الإعلام الديني والربيع العربي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 126

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫?‪THE WHAT‬‬

‫مجلة ثقافية إلكترونية نصف شهرية‬


‫تصدر عن مؤسسة «مؤمنون بال حدود للدراسات واألبحاث»‬

‫العدد ‪٢٠١٥ - ١٣‬‬


‫‪4‬‬

‫مجلة‬
‫ثقافية‬
‫إلكترونية‬
‫نصف شهرية‬

‫كلمة‬ ‫المشرف العام‬


‫د‪ .‬أحمد فايز‬

‫هذا العدد‬ ‫رئيسة التحرير‬


‫سعيدة شريف‬

‫مــع بدايــة الثــورات العربيــة أو مــا يعــرف بـــ «الربيــع‬ ‫تدقيق لغوي‬
‫العــر�» ف� نهايــة عــام ‪ ،2011‬تغــرت الكثــر مــن أ‬
‫الشــياء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي ي‬ ‫د‪ .‬عبد السالم شرماط‬
‫ف� الســاحة السياســية والثقافيــة العربيــة‪ ،‬بــل وحــىت‬
‫ي‬ ‫تنفيذ‬
‫إالعالميــة‪ ،‬حيــث وصــل عــدد القنــوات الفضائيــة العربيــة‬ ‫رنا عالونه‬

‫ـ� قنــاة عموميــة وخاصــة‪،‬‬ ‫إىل نحــو ألــف و‪ 300‬قنــاة مــا بـ ي ن‬


‫ـوال ‪ 100‬قنــاة) بالطابع‬
‫واصطبغــت العديــد مــن القنوات (حـ ي‬
‫ف‬
‫كبــرة ي� الرصاعــات‬‫الديــن ي ‪ ،‬ولعــب البعــض منهــا أدوارا ي‬
‫الطائفيــة ف ي� المنطقــة العربيــة‪ ،‬خاصــة أن الــدول العربيــة‪،‬‬
‫تعــد حســب دراســات حديثــة‪ ،‬أ‬
‫الكـ ثـر اســتثمارا اقتصاديــا‬ ‫المراسالت‪:‬‬
‫وسياســيا وأيديولوجيــا ف ي� مجــال القنــوات التلفزيونيــة‪.‬‬ ‫تقاطع زنقة واد بهت وشارع فال ولد عمير‪ ،‬أكدال‪،‬‬
‫قرب مسجد بدر‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‬
‫تتخــذ العديــد مــن هــذه القنــوات الفضائيــة الدينيــة‬ ‫ص‪.‬ب‪10569 :‬‬
‫ـ�‪« :‬النايــل ســات» و»عــرب ســات»‪،‬‬ ‫مــن القمريــن العربيـ ي ن‬ ‫تلفون‪00212537779954 :‬‬

‫الــى كشــف‬ ‫أ‬


‫مجــاال تل�دداتهــا‪ ،‬وقــد أظهــرت الرقــام ت‬ ‫فاكس‪00212537778827 :‬‬

‫ئ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫رئيسة تحرير مجلة "ذوات" اإللكترونية‪:‬‬


‫الفضــا�‬
‫ي‬ ‫خــر حــول البــث‬
‫عنهــا التقريــر الســنوي ال ي‬ ‫‪mag@thewhatnews.net‬‬
‫ـر� لعــام ‪ 2014‬الــذي يصــدره «اتحــاد إذاعــات الــدول‬ ‫العـ ب ي‬ ‫سكرتير تحرير مجلة "ذوات" اإللكترونية‪:‬‬
‫ف‬
‫العربيــة»‪ ،‬تناميـاً ي� عــدد القنــوات الدينيــة‪ ،‬حيــث احتلــت‬ ‫‪mag2@thewhatnews.net‬‬
‫‪www.mominoun.com‬‬
‫المرتبــة الرابعــة مــن عمــوم القنــوات الفضائيــة العربيــة‬
‫المتخصصــة بمجمــوع ‪ 95‬قنــاة‪ ،‬قبــل القنــوات إالخباريــة‬ ‫ال يسمح بإعادة إصدار هذه المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها‬

‫ـى ال يصــل عددهــا إال إىل نحــو ‪ 65‬قنــاة‪ ،‬وبعــد القنــوات‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫في نطاق استعادة المعلومات أو نقلها بأي شكل من‬
‫األشكال دون إذن خطي مسبق من مؤسسة «مؤمنون بال‬
‫الغنائيــة المختصــة ببــث الكليبــات وبرامــج المنوعــات‬ ‫حدود»‪.‬‬
‫ـى احتلــت المرتبــة الثالثــة بمجمــوع‬ ‫والســهرات الغنائيــة الـ ت‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫‪No Part of this magazine may be reproduced,‬‬
‫ـى‬
‫‪ 124‬قنــاة‪ ،‬وقنــوات الدرامــا مــن أفــام ومسلســات‪ ،‬والـ ي‬ ‫‪stored in any retrieval system, or transmitted in any‬‬
‫احتلــت المرتبــة الثانيــة بمجمــوع ‪ 152‬قنــاة‪ ،‬فيمــا تحتــل‬ ‫‪form or by any means without prior permission‬‬
‫القنــوات الرياضيــة المرتبــة أ‬
‫الوىل بمجمــوع ‪ 170‬قنــاة‪.‬‬ ‫‪in writting of (Mominoun Without Borders‬‬
‫‪Association).‬‬

‫(الســامية‬
‫فــإذا كانــت أغلــب هــذه القنــوات الدينيــة إ‬
‫والمســيحية)‪ ،‬تُقــدم نفســها بأنهــا تســعى لتقديــم إعــام‬
‫هــادف وتنويــري‪ ،‬وتنمــوي يســهم ف ي� ترســيخ القيــم‬
‫الصيلــة‪ ،‬وينطلــق مــن حاجــات‬ ‫والمفاهيــم الدينيــة أ‬
‫المجتمــع وثوابتــه‪ ،‬مــن خــال اســتثمار تقنيــات إالعــام‬ ‫اآلراء الواردة في المجلة ال تمثل بالضرورة مؤسسة «مؤمنون بال‬
‫ـ� يســتقطب‬‫والعــان واالتصــال‪ ،‬وفــق منهــج علمــي وعمـ ي‬‫إ‬ ‫حدود»‪ ،‬وال تعبر بالضرورة عن رأي أي من العاملين فيها‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪5‬‬

‫والخــاق الســامية‪،‬‬ ‫عــى محورتــه حــول القيــم المشـ تـركة أ‬ ‫اهتمــام ش�ائــح المجتمــع بمــا يكفــل تأثـ يـراً يحقــق التغيـ يـر‬
‫يك يدفــع نحــو المحبــة والتعايــش والســام‪.‬‬ ‫المنشــود‪ ،‬وأنهــا أيضــاً وســيلة مســاعدة للمؤمــن‪ ،‬مهمــا‬
‫كانــت عقيدتــه‪ ،‬يك يحافــظ عــى انتمائــه‪ ،‬ويعــزز انفتاحــه‬
‫والكاديمية‬‫ويتضمــن بــاب «رأي ذوات» مقاال للشــاعرة أ‬ ‫الخــر المغايــر‪ ،‬ويمــد لــه يــد المســاعدة بوصفــه‬ ‫عــى آ‬
‫ً‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫إنســاناً‪ ،‬بغــض النظــر عــن االنتمــاءات الدينيــة والطائفيــة‬
‫تكتبــ�؟»‪ ،‬ومقــاال ً‬ ‫ي‬ ‫الردنيــة مهــا العتــوم بعنــوان «عــم‬
‫ـواك بعنــوان‬‫ـر� نــارص فطـ ي‬
‫ت‬
‫ثانيــا للباحــث والم�جــم المغـ ب ي‬ ‫الضيقــة‪ ،‬فإنهــا رسعــان مــا تُظهــر ف ي� خطاباتهــا المتنوعــة‪،‬‬
‫الــرام وتســامح»‪ ،‬والثالــث للباحــث‬ ‫«بيــارن ملكفيــكك‪ :‬ت ز‬ ‫وغــر االختصــاص‪ ،‬نوايــا رهيبــة‪،‬‬ ‫مــن ذوي االختصــاص ي‬
‫ـر� المعــارص‪ ،‬غيضــان‬ ‫ف‬
‫المــري ي� الفلســفة والفكــر العـ ب ي‬ ‫تكشــف عــن وجــه مظلــم‪ ،‬وعــن أفــكار مرعبــة‪ ،‬تســعى‬
‫بــ� المثقــف‬ ‫الســيد عــ� بعنــوان «شــائكية العالقــة ي ن‬
‫ي‬ ‫الســتمالة عــدد كبـ يـر مــن المشــاهدين‪ ،‬موظفــة الديــن ف ي�‬
‫والســلطة»؛ ويشــتمل بــاب «ثقافــة وفنــون» عــى مقالـ ي ن‬
‫ـ�‪:‬‬ ‫واليديولوجيــة‪.‬‬ ‫ســبيل خدمــة أهدافهــا السياســية أ‬
‫ـ� صالــح‪ ،‬بعنوان‬ ‫أ‬
‫الول للباحــث والكاتــب الســوري نبيــل عـ ي‬
‫«إشــكالية ســؤال النهضــة‪ :‬لمــاذا تأخــر العــرب؟ وكيــف‬ ‫العــر�‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫عــام الديــ ي‬‫أ‬
‫ولمقاربــة ملــف إال‬
‫ـر� المتخصــص‬ ‫ـا� للباحــث الفـ ي المغـ ب في‬ ‫فيتقدمــون؟»‪ ،‬والثـ ي‬ ‫إالجابــة عــن العديــد مــن الســئلة المحيطــة بــه‪ ،‬مــن قبيــل‪:‬‬
‫ـوا� عــن «البعــد‬ ‫ـال الصــورة والســينما‪ ،‬عــز الديــن الـ ي‬ ‫ي� مجـ‬ ‫مــا إالعــام الدي ـن ي ؟ وكيــف ظهــر؟ وهــل يمكــن عزلــه عــن‬
‫الدي ـن ي ي� عوالــم انغمــار يب�غمــان الســينمائية»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ثــورة االتصــال الحديثــة؟ ومــا حقيقتــه؟ ومــن يقــف وراءه‬
‫ويوجهــه ويمولــه؟ وهــل غاياتــه دينيــة تقــف عنــد التبشـ يـر‬
‫ويقــدم بــاب «حــوار ذوات» لقــاء مــع الروائيــة‬ ‫والدعــوة‪ ،‬أم تتجــاوز ذلــك إىل مــا هــو أبعــد وأعمــق؟ ومــا‬
‫الــى بلغــت روايتهــا «ألمــاس‬ ‫ت‬
‫الســورية لينــا هويــان‪ ،‬ف ي‬ ‫عالقتــه بالفضــاء العــام؟ وهــل هــو صانــع ســام وتعايــش‪،‬‬
‫ونســاء» القائمــة القصـ يـرة ي� جائــزة البوكــر للروايــة العربيــة‬ ‫أم هــو صانــع فتنــة واقتتــال ديــن ي وتناحــر طائفــي؟ ومــا‬
‫المغــر�‬ ‫خــرة‪ ،‬أجــراه الكاتــب والناقــد‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫بي‬ ‫ي� دورتهــا ال ي‬ ‫مــدى مصداقيتــه وجــدواه؟‪ ،‬جــاء هــذا الملــف المعنــون‬
‫إبراهيــم الحجــري‪ ،‬تحدثــت فيــه لينــا هويــا‪ ،‬عــن الروايــة‬ ‫العــر�‪ :‬بــذور تســامح أم ســموم‬ ‫ن‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫بي‬ ‫عــام الديــ ي‬
‫ف‬
‫«ال‬
‫بـــ إ‬
‫ـى تنتــر لهــا‬ ‫ش‬
‫أد�‪ ،‬وعــن النوثــة وقضيــة المـرأة الـ في‬ ‫فكجنــس ب ي‬ ‫كراهيــة؟!» ي� العــدد الثالــث عــر مــن مجلــة «ذوات»‬
‫الثقافيــة إال ت‬
‫ي� كتاباتهــا‪ ،‬وعــن اســتثمارها للتاريــخ والذاكــرة ي� أعمالهــا‪،‬‬ ‫لك�ونيــة نصــف الشــهرية‪ ،‬والصــادرة عــن‬
‫الدبيــة العربيــة‪ .‬ويقــدم الشــاعر والباحــث‬ ‫وعــن الجوائــز أ‬ ‫أ‬
‫مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات والبحــاث»‪ ،‬الــذي‬
‫ـر� أحمــد العم ـراوي الحلقــة الخامســة مــن‬ ‫تال�بــوي المغـ‬ ‫جابــ�‪.‬‬ ‫التونــ� عيــى‬ ‫أعــده الزميــل إالعالمــي والكاتــب‬
‫سلســلة مقاالتـ بـه ي عــن «العــادة وتغيــر مســار الشــخص» �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بــاب «تربيــة وتعليــم»‪.‬‬ ‫التونــ�‬
‫ي‬ ‫شــارك ف ي� الملــف‪ ،‬كل مــن الباحــث‬
‫ســامي�‪ ،‬محمــد‬ ‫ين‬ ‫المتخصــص ف ي� الحضــارة والفكــر إال‬
‫أمــا بــاب «ســؤال ذوات»‪ ،‬فتقربنــا فيــه الزميلــة‬ ‫العــر�‪:‬‬ ‫ن‬
‫العالميــة أ‬ ‫ب‬
‫المــري ي�ف‬ ‫«العــام الديــ ي‬ ‫ســويلمي‪ ،‬بدراســة بعنــوان إ‬
‫الخلفيــات أ‬
‫ـ� العــرب‬ ‫الردنيــة مـ نـى شــكري مــن آراء الباحثـ ي ن‬ ‫إ‬ ‫والهــداف»‪ ،‬والكاتــب والباحــث‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـر�‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬ ‫حــول كيفيــة االرتقــاء بإنتاجنــا المعـ ي‬ ‫إالعــام الجديــد والثقافــة الرقميــة‪ ،‬محمــد ســيد ريــان‪،‬‬
‫ـ� عــرب؛ ويقــدم الباحــث الباحــث‬ ‫اســتقراء آراء ســتة باحثـ ي ن‬ ‫بــ� الدعــوة‬ ‫العــر� ي ن‬ ‫ن‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫بي‬ ‫«ال تعــام الديــ ي‬
‫بمقــال بعنــوان إ‬
‫ـر� محمــد بوشــيخي قـراءة ي� كتــاب «مــن الصحوة إىل‬ ‫ن‬
‫المغـ ب ي‬ ‫والتبشــر وبــث الفــ� الطائفيــة»‪ ،‬والباحــث والكاديمــي‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫اليقظــة‪ :‬اســراتيجية إالدراك للح ـراك» للمفكــر القطــري‪،‬‬ ‫الجزائــري‪ ،‬محمــد بغــداد‪ ،‬بمقــال بعنــوان «القنــوات‬
‫الدكتــور جاســم ســلطان‪ ،‬وذلــك ف ي� بــاب «كتــب»‪ ،‬والــذي‬ ‫الدينيــة ومعابــر «االنتحــار» الفضائيــة»‪ ،‬والباحــث‬
‫يتضمــن أيضــاً تقديمــاً لبعــض إالصــدارات الجديــدة‬ ‫ـياس‪ ،‬ســعيد بحـ يـر‪ ،‬بمقــال‬ ‫ي‬ ‫ـر� ف ي� علــم النفــس السـ‬ ‫المغـ ب ي‬
‫والبحــاث»‪،‬‬ ‫لمؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات أ‬ ‫للعــام الدي ـن �ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫ي ي‬ ‫بعنــوان «الــروط النفســية وال�بويــة إ‬
‫الــى تقــدم أرقامــا جديــدة‬ ‫الرقــام ت‬ ‫إضافــة إىل لغــة أ‬ ‫ـر� إالســامي»‪ ،‬إضافــة إىل حــوار مــع الخبـ يـر‬
‫ي‬ ‫العالــم العـ ب ي‬
‫لعــدد الجيــاع ف ي� العالــم‪ ،‬والــذي شــهد تراجعــا نســبيا ف ي�‬ ‫ـر� يحـ يـى اليحيــاوي‪ ،‬أقــر فيــه بــأن معظــم‬ ‫إالعالمــي المغـ ب ي‬
‫خــرة‪.‬‬ ‫أ‬
‫الســنوات ال ي‬ ‫الفضائيــات العربيــة الدينيــة تخــدم أجندات سياســية‪ ،‬وأن‬
‫ـى‪،‬‬ ‫البعــد المذهـ ب ي‬ ‫هــذا النــوع مــن إالعــام يســيطر عليــه‬
‫سعيدة ش�يف‬ ‫ن‬
‫مؤكــدا أن الســبيل إلنجــاح إالعــام الديــ ي هــو العمــل‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪6‬‬

‫في الداخل ‪...‬‬


‫ملف العدد‪:‬‬
‫العر�‪ :‬بذور تسامح أم سموم كراهية؟!‬ ‫العالم ن‬
‫الدي� ب ي‬
‫ي‬ ‫إ‬

‫العر�‪ :‬حمل وديع ف ي� يده بندقية!‬


‫بي‬
‫�ن‬
‫العالم الدي ي‬‫إ‬ ‫‪١٠‬‬
‫والهداف‬‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬ ‫‪١٦‬‬
‫بي‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫والتبش�‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬ ‫‪٢٤‬‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬‫إ‬
‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬ ‫‪٣٢‬‬
‫�ن‬ ‫ال�ش وط النفسية ت‬
‫للعالم الدي ي‬
‫وال�بوية إ‬ ‫‪٤٠‬‬
‫يح� اليحياوي‬
‫المغر� ي‬‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫حوار الملف مع ي‬ ‫‪٤٨‬‬
‫بيبليوغرافيا‬ ‫‪٥٦‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬
‫ـر�‪ :‬بــذور تســامح أم ســموم‬ ‫ن‬
‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫إ‬
‫كراهيــة؟!‬
‫‪٥٦ - ٨‬‬

‫ثقافة وفنون‪:‬‬
‫إشكالية سؤال النهضة‬ ‫‪٧٠‬‬
‫�ن‬ ‫‪٨٢‬‬
‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية‪ :‬البعد الدي ي‬

‫عوالــم انغمــار يب�غمــان الســينمائية‪ :‬البعــد‬


‫ن‬
‫الديــ ي‬ ‫‪٨٢‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪7‬‬

‫?‪THE WHAT‬‬

‫حوار ذوات‪:‬‬
‫حوار مع الروائية السورية‬ ‫‪٩٠‬‬
‫لينا هويان‪« :‬ال يمكن‬
‫أ‬
‫يرمم الدمار لكنه‬
‫للدب أن ّ‬
‫يفضحه»‬

‫�ض ورة تشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬ ‫‪١٠٠‬‬


‫سؤال ذوات‪:‬‬
‫الروائية السورية لينا هويان‬ ‫‪٩٠‬‬
‫‪ ١٠٠‬باحثون ومثقفون يطالبون‬
‫بتشكيل أرضية خصبة للتوعية‬
‫الفكرية‬

‫ف ي� كل عدد‪:‬‬ ‫تربية وتعليم‪:‬‬


‫وتغي� مسار‬
‫‪ ١٠٨‬العادة ي‬
‫رأي ذوات‬ ‫‪٥٨‬‬ ‫الشخص‪ :‬العادة الرابعة‬
‫فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬
‫مراجعات‬ ‫‪١١٦‬‬
‫إصدارات المؤسسة‪/‬كتب‬ ‫‪١٢٠‬‬
‫فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬ ‫‪١٠٨‬‬
‫لغة أ‬
‫الرقام‬ ‫‪١٢٤‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪9‬‬

‫ملف العدد ‪:‬‬


‫اإلعالم الديني العربي‪:‬‬
‫بذور تسامح أم سموم‬
‫كراهية؟!‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫تقديم‬ ‫‪10‬‬

‫إعداد‪ :‬عيسى جابلي‬


‫تونس‬
‫ي‬ ‫باحث وإعالمي‬

‫اإلعالم الديني‬
‫العربي‪َ :‬ح َمل وديع‬
‫في يده بندقية!‬
‫أمام تزايد عدد القنوات الفضائية الدينية وتنامي عدد‬
‫المتابعين لها‪ ،‬صار باإلمكان الحديث عن إعالم ديني (إسالمي‬
‫ومسيحي) له حضوره في الواقع العربي وله تأثيراته أيضًا‪.‬‬
‫ويفترض أن يكون هذا اإلعالم وسيلة مساعدة للمؤمن مهما‬
‫كانت عقيدته كي يحافظ على انتمائه‪ ،‬ويعزز انفتاحه على‬
‫اآلخر المغاير‪ ،‬ويمد له يد المساعدة بوصفه إنسانًا‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن االنتماءات الدينية والطائفية الضيقة‪ ،‬وذاك ما‬
‫تعلنه أغلب القنوات الدينية؛ غير أن إصغاء ناقدًا لهذا الخطاب‬
‫سرعان ما يكشف نواياه الخفية‪ ،‬فتتضح معالم كواليسه‪،‬‬
‫فإذا القنوات الدينية في أغلبها‪ ،‬إن لم نقل كلها‪ ،‬واجهات‬
‫لكواليس مظلمة تتحكم فيها رؤوس أموال متوحشة‪،‬‬
‫وجمعيات ومنظمات لها أهداف دينية في الظاهر‪ ،‬ولكنها‬
‫في الحقيقة سياسية ثقافية اقتصادية‪ ،‬بل أهداف سلطوية‬
‫تحاول افتكاك المجال العام والسيطرة عليه‪ ،‬عبر واجهات‬
‫إعالمية‪ ،‬تعتمد خطابات محكمة التوجيه والدراسة لبلوغ‬
‫أهدافها ومراميها‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪11‬‬ ‫تقديم‬

‫العــر� مشــغال ً حقيقيــاً مــن شــواغل عالمنــا‬


‫الشــكاليات‬ ‫أ‬ ‫بي‬
‫ث‬ ‫ي‬
‫العــام الديــن‬
‫المعــارص‪ ،‬يتطلــب أكــر مــن وقفــة‪ ،‬لنــه يطــرح مــن إ‬
‫حــراً بحثيــاً محــدوداً‪ .‬ذلــك أن االنفجــار‬
‫ف‬
‫ار إ‬
‫أ‬
‫والســئلة مــا يتجــاوز ي ز‬
‫العالمــي الديـن ي قــد حقــق طفــرة ي� إنتــاج ب‬
‫ال�امــج المتنوعــة وصنــع‬ ‫إ‬
‫َص‬
‫ن‬
‫مــواد إعالميــة تســتمد مــن الديـ ي المقــدس موضوعـاً لهــا‪ ،‬وهــو إىل ذلــك هدفهــا المعلــن‬
‫وغايتهــا الرصيحــة‪ ،‬فــكل القنــوات الفضائيــة الدينيــة تعمــل عــى التواصــل مــع آ‬
‫الخــر‬
‫والتأثـ يـر فيــه بــكل الوســائل المتاحــة‪ ،‬إمــا لتثبيتــه عــى الدين‪/‬المذهــب الــذي تتبنــاه‪ ،‬أو‬
‫ثــم تكــون الخطــورة‪ ،‬ألن دائــرة‬
‫مفاهيمــه عنــه‪ ،‬أو الســتقطابه‪ .‬فومــن ّ‬ ‫لتصحيــح بعــض‬
‫أ‬
‫المقــدس حقــل مــزروع باللغــام يهــدد باالنفجــار ي� كل لحظــة‪ ،‬والخطــاب الــذي يتخــذ‬
‫الطــاق‪ ،‬لمــا لــه مــن ســطوة عــى النفــوس‬‫مــن المقــدس ســاحاً أخطــر خطــاب عــى إ‬
‫وســيطرة عــى العقــول وقــدرة عــى التخديــر والتوجيــه‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫تقديم‬ ‫‪12‬‬

‫أ ف‬
‫العــام ســلطة‬ ‫إن الصــورة اليــوم‪ ،‬هــي المؤثــر الول ي� حياتنــا المعــارصة‪ ،‬حـ تـى غــدا إ‬
‫أوىل‪ :‬يصنــع الق ـرارات ويشــكل الجماعــات ويصنــع ال ـرأي العــام ويوجهــه‪ ،‬وهــي ســلطة‬
‫العــام الديـن ي جيــداً‪ ،‬فعملــوا عــى اســتغاللها وتوظيفهــا‪ .‬وإذا كان‬ ‫يعيهــا القائمــون عــى إ‬
‫المعلــن دائمـاً هــو شــعارات «التعريــف بالديــن» و»إدخــال الجنــة» و»تحقيــق الخــاص»‪،‬‬
‫ال�امــج الدينيــة يــرددون‬
‫فــإن الحقيقــة أبعــد مــن ذلــك بكثـ يـر‪ .‬ورغــم أن مقدمــي أغلــب ب‬
‫الخــر وعــدم معاداتــه‪،‬‬ ‫دومــا مقولــة التســامح واالنفتــاح عــى آ‬
‫غــر ذلــك‪ ،‬إن هــي إال ّ مجــرد شــعارات تُتوســل‬
‫فــإن الحقيقــة ي‬
‫للغــراء والتخديــر قصــد الســيطرة عــى المتلقــي‪ .‬تكفــي نظــرة‬ ‫إ‬
‫بســيطة عــى مــا تبثــه هــذه القنــوات مــن برامــج‪ ،‬حـ تـى تكتشــف رغم أن مقدمي أغلب البرامج‬
‫أن هــذه العبــارات هــي مجــرد شــعارات‪ ،‬وأن مــا خفــي أعظــم الدينية يرددون دوما مقولة‬
‫بكثـ يـر ممــا تأعلــن‪ .‬فلــكل قنــاةن فضائيــة خلفياتهــا‪ ،‬وله فــا أهدافه قــا التسامح واالنفتاح على اآلخر‬
‫والعــر�‬
‫ي‬ ‫والثقــا�‬
‫ي‬ ‫الســياس‬
‫ي‬ ‫الــى تتجــاوز الديــ ي إىل‬
‫وغاياتهــا ي‬
‫وعدم معاداته‪ ،‬فإن الحقيقة‬ ‫واالقتصــادي‪...‬‬
‫غير ذلك‬
‫فليــس خافيـاً أن قنــوات دينيــة كثـ يـرة هــي واجهــات ألحـزاب‬
‫سياســية غايتهــا الســلطة والنفــوذ‪ ،‬وقــد رأينــا ذلــك جليـاً مــع قنــاة‬
‫ـ� الرئيــس المــري‬ ‫ت‬
‫ـى كشــفت بعــد تخـ ي‬ ‫الفضائيــة الـ ي‬ ‫«النــاس»‬
‫ـياس ومهاجمــة‬ ‫ن‬
‫الســابق حسـ ي مبــارك عــن الحكــم عــن إخوانيتهفــا‪ ،‬ووقوفهــا مــع حــزب سـ ي‬
‫ـرس إىل ســدة‬
‫أح ـزاب أخــرى ال تشـ فـاطرها االنتمــاء‪ ،‬فاحتفلــت ي� العلــن بصعــود محمــد مـ ي‬
‫الخــوان‬
‫الحكــم‪ ،‬وتخندقــت ي� مــا بعــد‪ ،‬وراء مــا عــرف بـ»ميــدان رابعــة» لنــرة تيــار إ‬
‫المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬‬

‫ثــم إن مــا تحظــى بــه هــذه القنــوات الدينيــة مــن متابعــة ونســب مشــاهدة عاليــة‪،‬‬
‫والشــهار‪ ،‬وصــارت تخصــص نصيبـاً وافـراً مــن توقيــت البث‬‫جعلهــا أيضـاً واجهــة للتســويق إ‬
‫للشــهار‪ ،‬لمــا يجنيــه مــن عائــدات طائلــة‪ ،‬وذلــك يعكــس تفكــراً ضمنيـاً مــن المستشــهر �ف‬
‫إ‬
‫ِ ي‬ ‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪13‬‬ ‫تقديم‬

‫القبــال‬‫ف�يــد مــن إ‬ ‫اســتغالل الصبغــة الدينيــة للقنــاة‪ ،‬ك يكــون منتوجــه محــل «ثقــة»‪ ،‬ي ز‬
‫والخــاق والصــدق‪.‬‬ ‫عليــه‪ ،‬بمــا أن بــاث الشــهار محــاط يبهالــة الديـن والمقــدس أ‬
‫ي‬ ‫إ‬

‫ـ� نـ شـر‬‫العــام الديـن هــو مــدى توفيقــه بـ ي ن‬ ‫أ‬


‫ي‬ ‫غـ يـر أن المــأزق الكـ بـر الــذي يقــع فيــه إ‬
‫ـى مــن‬ ‫ت‬ ‫الخريــن‪ .‬فــإذا كانــت أ‬ ‫دينــه والتعريــف بــه دون المســاس بمعتقــدات آ‬
‫ـان‪ ،‬الـ آي‬ ‫الديـ‬
‫المفـ تـرض أن تكــون الخلفيــة المعرفيــة لهــذه القنــوات الدينيــة‪ ،‬تدعــو إىل احـ تـرام الخــر‪،‬‬
‫العــام‬ ‫النســان والكــون‪ ،‬فــإن إ‬ ‫وتؤكــد عــى مبــدأ التعايــش بوصفــه أساس ـاً الســتمرارية إ‬
‫الخريــن ي� معتقداتهــم وأشــخاصهم‬ ‫ف‬ ‫الديــن غالبــاً مــا يتحــول إىل بــوق يعتــدي عــى آ‬
‫ي‬
‫وأفكارهــم وتاريخهــم وثقافاتهــم‪ .‬وذلــك مــا يتــم تحــت يافطــة «الــرد عــى الشــبهات»‬
‫الخــر مطيــة تســمو بهــا‬ ‫أو «الــرد عــى المتآمريــن عــى الديــن»‪ ،‬ويصــر االعتــداء عــى آ‬
‫ي‬
‫الــذات وتعلــو‪.‬‬

‫ـر�‪ :‬إنهــا صــورة تــكاد تكــون حرفيــة لمــا‬ ‫ف‬


‫ولنتأمــل خارطـ أـة الرصاعــات ي� عالمنــا العـ ب ي‬
‫يحصــل مــن رصاع للفــكار والمعتقــدات عــى القنــوات الدينيــة‪ ،‬والعكــس صحيــح‪ .‬يكفــي‬
‫ـ� الســنة والشــيعة ف ي� الع ـراق ولبنــان وســوريا؛ أو أن‬ ‫فقــط‪ ،‬أن نــرى االقتتــال الطائفــي بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫القبــاط � مــر؛ أو قتــل المسـ ي ن‬
‫ـيحي� ي� أماكــن أخــرى مــن‬ ‫ف‬ ‫نــرى تفجــر الكنائــس وقتــل أ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫العــام عــى الفضــاء العــام‪،‬‬ ‫العالــم‪ ،‬يكفــي ذلــك يك نتأكــد مــن ســطوة هــذا النــوع مــن إ‬
‫ويمــ� عليهــا‬ ‫الراء ويوجههــا‬ ‫حــى صــار مرجعــا يتحكــم ف� آ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫قراراتهــا وأفعالهــا‪ ،‬ويحــول خطابــه إىل اقتتــال دمــوي ينفجــر‬
‫ف ي� كل مــرة ف ي� مــكان مــا‪ .‬وبغــض النظــر عــن أســبقية التأثـ يـر؛ أي‬
‫عمــا إذا كان الواقــع العــر� أنتــج خطابـاً دينيـاً طائفيـاً قائماً عىل إن المأزق األكبر الذي يقع فيه‬
‫بي‬
‫ـر‪ ،‬فانعكــس هــذا الخطــاب عــى الواقــع قتـا ً وتذبيحـاً‪ ،‬اإلعالم الديني هو مدى توفيقه‬ ‫التميـ ي ز‬
‫أو العكــس‪ ،‬فــإن مــا ال يمكــن التشــكيك ضفيــه‪ ،‬أن عالقــة جدليــة بين نشر دينه والتعريف به دون‬
‫تحكــم ذلــك برصامــة‪ :‬خطــاب تحريــ يعتمــد الشــحن‬
‫ـك� تجــز يالــرؤوس ف� الواقــع‪ ،‬المساس بمعتقدات اآلخرين‬ ‫والكراهيــة يتحــول إىل بندقيــة وسـ ي ن‬
‫ي‬
‫والعكــس صحيــح‪.‬‬

‫العــام الدي ـن ي العـ‬ ‫ف‬


‫ـر�‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫لقــد انقلــب الخطــاب الدي ـن ي ي� إ‬
‫إىل محــرض عــى الفتنــة واالقتتــال‪ ،‬وأصبــح صانعـاً لبــؤر التوتــر والرصاعــات ف ي� كل مــكان‪،‬‬
‫الســمى مــن الديــن هــو‬ ‫وهــذا انقــاب عــى أهــداف الديــن ف� المطلــق‪ .‬وإذا كان الهــدف أ‬
‫ي‬
‫الخــر وصناعــة عالــم أكـ ثـر أمنـاً‪ ،‬فقــد صــار أول مدمــر ألوارص‬‫مــد جســور التواصــل مــع آ‬
‫النســانية مــن خــال خطــاب يعمــل بــكل قــواه عــى شــحن النفــوس بالكراهيــة‪،‬‬ ‫الحيــاة إ‬
‫آ‬
‫ورسعــان مــا يتحــول ذلــك إىل حقــد يصطــاد الخــر‪ ،‬ويطلــب تصفيتــه‪.‬‬

‫فالعــام الديــن ي يصــدر عــن بداهــة يعمــل عــى ترســيخها ف ي� النفــوس‪ ،‬ويوظــف‬ ‫إ‬
‫أو� مــن قــوة‪ ،‬هــي أنــه مالــك الحقيقــة الحــري بــا منــازع‪،‬‬ ‫ت‬
‫إلقنــاع المتلقــي بهــا كل مــا ي‬
‫ش‬ ‫ن‬
‫وأن كل مــا ســواه عــى ظــال بـ ي ّـ�‪ .‬وهــذا مــا يدفعنــا مبــا�ة إىل اســتنتاج زيــف شــعاراته‬
‫وتنافيهــا مــع الديــن ذاتــه‪ ،‬بــل تناقضهــا مــع أســس الوجــود المشـ تـرك الــذي يقتـض ي التنوع‬
‫والتعــدد ف ي� فضــاء للتعايــش ال فضــاء للتناحــر والتطاحــن‪.‬‬

‫العــام «نجومــا» لهــم «معجبوهــم ومعجباتهــم»‬ ‫وقــد وظــف هــذا النــوع مــن إ‬
‫«� هللا»‪ ،‬ويتبنــون خطاباتهــم‪ ،‬ويتأثــرون بهــا ويدافعــون عنهــا ويعيشــون‬ ‫ممــن يحبونهــم ف‬
‫ي‬
‫أكــر مــن ذلــك‪ :‬يســعون لتقليدهــم ف ي� اللبــاس والحركــة وطريقــة‬‫بمــا يســطرون‪ ،‬بــل ث‬
‫ال�امــج‬ ‫أ‬
‫غــر أن الخطــر مــن كل هــذا‪ ،‬أن هــؤالء «النجــوم» مــن مقدمــي ب‬ ‫الــكالم‪ ..‬ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫تقديم‬ ‫‪14‬‬

‫ـ� المشــاهد‬ ‫العالميــة العربيــة‪ ،‬رسعــان مــا يتحولــون إىل وســيط بـ ي ن‬


‫الدينيــة عــى القنــوات إ‬
‫وربــه‪ ،‬فبعقولهــم يفهــم القـرآن والكتــاب المقــدس‪ ،‬وبعلومهــم يـ شـرح الحديــث‪ ،‬ويتبـ ي ّـ�ن‬
‫صحيحــه مــن موضوعــه‪ ،‬وعــى طريقتهــم ف ي� الصــاة تكــون الصــاة‪ ،‬ولنقــس عــى ذلــك‬
‫نــواح شـ تـى مــن الحيــاة‪.‬‬
‫أ‬
‫للنســان‪،‬‬‫العــام الديـن ي يعمــل عــى رصف النظــار عــن المشــاكل الحقيقــة إ‬ ‫ثــم إن إ‬
‫المص�يــة إىل مســائل ثانويــة‪ ،‬هــي أبعــد مــا تكــون عــن الواقــع‪ ،‬فــإذا كان‬ ‫الســئلة‬‫ويحــول أ‬
‫ي‬
‫المــم المتقدمــة‪ ،‬فــإن‬ ‫هــم العــر� اليــوم هــو تحقيــق نهضــة شــاملة واللحــاق بركــب أ‬
‫بي‬
‫العــام الدي ـن ي يصبــح‪« :‬هــل زنــت عائشــة؟»‪« ،‬هــل الحجــاب فريضــة؟»‪،‬‬ ‫الســؤال مــع إ‬
‫«هــل محمــد رســول؟»‪« ،‬هــل الكتــاب المقــدس محــرف؟» «‪ ..‬إلــخ‪ .‬ولنقــس عــى هــذا‬
‫النســان عــن واقعــه‪ .‬والمتتبــع ألغلــب‬ ‫ـر�‪ ،‬ويبعــد إ‬ ‫ن‬
‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬ ‫لغــواً كثـ يـراً يبثــه إ‬
‫مــا تبثــه هــذه القنــوات‪ ،‬يالحــظ ببســاطة أنهــا ترحــل بــه عــن واقعــه حالمــا يستســلم لهــا‪:‬‬
‫إمــا أن ترتمــي بــه ف ي� مــاض ســحيق ال عالقــة لــه بواقعــه‪ ،‬فيجــد نفســه ف ي� خضــم رصاعــات‬
‫انقضــت وتقادمــت‪ ،‬ولــم تعــد لهــا م�ش وعيــة‪ ،‬ولــم يعــد مفيــدا مــن كان الظالــم فيهــا؛‬
‫القــر إىل‬ ‫الخــرة تقلبــه ي ن‬ ‫وإمــا أن ترحــل بــه إىل عالــم آ‬
‫بــ� الجنــة والنــار‪ ،‬بــدءا بعــذاب ب‬
‫ـ� يعيــش المشــاهد مخــدرا‪ ،‬فيغـ تـرب عــن‬ ‫ـ� الحالـ ي ن‬‫يــوم الحـ شـر إىل أهــوال القيامــة‪ ..‬وبـ ي ن‬
‫واقعــه‪ ،‬ويؤجــل أســئلة وجــوده الحارقــة إىل مــا ال نهايــة‪.‬‬

‫ـر� بواقعــه؛ إذ يبــدو ف ي� أغلــب‬ ‫ن‬


‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫وهــذا مــا يطــرح إشــكالية عالقــة إ‬
‫الحيــان أبعــد مــا يكــون عــن واقــع المســلم أو المســيحي‪،‬‬ ‫أ‬
‫الســن ي أو الشــيعي‪ .‬فــإذا كان المشــغل الرئيــس ف ي� ظــل مــا‬
‫نعيشــه مــن رصاعــات هــو‪ :‬كيــف نعيــش معــا؟‪ ،‬فــإن هــذا يعمل اإلعالم الديني على صرف‬
‫العــام‪ ،‬عــى العكــس مــن ذلــك تمامـاً‪ ،‬يحــرض عــى الكراهيــة‬ ‫إ‬
‫والبغضــاء والتناحــر‪ ،‬يشــحن الس ـن ضــد الشــيعي‪ ،‬ويحــرض األنظار عن المشاكل الحقيقة‬
‫ي‬
‫المســلم عــى المســيحي‪ ،‬والعكــس صحيــح أيضـاً‪ ،‬حـ تـى تحــول لإلنسان‪ ،‬ويحول األسئلة‬
‫آ‬
‫واقعن تــا إىل غابــة‪ :‬إمــا أننــا هــدف لخــر قــد ينقــض ت علينــا‪ ،‬أو المصيرية إلى مسائل ثانوية‪،‬‬
‫أننــا ن�صــد آخــر يكــون هدفـاً لمخالبنــا‪ .‬والصــورة الــى تنطبــق‬
‫عــى هــذا إالعــام دائمــا هــي خطــاب الحمــل الوديـ يـع الداعــي هي أبعد ما تكون عن الواقع‬
‫إىل التســامح والمحبــة والتعــاون بلســان فصيــح‪ ،‬رسعــان مــا‬
‫يمتشــق بندقيــة تطلــب تصفيــة الــرؤوس و�ض ب العنــاق‪ .‬وأيــن‬
‫الديــان ومقاصدهــا؟‬‫هــذا مــن غايــات أ‬

‫ـر�‪ ،‬ومــا يطرحــه مــن‬ ‫ن‬


‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫الشــكاليات انبثــق ملفنــا حــول إ‬
‫أ‬
‫مــن هــذه إ‬
‫مفارقــات ومشــاكل‪ .‬وعــى هــذا الســاس‪ ،‬ســلطنا الضــوء عليــه وجعلنــاه موضــوع ســؤال‬
‫العــام الدي ـن ي ؟ كيــف نشــأ؟ هــل يمكــن عزلــه عــن‬ ‫أ‬
‫ومســاءلة؛ فكانــت الســئلة تباعــا‪ :‬مــا إ‬
‫ثــورة االتصــال الحديثــة؟ مــا حقيقتــه؟ مــن يقــف وراءه ويوجهــه ويمولــه؟ ثــم؛ مــا أهدافــه‬
‫ومقاصــده؟ هــل إن غاياتــه دينيــة تقــف عنــد التبشـ يـر والدعــوة‪ ،‬أم تتجــاوز ذلــك إىل مــا هو‬
‫أبعــد وأعمــق؟ مــا عالقتــه بالفضــاء العــام؟ هــل هــو عنــر منــه ثي�يــه‪ ،‬أم هــو مســكون‬
‫ـر� صانــع ســام‬ ‫ن‬
‫العــام الديـ ي العـ ب ي‬ ‫بهاجــس افتكاكــه والســيطرة عليــه واحتاللــه؟ هــل إن إ‬
‫وتعايــش أم هــو صانــع فتنــة واقتتــال ديـن ي وتناحــر طائفــي؟ ومــا مــدى التصاقــه بواقــع‬
‫النســان المعــارص وهمومــه؟ هــل يســعى لتقديــم أجوبــة ألســئلتنا الحارقــة الراهنــة‪ ،‬أم‬ ‫إ‬
‫ت‬
‫هــو شــكل مــن أشــكال التخديــر واالغــراب عــن الحيــاة؟ ثــم؛ أي جــدوى لهــذا النــوع مــن‬
‫العــام؟ كيــف يمكــن تحويلــه مــن أداة لبــث الفتنــة إىل يــد ممــدودة للتســامح؟‬ ‫إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪15‬‬ ‫تقديم‬

‫الشــكاليات بالنقــد والتحليــل‪ ،‬تضمــن الملــف أربــع ورقــات بحثيــة‬ ‫ف‬


‫للخــوض ي� هــذه إ‬
‫الوىل ينظــر الباحــث‬ ‫تركــز كل منهــا عــى جانــب مــن جوانــب الموضــوع‪ :‬ف� الورقــة أ‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫ـر� وأهدافــه متكئــا عــى ثالثــة‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ن‬
‫بي‬ ‫العــام الديـ ي‬ ‫ـ� محمــد الســويلمي ي� خلفيــات إ‬ ‫التونـ ي‬
‫ن‬
‫نمــاذج‪ ،‬مقســما أهــم الخلفيــات إىل سياســية اجتماعيــة وأخــرى ثقافيــة تاريخيــة‪ ،‬ليبـ يـ� أن‬
‫العــام خلفيــات عميقــة‪ ،‬قــد ال تظهــر إال‬ ‫وراء هــذا النــوع مــن إ‬
‫أ‬
‫للناقــد المتفحــص؛ ويكشــف الســتاذ الســويلمي عــن أهــداف‬
‫ـر�‪ ،‬فيوضــح أن أهمهــا الزعامــة الماديــة‬ ‫ن‬
‫المشــتغل� ف«� إن الصورة التي تنطبق على هذا‬ ‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬ ‫إ‬
‫ين‬ ‫أن‬
‫والروحيــة واصطنــاع الحقيقــة‪ ،‬لينتهــي إىل ّ‬
‫ي‬
‫ـ� هــم جزء اإلعالم دائما هي خطاب الحمل‬ ‫ـ� ودعــاة وممولـ ي ن‬
‫هــذه القنــوات مــن مسـ ي ّـرين وتقنيـ ي ن‬
‫اتيجيات الوديع الداعي إلى التسامح‬ ‫ت‬
‫تحركهــا اســر ّ‬ ‫مــن شــبكة أ سياســية واجتماعيــة وماليــة ّ‬
‫متعالقــة لنظمــة سياســية ودوائــر نفــوذ تطمــح إىل افتــكاك‬
‫والمحبة والتعاون‬
‫فعــال»‪.‬‬
‫موقــع ّ‬

‫وير ّكــز الباحــث المــري محمــد ســيد ريــان ف ي� ورقتــه عــى‬


‫ـ� أن‬‫ـر�‪ ،‬فيبـ ي ن‬ ‫ن‬
‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫تحليــل عينــة مــن شــعارات إ‬
‫ن‬
‫ـت� تختفــي نوايــا ومقاصــد عميقــة تتجــاوز مــا هــو دي ـ ي إىل مــا هــو‬ ‫ـ� المعلــن والمسـ ت‬
‫بـ ي ن‬
‫ـياس‪ ،‬خصوصــا إذا مــرت موادهــا إىل مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وانتـ شـرت‬ ‫طائفــي وسـ ي‬
‫ضمــن شــبكة أخــرى أوســع مــن أن نحيــط بهــا‪.‬‬

‫ف ي� ورقتــه المعنونــة بـــ «القنــوات الدينيــة ومعابــر االنتحــار الفضائيــة»‪ ،‬يعتـ بـر الباحث‬
‫العــام الديـن ي يســتغل الواقــع الــذي يعيشــه المتلقــي مــن‬ ‫الجزائــري محمــد بغــداد‪ ،‬أن إ‬
‫خــوف واضطــراب اقتصــادي وقلــق اجتماعــي‪ ،‬فيســوق لخطــاب تخويفــي يرتكــز عــى‬
‫الخــرة وعــذاب جهنــم‪ ،‬يك يقــع هــذا المتلقــي فريســة االستســام لمــا يمليــه‬ ‫مشــاهد آ‬
‫العــام الدي ـن ي وراء الطائفيــة‬
‫ـ� أن تخنــدق بعــض قنــوات إ‬ ‫العــام الدي ـن ‪ ،‬ويبـ ي ن‬
‫ي‬ ‫عليــه إ‬
‫العــام‬ ‫ف‬
‫يجعلهــا ي� صــدام دائــم مــع مذاهــب وطوائــف وجماعــات مغايــرة‪ .‬ويــرى أن إ‬
‫الديـن ي الرســمي غــارق ف ي� «تخبــط» عجــزه وجمــوده بــا نهايــة‪ ،‬والحــال أن عليــه أن يكــون‬
‫العــام الديـن ي الخــاص‪ ،‬ويدعــو الباحــث النخــب إىل أن تواجــه هــذا النــوع‬ ‫معــدال لكفــة إ‬
‫العالميــة الفضائيــة»‪.‬‬ ‫ف‬
‫العــام ي� «الســاحة إ‬ ‫مــن إ‬

‫ـياس‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫ـر� المتخصــص ي� علــم النفس السـ ي‬ ‫و� الورقــة الرابعــة‪ ،‬يتحــدث الباحــث المغـ ب ي‬ ‫ي‬
‫وأســتاذ الصحــة النفســية والعــاج الســيكولوجي‪ ،‬ســعيد بحـ يـر‪ ،‬عــن «الـ شـروط النفســية‬
‫العــام الديـن ي ف ي�‬
‫الســامي»‪ ،‬وعــن ماهيــة إ‬ ‫ـر� إ‬
‫العـ ب ي‬ ‫للعــام الديـن ي ف ي� العالــم‬ ‫وال�بويــة إ‬‫ت‬
‫أ‬
‫الســامي‪ ،‬ووظائفــه الساســية‪ ،‬وعــن الوســائل العمليــة لتطويــر أدواتــه‬ ‫ـر� إ‬
‫العالــم العـ ب ي‬
‫ش‬
‫وتجديــد برامجــه لتكــون مفيــدة لجميــع �ائــح المجتمــع‪.‬‬

‫ـر� يحـ يـى اليحياوي‪،‬‬


‫العالمــيأ المغـ ب ي‬ ‫ويتضمــن الملــف أيضـاً‪ ،‬حــواراً معمقـاً مــع ي‬
‫الخب� إ‬
‫ـى يطرحهــا هــذا‬‫ت‬ ‫ن‬
‫ـر�‪ ،‬وناقــش الســئلة الـ ي‬
‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫والــذي حلــل فيــه ظاهــرة إ‬
‫العــام‪.‬‬‫النــوع المخصــوص مــن إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫إ‬
‫‪16‬‬
‫بي‬ ‫ي‬

‫بقلم ‪ :‬محمد السويلمي‬

‫تونس متخصص ف ي�‬


‫ي‬ ‫باحث‬
‫سالمي�ن‬
‫ي‬ ‫ال‬
‫الحضارة والفكر إ‬

‫اإلعالم الديني‬
‫العربي‪ :‬الخلفيات‬
‫واألهداف‬
‫إن العولمة خدمت «الموجة الدينية»‪ ،‬وأتاحت للمؤسسة‬
‫السوق ّ‬
‫الثقاف ّية ال ّناشئة‪ ،‬وتتواصل مع‬ ‫الدينية أن تتكيف مع ّ‬
‫وتدعم‬
‫ّ‬ ‫والسياقات‪ ،‬وبهذا تعاظم حضورها‬ ‫ّ‬ ‫ش ّتى الجماعات‬
‫المؤسسي‬
‫ّ‬ ‫سلطانها‪ ،‬وأعادت تسييق وجودها في ال ّنظام‬
‫العملي وال ّرمزي في تمتين االنتظام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مكثفة دورها‬ ‫بك ّليته‬
‫االجتماعي‪ ،‬وصوغ المصائر الجمعية‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪17‬‬ ‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫إ‬
‫بي‬ ‫ي‬

‫كغ�هــا مــن المجتمعــات‪ ،‬لــم تكــن بمنــأى عــن هــذه‬

‫ـر� وذاكــرة‬
‫ي‬
‫العــام الديـن‬
‫ي‬
‫ـياس ومعـ ي‬
‫أن هــذا إ‬
‫المجتمعــات العربيــة ي‬
‫التحــوالت الثقافيــة والتقنيــة‪ ،‬حيــث نشــأ بهــا إعــام ديــن مســتحدث �ف‬
‫ف َ ي‬
‫أدواتــه وأســاليبه‪ ،‬ولك ّنــه عــى صلــة مكينــة بمــوروث سـ ي‬
‫مصط َنعــة‪ ،‬تحــددت معالمهــا منــذ أمــد ســحيق‪ .‬غـ يـر ّ‬
‫عالميــة‪ ،‬وازدادت تقاطعاتــه مــع رهانــات‬
‫ال ّ‬
‫ف‬
‫ّ ّ‬

‫ف‬
‫ـر� تضخــم ي� كـ ّـم قنواتــه‪ ،‬ونــوع ي� ما ّدتــه إ‬ ‫العـ ب ي‬
‫َو‬
‫الســياس واالجتماعــي وانتظاراتــه بشــكل متســارع‪ ،‬بســبب تحــوالت المنطقــة‬ ‫ي‬ ‫المعيــش‬
‫ف‬
‫جمــة عــن‬ ‫قليميــة والدوليــة‪ ،‬وهــو مــا أثــار إشــكاالت ّ‬ ‫ال ف ّ‬ ‫العربيــة داخليــاً‪ ،‬ي‬
‫و� عالئقهــا إ‬
‫المضمــرة‪.‬‬ ‫خلفياتــه الموجهــة ومراميــه المعلنــة أو‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ـر� ي� ّ‬ ‫العــام الديـ ي العـ ب ي‬ ‫حقيقــة هــذا إ‬

‫يتخطــى الخطــاب الدي ـن ي أن يكــون مجــرد قنــاة إبالغيــة لتواصــل المؤسســة الدينيــة‬
‫ن‬
‫المعــى والســلطة معــاً‪ ،‬بفضــل مــا يمارســه‬ ‫ين‬
‫المؤمنــ�‪ .‬إنــه فضــاء إلنتــاج‬ ‫مــع جمــوع‬
‫مــن ترســيب‪ 1‬اعتقــادي وطقــ� يف ـض إىل نمذجــة ينصهــر فيهــا المتعــدد والمختلــف �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عالمــات مرجعيــة مؤسســية‪ .‬كل هــذا يمنــح الخطــاب الديـن ي والمواقــع المنتجــة لــه قــوة‬
‫توجيــه وإرغــام مرفــودة بســلطة رمزيــة تعـ بـر التواريــخ والفضــاءات والجماعــات‪ ،‬وتنغــرز‬
‫‪1 - Berger, Peter & Luckmann, Thomas, The Social construction of reality, a treatise in the sociology of knowledge,‬‬
‫‪Penguin Books, England, 1966, p. 85‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫إ‬
‫‪18‬‬
‫بي‬ ‫ي‬

‫ف ي� صميــم النســيج المجتمعــي‪ ،‬وهــو مــا «يعــزز عالقــات الســلطة القائمــة وي�ش عنهــا»‪.2‬‬
‫وحــى تتكيــف المؤسســة الدينيــة مــع الديناميــات التقنيــة واالجتماعيــة واالقتصاديــة‬ ‫تّ‬
‫ف‬
‫المتســارعة‪ ،‬عليهــا أن تجــدد اسـ تـراتيجيات خطابهــا وأدواتــه‪ ،‬يك تنتـ شـر ي� تفاصيــل ّ‬
‫الشــبكة‬
‫ـا� وتقمصــه بــكل انســيابية وطوعيــة بـ ي ن‬
‫ـ� أفـراده‬ ‫ف‬
‫ـاركية النســق الثقـ ي‬
‫المجتمعيــة‪ ،‬وتضمــن تشـ ّ‬
‫ـ� فيــه‪ .‬وال يتـ ت‬
‫ّ‬
‫ـأ� هــذا االندمــاج والتكيــف إال بإعــادة‬ ‫المنخرطـ ي ن‬
‫إنتــاج الخطــاب – وبالـرض ورة إعــادة إنتــاج الســلطة – ف ي� شــبكة‬
‫ـا� إال ّ إحــدى طرائقهــا‬‫ئ‬
‫العــام الفضـ ي‬ ‫تواصليــة ناجعــة ليــس إ‬
‫بخــاف الخطاب الديني فضاء إلنتاج‬ ‫ٍ‬ ‫بوصفــه مرتكــزاً أساســاً ف ي� الفضــاء المعو َلــم‪ .‬وليــس‬
‫ّأن «العولمــة خدمــت الموجــة الدينيــة»‪ ،3‬وأتاحــت للمؤسســة المعنى والسلطة معًا‪ ،‬بفضل‬
‫قافيــة ال ّناشــئة‪ ،‬وتتواصــل ما يمارسه من ترسيب اعتقادي‬ ‫الســوق ال ّث ّ‬
‫الدينيــة أن تتكيــف مــع ّ‬
‫ت‬
‫والســياقات‪ .‬وبهــذا تعاظــم حضورهــا‬ ‫مــع شـ ّـى الجماعــات ّ‬
‫ف‬
‫وتد ّعــم ســلطانها وأعــادت تســييق وجودهــا ي� ال ّنظــام وطقسي‬
‫المؤســ� بك ّليتــه مك ّثفــة دورهــا العمــ� والرمــزي ف� تمتـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫يّ ّ‬ ‫ّ ي‬
‫االنتظــام االجتماعــي‪ ،‬وصــوغ المصائــر الجمعيــة‪.‬‬

‫ولــم تكــن المجتمعــات العربيــة بمنــأى عــن هــذه ال ّتحـ ّـوالت الثقافيــة والتقنيــة‪ ،‬ونشــأ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ومعر�‬
‫ي‬ ‫ـياس‬
‫ـتحدث ي� أدواتــه وأســاليبه‪ ،‬ولك ّنه عــى صلة مكينــة بموروث سـ ن ي‬ ‫إعــام ديـن ي مسـ َ‬
‫ـر�‬ ‫معالمهــا منــذ أمــد ســحيق‪ .‬غـ يـر ّأن هــذا إالعــام الديـ ي العـ ب ي‬ ‫وذاكــرة مصط َنعــة تحــددت‬
‫عالميــة‪ ،‬وازدادت تقاطعاتــه مــع رهانــات المعيــش‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫تضخــم ي� كـ ّـم قنواتــه‪ ،‬ونــوع ي� ما ّدتــه إال ّ‬
‫ـياس واالجتماعــي وانتظاراتــه بشــكل متســارع‪ ،‬بســبب تحــوالت المنطقــة العربيــة داخلياً‪،‬‬ ‫السـ ي‬
‫جمــة عــن حقيقــة هــذا إالعــام‬ ‫ف‬
‫قليميــة والدوليــة؛ وهــو مــا أثــار إشــكاالت ّ‬
‫و� عالئقهــا إال ف ّ‬‫ي‬
‫المضمــرة‪ .‬وسنســعى لالشــتغال‬ ‫خلفياتــه الموجهــة ومراميــه المعلنــة أو‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ـر� ي� ّ‬ ‫الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫اخ�ناهــا عــن قصديــة مــن شــبكة تلفزيونيــة‬ ‫عــى هــذا إالشــكال اعتمــاداً عــى ثالثــة نمــاذج ت‬
‫هائلــة‪ :‬قنــاة «النــاس»‪ 4‬ذات التوجــه «الســلفي» الس ـن ي ؛ وقنــاة «فــدك»‪ 5‬الشــيعية؛ وقنــاة‬
‫والهــداف‪.‬‬‫ـ� ف� الخلفيــات أ‬ ‫ن‬ ‫‪6‬‬
‫ّ‬ ‫«الحيــاة» ذات التوجــه المســيحي‪ ،‬باحثـ ي ي‬
‫الخلف ّيات‪:‬‬

‫إذا كانــت المؤسســة الدينيــة تتســم بصالبــة المعتقــدات والممارســات ومتانــة البنــاء‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ـى الــذي تزدرعــه ي� الجســد الجمعـ ّـي لتباعهــا‪ ،‬فـ ّ‬
‫ـإن لهــا مــن المرونــة وال ّتمويــه مــا‬ ‫ال�اتـ ب ي‬
‫ـرر الحضــور العميــق للنخــب الدينيــة بوصفهــا‬ ‫يجعلهــا نافــذة عــى الـ ّـدوام‪ .‬وهــذا مــا يـ ب ّ‬
‫‪7‬‬ ‫ف‬
‫«كل المؤسســات ي� عالــم ذي مغــزى» عــى غ ـرار‬ ‫نخب ـاً رمزيّــة (‪ )Symbolic Elites‬تدمــج ّ‬
‫ف‬
‫العالميــة العربيــة‪ ،‬وهــم‬ ‫ـى المعرفــة الدينيــة ي� الفضــاءات إ‬ ‫واختصاصـ ي ي‬ ‫والدعــاة‬
‫الفقهــاء ّ‬
‫ـ�‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ـتقل� عــن مجمــوع النظــام المؤسـ ي‬ ‫ـى يشــغلونها ليســوا أف ـرادا مسـ ي‬ ‫بحكــم المواقــع الـ ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫للمجتمــع‪ ،‬بــل هــم تحويــات رمزيــة مك ّثفــة للفاعلـ يـ� االجتماعيـ يـ�‪ .‬ويكفــي أن نتمـ ّـى ُدعاة‬
‫قنــاة «ال ّنــاس» ف ي� سـ يـرهم وارتباطاتهــم السياســية والماليــة والعلميــة‪ ،‬حـ ت ّـى نســتوضح هــذا‬
‫اليديولوجــي‪ ،8‬ونظـ يـر ذلــك قنــاة «الحيــاة»‪ 9‬وخلفياتهــا التبشـ يـرية‪ .‬وهــذا يدفعنــا‬ ‫التــورط أ‬

‫‪2 - Fairclough, Norman, language and Power, Longman group, UK limited, U. k, 1989, p.4‬‬
‫الس ق يا�‪ ،‬يب�وت‪ ،‬ط‪ ،2012 ،1‬ص ‪247‬‬ ‫أ‬
‫المقدس‪ :‬زمن دين بال ثقافة‪ ،‬ترجمة‪ :‬صالح الشقر‪ ،‬دار ّ‬
‫‪ - 3‬روا‪ ،‬أليفييه‪ ،‬الجهل ّ‬
‫‪: http://www.Alnas.tv.com‬قناة الناس ‪4 -‬‬
‫‪: http://www.Fadak.tv.com‬قناة فدك ‪5 -‬‬
‫‪: http://www.Hayat.tv.com‬قناة الحياة ‪6 -‬‬
‫‪7 - Berger, Peter & Luckmann, Thomas, The social construction…op.cit, p.93‬‬
‫‪ - 8‬ويكيبيديا‪ ،‬قناة الناس‪ ،‬فلها ارتباطات عميقة بدوائر رجال المال والدين ف ي� السعودية‪.‬‬
‫تبش�يّة معروفة‪.‬‬
‫بمؤسسات ي‬ ‫وخاصة عالقاتها ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 9‬ويكيبيديا‪ ،‬قناة الحياة‪،‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪19‬‬ ‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫إ‬
‫بي‬ ‫ي‬

‫العالميــة‬
‫إىل اســتقراء المخبــوء الــذي يوجــه هــذه الفضائيــات الدينيــة مــن خــال المــادة إ‬
‫ـى تقدمهــا إىل متابعيهــا وتسـ ّـوقها ف ي� صــورة بضاعــة مقدســة إىل الجمــوع المؤمنــة‪.‬‬‫ت‬
‫ا ّلـ ي‬
‫السياس ّية واالجتماع ّية‪:‬‬
‫الخلف ّيات ّ‬

‫قــد تتــوزع الســلطة ف ي� حقــول ومجــاالت متباينــة‪ ،‬لكنهــا‬


‫مشــرك (‪ )Sens commun‬يوحــد‬ ‫ت‬ ‫تتكامــل ف ي� خلــق حــس‬
‫ف‬ ‫والشــياء‪ ،‬وينمــط المعـ ن أ‬ ‫الــذوات أ‬
‫ـا� والفعــال ي� حركــة تبادليــة اإلعالم الديني العربي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫للفاعلــ� ف ي� حقــل مــا‪ ،10‬وهــو عينــه شــأن إالعــام الديــ ين‬ ‫ن‬
‫العــر� ي الــذي يســتهدف الجماهــر المؤمنــة‪ ،‬تحركــه خلفيــات يستهدف الجماهير المؤمنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫بي‬
‫تحركه خلف ّيات سياسية‬ ‫ّ‬ ‫ف‬
‫سياســية مخصوصــة بتلك الســياقات المجتمعية ي� هواجســها‬
‫واحتياجاتهــا‪ .‬وهــذا يثبــت ّأن «وســائل إالعــام الجديــدة أداة مخصوصة بتلك السياقات‬
‫‪11‬‬
‫االســتحقاقات السياســية الكـ بـرى» ‪ .‬وتحمــل المجتمعية في هواجسها‬ ‫ف‬
‫فعالــة لتشــكيل‬ ‫ّ‬
‫الطاحــة بنظــام‬ ‫المواضيــع المثــارة ي� قنــاة «ال ّنــاس» بعــد إ‬
‫الســياس واحتياجاتها‬ ‫ي‬ ‫حســن ي مبــارك‪ ،‬إشــارات رصيحــة إىل التوظيــف‬
‫لهــذه الفضائيــات‪ ،‬خاصــة مــا اتصــل باالنتخابــات الرئاســية‬
‫ين‬
‫المســلم�‪ ،‬أو‬ ‫الخــوان‬ ‫المرصيــة ودعــم مرشــح جماعــة إ‬
‫ـب�و» ‪ ،‬وهــي‬ ‫‪12‬‬ ‫أ‬
‫مريكيــة لمــر أو أحــداث «ماسـ ي‬ ‫المعونــات ال ّ‬
‫ن‬
‫ـ� مســتمد‬ ‫ـ� وغـ يـر نـ ي‬ ‫وإن بــدت مــا ّدة إعالميــة سياســية‪ ،‬فقــد ُط ّعمــت بحجــاج ديـ ي نـ ي‬
‫ديني ـاً‬
‫مــن الذاكــرة التاريخيــة الدينيـ أـة بوصفهــا منعشــات روحيــة ومعرفيــة تخلــق تفاك ـراً ّ‬
‫ينشـ ّـد بمقتضــاه الراهــن إىل الصــول المتخيلــة‪ ،‬ويكــون التاريــخ الديـن ي بذلــك أداة بت�يــر‬
‫و�عنــة منخرطــة ف ي� اســتحقاقات سياســية محضــة‪.‬‬ ‫ش‬

‫ال ّول يتع ّلــق بتنظيــم‬ ‫و� قنــاة «الحيــاة» المســيحية أثــر موضوعــان سياســيان‪ :‬أ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ّ ي‬ ‫ي‬
‫الوســط‪ .‬وقــد عــرض‬ ‫بالق ّليــات المســيحية ف� منطقــة الـ شـرق أ‬ ‫ـا� موصــول أ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ّ أي‬ ‫«داعــش»‪ ،‬وال ّثـ ي‬
‫ـ�‪ :‬الول هــو التطــرف الديـن ي بوصفــه «مروقاً‬ ‫معرفيـ ي ن‬
‫ّ‬ ‫ـياق� دينيـ ي ن‬
‫ـ� ‪-‬‬ ‫الموضوعــان ضمــن سـ ي ن‬
‫الســام‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ـا� هــو الحريــة الدينيــة و»أهــل الكتــاب» ي� منظــور إ‬ ‫عــن التســامح الديـ ي »؛ وال ّثـ ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـلم�‪ .‬وقــد ال يكمــن الخطــر ي� الموضوعــات بأعيانهــا‪ ،‬وإنّمــا ي� كيفيــات االســتقراء‬ ‫والمسـ ي ن‬
‫ف‬
‫ـى تســتنفر الذاكــرة والمرجعيــات النصيــة ي� إثــارة مشــاعر إيمانيــة وتطويعهــا‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫فوال ّتحليــل الـ ي‬
‫ي� زرع مواقــف وتم ّثــات ذات مردوديّــة سياسـ ّـية عاليــة ي� توجيــه الـ ّـرأي العــام‪.‬‬
‫الخلف ّيات ّ‬
‫الثقاف ّية وال ّتاريخ ّية‪:‬‬

‫قــد ال نبالــغ‪ ،‬إن قلنــا إن الذاكـرات والتواريــخ والســر أ‬


‫والرصــدة الثقافيــة للجماعــات‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫الدي ـ ي بدعاتــه‬
‫للعــام ّ‬ ‫ـ� الرمــزي الحــي إ‬ ‫هــي اليــد ال ّطــوىل للمؤسســة الدينيــة والمعـ ي ن‬
‫اليقاعــات»‪ )Histoy Rhythms( 13‬الــذي تتحـ ّـرك وفقهــا‬ ‫ومختصيــه الذيــن يعلمــون «تاريــخ إ‬
‫ـتمد حيويّتهــا مــن‬
‫ينيــة بموضوعــات تسـ ّ‬ ‫الد ّ‬‫عالميــة ّ‬
‫ال أ ّ‬‫الجمــوع المؤمنــة‪ .‬وتحفــل المــا ّدة إ‬
‫الســالف‬ ‫ن‬
‫بــ� ّ‬ ‫ســطوري ‪ ،-‬بمــا يخلــق ال ّتواصــل ي‬
‫ّ‬ ‫الحقيقــي أو ال‬
‫ّ‬ ‫انغراســها ف ي� ال ّتاريــخ –‬
‫الزهرة ابراهيم‪ ،‬ال�ش كة الجزائرية السورية للن�ش والتوزيع(دمشق)‬
‫وشوف�ي‪ ،‬كريستيان‪ ،‬معجم بورديو‪ ،‬ترجمة‪ّ :‬‬
‫ي‬ ‫‪ - 1 0‬شوفالييه‪ ،‬ستيفان‬
‫ودار الجزائر (الجزائر)‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪142‬‬
‫‪11 - Ghffari-Farhanzi Setoreh, les médias dans le monde musulman, communication et langages, N° 4 ,126ème‬‬
‫‪trimestre, 2000, p17‬‬
‫‪ - 12‬يمكن االطّالع عىل ذلك ي ف� موقع ‪ Youtube‬ي ف� شكل حلقات ّ‬
‫مصورة‪.‬‬
‫‪13 - Lefebvre, Henri, Rhythm analysis, space, time and everyday life, translated by: Elder, Stuart, and Moore, Gerald,‬‬
‫‪Continuum, (London – New York), 2004, p.51‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬
‫‪20‬‬
‫بي‬ ‫ي‬ ‫إ‬

‫بــ� الواقــع المعيــش والخلفيــات الثقافيــة والتاريخيــة‪،‬‬ ‫والراهــن‪ ،‬وتنفتــح الوســائط ي ن‬


‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬
‫الدي ـن ي «شــهادة‬ ‫العــام ّ‬ ‫المتخيلــة‪ ،‬ويكــون إ‬
‫ّ‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫�‬
‫ي‬
‫ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫المؤمن‬ ‫ـوع‬‫ـ‬ ‫جم‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫بذل‬ ‫ـدرج‬ ‫ـ‬ ‫وتن‬
‫ت‬ ‫أ‬
‫عــى رتــق مؤ ّقــت للصــل» ‪ ،‬وتعكــس ّ‬
‫‪14‬‬
‫الفضائيــات‬ ‫ّ‬ ‫العينــات إالعالميــة الـ يـى تقدمهــا هــذه‬
‫ن‬
‫العــام الدي ـ ي والمتلفــز وتُ َشــغّ ل عـ بـره‪ ،‬فقنــاة‬ ‫ـى تشــغل إ‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫المنابــع الثقافية‪/‬التاريخيــة الـ ي‬
‫«فــدك» تســتعيد ّكل الخطابــات المســهمة � اصطنــاع ال ـراع المذهـ بـى الســياس بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫والموضوعيــة» ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫بـ»العلميــة‬ ‫يوســم‬ ‫جديــد‬ ‫وتفعلــه وفــق منظــور‬ ‫الشــيعة والســنة‪ّ ،‬‬
‫بالخليفتــ�ن‬
‫ي‬ ‫اســتنطاق المأثــورات النصيــة والوقائــع التاريخيــة‪ ،‬خاصــة تلــك المتعلقــة‬
‫ن‬
‫المتخيــل الس ـ ّ ي ‪ .‬فقــد‬ ‫ّ‬ ‫الجــال والقداســة ف ي�‬ ‫ب يأ� بكــر وعمــر‪ ،‬اللذيــن يحــوزان هالــة مــن إ‬
‫«كيفيــة‬ ‫ّ‬ ‫للشــيخ يــارس الحبيــب عــى امتــداد حلقــات‬ ‫الســام؟» ّ‬ ‫عــرض برنامــج «كيــف ُزيِّــف إ‬
‫ن‬
‫الســام» ‪ ،‬ويســوق لذلــك حشــداً مــن القرائــن ب‬
‫‪15‬‬
‫ـ�‬‫وال�اهـ ي‬ ‫نشــوء ال ّنســخة المزيّفــة مــن إ‬
‫أيديولوجيـاً‪ ،‬تنطلــق مــن تاريــخ‬ ‫ـى اختـ يـرت بعنايــة‪ ،‬واســتنطقت وفــق آليــات متموقعــة‬ ‫الـ ت‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ـى ارتبطــت‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫�ش‬
‫أ‬ ‫مشــحون بالمماحكات‪ ‬ومنغمــس ي� حــرب ال عيــات وال عيــات المضــا ّدة الـ ي‬
‫دبيــات‬ ‫الزعامــة الدنيويــة والروحيــة بعــده‪ ،‬ومــا ر ّددتــه ال ّ‬ ‫ف‬
‫محمــد واســتحقاق‬ ‫ـى ّ‬‫بخالفــة النـ ب ي ّ‬
‫ـتقر ي� الوجــدان الجمعـ ّـي مــن اعتقــادات عدائيــة تناقلتهــا‬ ‫الشــيعية مــن مطاعــن‪ ،‬ومــا اسـ‬
‫الجيــال المتعاقبــة حـ تـى انقلبــت ّإىل مــادة معرفيــة موحــدة تجمــع البــاث والمتقبــل معـاً �ف‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أ‬
‫أن ا ّلــذي يتك ّلــم‪ ،‬وا ّلــذي يســمع‬ ‫الفعــال يفـ تـرض ّ‬
‫بداهــات اعتقاديّــة مذهبيــة‪ ،‬ل ّن «الــكالم ّ‬
‫لهمــا معــا مجموعــة مس ـ ّلمات»‪.16‬‬
‫ف‬
‫ثقافيــة‬ ‫الدي ـن ي أ ال ّتلفـ ّ‬
‫ـزي متجــذّ راً ي� تربــة ّ‬ ‫العــام ّ‬
‫إذا كان إ‬
‫ســاط� وال ّنمــاذج‪ ،‬فإنّــه مندمــج‬
‫ي‬ ‫مــن المأثــورات والحكايــا وال‬
‫ف‬
‫ك ّليـاً ي� اســتحقاقات سياســية اجتماعيــة راهنــة تكتنفــه ّ‬
‫وتوجهــه‪.‬‬
‫الديني جزء من أبنية‬‫الخطاب ّ‬
‫ّ‬
‫الكل‬ ‫معرف ّية تتعالق ضمن‬ ‫األهداف‪:‬‬

‫األيديولوجي ا ّلذي يحيل إلى‬


‫ّ‬ ‫معرفيــة‬ ‫مــن الواضــح ّأن الخطــاب ّ ن‬
‫الدي ـ ي جــزء مــن أبنيــة أ ّ‬ ‫الــكل أ‬
‫األشكال االجتماعية والعمل ّيات‬ ‫يديولوجــي ا ّلــذي «يحيــل إىل الشــكال‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫تتعالــق ضمــن ّ‬
‫ت‬
‫ا ّلتي من خاللها تسري األشكال‬ ‫ــى مــن خاللهــا وبواســطتها تــري‬ ‫والعمليــات ا ّل ي‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيــة‬
‫أ‬
‫الشــكال الرمزيــة ف ي� العالــم االجتماعـ ّـي»‪ ،17‬وهــو لذلــك منخرط ي�ف‬
‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫الرمزية في العالم‬ ‫تتغيــا تنميــط‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫ـى ّ‬ ‫متكيــف مــع�ضرهاناتهــا ومراميهــا الـ ي‬‫الســلطة ّ‬
‫أنظمــة ّ‬
‫المعرفــة وأشــكال االعتقــاد و وب الممارســة باالنتظام ي� جســم‬
‫تقدمهــا‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الــى ّ‬
‫عالميــة الدينيــة أ ي‬
‫و� المــا ّدة إال ّ‬ ‫موحــد‪ .‬ي‬
‫اجتماعــي ّ‬
‫يديولوجيــة‬
‫ّ‬ ‫هــذه الفضائيــات مــا يقــوم دليــا ً عــى الكتابــة ال‬
‫الســيادة واصطنــاع الحقيقــة‪.‬‬
‫ـ�‪ :‬ترســيخ ّ‬ ‫وت� ّكــز ف� هدفـ ي ن‬
‫ـ� متعالقـ ي ن‬ ‫الـ تـى تنهــض بهــا‪ ،‬ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال ّزعامة المادية والروحية‪:‬‬

‫فيــر (‪ )M. Weber‬ليســوا‬ ‫المقــدس» بعبــارة ب‬


‫ّ‬ ‫و»اختصاصــى‬
‫يي‬ ‫إن الدعــاة والشــيوخ‬
‫ّ‬
‫برمتــه‪ .‬وعــى هــذا‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫ـ� المــرف عــى الشــأن الدي ـ ي ّ‬‫إال ّ أدوات ي� خضـ ّـم النظــام المؤسـ ي‬
‫ش‬
‫ـ� أن يضمــن ديمومتــه ويصــون �عيتــه ونفــوذه‪ ،‬لذلــك عليــه أن يشــغّ ل‬ ‫ال ّنظــام المؤسـ ي‬
‫أ‬
‫‪ - 14‬بن سالمة‪ ،‬فتحي‪ ،‬تخييل الصول‪ :‬إالسالم وكتابة الحداثة‪ ،‬ترجمة‪ :‬شكري المبخوت‪ ،‬دار الجنوب‪ ،‬تونس ‪ ،1995‬ص ‪54‬‬
‫‪ - 1 5‬انظر حلقات برنامج «كيف زيّف إالسالم؟» عىل موقع ‪.You Tube‬‬
‫‪16 - Silverstone, Roger, Télévision, Mythe et culture, Réseaux ,V 9, N 1990 ,45-44 , p. 214‬‬
‫‪17 - Weiss, Gilbert and Wodak, Ruth, Critical discourse and analysis: theory and interdisciplinarity, Palgrave Mac- Millan‬‬
‫‪Ltd, New York, 2003, p. 141‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪21‬‬ ‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫إ‬

