Professional Documents
Culture Documents
الإعلام الديني والربيع العربي
الإعلام الديني والربيع العربي
?THE WHAT
مجلة
ثقافية
إلكترونية
نصف شهرية
مــع بدايــة الثــورات العربيــة أو مــا يعــرف بـــ «الربيــع تدقيق لغوي
العــر�» ف� نهايــة عــام ،2011تغــرت الكثــر مــن أ
الشــياء ي ي بي ي د .عبد السالم شرماط
ف� الســاحة السياســية والثقافيــة العربيــة ،بــل وحــىت
ي تنفيذ
إالعالميــة ،حيــث وصــل عــدد القنــوات الفضائيــة العربيــة رنا عالونه
ـى ال يصــل عددهــا إال إىل نحــو 65قنــاة ،وبعــد القنــوات ت
الـ ي
في نطاق استعادة المعلومات أو نقلها بأي شكل من
األشكال دون إذن خطي مسبق من مؤسسة «مؤمنون بال
الغنائيــة المختصــة ببــث الكليبــات وبرامــج المنوعــات حدود».
ـى احتلــت المرتبــة الثالثــة بمجمــوع والســهرات الغنائيــة الـ ت
ت ي No Part of this magazine may be reproduced,
ـى
124قنــاة ،وقنــوات الدرامــا مــن أفــام ومسلســات ،والـ ي stored in any retrieval system, or transmitted in any
احتلــت المرتبــة الثانيــة بمجمــوع 152قنــاة ،فيمــا تحتــل form or by any means without prior permission
القنــوات الرياضيــة المرتبــة أ
الوىل بمجمــوع 170قنــاة. in writting of (Mominoun Without Borders
Association).
(الســامية
فــإذا كانــت أغلــب هــذه القنــوات الدينيــة إ
والمســيحية) ،تُقــدم نفســها بأنهــا تســعى لتقديــم إعــام
هــادف وتنويــري ،وتنمــوي يســهم ف ي� ترســيخ القيــم
الصيلــة ،وينطلــق مــن حاجــات والمفاهيــم الدينيــة أ
المجتمــع وثوابتــه ،مــن خــال اســتثمار تقنيــات إالعــام اآلراء الواردة في المجلة ال تمثل بالضرورة مؤسسة «مؤمنون بال
ـ� يســتقطبوالعــان واالتصــال ،وفــق منهــج علمــي وعمـ يإ حدود» ،وال تعبر بالضرورة عن رأي أي من العاملين فيها.
والخــاق الســامية، عــى محورتــه حــول القيــم المشـ تـركة أ اهتمــام ش�ائــح المجتمــع بمــا يكفــل تأثـ يـراً يحقــق التغيـ يـر
يك يدفــع نحــو المحبــة والتعايــش والســام. المنشــود ،وأنهــا أيضــاً وســيلة مســاعدة للمؤمــن ،مهمــا
كانــت عقيدتــه ،يك يحافــظ عــى انتمائــه ،ويعــزز انفتاحــه
والكاديميةويتضمــن بــاب «رأي ذوات» مقاال للشــاعرة أ الخــر المغايــر ،ويمــد لــه يــد المســاعدة بوصفــه عــى آ
ً
ن أ إنســاناً ،بغــض النظــر عــن االنتمــاءات الدينيــة والطائفيــة
تكتبــ�؟» ،ومقــاال ً ي الردنيــة مهــا العتــوم بعنــوان «عــم
ـواك بعنــوانـر� نــارص فطـ ي
ت
ثانيــا للباحــث والم�جــم المغـ ب ي الضيقــة ،فإنهــا رسعــان مــا تُظهــر ف ي� خطاباتهــا المتنوعــة،
الــرام وتســامح» ،والثالــث للباحــث «بيــارن ملكفيــكك :ت ز وغــر االختصــاص ،نوايــا رهيبــة، مــن ذوي االختصــاص ي
ـر� المعــارص ،غيضــان ف
المــري ي� الفلســفة والفكــر العـ ب ي تكشــف عــن وجــه مظلــم ،وعــن أفــكار مرعبــة ،تســعى
بــ� المثقــف الســيد عــ� بعنــوان «شــائكية العالقــة ي ن
ي الســتمالة عــدد كبـ يـر مــن المشــاهدين ،موظفــة الديــن ف ي�
والســلطة»؛ ويشــتمل بــاب «ثقافــة وفنــون» عــى مقالـ ي ن
ـ�: واليديولوجيــة. ســبيل خدمــة أهدافهــا السياســية أ
ـ� صالــح ،بعنوان أ
الول للباحــث والكاتــب الســوري نبيــل عـ ي
«إشــكالية ســؤال النهضــة :لمــاذا تأخــر العــرب؟ وكيــف العــر� ،ومحاولــة ن
ن ن بي عــام الديــ يأ
ولمقاربــة ملــف إال
ـر� المتخصــص ـا� للباحــث الفـ ي المغـ ب في فيتقدمــون؟» ،والثـ ي إالجابــة عــن العديــد مــن الســئلة المحيطــة بــه ،مــن قبيــل:
ـوا� عــن «البعــد ـال الصــورة والســينما ،عــز الديــن الـ ي ي� مجـ مــا إالعــام الدي ـن ي ؟ وكيــف ظهــر؟ وهــل يمكــن عزلــه عــن
الدي ـن ي ي� عوالــم انغمــار يب�غمــان الســينمائية». ف ثــورة االتصــال الحديثــة؟ ومــا حقيقتــه؟ ومــن يقــف وراءه
ويوجهــه ويمولــه؟ وهــل غاياتــه دينيــة تقــف عنــد التبشـ يـر
ويقــدم بــاب «حــوار ذوات» لقــاء مــع الروائيــة والدعــوة ،أم تتجــاوز ذلــك إىل مــا هــو أبعــد وأعمــق؟ ومــا
الــى بلغــت روايتهــا «ألمــاس ت
الســورية لينــا هويــان ،ف ي عالقتــه بالفضــاء العــام؟ وهــل هــو صانــع ســام وتعايــش،
ونســاء» القائمــة القصـ يـرة ي� جائــزة البوكــر للروايــة العربيــة أم هــو صانــع فتنــة واقتتــال ديــن ي وتناحــر طائفــي؟ ومــا
المغــر� خــرة ،أجــراه الكاتــب والناقــد أ ف
بي ي� دورتهــا ال ي مــدى مصداقيتــه وجــدواه؟ ،جــاء هــذا الملــف المعنــون
إبراهيــم الحجــري ،تحدثــت فيــه لينــا هويــا ،عــن الروايــة العــر� :بــذور تســامح أم ســموم ن
ت أ بي عــام الديــ ي
ف
«ال
بـــ إ
ـى تنتــر لهــا ش
أد� ،وعــن النوثــة وقضيــة المـرأة الـ في فكجنــس ب ي كراهيــة؟!» ي� العــدد الثالــث عــر مــن مجلــة «ذوات»
الثقافيــة إال ت
ي� كتاباتهــا ،وعــن اســتثمارها للتاريــخ والذاكــرة ي� أعمالهــا، لك�ونيــة نصــف الشــهرية ،والصــادرة عــن
الدبيــة العربيــة .ويقــدم الشــاعر والباحــث وعــن الجوائــز أ أ
مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات والبحــاث» ،الــذي
ـر� أحمــد العم ـراوي الحلقــة الخامســة مــن تال�بــوي المغـ جابــ�. التونــ� عيــى أعــده الزميــل إالعالمــي والكاتــب
سلســلة مقاالتـ بـه ي عــن «العــادة وتغيــر مســار الشــخص» �ف ي ي
ي ي
بــاب «تربيــة وتعليــم». التونــ�
ي شــارك ف ي� الملــف ،كل مــن الباحــث
ســامي� ،محمــد ين المتخصــص ف ي� الحضــارة والفكــر إال
أمــا بــاب «ســؤال ذوات» ،فتقربنــا فيــه الزميلــة العــر�: ن
العالميــة أ ب
المــري ي�ف «العــام الديــ ي ســويلمي ،بدراســة بعنــوان إ
الخلفيــات أ
ـ� العــرب الردنيــة مـ نـى شــكري مــن آراء الباحثـ ي ن إ والهــداف» ،والكاتــب والباحــث
ف ي
ـر� ،وذلــك مــن خــال حــول كيفيــة االرتقــاء بإنتاجنــا المعـ ي إالعــام الجديــد والثقافــة الرقميــة ،محمــد ســيد ريــان،
ـ� عــرب؛ ويقــدم الباحــث الباحــث اســتقراء آراء ســتة باحثـ ي ن بــ� الدعــوة العــر� ي ن ن
ف أ بي «ال تعــام الديــ ي
بمقــال بعنــوان إ
ـر� محمــد بوشــيخي قـراءة ي� كتــاب «مــن الصحوة إىل ن
المغـ ب ي والتبشــر وبــث الفــ� الطائفيــة» ،والباحــث والكاديمــي ي
ت
اليقظــة :اســراتيجية إالدراك للح ـراك» للمفكــر القطــري، الجزائــري ،محمــد بغــداد ،بمقــال بعنــوان «القنــوات
الدكتــور جاســم ســلطان ،وذلــك ف ي� بــاب «كتــب» ،والــذي الدينيــة ومعابــر «االنتحــار» الفضائيــة» ،والباحــث
يتضمــن أيضــاً تقديمــاً لبعــض إالصــدارات الجديــدة ـياس ،ســعيد بحـ يـر ،بمقــال ي ـر� ف ي� علــم النفــس السـ المغـ ب ي
والبحــاث»، لمؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات أ للعــام الدي ـن �ف ت ش
ي ي بعنــوان «الــروط النفســية وال�بويــة إ
الــى تقــدم أرقامــا جديــدة الرقــام ت إضافــة إىل لغــة أ ـر� إالســامي» ،إضافــة إىل حــوار مــع الخبـ يـر
ي العالــم العـ ب ي
لعــدد الجيــاع ف ي� العالــم ،والــذي شــهد تراجعــا نســبيا ف ي� ـر� يحـ يـى اليحيــاوي ،أقــر فيــه بــأن معظــم إالعالمــي المغـ ب ي
خــرة. أ
الســنوات ال ي الفضائيــات العربيــة الدينيــة تخــدم أجندات سياســية ،وأن
ـى، البعــد المذهـ ب ي هــذا النــوع مــن إالعــام يســيطر عليــه
سعيدة ش�يف ن
مؤكــدا أن الســبيل إلنجــاح إالعــام الديــ ي هــو العمــل
ملف العدد:
ـر� :بــذور تســامح أم ســموم ن
العــام الدي ـ ي العـ ب ي
إ
كراهيــة؟!
٥٦ - ٨
ثقافة وفنون:
إشكالية سؤال النهضة ٧٠
�ن ٨٢
عوالم انغمار يب�غمان السينمائية :البعد الدي ي
?THE WHAT
حوار ذوات:
حوار مع الروائية السورية ٩٠
لينا هويان« :ال يمكن
أ
يرمم الدمار لكنه
للدب أن ّ
يفضحه»
اإلعالم الديني
العربيَ :ح َمل وديع
في يده بندقية!
أمام تزايد عدد القنوات الفضائية الدينية وتنامي عدد
المتابعين لها ،صار باإلمكان الحديث عن إعالم ديني (إسالمي
ومسيحي) له حضوره في الواقع العربي وله تأثيراته أيضًا.
ويفترض أن يكون هذا اإلعالم وسيلة مساعدة للمؤمن مهما
كانت عقيدته كي يحافظ على انتمائه ،ويعزز انفتاحه على
اآلخر المغاير ،ويمد له يد المساعدة بوصفه إنسانًا ،بغض
النظر عن االنتماءات الدينية والطائفية الضيقة ،وذاك ما
تعلنه أغلب القنوات الدينية؛ غير أن إصغاء ناقدًا لهذا الخطاب
سرعان ما يكشف نواياه الخفية ،فتتضح معالم كواليسه،
فإذا القنوات الدينية في أغلبها ،إن لم نقل كلها ،واجهات
لكواليس مظلمة تتحكم فيها رؤوس أموال متوحشة،
وجمعيات ومنظمات لها أهداف دينية في الظاهر ،ولكنها
في الحقيقة سياسية ثقافية اقتصادية ،بل أهداف سلطوية
تحاول افتكاك المجال العام والسيطرة عليه ،عبر واجهات
إعالمية ،تعتمد خطابات محكمة التوجيه والدراسة لبلوغ
أهدافها ومراميها.
أ ف
العــام ســلطة إن الصــورة اليــوم ،هــي المؤثــر الول ي� حياتنــا المعــارصة ،حـ تـى غــدا إ
أوىل :يصنــع الق ـرارات ويشــكل الجماعــات ويصنــع ال ـرأي العــام ويوجهــه ،وهــي ســلطة
العــام الديـن ي جيــداً ،فعملــوا عــى اســتغاللها وتوظيفهــا .وإذا كان يعيهــا القائمــون عــى إ
المعلــن دائمـاً هــو شــعارات «التعريــف بالديــن» و»إدخــال الجنــة» و»تحقيــق الخــاص»،
ال�امــج الدينيــة يــرددون
فــإن الحقيقــة أبعــد مــن ذلــك بكثـ يـر .ورغــم أن مقدمــي أغلــب ب
الخــر وعــدم معاداتــه، دومــا مقولــة التســامح واالنفتــاح عــى آ
غــر ذلــك ،إن هــي إال ّ مجــرد شــعارات تُتوســل
فــإن الحقيقــة ي
للغــراء والتخديــر قصــد الســيطرة عــى المتلقــي .تكفــي نظــرة إ
بســيطة عــى مــا تبثــه هــذه القنــوات مــن برامــج ،حـ تـى تكتشــف رغم أن مقدمي أغلب البرامج
أن هــذه العبــارات هــي مجــرد شــعارات ،وأن مــا خفــي أعظــم الدينية يرددون دوما مقولة
بكثـ يـر ممــا تأعلــن .فلــكل قنــاةن فضائيــة خلفياتهــا ،وله فــا أهدافه قــا التسامح واالنفتاح على اآلخر
والعــر�
ي والثقــا�
ي الســياس
ي الــى تتجــاوز الديــ ي إىل
وغاياتهــا ي
وعدم معاداته ،فإن الحقيقة واالقتصــادي...
غير ذلك
فليــس خافيـاً أن قنــوات دينيــة كثـ يـرة هــي واجهــات ألحـزاب
سياســية غايتهــا الســلطة والنفــوذ ،وقــد رأينــا ذلــك جليـاً مــع قنــاة
ـ� الرئيــس المــري ت
ـى كشــفت بعــد تخـ ي الفضائيــة الـ ي «النــاس»
ـياس ومهاجمــة ن
الســابق حسـ ي مبــارك عــن الحكــم عــن إخوانيتهفــا ،ووقوفهــا مــع حــزب سـ ي
ـرس إىل ســدة
أح ـزاب أخــرى ال تشـ فـاطرها االنتمــاء ،فاحتفلــت ي� العلــن بصعــود محمــد مـ ي
الخــوان
الحكــم ،وتخندقــت ي� مــا بعــد ،وراء مــا عــرف بـ»ميــدان رابعــة» لنــرة تيــار إ
المسـ ي ن
ـلم�.
ثــم إن مــا تحظــى بــه هــذه القنــوات الدينيــة مــن متابعــة ونســب مشــاهدة عاليــة،
والشــهار ،وصــارت تخصــص نصيبـاً وافـراً مــن توقيــت البثجعلهــا أيضـاً واجهــة للتســويق إ
للشــهار ،لمــا يجنيــه مــن عائــدات طائلــة ،وذلــك يعكــس تفكــراً ضمنيـاً مــن المستشــهر �ف
إ
ِ ي ي
القبــالف�يــد مــن إ اســتغالل الصبغــة الدينيــة للقنــاة ،ك يكــون منتوجــه محــل «ثقــة» ،ي ز
والخــاق والصــدق. عليــه ،بمــا أن بــاث الشــهار محــاط يبهالــة الديـن والمقــدس أ
ي إ
فالعــام الديــن ي يصــدر عــن بداهــة يعمــل عــى ترســيخها ف ي� النفــوس ،ويوظــف إ
أو� مــن قــوة ،هــي أنــه مالــك الحقيقــة الحــري بــا منــازع، ت
إلقنــاع المتلقــي بهــا كل مــا ي
ش ن
وأن كل مــا ســواه عــى ظــال بـ ي ّـ� .وهــذا مــا يدفعنــا مبــا�ة إىل اســتنتاج زيــف شــعاراته
وتنافيهــا مــع الديــن ذاتــه ،بــل تناقضهــا مــع أســس الوجــود المشـ تـرك الــذي يقتـض ي التنوع
والتعــدد ف ي� فضــاء للتعايــش ال فضــاء للتناحــر والتطاحــن.
العــام «نجومــا» لهــم «معجبوهــم ومعجباتهــم» وقــد وظــف هــذا النــوع مــن إ
«� هللا» ،ويتبنــون خطاباتهــم ،ويتأثــرون بهــا ويدافعــون عنهــا ويعيشــون ممــن يحبونهــم ف
ي
أكــر مــن ذلــك :يســعون لتقليدهــم ف ي� اللبــاس والحركــة وطريقــةبمــا يســطرون ،بــل ث
ال�امــج أ
غــر أن الخطــر مــن كل هــذا ،أن هــؤالء «النجــوم» مــن مقدمــي ب الــكالم ..ي
ف ي� ورقتــه المعنونــة بـــ «القنــوات الدينيــة ومعابــر االنتحــار الفضائيــة» ،يعتـ بـر الباحث
العــام الديـن ي يســتغل الواقــع الــذي يعيشــه المتلقــي مــن الجزائــري محمــد بغــداد ،أن إ
خــوف واضطــراب اقتصــادي وقلــق اجتماعــي ،فيســوق لخطــاب تخويفــي يرتكــز عــى
الخــرة وعــذاب جهنــم ،يك يقــع هــذا المتلقــي فريســة االستســام لمــا يمليــه مشــاهد آ
العــام الدي ـن ي وراء الطائفيــة
ـ� أن تخنــدق بعــض قنــوات إ العــام الدي ـن ،ويبـ ي ن
ي عليــه إ
العــام ف
يجعلهــا ي� صــدام دائــم مــع مذاهــب وطوائــف وجماعــات مغايــرة .ويــرى أن إ
الديـن ي الرســمي غــارق ف ي� «تخبــط» عجــزه وجمــوده بــا نهايــة ،والحــال أن عليــه أن يكــون
العــام الديـن ي الخــاص ،ويدعــو الباحــث النخــب إىل أن تواجــه هــذا النــوع معــدال لكفــة إ
العالميــة الفضائيــة». ف
العــام ي� «الســاحة إ مــن إ
اإلعالم الديني
العربي :الخلفيات
واألهداف
إن العولمة خدمت «الموجة الدينية» ،وأتاحت للمؤسسة
السوق ّ
الثقاف ّية ال ّناشئة ،وتتواصل مع الدينية أن تتكيف مع ّ
وتدعم
ّ والسياقات ،وبهذا تعاظم حضورها ّ ش ّتى الجماعات
المؤسسي
ّ سلطانها ،وأعادت تسييق وجودها في ال ّنظام
العملي وال ّرمزي في تمتين االنتظام
ّ ّ
مكثفة دورها بك ّليته
االجتماعي ،وصوغ المصائر الجمعية.
ـر� وذاكــرة
ي
العــام الديـن
ي
ـياس ومعـ ي
أن هــذا إ
المجتمعــات العربيــة ي
التحــوالت الثقافيــة والتقنيــة ،حيــث نشــأ بهــا إعــام ديــن مســتحدث �ف
ف َ ي
أدواتــه وأســاليبه ،ولك ّنــه عــى صلــة مكينــة بمــوروث سـ ي
مصط َنعــة ،تحــددت معالمهــا منــذ أمــد ســحيق .غـ يـر ّ
عالميــة ،وازدادت تقاطعاتــه مــع رهانــات
ال ّ
ف
ّ ّ
ف
ـر� تضخــم ي� كـ ّـم قنواتــه ،ونــوع ي� ما ّدتــه إ العـ ب ي
َو
الســياس واالجتماعــي وانتظاراتــه بشــكل متســارع ،بســبب تحــوالت المنطقــة ي المعيــش
ف
جمــة عــن قليميــة والدوليــة ،وهــو مــا أثــار إشــكاالت ّ ال ف ّ العربيــة داخليــاً ،ي
و� عالئقهــا إ
المضمــرة. خلفياتــه الموجهــة ومراميــه المعلنــة أو ن
َ ـر� ي� ّ العــام الديـ ي العـ ب ي حقيقــة هــذا إ
يتخطــى الخطــاب الدي ـن ي أن يكــون مجــرد قنــاة إبالغيــة لتواصــل المؤسســة الدينيــة
ن
المعــى والســلطة معــاً ،بفضــل مــا يمارســه ين
المؤمنــ� .إنــه فضــاء إلنتــاج مــع جمــوع
مــن ترســيب 1اعتقــادي وطقــ� يف ـض إىل نمذجــة ينصهــر فيهــا المتعــدد والمختلــف �ف
ي ي ي
عالمــات مرجعيــة مؤسســية .كل هــذا يمنــح الخطــاب الديـن ي والمواقــع المنتجــة لــه قــوة
توجيــه وإرغــام مرفــودة بســلطة رمزيــة تعـ بـر التواريــخ والفضــاءات والجماعــات ،وتنغــرز
1 - Berger, Peter & Luckmann, Thomas, The Social construction of reality, a treatise in the sociology of knowledge,
Penguin Books, England, 1966, p. 85
ف ي� صميــم النســيج المجتمعــي ،وهــو مــا «يعــزز عالقــات الســلطة القائمــة وي�ش عنهــا».2
وحــى تتكيــف المؤسســة الدينيــة مــع الديناميــات التقنيــة واالجتماعيــة واالقتصاديــة تّ
ف
المتســارعة ،عليهــا أن تجــدد اسـ تـراتيجيات خطابهــا وأدواتــه ،يك تنتـ شـر ي� تفاصيــل ّ
الشــبكة
ـا� وتقمصــه بــكل انســيابية وطوعيــة بـ ي ن
ـ� أفـراده ف
ـاركية النســق الثقـ ي
المجتمعيــة ،وتضمــن تشـ ّ
ـ� فيــه .وال يتـ ت
ّ
ـأ� هــذا االندمــاج والتكيــف إال بإعــادة المنخرطـ ي ن
إنتــاج الخطــاب – وبالـرض ورة إعــادة إنتــاج الســلطة – ف ي� شــبكة
ـا� إال ّ إحــدى طرائقهــائ
العــام الفضـ ي تواصليــة ناجعــة ليــس إ
بخــاف الخطاب الديني فضاء إلنتاج ٍ بوصفــه مرتكــزاً أساســاً ف ي� الفضــاء المعو َلــم .وليــس
ّأن «العولمــة خدمــت الموجــة الدينيــة» ،3وأتاحــت للمؤسســة المعنى والسلطة معًا ،بفضل
قافيــة ال ّناشــئة ،وتتواصــل ما يمارسه من ترسيب اعتقادي الســوق ال ّث ّ
الدينيــة أن تتكيــف مــع ّ
ت
والســياقات .وبهــذا تعاظــم حضورهــا مــع شـ ّـى الجماعــات ّ
ف
وتد ّعــم ســلطانها وأعــادت تســييق وجودهــا ي� ال ّنظــام وطقسي
المؤســ� بك ّليتــه مك ّثفــة دورهــا العمــ� والرمــزي ف� تمتـ ي ن
ـ� ي يّ ّ ّ ي
االنتظــام االجتماعــي ،وصــوغ المصائــر الجمعيــة.
ولــم تكــن المجتمعــات العربيــة بمنــأى عــن هــذه ال ّتحـ ّـوالت الثقافيــة والتقنيــة ،ونشــأ
ف ف
ومعر�
ي ـياس
ـتحدث ي� أدواتــه وأســاليبه ،ولك ّنه عــى صلة مكينــة بموروث سـ ن ي إعــام ديـن ي مسـ َ
ـر� معالمهــا منــذ أمــد ســحيق .غـ يـر ّأن هــذا إالعــام الديـ ي العـ ب ي وذاكــرة مصط َنعــة تحــددت
عالميــة ،وازدادت تقاطعاتــه مــع رهانــات المعيــش ف ف
تضخــم ي� كـ ّـم قنواتــه ،ونــوع ي� ما ّدتــه إال ّ
ـياس واالجتماعــي وانتظاراتــه بشــكل متســارع ،بســبب تحــوالت المنطقــة العربيــة داخلياً، السـ ي
جمــة عــن حقيقــة هــذا إالعــام ف
قليميــة والدوليــة؛ وهــو مــا أثــار إشــكاالت ّ
و� عالئقهــا إال ف ّي
المضمــرة .وسنســعى لالشــتغال خلفياتــه الموجهــة ومراميــه المعلنــة أو ن
َ ـر� ي� ّ الدي ـ ي العـ ب ي
اخ�ناهــا عــن قصديــة مــن شــبكة تلفزيونيــة عــى هــذا إالشــكال اعتمــاداً عــى ثالثــة نمــاذج ت
هائلــة :قنــاة «النــاس» 4ذات التوجــه «الســلفي» الس ـن ي ؛ وقنــاة «فــدك» 5الشــيعية؛ وقنــاة
والهــداف.ـ� ف� الخلفيــات أ ن 6
ّ «الحيــاة» ذات التوجــه المســيحي ،باحثـ ي ي
الخلف ّيات:
إذا كانــت المؤسســة الدينيــة تتســم بصالبــة المعتقــدات والممارســات ومتانــة البنــاء
أ ف ت
ـى الــذي تزدرعــه ي� الجســد الجمعـ ّـي لتباعهــا ،فـ ّ
ـإن لهــا مــن المرونــة وال ّتمويــه مــا ال�اتـ ب ي
ـرر الحضــور العميــق للنخــب الدينيــة بوصفهــا يجعلهــا نافــذة عــى الـ ّـدوام .وهــذا مــا يـ ب ّ
7 ف
«كل المؤسســات ي� عالــم ذي مغــزى» عــى غ ـرار نخب ـاً رمزيّــة ( )Symbolic Elitesتدمــج ّ
ف
العالميــة العربيــة ،وهــم ـى المعرفــة الدينيــة ي� الفضــاءات إ واختصاصـ ي ي والدعــاة
الفقهــاء ّ
ـ� ن ت
ـتقل� عــن مجمــوع النظــام المؤسـ ي ـى يشــغلونها ليســوا أف ـرادا مسـ ي بحكــم المواقــع الـ ي
ن ن
للمجتمــع ،بــل هــم تحويــات رمزيــة مك ّثفــة للفاعلـ يـ� االجتماعيـ يـ� .ويكفــي أن نتمـ ّـى ُدعاة
قنــاة «ال ّنــاس» ف ي� سـ يـرهم وارتباطاتهــم السياســية والماليــة والعلميــة ،حـ ت ّـى نســتوضح هــذا
اليديولوجــي ،8ونظـ يـر ذلــك قنــاة «الحيــاة» 9وخلفياتهــا التبشـ يـرية .وهــذا يدفعنــا التــورط أ
2 - Fairclough, Norman, language and Power, Longman group, UK limited, U. k, 1989, p.4
الس ق يا� ،يب�وت ،ط ،2012 ،1ص 247 أ
المقدس :زمن دين بال ثقافة ،ترجمة :صالح الشقر ،دار ّ
- 3روا ،أليفييه ،الجهل ّ
: http://www.Alnas.tv.comقناة الناس 4 -
: http://www.Fadak.tv.comقناة فدك 5 -
: http://www.Hayat.tv.comقناة الحياة 6 -
7 - Berger, Peter & Luckmann, Thomas, The social construction…op.cit, p.93
- 8ويكيبيديا ،قناة الناس ،فلها ارتباطات عميقة بدوائر رجال المال والدين ف ي� السعودية.
تبش�يّة معروفة.
بمؤسسات ي وخاصة عالقاتها ّ
ّ - 9ويكيبيديا ،قناة الحياة،
العالميــة
إىل اســتقراء المخبــوء الــذي يوجــه هــذه الفضائيــات الدينيــة مــن خــال المــادة إ
ـى تقدمهــا إىل متابعيهــا وتسـ ّـوقها ف ي� صــورة بضاعــة مقدســة إىل الجمــوع المؤمنــة.ت
ا ّلـ ي
السياس ّية واالجتماع ّية:
الخلف ّيات ّ
ال ّول يتع ّلــق بتنظيــم و� قنــاة «الحيــاة» المســيحية أثــر موضوعــان سياســيان :أ ف
ّ ّ ي ي
الوســط .وقــد عــرض بالق ّليــات المســيحية ف� منطقــة الـ شـرق أ ـا� موصــول أ ن
ّ ّ أي «داعــش» ،وال ّثـ ي
ـ� :الول هــو التطــرف الديـن ي بوصفــه «مروقاً معرفيـ ي ن
ّ ـياق� دينيـ ي ن
ـ� - الموضوعــان ضمــن سـ ي ن
الســام ف ن ن
ـا� هــو الحريــة الدينيــة و»أهــل الكتــاب» ي� منظــور إ عــن التســامح الديـ ي »؛ وال ّثـ ي
ف ف
ـلم� .وقــد ال يكمــن الخطــر ي� الموضوعــات بأعيانهــا ،وإنّمــا ي� كيفيــات االســتقراء والمسـ ي ن
ف
ـى تســتنفر الذاكــرة والمرجعيــات النصيــة ي� إثــارة مشــاعر إيمانيــة وتطويعهــا ت
ف فوال ّتحليــل الـ ي
ي� زرع مواقــف وتم ّثــات ذات مردوديّــة سياسـ ّـية عاليــة ي� توجيــه الـ ّـرأي العــام.
