‬
‫ُ‬ ‫سلمت على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال لي‪ ،‬ووجهه‬
‫ُ‬ ‫قال كعب ‪ :‬فلما‬
‫السرور‪ :‬أبشر بخير يوم َم َّر عليك منذ ولدتك أمك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أمن عندك يا رسول اللّه أم‬
‫من عند اللّه ؟ قال ‪ :‬بل من عند اللّه قال ‪ :‬وكان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إذا استبشر‬
‫وجهَه قطعة قمر‪ .‬قال ‪ :‬وكنا نعرف ذلك منه ‪.‬‬
‫كأن ْ‬
‫بين يديه قلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إن من توبتي إلى اللّه عز وجل أن‬
‫جلست َ‬
‫ُ‬ ‫قال ‪ :‬فلما‬
‫أمسك‬
‫ْ‬ ‫أنخلع من مالي‪ ،‬صدقةً إلى اللّه وإ لى رسوله ‪ ،‬قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫بعض مالك ‪ ،‬فهو في لك ‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إني ممسك سهمي الذي بخيبر‪.‬‬ ‫عليك َ‬
‫أح ِّدث‬
‫وقلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إن اللّه قد نجَّاني بالصدق ‪ ،‬وإ ن من تَ ْوبتي إلى اللّه أن ال َ‬
‫ذكرت ذلك‬
‫ُ‬ ‫إال صدقا ما حييت ‪ ،‬واللّه ما أعلم أحدا من الناس أباله اللّه في صدق الحديث منذ‬
‫أفضل مما أبالني اللّه ‪ ،‬واللّه ما تعمدت من َك ْذبة من ُذ‬
‫َ‬ ‫لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذلك‬
‫ذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى يومي هذا‪ ،‬وإ ني ألرجو أن يحفظني اللّه‬
‫ُ‬
‫فيما بقى‪.‬‬
‫اب اللَّهُ َعلَى َّ‬
‫النبِ ِّي‬ ‫ما نزل في ساعة العسرة والمخلفين ‪ :‬وأنزل اللّه تعالى ‪ {:‬لَقَ ْد تَ َ‬
‫ق ِم ْنهُ ْم‬ ‫وب فَ ِري ٍ‬ ‫اع ِة اْل ُع ْس َر ِة ِم ْن َب ْع ِد َما َك َ‬
‫اد َي ِزيغُ ُقلُ ُ‬ ‫ين اتََّب ُعوهُ في َس َ‬
‫َِّ‬
‫َنص ِار الذ َ‬ ‫واْلمه ِ‬
‫اج ِر َ‬
‫ين َواأْل َ‬ ‫َ َُ‬
‫ين ُخلِّفُو} [التوبة ‪]118 :‬‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ثَُّم تَاب علَْي ِهم ِإَّنه بِ ِهم رء ٌ ِ‬
‫*و َعلَى الثَّاَل ثَة الذ َ‬
‫يم َ‬‫وف َرح ٌ‬ ‫َ َ ْ ُ َْ ُ‬
‫السلف ‪ :‬يقام إلى الوالد برا به ‪ ،‬وإ لى الولد سروراً به ‪ ،‬وصدق هذا القائل ‪ ،‬فإن فاطمة‬
‫رضى اللّه عنها كانت تقوم إلى أبيها – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬براً به ‪ ،‬وكان هو صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يقوم إليها سروراً بها رضي اهلل عنها‪ ،‬وكذلك كل قيام أثمره الحب في اللة‪،‬‬
‫والسرور بأخيك بنعمة اللّه ‪ ،‬والبر بمن يجب بره في اللّه تبارك وتعالى‪ ،‬فإنه خارج عن‬
‫حديث النهى واللّه أعلم ‪ ( .‬عن‬
‫السهيلي في الروض األنف من تحقيقنا جـ ‪ 4‬ص ‪.) 199 ،198‬‬
‫‪222‬‬

‫َّاد ِقين } ‪[.‬التوبة‪117 :‬ـ‪]119‬‬


‫ونوا مع الص ِ‬
‫‪ . . .‬إلى قوله ‪َ { :‬و ُك ُ َ َ‬
‫على نعمةً قط بعد أن هداني‬
‫ما نزل في المعذرين ‪ :‬قال كعب ‪ :‬فواللّه ما أنعم اللّه َّ‬
‫صدق رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يومئذ‪ ،‬أن ال أكون‬ ‫إلسالم كانت أعظم في نفسي من ِ‬
‫لِ‬
‫ك كما هلك الذين كذبوا‪ ،‬فإن اللّه تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل‬ ‫كذبته ‪ِ ،‬‬
‫فأهل َ‬
‫ِ‬ ‫ون بِاللَّ ِه لَ ُك ْم ِإ َذا َ‬ ‫ِ‬
‫َع ِر ُ‬
‫ضوا‬ ‫ضوا َعْنهُ ْم فَأ ْ‬ ‫انقلَْبتُ ْم ِإلَْي ِه ْم لتُ ْع ِر ُ‬ ‫الوحي شر ما قال ألحد‪ ،‬قال { َسَي ْحلفُ َ‬
‫ض ْوا َع ْنهُ ْم فَِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون لَ ُك ْم لتَْر َ‬
‫ون* َي ْحلفُ َ‬ ‫اء بِ َما َك ُانوا َي ْكسُب َ‬ ‫َع ْنهُ ْم ِإَّنهُ ْم ِر ْج ٌس َو َمأ َْو ُ‬
‫اه ْم َجهََّن ُم َج َز ً‬
‫اس ِقين } [التوبة‪.]95،96 :‬‬ ‫تَرضوا عْنهم فَِإ َّن اللَّه اَل يرضى ع ْن اْلقَوِم اْلفَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُْ‬
‫هؤالء الذين قبل منهم رسول اللّه‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪ :‬وكنا ُخلِّفنا أيها الثالثةُ عن أمر‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ّ حين حلفوا له ليعذرهم ‪ ،‬واستغفر لهم ‪ ،‬وأرجأ رسول اللّه صلى‬
‫أمرنا‪ ،‬حتى قضى اللّه فيه ما قضى‪ ،‬فبذلك قال اللّه تعالى ‪َ {:‬و َعلَى الثَّاَل ثَ ِة‬
‫اهلل عليه وسلم َ‬
‫ين ُخلِّفُوا }‪[.‬التوبة‪]118 :‬‬ ‫َِّ‬
‫الذ َ‬
‫أمرنا‬
‫وليس الذي ذكر اللّه من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة‪ ،‬ولكن لتخليفه إيانا‪ ،‬وإ رجائه َ‬
‫عمن حلف له ‪ ،‬واعتذر إليه ‪ ،‬فقبل منه (‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬وإ نما اشتد غضبه على من تخلف عنه ونزل فيهم من الوعيد ما نزل حتى تاب‬
‫اللّه على الثالثة منهم ‪ ،‬وإ ن كان الجهاد من فروض الكفاية‪ ،‬لكنه في حق األنصار خاصة‬
‫كان فرض عين ‪ ،‬وعليه بايعوا النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬أال تراهم يقولون يوم‬
‫الخندق ‪ ،‬وهم يرتجزون ‪ :‬نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ‪ .‬ومن تخلف‬
‫منهم يوم بدر إنما تخلف ‪ ،‬ألنهم خرجوا ألخذ عير‪ ،‬ولم يظنوا أن سيكون قتال ‪ ،‬فلذلك كان‬
‫التخلف عن رسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في هذه الغزاة كبيرة ألنها كالنكث لبيعتهم ‪.‬‬
‫‪223‬‬

‫أمر وفد ثقيف وإ سالمها‬


‫في شهر رمضان سنة تسع‬
‫قدوم عروة بن مسعود عليه صلى اهلل عليه وسلم مسلما ‪ :‬قال ابن إسحاق "‬
‫وقدم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم المدينة من تَُبوك في رمضان ‪ ،‬وقدم عليه في‬
‫ذلك الشهر وفد ثقيف ‪.‬‬
‫وكان من حديثهم أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم لما انصرف عنهم ‪ ،‬اتبع أثره‬
‫ُعروة بن مسعود الثقفى‪ ،‬حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة‪ ،‬فأسلم وسأله أن يرجع إلى‬
‫قومه باإلسالم ‪ ،‬فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم – كما يتحدث قومه ‪ -‬إنهم قاتلوك ‪،‬‬
‫وعرف رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أن فيهم نخوة االمتناع الذي كان منهم ‪ ،‬فقال عروة ‪:‬‬
‫يا رسول اللّه أنا أحب إليهم من أبكارهم ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬من أبصارهم ‪.‬‬

‫دعوة قومه إلى ِ‬


‫اإلسالم وقتلهم إياه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان فيهم كذلك ُمحبباً ُمطاعاً‬
‫‪ .‬فخرج يدعو قومه إلى اإلسالم رجاء أن ال يخالفوه ‪ ،‬لمنزلته فيهم ؛ فلما أشرف لهم على‬
‫ِعلِّية له ‪ ،‬وقد دعاهم إلى اإلسالم ‪ ،‬وأظهر لهم دينه ‪َ ،‬ر َم ْوه َّ‬
‫بالنبل من كل وجه ‪ ،‬فأصابه‬
‫فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم ‪ ،‬يقال له ْأوس بن َع ْوف ‪ ،‬أخو بني سالم بن‬
‫سهم فقتله ‪ُ ،‬‬
‫مالك ‪ .‬وتزعم األحالف أنه قتله رجل منهم ‪ ،‬من بني َعتَّاب بن مالك ‪ ،‬يقال له وهب بن‬
‫جابر‪ ،‬فقيل لعروة ‪ :‬ما ترى في دمك ؟ قال ‪ :‬كرامةٌ اكرمني اللّه بها‪ ،‬وشهادة ساقها اللّه‬
‫إلى‪ ،‬فليس في إال ما في الشهداء الذين قُتلوا مع رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قبل أن‬
‫َّ‬
‫يرحل عنكم ‪ ،‬فادفنوني‬
‫‪224‬‬

‫معهم ‪ ،‬فزعموا أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال فيه ‪ :‬إن مثله في قومه لكمثل‬
‫صاحب ياسين في قومه (‪.)1‬‬
‫إرسال ثقيف وفدا إليه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ثم أقامت ثقيف بعد قتل ُعروةَ أشهراً‪ ،‬ثم‬
‫إنهم ائتمروا بينهم ‪ ،‬ورأوا أنه ال طاقةَ لهم بحرب من حولَهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا‪.‬‬
‫األخَنس ‪ :‬أن عمرو بن أمية‪ ،‬أخا بني عالج ‪،‬‬
‫حدثني يعقوب بن ُعتبة بن المغيرة بن ْ‬
‫كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو‪ ،‬الذي بينهما شئ ‪ ،‬وكان َعمرو بن أمية من ْأدهى العرب ‪،‬‬
‫داره ‪ ،‬ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك ‪:‬‬
‫فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو‪،‬حتى دخل َ‬
‫إلي ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬وها هو ذا‬
‫عبد ياليل للرسول ‪ :‬ويلك ؟ أعمرو أرسلك َّ‬
‫إلى قال ‪ :‬فقال ُ‬
‫اخرج ّ‬
‫واقفاً في دارك فقال ‪ :‬إن هذا الشيء ما كنت أظنه ‪ ،‬لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ‪،‬‬
‫فخرج إليه ‪ ،‬فلما رآه رحَّب به ‪ ،‬فقال له عمرو ‪ :‬إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة إنه قد‬
‫العرب كلُّها‪ ،‬وليست لكم بحربهم طاقة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ‪ ،‬قد أسلمت‬
‫فانظروا في أمركم ‪.‬‬
‫فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها‪ ،‬وقال بعضهم لبعض ‪ :‬أفال ترون أنه ال يأمن لكم ِس ْر ٌ‬
‫ب‬
‫(‪ ،)2‬وال يخرج منكم أحد إال اقتُطع ‪.‬‬
‫(ا) يحتمل قوله صلى ‪ " :‬كمثل صاحب ياسين أن يربد به المذكور في سورة ياسين ‪،‬‬

‫الذي‬

‫ِ‬
‫قال لقومه ‪ { :‬اتَّبِ ُعوا اْل ُم ْر َسل َ‬
‫ين } يس‪ ]20 :‬فقتله قومه ‪ ،‬واسمه حبيب بن مري ‪،‬‬
‫ويحتمل أن يريد‬
‫صاحب إلياس ‪ ،‬وهو اليسع‪ ،‬فإن إلياس يقال في اسمه ‪ :‬ياسين أيضا‪ ،‬وقال الطبري ‪:‬‬
‫هو‬
‫ِ‬
‫إلياس بن ياسين ‪ ،‬وفيه قال تبارك وتعالى ‪َ {:‬ساَل ٌم َعلَى ِإ ْل َياس َ‬
‫ين} [الصافات‪]130 :‬‬
‫فاهلل أعلم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬السرب ‪ :‬القطيع من الحيوان أو الفريق من النساء أو جماعة النخل ‪ ،‬وهو أيضا‬
‫الطريق ‪ -‬والقلب والصدر‪.‬‬
‫‪225‬‬

‫فأتمروا بينهم ‪ ،‬وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم رجال‪ ،‬كما‬
‫أرسلوا ُعروة‪ ،‬فكلموا عبد ياليل بن َعمرو بن ُعمير‪ ،‬وكان سن عروة بن مسعود‪ ،‬وعرضوا‬
‫صنع بعروة ‪ .‬فقال ‪ :‬لست‬
‫ذلك عليه ‪ ،‬فأبى أن يفعل ‪ ،‬وخشي أن ُيصنع به إذا رجع كما ُ‬
‫فاعال حتى ترسلوا معي رجاال‪ ،‬فأجمعوا لم أن يبعثوا معه رجلين من األحالف ‪ ،‬وثالثة من‬
‫الحكم بن َعمرو بن َو ْهب بن ُم َعتِّب ‪،‬‬
‫َ‬ ‫بني مالك ‪ ،‬فيكونوا ستة‪ . ،‬فبعثوا مع عبد ياليل ‪:‬‬
‫و ُش َر ْحبيل ابن َغيالن بن َسِلمة بن ُم َعتِّب ‪ ،‬ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن‬
‫ونمير بن َخ َرشة بن‬ ‫وأوس بن َع ْوف ‪ ،‬أخا بني سالم بن عوف ‪ُ ،‬‬ ‫عبد ُد ْهمان ‪ ،‬أخا بني يسار‪ْ ،‬‬
‫ربيعة‪ ،‬أخا بني الحارث ‪.‬‬
‫فخرج بهم عبد ياليل ‪ ،‬وهو ناب القوم (ا) وصاحب أمرهم ‪ ،‬ولم يخرج‬
‫بعروة بن مسعود‪ ،‬لكي يشغل كل رجلء منهم إذ رجعوا‬
‫صنع ُ‬
‫بهم إال خشية من مثل ما ُ‬
‫إلى الطائف رهطه ‪.‬‬
‫طلبهم من الرسول أمورا فرفضها ‪ :‬فلما َدَن ْوا من المدينة‪ ،‬ونزلوا قَناةَ‪ ،‬أْلفَ ْوا بها المغيرةَ‬
‫كاب أصحاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكانت ِر ْعيتُها‬ ‫بن شعبة‪ ،‬يرعى في َن ْوبته ِر َ‬
‫ُن َوباً على أصحابه صلى اهلل عليه وسلم ‪. ،‬فلما رآهم ترك ‪ ،‬الركاب عند الثَّقَفيين ‪ ،‬وضبر(‪)2‬‬
‫ليبشر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يشتد‪،‬‬
‫ط لهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم شروطاً‪ ،‬ويكتتبوا من‬
‫البيعة واإلسالم ‪ ،‬بأن َي ْش ُر َ‬
‫رسول اللّه صلى كتابا في قومهم وبالدهم وأموا لهم ‪.‬‬
‫أقسمت عليك باللّه ال تسبقني إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫ُ‬ ‫فقال أبو بكر للمغيرة ‪:‬‬
‫وسلم‪ ،‬حتى أكون أنا أحدثه ‪ ،‬ففعل المغيرةُ‪ ،‬فدخل أبو بكر على رسول‬
‫(‪ )1‬ناب القوم ‪ :‬سيدهم ‪.‬‬
‫(‪)2‬ضبر‪:‬وثب ‪.‬‬
‫‪226‬‬

‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم فأخبره بقدو ِمهم ‪ -‬عليه ‪ ،‬ثم خرج المغيرةُ إلى أصحابه ‪َّ ،‬‬
‫فروح‬
‫الظهر معهم ‪ ،‬وعلمهم كيف يحي ون رس ول اهللّ ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬فلم يفعل وا إال بتحية‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫ِ‬
‫ناحية مسجده ‪،‬‬ ‫ولما قدموا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ضرب عليهم قبةً في‬
‫يزعمون ‪ .‬فكان خالد بن سعيد بن العاص ‪ ،‬هو الذي يمشى بينهم‬
‫كما ُ‬
‫وبين رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حتى اكتتبوا كتابهم ‪ ،‬وكان خالد هو الذي كتب‬
‫طعمون طعاما يأتيهم من عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حتى يأكل‬
‫كتابهم بيده ‪ ،‬وكانوا ال َي ْ‬
‫منه خالد‪ ،‬حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الالت ‪ ،‬ال‬ ‫وقد كان فيما سألوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أن يدع لهم الطاغيةَ‪ ،‬وهي‬
‫يهدمها ثالث سنين ‪ ،‬فأبى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة‬
‫سنة‪ ،‬ويأبى عليهم حتى سألوا شهراً واحداً بعد مقدمهم ‪ ،‬فأبى عليهم أن يدعها شيئاً ُم َس ًّمى‪ ،‬وإ نما‬
‫يريدون بذلك فيما‬
‫قومهم‬
‫يروعوا َ‬
‫يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن ِّ‬
‫بهدمها حتى يدخلهم اإلسالم ‪ ،‬فأبى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إال أن يبعث أبا سفيان بن‬
‫حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها‪.‬‬
‫وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصالة‪ ،‬وأن ال يكسروا أوثانهم بأيديهم ‪،‬‬
‫فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه ‪ ،‬وأما الصالة‪،‬‬
‫خير في دين ال صالة فيه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا محمد‪ ،‬فسنؤتيكها‪ ،‬وإ ن كانت دناءة ‪.‬‬
‫فإنه ال َ‬
‫تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف ‪ :‬فلما أسلموا وكتب لهم رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عثمان بن أبي العاص ‪ ،‬وكان من أحدثهم سنا‪ ،‬وذلك أنه كان‬
‫َ‬ ‫أمر عليهم‬
‫عليه وسلم كتابهم ‪َّ ،‬‬
‫أحرصهم على التفقه في اإلسالم وتعلُّم القرآن ‪.‬‬
‫َ‬

‫الجزء الخامس‬
‫من صفحة ‪303-226‬‬
‫صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بالل إياهم ‪:‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني عيسى بن عبد اللّه بن عطية بن س فيان بن ربيعة الثقفى‪ ،‬عن‬
‫بعض وف دهم ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ك ان بالل يأتينا ‪ -‬حين أس لمنا ‪ ..‬وص منا مع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫ِ‬
‫وسحورنا من ‪-‬‬ ‫وسلم ما بقي من رمضان ‪ -‬بفطرنا‬
‫عند رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬فيأتينا بالس حور‪ ،‬وإ نا لنق ول ‪ :‬إن ل نرى الفج َر قد‬
‫‪227‬‬

‫ركت رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم يتس حر‪ ،‬لت أخير الس حور‪،‬ويأتينا‬
‫ُ‬ ‫طلع ‪ ،‬فيق ول ‪ :‬قد ت‬
‫بفطرن ا‪ ،‬وإ نا لنق ول ‪ :‬ما ن رى الش مس كلها ذهبت بع د‪ .‬فيق ول ‪ :‬ما جئتكم ح تى أكل رس ول اللّه‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬ثم يضع ي ده في الجفن ة‪ ،‬فيلتقم منه ا‪ ، .‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬بفطورنا‬
‫وسحورنا‪، .‬‬
‫عهده صلى اهلل عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف ‪:‬‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني س عيد بن أبي هن د‪ ،‬عن مط رف بن عبد اللّه ابن آلش ِّخير‪ ،‬عن‬
‫إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم حين‬ ‫عثم ان بن أبي الع اص ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ك ان من آخر ما عهد َّ‬
‫بعث ني على ثقيف أن ق ال ‪ :‬يا عثم ان ‪ ،‬تج او ْز في الص الة‪ ،‬واق ُد ِر الن اس بأض ِ‬
‫عفهم ‪ ،‬ف إن فيهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الحاجة ‪.‬‬ ‫والضعيف ‪،‬وذا‬
‫َ‬ ‫والصغير‪،‬‬ ‫الكبير‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه دم الالت ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فلما فرغ وا من أم رهم ‪ ،‬وتوجه وا إلى بالدهم راجعين ‪،‬‬
‫بعث رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم معهم أبا س فيان بن ح رب والمغ يرة بن ش عبة‪ ،‬في ه دم‬
‫الطاغي ة‪ .‬فخرجا مع الق وم ‪ ،‬ح تى إذا ق دموا الط ائف أراد المغ يرة بن ش عبة أن يق ِّدم أبا س فيان ‪،‬‬
‫فأبى ذلك أبو سفيان عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهَ ْدم فلما‬
‫معتِّب ‪ ،‬خشية أن ُي ْر َمى‬ ‫ِ‬
‫دونه ‪ ،‬بنو َ‬
‫قومه َ‬‫دخل المغيرةُ بن شعبة عالها يضربها بالم ْعول ‪ ،‬وقام ُ‬
‫نساء‬
‫أو يصاب كما أصيب عروة‪ ،‬وخرج ُ‬
‫‪1‬‬

‫وذكر بعض من أًلف في الس ير أن المغ يرة ق ال ألبي س فيان حين ه دمها ‪ :‬أال أض حكك‬ ‫‪1‬‬

‫من ثقيف ؟ فق ال ‪ :‬بلى‪ ،‬فأخذ المع ول ‪ :‬وض رب به الالت ض ربة‪ ،‬ثم ص اح وخر على وجهه ‪،‬‬
‫فارتجت الطائف بالصياح سروراً بأن الالت فد صرعت المغيرة‪ ،‬وأقبلوا يقولون ‪ :‬كيف رأيتها‬
‫يا مغ يرة دونكها إن اس تطعت ‪ ،‬ألم تعلم أنها تهلك من عاداه ا‪ ،‬ويحكم أال ت رون ما تص نع ؟ فق ام‬
‫المغ يرة يض حك منهم ‪ ،‬ويق ول لهم ‪ :‬با خبث اء‪ ،‬واهلل ما فص دت إال اله زء بكم ‪،‬ثم أقبل على‬
‫هدمها‪ ،‬حتى استأصلها واًقبلت عجائز ثقيف تبكى حولها‪ ،‬وتقول ‪ :‬أسلمها‬
‫الرضاع ‪ ،‬إذ كرهوا المصاع ‪ ،‬أي أسلمها اللئام حين كرهوا القتال ‪.‬‬
‫‪228‬‬

‫ثقيف ُحسَّراً يبكين عليها ويقلن ‪:‬‬


‫اع‬
‫ص ْ‬ ‫ِ‬ ‫كين ُدفَّاع أسلمها َّ‬
‫لتُْب َّ‬
‫لم ُيحسنوا الم َ‬ ‫َّاع‬
‫الرض ْ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال ابن هشام ‪ " :‬لتبكين " عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس ‪ :‬واه اً لك اه اً لك فلما هدمها‬
‫والج ْزع ‪.‬‬
‫المغيرة‪ ،‬وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ‪ ،‬وما لها من الذهب َ‬
‫األس ود ق دما على‬
‫من أول من أس لم من ثقيف ‪ :‬وك ان أبو ُملَيح بن ع روة وق ارب ابن ْ‬
‫رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم قبل وفد ثقيف ‪ ،‬حين قُتل ع روة يري دان ف راق ثقيف ‪ ،‬وأن ال‬
‫يجامع اهم على ش ىء أب داً‪ ،‬فأس لما ؛ فق ال لهما رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬وخالكما أبا‬
‫سفيان بن حرب ‪ ،‬فقاال ‪ :‬وخالنا أبا سفيان ابن حرب ‪.‬‬
‫سؤال أبي المليح وقارب بن األسود قضاء دينهما من مال الالت ‪ :‬فلما أسلم أه ُل الطائف‬
‫ووجَّه رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم أبا س فيان والمغ يرة إلى ه دم الطاغي ة‪ ،‬س أل رس ول اللّه‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم أبو ُملَيح بن ع روة أن يقضي عن أبيه ع روة دينا ك ان عليه من م ال‬
‫الطاغية فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫اللئام ‪.‬‬
‫الرضاع ‪ً :‬‬
‫‪2‬‬

‫المصاع ‪ :‬القتال بالسيوف ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪229‬‬

‫نعم ‪ ،‬فق ال له ق ارب بن األس ود ‪ :‬وعن األس ود يا رس ول اللّه فاقضه ‪ : ،‬وع روة واألس ود‬
‫أخ وان ألب وأم ‪ ،‬فق ال رس ول اللّه ص لى ‪ :‬إن األس ود م ات مش ركا‪ .‬فق ال ق ارب لرس ول اللّه‬
‫علي ‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬لكن تصل مسلماً ذا قرابة‪ ،‬يعنى نفسه ‪ ،‬إنما الدين َّ‬
‫وإ نما أنا الذي أطلب به ‪ ،‬فأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم أبا سفيان أن يقضى دين عروة‬
‫واألس ود من م ال الطاغية ؛ فلما جمع المغ يرةُ مالها ق ال ألبي س فيان ‪ :‬إن رس ول اللّه ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم قد أمرك أن ال تقضى عن عروة واألسود دينهما‪ ،‬فقضى عنهما‪.‬‬
‫كتاب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الذي كتَب لهم ‪:‬‬
‫كتابه عليه السالم لثقيف ‪ :‬وكان ُ‬
‫‪5‬‬
‫بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ :‬من محمد النبي‪ ،‬رسول اللّه ‪ ،‬إلى المؤمنين ‪ :‬إن ِعضاه‪َ 4‬وج‬
‫ضد‪ ،‬من ُوجد يفعل شيئاً من‬
‫وصيده ال ُي ْع َ‬

‫العضاه ‪ :‬شجر له شوك ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وج ‪ :‬أرض الطائف ‪ ،‬وهى التي جاء فيها الحديث ‪ " :‬إن أخر وطأة وطئها الرب بوج‬ ‫‪5‬‬

‫)‬
‫ومعناها عند بعض هم ‪ :‬أخر غ زوة ووقعة ك انت ب أرض الع رب ب وج ألنها أخر غزواته –‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ -‬إلى الع رب ‪ ،‬وقد قيل في مع نى الح ديث غ ير ه ذا‪ ،‬مما ذك ره القت بى‪،‬‬
‫ونحن نضرب عن ذكره ‪ ،‬لما فيه من إبهام التشبيه تعالى اللّه ‪ ،‬واللّه المستعان ‪.‬‬
‫وقد قيل في وج هي الطائف نفسها‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو اسم ٍ‬
‫لواد بها‪ ،‬ويشهد لهذا القول قول‬
‫أمية بن األسكر ‪:‬‬

‫على بيضاته بكيا كالبا‬ ‫إذآ يبكى الحمام ببطن وج‬


‫وقال آخر ‪- :‬‬
‫كأني ال أراك وال تراني ‪.‬‬ ‫أتهدي لي الوعيد ببطن وج‬
‫وقد ألفيت في نسخة الشيخ وجاء بتخفيف الجيم والصواب تشديدها كما تقدم وقال أمية ابن‬
‫أًبي الصلت ‪:‬‬

‫دار قومي بربوة وزتوق‬ ‫إن وجاً وما يلي بطن وج‬
‫ال يعضد ‪ :‬ال يقطع أي أنه حرام على غير أهله كتحريم مكة والمدينة ‪ ( .‬عن الروض األنف‬
‫)‪.‬‬
‫‪230‬‬

‫ذلك ‪ ،‬فإنه ُيجلد وتنزع ثيابه ‪ ،‬فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد‪ ،‬وإ ن هذا‬
‫أمر النبي محمد رسول اللّه‪. 6‬‬
‫وكتب خالد بن س عيد ‪ :‬ب أمر الرس ول محمد بن عبد اللّه ‪ ،‬فال يتع َّده أح د‪ ،‬فيظلم نفسه فيما‬
‫أمر به محمد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫حج أبي بكر بالن اس س نة تسع واختص اص الن بي ص لى اهلل عليه وس لم علي بن أبي ط الب‬
‫رض وان اللّه عليه بتأدية أول ب راءة عنه ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ثم أق ام رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم بقية ش هر رمض ان وش واالً وذا القع دة‪ ،‬ثم بعث أبا بكر أم يراً على الحج من س نة تسع ‪،‬‬
‫ليقيم للمسلمين َحجَّهم ‪ ،‬والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم ‪.‬‬
‫وم ْن معه ِم َن المس لمين ‪ .‬ن زول س ورة ب راءة في نقض ما‬
‫فخ رج أبو بكر رضى اللّه عنه َ‬
‫بين المسلمين والمشركين ‪:‬‬
‫ض ما بين رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وبين المش ركين من‬ ‫ون زلت ( ب راءةُ ) في َن ْق ِ‬
‫العه د‪ ،‬ال ذي ك انوا عليه فيما بينه وبينهم ‪ :‬أن ال ُيصد عن ال بيت أح ٌد ج اءه ‪ ،‬وال يخ اف أحد في‬
‫الشهر الحرام ‪ .‬وكان ذلك عهداً عاما بينه وبين‬

‫وكتابه ص لى اهلل عليه وس لم ألهل الط ائف أط ول مما ذك ره ابن إس حاق بكث ير‪ ،‬وقد‬ ‫‪6‬‬

‫أورده أبو عبيد بكماله في كت اب األم وال ‪ .‬وذكر فيه ش هادة علي وابنيه الحسن والحس ين ‪ ،‬ق ال‬
‫وفيه من الفقه ش هادة الص بيان ‪ ،‬وكتابة أس مائهم قبل البل وغ ‪ ،‬وإ نما تقبل ش هادتهم إذا أدوها بعد‬
‫البلوغ ‪ ،‬وفيه من الفقه أيضاً شهادة االبن مع شهادة أبيه في عقد واحد‪.‬‬
‫‪231‬‬

‫الناس من أهل ‪ .‬الشرك ‪ ،‬وكانت بين ذلك عهود بين رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وبين‬
‫‪ .‬قبائل الع رب خص ائص ‪ ،‬إلى آج ال ُمس ماة‪ ،‬ف نزلت فيه وفيمن تخلف من المن افقين عنه في‬
‫تب وك ‪ ،‬وفى ق ول َم ْن ق ال منهم ‪ ،‬فكشف اللّه تع الى فيها س رائر أق وام ك انوا َيس تخفون بغ ير ما‬
‫اءةٌ ِم ْن اللَّ ِه‬‫ُيظه رون ‪ ،‬منهم من س َّمى لنا ومنهم ال من لم يس ِّم لنا ‪ ،‬فق ال ع ّز وج ّل ‪َ{ :‬ب َر َ‬
‫‪7‬‬

‫يحوا ِفي‬ ‫ِ‬


‫ين }‪ :‬أي ألهل العهد العام من أهل ؟ الشرك { فَس ُ‬
‫ِ‬ ‫ورسوِل ِه ِإلَى الَِّذين ع َ ِ‬
‫اهدتُّ ْم م ْن اْل ُم ْش ِرك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ان ِم ْن اللَّ ِه‬ ‫ين* َوأَ َذ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫اعلَم وا أََّن ُكم َغْي ر مع ِج ِزي اللَّ ِه وأ َّ َّ‬
‫َن اللهَ ُم ْخ ِزي اْل َك اف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُْ‬ ‫َش هُ ٍر َو ْ ُ‬ ‫األرض أ َْرَب َع ةَ أ ْ‬
‫ِ‬ ‫َن اللَّه ب ِر ِ‬ ‫الن ِ‬‫َو َر ُسوِل ِه ِإلَى َّ‬
‫ين َو َر ُسولُه } أي بعد هذه‬ ‫يء م ْن اْل ُم ْش ِرك َ‬ ‫اس َي ْو َم اْل َح ِّج اأْل َ ْكَب ِر أ َّ َ َ ٌ‬
‫‪8‬‬

‫َِّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الحجة { فَ ِإ ْن تُْبتُ ْم فَهُ َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْم َوإِ ْن تَ َولَّْيتُ ْم فَ ْ‬


‫ين‬‫اعلَ ُموا أََّن ُك ْم َغْي ُر ُم ْع ِج ِزي الله َوَب ِّش ْر الذ َ‬
‫‪9‬‬

‫ِ‬ ‫اب أَِل ٍيم ِإاَّل الَِّذين ع َ ِ‬ ‫َكفَ روا بِ َع َذ ٍ‬


‫ين } أي العهد الخاص إلى األجل المسمى { ثَُّم‬ ‫اه دتُّ ْم م ْن اْل ُم ْش ِرك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫اهروا علَْي ُكم أَح ًدا فَ أَتِ ُّموا ِإلَْي ِهم عه َد ُهم ِإلَى م َّدتِ ِهم ِإ َّن اللَّه ي ِح ُّ ِ‬ ‫لَم ينقُص و ُكم َش ْيًئا ولَم ي َ ِ‬
‫ين*‬ ‫ب اْل ُمتَّق َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ َْ ْ‬ ‫ظ ُ َ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ث‬ ‫ين َح ْي ُ‬ ‫َش هُُر اْل ُح ُر ُم } ‪ :‬يعنى ‪ ،‬األربعة التي ضرب لهم أجال { فَ ا ْقتُلُوا اْل ُم ْش ِرك َ‬ ‫فَ ِإ َذا َ‬
‫انس لَ َخ اأْل ْ‬
‫الص اَل ةَ وآتَ ْوا َّ‬
‫الز َك اةَ‬ ‫وه ْم وا ْق ُع ُدوا لَهُ ْم ُك َّل م ْر َ ٍ ِ‬
‫اموا َّ َ‬ ‫ص د فَ إ ْن تَ ُابوا َوأَقَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ص ُر ُ َ‬ ‫اح ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫وه ْم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫َو َج ْدتُ ُم ُ‬
‫َح ٌد ِم ْن‬
‫يم َوإِ ْن أ َ‬
‫ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َّ‬
‫فَ َخلوا َسبِيلَهُ ْم ِإ َّن اللهَ َغفُ ٌ‬
‫ُّ‬

‫‪ 7‬أهل التفسير يقولون إن آخر سورة براءة نزل قبل أولها ‪ :‬فإن أول ما نزل فيها ‪ِ { :‬‬
‫انف ُروا‬
‫انف ُروا ِخفَافًا‬
‫ِخفَافًا وثِقَااًل } [التوبة‪ ]41 :‬ثم نزل أًولها في نبذ كل عهد إلى صاحبه ‪ .‬وقوله ‪ِ {:‬‬
‫َ‬
‫َوثِقَااًل ‪ ‬فيه أقوال ‪ ،‬قيل معناه ‪ :‬شباناً وشيوخاً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أغنياء وفقراء‪ ،‬وقيل أصحاب شغل‬
‫وغير ذي شغل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ركبانا ورجالة ‪.‬‬
‫ي وم الحج األ ًك بر " قيل ‪ :‬أراد حين الحج ‪ ،‬أي أي ام الموسم كله ا‪ ،‬ألن ن داء علي بن أبي‬ ‫‪8‬‬

‫طالب ببراءة كان في تلك األيام ‪.‬‬


‫أراد ذا الحجة والمحرم من ذلك العام ‪ ،‬وأنه جعل ذلك آًجال لمن ال عهد له من المشركين ‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫ومن كان له عهد جعل له أربعة أشهر أولها يوم النحر من ذلك العام‬
‫‪232‬‬

‫ك فَ أَ ِج ْرهُ َحتَّى َي ْس َم َع كَاَل َم اللَّ ِه ثَُّم‬


‫اس تَ َج َار َ‬
‫ين } أي من هؤالء الذين أمرتك بقتلهم { ْ‬
‫ِ‬
‫اْل ُم ْش ِرك َ‬
‫ِ‬ ‫ف ي ُك ِ‬ ‫أَْبِل ْغ هُ َمأ َْمَن هُ َذِل َ‬
‫ين }‬ ‫ون لْل ُم ْش ِرك َ‬ ‫ون } [التوب ة‪1 :‬ـ ‪ .] 6‬ثم ق ال ‪َ { :‬ك ْي َ َ ُ‬ ‫ك بِ أََّنهُ ْم قَ ْو ٌم اَل َي ْعلَ ُم َ‬
‫ال ذين ك انوا هم وأنتم على العهد الع ام أن ال يخيف وكم وال يخيف وهم في الحرم ة‪ ،‬وال في الش هر‬
‫اه ْدتُ ْم ِع ْن َد اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َر ِام} ‪ ،‬وهي قبائل من بني‬ ‫ِ اَّل َِّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫الحرام { َع ْه ٌد ع ْن َد الله َو ِع ْن َد َر ُسوِله ِإ الذ َ‬
‫ين َع َ‬
‫بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش‪ ،‬وعهدهم يوم الحديبية‪ ،‬إلى المدة التي كانت بين رسول‬
‫ض ها إال ه ذا الحي من ق ريش ‪ ،‬وهي ال َّدْيل من ب ني‬
‫اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ق ريش‪ ،‬فلم يكن نقَ َ‬
‫بكر ابن وائل ‪ ،‬الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم ؛ فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض‬
‫من ب ني بكر إلى مدته { فَما اس تَقَاموا لَ ُكم فَاس تَِقيموا لَهم ِإ َّن اللَّه ي ِح ُّ ِ‬
‫ب اْل ُمتَّق َ‬
‫ين }‪[.‬التوب ة‪ ]7 :‬ثم‬ ‫َُ‬ ‫ْ ْ ُ ُْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ظهَ ُروا َعلَْي ُكم } ‪ :‬أي المش ركين ال ذين ال عهد لهم إلى م دة من أهل‬ ‫ف َوإِ ْن َي ْ‬ ‫ق ال تع الى ‪َ { :‬ك ْي َ‬
‫الشرك العام{ اَل َي ْرقُُبوا ِفي ُك ْم ِإاًّل َواَل ِذ َّمة}‪.‬‬
‫أسيِّد بن بر عمرو بن تميم ‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ .‬قا َل ابن هشام ‪ :‬اإلل ‪ :‬الحلف قال أوس بن َح َجر‪ ،‬أحد بني َ‬
‫والشرف وهذا البيت في قصيدة له وجمعه ‪:‬‬ ‫اآلالء‬ ‫فيهم‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لوال بنو مالك واإلل َم ْرقب ةٌ ومال ُ‬
‫اإلل ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫وبين ُك ُم فال َّ‬
‫تألن ُجهدا‬ ‫فال إل من اآلالل بينى‬ ‫‪#‬‬
‫‪10‬‬
‫والذمة ‪ :‬العهد‪ .‬قال األجدع بن مالك الهَ ْمداني‪ ،‬وهو أبو مسروق األجدع الفقيه ‪:‬‬

‫وقد غير عمر رضى اهلل عنه اسم األجدع ‪ ،‬وقال ‪ :‬األجدع ‪ :‬اسم شيطان ‪ ،‬فسماه عبد‬ ‫‪10‬‬

‫الرحمن ويكنى مسروق أبا عائشة ‪.‬‬


‫‪233‬‬

‫وم ْنكرا‬
‫األرض معروفا إلينا ُ‬ ‫وكان علينا ذمةٌ أن تجاوزوا من‬
‫وهذا البيت في ثالثة أبيات له ‪ ،‬وجمعها ‪ :‬ذمم ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون* ا ْشتََر ْوا بِ َآيات الله ثَ َمًنا َقلياًل فَ َ‬
‫ص ُّدوا‬ ‫ون ُك ْم بِأَ ْف َواه ِه ْم َوتَأَْبى ُقلُ ُ‬
‫وبهُ ْم َوأَ ْكثَُر ُه ْم فَاسقُ َ‬ ‫ض َ‬‫{ ُي ْر ُ‬
‫ون }‬ ‫ون ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإاًّل َواَل ِذ َّمةً َوأ ُْولَئِ َ‬
‫ك ُه ْم اْل ُم ْعتَ ُد َ‬ ‫ون* اَل َي ْرقُُب َ‬ ‫اء َما َك ُانوا َي ْع َملُ َ‬
‫ِِ‬
‫َع ْن َس بِيله ِإَّنهُ ْم َس َ‬
‫[التوبة‪8 :‬ـ‪ ]10‬أي قد اعتدوا عليكم‬
‫ِ ِ‬ ‫الز َكاةَ فَِإ ْخ َو ُان ُك ْم ِفي ِّ‬ ‫ِ‬
‫ص ُل اآْل َي ات لقَ ْوٍم َي ْعلَ ُم َ‬
‫ون }‬ ‫الد ِ‬
‫ين َوُنفَ ِّ‬ ‫الصاَل ةَ وآتَ ْوا َّ‬
‫اموا َّ َ‬ ‫{ فَإ ْن تَ ُابوا َوأَقَ ُ‬
‫[التوبة‪.]11 :‬‬
‫اختص اص علي بتأدية ب راءة ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وح دثني حكيم ابن حكيم بن عبَّاد بن‬
‫ُحَن ْيف ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن على رضوان اللّه عليه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬لما نزلت براءةُ على رسول‬
‫اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وقد ك ان بعث أبا بكر الص ديق ليقيم للن اس الحج ‪ ،‬قيل له ‪ :‬يا رس ول‬
‫اللّه لو بعثت بها إلى أبي بك ر‪ ،‬فق ال ‪ :‬ال ي ؤدي ع نى إال رج ٌل من أهل بي تي ‪ ،‬ثم دعا علي بن‬
‫أبي ط الب ‪.‬رض وان اللّه عليه ‪ ،‬فق ال له ‪ :‬أخ رج به ذه القصة من ص در ب راءة‪ ،‬وأذن في الن اس‬
‫وم النحر إذا اجتمع وا بم نى‪ ،‬أنه ال ي دخل الجنة ك افر‪ ،‬وال يحج بعد الع ام مش رك ‪ ،‬وال يط وف‬
‫ي َ‬
‫بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان له عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته فخرج‬
‫ض باء‪ ،‬حتى‬‫الع ْ‬ ‫ِ‬
‫على بن أبي طالب رضوان اللّه عليه على ناقة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫أدرك أبا بكر بالطريق فلما رآه أبو بكر بالطريق ق ال ‪ :‬أأمير أم مأمور ؟ فق ال ‪ :‬بل م أمور‪ ،‬ثم‬
‫الس نة على منازلهم من الحج ‪ ،‬التي‬
‫مضيا‪ .‬فأقام أبو بكر للناس الحج ‪ ،‬والعرب إذ ذاك في تلك َّ‬
‫كانوا عليها في الجاهلية ‪.‬‬
‫ح تى إذا ك ان يوم النحر‪ ،‬ق ام على بن أبي ط الب رضى اللّه عنه ‪ ،‬ف َّ‬
‫أذن في الن اس بال ذي‬
‫أمره به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إنه ال يدخل‬
‫‪234‬‬

‫الجن ةَ ك افر‪ ،‬وال يحج بعد الع ام مش رك ‪ ،‬وال يط وف ب البيت ُعري ان ‪ ،‬ومن ك ان له عند‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ؛ وأجل الناس أربع ةَ أشهر من يوم َّ‬
‫أذن‬
‫فيهم ‪ ،‬ل يرجع كل ق وم إلى م أمنهم أو ِ‬
‫بالدهم ‪ ،‬ثم ال عهد لمش رك وال ذم ة‪ ،‬إال أحد ك ان له عند‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عهد إلى مدة‪ ،‬فهو له إلى مدته ‪ .‬فلم يحج بعد ذلك العام مشرك‬
‫‪.‬‬ ‫‪11‬‬
‫‪ ،‬ولم يطف بالبيت عريان‬
‫‪ .‬ثم قدما على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫ك ان رس ول اللّه – ص لى اهلل عليه وس لم ‪ -‬حين ق دم من تب وك ‪ ،‬ف ذكر مخالطة‬ ‫‪11‬‬

‫المشركين للناس في حجهم وتلبيتهم بالشرك وطوافهم عراة بالبيت ‪ ،‬وكانوا يقصدون بذلك أن‬
‫يطوف وا كما ول دوا بغ ير الثي اب ال تي أذنب وا فيه ا‪ ،‬وظلم وا‪ ،‬فأمسك ص لى اهلل عليه وس لم ‪ -‬عن‬
‫الحج في ذلك الع ام ‪ ،‬وبعث أبا بكر ‪ -‬رضى اهلل عنه ‪ -‬بس ورة ب راءة لينبذ إلى كل ذي عهد‬
‫عهده من‬
‫المشركين إال بعض بني بكر الذين لهم عهد إلى أجل خاص ‪ ،‬ثم أردف بعلي رضى اللّه‬
‫عنه ‪ ،‬فرجع أبو بكر للنبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا رسول اللّه هل أنزل في قرآن‬
‫؟ ق ال ‪ :‬ال‪ ،‬ولكن أردت أن يبلغ ع نى من هو من أهل بي تي‪ ،‬وق ال أبو هري رة ‪ :‬ف أمرني علي –‬
‫رضى اهلل عنه‬
‫أن أطوف في المنازل من منى ببراءة‪ ،‬فكنت أصيح حتى صحل حلقي ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬بم‬
‫كنت تن ادي ؟ فق ال ‪ :‬ب أربع ‪ :‬أال ي دخل الجنة إال م ؤمن ‪ ،‬وأال يحج بعد ه ذا الع ام مش رك‬
‫‪،‬وأال يط وف ب البيت عري ان ‪ ،‬ومن ك ان له عه د‪ ،‬فله أجل أربعة أش هر ثم ال عهد له ‪ ،‬وك ان‬
‫المش ركون إذا س معوا الن داء ب براءة يقول ون لعلى ‪ :‬س ترون بعد األش هر‪ ،‬بأنه ال عهد بيننا وبين‬
‫ابن عمك إال الطعن والض رب ‪ ،‬ثم إن الن اس في تلك الم دة رغب وا في اإلس الم ح تى دخل وا فيه‬
‫طوع اً‪ ،‬وحج رسول اللّه – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في العام القابل ‪ ،‬وحج المسلمون ‪ ،‬وقد عاد‬
‫الدين كله واحدا للّه رب العالمين ‪.‬‬
‫وأما النداء في أيام التشريق بأنها أيام أكل وشرب ‪ ،‬وفي بعض الروايات أكل وشرب وبعال ‪-‬‬
‫مباشرة النساء ‪ -‬فإن الذي أمر أن ينادي بذلك في أيام التشريق هو كعب بن مالك وأوس بن‬
‫الحرثان ‪ ،‬وفي الصحيح أن زيد بن مربع ويقال فيه أيضاً أن عبد اللّه بن مربع كان ممن أمر أن‬
‫ينادي بذلك وروي مثل ذلك عن بشر بن سحيم الغفاري ‪ ،‬وقد روي أن حذيفة كان المنادي بذلك‬
‫‪ ،‬وعن سعيد بن أبي وقاص أيضاً‪ ،‬وبالل ‪ ،‬ذكر بعض ذلك البزار في مسنده‬
‫‪235‬‬

‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬فك ان ه ذا من ب راءة فيمن ك ان من أهل الش رك من أهل العهد الع ام ‪،‬‬
‫وأهل المدة إلى األجل المسمى ‪.‬‬
‫األمر بجه اد المش ركين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ثم أمر اللّه رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫بجه اد أهل الش رك ‪،‬ممن نقض من أهل العهد الخ اص ‪ ،‬ومن ك ان من أهل العهد الع ام ‪ ،‬بعد‬
‫فيقتل بعدائه ‪ ،‬فق ال ‪ {:‬أَاَل‬ ‫دو فيها ع اد منهم ‪ُ ،‬‬ ‫األربعة األش هر ال تي ض رب لهم أجال إال أن يع َ‬
‫َّ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ‬
‫َن‬‫ق أْ‬ ‫ول َو ُه ْم َب َد ُءو ُك ْم أ ََّو َل َم َّر ٍة أَتَ ْخ َش ْوَنهُ ْم فَاللهُ أ َ‬
‫َح ُّ‬ ‫اج َّ ُ‬ ‫ون قَ ْو ًما َن َكثُوا أ َْي َم َانهُ ْم َو َه ُّموا بِِإ ْخ َر ِ‬
‫تُقَاتلُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫تَ ْخ َش وه ِإ ْن ُكنتُم م ؤ ِمنِين* قَ اتِلُ ُ ِّ‬
‫ور‬‫ص ُد َ‬ ‫ص ْر ُك ْم َعلَْي ِه ْم َوَي ْش ف ُ‬ ‫وه ْم ُي َع ذ ْبهُ ْم اللهُ بِأ َْي دي ُك ْم َوُي ْخ ِز ِه ْم َوَي ْن ُ‬ ‫ْ ُْ َ‬ ‫ُْ‬
‫َّ‬ ‫ين* َوُي ْذ ِه ْ‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫وب الله } [التوبة‪13 :‬ـ‪ : ]15‬أي بعد ذلك { َعلَى َم ْن َي َش ُ‬ ‫ظ ُقلُوبِ ِه ْم َوَيتُ ُ‬ ‫ب َغْي َ‬ ‫قَ ْوٍم ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ون اللَّ ِه‬
‫اه ُدوا ِم ْن ُك ْم َولَ ْم َيتَّ ِخ ُذوا ِم ْن ُد ِ‬ ‫ين َج َ‬ ‫َّ َِّ‬ ‫يم* أ َْم َح ِس ْبتُ ْم أ ْ‬
‫َن تُتَْر ُك وا َولَ َّما َي ْعلَ ْم اللهُ الذ َ‬
‫ِ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫َواللهُ َعل ٌ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون }‪[.‬التوب ة‪ ]15،16:‬ق ال ابن هش ام ‪:‬‬ ‫يج ةً َواللهُ َخبِ ٌير بِ َما تَ ْع َملُ َ‬ ‫ين َوِل َ‬ ‫َواَل َر ُس وِله َواَل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫لج ‪ :‬أي دخل ي دخل ‪ ،‬وفي كت اب اللّه عز‬ ‫وليجة ‪ :‬دخيل ‪ ،‬وجمعها ‪ :‬والئج ؛ وهو من َولَج َي ُ‬
‫اط} [األعراف‪ :]40 :‬أي يدخل ‪ ،‬يقول ‪ :‬لم يتخذوا دخيالً‬ ‫وجل ‪ {:‬حتَّى يِلج اْلجم ُل ِفي س ِّم اْل ِخي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫اإليمان للذين آمنوا‬
‫َ‬ ‫من دونه ُي ِس ُّرون إليه غير ما ُيظهرون ‪ ،‬نحو ما يصنع المنافقون ‪ ،‬يظهرون‬
‫اطينِ ِه ْم قَالُوا ِإَّنا َم َع ُك ْم } [البقرة‪ ]14 :‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫{ وإِ َذا َخلَوا ِإلَى َشي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وب الق ران ي رد على ق ريش‬ ‫ف غ ير م ُش ِ‬
‫علت وليج ةً س اقوا إليك الحتْ َ َ َ‬ ‫واعلم بأنك قد ُج َ‬
‫الحاج ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قول قريش ‪ :‬إنا أه ُل الحرم ‪ ،‬وسقاةُ‬ ‫ادعاءهم عمارة البيت ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم ذكر َ‬
‫آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وعم ار ه ذا ال بيت ‪ ،‬فال أحد أفضل منا ؛ فق ال ‪ { :‬إَّن َما َي ْع ُم ُر َم َس اج َد الله َم ْن َ‬
‫ُ‬
‫اآْل ِخ ِر } ‪ :‬أي أن عم ارتكم ليست على ذلك ‪ ،‬وإ نما يعمر مس اجد اللّه أَي من يعمرها بحقها {‬
‫آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر‬
‫َم ْن َ‬
‫‪236‬‬

‫َن‬
‫ك أْ‬‫الز َك اةَ َولَ ْم َي ْخ َش ِإاَّل اللَّهَ } ‪ :‬أي فأولئك عمارها { فَ َع َس ى أ ُْولَئِ َ‬ ‫الص اَل ةَ وآتَى َّ‬
‫َوأَقَ َام َّ َ‬
‫ين } [التوبة‪ ]18 :‬وعسى من اللّه ‪ :‬حق ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ُك ُ ِ‬
‫ونوا م ْن اْل ُم ْهتَد َ‬ ‫َ‬
‫آم َن بِاللَّ ِه َواْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َج َعْلتُ ْم ِس قَ َايةَ اْل َح ِّ ِ‬
‫اج َوع َم َارةَ اْل َم ْس جد اْل َح َرام َك َم ْن َ‬ ‫ق ال تعالى ‪ { :‬أ َ‬
‫ون ِع ْن َد اللَّ ِه }‪[.‬التوبة‪]19 :‬‬ ‫اه َد ِفي سبِ ِ َّ ِ‬
‫يل الله اَل َي ْستَُو َ‬ ‫َ‬ ‫َو َج َ‬
‫ثم القصة عن عدوهم ‪ ،‬وما أنزل اللّه تعالى من نصره بعد تخاذلهم ‪ ،‬ثم‬
‫ام ِه ْم َه َذا َوإِ ْن ِخ ْفتُ ْم‬
‫قال تعالى ‪ِ { :‬إَّنما اْلم ْش ِر ُكون َنجس فَاَل ي ْقرب وا اْلمس ِج َد اْلح رام بع َد ع ِ‬
‫ََ َ َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََُ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫َ ُ‬
‫وليذهبن ما كنا نصيب‬ ‫َّ‬ ‫َعْيلَةً } وذلك أن الناس قالوا ‪ :‬لتنقطعن عنا آألسواق ‪ ،‬فلتهلكن التجارة‪،‬‬
‫فيها من المرافق ‪ ،‬فقال‬
‫ضِل ِه } ‪ :‬أي‬ ‫ف ُي ْغنِي ُك ْم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ‬‫اللّه عز وجل ‪َ { :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم َعْيلَةً فَ َس ْو َ‬
‫ون بِاللَّ ِه َواَل بِ اْلَي ْوِم‬
‫ين اَل ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ِ َِّ‬
‫يم* قَ اتلُوا الذ َ‬
‫ِ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫اء ِإ َّن اللهَ َعل ٌ‬ ‫من وجه غ ير ذلك { ِإ ْن َش َ‬
‫اب َحتَّى‬ ‫ِ‬ ‫اآْل ِخ ِر واَل يحِّرم ون ما ح َّرم اللَّه ورس ولُه واَل ي ِد ُينون ِدين اْلح ِّ ِ َِّ‬
‫ين أُوتُ وا اْلكتَ َ‬ ‫ق م ْن الذ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َُ ُ َ َ َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ون } [التوب ة‪ : 12]28،29 :‬أي ففي هذا عوض مما تخوفتم‬ ‫ص اغ ُر َ‬ ‫ُي ْعطُ وا اْل ِج ْزَي ةَ َع ْن َي د َو ُه ْم َ‬
‫من قطع األسواق ‪ ،‬فعوضهم اللّه بما قطع عنهم بأمر الشرك ‪ ،‬ما أعطاهم من أعناق أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬من الجزية ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ون‪[ ‬التوب ة‪ ]28،29 :‬قيل فيه‬ ‫قوله تع الى ‪َ  :‬حتَّى ُي ْعطُ وا اْل ِج ْزَي ةَ َع ْن َي د َو ُه ْم َ‬
‫ص اغ ُر َ‬
‫‪12‬‬

‫أربعة أقوال ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬أن يؤديها الذمي بنفسه ‪ ،‬وال يرسلها مع غيره ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يؤديها قائماً‪ ،‬والذي يأخذها قاعداً‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن معناه ‪ :‬عن قهر وإ ذالل ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن معناه عن يد منكم ‪ :‬أي ‪ٍ :‬ا نعام عليهم بحقن دمائهم ‪ ،‬وأخذ الجزية منهم بدال‬
‫من القتل ‪ ،‬كل هذه األقوال مذكورة في كتب المفسرين ‪ ،‬ولفظ آالية يتناول جميع هذه‬
‫ون بِاللَّ ِه َواَل‬
‫ين اَل ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫ِ َِّ‬
‫المعانى ‪ ،‬واللّه أعلم ‪ .‬ومعنى قوله تعالى في هذه اآلية ‪ :‬قَ اتلُوا الذ َ‬
‫بِاْلَي ْوِم اآْل ِخ ِر ‪ ‬وإ ن كان أهل الكتاب يصدقون باالخرة‪ ،‬فمعناه فيما ذكر ابن سالم أن‬
‫أهل الكتاب ال يقولون بإعادة االًجساد ويقولون إن األرواح هي التي تبعث دون االًجساد‪.‬‬
‫‪237‬‬

‫والفرية عليه ‪ ،‬ح تى‬ ‫ما ن زل في أهل الكت ابين ‪ :‬ثم ذكر أه َل الكت ابين بما فيهم من الش ِّر ِ‬
‫ِِ‬ ‫انتهى إلى قوله تع الى ‪َ { :‬كثِ ًيرا ِم ْن اأْل ْ‬
‫ون‬ ‫اس بِاْلَباط ل َوَي ُ‬
‫ص ُّد َ‬ ‫الن ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫الر ْهَب ِ‬
‫ان لََي ْأ ُكلُ َ‬
‫ون أ َْم َو َ‬ ‫َحَب ِار َو ُّ‬
‫اب أَِل ٍيم }‪.‬‬
‫يل اللَّ ِه فََب ِّش ْر ُهم بِ َع َذ ٍ‬
‫ْ‬
‫ونها ِفي س بِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ب َواْل ِف َّ‬
‫ض ةَ َواَل ُينفقُ َ َ‬
‫َّ‬
‫ون ال ذ َه َ‬
‫ِ‬
‫ين َي ْكن ُز َ‬
‫ع ْن س بِ ِ َّ ِ َِّ‬
‫يل الله َوالذ َ‬ ‫َ َ‬
‫[التوبة‪]34 :‬‬
‫ىء‪ ،‬وما ك انت الع رب أح دثت فيه ‪ ،‬والنس يء ما ك ان‬ ‫ما ن زل في النس يء ‪ :‬ثم ذكر النس َ‬
‫الش هُ ِ‬
‫ور‬ ‫ويح رم مما أحل اللّه منه ا‪ ،‬فق ال ‪ِ { -:‬إ َّن ِع َّدةَ ُّ‬ ‫ُيحل مما ح رم اللّه تع الى من الش هور‪ُ ،‬‬
‫ين‬
‫الد ُ‬‫ك ِّ‬ ‫ات َواألرض ِم ْنهَا أ َْرَب َع ةٌ ُح ُر ٌم َذِل َ‬
‫الس ماو ِ‬
‫ق َّ َ َ‬ ‫اب اللَّ ِه َي ْو َم َخلَ َ‬‫ِعْن َد اللَّ ِه اثَْنا َع َشر َش ْهرا ِفي ِكتَ ِ‬
‫َ ً‬
‫ظِل ُموا ِفي ِه َّن أ َْنفُ َس ُك ْم } [التوبة‪ :]36 :‬أي ال تجعلوا حرامها حالال‪ ،‬وال حاللها حراما ‪:‬‬ ‫ِّم فَاَل تَ ْ‬
‫اْلقَي ُ‬
‫ادةٌ ِفي اْل ُك ْف ِر‬‫يء ِزَي َ‬ ‫الن ِس يء } الذي كانوا يصنعون { ِإَّنما َّ ِ‬
‫النس ُ‬ ‫َ‬ ‫أي كما فعل أهل الشرك { ِإَّن َما َّ ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ ِ ُّ‬ ‫ونه ع ِ ِ ِ‬ ‫ين َكفَ ُروا ُي ِحلُّ َ‬ ‫ِ َِّ‬
‫اما لُي َواطُئوا ع َّدةَ َما َح َّر َم اللهُ فَُيحلوا َما َح َّر َم اللهُ‬
‫اما َوُي َحِّر ُم َ ُ َ ً‬ ‫ونهُ َع ً‬ ‫ض ُّل بِه الذ َ‬‫ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُزيِّن لَهم سوء أ ْ ِ‬
‫ين } [التوبة‪.]37 :‬‬ ‫َع َمال ِه ْم َواللهُ اَل َي ْهدي اْلقَ ْو َم اْل َكاف ِر َ‬ ‫َ ُْ ُ ُ‬
‫ما ن زل في تب وك ‪ :‬ثم ذكر تب وك وما ك ان فيها من تثاقل المس لمين عنه ا‪ ،‬وما أعظم وا من‬
‫غ زو ال روم ‪ ،‬حين دع اهم رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم إلى جه ادهم ‪ ،‬ونف اق من ن افق من‬
‫المنافقين حين ُدعوا إلى ما ُدعوا إليه من الجهاد‪ ،‬ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في ِ‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فقال‬
‫يل اللَّ ِه اثَّا َقْلتُ ْم ِإلَى األرض }[التوبة‪:‬‬ ‫انف روا ِفي س بِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُن وا َما لَ ُك ْم ِإ َذا قي َل لَ ُك ْم ُ‬ ‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫تعالى ‪َ { :‬ياأَيُّهَا الذ َ‬
‫يما َوَي ْستَْب ِد ْل قَ ْو ًما َغْي َر ُك ْم } إلى قوله تعالى‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫‪ ،]38‬ثم القصة إلى قوله تعالى‪ُ { : :‬ي َعذ ْب ُك ْم َع َذ ًابا أَل ً‬
‫ين َكفَ ُروا ثَ انِ َي اثَْن ْي ِن ِإ ْذ ُه َما ِفي اْل َغ ِار } [التوب ة‪:‬‬ ‫َِّ‬
‫َخ َر َج هُ الذ َ‬ ‫ص َرهُ اللَّهُ ِإ ْذ أ ْ‬
‫نص ُروهُ فَقَ ْد َن َ‬
‫اَّل‬
‫‪ِ { :‬إ تَ ُ‬
‫‪]40‬‬
‫ما نزل في أهل النفاق ‪ :‬ثم قال تعالى لنبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬يذكر أهل النفاق ‪ { :‬لَ ْو‬
‫ت‬‫ك َولَ ِك ْن َب ُع َد ْ‬ ‫َكان عرضا قَ ِريبا وسفَرا قَ ِ‬
‫اص ًدا اَل تََّب ُعو َ‬ ‫ً َ ًَ‬ ‫َ ََ ً‬
‫‪238‬‬

‫ون أَنفُ َس هُ ْم َواللَّهُ َي ْعلَ ُم ِإَّنهُ ْم‬ ‫ِ‬


‫ط ْعَنا لَ َخ َر ْجَنا َم َع ُك ْم ُي ْهل ُك َ‬
‫َّ ِ‬
‫ون بِالله لَ ْو ْ‬
‫اس تَ َ‬ ‫ِ‬
‫الش قَّةُ َو َس َي ْحلفُ َ‬ ‫َعلَْي ِهم ُّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ك الذ َ‬ ‫َّن لَ َ‬‫نت لَهُ ْم َحتَّى َيتََبي َ‬
‫ك ل َم أَذ َ‬‫ون }[التوبة‪ : ]42 :‬أي إنهم يستطيعون { َعفَا اللهُ َعْن َ‬ ‫لَ َكاذُب َ‬
‫ادو ُك ْم ِإاَّل َخَب ااًل‬ ‫ين } [التوب ة‪]43 :‬؟‪– ..‬إلى قوله ‪ { :‬لَ ْو َخ َر ُج وا ِفي ُك ْم َما َز ُ‬ ‫ِ‬
‫ص َدقُوا َوتَ ْعلَ َم اْل َك اذبِ َ‬‫َ‬
‫وأَل َوضعوا ِخاَل لَ ُكم ي ْب ُغ َ ِ‬
‫ون لَهُ ْم }‬‫اع َ‬ ‫ون ُك ْم اْلفتَْنةَ َو ِفي ُك ْم َس َّم ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫فاإليض اع ‪ :‬ال ض رب من‬ ‫ق ال ابن هش ام ‪ :‬أوض عوا خاللكم ‪ :‬س اروا بين أض عافكم ‪ِ ،‬‬
‫السير أسرع من المشى ؛ قال األجدع بن مالك الهَ ْمدانى ‪:‬‬
‫يضاع‬‫الش ِّد وا ِإل‬ ‫آلم ِد ّل ِ‬
‫بشأوه ب َشريج بين َّ‬
‫الو َحد ُ‬
‫ِ‬ ‫يصطاد ك َ‬
‫‪13‬‬
‫ُ‬
‫وهذا البيت في قصيدة له ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان الذين استأذنوه من َذ ِوي آلشرف ‪ ،‬فيما بلغني ‪ ،‬منهم ‪ :‬عبد اللّه بن‬
‫أبي ابن سلول ‪ ،‬والجد بن قيس وكانوا أشرافا في قومهم ‪ّ ،‬ثبطهم اللّه لعلمه بهم أن يخرجوا معه‬
‫‪ ،‬فيفس دوا عليه جن ده ‪ ،‬وك ان في جن ده ق وم أهل محبة لهم ‪ ،‬وطاعة فيما ي دعونهم إليه ‪ ،‬لش رفهم‬
‫ين* لَقَ ْد ْابتَ َغ ْوا اْل ِفتَْن ةَ ِم ْن قَْب ُل }‪ :‬أي‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم بِالظالم َ‬ ‫ون لَهُ ْم َواللهُ َعل ٌ‬‫اع َ‬ ‫فيهم ‪ .‬فقال تعالى ‪َ { :‬و ِفي ُك ْم َس َّم ُ‬
‫ور } ‪ :‬أي ليخ ذلوا عنك أص حابك وي ردوا عليك‬ ‫ُم َ‬ ‫من قبل أن يس تأذنوك ‪َ { ،‬و َقلَُّب وا لَ َ‬
‫ك اأْل ُ‬
‫ون* َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َيقُ و ُل ا ْئ َذ ْن ِلي َواَل تَ ْفتِِّني أَاَل‬ ‫َّ ِ‬
‫ظهَ َر أ َْم ُر الله َو ُه ْم َك ِار ُه َ‬
‫ق َو َ‬ ‫أمرك { َحتَّى َج َ‬
‫اء اْل َح ُّ‬
‫ِفي اْل ِفتَْن ِة َسقَطُوا } [التوبة‪ ،]48،49 :‬وكان الذي قال ذلك ‪ ،‬فيما ُسمى لنا‪،‬‬
‫الج ُّد بن قيس ‪ ،‬أخو بني َسِلمة‪ ،‬حين دعاه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم إلى جهاد‬ ‫َ‬

‫يريد بالوحد ‪ :‬الف رس الواح د‪ .‬ش أوه ‪ :‬س بقه ‪ .‬الش ريج ‪ :‬الن وع ‪ .‬الشد واإليض اع ‪:‬‬ ‫‪13‬‬

‫نوعان‬
‫من الجري ‪.‬‬
‫‪239‬‬

‫ات أ َْو ُم َّد َخاًل لَ َولَّ ْوا‬


‫ال روم ‪ .‬ثم ك انت القصة إلى قوله تع الى ‪ { :‬لَ و ي ِج ُدون مْلج أً أَو م َغ ار ٍ‬
‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ط ْوا ِم ْنهَا‬ ‫ض وا َوإِ ْن لَ ْم ُي ْع َ‬ ‫ِ‬
‫ُعطُ وا م ْنهَا َر ُ‬
‫الص َدقَ ِ‬
‫ات فَ ِإ ْن أ ْ‬ ‫ك ِفي َّ‬ ‫ون* َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َيْل ِم ُز َ‬ ‫ِ‬
‫ِإلَْي ه َو ُه ْم َي ْج َم ُح َ‬
‫ون } [التوبة‪ : ]57،58 :‬أي إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم ‪.‬‬ ‫ِإ َذا ُه ْم َي ْس َخطُ َ‬
‫ما نزل في اصحاب الصدقات ‪ :‬ثم بين الصدقات لمن هي‪،‬‬
‫وبهُ ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اء واْلمس ِ‬
‫اك ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َدقَ ُ ِ‬‫وس َّمى أهلَها‪ ،‬فقال ‪ِ { :‬إَّن َما َّ‬
‫ين َعلَْيهَا َواْل ُم َؤلفَ ة ُقلُ ُ‬
‫ين َواْل َع امل َ‬ ‫ات لْلفُقَ َر َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ َّ ِ‬ ‫يل اللَّ ِه َوِا ْب ِن َّ‬
‫الس بِ ِ‬ ‫ين و ِفي س بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِفي ِّ ِ‬
‫يم }‪[.‬التوب ة‪:‬‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫يض ةً م ْن الله َواللهُ َعل ٌ‬‫يل فَ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫الرقَ اب َواْل َغ ِارم َ َ‬ ‫َ‬
‫‪]61‬‬
‫غش هم وأذاهم الن بي ص لى اهلل‬ ‫ما نزل فيمن آذوا الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ثم ذكر َّ‬
‫ون ُه َو أُ ُذ ٌن ُق ْل أُ ُذ ُن َخ ْي ٍر لَ ُك ْم ُي ْؤ ِم ُن بِاللَّ ِه‬
‫النبِ َّي َوَيقُولُ َ‬
‫ون َّ‬
‫ين ُي ْؤ ُذ َ‬
‫َِّ‬
‫عليه وس لم ‪ ،‬فق ال ‪َ { :‬و ِم ْنهُ ْم الذ َ‬
‫ول اللَّ ِه لَهم ع َذ ٌ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫َِِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم }‪[.‬التوب ة‪:‬‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ون َر ُس َ‬ ‫ين ُي ْؤ ُذ َ‬
‫آمُن وا م ْن ُك ْم َوالذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َوُي ْؤ ِم ُن لْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َو َر ْح َم ةٌ للذ َ‬
‫‪ ]62‬وك ان ال ذي يق ول تلك المقال ة‪ ،‬فيما بلغ ني ‪َ ،‬ن ْبتل بن الح ارث أخو ب ني عم رو بن ع وف ‪،‬‬
‫ص َّدقه ‪.‬يق ول اللّه‬
‫وفيه ن زلت ه ذه االي ة‪ ،‬وذلك أنه ك ان يق ول ‪ :‬إنما محم ُد أ ُذن ‪ ،‬من حدثه ش يئا َ‬
‫تعالى ‪ُ { :‬ق ْل أُ ُذ ُن َخ ْي ٍر لَ ُك ْم } ‪ :‬أي يسمع الخير ويصدق به ‪.‬‬
‫ض وهُ ِإ ْن َك ُانوا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن ُي ْر ُ‬ ‫ق أْ‬ ‫َح ُّ‬ ‫ض و ُك ْم َواللهُ َو َر ُس ولُهُ أ َ‬ ‫ون بِالله لَ ُك ْم لُي ْر ُ‬ ‫ثم ق ال تع الى ‪َ { :‬ي ْحلفُ َ‬
‫ب ُق ْل أَبِاللَّ ِه َو َآياتِ ِه َو َر ُس وِل ِه ُكنتُ ْم‬ ‫ِ‬
‫ين }‪ .‬ثم قال ‪َ { :‬ولَئ ْن َس أَْلتَهُ ْم لََيقُ ولُ َّن ِإَّن َما ُكَّنا َن ُخ ُ‬
‫وض َوَنْل َع ُ‬
‫ِ‬
‫ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ون }‪[.‬التوبة‪ . .]65 :‬إلى‬ ‫تَ ْستَ ْه ِزُئ َ‬
‫طائِفَ ةً } ‪ ،‬وك ان ال ذي ق ال ه ذه المقالة‬ ‫ب َ‬ ‫طائِفَ ٍة ِم ْن ُك ْم ُن َع ِّذ ْ‬
‫ف َع ْن َ‬ ‫قوله تع الى ‪ِ { :‬إ ْن َن ْع ُ‬
‫فى عنه ‪ ،‬فيما‬ ‫وديعة بن ثابت ‪ ،‬أخو بني أمية بن زيد‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬وكان الذي ُع َ‬
‫بلغني ‪ُ :‬م َخ ِّشن بن ُح َميِّر األشجعي‪ ،‬حليف بني َسِلمة‪ .‬وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع ‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫النبِ ُّي َجاه ْد اْل ُكفَّ َار َواْل ُمَن افق َ‬
‫ين‬ ‫ثم القصة من صفتهم حتى انتهى إلى قوله تعالى ‪َ { :‬ياأَيُّهَا َّ‬
‫ون بِاللَّ ِه َما قَالُوا َولَقَ ْد قَالُوا َكِل َمةَ اْل ُك ْف ِر َو َكفَ ُروا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم َجهََّن ُم َوبِْئ َس اْل َمص ُير* َي ْحلفُ َ‬ ‫ظ َعلَْي ِه ْم َو َمأ َْو ُ‬‫اغلُ ْ‬
‫َو ْ‬
‫ض ِل ِه }‪ .‬إلى قوله ‪{ :‬‬ ‫اه ْم اللَّهُ َو َر ُس ولُهُ ِم ْن فَ ْ‬
‫َغَن ُ‬ ‫َن أ ْ‬ ‫َب ْع َد ِإ ْساَل ِم ِه ْم َو َه ُّموا بِ َما لَ ْم َيَنالُوا َو َما َنقَ ُم وا ِإاَّل أ ْ‬
‫الجالس بن ُس َويد بن‬ ‫ص ٍ‬ ‫ِم ْن وِل ٍّي واَل َن ِ‬
‫ير } [التوب ة‪ .]73،74 :‬وك ان ال ذي ق ال تلك المقالة ُ‬ ‫َ َ‬
‫ص امت ‪ ،‬فرفعها عليه رج ٌل ك ان في ِحج ره ‪ ،‬يق ال له ُعم ير بن س عد‪ ،‬فأنكرها وحلف باللّه ما‬
‫قالها‪ ،‬فلما نزل فيهم القرآن تاب ونزع ‪ ،‬وحسنت حاله وتوبته ‪ ،‬فيما بلغني‬
‫ون َّن ِم ْن‬
‫ص َّدقَ َّن َولََن ُك َ‬ ‫ض ِل ِه لََن َّ‬ ‫اه َد اللَّهَ لَئِ ْن آتَ َانا ِم ْن فَ ْ‬‫‪ .‬ثم ق ال تع الى ‪َ { :‬و ِم ْنهُ ْم َم ْن َع َ‬
‫وم َعتِّب بن قُ َش ير‪،‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ين } [التوب ة‪ ]75 :‬وك ان ال ذي عاهد اللّه منهم ثعلبة بن ح اطب ‪ُ ،‬‬ ‫الص الح َ‬
‫وهما من بني عمرو بن عوف ‪.‬‬
‫ات والَِّذين اَل َي ِج ُدون ِإاَّل‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ثم ق ال ‪ { :‬الَِّذين يْل ِم ُزون اْلمطَّ ِّو ِع ِ‬
‫َ‬ ‫الص َدقَ َ َ‬ ‫ين م ْن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬
‫يم } [التوب ة‪ ]79 :‬وك ان المطَّ ِّوع ون من‬ ‫جه َد ُهم فَيس َخرون ِم ْنهم س ِخر اللَّه ِم ْنهم ولَهم ع َذ ٌ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫ُ ْ ْ َ ْ ُ َ ُْ َ َ ُ ُْ َ ُْ َ‬
‫المؤمنين في الصدقات عبد الرحمن‬
‫ابن عوف ‪،‬وعاصم بن عدي أخا بني العجالن ‪ ،‬وذلك أن رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رغب في الصدقة‪ ،‬وحض عليها‪ ،‬فقام عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬فتصدق‬ ‫َّ‬
‫ي ‪ ،‬فتصدق بمائة َو ْسق من‬ ‫ِ‬
‫بأربعةاالف درهم ‪ ،‬وقام عاصم بن َعد ّ‬
‫تمر‪ ،14‬فلمزوهما‪ ،‬وقالوا ما هذا إال رياء‪ ،‬وكان الذي تصدق بجهده أبو‬
‫عقيل أخو بني أنيف‪ ، 15‬أتى بصاع من تمر‪ ،‬فأفرغها في الصدقة‪،‬‬

