المفاتيح السبعه وورد

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 175

‫المفاتيح السبعة‬

‫رواية‬

‫أنور خلفان المشايخي‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الول‬

‫قبل ‪333‬سنة ق ‪.‬م تنقشككع سككحابة مظلمككة لتظهككر مككن السككماء تلككك البلدا البعيككدة‪ .‬مملكككة‬
‫)زيتا( ‪.‬التي أنهكتها حروب الطمع والجشع والتنافس علككى السككلطه‪ .‬حيككث يظهكر قصكر‬
‫تضيء نيرانه ظلمة الليل الحالك‪ .‬ندخل من خلل تلك الشكرفة الككبيرة فككي غرفكة أعلككى‬
‫ذلك القصرلنرى الملك أجمنون يجلس على كرسيه الكبير دااخل مكتبككة قصككره الضككخمة‪.‬‬
‫تحيط به أرفف الكتب والقراطيكس والجهكزة العلميكة والمخطوطكات‪ .‬يتنهكد مكن كرسكيه‬
‫ناظراا إلى أرفف الكتب الملونة ‪ .‬فحمل جسده إلى رف الكتب شاردا الذهن ووقككف أمامهكا‬
‫ل‪ً:‬اإذا كككم حصككيلة اليككوم ؟ خمسككون قككتيلا ردا عليككه أخككوه‬
‫ومد يده ليأخذ إحدى الكتككب قككائ ا‬
‫الصأغر حيث كان واقفا خلفه ببضع خطوات وبينهما منضده خشبية كككبيرة عليهككا بعككض‬
‫الكتب‪ .‬خمسون قتيلا هكذا أجابه الخأ الصأغر متحسراا‪.‬‬
‫أقفل الملك راجعاا إلى كرسيه وبيده ذلك الكتاب وعلمات السى باداية عليككه ‪ .‬وكككأنه فقككد‬
‫رغبته بالمطالعة‪ .‬جلككس علككى كرسككيه ماسكككاا بالكتككاب علككى فخككذيه وقككال بصككوت ملككؤه‬
‫السخط والغضب‪ً:‬ا لم يجلب علينكا حككم الملكك سكليمان إل الخكراب‪ ,‬منكذ ثلثا مكائه سكنة‬
‫ونحن على هذه الحال مات وترك وراءه سككبعة مككدن يقتككل بعضككنا بعضككاا‪ ,‬يقتلككون فنقتككل‬
‫فيقتلون ‪ .‬ولبرهه كان الملك ينظر إلى الرض فرفع رأسه وهككو يقلككب كفيككه قككائلا‪ً:‬ا حككتى‬
‫يفني بعضنا بعضا ‪ ...‬وصأرخأ قائلا‪ً:‬اإنها نقمه ‪..‬ثم هدأ وقال ‪ً:‬ا نعم ليست إل نقمة ‪.‬‬
‫قال المير وهو يسير في طريقة إلى الشرفه ناظرا مككن هنككاك إلككى فنككاء القصككر العشككبي‬
‫تحته ‪ً:‬ا نعم هي كذلك ‪ ...‬ثم استدار إلى حيث يجلس الملك وانحنى باتجككاه جككانب الكرسككي‬
‫عند رأس الملك قائلا‪ً:‬ا أو دارساا منه في الحكمة مقدرعلينا أن نتعلمه بأنفسنا بهذه الطريقة‪.‬‬
‫استدار المير إلى الباب وهو يقول عندما وصأل إليككه ‪ً:‬ا تصككبح علككى خيككر‪ .‬خككرج الميككر‬
‫وأحكم إردااف الباب ثم إستدار ليكمل طريقه فإذا كادا أن يصطدم بأحدهم وهو فككي وجهككه‬
‫فرفع المير بصره ليراه ولكن ذلك الرجل ذو الزي العسكككري لككم يقككل شككيئا‪ .‬بككل تجككاوز‬
‫المير الواقف أمامه ومد يده إلى باب المكتبة ملتفتككاا إلكى الميكر بنظكرة ازداراء واحتقكار‬
‫والمير واقفا هناك ينظر إليه باستغراب ويقول في نفسه‪ً:‬ا كيف لرجل من رحككم إمككرأة أن‬
‫يحمل هذا الحقد كله في صأدره ‪ ,‬تكادا عيناه تخرقان جسمي إلى العظم ‪.‬‬
‫داخل الرجل على الملك ومنذ رآه الملك دااخلا باداره الملك بالقول وهككو مستبشككراا مبتسككما ا‬
‫رافعاا كلتا يديه إليه مرحبا ‪ً:‬ا آه هاتان العينان تحملن خبراا ساراا‪ ,‬إني بحاجة إلى الخبككار‬
‫السارة بعدما سمعته من المير من الخبار السككيئة‪ .‬قككل يككا وزيرنككا مككاذا لككديك؟ فككي هككذه‬
‫الثناء كان ما يزال الوزير يخطو باتجاه الملك وهو يقول ‪ً:‬ا أجمنون سيدي ومولي لقد‬

‫‪2‬‬
‫إكتمل بناء المرصأد ويمكنكم إستعماله بككدأ مككن اللحظككة ‪ .‬إلتفككت الملككك نككاظرا إلككى كتككاب‬
‫ضخم مفردا على تلك الطاولة الخشككبية الكككبيرة الككتي تتوسككط المكتبككة وقككال ‪ً:‬ا فككي الككوقت‬
‫تماماا‪ ,‬لدينا ثلثة أيام حتى يحين وقت الرصأد الذي وصأفه كتاب الملككك سككليمان العظيككم ‪.‬‬
‫الوقت الكافي لنختبر داقة عمل المرصأد ‪ .‬ثككم قككام الملككك ووضككع يككده علككى كتككف الككوزير‬
‫اليسر وقال ‪ً:‬ا قل لي ؟ ثم أمسك الملك بيككده اليسككرى علككى ذقنككه هككو نككاظرا إلككى الرض‬
‫نظره المتفكر واتجه بخطى بطيئة إلى أمام الشرفة واستطردا قائلا‪ً:‬ا لماذا يكون الماء ثلجا ا‬
‫أحياناا؟ فكر الوزير لبرهة مككدركاا أن الملككك يختككبر سككرعة بككديهته بهككذا السككؤال الغريككب‬
‫المخاداع وما لبثت أن لمعت عينا الوزير الماكرتان حينمككا تيقككن أن الجككواب سككيكون مككن‬
‫جنس السؤال وردا قائل‪ً:‬ا الماء يا مككولي يكككون ثلجككا عنككدما ل يسككتطيع أن يكككون بخككارا‬
‫أحيانا ‪ ...‬فاستدار إليه الملك ضاحكا بقهقهة قوية وأمسك بالوزير من جهة رقبته اليسككرى‬
‫وهزه قائل ‪ً:‬ا هذا ما يعجبني فيك ‪ ...‬ابتعد الوزير خطوة إلككى اليميككن قككائلا‪ً:‬ا مككولي لمككاذا‬
‫غادار سيدي المير مبكراا هذه الليلة ؟ ردا الملك قائلا‪ً:‬ا لقككد أصأككبح لككديه مككن ينتظككره الن‪,‬‬
‫زوجة جميلة‪ ,‬داافئة‪ ,‬حنونة‪ ,‬في ليلة مظلمة بككارداة ‪ ...‬واسككتدار إلككى الككوزير قائككل لككه مككن‬
‫خلفه ‪ً:‬ا غداا بعد غروب الشمس حيث السماء صأافية سنجربه ‪.‬‬
‫في هذه الثناء كان المير يشق طريقة عبر ممرات قصر الملككك حككتى خككرج ونككزل مككن‬
‫على سلم بوابة ومدخل قصر الملك‪ .‬وسار في حديقة القصر متجها إلككى الفاصأككل العشككبي‬
‫الذي يفصل قصره عن قصر الملك حيث فتحة صأغيرة فككي ذلككك الفاصأككل العشككبي زينككت‬
‫بقوس حديدي نمت عليه العشاب‪ .‬فتحة تؤداي بين القصرين ‪.‬وعلى بعكد أمتكار مكن تلكك‬
‫الفتحة حيث الظلم أكثرحلكه وبين الحراش وقف المير مكانه ووقف شعر رأسه ‪ .‬إثككر‬
‫اشتباهه حركة مريبة وصأوت خشخشككة عنككد الفتحككة فبككدأ قلبككه بالخفقككان بسككرعة ورأسككه‬
‫ملئتها الوساوس ‪ .‬حينها سمع صأككوتا صأككادارا مككن هنككاك ‪ً:‬ا سككيدي سككيدي الميككر هككذا أنككا‬
‫بستاني القصر ‪ .‬عندها تقدم المير بحذر وهو ما زال ل يرى شيئا ا أمامه ‪ .‬حتى ظهكر لكه‬
‫من تحت الشجار رجل تبدو عليه هيئة من ألمت بككه مصككيبة مككن السككماء وقككال ‪ً:‬ا سككيدي‬
‫المير أعذرني أرجوك أطلككب منككك الصككفح ‪ ..‬ونككزل الرجككل علككى يككدي الميككر يقبلهمككا‬
‫بحركة فجائية أجفلت المير وظن به الغدر وقال البستاني‪ً:‬ا سيدي لقد انتظرت لقائك طيلة‬
‫اليوم‪ .‬ولم أجد فرصأة أحسن من هذه بعيداا عن الجميككع‪ ...‬وإذا بالبسككتاني يقبككل يككد الميككر‬
‫ل‪ً:‬ا أرجو أن تغفر لي وتسامحني ‪ ...‬عندها أخذ المير يلطفه ويهديئ من روعه لكككي‬ ‫قائ ا‬
‫يفهم منه‪ .‬حيث كان الرجل يتلعثم ويكادا أن يبكي‪ .‬ترتفع رأتيه بالهواء فل يخرج من فمككه‬
‫شككئ مفهككوم‪ .‬فككأمنه الميككر علككى نفسككه وأخككذه مككن يككده وقككال لككه ‪ً:‬ا تعككال معككي وسككنتكلم‬
‫بالداخل ‪ ...‬وإذا بالبستاني يجر المير إلى الخلف رافضاا الذهاب معه وقال وهككو فزعككا ‪ً:‬ا‬
‫ل أرجوك ل ينبغي لمن بالقصر أن يعلموا بهذا ‪ ..‬قال المير ‪ً:‬ا لقد أشغلتني مككا عنككدك ؟‬
‫تكلم ‪ .‬قال البستاني‪ً:‬ا سيدي المير أعلم فضلك وكرمك بككل هككذا ل يخفككى علككى أحككد مككن‬
‫رعيتك‪ ,‬الجميع يصفك باللطف والرحمة ‪ ,‬وحبك لمساعدة الضعفاء والمساكين لذلك‬
‫لجأت إليك وليس أحد سواك يخلصني من هذه المحنككة ‪ .‬قككاطعه الميككر وقككد فقككد صأككبره‬
‫ل‪ً:‬ا قل ما عندك إن الهواء باردا هنا‪ ,‬هيا تكلم فقد أنهكتني‪ .‬قال البسككتاني ‪ً:‬ا أحببككت فتككاة‬ ‫قائ ا‬

‫‪3‬‬
‫من قصر مولي الملك أجمنون ‪ ,‬وقد كنا نلتقي خلسة عندما ينككام الجميككع ‪ .‬عنككدها هجككم‬
‫عليه المير ممسكاا بعضدية و شد عليه مخنقه وقال بحنق ‪ً:‬ا إحدى الميرات ؟ وردا عليه‬
‫البستاني مفزوعاا ‪ً:‬ا ل ‪...‬ل ‪ ...‬إنها إحدى عاملت المطبخ الملكي ياسككيدي ‪ .‬عنككدها تركككه‬
‫المير وانبسطت ملمح وجهه إذ ظن أنه تجرأ على إحككدى فتيككات السككرة المالكككة وقككال‬
‫المير ‪ً:‬ا إذ ما المشكلة ؟ قكال البسكتاني ‪ً:‬ا إنهككا حامككل وعلكى وشككك أن تلككد ‪...‬الليلكة ! قكال‬
‫المير مندهشاا ‪ً:‬ا وكيف استطاعت أن تخفككي حملهككا كككل هككذه الفككترة عككن الجميككع ؟ قككال‬
‫البستاني ‪ً:‬االفتيات والطباخات في المطبخ الملكي كن يساعدنها علككى ذلككك‪ ,‬ويسككاعدن فككي‬
‫عدم ظهورها‪ .‬قال المير‪ً:‬ا وأين هي الن؟ قال البستاني‪ً:‬ا إنهككا فككي المنومككة ‪ .‬قككال الميككر‬
‫وهو يجر البستاني خلفه ‪ً:‬ا هيا خذني إليها ‪.‬‬
‫أخذ البستاني يجر الخطى والمير خلفه إلى الغرف الخاصأة بخككدم الملككك خلككف قصككره ‪.‬‬
‫وعندما وصأل إلى حيث السكنات تقدم البستاني وفتح باب إحدى الغرف فككإذا يخككرج مككن‬
‫الغرفة صأوت تأوه وتألم ‪ .‬تقدم المير إلى دااخل الغرفة حيث كككانت امككرأة مسككتلقية علككى‬
‫السرير وهي في المخاض وحولها نسوة مككن الخادامككات فككوقفن مباشككرة مدهوشككات لككدى‬
‫داخول المير عليهن الغرفة ‪ .‬وأحنين رؤسهن احتراما وخوفاا‪.‬‬
‫أمر المير النسوة بأخذ المرأة إلى مساكن خدم قصره ‪ .‬وذهبوا جميعا ا إلى الجانب الخككر‬
‫من قصر الملك حيث مساكن خدم قصر المير محاولين عدم إصأككدار أصأككوات تسككترعي‬
‫انتباه حراس أيا من القصرين‪ .‬أداخل المير المرأة إلى غرفة من مساكن خدمه‪ .‬وأوصأى‬
‫خادامات قصره بكتمان المر والعتناء بالمرأة‪ .‬ثم أخذ بيد البستاني إلى خارج المساكن‬
‫وقال له ‪ً:‬ا تعلم أنك ستعاقب على فعلتك هذه مككن قبككل كككبير الخككدم‪ .‬فأجككابه البسككتاني ‪ً:‬ا ل‬
‫أبالي بنفسي سيدي المير‪ ,‬ولكني أخشى عليهككا هككي مككن العقككاب أو مككا هككو مصككير أبننككا‬
‫المولودا؟ ترى ماذا سيفعلون ببوجابت؟ قال المير ‪ً:‬ا هل هككذا هككو أسككمها ؟ أجككابه ‪ً:‬ا نعككم‬
‫سيدي‪ .‬وخر البستاني ساجدا يقبل قدم المير وهو يبكي ويستجدي المير والمير يحاول‬
‫منعه من ذلك‪ .‬فرفعة وقال له هل تحبها ؟ هز البسككتاني رأسككه إجابككة بنعككم وقككال ‪ً:‬ا كككثيراا‬
‫سيدي لم أحب إمرأة من قبل ول يمكن أن أحب غيرها‪ .‬حينها قال المير ‪ً:‬ا ل عليك داعها‬
‫معي حتى تلد وعندها أكلم كبير الخدم في أمرها ل تخف أنت و هي في حمككايتي ل تقلككق‬
‫عندها قبل البستاني يدي المير وذهب شاكراا دااعيا ا حتى داخل المير قصره ‪.‬‬
‫داخل المير غرفة نومه الواسعة وهو يناداي حيث لم يشاهد زوجتككه ‪ً:‬ا مكاري ‪ ...‬مكاري‪...‬‬
‫لن تصدقي ما حصل معي هذه الليلة ‪.‬‬

‫في الصباح ومع إرتفككاع الشكمس فككي الفكق وقككد عكسكت أشكعتها الذهبيككة علككى المككروج‬
‫الخضراء في حدائق القصور ‪,‬لح المير وهو يعبر الحدائق والممرات من قصككره حككتى‬
‫داخل قصر الملك‪ .‬فمن ثم الى دايوانه حيث كان يجلس الملك على عرشه وحوله حراسه‬
‫الشداء وندمائه وحكمائه ومستشاريه وبالخص عن يمينه وزيره الماكر الذي كان يكككره‬
‫المير ويناصأبه العداء ‪ .‬وعند داخول المير للديوان ألقى التحية والسككلم فككأذن لككه الملككك‬
‫بيده أن يجلس فجلس عن يسار الملك وهككو ينظككر إلككى وزيككر الملككك كيككف يجلككس هنككاك‬

‫‪4‬‬
‫مزهواا مغروراا ولم تزغ عيناه عن النظر إلى المير منذ داخوله حتى جلوسه‪ ,‬ولم يقككاطع‬
‫ذلك إل صأوت الملك يقول للمير ‪ً:‬ا كيف كانت أحككداثا المككس ؟ فالتصككقت شككفتا الميككر‬
‫ل مفاجككأ‪ ,‬فاستمسككك الميككر حككتى أجككاب ‪ً:‬ا مككولي لككم أعككي‬ ‫وامتص لعابه حيث كان سؤا ا‬
‫سؤالكم ‪,‬عذرا منكم ‪ ...‬أعني أنك حضرت مجلسنا متأخراا هككذا قكال الملكك للميككر وهككو‬
‫يتجه برأسه ناظراا إلى وزيره بابتسامه خبيثة فقكال‪ً:‬ا لبككد وأنهككا كككانت ليلككة مككثيرة ‪ .‬فقككال‬
‫المير بتردادا‪ً:‬ا سيدي الملك‪ ...‬فقاطعه الملككك بإشكارة مككن كفككه أي ل دااعككي للجابككة وقكال‬
‫الملك ‪ً:‬ا هذه هي حال المتزوجين الجددا‪ .‬وأداار الملك وجهه إلى الحاضككرين قككائلا ‪ً:‬ا أليككس‬
‫كذلك؟ وضحك الملك فتضاحك معه الحاضرون‪ .‬أما الميككر فرسككم علككى شككفتيه إبتسككامة‬
‫صأفراء مجاملة ولذ بالصمت ‪.‬‬

‫عند الظهيرة إنفض مجلس الملك فتوجه كل من الحاضرين إلى شأنه ‪.‬عندها خرج المير‬
‫متوجها إلى قصره‪ .‬وعند تلك الفتحة العشبية الفاصألة بين القصرين كان ينتظره البستاني‬
‫فلما رأى البستاني المير توجه إليه والفرحة تقفز من صأدره وقال ‪ً:‬ا لقد أنجبت يا سيدي‪..‬‬
‫أنجبت ليلة البارحة لقد أصأبحت أباا‪ .‬وارتسمت الفرحة في وجه المير وذهبا معككا عككبر‬
‫البوابة لرؤية الصغير ولم ينتبها إلى من كان واقفا على سلم مدخل قصككرالملك يراقبهمككا‪.‬‬
‫إنه الوزير كان ينظر إليهما من بعيد‪ ,‬ورأى ذلك منهما ولم يسككمع كلمهمككا لبعككد المسككافة‬
‫فأخذت الفكار تتدافع في رأسه حيث لم يكن يسمح لخدم قصر الملك بالذهاب إلى القصر‬
‫الخر‪ ,‬ثم تلك الطريقة التي كانا يتحدثان بها وسرعة ذهابهما معاا‪.‬‬
‫في الطريق إلتقى المير والبستاني بزوجته الميرة جالسة في حديقة قصرها على طاولة‬
‫تنتظر قدومه هناك ‪ .‬فتوجه اليها المير وأمسك بيكدها وأطلككق كلمكه واحككده مككن فمكه فككي‬
‫ل ‪ً:‬ا أنجبت‪ .‬وإذ تلقت عيناهما أغنت عن التفسير فقفكزت مكاري مكن كرسكيها‬ ‫عينيها قائ ا‬
‫تعدو والمير خلفها يتسابقان إلى سكنات الخككدم ومككن ورائهمككا البسككتاني‪ .‬داخككل الثلثككة‬
‫تتقدمهم الميرة ماري يدفعها الفضول إلى حيث ترقد زوجه البستاني بوجككابت‪ .‬فككإذا هككي‬
‫راقدة على سريرها وبجانبها طفل صأغير ملفككوف بخرقككة‪ .‬فتقككدمت مككاري مككن الصككغير‬
‫وحملته‪ .‬عندها استيقظت بوجابت لتنظر إلككى الميككره بنظككرة تعبككة فابتسككمت لهككا مككاري‬
‫وهي تمسك بالمولودا بين ذراعيها وقالت لها ‪ً:‬ا صأبية ؟ هزت رأسها بوجابت بنعكم عنكدها‬
‫قبلت ماري الصغيرة وخلفها زوجها المير يككداعب أنككف الصككغيرة‪ .‬فخلعككت مككاري مككن‬
‫صأدرها سلسلة ذهبية تنتهي بقلداة مرصأعة بحجر كريم أخضر كبير وألبسككتها للرضككيعة‬
‫وذلك كان كل ما تتمناه زوجة لم تكمل ثلثة أشهر من زواجهاوهو أن تصبح أماا‪.‬‬

‫في اليوم التالي إستدعى المير كبير الخدم وعرض أن يشتري بوجابت لتخدم في قصككره‬
‫ل عن ذلك القسم مككن أمككور الخككدم‪ ,‬إنمككا أصأككبح‬ ‫ولكن كبير الخدم ردا قائلا ‪ً:‬ا لم أعد مسؤو ا‬
‫الوزير هو من يحددا ملكية خدم قصر الملك ياسيدي‪ .‬عندها ضاق صأدر المير لعلمككه أن‬
‫الوزير بالتأكيد سيرفض طلبه لما يكنه له مككن بغككض وعككدم توافككق‪ .‬فقككال لكككبير الخككدم ‪ً:‬ا‬

‫‪5‬‬
‫حسناا ل بأس أكتم هذا المر وسأحدثا أخي الملك في المر‪ .‬وانصرف عنه المير داونمكا‬
‫يبدي مخاوفه لكبير الخدم ‪.‬‬
‫الوزير استطاع أن يشتري أحد خدم قصر المير ليأتيه بالخبار عن علقة بستاني قصر‬
‫الملك بالمير‪ ,‬فوعده ذلك الخادام بالخبكار الكاملكة‪ .‬إنقضكى ذلكك اليكوم علكى ذلكك وفكي‬
‫اليوم التالي ما بين اجتماعات الملك ومحاداثاته وكالعاداة حتى الظهيرة رجككع الميككر إلككى‬
‫قصره وذهب هو وزوجته ماري للطمئنان على ضيفتهما الصغيرة ‪.‬‬
‫خرج بالليككل أحككد خككدم الميككر لملقككاة الككوزير فكأخبره بالموضككوع ومككا حككدثا مككن أمككر‬
‫البستاني مع المير‪ ,‬ومن نية المير الطلب من الملككك نقككل ملكيككة بوجككابت إليككه‪ .‬فككأجزل‬
‫الوزير له العطككاء وانصككرف الخككادام مسككروراا‪ .‬وبعككد قليككل خككرج الميككر لملقككاة الملككك‬
‫ل قبل أن يفترقا للنوم‪ .‬فدخل على الملك المكتبة فقال له الملككك ‪ً:‬ا هككل‬ ‫كالعاداة يتسامران قلي ا‬
‫رأيت المرصأد الذي بنيته ؟ ردا المير ‪ً:‬ا ليس تماما سيدي ‪ .‬فقال الملككك ‪ً:‬ا إذا تعككال نككذهب‬
‫لتفحصه‪ .‬تقدم الملك والمير من خلفه حتى خرجككا إلككى ربككوة عنككد احككدى زوايككا حديقككة‬
‫القصر حيث شيد هناك برج عالي‪ .‬وإذهما في الطريق قريبا من البرج لحق بهما الككوزير‬
‫فتسلق الثلثة سلم ذلك البرج من دااخله حتى أعله حيككث غرفككة المرصأككد‪ .‬فتككوجه الملككك‬
‫إلى قطعة نحاسية كبيرة ذهبية اللككون ذات حلقككات ومسككننات مطلككة مككن فتحككة كككبيرة فككي‬
‫الغرفة نحو السماء‪ .‬فقال الملك للمير ‪ً:‬ا هل تعلم ما هذه يا نحميا ؟ تقككدم الميككر يتفحككص‬
‫تلككك الككدائرة الذهبيككة ذات الككدوائر الداخليككة الصككغيرة وعليهككا نقككوش ورمككوز وأعككدادا‪.‬‬
‫والوزير ينظر إليه من خلفه فقال المير ‪ً:‬ا أظنهككا هككذه هككي الككتي يقككرأ بهككا كتككاب السككماء‬
‫سيدي‪ .‬فتقككدم الملككك الككى حيككث يقككف الميككر بجككانب القطعككة وهككو يقككول فرحككا ا بالجابككة‬
‫‪ً:‬اأصأبت‪ ,‬إنها ما نسميه السطرلب‪ ,‬بها نعرف المسافة بين النجوم والكواكب‪ ,‬وإرتفاعها‬
‫وهبوطها‪ ,‬وكلها معلومات مسجلة منذ القدم‪ ,‬وعن طريق هككذه الدااة نسككتطيع تحديككد إسككم‬
‫ذلك النجم أو الكوكب‪ .‬ثم قال المير للملك ‪ً:‬ا الحقيقة هناك ما أريد أن أسككالك أن تلككبيه لككي‬
‫يا مولي‪ ,‬وأرجو أل يخيب رجائي‪ ...‬وكان يريد أن يفاتحه في موضككوع بوجككابت ولكككن‬
‫ل ‪ً:‬ا مولي الملكك هكذه الكتكب الكتي أمكرت أن نحضككرها مكن‬ ‫الوزير قاطعهما بسرعه قائ ا‬
‫مكتبة قصركم‪ ,‬كلها هنا‪ .‬وكانت هنككاك طاولككة وأرفككف وضككعت عليهككا بعككض الخرائككط‬
‫السماوية والوراق‪ .‬فتنبه الملك إليها وأخذ يتفحصها فقال ‪ً:‬ا نعم كلها هنا‪ .‬ثم وقككف الملككك‬
‫عند الطاولة حيث وضع عليها ذلك الكتاب الضخم ‪ .‬ففتحككه وقلككب صأككفحاته والميككر مككن‬
‫خلفه ينظر إليه مندهشاا من عدم مبككالته بشككيء آخككر غيككر كتبككه‪ .‬ثككم قككال الملككك ‪ً:‬ا يككاأخي‬
‫الصغير هل تعلم من صأاحب هذا الكتاب العظيم ؟ أجابه المير بتحفظ ‪ً:‬ا تعلم يا‬
‫مولي أنه ليس لدي شغف بالنجوم وكواكب السماء كمككا لمككولي الملككك الخككبرة الواسككعة‬
‫في هذا المجال وخبرة أوسع بالكتب‪ .‬رفع الملك بصره من على الكتاب ونظر إلى وزيره‬
‫وكأنه يحول السؤال إليه‪ .‬فتنبه الوزير و ق ال ‪ً:‬ا إنكه كتكاب سكليمان يكا مكولي ‪ ...‬سكليمان‬
‫الملك‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا نعم نستطيع أن نقول أنه لسليمان‪ ,‬أو ال صأح أنه أحد كتبه‪ ,‬لقككد كككان‬
‫للملك سليمان وزيراا يقكال لكه آصأكف بكن برخيكا بكن شكمويل‪ ,‬وككان يعلكم السكم العظكم‬
‫ويكتب كل شكئ بكأمر سككليمان ويكدفنه تحككت كرسكي عكرش سككليمان‪ ,‬فلمكا مكات سكليمان‬

‫‪6‬‬
‫أخرجت الشياطين تلك الصحائف والكتب فكتبوا بين كككل سككطرين سككحراا‪ ,‬وقككالوا للنككاس‬
‫هذه كتب سليمان‪ .‬ووضع الملك أجمنون يده على الكتاب قائلا ‪ً:‬ا وهككذا أحككدها ‪ ,‬وقككد كككان‬
‫خاتم سليمان الذي حكككم بككه النككس وخضككعت لككه الجككن بككه‪ ,‬وسككخر بككه الطيككر والككوحش‬
‫والرياح والمطار‪ ,‬يحتوي على سبعة أحرف هي سر ذلك الخاتم‪ ,‬وقبككل مككوته وزع تلككك‬
‫الحرف على سبعة مدن‪ ,‬وضع في كل مدينة حرفاا في مفتاح منها‪ .‬وأشار الملك بيده إلى‬
‫السطرلب قائل‪ً:‬ا وهذا سككبب بنككاء هككذا المرصأككد‪ .‬ورجككع الملككك إلككى الكتككاب وفتككح فيككه‬
‫صأفحة وقال ‪ً:‬ا فقد ذكر هنا أن بإجتماع هذا الكوكب مع هذا النجم وذلك ل يحككدثا إل كككل‬
‫عدة قرون من السنين‪ ,‬فإذا حدثا وجامع الرجل زوجته في ساعة إفترانهما فإنها تنجككب‬
‫ولداا يستطيع أخذ وفك تلك المفاتيح السبعة‪ ,‬وهو فقط الوحيد الذي يستطيع أن يخرج تلككك‬
‫المفاتيح من أقفالها‪ ,‬ول غيره يمتلك تلك المقدرة‪ .‬وكان الملككك يقككول ذلككك وأعيككن الميككر‬
‫والوزير مستغرقه بين تكذيب وتشويق حتى صأدمهما الملك بالقطع قائل ‪ً:‬ا وذلككك الرصأككد‬
‫هو الليلة‪ ,‬بعد منتصف الليل في الساعة الساداسة تماما‪ .‬وأشار بيده إلككى القطعككة النحاسكية‬
‫قائل ‪ً:‬ا كما أوضح ذلك كتاب السماء بهذا السطرلب‪ .‬ثم توجه الملك إلى الحائط وكككانت‬
‫هناك خريطة معلقة للمدن السبعة مكن ضككمنها مككدينته زيتككا‪ .‬فوضكع الملكك إصأكبعة علككى‬
‫مدينة) زيتا( وكانت أول الخريطة وقال ‪ً:‬ا هذا نحن‪ .‬وأشار بيده إلى المدن الستة الخككرى‬
‫ل‪ً:‬ا وهذه المدن السته‪ ,‬فبعد أن يتم لنا ذلككك نزحككف علككى هككذه المككدن ونأخككذ مفاتيحهككا‪.‬‬ ‫قائ ا‬
‫والتفت الملك إلى الثنين من خلفه وهما كأنهمككا يسككتمعان إلككى قصككة خرافيككة حككتى قككال‬
‫المير ‪ً:‬ا وهل نملك نحن أحد هذه القفال ‪,‬أعني المفاتيح السبعة ؟ قككال الملككك ‪ً:‬ا نعككم ومككن‬
‫يملكها كلها يملك الملك السليماني‪ .‬وفتح الملك ذراعية بوسع قكائل ‪ً:‬ا أي العكالم كلكه تحكت‬
‫تصرفه ‪ .‬هبط الجميع من البرج وانصرف الملك إلى قصره واثقا مما خطط له‪ .‬ولم يكككن‬
‫حال صأاحبية كذلك‪ .‬فقد بدت في رأسيهما وكأنها قصة أسطورية مبالغ فيها ‪.‬‬
‫ذهب المير إلى قصره وبفارغ من الصبر كي يخبر زوجتككه بتلككك القصككة المسككليه حككتى‬
‫يتسامرى بها‪ .‬أما الوزير فوجككدها فرصأككة سككانحة للقضككاء علككى خصككمه الميككر‪ ,‬فككذهب‬
‫واتفق مع احدى خدم قصر الملك أن تضع المنوم للملك في تلك الليلة‪ ,‬فوضعت له المككاداة‬
‫في إبريق شرابه ووضعته بداخل غرفته‪ .‬وعندما إنتهككى الملككك مككن مكتبتككه داخككل غرفتككه‬
‫وغير ملبسه وارتشف من ذلك البريق وقبل نومه حدثا امراتككه وأوصأككاها بككأن تككوقظه‬
‫بعد منتصف الليل لمر بغاية الخطككورة‪ ,‬وشككددا عليهكا فكي ذلككك حكتى أنككه احتكاط ونكاداي‬
‫إحدى الوصأيفات وأمرها بأن توقظه في تلك الساعة وعلى ذلك نام الملك‪.‬‬
‫أما الوزير فقد كان في الحديقة يبحث عن البستاني‪ .‬فوجده في السطبل فدخل عليه وقال‬
‫له ‪ً:‬ا إسمع يا هذا ‪ً:‬ا إقترفت ذنبا ل يغتفر في حق خدم قصر الملك‪ ,‬ل تحككاول النكككار فأنككا‬
‫أعلم بأمر المولوداة الصغيرة ‪.‬عندها خرجت روح البسككتاني مككن عينيككه عنككدما تيقككن أنككه‬
‫هالك ل محالةحتى قال الوزير ‪ً:‬ا ولكن أستطيع وأنا وحدي أن أخرجك من هككذا المصككير‪.‬‬
‫عندها دابت الحياة فككي البسككتاني مككن جديككد لككوهله وقاطعككة الككوزير قككائل‪ً:‬ا ولكككن بشككرط‪.‬‬
‫فأطرق البستاني رأسه وجشكأ بالبككاء فصككفعه الككوزير صأكفعه قويكة رمتككه أرضككاا‪ .‬وأخككذ‬

‫‪7‬‬
‫البستاني يصيح ويقول ‪ً:‬ا أي شئ‪...‬أي شي ياسككيدي آمرنككي أنفككذه فككي الحككال ‪.‬عنككدها قككال‬
‫الوزير وهو يرفع أنفه ‪ً:‬ا إذا إسمعني جيداا ‪.‬‬