الخلف ّيات ّ
الثقاف ّية وال ّتاريخ ّية:
الســلطة
المؤسســية مــن مداخــل إىل ّ ّ ّكل المــوارد الما ّديــة والرمزيــة ،أو مــا تتيحــه المواقــع
وآلياتهــا بمــا يفصــح عــن «الـ ّـدور االسـ تـراتيجي للخطــاب وأعوانــه (المتك ّلمــون ،والك ّتــاب
ـيوثقافية» .18وال السوسـ ف وال ّنـ ش
ّ الشــكل مــن الســيطرة ّ ـا�ون ،إىل آخــره) ي� إعــادة إنتــاج هــذا ّ
دينيــة تخلــو مــن ارتبــاط وثيــق بدوائــر سياســية وماليــة نافــذة شــأن
تــكاد قنــاة فضائيــة ّ
الشــورى منصــور أ ت
ـعودي وعضــو مجلــس ّ ّ السـ
ـى أنشــأها رجــل العمــال ّ ـاس» الـ ي قنــاة «النـ
الدائمــة ف
بــن كدســة ي� ،2006وارتبــاط دعاتهــا بدوائــر دينيــة مخصوصــة ،مثــل اللجنــة ّ
ومحمــد بــن
ّ الــى تتلمــذ عــى أيــادي «شــيوخها» ،أمثــال عبــد العزيــز بــن بــاز للفتــاء ت إ
ي
19
حســان .
محمــد ّ الداعيــة ّ ن
صالــح العثيمـ يـ�ّ ،
(إيـران /الســعودية )...لهــا رهاناتهــا القليميــة الملحــة ف� ظـ ّـل التنافــس عــى زعامــة أ
«ال ّمــة ي إ
ـامية» بحجمهــا الديمغ ـر ف يا� واالقتصــادي الهائــل. السـ ّ إ
والقليميــة والدوليــة.
المحليــة إ
اصطناع الحقيقة:
أن المؤسســة الدينيــة تحتكــر ال�ش عيــة ممارســة وداللــة ،22فبنــاء الحقيقــة وضبــط بمــا ّ
الشــفرة أ ن
وأن الحقائــق هــي ّالرهــان الســاس لهــا ،خاصــة ّ فحواهــا وتعيـ يـ� مجالهــا هــو ّ
ف
يتضمــن ي� ما ّدتــه ن الثقافيــة الـ ت
ـر� ّالدي ـ ي العـ ب ي
والعــام ّ
ـى يهتــدي بهــا أف ـراد مجتمــع مــا .إي
شــى كالرقائــق والمواعــظ عــر برامــج تمضامــ� معرفيــة وســلوكية ،يمررهــا بين العالميــة
إ
ف
والدرامــا التاريخيــة والسـ يـر والفتــاوى ،ويصوغهــا ي� صــورة نموذجيــة تســتدعي تقمصهــا
وااللــرام بهــا ،أل ّن «الطبيعــة الواقعيــة للســلطة تتخفــى
تز
23 ف
ثقــا�».
تحــت بنــاء كاريزمــي لتمظهــر ي
لقد كشفت هذه ال ّنماذج
الــى اشــتغلت عليهــا هــذه ت ث ّ
الدين ّية من قنوات
اإلعالم ّية ّ آ ولعــل أكــر الحقائــق ي
القنــوات ال ّثــاث هــي بنــاء صــورة الخــر ،وضبــط معالمــه
فضائ ّية عرب ّية (الناس ،الحياة، تنافــ� الخــر ش�يــك ف ي� عالــم وتعيــ� دالالتــه ،ألن هــذا آ ين
ي ّ
أن ال ّتلفزيون أداة هائلة
فدك) ّ الــى تشــكلها ت
محــوره البضائــع الرمزيــة ،ومنهــا الحقيقــة ي
مزي للحفاظ على ال ّنظام ّ
الر ّ الطوائــف عــن هوياتهــا وتاريخهــا ورموزهــا .فقنــاة «النــاس»
ن
المســلم الس ـ ي آ
ـص بهواجــس إعالميــة ال تختـ ّ
ّ عرضــت مــا ّدة
واحتياجاتــه ،بــل تســتهدف التخريــب الرمــزي للخــر بوصفــه
ت �ض
قدمهــا ـى ّ خصم ـاً مذهبي ـاً /سياســياً عـنـى غ ـرار المحــا ة الـ ي
الداعيــة أبــو إســحاق الحوي ـ ي بعنــوان «التحذيــر مــن خطــر
ـى قدمهــا الداعيــة محمــد حســان الشــيعة» ف� 12ذي القعــدة 1432هـــــ ،أو المحــا�ض ة الـ ت
ي شــوال 1428هـــــ عــن «أمــراض أ ي
وخصصــا ي ز
حــراً مهمــاً ّ »، ن ت
للفــ� عــرض ت
ّ ال ــة: م
ّ ال ف ي� 8
ـو� مــن ســمومه» .وهــذه المــا ّدة ،وإن للحديــث عــن العالقــة مــع الغــرب ،و�ض ورة «التـ ق يّ
ت�يّــا لبوسـاً دينيـاً ،فإنّهــا تتكفــل باستنشــاء جملــة مــن الحقائــق ف ي� أذهــان الجمــوع كانــت ت ز
و� قنــاة «الحيــاة» المســيحية ،تُنتقــى ف آ
تكيــف تم ّثالتهــم وعالئقهــم مـ فـع الخــر .ي المؤمنــة؛ ّ
وموجهــة تنــدرج ي� رصاع تاريخـ ّـي مشــحون بعالمــات كـ بـرى دا ّلــة. موضوعــات مخصوصــة ّ
ـيحية بعدمــا ن ت ف
وقــد عــرض برنامــج «ســؤال جــريء» ي� الحلقــة 402اع�افــات ُمعتنقـ ي ْـ� للمسـ ّ
الســام ـلم� ،وكشــفا تفاصيــل تجربتيهمــا ومــا فيهمــا مــن «حقائــق صادمــة» عــن إ كانــا مسـ ي ن
ف أ ين
الســامية والمســلم� .المر نفســه ي� الحلقــة 293وعنوانهــا «هــل تصلــح ال�ش ّ يعــة إ
ف
للعالــم المعــارص؟» وفيهــا اســتثارة للفئــات الشــابّة ولطائفــة مــن الشــكوك ي� ارتبــاط
- 2 1أكوفيفا ،سابينو ،وبات ي�ش ،انزو ،علم االجتماع الدي ي�ن :إالشكاالت والسياقات ،ترجمة :عز الدين عناية ،كلمة :هيئة أبو ي ب
ظ� للثقافة
وال�اث ،ط 1432 ،1هـــ 2011 -م ،ص 131 ت
�ش
في� Weberثالثة أنواع من ال عية :عقلية تقوم عىل قواعد عقلية ،وتقليديّة أساسها العرف والموروث ،وكاريزمية جوهرها حدد ب ّ - 22
فكرة القائد الروحي .نفسه ،ص 169
23 - Négre, Fabier, Du pouvoir dans la culture, Quderni, N17°, printemps, 1992, p. 24
ـيحي ف ي� دول أمريــكا الالتينيــة والــدولوخاصــة الشــتات المسـ ّ بمنجـزات الحداثــة ومكاســبهاّ ،
العربيــة عــى غــرار لبنــان ومــر والعــراق .وال تنــأى قنــاة «فــدك» عــن هــذه الغايــة،
الخــر مــن خــال الهــدم المنهجـ ّـي للنمــاذج التاريخيــة الموصوفــة غايــة اصطنــاع حقيقــة آ
ـلم� الســنة ،ففــي برنامــج «كيــف بالقداســة والحائــزة عــى مكانــة رمزيــة ف� ضمائــر المسـ ي ن
ي
خاصــة لســورة «ال ّنــور»
ّ اءة ر ـ ق ـىـ ع ً اـاد
ـ اعتم ـة
ـ عائش الســام؟» تســتح�ض شــخصية ُزيِّــف إ
النــى وســلوكها بعــد وفاتــه،
ببقيــة زوجــات ب ي ّ القرآنيــة ،وبعــض المأثــورات عــن عالقتهــا ّ
والدفينــة ،بمــا
موجهــة تســتهدف نــزع المهابــة وكشــف الحقائــق المخبــوءة ّ وهــي ق ـراءة أ ّ
وأن عائشــة مرجــع نموذجــي ،ووســيط ن آ
خاصــة ّ ثوذكــ� للخــر الســ ّ ي ّ ،
ي يربــك البنــاء الر
ف
الســام المب ّكــر ،يتموقــع ي� رصاع متجــذّ ر مــع نمــاذج نســويّة شـ ّ
ـيعية ـزي عــن إ
تاريخـ ّـي ورمـ ّ
شــأن فاطمــة.
عربيــة (النــاس،
فضائيــة ّ
ّ ينيــة مــن قنــوات
الد ّ
عالميــة ّ
ال ّ لقــد كشــفت هــذه ال ّنمــاذج إ
24
مــزي» ،وال ّنظــام
الر ّ أن «ال ّتلفزيــون أداة هائلــة للحفــاظ عــى ال ّنظــام أ ّ الحيــاة ،فــدك) ّ
الرمــزي شــبكة مــن الحقائــق والـ ّـدالالت وأنســاق مــن العالقــات والدوار تم ّثــل مجتمعــة ّ
ين
وتقنيــ� ودعــاة مســرين ّي الثقــا� العــام .والمشــتغلون ف ي� هــذه القنــوات مــن ي
ف الكــون
اتيجيات متعالقــة ـ� هــم جــزء مــن شــبكة سياســية واجتماعيــة وماليــة تحركهــا اسـ ت
ـر وممولـ ي ن
ّ ف ّ أ
فعــال ي� عالــم معولــم ،تخ ّطــت لنظمــة سياســية ودوائــر نفـأـوذ تطمــح إىل افتــكاك موقــع ّ
عــر – وطــن ي يخاطــب أتباعــاً ينيــة الطــر المح ّليــة ،لتصبــح كيانــاً ب الد ّ
المؤسســة ّ
ّ فيــه
والســياس. المذهــى ــح� لالصطفــاف ن مرش ي ن
ضــ� أو ّ مف� ي ت
ي بي
ـى وســعت حــدود التمــاس وإمكانــات التعايــش ،لــم تدفــع عــن أن العولمــة الـ تإال ّ ّ
ت ف ي ن
ـى اســتدعت والمماحــكات الـ ي ـر� انخراطــه ي� دوائــر مــن الرصاعــات
العــام الدي ـ ي العـ ب ي ّ إ
ن
أي مجــال لتواصــل ديــ ي ّ خــاّق يلتقــي ،رغــم اهيــة وإقصــاء ،يمنــع ّ
ف صــوغ خطــاب ك فر ّ
ش ت
وثقــا� مشــرك ،ويمنــح للبــر مدخــا ً إىل تعــدده وتباينــه ي� رصيــد روحــي وإيتيقــي ّ
ي
والثنيــات.بــ� الجماعــات والطوائــف إ ن إنســانية متبادلــة ي
القطــارالهليــة ف� كثــر مــن أ لقــد عكســت حــاالت االحـ تـراب ال ّطائفــي والرصاعــات أ
ّ ي ي
ـو� وتعميــق ال�ش ّ وخات والديــن ف� خلــق الفـ ض
والعــام ّ ي العربيــة مــا يمكــن أن يفعلــه المــال إ
ّ
وموجــه يبــذر
ّ ـقـ منغل ن ـ دي ـاب
ـ خط ـاجـ بإنت ـة،
ـ القاتل ـاتـّ يوالهو ـة
ـ الوهمي ـات
ـ دم الص
وازدر ّ
اع
يّ ّ
المغالطــات ،ويتالعــب بالضمائــر والعقــول ،ويــأرس أفــق المجتمعــات رهينــة ،وهــو مــا
الديـن ي ف ي� أدواتــه ومضامينــه ومقاصــده ،ووعياً بمعيشــنا يقتـض ي م ّنــا وعيـاً حــذراً بالخطــاب ّ
الجماعــي المشـ تـرك ف ي� رهاناتــه ومعضالتــه وموجباتــهّ .كل هــذا يســتوجب إعــادة الديــن
ـا� وســياقاته ال ّتاريخيــة بـنز ع القداســات المفتعلــة ،وإعــادة إنتاجــه وفــق ف
إىل محضنــه ال ّث أقـ ي
االحتياجــات الكيــدة والحاســمة للمجتمعــات العربيــة المعــارصة.
- 24بورديو ،بيار ،التلفزيون وآليات ال ّتالعب بالعقول ،ترجمة :درويش الخلوجي ،دار كنعان للدراسات والن�ش والخدمات إالعالمية،
دمشق ،ط ،2004 ،1ص 45
�ف
ي
هــذه الورقــة البحثيــة ،سـ نـركز عــى دور التكنولجيــا الرقميــة ،ومنهــا الوســائط
لك�ونيــة ،والصفحــات االجتماعيــة ،والقنوات ال ت
االجتماعيــة مــن خــال المواقــع إ
العــام الجديــد تعــد بمثابــة تطــور طبيعي للعــام الديـن ي ؛ فــأدوات إ الرقميــة إ
�ش نن
ـى تفــرض س ـ الحيــاة والواقــع والحاجــة الب يــة، ت أ
للســاليب التقليديــة الـ ي
وهــدا التطــور جــاء ليواكــب مجريــات الحيــاة المعــارصة والرسيعــة والجديــدة ويواكبهــا؛
ومــن هنــا تكمــن العقبــات والنتائــج مــن التخلــف عــن ركــب الحضــارة والتقــدم ف ي� المجــال
الف ـراد والجماعــات والمؤسســات عــى مســتوى العالــم؛ ففــي هــذه ـ� أ الشــبك للربــط بـ ي ن
أ ي
الحالــة ســنخرج مــن القطــار الرسيــع للمعرفــة ،وعنــد العــودة لــن نجــد مكاننــا لن هنــاك
مــن ينتظــرون أن تـ تـرك لهــم هــذا المــكان.
ـ�ء بالرصاعــات الطائفيــة واالســتقطابات الفكريــة تختفــي العديــد مــن ي ف ي� عــر مـ
الفــراد ف ي� المؤسســاتبــ� أ
العــام كانعــكاس حــي لمــا يحــدث ي ن قيــم الحــوار ،ت
ويــأ� إ
ي
ـو� الفكريــة والسياســية والدينيــة عــى معظــم والتعامــات اليوميــة ،كمــا تنعكــس الفـ ض
أ
العالميــة ،ســواء بتســييس كثـ يـر مــن الفــكار لخدمــة مصالــح جمعيــات وأف ـراد ال�امــج إب
ف ز ت
ورؤوس أمــوال أو الهجــوم الم�ايــد كجــزء مــن رصاعــات دينيــة قديمــة تقــوم ي� أغلبهــا
تفســرات خاطئــة للديــن ،أو تطبــق قياســات ألحــداث وشــخصيات لــم تعــد ي عــى
ـى تهــدد ت �نز
القليميــة الـ ي
موجــودة ،وتحــاول مــن خــال ذلــك تغذيــة الرصاعــات وال اعــات إ
أ
المــن القومــي.
نــر «الديــن الصحيــح» ،وأنهــا تعلــن معظــم القنــوات الدينيــة ،أنهــا تهــدف إىل ش
ف
الطريــق إلصــاح الدنيــا بالديــن ،ومــن ثــم فمــن يحــرص عليهــا ،فهــو ي� الجنــة ،ومــن
يشــاهد يغ�هــا فهــو ف ي� النــار ،ومــن ذلــك شــعار قنــاة النــاس «شاشــة تأخــذك للجنــة» .وهــذا
الشــعار بالــذات ،يوضــح وجهــة نظرهــم مــن أن طريقهــم مهمــا كان هــو الطريــق إىل الجنة
ـى تــؤدي إىل النــار ربمــا ،ويظهــر ذلــك ف ي� كثـ يـر مــنت
وشاشــات ت يغ�هــم هــي الشاشــات الـ ي
ـى تؤكــد امتالكهــم للحقيقــة المطلقــة ،وتســييس الديــن لخدمــة أهــداف أخــرى برامجهــا الـ ي
ف ن
ـى ســبقت ثــورة الثالثـ يـ� مــن يونيــو ي� مــر. ت ت
سياســية كمــا ظهــر خــال بعــض الفــرات الـ ي
ـى تتخــذ شــعاراً لهــا «ال رايــة تبقــىت ف
مثــال آخــر ،نجــده ي� قنــاة «فــدك» الشــيعية ،والـ ي
أمــام رايــة آل محمــد» ،ويتضــح مــن هــذا الشــعار ،أنهــا تنطلــق مــن الـراع القديــم بـ ي ن
ـ�
الســنة والشــيعة وهدفهــا تبشـ يـري ،وهــو مــا يؤكــده المؤسســون للقنــاة حــول أهدافهــا:
والفــكار المغلوطــة للعــودة أ
بالمــة إىل «تنقيــة الـ تـراث الســامي مــن العقائــد الفاســدة أ
إ
ت ن �ش
ـى وخلفائــه ال عيـ يـ� مــن ع�تــه».منهــاج النـ ب ي
و� المقابــل ،نجــد قنــاة «الحيــاة» المســيحية وشــعارها: ف
ي
«لتنــال الحيــاة أ
في عصر مليء بالصراعات البديــة اتبــع يســوع المســيح» ،وهــذا ترســيخ
الطائفية واالستقطابات آخــر المتــاك الحقيقــة المطلقــة ،فطريــق الخــاص هــو
طريقهــم وطريــق الهــاك هــو اتبــاع أي اتجــاه أو ديــن آخــر،
الفكرية تختفي العديد من وهــي قنــاة تتخــذ التبشـ يـر بالمســيحية هدف ـاً لهــا ،ومحاولــة
قيم الحوار ،ويأتي اإلعالم الســام عــن طريــق بعــض كــر عــى التقليــل مــن إ ت
ال� ي ز
المتغــرة. أ
الكتابــات والحــداث
كانعكاس حي لما يحدث ي
ســنقوم برصــد وتحليــل رسيــع لمــا تتضمنــه صفحــات القنــوات الدينيــة عــى المواقــع
لك�ونيــة ومواقــع التواصــل االجتماعــي ،أ
وبالخــص عــى الـ»فيــس بــوك» لمــا لــه مــن ال ت إ
ـال: ف
تأثـ يـر كبـ يـر ،كمــا ي� الجــدول التـ ي
القناة الصفحة الرسمية عىل فيس بوك
قناة الناس https://www.facebook.com/alnasschannel
قناة الحياة https://www.facebook.com/alhayattvchannel
قناة فدك https://www.facebook.com/FadakTV313
وأول مــا يلفــت النظــر عنــد مشــاهدة تلــك الصفحــات هــو تعريــف الصفحــة ،فتذكــر
الســام النقــي ،ونـ شـر الفكــر
قنــاة «النــاس» أنهــا «قنــاة فضائيــة دينيــة ،تهــدف إىل عــرض إ
للفــكار المتطرفــة والهدامــة ،والمحافظــة عــى منظومــة القيــم الوســطي ،والتصــدي أ
والخــاق» ،بينمــا تذكــر قنــاة «الحيــاة» أنهــا :قنــاة مســيحية هدفهــا أن يعــرف العالــم أ
يســوع المســيح ،وأن يخلصــوا» .أمــا قنــاة «فــدك» ،فتذكــر أنهــا «قنــاة عرصيــة تخاطــب
ـ� بلغــة علميــة موضوعيــة وبمضمــون عقائــدي أصيــل الماليـ ي ن
وجــريء ال يعــرف المجاملــة عــى حســاب الحــق».
تعلن معظم القنوات الدينية،
ويتضــح مــن التعريفــات الثالثــة مــدى ســمو أ
الهــداف
أنها تهدف إلى نشر «الدين المعلنــة ،ت
الكث�يــن للمتابعــة ،ولكــن عــى
والــى تجــذب يي
الصحيح» ،وأنها الطريق إلصالح الــىت
النقيــض تختلــف المــواد الموجــودة بالقنــوات الثــاث ف ي
ف
الدنيا بالدين و�
والتكفــر والقتــل ،ي
ي كثــرة إىل الطائفيــة
تدعــو ي� أحيــان ي
الحيــان تدافــع عــن أهــداف شــخصية ألفـراد وجماعات.
بعــض أ
لك�ونيــة والتســجيالت ال تـر عــى المــواد إ مــن خــال متابعتنــا لقنــاة «النــاس» ،ت
وبال�كـ ي ز
وغ�هــا مــن القنــوات الرقميــة ،تبـ ي ن
ـ� وجــود الكثـ يـر مــن المــواد المتاحــة عــى اليويتيــوب ي
للفــراد أو للمجتمــع بأكملــه ،ومنهــا مــا جــاء ف ي� برنامــج المحرضــة عــى التكفــر ،ســواء أ
ي
خالــد عبــد هللا «ســهرة خاصــة» ،ومداخلــة الدكتــور حســام عقــل مــن حديــث الشــماتة
ـر�؛ المفكــر الديـن ي الدكتــور نــر حامــد أبــو ف ف
ي� وفــاة أحــد أعــام التنويــر ي� العالـ أـم العـ ب ي
زيــد وتكفـ يـره ،وحديثــه عــن هــروب الهــال والمسـ ي ن
ـؤول� مــن حضــور جنــازة الراحــل ،وأنــه ي
خــارج عــن الديــن وكافــر ،ويطعــن ف ي� القـرآن والســنة النبويــة.
ويتضــح مــن محــاوالت التكفـ يـر ،أنهــا تعطــي ضــوء ًا أخـرض للقتــل المــادي أو القتــل
ـ� أرسهــم وزمالئهــم ف ي� العمــل وأصدقائهم المعنــوي مــن اليــذاء والتجريــج أ
للشــخاص بـ ي ن إ
ف ي� الحيــاة .دون أن ننــى محــاوالت زج الديــن ي� السياســة كمــا حــدث مــع الشــيخ محمــد
ف
ـ� يعقــوب بعــد اســتفتاء 19مــارس ،2011بخصــوص مــا ســمي بـ»غــزوة الصناديــق»، حسـ ي ن
وللســام ،وهــو تســييس رصيــح للديــن ،وضــد فكــرة وأن الشــعب قــال نعــم للديــن إ
المواطنــة ومدنيــة الدولــة .كذلــك محــاوالت الشــحن ضــد المناســبات واالحتفــاالت
الم وحديــث الشــيخ أ� إســحاق الحويـن عــن حكــم عيــد أ
الم ،وأنــه الرمزيــة ،مثــل عيــد أ
ي بي
بدعــة واالحتفــال بــه ال يجــوز.
قناة «الحياة»
كمــا ذكرنــا مــن قبــل ،فــإن قنــاة «الحيــاة» تذكــر ف ي� تعريفهــا أنهــا :قنــاة مســيحية
هدفهــا «أن يعــرف العالــم يســوع المســيح وأن يخلصــوا» ،وكان مــن المنطقــي ف ي� هــذا
الطــار ،أن تركــز عــى الديــن المســيحي وعظاتــه ومالمــح تنميــة إيمــان المسـ ي ن
ـيح� بالرجــوع إ
إىل أصــول الديــن المســيحي المعتــدل ،والدعــوة لالهتمــام بدراســة الكتــاب المقــدس،
ـر عــى اختيــار نمــاذج إســامية ولكــن مــا يحــدث أنهــا تركــز عــى نهــج طائفــي مــن ت
ال�كـ ي ز
الســامية ،وعمــل ـ� مواط ـن ي الــدول إ تشــجع روح الفتنــة الطائفيــة ،وإثــارة المشــاكل بـ ي ن
الســامي والرســول محمــد ،وهــو مــا يســاعد عــى وضــع برامــج مهمتهــا انتقــاد الديــن إ
ـيح�.ن
ـلم� والمسـ ي ن ن
بــذور أزمــات عديــدة ال تنتهــي بـ يـ� المسـ ي
ويظهــر أيضــا ،مــن برامــج القنــاة ادعــاء امتــاك الحقيقــة المطلقــة ف ي� إعــان منشــور
عــى الصفحــة ،يذكــر «يســوع المســيح ..هــو الطريــق الوحيــد للســماء» ،وهــو مشــابه
الســامي مــن احتــكار الجنــة للمسـ ي ن
ـلم�. ف
لبعــض االتجاهــات المتطرفــة ي� الديــن إ
قناة «فدك»
ـى تســبب العديد مــن المشــاكل داخل تعــد قنــاة «فــدك» مــن أبــرز القنــوات الشــيعية الـ ت
ن ي
ـو ينتمــي إىل الشــيعة إالماميــة االث ـ يف
الــدول العربيــة ،ومؤسســها هــو يــارس الحبيــب ،وهـ
ـ� ي� وراثــة الخالفــة دون ب يأ� بكــر وعمــر �ش
أ ِّ ع يــة أو الرافضــة ،وهــم فرقــة تمســكت بحــق عـ ي
بــن الخطــاب وعثمــان بــن عفــان ،وهــم يتخــذون اثـن ي عـ شـر إمامـاً ،ويعتقــدون أن كل الئمــة
معصومــون عــن الخطــأ والنســيان ،وعــن اقـ تـراف الكبائــر والصغائــر ،كمــا يعتقــدون بدخــول
آخرهــم ،وهــو الحســن العســكري ،ويلقبونــه بالحجــة المهــدي القائــم المنتظــر ،وســيعود ف ي�
ـيمل أ
الرض ـ� عودتــه ،سـ أ آخــر الزمــان ،عندمــا يــأذن هللا لــه بالخــروج ،وهــم يقولــون بأنــه حـ ي ن
عــدال ً كمــا ملئــت جــوراً وظلمـاً ،وســيقتص مــن خصــوم الشــيعة عــى مــدار التاريــخ.
الهــداف المعلنــة للقنــاة ،مــن أنهــا خطــوة إعالميــة شــيعية «ثوريــةوعــى الرغــم مــن أ
ـ� بلغةـأ� اســتجابة إللحــاح جماهـ يـري عــى �ض ورة تأســيس قنــاة عرصيــة تخاطــب الماليـ ي ن ت
تـ ي
علميــة موضوعيــة وبمضمــون عقائــدي أصيــل وجــريء ال يعــرف المجاملــة عــى حســاب
ـر يــكاد يكــون عــى قضايــا الخــاف مــع الســنة وســب الحــق» ،إال أن المالحــظ أن ت
ال�كـ ي ز
ف
ـاس ي� االعتقــاد الدي ـن ي لــدى المجتمعــات ن
الصحابــة وأمهــات المؤمنـ يـ� ،وهــم ركــن أسـ ي
الســامية الســنية ،ويســاعد ذلــك عــى بــث روح الفتنــة الطائفيــة ،ومــن ثــم االقتتــال. إ
ويظهــر ف ي� كثـ يـر مــن برامــج القنــاة التطــاول بصــورة رصيحــة عــى صحابــة رســول
ـ� ،خاصــة الســيدة عائشــة والســيدة حفصــة. هللا صــى هللا عليــه وســلم وأمهــات المؤمنـ ي ن
كمــا أشــعل مواقــع التواصــل االجتماعــي ،مقطــع فيديــو تُعلــن فيــه فتاتــان مرصيتــان مــن
مدينــة الزقازيــق ،بمحافظــة ال�ش قيــة ،تشــيعهما عـ بـر القنــاة ،ممــا زاد مــن الهجــوم عــى
القنــاة مــن الســنة.
ـى تضعهــا صفحــة القنــاة الحديــث عــن هــاك عمــر بــن ت
ومــن أبــرز المنشــور فات الـ ي
الخطــاب ،وقولهــم بأنــه ي� النــار ،ومــن المعــروف أن عمــر بــن الخطــاب مــن أبــرز النمــاذج
الســامية لــدى أهــل الســنة.
إ
ـ� الــدول،كمــا يدخــل ف� برامــج القنــاة تســييس للديــن ف� قضايــا ومشــكالت حاليــة بـ ي ن
ي ي
كمــا ف ي� حالــة إي ـران والســعودية ،فعنــد وفــاة ملــك الســعودية الراحــل عبــد هللا بــن عبــد
ـ� -حســب وصفهــم -لتقديــم ـا�ا الســتقبال المؤمنـ ي ن العزيــز أذاعــت قنــاة «فــدك» بثــا مبـ ش
العالميــة تســاعد عــى والت�يــكات بمناســبة وفــاة الملــك ،ومثــل تلــك الترصفــات إ ـا� ب ن
التهـ ي
ـ� الــدول والشــعوب ،ومــن ثــم إىل الحــروب واالقتتــال، زيــادة روح العــداء المســتمر بـ ي ن
ولعــل نمــاذج ممــا يحــدث باليمــن يشـ يـر إىل ذلــك.