‫الســلطة‬
‫المؤسســية مــن مداخــل إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّكل المــوارد الما ّديــة والرمزيــة‪ ،‬أو مــا تتيحــه المواقــع‬
‫وآلياتهــا بمــا يفصــح عــن «الـ ّـدور االسـ تـراتيجي للخطــاب وأعوانــه (المتك ّلمــون‪ ،‬والك ّتــاب‬
‫ـيوثقافية»‪ .18‬وال‬ ‫السوسـ‬ ‫ف‬ ‫وال ّنـ ش‬
‫ّ‬ ‫الشــكل مــن الســيطرة ّ‬ ‫ـا�ون‪ ،‬إىل آخــره) ي� إعــادة إنتــاج هــذا ّ‬
‫دينيــة تخلــو مــن ارتبــاط وثيــق بدوائــر سياســية وماليــة نافــذة شــأن‬
‫تــكاد قنــاة فضائيــة ّ‬
‫الشــورى منصــور‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫ـعودي وعضــو مجلــس ّ‬ ‫ّ‬ ‫السـ‬
‫ـى أنشــأها رجــل العمــال ّ‬ ‫ـاس» الـ ي‬ ‫قنــاة «النـ‬
‫الدائمــة‬ ‫ف‬
‫بــن كدســة ي� ‪ ،2006‬وارتبــاط دعاتهــا بدوائــر دينيــة مخصوصــة‪ ،‬مثــل اللجنــة ّ‬
‫ومحمــد بــن‬
‫ّ‬ ‫الــى تتلمــذ عــى أيــادي «شــيوخها»‪ ،‬أمثــال عبــد العزيــز بــن بــاز‬ ‫للفتــاء ت‬ ‫إ‬
‫ي‬
‫‪19‬‬
‫حســان ‪.‬‬
‫محمــد ّ‬ ‫الداعيــة ّ‬ ‫ن‬
‫صالــح العثيمـ يـ�‪ّ ،‬‬

‫المســيحية‬ ‫بشــريّة‬ ‫أ‬


‫ّ‬ ‫بالدوائــر ال ّت ي‬‫وال يختلــف المــر مــع قنــاة «الحيــاة» المرتبطــة ّ‬
‫نجيليــة ف ي� الواليــات‬
‫ال ّ‬
‫ف‬
‫مم ّثلــة ي� من ّظمــة «بويــس مايــر»‪ ،‬وهــي تنخــرط ي� ســياق ال ّتلفــزة إ‬
‫ف‬
‫والعالمــي‪ .20‬وي ف� مــا تعرضــه هــذه القنــوات‬ ‫المتحــدة أ‬
‫ـياس إ‬
‫ي‬ ‫ـال والسـ‬
‫ي‬ ‫المريكيــة بنفوذهــا المـ‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫مــا يدعــم الســعي إىل �عنــة الزعامــة وتوطينهــا ي� مخيــال الجمــوع المؤمنــة باســتحضار‬
‫للســام القويــم‪ ،‬ف ي� ظـ ّـل تنــازع المقــاالت‬ ‫مفهــوم «الفرقــة ال ّناجيــة»‪ ،‬بوصفهــا مثــاال ً إ‬
‫والفقهيــة‪ .‬هــذا الــذي جعلتــه قنــاة «فــدك» شــعارا بل�نامجهــا‬ ‫ّ‬ ‫والمواقــف االعتقاديّــة‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫ـى ّ‬
‫ـى ســتف�ق‬ ‫«إن ّأمـ ي‬‫ف‬ ‫مســتدعية ذلــك الحديــث المنســوب إىل النـ ب ي ّ‬ ‫ن‬
‫الســام؟»‬ ‫«كيــف زيّــف إ‬
‫ـبع� فرقــة منهــا فرقــة ناجيــة واثنتــان وســبعون ي� ال ّنــار» (حســب‬ ‫بعــدي عــى ثــاث وسـ ي‬
‫الروايــة الشــيعية)‪ ،‬وهــو حديــث مرجعــي تنازعتــه ّكل المذاهــب والجماعــات للفــوز‬
‫ـى ُجعلــت معـ بـراً إىل اســتحقاق الزعامــة الروحيــة‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫بهــذه النبــوءة ال ّتاريخيــة الـ ي‬
‫إىل الزعامــة الماديــة‪ ،‬خاصــة ي� ظـ ّـل ارتبــاط هــذه القنــوات الفضائيــة بأنظمــة سياســية‬
‫‪18 - A.Van dijk,Teun, Discourse and Power , Palgrave Macmillan Ltd, New York, 2008, p. 14‬‬
‫‪ - 19‬انظر ويكيبيديا‪ ،‬قناة الناس‪.‬‬
‫‪20 - Gatwirth, Jacques, Religion télévisée et business audio-visuel, archives des sciences sociales des religions, N83°,‬‬
‫‪(Juillet-septembre), 1993, p. 78‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬
‫‪22‬‬
‫بي‬ ‫ي‬ ‫إ‬

‫(إيـران‪ /‬الســعودية‪ )...‬لهــا رهاناتهــا القليميــة الملحــة ف� ظـ ّـل التنافــس عــى زعامــة أ‬
‫«ال ّمــة‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫ـامية» بحجمهــا الديمغ ـر ف يا� واالقتصــادي الهائــل‪.‬‬ ‫السـ ّ‬ ‫إ‬

‫الدينيــة العربيــة‪ ،‬ينــدرج ف ي� مــا يســميه «إنــزو باتــش ي »‬


‫ّ‬ ‫الفضائيــات‬
‫ّ‬ ‫تقدمــه‬
‫إن مــا ّ‬ ‫ّ‬
‫«تقنيــات توســيع دائــرة ال ّتنظيــم‬
‫(‪ )Enzo Pace‬و»ســابينو أكوافيفــا» (‪ّ )Aquaviva Sabino‬‬
‫أ‬
‫«ل�ويــج نوعيــة مــن الفــكار أو لدعــم حمــات‬ ‫العالميــة أداة ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ـى تجعــل المــا ّدة إ‬‫الديـ ي » الـ ي‬
‫ــد‬
‫وثقافيــة أو الجتــذاب مصــادر تمويــل لحمــات إعالميــة بشــأن مواضيــع تُ َع ّ‬ ‫ّ‬ ‫سياســية‬
‫ف‬
‫محوريّــة» ‪ .‬وبهــذا‪ ،‬فالمــادة إالعالميــة الدينيــة متورطــة ي� أغلــب الســياقات السياســية‬‫‪21‬‬

‫والقليميــة والدوليــة‪.‬‬
‫المحليــة إ‬

‫اصطناع الحقيقة‪:‬‬

‫أن المؤسســة الدينيــة تحتكــر ال�ش عيــة ممارســة وداللــة‪ ،22‬فبنــاء الحقيقــة وضبــط‬ ‫بمــا ّ‬
‫الشــفرة‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫وأن الحقائــق هــي ّ‬‫الرهــان الســاس لهــا‪ ،‬خاصــة ّ‬ ‫فحواهــا وتعيـ يـ� مجالهــا هــو ّ‬
‫ف‬
‫يتضمــن ي� ما ّدتــه‬ ‫ن‬ ‫الثقافيــة الـ ت‬
‫ـر� ّ‬‫الدي ـ ي العـ ب ي‬
‫والعــام ّ‬
‫ـى يهتــدي بهــا أف ـراد مجتمــع مــا‪ .‬إ‬‫ي‬
‫شــى كالرقائــق والمواعــظ‬ ‫عــر برامــج ت‬‫مضامــ� معرفيــة وســلوكية‪ ،‬يمررهــا ب‬‫ين‬ ‫العالميــة‬
‫إ‬
‫ف‬
‫والدرامــا التاريخيــة والسـ يـر والفتــاوى‪ ،‬ويصوغهــا ي� صــورة نموذجيــة تســتدعي تقمصهــا‬
‫وااللــرام بهــا‪ ،‬أل ّن «الطبيعــة الواقعيــة للســلطة تتخفــى‬
‫تز‬
‫‪23‬‬ ‫ف‬
‫ثقــا�»‪.‬‬
‫تحــت بنــاء كاريزمــي لتمظهــر ي‬
‫لقد كشفت هذه ال ّنماذج‬
‫الــى اشــتغلت عليهــا هــذه‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ّ‬
‫الدين ّية من قنوات‬
‫اإلعالم ّية ّ‬ ‫آ‬ ‫ولعــل أكــر الحقائــق ي‬
‫القنــوات ال ّثــاث هــي بنــاء صــورة الخــر‪ ،‬وضبــط معالمــه‬
‫فضائ ّية عرب ّية (الناس‪ ،‬الحياة‪،‬‬ ‫تنافــ�‬ ‫الخــر ش�يــك ف ي� عالــم‬ ‫وتعيــ� دالالتــه‪ ،‬ألن هــذا آ‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫أن ال ّتلفزيون أداة هائلة‬
‫فدك) ّ‬ ‫الــى تشــكلها‬ ‫ت‬
‫محــوره البضائــع الرمزيــة‪ ،‬ومنهــا الحقيقــة ي‬
‫مزي‬ ‫للحفاظ على ال ّنظام ّ‬
‫الر ّ‬ ‫الطوائــف عــن هوياتهــا وتاريخهــا ورموزهــا‪ .‬فقنــاة «النــاس»‬
‫ن‬
‫المســلم الس ـ ي‬ ‫آ‬
‫ـص بهواجــس‬ ‫إعالميــة ال تختـ ّ‬
‫ّ‬ ‫عرضــت مــا ّدة‬
‫واحتياجاتــه‪ ،‬بــل تســتهدف التخريــب الرمــزي للخــر بوصفــه‬
‫ت‬ ‫�ض‬
‫قدمهــا‬ ‫ـى ّ‬ ‫خصم ـاً مذهبي ـاً ‪ /‬سياســياً عـنـى غ ـرار المحــا ة الـ ي‬
‫الداعيــة أبــو إســحاق الحوي ـ ي بعنــوان «التحذيــر مــن خطــر‬
‫ـى قدمهــا الداعيــة محمــد حســان‬ ‫الشــيعة» ف� ‪ 12‬ذي القعــدة ‪ 1432‬هـــــ‪ ،‬أو المحــا�ض ة الـ ت‬
‫ي‬ ‫شــوال ‪ 1428‬هـــــ عــن «أمــراض أ‬ ‫ي‬
‫وخصصــا ي ز‬
‫حــراً مهمــاً‬ ‫ّ‬ ‫»‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫للفــ�‬ ‫عــرض‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ــة‪:‬‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ف ي� ‪8‬‬
‫ـو� مــن ســمومه»‪ .‬وهــذه المــا ّدة‪ ،‬وإن‬ ‫للحديــث عــن العالقــة مــع الغــرب‪ ،‬و�ض ورة «التـ ق يّ‬
‫ت�يّــا لبوسـاً دينيـاً‪ ،‬فإنّهــا تتكفــل باستنشــاء جملــة مــن الحقائــق ف ي� أذهــان الجمــوع‬ ‫كانــت ت ز‬
‫و� قنــاة «الحيــاة» المســيحية‪ ،‬تُنتقــى‬ ‫ف‬ ‫آ‬
‫تكيــف تم ّثالتهــم وعالئقهــم مـ فـع الخــر‪ .‬ي‬ ‫المؤمنــة؛ ّ‬
‫وموجهــة تنــدرج ي� رصاع تاريخـ ّـي مشــحون بعالمــات كـ بـرى دا ّلــة‪.‬‬ ‫موضوعــات مخصوصــة ّ‬
‫ـيحية بعدمــا‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫وقــد عــرض برنامــج «ســؤال جــريء» ي� الحلقــة ‪ 402‬اع�افــات ُمعتنقـ ي ْـ� للمسـ ّ‬
‫الســام‬ ‫ـلم�‪ ،‬وكشــفا تفاصيــل تجربتيهمــا ومــا فيهمــا مــن «حقائــق صادمــة» عــن إ‬ ‫كانــا مسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫ين‬
‫الســامية‬ ‫والمســلم�‪ .‬المر نفســه ي� الحلقــة ‪ 293‬وعنوانهــا «هــل تصلــح ال�ش ّ يعــة إ‬
‫ف‬
‫للعالــم المعــارص؟» وفيهــا اســتثارة للفئــات الشــابّة ولطائفــة مــن الشــكوك ي� ارتبــاط‬

‫‪ - 2 1‬أكوفيفا‪ ،‬سابينو‪ ،‬وبات ي�ش ‪ ،‬انزو‪ ،‬علم االجتماع الدي ي�ن ‪ :‬إالشكاالت والسياقات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عز الدين عناية‪ ،‬كلمة‪ :‬هيئة أبو ي ب‬
‫ظ� للثقافة‬
‫وال�اث‪ ،‬ط‪ 1432 ،1‬هـــ ‪2011 -‬م‪ ،‬ص ‪131‬‬ ‫ت‬
‫�ش‬
‫في� ‪ Weber‬ثالثة أنواع من ال عية‪ :‬عقلية تقوم عىل قواعد عقلية‪ ،‬وتقليديّة أساسها العرف والموروث‪ ،‬وكاريزمية جوهرها‬ ‫حدد ب‬ ‫‪ّ - 22‬‬
‫فكرة القائد الروحي‪ .‬نفسه‪ ،‬ص ‪169‬‬
‫‪23 - Négre, Fabier, Du pouvoir dans la culture, Quderni, N17°, printemps, 1992, p. 24‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪23‬‬ ‫العالم الدي�ن العر�‪ :‬الخلفيات أ‬
‫والهداف‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫إ‬

‫ـيحي ف ي� دول أمريــكا الالتينيــة والــدول‬‫وخاصــة الشــتات المسـ ّ‬ ‫بمنجـزات الحداثــة ومكاســبها‪ّ ،‬‬
‫العربيــة عــى غــرار لبنــان ومــر والعــراق‪ .‬وال تنــأى قنــاة «فــدك» عــن هــذه الغايــة‪،‬‬
‫الخــر مــن خــال الهــدم المنهجـ ّـي للنمــاذج التاريخيــة الموصوفــة‬ ‫غايــة اصطنــاع حقيقــة آ‬
‫ـلم� الســنة‪ ،‬ففــي برنامــج «كيــف‬ ‫بالقداســة والحائــزة عــى مكانــة رمزيــة ف� ضمائــر المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫خاصــة لســورة «ال ّنــور»‬
‫ّ‬ ‫اءة‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫اعتم‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫عائش‬ ‫الســام؟» تســتح�ض شــخصية‬ ‫ُزيِّــف إ‬
‫النــى وســلوكها بعــد وفاتــه‪،‬‬
‫ببقيــة زوجــات ب ي ّ‬ ‫القرآنيــة‪ ،‬وبعــض المأثــورات عــن عالقتهــا ّ‬
‫والدفينــة‪ ،‬بمــا‬
‫موجهــة تســتهدف نــزع المهابــة وكشــف الحقائــق المخبــوءة ّ‬ ‫وهــي ق ـراءة أ ّ‬
‫وأن عائشــة مرجــع نموذجــي‪ ،‬ووســيط‬ ‫ن‬ ‫آ‬
‫خاصــة ّ‬ ‫ثوذكــ� للخــر الســ ّ ي ‪ّ ،‬‬
‫ي‬ ‫يربــك البنــاء الر‬
‫ف‬
‫الســام المب ّكــر‪ ،‬يتموقــع ي� رصاع متجــذّ ر مــع نمــاذج نســويّة شـ ّ‬
‫ـيعية‬ ‫ـزي عــن إ‬
‫تاريخـ ّـي ورمـ ّ‬
‫شــأن فاطمــة‪.‬‬

‫على سبيل الخاتمة‬

‫عربيــة (النــاس‪،‬‬
‫فضائيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫ينيــة مــن قنــوات‬
‫الد ّ‬
‫عالميــة ّ‬
‫ال ّ‬ ‫لقــد كشــفت هــذه ال ّنمــاذج إ‬
‫‪24‬‬
‫مــزي» ‪ ،‬وال ّنظــام‬
‫الر ّ‬ ‫أن «ال ّتلفزيــون أداة هائلــة للحفــاظ عــى ال ّنظــام أ ّ‬ ‫الحيــاة‪ ،‬فــدك) ّ‬
‫الرمــزي شــبكة مــن الحقائــق والـ ّـدالالت وأنســاق مــن العالقــات والدوار تم ّثــل مجتمعــة‬ ‫ّ‬
‫ين‬
‫وتقنيــ� ودعــاة‬ ‫مســرين‬ ‫ّي‬ ‫الثقــا� العــام‪ .‬والمشــتغلون ف ي� هــذه القنــوات مــن‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫الكــون‬
‫اتيجيات متعالقــة‬ ‫ـ� هــم جــزء مــن شــبكة سياســية واجتماعيــة وماليــة تحركهــا اسـ ت‬
‫ـر‬ ‫وممولـ ي ن‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫أ‬
‫فعــال ي� عالــم معولــم‪ ،‬تخ ّطــت‬ ‫لنظمــة سياســية ودوائــر نفـأـوذ تطمــح إىل افتــكاك موقــع ّ‬
‫عــر – وطــن ي يخاطــب أتباعــاً‬ ‫ينيــة الطــر المح ّليــة‪ ،‬لتصبــح كيانــاً ب‬ ‫الد ّ‬
‫المؤسســة ّ‬
‫ّ‬ ‫فيــه‬
‫والســياس‪.‬‬ ‫المذهــى‬ ‫ــح� لالصطفــاف‬ ‫ن‬ ‫مرش ي‬ ‫ن‬
‫ضــ� أو ّ‬ ‫مف� ي‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫ـى وســعت حــدود التمــاس وإمكانــات التعايــش‪ ،‬لــم تدفــع عــن‬ ‫أن العولمــة الـ ت‬‫إال ّ ّ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ـى اســتدعت‬ ‫والمماحــكات الـ ي‬ ‫ـر� انخراطــه ي� دوائــر مــن الرصاعــات‬
‫العــام الدي ـ ي العـ ب ي ّ‬ ‫إ‬
‫ن‬
‫أي مجــال لتواصــل ديــ ي ّ خــاّق يلتقــي‪ ،‬رغــم‬ ‫اهيــة وإقصــاء‪ ،‬يمنــع ّ‬
‫ف‬ ‫صــوغ خطــاب ك فر ّ‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫وثقــا� مشــرك‪ ،‬ويمنــح للبــر مدخــا ً إىل‬ ‫تعــدده وتباينــه ي� رصيــد روحــي وإيتيقــي‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫والثنيــات‪.‬‬‫بــ� الجماعــات والطوائــف إ‬ ‫ن‬ ‫إنســانية متبادلــة ي‬

‫القطــار‬‫الهليــة ف� كثــر مــن أ‬ ‫لقــد عكســت حــاالت االحـ تـراب ال ّطائفــي والرصاعــات أ‬
‫ّ ي ي‬
‫ـو� وتعميــق ال�ش ّ وخات‬ ‫والديــن ف� خلــق الفـ ض‬
‫والعــام ّ ي‬ ‫العربيــة مــا يمكــن أن يفعلــه المــال إ‬
‫ّ‬
‫وموجــه يبــذر‬
‫ّ‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫منغل‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫دي‬ ‫ـاب‬
‫ـ‬ ‫خط‬ ‫ـاج‬‫ـ‬ ‫بإنت‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫القاتل‬ ‫ـات‬‫ـ‬‫ّ‬ ‫ي‬‫والهو‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الوهمي‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫دم‬ ‫الص‬
‫وازدر ّ‬
‫اع‬
‫يّ‬ ‫ّ‬
‫المغالطــات‪ ،‬ويتالعــب بالضمائــر والعقــول‪ ،‬ويــأرس أفــق المجتمعــات رهينــة‪ ،‬وهــو مــا‬
‫الديـن ي ف ي� أدواتــه ومضامينــه ومقاصــده‪ ،‬ووعياً بمعيشــنا‬ ‫يقتـض ي م ّنــا وعيـاً حــذراً بالخطــاب ّ‬
‫الجماعــي المشـ تـرك ف ي� رهاناتــه ومعضالتــه وموجباتــه‪ّ .‬كل هــذا يســتوجب إعــادة الديــن‬
‫ـا� وســياقاته ال ّتاريخيــة بـنز ع القداســات المفتعلــة‪ ،‬وإعــادة إنتاجــه وفــق‬ ‫ف‬
‫إىل محضنــه ال ّث أقـ ي‬
‫االحتياجــات الكيــدة والحاســمة للمجتمعــات العربيــة المعــارصة‪.‬‬

‫‪ - 24‬بورديو‪ ،‬بيار‪ ،‬التلفزيون وآليات ال ّتالعب بالعقول‪ ،‬ترجمة‪ :‬درويش الخلوجي‪ ،‬دار كنعان للدراسات والن�ش والخدمات إالعالمية‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪45‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬ ‫‪24‬‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫بقلم ‪ :‬محمد سيد ريان‬

‫كاتب وباحث مرصي ف ي�‬


‫العالم الجديد والثقافة‬
‫إ‬
‫الرقمية‬

‫اإلعالم الديني العربي‬


‫بين الدعوة والتبشير‬
‫وبث الفتن الطائفية‬
‫تعد قضية الخطاب الديني في عصرنا الحالي‪ ،‬وممارساته‬
‫اإلعالمية من أخطر القضايا التي تشغل بال الكثير من‬
‫الباحثين‪ ،‬أو حتى األشخاص العاديين الذين يتابعون البرامج‬
‫على الفضائيات والمواقع اإللكترونية‪ ،‬ويتأثرون وينفعلون‬
‫لما فيها من تجاوزات على كل المستويات؛ ففي عصر‬
‫الكره والقبح الذي نعيشه حاليًا تختفي قيم الجمال والحب‬
‫بين الناس‪ ،‬ونفتقد قبول اآلخر والتعامل بأخالقيات الحوار‪،‬‬
‫واحترام االختالفات في الفكر والرأي‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪25‬‬ ‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫�ف‬
‫ي‬
‫هــذه الورقــة البحثيــة‪ ،‬سـ نـركز عــى دور التكنولجيــا الرقميــة‪ ،‬ومنهــا الوســائط‬
‫لك�ونيــة‪ ،‬والصفحــات االجتماعيــة‪ ،‬والقنوات‬ ‫ال ت‬
‫االجتماعيــة مــن خــال المواقــع إ‬
‫العــام الجديــد تعــد بمثابــة تطــور طبيعي‬ ‫للعــام الديـن ي ؛ فــأدوات إ‬ ‫الرقميــة إ‬
‫�ش‬ ‫نن‬
‫ـى تفــرض س ـ الحيــاة والواقــع والحاجــة الب يــة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫للســاليب التقليديــة الـ ي‬
‫وهــدا التطــور جــاء ليواكــب مجريــات الحيــاة المعــارصة والرسيعــة والجديــدة ويواكبهــا؛‬
‫ومــن هنــا تكمــن العقبــات والنتائــج مــن التخلــف عــن ركــب الحضــارة والتقــدم ف ي� المجــال‬
‫الف ـراد والجماعــات والمؤسســات عــى مســتوى العالــم؛ ففــي هــذه‬ ‫ـ� أ‬ ‫الشــبك للربــط بـ ي ن‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫الحالــة ســنخرج مــن القطــار الرسيــع للمعرفــة‪ ،‬وعنــد العــودة لــن نجــد مكاننــا لن هنــاك‬
‫مــن ينتظــرون أن تـ تـرك لهــم هــذا المــكان‪.‬‬

‫ماهية اإلعالم الديني‬

‫الســامية‬‫العــام الدي ـن ي هــو القنــوات المتخصصــة الدينيــة إ‬


‫يعتقــد الكثـ يـرون أن إ‬
‫ت‬
‫اللك�ونيــة فقــط‪ ،‬لكــن يجــب التأكيــد عــى أنــه‬ ‫ت‬
‫ـى تبــث عـ بـر الفضائيــات والمواقــع إ‬
‫الـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬ ‫‪26‬‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫ـى تبثهــا القنــوات العامــة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬


‫ال�امــج الدينيـ تـة الـ ي‬ ‫أوســع مــن ذلــك بكثـ يـر‪ ،‬لنــه يشــمل أيضــا ب‬
‫الســام‬ ‫ـى تعـ بـر عــن تيــارات إ‬ ‫الســامية الـ ي‬ ‫كمــا ال يقتــر فقــط عــى القنــوات الدينيــة إ‬
‫أيضــا‬
‫الســياس أو الســلفية بمختلــف اتجاهاتهــا‪ ،‬أو القنــوات الشــيعية‪ ،‬وإنمــا يمتــد ً‬ ‫ي‬
‫اللكـ تـرو�ن‬
‫إ‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫والموق‬ ‫ـواء‬ ‫ـ‬ ‫اله‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـاة‬‫ـ‬ ‫القن‬ ‫ـر‬
‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫يب‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـمل‬
‫ـ‬ ‫ويش‬ ‫ـيحية‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫ـوات‬ ‫إىل القنـ‬
‫ي‬
‫ومواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬فهــو منظومــة متكاملــة‪.‬‬

‫اإلعالم مرآة العصر‬

‫ـ�ء بالرصاعــات الطائفيــة واالســتقطابات الفكريــة تختفــي العديــد مــن‬ ‫ي‬ ‫ف ي� عــر مـ‬
‫الفــراد ف ي� المؤسســات‬‫بــ� أ‬
‫العــام كانعــكاس حــي لمــا يحــدث ي ن‬ ‫قيــم الحــوار‪ ،‬ت‬
‫ويــأ� إ‬
‫ي‬
‫ـو� الفكريــة والسياســية والدينيــة عــى معظــم‬ ‫والتعامــات اليوميــة‪ ،‬كمــا تنعكــس الفـ ض‬
‫أ‬
‫العالميــة‪ ،‬ســواء بتســييس كثـ يـر مــن الفــكار لخدمــة مصالــح جمعيــات وأف ـراد‬ ‫ال�امــج إ‬‫ب‬
‫ف‬ ‫ز‬ ‫ت‬
‫ورؤوس أمــوال أو الهجــوم الم�ايــد كجــزء مــن رصاعــات دينيــة قديمــة تقــوم ي� أغلبهــا‬
‫تفســرات خاطئــة للديــن‪ ،‬أو تطبــق قياســات ألحــداث وشــخصيات لــم تعــد‬ ‫ي‬ ‫عــى‬
‫ـى تهــدد‬ ‫ت‬ ‫�نز‬
‫القليميــة الـ ي‬
‫موجــودة‪ ،‬وتحــاول مــن خــال ذلــك تغذيــة الرصاعــات وال اعــات إ‬
‫أ‬
‫المــن القومــي‪.‬‬

‫العــر�‬ ‫خــرة‪ ،‬وخصوصــاً بعــد ثــورات الربيــع‬ ‫وقــد اســتغل العــام ف� ت أ‬


‫بي‬ ‫الفــرة ال ي‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫�ش‬
‫ـى أتاحــت دخــول كتــل ب يــة جديــدة لــم تكــن ظاهــرة ال ـرأس‪ ،‬وإنمــا تختفــي دائم ـاً‬ ‫الـ ت‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ـر� لـ تـراث الســلف‬
‫ـوى االنغــاق والنقــل الحـ ي‬ ‫وتعمــل ي� رسيــة مــع أتباعهــا‪ ،‬فقامــت مثـا ً قـ‬
‫أ‬
‫ـى ترفــض أي تجديــد‪ ،‬وتتبــع مــا جــاء بــه القدمــون مــع نبــذ أي فكــر جديــد‪ ،‬ســواء‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫أكان واردا مــن حضــارات أخــرى‪ ،‬أو نابعــاً مــن داخــل ثقافتنــا‪ .‬وكانــت دائمــا بالمرصــاد‬
‫لــكل محــاوالت التطويــر ومالحقــة الزمــن المتغـ يـر بإنشــاء قنــوات تحــت شــعارات براقــة‪،‬‬
‫الحــرص عــى اســتمراره مــن يغ�هــم‪ ،‬ممــا‬ ‫باعتبارهــم الممثــل للديــن الصحيــح‪ ،‬وأنهــم أ‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫الســام‬ ‫ـا� مــن تبعاتــه‪ ،‬وخصوصـاً بعــد فشــل حــل إ‬ ‫أدى إىل تصــدع ي� المجتمــع مازلنــا نعـ ي‬
‫ـياس وانكشــاف أمــره‪ ،‬فلجــأوا إىل تجــاوزات أكـ ثـر‪ ،‬منهــا التخويــف والتكفـ يـر والقتــل‪.‬‬ ‫السـ ي‬
‫كبــراً مــن‬ ‫ن ف‬
‫وســركز ي� هــذه الورقــة‪ ،‬عــى ثالثــة نمــاذج لقنــوات أثــارت جــدال ً ي‬
‫ـ� الــدول والشــعوب العربيــة‬ ‫خــال برامجهــا‪ ،‬وســاعدت عــى زيــادة الفتنــة الطائفيــة بـ ي ن‬
‫والســامية‪ ،‬وهــي قنــاة «النــاس» المعروفــة بالتوجــه الســلفي‪ ،‬وقنــاة «الحيــاة» المســيحية‬ ‫إ‬
‫ف‬
‫الســام بالمســيحية ي� أغلــب برامجهــا‪ ،‬وقنــاة «فــدك» الشــيعية‪.‬‬ ‫ت‬
‫ـى تركــز عــى مقارنــة إ‬ ‫الـ ي‬
‫شعارات اإلعالم الديني بين المعلن والمستتر‬

‫نــر «الديــن الصحيــح»‪ ،‬وأنهــا‬ ‫تعلــن معظــم القنــوات الدينيــة‪ ،‬أنهــا تهــدف إىل ش‬
‫ف‬
‫الطريــق إلصــاح الدنيــا بالديــن‪ ،‬ومــن ثــم فمــن يحــرص عليهــا‪ ،‬فهــو ي� الجنــة‪ ،‬ومــن‬
‫يشــاهد يغ�هــا فهــو ف ي� النــار‪ ،‬ومــن ذلــك شــعار قنــاة النــاس «شاشــة تأخــذك للجنــة»‪ .‬وهــذا‬
‫الشــعار بالــذات‪ ،‬يوضــح وجهــة نظرهــم مــن أن طريقهــم مهمــا كان هــو الطريــق إىل الجنة‬
‫ـى تــؤدي إىل النــار ربمــا‪ ،‬ويظهــر ذلــك ف ي� كثـ يـر مــن‬‫ت‬
‫وشاشــات ت يغ�هــم هــي الشاشــات الـ ي‬
‫ـى تؤكــد امتالكهــم للحقيقــة المطلقــة‪ ،‬وتســييس الديــن لخدمــة أهــداف أخــرى‬ ‫برامجهــا الـ ي‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـى ســبقت ثــورة الثالثـ يـ� مــن يونيــو ي� مــر‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫سياســية كمــا ظهــر خــال بعــض الفــرات الـ ي‬
‫ـى تتخــذ شــعاراً لهــا «ال رايــة تبقــى‬‫ت‬ ‫ف‬
‫مثــال آخــر‪ ،‬نجــده ي� قنــاة «فــدك» الشــيعية‪ ،‬والـ ي‬
‫أمــام رايــة آل محمــد»‪ ،‬ويتضــح مــن هــذا الشــعار‪ ،‬أنهــا تنطلــق مــن الـراع القديــم بـ ي ن‬
‫ـ�‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪27‬‬ ‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫الســنة والشــيعة وهدفهــا تبشـ يـري‪ ،‬وهــو مــا يؤكــده المؤسســون للقنــاة حــول أهدافهــا‪:‬‬
‫والفــكار المغلوطــة للعــودة أ‬
‫بالمــة إىل‬ ‫«تنقيــة الـ تـراث الســامي مــن العقائــد الفاســدة أ‬
‫إ‬
‫ت‬ ‫ن‬ ‫�ش‬
‫ـى وخلفائــه ال عيـ يـ� مــن ع�تــه»‪.‬‬‫منهــاج النـ ب ي‬
‫و� المقابــل‪ ،‬نجــد قنــاة «الحيــاة» المســيحية وشــعارها‪:‬‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫«لتنــال الحيــاة أ‬
‫في عصر مليء بالصراعات‬ ‫البديــة اتبــع يســوع المســيح»‪ ،‬وهــذا ترســيخ‬
‫الطائفية واالستقطابات‬ ‫آخــر المتــاك الحقيقــة المطلقــة‪ ،‬فطريــق الخــاص هــو‬
‫طريقهــم وطريــق الهــاك هــو اتبــاع أي اتجــاه أو ديــن آخــر‪،‬‬
‫الفكرية تختفي العديد من‬ ‫وهــي قنــاة تتخــذ التبشـ يـر بالمســيحية هدف ـاً لهــا‪ ،‬ومحاولــة‬
‫قيم الحوار‪ ،‬ويأتي اإلعالم‬ ‫الســام عــن طريــق بعــض‬ ‫كــر عــى التقليــل مــن إ‬ ‫ت‬
‫ال� ي ز‬
‫المتغــرة‪.‬‬ ‫أ‬
‫الكتابــات والحــداث‬
‫كانعكاس حي لما يحدث‬ ‫ي‬

‫وهكــذا تتجــه القنــوات الثــاث االتجــاه نفســه‪ ،‬فتدعــي‬


‫امتــاك الحقيقــة المطلقــة‪ ،‬ســواء بالدعــوة إىل ســلفية تأخــذك‬
‫ف‬
‫ـى توصلــك إىل الجنــة كمــا ي� حالــة آل البيــت‪ ،‬أو الزعــم‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫للجنــة‪ ،‬أو اتبــاع مجموعــة هــي الـ ي‬
‫أن هنــاك دينـاً واحــداً هــو الصحيــح‪ ،‬ويحقــق البديــة الســعيدة كمــا ي� حالــة المســيحية‬
‫التبشـ يـرية‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬ ‫‪28‬‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫اإلعالم الديني على مواقع التواصل االجتماعي‬

‫ســنقوم برصــد وتحليــل رسيــع لمــا تتضمنــه صفحــات القنــوات الدينيــة عــى المواقــع‬
‫لك�ونيــة ومواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬أ‬
‫وبالخــص عــى الـ»فيــس بــوك» لمــا لــه مــن‬ ‫ال ت‬ ‫إ‬
‫ـال‪:‬‬ ‫ف‬
‫تأثـ يـر كبـ يـر‪ ،‬كمــا ي� الجــدول التـ ي‬
‫القناة‬ ‫الصفحة الرسمية عىل فيس بوك‬
‫قناة الناس‬ ‫‪https://www.facebook.com/alnasschannel‬‬
‫قناة الحياة‬ ‫‪https://www.facebook.com/alhayattvchannel‬‬
‫قناة فدك‬ ‫‪https://www.facebook.com/FadakTV313‬‬
‫وأول مــا يلفــت النظــر عنــد مشــاهدة تلــك الصفحــات هــو تعريــف الصفحــة‪ ،‬فتذكــر‬
‫الســام النقــي‪ ،‬ونـ شـر الفكــر‬
‫قنــاة «النــاس» أنهــا «قنــاة فضائيــة دينيــة‪ ،‬تهــدف إىل عــرض إ‬
‫للفــكار المتطرفــة والهدامــة‪ ،‬والمحافظــة عــى منظومــة القيــم‬ ‫الوســطي‪ ،‬والتصــدي أ‬
‫والخــاق»‪ ،‬بينمــا تذكــر قنــاة «الحيــاة» أنهــا‪ :‬قنــاة مســيحية هدفهــا أن يعــرف العالــم‬ ‫أ‬
‫يســوع المســيح‪ ،‬وأن يخلصــوا»‪ .‬أمــا قنــاة «فــدك»‪ ،‬فتذكــر أنهــا «قنــاة عرصيــة تخاطــب‬
‫ـ� بلغــة علميــة موضوعيــة وبمضمــون عقائــدي أصيــل‬ ‫الماليـ ي ن‬
‫وجــريء ال يعــرف المجاملــة عــى حســاب الحــق»‪.‬‬
‫تعلن معظم القنوات الدينية‪،‬‬
‫ويتضــح مــن التعريفــات الثالثــة مــدى ســمو أ‬
‫الهــداف‬
‫أنها تهدف إلى نشر «الدين‬ ‫المعلنــة‪ ،‬ت‬
‫الكث�يــن للمتابعــة‪ ،‬ولكــن عــى‬
‫والــى تجــذب ي‬‫ي‬
‫الصحيح»‪ ،‬وأنها الطريق إلصالح‬ ‫الــى‬‫ت‬
‫النقيــض تختلــف المــواد الموجــودة بالقنــوات الثــاث ف ي‬
‫ف‬
‫الدنيا بالدين‬ ‫و�‬
‫والتكفــر والقتــل‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫كثــرة إىل الطائفيــة‬
‫تدعــو ي� أحيــان ي‬
‫الحيــان تدافــع عــن أهــداف شــخصية ألفـراد وجماعات‪.‬‬
‫بعــض أ‬

‫ـى تؤكــد‬ ‫ت‬ ‫ف‬


‫ـ� لبعــض تلــك النمـفـاذج الـ ي‬‫وســنعرض ي� مــا يـ ي‬
‫ـ� ي� حــاالت كثـ يـرة ومتنوعــة‪ ،‬ونبــدأ بــرد ذلــك‬‫بُعــد التعريــف العــام عــن التطبيــق العمـ ي‬
‫ـوال‪:‬‬
‫عــى التـ ي‬
‫قناة «الناس»‬

‫لك�ونيــة والتســجيالت‬ ‫ال ت‬‫ـر عــى المــواد إ‬ ‫مــن خــال متابعتنــا لقنــاة «النــاس»‪ ،‬ت‬
‫وبال�كـ ي ز‬
‫وغ�هــا مــن القنــوات الرقميــة‪ ،‬تبـ ي ن‬
‫ـ� وجــود الكثـ يـر مــن المــواد‬ ‫المتاحــة عــى اليويتيــوب ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪29‬‬ ‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫للفــراد أو للمجتمــع بأكملــه‪ ،‬ومنهــا مــا جــاء ف ي� برنامــج‬ ‫المحرضــة عــى التكفــر‪ ،‬ســواء أ‬
‫ي‬
‫خالــد عبــد هللا «ســهرة خاصــة»‪ ،‬ومداخلــة الدكتــور حســام عقــل مــن حديــث الشــماتة‬
‫ـر�؛ المفكــر الديـن ي الدكتــور نــر حامــد أبــو‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ي� وفــاة أحــد أعــام التنويــر ي� العالـ أـم العـ ب ي‬
‫زيــد وتكفـ يـره‪ ،‬وحديثــه عــن هــروب الهــال والمسـ ي ن‬
‫ـؤول� مــن حضــور جنــازة الراحــل‪ ،‬وأنــه‬ ‫ي‬
‫خــارج عــن الديــن وكافــر‪ ،‬ويطعــن ف ي� القـرآن والســنة النبويــة‪.‬‬

‫كثــر من خالل متابعتنا لقناة‬ ‫ف‬


‫وهنــاك أيضــاً عــدم تقديــر للظــروف الراهنــة ي� ي‬
‫ف‬
‫كمــا حــدث ي� «الناس»وغيرها من القنوات‬ ‫ف‬
‫ال�امــج واللعــب عــى أوتــار الطائفيــة‪،‬‬
‫أ‬
‫مــن ب‬
‫ـب�و»‪ ،‬ومظاهـرات القبــاط � القاهــرة‪،‬‬ ‫أعقــاب أحــداث «ماسـ ي‬
‫القبــاط مــن منظــور طائفـ يـي ال وطـن ‪ .‬الرقمية‪ ،‬تبين وجود الكثير من‬ ‫وهجــوم الشــيوخ عــى أ‬
‫ي‬
‫المواد المحرضة على التكفير‬
‫وهنــاك أيضــاً‪ ،‬الهجــوم عــى الدكتــور ســيد القمــن ي ‪،‬‬
‫ـ� صفــوت حجــازي مقــدم برنامــج‬ ‫وكان مــن أشــد المهاجمـ ي ن‬
‫«فضفضــة» ف ي� قنــاة «النــاس»‪ ،‬ووصفــه بأنــه «هــذا الـش ي ء»‪،‬‬
‫ف‬
‫وغ�هــا‬ ‫أو «الــا �ش ي ء»‪ ،‬ووصفــه أيضـاً متصــل بالقنــاة ي� هــذا ب‬
‫ال�نامــج بأنــه «ابــن قميئــة» ي‬
‫مــن التشــبيهات غـ يـر المناســبة‪.‬‬

‫ويتضــح مــن محــاوالت التكفـ يـر‪ ،‬أنهــا تعطــي ضــوء ًا أخـرض للقتــل المــادي أو القتــل‬
‫ـ� أرسهــم وزمالئهــم ف ي� العمــل وأصدقائهم‬ ‫المعنــوي مــن اليــذاء والتجريــج أ‬
‫للشــخاص بـ ي ن‬ ‫إ‬
‫ف ي� الحيــاة‪ .‬دون أن ننــى محــاوالت زج الديــن ي� السياســة كمــا حــدث مــع الشــيخ محمــد‬
‫ف‬
‫ـ� يعقــوب بعــد اســتفتاء ‪ 19‬مــارس ‪ ،2011‬بخصــوص مــا ســمي بـ»غــزوة الصناديــق»‪،‬‬ ‫حسـ ي ن‬
‫وللســام‪ ،‬وهــو تســييس رصيــح للديــن‪ ،‬وضــد فكــرة‬ ‫وأن الشــعب قــال نعــم للديــن إ‬
‫المواطنــة ومدنيــة الدولــة‪ .‬كذلــك محــاوالت الشــحن ضــد المناســبات واالحتفــاالت‬
‫الم وحديــث الشــيخ أ� إســحاق الحويـن عــن حكــم عيــد أ‬
‫الم‪ ،‬وأنــه‬ ‫الرمزيــة‪ ،‬مثــل عيــد أ‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫بدعــة واالحتفــال بــه ال يجــوز‪.‬‬

‫قناة «الحياة»‬

‫كمــا ذكرنــا مــن قبــل‪ ،‬فــإن قنــاة «الحيــاة» تذكــر ف ي� تعريفهــا أنهــا‪ :‬قنــاة مســيحية‬
‫هدفهــا «أن يعــرف العالــم يســوع المســيح وأن يخلصــوا»‪ ،‬وكان مــن المنطقــي ف ي� هــذا‬
‫الطــار‪ ،‬أن تركــز عــى الديــن المســيحي وعظاتــه ومالمــح تنميــة إيمــان المسـ ي ن‬
‫ـيح� بالرجــوع‬ ‫إ‬
‫إىل أصــول الديــن المســيحي المعتــدل‪ ،‬والدعــوة لالهتمــام بدراســة الكتــاب المقــدس‪،‬‬
‫ـر عــى اختيــار نمــاذج إســامية‬ ‫ولكــن مــا يحــدث أنهــا تركــز عــى نهــج طائفــي مــن ت‬
‫ال�كـ ي ز‬
‫الســامية‪ ،‬وعمــل‬ ‫ـ� مواط ـن ي الــدول إ‬ ‫تشــجع روح الفتنــة الطائفيــة‪ ،‬وإثــارة المشــاكل بـ ي ن‬
‫الســامي والرســول محمــد‪ ،‬وهــو مــا يســاعد عــى وضــع‬ ‫برامــج مهمتهــا انتقــاد الديــن إ‬
‫ـيح�‪.‬ن‬
‫ـلم� والمسـ ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫بــذور أزمــات عديــدة ال تنتهــي بـ يـ� المسـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬ ‫‪30‬‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫الــى تناقشــها قنــاة «الحيــاة» مــن شاشــات الفضائيــات إىل‬ ‫ت‬


‫وقــد انتقلــت القضايــا ي‬
‫مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬ويظهــر مــن صفحــة قنــاة الحيــاة عــى الفيــس بــوك‪ ،‬كــم‬
‫ـى تتضمــن محتــوى مــن مــواد القنــاة وتســاعد‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫العالنيــة الـ ي‬‫مــن «البانـ يـرات» أو الشــعارات إ‬
‫الســام والمســيحية‪ ،‬فيذكــر منشــور عــى‬ ‫ن‬
‫عــى الفتنــة الطائفيــة‪ ،‬ومنهــا مقارنــة بـ يـ� هللا ي� إ‬
‫ف‬
‫الســام يحــب الــذي يحبــه‪ ..‬هللا ي� المســيحية يحــب كل العالــم»‪،‬‬ ‫ف‬
‫الصفحــة أن «هللا ي� إ‬
‫وهــي قضيــة مــا لبثــت أن هوجمــت بشــدة ف ي� قنــوات إســامية‪ ،‬ومنشــور آخــر تحــت‬
‫عنــوان «مفارقــات»‪ ،‬يقــول‪« :‬كل الرســل ف ي� العهــد القديــم‬
‫كانــوا يقولــون‪ :‬أطيعــوا هللا ويعطــون كل المجــد هلل وينكــرون‬
‫أنفســهم‪ ..‬أمــا ف ي� إالســام‪ ،‬فعليــك أن تطيــع هللا ورســوله‪ ،‬تعد قناة «فدك» من أبرز‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫فويــرك القـرآن محمــد ي� كل أوامــر الطاعــة»‪ ،‬كمــا يتحدثــون القنوات الشيعية التي تسبب‬
‫ي� منشــورات أخــرى عــن «تناقضــات القـرآن» وقضيــة الناســخ‬
‫وغ�هــا مــن القضايــا الخالفيــة‪ ،‬ويتضــح من ســياق العديد من المشاكل داخل‬ ‫والمنســوخ ي‬
‫المنشــورات اجــراء واضــح ورصيــح دون مراعــاة ســياقات الدول العربية‬ ‫ز‬ ‫ت‬
‫أ‬
‫الديــان والرســاالت الســماوية‪.‬‬
‫إال أن أخطــر مــا ف� قضيــة االنتقــاد الديـن هــو الربــط بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫قضايــا معــارصة وجماعــات إرهابيــة تحركهــا جهــات دوليــة ومنظمــات ورؤوس أمــوال‪ ،‬وبـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫الفتوحــات إالســامية ففــي منشــور عــى الصفحــة‪ ،‬يذكــر «داعــش تعطينــا صــورة معــارصة‬
‫للفتوحــات إالســامية»‪ ،‬وذلــك يعطــي ذريعــة التهــام الديــن إالســامي بأنــه ديــن العنــف‬
‫والرهــاب‪ ،‬وهــو أمــر مرفــوض‪.‬‬‫إ‬

‫ويظهــر أيضــا‪ ،‬مــن برامــج القنــاة ادعــاء امتــاك الحقيقــة المطلقــة ف ي� إعــان منشــور‬
‫عــى الصفحــة‪ ،‬يذكــر «يســوع المســيح‪ ..‬هــو الطريــق الوحيــد للســماء»‪ ،‬وهــو مشــابه‬
‫الســامي مــن احتــكار الجنــة للمسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬‬ ‫ف‬
‫لبعــض االتجاهــات المتطرفــة ي� الديــن إ‬

‫قناة «فدك»‬

‫ـى تســبب العديد مــن المشــاكل داخل‬ ‫تعــد قنــاة «فــدك» مــن أبــرز القنــوات الشــيعية الـ ت‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫ـو ينتمــي إىل الشــيعة إالماميــة االث ـ ي‬‫ف‬
‫الــدول العربيــة‪ ،‬ومؤسســها هــو يــارس الحبيــب‪ ،‬وهـ‬
‫ـ� ي� وراثــة الخالفــة دون ب يأ� بكــر وعمــر‬ ‫�ش‬
‫أ‬ ‫ِّ‬ ‫ع يــة أو الرافضــة‪ ،‬وهــم فرقــة تمســكت بحــق عـ ي‬
‫بــن الخطــاب وعثمــان بــن عفــان‪ ،‬وهــم يتخــذون اثـن ي عـ شـر إمامـاً‪ ،‬ويعتقــدون أن كل الئمــة‬
‫معصومــون عــن الخطــأ والنســيان‪ ،‬وعــن اقـ تـراف الكبائــر والصغائــر‪ ،‬كمــا يعتقــدون بدخــول‬
‫آخرهــم‪ ،‬وهــو الحســن العســكري‪ ،‬ويلقبونــه بالحجــة المهــدي القائــم المنتظــر‪ ،‬وســيعود ف ي�‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪31‬‬ ‫والتبش� وبث ت ن‬
‫الف� الطائفية‬ ‫العر� ي ن‬
‫ب� الدعوة‬ ‫�ن‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم الدي ي‬
‫إ‬

‫ـيمل أ‬
‫الرض‬ ‫ـ� عودتــه‪ ،‬سـ أ‬ ‫آخــر الزمــان‪ ،‬عندمــا يــأذن هللا لــه بالخــروج‪ ،‬وهــم يقولــون بأنــه حـ ي ن‬
‫عــدال ً كمــا ملئــت جــوراً وظلمـاً‪ ،‬وســيقتص مــن خصــوم الشــيعة عــى مــدار التاريــخ‪.‬‬

‫الهــداف المعلنــة للقنــاة‪ ،‬مــن أنهــا خطــوة إعالميــة شــيعية «ثوريــة‬‫وعــى الرغــم مــن أ‬
‫ـ� بلغة‬‫ـأ� اســتجابة إللحــاح جماهـ يـري عــى �ض ورة تأســيس قنــاة عرصيــة تخاطــب الماليـ ي ن‬ ‫ت‬
‫تـ ي‬
‫علميــة موضوعيــة وبمضمــون عقائــدي أصيــل وجــريء ال يعــرف المجاملــة عــى حســاب‬
‫ـر يــكاد يكــون عــى قضايــا الخــاف مــع الســنة وســب‬ ‫الحــق»‪ ،‬إال أن المالحــظ أن ت‬
‫ال�كـ ي ز‬
‫ف‬
‫ـاس ي� االعتقــاد الدي ـن ي لــدى المجتمعــات‬ ‫ن‬
‫الصحابــة وأمهــات المؤمنـ يـ�‪ ،‬وهــم ركــن أسـ ي‬
‫الســامية الســنية‪ ،‬ويســاعد ذلــك عــى بــث روح الفتنــة الطائفيــة‪ ،‬ومــن ثــم االقتتــال‪.‬‬ ‫إ‬

‫ويظهــر ف ي� كثـ يـر مــن برامــج القنــاة التطــاول بصــورة رصيحــة عــى صحابــة رســول‬
‫ـ�‪ ،‬خاصــة الســيدة عائشــة والســيدة حفصــة‪.‬‬ ‫هللا صــى هللا عليــه وســلم وأمهــات المؤمنـ ي ن‬
‫كمــا أشــعل مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬مقطــع فيديــو تُعلــن فيــه فتاتــان مرصيتــان مــن‬
‫مدينــة الزقازيــق‪ ،‬بمحافظــة ال�ش قيــة‪ ،‬تشــيعهما عـ بـر القنــاة‪ ،‬ممــا زاد مــن الهجــوم عــى‬
‫القنــاة مــن الســنة‪.‬‬

‫ـى تضعهــا صفحــة القنــاة الحديــث عــن هــاك عمــر بــن‬ ‫ت‬
‫ومــن أبــرز المنشــور فات الـ ي‬
‫الخطــاب‪ ،‬وقولهــم بأنــه ي� النــار‪ ،‬ومــن المعــروف أن عمــر بــن الخطــاب مــن أبــرز النمــاذج‬
‫الســامية لــدى أهــل الســنة‪.‬‬
‫إ‬

‫ـ� الــدول‪،‬‬‫كمــا يدخــل ف� برامــج القنــاة تســييس للديــن ف� قضايــا ومشــكالت حاليــة بـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫كمــا ف ي� حالــة إي ـران والســعودية‪ ،‬فعنــد وفــاة ملــك الســعودية الراحــل عبــد هللا بــن عبــد‬
‫ـ� ‪ -‬حســب وصفهــم ‪ -‬لتقديــم‬ ‫ـا�ا الســتقبال المؤمنـ ي ن‬ ‫العزيــز أذاعــت قنــاة «فــدك» بثــا مبـ ش‬
‫العالميــة تســاعد عــى‬ ‫والت�يــكات بمناســبة وفــاة الملــك‪ ،‬ومثــل تلــك الترصفــات إ‬ ‫ـا� ب‬ ‫ن‬
‫التهـ ي‬
‫ـ� الــدول والشــعوب‪ ،‬ومــن ثــم إىل الحــروب واالقتتــال‪،‬‬ ‫زيــادة روح العــداء المســتمر بـ ي ن‬
‫ولعــل نمــاذج ممــا يحــدث باليمــن يشـ يـر إىل ذلــك‪.‬‬

‫ينبغــي التأكيــد ف ي� الختــام‪ ،‬أنــه ال بــد مــن توظيــف أدوات تكنولوجيــا المعلومــات‬
‫والنســانية‪ ،‬وتحقيــق القــوة الحضاريــة‬ ‫والعــام الجديــد لخدمــة القضايــا القوميــة إ‬ ‫إ‬
‫والقليميــة والدوليــة‪ .‬ومــن خــال التســويق‬ ‫ف‬
‫للعــرب ي� ظــل المتغـ يـرات المحليــة والعربيــة إ‬
‫ت‬
‫الن�نــت يومياً‬ ‫ن‬
‫ـتخدم� الذيــن يتصلــون بشــبكة إ‬ ‫ـ� مــن المسـ‬‫و� إلفــادة مئــات الماليـ ي ن‬‫إ ت ن‬
‫ي‬ ‫اللكــر ي‬
‫مــن جميــع أنحــاء العالــم‪ .‬ومــن هــذا المنطلــق‪ ،‬يمكننــا اســتغالل تلــك الفرصــة وتحويــل‬
‫و� ف ي� اســتغالل‬ ‫ال تن�نيــت إىل ســاحة مفتوحــة للحــوار؛ وتتمثــل أدوات التســويق إ ت ن‬
‫اللكــر ي‬ ‫إ‬
‫و� وبرامــج المشــاركة‪ ،‬وكذلــك ‪ -‬وهــي‬‫ن‬ ‫ت‬
‫اللكــر ي‬ ‫وال�يــد إ‬
‫محـركات البحــث‪ ،‬وعضويــة المواقــع ب‬
‫أ‬
‫الهــم ‪ -‬الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ف ي� الربــط واالتصــال مــع النــاس‪ ،‬ووســيلة للربــط والوحــدة‬
‫ف ي� ظــل التنــوع‪ ،‬فنحــن لدينــا فرصــة ذهبيــة‪ ،‬وهــي تواجــد الشــباب بصــورة كبـ يـرة عــى‬
‫ال تن�نيــت‪ ،‬وهــم طاقــة يمكــن اســتغاللها بصــورة جيــدة‪ ،‬ليشــكلوا حائــط صــد ضــد كل‬ ‫أ‬
‫والمص�يــة‪.‬‬ ‫محــاوالت التشــتيت والتفرقــة بعيــداً عــن قضايــا أ‬
‫المــة الحقيقــة‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬ ‫‪32‬‬

‫القنوات‬
‫الدينية ومعابر‬
‫«االنتحار»‬ ‫بقلم ‪ :‬محمد بغداد‬

‫الفضائية‬ ‫باحث وأكاديمي جزائري‬

‫إن المناخ الذي يسود الوطن العربي يمتاز بالخوف النفسي‬


‫واالضطراب االقتصادي والقلق االجتماعي‪ ،‬وذلك يشكل‬
‫األرضية الخصبة للقنوات الدينية لالستثمار فيها‪ ،‬انطالقًا‬
‫من استغالل هذا المناخ لجعل المواطن العربي تحت رحمة‬
‫الخطاب التخويفي‪ ،‬خاصة عندما يرتكز على مشاهد اآلخرة‬
‫وعذاب جهنم‪ ،‬وما ينتظر هذا المواطن الذي يجد نفسه‬
‫مستسلمًا لهذا الخطاب‪ ،‬كونه يتعلق بالنجاة مهما كانت‪،‬‬
‫ويتطلع إلى التخلص من األلم الذي يحاصره يوميًا‪ ،‬ويعمل‬
‫الخطاب الديني اإلعالمي عبر الفضائيات على التواصل مع‬
‫هذه اآلالم والتعايش معها‪ ،‬وتقديمها على أنها نتيجة‬
‫مباشرة لتقصير الحكام والقائمين على األمر العام من‬
‫خالل ابتعادهم عن تطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهو نتيجة‬
‫طبيعية لهذه القراءة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تقدم صورًا ووقائع‬
‫تسوق‬
‫ّ‬ ‫تاريخية متناقضة تمامًا مع الواقع الحالي‪ ،‬ولكنها‬
‫على أنها الحلول السحرية‪ ،‬وأن الواقع سيكون فيه من‬
‫المتعة واللذة‪ ،‬ما يجعل اإلنسان في موقع المستهلك‪ ،‬دون‬
‫أن يقوم بأدنى جهد وال يفكر في العمل أو التفكير في‬
‫مصيره‪ ،‬وكيفية العيش في الحياة والتكيف مع ظروفها‪،‬‬
‫ويسير الخطاب الديني نحو الماضي وليس التاريخ‪ ،‬ناشرًا‬
‫بذلك قيم الخمول والكسل والتراخي‪ ،‬ويدفع المستهلك‬
‫إلى التطلع إلى العوالم الخيالية البعيدة عن الواقعي‬
‫والمنطقي‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪33‬‬ ‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬

‫ا‬
‫الليــات‪ ،‬ومركبــة‬ ‫لعمليــة العالميــة الحديثــة‪ ،‬متشــابكة المفاهيــم‪ ،‬ومعقــدة آ‬
‫إ‬
‫الهــداف‪ ،‬ويغلــب عليهــا الكثـ يـر مــن التطــور والتغـ يـر‪ ،‬وتتجاذبهــا العديــد مــن‬ ‫أ‬
‫ـ� المســتوى النظــري‬ ‫وت�احــم فيهــا النظريــات‪ ،‬وهــي نتيجــة الجمــع بـ ي ن‬ ‫المــدارس‪ ،‬ت ز‬
‫أ‬
‫والتطبيقــي‪ ،‬ونتيجتهــا رســالة إعالميــة مختلفــة المجــاالت والهــداف‪ ،‬ممــا يجعــل‬
‫القــدام عــى اســتهالكها‪ ،‬ولكــن ف ي� الوقــت نفســه نواجــه صعوبــة اســتيعابها‬ ‫مــن الســهولة إ‬
‫ف‬
‫ـى تخلفهــا ي� واقــع الحيــاة إننــا إذ‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ي� الكثـ يـر مــن الحيــان‪ ،‬لنن المــر يتعلــق بالتأثـ يـرات الـ ي‬
‫العــام الدي ـ ي ال نريــد أن نتــورط كمــا يفعــل البعــض بالدعــوة إىل إقصــاء‬ ‫نتحــدث عــن إ‬
‫ز‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫هــذا النــوع مــن الخطــاب‪ ،‬وال يصــل المــر بنــا إىل التهليــل لــه‪ ،‬أو القــول بــأن ال�كـ يـر عليــه‬
‫ـا� والفكــري تجــاه‬ ‫أ ق‬ ‫�ض‬
‫أ ورة ملحــة‪�،‬ضولكننــا نــود فقــط‪ ،‬أن يتنبــه المســؤولون إىل الجانــب الخـ ي‬
‫ـى عايشــناها‬ ‫ت‬
‫الجيــال الحــا ة والقادمــة‪ ،‬وهــذا مــن خــال لفــت ت النظــر إىل خطورتــه الـ ي‬
‫طيلــة الســنوات الماضيــة‪ ،‬وأن التاريــخ يجعلنــا مح� ي ن‬
‫مــ�‪،‬‬
‫الخريــن‪ ،‬ممــن نجحــوا ف ي� اســتثمار‬ ‫إذا تمكنــا مــن مســايرة آ‬
‫ـى شــكلت مجتمعاتهــم‪ ،‬وحولوهــا إىل العملية اإلعالمية الحديثة‪،‬‬ ‫ت‬
‫الموروثــات الثقافيــة الـ ي‬
‫فــرص نجــاح‪ ،‬وحققــوا بهــا الكثـ يـر مــن إالنجــازات‪ ،‬وحمــوا بهــا متشابكة المفاهيم‪ ،‬ومعقدة‬
‫اآلليات‪ ،‬ومركبة األهداف‪ ،‬ويغلب‬ ‫المصالــح العليــا لبلدانهــم‪.‬‬
‫عليها الكثير من التطور والتغير‬ ‫العــام عمومــاً‪،‬‬
‫ومــن المعلــوم‪ ،‬أن تنــاول موضــوع إ‬
‫العالميــة عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬مــن أدق مجــاالت‬ ‫والرســالة إ‬
‫ن‬
‫العــام الديــ ي الــذي يحمــل‬ ‫ف‬
‫البحــث العلمــي ي� ســياق إ‬
‫�ش‬ ‫ن‬
‫مضامــ� الوحــي المعصــوم‪ ،‬ووقائــع الحيــاة الب يــة‬
‫ي‬ ‫مفهومــه‪ ،‬باعتبــاره وســيلة نقــل‬
‫ين‬
‫قوانــ� التاريــخ‪.‬‬ ‫بتغــر‬
‫ي‬ ‫المحكومــة‬
‫أ‬
‫العالميــة مهمــا كان مجالهــا‪ ،‬فإنهــا تقــوم عــى الركان التاليــة‪ :‬أوال ً‬
‫مؤكـ ٌـد أن العمليــة إ‬
‫ت‬
‫ـى تحملهــا‪ ،‬ورابع ـاً الرســالة‬
‫المرســل للرســالة‪ ،‬وثاني أـاً المســتقبل لهــا‪ ،‬وثالث ـاً الوســيلة الـ ي‬
‫المتضمنــة‪ ،‬وخامسـاً الثــر الــذي تنتجــه هــذه الرســالة‪ ،‬وإذ نختــار الحديــث عــن موضــوع‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬ ‫‪34‬‬

‫العــر�‪ ،‬ت‬
‫نعــرف‬ ‫ت‬
‫الــى يمــر بهــا الوطــن‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫بي‬ ‫العــام الديــ ي ‪ ،‬وبالــذات ي� المرحلــة الحاليــة ي‬ ‫إ‬
‫مســبقاً أنــه موضــوع مــن المفــروض أن يكــون نتــاج مجموعــة مــن الجهــود والدراســات‬
‫ـى تســعى لالقـ تـراب مــن تلــك الظاهــرة الدينيــة وتفهمهــا‪ ،‬وبالــذات ف ي� شــقها‬ ‫ت‬
‫الجماعيــة الـ ي‬
‫أ‬
‫العالمــي بواســطة مــا هــو متــاح مــن التقنيــات والســاليب البحثيــة الحديثــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫إ‬
‫بهــدف فهــم تلــك الظاهــرة‪ ،‬والســعي إىل تفكيــك مضمونهــا المفاهيمــي ورصــد تجســيداتها‬
‫الميدانيــة‪ ،‬والوقــوف عنــد نتائــج تمظهراتهــا وتعاطيهــا مــع القيــم الجديــدة‪ ،‬الناتجــة عــن‬
‫الوســاط الدينيــة‪.‬‬‫العمليــة العالميــة ف� أ‬
‫ي‬ ‫إ‬

‫‪ .1‬استراتيجية السلوك‬

‫الــى‬‫ت‬
‫عالميــة ي‬
‫ت‬
‫ال‬
‫الكبــر بالرســالة إ‬
‫ي‬ ‫يعمــل خطــاب القنــوات الدينيــة عــى االهتمــام‬
‫أ‬
‫ن‬
‫ـتهلك� عـ بـر اســراتيجية‬
‫ينتجهــا‪ ،‬لنــه يراهــن عــى التعاطــي مــع المنظومــة الســلوكية للمسـ ي‬
‫ـى‬ ‫ت‬ ‫معــدة مســبقاً مــن طــرف الهيئـ‬
‫ـات القائم فــة عــى هــذه القنــوات‪،‬أ وهــي الســلوكيات الـ ي‬‫أ‬
‫تكــون ف ي� الغالــب المســتهدف الســاس ي� الرســالة االعالميــة‪ ،‬لن المــراد هــو التحكــم‬
‫ـى يرســمها الخطــاب‬ ‫ف� إدارة ســلوك المواطــن وتوجيهــه وفــق أ‬
‫الهــداف االسـ تـراتيجية الـ ت‬
‫ي‬
‫الخــر‪ ،‬ســواء آ‬
‫الخــر القائــم ف ي�‬ ‫و� مقدمــة الســلوكيات العالقــة مــع آ‬ ‫يالديــن العالمــي‪ ،‬ف‬
‫ي‬ ‫ي إ‬
‫ـاس الــذي تأخــذه الصياغــة‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ـذا� أو ذلــك البعيــد عـ بـر تحديــد المعــى السـ ي‬ ‫المحيــط الـ ي‬
‫النهائيــة لهــذه العالقــة‪.‬‬
‫فالرســالة العالميــة للقنــوات الدينيــة موجهــة بالدرجــة أ‬
‫الوىل‪ ،‬إىل المؤمــن ال إىل‬ ‫إ‬
‫ن‬
‫القوانــ� الغيبيــة‬
‫ي‬ ‫المواطــن‪ ،‬والمؤمــن حســب هــذا الخطــاب المحكــوم بمجموعــة مــن‬
‫ـى يتــم تأويلهــا وتقديمهــا عــى أنهــا مســلمات مطلقــة‪ ،‬مدعــو إىل اســتهالكها والتســليم‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫لمنطقهــا‪.‬‬

‫الخبــاري الــذي يتـ�ئ عليــه خطــاب القنــوات الفضائيــة االسـ تـراتيجية‬ ‫أ‬
‫يشــكل الســلوب إ‬
‫الخبــاري ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫المهمــة ي� تســويق خطابهــا‪ ،‬وهــو الســلوب المســتمد مــن الـ تـراث الــردي إ‬
‫الحاديــث النبويــة‬‫الحكايــات والقصــص القديمــة‪ ،‬ويتــم ذلــك بالمــزج المتعســف ألســلوب أ‬
‫ـى تمتلــك التشــويق والجــذب‪ ،‬وتوقــع المســتهلك ف ي�‬ ‫ت‬
‫والحــوادث والوقائــع التاريخيــة‪ ،‬الـ ي‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ش�اكهــا الماضــوي‪ ،‬بالتحديــد للراغــب ي� العيــش ي� فضــاءات أخــرى تخفــف عنــه اللــم‬
‫اليومــي‪.‬‬
‫الكــرى ت‬
‫الــى تصنــع‬ ‫أ‬
‫في‬ ‫إن الظاهــرة عــى مســتوى الخطــاب‪ ،‬تمتــد إىل قــراءة الفــكار ب‬
‫العالميــة الدينيــة‪ ،‬انطالق ـاً مــن القامــوس اللغــوي المســتخدم ي� هــذا‬ ‫نســق العمليــة إ‬
‫أ‬
‫الخطــاب‪ ،‬مــروراً بالجهــاز المفاهيمــي الــذي يتعاطــى مــع هــذا القامــوس‪ ،‬لن ذلــك تــم‬
‫العالميــة الدينيــة‪ ،‬ســواء‬
‫ـى تؤطــر العمليــة إ‬‫ت‬
‫الخلفيــات الفكريــة الـ ي‬
‫ف‬
‫بفضــل الوقــوف عنــد‬
‫ف‬
‫النجــاز أو ي� مرحلــة مــا بعــد االســتهالك‪ .‬وقــد يغلــب هــذا االهتمــام عــى‬
‫كان ي� مرحلــة إ‬
‫الكثـ يـر مــن االهتمامــات‪.‬‬

‫العــام الديــن ي ‪ ،‬ومــا يتكبــده‬


‫إننــا‪ ،‬إذ نتنــاول هــذا الموضــوع‪ ،‬نعــرف مــا يعانيــه إ‬
‫الصحفيــون يومي ـاً‪ ،‬ف ي� مسـ يـرة النضــال ليــس مــن أجــل مشــهدية إعالميــة تــري الســاحة‬
‫ث‬
‫وتنعــش المشــهد‪ ،‬وتفتــح البــاب أمــام آفــاق جديــدة‪ ،‬بــل هــم ينافحــون مــن أجــل‬
‫الخ�يــة المهنيــة العاديــة‪ ،‬إننــا نعـ تـرف بأننــا نؤجــل أحالمنــا الم�ش وعــة‪ ،‬ولكــن نأمــل أن‬
‫ب‬
‫ف‬
‫الرادة أو الرغبــة ي� إمكانيــة االنتقــال إىل‬
‫يتجــه أولئــك الذيــن لــم تــزل فيهــم بواعــث إ‬
‫الخــرى مــن الواقــع‪.‬‬‫الضفــة أ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪35‬‬ ‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬

‫‪ .2‬عقيدة الخالص‬

‫النفس واالضطـراب االقتصادي‬ ‫ي‬ ‫ـر� يمتاز بالخــوف‬ ‫العـ ب ي‬ ‫إن المنــاخ الــذي يســود الوطــن‬
‫أ‬
‫والقلــق االجتماعــي‪ ،‬وذلــك يشــكل الرضيــة الخصبــة للقنــوات الدينيــة لالســتثمار فيــه‪،‬‬
‫العــر� تحــت رحمــة الخطــاب‬ ‫بي‬ ‫انطالقــاً مــن اســتغالل هــذا المنــاخ‪ ،‬لجعــل المواطــن‬
‫الخــرة وعــذاب جهنــم‪ ،‬ومــا ينتظــر هــذا‬ ‫التخويفــي‪ ،‬خاصــة عندمــا يرتكــز عــى مشــاهد آ‬
‫المواطــن الــذي يجــد نفســه مستســلماً لهــذا الخطــاب‪ ،‬كونــه يتعلــق بالنجــاة مهمــا كانــت‪،‬‬
‫أ‬
‫ويتطلــع إىل التخلــص مــن اللــم الــذي يحــارصه يوميـاً‪ ،‬ويعمــل الخطــاب الديـن ي إ‬
‫العالمــي‬
‫الالم والتعايــش معهــا‪ ،‬وتقديمهــا عــى أنهــا‬ ‫عــر الفضائيــات عــى التواصــل مــع هــذه آ‬
‫ب‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ش‬
‫نتيجــة مبــا�ة لتقصـ يـر الحــكام والقائمـ يـ� عــى المــر العــام مــن خــال ابتعادهــم عــن‬
‫الســامية‪ ،‬وهــو نتيجــة طبيعيــة لهــذه القــراءة ومــن ناحيــة أخــرى‪،‬‬ ‫تطبيــق ال�ش يعــة إ‬
‫تقــدم صــوراً ووقائــع تاريخيــة متناقضــة تمام ـاً مــع الواقــع الحـ ي‬
‫ـال‪ ،‬ولكنهــا تسـ ّـوق عــى‬
‫النســان‬
‫أنهــا الحلــول الســحرية‪ ،‬وأن الواقــع ســيكون فيــه مــن المتعــة واللــذة مــا يجعــل إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬
‫‪36‬‬

‫ـأد� جهــد وال يفكــر ف ي� العمــل أو التفكـ يـر ف ي� مصـ يـره‪،‬‬


‫ف� موقــع المســتهلك‪ ،‬دون أن يقــوم بـ ن‬
‫ـا�‬ ‫يوكيفيــة العيــش ف� الحيــاة والتكيــف مــع ظروفهــا‪ ،‬ويسـ يـر الخطــاب الديـن نحــو المـ ض‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وال�اخــي‪ ،‬ويدفــع المســتهلك إىل‬ ‫ـا�اً بذلــك قيــم الخمــول والكســل ت‬ ‫وليــس التاريــخ‪ ،‬نـ ش‬
‫التطلــع إىل العوالــم الخياليــة البعيــدة عــن الواقعــي والمنطقــي‪.‬‬

‫ـر�‪،‬‬ ‫ن ف‬
‫العــام الديـ ي ي� العالـ فـم العـ ب ي‬‫إن المتتبــع لســلوكيات التيــارات المنتجــة لخطــاب إ‬
‫ض‬
‫العالميــة ي� القضايــا‬ ‫ـى تعتمدهــا للســيطرة عــى الســاحة إ‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫تعــرف بممارســة الفــو� الـ ي‬
‫الدينيــة‪ ،‬وذلــك راجــع إىل الخلــل ي� الرؤيــة والســعي إىل مجــاراة مــا هــو ســائد ي� الســاحة‬
‫العالميــة الخاصــة‪ ،‬وتلــك‬ ‫العالميــة العالميــة‪ ،‬وهــو الخلــل الــذي يشــمل المؤسســات إ‬ ‫إ‬
‫العالميــة الدينيــة داخلي ـاً‪،‬‬ ‫التابعــة للدولــة‪ ،‬وتنتــج عنهــا رصاعــات قويــة تطبــع الســاحة إ‬
‫وهــو رصاع محمــوم وخطـ يـر‪ ،‬وإن لــم ينتبــه إليــه الكثـ يـر مــن المتتبعـ يـ�‪.‬ن‬

‫‪ .3‬التحوالت الكبرى‬

‫يعت� اسـ تـراتيجية‬


‫العــام الديـن ي مــن ناحيــة المضمــون أيديولوجية وهويــة‪ ،‬ب‬ ‫وباعتبــار إ‬
‫ـر�‪ ،‬عرفــت انتعاشــها البــارز بعــد مــا‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫ـى يعرفهــا العالــم العـ ب ي‬ ‫سياســية للتيــارات الدينيــة الـ ي‬
‫الســام هــو الدين الســائد ي� الوطن‬ ‫ـر�»‪ .‬وإذا إ‬ ‫ســمي بـ»الثــورات العربيــة» أو «الربيــع العـ ب ي‬
‫ـر�‪ ،‬وأحــد مكونــات الهويــة الوطنيــة‪ ،‬إال أن المرجعيــات الفقهيــة تنوعــت مــع ظهــور‬ ‫العـ ب ي‬
‫العــام الدينيــة‪ ،‬بســبب‬ ‫ف‬
‫الحــركات الدينيــة الحديثــة‪ ،‬وهــذا يجــد انعكاســه ي� وســائل إ‬
‫ـى مــرت بهــا المنطقــة العربيــة‪ ،‬وظهــور الجماعات المســلحة بمرجعية إســقاط‬ ‫ت‬
‫التغـ يـرات الـ ي‬
‫الســلطة النحرافهــا عــن الديــن‪ ،‬دفعــت الســلطة إىل نــزع الحجــة‬
‫باســتعادة الديــن مــن الجماعــات المســلحة‪ ،‬وقــد قامــت الســلطة‬
‫بذلــك بتصــور نفســها حاميــة للديــن‪ ،‬بينمــا قدمــت خصومهــا الرسالة اإلعالمية للقنوات‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫بوصفهــم خارجـ ي شـ� عنــه‪ ،‬فأصبــح الـراع بـ يـ� مــن يســتحوذ عــى الدينية موجهة بالدرجة‬
‫الديــن‪ ،‬لتعزيــز �عيتــه السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪.‬‬
‫األولى‪ ،‬إلى المؤمن ال إلى‬
‫المواطن‬ ‫العــام الديــن ي ف ي� أبعــاده المختلفــة أصبــح صناعــة‬ ‫إن إ‬
‫تجاريــة‪ ،‬وبالــذات عندمــا لقــي إقبــاال ً مــن طــرف الشــباب‪ ،‬فحــدث‬
‫العــام الديــن ي ‪ ،‬مــن صحــف وفضائيــات‬ ‫الســباق عــى إنشــاء إ‬
‫أ‬
‫إلك�ونيــة؛ لنــه يقــدم حلــوال ً آنيــة للشــباب عجــزت عنهــا الســلطة‬ ‫وإذاعــات ومواقــع ت‬
‫أ‬
‫والنخبــة السياســية‪ ،‬فالديــن يملــك تهدئــة للنفــوس‪ ،‬عــى القــل يعدهــم بآخــرة جميلــة‬
‫العالمية الرســمية‪،‬‬ ‫ـى تقــوم عليها الظاهــرة إ‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫الفكريــة والثقافيــة الـ ي‬
‫أ‬
‫ومريحــة‪ .‬إن المرجعيــات‬
‫تتصــادم مــع المرجعيــات اليديولوجيــة للســلطة القائمــة‪ ،‬وتتــورط ي� تهديــم الكثـ يـر مــن‬
‫ـى تعمــل الســلطة عــى تحقيقهــا‪ ،‬ويرجــع ذلــك إىل غيــاب اسـ تـراتيجية واضحــة‬ ‫أ‬
‫الهــداف الـ ت‬
‫العالميــة الدينيــة ت‬ ‫ي‬
‫إلك�وني ـاً‪،‬‬ ‫للســلطة حــول هــذا الملــف المهــم‪ .‬دون إغفــال الظاهــرة إ‬
‫الوهــا� والجماعــات المســلحة‪ ،‬الــذي تمكــن مــن الســيطرة‬ ‫ت‬
‫والــى يتفــوق فيهــا التيــار‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫العالمــي للمؤسســة الرســمية‪ .‬وسيشــهد المســتقبل الكثـ يـر مــن التطــور‬ ‫عــى الخطــاب إ‬
‫والســيطرة لهــذا الخطــاب الــذي ينــذر بنتائــج خطـ يـرة‪.‬‬