‫‪ 14‬الوسق ‪ :‬هو حمل بعير يقال عنده وسق من تمر والجمع وسوق مثل فلس وفلوس ‪ ،‬قال‬
‫األزهري ‪ :‬الوسق ستون صاعا بصاع النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬والصاع خمسة‬
‫أرطال وثلث ‪،‬‬
‫والوسق على هذا الحساب مائة وستون َمناً‪ ،‬والوسق ثالثة آًقفزة وحكى بعضهم الكسر لغة‬
‫وجمعه أوساق مثل حمل وأحمال ‪.‬‬
‫‪ 15‬اسمه جثجاث وقد قيل في صاحب الصاع إنه رفاعة بن سهل ‪.‬‬
‫‪241‬‬

‫لغنى عن صاع أبي عقيل ‪.‬‬


‫فتضاحكوا به ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن اهللّ ٌّ‬
‫ثم ذكر ق ول بعض هم لبعض ‪ ،‬حين أمر رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بالجه اد‪ ،‬وأمر‬
‫بالسير إلى تَُب وك ‪ ،‬على شدة الحر وجدب البالد‪ ،‬فقال تعالى ‪َ { :‬وقَ الُوا اَل تَ ِنف ُروا ِفي اْل َح ِّر ُق ْل‬
‫ك‬‫ض َح ُكوا َقِلياًل َوْلَي ْب ُكوا َكثِ ًيرا } إلى قوله ‪َ { :‬واَل تُ ْع ِج ْب َ‬ ‫َن ُار َجهََّن َم أَ َش ُّد َح ًّرا لَ ْو َك ُانوا َي ْفقَهُ َ‬
‫ون* َفْلَي ْ‬
‫أ َْم َوالُهُ ْم َوأ َْواَل ُد ُه ْم }‪[.‬التوبة‪]85 :‬‬
‫ما نزل بسبب ‪ -‬الصالة على ابن أبي ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ ، :‬وحدثني الزهري عن ُعبيد اللّه‬
‫سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬لما تُوفي عبد اللّه‬
‫ُ‬ ‫بن عبد اللّه بن ُعتبة‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عي رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم للص الة عليه ‪ ،‬فق ام إليه ‪ ،‬فلما وقف عليه يريد‬
‫بن أبي ‪ُ ،‬د َ‬
‫ولت ح تى قمت في ص ِ‬
‫دره ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رس ول اللّه ‪ ،‬أتص لى على ع دو اللّه عبد اللّه‬ ‫الص الة‪ ،‬تح ُ‬
‫أيامه ‪ ،‬ورسول اللّه صلى اهلل‬
‫أعدد َ‬
‫بن أبي ابن َسلول ؟ القائل كذا يوم كذا‪ ،‬والقائل كذا يوم كذا ؟ َ‬
‫أخر عني‪ ،‬إني قد ُخيرت فاخترت ‪ ،‬قد قيل لي‬ ‫عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت قال ‪ :‬يا عمر‪ِّ ،‬‬
‫ين َم َّرةً َفلَ ْن َي ْغ ِف َر اللَّهُ لَهُ ْم } ‪[،‬التوبة‪ ]80 :‬فلو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْغف ْر لَهُ ْم أ َْو اَل تَ ْستَ ْغف ْر لَهُ ْم ِإ ْن تَ ْستَ ْغف ْر لَهُ ْم َس ْبع َ‬
‫{ ْ‬
‫أعلم أنى إن زدت على الس بعين غفر له ‪،‬ل زدت‪ .‬ق ال ‪ :‬ثم ص لى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم ومشى معه حتى قام على قبره ‪ ،‬حتى فرغ منه ‪ .‬قال ‪ :‬فعجبت لي ولجرأتي على رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم واللّه ورسوله أعلم ‪ .‬فواللّه ما كان إال يسيراً حتى نزلت هاتان اآليتان‬
‫ات أََب ًدا َواَل تَقُ ْم َعلَى قَْب ِر ِه ِإَّنهُ ْم َكفَ ُروا بِاللَّ ِه َو َر ُس وِل ِه َو َم اتُوا َو ُه ْم‬
‫َح ٍد ِم ْنهُ ْم َم َ‬
‫ص ِّل َعلَى أ َ‬
‫‪َ { :‬واَل تُ َ‬
‫ون } [التوب ة‪ ]84 :‬فما ص لى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بع ده على من افق ح تى‬ ‫ِ‬
‫فَاس قُ َ‬
‫قبضه اللّه تعالى ‪.‬‬
‫‪242‬‬

‫ما ن زل في المس تأذنين والمع ذرين والبك ائين ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ثم ق ال تع الى ‪َ { :‬وإِ َذا‬
‫ك أ ُْولُ وا الطَّ ْو ِل ِم ْنهُ ْم } ‪[.‬التوب ة‪]86 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن آمُن وا بِالله َو َجاه ُدوا َم َع َر ُس وِله ْ‬
‫اس تَْأ َذَن َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ت س ورةٌ أ ْ ِ‬
‫أُن ِزلَ ْ ُ َ‬
‫الر ُس و ُل‬ ‫وك ان ابن أبي من أولئك ‪ ،‬فنعى اللّه ذلك عليه ‪ ،‬وذك ره منه ‪ ،‬ثم ق ال تع الى ‪ { :‬لَ ِك ْن َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ات َوأ ُْولَئِ َ‬ ‫اه ُدوا بِأ َْم َو ِال ِه ْم َوأَنفُ ِس ِه ْم َوأ ُْولَئِ َ‬ ‫َِّ‬
‫َع َّد اللهُ‬‫ون* أ َ‬ ‫ك ُه ْم اْل ُم ْفل ُح َ‬ ‫ك لَهُ ْم اْل َخ ْي َر ُ‬ ‫آمُنوا َم َعهُ َج َ‬ ‫ين َ‬‫َوالذ َ‬
‫ون ِم ْن‬ ‫ِّ‬
‫اء اْل ُم َع ذ ُر َ‬ ‫يم* َو َج َ‬
‫ِ‬
‫ك اْلفَ ْو ُز اْل َعظ ُ‬ ‫ين ِفيهَا َذِل َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَهُ ْم َجَّنات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحتهَا اأْل َْنهَ ُار َخال د َ‬
‫ٍ‬
‫ين َك َذُبوا اللَّهَ َو َر ُس ولَهُ }‪[.‬التوب ة‪ 88 :‬ـ‪ . . ]90‬إلى آخر القصة ‪.‬‬ ‫َِّ‬ ‫َع ر ِ ِ‬
‫اب لُي ْؤ َذ َن لَهُ ْم َوقَ َع َد الذ َ‬ ‫اأْل ْ َ‬
‫رحضة‪ ،16‬ثم ك انت‬ ‫ِ‬
‫وك ان المع ذرون ‪ ،‬فيما بلغ ني نف راً من ب ني غف ار‪ ،‬منهم ُخف اف بن ْأيم اء بن َ‬
‫َج ُد َما‬ ‫ت اَل أ ِ‬ ‫ك ِلتَ ْح ِملَهُ ْم ُقْل َ‬
‫ين ِإ َذا َما أَتَ ْو َ‬ ‫َِّ‬
‫القصة ألهل الع ذر‪ ،‬ح تى انتهى إلى قوله ‪َ { :‬واَل َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬ ‫اَّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َح ِملُ ُك ْم َعلَْي ِه تََولَّوا َوأ ْ‬
‫ون } ([التوب ة‪ ]92 :‬وهم‬ ‫يض م ْن ال َّد ْم ِع َح َزًنا أَ َي ِج ُدوا َما ُينفقُ َ‬ ‫َعُيُنهُ ْم تَف ُ‬ ‫أْ‬
‫البكاءون ‪.‬‬
‫ك و ُهم أ ْ ِ‬ ‫ين َي ْس تَأ ِْذُن َ‬ ‫َِّ‬
‫ون وا َم َع‬ ‫ض وا بِ أ ْ‬
‫َن َي ُك ُ‬ ‫اء َر ُ‬ ‫َغنَي ُ‬ ‫ون َ َ ْ‬ ‫الس بِي ُل َعلَى الذ َ‬ ‫ثم ق ال تع الى ‪ِ { :‬إَّن َما َّ‬
‫ون } الخوالف ‪ :‬النس اء‪ .‬ثم ذكر َحِلفَهم للمس لمين‬ ‫َّ‬
‫طَب َع اللهُ َعلَى ُقلُ وبِ ِه ْم فَهُ ْم اَل َي ْعلَ ُم َ‬ ‫ف َو َ‬ ‫اْل َخو ِال ِ‬
‫َ‬
‫واعتذارهم ‪،‬‬
‫َّ‬
‫ض ْوا َع ْنهُ ْم فَ ِإ َّن اللهَ اَل َي ْر َ‬
‫ضى‬ ‫ض وا َعْنهُ ْم } ‪ ،‬إلى قوله تع الى ‪ { :‬فَ ِإ ْن تَْر َ‬
‫َع ِر ُ‬
‫فق ال ‪ { :‬فَأ ْ‬
‫ِِ‬
‫ين }‪[.‬التوبة‪]96 :‬‬ ‫َع ْن اْلقَ ْوِم اْلفَاسق َ‬
‫ما ن زل في من افقي األع راب ‪ :‬ثم ذكر األع راب ومن ن افق منهم وتربص هم برس ول اللّه‬
‫ق } ‪ :‬أي من‬ ‫اب َم ْن َيتَّ ِخ ُذ َما ُي ِنف ُ‬
‫َع ر ِ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم وب المؤمنين ‪ ،‬فق ال ‪َ { :‬و ِم ْن اأْل ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الد َوائَِر َعلَْي ِه ْم َدائِ َرةُ َّ‬
‫الس ْو ِء َواللهُ َس ميعٌ َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫َّص بِ ُك ْم َّ‬
‫صدقة أو نفقة في سبيل اللّه { َم ْغ َر ًما َوَيتَ َرب ُ‬
‫}‪[.‬التوبة‪]98 :‬‬

‫يقال فيه ‪ :‬رحضة بالضم ابن خربة‪ ،‬وكان له وألبيه إيماء ولجده رحضة صحبة‪ ،‬مات‬ ‫‪16‬‬

‫خفاف في خالفة عمر بن الخطاب ‪ -‬رضى اهلل عنه ‪ -‬وكان إماماً لبني غفار‪.‬‬
‫‪243‬‬

‫واإليم ان منهم ‪،‬‬ ‫اإلخالص ِ‬ ‫راب أه َل ِ‬‫ما ن زل في المخلص ين من األع راب ‪ :‬ثم ذكر األع َ‬
‫ات ِع ْن َد اللَّ ِه وص لَو ِ‬
‫ق قُرب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َع ر ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ َ‬ ‫اب َم ْن ُي ْؤ ِم ُن بِالله َواْلَي ْوِم اآْل خ ِر َوَيتَّخ ُذ َما ُينف ُ ُ َ‬ ‫فقال ‪َ { :‬و ِم ْن اأْل ْ َ‬
‫الرس ِ‬
‫ول أَاَل ِإَّنهَا قُْرَبةٌ لَهُ ْم }‪[.‬التوبة‪]99 :‬‬ ‫َّ ُ‬
‫ما نزل في السابقين من المهاجرين واألنصار والتابعين لهم بإحسان ‪ :‬ثم ذكر السابقين‬
‫األولين من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وفضلَهم ‪،‬‬
‫ض َي‬ ‫ما وع دهم اللّه من حسن ثوابه إي اهم ‪ ،‬ثم ألحق بهم الت ابعين لهم بإحس ان فق ال ‪ { :‬ر ِ‬
‫َ‬
‫َه ِل‬
‫ون َو ِم ْن أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َع ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اب ُمَن افقُ َ‬ ‫ض وا َعْن هُ } ثم ق ال تع الى ‪َ { :‬و ِم َّم ْن َح ْولَ ُك ْم م ْن اأْل ْ َ‬ ‫اللهُ َع ْنهُ ْم َو َر ُ‬
‫ق } أي لج وا فيه ‪ ،‬وأب وا غ يره { َس ُن َع ِّذُبهُ ْم َم َّرتَْي ِن } والع ذاب ال ذي‬ ‫اْل َم ِد َين ِة َم َر ُدوا َعلَى ِّ‬
‫النفَ ا ِ‬
‫اإلس الم ‪ ،‬وما ي دخل عليهم من‬ ‫أوع ده اللّه تع الى م رتين ‪ ،‬فيما بلغ ني غمهم بما هم فيه من أمر ِ‬
‫غيظ ذلك على غير ِحسبة‪ ،‬ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها‪ ،‬ثم العذاب العظيم الذين ُي ردون‬
‫ص ِال ًحا‬
‫اعتََرفُوا بِ ُذُنوبِ ِه ْم َخلَطُ وا َع َماًل َ‬ ‫ون ْ‬ ‫آخ ُر َ‬‫إليه ‪ ،‬عذاب النار والخلد فيه ‪ .‬ثم قال تعالى ‪َ { :‬و َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يم } [التوب ة‪ ]102 :‬ثم ق ال تع الى ‪{ :‬‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫وب َعلَْي ِه ْم ِإ َّن اللهَ َغفُ ٌ‬ ‫آخ َر َس يًِّئا َع َس ى اللَّهُ أ ْ‬
‫َن َيتُ َ‬ ‫َو َ‬
‫طهِّ ُر ُه ْم َوتَُز ِّكي ِه ْم بِهَا } [التوبة‪]103 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخ ْذ م ْن أ َْم َوال ِه ْم َ‬
‫ص َدقَةً تُ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ون ُم ْر َج ْو َن أِل َْم ِر الله ِإ َّما ُي َع ِّذُبهُ ْم َوإِ َّما َيتُ ُ‬
‫وب‬ ‫آخ ُر َ‬ ‫إلى أخر القصة ‪ .‬ثم ق ال تع الى ‪َ { :‬و َ‬
‫َعلَْي ِه ْم } ‪ ،‬وهم الثالثة الذين ُخلفوا‪ ،‬وأرجأ رسول آللّه صلى اهلل عليه وسلم أمرهم حتى أتت من‬
‫ض َر ًارا }‪[.‬التوب ة‪ . . ]107 :‬إلى آخر‬ ‫اللّه ت وبتُهم ‪ .‬ثم ق ال تع الى ‪ { :‬والَِّذين اتَّ َخ ُذوا مس ِج ًدا ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ين أَنفُ َس هُ ْم َوأ َْم َوالَهُ ْم بِ أ َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القصة ‪ .‬ثم ق ال تع الى ‪ِ { :‬إ َّن اللَّهَ ْ‬
‫َن لَهُ ْم اْل َجَّنةَ }‬ ‫اش تََرى م ْن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫[التوبة‪ ]111 :‬ثم كان قصة الخبر عن تبوك ‪ ،‬وما كان فيها إلى أخر السورة ‪.‬‬
‫وك انت ب راءة تُس مى في زم ان الن بي ص لى اهلل عليه وس لم وبع ده المبعثِ رة‪ ،‬لما كش فت من‬
‫سرائر الناس‪ .‬وكانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪244‬‬

‫حسان يعدد مغازيه صلى اهلل عليه وسلم شعراً‬


‫بي ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وي ذكر‬
‫وق ال حس ان بن ث ابت يع دد مغ ازي األنص ار مع الن ِّ‬
‫مواطنهم معه في أيام غزوه ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وتروى البنه عبد الرحمن بن حسان ‪:‬‬
‫صلوا‬ ‫ومعشراً إن ُهم عمواوإ ن ح ِ‬ ‫خير َم َع ٍّد كلِّها نفراً‬
‫ألست َ‬
‫‪17‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪18‬‬ ‫ِ‬
‫الرسول فما ألَ ْوا وما َخ َذلوا‬ ‫مع‬ ‫ِ‬
‫بأجمعهم‬ ‫قوم ُه ُم شهدوا بدراً‬
‫‪19‬‬
‫ك في إيمانهم َد َخ ُل‬ ‫منهم ولم ي ُ‬ ‫أحد‬
‫ث به ٌ‬ ‫وبايعوه فلم َي ْن ُك ْ‬
‫كحر ِ‬
‫النار ُمشتَع ُل‬ ‫رصين ِّ‬ ‫ب‬
‫ض ْر ٌ‬ ‫عب من ٍ‬ ‫الش ِ‬
‫ويوم صبَّحهم في ِّ‬
‫أحد َ‬
‫‪20‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫على الجياد فما َخاموا وما نكلوا‬ ‫يوم استثار بهم‬ ‫ٍ‬
‫ويوم ذي قََرد َ‬
‫‪21‬‬
‫َ‬
‫‪22‬‬
‫واألس ُل‬ ‫البيض‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرسول عليها‬ ‫بخيلهم مع‬ ‫وذا العشير ِة جاسوها‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الح ْزن والجب ُل‬ ‫بالخيل حتى نهانا َ‬ ‫أجلَوا أهلَه َرقَصا‬ ‫ويوم َو َّدان ْ‬
‫‪23‬‬
‫َ‬
‫للّ ِه واهللّ َيجزيهم بما َع ِملوا‬ ‫هم‬
‫عدو ُ‬
‫وليلةً طلبوا فيها َّ‬

‫نسب حسان نفسه لمعد وهو ليس من معد ولكن أراد ‪ :‬ألست خير الناس ‪ ،‬فأقام معدا لكثرتها‬ ‫‪17‬‬

‫مقام الناس ‪ .‬وحصلوا ‪ :‬أصلها بتشديد الصاد وخففها لضرورة الشعر‪ .‬ومعنى حصلوا ‪:‬‬
‫جمعوا‪.‬‬
‫ألوا ‪ :‬قصروا ‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫د خل ‪ :‬فساد ‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫رصين ‪ :‬ثابت ‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫الع ُد ّو ُن ُك وال من ب اب قعد وه ذه لغة الحج از ونكل‬


‫خ ام ‪ :‬جبن وتراجع ‪ .‬نكلت ‪ :‬عن َ‬
‫‪21‬‬

‫َن َكال‬
‫الجبن والتأخر‪ ،‬قال اًبو زيد ‪ :‬نكل إذا أراد أن‬ ‫ِ‬
‫عى وهو ُ‬
‫األصم ّ‬
‫َ‬ ‫من باب تعب لغة ومنعها‬
‫يصنع شيئا فهابه ‪ ،‬ونكل عن اليمين امتنع منها ون َكل به ين ُكل من باب قتل ُن ْكلة قبيحة‬
‫أصابه بنازلة‪َّ ،‬‬
‫ونكل به بالتشديد مبالغة أيضا واالسم الن َكال ‪.‬‬
‫جاسوها ‪ :‬وطئوها‪ .‬البيض ‪ :‬السيوف ‪ :‬األسل ‪ :‬الرماح ‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫الرقص ‪ :‬نوع من المشي ‪ .‬والحزن ‪ :‬األرض الغليظة المرتفعة ‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫‪245‬‬

‫األسالب َّ‬
‫والن َف ُل‬ ‫ِ‬
‫الرسول بها‬ ‫مع‬ ‫نجد ثم كان لهم‬ ‫وغزوةً يوم ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪24‬‬ ‫ِ‬
‫بالحرب إذ َنهَلوا‬ ‫يعلّهم‬
‫فيها َ‬ ‫بحَنين جالدوا معه‬
‫وليلةً ُ‬
‫‪25‬‬
‫الر َس ُل‬
‫رب َّ‬ ‫فرق دون ِ‬
‫الم ْش ِ‬ ‫العدو به كما تُ َّ‬
‫القاع فََّرقنا َّ‬
‫وغزوةَ ِ‬
‫َ‬
‫فآس ْوه وما َع َدلوا‬ ‫على ِ ِ‬ ‫ويوم ُبويع كانوا أه َل بيعتِه‬
‫الجالد َ‬ ‫َ‬
‫مرابطين فما طا ُشوا وما َع ِجلوا‬ ‫الفتح كانوآ في َسريَّته‬ ‫وغزوةَ ِ‬
‫ط ُل‬ ‫يمشون كلُّهم ُم ْستبس ٌل ب َ‬ ‫ِ‬
‫كتيبته‬ ‫خيبركانوا في‬ ‫ويوم َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وتعتد ُل‬ ‫ِ‬
‫الضرب أحياناً‬ ‫األيمان عاريةً تَ ْع َو ُّج في‬ ‫ش في ْ‬ ‫ِ‬
‫بالبيض تَْر َع ُ‬
‫األو ُل‬
‫وهم راياتهُ َ‬ ‫وك ْ‬ ‫إلى تَُب َ‬ ‫سار رسو ُل اللّ ِه ُم ْحتَ ِسباً‬ ‫ويوم َ‬
‫َ‬
‫لهم ا ِإلقبا ُل والقَ َف ُل‬ ‫ِ‬
‫بدا ُ‬ ‫لهم حتى َ‬ ‫بدت ُ‬
‫حرب ْ‬ ‫وساسةُ الحرب إن‬
‫‪26‬‬
‫ٌ‬
‫ص ُل‬ ‫أصير إليهم حين أتَّ ِ‬ ‫قومى ِ‬ ‫أنصار النبي وهم‬ ‫القوم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أولئك ُ‬
‫سبيل اللّه إذ قُتلوا‬ ‫وقتلُهم في ِ‬ ‫هم‬
‫عهود ُ‬
‫ُ‬ ‫ماتوا ِكراماً ولم تُْن َك ْ‬
‫ث‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬عجز اخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال حسان بن ثابت أيضاً ‪:‬‬
‫سالم كان لنا الفض ُل ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فلما أتى آإل ُ‬ ‫محمد‬ ‫الناس قب َل‬ ‫ك‬
‫كنا ملو َ‬
‫بأيام مضت ما لها َش ْك ُل‬ ‫ٍ‬ ‫غيره إلهٌ‬
‫وأكرمنا اللّه الذي ليس َ‬
‫ضى ما له ِمثْ ُل‬ ‫وألبسناه اسماً َم َ‬ ‫والرسول ودينِه‬
‫ِ‬ ‫بنصر ا ِإل ِ‬
‫له‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬
‫أه ُل‬
‫فقومي له ْ‬ ‫فماع َّدمن ٍ‬ ‫قوم ِ‬‫خير ٍ‬
‫خير ْ‬ ‫ُ‬ ‫بأسرهم‬ ‫أولئك قومى ُ‬
‫ون معرو ِفهم قُ ْف ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ُربُّون بالمعروف معروف َم ْن مضى وليس عليهم ُد َ‬
‫‪27‬‬

‫يعلهم ‪ :‬يكرر عليهم ‪ ،‬من العلل وهو الشرب الثانى ‪ .‬نهلوا ‪ :‬شربوا الشرب األول ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫الرسل ‪ :‬اإلبل ‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫القفل ‪ :‬الرجوع ‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫يربون ‪ :‬يصلحون ‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫‪246‬‬

‫عندهم ُب ْخ ُل‬‫سؤ ِالهم َ‬


‫وليس على َّ‬ ‫ِّهم‬
‫إذا اختبطوا لم يفحشوا في ندي ُ‬
‫‪28‬‬

‫مهم َسه ُل‬ ‫فحربهم حتْ ٌ ِ‬


‫ف وسْل ْ‬ ‫وإ ن حاربوا أو سالموا لم ُي َشبَّهوا‬
‫‪29‬‬
‫ُْ ُ َ‬
‫والب ْذ ُل ‪.‬‬ ‫وجارهم م ٍ‬
‫له ‪-‬ماثََوى فينا‪-‬الكرامةُ َ‬ ‫بعلياء بيته‬
‫َ‬ ‫وف‬ ‫ُ ُ‬
‫عليهاوالخ ْذ ُل‬ ‫رم‬ ‫بكل حمالةٍ‬
‫ِّ‬ ‫وحاملُهم موفٍ‬
‫َ‬ ‫الغ ٌ‬
‫تحمل ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪30‬‬
‫كمهم َع ْدل‬
‫وح ُ‬ ‫وحلمهم َع ْود ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق إن قال قائل‬ ‫وقائلهم‬
‫ُ‬
‫‪31‬‬
‫ومن غسَّلته من جنابتِه ُّ‬
‫الر ْس ُل‬ ‫أمير المسلمين حياتَه‬
‫ومنا ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وقوله ‪ " :‬وألبسناه اسما " عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال حسان بن ثابت أيضاً ‪:‬‬
‫الضيف يومأ ألَ ْم‬ ‫ُ‬ ‫كرام إذا‬ ‫ك ِإ ْن تسألى‬
‫قومى أولئ َ‬
‫ِ ‪32‬‬ ‫ي ُكبُّون فيها ِ‬
‫المس َّن السَّن ْم‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬
‫أليسارهم‬ ‫عظام القُ ِ‬
‫دور‬ ‫ُ‬
‫موالهم إن ظُ ْلم‬ ‫ويحمون‬ ‫هم في ِ‬
‫الغنى‬ ‫يؤاسون جار ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضباً ٍ‬
‫بأمر ُغ ُش ْم‬ ‫نادون َع ْ‬
‫ُي ُ‬ ‫يهم‬ ‫ِ‬
‫فكانوا ملوكاَ بأرض ُ‬

‫اختبطوا ‪ :‬قصدوا‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫الجوهري ‪ :‬وال يبنى منه فعل ‪ .‬يقال مات حتف‬


‫ّ‬ ‫الحتف ‪ :‬الهالك قال ابن فارس وتبعه‬ ‫‪29‬‬

‫أنفه‬
‫األزهري ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الصغانى ‪ :‬وال غرق وال حرق ‪ .‬وقال‬
‫ّ‬ ‫إذا مات من غير ضرب وال قتل وزاد‬
‫لم‬
‫أسمع للحتف فعال وحكاه ابن القوطية فقال ‪ :‬حتفه اللّه يحتفه حتفا أي من باب ضرب إذا‬
‫أماته ‪ ،‬ونقل الع دل مقب ول ‪ ،‬ومعن اه أن يم وت على فراشه فيتنفس ح تى ينقضي رمقه ‪،‬‬
‫ولهذا‬
‫خص األنفى‪ ،‬ومنه يقال للسمك يموت في الماء ويطفو ‪ :‬مات حتف أنفه ‪ ،‬وهذه الكلمة‬
‫تكلم بها أهل الجاهلية قال السموأل ‪:‬‬
‫وما مات منا سيد حتف أنفه "‬
‫عود ‪ :‬متكر ر ‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫أمير المسلمين ‪ :‬هو سعد بن معاذ فإن األنصار تزعم أن الرسول قال للمسلمين جميعا‬ ‫‪31‬‬

‫مهاجرين وأنصار قوموا إلى سيدكم ‪ .‬أما من غسلته المالئكة فهو‪ :‬حنظلة المدعو غسيل‬
‫المالئكة وهو أنصاري أيضا رضى اللّه عنهم ‪.‬‬
‫األيسار ‪ :‬من يدخلون في الميسر‪ .‬السنم ‪ :‬عظيم السنام ‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪247‬‬
‫‪33‬‬
‫كح ِّل القَ َس ْم‬‫الدهر يوماً ِ‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫الناس ‪ ،‬لم ُيملَكوا‬ ‫ِ‬ ‫ملوكاً على‬
‫‪34‬‬
‫ثمود وبعض بقايا ِإ َر ْم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وأشياعها‬ ‫فأنبوا ٍ‬
‫بعاد‬ ‫َْ ْ‬
‫‪35‬‬
‫ًّن فيها َّ‬
‫الن َع ْم‬ ‫ودج َ‬
‫ُحصونا ُ‬ ‫ِ‬
‫النخيل‬ ‫بيثرب قد َشيدوا في‬ ‫َ‬
‫‪36‬‬
‫ُد‪َ :‬ع ْل ‪-‬إليك وقَوالً َهلُ ْم‬ ‫واض َح قد َعلَّمتها اليهو‬ ‫َن ِ‬
‫هم‬ ‫والعيش رخواً على ِ‬ ‫القطا ِ‬‫عصير ِ‬‫ِ‬
‫غير ْ‬ ‫ف‬ ‫وفما اشتهوا من‬
‫ِ ‪37‬‬
‫جان قَط ْم‬ ‫فحل ِه ٍ‬‫كل ٍ‬ ‫على ِّ‬ ‫فسرنا إليهم ِ‬
‫بأثقالنا‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫األد ْم‬
‫الل َ‬ ‫ِل قد َجلَّلوها ِج َ‬ ‫ياد الخيو‬ ‫بهن ِج َ‬‫َجَن ْبنا َّ‬
‫‪38‬‬

‫الحزم‬ ‫بلي‬ ‫ص ٍ‬ ‫فلما أناخوا بجنبي ِ‬


‫ْ‬ ‫السروج ّ‬
‫َ‬ ‫وشدوا‬ ‫رار‬ ‫َْ‬
‫ِ ‪39‬‬ ‫والزحف من ِ‬
‫خلفهم قد َده ْم‬ ‫ُ‬ ‫معج الخيو ِل‬ ‫غير ْ‬ ‫فما راعهم ُ‬
‫األج ْم‬ ‫وجئنا إليهم ِ‬ ‫فطاروا ِسراعاً وقد افزعوا‬
‫كأسد ُ‬ ‫ْ‬
‫كل سْل ٍ‬
‫َّأم‬
‫نحول الس ْ‬ ‫َ‬ ‫كين‬
‫اليشتْ َ‬ ‫ِن َ‬ ‫هبة في الصِّيا‬ ‫على ِّ َ‬
‫‪40‬‬

‫‪41‬‬
‫كمثل ُّ‬
‫الزلَ ْم‬ ‫أمين الفُصوص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفؤاد‬ ‫وكل ُك َم ْي ٍت ُمطار‬ ‫ِّ‬
‫البهَ ْم‬ ‫ِ‬
‫ب ُ‬ ‫وض ْر َ‬
‫قراع الكماة َ‬ ‫فوارس قد ُع ِّودوا‬ ‫عليها‬
‫‪42‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون ولكن قُ ُد ْم‬ ‫ِ‬
‫ال َي ْنكلُ َ‬ ‫البالد‬ ‫شموا في‬ ‫ك إذا َغ َ‬ ‫ملو ٌ‬
‫‪43‬‬

‫حل القسم ‪ :‬ي راد بها الم دة القص يرة ‪ .‬وقد ذكر الس هيلى ه ذا ال بيت على غ ير ما ذص‬ ‫‪33‬‬

‫المؤلف ‪:‬‬
‫من الدهر يوماً كحل القسم‬ ‫وكانوا ملوكا ولم يملكوا‬
‫أنبوا ‪ :‬أنبئوا ‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪ 35‬دجن ‪ :‬الطيور تتخذ في البيوت ‪.‬‬


‫‪ 36‬النواضح ‪ :‬اإلبل التي يسقى عليها الماء‪ .‬عل ‪ :‬كلمة تزجر بها اإلبل ‪.‬‬
‫الهجان ‪ :‬األبيض ‪ .‬قطم ‪ :‬المشتهى الضراب ‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫جنبنا ‪ :‬قدنا إلى جنبنا‪ .‬جللوها ‪ :‬غطوها‪ .‬األدم ‪ :‬الجلد‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫معج ‪ :‬سرعة ‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫السلهبة ‪ :‬الفرس السريعة‪-‬‬ ‫‪40‬‬

‫مطار ‪ :‬ذكى أمين ‪ .‬الفصوص ‪ :‬ما قوي من العظام ‪ .‬الزلم ‪ :‬القدح ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪ 42‬البهم ‪ :‬األبطال الشجعان ‪.‬‬


‫غشموا ‪ :‬اشتد ظلمهم ‪.‬‬ ‫‪43‬‬
‫‪248‬‬

‫سم‬ ‫ِ‬ ‫فأبنا بساداتِهم‬


‫فيهم تُقتَ ْ‬
‫وأوالدهم ُ‬
‫ُ‬ ‫والنساء‬
‫‪44‬‬
‫وكنا ملوكاً بها لم َن ِر ْم‬ ‫بعدهم‬
‫مساكنهم َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ورثنا‬
‫الظلم‬
‫ْ‬ ‫بعد‬ ‫ِ‬
‫والنور َ‬ ‫ِّ‬
‫بالحق‬ ‫ُد‬ ‫فلما أتانا الرسو ُل الرشيـ‬
‫َهلُ َّم إلينا وفينا ِأق ْم‬ ‫ِ‬
‫المليك‬ ‫ت رسو َل‬
‫قلنا صد ْق َ‬
‫ين ِقَي ْم‬‫ارسلت نوراً بِِد ٍ‬ ‫عبد األله ‪،‬‬
‫فنشهد أنك ُ‬
‫ُ‬
‫فاحتكم‬ ‫وفى ِ‬
‫مالنا‬ ‫وأوالدنا ُجَّنةٌ َنقي َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫فإنا‬
‫ْ‬
‫ِ ‪45‬‬ ‫ِ‬ ‫فنحن أولئك إن َّ‬
‫نداء وال تَحتَش ْم‬
‫فناد ً‬ ‫كذبوك‬
‫نداء جهاراً وال تكتَتِ ْم‬‫ً‬ ‫كنت أخفيتَه‬ ‫ِ‬
‫وناد بما َ‬
‫ختر ْم‬ ‫ِ‬
‫إليه يظنون أن ُي َ‬ ‫بأسيافهم‬ ‫فطار الغواةُ‬
‫‪46‬‬

‫األم ْم‬ ‫ِ‬


‫نجالد عنه بغاةَ َ‬ ‫ُ‬ ‫بأسيافنا‬ ‫فقمنا إليهم‬
‫ِ ‪47‬‬ ‫ق َّ‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ضوض َخذ ْم‬ ‫الذباب َع‬ ‫رقي ِ‬ ‫صقيل له َم ْي َعةٌ‬ ‫بكل‬
‫ثلم‬ ‫ِ‬
‫ب عنها ولم َي ْن ْ‬ ‫لم َي ْن ُ‬ ‫العظام‬ ‫ص َّم‬
‫إذا ما يصادف ُ‬
‫مجداً تليداً ِ‬
‫وعزاً أ َش ْم‬ ‫روم‬
‫ورثَتْنا القُ ُ‬
‫فذلك ما َّ‬
‫‪48‬‬

‫لم نرم ‪ :‬تقول " رم العظم يرم " اذا بلى فهو رميم وجمعه في األكثر أرماء مثل دليل وأدالء‬ ‫‪44‬‬

‫وفيها رد على من زعم أن الحشمة ال تكون إال بمعنى الغضب وأنها مما يضعها الناس‬ ‫‪45‬‬

‫غير موضعها‪ ،‬وقد جاء عن ابن عباس ‪ :‬لكل طاعم حشمة‪ ،‬فابدءوه باليمين ‪ ،‬وفي الحديث‬
‫المرفوع ‪ " :‬ال يرفعن أحدكم يده عن الطعام قبل اكيله ‪ ،‬فإن ذلك مما يحشمه " وأنشد‬
‫اًبو الفرج لمحمد بن يسير‪ ،‬وإ ن كان ليس مثل حسان في الحجة ‪:‬‬
‫جالست أهل الوفاء والكرم‬ ‫في انقباض وحشمة فإذا‬
‫وقلت ماشئت غيرمحتشم‬ ‫أرسلت نفسي على سجيتها‬
‫يخترم ‪ :‬يهلك ‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪ 47‬له ميعة أي مصقول يشبه المائعات في بريقه وصفائه ‪ .‬الذباب حد السيف ‪ .‬خذم ‪ :‬قاطع ‪.‬‬
‫القروم ‪ :‬السادة‪ .‬التليد ‪ :‬القديم ‪ .‬األشم ‪ :‬العالى‪ .‬وعز أشم ‪ ،‬هو كقول العرب ‪ :‬عزة‬ ‫‪48‬‬

‫قعساء‪ ،‬يريد شماء‪ ،‬ألن االًقعس الذي يخرج صدره ويدخل ظهره ‪ ،‬وقد فسره المبرد غير‬
‫هذا التفسير وبيت حسان يشهد لما قلناه إنما هو الشمم الذي يوصف به ذوو العزة‪،‬‬
‫فوصفت العزة به مجازاً‪.‬‬
‫‪249‬‬
‫‪49‬‬
‫ص ْم‬
‫وغادر َن ْسالً إذا ما انفَ َ‬ ‫إذا َم َّر نس ٌل كفى نسلُه‬
‫‪50‬‬
‫عليه وإ ن خاس فض ُل ِّ‬
‫الن َع ْم‬ ‫ِ‬
‫الناس إال لنا‬ ‫من‬
‫إن َ‬
‫فما ْ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني أبو زيد األنصاري بيته ‪:‬‬
‫بأمر ُغ ُش ْم‬ ‫ينادون ُغضباً ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأرضيهم‬ ‫ال فكانوا ملوكاً‬
‫وأنشدني ‪:‬‬
‫ود ِّجن فيها َّ‬
‫الن َع ْم‬ ‫ُحصوناً ُ‬ ‫ِ‬
‫النخيل‬ ‫بيثرب قد َشيَّدوا في‬
‫َ‬
‫ميت ُمطار الفؤاد " عنه ‪.‬‬ ‫وبيته ‪ " . . .‬وكل ُك ْ‬
‫ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود‬
‫ونزول سورة الفتح‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬لما افتتح رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم مكةَ‪ ،‬وفرغ من تبوك ‪،‬‬
‫وأسلمت ثقيف وبايعت ‪ ،‬ضربت إليه وفود العرب من ِّ‬
‫كل َو ْجه ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬حدثني أبو ُعَبيدة ‪ :‬أن ذلك في سنة تسع ‪ ،‬وأنها كانت تسمى سنة الوفود‪.‬‬
‫ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح } [النصر‪ ]1 :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وإ نما كانت العرب‬ ‫‪ِ { :‬إ َذا َج َ‬
‫اء َن ْ‬
‫وأمر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وذلك أن‬‫أمر هذا الحي من قريش ْ‬ ‫تَ َربَّص ِ‬
‫باإلسالم َ‬
‫ريح ولد إسماعيل بن إبراهيم‬‫وص َ‬ ‫وأهل البيت الحرام ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫إمام الناس وهاديهم ‪،‬‬ ‫قريشا كانوا َ‬

‫ا نفصم ‪ :‬ا نقرض ‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫خاس ‪ :‬غدر‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫‪250‬‬

‫ت لح رب‬‫عليهما الس الم ‪ ،‬وق ادةُ الع رب ال ينك رون ذلك ‪ ،‬وك انت ق ريش هي ال تي نص َب ْ‬
‫ودوخها‬ ‫ِ‬
‫وخالفه ‪ ،‬فلما افتُتحت مك ة‪ ،‬ودانت له ق ريش ‪َّ ،‬‬ ‫رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ِ‬
‫بحرب رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وال عداوته ‪،‬‬ ‫سالم ‪ ،‬وعرفت العرب أنه ال طاقةَ لهم‬ ‫ِ‬
‫اإل ُ‬
‫اجا } يض ربون إليه من كل وجه ‪ ،‬يق ول اللّه‬ ‫ف دخلوا في دين اللّه ‪ ،‬كما ق ال عز وجل ‪ { :‬أَ ْف َو ً‬
‫ون ِفي ِد ِ‬
‫ين‬ ‫اس َي ْد ُخلُ َ‬
‫الن َ‬ ‫ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح* َو َرأ َْي َ‬
‫ت َّ‬ ‫اء َن ْ‬ ‫تع الى لنبيه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ِ { :‬إ َذا َج َ‬
‫ان تََّو ًابا } [النص ر‪1 :‬ـ ‪]3‬أي فاحم ِد اللّه على ما‬ ‫ِ‬
‫اس تَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ‬ ‫ِّح بِ َح ْم ِد َرب َ‬
‫ِّك َو ْ‬ ‫اج ا* فَ َس ب ْ‬ ‫َّ ِ‬
‫الله أَ ْف َو ً‬
‫أظهر من دينك ‪ ،‬واستغفره انه كان توابا‪.51‬‬

‫وتفس ير ابن اس حاق لآلية في الظ اهر خالف ما ذك ره ابن عب اس حين س أله عمر عن‬ ‫‪51‬‬

‫تأويله ا‪ ،‬ف أخبره أن اللّه تع الى أعلم فيها نبيه عليه الس الم بانقض اء أجله ‪ ،‬فق ال له عمر ما أعلم‬
‫منها إال ما قلت ‪ .‬وظاهر هذا الكالم يدل على ما قاله ابن عباس وعمر ؛ ألن اللّه تعالى لم يقل‬
‫ِ‬ ‫ِّح بِ َح ْم ِد َرب َ‬
‫اس تَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ‬
‫ان‬ ‫ِّك َو ْ‬ ‫فاش كر ربك ‪ ،‬واحم ده ‪ ،‬كما ق ال ابن إس حاق ‪ :‬إنما ق ال ‪ :‬فَ َس ب ْ‬
‫تََّو ًابا ‪[‬النص ر‪1 :‬ـ ‪ ]3‬فه ذا أمر لنبيه عليه الس الم باالس تعداد للق اء ربه تع الى والقربة إليه ‪،‬‬
‫ومعناها الرج وع عما ك ان بس بيله مما اًرسل به من إظه ار ال دين ‪ ،‬إذ قد ف رغ من ذلك ‪ ،‬وتم‬
‫ون‬
‫اس َي ْد ُخلُ َ‬
‫الن َ‬ ‫ص ُر اللَّ ِه َواْلفَتْ ُح* َو َرأ َْي َ‬
‫ت َّ‬ ‫مراده فيه ‪ ،‬فصار جوآب إذا من قوله تعالى ‪ِ ‬إ َذا َج َ‬
‫اء َن ْ‬
‫اجا‪ ‬محذوفا‪ ،‬وكثيراً ما يجىء في القران الجواب‬ ‫ِفي ِد ِ َّ ِ‬
‫ين الله أَ ْف َو ً‬
‫محذوفاً‪ ،‬والتقدير ‪ :‬إذا جاء نصر اللّه والفتح ‪ ،‬فقد انقضى األمر‪ ،‬ودنا األجل ‪ ،‬وحان‬
‫كو ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْغف ْرهُ ِإَّنهُ َك َ‬
‫ان تََّو ًابا ‪ .‬ووقع في مسند البزار مبيناً من‬ ‫ِّح بِ َح ْمد َرِّب َ َ ْ‬
‫اللقاء ‪  :‬فَ َسب ْ‬
‫قول ابن عباس فقال فيه ‪ :‬دنا أجلك فسبح ‪ ،‬هذا المعنى هو الذي فهمه ابن عباس ‪ ،‬وهو‬
‫حذف جواب إذا‪ ،‬ولما يتنبه لهذه النكتة‪ ،‬وحسب أن جوآب إذا في قوله سبحانه ‪ :‬فسبح ‪،‬‬
‫كما تقول ‪ :‬إذا جاء رمضان فصم ‪ ،‬وليس في هذا التأويل من المشاكلة لما قبله ما في ‪.‬‬
‫" تأويل ابن عب اس فت دبره ‪ ،‬فقد وافقه عليه عمر رضى اللّه عنه ‪ ،‬وحس بك بهما فَ ْهم اً‬
‫لكتاب اللّه ‪ . .‬تبارك وتعالى‪ ،‬فالفاء على قول ابن عباس رابطة لألمر بالفعل المحذوف ‪ ،‬وعلى‬
‫ما ظهر ‪ ،‬لغيره رابطة لجواب الشرط الذي في إذا‪.‬‬
‫‪251‬‬

‫قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات‬


‫رج ال الوفد ‪ :‬فق دمت على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وف ود الع رب ‪ ،‬فق دم عليه‬
‫ُعط ارد بن ح اجب بن ُزرارة بن ُع ُدس التميمي‪ ،52‬في أش راف ب ني تميم ‪ ،‬منهم األق رع بن‬
‫والح ْبح اب‬
‫ح ابس التميمي والزبرق ان بن ب در التميمي ‪ ،‬أحد ‪ ،‬ب ني س عد‪ ،‬وعم رو بن األهتم ‪َ ،‬‬
‫‪53‬‬

‫بن يزي د‪ ، .‬الحت ات وما اخ ذه معاوية من ميراثه ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬الحت ات وهو ال ذي أخى‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬وكان رسول اللّه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ‪ ،‬بين أبي بكر وعمر‪ ،‬وبين عثمان بن‬
‫عفان وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وبين طلحة‬

‫وهو صاحب الحلة التي قال فيها النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إنما يلبس هذه الحلة‬ ‫‪52‬‬

‫من ال خالق له ‪،‬وقول عمر رضى اللّه عنه ‪ :‬أتكسوني هذه ‪ ،‬وقد قلت في حلة عط ارد ما قلت ‪،‬‬
‫وكان سبب‬
‫تلك الحلة أن حاجب بن زرارة أبا عطارد كان وفد على كسرى ليأخذ منه أمانأ ورمه‬
‫ليقربوا من ريف العراق لجدب أصاب بالدهم ‪ ،‬فسأله كسرى رهنآ ليستوثق بها منهم ‪،‬‬
‫فدفع إليه قوسه رهينة فاستحمقه الملك وضحك منه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أيها إلملك إنهم العرب لو‬
‫رهنك أحدهم قينة ما أسلمها غدراً فقبلها منه كسرى‪ ،‬فلما أخصبت بالدهم انتشروا‬
‫ً‬
‫‪ ،‬راجعين إليها‪ ،‬وجاء حاجب يطلب قوسه ‪ ،‬فعند ذلك كساه كسرى تلك الحلة التي كانت‬
‫عند عط ارد الم ذكورة في ج امع الموط أ‪ .‬ذك ره ابن قتيبة في المع ارف أو معن اه ‪ ،‬وفي‬
‫الموطأ‬
‫أن عمر رضى اللّه عنه ‪ -‬كسا الحلة أخا له مشركأ بمكة‪ ،‬قال ابن الحذاء ‪ :‬كان أخاه‬
‫ألمه ‪ ،‬واسمه عثمان بن حكيم الثقفى‪ ،‬وهو جد سعيد بن المسيب ألمه ‪ ،‬هكذا ذكر في‬
‫تسمية رجال الموطأ‪ ،‬وغلط من وجهين ‪ ،‬أحدهما أنه قال ‪ :‬كان أخا عمر ألمه ‪،‬‬
‫وٍا نما هو ‪،‬‬
‫أخو زيد بن الخطاب ألمه أسماء بنت وهب بن أسد بن خزيمة‪ ،‬وأما أم عمر فهى حنتمة‬
‫بنت هاشم بن المغيرة‪ ،‬والغلط الثانى أنه جعله ثقيفيا وإ نما هو سلمى‪ ،‬وهو عثمان بن‬
‫حكيم بن أمية بن مسرة بن هالل بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم ‪ ،‬هكذا‬
‫نسبه الزبير‪ .‬وبنته أم سعيد‪ ،‬ولدت سعيد بن المسيب ‪.‬‬
‫اسم االًهتم ‪ :‬سمي بن سنان ‪ ،‬وهو جد شبيب بن شيبة وخالد بن صفوان الخطيبين‬ ‫‪53‬‬

‫البليغين ‪ ،‬وسمي باالًهتم ‪ ،‬ألن قيس بن عاصم ضربه فهتم فاه ‪.‬‬
252
‫‪253‬‬

‫ابن عبيد اللّه والزب ير بن الع وام ‪ ،‬وبين أبي ذر الغف اري والمق داد بن عم رو البه راني ‪،‬‬
‫وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعى‪ ،‬فمات الحتات عند معاوية في خالفته ‪،‬‬
‫فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه األخوة‪ ،‬فقال الفرزدق لمعاوية ‪:‬‬
‫أقاربه‬
‫التراث ُ‬
‫َ‬ ‫فيحتاز‬
‫ُ‬ ‫تُراثاً‬ ‫أبوك وعمى يا ُمعاوي ْأو َرثا‬
‫ذائبه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حرب جامد لك ُ‬ ‫وميراث‬ ‫الحتات أكلتَه‬
‫فما با ُل ميراث ُ‬
‫‪54‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وفى وفد بني تميم ‪ُ :‬ن َعيم بن يزيد‪ ،‬وقَْيس بن الح ارث ‪ ،‬وقيس بن عاصم‬
‫‪ ،‬أخو ب ني س عد‪ ،‬في وفد عظيم من ب ني تميم ‪ .‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وعط ارد بن ح اجب ‪ ،‬أحد ب ني‬
‫دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد َمن اة بن تميم ‪ ،‬واألق رع بن ح ابس ‪ ،‬أحد ب ني َدارم بن مالك ‪،‬‬
‫والزبرق ان بن ب در‪ ،‬أحد ب ني َب ْه َدلة بن ع وف بن‬
‫والحت ات بن يزي د‪ ،‬أحد ب ني دارم بن مالك ‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫األهتم ‪،‬أحد ب ني ِم ْنقَر بن عبيد بن الح ارث بن‬
‫كعب بن س عد بن زيد من اة بن تميم ‪ ،‬وعم رو ابن ْ‬
‫عم رو بن كعب بن س عد بن زيد من اة بن تميم ‪ ،‬وقيس بن عاصم ‪ ،‬أحد ب ني ِم ْنقر بن عبيد بن‬
‫الحارث ‪.‬‬
‫ص ن بن حذيفة بن ب در الف زاري ‪ ،‬وقد ك ان األق رع‬ ‫ِ‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬ومعهم ُعَي ْينة بن ح ْ‬
‫وحنينا‬
‫بن ح ابس ‪ ،‬وعيينة بن حصن ش هدا مع رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم فتح مكة ُ‬
‫والطائف ‪.‬‬
‫أص حاب الحج رات وطلبهم المف اخرة ‪ :‬فلما ق دم وفد ب ني تميم كانا معهم ‪ ،‬فلما دخل وفد‬
‫بني تميم المسجد نادوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم من‬

‫‪ 54‬وبعد هذا البيت في غير سيرة ابن إسحاق ‪.‬‬


‫لبؤت بها أو غص بالماء شاربه‬ ‫فلو اًن هذا كان في غير ملككم‬
‫‪254‬‬

‫رج إلينا يا محم د‪ ،‬ف آذى ذلك رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم من‬
‫وراء حجراته ‪ :‬أن اخ ْ‬
‫ِ‬
‫لشاعرنا وخطيبنا‪ ،‬قال ‪ :‬قد‬ ‫صياحهم ‪ ،‬فخرج إليهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا محمد‪ ،‬جئناك نفاخرك ‪ ،‬فأذن‬
‫أذنت لخطيبِكم فليقل ‪.‬‬
‫كلمة عط ارد يفتخر بقومه ‪ :‬فق ام عط ارد بن ح اجب‪ ،‬فق ال ‪ :‬الحم ُد للّه ال ذي له علينا‬
‫روف ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الفضل والمن ‪ ،‬وهو أهلُه ‪ ،‬ال ذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أم واال عظام ا‪ ،‬نفع ِل فيها المع‬
‫ِ‬
‫فم ْن مثلُنا في الناس وأولي فضلهم ؟! فمن‬ ‫وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عدداً‪ ،‬وأيسره ُع َّدة‪َ ،‬‬
‫ف اخر فليع دد مثل ما ع ددنا‪ ،‬ولو نش اء ألكثرنا الكالم ‪ ،‬ولكنا نحيا من االكث ار فيما أعطان ا‪ ،‬وإ نا‬
‫أفضل من ِ‬
‫أمرنا‪ ،‬ثم جلس ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُنعرف بذلك ‪ .‬أقول هذا ألن تأتوا بمثل قولنا‪ ،‬وأمر‬
‫ث ابت بن قيس ي رد على عط ارد ‪ :‬فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم لث ابت بن قَْيس بن‬
‫الش ماس أخى ب ني الح ارث بن الخ زرج ‪ :‬قم ‪ ،‬ف أجب الرجل في خطبته ‪ .‬فق ام ث ابت ‪ ،‬فق ال ‪:‬‬‫َّ‬
‫فيهن أم ره ‪ِ ،‬‬
‫ووس ع ُكرس يه علمه‪ ، 55‬ولم يك‬ ‫قض ى َّ َ‬ ‫الحم ُد للّه ال ذي الس موات واألرض خلقُه ‪َ ،‬‬

‫وفيه رد على من ق ال ‪ :‬الكرسى هو العلم ‪ ،‬وك ذلك من ق ال هو الق درة‪ ،‬ألنه ال توصف‬ ‫‪55‬‬

‫القدرة والعلم بأن العلم وسعها‪ ،‬وإ نما كرسيه ما أحاط بالسموات واالًرضين ‪ ،‬وهو دون‬
‫العرش كما جاءت به االثار‪ ،‬فعلمه سبحانه قد وسع الكرسى بما حواه من دقائق األشياء‬
‫وجالئلها وجملها وتفاصيلها‪ ،‬وقد قيل ‪ٍ :‬ا ن الكرسى في القرآن هو العرش ‪ ،‬وهو قول‬
‫الحسن ‪ ،‬وفي هذا الحديث ما يكاد أن يكون حجة لهذا القول ‪ ،‬ألنه لم يرد أن العلم وسع‬
‫الكرس ى‪ ،‬فما دونه على الخص وص ‪ ،‬دون ما فوقه ‪ ،‬فج ائز أن يريد به الع رش ‪ ،‬وما تحته‬
‫واهلل‬
‫أعلم ‪ .‬فإن صحت الرواية عن ابن عباس أن الكرسى هو العلم ‪ ،‬فمؤولة‪ ،‬كأنه لم يقصد‬
‫تفس ير لفظ الكرسى ؛ ولكن أش ار إلى أن مع نى العلم واإلحاطة يفهم من اآلي ة‪ ،‬ألن‬
‫الكرسىالذي هو عند العرب موضع القدمبن من سرير الملك إذا وسع ما وسع ‪ ،‬فقد وسعه علم‬
‫الملك وملكه وقدرته ‪ ،‬ونحو هذا‪ ،‬فليس في أن يسع الكرسى ما وسعه مدح وثناء على‬
‫الملك سبحانه ‪ ،‬إال من حيث تضمن سعة العلم والملك ‪ ،‬وإ ال فال مدح في وصف الكرسى‬
‫بالسعة‪ ،‬واالية ال محالة واردة في معرض المدح والتعظيم للعلى العظيم الذي ال يئوده‬
‫حفظ مخلوقاته كلها‪ ،‬وهو الحي القيوم ‪ ،‬وقوى الطبري قول ابن عباس ‪ ،‬واحتج له بقوله‬
‫تسمى العلماء كراسى قال ‪:‬‬ ‫عز وجل ‪ :‬واَل يُئ ُ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُهُ َما ‪[‬البقرة‪ ]255 :‬وبأن العرب ّ‬ ‫َ َ‬
‫ومنه‬
‫سميت الكراسى ‪ -‬جمع كراس ‪ -‬لما تضمنه وتجمعه من العلم وأنشد ‪:‬‬
‫‪255‬‬

‫شىء قط إال من فضله ‪ ،‬ثم كان من قدرته أن‬

‫كراسى باألحداث حين تنوب‬ ‫تحفهم بيض الوجوه وعصبة‬


‫‪256‬‬

‫جعلنا ُملوك اً‪ ،‬واص طفى من خ ير خلقه رس والً‪ ،‬أكرمه نس باً‪ ،‬وأص دقه ح ديثاً‪ ،‬وأفض له‬
‫حس باً‪. ،‬ف أنزل عليه كتابه َوا ْئتَ َمَن هُ على َخْلقه ‪ ،‬فك ان ِخ يرة اللّه من الع المين‪ ،‬ثم دعا الن اس إلى‬
‫رم الن اس حس باً‪ ،‬وأحسن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وذوو َرحمه ‪ ،‬اك ُ‬ ‫اإليم ان به ‪ ،‬ف آمن برس ول اللّه المه اجرون من قومه ُ‬
‫الن اس وجوه اً‪ ،‬وخ ُير الن اس ِفع ااًل ‪ .‬ثم ك ان أول الخلق إجاب ة‪ ،‬واس تجاب للّه حين دع اه رس ول‬
‫اس ح تى يؤمن وا‬
‫ووزراء رس وله ‪ ،‬نقات ُل الن َ‬
‫ُ‬ ‫نحن ‪ ،‬فنحن أنص ُار اللّه‬
‫اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ُ‬
‫ودمه ‪ ،‬ومن كفر جاه دناه في اللّه أب داً‪ ،‬وك ان قتلُه‬
‫باللّه ‪ ،‬فمن آمن باللّه ورس وله َمنع منا مالَه َ‬
‫علينا يسيرا‪ .‬أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي وللمؤمنين ‪ .‬والمؤمنات ‪ ،‬والسالم عليكم ‪.‬‬
‫بن بدر‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫‪56‬‬
‫شعر الزبرقان يفتخر بقومه ‪ :‬فقام الزبرقان‬
‫صُ ِ‬
‫ب البَيعُ‬ ‫ك وفيناتُْن َ‬
‫منا الملو ُ‬ ‫الكرام فال َح ٌّى يعادلُنا‬ ‫نحن‬
‫‪57‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هاب وفض ُل ِّ‬
‫العز ُيتبع‬ ‫الن ِ‬
‫عند ِّ‬ ‫ِ‬
‫األحياء كلِّهم‬ ‫وكم قَ َس ْرنا من‬

‫الزبرقان ‪ :‬اسم من أسماء القمر‪ ،‬وأيضاً آلخفيف العارضين ‪ ،‬وكانت له ثالثة أسماء ‪:‬‬ ‫‪56‬‬

‫الزبرق ان والقمر والحص ين وثالث ك نى ‪ :‬أبو العب اس ‪ ،‬وأبو ش ذرة وأبو عي اش وهو‬
‫الزبرقان‬
‫ابن بدربن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن‬
‫تميم ‪.‬‬
‫البيع ‪ :‬اماكن العبادة ‪.‬‬ ‫‪57‬‬
‫‪257‬‬

‫س القََزعُ‬ ‫ِ‬
‫الشواء إذا لم ُي ْؤَن ِ‬ ‫من‬ ‫طعمنا‬ ‫ِ‬
‫القحط ُم ْ‬ ‫عند‬
‫طعم َ‬
‫ونحن ُن ُ‬
‫‪58‬‬

‫ٍ‬ ‫من ِّ‬


‫صطنعُ‬ ‫ويا ثم تَ ْ‬ ‫ارض ُه ّ‬ ‫كل‬ ‫هم‬
‫الناس تاتينا ُسراتُ ُ‬
‫بما ترى َ‬
‫‪59‬‬

‫‪60‬‬
‫شبعوا‬
‫للنازلين إذا ما انزلوا ُ‬ ‫وم ُع ْبطا في أرومتَِنا‬
‫حر ال ُك َ‬
‫َفن ْن ُ‬
‫الرأس ُيقتَطعُ‬
‫َ‬ ‫استفادوا فكانوا‬ ‫نفاخرهم إال‬‫ُ‬ ‫فال ترانا إلى َحي‬
‫فم ْن ِ‬
‫يفاخرنا في ذاك َن ِ‬
‫القوم واألخبار تُستَمعُ‬
‫فيرجعُ ُ‬ ‫عرفه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الفخر َنرتفعُ‬ ‫عند‬
‫إنا كذلك َ‬ ‫إنا أبينا وال يأبى لنا أحد‬
‫قال ‪ .‬ابن هشام ‪ :‬ويروى ‪:‬‬

‫الربعُ‬
‫ك وفينا تُقسم َ‬
‫منا الملو ُ‬
‫‪61‬‬

‫ويروى ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫من ِّ‬
‫ارض َهوانا ثم ُنتبعُ‬
‫كل ً‬
‫رواه لي بعض بني تميم ‪ ،‬واكثر اهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان‪ . . 62‬حسان يردعلى‬
‫الزبرقان ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان حسان ‪ . ،.‬غائبا‪ ،‬فبعث إليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ق ال حس ان ‪ :‬ج اءني رس ولُه ‪ ،‬ف أخبرني أنه إنما دع اني الجيب ش اعر ب ني تميم ‪ ،‬فخ رجت إلى‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وأنا أقول ‪:‬‬
‫ِ‬
‫وراغم‬ ‫راض ِمن َم َعد‬
‫ٍ‬ ‫على ِ‬
‫انف‬ ‫منعنا رسو َل اهلل إذ َح َّل َو ْس َ‬
‫طَنا‬

‫القزع ‪ :‬السحاب ليس فيه مطر‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫الس راة ‪ :‬وليس جمع س رى كما ظن وا‪ ،‬وانما هو كما تق ول ذروتهم وس نامهم ‪ ،‬وس راة‬ ‫‪59‬‬

‫كل‬
‫شىء ‪ :‬اعاله ‪ .‬هويا ‪ :‬سراعا‪.‬‬
‫الكوم ‪ :‬النوق عظام االسنة ‪ .‬عبطا ‪ :‬بال سبب ‪ .‬االرومة ‪ :‬الكرم ‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫الربع والمرباع ‪ :‬ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية ‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫وذكر البرقى ان الشعر لقيس بن عاصم المنقرى‪ ،‬وكان الزبرقان يرفع له بيت من عما‬ ‫‪62‬‬

‫ئم وثياب ‪ ،‬وينضح بالزعفران والطيب ‪ ،‬وكانت بنو تميم تحج ذلك البيت ‪ .‬قال الشاعر ‪ :‬وهو‬
‫المخبل السعدي ‪ ،‬واسمه كعب بن ربيعة بن قتال ‪:‬‬
‫يحجون سيب الزبرقان المزعفرا‬ ‫واشهد من عوف حلوال كثيرة‬
‫‪258‬‬
‫ِ‬
‫وظالم‬ ‫باغ‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأسيافنا من ِّ‬ ‫بين بيوتِنا‬ ‫منعناه لما َّ‬
‫حل َ‬
‫‪63‬‬

‫ط األعاجم‬‫وس َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫حريد ُّ‬ ‫ببي ٍت‬
‫الج ْوالن ْ‬
‫بجابية َ‬ ‫عزه وثَراؤه‬
‫‪64‬‬
‫ْ‬
‫ِ ‪65‬‬ ‫ِ‬
‫الملوك واحتما ُل العظائم‬ ‫الع ْو ُد َّ‬
‫والن َدى وجاهُ‬ ‫ُّود ُد َ‬
‫المجد إال الس َ‬
‫ُ‬ ‫هل‬
‫قال ‪ :‬فلما انتهيت إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقام شاعر القوم ‪ ،‬فقال ما قال ‪،‬‬
‫عرضت في قوله ‪ ،‬وقلت على نحو ما ق ال ‪ .‬ق ال ‪ :‬فلما ف رغ الزبرق ان ‪ ،‬ق ال رس ول اللّه ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم لحسان بن ثابت ‪ :‬قم يا حسان ‪ ،‬فاجب الرجل‬
‫فيما قال ‪ .‬فقام حسان ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫‪66‬‬
‫ِ‬
‫للناس تُتَّب َع‬ ‫قد بيَّنوا ُسَّنةً‬ ‫الذوائب ِم ْن ِف ْهر واخوتِهم‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ‬ ‫له َّ‬ ‫تَ ْقوى ااِل ِ‬
‫طنعُ‬
‫الخير يص َ‬ ‫وكل‬ ‫َ‬ ‫ضى بهم ُكل من كانت سريرتُه‬ ‫َي ْر َ‬
‫نفعوا‬ ‫ِ‬
‫النفع في أشياعهم ُ‬ ‫أو حاولوا َ‬ ‫عدو ُه ُم‬
‫ض ُّروا َّ‬‫قوم إذا حاربوا َ‬
‫‪67‬‬
‫‪-‬شرها البدعُ‬ ‫الخالئق ‪-‬فاعلم ُّ‬ ‫َ‬ ‫ان‬ ‫غير ُمحدثَ ٍة‬ ‫ِ‬
‫َسجَّيةٌ تلك منهم ُ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫فكل سب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ق ألدنى سبقهم َتبعُ‬ ‫هم‬
‫بعد ُ‬
‫الناس َسبَّاقون َ‬ ‫إن كان في‬
‫‪68‬‬
‫عند الدفاع وال ُيوهون ما َرقَ ُعوا‬
‫َ‬ ‫أكفهم‬
‫ُ‬ ‫الناس ما ْأوهت‬
‫ال َي ْرقعُ ُ‬

‫ب اغ ‪ :‬الجمع بغ اة‪ ،‬وبغى س عى بالفس اد ومنه الفرقة الباغية النها ع دلت عن القص د‪،‬‬ ‫‪63‬‬

‫واصله‬
‫من بغى الجرح اذا ترامى إلى الفساد وبغت المراة تبغي بغاء بالكسر والمد فجرت فهى‬
‫بغى قاله االزه ري ‪،‬‬
‫بغي والجمع بغايا وهو وصف مختص ب المرأة وال يق ال للرجل ّ‬
‫َ‬
‫والبغى‬
‫ّ‬
‫القينة ان كانت عفيفة لثبوت الفجور لها في االصل ‪ ،‬قال الجوهري ‪ :‬وال يراد به الشتم‬
‫النه اسم جعل كاللقب ‪.‬‬
‫بيت ‪ :‬يريد بيت شرفهم من غسان وهم ملوك الشام ‪ ،‬وهم وسط االعاجم ‪ ،‬والبيت‬ ‫‪64‬‬

‫الحريد ‪ :‬المنفرد عن البيوت ‪ ،‬كما انفردت غسان ‪ ،‬وانقطعت عن ارض العرب ‪ ،‬وكان‬
‫حسان يضرب بلسانه ارنبة انفه هو وابنه وابوه وجده ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬لو وضعته ‪ ،‬يعني‬
‫لسانه ‪ ،‬على حجر لفلقه ‪ ،‬أو على َشعر لحلقه ‪ ،‬وما يسرنى به مقول من معد‪.‬‬
‫السودد‪ :‬المجد‪ .‬والعود‪ :‬المتكرر‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫الذوائب ‪ :‬السادة االشراف‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫السجية ‪ :‬الطبيعة ‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪ 68‬أوهت ‪ :‬هدمت ‪.‬‬


‫‪259‬‬

‫المجلد الخامس‬
‫صفحة ‪256‬‬
‫أهل م ٍ‬
‫جد بالندى َمتَعوا(‪)1‬‬ ‫وازنوا َ َ‬
‫أو َ‬ ‫الناس يوما فاز َس ْبقُهم‬
‫‪ ‬إن سابقوا َ‬
‫طمع (‪)2‬‬
‫يهم َ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ ‬‬
‫أعفَّة ُذكرت في ْ‬
‫عون وال ُي ْرد ُ‬
‫طب َ‬‫ال َي َ‬ ‫الوحي عفتُهم‬
‫وال يمسهم من مطمع طبع (‪)3‬‬ ‫‪ ‬ال يبخلون على جار بفضلهم‬
‫ية َّ‬
‫الذرعُ (‪)4‬‬ ‫ب إلى الو ْح ِش ِ‬‫كما َي ُد ُّ‬ ‫لحى لم َن ِد َّ‬
‫ب لهم‬
‫َ‬ ‫‪ ‬إذا نصبنا َ‬
‫ِ‬
‫أظفارها َخ َش ُعوا(‪) 5‬‬ ‫ف من‬‫الزعان ُ‬
‫ُ‬ ‫إذا‬ ‫مخالبهَا‬
‫ُ‬ ‫الحرب نالتنا‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬نسمو إذا‬
‫ور وال ُهلُعُ (‪)6‬‬
‫وإ ن أصيبوا فال ُخ ٌ‬ ‫هم‬
‫عدو ُ‬
‫يفخرون إذا نالوا َّ‬
‫‪ ‬ال َ‬
‫أس ٌد بحْليةَ في أر ِ‬
‫ساغها فَ َدعُ (‪)7‬‬ ‫والموت ُمكتنِع‬
‫ُ‬ ‫الوغى‬
‫‪ ‬كأنهم في َ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫يكن َه ُّمك األمر الذي َمَن ُعوا‬ ‫‪ ‬خذ منهم ما اتى عفوا إذا َغ ِ‬
‫وال ْ‬ ‫ضبوا‬ ‫ُ‬
‫والسلَعُ (‪)8‬‬
‫َّم َّ‬ ‫خاض عليه الس ُّ‬
‫َش ًّرا ُي ُ‬ ‫فاترك عداوتَهم‬
‫ْ‬ ‫فان في حربِهم ‪-‬‬ ‫‪‬‬
‫ُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اللّ ِه شيعتُهم‬
‫ِ‬ ‫اكر ْم ِ‬
‫ِ‬
‫األهواء والشَيعُ‬ ‫تفاوتت‬ ‫إذا‬ ‫بقوم‬ ‫‪‬‬
‫فيما ِ‬
‫اح ُّ‬ ‫أهدى لهم ِم ْدحتي ٌ‬
‫صَنعُ‬
‫ك َ‬ ‫ب ‪-‬لسان حائ ٌ‬ ‫يؤازره‬
‫ُ‬ ‫قلب‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫جد ِ‬
‫القول أو َش َمعوا(‪)9‬‬ ‫جد بالناس ُّ‬‫إن َّ‬ ‫هم‬ ‫ِ ِّ‬
‫فانهم افض ُل األحياء كل ُ‬ ‫‪‬‬
‫(ا) متعوا ‪ :‬زادوا وارتفعوا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال يطبعون ‪ :‬ال يتدنسون ‪.‬‬
‫(‪ )3‬طبع ‪ :‬دنس ‪.‬‬
‫(‪ )4‬نصبنا ‪ :‬أظهرنا العداوة ‪ .‬الذرع ‪ :‬ولد بقرة الوحش ‪.‬‬
‫(‪ )5‬نسمو ‪ :‬ننهض ‪ .‬الزعانف ‪ :‬يريد بها ‪ :‬أطراف الناس ‪ .‬خشعوا ‪ :‬تذللوا‪.‬‬
‫(‪ )6‬الخور ‪ :‬الضعفاء‪.‬‬
‫(‪ )7‬مكتنع ‪ :‬قريب ‪ .‬حلية ‪ :‬مكان باليمن كانت تكثر فيه االسود‪ .‬اإلرساغ ‪ :‬جمع رسغ ‪:‬‬
‫مفصل ما بين الساق والقدم ‪ .‬فدع ‪ :‬اعوجاج ‪.‬‬
‫(‪ )8‬السلع ‪ :‬نبات سام ‪ ،‬أو شجر مر‪ ،‬قال أمية ‪:‬‬
‫ما‪ ،‬وعالت البيقورا‬ ‫عشر ما وفوق سلع ما عائل‬
‫يريد انهم كانوا إذا استسقوا في الجاهلية ربطوا السلع والعشر في أذناب البقر‪.‬‬
‫(‪ )9‬شمعوا ‪ :‬هزلوا أي ضحكوا ومزحوا وفي الحديث ‪ :‬من تتبع المشمعة شمع اهلل به ‪.‬‬
‫يريد من ضحك من الناس وافرط في المزح عاقبه اللّه بمثل ما فعل ‪.‬‬
‫‪260‬‬

‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني ابو زيد‬


‫ِ‬
‫وباألمر الذي َش َرعوا‬ ‫يرضى بها ُك ُّل من كانت سريرتُه نقوى ِ‬
‫اإلله‬ ‫َْ َ‬
‫ش عر آخر للزبرق ان بن ب در ‪ :‬وق ال ابن هش ام ‪ :‬ح دثني بعض أهل العلم بالش عر من ب نى‬
‫تميم ‪ :‬إن الزبرق ان بن ب در لما قَ ِدم على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم في وفد ب ني تميم ق ام‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫المواسم‬ ‫ِ‬
‫احتضار‬ ‫عند‬
‫إذا احتفلوا َ‬ ‫الناس فضلَنا‬
‫أتيناك كيما يعلم ُ‬
‫الحجاز َك َد ِارم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرض‬ ‫وأن ليس في‬ ‫ٍ‬
‫موطن‬ ‫الناس في ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫بأنا فروعُ‬
‫ِ‬
‫المتفاقِم (‪)1‬‬ ‫األصَي ِد‬ ‫راس‬ ‫الم ْعِلمين إذا َ‬
‫ْ‬ ‫ونضرب َ‬
‫ُ‬ ‫انتخ ْوا‬ ‫ود ُ‬‫وأنا َن ُذ ُ‬
‫ِ‬
‫األعاجم‬ ‫ِ‬
‫بأرض‬ ‫غير بنجد أو‬ ‫كل غار ٍة‬‫رباع في ِّ‬ ‫وأن لنا ِ‬
‫ُن ُ‬ ‫الم َ‬
‫شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان ‪ :‬فقام حسان بن ثابت فأجابه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫وجاهُ الملوك واحتما ُل العظائم‬ ‫الع ْو ُد َّ‬
‫والن َدى‬ ‫ُّود َد َ‬
‫المجد اال الس َ‬
‫ُ‬ ‫هل‬
‫ِ‬
‫وراغم‬ ‫ٍ‬
‫راض من َم َعد‬ ‫على ِ‬
‫انف‬ ‫النبي محمدا‬
‫وآوينا َّ‬‫ص ْرَنا ْ‬
‫َن َ‬
‫ِ‬
‫األعاجم‬ ‫ط‬ ‫الجو ِ‬
‫الن َو ْس َ‬ ‫ِ‬ ‫بحي ح ٍ‬
‫بجابية ْ‬ ‫ريد اصلُه وثَراؤه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وظالم (‪)2‬‬ ‫باغ‬
‫كل ٍ‬ ‫بأسيافنا من ِّ‬ ‫ط ِ‬
‫ديارنا‬ ‫لما َح َّل ْ‬
‫وس َ‬ ‫نصرناه َّ‬
‫(‪ )1‬المعلم ون ‪ :‬الش جعان ال ذين يض عون عليهم عالمة يعرف ون به ا‪ .‬األص يد ‪ :‬المتك بر‪.‬‬
‫المتفاقم ‪ :‬المتعاظم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح األبيات السابقة تقدم قريبا‪.‬‬
‫‪261‬‬
‫ِ‬
‫المغانم (‪)1‬‬ ‫وطبنا له نفسا ِ‬
‫بفيء‬ ‫ِ‬ ‫دونه وبناتِنا‬
‫جعلنا َبنينا َ‬
‫ِ‬
‫الصوارم (‪)2‬‬ ‫دينه بالمر َه ِ‬
‫فات‬ ‫على ِ‬ ‫الناس حتى تتابعوا‬
‫ُْ‬ ‫ونحن ضربنا َ‬
‫آل ِ‬
‫هاشم (‪)3‬‬ ‫الخير من ِ‬ ‫ِ‬ ‫نبي‬
‫ولدنا َّ‬ ‫عظيمها‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫ونحن ولدنا من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المكارم‬ ‫عند ِذ ْك ِر‬
‫وباال َ‬‫يعود َ‬
‫ُ‬ ‫فخركم‬
‫تفخروا ان َ‬
‫بنى دارم ال َ‬
‫بين ِظ ْئر وخادم (‪)4‬‬ ‫لنا َخ َو ٌل ما َ‬ ‫وأنتُم‬
‫فخرون ََُ‬
‫َ‬ ‫َهبِلتُ ْم علينا تَ‬
‫وأموالكم ان تُقَسموا في الم ِ‬
‫قاسِم‬ ‫ِ‬ ‫كم‬ ‫فان كنتم جئتم ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫لحقن دمائ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األعاجم‬ ‫ي‬‫تلبسوا ِزيًّا َك ِز ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وال َ‬ ‫فال تجعلوا للّه ندا واسلموا‬
‫اسالم الوفد ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ‪ ،‬قال األقرع بن حابس‬
‫عر من‬
‫اخطب من خطيبن ا‪ ،‬ولش اعره اش ُ‬
‫ُ‬ ‫‪ :‬وأبى‪ ،‬إن ه ذا الرجل لَ ُم َؤتَّى له (‪ ،) 5‬لخطيبه ‪-‬‬
‫شاعرنا‪ ،‬وألصواتهم أحلى من‬
‫(ا) يريد ‪ :‬طيب نفوسهم يوم حنين حين أعطى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫المؤلفة قلوبهم ‪ ،‬ولم يعط األنصار شيئا‪.‬‬
‫احتد‪ ،‬وسيف‬
‫وص ُرم السيف َ‬
‫(‪ )2‬الصوارم ‪ :‬االسم الصرم بالضم فهو صريم ومصروم َ‬
‫صارم قاطع ‪ ،‬وانصرم الليل وتصرم ذهب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذلك ان ام عبد المطلب ‪ .‬من أهل يثرب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هبلتم ‪ :‬ثكلتم ‪ .‬الخول ‪ :‬العبيد والخدم ‪ .‬الظئر ‪ :‬المرضعة غير ولدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬مؤتى له ‪ :‬أي موفق ‪.‬‬
‫‪262‬‬

‫وجو َزهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فاحسن‬


‫أصواتنا‪ .‬فلما فرغ القوم اسلموا‪َّ ،‬‬
‫جوائزهم ‪.‬‬
‫وم في ظه رهم (ا)‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ش عر ابن االهتم في هج اء قيس ‪ :‬وك ان َعم رو بن االهتم قد َخلفه الق ُ‬
‫أصغرهم سنا‪ ،‬فقال قيس بن عاصم ‪ ،‬وكان يبغض َعمرو بن االهتم ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬أنه‬
‫َ‬ ‫وكان‬
‫وأز َرى به ‪ ،‬فأعطاه رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫قد كان رج ٌل منا في رحالنا‪ ،‬وهو غالم َح َدث ‪ْ ،‬‬
‫وسلم مث َل ما ‪ .‬أعطى القوم ‪ ،‬فقال عمرو بن األهتم حين بلغه ان قيسا قال ذلك يهجوه ‪:‬‬
‫صب (‪)2‬‬‫الرسول فلم تَص ُد ْق ولم تُ ِ‬
‫ِ‬ ‫عند‬
‫َ‬ ‫ظِلْل َ‬
‫ت َم ْفتَ ِر َش الهلباء ت ُشمني‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫باد نواج ُذه م ْق ٍع على َّ‬
‫الذَن ِب (‪)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫وددكم‬
‫وس ُ‬
‫ُ‬ ‫وددا َر ْهوا ُ‬
‫دناكم ُس َ‬ ‫ُس ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬بقى بيت واحد تركناه ‪ ،‬ألنه أقذع فيه ‪.‬‬
‫‪ .‬ما نزل من القرآن في وفد بني تميم ‪ :‬ق ال ابن إسحاق ‪ :‬وفيهم نزل من القران ‪ِ { :‬إ َّن‬
‫ات } [الحجرات‪]4 :‬‬ ‫اء اْلحجر ِ‬
‫ك ِم ْن ور ِ‬
‫ون َ‬
‫اد َ‬
‫ين ُيَن ُ‬ ‫َِّ‬
‫ُ َُ‬ ‫ََ‬ ‫الذ َ‬
‫(ا) ظهرهم ‪ :‬ابلهم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الهلباء ‪ :‬فعالء من الهلب وهو الخشين من الشعر يقال منه ‪ :‬رجل أهلب ‪ ،‬ومنه قول‬
‫الشعبي في مشكلة نزلت ‪ :‬هلباء زباء ذات وبر‪ ،‬كأنه أراد بمفترش الهلباء‪ ،‬أي ‪ :‬مفترش‬
‫لحيته ‪ ،‬ويجوز أنه يريد بمفترش الهلباء‪ ،‬يعني امراة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رهوا ‪ :‬متسعا‪ .‬النواجذ ‪ :‬األسنان ‪ .‬مقع ‪ :‬جالس على الذنب ‪ ،‬يريد به هنا مؤخرته‬
‫‪.‬‬
‫‪263‬‬

‫قصة عامر بن الطفيل واربد بن قيس‬


‫في الوفادة عن بني عامر‬
‫عامر ابن‬ ‫ِ‬
‫رؤساء الوفد ‪ :‬وقَد َم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َو ْف ُد بنى عامر‪ ،‬فيهم ُ‬
‫وجبَّار بن َسْل َمى ابن مالك بن جعفر‪ ،‬وكان‬
‫واربد بن قَْيس بن َج ْزء بن خالد بن جعفر‪َ ،‬‬
‫الطفيل ْ‬
‫هؤالء الثالثة رؤساء القوم وشياطينهم ‪ .‬عامر يدبر الغدر بالرسول ‪ :‬فقدم عامر بن الطُّفَْيل عدو‬
‫اهللّ‪ ،‬على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهو يريد الغدر به ‪ ،‬وقد قال له قومه ‪ :‬يا عامر‪ ،‬ان‬
‫فاسلم قال ‪ :‬واللّه لقد كنت آليت ان ال انتهى حتى تَتْبع العرب َعقبى‪ ،‬أفأنا أتبع‬
‫ْ‬ ‫الناس قد اسلموا‬
‫الرَبد ‪ :‬إذا قَِدمنا على الرجل ‪ ،‬فإنى سأشغل عنك وجهَه ‪،‬‬
‫ب هذا الفتى من قريش ؛ ثم قال ْ‬
‫ِ‬
‫َعق َ‬
‫فاعله بالسيف ‪.‬‬
‫ت ذلك ْ‬ ‫فعْل ُ‬
‫فاذا َ‬
‫‪:‬امر بن ‪-‬الطفيل ‪ :‬يا‬‫فلما قدموا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ع‪:‬‬
‫محمد‪ ،‬خالِني (ا)‪ ،‬قال ال واللّه حتى تؤمنَ باللّه وحده ‪ .‬ق‪::‬ال ‪ :‬يا محمد خ‪::‬الني ‪.‬‬
‫‪:‬ال ‪:‬‬ ‫‪:‬يئا ؛ ق‪:‬‬
‫وجعل يكلمه وينتظر من اربد ما كان امره به ‪ ،‬فجعل اربد ال يُحير ش‪:‬‬
‫فلما رأى عامر ما يصنع ارْبد‪ ،‬قال ‪ :‬يا محمد خالني قال ‪ :‬ال‪ ،‬ح‪::‬تى ت‪::‬ؤمن باللّه‬
‫وحده ال شريك له ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ألمألنها عليك خيال و رجاال‪.‬‬ ‫فلما أبي عليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬أما واللّه‬
‫فلما ولى قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬اللهم اكفني عامر بن الطّفيل ‪ .‬فلما خرجوا‬
‫من عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال عامر الربد ‪ :‬ويلك يا أربد‬
‫(‪ )1‬خالني ‪ :‬أي اتخذني خليال‪.‬‬
‫‪264‬‬

‫أين ما كنت أمرتُك به ؟ واللّه ما كان على ظهر األرض رجل هو أخوف عندي على‬
‫علي ‪ ،‬واللّ ِه ما َه َم ْمت‬
‫تعجل َّ‬
‫ْ‬ ‫بعد اليوم أبداً‪ .‬قال ‪ :‬ال ابا لك ؛ ال‬
‫وايم اللّه ال أخافك َ‬
‫نفسي منك ‪ُ .‬‬
‫أفأضربك‬
‫ُ‬ ‫غيرك ‪،‬‬
‫بالذي أمرتني به من امره اال دخلت بيني وبين الرجل ‪ ،‬حتى ما أرى َ‬
‫بالسيف ؟(‪)1‬‬
‫موت عامر بدعاء الرسول عليه ‪ :‬وخرجوا راجعين إلى بالدهم ‪ ،‬حتى إذا كانوا ببعض‬
‫الطريق بعث اللّه على ع امر بن الطُّفيل الط اعون في عنقه ‪ ،‬فقتله اللّه في بيت ام ٍ‬
‫رأة من ب نى‬
‫أغ َّدةٌ كغدة البكر(‪ )2‬في بيت امرأة من بنى َسلُول ؟!‬
‫َسلُول ‪ ،‬فجعل يقول ‪ :‬يا بنى عامر‪ُ ،‬‬
‫دة ِ‬
‫اإلبل ‪ ،‬وموتا في بيت َسلُولية ‪.‬‬ ‫كغ ِ‬
‫اغ َّدةٌ ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ُ‬
‫ارض‬
‫َ‬ ‫موت اربد بصاعقة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم خرج أصحابهُ حين واروه ‪ ،‬حين قَ ِدموا‬
‫ب نى ع امر ش اتين ؛ فلما قَ ِدموا أت اهم فق الوا ‪ :‬ما وراءك يا ْاربد ؟ ق ال ال ش ىء واللّه ‪ ،‬لقد دعانا‬
‫ادة ش ىء ل وددت أنه عن دي اآلن ‪ ،‬فارميه َّ‬
‫بالنبل ح تى اقتله ‪ ،‬فخ رج بعد مقالته بي وم أو‬ ‫إلى عب ِ‬
‫يومين معه‬
‫(ا) وفي غير رواية ابن إسحاق ‪ :‬إال رأيت بي ني وبينه س ورا من حديد وك ذلك في رواية‬
‫غيره ‪ ،‬قال عامر ‪ :‬ألمألنها عليك خيال جردا‪ ،‬ورجاال مردا‪ ،‬والربطن بكل نخلة فرسا‪ ،‬فجعل‬
‫أس يد بن حض ير يض رب في رءوس هما ويق ول ‪ :‬اخرجا ايها الهجرس ان ‪ ،‬فق ال له ع امر ‪ :‬ومن‬
‫أنت ؟ فقال ‪ :‬أسيد بن حضير‪ ،‬فقال ‪ :‬أحضير بن سماك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال أبوك كان خيرا منك‬
‫‪ .‬فقال ‪ :‬بل أنا خير منك ‪ ،‬ومن ابي ‪ ،‬الن ابي كان مشركا‪ ،‬وأنت مشرك ‪ .‬وذكر سيبويه قول‬
‫ع امر ‪ :‬اغ دة كغ دة البع ير‪ ،‬وموتا في بيت س لولية‪ ،‬في ب اب ما ينتصب على ا ض مار الفعل‬
‫الم تروك إظه اره ‪ ،‬كأنه قيل ‪ :‬اغد غ دة‪ .‬والس لولية ام رأة منس وبة إلى س لول بن صعص عة وهم‬
‫بنو م رة بن صعص عة‪ ،‬وس لول أمهم ‪،‬وهي بنت ذهل بن ش يبان ‪ ،‬وك ان ع امر بن طفيل من ب ني‬
‫عامر بن صعصعة‪ ،‬فلذلك اختصها لقرب النسب بينهما‪ ،‬حتى مات في بيتها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الغدة ‪ :‬مرض يصبب االبل تموت منه ‪ .‬البكر ‪ :‬الفتى من االبل ‪.‬‬
‫‪265‬‬

‫جمل له يتبعه ‪ ،‬فارسل اللّه تعالى عليه وعلى جمله صاعقةً‪ ،‬فأحرقتهما‪.‬‬
‫وكان اربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة ألمه ‪.‬‬
‫ما ن زل في ع امر واربد ‪ :‬ق ال ابن هش ام ‪ :‬وذكر زيد بن أس لم عن عط اء بن يس ار‪ ،‬عن‬
‫ابن عب اس ق ال ‪ :‬وأن زل اللّه عز وجل في ع امر وأربد ‪ { :‬اللَّهُ َي ْعلَ ُم َما تَ ْح ِم ُل ُك ُّل أُنثَى َو َما‬
‫ال }‪[.‬الرع د‪:‬‬ ‫اد }‪[.‬الرع د‪ ]8 :‬إلى قوله { وما لَهم ِم ْن ُدونِ ِه ِم ْن و ٍ‬ ‫ام َو َما تَ ْز َد ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫يض اأْل َْر َح ُ‬
‫تَغ ُ‬
‫‪ ، ]11‬قال ‪ :‬المعقبات ‪ :‬هي من أمر اللّه يحفظون محمدا‪ ،‬ثم ذكر اربد وما قتله اللّه به ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يد اْل ِم َح ِ‬
‫اء } إلى قوله ‪َ { :‬ش ِد ُ‬ ‫اع َ ِ‬ ‫{ وير ِس ُل الصَّو ِ‬
‫ال } [الرعد‪]13 :‬‬ ‫يب بِهَا َم ْن َي َش ُ‬
‫ق فَُيص ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫شعر لبيد(ا) في بكاء اربد ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فقال لبيد يبكى أربد‪:‬‬
‫ق وال َو ِلد(‪)2‬‬ ‫ال ٍ‬
‫والد مشف ٍ‬ ‫ما ان تُع ِّدي المنون من ٍ‬
‫أحد‬ ‫َ‬
‫واألس ِد(‪)3‬‬
‫َ‬
‫ارهب َنوء الس ِ‬
‫ِّماك‬ ‫ُ َْ‬ ‫الحتوف وال‬
‫َ‬ ‫اربد‬
‫أخ َشى على َ‬ ‫ْ‬
‫(ا) على ان لبيد رضى اللّه عنه س لم وحسن إس المه ‪ ،‬وع اش في اإلس الم س تين س نة‪ ،‬لم‬
‫يقل فيها بيت شعر‪ ،‬فسأله عمر عن تركه الشعر‪ ،‬فقال ؟ ما كنت ألقول شعرا بعد ان علمني اللّه‬
‫البق رة وآل عم ران ؛ ف زاده عمر في عطائه خمس مائة درهم من اجل ه ذا الق ول ‪ ،‬فك ان عط اؤه‬
‫ألفين وخمس مائة‪ ،‬فلما ك ان معاوي ة‪ ،‬أراد أن ينقصه من عطائه الخمس مائة‪ ،‬وق ال له ‪ :‬ما ب ال‬
‫العالوة ف وق الف ودين ؟ فق ال له لبيد ‪ :‬اآلن أم وت ‪ ،‬ف رق له معاوية وتركها له ‪ ،‬فم ات لبيد اثر‬
‫ذلك بأيام قليلة‪ ،‬وقد قيل أنه قال بيتا واحدا في اإلسالم ‪:‬‬
‫حتى اكتسيت من اإلسالم سرباالً‬ ‫الحمد للّه إذا لم يأتني اجلي‬
‫المنِيَّة وكأنها اسم فاعل‬ ‫ننت الشيء َمُّنا إذا قطعته فهو َم ْمُنون َ‬
‫والمُنون َ‬ ‫(‪ )2‬المنون ‪ :‬يقال َم ُ‬
‫الم ّن وهو القطع ألنها تقطع األعمار‪.‬‬
‫من َ‬
‫وء‪ ،‬ن اء ‪ :‬نهض ‪ ،‬ومنه الن وء للمطر والجمع أن واء وناوأته من اوأة ون واء من ب اب‬
‫(‪ )3‬الن ُ‬
‫قاتل إذا عاديته ‪.‬‬
‫‪266‬‬

‫النساء في َكَب ِد(‪)1‬‬‫ُ‬ ‫إذ قُمنا وقام‬ ‫ِ‬


‫بكيت ْأرَب َد‬ ‫فَع ْي ِن َهاَّل‬
‫َ‬
‫صد(‪)2‬‬ ‫وم يقتَ ِ‬ ‫الح ُك ِ‬ ‫ِ‬ ‫يشغبوا ال ُي ِ‬
‫أو َيقصدوا في ُ‬ ‫بال َش ْغَبهم‬ ‫إن َ‬
‫األحشاء وال َكَب ِد‬
‫ِ‬ ‫لطيف‬
‫ُ‬ ‫ُمر‬ ‫ُح ٌلو أريب في حالوتِه‬
‫ض ِد‬
‫بالع َ‬ ‫الشتاء َ‬ ‫رياح ِّ‬
‫ت ُ‬ ‫اْل َو ْ‬ ‫بد إذ‬ ‫ِ‬
‫بكيت ْار َ‬ ‫وعين َهاَّل‬
‫ِ‬
‫الم َد ِد(‪)3‬‬ ‫غوابر ُ‬‫ُ‬ ‫حتى تجلَّت‬ ‫ص َّرمةً‬ ‫وأصبحت القحا ُم َ‬
‫الومنتقَد(‪)4‬‬ ‫ٍ‬ ‫غابة لَ ِحٍم‬
‫ليث ٍ‬ ‫ا ْشجع من ِ‬
‫الع ُ‬ ‫ذو َن ْهمة في ُ‬ ‫َُ‬
‫كالق َد ِد(‪)5‬‬
‫الجياد ِ‬
‫ُ‬ ‫ليلةَ تُمسي‬ ‫العين ُك َّل َن ْهمتِها‬
‫ال تبلُغُ ُ‬
‫بالج َر ِد(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النوح في ِ‬
‫األبكار َ‬ ‫الظباء‬ ‫مث َل‬ ‫مآتمه‬ ‫الباعث َّ ْ‬
‫ُ‬
‫الن ُج ِد‬ ‫ِ‬
‫الكريهة َّ‬ ‫يوم‬ ‫ِ‬
‫فارس َ‬ ‫والصواعق بال‬
‫ُ‬ ‫فجَّعنى البرق‬
‫إذا جاء َنكيبا وان َي ُع ْد َي ُع ِد(‪)7‬‬ ‫ِ‬
‫الحريب‬ ‫ِ‬
‫الجابر‬ ‫ِ‬
‫والحارب‬
‫الر ِ‬
‫صد(‪)8‬‬ ‫الربيع ذو َّ‬
‫ِ‬ ‫غيث‬
‫نبت ُ‬ ‫ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫والسؤال كما‬ ‫يعفو على الج ِ‬
‫هد‬ ‫َ‬
‫ت من الع ِ‬
‫دد‬ ‫أكثر ْ‬ ‫كل بني ُح َّر ٍة‬
‫َ‬ ‫ُق ٌل وان َ‬ ‫هم‬
‫مصير ُ‬
‫ُ‬
‫والنفَِد(‪)9‬‬ ‫ِ‬
‫للهالك َّ‬ ‫يوما فهم‬ ‫ان ُي ْغبطوا ُي ْهَبطوا وان أمروا‬
‫والحارب الجابر الحريب " عن أبي عبيدة‪،‬‬ ‫قال ابن هشام ‪ :‬بيته ‪" :‬‬
‫وبيته ‪ " :‬يعفو على الجهد " ‪ :‬عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫بد ‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال لبيد أيضا يبكى ْأر َ‬
‫( ‪ ) 1‬الكبد ‪ :‬المشقة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬شغبوا ‪ :‬هيجوا الشر بينهم ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مصرمة ‪ :‬ال لبن فيها‪ .‬الغوابر ‪ :‬البقايا‪.‬‬
‫(‪ )4‬لحم ‪ :‬كثير اكل اللحم ‪ .‬منتقد ‪ :‬بصير باألمور‪.‬‬
‫(‪ )5‬القدد ‪ :‬السيور تصنع من الجلد‪.‬‬
‫(‪ )6‬النوح ‪ :‬جماعة النساء النائحة ‪ .‬الجرد ‪ :‬األرض القاحلة‪.‬‬
‫(‪ )7‬الحارب ‪ :‬السالب ‪ .‬والنكيب ‪ :‬المصاب ‪.‬‬
‫‪ )8( .‬يعفو ‪ :‬يعطي ‪ .‬الرصد ‪ :‬الكأل القليل ‪.‬‬
‫(‪ )9‬نفد ‪ :‬نفادا فني وانقطع ‪ ،‬ويتعدى بالهمزة فيقال انفدته إذا افنيته ‪.‬‬
‫‪267‬‬
‫الخ ِ‬
‫صام (‪)1‬‬ ‫ومانع ض ْيمها يوم ِ‬ ‫المحافظُ والمحامى‬ ‫ِ‬ ‫أال ذهب‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫بالسهام‬ ‫ِّم ما ُل اربد‬ ‫تُقُس َ‬ ‫يوم قالوا‬ ‫ق َ‬ ‫التفر َ‬
‫وأيقنت َّ‬
‫ِ‬
‫للغالم (‪)2‬‬ ‫والزعامةُ‬ ‫َو ِوترا‬ ‫راك َش ْفعا‬ ‫دائد اال ْش ِ‬ ‫تُطير َع َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالسالم‬ ‫وق ّل َو َداعُ ْارَب َد‬ ‫فودع بالسالم ابا ُح َر ْي ٍز‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫بالنظام (‪)3‬‬ ‫الج ْزعُ ُيحفَظ‬ ‫وكان َ‬ ‫أمامَنا ولنا نِظاما‬ ‫وكنت َ‬
‫ئام (‪)4‬‬ ‫المشاجر ِ‬
‫بالف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقع ِ‬
‫َّرت‬ ‫الهيجا إذ ما‬ ‫فارس ْ‬ ‫بد‬
‫وار ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫حواسر ال يجئن على ِ‬
‫الخ َد ِام (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫إذا بكر النساء مر َّد ٍ‬
‫فات‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬
‫المحل إلى الحرام (‪)6‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫َوأ َل ُ‬ ‫يوم ذلك َمن أتاهُ كما‬ ‫فواء َل َ‬ ‫َ‬
‫حام (‪)7‬‬‫ِّ ِ‬
‫إذا ما ُذ َّم أرباب الل َ‬ ‫بد َمن َعراها‬ ‫ويحم ُد ِق ْد َر ْار َ‬
‫َ‬
‫وحظٌّ من َسنام (‪)8‬‬ ‫لها َن َف ٌل َ‬ ‫وجارتُه إذا حلَّت لديه‬
‫الكالم (‪)9‬‬ ‫فمحسنةُ‬ ‫ظع ْن ِ‬
‫َ‬ ‫وان تَ ْ َ‬ ‫ان‬
‫صٌ‬ ‫تقع ْد فَ ُم ْك َر َمةٌ َح َ‬
‫فان ُ‬
‫(ا) ضيم ‪ :‬ضامه ضيما مثل ضاره ضيرا وزنا ومعنى ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العدائد ‪ :‬األنص باء‪ .‬األش راء ‪ :‬الش ركاء‪ .‬الزعامة ‪ :‬الرياس ة‪ ،‬وقيل ‪ :‬أراد بالزعامة‬
‫هنا بيضة السالح ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجزع ‪ :‬الخرز اليماني ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المشاجر ‪ :‬نوع من الهوادج ‪ .‬الفئام ‪ :‬ما يفرش في الهودج ‪.‬‬
‫(‪ )5‬يجئن ‪ :‬يعطين ‪ .‬الخدام ‪ :‬مفردها خدمة‪ ،‬الساق ‪.‬‬
‫( ‪ ) 6‬وأل ‪ :‬الجا ‪.‬‬
‫(‪ )7‬عراها ‪ :‬عراه يعرره عروا ؟ تصده لطلب رفده واعتراه مثله فالقصد عار والمقصود‬
‫معرو وعراه أمر واعتراه أصابه ‪ .‬اللحام ‪ :‬بالكسر من الحيوان وهو جمع اللحم ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الس نام ‪ :‬للبع ير كاإللية للغنم والجمع أس نمة وس ُنم البع ُير وأس نم بالبن اء للمفع ول َعظُم‬
‫(‪َ )8‬‬
‫سنامه‬
‫أسنم بالبناء للفاعل وسنم َسنما فهو سنِم من باب تعب كذلك ومنه قيل‬
‫ومنهم من يقول ْ‬
‫س نمت الق بر تس نيما إذا رفعته عن األرض كالس نام وس نمت اإلن اء تس نيما مألته وجعلته‬
‫عليه‬
‫طعاما أو غيره مثل السنام وكل شىء عال شيئا فقد تسنمه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ظعن ‪ :‬من ب اب نفع ارتحل واالسم ظعن بفتح تين ويتع دى ب الهمزة وب الحرف فيق ال‬
‫اظعنته‬
‫وظعنت به والفاعل ظاعن والمفعول مظعون واألصل مظعون به لكن حذفت الصلة لكثرة‬
‫‪268‬‬

‫االس تعمال وباسم المفع ول س مي الرجل ويق ال للم رأة ظعينة فعيلة بمع نى مفعولة الن‬
‫زوجها =‬
‫‪269‬‬
‫األيام إال أبني َش ِ‬
‫مام (‪)1‬‬ ‫على ِ‬ ‫أخو ْين َداما‬ ‫وهل ُح ِّد َ‬
‫ثت عن َ‬
‫ِ‬
‫بانهدام (‪)2‬‬ ‫ث‬ ‫خوالد ما تُ ِّ‬
‫حد ُ‬ ‫َ‬ ‫الفرقد ْين وآل َن ْع ِ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫وإ ال‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وهى في قصيدة له ‪.‬‬
‫بد ‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال لبيد أيضا يبكى ْار َ‬
‫واللطيف َكبِ َدا‬
‫َ‬ ‫الرئيس‬
‫َ‬ ‫انع‬
‫َ‬ ‫بدا‬
‫للكريم ْار َ‬
‫َ‬ ‫ريم‬
‫ْان َع ال َك َ‬
‫َّدا (‪)3‬‬
‫صوارا أب َ‬ ‫ي ْح ِذي وي ِ‬
‫َّه َن ُ‬
‫ْأدما ُيشب ْ‬ ‫عطى مالَه ُلي ْح َمدا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الج ْفَنةَ َمْلئا َم َددا (‪)4‬‬ ‫الساب َل ِ‬
‫الفضل إذا ما ُع ِّددا‬
‫ويمأل َ‬
‫ِمث ُل الذي في ِ‬
‫الغ ِ‬
‫يل َي ْق ُرو ُج ُم َدا(‪)5‬‬ ‫ك َو َر َدا‬ ‫ِر ْفها إذا يأتى َ‬
‫ضري ٌ‬
‫تراث ِ‬
‫غير ان َك َدا‬ ‫َ‬ ‫أورثتََنا‬ ‫وع َدا‬
‫منهم ان ُي َ‬
‫يزداد قُربا ُ‬
‫ُ‬
‫وأم َر َدا(‪)6‬‬
‫صقورا يافعا ْ‬ ‫َش ْرخا ُ‬ ‫ِغبًّا وماال طارفاً َ‬
‫وولدا‬
‫وقال لَبيد أيضا ‪:‬‬
‫بِ َد فابكيا حتى َي ُع َ‬
‫ودا‬ ‫ِ‬
‫خيرات ْأر‬ ‫لن تُ ْفنِيا‬
‫الحديدا‬ ‫ون‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫حين َي ْك ُس َ‬
‫مي َ‬ ‫الم َحا‬
‫قُواَل هو البط ُل ُ‬
‫= يظعن بها ويق ال الظعينة اله ودج وس واء ك انت فيه ام رأة أم ال والجمع ظع ائن وظعن‬
‫بض متين ‪،‬ويق ال الظعينة في األصل وصف للم رأة في هودجها ثم س ميت به ذا االسم وان ك انت‬
‫في بيتها ألنها تصير مظعونة فيه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابنا شمام ‪ :‬جبالن ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفرق دان ‪ :‬نجم ان ن يران ‪ .‬وآل نعش ‪ :‬يقصد بن ات نعش الك برى والص غرى‬
‫مجموعات من النجوم ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يحذي ‪ :‬يعطى‪ .‬االدم ‪ :‬االبل البيض ‪ .‬الصور ‪ :‬القطيع من بقر الوحش‪ .‬أبدا‪ :‬نافرة‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )4‬الجفنة ‪ :‬وعاء يصنع من خشب األنبوس ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رفها ‪ :‬متك ررا‪ .‬الض ريك ‪ :‬الفق ير‪ .‬الغيل ‪ :‬أكمة األس د‪ .‬يق رو ‪ :‬يتتبع ‪ .‬جم د‪ :‬اسم‬
‫جبل ‪.‬‬
‫(‪ )6‬شرخا ‪ :‬شبابا‪ .‬اليافع ‪ :‬الغالم قارب البلوغ ‪ .‬واألمرد ‪ :‬الذي لما تنبت لحيته بعد‪.‬‬
‫‪270‬‬

‫يدا(ا)‬
‫صَ‬ ‫إذا لَِقينا القوم ِ‬ ‫الظالمين‬ ‫ص َّد عنا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وي ُ‬
‫َ‬
‫خلودا(‪)2‬‬
‫إذ رأى أن ال َ‬ ‫ِ‬
‫البرية‬ ‫فأعتاقه ُّ‬
‫رب‬
‫قيدا(‪)3‬‬
‫ب وكان هو الفَ َ‬
‫وص ْ‬
‫ُي َ‬ ‫وج ْع ولم‬
‫فثَوى ولم ُي َ‬
‫‪ -‬وقال لبيد أيضا ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫صٍم‬
‫رارا(‪)4‬‬ ‫ُّ‬
‫ألد تخا ُل ُخطتَه ض َ‬ ‫بأربد ُك ُّل َخ ْ‬
‫َ‬ ‫ُيذكرنى‬
‫اء الحق َج َارا‬
‫وان جاروا َس َو َ‬ ‫إذا اقتصدوا فمقتصد كريم‬
‫القوم بالمو ِ‬
‫ماة َح َارا(‪)5‬‬ ‫دلي ُل ِ َ ْ‬ ‫القوم ُمطَّلعا إذا ما‬
‫ويهدي َ‬
‫َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬آخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال لبيد أيضا ‪:‬‬
‫ب (‪)6‬‬
‫كاألج ْ‬ ‫وعروة‬ ‫بعد سْلمى بن ٍ‬
‫َ‬ ‫وبعد أبي قَْيس ُ‬ ‫مالك‬ ‫ت أمشى َ َ‬‫أصبح ُ‬
‫ْ‬
‫صب(‪)7‬‬
‫والع ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذا ما رأى َّ‬
‫حذارا على باقي السَّناسن َ‬ ‫الغراب أضجَّهُ‬ ‫ظل‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وهذان البيتان في أبيات له ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصيد ‪ :‬المتكبرون ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اعتاقه ‪ :‬أعاقه عن ان يبلغ غايته ‪.‬‬
‫مشوي ‪ .‬الوهب ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )3‬فشوى ‪ :‬شويت اللحم اشويه شيا فانشوى مثل كسرته فانكسر وهو‬
‫وص وبا دام ووصب ال َّدين‬
‫يء ب الفتح ُ‬
‫الوجع وهو مص در‪ ،‬ورجل وصب مثل وجع ووصب الش ُ‬
‫وجب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ألد ‪ :‬قوي الخصومة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الموماة ‪ :‬الصحراء‪.‬‬
‫(‪ )6‬األجب ‪ :‬مقطوع السنام ‪.‬‬
‫(‪ )7‬أض جه ‪ :‬ص اح عليه ‪ .‬السناسن ‪ :‬فق ار الظه ر‪ .‬العصب ‪ :‬القرابة ال ذكور وهو جمع‬
‫عاصب ‪.‬‬
‫‪271‬‬
‫قدوم ِ‬
‫ضمام بن ثعلبة وافدا عن بنى سعد بن بكر‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم رجال منهم‬
‫‪ ،‬يقال له ِ‬
‫ضمام بن ثعلبة‪.‬‬
‫إسالمه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني محمد بن الوليد بن ُن َو ْيفع عن ُك َريب ‪ ،‬مولى عبد اللّه‬
‫ض مام بن ثعلبة وافدا إلى رسول اللّه‬ ‫ت بنو سعد بن بكر ِ‬ ‫بن عباس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثَ ْ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬فق دم عليه ‪ ،‬وأن اخ بع َيره على ب اب المس جد ثم عقله ‪ ،‬ثم دخل إلى‬
‫المسجد ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس في أصحابه ‪.‬‬
‫اشعر ذا غديرتين (ا)‪ ،‬فاقبل حتى وقف على رسول اللّه صلى‬ ‫وكان ِ‬
‫ض مام رجال َجْل دا‬
‫َ‬
‫اهلل عليه وس لم في أص حابه ‪ ،‬فق ال ‪ :‬أيكم ابن عبد المطلب ؟ ق ال ‪ :‬فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم ‪ :‬أنا ابن عبد المطلب ‪ .‬ق ال ‪ :‬أمحمد ؛ ق ال ‪ :‬نعم ؛ ق ال ‪ :‬ي ابن عبد المطلب ‪ ،‬اني‬
‫وم َغلِّظٌ عليك في المس الة‪ ،‬فال تَ ِج َّ‬
‫دن في نفسك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ال أجد في نفسي ‪ ،‬فسل عما ب دا‬ ‫س ائلك ُ‬
‫لك ‪.‬‬
‫‪ .‬ق ال ‪ :‬أنش ُدك اللّه إلهك واله من ك ان قبلك ‪ ،‬واله من ك ائن بع دك ‪ ،‬آللّه بعثك إلينا‬
‫رسوال؟ قال ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫فأنشدك اللّه إلهك واله من كان قبلك ‪ ،‬واله من هو كائن بعدك ‪ ،‬اللّه أمرك ان تأمرنا‬
‫ُ‬ ‫قال ‪:‬‬
‫ان نعب ده وح ده ال نش رك به ش يئا‪ ،‬وان نخلع ه ذه األن داد ال تي ك انت آباؤنا يعب دون معه ؟ ق ال ‪:‬‬
‫اللهم نعم ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬فأنش دك اللّه إلهك واله من ك ان قبلك ‪ ،‬واله من هو ك ائن بع دك ‪ ،‬اللّه أم َرك ان‬
‫تصلِّ َي هذه الصلوات الخمس ؟ قال ‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫(ا) غديرتين ‪ :‬ذؤابتين من شعر‪.‬‬
‫‪272‬‬

‫وشرائع‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫والحج‬ ‫والصيام‬
‫َ‬ ‫قال ‪ :‬ثم جعل يذكر فرائض اإلسالم فريضةً فريضة ‪ :‬الزكاةَ‬
‫التي قبلها‪ ،‬حتى إذا فرغ قال ‪ :‬فإني‬
‫اإلسالم كلها‪ ،‬ينشده عند كل فريضة منها‪ ،‬كما ينشده في ٍ‬
‫أشهد ان ال اله اال اللّه واشهد ان محمدا رسول اللّه ‪ ،‬وسأؤدي هذه الفرائض ‪ ،‬واجتنب ما نهيتني‬
‫عنه ‪ ،‬ثم ال أزيد وال انقص ‪ ،‬ثم انصرف إلى بعيره راجعا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ان صدق ذو العقيصتين(‪ )1‬دخل الجنة ‪.‬‬
‫دع وة قومه لإلس الم ‪ :‬ق ال ‪ :‬ف اتى بع َيره ف اطلق عقالَه ‪ ،‬ثم خ رج ح تى ق دم على قومه ‪،‬‬
‫الالت والع َّزى‪ ،‬ق الوا‪ :‬م ْه يا ِ‬
‫ض مام اتق‬ ‫ُ‬ ‫ف اجتمعوا إليه ‪ .‬فك ان أول ما تكلم به ان ق ال ‪ :‬بئس مت‬
‫َ‬
‫الجنون ‪ .‬قال ‪ :‬ويلكم انهما واللّه ال يضران وال ينفعان ‪ ،‬ان اللّه قد بعث رسوال‪،‬‬
‫َ‬ ‫البرص ‪ ،‬اتق‬
‫َ‬
‫وان زل عليه كتابا اس تنقذكم به مما كنتم فيه ‪ ،‬وإ ني اش هد ان ال اله اال اللّه وح ده ال ش ريك له ‪،‬‬
‫وان محم دا عب ده ورس وله ‪ ،‬وقد جئتكم من عن ده بما أم ركم به ‪ ،‬وما نه اكم عنه ق ال ‪ :‬فواللّه ما‬
‫امسى من ذلك اليوم في حاضره رجل وال امرأة اال مسلما‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يقول عبد اللّه بن عباس ‪ :‬فما سمعنا بوافد قدم كان افضل من ضمام بن ثعلبة‪)2(.‬‬

‫( ‪ )1‬العقيصتين ‪ :‬العقيصة ؛ للمرأة الشعر الذي ُي َلوى ويدخل اطرافه في اصوله والجمع‬
‫عق ائص وعق اص والعقصة مثلها والجمع عقص مثل س درة وس در‪ ،‬وعقصت الم رأة ش عرها‬
‫عقصا فعلت به ذلك ‪ ،‬وعقص ته ض فرته ‪ ،‬والعق اص خيط يجمع به أط راف ال ذوائب والجمع‬
‫ُعقص ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وض مام بن ثعلبة هو ال ذي ق ال فيه طلحة بن عبيد اللّه ‪ :‬جاءنا أع رابي من أهل نجد‬
‫ثائر الرأس ُيسمع دوي صوته ‪ ،‬وال يفقه ما يقول ‪ ،‬حتى دنا‪ ،‬فاذا هو يسال عن اإلسالم ‪،‬الحديث‬
‫‪ ،‬رواه مالك في الموطأ عن عمه عن جده عن طلحة‪ ،‬وقد ترجم عليه ابو داود لما فيه من دخول‬
‫المشرك المسجد‪ .‬وذكر معه حديث اليهود حين دخلوا المسجد‪ ،‬وذكروا ان رجال منهم ‪ ،‬وامرأة‬
‫زنيا‪=،‬‬
‫‪273‬‬

‫قدوم الجارود في وفد عبد القيس‬


‫ارود بن َعم رو بن‬
‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وق دم على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم الج ُ‬
‫حنش أخو عبد القيس ‪.‬‬
‫المعلَّى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬الجارود(‪ )1‬بن بشر بن َ‬
‫إسالمه ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني من ال اتهم ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬قال ‪ :‬لما انتهى إلى رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم كلَّمه ‪ :‬فعرض عليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم اإلسالم ‪ ،‬ودعاه‬
‫إليه ‪َّ ،‬‬
‫ورغبه فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنى قد كنت على دين ‪ ،‬وإ ني تارك ديني لدينك ‪ ،‬افتضمن‬
‫لي ديني ؟ قال ‪ :‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬نعم أنا ضامن ان قد هداك اللّه إلى ما‬
‫الح ْمالن ‪،‬‬
‫هو خير منه ‪ .‬قال ‪ :‬فاسلم واسلم أصحابه ‪،‬ثم سأل رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ُ‬
‫ضوال من‬
‫فقال ‪ :‬واللّه ما عندي ما أحملكم عليه ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬فإن بيننا وبين بالدنا َ‬
‫ق النار‪ .‬كل لفه‬ ‫ِّ‬
‫ضوال الناس ‪ :‬أفنتبلغ عليها إلى بالدنا ؟ قال ‪ :‬ال‪ ،‬إياك وإ ياها‪ ،‬فانما تلك َح َر ُ‬
‫من ِردة قومه ‪ :‬فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه ‪ . ،‬وكان حسن اإلسالم ‪ُ ،‬‬
‫صْلبا على‬
‫دينه ‪ ،‬حتى هلك وقد أدرك َّ‬
‫الردة‪ ،‬فلما ‪ .‬رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم األول مع‬
‫الغرور بن المنذر‬
‫َ‬
‫وق ال به الش افعي‪ ،‬وك ره مالك دخ ول ال ذمي المس جد‪ ،‬وخصص ابو حنيفة المس جد الح رام‬
‫ون َن َج ٌس فَاَل َي ْق َرُب وا اْل َم ْس ِج َد اْل َح َر َام } [التوبة‪]28 :‬‬
‫لقول اللّه تبارك وتعالى ‪ِ { :‬إَّن َما اْل ُم ْش ِر ُك َ‬
‫اآلية‪،‬وتعلق مالك بالعلة التى نبهت عليها اآلية‪ ،‬وهى التنجيس ‪ ،‬فعم المساجد كلها‪.‬‬
‫(ا) وهو بشر بن عمر بن المعلى‪ ،‬يكنى ابا المنذر‪ ،‬وقال الحاكم ‪ :‬يكنى ابا غياث ‪ ،‬وسمي‬
‫الجارود ألنه أغار على قوم من بكر‪ ،‬فجردهم قال الشاعر ‪:‬‬
‫كما جرد الجارود بكر بن وائل‬ ‫ودسناهم بالخيل من كل جانب‬
‫‪274‬‬

‫ابن النعمان بن المنذر(ا)‪ ،‬قام الجارود فتكلم ‪ ،‬فتشهد شهادة الحق ‪ ،‬ودعا إلى اإلسالم فقال‬
‫يشهد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إني اشهد ان ال اله اال اللّه ‪ ،‬وان محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬واكفِّر من لم‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويروى ‪ :‬وأكفى من لم يشهد‪.‬‬
‫س َاوى ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ِ‬
‫إسالم المنذر بن َ‬
‫ساوى العبدي ‪ ،‬فاسلم فحسن إسالمه ‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫بعث العالء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن َ‬
‫البحرين ‪ ،‬والعالء عنده أميرا لرسول‬
‫هلك بعد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قبل ردة أهل ْ‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم على البحرين ‪.‬‬
‫س ْيلمة الكذاب‬
‫قدوم وفد بني حنيفة ومعهم ُم َ‬
‫وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وفد بنى حنيفة(‪ ،)2‬فيهم ُمسيلمة بن حبيب‬
‫الحنفي الكذاب (‪.)3‬‬
‫ويكنى ابا ثُمامة‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬مسيلمة بن ثُمامة‪َ ،‬‬
‫(‪ )1‬اسمه المنذر‪ ،‬وكان كسرى حين قتل النعمان صير أمر الحيرة إلى هانىء بن قبيصة‬
‫الش يبانى‪ ،‬ولم يبق آلل المن ذر رسم وال أمر ي ذكر ح تى ك انت ال ردة‪ ،‬وم ات ه انىء بن قبيصة‬
‫غر قومه‬
‫الردة أمر الغرور بن النعمان ‪ ،‬واسمه ‪ :‬المنذر‪ .‬وانما سمي الغرور ألنه ّ‬
‫فاظهر أهل ّ‬
‫في تلك الردة‪ ،‬أو غروه واستعانوا به على حربهم فقُتل هنالك ‪ ،‬وزعم وثيمة بن موسى في كتاب‬
‫الردة أنه اسلم بعد ارتداده ‪ ،‬واهلل اعلم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اسم حنيفة ‪ :‬أثال بن لجيم بن سعد بن علي بن بكر بن وائل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هفان بن ذهل‬
‫بن ال دؤل بن حنيف ة‪ ،‬يك نى ابا ثمام ة‪ ،‬وقيل ‪ :‬ابا ه ارون ‪ ،‬وك ان يس مى ب الرحمن فيما روي عن‬
‫الزه ري قبل مولد عبداهلل والد رس ول اللّه – ص لى اهلل عليه وس لم ‪ -‬وقتل وهو ابن مائة‬
‫وخمسين سنة‪= ،‬‬
‫‪275‬‬

‫ما طلبه مسيلمة الكذاب من الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن‬
‫إسحاق ‪ :‬فكان منزلُهم في دار بنت الحارث (‪ )1‬امرأة من األنصار‪ ،‬ثم من‬

‫‪-------‬‬
‫وك انت ق ريش حين س معت بسم اللّه ال رحمن ال رحيم ‪ ،‬ق ال ق ائلهم دق ف وك ‪ ،‬انما ت ذكر‬
‫مسيلمة رحمان اليمامة‪ ،‬وكان الرحال الحنفي ‪ ،‬واسمه نهار بن عنفوة ( والعنفوة يابس الحلي ‪،‬‬
‫وهو نب ات ‪ ،‬وذك ره ابو حنيف ة‪ ،‬فق ال فيه ‪ :‬عنث وة بالث اء المثلث ة‪ ،‬وق ال ‪ :‬ه و‪ ،‬ي ابس الحلي ‪،‬‬
‫والحلي ‪ :‬النص ‪ ،‬وهو نبت ) ق دم في وفد اليمامة على الن بي ‪ -‬ص لى اهلل عليه وس لم – ف آمن‬
‫وتعلم س ورا من الق ران ‪ ،‬ف راه الن بي ‪ -‬ص لى اهلل عليه وس لم ‪-‬يوما جالسا مع رجلين من‬
‫أص حابه ‪ ،‬أح دهما ف رات بن حي ان ‪ ،‬واآلخر ‪ :‬ابو هري رة‪ ،‬فق ال ‪ :‬ض رس أح دكم في الن ار مثل‬
‫أحد فما زاال خائفين حتى ارتد الرحَّال ‪ ،‬وآمن بمسيلمة وشهد زورا ان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قد شركه معه في النبوة‪ ،‬ونسب إليه بعض ما تعلم من القران ‪ ،‬فكان من أقوى أسباب‬
‫الفتنة على ب ني حنيف ة‪ ،‬وقتله زيد بن الخط اب ي وم اليمام ة‪ ،‬ثم قتل زيد بن الخط اب س لمه بن‬
‫صبيح الحنفي ‪ ،‬وكان مسيلمة صاحب نيروجات يقال ‪ :‬أنه أول من دخل البيضة في القارورة‪،‬‬
‫يدعي ان ظبية تأتيه من الجبل ‪ ،‬فيحلب لبنها‬
‫وأول من وصل جناح الطائر المقصوص ‪ ،‬وكان ّ‬
‫وقال رجل من بنى حنيفة يرثيه ‪:‬‬
‫لهفي على ركني شمامه‬ ‫لهفي عليك يا ابا ثمامه‬
‫كالشمس تطلع من غمامه‬ ‫كم آية لك فيهم‬
‫وك ذب بل ك انت آياته منكوسة أهانه اللّه عكس ما يفعل بأنبيائه من الكرام ة‪ ،‬تفل في ب ئر‬
‫قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤه ا‪ ،‬ومسح رأس صبى فقرع قرعا فاحش ا‪ ،‬ودعا لرجل في ابنين‬
‫له بالبرك ة‪ ،‬فرجع إلى منزله فوجد أح دهما قد س قط في الب ئر‪ ،‬واآلخر قد أكله ال ذئب ‪ ،‬ومسح‬
‫على عيني رجل استشفى بمسحه ‪ ،‬فابيضت عيناه ‪.‬‬
‫واسم مؤذنه ‪ :‬حجير‪ ،‬وكان أول ما أمر ان يذكر مسيلمة في اآلذان توقف ‪ ،‬فقال له‬
‫محكم بن الطفيل ‪ :‬صرح حجير‪ ،‬فذهبت مثال‪.‬‬
‫وأما سجاح التى تنبأت في زمانه وتزوجها‪ ،‬فكان مؤذنها جنبة بن طارق ‪ ،‬وقال القتبي ‪:‬‬
‫اسمه ‪ :‬زهير بن عمرو‪ ،‬وقيل ‪ :‬ان شبث بن ربعي أذن لها أيضا‪ ،‬وتكنى ام صادر‪ ،‬وكان‬
‫آخر أمرها ان أسلمت في زمان عمر‪.‬‬
‫ولمسيلمة الكذاب وسجاح التميمية مخاز بعضها من الفاحشة تنظر في تاريخ الطبري ‪.‬‬
‫عففنا ان نذكرها في كتاب يضم سيرة أشرف الخلق صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪276‬‬

‫(ا) واس مها ‪ :‬كيسة بنت الح ارث بن كريز بن ح بيب بن عبد ش مس ‪ ،‬وكيسة ب التخفيف‬
‫وأنها كانت امرأة لمسيلمة قبل ذلك ‪ ،‬فلذلك انزل بدارها وكانت تحت مسيلمة‪ ،‬ثم خلف عليها =‬
‫‪277‬‬

‫بعض علمائنا من المدينة ‪ :‬ان بنى حنيفة أتت به رسول اللّه صلى اهلل‬
‫بني النجار‪ ،‬فحدثني ُ‬
‫عليه وسلم تستره بالثياب ‪ ،‬ورسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم جالس في أصحابه ‪ .‬معه َعسيب‬
‫من َس َعف النخل ‪ ،‬في رأسه ُخوص ات ؛ فلما انتهى إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬وهم‬
‫يسترونه بالثياب كلمه وسأله ‪ ،‬فقال له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬لو سألتني هذا العسيب‬
‫ما أعيتُ َكه ‪.‬‬
‫= عبداللّه بن ع امر‪ ،‬وان الص واب ما قاله ابن إس حاق ان اسم تلك الم رأة زينب بنت‬
‫الح ارث ‪ ،‬ك ذا وقع في رواية ي ونس عن ابن إس حاق ‪ ،‬والم ذكورة ها هنا كيسة بنت الح ارث ‪،‬‬
‫وإ ياه عنى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين خطب ‪ ،‬ففال ‪ :‬أريت في يدي سوارين من ذهب‬
‫فكرهتهم ا‪،‬فنفخت فيهما فط ارا فأولتهما ك ذاب اليمامة والعنس ى‪ ،‬ص احب ص نعاء‪ ،‬فاما مس يلمة‬
‫فقتله خالد بن الولي د‪ ،‬وأف ني قومه قتال وس بيا‪ .‬واما مس عود بن كعب العنسي ‪ ،‬وعنس بن م ذحج‬
‫فاتبعته قبائل من مذحج واليمن على امره وغلب على صنعاء‪ ،‬وكان يقال له ذو الخمار‪ ،‬يلقب ‪:‬‬
‫يدعي ان سحيقا وشريقا يأتيانه بالوحي ‪ ،‬ويقول هما ملكان يتكلمان على لساني ‪،‬‬
‫عيهلة‪،‬وكان ّ‬
‫في خدع كثيرة يزخرف بها‪ ،‬وهو من ولد مالك بن عنس وبنو عنس جشم وجشيم ومالك وعامر‬
‫وعم رو‪ ،‬وعزيز ومعاوية وعتيكة وش هاب والقرية وي ام ومن ولد ي ام بن عنس عم ار بن ياس ر‪،‬‬
‫وأخ وه عبداهلل وح ويرث ابنا ياسر بن عمر بن مالك ‪ ،‬قتل ف يروز ال ديلمي ‪ ،‬وقيس بن مكش وح‬
‫وداذويه رجل من األبناء قتلوا االسود العنسي الك ذاب دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة‬
‫ك ان قد غلب عليها من األبن اء‪ ،‬فوج دوه س كران ال يعقل من الخم ر‪ ،‬فخبط ود بأس يافهم وهم‬
‫يقولون ‪:‬‬
‫والناس تلقى جلهم كالذبان‬ ‫ضل نبي مات وهو سكران‬
‫النور والنار لديهم سيان‬
‫ذكره الدوالبي ‪ ،‬وزاد ابن إسحاق في رواية يونس عنه ان امرأته سقته البنج في شرابه‬
‫تلك الليلة‪ ،‬وهي التي احتفرت السرب للدخول عليه ‪ ،‬وكان اغتصبها‪ ،‬ألنها كانت من اجمل‬
‫النساء‪ ،‬وكانت مسلمة صالحة‪ ،‬وكانت تحدث عنه أنه ال يغتسل من الجنابة‪ ،‬واسمها المرزبانة‪،‬‬
‫وفي صورة قتله اختالف ‪ .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬أريت سوارين من ذهب ‪ ،‬فنفختهما‬
‫فطارا ‪ .،‬وقال بعض أهل العلم بالتعبير‪ .‬وتأويل نفخه لهما انهما بريحه قتال‪ ،‬ألنه لم يغزهما‬
‫بنفسه ‪ ،‬وتأويل الذهب أنه زخرف ‪ ،‬فدل لفظه على زخرفهما‪ ،‬وكذبهما‪ ،‬ودل اإلسواران‬
‫بلفظهما على ملكين الن األساورة هم الملوك ‪ ،‬وبمعناهما على التضييق عليه لكون السوار‬
‫مضيقا على الذراع ‪ .‬وراجع تاريخ الطبري ‪.‬‬
‫‪278‬‬

‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وقد ح دثني ش يخ من ب نى حنيفة من أهل اليمامة ان حديثه ك ان على غ ير‬
‫هذا‪ ،‬زعم ان وفد بني حنيفة أتوا رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وخلفوا مسيلمة في رحالهم ‪،‬‬
‫مكانه ‪ ،‬فق الوا ‪ :‬يا رس ول اللّه أنا قد خلفنا ص احبا لنا في رحالنا وفي ركابنا‬
‫فلما اس لموا ذك روا َ‬
‫يحفظها لن ا‪ ،‬ق ال ‪ :‬ف أمر له رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم بمثل ما أمر به للق وم ‪ ،‬وق ال ‪ :‬أما‬
‫يعةَ أص حابه ‪ ،‬وذلك ال ذي يريد رس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫أنه ليس بش ّركم مكانا أي لحفظه ض َ‬
‫وسلم‬
‫تنبؤ مس يلمة ‪ :‬ق ال ‪ :‬ثم انص رفوا عن رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬وج اءوه بما‬
‫دو اللّه وتنبَّا وتك َّذب لهم ‪ ،‬وق ال ‪ :‬إني قد أش ركت في‬
‫اعط اه ‪ ،‬فلما انته وا إلى اليمامة ارتد ع ُّ‬
‫األمر معه ‪ ،‬وق ال لوف ده ال ذين ك انوا معه ‪ :‬ألم يقل لكم حين ذكرتم ونى له ‪ :‬أما أنه ليس بش ركم‬
‫مكان ا‪ ،‬ما ذاك إال لما ك ان يعلم اني قد أش ركت في األمر معه ‪ ،‬ثم جعل َي ْس جع لهم األس اجيع ‪،‬‬
‫الحْبلَى‪ ،‬اخرج منها نسمة تسعى‪،‬‬‫ويقول لهم فيما يقول مضاهاة(‪ )1‬للقران ‪ " :‬لقد انعم اللّه على ُ‬
‫الخمر والزنا‪ ،‬ووضع عنهم الصالةَ‪ ،‬وهو مع ذلك يشهد‬ ‫وح َشي " واحل لهم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫من بين صفاق (‪َ )2‬‬
‫نبي ‪ ،‬فاصفقت (‪ )3‬معه حنيفة على ذلك ‪ ،‬فاللّه اعلم أي‬ ‫لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم بأنه ٌّ‬
‫ذلك كان ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مضاهاة ‪ :‬مشابهة‪.‬‬
‫َّ‬
‫مارق من البطن‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الصفاق ‪:‬‬
‫(‪)3‬أصفقت‪:‬اجتمعت‪.‬‬
‫‪279‬‬

‫قدوم زيد الخيل في وفد طيىء‬


‫إس المه ‪ :‬ق ال ابن إسحاق ‪ :‬وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وفد ط يىء‪ ،‬فيهم‬
‫سيدهم ‪ ،‬فلما انتهوا إليه كلموه ‪ ،‬وعرض عليهم رسول اللّه صلى اهلل عليه‬
‫زيد الخيل (ا)‪ ،‬وهو ُ‬
‫ُ‬
‫وسلم‪ ،‬فاسلموا‪ ،‬فحسن إسالمهم ‪ ،‬وقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪،‬كما حدثني من ال اتهم‬
‫بفضل ‪،‬ثم جاءني‪،‬إال رأيته دون ما يقال فيه ‪ ،‬إال‬
‫من رجال طيىء ؛ ما ُذكر لي رجل من العرب ْ‬
‫زيد الخير‪،‬‬
‫زيد الخيل ‪ :‬فانه لم يبلغ كل ما ‪ ،‬كان فيه ‪ ،‬ثم سماه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫وقطع له فَْيدا وارضين معه ؛ وكتب له بذلك ‪.‬‬
‫موت زيد الخير ‪ :‬خرج من عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم راجعا إلى قومه ؛ فقال‬
‫ينج زيد من حمى المدينة فانه قال ‪ :‬قد سماها رسول اللّه‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ان ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم باسم غير الحمى‪ ،‬وغير أم َمْلدم (‪)2‬فلم يثبته ‪ -‬فلما انتهى من بلد نجد إلى‬
‫ماء من مياهه ‪ ،‬يقال له فَردة‪ ،‬أصابته ‪ ،‬الحمى بها فمات ‪ ،‬ولما احس زيد بالموت قال ‪:‬‬
‫واترك في بيت بفَردة ِ‬
‫منجد‬ ‫المشارق ُغدوة‬
‫َ‬ ‫أمرتحل قومي‬
‫(ا) ق ال الس هيلي ‪ :‬وهو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب ‪ ،‬يك نى أبا مكنف الط ائى‪ ،‬واسم‬
‫ط يىء أدد‪ .‬وقيل له ‪ .‬زيد الخيل لخمس أف راس ‪ ،‬ك انت له لها اس ماء اعالم ذهب ع نى حفظها‬
‫اآلن ‪ .‬وذكر أسماءها البكري وهى ‪ :‬الهطال ‪ ،‬والكميت ‪ ،‬والورد‪ ،‬والكامل ‪ ،‬وذءول ‪.‬‬
‫(‪ )2‬واالسم ال ذي ذهب عن ال راوي من اس ماء الحمى‪ ،‬هو ام كلب ة‪ ،‬قاله ابو عبي دة في‬
‫مقاتل الفرسان ‪ ،‬ولم أره ‪ ،‬ولكن رأيت البكري ذكره في باب افرده من اسماء البالد‪ ،‬ولها أيضا‬
‫اسم سوى هذه األسماء ذكره ابن دريد في الجمهرة‪ ،‬قال ‪ :‬سباط ‪ ،‬من اسماء الحمى على وزن‬
‫رق اش ‪ ،‬وأما أم مل دم ‪ ،‬فيق ال بال دال ‪ ،‬وبال ذال وبكسر الميم وفتحه ا‪ ،‬وهو من الل دم وهو ش دة‬
‫الضرب ‪ ،‬ويحتمل ان يكون ام كلبة هذا االسم مغيرا من كلبة بضم الكاف والكلبة شدة الرعدة‪،‬‬
‫وكلب البرد شدائده ‪ .‬أنظره مفصال في الروض األنف جـ ‪ 4‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ . 227‬من‬
‫تحقيقنا‪ .‬ط الكليات األزهرية – القاهرة‪.‬‬
‫‪280‬‬

‫عوائد من لم ُي ْب َر منهن َي ْجهَ ُد(‪)1‬‬


‫ُ‬ ‫أال ُر َّ‬
‫ب يوم لو َمرضت لعادني‬
‫فلما م ات عم دت امرأته إلى ما ك ان معه من كتبه ‪ ،‬ال تى قطع له رس ول اللّه ص لى اهلل‬
‫فحرقتها بالنار‪.‬‬
‫عليه وسلم َّ‬
‫قدوم عدي بن حاتم‬
‫هربه أوال إلى الشام فرارا من اإلسالم ‪ :‬واما عدي بن حاتم (‪ )2‬فكان يقول ‪ ،‬فيما بلغني‬
‫أشد كراهية لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين سمع به م ني ‪،‬‬ ‫‪ :‬ما من رجل من العرب كان َّ‬
‫بالمرباع (‪ )3‬فكنت في نفسي‬ ‫أما أنا فكنت امرءاً شريفا وكنت نصرانيا‪ ،‬وكنت أسير في قومي ِ‬
‫ّ‬
‫على دين ‪ ،‬وكنت ملكا في ق ومي‪ ،‬لما ك ان ُيص نع بى‪ ،‬فلما س معت برس ول اللّه ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم كرهته فقلت لغالم ‪ ،‬ك ان لي ع ربي‪ ،‬راعيا إلبلي ‪ :‬ال ابا لك ‪ ،‬اع دد لي من ابلي أجم اال‬
‫معت بجيش لمحمد قد وط يىء ه ذه البالد ف ِّ‬
‫آذنى‪،‬‬ ‫فاحتبس ها قريبا م ني ‪ ،‬ف اذا س َ‬
‫ْ‬ ‫ُذلُال(‪ِ )4‬س مانا‪،‬‬
‫ففعل ‪ ،‬ثم أنه أتاني ذات غداة‪ ،‬فقال ‪ :‬يا عدي ‪ ،‬ما كنت صانعا إذا غشيتك خي ُل محمد‪ ،‬فاصنعه‬
‫اآلن ‪ ،‬فإنى قد رأيت رايات ‪ ،‬فسالت عنها‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذه جيوش محمد‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫فقرب إلى إجمالي‪ ،‬فقربها‪ ،‬فاحتملت به أهلى وولدي ‪ ،‬ثم قلت‬
‫فقلت ‪ِّ :‬‬
‫الج ْوشية‪ ،‬ويقال ‪:‬‬
‫الحق بأهل ديني من النصارى بالشام ؛ فسلكت َ‬
‫(ا) يبرى ‪ :‬يجهد‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو عدي بن حاتم بن عبداهلل بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي‬
‫ابن ربيعة بن ج رول بن ثعل بن عمر بن الغ وث بن ط يىء يك نى ابا ظريف ‪ ،‬وح ديث‬
‫إسالمه صحيح عجيب خرجه الترمذي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي آخذ ربع الغنيمة وكذلك كان يفعل الرؤساء في الجاهلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬الذلل ‪ :‬السهلة‪.‬‬
‫‪281‬‬

‫أقمت‬
‫الح ْوش ية ق ال ابن هش ام ‪ -‬وخلفت بنت ا(ا) لح اتم في الحاضر ؛ فلما – ق دمت الش ام ُ‬
‫َ‬
‫بها‪.‬‬
‫اسر الرسول ابنة حاتم ‪ :‬وتُخالفني خي ٌل لرسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫ْ‬
‫فتص يب ابن ةَ ح اتم ‪ ،‬فيمن أص ابت ‪ ،‬فق دم بها على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم في‬
‫س بايا ‪ ،‬من ط يىء‪ ،‬وقد بلغ رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ه ربي إلى الش ام ‪ ،‬ق ال ‪ :‬فجعلت‬
‫حبس َن فيها‪ ،‬فمر بها‬
‫بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد‪ ،‬كانت السبايا ُي ْ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقامت إليه ‪ ،‬وكانت امرأة َج ْزلة(‪ ،)2‬فقالت ‪ :‬يا رسول‬
‫على َم َّن اللّه عليك ‪ .‬ق ال ‪ :‬من واف دك ؟ ق الت ع دي بن‬
‫اللّه ‪ ،‬هلك الوال د‪ ،‬وغ اب الوافد ف امنن ّ‬
‫الفار من اللّه ورسوله ؟‬
‫حاتم ‪ .‬قال ‪ُّ :‬‬
‫ق الت ‪ :‬ثم مضى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم وترك ني ‪ ،‬ح تى إذا ك ان من الغد م ّرر‬
‫بي‪ ،‬فقلت له مثل ذلك ‪ ،‬وقال لي مثل ما قال باألمس ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬حتى إذا كان بعد الغد مر بى وقد يئست منه ‪ ،‬فاشار إلى‬
‫رج ٌل من خلفه أن ق ومي فكلميه ‪ ،‬ق الت ‪ :‬فقمت إليه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رس ول اللّه هلك الوال د‪،‬‬
‫تعجلي‬ ‫على َم َّن اللّه عليك ‪ ،‬فق ال ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬قد ‪ُ ،‬‬
‫فعلت ‪ ،‬فال َ‬ ‫امنن َّ‬
‫وغ اب الواف ُد‪ ،‬ف ْ‬
‫بخروج حتى تجدي من قو ِمك من يكون لك ثقة‪ ،‬حتى يبلغك إلى بالدك ‪ ،‬ثم آذنينى ‪.‬‬

‫(ا) يقول السهيلي ‪ :‬اسمها سفانة‪ ،‬النى وجدت في خبر عن امرأة حاتم تذكر فيه سخاءه‬
‫قالت ‪ :‬فأخذ حاتم عديا يعلله من الجوع ‪ ،‬وأخذت أنا سفانة‪ ،‬وال يعرف لعدي ولد‪،‬‬
‫انق رض عقبه ‪ ،‬ولح اتم عقب من قبل عبداللّه بن ح اتم ‪ ،‬ذك ره القت بي ‪ ،‬وال يع رف له بنت‬
‫اال س فانة‪ ،‬فهى إذا هذه المذكورة في الس يرة‪ .‬واهلل اعلم ‪ .‬وأم حاتم ‪ :‬عنبة بنت عفيف من اكرم‬
‫الناس وهى التى تقول ‪:‬‬
‫فآليت اال احرم الدهر جائعا‬ ‫لعمري لقد ما عضنى الجوع عضة‬
‫الدرة‪ ،‬وبها كان يكنى حاتم ‪.‬‬
‫والسفانة ‪ّ :‬‬
‫(‪ )2‬جزل ‪ :‬الحطب بالضم جزالة إذا عظم وغلظ ‪ ،‬فهو جزل ‪ ،‬ثم استعير في العطاء فقيل‬
‫اجزل له في العطاء إذا أوسعه ‪.‬‬
‫‪282‬‬

‫الت عن الرجل ال ذي أش ار إلى أن أكلمه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬على بن أبى ط الب رض وان اللّه‬
‫فس ُ‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وأقمت حتى قدم ركب من َبِل ّى أو قُضاعة‪ ،‬قالت ‪ :‬وإ نما أريد ان اتى أخى بالشام ‪ .‬قالت‬
‫‪ :‬فجئت رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم فقلت ‪ :‬يا رس ول اللّه ‪ ،‬قد ق دم رهط من ق ومي‪ ،‬لي‪،‬‬
‫فيهم ثقة وبالغ ‪ .‬ق الت ‪ :‬فكس اني رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬وحمل ني‪ ،‬وأعط اني نفق ة‪،‬‬
‫فخرجت معهم حتى قدمت الشام ‪.‬‬
‫نظرت إلى‬
‫ُ‬ ‫نصيحة ابنة حاتم أخاها باإلسالم ‪ :‬قال عدي ‪ :‬فواللّه إني لقاعد في أهلي‪ ،‬إذ‬
‫على‬
‫وقفت ّ‬
‫ْ‬ ‫صوب إلى تؤمنا‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬ابنةُ حاتم ‪ ،‬قال ‪ :‬فاذا هي هي‪ ،‬فلما‬ ‫ظعينة(ا) تَ ُ‬
‫احتملت بأهلك وولدك ‪ ،‬وتركت بقية والدك عورتَك ‪،‬‬
‫َ‬ ‫انسحلت (‪ )2‬تقول ‪ :‬القاطع بر الظالم ‪،‬‬
‫ِ‬
‫ذكرت ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫صنعت ما‬
‫ُ‬ ‫أخية‪ ،‬ال تقولي إال خيرا‪ ،‬فواللّه ما لي من عذر‪ ،‬لقد‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أي َ‬
‫نزلت فأقامت عندي ‪ ،‬فقلت لها‪ ،‬وكانت امرأة حازمة ‪ :‬ماذا تريدين في أمر هذا الرجل ؟‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫تلحق به سريعا‪ ،‬؟ فان يكن الرج ُل نبيا فللسابق إليه فضله ‪ ،‬وان يكن َملكا‬
‫َ‬ ‫قالت ‪ :‬أرى واللّه ان‬
‫أنت قال ‪ :‬قلت ‪ :‬واللّه ان هذا الرأي ‪.‬‬ ‫فلن تَِذ َّل في عز اليمن ‪َ ،‬‬
‫وأنت َ‬
‫اقدم‬
‫إسالم عدي بعد قدومه على الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ‪ :‬فخرجت حتى َ‬
‫على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم المدينة‪ ،‬فدخلت عليه ‪ ،‬وهو في مسجده ‪ ،‬فسلمت عليه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من الرجل ؟ فقلت َعدي بن حاتم ؟ فقام رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق بي‬
‫إلى بيته ‪ ،‬فواللّه أنه لعامد بى إليه ‪ ،‬إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويال‬
‫تكلمه في حاجتها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلت في نفسي ‪ :‬واللّه ما هذا بملك ‪.‬‬
‫( ‪ )1‬الظعينة ‪ :‬المرأة في الهودج ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انسحلت ‪ :‬أخذت تلوم ‪.‬‬
‫‪283‬‬

‫ق ال ‪ :‬ثم مضى بى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ح تى إذا دخل في بيته ‪ ،‬تن اول ‪-‬‬
‫آدم محش وة ليف ا‪ ،‬فق ذفها إلى‪ ،‬فق ال ‪ :‬اجلس على ه ذه ‪ ،‬ق ال ‪ :‬قلت ‪:‬بل أنت ف اجلس‬
‫وس ادة في َ‬
‫أنت ‪،‬فجلست عليها‪،‬وجلس رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم باألرض ‪.‬‬
‫عليها‪ .‬فقال ‪:‬بل َ‬
‫قال ‪ :‬قلت في نفسي ‪ :‬واللّه ما هذا بامر ملك ‪ .‬ثم قال ‪ :‬إيه يا عدي بن حاتم ألم تك‬
‫َر ُكوسيا ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬بلى‪ ،‬ثم قال ‪:‬أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟قال ‪:‬قلت ‪ :‬بلى‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فان ذلك لم يكن ُّ‬
‫يحل لك في دينك ؟قال ‪ :‬قلت ‪:‬اجل واللّه وقال ‪ :‬وعرفت أنه نبي مرسل ‪َ ،‬يعلم‬
‫ما ُيجهل ‪.‬‬
‫ثم ق ال ‪ :‬لعلك يا ع دي إنما يمنعك من دخ ول في ه ذا ال دين ما ت رى من ح اجتهم ‪ ،‬فواللّه‬
‫يفيض فيهم حتى ال يوجد من يأخذه ‪ .‬ولعلك انما يمنعك من دخول فيه ما ترى‬ ‫ِ‬
‫ليوشكن المال ان‬
‫َ‬
‫من ك ثر ِة ع دوهم وقلة ع ددهم ‪ ،‬فواللّه ليوش كن ان تس مع ب المرأة تخ رج من القادس ية على‬
‫بعيرها‪ ،‬حتى تزور هذا البيت ‪ ،‬ال تخاف ‪ .‬ولعلك انما يمنعك من دخول فيه انك ترى ان الملك‬
‫والس لطان في غ يرهم ‪ ،‬وايم اللّه ليوش كن ان تس مع بالقص ور ال بيض من ارض بابل قد فُتحت‬
‫عليهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فأسلمت ‪.‬‬
‫وكان عدي يقول ‪ :‬قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة‪ ،‬واللّه لتكونن ‪ ،‬قد رأيت القصور‬
‫‪:‬ية على بعيرها ال‬
‫‪:‬رج من القادس‪:‬‬ ‫البيضَ من ارض بابل قد فُتحت ‪ ،‬وقد رأيت المرأة تخ‪:‬‬
‫تخاف حتى تحج هذا البيت ‪ ،‬وايم اللّه لتكون الثالثة‪ ،‬ليفيض المال حتى ال يوجد من يأخذه‬
‫(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬قد حدث أول ما حدث في عهد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رضى اللّه عنه ‪.‬‬
‫‪284‬‬

‫المرادي‬
‫س ْيك ُ‬
‫قدوم فروة بن ُم َ‬
‫المرادي على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقدم فروة بن ُم َس ْيك ُ‬
‫مفارقا لملوك كندة‪ ،‬ومباعدا لهم ‪ ،‬إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وه ْم دان وقعة ؛ أصابت‬
‫يوم الردم بين همدان ومراد ‪ :‬وقد كان قبيل اإلسالم بين مراد َ‬
‫الر ْدم ‪ ،‬فكان الذي قاد‬
‫فيها همدان من مراد ما أرادوا ؛ حتى اثخنوهم في يوم كان يقال له ‪ :‬يوم َّ‬
‫َه ْمدان إلى مراد ‪ :‬االجدع بن مالك في ذلك اليوم ‪.‬‬
‫الهمداني ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن َحريم ْ‬
‫ش عر ف روة بن مس يك في ي وم ال ردم ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وفي ذلك الي وم يق ول ف روة بن‬
‫ُم َس ْيك ‪:‬‬
‫تحينا(‪)1‬‬
‫نازعن األعنة َي ْن َ‬ ‫ُي ِ‬ ‫خوص‬
‫ٌ‬ ‫وه َّن‬
‫َم َر ْرنا على لُفاةَ ُ‬
‫فغير ُم َغلَّ َ‬
‫بينا(‪)2‬‬ ‫وان ُن ْغلَب ُ‬ ‫ب فغالّبون قُ ْدما‬ ‫فان َن ِ‬
‫غل ْ‬
‫آخرينا(‪)3‬‬‫َ‬ ‫َمنايانا وطُعمةُ‬ ‫بن ولكن‬ ‫وما ان ِطُبّنا ُج ٌ‬
‫فحينا‬
‫تَ ُك ُّر صروفُه حينا َ‬ ‫الدهر دولتُه ِسجا ٌل‬‫كذاك ُ‬
‫ت َغضارتُه ِس َ‬
‫نينا‬ ‫بس ْ‬
‫ولو لُ َ‬ ‫ضى‬‫ونر َ‬ ‫سربه ْ‬ ‫فبينا ما ُن ُّ‬
‫َ‬
‫ط ِحينا‬
‫فألفيت األلى ُغبطوا َ‬ ‫َ‬ ‫ات دهر‬ ‫انقلبت به َك َّر ُ‬
‫ْ‬ ‫إذ‬
‫ونا(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫الزمان له َخُئ َ‬ ‫َي ِج ْد َر ْي َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫الدهر منهم‬ ‫ط ِ‬
‫بريب‬ ‫‪ ،‬فمن ُي ْغَب ْ‬