ينبغــي التأكيــد ف ي� الختــام ،أنــه ال بــد مــن توظيــف أدوات تكنولوجيــا المعلومــات
والنســانية ،وتحقيــق القــوة الحضاريــة والعــام الجديــد لخدمــة القضايــا القوميــة إ إ
والقليميــة والدوليــة .ومــن خــال التســويق ف
للعــرب ي� ظــل المتغـ يـرات المحليــة والعربيــة إ
ت
الن�نــت يومياً ن
ـتخدم� الذيــن يتصلــون بشــبكة إ ـ� مــن المسـو� إلفــادة مئــات الماليـ ي نإ ت ن
ي اللكــر ي
مــن جميــع أنحــاء العالــم .ومــن هــذا المنطلــق ،يمكننــا اســتغالل تلــك الفرصــة وتحويــل
و� ف ي� اســتغالل ال تن�نيــت إىل ســاحة مفتوحــة للحــوار؛ وتتمثــل أدوات التســويق إ ت ن
اللكــر ي إ
و� وبرامــج المشــاركة ،وكذلــك -وهــين ت
اللكــر ي وال�يــد إ
محـركات البحــث ،وعضويــة المواقــع ب
أ
الهــم -الشــبكات االجتماعيــة ،ف ي� الربــط واالتصــال مــع النــاس ،ووســيلة للربــط والوحــدة
ف ي� ظــل التنــوع ،فنحــن لدينــا فرصــة ذهبيــة ،وهــي تواجــد الشــباب بصــورة كبـ يـرة عــى
ال تن�نيــت ،وهــم طاقــة يمكــن اســتغاللها بصــورة جيــدة ،ليشــكلوا حائــط صــد ضــد كل أ
والمص�يــة. محــاوالت التشــتيت والتفرقــة بعيــداً عــن قضايــا أ
المــة الحقيقــة
ي
القنوات
الدينية ومعابر
«االنتحار» بقلم :محمد بغداد
ا
الليــات ،ومركبــة لعمليــة العالميــة الحديثــة ،متشــابكة المفاهيــم ،ومعقــدة آ
إ
الهــداف ،ويغلــب عليهــا الكثـ يـر مــن التطــور والتغـ يـر ،وتتجاذبهــا العديــد مــن أ
ـ� المســتوى النظــري وت�احــم فيهــا النظريــات ،وهــي نتيجــة الجمــع بـ ي ن المــدارس ،ت ز
أ
والتطبيقــي ،ونتيجتهــا رســالة إعالميــة مختلفــة المجــاالت والهــداف ،ممــا يجعــل
القــدام عــى اســتهالكها ،ولكــن ف ي� الوقــت نفســه نواجــه صعوبــة اســتيعابها مــن الســهولة إ
ف
ـى تخلفهــا ي� واقــع الحيــاة إننــا إذ ت أ أ أ ف
ي� الكثـ يـر مــن الحيــان ،لنن المــر يتعلــق بالتأثـ يـرات الـ ي
العــام الدي ـ ي ال نريــد أن نتــورط كمــا يفعــل البعــض بالدعــوة إىل إقصــاء نتحــدث عــن إ
ز ت أ
هــذا النــوع مــن الخطــاب ،وال يصــل المــر بنــا إىل التهليــل لــه ،أو القــول بــأن ال�كـ يـر عليــه
ـا� والفكــري تجــاه أ ق �ض
أ ورة ملحــة�،ضولكننــا نــود فقــط ،أن يتنبــه المســؤولون إىل الجانــب الخـ ي
ـى عايشــناها ت
الجيــال الحــا ة والقادمــة ،وهــذا مــن خــال لفــت ت النظــر إىل خطورتــه الـ ي
طيلــة الســنوات الماضيــة ،وأن التاريــخ يجعلنــا مح� ي ن
مــ�،
الخريــن ،ممــن نجحــوا ف ي� اســتثمار إذا تمكنــا مــن مســايرة آ
ـى شــكلت مجتمعاتهــم ،وحولوهــا إىل العملية اإلعالمية الحديثة، ت
الموروثــات الثقافيــة الـ ي
فــرص نجــاح ،وحققــوا بهــا الكثـ يـر مــن إالنجــازات ،وحمــوا بهــا متشابكة المفاهيم ،ومعقدة
اآلليات ،ومركبة األهداف ،ويغلب المصالــح العليــا لبلدانهــم.
عليها الكثير من التطور والتغير العــام عمومــاً،
ومــن المعلــوم ،أن تنــاول موضــوع إ
العالميــة عــى وجــه الخصــوص ،مــن أدق مجــاالت والرســالة إ
ن
العــام الديــ ي الــذي يحمــل ف
البحــث العلمــي ي� ســياق إ
�ش ن
مضامــ� الوحــي المعصــوم ،ووقائــع الحيــاة الب يــة
ي مفهومــه ،باعتبــاره وســيلة نقــل
ين
قوانــ� التاريــخ. بتغــر
ي المحكومــة
أ
العالميــة مهمــا كان مجالهــا ،فإنهــا تقــوم عــى الركان التاليــة :أوال ً
مؤكـ ٌـد أن العمليــة إ
ت
ـى تحملهــا ،ورابع ـاً الرســالة
المرســل للرســالة ،وثاني أـاً المســتقبل لهــا ،وثالث ـاً الوســيلة الـ ي
المتضمنــة ،وخامسـاً الثــر الــذي تنتجــه هــذه الرســالة ،وإذ نختــار الحديــث عــن موضــوع
العــر� ،ت
نعــرف ت
الــى يمــر بهــا الوطــن ف ن
بي العــام الديــ ي ،وبالــذات ي� المرحلــة الحاليــة ي إ
مســبقاً أنــه موضــوع مــن المفــروض أن يكــون نتــاج مجموعــة مــن الجهــود والدراســات
ـى تســعى لالقـ تـراب مــن تلــك الظاهــرة الدينيــة وتفهمهــا ،وبالــذات ف ي� شــقها ت
الجماعيــة الـ ي
أ
العالمــي بواســطة مــا هــو متــاح مــن التقنيــات والســاليب البحثيــة الحديثــة ،وذلــك إ
بهــدف فهــم تلــك الظاهــرة ،والســعي إىل تفكيــك مضمونهــا المفاهيمــي ورصــد تجســيداتها
الميدانيــة ،والوقــوف عنــد نتائــج تمظهراتهــا وتعاطيهــا مــع القيــم الجديــدة ،الناتجــة عــن
الوســاط الدينيــة.العمليــة العالميــة ف� أ
ي إ
.1استراتيجية السلوك
الــىت
عالميــة ي
ت
ال
الكبــر بالرســالة إ
ي يعمــل خطــاب القنــوات الدينيــة عــى االهتمــام
أ
ن
ـتهلك� عـ بـر اســراتيجية
ينتجهــا ،لنــه يراهــن عــى التعاطــي مــع المنظومــة الســلوكية للمسـ ي
ـى ت معــدة مســبقاً مــن طــرف الهيئـ
ـات القائم فــة عــى هــذه القنــوات،أ وهــي الســلوكيات الـ يأ
تكــون ف ي� الغالــب المســتهدف الســاس ي� الرســالة االعالميــة ،لن المــراد هــو التحكــم
ـى يرســمها الخطــاب ف� إدارة ســلوك المواطــن وتوجيهــه وفــق أ
الهــداف االسـ تـراتيجية الـ ت
ي
الخــر ،ســواء آ
الخــر القائــم ف ي� و� مقدمــة الســلوكيات العالقــة مــع آ يالديــن العالمــي ،ف
ي ي إ
ـاس الــذي تأخــذه الصياغــة أ ن ت
ـذا� أو ذلــك البعيــد عـ بـر تحديــد المعــى السـ ي المحيــط الـ ي
النهائيــة لهــذه العالقــة.
فالرســالة العالميــة للقنــوات الدينيــة موجهــة بالدرجــة أ
الوىل ،إىل المؤمــن ال إىل إ
ن
القوانــ� الغيبيــة
ي المواطــن ،والمؤمــن حســب هــذا الخطــاب المحكــوم بمجموعــة مــن
ـى يتــم تأويلهــا وتقديمهــا عــى أنهــا مســلمات مطلقــة ،مدعــو إىل اســتهالكها والتســليم ت
الـ ي
لمنطقهــا.
الخبــاري الــذي يتـ�ئ عليــه خطــاب القنــوات الفضائيــة االسـ تـراتيجية أ
يشــكل الســلوب إ
الخبــاري ف ي� أ ف
المهمــة ي� تســويق خطابهــا ،وهــو الســلوب المســتمد مــن الـ تـراث الــردي إ
الحاديــث النبويــةالحكايــات والقصــص القديمــة ،ويتــم ذلــك بالمــزج المتعســف ألســلوب أ
ـى تمتلــك التشــويق والجــذب ،وتوقــع المســتهلك ف ي� ت
والحــوادث والوقائــع التاريخيــة ،الـ ي
أ ف ف
ش�اكهــا الماضــوي ،بالتحديــد للراغــب ي� العيــش ي� فضــاءات أخــرى تخفــف عنــه اللــم
اليومــي.
الكــرى ت
الــى تصنــع أ
في إن الظاهــرة عــى مســتوى الخطــاب ،تمتــد إىل قــراءة الفــكار ب
العالميــة الدينيــة ،انطالق ـاً مــن القامــوس اللغــوي المســتخدم ي� هــذا نســق العمليــة إ
أ
الخطــاب ،مــروراً بالجهــاز المفاهيمــي الــذي يتعاطــى مــع هــذا القامــوس ،لن ذلــك تــم
العالميــة الدينيــة ،ســواء
ـى تؤطــر العمليــة إت
الخلفيــات الفكريــة الـ ي
ف
بفضــل الوقــوف عنــد
ف
النجــاز أو ي� مرحلــة مــا بعــد االســتهالك .وقــد يغلــب هــذا االهتمــام عــى
كان ي� مرحلــة إ
الكثـ يـر مــن االهتمامــات.
.2عقيدة الخالص
النفس واالضطـراب االقتصادي ي ـر� يمتاز بالخــوف العـ ب ي إن المنــاخ الــذي يســود الوطــن
أ
والقلــق االجتماعــي ،وذلــك يشــكل الرضيــة الخصبــة للقنــوات الدينيــة لالســتثمار فيــه،
العــر� تحــت رحمــة الخطــاب بي انطالقــاً مــن اســتغالل هــذا المنــاخ ،لجعــل المواطــن
الخــرة وعــذاب جهنــم ،ومــا ينتظــر هــذا التخويفــي ،خاصــة عندمــا يرتكــز عــى مشــاهد آ
المواطــن الــذي يجــد نفســه مستســلماً لهــذا الخطــاب ،كونــه يتعلــق بالنجــاة مهمــا كانــت،
أ
ويتطلــع إىل التخلــص مــن اللــم الــذي يحــارصه يوميـاً ،ويعمــل الخطــاب الديـن ي إ
العالمــي
الالم والتعايــش معهــا ،وتقديمهــا عــى أنهــا عــر الفضائيــات عــى التواصــل مــع هــذه آ
ب
أ ن ش
نتيجــة مبــا�ة لتقصـ يـر الحــكام والقائمـ يـ� عــى المــر العــام مــن خــال ابتعادهــم عــن
الســامية ،وهــو نتيجــة طبيعيــة لهــذه القــراءة ومــن ناحيــة أخــرى، تطبيــق ال�ش يعــة إ
تقــدم صــوراً ووقائــع تاريخيــة متناقضــة تمام ـاً مــع الواقــع الحـ ي
ـال ،ولكنهــا تسـ ّـوق عــى
النســان
أنهــا الحلــول الســحرية ،وأن الواقــع ســيكون فيــه مــن المتعــة واللــذة مــا يجعــل إ
ـر�، ن ف
العــام الديـ ي ي� العالـ فـم العـ ب يإن المتتبــع لســلوكيات التيــارات المنتجــة لخطــاب إ
ض
العالميــة ي� القضايــا ـى تعتمدهــا للســيطرة عــى الســاحة إ ت
ف ف تعــرف بممارســة الفــو� الـ ي
الدينيــة ،وذلــك راجــع إىل الخلــل ي� الرؤيــة والســعي إىل مجــاراة مــا هــو ســائد ي� الســاحة
العالميــة الخاصــة ،وتلــك العالميــة العالميــة ،وهــو الخلــل الــذي يشــمل المؤسســات إ إ
العالميــة الدينيــة داخلي ـاً، التابعــة للدولــة ،وتنتــج عنهــا رصاعــات قويــة تطبــع الســاحة إ
وهــو رصاع محمــوم وخطـ يـر ،وإن لــم ينتبــه إليــه الكثـ يـر مــن المتتبعـ يـ�.ن
.3التحوالت الكبرى
إن البعــد الشــيعي ف ي� خطــاب القنــوات الدينيــة ،يقــدم واليــة الفقيــه عــى أنهــا
ـال والـر ق يا� الــذي تطمــح إليــه الشــعوب العربيــة ،وهــو التســويق
ـياس المتعـ ي
السـ ي النمــوذج
اليرانيــة الغربيــة ،حــول الملــف ف
الــذي يتــم ي� منــاخ التطــورات الجديــدة لملــف العالقــات إ
ف
وتأث�اتهــا عــى جغرافيــة المنطقــة. اليـر ن يا� ي� ظــل التوقعــات المفاجئــة ي
للكث�يــن ،ي النــووي إ
إال أن الملفــت لالنتبــاه ف ي� خطــاب القنــوات الدينيــة الشــيعية ،أنهــا تحــاول أن تعتمــد
بــ� أهــل الســنة وفــرقالمــا� ،ف� الــراع التاريخــي ي ن
ض عــى تجــاوز عقبــات منغصــات
ي ي
الشــيعة ،إال مــا يخــدم الخطــاب إالعالمــي الجديــد ،عـ بـر تنــاول موضــوع العدالــة الكونيــة،
ـ� الحــق والباطــل ،باعتبــار الشــيعة تملــك الحــل أ
المثــل لهــذه القضيــة ،وهــي والـراع بـ ي ن
ـ� الخطــاب المســيحي التقليــدي. ف� ذلــك تتماهــى مــع مضامـ ي ن
ي
وال تغفــل القنــوات الدينيــة الشــيعية االشــتباك مــع التيــارات
ـى تجعلهــا ف ي� خطابهــا النموذج إن اإلعالم الديني في أبعاده ت
الســنية ،وبالــذات الوهابيــة منهــا الـ ي
ف
للســام ،وهــو النمــوذج ت الــذي يتخبــط ي� التناقضــات المختلفة أصبح صناعة الفاشــل إ
ـى ال تصمــد أمــام مــا يقدمــه الفكريــة والمذهبيــة التاريخيــة ،الـ ي
وأدلــة ،وبذلــك يجعــل الخطــاب تجارية ،وبالذات عندما لقي الخطــاب الشــيعي مــن حجــج
ً
الشــيعي المرجعيــة الدينيــة إاليرانيــة ،هــي مركــز العالــم؛ تتحكــم إقباال من طرف الشباب
ف ف
الســامي ي� مصدريــة الحــق المطلــق ،ليــس ي� الفضــاء الدي ـن ي إ
فحســب ،بــل ف ي� العالــم كلــه ،وكل مــن يخالفهــا أو يختلــف معهــا
فهــو خــارج إطــار الحيــاة ،ويحــرم مــن كل الحقــوق الطبيعيــة لالنخ ـراط ف ي� الدنيــا.
ف ي� ظــل التدفــق الرهيــب لخطــاب القنــوات الدينيــة الخاصــة ،تت�اجــع مكانــة القنــوات
الحكوميــة مــن حيــث العــدد ومــن حيــث الكثافــة؛ فهــي قنــوات تنتــج يومي ـاً مــن المــواد
ين
المســتهلك� يزيــدون نفــوراً منهــا ،خاصــة تلــك المــواد الدينيــة العالميــة ،مــا يجعــل إ
العالميــة التقنيــة والفنيــة ،وتســارع إىل بت�يــر الواقــع ،وتســعى
ـى تبتعــد عــن المعايـ يـر إت
أ الـ ي
ن
إىل صناعــة مســافة كبـ يـرة بينهــا وبـ يـ� المواطــن العــادي ،لن النخــب القائمــة عــى هــذه
.5التخبط الرسمي
تســاهم النخــب الرســمية ف ي� توســيع ســيطرة نفــوذ خطــاب القنــوات الدينيــة ،مــن
ـكا� تدفــق خطــاب خــال تكلســها وجمودهــا وعجزهــا عــن إنتــاج خطــاب إعالمــي مــواز ،يـ ف ئ
الكثــر مــن التجاهــل وعــدم ي القنــوات الدينيــة ،بــل تبــدي
االهتمــام ،مــن خــال أســلوب الهــروب والتهــرب مــن مواجهــة
حقيقيــة لهــذا الخطــاب ،بالرغــم مــن إالمكانيــات المعرفيــة ،نالحظ أن الكثير من رؤوس
ونتائــج تراكــم تجربــة الممارســة الدينيــة للمؤسســات األموال غير المنتمية للتيارات
الكثــر مــن الفــرص لمواجهــة حقيقيــة الدينية ،أصبحت تستثمر في ي التقليديــة ،تمنــح
لمنتــوج القنــوات الدينيــة الخاصــة ،وبالــذات تلــك النتائــج
تخ�نهــا المنظومــة القيميــة االجتماعيــة ف� أبعادهــا القنوات الدينية ،ألن مردودها الــى ت ز
ت
ي ف ي
التاريخيــة ،المتمثلــة ي� التســامح وفضائــل العيــش المشـ تـرك ،من اإلشهار كبير
والنفــ� للمجتمــع.
ي وفعاليــة النســق االجتماعــي
العالمــي
ـرات العامــة للمشــهد إ يعــد التوالــد الكثيــف للقنــوات الدينيــة ،مــن الممـ ي ز
الجديــد الــذي يرتكــز عــى التعدديــة واالبتعــاد عــن الطابــع الحكومــي ،ويتــوج حركــة
المــوال الــذي ترغــب ف ي� تحقيــق معــدالت المبــا� لــرؤوس أ
ش العــام بالتدخــل صناعــة إ
للربــاح ،وعنــد االبتعــاد عــن ســلوكيات االتهــام للجهــات الممولــة لهــذه القنــوات �ف كــرى أ
ي ب
أ
ـر� ،نالحــظ أن الكثـ يـر مــن رؤوس المــوال غـ يـر المنتميــة للتيــارات الدينيــة،
أ ف العالــم العـ ب ي
المعلن�ن
ي الشــهار كبـ يـر ،بتفضيــلأصبحــت تســتثمر ي� القنــوات الدينيــة ،لن مردودهــا مــن إ
مــن أصحــاب الســلع االســتهالكية الذيــن يفضلــون تســويقها عـ بـر القنــوات الدينيــة ،عــى
أســاس أن هــذه القنــوات لهــا جمهــور عريــض ،يتجــاوز الحــدود ،وأن إمكانيــة تصديقهــا
مــن طــرف المسـ ي ن
ـتهلك� متوفــرة بدرجــة عاليــة.
العالمــي للقنــوات الفضائيــة نفســه منســجماً مــع طبيعــة الفــرص يجــد الخطــاب إ
ن
المســتهلك� مــن خــال منطــق الــى تتيــح لــه الوصــول إىلت
ي
ت التكنولوجيــة الجديــدة ،ي
العلويــة ،الـ ت
ـى يــر عــى أنهــا ســماوية ،ومــن خــال الفضــاء الــذي ي ـى تمتطيهــا رســالته الـ
ي
الكيــا� الوجــودي للمســتهلك ،ويحرمــه ن يكثــف القدســية فيهــا ،ويجعلهــا مهيمنــة عــى
ف ي
مــن إمكانيــة النقــد أو المراجعــة ،وهنــاك تطابــق كبـ يـر � المخيــال التــداول العــام ،بـ يـ�ن
ي ي
ـ� المســار التاريخــي لمفهــوم العالمــي للقنــوات الدينيــة ،وبـ ي ن العالميــة والتدفــق إ الرســالة إ
.7آفاق المستقبل
الساســية أمــام النخــب ف ي� المرحلــة القادمــة ،االشــتباك مــع ســيكون مــن التحديــات أ
ت ف
ـى تتطلــب الكثـ يـر من الوعــي بالبنيات الخطــاب الديـن ي ي� الســاحة إ
العالميــة الفضائيــة ،والـ ي
التدم�يــة عــى
ي العالمــي ،والعمــل عــى التقليــل مــن أخطــاره المؤسســة لهــذا الخطــاب إ
ش ت
ـى تهــدد بنســف نســق العيــش المشــرك ،ونــر الرصاعــات الصفرية ت
البنيــة االجتماعيــة ،الـ ي
ت
ـى تســعى إىل تجســيد المرجعيــة الواحــدة الرافضــة لــكل إمكانيــة التعدديــة الطبيعيــة الـ ي
ف
واالختــاف المنطقــي ي� بنيــة الخلــق.
الشروط النفسية
والتربوية لإلعالم
الديني
في العالم العربي
اإلسالمي
يعرف العالم المعاصر ثورة كبيرة في مجال اإلعالم
السمعي البصري مند نهاية القرن العشرين وبداية القرن
الحالي ،حيث ظهر كثير من القنوات الفضائية التي أصبحت
في متناول الناس من مختلف األعمار والشرائح االجتماعية،
وأصبح الولوج إلى هذه القنوات الفضائية سهال ،وخصوصا
من طرف األطفال والشباب .ومن أهم العوامل التي تجعل
الشباب واألطفال يتفاعلون مع هذه الوسائل اإلعالمية
وينجذبون نحوها هو ما تقدمه من مادة إعالمية غنية
بالمثيرات والتشويق والمتعة الفنية ،وما تعتمد عليه من
تقنيات متطورة في التأثير على السلوك واالنتباه واالتجاهات
واألفكار.
ُم
ف
العالميــة تقــدم نْــذُ بدايــة ظهورهــا ي� القــرن الع�ش يــن ،كانــت القنــوات إ
مــواد متنوعــة رياضيــة وثقافيــة وفنيــة ودينيــة وترفيهيــة ،ومــع الوقــت
ن ض ن ف
ـا� والف ـ ي
ظهــرت ف قنــوات فضائيــة متخصصــة ي� المجــال فالدي ـ ي ،والريـ ي
والثقــا� .وكانــت القنــوات الفضائيــة الدينيــة ي� بدايــة ظهورهــا تقــوم ي
والرشــاد والتوجيــه الديـن ي ،وكان يطغــى عليهــا الطابــع التقليــدي، بعــرض برامــج للوعــظ إ
والرشــاد ،مــا ت ف
ـى تتضمــن الفتــاوى الدينيــة إ ال�امــج الحواريــة ،أو المــواد الـ ي
ســواء ي� تقديــم ب
ـ� والسياسـ ي ن
ـي�. ـ� والمربـ ي ن
جعلهــا عرضــة لالنتقــادات والمعارضــة مــن طــرف المثقفـ ي ن
الســئلة حــول طبيعــة ومــن جهــة أخــرى ،أثــار انتشــار هــذه الفضائيــات العديــد مــن أ
ـل� عــى
ـا� والسـ ب ي العــام الديـن ي وأهدافــه وفائدتــه بالنســبة إىل المجتمــع ،وتأثـ يـره إ
اليجـ ب ي إ
ســلوك النــاس وأفكارهــم واتجاهاتهــم .وتباينــت وجهــات
والجابــة عنهــا ،ي ن
بــ� مؤيــد أ ف
النظــر ي� طــرح هــذه الســئلة إ
لــرض ورة وجــود إالعــام الديــن ي ،ومعــارض لهــذا النــوع إن كثيرًا من القنوات الفضائية
�ض ن
مــن إالعــام ،وبـ يـ� مــن يــرى ورة تطويــر هــذا إالعــام تكرس اغتراب اإلنسان العربي
ال�امــج وموادهــا.
وإدخــال إصالحــات عــى تقديــم ب
المسلم عن قيمه الدينية
والثقافية ،وتشوه صورة العالمــي الديــن ي ف ي� المدافعــون عــى �ض ورة حضــور إ
اإلسالم والمسلمين كبــراً عرفتــه
العالمــي ،يــرون بــأن هنــاك تحــوال ً ي المشــهد إ
ت
الــى تركــز عــى ال�فيــه ت
أ العــام الغربيــة الحديثــة ي وســائل إ
والمتعــة الماديــة ،وتغيــب فيهــا القيــم الخالقيــة ،والفــن
ال ـر ق يا� الــذي يهــدف إىل تربيــة الــذوق الســليم .إن كثـ يـراً مــن
ـر� المســلم عــن قيمــه الدينيــة والثقافيــة، النســان العـ ب يالقنــوات الفضائيــة تكــرس اغـ تـراب إ
ـلم� ،وتعمــل عــى تضليــل ال ـرأي العــام بمجموعــة مــن الســام والمسـ ي ن وتشــوه صــورة إ
ـلم� .وهكــذا ،وجــب ظهــور ن أ
الســامي وحيــاة المسـ ي المغالطــات والكاذيــب عــن الديــن إ
العالميــة حســب هــذا االتجــاه ،تخضــع لمقتضيــات المنافســة ف ي� إن المــواد إ
والشــهار ،ولمقتضيــات توجهــات السياســات الدينيــة .ولذلــك ،نجــد العــام إ ســوق إ
ن
دينيــ�» ،يقومــون
ي ن
«منشــط�
ي هــذه القنــوات تعتمــد عــى
والســرة النبويــة
ي باســتخدام القــرآن والموعظــة الدينيــة،
اســتخداما نفعيــا الســتقطاب أكـ بـر عــدد ممكــن مــن النــاس اإلعالم الديني بمثابة مؤسسة
أ ن ث
أكــر مــن االهتمــام بالمضمــون الديــ ي ،ولن االســتقطاب للتنشئة االجتماعية والتربوية ت
العجــاب ،فــإن المضمــون يغلــب عليــه طابــع يفــرض إ
انفعــال ،ال يخاطــب العقــل بقــدر مــا يخاطــب الوجــدان أو تمرر مجموعة من القيم
ي
واألفكار ،وتعمل على ترسيخ الالشــعور.
سلوكيات وقواعد أخالقية
يــرى ال ـرأي الثالــث أن الحاجــة تقت ـض ي تنوع ـاً واختالف ـاً
العالميــة الختــاف التوجهــات ،واالهتمامــات وتنوع ف
ي� المــادة إ
الفــكار والمعتقــدات .ولهــذا ،فكمــا أن هنــاك إعالم ـاً رياضي ـاً وترفيهي ـاً أ
وثقافيــاً وســينمائياً وفنيــاً ،فــا بــد أن يكــون هنــاك إعــام ديــن ،عــى ش�ط أن ت
يحــرم ي أ
فالعــامالعالميــة أذواق النــاس ورغباتهــم ومعتقداتهــم .إ كل نــوع مــن هــذه النــواع إ
الجســاد عاريــة وأ�طــة إباحيــة تظهــر فيــه أ ينــر صــورا ش ئ
الســينما� والفــن يجــب أال ش
ي أ ي
ن ت
العــام الدي ـ ي
ـ�ء لمعتقــدات المشــاهد المســلم .كمــا أن إ ـى تـ ي
وغ�هــا مــن المــور الـ يي
ال يمكنــه تقديــم برامــج تشــجع المشــاهد أو المســتمع عــى التشــدد والغلــو أو الكراهيــة
للخــر.آ
العــام الديــن ي ف ي� العالــم الغــرض مــن هــذا المقــال ،هــو التعــرف عــى ماهيــة إ
ش
الساســية ،والتطــرق إىل الــروط النفســية العــر� الســامي ،واالطــاع عــى وظائفــه أ
بي إ
الخباريــة والتثقيفيــة ت
وال�بويــة، العــام إىل تحقيــق مجموعــة مــن الوظائــف إ يهــدف إ
كمــا يعمــل عــى إشــباع حاجــات نفســية اجتماعيــة ،وتوعيــة النــاس حــول قضايــا سياســية
ـىت أ
ـة ،ومســاعدتهم عــى فهــم مشــاكلهم ،ويجيــب ت عــى كثـ يـر مــن الســئلة النـ ي ف
واجتماعيـ
ت
العــام الديـ ي ،ـى يقــوم بهــا إتع�ضهــم ي� معامالتهــم اليوميــة .ومــن أهــم الوظائــف الـ ي
ـ�:
مــا يـ ي
العــام
تقديــم المعلومــات والتحليــات حــول مختلــف القضايــا والمشــاكل؛ يهتــم إ
الــى يواجهونهــا ف ي� حياتهــم اليوميــة ،والتعليــق
ت ن
الديــ ي بتوعيــة النــاس حــول المشــاكل ي
العالمــي يــؤدي إىل
عليهــا وتتبــع تطوراتهــا وانعكاســاتها عــى المجتمــع ،وهــذا العمــل إ
إشــباع حاجــات النــاس النفســية للمعرفــة الدينيــة.