‫المير نحميا داخل غرفته وكانت مككاري بانتظككاره فسككاعدته فككي خلككع ثيككابه وقككالت ‪ً:‬ا لقككد‬
‫تأخرت هذه الليلة بعض الشيء‪ .‬وارتمت ماري على عرض السككريرعلى بطنهككا فتبعهككا‬
‫المير وارتمكى بجانبهكا قكائل ‪ً:‬ا لكن تصكدقي هكذا‪ ,‬فقككد ذهبنكا لرؤيككة المرصأككد الكذي بنكاه‬
‫أجمنون‪ .‬فقالت ماري ‪ً:‬ا وما العجيب في ذلك ؟ فقال ‪ً:‬ا العجيب هو القصة الككتي خككرج بهككا‬
‫أجمنون علينا‪ ,‬فقالت مستنكره‪ً:‬ا علينا ! من أنتم؟ قال ‪ً:‬ا أنا ووزيره ذلككك الشككيطان‪ .‬قككالت ‪ً:‬ا‬
‫لكن أتعلم أن الملك طيب القلب ويحبك ولكن الككوزير هككو مككن يككوغر عليككك عنككده ويفسككد‬
‫بينكما‪ .‬قال المير‪ً:‬ا هذا أمر طبيعي‪ ,‬فالوزير يعلم أني أستطيع أن أخككبرأخي عككن قسككوته‬
‫في معاملة الناس وتسلطه وجبروته وظلمه ليككس ذلككك فقككط بككل ونصككبه وجمعككه المككوال‬
‫لحسابه الخاص‪ ,‬بل حتى وسرقته من أموال المملكة‪ ,‬لذلك هو يكرهنككي ويشككوه صأككورتي‬
‫عند أخي حتى إذا ما حاولت فضحه ل أجد أذن صأاغية عند أخي الملك‪ .‬ثم نهككض نحميككا‬
‫عن السرير وتوجه ليسكب كأسين مكن الشكراب‪ .‬وإذ هككو يصكب الشككراب اسككتقبل باتجكاه‬
‫ماري وأكمل يقول ‪ً:‬ا ليس هذا العجيب‪ ,‬بل ان أجمنون يدعي أن من عاشر زوجتككه الليلككة‬
‫أنجبت إبنا يملك قوى خارقة وقصةهناك عن مفاتيح‪ ..‬وخاتم سككليماني‪ ..‬وامتلك العككالم‪..‬‬
‫ل أداري أعتقد أن أجمنون قد أكلت الكتب رأسه فبدأ يخرف قبككل أوانكه‪ .‬قكال الميككر ذلككك‬
‫بعدم مبالة وهو يتقدم إلى السرير وفككي يككده كأسككين مككن الشككراب‪ ,‬وإذ يمككد الميككر كأسككا‬
‫لزوجته فإذا هي قد سرحت تفكر فيما قاله بشده ثككم أخكذت الككأس مكن يككده وقكالت ‪ً:‬ا لعلككه‬
‫اختبار من الملك‪ .‬ردا عليها بتعجب ‪ً:‬ا وكيف ذلك؟ قككالت ‪ً:‬ا ليعلككم أيككا منكمككا سككيحاول فعككل‬
‫ذلك فمن فعل علم أنه طامع بالسلطة‪ .‬فكر المير قليل وقال ‪ً:‬ا معككك حككق يمكككن أن يكككون‬
‫المر كذلك ‪,‬ل بد وأنها خدعة‪ ,‬وإل لماذا يفصح لناعن سر خطير كهذا ‪ ,‬وبتلك الهميككة‪,‬‬
‫وإل احتفظ به لنفسه إن كان ينوي امتلك العالم‪ ,‬لماذا يريد أن يسككبقة أحككدالى ذلككك‪ .‬وداق‬
‫المير كأسه بكاس ماري وارتشفا من الشراب وهما ينظران إلى بعضهما بتغزل ثم قالت‬
‫‪ً:‬ا ولما ل نفعلها ؟ قال ‪ً:‬ا هل تصدقين أمرأ كهذا ؟ فقالت ‪ً:‬ا نحن نفعلها فكي مطلكق الحكوال‬
‫فلم ل نفعلها؟ قال ‪ً:‬ا ولكنه إشترط أن يكون ذلك بعد منتصف الليل أي في الساعة الساداسة‬

‫تماما‪ .‬قالت ‪ً:‬ا ل بأس نتسامر إلى حين ولم يبقى إل القليككل‪ .‬وفعل فعل مككا خططككا لككه فككي‬
‫الساعة الساداسة بعد منتصف الليل ‪.‬‬

‫أما الملك أجمنون فإنه صأحا من نومه فاذا قد تجاوزت السككاعة السككابعة ‪,‬أي فككات الككوقت‬
‫المطلوب بساعة فجن جنونه وضرب زوجته واستدعى الوصأيفة وارادا قطع رأسككها لككول‬
‫أن زوجته أخبرته أنهككا حككاولت إيقاظككة بكككل الطككرق فلككم يسككتيقظ ‪ .‬فلككم يصككدق حككتى أن‬
‫زوجته أخذته إلى سريره وأرته أثر بلل الماءعلى فراشه والذي رشككته عليكه فكي محاولكة‬
‫أخيره ليقاظه ولكنه لم يستيقظ‪ .‬فتحسس الملككك السككرير فوجككده فعل رطبككا وإذ ذاك فتككح‬

‫‪8‬‬
‫الملك الكتاب السليماني ونظر فيه ثم ذهب إلى زوجته قككائل ‪ً:‬ا ل بكأس الكتكاب يشكير إلكى‬
‫أنه بعد ذلك الكوكب يقككترن بكككوكب بعككده بسككاعة فمككن عاشككر زوجتككه فيككه ولككدت أقككوى‬
‫الرجال‪ .‬وهكذا فعل راضيا بأقل القليل مما كان يطمح إليه ومما كان ينتظره زمنا طوي ا‬
‫ل‪.‬‬

‫في تلك الليلة والجميع نيام ما عدى بوجابت وحبيبها البستاني‪ .‬فها هي وهو في السككطبل‬
‫يعرض عليها ما شرطه عليه الوزير فقال البستاني لبوجابت ‪ً:‬ا لقد طلككب منككي الككوزير أن‬
‫أذهب في الصباح إذا ما رأيت المير قد داخل على دايوان الملك وأخبره أن المير نحميككا‬
‫طلب منك وضع منوم في شراب الملك ليلة البارحة أي هذه الليلة وذلك كككي يفككوت علككى‬
‫الملك فرصأة إنجاب ولد يحكم العالم ويسككتأثر هككو بككذلك مككن داونككه فيككؤل إليككه الحكككم فككي‬
‫المملكة من داون الملك وأولداه من بعككده‪ ,‬وأن تشككهدي معككي علككى ذلككك‪ ,‬عنككدها سككيعتقك‬
‫الوزير لنتزوج‪ .‬ل‪ ..‬ل يمكن‪ .‬قالت بوجابت ذلك وأعطت ظهرها للبستاني ثم قالت ‪ً:‬ا هككل‬
‫تريدني أن أخون من أحسن إلينا بل‪ ..‬وأكذب‪ ..‬وأشهد زوراا‪,‬هل هككذا مككا أنككت عليككه؟ هككل‬
‫هي كذلك أخلقك التي أحببتك من أجلها؟ ردا البستاني ‪ً:‬ا الوزير أقككوى مكككانه عنككد الملككك‬
‫من أخيه المير‪ .‬قالت ‪ً:‬ا وكيف سيصدق الملك ما نقول؟ قال ‪ً:‬ا سككندعي أنككه هككددانا بفضككح‬
‫أمرنا لدى الملك وبالقتل إن لم نفعل‪ ,‬عندها من غير المعقول أن ل يصدق الملككك إداعائنككا‬
‫عليه‪ .‬قالت ‪ً:‬ا ولما نؤذي من ساعدنا؟ المير وزوجته من أطيب الخلق ‪,‬ل يستحقان ذلك ‪,‬‬
‫وخاصأة منا‪ ,‬أنا وأنت من إستضافانا‪ .‬قال ‪ً:‬ا أنت ل تفهمين‪ ,‬لقد هددا الوزير بقتلي وقتلككك‪,‬‬
‫بل وقتل الطفلة قبل ذلكك ‪,‬هكل تريكدين أن تشكاهدي طفلتكك تقتكل أمامكك؟ عنكدها تكردادات‬
‫بوجابت وهي تفكر في مشهد إبنتها الصغيرة تذبح أمككام ناظريهككا فصكككت وجههككا بكفيهككا‬
‫وأخككذت بالبكككاء مككن فضككاعة المشككهد ‪ .‬ثككم هككزت رأسككها بالنكككار وهككي تقككول ل ‪ ...‬ل‬
‫وانطلقت تجري باكية إلى السكنات بينما ظل البستاني بالسطبل فككوق كككومه القككش يفكككر‬
‫ويقول لنفسه لوفعلنا ما طلب الوزير ل أظن أن الملك يعاقب أخاه هككم ملككوك وأمككراء مككع‬
‫بعضهم أما نحن فنحن مستضعفون من سيدافع عنا ل أظن أن يلحق به الذى إنهم كككبراء‬
‫ونحن صأغار جدا‪ .‬وقضى البستاني ليلته ساهرا بتأنيب الضمير‪ .‬مره يككراه مناسككبا ومككره‬
‫أخرى تغلب عليه أخلقه الكريمة فيستنكر ويرفض ‪.‬‬
‫طلع الصباح والجميككع عنككد الملكك فككي مجلسككه‪ .‬إذ داخكل عليككه أخككوه الميرنحميككا فحيككاه‬
‫وجلس في مكانه المعتادا‪ .‬لحظ المير نحميا أن الملك واجما وكأن الطير على رأسه‬
‫والوزير كالمعتادا على يمين الملك أجمنون قبالة المير ينظر إليه واثقا من مخططه الككذي‬
‫أعده له‪ .‬تكلم المير نحميا وكسر السكون في المجلس وقال ‪ً:‬ا مككولي الملككك‪ ,‬إن مطابككخ‬
‫قصر مكولي أجمنككون العظيككم تزخكر بأفضكل الطبكاخين فكي البلدايككن كلهككا‪ ,‬بكل وتفخكر‬
‫بأكثرهم عدداا‪ ,‬فلو يأذن لي مولي بإحدى الطباخات تنضم إلى مطبخ بيتي المتواضع من‬
‫فضله ومنه‪ .‬نظر الملك أجمنون إلى نحميا وقطب حواجبه باستغراب لطلبه السخيف ذاك‬
‫ولن شيئا أكبر من ذلك يشغل باله فلم يهتم كككثيراا وقككال ‪ً:‬ا حسككنا أذنككا لككك‪ .‬وتككوجه الملككك‬
‫بالكلم إلى الوزير قائل ‪ً:‬ا فليضم المير من يشاء من المطبخ إلككى قصككره ولككم يتككم الملكك‬
‫كلمه حتى داخل عليهككم المجلككس البسككتاني ووقككع فككي وسككطه سككاجدا متضككرعا صأككائحا‪ً:‬ا‬

‫‪9‬‬
‫مولي عفوك وحلمك يا مولي الملك العظيم أجمنون‪ .‬نظر إليه الملك وقال ‪ً:‬ا قككف وتكلككم‬
‫يا هذا من أنت ؟ ولي شيء جأت ؟ وكيف داخلت ؟ وقككف البسككتاني بذلككة وخضككوع وقككد‬
‫اندهش المير نحميا منه ومن فعله وأصأبحت عينككا الميككر فككي رأسككه بينمككا إتسككع صأككدر‬
‫الوزير وانشرح ببككدأ مخططككه بالتنفيككذ فقككال البسككتاني ‪ً:‬ا مككولي الملككك أرجككو أن تككأمنني‬
‫بعفوك إن تكلمت‪ .‬فقال الملك لضيق مككا ألككم بككه تلككك الليلككة ‪ً:‬ا تكلككم ل ضككرر عليككك‪ .‬فقككال‬
‫البستاني ‪ً:‬ا لقد نشأت علقة بين عبدك وخادامك الفقيككر هككذا وطباخككة مككن مطبككخ قصككركم‬
‫العظيم فولدت منها بنتا قبل ثلثا ليالي يا مولي‪ ,‬في سكككنات خككدم قصككر أخيكككم الميككر‬
‫نحميكا ‪.‬عنكدها نظكر الملكك إلكى نحميكا فكاحمرت عينكا الملكك واشكتط غضكبا فرجكع إلكى‬
‫البستاني وقال ‪ً:‬ا أكمل قبل أن أقطع رأسك‪ .‬فقال البستاني ‪ً:‬ا الفتاة أم إبنتي تككدعى بوجككابت‬
‫فاستدعاها المير بعككد أن ولككدت طفلتهككا وهككدداها بفضككحها لككديكم إن لككم تضككع‪ ...‬فسكككت‬
‫البستاني خوفا ونظر إلى المير نحميا فقال له الملك بغضب وقد إصأطكت أسنانه ‪ً:‬ا تضع‬
‫مككاذا ؟ فقككال البسككتاني‪ً:‬اأمرهككا مقابككل تسككتره علينككا أن تضككع لجللتكككم المنككوم فككي أبريككق‬
‫الشراب‪ ,‬وسمعت بوجابت المير نحميا وزوجته يقولن الملك لم ينجب غير ثلثا إناثا‪,‬‬
‫كما سمعتهما يتآمران على نقل الملك فككي ذريتهمككا وأن وضككع المنككوم لمككولي جككزأ مككن‬
‫الخطة ‪ .‬عندها التفت الملك إلى أخيه المير الذي إنعقد لسانه من صأدمة الخيانة وقككال لككه‬
‫الملك‪ً:‬ا هل كنت تعلم بأمر هذا البستاني وتلك الفتاة ؟ هل هي هذه الطباخككة الككتي سككألتنيها‬
‫قبل قليل ؟ فأجاب المير متلعثما خائفا ‪ً:‬ا نعم يا مولي ولكن‪ ...‬ولم يتم حديثه حيككث داخككل‬
‫على الملك طبيب القصر وبيكده البريكق الكذي شكرب منكه الملككك فكي تلككك الليلكة وقكال ‪ً:‬ا‬
‫صأحيح ما ظننته يا مولي إن هذا الشكراب يحتكوي فعل علكى المنكوم‪ .‬فكي تلكك الثنكاء‬
‫كانت بوجابت في قصر الميره ماري تخبرها عن المؤامره فتقدم الملك من المير نحميا‬
‫ولم يعطه فرصأة للدفاع عن نفسه واستل خنجكرا مكن وسكطه حكتى أن وصأكل الملكك إلكى‬
‫المير فإذا ماري تدخل المجلس مسرعة‪ ,‬فرآها الملك وهي تبكي زوجها فرق قلبككه علككى‬
‫أخيه وأمر الجند بأخذه إلى السجن وتكفل الوزير بذلك بكل سرور‪ .‬أما الميره ماري فقككد‬
‫حاولت التدخل لمنع الجند من أخذ زوجها واسترحمت الملك في أخيه المير الككذي وقككف‬
‫هناك بأيدي الجند يجرونه وهو يرى زوجته في الذل والمهانة‪ .‬رجع الككوزير مككن السككجن‬
‫حيث إطمأن على حبس المير نحميا فقال له الملك ‪ً:‬ا فلتسجن الميرة ماري في قصرها‬
‫ل يدخل عليها أحد ول تخرج منه حتى تلد‪ ,‬وبعد أن تلد نأخذ ولدها فنربيه فل يعرف أباه‬
‫ونقضي به حاجتنا‪ .‬فقال الوزير للملك‪ً:‬ا هل تأمر بقتل المير نحميككا يككا مككولي؟ ردا عليككه‬
‫الملك مباشرة ل ‪ ..‬ل ليس الن داعني أنظر في أمره إلى حين إذهب وأفعل ما أمرتك به‪.‬‬
‫إنصرف الوزير وجلس الملك على كرسككيه وقككد زادا همككه وغمككه‪ .‬الككوزير خككاف مككن أن‬
‫الملك بعد حين يعفو عن أخيه المير فدبر مكيدة مع البستاني لمحاولة تهريب الميككر مككن‬
‫سجنه فطلب البستاني وقال له ‪ً:‬ا لم تنتهي مهمتك بعد لكككي تنجككو بجرمككك عليككك أن تمثككل‬
‫وسيله لتهريب المير من سجنه وعند ذلك يكون الجنككد بإنتظككاره فيقتلككوه ونتخلككص منككه‬
‫للبد‪ .‬وافق البستاني الوزير‪ .‬واتفق مع بوجابت على وضع المنوم للحراس في تلك الليلة‬
‫ولكن البستاني لم يكن ينوي إرسال المير إلى حتفه وإنما كان فعل ينككوي إنقككاذه وعنككدها‬

‫‪10‬‬
‫يمكن أن يقول أنه قد نفذ الجزأ الخاص به من مهمته بتسككهيل فككرار الميككر ولكككن الخطككأ‬
‫ليس خطاه وإنما خطأ الجند وبذلك يتخفف من ألم تعككذيب الضككمير لديككة‪ .‬فاحضككر عربككة‬
‫ووضعها خارج بوابة المدنية ‪.‬‬
‫ذهبت بوجابت إلى مطبخ قصر الملك واتفقت مع زميلتها علككى وضككع المنككوم للحككراس‬
‫وأن تقدمه لهم إحدى الخادامات ‪ .‬وبعد أن نام الحرس كانت بوجابت تحمل طفلتها ومعهككا‬
‫ماري عند العربة ينتظران‪ ,‬بينما داخل البستاني السجن وحررالمير وإذا همككا لككدى بككاب‬
‫السجن قابلهما الوزير فاستل البستاني سيفا من أحد الحراس النيام وداارت بينهمككا معركككة‬
‫سرعان ما حسمها الوزير المتمرس على حمل السلح وليس كالبستاني الذي لم يتعودا إل‬
‫على قص الحشائش فضربه علككى رأسككه فشككجه صأككريعا وأرادا أن يبطككش بككالمير ولكككن‬
‫الوزير تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف‪ ,‬لقد كانت تلك بوجابت إستخدمت عصككى‬
‫قويكة فكأوقعته مغشكيا عليكه وألبسكت بوجكابت الميكر لبكاس النسكوة وانطلقكا إلكى البوابكة‬
‫متخفيان‪ .‬وإذا هما في لحظة خروجهما من الباب الكبير حيث الميرة مككاري فككي العربككة‬
‫تحمل طفلة بوجابت يصرخأ عليهم الوزير وهو يجككرى بإتجككاههم والككدماء قككد سككالت مككن‬
‫رأسه قائل ‪ً:‬ا أوقفوهم ‪ .‬وحالما سمع الفارين ذلك أركب المير نحميا بوجابت فككي العربككة‬
‫وإذ يهم المير بالقفز إلى العربة أطلق أحد حراس السور سهما بإتجاههم فأصأاب الميككر‬
‫نحميا فوقع على الرض ثم توالت السهام عليهم فجفلت خيول العربككة وانطلقككت مسككرعه‬
‫بينما تنظر ماري إلى زوجها ملقا على الرض وقد غرز السهم ظهره وهككو ينظككر إليهككم‬
‫يبتعدون مشيرا إليهم بيده موداعا زوجته ماري التي أخذت تراقبة و تبكي إذ العربة تبتعككد‬
‫بهم وتنطلق وراءهككم ثلككه مككن الخيككاله يقككوداهم الككوزير وتجككري المطككارداة عككبر الغابككات‬
‫المظلمة وقلب الميرة ماري مع زوجها متأملة أن يكون قد نجككى مككن ذلككك السككهم القاتككل‬
‫وقد غسلت الدموع وجهها‪.‬‬
‫أخذت العربة مجكرى جانبيككا مكن الطريككق‪ .‬وعلكى بضكعة أميكال فككي أخكر ذلكك الطريككق‬
‫علمت بوجابت التي أمسكت بلجام الخيل أن أفضل وسيلة لهم البتعادا عن الطريككق العككام‬
‫والختباء وإل عثروا عليهم إذا ما استمروا بالحراك‪ .‬فأوقفت العربة عند مفككترق طريككق‬
‫و ترجلتا عنها‪ .‬ثم ضربت بوجابت الخيول لتعدوا في الغابة الكثيفة وهما بدورهما نزلتا‬
‫منحككدرا كثيفككا مليككء بالشككجار‪ .‬بعككده شككاهدتا كوخككا فككي أسككفل المنحككدر فتوجهتككا إليككه‬
‫مسرعتان‪ .‬وداخلتا من باب الكوخأ علككى سككرعة ووجككل فككإذا هككو كككوخأ مليككء بالحاويككات‬
‫الزجاجية الصغيرة والمتوسطة وبعض الجهزة الغريبه والوراق والقراطيس والمناضد‬
‫الخشبية وكأنه مستوداع بل وكأنه مختبر ‪.‬‬
‫دافعت بوجابت باب الكوخأ بقوة داخولا إلككى غرفتككه وتبعتهككا مككاري ورائهككا ممسكككة بككذيل‬
‫ثوبها حتى أصأبحتا على بضع خطككوات مككن البككاب بككداخل تلككك الغرفككة الرثككة‪ .‬فالتصككقتا‬
‫بجدار الغرفة وقد إنقطعت أنفاسهما من الجري وشخصت أبصارهما حينما رأتا رجل ذو‬
‫شعر كثيف وقد علككى بعككض البيككاض شككعر رأسككه وفككي بعككض جكوانب لحيتككه خصككلت‬
‫بيضاء‪ .‬واقفا أمام إحدى المناضد يعمل على شيء وقد إلتفت إليهما لفتككة دافاعيككة‪ .‬تككوجه‬
‫إليهما الرجل وقال متفحصا هاتان السيدتان اللتان قد بدتا مككن ملبسككهما أنهمككا ليسككتا مككن‬

‫‪11‬‬
‫العامككة‪ .‬وأحككدهما قككد بككدت ملبسككها وحليهككا تنطككق بوضككوح علككى ثرائهككا‪ .‬مككن أنتمككا ؟‬
‫وماالذي أتى بكما علي هكذا ؟ ردات عليه بوجابت ‪ً:‬ا هناك من يطاردانا من الرجال خلفنككا‪,‬‬
‫أرجوك أل يوجد مكان نختبأ فيككه عنككدك حككتى رحليهككم؟ نظككر الشككيخ نظككرة سككريعة إلككى‬
‫المكان‪ .‬والتفت وراءه ناظراا إلى بعككض المككداخل مككن تلككك الغرفككة حيككث بعككض الغككرف‬
‫الخرى ولكنه علم أنهم إذا ما فتشوا المكان لن يجدوا صأعوبة في إيجاداهما حيث ل يوجد‬
‫مخبأ عنده لهما‪ .‬فتوجه مسرعا إلى بعض أوانيه الزجاجية وفتح إحداها وأخككذ بعكض مككن‬
‫ما يشبه الدقيق وأغلق فم الزجاجة على عجل وتوجه إلى السيدتان وقد سمع ضجة الخيككل‬
‫مقبلة على الكوخأ من الخارج وقال لهما ‪ً:‬ا مهما يحدثا إلزما مكانكما ول تتحركا ول تأتيككا‬
‫بأي صأوت‪ .‬وأخذ ينشر بعض من ذلك الدقيق على رأسككيهما قككائل ‪ً:‬ا ل تخافككا فقككط إلزمككا‬
‫السكون التام‪ .‬داخل الجنككودا بككاب الكككوخأ بقككوة حيككث لككزم الشككيخ مكككانه واقفككا بل حككراك‬
‫وكانت السيدتان على يسكاره مباشكرة خائفتكان تترقبكان ولككن الجنكودا لكم يبكدوا أي إنتبكاه‬
‫إليهما فلم يكونوا يستطيعون رأيتهما ‪ .‬عندها تقدم الوزير دااخل إلككى الغرفككة عككبر جنككوداه‬
‫إلى أن وصأل إلى منتصف الغرفة ثككم إسككتدار وواجككه الشككيخ وقككال لككه متتفحصككا المكككان‬
‫بنظككره‪ً:‬ا هككل جككاءك زوار منككذ داقككائق ؟ ردا الشككيخ ‪ً:‬ا نعككم سككيدي الفككارس‪ .‬عنككدها كككادات‬
‫السيدتان أن يغشى عليهما عندما سمعا الشيخ يقول نعم‪ .‬فقال الككوزير ‪ً:‬ا وأيككن همككا ؟ فقككال‬
‫الشيخ مشيرا إليهم والى الوزير ؟ أنتككم ياسككيدي ‪ .‬نظككر إليككه الككوزير بخبككث وهككو يتمشككى‬
‫متفحصا الغرفة وردا وجهه إلى الشيخ قائل ‪ً:‬ا ألم تأتك سيدتان مع طفلهما إلى هنا منذ قليل‬
‫؟ إنهما مجرمتان فارتان من العدالة وإيواء المجرمين عقوبته العدام‪ .‬وقد أشككار الككوزير‬
‫بأصأبعه إلى الشيخ عندها قامت الصغيرة من نومها وبدأت تتحكرك بعكض الشكيئ فكي يككد‬
‫بوجابت‪ .‬فخافت من أن تبدأ الصغيره بالبكاء فوضعت بوجابت إصأككبعها بهككدوء علككى فككم‬
‫الصغيرة فأخذت الصبية تمص إصأبع أمها وراحككت فككي سككبات عميككق‪ .‬ردا الشككيخ علككى‬
‫الوزير ‪ً:‬ا سيدي المكان ملكك وهو كما ترى ل أحد سوانا هنا‪ .‬أمر الوزير الجنودا بتفككتيش‬
‫المكان بينما بقي هو مع الشيخ فدخل الجند إلكى الغكرف المجكاوره ثكم رجعكوا فلكم يجكدوا‬
‫أحد‪ .‬فنظر إليهم الوزير وهم خالين الوفاض ثم قال وهو يخرج من الكوخأ مسرعا‪ً:‬ا هيا‬
‫بنا ل يمكن أن يكونا قد ابتعدا‪ .‬وخرج جميع الجند مككن الكككوخأ وانطلقككوا فككي إثككر مككاري‬
‫وبوجابت‪ .‬بعد فترة بسيطة من خروجهم قالت ماري ‪ً:‬ا شكراا لك إيهككا الشككيخ الطيككب لقككد‬
‫أنقذتنا من موت محقق‪ .‬عندها تحركت بوجابت فظهرتا للشيخ عيانا فقالت ماري للشككيخ‪ً:‬ا‬
‫ما هذا الذي رششته علينا فأخفانا عن العيون ؟ هل أنت ساحر؟ فقال الشككيخ وهككو يبتسككم‪ً:‬ا‬
‫ساحراا! بالتأكيد لست ساحراا يا سيدتي وإنما أنا طبيب‪ ,‬لست إل طبيب القرية‪.‬‬
‫رجع الوزير بالجنودا بعد تفتيش مضني بعد الفجر بقليل إلى المدينة فدخل الككوزير قصككر‬
‫الملك أجمنون مسرعا ليحمل إليه الخبار‪ .‬إستأذن الوزير على الملك باب غرفتككه فخككرج‬
‫إليه الملك قائل‪ً:‬ا ما الككذي أتككى بككك مبكككرا يككا لككوذا؟ قككال الككوزير ‪ً:‬ا اخبككار سككيئه مككولي‬
‫أجمنون‪ .‬فقال الملك‪ً:‬ا قل ما عندك لم تككزل الخبككار سككيئه منككذ إقككتران تلككك النجككوم‪ .‬قالهككا‬
‫الملك مستسلما‪ .‬فقال الوزير لوذا ‪ً:‬ا يجب أن تراها بنفسككك مككولي‪ .‬قككال أجمنككون ‪ً:‬ا حسككنا‬
‫إنتظرني عندك‪ .‬داخل الملك وارتدى ملبسه وخرج مع الوزير فأخذه الككوزير إلككى سككجن‬

‫‪12‬‬
‫القصر‪ .‬وعندما وصأل شاهد الملك الحرس ممدداين علككى الرض وقككد ضككرحوا بككدمائهم‬
‫فحزن لذلك المنظر‪ .‬ولكن ما أن رآ أخيه المير ممدداا بقربهم بل حراك وقد غككرس سككهم‬
‫في ظهره حتى إشتد حزن الملك وأقبل علككى أخيككه فوضككع رأسككه علككى حجككره متألمككا لككه‬
‫وقال‪ً:‬ا ما الذي حدثا ؟ قال لوذا وهو يشير إلى البستاني الممددا هناك وقد شق رأسككه إلككى‬
‫نصفين ‪ً:‬ا بمساعدة هذا الخائن مككولي لقككد سككاعد هككو وفتككاته الطباخككة مككع زوجككة أخيكككم‬
‫المير على قتل الحراس‪ ,‬وصأاداف أني كنت في الجوار فاستطعت التغلب على البسككتاني‬
‫ولدى محاولة أخيكم وزوجته والطباخة الهروب والفرار من البوابكة أطلكق الجنكد عليهكم‬
‫السهام فأصأابوا المير فأرداي قتيل كما ترى يا مولي‪ .‬قككال الملككك وقككد انسككابت الككدموع‬
‫من عينيه‪ً:‬ا وماذا حل بزوجته ؟ قال الككوزير‪ً:‬ا لقداسككتطاعتا هككي والطباخككة ومعهككا طفلتهككا‬
‫الفرار مولي‪ .‬قال الوزير ذلك وقد كان خلككف الملككك واقفككا وقككد ارتسككمت فرحككة غككامرة‬
‫على محياه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫أما من حال ماري وبوجابت ورضيعتها فقد باعتا مككا لككديهما مككن حلككي وثيككاب‪ ,‬واشككترتا‬
‫ثياب أخرى كحال الرعية‪ ,‬حتى أن بوجابت أرادات بيع تلك القلداة التي أعطتهككا الميككره‬
‫ماري لمولوداتها يوم ولداتها‪ ,‬ولكن ماري منعتها مككن ذلككك‪ .‬وعاشككتا معككا فككي كككوخأ ذلككك‬
‫الشيخ الطبيب الطيب‪ .‬وكون أن الميرة مكاري لكم تعتكد علكى العمكال اليدويكة فقكد ك ان‬
‫صأعبا عليها أن تتعودا على الطبخ والغسل و العمككال المنزليككة الخككرى‪ .‬ولكنهككا تعككودات‬
‫عليها بعد فترة بمساعدة بوجابت التي لم تسمح للميرة في البداية أن تعمل بيككديها‪ ,‬ولكككن‬
‫مع إصأرار الميرة ماري قامت بوجابت بتعليمها كل ما يلزم من متطلبات ربات الككبيوت‬
‫كما تناوبتا العتناء بالصغيرة التي أسمتها روثا ‪.‬‬
‫كان الشيخ يكسب رزقة من تطبيب أهل القرية‪ .‬فقد كان عالما متمرسككا فككي مهنككة الطككب‬
‫والعشاب‪ .‬قبل طلوع الشمس وظهورها تناول الشيخ سكينا ذات نصككل كككبير عريككض‬
‫معلقة بخيط على مسمار فككي الحككائط ‪ .‬وسككار بهككا ووضككعها علككى الطاولككة وتنككاول القلككم‬
‫وكتب على نصككلها بككالطول هككذه الحككرف كككل حككرف لوحككده ‪ .‬ط ل ق ض ر ا ط ثككم‬
‫خرج من باب الكوخأ يحمل السكين‪ .‬وأمسك بالسكككين بكلتككا يككديه ورفعهككا معامككدا جسككمه‬
‫بامتدادا ذراعية أمام وجهه ‪,‬وقابكل بالكتابككة ناحيكة شككروق الشكمس وأخككذ يتمتكم ويكردادا إذ‬
‫الشمس تظهر من الفق وتصيب بأشعتها ذلك النصككل ‪ً:‬ا بيككوهن بيككوهن بسمسككيم بسمسككيم‬
‫بيلهن بيلهككن سككبريوش سككبريوش شككيموش شككيموش صأككعي صأككعي كعككي كعككي أرميككال‬
‫أرميال‪ .‬عندها إكتمل ظهور الشمس عنككد إنتهكاءه مكن كلمكه فككدخل إلككى الكككوخأ ووضكع‬
‫السكين معلقة في مكانها على الجدار وتوجه إلككى نافككذة تطككل علككى خلككف الكككوخأ‪ .‬الكككوخأ‬
‫الذي أصأبح أكثر نظافة وترتيبا‪ .‬فشاهد من النافذة ماري وبوجابت وهما تعتنيان بمزرعة‬
‫قد أنشأتاها هناك بالخلف للحصول على خضار المطبخ حيث يجككري ينبككوع مككاء صأككغير‬
‫بجانب تلك المزرعة الصغيرة‪ .‬وراح الشيخ يطالع مكاري وهككي تفتككش عككن الخضككروات‬
‫وقد إنتفخ بطنها وكبر‪ .‬فتوجه الشيخ الى الغرفة المجاوره وأخذ يلعب روثا ‪.‬‬
‫في أخر ذلك النهار داخل الشيخ الكوخأ فإذا ماري هناك تجهز لعدادا العشاء‪ .‬وعند جدار‬
‫الغرفة تجلس بوجابت وهي ترضع روثا فتككوجه الشككيخ إلككى الجككدار حيككث تلككك السكككين‬
‫وأخذها وذهب بها إلى مسافة قريبة من الكوخأ في الغابة حيث حقل داوار الشككمس‪ .‬فبحككث‬
‫بينها عن واحدة وجهتها إلى المغرب حتى وجككدها‪ ,‬فربككط خيطككا رفيعككا عنككد آخككر نصككل‬
‫السكين مما يلي المقبض‪ ,‬فقاس بطرف نصل السكين من وسط داائككرة داوارالشككمس حككتى‬
‫انتهاء النصل عند الخيط‪ ,‬ثم مد الخيط عمودايا باتجاه ساق داوارالشمس زاويككة مسككتقيمة‪,‬‬
‫ثم مد الخيط عمودايا باتجاه تلقي الخيككط بالسككاق وعلمككه بشككطبة صأككغيرة خطككا بالسكككين‬

