Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫قصة المير والصياد‬

‫تيحكى أنه كانت هناك مملكة جبلية تتطُل على البحر‪ .‬كانت تعيهش وأهلههها فههي رخههاء وسههعادة بفضهل ملكههها‬
‫الصالح الذي أممن لرعيتهه الهرزق والعيهش الكري م وقبهل ذلهك المهن والطُمأنينهة‪ .‬أحهب الملهك مملكتهه ورعيتهه‬
‫ص وتفانن ‪ ،‬ولذا فقد بادله الرعيهة التحههب بهالحب والتفههاني لرضهاءه‪ .‬عمههل معظههم سهكان المملكههة‬
‫وخدمهما بإخل ن‬
‫بالزراعة ورعي الماشية وصيد السمك ‪ ،‬والبعض بالتجارة‪.‬‬

‫كانت زوجته الملكة تمتوفاة وقد لحق بها بعدة سنوات ‪ ،‬وقههد كههانت أنجبههت لههه إبنيههن كانهها ل يههزالن طفليههن‪.‬‬
‫حزن الرعية لموت ملكهم حزنا ا شديداا لصلحه وعدله‪ .‬طال الحداد لكن سهللموا بهالمر وأدركهوا أنهه ل مفهر مهن‬
‫القضاء‪ .‬عقب وفاة الملك أشرف على حكم المملكة وتربية الميرين الصغيرين عدد من المخلصههين الوفيههاء مهن‬
‫صة الملك في حياته‪ .‬كتبر الميران وحان وقت توليهما زمام الحكم‪ .‬كان فارق السن بينهما سههنوات ‪،‬‬
‫مرافقي وخا ت‬
‫ولن البن الكبر دائمههاا مهها يحظههي بالولويههة فتههم تههوليته‪ .‬وللمفارقههة ‪ ،‬رغههم أنهمهها شههقيقان إل أن شخصههيتانهما‬
‫متناقضتين‪.‬‬

‫كان الخأ الكبير دائم المرح تمنصرفاا لملذات الحياة ‪ ،‬علوة على مكبره وفظاظته ‪ ،‬وأصدقائه المقربون من‬
‫تعلية القوم ممن هم على شاكلته‪ .‬لم يكن يخرج إل مع حرس وحاشية تمسههلحة رغههم المههان الههذي عاشههته مملكتههه‬
‫حينئذ‪ .‬وبلغت به العزة بالنفس والغرورعدم مخالطُة العامة من رعيته أو التعههرف علههى أحههوالهم‪ .‬مههن أجههل ذلههك‬
‫بغض الجميع سلوكه وتصرفاته وحاول البعض نصحه إل أنه قابل التنصح بالساءة والعصيان ‪ ،‬فكرهههه كههل مههن‬
‫عرفه وتمنوا لو أن والده الملك الراحل لم ينجبه! بينما هو بقي تمنصرفا ا لملذاته ورفقاءه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كان البن الصغر على عكس شقيقه تماما ا ‪ ،‬طيب القلههب متواضههعاا ‪ ،‬يحههب الرعيههة ويسههعى بينهههم ويطُمههأن‬
‫على أحوالهم كأبيه ولذا فقد أحبوه وأطاعوه ‪ ،‬لكن ما تأسف له أنه لم يملك من المر شههيئا ا فههالحكم بيههد أخيههه الههذي‬
‫حكم المملكة بالقسوة والتضييق على الناس في العيش والمعههاش‪ .‬تمنههى أهههل المملكههة أن يحكمهههم هههو بههدل أخيههه‬
‫الهوج ‪ ،‬بيد أن ذلك لم يتحقق بسبب وصية الملك بخلفة ابنه المبكر‪.‬‬

‫في أحد اليام كان المير الحاكم يتجول بالصدفة على سفح جبل فرأى أحههد صههيادي السههمك علههى الشههاطىء‬
‫يحمل على كتفيه سمكتين ضخمتين ويهم بترك مركبه المتهالك‪ .‬نههزل الميههر بسههرعة وجههاء للصههياد يسههأله عمهها‬
‫يفعله وقد غارت نوازع الشر والغطُرسة بداخله ‪ ،‬فأجابه بأنه صياد سمك فقير ل يملك سوى هذا المركههب القههديم‬
‫وشباكاا مهترئة يسترزق منها ليعيهل عهائلته الكهبيرة‪ ،‬وقههد رزقههه اهه السهمكتين‪ .‬لهم تههترق قصههة الصهياد العجهوز‬
‫المسكين للمير المتعجههرف ‪ ،‬فقهد أعجتبهه السهمكتان الطُازجتهان وقهرر أن يهوملم بهمها لغ داء ذلهك اليهوم ودعهوة‬
‫المقربين من أصدقاءه ليشاركوه مائدته‪ .‬أختطُف رجال المير السههمكتين بل رحمههة أو خجههل مههن الصههياد الههذي‬
‫حاول متوس ا‬
‫ل بأل يفعلوا وأن يتركوه وشأنه ‪ ،‬لكنهم بكل وقاحة نههروه وعههاجلوه ببعههض اللكمههات ودفعهوه للمههاء‬
‫وقد اغرورقت عيناه بالدموع وتركوه‪ .‬نهض العجوز وهو تمبتل حزين تؤلمه أوجاع الضههرب لكههن الشههد إيلمهها ا‬
‫حزنه على رزق هذا اليوم الذي تأختطُف منه ولم يستطُع فعل شيء ‪ ،‬وأخذ يتمتم بكلمههات كههالمجنون عنههد عههودته‬
‫للبيت ‪ ،‬ويفكر ماذا سهيقول لهلهه‪ .‬حهزن الجميهع للصهياد متهأثرين بمصهابه ‪ ،‬ومها عسهاهم فعلههه س وى مواسهاته‬
‫ومساعدة أسرته بما تيسر ‪ ،‬فتكلهم عانوا مع هذا المير المتغطُرس الذي كلدر حياتهم‪.‬‬