ـرس متحــرك للعلــوم ال�ش عيــة ي العــام الدي ـن ي هــو كـ
التوعيــة الدينيــة والمعرفيــة؛ إ
ـى تهــدف إىل تربيــة ت أ
والمعرفيــة ،قوقــد أيتطــرق أيضــا للثقافــة والدب والفنــون الجميلــة الـ ي
الــذوق وتــر� بالخــاق والقيــم النبيلــة .وكل هــذه المــواد
والمعــارف تقــدم عــى شــكل أفــام وثائقيــة وبرامــج متنوعــة
ـ� إىل العلــوم والمعــارف .لقــد أصبحــت رسالة اإلعالم الديني الجيد تشــبع نهــم المتتبعـ ي ن
ف
العلــوم الدينيــة والمعرفيــة ي� متنــاول الجميــع عــى اختــاف تهتم بنشر قيم اإلسالم
مســتوياتهم االجتماعيــة؛ فباســتطاعة كل فــرد كيفمــا كان ســنه الوسطي المستند على القرآن
اس أن يتعلــم ويحصــل عــى أو جنســه أو مســتواه الــدر ف ي
و� أرسع وقــت ،وبأقــل جهــد والسنة المعرفــة بأســهل الطــرق ،ي
ممكــن.
ـ� علمــاء ال�ش يعــة والجماهـ يـر؛ إن االتصــال اليومــي للنــاس مــع تقويــة االتصــال بـ ي ن
العــام الديـن ي والجماهـ يـر المســتقبلة ،كمــا ـ� إ علمــاء ال�ش يعــة يجعــل العالقــة تتقــوى بـ ي ن
أ
ـ� عــى نـ شـر الوعــي الســليم بالمــور ـ� الطرفـ ي ن يســاعد هــذا االحتــكاك اليومــي المتبــادل بـ ي ن
الســامي، ف
الطــار المرجعــي للديــن إ الدينيــة ،وتقويــة الثقــة ي� العلمــاء الذيــن يمثلــون إ
واق�احاتهــم .وعــى العمــوم ،فــإن حيــث يشــعر النــاس براحــة تامــة ف� اســتقبال آرائهــم ت
ي
ال�امــجـر� ،ودور الوالديــن مــن خــال هــذه ب بي ـ والم ـم
ـ المعل العــام الديـن ي يقــوم بوظيفــة إ
وغ�هــا ،وتتجــاوز أهدافهــا التعليميــة أ ت
ال�بويــة والتعليميــة وبرامــج الطفــال والشــباب ي
الرسة ويتعلــم �ف إىل القيــام بوظيفــة التنشــئة االجتماعيــة .فالطفــل يولــد ف� أحضــان أ
ي ي المدرســة ،وتتــواله وســائل العــام وترعــاه وتمـ أ
ـ� وقتــه بموادهــا المتنوعــة ،وأحيانــا تؤثــر إ
ســلبا عــى نمــو شــخصيته وتغيـ يـر ســلوكه.
وال�بوية ل إلعالم ن
الدي� ال�وط النفسية ت
ثانيا :ش
ي
إن نجــاح إالعــام الدي ـن يتوقــف عــى مجموعــة مــن الـ شـروط النفســية ت
وال�بويــة،
الساســية أ ي
ـات النفســية أ ت
للفـراد ،ومراعاة اســتعداداتهم الســتقبال ـى تتعلــق بإشــباع الحاجـ
والـ ي
أ
الرســائل إالعالميــة ،واقتناعهــم بالفــكار الــواردة فيهــا ،ومســايرة قــدرات النــاس العقليــة
ـ� الــذي يســاعد عــى اســتيعاب مضمــون هــذه الرســائل .كمــا يهتــم إالعــام ونموهــم النفـ ي
الدي ـن ي بانســجام المــادة إالعالميــة مــع اهتمامــات النــاس ومعتقداتهــم الدينيــة والقيــم
والحــداث وتحليلهــا ،ومحاربــة االنح ـراف االجتماعــي النســانية ،والصــدق ف� نقــل الوقائــع أ
ي إ
والدي ـ ي والســلوكيات المضــادة للمجتمــع ،واســتعمال تقنيــات حديثــة ومؤث ـرات جيــدة.ن
ـراموالحــداث وتحليلهــا بشــفافية ودون زيــادة أو نقــص ،والـ ت زالصــدق ف� نقــل الواقــع أ
التــام؛ فكلمــا كانــت وســائل العــام الديــن صادقــة ف� نقلهــا لهــذه أي
الخبــار في ي إ الحيــاد
أ
والوقائــع كلمــا اكتســبت ثقــة النــاس ،وأصبحــت ذات مصداقيــة ي� الوســاط االجتماعيــة.
إن المعلومــات أ
والخبــار الكاذبــة تــؤدي إىل خلــق البلبلــة ف ي� أذهــان النــاس ،وتأجيــج الـراع
والجــدل حــول كثـ يـر مــن المســائل الشــكلية والجزئيــات ،مــا يخلــق لــدى النــاس التباســا
وتناقضــا ذهنيــا ف� فهــم أ
المــور الدينيــة ،واالتجــاه نحــو الزهــد ف ي� الدنيــا أو القطــع مــع ي
كثـ يـر مــن مظاهــر الحيــاة الواقعيــة ،أو االتجــاه نحــو التطــرف والتعصــب والعنــف.
العمــل عــى إشــباع الحاجــات النفســية والعاطفيــة للنــاس؛ وهــذا �ض وري لتكيــف
الف ـراد مــع المحيــط االجتماعــي ،وتلبيــة رغباتهــم االجتماعيــة ف� التواصــل مــع آ
الخريــن. أ
ي
فالنــاس عــادة ف ي� حاجــة للمعرفــة واالكتشــاف والتعلــم ،ويــودون الحصول عــى المعلومات
ـ�ء بالمخاطــر ف أ ف أ
ـ� واالجتماعــي ي� مجتمــع مـ يوالخبــار ،كمــا أنهــم ي� حاجــة إىل المــن النفـ ي
والمشــاكل .ومــن جهــة أخــرى ،يجــب ربــط الحديــث عــن العبــادات والشــعائر بالمتعــة
الشــخصية؛ فالصــاة لهــا منافــع جســمية ونفســية تحســس الفــرد باالرتيــاح ،والصــوم هــو
تربيــة للنفــس وتدريــب للجســم فيــه فائــدة كبـ يـرة للنفــس والجســم.
العالمــي يعتمــد عــى مراعــاة كــر عــى اهتمامــات النــاس؛ إن نجــاح العمــل إ ت
ال� ي ز
العالميــة
العالميــة وميوالتهــم؛ فكلمــا كانــت الرســالة إ ين
المســتقبل� للرســالة إ اهتمامــات
ن
ـتقبل� لهــا .كمــا أن قــوة هــذه
متناســبة مــع اهتمــام النــاس ،كلمــا حــازت عــى رضــا المسـ ي
الرســالة واســتنادها إىل قواعــد منطقيــة تجعلهــا تؤثر بســهولة ف ي� ســلوك النــاس واتجاهاتهم
اس؛
العالميــة ينبغــي أن تراعــي الجنــس والســن أوالمســتوى الــدر ي
الشــخصية .إن الرســائل إ
فاهتمامــات النســاء تختلــف عــن اهتمامــات الرجــال واهتمامــات الطفــال ليســت هــي
اهتمامــات الكبــار.
العــام وفعاليتــه ف ي� التأثـ يـر عــى اســتعمال تقنيــات حديثــة ومؤثـرات جيــدة؛ إن قــوة إ
ال� تســاعد عــى تمريــر الخطابات ت
الجماهـ يـر ترتكـزان عــى مجموعــة مــن الوســائل العلميــة ي أ
ـ� واضحــة والفــكار ،وإقنــاع النــاس بمضمــون هــذه الرســائل .ولهــذا ،فــإن اختيــار مضامـ ي ن
وقويــة تســاعد عــى جلــب انتبــاه المشــاهدين ،كمــا أن اســتخدام وســائل وتقنيــات جيــدة
وللشــارة ،فــإن اســتخدام هــذه التقنيــات ـا� عــى ســلوك النــاس .إ ف
اليجـ ب ييســاهم ي� التأثـ يـر إ
العالميــة تتفــوق عــى المؤسســات االجتماعيــة الحديثــة هــو الــذي جعــل المؤسســة إ
�ض
وغ�هــا .ففــي الوقــت الحــا ،تراجعــت ســلطة الوالديــن أ أ
الخــرى ،كالرسة والمدرســة ي
ـى أصبحــت تحتضــن الطفــل ت ض
العــام الحديثــة أ تالـ ي
ـا� ،نظـرا لظهــور وســائل إ كثـ يـرا عــن المـ ت ي
والمراهــق لفــرات طويلــة ،يقضيهــا مــع التلفزيــون والن�نيــت ،نظــرا النبهــاره بهــذه
ـى تحقــق لــه المتعــة ،ويجــد فيهــا ضالتــه ،ألنهــا تخاطبــه بأســلوب ت
التقنيــات الجديــدة الـ ي
ـال.
ـ� ونضجــه االنفعـ ي بســيط وواضــح وتراعــي مســتواه العقـ ي
المراجع:
بح� سعيدي
ت
،2012السيكولوجي سلسلة االستشارة السيكولوجية والمساعدة ال�بوية.
التحليل السيكولوجي للذات السياسية.
العدد الثالث ،مطبعة طوب بريس ،الرباط ،المغرب.
فيصل عباس
النسانية :النظرية والممارسة.
النفس للذات إ
ي ،1991التحليل
النفس الفرويدي.
ي سلسلة التحليل
ن
اللبنا� ،يب�وت ،لبنان. دار الفكر
ي
فيصل عباس
النسان والحضارة.
النفس وقضايا إ
ي ،1991التحليل
النفس الفرويدي.
ي سلسلة التحليل
ن
اللبنا� ،يب�وت ،لبنان. دار الفكر
ي
ت
ريش� جيهان أحمد
أ ي
العالم.
،1978السس العلمية لنظريات إ
العر� ،الطبعة الثانية.
دار الفكر ب ي
رزق هللا رالف
أ أ
« ،1990التلفزيون والطفال الترسب اليديولوجي من خالل الصورة»
ب� التغريب أ
والصالة ص 247 العر� ي ن ف
ي� ثقافة الطفل ب ي
ين
االختصاصي� مصطفي حجازي ومجموعة من
أ
ب� التغريب والصالة» العر� ي ن
« ،1990ثقافة الطفل ب ي
منشورات المجلس القومي للثقافة العربية،
الرباط ،المغرب.
فروم إريك
النفس.
ي ،1979الدين والتحليل
ترجمة فؤاد كامل ،مكتبة غريب ،القاهرة.
شاكر إبراهيم
ف
العالم ووسائله ،ودوره ي� التنمية االقتصادية واالجتماعية،
،1975إ
�ش
مؤسسة آدم للن والتوزيع ،القاهرة.
العــام مــرة هــذه الثــورة ،أنهــا حــررت ميــدان إ يز * مــا أســباب تكاثــر القنــوات الفضائيــة الدينيــة
والمعلومــات واالتصــال مــن إك ـراه النــدرة الــذي لطالمــا العــر� (مســيحية أم إســامية)؟ وهــل ي ب ف ي� العالــم
والــى لــم يكــن مــن
ي
كان رديفــاً للتقنيــات التناظريــة ،ت تعتقــدون أن تكاثرهــا عالمــة صحيــة ف ي� مجتمــع مــا أم
الممكــن ف ي� ظلهــا إرســال أكـ ثـر مــن قنــاة تلفزيونيــة عـ بـر العكــس؟
ـى ظهــرت عــى أنقــاض ت
حامــل واحــد .الثــورة الرقميــة الـ ي ثمــة مجموعــة مــن أ
الك ـراه،
هــذه التقنيــات التناظريــة ،تجــاوزت عــى هــذا إ الســباب ف ي� ذلــك ،البعــض منهــا
العــرات مــنش فبــات بإمــكان حامــل واحــد أن يفــرز الســباب أ
الخــرى ذاتيــة رصفــة، موضوعــي خالــص ،فيمــا أ
القنــوات التلفزيــة ،وبجــودة عاليــة ،ويغطــي بالنتيجــة أو لنقــل مســاعدة:
فضــاءات جغرافيــة واســعة ،لــم تكــن تقنيــة البــث
التقليــدي قــادرة عمليــاً عــى إدراكهــا. -أول معطــى موضوعــي ف ي� هــذا البــاب ،يتمثــل
العــام ت ف
الــى طالــت ميــدان إي� الثــورة التكنولوجيــة ي
هــذا معطــى تق ـن ي خالــص ،ال يســمح المجــال هنــا والمعلومــات واالتصــال ،وطالــت بجريــرة ذلــك كل
للتفصيــل فيــه .لكــن المهــم أن هــذه الثــورة التكنولوجيــة الــى تــدور ف ي� فلــك هــذه الثــورة،
ت
الصناعــات الثقافيــة ي
الــى مكنــت مــنت ين
المهندســ�) ،هــي ي (الرقميــة بلغــة مــن مكتــوب ومقــروء ومســموع ،بــكل أنواعــه وأشــكاله
ت
العــرات مــن القنــوات الفضائيــة ،ووســعت ش اســتنبات الــى طالــت مجــال
أ ولذلــك ،فــإن الطفــرة ي ئ
وأحجامــه.
مــن ســعة «الســواتل» ،ودفعــت العديــد مــن الــدول إىل الفضــا� هــي ســليلة الطفــرة الوىل ،وتحديــداً
ي العــام
إ
إطــاق أقمــار خاصــة بهــا لغايــة االتصــاالت ،ولغايــات أ ن
الفــرع المقتــ ي ضمنهــا للقمــار الصناعيــة ذات البــث
ن
التلفزيــو� عــى وجــه التحديــد .المحصلــة أن البــث ن
التلفزيــو� العابــر للحــدود.
ف ي ي
المنطقــة العربيــة ،شــأنها ي� ذلــك شــأن معظــم مناطــق
هــذا ســؤال أفــردت لــه دراســة موســعة ســتصدر أمــا المعطيــات الذاتيــة ،فتتمثــل تحديــداً ف ي� توافــر
قريبــاً عــن مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود» ،لكنــه مــا العــام رؤوس أمــوال ،ال ســيما بالخليــج ،بــدا لهــا إ
ـرال الجــواب ف ي� الجوانــب
فبالمــكان اخـ ت ز
دام قــد طــرح ،إ ـا� مجــال اســتثمار مربــح ،وفضــاء واعــداً لتدويــر ئ
الفضـ ي
الثالثــة التاليــة: أ
هــذه المــوال .لذلــك عمــد القطــاع الخــاص ،أشــخاصاً
ومؤسســات ،إىل ولــوج هــذا المجــال ،ال ســيما وأن
أوالً :قليلــة هــي القنــوات الدينيــة ،ســواء الباثــة بــ� ظهرانيــه ليســت مرتفعــة ،وتقنيــات التكلفــة مــن ي ن
الــى البداخــل هــذا البلــد أو ذاك ،أو مــن المهجــر ،ت العمــل متوفــرة بكـ ثـرة بالســوق العالمــي .هــذا أمــر يــري
تي أ
ـى
تعـ بـر بشــكل مــن الشــكال عــن المنظومــة الدينيــة الـ ي عــى فضائيــات الغنــاء والســينما ،ويــري أيضــاً عــى
تتبناهــا هــذه الدولــة أو تلــك ،أو الشــخص المنتمــي لهــذا الفضائيــات ذات النكهــة الدينيــة ،أو الدينيــة الرصفــة ف ي�
المذهــب أو ذاك .طبيعــة الخطــاب هنــا ال تتغـ يـر كثـ يـراً، برامجهــا وموادهــا وخطهــا التحريــري العــام.
ـى لهــا خطــاب شــبه ت
إذ (باســتثناء القنــوات المســيحية الـ ي
ـى هــو الخيــط الناظــم لهــذه موحــد) يبقــى البعــد المذهـ ب ي الثــا� ،ويتمثــل ف ي� مــا نتصــور،
ي
ن ت
الــذا�
ي المعطــى
ال�امجيــة أو تلــك :للقنــوات الســنية خطابهــا الذاتيــ�ن أ ف
الشــبكة ب ي غــرة العديــد مــن المؤسســات والشــخاص ي� ي
ر� ض
عمــر أو مــن عثمــان ي عــن إشــكالية االســتفراد
هللا عنهــم جميعــا؟ ومــا واقع ترى ال الدينية القنوات بالســلطة والـ ثـروة مــن لــدن
الــذي يقــدم دعــوة أو ومشكالت العالم العربي هــذه الجهــة أو تلــك،
تبشـ يـراً يراهــن عــى الدفــع واإلسالمي إال من منظورها وقــس عــى ذلــك.
بتشــييع هذا البلــد أو ذاك؟
ولمــا ال ندعــو إىل نمــاذج الطائفي أو السياسي أو بالمحصلــة ،وهــذه
ي� التنميــة والخــروج مــن ف المذهبي مســألة تعرضــت لهــا
ت
التخلــف بالتعاون المشــرك أيض ـاً بالدراســة المذكــورة،
ث
وتقاســم الخـ بـرات وال�وات يبــدو أن خطــاب هــذه
ومواجهــة االســتهداف الفضائيــات إنمــا هــو
والســامية ،ونبقــى ف
الســامي ي� إطــار المرجعيــة الــذي تتعــرض لــه البلــدان العربيــة إ خطــاب يقــدم الديــن إ
ت
ـ� مجــادالت لــم تعــد ذات فائــدة ،حــى وإن كانــت المذهبيــة للدولــة حيــث تبــث الفضائيــة ،أو يقــدم حبيـ ي
خطابــاً تســكينياً ،مهدئــاً ،مطمئنــاً ومحايــداً .وهــذا أمــر الحقيقــة التاريخيــة تثبتهــا؟
قــد يتماهــى معــه بعــض مــن المشــاهدين ،لكنــه ال يمكــن
أتصــور أنــه كائنــة ما تكــن الخالفــات ،فــإن المفروض الغــرة عــى واقــع
أد� مــن ي أن يقبــل بــه مــن لــه حــد ن
والســامي والتـ شـرذم الــذي بــات عليــه ،أن تدفــع الفضائيــات بوســطية يكــون االحتــكام فيهــا ـر� إالعالــم العـ ب ي
ال بــل والتقســيم الــذي ال قــدر هللا ،ســيكون مجالــه للق ـرآن الكريــم (وهــذا لحســن الحــظ العنــر الجامــع
ولحاديــث الرســول عليــه الصــاة والســام، منــذ 14قرنــا) أ بالقــادم مــن أزمــان.
واعتبــار مــا ســوى ذلــك أحداثـاً سياســية مــرت ،ولــم يعــد
* تشــتغل هــذه القنــوات تحــت يافطــة الدعــوة لهــا مــن أبعــاد عمليــة عــى مســتوى واقعنــا المعيــش.
والتبشــر ،وذلــك يخفــي تصــوراً ضمنيــاً تصــدر عنــه
ي
* هــل تــرون أن لمقدمــي برامجهــا الكفــاءة ف
النســان وغرقــه ي� هــذه الخطابــات؛ هــو قصــور إ
ض
الضــاالت وحاجتــه إىل مــن يدلــه عــى هللا ويســاعده ال�وريــة ،مــن حيــث تكوينهــم وأســاليبهم ومســتوى
خطاباتهــم ،للقيــام بمهمــة خطــرة كهــذه؟ عــى الخــاص .مــا رأيكــم ف ي� هــذا التصــور؟
ـ�؟ن ف
* برأيكــم ،هــل نحــن ي� حاجــة إىل إعــام ديـ ي
العــام هادفــا؟ وكيــفوهــل يمكــن أن يكــون هــذا إ
ت
يجــب أن تكــون طرائــق اشــتغاله حــى يكــون كذلــك؟
1515 DUBUC Jean-Guy, Mass media: pour ou 4.4محمــود علــم الديــن ،تكنولوجيــا المعلومــات
contre Dieu, Beauchemin, Montréal, 1971 العــر� ش
للنــر بي الجماهــري،
ي وصناعــة االتصــال
والتوزيــع1990 ،
1616 GABEL Emile, L’enjeu des médias, Marne,
Paris, 1971 الســامي العــام إ متــول ،إ
ي 5.5محمــد محمــود
ش
وال ـرأي العــام� ،كــة ســعيد رأفــت ،القاهــرة،
1717 RUSZKOWSKI André, Communications 1987
sociales et pensée chrétienne, Cahiers
d’études et de recherches n° 9, Office والعــام
الســامية إ 6.6عبــد هللا شــحاتة ،الدعــوة إ
des communications sociales, Montréal, الديـن ي ،الهيئــة المرصيــة العامــة للكتــاب،1986 ،
septembre, 1968 مــر.
العالمــي
8.8مصطفــى المصمــودي ،النظــام إ
الجديــد ،سلســلة عالــم المعرفــة ،الكويــت،
1985
عم تكتبين؟
ّ
ونافذة للغناء
ونافذة للبكاء
ش�نوافذ ت
ترى خلال فادحا
ح� تنظر منها ين
أراه ما تراه
وأكنس
قل� قويا وحيا سأكنس
ما دام ب ي
...ما زلت أكنس
بيارن ملكفيك:
*
التزام وتسامح
اهتمامهــا صوب الفــرد ،إال أنــه عــى الرغــم مــن أن صنــاع القانون الحديــث ،وهــم المواطنــون والمواطنــات.
الفــرد ،عنــد رولــز عىل ســبيل المثال ،هــو الــذي يتعـ ي ن
ـ� فبالنســبة إىل الدكتــور ملكفيــك توجــد صلــة وثيقــة بـ ي ن
ـ�
عليــه فعــا صنــع نموذجه الخاص بمجتمع متســامح، الــى تنتــج عــنت
الســياس والمعاملــة بالمثــل ي ي التســامح
تتحــدد معالــم تصــوره الفلســفي بصــورة مســبقة ،فإن الحــوار الديمقراطــي .هــذه المعاملــة بالمثــل ،يجــب أن
التســاؤل الــذي يطــرح هــو هل الفــرد ال يزال هــو المرجع ال ثك� ـكل حــزم موقفـاً لصالــح الضحايــا والفئــات أ تتخــذ بـ ّ
الحقيقــي الــذي ينبــن ي عليــه االختيــار؟ وهــل ما يــزال حرمانــا ف ي� المجتمــع.
للفــرد وجــود مســتقل يعكس تركيبتــه المعقــدة ،أم
اف�اضيــة -أو عصابيــة إنّــه لــم يعــد ســوى «نقطــة» ت الشــارة إىل أن التســامح ،ف ي� عالمنــا الحديث، تجــدر إ
تفكــر بم�مــج مســبقاً من قبل متطلبات -لمنطــق أ
ـكل� بارزيــن بحســب بيــارن ملكفيــك؛ فــالول يأخــذ شـ ي ن
ي
3
النظام الفلســفي؟ الغــر ،وتلقــياحــرام ي ينبســط كفضيلــة تنبــن عــى ت
ي
بالثقــل كلــه عــى الفــرد ،فهــو الــذي يجــب أن يتحمــل
ف ي� الواقــع ،إذا كان التسامح« كحق» يشــكل مســؤولية ضمــان تعميــم ثقافــة التســامح ف ي� المجتمــع.
وغــر منفصــل عــن مختلــف سياســات ال فيعتــر نتيجــة لتطــور الفكــر المؤسســات ي ب ن
الثــا�، أمــا الشــكل
ي
يجــا� ...،إلــخ ،فإنــه ز ال ب يتعددية الثقافية ،والتمي� إ
ي الفلســفي المعــارص ،حيــث أصبــح التســامح صفــة
أن هــذه السياســات لــن تكــون لديهــا للمؤسســات .هــذه أ
الخـ يـرة هــي الـ ت
ـى ينبغــي أن تتحــى مــن المؤكــد ّ ي
الفــراد عــى اســتعداد الحــرام فرصــة للنجــاح ،إال إذا كان أ ت بالتســامح ،فهــو لــم يعــد مجــرد مطلــب
ال�امــا مؤسســاتيا لالنضمام إىل هــذا النمــوذج مــن التســامح ،أو ببســاطة النــاس لبعضهــم البعــض ،بــل أصبــح ت ز
كانــوا قادريــن عــى القيــام بــه. يحــدد المجتمــع العــادل وتمليــه
ولكــن بالنظــر إىل أن هــذه تبــىن متطلبــات الديمقراطيــة ،وذلــك
من أعىل إىل أســفل؛ أي تتجــه اإلحراج الذي يواجه عــن طريــق إنشــاء جهــاز معيــاري
المواطنــ�،ن
ي من الدولــة نحــو ومؤسســا� يجعــل الالتســامح ت
التسامح كفضيلة ي
أال تكــون مهــددة باالرتهــان مرفوضـاً ويصنفــه خــارج القانــون.1
دومــا بســبب وجود عجز عــى ّ
للمؤسسات ،هو أنه ال
ـرام ،وعــى مســتوى مســتوى االلـ ت ز ُيلزم أحدًا يُعـ ّـد الدكتــور بيــارن ملكفيــك
الشــخصية ،وبالتال المشــاركة الســاتذة ف ي� واليــة كبيــكمــن أكــر أ
ي ب
عــى مســتوى الديمقراطية؟ لمــاذا بكنــدا ،وأحــد أعمــدة جامعــة
يتعــ� علينــا أن نكــون ن ي الفــال الكبيكيــة ،وهــو أســتاذ بكلية
أ
متســامح�؟ لضمان« روح» المؤسســات ،ل ّن الدولــة ن الحقــوق .تتنــوع اهتمامــات أبحاثــه ومجــاالت تدريســه
ي
بــ� فلســفة الحــق وإبســتمولوجيا العلوم القانونيــة ،تتطلــب ذلــك. ين
ـو� والقانــون المقــارن ،وقــد ن
ف والمنطــق والحجــاجأ القانـ ي
الــى وضعهــا ال�امج الفلســفية ،كتلك ت أال تكــون ب نـ شـر العديــد مــن البحــاث والدراســات ي� هــذا الميدان.