‫‪14‬‬
‫ووضع السكين بالطول أمام داوار الشمس بحيث ظل طرف السكين عند تلك الشطبة التي‬
‫بالساق فإذا بسقوط الشمس غربا يطول ظل السكككين ويمتككد كلمككا زادا سككقوط الشككمس فككي‬
‫الغروب حتى وصأل ظل السكين إلى منتصف داائرة داوار الشمس المكان الذي قككاس منككه‬
‫أول‪ .‬عندها أخذ الشيخ يقول والسكين في تلك الوضعية ‪ً:‬ا بيوهن بسمسيم بيلهن سككبريوش‬
‫شيموش صأعي كعي أرميال‪ .‬ثم أخذ السكككين وأخككذ يقطككع رأس داوارالشككمس وهككو يقككول‬
‫بيوهن بسمسيم بيلهن سبريوش شيموش صأككعي كعككي أرميككال فمككا أتككم ذلككك حكتى قطعهكا‬
‫تماما‪ .‬فأخذ الرأس وداخل الكوخأ فاذا بوجابت قد تبككادالت مككع مككاري تطبككخ الطعككام بينمككا‬
‫تجلككس مككاري هنككاك تشككاهدها وتلعككب روثا‪ .‬وضككع الشككيخ رأس داوار الشككمس علككى‬
‫المنضدة وقام بإخراج بذرة بينما تطالعه بوجابت وهككي تحككرك القككدر علككى النككار وتنظككر‬
‫بابتسام إلى ماري التي شاركتها البتسامة من حيث الشيخ ل يراهما خلفه‪ .‬قام الشيخ بدق‬
‫البذر ناعما طحينا ثم وضعه في زجاجة وأحكم إغلقها وكتب عليها ) للحالت الصعبة (‬
‫واتجه بالزجاجة إلى الرفف فمر ينظر إلى مككا كتككب علككى القنككائن الزجاجيككة المصككفوفة‬
‫وهو يقرأها ‪ً:‬ا هذا آلوسن وهذا أطريال وهذا إبهل وهذا أبو فايس وهذا أترج وهذا أثل أين‬
‫أيككن وهككذا الجككاص‪ .‬الحيككون‪ .‬إذخككر‪ .‬أذان الرنككب‪ .‬أرقيطككون أسككارون أسككل آس أسككد‬
‫العرس أستيون أشنة أشخيص أشراس أثرار أشنان أصأككابع صأككفر أصأككابع هرمككس إكليككل‬
‫الجبل فمر على الجميع ل يعلم أين يضعها حتى أخرها حيككث وضككعها فككي أخككر الصككف‪.‬‬
‫وفي صأباح اليوم التالي جاءه أحد القرويين يبكي وقد كسرت ذراعككة فاقعككده الشككيخ علككى‬
‫الكرسي ومد الشيخ يده على ساعد الرجل وتمتم وهويمسككح بيككده عليهككا ثككم لواهككا فخككرج‬
‫صأوت طقطقة فرجعت اليد سليمة معافاة ففرح القروي الفقير وأعطى بعض النقودا للشيخ‬
‫رغم إمتناع الشيخ عن أخذ المال إل أنه أخذه عنككد إصأككرار القككروي‪ .‬أخككذ الشككيخ يراقككب‬
‫القروي وهو واقف بخارج الكوخأ حتى إختفى الرجل‪ .‬سموطان‪..‬سموطان‪ ..‬سمع الشيخ‬
‫من ينادايه من خلفه فالتفت الشيخ خلفه فككإذا رجككل أخككر مقبككل عليككه وعليككه ثيككاب الرخككاء‬
‫وزينة الثرياء فقال الرجككل وهككو يمشككي باتجككاه الشككيخ ‪ً:‬ا سككموطان أيهككا المخككاداع‪ .‬حككتى‬
‫إقترب الرجل من الشيخ والشيخ في داهشة من أمر الرجل‪ .‬فقال الثري للشيخ ‪ً:‬ا سككموطان‬
‫لست إل مخاداع كذاب الدواء الذي أعطيتني إياه البارحة عندما جأتك أشتكي عسر هضككم‬
‫معدتي ل يزال اللم كما هو ولم يفدني داوائك في شيء‪ ,‬تأخذ مالي وتسرقني ول تفعل لي‬
‫شيئا‪ .‬فغضب الشيخ وكتم غيضة ثم دابر فكره لحظككة وقككال لككه ‪ً:‬ا ل بككأس عنككدي لككك داواء‬
‫شافيا هذه المرة‪ .‬فقال الرجل ‪ً:‬ا ولكني لن أدافع لككك مككن جديككد‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا ل دااعككي أن‬
‫تدفع شيئ ‪ .‬وداخل الشيخ إلى الداخل والرجل ينتظره بالخارج‪ .‬فتح الشيخ قنينككة الحككالت‬
‫الصعبة وأخذ منها بطرف أصأابعه وأغلقها وماري تراقبة يفعل فتبعته وهو يخرج للرجل‬
‫ووقفت لدى الباب تراقب‪ .‬وصأل سموطان إلى عند الرجل ونثر ذلك الككدقيق علككى وجهككه‬
‫قائل ‪ً:‬ا بيوهن بسمسيم فما أن وصأل ذلك الغبار إلى أنف الرجل حتى بدأ بالظراط الشككديد‬
‫رغم محاولته منعه بل جدوى‪ .‬فأخذ الرجل يقعقع بأنغام شتى وهو موليا مدبرا يصيح من‬
‫شدة الضراط‪ .‬وماري وبوجابت يضحكان وهما ينظككران إلككى الرجككل يبتعككد يصككيح مككن‬
‫شدة ما ألم به ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫بعد عدة أشهر ولدت ماري صأبيا وفرح الجميع بالفردا الخامس في العائلة الصغيرة وفككي‬
‫نفس اليوم ولدت زوجة الملك أجمنون صأبيا ففرحت بككه أخككواته الثلثا الكككبر منككه كمككا‬
‫كانت سعاداة الملك أجمنون بككأول اولداه الككذكور ل توصأكف ولككم يعادالهكا شككيئ إل عنككدما‬
‫ولدت له زوجته بعد سنتين ونصف مولوداا أخر و كذلك كان صأبيا ‪.‬‬
‫أخذ الصبي ابن ماري والكذي أسكمته دايفكي يككبر ويلعكب مكع إبنكت البسكتاني روثا الكتي‬
‫تكبره بسنة‪ .‬فكانت تعتني به حتى ظهرت على دايفككي علمككات التخلككف الجسككمي الخلقككي‬
‫فلقد كان دايفي من ذوي الحتياجات الخاصأة لقد كان منغوليا‪ ,‬ينموا عقله ببطأ شديد‪.‬‬
‫كبر الولدا مع مضي السنين وأصأبحوا الن في سككن المراهقككة فأخككذت روثا لعبككة مككن‬
‫العاب دايفي وأخفتها عنه فإذا هو يبحث عنها ويصككيح فحككاولت أم روثا بوجككابت معرفككة‬
‫مكان الخبيئة من روثا وروثا ترفض الدالء عن مكانهككا‪ .‬حضككر سككموطان مككن الغابككة‬
‫من خلف الكوخأ وسار بإتجككاه مككدخل الكككوخأ يمسككك بيككده حبل تتككدلى منككه أربعككة أرانككب‬
‫مذبوحة الككرأس‪ .‬فنظككر إلككى مككاري وبوجككابت ودايفككي يجكادالون روثا هنككاك فككي السككاحة‬
‫الخارجية للكوخأ فرأوه وهم يكملون محاولتهم معرفة مكان لعبة دايفككي المفضككلة الككذي لككم‬
‫يسكككت عككن الصككراخأ والبكككاء وهككي ترفككض إخبككارهم‪ .‬فككدخل سككموطان الكككوخأ وخككرج‬
‫والرانب ليست معه بل معه قطعة خشب مستوية مربعة الشكل وقلم و مدادا حبر‪ .‬فمشككى‬
‫حتى وصأل إليهم فتوقف الجميع عن الكلم حينها‪ .‬بكل ينظكرون إليكه وحكتى دايفكي توقكف‬
‫عن الصراخأ وخفت الضجة‪ .‬وضككع الشككيخ الخشككبة علككى الرض وقعككد وبككدأ يرسككم فككي‬
‫قطعة الخشب هذا الشكل ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وقعد دايفي بجانب سموطان يشاهده‪ .‬وقعدت معهما روثا تنظر إلى ما يفعل بفضول بينما‬
‫بقيتا ماري وبوجابت واقفتان مندهشتان مما يفعل سموطان‪ .‬فما أن أتم الشيخ رسمه ذهب‬
‫إلى الكوخأ وهم بانتظاره‪ .‬فحضر إليهم وبيده خيطا قدر ذراع ونصككف ومسككمارا صأككغيرا‬
‫ومطرقة ووضع المسمار على الخشبة في وسط الشكل حيث الدائرة وضككرب عليككه قليل‬
‫بالمطرقة حتى ثبته ثم ربطه بالخيط والتفت إلى دايفي وأعطاه طرف الخيط وهو يقول لككه‬
‫ل‪ .‬فامسك دايفي طرف الخيط عنككدها‬ ‫هل تريد لعبتك؟ فهز دايفي رأسه باليجاب وهو زع ا‬
‫بدأت الخشبة تدور داورانا عجيبا مصدرة صأوتا من داورانها كالزوبعة‪ .‬فاستغرب الجميع‬
‫من صأنع سموطان وفاجأتهم عندما انطلقت تدور وتزحف فشدت دايفي معها وهككو يتبعهككا‬
‫غير مفلت للحبل من يكده‪ .‬فتبعتككه روثا تهككرول وراءه وكككذلك مككاري وبوجكابت والشككيخ‬
‫خلفهم ليعلموا أين يذهب اللوح فساقهم إلى مكان خلف الكوخأ ثم توقف عن الزحف وعككن‬
‫الدوران‪ .‬فنظروا إليه بإمعان ونزل الشيخ إلى مكان اللوح وأزاحه ثم حفر قليل مكان ما‬
‫وقف‪ .‬فاذا سموطان يخرج بيده لعبة دايفي التي خبأتها روثا فقفز دايفي عنككد رؤيتكه لعبتكه‬
‫وأصأدر صأفيرا وصأرخة فرحة قوية وأفلت الحبككل مككن يككده وتنككاول لعبتككه مككن سككموطان‬
‫والجميع يضحك من ذلك الموقف الظريف ‪.‬‬
‫كذلك كان هيرودا وهو السم الذي أطلقه الملك أجمنون على إبنه‪ .‬كان في حديقككة القصككر‬
‫يتبارز مع الجنكد بسكيفه فيغلبهكم‪ .‬وقكد بكرزت عضكلته وبكانت رجكولته فكي سكن مبككرة‬
‫والملك يجلس مع زوجته ووزيره على طاولككة فككي الحديقككة غيككر بعيككد مككن إبنككه‪ .‬يراقككب‬
‫شجاعته وبراعته في القتال مسرورا به فضككرب هيككرودا بسككيفه أحككد الجنككد بقككوة فصككدها‬
‫الجندي ولكن من قوة الضربة وقع الجندي أرضا وبقي هناك يراقب هيككرودا مندهشككا مككن‬
‫قوة هذا المراهق‪ .‬فرمى هيرودا عليه بسيفه فصرخأ الجندي خوفا من أن يغرز السيف فيه‬
‫ولكن السيف غرز في الرض بالضبط بين فتحة صأغيرة بين رجلي الجندي الككذي التقككط‬
‫أنفاسه عندما علم أن السيف لم يصككبه فسككر الملككك لككدى مشككاهدته ذلككك وضككحك بصككوت‬
‫عالي فالتفت هيرودا إلى أبيه الملك وكان هيرودا مقتضبا فأنشرح غرورا عندما سمع أبيككه‬
‫يضحك فرحا ‪ .‬وناداي على أخيه الصأغر الذي كان معهم في التدريب يقككف منعككزل وقككد‬
‫لبس لباس المحاربين مثلهم وقال له هيرودا ‪ً:‬ا سامويل هيا أهجم علي بسيفك‪ .‬وأخذ هيرودا‬
‫يخاثله مقتربا منه بيديه العاريتين‪ .‬ولكن سامويل ككان يمسكك سككيفه برخكاوة إلككى الرض‬
‫ويتراجع إلى الوراء بينما هيرودا يتقدم منه متحفزا لقتاله قككائل ‪ً:‬ا هيككا إطعنككي بككه إضككرب‬
‫سامويل إضرب‪ .‬وسامويل عيناه تدوران من الخوف كلما زادا هيرودا مككن القككتراب منككه‬
‫حتى وصأل هيرودا إليه ولم يفعل سامويل شيئا غير ارتعادا فرائصه‪ .‬فنظر هيرودا بتركيز‬
‫في عينا أخيه الخائفتان وهو يقرب وجهه من وجه أخيه حتى كادا ان يلمسككه بكانفه وفاجكأه‬
‫هيرودا بضربة من كفه على صأدغ وجهه أداارت برأسه فأوقع سامويل سيفه ووقع أرضا‪,‬‬
‫ونهض متعثرا يركض بإتجاه أبيه الملك يبكي بينما هيرودا يضككحك عليككه ويصككيح وراءه‬
‫قائل ‪ً:‬ا أركض سامويل أركض‪ .‬بينما كان الملك وزوجته يشككاهدان ذلككك وحيككث سككامويل‬
‫قادام إليهما يبكي قالت الملكة لزوجها‪ً:‬ا سككوف يقتلككه فككي يككوم مككن اليككام‪ .‬فقككال لهككا الملككك‬
‫أجمنون واثقا ‪ً:‬ا إنه ليس كأي فتى‪ ,‬إن السماء اختارت ولداته‪ ,‬ومن معه السماء ل تهزمككه‬

‫‪17‬‬
‫الرض‪ .‬صأرخأ هيرودا قائل ‪ً:‬ا شهلون‪ .‬عندها حضر أحد الفتية الذين من سن هيرودا وهو‬
‫يلبس اللباس العسكري ومحمل بشتى أنواع السلحة ‪.‬ل يكادا يبان جسمه من كثرتها عليه‬
‫وهي تقلقل بصوت إثر اصأطدامها ببعضها أثناء جرية ليلبي نداء سيده هيككرودا ‪ .‬وهيككرودا‬
‫يشاهده حتى وصأل إليه شهلون ووقف عنده قائل ‪ً:‬ا مككولي الميككر‪ ،‬شككهلون السككريع فككي‬
‫خدمتكم‪ .‬عندها تقدم منه هيرودا وخلع من ظهر شهلون النشاب بغضب وقوة‪.‬‬
‫في ضحى يوم من اليام سمع سموطان صأوت خيول تصهل متوقفة خارج كوخككة حيككث‬
‫كان يجلس بالداخل‪ .‬فخرج ليرى من هناك‪ .‬وعند وصأوله إلى باب الكوخأ وهو يمشي إلى‬
‫الخارج شاهد عربه تجرها أربعة خيول ويقوداها راهب يلبس لباس الرهبان أسودا اللككون‪,‬‬
‫ويضع على صألعته البيضاء طاقية سودااء صأغيرة وقد ظهر من هيئة عربته وخيككوله أنككه‬
‫قادام من مكان بعيد ففرح به سموطان وحياه قائل ‪ً:‬ا قيسوس الرومي‪ ,‬يككا صأككاحبي مرحبككا‬
‫بك مرحبا‪ .‬وبدا ذلك الراهب فرحا بلقاء سموطان فنزل عن عربته وتقابل بحككرارة وقككال‬
‫له سموطان ‪ً:‬ا أين كنت كل هذه الفترة لم نرك منذ زمن؟ فقككال قيسككوس وهككو يتككوجه إلككى‬
‫عربته ويشير إلى ما بداخلها ‪ً:‬ا كنت أجمع لك ما طلبتككه منككي مككن قبككل أربككع سككنين فتقككدم‬
‫سموطان إلى العربة ينظر إلى مكا أشكار إليككه قيسككوس بككداخلها‪ .‬فنظكر فككي العربكة هنكاك‬
‫جونية بيضاء كبيرة وقطع جلودا مرصأوصأة فوق بعضها مربوطة بحبل فأشار سككموطان‬
‫إلى الجونية قكائل ‪ً:‬ا هكل تعنكي مكا تقكول أم هكي مزحكة ؟ فابتسكم قيسكوس الرومكي وقكال‬
‫لسموطان وهو يشير بكفه إلى الجونية ‪ً:‬ا أنظر بنفسك‪ .‬عندها أخذ سموطان يفتككح الجونيككة‬
‫وهو يضحك حتى فض فوهتها ونظر بداخلها ثم أداخككل يككده وأخككذ يقلككب الشككياء بككداخلها‬
‫فأصأدر أصأوات زجاج وقوارير وخشخشة أكياس صأغيرة تحتوي على أعشككاب وعقككاقير‬
‫ثم التفت سموطان إلى قيسوس الذي ينظر إلى شدة تلهف الشيخ سموطان وقال سككموطان‬
‫له ‪ً:‬ا إذا فأنت تستحق الضيافة تعالى لندخل ‪ .‬عندها أخذ سككموطان الجونيككة وحملهككا علككى‬
‫ظهره وحمكل قيسككوس مجموعككة الجلكودا وداخل الككوخأ وجلكس كل منهمككا علكى الطاولكة‬
‫منتاظران‪ .‬فقال له سموطان ‪ً:‬ا هل تذكر تلك اليام عندما كنا تلمذه عنككد شككيخنا الكككبير ؟‬
‫فتبسكم قيسكوس ق ائل‪ً:‬ا وكيكف أنسكى وتلكك اليكام هكي السكبب فيمكا نحكن فيكه الن‪ .‬فقكال‬
‫سموطان‪ً:‬ا ولكنها كانت طريقة حياة‪ .‬فقال قيسوس متنهداا ‪ً:‬ا وأي حياة هذه ؟ حيككاة الرهبنكة‬
‫والنعزال؟ فقال سموطان ‪ً:‬ا ولكنها بثمن‪ ,‬فالجميع بحاجة إلينكا ولسكنا بحاجكة لحكد أليكس‬
‫كذلك ؟ فهز رأسه قيسوس قائل ‪ً:‬ا نعم هذا صأحيح‪ .‬ثم غير قيسوس الموضوع عندما نزع‬
‫من جيبه طاقية مصنوعة من جلودا مختلفة ولوح بها لسموطان قائل ‪ً:‬ا هككل تعككرف هككذه ؟‬
‫فنظر إليها سموطان وقيسوس يعرضها عليه عاليا بيده ويريه ما كتب بداخلها من طلسم‬
‫ونقوش‪ .‬ثم تبين سموطان ماهي وابتسم غير مصككدق وأمسككك بهككا مككن يككد قيسككوس الككذي‬
‫أفلتها وهككو يضككحك وقكال سككموطان‪ً:‬ا لقككد فعلتهككا إذا‪ .‬فضكحك قيسككوس قكائل‪ً:‬ا تمامكا كمككا‬
‫أخبرتني أن أصأككنعها جلككد البككوم وجلككد السككد وجلككد التمسككاح وأسككمائها السككرية منقوشككة‬
‫بداخلها‪ ,‬هل تريد أن تجربها ؟ فقال سموطان وهو يقلبها بين يديه ‪ً:‬ا ل أنا أثككق بككك وفجككاة‬
‫أمسك سموطان بساعد قيسوس الذي كان على الطاولة وهزه بحرارة قائل ‪ً:‬ا مرحبا بك يا‬
‫صأديقي القديم ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫عند الظهيرة ماري وبوجابت كانتا تمشيان في طريقهما إلى الكوخأ‪ ,‬و تحمل مككاري علككى‬
‫راسككها سككلة مككن الخضككار وبعككض الغككراض كمككا تحمككل بوجككابت سككلة مككن الخضككار‬
‫قداسندتها على خاصأرتها‪ ,‬وروثا ودايفي يتقافزان أمامهما يمرحككان‪ .‬وتوقفتككا أمككام سككاحة‬
‫الكوخأ تنظران إلى سموطان من خلفه وهو يوداع راهبككا يركككب علككى عربككه‪ .‬ولككوح بيككده‬
‫لسموطان الذي كان يقف أمام الكوخأ‪ .‬ولوح سموطان لذلك الراهككب الككذي إنطلككق بعربتككه‬
‫مسرعاا‪ .‬ثم ا لتفت سموطان إليهما‪ .‬فاتجككة الجميككع للككدخول إلككى الكككوخأ‪ .‬فقككال سككموطان‬
‫ومارى تمشي خلفه وخلفها الصبية وبوجبات تمشي أمامه‪ً:‬ا كيف كان بيعكككم فككي السككوق‬
‫اليوم؟ فقالت بوجابت من أمامه‪ً:‬ا مثل المعتادا‪ ,‬ولكان بيع الفائض من خضروات المزرعة‬
‫خيرر من الحتفاظ بها فتفسد علينككا ‪ .‬داخلككت بوجككابت ووضككعت سككلتها فككي الغرفككة‪ .‬بينمككا‬
‫كانت تمشي ماري وراء الشيخ‪ ,‬وهككي تنظككر إلككى يككده الككتي تحمككل تلككك الطاقيككة الغريبككة‬
‫الشكل حتى داخل سموطان أمامها ووضع الطاقية على الطاولة‪ .‬وخلفه ماري فقككالت لككه ‪ً:‬ا‬
‫ما هذه ؟ وأشارت إلى الطاقية فنظككر سككموطان إلككى الطاقيككة وحملهككا قككائل‪ً:‬ا هككذه طاقيككة‬
‫جدتي ! فقالت ماري مندهشة ‪ً:‬ا طاقيككة جككدتك ! لككم تخبرنككا أبككدا عنهككا‪ .‬فقككال سككموطان ‪ً:‬ا‬
‫جدتي كانت تحكي لنا حكاية عن طاقية إذا لبستها تختفين ‪ .‬وعندما سككمعت بوجككابت ذلككك‬
‫خرجت إليهما يدفعها الفضككول‪ ,‬ووقفككت عنككد بككاب غرفتهككا تنظككر إلككى تلككك الطاقيككة كمككا‬
‫تجمعت عندهم روثا التي قالت لسموطان ‪ً:‬ا هل أختفكي إذا لبسكتها ؟ فقكال سكموطان بثقكة‬
‫تامة‪ً:‬ا نعم‪ .‬فقالت بوجابت ‪ً:‬ا هل تذكر يككا سككموطان أول لقائنككا بككك وذلككك المسككحوق الككذي‬
‫رششته علينا فأخفيتنا ؟ عندها نظرت روثا إلى أمها بإنتباه وإمعككان فقككال سككموطان نعككم‬
‫ولكن ذلك المسحوق لخفاء الشياء الساكنة ل تسككتطيعين الحككراك وإل ظهرتككي للعيككان‪.‬‬
‫وأشار سموطان بالطاقية قائل‪ً:‬ا أما هذه فمختلفة‪ ,‬تلبسينها وتذهبين إلى أي مكان فل يراك‬
‫أحد ‪ .‬فقالت ماري وهككي تضككع السككلة علككى الطاولككة وذهبككت لتجلككس مككع بوجككابت علككى‬
‫الكرسي الخشبي الطويل‪ً:‬ا هذا ما ل يمكن ‪.‬عندها سار سككموطان ووقككف قبالتهككا وأمسككك‬
‫بالقبعة واستدار بقوة إلى خلفه وهو يلبس الطاقية على رأسه فلم يكمل داورته حتى إختفككى‬
‫فشهقت ماري وغطت فمها واسغربوا من ذلككك وبككدأ دايفككي يبحككث عككن الشككيخ مككن حيككث‬
‫مكككان مككا إختفككى وكككذلك روثا وبوجككابت ومككاري يبحثككون ويتحسسككون الهككواء وتحككت‬
‫الشياء‪ .‬فإذا تلك السلة التي على الطاولة ترتفع في الهواء فشاهدوها وتعجبوا مبهككورين‬
‫غير مصدقين أعينهم ثم إندفع دايفي بقوة إلككى تحككت السككلة الطككائرة واصأككطدم بشككيء فككي‬
‫الفراغ تحتها فاهتزت السلة عندها ظهر الشيخ وفككي يككده القبعككة وفككي اليككد الخككرى كككان‬
‫يحمل السلة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫مرت ثماني سنوات‪ ,‬وها هكي بوجكابت ومكاري تجلس ان فكي السكوق باسكطتان سكلتاهما‬
‫أمامهما‪ .‬والعامة تجول في السوق تشتري من كل مكان إل منهما‪ ,‬وقد بدا عليهما البككؤس‬
‫وتقدمت بهما السنون ومن بين العامة ككان الكوزير يتفقكد ح ال السكوق وحكده يمشكي بيكن‬

‫‪19‬‬
‫الباعة‪ ,‬وفجأة توقف الوزير لوذا عندما رأى تلك المرأتان جالستان هنككاك وأخككذ يتفقككدهما‬
‫ويركز فيهما‪ ,‬فإذا هو يتعرف على ماري فاختبأ بسرعة بين الباعة‪.‬‬
‫في كوخأ الشيخ‪ ,‬قد تغيرت أحوالهم للحسن‪ ,‬إذ نستطيع رؤية الككدخان يخككرج مككن سككقف‬
‫الكوخأ حيث صأنعوا مدخنة تقيهم البردا‪ .‬وبداخل الكوخأ كان سموطان يجلس على الرض‬
‫وقد كثر الشيب في رأسه ولحيته‪ ,‬وبجانبه طاحونككة حجريككة وقككد أحضككر بعككض القككداح‬
‫المصفوفة بجانبه‪ .‬وهناك روثا وقد ككبرت وأصأكبحت إمكراة جميلكة ترقكد مسككتلقية علككى‬
‫بطنها بجانب طاحونة الشيخ تراقبه ودايفككي يقككف أمامهككا يشككاركهما التحضككير لشككيء مككا‬
‫فسالته روثا قائلة ‪ً:‬ا ماذا تحضر ؟ فقال سككموطان وهككو يتنككاول تلككك القككداح الواحككد تلككو‬
‫الخر ويضعها بداخل الطاحونة‪ً:‬ا أوقية من ألداخكر‪ ,‬ثكم دارهميكن مكاء بابونكج مكع ثلثكة‬
‫داراهم فربيون‪ ,‬حبة الفرصأادا خمسة داراهم ‪ ,‬عشرة داراهم من شحم التمساح ومثلها شككحم‬
‫الدلفين‪ ,‬وكذلك شحم الحوت‪ .‬ثم قام الشيخ بتدوير الطاحونة‪ ,‬ثم أخذ ما طحنه وصأنع منككه‬
‫أقراص على شكل داراهم فقالت له روثا ‪ً:‬ا والن مككاذا؟ عنككدها داخلككت مككاري وبوجككابت‬
‫عليهما راجعتان من السوق بسلتيهما فركض دايفي واحتضكن أمككه مكاري فرحكا بعوداتهككا‪.‬‬
‫فقالت روثا وهي ما تزال مستلقية‪ً:‬ا تعالوا شاهدوا هذا‪ .‬وأشارت إلى أقراص الشيخ فقككال‬
‫الشيخ ‪ً:‬ا إذا داخنت إحدى هذه القراص في النار توهم الجميع أنهم على النهككر وقككد خككرج‬
‫عليهم تمساح عظيم يريد أن يلتهمهم‪ .‬فتقدمت بوجابت من الشككيخ بعككد أن وضككعت سككلتها‬
‫على الطاولة‪ .‬وتناولت أحد القراص تنظر إليه وقككالت وهككي ترجعككه‪ً:‬ا سككموطان إن لككك‬
‫أشياء عجيبة‪ .‬فنهضت روثا قائلة بفضول وهمككه ‪ً:‬ا لنجربهككا‪ .‬فمنعتهككا أمهككا ولكككن روثا‬
‫أصأرت كما الطفال‪ .‬عندها تقدم دايفي من القراص وأخذ واحدا وبسككرعة رمككي بككه فككي‬
‫المدخنة حيث النار وهم يشاهدون صأنع دايفي ويترقبون فككإذا الككدخان يبككدأ بالتصككاعد مككن‬
‫المدخنة‪ .‬وإذا يتوهم لهم مثل ما قال الشكيخ ويخكرج عليهكم تمسكاح عظيكم مكن النهكر مكن‬
‫جانب المدخنة حيث حرق القرص فاتح فمه الككبير يريكد أن يلتهمهكم فتكدافع الجميكع إلكى‬
‫الباب جريا مفزوعين حتى صأار الجميكع خ ارج الككوخأ يلتقطكون أنفاسكهم‪ ,‬يتأككدون مكن‬
‫الباب كي ل يتبعهم ذلك التمساح الضخم الذي بحجم الغرفة‪ .‬وإذا الشيخ يلتقط أنفاسه قال‪ً:‬ا‬
‫نصف قرص تكفي لكان التمساح على ألقل أصأغر حجما مككن هككذا‪ .‬ثككم نظككر إلككى البككاب‬
‫وتقدم ببطأ والجميع من خلفة وجلين من محاولة سموطان فتح الباب قليل ليرى ما بداخل‬
‫الكوخأ‪ .‬ففتحه سموطان ونظر فلم يرى شيئا فككدخل ببطككأ وتبعككه الجميككع عنككدما تككبين لهككم‬
‫زوال ذلك التمساح‪ .‬كان بين الشجار الكثيفة من يراقب ذلك‪ ,‬إنه الوزير وقككد ربككط خيلككه‬
‫خلفه على شجرة وأزاح الشجار بيديه متلصصا عليهم فشاهدهم جميعا هناك حيث كككانوا‬
‫بالخارج‪ ,‬فرجع إلى جواداه بهدؤ‪ .‬و بعد فترة وقف الوزير قبالة باب الكوخأ ثم دافعككه بقككوة‬
‫دااخل وداخل وراءه جنوداه مباغتين الجميع‪ ,‬وداخل الجند على سموطان الككذي تحفككز لهككم‪,‬‬
‫ولكن لم تكن لديه فرصأة حيث تكاثروا عليه واقتاداوه‪ ,‬وإذاهم يريدون القبض علككى روثا‬
‫أخذت قرصأا من تلك القراص من على الطاولة واقتاداوهكا إلكى الخكارج‪ ,‬وقبكض جنكدي‬
‫على دايفي وسحبه من يده يجره فإذا هو لدى الباب رأى دايفي طاقية الخفاء فسحبها فقككال‬
‫الجندي ‪ً:‬ا ل بأس أن تأخذ قبعتك معك فقد تحتاجها‪ .‬ولكن دايفي أخفى القبعة في ملبسه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أحضر الجميع إلى بلط الملك أجمنون وأخذ الملككك يتفقككد المجموعككة ولككم يتعككرف علككى‬
‫أحد منهم‪ .‬فقال الوزير وهو يشير إلكى مكاري‪ً:‬ا مكولي الملكك هكذه مكاري زوجكة أخيككم‬
‫نحميا واللذان تآمرا على ملككم ‪,‬وهذا إبنها منه وهذه زوجة البسككتاني ومعهككا إبنتهككا‪ ,‬وقككد‬
‫أخفاهم هذا الشيخ عنده كل هذه السنين‪ .‬نزل الملككك مككن علككى كرسككيه وأخكذ يتفقكد مككاري‬
‫فعرفها وقد تغيرت ملمحها وأخذ ينظككر إلككى ملبسككها الرثككة ومنظرهككا الشككحيح وقككال ‪ً:‬ا‬
‫ماري بعد أربع وعشرون عاما‪ .‬ثم قال الككوزير للشككيخ سككموطان‪ً:‬ا ألككم أقككل لككك حينهككا أن‬
‫جزاء المتستر على المجرمين القتل‪ .‬وحاول الوزير أن يقترب منه لقتله فصاح بككه الملككك‬
‫قائل‪ً:‬ا توقف‪ .‬وأمر الملك أحد قواداه وقال ‪ً:‬ا خذوه إلى السجن‪ ,‬وكان يشير إلككى سككموطان‪ً:‬ا‬
‫أما البقية فخذوهم واحصروهم في قصر المير أخككي الراحككل وشككدداوا عليهككم الحراسككة‪.‬‬
‫وعندما هم القائد بأخذهم قال له الملك‪ً:‬ا ل أبقها معي بعض الوقت‪ .‬وقد كان يعنككي مككاري‪.‬‬
‫وعندما خلي المجلس إلمن الملككك والككوزير ومككاري قكال لهككا الملككك ‪ً:‬ا لقككد أحسككنت إليككك‬
‫وزوجك وكانت مكافأتي أن حاولتما السيطرة على مملكتي والقضاء علككي‪ ,‬لبككد وأن هككذا‬
‫من تدبيرك ودافعك له للقيام بما قام به‪ .‬فقالت ماري ‪ً:‬ا لسنا بخونة لقكد أحبككك وأخلككص لكك‬
‫ولكنها مكيدة دابرها لككه هككذا الحقككودا‪ .‬وأشككارت إلككى الككوزير الككذي أطلككق ابتسككامه حاقككده‪.‬‬
‫فأسكتها الملك وقال‪ً:‬ا لقد حزنت على موته‪ ,‬على كل حال ما تقولين لو تزوجتككك ‪ .‬عنككدها‬
‫رفعت ماري رأسها مستغربة سؤال الملك وقالت ‪ً:‬ا حزني علككى زوجككي يمنعنككي ولطالمككا‬
‫منعني من الزواج من بعده‪ .‬عندها غضب عليها الملك وأمككر الجنككد بأخككذها إلككى المعتقككل‬
‫فأخذوها وتوجه الملك إلى الوزير ووقف إلى جانبه اليسر وقال ‪ً:‬ا إبككن نحميككا مككا هككو إل‬
‫مسخ‪ .‬ونظر الملك إلى الوزير وهو يقول ‪ً:‬ا كان يمكن أن يكون ابني ‪,‬إنهما بنفككس العمككر‪,‬‬
‫ولكن هيرودا لم يستطع انككتزاع المفتككاح مككن القفككل رغككم قككوته وسككطوته‪ .‬إذا سككنحاول أن‬
‫نجعل هذا المسخ إبن نحميا المحاولة في المفتاح‪ ,‬فكل ذي عاهة جبار‪.‬‬
‫أخذ الجند الشيخ إلى غيابت السجن وعند باب غرفة السجن وقف الشيخ وهو ينظككر إلككى‬
‫دااخلها عبر القضبان حيث سلسل أربعة تمتد من الجدار‪ ,‬وكل سلسلة بطول ثلثة أمتككار‬
‫تنتهي بحلقككة ذات قفككل‪ .‬والسلسككل متدليككة ومتكدسككة علككى الرض‪ .‬فتككح الجنككد الزنزانككة‬
‫وأداخلوا الشيخ ووضعوا الغلل في يككديه ورجليككه وأخككذ الشككيخ ينظككر إلككى تلككك الغرفككة‬
‫المظلمة الرطبة الواسعة ويتحرك بككداخلها حيككث كككان طككول السلسككل يسككمح بككذلك‪ .‬أمككا‬
‫ماري وبوجابت وروثا ودايفي فقد اداخلهم الجند إلى قصر المير الراحل نحميككا وأغلقككوا‬
‫الباب ورائهم وشدداوا الحراسة عليهم‪ ,‬فدخلت ماري وهي تمسكك بكديفي وأخكذت تمشكي‬
‫به وهي تنظر وتتأمل المكان فقالت لها بوجابت من ورائها‪ً:‬ا هل عككادات اليككك الككذكريات؟‬
‫فقالت ماري بحزن وهي تنظر إلى المكان وتتأمله‪ً:‬ا هذه رواية قصر كنت أسكن فيه ‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي داخل الوزير لوذا واضعا يككده علككى كتككف دايفككي يسككوقه إلككى حيككث‬
‫يقف الملك بقرب كرسي عرشه وهو ينظر إليهما يقتربان‪ ,‬واستقبل الملكك أجمنكون دايفكي‬
‫بالترحيب والملطفة وقال له ‪ً:‬ا إبن أخي الحبيب‪ ,‬عمك يريد منك خدمه صأغيرة‪ ,‬لعبة هل‬
‫تحب اللعب؟ فهز دايفي رأسه بنعم عندها نظر الملك إلى وزيككرة ووضككع يككده علككى كتككف‬