‫‪ .4‬مركزية الكون الشيعية‬

‫إن البعــد الشــيعي ف ي� خطــاب القنــوات الدينيــة‪ ،‬يقــدم واليــة الفقيــه عــى أنهــا‬
‫ـال والـر ق يا� الــذي تطمــح إليــه الشــعوب العربيــة‪ ،‬وهــو التســويق‬
‫ـياس المتعـ ي‬
‫السـ ي‬ ‫النمــوذج‬
‫اليرانيــة الغربيــة‪ ،‬حــول الملــف‬ ‫ف‬
‫الــذي يتــم ي� منــاخ التطــورات الجديــدة لملــف العالقــات إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪37‬‬ ‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬

‫ف‬
‫وتأث�اتهــا عــى جغرافيــة المنطقــة‪.‬‬ ‫اليـر ن يا� ي� ظــل التوقعــات المفاجئــة ي‬
‫للكث�يــن‪ ،‬ي‬ ‫النــووي إ‬

‫إال أن الملفــت لالنتبــاه ف ي� خطــاب القنــوات الدينيــة الشــيعية‪ ،‬أنهــا تحــاول أن تعتمــد‬
‫بــ� أهــل الســنة وفــرق‬‫المــا�‪ ،‬ف� الــراع التاريخــي ي ن‬
‫ض‬ ‫عــى تجــاوز عقبــات منغصــات‬
‫ي ي‬
‫الشــيعة‪ ،‬إال مــا يخــدم الخطــاب إالعالمــي الجديــد‪ ،‬عـ بـر تنــاول موضــوع العدالــة الكونيــة‪،‬‬
‫ـ� الحــق والباطــل‪ ،‬باعتبــار الشــيعة تملــك الحــل أ‬
‫المثــل لهــذه القضيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫والـراع بـ ي ن‬
‫ـ� الخطــاب المســيحي التقليــدي‪.‬‬ ‫ف� ذلــك تتماهــى مــع مضامـ ي ن‬
‫ي‬
‫وال تغفــل القنــوات الدينيــة الشــيعية االشــتباك مــع التيــارات‬
‫ـى تجعلهــا ف ي� خطابهــا النموذج إن اإلعالم الديني في أبعاده‬ ‫ت‬
‫الســنية‪ ،‬وبالــذات الوهابيــة منهــا الـ ي‬
‫ف‬
‫للســام‪ ،‬وهــو النمــوذج ت الــذي يتخبــط ي� التناقضــات المختلفة أصبح صناعة‬ ‫الفاشــل إ‬
‫ـى ال تصمــد أمــام مــا يقدمــه‬ ‫الفكريــة والمذهبيــة التاريخيــة‪ ،‬الـ ي‬
‫وأدلــة‪ ،‬وبذلــك يجعــل الخطــاب تجارية‪ ،‬وبالذات عندما لقي‬ ‫الخطــاب الشــيعي مــن حجــج‬
‫ً‬
‫الشــيعي المرجعيــة الدينيــة إاليرانيــة‪ ،‬هــي مركــز العالــم؛ تتحكــم إقباال من طرف الشباب‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫الســامي‬ ‫ي� مصدريــة الحــق المطلــق‪ ،‬ليــس ي� الفضــاء الدي ـن ي إ‬
‫فحســب‪ ،‬بــل ف ي� العالــم كلــه‪ ،‬وكل مــن يخالفهــا أو يختلــف معهــا‬
‫فهــو خــارج إطــار الحيــاة‪ ،‬ويحــرم مــن كل الحقــوق الطبيعيــة لالنخ ـراط ف ي� الدنيــا‪.‬‬

‫ف ي� ظــل التدفــق الرهيــب لخطــاب القنــوات الدينيــة الخاصــة‪ ،‬تت�اجــع مكانــة القنــوات‬
‫الحكوميــة مــن حيــث العــدد ومــن حيــث الكثافــة؛ فهــي قنــوات تنتــج يومي ـاً مــن المــواد‬
‫ين‬
‫المســتهلك� يزيــدون نفــوراً منهــا‪ ،‬خاصــة تلــك المــواد الدينيــة‬ ‫العالميــة‪ ،‬مــا يجعــل‬ ‫إ‬
‫العالميــة التقنيــة والفنيــة‪ ،‬وتســارع إىل بت�يــر الواقــع‪ ،‬وتســعى‬
‫ـى تبتعــد عــن المعايـ يـر إ‬‫ت‬
‫أ‬ ‫الـ ي‬
‫ن‬
‫إىل صناعــة مســافة كبـ يـرة بينهــا وبـ يـ� المواطــن العــادي‪ ،‬لن النخــب القائمــة عــى هــذه‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬
‫‪38‬‬

‫الــر ث يا� الديــن ي للمجتمــع‪ ،‬وتجــد‬


‫القنــوات تفتقــد إىل روح المبــادرة‪ ،‬وتتجاهــل الرصيــد ت‬
‫نفســها محرومــة مــن إمكانيــة االســتفادة مــن المؤسســات الدينيــة التقليديــة‪.‬‬

‫‪ .5‬التخبط الرسمي‬

‫ـى‬ ‫ت‬ ‫�ض‬ ‫ن ف‬


‫العــام الدي ـ ي ي� الوقــت الحــا ‪ ،‬ليســت بتلــك المهمــة الســهلة أالـ ي‬ ‫إن صناعــة إ‬
‫يمكــن أن تقــوم بهــا أيــة نخــب مهمــا كانــت مســتوياتها‪ ،‬وبالــذات عندمــا يتعلــق المــر‬
‫النفــ� للمجتمــع‪ ،‬ف ي� ظــل التحــوالت‬ ‫بالتعامــل مــع المخيــال االجتماعــي‪ ،‬والنســق‬
‫العميقــة الـ تـى يشــهدها الوطــن العــر�‪ ،‬ممــا يجعــل اليعــام الدي ـن الرســمي‪ ،‬يغــرق �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫ي‬
‫أزمــة عنيفــة ومعقــدة نظـراً لغيــاب اسـ تـراتيجية واضحــة لهــذا الموضــوع مــن طــرف النخــب‬
‫الحاكمــة‪ ،‬إضافــة إىل ذلــك الـ تـردد وعــدم القــدرة عــى اتخــاذ الق ـرار المناســب‪ ،‬وضيــق‬
‫ـى تبقــى محرومــة مــن‬ ‫ت‬ ‫مســاحة المبــادرة للقائمـ ي ن‬
‫ـمية‪ ،‬الـ ي‬
‫ف‬
‫ـ� عــى إدارة القنــوات الدينيــة الرسـ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الب�وقراطيــة التقليديــة‪.‬‬ ‫البداعيــة للجيــال الجديــدة‪ ،‬وتزيدهــا اليــام غرقـاً ي� ي‬ ‫القــدرات إ‬

‫تســاهم النخــب الرســمية ف ي� توســيع ســيطرة نفــوذ خطــاب القنــوات الدينيــة‪ ،‬مــن‬
‫ـكا� تدفــق خطــاب‬ ‫خــال تكلســها وجمودهــا وعجزهــا عــن إنتــاج خطــاب إعالمــي مــواز‪ ،‬يـ ف ئ‬
‫الكثــر مــن التجاهــل وعــدم‬ ‫ي‬ ‫القنــوات الدينيــة‪ ،‬بــل تبــدي‬
‫االهتمــام‪ ،‬مــن خــال أســلوب الهــروب والتهــرب مــن مواجهــة‬
‫حقيقيــة لهــذا الخطــاب‪ ،‬بالرغــم مــن إالمكانيــات المعرفيــة‪ ،‬نالحظ أن الكثير من رؤوس‬
‫ونتائــج تراكــم تجربــة الممارســة الدينيــة للمؤسســات األموال غير المنتمية للتيارات‬
‫الكثــر مــن الفــرص لمواجهــة حقيقيــة الدينية‪ ،‬أصبحت تستثمر في‬ ‫ي‬ ‫التقليديــة‪ ،‬تمنــح‬
‫لمنتــوج القنــوات الدينيــة الخاصــة‪ ،‬وبالــذات تلــك النتائــج‬
‫تخ�نهــا المنظومــة القيميــة االجتماعيــة ف� أبعادهــا القنوات الدينية‪ ،‬ألن مردودها‬ ‫الــى ت ز‬
‫ت‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫التاريخيــة‪ ،‬المتمثلــة ي� التســامح وفضائــل العيــش المشـ تـرك‪ ،‬من اإلشهار كبير‬
‫والنفــ� للمجتمــع‪.‬‬
‫ي‬ ‫وفعاليــة النســق االجتماعــي‬

‫‪ .6‬رأس المال الديني‬

‫العالمــي‬
‫ـرات العامــة للمشــهد إ‬ ‫يعــد التوالــد الكثيــف للقنــوات الدينيــة‪ ،‬مــن الممـ ي ز‬
‫الجديــد الــذي يرتكــز عــى التعدديــة واالبتعــاد عــن الطابــع الحكومــي‪ ،‬ويتــوج حركــة‬
‫المــوال الــذي ترغــب ف ي� تحقيــق معــدالت‬ ‫المبــا� لــرؤوس أ‬
‫ش‬ ‫العــام بالتدخــل‬ ‫صناعــة إ‬
‫للربــاح‪ ،‬وعنــد االبتعــاد عــن ســلوكيات االتهــام للجهــات الممولــة لهــذه القنــوات �ف‬ ‫كــرى أ‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫أ‬
‫ـر�‪ ،‬نالحــظ أن الكثـ يـر مــن رؤوس المــوال غـ يـر المنتميــة للتيــارات الدينيــة‪،‬‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫العالــم العـ ب ي‬
‫المعلن�ن‬
‫ي‬ ‫الشــهار كبـ يـر‪ ،‬بتفضيــل‬‫أصبحــت تســتثمر ي� القنــوات الدينيــة‪ ،‬لن مردودهــا مــن إ‬
‫مــن أصحــاب الســلع االســتهالكية الذيــن يفضلــون تســويقها عـ بـر القنــوات الدينيــة‪ ،‬عــى‬
‫أســاس أن هــذه القنــوات لهــا جمهــور عريــض‪ ،‬يتجــاوز الحــدود‪ ،‬وأن إمكانيــة تصديقهــا‬
‫مــن طــرف المسـ ي ن‬
‫ـتهلك� متوفــرة بدرجــة عاليــة‪.‬‬

‫العالمــي للقنــوات الفضائيــة نفســه منســجماً مــع طبيعــة الفــرص‬ ‫يجــد الخطــاب إ‬
‫ن‬
‫المســتهلك� مــن خــال منطــق‬ ‫الــى تتيــح لــه الوصــول إىل‬‫ت‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫التكنولوجيــة الجديــدة‪ ،‬ي‬
‫العلويــة‪ ،‬الـ ت‬
‫ـى يــر عــى أنهــا ســماوية‪ ،‬ومــن خــال الفضــاء الــذي‬ ‫ي‬ ‫ـى تمتطيهــا رســالته الـ‬
‫ي‬
‫الكيــا� الوجــودي للمســتهلك‪ ،‬ويحرمــه‬ ‫ن‬ ‫يكثــف القدســية فيهــا‪ ،‬ويجعلهــا مهيمنــة عــى‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫مــن إمكانيــة النقــد أو المراجعــة‪ ،‬وهنــاك تطابــق كبـ يـر � المخيــال التــداول العــام‪ ،‬بـ يـ�ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� المســار التاريخــي لمفهــوم‬ ‫العالمــي للقنــوات الدينيــة‪ ،‬وبـ ي ن‬ ‫العالميــة والتدفــق إ‬ ‫الرســالة إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪39‬‬ ‫القنوات الدينية ومعابر «االنتحار» الفضائية‬

‫ـى تســهل كثـ يـراً عمليــات االســتهالك اليومــي لمنتوجــات‬‫ت‬


‫الوحــي والتوجيهــات الغيبيــة‪ ،‬الـ ي‬
‫هــذه القنــوات‪.‬‬

‫الرصار‬ ‫ف‬ ‫الساســية‪ ،‬والخاصيــة الممـ ي ز‬‫الطبيعــة أ‬


‫ـرة لخطــاب القنــوات الدينيــة‪ ،‬تـ بـرز ي� إ‬
‫والقصــاء المطلــق‬ ‫ـكل للحقيقــة إ‬ ‫ـاك الـ ي‬ ‫المتواصــل عــى اعتمــاد الصوابيــة المطلقــة‪ ،‬واالمتـ‬
‫الطــار‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫آ‬
‫لــكل الراء ووجهــات النظــر المختلفــة الخــرى‪ ،‬ليــس ي� المنظــور العــام‪ ،‬وإنمــا ي� إ‬
‫وحــى ف ي� االتجــاه والمذهــب الواحــد‪ ،‬فــكل رأي أو‬ ‫الــذا� للمنظومــة الدينيــة نفســها‪ ،‬ت‬
‫ي‬
‫ت‬
‫ف‬
‫وجهــة نظــر مخالفــة‪ ،‬تنــدرج ي� ســياق الباطــل الشــنيع‪ ،‬الــذي يجــب تجنبــه واالبتعــاد عنــه‬
‫الســلوب الــذي‬ ‫وازدراؤه‪ ،‬والمســارعة إىل محاربتــه وإزالتــه وصاحبــه مــن الوجــود‪ ،‬وهــو أ‬
‫وال�مــت ف ي� اعتناقــه‪ ،‬والتطــرف ف ي� ممارســته‬
‫الحاديــة والتعصــب الشــديد للموقــف ت ز‬ ‫يكــرس أ‬
‫ـأ�‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫مــن خــال المــزج التعســفي بـ يـ� الـرأي ووجهــة النظــر‪ ،‬وبـ يـ� المصــدر المنتــج لــه‪ ،‬وتـ ي‬
‫بعــد ذلــك جهــود إزالــة عمليــات التأويــل وإلصــاق المصــدر مــع منتوجاتــه ومنحوتاتــه‬
‫ن‬
‫االســلوب معتم ثــد مــن طـ فـرف الخطــاب الدي ـ ي‬‫أ‬
‫الفكريــة والثقافيــة واالجتماعيــة‪ .‬وإن هــذا‬
‫العالمــي‬ ‫بصفــة عامــة‪ ،‬إال أن نتائجــه المثمــرة تبــدو لصحابــه أكــر أهميــة ي� المجــال إ‬
‫وخاصــة ف ي� أبعــاده الســلوكية‪.‬‬

‫‪ .7‬آفاق المستقبل‬

‫كبــر‪ ،‬وأصبــح‬‫العــر�‪ ،‬بشــكل ي‬


‫بي‬ ‫العقــا� ف ي� الوطــن‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫لقــد تراجعــت حركــة النقــد‬
‫تعاطــي النخــب مــع التيــارات الدينيــة‪ ،‬صداميــاً‪ ،‬وذلــك مــا يشــكل الفرصــة التاريخيــة‬
‫ـ� تحقــق المزيــد مــن االنتصــارات‪ ،‬ألن المجــال الصدامــي هــو مناخهــا‬ ‫له أــذه التيــارات‪ ،‬لـ ي‬
‫الشــع� العــام‪،‬‬
‫بي‬ ‫الفضــل الــذي تحبــذه وتنجــز فيهــا انتصاراتهــا‪ ،‬مســتعينة بالمخيــال‬
‫العالمــي‬ ‫ف‬
‫ومخزونــات تصوراتــه عــن مفاهيــم الديــن والتديــن‪ ،‬وقــد بــرز ذلــك ي� المجــال إ‬
‫العالميــة‪ ،‬ودخلــت‬ ‫ف‬
‫بصفــة أكـ بـر‪ ،‬عندمــا جعلــت التيــارات الدينيــة كل ثقلهــا ي� الرهانــات إ‬
‫ـال لخطــاب‬ ‫إىل المجــال الخـأـاص للمواطــن‪ ،‬جاعلــة مــن أخطابهــا المقابــل النئــدي والمتعـ ي‬
‫ـا� لهــذا المواطــن‪ ،‬الــذي‬
‫بقيــة النخــب الخــرى‪ ،‬مســتعينة بالتبشـ يـر الخــروي كمنفــذ نهـ ي‬
‫تخلــت عنــه بقيــة النخــب ونزعتــه مــن اهتماماتهــا‪ ،‬وفقــدت القــدرة عــى التواصــل معــه‪.‬‬

‫الساســية أمــام النخــب ف ي� المرحلــة القادمــة‪ ،‬االشــتباك مــع‬ ‫ســيكون مــن التحديــات أ‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫ـى تتطلــب الكثـ يـر من الوعــي بالبنيات‬ ‫الخطــاب الديـن ي ي� الســاحة إ‬
‫العالميــة الفضائيــة‪ ،‬والـ ي‬
‫التدم�يــة عــى‬
‫ي‬ ‫العالمــي‪ ،‬والعمــل عــى التقليــل مــن أخطــاره‬ ‫المؤسســة لهــذا الخطــاب إ‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫ـى تهــدد بنســف نســق العيــش المشــرك‪ ،‬ونــر الرصاعــات الصفرية‬ ‫ت‬
‫البنيــة االجتماعيــة‪ ،‬الـ ي‬
‫ت‬
‫ـى تســعى إىل تجســيد المرجعيــة الواحــدة الرافضــة لــكل إمكانيــة التعدديــة الطبيعيــة‬ ‫الـ ي‬
‫ف‬
‫واالختــاف المنطقــي ي� بنيــة الخلــق‪.‬‬

‫ـى ينطلــق منهــا الخطــاب الديـن ي ف ي� العــر الحديــث‪ ،‬تبتعــد‬ ‫ي‬


‫المســاحة الفضائيــة الـ ت‬
‫ـى تســعى إىل ممارســة‬ ‫المن�يــة التقليديــة المتعاليــة‪ ،‬الـ ت‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي� مخيــال صناعــة عــن المفاهيــم ب‬
‫ـى تقــع‪ ،‬حســبها‪ ،‬ف ي� أجــواء الضاللــة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫ش‬
‫ـلوكيات الدعويــة‪ ،‬ونــر الهدايــة للب يــة‪ ،‬الـ ي‬ ‫السـ‬
‫ف‬
‫وهــو المــر الــذي يتطلــب جهــوداً وتضحيــات تاريخيــة مــن رواد هــذا الخطــاب‪ ،‬ي� انتظــار‬ ‫أ‬
‫الكــرى ف ي� مرتكــزات‬ ‫أ‬
‫تحقيــق أهدافــه الكونيــة‪ ،‬ومــا لــم يتــم االنتبــاه إىل هــذه البعــاد ب‬
‫الخطــاب الديـن ي إعالميـاً‪ ،‬يكــون مــن الصعوبــة الكـ بـرى إمكانيــة تصــور انفـراج ف ي� مســتقبل‬
‫المنطقــة العربيــة‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫�ن ف‬ ‫ت‬ ‫‪40‬‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫بقلم ‪ :‬د‪ .‬سعيد بحير‬


‫مغر� ف ي� علم النفس‬
‫باحث ب ي‬
‫السياس‬
‫ي‬

‫الشروط النفسية‬
‫والتربوية لإلعالم‬
‫الديني‬
‫في العالم العربي‬
‫اإلسالمي‬
‫يعرف العالم المعاصر ثورة كبيرة في مجال اإلعالم‬
‫السمعي البصري مند نهاية القرن العشرين وبداية القرن‬
‫الحالي‪ ،‬حيث ظهر كثير من القنوات الفضائية التي أصبحت‬
‫في متناول الناس من مختلف األعمار والشرائح االجتماعية‪،‬‬
‫وأصبح الولوج إلى هذه القنوات الفضائية سهال‪ ،‬وخصوصا‬
‫من طرف األطفال والشباب‪ .‬ومن أهم العوامل التي تجعل‬
‫الشباب واألطفال يتفاعلون مع هذه الوسائل اإلعالمية‬
‫وينجذبون نحوها هو ما تقدمه من مادة إعالمية غنية‬
‫بالمثيرات والتشويق والمتعة الفنية‪ ،‬وما تعتمد عليه من‬
‫تقنيات متطورة في التأثير على السلوك واالنتباه واالتجاهات‬
‫واألفكار‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪41‬‬ ‫�ن ف‬ ‫ت‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫ُم‬
‫ف‬
‫العالميــة تقــدم‬ ‫نْــذُ بدايــة ظهورهــا ي� القــرن الع�ش يــن‪ ،‬كانــت القنــوات إ‬
‫مــواد متنوعــة رياضيــة وثقافيــة وفنيــة ودينيــة وترفيهيــة‪ ،‬ومــع الوقــت‬
‫ن‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� والف ـ ي‬
‫ظهــرت ف قنــوات فضائيــة متخصصــة ي� المجــال فالدي ـ ي ‪ ،‬والريـ ي‬
‫والثقــا�‪ .‬وكانــت القنــوات الفضائيــة الدينيــة ي� بدايــة ظهورهــا تقــوم‬ ‫ي‬
‫والرشــاد والتوجيــه الديـن ي ‪ ،‬وكان يطغــى عليهــا الطابــع التقليــدي‪،‬‬ ‫بعــرض برامــج للوعــظ إ‬
‫والرشــاد‪ ،‬مــا‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫ـى تتضمــن الفتــاوى الدينيــة إ‬ ‫ال�امــج الحواريــة‪ ،‬أو المــواد الـ ي‬
‫ســواء ي� تقديــم ب‬
‫ـ� والسياسـ ي ن‬
‫ـي�‪.‬‬ ‫ـ� والمربـ ي ن‬
‫جعلهــا عرضــة لالنتقــادات والمعارضــة مــن طــرف المثقفـ ي ن‬

‫الســئلة حــول طبيعــة‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬أثــار انتشــار هــذه الفضائيــات العديــد مــن أ‬
‫ـل� عــى‬
‫ـا� والسـ ب ي‬ ‫العــام الديـن ي وأهدافــه وفائدتــه بالنســبة إىل المجتمــع‪ ،‬وتأثـ يـره إ‬
‫اليجـ ب ي‬ ‫إ‬
‫ســلوك النــاس وأفكارهــم واتجاهاتهــم‪ .‬وتباينــت وجهــات‬
‫والجابــة عنهــا‪ ،‬ي ن‬
‫بــ� مؤيــد‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫النظــر ي� طــرح هــذه الســئلة إ‬
‫لــرض ورة وجــود إالعــام الديــن ي ‪ ،‬ومعــارض لهــذا النــوع إن كثيرًا من القنوات الفضائية‬
‫�ض‬ ‫ن‬
‫مــن إالعــام‪ ،‬وبـ يـ� مــن يــرى ورة تطويــر هــذا إالعــام تكرس اغتراب اإلنسان العربي‬
‫ال�امــج وموادهــا‪.‬‬
‫وإدخــال إصالحــات عــى تقديــم ب‬
‫المسلم عن قيمه الدينية‬
‫والثقافية‪ ،‬وتشوه صورة‬ ‫العالمــي الديــن ي ف ي�‬ ‫المدافعــون عــى �ض ورة حضــور إ‬
‫اإلسالم والمسلمين‬ ‫كبــراً عرفتــه‬
‫العالمــي‪ ،‬يــرون بــأن هنــاك تحــوال ً ي‬ ‫المشــهد إ‬
‫ت‬
‫الــى تركــز عــى ال�فيــه‬ ‫ت‬
‫أ‬ ‫العــام الغربيــة الحديثــة ي‬ ‫وســائل إ‬
‫والمتعــة الماديــة‪ ،‬وتغيــب فيهــا القيــم الخالقيــة‪ ،‬والفــن‬
‫ال ـر ق يا� الــذي يهــدف إىل تربيــة الــذوق الســليم‪ .‬إن كثـ يـراً مــن‬
‫ـر� المســلم عــن قيمــه الدينيــة والثقافيــة‪،‬‬ ‫النســان العـ ب ي‬‫القنــوات الفضائيــة تكــرس اغـ تـراب إ‬
‫ـلم�‪ ،‬وتعمــل عــى تضليــل ال ـرأي العــام بمجموعــة مــن‬ ‫الســام والمسـ ي ن‬ ‫وتشــوه صــورة إ‬
‫ـلم�‪ .‬وهكــذا‪ ،‬وجــب ظهــور‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫الســامي وحيــاة المسـ ي‬ ‫المغالطــات والكاذيــب عــن الديــن إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫�ن ف‬ ‫ت‬ ‫‪42‬‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫ـى هــي‬ ‫ت‬ ‫أ‬


‫ـ� توضــح هــذه الحقائــق‪ ،‬فوتعـ بـر عــن وجهــة النظــر الخــرى الـ ي‬ ‫هــذه القنــوات لـ ي‬
‫المســلم�‪.‬ن‬
‫ي‬ ‫غائبــة عــن المجتمعــات الغربيــة‪ ،‬وتســاهم ي� توعيــة‬

‫العــام الدي ـن ي ف ي� الوقــت‬ ‫العــام الدي ـن ي ‪ ،‬فيعتقــدون أن إ‬ ‫أمــا المعارضــون لوجــود إ‬


‫الحــا�ض ‪ ،‬أصبــح ف ي� كثـ يـر مــن القنــوات الفضائيــة يعتمــد عــى ترويــج أفــكار أيديولوجيــة‬
‫ن‬ ‫ث‬ ‫ن‬
‫سياســية وعقائديــة أو مذهبيــة‪ .‬ومفــا دام الفكــر الدي ـ ي مرتبط ـاً أكــرأ بالجانــب الوجـ ي‬
‫ـدا�‬
‫العــام الديـن ي توظيــف هــذه الفــكار لكســب قاعــدة‬ ‫للنســان‪ ،‬يحــاول بعــض الفاعلـ ي ن‬
‫ـ� ي� إ‬ ‫إ‬
‫ـتمع� أو المشــاهدين‪ ،‬وخلــق الرغبــة أو الطلــب عــى هــذه المنتجــات‬ ‫ن‬ ‫عريضــة مــن المسـ ي‬
‫العــام الديـن‬‫العــام‪ ،‬وهكــذا تحــول إ‬ ‫والقبــال عــى رمــوز هــذا النــوع مــن إ‬
‫العالميــة‪ ،‬إ‬ ‫إ‬
‫ي‬
‫إىل خدمــة أغـراض سياســية ومذهبيــة بعيــدة عــن الديــن والعقيــدة‪.‬‬

‫العالميــة حســب هــذا االتجــاه‪ ،‬تخضــع لمقتضيــات المنافســة ف ي�‬ ‫إن المــواد إ‬
‫والشــهار‪ ،‬ولمقتضيــات توجهــات السياســات الدينيــة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬نجــد‬ ‫العــام إ‬ ‫ســوق إ‬
‫ن‬
‫دينيــ�»‪ ،‬يقومــون‬
‫ي‬ ‫ن‬
‫«منشــط�‬
‫ي‬ ‫هــذه القنــوات تعتمــد عــى‬
‫والســرة النبويــة‬
‫ي‬ ‫باســتخدام القــرآن والموعظــة الدينيــة‪،‬‬
‫اســتخداما نفعيــا الســتقطاب أكـ بـر عــدد ممكــن مــن النــاس اإلعالم الديني بمثابة مؤسسة‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ث‬
‫أكــر مــن االهتمــام بالمضمــون الديــ ي ‪ ،‬ولن االســتقطاب للتنشئة االجتماعية والتربوية‬ ‫ت‬
‫العجــاب‪ ،‬فــإن المضمــون يغلــب عليــه طابــع‬ ‫يفــرض إ‬
‫انفعــال‪ ،‬ال يخاطــب العقــل بقــدر مــا يخاطــب الوجــدان أو تمرر مجموعة من القيم‬
‫ي‬
‫واألفكار‪ ،‬وتعمل على ترسيخ‬ ‫الالشــعور‪.‬‬
‫سلوكيات وقواعد أخالقية‬
‫يــرى ال ـرأي الثالــث أن الحاجــة تقت ـض ي تنوع ـاً واختالف ـاً‬
‫العالميــة الختــاف التوجهــات‪ ،‬واالهتمامــات وتنوع‬ ‫ف‬
‫ي� المــادة إ‬
‫الفــكار والمعتقــدات‪ .‬ولهــذا‪ ،‬فكمــا أن هنــاك إعالم ـاً رياضي ـاً وترفيهي ـاً‬ ‫أ‬
‫وثقافيــاً وســينمائياً وفنيــاً‪ ،‬فــا بــد أن يكــون هنــاك إعــام ديــن ‪ ،‬عــى ش�ط أن ت‬
‫يحــرم‬ ‫ي‬ ‫أ‬
‫فالعــام‬‫العالميــة أذواق النــاس ورغباتهــم ومعتقداتهــم‪ .‬إ‬ ‫كل نــوع مــن هــذه النــواع إ‬
‫الجســاد عاريــة‬ ‫وأ�طــة إباحيــة تظهــر فيــه أ‬ ‫ينــر صــورا ش‬ ‫ئ‬
‫الســينما� والفــن يجــب أال ش‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ت‬
‫العــام الدي ـ ي‬
‫ـ�ء لمعتقــدات المشــاهد المســلم‪ .‬كمــا أن إ‬ ‫ـى تـ ي‬
‫وغ�هــا مــن المــور الـ ي‬‫ي‬
‫ال يمكنــه تقديــم برامــج تشــجع المشــاهد أو المســتمع عــى التشــدد والغلــو أو الكراهيــة‬
‫للخــر‪.‬‬‫آ‬

‫ـى تحيــد عــن الرســالة‬‫ت‬ ‫أ‬


‫ال�امــج الـ ي‬
‫وحســب هــذا الـرأي الخـ يـر‪ ،‬ال بــد مــن مراجعــة كل ب‬
‫الــى تهــدف إىل التثقيــف والتوعيــة ت‬ ‫العالميــة النبيلــة ت‬
‫وال�بيــة‪ ،‬والعمــل عــى تطويــر‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫ن‬
‫العالمــي الديــ ي ‪ ،‬وخلــق برامــج جديــدة بمناهــج وتقنيــات جديــدة‪ ،‬وجلــب‬ ‫الخطــاب إ‬
‫ـط� شــباب لبحــث مواضيــع الديــن بطرائــق عرصيــة حديثــة‪ ،‬وربــط قضايــا الديــن‬ ‫منشـ ي ن‬
‫بالواقــع اليومــي‪.‬‬
‫وعــى العمــوم‪ ،‬يمكننــا أن نؤكــد ميلنــا لهــذا ال ـرأي أ‬
‫الخـ يـر الــذي نعتـ بـره قريبــا مــن‬
‫للعــام الدي ـن ي ‪.‬‬ ‫العقــل والمنطــق العلمــي‪ ،‬ويمكــن أن يحقــق فائــدة كبـ يـرة للمسـ ي ن‬
‫ـتهلك� إ‬
‫الــى تســاعد عــى‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫لهــذا‪ ،‬فإننــا ســنتخذ نهــذا الموقــف كأســاس لعــرض بعــض الفــكار ي‬
‫الســامي‪.‬‬ ‫ـر� إ‬‫العــام الدي ـ ي بالعالــم العـ ب ي‬
‫تطويــر إ‬

‫العــام الديــن ي ف ي� العالــم‬ ‫الغــرض مــن هــذا المقــال‪ ،‬هــو التعــرف عــى ماهيــة إ‬
‫ش‬
‫الساســية‪ ،‬والتطــرق إىل الــروط النفســية‬ ‫العــر� الســامي‪ ،‬واالطــاع عــى وظائفــه أ‬
‫بي إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪43‬‬ ‫�ن ف‬ ‫ت‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫وال�بويــة ال�ض وريــة لنجــاح إ‬


‫العــام الديــن ي ‪ ،‬والوســائل العمليــة لتطويــر أدوات هــذا‬ ‫ت‬
‫العــام وتجديــد برامجــه لتكــون مفيــدة لجميــع ش�ائــح المجتمــع‪.‬‬ ‫إ‬
‫العالم ن‬
‫الدي� ووظائفه النفسية واالجتماعية‬ ‫أوال‪ :‬ماهية إ‬
‫ي‬
‫ـ� مؤسســة إعالميــة ذات توجــه دي ـن ي ‪،‬‬‫العــام الدي ـن عمليــة تواصــل جمعــي بـ ي ن‬
‫ي‬ ‫إ‬
‫جماهــر واســعة هدفهــا تقديــم مــواد إعالميــة تتصــل بحيــاة النــاس الدينيــة‬
‫ي‬ ‫ين‬
‫وبــ�‬
‫العــام الديــن ي عــادة وســائل تكنولوجيــة متقدمــة تعتمــد‬ ‫واالجتماعيــة‪ .‬ويســتخدم إ‬
‫ن‬
‫والعــام الديـ ي يتفاعــل مــع‬ ‫أ‬
‫شــبكات االتصــال‪ ،‬والمعلومــات عـ بـر القمــار االصطناعيــة‪ .‬إ‬
‫ن‬
‫الجماهـ يـر مــن خــال رســائل أو أفــكار أو خـ بـرات ذات مضامـ يـ� دينيــة اجتماعيــة‪ .‬وعــى‬
‫العــام الدي ـن ي بمثابــة مؤسســة للتنشــئة االجتماعيــة‬ ‫أ‬
‫هــذا الســاس‪ ،‬يمكننــا أن نعتـ بـر إ‬
‫والفــكار‪ ،‬وتعمــل عــى ترســيخ ســلوكيات وقواعــد‬ ‫وال�بويــة تمــرر مجموعــة مــن القيــم أ‬‫ت‬
‫أخالقيــة‪.‬‬

‫وظائف اإلعالم الديني‬

‫الخباريــة والتثقيفيــة ت‬
‫وال�بويــة‪،‬‬ ‫العــام إىل تحقيــق مجموعــة مــن الوظائــف إ‬ ‫يهــدف إ‬
‫كمــا يعمــل عــى إشــباع حاجــات نفســية اجتماعيــة‪ ،‬وتوعيــة النــاس حــول قضايــا سياســية‬
‫ـى‬‫ت‬ ‫أ‬
‫ـة‪ ،‬ومســاعدتهم عــى فهــم مشــاكلهم‪ ،‬ويجيــب ت عــى كثـ يـر مــن الســئلة النـ ي‬ ‫ف‬
‫واجتماعيـ‬
‫ت‬
‫العــام الديـ ي ‪،‬‬‫ـى يقــوم بهــا إ‬‫تع�ضهــم ي� معامالتهــم اليوميــة‪ .‬ومــن أهــم الوظائــف الـ ي‬
‫ـ�‪:‬‬
‫مــا يـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫�ن ف‬ ‫ت‬ ‫‪44‬‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫العــام‬
‫تقديــم المعلومــات والتحليــات حــول مختلــف القضايــا والمشــاكل؛ يهتــم إ‬
‫الــى يواجهونهــا ف ي� حياتهــم اليوميــة‪ ،‬والتعليــق‬
‫ت‬ ‫ن‬
‫الديــ ي بتوعيــة النــاس حــول المشــاكل ي‬
‫العالمــي يــؤدي إىل‬
‫عليهــا وتتبــع تطوراتهــا وانعكاســاتها عــى المجتمــع‪ ،‬وهــذا العمــل إ‬
‫إشــباع حاجــات النــاس النفســية للمعرفــة الدينيــة‪.‬‬

‫ـا� ف ي�‬ ‫ن‬


‫العــام الدي ـ ي ف يقــوم بــدور إيجـ ب ي‬‫التأثـ يـر عــى ســلوكيات النــاس واتجاهاتهــم؛ إ‬
‫ـى تفيدهــم ي� حياتهــم االجتماعيــة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫توجيــه أ‬
‫ـادهم إىل كثـ يـر مــن المــور الـ ي‬
‫الف ـراد وإرشـ‬
‫وتمدهــم بالتوجيهــات ال�ض وريــة للقيــام بالشــعائر الدينيــة عــى أحســن وجــه‪ ،‬وتحسـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫الجابــة عــى أســئلة‬ ‫آ‬
‫ال�امــج الدينيــة عــى إ‬ ‫عالقاتهــم مــع هللا ومــع الخريــن‪ .‬وتعمــل ب‬
‫المــور الدينيــة المبهمــة ف ي� وقــت‬ ‫النــاس المختلفــة وإزالــة االلتبــاس عــى كثــر مــن أ‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫كـ ثـرت فيــه الفتــاوى لغـ يـر ذوي االختصــاص ف ي� المــور الدينيــة‪ ،‬لن هنــاك بعــض القنــوات‬
‫الســامي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الفضائيــة الـ ت‬
‫ـى تحــاول ترويــج بعــض الفــكار والتصــورات البعيــدة عــن الديــن إ‬ ‫ي‬
‫تغيــر آراء‬
‫ي‬ ‫والــى هدفهــا‬‫الــى تنتمــي إىل بعــض المعتقــدات المخالفــة لل�ش يعــة‪ ،‬ت‬ ‫أو ت‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫ي‬
‫ـى تـرض بمصالحهــم‬ ‫ت‬
‫ـكار الـ ي‬ ‫النــاس واتجاهاتهــم نحــو أمــور حياتهــم‪ ،‬أو نـ شـر بعــض الفـ‬
‫آ‬
‫كالشــعوذة والخرافــات‪ ،‬أو العنرصيــة والتعصــب والكراهيــة للخــر‪.‬‬

‫ـرس متحــرك للعلــوم ال�ش عيــة‬ ‫ي‬ ‫العــام الدي ـن ي هــو كـ‬
‫التوعيــة الدينيــة والمعرفيــة؛ إ‬
‫ـى تهــدف إىل تربيــة‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫والمعرفيــة‪ ،‬قوقــد أيتطــرق أيضــا للثقافــة والدب والفنــون الجميلــة الـ ي‬
‫الــذوق وتــر� بالخــاق والقيــم النبيلــة‪ .‬وكل هــذه المــواد‬
‫والمعــارف تقــدم عــى شــكل أفــام وثائقيــة وبرامــج متنوعــة‬
‫ـ� إىل العلــوم والمعــارف‪ .‬لقــد أصبحــت رسالة اإلعالم الديني الجيد‬ ‫تشــبع نهــم المتتبعـ ي ن‬
‫ف‬
‫العلــوم الدينيــة والمعرفيــة ي� متنــاول الجميــع عــى اختــاف تهتم بنشر قيم اإلسالم‬
‫مســتوياتهم االجتماعيــة؛ فباســتطاعة كل فــرد كيفمــا كان ســنه الوسطي المستند على القرآن‬
‫اس أن يتعلــم ويحصــل عــى‬ ‫أو جنســه أو مســتواه الــدر ف ي‬
‫و� أرسع وقــت‪ ،‬وبأقــل جهــد والسنة‬ ‫المعرفــة بأســهل الطــرق‪ ،‬ي‬
‫ممكــن‪.‬‬

‫ـ� علمــاء ال�ش يعــة والجماهـ يـر؛ إن االتصــال اليومــي للنــاس مــع‬ ‫تقويــة االتصــال بـ ي ن‬
‫العــام الديـن ي والجماهـ يـر المســتقبلة‪ ،‬كمــا‬ ‫ـ� إ‬ ‫علمــاء ال�ش يعــة يجعــل العالقــة تتقــوى بـ ي ن‬
‫أ‬
‫ـ� عــى نـ شـر الوعــي الســليم بالمــور‬ ‫ـ� الطرفـ ي ن‬ ‫يســاعد هــذا االحتــكاك اليومــي المتبــادل بـ ي ن‬
‫الســامي‪،‬‬ ‫ف‬
‫الطــار المرجعــي للديــن إ‬ ‫الدينيــة‪ ،‬وتقويــة الثقــة ي� العلمــاء الذيــن يمثلــون إ‬
‫واق�احاتهــم‪ .‬وعــى العمــوم‪ ،‬فــإن‬ ‫حيــث يشــعر النــاس براحــة تامــة ف� اســتقبال آرائهــم ت‬
‫ي‬
‫ال�امــج‬‫ـر�‪ ،‬ودور الوالديــن مــن خــال هــذه ب‬ ‫بي‬ ‫ـ‬ ‫والم‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫المعل‬ ‫العــام الديـن ي يقــوم بوظيفــة‬ ‫إ‬
‫وغ�هــا‪ ،‬وتتجــاوز أهدافهــا التعليميــة‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫ال�بويــة والتعليميــة وبرامــج الطفــال والشــباب ي‬
‫الرسة ويتعلــم �ف‬ ‫إىل القيــام بوظيفــة التنشــئة االجتماعيــة‪ .‬فالطفــل يولــد ف� أحضــان أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫المدرســة‪ ،‬وتتــواله وســائل العــام وترعــاه وتمـ أ‬
‫ـ� وقتــه بموادهــا المتنوعــة‪ ،‬وأحيانــا تؤثــر‬ ‫إ‬
‫ســلبا عــى نمــو شــخصيته وتغيـ يـر ســلوكه‪.‬‬
‫وال�بوية ل إلعالم ن‬
‫الدي�‬ ‫ال�وط النفسية ت‬
‫ثانيا‪ :‬ش‬
‫ي‬
‫إن نجــاح إالعــام الدي ـن يتوقــف عــى مجموعــة مــن الـ شـروط النفســية ت‬
‫وال�بويــة‪،‬‬
‫الساســية أ‬ ‫ي‬
‫ـات النفســية أ‬ ‫ت‬
‫للفـراد‪ ،‬ومراعاة اســتعداداتهم الســتقبال‬ ‫ـى تتعلــق بإشــباع الحاجـ‬
‫والـ ي‬
‫أ‬
‫الرســائل إالعالميــة‪ ،‬واقتناعهــم بالفــكار الــواردة فيهــا‪ ،‬ومســايرة قــدرات النــاس العقليــة‬
‫ـ� الــذي يســاعد عــى اســتيعاب مضمــون هــذه الرســائل‪ .‬كمــا يهتــم إالعــام‬ ‫ونموهــم النفـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪45‬‬ ‫�ن ف‬ ‫ت‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫الدي ـن ي بانســجام المــادة إالعالميــة مــع اهتمامــات النــاس ومعتقداتهــم الدينيــة والقيــم‬
‫والحــداث وتحليلهــا‪ ،‬ومحاربــة االنح ـراف االجتماعــي‬ ‫النســانية‪ ،‬والصــدق ف� نقــل الوقائــع أ‬
‫ي‬ ‫إ‬
‫والدي ـ ي والســلوكيات المضــادة للمجتمــع‪ ،‬واســتعمال تقنيــات حديثــة ومؤث ـرات جيــدة‪.‬‬‫ن‬

‫ـرام‬‫والحــداث وتحليلهــا بشــفافية ودون زيــادة أو نقــص‪ ،‬والـ ت ز‬‫الصــدق ف� نقــل الواقــع أ‬
‫التــام؛ فكلمــا كانــت وســائل العــام الديــن صادقــة ف� نقلهــا لهــذه أ‬‫ي‬
‫الخبــار‬ ‫في‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫الحيــاد‬
‫أ‬
‫والوقائــع كلمــا اكتســبت ثقــة النــاس‪ ،‬وأصبحــت ذات مصداقيــة ي� الوســاط االجتماعيــة‪.‬‬
‫إن المعلومــات أ‬
‫والخبــار الكاذبــة تــؤدي إىل خلــق البلبلــة ف ي� أذهــان النــاس‪ ،‬وتأجيــج الـراع‬
‫والجــدل حــول كثـ يـر مــن المســائل الشــكلية والجزئيــات‪ ،‬مــا يخلــق لــدى النــاس التباســا‬
‫وتناقضــا ذهنيــا ف� فهــم أ‬
‫المــور الدينيــة‪ ،‬واالتجــاه نحــو الزهــد ف ي� الدنيــا أو القطــع مــع‬ ‫ي‬
‫كثـ يـر مــن مظاهــر الحيــاة الواقعيــة‪ ،‬أو االتجــاه نحــو التطــرف والتعصــب والعنــف‪.‬‬

‫العمــل عــى إشــباع الحاجــات النفســية والعاطفيــة للنــاس؛ وهــذا �ض وري لتكيــف‬
‫الف ـراد مــع المحيــط االجتماعــي‪ ،‬وتلبيــة رغباتهــم االجتماعيــة ف� التواصــل مــع آ‬
‫الخريــن‪.‬‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫فالنــاس عــادة ف ي� حاجــة للمعرفــة واالكتشــاف والتعلــم‪ ،‬ويــودون الحصول عــى المعلومات‬
‫ـ�ء بالمخاطــر‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ـ� واالجتماعــي ي� مجتمــع مـ ي‬‫والخبــار‪ ،‬كمــا أنهــم ي� حاجــة إىل المــن النفـ ي‬
‫والمشــاكل‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬يجــب ربــط الحديــث عــن العبــادات والشــعائر بالمتعــة‬
‫الشــخصية؛ فالصــاة لهــا منافــع جســمية ونفســية تحســس الفــرد باالرتيــاح‪ ،‬والصــوم هــو‬
‫تربيــة للنفــس وتدريــب للجســم فيــه فائــدة كبـ يـرة للنفــس والجســم‪.‬‬

‫مراعــاة القــدرات العقليــة للنــاس واســتعداداتهم النفســية؛ القــدرات العقليــة ّذات‬


‫العالميــة وفهمهــا‪ ،‬وإدراك محتوياتهــا‪ .‬فكلمــا كانــت‬ ‫ف‬
‫أهميــة كبـ يـرة ي� اســتيعاب الرســالة إ‬
‫العالميــة ســهلة وبســيطة ف ي� التنــاول والتحليــل‪ ،‬كلمــا كانــت أقــرب ألذهــان النــاس‬‫الرســالة إ‬
‫وعقلياتهــم ومســتوى فهمهــم‪ .‬كمــا أن تعامــل النــاس مــع هــذه الرســائل يختلــف مــن‬
‫والدراك‪.‬‬ ‫آ‬
‫شــخص لخــر حســب قــدرة الفــرد عــى االســتيعاب والفهــم إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫�ن ف‬ ‫ت‬ ‫‪46‬‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫العالمــي يعتمــد عــى مراعــاة‬ ‫كــر عــى اهتمامــات النــاس؛ إن نجــاح العمــل إ‬ ‫ت‬
‫ال� ي ز‬
‫العالميــة‬
‫العالميــة وميوالتهــم؛ فكلمــا كانــت الرســالة إ‬ ‫ين‬
‫المســتقبل� للرســالة إ‬ ‫اهتمامــات‬
‫ن‬
‫ـتقبل� لهــا‪ .‬كمــا أن قــوة هــذه‬
‫متناســبة مــع اهتمــام النــاس‪ ،‬كلمــا حــازت عــى رضــا المسـ ي‬
‫الرســالة واســتنادها إىل قواعــد منطقيــة تجعلهــا تؤثر بســهولة ف ي� ســلوك النــاس واتجاهاتهم‬
‫اس؛‬
‫العالميــة ينبغــي أن تراعــي الجنــس والســن أوالمســتوى الــدر ي‬
‫الشــخصية‪ .‬إن الرســائل إ‬
‫فاهتمامــات النســاء تختلــف عــن اهتمامــات الرجــال واهتمامــات الطفــال ليســت هــي‬
‫اهتمامــات الكبــار‪.‬‬

‫العــام الديـن ي الجيــد تهتــم‬‫ترســيخ القيــم والمعتقــدات الدينيــة الوســطية؛ رســالة إ‬


‫ش‬
‫الســام الوســطي المســتند عــى القـرآن والســنة‪ ،‬ونــر قيــم الحــب والعطــف‬ ‫بنـ شـر قيــم إ‬
‫ـى‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫والتســامح بـ يـ� النــاس‪ ،‬ونبــذ العنــف والتعصــب؛ الحــذر مــن الخــوض ي� المفاهيــم الـ ت ي‬
‫ـى‬‫ـ� حساس أــية خاصــة كالجهــاد والتصــوف والزهــد والغيــب والمعجـزات والخــوارق الـ ي‬ ‫تكتـ ي‬
‫قــد تصيــب الطفــال والشــباب بالذهــول والدهشــة‪ ،‬أو االســتغراب وقــد تكــون لهــا آثــار‬
‫ســلبية عــى حيــاة النــاس‪.‬‬

‫محاربــة االنحــراف االجتماعــي والديــن ي والســلوكيات المضــادة للمجتمــع؛ يهتــم‬


‫ش‬
‫وينــر‬ ‫العــام الديــن ي بتوعيــة النــاس حــول مشــاكل االنحــراف االجتماعــي والديــن ي ‪،‬‬‫إ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫المعلومــات والحقائــق حــول أخطــار الشــعوذة والتفكـ يـر الســطوري والعمــال الســحرية‪،‬‬
‫وذلــك بإعطــاء معلومــات صحيحــة وصادقــة عــن هــذه المواضيــع وتحليلهــا بكيفيــة علميــة‬
‫الســام‪.‬‬ ‫منطقيــة‪ ،‬وبيــان أخطارهــا عــى حيــاة النــاس ومخالفتهــا لتعاليــم إ‬

‫العــام وفعاليتــه ف ي� التأثـ يـر عــى‬ ‫اســتعمال تقنيــات حديثــة ومؤثـرات جيــدة؛ إن قــوة إ‬
‫ال� تســاعد عــى تمريــر الخطابات‬ ‫ت‬
‫الجماهـ يـر ترتكـزان عــى مجموعــة مــن الوســائل العلميــة ي‬ ‫أ‬
‫ـ� واضحــة‬ ‫والفــكار‪ ،‬وإقنــاع النــاس بمضمــون هــذه الرســائل‪ .‬ولهــذا‪ ،‬فــإن اختيــار مضامـ ي ن‬
‫وقويــة تســاعد عــى جلــب انتبــاه المشــاهدين‪ ،‬كمــا أن اســتخدام وســائل وتقنيــات جيــدة‬
‫وللشــارة‪ ،‬فــإن اســتخدام هــذه التقنيــات‬ ‫ـا� عــى ســلوك النــاس‪ .‬إ‬ ‫ف‬
‫اليجـ ب ي‬‫يســاهم ي� التأثـ يـر إ‬
‫العالميــة تتفــوق عــى المؤسســات االجتماعيــة‬ ‫الحديثــة هــو الــذي جعــل المؤسســة إ‬
‫�ض‬
‫وغ�هــا‪ .‬ففــي الوقــت الحــا ‪ ،‬تراجعــت ســلطة الوالديــن‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫الخــرى‪ ،‬كالرسة والمدرســة ي‬
‫ـى أصبحــت تحتضــن الطفــل‬ ‫ت‬ ‫ض‬
‫العــام الحديثــة أ تالـ ي‬
‫ـا�‪ ،‬نظـرا لظهــور وســائل إ‬ ‫كثـ يـرا عــن المـ ت ي‬
‫والمراهــق لفــرات طويلــة‪ ،‬يقضيهــا مــع التلفزيــون والن�نيــت‪ ،‬نظــرا النبهــاره بهــذه‬
‫ـى تحقــق لــه المتعــة‪ ،‬ويجــد فيهــا ضالتــه‪ ،‬ألنهــا تخاطبــه بأســلوب‬ ‫ت‬
‫التقنيــات الجديــدة الـ ي‬
‫ـال‪.‬‬
‫ـ� ونضجــه االنفعـ ي‬ ‫بســيط وواضــح وتراعــي مســتواه العقـ ي‬
‫المراجع‪:‬‬

‫بح� سعيد‬‫ي‬
‫ت‬
‫‪ ،2012‬السيكولوجي سلسلة االستشارة السيكولوجية والمساعدة ال�بوية‪.‬‬
‫التحليل السيكولوجي للذات السياسية‪.‬‬
‫العدد الثالث‪ ،‬مطبعة طوب بريس‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪.‬‬

‫حمزة عبد اللطيف‬


‫العالم والدعاية‬
‫‪ ،1978‬إ‬
‫العر�‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫دار الفكر ب ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ملف العدد‬
‫‪47‬‬ ‫�ن ف‬ ‫ت‬
‫السالمي‬ ‫ال�ش وط النفسية وال�بوية للإعالم الدي ي ي� العالم ب ي‬
‫العر� إ‬

‫خليفة عبد اللطيف محمد‬


‫‪ ،1977‬سيكولوجية االتجاهات‪.‬‬
‫دار غريب للطباعة والن�ش والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫فيصل عباس‬
‫النسانية‪ :‬النظرية والممارسة‪.‬‬
‫النفس للذات إ‬
‫ي‬ ‫‪ ،1991‬التحليل‬
‫النفس الفرويدي‪.‬‬
‫ي‬ ‫سلسلة التحليل‬
‫ن‬
‫اللبنا�‪ ،‬يب�وت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫دار الفكر‬
‫ي‬
‫فيصل عباس‬
‫النسان والحضارة‪.‬‬
‫النفس وقضايا إ‬
‫ي‬ ‫‪ ،1991‬التحليل‬
‫النفس الفرويدي‪.‬‬
‫ي‬ ‫سلسلة التحليل‬
‫ن‬
‫اللبنا�‪ ،‬يب�وت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫دار الفكر‬
‫ي‬
‫ت‬
‫ريش� جيهان أحمد‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ ،1978‬السس العلمية لنظريات إ‬
‫العر�‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫دار الفكر ب ي‬
‫رزق هللا رالف‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪« ،1990‬التلفزيون والطفال الترسب اليديولوجي من خالل الصورة»‬
‫ب� التغريب أ‬
‫والصالة ص ‪247‬‬ ‫العر� ي ن‬ ‫ف‬
‫ي� ثقافة الطفل ب ي‬
‫ين‬
‫االختصاصي�‬ ‫مصطفي حجازي ومجموعة من‬
‫أ‬
‫ب� التغريب والصالة»‬ ‫العر� ي ن‬
‫‪« ،1990‬ثقافة الطفل ب ي‬
‫منشورات المجلس القومي للثقافة العربية‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪.‬‬

‫فروم إريك‬
‫النفس‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،1979‬الدين والتحليل‬
‫ترجمة فؤاد كامل‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫شاكر عبد الحميد‬


‫واليجابيات‪،‬‬
‫‪ ،2005‬عرص الصورة‪ :‬السلبيات إ‬
‫عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،311‬يناير ‪2005‬‬
‫آ‬
‫المجلس الوط�ن ي للثقافة والفنون والداب‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫شاكر إبراهيم‬
‫ف‬
‫العالم ووسائله‪ ،‬ودوره ي� التنمية االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫‪ ،1975‬إ‬
‫�ش‬
‫مؤسسة آدم للن والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫ن‬
‫المعا�‬ ‫أ ن‬
‫رد� وليد‬
‫‪48‬‬
‫ي‬ ‫الدكتور ال ي‬

‫الخبير اإلعالمي المغربي‬


‫يحيى اليحياوي لـ«ذوات»‪:‬‬
‫معظم الفضائيات العربية‬
‫الدينية تخدم أجندات سياسية‬
‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬
‫حوار الملف‬
‫‪49‬‬ ‫يح� اليحياوي‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫حاوره‪ :‬عيسى جابلي‬

‫قال الدكتور يحيى اليحياوي‪ ،‬إن أسبابًا كثيرة أدت إلى‬


‫بروز اإلعالم الديني العربي منها ما هو موضوعي‪ ،‬مثل‬
‫الثورة التكنولوجية التي حررت اإلعالم؛ وتزامن «الطفرة‬
‫التكنولوجية» مع ما يسميه «انفجار الهويات الطائفية‬
‫والمذهبية والعرقية واللغوية؛ ومنها ما هو ذاتي من قبيل‬
‫بروز رؤوس أموال طائلة رأت في مجال اإلعالم استثمارًا‬
‫مربحًا‪ ،‬وغيرة مؤسسات وأشخاص على دينهم رأوا أن الحل‬
‫يكمن في بعث قنوات دينية تصرف صورة يرونها معتدلة‬
‫عن اإلسالم للرد على ما اعتبروه استهدافًا لإلعالم‪.‬‬

‫وأكد الدكتور اليحياوي في حوار مع مجلة «ذوات»‪ ،‬أن هذا‬


‫النوع من اإلعالم يسيطر عليه البعد المذهبي الذي «تحكمه‬
‫خلفيات تاريخية أو سياسية وبينهما الخلفية المذهبية»‪.‬‬
‫ويتنازعه في ذلك موقفان‪ :‬إما الدفع نحو التقريب واالعتدال‬
‫أو الدفع نحو الفتنة عبر اعتماد «منطوق الفتاوى»‪.‬‬

‫أما من حيث المضامين ومدى مالءمتها للواقع‪ ،‬فقد‬


‫رأى الدكتور اليحياوي أن العديد من القنوات «ال ترى واقع‬
‫ومشكالت العالم العربي اإلسالمي إال من منظورها‬
‫الطائفي أو السياسي أو المذهبي»‪ ،‬وما سوى ذلك يقدم‬
‫خطابا «تسكينيًا مهدئًا‪ ،‬مطمئنًا ومحايدًا»‪.‬‬

‫ودعا الدكتور اليحياوي إلى ضرورة اعتماد المصادر المشتركة‬


‫(القرآن والسنة) واعتبار ما سوى ذلك «أحداثًا سياسية‬
‫مرت ولم يعد لها من أبعاد عملية على مستوى واقعنا‬
‫المعيش»‪ .‬وأضاف أن أغلب مقدمي البرامج الدينية على هذه‬
‫الفضائيات ليس لهم التأهيل الكافي‪ ،‬وأنهم ينزعون إلى‬
‫اعتماد الخطاب الوعظي اإلرشادي الذي سرعان ما يتحول‬
‫إلى خطاب أبوي‪.‬‬

‫وقال الدكتور اليحياوي‪ ،‬إن اإلعالم الديني‪ ،‬خصوصًا‬


‫الحكومي منه‪ ،‬إنما يخدم نظامًا سياسيًا ويضفي عليه‬
‫الشرعية‪ ،‬وأن فضائيات عديدة قد أنشأتها أحزاب سياسية‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫يح� اليحياوي‬
‫‪50‬‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫ومولتها‪ ،‬وهي أحزاب «طائفية المرجعية مذهبية المنحى»‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وأكد الدكتور اليحياوي أن السبيل إلنجاح اإلعالم الديني‬


‫هو العمل على محورته حول القيم المشتركة واألخالق‬
‫السامية‪ ،‬كي يدفع نحو المحبة والتعايش والسالم‪.‬‬

‫والدكتور يحيى اليحياوي هو كاتب وباحث مغربي‪ ،‬خريج كلية‬


‫الحقوق واالقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (دكتوراه‬
‫في التدبير االستراتيجي للمنظمات)‪ ،‬خريج المدرسة الوطنية‬
‫العليا للبريد واالتصاالت والفضاء بباريس بدرجة متصرف‪،‬‬
‫أستاذ التعليم العالي زائر سابقًا بكلية اآلداب بجامعة محمد‬
‫الخامس بالرباط (مادة‪ :‬العولمة وقضايا اإلنسان المعاصر)‪،‬‬
‫أستاذ التعليم العالي زائر (حاليا) بكلية الحقوق بجامعة‬
‫محمد الخامس بالرباط (مادة‪ :‬مدخل إلى اقتصاديات‬
‫المعلومات والمعرفة)‪ .‬حاصل على جائزة المغرب الكبرى‬
‫للكتاب حول كتابه «االتصاالت في محك التحوالت» عام ‪.1996‬‬
‫كرمته الجمعية الدولية للمترجمين العرب عام ‪ 2007‬عن‬
‫مجموع أعماله‪ .‬حاصل على وسام التقدير من الجمهورية‬
‫الجزائرية تقديرًا لمجهوداته في خدمة الثقافة العربية‪.‬‬

‫العــام‬ ‫مــرة هــذه الثــورة‪ ،‬أنهــا حــررت ميــدان إ‬ ‫يز‬ ‫* مــا أســباب تكاثــر القنــوات الفضائيــة الدينيــة‬
‫والمعلومــات واالتصــال مــن إك ـراه النــدرة الــذي لطالمــا‬ ‫العــر� (مســيحية أم إســامية)؟ وهــل‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ف ي� العالــم‬
‫والــى لــم يكــن مــن‬
‫ي‬
‫كان رديفــاً للتقنيــات التناظريــة‪ ،‬ت‬ ‫تعتقــدون أن تكاثرهــا عالمــة صحيــة ف ي� مجتمــع مــا أم‬
‫الممكــن ف ي� ظلهــا إرســال أكـ ثـر مــن قنــاة تلفزيونيــة عـ بـر‬ ‫العكــس؟‬
‫ـى ظهــرت عــى أنقــاض‬ ‫ت‬
‫حامــل واحــد‪ .‬الثــورة الرقميــة الـ ي‬ ‫ثمــة مجموعــة مــن أ‬
‫الك ـراه‪،‬‬
‫هــذه التقنيــات التناظريــة‪ ،‬تجــاوزت عــى هــذا إ‬ ‫الســباب ف ي� ذلــك‪ ،‬البعــض منهــا‬
‫العــرات مــن‬‫ش‬ ‫فبــات بإمــكان حامــل واحــد أن يفــرز‬ ‫الســباب أ‬
‫الخــرى ذاتيــة رصفــة‪،‬‬ ‫موضوعــي خالــص‪ ،‬فيمــا أ‬
‫القنــوات التلفزيــة‪ ،‬وبجــودة عاليــة‪ ،‬ويغطــي بالنتيجــة‬ ‫أو لنقــل مســاعدة‪:‬‬
‫فضــاءات جغرافيــة واســعة‪ ،‬لــم تكــن تقنيــة البــث‬
‫التقليــدي قــادرة عمليــاً عــى إدراكهــا‪.‬‬ ‫‪ -‬أول معطــى موضوعــي ف ي� هــذا البــاب‪ ،‬يتمثــل‬
‫العــام‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الــى طالــت ميــدان إ‬‫ي� الثــورة التكنولوجيــة ي‬
‫هــذا معطــى تق ـن ي خالــص‪ ،‬ال يســمح المجــال هنــا‬ ‫والمعلومــات واالتصــال‪ ،‬وطالــت بجريــرة ذلــك كل‬
‫للتفصيــل فيــه‪ .‬لكــن المهــم أن هــذه الثــورة التكنولوجيــة‬ ‫الــى تــدور ف ي� فلــك هــذه الثــورة‪،‬‬
‫ت‬
‫الصناعــات الثقافيــة ي‬
‫الــى مكنــت مــن‬‫ت‬ ‫ين‬
‫المهندســ�)‪ ،‬هــي ي‬ ‫(الرقميــة بلغــة‬ ‫مــن مكتــوب ومقــروء ومســموع‪ ،‬بــكل أنواعــه وأشــكاله‬
‫ت‬
‫العــرات مــن القنــوات الفضائيــة‪ ،‬ووســعت‬ ‫ش‬ ‫اســتنبات‬ ‫الــى طالــت مجــال‬
‫أ‬ ‫ولذلــك‪ ،‬فــإن الطفــرة ي‬ ‫ئ‬
‫وأحجامــه‪.‬‬
‫مــن ســعة «الســواتل»‪ ،‬ودفعــت العديــد مــن الــدول إىل‬ ‫الفضــا� هــي ســليلة الطفــرة الوىل‪ ،‬وتحديــداً‬
‫ي‬ ‫العــام‬
‫إ‬
‫إطــاق أقمــار خاصــة بهــا لغايــة االتصــاالت‪ ،‬ولغايــات‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫الفــرع المقتــ ي ضمنهــا للقمــار الصناعيــة ذات البــث‬
‫ن‬
‫التلفزيــو� عــى وجــه التحديــد‪ .‬المحصلــة أن‬ ‫البــث‬ ‫ن‬
‫التلفزيــو� العابــر للحــدود‪.‬‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المنطقــة العربيــة‪ ،‬شــأنها ي� ذلــك شــأن معظــم مناطــق‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫‪51‬‬ ‫يح� اليحياوي‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫عــى دينهــم‪ ،‬فعمــدوا‬ ‫وجهــات العالــم‪ ،‬قــد‬


‫إىل خلــق فضائيــات‪ ،‬إمــا‬ ‫تزامنت الطفرة التكنولوجية‬ ‫ركبــت ناصيــة هــذه الثــورة‪،‬‬
‫بغــرض ترصيــف خطــاب‬ ‫مع بداية انفجار الهويات‬ ‫فأطلقــت لهــا أقمــار صناعيــة‬
‫ديــ ي يبــدو لهــم أنــه هــو‬ ‫ن‬ ‫إقليميــة أو وطنيــة‪ ،‬أو‬
‫المفــروض تقديمــه والدفــع‬
‫والعرقية‬ ‫والمذهبية‬ ‫الطائفية‬ ‫عمــدت إىل امتطــاء ناصيــة‬
‫بــه‪ ،‬أو بغايــة الــرد عــى مــا‬ ‫مع‬ ‫اشتدت‬ ‫التي‬ ‫واللغوية‬ ‫أقمــار دوليــة‪ ،‬الســتنبات‬
‫للســام‬ ‫اعتـ بـروه اســتهدافاً إ‬ ‫تقدم مد العولمة‬ ‫فضائيــات كانــت عموميــة‬
‫فجــاءت‬ ‫ن‬
‫والمســلم�‪،‬‬
‫ي‬ ‫عامــة ف ي� البــدء‪ ،‬ثــم ولجــت‬
‫القنــوات إياهــا كأداة لتفنيــد‬ ‫ميــدان التخصــص ف ي� مــا‬
‫ذلــك‪ ،‬أو تقديــم صــورة‬ ‫بعــد‪ ،‬كمــا الحــال مــع‬
‫اليجابيــة أو‬ ‫ن‬
‫ـلم� بهــذه المواصفــات إ‬ ‫الســام والمسـ ي‬ ‫عــن إ‬ ‫الفضائيــات الدينيــة‪.‬‬
‫تلــك‪.‬‬
‫ـا� معطــى موضوعــي‪ ،‬هــو تزامــن هــذه الطفــرة‬ ‫ن‬
‫_ ثـ ي‬
‫أمــا عــن الســؤال عــن صحيــة هــذه الظاهــرة مــن‬ ‫التكنولوجيــة مــع بدايــة انفجــار الهويــات الطائفيــة‬
‫ـى اشــتدت مــع تقــدم عدمــه‪ ،‬فأنــا أزعــم وباختصــار شــديد هنــا‪ ،‬بــأن العـ بـرة‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫والمذهبيــة والعرقيــة واللغويــة الـ ف ي‬
‫ي� التكنولوجيــا هــي باالســتعمال واالســتخدام‪ ،‬وليســت‬ ‫مــد العولمــة‪ ،‬ثــم احتــال العـراق ي� مــا بعــد‪ ،‬ثــم قدوم‬
‫العــر� منــذ بدايــة الع�ش يــة الثانيــة مــن هــذا بركــوب الموجــة العتبــارات قد ال تكــون دائماً ســليمة‪ .‬أع�ن‬ ‫الربيــع‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫بي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫القــرن‪ .‬قــد ال يكــون بـ يـ� الظاهرتـ يـ� عالقــة ســببية مــن أن قــدوم هــذه الفضائيــات قــد مــ� إىل حــد مــا فضــاء‬
‫الهميــة‪ ،‬لكــن‬ ‫الحــوال تزامنــا ال بــد مــن االنتبــاه كان فارغـاً‪ ،‬ومنهــا مــن قــدم رســالة غايــة ف� أ‬ ‫نــوع مــا‪ ،‬لكــن ثمــة بــكل أ‬
‫ي‬ ‫إليــه‪ ،‬وإال فكيــف نفــر هــذا العــدد الهائــل مــن القنــوات العديــد منهــا أ‬
‫للســف بقــي حبيــس حســابات سياســية‪ ،‬أو‬
‫ذات الطبيعــة المذهبيــة (الشــيعية أو الســنية) أو العرقية مذهبيــة أو عقائديــة‪ ،‬فتحولــت قنواتهــم إىل منابــر للفتنــة‬
‫أو الباثــة بهــذه اللغــة المحليــة أو تلــك؟ ثــم إذا لــم يكــن والتشــدد والغلــو‪ ،‬عــوض أن تكــون وســيلة لتقديــم‬
‫الســامي كقيــم وأخــاق وســلوك ومنظومــة فعــل‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫المــر كذلــك‪ ،‬فمــا الــر ي� انتشــار فضائيــات ذهــب بهــا الديــن إ‬
‫«الطمــوح» لحــد االدعــاء الصــارخ بالخصوصيــة‪ ،‬وهــي وتفاعــل مــع الــذات ومــع آ‬
‫الخــر‪.‬‬
‫ال ت ـزال ضمــن نطــاق الدولــة الواحــدة‪ ،‬أو تتنكــر للـ تـراث‬
‫* كيــف تقيمــون طبيعــة الخطــاب الــذي تعتمــده‬ ‫المشــرك مقابــل الدفــع بالهويــة الذاتيــة أو التاريــخ‬ ‫ت‬
‫أســاس هــذه القنــوات؟ هــل هــو خطــاب داع إىل التســامح‬ ‫ي‬ ‫«المســتقل»‪ ،‬وقــس عــى ذلــك؟ هــذا معطــى‬
‫كذلــك‪ ،‬ال بــد مــن مســاءلته لفهــم ســياق بــروز هــذه والمحبــة‪ ،‬أم هــو تحريــض عــى االقتتــال الديـ نـ� (بـ يـ�ن‬
‫ي‬ ‫الفضائيــات‪ ،‬العــام منهــا كمــا المتخصــص وضمنهــا أتبــاع أ‬
‫الديــان المختلفــة) والطائفــي (ســنة وشــيعة‬
‫مث ـاً)؟‬ ‫الفضائيــات الدينيــة‪.‬‬

‫هــذا ســؤال أفــردت لــه دراســة موســعة ســتصدر‬ ‫أمــا المعطيــات الذاتيــة‪ ،‬فتتمثــل تحديــداً ف ي� توافــر‬
‫قريبــاً عــن مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود»‪ ،‬لكنــه مــا‬ ‫العــام‬ ‫رؤوس أمــوال‪ ،‬ال ســيما بالخليــج‪ ،‬بــدا لهــا إ‬
‫ـرال الجــواب ف ي� الجوانــب‬
‫فبالمــكان اخـ ت ز‬
‫دام قــد طــرح‪ ،‬إ‬ ‫ـا� مجــال اســتثمار مربــح‪ ،‬وفضــاء واعــداً لتدويــر‬ ‫ئ‬
‫الفضـ ي‬
‫الثالثــة التاليــة‪:‬‬ ‫أ‬
‫هــذه المــوال‪ .‬لذلــك عمــد القطــاع الخــاص‪ ،‬أشــخاصاً‬
‫ومؤسســات‪ ،‬إىل ولــوج هــذا المجــال‪ ،‬ال ســيما وأن‬
‫أوالً‪ :‬قليلــة هــي القنــوات الدينيــة‪ ،‬ســواء الباثــة‬ ‫بــ� ظهرانيــه ليســت مرتفعــة‪ ،‬وتقنيــات‬ ‫التكلفــة مــن ي ن‬
‫الــى ال‬‫بداخــل هــذا البلــد أو ذاك‪ ،‬أو مــن المهجــر‪ ،‬ت‬ ‫العمــل متوفــرة بكـ ثـرة بالســوق العالمــي‪ .‬هــذا أمــر يــري‬
‫تي‬ ‫أ‬
‫ـى‬
‫تعـ بـر بشــكل مــن الشــكال عــن المنظومــة الدينيــة الـ ي‬ ‫عــى فضائيــات الغنــاء والســينما‪ ،‬ويــري أيضــاً عــى‬
‫تتبناهــا هــذه الدولــة أو تلــك‪ ،‬أو الشــخص المنتمــي لهــذا‬ ‫الفضائيــات ذات النكهــة الدينيــة‪ ،‬أو الدينيــة الرصفــة ف ي�‬
‫المذهــب أو ذاك‪ .‬طبيعــة الخطــاب هنــا ال تتغـ يـر كثـ يـراً‪،‬‬ ‫برامجهــا وموادهــا وخطهــا التحريــري العــام‪.‬‬
‫ـى لهــا خطــاب شــبه‬ ‫ت‬
‫إذ (باســتثناء القنــوات المســيحية الـ ي‬
‫ـى هــو الخيــط الناظــم لهــذه‬ ‫موحــد) يبقــى البعــد المذهـ ب ي‬ ‫الثــا�‪ ،‬ويتمثــل ف ي� مــا نتصــور‪،‬‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫ت‬
‫الــذا�‬
‫ي‬ ‫المعطــى‬
‫ال�امجيــة أو تلــك‪ :‬للقنــوات الســنية خطابهــا‬ ‫الذاتيــ�ن‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫الشــبكة ب‬ ‫ي‬ ‫غــرة العديــد مــن المؤسســات والشــخاص‬ ‫ي� ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫يح� اليحياوي‬
‫‪52‬‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫خطــورة الكلمــة والصــوت‬ ‫وللقنــوات‬ ‫الخــاص‪،‬‬