ت ي ف
ال� دبجها فجــون راولــز ي� كتابه «نظرية العــدل» ،أو تلك ي 2
اللي�اليــة السياســية ،مرهونة بالضبــط ي� مؤلفــه حــول ب مــا مــن شــك ،أن الحماية المؤسســاتية للتســامح
تلعــب دورا أساســيا ف ي� الحيــاة المعارصة ،ومع ذلــك ،بهذه الصعوبة؟ ما الــذي يدفــع المــرء إىل االنضمــام
قد يتســاءل المرء ما إذا كان مــن قبيــل المفارقــة أن إىل هذا التصــور الخاص بالمؤسسات السياســية إذا
4
القل فيلســوفاً أو فقيهاً دســتورياً ؟ يكــون الفرد المراد حمايــة حريــة اختياره هــو الغائــب لــم يكــن عــى أ
الكـ بـر عــن هــذا النمــوذج مــن التســامح. أ
إذا كان الجــواب عــى هــذا الســؤال ســلبياً
أن الفــرد ،ف ي� مواجهــة صحيــح أن فلســفات «فضيلــة» المؤسســات توجه بالــرض ورة ،فمن الواضــح ّ
ـى تمتــدح «فضيلــة» المؤسســات ،ليــس ت
السياســات الـ ي
1 - Ibid., p.21لديــه ســبب آخر لدعمها ســوى مصلحتــه الشــخصية،
-2للمزيد من التفاصيل حول الحماية المؤسساتية ،المرجو االطالع عىل ترجمة
3 - Bjarne Melkevik, Rawls ou Habermas. Une question de philosophie du للمقال بقلم عبد هللا المتوكل تحت عنوان «التسامح من الفضيلة الفردية إىل
droit, op. cite و� لمؤسسة مؤمنون بال حدود بتاريخ المؤسسا�» ،منشور بالموقع إ ت ن
ت
اللك� ي ي المنطق
4 - Ibid.p.22 17يونيو 2014
عندمــا نصــل ،ف ي� نهايــة المطــاف ،إىل المطلــب موضــوع الســاعة ف ي� أصقــاع عديــدة مــن كوكبنــا ،وليــس
المحــدد لهــذه
ّ ن
المعــى التنقــر بعيــداً لفهــم
ي الــذي يقــض ي بالتقديــم الدائــم ألســباب وجيهــة ،علينــا
الرهــاب ف تــرر مــا ت
ـص إ اخ�نــا إدر فاجــه أ ضمــن دائــرة الالتســامح ،المســألة عــى المســتوى العالمــي ،ي� مــا يخـ ّ ب
أن الــدول الغربيــة ن
خــر أمــام الديمقراطيــة ،الدي ـ ي الجديــد .ولكــن مــن الواضــح ّ فإننــا نجــد أنفســنا ي� ال ي
اســتفادت منــذ قــرون مــن التقاليــد ليــس إزاء الديمقراطيــة بمعناهــا
المنفتحــة والموســومة بالتســامح. الضيــق الــذي يحرصهــا ف ي�
هــذه المســألة تطــرح ببســاطة إن رهانات التسامح المؤسســات فقــط ،وإنمــا إىل تلــك
بلغــة جديــدة ،خصوصــاً إذا كان ت
الــى الســرورات الديمقراطية ي
ت جذريًا ساءت اآلن ي
المؤسســا� للتســامح ال النجــاح اطيــ� بإصــدار ن تســمح للديمقر ي
ي ف أ
يهـ ّـدد بتدمـ يـر تجــذّ ره عنــد الفــرد. عليه كانت بما مقارنة وس ـ ِّنها ي� شــكل العامــةَ ، الحــكام ّ
منذ ثالثة قرون في ت�ش يعــات مناســبة .بهــذا المعـ نـى،
إذا كان خطــر الالتســامح أوروبا ،وعقب نهاية لــن يكــون الت�ش يــع إال الشــكل
موجــوداً فعليــاً ،فإنــه يكفينــا أن الحديــث للمعاملــة بالمثــل،
ننقــل رهانــات ومقتضيات التســامح الدينية الحروب تقت� ترســيخ القيــم ض ت
والــى
ي ي
نحــو تصــور ديمقراطــي وتعــددي الديمقراطيــة وتعميمهــا بصــورة
للحداثــة القانونيــة والسياســية، واســعة عــى النحــو الــذي يجعلهــا
ت
تحــل محــل الالتســامح ،ولتغــدو الديمقراطيــة كشــكل حــى نتمكــن مــن تشــييد آفــاق جديــدة ورحبــة مــن
غــر قابــل للتفــاوض .التســامح .هدفنــا وغايتنــا مــن ذلــك كلــه ،يكمــن ف ي� خلــق حديــث للمعاملــة بالمثــل حقــا ي
تجــذر ديمقراطــي حقيقــي للتســامح كســلوك فــردي
مســتن�
ي ومؤسســا� ف ي� المجتمــع واالنطــاق نحــو أفــق
ي
ت تلخيصـاً لمــا ســبق تأكيــده ،نخلــص إىل أنــه بوســع
أن ديمقراطيــا لتقويــض أركان الالتســامح. ف
الديمقراطيــة ،ي� إطــار تصــور حديــث للتســامحْ ،
تجعــل ممكنــا أمــر تعريــف الالتســامح ،ومــن هــذا
ال�امنــا دائمــاً مطلــوب ،ألنّــه ف ي� عالــم المنظــور ،ت ز
ومجتمعــات موســومة بالتعدديــة الواقعيــة ،والتعدديــة
فــإن
جــراّ ،وهلــم ّ ّ وغــر الرســمية، الثقافيــة الرســمية ي
إن الوضــع ممــا نتخيــلّ . الالتســامح قــد يكــون فأقــرب ّ
ز
التميــر ضــد المــرأة ي الجديــد الــذي يتمثــل ي� قبــول
النوثــة) ،وضــد غـ يـر المؤمنـ يـ�ن(وعــى نطــاق واســع ضــد أ
أو الملحدين...إلــخ ،باســم هــذه التعدديــة ،التعدديــة
الثقافيــة ،وباســم مســميات أخــرى ،ليطــرح أكـ ثـر مــن
مشــكل :أيجــب علينــا أن نحتفــظ ألنفســنا بمطلــب
الخريــن باســم التنــوع ووعــد المســاواة ونمنعــه عــن آ
ـا� الســالف الذكــر؟ فمــن المســتغرب أن ف
والتعــدد الثقـ ي
أن هــذه الفكــرة أصبحــت تســتهوي الكثـ يـر نثبــت كيــف ّ
ف
مــن المنارصيــن ،وكيــف أن ّهــا ال تأخــذ ي� الحســبان
أنهــم يجلبــون ،عــن غـ يـر قصــد أو عــن طريــق اللطافــة،
الحطــب إىل النــار المشــتعلة بالكراهيــة والتعصــب.
كلمة أخيرة
المــام أبــو حامد الغـز يال ف ي� وقبــل ابــن رشــد ،كتب إ فيهــا عــى قراءاته الخاصــة بمتطلبات مجتمعــه وحاجات
«الت� المســبوك ي� نصيحــة الملوك» ف ف
وطنــه ،وذلــك ي� صــورة نصائــح ومواعــظ ووصايــا تهدف أواخــر أيامــه كتــاب ب
ـلجو� محمــد ق جميعــاً إىل إرشــاد الحاكــم ف ي� حكــم الرعيــة،
وتبصــره كتبــه بالفارســية وقدمــه إىل الســلطان السـ ي ي
بأمــور الدولــة وآداب الســلوك والمعامــات القائمــة بــن ملكشــاه ،حيــث عالــج هــذا الكتــاب الموضوعــات
ين
والســاط�، عــى العــدل والهدايــة وحســن السياســة .ومــن أجــل السياســية واالجتماعيــة ومجتمــع الحــكام
ـا� أفالطــون ،أن وحيــاة البــاط ف ي� العــر الــذي عــاش فيــه الغــز يال، ن
ذلــك ،حــاول قديمــا الفيلســوف اليونـ ي
ف
يجعــل مــن الفالســفة حكامــا ،أو أن يجعــل مــن ش�وط وذلــك ي� صــورة نصائــح ومواعــظ ووصايــا تهــدف
وتبصــره
ي مــن يتــوىل مقاليــد الحكــم ف ي� البــاد أن يكــون فيلســوفا ،جميعــا إىل إرشــاد الحاكــم ف ي� حكــم الرعيــة
المــر ،اســتبدله بـرض ورة بأمــور الدولــة وآداب الســلوك والمعامــات القائمــة عــى ولمــا رأى صعوبــة تحقيــق هــذا أ
المــر الــذي تحقــق بالفعــل العــدل والهدايــة وحســن السياســة .فلــم يســلم الغـز يال تعليــم الحــكام الفلســفة ،أ
عــى يــد تلميــذه الفيلســوف أرســطو الــذي عهــد إليــه مــن النقــد حـ تـى أيامنــا الحاليــة ،ومــن أبــرز أوجــه النقــد
حــى اليــوم ،هــو مــا يُلمــح إليــه الــى توجــه إليــه ت ت الســكندر،ملــك مقدونيــا بمهمــة تعليــم وتربيــة ابنــه إ
ي
فجعــل منــه واحــدا مــن أعظــم القــادة الذيــن عرفتهــم الكثـ يـرون مــن صــور الوصوليــة واالنتهازيــة؛ فيقولــون إن
التعبــر الــدارج (يركــب الموجــة)، ي الغــز يال كان حســب الب�ش يــة.
فــإذا عــا نجــم الفلســفة تفلســف ،وإذا أصبــح الحاكــم
الســامي ،أرســل ابــن المقفــع رســالة مــن أنصــار علــم الــكالم تكلــم ،أمــا إذا ســطع نجــم ف
و� العــر إ ي
التصــوف وأهلــه ،كان مــن أكابــر إىل ب يأ� جعفــر المنصــور مؤســس
الصوفيــة! ما أحوج بالدنا إلى دور يخــره فيهــا
الدولــة العباســية ،ب
أن يحســن اختيــار معاونيــه ،ثــم
و� العــر الحديــث ،يــأ�ت ف المثقف الناصح الخبير صنــف إليــه كتــاب أ
«الدب الكبـ يـر»
ي أ ي
لمكيافيلــ� عــى مــر
كتــاب ال ي بشؤون واقعنا الراهن، ين
الســابق� الــذي أورد فيــه أقــوال
ي
ـى قدمــت كرســائل ت
رأس الكتــب الـ ي الذي يعاني من التأزم ف ي� آداب الســلطان والحاكــم ،لكــن
إىل الحاكــم ،فمــا يــكاد يُذكــر اســم
أ جعفــر المنصــور المؤســس نتيجة األحالم العريضة أ
أبــا
مكيافيلــ� إال وتقفــز إىل الذهــان ي كــر خالفــة إســامية، الحقيقــي ل ب
صــورة شــيطان بشــع يوســوس إىل مثالي لمجتمع وهــي الخالفــة العباســية ،والــذي
رجــال الحكــم بانتهــاج سياســة المطالب قــال عــن نفســه« :إنمــا أنــا
القســوة والغــش والدس للســيطرة ســلطان هللا ف ي� أرضــه» ،قتــل هــذا
عــى الشــعوب ،دون احتفــاء المفكــر العظيــم ،فكيــف يتجــرأ
والنســانية والخلقيــة ،ومــا يــكاد يذكــر ف أ
ابــن المقفــع عــى ظــل هللا ي� الرض ،عاقبــه المنصــور بالمبــادئ الدينيــة إ
مــر» كمؤلــف إال ويتمثــل للســامع دســتورا أ
بتقطيــع أطرافــه قطعــة قطعــة ،ثــم تشــوى عــى النــار اســم «ال ي
النســانية ف ي� أمــام عينيــه ثــم يأكلهــا ابــن المقفــع ،حـ تـى يمــوت .إذن ،أســود ،يـ بـرر الجــور والظلــم ،والتجــرد مــن إ
فمهمــة المثقــف ليســت ســهلة يسـ يـرة ،بــل إنهــا قــد تنكل حكــم الشــعوب والــدول.
بالمثقــف ،إن خانــه التعبـ يـر ،فتكلفــه حياتــه ،وليــس ابــن
ـ� كتــاب أ وكمــا ه أــو معــروف تاريخيــا ،كتــب مكيافيلـ ي المقفــع هــو المثقــف الوحيــد الذي نالــه تنكيــل الحاكم،
وإنمــا يشــاركه ف ي� ذلــك الكثـ يـر؛ نذكــر منهــم عــى ســبيل المـ يـر إىل المـ يـر لورنــزو بــن بيـ يـرو دي ميدتــى ..وقــد
ش
المـ يـر قائــا: المثــال ال الحــر ابــن رشــد ونكبتــه الشــه�ة ،حيــث كتــب ف� صــدر هــذا الكتــاب مخاطبــا هــذا أ
ي ي
ـ� إىل لورنــزو العظيــم بــن بيـ يـرو ال�هانيــة «مــن نيقــوال مكيافيلـ أ
ي يعــ� مــن قيمــة العقــل والدلــة ب ي حــاول أن
ف ش
عــى النقــل والخطابــة ،وبــدأ رصاعــا طويــا مــع أعــداء دي ميدتـ ي ،اعتــاد أولئــك الذيــن يرغبــون ي� كســب ود
ـ� تدخــل الحاكــم أي أمـ يـر أن يســعوا إىل ذلــك بتقديــم الهدايــا إليــه ،مــن العقــل والحــق ومواكبــة التطــور ،وحـ ي ن
الــذي اســتعان مــن قبــل بابــن رشــد ،ليـ شـرح لــه فلســفة أثمــن مــا يمتلكــون ،أو ممــا يعلمــون أنــه يســتطيب مــن
ـر بــه – أو ـا� شــيئا أعـ ت ز ت ن ن
أرســطو ،مــا كان مــن أمــر الحاكــم إال أن ن ـكَّل بالمثقــف أشــياء! ولكـ ي لــم أجــد بـ يـ� مقتنيـ ي
ـى بأفعــال العظمــاء ،تلــك المعرفــة ت
ونفــى ابــن رشــد إىل جزيــرة الليســانة النائيــة ،وأمــر أقـ تـدره – فــوق معرفـ ي
الخــرة الطويلــة بأحــداث الــى اكتســبتها عــن طريــق ب ي بإحــراق كتبــه أمــام الجميــع.
للمــا� ،وليــس �ف ض الحــا ،والدراســة المتواصلــة �ض
ي ي
ال
واختالفهــا الفكــري أ
واليديولوجــي -تتــوارد بأشــكال وأنماط ـكال (لمــاذا تأخــر
�ض الشـ ي
يـزال ســؤال النهضــة إ
أك�هافكريــة وقوالــب مفاهيميــة متنوعــة ومتعــددة ،لكــن ث العــرب وتقــدم الغــرب؟) حــاراً وحــا اً
جــاء بصيغــة مشــاريع نهــوض تقدميــةّ ،أسســت فكريــاً الجــواء الثقافيــة العربيــة،بقــوة ف� أ
ومعرفيـاً -وبحســب مرتكـزات ومرجعيــات تلــك المشــاريع كلحظــة يتش ـكّله أ
الوىل منــذ بدايــات القــرن
-لتصــورات الحالــة المنتجــة الفعالــة لواقــع العــرب الجابــات عليــه -عــى تنوعهــا ض
المــا� ..كمــا وال تــزال إ
ي
الحيائيــة
مرجعياتهــا القوميــة أو اليســارية أو الدينيــة إ
-اجتمعــت عــى اعتبــار أن أزمــة التقهقــر الحضــاري
أكــر مــن ألــف عــام العــر� الممتــدة منــذ ث
أ التاريخــي ف ب ي
خلــت ،هــي ي� الســاس ذات امتــدادات بنيويــة ثقافيــة
ومعرفيــة بامتيــاز ،لهــا امتداداتهــا واســتطاالتها السياســية
واالقتصاديــة .ولكنهــا -مــع اتفاقهــا ف ي� بعــض مقدمــات
التنظ�يــة نســبياً -اختلفــت وتباينــت حــول طبيعــة ي الــرؤى
أ
مضامـ يـ� طــرق معالجــة الزمــة (أو المــرض الحضــاري)، ن
ومتطلبــات حلهــا ،وفــك عراهــا المعقــدة ،وبالطبــع مــن
النســاندون نتائــج عمليــة حقيقيــة تذكــر عــى صعيــد إ
والتنميــة واالقتصــاد ،إال ف ي� حــاالت نــادرة تم ّثلــت ف ي� أنمــاط
ـتثنا� الــذي عاشــته بعــض ئ
شــكلية مــن الرخــاء والرفــاه االسـ ي
ـر� نتيجــة اقتصاداتهــا الريعيــة ليــس إال. دول الخليــج العـ ب ي
والمالحــظ أيضـاً ،أن هــذا المعتقــد الفكــري قــد رســخ ف ي� المنشــود والمأمــول منــه أن يكــون نافع ـاً ومثم ـراً ف ي� بنــاء
بنيــة الثقافــة العربيــة ،واســتوطن ف ي� قلــب ووعــي كل مشــاريع مجتمعــات عربيــة متطــورة ومنتجــة عــى المســتويات
االســتنهاض العربيــة؛ أي إنــه كان بدايــة الطريق لكل المشــاريع السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة.
التنويريــة والنهضويــة الالحقــة ..وهــذا مــا كنــا نقصــده دوم ـاً
مــن أن علــة المــرض ثقافيــة معرفيــة قبــل أن تكــون أزمــة والمالحــظ أن كل تلــك المشــاريع -عــى تبايــن وتعدد
وعمــم مركزيته
فالغــرب ســبق أن أقــام وجــوده ،وركز ّ
الثقافيــة والحضاريــة ،وحضــوره النوعــي المؤثــر مــن خــال
تلــك الثــورات العلميــة والتقنيــات المذهلــة واالكتشــافات
الكــرى المفيــدة الفائقــة عــى مســتوى العالــم ،وعــى ب
بــا� ثقافــات هــذا العالــم بالطبــع ،وخصوصــاً ق
حســاب ي
ثقافتنــا العربيــة إالســامية ..وهــذه مــن أهــم التحديــات،
ال� ت ـأ� عــى رأس قائمــة أ ت
المص�يــة ي
ي الولويــات
ت
ال بــل هــي تـ ي
الــى توقــف إنتاجهــا العلمــي
تحيــط ث بثقافتنــا وحضارتنــا ت ي
الــذا� منــذ قــرون طويلــة كمــا
ي والبحــى عــن التوالــد
ي
ـتلبة ،منفعلــة غــر فاعلــة� ،ف ـ ومس ـة
ـ تابع ـح ـ لتصب ذكرنــا،
ي ي
ظــل تنامــي وتصاعــد الحركيــة العلميــة للغــرب الحديــث
والصعــدة ،حـ تـى باتــت ت
االخ�اعــات عــى كل المســتويات أ
الحديثــة تقــاس بالشــهور وليــس بالعقــود الطويلــة. ـارك منفتــح ،تتــم ف
ـياس حــر وتشـ يي� ظــل وجــود منــاخ سـ ي
فيهــا وبسالســة عمليــة توطـ ي ن
ـ� العلــم والمعرفــة العلميــة
(والقامــة ف ي� رثاثــة التخلف)
ال�اجــع إ وقــد لعب هــذا ت والتكنولوجيــة ،والدخــول إىل عالــم صناعــة وإنتــاج الســلع
والســامي عــن الركــب العلمــي ف والخدمــات المطلوبــة ف ي� ظــل هــذا االقتصــاد المعولــم
ـر� إ
ـر� العـ ب ي
العلمــي والمعـ ي
ال�هــلالغــر� ،والــذي جــاء كنتيجــة طبيعيــة لحالــة ت الــذي نعيــش فيــه ،والــذي ال مــكان فيــه إال أ
للقويــاء
بف ي
الثقــا� والكســاد العلمــي الطويــل منــذ ث
أكــر مــن ألــف ين
الفاعلــ�. ين
والمنتجــ�
ي
ومائـ تـى عــام ،وهيمنــة العقــل الفقهــي ت ز
الم�مت وترســبات ي
وتراكمــات الـ شـروح التقديســية للــذات البعيــدة عــن روح وقــد أثبتــت التجربــة التاريخيــة العربيــة ف ي� عالقــة
وفكــرة الحريــة ومنطــق التشــارك والتفاعــل والحــوار.. العــرب مــع الغرب ،ومــع مختلــف دول العالــم المتقدم،
أول خطــوة صحيحــة ســنخطوها عــى طريــق النهــوض الفاعلــة لــه ،هــو مــا يتطلــب إعــادة بنــاء معرفيــة جديــدة
ف
الرادة،والثمــار الحضــاري ،مــع توافــر ش�ط إ والبنــاء إ الســامي الخــاص العــر� إ
بي الثقــا�
ي ش
للمــروع وعرصيــة
ت ف أ
وتفعيــل قــدرات المــة ،وزجهــا ي� معــرك الــراع بهــذه الحضــارة الشــاهدة ،ليكــون منفتح ـاً عــى العــر
ـتقبل ...وباعتبــار أن الفــرد هــوالحضــاري الراهــن والمسـ ي والحيــاة بــا عراقيــل وال حواجــز وال محــددات ،وقــادراً
أســاس وجوهــر أي مـ شـروع ومنطلــق وغايــة الحيــاة كلهــا، عــى اســتيعاب الواقــع الموضوعــي الجديــد المرتبــط
التفكــر الرض (كمــا تقدمــه منظومــة كخليفــة هلل عــى أ والمعايــر بعنــري الزمــان والمــكان ،وإبــداع القواعــد
ي ي
ـ� هــذا «الفــرد-الســامية) ،فالبــد مــن العمــل عــى تمكـ ي ن إ النصيــة الفكريــة الجديــدة الخاصــة بــه ،خصوصــاً وأن
الخليفــة» ،مــن أخــذ دوره وتحمــل مســؤوليته وإثبــات هنــاك تأثـ يـرات عمليــة ســلبية ،ال بــد أن تنجــم عــن تلــك
حضــوره المؤثــر والمنتــج ف ي� ســاحات ومياديــن العمــل الثــورات المعرفيــة والعلميــة الهائلــة الالمحــدودة ،ف ي� مــا
ـ� لــن يحــدث طالمــا والنتــاج الحقيقــي ،لكــن هــذا التمكـ ي ن ـى ت ف
إ ـا� والحضــاري القــري الـ ي التنميــط الثقـ ي
ف
يتعلــق بآليــات
يســتخدمها آ
أن هنــاك تجاهــا ً مقصــوداً وممنهجــاً (وبمســتويات الخــر ي� عملــه الدائــم عــى فــرض نموذجــه
متعــددة) لفكــره وقناعاتــه ومعتقداتــه الدينيــة والتاريخيــة الحضــاري عــى الثقافــات الحيــة أ
الخــرى.
ـى يؤمــن بهــا وبقوتهــا وفاعليتهــا ،ويواليهــا ويســتهدي ت
الـ ي آ
بهــا ويسـ يـر خلفهــا كنــص أو كســلوك مقــدس؛ أي يمحــور إذن ،ش�ط االســتقاللية عــن الخــر الغـ ب ي
ـر� المتمركــز
حياتــه بنــا ًء عليهــا ،ذات ـاً وموضوع ـاً.. حــول ذاتــه ،وعــدم االنغمــاس فيــه ،والتبعيــة لــه ،هــو
عوالم
انغمار
بيرغمان
السينمائية
البعدالديني
بقلم :عزالدين الوافي
مغر� ف ي� مجال الصورة والسينما
بي
�ن
باحث ف ي
ظَ َّل
النصر وحده هلل يب�غمــان يعتقــد أن النــور ف ي� ســماء
ال�ن ويــج دائم ـاً يكــون أفقي ـاً ،وهــو
ف ف أ �ش ي ء يحمــل نوعــاً مــن
كان للمســألة الدينيــة حضــوراً قويــاً ي� الدب ي
و� العجائــى.
بي
الــى تأثــرت بالطقــوس المســيحية ت
الموضوعــات الفنيــة ي انشــغل يب�غمــان بأســئلة هللا
والتوراتيــة عــى وجــه الخصــوص .يبــدو أن يب�غمــان عقــد والفــن ،الخـ يـر والـ شـر ،الوعــي والالوعــي ،ثــم الهــوس
حــواراً لــم يكتمــل مــع الخالــق ،وهــذا يتفــق مــع التقليــد خمســ� ســنة مــن مشــواره ين مــن المــوت عــى مــدى
ت
ـتان� الــذي يقــوم أ ئ
ال�وتسـ ي ـ� عــى عكــس الديــن ب الرثوذكـ ي ـينما� ،هــو مســار أســس مــن خاللــه لبحــث مضــن السـ ي
تعتــر الحيــاة
ب عــى االتصــال مــن دون وســاطة ،حيــث ودائــم حــول طبيعــة النفــس الب�ش يــة وحالــة اليــأس
فرصــة إلصــاح العالقــة مــع هللا ،وليــس مجــرد صــاة ـى طبعــت أفالمــه، ـرة الثنائيــة الـ ت
الـ تـى يلمهــا ،وهــي المـ ي ز
لطلــب العفــو أو الصفــح عــن الخطايــا. بــ� ضديــن :ي تأمــل فلســفي �ف حيــث الــراع القاتــل ي ن
ي
ي
النســان ف ي� الكــون تجــاه خالقــه وتجــاه طبيعــة وضعيــة إ
بين تاركوفسكي وبيرغمان وبونويل المجتمــع الــذي يعيــش فيــه ،حيــث العالقــات البــاردة
الــى يســيطر عليهــا عــدم التواصــل والخــوف وعــدم ت
أ ي
اليمــان لــدى الفنانـ ي ن
ـ�؛ عندمــا يتعلــق المــر بمســألة إ الثقــة بالنفــس.
طالمــا اعتـ بـر حســب البعــض ناكـرا لوجــود خالــق للكــون. لــم يشــكك يب�غمــان يومــا ف ي� وجود هللا ،ألن المســألة
ليســت ف ي� الشــك ،ولكــن ف ي� اليــأس مــن اســتحالة فهــم
يــرز برغمــان إىل أي حــد ف
ي� فيلــم «المــرآة» مثــا ،ب للنســان فيــه .حــاول كلنظــام هــذا العالــم ،ومــكان إ
مــن برغمــان وبونويــل اكتشــاف مناطــق وســياقات مرتبطــة ابتعــد النســان عــن الممنــوع المؤســس ،ليســقط �ف
ني إ
ـا�ـاس بالغمــوض تجــاه معـ ي الحسـبفكــرة هللا وبالديانــة المســيحية .حــاول برغمــان تحقيــق االرتبــاك والحـ يـرة ،بــل إ
والــى تحــ مــن خــال حــوارات رض ت
خــال إعــادة تصحيــح صــورة هللا ،صــورة الحيــاة ودالالتهــا ،أ ي ف
ذلــك مــن
طالمــا عذبتــه ي� طفولتــه ،أي اســتبدال صــورة إلــه قاهــر الشــخصيات .فــالب وكارن ومينــوس يتحدثــان عــن
وال�ت ت
ـى تسـأـكنهما ،ي ـال فقــد تقاطــع مــع بونويــل لحظــات الفـراغ واليــأس مــن الحيــاة الـ ي وقــاس بصــورة أخــرى ،وبالتـ ي
اليمــان .يقــول الب« :أحتــاج مــن حيــث إعالنهمــا الواضــح عــن «الحادهمــا» ورفضهمــا عليهمــا ملؤهــا بنــوع مــن إ
للمــل ف ي� الحيــاة وكأنـن ي ســأتحرر حينهــا مــن حكــم صــادر أ المــر ال يتعلــق برفــض صــورة التــام للمســيحية ،غــر أن أ
ي
ضــدي بالمــوت» .إننــا إذن، هللا بقــدر مــا هــو رفــض للقيــم
أمــام ســينما الحميمــي بامتيــاز، ـى تمثلهــا المؤسســات الدينية ت
الـ ي
حيــث وضعيــات الشــخصيات انشغل بيرغمان بالتفكير القريبــة مــن النظــام والســلطة،
النفســية والقلقــة ،حيــث في قضايا شائكة تهم ـى كانــت ف ي� مجملهــا قاهــرةت
والـ ي
الهشاشــة النفســية أهــم بكثـ يـر ومحافظــة وتدفــع غالبــا نحــو
أ
مــن كل الفعــال الدراميــة. المعاصر، الغربي اإلنسان الحســاس بالذنــب. إ
مرتبطة بالوحدة ،بالخجل
عن رؤية برغمان وبضياع اإليمان أو بعدم من أجل تصحيح صورة
اهلل
تتمــر رؤيــة يب�غمــان يز القدرة على التواصل
النســانية ،فضــا عــن بال�نز عــة إ انطفــأت شــمعة يب�غمــان
كونهــا تمثل مــا يمكن أن نســميه يــوم 30يوليــو (تمــوز) مــن ســنة
ـو�»؛ أي توطيــد عالقــة ال�نز عــة الفلســفية ف
فبـــ «الفيلموسـ ي ـوال 45فيلمــا منــذ ســنة 1946 ،2007حيــث تــرك خلفــه حـ ي
والنســانية باللغــة ي� تفسـ يـر الظواهــر االجتماعيــة إ إىل ســنة .1984تأثــر الرجــل تأث ـرا بالغــا بــكل مــن الكتــاب
ين
الســينمائي�. واالنشــغال المقــدس ،وبحكــم كونــه كان بروتيســتانتيا ،فقــد ن
عــا�
ـى يقــول فيهــا مثــا« ،يجــب مــن تعاليــم مارتــن لوثــر الـ ت
ي
اســتطاع يب�غمــان أن يخلــق لنفســه أن نحــب هللا ونخشــاه ف ي� نفــس الوقــت» .ح ـرض عامــا
أســلوبه الخــاص بــه ف ي� نحــت شــخصيات الديــن والتديــن ف ي� مسـ يـرته بقــوة ،لكنــه ســعى أن يجعــل
ومواضيــع ملتصقــة ببعضهــا ،حيــث مــن الديــن شــعارا للمحبــة ،وليــس فقــط أهــواال للتعذيب
تتنازعهــا ميــوالت متضاربــة تظهــر والتخويــف.
خلفيــة وحضــور ثقافــة التحليــل
النفــ� ليونــغ ،وذلــك مــن
ي سينما الحميمي
خــال تشــكيل شــخصيات
يطحنهــا القــدر لتقــدم بالتفكــر ف ي� قضايــا شــائكة تهــم
ي انشــغل يب�غمــان
أمامنــا ف ي� أدق تفاصيلهــا الغــر� المعــارص ،والــذي تحــارصه إشــكاليات
بي النســان إ
الوجدانيــة والوجوديــة. اليمــان أو
وجوديــة مرتبطــة بالوحــدة ،بالخجــل وبضيــاع إ
عــر
ونلمــس ذلــك ب ـ� الرجــالبعــدم القــدرة عــى التواصــل ،وخصوصــا بـ ي ن
إبــراز عالقــات البــاء أ
والطفــال ،كمــا بــرز ذلــك مــن بــ� آ
والنســاء أو ي ن
تائهــة ووجــوه خــال فيلمــه «مشــاهد مــن الحيــاة الزوجيــة» ســنة
متعبــة النســان ت أ
ـى أبــرزت مــدى حاجــة إ ،1973وهــي العمــال الـ ي
تقــر ب ت للخــروج مــن جهــل ذاتــه أوال ،ليســتطيع التواصــل مــع
منهــا عــر إيجــاد ألفــاظ وعبــارات تــدل فعــا آ
الخــر ،وذلــك ب
عمــا يخالجــه .فقــد حمــل تلــك أ
الســئلة عــى الشاشــة مــن
خــال البحــث ف ي� المتخيــل الديـن ي المســيحي ،وهــو الــذي
بثنائيــة صارخــة تتجاذبهــا قوتــان .مــن جهــة ،هنــاك عالقة الكامـ يـرا مــن خــال كادرات مكـ بـرة تعكــس حجــم الخــوف
غامضــة بــاهلل وهــي صــورة قاســية وقاهــرة ترســخت ف ي� والعــذاب الــذي تعيشــه ،كمــا نالحــظ ذلــك ف ي� الفتــاة
وجدانــه ،وشــكلت عالقتــه آ
بالخــر والمجتمــع ،ومــن جهــة الم�وجــة كارن ف ي� فيلــم «المــرآة».