‫وصل المير لقصره واستدعى الطُهاة وأمرهم بشي السمكتين وتحضير الطُعام‪ .‬جمهز الغداء وجلههس الميههر‬
‫ورفاقة على المائدة وهموا بتناول الطُعام وأحاديث النشراح وضحكاتهم ل تكاد تنقطُع ‪ ،‬وأثنههاء طعههامهم تنههاول‬
‫المير قطُعة سمك وفي غمرة انشغاله بالحديث انغرست شوكة في إبهامه ليصرخأ صرخة قوية قصيرة ‪ ،‬نزعههها‬

‫‪2‬‬
‫وواصل الكل وسط قهقاتهم وتعليقهاتهم علهى الموقهف الطُريهف‪ .‬أنههوا طعهامهم وودعهوا صهاحبهم وذههب ه و‬
‫ليرتاح‬

‫قلي ا‬
‫ل‪ .‬بعدها بيومين شعر المير بوخز في إصبعه فظن أنه أثر للشوكة فلههم يهتهم‪ .‬بمههرور الهوقت زاد الوجهع ولههم‬
‫يكترث له كثيراا ‪ ،‬وبعد أيام لحظ إحمرار وتللوترم إصبعه ‪ ،‬فشعر بهالقلق وخههالله جهرح بسهيط يمكهن علجههه‪ .‬قهام‬
‫بإستدعاء طبيبه ‪ ،‬ففحص موضع اللم ليفاجئه بأنه جرح خطُير وقد تأخر قليلا في إدراكه لكنه سيحاول فعل مهها‬
‫بوسعه لعلجه‪ .‬إنزعج المير من كلمه وقملق وبقي أياماا عدة لم يشههعر بههها بطُعههم للطُعههام أو النههوم وانقطُههع عههن‬
‫رفاقه وتحرج من رؤيتهم‪ .‬بعد عدة أيام جاء الطُبيب ليصعقه بنتيجة فحوصاته ‪ ،‬ليتبين أنه تقيح غائر بههدأ يتغلغههل‬
‫رويداا رويداا في كامل اليد ومنها إلى باقي الجسههم إن لهم يفعههل شههيئاا‪ .‬تيلبهس الميههر وكأنمهها صههاعقةا ضههربته وقهد‬
‫تشققت الرض أسفله ليصرخأ في وجهه طبيبه‪ ً:‬ماذا تعني؟ هل سأموت؟ ومهها العلج؟ فههرد عليههه خائفهها ا تمرتعههداا‪ً:‬‬
‫أخشى يا مولي أنه ل أمل في العلج ول بد من قطُع البهام حتى ل تتفاقم المور ‪ ،‬وما أن سمع المير بكلمههاته‬
‫الخيرة حتى كاد أن يسقط مغشياا عليه من هول الصههدمة وقههام بلطُمههه لطُمههة قويههة سههمعها حههتى مههن هههم خههارج‬
‫الحجرة ‪ ،‬وهدده بالقتل إن كرر كلمه وأمر الحرس بسجنه كونه نذير شؤم بخبره هذا ومخافة فضح أمههره‪ .‬قههرر‬
‫لعناده وتشبثه بالحياة البحث عن تمطُبيين آخرين لمهرة ‪ ،‬فعل وجاب المملكة طولا وعرضا ا وحههتى خارجههها وهههو‬
‫يبحث عن من ينقذه ويده‪ .‬لم يلق سوى ذات الرد‪ ً:‬البتر‪ .‬واصل المير لكبره تمتجاهلا المر كأنه لم يكن لكههن ذلههك‬
‫لم يفده فأصبح القيح وعفن الجرح ظاهراا ومؤلماا‪ .‬اسهتدعى طهبييه ليخهبره بهأن الجههرح تطُهور ليصهيب كفهه ولهم‬
‫يصدقه أيضاا ‪ ،‬وتجاهله ليصبح الجرح أكثر غوراا ليصيب رسغه ‪ ،‬إل أنه تابع هكذا ليصل المههر منتصههف يههده‬
‫ثم مرفقه ‪ ،‬وهنا بدأ بالبكاء والحديث كالمخبول مع حرسه وهو يتمتم بكلمات لم يفهمههوا معظمههها مههن شههدة حزنههه‬
‫وألمه حيث ثتقل لسانه من هول المصيبة فلم يملكوا إل اليماء برؤوسم والطُأطأةا عطُفا ا ورهبةا إذ نحل بدنه وغاب‬