‫ـى تؤثــث عــى‬ ‫ت‬ ‫قليلة هي القنوات الدينية‪ ،‬سواء‬
‫والصــورة الـ ي‬ ‫نــرة خطابهــا‬ ‫الشــيعية ب‬
‫أساســها خطابهــا‪ ،‬وعندمــا‬ ‫الباثة بداخل هذا البلد أو ذاك‪،‬‬ ‫الخــاص‪ .‬قــد يكــون ذلــك‬
‫نعلــم بــأن الذيــن يدفعون‬ ‫واضح ـاً جلي ـاً‪ ،‬وقــد يكــون‬
‫بهــذا الخطــاب هــم شــيوخ‬
‫التي ال تعبر بشكل من األشكال‬ ‫متضمن ـاً بالشــبكة العامــة‪،‬‬
‫و»رجــال ديــن»؛ أي ال‬ ‫عن المنظومة الدينية التي‬ ‫ال�نامج‬ ‫متدثـراً خلــف هــذا ب‬
‫تكويــن إعالمــي لهــم‪ ،‬فــإن‬ ‫تتبناها هذه الدولة أو تلك‬ ‫الدي ـن ي أو ذاك‪ ،‬وهــو أمــر‬
‫المصيبــة ســتعظم‪.‬‬ ‫يصح عــى القنــوات الدينية‬
‫العامــة كمــا عــى القنــوات‬
‫* مــن حيــث‬ ‫الدينيــة المتخصصــة‪،‬‬
‫الــ� تقدمهــا‪ :‬أيــن هــذه القنــوات مــن‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫المضامــ� ي‬
‫ي‬ ‫الفــارق هنــا ف ي� الدرجــة وليــس ي� الطبيعــة‪.‬‬
‫ف‬
‫الســامي ومشــكالته؟ هــل تــرون أنهــا‬ ‫ـر� إ‬‫الواقــع العـ ب ي‬
‫ـر� المعادلــة‪ ،‬فضائيــة ســنية أو شــيعية‪ ،‬مســايرة لمــا يطرحــه هــذا الواقــع مــن أزمــات؟‬ ‫ف‬
‫ثانيــا‪ :‬بطـ ي‬
‫نجــد أن الخطــاب غالبــاً مــا تحكمــه خلفيــات تاريخيــة‬
‫لنقــل باختصــار هنــا أيضــاً‪ ،‬بــأن المالحــظ عــى‬ ‫أو سياســية وبينهمــا الخلفيــة المذهبيــة‪ .‬مــن هــذه‬
‫الطرفــ� مــن ينشــد التقريــب العديــد مــن هــذه القنــوات الدينيــة أنهــا ال تــرى واقــع‬ ‫ين‬ ‫الزاويــة‪ ،‬قــد نجــد مــن‬
‫والســامي إال مــن منظورهــا‬ ‫ـر� إ‬ ‫ن‬
‫بـ يـ� المذاهــب‪ ،‬ويدفــع برؤيــة وســطية ومعتدلــة تخفــف ومشــكالت العالــم العـ ب ي‬
‫ـى‪ ،‬فتقــرؤه عــى ضوئــه‬ ‫ـياس أو المذهـ ب ي‬ ‫مــن االحتقــان وتبحــث عــن مكامــن ونقــط االلتقــاء‪ ،‬كمــا الطائفــي أو السـ ي‬
‫بالمــكان التأكــد منهــا‬‫نجــد مــن يدفــع بالمســألة إىل حــدود التحامــل والتحريــم وعــى ضوئــه فقــط‪ .‬وهــذه حقيقــة إ‬
‫مــن خــال متابعــة برامــج العديــد مــن القنــوات العراقيــة‬ ‫والخ ـراج مــن الملــة‪.‬‬
‫والتكفـ يـر إ‬
‫وبالمــكان التثبــت‬‫العــر�‪ ،‬إ‬‫بي‬ ‫أو ببعــض بلــدان الخليــج‬
‫الــى تقدمهــا‬‫ت‬
‫نحــن إزاء خطــاب مرتكــز عــى ترســبات تاريخيــة منهــا أيضــا‪ ،‬مــن خــال طبيعــة الفتــاوى ي‬
‫معروفــة‪ ،‬لكنــه بــات القاعــدة مــع انتشــار الفضائيــات هــذه الفضائيــة أو تلــك‪.‬‬
‫المذهبيــة‪ ،‬عــوض أن يكــون االســتثناء‪ ،‬ال بــل إنــه‬
‫لــو أضفنــا إىل ذلــك تقوقــع العديــد مــن هــذه‬ ‫تأجــج ف ي� إطــار مسلســل مــن القــول ورد القــول شــارف‬
‫عــى بلــوغ مســتوى الفتنــة‪ .‬عندمــا يجــد ذات الخطــاب الفضائيــات حــول مجالهــا الخــاص‪ ،‬ال ســيما ف ي� ظــل‬
‫العــر�»‪ ،‬وتزايــد مــد حــركات‬ ‫الرض‪ ،‬ومشــاهدين حقنــوا تهــاوي دول «الربيــع‬ ‫حاضنــة سياســية معتــرة عــى أ‬
‫بي‬ ‫ب‬
‫الرهــاب المتدثــرة بالديــن‪ ،‬فســيتضح لنــا كيــف أن‬ ‫إ‬ ‫بمــا فيــه الكفايــة بمضامينــه‪ ،‬فــإن النتيجــة عمليـاً ال يمكــن‬
‫إال أن تكــون عبــارة عــن قتــل عــى الهويــة والمذهــب‪ ،‬خطــاب الفضائيــات إياهــا بــات متمحــوراً يومـاً عــن يــوم‬
‫فتصبــح الفضائيــات الدينيــة أداة تعصــب وتقوقــع‪ ،‬حــول واقــع هــذه الدولــة أو تلــك‪ ،‬دونمــا إيــاء اعتبــار‬
‫ـا� الــدول‪ .‬يبــدو أ‬
‫المــر هنــا كمــا لــو‬ ‫ق‬ ‫عــوض أن تكــون أداة تســامح وانفتــاح عــى آ‬
‫كبـ يـر لمــا يجــري ببـ ي‬ ‫الخــر‪.‬‬
‫أن هــذه الفضائيــات قــد أضحــت عنــر حمائيــة مذهبيــة‬
‫واالحــراب عــوض عــوض أن تكــون أدوات لطــرح ومحاولــة معالجــة قضايــا‬ ‫ت‬ ‫ثالثــا‪ :‬مــا يؤجــج نــار الفتنــة‬
‫أ‬
‫التســامح والتقــارب‪ ،‬هــو لجــوء العديــد مــن الفضائيــات المــة كمــا يقــال‪.‬‬
‫إىل تقديــم برامــج ترتكــز عــى منطــوق الفتــاوى‪ .‬الخطـ يـر‬
‫ف‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فلــو تأملنــا ي� خطــاب الدعــاة‬ ‫المــر أن بعــض الفضائيــات ال تــدرك أن الفتــوى أمــر‬ ‫ف� أ‬
‫ي‬
‫لل�امــج الدينيــة لهــذه الفضائيــات‪،‬‬ ‫لت�يــر ســلوك الجــدد‪ ،‬والناظــم ب‬ ‫جلــل‪ ،‬اللعــب بهــا العتبــارات مذهبيــة أو ب‬
‫فســراه بعيــداً كل البعــد عــن معالجــة هــذه القضايــا‬ ‫ن‬ ‫أكــر‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫ســياس‪ ،‬هــو كاللعــب بالنــار أو ث‬
‫ي‬
‫للفتــاء والمشــاكل؛ فهــو يتحــدث عــن كيفيــات تهذيــب الســلوك‪،‬‬ ‫تســاهل هــذه الفضائيــات ف ي� اســتقدام «شــيوخ» إ‬
‫ال�ض ار وأســاليب التمتــع بالحيــاة العائليــة‪ ،‬وطرائــق جمــع المــال‬ ‫ف‬
‫ي� هــذه المســألة أو تلــك قــد يكــون مــن شــأنه إ‬
‫والمثلة ف ي� وبــذل الجهــد واالهتمــام بالــذات الفرديــة‪ ،‬واالبتعــاد‬ ‫ـلم�‪ .‬أ‬ ‫بالســام‪ ،‬بــل وأيضـاً بالمسـ ي ن‬ ‫ليــس فقــط إ‬
‫ت‬
‫عــن السياســة وتعويضهــا باالقــراب إىل هللا‪ ...‬إلــخ‪.‬‬ ‫ز‬
‫ذلــك كثـ يـرة يضيــق الحـ يـر الســتحضارها هنــا‪.‬‬
‫هــذا الخطــاب هــو أبعــد مــا يكــون عــن مشــاكل الشــباب‬
‫النســان‪،‬‬ ‫ـال‪ ،‬فــإن العديــد مــن هــذه الفضائيــات ال تــدرك وعطالتهــم‪ ،‬عــن قضايــا الديموقراطيــة وحقوق إ‬ ‫بالتـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫‪53‬‬ ‫يح� اليحياوي‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫ر�‬ ‫ض‬
‫عمــر أو مــن عثمــان ي‬ ‫عــن إشــكالية االســتفراد‬
‫هللا عنهــم جميعــا؟ ومــا‬ ‫واقع‬ ‫ترى‬ ‫ال‬ ‫الدينية‬ ‫القنوات‬ ‫بالســلطة والـ ثـروة مــن لــدن‬
‫الــذي يقــدم دعــوة أو‬ ‫ومشكالت العالم العربي‬ ‫هــذه الجهــة أو تلــك‪،‬‬
‫تبشـ يـراً يراهــن عــى الدفــع‬ ‫واإلسالمي إال من منظورها‬ ‫وقــس عــى ذلــك‪.‬‬
‫بتشــييع هذا البلــد أو ذاك؟‬
‫ولمــا ال ندعــو إىل نمــاذج‬ ‫الطائفي أو السياسي أو‬ ‫بالمحصلــة‪ ،‬وهــذه‬
‫ي� التنميــة والخــروج مــن‬ ‫ف‬ ‫المذهبي‬ ‫مســألة تعرضــت لهــا‬
‫ت‬
‫التخلــف بالتعاون المشــرك‬ ‫أيض ـاً بالدراســة المذكــورة‪،‬‬
‫ث‬
‫وتقاســم الخـ بـرات وال�وات‬ ‫يبــدو أن خطــاب هــذه‬
‫ومواجهــة االســتهداف‬ ‫الفضائيــات إنمــا هــو‬
‫والســامية‪ ،‬ونبقــى‬ ‫ف‬
‫الســامي ي� إطــار المرجعيــة الــذي تتعــرض لــه البلــدان العربيــة إ‬ ‫خطــاب يقــدم الديــن إ‬
‫ت‬
‫ـ� مجــادالت لــم تعــد ذات فائــدة‪ ،‬حــى وإن كانــت‬ ‫المذهبيــة للدولــة حيــث تبــث الفضائيــة‪ ،‬أو يقــدم حبيـ ي‬
‫خطابــاً تســكينياً‪ ،‬مهدئــاً‪ ،‬مطمئنــاً ومحايــداً‪ .‬وهــذا أمــر الحقيقــة التاريخيــة تثبتهــا؟‬
‫قــد يتماهــى معــه بعــض مــن المشــاهدين‪ ،‬لكنــه ال يمكــن‬
‫أتصــور أنــه كائنــة ما تكــن الخالفــات‪ ،‬فــإن المفروض‬ ‫الغــرة عــى واقــع‬
‫أد� مــن ي‬ ‫أن يقبــل بــه مــن لــه حــد ن‬
‫والســامي والتـ شـرذم الــذي بــات عليــه‪ ،‬أن تدفــع الفضائيــات بوســطية يكــون االحتــكام فيهــا‬ ‫ـر� إ‬‫العالــم العـ ب ي‬
‫ال بــل والتقســيم الــذي ال قــدر هللا‪ ،‬ســيكون مجالــه للق ـرآن الكريــم (وهــذا لحســن الحــظ العنــر الجامــع‬
‫ولحاديــث الرســول عليــه الصــاة والســام‪،‬‬ ‫منــذ ‪ 14‬قرنــا) أ‬ ‫بالقــادم مــن أزمــان‪.‬‬
‫واعتبــار مــا ســوى ذلــك أحداثـاً سياســية مــرت‪ ،‬ولــم يعــد‬
‫* تشــتغل هــذه القنــوات تحــت يافطــة الدعــوة لهــا مــن أبعــاد عمليــة عــى مســتوى واقعنــا المعيــش‪.‬‬
‫والتبشــر‪ ،‬وذلــك يخفــي تصــوراً ضمنيــاً تصــدر عنــه‬
‫ي‬
‫* هــل تــرون أن لمقدمــي برامجهــا الكفــاءة‬ ‫ف‬
‫النســان وغرقــه ي�‬ ‫هــذه الخطابــات؛ هــو قصــور إ‬
‫ض‬
‫الضــاالت وحاجتــه إىل مــن يدلــه عــى هللا ويســاعده ال�وريــة‪ ،‬مــن حيــث تكوينهــم وأســاليبهم ومســتوى‬
‫خطاباتهــم‪ ،‬للقيــام بمهمــة خطــرة كهــذه؟‬ ‫عــى الخــاص‪ .‬مــا رأيكــم ف ي� هــذا التصــور؟‬

‫العالمــي مهنــة وحرفــة وتمــرس ومســؤولية‬ ‫العمــل إ‬ ‫ين‬


‫المســلم� بحاجــة إىل توســيع معرفتهــم‬ ‫بعــض‬
‫ف‬
‫وأخالقيــات‪ .‬لذلــك‪ ،‬نــرى ي� الغــرب مث ـا ً أنــه ال يســمح‬ ‫العالميــة‬ ‫أ‬
‫بدينهــم‪ ،‬وهــذا أمــر ال غبــار عليــه‪ .‬الداة إ‬
‫ـا�ة إال لمــن تتوفــر فيــه‬ ‫ال�امــج الحواريــة المبـ ش‬
‫بتقديــم ب‬ ‫القطريــة‪ ،‬فمــا بالــك لــو كانــت عابــرة للحــدود‪ ،‬هــي‬
‫هــذه العنــارص‪ ،‬ويكــون محتكمــاً إىل تجربــة طويلــة �ف‬ ‫أداة ناجعــة ف ي� ذلــك‪ ،‬وهــذا مثبــت بالدراســات النظريــة‬
‫ي‬ ‫ن‬
‫التلفزيــو�‪ .‬الكفــاءة هنــا عنــر‬
‫ي‬ ‫الذاعــي أو‬ ‫العمــل إ‬ ‫وبالتجــارب الميدانيــة أيضــاً‪ ،‬لكــن ش�يطــة أن تكــون‬
‫كاف‪ ،‬إذا لــم يتــم تعضيــده بالتجربــة‬ ‫�ض وري‪ ،‬لكنــه غـ يـر ٍ‬ ‫الرســالة مدروســة بدقــة والغايــة واضحــة‪ ،‬وطبيعــة‬
‫والتمــرس والتشــبع بقيــم وأخالقيــات المهنــة‪ ،‬وهــي‬ ‫الجمهــور المســتهدف محــددة‪.‬‬
‫معروفــة وال مجــال للغــوص فيهــا هنــا‪.‬‬
‫بالمقابــل‪ ،‬فأنــا مثــا ً ال أرى مانعــاً مــن االســتماع‬
‫ال�امــج الدينيــة ف ي� الفضائيــات العربية‪،‬‬
‫أداء مقدمــي ب‬ ‫للســام‪،‬‬ ‫إىل رجــل ديــن شــيعي يحدثــن ي عــن نظرتــه إ‬
‫التال‪:‬‬ ‫ت‬
‫يثـ يـر القــول ي‬ ‫ـى يدافــع عنهــا‪ ،‬وعــن ســوء الفهــم الــذي‬
‫أ‬ ‫وعــن القيــم الـ ي‬
‫الســام مــن لــدن أبنائــه ومــن لــدن الغيــار‪،‬‬ ‫يتعــرض لــه إ‬
‫ين‬
‫المقدمــ�‪ ،‬أو منشــطي‬ ‫أوالً‪ :‬إن معظــم هــؤالء‬ ‫وهكــذا‪ .‬لك ـن ي ال أبــدي اســتعداداً لالســتماع إليــه‪ ،‬وهــو‬
‫ال�امــج الحواريــة الدينيــة‪،‬‬ ‫ين‬
‫القائمــ� عــى ب‬ ‫ال�امــج‪ ،‬أو‬
‫ب‬ ‫يشــتم الخلفــاء الراشــدين‪ ،‬أو يتحامــل عــى زوجــات‬
‫ف‬
‫ال يملكــون التكويــن الــكا� لذلــك‪ ،‬أع ـن التكويــن الدي ـن‬ ‫ـا�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الرســول‪ ،‬صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬أو يكفــر هــذا الصحـ ب ي‬
‫الــذي يمكنهــم مــن مناقشــة هــذا «الشــيخ» أو محــاورة‬ ‫أو يخــرج ذاك مــن الملــة‪ .‬هــذا أمــر ال أطيقــه والحالــة‬
‫هــذا «العالــم ف ي� الديــن»‪ .‬قــد يكونــون خريجــي معاهــد‬ ‫هاتــه‪ ،‬وال أطيقــه ف ي� أي ســياق آخــر‪ .‬مــا الــذي يفيدنــا‬
‫متخصصــة عليــا‪ ،‬تعطيهــم الكفــاءة التقنيــة‪ ،‬لكــن هــذا‬ ‫ـ� بــن ب يأ� طالــب‬ ‫ف‬
‫اليــوم ي� دعــوة أو تبشـ يـر تقــول بــأن عـ ي‬
‫ال يعطيهــم القــدرة للغــوص ف ي� القضايــا العقائديــة أو‬ ‫كــرم هللا وجهــه‪ ،‬كان أوىل بالخالفــة مــن ب يأ� بكــر أو مــن‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫يح� اليحياوي‬ ‫‪54‬‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫ألول‪ :‬أن العديــد‬ ‫ال�ش عيــة‪ ،‬فمــا بالــك أن‬


‫مــن الفضائيــات الدينيــة‪،‬‬ ‫إن معظم المقدمين‪ ،‬أو‬ ‫يمنحهــم القــدرة عــى‬
‫ال ســيما الفضائيــات‬ ‫منشطي البرامج‪ ،‬أو القائمين‬ ‫إدارة نقــاش تكــون مادتــه‬
‫العامــة (أي المملوكــة‬ ‫ال�ش يعــة أو مقاصــد‬
‫مــن لــدن الدولــة) قــد‬
‫ال‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫الحوارية‬ ‫البرامج‬ ‫على‬ ‫ش‬
‫الــرع مثــاً‪ .‬وهــذا عيــب‬
‫أنشــئت لخدمــة أجنــدة‬ ‫يملكون التكوين الكافي لذلك‬ ‫المعاهــد وليــس عيــب‬
‫ش‬
‫دينية‪/‬سياســية؛ أي �عنــة‬ ‫ال�نامــج أو‬‫مقــدم هــذا ب‬
‫الســياس لهــذا‬
‫ي‬ ‫الســلوك‬ ‫ذاك‪.‬‬
‫ال�نامــج‬ ‫ش‬ ‫ن‬
‫الحاكــم أو ذاك بخطــاب ديــ ي مبــا� بهــذا ب‬
‫مبــا�ة كمــا‬ ‫ش‬ ‫ـال ش�اف أو الحــواري أو ذاك‪ ،‬أو بمــادة دينيــة ي‬
‫غــر‬ ‫ثانيـاً‪ :‬عندمــا يتــم تكليــف «رجــل ديــن» بـ إ‬
‫�ش‬
‫ـى ال تخــرج كثـ يـراً عــن ذات ال عنــة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫تقديــم برنامــج ديـ ي بهــذه الفضائيــة أو تلك‪ ،‬فــإن الرجل الحــال ي� الفتــاوى الـ ي‬
‫قــد يكــون خبـ يـر ًا بمجالــه‪ ،‬لكنــه قــد ال يســتطيع ترصيــف‬
‫الثــا�‪ :‬أن العديــد مــن الفضائيــات الدينيــة قــد‬ ‫ن‬ ‫‪+‬‬ ‫خطابــه بلغــة إعالميــة تلقــى القبــول أو االســتلطاف مــن‬
‫ي‬
‫لــدن المتلقــي‪ ،‬إذ قــد يوغــل ف ي� تفاصيــل ال يدركهــا إال أنشــأتها ومولتهــا أحــزاب سياســية‪ ،‬طائفيــة المرجعيــة‪،‬‬
‫أهــل االختصــاص‪ ،‬فيكــون مــن نتيجــة ذلــك انــراف مذهبيــة المنحــى‪ .‬وهــذا واقــع يمكــن للتدليــل عليــه‬
‫الــى ظهــرت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ين‬
‫الحالــة عــى عــرات القنــوات العراقيــة ي‬ ‫إ‬ ‫المتلقــ� عــن برنامجــه‪ ،‬وقــد‬ ‫الغالبيــة العظمــى مــن‬
‫تكــون طريقــة إلقائــه غـ يـر مهنيــة (بحكــم غيــاب الخلفيــة بعــد احتــال العـراق‪ ،‬وال يـزال جــزء منهــا يشــتغل وفــق‬
‫العالميــة لديــه)‪ ،‬فينفــر الجمهــور مــن «حلقتــه»‪ ،‬وقــد ال نفــس النســقية (الكوثــر مث ـا ً أو فضائيــة أهــل البيــت)‪.‬‬ ‫إ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫تســعفه كفاءتــه ي� مجالــه إىل ترجمــة ذلــك ي� لغــة إعالميــة الغريــب ي� المــر هنــا أن بعــض الح ـزاب السياســية قــد‬ ‫ف‬
‫غــر منفــرة ف ي� تدعــي العلمانيــة أو تنشــد القوميــة‪ ،‬لكنهــا تثــوي خلــف‬ ‫بســيطة‪ ،‬سلســة‪ ،‬ســهلة عــى الهضــم‪ ،‬ي‬
‫فضائيــات تلبــس السياســة بالديــن أو العكــس بالعكــس‪.‬‬ ‫شــكلها أو ف ي� بعــض مضامينهــا وهكــذا‪.‬‬
‫ونمــوذج العـراق صــارخ ف ي� هــذا البــاب أيضـاً‪ ،‬ناهيــك عــن‬
‫ت‬
‫الــى نمــاذج الفضائيــات الســنية بــدول الخليــج‪ ،‬أو ببعــض‬ ‫ثالثــاً‪ :‬غالبــاً مــا يكــون الخطــاب بالشــاكلة ي‬
‫العــر�‪.‬‬
‫بي‬ ‫قدمنــاه بهــا أعــاه‪ ،‬خطابــاً وعظيــاً وإرشــادياً وتوعويــاً‪ ،‬دول المغــرب‬
‫ولربمــا تلقينيــاً ف ي� بعــض الفضائيــات‪ .‬لكــن محدوديتــه‬
‫الثالــث‪ :‬لــو أخذنــا نمــوذج الدعــاة الجــدد (عمــرو‬ ‫تكمــن ف ي� كونــه رسعــان مــا يتحــول إىل خطــاب أبــوي‪،‬‬
‫ـا� ومــن ســار عــى نهجهمــا)‪ ،‬فــإن الــذي‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫أحــادي الجانــب‪ ،‬ق‬
‫ولــكأ� بــه يمــارس خالــد وعبــد البـ ي‬
‫ي‬ ‫فــو� وعمــودي‪،‬‬ ‫ي‬
‫ـ�‪ ،‬ال ســيما وأن ســيتضح لنــا أن هــؤالء‪ ،‬وهــم يقدمــون «مــادة دينيــة»‪ ،‬ال‬ ‫نوع ـاً مــن الوصايــة الدينيــة عــى المتلقـ ي ن‬
‫ـا�ة‪ ،‬كمــا الحــال بالعـراق‬ ‫ـ� ربــه‪ .‬يخدمــون أجنــدات سياســية مبـ ش‬ ‫الفــرد المســلم يــدرك جيــداً أال وســاطة بينــه وبـ ي ن‬
‫الخطــاب مــن هــذا النــوع خصوص ـاً ف ي� غيــاب التفاعليــة‪ ،‬مثــاً‪ ،‬لكنهــم يدافعــون‪ ،‬عــن قصــد أو دونمــا درايــة‬
‫ف‬
‫ـا�‬ ‫ن‬ ‫ش‬
‫ـياس واالجتماع أــي والثقـ ي‬‫ي ـ ي بنــوع مــن التســلط الدي ـ ي الــذي قــد ال يستســيغه مــن لدنهــم‪ ،‬عــن الواقــع السـ ي‬
‫القائــم‪ .‬وهــذه حالــة يجــب أن ننتبــه إليهــا‪ ،‬لنهــم بقــدر‬ ‫المتلقــي أو يقبــل بــه دائمــاً‪.‬‬
‫مــا يطالبــون الشــباب باالبتعــاد عــن السياســة‪ ،‬واالهتمــام‬
‫بالشــأن الخــاص‪ ،‬فهــم يدافعــون بتحصيــل حاصــل‪،‬‬ ‫أســاس ومحــوري ف ي�‬
‫ي‬ ‫أعتقــد بــأن جانــب التكويــن‬
‫عــى واقــع قائــم دون أن يســموه بالرصيــح المبـ ش‬
‫ـا�‪.‬‬ ‫العالميـ يـ�‪،‬ن‬ ‫ف‬
‫هــذه الفضائيــات‪ ،‬ليــس فقــط ي� مــا يخــص إ‬
‫ين‬
‫التلفزيونيــ�»‪.‬‬ ‫بــل وأيضــاً ف ي� مــا يتعلــق «بالدعــاة‬
‫ـال‪ ،‬فأنــا أعــود وأقــول بــأن معظــم الفضائيــات‬
‫بالتـ ي‬
‫العربيــة الدينيــة‪ ،‬العامــة كمــا المتخصصــة‪ ،‬إنمــا تخــدم‬ ‫ـ� أن قنــوات دينيــة كثـ يـرة‪،‬‬ ‫* يــرى بعــض المالحظـ ي ن‬
‫هــذه أ‬ ‫ـ� واجتماعــي‬ ‫ن‬
‫الجنــدة السياســية أو تلــك‪ ،‬بهــذه الطريقــة أو تلك‪،‬‬ ‫إنمــا تخــدم أجنــدات تتجــاوز م فــا هــو ديـ أ ي‬
‫بهــذه الدرجــة أو تلــك‪.‬‬ ‫ـياس؛ مــا رأيكــم ي� هــذه الطروحــة؟‬ ‫إىل مــا هــو سـ ي‬
‫ـ� بالمجــال العــام؟ هل‬ ‫ن‬
‫العــام الديـ ي‬
‫* مــا عالقــة إ‬ ‫أد� شــك ف ي� ذلــك‪ ،‬وقــد قدمــت بعــض‬ ‫ليــس لــدي ن‬
‫هــي عالقــة تنظيــم وإثــراء‪ ،‬أم هــي عالقــة ســلطوية‬ ‫عنــارص الجــواب ف ي� مــا ســبق‪ .‬لكــن دعـن ي أضيــف العنــارص‬
‫تهــدف إىل افتكاكــه والســيطرة عليــه والتحكــم بــه؟‬ ‫الثالثــة التاليــة‪:‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار الملف‬
‫‪55‬‬ ‫يح� اليحياوي‬
‫المغر� ي‬
‫بي‬ ‫العالمي‬
‫الخب� إ‬
‫ي‬

‫فهــو مجــال يجــب تقويتــه‬ ‫ال�امــج الدينيــة‬


‫نســبة ب‬
‫وتعضيــده‪ ،‬بالتكويــن‪،‬‬ ‫العديد من الفضائيات الدينية‬ ‫بالقنــوات العامــة (أعــن‬
‫ي‬
‫المرجعــي‬ ‫بالطــار‬ ‫إ‬ ‫أنشأتها ومولتها أحزاب‬ ‫غــر المتخصصــة) ضئيلــة‬ ‫ي‬
‫الواضــح‪ ،‬بالرســالة الدقيقة‬ ‫سياسية‪ ،‬طائفية المرجعية‪،‬‬ ‫للغايــة‪ ،‬وال تتعــدى ‪ 6‬إىل‬
‫وال�فــع بــه عــن المزايــدات‬‫ت‬ ‫‪ 10‬بالمئــة كأقــى تقديــر‪.‬‬
‫أ‬
‫السياســية واليديولوجيــة‬ ‫مذهبية المنحى‬ ‫لكنهــا مرتفعــة نســبيا‬
‫الــى قــد تعصــف بــكل‬ ‫ت‬ ‫بالقنــوات الدينيــة ومرتفعــة‬
‫ي‬ ‫ث‬
‫هــذه المســتويات‪.‬‬ ‫أكــر بالقنــوات الدينيــة‬
‫المتخصصــة‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فــإن نســبة تأثيثهــا للمجــال العــام‬
‫أنــا أتصــور أن إحــدى ســبل إنجــاح إعــام ن‬
‫ديــ ي‬ ‫متباينــة‪ ،‬تبايــن نســبتها ف ي� حجــم مــا يخصــص لهــا ف ي�‬
‫هــادف هــو العمــل عــى محورتــه حــول القيــم المشـ تـركة‬ ‫هــذه الفضائيــة أو تلــك‪.‬‬
‫ـر وتجنيــد عــوض‬ ‫والخــاق الســامية‪ ،‬وجعلــه عامــل تحفـ ي ز‬ ‫أ‬
‫بال�امــج‬
‫تحويلــه إىل أداة مــن أدوات الفتنــة واالقتتــال ب‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فأنــا مــن الذيــن يدعــون بــأن‬
‫آ‬
‫ـى تســتبيح دم الخــر‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫النظــم السياســية ف ي� العالــم‬
‫الموغلــة ي� الغلــو‪ ،‬أو بالفتــاوى الـ ي‬ ‫والســامي ال‬ ‫العــر� إ‬
‫بي‬
‫أو تعمــد إىل تكفـ يـره أو إخراجــه مــن الملــة‪ ،‬لمجــرد أنــه‬ ‫تتعامــل مــع الديــن إال مــن زاويــة سياســية رصفــة؛ أي مــن‬
‫ت‬
‫الــى رســمتها‬ ‫ـياس الخالــص‪ ،‬أي مــن بــاب ش�عنــة‬
‫اجتهــد أو خــرج عــن الخطــوط الحمــر ي‬ ‫بــاب التوظيــف السـ أ ي‬
‫النظــم السياســية لضمــان ال�ش عنــة الدينيــة لســلوكها‬ ‫النظــام القائــم‪ .‬فالزهــر مث ـا ً هــو جــزء مــن منظومــة‬
‫وممارســاتها‪.‬‬ ‫ـياس ف ي� مــر‪ ،‬ونــادراً مــا يخــرج عــن طوعــه‬
‫النظــام السـ ي‬
‫الســياس هــو الــذي‬
‫ي‬ ‫أو عــن طاعتــه‪ ،‬ال بــل إن النظــام‬
‫مــروع ال أراهــن عــى تجســيده ف ي� المــدى‬ ‫هــذا ش‬ ‫ز‬
‫الداري ويقــر يم�انيتــه‪،‬‬
‫ـ� مفاصــل هرمــه إ‬ ‫يقــوم عــى تعيـ ي ن‬
‫المنظــور‪ ،‬إال إذا اتفــق «أهــل العقــد والحــل» مــن بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ـراً‪ ،‬وهــو ال ـش ي ء نفســه أو يــكاد بالمغــرب‬ ‫ـي�اً وتجهـ ي ز‬
‫تسـ ي‬
‫ظهرانينــا عــى اســتنباته بــأرض الواقــع قبــل نقلــه إعالميـاً‬ ‫وبغ�همــا‪.‬‬
‫وبالســعودية ي‬
‫بالقنــوات الفضائيــة‪.‬‬
‫العالقــة إذن‪ ،‬وظيفيــة ف ي� مــا أعتقــد‪ ،‬وقــد كانــت‬
‫دائم ـاً كذلــك‪ .‬الجديــد الــذي يؤكــد مــا نذهــب إليــه أن‬
‫رقابــة الســلطة السياســية عــى الشــأن الديـن ي قــد ازدادت‬
‫وتقــوت‪ ،‬ال ســيما ف ي� ظــل انفجــار الح ـركات «الجهاديــة»‪،‬‬
‫وبــروز روافــد دينيــة جديــدة بــدأت تزايــد عــى ذات‬
‫الســلطة هيمنتهــا عــى الحقــل الديــن ي ‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فأنــا‬
‫(ك ال أقــول تضييقهــا) عــى‬ ‫أتصــور أن مراقبــة الدولــة ي‬
‫الحقــل الديــن ي ‪ ،‬لــن يكــون فقــط عامــل انحســار لهــذا‬
‫ـوام ) عــن‬ ‫أ‬
‫ـواص وعـ َّ‬
‫الخـ يـر‪ ،‬بــل لربمــا تراجــع فاعلــوه (خـ َّ‬
‫إغنــاء المجــال العــام وإثرائــه وتوســيعه‪ ،‬بــرف النظــر‬
‫والثــراء والتوســيع‪.‬‬
‫الغنــاء إ‬‫عــن شــكل وطبيعــة هــذا إ‬

‫ـ�؟‬‫ن‬ ‫ف‬
‫* برأيكــم‪ ،‬هــل نحــن ي� حاجــة إىل إعــام ديـ ي‬
‫العــام هادفــا؟ وكيــف‬‫وهــل يمكــن أن يكــون هــذا إ‬
‫ت‬
‫يجــب أن تكــون طرائــق اشــتغاله حــى يكــون كذلــك؟‬

‫الخبــاري‬‫العــام إ‬ ‫العــام الديــن ي ‪ ،‬شــأنه شــأن إ‬


‫إ‬
‫وغ�هــم‪ ،‬هــو جــزء‬ ‫ف‬ ‫ض‬
‫ـا� ي‬‫والعــام الثقـ ي‬
‫ـا� إ‬ ‫والعــام الريـ ي‬
‫إ‬
‫العــام بوجــه عــام‪ ،‬لكــن خاصيتــه أنــه يشــتغل عىل‬‫مــن إ‬
‫مجــال حســاس‪ ،‬يحيــل عــى المقــدس وعــى القيــم وعــى‬
‫المشـ تـرك العــام‪ ،‬وعــى الرمــز وعــى إ‬
‫اليمــان‪ .‬ولذلــك‪،‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫بيبليوغرافيا‬
‫‪56‬‬

‫‪America, London, New York, Routledge,‬‬ ‫العــام ف ي� العالــم‬


‫‪1.1‬ســهيلة زيــن الديــن حمــاد‪ ،‬إ‬
‫‪1990‬‬ ‫أ‬
‫الســامي (الواقــع‪ ،‬المســتقبل)‪ ،‬الطبعــة الوىل‪،‬‬ ‫إ‬
‫مكتبــة العبيــكان‪ ،‬الريــاض‪2003 ،‬‬
‫‪1313 KERCKHOVE Derrick, La civilisation vidéo-‬‬
‫‪chrétienne, Paris, Éditions Retz/Atelier‬‬ ‫‪2.2‬محمــد الســيد ســعيد‪ ،‬حريــة الصحافــة مــن‬
‫‪Alpha Bleue, 1990‬‬ ‫النســان‪ ،‬مركــز القاهــرة‬
‫منظــور حقــوق إ‬
‫النســان‪ ،‬مــر‪2002 ،‬‬‫لدراســات حقــوق إ‬
‫‪1414 TILLARD Jean –Marie Roger,‬‬
‫‪«Evangélisation et mass media», L’église‬‬ ‫‪3.3‬هربــرت أ‪ .‬شــيللر‪ ،‬المتالعبــون بالعقــول‪ ،‬سلســلة‬
‫‪canadienne, 1er mai, 1986‬‬ ‫عالــم المعرفــة‪ ،‬الكويــت‪1999 ،‬‬

‫‪1515 DUBUC Jean-Guy, Mass media: pour ou‬‬ ‫‪4.4‬محمــود علــم الديــن‪ ،‬تكنولوجيــا المعلومــات‬
‫‪contre Dieu, Beauchemin, Montréal, 1971‬‬ ‫العــر� ش‬
‫للنــر‬ ‫بي‬ ‫الجماهــري‪،‬‬
‫ي‬ ‫وصناعــة االتصــال‬
‫والتوزيــع‪1990 ،‬‬
‫‪1616 GABEL Emile, L’enjeu des médias, Marne,‬‬
‫‪Paris, 1971‬‬ ‫الســامي‬ ‫العــام إ‬ ‫متــول‪ ،‬إ‬
‫ي‬ ‫‪5.5‬محمــد محمــود‬
‫ش‬
‫وال ـرأي العــام‪� ،‬كــة ســعيد رأفــت‪ ،‬القاهــرة‪،‬‬
‫‪1717 RUSZKOWSKI André, Communications‬‬ ‫‪1987‬‬
‫‪sociales et pensée chrétienne, Cahiers‬‬
‫‪d’études et de recherches n° 9, Office‬‬ ‫والعــام‬
‫الســامية إ‬ ‫‪6.6‬عبــد هللا شــحاتة‪ ،‬الدعــوة إ‬
‫‪des communications sociales, Montréal,‬‬ ‫الديـن ي ‪ ،‬الهيئــة المرصيــة العامــة للكتــاب‪،1986 ،‬‬
‫‪septembre, 1968‬‬ ‫مــر‪.‬‬

‫الســس العلميــة‬ ‫‪7.7‬عبــد الوهــاب كحيــل‪ ،‬أ‬


‫الســامي‪ ،‬عالــم الكتــب‪،‬‬
‫للعــام إ‬
‫والتطبيقيــة إ‬
‫بــروت‪1985 ،‬‬‫ي‬

‫العالمــي‬
‫‪8.8‬مصطفــى المصمــودي‪ ،‬النظــام إ‬
‫الجديــد‪ ،‬سلســلة عالــم المعرفــة‪ ،‬الكويــت‪،‬‬
‫‪1985‬‬

‫‪99. Hoover, S., Religion in the Media Age.‬‬


‫‪London: Routledge, 2006‬‬

‫‪1010 Meyer, B. And A. Moors, Religion, media‬‬


‫‪and the public sphere. Bloomington, IN:‬‬
‫‪University of Indiana Press, 2005‬‬

‫‪1111 SOUCHON Michel, «L’Église au filtre des‬‬


‫‪médias», Etudes, no 4, avril 1994‬‬

‫‪1212 BRUCE Steve, Pray TV: Televangelism in‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪57‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫عم ي ن‬
‫تكتب�؟‬
‫‪58‬‬
‫ّ‬

‫عم تكتبين؟‬
‫ّ‬

‫بقلم ‪ :‬د‪ .‬مها العتوم‬


‫شاعرة وأكاديمية أردنية‬

‫المخــاض والــوالدة مــن جهــة‬


‫ســيم� عمــره‪،‬‬
‫ي‬
‫حــى إذا أعيــاه‬
‫ض‬
‫يــر� نصوصــه ويهذبهــا‪،‬‬
‫أخــرى‪ ،‬ثــم‬
‫وهــو ب ي‬
‫ويحســن فيهــا‪ ،‬ت‬
‫الكتابة طفل مدلل‬
‫ليرفد‬
‫والخبرة‬
‫أبا‬ ‫وأمًا‪،‬‬ ‫أبًا‬
‫بالمعرفة‬
‫يحتاج‬
‫ــد ُث عــن‬
‫كتابــة الشــعر‪،‬‬
‫عــن المــرأة ي ن‬
‫حــ�‬
‫َس‬
‫أَتَ َح ّ‬

‫تكتــب الشــعر‪ ،‬وعــن الشــعر‬


‫التمليــح والتصحيــح انــرف إىل‬ ‫وهــو يكتــب ويُكتــب عــن المــرأة‪،‬‬
‫و� نيتــه أن يتــا�ف‬ ‫والدة أخــرى ف‬ ‫والتجربة‪ ،‬وأما لتحمل‬ ‫اللــم اللذيــذ الــذي تذهــب‬ ‫عــن أ‬
‫ي‬
‫فيهــا أخطــاء ســابقتها‪ ،‬وأن يقــول‬ ‫وتلد وتربي الكتابة‬ ‫إليــه راغب ـاً‪ ،‬وتتأهــب عــى ش�فاتــه‬
‫مــا كان يريــد قولــه ولــم يقلــه‪،‬‬ ‫منتظــراً وطامحــاً‪.‬‬
‫حــى يمــوت الكاتــب أو الكاتبــة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫أبنائها‬ ‫كأحد‬
‫و�‬ ‫ف‬
‫كذلــك النحــوي الــذي مــات ف ي‬ ‫الكتابــة طفــل مدلــل يحتــاج‬
‫و�‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫أبــاً وأمــاً‪ ،‬أبــا يل�فــد بالمعرفــة‬
‫ت نفســه ي ء مــن «حــى»‪ ،‬ت ي‬
‫أو�‬‫أو� العمــر لقالــه وكتبــه‪ ،‬ومــا ف لــو ي‬‫الكتابــة روحــه مــا لــو ي‬ ‫وتــر�‬
‫والخــرة والتجربــة‪ ،‬وأمــا لتحمــل وتلــد ب ي‬ ‫ب‬
‫و� العافيــة والصحــة لصححــه وغـ يـر فيــه وبــدل ي� بعــض‬ ‫ف‬ ‫ث‬
‫كأحــد أبنائهــا‪ ،‬ولــذا ففــي الكاتــب الرجــل ثمــة أنــى‪ ،‬ف ي‬
‫الكاتبــة الم ـرأة ثمــة ذكــر‪ ،‬هــذان يقــوى حضورهمــا ي� مواضعــه‪ ..‬يــا للكتابــة كــم هــي معانــاة لذيــذة‪ ،‬وورطــة‬
‫ـا� وتــورط‪.‬‬ ‫ـرود بالخـ بـرة جميلــة‪ ..‬ال يحملهــا محمــل الجــد إال مــن عـ ن‬ ‫الكتابــة‪ ،‬وأيهمــا كتــب فســيقرأ ويعــرف‪ ،‬ويـ ت ز‬
‫والعلــم والتجربــة مــن جهــة‪ ،‬وســيحمل ويلــد ويكابــد‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫‪59‬‬ ‫عم ي ن‬
‫تكتب�؟‬ ‫ّ‬

‫يخطف بحرا بأسماكه‬ ‫قلت مرة عن الشعر‪:‬‬


‫لجنية ف ي� كهوف الكالم‬
‫ترى ف ي� الظالم‬ ‫من حلم ف ي� أعىل الليل يجيء الشعر‪،‬‬
‫وتهذي‪:‬‬ ‫ضو� يسطع ثم يغيب‪ ،‬يجيء‬ ‫ئ‬
‫من حلم ي‬
‫إذا صدق الموج ننجو‬ ‫وقد يتأخر‪ ،‬قد يتسلل مثل حرير الفجر‬
‫وإن غرق البحر‪ ..‬أنت الغريقة‬ ‫نافذ�‪ ،‬ففتحت له‬ ‫ت‬ ‫بالمس رأيت الشعر عىل‬‫أ‬
‫ي‬
‫وشممت العطر ونمت‬
‫لقــد بــدأت الكتابــة‪ ،‬وأنــا أتتبــع أثــر خطــى مــن‬ ‫فرأيت حدائق تركض فيها امرأة ال تشبه�ن‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫ســبقو�‪ ،‬أحببــت الشــعر‪ ،‬وحفظــت قصائــد طويلــة‬ ‫تم� فوق يدي الشعر‬ ‫عند الصبح‪ ،‬ش‬
‫ي‬
‫ـا�‪ ،‬وبــدأت بالشــعر‬ ‫ـى وطرفــة ب ي‬
‫وأ� القاســم الشـ ب ي‬ ‫للمتنـ ب ي‬ ‫وأهدى تلك المرأة وردة‪...‬‬
‫مســؤولية الكتابــة‪ ،‬لنأ‬ ‫العمــودي‪ ،‬وكنــت أعــي ثقــل‬
‫مجــرد النظــر إىل ت ـراث العــرب‬ ‫الشــعر اشــتباه الــكالم‬
‫الشــعري يصيــب المبتــدئ‬ ‫بالحلــم‪ ،‬ف ي� المنطقــة الملتبســة‬
‫بالهلــع‪ ،‬قامــات عاليــة‪ ،‬وشــعر‬ ‫الشعر اشتباه الكالم‬ ‫بــ� الواقــع والمتخيــل‪ ،‬إنــه‬‫ين‬
‫ـ� لــه مقوالتــه وخطاباتــه‪،‬‬‫رصـ ي ن‬ ‫بالحلم‪ ،‬في المنطقة‬ ‫مــزاج اللغــة الســحري ي ن‬
‫بــ�‬
‫ونــرت أوىل قصائــدي �ف‬ ‫ش‬ ‫الممكــن والمســتحيل‪ ،‬ولذلــك‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫الملتبسة بين الواقع‬
‫جريــدة للطلبــة ي� جامعــة‬ ‫يحمــل الكتــاب نبــوءات‬
‫والمتخيل‪ ،‬إنه مزاج اللغة‬
‫ال�مــوك بعنــوان «يوميــات‬ ‫ي‬ ‫تصــدق‪ ،‬ويدعــي البعــض‬
‫حطابــة» وفيهــا أتلمــس تعــب‬ ‫السحري بين الممكن‬ ‫ين‬
‫شــياط� تــزور الشــعراء‪،‬‬ ‫أن‬
‫الشــعر والكتابــة‪ ،‬وأقــرن‬ ‫أ‬
‫كل ذلــك لن لحظــة الكتابــة‬
‫والمستحيل‬
‫التحطيــب بكتابــة الشــعر‪:‬‬ ‫فيهــا مــن اللبــس واالشــتباه‬
‫مــا ال يســتطيع ت‬
‫حــى الكاتــب‬
‫فقلـ� ممطـر أرقا‬ ‫ف‬
‫ض‬
‫ ‬ ‫غيمي ب ي‬ ‫تفســره‪ .‬لكــن الكتابــة اجتهــاد ي� القــراءة‬ ‫يَ‬ ‫نفســه‬
‫ينت� أفقا‬
‫ي‬ ‫روحي ضباب‬ ‫ ‬ ‫واالطــاع‪ ،‬وخــوض الحيــاة وتجاربهــا دون خشــية البلــل‬
‫ ‬ ‫ف‬
‫حطبت كل اليوم ي� نزق‬ ‫والغــرق‪ ،‬ومعــاودة النظــر والتحكيــك والتهذيــب للنــص‬
‫ت‬
‫وركبت موجا عاد مح�قا‬ ‫حــى يســتوي نصــا يظــن قارئــه مــن شــدة‬ ‫المكتــوب‪ ،‬ت‬
‫ت‬
‫ح� أقول‪:‬‬ ‫سالســته وســهولته أال جهــد فيــه‪ ،‬ويكــون الكاتــب قــد‬
‫ ‬ ‫فإذا طوت ذي الشمس رايتها‬ ‫ـا� ف ي� إزالــة‬
‫ن‬ ‫أ ف‬
‫ف‬ ‫بــذل جهديــن‪ :‬الول ي� صناعــة النــص‪ ،‬والثـ ي‬
‫لتنيمها ي� حضن من عشقا‬ ‫أثــر الصنعــة ت‬
‫حــى يبــدو للقــارئ كمــا بــدا‪.‬‬
‫تصحو الهموم العاصفات به ‬
‫عيـنا تــرى إنسانـها غــرقا‬ ‫والكتابــة حــب‪ ،‬وال يكتــب مــن ال يحــب‪ ،‬الحــب‬
‫ ‬ ‫هل بالقوافـي ينطـوي تعــب‬ ‫الواســع عــى مفــردات الكــون جميعهــا‪ ،‬الحــب الــذي‬
‫للشعــر كالتحطيب قـد خلقا‬ ‫ـ� المبـ نـى والمعـ نـى‬
‫يخلــق ويجــدد ويوســع العالقــة بـ ي ن‬
‫إىل أقــى وأقــى مــدى‪:‬‬
‫لكــن ي وأنــا أتتبــع خطــى الشــعراء الكبــار‪ ،‬كنــت‬
‫ـو� وطريقــي‪ ،‬كنــت أبحــث عــن كلمــة‬ ‫ت‬ ‫أتعرف ما يفعل الحب بالعطر‬
‫أقــول بهــا نفــ� ال ســواي‪ ،‬ليــس لنأ‬ ‫أفتــش عــن خطـ ي‬
‫ولــو واحــدة‬ ‫يس�د الحديقة‬ ‫يجعله ت‬
‫أ ي‬ ‫ت‬
‫ذا�‪ ،‬ولكــن لن الشــعر طريــق وطريقة‬ ‫الشــعر الحديــث ي‬ ‫وتعرف ما يفعل الحب بالورد‬
‫ه‪/‬تم�هــا عــن سواه‪/‬ســواها‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫وتم� ي‬ ‫تخــص واحدا‪/‬واحــدة ي‬ ‫يقطر ألوانه ف ي� الفراشات‬
‫ف‬
‫ـ� يكــون الشــعر صادقــا ي� التعبـ يـر عــن صاحبــه وعــن‬‫حـ ي ن‬ ‫ب� الفراشة والورد‬ ‫ال فرق ي ن‬
‫آ‬
‫زمانــه وعــن مكانــه‪ ،‬عــن رؤيتــه المختلفــة عــن الخريــن‬ ‫ف ي� الحب‬
‫للعالــم ومفرداتــه‪ ،‬عمــا يخصــن ي ف ي� هــذه اللحظــة ف ي�‬ ‫ب� مجاز الفراش‬ ‫ال فرق ي ن‬
‫ـى ال يوجــد بهــا ســواي‪،‬‬ ‫ت‬ ‫وورد الحقيقة‬
‫الزاويــة الصغــرى مــن العالــم الـ ي‬
‫حــ� شــققت طريقــي لــم أنظــر إىل أغــراض‬ ‫ولذلــك ي ن‬ ‫وتعرف ما يفعل الحب بالشعر‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫الثالثة‪...‬‬
‫العلمانية ي ن‬
‫تكتب�؟‬ ‫عم‬
‫‪60‬‬
‫(خارطة ّطريق إسالمية)‬

‫ي ف ي�‬ ‫الــى تمــض‬


‫ي‬
‫وكتبــت عــن العمــر وســكينته ت‬ ‫ذا� وأغراضهــا‬ ‫ت‬
‫ونظــرت إىل ي‬ ‫الكــرى‪،‬‬
‫الشــعر العربيــة ب‬
‫ي إىل‬ ‫الثالثــ� وأمــض‬
‫ين‬ ‫الجســد والــروح‪ ،‬وأنــا أقطــع‬ ‫ـول‪،‬‬ ‫رض‬ ‫ت‬
‫أ‬ ‫ـى ال تنفصــل بالـ ورة عمـ أـا يــدور حـ ي‬ ‫وهمومهــا الـ ي‬
‫ال ي ن‬
‫ربعــ�‪:‬‬ ‫أكتــب عــن الوطــن كمــا أراه‪ :‬أحــب الردن والطفيلــة‬
‫ـ� أكتــب أفكــر ن يأ� مــن صناعــة ســوف‬ ‫وجــرش‪ ،‬ولكـن حـ ي ن‬
‫ي‬
‫ال أعرف الفرق‬ ‫وجبالهــا وزيتونهــا وتينهــا‪ ،‬ومــن صياغــة إربــد وجامعتهــا‬
‫ربع�ن‬ ‫الثالث� والأ‬
‫ين‬ ‫ب�‬ ‫ين‬ ‫وتجــار� فيهــا‪ ...‬وأصعــب ســؤال يوجــه يل‪:‬‬ ‫ورسوهــا‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫ع� ي ن‬
‫سن�‬ ‫محوت دفاتر ش‬ ‫تكتبــ�؟ أكتــب عمــا أحــس بــه‪ ،‬وعمــا يالمــس‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫عــم‬
‫لخطي الرديء عليها‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫روحــي ي� لحظــة مــا حــى يدفعـ ي دفعــا إىل أقــرب قلــم‬ ‫ف‬
‫وما زال خطي رديئا‬ ‫وورقــة‪ ،‬وال أدافــع عــن النســاء وال أومــن بالنســوية وال‬
‫خرين‬ ‫آ‬
‫وما زلت أمحو‪ ،‬وأكتب كال ْ‬ ‫النســان الخــاص‬ ‫بجمعيــات حقــوق المـرأة‪ ،‬المـرأة هــي إ‬
‫المقابــل للرجــل كالوجــه آ‬
‫الحياة الكتابة والمحو‬ ‫الخــر للعملــة ال يختلفــان‬
‫والموت فضح الكناية والصحو‬ ‫وال يشــتبهان‪ ،‬أقــرأ كالرجــال‪ ،‬وأكتــب كامــرأة‪ ،‬وأرفــض‬
‫والالكالم ي ن ْ‬
‫المب�‬ ‫ـى كأنهــا لمخلــوق ينبغــي التنــازل عنــد‬ ‫ي‬
‫أن تعامــل كتابـ ت‬
‫ربع� بال لغة‬ ‫أ‬
‫لذلك مري من ال ي ن‬ ‫ـى بكتابــة‬‫ت‬
‫ف‬ ‫الحكــم فعليــه‪ ،‬ال بــد أننيقيــس التاريــخ كتابـ ي‬
‫تع�ين‬
‫واع�ي ي� المجاز كأنك ال ب‬ ‫ب‬ ‫ـال‪ ،‬وبمشــاعر النســاء‬ ‫الفـ ي والجمـ ي‬ ‫الرجــال ي� المســتوى‬
‫وط�ي كان الحياة جناحاك‬ ‫ف‬
‫وخصوصيــة تجاربهــن ي� المســتوى الموضوعــي‪ ،‬إلربــد‬
‫ي‬
‫والضوء يب� الحياة وبينك‬ ‫ن‬ ‫كتبــت‪:‬‬
‫ح� تري بسقوطك ف ي� الضوء‬ ‫ت‬
‫حكمة قلب الفراشة‬ ‫قرب مكتبة الجامعة‬
‫اليق�ن‬
‫وب� ي‬ ‫ب� الضالل ي ن‬ ‫ين‬ ‫ف ي� المقاهي القريبة من وجع القلب‬
‫م�عة ي ن‬
‫للحن�‬ ‫وغ� بصوت نوافذ ش‬
‫ن ي‬
‫ن‬ ‫يتم� إىل اليوم ف ي� الدم‬ ‫من شارع ش‬
‫غ� مع الريح‬ ‫ي‬ ‫شارع إيون‬
‫ربع�ن‬ ‫الثالث� والأ‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ال فرق‪ ..‬ال فرق يب�‬ ‫والعابرون عليه إىل اليوم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫قد يخدشون دمي‬
‫إنــه ثقــل الشــعور بالزمــن ف ي� هــذا النــص‬ ‫أنت ما زلت حيث تركتك‬
‫القصــر‪ ،‬إن الالفــرق الــذي أبديــه عــى الصفحــة‬ ‫ي‬ ‫ب� الصديقات والذكريات‬ ‫ين‬
‫هــو الفــرق الــذي أشــعر بــه وأحــاول تبديــده‪ ،‬إنــه‬ ‫ال� علمتك الكتابة‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫التــداوي بالــكالم‪ ،‬والعــاج بالشــعر‪ ،‬ورأب الصــدع‬ ‫أو بدلتك الكتابة بالرسو‬
‫ين‬
‫وبــ� عمــري‬ ‫ن‬ ‫أخ�‬‫ما زال ض‬
‫بالزمــن بخــط هــذه المصالحــة بيــ ي‬ ‫ما زلت ض‬
‫نفــ� وعمــري‪،‬‬
‫ي‬ ‫الجديــد بقصيــدة‪ ،‬أتحــدث عــن‬ ‫خ�اء‬
‫وعــن كل ام ـرأة وعــن كل رجــل يشــعر بشــجن هــذه‬ ‫لو يرجع النهر‬
‫يعــر مــن محطــة إىل أخــرى‪ ،‬ومــن‬ ‫ف‬
‫جع� التدفق ي� ماء اربد‬ ‫تس� ي ن‬ ‫ت‬
‫اللحظــة‪ ،‬وهــو ب‬
‫عمــر إىل ســواه‪ ،‬ومــن تجربــة إىل ســواها‪ .‬كتبــت عــن‬ ‫من لذة صوب أخرى‬
‫ت‬
‫ـوا�‬ ‫ف‬ ‫ومن خيبة صوب أخرى‬
‫الم ـرأة‪ ،‬وهــي تحــدق ي� ذاتهــا وتــرى النســاء اللـ ي‬
‫يتصارعــن فيهــا‪ ،‬وكتبــت عــن الحــب والحــرب والليــل‬ ‫ين‬
‫تقبض� عليها‬ ‫ومن لحظة‬
‫والحنــ� والــوالدة والخــذالن‪ ،‬وكامــرأة قاربــت ي ن‬
‫بــ�‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫ثالث� عاما‬
‫ف‬
‫الح� ي� اللغة الماكرة‬
‫الشــعر والتكنيــس‪:‬‬ ‫ويفلتها ب‬
‫تلك إربد‬
‫ت‬
‫حيا�‬ ‫ف‬ ‫أم أنت‬
‫كنست كأم مثابرة ي� ي‬
‫كث�ا‬‫زجاجا ي‬ ‫أم خضة العطر بعد الغياب‬
‫ف‬
‫وجمعته ي� القصائد‬ ‫ض‬
‫الحا�ة‬ ‫ونشوتها‬
‫يص� نوافذ‪:‬‬ ‫ح� ي‬‫ت‬ ‫تلك إربد‪/‬أنت‬
‫نافذة ي ن‬
‫للحن�‬ ‫ف‬
‫ح� الوالدة ي� الروح والخارصة‬ ‫من الموت ت‬
‫ونافذة أ‬
‫لل ي ن‬
‫ن�‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫‪61‬‬ ‫عم ي ن‬
‫تكتب�؟‬ ‫ّ‬

‫ونافذة للغناء‬
‫ونافذة للبكاء‬
‫ش�‬‫نوافذ ت‬
‫ترى خلال فادحا‬
‫ح� تنظر منها‬ ‫ين‬
‫أراه ما تراه‬
‫وأكنس‬
‫قل� قويا وحيا سأكنس‬
‫ما دام ب ي‬
‫‪ ...‬ما زلت أكنس‬

‫عــ� أن أختــم كالمــي وال أفكــر‬


‫وأخــرا‪ ،‬يعــز ي‬
‫ي‬
‫بأولئــك النســاء‪ ،‬أجمــل النســاء‪:‬‬

‫اللوا� يجرجرن عتمتهن‬ ‫ت‬ ‫النساء‬


‫ض‬ ‫ي‬
‫ي�ء الكالم‬‫يل�فعن فجر تا ي‬
‫اللوا� ثكلن بأفراخهن‬‫ي‬ ‫النساء‬
‫ليطلقن رسب الحمام‬
‫ي ن ‬
‫فلسط�‬ ‫نساء‬
‫والعائدات بأكفان عشاقهن وأزواجهن الخفيفة‬
‫ح� حدود الشآم‬ ‫من مرص ت‬
‫عليهن‬
‫السالم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫دون النساء‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫بيارن ملكفيك‪ :‬ت ز‬
‫ال�ام وتسامح‬
‫‪62‬‬

‫بيارن ملكفيك‪:‬‬
‫*‬
‫التزام وتسامح‬

‫بقلم ‪ :‬ناصر فطواكي‬


‫مغر�‬ ‫ت‬
‫باحث وم�جم ب ي‬

‫بيــارن ملكفيــك ‪Bjarne Melkevik‬‬


‫ـرام وتســامح»‪،‬‬
‫�ض‬
‫تحــت عنــوان‪« :‬الـ ت ز‬
‫يســتعرض فيه‪ ‬أهميــة و ورة‬
‫انتقــال الفضيلــة الفرديــة والحداثية‬
‫ت‬
‫مؤسســا�‪،‬‬ ‫للتســامح إىل منطــق‬
‫بالنسبة إلى الدكتور‬
‫ملكفيك توجد صلة‬
‫التسامح‬ ‫بين‬ ‫وثيقة‬
‫جــدال ف ي� أن ال�نز اعــات‬
‫ذات الصبغــة الدينيــة‬
‫ي‬
‫ت‬
‫الــى‬ ‫والعرقيــة‬
‫تشــهدها بعــض الــدول والمجتمعات‬
‫ال‬
‫تجعــل مــن قيمــة التســامح موضــوع‬
‫ي‬ ‫أ‬
‫ل ّن التســامح لــم يعــد فقــط‬ ‫السياسي والمعاملة‬ ‫الســاعة؛ لمــا لهــا مــن أهميــة ف ي�‬
‫ت‬ ‫ض‬
‫باحــرام النــاس‬ ‫مطلبــاً يقــ ي‬ ‫بالمثل التي تنتج عن‬ ‫ترســيخ قيــم التعايــش‪ ،‬كمــا هــو‬
‫لبعضهــم البعــض‪ ،‬ولكنــه أصبــح‬ ‫المتعــددة‬‫ّ‬ ‫الشــأن ف ي� المجتمعــات‬
‫ال�امــاً مؤسســاتياً تمليــه‬ ‫أيضــا ت ز‬ ‫الحوار الديمقراطي‬ ‫‪ ،‬والــى يختلــف مواطنوهــا‬ ‫ت‬ ‫ثقافياً‬
‫ي‬
‫متطلبــات الديمقراطيــة‪ .‬فالدكتــور‬ ‫دينيـاً ولغويـاً وعرقيـاً‪ ،‬مثــل المجتمع‬
‫بيــارن ملكفيــك ال يعتقــد أنــه‬ ‫ف‬
‫واالســكندنا�‪،‬‬ ‫مريــ� والكنــدي‬ ‫أ‬
‫ال‬
‫بإمكاننــا فــرض التســامح مــن أ‬ ‫ي‬ ‫احــرام أ‬ ‫ي‬
‫العــى؛ أي ف ي� إطــار عالقــة‬ ‫الفــراد لبعضهــم بعضــاً‪.‬‬ ‫حيــث يســود مبــدأ ت‬
‫أي‬
‫نازلــة مــن الدولــة إىل المواطــن‪ ،‬أو إعطــاء التســامح ّ‬
‫تعريــف مجـ ّـرد؛ بــل عــى العكــس؛ فالمواطنــون ملزمــون‬ ‫ف� هــذا الســياق‪ ،‬نســتح�ض مقــاال ً للمفكــر البوسـن‬
‫باالنخ ـراط ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� يتـ ّـم تحديــد‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـامح‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ثقاف‬ ‫ـيخ‬‫ـ‬ ‫ترس‬ ‫�‬‫ي‬
‫‪ * Bjarne Melkevik., tolérance et modernité juridique, Québec, les presses‬الفضــاء العــام‪ .‬تســمح الديمقراطيــة إذن‪ ،‬بتعريــف‬
‫‪ de l’université Laval, coll. Dike, 2006, p. 24 –28‬الالتســامح‪ ،‬هــذا التعريــف لــن يكــون إال مــن نصيــب‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫‪63‬‬ ‫بيارن ملكفيك‪ :‬ت ز‬
‫ال�ام وتسامح‬

‫اهتمامهــا صوب‪ ‬الفــرد‪ ،‬إال أنــه عــى الرغــم مــن أن‬ ‫صنــاع القانون‪ ‬الحديــث‪ ،‬وهــم المواطنــون والمواطنــات‪.‬‬
‫الفــرد‪ ،‬عنــد رولــز عىل‪ ‬ســبيل‪ ‬المثال‪ ،‬هــو الــذي يتعـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫فبالنســبة إىل الدكتــور ملكفيــك توجــد صلــة وثيقــة بـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫عليــه فعــا صنــع نموذجه‪ ‬الخاص‪ ‬بمجتمع‪ ‬متســامح‪،‬‬ ‫الــى تنتــج عــن‬‫ت‬
‫الســياس والمعاملــة بالمثــل ي‬ ‫ي‬ ‫التســامح‬
‫تتحــدد معالــم تصــوره الفلســفي بصــورة مســبقة‪ ،‬فإن‬ ‫الحــوار الديمقراطــي‪ .‬هــذه المعاملــة بالمثــل‪ ،‬يجــب أن‬
‫التســاؤل الــذي يطــرح هــو هل الفــرد ال يزال هــو المرجع‬ ‫ال ثك�‬ ‫ـكل حــزم موقفـاً لصالــح الضحايــا والفئــات أ‬ ‫تتخــذ بـ ّ‬
‫الحقيقــي الــذي ينبــن ي عليــه االختيــار؟ وهــل ما‪ ‬يــزال‬ ‫حرمانــا ف ي� المجتمــع‪.‬‬
‫للفــرد وجــود مســتقل‪ ‬يعكس تركيبتــه المعقــدة‪ ،‬أم‬
‫اف�اضيــة ‪ -‬أو عصابيــة‬ ‫إنّــه لــم يعــد ســوى «نقطــة» ت‬ ‫الشــارة إىل أن التســامح‪ ،‬ف ي� عالمنــا الحديث‪،‬‬ ‫تجــدر إ‬
‫تفكــر بم�مــج مســبقاً‪ ‬من‪ ‬قبل‪ ‬متطلبات‬ ‫‪ -‬لمنطــق‬ ‫أ‬
‫ـكل� بارزيــن بحســب بيــارن ملكفيــك؛ فــالول‬ ‫يأخــذ شـ ي ن‬
‫ي‬
‫‪3‬‬
‫النظام‪ ‬الفلســفي؟‬ ‫الغــر‪ ،‬وتلقــي‬‫احــرام ي‬ ‫ينبســط كفضيلــة تنبــن عــى ت‬
‫ي‬
‫بالثقــل كلــه عــى الفــرد‪ ،‬فهــو الــذي يجــب أن يتحمــل‬
‫ف ي�‪ ‬الواقــع‪ ،‬إذا كان التسامح‪« ‬كحق»‪ ‬يشــكل‬ ‫مســؤولية ضمــان تعميــم ثقافــة التســامح ف ي� المجتمــع‪.‬‬
‫وغــر منفصــل عــن مختلــف سياســات ال‬ ‫فيعتــر نتيجــة لتطــور الفكــر المؤسســات ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫الثــا�‪،‬‬ ‫أمــا الشــكل‬
‫ي‬
‫يجــا�‪ ...،‬إلــخ‪ ،‬فإنــه‬ ‫ز‪ ‬ال ب ي‬‫تعددية‪ ‬الثقافية‪ ،‬والتمي� إ‬
‫ي‬ ‫الفلســفي المعــارص‪ ،‬حيــث أصبــح التســامح صفــة‬
‫أن هــذه السياســات لــن تكــون لديهــا‬ ‫للمؤسســات‪ .‬هــذه أ‬
‫الخـ يـرة هــي الـ ت‬
‫ـى ينبغــي أن تتحــى مــن المؤكــد ّ‬ ‫ي‬
‫الفــراد عــى اســتعداد‬ ‫الحــرام فرصــة للنجــاح‪ ،‬إال إذا كان أ‬ ‫ت‬ ‫بالتســامح‪ ،‬فهــو لــم يعــد مجــرد مطلــب‬
‫ال�امــا مؤسســاتيا لالنضمام‪ ‬إىل‪ ‬هــذا النمــوذج مــن التســامح‪ ،‬أو‪ ‬ببســاطة‬ ‫النــاس لبعضهــم البعــض‪ ،‬بــل أصبــح ت ز‬
‫كانــوا قادريــن عــى القيــام بــه‪.‬‬ ‫يحــدد المجتمــع العــادل وتمليــه‬
‫ولكــن بالنظــر إىل أن هــذه تبــىن‬ ‫متطلبــات الديمقراطيــة‪ ،‬وذلــك‬
‫من‪ ‬أعىل‪ ‬إىل‪ ‬أســفل؛ أي تتجــه‬ ‫اإلحراج الذي يواجه‬ ‫عــن طريــق إنشــاء جهــاز معيــاري‬
‫المواطنــ�‪،‬ن‬
‫ي‬ ‫من‪ ‬الدولــة نحــو‬ ‫ومؤسســا� يجعــل الالتســامح‬ ‫ت‬
‫التسامح كفضيلة‬ ‫ي‬
‫أال تكــون مهــددة باالرتهــان‬ ‫مرفوضـاً ويصنفــه خــارج القانــون‪.1‬‬
‫دومــا بســبب‪ ‬وجود‪ ‬عجز عــى‬ ‫ّ‬
‫للمؤسسات‪ ،‬هو أنه ال‬
‫ـرام‪ ،‬وعــى مســتوى‬ ‫مســتوى االلـ ت ز‬ ‫ُيلزم أحدًا‬ ‫يُعـ ّـد الدكتــور بيــارن ملكفيــك‬
‫الشــخصية‪ ،‬وبالتال‬ ‫المشــاركة‬ ‫الســاتذة ف ي� واليــة كبيــك‬‫مــن أكــر أ‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫عــى مســتوى الديمقراطية؟‪ ‬لمــاذا‬ ‫بكنــدا‪ ،‬وأحــد أعمــدة جامعــة‬
‫يتعــ� علينــا أن نكــون‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫الفــال الكبيكيــة‪ ،‬وهــو أســتاذ بكلية‬
‫أ‬
‫متســامح�؟‪ ‬لضمان‪« ‬روح» المؤسســات‪ ،‬ل ّن‪ ‬الدولــة‬ ‫ن‬ ‫الحقــوق‪ .‬تتنــوع اهتمامــات أبحاثــه ومجــاالت تدريســه‬
‫ي‬
‫بــ� فلســفة الحــق وإبســتمولوجيا‪ ‬العلوم القانونيــة‪ ،‬تتطلــب ذلــك‪.‬‬ ‫ين‬
‫ـو� والقانــون المقــارن‪ ،‬وقــد‬ ‫ن‬
‫ف‬ ‫والمنطــق والحجــاجأ القانـ ي‬
‫الــى وضعهــا‬ ‫ال�امج‪ ‬الفلســفية‪ ،‬كتلك ت‬ ‫أال تكــون ب‬ ‫نـ شـر العديــد مــن البحــاث والدراســات ي� هــذا الميدان‪.‬‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ال� دبجها‬ ‫فجــون راولــز ي� كتابه «نظرية العــدل»‪ ،‬أو تلك ي‬ ‫‪2‬‬
‫اللي�اليــة السياســية‪ ،‬مرهونة‪ ‬بالضبــط‪ ‬‬ ‫ي� مؤلفــه حــول ب‬ ‫مــا مــن شــك‪ ،‬أن الحماية‪ ‬المؤسســاتية للتســامح‬
‫تلعــب دورا أساســيا ف ي� الحيــاة المعارصة‪ ،‬ومع‪ ‬ذلــك‪ ،‬بهذه‪ ‬الصعوبة؟‪ ‬ما‪ ‬الــذي يدفــع المــرء إىل االنضمــام‬
‫قد‪ ‬يتســاءل‪ ‬المرء‪ ‬ما‪ ‬إذا‪ ‬كان مــن قبيــل المفارقــة أن إىل هذا‪ ‬التصــور الخاص‪ ‬بالمؤسسات‪ ‬السياســية إذا‬
‫‪4‬‬
‫القل‪ ‬فيلســوفاً‪ ‬أو فقيهاً‪ ‬دســتورياً ؟‬ ‫يكــون الفرد‪ ‬المراد‪ ‬حمايــة حريــة اختياره‪ ‬هــو الغائــب لــم يكــن عــى أ‬
‫الكـ بـر عــن هــذا النمــوذج مــن التســامح‪.‬‬ ‫أ‬
‫إذا كان الجــواب عــى هــذا الســؤال ســلبياً‬
‫أن الفــرد‪ ،‬ف ي� مواجهــة‬ ‫صحيــح أن فلســفات «فضيلــة» المؤسســات‪ ‬توجه بالــرض ورة‪ ،‬فمن‪ ‬الواضــح ّ‬
‫ـى تمتــدح «فضيلــة» المؤسســات‪ ،‬ليــس‬ ‫ت‬
‫السياســات الـ ي‬
‫‪ 1 - Ibid., p.21‬لديــه ســبب آخر‪ ‬لدعمها‪ ‬ســوى مصلحتــه الشــخصية‪،‬‬
‫‪  -2‬للمزيد من التفاصيل حول الحماية المؤسساتية‪ ،‬المرجو االطالع عىل ترجمة‬
‫‪3 - Bjarne Melkevik, Rawls ou Habermas. Une question de philosophie du‬‬ ‫للمقال بقلم عبد هللا المتوكل تحت عنوان «التسامح من الفضيلة الفردية إىل‬
‫‪droit, op. cite‬‬ ‫و� لمؤسسة مؤمنون بال حدود بتاريخ‬ ‫المؤسسا�»‪ ،‬منشور بالموقع إ ت ن‬
‫ت‬
‫اللك� ي‬ ‫ي‬ ‫المنطق‬
‫‪4 - Ibid.p.22‬‬ ‫‪ 17‬يونيو ‪2014‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ذوات‬
‫�ن‬ ‫رأي‬
‫والمع‬ ‫الشعر‬
‫ملكفيك‪ :‬ت ز‬
‫ال�ام وتسامح‬ ‫بيارن‬
‫‪64‬‬

‫بطريقــة يغ� ش‪� ‬عيــة خلــف الموقــف الــذي يتعـ ي ن‬


‫ـ� فيــه‬ ‫وال يوجــد لديــه ســبب للقيــام بذلــك‪ ،‬عندمــا تتعــارض‬
‫ســي�تب‪ ‬عن ذلــك‬‫«الخــر»‪ ‬أن يتســامح معنــا‪ ،‬ت‬ ‫عــى آ‬ ‫الحــراج الــذي يواجــه التســامح‬ ‫مــع هــذه المصلحــة‪ .‬إ‬
‫أن‪ ‬التســامح‪ ‬هو‪� ‬ش ي ء نعطيــه لبعضنا‪ ‬بعضـاً‪.‬‬ ‫بالـرض ورة ّ‬ ‫كفضيلــة للمؤسســات‪ ،‬هــو أنّــه ال يُلــزم أحــداً‪.‬‬
‫ليــس هنــاك مــادة للتســامح بمعـ نـى الكلمــة‪ ،‬ولكــن دائمـاً‬
‫هنــاك ذوات يجــب أن تختــار التســامح لدوافــع وجيهــة‪.‬‬ ‫أال يتعــرض المطلــب الحديــث للتســامح‪ ،‬نتيجــة‬
‫لذلــك‪ ،‬لخطــر االنح ـراف​​مــع االحـ تـراز المعــارص تجــاه‬
‫الــى تتهــدد المجتمــع‬ ‫ت‬
‫مــن المخاطــر الرئيســة ي‬ ‫المؤسســات؟ يشــكل التســامح المتصــور كفضيلــة فرديــة‬
‫خالصــة خطــرا يتمثــل ف� ت‬
‫بطوليــ�‪ ،‬الحديــث‪ ،‬هــي أن يصبــح التســامح «موضوعــاً»‪ ،‬أو‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫مواطنــ�‬ ‫افــراض‬
‫أكــر دقــة‪ ،‬أن تقــوم أيديولوجيــات الكراهيــة‪،‬‬ ‫ـ� بشــكل ث‬ ‫الحيــان ســوى أنــاس عاديـ ي ن‬ ‫حيــث ال نجــد ف� كثــر م يــن أ‬
‫ي ي‬
‫أي شــكل مــن أشــكال التعصــب باســتخدام التســامح‬ ‫أو «بــدون مؤهــات»‪ ،‬بحســب عبــارة موزيــل (‪ .)Musil‬أو ّ‬
‫المؤسســا� لجــل مواصلــة أالعيبهــا القــذرة‪ .‬وبعبــارة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ـى طالــت مفهوم‪ ‬التســامح اليوم‪،‬‬ ‫أن الســعة الـ ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫والحــال ّ‬
‫والســام المتطرف‪ ،‬والفاشــية‪،‬‬ ‫المؤسســا� أوضــح‪ ،‬فــإن العنرصيــة‪ ،‬إ‬ ‫ت‬ ‫لــم تكــن ممكنــة بــدون إضفــاء الطابــع‬
‫ي‬ ‫ت‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫مؤسســا�‪ ،‬وهــذا مــا ومعــاداة الســامية‪ ،‬إلــخ‪ ...‬ال تحــرم عــى إالطــاق �ط‬ ‫عليــه‪ ،‬وإدراجــه داخــل خطــاب‬
‫ي‬
‫جعــل مــن التســامح خـ يـرا ال يقبــل التفويــت؛ وبموجبــه المعاملــة بالمثــل؛ فهــي حينمــا تضــع نفســها خــارج‬
‫الشــخاص التم ّتــع بــه بصــورة مســتقلة الحداثــة القانونيــة والسياســية‪ ،‬تكشــف أنّهــا لــن تكــون‬ ‫أضحــى بوســع أ‬
‫عــن أي مطلــب ذي قيمــة أخالقيــة‪ .‬مــا نريــد التوصــل أبــداً صانعــة للمفهــوم الحديــث للتســامح‪ ،‬بــل إنّنــا‬
‫و� الحــرص‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫إليــه هــو الحاجــة إىل تعبئــة الديمقر ي ن‬
‫اطيــ�‪ .‬يجــب أن عــى حــق ي� عــدم االستســام لتعصبهــا‪ ،‬ي‬
‫عــى محاربتهــا ليــا ً ونهــاراً‪،‬‬ ‫تثــر مســألة «التســامح» دائمــاً‬ ‫ي‬
‫أينمــا تســتعمل الصــورة البشــعة‬ ‫ف‬
‫حداثتنــا القانونيــة والسياســية ي�‬
‫للتعصــب‪ ،‬تحــرض أحدهمــا ضــد‬ ‫يجب أن تثير مسألة‬ ‫مــا يخصنــا مــن حيــث «نعــم» أو‬
‫الخــر‪ ،‬وتخــدع مجتمعــات بأكملهــا‬ ‫آ‬ ‫�ض‬
‫«ال»‪ .‬إذا ر ّكزنــا هكــذا عــى ورة «التسامح» دائمًا حداثتنا‬
‫بغــرض اســتمالتها وجعلهــا تنتــر‬ ‫موافقتنــا الديمقراطيــة‪ ،‬مســألة‬
‫لقضاياهــا‪.‬‬ ‫والسياسية‬ ‫القانونية‬ ‫التســامح لــن يكــون لهــا فقــط‬
‫وضــع أنطولوجــي؛ بــل بالعكــس‪ ،‬في ما يخصنا من حيث‬
‫ـر‬ ‫ـا� بــدوره‪ ،‬يُفـ‬ ‫ن‬
‫الخلفيــة؛ ّلنأ‬ ‫مطلبنــا الثـ ي‬ ‫«نعم» أو «ال»‬ ‫تصــور مصنــوع‬ ‫ّ‬ ‫ســنبنيها إزاء‬
‫ّ‬ ‫بنــاء عــى هــذه‬ ‫المحــررة مــن‬ ‫ّ‬ ‫مــن قبــل المــوارد‬
‫التعصــب بمختلــف أصنافــه ضــار‬ ‫وبالتــال‪،‬‬
‫ي‬ ‫طــرف هــذه الحداثــة‪،‬‬
‫ال محالــة؛ فمــا ينبغــي أن يحظــى‬ ‫تمــس‬
‫ّ‬ ‫فالتســامح هــو مســألة‬
‫باهتمامنــا هــو الصــوت الفــردي لضحايــا التعصــب‪،‬‬ ‫الفضــاء العــام بثــاث كيفيــات‪:‬‬
‫مهمــا كان ضعيف ـاً أو غـ يـر مســموع‪ ،‬وهــو الــذي يجــب‬
‫لــ� نســلط الضــوء عــى المؤسســات‪،‬‬ ‫أن نتوســل بــه‪،‬‬ ‫أ‬
‫تقديم‪ ‬الحجج‪ ‬والسباب‪ ،‬لما‬ ‫ت‬
‫عن‪ ‬طريق‪ ‬اش�اط‬ ‫‪1.1‬‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫حيــث الرجــال والنســاء والطفــال القابعــون ي� البيئــات‬ ‫نعت�ه داخال ً ي� إطار ما ال يقبل التسامح معه؛‬ ‫ب‬
‫ش‬
‫الــى ال تســمح لهــم بتاتــاً بالمــ ي مرفوعــي الــرؤوس‬ ‫ت‬ ‫‪2.2‬من‪ ‬خالل‪ ‬المطالبة بالدفاع عن حقوق «الضحايا»‬
‫واالســتمتاع بالحيــاة‪ ،‬بــكل ثقــة وبــكل اســتقاللية �ف‬ ‫ي‬
‫ي‬ ‫دون‪ ‬ال�ض ار بهم‪،‬‬‫إ‬ ‫بالعمل‪ ‬عىل‪ ‬مساعدتهم‪،‬‬
‫الــى تمعــن‬ ‫ت‬ ‫آ‬
‫ودون‪ ‬ال�ض ار‪ ‬بمصالح‪ ‬الخرين؛‬
‫فمواجهــة تبعية‪ ‬القــوى الدينيــة التقليديــة ي‬ ‫إ‬
‫إن مــن يهتـ ّـم بالتســامح ال ينبغــي‬ ‫ي� تســميم حياتهــم‪ّ .‬‬ ‫‪3.3‬العمل‪ ‬دائماً «بالمعاملة بالمثل»‪ ،‬بصورة يكون‬
‫نز‬ ‫أ‬
‫بــأي حــال مــن الحــوال أن يقلــق ل ـ وع قــوى القمــع‪،‬‬ ‫معها التسامح للجميع‪ ‬وليس‪ ‬امتيازاً لهذا‪ ‬أو ذاك‪.‬‬
‫والتبعيــة‪ ،‬إىل اســتخدام شــعار «التســامح» بطريقــة غـ يـر‬
‫الحيــان ال تفعــل ذلــك إال‬ ‫ش�عيــة؛ ألنهــا ف� كثــر مــن أ‬
‫ي ي‬
‫ألجــل مواصلــة القمــع والتميـ يـر‪ ،‬وهلـ ّـم جـ ّـرا‪ .‬الفضل أن‬
‫أ‬ ‫ز‬ ‫لعلنــا ال نجانــب الصــواب‪ ،‬إذا قلنــا بــأن‬
‫ن‬
‫الخـ يـر المتعلــق بـــ «المعاملــة بالمثــل» هــو نكــون صادقـ يـ�‪ :‬فالحكــم الــذي نتخــذه إزاء المؤسســات‬ ‫المطلــب أ‬
‫ـياس الموســومة بالتعصــب هــو الــذي يجــب بالــرض ورة أن‬ ‫أ‬
‫ال ثك�‬
‫أي عمــل سـ ي‬ ‫ـاح ّ‬
‫أ‬
‫‪ ‬أهميــة‪ ،‬وربّمــا يكــون هــو مفتـ‬
‫ث‬
‫ّ‬
‫باللحــاح عــى يوجــه خطواتنــا‪.‬‬ ‫ـدا� للتســامح‪ ،‬لنــه إ‬ ‫يــروم بنــاء تصـ ّـور حـ ي‬
‫عــدم وجــود «امتيــازات»‪ ،‬وعــى أنّه‪ ‬ال‪ ‬يكفــي االختبــاء‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ذوات‬
‫�ن‬ ‫رأي‬
‫‪65‬‬ ‫والمع‬ ‫الشعر‬
‫ملكفيك‪ :‬ت ز‬
‫ال�ام وتسامح‬ ‫بيارن‬