‫(ا) لفاة ‪ :‬موضع ‪ .‬خوص ‪ :‬غائرات العيون ‪.‬‬


‫(‪ )2‬مع نى ال بيت ‪ :‬ان نغلب الن اس فه ذا من طبيعتنا وما تعودنا عليه منذ الق دم أما وقد‬
‫انهزمنا مرة فلن تتكرر‪.‬‬
‫(‪ )3‬طبنا ‪ :‬شأننا وعادتنا‪.‬‬
‫(‪ )4‬الريب ‪ :‬الظن والشك ‪.‬‬
‫‪285‬‬

‫إذن ِبقينا‬
‫رام ْ‬ ‫ِ‬
‫ولو بقى الك ُ‬ ‫ك إذن َخلَ ْدنا‬
‫فلو َخلَ َد الملو ُ‬
‫لينا‬
‫األو َ‬
‫القرون َّ‬ ‫كما أفنى‬ ‫سروات قومي‬ ‫ِ‬ ‫فأفنى ذلكم‬
‫َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أول بيت منها‪ ،‬وقوله ‪ " :‬فان َنغلب " عن غير ابن‬
‫ا سحا ق ‪.‬‬
‫قدوم فروة على الرسول صلى اهلل عليه وسلم وما قاله من الشعر ‪ :‬قال ابن‬
‫إس حاق ‪ :‬ولما توجه فَ روة بن ُم َس يك إلى رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم مفارقا لمل وك‬
‫كندة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عرق َنسائِها(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫الرجل‬
‫َ‬ ‫كالرجل خان‬
‫ِّ‬ ‫ت‬‫أعرض ْ‬
‫َ‬ ‫ك ِك َ‬
‫ندة‬ ‫رأيت ملو َ‬
‫ُ‬ ‫لما‬
‫وحس َن ثرائِها‬
‫ْ‬ ‫أرجو فواضلَها‬
‫ُ‬ ‫أؤم محمدا‬
‫قََّربت راحلتي ُّ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني أبو ُعبيدة ‪ " .‬أرجو فواضله وحسن ثنائها "‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما انتهى إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال له رسول اللّه‬
‫فروة‪ ،‬هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال ‪:‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فيما بلغني ‪ :‬يا َ‬
‫يا رسول اللّه ‪ ،‬من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ال يسوءه‬
‫ذلك ! فق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬أما ان ذلك لم ي زد قومك في اإلس الم إال‬
‫خيرا ‪ .‬واستعمله النبي صلى اهلل عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها‪ ،‬وبعث معه خالد بن‬
‫سعيد بن العاص على الصدقة‪ ،‬فكان معه في بالده حتى توفى رسول‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫النسا ‪ :‬عرق يمتد من الورك إلى الكعب ‪ ،‬مده لضرورة الشعر واألصح أنه ال يقال‬
‫عرق‬
‫َّ‬
‫النسا الن الشىء ال يضاف إلى نفسه ‪.‬‬
‫‪286‬‬

‫قدوم عمرو بن َم ْعدي َكرب في أناس من بنى ُز َب ْيد‬


‫اسالم عمرو ‪ :‬وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عمرو بن معديكرب في أناس‬
‫من بني ُزَبيد‪ ،‬فاسلم ؛ وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ‪ ،‬حين ‪.‬انتهى إليهم أمر‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬يا قيس ‪ ،‬انك سيد قومك ‪ ،‬وقد ُذكر لنا أن رجال من قريش‬
‫فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ‪ ،‬فان كان نبيا‬
‫ْ‬ ‫يقال له محمد قد خرج بالحجاز ؛ يقول إنه نبى‪،‬‬
‫كما يقول ‪ ،‬فانه لن يخفى عليك ‪ ،‬وإ ذا لقيناه اتبعناه ‪ ،‬وان كان غير ذلك علمنا علمه ‪ .‬فأبى‬
‫عليه قيس ذلك ‪ ،‬وسفَّه رأيه ‪ ،‬فركب عمرو بن َم ْعدي َك ِرب حتى قدم على رسول اللّه صلى اهلل‬
‫َّ‬
‫وصدقه ‪ ،‬وآمن به ‪.‬‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬فاسلم ‪،‬‬
‫ما قاله عم رو فيما أوع ده به قيس بن مكش وح ‪ :‬فلما بلغ ذلك قَْيس بن مكش وح أوعد‬
‫َعمرا‪ ،‬وتحطَّم عليه (ا)‪ ،‬وقال ‪ :‬خالفني وترك رأيي ‪ .‬فقال عمرو بن معديكرب في ذلك ‪:‬‬
‫َء أمرا باديا َر َش ُد ْه‬ ‫ص ْنعا‬
‫يوم ذي َ‬ ‫أمرتُك َ‬
‫والمعروف تتَّ ِع ُد ْه‬ ‫باتقاء اللّ ِه‬
‫ِ‬ ‫أمرتُك‬
‫الح َمي ِِّر َغَّره وتَ ُد ْه (‪)2‬‬ ‫مثل ُ‬ ‫المَنى‬
‫خرجت من ُ‬
‫أس ُد ْه‬
‫عليه جالسا ْ‬ ‫تمنانى على ٍ‬
‫فرس‬
‫دد ْه (‪)3‬‬
‫اخلَص ماءه َج ُ‬ ‫لى ُمفاضةٌ كالنهي‬
‫َع َّ‬
‫ص ُد ْه (‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫ن عوائرا ق َ‬ ‫مح ُمنثنى السنا‬
‫الر َ‬
‫ترد ُّ‬
‫(ا) تحطم عليه ‪ :‬اشتد عليه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وتده ‪ :‬أثبته بالحائط أو باألرض ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مفاضة ‪ .‬أى درع مفاضة حذف الموصوف واتى بالصفة وتجوز بالغة‪ ،‬والمفاضة ‪:‬‬
‫هي الواسعة ‪ .‬النهى ‪ :‬غدير الماء‪ .‬الجدد ‪ :‬األرض الصلبة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عوائر ‪ :‬متطايرة ‪ .‬القصد ‪ :‬القطع المتطايرة من الرمح ‪.‬‬
‫‪287‬‬

‫ليثافوقَه ِل ُ‬
‫بد ْه (‪)1‬‬ ‫يت‬
‫فلو القيتَني للقَ َ‬
‫جراثن ناشزا َكتَ ُد ْه (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫تُالقى َش ْنبثا َشثْ َن إلى‬
‫ض ُد ْه (‪)3‬‬ ‫تيممه فَيعتَ ِ‬‫َّ‬ ‫الق ْر َن ان ِق ْر ٌن‬
‫يسامي ِ‬
‫ْ‬
‫فيقتص ُد ْه (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ضه‬ ‫ِ‬
‫فيخف ُ‬ ‫فيرفعه‬
‫ُ‬ ‫فيأخ ُذه‬
‫فيخ ِ‬
‫ض ُمه فََي ْز َد ِر ُد ْه (ْ)‬ ‫فيدم ُغه ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫فيحط ُمهُ‬ ‫َ ُ‬
‫وي ُد ْه‬
‫انيابه َ‬‫ت ُ‬ ‫أحرز ْ‬‫َ‬ ‫الشرك فيما‬ ‫ظلوم َّ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنشدني ابو عبيدة ‪:‬‬
‫َء أمرا َبيِّنا َر َش ُد ْه‬ ‫ص ْنعا‬
‫يوم ذي َ‬ ‫أمرتُك َ‬
‫تأتيه وتتَّ ِع ُد ْه‬ ‫باتقاء اللّ ِه‬
‫ِ‬ ‫أمرتُك‬
‫غرره مما به وتَ ُد ْه‬
‫َ‬ ‫الح َميِّر‬
‫فكنت كذي ُ‬
‫َ‬
‫ارتداد عمرو بعد موت الرسول ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فاقام‬
‫عم رو بن مع ديكرب في قومه من ب نى زبيد وعليهم ف روة بن مس يك فلما ت وفى رس ول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب وقال حين ارتد ‪:‬‬
‫ِحمارا َ‬
‫ساف ُم ْن َخره بثَ ْف ِر(‪)6‬‬ ‫شر ٍ‬
‫ملك‬ ‫وجدنا ُملك فروةَ َّ‬
‫الء من َخَب ٍث َ‬
‫وغ ْد ِر(‪)7‬‬ ‫الح َو َ‬
‫ترى ُ‬ ‫رأيت أبا ُع َمير‬
‫َ‬ ‫وكنت إذا‬
‫َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قوله ‪ :‬بشفر‪ ،‬عن ابي عبيدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اللبد ‪ :‬الشعر الذي على أكتاف ورءوس االسود‪ ،‬المفرد لبدة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشنبث ‪ :‬الذي ال يزايل خصمه ‪ .‬الشثن ‪ :‬غليظ األصابع ‪ .‬البراثن ‪ :‬مخالب األسد‪.‬‬
‫وناشز ‪ :‬مرتفع ‪ .‬الكتد ‪ :‬ما بين الكتفين ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يعتضده ‪ :‬يضعه تحت عضده فيصرعه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يقتصده ‪ :‬يصرعه ‪.‬‬
‫(‪ )5‬يدمغه ‪ :‬يشج رأسه ح تى يصل الج راح إلى أم دماغه ‪ .‬يحطمه ‪ :‬يكس ره ‪ .‬يخض مه ‪:‬‬
‫يأكله ‪.‬‬
‫يزدرده ‪ :‬يبتلعه ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ساف ‪ :‬شم ‪ .‬الثفر‪ :‬للبهائم كالرحم للنساء‪. .‬‬
‫(‪ )7‬الح والء ‪ :‬ما يخ رج من األخالط مع الولد س اعة ال والدة ؟ يش به من يهج وه أنه في‬
‫الخبث والقذارة مثل الحوالء‪.‬‬
‫‪288‬‬

‫قدوم االشعث بن قيس في وفد كندة‬


‫إس المه ومن معه ‪ :‬ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وقَ ِدم على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫األ ْشعث بن قَْيس ‪ ،‬في وفد ِكندة ‪ .‬فحدثني الزهري بن شهاب أنه قَ ِدم على رسول اللّه صلى اهلل‬
‫مسجده وقد‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم في ثمانين راكبا من كندة‪ .‬فدخلوا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َرجَّل وا(ا) ُجممهم (‪ )2‬وتكحلوا‪ ،‬وعليهم ُجبب الح برة(‪ ،)3‬وقد كففوه ا(‪ )4‬ب الحرير‪ ،‬فلما دخلوا‬
‫على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬ألم تسلموا ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ ،‬قال ‪ :‬فما بال هذا الحرير‬
‫في أعناقكم ‪ ،‬قال ‪ :‬فشقوه منها‪ ،‬فألقوه ‪.‬‬
‫انتس ابهم إلى آكل الم رار ‪ :‬ثم ق ال االش عث بن قيس ‪ :‬يا رس ول ص لى اهلل عليه وس لم ‪:‬‬
‫ابن آكل الم رار‪ ،‬ق ال ‪ :‬فتبسم رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬
‫نحن بنو آكل الم رار‪ ،‬وأنت ُ‬
‫العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬وربيعة بن الحارث ‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقال ‪ :‬ناسبوا بهذا النسب‬
‫فس ئال ممن هما‪،‬‬
‫وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين وكانا إذا شاعا في بعض العرب ‪ُ ،‬‬
‫ق اال ‪ :‬نحن بنو آكل الم رار‪ ،‬يتع ززان ب ذلك ‪ ،‬وذلك ان ِكن دة ك انوا ملوك ا‪ .‬ثم ق ال لهم ‪ :‬ال‪ ،‬بل‬
‫نحن بنو النضر بن كنان ة‪ ،‬ال نقف وا(‪ )5‬امن ا‪ ،‬وال ننتفي من أبين ا‪ ،‬فق ال األش عث بن قيس ‪ :‬هل‬
‫فرغتم يا معشر ِكندة ؟ واللّه ال اسمع رجال يقولها اال ضربته ثمانين ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬رجلوا ‪ :‬مشطوا ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الجمم ‪ :‬جمع ‪ ،‬جمة ‪ .‬مجتمع شعر مقدم الرأس ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحبرة ‪ :‬ثوب من الكتان والقطن ‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬كففوها ‪ :‬طرزوا حروفها‪.‬‬
‫(‪ )5‬ال نقف وا أمنا ‪ :‬ال نتبع نسب أمن ا‪ .‬وقد أص اب االش عث في بعض قوله فقد ك ان من‬
‫جدات الرسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من هي من ذلك القبيل‬
‫‪ ،‬منهن دعد بنت س رير بن ثعلبة بن الح ارث الكن دي ‪ ،‬وهى ام كالب بن م رة‪ ،‬وقي ل‪ :‬بل‬
‫هي جدة كالب ‪ ،‬أم أمه هند‪.‬‬
‫‪289‬‬

‫قال ابن هشام ‪ :‬االشعث بن قيس من ولد آكل المرار من ِقبل النساء‪ ،‬وآكل المرار ‪ :‬الحارث‬
‫بن عم رو بن ُح ْجر بن معاوية بن الح ارث ابن ُمعاوية بن ث ور بن مرتع بن معاوية بن ِكن دى‪،‬‬
‫ويقال ِكندة‪ ،‬وانما ُسمى آكل المرار‪ ،‬الن عمرو بن الهَبولة الغساني اغار عليهم ‪ ،‬وكان الحارث‬
‫غائب ا‪ ،‬فغنم وس بى‪ ،‬وك ان فيمن سبى ُّأم أناس بنت عوف بن محلَّم الشيباني ‪ ،‬امرأة الح ارث بن‬
‫عم رو‪ ،‬فق الت لعم رو في مس يره ‪ :‬لك أنب برجل ْادلم (ا) اس ود‪ ،‬ك أن مش افره مش افر بع ير آكل‬
‫فسمى آكل المرار‪.‬‬
‫ُمرار(‪ )2‬قد اخذ برقبتك ‪ ،‬تعني الحارث ‪ُ ،‬‬
‫والمرار ‪ :‬شجر ‪.‬‬
‫ثم تبعه الح ارث في ب ني بكر بن وائل فلحقه ‪ ،‬فقتله ‪ ،‬واس تنقذ امرأته ‪ ،‬وما ك ان اص اب ‪.‬‬
‫ِ‬
‫الي ْش ُكري لعمرو بن المنذر‪ ،‬وهو عمرو بن هند اللخمي ‪:‬‬ ‫فقال الحارث بن حلَِّزة َ‬
‫الدماء‬
‫ُ‬ ‫َك ْرها إذ ال تُكال‬ ‫َّان بالمنذر‬
‫ب َغس َ‬ ‫وأقدناك َر ّ‬
‫المنذر أباه ‪ ،‬وهذا البيت في قصيدة‬
‫ُ‬ ‫الن الحارث االعرج الغسانى قتل‬
‫له‪.‬‬
‫ذكرت من القطع (‪: )3‬‬
‫ُ‬ ‫وهذا الحديث أطول مما ذكرت ‪ ،‬وانما منعني من استقصائه ما‬
‫ويقال ‪ :‬بل آكل المرار ‪ُ :‬ح ْجر بن عمرو بن معاوية‪ ،‬وهو صاحب هذا الحديث ‪ ،‬وانما ُسمي‬
‫المرار‪.‬‬
‫آكل المرار‪ ،‬ألنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له ُ‬

‫(‪ )1‬األدلم ‪ :‬مسترخي الشفتين ‪.‬‬


‫(‪ )2‬المرار ‪ :‬نبات شديد المرارة إذا أكله البعير تقبضت شفتاه من المرارة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أي قطع سيرة رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪290‬‬

‫صرد بن عبد اللّه االزدي مسلما‬


‫قدوم ُ‬
‫ص رد بن عبد اللّه االزدي ‪ ،‬فاس لم ‪ ،‬وحسن‬
‫وق دم على رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ُ‬
‫أمره رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم على من اس لم من قومه ‪،‬‬
‫األزد‪ ،‬ف َّ‬
‫إس المه في وفد من ْ‬
‫وأمره ان يجاهد بمن اسلم من كان يليه من أهل الشرك ‪ ،‬من قبل اليمن ‪. .‬‬
‫صرد بن عبد اللّه يسير بامر رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫قتل أهل ُجرش ‪ :‬فخرج ُ‬
‫ت (ا)إليهم‬
‫ض َو ْ‬
‫حتى نزل بجرش ‪ ،‬وهي يومئذ مدينة معلقة‪ ،‬وبها قبائل من قبائل اليمن ‪ ،‬وقد َ‬
‫َخثْ َعم ‪ ،‬فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم ‪ ،‬فحاصروهم فيها قريبا من شهر‪،‬‬
‫وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافال‪ ،‬حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له َش ْكر‪ ،‬ظن أهل ُج َرش‬
‫أنه انما ولى عنهم منهزما‪ ،‬فخرجوا في طلبه ‪ ،‬حتى إذا أدركوه عطف عليهم ‪ ،‬فقتلهم قتال‬
‫شديدا‪.‬‬
‫‪.‬ج رش بعثوا رجلين منهم إلى رسول اللّه صلى‬
‫إخبار الرسول بما حدث ‪ :‬وقد كان أه ُل ُ‬
‫اهلل عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ‪ ،‬فبينا هما عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم عشيةً‬
‫بعد ص الة العص ر‪ ،‬إذ ق ال رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪ :‬ب أي بالد اللّه ُش ْكر ؟ فق ام إليه‬
‫الجرشيان فقاال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬ببالدنا جبل يقال له ُك ْش ر ؛ وكذلك يسميه أهل جرش ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أنه ليس ب ُك ْشر‪ .،‬ولكنه ُش ْكر‪.‬‬
‫قاال ‪ :‬فما شأنه يا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬ان ُب ْد َن اللّه لتُنحر عنده اآلن ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬فجلس ال رجالن إلى أبى بكر أو إلى عثم ان ‪ ،‬فق ال لهما ‪ :‬ويحكم ا‪ ،‬ان رس ول اللّه‬
‫قومكما فقوما إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فاسأاله ان‬
‫صلى اهلل عليه وسلم لينعى لكما َ‬
‫دعو اللّه ان يرفع عن قومكما ؛ فقاما إليه فس أاله ذلك ‪ ،‬فق ال ‪ :‬اللهم ارف ْع عنهم ‪ ،‬فخرجا من‬
‫ي َ‬
‫راجع ْين إلى‬
‫َ‬ ‫عند رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(ا) ضوت ‪ :‬لجأت ‪.‬‬
‫‪291‬‬

‫ص َرد بن عبد اللّه ‪ ،‬في اليوم الذي قال فيه‬


‫قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم ُ‬
‫قومهما‪ ،‬فوجدا َ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ما قال ‪ ،‬وفي الساعة التى ذكر فيها ما ذكر‪.‬‬
‫إسالم أهل ُجرش ‪ :‬وخرج وفد ُج َرش حتى قَِدموا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وح َمى لهم ِح ًمى حول قريتهم ‪ ،‬على اعالم معلومة‪ .، ،‬للفرس والراحلة وللمثيرة‪،‬‬
‫فاسلموا‪َ ،‬‬
‫وبقرة الحرث ‪ ،‬فمن رعاه من الناس فمالهم ‪ُ ،‬سحت (ا) فقال في تلك الغزوة رجل من االزد‪،‬‬
‫َ‬
‫األزد(‪ )2‬في الجاهلية‪ ،‬وكانوا يعدون في الشهر الحرام ‪:‬‬
‫وكانت َخثْ َعم تصيب من ْ‬
‫مر‬ ‫ٍ‬
‫والح ُ‬
‫فيها البغا ُل وفيها الخي ُل ُ‬ ‫خائبة‬ ‫غير‬
‫غزونا َ‬
‫يا غزوةً ما ْ‬
‫ت لها الن ُذ ُر(‪)3‬‬
‫شاع ْ‬
‫وجمعُ َخثْ َع َم قد َ‬ ‫حتى أتينا ُح َم ْيرا في مصانِعها‬
‫بعد ام كفروا(‪)4‬‬ ‫أدانوا ُ‬
‫فما أبالى ُ‬ ‫كنت ِ‬
‫حملُه‬ ‫ت َغليال ُ‬ ‫وضع ُ‬ ‫إذا‬
‫ْ‬
‫قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم‬
‫وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كتاب ملوك حمير‪َ ،‬م ْق َد َمه من تَبوك ‪،‬‬
‫ون َعيم بن عبد ُكالل والنعمان قَْي ُل (‪ )5‬ذي‬
‫الحارث بن عبد ُكالل ُ‬
‫ُ‬ ‫ورسولهم إليه بإسالمهم ‪،‬‬
‫الرهاوي بإسالمهم ‪،‬‬
‫وه ْمدان ؛ وبعث إليه ُزرعة ذو يزن مالك بن مرة َّ‬
‫ومعافر َ‬
‫ُر َع ْين َ‬
‫ومفارقتهم الشرك وأهله ‪.‬‬
‫(‪ )1‬السحت ‪ :‬هو كل مال حرام ال يحل كسبه وال أكله والسحت أيضا القليل النزر يقال‬
‫أسحت في تجارته باأللف وأسحت تجارته إذا كسب سحتا أي قليال‪.‬‬
‫السراة واالزد لغة في األسد‪.‬‬
‫حي من اليمن يقال أزد َشُنوأة وأزد عمان وازد َّ‬
‫(‪ )2‬االزد ‪ّ :‬‬
‫(‪ )3‬المصانع ‪ :‬القرى‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬الغليل ‪ :‬حرارة الجوف ‪.‬‬
‫(‪ )5‬القيل ‪ :‬ملك إقليم ‪.‬‬
‫‪292‬‬

‫كتاب الرسول إليهم ‪ :‬فكتب إليهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ِ‬
‫رسول اللّه النبي‪ ،‬إلى الحارث بن عبد ُكالل ‪ ،‬وإ لى‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ .‬من‬
‫ُن َع ْيم بن عبد ُكالل ‪ ،‬والى النعمان ‪ ،‬قَْي ِل ذي رعين ومعافر وهمدان ‪.‬‬
‫أما بعد ذلكم ‪ :‬فإني أحمد إليكم اللّه الذي ال اله اال هو‪،‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فانه قد وقع بنا رسولُكم منقلبناً من أرض الروم فلقينا بالمدينة‪ ،‬فبلَّغ ما أرسلتم‬
‫به ‪ ،‬وخبَّرنا ما قبلكم ‪ ،‬وأنبانا بإسالمكم وقتلكم المشركين ‪ ،‬وان اللّه قد هداكم بهداه ‪ ،‬ان أصلحتم‬
‫وس ْه َم‬
‫وأطعتم اللّه ورسوله ‪ ،‬وأقمتم الصالة‪ ،‬وآتيتم الزكاة‪ ،‬وأعطيتم من المغانم ُخمس اللّه ‪َ ،‬‬
‫العين‬ ‫ِ‬
‫وصفيَّه (ا)‪ ،‬وما ُكتب على المؤمنين من الصدقة من العقار(‪ ،)2‬عشر ما َسقت ُ‬ ‫الرسول َ‬
‫ب (‪ )3‬نصف العشر ‪.‬‬ ‫الغ ْر ُ‬
‫السماء‪ ،‬وعلى ما َسقى َ‬
‫ُ‬ ‫وسقت‬
‫وان في اإلبل االربعين ابنةَ لبون ‪ ،‬وفي ثالثين من اإلبل شاتان ‪ ،‬وفي كل اربعين من‬
‫البقر بقرة ؛ وفي كل ثالثين من البقر تبيع ‪َ ،‬ج َذع أو ال َج َذعة ؛ وفي كل أربعين من الغنم سائمة‬
‫وحدها‪ ،‬شاة ‪ .‬وأنها فريضة اللّه ؟ التى فرض على المؤمنين في الصدقة ؛ فمن زاد خيرا فهو‬
‫واشهد على إسالمه ‪ ،‬وظاهر المؤمنين على المشركين ‪ ،‬فانه من ‪.‬‬
‫َ‬ ‫خير له ‪ ،‬ومن أدى ذلك‬
‫المؤمنين ‪ ،‬له ما لهم ‪ ،‬وعليه ما عليهم ‪ ،‬وله ذمة اللّه وذمة رسوله ‪ .‬وانه من اسلم من يهودي‬
‫أو نصراني‪ ،‬فإنه من المؤمنين ‪ ،‬له ما لهم ‪،‬‬
‫(ا) أصل الصفي ‪ :‬ما يصطفيه القائد من الغنيمة قبل القسمة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬العقار ‪ :‬األرض ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الغرب ‪ :‬الدلو‪.‬‬
‫‪293‬‬

‫وعليه ما عليهم ؛ ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه ال يرد عنها‪ ، ،‬وعليه الجزية‪،‬‬
‫واف ‪ ،‬من قيمة المعافر(ا) أو عوضه ثيابا‪ ،‬أدى‬‫على كل حال ذكر أو أنثى‪ ،‬حر أو عبد‪ ،‬دينار ٍ‬
‫عدو‬
‫ذلك إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم فانه له ذمة‪ .‬اللّه وذمةَ رسوله ‪،‬ومن منعه فانه ُّ‬
‫للّه ولرسوله ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فان رسول اللّه محمدا النبي أرسل إلى ُزرعة ذي َي َزن إن إذا آتاكم ُرسلى‬
‫وعقبة بن َنمر‪،‬‬
‫ك بن ُعبادة‪ُ ،‬‬
‫وعبد اللّه بن َز ْيد‪ ،‬ومال ُ‬
‫ُ‬ ‫بن جبل ‪،‬‬
‫فأوصيكم بهم خيرا ‪ُ :‬معا ُذ ُ‬
‫ومالك بن م َّرة وأصحابهم ‪ .‬وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة ِ‬
‫والجزية من مخالفيكم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أميرهم معاذ بن جبل ‪ ،‬فال َي َنق َّ‬
‫لبن اال راضيا‪.‬‬ ‫وابلغوها ُرسلي ‪ ،‬وأن َ‬
‫عبده ورسوله ‪ ،‬ثم ان مالك بن ُم َّرة‬
‫أما بعد ‪ :‬فان محمدا يشهد ان ال اله اال اهلل وانه ُ‬
‫وأمرك بحمير‬
‫فابشر بخير ُ‬
‫ْ‬ ‫وقتلت المشركين‬
‫َ‬ ‫أسلمت من أول حمير‪،‬‬
‫َ‬ ‫الرهاوي قد حدثني انك‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وفقيركم ‪ ،‬وان الصدقة ال تحل‬ ‫خيرا‪ ،‬وال تخونوا وال تخاذلوا‪ ،‬فان رسول اللّه هو ولي غنيِّكم‬
‫زكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لمحمد وال ألهل بيته ‪ ،‬انما هي زكاةٌ ُي َّ‬
‫الخبر‪ ،‬وحفظ الغيب ‪ ،‬وأمركم به خيرا‪ ،‬وإ ني قد أرسلت إليكم من‬ ‫َّ‬
‫وان مالكا قد بلغ َ‬
‫صالحى أهلى وأولى دينهم وأولى علمهم ‪ ،‬وأمرك بهم خيرا‪ ،‬فانهم منظور إليهم ‪ ،‬والسالم‬
‫عليكم ورحمه اللّه وبركاته ‪.‬‬
‫وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد اللّه بن أبي‬
‫بكر أنه ُحدث ‪ :‬ان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم حين بعث معاذا‪ ،‬أوصاه وعهد إليه ‪ ،‬تم قال‬
‫له ‪ :‬يسِّر وال تُعسِّر وبشر وال تُنفر‪ ،‬وانك ستقدم على قوم من أهل الكتاب ‪ ،‬يسئلونك ‪ :‬ما‬
‫مفتاح الجنة‪،‬‬
‫(‪ )1‬المعافر ‪ :‬نوع من ثياب اليمن ‪.‬‬
‫‪294‬‬

‫فقل ‪ :‬شهادة ان ال اله اال اللّه وحده ال شريك له (‪ )1‬؛ فخرج ُمعاذ‪ ،‬حتى إذا قدم اليمن‬
‫قام بما امره به رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فاتته امرأة من أهل اليمن ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا‬
‫ِ‬
‫المرأة عليها ؟ قال ‪ :‬ويحك ! ان المرأة ال تقدر على ان‬ ‫صاحب رسول اللّه ؛ ما ُّ‬
‫حق زوج‬ ‫َ‬
‫كنت صاحب‬‫حق زو ِجها فاجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت ‪ ،‬قالت ‪ :‬واللّه لئن َ‬ ‫ي َّ‬ ‫ِّ‬
‫تؤد َ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم انك لتعلم ما ُّ‬
‫حق الزوج على المرأة ‪ .‬قال ‪ :‬ويحك ؟ لو رجعت‬
‫أديت حقَّه‬
‫إليه فوجدته تَْنثَعب (‪ )2‬منخراه قيحا ودما‪ ،‬فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما ْ‬
‫اسالم فروة بن َعمرو الجذامي‬
‫الج ذامي ‪ ،‬ثم ُّ‬
‫النفَ اثي‪ ،‬إلى رس ول اللّه‬ ‫ق ال ابن إس حاق ‪ :‬وبعث ف روة بن عم رو الن افرة ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم رسوال بإسالمه ‪ ،‬وأهدى له بغلةً بيضاء وكان فروة عامال للروم على من‬
‫يليهم من العرب ‪ ،‬وكان منزله ُمعان وما حولها من أرض الشام ‪.‬‬
‫روم ذلك من إس المه ‪ ،‬طلب وه ح تى أخ ذوه ‪،‬‬
‫حبس ال روم له وش عره ومقتله‪ :‬فلما بلغ ال َ‬
‫فحبسوه عندهم ‪ ،‬فقال في محبسه ذلك ‪:‬‬

‫(ا) وفي البخاري ‪ :‬قيل لوهب ‪-:‬أليس مفتاح الجنة ال اله اال اهلل ؟ فقال ‪ :‬بلى ولكن ليس‬
‫من مفتاح إال وله أسنان ‪ ،‬فان جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك ‪ ،‬وإ ال لم يفتح لك ‪ ،‬وفي رواية‬
‫غيره ‪ :‬ان ابن عباس ذكر له قولة وهب ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدق وهب ‪ ،‬وأنا أخبركم عن األسنان‬
‫ما‬
‫هي‪ ،‬فذكر الصالة والزكاة وشرائع اإلسالم ‪ .‬وانظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري‬
‫من‬
‫تحقيقنا ط ‪ :‬القاهرة الكليات األزهرية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬عالم الكتب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تنثعب ‪ :‬تسيل ‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫الباب ِ‬
‫والق ْر َو ِ‬
‫ان (‪)1‬‬ ‫بين ِ‬ ‫ت ُسلَْي َمى ُمو ِهنا أصحابي‬
‫والروم َ‬
‫ُ‬ ‫طرقَ ْ‬
‫اغ ِفي وقد ابكاني‬ ‫ت ان ْ‬ ‫وهم ْم ُ‬‫رأى َ‬ ‫وساءه ما قد‬
‫َ‬ ‫ص َّد الخيا ُل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لالتيان‬ ‫َسْلمى وال تَِدَي َّن‬ ‫ال تَ ْكحِل َّن العين بعدي ِ‬
‫إثمدا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حص لساني (‪)2‬‬ ‫ط األعزة ال ُي ُّ‬ ‫َو ْس َ‬ ‫ت ابا ُكَب ْيشة أنني‬ ‫ولقد َعِل ْم َ‬
‫قيت ِ‬
‫لتعرفُ َّن مكاني‬ ‫ولئن َب ُ‬ ‫أخاكم‬
‫ُ‬ ‫كت لتَ ْفِق َد َّن‬‫فلئن هلَ ُ‬
‫ِ‬
‫وبيان‬ ‫ٍ‬
‫وشجاعة‬ ‫من َج ْو َد ٍة‬ ‫اجل ما جمع الفتى‬ ‫ت َّ‬ ‫جمع ُ‬
‫ولقد ْ‬
‫فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم ‪ :‬يقال له َع ْفراء بِفلَ ْسطين ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرواحل‬ ‫إحدى‬
‫فوق َ‬ ‫ماء َعفراء َ‬ ‫على ِ‬ ‫أال هل أتى َسْلمى بان َحليلَها‬
‫ِ‬
‫بالمناجل (‪)3‬‬ ‫ُم َش َّذَبةٌ أطرافُها‬ ‫أمها‬ ‫ِ‬
‫يضرب الفح ُل َّ‬ ‫على ٍ‬
‫ناقة لم‬
‫(‪ )1‬الموهن ‪ :‬نحو نصف الليل أو بعد ساعة منه ‪ .‬القروان ‪ :‬يجوز ان يكون جمع قرو‪،‬‬
‫وهو حوض الماء مثل صنوان ‪ ،‬ويجوز ان بكون جمع ‪ :‬قرى مثل صليب وصلبان ‪ .‬واصح ما‬
‫قيل في الف رو أنه ح ويض من خشب تس قى فيه ال دواب ‪ ،‬وتلغ فيه الكالب ‪ ،‬وفي المثل ‪ :‬ما فيها‬
‫العى قرو‪ ،‬أي ‪ :‬ما في الدار حيوان ‪ ،‬وأراد ‪ :‬بالعي قرو‪ ،‬العق قرو‪ ،‬وقلب القاف االولى ياء‬
‫للتضعيف ‪.‬‬
‫وحسن ذلك أنه اسم فاعل ‪ ،‬وقد يب دلون من أخر ح روف في اسم الفاعل ي اء‪ ،‬وأن لم يكن‬
‫ثم تضعيف ‪ ،‬كقولهم في خامسهم ‪ :‬خاميهم ‪ ،‬وفي سادسهم ساديهم ‪ ،‬وكذلك إلى العاشر ‪ ،‬ونحو‬
‫منه ‪ :‬ما أنشد سيبويه ‪:‬‬
‫* ولضفادي جمه نقانق *‬
‫أي لضفادع جمه ‪ ،‬وأنشد ‪:‬‬
‫* من الثعالي ووخز من أرانبها *‬
‫أراد الثعالب ‪ ،‬وإ ذا كان هذا معروفا فالعي قرو أحق أن يقلب أخره ياء كراهة اجتماع‬
‫قافين ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال يحص ‪ :‬ال يقطع ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المشذبة ‪ :‬التى أزيلت أغصانها‪.‬‬
‫‪296‬‬

‫بن شهاب ‪ ،‬انهم لما قَ َّدموه ليقتلوه ‪ .‬قال ‪:‬‬


‫الزهري ُ‬
‫ُّ‬ ‫فزعم‬
‫ومقامي(‪. )1‬‬
‫َسلم لربى أعظُمي َ‬ ‫بلِّ ْغ َس َراةَ المسلمين بأنني‬
‫ثم ضربوا عنقه ‪ ،‬وصلبوه على ذلك الماء‪ ،‬يرحمه اللّه تعالى‪.‬‬
‫دي خالد بن الوليد ‪ ..‬لما سار إليهم‬
‫إسالم بني الحارث بن كعب على َي ْ‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬في شهر ربيع‬
‫َ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ثم بعث رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫اآلخر أو جمادى االولى‪ ،‬سنة عشر‪ ،‬إلى بنى الحارث بن كعب بنجران وأمره ان يدعوهم إلى‬
‫فاقبل منهم ‪ ،‬وان لم يفعلوا فقاتلهم ‪ ،‬فخرج خالد حتى‬
‫ْ‬ ‫اإلسالم قبل ان يقاتلهم ثالثا‪ ،‬فان استجابوا‬
‫كل وجه ‪ ،‬ويدعون إلى اإلسالم ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬أيها‬ ‫قَِدم عليهم ‪ ،‬فبعث الركبان يضربون في ِّ‬
‫وكتاب‬
‫َ‬ ‫الناس ‪ ،‬ودخلوا فيما ُدعوا إليه ‪ ،‬فأقام فيهم خالد يعلمهم اإلسالم‬
‫الناس ‪ ،‬اسلموا‪ .‬فاسلم ُ‬
‫اللّه وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم وبذلك كان امره رسول اللّه ‪ ..‬صلى اهلل عليه وسلم إن هم‬
‫أسلموا ولم يقاتلوا‪.‬‬
‫كت اب خالد إلى الرس ول يس أله أم ره ‪ :‬ثم كتب خالد بن الوليد إلى رس ول اللّه ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫ري وهو ال رئيس وهو جمع عزيز ال يك اد يوجد له نظ ير ألنه ال‬
‫(‪ )1‬الس راة ‪ :‬جمع الس ّ‬
‫يجمع فعيل على فعلة ‪.‬‬
‫‪297‬‬

‫من خالد بن الولي د‪ ،‬الس الم عليك يا رس ول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ف إني أحم ُد إليك اللّه‬
‫الذي ال اله اال هو‪.‬‬
‫أما بع ُد ‪ :‬يا رس ول اللّه ص لى اللّه عليك ‪ .‬فانك بعثت ني إلى ب نى الح ارث بن كعب ‪،‬‬
‫أقمت فيهم ‪،‬‬
‫وأمرت ني إذا آتيتهم أال أق اتلهم ثالثة أي ام ‪ ،‬وأن أدع وهم إلى اإلس الم ‪ ،‬ف ان اس لموا ُ‬
‫وقبلت منهم ‪ ،‬وعلمتهم مع الم اإلس الم وكت اب اللّه وس نة نبيه ‪ ،‬وان لم يس لموا ق اتلتهم ‪ .‬وإ نى‬
‫قدمت‬
‫عليهم ف دعوتهم إلى اإلس الم ثالثة أي ام ‪ ،‬كما ام رني رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم ‪،‬‬
‫وبعثت فيهم ركبانا ق الوا ‪ :‬يا ب نى الح ارث ‪ :‬اس ِلموا تس لموا‪ ،‬فاس لَموا ولم يق اتلوا‪ ،‬وأنا مقيم بين‬
‫أظهرهم ‪ ،‬أمرهم بما أمرهم اللّه به وأنهاهم عما نهاهم اللّه عنه ‪ ،‬وأعلمهم معالم اإلسالم وسنة‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حتى يكتب إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬والسالم عليك يا‬
‫رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ‪.‬‬
‫فكتب إليه رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم على خالد ‪ :‬بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ :‬من محمد‬
‫أحمد إليك اللّه الذي ال اله اال هو‪. .‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬إلى خالد بن الوليد‪ .‬سالم عليك ‪ ،‬فإني ُ‬ ‫النبي ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فان كتابك جاءني مع رسولك تخبر ان بنى الحارث بن كعب قد اسلموا قبل ان تقاتلهم‬
‫وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من اإلسالم ‪ ،‬وشهدوا أن ال اله اال اللّه ‪ ،‬وان محمدا عبد اللّه‬
‫والسالم عليك‬
‫ُ‬ ‫ولي ْقبِ ْل معك ُ‬
‫وفدهم ‪،‬‬ ‫ورسوله ‪ ،‬وان قد هداهم اللّه بهداه ‪ ،‬فبشرهم وأنذرهم ‪ُ ،‬‬
‫ورحمة اللّه وبركاته ‪.‬‬
‫قدوم خالد مع وفدهم على الرسول ‪ :‬فاقبل خالد إلى رسول‬
‫ص ْين‬
‫الح َ‬
‫اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واقبل معه وفد بني الحارث بن كعب ‪ ،‬منهم قيس بن ُ‬
‫‪298‬‬

‫الم َدان (‪ ،)2‬ويزيد بن المحجَّل وعبد اللّه بن قُراد ِّ‬


‫الزيادي‬ ‫الغصَّة(ا)‪ ،‬ويزيد بن عبد َ‬
‫‪ .‬ذي ُ‬
‫القنانى‪ ،‬وعمرو بن عبد اللّه الضَّبابي (‪.)3‬‬
‫‪ ،‬وشداد بن عبد اللّه َ‬
‫حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم معهم ‪ :‬فلما ِ‬
‫قدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فرآهم‪ .‬قال ‪ :‬من هؤالء القوم الذين كأنهم رجال الهند‪ ،‬قيل ‪ :‬يا رسول ‪ .‬اللّه ‪ ،‬هؤالء‬
‫رجال بني الحارث بن كعب ؛ فلما وقفوا على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم سلموا عليه ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬نشهد انك رسول اللّه ‪ ،‬وانه ال اله اال اهلل‪ ،‬قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وأنا‬
‫أشهد أن ال إله اال اللّه وأني رسول اللّه ‪.‬‬
‫ثم قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أنتم الذين إذا ُزجروا(‪ )4‬استقدموا‪ ،‬فسكتوا‪. ،‬‬
‫يراجعه منهم اح د‪ ،‬ثم أعادها الثالث ة‪ ،‬فلم يراجعه‬
‫ْ‬ ‫يراجعه منهم اح د‪ ،‬ثم أعادها الثاني ة‪ ،‬فلم‬
‫ْ‬ ‫فلم‬
‫منهم أحد‪ .،‬ثم أعادها الرابعة‪ ،‬فقال يزيد بن عبد ‪ .‬المدان ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬نحن الذين إذا‬
‫ُزجروا استقدموا‪ ،‬قالها أربع‬

‫(ا) ذو الغصة ‪ :‬واسمه الحصين بن زيد بن شداد الحارث ‪ ،‬وقيل له ‪ :‬ذو الغصة‪ ،‬لغصة‬
‫كانت في حلقه ال يكاد ببين منها‪ ،‬وذكره عمر بن الخطاب يوما‪ ،‬فقال ‪ :‬ال تزاد امراة في‬
‫صداقها على كذا وكذا‪ ،‬ولو كانت بنت ذي الغصة‪.‬‬
‫(‪ )2‬واسم عبد الم دان عم رو بن ال ديان ‪ ،‬وال ديان اس مه ‪ :‬يزيد بن قطن بن ‪.‬زي اد بن‬
‫الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب الحارثي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الض بابي ‪ :‬من ض باب بكسر الض اد في ب نى الح ارث بن كعب بن م ذحج ‪ ،‬وض باب‬
‫ايضا في ق ريش وه وابن حج يربن عبد بن معيص بن ع امر اخو حجر بن عب د‪.‬وفي حجر‬
‫وحجير قال الشاعر ‪:‬‬
‫ومن حجير بالذنب أراغوني‬ ‫أنبئت أن غواة من بنى حجر‬
‫ويا حجير إليكم ال تبوروني‬ ‫أغنوا بنى حجر عنا غواتكم‬
‫والض باب في ب نى ع امر بن صعص عة‪ ،‬وهم ض باب ومض بب وحسل وحس يل بنو معاوبة‬
‫بن كالب ‪ ،‬واما الض باب ب الفتح ‪ ،‬ففي نسب النابغة ال ذبياني ض باب بن يرب وع بن غيظ ‪ ،‬واما‬
‫الضباب بالضم فزيد ومنجا ابنا ضباب من بنى بكر‪ ،‬ذكره الدارقطنى ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زجرته ‪ :‬زج را من ب اب قتل منعته ف انزجر وازدجر ازدج ارا واألصل أزتجر على‬
‫ومتعديا وتزاجروا عن المنكر زجر بعضهم بعضا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫افتعل يستعمل الزما‬
‫‪299‬‬

‫مرار ؛ فقال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ؛ لو أن خالدا لم يكتب إلى أنكم أسلمتم ولم‬
‫رءوسكم تحت أقدامكم ؛ فقال يزيد بن عبد المدان ‪:‬‬‫َ‬ ‫تقاتلوا‪ ،‬أللقيت‬
‫أما واللّه ما حم دناك وال حم دنا خال دا‪ .‬ق ال ‪ :‬فمن َح ِم دتم ؟ ق الوا ‪ :‬حم دنا اللّه عز وجل‬
‫الذي هدانا بك يا رسول اللّه ؛ قال ‪ :‬صدقتم ‪.‬‬
‫ثم قال رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ ؟ قالوا ‪:‬‬
‫لم نكن نغلب أحدا ؛ قال ‪ :‬بلى‪ ،‬قد كنتم تغلبون من قاتلكم ؛ قالوا ‪ :‬كنا نغلب من قاتلنا ؛ يا رسول‬
‫وأمر رسو ُل اللّه صلى اهلل‬
‫اللّه إنا كنا نجتمع وال نفترق ‪ ،‬وال نبدأ أحدا بظلم ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقتم ‪َّ .‬‬
‫ص ْين ‪.‬‬
‫الح َ‬
‫عليه وسلم على بني الحارث ابن كعب ‪ :‬قيس بن ُ‬
‫فرجع وفد بنى الحارث إلى قومهم في بقية من شوال ‪ ،‬أو في صدر‬
‫ذي القع دة‪ ،‬فلم يمكث وا بعد ان رجع وا إلى ق ومهم إال أربعة اش هر‪ ،‬ح تى تُ وفّ َي رس ول اللّه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ورحم وبارك ‪ ،‬ورضى وانعم ‪.‬‬
‫الرسول يبعث عمرو بن حزم بعهده إليهم ‪ :‬وقد كان رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد‬
‫بعت إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ‪ ،‬ليفقههم في الدين ‪ ،‬ويعلمهم السنة ومعالم اإلسالم‬
‫‪ ،‬ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده ‪ ،‬وأمره فيه بأمره ‪:‬‬
‫آمُن وا أ َْوفُ وا بِ اْل ُعقُو ِد }‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬
‫بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا بيان من اللّه ورسوله ‪َ { ،‬يا أَيُّهَا الذ َ‬
‫[المائ دة‪ ،]1 :‬عه ٌد من محمد الن بي رس ول اللّه لعم رو بن ح زم ‪ ،‬حين بعثه إلى اليمن ‪ ،‬آم ره‬
‫ِّ‬
‫بالحق كما‬ ‫بتقوى اللّه في أمره كلِّه فان اللّه مع الذين اتَّقَ وا والذين هم محسنون ‪ ،‬وآمره أن يأخذ‬
‫اس الق ران ‪ ،‬ويفقههم فيه ‪ ،‬وينهى‬
‫ام ره اللّه ‪ ،‬وان يبشر الن اس ب الخير‪ ،‬وي أمرهم به ويعلم الن َ‬
‫الناس بالذي لهم ‪ ،‬والذي عليهم ‪ ،‬ويلين‬
‫َ‬ ‫الناس ‪ ،‬فال يمس القرآن انسان اال وهو طاهر‪ ،‬ويخبر‬
‫ِّ‬
‫الحق ‪ ،‬ويشتد عليهم في الظلم ‪ ،‬فان اللّه‬ ‫ِ‬
‫للناس في‬
‫‪300‬‬

‫ين } [هود‪ ،]18 :‬ويبشر‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫كره الظلم ‪ ،‬ونهى عنه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَاَل لَ ْعَنةُ الله َعلَى الظالم َ‬
‫النار وعملهَ ا‪ ،‬ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس بالجنة وبعملها‪ ،‬وينذر الناس َ‬
‫‪ ،‬ويعلّم الن اس مع الم الحج وس نته وفريض ته ‪ ،‬وما أمر اللّه به ‪ ،‬والحج األك بر ‪ :‬الحج األك بر ‪:‬‬
‫والحج األصغر ‪ :‬هو العمرة ‪.‬‬
‫يصلى أحد في ثوب واحد صغير ؛ اال ان يكون ثوبا يثنى طرفيه على‬ ‫الناس أن‬
‫‪ .‬وينهى َ‬
‫َ‬
‫عاتقيه وينهى الن اس ان يحت بي أحد في ث وب واحد ُي ْفضي بفرجه إلى الس ماء‪ ،‬وينهى ان يعقص‬
‫(ا) أحد ش عر رأسه في قف اه ؛ وينهى إذا ك ان بين الن اس َه ْيج (‪ )2‬عن ال دعاء إلى القبائل‬
‫والعش ائر‪ ،‬وليكن دع واهم ‪ ،‬إلى اهلل عز وجل وح ده ال ش ريك له ؛ فمن لم َي ْدعُ إلى اللّه ؛ ودعا‬
‫طفوا بالسيف ؛ حتى تكون دعواهم إلى اللّه وحده ال شريك له ‪.‬‬
‫فلي ْق َ‬
‫إلى القبائل والعشائر ُ‬
‫وي أمر الن اس باس باغ (‪ )3‬الوض وء وج وههم ‪ ،‬وأي ديهم إلى المرافق ‪ ،‬وأرجلهم إلى‬
‫الكعبين ‪ ،‬ويمسحون برءوسهم كما أمرهم اللّه ‪.‬‬
‫وي َغلِّس بالص بح ؛ ُ‬
‫ويهَجِّر‬ ‫وأمر بالص الة لوقتها ؛ وإ تم ِام الرك وع والس جود والخش وع ؛ ُ‬
‫مس األرض م دبرة ؛ والمغ رب حين يقبل‬ ‫مس ‪ ،‬وص الة العصر والش ُ‬‫باله اجرة حين تميل الش ُ‬
‫أول الليل ؛ وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا‬
‫تبدو النجوم في السماء والعشاء َ‬
‫الليل ؛ ال يؤخر حتى َ‬
‫ُنودي لها‪ ،‬والغسل عند الرواح إليها‪.‬‬
‫(ا) العقيصة ‪ :‬للم رأة الش عر ال ذي ين َوى وي دخل أطرافه في أص وله والجمع عق ائص‬
‫وعقاص‬
‫والعقصة معلها والجمع ِعقَص مثل سدرة وسدر وعقصت المرآة شعرها عقصا فعلت به‬
‫ذلك وعقفشه ضفرته ؟ ويبدو ان الرجال كانت تفعل ذلك ونهى اإلسالم عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬هيج ‪ :‬تقول هاجت الحرب هيجا فهي َهنج تسمية بالمصدر‪.‬‬
‫(‪ )3‬إسباغ ‪ :‬تقول أسبغت الوضوء أتممته ‪.‬‬
‫‪301‬‬

‫خمس اللّه ‪ ،‬وما كتب على المؤم نين في الص دقة من العق ار‬
‫وأم ره أن يأخذ من المغ انم َ‬
‫ب نصف العشر ؛ وفي كل عشر من‬
‫الغ ْر ُ‬
‫عشر ما س قت العين وس قت الس ماء‪ ،‬وعلى ما س قى ُ‬
‫اإلبل ش اتان ‪ ،‬وفي كل عش رين أربع ش ياه وفي كل اربعين من البقر بق رة ؛ وفي كل ثالثين من‬
‫البقر ت بيع ؛ َج َذع أو َج َذع ة‪ ،‬وفي كل أربعين من الغنم س ائمة وح دها ؛ ش اة‪ ،‬فإنها فريضة اللّه‬
‫التى افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له ‪.‬‬
‫وانه من اس لم من يه ودي أو نص راني إس الما خالصا من نفسه ودان ب دين اإلس الم ‪ ،‬فانه‬
‫من المؤم نين ‪ ،‬له مثل ما لهم ‪ ،‬وعليه مثل ما عليهم ‪ ،‬ومن ك ان على نص رانيته أو يهوديته فانه‬
‫رد عنه ا‪ ،‬وعلى كل ح الم ‪ :‬ذكر أو أن ثى‪ ،‬حر أو عبد دين ار واف أو عوضه ثياب ا‪ .‬فمن أدى‬
‫ال ي ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن له ذمة اللّه وذمة رسوله ‪ ،‬ومن َمَن َع ذلك ‪ ،‬فانه عدو للّه ولرسوله وللمؤمنين‬
‫جميعا‪ ،‬صلوات اللّه على محمد‪ ،‬والسالم عليه ورحمة اللّه وبركاته ‪.‬‬
‫قدوم رقاعة بن زيد الجذامي‬
‫الح َد ْيبية‪ ،‬قبل َخ ْي بر رفاع ةُ بن ‪ .‬زيد‬
‫وقدم على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم في هدنة ُ‬
‫الض ْبيبى‪. ،‬فأه دى لرس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم غالم ا(ا)‪ ،‬واس لم ‪ ،‬فحسن‬
‫الج ذامي ثم ُ‬
‫ُ‬
‫إسالمه وكتب له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كتابا إلى قومه ‪ .‬وفي كتابه ‪. :‬‬
‫اب من محمد‬
‫كتاب الرسول إلى قوم رقاعة بن زيد ‪ :‬بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ .‬ه ذا كت ٌ‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬لرفاعة بن زيد‪ .‬إني بعثته إلى ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الغالم ‪ :‬هو الذي يقال له ‪ :‬مدعم‪ْ ،‬وقع ذكره في الموطأ‪.‬‬


‫‪302‬‬

‫قومه عام ة‪ ،‬ومن دخل فيهم ‪ ،‬ي دعوهم إلى اللّه والى رس وله ‪ ،‬فمن اقبل منهم ففي ِح ْزب‬
‫اللّه وحزب رسوله ‪ ،‬ومن أدبر فله أمان شهرين ‪ .‬فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا واس لموا‪،‬‬
‫الرجالء‪ ،‬و نزلوها ‪.‬‬
‫الحرة َح َّرة ‪َ .‬‬
‫ثم ساروا إلى َّ‬
‫قدوم وفد همدان‬
‫من رجال الوفد ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وقدم وفد َه ْمدان على رسول ا للّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الس ّب ْي ِعى‪،‬‬
‫الع ْب دي ‪ ،‬عن ابي إس حاق ُ‬
‫اذينة َ‬
‫‪ ،‬فيما ح دثني من اثق به ‪ ،‬عن عم رو بن عبد اللّه بن ْ‬
‫قال ‪ :‬قدم وفد َه ْمدان على رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬منهم مالك بن َن َمط (ا)‪ ،‬وابو ثَْور‪،‬‬
‫وعم يرة بن مالك الخ ِارفى‪ ،‬فلق وا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو ذو الم ْش عار‪ ،‬ومالك بن ْايفع وض مام بن مالك الس لَماني ُ‬
‫الحَب رات (‪ ،)2‬والعم ائم‬ ‫رس ول اللّه ص لى اهلل عليه وس لم مرجعه من تَب وك وعليهم مقَطَّع ات ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫العدنية‪،‬‬

‫(‪ )1‬مالك بن نمط الهم دانى ال ذي يق ال له المش عار‪ ،‬وكنيته ‪ :‬ابو ث ور وقع في النس خة‪،‬‬
‫وفي‬
‫اكثر النسخ ‪ :‬وابو ثور بالواو‪ ،‬كأنه غيره ‪ ،‬والصواب سقوط الواو‪ ،‬ألنه هو هو‪ ،‬وقد‬
‫يخرج اثبات الواو على إضمار هو‪ ،‬كأنه قال ‪ :‬وهو ابو ثور ذو المشعار‪ ،‬وقد ذكره ابن‬
‫قتيبة‪ ،‬فقال في غريب الحديث ‪ :‬مالك ذو المشعار‪ ،‬وذكره ابو عمر فقال ‪ :‬هو ذو‬
‫المشعار يكنى‪ :‬اباثور‪ ،‬وفي الكتاب الذي كتبه له رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫هذاكتاب من محمد رسول اهلل إلى خالف خارف ويام وأهل نجاب الهضب وحقاف‬
‫الرمل مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ‪ ،‬فهذا كله يدل على ان الواو في قوله ‪:‬‬
‫وابو ثور ذو المشعار ال معنى له ‪ ( .‬الروض األنف من تحقيقنا ج ‪ 4‬ص ‪.) 229‬‬
‫(‪ )2‬المقطع ات ‪ :‬من الثي اب في تفس ير أبي عبي د‪ ،‬هي القص ار‪ ،‬واحتج بح ديث ابن عب اس‬
‫في‬
‫صالة الضحى إذا انقطعت الظالل ‪ ،‬أي ‪ :‬قصرت ‪ ،‬وبقولهم في االراجيز ‪ :‬مقطعات ‪،‬‬
‫ظاه ابن قتيبة في هذا التأويل ‪ ،‬وقال ‪ :‬انما المقطعات الثياب المخيطة كالقمص =‬
‫وخ َ‬
‫‪303‬‬

‫واالر َحبية(‪ )3‬ومالك بن نمط ورجل اخر‬


‫ْ‬ ‫المه ِريَّة(‪)2‬‬
‫الميس (ا) على ْ‬
‫برحال ْ‬
‫يرتجزان بالقوم ‪ ،‬يقول احدهما ‪:‬‬
‫أمثال (‪)4‬‬
‫ْ‬ ‫ليس لها في العالمين‬ ‫يال‬ ‫همدان خير س ٍ‬
‫وقة وا ْق ْ‬ ‫ُ‬
‫واكال (‪)5‬‬
‫ْ‬ ‫اطابات بها‬
‫ٌ‬ ‫لها‬ ‫ب ومنها األبطال‬‫ضُ‬ ‫َمحلُّها الهَ ْ‬
‫ويقول اآلخر ‪:‬‬
‫ِ‬
‫والخريف (‪)6‬‬ ‫ِ‬
‫الصيف‬ ‫في َهب ِ‬
‫وات‬ ‫ِ‬
‫الريف‬ ‫سواد‬ ‫جاو ْز َن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إليك َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الليف‬ ‫ِ‬
‫بحبال‬ ‫م َخطَّ ٍ‬
‫مات‬ ‫ُ‬
‫خطبة مالك بن نمط بين يدي الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فق ام مالك بن َنمط بين يديه ‪،‬‬
‫ص يَّة(‪ )7‬من َه ْم دان ‪ ،‬من كل حاضر وباد‪ ،‬أتَ ْوك على ُقلُص َن َواج (‪،)8‬‬‫فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪َ ،‬ن ِ‬
‫متصلة بحبائل اإلسالم ‪ ،‬ال تأخذهم في اللّه‬

‫= ونحوها‪ ،‬سميت بذلك ألنها تقطع ثم تخاط ‪ ،‬واحتج بحديث رواه عن بعض ولد عبد‬
‫الملك بن مروان ‪ ،‬وفيه أنه خرج وعليه مقطعات يجرها‪ ،‬فقال له شيخ من بني أوبة ‪ :‬لقد‬
‫رأيت أباك ‪ ،‬وكان مشمرا غير جرار لثيابه ‪ ،‬فقال له الفتى ‪ :‬لقد هممت بتقصيرها‪ ،‬فمعنى قول‬
‫الشاعر في أبيك ‪:‬‬
‫لشر قريش في قريش مركبا‬ ‫قصير الثياب فاحش عند ضيفه‬
‫والظاهر في قوله عليهم مقطعات الحبرات ما قاله ابن قتيبة وال معنى لوص فها بالقصر في‬
‫هذا الموطن ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الميس ‪ :‬خشب متين تصنع منه الرحال ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المهر بة ‪ :‬منسوبة إلى قبيلة باليمن مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة‪.‬‬
‫وهي ابل نجيبة‬
‫(‪ )3‬االرحبية ‪ :‬منسوبة ا لي أرحب بطن من همدان ‪ .‬وارحب مكان ‪.‬‬
‫(‪ )4‬السوقة ‪ :‬الشعب ‪ .‬واالقيال ‪ :‬رؤساء االقاليم ‪.‬‬
‫(‪ )5‬االطابات ‪ :‬ما طاب من االموال ‪ .‬واخال ‪ :‬ما يأخذه الحاكم من الشعب كالضرائب ‪.‬‬
‫(‪ )6‬السواد ‪ :‬القرى ‪ .‬الهبوات ‪ :‬الغبار‪.‬‬
‫(‪ )7‬النصية ‪ :‬خيار القوم ‪.‬‬
‫(‪ )8‬القلص ‪ :‬االبل الشابة ‪ .‬نواج ‪ :‬مسرعة ‪.‬‬
‫‪304‬‬

‫لومةُ الئم ‪ ،‬من ِم ْخالف خارف ويام وشاكر(ا) أهل السود والقود‪ ،‬اجابوا ‪ .‬دعوةَ‬
‫عهدهم ال ُينقض ما أقامت لَ ْعلَع ‪ ،‬وما جرى اليعفور‬
‫االنصاب ‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫االلهات‬ ‫الرسول ‪ ،‬وفارقوا‬
‫َ‬
‫بصلَع (‪.)2‬‬
‫َ‬
‫فكتب لهم رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم كتابا فيه ‪:‬‬
‫كتاب من رسول اللّه‬‫‪ .‬كتابه صلى اهلل عليه وسلم لهم ‪ :‬بسم اللّه الرحمن الرحيم ‪ .‬هذا ٌ‬
‫وحقاف الرمل ‪ ،‬مع وافدها ذي ِ‬
‫الم ْشعار مالك بن‬ ‫ضب ِ‬ ‫محمد‪ ،‬لمخالف خارف وأهل َجناب الهَ ْ‬
‫ْ‬
‫طها (‪ ،)3‬ما أقاموا الصالة وآتَوا الزكاة‬ ‫راعها ِ‬
‫وو َها َ‬ ‫ِ‬
‫َن َمط ‪ ،‬ومن اسلم من قومه ‪ ،‬على ان لهم ف َ‬
‫ِ‬
‫وشاه ُدهم المهاجرون‬ ‫وذمام رسوله ‪،‬‬ ‫يأكلون ِعالفَها ويرعون َعافيها(‪ ،)4‬لهم بذلك ُ‬
‫عهد اللّه ِ‬
‫واألنصار ‪.‬‬
‫ُ‬
‫فقال في ذلك مالك بن َن َمط ‪:‬‬
‫وصْل َد ِد(‪) 5‬‬
‫حان َ‬
‫ونحن بأعلى َر ْح َر َ‬
‫ُ‬ ‫مة ُّ‬
‫الد َجى‬ ‫ذكرت رسو َل اللّه في فَ ْح ِ‬
‫ُ‬
‫الح ٍب متَ ِ‬
‫مدد(ا)‬ ‫بر ْكبانِها في ِ‬ ‫طالئح تَ ْغتَِلى‬ ‫وص‬ ‫وه َّن ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بناخ ٌ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬المخالف ‪ :‬المدينة‪ ،‬وما بعدها اسماء قبائل ‪ .‬ينتسب لها‪ ،‬يام ‪ ،‬وهو يام بن أصبى‪،‬‬
‫وخارف بن الحارث بطنان من همدان ينسب إلى يام ‪ :‬زيد بن الحارث بن عبد الكريم اليامي‬
‫المحدث ‪ ،‬وأهل الحديث يقولون فيه ‪ :‬األيامي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬لعلع ‪ :‬اسم جبل أو سلسلة من الجبال ‪ .‬اليعفور ‪ :‬ولد الظبية ‪ .‬الصلع ‪ :‬األرض‬
‫الملساء‪.‬‬
‫(‪ )3‬فراعها ‪ :‬الفراع ما عال من األرض ‪ .‬الوهاط ‪ :‬ما انخفض من األرض ‪ ،‬وأحدها ‪:‬‬
‫وهط ‪.‬‬
‫(‪ )4‬العالف ‪ :‬ثمر الطلح ‪ .‬عافيها ‪ :‬ما كثر من نباتها‪.‬‬
‫(‪ )5‬حرصان وصلدد ‪ :‬موضعان ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الخوص ‪ :‬غائرات العيون ‪ .‬طالئح ‪ :‬متعبة ‪ .‬تغتلي ‪ :‬تنشط في سيرها‪ .‬الالحب ‪:‬‬
‫الطريق الواضحة ‪.‬‬
‫‪305‬‬

‫الحفَْي َد ِد(‪)1‬‬ ‫ِ‬


‫تمر بنا َم َّر الهجيف َ‬
‫ُّ‬ ‫الذراعين َج ْسر ٍة‬
‫ِ‬ ‫على ِّ‬
‫كل فَتْالء‬
‫رد ِد(‪)2‬‬
‫ض ِب قَ َ‬ ‫ِ‬
‫بالركبان من َه ْ‬ ‫صوادر‬
‫َ‬ ‫الراقصات إلى ِمًنى‬
‫ِ‬ ‫فت ِّ‬
‫برب‬ ‫َحلَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرش ُم ْهتَدي‬ ‫ِ‬
‫رسول أتى من عند ذي‬ ‫ص َّدق‬
‫بأن رسو َل اللّه فينا ُم َ‬
‫أشد على أعدائِه من م ِ‬
‫حمد‬ ‫َّ‬ ‫فوق رحلها‬ ‫ت من ٍ‬
‫ناقة َ‬ ‫فما َح َملَ ْ‬
‫ُ‬
‫المهََّن ِد‬
‫رفى ُ‬
‫الم ْش ِّ‬ ‫وامضى ِّ‬
‫بحد َ‬ ‫جاءه‬
‫العرف َ‬
‫ِ‬
‫ب ُ‬
‫ِ‬
‫وأعطى إذا ما طال ُ‬
‫الع ْن ِسى‬
‫الكذاب ْين ‪ُ :‬مسيلمة الحنفي واألسود َ‬
‫َ‬ ‫ذكر‬
‫لمة بن‬ ‫َّ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان تكلم في عهد رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم الكذابان ُم َسْي َ‬
‫الع ْنسي (‪ )3‬بصنعاء‪.‬‬
‫حبيب باليمامة في بنى حنيفة‪ ،‬واألسود بن كعب َ‬
‫(‪ )1‬الجسرة ‪ :‬الناقة القوية على السير‪ .‬الهجيف ‪ :‬الهجف الضخم ‪ ،‬وذكر النعام القوي‬
‫وكذلك الخفيدد‪.‬‬
‫(‪ )2‬الراقصات ‪ :‬االبل الراقصات ‪ ،‬والرقص ‪ :‬ضرب من السير‪ .‬الصوادر ‪ :‬الرواجع ‪.‬‬
‫والقردد ‪ :‬األرض المرتفعة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسعود بن كعب العنسي ‪ :‬عنس ‪ :‬من مذحج ‪ ،‬واتبعته قبائل من مذحج واليمن على‬
‫يدعى ان سحيقا‬
‫امره ‪ ،‬وغلب على صنعاء‪ ،‬وكان يقال له ذو الخمار‪ ،‬ويلقب ‪ :‬عيهلة‪ ،‬وكان ّ‬
‫وشريقا يأتيانه بالوحي‪ ،‬ويقول هما ملكان يتكلمان على لساني ‪ ،‬في خدع كثيرة يزخرف‬
‫بها‪ ،‬وهو من ولد مالك بن عنس وبنو عنس جشم وجشيم ومالك وعامر وعمرو‪ ،‬وعزيز =‬
‫‪306‬‬

‫تحقُّق رؤياه صلى اهلل عليه وسلم فيهما ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني يزيد بن عبداللّه بن‬
‫الخ ْدري ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫قُ َسيط ‪ ،‬عن عطاء بن يسار عن اخيه سليمان بن يسار‪ ،‬عن أبي سعيد ُ‬
‫الناس ‪ ،‬اني‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬أيها ُ‬
‫ذراعي سوارين من ذهب ‪ِ ،‬‬
‫فكرهتهما‪ ،‬فنفختهما‬ ‫َّ‬ ‫رأيت ليلةَ القدر‪ ،‬ثم أنسيتها‪ ،‬ورأيت في ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫وصاحب اليمامة‪.‬‬ ‫صاحب اليمن ‪،‬‬ ‫فطارا (‪ ،)1‬فأولتُهما هذين ‪َّ .‬‬
‫الكذابين ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الرسول يتحدث عن الدجالين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني من ال أتهم ‪ ،‬عن أبى هريرة‪،‬‬
‫أنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬ال ‪.‬‬
‫تقوم الساعةُ حتى يخرج ثالثون َدجَّاال‪ ،‬كلهم َي َّدعى النبوةَ‪.‬‬

‫ومعاوية وعتيكة وشهاب والقرية ويام ‪ ،‬ومن ولد يام بن عنس عمار بن ياسر‪ ،‬وأخوه‬
‫عبداهلل وحويرث ابنا ياسر بن عمر بن مالك ‪ ،‬قتله فيروز الديلمي‪ ،‬وقيس بن مكشوح وداذويه‬
‫رجل من األبناء دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة كان قد غلب عليها من االبناء‪ ،‬فوجدوه‬
‫سكران ال يعقل من الخمر‪ ،‬فخبطوه بأسيافهم وهم يقولون ‪:‬‬
‫والناس تلقى جلهم كالذبان‬ ‫ضل نبي مات وهو سكران‬
‫النور والنار لديه سيان‬
‫ذكره الدوالبي ‪ ،‬وزاد ابن إسحاق في رواية يونس عنه أن أمراته سقته البنج في شرابه‬
‫تلك الليلة‪ ،‬وهى التي أتفرت السرب للدخول عليه ‪ ،‬وكان اغتصبها‪ ،‬ألنها كانت من اجمل‬
‫النساء‪ ،‬وكانت مسلمة صالحة‪ ،‬وكانت تحدث عنه أنه ال يغتسل من الجنابة‪ ،‬واسمها المرزبانة‪،‬‬
‫وفي صورة قتله اختالف وقد ذكرنا فيما تقدم اكثر من ذلك ‪ .‬السهيلي الروض اآلنف من تحقيقنا‬
‫‪ ،4‬ص ‪ 326‬ويراجع تاريخ الطبري ‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم بالتعبير‪ .‬وتأويل نفخه لهما انهما يقتالن بسببه صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ألنه لم يغزهما بنفسه ‪ ،‬وتأويل الذهب أنه زخرف ‪ ،‬فدل لفظه على زخرفهما‪ ،‬وكذبهما‪ ،‬ودل‬
‫االسواران بلفظهما على ملكين الن األساورة هم الملوك ‪ ،‬وبمعناهما على التضييق عليه لكون‬
‫السوار مضيقا على الذراع ‪.‬‬
‫‪307‬‬

‫خروج األمراء والعمال على الصدقات ‪.‬‬


‫أمراءه وعماله على‬
‫َ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان رسو ُل اللّه صلى اهلل عليه وسلم قد بعث‬
‫البلدان ؛ فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى‬
‫الصدقات ‪ ،‬إلى كل ما أوطأ اإلسالم من ُ‬
‫الع ْنسي‬
‫ص ْنعاء‪ .‬فخرج عليه َ‬
‫َ‬
‫وهو بها‪ .‬وبعث زياد بن لَبيد‪ ،‬أخا بني بياضة االنصاري ‪ ،‬إلى حضرموت وعلى‬
‫طيىء وصدقاتها‪ ،‬وعلى بني أسد‪.‬‬
‫صدقاتها ‪ .‬وبعث َعدي بن حاتم على َ‬
‫وبعث مالك بن ُن َو ْيرة ‪ -‬قال ابن هشام ‪ :‬اليربوعى ‪ -‬على صدقات بنى َح ْنظلة ‪.‬‬
‫وفرق صدقة بنى ‪.‬سعد على رجلين منهم ‪ :‬فبعث ِّ‬
‫الزبرقان بن بدر على ناحية منها‪ ،‬وقَْيس‬
‫بن عاصم على ناحية ‪.‬‬
‫ضرمى على البحرين ‪.‬‬
‫الح ْ‬
‫وكان قد بعث العالء بن َ‬
‫وبعث على بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى أهل نجران ‪ ،‬ليجمع صدقتهم ويقدم عليه‬
‫بجزيتهم ‪.‬‬
‫‪308‬‬

‫سيلمة إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬


‫كتاب ُم ْ‬
‫وقد كان ُم َسْيلمة بن حبيب ‪ ،‬قد كتب إلى رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من مسيلمة‬
‫بعد‪ ،‬فإني قد أشركت في األمر معك ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪ :‬سالم عليك ‪ ،‬أما ُ‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫رسول اللّه ‪ ،‬إلى‬
‫نصف األرض ‪ ،‬ولكن قريشا قوم َي ْعتدون ‪ .‬فقدم عليه‬
‫ُ‬ ‫نصف األرض ‪ ،‬ولقريش‬
‫َ‬ ‫وان لنا‬
‫رسوالن له بهذا الكتاب ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني شيخ من أ ْشجع ‪ ،‬عن َسلَمة بن ُن َع ْيم بن مسعود االشجعى‪ ،‬عن‬
‫ابيه ُنعيم ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يقول لهما حين قرأ كتابه ‪ :‬فما تقوالن انتما؟ قاال‪ :‬نقول كما قال ‪ ،‬فقال ‪ :‬أما واللّه لوال‬
‫ان الرس َل ال تُقتل لضربت أعناقكما‪.‬‬
‫جوابه صلى اهلل عليه وسلم على مسيلمة ‪ :‬ثم كتب إلى مسيلمة‪ :‬بسم اللّه الرحمن‬
‫السالم على من اتَّبع الهُ َدى ‪ .‬أما بعد‪ ،‬فان‬ ‫رسول اللّه إلى مسيلمة َّ‬
‫الكذاب ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الرحيم ‪ ،‬من محمد‬
‫ُ‬
‫األرض للّه ُيورثها من يشاء من عباده ‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪.‬‬
‫وذلك في آخر سنة عشر‪.‬‬
‫تم بعون اللّه ‪ -‬الجزء الخامس‬
‫من سيرة ابن هشام‬
‫ويليه ‪ -‬إن شاء اللّه ‪ -‬الجزء السادس ‪ -‬وأوله ‪:‬‬
‫حجة الوداع‬
‫ّ‬
‫أعان اللّه على إتمامه‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الجزء السادس ‪ -‬سيرة ابن هشام‬
‫صفحة ‪ 5‬إلى ‪ ( 96‬نهاية المجلد )‬
‫‪309‬‬

‫حجة الوداع‬
‫تجهز الرسول ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما دخل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذو الق‬
‫الناس بالجهاز له ‪.‬‬
‫عدة تجهز للحج ‪ ،‬وأمر َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ‪ ،‬عن أبيه القاسم ابن محمد‪ ،‬عن عائشةَ‬
‫زوج النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى الحج‬
‫ِ‬
‫لخمس ليال بقين من ذي القعدة ‪.‬‬
‫استعماله على المدينة أبا ُدجانة ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬فاستعمل على المدينة أبا ُدجانة‬
‫الساعدي ويقال ‪ :‬سباع بن ُع ْرفُطة الغفاري ‪.‬‬
‫حكم الحائض في الحج ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد الرحمن ابن القاسم ‪ ،‬عن أبيه‬
‫القاسم بن محمد‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت ‪ :‬ال يذكر وال يذكر الناس إال الحج‪ ، 69‬حتى إذا كان بسرف‬