تز
أخــرى ،محنــة التســلح برؤيــة نقديــة شــفافة وســوداوية
للنســان. أ ين
حــول العالقــات بالســئلة الكـ بـرى إ أساســي�: وجــد يب�غمــان نفســه أمــام حاجزيــن
ت
وتســتان� تحديــدا ،ثــم حاجــز الممنــوع الديــن ي ب
وال�
ت ي
االقــراب يذهــب يب�غمــان بعيــداً ،عندمــا يحــاول ال�جــوازي .تتمـ ي ز
ـر فيلموغرافيــة برغمــان حاجــز الصمــت ب
انســياب القصــة يتحقــق بشــكل مذهــل ويشــتغل عــى مــن مظاهــر الحمــق أو الخبــل كمــا ف ي� فيلــم «رهــاب»
البالغــة البرصيــة وعــى المجــاز. ـى تظــل مســكونة بهاجــس ت
لــدى بعــض شــخصياته ،والـ ي
ـ� مســارات البحــث عــن أجوبــة حارقــة لحقيقــة ضائعــة بـ ي ن
لــم يتــم مــن قبــل تصويــر أولمــان وســايدو تســتلزم إعــادة اكتشــاف الــذات أوال ،وهــو المســار الــذي
المكــرة عــى الوجــوه فالطــارات اســتفاد منــه مــن خــال عشــقه أ
ب النــارة؛ إ تحــت نفــس إ الول للمــرح كركــح
الكامــرا كانــت حقيقــة ممتعــة، ف ش
وتحديقهــم المبــا� ي� ـ� رصاعالقنعــة وبـ ي ن ـ� أيعــرف لعبــة الكشــف والمواربــة بـ ي ن
ي
حيــث كانــا يبــدوان وكأن ال حيــاة لهمــا أو إنهمــا فقــدا والــر ،والخــوف مــن المــوت ،وقــد كان ذلــك الخــر ش ي
الخـ يـر ألولمــان راقــدة
المــل ف� النســانية .إن المشــهد أ
ي إ
أ المؤسســ�ن
ي بت�يــرا لشــغفه وإخالصــه لرمــوز المــرح
ـ� عــن حلــم رأتــه مــن أبهــى وتنظــر إىل الكامـ يـرا ،وهــي تحـ ي ـب� ،وتشــيكوفن وخصوصــا سـ تـر بم�غ ،وبرانديلــو ،وشكسـ ي
ن
ـى تســكن عـ يـ� المشــاهد حينمــا يقطــع ت
وأروع اللقطــات الـ ي وموليــر.
ي
المشــهد عــى الســواد.
غوص في أفالمه
بــ� حبــه للمــرح والتلفزيــون جمــع يب�غمــان ي ن
والوبــرا ،ووجــه أضــواءه لحيثيــات العالقــة المرتبكــة أ ين
العالميــ� ين
المخرجــ� اعتــر يب�غمــان مــن أعظــم ب
ف
نســا� بـ يـ� الزواج كمــا هــو الحــال ي� مسلســل «مشــاهد مــن أ ن ن
ال ي الذيــن أخــذوا عــى عاتقهــم تصويــر الوضــع إ
زواج» ،وهــو عبــارة عــن البئيــس ف ي� أحــط تجلياتــه.
بســط للحظــات مــن عالقــة تمكــن يب�غمــان بنبــوغ
ـ� ممثلتــه المفضلــة فــا�ن بـ ي ن وجد بيرغمان نفسه أمام وفطنــة مــن النفــاذ لعمــق
ي أ
وممثلــه البطــل ألكســندر. حاجزين أساسيين :حاجز الحاســيس الداخليــة
ن
تعــا� لشــخصياته ت
الــى
ن ف الممنوع الديني والبروتستانتي ي ي
الثــا� ي ي� فيلمــه مــن قصــص حــب فاشــلة،
«النظــر مــن خــال زجــاج تحديدا ،ثم حاجز الصمت غــر وتخــاف مــن أشــباح ي
مظلــم» ،والحائــز عــى البرجوازي مرئيــة تعذبهــا.
جائــزة أوســكار ،وأول ثالثيــة
ف ي� تعاملــه مــع عــدم لقــد تعامــل مــع
ـ� ف� اليمــان ،وهــو �ف ن
ي اليقـ ي ي إ مســاره بنــوع مــن الوحــي
ن أ
والهــزل الــذي يذكــر بأســلوب وودي آلــن الواقــع مختلــف تمامــا عــن الفــام التاليـ يـ� ،إذ يتمحــور الكوميــدي
ي
ـ� كموضــوع عيوبــا كثـ يـرة وســوء موضــوع الفيلــم حــول مــرض كاريــن العقـ ي الــذي تأثــر بــه .أدرك يب�غمــان أن بــه
حــظ ف ي� حياتــه ممــا جعلــه يدمــج ذلــك ي� جــل أفالمــه؛ رئيــس ،ومــع ذلــك ،فــإن مرضهــا يجعلهــا تثـ يـر الشــكوك
ف
منهــا وأهمهــا «رغبــة أنــا» ،وهــو عمــل يشــبه إىل حــد حــول هللا وحــول نفســها ،بــل حــول أحبائهــا.
بعيــد فيلمــه «العــار» ،وهنــاك مــن يعتـ بـر الفيلمـ ي ن
ـ� عمــا
وهــذا هــو أول فيلــم لب�غمــان تــم تصويــره �ف ين
الممثلتــ� ســايدو وأولمــان همــا متداخــا ،حيــث إن
ي ي
ـى أصبحــت شــعبية جــدا ،بعــد جعلهــا ت
ت جزيــرة «فــارو» الـ ي تقريبــا نفــس الشــخصية.
ـى أطلــق عليهــا موقعــا لتصويــره للعديــد مــن أفالمــه ،والـ ي
ـ� (بشــكل غـ يـر رســمي) جزيــرة يب�غمــان. ف� فيلــم «العــار» الــذي يرمــز إىل ال ـراع الداخــ� منــذ ذلــك الحـ ي ن
الماكــن عــر يحــرب مــن المشــاعر المتناحــرة والرغبــة ف� المقاومـ يـة وتقــدم الجزيــرة نفســها بنــوع مــن الخــوف مــن أ
ي ب
والــى هــي بيئــة مثاليــة لقصــة نفســية �ف مــن أجــل العيــش ،يظــل فيلــم «رغبــة أنــا» فيلمــا دقيــق المغلقــة ،ت
ي ي
ـ� متعــة الوصــف ولغــة التصويــر متنــاول اليــد ،حيــث الطبيعــة الخانقــة تكــون معــادال الصنعــة يجمــع فيــه بـ ي ن
موضوعيــا للتعبـ يـر عــن بعــض مشــاعرالخوف ،واالســتياء المعـ بـرة.
ـى تنتــاب جــل شــخصياته. ت
الـ ي
يعتــر هــذا الفيلــم أول فيلــم حــول الحــرب ب
النســان عــن هللا ،ليكــون أ ز
يعـ بـر الفيلــم عــن بحــث إ غــر أن قلــة مــن النــاس لب�غمــان ،وهــو يم�تــه الوىل ،ي ي
ف ز
يدركــون أن ذلــك هــو موضوعــه الــذي يتمـ يـر بنــوع مــن تجســيدا للمحبــة ،فالتنقيــب عنــد يب�غمــان ي� حالــة
النســان النفســية هــو مجــرد بدايــة وليــس نهايــة. إ القســوة تجعــل المشــاهد يحــس أحيانــا بالالمبــاالة .إن
المراجع:
الطفولي وذاكرتها
ّ حررت لينا هويان الحسن متراكمها
بالبادية السورية في شكل روايات؛ مكرسة لها عدة أعمال،
مثل «معشوقة الشمس» ،و»مرآة الصحراء» ،و»بنات نعش»،
و»سلطانات الرمل» ،و»رجال وقبائل» .و ُتعد الكاتبة من أوائل من
كتب عن عوالم البادية السورية وصحارى الشرق األوسط ،حيث
امتدت خريطة اشتغالها السردي على جغرافيا امتدت إلى
بوادي وصحارى األردن والعراق ونجد.
المكنــة أ
والزمنــة. يفعــل ذلــك ،والقــر ،والكــوخ ،والعـراء ...يمكــن للنــص أن يســتنطق أ
ـ� أيدينــا مــن أدوات ،يمكننــا أن نوقــد الدب مبــاح لنــا أن نســتخدم كل مــا بـ ي ن أيض ـاً ف� أ
ي
شــعلة الحداثــة مــن خــال قـراءة مغايــرة للتاريــخ وللديــن وللـ تـراث .الروايــة جنــس منفتــح
الجنــاس ،تتســع لتحضــن كل ثقافــة الكاتــب واتجاهاتــه وتجاربــه ومقروئــه ...تفســح عــى أ
لــه المجــال خصبــا يك يجــول ف ي� خياالتــه وأشــواقه وذاكرتــه ...ويســتعيد أزمنــة غابــرة
عاشــها أو لــم يعشــها ،اطلــع عليهــا ف ي� بطــون الكتــب أو ســمعها عــن النــاس أو راودتــه
ـروا� هــو هــذا الملمــح الــذي يجعــل منــه خالصــة كل ئ ز ف أ
ي� أ الحــام .مــا يمـ يـر الجنــس الـ ي
الجنــاس وزبدتهــا ،فهــو يحضــن الشــعر ،مثلمــا يحضــن المــرح ،والجغرافيــا والتاريــخ
ســاط�... غــا� واللهجــات أ
وال ي أ ن
ي والســر وال ي وأدب الرحــات والفلســفة والسوســيولوجيا
ئ
ـروا� توظيفــه بشــكل يخــدم النــص ،ويجعلــه حيــا بصيغــة كل هــذا الجمــاع بمقــدور الـ ي
جديــدة تبتعــد عــن التك ـرار وإعــادة مــا قيــل.
ال أكتــب تحــت وطــأة إيصــال رســالة مــن أجــل حالــة مــا ،أكتب لصالــح الحريــة ،حرية
والبــداع وبإعــان رأيــه دون خــوف .وبهــذا المعـ نـى أيضــا ،الرجــل الفــرد وحريتــه باالعتقــاد إ
وبالتــال المــرأة ضحيــة عنــف الســلطة والمجتمــع والديــن والرجــل .معظــم ي مظلــوم،
أ أ
ـى تكتبهــا الم ـرأة يمكــن اعتبارهــا مــن مــرودات الدب الحــذرة ،هــذا المــر ت
الروايــات الـ ي
مــرة لصيقــة بغالــب الكتابــات النســائية لعقــود طويلــة ،أقــول الغالــب وليــس يعتــر ي ز
ب
أ
الــكل ،فصــوت نــوال الســعداوي مــن الصــوات المضــادة تمامــا لتابوهــات تحذرهــا المـرأة
ـرت الكتابــات بج ـرأة عــادة ،كذلــك غــادة الســمان .لكــن ف� الســنوات العـ شـر أ
الخـ يـرة تمـ ي ز
الدبيــة ،ويمكنهــا أن تكتــب مــن جهــة ،وأن تحكــم أكــر ،أيضــا أصبــح للم ـرأة ذائقتهــا ي أ
ب
عــى مــا تقـرأ مــن جهــة أخــرى؛ أي إن المـرأة امتلكــت حســا نقديــا ،رغــم
أن هــذا الحــس ُمصــا َدر عــادة مــن ِقبــل الرجــل ،وأنــا شــخصيا تعرضــت
ن لهجمــة نقديــة ش�ســة مــن قبــل الصحافيـ
ـات وليــس الصحافيـ يـ�؟؟! أي عملت على تطويع ال ّلغة ت
ـا� بصــوت ومنطــق ذكــوري وقيمــن نســاء روايـ ي تكلمــن نيابــة عــن الرجــل ّ
السردية ألجل كتابة أ
متســلط؟! باختصــار ،الرحلــة طويلــة أمــام المبدعــة العربيــة ،لنهــا لــم
الحــكام المســبقة. تخــرج بعــد مــن قفــص أ
النص الذي يتماهى مع
البلسم الشافي للجرح كثــر مــن الكاتبــات العرب ّيــات يجعلــن قضيــة الــراع ي ن
بــ� * ي
السوري المفتوح د� ،بــل وارتبطــت أ ش أ
الذكــورة والنوثــة موضوعــة أساســية لم�وعهــن ال ب ي
شــهرتهن بهــذا النــوع مــن الكتابــة .هــل تعتقديــن أن الرهــان عــى
الضافــة النوعيــة للروايــة العربيــة جزئيــة معينــة كهاتــه رهـ ي ن
ـ� بخلــق إ
ـا� برمته؟ أ
ـروا� يجــب أن يفتــح أفقــه الد� عــى العالــم إ ن ئ
النسـ ي بي أم إن الـ ي
ت ف ت
ـا� تت ـ�ئ عـأـى الحــدث التاريخــي .ي� روايـ ي
ـى لــم أكتــب وفــق هــذا المنطــق ،فروايـ ي
«بنــات نعــش» مثــا ،كان تواطـئ ي واضحــا مــع البطــل البهــر ســعدون ،رغــم أنه شــخصية
ـ� لمثــل هــذه الرصاعــات ،إنمــا أنقــل واقــع عالقــة
نرجســية واســتبدادية .ال أخضــع نـ ي
ـ� .الكلمــة بحــد ذاتهــا ريشــة فنيــة قابلــة أن جديــدة صالحــة لــكل أشـ نـكال التنــاول النـ ي
ـى تعتمــد عــى لعبــة ت ث
تحمــل أأي لــون لتضعــه أ� تشــاء ،الكتابــة هــي أكــر الفنــون الـ ي
خلــط الوراق ،وتقنيــة التمويــه ،بغايــة صنــع النــص الــذي نريــده ،وعنــد مــا نتعمــد أن
يكــون «التأريــخ» كومبارســا �ض وريــا لنصوصنــا ،فهــذا يعــن ي أننــا نريــد
الدب .بفضــل كتابــة النــص المحايــث للحقيقــة ،لكــن الحقيقــة ف� لبــوس أ
ي
الكتابة هي أكثر الفنون والذاكــرة، التاريــخ مــن الكتابــة الرسديــة ،نســتطيع أن نســتلهم مادتنــا
مثلمــا نســتطيع أن نتــرف ف� المــادة المعطــاة بقصــد تحيينهــا .فالــروا�ئ
التي تعتمد على لعبة ي ي
ال يكتــب التاريــخ وليــس مؤرخــا ،لكنــه قــادر عــى مــلء ثقوبــه ،وإضــاءة
خلط األوراق ،وتقنية ـروا� تعجبــه ظــال التاريــخ ،وعتماتــه ،ألنهــا تتيــح ئ
مناطقــه المعتمــة .الـ ي
التمويه ،بغاية صنع النص لــه أن يتخــذ منهــا فضــاء للعــب المتخيــل .وإذا كان المــؤرخ تســتوقفه
الــروا� تســتوقفه التفاصيــل ئ الكــرى ،فــإن الحــداث والمنعطفــاتأ
الذي نريده ي ب
واالســتطرادات الشــاردة ف ي� حكايــة التاريــخ ،لذلــك يظــل يطاردهــا خلــف
ـ� المالمــح مســتقرئا الدالئــل والظــال آ
يرصــد بحــس تخييـ ي ف
والثــار ...إنــه
ف أ
النســان و� نفســيات إ أثــر هاتــه الحــداث الكـ بـرى ي� قيعــان المجتمعــات ،ي
المعايــش للحظــة التاريخيــة.
الدب مــن الفلســفة بشـ تـى تفرعاتــه ،هــل لهــذا التخصــص العلمــي * جئــت إىل أ
ـا� -ف ي� أعمالــك الروائيــة -عــى اســتبطان ســيكولوجية الشــخوص ،وتوظيــف أثــر إيجـ ب ي
ف أ
الجوانــب العمــق ي� الفــرد وال وعيــه وذاكرتــه ،وشــعوره وال شــعوره ،وأنــاه وأنــاه
ئ تن ف أ
العــى ،ي� جعــل المــ� الـ ي
ـروا� أقــرب إىل المتلقــي؟
الفلســفة ،ســؤال يشــبه ذلــك الســؤال الــذي طرحــه أبــو الهــول عــى الســندباد
ـاس ،ليعـ بـر نهــر النيــل :أن يجيــب عــى كل أســئلته .لتكتــب لنــا النجــاة ،إذن ش
كــرط أسـ ي ّ
نخضــه ،وإذا لــمالجابــات الصحيحــة .عندمــا نســأل ،نبلبــل العالــمّ ، علينــا أن نختــار إ
الجابــات الصحيحــة ،ســينتظرنا مصـ يـر غامــض .الفلســفة أضــاءت يل خارطــة نعـ ثـر عــى إ
أ
ـى نكتبهــا هــي بمثابــة إجابــات تســتدعيها الســئلة الخطــرة.... ت
الســؤال ،وكل النصــوص الـ ي
ين
المؤسســ� لفعــل أتاحــت يل الفلســفة بتشــعبات اتجاهاتهــا ،إحــكام الرؤيــة والرؤيــا
الكتابــة .ال يمكــن أن نكتــب إذا لــم ننطلــق مــن ســؤال كبـ يـر تشــتق منــه أســئلة صغــرى،
النســان .أفادت ـن ي الفلســفة كذلــك ،خاصــة ف ي� شــقيها تكــون ي� مجملهــا متمحــورة حــول إ
ف
الســيكولوجي والسوســيولوجي ،ف ي� معرفــة كيفيــة اســتبطان الشــخصيات ،ورصــد مالمحهــا،
ـ� الفــرد ومجمــوع وبنائهــا وفــق المنظــور المنتقــى ،ومعرفــة أســلوب تشــييد العالقــات بـ ي ن
ـى ت ق ن أ
ـا� الشــخصيات الثانويــة الـ ي ـال بـ يـ� الشــخصية الرئيســة مــن جهتــة ،وبـ ي الف ـراد ،وبالتـ ي
ـ� مــن جهــة ثانيــة ،وهكــذا يتــأ� للروايــة أن تصـ يـر مجتمعــا مصغ ـرا، تؤثــث معهــا المحـ ي
تتعقــد فيــه العالقــات ،وتلتبــس ،وتتنامــى تماشــيا مــع الرؤيــة المؤسســة لفعــل الكتابــة،
والســئلة المؤطــرة لهاتــه الرؤيــة. أ
* يذهــب ميشــال بوتــور إىل أن الروايــة الجديــدة مــا عــادت تكتفــي بالموهبــة ف ي�
الحــداث وإثــارة القــارئ ...بــل غــدت بحثــا بــكل مــا الــرد وصنعــة الــكالم وتخيــل أ
ـ� مــع هــذا الـرأي؟تحمــل الكلمــة مــن معـ نـى؛ هــل تتفقـ ي ن
أتفــق تمامــا مــع هــذه النظــرة للروايــة ،لكــن هــذا يفـ تـرض أن يتــواءم معــه النقــاد،
أي االنتبــاه إىل �ض ورة الخــروج عــن مســلمات الخطــاب النقــدي ،حـ تـى ال يتحــول النقــد
إىل قوالــب قديمــة متعاليــة ،يُق ـرأ عــى ضوئهــا النــص الجديــد .كمــا يفـ تـرض أن تكــون
الشــكال والموضوعــات المطروقــة. ـ� ج ـرأة وشــجاعة عــى تخطــي المألــوف مــن أ للروائيـ ي ن
فالروايــة ،مــن هــذا المنظــور ،لــم تكــف معهــا الموهبــة والتمكــن مــن اللغــة عــى
ـدس مفكــر فيــه ـروا� ملزمــا بصناعــة عوالمــه ،وفــق مـ ش ئ
ـروع هنـ ي ف أهميتهمــا ،بــل أصبــح الـ ي
م�ايــدة وتتغــذى قدراتــه بإتقــان ...ومــع تــوال تجاربــه � الكتابــة ،تتحقــق لــه إمكانيــات ت ز
ي ي
ومهاراتــه ،فيمتلــك حرفيــة تخــول لــه التحكــم أكـ ثـر ف ي� عوالمــه الروائيــة تمامــا مثــل الباحــث
النســانية والعلــوم الحقــة ،الــذي تتطــور أدواتــه بالمــوازاة مــع تراكــم ف
ي� مجــاالت العلــوم إ
ـى هــي أســاس لــكل خلــق ف�ن ي ، والعمــال الـ تـى يقــوم بهــا .فضــا عــن الموهبــة الـ ت التجــارب أ
ي ي ئ
ـى تغـن ي عملــه، ت
ـروا� إىل أدوات بحثيــة تمكنــه مــن جمــع المــواد والمعطيــات الـ ي يحتــاج الـ ي
مثلمــا يحتــاج إىل إمكانــات لوجســتيكية تســاعده عــى الســفر والتنقــل بغــرض الظفــر
ئ ت
ـروا�.ـى يحتاجهــا والمراجــع المؤسســة لم�ش وعــه الـ ي ببعــض المعطيــات الـ ي
ـ� بلغــت القائمــة القصـ يـرة ف ي� جائــزة البوكــر ت
ـاس ونســاء» الـ ي * تعتـ بـر روايتــك «ألمـ
أ
للروايــة العربيــة ف ي� دورتهــا الخـ يـرة ،روايــة الزمــان والمــكان بامتيــاز عــى اعتبــار أنهــا
تناولــت زمنــا يغطــي مــا يناهــز ســبعة عقــود ،كمــا أن أحداثهــا وقعــت ف ي� مــدن تنتمــي
ـأ� لــك عجــن هــذه المــادة ـكا�؟ وكيــف تـ ت إىل ثــاث قــارات .مــا داللــة هــذا التوســع الزمـ ن
ن ي ت
ـ�؟ـ� يظهــر عليهــا البنــاء الفـ ي ّ الرسديــة بالصــورة المتناغمــة الـ ي
اســتخدمت مفــردة موفقــة وذكيــة ف� ســؤالك هــي «العجــن» ،فلــكل أديــب خـ ب ز
ـره ،مــن ي
مباهــج كتابــة الروايــة هــي طريقــة اســتعمال أدواتنــا ،وحريتنــا بالنفــخ عــى نارنــا ،نؤججهــا
ـر� شـ تـى المذاقــات ،وال أقــول كل ـرا يحظــى بـ ض تــارة ،ونخمدهــا تــارة أخــرى ،لنضمــن خـ ب ز
المذاقــات ،فالقـراءة أذواق ،عندمــا نكتــب نأمــل أن نحظــى بأكـ بـر عــدد ممكــن مــن القـراء،
وهنالــك قـ ّـراء قــد ال نحظــى بهــم ،ألنهــم مفطــورون عــى نكهــات أخــرى غـ يـر النكهــات
ـى عرفناهــا. ت
الـ ي
ـالي� ف ي� صــوغ العوالــم ت أ
ـا� وأسـ ب يأســعى مــن تجربــة روائيــة لخــرى إىل تنويــع موضوعـ ي
التخييليــة ،وأن أوســع مــن مجــاالت االنتمــاء للهويــة الكوكبيــة .فأنــا أكتــب لــكل إنســان
ـا� فيــه حيــا وميتــا .أحلــم ف ي� كل كتابــة جديــدة الرض ،بــل أكتــب الجانــب إ ن عــى أ
النسـ ئي بــأن تصبــح أ
ـ� �ش
تاريــخ الب يــة زمنــا لمتخيـ ي ـروا� ،وبــأن يصـ يـر
ـا� ،ال بــد أن تعــرف أي ن
الرض كلهــا ملــكا لعالمــي الـ
ئ
الرض كلهــا ،وتفهــم مشــاكل ـ� تكتــب روايــة بمــذاق إنسـ ي ـروا� .ل فـ ي
الـ ي
ف
النســان ي� شـ تـى الجغرافيــات الثقافيــة والبيئيــة دون التفريــط ي� هويــة االنتمــاء لمنــاخ إ
ـا� معـ يـ� ،وخريطــة جغرافيــة محــددة. ن ف
ثقـ ي
لقد تحقق بفضل الجوائز ـ�، الســاردين الثانويـ ي ن
الرئيــس عــى صــوت أ ّ
الســارد ّ
* طغــى صــوت ّ
ت
ونــدر صــوت الشــخصيات .هــل اخــرت هــذا الســلوب انطالقــا مــن
األدبية انتعاش فعل
وعــي بخصوصيــة المــادة الرسديــة المعروضــة ف ي� الروايــة ،أم إن
التلقي ،ورواج األعمال،
ـ� فرضــت ســلطتها عليــك أثنــاء االنغمــاس ف ي� التماهــي مــع روح الحـ ي
وتداول األسماء الجديدة طقــس الكتابــة فــكان مــا كان؟
في عالم الكتابة الروائية
ـ�» كأســلوب مفضــل للــرد ،ألنــه يتيــح للكاتــب أعتنــق أســلوب «الحـ ي
ن
المســاك بدفــة الــرد بدقــة .لكــن ذلــك يظــل أســلوبا واحــدا بـ يـ� عــدة إ
أ
أســاليب أخــرى قــد يلجــأ إليهــا الدبــاء؛ فالمســألة مســألة خيــار خــاص
بالكاتــب .وربمــا أل ن ي� قـرأت نــص ألــف ليلــة وليلــة مبكـرا مــن عمــري ،وقبــل أن أبــدأ بالكتابة
ـ� .ففضــا عــن كــون هــذا بزمــن طوي فــل ظهــرت مؤث ـرات شــهرزاد «الح فــكاءة» عــى نـ ي ّ
ف ت
ـ� يمنــح إمكانيــة التحكــم ي� العوالــم الروائيــة ،حــى ال تتــوه ي� حمــى الســلوب ي� الحـأ
ي
االنتدابــات وتكاليــف رواة متعدديــن ،فهــو أيضــا ينســجم مــع طبيعــة الخطــاب ف ي� العمــل
ـ� أن تكــون أو ال تكــون، ـروا� مــن حيــث الداللــة الـ تـى يهيمــن عليهــا منطــق الـراع بـ ي ن ئ
ي الـ ي
ـ� الوجــود ـ� التموقــع والتخفــي ،بـ ي ن ـ� الحريــة واالســتبداد ،بـ ي ن ـ� الســلطة والرغبــة ،بـ ي ن بـ ي ن
ـى أصنعهــا تخييليــا تتحــرك دون أ ف
والضيــاع .يهمـن � ،هــذا الســلوب ،أن أرى الكائنــات الـ ت
ي
روا� لهــا ،وتعيــش بحريــة مــن ال يزعجــه ضــوء مــا .وبذلــك يتـ ت
ـأ� يل أن أن تحــس بمراقبيــة ي ت
ي
أرصدهــا رسديــا ف ي� أقــى حــاالت تماهيهــا مــع المعيــش ف ي� تشــعباته.
العمــال ،وتــداولالدبيــة انتعــاش فعــل التلقــي ،ورواج أ لقــد تحقــق بفضــل الجوائــز أ
والعالمــي ،وســاد ف أ
الســماء الجديــدة ي� عالــم الكتابــة الروائيــة ،وتحــرك االهتمــام النقــدي إ
نــوع مــن التنافســية والدافعيــة عــى الكتابــة الروائيــة تحديــدا ،وازداد اهتمــام دور النـ شـر
بالروايــة ...وكل هــذا ال يمكــن إال أن يسـ يـر ف ي� اتجــاه تشــجيع الكتابــة والقـراءة ومــا يرتبــط
النســان مــن جوهــره ،وتبعــده عــن متاهــات بهمــا مــن قيــم جماليــة وإنســانية تقــرب إ
الـراع والتمــزق والتطــرف والعنــف.