‫‪21‬‬
‫دايفي وأدااره ناحية المخرج وخطى به إلى خارج الديوان والملككك يحكاداثا دايفككي والككوزير‬
‫من ورائهما ‪.‬‬
‫فتح الجندي الزنزانة وبيده صأحن من الطعام وقربة ماء‪ ,‬وداخل حتى وصأل إلى سموطان‬
‫الذي يجلس على الرض ماداا رجليه والغلل عليها‪ ,‬غير مباليككا بمككن داخككل‪ ,‬ينظككر إلككى‬
‫الرض بتركيز‪ .‬فدخل الجندي ووضع الطعام والماء بجانبه وانصرف وأغلق الباب وهو‬
‫ينظر إلى الشيخ الذي لم يتحرك ولو قليل‪ ,‬ثم إنصرف‪ .‬زحف سموطان إلى الوراء قليل‬
‫حتى أسند ظهره على الجدار وأخذ يتمتم بصوت منخفض وعزيمة قوية قد بانت من حدة‬
‫عينيه‪ً:‬ا برهتيه كريكر تتليكه طكوران مزجكل بزجكل ترقكب برهكش غلمكش خوطيرقلنهكودا‬
‫برشان كظهيرنموشلخ برهيول بشكيلخ قزمزأنغلليط قككبرات غياهككا كيككدهول شككمخاهر‬
‫شمخاهير شمهاهير بكهطهونيه بشككارش طككونش شككمخا بككاروخأ اللهككم بحككق العهككد القككديم‬
‫كهكهيج يغطشي بلطشغشغويل أمويل جلد مهجمككا هلمككج ورودايككه مهفيككاج بعزتككك أل مككا‬
‫أخذت سمعهم وأبصارهم سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ‪.‬‬
‫عادا الملك إلى دايوانه مسرع الخطى وهو في أشد الغضب والحيرة‪ ,‬ومن وراءه دايفي و‬
‫الوزير فالتفت إليهما الملك قائل‪ً:‬ا ا لم ينجح في الختبار‪ ,‬لم يستطع إخراج المفتاح من‬
‫قفله‪ ,‬هل يعقل أن ما في كتاب سليمان ما هو إل خرافة ؟ ووجه الملك كلمه إلى الوزير‬
‫وقال ‪ً:‬ا ما العمل الن؟ وقد بدا الملك يائسا فأجابه الوزير ‪ً:‬ا ل أداري يا مولي العظيم‬
‫لعلنا لم نستوفي شروط العمل‪ ,‬أو هناك خلل ما لم نحط به‪ .‬حينها صأرف الملك الغلم‬
‫وقال للجند ‪ً:‬ا خذوه إلى أمه خذوه وصأرخأ بهم ‪.‬‬
‫كانت ماري تدق على الباب ليفتح لها الجند بقوة وغضككب ومككن ورائهككا بوجككابت وروثا‬
‫ولكن الجند لم يبالوا بها حتى فتح الباب وداخل دايفي وارتمى في حضن أمككه تضككمه بقككوة‬
‫فرحة تتأمله إذ لم يمسه سؤ‪ .‬وداخل مككن خلفككه مككن البككاب الككوزير لككوذا وقككال شككامتا ‪ً:‬ا لككم‬
‫يستطع إخراج المفتاح هذا المتخلف‪ ,‬لقد قتلتي زوجككك نحميككا للشككيء‪ ,‬ليسككت إل خرافككة‬
‫وكذبة كبيرة‪ .‬فنظرت إليه ماري وهي تحتضن إبنها باحتقككار وخككرج مككن البككاب وأشككار‬
‫إلى الجند فاغلقوا عليهم‪ .‬تقدمت بوجابت من ماري ودايفي واحتضنتهم فقككالت روثا مككن‬
‫خلفهم ‪ً:‬ا سموطان ؟ فقالت بوجابت ‪ً:‬ا أرجو أل يلحقوا به الذى‪ .‬فقالت ماري ‪ً:‬ا إنه ل ذنب‬
‫له في هذا كله‪ .‬فقالت بوجكابت ‪ً:‬ا يجكب أن نجككد طريقكة لنقكاذه‪ .‬ففكككرت مكاري فكي قككول‬
‫بوجابت ‪.‬‬
‫حضر قائد الجنككد إلككى دايككوان الملككك واسككتأذن وداخككل وقككال ‪ً:‬ا مككولي الملككك ذلككك الشككيخ‬
‫سموطان‪ ,‬لم يذق الطعام ول الشراب منذ سبعة ايام‪ .‬عندها قككال الككوزير فرحكا‪ً:‬ا لقككد حكككم‬
‫على نفسه إذا بالموت بنفسه‪ ,‬وهكذا جككزاءه‪ .‬فقكال كككبير الجنككد ‪ً:‬ا ثككم إنكه يتمتكم بكلم غيكر‬
‫مفهوم ل ينقطع عن التمتمه ل بالليل ول بالنهار يا مككولي‪ .‬فنظككر الملككك إلككى وزيككره ثككم‬
‫صأرف القائد بحركة من رأسه فانصرف عنهم‪ .‬في حين داخل الحاجب على الملك وقال ‪ً:‬ا‬
‫مولي‪ ,‬الميره ماري ومعها إبنها تطلب مقابلتكم‪ .‬فصرفه الملككك بيككده سككامحا لهافككدخلت‬
‫عليه ماري بحلة جديدة ويدها على كتف دايفي تمشككي إليككه وهككو يقككول لهككا ‪ً:‬ا هككل غيرتككي‬
‫رأيك؟ بعد سبعة أيام تذكرتي فيها أيام العز والرخاء والدعه مما كنتي فيه سككابقا‪ .‬فتككوقفت‬

‫‪22‬‬
‫ماري وقالت ‪ً:‬ا مولي الملك إن الشيخ سموطان طبيب متعلم‪ ,‬ولديككة الكككثير مككن الحكمككة‪,‬‬
‫ولعله يساعد مولي بطريقة لستخراج المفتاح‪ .‬عندها فكر الملك قليل وقال ‪ً:‬ا ولمال‪ ,‬لككن‬
‫نخسر من المحاولة‪.‬‬
‫في تلك الثناء كان الشيخ في تمتمته في مكانه لم يغيره‪ ,‬يركن إلى الحائط بظهره نككاظرا‬
‫إلى الرض أمامه ويقول ‪ً:‬ا اللهم بحق العهد القديم كهكهيج يغطشي بلطشغشككغويل امويككل‬
‫جلد مهجما هلمج ورودايه مهفياج بعزتك أل ما أخذت سمعهم وأبصارهم سبحان من ليس‬
‫كمثله شيء وهو السميع البصير‪ ,‬عندها تغير الجو في الغرفة وسادا السككوادا فككي الزنزانككة‬
‫وأظلمت ولم تبن الجدران ول القضبان ليس غير كوة سودااء وكأنه إنتقل إلى مكان آخككر‪,‬‬
‫ثم ظهر في منتصف الغرفة على بعد خطوات مككن الشككيخ فككي مقككابلته رجككل أسككودا علككى‬
‫رأسه طربوش أحمر وعباءة ذهبية اللون ل تصككل إلككى كعبككه‪ ,‬مخططككة بخطيككن كككبيرين‬
‫على جانبيه من فوق كثفككه إلككى أخرهككا عنككد كعككبيه بككاللون الحمككر الككدموي‪ ,‬هزيككل وقككد‬
‫ظهرت عظام صأدره حيث ل يلبس شيئا غيككر بنطككال يصككل إلككى بعككد ركبتنيككه بقليككل‪ ,‬ذو‬
‫عينين داائريتين كبيرتين‪ ,‬وظهرت عظككام وجنتيككة‪ ,‬ذو وجككه نحيككل طويككل ينتهككي بشككفتين‬
‫عريضتين‪ ,‬و شعر خفيف مجعد على رأسه ويداه طويلتان تكاداان تلمسان قككدميه‪ ,‬كمككا أن‬
‫أصأابع كفيه طويله بالمقارنه مع طول يده وكذلك قدمه طويلة عريضة بالمقارنة مع طول‬
‫رجله وحجم عظامه‪ ,‬طوله فككوق ركبككه الرجككل العككاداي بقليككل‪ ,‬أي مككا يقككرب مككن خمسككة‬
‫وأربعون سانتي متراا‪ ,‬وقال بصوت مخنوق طفولي وعينككاه البريئتككان الخاليتككان مككن أي‬
‫تعبير تشخصان إلى الشيخ ‪ً:‬ا سيدي ماذا تأمرني ؟ فقال الشيخ وهككو فككي سلسككله‪ً:‬ا أكنككس‪.‬‬
‫عندها مد الرجل يده اليمنى أمامه فظهرت في يده مكنسة صأغيرة وأخذ يمشي في الغرفككة‬
‫داائريا وكأنه البطريق يكنس الغرفة حتى عادا إلى مكانه الول ‪ .‬واختفت المكنسككة ووقككف‬
‫وقفة العبيد وقال للشيخ بنفس الطريقه السابقة‪ً:‬ا سككيدي مككاذا تككأمرني ؟ قككال الشككيخ ‪ً:‬ا رش‪.‬‬
‫فمد يده وظهرت فيها دالوا فخارية فأخذها وداار تلك الدورة السابقة وهو ينضككح بكفككه مككن‬
‫ذلك الدلو الماء المخلوط بماء الوردا والياسمين والعنبر والكافور حتى رجككع مكككانه الول‬
‫فاختفت الدلو ووقف وقفه العبيد وقال ‪ً:‬ا سيدي ماذا تأمرني؟ فقال سموطان‪ً:‬ا إبسط البساط‪.‬‬
‫فرفع يديه أمامه ونفضهما وكأنه ينشف خلقه مبلولة من الماء فظهر بساط أحمر من عنككد‬
‫قدمي الشيخ الممدوداتان فأخذ ينفردا باتجاه ذلك القزم حتى وصأل عنده فنككط الرجككل عاليككا‬
‫وانفردا البساط من تحته حتى أخر الغرفة فنظر وهو يقف فوق البساط إلى الشككيخ وقككال ‪ً:‬ا‬
‫سيدي ماذا تأمرني؟ فقال سموطان‪ً:‬ا أحضر كراسي الملوك‪ .‬فمشي ذلك القزم باتجاه يسار‬
‫الشيخ‪ ,‬ثم وقف وظهره للشيخ ومد يده اليسرى بمحاذاة كتفه إلككى الجككانب مسككتقيمة وكفككه‬
‫إلى الرض وقال ‪ً:‬ا مجلس السبت‪ .‬فظهر كرسككيا ملوكيككا ذو قمككاش مخملككي أحمككر حيككث‬
‫كف القزم‪ ,‬وتقدم إلى المام ويده كماهي مبسوطة ووقف وقككال‪ً:‬ا مجلككس الخميككس‪ .‬فظهككر‬
‫كرسي مثله ومشى قليل ثم قال ‪ً:‬ا مجلس الثلثاء‪ .‬فظهر كرسي أخر مثله ومشى قليل إلى‬
‫المككام وقككال ‪ً:‬ا مجلككس الحككد‪ .‬فظهككر آخككر ومشككى قليل وقككال ‪ً:‬ا مجلككس الثنيككن‪ .‬فظهككر‬
‫الكرسي هناك ثم مشى قليل وقكال ‪ً:‬ا مجلكس الربعكاء‪ .‬فظهكر كرسكي مثكل الول ومشكى‬
‫قليل وقال‪ً:‬ا مجلس الجمعة‪ .‬فظهر كرسكي أخكر هنكاك‪ ,‬ورجكع القكزم ووقكف مككانه قبالكة‬

‫‪23‬‬
‫الشيخ وتلك الكراسي قد شكلت حدوة بشكل نصف داائرة في الغرفككة فقككال القككزم ‪ً:‬ا سككيدي‬
‫ماذا تأمرني ؟ فقال سموطان ‪ً:‬ا أحضر ملككوك اليككام السككبعة القككائمين بككالكواكب‪ .‬فتحككرك‬
‫الرجل إلى أول كرسي من اليسار و قفككز فككوقه جالسككا ينظككر إلككى الشككيخ ‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا‬
‫أحضر ملك يوم السبت ملك زحل بحق أزراز‪ .‬فقال الرجل بصوت عالي ‪ً:‬ا كيككواااان‪ ,‬ثككم‬
‫صأاح مثل الديك صأيحة واحدة وأعلى بها ذقنه إلى فوق صأيحة طويلة ثم توقف هناك عن‬
‫الصياح ثم ظهر بسرعة جالسا على الكرسي الذي يليه ينظر إلى الشيخ منتظككرا الشككارة‬
‫فظهر رجل يجلس على ذلك الكرسي الذي كان القزم فيه أول‪ ,‬يجلس مستقيما وقد وضككع‬
‫كفيه على فخكذيه ينظككر أمككامه وككأنه صأككنم‪ ,‬ويلبككس لباسكا مكن الصكوف السككودا الخشكن‬
‫وبإصأبع يده اليمن في بنصره خاتما من الرصأاص‪ ,‬عليه كهرمانككة سككودااء كككبيرة‪ .‬وكككان‬
‫القزم ملتفتا إلى الشيخ ينتظره وهو يطالع كيوان فقال الشيخ ‪ً:‬ا أحضككر ملككك يككوم الخميككس‬
‫ملك المشتري بحق جلجميش‪ .‬فقال القزم بصككوت عكالي ‪ً:‬ا برجيييييككس‪ .‬ثككم صأككاح صأككياح‬
‫الديك مثلما فعل أول وظهر في الكرسي الذي يليه يجلس هناك ينظككر إلككى الشككيخ‪ .‬فظهككر‬
‫في ذلك الكرسي الذي كان فيه رجل يجلس مسككتقيما ينظككر أمككامه وقككد وضككع يككديه علككى‬
‫فخذية يلبس لباسا ابيضا ناصأكع البيكاض‪ ,‬ويضكع فكي بنصكره خاتمكا مكن القصكدير عليكه‬
‫ياقوته بيضاء كبيرة‪ .‬فقال الشيخ‪ً:‬ا أحضر ملك يوم الثلثاء ملك المريخ بحق دامليككخ‪ .‬فقككال‬
‫القزم بصوت عالي ‪ً:‬ا بهراااام‪ .‬وصأاح مثلما فعككل وظهككر فككي الكرسككي الككذي يليككة ينتظككر‬
‫إشارة الشيخ فظهر رجل يجلس على الكرسي مثل أخويه يلبس لباسا أحمر قاتما‪ ,‬ويضككع‬
‫خاتما من حديد‪ ,‬عليه حجر عقيق أحمر كبير فقال الشيخ ‪ً:‬ا أحضككر ملككك يككوم الحككد ملككك‬
‫الشمس بحق ياه‪ .‬فقال القزم‪ً:‬ا أفتاااااب‪ .‬ثم فعل مثلما فعل سابقا فظهر على الكرسككي رجل‬
‫مثل إخوته يلبس لباسا ذهبيا مشعا كأشعة الشمس ويضككع خاتمككا مككن ذهككب عليككه زمككرداة‬
‫ذهبية اللون كبيرة‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا أحضر ملك يكوم الثنيكن ملكك القمكر بحكق سكام‪ .‬فصكاح‬
‫القزم‪ً:‬ا ماهتااااب‪ ,‬وصأاح كالديك وظهر في الكرسي الذي بعده فظهر رجكل كمثكل إخكوته‬
‫يلبس لباسا من كتان فضي اللون‪ ,‬وفي إصأككبعة خككاتم مككن فضككة عليككة لؤلككؤة كككبيرة فقككال‬
‫الشيخ ‪ً:‬ا أحضر ملك يوم الربعاء ملك عطاردا بحق تمليخ‪ .‬فتبسككم القككزم وهككو ينظككر إلككى‬
‫الشيخ يأمره أن يأتي بملك يوم الربعككاء حككتى ظهككرت أسككنانه البيضككاء ثككم قككال بصككوت‬
‫عالي‪ً:‬ا هرمووووس‪ ,‬وصأاح كالديك وظهر في الكرسي الخير فظهر على ذلككك الكرسككي‬
‫رجل مبتسم قليل ينظر إلى أمامه بل حراك ويلبككس لباسككا مككن كككل أللككوان فيككه‪ ,‬وعلككى‬
‫بنصره خاتم من الزئبق‪ .‬فقال سموطان‪ً:‬ا أحضر ملك يوم الجمعة ملك الزهكرة بحكق نكوخأ‬
‫فقال القزم ‪ً:‬ا أناهييييد‪ ,‬وصأاح صأياح الديك وظهر فككي وسككط حلقككه الكراسككي السككبعة فككي‬
‫مكانه الول قبالة الشيخ ووقف وقفة الخدم وشابك بيككديه امككامه فظهككر فككي ذلككك الكرسككي‬
‫الخير مثل إخوته‪ ,‬رجل يلبس لباسا وردايا من حرير وفي بنصره خاتم من نحاس أصأفر‬
‫عليه ماسة كبيرة ورداية‪ .‬ثم أحنى ذلك القزم السودا رأسه للشككيخ قككائل ‪ً:‬ا سككيدي‪ .‬ثككم أداار‬
‫جسمه عدة داورات سريعة مع صأوت يخرج من فمككه وأختفككى مككن تلككك الغرفككة المظلمككة‬
‫فقال سموطان لملوك الكراسي ‪ً:‬ا اقسمت عليكم يا ملوك الزمان بحق آهيا شراهيا أداونككاي‬
‫أصأباؤت آل شداي بحق إلوهينا يهوه الطاعة الطاعة ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫في ذلك الوقت كان الملك اجمنون يسير فكي ممككرات السككجن ومعكه وزيكره ودايفكي وأمكه‬
‫ماري وكبيرالجند‪ .‬فدخل الجميع إلى الزنزانه واندهشوا من خلوها من أحد‪ ,‬فنظككر الملككك‬
‫في المكان وقال لكببر الجند الذي بدى مرتبكا‪ً:‬ا أين هو؟ تلعثم كبير الجند ولم يعلم ما يقول‬
‫ثم صأرخأ على الحارس فحضر بين يديه وهككو ينظككر فككي الغرفككة الفارغككة فقككال لككه كككبير‬
‫الجند‪ً:‬ا أين سموطان؟ فنظر الجندي في الغرفة وقال لقد كان هنا منككذ قليككل فتقككدم الجنككدي‬
‫وحمل القيودا فإذا هي لم تفتح فأراها للملك قائل‪ً:‬ا هذه قيوداه لم تفككك فكيككف هككرب؟ عنككدها‬
‫هجم عليهم من خلفهم كالبرق الخاطف شيء واختطف دايفي معه بسرعه فوقككف فنظككروا‬
‫إليه فاذا هو سموطان وقد إحتفظ بديفي وقال للملك‪ً:‬ا لقد أخطات بالعبث مع من هو مثلككي‪,‬‬
‫الن تدفع ثمن تكبرك‪ .‬فتبسم الملك وقال له ‪ً:‬ا إذا فهو صأحيح مككا قككالته عنككك‪ .‬واشككار إلككى‬
‫ماري وقال‪ً:‬ا ولكن لن ينفعك هذا فقد ربطت مصيري بمصير من تحمي‪ .‬فقال لككه الشككيخ‪ً:‬ا‬
‫بماذا تخرف وتجزف ؟ قال الملك واثقا مغرورا‪ً:‬ا لست وحدك من يقوم بما قمت بككه هنككا‪.‬‬
‫وأشار الملك بيده إلى ألغلل ونظر إلى الشيخ قائل‪ً:‬ا أل تصدقني؟ وقككرص الملككك نفسككه‬
‫بقوة في ساعده فصاح دايفي وهو في يد الشيخ من اللم فتعجب سموطان فقككال لككه الملككك‪ً:‬ا‬
‫إذا مت أنا يموت هو معي‪ .‬وأشار إلى مككاري بيككده قككائل‪ً:‬ا عنككدما جككاءت إلككي تطلككب منككا‬
‫الستفاداة منك‪ ,‬شككت بالمر لذلك لجأت إلى حيلة قديمة فككي الكتككاب لضككمن تعاونكمككا‪.‬‬
‫وأشار الملك إلى سموطان وماري بيده وقال ‪ً:‬ا وإل كيف أضمن أنككك سككتبقى معنككا إذا مككا‬
‫وافقت على مساعدتنا ولن تهربوا عنا كما فعلتم مكن قبكل‪ .‬فنظكر الشكيخ إلكى مكاري الكتي‬
‫كانت تنظر إليه بأسف مؤكدة ما قاله الملك‪ .‬فقال الملك‪ً:‬ا تساعدنا على استخراج المفاتيككح‪,‬‬
‫وأظنك تعرف قصتها؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا نعم أعلم بأمر مفاتيح سليمان‪ .‬فقال اجمنككون الملككك ‪ً:‬ا‬
‫إذا تساعدني على استخراجها‪ .‬وأشار إلى دايفي الذي عند الشيخ قككائل‪ً:‬ا وإل حيككاة الصككبي‬
‫في يدي نظر الشيخ إلى دايفي الذي يحتضنه من وراءه ونظر إليه دايفككي إلككى أعلككى حيككث‬
‫كان أقصر من سموطان فتلقت عيناهما ورأى سموطان المل في عيني دايفي البريئتككان‬
‫فتنفس وهو يرفع رأسه إلى الملك قائل‪ً:‬ا أين هو القفل؟ فككرح الملككك وخككرج مككن الزنزانككة‬
‫وتبعه الجميع خلفه‪ ,‬ثم داخلوا في سردااب يؤداي إلى غرفككة خاليككة إل مككن بعككض الرمككاح‬
‫التي تزين الجدران وفي وسطها قفل أسودا ضخم ذو حلقة فضية اللون فككي وسككطه غككرز‬
‫مفتاح‪ .‬فتقدم الشيخ بديفي إلى القفل وأمسك المفتاح وحاول إداارته فلم يككدر‪ ,‬ثككم اشكار إلككى‬
‫دايفي قائل‪ً:‬ا خذ المفتاح‪ ,‬افتح هذا القفل كما فعلت أنا‪ ,‬فأمسك دايفي بالمفتاح وحاول اداارته‬
‫ولكنه لم يدر فاندهش الشيخ وابعد دايفكي قليل عكن القفكل وجلكس الكى المفتكاح ينظكر الكى‬
‫حلقته الفضية وراح يتتبع العدادا المنقوشة في الحلقة باصأبعه ويتأمها‪ ,‬ثم نظر الى نهايككة‬
‫أسفل القفل تحت فتحة المفتاح و راح يمرر اصأبعه على الحروف المحفورة فيككه‪ ,‬فعككرف‬
‫سموطان العائق فقام مستويا قائل‪ً:‬ا نعم هذا هو السبب‪ .‬واشار الككى القفككل بيككده وهككو يكلككم‬
‫الملك فقال ‪ً:‬ا هذا القفل السابع ‪,‬ول بد أن تحصل على المفاتيككح بككالترتيب التصككاعدي مككن‬
‫الول الى السابع‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫نظرالملك اجمنون الى الشيخ متشككا وقال ‪ً:‬ا هل‬
‫هككذه خدعككة أم مككاذا؟ فنظككر الشككيخ الككى الملككك‬
‫مسككتنكرا وقككد غضككب سككموطان وقككال للملككك ‪ً:‬ا‬
‫أحضر قرطاس وأدااة كتابه‪ .‬فاشككار الملككك للجنككد‬
‫بيده فذهبوا ليحضروها‪.‬ثم ركع الشيخ على ركبة‬
‫واحدة يتأمل القفل وتقدم منه الملككك ينظككر معككه‪.‬‬
‫فحضر الجند وأعطوا سموطان ما طلب‪ .‬فأمسككك‬
‫سموطان بالقلم وتوسككد بالقرطككاس علككى القاعككدة‬
‫التي وضع عليها القفل والملك واقفا ينظر الى مككا‬
‫يخط سموطان على الورق ‪ .‬فرسم سموطان هككذا‬
‫الشكل‪ً:‬ا‬

‫ثم خط سموطان على الورقة هذه الحروف وتحت كل حرف عددا‬

‫وعندما انتهى سموطان نظر الككى الملككك مككن فككوقه وقككال لككه وهككو يشككير بككالقلم الككى تلككك‬
‫الحروف الخيرة التي خطها‪ً:‬ا هذه الحكروف السكليمانية واسكتخرجنا اعكداداها مكن جكدول‬
‫حروف ابينا آدام هذا‪ .‬واشار سككموطان للجككدول بككالقلم والملككك يتتبعككه ثككم قككال سككموطان‪ً:‬ا‬
‫فالعددا الول هو ‪ 80‬وهذا شكله ف ‪ .‬والعددا الخير ‪ 7‬وهذا شكله ز‪ .‬ثم اشار سموطان‬
‫الى حلقة القفل قائل ‪ً:‬ا والعددا الول هنا ‪ . 7‬ثم اشار الى قاعدة القفل قائل ‪ً:‬ا وهذا شكله ز‬
‫مما يعني أن هذا القفل هو القفل السابع وهو اخرها اذ لو كان الول لكان العددا الول فككي‬
‫القفل هو ‪ 80‬وهذا شكله ف‪ .‬حينها اقتنع الملك وقال ‪ً:‬ا ل بككأس نككذهب ونحضككر المفاتيككح‬

‫‪26‬‬
‫ونرجع اليه وفجاة ظهرت ملوك الجن السبعة دااخل الغرفة‪ ,‬ففككزع منهككم الجميككع وتحفككز‬
‫الجند لقتالهم بينما الملوك ثابته تنظر اليهم‪ .‬فمنع الشيخ الجند قائل ‪ً:‬ا هؤلء عندي‪ .‬ثم تقدم‬
‫كيوان ملك يوم السبت بضع خطوات باتجاه القفل وهككو يمسككك قلداة معلقككة علككى صأككدره‬
‫بسلسلة حول رقبته‪ ,‬ثم توقف وهو ينظرالى القفككل خلككف الملككك بحسككرة‪ .‬وسككموطان بيككن‬
‫كيوان والملك‪ .‬فتقدم منه سموطان تاركا الملك خلفه فأمسك بتلك القلداة فأفلتها كيوان من‬
‫قبضته فنظر فيها سموطان فاذا هي قطعة معدنية مستطيلة فضية اللون تلمككع كمثككل لككون‬
‫سلسلتها‪ ,‬وحفر بداخلها شكل مفتكاح وكتكب فكي اعلهكا ‪ 7‬وفكي أسكلفها عنكد حفكرة حلقكة‬
‫‪ .‬فرفع الشككيخ نظككره مككن القلداة الككى كيككوان‬ ‫المفتاح ز وتحت الحرف هذا الشكل‬
‫عندما علم ان كيوان هو صأاحب ذلك المفتاح الذي عنككد الملككك أجمنككون‪ .‬وهككو فعل آخككر‬
‫المفاتيح لخر يوم في ألسبوع السبت‪ .‬فربت سموطان على كتف كيوان ليهككدأ ويطمككأن‪.‬‬
‫ونظر سموطان من خلف كيوان الى الملوك السته وقد لمعت علككى صأككدورهم قلئككد مثككل‬
‫تلك التي عند كيوان‪.‬‬
‫عند غروب الشمس جلس الملك أجمنون على كرسي عرشة والجميع من حوله والملوك‬
‫السبعة من خلف سموطان‪ .‬فأشار الملك أجمنون الى كبير جنده قائل‪ً:‬ا أعد الجند للخروج‬
‫غدا صأباحا وهات الخرائط حتى نعرف على من سنقدم‪ .‬انصككرف كككبير الجنككد ثككم التفككت‬
‫الملك الى ابنه هيرودا واشار اليه بيده قائل ‪ً:‬ا هذا ابنككي هيككرودا فنظككروا اليككه شككاب قككوي‬
‫الملمح ذو عضلت مفتولة صألب الطلعة جاف المنظر وقد تقلككد سككيفا وضككع بيككده عليككه‬
‫يلبس دارعا‪ .‬ثم أكمل الملك وهو يشير الى رجل وسيم بجانب هيرودا وقال ‪ً:‬ا وهذا أصأككغر‬
‫ابنائي سامويل‪ ,‬هيرودا لما ل تأخذ إبن عمك دايفي وصأاحبته لتريهم المملكككة‪ .‬هكككذا أمككره‬
‫أبوه الملك فقبل هيرودا وهز رأسه بالطاعة على مضككض فقككد كككان يفضككل ان يكككون مككع‬
‫الرجال‪ .‬خرج هيرودا متقدما غير مبالي بروثا ودايفي اللذان يحاولن مجاراته ثم صأككرخأ‬
‫هيرودا بغضب‪ً:‬ا شهلون فجاءه رجل يركض يحمل معداته الحربية حتى وصأل عنده فقككال‬
‫وهو يمشي متأخرا عن هيرودا قليل‪ً:‬ا شهلون السريع في خدمتكم‪ .‬ابتعد عنهم دايفككي يلعككب‬
‫ويتراقص بين العشاب فلحقت روثا بهرودا فنظر اليها هيرودا شزرا ثم نظر الى دايفككي‬
‫وقال ‪ً:‬ا إبن الخائن‪ .‬فغضبت روثا وقالت ‪ً:‬ا ليس خائنا‪ .‬فتوقف هيككرودا عككن المشككي ينظككر‬
‫الى روثا وهي تبتعد عنه ذاهبة الى دايفي وهككو متعجبكا مككن تصككرفها‪ .‬داخككل كككبير الجنككد‬
‫على الملك والجميع عنده وقال‪ً:‬ا مولي كل شيئ جاهز وهذه هي الخريطة‪ .‬وأفرداها كبير‬
‫الجند على الطاولة بينما ينزل الملك أجمنون يسير إليها ثم نظر إليها وقال ‪ً:‬ا هذه الخريطة‬
‫قديمة جدا‪ ,‬ل نعلم عن هذه المدن الكثير‪ .‬ونظر في الخريطة بإمعان قائل‪ً:‬ا نعلم أكثر عككن‬
‫المدن القرب إلينا أما البقية فهي ليست ال داوائر علككى الخارطكة بمواقعهكا‪ ,‬وقككد رسكمت‬
‫منذ قديم الزمان‪ ,‬عندما كان حال الجميع في سلم وأمان‪ .‬ونظر أجمنون الى الشيخ قككائل ‪ً:‬ا‬
‫ان الحروب بين هذه المدن السبعة منعت الناس مككن النتقككال بينهككا‪ ,‬فكككل مملكككة تحككارب‬
‫المملكة التي تطالها أيديها ممن بجوارها‪ ,‬لذلك معظمها ل يعرف شيئا عن تلك التي ابعد‬
‫ممن يقاتلون‪ .‬اقترب الشيخ من الخريطة ونظر فيها فقككال لككه الملككك و هككو يضككع اصأككعبه‬

‫‪27‬‬
‫على الخريطة ‪ً:‬اهذا نحن هنا وبهذا التجاه نذهب‪ .‬ثم إلثفت الملك الى كبير جنده الذي كان‬
‫بجواره فقال كبير الجنككد ليككبين مككا أشككار إليككه الملككك علككى الخريطككة ‪ً:‬ا إنهككا مملكككة) فككي(‬
‫ويحكمها الملك ميشا‪ ,‬لديهم قوات عتيدة وجند كثر‪ ,‬وهم ذو بطش وقوة‪ .‬فقال الملك لكبير‬
‫الجند بإستخفاف ‪ً:‬ا هذا وقكد علمنككاه‪ ,‬فهكم مككازالوا يقتلكون منكا ونقتككل منهككم منكذ سكنين مككا‬
‫الجديد؟ هل يستعينون بشيء من العلكوم أو قككوة خاصأككة مككا ؟ قكال ككبير الجنكد‪ً:‬ا ل سكيدي‬
‫ليس إل بعدداهم الكبير‪ .‬حينها إلتفككت الملككك أجمنككون الككى الحضككور وقككال ‪ً:‬ا إذا غككدا عنككد‬
‫الفجر ننطلق اليهم ‪.‬‬

‫في وقت العشاء جلس الشيخ ودايفي وبوجككابت ومككاري وروثا علككى الطعككام يككأكلون فككي‬
‫قصر المير الراحل نحميا‪ ,‬وملوك الجن مككن حككولهم وقككوف‪ ,‬فككالتفتت روثا اليهككم وهككي‬
‫تأكل قائلة ‪ً:‬ا ال تأكلون ؟ فأرادا بهرام ملك الثلثاء ان يجيبها ولكن الشيخ سبقه قائل‪ً:‬ا إنهككم‬
‫ل ياكلون كما نأكل لذلك ل يتوصأل بنككي آدام الككى إمتلك طككاعتهم لككه إل بككالجوع‪ .‬فقككالت‬
‫روثا للشيخ ‪ً:‬ا ماذا تعني ل يأكلون كما نأكل؟ وكيف اذا يأكلون ؟ فقال بهككرام نحككن نأكككل‬
‫من رائحة العظام التي يأكلها البشر‪ ,‬وكذلك داوابنا تأكل من روثا داوابكم‪ .‬وحينما سمعت‬
‫روثا ذلك اشمأزت حيث كانت تأكل فضحك الشيخ وقال ‪ً:‬ا عندما ننتهي من الكل ضككعي‬
‫هذه العظام خارجا فقال أناهيد‪ً:‬ا وكذلك نأكل من رائحة الطعام الذي يبقى على أيككدي بنككي‬
‫آدام‪ ,‬فنلحسه وعندها يمككرض ذلككك الشككخص‪ ,‬وإذا كككانت رائحككة الطعككام فككي فمككه نلحسككه‬
‫فتخرب أسنانه ‪,‬عندها زاغت عيون الصبية في مككن حولهككا علككى الطاولككة وكككان بجانبهككا‬
‫دايفي فأصأدر صأوتا قويا من فمه علمة على الشبع وأخككذ ينفككض يككديه علككى صأككدره مككن‬
‫بقايا الطعام وفي الحال أخذته روثا إلى الماء وراحت تغسل يديه جيككدا ثككم أخككذت بغسككل‬
‫فمه وكان هناك بهرام يراقبهما ‪.‬‬
‫عند فجر اليوم التالي ‪ ,‬أخذ الجميع يستعدون للخروج وكل يحزم أمتعته وهككا هككو شككهلون‬
‫يحزم أمتعة المير هيرودا ويرتب له رحلة‪ ,‬وكانت هناك روثا تحككزم أمتعتهككا مككع دايفككي‬
‫وترتب له حصانه‪ ,‬فحضر إليها الشيخ وقال ‪ً:‬ا أيككن تظنيككن أنككك ذاهبككة؟ فقككالت‪ً:‬ا مككع أخككي‬
‫طبعا‪ .‬فقال ‪ً:‬ا ل ‪..‬ل ل حاجة لك بالذهاب معنا ‪,‬إنها ليست بنزهة‪ ,‬ككل واحكد منكا ق د يقتكل‬
‫في اية لحظة‪ ,‬لن أغامر بأخذك معنا‪ .‬فقالت ‪ً:‬ا إذا من سكيعتني بكأخي ومكن سكيمتطي معكه‬
‫فوق الحصان‪ ,‬إنه ل يعرف كيف يمتطي حصانا وقد يسقط أو يككؤذي نفسككه أو ينطلككق بككه‬
‫الحصان كيفما شاء ‪.‬عندها فكر الشيخ قليل ونظر إلى هرمككس ملككك الربعككاء وقككال لككه ‪ً:‬ا‬
‫هرمس أريدك أن تلزمهما طوال الوقت ول تفارقهما ابدا ‪,‬ول تدع أحدا أن يصل اليهمككا‬
‫مهما كان‪ .‬فقال هرمس وهو ينظر الى روثا الفرحة‪ً:‬ا أمرك سيدي ‪.‬‬
‫في إسطبلت قصر الملك أجمنون كان الملك يتفقد جواداه فتقدم الوزير لوذا من الملك وقد‬
‫إرتآها فرصأة ل تفوت فقال للملك ‪ً:‬ا سيدي الملك ل يعلم بشؤن المملكككة بعككدكم مثلككي فككإن‬
‫تركناها نحن الثنين فسدت‪ .‬تجاهله الملك وأخذ داابته وخرج يمشي بها حككتى وصأككل إلككى‬
‫ساحة القصر حيث كان هناك روثا ودايفي يوداعان وهيرودا كذلك يوداع أهله فتقدم الملككك‬
‫من إبنه الصأغر بعد أن أعطى حبل خيلة للوزير لوذا ووقف قبالته ووضع يده على كتفه‬