‫‪ - 69‬وهذا يدل على أنهم أفردوا‪ ..‬وقد بين ذلك جابر في حديثه أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫– أفرد الحج ‪ ،‬وهذا هو الصحيح في حديث جابر‪ ،‬قد روي من طرق فيها لين عن جابر أنه قال قرن‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بين الحج والعمرة‪ ،‬وطاف لهما طوافاً واحداً‪ ،‬وسعى لهما سعياً‬
‫واحداً‪ ،‬رواه الدارقطني ‪ ،‬وروي أيضاً أن جابراً قال ‪ :‬حج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثالث حجات‬
‫‪ ،‬حجتين قبل الهجرة‪ ،‬وحجته التي قرنها بعمرته ‪ ،‬وأما حديث ابن عباس فصحيح ‪ ،‬وقال فيه ‪ :‬طاف‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن حجته وعمرته طوافاً واحداً‪ ،‬وقد اختلف عن على‪ ،‬فروي عنه‬
‫أنه طاف عنهما طوافين ‪ ،‬ولم يختلف عنه أنه كان قارناً ؟ وكذلك حديث عمران بن حصين في أنه عليه‬
‫الصالة والسالم كان قارناً‪ ،‬وأما حديث أنس فصرح فيه بأنه كان قارناً‪ ،‬وقال ‪ :‬ما تعدونا إال صبياناً‪،‬‬
‫سمعت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – كما ترى ‪ :‬هل كان مفرداً أو قارناً‪ ،‬أو متمتعاً‪ ،‬وكلها‬
‫أهل بعمرة‪ ،‬وأما من قال ‪ :‬بتمتع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫صحاح إال من قال ‪ :‬كان متمتعاً‪ ،‬وأراد به َّ‬
‫عليه وسلم – أى ‪ :‬أمر بالتمتع وفسخ الحج والعمرة‪ ،‬فقد يصح هذا التأويل ‪ ،‬ويصح أيضاً أن يقال تمتع‬
‫إذا قرن ‪ ،‬ألن القران ضرب من المتعة لما فيه من إسقاط أحد السفرين ‪ .‬والذي يرفع اإلشكال حديث‬
‫البخاري أنه أهل بالحج ‪ ،‬فلما كان بالعقيق أتاه جبريل ‪ ،‬فقال له إنك بهذا الوادي المبارك ‪ ،‬فقل ‪ :‬لبيك‬
‫بحج وعمرة معاً‪ ،‬فقد صار قارناً بعد أن كان مفرداً‪ .،‬وصح القوالن جميعاً‪ ،‬وأمره ألصحابه أن‬
‫يفسخوا الحج بالعمرة خصوص لهم ‪ ،‬وليس لغيرهم أن يفعله وإ نما فعل ذلك ليذهب من قلوبهم أمر‬
‫الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحج ‪ ،‬فكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر‪،‬‬
‫ويقولون ‪ :‬إذا برأ الدبر‪ ،‬وعفا األثر‪ ،‬وانسلخ صفر حلَت العمرة لمن اعتمر‪ ،‬ولم يفسخ رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حجه كما فعل أصحابه ‪ ،‬ألنه ساق الهدي ‪،‬‬
‫وقلده ؛ واهلل سبحانه يقول ‪( :‬حتى يبلغ الهدي محله) وقال حني رأى أصحابه قد شق عليهم خالفه ‪ :‬لو استقبلت‪2‬‬
‫من أمري ما استدبرت جلعلتها عمرة‪ ،‬وملا سقت اهلدي ‪ ،‬قال شيخنا أبو بكر رضى اهلل عنه ‪ :‬إمنا ندم على ترك ما هو‬
‫‪310‬‬

‫وقد ساق رسو ُل‬

‫من كراهة أصحابه ملخالفته ‪ ،‬ومل يكن ساق اهلدي معه من أصحابه إال طلحة بن عبيد اهلل‬
‫أسهل ‪ ،‬وأرفق ؟ وذلك ملا رأى َ‬
‫وعلى أيضاً أتى من اليمن وساق اهلدي فلم حيل إال بإحالل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪( .‬‬
‫‪ ،‬فلم حيل حىت حنر‪ّ ،‬‬
‫‪ .‬عن الروض األنف ) وانظر أيضا ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) بتحقيقنا ط دار اجليل ‪ -‬بريوت‬
‫‪311‬‬

‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم معه الهَ ْدي ‪ ،‬وأشراف من أشراف الناس ‪ ،‬أمر الناس أن ُي ِحلوا‬
‫علي وأنا أبكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك‬
‫وحضت ذلك اليوم ‪ ،‬فدخل َّ‬ ‫الهدي ‪ ،،‬قالت ‪ِ :‬‬
‫بعمرة‪ ،‬إال من ساق ْ َ‬
‫يا عائش ة؟ لعلك ِنف ْس ِت ؟ ق الت ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬واهلل ل وددت إني لم أخ رج معكم ع امى في ه ذا‬
‫ُّ‬
‫الحاج إال أنك ال تطوفين بالبيت ‪.‬‬ ‫السفر‪ ،‬فقال ‪ :‬ال تقولن ذلك ‪ ،‬فإنك تَ ْقضين كل ما يقض‬
‫ي‬ ‫َّ ُّ‬
‫قالت ‪ :‬ودخل رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم بمكة‪ ،‬فحل كل من كان ال َه ْد َ‬
‫معه ‪ ،‬وحل نساؤه بعمرة ‪.‬‬
‫‪312‬‬

‫فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير‪ .‬فطُرح في بيتي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬ذبح‬
‫البقر‪.‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن نسائه َ‬
‫صبة‪ ، 70‬بعث بي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مع أخى عبد‬
‫الح ْ‬
‫حتى إذا كانت ليلة َ‬
‫الرحمن بن أبي بكر فأعمرنى من التنعيم ‪ ،‬مكان عمرتى التي فاتتنى‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني نافع ‪ ،‬مولى عبد اهلل بن عمر‪ ،‬عن عبد اهلل ابن عمر‪ ،‬عن‬
‫حفصة بنت عمر‪ ،‬قالت ‪ :‬لما أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نسائه أن ُيحللن بعمرة‪ ،‬قلن‬
‫أهديت ولَب َّْدت‪ ، 71‬فال أحل حتى أنحر هدى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ :‬فما يمنعك يا رسول اهلل أن تُ َّ‬
‫حل معنا ؟ فقال ‪ :‬إني‬
‫موافاة على في قفوله من اليمن رسول اهلل في الحج ‪ :‬ق ال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني عبد اهلل‬
‫بن أبي َنجيح ‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان بعث عليا رضى اهلل عنه إلى نجران ‪،‬‬
‫فلقيه بمكة وقد أحرم ‪ ،‬فدخل على فاطمة بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورضى اهلل عنها‪،‬‬
‫فوجدها قد َحلَّت وتهيأت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك يا َ‬
‫بنت رسول اهلل ؟ قالت ‪ :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أن نحل بعمرة فحللنا‪.‬‬
‫علياً في هديه ‪ :‬ثم أتى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إشراكه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فلما فرغ من الخبر عن س فره ‪ ،‬ق ال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬انطلق قطف ب البيت ‪،‬‬
‫أهللت ‪ ،‬فق ال ‪ :‬ارجع فاحلل كما‬
‫َ‬ ‫أهللت كما‬
‫ُ‬ ‫وح ّل كما حل أص حابك ؟ ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل إني‬
‫قلت حين أح رمت ‪ :‬اللهم إني أهل بما أهل به نبيك‬
‫حل أص حابك ‪ ،‬ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل ‪ ،‬إني ُ‬
‫وعب دك ورس ولك محمد ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ق ال ‪ :‬فهل معك من َه ْدي ؟ ق ال ‪ :‬ال‪ .‬فأش ركه‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪70‬‬
‫‪.‬احلصبة‪ :‬يوم الرمي باحلصى‪ ،‬واحملصب موضع مبكة‬
‫‪71‬‬
‫‪ .‬جعل يف رأسه صلى اهلل عليه وسلم صمغا لئال يتشعث‬
‫‪313‬‬

‫في هديه ‪ ،‬وثبت على إحرامه مع رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ،‬ح تى فرغا من الحج‬
‫ونحر رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم الهدي عنهما‪.‬‬
‫شكوى جند علي منه رضي اهلل عنه وسببها‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يحيى بن عبد اهلل‬
‫بن عبد ال رحمن بن أبي َعم رة‪ ،‬عن بريد ابن طلحة بن يزيد بن ُركان ة‪ ،‬ق ال ‪ :‬لما أقبل على‬
‫رضى اهلل عنه من اليمن ليلقى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بمكة‪ ،‬تعجل إلى رسول اهلل ص لى‬
‫اهلل عليه وس لم واس تخلف على جن ده ال ذين معه رجل من أص حابه ‪ ،‬فعمد ذلك الرجل فكسا ك َّل‬
‫رجل من القوم ُحلة من البز الذي كان مع على رضى اهلل عنه فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم ‪ :‬فإذا‬
‫كس ْوت الق وم ليتجمل وا به إذا ق دموا في الن اس ق ال ‪:‬‬
‫عليهم الحلل ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ويلك ما ه ذا؟ ق ال ‪َ :‬‬
‫ويلك ؟ ان زع قبل أن تنتهى به إلى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ق ال ‪ :‬ف انتزع الحلل من‬
‫الناس ‪ .‬فردها في البز‪ ،‬قال ‪ :‬وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد اهلل بن عبد الرحمن بن َح ْزم بن معمر بن حزم ‪ ،‬عن‬
‫الخ ْدري‬
‫ُسليمان بن محمد بن كعب بن ُع ْجرة عن عمته زينب بنت كعب ‪ ،‬وكانت عند أبي سعيد ُ‬
‫الخ ْدري ‪ ،‬قال ‪ :‬اشتكى الناس عليا رضوان اهلل عليه ؟ فقام رسول اهلل صلى اهلل‬
‫‪ ،‬عن أبي سعيد ُ‬
‫عليه وسلم فينا خطيبا‪ ،‬فسمعته يقول ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬ال تشكوا عليا‪ ،‬فواهلل إنه ألخشن في ذات اهلل‬
‫‪ ،‬أو في سبيل اهلل ‪ ،‬من أن ُي ْشكى ‪.‬‬
‫خطبة الوداع ‪ :‬فال ابن إسحاق ‪ :‬ثم مضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على َح ِّجه ‪،‬‬
‫فح ِمد‬
‫فأرى الناَس مناسكهم ‪ ،‬وأعلمهم ُسَنن حجهم ‪ ،‬وخطب الناس خطبته التي بيَّن فيها ما بيَّن ‪َ ،‬‬
‫اهلل وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫الناس ‪ ،‬اسمعوا قولى‪ ،‬فإنى ال أدري لعلِّى ال ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً‪.‬‬
‫أيها ُ‬
‫‪314‬‬
‫ِ‬
‫كحرمة يو ِمكم هذا‪،‬‬ ‫دماءكم وأموالَكم عليكم حرام إلى أن تلقَ ْوا ربَّكم ‪،‬‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إن َ‬
‫ِ‬
‫وكحرمة شهركم هذا‪ ،‬وإ نكم ستلقون ربَّكم ‪ ،‬فيسألكم عن أعمالكم ‪ ،‬وقد بلغت ‪ ،‬فمن كانت عنده‬
‫أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها‪.‬‬
‫وإ ن كل ربا موضوع ‪ ،‬ولكن لكم رءوس أموالكم ‪ ،‬ال تَظلمون وال تُظلمون قضى اهلل أنه‬
‫ال ربا‪ ،‬وإ ن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع له‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫وإ ن َّ‬
‫كل دم كان في الجاهلية موضوع ‪ ،‬وإ ن أو َل دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث‬
‫بن عبد المطلب ‪ ،‬وكان مسترضعاً في بني ليث ‪ ،‬فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء‬
‫الجاهلية ‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬فإن الشيطان َقد َيئس من أن ُيعبد بأرضكم هذه أبداً‪،‬‬
‫ولكنه إن ُي َطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما َت ْحقِرون من أعمالكم ‪ ،‬فحذروه‬
‫على دينكم ‪.‬‬
‫النسىء زيادة في الكفر‪ُ ،‬يضل ُّ به الذين كفروا‪ُ ،‬يحلُّونه‬ ‫َ‬ ‫أيها الناس ‪ :‬إن‬
‫ويحرموا‬
‫ِّ‬ ‫ويحرمونه عاماً‪ ،‬ليواطئوا عد َة ما َح َّرم ‪-‬هللا ‪ ،‬ف ُيحلوا ما حرم هللا ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫عاما ً‬
‫واألرض ‪،‬‬
‫َ‬ ‫استدار كهيئة يو َم خلق هللا السموات ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ما أحل هللا ‪ ،‬وإن الزمان قد‬
‫وإن عدة الشهور عند هللا اثنا عشر شهراً‪ ،‬منها أربعة ُح ُرم ‪ ،‬ثالثة ‪ .‬متوالية‪،‬‬
‫ورجب ُمضر‪ ، 73‬الذي بين ُجمادى وشعبان ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫امسه ‪ :‬آدم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬متام وكان سبب قتله حرب كانت بنب قبائل هذيل تقاذفوا فيها باحلجارة فأصاب الطفل حجر‬
‫‪.‬وهو حيبو بني البيوت ‪ ،‬كذلك ذكر الزبري‬
‫‪73‬‬
‫رجب مضر‪ :‬إمنا قال ذلك ألن ربيعة كانت حترم شهر رمضان ‪ ،‬وتسميه ‪ :‬رجباً من رجبت الرجل ورجبته إذا عظمته‬
‫‪ ، .‬ورجبت النخلة إذا دعمتها‪ ،‬فبني عليه السالم أنه رجب مضر ال رجب ربيعة‪ ،‬وأنه الذي بني مُج َادى وشعبان‬
‫‪315‬‬

‫أما بعد أيها الن اس ‪ ،‬ف إن لكم على نس ائكم حقّ اً ولهن عليكم حقّ اً‪ ،‬لكم عليهن أن ال ي وطئن‬
‫فُُرش كم أح داً تكرهونه ‪ ،‬وعليهن أن ال ي أتين بفاحشة مبين ة‪ ،‬ف إن فعْل َن ف إن اهلل قد أذن لكم أن‬
‫تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير ُمَب َّرح‪ ، 74‬فإن انتّهين فلهن رزقهن ‪ ،‬وكسوتهن‬
‫بالمعروف ‪ ،‬واستوصوا بالنساء خيراً‪ ،‬فإنهن عندكم َع َوان‪ 75‬ال يملكن ألنفسهن شيئاً ‪ ،‬وإ نكم إنما‬
‫أخذتموهن بأمانة اهلل ‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمات اهلل ‪ ،‬فاعقلوا أيها الناس قولى‪ ،‬ف إنى قد بلغت‬
‫‪.‬‬
‫كتاب اهلل وسنةَ نبيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً‪ ،‬أمراً بينا‪: ،‬‬
‫أخ للمسلم ‪ ،‬وأن المسلمين إخوة‬ ‫كل مسلم ٌ‬ ‫من أن َّ‬‫أيها الناس ‪ ،‬اسمعوا قولى واعقلوه ‪ ،‬تَ َعلَّ َّ‬
‫‪ ،‬فال يحل الم رئ من أخيه إال ما أعط اه عن طيب نفس منه ‪ ،‬فال تظلمن أنفس كم ‪ ،‬اللهم هل‬
‫بلغت ؟‬
‫اشهد‪.‬‬
‫ف ُذكر لى أن الناس قالوا‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اللهم ْ‬
‫من كان يردد قوله صلى اهلل عليه وسلم رافعاً صوته ليسمع الناس ‪ :‬قال ‪ :‬ابن إسحاق‬
‫‪ :‬وحدثني يحيى بن َعبَّاد بن عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬عن أبيه عبَّاد قال ‪ :‬كان الرجل الذي يصرخ‬
‫في الناس بقَ ْول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو بعرفة‪ ،‬ربيعة بن أمية بن خلف قال ‪:‬‬
‫يق ول له رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ :‬قل يأيها الن اس ‪ ،‬إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫أي شهر هذا؟ فيقول لهم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬الشهر الحرام ‪.‬‬
‫وسلم يقول ‪ :‬هال تدرون َّ‬

‫‪74‬‬
‫‪.‬غري مربح ‪ :‬غري شديد‬
‫‪75‬‬
‫‪ .‬عوان ‪ :‬أسريات ‪ ،‬مفردها‪ :‬عانية‬
‫‪316‬‬

‫حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة‬


‫فيقول ‪ :‬قل لهم ‪ :‬إن اهلل قد َّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬هل تدرون‬
‫َ‬ ‫شهركم هذا‪ .‬ثم يقول ‪ :‬قل يأيها الناس ‪ ،‬إن‬
‫أي بلد هذا ؟ قال ‪ :‬فيصرخ به ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقولون ‪ :‬البلد الحرام ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬قل لهم ‪ :‬إن اهلل‬
‫دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا‪ .‬قال ‪ :‬ثم يقول ‪ :‬قل ‪:‬‬
‫قد حرم عليكم َ‬
‫يأيها الناس ‪ ،‬إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬هل تدرون أي يوم هذا؟ قال ‪ :‬فيقوله‬
‫دماءكم‬
‫لهم ‪ .‬فيقولون ‪ :‬يوم الحج األكبر‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬قل لهم ‪ :‬ان اهلل قد َح َّرم عليكم َ‬
‫وأموالَكم إلى أن تلقوا ربَّكم كحرمة يومكم هذا‪.‬‬
‫في حجة الوداع ‪ :‬قال ابن‬
‫ما ذكره عمرو بن خارجة من قوله صلى اهلل عليه وسلم ِ‬
‫شهر بن َح ْوشب األشعري ‪ ،‬عن عمرو بن خارجة قال ‪:‬‬
‫إسحاق ‪ :‬حدثني لَْيث بن أبي ُسلَيم عن ْ‬
‫أس ْيد إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في حاجة‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫بعثنى َعتَّاب بن َ‬
‫امها‬ ‫وسلم واقف بعرفة‪ ،‬فبالغته ‪ ،‬ثم وقفت تحت ِ‬
‫لغ َ‬
‫ناقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وإ ن َ‬
‫‪76‬‬

‫حق حقَّه ‪ ،‬وإ نه ال‬


‫أدى إلى كل ذي ٍّ‬ ‫الناس ‪ ،‬إن اهلل َّ‬
‫ليقع على رأسى‪ ،‬فسمعته وهو يقول ‪ :‬أيها ُ‬
‫تجوز وصية لوارث ‪ ،‬والولد للفراش ‪ ،‬وللعاهر الحجر‪ ، 77‬ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولَّى‬
‫ص ْرفا وال عدال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والناس أجمعين ‪ ،‬ال يقبل اهلل منه َ‬ ‫والمالئكة‬ ‫غير مواليه ‪ ،‬فعليه لعنةُ اهلل‬
‫َ‬

‫‪76‬‬
‫‪.‬اللغام ‪ :‬الرغوة اليت خترج من فم الناقة‬
‫‪77‬‬
‫وقوله عليه السالم " وللعاهر احلجر " أي إمنا يثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج ‪ ،‬وللعاهر اخليبة‪ ،‬وال يثبت له‬
‫‪ .‬نسب ‪ ،‬وهو كما يقال له الرتاب يف فيه أي اخليبة ألن بعض العرب كان يثبت النسب من الزنا فأبطله الشرع‬
‫‪317‬‬

‫تعاليم الرسول عليه السالم للحاج ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ‪ .‬عبد اهلل بن أبي نجيح ‪:‬‬
‫الم ْوقف ‪ ،‬للجبل الذي هو عليه‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين وقف بعرفة‪ ،‬قال ‪ :‬هذا َ‬
‫‪ ،‬وكل عرفة موقف ‪ .‬وقال حين وقف على قَُزح‪ 78‬صبيحة المزدلفة‪ :‬هذا الموقف ‪ ،‬وكل‬
‫بمنى قال ‪ :‬هذا المنحر وكل ِمنى منحر‪.‬‬
‫المزدلفة موقف ‪ .‬ثم لما نحر بالمنحر ً‬
‫فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم ‪ ،‬وأعلمهم ما فرض اهلل‬
‫عليهم من حجهم ‪ :‬من الموقف ‪ ،‬ورمى الجمار‪ ،‬وطواف بالبيت ‪ . ،‬وما َّ‬
‫أحل لهم من حجهم ‪،‬‬
‫وما حرم عليهم ‪ ،‬فكانت حجة البالغ ‪ ،‬وحجة الوداع ‪ ،‬وذلك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫بعدها‪.‬‬
‫لم يحج َ‬
‫بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين‬
‫ق ال ابن إسحاق ‪ :‬ثم قفل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة‬
‫وأمر عليهم أس امة بن زيد بن حارثة‬
‫والمح رم وص فر‪ ،‬وض رب على الن اس بعث اً إلى الش ام ‪َّ ،‬‬
‫البلق اء وال داروم من أرض ِفلَ ْس طين ‪ ،‬فتجهز الن اس ‪،‬‬
‫م واله وأم ره أن ُي وطىء الخي َل تخ وم َ‬
‫ابن زيد المهاجرون األولون‪.80‬‬ ‫وأوعب‪ 79‬مع أسامةَ ِ‬

‫‪78‬‬
‫‪.‬قزح ‪ :‬جبل باملزدلفة‬
‫‪79‬‬
‫‪ .‬أوعب ‪ :‬اجتمع‬
‫‪80‬‬
‫أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسامة على جيش كثيف ‪َّ ،‬أمره أن يغري على أبىن صباحاً‪ ،‬وأن حيرق ‪ .‬وأبنا‪ ،‬هي‬
‫القرية اليت عند مؤتة حيث قُتل أبوه زيد‪ ،‬ولذلك أمره على حداثة سنه ليدرك ثأره ‪ ،‬وطعن يف إمارته أهل الريب ‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وامي اهلل إنه خلليق باإلمارة‪ ،‬وإن كان أبوه خلليقاً هبا‪ ،‬وإمنا طعنوا يف إمرته ‪ ،‬ألنه موىل مع‬
‫حداثة سنه ‪ ،‬ألنه كان إذ ذاك ابن مثان عشرة سنة‪ ،‬و كان رضى اهلل عنه أسود اجللد‪ 2،‬وكان أبوه أبيض صاىف البياض ‪،‬‬
‫نزع يف اللون إىل أمه بركة‪ ،‬وهى أم أمين ‪ ،‬وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيبه وميسح خشمه ‪ ،‬وهو صغري بثوبه ‪،‬‬
‫وعثر يوماً فأصابه جرح يف رأسه ‪ ،‬فجعل رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم ميص دمه وميجه ‪ -‬يرمي به ‪ ،-‬ويقول ‪ :‬لو‬
‫احلب بن احلب‬
‫‪ .‬كان أسامة جارية حلليناها‪ ،‬حىت يرغب فيها‪ ،‬وكان يسمى ّ‬
‫‪318‬‬

‫بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى الملوك‬


‫قال ابن هشام ‪ :‬وقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعث إلى الملوك ُرسالَ من‬
‫أصحابه ‪ ،‬وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى ِ‬
‫اإلسالم ‪ .‬ما حدث للحواريين حينما اختلفوا على‬
‫عيسى عليه السالم ‪:‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬حدثني من أثق به عن أبي بكر الهُ َذلى قال ‪ :‬بلغنى أن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫صد عنها يوم الحديبية‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي ُ‬
‫على كما اختلف الحواريون على‬
‫أيها الناس إن اهلل قد بعثنى رحمةً وكافة‪ ،‬فال تختلفوا َّ‬
‫عيسى ابن مريم‪ ،81‬فقال أصحابه ‪ :‬وكيف اختلف الحواريون يا رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬دعاهم إلى‬
‫دعوتكم إليه ‪ ،‬فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضى وسلَّم ‪ ،‬وأما من بعثه مبعثاً بعيداَ فكره‬
‫ِ‬ ‫الذي‬
‫وجهه وتثاقل ‪ ،‬فشكا ذلك عيسى إلى اهلل ‪ ،‬فأَصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة األمة‬
‫التي ُبعث إليها‪.‬‬
‫أسماء الرسل وأسماء من أرسل إليهم ‪ :‬فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رسال من‬
‫أصحابه ‪ ،‬وكتب معهم ُكتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى اإلسالم ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫احلواريون ‪ :‬أصح ما قيل يف معىن احلواريني أن احلواري هو اخللصان ‪ ،‬أي اخلالص الصاىف من كل شىء‪ ،‬ومنه احلواري‬
‫‪ ، .‬واحلور‪ ،‬وقول املفسرين هو‪ :‬اخللصان كلمة فصيحة‬
‫‪319‬‬

‫فبعث ِد ْحية بن خليفة الكلبي إلى قَْيصر‪ ،82‬ملك الروم ‪.‬‬


‫َّهمي إلى كسرى‪ ،‬ملك فارس ‪.‬‬
‫وبعث عبد اهلل بن ُحذافة الس ْ‬
‫َّمري إلى النجاشي ‪ ،‬ملك الحبشة ‪.‬‬
‫وبعث َعمرو بن أمية الض ْ‬
‫وبعث حاطب بن أبي بلتَعة إلى المقوقس‪ ، 83‬ملك اإلسكندرية ‪.‬‬

‫‪ 82‬فقدم دحية على قيصر‪ ،‬قال له ‪ :‬يا قيصر أرسلني إليك من هو خير منك ‪ ،‬والذي أرسله هو خير منه‬
‫ومنك ‪ ،‬فاسمع بذل ‪ ،‬ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم ‪ ،‬وإ ن‬
‫لم تنصح لم تنصف ‪ ،‬قال ‪ :‬هات ‪ ،‬قال ‪ " :‬هل تعلم أكان المسيح يصلي ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فإ نى أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له ‪ ،‬وأدعوك إلى من دبر خلق السموات واألرض‬
‫والمسيح في بطن أمه ‪ ،‬وأدعوك إلى هذا النبى األمى الذي بشر به موسى‪ ،‬وبشر به عيسى ابن مريم‬
‫بعده ‪ ،‬وعندك من ذلك أثاره من علم تكفي من العيان وتشفي من الخبر‪ ،‬فإن أجبت كانت لك الدنيا‬
‫واالخرة‪ ،‬وإ ال ذهبت عنك اآلخرة و ُشوركت في الدنيا‪ ،‬واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة‪ ،‬ويغير النعم‪.‬‬
‫فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه وقبله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إما واهلل ما تركت كتاباً إال وقرأته ‪ ،‬وال‬
‫عالماً إال سألته ‪ ،‬فما رأيت إال خيراً‪ ،‬فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له ‪ ،‬فإنى اكره أن‬
‫أجيبك اليوم بأمر أرى غداً ما هو أحسن منه ‪ ،‬فأرجع‬
‫عنه ‪ ،‬فيضرىن ذلك ‪ ،‬وال ينفعىن‪ ،‬أقم حىت أنظر‪ ،‬فلم يلبث أن أتاه وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( .‬السهيلى ‪.‬‬
‫‪.‬الروض األنف ج ‪ ،4‬ص ‪) 249‬‬
‫قال عند قدومه على المقوقس ‪ :‬إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب األعلى‪ ،‬فأخذه اهلل نكال‬ ‫‪83‬‬

‫اآلخرة واألولى‪ ،‬فانتقم به ‪ ،‬ثم انتقم منه ‪ ،‬فاعتبر بغيرك‪ ،‬وال يعتبر بك غيرك ‪ ،‬قال ‪ :‬هات ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" إن لك ديناً لن تدعه إال لما هو خير منه ‪ ،‬وهو اإلسالم ‪ ،‬الكافى به اهلل فقد ما سواه ‪ .‬إن هذا النبى‬
‫صلى اهلل عليه وسلم دعا الناس ‪ ،‬فكان أشدهم عليه قريش ‪ ،‬وأعداهم له يهود‪ ،‬وأقربهم منه النصارى‪،‬‬
‫ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إال كبشارة عيسى بمحمد صلى اهلل عليه وسلم وما دعاؤنا إياك إلى‬
‫القرآن إال كدعائك أهل التوراة إلى اإلنجيل ‪ ،‬وكل نبى أدرك قوماً فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه‬
‫‪ ،‬فأنت ممن أدركه هذا النبي ‪ ،‬ولسنا ننهاك عن دين المسيح ‪ ،‬ولكن نأمرك به "‪ .‬قال المقوقس‪ " :‬إنى‬
‫قد نظرت في أمر هذا النبي ‪ ،‬فوجدته ال يأمر بمزهود فيه ‪ ،‬وال ينهى إال عن مرغوب عنه ‪ ،‬ولم أجده‬
‫بالساحر الضال ‪ ،‬وال الكاهن الكاذب ‪ ،‬ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء واإلخبار بالنجوى‪،‬‬
‫وسأنظر‪ .‬فأهدى للنبي صلى اهلل عليه وسلم أم إبراهيم القبطية‪ ،‬واسمها‪ :‬مارية بنت شمعون ‪ ،‬وأختها‬
‫معها‪ :‬واسمها سيرين وهى أم عبد الرحمن ابن ثابت ‪ ،‬وغالماً اسمه مأبور‪ ،‬وبغلة اسمها دلدل ‪،‬‬
‫وكسوة‪ ،‬وقدحاً من قوارير كان يشرب فيه النبى صلى اهلل عليه وسلم وكاتبه ‪.‬‬
‫‪320‬‬

‫األزديين ‪ ،‬ملكى عمان‬


‫ْ‬
‫‪84‬‬
‫الجلُندي‬
‫وبعث عمرو بن العاص السَّهمى إلى َج ْيفر وعياد ابني ُ‬
‫‪.‬‬
‫وبعث َسليط بن عمرو‪ ،‬أحد بني عامر بن لؤي ‪ ،‬إلى ثُمامة بن أثال ‪ ،‬وهوذة بن على‬
‫الحنفيين ‪ ،‬مل َك ِي اليمامة ‪.‬‬
‫ساوى العبدي‪ ، 85‬ملك البحرين ‪.‬‬
‫وبعث العالء بن الحضرمي إلى المنذر بن َ‬

‫وأما عمرر بن العاص‪ ،‬فقدم على الجلندي ‪ ،‬فقال له ‪ " :‬يا جلندي إنك وإ ن كنت منا بعيداً‪ ،‬فإندك من‬ ‫‪84‬‬

‫اهلل غير بعيد‪ ،‬إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك ‪ ،‬وأن ال تشرك به من لم يشركه فيك ‪ ،‬واعلم‬
‫أنه يميتك الذي أحياك ‪ ،‬ويعيدك الذي بدأك ‪ ،‬فانظر في هذا النبي األمى الذي جاء بالدنيا واآلخرة‪ ،‬فإن‬
‫كان يريد به أجراً فامنعه ‪ ،‬أو يميل به هوى فدعه ‪ ،‬ثم انظر فيما يجىء به ‪ :‬هل يشبه ما يجيء به‬
‫الناس ‪ ،‬فإن كان يشبهه ‪ ،‬فسله العيان ‪ ،‬وتخير عليه في الخبر‪ ،‬وإ ن كان ال يشبهه فاقبل ما قال ‪ ،‬وخف‬
‫ما وعد "‪ .‬قال الجلندي ‪ :‬إنه واللّه لقد دلنى على هذا النبي األمى أنه ال يأمر بخير إال كان أولمن أخذ به‬
‫ويغلب فال يضجر وأنه يفى بالعهد‪،‬‬
‫‪ ،‬وال ينهى عن شر إال كان أول تارك له ‪ ،‬وأنه َيغلب فال يبطر‪ُ .‬‬
‫وينجز الموعود‪ ،‬وأنه ال يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله وأشهد أنه نبي ‪.‬‬
‫وأما العالء بن الحضرمي ‪ ،‬فقدم على المنذر بن ساوى فقال له ‪ " :‬يا منذر إنك عظيم العقل في‬ ‫‪85‬‬

‫الدنيا‪ ،‬فال تصغرن عن اآلخرة‪ ،‬إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب ‪ ،‬وال علم أهل الكتاب‬
‫‪ ،‬ينكحون ما يستحيا من نكاحه ‪ ،‬ويأكلون ما يتكرم عن أكله ‪ ،‬ويعبدون في الدنيا ناراً تأكلهم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولست بعديم العقل ‪ ،‬وال رأي فانظر‪ :‬هل ينبغى لمن ال يكذب أن ال تصدقه ‪ ،‬ولمن ال يخون أن‬
‫ال تأمنه ‪ ،‬ولمن ال يخلف أن ال تثق به ‪ ،‬فإن كان هذا هكذا‪ ،‬فهو هذا النبى األمي الذي واللَه ال يستطيع‬
‫ذو عقل أن يقول ‪ :‬ليت ما أمر به َنهى عنه ‪ ،‬أو ما نهى عنه أمر به ‪ ،‬أو ليته زاد في عفوه ‪ ،‬أو نقص‬
‫من عقابه ‪ ،‬إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر "‪ .‬فقال المنذر‪ :‬قد نظرت في هذا‬
‫األمر الذي في يدي ‪ ،‬فوجدته للدنيا دون اآلخرة‪ ،‬ونظرت في دينكم ‪ ،‬فوجدته لالخرة والدنيا‪ ،‬فما‬
‫يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ‪ ،‬ولقد عجبت أمس ‪ ،‬ممن يقبله ‪ ،‬وعجبت اليوم‬
‫ممن يرده ‪ ،‬وإ ن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله ‪ ،‬وسأنظر‪.‬‬
‫‪321‬‬

‫وبعث شجاع بن وهب األسدي إلى الحارث بن أبي ِش ْمر َ‬


‫الغسَّانى‪ ،86‬ملك تخوم‬
‫الشام ‪.‬‬
‫جاع بن وهب إلى جبلة بن األيهم الغسانى ‪ .‬وبعث المهاجر ابن‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬بعث ُش َ‬
‫أبي أمية المخزومى إلى الحارث بن عبد ُكالل ِ‬
‫الح ْمَيري‪ ، 87‬ملك اليمن ‪.‬‬

‫وأما شجاع بن وهب ‪ ،‬فقدم على جبلة بن األيهم ‪ ،‬وهو جبلة بن األيهم بن الحارث ابن أبى شمر‪،‬‬ ‫‪86‬‬

‫وجبلة‪ ،‬هو الذي أسلم ثم تنصر من أجل لطمة حاكم فيها إلى أبى عبيدة بن الجراح وكان طوله اثني‬
‫عشر شبراً‪ ،‬وكان يمسح برجليه األرض ‪ ،‬وهو راكب ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبى‬
‫األمى من داره إلى دارهم ‪ ،‬يعني ‪ :‬األنصار‪ ،‬فاووه ‪ ،‬ومنعوه ‪ ،‬وإ ن هذا الدين الذي أنت عليه ليس‬
‫بدين ابائك ‪ ،‬ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ‪ ،‬ولو ‪.‬جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك‬
‫العراق ‪ ،‬وقد أقر بهذا النبي األمى من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك ‪ ،‬وإ ن فضلناك عليه‬
‫لم يرضك ‪ ،‬فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم ‪ ،‬وإ ن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك االخرة‪،‬‬
‫والجمع بالشعانين والقبلة بالصليب ‪ ،‬وكان ما‬
‫وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع ‪ ،‬واألذان بالناقوس ‪ُ ،‬‬
‫عند اهلل خير وأبقى "‪ .‬فقال جبلة‪ :‬إنى واللّه لوددت أن الناس أجمعوا على هذا النبى األمي اجتماعهم‬
‫على خلق السموات واألرض ‪ ،‬ولقد سرنى اجتماع قومي له ‪ ،‬وأعجبني قتله أهل األوثان واليهود‪،‬‬
‫واستبقاؤه النصارى‪ ،‬ولقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤتة‪ ،‬فأبيت عليه ‪ ،‬فانتدب مالك بن نافلة‬
‫من سعد العشيرة فقتله اهلل ‪ ،‬ولكنى لست أرى حقاً ينفعه ‪ . ،‬وال باطالً يضره والذي يمدنى إليه أقوى‬
‫من الذي يختلجنى عنه ‪ ،‬وسأنظر‪.‬‬
‫‪ 87‬وأما المهاجر بن أبى أمية‪ ،‬فقدم على الحارث بن عبد كالل ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬يا حارث إنك كنت أول من‬
‫عرض عليه النبى صلى اهلل عليه وسلم نفسه فخطئت عنه ‪ ،‬وأنت أعظم الملوك قدرا‪ ،‬فإذا نظرت في‬
‫غلبة الملوك ‪ ،‬فانظر في غالب الملوك ‪ ،‬وإ ذا سرك يومك فخف غدك ‪ ،‬وقد كان قبلك ملوك ذهبت‬
‫اثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويال‪ ،‬وأملوا بعيداً وتزودوا قليال‪ ،‬منهم من أدركه الموت ‪ ،‬ومنهم من‬
‫اكلته النقم ‪ ،‬وإ نى أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك ‪ ،‬وإ ن أرادك لم يمنعه منك أحد‪،‬‬
‫وأدعوك إلى النبى األمى الذي ليس له شيء أحسن مما يأمر به ‪ ،‬وال أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك‬
‫ربًّا يميت الحى ويحيى الميت ‪ ،‬ويعلم خائنة األعين ‪ ،‬وما تخفى الصدور " فقال الحارث ‪ :‬قد كان هذا‬
‫النبى عرض نفسه علي فخطئت عنه ‪ ،‬وكان ذخراً لمن صار إليه ‪ ،‬وكان أمره أمراً سبق فحضره‬
‫البأس وغاب عنه الطمع ‪ ،‬ولم يكن لى قرابة أحتمله عليها‪ ،‬وال لى فيه هوى أتبعه له ‪ ،‬غير أنى أرى‬
‫أمراً لم يوسوسه الكذب ‪ ،‬ولم يسنده الباطل ‪ .‬له بدء سار‪ ،‬وعاقبة نافعة‪ ،‬وسأنظر‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫ِ‬
‫والمنذر‪ . .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني‬ ‫وه ْو َذة‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أنا نسيت َسليطا وثُمامة َ‬
‫يزيد بن أي حبيب المصري ‪ :‬أنه وجد كتابا فيه ِذ ْكر من َبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فبعثت به إلى محمد بن‬
‫ُ‬ ‫إلى البلدان وملوك العرب والعجم ‪ ،‬وما قال ألصحابه حين بعثهم قال ‪:‬‬
‫شهاب الزهري فعرفه ‪ ،‬وفيه ‪ :‬أن ٍ‬
‫رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم خرج على أصحابه فقال‬
‫على كما اختلف‬ ‫لهم ‪ :‬إن اهلل بعثنى رحمةً وكافة‪ُّ ،‬‬
‫فأدوا عنى يرحمكم اهلل ‪ ،‬وال تختلفوا َّ‬
‫الحواريون على عيسى ابن مريم ‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف يا رسول اهلل كان اختالفهم ؟ قال ‪ :‬دعاهم‬
‫وسلَّم ‪ ،‬وأما من ُ‬
‫بعد به فكره وأبى‪ ،‬فشكا ذلك‬ ‫َّ‬
‫فأحب َ‬ ‫لمثل ما دعوتكم له ‪ ،‬فأما من قرب به‬
‫عيسى منهم إلى اهلل ‪ ،‬فأصبحوا ُّ‬
‫وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين ُوجه إليهم ‪.‬‬
‫أسماء رسل عيسى عليه السالم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان من بعث عيسى ابن مريم‬
‫من الحواريين واألتباع ‪ ،‬الذين‬ ‫‪88‬‬
‫عليه السالم‬

‫‪ 88‬وأصح ما قيل في معنى المسيح على كثرة األقوال في ذلك أنه الصديق بلغتهم ‪ ،‬عربته العرب ‪.‬‬
‫وكان إرسال المسيح للحواريين بعد ما رفع وصلب الذي شبه به ‪ ،‬فجاءت مريم الصديقة والمرأة التي‬
‫كانت مجنونة‪ ،‬فأبرأها المسيح ‪ ،‬وقعدتا عند الجذع تبكيان‪ ،‬وقد أصاب أمه من الحزن عليه ما ال يعلم‬
‫علمه إال اهلل فأهبط إليهما‪ ،‬وقال ‪ :‬على ما تبكيان ؟ فقالتا‪ :‬عليك‪ ،‬فقال إنى لم أقتل ‪ ،‬ولم أصلب ‪ ،‬ولكن‬
‫اهلل رفعني وكرمني‪ ،‬وشبه عليهم في أمري ‪ ،‬أبلغا عنى الحواريين أمري ‪ ،‬أن يلقونى في موضع كذا‬
‫ليال فجاء الحواريون ذلك الموضع ‪ ،‬فإ ذا الجبل قد اشتعل نوراً لنزوله به ‪ ،‬ثم أمرهم أن يدعوا الناس‬
‫إلى دينه وعبادة ربهم ‪ ،‬فوجههم إلى األمم التي ذكر ابن إسحاق وغيره ‪.‬‬
‫‪323‬‬

‫الحواري ومعه ُبولُس ‪ ،‬وكان ُبولُس من األتباع ولم‬


‫كانوا بعدهم في األرض ‪ُ :‬بطرس َ‬
‫وم ْنتَا إلى األرض التي يأكل أهلُها الناس‪ ،89‬وتُوماس‬
‫وأند َرائس َ‬
‫يكن من الحواريين إلى ُرومية‪َ ،‬‬
‫وي َحَّنس ‪ ،‬إلى‬
‫قرطاجَّنة وهى إفريقية‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫إلى أرض َبابل ‪ ،‬من أرض المشرق ‪ ،‬وفيلبس إلى أرض‬
‫وبس إلى أورشليم وهى إيلياء‪ ،‬قرية بيت المقدس ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أفسوس ‪ ،‬قرية ِ‬
‫أصحاب الكهف ‪ ،‬ويعقُ ُ‬ ‫الفتْية‬
‫يمن إلى أرض البربر‪ ،‬ويهوذا‪ ،‬ولم يكن من‬ ‫ِ‬
‫وابن ثَْلماء إلى األعرابية‪ ،‬وهي أرض الحجاز‪ ،‬وس ُ‬
‫الحواريين ‪ُ ،‬جعل مكان ُيو ِدس ‪.‬‬
‫ذكر جملة الغزوات‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫قال ‪ :‬حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا زياد ابن عبد اهلل البكائي عن‬
‫محمد بن إسحاق المطلبي ‪ :‬وكان جميع ما غزا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بنفسه سبعاً‬
‫ض َوى‪ ،‬ثم‬ ‫وعشرين غزوة منها‪ ،‬غزوة َو َّدان ‪ ،‬وهى غزوة ْ‬
‫األبواء‪ ،‬ثم غزوة ُب َواط ‪ ،‬من ناحية َر ْ‬
‫الع َش ْيرة‪ ،‬من في ينبع ‪ ،‬ثم غزوة بدر األولى‪ ،‬يطلب ُك ْرز بن جابر‪ ،‬ثم غزوة بدر‬‫غزوة ُ‬
‫الكبرى‪ ،‬التي قتل اهلل فيها صناديد قريش‪ ،‬ثم غزوة بني ُسلَيم ‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ .‬وهم من األساودة ذكره الطربى‬
‫‪324‬‬

‫طف ان ‪ ،‬وهى‬ ‫الس ويق ‪ ،‬يطلب أبا س فيان بن ح رب ‪ ،‬ثم غ زوة َغ َ‬ ‫ح تى بلغ ال ُك ْدر‪ ،‬ثم غزوة َّ‬
‫أم ر‪ ،‬ثم غ زوة َب ْح ران ‪ ،‬مع ِدن بالحج از‪ ،‬ثم غ زوة أح د‪ ،‬ثم غ زوة َح ْم راء األس د‪ ،‬ثم‬ ‫غ زوة ذي ِ‬
‫الرق اع من نخل ‪ ،‬ثم غ زوة ب در االخ رة‪ ،‬ثم غ زوة ُدومة‬ ‫النض ير‪ ،‬ثم غ زوة ذات ِّ‬ ‫غ زوة ب ني َّ‬
‫الجن دل ‪ ،‬ثم غ زوة الخن دق ‪ ،‬ثم غ زوة ب ني قَُريظ ة‪ ،‬ثم غ زوة ب ني ِل ْحي ان ‪ ،‬من ُه َذْيل ‪ ،‬ثم غ زوة‬
‫الحديبية‪ ،‬ال يريد قتاالً‪ ،‬فصده المشركون‬ ‫طلق من ُخ َزاعة ثم غزوة ُ‬ ‫المص َ‬
‫ْ‬ ‫ذي قََرد‪ ،‬ثم غزوة بني‬
‫‪ ،‬ثم غ زوة َخي بر‪ ،‬ثم غ زوة القَض اء‪ ،‬ثم غ زوة الفتح ‪ ،‬ثم غ زوة حنين ‪ ،‬ثم غ زوة َّ‬
‫الطائف ‪ ،‬ثم‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫طلق ‪ ،‬و‬‫غ زوة تَُب وك ‪ .‬قاتل منها في تسع غ زوات ‪ :‬ب در‪ ،‬وأح د‪ ،‬والخن دق ‪ ،‬وقريظ ة‪ ،‬والمص َ‬
‫خيبر ‪ ،‬و الفتح ‪ ،‬و ُحَنين ‪ ،‬والطائف ‪.‬‬
‫ذكر جملة السرايا والبعوث‬
‫وس ِريَّة‪ :‬غزوة‬
‫وكانت بعوثه صلى اهلل عليه وسلم وسراياه ثمانياً وثالثين ‪ ،‬من بين َب ْعث َ‬
‫‪90‬‬

‫المروة‪ ،‬ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب سا حل البحر‪ ،‬من‬ ‫ِ‬


‫ُعَب ْيدة بن الحارث أسفل من ثَنية ذي ْ‬
‫العيص ؟ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة ُعبيدة‪ ،‬وغزوة سعد بن أي وقاص‬ ‫ناحية ِ‬
‫الخرار‪ ،‬وغزوة عبد اهلل بن جحش َن ْخلة‪ ،‬وغزوة زيد بن حارثة القََر َدة‪ ،‬وغزوة محمد ابن‬
‫َّ‬
‫المنذر بن‬
‫الغَنوي الرجيع ‪ ،‬وغزوة ُ‬
‫َم ْسلَمة‪ :‬كعب بن األشرف ‪ ،‬وغزوة َم ْرثَد بن أبي َم ْرثَد َ‬
‫َعمرو بئر معونة‪ ،‬وغزوة أبي ُعبيدة بن الجراح‬

‫‪90‬‬
‫قيل ‪ :‬مثان وأربعون وهو قول الواقدي ‪ ،‬ونسب املسعودي إىل بعضهم أن البعوث والسرايا كانت ستني ‪ .‬قاتل رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف تسع غزوات ‪ ،‬وقال الواقدي ‪ :‬قاتل يف إحدى عشرة غزوة‪ ،‬منها الغابة ووادي القرى واللّه‬
‫‪ .‬أعلم‬
‫‪325‬‬

‫ذا القَصَّة‪ ،‬من طريق العراق ‪ ،‬وغزوة عمر بن الخطاب تُربة‪ 91‬من أرض بني عامر‪،‬‬
‫علي بن أبي طالب اليمن ‪ ،‬وغزوة غالب بن عبد اهلل الكلبى‪ ،‬كلب ليث ‪ ،‬بال َكديد‪،‬‬
‫وغزوة ّ‬
‫الملَ َّوح ‪.‬‬
‫فأصاب بني ُ‬
‫يعقوب بن ُعتبة بن‬
‫َ‬ ‫الملوح ‪ :‬وكان من حديثها أن‬
‫َّ‬ ‫غزوة غالب بن عبد هللا الليثي بني‬
‫المغيرة بن األخنس ‪ ،‬حدثني عن ُمسلم بن عبد هللا بن ُخ َب ْيب الجهني ‪ ،‬عن المنذِر‪ ،‬عن‬
‫ُجن َدب بن ُمكيث الجهنى‪ ،‬قال ‪ :‬بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غالب بن عبد هللا الكلبي‬
‫الملوح ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫علي بني‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كنت فيها‪ ،‬وأ َمره أن يشن الغارة‬ ‫س ِر َّية‬
‫‪ ،‬كلب بن عوف ابن ليث ‪ ،‬في َ‬
‫وهم بال َك ديد‪ ،‬فخرجنا‪ ،‬حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ‪،‬‬
‫خرجت إال إلى‬
‫ُ‬ ‫الب ْرصاء الليثى‪ ،‬فأخذناه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني جئت أريد اإلسالم ‪ ،‬ما‬
‫وهو ابن َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلنا له ‪ :‬إن تك مسلما فلن يضيرك رباطُ ليلة‪ ،‬وإ ن تك على‬
‫غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ‪ ،‬فشددناه رباطاً‪ ،‬ثم خلفنا عليه رجال من أصحابنا أسود‪ ،‬وقلنا له‬
‫فاحتز رأسه ‪.‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪ :‬إن َّ‬
‫عازك‬
‫ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة ‪ :‬قال ‪ :‬ثم سرنا حتى أتَْينا ‪ .‬الكديد عند غروب الشمس‬
‫‪ ،‬فكنا في ناحية الوادي ‪ ،‬وبعثنى أصحابى ربيئة‪ 93‬لهم ‪ ،‬فخرجت حتى اتي تالُّ مشرفا على‬
‫فأسَن ْدت فيه‪ ، 95‬فعلوت على رأسه ‪ .‬فنظرت إلى الحاضر‪ ،‬فواللّه إني لمنبطح على‬
‫الحاضر ‪ْ ،‬‬
‫‪94‬‬

‫‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫تربة ‪ :‬وهى تربة بفتح الراء أرض كانت خلثعم وفيها جاء املثل ‪ :‬صادف بطنه بطن تربة‪ ،‬يريدون الشبع واخلصب ‪.‬‬
‫‪.‬قال البكري ‪ :‬وكذلك ‪ :‬عرنة بفتح الراء يعين اليت عند عرفة‬
‫‪92‬‬
‫‪ .‬عازَّك ‪ :‬غالبك‬
‫‪93‬‬
‫‪.‬الربيئة‪ :‬الطليعة الذي يتجسس األخبار‬
‫‪94‬‬
‫‪.‬احلاضر‪ :‬من ينزلون على املاء‬
‫‪95‬‬
‫‪ .‬أسندت ‪ :‬ارتفعت‬
‫‪326‬‬

‫التل ‪ ،‬إذ خرج رج ٌل منهم من ِخبائه ‪ ،‬فقال المرأته ‪ :‬إني ألرى على ِّ‬
‫التل سواداً ما رأيتُه‬ ‫ِّ‬
‫بعضها؟ قال ‪:‬‬‫الكالب َج َّرت َ‬
‫ُ‬ ‫في ِ‬
‫أول يومى‪ ،‬فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً‪ ،‬ال تكون‬
‫فنظرت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ال‪ ،‬واللّه ما أفقد شيئاً قال ‪ :‬فناولينى قَ ْوسى وسهمين ‪ ،‬فناولته ‪ ،‬قال ‪ :‬فأرسل‬
‫ْ‬
‫ُّ‬
‫وثبت مكانى‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أرسل اآلخر‪ ،‬فوضعه‬ ‫سهما‪ ،‬فواللّه ما أخطأ جنبى‪ ،‬فأنزعه ‪ ،‬فأضعه ‪،‬‬
‫وثب ُّ‬
‫ت مكانى‪ ،‬فقال المرأته ‪ :‬لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ‪ ،‬لقد‬ ‫في منكبى‪ ،‬فأنزعه فأضعه ‪َ ،‬‬
‫الكالب ‪ .‬قال ‪ :‬ثم‬ ‫على‬ ‫ِ‬
‫أصبحت فابتغيهما‪ ،‬فخذيهما‪ ،‬ال يمضغهما َّ‬ ‫خالطه سهماي ال أبا لك ‪ ،‬إذا‬
‫ُ‬
‫دخل ‪.‬‬

‫غنائم المسلمين في هذه الغزوة ‪ :‬قال ‪ :‬وأمهلناهم ‪ ،‬حتى إذا اطمأنوا وناموا‪ ،‬وكان في وجه‬
‫السحر‪ R،‬شننا عليهم الغارة‪ ،‬قال ‪ :‬فق َت ْلنا‪ْ ،‬‬
‫واس َتقنا‪ R‬النعم ‪ ،‬وخرج صريخ القوم ‪ ،‬فجاءنا دَ هْ م‪ 96‬ال قِبل‬ ‫َّ‬
‫لنا‪ R‬به ‪ ،‬ومضينا‪ R‬بالنعم ‪ ،‬ومررنا‪ R‬بابن البرصاء وصاحبه ‪ ،‬فاحتملناهما‪ R‬معنا؟ قال ‪ :‬وأدركنا القوم‬
‫حتى قربوا منا‪ ،‬قال ‪ :‬فما بيننا وبينهم إال وادي قديد‪ ،‬فأرسل هللا الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك‪R‬‬
‫وتعالى‪ R،‬من غير سحابة نراها‪ R،‬وال مطر‪ ،‬فجاء بشيء ليس ألح ٍد به قوة‪ ،‬وال يقدر على أن‬
‫جيز إلينا‪ ،‬ونحن‬ ‫يجاوزه ‪ ،‬فوقفوا ينظرون إلينا‪ R،‬وإنا لنسوق َن َعمهم ‪ ،‬ما يستطيع منهم رجل أن ُي َ‬ ‫َ‬
‫رسول هللا صلى هللا‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫نحدوها سِ راعا‪ ،‬حتى فتناهم ‪ ،‬فلم يقدروا على طلبنا‪ .‬قال ‪ :‬فقدمنا بها على‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫شعار المسلمين في هذه الغزوة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني رجل من أسلم ‪ ،‬عن رجل منهم ‪:‬‬
‫أن شعار أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‪ R‬وسلم كان تلك الليلة‪ : R‬أمِتْ أَمِتْ ‪ .‬فقال راجز من‬
‫المسلمين وهو يحدوها‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫‪.‬الدهم ‪ :‬اجلماعة الكثرية‬
‫‪327‬‬
‫‪97‬‬ ‫في َخ ِ‬
‫ض ٍل نباتُه ُم ْغلَ ْوِل ِب‬ ‫أبي أبو القاسم أن تَ َع َّزبى‬

‫ص ْفر أعاليه ِ‬
‫كلون الم ْذ َهب‬ ‫ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويروى‪ " :‬كلون الذهب "‪.‬‬
‫تم خبر الغزاة‪ ،‬وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث ‪.‬‬

‫تعريف ببعض الغزوات ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة ّ‬


‫علي بن أبي طالب رضىاللّه عنه بني‬
‫السلَمى أرض بني ُسلَيم ‪ ،‬أصيب بها هو‬‫الع ْوجاء ُّ‬
‫عبد اهلل بن سعد من أهل فَ َدك وغزوة أبي َ‬
‫الغمرة وغزوة أبي َسلَمة بن عبد األسد قَطنا‪ ،‬ماء‬
‫صن َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وأصحابه جميعا؟ وغزوة ُعكاشة بن م ْح َ‬
‫من مياه بني أسد‪ ،‬من ناحية نجد‪ ،‬قتل بها مسعود بن عروة‪ ،‬وغزوة محمد بن َم ْسلَمة‪ ،‬أخى بني‬
‫حارثة‪ ،‬القَُرطاء‪ 98‬من َه َوازن ؟ وغزوة َبشير ابن سعد بني ُمرة بفَ َدك ‪ ،‬وغزوة بشير بن سعد‬
‫الجموم من أرض بني ُسلَيم ‪ ،‬وغزوة زيد بن حارثة ُجذام ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ناحية َخ ْيبر‪ ،‬وغزوة زيد بن حارثة‬
‫من أرض ُخ َش ْين ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬عن نفسه ‪ ،‬والشافعى عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق ‪ :‬من أرض‬
‫ِح ْس َمى ‪.‬‬
‫غزوة زيد بن حارثة إلى ُجذام ‪ :‬قال ُ‬
‫ابن إسحاق ‪ :‬وكان من حديثها كما حدثني من ال‬
‫الجذامي ‪ ،‬لما قدم على قومه من‬ ‫أتهم ‪ ،‬عن رجال من ُجذام كانوا علماء بها‪ ، ،‬أن رفاعة بن زيد ُ‬
‫عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى اإلسالم ‪ ،‬فاستجابوا له ‪ ،‬لم يلبث أن قَِدم‬
‫ِد ْحَية ابن خليفة الكلبى من عند قيصر صاحب الروم ‪ ،‬حين بعثه رسول اهلل‬

‫‪97‬‬
‫‪.‬تعزيب ‪ :‬تغيىب يف املرعى‪ .‬اخلضل ‪ :‬األخضر املبتل ‪ .‬املغلولب ‪ :‬الكثري‬
‫‪98‬‬
‫‪ .‬وهم بنو قرط وقريط ‪ .‬وقريط بنو أىب بكر بن كالب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫‪328‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم إليه ومعه تجارة له ‪ ،‬حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم يقال له‬
‫الضلَ ِعيَّان ‪،‬‬
‫َشنار‪ ،‬أغار على ِد ْحية بن خليفة الهَُن ْيد بن ُعوص ‪ ،‬وابنه ُعوص بن الهُنيد ُّ‬
‫ُّب ْيب ‪ ،‬رهط‬ ‫والضلَْيع ‪ :‬بطن من ُجذام ‪ ،‬فأصابا كل شىء كان معه ‪ ،‬فبلغ ذلك قوما من الضَ‬ ‫ُّ‬
‫رفاعة بن زيد‪ ،‬ممن كان أسلم وأجاب ‪ ،‬فنفروا إلى الهُنيد وابنه فيهم من بني الضبيب النعمان‬
‫بن أبي ِجعال ‪ ،‬حتى لقوهم ‪ ،‬فاقتتلوا‪ ،‬وانتمى يومئذ قَُّرة بن أشقر الضَّفاوي ثم ُّ‬
‫الضلَعى‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أنا ابن لُْبَنى‪ ،‬ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ‪ ،‬فأصاب ركبته ؟ فقال حين أصابه ‪ :‬خذها‬
‫الضَب ْينى قد صحب ِدحية بن‬ ‫َّ‬
‫وكانت له أم تدعى لُبنى‪ ،‬وقد كان حسان بن َملة ُ‬ ‫َ‬ ‫وأنا ابن لُْبنى‪،‬‬
‫خليفة قبل ذلك ‪ ،‬فعلَّمه َّأم الكتاب ‪.‬‬
‫وحيَّان بن ِملَّة ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬قُرة بن أشقر الضَّفاري َ‬
‫انتصار المسلين ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني من ال أتهم ‪،‬عن رجال من ُجذام ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فاستنقذوا ما كان في يد الهُنيد وابنه ‪ ،‬فردوه على ِد ْحية‪ ،‬حتى قدم على رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فأخبره خبره ‪ ،‬واستسقاه دم الهنيد وابنه ‪ ،‬فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فان‬
‫ط ُ‬ ‫ت َغ َ‬
‫إليهم زيد بن حارثة‪ ،‬وذلك الذي هاج غزوة زيد ُج َذام ‪ ،‬وبعث معه جيشاً‪ ،‬وقد َوجَّهَ ْ‬
‫المان وسعد بن ُه َذ ْيم‪ ، 99‬حين جاءهم رفاعة ابن زيد‪ ،‬بكتاب‬‫من ُجذام ووائل ومن كان من َس َ‬
‫ربة‪،‬‬
‫الر ْجالء‪ ،‬ورفاعة بن زيد ب ُكراع َ‬
‫الح َّرة؟ َح َّرة َّ‬
‫وسلم ‪ ،‬حتى نزلوا َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه ّ‬
‫الح َّرة‪ ،‬مما‬
‫ُّب ْيب بوادي َم َدان ‪ ،‬من ناحية َ‬
‫الضب ْيب ‪ ،‬وسائر بني الضَ‬
‫َ‬ ‫لم يعلم ومعه ناس من بني‬
‫الح َّرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسيل ُم َش َّرقاً‪ ،‬وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية األوالج ‪ ،‬فأغار بالماقص من قبل َ‬

‫‪99‬‬
‫قال السهيلى ‪ :‬وإمنا هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن احلاف بن قضاعة ‪.‬وإمنا نسب إىل هذمي ألن هذمياً‬
‫‪ .‬حضنه ‪ .‬وهو عبد حبشى‬
‫‪329‬‬

‫فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ‪ ،‬وقتلوا الهُنيد وابنه ورجلين من بني األجنف ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬من بني األحنف ‪.‬‬
‫سمعت بذلك بنو الضُّبيب‬
‫ْ‬ ‫الخصيب ‪ .‬فلما‬
‫قال ابن إسحاق في حديثه ‪ :‬ورجال من بني َ‬
‫لس َويد‬ ‫ِ َّ‬ ‫والجيش بفَْيفاء َم َد ٍ‬
‫ان ركب نفر منهم ‪ ،‬وكان فيمن ركب معهم َح ّسان بن ملة‪ ،‬على فرس ُ‬
‫العجاجة‪ ،‬وأنيف بن ِملَّة على ٍ‬
‫فرس لملة يقال لها‪ِ :‬رغال ‪ ،‬وأبو زيد بن عمرو‬ ‫بن زيد‪ ،‬يقال لها َ‬
‫على فرس يقال لها َش ِمر‪ ،‬فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش‪ ،‬قال أبو زيد وحسان ألنيف بن ِملَّة‬
‫‪ :‬كف عنا وانصرف ‪ ،‬فإنا نخشى لسانك ‪ ،‬فوقف عنهما‪ ،‬فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث‬
‫بيديها وتََوثَّب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ‪ ،‬فأرخى لها‪ ،‬حتى أدركهما‪ ،‬فقاال له ‪:‬‬
‫فتواص ْوا أن ال يتكلم منهم إال حسان‬
‫َ‬ ‫اليوم ‪،‬‬
‫تشأمنا َ‬
‫لسانك ‪ ،‬وال ْ‬
‫أما إذا فعلت ما فعلت ف ُكف عنا َ‬
‫بعضهم من بعض ‪ ،‬إذا أراد أحدهم أن يضرب‬ ‫ِ َّ‬
‫بن ملة‪ ،‬وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها ُ‬
‫القوم يبتدرونهم فقال لهم حسان‬
‫وري أو ثُوري ؟ فلما برزوا على الجيش‪ ،‬أقبل ُ‬ ‫‪ .‬بسيفه قال ‪ُ :‬ب ِ‬
‫‪ :‬إنا قوم مسلمون ‪ ،‬وكان أول من لقيهم رج ٌل على فرس ْأدهم‪ ، 100‬فأقبل يسوقهم فقال َأنيف ‪:‬‬
‫بوري ‪ ،‬فقال حسان ‪ :‬مهال‪ .‬فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان ‪ :‬إنا قوم مسلمون ‪ ،‬فقال‬
‫له زيد فاقرءوا أم الكتاب ‪ ،‬فقرأها حسان ‪ ،‬فقال زيد بن حارثة ‪ :‬نادوا في الجيش ‪ ،‬أن اهلل قد‬
‫حرم علينا ثُ ُغرة‪ 101‬القوم التي جاءوا منها إال من َختَر‪.102‬‬

‫‪100‬‬
‫أدهم ‪ :‬يقال فرس أدهم وبعري أدهم وناقة دمهاء اذا اشت ّدت ُو ْرقته حىت ذهب بياضه وأيضاً يقال شاة دمهاء خالصة‬
‫‪.‬احلمرة‬
‫‪101‬‬
‫‪ .‬الثغرة‪ :‬ما حيمونه من جانبهم‬
‫‪102‬‬
‫‪.‬خرت‪ :‬نقض العهد‬
‫‪330‬‬

‫قدوم جذام على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وإ ذا أخت ثم حسان‬
‫ُّب ْيب في األسارى‪ ،‬فقال له زيد‪ :‬خذها‪،‬‬ ‫ِ َّ‬
‫بن ملة‪ ،‬وهى امرأة أبي َو ْبر بن عدي بن أمية بن الضَ‬
‫الضلَعية ‪ :‬أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتِكم ؟ فقال أحد بني‬ ‫وأخذت بِح ْقويه‪ 103‬فقالت أم ِ‬
‫الف ْزر ُّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ص ْيب ‪:‬‬
‫الخ َ‬‫ُ‬
‫فس ِمعها بعض الجيش‪ ،‬فأخبر بها زيد بن‬ ‫سائر اليوم ‪َ ،‬‬
‫الضَبيب وسحر ألسنتهم َ‬ ‫إنها بنو ُ‬
‫حارثة‪ ،‬فأمر بأخت حسان ‪ ،‬ففُ َّكت يداها من ِح ْقو ْيه ‪ ،‬وقال لها‪ :‬اجلسي مع ِ‬
‫بنات عمك حتى‬ ‫َ‬
‫‪،‬فأم َس ْوا‬ ‫يحكم اهلل َّ‬
‫فيكن حكمه ‪ ،‬فرجعوا‪ ،‬ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم ا لذي جاءوا منه ْ‬
‫ركبوا إلى رفاعة بن زيد‪،‬‬ ‫لس َويد بن زيد‪ ،‬فلما شربوا َعتَ َمتَهم‬
‫‪105‬‬
‫ُ‬
‫‪104‬‬
‫في أهليهم ‪ ،‬واستعتموا َذ ْوداً‬
‫وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة‪ :‬أبو زيد بن عمرو‪ ،‬وأبو شماس بن عمرو‪،‬‬
‫وم َخ َّرمة‬
‫وب ْرذع بن زيد‪ ،‬وثعلبة بن زيد‪ُ ،‬‬ ‫وب ْع َجة بن زيد‪َ ،‬‬
‫وس َويد ابن زيد‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫وأنيف بن ِملَّة‪ ،‬وحسان بن ِملَّة‪ ،‬حتى صبحوا سحراً رفاعة ابن زيد ب ُكراع‬ ‫ابن عدي ‪ّ ،‬‬
‫الح َّرة‪ ،‬على بئر هنالك من َح َّرة لَْيلَى‪ ،‬فقال له حسان بن ِملَّة إنك لجالس تحلُب‬
‫َربَّة‪ ،‬بظهر َ‬
‫الم ْع َزى ونساء ُجذام أسارى قد غرها كتا ُبك الذي جئت به ‪ ،‬فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فجعل يشد عليه رحلَه وهو يقول ‪:‬‬
‫حى أو تنادي َحيَّا‬
‫هل أنت ٌّ‬
‫الح َّرة ‪.‬‬
‫الخصيبى المقتول ‪ ،‬مبكرين من ظهر َ‬ ‫ضفارة أخى َ‬ ‫ثم غدا وهم معه بأمية بن َ‬
‫ِ‬
‫المسجد‪ ،‬نظر إليهم‬ ‫ثالث ٍ‬
‫ليال ‪ .‬فلما دخلوا المدينةَ‪ ،‬وانتهوا إلى‬ ‫فساروا إلى َج ْوف المدينة َ‬
‫ِ‬
‫الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال‬ ‫رجل من‬

‫‪103‬‬
‫‪ .‬حقويه ‪ :‬خصريه‬
‫‪104‬‬
‫‪.‬استعتموا‪ :‬انتظروا إىل العتمة ‪ .‬الذود‪ :‬مجاعة اإلبل ما بني الثالثة إىل العشرة‬
‫‪105‬‬
‫‪ .‬عتمتهم ‪ :‬لبنهم الذي يشربونه يف العتمة‬
‫‪331‬‬

‫فلما دخلوا على رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫َّ‬


‫تُنيخوا إبلَكم فتُقَطع أيديهن ‪ ،‬فنزلوا عنهن وهن قيام ‪ّ ،‬‬
‫بن زيد‬ ‫ِ‬
‫عليه وسلم ورآهم أالح إليهم بيده ‪ :‬أن تعالُوا من وراء الناس ‪ ،‬فلما استفتح رفاعةُ ُ‬
‫‪106‬‬

‫المنطق ‪ ،‬قام رجل من الناس فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إن هؤالء قوم َس َحرة‪َّ ،‬‬
‫فرددها مرتين ‪ ،‬فقال‬
‫رفاعة بن زيد‪ :‬رحم اهلل من لم َي ْح ُذنا‪ 107‬في يومه هذا إال خيراً‪ .‬ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى‬
‫كتابه حديثا‬
‫دونك يا رسول اهلل قديما ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي كان كتبه له ‪ .‬فقال ‪َ :‬‬
‫وأعلن ‪ ،‬فلما قرأ كتابه استخبره‬
‫َغ ْدره ‪ .‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اقرأه يا غالم ‪ْ . ،‬‬
‫‪ ،‬فأخبروهم الخبر‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬كيف أصنع بالقتلى؟ ثالث مرات ‪.‬‬
‫فقال رفاعة ‪ :‬أنت يا رسول اهلل أعلم ‪ ،‬ال نحرم عليك حالال‪ ،‬وال نحلل لك حراما‪ ،‬فقال أبو زيد‬
‫بن عمرو‪ :‬أطلق لنا يا رسول اهلل من كان حيا‪ ،‬ومن قُتل فهو تحت قدمى هذه ‪ ،‬فقال له رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬صدق أبو زيد‪ ،‬اركب معهم يا على‪ ،‬فقال له رضى اهلل عنه ‪ :‬إن زيدا‬
‫يطيعنى يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪ :‬فخذ سيفى هذا‪ ،‬فأعطاه سيفَه ‪ ،‬فقال على ‪ :‬ليس لى يا رسول‬ ‫لن َ‬
‫اهلل راحلةٌ أركبها‪ ،‬فحملوه على بعير لثعلبة بن َعمرو‪ ،‬يقال له ِم ْكحال ‪ ،‬فخرجوا‪ ،‬فإذا رسو ٌل‬
‫الش ِمر‪ ،‬فأنزلوه عنها‪ ،‬فقال ‪ :‬يا على‪ ،‬ما‬
‫لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي و ْبر‪ ،‬يقال لها‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫شأنى؟ فقال ‪ :‬مالهم عرفوه فأخذوه ‪ ،‬ثم ساروا فلقوا الجيش بفَيفاء‪ 108‬الفَحلتين ‪ ،‬فأخذوا ما في‬
‫فرغوا من‬
‫الر ْحل ‪ ،‬فقال أبو جعال حين َ‬
‫أيديهم ‪ ،‬حتى كانوا ينزعون لَُب ْيد المرأة‪ 109‬من تحت َّ‬
‫شأنهم ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ .‬أالح ‪ :‬أشا ر‬
‫‪107‬‬
‫‪.‬مل حيذنا‪ :‬مل يعطنا‬
‫‪108‬‬
‫‪ .‬الفىء ‪ :‬اخلراج والغنيمة وهو باهلمز وال جيوز اإلبدال واإلدغام‬
‫‪109‬‬
‫‪ .‬لبيد‪ :‬ما يتلبد من شعر أو صوف ‪ ،‬ولبد الشيء مبعىن لصق‬
‫‪332‬‬

‫َّعير‬ ‫ولوال نحن ُح َّ‬ ‫اذلة ولم تَع ُذ ْل ِ‬


‫بط ٍّ‬ ‫وع ٍ‬
‫ش بها الس ُ‬ ‫ب‬
‫‪110‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يسير‬
‫ُ‬ ‫وال ُي ْر َجى لها ِعتْ ٌ‬
‫ق‬ ‫األسارى بابنتَْيها‬ ‫َ‬ ‫تُدافعُ في‬
‫‪111‬‬
‫األمور‬ ‫ق‬ ‫لحار بها عن ِ‬
‫العتْ ِ‬ ‫وص و ْأو ٍ‬
‫س‬ ‫لت إلى ُع ٍ‬ ‫ولو ُو ِك ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪112‬‬
‫المسير‬
‫ُ‬ ‫حاذرأن ُي َع َّل بها‬
‫تُ ُ‬ ‫ركائبنا بِ ْ‬
‫مضر‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ولو َش ِه َد ْ‬
‫‪113‬‬
‫ضرير‬ ‫َلر ْب ٍع إنه قََرب‬ ‫وردنا ماء يثرب عن ِح ٍ‬
‫فاظ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بور‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بكل ُم َج َّر ٍب كالسيد َن ْه ِد‬
‫ِّ‬
‫ص ُ‬ ‫على أقتاد ناجية َ‬
‫‪114‬‬

‫حور‬ ‫ِ‬
‫تناطحت ُّ‬ ‫ِف ًدى ألبي ُسلَْي َمى ُك ُّل ٍ‬
‫الن ُ‬ ‫بيثرب إذ‬
‫َ‬ ‫جيش‬
‫تدور‬ ‫خالف ِ‬
‫القوم هامتُه ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ُمستكيناً‬
‫المج َّر َ‬
‫غداةَ تَرى َ‬
‫ثم قال ابن هشام ‪ :‬قوله "وال يرجى لها عتق يسير" وقوله "عن ِ‬
‫العتق األمور" عن غير‬ ‫ُ َ‬
‫ابن إسحاق ‪.‬‬
‫تمت الغزاة‪ ،‬وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث ‪.‬‬
‫ط َرف ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطَّ َرف من ناحية‬
‫غزوة زيد‪ :‬ال َ‬
‫َن ْخل ‪ ،‬من طريق العراق ‪.‬‬
‫غزوة زيد بن حارثة‪ :‬في فََزارة‪ :‬وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القُرى ‪ :‬لقى به بني‬
‫ورد بن‬ ‫ناس من أصحابه ‪ ،‬وارتُ َّ‬
‫زيد من بين القتلى‪ ،‬وفيها أصيب َ‬ ‫ث‬ ‫فزارة‪ ،‬فأصيب بها ٌ‬
‫‪115‬‬

‫َعمرو بن َمداش ‪ ،‬وكان أحد بني سعد بن ُه َذيل ‪ ،‬أصابه أحد بني بدر‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬سعد بن ُه َذْيل ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ .‬بطب ‪:‬برفق‬
‫‪111‬‬
‫‪ .‬حار ‪ :‬ر جع‬
‫‪112‬‬
‫‪.‬يعل ‪ :‬يكرر‬
‫‪113‬‬
‫‪.‬الربع ‪ :‬ورود اإلبل املاء ألربعة أيام ‪ .‬القرب ‪ :‬السري‬
‫‪114‬‬
‫‪.‬السيد‪ :‬الذئب ‪ .‬النهد‪ :‬الغليظ ‪ .‬أمخاد‪ :‬أدوات الرحل ‪ .‬الناجية‪ :‬أي ناقة ناجية وهى الصبور‬
‫‪115‬‬
‫‪ .‬ارتث ‪ :‬محل جرحيا من املعركة وبه رمق‬
‫‪333‬‬

‫يغزو‬
‫رأسه ُغسل من جنابة حتى َ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما قدم زيد بن حارثة آلى أن ال يمس َ‬
‫بني فََزارة‪ ،‬فلما استبل من جراحته بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى بني فََزارة في‬
‫بن َح َكمة‬ ‫ِ‬
‫الي ْع ُمري َم ْس َعدة َ‬
‫المسحَّر َ‬
‫يس بن َ‬‫جيش ‪ ،‬ققتلهم بوادي القُرى‪ ،‬وأصاب فيهم ‪ ،‬وقتل قَ ُ‬
‫ت أم ِقرفة‪ 116‬فاطمة بنت ربيعة بن بدر كانت عجوزا كبيرة‬ ‫وأسر ْ‬
‫بن مالك ابن ُحذيفة بن بدر‪َ ،‬‬
‫وبنت لها‪ ،‬وعبداللّه بن َم ْس َعدة‪ ،‬فأمر زيد بن حارثة قيس بن‬
‫ٌ‬ ‫عند مالك بن ُحذيفة بن بدر‪،‬‬
‫المسحَّر أن يقتل َّأم قرفة‪ ،‬فقتلها قتال عنيفاً‪ ،‬ثم قدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بابنة‬
‫أم قرفة وبابن َم ْس َعده‪. 117‬‬
‫وكانت بنت أم قِرْفة‪ 118‬لسلَمة بن عمرو بن األكوع‪ ، 119‬كان هو‬