باحثون ومثقفون
يطالبون
بتشكيل أرضية
خصبة للتوعية
الفكرية
النتــاج
ـى يتمتــع بهــا المجتمــع ،حيــث إن الرقابــة عــى إت
ف الـ ي
ين
الباحثــ� عــن الفكــري لهــا دور ي� تراجــع العديــد مــن عدناني :العالقة بين
االســتمرار بأعمالهــم المعرفيــة والفكريــة خوفــاً مــن االرتقاء المعرفي
تعرضهــم لالعتقــال والمحاســبة .وهــذا بــدوره يقــود إىل وبين اإلنتاج الفكري
هجــرة الكفــاءات العربيــة للخــارج بفعــل التضييقــات،
وبفعــل البطالــة ومــا يواجهونــه مــن صعوبــات ،وعــدم مرتبطة بمدى الحرية
إيجــاد منــاخ مالئــم الســتمرار أبحاثهــم وإنتاجهــم التي يتمتع بها
الفكــري. المجتمع
وتــرى الباحثــة ،أنــه ال يمكــن فصــل التنميــة المعرفية
عــن التنميــة الشــاملة للدولــة العربيــة ،وال يمكــن فصلهــا
أيض ـاً عــن تنميــة كل القطاعــات االقتصاديــة والسياســية
والفكريــة والثقافيــة ،وهــو مــا يعـن ي أن الهــدف التنمــوي
يجــب أن يتحــول إىل هــدف عــام قــادر عــى االســتمرارية
والتطــور. اإلنتاج المعرفي مرآة الشعوب
نعــرف أن العديــد ت عدنــا� ،البــد أنن وتقــول والكاديميــة المغربيــة الدكتــورة إكـرامتــرى الباحثــة أ
ي ن
ن
والباحثــ� ال يمتلكــون الجــرأة الفكريــة مــن المفكريــن ـر� واقــع
ي بالعالــم العـ ب ي
ف
النتــاج الفكــري
ـا� أن تراجــع إ عدنـ ي
ـى تجعلهــم يخوضــون بالدراســة والتحليــل والمعرفيــة الـ ت تعيشــه الــدول العربيــة ،ويدخــل � إطــار ت
ال�اجــع
ي ف ي
تعتــر مــن «الطابوهــات»، الــىت
ب ي� بعــض المواضيــع ي والتخلــف الــذي عاشــته ومــا تـزال تعيشــه عــى مســتويات
بــ� مــا هــو نظــريوهــذا مــا يفــر وجــود التناقــض ي ن الحصــاءات إىل وجــود عــدة منــذ قــرون خلــت .وتشـ يـر إ
ف
ومــا هــو واقعــي ،وهــو مــا يتطلــب التجديــد ي� الـ تـراث النســانية والكتــب فــراغ وفقــر مدقــع إلنتــاج المعــارف إ
واالنفتــاح عــى العلــوم الحقــة وكل مجــاالت البيولوجيــا ـر� ،وهــووالصــدارات الفكريــة مقارنــة مــع العالــم الغـ ب ي إ
ـى تعتـ بـر جــزءاً مــن الثــورة المعرفيــة ت
والتكنولوجيــا ،والـ ي ت
مــا يــدق ناقــوس الخطــر بخصــوص هــذه المســألة
ف
الغــر� ،وبشــكل أصبــح بي الــى ســبق وشــهدها العالــم ي ـر� مـرآة الشــعوب ودليــل عــى النتــاج المعـ ي
وخاصــة أن إ
ـر� أحــد أبــرز مظاهــر القــوةف
النتــاج العلمــي والمعـ ي معــه إ تقدمهــا أو تأخرهــا.
ف ي� عالــم اليــوم.
ف
المعــر� ،بحســب بالنتــاج
ي ويتطلــب االرتقــاء إ
بــ� الحكومــات ومؤسســات ن عدنــا� ،تضافــر الجهــود ي ن
ن ي
ـد� والمجتمــع ككل ،كمــا يتطلــب رفع نســبة المجتمــع فالمـ ي
النفــاق
االســتثمار ي� المجــال العلمــي ورفــع مســتوى إ
البحــاث الفكريــة والعلميــة ،وهــو مــا تغفــل عنــه عــى أ
حــى الــدول العربيــة الغنيــة.ت
ف
المعــر� لــن بالنتــاج ين
ي وتبــ� الباحثــة أن االرتقــاء إ
يتــم دون االرتقــاء بمســتوى التعليــم ،والــذي يحتــاج إىل
تجــاوز الطــرق التقليديــة ،والمتمثلــة ف ي� االعتمــاد عــى
ـر� ،وهــو مــا يجعــلف التلقـ ي ن
النتــاج المعـ يـ� والحفــظ بــدل إ
وك�يــات الجامعــات والمعاهــد خــارج الــدول العربيــة ب
أ
التصنيــف العالمــي لفضــل الجامعــات العالميــة عــى
ف
والمعــر�. النتــاج العلمــي
ي مســتوى إ
ت
الــى تملكهــا الجماعــات ف
سياســات التعليــم ي� المــدارس أ ي
الدينيــة ،مهمــا كانــت م ّلتهــا لنهــا« ،تغــذي الطائفيــة األطرش :ضحالة
أحيانــاً» ،وهــذا بــدوره يحــد مــن فتــح آ
الفــاق لالنفتــاح
عــى آ المعرفة العربية
الخــر ،ومراجعــة السياســات التعليميــة العربيــة،
لغــرس قيــم التعايــش والحــوار وقبــول االختــاف بجميــع مرتبطة باالنحدار
أشــكاله. الثقافي عامة ،وهو
عائد إلى غياب دور
وتــرى أن ضحالــة المعرفــة العربيــة مرتبطــة باالنحدار
ف
ـا� عامــة ،وهــو عائــد إىل «غيــاب» دور وزارات الثقافــة وزارات الثقافة في
فالثقـ ي
العــر� ،الفتــة إىل أن غالبيتهــا «بــا رؤيــة،
بي ي� الوطــن الوطن العربي
ت
وتشــكو مــن ال�هــل إالداري والفكــري ،وتوظــف مــن ال
عالقــة لهــم بالثقافــة ،بــل غالبيتهــم يفتقــر للمعرفــة».
ف
ـا� أيضاً، ف أ
ـر� والثقـ ي
كمــا تحيــل الطــرش االنحــدار المعـ ي
إىل تراجــع دور الروابــط واتحــاد الكتــاب ،فقــد ســيطرت
ا� ت ض
عليهــا «أم ـراض الســاحة الثقافيــة مــن الشــللية والــر ي
ـر� بإهمــال
والتنفيــع» ،فض ـا ً عــن تراجــع دور النقــد العـ ب ي
الصحــف اليوميــة للثقافــة وقرارهــا بحجــب المكافــآت ضحالة المعرفة العربية واالنحدار الثقافي
الماليــة عــن الكتــاب فيهــا.
الطــرشالردنيــة ليــى أ مــن جهتهــا ،تتســاءل الروائيــة أ
وتنــوه إىل أن هــذا التهميــش للثقافــة والمعرفــة مســتنكرة كيــف نتوقــع صعــوداً فكريــاً وعلميــاً وإنتاجيــاً
«متعمــد» ،مســتنكرة تكـرار حديــث المؤسســات المختلفــة ـى نعيشــها؟ ،فعجلــة التطــور ترتبــط ف� فـ تـرة عصيبــة كالـ ت
عــن تنميــة اجتماعيــة وسياســية؟ وكيــف يتشــدقون ف ي� بالمــان مــع المســتقبل. والمــن والحســاس أي يباالســتقرار أ
إ
الحديــث عــن تنميــة ليــس أساســها التنميــة الثقافيــة الجيــل الجديــد يتملكــه الخــوف مــن القــادم ف ي� ظــل
والمعرفيــة؟! العــر� منــذ الــى تعصــف بالوطــن ت
بي الظــروف العامــة ي
ســنوات؛ ولــم يعــد منبــع الخــوف التدخــل الخارجــي
توفــر الكتــب لجميــع فحســب ،بــل ومــن أ
كمــا تنــوه إىل أنــه ال بــد مــن ي الفــكار واالنقســام والطائفيــة وغيــاب
ف ين
و� المحافظــات قبــل المواطنــ� بســعر رخيــص جــداً ،ي العدالــة االجتماعيــة وتكافــؤ الفــرص.
الكــرى ،وتشــجيع الفنــون خاصــة المــرح ب المــدن
ـر� عــى ف كل مــا ســبق ،أفــرز وفــق أ
والدرامــا ،وتخصيــص ســاعات بــث ي� إالعــام العـ ب ي الطــرش« ،العنــف الجامعي
واالتــكاء عــى العشــرة أ
ـى تقــود إىل المعرفة ت
لل�امــج الثقافيــة التنويريــة الـ ي
اختالفــه ب والصــول والمنابــت ،بــدال ً مــن ي
فكــرة أ
بطريقــة مشــوقة بعيــدة عــن الحــوارات المحنطــة ،وبهــذا الح ـزاب والتجمعــات الطالبيــة القائمــة عــى الفكــر
نســهم ،ولــو قليــاً ،ف ي� إصــاح «العطــب» الــذي يســود والمقبلــة عــى المعــارف المختلفــة» ،كمــا أدت ســيطرة فكر
المشــهد العــام. ـ� عــى مناهــج التعليــم ف ي� العقــود الماضيــة إىل غــرس معـ ي ن
ف ين
الجنســ� ي� المــدارس ،ثــم ســيطرة التميــر ي ن
بــ� يز ثقافــة
سياســة تعليميــة تلقينيــة بــدال ً مــن إعمــال الفكــر ،وحــذف
منهــج المنطــق والفلســفة مــن المــدارس وحصــة الق ـراءة
ـى تنمــي المعــارف ،وتكســب الطلبــة ت
وتنميــة المواهــب الـ ي
مهــارات التفكـ يـر ،وتصقــل مواهبهــم وتفــرخ أجيــاال ً منتجــة
وفعالــة وواعيــة ومفكــرة.
ومــن هنــا تدعــو أ
الطــرش لالرتقــاء بمعارفنــا إىل أهمية
إعــادة تدريــس الفلســفة ف ي� الجامعــات ليــس كمســاق
اختيــاري ،بــل إجبــاري ،مشــددة عــى �ض ورة مراقبــة
ومــدرك ف ي� ألفيــة «الفيــس يؤرقنــا ويــؤرق كل مهتــم ُ واســعة للتنميــة المجتمعيــة ،وغالب ـاً مــا تتــم عــن طريــق
بــوك» ألفيــة «الديجتــال» والمعامــات الرقميــة ،الــىت ن
ـد� والمراكــز ت
ي المؤسســات ال�بويــة ومنظمــات المجتمــع المـ ي
تجتــاح المعرفــة ،وتصيبهــا أحيان ـاً بمقتــل مــن منطلقــات الثقافيــة.
تخــص مساســها بالوعــي الــذي نحتاجــه ،ونحــن نواجــه
حالــة التغريــب ومدخالتهــا المشــوهة لثقافتنــا العربيــة للعــام ،بحســب الظفـ يـري، مــن جانــب آخــر ،فــإن إ
للنســانية معرفــة ـى أَسســت إ ت ف دوراً أساســياً ف ي� رفــد الواقــع
أ والســامية ،نتلــك الثقافــة الـ ي
إ المعــر� والفكــري ،كونــه
ي يبعــث رســائل شــاملة أ
مــا زالــت تبــ ي عليهــا وتراكــم تقدمهــا ،ونحــن للســف للف ـراد ،قــد تكــون ســلبية ف ي� كثـ يـر
خذلناهــا وتجاوزناهــا نحــو الهبــوط ،لذلــك ومنــذ أن الحيــان ،لــذا عليــه النهــوض بواجبــه ف ي� ضــخ الثقافــة مــن أ
لك�ونيــة هــي وســيلة إدراج ال تأصبحــت نطاقــات الشــبكة إ والمعــارف عــى اختالفهــا وتســليط الضــوء عــى المبدعـ ي ن
ـ�؛
ومخاطبــة ونـ شـر ،حملــت مــا حملتــه مــن ظواهــر معرفيــة أكــر فاعليــة ف ي� جعــل الثقافــة فذلــك يعطــي نتائــج ث
أكيــدة بجمالياتهــا ،كمــا حملــت أيضــاً مخاطــر ،فهــي والمعرفــة أعمــق رســوخاً ف ي� مجتمعاتنــا.
ـا� ف
وســيلة تواصــل واتصــال تحمــل ي� طياتهــا مــا هــو إيجـ ب ي
إذ تعاملنــا معهــا لتســهيل مــا يَصعــب ،لكنهــا تقــود إىل الــى تعطــي نتائــج مثمــرة ف ي� ترويــج ت
ومــن العوامــل ي
ت هــو سـ ف ش
ـى تؤســس لــكل ـل� ي� حــال اعتمدناهــا الوســيلة الـ ي بي والنــر النتاجــات المعرفيــة هــي مؤسســات الطباعــة
مــا تحملــه أنهــا معرفــة ووعــي وإدراك. كــر عــى فكــرة إعــادة الوعــي والتوزيــع ،إذ يجــب تال� ي ز
لالهتمــام بالقــراءة ،ويقصــد هنــا قــراءة الكتــاب الــور�ق
ي
وينبــه عطــاري إىل أنــه مــن المفاعيــل الثقافيــة تحديــداً ،بكونــه يفتــح أفقـاً أكـ بـر ،ويعطــي فســحة لتدويــن
المعــر� الــذي يغــذي ف النتــاج المالحظــات ت
وال�كـ ي ز
ي الحريصــة عــى ســامة إ ـر بصــورة أكـ بـر ،ب ـرأي الباحــث ،وقيمــة
الوعــي الســليم ،أن تــدرك هــذه المخاطــر مــن خــال أ
الكتــاب مهمــة أيضــاً؛ لنهــا تؤســس إلقامــة «المكتبــة
وغــر الم�نز ليــة» الـ تـى تعــد الرافــد أ
الهــم ف ي� بنــاء الوعــي الفــردي،
الــدق عــى جــدران مؤسســة التعليــم الحكوميــة ي ّ ي
وال�كـ يـرزالحكوميــة ب ـرض ورة ســامة منهجهــا ومناهجهــا ،ت الــركات برعايــة نشــاطات ثقافيــة ولــو ســاهمت بعــض ش
عــى نــوع مــا تحملــه حقائــب الطلبــة ،وتحديــداً ف ي� ومعرفيــة بطريقــة تال�ويــج «الراعــي الرســمي» ،ســيعطي
ال�كـ ي ز
ـر اللزامــي ،وكذلــك ت ـيس أو إ ين كبــراً
ذلــك حافــزاً ي
مراحــل التعليــم التأسـ ي للمؤلفــ� وللقــراء عــى حــد ســواء.
التلقــ�،ن
ي التشــارك واالبتعــاد عــن عــى نوعيــة التعليــم
ي
ـر حديقتنــا الخلفيــة لمجتمعنــا؛ أي الطلبــة، وذلــك بتحفـ ي ز
ـ�، عــى التدبــر والتفكـ يـر وليــس نمطيــة الحفــظ والتلقـ ي ن عطاري :االرتقاء
إذا أسســنا هــذه «الحديقــة» الحقيقــة بمعرفــة ســليمة بالمعرفة يتركز على
بالتأكيــد ،سـ نـرث وعيـاً عظيمـاً ف ي� مجتمعاتنــا .لذلــك ،فــإن اهتمامنا بمنهاج تربوي
االرتقــاء بالمعرفــة تي�كــز عــى اهتمامنــا بمنهــاج تربــوي
وتعليمــي ســليم ،يقودنــا إىل مجتمــع الوعــي والمعرفــة. وتعليمي سليم يقودنا
إلى مجتمع
الوعي والمعرفة
�ن
يعتــر الشــاعر والكاتــب الفلســطي ي
ب مــن جهتــه،
عبــد الســام عطــاري هــذا الســؤال الهاجــس الدائــم
الجمعـ ّـي، ف
ـا� َللمفاعيــل الحقيقيــة المنشــغلة بالهـ ّـم الثقـ ي
الفــردي ،وهــو ســؤال
ّ البــداع
المؤســس عــى حالــة إ
العادة وتغيير
مسار الشخص
سـ تـرتبط العــادة آ
بالخــر إذن ،بعــد أن انطلقــت مــن
الــذات ،ولنذ ّكــر بالعــادات الثــاث أ
الوىل: ُ
قــال المتنـ ب ي
ا
.2حدد هدفا قبل كل �ش ي ء؛ الــى ســتصبح أعرافــا ،لدرجــة تغيــر ت العــادات ييصعــب ي
.3رتب أولوياتك. أ
تغــر حــى المبــادئ الصليــة دينيــة كانــت ،أم قــد ي
وضعيــة .تصـ يـر العــادة عرفـاً متعارفـاً عليــه ،وقــد تتحــول
الشــخص.
ي وهــي عــادات تدخــل ف ي� خانــة النــر مصــدراً للت�ش يــع كمــا هــو الشــأن عنــد المالكيــة« .فقــد
فهــل يكفــي ذلــك لبنــاء الشــخصية؟ ســيبقى أ
المــر ناقصاً، الخــذ بالحديــث المتوســع� ف� أ
ن المــام مالــك مــن
ي ي كان إ
مــا لــم يخــرج إىل النــر العــام مــن خــال ثــاث عــادات ن
لنشــأته بالمدينــة ...وكان كثـ يـرا مــا يبـ ي أحكامــه عــى أدلــة
أخــرى ،هــي: للعقــل فيهــا مجــال خصيــب كاالستحســان واالســتصحاب
والمصالــح والذرائــع والعــرف والعــادة».1
.4فكر رابح/رابح؛
آ
.5افهم أوال ،قبل أن تسعى إلفهام الخرين؛ السالمي ،الدار القومية للطباعة والن�ش ،
- 1محمد سالم مذكور ،مدخل الفقه إ
-6اعتمد التكاثف. القاهرة ،1964 ،ص41 :
والســامية بمــا
توصــف مجتمعاتنــا العربيــة إ
واد، ف
نطلــق عليــه« :ازدواجيــة الشــخصية» .فالمبــادئ ي� ٍ
بم�ة اتخــاذ المبادرة والســبقيمكــن أن يتصــف الفــرد ي ز واد آخــر .نحــن نذهــب للصــاة ف
والتطبيقــات العمليــة ي� ٍ
إليهــا ،ويمكنــه أن يكــون مــدركا لهدفــه مــن الحيــاة ،وقــد كل جمعــة ،ثــم نأخــذ رشــوة ،أو نســب شــخصا بــكالم
الوىل ـز� ،وهــي العــادات أئ ن
ف يرتــب أولوياتــه ولــو بشــكل جـ ي نــز� ...عــادات وعــادات نعيــشســفيه ،أو نــرق أو ي
ـو�، ت
ـى تحــدث عنهــا ســتيفن كـ ي مــن العــادات السـ أـبع الـ ي تناقضهــا ،فتؤثــر عــى الجماعــة قبــل الفــرد.
ويمكــن الرجــوع للعــداد الســابقة مــن مجلــة «ذوات»
لالطــاع عليهــا ،ولكــن هــذه العــادات تبقــى ناقصــة ،إذا أشــارت بعــض التقاريــر المختصــة مؤخــرا إىل أن
لــم تتعــزز برؤيــة واضحــة آ
للخــر ،انطالقــا مــن الــذات، نســبة % 80مــن المغاربــة هــم متدينــون ،وبالمقابــل
وهــذا مــا تـ بـرزه العــادة الرابعــة. نــرت بعــض الصحــف إحصائيــات ي ن
تبــ� أن المغاربــة ش
أ
يســتهلكون الخمــر أكـ ثـر مــن الــدول الوروبية ،وقــد يحتل
العــادة الرابعــة :فكــر رابح/رابــح ،أو المكســب / هــذا الســائل المرتبــة الثانيــة مــن االســتهالك بعــد المــاء
المكســب وقبــل الحليــب ،فلنتأمــل هــذا الوضــع؛ نحــن متدينــون
ولكــن كيــف؟ وبمــاذا؟ وبــأي مقيــاس؟
تنطلــق هــذه العــادة مــن الــذات ف� عالقتهــا آ
بالخــر، ي
ـ� أن أكتســب موقفــا ذا بعــد جماعــي ال يلغــي كيــف عـ ي المثــر« :العــرب وجهــة نظــر يابانيــة» ي ف ي� كتابــه
الــذات؟ فكــرة المكسب/المكســب ترتبــط بالمجــال ـوأك نوتوهــارا 2عــدة تناقضــات ن
ـا� نوبـ ي يـ بـرز الكاتــب اليابـ ي
االقتصــادي الحديــث الــذي يعــن ي ،ولــو نظريــا عــى ـ� المبــادئـر� ،موضحــا الهــوة بـ ي ن
النســان العـ ب ي يعيشــها إ
التفكــر بالمنفعــة للجميــع .فمــا هــو موقفــي القــل، أ ن ىض
والممارســات ،وهــو الــذي ق ـ أزيــد مــن أربعـ يـ� ســنة
ي
مــن المثيــل أثنــاء التنافــس؟ كيــف عــ� أن أفكــر ف� آ
الخــر بمختلــف البلــدان العربيــة بمدنهــا وبواديهــا؛ فالعالــم
ي ي أ
ف ي� حالــة النجــاح؟ ف ي� حالــة الفشــل؟ قــد تكــون الــروح جنــى مشــغول بفكــرة العــر� حســب ف هــذا المراقــب ال ب ي بي
التضامنيــة أو مــا نطلــق عليــه الــروح الرياضيــة أهــم صفة النمــط الواحــد ي� الشــكل والملبــس ،حيــث يغيــب مفهوم
وللخريــن ،وعــى ـر المتمتــع برؤيــة واضحــة لنفســه آ تمـ ي ز المواطــن الفــرد ،وتحــل محلــه فكــرة الجماعــة المتشــابهة
آ
ـى للخريــن، العمــوم ،فهنــاك جملــة مواقــف تحــدد رؤيـ ت العــر�، المطيعــة للنظــام الســائد .والنــاس ف ي� العالــم
آ ي ف بي
كــو� كال ت ي�:يمكــن تلخيصهــا اســتنادا إىل ســتيفن ي حســب هــذا الخبـ يـر ،يســتنتجون أفكارهــم مــن خارجهــم،
بينمــا يســتنتج اليابانيــون أفكارهــم مــن الوقائــع اليوميــة
والمكســب /المكســب ليــس تقنيــة ،بــل فلســفة والعــر� يكتفــي باســتعادة
ض بي ويضيفــون حقائــق جديــدة،
كاملــة للتفاعــل البـ شـري ،وهنــاك ســتة تصــورات ذهنيــة أ
المــا� البعيــد .والفــراد الــى اكتشــفها ف ي� ت
للتفاعــل إ ن ي الحقائــق ي
ـا� هــي :المكســب /المكســب - .المكســب النسـ ي بذلــك ،يظلــون أف ـرادا وال يشــكلون جماعــة مؤثــرة.
/الخســارة – .الخســارة /المكســب – .الخســارة /الخســارة.
– المكســب – .المكســب /المكســب أو ال اتفــاق. 3 ـى ترعرعنا عليهــا ،فجعلت الشــخصية ت
إنهــا عاداتنــا ال فـ ي
مزدوجــة ومطمئنــة ي� ازدواجيتهــا .نتبجــح بالوحــدة ونحــن
وهــذه التصــورات تخضــع لعوامــل ت
شــى بيئيــة ف ي� تشــتت ،والتضامــن والتــآزر ال يحصــل إال ف ي� الذهــن.
وغ�هــا ،ولعــل تفكـ يـر المنفعــة
ونفســية وتربويــة ودينيــة ي حــب الــذات مســيطر علينــا ،وأنــا وبعــدي الطوفــان،
ســيق� عــى
ي
ض للجميــع هــو الســلوك الصحــي الــذي أصبــح شــعار الصغــار ف ي� المــدارس ،إال مــن رحــم ربــك.
االنفعــاالت الســلبية .ويقصــد بــه «االتفاقيــات أو الحلــول
كو� ،العادات السبع للناس أ
ال ثك� فعالية ،مكتبة جرير ،ط،2009 ،21: ف
- 3ستيفن .آر ،ي
ص244 : نوبوأك نوتوهارا ،العرب وجهة نظر يابانية ،منشورات الجمل2003 ،
ي - 2
إىل جماعــة الرفــاق المتكيفــة ،تقــوم عمليــة تعلــم اجتماعــي «قــد يلعــب الطفــل تجــاه المعلــم دور الطفــل
منميــة ومعــززة للتلميــذ :يحــب المدرســة والــدرس بفضــل الضعيــف الــذي يحتــاج إىل احتضــان ورعايــة ،أو العكــس
القبــول واالنتمــاء مــن الرفــاق ،والعكــس صحيــح بالطبــع».10 دور الطفــل المتمــرد الــذي يثـ يـر العــداء ف ي� تكـرار الســيناريو
الرسي الخــاص بــه».9 الرسي ...وللمعلــم أيضــا الســيناريو أ أ
ت
االق�اب من المتعلم يحقق المنفعة للجميع
اس هنــا،
إن مــا يحصــل عــى مســتوى التحصيــل الــدر ي
ت
الــى نشــتغل عليهــا ،قمنــا ت اســتناداً إىل العينــات ي ـلوك ،ومــن ثــم وجــب يحصــل عــى مســتوى التكيــف السـ ي
ت
ب�كيــب اســتمارة حــول العــادة الرابعــة :فكــر رابــح /رابــح، ـى تحــدث هنــا بشــكل واع أو االنتبــاه لمختلــف التحالفــات الـ ي
فــرات متقاربــة عــى مجموعــات محــددة وزعناهــا ف� ت أ
ـ� الت ـراب حلقــة بــا وعــي« .وتكمــل العالقــات الصفيــة بـ ي ن
ي
بــ� 15و 17ســنة ذكــورا تــراوح أعمارهــم ي ن لمتعلمــ� ت
ين التفاعــل ف ي� انعكاســاتها ســلبا وإيجابــا عــى صحــة التلميــذ
وإناثــا لالســتئناس وجــس النبــض ،حســب مــا تـ ت
ـأ� لنــا، النفســية ،وعــى تكيفــه وتحصيلــه .بمقــدار مــا تكــون تجربــة
التــال:
ي فقمنــا باالســتبيان إيجابيــة مــع أترابــه ،وبقــدر مــا يحظــى بالقبــول واالنتمــاء
تكامل للنمو ف ي� البيت
ي ديناميك
ي - 9مصطفى حجازي ،الصحة النفسية ،منظور
- 1 0المرجع نفسه ،ص231 : العر� ،ط ،2008 ،3:ص227 : والمدرسة ،المركز ف
الثقا� ب ي
ي
السؤال الرقم
أبدا قليال دائما أحيانا
آ
الخر ال يع�ن ي يل شيئا 1
أفكر ف� نفس أوال قبل آ
الخرين 2
ي ي
إذا ربحت فال يهم�ن أن يربح آ
الخرون أم ال 3
ي
نفس آ ف
أفكر ي� إرضاء الخرين قبل إرضاء ي 4
إذا شتم�ن ي تلميذ فسأرد عليه بالمثل ألنه يستحق ذلك 15
المجــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
لعــل الحــل الناجــع لمعاناتنــا التعليميــة يكمــن ف ي� المنفعة للجميع والتربية على القيم
إرادة حقيقيــة ،تعتمــد المســتجدات التقنيــة والعلميــة
عالميــا ،واالســتجابة لنبــض الشــارع واالنطــاق منــه دون مــا صدرنــا بــه هــذه الدراســة مــن كــون المغاربــة
وأخــرا ،مــن أجــل بنــاء
ي تبخيــس لــدور المتعلــم أوال شــعب مــزدوج الشــخصية ف ي� أغلبــه ،تظهــر بعــض ســماته
الشــخصية المتوازنــة الفاعلــة. المــدرس .التالميــذ يفكــرون رابــح رابــح
ي منــذ التعلــم
َو
الرض وخالفتهــا ،وإعمــار هــذا الكــون يعتــر كتابــه «مــن الصحــوة إىل اليقظــة :عــى اســتعمار أ
ُْ َ بُ
الدراك للحــراك» ،الصــادر المســخر لهــم» ،وانتقــد الفهــم الســائد الــذي جعــل اســراتيجية إت
ـ� داخــل «الكث�يــن محبوسـ ي ن ي عــام 2007عــن
دائــرة قضايــا القــوى الغيبيــة مؤسســة أم
وغ�هــا، ن
ـياط� ي كالجــان والشـ ي أساسية لبنة الكتاب هذا يعد القــرى ،والــذي نقــدم حولــه
أو داخــل دائــرة قضايــا في تقييم مسار النهضة، ـال ،لبنــة أساســية فالعــرض التـ ي
فيثــرون بذلــك ي اليمــان»، إ وتقديم تصور لمشروع ي� تقييمــه لمســار النهضــة،
«قضايــا الفــرق والنحــل لمــروع إنجاحهــا. وتصــوره ش
واف�اءاتهــم»، ت وشــبهاتهم إنجاحها
وهــم بذلــك «يعــودون إىل وقــد حــدد موضــوع
الســجن أو القيــد الــذي الكتــاب ،ف ي� تقديمــه ،بكونــه
و� المقابــل ،نجدهــم «يركــزون ف ن
اليمــان منــه» .ي
حررهــم إ يتنــاول «الفلســفة الكـ بـرى أللنهضــة» المنشــودة ،ويعت ـ ي
«بتحديــد المســتلزمات الساســية لالنتقــال مــن طــور ويجتهــدون ،حيــث تكفــي المعلومــة البســيطة ،ويضيعون
والبــداع». والتقــان إ كــر إال� ي ز االرتجــال واالندفــاع وضبابيــة الرؤيــة إىل الرشــد ووضــح ويهملــون ،حيــث يجــب ت
مســتقبل يلقــى بت�يــره ف ي�
ي كمــروعالرؤيــة»؛ فالنهضــة ش
كمــا حــدد مفهومــه للعمــل الصالــح الــذي ال يقــره المــة المتهــاوي أمــام تصاعــد القــوة الغربيــة، حــال أ
يعتــره والخــري» ،بــل الســامية إىل فقــط عــى «العمــل التعبــدي أ
ب ي حيــث أدى تراجــع الــدور الحضــاري للمــة إ
بالمــة» ،وأثنــاء فحصــه زحــف النمــوذج الغــر� عــى مجالهــا الخــاص ،وهــو مــا شــامال لــكل «عمــل ينهــض أ
ً بي
ف ن
لطبيعــة الحضــور الديــ ي ي� ذهنيــة المســلم ،انتقــد انتهــى بإســقاط الخالفــة العثمانيــة ســنة 1924م.