‫‪28‬‬
‫قائل ‪ً:‬ا سامويل المملكة تحت يدك الن وربت على كتفه وشكده و إحتضكنه قكائل ‪ً:‬ا أحسكن‬
‫التصرف في غيابي يا بني‪ .‬فهز البن رأسه وقككال ‪ً:‬ا ل تقلككق يككا أبككي أنككا كمككا علمتنككي أن‬
‫أكون ثم إنصرف الملك ليوداع أهله بينما أركبت روثا دايفي فوق الحصان وركبككت خلفككه‬
‫وأنطلقا‪ .‬فتقدم هيرودا من أخيه ووقف ونظر إليه بشككده وإبتسككم بوجنككتيه ثككم ضككرب علككى‬
‫عضد أخيه بخشونه وانصرف داون أن يقول شيئ وركب حصانه‪ .‬وقصد الملككك حصككانه‬
‫منتهيا من تودايع أهل بيته فناوله الوزير حبل اللجام فأخذه الملك قككائل لككه ‪ً:‬ا سككأحتاج إلككى‬
‫مشورتك معنا فليس هناك مككن أثككق بكه غيكرك‪ .‬وركبكا وأنطلقككا إلككى بوابككة المدينككة حيككث‬
‫تنتظرهم الجيوش والجموع بعدداهم وعدتهم في إنتظار الملك للمسير ‪.‬‬
‫سار الجيش عبر الغابات الكثيفة أيكام ثلثا وفكي اليكوم الرابكع وإذ هكم فكي الرككب وقبكل‬
‫غروب الشمس بقليل تقدم سموطان بفرسه حتى ساير الملككك وقككال لككه ‪ً:‬ا مككولي إنككه كمككا‬
‫تعلم عددا جنودا مملكة) في( كبير فل بد من الحيلة لمنع إراقة الكثير من الدماء‪ ,‬فهدفنا في‬
‫الخير ليس الستيلء علككى المدينككة وإنمككا المفتككاح‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا إذا مككاذا تقككترح ؟ قككال‬
‫الشيخ‪ً:‬ا أقترح أن ندخل عليهم بصمت وأن ت أمر الجنكد فيتوقفكوا عكن قكرع الطبكول حكتى‬
‫نفاجأهم وثم أنا اتكفل بالباقي‪ .‬فناداى الملك على كبير جنده فتقرب منه بفرسه فقال له الملك ‪ً:‬ا آمر الجند بالتوقف عككن‬
‫قرع الطبول والهدؤ ما إستطاعوا نريد أن نباغتهم‪ .‬فقال كبير الجند مولي إننا قريبون جدا منهم الن‪ ,‬ليسكت ال بضككع‬
‫أميال‪ .‬عندها توقف الملك وتوقف الركب خلفه فنظر الملك الى المكان المحيط بهم ثم قككال لكككبير الجنككد ‪ً:‬ا لنعسكككر هنكا‪.‬‬
‫وقال لكبير الجند قبل أن يذهب ‪ً:‬ال تجعل أحدا يشعل نارا والزموا الحذر‪ .‬فانطلق ككبير الجنكد لمكا أمكر الملكك‪ .‬عسككر‬
‫الملك وجيشه هناك وفي منتصف الليل ناداى الملك على الجن فحضروا عنده فككأمرهم بإقتحككام مملكككة) فككي( وردا عليككه‬
‫ملوك الجن بعدم استطاعتهم ذلك‪ .‬حينها غضب الملك وزمجر وأمر بإحضار الشككيخ ولكككن الجنككد بحثككوا عنككه فككي كككل‬
‫مكان فلم يجدوه ‪.‬عندها صأرخأ الملك أجمنون في الجن وقال ‪ً:‬ا إذهبوا ل حاجة لي بكم‪ ,‬غداا صأباحا نقتحم عليهم بجندي‪.‬‬
‫نام الجميع تلك الليلة إلى أن أصأبح الصباح فأخذ الجند بالتجهز وإعككدادا خيككولهم وتفقككد أسكلحتهم وقككد زادا الملككك تحيككرا‬
‫بإختفاء سموطان وظن به السوء وهو ل يدري ما يصنع بعد أن وعده الشيخ بالتكفل بهكم وحيكث أن جنككد العككداء ككثر‬
‫وهم أقل‪ .‬وفيما هو كذلك إذا يسمع جلبة وتراكض بالخارج فخرج من خيمته ليرى الجند يتحفزون للقتككال فنظككر ورأى‬
‫ثلة من الفرسان تقترب‪ ,‬فركض إلى جنكده وحثهكم علكى السكتعدادا ثكم وق ف وتمعكن فكي أولئكك الفرس ان فكإذا الشكيخ‬
‫سموطان يتقدمهم على فرسه وبقي الملك أجمنون ينظرهم متعجبا حتى وصألوا إليه فنزل أحد الفرسان مككن خيلككه وقبككل‬
‫يد الملك أجمنون وهو يقول‪ً:‬ا أنا الملك ميشا يا سيدي‪ .‬فتعجب الملك من ذلك وصأافح الملك ميشا وأخذه إلككى خيمتككه هككو‬
‫وحكماءه وقاداته‪ ,‬والشيخ معهم وقد كان الملك أجمنون يرمق سموطان بنظرات تعجبيه في طريقهم إلى الخيمة القياداية‪,‬‬
‫وبعد أن جلس الجميع تكلم الملك أجمنون وقال أيها الملك ميشا تعلم أنا جأنا لقتالك‪ ...‬فقاطعه الملككك ميشككا وقككال ‪ً:‬ا أعلككم‬
‫ذلك ولكن ما حدثا ليلة البارحة ينبأني أنكم منتصككرون علينككا ل محككاله‪ ,‬فلمككاذا نريككق دامككاء بعضككننا بعضككا ؟ تريككدون‬
‫المفتاح ؟ خذوه ولكن داعنا نكون صأحبه وأصأدقاء مسالمين‪ .‬تعجب الملك أجمون من ذلك ونظر إلى الشيخ سموطان ثم‬
‫توجه للملك ميشا قائل ‪ً:‬ا قلت بعدما ليلة البارحة ما معنى ذلك ؟ قال الملك ميشا‪ً:‬ا بينما أنا نائم في قصككري ليلككة البارحككة‬
‫إذا بهذا الشيخ الفاضل‪ .‬وأشار إلى سموطان‪ .‬قد رفعني بيديه من سريري وطاربي من شرفة قصري إلى السككماء حككتى‬
‫رأيت الرض كبر رأسي‪ ,‬وتعلقنا هنككاك وقككال لككي ‪ً:‬ا ألقيككك الن إلككى الرض فتصككبح رمككاداا ويختلككط مخككك بككالتراب‪,‬‬
‫ماجأناكم ال لجل المفتاح‪ ,‬أحقن داماءكم وسلم للملك أجمنون‪ .‬فقلت أنه يفعلها‪ ,‬ثم يفعل أكثر من ذلك بجندي‪ ,‬فل حاجككة‬
‫للقتال‪ ,‬وهذا ما حدثا‪ .‬عندها بدى الملك أجمنون مسرورا من فعل الشكيخ وقكد أنج ز وعكده‪ .‬حكتى رأى الملكك أجمنكون‬
‫الجن وقد أقبلوا على الخيمة‪ .‬ففزع الملك ميشا من منظرهم وصأاح بهم الملك أجمنون ‪ً:‬ا ألم أقككل لكككم أنكي لسكت بحاجككة‬
‫إليكم لماذا عدتم ؟ عندها تدخل الشيخ وقال ‪ً:‬ا ل بأس يامولي أنا أمرتهككم بعككدم الحككراك ومككا كككانوا ليخككالفوا لككي أمككرا‪.‬‬
‫عندها قال الملك ميشا ‪ً:‬ا تفضلوا معنا يا مولي فهي مملكتكم تحلون علينككا أصأككدقاء وأصأككحاب مكرمككون‪ .‬تككوجه الملككك‬
‫وجيشه إلى دااخل المملكة وضيفهم الملك ميشا فأكلوا واستراحوا حتى طلب الملك أجمنون القفل‪ ,‬فأخذه الملك ميشا إلى‬
‫مكانه وقال‪ً:‬ا‬

‫‪29‬‬
‫ها هككو سكيدي تحككت تصكرفكم‪ .‬أخكذ الشككيخ‬
‫سموطان دايفي إلى القفل وقككد وقككف الملككك‬
‫أجمنككون هنككاك ينظككر متككأمل هككل سككيقدر‬
‫الصبي على إخراجه أم ل ؟ هل ماذكر فككي‬
‫الكتاب السككليماني صأككحيح أم هككو خرافككة ؟‬
‫هل أضاع جهككده ووقككت إنتظككاره وصأككبره‬
‫سدى ؟ وأخذت الفكار ترقككص فككي رأسككه‬
‫سلبا وإيجابككا حككتى تقككدم دايفككي مككن المفتككاح‬
‫بمسككاعدة سككموطان ومككد يككده وأدااره فككإذا‬
‫المفتكككاح يكككدور وخرجكككت حلقكككة القفكككل‬
‫وأصأدرت صأوتا لدى‬
‫قفزها للعلى وأنفتح القفل و جميع من حضروا مبهورين من ذلك الموقف المهيب‪ .‬حيث‬
‫لم يفتح ذلك القفل منذ أقفله سليمان وأخذوا بتلك الضاءة المشعة الككتي خرجككت مككن ثقككب‬
‫المفتاح ولم تنطفئ شعلتها حتى أخرج دايفي المفتاح تماما من القفل‪ ,‬وأصأبح في يككده‪ ,‬ولككم‬
‫تتملك الملك أجمنون الفرحة وقهقه من الفككرح‪ ,‬وأخككذ يقبككل دايفككي والصككبي مندهشككا منككه‪.‬‬
‫عندها تقدم الوزير لوذا ليأخذ المفتاح فقطع سموطان عليه الطريق وكادا أن يوقعه أرضككا‬
‫وأخذ المفتككاح وجعلككه دااخككل خيككط قككوي وألبسككه قلداه حككول دايفككي‪ .‬فقككال الملككك أجمنككون‬
‫لسموطان وهو ينظر لما حصل لوزيره‪ً:‬ا ل بأس ولكن تأكد من أنه لن يضيعه وإل ضككعنا‬
‫معه‪.‬‬
‫أخذ جيش الملك أجمنون يأكلون ويختلطون بشعب مملكة) في( حككتى داخككول الليككل وهككم‬
‫في مرح وفرح‪ .‬شاهد الوزير لوذا الملك ميشا يقف فوق قنطكرة عاليكة يطكالع الجنكد فكي‬
‫أسفل ساحات القصر وهم يمرحون‪ .‬يقف منتصبا ويديه إلى خلفه بهدؤه ومنعككزل‪ .‬فمشككى‬
‫الوزير إلى أن وقف بجانبه‪ ,‬ووقف وقفتكه ثكم بكدأ لكوذا يقكول‪ً:‬ا الملكك أجمنكون خكرج مكن‬
‫مملكته وهو ينوي غزو الست ممالك كلها‪ .‬والتفككت لككوذا إلككى ميشككا ينتظككر اجابككة فأجابككة‬
‫ميشا داون أن ينظر إليه ببساطة قال ‪ً:‬ا لديه القوة التي تجعل من عزم كككذاك هينككا ولككم ل ؟‬
‫وهو يحارب بقوة الجن‪ .‬فقال الوزير ‪ً:‬ا ما الذي يدفع ملكا إلى تككرك مملكتككه وأهلككه داونمككا‬
‫حماية من أجل تحقيق هدف ساذج ؟ بل وأي هدف مهما كان ل يستحق التضككحية‪ .‬فنظككر‬
‫ميشاإلى لوذا ونظر اليه لوذا قائل ‪ً:‬ا نعم لم يترك ال بعض الحككراس‪ ,‬فغككزوا بهككذا الحجككم‬
‫يحتاج فيه إلى أضعاف أضعاف من خرجوا معه‪ .‬فقال ميشا ‪ً:‬ا ذلك الشيخ الذي معه‪ ,‬لوله‬
‫لما تجرأ على الخروج في طلب المفاتيح‪ .‬فقال الككوزير ‪ً:‬ا هككذا صأككحيح ولكنككه ليككس وحككده‬
‫القادار على التيان بتلك الخوارق‪ .‬فلقد سمعت أن له أخان يفوقانه قككدرة‪ .‬فقككال ميشككا وقككد‬
‫ساوره الظن في الوزير ‪ً:‬ا لل لقد أصأبحنا أصأدقاء الن بككل وأعككز مككن الخككوة‪ .‬فقككال لككه‬
‫الوزير‪ً:‬ا في مملكة الملك أجمنون كتاب نادار‪ .‬فانتبه إليه ميشا وشد تفكيره وأكمككل الككوزير‬
‫قائل ‪ً:‬ا يمكن لمن يعرف طريقة إستعماله فعل أكثر مما يفعل الشككيخ‪ ,‬الطيككران والختفككاء‬
‫وغيره‪ .‬فنظر اليه ميشا قائل ‪ً:‬ا ومككا مصككلحتك فككي إخبككاري كككل هككذه المعلومككات ؟ فقككال‬

‫‪30‬‬
‫الوزير ‪ً:‬ا أساعدك على داخولها بجيشك وأحكمها بالنيابة عنك ‪,‬أنت هنا وأنا هناك‪ ,‬بإسمك‬
‫طبعا‪ .‬تردادا ميشا من أن تكون تلك خدعة من الملك أجمنون‪ ,‬إمتحانا لوفاءه فقال للككوزير‪ً:‬ا‬
‫الخيانه طبع دانيء ‪ ,‬لن توصأل صأاحبها إل للهلك‪ .‬فقال الككوزير ‪ً:‬ا كككذلك الجبككن‪ ,‬يوصأككل‬
‫إلككى الهلك أحيانككا‪ .‬فقككال ميشككا وهككو ينصككرف ويككديه خلككف ظهككره ونظككر إلككى الككوزير‬
‫بإحتقار‪ً:‬ا ل أتمنى أن يكون معي وزيرا مثلك‪ .‬وسار عنه ميشا بينما صأرخأ عليه لوذا مككن‬
‫وراءه قائل‪ً:‬ا بل قل‪ ,‬ل تتمنى أن يكون لك عدوا مثلي‪ .‬في نفس الوقت أخذت روثا دايفككي‬
‫إلى الجنحة الملحقة بالقصر وداخلت معه إلى غرف الحريم‪ ,‬حريككم الملككك ميشككا‪ ,‬فككامتنع‬
‫هرمس عن الدخول معهما‪ .‬وفي غرف وأجنحة الملكات والميرات وحيث المكان يضككج‬
‫بالجواري لم تتأقلم روثا مع ذلك الجككو الغريككب عليهككا‪ ,‬فأحسككت بالضككجر فأخككذت دايفككي‬
‫وخرجت من باب خلفي أفضى بهما الى حدائق ومتنزهات القصر الخلفية الخارجيككة‪ .‬وإذ‬
‫هما بين الشجار رأت روثا بعض الفرسان بككالجوار وهككم يبحثككون فككي الظلم مككن بيككن‬
‫الشجار‪ ,‬وسمعت أحدهم يقول لصأحابه من على ظهر جككواداه‪ً:‬ا لقككد كانككا هنككا منككذ قليككل‪,‬‬
‫يجب إل يفلتا منككا‪ ,‬وإل لككن نجككد فرصأككة مماثلككة‪ .‬عنككدها تحككرك دايفككي فككرآه ذلككك المتكلككم‬
‫فصرخأ على زملئه فأخذت روثا يد دايفككي وركضككت بككه إلككى أسككطبل مهجككورا منزويككا‬
‫تداورت عليه الشجار الكثيفة‪ .‬فدخلت هي ودايفي فيه‪ ,‬فشاهدا أحد الرعاة وقد أوقككد علككى‬
‫النكار يعكد طعكام العشكاء هنكاك قريبكا مكن الزاويكة‪ ,‬فأفزعهمكا منظكره المتشكردا المخيكف‬
‫وبخاصأة عندما إبتسم وبانت أسنانه‪ .‬فلجأت الى الجدار مككع دايفككي بينمككا وقككف هككو ينظككر‬
‫إليهما بطمع‪ ,‬وقاطع طمعه أن سمع أصأوات خيول تتوقف بالخارج عندها ركضت روثا‬
‫ودايفي بيدها وهي تتنفس بسرعة إلى تلك النككار الككتي أوقككدها الرجككل الملتهككي ينظككر الككى‬
‫القادامين من الباب‪ ,‬وأخرجت روثا من جيبها قرصأا بحجم الدرهم وشطرته إلككى نصككفين‬
‫وهي تسمع وقعات أقدام لجند عند الباب‪ ,‬وألقت بنصف قرص في النار وهي تنتفض مككن‬
‫الخوف‪ ,‬فانتبه ذلك الرجل إلى ما القته روثا في النار‪ ,‬ووقف ل يعلم من يهبط عليه‪ ,‬وقد‬
‫بدأت النار يتصاعد منها داخانا مختلفا‪ ,‬فدفعت روثا دايفككي إلككى الزاويككة وغطتككه بجسككمها‬
‫وأغلقت عينيه بكفها كما أغمضت عينيها وذلك الرجل مستغربا ممككا يحصككل لككه بسككرعة‬
‫وفجأة‪ ,‬وداخل عليه الجند بقوة وهو واقف متسمر مكانه فرأى الجند نهرا من خلف الرجل‬
‫الذي ينظر إليهم غير مدركا لما خلفه‪ ,‬وإذا بتمساح كبير يخرج من النهر فاتح فكه العظيم‬
‫فصعق الجند من هول ما رأوا‪ ,‬وانتبه الراعي خلفه ورأى ذلك المنظر المرعككب ‪ ,‬عنككدها‬
‫هجم عليهم التمساح بصوت المفترس النهكم‪ ,‬فتكدافع الجميككع إلككى الخكارج يسكقطون فكوق‬
‫بعضهم البعض‪ ,‬وهربوا وبعضهم لم يأخذ جواداه في الهرب‪ ,‬ولم يردا ال البتعادا عن ذلك‬
‫التمساح قدر المستطاع‪ ,‬و بعد قليل خرجت روثا ودايفي معها تككترقب الطريككق فككإذا هككي‬
‫خاوية‪ ,‬إل من حصان واحد واقف هناك بالخارج يرعى العشككب‪ ,‬فتحركككت إليككه ودافعككت‬
‫بديفي فوق ظهره وركبككت وراءه وانطلقككت مسككرعة إلككى القصككر‪ .‬وفككي رداهككات القصككر‬
‫كانت روثا ومعها دايفي يخككبران الشككيخ سككموطان مككا كككان مككن أمككر جنككودا ميشككا‪ ,‬فتقككدم‬
‫سموطان إلى حيث كان يجلس الملك أجمنون وجمكاعته يضكايفهم الملكك‪ ,‬فإسكتأذن الملكك‬
‫أجمنون من الملك ميشا لبعككض الككوقت‪ ,‬فككإذن لككه ميشككا متوجسككا‪ .‬وعنككدما إختلككى بالملككك‬

‫‪31‬‬
‫أجمنون أخبره سموطان أن الملك ميشا حاول أخذ المفتاح فبعث بجنوداه لمهاجمة الصككبي‬
‫ولم يفلح‪ ,‬عنككدها داخككل الملكك أجمنككون علككى الملككك ميشككا وعنفكه علكى فعلتككه فاضكطرب‬
‫المجلس وتغيرت أحوالهم من لهو الى جككد‪ ,‬فنككزل ميشككا مككن كرسككيه ووقككف قبالككة الملككك‬
‫أجمنون متظاهرا بالجهل وهككو ينظككر الككى ملككوك الجككن المتحفككزة‪ ,‬فككدار عليككه سككموطان‬
‫ووقف وراءه‪ ,‬وقال للملك أجمنون بحزم ونية‪ً:‬ا ماذا تككأمرني فيككه يككا مككولي؟ عنككدها خككر‬
‫الملك ميشا أمام قدمي الملك أجمنون متباكيا‪ ,‬مستميحا‪ ,‬متوسل‪ ,‬وهو يعلم من هككو الشككيخ‬
‫وكيف فعله وقال للملك وهو يمسك بقدميه‪ً:‬ا لدي ما يهمكم أن تعلموه‪ .‬عندها زاغت عينككي‬
‫الوزير لوذا‪ ,‬وظن أنه يفضحه‪ ,‬فبدأ يجهز نفسه لكذبة أخرى ينقككذ بهككا نفسككه‪ .‬فقككال الملككك‬
‫ميشا ‪ً:‬ا أنتم متوجهون إلى مملكة) جاما( أليس كذلك ؟ فقال الملك أجمنون‪ً:‬ا نعككم ولكككن مككا‬
‫داخل هذا فيما فعلت جنككوداك؟ فقككال الملككك ميشككا‪ً:‬ا مككاذا تعلمككون مككن أمرهككم ؟ قككال الملككك‬
‫أجمنون‪ً:‬ا نعلم ما نعلم وما داخلك في هذا ؟ قال الملك ميشا وهو ينظر إلى وراءه مستعطفا‬
‫سموطان ‪ً:‬ا يمكنني أن أمدكم بالمعلومات الكافيككة عنهككم وعككن مليكهككم مقابككل أن تصككفحوا‬
‫عني‪ .‬هز سموطان راسه للملك أجمنون وقال ‪ً:‬ا ل بأس نسككمع أول فقككال الملككك أجمنككون‪ً:‬ا‬
‫تكلم ما لديك ؟ فقال الملك ميشا ‪ً:‬ا ملكهم ملك قوي يدعى شمشون وهككو ملككك جليككل القككدر‬
‫عظيم الجاه له جنودا ل تحصككى‪ ,‬ولككه إبنككه ذات حسككن وجمككال وفصككاحة وفروسككية‪ ,‬وقككد‬
‫خطبها ملوك كثر فلم يسمح لهم بها‪ ,‬لكونه مغرما بحبهككا وصأككار كككل مككن يخطبهككا يمنعككه‬
‫ويرداه بغير فائدة‪ ,‬فيرجكع الخكاطب غضكبان إلكى أن يجمكع العسككر ويعكودا إليكه محاربكا‬
‫ومقاتل‪,‬ا فينكسر عسكر الملك القادام لن الملك شمشون صأاحب عساكر كثيرة‪ ,‬ثم أنه لما‬
‫طال عليه المر وعلم أنه تحارب مع جميع الملوك ضاق صأدره وقككد ذهبككت منككه بعككض‬
‫أمواله‪ ,‬فأشار عليه وزيره أن يدبره‪ .‬فقال له الوزير ‪ً:‬ا أبعككدها عككن هككذه الككديار وكككل مككن‬
‫جاءك خاطبا قل له ما هي عندي بل إنهككا سككرقت وكككل مككن فتككش عنهككا ولقيهككا فهككي لككه‪.‬‬
‫عندها قال الميرهيرودا لميشا ‪ً:‬ا إذا لماذا لم تجد أنت في طلبها طالما أنك تعرف سككرها؟‬
‫قال الملك ميشا لهيرودا ‪ً:‬ا أنا رجل عجوز مكالي والكزواج‪ ,‬كمكا أننكي لكدي نسكوة ككثيرات‬
‫وإنما ذلك من طبع الشباب من مثلك أيها المير بأن يركبوا الصعاب ويطلبوا المسككتحيل‪,‬‬
‫كما أن الملك شمشون ملك شرير ماالذي يضمن لي أن حصلت عليها أل يحاربني عليها‪,‬‬
‫وهو ذو مملكة عظيمة‪ ..‬فقاطعهما الملك أجمنون قائل‪ً:‬ا أكمل أيها الملك حكايتككك ول أرى‬
‫لها فائدة عندنا غير أننا عرفنا قوة خصمنا أكمل‪ .‬فقال الملك ميشا‪ً:‬ا وافككق الملككك شمشككون‬
‫وزيره وبنى لها قصرا على جزيرة بين البحور ورتب لها الخككدام والحككرس هنككاك‪ ,‬ولهككا‬
‫عشر جوار كأنهن القمار يضربن على اللت‪ ,‬مطربات ماهرات وعليهن واحككدة وهككي‬
‫كبيرة الوصأيفات ذات حسن وبهاء‪ ,‬وللملك شمشون عشرة أبناء ذكور‪ ,‬وكككل واحككد منهككم‬
‫يحكم على مدينة من المدن القريبة من المملكة بجنوداهم وعتاداهم‪ ..‬ثم توقككف الملككك ميشككا‬
‫عن الحديث فوقف الملك أجمنون متفكرا ثم سار إلى الشيخ سموطان وقال ‪ً:‬ا ما تقول فككي‬
‫هذا؟ قال سموطان ‪ً:‬ا هذه معلومات ل بأس بها ولكنها ليست بتلك الهمية ولكنا ل نسككتفيد‬
‫شيئ من قتله وقد نوغر علينا جند مملكته من بعده بل فائدة‪ .‬فقال الملككك أجمنككون يساسككر‬
‫الشيخ والملك ميشا راكع علككى الرض ينتظككر رداهككم ‪ً:‬ا إذا مككا العمككل؟ فقككال الشككيخ وهككو‬

‫‪32‬‬
‫يتوجه الى الملك ميشا ‪ً:‬ا ل بأس هذه معلومككات مفيككدة وقككد أنقكذت بهكا رأسكك هكذه الليلكة‪,‬‬
‫ولكن ل يمكن ان نثق بك بعدما فعلت‪ .‬وتوجه الشيج إلى برجيس ملك الخميس وقال لككه ‪ً:‬ا‬
‫لزم الملك ميشا في نومه ويقظته‪ ,‬فاذا علمت منه الغدر إقطع رقبته‪ .‬عنككدها فككرح الملككك‬
‫ميشا وشكر سموطان على صأنيعه وفزع عندما رأى برجيس قد إختفى من أمككامه عنككدما‬
‫أشار سموطان للملك ميشا بيده وهو يقككول لككبرجيس ‪ً:‬ا هككو معككك ‪ .‬رافككق برجيككس الجنككي‬
‫الملك ميشا حتى خارج ممرات القصر وهو في الطريق تقدمه برجيس إلى إحدى الجرار‬
‫المزخرفة التي تزين الممر حيث الملك ميشا قادام باتجاهها‪ ,‬فأوقعها برجيككس أمككام الملككك‬
‫ميشا فجفل الملك وأغمض عينيه تحسبا لنكسارها وفتح عينيه ليراهككا لككم تنكسككر ولكنهككا‬
‫مائلة الى الرض‪ .‬ثم رفعت لتقف على قاعدتها مرة أخرى‪ ,‬عنككدها تأكككد الملككك ميشككا أن‬
‫ذلك الجني يرافقه كظله فعل ‪ ,‬فأسرع الخطا إلى غرفته داون أن ينظككر خلفككه ولككم يخككرج‬
‫من غرفته‪ ,‬إنصرف الشيخ من مجلس الملك أجمنون يبحث عن هرمس حتى وجككده فقككال‬
‫له ‪ً:‬ا لقد وكلتك بحراستهما‪ .‬وقالها الشيخ بطريقككة توبيخيككة حككتى أن الجنككي أطككرق رأسككه‬
‫وقال ‪ً:‬ا سيدي لقد داخل إلى حريم الملك‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا ألم يكن بوسعك الختفككاء والككدخول‬
‫معهما ؟ قال الجني هرمس ‪ً:‬ا سيدي لم أشا أن أنظر إلى مككا ل ينبغككي النظككر اليككه‪ .‬عنككدها‬
‫سامحه سموطان وقال له ‪ً:‬ا مرة أخرى ل تسمح لهمكا بالكدخول فكي مككان ل يمكنكك انكت‬
‫الدخول اليه‪ .‬فقال هرمس ‪ً:‬ا أمرك سيدي‪ .‬في تلك الثناء اقككترب الميككر هيككرودا مككن أبيككه‬
‫الملك وقال‪ً:‬ا لقد أعجبني ما وصأف الملك ميشا لتلك ألميككرة الحسككناء‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا نعككم‬
‫وأنا كذلك‪ .‬عندها قال هيرودا‪ً:‬ا اريدك يا أبي أن تزوجنيها‪ .‬فقال الملك‪ً:‬ا ما بالككك هككل ترانككا‬
‫نملكها أو نملك أباها؟ فقال هيرودا أعني بعد أن نتغلب عليهم‪ .‬فقال الملك وهو فرحا ‪ً:‬ا هذه‬
‫بشارة جيدة هي لك إذا ما ظفرنا بهم ‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي تجمع حشد الملككك أجمنككون وخرجككوا مككن المدينككة محمليككن بككالزادا‬
‫والشراب وكان هناك الملك ميشا على الشرفة يلوح اليهم يوداعهم مبتسما‪ ,‬وبعككدما توقفككوا‬
‫عن النظر اليه وواصألوا التقدم بقليل كشر الملك ميشا وأخذ يسب ويلعن‪ ,‬فككاذا مككن وراءه‬
‫قد إرتفع من على الطاولة طشت به ماء لغسيل اليدي إرتفع حتى فوق راس الملك ميشككا‬
‫وهو منشغل باللعن والسب ولم يتوقف حتى انسكب عليككه المككاء فشككهق متجمككدا‪ ,‬ثككم نككزل‬
‫الطشت على رأسه واصأبح رأسه بداخله وقد غطاه حتى رقبتككه وهككو جامككد ل يككأتي بككأي‬
‫حركة فلقد علم أن برجيس الجني ما يزال في الجوار ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪33‬‬
‫تقدمت الجيوش وساروا في الغابات الكثيفة بضعة أيام حتى وصألوا إلى سهل من السهول‬
‫فعسكروا عند غروب الشمس واستراحوا وقاموا بطبخ الطعام حتى أن الدخان عل وكثر‪,‬‬
‫فأكلوا وشربوا‪ ,‬بعدها أخذت روثا دايفي وغسلت له يده وفمه من الطعام وهي تنظككر الككى‬
‫فوق كتفها حيث هرمس واقف ينظر اليها تغسله‪ ,‬وإذ هي ككذلك رأت هيككرودا ينطلككق مككن‬
‫المخيم بفرسه يعدو إلى الغابة خارج المعسكر فقامت مسرعة ثم رجعت حيث نست دايفي‬
‫وقالت لهرمس ‪ً:‬ا إعتني به حتى أعودا فأجابها هرمس برأسه بنعككم مسككتغربا مككن عجلتهككا‪,‬‬
‫وراقبها تأخذ حصانها وانطلقت تعدو به وراء هيرودا حتى إختفت في الغابة‪ .‬وبعد مسككافة‬
‫في الغابة هدأت روثا من سرعة الحصان حيث لمحت فارس يتمشى في الغابة فلحقت به‬
‫بهدؤ متسللة حتى وقف الفارس ونزل عن فرسه وأخذ سيفه وراح يضرب به في الهككواء‪,‬‬
‫ثم قام بضرب كل ما حوله من الشجار وكأنه في عراك عنيف ثككم لككوح بسككيفه مسككتديرا‬
‫الى صأوت أحدهم يقترب منه فاذا هي روثا وقد اشككار اليهككا بسككيفه بعككزم فككأنزل هيككرودا‬
‫سيفه لما رآها وقال ‪ً:‬ا أنت!! تقدمت روثا منه قائلة ‪ً:‬ا لما كل هذا الغضككب ؟ فقككال هيككرودا‬
‫وهو يعاين سيفه ممسكا به بكلتا يديه ‪ً:‬ا لقد خرجنا للغزو‪ ,‬ومع هذا لم أسككتعمله حككتى الن‪,‬‬
‫اني متشوق للقتال‪ ,‬لقتال حقيقي‪ .‬فقككالت روثا مسككتنكرة ‪ً:‬ا وهككل ينبغككي أن يمككوت احككدهم‬
‫لتشعر بالتحسن؟ قال هيرودا‪ً:‬ا إنك فتاة ل أتوقع منك فهم ذلك‪ .‬فقالت ‪ً:‬ا نعم في الحيككاة الككتي‬
‫عشتها لم نكن نختلط بالكثيرمن الناس‪ .‬فرق قلب هيرودا لهككا قككائل ‪ً:‬ا هككل كنككت وحيككدة ؟‬
‫وعندما قال لها ذلك وكأنه غرز سيفه في جرح قديم تحاول إلمامه فتنهدت وقالت ‪ً:‬ا أعنككي‬
‫من هناك ؟ أمي أو ماري أو دايفي و سموطان‪ ,‬في مكان معزول بعيككد عككن النككاس‪ ,‬كنككت‬
‫أفرح كثيرا عندما يككأتي أحيانككا أحككد القروييككن للتطبككب لككدى سككموطان‪,‬وأسككتغل الفرصأككه‬
‫للتحدثا الى كل من يزورنا‪ ,‬ولكنهم ليسوا بكثير ونادارا‪ .‬عندها شعر هيرودا كمككا شككعرت‬
‫روثا في ظلمه تلك الليلة وفي تلك الخلوة ببعضهما بشيء يتحرك نحو بعضهما البعككض‪.‬‬
‫فقاطع هيرودا ذلك الحساس الغريب على شخص يحككاول ان يكككون صأككلبا طككوال الككوقت‬
‫وقال وهو ينظر الى طريق العوداة الى المخيم‪ً:‬ا غدا أمامنا مسير شاق آخر‪ ,‬ينبغي أن ننال‬
‫قسطا من الراحة‪ .‬وعندما قال هيرودا ذلك تنفست روثا وخر بنيان ذلككك الشككعور الجميككل‬
‫متكسرا على الرض‪ ,‬وكأنها ل تريد الذهاب فقفز هيرودا على جواداه وقال ‪ً:‬ا أسككابقك فككي‬
‫العوداة‪ .‬عندها قفزت هككي الخككرى علككى جواداهككا وأخككذا يتسككابقان الككى المخيككم‪ .‬فككي تلككك‬
‫الثناء وإذ هيرودا وروثا يتحاداثان فككي الغابككة إفتقككد دايفككي صأككديقته روثا فظككن أنهككا قككد‬
‫أختفت‪ ,‬فأخرج طاقيتة ولبسها علككى رأسككه فككاختفى‪ ,‬فجككزع هرمككس عنككدما إختفككى دايفككي‬
‫وأخذ يبحث عنه في المكان فل يجده‪ ,‬ولكنه يمكنه أن يسمع ضحكاته‪ ,‬وإذ هو كذلك ذهب‬
‫وناداى سموطان فحضر الشيخ إلى تلك البقعككة المعزولككة مككن المخيككم حيككث إختفككى دايفككي‬
‫وأرشده هرمس إلى حيث كانا‪ ,‬وكان سكموطان يسكمع صأككوت ضككحكات دايفككي ول يكراه‪,‬‬
‫فأخذ سموطان يلطفه ويتكلم معه طالبا منه أن يظهر نفسه ثككم أخككذ سككموطان قطعككة مككن‬
‫قماش الخيم ووضعها على رأسه وأخذ الشككيخ يخلككع قطعككة القمككاش مككن رأسككه عسككى أن‬
‫يقلده دايفي‪ ,‬وبعد برهه ظهر دايفي وصأرخأ صأرخة الظهور والطاقية في يده ‪ ,‬فهجم عليككه‬
‫الشيخ وأمسك به وحاول إفهامه أل يفعل ذلك مره أخرى‪ ,‬وأمسك سموطان بالطاقيككة فككي‬