‫عندمــا نصــل‪ ،‬ف ي� نهايــة المطــاف‪ ،‬إىل المطلــب موضــوع الســاعة ف ي� أصقــاع عديــدة مــن كوكبنــا‪ ،‬وليــس‬
‫المحــدد لهــذه‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫المعــى‬ ‫التنقــر بعيــداً لفهــم‬
‫ي‬ ‫الــذي يقــض ي بالتقديــم الدائــم ألســباب وجيهــة‪ ،‬علينــا‬
‫الرهــاب‬ ‫ف‬ ‫تــرر مــا ت‬
‫ـص إ‬ ‫اخ�نــا إدر فاجــه أ ضمــن دائــرة الالتســامح‪ ،‬المســألة عــى المســتوى العالمــي‪ ،‬ي� مــا يخـ ّ‬ ‫ب‬
‫أن الــدول الغربيــة‬ ‫ن‬
‫خــر أمــام الديمقراطيــة‪ ،‬الدي ـ ي الجديــد‪ .‬ولكــن مــن الواضــح ّ‬ ‫فإننــا نجــد أنفســنا ي� ال ي‬
‫اســتفادت منــذ قــرون مــن التقاليــد‬ ‫ليــس إزاء الديمقراطيــة بمعناهــا‬
‫المنفتحــة والموســومة بالتســامح‪.‬‬ ‫الضيــق الــذي يحرصهــا ف ي�‬
‫هــذه المســألة تطــرح ببســاطة‬ ‫إن رهانات التسامح‬ ‫المؤسســات فقــط‪ ،‬وإنمــا إىل تلــك‬
‫بلغــة جديــدة‪ ،‬خصوصــاً إذا كان‬ ‫ت‬
‫الــى‬ ‫الســرورات‪ ‬الديمقراطية‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫جذريًا‬ ‫ساءت‬ ‫اآلن‬ ‫ي‬
‫المؤسســا� للتســامح ال‬ ‫النجــاح‬ ‫اطيــ� بإصــدار‬ ‫ن‬ ‫تســمح للديمقر ي‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫يهـ ّـدد بتدمـ يـر تجــذّ ره عنــد الفــرد‪.‬‬ ‫عليه‬ ‫كانت‬ ‫بما‬ ‫مقارنة‬ ‫وس ـ ِّنها ي� شــكل‬ ‫العامــة‪َ ،‬‬ ‫الحــكام ّ‬
‫منذ ثالثة قرون في‬ ‫ت�ش يعــات مناســبة‪ .‬بهــذا المعـ نـى‪،‬‬
‫إذا كان خطــر الالتســامح‬ ‫أوروبا‪ ،‬وعقب نهاية‬ ‫لــن يكــون الت�ش يــع إال الشــكل‬
‫موجــوداً فعليــاً‪ ،‬فإنــه يكفينــا أن‬ ‫الحديــث للمعاملــة بالمثــل‪،‬‬
‫ننقــل رهانــات ومقتضيات التســامح‬ ‫الدينية‬ ‫الحروب‬ ‫تقت�‪ ‬ترســيخ القيــم‬ ‫ض‬ ‫ت‬
‫والــى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫نحــو تصــور ديمقراطــي وتعــددي‬ ‫الديمقراطيــة وتعميمهــا بصــورة‬
‫للحداثــة القانونيــة والسياســية‪،‬‬ ‫واســعة عــى النحــو الــذي يجعلهــا‬
‫ت‬
‫تحــل محــل الالتســامح‪ ،‬ولتغــدو الديمقراطيــة كشــكل حــى نتمكــن مــن تشــييد آفــاق جديــدة ورحبــة مــن‬
‫غــر قابــل للتفــاوض‪ .‬التســامح‪ .‬هدفنــا وغايتنــا مــن ذلــك كلــه‪ ،‬يكمــن ف ي� خلــق‬ ‫حديــث للمعاملــة بالمثــل حقــا ي‬
‫تجــذر ديمقراطــي حقيقــي للتســامح كســلوك فــردي‬
‫مســتن�‬
‫ي‬ ‫ومؤسســا� ف ي� المجتمــع واالنطــاق نحــو أفــق‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫تلخيصـاً لمــا ســبق تأكيــده‪ ،‬نخلــص إىل أنــه بوســع‬
‫أن ديمقراطيــا لتقويــض أركان الالتســامح‪.‬‬ ‫ف‬
‫الديمقراطيــة‪ ،‬ي� إطــار تصــور حديــث للتســامح‪ْ ،‬‬
‫تجعــل ممكنــا أمــر تعريــف الالتســامح‪ ،‬ومــن هــذا‬
‫ال�امنــا دائمــاً مطلــوب‪ ،‬ألنّــه ف ي� عالــم‬ ‫المنظــور‪ ،‬ت ز‬
‫ومجتمعــات موســومة بالتعدديــة الواقعيــة‪ ،‬والتعدديــة‬
‫فــإن‬
‫جــرا‪ّ ،‬‬‫وهلــم ّ‬ ‫ّ‬ ‫وغــر الرســمية‪،‬‬ ‫الثقافيــة الرســمية ي‬
‫إن الوضــع‬ ‫ممــا نتخيــل‪ّ .‬‬ ‫الالتســامح قــد يكــون فأقــرب ّ‬
‫ز‬
‫التميــر ضــد المــرأة‬ ‫ي‬ ‫الجديــد الــذي يتمثــل ي� قبــول‬
‫النوثــة)‪ ،‬وضــد غـ يـر المؤمنـ يـ�ن‬‫(وعــى نطــاق واســع ضــد أ‬
‫أو الملحدين‪...‬إلــخ‪ ،‬باســم هــذه التعدديــة‪ ،‬التعدديــة‬
‫الثقافيــة‪ ،‬وباســم مســميات أخــرى‪ ،‬ليطــرح أكـ ثـر مــن‬
‫مشــكل‪ :‬أيجــب علينــا أن نحتفــظ ألنفســنا بمطلــب‬
‫الخريــن باســم التنــوع‬ ‫ووعــد المســاواة ونمنعــه عــن آ‬
‫ـا� الســالف الذكــر؟ فمــن المســتغرب أن‬ ‫ف‬
‫والتعــدد الثقـ ي‬
‫أن هــذه الفكــرة أصبحــت تســتهوي الكثـ يـر‬ ‫نثبــت كيــف ّ‬
‫ف‬
‫مــن المنارصيــن‪ ،‬وكيــف أن ّهــا ال تأخــذ ي� الحســبان‬
‫أنهــم يجلبــون‪ ،‬عــن غـ يـر قصــد أو عــن طريــق اللطافــة‪،‬‬
‫الحطــب إىل النــار المشــتعلة بالكراهيــة والتعصــب‪.‬‬

‫كلمة أخيرة‬

‫لعلنــا ال نجانــب الصــواب‪ ،‬إذا قلنــا بأن‪ ‬رهانــات‬


‫التســامح آ‬
‫الن ســاءت جذريــاً مقارنــة بمــا كانــت عليــه‬
‫ف‬
‫قــرون‪ � ‬أوروبــا‪ ،‬وعقــب نهايــة الحــروب‬ ‫منــذ ثالثــة‬
‫ي‬
‫�نز‬
‫الدينيــة‪ .‬مســألة تهدئــة ال اعــات الدينيــة‪ ،‬مــا تــزال‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫شائكية العالقة ي ن‬
‫ب� المثقف والسلطة‬
‫‪66‬‬

‫شائكية العالقة بين‬


‫المثقف والسلطة‬

‫بقلم ‪ :‬د‪.‬غيضان السيد علي‬


‫العر� المعارص‬ ‫ف‬
‫باحث مرصي ي� الفلسفة والفكر ب ي‬

‫السياســية والفقهيــة‪ ،‬إذ جعلتــه‬

‫الــى طالمــا‬ ‫ي‬


‫ت‬
‫ث‬
‫بعــض الدوار أكــر عرضــة‬ ‫أ‬
‫لمواجهــة التهــم‬
‫صممتهــا لــه ســلطات االســتبداد‪،‬‬
‫التكفــر والزندقــة‬ ‫ي‬ ‫بــدءاً مــن‬
‫أصبح المثقف العربي‬
‫عزلة‬ ‫يعيش‬ ‫المعاصر‬
‫إجبارية‪ ،‬أو حضورًا‬
‫بْقــى عالقــة المثقــف‬
‫بالســلطة عالقــة‬
‫شــائكة؛ فمــن المؤكــد‬
‫المــم‬
‫يجــا�‬
‫أن رس تطــور أ‬
‫َت‬ ‫ف‬
‫يتمثــل ي� ذلــك الــدور إال ب ي‬
‫والمــروق‪ ،‬وانتهــا ًء بالخــروج عــن‬ ‫كتابع للحاكميات‬ ‫الــذي يمثلــه المثقــف إزاء الســلطة؛‬
‫أ‬
‫الملــة والمــة‪ ،‬وصــوال ً إىل المثقــف‬ ‫حيــث يرشــدها ويدلهــا عــى المســار‬
‫المضــاد للحــزب والثــورة‪ .‬ولقــد‬ ‫والفقهية‬ ‫السياسية‬ ‫الصحيــح‪ .‬ولكــن موقــع هــذا المثقف‬
‫راح ضحيــة هــذه التهــم الباطلــة‬ ‫يظــل دائمــاً هــو محــل الخــاف‪،‬‬
‫المبدعــ�ن‬
‫ي‬ ‫الكثــر مــن‬
‫ي‬ ‫والخارقــة‬ ‫فهــل يكــون المثقــف عــى يســار‬
‫ف‬
‫والســامية‪ ،‬عندمــا‬ ‫الســلطة أم عــى يمينهــا؟ ُمؤيــداً أم معارضــاً؟ ُم ِعينــاً الكبــار ي� تاريــخ ثقافتنــا العربيــة إ‬
‫أم تم�بص ـاً؟ وهــل يَ ْســلم مــن نقــد عمــوم الشــعب‪ ،‬إذا حاولــوا أن يرســلوا رســائلهم الناصحــة إىل الملــوك‬
‫ـ�؟ أم يَ ْســلم مــن بطــش الحاكــم إذا كان ف ي� والحــكام؛ حيــث يرصــد لنــا التاريــخ محــاوالت عــدة؛‬ ‫كان ف� اليمـ ي ن‬
‫ي‬
‫حــاول فيهــا المثقــف أن يرســل إىل الحاكــم رســالة يجمــع‬ ‫اليســار؟‬
‫لــه فيهــا معرفتــه بأفعــال الملــوك والحــكام والعظمــاء‪،‬‬
‫خ�تــه الطويلــة بأحــداث الحــا�ض‬
‫العــر� المعــارص أصبــح رســالة تحمــل خالصــة ب‬ ‫فــا شــك أن المثقــف‬
‫ض‬ ‫أ‬ ‫بي‬
‫المــا�‪ ،‬رســالة يطلعــه‬‫ي‬ ‫يعيــش عزلــة إجباريــة‪ ،‬أو حضــوراً كتابــع للحاكميــات ودراســاته العميقــة لحــداث‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫‪67‬‬ ‫شائكية العالقة ي ن‬
‫ب� المثقف والسلطة‬

‫المــام أبــو حامد الغـز يال ف ي�‬ ‫وقبــل ابــن رشــد‪ ،‬كتب إ‬ ‫فيهــا عــى قراءاته الخاصــة بمتطلبات مجتمعــه وحاجات‬
‫«الت� المســبوك ي� نصيحــة الملوك»‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫وطنــه‪ ،‬وذلــك ي� صــورة نصائــح ومواعــظ ووصايــا تهدف أواخــر أيامــه كتــاب ب‬
‫ـلجو� محمــد‬ ‫ق‬ ‫جميعــاً إىل إرشــاد الحاكــم ف ي� حكــم الرعيــة‪،‬‬
‫وتبصــره كتبــه بالفارســية وقدمــه إىل الســلطان السـ ي‬ ‫ي‬
‫بأمــور الدولــة وآداب الســلوك والمعامــات القائمــة بــن ملكشــاه‪ ،‬حيــث عالــج هــذا الكتــاب الموضوعــات‬
‫ين‬
‫والســاط�‪،‬‬ ‫عــى العــدل والهدايــة وحســن السياســة‪ .‬ومــن أجــل السياســية واالجتماعيــة ومجتمــع الحــكام‬
‫ـا� أفالطــون‪ ،‬أن وحيــاة البــاط ف ي� العــر الــذي عــاش فيــه الغــز يال‪،‬‬ ‫ن‬
‫ذلــك‪ ،‬حــاول قديمــا الفيلســوف اليونـ ي‬
‫ف‬
‫يجعــل مــن الفالســفة حكامــا‪ ،‬أو أن يجعــل مــن ش�وط وذلــك ي� صــورة نصائــح ومواعــظ ووصايــا تهــدف‬
‫وتبصــره‬
‫ي‬ ‫مــن يتــوىل مقاليــد الحكــم ف ي� البــاد أن يكــون فيلســوفا‪ ،‬جميعــا إىل إرشــاد الحاكــم ف ي� حكــم الرعيــة‬
‫المــر‪ ،‬اســتبدله بـرض ورة بأمــور الدولــة وآداب الســلوك والمعامــات القائمــة عــى‬ ‫ولمــا رأى صعوبــة تحقيــق هــذا أ‬
‫المــر الــذي تحقــق بالفعــل العــدل والهدايــة وحســن السياســة‪ .‬فلــم يســلم الغـز يال‬ ‫تعليــم الحــكام الفلســفة‪ ،‬أ‬
‫عــى يــد تلميــذه الفيلســوف أرســطو الــذي عهــد إليــه مــن النقــد حـ تـى أيامنــا الحاليــة‪ ،‬ومــن أبــرز أوجــه النقــد‬
‫حــى اليــوم‪ ،‬هــو مــا يُلمــح إليــه‬ ‫الــى توجــه إليــه ت‬ ‫ت‬ ‫الســكندر‪،‬‬‫ملــك مقدونيــا بمهمــة تعليــم وتربيــة ابنــه إ‬
‫ي‬
‫فجعــل منــه واحــدا مــن أعظــم القــادة الذيــن عرفتهــم الكثـ يـرون مــن صــور الوصوليــة واالنتهازيــة؛ فيقولــون إن‬
‫التعبــر الــدارج (يركــب الموجــة)‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الغــز يال كان حســب‬ ‫الب�ش يــة‪.‬‬
‫فــإذا عــا نجــم الفلســفة تفلســف‪ ،‬وإذا أصبــح الحاكــم‬
‫الســامي‪ ،‬أرســل ابــن المقفــع رســالة مــن أنصــار علــم الــكالم تكلــم‪ ،‬أمــا إذا ســطع نجــم‬ ‫ف‬
‫و� العــر إ‬ ‫ي‬
‫التصــوف وأهلــه‪ ،‬كان مــن أكابــر‬ ‫إىل ب يأ� جعفــر المنصــور مؤســس‬
‫الصوفيــة!‬ ‫ما أحوج بالدنا إلى دور‬ ‫يخــره فيهــا‬
‫الدولــة العباســية‪ ،‬ب‬
‫أن يحســن اختيــار معاونيــه‪ ،‬ثــم‬
‫و� العــر الحديــث‪ ،‬يــأ�ت‬ ‫ف‬ ‫المثقف الناصح الخبير‬ ‫صنــف إليــه كتــاب أ‬
‫«الدب الكبـ يـر»‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫ي‬
‫لمكيافيلــ� عــى‬ ‫مــر‬
‫كتــاب ال ي‬ ‫بشؤون واقعنا الراهن‪،‬‬ ‫ين‬
‫الســابق�‬ ‫الــذي أورد فيــه أقــوال‬
‫ي‬
‫ـى قدمــت كرســائل‬ ‫ت‬
‫رأس الكتــب الـ ي‬ ‫الذي يعاني من التأزم‬ ‫ف ي� آداب الســلطان والحاكــم‪ ،‬لكــن‬
‫إىل الحاكــم‪ ،‬فمــا يــكاد يُذكــر اســم‬
‫أ‬ ‫جعفــر المنصــور المؤســس نتيجة األحالم العريضة‬ ‫أ‬
‫أبــا‬
‫مكيافيلــ� إال وتقفــز إىل الذهــان‬ ‫ي‬ ‫كــر خالفــة إســامية‪،‬‬ ‫الحقيقــي ل ب‬
‫صــورة شــيطان بشــع يوســوس إىل‬ ‫مثالي‬ ‫لمجتمع‬ ‫وهــي الخالفــة العباســية‪ ،‬والــذي‬
‫رجــال الحكــم بانتهــاج سياســة‬ ‫المطالب‬ ‫قــال عــن نفســه‪« :‬إنمــا أنــا‬
‫القســوة والغــش والدس للســيطرة‬ ‫ســلطان هللا ف ي� أرضــه»‪ ،‬قتــل هــذا‬
‫عــى الشــعوب‪ ،‬دون احتفــاء‬ ‫المفكــر العظيــم‪ ،‬فكيــف يتجــرأ‬
‫والنســانية والخلقيــة‪ ،‬ومــا يــكاد يذكــر‬ ‫ف أ‬
‫ابــن المقفــع عــى ظــل هللا ي� الرض‪ ،‬عاقبــه المنصــور بالمبــادئ الدينيــة إ‬
‫مــر» كمؤلــف إال ويتمثــل للســامع دســتورا‬ ‫أ‬
‫بتقطيــع أطرافــه قطعــة قطعــة‪ ،‬ثــم تشــوى عــى النــار اســم «ال ي‬
‫النســانية ف ي�‬ ‫أمــام عينيــه ثــم يأكلهــا ابــن المقفــع‪ ،‬حـ تـى يمــوت‪ .‬إذن‪ ،‬أســود‪ ،‬يـ بـرر الجــور والظلــم‪ ،‬والتجــرد مــن إ‬
‫فمهمــة المثقــف ليســت ســهلة يسـ يـرة‪ ،‬بــل إنهــا قــد تنكل حكــم الشــعوب والــدول‪.‬‬
‫بالمثقــف‪ ،‬إن خانــه التعبـ يـر‪ ،‬فتكلفــه حياتــه‪ ،‬وليــس ابــن‬
‫ـ� كتــاب‬ ‫أ وكمــا ه أــو معــروف تاريخيــا‪ ،‬كتــب مكيافيلـ ي‬ ‫المقفــع هــو المثقــف الوحيــد الذي نالــه تنكيــل الحاكم‪،‬‬
‫وإنمــا يشــاركه ف ي� ذلــك الكثـ يـر؛ نذكــر منهــم عــى ســبيل المـ يـر إىل المـ يـر لورنــزو بــن بيـ يـرو دي ميدتــى‪ ..‬وقــد‬
‫ش‬
‫المـ يـر قائــا‪:‬‬ ‫المثــال ال الحــر ابــن رشــد ونكبتــه الشــه�ة‪ ،‬حيــث كتــب ف� صــدر هــذا الكتــاب مخاطبــا هــذا أ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� إىل لورنــزو العظيــم بــن بيـ يـرو‬ ‫ال�هانيــة «مــن نيقــوال مكيافيلـ‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫يعــ� مــن قيمــة العقــل والدلــة ب‬ ‫ي‬ ‫حــاول أن‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫عــى النقــل والخطابــة‪ ،‬وبــدأ رصاعــا طويــا مــع أعــداء دي ميدتـ ي ‪ ،‬اعتــاد أولئــك الذيــن يرغبــون ي� كســب ود‬
‫ـ� تدخــل الحاكــم أي أمـ يـر أن يســعوا إىل ذلــك بتقديــم الهدايــا إليــه‪ ،‬مــن‬ ‫العقــل والحــق ومواكبــة التطــور‪ ،‬وحـ ي ن‬
‫الــذي اســتعان مــن قبــل بابــن رشــد‪ ،‬ليـ شـرح لــه فلســفة أثمــن مــا يمتلكــون‪ ،‬أو ممــا يعلمــون أنــه يســتطيب مــن‬
‫ـر بــه – أو‬ ‫ـا� شــيئا أعـ ت ز‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫أرســطو‪ ،‬مــا كان مــن أمــر الحاكــم إال أن ن ـكَّل بالمثقــف أشــياء! ولكـ ي لــم أجــد بـ يـ� مقتنيـ ي‬
‫ـى بأفعــال العظمــاء‪ ،‬تلــك المعرفــة‬ ‫ت‬
‫ونفــى ابــن رشــد إىل جزيــرة الليســانة النائيــة‪ ،‬وأمــر أقـ تـدره – فــوق معرفـ ي‬
‫الخــرة الطويلــة بأحــداث‬ ‫الــى اكتســبتها عــن طريــق ب‬ ‫ي‬ ‫بإحــراق كتبــه أمــام الجميــع‪.‬‬
‫للمــا�‪ ،‬وليــس �ف‬ ‫ض‬ ‫الحــا ‪ ،‬والدراســة المتواصلــة‬ ‫�ض‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫رأي ذوات‬
‫شائكية العالقة ي ن‬
‫ب� المثقف والسلطة‬
‫‪68‬‬

‫وســعي أن أقــدم إليــك هديــة أعظــم مــن أمكنــك‬


‫مــن اللمــام – ف� وقــت قصــر – بــكل تلــك أ‬
‫المــور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫ف‬
‫الــى تعلمتهــا أنــا‪ ،‬وتكبــدت ي� ســبيلها متاعــب الفقــر‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫والحرمــان والتعــرض للخطــر‪ ،‬طــوال ســنوات عديــدة‪...‬‬
‫فــإن مــن ال ـرض وري للحاكــم أن يعــرف طبيعــة النــاس‬
‫معرفــة وثيقــة‪ ،‬كمــا أنــه مــن الـرض وري للرعيــة أن تعــرف‬
‫طبيعــة الحــكام»‪ .‬وأرســل الشــيخ حســن البنــا مؤســس‬
‫ـلم� ف ي� بدايــة أربعينيــات القــرن‬
‫الخــوان المسـ ي ن‬‫جماعــة إ‬
‫المنــرم مجموعــة «رســائل النــور» إىل الملــوك والحكام‬
‫العــرب والمسـ ي ن‬
‫ـلم� حينــذاك‪ ،‬فلــم يكــن مصـ يـره أبعــد‬
‫بكثـ يـر مــن مصـ يـر ســلفه ابــن المقفــع‪.‬‬

‫و� الحقيقــة‪ ،‬مــا أحــوج بالدنــا إىل دور المثقــف‬ ‫ف‬


‫ي‬
‫الناصــح الخبـ يـر بشــؤون واقعنــا الراهــن‪ ،‬ذلــك الواقــع‬
‫الحــام العريضــة‬ ‫يعــا� مــن التــأزم نتيجــة أ‬ ‫ن‬ ‫الــذي‬
‫ي‬
‫ن‬
‫ـال المطالــب‪ ،‬وبـ يـ� واقــع متــأزم اقتصاديــا‬
‫ن‬ ‫لمجتمــع مثـ ي‬
‫يعــا� اقتصاديــا مــن التضخــم‬ ‫ي‬ ‫وسياســيا وثقافيــا‪،‬‬
‫مــران الــواردات عــى الصــادرات‪ ،‬وتراكــم‬ ‫وارتفــاع ي ز‬
‫ف‬
‫الديــون الداخليــة والخارجيــة‪ ،‬وذلــك ي� أغلــب البــاد‬
‫ـا� سياســياً ف ي� ظــل ذاك التدافــع الرهيــب‬ ‫ن‬
‫العربيــة‪ ،‬ويعـ ي‬
‫مــن الجميــع للســيطرة عــى مقاليــد الحكــم والوصــول‬
‫بــ�‬ ‫ن‬
‫ويعــا� أيضــاً ثقافيــاً‪ ،‬مــا ي ن‬ ‫كــرس العــرش‪ ،‬بــل‬ ‫إىل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫لي�اليــة وعلمانيــة‪ ،‬يتهــم كل‬ ‫تيــارات إســامية‪ ،‬وأخــرى ب‬
‫ويدعــي‬ ‫آ‬
‫تيــار منهــا الخــر بالســطحية والتبعيــة للغـ يـر‪َّ ،‬‬
‫كل منهمــا امتــاك الحقيقــة المطلقــة ف ي� دوغماطيقيــة‬
‫واضحــة‪.‬‬
‫فمــا أحوجنــا أوال ً إىل مــن ي ئ‬
‫يهــى المنــاخ العــام‬
‫ت‬
‫االحــراب‬ ‫للتوافــق العــام‪ ،‬والمعاونــة بــدال ً مــن‬
‫والــراع‪ ،‬والدعــوة للعيــش ســوياً ف ي� وحــدة متناغمــة‬
‫ف ي� إطــار يحتمــل التنــوع واالختــاف‪ ،‬نحــو إنســانية‬
‫تضــع مــن الوســائل مــا يمنــع الحــروب والرصاعــات‪،‬‬
‫النســان ف ي� إطــار مــن المســاواة‬
‫ونحــو تكريــس إنســانية إ‬
‫ف‬
‫البــر ي� الحقــوق والواجبــات دون‬ ‫بــ� كل ش‬ ‫الحقيقيــة ي ن‬
‫الخــال بحــق الوطــن أو حــق والمواطــن‪.‬‬ ‫إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪70‬‬

‫إشكالية سؤال النهضة‪:‬‬


‫لماذا تأخر العرب؟ وكيف‬
‫يتقدمون؟‬

‫بقلم ‪ :‬نبيل علي صالح‬


‫باحث وكاتب سوري‬

‫ال‬
‫واختالفهــا الفكــري أ‬
‫واليديولوجــي ‪ -‬تتــوارد بأشــكال وأنماط‬ ‫ـكال (لمــاذا تأخــر‬
‫�ض‬ ‫الشـ ي‬
‫يـزال ســؤال النهضــة إ‬
‫أك�ها‬‫فكريــة وقوالــب مفاهيميــة متنوعــة ومتعــددة‪ ،‬لكــن ث‬ ‫العــرب وتقــدم الغــرب؟) حــاراً وحــا اً‬
‫جــاء بصيغــة مشــاريع نهــوض تقدميــة‪ّ ،‬أسســت فكريــاً‬ ‫الجــواء الثقافيــة العربيــة‪،‬‬‫بقــوة ف� أ‬
‫ومعرفيـاً ‪ -‬وبحســب مرتكـزات ومرجعيــات تلــك المشــاريع‬ ‫كلحظــة يتش ـكّله أ‬
‫الوىل منــذ بدايــات القــرن‬
‫‪ -‬لتصــورات الحالــة المنتجــة الفعالــة لواقــع العــرب‬ ‫الجابــات عليــه ‪ -‬عــى تنوعهــا‬ ‫ض‬
‫المــا�‪ ..‬كمــا وال تــزال إ‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪71‬‬ ‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬

‫الحيائيــة‬
‫مرجعياتهــا القوميــة أو اليســارية أو الدينيــة إ‬
‫‪ -‬اجتمعــت عــى اعتبــار أن أزمــة التقهقــر الحضــاري‬
‫أكــر مــن ألــف عــام‬ ‫العــر� الممتــدة منــذ ث‬
‫أ‬ ‫التاريخــي ف ب ي‬
‫خلــت‪ ،‬هــي ي� الســاس ذات امتــدادات بنيويــة ثقافيــة‬
‫ومعرفيــة بامتيــاز‪ ،‬لهــا امتداداتهــا واســتطاالتها السياســية‬
‫واالقتصاديــة‪ .‬ولكنهــا ‪ -‬مــع اتفاقهــا ف ي� بعــض مقدمــات‬
‫التنظ�يــة نســبياً ‪ -‬اختلفــت وتباينــت حــول طبيعــة‬ ‫ي‬ ‫الــرؤى‬
‫أ‬
‫مضامـ يـ� طــرق معالجــة الزمــة (أو المــرض الحضــاري)‪،‬‬ ‫ن‬
‫ومتطلبــات حلهــا‪ ،‬وفــك عراهــا المعقــدة‪ ،‬وبالطبــع مــن‬
‫النســان‬‫دون نتائــج عمليــة حقيقيــة تذكــر عــى صعيــد إ‬
‫والتنميــة واالقتصــاد‪ ،‬إال ف ي� حــاالت نــادرة تم ّثلــت ف ي� أنمــاط‬
‫ـتثنا� الــذي عاشــته بعــض‬ ‫ئ‬
‫شــكلية مــن الرخــاء والرفــاه االسـ ي‬
‫ـر� نتيجــة اقتصاداتهــا الريعيــة ليــس إال‪.‬‬ ‫دول الخليــج العـ ب ي‬

‫إن أزمة التقهقر الحضاري‬


‫التاريخي العربي الممتدة منذ‬
‫أكثر من ألف عام خلت‪ ،‬هي‬
‫في األساس ذات امتدادات‬
‫بنيوية ثقافية ومعرفية بامتياز‬

‫النفــة الذكــر‪ ،‬كانــت‬‫ولكــن كل مشــاريع النهــوض آ‬


‫تؤكــد عــى أن عمليــة تغيـ يـر بـ نـى مجتمعاتنــا (الراســخة)‬
‫‪ -‬بمختلــف مفاهيمهــا المتصلبــة وشــيفراتها المخفيــة‬
‫الفكريــة والمعرفيــة والثقافيــة‪ ،‬ومختلــف مآالتهــا‬
‫الســلطوية شــبه الدائمــة منــذ أيــام وزمانــات «الملــك‬
‫المــوي العضــوض» ‪ -‬بحاجــة ماســة إىل جهــود فكريــة‬ ‫أ‬
‫بنيويــة نقديــة مضنيــة وحثيثــة مــن االشــتغال عــى نقــد‬
‫ت‬
‫واجــراح أســس الحــل‪،‬‬ ‫الــذات الحضاريــة المريضــة‪،‬‬
‫وذلــك للقيــام الحقــاً بكافــة مقتضيــات وإجــراءات‬
‫و�‬‫ف‬ ‫ف‬
‫التحــوالت البنيويــة ي� طبيعــة العقليــات والمفاهيــم‪ ،‬ي‬
‫والتفكــر والتخيــل‪..‬‬
‫ي‬ ‫أنمــاط الوعــي والســلوك‬

‫والمالحــظ أيضـاً‪ ،‬أن هــذا المعتقــد الفكــري قــد رســخ ف ي�‬ ‫المنشــود والمأمــول منــه أن يكــون نافع ـاً ومثم ـراً ف ي� بنــاء‬
‫بنيــة الثقافــة العربيــة‪ ،‬واســتوطن ف ي� قلــب ووعــي كل مشــاريع‬ ‫مجتمعــات عربيــة متطــورة ومنتجــة عــى المســتويات‬
‫االســتنهاض العربيــة؛ أي إنــه كان بدايــة الطريق لكل المشــاريع‬ ‫السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪.‬‬
‫التنويريــة والنهضويــة الالحقــة‪ ..‬وهــذا مــا كنــا نقصــده دوم ـاً‬
‫مــن أن علــة المــرض ثقافيــة معرفيــة قبــل أن تكــون أزمــة‬ ‫والمالحــظ أن كل تلــك المشــاريع ‪ -‬عــى تبايــن وتعدد‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪72‬‬

‫االعتماد كليًا على الخارج‬


‫ال معنى له على المستوى‬
‫العملي‪ ،‬ألنه سيجعل من‬
‫بلداننا رهينة لزمن هذا اآلخر‬

‫سياســية واجتماعيــة‪ ..‬هــي أزمــة فكــر وثقافــة ووعــي‪َ ،‬‬


‫قبــل‬
‫ـياس واالجتماعــي العــام‪...‬‬
‫ـون أزمــة إدارة للشــأن السـ ي‬‫ْأن تكـ َ‬
‫ولهــذا كان االنطــاق مــن البدايــة؛ أي مــن الثقافــة‪ ،‬مــن الـرأس‬
‫والعقــل‪ ،‬وليــس مــن النهايــة‪ ،‬أي مــن السياســة واالجتمــاع‬
‫وتدبــر شــؤون النــاس‪ ،‬وفــض خصوماتهــم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫واالقتصــاد‪،‬‬
‫وتحقيــق العــدل والمســاواة بينهــم‪ ،‬مــن خــال بنــاء دولــة‬
‫المؤسســات والقانــون‪ ،‬دولــة المواطنــة الصالحــة‪.‬‬

‫لكــن بالمقابــل‪ ،‬هنــاك مــن يقــول بــأن الفاعــل‬


‫االجتماعــي الــذي هــو الفــرد‪ ،‬ليــس مجــرد كائــن مــزروع ف ي�‬
‫فضائــه الخــاص‪ ،‬بــل هــو متأثــر ببيئتــه وظروفــه‪ ،‬منفعــل‬
‫بهــا‪ ،‬وهــي تكــرر أثرهــا عليــه‪ ،‬ولهــذا هــو بحاجــة ألرضيــة‬
‫وتربــة سياســية مناســبة لتفتــق إبداعاتــه وبــروز طاقاتــه‬
‫ال�بــة ال بــد وأن تنمــو فيهــا وتعلــو فيها‬ ‫ومواهبــه‪ ،‬وهــذه ت‬
‫قيــم الحريــة والمســاواة والعدالــة‪ ،‬فــكل المجتمعــات‬
‫وقدمــت‪ ،‬كان مطلبهــا‬ ‫الــى تطــورت وأنتجــت ّ‬ ‫ت‬ ‫�ش‬
‫الب يــة ي‬ ‫أ‬
‫والبــداع هــو‬ ‫و�طهــا الرئيــس للنمــو والحضــور إ‬ ‫الول ش‬
‫وبالتــال‬
‫ي‬ ‫إحقــاق العدالــة وإحــال الســام ف ي� ربوعهــا‪،‬‬
‫ـ� أعضائهــا‪ ،‬كـ شـرط �ض وري لوضعهــا‬ ‫تحقــق النظــام‪ ،‬بـ ي ن‬
‫ف ي� منــاخ العمــل المنتــج والتعــاون المثمــر‪ ،‬ووســيلة‬
‫الفــراد واحدهــم‬ ‫ذلــك تنميــة الشــعور اليجــا� عنــد أ‬
‫إ ب‬
‫و� مواجهــة الس يــلطة العموميــة‪ .1‬ويقت ـض‬ ‫ف‬ ‫آ‬
‫ي‬ ‫تجــاه الخــر‪ ،‬ي‬
‫هــذا خلــق المصالــح المتبادلــة‪ ،‬وتحويــل الســلطة إىل‬
‫وســيلة تناســق وتناغــم ومســؤولية معـاً؛ أي تحويلهــا مــن‬
‫حــى يمكــن اســتبطانها والتعامــل‬ ‫الداخــل بال�ش عيــة‪ ،‬ت‬
‫الســياس‪،‬‬
‫ي‬ ‫ولكــن مــع ذلــك الوعــي بأهميــة العامــل‬ ‫يجــا� معهــا وقبــول قراراتهــا‪ .‬ولكــن عندمــا تتدمــر‬ ‫ال ب ي‬ ‫إ‬
‫يبقــى الســؤال م�ش وعــاً ومفتوحــاً بالفعــل‪ ،‬طالمــا أننــا ال‬ ‫ت‬
‫الســلطة (المشــتملة عــى عنــارص النظــام وال�تيــب‬
‫ن ـزال نقبــع ف ي� الهوامــش الحضاريــة عــى مســتوى العلــم‬ ‫تأطــر المجتمــع‬ ‫ي‬ ‫والمرتبيــة وال�ش عيــة‪ ،‬والمســؤولة عــن‬
‫والتطــور والحداثــة السياســية والمعرفــة العلميــة والتقنيــة‪:‬‬ ‫أ‬
‫ولجــم عنــارصه) ف ي� أحــد عنارصهــا أو مقوماتهــا الساســية‬
‫لمــاذا لــم يتمكــن العــرب ‪ -‬بعــد تشــخيص الــداء والمــرض‬ ‫مخــرب وخصــم لمجتمعهــا)‪ ،‬فــإن‬ ‫(لتتحــول إىل عنــر أ ّ‬
‫والوقــوف عــى ســبل وطــرق العــاج الممكنــة ‪ -‬مــن السـ يـر‬ ‫ـى يقــوم عليهــا‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ذلــك يع ـ ي ضيــاع الســس والقواعــد الـ ي‬
‫ولــو خطــوة واحــدة عــى طريــق التطــور التق ـن ي والتقــدم‬ ‫هــذا التنظيــم العــام‪ ،‬ومــن ثــم يحــدث االنفــات‬
‫العلمــي التاريخــي لبنــاء مجتمعــات قويــة فاعلــة‪ ،‬قائمــة‬ ‫وأخــراً تهديــد النظــام العــام باالنهيــار‪.‬‬
‫ي‬ ‫واالنفــكاك‪،‬‬
‫ف‬
‫معــا� عقليــاً وماديــاً‪ ،‬منتــج‬ ‫عــى وجــود مواطــن ســليم‬ ‫‪ - 1‬غليون‪ ،‬برهان‪« ،‬نقد السياسة‪ ..‬الدولة والدين»‪ ،‬ص‪ ،183:‬صادر عن‪ :‬المؤسسة‬
‫ومؤثــر علميـاً وتقنيـاً‪ ،‬وحــا�ض بقــوة فكــره وعلمــه ومخ�عاته‬
‫ت‬ ‫العربية للدراسات والن�ش ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬لبنان ‪ /‬يب�وت‪..‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪73‬‬ ‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬

‫وال�امــج التنمويــة‪-‬‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ف‬


‫–� حــال وجــود بعــض تلــك السياســات ب‬ ‫ي‬ ‫با�‬
‫ـو� العالمــي مثــل ي‬
‫ومكتشــفاته‪ ،‬ي� معادلــة الحضــور الكـ ي‬
‫والمكانــات‬
‫عــن اســتثمار واســتنفار كل القــدرات والمواهــب إ‬ ‫حضــارات وأمــم العالــم المتقــدم؟! ولمــاذا لــم تتمكــن‬
‫الب�ش يــة وقــدرات الفئــات الوســطى‪ ،‬وأصحــاب المهــارات‬ ‫العــر� مــن بنــاء وطــن مقتــدر‬
‫بي‬ ‫ســلطات ونظــم الحكــم‬
‫والكفــاءات ف ي� عمليــة التنميــة الب�ش يــة الحقيقيــة؟!‪..‬‬ ‫ـ� ومنيــع‪ ..‬مــع أنهــا رفعــت وتبنــت شــعارات‬ ‫قــوي حصـ ي ن‬
‫ـذا�؟ ولماذا فشــلت‬ ‫ت‬
‫التقــدم والتنميــة والتطــور واالكتفــاء الـ ي‬
‫ومــع وجــود تطبيقــات وتجــارب عمليــة محــددة‬ ‫ت‬
‫واســراتيجيات التنميــة االقتصاديــة‬ ‫كل أو معظــم خطــط‬
‫كمــاً ومحــدودة نوعــاً لبعــض خطــط التنميــة ذات‬ ‫ـى باتــت لشــدة الفشــل الذريــع‪،‬‬ ‫ت‬
‫االشــراك‪ ،‬أو تلــك ت‬
‫ت‬
‫ّ‬ ‫الداخليــة لتلــك البلــدان الـ ي‬
‫الــى اعتمــد فيهــا عــى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطابــع‬ ‫تعتمــد ‪ -‬بصــورة شــبه كليــة ‪ -‬عــى المصــادر الخارجيــة‬
‫اقتصــاد الســوق (غالب ـاً مــا كانــت ذات تجــارب ريعيــة‬ ‫واق�اضـاً واســتثمارات كنتيجــة طبيعيــة لغيــاب تلك‬ ‫تمويـا ً ت‬
‫الطابــع تقــوم عــى تجميــع وتكديــس المــال والعملــة‬ ‫السياســات االقتصاديــة واالجتماعيــة العامــة‪ ،‬والعجــز ربمــا‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪74‬‬

‫الســياس‪ ،‬وســوء إدارة المــوارد‪،‬‬


‫ي‬ ‫نتيجــة الطغيــان‬ ‫الصعبــة ضمــن صناديــق «ســيادية!!» جــراء بيــع‬
‫وهيمنــة عقليــة الفســاد‪.‬‬ ‫وغ�همــا مــن دون وجــود‬ ‫مــواد خــام كالنفــط والغــاز ي‬
‫ف‬
‫صناعــات ثقيلــة ذات امتــدادات متجــذرة ي� بنيــة الدولة‬
‫التفقــر) الشــامل والتخ ّلــف‬
‫ي‬ ‫وهــذا الفقــر (أو‬ ‫والمجتمــع‪ ،‬ومــن دون امتــاك زمــام المبــادرة العلميــة‬
‫المقيــم ‪ -‬الناجــم أساســاً عــن افتقــار المجتمعــات‬ ‫للســف مــن‬ ‫والتقنيــة فيهــا)‪ ...‬كل ذلــك لــم يمنــع أ‬
‫ـو�‬ ‫لمعايـ يـر وقيــم رابطــة‪ ،‬ممــا دفعهــم إىل حضــن الفـ ض‬ ‫زيــادة رقعــة ومســاحة وحجــم بقــع الفقــر العمالقــة‪،‬‬
‫والجهــل‪ ،‬واالرتمــاء ف ي� أتــون محرقــة القــوى والعقائديــات‬ ‫وال ف ي� إنقــاص معــدالت البطالــة المرعبــة‪ ،‬خاصــة لــدى‬
‫المعمــم ال‬
‫ّ‬ ‫واالنتمــاءات مــا دون وطنيــة ‪ -‬هــذا الفقــر‬ ‫أجيــال الشــباب المتعلــم ف� بلداننــا العربيــة‪ ،‬ت‬
‫وحــى‬ ‫ي‬
‫نعتقــد أن محاربتــه ســتنجح بصــورة مضمونــة النتائــج إال‬ ‫منهــا تلــك البلــدان والــدول الغنيــة بالـ ثـروات النفطيــة‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪75‬‬ ‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬

‫عملت النخب التسلطية‬


‫الحاكمة عندنا في عالمنا‬
‫العربي واإلسالمي على مر‬
‫تاريخنا الثقافي والسياسي‪،‬‬
‫على إلغاء هذا حياة الفرد بصور‬
‫وأشكال شتى‪ ،‬والتالعب به‬

‫أن الرهــان عــى الــدول المتقدمــة ف ي(� مســألة مســاعدة‬


‫والســر عــى طريــق التقــدم‬ ‫ي‬ ‫العــرب عــى النهــوض‪،‬‬
‫الحقيقــي)‪ ،‬هــو رهــان عــى حصــان خــارس إىل حــد كبـ يـر‪،‬‬
‫مــن دون وجــود أســس ذاتيــة ومبــادرات عربيــة داخليــة‬
‫خلقــة وفعالــة‪ ،‬يمكــن أن تشــكل أساســاً ي‬
‫لــ� يمــد لنــا‬ ‫ّ‬
‫آ‬
‫الخــرون يــد العــون (وهــذا مــن حــق هــذا الغــرب)‪ ..‬بمــا‬
‫معــى لــه عــى‬ ‫يعــن أن االعتمــاد كليــاً عــى الخــارج ال ن‬
‫ي‬
‫العمــ�‪ ،‬ألنــه ســيجعل مــن بلداننــا رهينــة‬
‫آ ي‬ ‫المســتوى‬
‫الخــر‪ ،‬وســيبقيها ف ي� ثالجــة االنتظــار وحالــة‬ ‫لزمــن هــذا‬
‫تخلــف ورثاثــة مغطــاة بقـ شـرة حداثويــة شــكلية ال تغ ـن‬
‫ي‬
‫وال تســمن مــن جــوع‪.‬‬

‫وعمــم مركزيته‬
‫فالغــرب ســبق أن أقــام وجــوده‪ ،‬وركز ّ‬
‫الثقافيــة والحضاريــة‪ ،‬وحضــوره النوعــي المؤثــر مــن خــال‬
‫تلــك الثــورات العلميــة والتقنيــات المذهلــة واالكتشــافات‬
‫الكــرى المفيــدة الفائقــة عــى مســتوى العالــم‪ ،‬وعــى‬ ‫ب‬
‫بــا� ثقافــات هــذا العالــم بالطبــع‪ ،‬وخصوصــاً‬ ‫ق‬
‫حســاب ي‬
‫ثقافتنــا العربيــة إالســامية‪ ..‬وهــذه مــن أهــم التحديــات‪،‬‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ـأ� عــى رأس قائمــة أ‬ ‫ت‬
‫المص�يــة ي‬
‫ي‬ ‫الولويــات‬
‫ت‬
‫ال بــل هــي تـ ي‬
‫الــى توقــف إنتاجهــا العلمــي‬
‫تحيــط ث بثقافتنــا وحضارتنــا ت ي‬
‫الــذا� منــذ قــرون طويلــة كمــا‬
‫ي‬ ‫والبحــى عــن التوالــد‬
‫ي‬
‫ـتلبة‪ ،‬منفعلــة غــر فاعلــة‪� ،‬ف‬ ‫ـ‬ ‫ومس‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫تابع‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫لتصب‬ ‫ذكرنــا‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ظــل تنامــي وتصاعــد الحركيــة العلميــة للغــرب الحديــث‬
‫والصعــدة‪ ،‬حـ تـى باتــت ت‬
‫االخ�اعــات‬ ‫عــى كل المســتويات أ‬
‫الحديثــة تقــاس بالشــهور وليــس بالعقــود الطويلــة‪.‬‬ ‫ـارك منفتــح‪ ،‬تتــم‬ ‫ف‬
‫ـياس حــر وتشـ ي‬‫ي� ظــل وجــود منــاخ سـ ي‬
‫فيهــا وبسالســة عمليــة توطـ ي ن‬
‫ـ� العلــم والمعرفــة العلميــة‬
‫(والقامــة ف ي� رثاثــة التخلف)‬
‫ال�اجــع إ‬ ‫وقــد لعب هــذا ت‬ ‫والتكنولوجيــة‪ ،‬والدخــول إىل عالــم صناعــة وإنتــاج الســلع‬
‫والســامي عــن الركــب العلمــي‬ ‫ف‬ ‫والخدمــات المطلوبــة ف ي� ظــل هــذا االقتصــاد المعولــم‬
‫ـر� إ‬
‫ـر� العـ ب ي‬
‫العلمــي والمعـ ي‬
‫ال�هــل‬‫الغــر�‪ ،‬والــذي جــاء كنتيجــة طبيعيــة لحالــة ت‬ ‫الــذي نعيــش فيــه‪ ،‬والــذي ال مــكان فيــه إال أ‬
‫للقويــاء‬
‫بف ي‬
‫الثقــا� والكســاد العلمــي الطويــل منــذ ث‬
‫أكــر مــن ألــف‬ ‫ين‬
‫الفاعلــ�‪.‬‬ ‫ين‬
‫والمنتجــ�‬
‫ي‬
‫ومائـ تـى عــام‪ ،‬وهيمنــة العقــل الفقهــي ت ز‬
‫الم�مت وترســبات‬ ‫ي‬
‫وتراكمــات الـ شـروح التقديســية للــذات البعيــدة عــن روح‬ ‫وقــد أثبتــت التجربــة التاريخيــة العربيــة ف ي� عالقــة‬
‫وفكــرة الحريــة ومنطــق التشــارك والتفاعــل والحــوار‪..‬‬ ‫العــرب مــع الغرب‪ ،‬ومــع مختلــف دول العالــم المتقدم‪،‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪76‬‬

‫غنيــة ش�ط نقدهــا ومحاورتهــا مــن الداخــل‪ ،‬لتتحــول‬ ‫تأثــر حيــوي‬


‫الســامية ي‬ ‫بعــد أن كان للحضــارة العربيــة إ‬
‫تبشــر‬ ‫وإيجــا�‪،‬‬ ‫الحقــاً إىل حالــة تبشــر ف‬
‫ثقــا� منفتــح‬ ‫ف ي� تطــور أوروبــا العصــور الوســطى‪ ...‬أقــول‪ :‬لعــب هــذا‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـا� عــى جعــل الحيــاة جميلــة لــكل‬ ‫ن‬ ‫الســامي دوراً‬ ‫التقهقــر ت‬
‫النسـ ي‬ ‫بقــدرة الفاعــل إ‬ ‫وال�اجــع واالرتــكاس الحضــاري إ‬
‫إنســان‪ ،‬وهــذا ال يكــون إال ببنــاء رؤيــة خالقــة لتفاعــل‬ ‫كبــراً ف ي� تشــتيت مقدراتنــا ومواردنــا وقوانــا الحضاريــة‬
‫ي‬
‫الخــر‪ ،‬وهــذا هــو‬ ‫النســان مــع النســان‪ 2‬مــع النســان آ‬ ‫ف‬
‫الماديــة والمعنويــة‪ ،‬وســاهم ي� تهميشــها‪ ،‬وجعلهــا‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫والنســان يصــل‬ ‫لــب حــوار الثقافــات والحضــارات‪ ..‬إ‬ ‫والتأث�‪..‬‬
‫ي‬ ‫عديمــة الفاعليــة والجــدوى ف ي� العمــق واالمتــداد‬
‫حــ�ن‬
‫النســان فيــه ي‬ ‫إىل قمــة إبداعــه وتجســيد جوهــر إ‬ ‫خاصــةً مــع تضخــم الجانــب النظــري عــى حســاب ضآلــة‬
‫النســان بصفتــه إنســاناً بعيــداً عــن‬ ‫يتفاعــل مــع أخيــه إ‬ ‫العمــ� التقــن ي ؛ أي مــع ضخامــة‬‫ي‬ ‫وضحالــة الجانــب‬
‫آنيــة السياســة‪ ،‬وانغالقــات المذاهــب‪ ،‬وهيمنــة الهويــات‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫والــرح النظــري و�ح الــرح عــى هوامــش‬ ‫التأويــل ش‬
‫القاتلــة‪.‬‬ ‫وحــوا�ش ي الكتــب القديمــة بــا فوائــد تذكــر‪ ،‬ممــا ســاهم‬
‫ـ�‪.‬‬ ‫ف‬
‫أ‬ ‫والنتــاج العمـ ي‬
‫ي� توقــف النمــو النوعــي إ‬
‫كــر‪ ،‬تحــدي الحــوار والتفاعــل‬
‫وهــذا التحــدي ال ب‬
‫ـا� الخصــب‪ ،‬تحــدي اســتنهاض الــذات الحضاريــة‬‫إ ن‬
‫النسـ ي‬ ‫ونحــن ‪ -‬بطبيعــة الحــال ‪ -‬لســنا معقديــن مــن‬
‫ي‬
‫‪- 2‬الحمد‪ ،‬ترك‪« ،‬الثقافة العربية ف� عرص العولمة»‪ ،‬ص‪ ،84 :‬دار ق‬
‫السا�‪ ،‬لبنان ‪/‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫النظــري والفكــري‪ ،‬وال مــن المتــون وال�ش وحــات الثقافيــة‬
‫الوىل ‪1999‬م‪.‬‬‫ب�وت‪ ،‬الطبعة أ‬ ‫التاريخيــة الضخمــة‪ ،‬بــل هــي قــد تصبــح إضافــة نوعيــة‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪77‬‬ ‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬

‫أول خطــوة صحيحــة ســنخطوها عــى طريــق النهــوض‬ ‫الفاعلــة لــه‪ ،‬هــو مــا يتطلــب إعــادة بنــاء معرفيــة جديــدة‬
‫ف‬
‫الرادة‪،‬‬‫والثمــار الحضــاري‪ ،‬مــع توافــر ش�ط إ‬ ‫والبنــاء إ‬ ‫الســامي الخــاص‬ ‫العــر� إ‬
‫بي‬ ‫الثقــا�‬
‫ي‬ ‫ش‬
‫للمــروع‬ ‫وعرصيــة‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫وتفعيــل قــدرات المــة‪ ،‬وزجهــا ي� معــرك الــراع‬ ‫بهــذه الحضــارة الشــاهدة‪ ،‬ليكــون منفتح ـاً عــى العــر‬
‫ـتقبل‪ ...‬وباعتبــار أن الفــرد هــو‬‫الحضــاري الراهــن والمسـ ي‬ ‫والحيــاة بــا عراقيــل وال حواجــز وال محــددات‪ ،‬وقــادراً‬
‫أســاس وجوهــر أي مـ شـروع ومنطلــق وغايــة الحيــاة كلهــا‪،‬‬ ‫عــى اســتيعاب الواقــع الموضوعــي الجديــد المرتبــط‬
‫التفكــر‬ ‫الرض (كمــا تقدمــه منظومــة‬ ‫كخليفــة هلل عــى أ‬ ‫والمعايــر‬ ‫بعنــري الزمــان والمــكان‪ ،‬وإبــداع القواعــد‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� هــذا «الفــرد‪-‬‬‫الســامية)‪ ،‬فالبــد مــن العمــل عــى تمكـ ي ن‬ ‫إ‬ ‫النصيــة الفكريــة الجديــدة الخاصــة بــه‪ ،‬خصوصــاً وأن‬
‫الخليفــة»‪ ،‬مــن أخــذ دوره وتحمــل مســؤوليته وإثبــات‬ ‫هنــاك تأثـ يـرات عمليــة ســلبية‪ ،‬ال بــد أن تنجــم عــن تلــك‬
‫حضــوره المؤثــر والمنتــج ف ي� ســاحات ومياديــن العمــل‬ ‫الثــورات المعرفيــة والعلميــة الهائلــة الالمحــدودة‪ ،‬ف ي� مــا‬
‫ـ� لــن يحــدث طالمــا‬ ‫والنتــاج الحقيقــي‪ ،‬لكــن هــذا التمكـ ي ن‬ ‫ـى‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫إ‬ ‫ـا� والحضــاري القــري الـ ي‬ ‫التنميــط الثقـ ي‬
‫ف‬
‫يتعلــق بآليــات‬
‫يســتخدمها آ‬
‫أن هنــاك تجاهــا ً مقصــوداً وممنهجــاً (وبمســتويات‬ ‫الخــر ي� عملــه الدائــم عــى فــرض نموذجــه‬
‫متعــددة) لفكــره وقناعاتــه ومعتقداتــه الدينيــة والتاريخيــة‬ ‫الحضــاري عــى الثقافــات الحيــة أ‬
‫الخــرى‪.‬‬
‫ـى يؤمــن بهــا وبقوتهــا وفاعليتهــا‪ ،‬ويواليهــا ويســتهدي‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬ ‫آ‬
‫بهــا ويسـ يـر خلفهــا كنــص أو كســلوك مقــدس؛ أي يمحــور‬ ‫إذن‪ ،‬ش�ط االســتقاللية عــن الخــر الغـ ب ي‬
‫ـر� المتمركــز‬
‫حياتــه بنــا ًء عليهــا‪ ،‬ذات ـاً وموضوع ـاً‪..‬‬ ‫حــول ذاتــه‪ ،‬وعــدم االنغمــاس فيــه‪ ،‬والتبعيــة لــه‪ ،‬هــو‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪78‬‬

‫أدبيــات أحزابنــا العقائديــة ذات الم�ش وعيــة الثوريــة (مــن‬


‫اليمــ� ألقــى اليســار) نجــد أنهــا تبــدع وتنتــج‬
‫ين‬ ‫أقــى‬ ‫المشكلة ليست قائمة‬
‫وتتوســع ‪ -‬ف� عمــق منظومتهــا التفك�يــة مــا شــاء هللا ‪� -‬ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ش�ح أدق تفاصيــل مؤامـرات وخطــط واســتعمارية ونفعيــة‬ ‫في التراث بحد ذاته‪ ،‬كأزمة‬
‫آ‬
‫الخريــن‪ ..‬ال بــل أكـ ثـر مــن ذلــك‪ ،‬فهنــاك أح ـزاب عندنــا‬ ‫ذاتية مقيمة فقط‪ ،‬بل في‬
‫أقامــت وجودهــا بالكامــل عــى فكــرة النفــي واالســتئصال‬ ‫استخداماته (واستعماالته)‬
‫للقاص‬
‫ي‬ ‫وغ�هــا‪ ..‬هــذا كلــه واضــح ومعــروف‬
‫والمواجهــات ي‬
‫تنظــر وال طروحــات مفاهيميــة‪ ..‬لكــن‪:‬‬
‫ي‬ ‫ن‬
‫والــدا�‪ ،‬بــا‬ ‫المنحرفة‪ ،‬وتخويف الناس‬
‫ي‬
‫وإرباك وجودهم وحياتهم‬
‫مــاذا فعلنــا لمواجهــة كل تلــك السياســات النفعيــة‬
‫ـى بتنــا جــزءاً منهــا بوعــي أو بــا وعــي؟ ومــاذا‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫االســتعمارية الـ ي‬
‫قدمــت دول وحكومــات العــرب ي� مرحلــة مــا بعــد عهــود‬
‫ـكل عــن المســتعمر الخارجي‪ ،‬لتعمــل وتواجه‬ ‫االســتقالل الشـ ي‬ ‫وقــد عملــت النخــب التســلطية الحاكمــة عندنــا‬
‫وتحــدث وتطــور؟!! ومــا هــي آليــات‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ف ي� عالمنــا‬
‫أ‬
‫ّ‬ ‫وتنتــج وتبــدع وتبــ ي‬ ‫الثقــا�‬
‫ي‬ ‫والســامي عــى مــر تاريخنــا‬ ‫العــر� إ‬
‫بي‬
‫المواجهــة واالســتجابة إاليجابيــة الفاعلــة وردود الفعــال‬ ‫ـياس منــذ قــرون طويلــة‪ ،‬عــى إلغــاء هــذا الجانــب‬ ‫والسـ ي‬
‫المنتجــة والمثمــرة حيــال تلــك السياســات االســتعمارية؟!!‬ ‫ت‬
‫مــن حيــاة هــذا الفــرد بصــور وأشــكال شــى‪ ،‬والتالعــب‬
‫بالنجــاز والبنــاء ومواجهــة االســتعمار‪ ،‬مثلمــا‬ ‫هــل اهتمــت إ‬ ‫بــه‪ ،‬تفسـ يـراً وتأويـاً‪ ،‬للحفــاظ عــى مصالحهــا وامتيازاتهــا‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫اس والبقــاء البــدي ي� جنــان‬ ‫ت‬
‫اهتمــت بالحفــاظ عــى الكــر ي‬ ‫ـى تتعــارض مــع أســاس فكــرة «الخالفــة الربانيــة» للفــرد‬ ‫الـ ي‬
‫«الملــك العضــوض» المــوروث تاريخيــاً وثقافيــاً؟!!‪..‬‬ ‫والنســان عموم ـاً‪..‬‬
‫المســلم إ‬

‫الجابــات صعبــة والشــك‪ ،‬وربمــا تكــون مهينــة‬ ‫إ‬ ‫ـياس‬


‫فهنــاك عقــود مــن القــر والقهــر والقمــع السـ ي‬
‫وقاســية‪ ،‬ولكــن نعــود للتأكيــد مجــدداً عــى مــا ســبق أن‬ ‫واالســتفراد المتوحــش بالســلطة‪ ،‬وإلغــاء دور ومكانــة‬
‫أجبنــا عليــه وقلنــاه وكتبنــا عنــه مـراراً وتكـراراً بــا نخبويــة‬ ‫العــر�‪ ،‬وتهميشــه‪ ،‬وتقليــص مســاهمته ف ي� بنــاء‬
‫بي‬ ‫الفــرد‬
‫العــر�‪ ،‬ومنهــا‬
‫بي‬ ‫وال وصائيــة فكريــة‪ ...‬أزمتنــا ف ي� عالمنــا‬ ‫مركــب الدولــة ككل‪ ،‬وربمــا قــد يكــون هــذا نــوع مــن‬
‫أزمــة مــر والعـراق وتونــس وليبيــا واليمــن وســورية هــي‬ ‫التعميــم‪ ،‬ولــو أنــه يفيــد التخصيــص‪ ،‬ألننــا كعــرب‬
‫بالتأكيــد‪ ،‬ليســت سياســية فقــط (وإن كانــت السياســة‬ ‫ين‬
‫وغارقــ�‬ ‫ين‬
‫ومعروفــ� ومشــهورين‬ ‫ين‬
‫مختصــ�‬ ‫عمومــاً بتنــا‬
‫الزمــة)‪ ،‬بــل هــي أزمــة ثقافــة وفكــر وتربيــة‬ ‫مــن نتائــج أ‬ ‫الســياس دونــاً عــن‬ ‫ئ‬
‫البــدا� مــن الحكــم‬ ‫بهــذا النمــط‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تذكــراً وتأكيــداً وأهميــة نوعيــة‪ ..‬فــا سياســة‬ ‫كمــا قلنــا ي‬ ‫كثـ يـر مــن أمــم وخلــق هللا كلهــم تقريب ـاً‪ ..‬مــع أنــه مــن‬
‫ـياس واعــي ومثقف‬ ‫ـا جمهــور سـ ي‬ ‫فاعلــة ومنتجــة وواعيــة بـ‬ ‫ال ـرض وري هنــا ذكــر أســماء وعناويــن واضحــة ورصيحــة‬
‫ف‬
‫ومتحمــل للمســؤوليات ي� دوائــر ومؤسســات الحيــاة‬ ‫خاصــة‪ ..‬بــا تعميمــات ال طائــل منهــا‪..‬‬
‫الصغــرى منهــا قبــل الكـ بـرى‪ ...‬وال إنتــاج حضــاري مــادي‬
‫حــا�ض ومثمــر ف ي� عالــم اليــوم والغــد (عالــم القــوة‬ ‫طبعــاً‪ ،‬نحــن ال نريــد تبســيط المســألة السياســية‬
‫والنتــاج المــادي الهائــل)‬ ‫والعقــل والعلــم والصناعــة إ‬ ‫والثقافيــة التاريخيــة المعقــدة‪ ،‬إىل حــد إبرازهــا وإظهارهــا‬
‫بــا تربيــة وتنميــة ذاتيــة ومجتمعيــة‪ ،‬وقبلهــا بــا تنشــئة‬ ‫بطريقــة الثنائيــات الحديــة المطلقــة‪ ،‬وال نريــد أيضــاً‬
‫الرسة‪ ،‬وتنتهــي ف ي�‬‫تربويــة صحيحــة وحقيقيــة تبــدأ مــن أ‬ ‫شــيطنة المفاهيــم والطروحــات والمواجهــات مــع الغــرب‬
‫الكــرى‪..‬‬
‫مناصــب ومواقــع المســؤولية ب‬ ‫أو مــع نظمنــا المســتبدة‪ ،‬وتحميلهــم دومــاً مســؤولية‬
‫الفشــل الحضــاري المقيــم عندنــا منــذ قــرون‪.‬‬
‫إنـن ي أشــتغل عــى نقــد الفكــر ونقــد الـ تـراث والفكــر‬
‫الـ تـر ث يا� الديـن ي منــذ أكـ ثـر مــن عقديــن‪ ..‬دعــوت خاللهــا وال‬ ‫وهــذا الغــرب‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪ ،‬ال يفكــر ‪ -‬ف ي� مجمــل‬
‫أزال أدعــو إىل تربيــة الفــرد عــى معايـ يـر وأخــاق الديــن‬ ‫الــى يســلكها ويضغــط‬ ‫ت‬
‫أ ق‬ ‫السياســات الغربيــة والدوليــة ي‬
‫خــا� الديــن ي المنفتــح والمنظــم‪ ،‬وهــي‬ ‫والســلوك ال ي‬ ‫باتجاههــا ‪ -‬إال نفعيــاً وذرائعيــاً بالقيمــة االســتعمالية‬
‫أخــاق عمليــة واســعة االمتــداد والعمــق االجتماعــي‪..‬‬ ‫ن‬
‫بالمعــى المــادي العضــوي للكلمــة‬ ‫للــش ي ء‪ ،‬اســتعمالية‬
‫ن‬
‫وأمــا�‬ ‫الخــاق ليســت فضــاءات‬ ‫ولكــن المشــكلة‪ ،‬أن أ‬ ‫وليــس فقــط اســتعمارية تســلطية رعنــاء‪ .‬هــذا واضــح‬
‫ي‬
‫حــى يقتنــع النــاس بهــا‪ ،‬بــا أرضيــة‬ ‫وأحــام ورديــة‪ ،‬ت‬ ‫تمامــاً منــذ عقــود طويلــة للجميــع‪ ،‬وعندمــا نراجــع كل‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪79‬‬ ‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬

‫قويــة ومتينــة مــن القانــون والنظــام العــام‪ ..‬خاصــة وأن‬


‫الحرية هي هيكل وأساس‬ ‫الســام ‪ -‬وهــو ديــن اليــر والتعــارف والمحبــة والســام‬ ‫إ‬
‫بناء أية دولة أو مجتمع‪ ،‬ألنها‬ ‫الفــردي والمجتمعــي ‪ -‬قــد أعطــى الفــرد المســلم مســاحة‬
‫واســعة مــن حريــة الحركــة القيميــة أ‬
‫الخالقيــة بــا تك ّلــف‬
‫هي جوهر الوجود‪ ،‬وهي‬ ‫يضيــق عــى حيــاة ومعيشــة النــاس‬ ‫وال تشــدد‪ ،‬وبمــا ال‬
‫جوهر كينونة اإلنسان في هذا‬ ‫عمومـاً‪ ..‬وبمــا ال يــؤدي ّإىل جعــل القيمــة ســجناً نعيــش �ف‬
‫ي‬
‫الوجود‬ ‫داخلــه بــا حركــة وال عمــل وال إنتــاج‪..‬‬

‫إنــن ي واثــق أن الظــروف الخارجيــة المهيمنــة عــى‬


‫والــى تشــكل ضغطــاً عــى وجودهــا ووعيهــا‬ ‫النــاس‪ ،‬ت‬
‫ي‬
‫وتقــزم خياراتهــا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تضيــق عليهــا حياتهــا‪،‬‬‫وفعاليتهــا‪ّ ،‬‬
‫حقوقهــم ومعرفتهــم بهــا قبــاً‪ ،‬ومــن ثــم أُنشــئت‬ ‫ربمــا تكــون مــن أســباب عــدم نجــاح كثـ يـر مــن معايـ يـر‬
‫الحقوقيــات المؤسســية والضمانــات الدســتورية والهيــاكل‬ ‫الســامية المنفتحــة‬ ‫وال�بيــة إ‬ ‫وتطبيقــات التنشــئة ت‬
‫القانونيــة‪ ،‬وعــرف النــاس والمجتمعــات واجباتهــم‬ ‫المــر الــذي جعلهــا (أي تلــك الظــروف‬ ‫الصحيحــة‪ ،‬أ‬
‫ـات� وليس بالعســكر‬‫وحقوقهــم المصانــة بالقانــون والدسـ ي‬ ‫المحيطــة الخارجيــة) تضغــط عــى واقــع وحيــاة النــاس‪،‬‬
‫العــر�؟‬ ‫أ‬
‫والمــن‪ ..‬فمــاذا ينقصنــا نحــن ف ي� عالمنــا‬ ‫ـ� ف ي� طــرق ومســارات عمــل‬ ‫وتدفعهــم لالنخ ـراط مكرهـ ي ن‬
‫بي‬
‫بكثــر مــن ت ز‬
‫ال�اماتهــا‬ ‫ي‬ ‫ال يعتقــدون بهــا‪ ،‬وال يؤمنــون‬
‫نشــر إىل الخلــل بقــوة وجــرأة‪ ،‬لنبــدأ‬ ‫ينقصنــا أن ي‬ ‫وضوابطهــا؛ أي إن الضغــط (ضغــط الحاجــة القاهــرة)‬
‫بعالجــه ومكافحتــه‪ ،‬وهــو ‪ -‬قبــل أو بعــد نقــد الثقافــة‬ ‫جعلهــم يخرقــون كثـ يـراً مــن تعاليــم وقيــم ومبــادئ تلــك‬
‫والــراث الديــن ي ‪ -‬كامــن ف ي� طبيعــة السياســة واللعــب‬ ‫ت‬ ‫ال�بيــة الصحيحــة‪ ،‬ويتبعــون ســبل التطــرف والتعصــب‬ ‫ت‬
‫الســياس‪ ،‬واالســتبداد بالنــاس وقهرهــم وجعلهــم‬ ‫ض‬
‫والفــو� الدينيــة‪..‬‬ ‫والتكفــر‬
‫ي‬
‫ي‬
‫محبوســ� ف ي� القمقــم‪ ،‬وكبتهــم وكتــم أنفاســهم‬ ‫ين‬
‫والبــداع والحضــور‪ ..‬كامــن‬ ‫بــا قــدرة عــى العمــل إ‬ ‫والنــاس بطبعهــم وفطرتهــم يميلــون إىل البحــث‬
‫الهــداف الــىت‬ ‫ف� إخفــاق النظــم العربيــة ف� تحقيــق أ‬ ‫عــن معيشــتهم وحياتهــم الطبيعيــة‪ ،‬ويريــدون تحقيــق‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ســعادتهم‪ ،‬وإقامــة جنــة حقيقيــة عــى أ‬
‫كانــت تضعهــا لنفســها ف ي� التنميــة والعدالــة‪ ،‬والحريــة‬ ‫الرض بعيــداً عــن‬
‫تغيــر عــام‬ ‫أ‬ ‫ـا� غـ يـر المنظــورة‪ ،‬أو بعيــداً عــن كثـ يـر مــن‬‫أ ن‬
‫الوطنيــة والتحريــر‪ ،‬والمــن والســيادة‪ ،‬إىل ي‬ ‫الوعــود والمـ ي‬
‫العــر� منــذ نهايــة الســبعينيات‪.3‬‬
‫بي‬ ‫ف ي� المنــاخ العقائــدي‬ ‫القناعــات الدينيــة وغـ يـر الدينيــة‪ ..‬وعندمــا نرفــع الضغوط‬
‫ـى وصلــت إليهــا تلــك النظــم‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ومســببات التطــرف‪ ،‬فســيعود النــاس حتمـاً إىل وضعهــم‬
‫فمــاذا كانــت النتيجــة الـ ي‬ ‫ت‬
‫كانــت هــي االنحطــاط الشــامل والفســاد المطلــق‪ ..‬ممــا‬ ‫ـا� الطبيعــي‪..‬‬‫ونســقهم الحيـ ي‬
‫أدى إىل مراكمــة مشــاعر الحقــد والضغينــة ضدهــا‪ ،‬ومهــد‬
‫تل�اكــم العنــف المضــاد ف ي� موجــات متتاليــة عاتيــة منــذ‬ ‫وهــذا مــا يدفعنــا إىل إالقـرار هنــا بأن المشــكلة ليســت‬
‫ـا�‪ ،‬فمــا أن ترتــاح مجتمعاتنا‬ ‫ض‬
‫الثمانينيــات مــن القــرن تالمـ ي‬ ‫قائمــة ف ي� الـ تـراث بحــد ذاتــه‪ ،‬كأزمــة ذاتيــة مقيمــة فقــط‪،‬‬
‫ف‬
‫فـ تـرة زمنيــة قصـ يـرة‪ ،‬حــى تدخــل ي� أتــون محرقــة دمويــة‬ ‫بــل ف ي� اســتخداماته (واســتعماالته) المنحرفــة‪ ،‬وتخويــف‬
‫لفـ تـرات أخــرى‪ ،‬كانــت تجتــاح الــدول والمجتمعــات بهدف‬ ‫النــاس وإربــاك وجودهــم وحياتهــم‪ ،‬ومنعهم من ممارســة‬
‫تغيــر واجتثــاث النظــم الحاكمــة مــن جذورهــا‪ ..‬بعــد‬ ‫دورهــم الحقيقــي‪ ،‬وحصولهــم عــى حقوقهــم أ‬
‫الوليــة‬
‫ي‬
‫الصــاح التدريجــي‪..‬‬ ‫إدراك لعــدم إمكانيــة إ‬ ‫البســيطة‪ ،‬ليســت الماديــة فقــط‪ ،‬بــل المعنويــة مــن حريــة‬
‫وكرامــة وعدالــة ومســاواة ف ي� الحقــوق والواجبــات وإلــخ‪..‬‬
‫وبمراجعــة تاريخيــة بســيطة‪ ،‬نجــد أن تجــارب‬
‫الشــعوب حافلــة بمــا يحــدث عندنــا اليــوم‪ ،‬فالــدول‬ ‫وهنــا يمكــن أن نســأل‪ :‬هــل كان هنــاك تطــرف‬
‫المتقدمــة الحضاريــة الدســتورية الحــرة‪ ،‬مــرت بتجــارب‬ ‫وتعصــب وتزمــت وتخلــف ث‬
‫أكــر مــن تطــرف الكاثوليــك‬
‫حــى وصلــت إىل التنويــر والحداثــة‬ ‫صعبــة ومريــرة‪ ،‬ت‬ ‫ف ي� أوروبــا؟!! هــل تعلمــون بــأن الحــروب الدينيــة أو‬
‫ـى‬‫ت‬ ‫الوروبيــة كلفــت أوروبــا ش‬ ‫الهليــة أ‬ ‫الرصاعــات أ‬
‫العقليــة والمعرفيــة والعلميــة‪ ،‬والحداثــة السياســية الـ ي‬ ‫عــرات‬
‫ـ� مــن أ‬
‫‪ - 3‬حول الخيار الديمقراطي‪ ..‬دراسات نقدية (مجموعة ي ن‬ ‫البريــاء‪ ..‬ولكــن التنويــر والحداثــة والعلــم‬ ‫الماليـ ي ن‬
‫مؤلف�)‪ ،‬ص‪ ،133 :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬لبنان ‪ /‬يب�وت‪ ،‬طبعة أوىل لعام ‪1994‬م‪.‬‬
‫ف‬
‫والمعرفــة‪ ،‬كلــه ســاهم الحقــاً ي� حصــول النــاس عــى‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫إشكالية سؤال النهضة‪ :‬لماذا تأخر العرب؟ وكيف يتقدمون؟‬ ‫‪80‬‬