الدكتــور ســلطان ســوء الفهــم الناجــم عــن مقولــة
وقــد أدى هــذا الوضــع ،بحســب المفكــر القطــري« ،حســبنا كتــاب هللا وســنة رســول هللا (ص)» ،وهــو قــول،
الســامي نتيجــة لثالثــة أمــور ،رغــم صحتــه ،يثـ يـر التباسـاً لــدى البعــض ممــن يعتقــدون ف
إىل هــزة كبـ يـرة ي� العالــم إ
تتمثــل أوال ً ف ي� «انكشــاف حالــة التخلــف ف ي� العالــم بإمكانيــة االســتغناء عــن ذوي التخصــص العلمــي
«بالرجــوع إىل نصــوص الكتاب الســامي» ،وثانيــاً ســقوطه إ
والســنة» ،معتـ بـراً هــذا «ظلم «تحــت أيــدي حركــة الهيمنــة
وللســام»؛ قبل كبـ يـر للديــن إ في سلطان، جاسم يربط واالســتكبار» الــذي يســميه
أن يقــدم قاعــدة عامــة �ف «االســتعمار» ،ثــم ثالثــاً
ي كتابه ،قضية النهضة بنوع
تفســر ذلــك القــول ،وهــي ي التلقي والفهم للمفاهيم الســامي إىل «تمزيــق العالــم إ
أن العلــم علمــان «علــم �ف صغــرة ال يجمعهــا وحــدات
ي ي
الكتــاب ،وعلــم أشــار إليــه في الثقافية للبنية المشكلة جامــع» .وقــد تولــد عــن هذه
الكتــاب» .فــإذا كان كتــاب المجتمع الحالــة -حســب تحليلــه -
هللا عــز وجــل قــد «فصــل �ف ثالثــة عناويــن كـ بـرى ،شــغلت
ي ف
و� مــا هــو مــن العبــادات ،ي الســامي تمثلــت ف ي� العالــم إ
شــأن الديــن المحــض» ،فإنــه «عنــوان النهضــة والتقــدم»
النســانية ،قــال: ف ف ي� مقابــل التخلــف ،و»عنــوان التحريــر» ي� مقابــل
ف
ي� المقابــل عندمــا تعامــل مــع الخـ بـرة إ
االســتعمار ،و»عنــوان الوحــدة» ف ي� مقابــل التمزيــق« .فاســألوا أهــل الذكــر إن كنتــم ال تعلمــون» ،ف ي� إشــارة إىل
حتميــة التواصــل مــع ذوي االختصــاص مــن خــارج العلــم
ال�ش عــي. في تصحيح المفاهيم
عــر
مــروع النهضــة ،ب كمــا اســتعرض ،مؤســس ش ويربــط جاســم ســلطان ،ف ي� كتابــه ،قضيــة النهضــة
صفحــات الكتــاب تعريفــات مدققــة لعــدد مــن المفاهيم بنــوع التلقــي والفهــم للمفاهيــم المشــكلة للبنيــة
والمصطلحــات الشــائعة االســتعمال ف ي� الخطابــات الثقافيــة ف ي� المجتمــع ،ويتنــاول ف ي� هــذا الســياق ،مفهــوم
ش
«المــروع» ت
الــى تتضمنهــا كلمــات:
أ النهضويــة ،كتلــك ي فاليمــان
اليمــان بأفــق أشــمل وأعمــق ممــا يــروج لــه؛ إ إ
و»النهضــة» و»التنميــة» و»الحضــارة» و»اليديولوجيــا» بحســبه حــرر قلــوب النــاس وعقولهــم «لينطلقــوا ويركــزوا
ف ي� حــاالت «الخــاص الفــردي واالنســحاب مــن ســاحة كمــا حــرص ،ف ي� نفــس الســياق ،عــى �ض ورة امتــاك
ـل�، ـ� لنهضــة أ
المــة ،ســواء كانــوا أفـراداً أو جماعــات، العاملـ ي ن
الســامي ،أو مــا يطلــق عليــه التصــوف السـ ب
قمــة ي �ف
الفعــل إ
أ
ن
عــى أســاس أن التصــوف الســ ي الصحيــح كان الــى منهــا :أدوات العلــوم ال�ش عيــة ت
ي لدوات القــادة ي
العمــل والعطــاء»؛ ويعتـ بـر اليــأس «ســجناً معنويـاً وعقليـاً الداريــة .ويؤكــد مــن جهــة والنســانية ثــم العلــوم إ إ
كبـ يـراً للشــعوب والمجتمعــات» ،ويقـ تـرح هــدم «جدرانــه �ش ف ن
ـتوي� للفكــر ،ي� الم وع �ض
أخــرى ،عــى ورة تضافــر مسـ ي
الربعــة» لتحريــر العقــول والقلــوب منــه ،عـ بـر توظيــف أ الول هــو مســتوى المــادة الخــام النهضــوي ،المســتوى أ
أربعــة معــاول ،هــي معــول «علــم االجتمــاع» ،ومعــول للنصــوص المرجعيــة ،ســواء كانــت هــذه النصــوص
وأخــراً معــول
ي «علــم التاريــخ» ،ومعــول «المنطــق»، مقدســة أو تراثيــة ،وهــو مــا يســميه بمســتوى «النصــوص
«المبـ شـرات»؛ أي مــا «ب�ش نــا بــه ربنــا جــل وعــاه ،ونبينــا ـا� ،فهــون ف ت
تبــر هــذه أ ـا�» .أمــا المســتوى الثـ ي
المرجعيــة والــراث الثقـ ي
المــة بالغلبــة (ص) مــن آيــات وأحاديــث ش مــا «يطرحــه العقــل مــن مدخــات وتصــورات تواكــب
ـ�» .فتمكــن قــادة وطــاب النهضــة مــن والنــر والتمكـ ي ن ثقافــة العــر وعلومــه»؛ أي مــا يســميه بمســتوى «ثقافــة
ف أ
اســتعمال هــذه المعــاول الربعــة ي� هــدم جــدران اليأس العــر وقناعاتــه».
الوىل نحــو الخــروج مــن هــذا الواقــع». هــي «الخطــوة أ
وشــدد الكاتــب القطــري عــى �ض ورة االلتفــات إىل
الـ تـراث مــن أجــل فحصــه ودرســه ،واعتبــاره مرجعـاً للعمل
النهضــوي المتوخــي ،واستشــهد هنــا بالمفكــر الســوري
نــور الديــن حاطــوم ف ي� دراســته ل»تاريــخ النهضــة
الحيــاء عنــد الغربيـ ي ن
ـ� أ
الوربيــة» ،الــذي قــال عــن حركــة إ
أنهــا «لــم تبــدأ بالنظــر للمســتقبل ،إنمــا بــدأت بتنقيــة
والرومــا� عــى حســاب المســيحية، ن ن
اليونــا� ت
الــراث،
ي ي
وبــدأوا يســتلهمون منــه فكــرة المنطــق ،وفكــرة البحــث
ـى رأوهــا نافعــة ،ثــم أعــادوا الخــرى الـ توالفــكار أ
العلمــي ،أ
ي
هــذا النافــع بإحيائــه ،وبــدأوا ف ي� النظــر للمســتقبل»،
ـا� واالهتمــام ض ف
فحركــة النهضــة الغربيــة ،ي� نظرتهــا للمـ ي
بالبحــث فيــه ،لــم تكــن رجعيــة ،بــل كانــت إيجابيــة
ـا� أحســن مــا فيــه ،وتؤســس عليــه ض
«تســتلهم مــن المـ ي
المســتقبل المنشــود».
السالمي ف
المعجزة ي� المتخيل إ
إصدارات
إصدارات
إصدارات
إصدارات
إصدارات
إصدارات
ْســعى كتــاب «المعجــزة ف ي� المتخيــل
التونــ� باســم
ي
ي
المعجــزة �ف
ف
الســامي» للباحــث
مــ� ،إىل مراجعــة قضيــة
الســامي والبحــث ي� وظائفهــا
ي
المتخيــل إ
إ
َي
ودالالتهــا ،بعيــد ًا عــن الكشــف عــن صــدق هــذه أ
الخبــار
الخبــار تعكــس تمتــل المســلم أو كذبهــا ،ألن هــذه أ إصدارات مؤسسة «مؤمنون بال
للعالــم ،وتكشــف عــن آالمــه ورغباتــه ،ومــن تــم ،فــإن حدود للدراسات واألبحاث»
المعجــزة قبــل أن تكــون حدثــا خارقــا ،فهــي فعــل لغــوي
ف� المقــام أ
الول. ي
ويقــدم هــذا الكتــاب الصــادر منــذ 2013ضمــن
منشــورات مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات
ـر�» ف ي� الــدار البيضاء والبحــاث» عــن «المركــز فأ
الثقا� العـ ب ي
ي
وبـ يـروت ،مختلــف تمثــات المســلم للمعجــزة قصــد تبـ ي ن
ـ�
وظائفهــا ودالالتهــا ،ولهــذا الغــرض تــم تقســيم الكتــاب
إىل مقدمــة وأربعــة أبــواب ،حيــث تضمنــت المقدمــة
ثالثــة محــاور حــول المعجــزة ،والمتخيــل ،والمدونــة،
الول بمعجــزة الخلــق والــوالدة ،وخصــص واهتــم البــاب أ
الثــا� لدراســة معجــزات النجــاة والعقــاب ،وســعى ن
ف ي
التســخ�
ي تبــ� معجــزاتالباحــث � البــاب الثالــث إىل ي ن
ي
والقــدرة ،لينتهــي ف ي� البــاب الرابــع إىل دراســة معجــزات
المــوت والرفــع. يمكــن للقــارئ أن يتعــرف عــى تفاصيــل
وغ�هــا مــن ف
الصــدارات يأو� عــن كل هــذه إ
وقــد جــاء ف ي� هــذا الكتــاب ،أن «مبحــث المتخيــل بالضافــة إىل التعــرف
ت
إصــدارات المؤسســة ،إ
الديـن ي ال يـزال حقــا بحثيــا خصبــا ال يمكــن إ
التيــان فيــه الــى تبيــع
عــى مراكــز البيــع والمكتبــات ي
ـول الفصــل ،لتعقــد الظاهــرة الدينيــة ولتداخلهــا �ف بالقـ عــر ربــوع جميــع إصــدارات المؤسســة ب
ي
مجــاالت معرفيــة مختلفــة .وإذا كانــت الدراســة الغربيــة ـر� عـ بـر الولــوج لموقــع مؤسســة
الوطــن العـ ب ي
أ
«مؤمنــون بــا حــدود للدراســات والبحــاث»
تنظــراً وتطبيقــاً ،فــإن الدراســة
ي كبــر أهميــة
قــد أولتــه ي
أ
العربيــة -رغــم وجــود بعــض العمــال الكاديميــة الجريئــة ـال:
الخــاص بالكتــب عــى الرابــط الرســمي التـ ي
-مازالــت مقــرة ف ي� دراســة هــذه الظاهــرة .لذلــك، book.mominoun.com
الرضيــة المعرفيــة لهــذا المبحــث غـ يـر واضحــة،بقيــت أ
ُي
تاريخيــا حصــل بمشــيئة هللا ،وإمــا للمقاربــة العقالنيــة
الوضعيــة النافيــة لــكل خــرق لنواميــس الكــون ،فظــل كال
ــد كتــاب «الناطقــون بلســان الســماء» َع ُّ الطرحــ� رهيــن ي ســؤال الحقيقــة.
ين
رد� مــوىس برهومــة ،أول دراســة ن أ
للكاتــب ال ي
عربيــة شــاملة ،تنتقــد جهــود المفكــر
المــري نــر حامــد أبــو زيــد ،وتركــز عــى
مجمــوع دراســته الفكريــة ومقاالتــه وحواراتــه ،وذلــك
باعتبــاره واحــداً مــن المفكريــن العــرب والمسـ ي ن
ـلم� الذيــن
انخرطــوا ف� حقــل قــراءة ت
الــراث الديــن ي قــراءة نقديــة ي
معــارصة ،وكونــه ينتســب إىل فضــاء التأويــل النقــدي،
حيــث خــاض معــارك ومواجهــات قاســية مــع الذيــن
يزعمــون النطــق بلســان الســماء.
ُي
صالح ـاً لــكل زمــان ومــكان.
عا ِلـ ُـج كتــاب «التــوراة تتحــدث عــن بيــت هللا أمــا الفصــل الثالــث ،الــذي يعــد مركزيــاً ف ي� هــذا
المغــر� المتخصــص ف ي�
بي الحــرام» للباحــث الكتــب ،فيقــوم فيــه الباحــث مــوىس برهومــة بتفكيــك
الديــان ،عصــام شــكيب ،إشــكالية مقارنــة أ ـ� ،ووجــه ف ش أ
الطروحــة العامــة ي� مــروع أبــو زيــد التأويـ ي
كبــرة وأساســية مــا تــزال مطروحــة إىل ي لــه مجموعــة مــن االنتقــادات ،خاصــة للمــنز ع الحــاد
ف أ
اليــوم ،وهــي دراســة الماكــن المقدســة الــواردة ي� القـرآن والمتطــرف الــذي صــاغ مــن خاللــه أطروحتــه الفكريــة،
ف� التــوراة وأســفار أ
النبيــاء ،ويقــدم رؤيــة جديــدة تتنــاول وغيــاب المنهــج لديــه ،أو تحولــه ،وهــو مــا عـزاه أبــو زيــد
ي
تعت�هــا كتابــا
الموضــوع نفســه ،ال تنكــر التــوراة وال ب لتغــر الموضوعــات والمشــكالت والقضايــا. ي
ـاط� والخرافــات ،بــل كتابــا مقدســا يضــم حقائــق أ
للسـ ي
تغي�هــا وإخفاؤهــا. و� الفصــل الرابــع أ ف
كثــرة تــم ي
ي والخـ يـر ،يضــع الباحــث أطروحة ي
الســامي التأويــ� إ
ي أبــو زيــد ف ي� ســياق جهــود التجديــد
ويقــدم هــذا الكتــاب ،الصــادر عــام 2013ضمــن المعــارص ،ويقارنهــا مــع أطروحــات دعــاة إنشــاء تأويــل
منشــورات «مؤسســة مؤمنــون بــا حــدود للدراســات ال�مــت ف ي� العالــم
إســامي جديــد ،كمــا يرصــد ظاهــرة ت ز
ـر�» ببـ يـروت والــدار ف أ الســامي ،وعــى رأســها أ
ـا� العـ ب ي
والبحــاث» ،عــن «المركــز الثقـ ي الصوليــة. إ
ائيــ� ،و»خريطــة الرس ي البيضــاء ،طرحــا بديــا للطــرح إ
للماكــن المقدســة التوراتيــة بشــكل أخــص ،وهــي جديــدة أ
خريطــة بيــت هللا الحــرام ف ي� شــبه الجزيــرة العربيــة،
ـى تنســجم مــع اللغــة ،وســياق النصــوص التوراتيــة، ت
والـ ي
ومــا تقدمــه هــذه النصــوص مــن صفــات للمــكان ومجالــه
ـا� ،وتنســجم كذلــك مــع أ
الديــان الثالثــة: ف ف
الجغـر يا� والثقـ ي
والســام ،والواقــع المعــاش إىل اليهوديــة ،والمســيحية ،إ
هــذا اليــوم».
«� كـ ثـرة التفاصيــل والســياقات، المغــر�» لــ� ال يتيــه ف جبعــون ،جبــع ،جلجــال ،جلعيــد ،جلعــود ،عــاي ،أفراتــه،
ي ي
ـرق إىل طبائــع التديــن ف� بـ ق بي
ـا� الــدول العربيــةي ي ّ ـ نتط عندمــا عفــرة؟ وأيــن كل تلــك الطقــوس والعبــادات المرتبطــة بهــا
ت
الــى تطــال طبائــع
ونحســب أن التحــوالت ي ُ والســامية، إ حســب النــص التــور ت يا� الــذي أكــد غـ يـر مــرة أنهــا ستســامر
التديّــن ي� الســاحة المغربيــة ،تنطبــق بشــكل أو بآخــر ف مــن ســنة إىل ســنة ومــن جيــل إىل جيــل ش�يعــة أبديــة؟
عــى تحــوالت تطــال أنمــاط تديّــن ف ي� العديــد مــن الــدول ـى ترتبــط بهــا ف ي�
ت ن
ومــا معــى تلــك الحــروب والمعــارك الـ ي
أ ف
الســامية ،وخاصة الســامية ،وحـ تـى ي� أوســاط القليــات إ إ كثـ يـر مــن النصــوص التوراتيــة؟
أ
ف ي� القــارة الوروبيــة».
ويتضمــن الكتــاب تقديم ـاً ،وأربعــة فصــول :التديّــن ف ي� نقد الخطاب السلفي
ـر� وصدمــة الســلفية الوهابيــة ،والخطــاب الســلفي المغـىض ب ي
ـا� ،ووقفــات نقديــة مــع المراجعــات ف
ومقتـ النقــد الثقـ ي
ـر�». الســلفية ،والخطــاب الســلفي وتحــوالت «الربيع العـ ب ي
الول مــن هــذا الكتــاب ،يــورد حمــادة و� الفصــل أ ف
ي
ـلم� ،أقــرت ـ� العــرب والمسـ ي ن أن «قلــة قليلــة مــن الباحثـ ي ن
بــأن إحــدى أهــم خالصــات صدمــة اعتــداءات نيويــورك
�ف
الســامي عــى أعــ� العقــل إ وواشــنطن ،تكمــن ف� فتــح ي ن
ي
طبيعــة عالقتــه التمفصليــة مــع «الســلفية الوهابيــة»
تحديــداً ،ولذلــك ،وبالرغــم مــن مــرور مــا يقــارب عقــد
ي
ونيــف عــى منعطــف هــذه االعتــداءات ،ال زالــت هــذه
القــام تطالــب بحتميــة الحســم ف ي� طبيعــة عالقــة العقل أ نقــد الخطــاب الســلفي :الســلفية الوهابيــة
الســامي بهــذا التيــار دون ســواه ،وليــس مصادفــة أن إ ف ي� المغــرب نموذجــاً» ،هــو عنــوان الكتــاب «
ـى تنحــدر مــن ت أ أ
تنتفــض العديــد مــن القــام الســيوية الـ ي المغــر� منتــر حمــادة،
بي للباحــث الجديــد
باكســتان وأفغانســتان ،ضــد «الســلفية الوهابيــة» ،ونذكــر الــذي يعالــج فيــه أحــد مواضيــع الســاعة
ن ف أ
ـتا� طــارق منهــا عــى وجــه الخصــوص ،الناشأــط الباكسـ ي الســامي ،مــن خــال نمــوذج والكـ ثـر تعقيــدا ي� العالــم إ
عــ� ،مؤلــف كتــاب «صــدام الصوليــات» والباحــث ي وحيــد أال وهــو المغــرب.
ـا�، الفغـ ن ـتا� أحمــد رشــيد ،المختــص ف� الشــأن أ الباكسـ ن
ي مؤلــف يكتــاب «طالبــان ..جنــد هللا ي أ ف
الفغــان والحــرب و� تقديمــه لهــذا الكتــاب ،الصــادر حديثــا ضمــن ي
الفــو�.. ض الجديــدة ف ي� هندوكــوش» ،و»الســقوط ف ي� منشــورات مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات
أفغانســتان وباكســتان وعــودة الطالبــان». ـر�» ف ي� الــدار البيضاء والبحــاث» عــن «المركــز ف أ
الثقا� العـ ب ي
ي
وبــروت ،يــرى المؤلــف أن أســباب االشــتغال عــى ي
الموضــوع ،مرتبطــة بـــ «هيمنــة أنمــاط هــذا التديّــن ليــس
«الم َصـ ّـدرة» لــه منــذ عقــود وحســب، الســامية ف
ُ ي� الــدول إ
وتحديــدا منــذ حقبــة الطفــرة النفطيــة ف ي� شــبه الجزيــرة
العربيــة ،ولكــن أيضـاً بحكــم صعــود أســهم هــذا النمــط
المتشــدد مــن التديّــن ف ي� مجــاالت تداوليــة إســامية كانــت ُ
إىل عقــود قريبــة ،بعيــدة عــن النهــل مــن ريــاح التس ـ ّلف
ـا� ،قبــل أن تجــد نفســها اليــوم ،معنيــة بالتفاعــل الوهـ ب ي
أ
و»اســت�اد» الدبيــات مــع نتائــج سياســات «تصديــر»
ي
عــر الفضائيــات والمؤتمــرات وثــورة الســلفية الوهابيــة ب
االتصــاالت والتقنيــات التكنولوجيــة الحديثــة».
إحــراز تقــدم عــى مســتوى النمــو االقتصــادي الشــامل الطبيعيــة وال�نز اعــات ،بينمــا لناقــ�
ي العــدد المطلــق
القــارة بأرسهــا. لمختلــف الفئــات االجتماعيــة شــكلت ظواهــر تغـ يـر المنــاخ الغــذاء إىل النصــف بحلــول
واالســتثمارات الزراعيــة والزمــات الماليــة وارتفــاع أ عــام .2015
وحققــت البلــدان ف ي� والحمايــة االجتماعيــة ،جنبــاً الســعار ضمــن أســباب أ
وجنــو� ش� ق ي�
بي ش� ق ي� آســيا إىل جنــب مــع االســتقرار أخــرى ،عوامــل ُمفاقمــة لهــذه تحديات حالت دون تحقيق
آســيا انخفاضــاً مطــرداً الســياس ،إنمــا تجعــل الحيان.الوضــاع ف� كثــر مــن أ أ ئ
الغذا� أ
المن
ي ي ي ي
لمــؤ�ات ســوء ش ورسيعــاً مــن دحــر الجــوع هدفــاً ف ي�
التغذيــة ،كاتجــاه مدعــوم المتنــاول .وقبــل أي اعتبــار والمالحــظ ،أن معدالت ف ي� غضــون الســنوات
باالســتثمار ف ي� مرافــق الميــاه آخــر ،فــإن إالرادة السياســية الجــوع لــدى البلــدان ذات مســرة خــرة ،أعــاق أ
ي ال ي
والــرف الصحــي آ
والفــاق تز
المل�مــة بــأن يصبــح التغلــب الزمــات الممتــدة المتكــررة، أ التقــدم صــوب بلــوغ كامــل
و� ف عــى الجــوع هدفــاً إنمائيــاً ئ أهــداف أ
االقتصاديــة المواتيــة .ي هــي أعــى بمقــدار ثــاث
ف
الغــذا�
ي المــن
جنــوب آســيا ،بينمــا ُســجل عــد أقــوى محــركأســمى ،تُ ّ و�
بغ�هــا .ي مــرات مقارنــة ي بحلــول ،2015جملــةُ تحديات
انخفــاض متواضــع ف ي� معــدل إىل أ
المــام. العــام ،2012بلغــت أعــداد تمثلــت ف� أ
الحــوال العالميــة ي
انتشــار نقــص التغذيــة ،إىل مــن يعيشــون ف ي� ظــل هــذه والظــروف الســائدة،
15.7ف ي� المئــة مــن 23.9ف ي� ومــع أن إفريقيــا جنــوب الحالــة نحــو 366مليــون االقتصاديــة والسياســية
المئــة ،إال أن إحــراز المزيــد الصحـراء ،تظــل أعــى أقاليــم شــخص -منهــم 129مليونــاً الدوليــة .وجــاءت الظواهــر
مــن التقــدم ف ي� تقليــص العالــم مــن حيــث معــدالت يعانــون مــن قصــور التغذية؛ الجويــة المتطرفــة والكــوارث
ناقــ� الطفــال أعــداد أ انتشــار نقــص التغذيــة - أي ف ي� مــا يشــكل 19ف ي� المئــة الطبيعيــة ،فضــا ً عــن
ي
الــوزن فــاق هــذا المعــدل. 23.2ف ي� المئــة أو واحــد تقريباً مــن مجمــوع ضحايــا انعــدام الســياس
عــدم االســتقرار أ ي
ـ� كل أربعــة أشــخاص- مــن بـ ي ن الغــذا� عــى وجــهئ المــن أ وال�نز اعــات والحــروب الهليــة
ي
وبالنســبة إىل شــمال ـى ت
إفريقيــا ،يــكاد انعــدام أ إال أن البلــدان إالفريقيــة الـ ي الكوكــب. بمثابــة معوقــات ال يمكــن
المــن أكــر
رصــدت اســتثمارات ب تخطيهــا .واليــوم ،ثمــة 24
الغــذا� الحــاد أن يصبــح ئ تحســ�ن حجمــاً مــن أجــل و� مواجهــة هــذه ف بلــداً إفريقيــاً يواجــه أزمــات
ي ي ي
ظاهــرة مندثــرة مــع تراجــع إنتاجيتهــا الزراعيــة وبنيتهــا التحديــات ،تزايــد عــدد غذائيــة؛ أي مــا يعــادل
انتشــار نقــص التغذيــة إىل الساســية ،تمكنــت ف ي� التحتيــة أ ســكان العالــم طبق ـاً لتقريــر ضعــف عددهــا عــام 1990؛
نســبة ال تتجــاوز 5ف ي� المئــة، الوقــت ذاتــه مــن بلــوغ هــدف الجــوع العالمــي بمقــدار علمــاً بــأن واحــداً مــن كل
غــر أن مشــكلة نوعيــة ي القضــاء عــى الجــوع ضمــن 1.9مليــار نســمة منــذ عــام خمســة أفــراد ف ي� العالــم
التغذيــة باتــت مصــدراً باعثـاً لللفيــة،الهــداف النمائيــة أ أ ،1990ممــا يجعــل خفــض ممــن يعانــون ســوء التغذيــة،
إ َ
عــى القلــق ف ي� المقابــل ،مــع وخصوصــاً ف ي� غــرب القــارة. عــدد الجيــاع عــى النحــو يقطنــون مناطــق منكوبــة
ارتفــاع معــدالت انتشــار الن إنجــازاً أشــدالمشــاهد آ يغلــب عليهــا َضعــف
البدانــة والســمنة عــى ومنــذ عــام ،1990 إثــارة للدهشــة. الحكومــة والتعـ ُّـرض الشــديد
صعيــد المنطقــة بأرسهــا. انخفضــت نســبة الجوعــى لتهديــدات الهــاك والمــرض.
ف ي� أمريــكا الالتينيــة ومنطقــة خارطة الجوع بع� العالم
و� غــرب آســيا ،حيــث ف الكاريــى مــن 14.7ف ي� بحــر المــمويشــر تقريــر أ
ي بي ي
تســود أحــوال مــن النظافــة 5.5ف� المئــة� ،ف المئــة إىل أورد تقريــر أ
المــم المتحــدة حــول الجــوع
ي أ ي العالمــي إىل أن أ
الصحيــة ،وتنخفــض اعتياديـاً حــ� أن نســبة الطفــال ين المتحــدة المختــص بالجــوع، الزمــات
معــدالت نقــص الــوزن بـ ي ن
ـ� ممــن ينقــص وزنهــم (دون أن ش�ق آســيا شــهد تقدمــاً ين
الثالثــ� تطــورت عــى مــدى
الطفــال ،ارتفــع معــدل أ 5ســنوات مــن العمــر) بالــغ الرسعــة ف ي� تقليــص عامــاً المنرصمــة ،بعــد أن
الجــوع بســبب الحــروب تراجعــت عــى نحــو حــاد. معــدالت الجــوع -وبالمثــل كانــت كــوارث قصــرة أ
الجــل ي
الهليــة ،مــا والرصاعــات أ تز
االلــرام القــوي وتُ ِرجــم أمريــكا الالتينيــة ومنطقــة أ
جليــة العــراض وأحــداث ّ
نجــم عنــه مشــكالت تدفــق للحــد مــن الجــوع إىل برامــج الكاريــى وجنــوب
بي البحــر ـ� تتحـ ّـول اليــوم
والنتائــج ،لـ ي
ين
والالجئــ� المهاجريــن شــاملة للحمايــة االجتماعيــة، ش�ق آســيا ووســطها، إىل أزمــات ممتــدة؛ ويُعــزى
كبــرة لــدى بلــدانبأعــداد ي ت
باالقــران مــع فيمــا قــاد وكذلــك بعــض أجــزاء ذلــك أساســاً إىل جملــة
شــبه إالقليــم. النمــو االقتصــادي القــوي إىل إفريقيــا -ممــا دلــل عــى أن عوامــل ،ال ســيما الكــوارث