‫‪34‬‬
‫يدة وقال ‪ً:‬ا إنها الطاقية لقد أحضرتها معككك‪ .‬وفكككر سككموطان قليل ثككم خبأهككا فككي مخبككاء‬
‫دايفي وقال وهو ممسكا بديفي من عضككدية‪ً:‬ا لعلهكا تفيككدك فككي وقكت مككا‪ .‬فكي تلككك ألثنككاء‬
‫وصألت روثا ومككن مظهككر سككموطان وهككو ممسكككا بككديفي علمككت روثا بوقككوع أمككر مككا‬
‫فركضت إليهما وجلة وقالت ‪ً:‬ا ما الذي حصل ؟ نظر إليها الشيخ بغضككب ووبخهككا قككائل‪ً:‬ا‬
‫قلتي من سيعتني بديفي أليس كذلك ؟ ل أراك تعتنين به‪ .‬ثم إنصرف عنهككا الشككيخ فسككألت‬
‫روثا هرمس فقال وهو يشير إلى دايفي‪ً:‬ا لديه طاقيكة إذا لبسكها إختفككى‪ .‬تحققكت روثا مكن‬
‫جيبه ودايفي يضحك‪ ,‬فإذا هي الطاقية وقد تعرفت عليها‪ .‬فقال لها هرمس‪ً:‬ا لعله يعتقد أنككك‬
‫تلعبين معه لعبة الختفاء عندما إختفيتي عنه‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي سار الجيش في مسيرة طويلة بين كثائف الشككجار حككتى خرجككوا‬
‫الى سهل من السهول منبسككط واسككتطاعوا رؤيككة نيككران مدينككة قابعككة علككى مككدى النظككر‪,‬‬
‫فعسكر الجيش هناك‪ .‬وبعد أن أكلوا عشائهم تجمعوا في خيمة الملككك أجمنككون فقككال كككبير‬
‫الجند‪ً:‬ا مولي أظن أنهم قد علموا بمجيئنا منككذ فككترة طويلككة‪ .‬فقككال الملككك‪ً:‬ا وكيككف عرفككت‬
‫ذلك؟ فقال‪ً:‬ا ذهبت إلى أقرب مكان من أسككوار المدينككة فرأيككت العككددا الككتي علككى السككوار‬
‫والتجهيزات‪ ,‬ومثل تلك التجهيزات تتطلب أياما لتجهيزها‪ ,‬ثككم إن قسككم كككبير مككن الجيككش‬
‫يعسكر من حول اسوار المدينة‪ ,‬مما يعني أنهم قد استجلبوا المككددا لعلمهككم بمجيئنككا اليهككم‪.‬‬
‫فقال الملك أجمنون‪ً:‬ا أتمنى أن تكون هذه المدينة كمثل سابقتها فلم تكلفنا مدينة الملك ميشككا‬
‫رجل واحدا‪ .‬فتكلم هيكرودا وقكال ‪ً:‬ا مكولي الملكك ‪ ,‬إذا ككان صأكحيحا أن الملكك شمشكون‬
‫يمتلك عدداا كبيرا جدا من الجنودا أل ترى أنه من الفضل اللجوء الى حل غيككر الشككتباك‬
‫الجماعي‪ ..‬وتردادا هيرودا قليل ثم قال ‪ً:‬ا ل أقصد نفسي وإنما اقصد جندنا القل عدداا‪ .‬تكلم‬
‫الوزير لوذا وقال ‪ً:‬ا مولي الملك‪ ,‬أل يستطيع سموطان تكرار فعلته التي فعلها مككع الملككك‬
‫ميشا ويخطف لنككا الملككك شمشككون؟ نظككر الشككيخ الككى الككوزير وفهككم مقصككده وقككال ‪ً:‬ا هككذا‬
‫صأحيح وقد فكرت في ذلك ولكن حينما عسكرنا بعثككت أحككد الجككان الككى هنكاك ليستقصككي‬
‫أمرهم‪ ,‬فوجده ملكا ل يهاب شيئا ويمكن أن يضككحي بنفسككه فديككة لشككعبه‪ ,‬الملككك شمشككون‬
‫ليس كالملك ميشا الضعيف‪ ,‬وإنما هو ملكا متمكنا ل يهككاب المككوت‪ ,‬وافككرض أنككي قتلتككه‪,‬‬
‫فوراءه من يحل محله وهم ليسوا بأقل منه شأنا‪ ,‬وإنما جميع من حوله على شاكلته‪ .‬حينها‬
‫خسيئ الوزير لوذا وأصأبح وجهه يابسككا فقككال هيككرودا ‪ً:‬ا مككولي الملككك أرى أن نككدعوهم‬
‫للقتال فرداا فرداا لكي نجنب انفسنا مذبحة عظيمة سواء بنا أوبهككم‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا هككذا هككو‬
‫الرأي‪ ,‬ولكن لنرسل اليهم كتابا أول ندعوهم فيه للستسككلم لعلهككم يقبلككون‪ .‬ونككاداى الملككك‬
‫على شهلون فحضر فقال له الملك‪ً:‬ا أكتب للملك شمشككون‪ .‬فكتككب وبعثككه بالكتككاب فككانطلق‬
‫شهلون من فوره‪ .‬في تلك الثناء كانت روثا ودايفي يتمشككيان بيككن الجنككد فككإذا جنككدي مككع‬
‫أصأحابة وهم يهزؤن بهرمس ويقولون ‪ً:‬ا أنظروا إلى هذا الحارس المسككتعبد‪ .‬فنظككر إليهككم‬
‫هرمس وزمجر فهدأته روثا وقالت له ‪ً:‬ا ل تكترثا لهم أنككت صأككديقي وهككم يغككارون منككك‬
‫فقال الجند وهككم يضككحكون‪ً:‬ا جليككس الفتيككات والطفككال والمسككوخأ‪ .‬عنككدها غضككبت روثا‬
‫وقالت في غضب لهرمس‪ً:‬ا أريهم قوتك ياهرمس‪ .‬حينهككا نفككخ عليهككم هرمككس نفخككة قويككة‬
‫طيرتهككم كلهككم وأوقعتهككم علككى قفككاهم متككألمين متككأوهين‪ ,‬فأخككذت روثا تضككحك عليهككم‬

‫‪35‬‬
‫فسايرها في الضحك دايفي ثم هرمس وانصرفوا عنهم وهم يتضاحكون ‪ .‬وصأككل شككهلون‬
‫رسول الملك أجمنون إلى الملك شمشون وألقى الكتاب بين يديه ففضه الملك وقرأه وهككزأ‬
‫به‪ .‬وقد جلس شمشون بين أشد القوادا و الحكماء من حوله فنظر الملك شمشون إلى أبناءه‬
‫الملوك العشرة من حوله وقال ‪ً:‬ا يا أبنائي هذا الملك أجمنون يدعونا للستسلم ماذا ترون‬
‫؟ فقالوا كلهم بصرخة واحدة وضربوا على سيوفهم المغموداة ‪ً:‬ا الحككرب‪ ...‬الحككرب‪ .‬حككتى‬
‫خاف شهلون الرسول من تلك الصيحة المدويه في القصر‪ .‬فتبسككم الملككك شمشككون ونظككر‬
‫إلى شلهون الرسول وقال‪ً:‬ا هل سككمعت؟ ثككم تككردادا الملككك ووضككع سككبابته علككى فمككه كمككن‬
‫يطلككب الصككمت وقككال ‪ً:‬ا ل ‪ ,‬رداي سككيكون أفضككع مككن هككذا‪ ,‬خككذوا هككذا الرسككول واقتلككوه‬
‫واصألبوه ثم أبعثوا به على حصانه إلى الملككك أجمنككون‪ .‬حينهككا ارتجككف شككهلون الرسككول‬
‫وعول وصأاح وقال ‪ً:‬ا وماذنبي أنا يكا مكولي‪ ,‬هكو مكن يحاربكك ولسكت أنكا‪ ,‬أنكا لسكت إل‬
‫شهلون السريع فككي خككدمتكم يككا مككولي‪ .‬فضككحك الملككك شمشككون وقهقككه فقككاطعه حكيمككه‬
‫ووزيره وقال له في أذنه ‪ً:‬ا مولي ان الرسل لتقتل‪ ,‬فإن فعلت تحدثت بككذلك الملككوك إلككى‬
‫أبد الدهر‪ ,‬وليس بمثل سيرتك أن تتحدثا فيه المم بما يعيب‪ .‬كان الرسول شككهلون ينظككر‬
‫إليهما خائفا وباهتمام فنظكر إليكه الملكك عنكد إعتكدال الحكيكم وقككال ‪ً:‬ا خلككوا سكبيله‪ ,‬إذهكب‬
‫وأخبر مليكك بما حصل‪ ,‬اذهب وقل لككه نلقككاكم غككدا فككي النككزال‪ .‬خككرج الرسككول شككهلون‬
‫يهرول من شدة الخوف وقككد ارتعككدت مفاصأككله بعككد أن ظككن أن ل نجكاة لككه مككن الصككلب‪.‬‬
‫داخل شهلون على الملك أجمنون وأخبره بالمر فقال الملك أجمنون وهو ينظككر إلككى إبنككه‬
‫هيرودا‪ً:‬ا إذا ندعوهم إلى النزال المفردا‪ .‬ففرح هيرودا بذلك ‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي إصأطفت الجموع وكل ملك في مقدمة جيشه‪ .‬أما روثا ودايفككي فقككد‬
‫بقيا في المعسكر في حماية هرمس‪ .‬واصأطف الخوة الستة بعد الشيخ ثم مككن قبلككه الملككك‬
‫وهو ينظر إلى جيش الملك شمشون وقد سد البسيطة بل أن ذلك ليككس كككل الجيككش فمنهككم‬
‫من يعسكر خلف المدينة‪ ,‬ومنهم على جوانبها لم يقوموا للمعركة بعكد‪ ,‬فقكد ككانت النيكران‬
‫هناك مشتعلة وهم وكأن المر ل يعنيهم‪ ,‬فقال سموطان‪ً:‬ا مولي هل ترى هذا العددا الككذي‬
‫امامنا ؟ قال الملك‪ً:‬ا نعم يا سككموطان ليكس لنكا ال أن نخكرج لهككم بأفضكل مكا عنككدنا‪ .‬فقكال‬
‫سموطان وهو ينظر إلى ما بعد الملك حيث الوزير على فرسه علككى يسككار الملككك ‪ً:‬ا ربمككا‬
‫يرينا الوزير مهارته في استعمال السلح‪ .‬فبلع الوزير لككوذا ريقككه وقككال ‪ً:‬ا وهككل يعقككل أن‬
‫أتقدم شجعان وأتباع الشيخ الكبير سموطان‪ .‬حينها نظر الشيخ الى يمينه فاذا هو ملك يككوم‬
‫الحد أفتاب ملك الشمس‪ .‬حينها انطلق افتاب على الفور وداونما كلم الككى وسككط الميككدان‬
‫ولوح بسيفه البتار‪ ,‬فخرج له من جموع العداء فارس عملق تخاف منككه السككودا‪ ,‬زنككده‬
‫بزند ثلثه رجال‪ ,‬مطرز بالدروع‪ ,‬يلمع تحت أشعة الشمس مترصأص بالعضلت ل يكادا‬
‫حصانه يحمله من ثقله‪ ,‬وسار حتى وصأل إلى أفتاب و أخرج من بينيه بكلتا يككديه‪ ,‬سككيفين‬
‫عظيميككن عريضككين ولكنهمككا ليسككا حككاداين وإنمككا كل منهمككا بعككرض الخشككبة‪ ,‬بشككق فككي‬
‫المنتصف‪ ,‬فتعجب أفتاب من ذلك وأخذ ينظككر إلككى مككافي أيككدي هككذا الفككارس‪ ,‬فنهككز اليككه‬
‫أفتاب على غفلة وتقدم منه بخيله وهوى عليه بسككيفه‪ ,‬فلمككا تلصأككقت السككيوف خككرج مككن‬
‫سيف الفارس كرات مسامير‪ ,‬اخترق أحدها صأدر أفتاب وطبق فيه والخريات لم تصككبه‬

‫‪36‬‬
‫فرجعت إلى دااخل السيف مرة أخرى بسلسلة عجيبة‪ ,‬فشد الفكارس سكيفه نحكوه وخرجكت‬
‫كرة المسامير من صأدر أفتاب راجعة إلى دااخل السيف العملق‪ ,‬فوقككع أفتككاب مككن ظهككر‬
‫جواداه على الرض مدميا‪ ,‬فوجل إخوته من المنظككر وخككافوا علككى أخيهككم الكككبر الهلك‬
‫حينما نزل الفارس من على فرسه وتقدم من افتاب المجروح الككذي حككاول القيككام ولككم يقككم‬
‫من على الرض‪ ,‬ولما أرادا الفارس ضربه مرة أخرى قفز عنه فأخطاه السكيف ولككن لكم‬
‫تخرج منه أية كرات هذه المره‪ ,‬نهض أفتاب على قدميه وهو ممسكا بيده اليسككرى مكككان‬
‫الضربة متألما متفحصا ذلك السيف‪ ,‬فعلككم أن الكككرات ل تخككرج ال اذا مكا إصأكطك سككيفه‬
‫على شيء بقوة‪ ,‬واذ هو يفكر فككي ذلككك قككاطعه صأككوت قككرع جنككودا الملككك أجمنككون علككى‬
‫داروعهم‪ ,‬فتبعه الفارس وهوى بيساره بالسيف علككى رأس أفتككاب فككانحنى أفتككاب‪ ,‬ونككاوله‬
‫الفارس مباشرة بيمينه فكادا أن يصيب بطنه لول أن قفز أفتاب للوراء وهككو فككي كككل ذلككك‬
‫يؤلمه جرحه في صأدره‪ .‬عندها صأرخأ أخوه بهرام بقوة وقال ‪ً:‬ا أفتككاب‪ .‬فنظككر إليككه أفتككاب‬
‫فاذا بهرام يقذف بإتجاهه دارعا طار في الهواء فامسكككه افتككاب بيمينككه مككن الهككواء وهجككم‬
‫عليه الفارس مرة أخرى بسيفه فصده أفتاب بالككدرع‪ ,‬فنكاوله مباشككرة الفككارس بيمينككه مككن‬
‫تحته فما كان من أفتاب ال أن يصده بسيفه عن يساره‪ ,‬وعندما إصأككطك السككيفين خرجككت‬
‫تلك الكرات من السيف‪ ,‬وأصأكابت كرتكان فخكذ وسكاق أفتكاب فخكر أرضكا وأخكذ يزحكف‬
‫راجعا للوراء والفارس يتقدم نحوه بثقة‪ ,‬خاصأة عندما سمع صأوت الطبول مككن معسكككره‬
‫يحيوه وقد علموا نهاية خصمه‪ ,‬عندها ألقى أفتاب بسيفه بعد أخككر طعنككه واحتفككظ بككدرعه‬
‫وأخذ يزحف للوراء حتى وصأل إلى مكان قريب من الشجار عند طرف اتصككال السككهل‬
‫بالغابة المحيطة‪ ,‬والفارس يتبعه وكأنه أضحى فريسه سهله غيككر مسككتعجل عليككه‪ ,‬فنفخككة‬
‫أفتاب نفخة قوية أرجعت ذلك الفارس الضخم الى الككوراء قليل ولكنككه لككم يقككع مككن قككوته‪,‬‬
‫فتقدم الفارس مرة أخرى نحو أفتاب غير مكترثا‪ ,‬حينها رأى أفتاب جذع شجره صأككغيرة‬
‫مقطوعة ما زال رطبا‪ ,‬فقام اليه أفتاب وهو يعرج وحمله كدرع بعد أن القى دارعه‪ ,‬وتقدم‬
‫منه الفارس وهوى عليه بسيفه فصده أفتاب بذلك الجذع فخرقت مقدمة السيف الجذع مما‬
‫سمح للكرات التي بداخله من الخروج ولكنها التصككقت بجككذع الشككجرة بقككوة حيككث كككانت‬
‫الضربة هاوية وأفتاب ما زال ممسكككا بالجككذع‪ ,‬فحككاول الفككارس شككد سككيفه لتخليصككه فلككم‬
‫تخرج الكرات من الجذع‪ ,‬ولكم يكردا الفككارس جككذب السكيف بقكوة لككي ل تخكرج الكككرات‬
‫باتجاه آخر غير السيف‪ ,‬فهوى الفارس بسيفه أليمن ناحية خاصأرة أفتاب فقفز عنه تاركا‬
‫الجذع من يده ليقع أرضا والسيف مركوزا فيه والفارس مازال يمسكه منحنيا معه‪ ,‬حينها‬
‫أرادا الفارس إخراج تلك الكرات من الجذع فألقى سيفه اليمن على الرض وتوطأ الجذع‬
‫بقدمه وانحنى لكي يخرج سيفه بيمينه فقفز أفتاب بكل قوته وهوى برجليككه الثنككتين علككى‬
‫السيف فإصأطكت يد الفارس بين قبضة السيف والجذع فصرخأ متألما‪ ,‬وأرادا أن يمككد يككده‬
‫اليمنى ليأخذ سيفه ألخر الملقى بجانبه‪ ,‬فأسرع أفتاب ونطحه علككى وجهككه برأسككه نطحككه‬
‫قوية رمته الى الخلف تاركا سيفه على جذع الشجرة والخر بجانبهككا‪ .‬فأخككذ أفتككاب سككيف‬
‫الفارس الممددا بجانب جذع الشجرة وتقدم منه بسرعة وهككو علككى الرض وهككوى أفتككاب‬
‫بالسيف على جبينه فخرجككت تلككك الكككرات وخرقككت جسككمه وتنككاثرت أجككزاء رأسككه ولككم‬

‫‪37‬‬
‫يحرك سكاكنا‪ ,‬وتعكالت صأكيحات أخكوانه وجنكدهم‪ ,‬فكانطلق أخكويه ماهتكاب وأناهيكد اليكه‬
‫وحملوه الى صأفوفهم‪ ,‬فتقدم الملك شمشون قليل بخيله وصأاح قائل ‪ً:‬ا إلى الغد يا أجمنون‪,‬‬
‫الى الغد‪ .‬وقفل راجعا يخترق صأككفوف جنككده الككى المدينككة‪ .‬فككدخلت بعككض جيوشككه وراءه‬
‫وبعضها إلى المعسكرات حول المدينه‪ ,‬وأصأبحت الساحة خاليككة‪ .‬أخككذ الشككيخ أفتككاب الككى‬
‫خيمتة وبدأ بتطبيبه‪ .‬أما الملك شمشون‪ ,‬فدخل قاعة ملكه وهو يزمجر ويقول ‪ً:‬ا الجن‪ ,‬ماذا‬
‫عسانا نفعل معهم وهم يحاربونككا بككالجن‪ ,‬جككن ضككد البشككر ؟ آه كككدنا نظفككر بككه لككول ذلككك‬
‫الخرق‪ ,‬لم يستطع التخلي عن سيفه مقابل سيف آخر بيده‪ ,‬فتخلى عن الثنين‪ .‬فتقككدم الككى‬
‫الملك شمشون حكيمه الوزير وقال‪ً:‬ا مولي شمشككون‪ ,‬سككمعت أن الجككن يخككافون الزئبككق‪.‬‬
‫عندها لمعت في عيني الملك شمشون بارقة أمل وأخذ الحكيككم مككن كتفككه قككائل ‪ً:‬ا هككل هككذا‬
‫صأحيح؟ فهز رأسه الحكيم باليجككاب‪ .‬فقككال بعككض مككن حضككر مككن الحكمككاء مككن حككوله‪ً:‬ا‬
‫صأحيح‪ ..‬صأككحيح يككا مككولي‪ .‬فرداهككم الملككك قككائل‪ً:‬ا هككل سككألتكم؟ أنككا أسككأله هككو‪ .‬فككأطرق‬
‫الحكماء رؤسهم خجل خائبين‪ .‬ثم قال شمشون للحكيم الذي مكا يككزال يحيككط كتفكه بيككديه ‪ً:‬ا‬
‫أعد لنا ما تستطيع من هذه الماداة لنلقاهم بهكا غكدا‪ ,‬فكإذا كسكرنا شكوكت جنهكم هكان علينكا‬
‫أمرهم بعدهم‪ .‬في معسكر الملك أجمنون وقد داخل عليهم الليل داخل هيككرودا خيمككة الشككيخ‬
‫فوجده يطبب أفتاب وهو مستلقي على السرير‪ .‬فتوجه هيرودا إلى أفتاب قائل‪ً:‬ا كيف تشعر‬
‫الن ؟ فقال أفتاب ‪ً:‬ا ل يمكن أن أشعر أحسن وأنا طبيبي الشيخ سموطان رئيككس الطبككاء‪.‬‬
‫عندها أصأاب الشيخ سموطان بعض الغككرور فتركهمكا هيككرودا وخككرج مكن الخيمكة فلمككح‬
‫وراءها نارا وبعض الصأوات‪ ,‬فإلتف حول الخيمة فإذا هي روثا ودايفي ومعهما هرمس‬
‫وشهلون يصطلون بالنار‪ ,‬فتقدم منهم وشعروا به يقترب‪ ,‬فتبسمت روثا في وجككه هيككرودا‬
‫وقعد معهم على النار وقال هيرودا وهو يتمعن فكي سكيفه‪ً:‬ا وأخيكرا سكأجرب هكذا السكيف‪.‬‬
‫فنظرت إليككه روثا بإعجككاب‪ ,‬ثككم حككول هيككرودا نظككره إلككى هرمككس قككائل ‪ً:‬ا ظننككت الجككن‬
‫يخافون من النار‪ .‬فنظر بعدها هيرودا إلى شهلون وتضاحكا فقال هرمككس ‪ً:‬ا لقككد خلككق اكك‬
‫آدام من طين كما خلق الجن من النار فقال شككهلون ‪ً:‬ا هكل يعنككي هككذا أن النككار ل تضككرك؟‬
‫فنظر هرمس إلى شككهلون بتعجككب ثككم أخككذ شككهلون قطعككة مككن خشككب النككار وقربهككا مككن‬
‫هرمس وقال ‪ً:‬ا هل نجرب ؟ خذ إمسك هككذه النككار إذا‪ ,‬ألككم تخلككق مككن النككار؟ عنككدها نككزع‬
‫هرمس قطعة من طين العشب تحته وضككرب بهككا وجككه شككهلون بقككوة فوقككع علككى ظهككره‬
‫متألما وأتبعه هرمس بقوله ‪ً:‬ا وأنت خلقت مككن طيككن فلمككاذا تككألمت منككه؟ فضككحك الجميككع‬
‫على شهلون‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي تجهز الجميع للخروج وناداى هيرودا على حامككل أسككلحته شككهلون‬
‫وقال‪ً:‬ا شهلون‪ .‬فإذا شهلون يأتي مسرعا بالدارعة والسيوف‪ ,‬فلبس هيرودا ما عنده وصأعد‬
‫على جواداه ولحق بالملك إلككى سككاحة القتككال‪ .‬وهنككاك كككانت روثا واقفككه تشكاهده‪ ,‬فحياهككا‬
‫هيرودا على طريقه وهو يعدوا بفرسه فتبسمت له ثم نظرت روثا إلى هرمككس قائلككة ‪ً:‬ا أل‬
‫تشعر برغبه بالذهاب مع إخوتك؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا أنا أقوم بما كلفت به وهم سككيقومون بمككا‬
‫كلفوا به‪ ,‬ل تخكافي عليهكم إنهكم أشكداء‪ ,‬إخكوتي وأعرفهكم إنهكم لكم يتحمسكوا بعكد‪ ,‬تعكالي‬
‫لنشاهدهم من بعيد‪ .‬وذهب الثلثة إلككى مرتفككع حيككث يمكنهككم مشككاهدة المعركككة‪ .‬إصأككطف‬

‫‪38‬‬
‫الفريقان فخرج من فريق الملك شمشككون رجككل صأككنديد وفككي يككده فككأس كككبيرة ذو قبضككة‬
‫داائرية كبيرة وفي صأفوف الملك أجمنون وحيث إصأطف الجميع سمع الشككيخ صأككوتا مككن‬
‫يمينه يقول ‪ً:‬ا سككيدي‪ .‬فككالتفت الشككيخ فككإذا هككو ماهتككاب ينظككر اليككه‪ ,‬فهككز سككموطان رأسككه‬
‫باليجاب‪ .‬فانطلق ماهتاب لملقات الفارس في وسط الميدان‪ ,‬وعندما وصأل إليه ماهتاب‬
‫إذا بالفارس يترجل عن فرسه‪ ,‬فترجل ماهتاب هوأيضا‪ ,‬وداارا حول بعضهما‪ ,‬كككل يتأمككل‬
‫خصمة‪ ,‬فهجم عليه ماهتاب بسيفه فرداه الفارس بككدرعه وبككاداله بفأسككه‪,‬وتبككادال الضككربات‬
‫والصدات فأرادا ماهتاب إظهار قوته فنفخ الفارس نفخة قوية طيرتككه مسككافة إلككى الخلككف‪,‬‬
‫ولكن الفارس نهض وهرول باتجاه ماهتككاب وعنككد وصأككوله عنككده فتككح الفككارس بإصأككبعه‬
‫فتحة من الفأس ولوح بالفأس فككي الفضكاء بإتجكاه ماهتكاب فخكرج مكن دااخككل تلكك الفكأس‬
‫الزئبق وأصأاب ماهتاب في يده التي بها السيف‪ ,‬فبككدأت يككده يخككرج منهككا داخانككا مككن أثككر‬
‫الحرق‪ ,‬وبدأ ماهتاب يتألم فوقع سيفه على الرض‪ ,‬فتقككدم منككه الفككارس وأرادا التأكككد مككن‬
‫إضعاف ماهتاب فرشه من ذلك الزئبككق مككرة أخككرى فرفككع ماهتككاب دارعككه ليتقككي وجهككه‬
‫فأصأاب الزئبق قككدميه‪ ,‬فبككدأتا تخرجككان الككدخان فتعككثر ماهتككاب وسككقط وعككاجله الفككارس‬
‫بأخرى فنثر عليه الزئبق في صأدره وبطنه وماهتاب يتلوى مككن اللككم والككدخاخين تخككرج‬
‫من جسده تأكل لحمه‪ ,‬فإضطرب إخوته‪ ,‬وخاصأة هرمس عندما علم أن ما يلقيككه الفككارس‬
‫على أخيه هو الزئبق فقال لروثا‪ً:‬ا ل تتحركي من مكانك وانتبهي جيدا إلى دايفككي واعتنككي‬
‫جيدا بأخي ماهتاب حتى أعودا‪ .‬إستغربت روثا من وصأيته الخيككرة حيككث ماهتككاب كككان‬
‫في المعركة‪ .‬إختفى هرمس من أمام روثا وتلبس بجثة أخيككه ماهتككاب حيككث كككان يتلككوى‬
‫من اللم في ساحة المعركة‪ ,‬وظهر في نفس الوقت ماهتاب عند روثا حيث كان هرمس‪,‬‬
‫وأخذ ماهتاب يتلوى أمام روثا وهي ل تعلم ماذا حدثا ول ما تفعل‪ ,‬عندها إنطلق الشككيخ‬
‫مباشرة من الصفوف مما أداهش الملك وجميع الجند ماعدى أخوة الجن لم يدهشهم إلتفككافه‬
‫ورجوعه إلى أخر الصفوف حتى وصأل إلى حيث روثا وأخذ يعتني بماهتاب ولم يعلم‬
‫ماهتكاب وأطلكق‬ ‫أحد ما يحدثا‪ ,‬وتقدم الفارس من هرمكس الكذي يبكدوا علكى شككل‬
‫عليه رشات من الزئبق فتظاهر هرمس باللم‪ ,‬والملك شمشون أعلى يده‬
‫وأطلق صأرخة النصر لنجاح الطريقككة الككتي أشككار عليككه بهككا حكيمككه‪ ,‬وتعككالت صأككيحات‬
‫الجنودا من خلفه فنظر الفارس الى ذلك وانشرح واقترب من هرمككس الككذي أصأككبح تحككت‬
‫رحمته‪ ,‬وعندما وصألت قكدما الفككارس عنككد رأس هرمككس وأرادا رفككع فأسككه ليقطككع عنقككه‬
‫نهض هرمس مستقيما صأحيحا معافيا فصعق الفارس من سرعة من ككان قبكل قليكل جثكة‬
‫هامدة فأخذته صأعقة المفأجاة فتيبس وبهت‪ ,‬فأمسك هرمس بيد الفارس التي تمسك الفككأس‬
‫ولواها إلى وسط الفارس بقوة والفارس ما يزال ممسكا بالفأس وأغمده بيككن فخككذيه فشككقه‬
‫إلى بطنه‪ ,‬وفتح الفارس فمه من أللم ولم يستطع الصراخأ من شدة الضربة فوقع صأريعا‪.‬‬
‫هلل جند الملك أجمنون المندهشين مما حصل بينمككا جككن جنككون الملككك شمشككون وسككحب‬
‫قواته إلى دااخل أبواب المدينة‪ ,‬وداخل قصره مزمجرا غضككبانا وهككو يجككر بككرأس الحكيككم‬
‫الذي أشار عليه بالزئبق ويقول ‪ً:‬ا هل قلت الجككن تخككاف الزئبككق ؟ نعككم رأيتهككم يرتعشككون‬
‫ويتساقطون خوفا‪ .‬ثم دافع بالحكيم فاستجمع الحكيم نفسه وقككال للملككك شمشككون ‪ً:‬ا مككولي‪,‬‬

‫‪39‬‬
‫لبد وأننا قد خدعنا‪ .‬قال الملك وهو مغاضبا‪ً:‬ا خدعنا‪ ..‬خدعنا نعكم‪ ,‬ألكم تكرى كيككف قصككم‬
‫ذلك الجني الحقير فارسنا إلى قطعتين‪ .‬فلذ الحكيم بالصمت‪ .‬ثم تقدم مككن الملككك شمشككون‬
‫أحد أبناءه وقال ‪ً:‬ا لما ل نهجم عليهم مرة واحدة فنفنيهم‪ ,‬لقد رأيت كم هو عككدداهم‪ ,‬إنهككم ل‬
‫شيء مقارنة بعددانا الكبير‪ ,‬نكادا أن نكون عشرة أضعافهم عدداا‪ .‬فقال الملك شمشون لبنه‬
‫‪ً:‬ا يا بني لول أولئك الجن ما كنككت اعترضككت‪ ,‬هككذا مككن رحمتهككم بنككا‪ ,‬أو حككتى رحمتهككم‬
‫بأنفسهم‪ ..‬ثم تردادا الملك وقال ‪ً:‬ا ولكن إجمع لي المجلس للتشاور في المر‪ .‬في معسكككر‬
‫الملك أجمنون حمل الشيخ ماهتاب وداخل به الككى حيككث يرقككد أخيككه أفتككاب‪ ,‬وعنككدما رأى‬
‫أفتاب ماهتاب على تلك الحال جزع له ولكنه كتم ذلك وقال له ‪ً:‬ا إذا أتيتم لي بمن يسككليني‪.‬‬
‫فضحك ماهتاب وهو يتكأ على الشيخ ح تى داخكل وأرقكده الشكيخ بجكانب أخيكه وأخكذ فكي‬
‫تطبيبه وحيث داخل عليهم إخوتهم الخرين يطمأنون عليهما ‪.‬‬
‫خرج بعد قليل هرمس وراء روثا عندما شاهدها تخرج مككن خيمككة الشككيخ ليكمككل مهمتككه‬
‫الموكل بها‪ ,‬فسارت وسار ورائها ثم سككألته روثا ‪ً:‬ا مككا الككذي حككدثا هنككاك؟ لككم اسككتوعب‬
‫شيء مما حصل‪ .‬فقال هرمككس ‪ً:‬ا ذلككك الفككارس كككان يلقككي بككالزئبق علككى ماهتككاب ونحككن‬
‫معشر الجن ل نطيق من المعادان الزئبق‪ .‬زادا ذلك الكلم داهشة روثا فقككالت ‪ً:‬ا لقككد رأيككت‬
‫الفارس يلقي عليك مثل ذلك ورغم هذا لم تتأثر‪ .‬فضحك هرمس وقال ‪ً:‬ا نعككم أنككا مختلككف‪,‬‬
‫لقد خلقني ا من أرواح عطكاردا والزئبككق هكو معككدننا المفضكل‪ .‬ثككم أراهكا هرمكس خكاتم‬
‫الزئبق الذي يلبسه واستطردا قائل ‪ً:‬ا الزئبق معدن متشكككل يمكككن أن يتشكككل فككي أي قككالب‬
‫أردات لهذا تشكلت بشكل أخي وأخذت شكله فلم يضرني من ذلك الزئبق شككيء‪ ,‬بككل علككى‬
‫العكسي استمتعت به وهو يرشني به وتمنيت لويزيدني منه ‪ .‬فضحكت روثا من قوله‪.‬‬