‫الســامية‪ ،‬حالــة‬ ‫جعلتهــا تقــدر وتحـ تـرم إرادة شــعوبها بالدســات� أ‬


‫وخطابــات التيــارات والح ـركات الدينيــة إ‬ ‫والنظمــة‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫بنــاء وتطويــر‪ ،‬ومســاهمة فكريــة ف ي� تشــخيص لمــراض‬ ‫ـ� النافــذة المطبقة عــى الجميع دون اســتثناءات‪..‬‬‫والقوانـ ي ن‬
‫و�‬‫ف‬ ‫ف‬ ‫ث‬
‫تلــك النخــب‪ ،‬ومــا أك�هــا ي� حالتنــا العربيــة‪ ،‬ي‬
‫الســامي‪.‬‬ ‫اجتماعنــا الديــن ي إ‬ ‫وتلــك الــدول لــم تتطــور وتنـ ُـم بصــورة صحيحــة‬
‫الحقـاً بوســائل القــوة والقــر والقمــع أ‬
‫والوامــر العليا‪ ،‬وال‬
‫وكثــر مــن هــؤالء الرمــوز والعلمــاء قــد يتحولــون‬
‫ي‬ ‫بالبيانــات وال بالتعميمــات الجاهــزة الصــادرة عــن «البــاب‬
‫إىل عقــول مغلقــة ســلفية ال تقبــل الحــوار وترفــض النقــد‬ ‫بالصــول القانونيــة والمؤسســاتية أ‬
‫والنظمــة‬ ‫العــال»‪ ،‬بــل أ‬
‫ي‬
‫تعتــر كالمهــا فــوق كالم المخلــوق‬‫ب‬ ‫والمســاءلة‪ ،‬وقــد‬ ‫القانونيــة العلميــة الرصينــة‪ ،‬وبإعطــاء النــاس حقوقهــم‬
‫ودون كالم الخالــق‪ ..‬ولهــذا العقــل الســلفي الديــن‬ ‫ومكانتهــم‪ ،‬وتهيئــة أ‬
‫الجــواء لمشــاركتهم الفاعلــة بالحيــاة‬
‫ي‬
‫الســياس المغلــق‪،‬‬
‫ي‬ ‫المغلــق شــقيق وحيــد هــو العقــل‬ ‫ومعايــر نجــاح‬
‫ي‬ ‫السياســية‪ ..‬وهــذا هــو أحــد مقاييــس‬
‫ت‬
‫حــى لــو كان علمانيــا كامــاً‪..‬‬ ‫ـياس واالجتماعــي خدمــة‬
‫مسـ يـرة تطورهــا السـ ي‬ ‫الــدول ف ي�‬
‫لمواطنيهــا أ‬
‫الح ـرار المسـ ي ن‬
‫ـتقل�‪..‬‬
‫إنــن ي أعتقــد أن التقوقــع حــول الــذات الجماعيــة‪،‬‬
‫الخــر‪ ،‬ورفــض تقبــل الحــوار‪( ،‬وليــس‬ ‫والقطيعــة مــع آ‬ ‫وهي الشــك مسـ يـرة شــاقة وطويلــة‪ ..‬مسـ يـرة المعرفــة العقلية‬
‫النقــد!)‪ ،‬وادعــاء الوصايــة الفكرية والسياســية عــى الناس‪،‬‬ ‫والتنويــر القيمــي‪ ،‬وبنــاء دولة القانــون والعدل والمؤسســات‪.‬‬
‫واسـ تـرهان الــكل مــن أجــل الجــزء‪ ،‬هــي أبــرز صفــات رجــال‬
‫يشــركون فيهــا مــع أصحــاب‬ ‫والــى ت‬ ‫الســلفي�‪ ،‬ت‬
‫ين‬ ‫ديننــا‬ ‫ت‬
‫المس�شــدة‬ ‫وكلمــا كانــت هــذه الدولــة الموعــودة‬
‫ي‬ ‫بهــدي أ‬
‫العقــول السياســية المغلقــة اعتقــاداً وقــوال ً وعمــاً‪..‬‬ ‫الخــاق العمليــة‪ ،‬بعيــدة عــن القوالــب والفردانيــة‬
‫والنمطيــة والحزبيــة والحالــة السياســوية التنظيميــة‬
‫لقــد كانــت الدولــة العربيــة تاريخي ـاً دولــة اســتبداد‬ ‫تز‬
‫واالخ�اليــة الواحديــة‪ ..‬كلمــا كانــت تجلياتهــا بعيــدة عــن‬
‫ـياس‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫وقهــر وغلبــة‪ ،‬هذا هــو الثابت ي� مسـ يـرة الحكم السـ ئ ي‬ ‫التمثــل والشــخصنة ي� شــيوخ ورمــوز وقــادة وزعمــاء‬
‫واالســتثنا�‬ ‫والســامي غالبــاً‪ ،‬بينمــا الطــارئ‬ ‫العــر� إ‬ ‫ين‬
‫إلهيــ�‪.‬‬ ‫ين‬
‫إلهيــ� أو شــبه‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫فيهــا هــو أن تكــون دولــة عدالــة وإنســانية‪ ،‬دولــة قانــون‬
‫ت‬
‫الــى نمــر فيهــا‬ ‫ت‬ ‫أ �ن‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫أخـ يـراً‪ ،‬أقـ‬
‫ومؤسســات‪ ..‬وحــى لحظتنــا الراهنــة‪ ،‬ي‬ ‫ـد� بعــض الصدقــاء‪ ،‬لن ي‬ ‫ـول‪ ،‬وقــد انتقـ ي‬
‫ث‬ ‫ف‬
‫حاليـاً بتحــوالت وتغـ يـرات عــى شــكل اضطرابــات وقالقــل‬ ‫حديــى النقــدي عــى ســلوكية وأفــكار‬
‫ي‬ ‫كثــراً مــا أركــز ي�‬
‫ي‬
‫مص�يــة ف ي� بلــدان مــا يســمى‬ ‫ومشــاكل وأزمــات باتــت ي‬ ‫ت‬
‫علمــاء ورجــال الديــن عموم ـاً‪ ،‬وأركــز عــى نقــد الــراث‪:‬‬
‫الــى أضحــت بلــدان الشــتاء القــارس‬ ‫ت‬
‫العــر� ي‬
‫بي‬ ‫ف‬
‫بالربيــع‬
‫خاصــة ي� ســوريا والعـراق واليمــن وليبيــا ‪ -‬ال تـزال الدولــة‬ ‫انتبهــوا وافهمــوا نحــن عندمــا ننتقــد رجــال وعلمــاء‬
‫القائمــة المهيمنــة والمســتولية عــى كل �ش ي ء ف ي� مجتمعاتنــا‬ ‫الديــن‪ ،‬ودعــاة التديــن ورمــوز الفكــر إالســامي والناطقــون‬
‫ـى هــي دولــة بوليســية‬ ‫ت‬ ‫باســم الديــن‪ ،‬ال يع ـن ي أننــا نكرههــم ونبغضهــم‪ ،‬أو أننــا‬
‫الك ـراه واالســتبداد الـ ي‬‫هــي دولــة إ‬
‫ش‬
‫تســلطية ظالمــة‪ ،‬لــم تهتــم أبــداً بمــروع التنميــة الفردي‬ ‫ضــد مســألة الديــن‪ ،‬أو أننــا ننتقــد الديــن ذاتــه‪ ..‬كال‪ ،‬ألن‬
‫والمجتمعــي‪ ،‬وال ببنــاء دولــة القانــون والمؤسســات‪ ،‬بمــا‬ ‫المع�يــن عــن الديــن ف ي� النهايــة هــم ف ي� النهايــة ب�ش‬
‫هــؤالء ب‬
‫يعـن ي أن ثقافــة بنــاء الدولــة كانــت غائبــة كليـاً عنــد نخبها‪،‬‬ ‫مثلنــا‪ ،‬حـ تـى لــو رأينــا عــى رؤوســهم ريشــة أو عمامــة أو أي‬
‫ـر� ف ي� كنفهــا‪ ..‬وإن‬‫وحـ تـى عنــد «الفرد‪-‬المواطــن» الــذي تـ ب‬ ‫�ش ي ء آخــر‪ ..‬ونحــن ننتقــد أفكارهــم ووصايتهــم ونخبويتهم‬
‫كنــا نحمــل المســؤول المتصــدي لمهمــة الحكــم والقيــادة‬ ‫الف ـراد والنــاس والمجتمعــات‪ ..‬مــع أنهــم نســبيون‬ ‫عــى أ‬
‫الــوزر والمســؤولية الكـ بـرى ف ي� هــذا الســياق‪..‬‬ ‫تفك�هــم وســلوكهم وتحليالتهــم ووعيهــم ومداركهــم‬ ‫ي� ي‬
‫ف‬
‫ـى تتأثــر بظــروف الزمــان والمــكان‪ ،‬وهــي عرضــة لعوامــل‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫إنــن ي أعتقــد أن الحريــة هــي هيــكل وأســاس بنــاء‬ ‫«الحــت والتعريــة» الفكريــة والمعرفيــة والتاريخيــة‪..‬‬
‫أيــة دولــة أو مجتمــع‪ ،‬ألنهــا هــي جوهــر الوجــود‪ ،‬وهــي‬ ‫و�وحاتهــم‬ ‫وقــد يخطئــون ويصيبــون ف ي� تأويالتهــم ش‬
‫النســان ف ي� هــذا الوجــود‪ ..‬ومــن دونهــا لــن‬‫جوهــر كينونــة إ‬ ‫وتفسـ يـراتهم للديــن‪ ..‬أمــا إالســام‪ ،‬فهــو حالــة ف ي� الفكــر‬
‫تقــوم الدولــة العادلــة المنشــودة‪ ،‬ولــن تحــدث أيــة تنمية‬ ‫والحســاس والممارســة‪ ،‬وهــو حالــة قــد تكــون مختلفــة‬ ‫إ‬
‫حقيقيــة طالمــا أنهــا مســتبعدة كفكــرة وقيمــة وســلوك من‬ ‫كلي ـاً عــن أتباعــه ورمــوزه ورجالــه‪..‬‬
‫قامــوس الدولــة العربيــة الحديثــة بشــخوصها ورموزهــا‬
‫ومختلــف حركاتهــا وتياراتهــا‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬يكــون نقدنــا لرمــوز ومشــايخ وحــركات‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪81‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬ ‫‪82‬‬
‫ي‬

‫عوالم‬
‫انغمار‬
‫بيرغمان‬
‫السينمائية‬
‫البعدالديني‬
‫بقلم ‪ :‬عزالدين الوافي‬
‫مغر� ف ي� مجال الصورة والسينما‬
‫بي‬
‫�ن‬
‫باحث ف ي‬

‫ظَ َّل‬
‫النصر وحده هلل‬ ‫يب�غمــان يعتقــد أن النــور ف ي� ســماء‬
‫ال�ن ويــج دائم ـاً يكــون أفقي ـاً‪ ،‬وهــو‬
‫ف‬ ‫ف أ‬ ‫�ش ي ء يحمــل نوعــاً مــن‬
‫كان للمســألة الدينيــة حضــوراً قويــاً ي� الدب ي‬
‫و�‬ ‫العجائــى‪.‬‬
‫بي‬
‫الــى تأثــرت بالطقــوس المســيحية‬ ‫ت‬
‫الموضوعــات الفنيــة ي‬ ‫انشــغل يب�غمــان بأســئلة هللا‬
‫والتوراتيــة عــى وجــه الخصــوص‪ .‬يبــدو أن يب�غمــان عقــد‬ ‫والفــن‪ ،‬الخـ يـر والـ شـر‪ ،‬الوعــي والالوعــي‪ ،‬ثــم الهــوس‬
‫حــواراً لــم يكتمــل مــع الخالــق‪ ،‬وهــذا يتفــق مــع التقليــد‬ ‫خمســ� ســنة مــن مشــواره‬ ‫ين‬ ‫مــن المــوت عــى مــدى‬
‫ت‬
‫ـتان� الــذي يقــوم‬ ‫أ‬ ‫ئ‬
‫ال�وتسـ ي‬ ‫ـ� عــى عكــس الديــن ب‬ ‫الرثوذكـ ي‬ ‫ـينما�‪ ،‬هــو مســار أســس مــن خاللــه لبحــث مضــن‬ ‫السـ ي‬
‫تعتــر الحيــاة‬
‫ب‬ ‫عــى االتصــال مــن دون وســاطة‪ ،‬حيــث‬ ‫ودائــم حــول طبيعــة النفــس الب�ش يــة وحالــة اليــأس‬
‫فرصــة إلصــاح العالقــة مــع هللا‪ ،‬وليــس مجــرد صــاة‬ ‫ـى طبعــت أفالمــه‪،‬‬ ‫ـرة الثنائيــة الـ ت‬
‫الـ تـى يلمهــا‪ ،‬وهــي المـ ي ز‬
‫لطلــب العفــو أو الصفــح عــن الخطايــا‪.‬‬ ‫بــ� ضديــن‪ :‬ي تأمــل فلســفي �ف‬ ‫حيــث الــراع القاتــل ي ن‬
‫ي‬
‫ي‬
‫النســان ف ي� الكــون تجــاه خالقــه وتجــاه طبيعــة‬ ‫وضعيــة إ‬
‫بين تاركوفسكي وبيرغمان وبونويل‬ ‫المجتمــع الــذي يعيــش فيــه‪ ،‬حيــث العالقــات البــاردة‬
‫الــى يســيطر عليهــا عــدم التواصــل والخــوف وعــدم‬ ‫ت‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫اليمــان لــدى الفنانـ ي ن‬
‫ـ�؛‬ ‫عندمــا يتعلــق المــر بمســألة إ‬ ‫الثقــة بالنفــس‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪83‬‬ ‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬
‫ي‬

‫ـ� مؤمنــا بالمعـ نـى التقليــدي‪ ،‬بــل‬ ‫أ‬


‫لــم يكــن تاركوفسـ ي‬ ‫ـ� مثــا‬
‫فمــن الصعــب أن تكــون المــور دقيقــة‪ .‬تاركوفسـ ي‬
‫نظــر إىل نفســه عــى أنــه مقــدس؛ بمعـ نـى تملكــه لتلــك كان فيلســوفا حـرا‪ ،‬ليــس فيلســوفا بالمعـ نـى الــذي يعــرف‬
‫ـى ال تشــوبها شــائبة‪ .‬ف ي� أوروبــا الفلســفة‪ ،‬أو يمــارس تدريبــا خاصــا ف ي� هــذا المجــال‪ .‬ف ي�‬ ‫ي‬
‫القــدرة الفنيــة الهائلــة الـ ت‬
‫ـ� كان يب�غمــان ســينمائيا فيلســوفا‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬ ‫ف‬
‫مثــا‪ ،‬ليــس هنــاك تمجيــد حقيقــي لمــا هــو ديـن ‪ .‬أمــا � حـ ي ن‬
‫بحثــه عــن مكامــن الخطيئــة �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ي‬ ‫فلليمــان وقــع خــاص‪.‬‬ ‫روســيا‪ ،‬إ‬
‫ز‬ ‫ت‬
‫ماضيــه‪ ،‬حيــث تمــرج صــورة‬
‫الب‪ ،‬كمــا بحــث‬ ‫الــرب بصــورة أ‬ ‫كان للمسألة الدينية‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪،‬‬
‫ي� المرجعيــات المســيحية مــن‬ ‫ف‬ ‫أبــدى الســينمائيون تعلقهــم‬
‫حضورًا قويًا في األدب‬ ‫الشــديد بالرمــوز‪ ،‬أ‬
‫الــذا� الــذي‬ ‫ت‬ ‫خــال التعلــم‬ ‫ســاط�‬
‫ي‬ ‫بال‬
‫في‬ ‫وفي الموضوعات الفنية‬
‫مكنــه مــن الغــوص ي� تركيبــة‬ ‫والصــور المنبثقــة عــن‬
‫الطفــول‪.‬‬ ‫الشــعوره‬ ‫بالطقوس‬ ‫تأثرت‬ ‫التي‬ ‫المســيحية مــع شــعور‬
‫ي‬
‫المسيحية والتوراتية على‬ ‫بالصــدق مــع النفــس‪،‬‬
‫بــدا يب�غمــان دائمــاً‪،‬‬ ‫وجه الخصوص‬ ‫وتعلــق بتجــاوز وتحــدي‬
‫بمثابــة فنــان البعــد الديــن‬ ‫النفــس‪ ،‬وهــو مــا يجعــل‬
‫ي‬
‫العميــق‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬ ‫التعامــل مــع مــا يســمى‬
‫قدرتــه الدقيقــة عــى طــرح‬ ‫بال ثن�وبولوجيــة المســيحية‬ ‫أ‬
‫الســئلة دون انتظــار ردود بعينهــا‪ ،‬مــع مــا يشــبه‬ ‫أ‬ ‫بعيــدا عــن كل الخيانــات والتوافقــات مــع المســيحية‬
‫«الســر ي� ظــل هللا «‪ .‬قوبــل برغمــان بنقــد غريــب‬ ‫ف‬ ‫كنســق تاريخــي‪ .‬لقــد قــال مــرة بونويــل إنــه «ملحــد‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫بفضــل هللا»‪ ،‬بينمــا ظــل يب�غمــان يوقــع ملفــات ومدهــش ي� الســويد التجاهــه الالديــ ي مقارنــة مــع‬
‫أســاس‬‫ي‬ ‫تاركوفســ�‪ ،‬طبعــا مــع وجــود فــارق‬
‫ي‬ ‫أفالمــه بعبــارة «النــر وحــده هلل»‪ ،‬إنــه لمــن الحكمــة تديــن‬
‫بينهمــا‪.‬‬ ‫ين‬
‫الرجلــ�‪.‬‬ ‫التميــر ي ن‬
‫بــ�‬ ‫يز‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬ ‫‪84‬‬
‫ي‬

‫طالمــا اعتـ بـر حســب البعــض ناكـرا لوجــود خالــق للكــون‪.‬‬ ‫لــم يشــكك يب�غمــان يومــا ف ي� وجود هللا‪ ،‬ألن المســألة‬
‫ليســت ف ي� الشــك‪ ،‬ولكــن ف ي� اليــأس مــن اســتحالة فهــم‬
‫يــرز برغمــان إىل أي حــد‬ ‫ف‬
‫ي� فيلــم «المــرآة» مثــا‪ ،‬ب‬ ‫للنســان فيــه‪ .‬حــاول كل‬‫نظــام هــذا العالــم‪ ،‬ومــكان إ‬
‫مــن برغمــان وبونويــل اكتشــاف مناطــق وســياقات مرتبطــة ابتعــد النســان عــن الممنــوع المؤســس‪ ،‬ليســقط �ف‬
‫ني‬ ‫إ‬
‫ـا�‬‫ـاس بالغمــوض تجــاه معـ ي‬ ‫الحسـ‬‫بفكــرة هللا وبالديانــة المســيحية‪ .‬حــاول برغمــان تحقيــق االرتبــاك والحـ يـرة‪ ،‬بــل إ‬
‫والــى تحــ مــن خــال حــوارات‬ ‫رض‬ ‫ت‬
‫خــال إعــادة تصحيــح صــورة هللا‪ ،‬صــورة الحيــاة ودالالتهــا‪ ،‬أ ي‬ ‫ف‬
‫ذلــك مــن‬
‫طالمــا عذبتــه ي� طفولتــه‪ ،‬أي اســتبدال صــورة إلــه قاهــر الشــخصيات‪ .‬فــالب وكارن ومينــوس يتحدثــان عــن‬
‫وال�‬‫ت‬ ‫ت‬
‫ـى تسـأـكنهما‪ ،‬ي‬ ‫ـال فقــد تقاطــع مــع بونويــل لحظــات الفـراغ واليــأس مــن الحيــاة الـ ي‬ ‫وقــاس بصــورة أخــرى‪ ،‬وبالتـ ي‬
‫اليمــان‪ .‬يقــول الب‪« :‬أحتــاج‬ ‫مــن حيــث إعالنهمــا الواضــح عــن «الحادهمــا» ورفضهمــا عليهمــا ملؤهــا بنــوع مــن إ‬
‫للمــل ف ي� الحيــاة وكأنـن ي ســأتحرر حينهــا مــن حكــم صــادر‬ ‫أ‬ ‫المــر ال يتعلــق برفــض صــورة‬ ‫التــام للمســيحية‪ ،‬غــر أن أ‬
‫ي‬
‫ضــدي بالمــوت»‪ .‬إننــا إذن‪،‬‬ ‫هللا بقــدر مــا هــو رفــض للقيــم‬
‫أمــام ســينما الحميمــي بامتيــاز‪،‬‬ ‫ـى تمثلهــا المؤسســات الدينية‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫حيــث وضعيــات الشــخصيات‬ ‫انشغل بيرغمان بالتفكير‬ ‫القريبــة مــن النظــام والســلطة‪،‬‬
‫النفســية والقلقــة‪ ،‬حيــث‬ ‫في قضايا شائكة تهم‬ ‫ـى كانــت ف ي� مجملهــا قاهــرة‬‫ت‬
‫والـ ي‬
‫الهشاشــة النفســية أهــم بكثـ يـر‬ ‫ومحافظــة وتدفــع غالبــا نحــو‬
‫أ‬
‫مــن كل الفعــال الدراميــة‪.‬‬ ‫المعاصر‪،‬‬ ‫الغربي‬ ‫اإلنسان‬ ‫الحســاس بالذنــب‪.‬‬ ‫إ‬
‫مرتبطة بالوحدة‪ ،‬بالخجل‬
‫عن رؤية برغمان‬ ‫وبضياع اإليمان أو بعدم‬ ‫من أجل تصحيح صورة‬
‫اهلل‬
‫تتمــر رؤيــة يب�غمــان‬ ‫يز‬ ‫القدرة على التواصل‬
‫النســانية‪ ،‬فضــا عــن‬ ‫بال�نز عــة إ‬ ‫انطفــأت شــمعة يب�غمــان‬
‫كونهــا تمثل مــا يمكن أن نســميه‬ ‫يــوم ‪ 30‬يوليــو (تمــوز) مــن ســنة‬
‫ـو�»؛ أي توطيــد عالقــة ال�نز عــة الفلســفية‬ ‫ف‬
‫فبـــ «الفيلموسـ ي‬ ‫ـوال ‪ 45‬فيلمــا منــذ ســنة ‪1946‬‬‫‪ ،2007‬حيــث تــرك خلفــه حـ ي‬
‫والنســانية باللغــة‬ ‫ي� تفسـ يـر الظواهــر االجتماعيــة إ‬ ‫إىل ســنة ‪ .1984‬تأثــر الرجــل تأث ـرا بالغــا بــكل مــن الكتــاب‬
‫ين‬
‫الســينمائي�‪.‬‬ ‫واالنشــغال‬ ‫المقــدس‪ ،‬وبحكــم كونــه كان بروتيســتانتيا‪ ،‬فقــد ن‬
‫عــا�‬
‫ـى يقــول فيهــا مثــا‪« ،‬يجــب‬ ‫مــن تعاليــم مارتــن لوثــر الـ ت‬
‫ي‬
‫اســتطاع يب�غمــان أن يخلــق لنفســه‬ ‫أن نحــب هللا ونخشــاه ف ي� نفــس الوقــت»‪ .‬ح ـرض عامــا‬
‫أســلوبه الخــاص بــه ف ي� نحــت شــخصيات‬ ‫الديــن والتديــن ف ي� مسـ يـرته بقــوة‪ ،‬لكنــه ســعى أن يجعــل‬
‫ومواضيــع ملتصقــة ببعضهــا‪ ،‬حيــث‬ ‫مــن الديــن شــعارا للمحبــة‪ ،‬وليــس فقــط أهــواال للتعذيب‬
‫تتنازعهــا ميــوالت متضاربــة تظهــر‬ ‫والتخويــف‪.‬‬
‫خلفيــة وحضــور ثقافــة التحليــل‬
‫النفــ� ليونــغ‪ ،‬وذلــك مــن‬
‫ي‬ ‫سينما الحميمي‬
‫خــال تشــكيل شــخصيات‬
‫يطحنهــا القــدر لتقــدم‬ ‫بالتفكــر ف ي� قضايــا شــائكة تهــم‬
‫ي‬ ‫انشــغل يب�غمــان‬
‫أمامنــا ف ي� أدق تفاصيلهــا‬ ‫الغــر� المعــارص‪ ،‬والــذي تحــارصه إشــكاليات‬
‫بي‬ ‫النســان‬ ‫إ‬
‫الوجدانيــة والوجوديــة‪.‬‬ ‫اليمــان أو‬
‫وجوديــة مرتبطــة بالوحــدة‪ ،‬بالخجــل وبضيــاع إ‬
‫عــر‬
‫ونلمــس ذلــك ب‬ ‫ـ� الرجــال‬‫بعــدم القــدرة عــى التواصــل‪ ،‬وخصوصــا بـ ي ن‬
‫إبــراز عالقــات‬ ‫البــاء أ‬
‫والطفــال‪ ،‬كمــا بــرز ذلــك مــن‬ ‫بــ� آ‬
‫والنســاء أو ي ن‬
‫تائهــة ووجــوه‬ ‫خــال فيلمــه «مشــاهد مــن الحيــاة الزوجيــة» ســنة‬
‫متعبــة‬ ‫النســان‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ـى أبــرزت مــدى حاجــة إ‬‫‪ ،1973‬وهــي العمــال الـ ي‬
‫تقــر ب‬ ‫ت‬ ‫للخــروج مــن جهــل ذاتــه أوال‪ ،‬ليســتطيع التواصــل مــع‬
‫منهــا‬ ‫عــر إيجــاد ألفــاظ وعبــارات تــدل فعــا‬ ‫آ‬
‫الخــر‪ ،‬وذلــك ب‬
‫عمــا يخالجــه‪ .‬فقــد حمــل تلــك أ‬
‫الســئلة عــى الشاشــة مــن‬
‫خــال البحــث ف ي� المتخيــل الديـن ي المســيحي‪ ،‬وهــو الــذي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪85‬‬ ‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬ ‫‪86‬‬
‫ي‬

‫بثنائيــة صارخــة تتجاذبهــا قوتــان‪ .‬مــن جهــة‪ ،‬هنــاك عالقة‬ ‫الكامـ يـرا مــن خــال كادرات مكـ بـرة تعكــس حجــم الخــوف‬
‫غامضــة بــاهلل وهــي صــورة قاســية وقاهــرة ترســخت ف ي�‬ ‫والعــذاب الــذي تعيشــه‪ ،‬كمــا نالحــظ ذلــك ف ي� الفتــاة‬
‫وجدانــه‪ ،‬وشــكلت عالقتــه آ‬
‫بالخــر والمجتمــع‪ ،‬ومــن جهــة‬ ‫الم�وجــة كارن ف ي� فيلــم «المــرآة»‪.‬‬
‫تز‬
‫أخــرى‪ ،‬محنــة التســلح برؤيــة نقديــة شــفافة وســوداوية‬
‫للنســان‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ين‬
‫حــول العالقــات بالســئلة الكـ بـرى إ‬ ‫أساســي�‪:‬‬ ‫وجــد يب�غمــان نفســه أمــام حاجزيــن‬
‫ت‬
‫وتســتان� تحديــدا‪ ،‬ثــم‬ ‫حاجــز الممنــوع الديــن ي ب‬
‫وال�‬
‫ت‬ ‫ي‬
‫االقــراب‬ ‫يذهــب يب�غمــان بعيــداً‪ ،‬عندمــا يحــاول‬ ‫ال�جــوازي‪ .‬تتمـ ي ز‬
‫ـر فيلموغرافيــة برغمــان‬ ‫حاجــز الصمــت ب‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫‪87‬‬ ‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬
‫ي‬

‫انســياب القصــة يتحقــق بشــكل مذهــل ويشــتغل عــى‬ ‫مــن مظاهــر الحمــق أو الخبــل كمــا ف ي� فيلــم «رهــاب»‬
‫البالغــة البرصيــة وعــى المجــاز‪.‬‬ ‫ـى تظــل مســكونة بهاجــس‬ ‫ت‬
‫لــدى بعــض شــخصياته‪ ،‬والـ ي‬
‫ـ� مســارات‬ ‫البحــث عــن أجوبــة حارقــة لحقيقــة ضائعــة بـ ي ن‬
‫لــم يتــم مــن قبــل تصويــر أولمــان وســايدو‬ ‫تســتلزم إعــادة اكتشــاف الــذات أوال‪ ،‬وهــو المســار الــذي‬
‫المكــرة عــى الوجــوه‬ ‫فالطــارات‬ ‫اســتفاد منــه مــن خــال عشــقه أ‬
‫ب‬ ‫النــارة؛ إ‬ ‫تحــت نفــس إ‬ ‫الول للمــرح كركــح‬
‫الكامــرا كانــت حقيقــة ممتعــة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬
‫وتحديقهــم المبــا� ي�‬ ‫ـ� رصاع‬‫القنعــة وبـ ي ن‬ ‫ـ� أ‬‫يعــرف لعبــة الكشــف والمواربــة بـ ي ن‬
‫ي‬
‫حيــث كانــا يبــدوان وكأن ال حيــاة لهمــا أو إنهمــا فقــدا‬ ‫والــر‪ ،‬والخــوف مــن المــوت‪ ،‬وقــد كان ذلــك‬ ‫الخــر ش‬ ‫ي‬
‫الخـ يـر ألولمــان راقــدة‬
‫المــل ف� النســانية‪ .‬إن المشــهد أ‬
‫ي إ‬
‫أ‬ ‫المؤسســ�ن‬
‫ي‬ ‫بت�يــرا لشــغفه وإخالصــه لرمــوز المــرح‬
‫ـ� عــن حلــم رأتــه مــن أبهــى‬ ‫وتنظــر إىل الكامـ يـرا‪ ،‬وهــي تحـ ي‬ ‫ـب�‪ ،‬وتشــيكوفن‬ ‫وخصوصــا سـ تـر بم�غ‪ ،‬وبرانديلــو‪ ،‬وشكسـ ي‬
‫ن‬
‫ـى تســكن عـ يـ� المشــاهد حينمــا يقطــع‬ ‫ت‬
‫وأروع اللقطــات الـ ي‬ ‫وموليــر‪.‬‬
‫ي‬
‫المشــهد عــى الســواد‪.‬‬
‫غوص في أفالمه‬
‫بــ� حبــه للمــرح والتلفزيــون‬ ‫جمــع يب�غمــان ي ن‬
‫والوبــرا‪ ،‬ووجــه أضــواءه لحيثيــات العالقــة المرتبكــة‬ ‫أ‬ ‫ين‬
‫العالميــ�‬ ‫ين‬
‫المخرجــ�‬ ‫اعتــر يب�غمــان مــن أعظــم‬ ‫ب‬
‫ف‬
‫نســا� بـ يـ� الزواج كمــا هــو الحــال ي� مسلســل «مشــاهد مــن‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ال ي‬ ‫الذيــن أخــذوا عــى عاتقهــم تصويــر الوضــع إ‬
‫زواج»‪ ،‬وهــو عبــارة عــن‬ ‫البئيــس ف ي� أحــط تجلياتــه‪.‬‬
‫بســط للحظــات مــن عالقــة‬ ‫تمكــن يب�غمــان بنبــوغ‬
‫ـ� ممثلتــه المفضلــة فــا�ن‬ ‫بـ ي ن‬ ‫وجد بيرغمان نفسه أمام‬ ‫وفطنــة مــن النفــاذ لعمــق‬
‫ي‬ ‫أ‬
‫وممثلــه البطــل ألكســندر‪.‬‬ ‫حاجزين أساسيين‪ :‬حاجز‬ ‫الحاســيس الداخليــة‬
‫ن‬
‫تعــا�‬ ‫لشــخصياته ت‬
‫الــى‬
‫ن‬ ‫ف‬ ‫الممنوع الديني والبروتستانتي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الثــا�‬ ‫ي‬ ‫ي� فيلمــه‬ ‫مــن قصــص حــب فاشــلة‪،‬‬
‫«النظــر مــن خــال زجــاج‬ ‫تحديدا‪ ،‬ثم حاجز الصمت‬ ‫غــر‬ ‫وتخــاف مــن أشــباح ي‬
‫مظلــم»‪ ،‬والحائــز عــى‬ ‫البرجوازي‬ ‫مرئيــة تعذبهــا‪.‬‬
‫جائــزة أوســكار‪ ،‬وأول ثالثيــة‬
‫ف ي� تعاملــه مــع عــدم‬ ‫لقــد تعامــل مــع‬
‫ـ� ف� اليمــان‪ ،‬وهــو �ف‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫اليقـ ي ي إ‬ ‫مســاره بنــوع مــن الوحــي‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫والهــزل الــذي يذكــر بأســلوب وودي آلــن الواقــع مختلــف تمامــا عــن الفــام التاليـ يـ�‪ ،‬إذ يتمحــور‬ ‫الكوميــدي‬
‫ي‬
‫ـ� كموضــوع‬ ‫عيوبــا كثـ يـرة وســوء موضــوع الفيلــم حــول مــرض كاريــن العقـ ي‬ ‫الــذي تأثــر بــه‪ .‬أدرك يب�غمــان أن بــه‬
‫حــظ ف ي� حياتــه ممــا جعلــه يدمــج ذلــك ي� جــل أفالمــه؛ رئيــس‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن مرضهــا يجعلهــا تثـ يـر الشــكوك‬
‫ف‬
‫منهــا وأهمهــا «رغبــة أنــا»‪ ،‬وهــو عمــل يشــبه إىل حــد حــول هللا وحــول نفســها‪ ،‬بــل حــول أحبائهــا‪.‬‬
‫بعيــد فيلمــه «العــار»‪ ،‬وهنــاك مــن يعتـ بـر الفيلمـ ي ن‬
‫ـ� عمــا‬
‫وهــذا هــو أول فيلــم لب�غمــان تــم تصويــره �ف‬ ‫ين‬
‫الممثلتــ� ســايدو وأولمــان همــا‬ ‫متداخــا‪ ،‬حيــث إن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـى أصبحــت شــعبية جــدا‪ ،‬بعــد جعلهــا‬ ‫ت‬
‫ت‬ ‫جزيــرة «فــارو» الـ ي‬ ‫تقريبــا نفــس الشــخصية‪.‬‬
‫ـى أطلــق عليهــا‬ ‫موقعــا لتصويــره للعديــد مــن أفالمــه‪ ،‬والـ ي‬
‫ـ� (بشــكل غـ يـر رســمي) جزيــرة يب�غمــان‪.‬‬ ‫ف� فيلــم «العــار» الــذي يرمــز إىل ال ـراع الداخــ� منــذ ذلــك الحـ ي ن‬
‫الماكــن‬ ‫عــر يحــرب مــن المشــاعر المتناحــرة والرغبــة ف� المقاومـ يـة وتقــدم الجزيــرة نفســها بنــوع مــن الخــوف مــن أ‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫والــى هــي بيئــة مثاليــة لقصــة نفســية �ف‬ ‫مــن أجــل العيــش‪ ،‬يظــل فيلــم «رغبــة أنــا» فيلمــا دقيــق المغلقــة‪ ،‬ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� متعــة الوصــف ولغــة التصويــر متنــاول اليــد‪ ،‬حيــث الطبيعــة الخانقــة تكــون معــادال‬ ‫الصنعــة يجمــع فيــه بـ ي ن‬
‫موضوعيــا للتعبـ يـر عــن بعــض مشــاعرالخوف‪ ،‬واالســتياء‬ ‫المعـ بـرة‪.‬‬
‫ـى تنتــاب جــل شــخصياته‪.‬‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫يعتــر هــذا الفيلــم أول فيلــم حــول الحــرب‬ ‫ب‬
‫النســان عــن هللا‪ ،‬ليكــون‬ ‫أ‬ ‫ز‬
‫يعـ بـر الفيلــم عــن بحــث إ‬ ‫غــر أن قلــة مــن النــاس‬ ‫لب�غمــان‪ ،‬وهــو يم�تــه الوىل‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ز‬
‫يدركــون أن ذلــك هــو موضوعــه الــذي يتمـ يـر بنــوع مــن تجســيدا للمحبــة‪ ،‬فالتنقيــب عنــد يب�غمــان ي� حالــة‬
‫النســان النفســية هــو مجــرد بدايــة وليــس نهايــة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫القســوة تجعــل المشــاهد يحــس أحيانــا بالالمبــاالة‪ .‬إن‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫ثقافة وفنون‬
‫عوالم انغمار يب�غمان السينمائية ‪ ...‬البعدالدي�ن‬ ‫‪88‬‬
‫ي‬

‫يعتــر فيلــم «الســجن» فيلمــه الســادس (‪،)1940‬‬ ‫ب‬


‫وكالعــادة فهــو فيلــم ممــرح‪ ،‬حيــث إن عنوانــه يلعــب‬
‫ن‬
‫بمعــى‬ ‫معــى الفيلــم‪ .‬هــو ســجن ولكــن ليــس‬ ‫دورا ف� ن‬
‫ي‬
‫ـ�‪ ،‬وإنمــا حبــس النفــس داخــل الجســم‬ ‫الحبــس للمجرمـ ي ن‬
‫ش‬
‫البــري‪ .‬إنــه فيلــم مظلــم للغايــة وينبــه إىل طبيعتنــا‬
‫ف‬
‫القاتمــة ي� عالــم يصعــب التنفــس فيــه‪ ،‬وكأنــه جحيــم‬
‫كبـ يـر‪.‬‬

‫و�‬ ‫ف‬ ‫ن‬


‫االنتحــار مــن بـ يـ� المواضيــع المذكــورة دائمــا‪ ،‬ي‬
‫هــذا المــكان ‪ -‬الســجن ‪ -‬الــذي تطــارد فيــه الهواجــس‬
‫والوســاوس ضمائرنــا‪ ،‬وال يكــون هنــاك مــكان آخر يســتحق‬
‫غــر هــذا الجحيــم‪ .‬هنــا يريــد الشــخص أن‬ ‫العيــش ي‬
‫يتحــرر مــن هــذا الســجن‪ ،‬حيــث تظهــر رؤيــة يب�غمــان‬
‫الرائعــة ف ي� التجريــب‪ ،‬وهــو ال يــزال ف ي� بدايــات هــذه‬
‫المرحلــة المبكــرة ف ي� حياتــه المهنيــة‪ .‬ننتقــل مــن شــخصية‬
‫عــر محطــات‪ ،‬بمــا ف ي� ذلــك تسلســل الحلــم‪،‬‬ ‫أ‬
‫لخــرى ب‬
‫حيــث تتأســس طبقــات مجازيــة وغنيــة ف ي� لغــة يب�غمــان‪،‬‬
‫وهــو يستكشــف الخــوف مــن الخلــوة‪ ،‬والســعي المســتمر‬
‫البــري بجميــع أشــكاله‪ .‬نــدرك ذلــك ليــس‬ ‫لالتصــال ش‬
‫فقــط مــن خــال نــزوع البطــل االنتحــاري‪ ،‬ولكــن أيضــا‬
‫ـى ترغــب أيضــا‬ ‫ت‬
‫فمــن خــال صديقتــه بريجيتــا كارولينــا (الـ ي‬
‫ي� تواصــل مــا عـ بـر ممارســتها قرسيــا للبغــاء)‪ .‬يمثــل فيلــم‬
‫«الســجن» أحــد روائــع يب�غمــان‪ ،‬ويمكــن اعتبــاره أفضلهــا‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪11. Olivier Assayas, Stig Bjorkman,‬‬


‫‪Conversation avec Bergman, Cahiers du‬‬
‫‪Cinéma 1990‬‬

‫‪22. Joseph Marty, Ingmar Bergman, une‬‬


‫‪poétique du désir, Cerf 1991‬‬

‫‪33. Ingmar Bergman, Les meilleures‬‬


‫‪intentions, Gallimard 1992‬‬

‫‪44. Ingmar Bergman, Entretiens privés,‬‬


‫‪Gallimard 1997‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪89‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬

‫الروائية السورية لينا هويان‬


‫الحسن لـ «ذوات»‪:‬‬
‫يرمم الدمار‬
‫ال يمكن لألدب أن ّ‬
‫لكنه يفضحه‬
‫حوار‬
‫‪91‬‬ ‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬

‫حاورها‪ :‬إبراهيم الحجري‬


‫مغر�‬
‫كاتب وناقد ب ي‬

‫ولدت األديبة والصحفية السورية لينا هويان الحسن بتاريخ‬


‫‪ 7‬يناير (كانون الثاني) ‪1977‬م‪ ،‬في بادية حماة التي تنتمي إلى‬
‫الجميلة القيسية التغلبية‪ .‬قضت جزءا كبيرا من طفولتها‬ ‫قبيلة ْ‬
‫في البادية السورية‪ ،‬وتلقت مرحلتها االبتدائية هناك‪ ،‬وقد كان‬
‫لذلك‪ ،‬أثر كبير على اتجاهها األدبي عمومًا‪ ،‬وعلى طبيعة الكتابة‬
‫الروائية لديها بصفة خاصة‪ .‬ثم انتقلت إلى دمشق‪ ،‬في ما بعد‪،‬‬
‫لمتابعة دراستها الجامعية في تخصص الفلسفة‪.‬‬

‫الطفولي وذاكرتها‬
‫ّ‬ ‫حررت لينا هويان الحسن متراكمها‬
‫بالبادية السورية في شكل روايات؛ مكرسة لها عدة أعمال‪،‬‬
‫مثل «معشوقة الشمس»‪ ،‬و»مرآة الصحراء»‪ ،‬و»بنات نعش»‪،‬‬
‫و»سلطانات الرمل»‪ ،‬و»رجال وقبائل»‪ .‬و ُتعد الكاتبة من أوائل من‬
‫كتب عن عوالم البادية السورية وصحارى الشرق األوسط‪ ،‬حيث‬
‫امتدت خريطة اشتغالها السردي على جغرافيا امتدت إلى‬
‫بوادي وصحارى األردن والعراق ونجد‪.‬‬

‫اشتغلت في مجال الصحافة منذ عام ‪ 2003‬في صحيفة‬


‫«الثورة» السورية‪ ،‬في القسم الثقافي‪ ،‬وأشرفت على «ملحق‬
‫الكتب» األسبوعي‪ ،‬حتى نهاية عام ‪ .2011‬لك ّنها غادرت سوريا‬
‫عقب أحداث الربيع العربي‪ ،‬وما عرفته سوريا من تبعات وأحداث‪،‬‬
‫لتقيم في بيروت وتواصل عملها الحر في الصحافة العربية‪،‬‬
‫حاملة معها جرح الوطن ومآسي الشعب السوري‪ ،‬حيث‬
‫تفجرت تلك األحاسيس في شكل كتابات ذات نفس درامي‬
‫مؤثر‪ ،‬جعل من الكاتبة تعيش مرارة األحداث التي تعرفها‬
‫بالدها‪ ،‬وتعبر عنها أكثر من كثير ممن يعيشون هناك‪ ،‬وسط‬
‫براكين النيران‪.‬‬

‫وعلى الرغم من صغر سنها‪ ،‬فقد عززت المكتبة الروائية‬


‫العربية بذخيرة سردية ممتعة ومتميزة‪ .‬منها‪« :‬معشوقة‬
‫الشمس « رواية‪« ،1998 ،‬مرآة الصحراء» كتاب توثيقي عن البدو ‪،2000‬‬
‫«التروس القرمزية « رواية‪« ،2001 ،‬التفاحة السوداء» رواية‪« ،2003 ،‬بنات‬
‫نعش» رواية‪« ،2005 ،‬سلطانات الرمل» رواية‪« ،2009 ،‬رجال وقبائل»‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬ ‫‪92‬‬

‫كتاب توثيقي عن أعالم البادية السورية‪« ،2013 ،‬نازك خانم» رواية‪،‬‬


‫‪« ،2014‬ألماس ونساء» رواية‪.2014 ،‬‬

‫تتميز كتابة لينا هوينا الحسن من خالل أعمالها الروائية‬


‫الصادرة لحد الساعة‪ ،‬بالعمق في تناول الموضوعات السردية‪،‬‬
‫وحسن اختيارها‪ ،‬حيث ّ‬
‫تركز على قضايا اإلنسان الجوهر ّية‬
‫المغرقة باألحاسيس الف ّياضة‪ ،‬مثلما تتصف بحسن البناء الفني‪،‬‬
‫السرد‪ ،‬وفي‬ ‫ذاك أنها تكتب بوعي شكلي‪ ،‬وتنوع من أساليب ّ‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬تحرص على أن تظل قريبة من قاع المجتمع‪،‬‬
‫ومن التربة التي تنتمي إليها‪.‬‬

‫وشكلت قضية المرأة شغال شاغال لكتابتها السردية‪ ،‬إلى‬


‫مقوضة‬
‫ّ‬ ‫جانب قض ّية البداوة‪ ،‬وأحالم أهل األرياف ومعاناتهم‪،‬‬
‫الرواية جنس خلق الحتضان عوالم المجال‬ ‫بذلك‪ ،‬فكرة ّ‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬
‫وتعقد عالقاتها المتشابكة‪ .‬كما‬ ‫الحضري‪ ،‬وشساعة المدن‬
‫الروائية‪ ،‬وإن كانت ال تولي للتجريب أهمية قصوى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أن كتابتها ّ‬
‫بحكم أنها تميل إلى البساطة والتلقائية‪ ،‬فهي تجنح إلى اختيار‬
‫أدوات فنية وأساليب صوغ متميزة تجعل أعمالها تجمع بين‬
‫القضية الفكرية‪ ،‬والتميز الفني‪ .‬وقد زاد تكوين الكاتبة في‬
‫تخصص علمي النفس وعلم االجتماع الفلسفيين من قدرة‬
‫الكتابة السردية لديها على استغوار أعماق الشخصيات‪ ،‬وبنائها‬
‫بناء يليق بطبيعة الرؤية الفكرية التي يرومها العمل الروائي‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫‪93‬‬ ‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬

‫* اعتـ بـر كثـ يـر مــن المهتمـ ي ن‬


‫ـ� الروايــة جنس ـاً أدبيــا لصيقــا بالمدينــة العرصيــة‪،‬‬
‫لكونهــا فضــاء معقــدا متشــابك العالقــات‪ ،‬ومكتظــاً بكثافــة ســكانية تحــرض عــى‬
‫التفاعــل غـ يـر المســبوق عكــس الباديــة أو الريــف‪ .‬وقــد قمــت بتفنيــد هــذا الزعــم‬
‫مــن خــال مراكمتــك ألعمــال جيــدة انرصفــت إىل الباديــة‪ ،‬مشــخّ صة‬
‫بــأن الروايــة‪ ،‬مــن خــال‬‫تفاصيلهــا المتشــابكة‪ .‬هــل تعتقديــن ّ‬
‫والزمنــة؟ وكيــف؟‬‫للمكنــة أ‬ ‫تجربتــك‪ ،‬جنــس عابــر أ‬
‫الرواية رداء فضفاض‪،‬‬
‫إن ّ‬
‫الزي الذي‬
‫ّ‬ ‫يسمح لنا بإنجاز‬
‫ـزي الــذي نريــده‪،‬‬
‫الروايــة رداء فضفــاض‪ ،‬يســمح لنــا بإنجــاز الـ ّ‬ ‫إن ّ‬
‫نريده‬ ‫أد� ينســجم مــع فكــرة الحريــة‪ ،‬أن تكــون حـرا باختيار‬ ‫ث‬
‫مفرداتــك وترتيــب كلماتــك‪ .‬كل �ش ء مســموح لــك �ف‬ ‫الروايــة أكــر جنــس ب ي ّ‬
‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وانتقــاء‬ ‫أســلوبك‬
‫ســبيل أن تنجــز نصــك‪ ،‬لتشـ ّـيد مــن خيــوط الخيــال شــيئا مــن الحقيقــة‪.‬‬
‫للمكنــة ســحرها‪ ،‬يمكــن للصحـراء أن تلهمــك نصــا أيضــا يمكــن للبحــر أن‬ ‫أ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬
‫‪94‬‬

‫المكنــة أ‬
‫والزمنــة‪.‬‬ ‫يفعــل ذلــك‪ ،‬والقــر‪ ،‬والكــوخ‪ ،‬والعـراء‪ ...‬يمكــن للنــص أن يســتنطق أ‬
‫ـ� أيدينــا مــن أدوات‪ ،‬يمكننــا أن نوقــد‬ ‫الدب مبــاح لنــا أن نســتخدم كل مــا بـ ي ن‬ ‫أيض ـاً ف� أ‬
‫ي‬
‫شــعلة الحداثــة مــن خــال قـراءة مغايــرة للتاريــخ وللديــن وللـ تـراث‪ .‬الروايــة جنــس منفتــح‬
‫الجنــاس‪ ،‬تتســع لتحضــن كل ثقافــة الكاتــب واتجاهاتــه وتجاربــه ومقروئــه‪ ...‬تفســح‬ ‫عــى أ‬
‫لــه المجــال خصبــا يك يجــول ف ي� خياالتــه وأشــواقه وذاكرتــه‪ ...‬ويســتعيد أزمنــة غابــرة‬
‫عاشــها أو لــم يعشــها‪ ،‬اطلــع عليهــا ف ي� بطــون الكتــب أو ســمعها عــن النــاس أو راودتــه‬
‫ـروا� هــو هــذا الملمــح الــذي يجعــل منــه خالصــة كل‬ ‫ئ‬ ‫ز‬ ‫ف أ‬
‫ي� أ الحــام‪ .‬مــا يمـ يـر الجنــس الـ ي‬
‫الجنــاس وزبدتهــا‪ ،‬فهــو يحضــن الشــعر‪ ،‬مثلمــا يحضــن المــرح‪ ،‬والجغرافيــا والتاريــخ‬
‫ســاط�‪...‬‬ ‫غــا� واللهجــات أ‬
‫وال‬ ‫ي أ ن‬
‫ي‬ ‫والســر وال ي‬ ‫وأدب الرحــات والفلســفة والسوســيولوجيا‬
‫ئ‬
‫ـروا� توظيفــه بشــكل يخــدم النــص‪ ،‬ويجعلــه حيــا بصيغــة‬ ‫كل هــذا الجمــاع بمقــدور الـ ي‬
‫جديــدة تبتعــد عــن التك ـرار وإعــادة مــا قيــل‪.‬‬

‫كث� مــن جوانبهــا وأبعادها‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬


‫* تنتــر كتابتــك الروائيــة للنوثــة ولقضيــة المـرأة ي� ي‬
‫هــل حققــت‪ -‬ف ي� نظــرك‪ -‬الكتابــة النســائية ف ي� هــذا البــاب‪ ،‬الغــرض المقصــود منهــا‪،‬‬
‫ـر�؟‬ ‫ف‬
‫وهــو االرتقــاء بوضعيــة المـرأة ي� العالــم العـ ب ي‬
‫الدب يحفــر مجـراه بأنــاة ودقــة؛ أي يمكــن للنصــوص عــى المــدى البعيــد أن تســهم‬ ‫أ‬
‫ـى تُحـ ِـدث‬‫ت‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫ي� التغيـ يـر‪ ،‬إنــه سـ فـحر ال�اكــم الــذي أ يصنــع الشــياء‪ ،‬بينمــا السياســة هــي الـ ي‬
‫التغيـ يـرات الكـ بـرى ي� المجتمعــات والدب يصــوب المســارات‪.‬‬

‫ال أكتــب تحــت وطــأة إيصــال رســالة مــن أجــل حالــة مــا‪ ،‬أكتب لصالــح الحريــة‪ ،‬حرية‬
‫والبــداع وبإعــان رأيــه دون خــوف‪ .‬وبهــذا المعـ نـى أيضــا‪ ،‬الرجــل‬ ‫الفــرد وحريتــه باالعتقــاد إ‬
‫وبالتــال المــرأة ضحيــة عنــف الســلطة والمجتمــع والديــن والرجــل‪ .‬معظــم‬ ‫ي‬ ‫مظلــوم‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ـى تكتبهــا الم ـرأة يمكــن اعتبارهــا مــن مــرودات الدب الحــذرة‪ ،‬هــذا المــر‬ ‫ت‬
‫الروايــات الـ ي‬
‫مــرة لصيقــة بغالــب الكتابــات النســائية لعقــود طويلــة‪ ،‬أقــول الغالــب وليــس‬ ‫يعتــر ي ز‬
‫ب‬
‫أ‬
‫الــكل‪ ،‬فصــوت نــوال الســعداوي مــن الصــوات المضــادة تمامــا لتابوهــات تحذرهــا المـرأة‬
‫ـرت الكتابــات بج ـرأة‬ ‫عــادة‪ ،‬كذلــك غــادة الســمان‪ .‬لكــن ف� الســنوات العـ شـر أ‬
‫الخـ يـرة تمـ ي ز‬
‫الدبيــة‪ ،‬ويمكنهــا أن تكتــب مــن جهــة‪ ،‬وأن تحكــم‬ ‫أكــر‪ ،‬أيضــا أصبــح للم ـرأة ذائقتهــا ي أ‬
‫ب‬
‫عــى مــا تقـرأ مــن جهــة أخــرى؛ أي إن المـرأة امتلكــت حســا نقديــا‪ ،‬رغــم‬
‫أن هــذا الحــس ُمصــا َدر عــادة مــن ِقبــل الرجــل‪ ،‬وأنــا شــخصيا تعرضــت‬
‫ن‬ ‫لهجمــة نقديــة ش�ســة مــن قبــل الصحافيـ‬
‫ـات وليــس الصحافيـ يـ�؟؟! أي عملت على تطويع ال ّلغة‬ ‫ت‬
‫ـا� بصــوت ومنطــق ذكــوري‬ ‫وقيمــن نســاء روايـ ي‬ ‫تكلمــن نيابــة عــن الرجــل ّ‬
‫السردية ألجل كتابة‬ ‫أ‬
‫متســلط؟! باختصــار‪ ،‬الرحلــة طويلــة أمــام المبدعــة العربيــة‪ ،‬لنهــا لــم‬
‫الحــكام المســبقة‪.‬‬ ‫تخــرج بعــد مــن قفــص أ‬
‫النص الذي يتماهى مع‬
‫البلسم الشافي للجرح‬ ‫كثــر مــن الكاتبــات العرب ّيــات يجعلــن قضيــة الــراع ي ن‬
‫بــ�‬ ‫* ي‬
‫السوري المفتوح‬ ‫د�‪ ،‬بــل وارتبطــت‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫الذكــورة والنوثــة موضوعــة أساســية لم�وعهــن ال ب ي‬
‫شــهرتهن بهــذا النــوع مــن الكتابــة‪ .‬هــل تعتقديــن أن الرهــان عــى‬
‫الضافــة النوعيــة للروايــة العربيــة‬ ‫جزئيــة معينــة كهاتــه رهـ ي ن‬
‫ـ� بخلــق إ‬
‫ـا� برمته؟‬ ‫أ‬
‫ـروا� يجــب أن يفتــح أفقــه الد� عــى العالــم إ ن‬ ‫ئ‬
‫النسـ ي‬ ‫بي‬ ‫أم إن الـ ي‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ـا� تت ـ�ئ عـأـى الحــدث التاريخــي‪ .‬ي� روايـ ي‬
‫ـى‬ ‫لــم أكتــب وفــق هــذا المنطــق‪ ،‬فروايـ ي‬
‫«بنــات نعــش» مثــا‪ ،‬كان تواطـئ ي واضحــا مــع البطــل البهــر ســعدون‪ ،‬رغــم أنه شــخصية‬
‫ـ� لمثــل هــذه الرصاعــات‪ ،‬إنمــا أنقــل واقــع عالقــة‬
‫نرجســية واســتبدادية‪ .‬ال أخضــع نـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫‪95‬‬ ‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬

‫الرجــل بالمـرأة ف ي� مجتمعاتنــا بموضوعيــة كبـ يـرة‪ ،‬ولهــذا‬


‫والنوثــة‪ ،‬وهــذه‬ ‫بــ� الذكــورة أ‬
‫تأخــذ شــكل الــراع ي ن‬
‫ئ‬
‫روا� يســتند‬
‫أمــر ال يمكــن تجــاوزه لــدى كتابــة عمــل ي‬
‫ـت عــن الصح ـراء ومجتمعهــا‪ ،‬لكــن ذلــك‬ ‫لواقعنــا‪ .‬كتبـ ُ‬
‫لــم يمنعــن ي مــن االنتقــال إىل المدينــة والكتابــة عــن‬
‫الدب وثبــة تجــاه القــادم‪ ،‬والقــادم ال بــد‬ ‫عوالمهــا‪ ،‬أ‬
‫الدب ال‬ ‫أن يتمثــل بهيئــة أفــق فســيح المحــدود‪ .‬أ‬
‫يعــرف قــط اليقينيــات‪ ،‬منطقــه قائــم عــى المحاولــة‬
‫والتجربــة والتنويــع‪.‬‬

‫* جربــت الكتابــة عــن الوطــن وقضايــاه مــن‬


‫جغرافيــات أخــرى بعيــدة عنــه‪ .‬كثـ يـرون جربــوا ذلــك‬
‫ـ� عــن وطــن تصلــك شــظايا‬ ‫مــن قبــل‪ ،‬لكنــك تكتبـ ي ن‬
‫اح�اقــه‪ .‬كيــف يمكــن للكتابــة‪ -‬مثلمــا تمارســينها‬ ‫ت‬
‫يــرخ الــروح والوطــن‬ ‫روائيــا‪ -‬أن ترمــم صدعــا ش‬
‫معــا؟ وهــل يمكــن أن نصنــف كتاباتــك ضمــن مــا‬
‫بــالدب المهجــري الجديــد؟‬ ‫ســماه البعــض أ‬

‫ـى‪ ،‬عملــت‬ ‫ث‬


‫بــكل مــا أوتيــت مــن صـ ب أـر وجهــد بحـ ي ّ‬
‫عــى تطويــع ال ّلغــة الرسديــة لجــل كتابــة النــص الــذي‬
‫ـا� للجــرح الســوري المفتوح‪.‬‬ ‫ف‬
‫ـع البلســم الشـ ي‬
‫أ‬
‫يتماهــى مـ‬
‫ال يمكــن لــ�دب أن يرمــم الدمــار‪ ،‬لكنــه يفضحــه‪ .‬أكتب‬
‫عل‬
‫دون أن أتوقــف عنــد التصنيفــات‪ ،‬أأكتــب مــا يمليــه ي‬
‫الظــرف والخيــال لصالــح لعبــة الدب‪ .‬ســابقا كتبــت‬
‫عــن المهمــش والمضمــر‪ ،‬ف ي� تاريــخ الباديــة الســورية‪،‬‬
‫مــن خــال عــدة نصــوص اســتذكارية مــن خاللهــا‬
‫حاولــت اســتعادة أ‬
‫البعــاد التاريخيــة للباديــة الســورية‪،‬‬
‫ومــع روايــة «نــازك خانــم»‪ ،‬كتبــت عــن عالــم مختلــف‬
‫ف‬
‫و� روايــة‬ ‫ف‬
‫ـوص‪ ،‬ي‬ ‫تمامــا‪ .‬أمقــت التشــابه‪ ،‬أحاربــه ي� نصـ ي‬
‫غــر مطروقــة‬ ‫«ألمــاس ونســاء»‪ ،‬كتبــت عــن عوالــم ي‬
‫الدب الســوري ســابقا‪ ،‬للجغرافيــا غوايتها‪،‬‬‫بالمطلــق ف� أ‬
‫ي‬
‫فالجغرافيــة مــكان‪ ،‬والمــكان تاريــخ‪ ،‬وللتاريــخ هيبــة‬
‫وســطوة وســحر؛ أي كل مــا يلــزم أ‬
‫الديــب ليكتــب‪.‬‬

‫ـ� ضالتهــم‬‫ـ� الحداثيـ ي ن‬‫* وجــد كثـ يـر مــن الروائيـ ي ن‬


‫النســانية والزمــن المنفلــت؛ لكن‬ ‫ف‬
‫ي� التاريــخ والذاكــرة إ‬
‫لــكل منهــم أســلوبه ف ي� التعامــل مــع المــادة التاريخية‬
‫ين‬
‫فتنرصفــ� إىل التقــاط صــدى‬ ‫الجاهــزة‪ .‬أمــا أنــت‪،‬‬
‫ـ�‪ ،‬مــن خــال قـراءة الثقــوب العالقــة‬ ‫التاريــخ المنـ ي‬
‫ـ� فجــوات المعطــى‪ .‬كيــف يتهيــأ لــك ذلــك؟‬ ‫بـ ي ن‬

‫أد�‪ ،‬تتيــح لنــا التحايــل‬


‫وحدهــا الروايــة كجنــس ب ي‬
‫ـا�‪ ،‬تمنحنــا‬ ‫ض‬
‫المـ ي‬ ‫ض‬
‫عــى التاريــخ وعــى المــوروث‪ ،‬وعــى‬
‫المــا� إىل منطقــة‬
‫ي‬ ‫حبــاال قويــة‪ ،‬تتيــح لنــا ســحب‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬ ‫‪96‬‬

‫ـ�‪ .‬الكلمــة بحــد ذاتهــا ريشــة فنيــة قابلــة أن‬ ‫جديــدة صالحــة لــكل أشـ نـكال التنــاول النـ ي‬
‫ـى تعتمــد عــى لعبــة‬ ‫ت‬ ‫ث‬
‫تحمــل أأي لــون لتضعــه أ� تشــاء‪ ،‬الكتابــة هــي أكــر الفنــون الـ ي‬
‫خلــط الوراق‪ ،‬وتقنيــة التمويــه‪ ،‬بغايــة صنــع النــص الــذي نريــده‪ ،‬وعنــد مــا نتعمــد أن‬
‫يكــون «التأريــخ» كومبارســا �ض وريــا لنصوصنــا‪ ،‬فهــذا يعــن ي أننــا نريــد‬
‫الدب‪ .‬بفضــل‬ ‫كتابــة النــص المحايــث للحقيقــة‪ ،‬لكــن الحقيقــة ف� لبــوس أ‬
‫ي‬
‫الكتابة هي أكثر الفنون‬ ‫والذاكــرة‪،‬‬ ‫التاريــخ‬ ‫مــن‬ ‫الكتابــة الرسديــة‪ ،‬نســتطيع أن نســتلهم مادتنــا‬
‫مثلمــا نســتطيع أن نتــرف ف� المــادة المعطــاة بقصــد تحيينهــا‪ .‬فالــروا�ئ‬
‫التي تعتمد على لعبة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال يكتــب التاريــخ وليــس مؤرخــا‪ ،‬لكنــه قــادر عــى مــلء ثقوبــه‪ ،‬وإضــاءة‬
‫خلط األوراق‪ ،‬وتقنية‬ ‫ـروا� تعجبــه ظــال التاريــخ‪ ،‬وعتماتــه‪ ،‬ألنهــا تتيــح‬ ‫ئ‬
‫مناطقــه المعتمــة‪ .‬الـ ي‬
‫التمويه‪ ،‬بغاية صنع النص‬ ‫لــه أن يتخــذ منهــا فضــاء للعــب المتخيــل‪ .‬وإذا كان المــؤرخ تســتوقفه‬
‫الــروا� تســتوقفه التفاصيــل‬ ‫ئ‬ ‫الكــرى‪ ،‬فــإن‬ ‫الحــداث والمنعطفــات‬‫أ‬
‫الذي نريده‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫واالســتطرادات الشــاردة ف ي� حكايــة التاريــخ‪ ،‬لذلــك يظــل يطاردهــا خلــف‬
‫ـ�‬ ‫المالمــح مســتقرئا الدالئــل والظــال آ‬
‫يرصــد بحــس تخييـ ي‬ ‫ف‬
‫والثــار‪ ...‬إنــه‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫النســان‬ ‫و� نفســيات إ‬ ‫أثــر هاتــه الحــداث الكـ بـرى ي� قيعــان المجتمعــات‪ ،‬ي‬
‫المعايــش للحظــة التاريخيــة‪.‬‬

‫الدب مــن الفلســفة بشـ تـى تفرعاتــه‪ ،‬هــل لهــذا التخصــص العلمــي‬ ‫* جئــت إىل أ‬
‫ـا�‪ -‬ف ي� أعمالــك الروائيــة‪ -‬عــى اســتبطان ســيكولوجية الشــخوص‪ ،‬وتوظيــف‬ ‫أثــر إيجـ ب ي‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫الجوانــب العمــق ي� الفــرد وال وعيــه وذاكرتــه‪ ،‬وشــعوره وال شــعوره‪ ،‬وأنــاه وأنــاه‬
‫ئ‬ ‫تن‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫العــى‪ ،‬ي� جعــل المــ� الـ ي‬
‫ـروا� أقــرب إىل المتلقــي؟‬

‫الفلســفة‪ ،‬ســؤال يشــبه ذلــك الســؤال الــذي طرحــه أبــو الهــول عــى الســندباد‬
‫ـاس‪ ،‬ليعـ بـر نهــر النيــل‪ :‬أن يجيــب عــى كل أســئلته‪ .‬لتكتــب لنــا النجــاة‪ ،‬إذن‬ ‫ش‬
‫كــرط أسـ ي ّ‬
‫نخضــه‪ ،‬وإذا لــم‬‫الجابــات الصحيحــة‪ .‬عندمــا نســأل‪ ،‬نبلبــل العالــم‪ّ ،‬‬ ‫علينــا أن نختــار إ‬
‫الجابــات الصحيحــة‪ ،‬ســينتظرنا مصـ يـر غامــض‪ .‬الفلســفة أضــاءت يل خارطــة‬ ‫نعـ ثـر عــى إ‬
‫أ‬
‫ـى نكتبهــا هــي بمثابــة إجابــات تســتدعيها الســئلة الخطــرة‪....‬‬ ‫ت‬
‫الســؤال‪ ،‬وكل النصــوص الـ ي‬
‫ين‬
‫المؤسســ� لفعــل‬ ‫أتاحــت يل الفلســفة بتشــعبات اتجاهاتهــا‪ ،‬إحــكام الرؤيــة والرؤيــا‬
‫الكتابــة‪ .‬ال يمكــن أن نكتــب إذا لــم ننطلــق مــن ســؤال كبـ يـر تشــتق منــه أســئلة صغــرى‪،‬‬
‫النســان‪ .‬أفادت ـن ي الفلســفة كذلــك‪ ،‬خاصــة ف ي� شــقيها‬ ‫تكــون ي� مجملهــا متمحــورة حــول إ‬
‫ف‬
‫الســيكولوجي والسوســيولوجي‪ ،‬ف ي� معرفــة كيفيــة اســتبطان الشــخصيات‪ ،‬ورصــد مالمحهــا‪،‬‬
‫ـ� الفــرد ومجمــوع‬ ‫وبنائهــا وفــق المنظــور المنتقــى‪ ،‬ومعرفــة أســلوب تشــييد العالقــات بـ ي ن‬
‫ـى‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫ـا� الشــخصيات الثانويــة الـ ي‬ ‫ـال بـ يـ� الشــخصية الرئيســة مــن جهتــة‪ ،‬وبـ ي‬ ‫الف ـراد‪ ،‬وبالتـ ي‬
‫ـ� مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬وهكــذا يتــأ� للروايــة أن تصـ يـر مجتمعــا مصغ ـرا‪،‬‬ ‫تؤثــث معهــا المحـ ي‬
‫تتعقــد فيــه العالقــات‪ ،‬وتلتبــس‪ ،‬وتتنامــى تماشــيا مــع الرؤيــة المؤسســة لفعــل الكتابــة‪،‬‬
‫والســئلة المؤطــرة لهاتــه الرؤيــة‪.‬‬ ‫أ‬

‫* يذهــب ميشــال بوتــور إىل أن الروايــة الجديــدة مــا عــادت تكتفــي بالموهبــة ف ي�‬
‫الحــداث وإثــارة القــارئ‪ ...‬بــل غــدت بحثــا بــكل مــا‬ ‫الــرد وصنعــة الــكالم وتخيــل أ‬
‫ـ� مــع هــذا الـرأي؟‬‫تحمــل الكلمــة مــن معـ نـى؛ هــل تتفقـ ي ن‬

‫أتفــق تمامــا مــع هــذه النظــرة للروايــة‪ ،‬لكــن هــذا يفـ تـرض أن يتــواءم معــه النقــاد‪،‬‬
‫أي االنتبــاه إىل �ض ورة الخــروج عــن مســلمات الخطــاب النقــدي‪ ،‬حـ تـى ال يتحــول النقــد‬
‫إىل قوالــب قديمــة متعاليــة‪ ،‬يُق ـرأ عــى ضوئهــا النــص الجديــد‪ .‬كمــا يفـ تـرض أن تكــون‬
‫الشــكال والموضوعــات المطروقــة‪.‬‬ ‫ـ� ج ـرأة وشــجاعة عــى تخطــي المألــوف مــن أ‬ ‫للروائيـ ي ن‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫‪97‬‬ ‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬

‫فالروايــة‪ ،‬مــن هــذا المنظــور‪ ،‬لــم تكــف معهــا الموهبــة والتمكــن مــن اللغــة عــى‬
‫ـدس مفكــر فيــه‬ ‫ـروا� ملزمــا بصناعــة عوالمــه‪ ،‬وفــق مـ ش‬ ‫ئ‬
‫ـروع هنـ ي‬ ‫ف‬ ‫أهميتهمــا‪ ،‬بــل أصبــح الـ ي‬
‫م�ايــدة وتتغــذى قدراتــه‬ ‫بإتقــان‪ ...‬ومــع تــوال تجاربــه � الكتابــة‪ ،‬تتحقــق لــه إمكانيــات ت ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ومهاراتــه‪ ،‬فيمتلــك حرفيــة تخــول لــه التحكــم أكـ ثـر ف ي� عوالمــه الروائيــة تمامــا مثــل الباحــث‬
‫النســانية والعلــوم الحقــة‪ ،‬الــذي تتطــور أدواتــه بالمــوازاة مــع تراكــم‬ ‫ف‬
‫ي� مجــاالت العلــوم إ‬
‫ـى هــي أســاس لــكل خلــق ف�ن ي ‪،‬‬ ‫والعمــال الـ تـى يقــوم بهــا‪ .‬فضــا عــن الموهبــة الـ ت‬ ‫التجــارب أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬
‫ـى تغـن ي عملــه‪،‬‬ ‫ت‬
‫ـروا� إىل أدوات بحثيــة تمكنــه مــن جمــع المــواد والمعطيــات الـ ي‬ ‫يحتــاج الـ ي‬
‫مثلمــا يحتــاج إىل إمكانــات لوجســتيكية تســاعده عــى الســفر والتنقــل بغــرض الظفــر‬
‫ئ‬ ‫ت‬
‫ـروا�‪.‬‬‫ـى يحتاجهــا والمراجــع المؤسســة لم�ش وعــه الـ ي‬ ‫ببعــض المعطيــات الـ ي‬
‫ـ� بلغــت القائمــة القصـ يـرة ف ي� جائــزة البوكــر‬ ‫ت‬
‫ـاس ونســاء» الـ ي‬ ‫* تعتـ بـر روايتــك «ألمـ‬
‫أ‬
‫للروايــة العربيــة ف ي� دورتهــا الخـ يـرة‪ ،‬روايــة الزمــان والمــكان بامتيــاز عــى اعتبــار أنهــا‬
‫تناولــت زمنــا يغطــي مــا يناهــز ســبعة عقــود‪ ،‬كمــا أن أحداثهــا وقعــت ف ي� مــدن تنتمــي‬
‫ـأ� لــك عجــن هــذه المــادة‬ ‫ـكا�؟ وكيــف تـ ت‬ ‫إىل ثــاث قــارات‪ .‬مــا داللــة هــذا التوســع الزمـ ن‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ـ�؟‬‫ـ� يظهــر عليهــا البنــاء الفـ ي ّ‬ ‫الرسديــة بالصــورة المتناغمــة الـ ي‬
‫اســتخدمت مفــردة موفقــة وذكيــة ف� ســؤالك هــي «العجــن»‪ ،‬فلــكل أديــب خـ ب ز‬
‫ـره‪ ،‬مــن‬ ‫ي‬
‫مباهــج كتابــة الروايــة هــي طريقــة اســتعمال أدواتنــا‪ ،‬وحريتنــا بالنفــخ عــى نارنــا‪ ،‬نؤججهــا‬
‫ـر� شـ تـى المذاقــات‪ ،‬وال أقــول كل‬ ‫ـرا يحظــى بـ ض‬ ‫تــارة‪ ،‬ونخمدهــا تــارة أخــرى‪ ،‬لنضمــن خـ ب ز‬
‫المذاقــات‪ ،‬فالقـراءة أذواق‪ ،‬عندمــا نكتــب نأمــل أن نحظــى بأكـ بـر عــدد ممكــن مــن القـراء‪،‬‬
‫وهنالــك قـ ّـراء قــد ال نحظــى بهــم‪ ،‬ألنهــم مفطــورون عــى نكهــات أخــرى غـ يـر النكهــات‬
‫ـى عرفناهــا‪.‬‬ ‫ت‬
‫الـ ي‬
‫ـالي� ف ي� صــوغ العوالــم‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ـا� وأسـ ب ي‬‫أســعى مــن تجربــة روائيــة لخــرى إىل تنويــع موضوعـ ي‬
‫التخييليــة‪ ،‬وأن أوســع مــن مجــاالت االنتمــاء للهويــة الكوكبيــة‪ .‬فأنــا أكتــب لــكل إنســان‬
‫ـا� فيــه حيــا وميتــا‪ .‬أحلــم ف ي� كل كتابــة جديــدة‬ ‫الرض‪ ،‬بــل أكتــب الجانــب إ ن‬ ‫عــى أ‬
‫النسـ ئي‬ ‫بــأن تصبــح أ‬
‫ـ�‬ ‫�ش‬
‫تاريــخ الب يــة زمنــا لمتخيـ ي‬ ‫ـروا�‪ ،‬وبــأن يصـ يـر‬
‫ـا�‪ ،‬ال بــد أن تعــرف أ‬‫ي‬ ‫ن‬
‫الرض كلهــا ملــكا لعالمــي الـ‬
‫ئ‬
‫الرض كلهــا‪ ،‬وتفهــم مشــاكل‬ ‫ـ� تكتــب روايــة بمــذاق إنسـ ي‬ ‫ـروا�‪ .‬ل فـ ي‬
‫الـ ي‬
‫ف‬
‫النســان ي� شـ تـى الجغرافيــات الثقافيــة والبيئيــة دون التفريــط ي� هويــة االنتمــاء لمنــاخ‬ ‫إ‬
‫ـا� معـ يـ�‪ ،‬وخريطــة جغرافيــة محــددة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ثقـ ي‬
‫لقد تحقق بفضل الجوائز‬ ‫ـ�‪،‬‬ ‫الســاردين الثانويـ ي ن‬
‫الرئيــس عــى صــوت أ ّ‬
‫الســارد ّ‬
‫* طغــى صــوت ّ‬
‫ت‬
‫ونــدر صــوت الشــخصيات‪ .‬هــل اخــرت هــذا الســلوب انطالقــا مــن‬
‫األدبية انتعاش فعل‬
‫وعــي بخصوصيــة المــادة الرسديــة المعروضــة ف ي� الروايــة‪ ،‬أم إن‬
‫التلقي‪ ،‬ورواج األعمال‪،‬‬
‫ـ� فرضــت ســلطتها عليــك أثنــاء االنغمــاس ف ي�‬ ‫التماهــي مــع روح الحـ ي‬
‫وتداول األسماء الجديدة‬ ‫طقــس الكتابــة فــكان مــا كان؟‬
‫في عالم الكتابة الروائية‬
‫ـ�» كأســلوب مفضــل للــرد‪ ،‬ألنــه يتيــح للكاتــب‬ ‫أعتنــق أســلوب «الحـ ي‬
‫ن‬
‫المســاك بدفــة الــرد بدقــة‪ .‬لكــن ذلــك يظــل أســلوبا واحــدا بـ يـ� عــدة‬ ‫إ‬
‫أ‬
‫أســاليب أخــرى قــد يلجــأ إليهــا الدبــاء؛ فالمســألة مســألة خيــار خــاص‬
‫بالكاتــب‪ .‬وربمــا أل ن ي� قـرأت نــص ألــف ليلــة وليلــة مبكـرا مــن عمــري‪ ،‬وقبــل أن أبــدأ بالكتابة‬
‫ـ�‪ .‬ففضــا عــن كــون هــذا‬ ‫بزمــن طوي فــل ظهــرت مؤث ـرات شــهرزاد «الح فــكاءة» عــى نـ ي ّ‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫ـ� يمنــح إمكانيــة التحكــم ي� العوالــم الروائيــة‪ ،‬حــى ال تتــوه ي� حمــى‬ ‫الســلوب ي� الحـ‬‫أ‬
‫ي‬
‫االنتدابــات وتكاليــف رواة متعدديــن‪ ،‬فهــو أيضــا ينســجم مــع طبيعــة الخطــاب ف ي� العمــل‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫حوار‬
‫الروائية السورية لينا هويان الحسن‬ ‫‪98‬‬