‫أم قرفة‪ :‬التي جرى فيها المثل ‪ " :‬أمنع من أم قرفة ‪ ،،‬ألنها كان يعلق في بيتها خمسون سيفاً‬
‫‪116‬‬

‫لفرسان كلهم لها ذو محرم ‪ ،‬واسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر كنيت بابنها قرفة ‪ .‬قتله النبي عليه‬
‫السالم فيما ذكر الواقدي ‪ .‬وذكر أن سائر بنيها‪ ،‬وهم كثير‪ ،‬قتلوا مع طليحة بن بزاخة في الردة وهم‬
‫حكمة وخرشة وجبلة وشريك وواالن ورمل وحصين الخ ‪ .‬وذكر أن أم قرفة قتلت يوم بزاخة أيضاً‪.‬‬
‫وذكر عن عبد اهلل بن جعفر أنه أنكر ذلك ‪ .‬وهو الصحيح كما في هذا الكتاب ‪ .‬وذكر الدوالبى أن زيد‬
‫بن حارثة حين قتلها ربطها بفرسين ‪ .‬ثم ركضا بها حتى ماتت ‪ ،‬وذلك لسبها رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫‪.‬مسعدة‪ :‬هو ابن حكمة بن حذيفة بن بدر‬
‫في مصنف أبى داود‪ .‬وخرجه مسلم أيضاً أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال لسلمة ‪ :‬هب لى‬ ‫‪118‬‬

‫المرأة يا سلمة‪ ،‬للّه أبوك ‪ .‬فقال ‪ :‬هي لك يا رسول اهلل ‪ ،‬ففدى بها أسيراً كان في قريش من المسلمين ‪،‬‬
‫وهذه الرواية أصح ‪ .‬وأحسن من رواية ابن إسحاق ‪ .‬فإنه ذكر أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وهبها لخاله بمكة؟ وهو حزن بن أبي وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم ‪ ،‬وفاطمة جدة النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أم أبيه هي بنت عمرو بن عائذ فهذه الخئولة التي ذكر‪ .‬وقُتل عبد الرحمن بن حزن‬
‫باليمامة شهيداً‪ .‬وحزن هذا هو جد سعيد بن المسيب بن حزن ‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫‪.‬هو سلمة بن األكوع ‪ .‬واسم األكوع ‪ :‬سنان ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو سلمة بن سالمة‪ 2‬بن وقش‪ ،‬قاله الزبري‬
‫‪334‬‬
‫الذي أصابها‪ ،‬وكانت في بيت شرف من قومها‪ ،‬كانت العرب تقول ‪ " :‬لو ِ‬
‫كنت أعز من‬
‫زد ِت "‪ .‬فسألها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سلمة‪ ،‬فوهبها له ‪ ،‬فأهداها لخاله‬
‫أم قرفة ما ْ‬
‫المسحَّرفى قتل َم ْسعدة‬
‫َح ْزن بن أبي وهب ‪ ،‬فولدت له عبد الرحمن ابن َح ْزن ‪ .‬فقال قيس ‪.‬بن َ‬
‫‪:‬‬
‫الحياة لثائِ ُر‬
‫‪120‬‬ ‫ِ‬ ‫وإ نى َبو ْر ٍد في‬ ‫أمه‬ ‫ت َبو ْر ٍد مث َل َس ْع ِى ِ‬
‫ابن ِّ‬ ‫َس َع ْي ُ‬
‫ط ٍل من ِ‬
‫آل َب ْد ٍر ُم َغ ِاو ِر‬ ‫على َب َ‬ ‫المه َر لما رأيتُه‬
‫كررت عليه ْ‬ ‫ُ‬
‫‪121‬‬
‫ِ‬
‫لناظر‬ ‫بم ْع َر ٍاة ُي َذ َّكى‬ ‫ِ‬
‫شهاب َ‬ ‫ضبِيًّا كأنه‬
‫ت فيه قَ ْع َ‬ ‫َّ‬
‫فرك ْب ُ‬
‫غزوة عبد اهلل بن رواحة لقتل اليسير بن ِرزام ‪ :‬وغزوة عبد اهلل ابن رواحة خيبر‬
‫مرتين ‪ :‬إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن ِرزام ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال بن َرازم ‪.‬‬
‫وكان من حديث اليسير بن ِرزام أنه كان بخيبر يجمع َغ َ‬
‫طفان لغزو رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فبعث إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عبد اهلل بن رواحة في نفر من أصحابه‬
‫انيس ‪ ،‬حليف بني َسِلمة فلما قدموا عليه كلموه ‪ ،‬وقربوا له ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬إنك‬
‫منهم عبد اهلل بن ْ‬
‫إن قدمت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم استعملك وأكرمك ‪ ،‬فلم يزالوا به ‪ ،‬حتى خرج‬
‫معهم في نفر من يهود‪ ،‬فحمله عبد اهلل بن أنيس ‪.‬على بعيره ‪ ،‬حتى إذا كان بالقَ ْرقرة‪ 122‬من‬
‫اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫خيبر‪ ،‬على ستة أميال ‪ ،‬ندم ُ‬
‫ففطن به عبد اهلل بن أنيس ‪ ،‬وهو يريد ‪ .‬السيف ‪ ،‬فاقتحم به ‪،‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ .‬الثائر‪ :‬اآلخذ بثأره‬
‫قعضبياً‪ :‬سناناً منسوباً إلى قعضب ‪ ،‬رجل كان يصنعها‪ .‬معراة ‪ :‬مكان ال يستره شىء ‪.‬‬ ‫‪121‬‬

‫يذكى‪:‬يشعل ‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫‪ .‬القرقرة ‪ :‬املكان املستوي‬
‫‪335‬‬
‫ثم ضربه بالسيف ‪ ،‬فقطع رجلَه ‪،‬وضربه اليسير ِ‬
‫بم ْخرش‪ 123‬في يده من َش ْو َحط‪، 124‬‬
‫ومال كل رجل من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على صاحبه من يهود‬ ‫‪125‬‬
‫فأمه‬
‫َّ‬
‫فقتله ‪ ،‬إال رجال واحدا أفلت على رجليه ‪ ،‬فلما قدم عبد اهلل بن أنيس على رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم تفل على َشجَّته ‪ ،‬فلم تَِقح ولم تُ ْؤذه ‪.‬‬
‫غزوة ابن عتيك خيبر‪ :‬وغزوة عبد اهلل بن عتيك خيبر‪ ،‬فأصاب بها أبا رافع بن أبي‬
‫الحقيق ‪.‬‬
‫سفيان بن ُن َب ْيح الهذلي ‪ :‬وغزوة عبد اهلل بن أنيس‬
‫غزوة عبد اهلل بن أنيس لقتل خالد بن ُ‬
‫خالد بن سفيان بن ُنَب ْيح ‪ ،‬بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه وهو َبَن ْخلة أو بِ ُع ْرنة‪ ،‬يجمع‬
‫لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الناس ليغزوه ‪ ،‬فقتله ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني محمد بن جعفر‬
‫بن الزبير‪ ،‬قال ‪ :‬قال عبد اهلل بن أنيس ‪ :‬دعانى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬إنه قد‬
‫بع ْرنة‪ ،‬فأته فاقتْله‬
‫ليغزونى‪ ،‬وهو َبن ْخلة‪ ،‬أو ُ‬
‫َ‬ ‫بلغنى أن ابن ُس ْفيان ابن ُنَبيح الهُ َذلى يجمع لي الناس‬
‫الشيطان ‪ ،‬وآية ما‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬انعته لى حتى أعرفه ‪ .‬قال ‪ :‬إنك إذا رأيته أ ْذ َكر َ‬
‫بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قَ ْشعريرة ‪.‬‬
‫يرتاد َّ‬
‫لهن منزال‪ ،‬وحيث‬ ‫‪126‬‬
‫قال ‪ :‬فخرجت متوشحا سيفى‪ ،‬حتى دفعت إليه وهو في ظُ ُع ٍن‬
‫كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من القشعريرة‪،‬‬
‫فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون‬

‫‪123‬‬
‫‪ .‬املخرش ‪ :‬عصا معقوفة‬
‫‪124‬‬
‫‪.‬الشوحط ‪ :‬نوع من الشجر‬
‫‪125‬‬
‫‪َّ .‬أمه ‪ :‬أصاب أم رأسه‬
‫‪126‬‬
‫‪ .‬الظعن ‪ :‬النساء يف اهلوادج‬
‫‪336‬‬

‫نحوه ‪، ،‬وأوميء برأسى‪ ،‬فلما‬ ‫ِ‬


‫بيني وبينه ُمجاولة تشغلنى عن الصالة‪ ،‬فصليت وأنا أمشي َ‬
‫ِ‬
‫وبجمعك لهذا الرجل ‪ ،‬فجاءك‬ ‫انتهيت إليه ‪ ،‬قال ‪َ :‬من الرجل ؟ قلت ‪ :‬رجل من العرب سمع بك‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالسيف‬ ‫أج ْل ‪ ،‬إني لفي ذلك ‪ .‬قال ‪ :‬فمشيت معه شيئا‪ ،‬حتى إذا أمكننى حملت عليه‬
‫لذلك ‪ .‬قال ‪َ :‬‬
‫دمت على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫ٍ‬
‫منكبات عليه قلما قَ ُ‬ ‫وتركت ظعائنه‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬فقتلته ‪ ،‬ثم خرجت ‪،‬‬
‫الوجه ؟ قلت ‪ :‬قد قتلتُه يا رسول اهلل ‪ .‬قال ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫وسلم فراني ‪ ،‬قال ‪ :‬أفلح ْ‬
‫الرسول يهدي عصا البن أنيس ‪ :‬ثم قام بى ‪ ،‬فأدخلني بيته ‪ ،‬فأعطانى عصا‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أمسك هذه العصا عندك يا عبد اهلل بن أنيس قال ‪ :‬فخرجت بها على الناس فقالوا‪ :‬ما هذه‬
‫العصا؟ قلت أعطانيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأمرنى أن أمسكها عندي ‪ .‬قالوا‪ :‬أفال‬
‫ترجع إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟ قال ‪ :‬فرجعت إلى رسول اهلل صلى‬
‫يوم‬
‫اهلل عليه وسلم ‪،‬فقلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬لم أعطيتنى هذه العصا؟ قال ‪ :‬آية بينى وبينك َ‬
‫المتخصِّرون‪ 127‬يومئذ‪ ،‬قال ‪ :‬فقرنها عبد اهلل بن أنيس بسيفه ‪ ،‬فلم تزل‬
‫َ‬ ‫القيامة‪ ،‬إن أقل الناس‬
‫معه حتى مات ‪ ،‬ثم أمر بها فضمت في كفنه ‪ ،‬ثم ُدفنا جميعا‪.‬‬
‫شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وقال عبد اهلل ابن أنيس في ذلك ‪:‬‬
‫ِ ‪128‬‬
‫نوائح تَ ْف ِري ُك َّل َج ْي ٍب ُمقَ َّدد‬
‫ُ‬ ‫كالح ِ‬
‫وار وحولَه‬ ‫تركت ابن ثَْو ٍر ُ‬‫ُ‬
‫ِ ‪129‬‬ ‫ِ‬
‫الحديد ُمهََّند‬ ‫بأبيض ِمن ِ‬
‫ماء‬ ‫َ‬ ‫تناولته والظَّ ْع ُن خلفى وخلفَه‬

‫‪127‬‬
‫‪.‬املتخصرون ‪ :‬املتكئون على املخاصر‪ ،‬واملخاصر‪ :‬مفردها خمصرة العصا‬
‫‪128‬‬
‫‪.‬احلوار‪ :‬ولد الناقة‪ .‬تفري ‪ :‬تقطع ‪ .‬القدد‪ :‬الشق طوال‬
‫‪129‬‬
‫‪.‬الظعن ‪ :‬اهلوادج ‪ ،‬فيها النساء‬
‫‪337‬‬
‫‪130‬‬
‫ضى من ُمْلهَ ٍب ُمتوقِِّد‬ ‫شهاب َغ ً‬
‫ُ‬ ‫عين كأنه‬
‫الدار َ‬
‫جوم ِ‬
‫لهام ِ‬ ‫َع ٍ‬
‫ِ ‪131‬‬
‫ابن أنيس فارساً غير قُ ْع ُدد‬
‫أنا ُ‬ ‫رأسه‬
‫والسيف َي ْع ُجم َ‬
‫ُ‬ ‫أقول له‬
‫ِ ‪132‬‬ ‫رحيب ِف ِ‬
‫غير ُم َزَّند‬‫الدار ُ‬ ‫ناء ِ‬ ‫ُ‬ ‫قدره‬
‫الدهر َ‬
‫نزل ُ‬ ‫ابن الذي لم ُي ِ‬
‫أنا ُ‬
‫ِ ‪133‬‬ ‫ٍ‬ ‫بضربة ٍ‬
‫ِ‬
‫النبى محمد‬ ‫دين ِّ‬‫حنيف على ِ‬ ‫ماجد‬ ‫قلت له خ ْذها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وباليد‬ ‫ِ‬
‫باللسان‬ ‫ت إليه‬
‫سب ْق ُ‬ ‫النبى بكافر‬
‫وكنت إذا َه َّم ُّ‬
‫ُ‬
‫تمت الغزاة‪ ،‬وعدنا إلى خبر البعوث ‪.‬‬
‫بعض غزوات أخر‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة زيد بن حارثة وجعفر ابن أبي طالب‬
‫وعبداللّه بن رواحة مؤتة من أرض الشام ‪ ،‬فأصيبوا بها جميعا‪ ،‬وغزوة كعب بن عم ْير ِ‬
‫الغفاري‬ ‫َُ‬
‫طالح ‪ ،‬إلى أرض الشام ‪ ،‬أصيب بها هو وأصحابه جميعا‪ ،‬وغزوة ُعيينة بن ِحصن بن‬ ‫ذات أ ْ‬
‫حذيفة ابن بدر بني العنبر من بني تميم ‪.‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫غزوة عيينة بن حصن بني تميم ‪ :‬وكان من حديثهم أن‬
‫وسَبى منهم أناسا‪ .‬فحدثني عاصم بن ُعمر بن‬
‫بعثه إليهم ‪ ،‬فأغار عليهم ‪ ،‬فأصاب منهم أناساً َ‬
‫قتادة ‪ :‬أن عائشة قالت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫يقدم االن ‪،‬‬
‫بني العنبر ُ‬
‫‪134‬‬
‫على رقبةً من ولد إسماعيل ‪ .‬قال ‪ :‬هذا َس ْبي‬
‫يا رسول اهلل إن َّ‬
‫فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ .‬عجوم ‪ :‬عضوض ‪ .‬الغضى ‪ :‬شجر سريع االلتهاب‬
‫‪131‬‬
‫‪ .‬يعجم ‪ :‬هنا جاء مبعىن يضرب ‪ .‬غري قعدد‪ :‬غري لئيم‬
‫‪132‬‬
‫‪ .‬املزند‪ :‬البخيل‬
‫‪133‬‬
‫‪ .‬ماجد‪ :‬اسم فاعل من اجملد وهو العز والشرف ورجل ماجد كرمي شريف‬
‫‪134‬‬
‫يب ‪ :‬هو الغالم ويقال له َم ْسىِب ّ واجلارية سبية ومسبية ومجعها سبايا مثل عطية وعطايا وقوم سىب وصف باملصدر‬
‫َس ّ‬
‫‪ .‬وقال األصمعى‪ 2‬ال يقال للقوم إال كذلك‬
‫‪338‬‬

‫بسبيِهم على رسول اهلل صلى اهلل‬


‫سبي وقتلى بني العنبر ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما قُدم ْ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ركب فيهم وفد من بني تميم ‪ ،‬حتى قَِدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫وو ْردان بن ُم ْح ِرز‪ ،‬وقَْيس بن عاصم‬
‫وس ْبرة بن عمرو والقَعقاع بن معبد‪َ ،‬‬
‫منهم ربيعة بن ُرفَيع ‪َ ،‬‬
‫‪ .،‬ومالك بن َعمرو‪ ،‬واألقرع ابن حابس ‪ ،‬و ِف َراس بن حابس فكلموا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وأفدى بعضا‪ ،‬وكان ممن قُتل يومئذ من بني العنبر‪ :‬عبد اهلل وأخوان‬ ‫وسلم فيهم ؟ فأعتق بعضاً‪َ ،‬‬
‫له ‪ ،‬بنو وهب ‪ ،‬وشداد بن ِف َراس ‪ ،‬وحنظلة بن َد ِارم ‪ ،‬وكان ممن ُسبى من نسائهم يومئذ‪ :‬أسماء‬
‫وع ْمرة بنت مطر‪.‬‬
‫وج َم ْيعة بنت قيس ‪َ ،‬‬
‫ون ْجوة بنت َن ْهد‪ُ ،‬‬
‫ي‪َ ،‬‬ ‫بنت مالك ‪ ،‬وكاس بنت ِأر ّ‬
‫شعر سلمى في ذلك ‪ :‬فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتَّاب ‪:‬‬
‫ودها‬
‫كئ ُ‬ ‫من َّ‬
‫الشِّر َم ْهواةً شديداً ُ‬
‫‪135‬‬
‫بن َج ْن َد ٍب‬
‫دي ُ‬ ‫لع ْم ِري لقد ْ‬
‫القت َع ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫األعداء من ِّ‬
‫ودها‬ ‫ِّب عنها ع ُّزها ُ‬
‫وج ُد ُ‬ ‫وغي َ‬ ‫جانب‬ ‫َّ‬
‫تكنفها‬
‫‪136‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شعر الفرزدق في ذلك ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وقال الفرزدق في ذلك ‪:‬‬
‫‪137‬‬
‫المجد ِ‬
‫حازم‬ ‫ِ‬ ‫بخطَّ ِة َس َّو ٍار إلى‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حابس‬ ‫ابن‬
‫وعند رسول اهلل قام ُ‬
‫َ‬
‫م َغلَّلَةً أعناقُها في َّ‬
‫الشكائم‬ ‫له أطلق األسرى التي في ِ‬
‫حباله‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ِ ِ ‪138‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المقَاسم‬
‫سهام َ‬
‫المفادي أو َ‬ ‫غالء ُ‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫أمهات الخالفين‬ ‫كفى‬
‫وهذه األبيات في قصيدة له وعدي بن َج ْن َدب من بني العنبر والعنبر ابن عمرو بن تميم‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫‪.‬املهواة ‪ :‬املكان املنخفض بني جبلني ‪ .‬الكئود‪ :‬الصعبة‬
‫‪136‬‬
‫‪ .‬اجلدود‪ :‬احلظوظ‬
‫‪137‬‬
‫‪ .‬اخلطة‪ :‬اخلصلة ‪ .‬السوار‪ :‬الوثاب‬
‫‪138‬‬
‫‪ .‬اخلالفني ‪ :‬املتخلفني‬
‫‪339‬‬

‫غزوة غالب بن عبد اهلل أرض بني مرة‪ :‬قال ُ‬


‫ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة غالب بن عبد اهلل‬
‫الح َرقة‪ ،‬من‬
‫الكلبي كلب ليث ‪ -‬أرض بني ُمرة‪ ،‬فأصاب بها مرداس بن َنهيك ‪ ،‬حليفا لهم من ُ‬
‫الح َرقة‪ ،‬فيما حدثني أبو‬
‫ُجهينة‪ ،‬قتله أسامة بن زيد‪ ،‬ورجل من األنصار‪ .‬قال ابن هشام ‪ُ :‬‬
‫عبيدة‪.139‬‬
‫أسامة بن زيد يقتال مرداس ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان من حديثه عن أسامة بن زيد‪ ،‬قال‬
‫أدركته أنا ورجل من األنصار فلما شهرنا عليه السالح ‪ ،‬قال أشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم‬
‫ننزع عنه حتى قتلناه ؟ فلما قَِد ْمنا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخبرناه خبره ؟ فقال ‪ :‬يا‬
‫تعوذا بها من القتل قال‬‫قلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إنه إنما قالها ُّ‬
‫أسامة‪ ،‬من لك بال إله إال اهلل ؟ قال ‪ُ :‬‬
‫على حتى لوددت أن ما مضى‬
‫‪ :‬فمن لك بها يا أسامة؟ قال ‪ :‬فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها َّ‬
‫كنت أسلمت يومئذ‪ ،‬وأنى لم أقتله ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أنظرني يا رسول‬
‫من إسالمى لم يكن ‪ ،‬وأنى ُ‬
‫اهلل ‪ ،‬إني أعاهد أن ال أقتل رجالً يقول ال إله إال اهلل أبداً‪ ،‬قال ‪ :‬تقول‬
‫بعدي يا أسامة قال ‪ :‬قلت ‪ :‬بعدك ‪.‬‬
‫من‬ ‫‪140‬‬
‫غزوة عمرو بن العاص ذات السالسل ‪ :‬وغزوة عمرو بن العاص ذات السالسل‬
‫أرض بني ُع ْذ َرة‪ .‬وكان من حديثه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى‬
‫الشام ‪ ،‬وذلك أن َّأم العاص بن وائل كانت‬

‫وقال ابن حبيب ‪ :‬حرقة بن ثعلبة ‪ .‬وحرقة بن مالك كالهما من بنى حبيب بن كعب ابن يشكر‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫وفي قضاعة ‪ :‬حرقة بن جذيمة بن نهد‪ .‬وفي تميم حرقة بن زيد بن مالك ابن حنظلة ‪ .‬وقال القاض أبو‬
‫الوليد‪ .‬هكذا وقعت هذه األسماء كلها بالقاف ‪ .‬وذكرها الدارقطنى كلها بالفاء (عن الروض األنف)‬
‫‪140‬‬
‫‪ .‬السالسل ‪ :‬مياه واحدها سلسل‬
‫‪340‬‬

‫امرأة من َبلى‪ ، 141‬فبعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ‪ ،‬حتى‬
‫إذا كان على ماء بأرض ُجذام يقال له السَّلسل ‪ ،‬وبذلك ُسميت تلك ؟ الغزوة غزوة ذات‬
‫السالسل ‪ ،‬فلما كان عليه خاف فبعث إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يستمده ‪ ،‬فبعث‬
‫األولين ‪ ،‬فيهم أبو‬
‫إليه رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين َّ‬
‫بكر وعمر؟ وقال ألبي عبيدة حين وجَّهه ‪ :‬ال تختلفا‪ ،‬فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ‪،‬‬
‫جئت مدداً لى؟ قال أبو عبيدة ‪ :‬ال‪ ،‬ولكنى على ما أنا عليه ‪ ،‬وأنت على‬
‫قال له عمرو إنما َ‬
‫ما أنت عليه ‪ ،‬وكان أبو ُعبيدة رجال لينا سهال‪ ،‬هينا عليه أمر الدنيا‪ ،‬فقال له عمرو‪ :‬بل‬
‫أنت َم َد ٌد لي ؟ فقال أبو عبيدة ‪ :‬يا عمرو‪ ،‬إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ .‬لى ‪:‬‬
‫فدونك‬
‫األمير عليك ‪ ،‬وأنت َم َد ٌد لي ‪ ،‬قال ‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫ال تختلفا‪ ،‬وإ نك إن عصيتى أطعتك ؟ قال فإني‬
‫‪ .‬فصلى َعمرو بالناس ‪.‬‬
‫وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع ‪ :‬قال ‪ :‬وكان من الحديث في هذه الغزاة‪ ،‬أن رافع بن‬
‫أبي رافع الطائى‪ ،‬وهو رافع بن ُع َميرة‪ ، 142‬كان يحدث فيما بلغنى عن نفسه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت امرأً‬
‫الماء في بيض‬
‫الرمل ‪ ،‬كنت أدفن َ‬ ‫وسميت سرجس ‪ ،‬فكنت َأد َّل الناس وأهداهم بهذا َّ‬‫نصرانياً‪ُ ،‬‬
‫لبت عليها‪ ،‬فلم‬
‫الرمل َغ ُ‬
‫َ‬ ‫النعام بنواحي الرمل في الجاهلية‪ ،‬ثم أغير على إبل الناس ‪ ،‬فإذا أدخلتها‬
‫أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ‪،‬‬ ‫يستطع أحد أن يطلبني فيه ‪ ،‬حتى َّ‬
‫فأشرب منه فلما‬

‫‪141‬‬
‫وذلك أن عمرو بن العاص كان األمري يومئذ‪ ،‬وكان عليه السالم أمره أن يسري إىل بلى‪ :‬وأن أم أبيه العاصى كانت‬
‫‪.‬من بلي ‪ ،‬وامسها‪ :‬سلمى‪ 2‬فيما ذكر الزبري‪ ،‬وأما أم عمرو‪ ،‬فهي لَيلى تلقب بالنابغة سبيت من بين جالن بن عنرتة بن ربيعة‬
‫‪142‬‬
‫ويقال فيه ‪ :‬ابن عمري‪ ،‬وهو الذي كلمه الذئب ‪ ،‬وله شعر مشهور يف تكليم الذئب له ‪ ،‬وكان الذئب قد أغار على‬
‫غنمه فاتبعه ‪ ،‬فقال له الذئب ‪ :‬اال أدلك على ما هو خري لك ‪ ،‬قد بُعث نيب اهلل ‪ ،‬وهو يدعو اىل اهلل ‪ ،‬فاحلق به ففعل ذلك‬
‫‪ ( ..‬السهيلي الروض األنف ج ‪ 4‬ص ‪) 252‬‬
‫‪341‬‬

‫خرجت في تلك الغزوة التي َبعث فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عمرو ابن‬
‫ُ‬ ‫أسلمت‬
‫ُ‬
‫العاص إلى ذات السالسل ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬واللّه ألختارن لنفسي صاحباً‪ ،‬قال ‪ :‬فصحبت أبا بكر‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فكنت معه في َر ْحله ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت عليه عباءة له فَ َدكية‪ ، 143‬فكان إذا نزلنا بسطها وإ ذا‬
‫ركبنا لبسها‪ ،‬ثم َّ‬
‫شكها عليه بخالل له‪ ، 144‬قال ‪ :‬وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتَ ُّدوا‬
‫كفاراً‪ :‬نحن نبايع ذا العباءة؟‬
‫قال ‪ :‬فلما دنونا من المدينة قافلين ‪،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬إنما صحبتُك لينفعنى اهلل بك ‪،‬‬
‫لفعلت ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فانصحني وعلمنى‪ ،‬قال ‪ :‬لو لم تسألني ذلك‬
‫تقيم الصالةَ‪ .،‬وأن تؤتى الزكاةَ‪،‬‬
‫تشرك به شيئاً‪ ،‬وأن َ‬
‫ْ‬ ‫توحد اهلل وال‬
‫َ‬ ‫قال ‪ :‬امرك أن‬
‫تتأمر على رجل من المسلمين‬ ‫َّ‬
‫وتحج هذا البيت ‪ ،‬وتغتسل من الجنابة‪ ،‬وال َّ‬ ‫رمضان ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وتصوم‬
‫َ‬
‫أبدا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلت يا أبا بكر‪ ،‬أما أنا واللّه فإنى أرجو أن ال أشرك باللّه أحدا أبدا‪ ،‬وأما الصالةُ فلن‬
‫أتركها أبدا إن شاء اهلل ‪ ،‬وأما الزكاة فإن يك لي مال ِّ‬
‫أؤدها إن شاء اهلل ‪ ،‬وأما رمضان فلن أتركه‬
‫أبداً إن شاء اهلل ‪ ،‬وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬وأما الجنابة فسأغتسل منها إن‬
‫شاء اهلل ‪.‬‬
‫وأما اإلمارة فإنى رأيت الناس يا أبا بكر ال َي ْش ُرفون عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فلم تنهانى عنها؟‬
‫إال بها‪َ ،‬‬

‫فدكية‪ :‬ربما يقصد هنا نسبة إلى المكان التي صنعت بها هذه العباءة وهو فدك ‪ .‬وفدك مما أفاء اهلل‬ ‫‪143‬‬

‫على جعلها النبي صلى‬


‫على رسوله صلى اهلل عليه وسلم وتنازعها علي والعباس في خالفة عمر فقال ّ‬
‫اهلل عليه وسلم لفاطمة وولدها وأنكره العباس فسلمها عمر لهما‪ .‬واهلل أعلم ‪ .‬وانظر شرح الحديث في‬
‫فتح الباري ‪ -‬بتحقيقنا‪ .‬ط ‪ -‬عالم الكتب ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫‪ .‬اخلالل ‪ :‬العود خيلل به الثوب ‪ ،‬وخللت الرداء خال من باب قتل ضممت طرفيه خبالل واجلمع أخلة‬
‫‪342‬‬

‫ألجهَد لك ‪ ،‬وسأخبرك عن ذلك ‪ :‬إن اهلل عز وجل بعث‬


‫استجهدتني ْ‬
‫ْ‬ ‫قال ‪ :‬إنك إنما‬
‫ط ْوعا وكرها‪ ،‬فلما‬
‫محمداً صلى اهلل عليه وسلم بهذا الدين ‪ ،‬فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه َ‬
‫فيتبعك اهلل في‬ ‫ِ‬
‫دخلوا فيه كانوا ُع َّوا َذ اهلل وجيرانه ‪ ،‬وفي ذمته فإياك ال تُ ْخفر اهلل في جيرانه َ‬
‫‪145‬‬

‫ُخفرته ‪ ،‬فإن‬
‫‪ ،‬أحدكم ُي ْخفَر في جاره ‪ ،‬فيظل ناتئاً عضله غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير‪،‬‬
‫فاللّه أشد غضباً لجاره ‪ .‬قال ‪ :‬ففارقته على ذلك ‪.‬‬
‫وأمر أبو بكر على الناس ‪ ،‬قال قَِدمت‬
‫قال ‪ :‬فلما قُبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ِّ ،‬‬
‫عليه ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ألم تك نهيتنى عن أن أتأمر على َر ُجلَين من المسلمين ؟ قال ‪ :‬بلى‪،‬‬
‫أمر الناس ؟ قال ‪ :‬ال أجد من‬ ‫فقلت له ‪ :‬فما حملكعلى أن تلي َ‬‫وأنا اآلن أنهاك عن ذلك ؟ قال ‪ُ :‬‬
‫ذلك ب ُّدا‪َ ،‬خ ِشيت على ِ‬
‫أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم الفُْرقة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قال ابن إسحاق أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه ُحدث عن عوف ابن مالك األ ْش َج ِعى‪ ،‬قال‬
‫الغزاة التي بعث فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َعمرو بن العاص إلى ذات‬
‫‪ :‬كنت في َ‬
‫السالسل ‪ ،‬قال ‪ :‬فصحبت أبا بكر وعمر‪ ،‬فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها‪ ،‬وهم ال‬
‫ضوها‪ ، 146‬وقال ‪ :‬وكنت امرءاً لبقا ِ‬
‫جازراً‪ ،‬قال فقلت ‪ :‬أتعطونى منها‬ ‫يقدرون على أن ُي ْع ُ‬
‫بينكم ؟ قالوا‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فأخذت الشفرتين ‪ ،‬فجزأتها مكانى‪،‬‬
‫عشيرا على أن أقسمها َ‬
‫‪147‬‬

‫وأخذت منها جزءاً‪ ،‬فحملته إلى أصحابي ‪ ،‬فاطَّبخناه فأكلناه ‪ .‬فقال لي أبو بكر وعمر رضى اهلل‬
‫عنهما‪ :‬إني لك هذا اللحم يا عوف ؟ قال ‪ :‬فأخبرتهما خبره ‪ .‬فقاال‪ :‬واللّه ما أحسنت حين‬
‫أطعمتنا‬

‫‪145‬‬
‫‪ .‬ال ختفر اهلل ‪ :‬ال تنقض عهده‬
‫‪146‬‬
‫‪.‬يعضوها‪ :‬يقتسموها أجزاء‬
‫‪147‬‬
‫‪.‬العشرب‪ :‬جزء من عشرة أجزاء‬
‫‪343‬‬

‫هذا‪ ،‬ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما قفل الناس من ذلك السفر‪ ،‬كنت‬
‫أول قادم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فجئته وهو يصلى في بيته ‪ ،‬قال فقلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫السالم عليك يا رسول اهلل ورحمة اهلل وبركاته ‪ ،‬قال ‪ :‬أعوف بن مالك ؟ قال ‪ :‬قلت نعم ‪ ،‬بأبى‬
‫أنت وأمى ‪ .‬قال أصاحب الجزور؟ ولم يزدنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على ذلك شيئاً‪.‬‬
‫شجعي ‪ :‬قال‬
‫األضبط األ ْ‬
‫إضم وقتل محلم بن جثامة عامر ابن ْ‬
‫غزوة ابن أبي حدرد بطن َ‬
‫ابن إسحاق ‪ :‬حدثني يزيد بن عبد اهلل ابن قُ َس ْيط ‪ ،‬عن القَ ْعقاع بن عبد اهلل بن أي َح ْدرد‪ ،‬عن أبيه‬
‫إضم في نفر من‬ ‫عبد اهلل ابن أبي َح ْدرد ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى َ‬
‫‪148‬‬

‫وم َحلِّم بن َجثَّامة بن قَْيس ‪ ،‬فخرجنا حتى إذا كنا‬ ‫ِ‬


‫المسلمين ‪ ،‬فيهم أبو قَتادة الحارث بن ِر ْبعى‪ُ ،‬‬
‫ب من‬ ‫طٌ‬
‫األضبط األشجعى‪ ،‬على قَعود له ومعه ُمتَيِّع‪ 149‬له ‪ ،‬وو ْ‬
‫ْ‬ ‫إضم ‪ ،‬مر بنا عامر بن‬ ‫ببطن َ‬
‫مر بنا سلم علينا بتحية اإلسالم ‪ ،‬فأمسكنا عنه ‪ ،‬وحمل عليه محلِّم بن َجثَّامة‪،‬‬ ‫لبن‪ ، 150‬قال ‪ :‬فلما َّ‬
‫ِّعه ‪ .‬قال ‪ :‬فلما قدمنا على رسول اهلل صلى‬ ‫فقتله لشىء كان بينه وبينه ‪ ،‬وأخذ بعيره ‪ ،‬وأخذ ُمتَي َ‬
‫يل اللَّ ِه فَتََبيَُّنوا َواَل‬
‫ضر ْبتُم ِفي سبِ ِ‬
‫َ‬ ‫آمُنوا ِإ َذا َ َ ْ‬ ‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫اهلل عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا‪َ :‬ياأَيُّهَا الذ َ‬
‫الد ْنَيا‪[.‬النساء‪ . . ]94 :‬إلى اخر‬ ‫ض اْل َحَي ِاة ُّ‬‫ون َعَر َ‬ ‫ت ُم ْؤ ِمًنا تَْبتَ ُغ َ‬ ‫تَقُولُوا ِل َم ْن أَْلقَى ِإلَْي ُك ْم َّ‬
‫الساَل َم لَ ْس َ‬
‫االية ‪.‬‬
‫السالم لست مؤمنا "‬
‫َ‬ ‫قال ابن هشام ‪ :‬قرأ أبو عمرو بن العالء‪ " :‬وال تقولوا لمن ألقى إليكم‬
‫لهذا الحديث‪. 151‬‬

‫‪148‬‬
‫‪.‬وامسه ‪ :‬سلمة بن عمري‪ ،‬وقيل ‪ :‬عبيدة بن عامر‬
‫‪149‬‬
‫‪ .‬املتيع ‪ :‬تصغري متاع‬
‫‪150‬‬
‫‪ .‬الرطب ‪ :‬وعاء اللنب‬
‫وخبر قتل محلم بن جثامة في غير رواية ابن إسحاق أن محلم بن جثامة مات بحمص في إمارة ابن‬ ‫‪151‬‬

‫الزبير وأما الذي نزلت فيه اآلية ‪ِ {:‬ل َم ْن أَْلقَى ِإلَْي ُك ْم َّ‬
‫الساَل م } [النساء‪ ]94 :‬واالختالف فيه شديد‪ ،‬فقد قيل‬
‫اسمه فليت وقيل وهو محلم كما قد تقدم ‪ ،‬وقيل نزلت في المقداد ابن عمرو‪ ،‬وقيل في أسامة‪ ،‬وقيل في‬
‫أبي الدرداء‪ ،‬واختلف أيضأ قي المقتول فقيل ‪ :‬مرداس بن نهيك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عامر األضبط واللّه أعلم كل‬
‫هذا مذكور في التفاسبر والمسندات ‪( .‬عن السهيلى‪ .‬الروض األنف من تحقيقنا ج ‪ 4‬ص ‪.) 253‬‬
‫‪344‬‬

‫من اختصم في دم ابن األضبط ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني محمد بن جعفر بن الزبير‪،‬‬
‫ض َم ْيرة بن سعد السُّلمى يحدث عن ُعروة بن الزبير عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت زياد بن ُ‬
‫وكانا شهدا ُحَنينا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬صلى بنا رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫بحنين ‪ ،‬فقام إليه األقرع بن حابس ‪،‬‬ ‫وسلم الظهر‪ ،‬ثم عمد إلى ظل شجرة‪ ،‬فجلس تحتها‪ ،‬وهو ُ‬
‫وعيينة بن ِحصن بن حذيفة بن بدر‪ ،‬يختصمان في عامر ابن األضبط األ ْش َجعى ‪ُ :‬عيينة يطلب‬
‫طفان ‪ ،‬واألقرع بن حابس يدفع عن ُمحلِّم بن َجثَّامة‪ ،‬لمكانه من‬
‫بدم عامر‪ ،‬وهو يومئذ رئيس َغ َ‬
‫ِخ ْندف ‪ ،‬فتداوال الخصومة عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ونحن نسمع ‪ ،‬فسمعنا عيينة بن‬
‫الح ْرقة مثل ما أذاق نسائى‪،‬‬
‫حصن وهو يقول ‪ :‬واللّه يا رسول اهلل ال أدعه حتى أذيق نساءه من ُ‬
‫ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا‬
‫رجعنا‪ ،‬وهو يأبى عليه ‪ ،‬إذ قام رجل من بني لَْيث ‪ ،‬يقال له ‪ُ :‬م َك ْيثر‪ ،‬قصير مجموع – قال ابن‬
‫إال كغنم‬ ‫‪152‬‬
‫مكيل فقال ‪ :‬واللّه يا رسول اهلل ما وجدت لهذا القتيل شبهاً في ُغَّرة اإلسالم‬
‫هشام ‪َ :‬‬
‫اليوم ‪ ،‬وغيِّر غداً قال ‪ :‬فرفع رسو ُل اهلل صلى اهلل‬
‫اسنن َ‬‫فرميت أوالها‪ ،‬فنفََرت أخراها‪ُ ،‬‬
‫وردت ُ‬
‫يده ‪ .‬فقال ‪:‬بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا‪ ،‬وخمسين إذا رجعنا‪ .‬قال فقبلوا‬
‫عليه وسلم َ‬
‫الدية ‪.‬‬
‫صاحبكم هذا‪ ،‬يستغفر له رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قال ‪ :‬ثم قالوا‪ :‬أين‬

‫‪152‬‬
‫‪ .‬غرة اإلسالم‪ : 2‬أوله‬
‫‪345‬‬

‫ض ْرب‪ 154‬طويل ‪ ،‬عليه ُحلة له ‪ ،‬قد كان تهيأ للقتل فيها‪ ،‬حتى جلس بين‬ ‫َ‬
‫‪153‬‬
‫ادم‬
‫فقام رجل ُ‬
‫اسمك ؟ قال ‪ :‬أنا محلِّم بن َجثَّامة‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما ُ‬ ‫َي َد ْ‬
‫فرفع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يده ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اللهم ال تغفر لمحلِّم بن َجثَّامة ثالثا‪ .‬فقام‬
‫دمعه بفضل ردائه ‪ .‬قال ‪ :‬فأما نحن فنقول فيما بيننا‪ :‬إنا لنرجو أن يكون رسول اهلل‬
‫وهو يتلقى َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قد استغفر له ‪ ،‬وأما ما ظهر من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهذا‪.‬‬

‫من دألئل نبوته صلى اهلل عليه وسلم قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني من ال أتهم عن الحسن‬
‫أم ْنتَهُ باللّه ثم قتلتَه‬
‫البصري ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين جلس بين يديه ‪َّ :‬‬
‫ثم قال له المقالة التي قال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فواللّه ما مكث ُمحلِّم بن َجثَّامة إال سبعاً حتى مات ‪ ،‬فلفظته ‪ -‬والذي نفس الحسن‬
‫بيده ‪ -‬األرض ‪ ،‬ثم عادوا له فلفظته األرض ‪ ،‬ثم عادوا فلفظته ‪ ،‬فلما ُغلب قومه عمدوا إلى‬
‫ص َّدين فسطحوه بينهما‪ ،‬ثم َر َ‬
‫ضموا عليه الحجارةَ حتى واروه ‪ .‬قال ‪ :‬فبلغ رسول اهلل صلى‬ ‫‪155‬‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫اهلل عليه وسلم شأنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬واللّه إن األرض لتطابق على من هو شر منه ‪ .‬ولكن اهلل أراد أن‬
‫يعظكم في ُح ْرم ما بينكنم بما أراكم منه ‪.‬‬
‫دية ابن األضبط ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬واخبرنا سالم أبو َّ‬
‫النضر أنه ُحدث ‪ :‬أن ُعيينة بن‬
‫صن وقيساً حين قال األقرع بن حابس وخال بهم ‪ :‬يا معشر قيس ‪ ،‬منعتم رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ِ‬
‫ح ْ‬
‫عليه وسلم قتيال يستصلح به الناس أفأمنتم أن يلعنكم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فيلعنكم‬
‫اهلل بلعنته ‪ ،‬أو أن يغضب عليكم فيغضب اهلل عليكم بغضبه ؟ واللّه الذي نفس األقرع بيده‬
‫لتُ ْسِل َّ‬
‫منه‬

‫‪153‬‬
‫‪.‬األدم ‪ :‬األمسر‬
‫‪154‬‬
‫‪ .‬ضرب ‪ :‬خفيف اللحم‬
‫‪155‬‬
‫‪ .‬صدين ‪ :‬جبلني‬
‫‪346‬‬

‫إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد‪ ،‬أو آلتين بخمسين رجال من‬
‫صاحبكم كافراً ما صلى قط ‪ ،‬فالطُلَّ َّن دمه‪ 156‬فلما سمعوا‬
‫ُ‬ ‫بني تميم يشهدون باهللّ كلهم ‪ ،‬لقُتِل‬
‫ذلك ‪ ،‬قبلوا الدية ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ُ :‬محلِّم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ‪ ،‬وهو ُمحلِّم بن َجثَّامة‬
‫بن قَْيس الليثى‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬ملجَّم ‪ ،‬فيما حدثناه زياد عنه ‪.‬‬
‫غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة ابن أبي‬
‫حدرد االًسلمي الغابة ‪.‬‬
‫ت امرأة من‬
‫تزوج ُ‬
‫ْ‬ ‫وكان من حديثها فيما بلغني ‪ ،‬عمن ال أتهم ‪ ،‬عن ابن أي َح ْدرد‪ ،‬قال ‪.‬‬
‫ِ‬
‫درهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فجئت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أستعينه على‬ ‫قومى؟ وأصدقتها مائتى‬
‫نكاحى فقال ‪ :‬وكم أصدقت ؟ فقلت ‪ :‬مائتى درهم يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪ :‬سبحان اهلل ‪ ،‬لو كنتم‬
‫تأخذون الدراهم من بطن ٍ‬
‫واد ما زدتم ‪ .‬واللّه ما عندي ما أعينك به ‪ .‬قال ‪ :‬فلبثت أياما‪،‬‬
‫وأقبل رجل من بني ُج َشم ‪ ،‬يقال له ‪ :‬رفاعة بن قَْيس ‪ ،‬أو قَْيس بن رفاعة‪ ،‬في عظيم من‬
‫بني ُج َشم ‪ ،‬حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة‪ ،‬يريد أن يجمع قيساً على حرب رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وكان ذا اسم في ُج َشم وشرف ‪ .‬قال ‪ :‬فدعاني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ورجلين معي من المسلمين ‪ ،‬فقال ‪ :‬اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر ِ‬
‫وعْلم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أحدنا‪ ،‬فواللّه ما قامت به ضعفا حتى‬ ‫َّ‬
‫وقدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليها َ‬
‫‪157‬‬

‫‪156‬‬
‫‪.‬أطل دمه ‪ :‬جعل دمه باطال فال يؤخذ بثأره وال تأخذ فيه الدية‬
‫الشارف ‪ :‬الناقة المسنة ‪ .‬عجفاء‪ :‬جمعها األعجف وعجاف على غير قياس ‪ ،‬وإ نما جمع على‬ ‫‪157‬‬

‫جحاف إما حمال على نقيضه وهو ِس َمان وإ ما حمال على نظيره وهو ضعاف َّ‬
‫ويعدى بالهمزة فيقال‬
‫عجفته عجفا ومعناها التعب والضعف ‪ .‬انظر المصباح المنير‪،‬‬
‫عدى بالحركة فقيل ّ‬
‫أعجفته وربما ّ‬
‫واألشباه والنظائر النحوية للسيوطي ‪ -‬بتحقيقنا‪.‬‬
‫‪347‬‬

‫َد َعمها الرجال من خلفها بأيديهم ‪ ،‬حتى استقلَّت وما كادت ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬تبلَّغوا عليها‬
‫واعتَِقُبوها‪.‬‬
‫سالحنا‬
‫ُ‬ ‫ما استعان به ابن أبي حدرد من هذه الغزوة في زواجه ‪ :‬قال ‪ :‬فخرجنا ِومعنا‬
‫شي ِشيةً‪ 158‬مع غروب الشمس ‪ .‬قال ‪:‬‬‫من الثَبل والسيوف ‪ ،‬حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر ُع ْ‬
‫فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ؟ وقلت لهما‪ :‬إذا‬
‫صاحبى‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫كمنت في ناحية‪ ،‬وأمرت‬‫ْ‬
‫فكبرا و ُشدا معى ‪ .‬قال ‪ :‬فواللّه إنا لكذلك ننتظر‬
‫وشد ْدت في ناحية العسكر َّ‬
‫سمعتمانى قد كبَّرت َ‬
‫ِغ َّرةَ‪ 159‬القوم ‪ ،‬أو أن نصيب منهم شيئا‪.‬‬
‫سرح في هذا البلد‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬وقد غشينا الليل حتى ذهبت فَ ْحمة ِ‬
‫العشاء‪ ،‬وقد كان لهم راع قد َّ‬
‫تخوفوا عليه ‪.‬‬
‫فأبطأ عليهم حتى َّ‬
‫قال ‪ :‬فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قَْيس ‪ ،‬فأخذ سيفه ‪ ،‬فجعله في عنقه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬واللّه‬
‫َّ‬
‫ألتبعن أثر راعينا هذا‪ ،‬ولقد أصابه شر‪ ،‬فقال له نفر ممن معه ‪ :‬واللّه ال تذهب نحن َن ْكفيك ؟ قال‬
‫‪ :‬واللّه ال يذهب إال أنا‪ ،‬قالوا‪ :‬فنحن معك ‪ ،‬قال ‪ :‬واللّه ال يتبعني أحد منكم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وخرج حتى يمر بى ‪ .‬قال ‪ :‬فلما أمكننى نفحته بسهمى‪ ،‬فوضعته في فؤاده ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َّرت ‪،‬‬
‫رأسه ‪ .‬قال ‪ :‬وشددت في ناحية العسكر‪ ،‬وكب ُ‬ ‫فاحتززت َ‬
‫ُ‬ ‫فواللّه ما تكلم ‪ ،‬ووثبت إليه ‪،‬‬
‫وشد صاحباي وكبَّرا‪ .‬قال ‪ :‬فواللّه ما كان إال النجاء ممن فيه ‪ ،‬عندك ‪ ،‬بكل ما قدروا عليه من‬
‫نسائهم وأبنائهم ‪ ،‬وما خف معهم من أموالهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واستقنا إبال عظيمة‪ ،‬وغنماً كثيرة‪ ،‬فجئنا بها إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪ .‬عشيشة‪ :‬تصغري عشية على غري قياس‬
‫‪159‬‬
‫‪ .‬ا لغر ة ‪ :‬الغفلة‬
‫‪348‬‬

‫قال ‪ :‬وجئت برأسه أحمله معى ‪ .‬قال ‪ :‬فأعاننى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من تلك‬
‫إلى أهلى ‪.‬‬
‫ت َّ‬‫فجمع ُ‬
‫ْ‬ ‫صداقي‬
‫اإلبل بثالثةَ ع َشر بعيراً في َ‬
‫غزوة عبد الرحمن بن عَوْف إلى دومة الجندل ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫وحدثني من ال أتهم عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت ‪ ،‬رجال من أهل‬
‫البصرة يسأل عبد اهلل بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬عن إرسال ‪ ،‬العمامة من خلف‬
‫الرجل إذا اعتَمَّ ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال عبد اهلل ‪ :‬سأخبرك إن‬
‫شاء اهلل عن ذلك بعلم ‪ .‬كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم في مسجده ‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعلى‪ ،‬وعبد الرحمن ابن عوف ‪ ،‬وابن مسعود‪،‬‬
‫الخ ْدري ‪ ،‬وأنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وح َذيفة بن اليمان ‪ ،‬وأبو سعيد ُ‬
‫ومعاذ بن جبل ‪ُ ،‬‬
‫وسلم ‪ ،‬إذ أقبل فتى من األنصار فسلَّم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ثم جلس ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬صلى اهلل عليك ‪ ،‬أي المؤمنين أفضل ؟ فقال ‪ :‬أحسنهم ُخلقا؟ قال ‪ :‬فأي المؤمنين‬
‫ا ْكَيس‪ 160‬؟ قال ‪ :‬أكثرهم ذكراً للموت ‪ ،‬وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به ‪ ،‬أولئك األكياس ‪،‬‬
‫ثم سكت الفتى‪ ،‬وأقبل علينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا معشر المهاجرين ‪ ،‬خمس‬
‫خصال إذا نزلن بكم ‪ -‬وأعوذ باللّه أن تُدركوهن ‪ -‬إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قَطّ حتى ُيعلنوا‬
‫بها‪ ،‬إال ظهر فيهم الطاعون واألوجاع ‪ ،‬التي لم تكن في أسالفهم الذين مضوا ولم ُينقصوا‬
‫وج ْور السلطان ولم َيمنعوا الزكاة من‬ ‫‪ِ 161‬‬
‫المكيال والميزان إال أخذوا بالسنين وشدة المؤنة َ‬‫َ‬
‫وعهد رسوله‬
‫َ‬ ‫عهد اهلل‬
‫طر من السماء‪ ،‬فلوال البهائم ما ُمطروا وما نقضوا َ‬
‫أموالهم إال ُمنعوا القَ ْ‬
‫إال‬

‫وه ْين واألول أصح‬


‫الكيس ‪ :‬الفطنة وقال ابن األعرابى العقل ويقال إنه مخفف من كيِّس مثل َهّين َ‬
‫‪160‬‬

‫ألنه مصدر من كاس كيسا من باب باع وأما المثقل فاسم فاعل والجمع اكياس ‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫‪ .‬بالسنني ‪ :‬باجلدب‬
‫‪349‬‬

‫ِ‬
‫بكتاب‬ ‫بعض ما كان في أيديهم ‪ ،‬وما لم يحكم أئمتهم‬ ‫ُسلط عليهم عدؤ من ِ‬
‫غيرهم ‪ ،‬فأخذ َ‬
‫بينهم ‪.‬‬
‫بأسهم َ‬
‫اهلل وتجبروا فيما أنزل اهلل إال جعل اهلل َ‬
‫إلباسه صلى اهلل عليه وسلم العمامة البن عوف ‪ :‬ثم أمر عبد الرحمن بن عوف ؟ أن‬
‫سوداء‪ ،‬فأدناه رسول اهلل‬ ‫‪162‬‬
‫يتجهز لسرية بعثه عليها‪ ،‬فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس‬
‫أربع أصابع أو نحواً من‬
‫صلى اهلل عليه وسلم منه ‪ ،‬ثم نقضها‪ ،‬ثم عممه بها‪ ،‬وأرسل ‪ .‬من خلفه َ‬
‫ذلك ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هكذا يابن عوف فاعتَ َّم ‪ ،‬فإنه أحسن وأعرف ‪ ،‬ثم أمر بالالً أن يدفع إليه اللواء‪.‬‬
‫فدفعه إليه ‪ ،‬فحمد اهلل تعالى‪ ،‬وصلى على نفسه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬خذه يابن عوف ‪ ،‬اغزوا جميعا في‬
‫سبيل اهلل ‪ ،‬فقاتلوا من كفر باللّه ‪ ،‬ال تغلوا‪ 163‬وال تغدروا‪ ،‬وال تُمثلوا‪ ،‬وال‪ ،‬تقتلوا وليداً‪ ،‬فهذا عهد‬
‫اهلل وسيرة نبيه فيكم ‪ .‬فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء‪.‬‬

‫قال ابن هشام ‪ :‬فخرج إلى دومة الجندل ‪.‬‬


‫غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر‪ :164‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُعبادة بن‬
‫الوليد بن عبادة بن س الصامت ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ُعبادة بن الصامت ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم َس ِريَّة إلى َس ْيف البحر‪ ،‬عليهم أبو ُعَب ْيدة بن الجراح ‪ ،‬وزودهم جراباً من‬
‫عداً‪ ،‬قال ‪ :‬ثم نفد ‪ ،‬التمر حتى كان‬ ‫تمر‪ ،165‬فجعل يقوتهم إياه ‪ ،‬حتى صار إلى أن َّ‬
‫يعده عليهم ّ‬
‫يعطى كل رجل منهم كل يوم تمرة ‪ .‬قال ‪ :‬فقسمها‬

‫‪162‬‬
‫‪ .‬الكرابيس ‪ :‬األقطان ‪ .‬واحده كربوس‬
‫‪163‬‬
‫‪ .‬ال تغلوا‪ :‬ال ختونوا يف املغنم‬
‫‪164‬‬
‫‪ .‬سيف البحر‪ :‬جانبه وساحله‬
‫‪165‬‬
‫‪.‬اجلراب ‪ :‬جريب الطعام أربعة أقفزة قاله األزهري‬
‫‪350‬‬

‫فقدها ذلك اليوم ‪.‬‬


‫يوما بيننا‪ .‬قال ‪ :‬فنقصت تمرة عن رجل ‪ ،‬فوجدنا َ‬
‫وودكها‪،166‬‬
‫قال ‪ :‬فلما جهدنا الجوع أخرج اهلل لنا دابةً من البحر‪ ،‬فأصبنا من لحمها َ‬
‫وأقمنا عليها عشرين ليلة‪ ،‬حتى سمنا وابتللنا‪ ،167‬وأخذ أميرنا ‪ِ .‬‬
‫ضْلعاً من أضالعها‪ ،‬فوضعها‬
‫على طريقه ‪ ،‬ثم أمر بأجسم بعير معنا‪ ،‬فحمل عليه أجسم رجل منا‪ ،‬قال ‪ :‬فجلس عليه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫رأسه ‪ .‬قال ‪ :‬فلما قدمنا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬‫فخرج من تحتها وما مست َ‬
‫أخبرناه خبرها‪ ،‬وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه ‪ ،‬فقال ِر ْزق رزقكموه اهلل ‪.‬‬

‫بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه ‪ :‬فال‬
‫من بعوث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسراياه‬ ‫‪168‬‬
‫ابن هشام ‪ :‬ومما لم يذكره ابن إسحاق‬
‫بعث َع ْمرو بن أمية الضمري ‪ ،‬بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فيما حدثني من أثق به‬
‫من أهل العلم بعد مقتل ُخَبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة‪ ،‬وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ‪،‬‬
‫وحبسا‬ ‫ِ‬
‫ص ْخر األنصاري ‪ ،‬فخرجا حتى قَدما مكة‪َ ،‬‬
‫وبعث معه َجبَّار بن َ‬

‫‪166‬‬
‫‪ .‬الودك ‪ :‬الشحم‬
‫‪167‬‬
‫‪.‬ابتللنا‪ :‬أخذنا الراحة‬
‫يقول السهيلى في الروض األنف ج ‪ 4‬ص ‪ ،253‬وذكر الشيخ الحافظ أبو بحر سفيان بن العاص‬ ‫‪168‬‬

‫رحمه اهلل في هذا الموضع قال ‪ :‬نقلت من حاشية نسخة من كتاب السير منسوبة بسماع أبى سعيد عبد‬
‫الرحيم بن عبداهلل بن عبد الرحيم وأخويه محمد وأحمد ابنى عبداهلل بن عبد الرحيم ما هذا نصه ‪:‬‬
‫وجدت بخط أخي قول ابن هشام ‪ :‬هذا مما لم يذكره ابن إسحاق هو غلط منه ‪ ،‬قد ذكره ابن إسحاق عن‬
‫جعفر بن عمرو بن أمية عن عمرو بن أمية فيا ح َذث أسد عن يحى بن زكرياء عن ابن إسحاق والقائل‬
‫في الحاشية وجدت بخط أخى هو أبو بكر بن عبد اهلل بن عبد الرحيم ‪ .‬وفي الكتاب المذكور قول أبي‬
‫بكر المذكور في غزوة الطائف بعد قوله ‪ :‬فولدت له داود ابن أبى مرة‪ .‬إلى هاهنا انتهى سماعى من‬
‫أخي ‪ ،‬وما بقى من هذا الكتاب سمعته من ابن هشام نفسه ‪.‬‬
‫‪351‬‬

‫ثم دخال مكة ليال؟ فقال جبار لعمرو‪ :‬لو أنا طفنا‬ ‫أجج‬ ‫جمليهما ِ‬
‫من شعاب َي َ‬ ‫بش ْعب‬
‫‪170‬‬ ‫‪169‬‬

‫بالبيت وصلينا ركعتين ؟ فقال َعمرو‪ :‬إن القوم إذا َّ‬


‫تعش ْوا جلسوا بأفنيتهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬كال‪ ،‬إن شاء‬
‫اهلل ‪ ،‬فقال َعمرو‪ :‬فطفنا بالبيت ‪ ،‬وصلينا‪ ،‬ثم خرجنا نريد أبا سفيان فواللّه إنا لنمشى بمكة‬

‫‪.‬ع ْمرو بن أمية! واللّه إن قَِدمها إال‬


‫إلي رجل من أهل مكة فعرفنى‪ ،‬فقال ‪َ :‬‬
‫إذ نظر َّ‬
‫جاء‪ ،‬فخرجنا ُّ‬
‫نشتد‪ ،‬حتى أصعدنا ‪ ،‬في جبل ‪ ،‬وخرجوا في طلبنا‪ ،‬حتى‬ ‫لشر‪،‬فقلت لصاحبي ‪َّ :‬‬
‫الن َ‬
‫إذا علونا الجبل يئسوا منا‪ ،‬فرجعنا‪ ،‬فدخلنا كهفا في الجبل ‪ ،‬فبتنا فيه ‪ ،‬وقد أخذنا حجارةً‬
‫فغ ِشَينا‬
‫ويخلي عليها ‪َ ،‬‬
‫‪171‬‬
‫غدا رجل من قريش يقود فرساً له ‪ُ ،‬‬ ‫دوننا فلما أصبحنا َ‬
‫ضمناها َ‬ ‫فر َ‬
‫َ‬
‫ونحن في الغار‪ .‬فقلت ‪ :‬إن رآنا صاح بنا‪ ،‬فأخذنا فقُتلنا‪.‬‬
‫ومعى خنجر قد أعددته ألبى سفيان ‪ ،‬فأخرج إليه ‪ ،‬فأضربه على ثَ ْديِه ضربةَ‪،‬‬‫ِ‬ ‫قال ‪:‬‬
‫وصاح صيحةً أسمع أه َل مكة‪ ،‬وأرجع فأدخل مكانى ‪ ،‬وجاءه الناس يشتدون وهو بآخر َر َمق‬
‫مكانه ‪ ،‬ولم َيدلُل على‬
‫فقالوا‪ :‬من ضربك ؟ فقال ‪َ :‬عمرو ابن أمية‪ ،‬وغلبه الموت ‪ ،‬فمات َ‬
‫جاء فخرجنا ليال من مكة نريد المدينةَ‪ ،‬فمررنا‬ ‫مكاننا‪ ،‬فاحتملوه فقلت لصاحبى‪ ،‬لما أمسينا‪َّ :‬‬
‫الن َ‬
‫بالحرس وهم يحرسون ِجيفة‪ 172‬خبيب بن َعدي ؟ فقال أحدهم ‪ :‬واللّه ما رأيت كالليلة أشبه‬
‫ِ‬
‫بم ْشية عمرو بن أمية‪ ،‬لوال أنه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية‪ ،‬قال ‪ :‬فلما حاذى الخشبةَ شد‬
‫شداً‪ ،‬وخرجوا وراءه ‪ ،‬حتى أتى ُج ْرفا‪ 173‬بمهبط َمسيل‬
‫عليها‪ ،‬فأخذها فاحتملها وخرجا ّ‬

‫‪169‬‬
‫‪ .‬الشعب ‪ :‬الطريق بني جبلني‬
‫‪170‬‬
‫‪.‬يأجج ‪ :‬جبل مبكة‬
‫‪171‬‬
‫‪ .‬خيلي ‪ :‬جيمع اخللى‪ .‬وهو ما ينبته الرببع‬
‫‪172‬‬
‫‪.‬اجليفة ‪ :‬امليتة مسيت بذلك لتغري ما يف جوفها‬
‫‪173‬‬
‫‪ .‬جرفا‪ :‬بضم الراء وبالسكون للتخفيف ما جرفته السيل وأكلته من األرض‬
‫‪352‬‬

‫الج ْرف ‪ ،‬فغيبه اهلل عنهم ‪ :‬فلم يقدروا عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقلت‬
‫يأجج ‪ ،‬فرمى بالخشبة في ُ‬
‫القوم‪ ، 174‬وكان‬
‫سأشغل عنك َ‬ ‫فتقعد عليه ‪ ،‬فإني‬ ‫بعيرك‬
‫تأتى َ‬
‫النجاء‪ ،‬حتى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫النجاء‬
‫َ‬ ‫لصاحبى ‪:‬‬
‫األنصاري ال ُر ْجلة له‪. 175‬‬
‫ض ْجنان ‪ ،‬ثم أولت إلى جبل ‪ ،‬فأدخل كهفاً‪ ،‬فبينا أنا فيه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ومضيت حتى أخرج على َ‬
‫علي شيخ من بني ِّ‬
‫الديل أعور‪ ،‬في ُغَنيمة له ‪ ،‬فقال ‪ :‬من الرجل ؟ فقلت ‪ :‬من بني بكر‪،‬‬ ‫إذ دخل َّ‬
‫فمن أنت ؟ قال ‪ :‬من بني بكر‪ .‬فقلت ‪ :‬مرحباً‪ ،‬فاضطجع ‪ ،‬ثم رفع عقيرته فقال ‪:‬‬
‫دان ِ‬
‫لدين المسلمينا‬ ‫وال ٍ‬ ‫حياً‬ ‫ٍ‬
‫بمسلم ما دمت ّ‬ ‫ولست‬
‫ُ‬
‫فقلت في نفسي ‪ :‬ستعلم ‪ ،‬فأمهلته ‪ ،‬حتى إذا نام أخذت قوسي‪ ،‬فجعلت ِسيتَها‪ 176‬في عينه‬
‫الع ْرج‪ ، 177‬ثم‬
‫جاء‪ ،‬حتى جئت َ‬ ‫الصحيحة‪ ،‬ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ‪ ،‬ثم خرجت َّ‬
‫الن َ‬
‫كوبة‪ ، 178‬حتى إذا هبطت َّ‬
‫النقيع‪ ، 179‬إذا رجالن من قريش من المشركين ‪ ،‬كانت قريش‬ ‫سلكت َر َ‬
‫أحدهما بسهم فأقتلُه ‪،‬‬
‫بعثتهما َع ْينأ إلى المدينة ينظران ويتحسسان ‪ ،‬فقلت ‪ :‬استأسا فأبيا‪ ،‬فأرمى َ‬
‫واستأسر االخر‪ ،‬فأوثقه رباطاً ؟ وقَِدمت به المدينة ‪.‬‬
‫سرية زيد بن حارثة إلى مدين ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬وسرية زيد ابن حارثة إلى َم ْدَين ‪ .‬ذكر‬
‫علي عليهم رضوان اهلل ‪ ،‬أن‬‫ذلك عبد اهلل بن حسن بن حسن ‪ ،‬عن أمه فاطمة بنت الحسين بن ٍّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪174‬‬
‫‪ .‬ويف مسند ابن أيب شيبة زيادة حسنة أهنما حني حاله من اخلشبة التقمته األرض‬
‫‪175‬‬
‫‪ .‬ال رجلة له ‪ :‬ضعيف املشى على رجليه‬
‫‪176‬‬
‫‪.‬سيتها‪ :‬طرفها‬
‫‪177‬‬
‫‪.‬العرج ‪ :‬واد باحلجاز‬
‫‪178‬‬
‫‪ .‬ركوبة ‪ :‬ثنية بني احلرمني‬
‫‪179‬‬
‫‪.‬النقيع ‪ :‬موضع ببالد مزينة‬
‫‪353‬‬

‫ض َم ْيرة مولى علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه‬ ‫زيد بن حارثة نحو َم ْدين ‪ ،‬ومعه ُ‬
‫بعث َ‬
‫‪ ،‬وأخ له ‪ .‬قالت ‪ :‬فأصاب سبياً من أهل ِميناء‪ ،‬وهى السواحل ‪ ،‬وفيها ُج َّماع من الناس فبيعوا‪،‬‬
‫ففُرق بينهم ‪ ،‬فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهم يبكون ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لهم ؟ فقيل ‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فُرق بينهم ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ال تبيعوهم إال جميعا‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬أراد األمهات واألوالد‪.‬‬
‫سرية سالم بن عمير لقتل أبي َعفَك ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وغزوة سالم بن ُعمير لقتل أبي‬
‫َعفَك ‪ ،‬أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني ُعبيدة‪ ،‬وكان قد نجم‪ 180‬نِفاقُه ‪ ،‬حين قَتل رسو ُل اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬الحارث ابن ُس َو ْيد بن صامت فقال ‪:‬‬
‫مجمعا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس داراً وال‬ ‫من‬ ‫عشت دهراً وما ِإ ْن أرى‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫فيهم إذا ما َد َعا‬
‫ُيعاقد ْ‬ ‫وأوفَى لمن‬
‫أبر عهوداً ْ‬‫َّ‬
‫ضعا‬ ‫َيهُ ُّد‬ ‫اوالد قَْيلَة في ِ‬
‫من ِ‬
‫الجبال ولم َي ْخ َ‬
‫َ‬ ‫جمعهم‬
‫‪181‬‬

‫‪182‬‬
‫رام ل َشتَّى َم َعا‬
‫َحال ٌل َح ٌ‬ ‫راكب جاءهم‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫فصدعهم‬
‫ِ‬
‫ِأو الملك تابعتم تُب َ‬
‫َّعا‬ ‫قتم‬
‫صد ُ‬‫بالعز َّ‬
‫فلوأن ِّ‬
‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من لي بهذا الخبيث ‪ ،‬فخرج سالم بن ُعمير‪ ،‬أخو‬
‫الم َز ْيرية في ذلك ‪:‬‬
‫بني َعمرو بن عوف ‪ ،‬وهو أحد البكائين فقتله ؟ فقالت أمامة ُ‬
‫ِ ‪183‬‬ ‫تُ ِّ‬
‫بئس ما ُي ْمنى‬
‫أمناك أن ْ‬ ‫الذي ْ‬ ‫مرو‬‫لع ُ‬
‫أحمدا َ‬
‫والمرء َ‬
‫َ‬ ‫دين اهلل‬
‫ب َ‬ ‫كذ ُ‬

‫‪180‬‬
‫‪ .‬جنم ‪:‬وضح‬
‫‪181‬‬
‫‪ .‬قيلة‪ :‬أم األوس واخلزرج‬
‫‪182‬‬
‫‪ .‬صدعهم ‪ :‬فرقهم‬
‫‪183‬‬
‫أتسلك‬
‫‪ .‬أمناك ‪َ :‬‬
‫‪354‬‬

‫بر ِّ‬
‫السن‬ ‫الليل طعنةً أبا َعفَ ٍك ُخ ْذها على ِك ِ‬
‫اخر ِ‬ ‫ِ‬
‫ك حنيف َ‬
‫حبا َ‬
‫غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان ‪ :‬وغزوة ُعمير بن عدي‬
‫طمي عصماء بنت مروان ‪ ،‬وهى من بني أمية بن زيد‪ ،‬فلما قُتل أبو َعفك نافقت ‪ ،‬فذكر عبد‬ ‫الخ ْ‬
‫َ‬
‫طمة‪ ،‬يقال‬
‫اهلل بن الحارث ابن الفضيل عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت تحت رجل من بني َخ ْ‬
‫له يزيد بن زيد‪ ،‬فقالت تعيب اإلسالم وأهله ‪:‬‬
‫الخزرج‬
‫ِ‬ ‫وباس ِت بني‬
‫وعوف ْ‬ ‫باست بني مالك والنبيت‬
‫‪184‬‬
‫فال من مراد وال َم ْذ ِح ِج‬ ‫أتاوي من ِ‬
‫غيركم‬ ‫َّ‬ ‫أطعتم‬
‫ضج‬‫الم ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫بعد ِ‬
‫كما ُيرتَ َجى مرق ُ‬ ‫الرءوس‬ ‫قتل‬ ‫ترجُّونه َ‬
‫‪185‬‬

‫فيقطع من ِ‬ ‫ف يبتغي ِغَّرةً‬ ‫أال أنِ ٌ‬


‫ِ ‪186‬‬
‫أمل المرتجي‬
‫قال ‪ :‬فأجابها حسان بن ثابت ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫الخزر ِج‬ ‫دون بني‬ ‫ٍ‬ ‫بنو ٍ‬
‫َ‬ ‫ط َمةُ َ‬‫وخ ْ‬‫َ‬ ‫واقف‬ ‫وائل وبنو‬
‫بعولَتِها والمنايا تَ ِجى‬
‫ْ‬ ‫ويحها‬
‫عت َسفَهاً َ‬
‫متى ما َد ْ‬

‫األتاوي ‪ :‬الغريب ‪ .‬مذحج ‪ :‬اسم أكمه باليمن ولدت غدها امرأة من حمير واسمها ُم ِدلَة ثم كانت‬ ‫‪184‬‬

‫زوجة َأدد فسميت المرأة باسمها ثم صار اسما للقبيلة‪ ،‬ومنهم قبيلة األنصار‪ ،‬وعلى هذا فال ينصرف‬
‫للتأنيث والعلمية‪ ،‬وقال الجوهرى مذحج اسم األب قال والميم عند سيبويه أصلية‪ ،‬وعلى هذا فهو‬
‫منصرف ‪ ،‬ولكن جعل الميم أصلية ضعيف لفقد فَ ْعِلل اال أن تفتح الحاء فهو لغة‪ ،‬وسيبويه ال يفتحها‬
‫وأيضا ففد قال ابن جنى‪ :‬ومرضع زيادة الميم أن تقع ّأوال وبعدها ثالثة أحرف أصول ويلزم زيادتها‬
‫والم ْفثل بالكسر موضع الفعل كالمصرف موضع‬
‫هنا ألنهم قالوا ذحجت المرأة بولدها تذحج اذا رمته َ‬
‫الصرف والمنزل موضع النزول ‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫املنضج ‪ :‬الذي طاب اكله واالسم النُّضج بضم النون وفتحها لغة والفاعل ناضج ونضيج وأنضجته بالطبخ فهو منضج‬
‫‪.‬ونضيج أيضا‬
‫‪186‬‬
‫‪.‬األنف ‪ :‬املرتفع ‪ .‬الغرة‪ :‬الغفلة‬
‫‪355‬‬

‫رج‬
‫والمخ ِ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫المداخل‬ ‫كريم‬
‫ُ‬ ‫ت فتى ماجداً ِع ْرقُه‬
‫فهََّز ْ‬
‫‪187‬‬
‫بعدالهُ ُد ِّو فلم َي ْح َر ِج‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الدماء‬ ‫نجيع‬
‫فضرجها من ِ‬ ‫َّ‬
‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين بلغه ذلك ‪ :‬أال آخذ لى من ابنة مروان ؟ فسمع‬
‫طمى‪ ،‬وهو عنده ؟ فلما أمسى‬
‫ذلك من قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُع َمير بن عدي الخ ْ‬
‫مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها‪ ،‬ثم أصبح ِ‬
‫علي شىء من‬
‫يا رسول اهلل ‪ ،‬إني قد قتلتها‪ .‬فقال ‪َ :‬نصرت اهلل ورسولَه يا ُعمير‪ ،‬فقال ‪. :‬هل َّ‬
‫شأنها يا رسول اهلل ؟ فقال ‪ :‬ال َي ْنتطح فيها عنزان‪. 188‬‬
‫في شأن بنت مروان ‪ ،‬ولها‬ ‫‪189‬‬
‫طمة يومئذ كثير َم ْوجهم‬
‫فرجع ُعمير إلى قومه ‪ ،‬وبنو َخ ْ‬
‫يومئذ بنون خمسة رجال ‪ ،‬فلما جاءهم ُعمير بن عدي من عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫طمة‪ ،‬أنا قتلت ابنة مروان ‪ ،‬فكيدونى جميعا ثم ال تُْن ِظ ِ‬
‫رون ‪ .‬فذلك اليوم أول ما‬ ‫قال ‪ :‬يا بني َخ ْ‬
‫طمة‪ ،‬وكان يستخفى بإسالمهم فيهم من أسلم ‪ ،‬وكان أول من أسلم من‬
‫اإلسالم في دار بني َخ ْ‬
‫ُ‬ ‫عز‬
‫وخزيمة بن ثابت ‪،‬‬
‫طمة ُع َمير بن عدي ‪ ،‬وهو الذي ُي ْد َعى القارئ ‪ ،‬وعبداللّه بن ْأوس ‪ُ ،‬‬
‫بني َخ ْ‬
‫وأسلم يوم قُتلت ابنة مروان ‪ ،‬رجال من بني خطمة‪ ،‬لما رأوا من عز اإلسالم ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ .‬اهلدو‪ :‬منتصف الليل ‪ ،‬أو بعد ساعة منه ‪ .‬حيرج ‪ :‬يأمث‬
‫وقال السهيلى ‪ :‬وكانت ‪ -‬عصماء بنت مروان ‪ -‬تسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقتلها‬ ‫‪188‬‬