‫ذهنه ولم ينم أو يأكل لشهر‪ .‬بدأ تمغيبهها ا عهن مهها حهوله وكهان دومههاا يتسهاءل فهي قههرارة نفسههه وههو بيهن الغيبوبههة‬
‫واليقظة‪ ً:‬لم فعلت ذلك؟ وما الفائدة؟ وكيف السبيل للنجاة؟ وغيرها من التساؤلت‪ .‬من المؤكد أن كل فرد بمملكتههه‬
‫يعرف الجوبة وأولهم هو ‪ ،‬لكن ماذا بعد؟! كما كان يقول لنفسه‪ .‬جاء اليوم الههذي تسهتبتر فيههه ذراعههه كمهها حههدده‬
‫تمطُببوه وإل فسيموت‪ .‬فع ا‬
‫ل جاء بهم شقيقه إليه ‪ ،‬فقاموا بتخديره وبترها ‪ ،‬ورغم غيبوبته إل أن شدة الوجع جعلته‬
‫يصرخأ صرخة اهتزت لها جنبات القصر بل كادت أن تسمعها المملكة بأكملها ‪ ،‬لكهن ذلهك لهم يسهاوي شهيئا ا أمهام‬
‫رؤيته لما حل به ‪ ،‬فشهق شقهة عميقة وفقد وعيه للحظات من الصدمة ثم استفاق وأخههذ يتحسههس يمنههاه المبتههورة‬
‫ال تملقاة بجانبه وبقيتها بجسده‪ .‬اغرورقت عيناه بالدموع وشرع في البكاء والعويل كالطفههال‪ .‬كههان منظههره كيئبهها ا‬
‫تمثيراا للشمزاز تشفيا ا وقهراا لما فعله بنفسه وبغيره‪ .‬حزن الخأ الصغير على أخيه لكههن لههم يملههك سههوى مواسههاته‬
‫‪3‬‬
‫ل ‪ ،‬ولم تمض أيام حهتى كهان لوحههده جالسهها ا تيقلههب فكهره هنهها وهنههاك ويسهتعيد سلسهلة‬
‫وتعزيته‪ .‬تركوه ليرتاح قلي ا‬
‫ت كطُيف كانت بالمس القريب حيث يلهو ويمرح بعنفوانه وجبروته دونما مبالة ‪ ،‬إل أنه توقف قليلا عنههد‬
‫ذكريا ن‬
‫موقفه مع الصياد ‪ ،‬فأدرك حينها أن تجل ما حدث وقع لتصرفاته الخرقاء‪ .‬ماذا عساي فعله الن وأنا إنسان عاجز‬
‫معوق؟! أين أصدقائي الذين كانوا من حولي ‪ ،‬أل يرغبون بزيارتي والطمئنان عللي؟! هكذا حدث نفسه ودموعه‬
‫بعينيه‪.‬‬

‫أخيراا هداه تفكيره لنهاء حياته وقد فعل وتقضي المر‪ .‬ألقى بنفسه من الشرفة المطُلة على حديقة القصههر ‪ ،‬فوقههع‬
‫وإذا هو بجثة هامدة علههى العشههب ‪ ،‬وقههد سههالت الههدماء بغههزارة مههن أنفههه وفههاه الفههاغر ووجهههه التمتشههقق وعينههاه‬
‫صعقوا لهول المنظر ودمعت عينا أخيه وأحتضن‬
‫جاحظتان‪ .‬جاء الحراس ومعهم شقيقه على صوت الرتطُام ‪ ،‬ف ت‬
‫جثته يناجيها عله يستفيق‪ .‬ذاع الخبر وحزن الرعية قهههراا وشههفقاة عليههه رغههم ظلمههه ‪ ،‬ولنههه ابههن ملكهههم الراحههل‬
‫وشقيقه الطُيبين ولم يكن يستحق قرابتهما له‪ .‬أدرك الجميع يقيناا أن ما حدث هو جزاء القدر لمهها فعلههه فههي حيههاته‪.‬‬
‫حزن الخأ الصغيرعلى أخيه أيام عدة لكنه أسلم أمره ل ‪ ،‬وقد وملى الحكم ‪ ،‬فأرضى الصياد وعلوضه وأصهلح مها‬
‫أفسده أخوه من أحوال المملكة التي عادت ورعيتها لما نعموا به من عيش هانئ آمن‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like