‫ـ� أن تكــون أو ال تكــون‪،‬‬ ‫ـروا� مــن حيــث الداللــة الـ تـى يهيمــن عليهــا منطــق الـراع بـ ي ن‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫الـ ي‬
‫ـ� الوجــود‬ ‫ـ� التموقــع والتخفــي‪ ،‬بـ ي ن‬ ‫ـ� الحريــة واالســتبداد‪ ،‬بـ ي ن‬ ‫ـ� الســلطة والرغبــة‪ ،‬بـ ي ن‬ ‫بـ ي ن‬
‫ـى أصنعهــا تخييليــا تتحــرك دون‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫والضيــاع‪ .‬يهمـن ‪ � ،‬هــذا الســلوب‪ ،‬أن أرى الكائنــات الـ ت‬
‫ي‬
‫روا� لهــا‪ ،‬وتعيــش بحريــة مــن ال يزعجــه ضــوء مــا‪ .‬وبذلــك يتـ ت‬
‫ـأ� يل أن‬ ‫أن تحــس بمراقبيــة ي ت‬
‫ي‬
‫أرصدهــا رسديــا ف ي� أقــى حــاالت تماهيهــا مــع المعيــش ف ي� تشــعباته‪.‬‬

‫ـر� كتابــة وطبعــا‬ ‫ف‬


‫كب�يــن ي� العالــم العـ ب ي ّ‬ ‫* عرفــت الروايــة مؤخّ ـرا حرك ّيــة وانتعاشــا ي‬
‫وتــداوال‪ ،‬خاصــة بعــد تزايــد عــدد الجوائــز المشــجعة للكتابــة الروائيــة‪ ،‬أال ي ـراودك‬
‫تخــوف وهواجــس مــن أن تــؤ ّدي الجوائــز إىل نتائــج عكســ ّية كتنميــط موضوعــات‬
‫الفــ�‪ ،‬أم إنّهــا ســتلعب دورا إيجابيــا ف ي� تطويــر‬ ‫يّ‬
‫الكتابــة مثــا‪ ،‬وتراجــع المســتوى ن‬
‫ـر�؟‬ ‫ف‬
‫الكتابــة ي� العالــم العـ ب ي ّ‬
‫ـا� من المســألة‪،‬‬ ‫آ‬
‫اليجـ ب ي‬‫بطبعــي‪ ،‬أرى النصــف المــ�ن مــن الــكأس‪ ،‬لهــذا ســأركن للشــق إ‬
‫وأقــول إن الجوائــز ظاهــرة صحيــة تنعــش فــن الروايــة‪ .‬نحــن بوصفنــا عربــا‪ ،‬نعيــش‬
‫والدب هــو مقيــاس الحضــارات‪ ،‬لهــذا أبـ ّـرر كل مــا يصــب ف ي� صالــح‬ ‫تحديــا حضاريــا كبــرا‪ ،‬أ‬
‫ي‬
‫ف‬
‫انتعــاش الكتابــة‪ .‬خصوصــا ي� ظــل هجمــة تخلــف وظالميــة تخيــم عــى المنطقــة‪ ،‬ال‬
‫ضــوء دون الكلمــات‪.‬‬

‫العمــال‪ ،‬وتــداول‬‫الدبيــة انتعــاش فعــل التلقــي‪ ،‬ورواج أ‬ ‫لقــد تحقــق بفضــل الجوائــز أ‬
‫والعالمــي‪ ،‬وســاد‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫الســماء الجديــدة ي� عالــم الكتابــة الروائيــة‪ ،‬وتحــرك االهتمــام النقــدي إ‬
‫نــوع مــن التنافســية والدافعيــة عــى الكتابــة الروائيــة تحديــدا‪ ،‬وازداد اهتمــام دور النـ شـر‬
‫بالروايــة‪ ...‬وكل هــذا ال يمكــن إال أن يسـ يـر ف ي� اتجــاه تشــجيع الكتابــة والقـراءة ومــا يرتبــط‬
‫النســان مــن جوهــره‪ ،‬وتبعــده عــن متاهــات‬ ‫بهمــا مــن قيــم جماليــة وإنســانية تقــرب إ‬
‫الـراع والتمــزق والتطــرف والعنــف‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪99‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬ ‫‪100‬‬

‫باحثون ومثقفون‬
‫يطالبون‬
‫بتشكيل أرضية‬
‫خصبة للتوعية‬
‫الفكرية‬

‫إعداد‪ :‬منى شكري‬


‫إعالمية أردنية‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫‪101‬‬ ‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬

‫باحثــون ومثقفــون عــرب مــن مواصلــة نهــج‬


‫«التهميــش» للثقافــة والمعرفــة مــن خــال‬
‫فصــل التنميــة المعرفيــة الثقافيــة عــن‬
‫التنميــة الشــاملة للــدول العربيــة وعــدم إيــاء‬
‫ـر�‪ ،‬إذ إن العالقــة بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ف‬
‫بالنتــاج المعـ ي‬
‫نَ ّبه‬
‫حكوماتهــا أهميــة لالرتقــاء إ‬
‫العــر�‬ ‫مبينــ� أن واقــع المعرفــة‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫التنميــة والمعرفــة ديناميــة‪،‬‬
‫بي‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫النســانية عــى‬ ‫ـا� «العطــب» ي� ظــل ضحالــة إنتــاج المعــارف إ‬ ‫يعـ ي‬
‫والصــدارات الفكريــة والبحــوث‬ ‫اختالفهــا‪ ،‬وقلــة إنتــاج الكتــب إ‬
‫الغــر�‪.‬‬
‫بي‬ ‫العلميــة مقارنــة بالعالــم‬

‫الكاديميــون الذيــن اســتطلعت مجلــة «ذوات» آراءهــم‬ ‫وأكــد أ‬


‫ف‬
‫المعــر�؟»‪ ،‬أن‬ ‫ف ي� ســؤال هــذا العــدد‪« :‬كيــف نرتقــي بإنتاجنــا‬
‫ي‬ ‫النتــاج المعـ ف‬
‫ـر� «مـرآة الشــعوب» ودليــل عــى تقدمهــا أو تأخرها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫بــ� المؤسســات‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫مطالبــ� بتضافــر الجهــود والعمــل المشــرك ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫المختلفــة الرســمية والخاصــة لالرتقــاء بــه‪.‬‬

‫ودعــوا المؤسســات المعنيــة للبــدء بحملــة تنميــة مجتمعيــة‪،‬‬


‫لتشــكيل أرضيــة خصبــة للتوعيــة الفكريــة‪ ،‬لتنمــو فيهــا وتتشــكل‬
‫ال�ويــج للمعرفــة ف ي� مجتمــع‬
‫ـ� إىل أن ت‬
‫المعــارف عــى تنوعهــا‪ ،‬منوهـ ي ن‬
‫يعمــه الجهــل «نــوع مــن العبثيــة»‪.‬‬
‫ّ‬

‫وأوضــح المثقفــون‪ ،‬أن الطريــق لالرتقــاء بالمعرفــة يتمثــل ف ي�‬


‫توفـ يـر بيئــة حاضنــة لهــا‪ ،‬مــن خــال تجــاوز الوســائل التقليديــة‬
‫يز‬
‫وتحفــ� طلبــة المــدارس‬ ‫ين‬
‫التلقــ�‪،‬‬ ‫ف ي� التعليــم والمعتمــدة عــى‬
‫منــذ المرحلــة أ‬
‫والتفكــر والبحــث‪ ،‬فضــا ً‬
‫ي‬ ‫الساســية عــى التدبــر‬
‫عــن تدريســهم مســاقات المنطــق والفلســفة‪ ،‬والفنــون المختلفــة‬
‫لصقــل مهاراتهــم وتفريــخ أجيــال تنتــج معــارف فعالــة وخالقــة‪.‬‬

‫وشــدد الباحثــون عــى أهميــة القــراءة‪ ،‬باعتبارهــا جــراً‬


‫ـ� تتخــذ مــن الحيــاة المعرفيــة‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫للعبــور للمعــارف‪ ،‬لكنهــا القـ تراءة الـ ي‬
‫ـر� «حبيــس‬‫النتــاج المعـ ي‬ ‫والعلميــة أســلوب حيــاة‪ ،‬حــى ال يبقــى إ‬
‫أدراج التعبـ يـر»‪ ،‬وإنمــا يرتقــي بنــا لواقــع أفضــل‪.‬‬

‫ـ�‪ ،‬وتوفـ يـر‬‫ـ� والباحثـ ي ن‬


‫البــداع والمبدعـ ي ن‬
‫كمــا طالبــوا بدعــم إ‬
‫النتاجــات الفكريــة والعلميــة‪،‬‬ ‫منــاخ مــن الحريــات لتنمــو فيــه إ‬
‫النفــاق عــى‬ ‫وتجنــب نزيــف العقــول للغــرب‪ ،‬ورفــع مســتوى إ‬
‫العــام ف ي� رفــد الواقع‬ ‫البحــث العلمــي‪ ،‬مشــددين عىل أهميــة دور إ‬
‫ـر� والفكــري‪ ،‬وضــخ الثقافــة والمعــارف عــى اختالفهــا‪.‬‬ ‫ف‬
‫المعـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬ ‫‪102‬‬

‫إبداعــه المتجــدد‪ ،‬إنــه ال يعــدو كونــه تعبـ يـراً عــن ذاتيــة‬


‫للنــوات المثقفــة‬ ‫النــا المتجــاوزة أ‬ ‫مفرطــة ف� تأكيــد أ‬ ‫قنصوه‪ :‬القراءة في‬
‫ي‬ ‫أ‬
‫تشــر إىل‬
‫الخــرى‪ ،‬وهنــا تكــون القــراءة ملكيــة خاصــة ي‬ ‫عالمنا العربي لون من‬
‫ف‬
‫ـر�‪.‬‬ ‫ز‬
‫التفــرد والتميـ يـر المعـ ي‬ ‫ألوان الترف والتفاخر‬
‫ـ�)‬ ‫ف‬ ‫الثقافي أكثر من‬
‫ـا� (تواصـ ي‬‫إن القـراءة‪ ،‬بحســب قنصــوة‪ ،‬فعــل ثقـ ي‬
‫يتشــارك فيــه حـ تـى أولئــك ممــن ال يعرفــون القـراءة‪ ،‬حيــث‬ ‫كونها أسلوب حياة‬
‫ـر� يمكــن‬‫ف‬
‫تكــون المهمــة لــدى القــارئ إضافــة آ رصيــد معـ ي‬ ‫منتج معرفيًا‬
‫عــر الخريــن‪ .‬ومــن خــال‬ ‫انتقالــه وتواصلــه وتطويــره ب‬
‫هــذه العمليــة‪ ،‬يمكــن تطويــر آليــات القــراءة والفهــم‬
‫ـرل هــذا النــوع مــن الق ـراءات‬ ‫ـر� يخـ ت ز‬ ‫لتأســيس نهــج معـ ف‬
‫ي‬
‫المتعــددة والمتنوعــة (أفقيــاً) ف ي� قــراءة (رأســية) لديهــا‬
‫ـر� الــذي ال مفــر منــه للصعــود‬ ‫ف‬
‫القــدرة عــى الحفــر المعـ ي‬
‫إىل أعــى؛ أي االرتقــاء‪.‬‬

‫ويوضــح الباحــث أننــا نبحــث عــن أســلوب متطــور‬


‫ـر�‪ ،‬يســمع كثـ يـراً وال يقـرأ إال القليــل؛‬ ‫ف‬
‫للقـراءة ي� عالــم فعـ ب ي‬ ‫اإلنتاج المعرفي حبيس أدراج التعبير‬
‫ومــن ثــم‪ ،‬لســنا ي� حاجــة إىل أن تمثــل القـراءة (كمـاً) مــن‬
‫القــراء يزيــد أو ينقــص بقــدر مــا يشــكل (كيفــاً) يحمــل‬ ‫ت‬
‫الــى يرتكــز عليهــا أســتاذ الفلســفة‬ ‫أ‬
‫أهــم الســس ي‬
‫والفصــاح ال المتعــة‬ ‫التغيــر إ‬ ‫ي‬ ‫وعيــاً بالقــراءة مــن أجــل‬ ‫السياســية – جامعــة طنطــا بمــر الدكتــور يــارس قنصــوه‬
‫ف‬
‫ـر�‪.‬‬
‫والخــرس المعـ ي‬ ‫لالرتقــاء بالمعرفــة هــي القــراءة؛ فهــي منهــج وفعــل‬
‫ـا�؛ أي منهــج ف ي� الفهــم‪ ،‬وفعــل يتأســس عــى فهــم‬ ‫ئ‬
‫ارتقـ ي‬
‫المعــر� مــن خــال القــراءة‬ ‫ف‬ ‫ومحاولــة االرتقــاء‬ ‫ـر� واالرتقــاء بــه‪ ،‬منوهــا إىل أن مــن‬‫ف‬
‫أ‬ ‫ي‬ ‫النتــاج المعـ ي‬
‫كيفيــة إ‬
‫أ‬
‫ـ� مؤثريــن‪ ،‬وفــق قنصــوه‪ :‬الول؛ الق ـراءة‬ ‫مرهونــة بعاملـ ي ن‬ ‫الخطــاء الشــائعة االعتقــاد أن القــراءة مجــرد رغبــة أو‬
‫تواصــ� يتشــارك فيــه الجميــع‬ ‫معــر� كفعــل‬ ‫ف‬ ‫ارتقــاء‬ ‫ف‬
‫ـر�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫لللمــام بجانــب معـ ي‬ ‫وســيلة لشــغل وقــت الف ـراغ أو إ‬
‫ـر لفئــة يطلــق عليهــا ق ـراء بمعــىن‬ ‫دون تخصيــص أو تميـ ي ز‬ ‫ـ�‪.‬‬ ‫معـ ي ن‬
‫ن‬
‫ـا�‪ ،‬فاالرتقــاء نهــج‬
‫ـدارة بالفهــم واالســتيعاب‪ .‬أمــا الثـ ي‬ ‫ف‬
‫الجـ‬
‫ـر� لديــه أدواتــه المتطــورة عــى نحــو مســتمر‪ ،‬وهــي‬ ‫معـ‬ ‫ويتابــع‪ :‬ال نبالــغ إذا قلنــا إن القــراءة ف ي� عالمنــا‬
‫الــى يتجعــل القــراءة منهجــاً يمكــن التعويــل عليــه �ف‬ ‫ت‬ ‫ـا�» دون‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ـر� «لــون مــن ألــوان الــرف والتفاخــر الثقـ ي‬
‫العـ ب ي‬
‫المعــر�‪.‬‬
‫ي‬ ‫النتــاج‬ ‫إ‬ ‫النظــر إىل كونهــا أســلوب حيــاة منتجــة معرفيـاً‪ ،‬فالعـ ب ي‬
‫ـر�‪،‬‬
‫وفــق قنصــوة‪ ،‬يق ـرأ «للمعرفــة المحــدودة بشــأن محــدد‬
‫أو للمتعــة»‪ ،‬وســواء أكان يســتمتع بفعــل الق ـراءة أم ال‪،‬‬
‫فإنــه «ال يتخــذ» مــن القــراءة أســلوباً للحيــاة المعرفيــة‬
‫المعــر� «حبيــس‬‫ف‬ ‫النتــاج‬
‫ي‬ ‫والعمليــة‪ ،‬ومــن هنــا يظــل إ‬
‫أدراج التعبـ يـر» الــذي يعــد المدخــل الواقعــي للتغيـ يـر إىل‬
‫ف‬
‫المعــر�‪.‬‬ ‫الفضــل؛ أي االرتقــاء‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫ـ� نضبــط‬ ‫ويــرى قنصــوه‪ ،‬أن المشــكلة هــي أننــا حـ ي ن‬
‫و� نطاقــات محــدودة‬ ‫ـ� بفعــل الق ـراءة‪ ،‬ف‬ ‫أنفســنا متلبسـ ي ن‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫ـ�‪ ،‬فــإن المــر ال‬ ‫يتكــدس فيهــا مــن يشــار إليهــم بالمثقفـ ي ن‬
‫يخــرج عــن كونــه تراشــقاً لفظيـاً ف ي� صــور بالغيــة ونقاشــات‬
‫فضفاضــة تتبــارى فيهــا النخــب المثقفــة‪ ،‬ليعلــن الواحــد‬
‫منهــا قراءتــه المختلفــة ال لتشــكيل تعدديــة تــروم وحــدة‬
‫ـر� قــادر عــى تقديــم‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ي� التنــوع أم ـا ً ي� صنــع تيــار معـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫‪103‬‬ ‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬

‫النتــاج‬
‫ـى يتمتــع بهــا المجتمــع‪ ،‬حيــث إن الرقابــة عــى إ‬‫ت‬
‫ف‬ ‫الـ ي‬
‫ين‬
‫الباحثــ� عــن‬ ‫الفكــري لهــا دور ي� تراجــع العديــد مــن‬ ‫عدناني‪ :‬العالقة بين‬
‫االســتمرار بأعمالهــم المعرفيــة والفكريــة خوفــاً مــن‬ ‫االرتقاء المعرفي‬
‫تعرضهــم لالعتقــال والمحاســبة‪ .‬وهــذا بــدوره يقــود إىل‬ ‫وبين اإلنتاج الفكري‬
‫هجــرة الكفــاءات العربيــة للخــارج بفعــل التضييقــات‪،‬‬
‫وبفعــل البطالــة ومــا يواجهونــه مــن صعوبــات‪ ،‬وعــدم‬ ‫مرتبطة بمدى الحرية‬
‫إيجــاد منــاخ مالئــم الســتمرار أبحاثهــم وإنتاجهــم‬ ‫التي يتمتع بها‬
‫الفكــري‪.‬‬ ‫المجتمع‬
‫وتــرى الباحثــة‪ ،‬أنــه ال يمكــن فصــل التنميــة المعرفية‬
‫عــن التنميــة الشــاملة للدولــة العربيــة‪ ،‬وال يمكــن فصلهــا‬
‫أيض ـاً عــن تنميــة كل القطاعــات االقتصاديــة والسياســية‬
‫والفكريــة والثقافيــة‪ ،‬وهــو مــا يعـن ي أن الهــدف التنمــوي‬
‫يجــب أن يتحــول إىل هــدف عــام قــادر عــى االســتمرارية‬
‫والتطــور‪.‬‬ ‫اإلنتاج المعرفي مرآة الشعوب‬

‫نعــرف أن العديــد‬ ‫ت‬ ‫عدنــا�‪ ،‬البــد أن‬‫ن‬ ‫وتقــول‬ ‫والكاديميــة المغربيــة الدكتــورة إكـرام‬‫تــرى الباحثــة أ‬
‫ي‬ ‫ن‬
‫ن‬
‫والباحثــ� ال يمتلكــون الجــرأة الفكريــة‬ ‫مــن المفكريــن‬ ‫ـر� واقــع‬
‫ي‬ ‫بالعالــم العـ ب ي‬
‫ف‬
‫النتــاج الفكــري‬
‫ـا� أن تراجــع إ‬ ‫عدنـ ي‬
‫ـى تجعلهــم يخوضــون بالدراســة والتحليــل‬ ‫والمعرفيــة الـ ت‬ ‫تعيشــه الــدول العربيــة‪ ،‬ويدخــل � إطــار ت‬
‫ال�اجــع‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫تعتــر مــن «الطابوهــات»‪،‬‬ ‫الــى‬‫ت‬
‫ب‬ ‫ي� بعــض المواضيــع ي‬ ‫والتخلــف الــذي عاشــته ومــا تـزال تعيشــه عــى مســتويات‬
‫بــ� مــا هــو نظــري‬‫وهــذا مــا يفــر وجــود التناقــض ي ن‬ ‫الحصــاءات إىل وجــود‬ ‫عــدة منــذ قــرون خلــت‪ .‬وتشـ يـر إ‬
‫ف‬
‫ومــا هــو واقعــي‪ ،‬وهــو مــا يتطلــب التجديــد ي� الـ تـراث‬ ‫النســانية والكتــب‬ ‫فــراغ وفقــر مدقــع إلنتــاج المعــارف إ‬
‫واالنفتــاح عــى العلــوم الحقــة وكل مجــاالت البيولوجيــا‬ ‫ـر�‪ ،‬وهــو‬‫والصــدارات الفكريــة مقارنــة مــع العالــم الغـ ب ي‬ ‫إ‬
‫ـى تعتـ بـر جــزءاً مــن الثــورة المعرفيــة‬ ‫ت‬
‫والتكنولوجيــا‪ ،‬والـ ي‬ ‫ت‬
‫مــا يــدق ناقــوس الخطــر بخصــوص هــذه المســألة‬
‫ف‬
‫الغــر�‪ ،‬وبشــكل أصبــح‬ ‫بي‬ ‫الــى ســبق وشــهدها العالــم‬ ‫ي‬ ‫ـر� مـرآة الشــعوب ودليــل عــى‬ ‫النتــاج المعـ ي‬
‫وخاصــة أن إ‬
‫ـر� أحــد أبــرز مظاهــر القــوة‬‫ف‬
‫النتــاج العلمــي والمعـ ي‬ ‫معــه إ‬ ‫تقدمهــا أو تأخرهــا‪.‬‬
‫ف ي� عالــم اليــوم‪.‬‬
‫ف‬
‫المعــر�‪ ،‬بحســب‬ ‫بالنتــاج‬
‫ي‬ ‫ويتطلــب االرتقــاء إ‬
‫بــ� الحكومــات ومؤسســات‬ ‫ن‬ ‫عدنــا�‪ ،‬تضافــر الجهــود ي‬ ‫ن‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫ـد� والمجتمــع ككل‪ ،‬كمــا يتطلــب رفع نســبة‬ ‫المجتمــع فالمـ ي‬
‫النفــاق‬
‫االســتثمار ي� المجــال العلمــي ورفــع مســتوى إ‬
‫البحــاث الفكريــة والعلميــة‪ ،‬وهــو مــا تغفــل عنــه‬ ‫عــى أ‬
‫حــى الــدول العربيــة الغنيــة‪.‬‬‫ت‬

‫ف‬
‫المعــر� لــن‬ ‫بالنتــاج‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫وتبــ� الباحثــة أن االرتقــاء إ‬
‫يتــم دون االرتقــاء بمســتوى التعليــم‪ ،‬والــذي يحتــاج إىل‬
‫تجــاوز الطــرق التقليديــة‪ ،‬والمتمثلــة ف ي� االعتمــاد عــى‬
‫ـر�‪ ،‬وهــو مــا يجعــل‬‫ف‬ ‫التلقـ ي ن‬
‫النتــاج المعـ ي‬‫ـ� والحفــظ بــدل إ‬
‫وك�يــات الجامعــات والمعاهــد خــارج‬ ‫الــدول العربيــة ب‬
‫أ‬
‫التصنيــف العالمــي لفضــل الجامعــات العالميــة عــى‬
‫ف‬
‫والمعــر�‪.‬‬ ‫النتــاج العلمــي‬
‫ي‬ ‫مســتوى إ‬

‫بــ� االرتقــاء‬ ‫ن‬


‫عدنــا�‪ ،‬إىل العالقــة الوثيقــة ي ن‬ ‫وتشــر‬
‫ي‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫النتــاج الفكــري المرتبــط بمــدى الحريــة‬ ‫ن‬
‫ـر� وبـ يـ� إ‬
‫المعـ ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬ ‫‪104‬‬

‫ت‬
‫الــى تملكهــا الجماعــات‬ ‫ف‬
‫سياســات التعليــم ي� المــدارس أ ي‬
‫الدينيــة‪ ،‬مهمــا كانــت م ّلتهــا لنهــا‪« ،‬تغــذي الطائفيــة‬ ‫األطرش‪ :‬ضحالة‬
‫أحيانــاً»‪ ،‬وهــذا بــدوره يحــد مــن فتــح آ‬
‫الفــاق لالنفتــاح‬
‫عــى آ‬ ‫المعرفة العربية‬
‫الخــر‪ ،‬ومراجعــة السياســات التعليميــة العربيــة‪،‬‬
‫لغــرس قيــم التعايــش والحــوار وقبــول االختــاف بجميــع‬ ‫مرتبطة باالنحدار‬
‫أشــكاله‪.‬‬ ‫الثقافي عامة‪ ،‬وهو‬
‫عائد إلى غياب دور‬
‫وتــرى أن ضحالــة المعرفــة العربيــة مرتبطــة باالنحدار‬
‫ف‬
‫ـا� عامــة‪ ،‬وهــو عائــد إىل «غيــاب» دور وزارات الثقافــة‬ ‫وزارات الثقافة في‬
‫فالثقـ ي‬
‫العــر�‪ ،‬الفتــة إىل أن غالبيتهــا «بــا رؤيــة‪،‬‬
‫بي‬ ‫ي� الوطــن‬ ‫الوطن العربي‬
‫ت‬
‫وتشــكو مــن ال�هــل إالداري والفكــري‪ ،‬وتوظــف مــن ال‬
‫عالقــة لهــم بالثقافــة‪ ،‬بــل غالبيتهــم يفتقــر للمعرفــة»‪.‬‬
‫ف‬
‫ـا� أيضاً‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ـر� والثقـ ي‬
‫كمــا تحيــل الطــرش االنحــدار المعـ ي‬
‫إىل تراجــع دور الروابــط واتحــاد الكتــاب‪ ،‬فقــد ســيطرت‬
‫ا�‬ ‫ت ض‬
‫عليهــا «أم ـراض الســاحة الثقافيــة مــن الشــللية والــر ي‬
‫ـر� بإهمــال‬
‫والتنفيــع»‪ ،‬فض ـا ً عــن تراجــع دور النقــد العـ ب ي‬
‫الصحــف اليوميــة للثقافــة وقرارهــا بحجــب المكافــآت‬ ‫ضحالة المعرفة العربية واالنحدار الثقافي‬
‫الماليــة عــن الكتــاب فيهــا‪.‬‬
‫الطــرش‬‫الردنيــة ليــى أ‬ ‫مــن جهتهــا‪ ،‬تتســاءل الروائيــة أ‬
‫وتنــوه إىل أن هــذا التهميــش للثقافــة والمعرفــة‬ ‫مســتنكرة كيــف نتوقــع صعــوداً فكريــاً وعلميــاً وإنتاجيــاً‬
‫«متعمــد»‪ ،‬مســتنكرة تكـرار حديــث المؤسســات المختلفــة‬ ‫ـى نعيشــها؟‪ ،‬فعجلــة التطــور ترتبــط‬ ‫ف� فـ تـرة عصيبــة كالـ ت‬
‫عــن تنميــة اجتماعيــة وسياســية؟ وكيــف يتشــدقون ف ي�‬ ‫بالمــان مــع المســتقبل‪.‬‬ ‫والمــن والحســاس أ‬‫ي‬ ‫يباالســتقرار أ‬
‫إ‬
‫الحديــث عــن تنميــة ليــس أساســها التنميــة الثقافيــة‬ ‫الجيــل الجديــد يتملكــه الخــوف مــن القــادم ف ي� ظــل‬
‫والمعرفيــة؟!‬ ‫العــر� منــذ‬ ‫الــى تعصــف بالوطــن‬ ‫ت‬
‫بي‬ ‫الظــروف العامــة ي‬
‫ســنوات؛ ولــم يعــد منبــع الخــوف التدخــل الخارجــي‬
‫توفــر الكتــب لجميــع‬ ‫فحســب‪ ،‬بــل ومــن أ‬
‫كمــا تنــوه إىل أنــه ال بــد مــن ي‬ ‫الفــكار واالنقســام والطائفيــة وغيــاب‬
‫ف‬ ‫ين‬
‫و� المحافظــات قبــل‬ ‫المواطنــ� بســعر رخيــص جــداً‪ ،‬ي‬ ‫العدالــة االجتماعيــة وتكافــؤ الفــرص‪.‬‬
‫الكــرى‪ ،‬وتشــجيع الفنــون خاصــة المــرح‬ ‫ب‬ ‫المــدن‬
‫ـر� عــى‬ ‫ف‬ ‫كل مــا ســبق‪ ،‬أفــرز وفــق أ‬
‫والدرامــا‪ ،‬وتخصيــص ســاعات بــث ي� إالعــام العـ ب ي‬ ‫الطــرش‪« ،‬العنــف الجامعي‬
‫واالتــكاء عــى العشــرة أ‬
‫ـى تقــود إىل المعرفة‬ ‫ت‬
‫لل�امــج الثقافيــة التنويريــة الـ ي‬
‫اختالفــه ب‬ ‫والصــول والمنابــت‪ ،‬بــدال ً مــن‬ ‫ي‬
‫فكــرة أ‬
‫بطريقــة مشــوقة بعيــدة عــن الحــوارات المحنطــة‪ ،‬وبهــذا‬ ‫الح ـزاب والتجمعــات الطالبيــة القائمــة عــى الفكــر‬
‫نســهم‪ ،‬ولــو قليــاً‪ ،‬ف ي� إصــاح «العطــب» الــذي يســود‬ ‫والمقبلــة عــى المعــارف المختلفــة»‪ ،‬كمــا أدت ســيطرة فكر‬
‫المشــهد العــام‪.‬‬ ‫ـ� عــى مناهــج التعليــم ف ي� العقــود الماضيــة إىل غــرس‬ ‫معـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ين‬
‫الجنســ� ي� المــدارس‪ ،‬ثــم ســيطرة‬ ‫التميــر ي ن‬
‫بــ�‬ ‫يز‬ ‫ثقافــة‬
‫سياســة تعليميــة تلقينيــة بــدال ً مــن إعمــال الفكــر‪ ،‬وحــذف‬
‫منهــج المنطــق والفلســفة مــن المــدارس وحصــة الق ـراءة‬
‫ـى تنمــي المعــارف‪ ،‬وتكســب الطلبــة‬ ‫ت‬
‫وتنميــة المواهــب الـ ي‬
‫مهــارات التفكـ يـر‪ ،‬وتصقــل مواهبهــم وتفــرخ أجيــاال ً منتجــة‬
‫وفعالــة وواعيــة ومفكــرة‪.‬‬
‫ومــن هنــا تدعــو أ‬
‫الطــرش لالرتقــاء بمعارفنــا إىل أهمية‬
‫إعــادة تدريــس الفلســفة ف ي� الجامعــات ليــس كمســاق‬
‫اختيــاري‪ ،‬بــل إجبــاري‪ ،‬مشــددة عــى �ض ورة مراقبــة‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫‪105‬‬ ‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬

‫ويشــر الباحــث إىل بعــض خطــوات‪ ،‬تمكننــا ف ي�‬ ‫ي‬


‫ت‬
‫الــى نمتلكهــا‪،‬‬ ‫ربابعة‪ :‬الحديث عن‬
‫العــر� مــن االرتقــاء بالمعرفــة ي‬ ‫بي‬ ‫العالــم‬
‫ومنهــا‪ :‬تعظيــم المعرفــة بوصفهــا قيمــة إنســانية عليــا‪،‬‬ ‫االرتقاء المعرفي‬
‫واالرتقــاء بالمجتمــع‪ ،‬ليكــون قــادراً عــى تقديــر قيمــة‬ ‫يتطلب المساهمة في‬
‫المعرفــة وأهميتهــا ف ي� حياتــه‪ ،‬والبحــث عــن المعرفــة‬
‫ـر�‪ ،‬وبخاصــة المعرفــة‬ ‫ف‬ ‫إنتاجها‪ ،‬ثم امتالك‬
‫القابلــة فللحيــاة ي� المجتمــع العـ ب ي‬
‫ـر عليهــا‪ ،‬وبــث الــروح فيهــا‪،‬‬ ‫النســان‪ ،‬ت‬
‫وال�كـ ي ز‬ ‫الكامنــة ي� إ‬ ‫الثقة الكافية للدفاع‬
‫مــن أجــل امتــاك الثقــة بجدواهــا وفائدتهــا للــذات‬ ‫عنها ونشرها‬
‫ـر� إىل المســتوى‬ ‫ـر عــى المعرفــة الـ تـى تـ ق‬ ‫والغـ يـر‪ ،‬ت‬
‫وال�كـ ي ز‬
‫ي‬ ‫ال ن‬
‫النســانية ومســتقبلها مرهــون‬ ‫نســا�‪ ،‬وأن خــاص إ‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫بمــدى انتشــار معرفتنــا لديهــم‪.‬‬
‫ف‬
‫المعــر�‬ ‫بالنتــاج‬
‫ي‬ ‫وينــوه ربابعــة إىل أن االرتقــاء إ‬
‫ش‬
‫ـى تســهل مهمــة نــر‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫يحتــاج إىل الوســائل المتطــورة الـ ي‬
‫المعرفــة وتعميمهــا‪ ،‬وهــذه الوســائل تبــدو ي� متنــاول‬
‫اليــد اليــوم‪ ،‬ويمكــن االســتفادة منهــا عــى أكمــل وجــه ف ي�‬
‫عالــم التكنولوجيــا‪.‬‬ ‫المعرفة قيمة إنسانية عليا‬

‫الباحــث وأســتاذ اللغــة العربيــة ف ي� جامعــة فيالدلفيا‪،‬‬


‫الظفيري‪ :‬يجب أن‬ ‫رد� يوســف ربابعــة‪ ،‬يعــود إىل تعريــف‬ ‫أ ن‬
‫الدكتــور ال ي‬
‫نبدأ بتوعية فكرية‬ ‫المعرفــة‪ ،‬وهــي مشــتقة مــن الفعــل «يعــرف»‪ ،‬وتشـ يـر ‪-‬‬
‫ـر أو التــاؤم‪،‬‬ ‫كمــا هــو معــروف ‪ -‬إىل القــدرة عــى التميـ ي ز‬
‫مجتمعية ألجل ضمان‬
‫وتشــمل كل مــا هــو معــرف أو مفهــوم؛ أي إنهــا الرصيــد‬
‫الترويج لإلنتاج‬ ‫ـر� الناتــج عــن البحــث العلمــي والتفكـ يـر الفلســفي‬ ‫ف‬
‫المعـ ي‬
‫المعرفي‬ ‫والدراســات الميدانيــة والتطويــر والم�ش وعــات االبتكاريــة‬
‫عــر‬
‫للنســان ب‬ ‫النتــاج الفكــري إ‬ ‫وغ�هــا مــن أشــكال إ‬ ‫ي‬
‫ـر�‪ ،‬أو الكــم‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الزمــان‪ ،‬وتتمثــل جميعهــا ي� فالرصيــد المعـ ي‬
‫المعلــوم القابــل لالســتخدام ي� أي مجــال‪ ،‬وهــي تشــمل‬
‫ـى تعـن ي كل مــا يمكــن التعبـ يـر عنــه‬ ‫ت‬
‫المعرفــة الظاهــرة‪ ،‬الـ ي‬
‫أ‬
‫باللغــة وأشــكال التعبـ يـر الرياضيــة؛ كالمعــادالت والدلــة‬
‫والكتابــات المختلفــة‪ ،‬وهــذا النــوع مــن المعرفــة قابــل‬
‫الف ـراد بشــكل معلــن‪ .‬والمعرفــة‬ ‫ـ� أ‬ ‫لالنتقــال بســهولة بـ ي ن‬
‫الترويج للفكر وسط الجهل نوع من العبثية‬ ‫الكامنــة‪ ،‬وهــي المعتقــدات واالتجاهــات والمــدركات‬
‫والقيــم الذاتيــة النابعــة مــن التجــارب الشــخصية‬
‫ويــرى الناقــد أ‬
‫والكاديمــي العــر ق يا� الدكتــور أحمــد‬ ‫تز‬
‫المخ�نــة‬ ‫وخ�اتــه‬ ‫للنســان‪ ،‬وتمثــل مفاهيمــه وتجاربــه ب‬ ‫إ‬
‫ـر�» مصطلــح عــام‪ ،‬وال يمكــن‬ ‫ف‬
‫«النتــاج المعـ ي‬
‫الظفـ يـري أن إ‬ ‫داخلــه‪.‬‬
‫ن‬
‫تخصيصــه بعلــم معـ يـ�‪ ،‬إذ إن المعــارف واســعة وقابلــة‬
‫للزيــادة‪.‬‬ ‫ف‬
‫المعــر�‬ ‫ومــن هنــا‪ ،‬فــإن الحديــث عــن االرتقــاء‬
‫ي‬
‫يتطلــب‪ ،‬وفــق الدكتــور ربابعــة‪ ،‬المســاهمة ف ي� إنتاجهــا‪،‬‬
‫بــالدب‪ ،‬ي ن‬
‫يبــ�‬ ‫المعــر� الخــاص أ‬ ‫ف‬ ‫وعــى الجانــب‬ ‫ثــم امتــاك الثقــة الكافيــة للدفــاع عنهــا ون�ش هــا‪ ،‬بوصفها‬
‫ي‬ ‫معرفــة مفيــدة قــادرة عــى إقنــاع آ‬
‫الظفـ يـري أنــه مــن المهــم أن نبــدأ بتوعيــة فكريــة مجتمعيــة‬ ‫الخريــن بجدواهــا‪ ،‬ولذا‬
‫ف‬
‫المعــر�‪ ،‬إذ إن تال�ويــج‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫لجــل ضمــان تال�ويــج إ‬
‫للنتــاج‬ ‫ـا� تكــون غـ يـر‬
‫فــإن أيــة معرفــة ال تصــل إىل مســتوى إنسـ ي‬
‫يعمــه الجهــل «نــوع مــن‬ ‫أ ف‬
‫للفكــر والثقافــة والدب ي� مجتمــع ّ‬ ‫قــادرة عــى االســتمرار‪ ،‬فضـا ً عــن قدرتهــا عــى االرتقــاء‪،‬‬
‫العبثيــة»‪ ،‬ولهــذا يقــع عــى عاتــق الحكومــات البــدء بحملــة‬ ‫كمــا تحتــاج إىل مجتمــع يؤمــن بهــا ويقــدر قيمتهــا‪.‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫سؤال ذوات‬
‫باحثون ومثقفون يطالبون بتشكيل أرضية خصبة للتوعية الفكرية‬ ‫‪106‬‬

‫ومــدرك ف ي� ألفيــة «الفيــس‬ ‫يؤرقنــا ويــؤرق كل مهتــم ُ‬ ‫واســعة للتنميــة المجتمعيــة‪ ،‬وغالب ـاً مــا تتــم عــن طريــق‬
‫بــوك» ألفيــة «الديجتــال» والمعامــات الرقميــة‪ ،‬الــىت‬ ‫ن‬
‫ـد� والمراكــز‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫المؤسســات ال�بويــة ومنظمــات المجتمــع المـ ي‬
‫تجتــاح المعرفــة‪ ،‬وتصيبهــا أحيان ـاً بمقتــل مــن منطلقــات‬ ‫الثقافيــة‪.‬‬
‫تخــص مساســها بالوعــي الــذي نحتاجــه‪ ،‬ونحــن نواجــه‬
‫حالــة التغريــب ومدخالتهــا المشــوهة لثقافتنــا العربيــة‬ ‫للعــام‪ ،‬بحســب الظفـ يـري‪،‬‬ ‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬فــإن إ‬
‫للنســانية معرفــة‬ ‫ـى أَسســت إ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫دوراً أساســياً ف ي� رفــد الواقــع‬
‫أ‬ ‫والســامية‪ ،‬نتلــك الثقافــة الـ ي‬
‫إ‬ ‫المعــر� والفكــري‪ ،‬كونــه‬
‫ي‬ ‫يبعــث رســائل شــاملة أ‬
‫مــا زالــت تبــ ي عليهــا وتراكــم تقدمهــا‪ ،‬ونحــن للســف‬ ‫للف ـراد‪ ،‬قــد تكــون ســلبية ف ي� كثـ يـر‬
‫خذلناهــا وتجاوزناهــا نحــو الهبــوط‪ ،‬لذلــك ومنــذ أن‬ ‫الحيــان‪ ،‬لــذا عليــه النهــوض بواجبــه ف ي� ضــخ الثقافــة‬ ‫مــن أ‬
‫لك�ونيــة هــي وســيلة إدراج‬ ‫ال ت‬‫أصبحــت نطاقــات الشــبكة إ‬ ‫والمعــارف عــى اختالفهــا وتســليط الضــوء عــى المبدعـ ي ن‬
‫ـ�؛‬
‫ومخاطبــة ونـ شـر‪ ،‬حملــت مــا حملتــه مــن ظواهــر معرفيــة‬ ‫أكــر فاعليــة ف ي� جعــل الثقافــة‬ ‫فذلــك يعطــي نتائــج ث‬
‫أكيــدة بجمالياتهــا‪ ،‬كمــا حملــت أيضــاً مخاطــر‪ ،‬فهــي‬ ‫والمعرفــة أعمــق رســوخاً ف ي� مجتمعاتنــا‪.‬‬
‫ـا�‬ ‫ف‬
‫وســيلة تواصــل واتصــال تحمــل ي� طياتهــا مــا هــو إيجـ ب ي‬
‫إذ تعاملنــا معهــا لتســهيل مــا يَصعــب‪ ،‬لكنهــا تقــود إىل‬ ‫الــى تعطــي نتائــج مثمــرة ف ي� ترويــج‬ ‫ت‬
‫ومــن العوامــل ي‬
‫ت‬ ‫هــو سـ ف‬ ‫ش‬
‫ـى تؤســس لــكل‬ ‫ـل� ي� حــال اعتمدناهــا الوســيلة الـ ي‬ ‫بي‬ ‫والنــر‬ ‫النتاجــات المعرفيــة هــي مؤسســات الطباعــة‬
‫مــا تحملــه أنهــا معرفــة ووعــي وإدراك‪.‬‬ ‫كــر عــى فكــرة إعــادة الوعــي‬ ‫والتوزيــع‪ ،‬إذ يجــب تال� ي ز‬
‫لالهتمــام بالقــراءة‪ ،‬ويقصــد هنــا قــراءة الكتــاب الــور�ق‬
‫ي‬
‫وينبــه عطــاري إىل أنــه مــن المفاعيــل الثقافيــة‬ ‫تحديــداً‪ ،‬بكونــه يفتــح أفقـاً أكـ بـر‪ ،‬ويعطــي فســحة لتدويــن‬
‫المعــر� الــذي يغــذي‬ ‫ف‬ ‫النتــاج‬ ‫المالحظــات ت‬
‫وال�كـ ي ز‬
‫ي‬ ‫الحريصــة عــى ســامة إ‬ ‫ـر بصــورة أكـ بـر‪ ،‬ب ـرأي الباحــث‪ ،‬وقيمــة‬
‫الوعــي الســليم‪ ،‬أن تــدرك هــذه المخاطــر مــن خــال‬ ‫أ‬
‫الكتــاب مهمــة أيضــاً؛ لنهــا تؤســس إلقامــة «المكتبــة‬
‫وغــر‬ ‫الم�نز ليــة» الـ تـى تعــد الرافــد أ‬
‫الهــم ف ي� بنــاء الوعــي الفــردي‪،‬‬
‫الــدق عــى جــدران مؤسســة التعليــم الحكوميــة ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫وال�كـ يـرز‬‫الحكوميــة ب ـرض ورة ســامة منهجهــا ومناهجهــا‪ ،‬ت‬ ‫الــركات برعايــة نشــاطات ثقافيــة‬ ‫ولــو ســاهمت بعــض ش‬
‫عــى نــوع مــا تحملــه حقائــب الطلبــة‪ ،‬وتحديــداً ف ي�‬ ‫ومعرفيــة بطريقــة تال�ويــج «الراعــي الرســمي»‪ ،‬ســيعطي‬
‫ال�كـ ي ز‬
‫ـر‬ ‫اللزامــي‪ ،‬وكذلــك ت‬ ‫ـيس أو إ‬ ‫ين‬ ‫كبــراً‬
‫ذلــك حافــزاً ي‬
‫مراحــل التعليــم التأسـ ي‬ ‫للمؤلفــ� وللقــراء عــى حــد ســواء‪.‬‬
‫التلقــ�‪،‬ن‬
‫ي‬ ‫التشــارك واالبتعــاد عــن‬ ‫عــى نوعيــة التعليــم‬
‫ي‬
‫ـر حديقتنــا الخلفيــة لمجتمعنــا؛ أي الطلبــة‪،‬‬ ‫وذلــك بتحفـ ي ز‬
‫ـ�‪،‬‬ ‫عــى التدبــر والتفكـ يـر وليــس نمطيــة الحفــظ والتلقـ ي ن‬ ‫عطاري‪ :‬االرتقاء‬
‫إذا أسســنا هــذه «الحديقــة» الحقيقــة بمعرفــة ســليمة‬ ‫بالمعرفة يتركز على‬
‫بالتأكيــد‪ ،‬سـ نـرث وعيـاً عظيمـاً ف ي� مجتمعاتنــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫اهتمامنا بمنهاج تربوي‬
‫االرتقــاء بالمعرفــة تي�كــز عــى اهتمامنــا بمنهــاج تربــوي‬
‫وتعليمــي ســليم‪ ،‬يقودنــا إىل مجتمــع الوعــي والمعرفــة‪.‬‬ ‫وتعليمي سليم يقودنا‬
‫إلى مجتمع‬
‫الوعي والمعرفة‬

‫تحفيز الطلبة على التدبر والتفكر‬

‫�ن‬
‫يعتــر الشــاعر والكاتــب الفلســطي ي‬
‫ب‬ ‫مــن جهتــه‪،‬‬
‫عبــد الســام عطــاري هــذا الســؤال الهاجــس الدائــم‬
‫الجمعـ ّـي‪،‬‬ ‫ف‬
‫ـا� َ‬‫للمفاعيــل الحقيقيــة المنشــغلة بالهـ ّـم الثقـ ي‬
‫الفــردي‪ ،‬وهــو ســؤال‬
‫ّ‬ ‫البــداع‬
‫المؤســس عــى حالــة إ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪107‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫الحلقة الخامسة ‪:‬‬
‫‪108‬‬
‫العادة الرابعة‪ :‬فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬

‫بقلم‪ :‬أحمد العمراوي‬


‫مغر�‬
‫باحث تربوي وشاعر ب ي‬

‫العادة وتغيير‬
‫مسار الشخص‬
‫سـ تـرتبط العــادة آ‬
‫بالخــر إذن‪ ،‬بعــد أن انطلقــت مــن‬
‫الــذات‪ ،‬ولنذ ّكــر بالعــادات الثــاث أ‬
‫الوىل‪:‬‬ ‫ُ‬

‫‪ .1‬كن سباقا إىل المبادرة؛‬


‫القنــاع‬
‫العــادات إذا بنيــت بشــكل يعتمــد إ‬
‫ي‬
‫ن‬
‫الوجــدا� بعــد ذلــك؛‬ ‫العقــ� والمنطقــي ثــم‬
‫فإنهــا ســتحقق ربحــاً للفــرد والجماعــة‪ .‬وقديمــاً‬
‫ـى‪« :‬لــكل امــرئ مــن دهــره مــا تعــودا»‪ .‬وقــد‬
‫ت‬
‫ي‬

‫قــال المتنـ ب ي‬
‫ا‬
‫‪ .2‬حدد هدفا قبل كل �ش ي ء؛‬ ‫الــى ســتصبح أعرافــا‪ ،‬لدرجــة‬ ‫تغيــر ت العــادات ي‬‫يصعــب ي‬
‫‪ .3‬رتب أولوياتك‪.‬‬ ‫أ‬
‫تغــر حــى المبــادئ الصليــة دينيــة كانــت‪ ،‬أم‬ ‫قــد ي‬
‫وضعيــة‪ .‬تصـ يـر العــادة عرفـاً متعارفـاً عليــه‪ ،‬وقــد تتحــول‬
‫الشــخص‪.‬‬
‫ي‬ ‫وهــي عــادات تدخــل ف ي� خانــة النــر‬ ‫مصــدراً للت�ش يــع كمــا هــو الشــأن عنــد المالكيــة‪« .‬فقــد‬
‫فهــل يكفــي ذلــك لبنــاء الشــخصية؟ ســيبقى أ‬
‫المــر ناقصاً‪،‬‬ ‫الخــذ بالحديــث‬ ‫المتوســع� ف� أ‬
‫ن‬ ‫المــام مالــك مــن‬
‫ي ي‬ ‫كان إ‬
‫مــا لــم يخــرج إىل النــر العــام مــن خــال ثــاث عــادات‬ ‫ن‬
‫لنشــأته بالمدينــة‪ ...‬وكان كثـ يـرا مــا يبـ ي أحكامــه عــى أدلــة‬
‫أخــرى‪ ،‬هــي‪:‬‬ ‫للعقــل فيهــا مجــال خصيــب كاالستحســان واالســتصحاب‬
‫والمصالــح والذرائــع والعــرف والعــادة»‪.1‬‬
‫‪ .4‬فكر رابح‪/‬رابح؛‬
‫آ‬
‫‪ .5‬افهم أوال‪ ،‬قبل أن تسعى إلفهام الخرين؛‬ ‫السالمي‪ ،‬الدار القومية للطباعة والن�ش ‪،‬‬
‫‪ - 1‬محمد سالم مذكور‪ ،‬مدخل الفقه إ‬
‫‪ -6‬اعتمد التكاثف‪.‬‬ ‫القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪41 :‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫‪109‬‬ ‫العادة الرابعة‪ :‬فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬

‫هــي تصــورات ذهنيــة للتبــادل والتواصــل مــع‬


‫ـذا� بالنجــاح‬ ‫الخريــن بشــكل ســليم‪ ،‬ألن ربــط النجــاح الـ ت‬
‫آ‬
‫الربح المشترك يحقق التعاون‬ ‫ي‬
‫الجماعــي أمــر ال بــد منــه ف ي� كل عــر‪ ،‬وخاصــة ف ي� زمننــا‬
‫والتضامن‪ ،‬ويقضي على األنانية‬ ‫هــذا‪ ،‬حيــث التكتــات االقتصاديــة واالجتماعيــة محليــا‬
‫الضيقة ولكن دون إلغاء للذات‬ ‫الولويــات‪.‬‬ ‫وعالميــا أصبحــت �ض ورة قصــوى ومــن أ‬

‫والســامية بمــا‬
‫توصــف مجتمعاتنــا العربيــة إ‬
‫واد‪،‬‬ ‫ف‬
‫نطلــق عليــه‪« :‬ازدواجيــة الشــخصية»‪ .‬فالمبــادئ ي� ٍ‬
‫بم�ة اتخــاذ المبادرة والســبق‬‫يمكــن أن يتصــف الفــرد ي ز‬ ‫واد آخــر‪ .‬نحــن نذهــب للصــاة‬ ‫ف‬
‫والتطبيقــات العمليــة ي� ٍ‬
‫إليهــا‪ ،‬ويمكنــه أن يكــون مــدركا لهدفــه مــن الحيــاة‪ ،‬وقــد‬ ‫كل جمعــة‪ ،‬ثــم نأخــذ رشــوة‪ ،‬أو نســب شــخصا بــكالم‬
‫الوىل‬ ‫ـز�‪ ،‬وهــي العــادات أ‬‫ئ‬ ‫ن‬
‫ف‬ ‫يرتــب أولوياتــه ولــو بشــكل جـ ي‬ ‫نــز�‪ ...‬عــادات وعــادات نعيــش‬‫ســفيه‪ ،‬أو نــرق أو ي‬
‫ـو�‪،‬‬ ‫ت‬
‫ـى تحــدث عنهــا ســتيفن كـ ي‬ ‫مــن العــادات السـ أـبع الـ ي‬ ‫تناقضهــا‪ ،‬فتؤثــر عــى الجماعــة قبــل الفــرد‪.‬‬
‫ويمكــن الرجــوع للعــداد الســابقة مــن مجلــة «ذوات»‬
‫لالطــاع عليهــا‪ ،‬ولكــن هــذه العــادات تبقــى ناقصــة‪ ،‬إذا‬ ‫أشــارت بعــض التقاريــر المختصــة مؤخــرا إىل أن‬
‫لــم تتعــزز برؤيــة واضحــة آ‬
‫للخــر‪ ،‬انطالقــا مــن الــذات‪،‬‬ ‫نســبة ‪ % 80‬مــن المغاربــة هــم متدينــون‪ ،‬وبالمقابــل‬
‫وهــذا مــا تـ بـرزه العــادة الرابعــة‪.‬‬ ‫نــرت بعــض الصحــف إحصائيــات ي ن‬
‫تبــ� أن المغاربــة‬ ‫ش‬
‫أ‬
‫يســتهلكون الخمــر أكـ ثـر مــن الــدول الوروبية‪ ،‬وقــد يحتل‬
‫العــادة الرابعــة‪ :‬فكــر رابح‪/‬رابــح‪ ،‬أو المكســب ‪/‬‬ ‫هــذا الســائل المرتبــة الثانيــة مــن االســتهالك بعــد المــاء‬
‫المكســب‬ ‫وقبــل الحليــب‪ ،‬فلنتأمــل هــذا الوضــع؛ نحــن متدينــون‬
‫ولكــن كيــف؟ وبمــاذا؟ وبــأي مقيــاس؟‬
‫تنطلــق هــذه العــادة مــن الــذات ف� عالقتهــا آ‬
‫بالخــر‪،‬‬ ‫ي‬
‫ـ� أن أكتســب موقفــا ذا بعــد جماعــي ال يلغــي‬ ‫كيــف عـ ي‬ ‫المثــر‪« :‬العــرب وجهــة نظــر يابانيــة»‬ ‫ي‬ ‫ف ي� كتابــه‬
‫الــذات؟ فكــرة المكسب‪/‬المكســب ترتبــط بالمجــال‬ ‫ـوأك نوتوهــارا‪ 2‬عــدة تناقضــات‬ ‫ن‬
‫ـا� نوبـ ي‬ ‫يـ بـرز الكاتــب اليابـ ي‬
‫االقتصــادي الحديــث الــذي يعــن ي ‪ ،‬ولــو نظريــا عــى‬ ‫ـ� المبــادئ‬‫ـر�‪ ،‬موضحــا الهــوة بـ ي ن‬
‫النســان العـ ب ي‬ ‫يعيشــها إ‬
‫التفكــر بالمنفعــة للجميــع‪ .‬فمــا هــو موقفــي‬ ‫القــل‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ىض‬
‫والممارســات‪ ،‬وهــو الــذي ق ـ أزيــد مــن أربعـ يـ� ســنة‬
‫ي‬
‫مــن المثيــل أثنــاء التنافــس؟ كيــف عــ� أن أفكــر ف� آ‬
‫الخــر‬ ‫بمختلــف البلــدان العربيــة بمدنهــا وبواديهــا؛ فالعالــم‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬
‫ف ي� حالــة النجــاح؟ ف ي� حالــة الفشــل؟ قــد تكــون الــروح‬ ‫جنــى مشــغول بفكــرة‬ ‫العــر� حســب ف هــذا المراقــب ال ب ي‬ ‫بي‬
‫التضامنيــة أو مــا نطلــق عليــه الــروح الرياضيــة أهــم صفة‬ ‫النمــط الواحــد ي� الشــكل والملبــس‪ ،‬حيــث يغيــب مفهوم‬
‫وللخريــن‪ ،‬وعــى‬ ‫ـر المتمتــع برؤيــة واضحــة لنفســه آ‬ ‫تمـ ي ز‬ ‫المواطــن الفــرد‪ ،‬وتحــل محلــه فكــرة الجماعــة المتشــابهة‬
‫آ‬
‫ـى للخريــن‪،‬‬ ‫العمــوم‪ ،‬فهنــاك جملــة مواقــف تحــدد رؤيـ ت‬ ‫العــر�‪،‬‬ ‫المطيعــة للنظــام الســائد‪ .‬والنــاس ف ي� العالــم‬
‫آ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫بي‬
‫كــو� كال ت ي�‪:‬‬‫يمكــن تلخيصهــا اســتنادا إىل ســتيفن ي‬ ‫حســب هــذا الخبـ يـر‪ ،‬يســتنتجون أفكارهــم مــن خارجهــم‪،‬‬
‫بينمــا يســتنتج اليابانيــون أفكارهــم مــن الوقائــع اليوميــة‬
‫والمكســب‪ /‬المكســب ليــس تقنيــة‪ ،‬بــل فلســفة‬ ‫والعــر� يكتفــي باســتعادة‬
‫ض بي‬ ‫ويضيفــون حقائــق جديــدة‪،‬‬
‫كاملــة للتفاعــل البـ شـري‪ ،‬وهنــاك ســتة تصــورات ذهنيــة‬ ‫أ‬
‫المــا� البعيــد‪ .‬والفــراد‬ ‫الــى اكتشــفها ف ي�‬ ‫ت‬
‫للتفاعــل إ ن‬ ‫ي‬ ‫الحقائــق ي‬
‫ـا� هــي‪ :‬المكســب‪ /‬المكســب‪ - .‬المكســب‬ ‫النسـ ي‬ ‫بذلــك‪ ،‬يظلــون أف ـرادا وال يشــكلون جماعــة مؤثــرة‪.‬‬
‫‪ /‬الخســارة‪ – .‬الخســارة‪ /‬المكســب‪ – .‬الخســارة‪ /‬الخســارة‪.‬‬
‫– المكســب‪ – .‬المكســب‪ /‬المكســب أو ال اتفــاق‪. 3‬‬ ‫ـى ترعرعنا عليهــا‪ ،‬فجعلت الشــخصية‬ ‫ت‬
‫إنهــا عاداتنــا ال فـ ي‬
‫مزدوجــة ومطمئنــة ي� ازدواجيتهــا‪ .‬نتبجــح بالوحــدة ونحــن‬
‫وهــذه التصــورات تخضــع لعوامــل ت‬
‫شــى بيئيــة‬ ‫ف ي� تشــتت‪ ،‬والتضامــن والتــآزر ال يحصــل إال ف ي� الذهــن‪.‬‬
‫وغ�هــا‪ ،‬ولعــل تفكـ يـر المنفعــة‬
‫ونفســية وتربويــة ودينيــة ي‬ ‫حــب الــذات مســيطر علينــا‪ ،‬وأنــا وبعــدي الطوفــان‪،‬‬
‫ســيق� عــى‬
‫ي‬
‫ض‬ ‫للجميــع هــو الســلوك الصحــي الــذي‬ ‫أصبــح شــعار الصغــار ف ي� المــدارس‪ ،‬إال مــن رحــم ربــك‪.‬‬
‫االنفعــاالت الســلبية‪ .‬ويقصــد بــه «االتفاقيــات أو الحلــول‬
‫كو�‪ ،‬العادات السبع للناس أ‬
‫ال ثك� فعالية‪ ،‬مكتبة جرير‪ ،‬ط‪،2009 ،21:‬‬ ‫ف‬
‫‪ - 3‬ستيفن‪ .‬آر‪ ،‬ي‬
‫ص‪244 :‬‬ ‫نوبوأك نوتوهارا‪ ،‬العرب وجهة نظر يابانية‪ ،‬منشورات الجمل‪2003 ،‬‬
‫ي‬ ‫‪- 2‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫العادة الرابعة‪ :‬فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬ ‫‪110‬‬

‫تتحكــم ف� الجماعــة قبــل الفــرد‪ .‬وتأثــر آ‬


‫الخــر ســلبا أو‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إيجابــا مــن ســمات مجتمعاتنــا‪.‬‬ ‫التلميذ في حاجة لإلقناع‪،‬‬
‫لذلك فهو يحتاج إلى إطار‬
‫«يقــال دائمــا إن الفــرد ف ي� المجتمعــات المغاربيــة‬
‫ال وجــود لــه إال داخــل انتماءاتــه الثقافيــة واالجتماعيــة‬ ‫ينظمه‪ ،‬والعادات السبع هي‬
‫والدينيــة‪ .‬وهــذه االنتمــاءات تشــكل العالقــة االجتماعية ف ي�‬ ‫إطار سلوكي تحتاجه مدارسنا‬
‫هــذه التجمعــات‪ ..‬ونحــن نجــد أن قيمــة التضامــن تدخــل‬ ‫داخليا‪ ،‬وخارجيا‬
‫ـا� مــا زال حــا�ض ا‪ ،‬يجعــل الفــرد غـ يـر شــاعر‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ي� إطــار ثقـ ي‬
‫ـ� يتحــول إىل عائــق أمــام االختيــارات‬ ‫بالوحــدة‪ .‬ولكنــه حـ ي ن‬
‫وحــ� ال يجعــل الفــرد قــادرا عــى تحديــد‬ ‫الشــخصية‪ ،‬ي ن‬
‫اختياراتــه‪ ،‬فإنــه يكبــل الحريــة‪ ،‬وينمــي حــاالت الخــوف‪،‬‬ ‫ـ�‪ ،‬حيث‬ ‫الـ تـى تعــود بمنفعــة مشـ تـركة وتحقــق رضــا الجانبـ ي ن‬
‫ي‬
‫ويعرقــل كل المبــادرات الشــخصية»‪ .7‬أمــا زال هــذا‬ ‫يــرى الجميــع أن الحيــاة ســاحة تعاونيــة ال تنافســية‪ ،‬وقوة‬
‫الن؟ ف ي� مدارســنا خاصــة؟ «هنــاك مبــادئ‬ ‫الطــرح قائم ـاً آ‬ ‫الســاس هنــا‪ ،‬والمكســب‬ ‫المومبــدأ ال قــوة الموقــف هــي أ‬
‫عامــة للتعليــم‪ ،‬وهنــاك إجــراءات وتطبيقــات خاصــة؛‬ ‫المكســب هــو اليمــان بالبديــل الثالــث‪ .‬فلــن يســر أ‬
‫المــر‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫وهنــاك قواعــد‪ ،‬والتالميــذ هــم أفـراد‪ .‬لــكل واحــد منهــم‬ ‫أ‬
‫سيســر وفقــا لســلوب‬ ‫ســلو� أو أســلوبك‪ ،‬بــل‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وفقــا ل ب‬
‫حالتــه الخاصــة‪ .‬مــا نقــوم بــه مــع تلميــذ ليــس هــو مــا‬ ‫أفضــل‪ ،‬وأســلوب أعــى‪.4‬‬
‫ال�بيــة؟‬‫ســنقوم بــه مــع آخــر‪ .‬أليــس هــذا مــا تتطلبــه ت‬
‫هنــاك مــن التالميــذ مــن يتطلــب منــا االنتبــاه إليــه أكـ ثـر‬ ‫المشــرك يحقــق التعــاون والتضامــن‪،‬‬ ‫ت‬ ‫الربــح‬
‫الخريــن‪ ،‬حيــث يجــب معالجــة وضعيتــه بطريقــة‬ ‫مــن آ‬ ‫أ‬
‫ويق ـض ي عــى النانيــة الضيقــة ولكــن دون إلغــاء للــذات‪.‬‬
‫هشاشــة أو عقــد‬
‫ٍ‬ ‫بــطء أو‬
‫ٍ‬ ‫بيداغوجيــة نوعيــة بســبب‬ ‫والشــخصية هــي أســاس مبــدأ رابــح ‪ /‬رابــح‪ ،‬وهنــاك ثــاث‬
‫لديــه‪ .8‬فهــل تتحقــق هــذه العــادة بمدارســنا؟‬ ‫ســمات شــخصية أساســية لتحقيــق التصــور الذهـن ي لهــذا‬
‫المانــة والنضــج وعقليــة الوفــرة‪ ،5‬هــو مبــدأ‬‫المبــدأ‪ ،‬هــي‪ :‬أ‬
‫التعليم الجمعي والمنفعة للجميع‬ ‫لي�ســخ كعــادة لمسـ يـرة‬ ‫يحتــاج إىل تدريــب وجهــد كبـ يـر‪ ،‬ت‬
‫الفــرد‪.‬‬
‫للقنــاع‪ ،‬لذلــك فهــو يحتــاج إىل‬ ‫التلميــذ ف ي� حاجــة إ‬
‫ســلوك ‪-‬‬ ‫إطــار ينظمــه‪ ،‬والعــادات الســبع هــي إطــار‬ ‫الف ـراد هــي مــا يكــون الجماعــة‪ ،‬ولــن‬ ‫إن مجموعــة أ‬
‫ي‬
‫ف ي� نظرنــا ‪ -‬تحتاجــه مدارســنا داخليــا (داخــل الــذات)‪،‬‬ ‫تحقــق مصلحــة الفــرد إال داخــل الجماعــة‪ ،‬والغـ يـر هــو‬
‫وخارجيــا (المحيــط)‪ .‬المــواد والمقــررات الدراســية‬ ‫ـخص الخــاص مرتبــط‬ ‫جــزء مــن الشــخص‪ .‬والنــر الشـ ي‬
‫تنظــم الذهــن وتبــن ي المعــارف‪ ،‬فهــل هــذا كاف لبنــاء‬ ‫آ‬
‫بدائــرة النــر العــام والتفكـ يـر‪ ،‬انطالقــا مــن الخــر دون‬
‫الشــخص؟ إن المرجعيــات هــي بمثابــة قانــون يناقــش‬ ‫إلغــاء للــذات أو مســخها هــو مــا ســيحقق الشــخصية‬
‫مــن خاللــه ســلوك المتعلــم‪ .‬والمدرســة تكــون التلميــذ‬ ‫والنســان كائــن‬ ‫المتوازنــة مــع نفســها ومــع محيطهــا‪ .‬إ‬
‫ال�بــوي‬‫والطالــب معرفيــا وتربويــا‪ ،‬وقــد يكــون الجانــب ت‬ ‫النــا الجماعيــة‪ ،‬وتســيطر عــى‬ ‫اجتماعــي تتحكــم فيــه أ‬
‫أهــم المعــارف عــى الطريــق‪ ،‬كمــا قــال الجاحــظ‪ ،‬مــن‬ ‫غرائــزه أ‬
‫النــا الفرديــة‪ .‬أغلبيــة وأقليــة‪ ،‬كل يتحكــم حســب‬
‫المعرفــة‪ ،‬مــا دامــت المعرفــة تولــد الســلوك‪ ،‬هــذا‬ ‫الســياق‪ .‬وحســب فرويــد ف ي� كتابــه مســتقبل وهــم‪ ،‬فإنــه‬
‫صحيــح‪ ،‬ولكــن طريقتهــا ورؤيتنــا لهــا وترتيبهــا هــي‬ ‫«يســتحيل االســتغناء عــن تحكــم أ‬
‫القليــة ف ي� الجمــوع‪،‬‬
‫أ‬
‫الهــم ف ي� تعليمنــا الجمعــي الــذي نــادرا مــا يراعــي الفــرد‬ ‫الكــراه الــذي‬ ‫ويســتحيل‪ ،‬بالمثــل‪ ،‬االســتغناء عــن إ‬
‫ـ�‬
‫وفروقاتــه داخــل الجماعــة‪ .‬ولعــل وضــع عقــد ديداكتيـ ي‬ ‫تفرضــه الحضــارة‪ .‬وبالفعــل‪ ،‬فالجمــوع مجــردة مــن‬
‫وبيداغوجــي مــع التلميــذ‪ ،‬ســيكون وســيلة فعالــة للتغلــب‬ ‫الحيــاة والــذكاء‪ .‬وهــي ال تحــب التنــازل عــن الغرائــز‪،‬‬
‫عــى صعوبــات كل تعلــم‪.‬‬ ‫وال تقتنــع بحجــج تحيــل إىل ال ـرض ورة‪ ،‬فيــذوب أ‬
‫الف ـراد‬
‫ـ� بذلــك‬ ‫المكونــون للجمــوع ف� بعضهــم البعــض‪ ،‬ملغـ ي ن‬
‫ي‬
‫أي احتــكام للنظــام»‪ .6‬الطبــع والتطبــع‪ .‬والعــرف عــادة‬
‫ت‬
‫ال�بية‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1:‬ص‪73 :‬‬
‫‪7 - Jalil Bennani. Un psy dans la cité. Entretiens avec Anmed EL Amraoui.‬‬ ‫‪ - 4‬المرجع نفسه‪244 ،‬‬
‫‪ED: La croises des chemins. 2013. P: 51‬‬ ‫‪ - 5‬نفسه‪ ،‬ص‪260 -256 :‬‬
‫‪8 - Ibid; p137.‬‬ ‫النفس‪ ،‬ترجمة عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم‬ ‫‪ - 6‬أنتنيلو أرمندو‪ ،‬ت‬
‫ال�بية والتحليل‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫‪111‬‬ ‫العادة الرابعة‪ :‬فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬

‫هنــاك عالقــات متعــددة نســقية داخــل وخــارج‬


‫الفصــول الدراســية‪ .‬عالقــات تلميذ‪/‬تلميــذ‪ .‬وعالقــات‬
‫إن طرائقنا واختياراتنا المنهجية‬ ‫تلميــذ أســتاذ؛ والرابــط هــو تكويــن الشــخص مــن خــال‬
‫هي المسؤولة عن هذا‬ ‫المعــارف‪ .‬معــارف حــول الــذات والعالــم أساســها‬
‫العيــش بســام داخــل الجماعــة‪ .‬ف ي� عالقــة تلميــذ‪/‬‬
‫التناقض الذي يظهر من خالل‬ ‫أ‬ ‫ض‬
‫المــر وضــع اسـ تـراتيجية تعتمــد النســق‪،‬‬ ‫تلميــذ‪ ،‬يقتـ ي‬
‫حاالت الالتضامن التي تحدث‬ ‫بمــا أن كل تلميــذ هــو بمثابــة حالــة خاصــة‪ .‬كل فــرد‬
‫للخــر‪ ،‬ووجــود ‪ 25‬تلميــذا ف ي� فصــل‬ ‫هــو متفــرد وربــح آ‬
‫في المدرسة والمجتمع‬
‫اس يع ـن ي التعامــل مــع ‪ 25‬تجربــة‪ .‬لــكل فــرد فضــاؤه‬ ‫در ي‬
‫ت‬
‫الخــاص والحميمــي الــذي ال يمكــن االقــراب منــه إال عــن‬
‫ضــد التالميــذ ف ي� مــا بينهــم‪ ،‬وتــارة ف ي� تصــادم أو تــاؤم‬ ‫الخــر جســديا ونفســيا‪ .‬وحريــة التعبـ يـر‬ ‫رغبــة مــن هــذا آ‬
‫الصغــرة ف ي� مــا‬
‫ي‬ ‫ين‬
‫المدرســ�‪ .‬والجماعــات‬ ‫بينهــم ي ن‬
‫وبــ�‬ ‫ـ� قــد يشــكل تضامنـاً‬ ‫تبقــى أساســية هنــا‪ .‬التقــاء عاطفتـ ي ن‬
‫بينهــا داخــل الفصــل‪ ،‬قــد تتصــارع مــع جماعــات أخــرى‬ ‫أو تصادم ـاً أو تناف ـراً تبعــا لرؤيــة الشــخص ومــا تعــوده‪.‬‬
‫تنافــ� حــاد أو بــروح رياضيــة؛ وتبقــى‬ ‫مماثلــة بشــكل‬ ‫ـ� المجمــوع‪ ،‬للتغلب‬ ‫وعــى كل واحــد أن يجــد مكانـاً له بـ ي ن‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫المبــادئ هنــا أهــم موجــه‪ .‬ونعــ ي العــادات المرتبطــة‬ ‫عــى المشــاكل التواصليــة‪ .‬فمــا هــو دور التلميــذ ســلوكيا؟‬
‫بالتصــور الذه ـن ي للنــر الخــاص وللنــر العــام‪.‬‬ ‫تتالطــم العواطــف وتتحــول إىل ســلوكيات تكــون أحيانــا‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫ج�وم برونر وم�ش وع ت‬
‫«ال�بية السليمة»‬ ‫ي‬
‫‪112‬‬

‫يجب أن يقوم المنهج في‬


‫أي موضوع من الموضوعات‪،‬‬
‫على أوسع قسط من الفهم‬
‫الجوهري للمبادئ األساسية‬
‫التي تضفى على الموضوع‬
‫صبغة تنظيمية‬

‫إىل جماعــة الرفــاق المتكيفــة‪ ،‬تقــوم عمليــة تعلــم اجتماعــي‬ ‫«قــد يلعــب الطفــل تجــاه المعلــم دور الطفــل‬
‫منميــة ومعــززة للتلميــذ‪ :‬يحــب المدرســة والــدرس بفضــل‬ ‫الضعيــف الــذي يحتــاج إىل احتضــان ورعايــة‪ ،‬أو العكــس‬
‫القبــول واالنتمــاء مــن الرفــاق‪ ،‬والعكــس صحيــح بالطبــع»‪.10‬‬ ‫دور الطفــل المتمــرد الــذي يثـ يـر العــداء ف ي� تكـرار الســيناريو‬
‫الرسي الخــاص بــه»‪.9‬‬ ‫الرسي‪ ...‬وللمعلــم أيضــا الســيناريو أ‬ ‫أ‬
‫ت‬
‫االق�اب من المتعلم يحقق المنفعة للجميع‬
‫اس هنــا‪،‬‬
‫إن مــا يحصــل عــى مســتوى التحصيــل الــدر ي‬
‫ت‬
‫الــى نشــتغل عليهــا‪ ،‬قمنــا‬ ‫ت اســتناداً إىل العينــات ي‬ ‫ـلوك‪ ،‬ومــن ثــم وجــب‬ ‫يحصــل عــى مســتوى التكيــف السـ ي‬
‫ت‬
‫ب�كيــب اســتمارة حــول العــادة الرابعــة‪ :‬فكــر رابــح‪ /‬رابــح‪،‬‬ ‫ـى تحــدث هنــا بشــكل واع أو‬ ‫االنتبــاه لمختلــف التحالفــات الـ ي‬
‫فــرات متقاربــة عــى مجموعــات محــددة‬ ‫وزعناهــا ف� ت‬ ‫أ‬
‫ـ� الت ـراب حلقــة‬ ‫بــا وعــي‪« .‬وتكمــل العالقــات الصفيــة بـ ي ن‬
‫ي‬
‫بــ� ‪ 15‬و‪ 17‬ســنة ذكــورا‬ ‫تــراوح أعمارهــم ي ن‬ ‫لمتعلمــ� ت‬
‫ين‬ ‫التفاعــل ف ي� انعكاســاتها ســلبا وإيجابــا عــى صحــة التلميــذ‬
‫وإناثــا لالســتئناس وجــس النبــض‪ ،‬حســب مــا تـ ت‬
‫ـأ� لنــا‪،‬‬ ‫النفســية‪ ،‬وعــى تكيفــه وتحصيلــه‪ .‬بمقــدار مــا تكــون تجربــة‬
‫التــال‪:‬‬
‫ي‬ ‫فقمنــا باالســتبيان‬ ‫إيجابيــة مــع أترابــه‪ ،‬وبقــدر مــا يحظــى بالقبــول واالنتمــاء‬
‫تكامل للنمو ف ي� البيت‬
‫ي‬ ‫ديناميك‬
‫ي‬ ‫‪ - 9‬مصطفى حجازي‪ ،‬الصحة النفسية‪ ،‬منظور‬
‫‪ - 1 0‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪231 :‬‬ ‫العر�‪ ،‬ط‪ ،2008 ،3:‬ص‪227 :‬‬ ‫والمدرسة‪ ،‬المركز ف‬
‫الثقا� ب ي‬
‫ي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫‪113‬‬ ‫العادة الرابعة‪ :‬فكّر؛ رابح‪/‬رابح‬