‫بعلها على ذلك ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬اشهدرا أن دمها هدر‪ .‬قال الدارقطنى ‪ :‬من‬
‫هاهنا يقوم أصل التسجيل في الفقه ألنه قد أشهد على نفسه بإمضاء الحكم ‪ ،‬ووقع في مصنف حماد بن‬
‫سلمة أنها كانت يهودية ‪ .‬وكانت تطرح المحائض في مسجد بنى حطمة‪ ،‬فأهدر رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم دمها‪ ،‬وقال ‪ :‬ال ينتطح فيها عنزان ‪ .‬راجع للشريف الرضى ‪ :‬المجازات النبوية بتحقيقنا‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫‪ .‬موجهم ‪ :‬اختالطهم واختالقهم‬
‫‪356‬‬

‫أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإ سالمه ‪ :‬بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه‬
‫قال ‪ :‬خرجت خيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأخذت رجالً من بني حنيفة‪ ،‬ال يشعرون‬
‫من هو‪ ،‬حتى أتوا به رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن‬
‫إساره ‪ .‬ورجع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أهله ؟ فقال ‪ :‬اجمعوا‬ ‫أثال الحنفي ‪ ،‬أحسنوا َ‬
‫ويراح فجعل ال‬ ‫ما كان عندكم من طعام ‪ ،‬فابعثوا به إليه ‪ ،‬وأمر بل ْقحته أن ُي ْغ َدى عليه بها ُ‬
‫‪190‬‬

‫‪191‬‬
‫يقع من ثُمامة موقعا‪ ،‬ويأتيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقول أسلم يا ثُمامة‪ ،‬فيقول ‪ :‬إيها‬
‫فسل ما شئت ‪ ،‬فمكث ما شاء اهلل أن يمكث ‪.‬‬
‫الفداء ْ‬
‫َ‬ ‫يا محمد‪ ،‬إن تَقتل تقتل ذا دم ‪ ،‬وإ ن تَرد‬

‫ثم قال النبى صلى اهلل عليه وسلم يوما‪ :‬أطلقوا ثمامة‪ ،‬فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ‪،‬‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم على اإلسالم ؟‬
‫فتطهَّر فأحسن طُهوره ‪ .‬ثم أقبل فبايع َّ‬
‫فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ‪ ،‬فلم ينل منه إال قليال‪ ،‬وبالل ْقحة فلم ُيصب‬
‫من حالبها إال يسيرا‪ ،‬فعجب المسلمون من ذلك ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين بلغه‬
‫أول النهار في ِمعى كافر‪ ،‬واكل اخر النهار في ِمعى م ٍ‬
‫سلم !‬ ‫ذلك ‪ِ :‬م َّم تعجبون ؟ أمن رجل اكل َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء‪ ،‬وإ ن ‪،‬المسلم يأكل في ِم ًعى واحد‪.192‬‬

‫‪190‬‬
‫‪ .‬اللقحة‪ :‬الناقة اليت هلا لنب‬
‫‪191‬‬
‫‪ .‬إ يها ‪ :‬حسبك‬
‫وقد خرج أهل الحديث حديث إسالمه ‪ ،‬وفيه قال للنبى صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إن تقتل تقتل ذا دم ‪،‬‬ ‫‪192‬‬

‫ط ْه ‪ ،‬فقال عليه السالم ‪ :‬اللهم أكلة من جزور أحب إلى من‬


‫المال تُع َ‬
‫علي شاكراً‪ ،‬وإ ن تَر َذ َ‬
‫وإ ن تنعم تنعم ً‬
‫دم ثمامة‪ ،‬فأطلقه ‪ ،‬فتطهر وأسلم ‪ ،‬وحسن إسالمه ‪ ،‬ونفع اهلل به اإلسالم كثيراً‪ ،‬وقام بعد وفاة رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مقاماً حميداً حين ارتدت اليمامة مع مسيلمة‪ ،‬وذلك أنه قام فيهم خطيباً‪ ،‬وقال ‪ :‬يا‬
‫يز اْل َعِل ِيم*‬
‫اب ِم ْن اللَّ ِه اْل َع ِز ِ‬
‫نزي ُل اْل ِكتَ ِ‬
‫بنى حنيفة أين غربت عقولكم ‪ .‬بسم اهلل الرحمن الرحيم { حم* تَ ِ‬
‫اب } [غافر‪1 :‬ـ‪ ]3‬أين هذا من يا ضفدع نقى كما تنقين ال الشراب‬ ‫الذ ْن ِب وقَابِ ِل التَّو ِب َش ِد ِيد اْل ِعقَ ِ‬
‫َغ ِاف ِر َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تكدرين ‪ ،‬وال الماء تمنعين مما كان يهذي به مسيلمة‪ ،‬فأطاعه منهم ثالثة االف ‪ ،‬وانحازوا إلى‬
‫المسلمين ‪ ،‬ففت ذلك في أعضاد بنى حنيفة‪ .‬وذكر ابن إسحاق أنه الذي قال فيه النبى صلى اهلل عليه‬
‫وسلم " المؤمن يأكل في ِم ًعى واحد "الحديث ‪ ،‬وقال ‪ :‬أبو عبيد هو أبو بصرة الغفاري ‪ ،‬وفي مسند ابن‬
‫أبي شيبة أنه جهجاه بن مسعود الغفاري ‪ ،‬وفى الدالئل أنه اسمه نضلة‪ ،‬وقد أملينا في معنى قوله ‪ :‬يأكل‬
‫في سبعة أمعاء نحواً من كراسة رددنا فيه قول من قال ‪ :‬إنه مخصوص برجل واحد‪ ،‬وبينا معنى األكل‬
‫والسبعة األمعاء‪ ،‬وأن الحديث ورد على سبب خاص ‪ ،‬ولكن معناه عام ‪ ،‬وأتينا في ذلك بما فيه شفاء‬
‫والحمدهلل ‪ ،‬وقوله في رواية البخاري ‪ " :‬ذا دم " رواه أبو داود‪ :‬ذا ذم بالذال المعجمة ‪ .‬عن السهيلي في‬
‫‪357‬‬

‫قال أبن هشام ‪ :‬فبلغنى أنه خرج معتمرا‪ ،‬حتى إذا كان لبطن مكة لبى‪ ،‬فكان أول من دخل‬
‫اخترت علينا‪ ،‬فلما قدموه ليضربوا عنقه ‪ ،‬قال قائل منهم‬
‫َ‬ ‫مكة يلبي ‪ ،‬فأخذته قريش ‪ ،‬فقالوا‪ :‬لقد‬
‫‪ :‬دعوه فانكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ‪ ،‬فخلوه ‪ ،‬فقال الحنفى في ذلك ‪:‬‬
‫الح ُرِم‬ ‫ِ‬
‫األشهر ُ‬ ‫سفيان في‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫برغم أبي‬ ‫ومنا الذي لبَّى بمكةَ ُم ْعِلناً‬
‫وحدثت أنه قال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حين أسلم ‪ :‬لقد كان وجهك أبغض‬ ‫ُ‬
‫إلى ‪ .‬وقال في الدين والبالد مثل ذلك ‪.‬‬ ‫إلى‪ ،‬ولقد أصبح وهو ُّ‬
‫أحب الوجوه َّ‬ ‫الوجوه َّ‬
‫ثم خرج معتمراً‪ ،‬فلما قدم مكة‪ ،‬قالوا‪ :‬أصبوت يا ثُمام ؟ فقال ‪ :‬ال‪ ،‬ولكنى اتبعت خير‬
‫يأذن فيها رسول اهلل صلى اهلل‬
‫الدين ‪ ،‬دين محمد‪ ،‬وال واللّه ال تصل إليكم حبة من اليمامة حتى َ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬ثم خرج إلى اليمامة‪ ،‬فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا‪ ،‬فكتبوا إلى رسول اهلل صلى‬
‫أرحامنا‪ ،‬وقد قتلت االباء بالسيف ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ :‬إنك تأمر بصلة الرحم ‪ ،‬وإ نك قد قطعت‬
‫واألبناء بالجوع ‪ ،‬فكتب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه أن يخلِّ َى بينهم وبين َ‬
‫الح ْمل ‪.‬‬

‫الروض األنف من تحقيقنا‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،253‬وانظر ما في هذا الحديث من البالغة‪ ،‬في كتاب المجازات‬
‫النبوية بتحقيقنا‪ .‬ط مصطفى الحلبى ‪ .‬وانظر شرحه أيضاً في فتح الباري بتحقيقنا ط عالم الكتب ‪.‬‬
‫‪358‬‬

‫مج ّزز‪ .‬لما‬‫سرية علقمة بن مجزز‪ :‬وبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َعْلقمة بن ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫َ‬ ‫المدلجى يوم ذي قََرد‪ ،‬سأل علقمةُ بن مجزز‬
‫قُتل وقاص بن مجزز ْ‬
‫اثار ِ‬
‫القوم ‪ ،‬ليدرك ثأره فيهم ‪ .‬فذكر عبد العزيز بن محمد‪ ،‬عن محمد بن‬ ‫وسلم أن يبعثه في ِ‬
‫الخ ْدري ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث رسول‬
‫عمرو بن علقمة‪ ،‬عن عمرو بن الحكم بن ثَْوبان ‪ ،‬عن أبي سعيد ُ‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم علقمة م بن ُمجزز ‪ -‬قال أبو سعيد الخدري ‪ :‬وأنا فيهم ‪ -‬حتى إذا‬
‫رأس َغزاتنا أو كنا ببعض الطريق ‪ ،‬أذن لطائفة من الجيش‪ ،‬واستعمل عليهم عبد اهلل بن‬
‫بلغنا َ‬
‫َّهمى‪ ،‬وكان من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكانت فيه ُدعابة‪ ،‬فلما‬
‫ُحذافة الس ْ‬
‫كان ببعض الطريق أوقد ناراً‪ ،‬ثم قال للقوم ‪ :‬أليس لى عليكم السمعُ والطاعةُ؟ قالوا‪ :‬بلَى‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أفما أنا امركم بشيء إال فعلتموه ؟ قالوا‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتى إال‬
‫تواثبتم في هذه النار قال ‪ :‬فقام بعض القوم يحتجز‪ 193‬حتى ظن أنهم واثبون فيها‪ ،‬فقال لهم ‪:‬‬
‫كنت أضحك معكم ‪ ،‬ف ُذكر ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد أنقَِدموا عليه ‪،‬‬
‫اجلسوا‪،‬فإنما ُ‬
‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من أمركم بمعصية منهم فال تطيعوه ‪.‬‬
‫وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيداً‪.‬‬
‫سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يساراً‪ :‬حدثني ُ‬
‫بعض أهل العلم ‪ ،‬عمن‬
‫حدثه ‪ ،‬عن محمد بن طلحة‪ ،‬عن عثمان بن عبد الرحمن ‪ ،‬قال ‪ :‬أصاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة عبداً يقال له يسار‪ ،‬فجعله رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم في لقاح له كانت‬

‫‪193‬‬
‫‪ .‬حيتجز‪ :‬يشد ثوبه على خصره‬
‫‪359‬‬

‫ترعى في ناحية الجماء‪ ،‬فقَِدم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نفر من قيس ُكبَّة من‬
‫ط ِحلوا‪ ،194‬فقال فهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬لو خرجتم إلى اللقاح‬
‫َبجيلة‪ ،‬فاستوبئوا‪ ،‬و َ‬
‫دوا على راعي‬
‫فشربتم من ألبانها وأبوالها‪ ،‬فخرجوا إليها‪ .‬؟ فلما صحُّوا وانطوت بطونهم ‪َ ،‬ع ْ‬
‫الشوك في عينيه ‪ ،‬واستاقوا اللقاح ‪،‬‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يسار‪ ،‬فذبحوه وغرزوا‬
‫رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫فبعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في اثارهم ُك ْرز بن جابر‪ ،‬فلحقهم ‪ ،‬فأتى بهم‬
‫مل أعينهم ‪.‬‬
‫وس َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم َم ْر ِج َعه من غزوة ذي قََرد‪ ،‬فقطع َ‬
‫أيديهم وأرجلَهم ‪َ ،‬‬

‫غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن ‪ :‬وغزوة علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه إلى‬
‫اليمن ‪ ،‬غزاها مرتين ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬قال أبو عمرو المدنى ‪ :‬بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على ابن أبي‬
‫طالب إلى اليمن ‪ ،‬وبعث خالد بن الوليد في جند اخر‪ ،‬وقال ‪ :‬إن التقَْيتُما فاألمير علي بن أبي‬
‫طالب ‪.‬‬
‫بعث خالد بن الوليد في حديثه ‪ ،‬ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا‬
‫وقد ذكر ابن إسحاق ْ‬
‫فينبغى أن تكون العدة في قوله تسعةً وثالثين ‪.‬‬
‫سطين وهو آخر البعوث ‪ :‬فال ابن إسحاق ‪ :‬وبعث‬
‫بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلَ ْ‬
‫الخيل‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ‪ ،‬وأمره أن ُيوطىء‬
‫تُخوم البلقاء‪ ،‬والداروم ‪ ،‬من أرض ِفلَ ْسطين ‪ ،‬فتجهز الناس ‪ ،‬وأوعب مع أسامةَ المهاجرون‬
‫األولون ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬وهو اخر بعث بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪ .‬استوبئوا‪ :‬أصيبوا باألوبئة ‪ .‬طلحوا‪ :‬أصيبوا بداء الطحال‬
‫‪360‬‬

‫ابتداء شكوى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬


‫ابتُدئ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪195‬‬
‫فبيَنا الناس على ذلك‬
‫قال ابن إسحاق ‪ْ :‬‬
‫بشكواه الذي قبضه اهلل فيه ‪ ،‬إلى ما أراد به من كرامته ورحمته ‪ ،‬في ٍ‬
‫ليال بقين من‬
‫صفر‪ ،‬أو في أول شهر ربيع األول ‪ ،‬فكان أول ما ابتُدئ به من ذلك ‪ ،‬فيما ُذكر لى‪ ،‬أنه خرج‬
‫الغ ْرقَد‪ ،‬من جوف الليل ‪ ،‬فاستغفر لهم ‪ ،‬ثم رجع إلى أهله ‪ ،‬فلما أصبح ابتُدئ بوجعه‬
‫إلى بقيع َ‬
‫من يومه ذلك ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد اهلل بن عمر‪ ،‬عن ُعبيد بن ُجَبير‪ ،‬مولى الحكم بن أبي‬
‫العاص ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ ،‬عن أبي ُم َو ْيهبة‪ ،‬مولى رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من َج ْوف الليل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا ُم َو ْيهبة‪ ،‬إني‬
‫فانطلق معى‪ ،‬فانطلقت معه ‪ ،‬فلما وقف بين ِ‬
‫أظهرهم ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫قد أمرت أن أستغفر ألهل هذا البقيع ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬السالم عليكم يا أهل المقابر‪ ،‬ليهنىء لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ‪ ،‬أقبلت‬
‫على‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫آخرها أولَها‪ ،‬اآلخرةُ َشٌّر من األولى‪ ،‬ثم أقبل َّ‬ ‫الفتن ِ‬
‫طع الليل المظلم ‪ ،‬يتبع ُ‬
‫كق َ‬
‫ُم َو ْيهبة‪ ،‬إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها‪ ،‬ثم الجنة‪ ،‬فخيُّرت بين ذلك وبين لقاء‬
‫والخلد فيها‪ ،‬ثم الجنة‪ ،‬قال‬
‫ربي والجنة قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬بأبى أنت وأمي ‪ ،‬فخذ مفاتيح خزائن الدنيا ُ‬
‫‪ :‬ال واللّه يا أبا ُم َو ْيهبة‪ ،‬لقد اخترت لقاء ربى والجنةَ‪ ،‬ثم استغفر ألهل البقيع ‪ ،‬ثم انصرف ‪ ،‬فبدأ‬
‫برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وجعه الذي قبضه اهلل فيه ‪.‬‬
‫تمريضه في بيت عائشة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يعقوب بن ُعتبة‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن ُعبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة‬
‫ُم ْسلم ّ‬

‫‪195‬‬
‫‪.‬أي على االستعداد‪ 2‬لالنضمام إىل جيش أسامة‬
‫‪361‬‬

‫ابن مسعود‪ ،‬عن عائشة زوج النبى صلى اهلل عليه وسلم قالت ‪ :‬رجع رسو ُل اهلل صلى اهلل‬
‫أساه ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل أنا‬
‫وار َ‬
‫صداعاً في رأسي ‪ ،‬وأنا أقول ‪َ :‬‬
‫عليه وسلم من البقيع ‪ ،‬فوجدني وأنا أجد ُ‬
‫واللّه يا عائشة وارأساه ‪.‬‬
‫فقمت عليك وكفنتك ‪ ،‬وصليت عليك ودفنتك ؟‬
‫ُ‬ ‫ض َّرك لو ُم ِّ‬
‫ت قبلى‪،‬‬ ‫قالت ‪ :‬ثم قال ‪ :‬وما َ‬
‫رجعت إلى بيتى‪ ،‬فأعرست فيه ببعض‬‫َ‬ ‫قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬واللّه لكأنى بك ‪ ،‬لو قد فعلت ذلك ‪ ،‬لقد‬
‫وجعه ‪ ،‬وهو يدور على نسائه‬ ‫نسائِك ‪ ،‬قالت ‪ :‬فتبسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ ،‬‬
‫وتتام به ُ‬
‫مرض في بيتى‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فاستأذنهن في أن ُي َّ‬ ‫نساءه ‪،‬‬
‫استعز به ‪ ،‬وهو في بيت ميمونة‪ ،‬فدعا َ‬
‫‪196‬‬
‫َّ‬ ‫‪ ،‬حتى‬
‫ِ‬
‫فأذ َّن له ‪.‬‬
‫ذكر أزواجه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عددهن وأسماؤهن ‪ :‬قال ابن هشام ‪ :‬و ُكن تسعاً‪ :‬عائشة بنت أبي بكر‪ ،197‬وحفصة بنت‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬وأم َحبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ‪ ،‬وأم َسلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة‪،‬‬
‫وس ْودة بنت َز ْم َعة بن قَْيس ‪ ،‬وزينب بنت َج ْحش بن ِرئاب ‪ ،‬وميمونة بنت الحارث‬
‫َ‬

‫‪196‬‬
‫‪ .‬استعز به ‪ :‬غلبه‬
‫‪ 197‬عائشة ‪ :‬كانت تكنى أم عبداهلل ‪ ،‬روى ابن األعرابي في المعجم حديثاً مرفوعاً أنها أسقطت جنينا‬
‫من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسمى ‪ :‬عبداللَه ‪ ،‬فكانت تكنى به ‪ ،‬وهذا الحديث يدور على داود بن‬
‫المحبَّر وهو ضعيف ‪ ،‬وأصح منه حديث أبى داود أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال لما‪ :‬تكنى‬
‫بابن أختك عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬ويروى بابنك عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬ألنها كانت قد استوهبته من أبويه ‪،‬‬
‫فكان في حجرها يدعوها أماً‪ ،‬ذكره ابن إسحاق وغيره ‪ .‬وأصح ما روي في فضلها على النساء قوله‬
‫عليه السالم ‪ :‬فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام ‪ ،‬وأراد الثريد باللحم ‪ ،‬كذا رواه‬
‫معمر في جامعه مفسراً عن قتادة‪ ،‬وأبان يرفعه ‪ ،‬فقال فيه ‪ :‬كفضل الثريد باللحم ‪ ،‬ووجه التفضيل من‬
‫هذا الحديث أنه قال في حديث آخر‪ :‬سيد إدام الدنيا واالخرة اللحم ‪ .‬مع أن الثريد إذا أطلق لفظه ‪ ،‬فهو‬
‫ثريد اللحم ‪ ،‬وأنشد سيبويه ‪:‬‬
‫فذاك أمانة اهلل الثريد‬ ‫إذا ما الخبز تأدمه بلحم‬
‫وأفضل نساء العالم على اإلطالق مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السالم ‪ ،‬وفاطمة بنت محمد صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وخديجة بنت خويلد زوج محمد األولى صلى اهلل عليه وسلم وعالًشة بنت أبي بكر‬
‫الصديق أحب نسائه إليه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ورضى اهلل عن آله وأصحابه وأزواجه أجمعين ‪.‬‬
‫‪362‬‬

‫طب ‪ ،‬فيما‬
‫أخ َ‬
‫وج َو ْيرية بنت الحارث بن أبي ضرار‪ ،‬وصفية بنت ُحيى ابن ْ‬
‫ابن َح ْزن ‪ُ ،‬‬
‫حدثني غير واحد من أهل العلم ‪.‬‬
‫ثالث ع ْشرةَ ‪:‬‬
‫َ‬ ‫خديجة ‪ :‬وكان جميع من تزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫خديجة بنت ُخويلد‪ ،‬وهى أول من تزوج ‪ ،‬زوجه إياها أبوها ُخ َويلد ابن أسد ‪ ،‬ويقال‬
‫أخوها عمرو بن ُخ َويلد‪ ،‬وأصدقها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عشرين َب ْكرة‪ ،‬فولدت‬
‫لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ولَ َده كلَّهم إال إبراهيم ‪ ،‬وكانت قبله عند أبي هالة بن مالك ‪،‬‬
‫أسيِّد بن عمرو بن تميم ‪ ،‬حليف بني عبد الدار‪ ،‬فولدت له ِهند بن أبي هالة‪ ،‬وزينب‬
‫أحد بني َ‬
‫بنت أبي هالة‪ ،‬وكانت قبل أبي هالة عند ُع ّتيق بن عابد بن عبد اهلل بن ُعمر بن مخزوم ‪،‬‬
‫فولدت له عبد اهلل ‪ ،‬وجارية‪.198‬‬
‫في بن أبي رفاعة ‪.‬‬
‫ص ْي ُّ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬جارية من الجواري ‪ ،‬تزوجها َ‬
‫عائشة ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عائشةَ بنت أبي بكر الصديق بمكة‪،‬‬
‫بنت سبع سنين ‪ ،‬وبنى بها بالمدينة‪ ،‬وهى بنت تسع سنين أو عشر‪ ،‬ولم يتزوج‬
‫وهي ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بكراً غيرها‪ ،‬زوجه إياها أبوها أبو بكر‪ ،‬وأصدقها رسو ُل اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم ‪. ..‬‬

‫‪ 198‬قال ابن أبي خيثمة ‪ :‬ولدت لعتيق عبد مناف ‪ ،‬وكان اسنم أبي هالة هند بن زرارة ابن النباش وقيل‬
‫‪ :‬بل أبو هالة هو زرارة ‪ .‬وابنه هند‪ ،‬مات في طاعون البصرة ‪.‬‬
‫‪363‬‬

‫س ْودة ‪ :‬تزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َس ْودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن‬ ‫َ‬
‫عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل بن عامر بن لُؤي ‪ ،‬زوجه إياها َسليط بن عمرو‪ ،‬ويقال أبو‬
‫حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل ‪ ،‬وأصدقها رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم ‪.‬‬
‫فال ابن هشام ‪ :‬ابن إسحاق يخالف هذا الحديث ‪ ،‬يذكر أن سليطا وأبا حاطب كانا غائبين‬
‫بأرض الحبشة في هذا الوقت ‪.‬‬
‫وكانت قبله عند السكران بن َعمرو بن عبد شمس بن عبد ُو ّد ابن نصر بن ِح ْسل ‪.‬‬
‫زينب بنت جحش ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش ابن ِرئاب‬
‫األسدية‪ .199‬زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن َج ْحش‪ ،‬وأصدقها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أربعمائة درهم ‪ ،‬وكانت قبله عند َز ْيد بن حارثة‪ ،‬مولى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ففيها‬
‫ضى َز ْي ٌد ِم ْنهَا َو َ‬
‫ط ًرا َز َّو ْجَنا َكهَ} ‪[.‬األحزاب‪]37 :‬‬ ‫أنزل اهلل تبارك وتعالى ‪َ {:‬فلَ َّما قَ َ‬
‫أم سلَمة ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة‬
‫ابنها‪ ،‬وأصدقها رسول اهلل صلى‬
‫بن أبي سلمة ُ‬
‫المخزومية واسمها هند؟ زوجه إياها َسلمةُ ُ‬
‫ْ‬
‫َّ ‪200‬‬
‫وص ْحفة‪ ،‬ومجشة‬ ‫ِ‬
‫اهلل عليه وسلم فراشاً حشوه ليف ‪ ،‬وقدحا‪َ ،‬‬

‫‪ 199‬وذكر زينب بنت جحش ‪ ،‬وأن أخاها أبا أحمد هو الذي أنكحها من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وهذا خالف ما ثبت في الحديث أنها كانت تفخر على صواحبها‪ ،‬وتقول ‪ :‬زوجكن أهلوكن من رسول‬
‫اللَه صلى اهلل عليه وسلم وزوجنى رب العالمين من فوق سبع سماوات وفى آخر أنه لما نزلت االية‬
‫ضى َز ْي ٌد ِم ْنهَا َو َ‬
‫ط ًرا َز َّو ْجَنا َكهَا }‪[.‬األحزاب‪ ]37 :‬قام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫{ َفلَ َّما قَ َ‬
‫‪ .‬فدخل عليها بغري إذن‬
‫المجشة ‪ :‬وهى الرحى‪ ،‬ومنه سمي الجشيش ‪ .‬وذكر مع المجشة أشياء ال تعرف قيمتها‪ ،‬منها جفنة‬ ‫‪200‬‬

‫وفراش ‪ .‬وفى مسند البزار ذكر قيمتها‪ ،‬قال أنس ‪ :‬أصدقها متاعاً قيمته عشرة دراهم ‪ ،‬قال البزار‪:‬‬
‫ويروى أربعون درهماً ‪.‬‬
‫‪364‬‬

‫وعمر وزينب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وكانت قبله عند أبي َسل َمة بن عبد األسد‪ ،‬واسمه عبد اهلل ‪ ،‬فولدت له َسلمة ُ‬
‫ورقية‪.‬‬
‫ُ‬
‫حفصة‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حفصةَ َ‬
‫بنت عمر بن الخطاب ‪ . ،‬زوجه‬
‫إياها أبوها عمر بن الخطاب ‪ ،‬وأصدقها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم ‪،‬‬
‫َّهمى‪.‬‬
‫خن ْيس بن ُحذافة الس ْ‬
‫وكانت قبله عند َ‬
‫أم حبيبة ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أم حبيبة‪ ،‬واسمها َرملة بنت أبي‬
‫زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ‪ ،‬وهما بأرض الحبشة‪ ،‬وأصدقها‬
‫سفيان بن حرب ‪َّ ،‬‬
‫النجاشي عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة دينار‪ ،‬وهو الذي كان خطبها على‬
‫ُّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكانت قبله عند عبيد اهلل بن جحش األسدي ‪.‬‬
‫جويرية بنت الحارث ‪ :‬وتزوج رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم ُجويرية بنت الحارث بن‬
‫طِلق من ُخزاعة‪ ،‬فوقعت في السهم لثابت بن‬‫الخزاعية‪ ،‬كانت في سبايا بني المص َ‬
‫أبي ضرار ُ‬
‫الشماس األنصاري ‪ ،‬فكاتبها على ِ‬
‫نفسها‪ ،‬فأتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تستعينه‬ ‫قيس بن َّ‬
‫في كتابتها‪ .‬فقال لها‪ :‬هل لك فىخير من ذلك ؟ قالت ‪ :‬وما هو؟ قال ‪ :‬أقض عنك كتابتك‬
‫وأتزوجك ؟ فقالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فتزوجها‪.‬‬
‫الب َّكائي ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬حدثنا بهذا الحديث زياد بن عبد اهلل َ‬
‫محمد بن جعفر بن الزبير‪ ،‬عن ُعروة‪ ،‬عن عائشة‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ :‬لما انصرف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من غزوة بني‬
‫المصطلق ومعه ُجويرية بنت الحارث ‪ ،‬فكان بذات الجيش ‪ ،‬دفع ُجويرية إلى رجل من األنصار‬
‫وديعة وأمره باالحتفاظ بها‪ ،‬وقدم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم المدينة‪ ،‬فأقبل أبوها الحارث‬
‫بن أي ضرار بفداء ابنته ‪ ،‬فلما‬
‫‪365‬‬

‫كان بالعقيق نظر إلى اإلبل التي جاء بها للفداء‪ ،‬فرغب في بعيرين منها‪ ،‬فغيبهما في ِش ْعب‬
‫النبى صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد‪ ،‬أصبتم ابنتى‪ ،‬وهذا‬ ‫من ِشعاب العقيق ‪ ،‬ثم أتى َّ‬
‫غيبت بالعقيق في ِش ْعب كذا‬
‫َ‬ ‫ِفداؤها‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فأين البعيران اللذان‬
‫وكذا؟ فقال الحارث ‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأنك رسول اهلل صلى اهلل عليك ‪ ،‬فواللّه ما اطَّلع ‪.‬‬
‫على ذلك إال اهلل تعالى‪ ،‬فأسلم الحارث ‪ ،‬وأسلم معه ابنان له وناس من قومه ‪ ،‬وأرسل إلى‬
‫ودفعت إليه ابنته ُج َويرية‪،‬‬
‫اإلبل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ ،‬‬
‫البعيرين ‪ ،‬فجاء بهما‪ ،‬فدفع َ‬
‫فأسلمت وحسن إسالمها‪ ،‬وخطبها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها‪،‬‬
‫عند ابن عم لها يقال له‬
‫وأصدقها أربعمائة درهم ‪ ،‬وكانت قبل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫عبد اهلل‪. 201‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويقال ‪ .‬اشتراها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من ثابت بن قَْيس ‪،‬‬
‫فأعتقها وتزوجها‪ ،‬وأصدقها أربعمائة درهم ‪.‬‬
‫حي َي ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صفية بنت ُحيى بن أخطب ‪،‬‬ ‫صفية بنت ُ‬
‫وأولم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليمة‪ ،‬فيها شحم وال‬‫خيبر‪ ،‬فاصطفاها لنفسه ‪ْ ،‬‬ ‫سباها من ْ‬
‫الحقَْيق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سو ْيقاً وتمراً‪ ،‬وكانت قبله عند كنانة ابن الربيع بن أبي ُ‬
‫لَحم ‪ ،‬كان َ‬
‫ميمونة بنت الحارث ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ميمونةَ َ‬
‫بنت الحارث‬
‫ابن َح ْزن بن َب ِحير بن ُه َزم بن ُر َو ْيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر ابن صعصعة‪ ،‬زوجه‬
‫العباس عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة‬
‫ُ‬ ‫إياها العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬وأصدقها‬
‫درهم ‪ ،‬وكانت قبله عند أبي ُر ْهم بن‬

‫قال السهيلي ‪ :‬كانت قبله ‪ -‬أي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عند مسافع بن صفوان الخزاعى‬ ‫‪201‬‬

‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬أسلم الحارث ‪ ،‬وأسلم ابناه ‪ ،‬ولم يسمهما‪ ،‬وهما الحارث بن الحارث وعمرو بن‬
‫الحارث ‪ ،‬ذكره البخارى في التاريخ ‪.‬‬
‫‪366‬‬

‫الع َّزى بن أبي قيس بن عبد ُو ّد بن َنصر بن مالك بن ِح ْسل ابن عامر بن لُؤي ويقال‬
‫عبد ُ‬
‫للنبى صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬أن خطبة النبى صلى اهلل عليه‬
‫نفسها ِّ‬
‫‪ :‬إنها التي وهبت َ‬
‫وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها‪ ،‬فقالت ‪ :‬البعير وما عليه للّه ولرسوله ‪ .‬فأنزل اهلل تبارك {‬
‫ت َن ْف َسهَا ِل َّلنبِ ّي } [األحزاب‪ ]50 :‬ويقال ‪ :‬إن التي وهبت نفسها للنبى‬
‫ام َرأَةً ُم ْؤ ِمَنةً ِإ ْن َو َهَب ْ‬
‫َو ْ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش ‪ ،‬ويقال أم شريك ‪ ،‬غزية بنت جابر بن وهب من بني‬
‫منقذ بن عمرو بن َم ِعيص ابن عامر بن لُؤي ‪ ،‬ويقال ‪ :‬بل هي امرأة من بني َسامة بن لُؤي ‪،‬‬
‫فأرجأها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫زيمة ابن‬‫زينب بنت ُخزيمة ‪ :‬وتزوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َزينب بنت ُخ ْ‬
‫صعصعة‪ ،‬وكانت تُسمى أم‬
‫َ‬ ‫الحارث بن عبد اهلل بن َعمرو بن عبد مناف بن هالل بن عامر ابن‬
‫المساكين ؟ لرحمتها إياهم ‪ ،‬ورقتها عليهم زوجه إياها قَبيصة بن عمرو الهاللى‪ ،‬وأصدقها‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعمائة درهم ‪ .‬وكانت قبله عند ُعبيدة بن الحارث بن عبد‬
‫المطلب بن عبد مناف ‪ ،‬وكانت قبل ُعبيدة عند َج ْهم بن عمرو بن الحارث ‪ ،‬وهو ابن عمها‪.‬‬
‫فهؤالء الالتي بنى بهن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إحدى عشرة‪ ،‬فمات قبله منهن‬
‫ثنتان ‪ :‬خديجة بنت ُخويلد‪ ،‬وزينب بنت ُخ َزيمة ‪ .‬وتوفى عن تسع قد ذكرناهن في أول هذا‬
‫‪202‬‬
‫الحديث وثنتان لم يدخل بهما‪ :‬أسماء بنت النعمان الكندية‪ ،‬تزوجها فوجد بها بياضا فمتَّعها‬
‫الكالبية وكانت حديثة عهد بكفر؟ فلما قدمت على رسول اهلل‬ ‫وردها إلى أهلها‪ ،‬وعمرة بنت يزيد ِ‬
‫َْ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬استعاذت من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬

‫متعها‪ :‬أعطاها ما توصل بها بعد الطالق لتنتفع به من مال أو خادم أو مالبس والمتعة واجبة عند‬ ‫‪202‬‬

‫الحنفية فيما إذا طلقت المرأة ولم يدخل بها ولم يكن سمى لها مهرا‪.‬‬
‫‪367‬‬

‫منيعٌ عائذاللّه ‪ ،‬فردها إلى أهلها‪ ،‬ويقال ‪ :‬إن التي استعاذت من رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ِكندية بنت عم ألسماء بنت النعمان ‪ ،‬ويقال إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعاها‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬إنا قوم ُنؤتَى وال َنأتِى؟ فردها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى أهلها‪.‬‬
‫القرشيات منهن ‪ :‬القرشيات من أزواج النبى صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬خديجة بنت خويلد‬
‫العزى بن قصي بن كالب بن مرة بن ‪ ،‬كعب بن لؤي‪ ، 203‬وعائشة بنت أبي بكر‬
‫بن أسد بن عبد ُ‬
‫بن أبي قُحافة بن عامر بن َعمرو بن َك ْعب بن سعد بن تَْيم بن ُمرة بن كعب بن لُؤي بن غالب ‪،‬‬
‫الع َّزى بن عبد اهلل ابن قُْرط بن رياح بن رزاح‬
‫وحفصة بنت ُعمر بن الخطاب بن ُنفَْيل بن عبد ُ‬
‫بن عدي بن كعب بن لؤي ‪ ،‬وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد‬
‫مناف بن قصي بن كالب بن ُمرة بن كعب بن لُ َؤي ‪ ،‬وأم َسلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد‬
‫وس ْودة بنت َزمعة بن قَْيس بن عبد‬
‫اهلل بن ُعمر بن مخزوم بن َيقَظة بن مرة بن كعب بن لؤي ؟ َ‬
‫شمس بن عبد ُو ّد بن نصر بن مالك بن ِح ْسل بن عامر بن لؤي ‪.‬‬

‫ولوال ما تقدم من الحديث المخصص لخديجة بالفضل عليها حيث ق ال ‪ :‬واهلل ما أبدلني اهلل خيرأ‬ ‫‪203‬‬

‫منها‪ ،‬لقلنا بتفضيلها على خديجة‪ ،‬وعلى نساء العالمين ‪ ،‬وكذلك القول في مريم الصديقة‪ ،‬فإ نها عند‬
‫كثير من العلماء نبية نزل عليها جبريل عليه السالم بالوحي ‪ ،‬وال يفضل على األنبياء غيرهم ‪ ،‬ومن‬
‫ين } [آل عمران‪]42 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال ‪ :‬لم تكن نبية‪ ،‬وجعل قوله تعالى ‪ { :‬واص َ ِ‬
‫طفَاك َعلَى ن َساء اْل َعالَم َ‬ ‫َ ْ‬
‫مخصوصأ بعالم زمانها‪ ،‬فمن قوله ‪ :‬إن عائشة وخديجة أفضل منها‪ ،‬وكذلك يقولون في سائر أزواج‬
‫رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم إنهن أفضل نساء العالمين ونزعوا في تصحيح هذا المذهب بما يطول‬
‫ذكره واللّه أعلم‪ .‬وفي مسند البزار أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال في فاطمة هي سيدة نساء‬
‫أهل الجنة إال مريم ‪( .‬الروض األنف من تحقيقناج ‪ 4‬ص ‪.) 268‬‬
‫‪368‬‬

‫العربيات وغيرهن ‪ :‬والعربيات وغيرهن سبع ‪ :‬زينب بنت جحش بن رئاب بن َي ْع َمر بن‬
‫ص ْبرة بن ُمرة بن كبير بن َغْنم بن ُدودان ابن أسد بن ُخزيمة‪ ،‬وميمونة بنت الحارث بن َح ْزن‬ ‫َ‬
‫صعة بن معاوية ابن بكر بن‬ ‫ص ْع َ‬
‫بن ُب َجير بن ُه َزم بن ُر َو ْيبة بن عبد اهلل بن هالل بن عامر بن َ‬
‫صفة بن قَْيس بن َع ْيالن ‪ ،‬وزينب بنت ُخزيمة بن الحارث‬ ‫ِ‬
‫َه َوازن بن منصور بن ع ْكرمة بن َخ َ‬
‫وج َو ْيرية بنت‬
‫بن عبد اهلل بن َعمرو بن عبد مناف بن هالل بن عامر بن صصعة بن معاوية‪ُ ،‬‬
‫طلقية‪ ،‬وأسماء بنت النعمان الكندية‪ ،‬وعمرة بنت‬
‫صَ‬‫الم ْ‬
‫الخزاعية‪ ،‬ثم ُ‬
‫الحارث ابن أبي ضرار ُ‬
‫يزيد الكالبية ‪.‬‬
‫‪:‬صفية بنت ُحّيى بن أخطب ‪،‬من بني النضير‪.204‬‬
‫ومن غيرالعربيات َ‬
‫تمريض وسول اهلل في بيت عائشة‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني يعقوب بن ُعتبة‪ ،‬عن محمد بن مسلم الزهري ‪ ،‬عن عبيداللّه بن‬
‫عتبة‪ ،‬عن عائشة زوج النبى صلى اهلل عليه وسلم قالت ‪ :‬فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يمشى بين َر ُجلين من أهله ‪ :‬أحدهما الفضل ابن العباس ‪ ،‬ورجل آخر‪ ،‬عاصباً رأسه ‪،‬‬
‫تخط قدماه حتى دخل بيتى ‪.‬‬

‫لم يذكر ابن إسحاق في أزواج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت ِدحية بن‬ ‫‪204‬‬

‫خليفة الكلبي ‪ ،‬وذكرها غيره ‪ ،‬ولم تقم عنده إال يسيرأ حتى ماتت ‪ ،‬وكذلك العالية بنت ظبيان بن عمرو‬
‫بن عوف ‪ ،‬ذكرها غيره في أزواج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وكذلك وسنى بنت النعمان بن‬
‫الجون الكندية‪ ،‬اتفقوا على تزويج النبى صلى اهلل عليه وسلم إياها‪ ،‬واختلفوا في سبب فراق النبى صلى‬
‫اهلل عليه وسلم لها‪ .‬وكذلك قيل في شراف بنت خليفة ‪ :‬إنها هلكت قبل أن يدخل بها‪ .‬واللَه أعلم ‪.‬‬
‫‪369‬‬

‫ت هذا الحديث عبد اهلل بن العباس ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل تدري من الرجل االخر‬ ‫قال ‪ُ .‬عبيد‪َّ ،‬‬
‫فحدثْ ُ‬
‫علي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ال؟ قال ‪ّ :‬‬
‫اشتداد المرض ‪ :‬ثم ُغمررسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬واشتد به وجعه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫فأعهد إليهم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فأقعدناه في‬
‫َ‬ ‫أخرج إلى الناس‬
‫َ‬ ‫على سبع قرب من ابار َشتَّى‪ ،‬حتى‬
‫هريقوا َّ‬
‫لحفصة بنت عمر‪ ،‬ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول ‪َ :‬حسبكم حسبكم ‪.‬‬ ‫‪205‬‬
‫ضب‬
‫َم ْخ َ‬
‫خطبة للنبي وتفضيله أبا بكر‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال الزهري ‪ :‬حدثني أيوب بن بشير‪:‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر‪ ،‬ثم كان أول ما‬
‫ِ‬
‫أصحاب أحد‪ ،‬واستغفر لهم ‪ ،‬فأكثر الصالة عليهم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إن عبدا من‬ ‫تكلم به أنه صلى على‬
‫عباد اهلل خيَّره اهلل بين الدنيا وبين ما عنده ‪ ،‬فاختار ما عند اهلل ‪ .‬قال ‪ :‬ففهمها أبو بكر وعرف‬
‫أن نفسه يريد‪ ،‬فبكى وقال ‪ :‬بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا‪ ،‬فقال ‪ :‬على ِر ْسِل َ‬
‫ك يا أبا بكر‪ ،‬ثم قال‬
‫‪ :‬انظروا هذه األبواب الالفظة‪ 206‬في المسجد‪ ،‬فسدوها إال بيت أبي بكر‪ ،‬فإنى ال أعلم أحداً كان‬
‫أفضل في الصحبة عندي يداً منه ‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬ويروى ‪ :‬إال باب أبي بكر‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن عبد اهلل ‪ ،‬عن بعض آل أبي سعيد بن المعلَّى‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُ‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال يومئذ في كالمه هذا‪ :‬فإنى لو كنت ُمتخذاً من العباد‬
‫عنده‪.207‬‬
‫خليال التخذت أبا بكر خليال‪ ،‬ولكن صحبة وإ خاء إيمان ‪ ،‬حتى يجمع اهلل بيننا َ‬
‫‪205‬‬
‫‪ .‬املخضب ‪ :‬اناء يغتسل منه‬
‫‪206‬‬
‫‪ .‬الالفظة ‪ :‬النافذة‬
‫‪ 207‬ذكر خروجه صلى اهلل عليه وسلم في مرضه إلى المسجد‪ ،‬وأن أبا بكر كان اإلمام ‪ ،‬وأن رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم كان يأتم به ‪ ،‬وهذا الحديث مرسل في السيرة والمعروف في الصحاح أن أبا بكر‬
‫كان يصلى بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يصلون بصالة أبي بكر‪ ،‬ولكن روي عن‬
‫أنس من طريق متصل أن أبا بكر كان اإلمام يومئذ‪ ،‬واختلف فيه عن عائشة رضى اللَه عنها‪ ،‬وروى‬
‫الدارقطنى من طريق المغيرة بن شعبة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬ما مات نبي حتى‬
‫يؤمه رجل من أمته ‪ ،‬وذكر أبو عمر هذا الحديث إال أنه ساقه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ُمرسال‪،‬‬
‫وقد أسنده البزار أيضاً من طريق ابن الزبير عن عمر عن أبى بكر‪ ،‬وفى مراسيل الحسن البصري أن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مرض عشرة أيام صلى أبو بكر بالناس تسعة أيام منها‪ .‬ثم خرج رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم في اليوم العاشر منها يهادي بين رجلين أسامة والفضل بن عباس حتى صلى‬
‫خلف أبى بكر‪ ،‬رواه الدارقطنى‪ ،‬ففي هذا الحديث أنه مرض عشرة أيام ‪ ،‬وهو غريب ‪ ،‬وفيه أن أحد‬
‫علي بن أبى طالب ‪ ،‬وفيه صالته عليه السالم‬
‫الرجلين كان أسامة‪ ،‬والمعروف عن ابن عباس أنه كان ّ‬
‫خلف أبى بكر‪.‬‬
‫‪370‬‬

‫أمره بإنفاذ بعث أسامة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير‪ ،‬عن‬
‫عروة بن الزبير وغيره من العلماء‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم استبطأ الناس في بعث‬
‫رأسه حتى جلس على المنبر‪ ،‬وقد كان الناس‬ ‫أسامة بن زيد‪ ،‬وهو في وجعه ‪ ،‬فخرج عاصباً َ‬
‫أمر غالما َح َدثأ على ِجلَّة المهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫قالوا في إمرة أسامة ‪َّ :‬‬
‫فلع ْمري‬
‫فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو له أهل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أنفذوا بعث أسامة‪َ ،‬‬
‫لخليق لإلمارة‪ ،‬وإ ن كان أبوه لخليقاً‬
‫ٌ‬ ‫لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ‪ ،‬وإ نه‬
‫لها‪.‬‬
‫َّ‬
‫واستعز‬ ‫قال ‪ :‬ثم نزل رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وانكمش‪ 208‬الناس في ِ‬
‫جهازهم ‪،‬‬
‫ف‪،‬‬
‫الج ْر َ‬
‫وجعه ‪ ،‬فخرج أسامة‪ ،‬وخرج جي ُشه معه حتى نزلوا ُ‬
‫برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫ام إليه الناس ‪ ،‬وثَُقل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫عسكره ‪ ،‬وتَتَ َّ‬
‫َ‬ ‫فضرب به‬
‫َ‬ ‫من المدينة على فَ ْرسخ ‪،‬‬
‫وسلم ‪ ،‬فأقام أسامةُ والناس ‪ ،‬لينظروا ما اهلل قاض في رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ً.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ .‬انكمش الناس يف جهازهم ‪ :‬أسرعوا فبه‬
‫‪371‬‬

‫وصايته باألنصار‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وحدثني عبد اهلل ابن كعب بن مالك‬
‫يوم صلَّى واستغفر ألصحاب ‪ .‬أحد‪ ،‬وذكر من أمرهم ما‬ ‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال َ‬
‫استوصوا‪ .‬باألنصار خيراً‪ ،‬فإن الناس يزيدون ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ذكر مع مقالته يومئذ‪ :‬يا معشر المهاجرين ‪،‬‬
‫فأحسنوا إلى ِ‬
‫محسنهم‬ ‫تزيد‪ ،‬وأنهم كانوا ع ْيبتى‪ 209‬التي أويت إليها‪ِ ،‬‬
‫األنصار على هيئتها ال ُ‬ ‫وإ ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬وتجاوزوا عن ُمسيئهم ‪.‬‬
‫وجعه ‪ ،‬حتى‬
‫وتتام به ُ‬
‫قال عبد اهلل ‪ :‬ثم نزل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فدخل بيته ‪َّ ،‬‬
‫ُغ ِم َر‪.‬‬
‫اللدود‪ :‬قال عبد اهلل ‪ :‬فاجتمع إليه نساء من نسائه ‪ :‬أم َسلمة‪ ،‬وميمونة‪ ،‬ونساء من نساء‬
‫عمه ‪ ،‬فأجمعوا أن َيلُ ُّدوهُ ‪ ،‬وقال العباس ‪:‬‬
‫العباس ُّ‬
‫ُ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬منهن أسماء بنت ُع َم ْيس ‪ ،‬وعنده‬
‫اللدَّنهُ ‪ .‬قال ‪ :‬فلَ ُّدوه ‪ ،‬فلما أفاق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬من صنع هذا بي ؟‬
‫َّ‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ‪َ ،‬ع ُّمك ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا دواء أتى به نساء ِج ْئن من نحو هذه األرض ‪ ،‬وأشار‬
‫ولم فعلتم ذلك ؟ فقال عمه العباس ‪ :‬خشينا يا رسول اهلل أن يكون بك‬ ‫ِ‬
‫أرض الحبشة قال ‪َ :‬‬ ‫نحو‬
‫الج ْنب ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ذلك لداء ما كان للّه عز وجل ليقذفنى به ‪ ،‬ال يبق في البيت أحد إال لُ َّد‬
‫ذات َ‬
‫ُ‬
‫إال عمي ‪.‬‬
‫فلقد لُدت ميمونة وإ نها لصائمة‪ ،‬لقَ ِسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عقوبةً لهم بما‬
‫صنعوا به‪. 210‬‬
‫‪209‬‬
‫‪ .‬عيبة الرجل ‪ :‬مكمن سره‬
‫‪ 210‬ففي هذا الحديث أن العباس حضره ولَ َّده مع من لُ َذ‪ .‬وفى الصحيحين أن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬ال يبقين أحد بالبيت إال لُ َّد إال عمي العباس ‪ ،‬فإنه لم يشهدكم ‪ ،‬وهذه أصح من رواية ابن‬
‫إسحاق ‪ ،‬وإ نما ّلدوه ألنه عليه السالم قد قال في القسط ‪ ،‬فيه سبعة أشفية يلد به من ذات الجنب ‪ ،‬ويسعط‬
‫به من العذرة‪ ،‬ولم يذكر الخمسة قال ابن شهاب ‪ :‬فنحن نستعمله في أدويتنا كلها لعلنا نصيبها‪ ،‬واللدود‬
‫في جانب الغم من داخله يجعل هناك الدواء ويحك باإلصبع قليال‪ .‬ذات الجنب ‪ ( :‬ذاك داء ما كان اهلل‬
‫ليقذفني به )‪ ،‬وقال في هذا الحديث من رواية الطبرى له ‪ :‬ا أنا اكرم على اللَه من أن يقذفنى بها )‪ ،‬وفي‬
‫رواية أخرى ‪ :‬وهى من الشيطان ‪ ،‬وما كان اهلل ليسلطها علي ‪ .‬وهذا يدل على أنها من سىء األسقام‬
‫التي تعوذ النبى عليه السالم منها في دعائه حيث يقول ‪ :‬اللهم إنى أعوذ بك من الجنون والجذام وسيىء‬
‫األسقام ‪ ،‬وإ ن كان صاحبها من الشهداء السبعة‪ ،‬ولكنه عليه السالم ‪ .‬قد تعوذ من الغرق والحرق ‪ ،‬مع‬
‫قوله عليه السالم ‪ :‬الغريق شهيد‪ ،‬والحريق شهيد‪ .‬وقد ذكر أن أسماء بنت عميس هي التي لدته فاللّه‬
‫أعلم ‪ .‬والوجع الذي كان بالنبى عليه السالم فلُد هو الوجع الذي يسمى خاصرة‪ ،‬وقد جاء ذكره في‬
‫كتاب النذور من الموطأ‪ ،‬قال فيه ‪ :‬فأصابتني خاصرة‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬وكثيراً كان يصيب رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الخاصرة ‪ .‬قالت وال نهتدي السم الخاصرة‪ ،‬ونقول ‪ :‬أخذ رسول اهلل صلى اهلل‬
‫‪372‬‬

‫دعاؤه ألسامة باإلشارة ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني سعيد بن عبيد بن السَّباق ‪ ،‬عن‬
‫هبطت‬
‫ُ‬ ‫محمد بن أسامة‪ ،‬عن أبيه أسامة بن َز ْيد‪ ،‬قال ‪ :‬لما ثَُقل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أص ِمت فال‬
‫وهبط الناس معي إلى المدينة‪ ،‬فدخلت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وقد ْ‬
‫يضعهاعلى‪،‬فأعرف أنه يدعو لي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يده إلى السماءثم‬
‫يتكلم ‪ ،‬فجعل يرفع َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال ابن ُشهاب الزهري ‪ :‬حدثني عبيد بن عبد اهلل ابن ُعتبة‪ ،‬عن‬
‫عائشة‪ ،‬قالت ‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كثيرا ما أسمعه يقول ‪ :‬إن اهلل لم يقبض نبياً‬
‫ضر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان اخر كلمة سمعتها وهو‬ ‫حتى ي َخيره ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما ح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول ‪ :‬بل الرفيق األعلى‪ 211‬من‬

‫عليه وسلم ‪ ،‬عرق في الكلية ‪ .‬وفى مسند الحارث بن أبى أسامة يرفعه إلى النبي عليه السالم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الخاصرة عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه دواؤه العسل بالماء المحرق ‪ ،‬وهو حديث يرويه عبد‬
‫الرحيم بن عمرو عن الزهري عن عروة‪ ،‬وعبد الرحيم ضعيف مذكور عن المحدثين في الضعفاء‪،‬‬
‫ولكن قد روت عنه جماعة منهم ‪.‬‬
‫ول فَأ ُْولَئِ َ‬
‫ك َم َع‬ ‫‪ 211‬اللهم الرفيق األعلى ‪ :‬وهذا منتزع من قوله تبارك وتعالى { َو َم ْن ُي ِط ْع اللَّهَ َو َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ك َر ِفيقًا } [النساء‪]69 :‬‬ ‫ين } إلى قوله سبحانه ‪َ { :‬و َح ُس َن أ ُْولَئِ َ‬ ‫النبِيِّين و ِّ ِ‬
‫الص ِّديق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ين أ َْن َع َم اللهُ َعلَ ْيه ْم م ْن َّ َ َ‬
‫َِّ‬
‫الذ َ‬
‫فهذا هو الرفيق األعلى‪ ،‬ولم يقل الرفقاء ألن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد‪ ،‬وهى تتضمن‬
‫ين أ َْن َع َم اللَّهُ َعلَ ْي ِه ْم } وهم‬ ‫َِّ‬
‫معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كالم المؤمن ‪ ،‬فإنه قالى ‪َ {:‬م َع الذ َ‬
‫ط‬ ‫ط اْلمستَِقيم* ِ‬
‫ص َرا َ‬ ‫ِ‬
‫ِّرا َ ُ ْ َ‬ ‫أصحاب الصراط المستقيم‪ ،‬وهم أهل ال إله إال اهلل ‪ .‬قال اهلل تعالى ‪ْ {:‬هدَنا الص َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم } [الفاتحة‪ ]6،7 :‬ثم بين في االية المتقدمة من الذين أنعم اهلل عليهم فذكرهم ‪ ،‬وهم‬ ‫ين أ َْن َع ْم َ‬ ‫َِّ‬
‫الذ َ‬
‫الرفيق األعلى الذين ذكرهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين ُخير فاختار‪.‬‬
‫وبعض الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث ‪ ،‬فأشار بأصبعه ‪ ،‬وقال في الرفيق ‪ ،‬وفى رواية أخرى‬
‫أنه قال اللهم الرفيق ‪ ،‬وأشار بالسبابة‪ ،‬يريد التوحيد‪ ،‬فقد دخل بهذه اإلشارة في عموم قوله عليه السالم "‬
‫من كان آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل الجنة "‪ ،‬وال شك أنه عليه السالم في أعلى درجات الجنة ولو لم‬
‫يشر‪ .‬ولكن ذكرنا هذا لئال يقول القائل ‪ِ :‬ل َم لَ ْم يكن آخر كالمه ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪ .‬وأول كلمة تكلم بها‬
‫رسول اهلل وهو مسترضع عند حليمة أن قال ‪ " :‬اهلل أكبر " قاله الواقدي وأما اخر ما أوصى به عليه‬
‫السالم بأن قال ‪ " :‬الصالة وما ملكت أيمانكم "‪ ،‬حرك ‪ .‬بها لسانه وما يكاد يبين ‪ ،‬وفي قوله ‪ " :‬ملكت‬
‫أيمانكم " قوالن ‪ .‬قيل ‪ :‬أراد الرفق بالمملوك وقيل ‪ :‬أراد الزكاة ألنها في القرآن مقرونة بالصالة‪،‬‬
‫وهى من ملك اليمين ‪ ،‬قاله الخطابى‪.‬‬
‫‪373‬‬

‫الجنة‪ ،‬قالت فقلت ‪ :‬إذاً واللّه ال يختارنا‪ ،‬وعرفت أنه الذي كان يقول ‪ .‬لنا‪:‬إن نبيالم ُيقبض‬
‫حتى ُيخير‪.212‬‬
‫أبو بكر يصلي بالناس ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وحدثني حمزةُ بن عبد اهلل ة ابن ُعمر‪ ،‬أن عائشة‬
‫ِّ‬
‫فليصل بالناس ‪ .‬قالت ‪:‬‬ ‫استعز برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال مروا أبا بكر‬
‫ّ‬ ‫قالت ‪ :‬لما‬
‫كثير البكاء إذا قرأ القران ‪ .‬قال‬
‫ضعيف الصوت ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫رقيق ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قلت ‪ :‬يا نبى اهلل ‪ ،‬إن أبا بكر رجل‬
‫‪ :‬مروه فليصل بالناس ‪.‬‬

‫‪ 212‬قد قالت عائشة حين قبض صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فمن سفهى وحداثة سنى أنه قبض في حجري‬
‫فوضعت رأسه على الوسادة‪ ،‬وقمت ألتدم مع النساء‪ .‬اإللتدام ‪ :‬ضرب الخد باليد‪ ،‬ولم يدخل هذا في‬
‫التحريم ‪ :‬ألن التحريم إنما وقع على الصراخ والنوح ‪ ،‬ولعنت الخارقة والحالقة والصالقة وهي الرافعة‬
‫لصوتها ولم يذكر اللّدم ‪ ،‬لكنه ‪ ،‬وإ ن لم يذكره ‪ ،‬فإنه مكروه في حال المصيبة‪ ،‬وتركه أحمد إال على‬
‫أحمد صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬وروي ‪:‬‬
‫كلها إال عليك فإنه مذموم‬ ‫المصاب‬
‫ً‬ ‫فالصبر يحمد في‬
‫وروي ‪:‬‬
‫فأصبح حازماً حين يجزع‬ ‫وقد كان يدعى البس الصبر حازماً‬
‫‪374‬‬

‫ِّ‬
‫فليصل بالناس‪ ،‬قالت‬ ‫َّ‬
‫إنكن صواحب يوسف ‪ ،‬فمروه‬ ‫فعدت بمثل قَ ْولي ‪ .‬فقال‬
‫قالت ‪ُ :‬‬
‫فواللّه ما أقول ذلك إال إني كنت أحب أن ُيصرف ذاك‬
‫مقامه أبدا‪ ،‬وأن الناس سيتشاءمون به‬
‫عن أي بكر وعرفت أن الناس ال يحبون رجالً قام َ‬
‫ص َرف ذلك عن أبي بكر‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال ابن‬ ‫فكنت أحب أن ُي ْ‬
‫ُ‬ ‫في كل َحدث كان ‪،‬‬
‫شهاب ‪ :‬حدثني عبد الملك بن أي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عبد اهلل ابن َزمعة بن األسود بن المطلب بن أسد‪ ،‬قال ‪ :‬لما استُ ِع َّز برسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫مروا من يصلي‬
‫وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين ‪ ،‬قال ‪ :‬دعاه بالل إلى الصالة‪ ،‬فقال ‪ُ :‬‬
‫بالناس ‪ .‬قال ‪ :‬فخرجت فإذا عمر في الناس ‪.‬‬
‫وكان أبو بكر غائباً؟ فقلت ‪ :‬قم يا عمر فصل بالناس قال ‪ :‬فقام ‪ ،‬فلما َكبَّر‪ ،‬سمع رسو ُل‬
‫عمر رجال مجهراً‪ ،‬قال ‪ :‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم صوتهَ ‪ ،‬وكان ُ‬
‫وسلم ‪ :‬فأين أبو بكر؟ يأبى اهلل ذلك والمسلمون ‪ ،‬يأبى اهلل ذلك والمسلمون ‪.‬‬
‫ِ‬
‫فصلى بالناس ‪ .‬قال ‪ :‬قال‬ ‫قال ‪ :‬فبعث إلى أبي بكر‪ ،‬فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصالة‪،‬‬
‫ظننت حين‬
‫ُ‬ ‫وي َحك ‪ ،‬ماذا صنعت بى يابن َز ْمعة‪ ،‬واللّه ما‬
‫عبد اهلل بن َز ْمعة‪ :‬قال لى عمر‪ْ :‬‬
‫صليت بالناس ‪ .‬قال‬
‫ُ‬ ‫أمرتنى إال أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أمرك بذلك ‪ ،‬ولوال ذلك ما‬
‫‪ :‬قلت واللّه مما أمرنى رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم بذلك ‪ ،‬ولكني حين لم َأر أبا بكر رأيتُك‬
‫أحق من حضر بالصالة بالناس ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪375‬‬

‫اليوم الذي َقبض اهلل فيه رسولَه‬


‫صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الذي‬ ‫الزهري ‪ :‬حدثني أنس بن مالك ‪ :‬أنه لما كان يوم االثنين‬
‫‪213‬‬
‫ُّ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال‬
‫الصبح ‪ ،‬فرفع‬
‫َ‬ ‫قَبض اهلل فيه رسوله صلى اهلل عليه وسلم َخرج إلى الناس ‪ ،‬وهم ُيصلَّون‬
‫الستْر‪ ،‬وفتح الباب ‪ ،‬فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقام على باب عائشة‪ .‬فكاد‬
‫المسلمون يفتتنون في صالتهم برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين رأوه فرحاً به ‪ ،‬وتفرجوا‪،‬‬
‫فأشار إليهم أن اثبتوا على صالتكم ؟ قال ‪ :‬فتبسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سرورا لما‬
‫رأى من هيئتهم في صالتهم ‪ ،‬وما رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أحسن هيئةً منه تلك‬
‫الساعة‪ ،‬قال ‪ :‬ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد أفرق‬
‫من وجعه ‪ ،‬فرجع أبو بكر إلى أهله بالس ُّْنح ‪.‬‬

‫واتفقوا أنه توفي صلى اهلل عليه وسلم يوم االثنين إال شيئاً ذكره ابن قتيبة في المعارف ‪ " :‬األربعاء‬ ‫‪213‬‬

‫"‪ ،‬قالوا كلهم ‪ :‬وفى ربيع األول ‪ .‬غير أنهم قالوا‪ ،‬أو قال أكثرهم في الثانى عشر من ربيع ‪ ،‬وال يصح‬
‫أن يكون توفى صلى اهلل عليه وسلم إال في الثانى من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس‬
‫عشر إلجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة‪ ،‬وهو التاسع من ذي‬
‫الحجة فدخل ذو الحجة يوم الخميس‪ ،‬فكان المحرم إما الجمعة وإ ما السبت ‪ ،‬فإن كان الجمعة‪ ،‬فقد كان‬
‫صفر إما السبت وإ ما األحد‪ ،‬فإ ن كان السبت ‪ ،‬فقد كان فىربيع األحد‪ .‬أو االثنين ‪ ،‬وكيفا دارت الحال‬
‫على هذا الحساب ‪ ،‬فلم يكن الثانى عشر من ربيع يوم االثنين بوجه ‪ ،‬وال األربعاء أيضا كما قال القتبي‬
‫‪ ،‬وذكر الطبرى عن ابن الكلبي وأبى مخنف أنه توفي الثانى من ربيع األول ‪ ،‬وهذا القول وإ ن كان ‪-‬‬
‫خالف قول الجمهور فإنه ال يبعد أن كانت الثالثة األشهر التي قبله كلها من تسعة وعشرين ‪ ،‬فتدبره ‪،‬‬
‫فإنه صحيح ‪ ،‬ولم أر أحداً تفطن له ‪ ،‬وقد رأيت للخوارزمى أنه توفي عليه السالم في أول يوم من ربيع‬
‫األول ‪ ،‬وهذا أقرب من القياس بما ذكره الطبري عن ابن الكلبى وأبي مخنف ‪ ( .‬عن الروض األنف‬
‫)‪.‬‬
‫‪376‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ‪ ،‬عن القاسم ابن محمد أن رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال حين سمع تكبير عمر في الصالة ‪ :‬أين أبو بكر؟ يأبى اهلل ذلك‬
‫والمسلمون ‪ ،‬فلوال مقالة قالها عمر عند ‪ ،‬وفاته‪ ،‬لم يشك المسلمون أن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قد استخلف أبا بكر‪ ،‬؟ ولكنه قال عند وفاته ‪ :‬إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى‪،‬‬
‫وإ ن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ‪ ،‬فعرف الناس أن رسول " اهلل صلى اهلل عليه وسلم لم‬
‫غير متَّهم على أبي بكر‪.‬‬
‫عمر َ‬
‫يستخلف أحداً‪ ،‬وكان ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني أبو بكر بن عبد اهلل بن أي ُملَْيكة‪ ،‬قال ‪ :‬لما كان يوم االثنين‬
‫خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ‪ ،‬وأبو بكر يصلى بالناس ‪ ،‬فلما‬
‫تفرج الناس ‪ ،‬فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك‬ ‫خرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫إال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فنكص عن ُمصالَّه ‪ ،‬فدفع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ص ِّل بالناس ‪ ،‬وجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى َج ْنبه ‪ ،‬فصلى‬
‫في ظهره ‪ ،‬وقال ‪َ :‬‬
‫قاعداً عن يمين أبي بكر‪ ،‬فلما فرغ من الصالة أقبل على الناس ‪ ،‬فكلمهم رافعاً صوتَه ‪ ،‬حتى‬
‫ظلم‬ ‫خرج صوتُه من باب المسجد‪ ،‬يقول ‪ :‬أيها الناس‪ُ ،‬سعِّرت النار‪ ،‬وأقبلت الفتن َك ِق َ‬
‫طع الليل الم ْ‬
‫حرم‬
‫القرآن ‪ ،‬ولم أحرم إال ما َّ‬
‫ُ‬ ‫علي بشىء إني لم أحل إال ما أحل‬ ‫‪ ،‬وإ نى واللّه ما تَمسَّكون َّ‬
‫القران ‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ‪ :‬فلما فرغ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من كالمه ‪ ،‬قال له أبو بكر‪ :‬يا نبى اهلل إني‬
‫ٍ‬
‫بنعمة من اهلل وفضل كما تحب ‪ ،‬واليوم يوم بنت خارجة‪ ،214‬أفاتيها؟ قال ‪ :‬نعم‬ ‫أراك قد أصبحت‬
‫؟ ثم دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالس ُّْنح ‪.‬‬

‫بنت خارجة اسمها‪ :‬حبيبة‪ ،‬وقيل مليكة‪ ،‬وخارجة هو ابن زيد بن أبو زهير‪ ،‬وابن‬ ‫‪214‬‬

‫‪ .‬خارجة هو زيد بن خارجة‬


‫‪377‬‬

‫شأن علي والعباس قبل وفاته ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وحدثني عبد اهلل بن‬
‫علي بن أبي طالب رضوان اهلل عليه‬
‫كعب بن مالك ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬خرج يومئذ ّ‬
‫على الناس من عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال له الناس ‪ :‬يا أبا َح َس ًن ‪ ،‬كيف أصبح‬
‫رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال أصبح بحمد اهلل بارئاً‪ ،‬قال ‪ :‬فأخذ العباس بيده ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫أحلف باللّه لقد عرفت الموت في وجه رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫عبد العصا بعد ثالث ‪،‬‬
‫علي‪ ،‬أنت واللّه ُ‬
‫يا ُّ‬
‫فانطلق بنا إلى رسول اهلل‬
‫ْ‬ ‫كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬كما ُ‬
‫أم ْرناه فأوصى بنا‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإن كان هذا األمر فينا عرفناه ‪ ،‬وإ ن كان في غيرنا‪َ ،‬‬
‫الناس ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال له على ‪ :‬إني واللّه ال أفعل ‪ ،‬واللّه لئن ُمنِ ْعناه ال ُي ْؤتيناه أحد بعده ‪.‬‬
‫ُّحاء من ذلك اليوم ‪.‬‬‫فتُوفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين اشتد الض ُ‬
‫سواك الرسول قبل وفاته ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يعقوب ابن ُعتبة‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في ذلك اليوم‬
‫عن ُعروة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قال ‪ :‬قالت ‪ :‬رجع ّ‬
‫على رجل من ال أبي بكر‪ ،‬وفى يده سواك‬‫طجع في حجري ‪ ،‬فدخل َّ‬ ‫فاض َ‬ ‫ِ‬
‫المسجد‪ْ ،‬‬ ‫حين دخل من‬
‫أخضر‪ .‬قالت ‪ :‬فنظر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إليه في يده نظراً عرفت أنه يريده قالت ‪:‬‬
‫أعطيك هذا السواك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فأخذته فمضغته له‬
‫َ‬ ‫فقلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬أتُحب أن‬
‫حتى ليَّنته ‪ ،‬ثم أعطيته ‪ .‬إياه ‪ :‬قالت ‪ :‬فاستن به كأشد ما رأيته َي ْستَن بسواك قط ‪ ،‬ثم وضعه‪، 215‬‬
‫ووجدت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ 215‬فيه من الفقه ‪ :‬التنظف والتطهر للموت ‪ ،‬ولذلك يستحب االستعداد لمن استشعر القتل أو الموت كما‬
‫فعل خبيب ‪ ،‬ألن الميت قادم على ربه كما أن المصلى مناج لربه فالنظافة من شأنهما‪ ،‬وفي الحديث ‪:‬‬
‫إن اهلل نظيف يحب النظافة‪ ،‬خرجه الترمذي ‪ ،‬وإ ن كان معلول السنة‪ ،‬فإن معناه صحيح ‪ ،‬وليس‬
‫النظيف من أسماء الرب ‪ ،‬ولكنه حسن في هذا الحديث ‪ ،‬الزدواج الكالم ولقرب معنى النظافة من‬
‫معنى القدس ‪ ،‬ومن أسمائه سبحانه ‪ :‬القدوس ‪ ،‬وكان السواك المذكور في هذا الحديث من عسيب نخل‬
‫فيما روي بعضهم ‪ ،‬والعرب تستاك بالعسيب ‪ ،‬وكان أحب السواك إلى رسول اللَه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫صرع األراك ‪ ،‬واحدهما صريع وهو قضيب ينطوي من األراكة حتى يبلغ التراب ‪ ،‬فيبقى قي ظلها‬
‫فهو ألين من فرعها‪.‬‬
‫‪378‬‬

‫َيثُْقل في ِحجري ‪ ،‬فذهبت أنظر في وجهه ‪ ،‬فإذا بصره قد َش َخص ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬بل‬
‫فاخترت والذي بعثك بالحق ‪ .‬قالت ‪ :‬وقبض‬
‫َ‬ ‫يرت‬
‫الرفيق األعلى من الجنة‪،‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ُ :‬خ َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يحيى بن َعبَّاد بن عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬عن أبيه عباد‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال ُ‬
‫بين‬ ‫‪216‬‬
‫سمعت عائشة تقول ‪ :‬مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ 216‬ومما روي من قول عائشة ‪ -‬رضى اهلل عنها ‪ -‬في معنى قولها‪ :‬بين سحري ونحري ‪ ،‬أنها قالت ‪:‬‬
‫قبض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى قالحاقنة الثغرة‪ ،‬والذاقنة‪ :‬تحت الذقن ‪ ،‬ويقال‬
‫لها‪ :‬النونة أيضاً ‪ ،‬وروي أيضاً ‪ :‬بين شجري ‪ -‬بالشين والجيم ‪ -‬ونحري ‪ ،‬وسئل عمارة بن عقيل عن‬
‫وغسل عليه السالم حين قبض من بئر لسعد بن‬
‫معناه ‪ ،‬ف ّشبك بين أصابع يديه ‪ ،‬وضمها إلى نحره ‪ُ .‬‬
‫خيثمة يقال لها بئر الغرس ‪ .‬عن عائشة رضى اللَه عنها وغيرها من الصحابة أن النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم لما قبض ‪ ،‬و ارتفعت الرنة وسجى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دهش الناس ‪ ،‬وطاشت‬
‫عقولهم وأفحموا‪ ،‬واختلوا‪ ،‬فمنهم من خبل ‪ ،‬ومنهم من أصت ‪ ،‬ومنهم من أقعد إلى األرض ‪ ،‬فكان عمر‬
‫ممن خبل ‪ ،‬وجعل يصيح ‪ ،‬ويحلف ما مات رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكان ممن أخرس عثمان‬
‫بن عفان حتى جعل ُيذهب به ويجاء‪ ،‬وال يستطيع كالمأ‪ ،‬وكان ممن أقعد‪ :‬على‪ ،‬رضى اهلل عنه ‪ ،‬فلم‬
‫يستطع حراكاً‪ ،‬وأما عبد اهلل بن أنيس ‪ ،‬فأضنى حتى مات كمداً‪ ،‬وبلغ الخبر أبا بكر رضى اللَه عنه ‪،‬‬
‫وهو بالسنح ‪ ،‬فجاء وعيناه تهمالن ‪ ،‬وزفراته تتردد في صدره ‪ ،‬وغصصه ترتفع ‪ ،‬وهو في ذلك‬
‫رضوان اهلل عليه ‪ ،‬جلد العقل والمقالة‪ ،‬حتى دخل على‬
‫فأكب عليه ‪ ،‬وكشف وجهه ومسحه وقبل جبية وجعل يبكى ويقول ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫بأبي أنت وأمى طبت حيأ وميتأ‪ ،‬وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من األنبياء من النبوة‪ ،‬فعظمت‬
‫وخصصت حتى صرت مسالة‪ ،‬وعممت حتى صرنا فيك سواء‪ ،‬ولو‬
‫عن الصفة‪ ،‬وجللت عن البكاء‪ُ ،‬‬
‫أن موتك كان اختيارا‪ ،‬لجدنا لموتك بالنفوس ‪ ،‬ولوال أنك نهيت عن البكاء ألنفدنا عليك ماء الشئون ‪،‬‬
‫اللهم أبلغه عنا‪ ،‬اذكرنا يا محمد عند ربك ‪ ،‬ولنكن من بالك ‪ ،‬فلوال ما خلفت من السكينة‪ ،‬لم نقم لما‬
‫خلفت من الوحشة‪ ،‬اللهم أبلغ نبيك عنا‪ ،‬واحفظه فينا‪ .‬ثم خرج لما قضى الناس غمراتهم ‪ ،‬وقام خطيبا‬
‫فيهم بخطبة جلها الصالة على النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم وقال فيها‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه ‪ ،‬وأشهد أن الكتاب كما نزل ‪ ،‬وأن الدين كما‬
‫شرع ‪ ،‬وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال ‪ ،‬وأن اهلل هو الحق المبين ‪ ،‬في كالم طويل ‪ .‬ثم قال‬
‫‪ :‬أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإ ن اهلل حى لم يمت ‪ ،‬وأن اهلل‬
‫قد تقدم لكم في أمره ‪ ،‬فال تدعوه جزعاً‪ ،‬وأن اهلل تبارك وتعالى قد اختار لنبيه عليه السالم ما عنده على‬
‫ما عندكم ‪ ،‬وقبضه إلى ثوابه ‪ ،‬وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه ‪ ،‬فمن أخذ بهما عرف ‪ ،‬ومن فرق بينهما‬
‫‪379‬‬