‫في قصر الملك شمشون تجمع الجميع في مجلس الملك وتكلم فيهم فقال ‪ً:‬ا يا قوم‪ ,‬إنككا فككي‬
‫أمر جلل ‪ ,‬فكما رأيتم ما نرسل إليهم احد إل ولكم يرجكع إلينكا‪ ,‬فمكا تقولكون ؟ إقطعكوا لكي‬
‫برأي سككديد‪ .‬فقككال أحككد أبنككاء الملككك ‪ً:‬ا أرى يككا أبككي أن نهككاجم الجككن بالنككار فهككي تخافهككا‬
‫وتخشاها‪ .‬فنظر إليه الملك وقال ‪ً:‬ا هذا رأي‪ .‬والتفت الملك إلى الجموع وأكمل ‪ً:‬ا وآخر‪ .‬ثم‬
‫قال أحد الحكماء ‪ً:‬ا ل أرى إل أن نهجم عليهم دافعة واحدة فنبيكدهم عكن أخرهككم وليحصككل‬
‫ما يحصل‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا وغيره‪ .‬فقال أخر‪ً:‬ا أرى مولي أن نحتال عليهم بحيلة مككا‪ .‬حينهككا‬
‫قال ألبن ألكبر للملك ‪ً:‬ا أرى يا مولي أن نبعث بمكتوب إلى الملك أجمنون‪ ,‬أن يحاربنككا‬
‫بما نحاربه به‪ ,‬آدامي لدامي‪ .‬فاستمع اليه الملك باهتمام وقال ‪ً:‬ا أكمككل أكمككل‪ .‬فقككال البككن ‪ً:‬ا‬
‫لقد سمعت عن الملك أجمنون أنه ملككك عككادال وقككد يوافككق‪ .‬حينهككا أطككرق الملككك شمشككون‬
‫رأسه أرضا وقال ‪ً:‬ا هذا رأى حسككن أكتبككوا لككه بككذلك‪ .‬فكتبككوا بككذلك كتابككا وبعثككوا بككه إلككى‬
‫معسكر الملك أجمنون‪ .‬أخذ الملك أجمنون الكتاب و قرأه ثم أعطاه إلى الشيخ الذي بدوره‬
‫قرأه ثم طواه ونظر الشيخ الى الملك الذي كان ينظككر إليككه بانتظككار الجككواب‪ ,‬فهككز الشككيخ‬
‫رأسه باليجاب‪ .‬عندها التفت الملك أجمنون إلى الرسول وقال ‪ً:‬ا نعم قد قبلككت‪ .‬فانصككرف‬
‫الرسول راجعا الى المدينة بالخبر‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫تجمعت الجموع في صأباح اليوم التالي كل في صأفة وخككرج مككن جمككوع الملككك شمشككون‬
‫رجل عظيم الخلقة أشعث أغبر متقلدا جميع أنواع السككلحة‪ ,‬ذو صأككدر عريككض ومنكككبين‬
‫وكأنهما وتدا خيمة‪ ,‬ولم يكد يصككل ويتوقككف فككي منتصككف المضككمار حككتى جفككل حصككان‬
‫هيرودا وانطلق مسرعا من بين الصفوف الماميه للملك أجمنون وفككي لحظككة كككان هنككاك‬
‫قبالته‪ .‬والتحم الثنان يهويان على بعضهما البعككض‪ ,‬وبعككد بضككع ضككربات غككرز الميككر‬
‫هيرودا سيفه في صأدر الفارس وأردااه‪ .‬فانطلق أخو ذلك الفارس إلى المير فضرب عنقكه‬
‫وفصل رأسه‪ ,‬حينها انطلقت ثلة من صأفوف شمشون ناحية الميككر وأخككذ يناوشككهم حككتى‬
‫سقط هيرودا عن فرسه‪ ,‬ثككم أخككذ هيككرودا يسككقطهم مككن علككى ظهككور خيككولهم‪ ,‬ولكنككه كككان‬
‫يسقطهم قتلى‪ ,‬فيضرب هنا ويضرب هناك وكلما قضى على ثلة تتابعه ورائها ثلة أخرى‬
‫وهو يفعل فيهم مثل ذلك‪ ,‬وكككانت الجمككوع فكي صأككفوف الملكك أجمنكون يحيكونه بضكرب‬
‫الدروع وتعالى صأراخأ الهتافات‪ ,‬فأمر الملك شمشون من ضيق صأدره أن يهجموا عليككه‪,‬‬
‫فهجم عليه الصف المامي كله جريا إليه‪ ,‬فأخذ يناوشهم تارة وتككارة يسككقطهم قتلككى حككتى‬
‫تكاثرت عليه الجنككد‪ ,‬فقفزالككى ظهككر جككواداه وأخككذ بالضككرب فيهككم يمينككا ويسككارا وأظهككر‬
‫شجاعة ومهارة وقوة فائقة أعجبت الجميع‪ ,‬فلمككا ارتككأى الجككان ذلككك نظككر الخككوة بهككرام‬
‫وكيوان إلى بعضهما البعض ثم إختفيا من على ظهر جوادايهما‪ ,‬وبينما كككان الميككر يكككثر‬
‫الطعن في جنككودا العككدو‪ ,‬كككان أحيانككا عنككدما يتجككه إلككى ضككرب أحككدهم يككراه يسككقط علككى‬
‫الرض مدميا داونما أن يلحقكه بشكيء فككان يسكتغرب لكذلك فيب ارز الكذي أمكامه فيطعنكه‬
‫ويرى أخر على يمينه يسقط ميتا وهكذا أخذت جنودا العدو تتناهش من جوانبه كلما إلتفت‬
‫إلى جهة‪ ,‬حتى فنيوا فرجع إلى صأفوفه منهكا‪ .‬وإذ هو ينضم إلى صأفوف الملككك أجمنككون‬
‫ل حظ إختفاء بهرام وكيوان من على ظهر جوادايهما فأخذ موقعه على يسار الملككك‪ ,‬فلمككا‬
‫إستقر في موضعه لمح شيئا يتحككرك عككن يميككن الملككك فطككل رأسككه لينظككره وإذا بككالخوة‬
‫بهرام وكيوان على جوادايهما فعلم من أمرهما فتبسم‪ .‬زمجر الملك شمشون وركل جواداه‬
‫وأفلته للريح قافل إلى دااخل المدينة وتبعه من شاء من جنده‪ ,‬فمد الملك أجمنككون يككده إلككى‬
‫إبنه وكذلك فعل البن فقال له الملك وهو ينظر إليه نظرة افتخار وإذ هما يشاهدان الملككك‬
‫شمشون يفر من أرض المعركة‪ً:‬ا هذا أبني‪ .‬فامتل صأدر الفتى بالعتزاز‪.‬‬

‫تراجعت الجموع كل إلى مكانه‪ ,‬وإذا كان وقت الليل وبعككد تنككاول العشككاء اجتمككع الملككك‬
‫أجمنون بأعوانه وقال ‪ً:‬ا ما ترون من أمر الملك شمشون ؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا إذا مككا اسككتمرت‬
‫الحال على ما نحن عليه الن سينتهي بنا العمر ها هنا قاعدين‪ ,‬كل يوم نقتل منهم واحككدا‪.‬‬
‫فتكلم الوزير وقال ‪ً:‬ا مولي‪ ,‬لماذا ل نرسل أحدا من الجن فيقتحككم المكككان وهككم ل يرونككه‬
‫فيسرق لنا القفل ويأتينا به‪ ,‬وتحل المشكلة بل قتال‪ .‬أطكرق الملكك رأسكه ثكم رفعكه ونظكر‬
‫إلى الشيخ حيث كان صأامتا والجن من حوله صأامتين وقال الملك ‪ً:‬ا مككا تقككول فككي هككذا يككا‬
‫سموطان ؟‬
‫تكلم الشيخ وهو يخطوا إلى حيث يقف الجني كيوان ‪ً:‬ا هذا ليس باسككتطاعتهم فعلككه‪ ,‬إذا مككا‬
‫لمس أحد من الجن ذلكك القفكل احكترق الجنكي فكي الح ال‪ ,‬ول لمكس المفتكاح ككذلك‪ ,‬تلكك‬

‫‪41‬‬
‫المفاتيح السبعة في السبعة مدن تخص هؤلء السبعة الجان‪ ,‬هل تذكر يا مولي عندما كنا‬
‫عند القفل الذي في سردااب قصرك‪ ,‬عندما ظهر كيوان هذا‪ ,‬وأشار سكموطان إلككى الجنككي‬
‫بجانبه وقال ‪ً:‬ا وأرادا أن يتقدم من القفل فاعترضته أنا؟ قال الملك أجمنون ‪ً:‬ا نعم نعم أذكر‬
‫ذلك‪ .‬فأكمل الشيخ وقال وهو يمد يده إلى صأدر كيوان وأمسككك بككالقلداة ‪ً:‬ا أنظككر إلككى هككذه‬
‫القلداة‪ ,‬هذا هو شكل المفتاح مطبوع فيها ومكتوب فوقها إسم المفتاح وحروفككه ورمككوزه‪.‬‬
‫فاندهش الجميع وأصأدروا أصأوات استغراب ثم قال الشككيخ ‪ً:‬ا هككذا الجنككي‪ ..‬كيككوان ‪..‬ملككك‬
‫على قبائل الجان التي تخدم في يوم السبت‪ ,‬وهو ل يستطيع حمككل ذلككك المفتككاح إل دااخككل‬
‫هذه القلداة‪ ,‬وإل إحترق به‪ ,‬كما أنه ول بد أن يضعه أحد ما دااخل قلداته حيث ل يستطيع‬
‫كما قلت من لمسه بيده وهذا حال إخوته السته‪ .‬وأشككار سككموطان بيككده إلككى الجككن وقككال ‪ً:‬ا‬
‫ولهذا السبب ل يمكن لهؤلء الملوك السبعة أن يقتربوا من تلك المفاتيح‪ .‬حينها قال الملككك‬
‫أجمنون يائسا للحضور‪ً:‬ا إذا ومكا هوالبكديل؟ فقكال الكوزير لكوذا ‪ً:‬ا مكولي الملكك أجمنكون‬
‫شديد القوة والبأس‪ ,‬وحسبما رأيت أن الملك شمشون ليس يجاريكم فككي قككوتكم فمككا القككول‬
‫في أمر فصل من ملك إلى ملك وتنتهي عند أقدام الملككوك المككور‪ .‬ففككرح الملككك بمككا قككال‬
‫الوزير وأجابة مباشرة‪ً:‬ا ل بأس أداعوه للنزال أحضروا الرسول فحضر شككهلون وقككال لككه‬
‫الملك‪ً:‬ا أكتب‪ .‬فجلس للكتابة ‪ .‬فقال الملك أجنمون ‪ً:‬ا من الملك العظيككم أجمنككون الككى الملككك‬
‫شمشون‪ ,‬إعلم أن المر بيني وبينك فإن أنا ظفرت بك كأني قد ظفرت بمملكتككك‪ ,‬والحككال‬
‫معي على ذلك سواء‪ ,‬أداعوك للمبارزة مني إليك‪ ,‬وغدا ألقاك في ساحة المعركة‪ .‬ثم قككال‬
‫الملك للرسول شهلون ‪ً:‬ا إذهب بكتابي للملككك شمشككون وعككد بكالجواب‪ .‬فقكال شكهلون وقكد‬
‫خاف وارتعد مما سمع ‪ً:‬ا مولي الملك أجمنون أن تعفيني من إرسكالي بهككذا الكتككاب فكإني‬
‫أكون شاكرا لك مدى الدهر‪ ,‬فإن كل مككرة ل تسككلم الجككرة‪ ,‬قككال الملككك‪ً:‬ا ل تخككف إن قتلككك‬
‫خربت بلداه وأهلكت عساكره وجنده‪ .‬قال شهلون ‪ً:‬ا أيها الملك العظيم إذا أنت أهلكت كككل‬
‫من في الدنيا بعدي فمككا ينفعنككي؟ فضككحك الملككك وجلسككائه ثككم قككال لككه الملككك ‪ً:‬ا ل بككد مككن‬
‫مسيرك‪ .‬فتقدم شهلون من إبككن الملككك الميكر هيكرودا ليكذهب عنككه فككردا الميكر قكائل ‪ً:‬ا ل‬
‫أعارض أبي‪ .‬فطلب شهلون من الشيخ وقال له الشيخ ‪ً:‬ا ل تخككف إذهككب وأنككا أرسككل أحككد‬
‫الجن معك فان أرادا قتلك يخطفك إلينا‪ .‬فقال شهلون وهو يدور حول المجلس بالكتاب ‪ً:‬ا يا‬
‫ساداات المجلس‪ ,‬أنا مستجير بكم جمعيا‪ ,‬يا أهل المقامات الرفيعككة‪ ,‬ل تتكلككوا علككى مولنككا‬
‫الملك‪ ,‬لم يجد فيكم من يتحكم به إل أنا‪ ,‬فهل فيكم من يجعلنككي معتوقككة ويتعككرض لمولنككا‬
‫الملك ويأخذ الكتاب ويعتقني أنا من هذه القضية‪ .‬عندها تقدم الشيخ وقال ‪ً:‬ا نككا أذهككب إليككه‬
‫فإن رفض قتلته في مكانه فقال شهلون ‪ً:‬ا هذ هو الصككواب‪ .‬فضككحك مككن بككالمجلس‪ .‬حمككل‬
‫نفسه سموطان بدون حصانه وطار‪ ,‬وفجأة داخل على الملككك شمشككون فككي مجلككس حكمككه‬
‫ولم يكن عند الملك شمشون أحد في مجلسه بل كان مطرقا مهموما ماسكككا رأسككه والبدلككة‬
‫الحربية ما زالت عليه‪ ,‬وفجأة رفع رأسه ليرى الشككيخ سككموطان أمككامه فجفككل و قككال فككي‬
‫فزع ‪ً:‬ا من أنت ؟ قال الشيخ ‪ً:‬ا أيها الملك أنا سموطان وقد أتيتككك مككن عنككد الملككك أجمنككون‬
‫رسول‪ ,‬مولي يطلب حقن الدماء‪ ,‬فقد طلبتنا رجككل لرجككل ففعلنككا مككن داون تككدخل الجككن‪,‬‬
‫ولكنك أمرت جنوداك بالهجوم على فارسنا دافعة واحدة ولم يتحككرك احككد منككا‪ ,‬وقككد رأيككت‬

‫‪42‬‬
‫فوتنا ورأينا قوتك‪ ,‬وكما ترى كيككف داخلككت عليككك بل إسككتإذان ول حصككان‪ ,‬فتنبككه الملككك‬
‫شمشون وقال ‪ً:‬ا صأحيح كيف داخلت إلى هنا متجاوزا كل الحراس؟ إن ملككم هذا عجيب‪,‬‬
‫نعم بل لديه أعوان غريبين‪ .‬قال الشيخ ‪ً:‬ا ولم تككرى شككيئا منكا بعككد‪ ,‬ل يغرنككك عككددانا أيهككا‬
‫الملك‪ ,‬إن عندنا ما ل تطيقة كل جيوش الدنيا‪ ,‬وسأخبرك من علمنا ما يطير بككه صأككوابك‪.‬‬
‫فتنبه إليه الملك بإمعان فقال الشيخ ‪ً:‬ا مع احتراماتي أيها الملك فإنا نكن إليك كككل الحككترام‬
‫والعجاب مما سمعناه عنك من همتك وشجاعتك وسطوتك‪ ,‬وكمككا عاينككاه ورأينككاه منككك‬
‫ومن جنوداك حتى الن‪ ,‬ولكنا نعلم الجزيرة التي أخفيت فيها جوهرتككك المصككونة‪ .‬عنككدها‬
‫صأرخأ الملك فيه قائل ‪ً:‬ا مككاذا تعنككي ؟ فقككال سككموطان أنككت تعلككم مككا أعنككي‪ ,‬إبنتككك الفائقككة‬
‫الجمال‪ ,‬ولوأردانا التضييق عليك لخذناها معنا ولن تستطيع بدونها صأبرا حككتى تستسككلم‪,‬‬
‫ولكنا أرداناك فرداا لفردا‪ ,‬شجاع لشجاع‪ .‬عندها أخكذ الملكك يضكحك و يضكحك‪ ,‬ويسكيرفي‬
‫الغرفةأمام الشيخ وكلما نظر إلى الشيخ ضحك‪ .‬وقد كانت تلك مناورة من الشيخ أن يهدداه‬
‫بإبنته‪ ,‬حيث كان يعلم بأمرها من الملك ميشا ولكنه ل يعلم مكان تلككك الجزيككرة‪ ,‬فاسككتخدم‬
‫المعلومة لقناع الملك‪ .‬فتوجه إليه الملك‪ ,‬ووقف أمام وجه الشيخ وقد بدا جكاداا وقككال لككه ‪ً:‬ا‬
‫قلت أنك رسول الملك فما هي رسالتك ؟ رفككع الشككيخ المكتككوب وأعطككاه للملككك شمشككون‪,‬‬
‫فتناوله من عنده وحله من مربطه وقرأه وقال الملك‪ً:‬ا هذا يناسبني قل لمليكك أنككي ل أكككادا‬
‫أطيق النتظار حتى ألقاه غدا‪ ,‬وأيا منا ظفر بالثاني عليه المان هو وجنده من كلينا‪ .‬فهككز‬
‫الشيخ رأسه باليجاب ثم نظكر الملكك إلكى الشكيخ نظكرة متفحصكه جانبيككة وقكال ‪ً:‬ا سكوف‬
‫يسرني أن يكون في مملكتي حكيما مثلك بعد أن أقضي على مليكك غدا‪ .‬فقال الشيخ وهو‬
‫ينصرف ‪ً:‬ا لكل حاداثه حديث‪ .‬ذهب عنه الشيخ وداخل على الملك أجمنون وأخبره بذلك‪.‬‬

‫جلس الملك أجمنون في خيمته أمام بعككض الشككموع‪ ,‬وشككابك بأصأككابع يككديه امككام صأككدره‬
‫وأغمض عينيه وبدأ يتمتم بشككدة انتفضككت معهككا يككديه‪ ,‬ثككم رفككع رأسككه إلككى العلككى وهككو‬
‫مغمض العينين وقال ‪ً:‬ا أربطككاليس أربطكاليس هبكالس هبكالس مكبروس مككبروس سكباليس‬
‫سككباليس ككليككم ككليككم لطككاليس لطككاليس عبككاطيس عبككاطيس يبطيككش يبطيككش صأككحابيش‬
‫صأحابيش‪ ,‬ثم فتح عينيه وأخذ سيفه من الرض بجانبه اليمن وأخككذ قلمككا ذا حككبرا أحمككر‬
‫من النوع الذي ل يمكن إزالتككه بعككد أن يجككف‪ ,‬وبككدأ يكتككب بطككول السككيف هككذه الحككرف‬
‫بتركيز وإهتمام‪.‬‬

‫وبعد أن إنتهى من الكتابة أمسك السيف بكلتا يديه أمام وجهه وحد السيف عند أنفه وكككأنه‬
‫يريد أن يقطع به شيئا ثم أغمككض عينيككه وقككال‪ً:‬ا أربطككاليس كككن معككي‪ .‬ومككد السككيف الككى‬
‫ألمام وأرجعه الى عند أنفه ثم قال‪ً:‬ا هبالس كن معي‪ ,‬ثم فعل مثل ذلك وقال ‪ً:‬امبروس كككن‬
‫معي‪ ,‬وفعل كذلك وقال‪ً:‬ا سباليس كن معي‪,‬وفعل كذلك وقال‪ً:‬ا ككليم كن معككي‪ ,‬وفعككل مثككل‬
‫ذلك وقال ‪ً:‬ا لطاليس كن معي‪ ,‬وفعل مثل ذلك وقال ‪ً:‬ا عباطيس كن معي‪ ,‬ومده إلى المككام‬

‫‪43‬‬
‫وأرجعه وقال ‪ً:‬ا يبطيش كن معي‪ ,‬وفعل ذلك مثل الول وقال ‪ً:‬ا صأحابيش كن معي‪ ,‬وفعل‬
‫مثل ذلك ثم فتح عينيه وقال ‪ً:‬ا ل غالب لكم إنكم أنتككم الغككالبون‪ ,‬ل عككالي عليكككم إنكككم أنتككم‬
‫العالون‪ ,‬بحق هذه الحروف وهذه السماء أرفعكم بها بقوة‪ ,‬فترفعوني بها أقوى‪.‬‬
‫في صأبيحة اليككوم التككالي تجمعككت الجمككوع والكككل متشككوق لمتابعككة قتككال الملككوك‪ .‬فتقككدم‬
‫الخصمان إلى الساحة علككى خيلهمككا وكككل نظككر إلككى خصككمه‪ ,‬وبككدأ الطعككان واشككتد بهمككا‬
‫والتحم‪ ,‬حتى قبض أجمنون بشمشون وقبض شمشون بأجمنون وجككذبا بعضككهما فسككقطى‬
‫عن جوادايهما ولكن الملك أجمنون كان ظاهرا بينما سقط شمشون على ظهككره وأجمنككون‬
‫فوقه ممسكا به‪ ,‬فترك أجمنون سيفه وأخذ بخنجره ووضككعه علككى عنككق شمشككون‪ ,‬وأخككذ‬
‫الملك شمشكون يزفكر والملكك أجمنكون مكن فكوقه يضكيق عليكه الخنكاق حكتى ظكن الملكك‬
‫شمشون أنه هالك فتوقف عن المقاومة‪ ,‬وقام به الملك أجمنون وسحبه إلى جهككه صأككفوفهم‬
‫موجها وجه شمشون إلى صأفوف مملكته‪ ,‬وعندما رآهم ورأوه على حاله تلك تقدم بعككض‬
‫الجند لنجدة مليكهم من قبضة أجمنون‪ ,‬ولكن شمشون رفع يده لهم وصأرخأ فيهم ليرجعككوا‬
‫فرجعككوا وهكم متحفزيكن‪ ,‬خاصأككة عنكدما رأو أن صأككفوف الملكك أجمنكون ككانوا ليتقكدموا‬
‫لصدهم حينذلك‪ .‬أخذ الملك أجمنون شمشون إلى صأككفوفه وألقككاه إلككى جنككده بقككوة فقبضككوا‬
‫عليه وانحلت الصفوف ليروا من أمرهم وما سيحل من شأنهم‪ .‬في خيمة الملككك أجمنككون‬
‫والجميع حضور أمككر الملككك وقككال ‪ً:‬ا أحضككروا الملككك شمشككون‪ .‬وأتبعهككا بضككحكة قككائل‪ً:‬ا‬
‫شمشون ألسير‪ .‬فتضاحك من حوله‪ .‬حضرالملك شمشون بين يدي الملككك أجمنككون مقيككدا‬
‫بالسلسل‪ .‬ووضعوه تحت قدمي الملك أجمنون فنظر إليه الملك أجمنون وقال ‪ً:‬ا والن يككا‬
‫شمشون هل رأيت نتيجة غرورك واعتداداك بنفسك؟ ثم نظر إلككى الجنككد وقككال ‪ً:‬ا أضككربوا‬
‫رقبته‪ .‬وقالها بشدة‪ ,‬فتوجه شهلون للملك شمشون وبيده سيف وقال له ‪ً:‬ا أنا الرسككول الككذي‬
‫أتيتك وأرداتهم أن يصلبوني أتككذكر؟ فنظككر الملككك شمشككون إليككه مككن مكككان سكجوداه علككى‬
‫يساره وأكمل شهلون‪ً:‬ا والن وقعت في يد مليكي والذي يضرب رقبتك أنككا‪ .‬فنهككره الملككك‬
‫شمشون وقال ‪ً:‬ا أسكت يا فضولي‪ ,‬يا قليل الداب‪ ,‬مالك أن تتكلم فككي شككيء‪ .‬والتفككت إلككى‬
‫الملك أجمنون وقال ‪ً:‬ا أيها الملك العظيككم ان الحككروب سككجال‪ ,‬والملككوك إن قككدرت عفككت‪,‬‬
‫ومالك في قتلي من فائدة‪ ,‬وأني لعلم أن مقصوداك المفتاح‪ ,‬فخذه وأنا أعينكك علكى أخكذه‪.‬‬
‫فردا عليه شهلون وقال ‪ً:‬ا داع عنك المزاح والككزور والبهتككان‪ ,‬ل يخلصككك مككن يككدي اليككوم‬
‫أحد‪ .‬فأهمله الملك شمشون حيث كان ينظر إليه من طرف عينه وسفهه والتفت إلى الملك‬
‫أجمنون وقال ‪ً:‬ا أيها الملك أجمنون‪ ,‬ان كنت قد ظفرت بي‪ ,‬فلم تظفر بمقصككوداك الحقيقككي‬
‫المفتككاح‪ ,‬وإن ورائككي ممالككك وأولدا وأتبككاع يمنعونككك عنككه ويقتلككون مككن جنككوداك مككا‬
‫استطاعوا‪ ,‬وخاصأة إنتقاما لي‪ .‬عندها أرادا شككهلون الكلم فمككا فتككح فمككه حككتى رداه الملككك‬
‫أجمنون باشارة من يده أي امتنع ثم قال‪ً:‬ا إنك ملك ل يستهان به‪ ,‬قد قبلت مصككافحة رجككل‬
‫مثلك‪ .‬ثم أشار إلى الجند بفتح قيوداه‪ ,‬وتقدم الملك أجمنون وحاضن الملك شمشككون وأخككذه‬
‫ليجلس بجانبه‪ ,‬عندها تقدم منهما المير هيرودا وقال ‪ً:‬ا أيها الملككك‪ .‬وكككان ينظككر إلككى ابيككه‬
‫فالتفت إليه وفهم الملك أجمنون إبنه هيكرودا وقكال للملكك شمشكون‪ً:‬ا أيهكا الملكك لكي طلكب‬
‫عندك وأرجو أل ترداني‪ .‬فقال الملك شمشون أطلب وتمنككى فلقككد أصأككبحت لككك معككزة فككي‬

‫‪44‬‬
‫صأدري من أعز الرجال‪ .‬ثم قال أجمنون ‪ً:‬ا ليس قبل أن تستضيفنا عندك فلقككد سككأمت مككن‬
‫حياة التخييم هذه كل هذه اليام‪ .‬فتضاحك الملكان‪.‬‬
‫ذهب الجميع إلى قصككر الملككك شمشككون وداخككل جنككده المدينككة وأكلككوا واسككتراحوا‪ .‬وفككي‬
‫مجلس الملك شمشون حيث الغاني والمغنيات والملكان يشاهدان ويتابعكان ويككأكلن مككن‬
‫الفواكه ما طاب‪ ,‬أدانى الملك أجمنون من الملك شمشون وأسكره وقكال ‪ً:‬ا هككل تكذكر طلكبي‬
‫ذاك ؟ قال شمشون ‪ً:‬ا مازلت عند وعدي ما عليك سوى الكلم‪ .‬قال أجمنككون ‪ً:‬ا لقككد علمككت‬
‫من أمر ولدي ذاك‪ .‬وأشار إلى هيرودا حيث كان واقفا في الجموع المتفرجة علككى رقككص‬
‫الغانيات‪ .‬فنظر الملك شمشون إليه وقال ‪ً:‬ا هيرودا نعم وإنه لنعككم الرجككل‪ ,‬لقككد رأيككت قتككاله‬
‫واختبرت شدته‪ .‬فقال الملك أجمنون ‪ً:‬ا إذا فإنه ليسرني مصككاهرتك فككي إبنتككك الحسككناء‪...‬‬
‫عندها تغيير الملك شمشون وطقطق بكفيه للغانيات فتكوقفن عكن الغنكاء وانصكرفن فكإنتبه‬
‫الجمهور إلى ما يحدثا من أمر الملكيكن‪ .‬ثككم قكام الملككك شمشككون مككن كرسكيه وسكار إلككى‬
‫المام والتفت إلى كرسي الملك أجمنككون خلفككه وقككال ‪ً:‬ا إن هككذه البنككت أحببتهككا حبككا شككديد‬
‫ومنعتها من الزواج عن سائر الملوك ومن كثرة خوفي عليها بنيت لها بستانا فككي جزيككرة‬
‫وسط البحوروأمنت عليها من سائر الملوك ولما علمت بقدومكم علي أرسلت وأحضككرتها‬
‫عندي خوفا عليها‪ ,‬ومعها عشر جككواري‪ ,‬فلمككا حضككرن عنككدي وجككدنا الجاريككة العاشككرة‬
‫رجل ‪ .‬حينها تفاجأ جميع مككن فككي الحضككور‪ .‬ثككم أكمككل شمشككون قككائل ‪ً:‬ا نعككم‪ ,‬رجل بيككن‬
‫الجواري‪ ,‬يلبس كما تلبس الحريم‪ ,‬وقد أعلن زواجه منها وأقككرت إبنككتي عليككه ذلككك‪ .‬فقككام‬
‫الملك أجمنون من كرسيه وقال للملك ‪ً:‬ا وأين هو الن؟ قال شمشون وهو يشككير إلككى أحككد‬
‫حراسه بإحضاره بيده ‪ً:‬ا انه في السجن‪ .‬فأحضككر الجنككد الرجككل فلمككا حضككر وداخككل علككى‬
‫المجلككس زادات داهشككة جمككوع الملككك أجمنككون‪ ,‬إذ أن ذلككك الرجككل مككاهو إل إبككن الملككك‬
‫أجمنون‪ ,‬سامويل الذي ترك المملكة عنده إلى حين عوداته‪ .‬تقدم الملك أجمنون منه وهزه‬
‫من عضديه وقال مغاضبا ‪ً:‬ا كيف تركت المملكة؟ ما قصة تلبسك بلباس الجككواري هككذه ؟‬
‫هل صأرت تلبس ملبس النساء الن ؟ قل هل فعلت ما قاله الملك شمشككون ؟ وأخككذ يهككزه‬
‫ممسكا بعضديه فأطرق البن رأسه أرضا خجل ثم قال علككى حيكاء ‪ً:‬ا عنكدما خرجتككم مكن‬
‫المدينة خرجت في بعض من أسواقنا فشاهدت جارية حسناء جميلة تعرض في السواق‪,‬‬
‫فاشكتريتها مكن التكاجر‪ ,‬وإذهكي بالقصكر معكي أحببتهكا وأعجبكت بجمالهكا وحسكن خلقهكا‬
‫ولطافككة معشككرها‪ ,‬كمككا أنهككا تجيككد الغنككاء والعككزف علككى اللت و بالجملككة فيهككا كككل‬
‫المواصأفات التي يرغب بها أي رجل‪ ,‬فأطريت عليها ذلك كله‪ ,‬فنظرت إلككى وقككالت‪ً:‬ا هككذا‬
‫ليس بشيء‪ ,‬فأنت لككم تككرى سككيدتي الميككرة بعككد‪ .‬فتعجبككت مككن قولهككا و سككألتها ‪ً:‬ا سككيدتك‬
‫الميرة ؟ فقالت نعم فككأخبرتني مككن أمككر الملككك شمشككون مككع إبنتككه الميككرة وأنهككا كككبيرة‬
‫الوصأيفات لدى الميرة‪ ,‬حتى بعث أحد إخوتها إلى الميرة يطلب منها أن ترسل إليه هذه‬
‫الوصأيفة‪ ,‬وكانت الميرة ل تستغني عنها‪ ,‬وأعطتها إلى تاجر الرقيق وقككالت لككه ‪ً:‬ا احتفككظ‬
‫بها إلى أن أطلبها منك‪ ,‬وقد باعني التاجر إليك‪ .‬عندها سألتها عن التاجر فأحضر ودافعت‬
‫لككه المككال ليأخككذني إلككى تلككك الجزيككرة‪ ,‬وعنككدما نزلككت الشككاطئي إذا بككالميرة قادامككة مككع‬
‫وصأيفاتها التسع‪ ,‬فاتخذت مخبأ في الصخور‪ ,‬فقالت الميرة لوصأيفاتها‪ً:‬ا من منكككم يغلبنككي‬