‫استبيان فكر رابح رابح‬

‫السؤال‬ ‫الرقم‬
‫أبدا‬ ‫قليال‬ ‫دائما أحيانا‬
‫آ‬
‫الخر ال يع�ن ي يل شيئا‬ ‫‪1‬‬
‫أفكر ف� نفس أوال قبل آ‬
‫الخرين‬ ‫‪2‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫إذا ربحت فال يهم�ن أن يربح آ‬
‫الخرون أم ال‬ ‫‪3‬‬
‫ي‬
‫نفس‬ ‫آ‬ ‫ف‬
‫أفكر ي� إرضاء الخرين قبل إرضاء ي‬ ‫‪4‬‬

‫ح� أقوم بمساعدة صديق يل‬ ‫أشعر بارتياح ي ن‬ ‫‪5‬‬

‫يعجب�ن ي العمل داخل مجموعة‬ ‫‪6‬‬

‫أفضل العمل الفردي عىل الجماعي‬ ‫‪7‬‬


‫يعجب�ن أن أحصل عىل الرتبة أ‬
‫الوىل دائما‬ ‫‪8‬‬
‫ي‬
‫أشعر بأن�ن ي فاشل وسأبقى فاشال‬ ‫‪9‬‬

‫الدارة إذا شعرت بالظلم‬ ‫أ‬


‫أشتك إىل الستاذ أو إ‬
‫ي‬ ‫‪10‬‬

‫الخرون وخرست أنا‬ ‫أحس بربح كب� إذا ربح آ‬ ‫‪11‬‬


‫ي‬
‫إذا ربحت أنا ت‬
‫فس�بح أنت أيضا‬ ‫‪12‬‬

‫أخرس أنا من أجل أن تربح أنت‬ ‫‪13‬‬

‫تشعر بملل أثناء الدراسة ف ي� القسم‬ ‫‪14‬‬

‫إذا شتم�ن ي تلميذ فسأرد عليه بالمثل ألنه يستحق ذلك‬ ‫‪15‬‬

‫يعجب�ن ي إقامة صداقات جديدة‬ ‫‪16‬‬


‫أشعر بالراحة وأنا أشوش عىل القسم ي ن‬
‫ح� أشعر بالملل‬ ‫‪17‬‬

‫الصدقاء‬ ‫أفضل المدرسة عىل الم�نز ل لوجود أ‬ ‫‪18‬‬


‫الدارة ي ن‬ ‫أ‬
‫حــ� يرتكــب تلميــذ خطــأ‬ ‫أقــول كل �ش ي ء للســتاذ أو إ‬ ‫‪19‬‬
‫أخالقيــا‬
‫ت‬
‫لخدم�‬
‫ي‬ ‫أحافظ عىل أثاث المدرسة ألنه وضع‬ ‫‪20‬‬

‫المجــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫تربية وتعليم‬
‫ج�وم برونر وم�ش وع ت‬
‫«ال�بية السليمة»‬ ‫ي‬
‫‪114‬‬

‫الرقام ف ي� كل خانة‬ ‫قم بجمع أ‬


‫الهمية ورتبها‪:‬‬‫اخ� خمسة من المعطيات السابقة حسب أ‬ ‫ت‬
‫‪--------------------------------------------------------------‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------‬‬
‫وكانت النتائج آ‬
‫كال ت ي�‪:‬‬
‫أبدا‬ ‫قليال‬ ‫أحيانا‬ ‫دائما‬
‫‪% 16,18‬‬ ‫‪% 24,13‬‬ ‫‪% 28,02‬‬ ‫‪% ٣١٫٢٧‬‬ ‫الوىل علوم تجريبية أ‬ ‫أ‬
‫‪% 19,12‬‬ ‫‪% 19,92‬‬ ‫‪% 21,75‬‬ ‫‪% 39,23‬‬ ‫الوىل علوم اقتصادية‬ ‫أ‬
‫‪% 24,41‬‬ ‫‪% 26,16‬‬ ‫‪% 27,93‬‬ ‫‪% 21,5‬‬ ‫الوىل علوم رياضية أ‬‫أ‬
‫‪% 29,72‬‬ ‫‪% 22,67‬‬ ‫‪% 26,07‬‬ ‫‪% ٢١٫٥٤‬‬ ‫المش�ك العلمي أ‬ ‫ت‬ ‫الجذع‬
‫‪% 29,05‬‬ ‫‪% 19,63‬‬ ‫‪% 27,25‬‬ ‫‪% 24,04‬‬ ‫ت‬
‫الجذع المش�ك العلمي ب‬
‫‪% 17,36‬‬ ‫‪% 32,02‬‬ ‫‪% 32,64‬‬ ‫‪% 17,98‬‬ ‫ت‬
‫المش�ك العلمي ح‬ ‫الجذع‬
‫‪% 14,86‬‬ ‫‪% 27,12‬‬ ‫‪% 23,29‬‬ ‫‪% 34,73‬‬ ‫ت‬
‫الجذع المش�ك العلمي د‬

‫نظريــا وقــد يُخلــون بهــا عمليــا‪ ،‬وقــد الحظنــا ذلــك‬


‫بمواقــف متعــددة‪ ،‬وقــد قمنــا بمالحظــات صفيــة عــى‬ ‫تعليق‪:‬‬
‫ذلــك‪ ،‬ســنوضحها ف ي� حلقــة الحقــة مــن هــذه الحلقــات‪.‬‬
‫عــى الرغــم مــن محدوديــة العينــة وضيــق مجالهــا‪،‬‬
‫يــرب� عليهــا التلميــذ ف ي� هــذه‬
‫الــى ت‬
‫ي‬
‫ولعــل القيــم ت‬ ‫ـ� ينتمــون إىل‬ ‫إذ إنهــا شــملت عينــة خاصــة مــن المتعلمـ ي ن‬
‫ن‬ ‫الطبقــة متوســطة أو غنيــة اجتماعي ـاً مــن قطــاع التعليــم‬
‫المرحلــة هــي نتــاج تعلمــات ســابقة ذات أصــل ديــ ي‬ ‫ت‬
‫مــن قبيــل نصــوص ش�عيــة‪ ،‬يحفظهــا التالميــذ عــن ظهــر‬ ‫ـى‬‫ـؤ�ات الـ ي‬
‫الخــاص بالمغــرب؛ فهــي تمدنــا ببعــض المـ ش‬
‫قلــب‪ ،‬نذكــر مــن بينهــا قولــه تعــاىل‪« :‬وتعاونــوا عــى الـ بـر‬ ‫ـذا� والنــر‬‫ت‬ ‫ف‬
‫تظهــر فرغبــة المتعلــم ي� تحقيــق النــر ف الـ ي‬
‫الثــم والعــدوان‪( »..‬المائــدة‬ ‫والتقــوى وال تعاونــوا عــى إ‬ ‫العــام ي� آن معــا‪ ،‬وكلمــا تقــدم التلميــذ ي� الســن إال وزاد‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫‪ .)2‬وقــول الرســول الكريــم‪« :‬مثــل المؤمنـ يـ� ي� توادهــم‬ ‫بالضافــة إىل ذلــك‪ ،‬فمــا الحظنــاه انطالقــا‬ ‫آ‬
‫تشــبثه بالخــر‪ .‬إ‬
‫وتراحمهــم وتعاطفهــم كمثــل الجســد الواحــد إذا اشــتىك‬ ‫مــن االختيــارات هــو‪:‬‬
‫منــه عضــو تداعــى لــه ســائر الجســد بالســهر والحمــى»‬
‫(رواه البخــاري ومســلم)‪.‬‬ ‫ث‬
‫أكــر مــن‬ ‫ن‬
‫النــاث إىل الجانــب التضامــ ي‬
‫‪ -‬ميــل إ‬
‫الذكــور‪.‬‬
‫نعتقــد أن طرائقنــا واختياراتنــا المنهجيــة هــي‬
‫المســؤولة عــن هــذا التناقــض الــذي يظهــر مــن خــال‬ ‫الوىل لــدى أغلــب‬ ‫‪ -‬احتــل البنــد رقــم ‪ 5‬المرتبــة أ‬
‫ـى تحــدث ف ي� المدرســة والمجتمــع؛‬ ‫ت‬ ‫تالميــذ الســنة أ‬
‫حــاالت الالتضامــن الـ ي‬ ‫الوىل علــوم يليــه البنــد ‪ 6‬ثــم ‪ 18‬فـــ ‪ 4‬ثــم‬
‫فنحــن نلقــن المعرفــة وال نســعى لبنائهــا عمليــا‪ ،‬نركــز‬ ‫‪13‬‬
‫عــى النــص وننــى الواقــع‪ ،‬الحفــظ قبــل الفهــم عامــة‬
‫النســانية‪ ،‬رغــم مــا يظهــر مــن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ي� المــواد ذات الحمولــة إ‬ ‫الــى‬
‫‪ -‬لــم تبتعــد اختيــارات الجــذوع المشــركة ي‬
‫شــكل ف ي� كتبنــا المدرســية‪.‬‬
‫ي‬ ‫تحديــد‬ ‫تركــزت حــول‪ 2 :‬يليــه ‪ 3‬ثــم ‪ 5‬فـــ‪ 16 :‬و‪12‬‬

‫لعــل الحــل الناجــع لمعاناتنــا التعليميــة يكمــن ف ي�‬ ‫المنفعة للجميع والتربية على القيم‬
‫إرادة حقيقيــة‪ ،‬تعتمــد المســتجدات التقنيــة والعلميــة‬
‫عالميــا‪ ،‬واالســتجابة لنبــض الشــارع واالنطــاق منــه دون‬ ‫مــا صدرنــا بــه هــذه الدراســة مــن كــون المغاربــة‬
‫وأخــرا‪ ،‬مــن أجــل بنــاء‬
‫ي‬ ‫تبخيــس لــدور المتعلــم أوال‬ ‫شــعب مــزدوج الشــخصية ف ي� أغلبــه‪ ،‬تظهــر بعــض ســماته‬
‫الشــخصية المتوازنــة الفاعلــة‪.‬‬ ‫المــدرس‪ .‬التالميــذ يفكــرون رابــح رابــح‬
‫ي‬ ‫منــذ التعلــم‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫‪115‬‬

‫ ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫مراجعات‬ ‫‪116‬‬

‫بقلم ‪ :‬محمد بوشيخي‬


‫�ن‬ ‫ف‬
‫مغر� ي� الشأن الدي ي‬
‫باحث ب ي‬

‫درس المفكر القطري‪ ،‬الدكتور جاسم‬


‫سلطان‪ ،‬في عدد من كتاباته شروط‬
‫النهضة وعوامل اإلخفاق الحضاري‬
‫في العالم اإلسالمي‪ ،‬وتناولها‬
‫كموضوع إشكالي من خالل أبعادها‬
‫المعرفية وروابطها السوسيولوجية‬
‫والثقافية‪ ،‬كما حاول قراءة شفرتها‪،‬‬
‫وفرز تشابكاتها في سبيل اقتراح دليل‬
‫معرفي وعلمي لمجابهة التحديات‬
‫القائمة والمحتملة‪.‬‬

‫جاسم سلطان يسائل‬


‫مسار النهضة في العالم‬
‫اإلسالمي‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫‪117‬‬ ‫مراجعات‬

‫َو‬
‫الرض وخالفتهــا‪ ،‬وإعمــار هــذا الكــون‬ ‫يعتــر كتابــه «مــن الصحــوة إىل اليقظــة‪ :‬عــى اســتعمار أ‬
‫ُْ َ بُ‬
‫الدراك للحــراك»‪ ،‬الصــادر المســخر لهــم»‪ ،‬وانتقــد الفهــم الســائد الــذي جعــل‬ ‫اســراتيجية إ‬‫ت‬
‫ـ� داخــل‬ ‫«الكث�يــن محبوسـ ي ن‬ ‫ي‬ ‫عــام ‪ 2007‬عــن‬
‫دائــرة قضايــا القــوى الغيبيــة‬ ‫مؤسســة أم‬
‫وغ�هــا‪،‬‬ ‫ن‬
‫ـياط� ي‬ ‫كالجــان والشـ ي‬ ‫أساسية‬ ‫لبنة‬ ‫الكتاب‬ ‫هذا‬ ‫يعد‬ ‫القــرى‪ ،‬والــذي نقــدم حولــه‬
‫أو داخــل دائــرة قضايــا‬ ‫في تقييم مسار النهضة‪،‬‬ ‫ـال‪ ،‬لبنــة أساســية‬ ‫فالعــرض التـ ي‬
‫فيثــرون بذلــك‬ ‫ي‬ ‫اليمــان»‪،‬‬ ‫إ‬ ‫وتقديم تصور لمشروع‬ ‫ي� تقييمــه لمســار النهضــة‪،‬‬
‫«قضايــا الفــرق والنحــل‬ ‫لمــروع إنجاحهــا‪.‬‬ ‫وتصــوره ش‬
‫واف�اءاتهــم»‪،‬‬ ‫ت‬ ‫وشــبهاتهم‬ ‫إنجاحها‬
‫وهــم بذلــك «يعــودون إىل‬ ‫وقــد حــدد موضــوع‬
‫الســجن أو القيــد الــذي‬ ‫الكتــاب‪ ،‬ف ي� تقديمــه‪ ،‬بكونــه‬
‫و� المقابــل‪ ،‬نجدهــم «يركــزون‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫اليمــان منــه»‪ .‬ي‬
‫حررهــم إ‬ ‫يتنــاول «الفلســفة الكـ بـرى أللنهضــة» المنشــودة‪ ،‬ويعت ـ ي‬
‫«بتحديــد المســتلزمات الساســية لالنتقــال مــن طــور ويجتهــدون‪ ،‬حيــث تكفــي المعلومــة البســيطة‪ ،‬ويضيعون‬
‫والبــداع»‪.‬‬ ‫والتقــان إ‬ ‫كــر إ‬‫ال� ي ز‬ ‫االرتجــال واالندفــاع وضبابيــة الرؤيــة إىل الرشــد ووضــح ويهملــون‪ ،‬حيــث يجــب ت‬
‫مســتقبل يلقــى بت�يــره ف ي�‬
‫ي‬ ‫كمــروع‬‫الرؤيــة»؛ فالنهضــة ش‬
‫كمــا حــدد مفهومــه للعمــل الصالــح الــذي ال يقــره‬ ‫المــة المتهــاوي أمــام تصاعــد القــوة الغربيــة‪،‬‬ ‫حــال أ‬
‫يعتــره‬ ‫والخــري»‪ ،‬بــل‬ ‫الســامية إىل فقــط عــى «العمــل التعبــدي‬ ‫أ‬
‫ب‬ ‫ي‬ ‫حيــث أدى تراجــع الــدور الحضــاري للمــة إ‬
‫بالمــة»‪ ،‬وأثنــاء فحصــه‬ ‫زحــف النمــوذج الغــر� عــى مجالهــا الخــاص‪ ،‬وهــو مــا شــامال لــكل «عمــل ينهــض أ‬
‫ً‬ ‫بي‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫لطبيعــة الحضــور الديــ ي ي� ذهنيــة المســلم‪ ،‬انتقــد‬ ‫انتهــى بإســقاط الخالفــة العثمانيــة ســنة ‪1924‬م‪.‬‬
‫الدكتــور ســلطان ســوء الفهــم الناجــم عــن مقولــة‬
‫وقــد أدى هــذا الوضــع‪ ،‬بحســب المفكــر القطــري‪« ،‬حســبنا كتــاب هللا وســنة رســول هللا (ص)»‪ ،‬وهــو قــول‪،‬‬
‫الســامي نتيجــة لثالثــة أمــور‪ ،‬رغــم صحتــه‪ ،‬يثـ يـر التباسـاً لــدى البعــض ممــن يعتقــدون‬ ‫ف‬
‫إىل هــزة كبـ يـرة ي� العالــم إ‬
‫تتمثــل أوال ً ف ي� «انكشــاف حالــة التخلــف ف ي� العالــم بإمكانيــة االســتغناء عــن ذوي التخصــص العلمــي‬
‫«بالرجــوع إىل نصــوص الكتاب‬ ‫الســامي»‪ ،‬وثانيــاً ســقوطه‬ ‫إ‬
‫والســنة»‪ ،‬معتـ بـراً هــذا «ظلم‬ ‫«تحــت أيــدي حركــة الهيمنــة‬
‫وللســام»؛ قبل‬ ‫كبـ يـر للديــن إ‬ ‫في‬ ‫سلطان‪،‬‬ ‫جاسم‬ ‫يربط‬ ‫واالســتكبار» الــذي يســميه‬
‫أن يقــدم قاعــدة عامــة �ف‬ ‫«االســتعمار»‪ ،‬ثــم ثالثــاً‬
‫ي‬ ‫كتابه‪ ،‬قضية النهضة بنوع‬
‫تفســر ذلــك القــول‪ ،‬وهــي‬ ‫ي‬ ‫التلقي والفهم للمفاهيم‬ ‫الســامي إىل‬ ‫«تمزيــق العالــم إ‬
‫أن العلــم علمــان «علــم �ف‬ ‫صغــرة ال يجمعهــا‬ ‫وحــدات‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الكتــاب‪ ،‬وعلــم أشــار إليــه‬ ‫في‬ ‫الثقافية‬ ‫للبنية‬ ‫المشكلة‬ ‫جامــع»‪ .‬وقــد تولــد عــن هذه‬
‫الكتــاب»‪ .‬فــإذا كان كتــاب‬ ‫المجتمع‬ ‫الحالــة ‪ -‬حســب تحليلــه ‪-‬‬
‫هللا عــز وجــل قــد «فصــل �ف‬ ‫ثالثــة عناويــن كـ بـرى‪ ،‬شــغلت‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫و� مــا هــو مــن‬ ‫العبــادات‪ ،‬ي‬ ‫الســامي تمثلــت ف ي�‬ ‫العالــم إ‬
‫شــأن الديــن المحــض»‪ ،‬فإنــه‬ ‫«عنــوان النهضــة والتقــدم»‬
‫النســانية‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ف ي� مقابــل التخلــف‪ ،‬و»عنــوان التحريــر» ي� مقابــل‬
‫ف‬
‫ي� المقابــل عندمــا تعامــل مــع الخـ بـرة إ‬
‫االســتعمار‪ ،‬و»عنــوان الوحــدة» ف ي� مقابــل التمزيــق‪« .‬فاســألوا أهــل الذكــر إن كنتــم ال تعلمــون»‪ ،‬ف ي� إشــارة إىل‬
‫حتميــة التواصــل مــع ذوي االختصــاص مــن خــارج العلــم‬
‫ال�ش عــي‪.‬‬ ‫في تصحيح المفاهيم‬

‫عــر‬
‫مــروع النهضــة‪ ،‬ب‬ ‫كمــا اســتعرض‪ ،‬مؤســس ش‬ ‫ويربــط جاســم ســلطان‪ ،‬ف ي� كتابــه‪ ،‬قضيــة النهضــة‬
‫صفحــات الكتــاب تعريفــات مدققــة لعــدد مــن المفاهيم‬ ‫بنــوع التلقــي والفهــم للمفاهيــم المشــكلة للبنيــة‬
‫والمصطلحــات الشــائعة االســتعمال ف ي� الخطابــات‬ ‫الثقافيــة ف ي� المجتمــع‪ ،‬ويتنــاول ف ي� هــذا الســياق‪ ،‬مفهــوم‬
‫ش‬
‫«المــروع»‬ ‫ت‬
‫الــى تتضمنهــا كلمــات‪:‬‬
‫أ‬ ‫النهضويــة‪ ،‬كتلــك ي‬ ‫فاليمــان‬
‫اليمــان بأفــق أشــمل وأعمــق ممــا يــروج لــه؛ إ‬ ‫إ‬
‫و»النهضــة» و»التنميــة» و»الحضــارة» و»اليديولوجيــا»‬ ‫بحســبه حــرر قلــوب النــاس وعقولهــم «لينطلقــوا ويركــزوا‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫مراجعات‬ ‫‪118‬‬

‫ـ� أن المرحلــة الثالثــة‪ ،‬مرحلــة النهضــة‪ ،‬تعرف‬ ‫بــه»‪ ،‬ف� حـ ي ن‬


‫ي‬
‫النســان وتحــرره مــن «قيــود الخوف ليمــارس دوره‬ ‫اندفــاع إ‬
‫ف ي� جميــع المجــاالت»‪ ،‬وهــي مرحلــة يعــم فيهــا «نــور‬
‫ـى تؤســس لنشــوء‬ ‫ت‬
‫البداعــات الـ ي‬
‫البحــث والنظــر وتولــد إ‬
‫عالــم أ‬
‫الشــياء الــذي يــزود الحــق بالقــوة فيسـ يـران معـاً»‪.‬‬
‫ـأ� مرحلــة الحضــارة‪« ،‬وهــي حالــة‬ ‫و� المرحلــة أ‬
‫الخـ يـرة‪ ،‬تـ ت‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫مــن بنــاء النمــوذج المنشــود ف ي� عالــم الواقــع» متمث ـا ً ف ي�‬
‫نمــوذج متقــدم عــى صعيــد الفكــر والســلوك كمــا عــى‬
‫النتــاج الصناعــي والمعمــاري والفــن ي ‪.‬‬ ‫صعيــد إ‬

‫مسيرة تجربة‪ :‬تقدم وإخفاق‬

‫و� تقييمــه للتجربــة التاريخيــة المعــارصة عــى‬ ‫ف‬


‫ي‬
‫مســتوى مرحلتهــا أ‬
‫الوىل‪ ،‬مرحلــة الصحــوة‪ ،‬يــرى ســلطان‬
‫أنهــا «قــد اســتوفت أهدافهــا»‪ ،‬وأن الحاجــة ملحــة‬
‫الن «إىل االنتقــال إىل مرحلــة اليقظــة‪ ،‬الســتثمار هــذه‬ ‫آ‬
‫اســراتيجية‪ ،‬لتندفــع‬‫الطاقــات المباركــة وفــق رؤيــة ت‬
‫الجهــود كلهــا ف ي� مســار النهضــة»‪ .‬وهنــا يوجــه وصايــاه‬
‫بـرض ورة التوافــق والتشــارك مــع مختلــف فرقــاء الســاحة‪،‬‬
‫مــن خــال العمــل عــى إيجــاد «مشــاريع عمــل مشـ تـركة‬
‫المــة ‪ -‬الراغبــة ف ي� النهضــة ‪ -‬لتــؤدي إىل‬‫بــ� كل تيــارات أ‬
‫ين‬
‫ف‬
‫النتيجــة الحتميــة ي� نهضــة مجتمعاتنــا»‪ ،‬دون «إقصــاء‬
‫المــة»‪ ،‬ألن «المـ شـروع‬‫أي مجهــود نافــع يصــب ف� نهضــة أ‬
‫ي‬ ‫و� تفحصــه لمظاهــر االنتقــال ف ي� ســلم‬ ‫ف‬
‫و»ال�رضاديغــم»‪ ...‬ي‬
‫ب‬
‫ال يســتغ�ن ي عــن النخــب المؤثــرة والقيــادات الرشــيدة‬ ‫اعتــر حركــة النهضــة حصيلــة سلســلة مــن‬ ‫التحــ ‪ ،‬ب‬
‫والحــزاب والجماعــات‪ ،‬وكل‬ ‫الفاضلــة مــن كل التيــارات أ‬ ‫العمليــات «تبــدأ مــن طــور الصحــوة واليقظــة‪ ،‬وتتجــى‬
‫بالضافــة إىل‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫والمحكومــ�‪ ،‬إ‬ ‫المخلصــ� مــن الحــكام‬ ‫الــى تولــد بعدهــا أشــكال العمــران أو‬
‫ي� شــكل نهضــة ف ي‬
‫ـتقل�»‪.‬‬ ‫أ‬
‫الدعــاة والفـراد المسـ ي ن‬ ‫الحالــة الحضاريــة ي� تجلياتها‬
‫الماديــة»‪.‬‬
‫غــر أنــه يســجل‬ ‫ي‬ ‫يرى الكاتب أن العودة إلى‬
‫مالحظــة «نقديــة» خــال‬ ‫وعــرف الصحــوة؛ أي‬
‫هــذه المرحلــة‪ ،‬تمثلــت‬ ‫حقيقي‪،‬‬ ‫مطلب‬ ‫والسنة‬ ‫الكتاب‬ ‫الوىل‪ ،‬بصفتهــا‬ ‫المرحلــة ّ أ‬
‫ف ي� رهــان تيــار الصحــوة‬ ‫وأول خطوة في هذه العودة‬ ‫«تيــاراً عاطفيــاً ضخمــاً»‬
‫الســامية لعقــود طويلــة‬ ‫إ‬ ‫يجب أن تبدأ بتغيير عالم‬ ‫«بالســام ومبادئــه‪،‬‬
‫يؤمــن إ‬
‫عــى الكــم الجماهــري‪� ،‬ف‬ ‫ولكنــه قليــل الخـ بـرة‪ ،‬ضحــل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫األفكار‬
‫مقابــل «الكــم النوعــي الــذي‬ ‫المعرفــة» كمــا أنــه «يتعجــل‬
‫ف‬
‫يحســم الرهــان ي� نهايــة‬ ‫قطــف الثمــار وال يحســن فــن‬
‫المطــاف»؛ فالكاتــب يشــدد‬ ‫ترقــب الفــرص»‪ ،‬وبســبب‬
‫ش‬
‫تأمــ� أدوات و�وط االنتقــاء مــن أجــل‬ ‫ن‬ ‫�ض‬ ‫أ‬
‫هــذه العجلــة‪ ،‬يقــول الكاتــب‪« :‬دفعــت المــة وطالئعهــا عــى ورة ي‬
‫الشــابة الــدم والدمــع والعــرض ف ي� مقابــل القليــل مــن تكويــن النخبــة القياديــة‪ ،‬لذلــك «يجــب النظــر لوســائل‬
‫النتائــج»‪ ،‬أمــا اليقظــة‪ ،‬المرحلــة الثانيــة‪ ،‬فـــ «تنقشــع فيها التحــول االجتماعــي كلهــا‪ ،‬وتدريســها‪ ،‬وبيــان إيجابياتهــا‬
‫ـ�‪ ،‬ويعــرف فيهــا المــرء مكانــه ووضعه وســلبياتها‪ ،‬وتحــت أي ش�وط تفعــل‪ ،‬وتحــت أي ش�وط‬ ‫بقايــا الخمــار العقـ ي‬
‫�ض‬ ‫ش‬
‫ـال تتكــون العقليــة العلميــة‬‫بالنســبة إىل مــا يحيــط بــه مــن أشــياء وبــر‪ ،‬فتتضــح يصبــح رهــاف كبـ يـراً‪ ،‬وبالتـ ي‬
‫ـى نحتاجهــا ي� الصفــوة المختــارة داخــل حركــة النهضــة‬ ‫ت‬ ‫الرؤيــة‪ ،‬ويكيــف حركتــه ليسـ يـر ي ن‬
‫بــ� عالــم الموجــودات الـ ي‬
‫الســامية»‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الماديــة حولــه‪ ،‬وينظــم عالقتــه بعالــم البـ شـر المحيــط‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫‪119‬‬ ‫مراجعات‬

‫ف ي� حــاالت «الخــاص الفــردي واالنســحاب مــن ســاحة‬ ‫كمــا حــرص‪ ،‬ف ي� نفــس الســياق‪ ،‬عــى �ض ورة امتــاك‬
‫ـل�‪،‬‬ ‫ـ� لنهضــة أ‬
‫المــة‪ ،‬ســواء كانــوا أفـراداً أو جماعــات‪،‬‬ ‫العاملـ ي ن‬
‫الســامي‪ ،‬أو مــا يطلــق عليــه التصــوف السـ ب‬
‫قمــة ي �ف‬
‫الفعــل إ‬
‫أ‬
‫ن‬
‫عــى أســاس أن التصــوف الســ ي الصحيــح كان‬ ‫الــى منهــا‪ :‬أدوات العلــوم ال�ش عيــة‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫لدوات القــادة ي‬
‫العمــل والعطــاء»؛ ويعتـ بـر اليــأس «ســجناً معنويـاً وعقليـاً‬ ‫الداريــة‪ .‬ويؤكــد مــن جهــة‬ ‫والنســانية ثــم العلــوم إ‬ ‫إ‬
‫كبـ يـراً للشــعوب والمجتمعــات»‪ ،‬ويقـ تـرح هــدم «جدرانــه‬ ‫�ش‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ـتوي� للفكــر‪ ،‬ي� الم وع‬ ‫�ض‬
‫أخــرى‪ ،‬عــى ورة تضافــر مسـ ي‬
‫الربعــة» لتحريــر العقــول والقلــوب منــه‪ ،‬عـ بـر توظيــف‬ ‫أ‬ ‫الول هــو مســتوى المــادة الخــام‬ ‫النهضــوي‪ ،‬المســتوى أ‬
‫أربعــة معــاول‪ ،‬هــي معــول «علــم االجتمــاع»‪ ،‬ومعــول‬ ‫للنصــوص المرجعيــة‪ ،‬ســواء كانــت هــذه النصــوص‬
‫وأخــراً معــول‬
‫ي‬ ‫«علــم التاريــخ»‪ ،‬ومعــول «المنطــق»‪،‬‬ ‫مقدســة أو تراثيــة‪ ،‬وهــو مــا يســميه بمســتوى «النصــوص‬
‫«المبـ شـرات»؛ أي مــا «ب�ش نــا بــه ربنــا جــل وعــاه‪ ،‬ونبينــا‬ ‫ـا�‪ ،‬فهــو‬‫ن‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫تبــر هــذه أ‬ ‫ـا�»‪ .‬أمــا المســتوى الثـ ي‬
‫المرجعيــة والــراث الثقـ ي‬
‫المــة بالغلبــة‬ ‫(ص) مــن آيــات وأحاديــث ش‬ ‫مــا «يطرحــه العقــل مــن مدخــات وتصــورات تواكــب‬
‫ـ�»‪ .‬فتمكــن قــادة وطــاب النهضــة مــن‬ ‫والنــر والتمكـ ي ن‬ ‫ثقافــة العــر وعلومــه»؛ أي مــا يســميه بمســتوى «ثقافــة‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫اســتعمال هــذه المعــاول الربعــة ي� هــدم جــدران اليأس‬ ‫العــر وقناعاتــه»‪.‬‬
‫الوىل نحــو الخــروج مــن هــذا الواقــع»‪.‬‬ ‫هــي «الخطــوة أ‬
‫وشــدد الكاتــب القطــري عــى �ض ورة االلتفــات إىل‬
‫الـ تـراث مــن أجــل فحصــه ودرســه‪ ،‬واعتبــاره مرجعـاً للعمل‬
‫النهضــوي المتوخــي‪ ،‬واستشــهد هنــا بالمفكــر الســوري‬
‫نــور الديــن حاطــوم ف ي� دراســته ل»تاريــخ النهضــة‬
‫الحيــاء عنــد الغربيـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫أ‬
‫الوربيــة»‪ ،‬الــذي قــال عــن حركــة إ‬
‫أنهــا «لــم تبــدأ بالنظــر للمســتقبل‪ ،‬إنمــا بــدأت بتنقيــة‬
‫والرومــا� عــى حســاب المســيحية‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫اليونــا�‬ ‫ت‬
‫الــراث‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وبــدأوا يســتلهمون منــه فكــرة المنطــق‪ ،‬وفكــرة البحــث‬
‫ـى رأوهــا نافعــة‪ ،‬ثــم أعــادوا‬ ‫الخــرى الـ ت‬‫والفــكار أ‬
‫العلمــي‪ ،‬أ‬
‫ي‬
‫هــذا النافــع بإحيائــه‪ ،‬وبــدأوا ف ي� النظــر للمســتقبل»‪،‬‬
‫ـا� واالهتمــام‬ ‫ض‬ ‫ف‬
‫فحركــة النهضــة الغربيــة‪ ،‬ي� نظرتهــا للمـ ي‬
‫بالبحــث فيــه‪ ،‬لــم تكــن رجعيــة‪ ،‬بــل كانــت إيجابيــة‬
‫ـا� أحســن مــا فيــه‪ ،‬وتؤســس عليــه‬ ‫ض‬
‫«تســتلهم مــن المـ ي‬
‫المســتقبل المنشــود»‪.‬‬

‫مــن هنــا يــرى الدكتــور ســلطان‪ ،‬ف ي� تناولــه للتجربــة‬


‫لنظ�تهــا الغربيــة‪ ،‬أن‬ ‫الســامية مــن خــال قراءتــه ي‬ ‫إ‬
‫«العــودة إىل الكتــاب والســنة مطلــب حقيقــي»‪ ،‬وأول‬
‫بتغيــر عالــم‬
‫ي‬ ‫خطــوة ف ي� هــذه العــودة يجــب أن تبــدأ‬
‫لللــه والكــون‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫النســان إ‬ ‫الفــكار‪« ،‬الــذي يتمثــل ي� نظــرة إ‬
‫تغيــر أنمــاط‬
‫ي‬ ‫والغيــب والعالــم المحيــط بــه‪ ،‬وأيضــا‬
‫الــى تعيــق أيــة حركــة نهضويــة حضاريــة مــن‬ ‫ي ت‬
‫أ‬ ‫التفكــر ي‬
‫التفكــر المعــوق»؛ إذ يتعلــق المــر بمرحلــة‬ ‫ي‬ ‫أســلوب‬
‫أ‬
‫�ض وريــة لتخليــص الغيوريــن عــى نهضــة هــذه المــة مــن‬
‫والنتــاج»‪ ،‬ت‬
‫حــى‬ ‫أ‬
‫للبــداع إ‬ ‫«الفــكار والمقــوالت القاتلــة إ‬
‫البــداع مــن أجــل تحقيــق «نهضــة‬ ‫ف‬
‫تنطلــق ي� طريــق إ‬
‫الــى ترنــو إليهــا وتشــتاق لهــا جماهــر أ‬
‫المــة»‪.‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫المــة ي‬
‫ف‬
‫الســامية الراهنــة‪ ،‬ورصد‬ ‫ودائمـاً ي� تقييمــه للتجربــة إ‬
‫ثغراتهــا ومعوقاتهــا واقـ تـراح الحلــول بشــأنها‪ ،‬يتحــدث عن‬
‫اليــأس‪ ،‬كحالــة ســيكولوجية معيقــة للنهــوض تتمظهــر‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫إصدارات‬
‫‪120‬‬

‫السالمي‬ ‫ف‬
‫المعجزة ي� المتخيل إ‬

‫إصدارات‬
‫إصدارات‬
‫إصدارات‬
‫إصدارات‬
‫إصدارات‬
‫إصدارات‬
‫ْســعى كتــاب «المعجــزة ف ي� المتخيــل‬
‫التونــ� باســم‬
‫ي‬
‫ي‬
‫المعجــزة �ف‬
‫ف‬
‫الســامي» للباحــث‬
‫مــ�‪ ،‬إىل مراجعــة قضيــة‬
‫الســامي والبحــث ي� وظائفهــا‬
‫ي‬
‫المتخيــل إ‬
‫إ‬
‫َي‬
‫ودالالتهــا‪ ،‬بعيــد ًا عــن الكشــف عــن صــدق هــذه أ‬
‫الخبــار‬
‫الخبــار تعكــس تمتــل المســلم‬ ‫أو كذبهــا‪ ،‬ألن هــذه أ‬ ‫إصدارات مؤسسة «مؤمنون بال‬
‫للعالــم‪ ،‬وتكشــف عــن آالمــه ورغباتــه‪ ،‬ومــن تــم‪ ،‬فــإن‬ ‫حدود للدراسات واألبحاث»‬
‫المعجــزة قبــل أن تكــون حدثــا خارقــا‪ ،‬فهــي فعــل لغــوي‬
‫ف� المقــام أ‬
‫الول‪.‬‬ ‫ي‬
‫ويقــدم هــذا الكتــاب الصــادر منــذ ‪ 2013‬ضمــن‬
‫منشــورات مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات‬
‫ـر�» ف ي� الــدار البيضاء‬ ‫والبحــاث» عــن «المركــز ف‬‫أ‬
‫الثقا� العـ ب ي‬
‫ي‬
‫وبـ يـروت‪ ،‬مختلــف تمثــات المســلم للمعجــزة قصــد تبـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫وظائفهــا ودالالتهــا‪ ،‬ولهــذا الغــرض تــم تقســيم الكتــاب‬
‫إىل مقدمــة وأربعــة أبــواب‪ ،‬حيــث تضمنــت المقدمــة‬
‫ثالثــة محــاور حــول المعجــزة‪ ،‬والمتخيــل‪ ،‬والمدونــة‪،‬‬
‫الول بمعجــزة الخلــق والــوالدة‪ ،‬وخصــص‬ ‫واهتــم البــاب أ‬
‫الثــا� لدراســة معجــزات النجــاة والعقــاب‪ ،‬وســعى‬ ‫ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫التســخ�‬
‫ي‬ ‫تبــ� معجــزات‬‫الباحــث � البــاب الثالــث إىل ي ن‬
‫ي‬
‫والقــدرة‪ ،‬لينتهــي ف ي� البــاب الرابــع إىل دراســة معجــزات‬
‫المــوت والرفــع‪.‬‬ ‫يمكــن للقــارئ أن يتعــرف عــى تفاصيــل‬
‫وغ�هــا مــن‬ ‫ف‬
‫الصــدارات ي‬‫أو� عــن كل هــذه إ‬
‫وقــد جــاء ف ي� هــذا الكتــاب‪ ،‬أن «مبحــث المتخيــل‬ ‫بالضافــة إىل التعــرف‬
‫ت‬
‫إصــدارات المؤسســة‪ ،‬إ‬
‫الديـن ي ال يـزال حقــا بحثيــا خصبــا ال يمكــن إ‬
‫التيــان فيــه‬ ‫الــى تبيــع‬
‫عــى مراكــز البيــع والمكتبــات ي‬
‫ـول الفصــل‪ ،‬لتعقــد الظاهــرة الدينيــة ولتداخلهــا �ف‬ ‫بالقـ‬ ‫عــر ربــوع‬ ‫جميــع إصــدارات المؤسســة ب‬
‫ي‬
‫مجــاالت معرفيــة مختلفــة‪ .‬وإذا كانــت الدراســة الغربيــة‬ ‫ـر� عـ بـر الولــوج لموقــع مؤسســة‬
‫الوطــن العـ ب ي‬
‫أ‬
‫«مؤمنــون بــا حــدود للدراســات والبحــاث»‬
‫تنظــراً وتطبيقــاً‪ ،‬فــإن الدراســة‬
‫ي‬ ‫كبــر أهميــة‬
‫قــد أولتــه ي‬
‫أ‬
‫العربيــة ‪ -‬رغــم وجــود بعــض العمــال الكاديميــة الجريئــة‬ ‫ـال‪:‬‬
‫الخــاص بالكتــب عــى الرابــط الرســمي التـ ي‬
‫‪ -‬مازالــت مقــرة ف ي� دراســة هــذه الظاهــرة‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫‪book.mominoun.com‬‬
‫الرضيــة المعرفيــة لهــذا المبحــث غـ يـر واضحــة‪،‬‬‫بقيــت أ‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫‪121‬‬ ‫إصدارات‬

‫والمفاهيــم غامضــة‪ ،‬فظلــت قطاعــات رمزيــة ت‬


‫شــى‬
‫الناطقون بلسان السماء‬ ‫تحتــاج إىل المراجعــة النقديــة والمعرفيــة الشــاملة‪.‬‬

‫الصــل‬ ‫ويشــر مــ� ف� هــذا الكتــاب‪ ،‬وهــو ف� أ‬


‫ف ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬
‫آ‬
‫بحــث نــال بــه الباحــث شــهادة الدكتــوراه ي� كليــة الداب‬
‫النســانية بصفاقــص التونســية عــام ‪،2008‬‬ ‫والعلــوم إ‬
‫ف‬
‫إىل أنــه لمــا كانــت الحداثــة ي� أبســط تعريفهــا مراجعــة‬
‫دائمــة للفكــر وآلياتــه‪ ،‬فإنــه قــد ســعى ف ي� هــذا الكتــاب‬
‫الســامي‪،‬‬ ‫ف‬
‫إىل مراجعــة قضيــة المعجــزة ي� المتخيــل إ‬
‫معتـ بـر ًا أن مقاربــة نصــوص المعجـزات قــد خضعــت‪ ،‬إمــا‬
‫اليمانيــة المؤكــدة للمعجــزة‪ ،‬باعتبارهــا حدثــا‬ ‫للمقاربــة إ‬

‫ُي‬
‫تاريخيــا حصــل بمشــيئة هللا‪ ،‬وإمــا للمقاربــة العقالنيــة‬
‫الوضعيــة النافيــة لــكل خــرق لنواميــس الكــون‪ ،‬فظــل كال‬
‫ــد كتــاب «الناطقــون بلســان الســماء»‬ ‫َع ُّ‬ ‫الطرحــ� رهيــن ي ســؤال الحقيقــة‪.‬‬
‫ين‬
‫رد� مــوىس برهومــة‪ ،‬أول دراســة‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫للكاتــب ال ي‬
‫عربيــة شــاملة‪ ،‬تنتقــد جهــود المفكــر‬
‫المــري نــر حامــد أبــو زيــد‪ ،‬وتركــز عــى‬
‫مجمــوع دراســته الفكريــة ومقاالتــه وحواراتــه‪ ،‬وذلــك‬
‫باعتبــاره واحــداً مــن المفكريــن العــرب والمسـ ي ن‬
‫ـلم� الذيــن‬
‫انخرطــوا ف� حقــل قــراءة ت‬
‫الــراث الديــن ي قــراءة نقديــة‬ ‫ي‬
‫معــارصة‪ ،‬وكونــه ينتســب إىل فضــاء التأويــل النقــدي‪،‬‬
‫حيــث خــاض معــارك ومواجهــات قاســية مــع الذيــن‬
‫يزعمــون النطــق بلســان الســماء‪.‬‬

‫ويســعى هــذا الكتــاب‪ ،‬الصــادر ضمــن منشــورات‬


‫والبحــاث»‪،‬‬ ‫«مؤسســة مؤمنــون بــا حــدود للدراســات أ‬
‫ببــروت والدارالبيضــاء‪،‬‬ ‫ف‬
‫العــر�» ي‬
‫بي‬ ‫الثقــا�‬
‫ي‬ ‫عــن «المركــز‬
‫كمــا جــاء ف ي� مقدمتــه‪ ،‬إىل «دحــض أطروحــة أولئــك الذيــن‬
‫ـ� الديـن ي ‪.‬‬ ‫يزعمــون النطــق بلســان الســماء‪ ،‬واحتــكار اليقـ ي ن‬
‫كمــا ترمــي إىل تقويــض تصوراتهــم‪ ،‬وبيــان تهافتهــا مــن‬
‫خــال تطبيقــات منهــج التأويــل عــى النصــوص الدينيــة‪،‬‬
‫ن‬
‫المعا�‬ ‫وبيــان مــدى قــدرة هــذا المنهج عــى الكشــف عــن‬
‫ي‬
‫المضمــرة داخــل النصــوص‪ ،‬واقـ تـراح تصــورات جديــدة‬
‫ومعــارصة للفهــم الديــن ي ‪ ،‬تختلــف عــن التصــورات‬
‫اللهــي‪،‬‬ ‫ـى قدمــت تفسـ يـراً حرفي ـاً للخطــاب إ‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫القديمــة‪ ،‬الـ ي‬
‫وحــرت معانيــه ي� إطــار ضيــق ومحــدود ومنفعــي»‪.‬‬

‫الول‬ ‫ويتــوزع الكتــاب عــى أربعــة فصــول‪ ،‬يقــوم أ‬


‫الــراث‬ ‫منهــا بتوضيــح مرجعيــات التأويــل ومصــادره ف� ت‬
‫ي‬ ‫العــر� الســامي‪ ،‬بــدءاً مــن تحديــد أ‬
‫الصــول اللغويــة‪،‬‬ ‫بي إ‬
‫واالصطالحيــة‪ ،‬والبالغيــة لمفهــوم التأويــل‪ ،‬ثــم إظهــار‬
‫ـ� التأويــل والتفسـ يـر‪ ،‬ومــا‬ ‫أوجــه التشــابه واالختــاف‪ ،‬بـ ي ن‬
‫ف‬
‫اعــرى هــذه الوجــوه مــن تحــوالت ي� المفاهيــم‪ ،‬مــع‬ ‫ت‬
‫ـر عــى مــا تأ� بــه المفكــر نــر حامــد أبــو زيــد‪.‬‬ ‫ت‬
‫ال�كـ ي ز‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫إصدارات‬ ‫‪122‬‬

‫الثــا�‪ ،‬بمرجعيــات التأويــل‬ ‫ن‬ ‫ويهتــم الفصــل‬


‫ي‬
‫التوراة تتحدث عن بيت هللا الحرام‬ ‫الحديثــة والمعــارصة‪ ،‬ويســلط الضــوء عــى الجــذور‬
‫الفلســفية الغربيــة‪ ،‬والجــذور الدينيــة لنظريــة التأويــل أو‬
‫الهرمنيوطيقــا‪ ،‬وال ـراع عــى تأويــل النصــوص الدينيــة‬
‫ـ� اليهوديــة والمســيحية‪ ،‬الــذي أدى إىل بــروز‬ ‫ف� الديانتـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـر عــى قــدر‬ ‫الصــاح الدي ـن بالغــرب‪ ،‬مــع ت‬
‫ال�كـ ي ز‬ ‫إ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫حرك‬
‫ـى تتقاطــع‬ ‫مهــم مــن التأويــات يالـ تـى تأ� بهــا أبــو زيــد‪ ،‬الـ ت‬
‫ي‬ ‫ن ي‬
‫الســامي الــذي دشــنه محمــد‬ ‫العقــا� إ‬
‫ي‬ ‫مــع التيــار‬
‫ـول‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ـده أمـ يـ� الخـ ي‬ ‫ف‬
‫وعمقــه طــه حسـ يـ�‪ ،‬ومــن بعـ‬
‫أ‬ ‫عبــده‪ّ ،‬‬
‫د� ي� التفسـ يـر‪ ،‬عــى‬ ‫الــذي توصــل‪ ،‬مــن خــال منهجــه ال ب ي‬
‫الكشــف عــن مســتويات مــن الداللــة تجعــل مــن الق ـرآن‬

‫ُي‬
‫صالح ـاً لــكل زمــان ومــكان‪.‬‬

‫عا ِلـ ُـج كتــاب «التــوراة تتحــدث عــن بيــت هللا‬ ‫أمــا الفصــل الثالــث‪ ،‬الــذي يعــد مركزيــاً ف ي� هــذا‬
‫المغــر� المتخصــص ف ي�‬
‫بي‬ ‫الحــرام» للباحــث‬ ‫الكتــب‪ ،‬فيقــوم فيــه الباحــث مــوىس برهومــة بتفكيــك‬
‫الديــان‪ ،‬عصــام شــكيب‪ ،‬إشــكالية‬ ‫مقارنــة أ‬ ‫ـ�‪ ،‬ووجــه‬ ‫ف ش‬ ‫أ‬
‫الطروحــة العامــة ي� مــروع أبــو زيــد التأويـ ي‬
‫كبــرة وأساســية مــا تــزال مطروحــة إىل‬ ‫ي‬ ‫لــه مجموعــة مــن االنتقــادات‪ ،‬خاصــة للمــنز ع الحــاد‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫اليــوم‪ ،‬وهــي دراســة الماكــن المقدســة الــواردة ي� القـرآن‬ ‫والمتطــرف الــذي صــاغ مــن خاللــه أطروحتــه الفكريــة‪،‬‬
‫ف� التــوراة وأســفار أ‬
‫النبيــاء‪ ،‬ويقــدم رؤيــة جديــدة تتنــاول‬ ‫وغيــاب المنهــج لديــه‪ ،‬أو تحولــه‪ ،‬وهــو مــا عـزاه أبــو زيــد‬
‫ي‬
‫تعت�هــا كتابــا‬
‫الموضــوع نفســه‪ ،‬ال تنكــر التــوراة وال ب‬ ‫لتغــر الموضوعــات والمشــكالت والقضايــا‪.‬‬ ‫ي‬
‫ـاط� والخرافــات‪ ،‬بــل كتابــا مقدســا يضــم حقائــق‬ ‫أ‬
‫للسـ ي‬
‫تغي�هــا وإخفاؤهــا‪.‬‬ ‫و� الفصــل الرابــع أ‬ ‫ف‬
‫كثــرة تــم ي‬
‫ي‬ ‫والخـ يـر‪ ،‬يضــع الباحــث أطروحة‬ ‫ي‬
‫الســامي‬ ‫التأويــ� إ‬
‫ي‬ ‫أبــو زيــد ف ي� ســياق جهــود التجديــد‬
‫ويقــدم هــذا الكتــاب‪ ،‬الصــادر عــام ‪ 2013‬ضمــن‬ ‫المعــارص‪ ،‬ويقارنهــا مــع أطروحــات دعــاة إنشــاء تأويــل‬
‫منشــورات «مؤسســة مؤمنــون بــا حــدود للدراســات‬ ‫ال�مــت ف ي� العالــم‬
‫إســامي جديــد‪ ،‬كمــا يرصــد ظاهــرة ت ز‬
‫ـر�» ببـ يـروت والــدار‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫الســامي‪ ،‬وعــى رأســها أ‬
‫ـا� العـ ب ي‬
‫والبحــاث»‪ ،‬عــن «المركــز الثقـ ي‬ ‫الصوليــة‪.‬‬ ‫إ‬
‫ائيــ�‪ ،‬و»خريطــة‬ ‫الرس ي‬ ‫البيضــاء‪ ،‬طرحــا بديــا للطــرح إ‬
‫للماكــن المقدســة التوراتيــة بشــكل أخــص‪ ،‬وهــي‬ ‫جديــدة أ‬
‫خريطــة بيــت هللا الحــرام ف ي� شــبه الجزيــرة العربيــة‪،‬‬
‫ـى تنســجم مــع اللغــة‪ ،‬وســياق النصــوص التوراتيــة‪،‬‬ ‫ت‬
‫والـ ي‬
‫ومــا تقدمــه هــذه النصــوص مــن صفــات للمــكان ومجالــه‬
‫ـا�‪ ،‬وتنســجم كذلــك مــع أ‬
‫الديــان الثالثــة‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الجغـر يا� والثقـ ي‬
‫والســام‪ ،‬والواقــع المعــاش إىل‬ ‫اليهوديــة‪ ،‬والمســيحية‪ ،‬إ‬
‫هــذا اليــوم»‪.‬‬

‫وإضافــة إىل هــذا‪ ،‬فإن الباحث عصام شــكيب يتطرق‬


‫ف ي� مؤلفــه هــذا المــوزع عــى ثمانيــة فصــول‪ ،‬إىل المفاهيم‬
‫ين‬
‫فلســط�‬ ‫الماكــن المقدســة ف ي� خريطــة‬‫المغلوطــة عــن أ‬
‫المعــارصة‪ ،‬ويوضــح هــذه المغالطــة عــن طريــق التناقض‬
‫ال�وتســتانتية لهــذه‬ ‫بـ ي ن‬
‫ـ� التفسـ يـرات التوراتيــة والنظريــات ب‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الماكــن‪ ،‬ومــا أتــت بــه الدراســات الركيولوجية‪ ،‬كمــا حاول‬
‫الجابــة عــن مجموعــة مــن التســاؤالت‪ ،‬مثــل‪ :‬أيــن توجــد‬ ‫إ‬
‫الماكــن المقدســة‪ ،‬مثــل بيــت إيــل‪ ،‬بيــت ميخــا‪ ،‬مصفــاة‪،‬‬ ‫أ‬
‫مــورة‪ ،‬صخــرة رمــون‪ ،‬بـ ئـر شــبع‪ ،‬مــدن الملجــأ‪ ،‬جبعــة‪،‬‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫كتب‬
‫‪123‬‬ ‫إصدارات‬

‫«� كـ ثـرة التفاصيــل والســياقات‪،‬‬ ‫المغــر�» لــ� ال يتيــه ف‬ ‫جبعــون‪ ،‬جبــع‪ ،‬جلجــال‪ ،‬جلعيــد‪ ،‬جلعــود‪ ،‬عــاي‪ ،‬أفراتــه‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـرق إىل طبائــع التديــن ف� بـ ق‬ ‫بي‬
‫ـا� الــدول العربيــة‬‫ي ي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نتط‬ ‫عندمــا‬ ‫عفــرة؟ وأيــن كل تلــك الطقــوس والعبــادات المرتبطــة بهــا‬
‫ت‬
‫الــى تطــال طبائــع‬
‫ونحســب أن التحــوالت ي‬ ‫ُ‬ ‫والســامية‪،‬‬ ‫إ‬ ‫حســب النــص التــور ت يا� الــذي أكــد غـ يـر مــرة أنهــا ستســامر‬
‫التديّــن ي� الســاحة المغربيــة‪ ،‬تنطبــق بشــكل أو بآخــر‬ ‫ف‬ ‫مــن ســنة إىل ســنة ومــن جيــل إىل جيــل ش�يعــة أبديــة؟‬
‫عــى تحــوالت تطــال أنمــاط تديّــن ف ي� العديــد مــن الــدول‬ ‫ـى ترتبــط بهــا ف ي�‬
‫ت‬ ‫ن‬
‫ومــا معــى تلــك الحــروب والمعــارك الـ ي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫الســامية‪ ،‬وخاصة‬ ‫الســامية‪ ،‬وحـ تـى ي� أوســاط القليــات إ‬ ‫إ‬ ‫كثـ يـر مــن النصــوص التوراتيــة؟‬
‫أ‬
‫ف ي� القــارة الوروبيــة»‪.‬‬

‫ويتضمــن الكتــاب تقديم ـاً‪ ،‬وأربعــة فصــول‪ :‬التديّــن‬ ‫ف ي� نقد الخطاب السلفي‬
‫ـر� وصدمــة الســلفية الوهابيــة‪ ،‬والخطــاب الســلفي‬ ‫المغـىض ب ي‬
‫ـا�‪ ،‬ووقفــات نقديــة مــع المراجعــات‬ ‫ف‬
‫ومقتـ النقــد الثقـ ي‬
‫ـر�»‪.‬‬ ‫الســلفية‪ ،‬والخطــاب الســلفي وتحــوالت «الربيع العـ ب ي‬
‫الول مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬يــورد حمــادة‬ ‫و� الفصــل أ‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫ـلم�‪ ،‬أقــرت‬ ‫ـ� العــرب والمسـ ي ن‬ ‫أن «قلــة قليلــة مــن الباحثـ ي ن‬
‫بــأن إحــدى أهــم خالصــات صدمــة اعتــداءات نيويــورك‬

‫�ف‬
‫الســامي عــى‬ ‫أعــ� العقــل إ‬ ‫وواشــنطن‪ ،‬تكمــن ف� فتــح ي ن‬
‫ي‬
‫طبيعــة عالقتــه التمفصليــة مــع «الســلفية الوهابيــة»‬
‫تحديــداً‪ ،‬ولذلــك‪ ،‬وبالرغــم مــن مــرور مــا يقــارب عقــد‬

‫ي‬
‫ونيــف عــى منعطــف هــذه االعتــداءات‪ ،‬ال زالــت هــذه‬
‫القــام تطالــب بحتميــة الحســم ف ي� طبيعــة عالقــة العقل‬ ‫أ‬ ‫نقــد الخطــاب الســلفي‪ :‬الســلفية الوهابيــة‬
‫الســامي بهــذا التيــار دون ســواه‪ ،‬وليــس مصادفــة أن‬ ‫إ‬ ‫ف ي� المغــرب نموذجــاً»‪ ،‬هــو عنــوان الكتــاب‬ ‫«‬
‫ـى تنحــدر مــن‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫تنتفــض العديــد مــن القــام الســيوية الـ ي‬ ‫المغــر� منتــر حمــادة‪،‬‬
‫بي‬ ‫للباحــث‬ ‫الجديــد‬
‫باكســتان وأفغانســتان‪ ،‬ضــد «الســلفية الوهابيــة»‪ ،‬ونذكــر‬ ‫الــذي يعالــج فيــه أحــد مواضيــع الســاعة‬
‫ن‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ـتا� طــارق‬ ‫منهــا عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬الناشأــط الباكسـ ي‬ ‫الســامي‪ ،‬مــن خــال نمــوذج‬ ‫والكـ ثـر تعقيــدا ي� العالــم إ‬
‫عــ�‪ ،‬مؤلــف كتــاب «صــدام الصوليــات» والباحــث‬ ‫ي‬ ‫وحيــد أال وهــو المغــرب‪.‬‬
‫ـا�‪،‬‬ ‫الفغـ ن‬ ‫ـتا� أحمــد رشــيد‪ ،‬المختــص ف� الشــأن أ‬ ‫الباكسـ ن‬
‫ي‬ ‫مؤلــف يكتــاب «طالبــان‪ ..‬جنــد هللا ي أ‬ ‫ف‬
‫الفغــان والحــرب‬ ‫و� تقديمــه لهــذا الكتــاب‪ ،‬الصــادر حديثــا ضمــن‬ ‫ي‬
‫الفــو�‪..‬‬ ‫ض‬ ‫الجديــدة ف ي� هندوكــوش»‪ ،‬و»الســقوط ف ي�‬ ‫منشــورات مؤسســة «مؤمنــون بــا حــدود للدراســات‬
‫أفغانســتان وباكســتان وعــودة الطالبــان»‪.‬‬ ‫ـر�» ف ي� الــدار البيضاء‬ ‫والبحــاث» عــن «المركــز ف‬ ‫أ‬
‫الثقا� العـ ب ي‬
‫ي‬
‫وبــروت‪ ،‬يــرى المؤلــف أن أســباب االشــتغال عــى‬ ‫ي‬
‫الموضــوع‪ ،‬مرتبطــة بـــ «هيمنــة أنمــاط هــذا التديّــن ليــس‬
‫«الم َصـ ّـدرة» لــه منــذ عقــود وحســب‪،‬‬ ‫الســامية‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ي� الــدول إ‬
‫وتحديــدا منــذ حقبــة الطفــرة النفطيــة ف ي� شــبه الجزيــرة‬
‫العربيــة‪ ،‬ولكــن أيضـاً بحكــم صعــود أســهم هــذا النمــط‬
‫المتشــدد مــن التديّــن ف ي� مجــاالت تداوليــة إســامية كانــت‬ ‫ُ‬
‫إىل عقــود قريبــة‪ ،‬بعيــدة عــن النهــل مــن ريــاح التس ـ ّلف‬
‫ـا�‪ ،‬قبــل أن تجــد نفســها اليــوم‪ ،‬معنيــة بالتفاعــل‬ ‫الوهـ ب ي‬
‫أ‬
‫و»اســت�اد» الدبيــات‬ ‫مــع نتائــج سياســات «تصديــر»‬
‫ي‬
‫عــر الفضائيــات والمؤتمــرات وثــورة‬ ‫الســلفية الوهابيــة ب‬
‫االتصــاالت والتقنيــات التكنولوجيــة الحديثــة»‪.‬‬

‫ويضيــف حمــادة‪ ،‬أنــه ارتــأى االشــتغال عــى‬


‫الســامي‬
‫التــداول إ‬
‫ي‬ ‫نمــوذج تطبيقــي يتعلــق بـ»المجــال‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫لغة األرقام‬
‫‪124‬‬

‫عدد الجياع في العالم‪،‬‬


‫يتراجع‬
‫إلى ‪ 795‬مليون نسمة‬
‫هــدف أ‬
‫اللفيــة إالنمائيــة‪،‬‬ ‫تراجــع ف ي� أقاليــم العالــم‬ ‫طعام ـاً كافي ـاً للتمتــع بحيــاة‬ ‫كشــف أحــدث تقريــر‬
‫المتمثــل ف ي� خفــض معــدل‬ ‫الشــخاص‬ ‫الناميــة‪ -‬أي نســبة أ‬ ‫صحيــة نشــطة‪.‬‬ ‫المــم المتحــدة‬ ‫لمنظمــة أ‬
‫انتشــار نقــص التغذيــة‬ ‫الذيــن ال يســتطيعون اســتهالك‬ ‫للغذيــة والزراعــة (فــاو)‪،‬‬ ‫أ‬
‫بحلــول عــام ‪ ،2015‬بينمــا لــم‬ ‫مــا يكفيهــم مــن الغــذاء‪،‬‬ ‫وأفــاد التقريــر الــذي‬ ‫الــكل ف ي�‬
‫ي‬ ‫أن عــدد الجيــاع‬
‫تبلــغ أقاليــم العالــم الناميــة‬ ‫المتــاك مســتوى مقبــول مــن‬ ‫أطلقــه سواســيةً كل مــن‬ ‫العالــم انخفــض فعليــاً إىل‬
‫ككل الهــدف نفســه المنشــود‬ ‫النشــاط والصحــة ‪ -‬إىل ‪ 12.9‬ف ي�‬ ‫المــم المتحــدة‬ ‫منظمــة أ‬ ‫‪ 795‬مليــون نســمة؛ أي أقــل‬
‫بهامــش ضئيــل فحســب‪.‬‬ ‫المئــة مــن مجمــوع الســكان‪،‬‬ ‫للغذيــة والزراعــة (فــاو)‪،‬‬‫أ‬ ‫ممــا كان عليــه خــال الفـ تـرة‬
‫وإضافــة إىل هــذا‪ ،‬نجــح‬ ‫بعــد أن كان المعــدل ‪ 23.3‬ف ي�‬ ‫الــدول للتنميــة‬
‫ي‬ ‫والصنــدوق‬ ‫(‪ )1992-1990‬بمقــدار ‪216‬‬
‫‪ 29‬بلــداً ف ي� تحقيــق الهــدف‬ ‫المئــة منــذ ربــع قــرن‪.‬‬ ‫الزراعيــة (إيفــاد)‪ ،‬وبرنامــج‬ ‫مليــون شــخص‪ ،‬أو نحــو‬
‫الكـ ثـر طموح ـاً الــذي طرحــه‬ ‫أ‬ ‫الغذيــة العالمــي (‪،)WFP‬‬ ‫أ‬ ‫شــخص واحــد مــن كل تســعة‬
‫مؤتمــر القمــة العالمــي‬ ‫ورصــد التقريــر نجــاح‬ ‫حــول «حالــة انعــدام أ‬
‫المــن‬ ‫أفــراد‪ ،‬ولكــن مــع ذلــك مــا‬
‫للغذيــة عــام ‪ ،1996‬ي ن‬
‫حــ�‬ ‫أ‬ ‫معظــم البلــدان ‪ 72 -‬مــن‬ ‫الغــذا� ف ي� العالــم‪،»2015 ،‬‬
‫ئ‬ ‫زال هنــاك ماليـ ي ن‬
‫ـ� مــن النــاس‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫ال�مــت الحكومــات بتقليــص‬ ‫تز‬ ‫أصــل ‪ 129‬بلــداً ‪ -‬ف ي� بلــوغ‬ ‫أن انتشــار نقــص الغذيــة‬ ‫عــر العالــم ال يجــدون‬ ‫ب‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬


‫لغة األرقام‬
‫‪125‬‬

‫إحــراز تقــدم عــى مســتوى‬ ‫النمــو االقتصــادي الشــامل‬ ‫الطبيعيــة وال�نز اعــات‪ ،‬بينمــا‬ ‫لناقــ�‬
‫ي‬ ‫العــدد المطلــق‬
‫القــارة بأرسهــا‪.‬‬ ‫لمختلــف الفئــات االجتماعيــة‬ ‫شــكلت ظواهــر تغـ يـر المنــاخ‬ ‫الغــذاء إىل النصــف بحلــول‬
‫واالســتثمارات الزراعيــة‬ ‫والزمــات الماليــة وارتفــاع‬ ‫أ‬ ‫عــام ‪.2015‬‬
‫وحققــت البلــدان ف ي�‬ ‫والحمايــة االجتماعيــة‪ ،‬جنبــاً‬ ‫الســعار ضمــن أســباب‬ ‫أ‬
‫وجنــو� ش� ق ي�‬
‫بي‬ ‫ش� ق ي� آســيا‬ ‫إىل جنــب مــع االســتقرار‬ ‫أخــرى‪ ،‬عوامــل ُمفاقمــة لهــذه‬ ‫تحديات حالت دون تحقيق‬
‫آســيا انخفاضــاً مطــرداً‬ ‫الســياس‪ ،‬إنمــا تجعــل‬ ‫الحيان‪.‬‬‫الوضــاع ف� كثــر مــن أ‬ ‫أ‬ ‫ئ‬
‫الغذا�‬ ‫أ‬
‫المن‬
‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬
‫لمــؤ�ات ســوء‬ ‫ش‬ ‫ورسيعــاً‬ ‫مــن دحــر الجــوع هدفــاً ف ي�‬
‫التغذيــة‪ ،‬كاتجــاه مدعــوم‬ ‫المتنــاول‪ .‬وقبــل أي اعتبــار‬ ‫والمالحــظ‪ ،‬أن معدالت‬ ‫ف ي� غضــون الســنوات‬
‫باالســتثمار ف ي� مرافــق الميــاه‬ ‫آخــر‪ ،‬فــإن إالرادة السياســية‬ ‫الجــوع لــدى البلــدان ذات‬ ‫مســرة‬ ‫خــرة‪ ،‬أعــاق‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ال ي‬
‫والــرف الصحــي آ‬
‫والفــاق‬ ‫تز‬
‫المل�مــة بــأن يصبــح التغلــب‬ ‫الزمــات الممتــدة المتكــررة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫التقــدم صــوب بلــوغ كامــل‬
‫و�‬ ‫ف‬ ‫عــى الجــوع هدفــاً إنمائيــاً‬ ‫ئ‬ ‫أهــداف أ‬
‫االقتصاديــة المواتيــة‪ .‬ي‬ ‫هــي أعــى بمقــدار ثــاث‬
‫ف‬
‫الغــذا�‬
‫ي‬ ‫المــن‬
‫جنــوب آســيا‪ ،‬بينمــا ُســجل‬ ‫عــد أقــوى محــرك‬‫أســمى‪ ،‬تُ ّ‬ ‫و�‬
‫بغ�هــا‪ .‬ي‬ ‫مــرات مقارنــة ي‬ ‫بحلــول ‪ ،2015‬جملــةُ تحديات‬
‫انخفــاض متواضــع ف ي� معــدل‬ ‫إىل أ‬
‫المــام‪.‬‬ ‫العــام ‪ ،2012‬بلغــت أعــداد‬ ‫تمثلــت ف� أ‬
‫الحــوال العالميــة‬ ‫ي‬
‫انتشــار نقــص التغذيــة‪ ،‬إىل‬ ‫مــن يعيشــون ف ي� ظــل هــذه‬ ‫والظــروف‬ ‫الســائدة‪،‬‬
‫‪ 15.7‬ف ي� المئــة مــن ‪ 23.9‬ف ي�‬ ‫ومــع أن إفريقيــا جنــوب‬ ‫الحالــة نحــو ‪ 366‬مليــون‬ ‫االقتصاديــة والسياســية‬
‫المئــة‪ ،‬إال أن إحــراز المزيــد‬ ‫الصحـراء‪ ،‬تظــل أعــى أقاليــم‬ ‫شــخص ‪ -‬منهــم ‪ 129‬مليونــاً‬ ‫الدوليــة‪ .‬وجــاءت الظواهــر‬
‫مــن التقــدم ف ي� تقليــص‬ ‫العالــم مــن حيــث معــدالت‬ ‫يعانــون مــن قصــور التغذية؛‬ ‫الجويــة المتطرفــة والكــوارث‬
‫ناقــ�‬ ‫الطفــال‬ ‫أعــداد أ‬ ‫انتشــار نقــص التغذيــة ‪-‬‬ ‫أي ف ي� مــا يشــكل ‪ 19‬ف ي� المئــة‬ ‫الطبيعيــة‪ ،‬فضــا ً عــن‬
‫ي‬
‫الــوزن فــاق هــذا المعــدل‪.‬‬ ‫‪ 23.2‬ف ي� المئــة أو واحــد تقريباً‬ ‫مــن مجمــوع ضحايــا انعــدام‬ ‫الســياس‬
‫عــدم االســتقرار أ ي‬
‫ـ� كل أربعــة أشــخاص‪-‬‬ ‫مــن بـ ي ن‬ ‫الغــذا� عــى وجــه‬‫ئ‬ ‫المــن‬ ‫أ‬ ‫وال�نز اعــات والحــروب الهليــة‬
‫ي‬
‫وبالنســبة إىل شــمال‬ ‫ـى‬ ‫ت‬
‫إفريقيــا‪ ،‬يــكاد انعــدام أ‬ ‫إال أن البلــدان إالفريقيــة الـ ي‬ ‫الكوكــب‪.‬‬ ‫بمثابــة معوقــات ال يمكــن‬
‫المــن‬ ‫أكــر‬
‫رصــدت اســتثمارات ب‬ ‫تخطيهــا‪ .‬واليــوم‪ ،‬ثمــة ‪24‬‬
‫الغــذا� الحــاد أن يصبــح‬ ‫ئ‬ ‫تحســ�ن‬ ‫حجمــاً مــن أجــل‬ ‫و� مواجهــة هــذه‬ ‫ف‬ ‫بلــداً إفريقيــاً يواجــه أزمــات‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ظاهــرة مندثــرة مــع تراجــع‬ ‫إنتاجيتهــا الزراعيــة وبنيتهــا‬ ‫التحديــات‪ ،‬تزايــد عــدد‬ ‫غذائيــة؛ أي مــا يعــادل‬
‫انتشــار نقــص التغذيــة إىل‬ ‫الساســية‪ ،‬تمكنــت ف ي�‬ ‫التحتيــة أ‬ ‫ســكان العالــم طبق ـاً لتقريــر‬ ‫ضعــف عددهــا عــام ‪1990‬؛‬
‫نســبة ال تتجــاوز ‪ 5‬ف ي� المئــة‪،‬‬ ‫الوقــت ذاتــه مــن بلــوغ هــدف‬ ‫الجــوع العالمــي بمقــدار‬ ‫علمــاً بــأن واحــداً مــن كل‬
‫غــر أن مشــكلة نوعيــة‬ ‫ي‬ ‫القضــاء عــى الجــوع ضمــن‬ ‫‪ 1.9‬مليــار نســمة منــذ عــام‬ ‫خمســة أفــراد ف ي� العالــم‬
‫التغذيــة باتــت مصــدراً باعثـاً‬ ‫لللفيــة‪،‬‬‫الهــداف النمائيــة أ‬ ‫أ‬ ‫‪ ،1990‬ممــا يجعــل خفــض‬ ‫ممــن يعانــون ســوء التغذيــة‪،‬‬
‫إ‬ ‫َ‬
‫عــى القلــق ف ي� المقابــل‪ ،‬مــع‬ ‫وخصوصــاً ف ي� غــرب القــارة‪.‬‬ ‫عــدد الجيــاع عــى النحــو‬ ‫يقطنــون مناطــق منكوبــة‬
‫ارتفــاع معــدالت انتشــار‬ ‫الن إنجــازاً أشــد‬‫المشــاهد آ‬ ‫يغلــب عليهــا َضعــف‬
‫البدانــة والســمنة عــى‬ ‫ومنــذ عــام ‪،1990‬‬ ‫إثــارة للدهشــة‪.‬‬ ‫الحكومــة والتعـ ُّـرض الشــديد‬
‫صعيــد المنطقــة بأرسهــا‪.‬‬ ‫انخفضــت نســبة الجوعــى‬ ‫لتهديــدات الهــاك والمــرض‪.‬‬
‫ف ي� أمريــكا الالتينيــة ومنطقــة‬ ‫خارطة الجوع بع� العالم‬
‫و� غــرب آســيا‪ ،‬حيــث‬ ‫ف‬ ‫الكاريــى مــن ‪ 14.7‬ف ي�‬ ‫بحــر‬ ‫المــم‬‫ويشــر تقريــر أ‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫ي‬
‫تســود أحــوال مــن النظافــة‬ ‫‪ 5.5‬ف� المئــة‪� ،‬ف‬ ‫المئــة إىل‬ ‫أورد تقريــر أ‬
‫المــم‬ ‫المتحــدة حــول الجــوع‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫العالمــي إىل أن أ‬
‫الصحيــة‪ ،‬وتنخفــض اعتياديـاً‬ ‫حــ� أن نســبة الطفــال‬ ‫ين‬ ‫المتحــدة المختــص بالجــوع‪،‬‬ ‫الزمــات‬
‫معــدالت نقــص الــوزن بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ممــن ينقــص وزنهــم (دون‬ ‫أن ش�ق آســيا شــهد تقدمــاً‬ ‫ين‬
‫الثالثــ�‬ ‫تطــورت عــى مــدى‬
‫الطفــال‪ ،‬ارتفــع معــدل‬ ‫أ‬ ‫‪ 5‬ســنوات مــن العمــر)‬ ‫بالــغ الرسعــة ف ي� تقليــص‬ ‫عامــاً المنرصمــة‪ ،‬بعــد أن‬
‫الجــوع بســبب الحــروب‬ ‫تراجعــت عــى نحــو حــاد‪.‬‬ ‫معــدالت الجــوع ‪ -‬وبالمثــل‬ ‫كانــت كــوارث قصــرة أ‬
‫الجــل‬ ‫ي‬
‫الهليــة‪ ،‬مــا‬ ‫والرصاعــات أ‬ ‫تز‬
‫االلــرام القــوي‬ ‫وتُ ِرجــم‬ ‫أمريــكا الالتينيــة ومنطقــة‬ ‫أ‬
‫جليــة العــراض‬ ‫وأحــداث ّ‬
‫نجــم عنــه مشــكالت تدفــق‬ ‫للحــد مــن الجــوع إىل برامــج‬ ‫الكاريــى وجنــوب‬
‫بي‬ ‫البحــر‬ ‫ـ� تتحـ ّـول اليــوم‬
‫والنتائــج‪ ،‬لـ ي‬
‫ين‬
‫والالجئــ�‬ ‫المهاجريــن‬ ‫شــاملة للحمايــة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫ش�ق آســيا ووســطها‪،‬‬ ‫إىل أزمــات ممتــدة؛ ويُعــزى‬
‫كبــرة لــدى بلــدان‬‫بأعــداد ي‬ ‫ت‬
‫باالقــران مــع‬ ‫فيمــا قــاد‬ ‫وكذلــك بعــض أجــزاء‬ ‫ذلــك أساســاً إىل جملــة‬
‫شــبه إالقليــم‪.‬‬ ‫النمــو االقتصــادي القــوي إىل‬ ‫إفريقيــا ‪ -‬ممــا دلــل عــى أن‬ ‫عوامــل‪ ،‬ال ســيما الكــوارث‬

‫العدد (‪٢٠١٥ - )١٣‬‬

You might also like