‫ين بِاْلِق ْس ِط } [النساء‪ ]135 :‬وال يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم وال‬ ‫ِ‬
‫ونوا قَ َّوام َ‬
‫آمُنوا ُك ُ‬
‫ين َ‬
‫َِّ‬
‫أنكر { َياأَيُّهَا الذ َ‬
‫يلفتنكم عن دينكم ‪ ،‬وعاجلوا الشيطان بالخزي تُعجزوه ‪ ،‬وال تستنظروه فيلحق بكم ‪.‬‬
‫فلما فرغ من خطبته ‪ ،‬قال ‪ :‬يا عمر أأنت الذي بلغنى عنك أنك تقول على باب نبي اهلل ‪ ،‬والذي نفس‬
‫عمر بيده ‪ :‬ما مات نبى اهلل ‪ ،‬أما علمت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال يوم كذا‪ :‬كذا وكذا‪،‬‬
‫ِّت َوإِ َّنهُ ْم َميِّتُون } [الزمر‪ ]30 :‬فقال عمر‪ :‬واللّه لكأني لم أسمع‬ ‫وقال اهلل عز وجل في كتابه ‪ِ { :‬إَّن َ‬
‫ك َمي ٌ‬
‫بها في كتاب اهلل تعالى قبل االن لما نزل بنا‪ ،‬أشهد أن الكتاب كما نزل ‪ ،‬وأن الحديث كما حدث ‪ ،‬وأن‬
‫اللة تبارك وتعالى حى ال يموت ‪ ،‬إنا للّه وإ نا إليه راجعون ‪ ،‬صلوات اللَه ‪ .‬على رسوله ‪ ،‬وعند اهلل‬
‫نحتسب رسوله ‪ .‬ومن أحسن ما قيل ‪:‬‬
‫ولكنما أبدي الذي قلته الجزع‬ ‫لعمري لقد أيقنت أنك ميت‬
‫كما غاب موسى‪ ،‬ثم يرجع كما رجع‬ ‫وقلت يغيب الوحى عنا لفقده‬
‫وليس لحى في بقا ميت طمع‬ ‫وكان هواي أن تطول حياته‬
‫فلما كشفنا البرد عن ُحر وجهه إذا األمر بالجزير المرهب قد وقع‬
‫أرد بها أهل الشماتة والقذع‬ ‫فلم تك لى عند المصيبة حيلة‬
‫وما اذن اهلل العباد به يقع‬ ‫سوى ما آذن اهلل في كتابه‬
‫لها في حلوق الشامتين به بشع‬ ‫وقد قلت من بعد المقالة قولة‬
‫أجل وافى به الوقت فانقطع‬ ‫أال إ نمأ كان النبى محمد إلى‬
‫ونعطى الذي أعطى ‪ ،‬ونمنع ما منع‬ ‫ندين على العالت منا بدينه‬
‫اكفكف دمعى والفؤاد قد انصدع‬ ‫ووليت محزونا بعين سخينة‬
‫فجودي به إن الشجى له دفع‬ ‫وقلت لعينى ‪ :‬كل دمع ذخرته‬
‫‪380‬‬

‫َس ْحري ونحري وفى َد ْولتى‪ ،‬لم أظلم فيه أحداً فمن سفهى وحداثة ِسني أن رسول اهلل صلى‬
‫مع‬ ‫‪217‬‬
‫رأسه على وسادة‪ ،‬وقمت ‪ .‬أْلتَدم‬
‫اهلل عليه وسلم قُبض وهو في حجري ‪ ،‬ثم وضعت َ‬
‫النساء‪ ،‬وأضرب وجهي ‪.‬‬
‫مقالة عمر بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وحدثني‬
‫سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي ُهريرة‪ ،‬قال ‪ :‬لما توفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قام عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن رجاال من المنافقين يزعمون أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد تُوفى‪،‬‬
‫وإ ن رسول اهللّ صلى اهلل عليه وسلم ما مات ‪ ،‬ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران‬
‫َّ‬
‫ليرجعن رسول اهلل‬ ‫‪ ،‬فقد غاب عن قومه أربعين ليلة‪ ،‬ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ‪ ،‬وواللّه‬
‫َّ‬
‫فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول اهلل‬ ‫وسلم كما رجع موسى‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قد مات ‪.‬‬
‫شأن أبي بكر بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ‪ :‬وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب‬
‫المسجد حين بلغه الخبر‪ ،‬وعمر يكلم الناس ‪ ،‬فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم في بيت عائشة‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُم َسجًّى في ناحية البيت ‪،‬‬

‫عليه ُب ْرد َحبِرة‪ ،‬فأقبل حتى كشف عن وجه رسول اهلل صلى اهلل عليه ّ‬
‫وسلم‪ .‬قال ‪ :‬ثم أقبل عليه‬
‫فقبَّله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬بأبي أنت وأمي ‪ ،‬أما الموتةُ التي كتب اهلل عليك فقد ُذقتها‪ ،‬ثم لن تصيبك بعدها‬
‫الب ْرد على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ثم خرج وعمر يكلم الناس‬
‫موتةٌ أبدا‪ .‬قال ‪ :‬ثم رد ُ‬
‫أنصت ‪ ،‬فأبى إال أن يتكلم ‪ ،‬فلما رآه أبو بكر ال ينصت أقبل على‬
‫ْ‬ ‫‪ ،‬فقال ‪ :‬على ِر ْسلك يا عمر‪،‬‬
‫كالمه أقبلوا عليه وتركوا عمر‪ ،‬فحمد اهلل ‪،‬وثنى عليه ثم قال ‪:‬‬
‫الناس َ‬
‫الناس ‪ ،‬فلما سمع ُ‬
‫يعبد محمداً فإن محمدا قد مات ‪ ،‬ومن‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إنه من كان ُ‬

‫‪217‬‬
‫‪ .‬ألتدم ‪ :‬أضرب صدري‬
‫‪381‬‬

‫يموت ‪ .‬قال ‪ :‬ثم تال هذه االية { َو َما ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُسو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫كان يعبد اهلل فإن اهلل َحى ال‬
‫ض َّر اللَّهَ َش ْيًئا‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َعلَى َعقَب ْيه َفلَ ْن َي ُ‬‫َعقَابِ ُك ْم َو َم ْن َي ْن َقِل ْ‬
‫ات أ َْو قُتِ َل ْان َقلَْبتُ ْم َعلَى أ ْ‬ ‫ِم ْن قَْبِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل أَفَِإ ْين َم َ‬
‫وسي ْج ِزي اللَّه َّ ِ‬
‫ين } [آل عمران‪ ]144 :‬قال ‪ :‬فواللّه لكأن الناس لم يعلموا أن هذه األية‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬
‫نزلت حتى تالها أبو بكر يومئذ؟ قال ‪ :‬وأخذها الناس عن أبي بكر‪ ،‬فإنما هي في أفواههم ؟‬
‫وقال ‪ :‬فقال أبو هريرة‪ :‬قال عمر‪ :‬واللّه ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها‪ ،‬فَ َع ِق ْر ُ‬
‫ت‬
‫‪218‬‬

‫رجالي ‪ ،‬وعرفت أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد‬ ‫َ‬ ‫وقعت إلى األرض ما تحملنى‬
‫ُ‬ ‫حتى‬

‫‪ 218‬عقرت ‪ :‬دهشت فلم أستطع التقدم أو التأخر‪ .‬حتى سقط إلى اآلرض ‪ ،‬يقال عقر الرجل إذا سقط إلى‬
‫وصوب ابن كيسان‬
‫َّ‬ ‫األرض من قامته ‪ ،‬وحكاه يعقوب عفر بالفاء كأنه من العفر وهو التراب ‪،‬‬
‫الروايتبن ‪ ،‬وقالت عائشة ‪ -‬رضى اهلل عنها ‪ -‬توفى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فلو نزل بالجبال‬
‫الصم ما نزل بأبي لها منها‪ ،‬ارتدت العرب وأشرأب النفاق وما كان من ثبات جأش أبي بكر وقوته في‬
‫ذلك المقام ‪ ،‬ففيه ما كان عليه الصديق رضى اهلل عنه من شدة التأله ‪ ،‬وتعلق القلب باإلله ‪ ،‬ولذلك قال‬
‫لهم ‪ :‬من كان يعبد محمدأ‪ ،‬فإن محمداً قد مات ‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإن اللَه حى ال يموت ‪ .‬ومن قوة‬
‫تألهه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حين أجمع أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على رد جيش أسامة‬
‫حين رأوا الردة قد استعرت نارها‪ ،‬وخافوا على نساء المدينة وذراريها‪ ،‬فقال ‪ :‬واهلل لو لعبت الكالب‬
‫بخالخل نساء المدينة‪ ،‬ما رددت جيشاً أنفذه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكلمه عمر وأبو عبيدة‬
‫وسالم مولى أبي حذيفة‪ ،‬وكان أشد شىء عليه أن يخالف رأيه رأي سالم ‪ ،‬فكلموه أن يدع للعرب زكاة‬
‫ذلك العام تألفاً لهم حتى يتمكن له األمر‪ ،‬فقد كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتألفهم ‪ ،‬وكلمه عمر‬
‫أن يتولى مكان أسامة من هو أسن منه ‪ ،‬وأجلد‪ ،‬فأخذ بلحية عمر‪ ،‬وقال له ‪ :‬يا ابن الخطاب أتأمرني أن‬
‫اكون أول حال عقداً عقده رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم واللّه ألن أخر من السماء إلى األرض ‪،‬‬
‫فتخطفنى اطلير أحب إ لى من أن أمالئكم على هذا الرأي ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬واهلل لو أفردت من جميعكم‬
‫شك أنتم إن وعد اهلل حق‬
‫لقاتلتهم وحدي حتى تنفرد سالفتى‪ ،‬ولو منعونى عقاال‪ ،‬لجاهدتهم عليه ‪ ،‬أو في ً‬
‫‪ .‬وإ ن قوله لصدق ‪ ،‬وليظهرن اهلل هذا الدين ‪ ،‬ولو كره المشركون ثم خرج وحده إلى ذي القصة حتى‬
‫اتبعوه ‪ ،‬وسمع الصوت بين يديه في كل قبيلة أال إن الخليفة قد توجه إليكم الهرب الهرب ‪ ،‬حتى اتصل‬
‫الصوت من يومه ببالد حمير‪ .‬وكذلك في اكثر أحواله رضى اهلل عنه ‪ ،‬كان يلوح الفرق في التأله بينة‬
‫وبين عمر رضى اهلل عنهما‪ ،‬أال ترى إلى قوله حين قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬سمعتك وأنت‬
‫تخفض من صوتك يعني في صالة الليل ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد أسمعت من ناجيت ‪ ،‬وقال للفاروق ‪ :‬سمعتك وأنت‬
‫ترفع من صوتك ‪ ،‬فقال ‪ :‬كى أطرد الشيطان ‪ ،‬وأوقظ الوسنان ‪ .‬فلينظر إلى فضل الصديق على‬
‫الفاروق ‪ ،‬هذا في مقام المجاهدة‪ ،‬وهذا في بساط المشاهدة‪ ،‬وكذلك ما كان منه يوم بدر‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫مقالته للنبى عليه السالم ذلك اليوم ‪ ،‬وهو معه في العريش ‪ ،‬وكذلك في أمر الصدقة حين رغب رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيها‪ ،‬فجاء عمر بنصف ماله ‪ ،‬وجاء الصديق بجميع ماله ‪ ،‬فقال له النبي عليه‬
‫‪382‬‬

‫مات ‪.‬‬

‫السالم ‪ :‬ما أبقيت ألهلك ؟ قال ‪ :‬اهلل ورسوله ‪ ،‬وكذلك فعله في قسم الفىء حين سوى بين المسلمين ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬هم إخوة‪ ،‬أبوهم اإلسالم ‪ ،‬فهم في هذا الفىء أسوة‪ ،‬وأجور أهل السوابق على اهلل ‪ .‬وفضل عمر‬
‫في قسم الفىء بعضهم على بعض على حسب سوابقهم ‪ ،‬ثم قال في آخر عمره ‪ :‬لئن بقيت إلى قابل‬
‫ألسوين بين الناس ‪ ،‬وأراد الرجوع إلى رأي أبي بكر‪ ،‬ذكره أبو عبيد رضى اهلل عنه ‪ ،‬وعن جميع‬
‫أصحاب رسول اللة صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪383‬‬

‫أمر سقيفة بني ساعدة‬


‫االختالف بين المهاجرين واألنصار‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ولما قُبض رسول اهلل صلى اهلل‬
‫علي‬
‫عليه وسلم انحاز هذا الحي من األنصار إلى َس ْعد بن ُعبادة في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬واعتزل ّ‬
‫بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن ُعَبيد اهلل في بيت فاطمة‪ ،‬وانحاز بقية المهاجرين‬
‫ات إلى أبي بكر‬‫إلى أبي بكر‪ ،‬وانحاز معهم أس ْيد بن حضير‪ ،‬في بني عبد األشهل ‪ ،‬فأتى ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وعمر؟ فقال ‪ :‬إن هذا الحى من األنصار مع سعد بن ُعبادة في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬قد انحازوا‬
‫أمرهم ‪ ،‬ورسو ُل اهلل صلى اهلل عليه‬
‫إليه ‪ ،‬فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم ُ‬
‫الباب أهلُه ‪ .‬قال عمر‪ :‬فقلت‬
‫َ‬ ‫دونه‬
‫وسلم في بيته لم ُي ْف َرغ من أمره ‪ ،‬قد أغلق َ‬
‫‪384‬‬

‫ألبي بكر‪ :‬انطلق بنا إلى إخوانِنا هؤالء من األنصار‪ ،‬حتى ننظر ما هم عليه قال ابن‬
‫إسحاق ‪ :‬وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها األنصار‪ ،‬أن عبد اهلل بن أبي بكر‪ ،‬حدثني‬
‫عن ابن شهاب الزهري ‪ ،‬عن ُعبيد اهلل بن عبد اهلل بن ُعتبة بن مسعود‪ ،‬عن عبد اهلل بن عباس ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أخبرني عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت في منزله بمنى أنتظره ‪ ،‬وهو عند عمر في‬
‫اخر حجة حجها عمر‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع عبد الرحمن ابن عوف من عند عمر‪ ،‬فوجدنى في منزله‬
‫بمنى أنتظره ‪ ،‬وكنت أقرئه القران ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬فقال لى عبد الرحمن بن عوف ‪ :‬لو رأيت‬
‫رجال أتى أمير المؤمنين ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هل لك في فالن‬
‫يقول ‪ :‬واللّه لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فالنا‪ ،‬واللّه ما كانت بيعة أبي بكر إال‬
‫َفْلتة فتمت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فغضب عمر‪ ،‬فقال ‪ :‬إني إن شاء اهلل لقائم العشية في الناس ‪ ،‬فمحذرهم هؤالء الذين‬
‫أمرهم ‪.‬‬
‫يريدون أن يغصبوهم َ‬
‫قال عبد الرحمن ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ال تفعل ‪ ،‬فإن الموسم يجمع رعاع الناس‬
‫وغوغاءهم ‪ ،‬وإ نهم هم الذين يغلبون على قُربك ‪ ،‬حين تقومفى الناس ‪ ،‬وإ نى أخشى أن تقوم‬
‫َ‬
‫فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير‪ ،‬وال َيعوها وال يضعوها على مواضعها فأمهل حتى‬
‫تقدم المدينة فإنها دار السُّنة‪ ،‬وتخلص بأهل الثقة وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا‪،‬‬
‫فيعى أه ُل الفقه مقالتك ‪ ،‬ويضعوها على مواضعها‪.‬‬
‫أول مقام أقومه بالمدينة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال عمر‪ :‬أما واللّه إن شاء اهلل ألقومن بذلك َ‬
‫عمر يذكر البيعة ألبي بكر‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬فقدمنا المدينةَ في عقب ذي الحجة‪ ،‬فلما كان‬
‫الرواح حين زالت‬
‫يوم الجمعة عجلت َّ‬
‫‪385‬‬

‫الشمس ‪ ،‬فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن ُنفَيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس‬
‫ركبتى ركبته ‪ ،‬فلم ْأن َشب أن خرج عمر بن الخطاب ‪ ،‬فلما رأيته مقبال‪ ،‬قلت لسعيد بن زيد‪:‬‬
‫علي سعيد بن‬ ‫َّ‬
‫لقولن العشيةَ على هذا المنبر مقالةً لم يقلها منذ استُخلف ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنكر َّ‬
‫زيد ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ‪.‬‬
‫فجلس عمر على المنبر‪ ،‬فلما سكت المؤذنون ‪ ،‬قام فأثنى على اهلل بما هو أهل له ‪ .،‬ثم قال‬
‫يدي أجلي ‪ ،‬فمن‬
‫‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنى قائل لكم اليوم مقالةً قد قُدر لى أن أقولها‪ ،‬وال أدري لعلها بين ْ‬
‫عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلتُه ‪ ،‬ومن خشي أن ال يعيها فال يحل‬
‫علي ‪.‬‬
‫ألحد أن يكذب َّ‬
‫الر ْجم ‪ ،‬فقرأناها‬
‫الكتاب ‪ ،‬فكان مما أنزل عليه آية َّ‬
‫َ‬ ‫إن اهلل بعث محمداً‪ ،‬وأنزل عليه‬
‫وعلمناها ووعيناها‪ ،‬ورجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورجمنا بعده ‪ ،‬فأخشى إن طال‬
‫الرجم في كتاب اهلل ‪ ،‬فيضلوا بترك فريضة أنزلها اهلل ‪،‬‬
‫َ‬ ‫بالناس زمان يقول قائل ‪ :‬واللّه ما نجد‬
‫زنى إذا أحصن من الرجال والنساء‪ ،‬وإ ذا قامت البينة‪ ،‬أو‬
‫حق على من َ‬ ‫وإ ن الرجم في كتاب اهلل ٌّ‬
‫كان الحبل أو االعتراف ‪.‬‬
‫ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اهلل ‪ " :‬ال ترغبوا عن ابائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا‬
‫عن ابائكم "‪.‬‬
‫أال إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬ال تطرونى كما أطري عيسى ابن مريم ‪،‬‬
‫عبد اهلل ورسوله "‪.‬‬
‫وقولوا‪ُ :‬‬
‫يغرن‬
‫بايعت فالنا‪ ،‬فال َّ‬
‫ُ‬ ‫عمر بن الخطاب لقد‬
‫ثم إنه قد بلغني أن فالنا قال ‪ :‬واللّه لو قد مات ُ‬
‫امرءاً أن يقول ‪ :‬إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ‪ ،‬وإ نها قد كانت كذلك ‪ ،‬إال أن اهلل قد وقى‬
‫شرها‪ ،‬وليس‬
‫َّ‬
‫‪386‬‬

‫فيكم من تنقطع األعناق إليه مثل أبي بكر‪ ،‬فمن بايع رجال عن غير مشورة من المسلمين ‪،‬‬
‫فإنه ال بيعة له هو وال الذي بايعه تَ ِغ َّرةً أن يقتال‪ .‬إنه كان من خبرنا حين تُوفى اهلل ‪.‬نبيه صلى‬
‫علي‬
‫اهلل عليه وسلم أن األنصار خالفونا‪ ،‬فاجتمعوا بأ شرافهم في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬وتخلف عنا ّ‬
‫بن أي طالب ‪ ،‬والزبير بن العوام ‪ ،‬ومن معهما‪ ،‬واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر‪ ،‬فقلت ألبى‬
‫بكر‪ :‬انطلق بنا إلى أخواننا هؤالء من األنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجالن صالحان‬
‫إخواننا‬
‫َ‬ ‫فذكرا لنا ما تماأل عليه القوم ‪ ،‬وقال ‪ :‬أين تريدون يا معشر المهاجرين ‪ ،‬قلنا‪ :‬نريد‬
‫أمركم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫هؤالء من األنصار‪ ،‬قاال‪ :‬فال عليكم أال تقربوهم يا معشر المهاجرين ‪ ،‬اقضوا َ‬
‫قلت ‪ :‬واللّه لنأتينهم ‪ .‬فانطلقنا حتىأتيناهم في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬فإذا بين ظهرانيهم رجل ُم َز َّمل‬
‫فقلت ‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬سعد بن عبادة‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما له ؟ فقالوا‪ :‬وجع ‪ .‬فلما جلسنا تشهد خطيبهم‬
‫فنحن أنصار اهلل وكتيبة اإلسالم ‪ ،‬وأنتم يا‬
‫‪ ،‬فأثنى على اهلل بما هو له أهل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد‪ُ ،‬‬
‫معشر المهاجرين رهط منا‪ ،‬وقد دفَّت دافَّة‪ 219‬من قومكم ‪ ،‬قال ‪ :‬وإ ذا هم يريدون أن يجتازونا‬
‫األمر‪.‬‬
‫من أصلنا‪ ،‬ويغصبونا َ‬
‫في نفسي مغالةً قد أعجبتنى‪ ،‬أريد أن أقدمها‬ ‫ت‬
‫أتكلم ‪ ،‬وقد َز َّو ْر ُ‬
‫‪220‬‬
‫فلما سكت أردت أن َ‬
‫الح ِّد‪ ، 221‬فقال أبو بكر‪ :‬على ِر ْسلك يا عمر‪ ،‬فكرهت‬
‫بعض َ‬‫بين يدي أبي بكر‪ ،‬وكنت أداري منه َ‬
‫أن أغضبه ‪ ،‬فتكلم ‪ ،‬وهو كان أعلم منى وأوقر‪ .‬فواللّه ما ترك من كلمة أعجبتنى من تزويري‬
‫إال قالها في بديهته ‪ ،‬أو مثلها أو أفضل ‪ ،‬حتى سكت ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪.‬الدافة‪ :‬اجلماعة من الناس تأيت من بلد إىل بلد‬
‫‪220‬‬
‫‪ .‬زورت ‪ :‬أعددت‬
‫‪221‬‬
‫‪ .‬احلد‪ :‬احلدة اليت كان يتصف هبا عمر رضى اهلل عنه‬
‫‪387‬‬

‫العرب هذا األمر إال لهذا‬


‫ُ‬ ‫قال ‪ :‬أما ما ذكرتم فيكم من خير‪ ،‬فأنتم له أهل ‪ ،‬ولن تعرف‬
‫رضيت لكم أحد هذين الرجلين ‪ ،‬فبايعوا‬
‫ُ‬ ‫الحى من قريش‪ ،‬هم أوسط العرب نسباً وداراً‪ ،‬وقد‬
‫أيهما شئتم ‪ ،‬وأخذ بيدي وبيد أبي ُعبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا‪ ،‬ولم اكره شيئا مما قاله‬
‫أتأمر على‬
‫إلى من أن َّ‬
‫أحب َّ‬
‫غيرها‪ ،‬كان واللّه أن أقدم فتُضرب عنقى‪ ،‬ال يقربنى ذلك إلى أثم ‪ّ ،‬‬
‫قوم فيهم أبو بكر‪.‬‬
‫المرجَّب‪ ، 223‬منا أمير ومنكم أمير يا‬ ‫َّ‬
‫وع َذ ْيقُها َ‬
‫المحكك ُ‬ ‫قال قائل من األنصار‪ :‬أنا ُج َذيلها‬
‫‪222‬‬

‫ط‬
‫االختالف ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ابس ْ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫تخو ْف ُ‬
‫األصوات ‪ ،‬حتى َّ‬
‫ُ‬ ‫اللغطُ ‪ ،‬وارتفعت‬
‫معشر قريش‪ .‬قال ‪ :‬فكثر َ‬
‫يدك يا أبا بكر‪ . ،‬فبسط يده ‪ ،‬فبايعته ‪ ،‬ثم بايعه المهاجرون ‪ ،‬ثم بايعه األنصار‪ ،‬ونزونا‪ 224‬على‬
‫َ‬
‫بن عبادة ‪.‬‬
‫سعد َ‬
‫بن عبادة ‪ .‬قال فقلت ‪ :‬قتل اهلل َ‬
‫سعد َ‬
‫َ‬ ‫سعد بن ُعبادة‪ ،‬فقال قائل منهم ‪ :‬قتلتم‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬قال الزهري أخبرني ُعروة بن الزبير أن أحد الرجلين اللذين لَقَوا من‬
‫ألع ْجالن‬
‫األنصار حين ذهبوا إلى السقيفة‪ُ :‬ع َو ْيم بن ساعدة‪ ،‬واالخر َم ْعن بن عدي ‪ ،‬أخو بني َ‬
‫فأما ُع َويم بن ساعدة‪ ،‬فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من الذين قال اهلل‬
‫عز وجل لهم ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫طهَُّروا َواللَّهُ ُي ِح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين } [التوبة‪ ]108 :‬فقال رسول اهلل‬ ‫ب اْل ُمطهِّ ِر َ‬ ‫َن َيتَ َ‬ ‫{ فيه ِر َجا ٌل ُيحب َ‬
‫ُّون أ ْ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬نعم المرء منهم ُع َويم بن ساعدة‪ .‬وأما َم ْعن بن عدي ‪ ،‬فبلغنا أن الناس‬
‫بكوا على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حين توفاه اهلل عز وجل ‪ ،‬وقالوا‪ :‬واللّه لوددنا أنا متنا‬
‫ي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قبله إنا نخشى أن ُنفتتن بعده ‪ .‬قال َم ْعن بن َعد ّ‬

‫‪222‬‬
‫‪ .‬اجلذيل ‪ :‬تصغري جذل ‪ .‬عود من احلطب يف مربك اإلبل حتتك به فتسرتيح‬
‫‪223‬‬
‫‪ .‬العذيق ‪ :‬تصغري عذق النخلة‪ .‬واملرجب ‪ :‬من الرتجيب وهو بناء يساعده لكثرة محله‬
‫‪224‬‬
‫‪.‬نزونا‪ :‬وثبنا‬
‫‪388‬‬

‫حياً‪ ،‬فقُتل معن يوم اليمامة‬


‫لكني واللّه ما أحب إني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته ّ‬
‫شهيدا في خالفة أبي بكر‪ ،‬يوم ُم َسْيلمة الكذاب ‪.‬‬

‫خطبة عمر بعد البيعة ألبي بكر‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني الزهري ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثني ُ‬
‫أنس‬
‫الغد‪ ،‬جلس أبو بكر على المنبر‪ ،‬فقام عمر‪،‬‬
‫بن مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬لما ُبويع أبو بكر في السقيفة وكان ُ‬
‫فتكلم قبل أبي بكر‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو أهله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أيها الناس ‪ .،‬إني‬
‫إلى‬
‫قلت لكم أمس مقالة ما كانت مما وجدتُها في كتاب اهلل ‪ ،‬وال كانت عهداً عهد َّ‬
‫كنت ُ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ولكنى قد كنت أرى‬
‫آخرنا‪ ،‬وإ ن اهلل قد ‪ ،‬أبقى‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سيدبر أمرنا‪ ،‬يقول ‪ :‬يكون َ‬
‫كتابه الذي به َهدى اهلل رسولَه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فإن اعتصمتم به هداكم اهلل لما كان‬
‫فيكم َ‬
‫صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وثانى‬‫ِ‬ ‫أمركم على ِ‬
‫خيركم ‪،‬‬ ‫هداه له ‪ ،‬وإ ن اهلل قد جمع َ‬
‫اثنين إذ هما في الغار‪ ،‬فقوموا فبايعوه ‪،‬فبايع الناس أبا بكر بيعةَ العامة‪ ،‬بعد ِ‬
‫بيعة السقيفة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُخطبة أبي بكر بعد البيعة ‪ :‬فتكلم أبو بكر‪ ،‬فحمد اهلل ‪ ،‬وأثنى عليه بالذي هو أهله ‪ ،‬ثم قال‬
‫أسأت‬
‫ُ‬ ‫أحسنت فأعينوني ‪ ،‬وإ ن‬
‫ُ‬ ‫ولست ِ‬
‫بخيركم ‪ ،‬فان‬ ‫ُ‬ ‫بعد أيها الناس ‪ ،‬فإنى قد ُوليت عليكم‬
‫‪ ،‬أما ُ‬
‫قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن‬
‫والضعيف فيكم ّ‬
‫ُ‬ ‫ذب خيانة‪،‬‬
‫الصدق أمانة‪ ،‬وال َك ُ‬
‫ُ‬ ‫فقَ ِّوموني‪،‬‬
‫الجهاد في‬
‫َ‬ ‫شاء اهلل ‪ ،‬والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخ َذ َّ‬
‫الحق منه إن شاء اهلل ‪ ،‬ال يدعُ قوم‬
‫سبيل اهلل إال ضربهم اهلل ِّ‬
‫بالذل ‪ ،‬وال تشيعُ الفاحشةُ في قوم قط إال َع َّمهم اهلل بالبالء‪ ،‬أطيعوني ما‬
‫عصيت اهلل ورسولَه فال طاعة لي عليكم ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أطعت اهلل ورسولَه ‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬
‫قوموا إلى صالتكم يرحمكم اهلل ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُحسين بن عبد اهلل ‪ ،‬عن ِعكرمة‪ ،‬عن‬
‫‪389‬‬

‫ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬واللّه إني ألمشى مع عمر في خالفته وهو عامد إلى حاجة له ‪ ،‬وفي‬
‫وح ِش َّي‪ 225‬قدمه ِبد َّرته ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا‬ ‫نفسه ‪ ،‬ويضرب ْ‬ ‫الد ّرة‪ ،‬وما معه غيري ‪ ،‬قال وهو يحدث َ‬ ‫يده ِّ‬
‫إلى‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتى التي ُقلت حين تُوفى‬ ‫التفت َّ‬
‫‪ .‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ال أدري يا أمير المؤمنين ‪ ،‬أنت أعلم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فإنه واللّه إن كان الذي حملنى على ذلك إال إني كنت أقرأ هذه اآليِة ‪َ { :‬و َك َذِل َ‬
‫ك َج َعْلَنا ُك ْم‬
‫يدا } [البقرة‪ ،]144 :‬فواللّه ‪،‬‬ ‫الر ُسو ُل َعلَْي ُك ْم َش ِه ً‬
‫ون َّ‬ ‫الن ِ‬
‫اس َوَي ُك َ‬ ‫اء َعلَى َّ‬ ‫طا ِلتَ ُك ُ‬
‫ونوا ُشهَ َد َ‬ ‫ُمةً َو َس ً‬
‫أ َّ‬
‫إن كنت ألظن أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها باخر‬
‫قلت ‪.‬‬
‫قلت ما ُ‬
‫أعمالها‪ ،‬فإنه للذي حملني على أن ُ‬
‫جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ودفنه‬
‫من تولى غسله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما ُبويع أبو بكر‬
‫يوم الثالثاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رضى اهلل عنه ‪ ،‬أقبل الناس على جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫وحسين بن عبد اهلل وغيرهما من أصحابنا‪:‬‬
‫فحدثني عبد اهلل بن أبي بكر ُ‬
‫علي بن أي طالب ‪ ،‬والعباس بن عبد المطلب ‪ ،‬والفضل بن العباس ‪ . ،‬وقُثَم بن‬
‫أن ّ‬
‫العباس ‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬و ُش ْقران مولى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬هم الذين َولُوا غسلَه‬
‫‪ ،‬وأن ْأوس بن َخ ْوِل ٍّى ‪ ،‬أحد بني َع ْوف بن الخزرج ‪ ،‬قال لعلي بن أبي طالب ‪ :‬أن ُش ُدك اهلل يا‬
‫على وحظَّنا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكان ْأوس من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ُّ‬
‫خل ‪،‬‬
‫عليه وسلم وأهل بدر‪ ،‬قال ‪ْ :‬اد ْ‬

‫‪225‬‬
‫‪ .‬وحشى ‪ :‬خارج‬
‫‪390‬‬

‫علي بن أبي طالب‬


‫غسل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأسنده ّ‬
‫َ‬ ‫فدخل فجلس ‪ ،‬وحضر‬
‫إلى صدره ‪ ،‬وكان العباس والفضل وقُثَم يقلبونه معه ‪ ،‬وكان أسامة بن زيد و ُش ْقران مواله ‪ ،‬هما‬
‫وعلى يغسله ‪ ،‬قد أسنده إلى صدره ‪ ،‬وعليه قميصه يدلكه به من‬
‫ٌّ‬ ‫اللذان يصبان الماء عليه ‪،‬‬
‫ورائه ‪ ،‬ال يفض ِ‬
‫بيده إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وعلي يقول ‪ :‬بأبى أنت وأمى‪ ،‬ما‬
‫أطيبك حياً وميتأ‪ .‬ولم ُير من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شىء مما ُي َرى من الميت ‪.‬‬
‫َ‬
‫كيفية غسله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وحدثني يحيى بن َعبَّاد بن عبد اهلل بن الزبير‪،‬‬
‫عن أبيه َعبَّاد‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت ‪ :‬لما أرادوا َغ ْسل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫اختلفوا فيه ‪ .‬فقالوا‪ :‬واللّه ما ندري ‪ ،‬أنجرد رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم من ثيابه‬
‫النوم ‪ ،‬حتى‬
‫كما نجرد موتانا‪ ،‬أو نغسله وعليه ثيابه ؟ قالت ‪ :‬فلما اختلفوا ألقى اهلل عليهم َ‬
‫ذقنه في صدره ‪ ،‬ثم كلَّمهم مكلِّم من ناحية البيت ال يدرون من هو‪ :‬أن اغسلوا‬
‫ما منهم رجل إال ُ‬
‫النبي وعليه ثيابه‪، 226‬‬

‫وكلهم سمع الصوت ‪ ،‬ولم ير الشخص ‪ ،‬وذلك من كراماته صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ومن آيات نبوته‬ ‫‪226‬‬

‫بعد الموت ‪ ،‬فقد كان له عليه السالم معجزات في حياته ‪ ،‬وإ رهاصات قبل مولده وكرامات بعد موته ‪،‬‬
‫ومنها ما رواه أبو عمر رحمه اهلل في التمهيد من طرق صحاح ‪ :‬أن أهل بيته سمعوا وهو مسجى بينهم‬
‫قائال يقول ‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته يا أهل البيت ‪ ،‬إن في اهلل عوضاً من كل تالف ‪ ،‬وخلفاً‬
‫من كل هالك ‪ ،‬وعزاء من كل مصيبة‪ ،‬فاصبروا واحتسبوا‪ ،‬إن ‪ ،‬اهلل مع الصابرين ‪ ،‬وهو حسبنا‪ ،‬ونعم‬
‫الوكيل ‪ .‬ومن ذلك أيضاً أن الفضل بن عباس كان يغسله هو وعلى‪ ،‬فجعل الفضل وهو يصب الماء‬
‫يقول ‪ :‬أرحنى أرحنى‪ ،‬فإنى أجد شيئاً يتنزل على ظهري ‪ .‬ومنها أنه عليه السالم لم يظهر منه شىء‬
‫مما يظهر من الموتى‪ ،‬وال تغيرت له رائحة‪ ،‬وقد طال مكثه في البيت ‪ .‬قبل أن ُيدفن ‪ ،‬وكان موته في‬
‫شهر سبتمبر " أيلول "‪ ،‬فكان طيباً حياً وميتاً‪ .‬وروى يونس بن بكير في السيرة أن أم سلمة قالت ‪:‬‬
‫وضعت يدي على صدر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو ميت فمرت على جمع ال آكل وال أتوضأ‬
‫إال وجدت ريح المسك من يدي ‪ ،‬وفي روايته أيضا‪ :‬أن علياً نودي ‪ ،‬وهو يغسله أن ارفع طرفك إلى‬
‫السماء‪.‬‬
‫‪391‬‬

‫قالت ‪ :‬فقاموا إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فغسَّلوه وعليه قميصه ‪ ،‬يصبون الماء‬
‫فوق القميص ‪ ،‬ويدلكونه والقميص دون أيديهم ‪.‬‬
‫تكفينه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬فلما فُرغ من غسل رسول اهلل صلى اهلل‬
‫وب ْرد َحبرة‪ ،‬أدرج فيها إدراجا‪ ،‬كما‬
‫ُ‬
‫‪227‬‬
‫ص َح ِاريين‬ ‫ٍ‬
‫أثواب ‪ ،‬ثوبين ُ‬ ‫فن في ثالثة‬
‫عليه وسلم ُك َ‬
‫علي بن الحسين ‪ ،‬والزهري ‪،‬‬
‫الحسين ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َجده ّ‬
‫علي بن ُ‬
‫حدثني جعفر بن محمد بن ّ‬
‫علي بن الحسين‪. 228‬‬
‫عن ّ‬
‫قبره صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني ُحسين بن عبد اهلل ‪ ،‬عن ِعكرمة‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬لما أرادوا أن يحفروا لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكان أبو ُعبيدة‬
‫كحفر أهل مكة‪ ،‬وكان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذي يحفر ألهل‬ ‫‪229‬‬
‫ض َرح‬
‫بن الجراح َي ْ‬
‫المدينة‪ ،‬يلحد‪ ،‬فدعا العباس رجلين ‪ ،‬فقال ألحدهما‪ :‬اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ‪ ،‬ولالخر‬
‫صاحب أبي طلحة أبا‬
‫ُ‬ ‫اذهب إلى أبي طلحة‪ ،‬اللهم ِخ ْر لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فوجد‬
‫طلحة‪ ،‬فجاء به ‪ ،‬فلحد لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫الصالة عليه ودفنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فلما فُرغ من جهاز رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫يوم الثالثاء‪ُ ،‬وضع في سريره في بيته ‪ ،‬وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ‪ .‬فقال قائل ‪:‬‬
‫وسلم َ‬
‫ندفنه في مسجده ‪ ،‬وقال قائل ‪ :‬بل ندفنه مع أصحابه ‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إني سمعت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما قُبض نبى إال‬

‫‪227‬‬
‫‪ .‬صحاريني ‪ :‬نسبة إىل صحار‪ .‬مدينة باليمن‬
‫وأما االختالف في كفنه عليه السالم وعدد أثوابه وفي الذين أدخلوه قبره ونزلوا فيه ‪ :‬فكثير‪،‬‬ ‫‪228‬‬

‫وأصح ما روي في كفنه أنه كفن في ثالثة أثواب بيض سحولية‪ ،‬وكانت تلك األثواب من كرسف " قطن‬
‫" وكذلك قميصه عليه السالم كان من قطن ‪ ،‬ووقع في السيرة من غير رواية البكائى أنها كانت إزاراً‬
‫ورداء‪ ،‬ولفافة‪ ،‬وهو موجود في كتب الحديث وفى الشروح ‪ ،‬وكانت اللبن التي نصبت عليه في قبره‬
‫تسع لبنات ‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫‪.‬يضرح ‪ :‬يشق األرض ليجعلها ضرحيا‬
‫‪392‬‬

‫فحفر‬
‫فرفع فراش رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي تُوفي عليه ‪ُ ،‬‬
‫ُدفن حيث ُيقبض ‪ُ .‬‬
‫له تحته ‪ ،‬ثم دخل الناس على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلون عليه ْأرساال‪،‬‬
‫دخل الرجال ‪ ،‬حتى إذا فرغوا أدخل النساء‪ ،‬حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ‪ .‬ولم َي ُؤم‬
‫أحد‪. 230‬‬
‫الناس على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ٌ‬
‫َ‬
‫ثم ُدفن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من وسط الليل ليلة األربعاء‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني عبد اهلل بن أبي بكر‪ ،‬عن امرأته فاطمة‬

‫ذكر ابن إسحاق وغيره ‪ :‬أن المسلمين صلوا عليه أفذاذاً‪ ،‬ال يؤمهم أحد‪ ،‬كلما جاءت طائفة صلت‬ ‫‪230‬‬

‫عليه ‪ ،‬وهذا خصوص به صلى اهلل عليه وسلم وال يكون هذا الفعل إال عن توقيف ‪ ،‬وكذلك روى أنه‬
‫أوصى بذلك ‪ ،‬ذكره الطبري مسنداً‪ ،‬ووجه الفقه فيه أن اهلل تبارك وتعالى افترض الصالة عليه بقوله‬
‫يما } [األحزاب‪ ،]56 :‬وكل هذه الصالة التي تضمنتها االية أال تكون بإمام ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِّ‬ ‫{ ُّ‬
‫صلوا َعلَ ْيه َو َسل ُموا تَ ْسل ً‬‫َ‬
‫والصالة عليه عند موته داخلة في لفظ االية وهي متناولة لها‪ ،‬وللصالة عليه على كل حال ‪ ،‬وأيضا فإ‬
‫ن الرب تبارك وتعالى‪ ،‬قد أخبر أنه يصلى عليه ومالئكته ‪ ،‬فإذا كان الرب تعالى هو المصلى والمالئكة‬
‫قبل المؤمنين ‪ ،‬وجب أن تكون صالة المؤمنين تبعاً لصالة المالئكة‪ ،‬وأن تكون المالئكة هم اإلمام ‪.‬‬
‫والحديث المذكور عن الطبري فيه طول ‪ ،‬وقد رواه البزار أيضا من طريق مرة عن ابن مسعود‪ ،‬وفيه‬
‫أنه حين جمع أهله في بيت عائشة ‪ -‬رضى اللة عنها – أنهم قالوا‪ :‬فمن يصلى عليك يا رسول اهلل ؟‬
‫قال فهال غفر لكم وجزاكم عن نبيكم خيراً‪ ،‬فبكينا وبكى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬إذا‬
‫غسلتمونى‪ ،‬وكفنتمونى‪ ،‬فضعونى على سريري في بيتى هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة‪،‬‬
‫فإن أول من يصلى على جليسي وخليلي جبريل ‪ ،‬ثم ميكائيل ‪ ،‬ثم إسرافيل ‪ ،‬ثم ملك الموت مع جنوده ‪،‬‬
‫على وسلموا تسليما‪ ،‬وال تؤذوني بتزكية‪،‬‬
‫ثم المالئكة بأجمعها‪ ،‬ثم ادخلوا على فوجا بعد فوج ‪ ،‬فصلوا َّ‬
‫على رجال بيتى ثم نساؤهم ‪ ،‬وأنتم بعد أقرءوا أنفسكم السالم مني ‪،‬‬
‫وال ضجة‪ ،‬وال رنة وليبدأ بالصالة َّ‬
‫ومن غاب من أصحابى فأقرءوه مني السالم ‪ ،‬ومن تابعكم بعدي على دينى‪ ،‬فاقرءوه مني السالم ‪ ،‬فإنى‬
‫أشهدكم أني قد سلمت على من تابعنى على دينى من اليوم إلى يوم القيامة‪ ،‬قلت ‪ :‬فمن يدخلك قبرك يا‬
‫رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬أهلى مع مألئكة كثير يرونكم من حيث ال ترونهم ‪.‬‬
‫‪393‬‬

‫بنت عمارة‪ ،‬عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة‪ ،‬عن عائشة رضى اهلل‬
‫عنها‪ :‬جوف الليل من ليلة األربعاء‪.‬‬
‫من تولى دفنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬وكان الذين نزلوا في قبر رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫مولى رسول اهلل‬ ‫‪231‬‬
‫علي بن أبي طالب والفض ُل بن عباس ‪ ،‬وقُثَم بن عباس ‪ ،‬و ُش ْقران‬
‫ّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقد قال أوس بن َخ ْولي لعلي بن أبي طالب ‪ :‬يا علي ‪ ،‬أن ُش ُدك اهلل ‪ ،‬وحظَّنا من رسول اهلل‬
‫انزل ‪ ،‬فنزل مع القوم ‪ ،‬وقد كان مواله ُش ْقران حين وضع‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال له ‪ْ :‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في ُحفرته وبنى عليه قد أخذ قطيفة‪ ،‬وقد كان رسول اهلل صلى‬
‫بعدك أبداً‪.‬‬
‫أحد َ‬
‫اهلل عليه وسلم يلبسها ويفترشها‪ ،‬فدفنها في القبر‪ ،‬وقال ‪ :‬واللّه ال يلبسها ٌ‬
‫قال ‪ :‬فدفنت مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫أحدث الناس عهداً به صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬وقد كان المغيرة بن ُشعبة ُي ْد َعي أنه أحدث‬
‫الناس عهداً برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬أخذت خاتمى‪ ،‬فألقيته في القبر‪ ،‬وقلت ‪ :‬إن‬
‫أحدث‬
‫َ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأكون‬
‫َ‬ ‫خاتمي سقط مني ‪ ،‬وإ نما طرحتُه عمداً ألمس‬
‫الناس عهداً به صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫بن يسار‪ ،‬عن ِم ْقسم أبي القاسم ‪ ،‬مولى عبد اهلل‬
‫إسحاق ُ‬
‫ُ‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني أبي ‪:‬‬
‫علي بن أبي طالب‬
‫بن الحارث بن نوفل ‪ ،‬عن مواله عبد اهلل بن الحارث ‪ ،‬قال ‪ :‬اعتمرت مع ّ‬
‫رضوان اهلل عليه في زمان ُعمر أو زمان عثمان ‪ ،‬فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ‪،‬‬
‫فسكب له ُغسل ‪ ،‬فاغتسل ‪ ،‬فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من‬
‫فلما فرغ من عمرته رجع ُ‬
‫أهل العراق ‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا الحسن ‪ ،‬جئنا نسألك عن أمر‬

‫‪231‬‬
‫‪.‬وامسه ‪ :‬صاحل ‪ ،‬وشهد بدراً‪ ،‬وهو عبد قبل أن يعتق ‪ ،‬فلم يسهم له ‪ ،‬انقرض عقبه فال عقب له‬
‫‪394‬‬

‫أحدث الناس عهدا‬


‫َ‬ ‫ُّ‬
‫نحب أن تخبرناعنه ؟ قال ‪ :‬أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان ‪.‬‬
‫برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬قالوا‪ :‬أجل ‪ ،‬عن ذلك جئنا نسألك ؟‬
‫قال ‪ :‬كذب قال ‪ :‬أحدث الناس عهداً برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قُثَم بن عباس ‪.‬‬
‫التحذير من اتخاذ القبور مساجد‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني صالح بن َك ْيسان ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة‪ ،‬أن عائشة حدثته ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان َعلَى رسول اهلل‬
‫وج ُعه ‪ ،‬قالت ‪ :‬فهو يضعها مرة على وجهه ‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم خميصة َس ْوداء حين اشتد به َ‬
‫ومرة يكشفها عنه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬قاتل اهلل قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‪َ ،‬ي ْح َذ ُر من‬
‫ذلك على أمته ‪.‬‬
‫آخر ما عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني صالح ابن‬
‫كيسان ‪ ،‬عن ُّ‬
‫الزهري ‪ ،‬عن ُعبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت ‪ :‬كان اخر ما عهد‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن قال ‪ :‬ال ُيترك بجزيرة العرب دينان ‪.‬‬
‫افتتان المسلمين بعد موته ‪ :‬قال ابن إسحاق ‪ :‬ولما تُوفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫عظمت به مصيبةُ المسلمين‪ ،‬فكانت عائشة‪ ،‬فيما بلغنى‪ ،‬تقول ‪ :‬لما تُوفى رسول اهلل صلى اهلل‬
‫ون َجم النفاق ‪ ،‬وصار المسلمون كالغنم‬ ‫عليه وسلم َّ‬
‫ارتد العرب ‪ ،‬واشرأبت اليهودية والنصرانية‪َ ،‬‬
‫الم ِطيرة في الليلة َّ‬
‫الشاتية‪ ،‬لفقد نبيهم صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬حتى جمعهم اهلل على أبي بكر‪.232‬‬ ‫َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم ‪ ،‬أن أكثر أهل مكة لما تُوفى رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم هموا بالرجوع عن اإلسالم ‪ ،‬وأرادوا ذلك ‪ ،‬حتى خافهم َعتَّاب بن‬
‫ِ‬
‫أسيد‪ 233‬فتوارى فقام ُسهيل بن عمرو‪،‬‬

‫‪232‬‬
‫‪.‬قال أبو هريرة‪ :‬لوال أبو بكر هللكت‪ 2‬أمة حممد عليه السالم بعد نبيها‬
‫‪233‬‬
‫‪ .‬كان عتاب واىل مكة‬
‫‪395‬‬

‫فحمد اهلل ‪ ،‬وأثنى عليه ‪ ،‬ثم ذكر وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن ذلك لم‬
‫َي ِزد اإلسالم إال قوة فمن رابنا ضربنا ُعنقَه ‪ ،‬فتراجع الناس وكفوا عما َه ُّموا به ‪ ،‬وظهر َعتَّاب‬
‫بن ِ‬
‫أسيد‪.‬‬
‫فهذا المقام الذي أراد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب ‪:‬‬
‫تذمه ‪.‬‬
‫إنهعسى أن يقوم مقاماً ال ُّ‬
‫شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول ‪ :‬وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فيما حدثنما ابن هشام ‪ ،‬عن أبي زيد األنصاري ‪:‬‬
‫الرسوم وتَ ْه ُم ُد‬ ‫ُمنيروقد تَعفُو‬ ‫وم ْعهَ ُد‬ ‫ِ‬
‫ط ْيبةَ َر ْس ٌم للرسول َ‬
‫بَ‬
‫‪234‬‬
‫ُ‬
‫دار ح ٍ‬
‫ص َعد‬
‫منبر الهادي الذي كان َي ْ‬ ‫بها ُ‬ ‫رمة‬ ‫االيات من ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وال تمتحى‬
‫ومسجد‬
‫ُ‬ ‫صلَّى‬
‫ور ْبعٌ له فيه ُم َ‬ ‫َ‬
‫اثار وباقى م ٍ‬
‫عالم‬ ‫َ‬ ‫وواضح ٍ‬
‫ُ‬
‫وقد‬
‫وي ُ‬ ‫ستضاء ُ‬
‫ُ‬ ‫من اهلل نور ُي‬ ‫طها‬ ‫حجرات كان ينز ُل َو ْس َ‬ ‫ٌ‬ ‫بها‬
‫فاآلي منها تَ َج َّد ُد‬ ‫معارف لم تطمس على ِ‬
‫العهد آيها أتاها البِلَى‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫التر ِب ُمْل ِح ُد‬ ‫وعهده وقبراً بها واراهُ في ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرسول‬ ‫رسم‬
‫عرفت بها َ‬
‫ُ‬
‫‪235‬‬
‫سعد‬
‫الجفن تُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فأسعدت عيون ومثالها ِم َن‬‫ْ‬ ‫الرسول‬
‫َ‬ ‫ظللت بها أبكى‬
‫ُ‬
‫صياً نفسي فنفسى تََبلَّ ُد‬ ‫لها م ْح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرسول وما َأرى‬ ‫آالء‬
‫كر َن َ‬ ‫ُي َذ ْ‬
‫ِ‬
‫الرسول تُ َع ِّد ُد‬ ‫اِل ِ‬
‫الء‬ ‫َّعةً قد َشفَّهافَ ْق ُدأحمد فظلَّت‬
‫ُمفَج َ‬
‫‪236‬‬

‫‪237‬‬
‫َّد‬
‫ولكن لنفسى َب ْع ُدما قد تََوج َ‬
‫ْ‬ ‫عشيرهُ‬ ‫كل ٍ‬
‫أمر‬ ‫بلغت من ِّ‬ ‫وما ْ‬
‫َ‬
‫أحمد‬
‫القبر الذي فيه ُ‬ ‫طلَ ِل ِ‬ ‫أطالت وقوفاً تَ ْذ ِرفطُ َ‬
‫العين ُج ْه َدها على َ‬ ‫ْ‬
‫المس َّد ُد‬ ‫ِ‬
‫الرشيد َ‬
‫ُ‬ ‫بالد ثََوى فيها‬
‫ٌ‬ ‫وبوركت‬
‫ْ‬ ‫الرسول‬ ‫قبر‬
‫ت يا َ‬ ‫فبور ْك َ‬

‫‪234‬‬
‫‪ .‬الرسم ‪ :‬ما بقي من آثار الديار‪ .‬تعفو‪ :‬تدرس ‪ .‬هتمد‪ :‬تبلى‬
‫‪235‬‬
‫‪ .‬أسعدت ‪ :‬أعانت‬
‫‪236‬‬
‫‪.‬شفها‪ :‬أضعفها‬
‫‪237‬‬
‫‪ .‬عشريه ‪ :‬عُشره ‪ .‬توجد‪ :‬من الوجد وهو احلزن‬
‫‪396‬‬
‫‪238‬‬
‫َّد‬
‫صفيح ُمَنض ُ‬
‫ٍ‬ ‫بناء من‬ ‫عليه ٌ‬ ‫طيِّباً‬
‫ض ِّم َن َ‬
‫ورك لَ ْح ٌد منك ُ‬ ‫وب َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أس ُع ُد‬
‫غارت بذلك ْ‬‫ْ‬ ‫عليه وقد‬ ‫وأعي ٌن‬
‫رب أ يد ُ‬ ‫تَهي ُل عليه التُّ َ‬
‫َع ِشيةَ َعلَّ ْوهُ الثََّرى ال ُي َوس ُ‬
‫َّد‬ ‫وعلماً ورحمة‬ ‫لقد َغيَّبوا ِحلماً ِ‬
‫ض ُد‬
‫وأع ُ‬
‫ظهور ْ‬ ‫ٌ‬ ‫وهنت منهم‬ ‫وقد َ‬ ‫بحزن ليس فيهم نبيُّهم‬ ‫ٍ‬ ‫وراحوا‬
‫فالناس أ ْكمد‬
‫ُ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬ ‫ومن قد بكته‬ ‫يومه‬
‫السموات َ‬ ‫ُ‬ ‫ون من تبكى‬ ‫ُيّب ُّك َ‬
‫محمد؟!‬ ‫يوم مات فيه‬ ‫ت يوماً ر ِزَّيةُ ٍ‬
‫ُ‬ ‫رزيةَ ً‬ ‫هالك‬ ‫َ‬ ‫وهل َع َدلَ ْ‬
‫ِ ‪239‬‬
‫وي ْنجد‬ ‫وقدكان ذا ٍ‬ ‫طع فيه ِ‬ ‫تقَ َّ‬
‫نور يغور ُ‬ ‫عنهم‬
‫الوحى ُ‬ ‫منز ُل ْ‬
‫وي ْر ِش ُد‪.‬‬
‫وينق ُذ من َه ْو ِل الخزايا ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرحمن من يقتَدي به‬ ‫ِ‬ ‫يدل على‬ ‫ُّ‬
‫ق إن ُيطيعوه ُي ْس َع ُدوا‬ ‫الحق جاهداً سلِّم ِ‬
‫ص ْد ٍ‬ ‫َّ‬ ‫يهديهم‬ ‫إمام لهم‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫أجود‬ ‫ِ‬
‫بالخير‬ ‫عفٌُّو عن َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫وإ ن ُيحسنوا فاللّهُ‬ ‫ذرهم‬ ‫الزالت َيقب ُل ُع َ‬ ‫َ‬
‫تيسير ما َّ‬
‫يتشد ُد‬ ‫فمن ِ‬
‫عنده‬ ‫ِ‬ ‫وإ ن ناب أمر لم يقوموا ِ‬
‫بحمله‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫صد‬ ‫ِ‬ ‫فبيناهم في ِ‬
‫دلي ٌل به َنهج الطريقة ُي ْق َ‬ ‫نعمة اهلل بينهم‬ ‫ُ‬
‫ويهتدوا‬
‫ُ‬ ‫حريص على أن يستقيموا‬ ‫ٌ‬ ‫عزيز عليه أن َيجوروا عن الهُ َدى‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫ويمهَ ُد‬ ‫إلى َكَنف يحنوعليهم َ‬ ‫الي ِّثني َج َ‬
‫ناحه‬ ‫عطوف عليهم ُ‬
‫‪240‬‬
‫ٌ‬
‫ِ ‪241‬‬ ‫ِ‬
‫الموت ُمقص ُد‬ ‫نورهم سهَ ٌم من‬ ‫إلى ِ‬ ‫فبينا ُه ُم في ذلك ِ‬
‫النور إذ غدا‬
‫حمد‬
‫وي ُ‬ ‫ِ‬
‫فأصبح محموداً إلى اهلل راجعاً ُيبكيه حتى المرسالت ُ‬
‫‪242‬‬

‫لغ ْي ِ‬
‫هد‬
‫بة ما كانت من الوحى تُ ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫الح ْرِم َو ْحشاً ُ‬
‫بقاعها‬ ‫بالد ُ‬
‫وأمست ُ‬
‫ْ‬
‫‪243‬‬
‫وغرقَ ُد‬ ‫فقيد ُيَبكينه َبالطٌ‬
‫ٌ‬ ‫ِقفاراً سوى معمور ِة ِ‬
‫اللحد ضافَها‬
‫ْ‬
‫وم ْق َع ُد ‪.‬‬ ‫فالموحشات ِ‬
‫قام َ‬ ‫الء له فيه َم ٌ‬ ‫َخ ٌ‬ ‫لفقده‬ ‫ُ‬ ‫سجده‬
‫وم ُ‬ ‫َ‬

‫‪238‬‬
‫‪ .‬الصفيح ‪ :‬احلجارة‪ .‬منضد‪ :‬بعضه فوق بعض‬
‫‪239‬‬
‫‪ .‬يغور‪ :‬من الغور وهو ما اخنفض من األرض ‪ .‬وينجد من النجد‪ :‬وهو ما ارتفع من األرض‬
‫‪240‬‬
‫‪ .‬الكشف ‪ :‬اجلانب‬
‫‪241‬‬
‫‪.‬مقصد‪ :‬مصيب ‪ :‬اسم فاعل من أقصد‬
‫‪242‬‬
‫‪ .‬املر سالت ‪ :‬املالئكة‬
‫‪243‬‬
‫‪.‬ضافها‪ :‬نزل هبا‪ .‬البالط ‪ :‬ما استوى من األرض ‪ .‬الغرقد‪ :‬نوع من الشجر‬
‫‪397‬‬

‫لد‬
‫وم ْو ُ‬
‫ور ْبعٌ َ‬ ‫ات َ‬‫ص ٌ‬‫وع ْر َ‬
‫ديار َ‬ ‫وبالجمر ِة الكبرى له ثََّم ْأو َح َش ْ‬
‫ت‬
‫دمعك َي ْج َم ُد‬ ‫ِّ‬
‫الدهر ُ‬
‫َ‬ ‫أعرفنك‬
‫ْ‬ ‫وال‬ ‫عين َعبرةً‬‫رسول اهلل يا ُ‬
‫َ‬ ‫فبكى‬
‫ِ‬
‫الناس منهاسابغ ُيتَ َغ َّم ُد‬ ‫على‬ ‫الن ِ‬
‫عمة التي‬ ‫التبكين ذا ِّ‬ ‫وم ِ‬
‫الك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يوج ُد‬ ‫ِ‬ ‫ال فجودي عليه بالدموع ِ‬
‫الدهر َ‬ ‫لفقد الذي المثلُه َ‬ ‫وأعولى‬
‫والمثلُه حتى القيامةَ ُيفقَ ُد‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫مثل‬
‫ومافقدالماضون َ‬
‫َّ ‪244‬‬
‫وأقرب منه نائالً ال ُيَنك ُد‬
‫َ‬ ‫بعد ِذمة‬
‫وأوفَى ذمةً َ‬
‫ف ْ‬ ‫أع َّ‬
‫َ‬
‫‪245‬‬
‫ضن ِم ْعطاء بماكان ُي ْتلَ ُد‬ ‫إذا َّ‬ ‫وتال ٍد‬
‫للطريف ِ‬
‫ِ‬ ‫وأبذ َل منه‬
‫طحياً ُي َس َّو ُد‪، 246‬‬ ‫وأكرم َج ًّدا أب َ‬ ‫انتمى‬ ‫ِ‬
‫البيوت إذا‬ ‫وأكرم صيتأ في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دعائم ِعزشاهقات تُشي ُ‬
‫َّد‬ ‫العال‬ ‫ِ‬
‫وأمنع ذروات وأثبت في ُ‬
‫‪247‬‬
‫َ‬
‫‪248‬‬
‫يد‬
‫أغ ُ‬
‫فالعود ْ‬
‫ُ‬ ‫الم ْز َن‬
‫وعوداً َغذاهُ ُ‬
‫ُ‬ ‫وم ْنَبتا‬
‫الفروع َ‬
‫ِ‬ ‫وأثبت فرعاً في‬
‫َ‬
‫َّد‬ ‫ِ‬
‫الخيرات َرب ُممج ُ‬ ‫ِ‬
‫اكرم‬ ‫تمامه على‬
‫فاستتم ُ‬
‫َّ‬ ‫َرباه وليداً‬
‫‪249‬‬
‫الرأي ُي ْفَن ُد‬
‫ُ‬ ‫العلم محبوس وال‬
‫فال ُ‬ ‫تناهت َوصاةُ المسلمين بكفِّه‬
‫ْ‬
‫‪250‬‬ ‫عازب ِ‬
‫العقل ُم ْب َع ُد‬ ‫ُ‬ ‫عائب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الناس إال‬
‫لقولي‬ ‫من‬
‫أقول وال ُيْلقَى‬
‫َ‬
‫الخْل ِد ْ‬
‫أخلُ ُد‬ ‫جنة ُ‬‫لعلِّى به في ِ‬
‫هواي نازعاً عن ثنائِه‬
‫َ‬ ‫وليس‬
‫وأجهَ ُد‬
‫أسعى ْ‬ ‫مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي ِ‬
‫نيل ذاك ِ‬
‫اليوم َ‬ ‫َ‬
‫وقال حسان بن ثابت أيضا‪ ،‬يبكى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫األر َم ِد‬ ‫ِ‬
‫ت ماقيها ب ُكحل ْ‬‫ُك ِحلَ ْ‬ ‫تنام كأنما‬
‫ما با ُل عينك ال ُ‬
‫بع ِد‬
‫خير من وطىء الحصى التَ َ‬ ‫المهدي أصبح ثَاوياً يا َ‬
‫ِّ‬ ‫جزعاً على‬

‫‪244‬‬
‫‪.‬ال ينكد‪ :‬ال يكدر‬
‫‪245‬‬
‫‪.‬الطريف ‪ :‬ما استحدث من املال ‪ .‬التالد‪ :‬املال املوروث ‪ .‬يتلد‪ :‬يكتسب قدميا‬
‫‪246‬‬
‫‪ .‬الصيت ‪ :‬الذكر احلسن ‪ .‬األبطحي ‪ :‬املنسوب إىل أبطح مكة‬
‫‪247‬‬
‫‪.‬الذروات ‪ :‬األعاىل‬
‫‪248‬‬
‫‪ .‬املزن ‪ :‬السحاب ‪ .‬أغيد‪ :‬ناعم‬
‫‪249‬‬
‫‪.‬يفند‪ :‬خيطأ‬
‫‪250‬‬
‫‪.‬عازب العقل ‪ :‬بعيد العقل غائبه‬
‫‪398‬‬

‫الغ ْرقَِد‬
‫بقيع َ‬
‫يبت قبلَك في ِ‬
‫ُغ ُ‬ ‫لهفي ليتنى‬ ‫وجهي يقيك التُّْر َ‬
‫ب َ‬
‫‪251‬‬

‫النبى المهتَِدي‬ ‫في ِ‬


‫يوم االثنين ُّ‬ ‫دت وفاتَه‬ ‫بأبى وأمى من َش ِه ُ‬
‫تلدداً يا ليتنى لم أولَِد‬ ‫ُم ِّ‬ ‫بعد وفاتِه ُمتبلداً‬‫ت َ‬ ‫ِ‬
‫فظلْل ُ‬
‫ت ُس َّم األسو ِد‬ ‫ِّح ُ‬
‫صب ْ‬ ‫بين ِ‬ ‫ِ‬
‫يا ليتنى ُ‬ ‫هم‬ ‫بالمدينة َ‬ ‫بعدك‬
‫أأقيم َ‬
‫‪252‬‬
‫ُ‬
‫حة من يو ِمنا أو من َغ ِد‬ ‫في رو ٍ‬
‫َْ‬ ‫أمر اهلل فينا عاجالَ‬ ‫َّ‬
‫أو َحل ُ‬
‫ِ ِ ‪253‬‬
‫المحتد‬ ‫كريم ْ‬ ‫ضرائبه َ‬ ‫ُ‬ ‫َم ْحضاً‬ ‫فتقوم ساعتُنا فنلقَى طيِّباً‬ ‫ُ‬
‫األس ُع ِد‬
‫صنةٌ بسعد ْ‬
‫ِ‬
‫ولدته ُم ْح َ‬ ‫المبارك بِ ْك ُرها‬
‫َ‬ ‫يا بِ ْك َر امنةَ‬
‫هتدي‬ ‫المبارك ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫البرية كلِّها من ُيهد ِ‬
‫للنور‬ ‫ِ‬ ‫نوراً أضاء على‬
‫َ‬
‫ِ ‪254‬‬ ‫في ٍ‬
‫عيون الحسَّد‬ ‫َ‬ ‫جنة تَثْنى‬ ‫رب فاجمعنا معا ونبيَّنا‬ ‫يا ِّ‬
‫ُّود ِد‬
‫العالَ والس َ‬ ‫ِ‬
‫فاكتبها لنا يا ذا الجالل وذا ُ‬ ‫الفردوس ْ‬ ‫ِ‬ ‫في ِ‬
‫جنة‬
‫ِ ‪255‬‬ ‫ٍ‬
‫النبى محمد‬ ‫بكيت على ِّ‬ ‫إال ُ‬ ‫بهالك‬ ‫واللّ ِه أسمعُ ما ُ‬
‫بقيت‬
‫المْل َح ِد‬ ‫ِ‬
‫المغيَّب في َسواء َ‬
‫ِ‬
‫ورهطه بعد ُ‬
‫النبى ْ ِ‬ ‫أنصار ِّ‬‫ِ‬ ‫وي َح‬
‫يا ْ‬
‫كلون اإلثْ ِم ِد‬ ‫هم ِ‬ ‫وجوه ُ‬
‫ُ‬ ‫البالد فأصبحوا سوداً‬ ‫ُ‬ ‫باالن ِ‬
‫صار‬ ‫ضاقت ْ‬
‫ِ ‪256‬‬
‫وفضو َل نعمتِه بنا لم َن ْج َحد‬ ‫قبره‬
‫ولقد َولدناه وفينا ُ‬
‫ساعة َم ْشهَِد‬ ‫ِ‬ ‫أنصاره في ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫وه َدى به‬ ‫واللّهُ اكرمنا به َ‬
‫بارك ِ‬
‫أحمد‬ ‫والطيبون على الم ِ‬ ‫ِ‬
‫بعرشه‬ ‫ف‬‫صلى اإللهُ ومن َي ُح ُّ‬
‫ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪251‬‬
‫‪ .‬بقيع الغرقد‪ :‬مدافن أهل املدينة‬
‫‪252‬‬
‫‪ .‬صبحت سم األسود‪ :‬أى سقيت صباحاً سم األسود‪ ،‬واألسود نوع من احليات‬
‫‪253‬‬
‫‪ .‬الضرائب ‪ :‬الطبائع ‪ .‬احملتد‪ :‬األصل‬
‫‪254‬‬
‫‪.‬تثىن ‪ :‬تبعد‬
‫‪255‬‬
‫‪ .‬واللّه أمسع ‪ :‬أي واللَه ال أمسع‬
‫‪256‬‬
‫‪.‬يريد‪ :‬بولدنا‪ ،‬أن أخوال والد الرسول صلى اهلل عليه وسلم من بىن النجار‬
‫‪399‬‬
‫‪257‬‬
‫عنهم َس َح َرا‬
‫النبى تولى ُ‬
‫مع ِّ‬ ‫الخير فارقَهم‬ ‫المساكين أن َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫َن ِّ‬
‫ط َرا‬
‫ورزق أهلى إذا لم ُيؤنسوا الم َ‬ ‫ُ‬ ‫رحلى وراحلتى‬ ‫من ذا الذي عنده ْ‬
‫‪258‬‬
‫القول أو َع َثرا‬ ‫اللسان َعتَا في ِ‬ ‫أم من نعاتب ال نخشى ج ِ‬
‫ناد َعه إذ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫والبصرا‬
‫َ‬ ‫السمع‬
‫َ‬ ‫بعد االله وكان‬ ‫َ‬ ‫نتبعه‬
‫النور ُ‬ ‫الضياء وكان َ‬ ‫َ‬ ‫كان‬
‫المد َرا‬
‫وغيَّبوه وألقَ ْوا فوقَه َ‬ ‫بمْل ِح ِده‬
‫يوم واروه ُ‬ ‫فليتنا َ‬
‫كرا‬
‫بعده أنثى وال َذ َ‬ ‫ولم َي ِع ْش َ‬ ‫بعده أحداً‬ ‫يترك اهلل منا َ‬ ‫لم ِ‬
‫امر اهلل قد قُِدرا‬ ‫وكان أمراً من ِ‬ ‫النجار كلِّهم‬
‫ِ‬ ‫رقاب بني‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ُذلَّ ْ‬
‫بينهم َه َد َرا‬ ‫وبددوه ِجهاراً َ‬ ‫َّ‬ ‫الناس كلِّهم‬
‫ِ‬ ‫دون‬
‫الفىء َ‬ ‫ُ‬ ‫واقتُسم‬
‫وقال حسان بن ثابت يبكى رسو َل اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيضاً‪:‬‬
‫ِ ‪259‬‬ ‫ِ‬
‫رغير إ ْفناد‬‫منى ألَّيةَ َب َ‬ ‫الناس ُمجتهداً‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬
‫ِ‬ ‫اليت مافي‬
‫ُ‬
‫األمة ِ‬
‫الهادي‬ ‫نبي ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسول ِّ‬ ‫ِ‬
‫مثل‬ ‫ت‬
‫ض َع ْ‬
‫تاللّه ما حملت أنثى وال َو َ‬
‫ِ‬
‫بميعاد‬ ‫أوفى ِ‬
‫بذمة جار أو‬ ‫وال َب َرا اهلل خلقاً من بريتِه‬
‫ْ‬
‫عدل وإ ِ‬
‫رشاد‬ ‫األمر ذا ٍ‬ ‫ُمبارك ِ‬ ‫ضاء به‬
‫من الذي كان قينا ُيستَ ُ‬
‫ِ‬
‫بأوتاد‬ ‫فوق قَفا ستْر‬ ‫ض ِر ْبن َ‬ ‫فما َي ْ‬ ‫البيوت‬
‫َ‬ ‫أمسى نساؤك َعطَّْل َن‬
‫‪260‬‬
‫النعمة البادي‬‫ِ‬ ‫بعد‬ ‫ِ‬
‫بالبؤس َ‬ ‫َّ‬
‫أيقن‬ ‫المباذل قد‬
‫َ‬ ‫يلبسن‬ ‫ِ‬
‫الرواهب‬ ‫مثل‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ ‪261‬‬ ‫ِ‬
‫المفر ِدالصادي‬ ‫أصبحت منه كمثل َ‬ ‫ُ‬ ‫الناس إني كنت في َنهَر‬ ‫ِ‬ ‫يا أفض َل‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬عجز البيت األول عن غير ابن إسحاق ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫‪ .‬نب ‪ :‬نىِّب ‪ ،‬سهل فعل األمر حبذف اهلمزة‪ ،‬مث بناه على حذف حرف العلة كما يبىن املعتل‬
‫‪258‬‬
‫‪.‬اجلنادع ‪ :‬أوائل الشر‬
‫‪259‬‬
‫‪ .‬األلية ‪ :‬اليمني ‪ .‬اإلفناد‪ :‬اخلطأ والعيب‬
‫‪260‬‬
‫‪ .‬املباذل ‪ :‬األثواب اليت تستعمل يومياً أو األثواب اخللقة‬
‫الصادي ‪ :‬الشديد العطش‪ . .‬وقد رثاه غير حسان الكثير من الشعراء‪ .‬ولكن كان المرثي أعظم من‬ ‫‪261‬‬

‫أن يرثى وكانت المصيبة اكبر من شعر الشعراء ورثاء الراثين وحزن المحزونين ‪.‬‬
‫‪400‬‬

‫تم بعون اهلل وحسن توفيقه‬


‫الجزء السادس‬
‫من السيرة النبوية‬
‫البن هشام‬
‫أبي محمد عبد الملك بن هشام‬
‫ابن أيوب الحميري المعافري البصري ‪.‬‬
‫المتوفى عام ‪ 2 31‬الموافق لعام ‪ 82 8‬م‬
‫وبتمامه يتم الكتاب‬
‫وكان الفراغ من تحقيقها ومراجعتها وكتابة فهارسها‬
‫جمادى اآلخرة‬
‫َ‬ ‫صباح يوم الجمعة ‪29‬‬
‫عام ‪ 1410‬الموافق ‪ 26‬يناير ‪1990‬‬
‫وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫‪401‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الخاتمة‬
‫نرجو من اهلل حسنها‬
‫يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير ‪ ،‬الذى حرم من نعيمه أهل البعد‬
‫المتكرم بإدخال أهل طاعته الجنة فهم أهل السعادة ‪ ،‬الخائف وعيد ربه الراجي منه‬
‫الوعد ‪ :‬أبو محمد طه عبد الرءوف سعد ‪ ،‬وأنا معترف بتقصيري وعيوبي وقلة‬
‫حيلتي وكثرة ذنوبي ‪ ،‬طالبا إلى اهلل عالم الغيوب أن يتوب عليّ ويغفر ذنوبي ‪.‬‬
‫الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو أن هدانا اهلل ‪ ،‬والصالة والسالم‬
‫عليك يا سيدي يا رسول اهلل صلبى اهلل عليك وسلم وعلى آلك وأصحابك والتابعين‬
‫وتابيعيهم بإحسان ومن نهج نهجك وسار على سبيلك واتبع سنتك إلى يوم ال ينفع‬
‫مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم ‪.‬‬
‫‪ :‬فأنت أعز أوكرم ألنهم ال‬‫فمهما يقول المؤرخون ومها يصف الواصفون‬
‫يستطيعون أن يحلوك مكانًا رفعك اهلل إليه بقوله تعالةى " وإنك لعلى خلق عظيم "‬
‫فتكلف األقالم ولتصمت األلسنة فلن توفيك األقالم حقك وال تستطيع األلسنة أن‬
‫تقدرك حق قدرك ‪.‬‬
‫‪402‬‬
‫" لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين‬
‫رءوف رحيم ‪ ،‬فإن تولوا فقل حسبيى اهلل ال إله إال هو عليه توكلت وهو رب العرش‬
‫العظيم " ‪.‬‬
‫صدق اهلل العظيم‬

You might also like