‫‪45‬‬
‫في المصارعة جعلتهككا كككبيرة وصأككيفاتي‪ .‬فبككدأن يصككارعنها فأخككذت الميككرة تصككرعهن‬
‫الواحدة تلو الخرى‪ ,‬فأعجبت بها و تقدمت إليها ففزعت عند رؤيتي فقلت للميرة عنككدما‬
‫سككألتني مككن أكككون أنككي رجككل ضككائع وقككد غرقككت سككفينتي فككي مكككان قريككب مككن هنككا‪,‬‬
‫فاسترحمتني الميرة وضايفتني‪ ,‬ولكي ل يعلم الحرس بوجوداي ألبستني لباس الجككواري‪,‬‬
‫وهكذا داخلت إلككى قصككرها متنكككرا‪ ,‬فأحببتهككا وتزوجنككا‪ ,‬حككتى حضككر جنككودا الملككك أبيهككا‬
‫لخذهن فأخذوني معهم‪ ,‬وأنا على تلك الحال حتى كشككفوا أمككري‪ .‬ثككم نظككر سككامويل إلككى‬
‫الرض وقال ‪ً:‬ا ثم ها أنا أمامك أطلب منك الصفح والغفران يا أبي‪ .‬فدهش الملك شمشون‬
‫عند سماع ذلك وتقدم إليهما وقال ‪ً:‬ا أبيك ؟ قال أجمنككون متأسككفا‪ً:‬ا نعككم إنككه أصأككغر أبنككائي‪.‬‬
‫وعندما سمع المير هيرودا ذلك من أخيه أمسك بمحزم سيفه واشتاط غضبا وعض علككى‬
‫أسنانه من الحنق‪ .‬فلحظ الملك أجمنون غضب ابنه هيرودا فاستدار وقككال موجهككا كلمككه‬
‫إلى كيوان ملك السبت ‪ً:‬ا خذ هاذين‪ ,‬ابني وابنت الملككك شمشككون واقتلهمككا وآتنككي بككدمهما‪.‬‬
‫عندها غضب الملك شمشككون وعككارض وكككذلك الجمككوع اضككطربت فصككرخأ بهككم الملككك‬
‫أجمنون وهو يغمز للملك شمشون ‪ً:‬ا هكذا أمكر نافكذ‪ .‬وأشكار إلكى كيكوان وقكال ‪ً:‬ا هي ا مكاذا‬
‫تنتظر؟ فقام كيوان واختطف الفتى واختفى به‪ .‬ثم تقدم الشيخ وقال للملك أجمون ‪ً:‬ا ولكككن‬
‫يا مولي لم يفعلى ما يستحقان عليه القتل‪ .‬فردا عليه الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا وهل أصأككبحت‬
‫تمارس الملك الن يا سموطان؟ فأطرق سككموطان سككاكتا‪ .‬ثككم خككرج الملككك شمشككون مككن‬
‫المجلس فتبعه الملك أجمنون الى ساحة القصر وأخذ بكتفه وقال لككه ‪ً:‬ا ل تحككزن انمككا هككي‬
‫خدعة‪ ,‬لن يضرإبنتك شيء يا صأهري العزيز‪ .‬عندها تبسم الملك شمشون وهو ينظر فككي‬
‫عيني الملك أجمنون ‪.‬‬
‫في نفس الوقت خرج هيككرودا مككن المجلككس وتبعتككه روثا مككع دايفككي وأخككذت تسككايره فككي‬
‫ممرات القصر وقالت له وهما يتمشيان‪ً:‬ا لقد كانت تلك وحشية قاسككية مككن الملككك أجمنككون‬
‫أيقتككل إبنككه ؟ ومكا ذنككب الفتككاة ليقتلهككا ؟ أحبكا بعضككهما فتزوجكا‪ ,‬ل أداري مكا هككي مشككلة‬
‫الرجال؟ حينها نظر اليها هيرودا والتقط أنفاسه و أسرع الخطى فوقفت هي مكانها تشاهده‬
‫يمشي مسرعا بغضب‪.‬‬
‫خرج الشيخ سموطان إلى بعض غرف القصككر فككدخل فككي احككداها فككإذا الخككوان أفتككاب‬
‫وماهتاب مستلقيان هناك‪ ,‬فتقدم منهما وجلس على حافة سرير ماهتاب ينظر إليهما وقال‪ً:‬ا‬
‫كيف حال جروحكما الن ؟ فقال ماهتاب ‪ً:‬ا أنا أحسككن حككال الن بفضككل داواءك العجيككب‪.‬‬
‫ونظر ماهتاب إلى سرير أخيه حيث يستلقي و قال ‪ً:‬ا أفتاب يحتاج إلى بعض العناية‪ .‬فتقدم‬
‫منه الشيخ وتفقد ضماداات جروحه ثم قال ‪ً:‬ا ل بأس انها تتحسن‪ ,‬الحرارة كفيله بأن تشككفي‬
‫كككل شككيء‪ .‬ونككزع عنككه الضككماداات وقككال لككه ‪ً:‬ا أبقهككا مكشككوفة حككتى يصككيبها الهككواء فل‬
‫تترطب‪ ,‬لقد توقفت الدماء عن التككدفق الن‪ .‬وطبطككب علككى كتفككه قككائل ‪ً:‬ا ل بككأس عليككك‪.‬‬
‫وخرج عنهما‪ .‬ذهب الملك أجمنون ليستريح بعض الوقت في الغرفة التي خصصت لككه‪,‬‬
‫فقد كان يوما شاقا‪ ,‬وحيث كان يخلع عنه ردااء الحرب ظهر أمامه كيوان وبيده جرة مليئه‬
‫بالدماء‪ ,‬فالتفت إليه الملك و قال ‪ً:‬ا ال تستأذن قبل الدخول ؟ فقال كيوان ‪ً:‬ا هذا ما طلبت يككا‬
‫مولي‪ .‬وأعطاه جرة الدماء فقال الملككك وهككو يمسككك الجككرة مفزوعككا نككاظرا إلككى دااخلهككا‬

‫‪46‬‬
‫فرأى الدماء‪ً:‬ا لقد فعلتها إذا ؟ فقال كيوان ‪ً:‬ا نعم يا مولي‪ .‬فصرخأ الملك به وأمسك برأسككه‬
‫وهوى به على فخذيه جزعا قائل ‪ً:‬ا ليس هذا ما أردات ليككس هككذا مككا أردات ألككم تفهمنككي ؟‬
‫فقال كيوان وهو يبتسم ‪ً:‬ا أفهمك! لقد فهمت أنك تريد قتلهما وأجلب لك شيء مككن دامائهمككا‬
‫داليل على ذلك‪ ,‬وها هي الجرة مليئة بالدماء‪ .‬فاقترب الملك من كيككوان وهككو يقككول ‪ً:‬ا هككذا‬
‫ليس ما حدثا‪ ,‬اني أراك تبتسم‪ .‬فقال كيوان‪ً:‬ا كلم الملوك أوامر يا مولي‪ ,‬ولقد فعلككت مككا‬
‫أمرت به‪ .‬قالها كيوان وهو يبتسم مرة أخرى فقال الملك وقد غضككب واسككتل سككيفه مككن‬
‫حيث تركه فوق عدته الحربية ‪ً:‬ا أراك تبتسم مرة أخرى‪ ,‬لقد قلت ذلككك لمنككع هيككرودا مككن‬
‫أن يبطش بأخيه‪ ,‬لنه أخذ منه ما كككان قككد طلبككه قبلككه‪ ,‬ل أن تقتلهمككا‪ .‬ثككم تقككدم إليككه بسككيفه‬
‫وهدداه قائل ‪ً:‬ا إن لم تقل لي الصدق الن قطعت رأسك‪ .‬حينها قال كيوان ‪ً:‬ا ما كنككت لقتككل‬
‫نفسا بريئه يامولي‪ ,‬ولو علمت أنك تريد قتلهما ما طاوعتك ولعترضككتك فككي المجلككس‪,‬‬
‫إنما هما في أمان الفتاة وإبنكك فكي قصكر مملكتكك مكع زوجتككم الملككة فكي أحسكن ح ال‪,‬‬
‫وسرت إلى البر فاقتنصت غزال وذبحته وجأتك ببعض دامه‪ .‬أمسك أجمنون بكتف كيوان‬
‫قائل ‪ً:‬ا أحسن ما فعلت أشكرك على صأنيعك‪ ,‬ل تخبر بهذا أحدا‪ ,‬بل أكتمه‪ .‬فانصرف عنه‬
‫كيوان‪ .‬واذ الملك في سككريره إذ هنككاك مكن يقككرع البككاب‪ ,‬فقكام الملككك وقككال ‪ً:‬ا أداخككل‪ .‬وإذا‬
‫بالشيخ سموطان يفتح الباب ويككدخل ويغلككق البككاب وراءه وهككو يسككند ظهككره علككى البككاب‬
‫ناظرا إلى الملك واقفا هناك عند سككريره فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا لمككاذا أمككرت كيككوان أن يفعككل مككا‬
‫فعل ؟ فقال الملك ذاك شأني‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا ليس هذا ما أعني فذاك شككانك فككي إبنككك أعنككي‬
‫منذ متى تأمر الجان وهم في طاعتي‪ .‬لك مني الحترام أيها الملك أجمنون ولكن ليس لككك‬
‫أن تأمر فيمن هم طوع أمري‪ .‬فلذ الملك بالصمت‪ ,‬وتنفس الشيخ وفتح البككاب مككن وراءه‬
‫وخرج عنه‪.‬‬
‫وبينما الجميع في سكككون كككان هنككاك فككي القصككر مككن يتحككرك تحككت جنككح الظلم وبيككن‬
‫زواياه‪ ,‬إنه الوزير لوذا وهو يقول لنفسه الن‪ً:‬ا أداس السم للملك أجمنون فيتهموا به الملككك‬
‫شمشون بأن قتله جزاء ما فعل في ابنته‪ ,‬وبذلك يقتل الشيخ الملك شمشون‪ .‬بعدها لن يبقى‬
‫في مملكة) زيتا( غيري‪ ,‬أما أبناءه فهم صأغار على الحكم لن يكون من الصعب التخلككص‬
‫منهم إذا ما تخلصت من أبيهم الحكيم‪ .‬وذهب وأحضر إبريككق مككن الشككراب ونككثر بككداخله‬
‫السم وأخذه إلى أحكد الحكراس مكن جنكوداه واسكتفردا بكه وقكال لكه ‪ً:‬ا هكذه هديكة مكن الملكك‬
‫شمشون يقدمها للملك أجمنون خذها إلى غرفته هيا‪ .‬انطلق الحككارس بككذلك الشككراب وداق‬
‫الباب على موله وكان الملك أجمنون يهم بالنوم على سريره وقد غضككب لن تلككك ثككالث‬
‫داقة في نفس الليلة‪ ,‬فقام وقال ‪ً:‬ا لن أنام الليلة ‪ ...‬أداخل‪ .‬فكدخل الجنكدي علكى الملكك وبيكده‬
‫البريق وقال ‪ً:‬ا مولي هذه هدية من عند الملك شمشون ويتمنى لك ليلة هانئة‪ .‬فطلب منه‬
‫الملككك أجمنككون وضككع البريككق علككى المنضككدة وسككرالملك أجمنككون لككذلك‪ .‬وانصككرف‬
‫الحارس‪ .‬وإذ الملك أجمنون يسكب من البريق قدحا سمع طرقا على البككاب فككردا الكككأس‬
‫من فمه قبل أن يشرب منه وزاغت عيناه تضايقا وقال بصوت عالي ‪ً:‬ا أل يمكككن أن ينككال‬
‫المرأ قسطا من الراحة أم ذلك من المحال‪ .‬وقككال بصككوت عككال‪ .‬أداخككل كككائن مككن تكككون‪.‬‬
‫فدخل من الباب الملك شمشون فاستحى الملك أجمنون من رفع صأوته‪ ,‬وقد إندهش الملككك‬

‫‪47‬‬
‫شمشون منه وهو يدخل عليه‪ ,‬فباداره الملك أجمنون إلى الباب وهو يقككول ‪ً:‬ا إعككذرني أيهككا‬
‫الملك لم أعلم انه أنت إنما‪ ...‬فتردادا أجمنون ثم قال ‪ً:‬ا تفضل تفضل مرحبا بك‪ .‬فقال الملك‬
‫شمشون ‪ً:‬ا جأت أتسامر معك لبعض الوقت قبل النوم‪ .‬فرحككب بككه الملككك أجمنككون فبككاداره‬
‫الملك شمسشون قائل ‪ً:‬ا لم تخبرني بما حصل مككن أمككر ذلككك الجنككي الككذي إختطككف إبنككتي‬
‫وزوجها‪ ,‬إبنك‪ ,‬المير‪ ,‬فقال الملك أجمنون ‪ً:‬ا ل تقلق أيها الملك‪ ,‬إنهما بخيككر يعيشككان فككي‬
‫مملكتي برفاء وسعاداة‪ .‬فقال شمشون ‪ً:‬ا لبد وأن أزوركم هناك بعد أنتهاء رحلتكم الموفقككة‬
‫هذه‪ .‬فقال أجمنون‪ً:‬ا مرحبا بك متى تشاء‪ ,‬فقد أصأبحنا أنسككابا‪ .‬فقككال الملككك شمشككون ‪ً:‬ا لقككد‬
‫علمت أن لك من البنات ثلثا‪ ,‬أمر مشجع لنقككوي هككذه المصككاهرة بيننككا‪ .‬فضككحك الملككك‬
‫أجمنون وهو يأخذ الملك شمشون من ذراعه إلككى حيككث طاولككة الشككراب قككائل ‪ً:‬ا أشكككرك‬
‫على هذه الهدية الرائعة ل بد وأنه شراب مميز‪ .‬فأستغرب الملك شمشون ولم يلقي للمر‬
‫بال‪ .‬ثم أخذ الملك يسكب من البريق كأسا أخر للملك شمشون فمنعه الملك شمشون قائل‪ً:‬ا‬
‫إذا كانت هذه الكأس لي فأنال أشرب شيئا قبل النوم أشكرك على كل حال‪ .‬فككأرجع الملككك‬
‫أجمنون الكأس إلى مكانها وأخذ بكأسه التي سكبها أول وقربهككا إلككى فمككه ليشككرب‪ ,‬وكككان‬
‫الملك شمشون قريبا منه وفجأة دافع الملك شمشون بيد الملك أجمنككون بقككوة فككأوقع الكككأس‬
‫من يده‪ ,‬فجفل أجمنون مستغربا حتى أتبعه الملك شمشككون قككائل ‪ً:‬ا هككذه الكككأس مسككمومة‪.‬‬
‫فقال أجمنون وكيف عرفت ؟ حينها قرب الملك شمشون كفه مككن البريككق وقككد لبككس فككي‬
‫اصأعبه الخنصر خاتما ذو حجر مزعفر وبجانبه فكي بنصكره ككذلك مثلكه فأخكذ الحجكران‬
‫يهتزان‪ ,‬و كلما قرب يده من البريق يزيد مككن اهتزازهمككا وأجمنككون ينظرالككى الخككاتمين‬
‫متعجبا‪ .‬ثم إلتفت الملك شمشون إليه وقال ‪ً:‬ا هذان حجكران عجيبكان‪ ,‬لقكد حصكلت عليهمكا‬
‫من الجزر البعيدة‪ ,‬يكشفان السم في أي مكان قريب منهما كما ترى‪ ,‬وأشار إلككى أصأككابعه‬
‫وهو يقربهما من البريق مرة الخرى وقال ‪ً:‬ا فل يمكن لحد أن يدس لي السم في شككيء‪,‬‬
‫حتى لو كان الرجل يحمل السم في جيبه هذان الخاتمان يضطربان كمككا رأيككت‪ .‬فتعجككب‬
‫الملك أجمنون من ذلك ثم توجه الملك شمشون إلككى حككراس البككاب وقككال ‪ً:‬ا أحضككروا مككن‬
‫جاء بهذا الشراب في الحال وأحضروا كلبا من كلب السطبل إلى الساحة‪ .‬ثم رجككع إلككى‬
‫الملك أجمنون بداخل الغرفة وقال ‪ً:‬ا أنا لم أرسككل إليككك بهككذا الشككراب‪ .‬ثككم سككارا معككا إلككى‬
‫الساحة‪ ,‬وقد إضطرب كل من بالقصر‪ ,‬وأحضر الحرس الجنككدي الككذي أحضككر الشككراب‬
‫وهو ل يعلم ما الذي يحدثا‪ ,‬وبجككانبه أحككد كلب السككطبل ينبككح‪ ,‬فلحككق بالملككك أجمنككون‬
‫وشمشون وهما ما يزالن يشقان طريقهما إلى الساحة الوزير لوذا‪ ,‬فساير الملك أجمنككون‬
‫وسأله ‪ً:‬ا ماذا يحصل يا مولي ؟ فقكال لكه وهكو يجكد السكير مكع الملكك شمشكون ‪ً:‬ا أحكدهم‬
‫حاول قتلي‪ .‬فأطلق الوزير شهقة من هول الفكرة وقال ‪ً:‬ا مككن هككذا الملعككون ؟ مككن أرادا أن‬
‫يفجعنا بك يا مولي ؟ فقال له الملك‪ً:‬ا ل ندري بعد‪ .‬وأشار بكفه إلى الساحة قائل ‪ً:‬ا سككنعلم‬
‫الن‪ .‬وعندما وصألوا أخذ شمشون ذلك الكأس ووضككعه للكلككب فشككرب منككه فوقككع الكلككب‬
‫ميتا في الحال وجحضت عينا الملك أجمنككون عنككد رؤيككة فعككل ذلككك الشككراب فككي الكلككب‪.‬‬
‫عندها اندفع الوزير لوذا مسرعا إلى ذلك الجندي وطرحه أرضا وأخذ يركله وهو يقول ‪ً:‬ا‬
‫يا خائن يا غدار‪ .‬والجندي يصيح من اللم ل يعلم لماذا أصأبح خائنا‪ .‬فاستل الككوزير سككيفا‬

‫‪48‬‬
‫من أحد الجنودا القريبين منه وأجهز علككى الجنككدي الككبريء قبككل أن يتقككدم الملككك أجمنككون‬
‫لستجوابه فيمن يكككون وراء تلككك الخيانككة‪ .‬وتنفككس الجميككع الصككعداء عنككدما توقككف ذلككك‬
‫الجندي عن الصراخأ‪ ,‬فتقدم الملك أجمون من الوزير لوذا وقككال ‪ً:‬ا لمككاذا قتلتككه ؟ وقبككل أن‬
‫نعلم منه لماذا فعل ما فعل ؟ فقكال الكوزير ‪ً:‬ا مهمكا ككانت قصكته فكإن فعلتكه تلككك عقوبتهككا‬
‫الموت على كل حال ‪,‬ل بد وأنه حاقد عليكم يا مولي لسككبب مككا‪ .‬فنظككر إليككه الملككك فقككال‬
‫الوزير ‪ً:‬ا وهل يهم ذلك السبب؟ هل هو أهم من حياة مولي؟ أنككا ل أصأككدق أن أحككدهم قكد‬
‫يفكككر بإلحككاق الذى بمككولي‪ .‬فاسككتدار الملككك أجمنككون منصككرفا عنككه قككائل ‪ً:‬ا تدهشككني‬
‫تصرفاتك أحيانا يا لوذا‪ .‬ورجع كل إلى محل نومه وخلدت مرة أخرى جوانب القصر في‬
‫هدؤ وسكينه ‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي خرج الملك أجمنون من غرفته يسير في بهو القصككر‪ ,‬وإذا بالملككك‬
‫شمشون قد كان قاداما إليه فوقف عنده وقال للملك أجمنون ‪ً:‬ا إلى القفل مولي الملك؟ فككردا‬
‫عليه أجمنون وهو يلتقي معه ويسيرا معا ‪ً:‬ا إلى القفل‪ .‬أخذ الملككك شمشككون أجمنككون حككتى‬
‫وصأل إلى الجمع الذين كانوا بانتظاره ‪ ,‬فاخترقهم شمشككون وأجمنككون خلفككه فسككاروا جميعككا وراء شمشككون‬
‫حتى وصألوا إلى المعبد‪ ,‬فدخلوا المعبد الكبير وسككاروا دااخلككه حككتى وصأككلوا إلككى المذبككح حيككث تقككام الصككلوات وحيككث‬
‫البخور صأاعدا من كل جهه والكهان في كل زاويه‪ ,‬وعند الحائط المامي طبقكة مرتفعككة ببعكض الكدرجات وقكد وضككع‬
‫فوقها قفل أسودا كبير يتوسط المعبد فقال الملك أجمنون موجها الكلم إلى شمشون ‪ً:‬ا‬
‫أتعبدون القفل؟ فضحك منه شمشون وقككال‪ً:‬ا‬
‫ل وإنما نعبد إله سليمان‪ ,‬ولكككن إرتأينككا أن‬
‫هككذا أنسككب مكككان لوضككع القفككل‪ ,‬مككع كككل‬
‫الحراسككة المشككدداة حككول المعبككد‪ ,‬كمككا أن‬
‫الناس هنا يتباركون بقفل سليمان‪ ,‬ما عليككك‬
‫من هككذا خككذوا مفتككاحكم واتركككوا لنككا قفلنككا‪.‬‬
‫عندها دافع الشيخ دايفككي مككن ظهككره بلطككف‬
‫وهو يتقدم به إلى القفل‪ ,‬فصعدا إلى الدرجة‬
‫الولى ثككم تركككه الشككيخ‪ ,‬فككالتفت دايفككي إلككى‬
‫وراءه لينظككر إلككى الشككيخ ومككن وراءه مككن‬
‫الجموع بنظرة مستفهمة بريئه‪ ,‬فأشككار إليككه‬
‫الشيخ بيده وبرأسه أن تقدم إلى القفل‪,‬‬
‫فأداار دايفي وجهه ناحية القفل ونظر إليه ثم صأعد الدرجة التي بعدها فمد يده إلككى المفتككاح‬
‫وأدااره‪ ,‬فانفتح القفل محدثا صأوتا قويا في المعبد الهادائ وخرجت تلك الضاءة القوية من‬
‫ثقككب القفككل حككتى أخككرج دايفككي المفتككاح فاستبشككر الجميككع مككن وراءه وخككر كهنككة المعبككد‬
‫يسجدون ويبكون‪ ,‬فاستدار دايفي بالمفتاح وأعطاه للشيخ فأخذه ووضعه في قلداة دايفي مع‬
‫المفتاح الول‪ ,‬ونزل به مككن المنصككة إلككى الملككك أجمنككون الككذي تقككدم إلككى القلداة ولمككس‬
‫المفاتيح وانحنى وقبلها ثم إستقام وقد تنفس بعمق وقال للملك شمشككون ‪ً:‬ا حسككنا أظككن أنهككا‬

‫‪49‬‬
‫ساعة الرحيل فصافحه الملك شمشون ووضع يده الخرى على كتفه وهزه قائل ‪ً:‬ا إلى أن‬
‫نلتقي مرة أخرى‪ ,‬تجاوزه الملك أجمنون إلى جموعه وأمرهم بالرحيل ‪.‬‬
‫خرج الجميع من أبواب القصكر وإذا الملكك أجمنكون مكع جمكاعته خكارج البكواب ك انت‬
‫هناك جموع الملك شمشون في ودااعهم ‪ .‬وشمشون فككي مقككدمتهم وهككو يشككير إليهككم بكفككه‬
‫ملوحا‪ ,‬فاستدار أجمنون بفرسه إليهم وقال ملوحا ‪ً:‬ا إلى اللقاء يككا صأككهري العزيككز‪ ,‬عنككدها‬
‫انتبهت عينا المير هيرودا وكأنه قد سككمع شككيئا ثككم صأككرف ذهنككه إلككى الطريككق ومضككى‪.‬‬
‫وتقدم الجميع في خطتهم إلى المملكة التي تليها ‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫أخذت الجموع تسير عبر سهول ممتدة‪ ,‬وكان الخككوان أفتككاب وماهتككاب محمككولن علككى‬
‫عربة تجرها الجيكادا‪ ,‬وأناهيكد وكيكوان وبهكرام وبرجيكس علكى ظهكور خيكولهم يسكيرون‬
‫بمحاذات العربة‪ ,‬وفي عصر ذلك اليوم رق قلب بهرام على أخويه من هزالعربكة ومشكقة‬
‫الطريق وهما على تلك الحالة من الصأابات الجسيمة‪ ,‬فككانطلق مسككرعا بإتجككاه الصككفوف‬
‫المامية حيث الملك والشيخ وكبار جنده مخترقا ومتقدما عبر حشككودا الجنككد أمككامه‪ ,‬حككتى‬
‫وصأل إلى الشيخ وسكايره ثكم قكال لككه ‪ً:‬ا سككيدي سككموطان إنكي أخشككى علككى أخككوي مشكقة‬
‫الطريق‪ .‬فبدت علمات القلق على الشيخ واقتضبت حواجبه ثم قال بهرام ‪ً:‬ا إذا سمحت لنا‬
‫بأن نأخذ أخوينا إلى مملكتنا‪ ,‬هناك سترعاهما أمنا ثم نعودا إليكم مسككرعين قبككل أن يحككس‬
‫أحد بغيابنا‪ .‬فقال الشيخ وقد هز رأسه باليجاب ‪ً:‬ا أبلغ تحيككاتي إلككى الملكككة دابككوره‪ .‬حينهككا‬
‫رجع بهرام إلى إخوته وترجلوا من على ظهور خيولهم أمام عربكة أخكويهم‪ ,‬وفكي لحظكة‬
‫اختفككى الخككوة السككتة فككي غمضككة عيككن‪ ,‬حككتى أن العربككة الككتي كككانت تحمككل الخككوين‬
‫المصابين انطلقت فجأة تعدوا خفيفة الحمل داونما يعلم سائقها بالذي حصل لها‪ .‬بعد فككترة‬
‫قرر الملك أن يعسكروا عندما لمح من أخر تلك السهول جبال عالية وأرضا جافة على ما‬
‫تبدوا من بعيد‪ ,‬وخاصأة أن الظلم بدأ يسدل ستارته على المكان‪ .‬خيم الجند وبدأت نيككران‬
‫قدورهم تظهر‪ ,‬فمنهم من أضرب الخيام ومنهم من يعتني بالخيل والعككددا وأحككدثوا ضككجة‬

‫‪50‬‬
‫هناك‪ .‬وعند العشاء‪ ,‬في مائدة الملك أجمنون‪ ,‬حيث جلس يتناول الطعام ويأكل معه قككاداته‬
‫وكبار جنده‪ ,‬وكذلك الشيخ وروثا ودايفي والحكماء‪ .‬وهم كذلك قككال ألميككر هيككرودا لبيككه‬
‫الملك وهو يأكل‪ً:‬ا مولي ان الجند‪ ...‬ثم توقف هيرودا عن الكلم حيث رأى أباه يشير إليككه‬
‫بإصأبعه بالصمت قكائل ‪ً:‬ا ل كلم ول نقكاش عكن القتكال علكى الطعكام آجل آجل‪ .‬وعنكدما‬
‫إنتهى الجميع من الكل و أحضروا الشراب‪ ,‬تناول الملك أجمنون كأسككا ونظككر إلككى ابنككه‬
‫وقال ‪ً:‬ا إن للحرب أوقات وليس كل الوقات‪ ,‬تعلم منككي هككذا يككا بنككي‪ ,‬قككل الن مكا عنككدك‬
‫نحن نسمعك‪ .‬فقال الميككر وهككو يتنككاول كأسككا هككو الخككر ‪ً:‬ا إن الجنككد منككذ خروجهككم مككن‬
‫المملكة لم يقاتلوا أحدا ولم يقاتلهم أحد حتى ألن‪ ,‬ولحظت أنهككم بككدؤا يشككعرون بككالفتور‪.‬‬
‫فقال الملك له ‪ً:‬ا وكيف ذلككك ؟ فقككال هيككرودا‪ً:‬الحظككت أنهككم قككد أصأككبحوا عككدائين لبعضككهم‬
‫البعض‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا أليس لهذا خرجوا معنا ؟ فقال الميككر ‪ً:‬ا نعككم ولكنهككم لككم يجككدوا مككن‬
‫يحاربوه فأخذوا يقتتلون فيما بينهم‪ ,‬أخشى أن نفقد السيطرة عليهم يا مككولي‪ .‬عنككدها فتككح‬
‫الملك أجمنون كلتا عينيه بوسعهما مدركا خطورة المككر وقككال ‪ً:‬ا إذا نتحكككم فككي عككدائيتهم‬
‫تلك وندربهم على القتال‪ ,‬أجري بينهم بعض المسابقات في الفروسية‪ .‬فنظككر هيككرودا إلككى‬
‫أبيه الملك مدركا ما يرمي إليه الملك فتككابعه الملككك قككائل وهككو يشككير إليككه بإصأككبعه‪ً:‬ا هككذه‬
‫فرصأتك للتدرب على قياداة الجند‪ ,‬هيا أرني ما تسككتطيع‪ .‬فسككر ذلككك الكلم مككن الب إلككى‬
‫أبنه وانشرح صأدر هيرودا‪ ,‬فخرج هيرودا إلى الجنككد ونضككم المسككابقات بينهككم فككي القتككال‬
‫بالسلح وبدون السلح‪ ,‬وفككي الجككري وسكباقات الخيككول والمصكارعة والرمايككة‪ ,‬فأشككغل‬
‫الجميع وأخرج الجند كل مكا عنكدهم مكن قكوة وفروسكية‪ ,‬حكتى أن الميكر هيكرودا شكارك‬
‫بنفسه في بعض تلك المسابقات وأختلط بالجند‪ .‬نام بعدها الجميع نوما عميقككا مككن التعككب‪.‬‬
‫وفي صأباح اليوم التالي خرج الشيخ من خيمته وإذا أمامه كل من بهرام وبرجيس وأناهيد‬
‫وكيوان‪ ,‬فحيوا الشيخ سموطان برؤسهم‪ ,‬فنظر إليهم الشيخ وتككوجه إلككى حصككانه يسككرجه‬
‫قائل ‪ً:‬ا من الفضل لكم السراع إلى خيولكم‪ .‬فانصرف الخككوة مككن وراءه إلككى خيككولهم‪.‬‬
‫ركب الجميككع وبككدؤا بالمسككير مككن جديككد حككتى وصأككلوا إلككى الككواداي العظيككم‪ .‬فنزلككوا فيككه‬
‫يتتبعككون مجككراه الجككاف نككزول‪ .‬وسككارت الجيككوش والفيككالق والجنككادا القويككة بعككدداهم‬
‫وأسلحتهم وخيولهم و مؤنهم فيه‪ ,‬وهم على ذلك الحال بضعة أيام‪ .‬وفي صأباح يوم مشرق‬
‫وهككم مككا يزالككون يسككيرون فككي ذلككك الككواداي الككذي ل تبككدوا لككه نهايككة‪ ,‬وعنككدما تجككاوزت‬
‫الصفوف لمامية من المسيرة منحنى من منحيات الواداي‪ ,‬فإذا بأشعة قوية تعمي عيككونهم‬
‫فاتقوها بسواعدهم وأكفهم لينظروا سببها‪ ,‬فإذا هي تنبعث من فوق جزيرة على شكل جبل‬
‫عالي وسط الواداي‪ .‬حينها تكلم برجيس ملك الخميس وقال مشيرا بيده إلككى قمككه الجبككل ‪ً:‬ا‬
‫إنها مملكة) تاو(‪ .‬فنظر الجميع وبالكادا إستطاعوا وهم يضعون أكفهككم علككى جبككاههم إلككى‬
‫حيث أشار برجيس‪ ,‬فتقدم الملك وتقدمت الجموع خلفه حتى وصألوا إلى حفرة كككبيرة فككي‬
‫منتصف الواداي‪ ,‬قطرها ما يقرب من خمسة أمتككار‪ .‬وقككد أصأككبحت تلككك الجزيككرة‪ ,‬الجبككل‬
‫المشع من فوقه على بعد ميلين منهم‪ ,‬فوقف الملك بخيله عند الحفرة ونزل لينظر بداخلها‪,‬‬
‫ونزل وراءه الخوة الجن الربعة وسموطان وهيككرودا‪ ,‬وأنصككت الملككك قليل وقككال وهككو‬
‫ينظر إلى سموطان ‪ً:‬ا هل تسمع خرير الماء؟ فقال سموطان وهو ينظر إلى دااخككل الحفككرة‬

‫‪51‬‬
‫المظلمة ‪ً:‬ا نعم ولكككن ل أرى قعرهككا‪ .‬ورفككع سككموطان رأسككه وحككاول النظككر باتجككاه ذلككك‬
‫الجبل المرتفع وسط الواداي‪ ,‬ونظر من حوله حيث بدأت جوانب الككواداي تنسككاب ارتفاعككا‬
‫بسلسل جبلية‪ ,‬ثم قفز سموطان فوق جواداه وتقدم به وتبعه مككن كككان حككول الحفككرة الككتي‬
‫سورت بحلقة من طين من حولها‪ ,‬وتبعوه بحذر ومن خلفهم الجيش‪ .‬وعلى مسكافة الميكل‬
‫من تلك الحفرة‪ ,‬تقدم سموطان ووقف بجواداه يتأمل كرة حجرية كبيرة‪ ,‬تقريبا بحجم قطر‬
‫تلك الحفرة التي شاهدوها‪ ,‬البئر التي ل قعر لها‪ ,‬وتقدمت منككه جمككاعته والملككك ينظككرون‬
‫إليها بتعجب كيف تقبع هناك في منتصف الواداي مستديرة بيضاء وكأنهككا نحتككت باليككدي‬
‫وصأقلت‪ .‬فأخذ الشيخ بلجام فرسه وسكار متجكاوزا الصكخرة العملقككة وتبعككوه مككن خلفككه‬
‫متحفزين لي شيء‪ .‬وبعد مسافة من تلك الصخرة بدأت حجارة الواداي وصأخوره الجافككة‬
‫تنتفض من تحت أرجكل الخيكل وتكتزحزح‪ ,‬وكأنهكا حيكات قكد نهضكت لمكا وطكؤا عليهكا‪,‬‬
‫وتزلزلت الرض وبدأت خيول الجند بالضطراب من تلك الهزهككزة‪ ,‬والجنككودا يحككاولون‬
‫السيطرة عليها وعمت الفوضى الجيش‪ .‬وقد كان معظم الجيش قد تجاوز الككبئر إل بعككض‬
‫الفيالق في المؤخرة مع المؤن‪ ,‬ثم بككدأت حجككارة الككواداي صأككغيرها وكبيرهككا تتطككاير مككن‬
‫تحت أرجلهم‪ ,‬وترميهم في كل اتجاه وصأوب فتضرب الجند بقوة فتوقعهم أرضا‪ ,‬ومن لم‬
‫تقضككي عليككه الضككربة الككتي أسككقطته تقضككي عليككه المجموعككة الخككرى مككن الحصككيات‬
‫المتقاذفة عليهم وكأنها موجهة‪ ,‬فصككرخأ الشككيخ علككى هرمككس لحمككايه روثا ودايفككي‪ ,‬فقككام‬
‫هرمس بصد ما استطاع من الحجارة القادامة باتجاههم بسيفه وبعضككها كككان ينفككخ عليهككا‬
‫فتسقط ولكن ما تلبث أن تعودا‪ ,‬وهكذا فعل إخوته بينما هككم يشككاهدون تلككك الحجككارة الككتي‬
‫أحدثت غبارا كثيفا تقضي على الجيش وهم في ذهول المفأجاة غيككر مصككدقين مككا يحككدثا‬
‫لهم‪ .‬وقام الجندي منهم إذا ما صأد حجارة تأتيه أخرى فتضربه بقوة وتتكاثر عليه فيموت‪.‬‬
‫وشاهد سموطان الملك أجمنون وقد أصأابته بعض الحجارة الصغيرة فككأدامت رأسككه‪ ,‬وقككد‬
‫كان حراسه يصارعون الموت عن أنفسهم‪ ,‬وقد اضطرب حصان الملك وكككادا أن يككوقعه‪,‬‬
‫فصرخأ الشيخ على أناهيد وأشار إلى الملك فتقدم أناهيد ناحية الملك بصعوبة وهككو يككدافع‬
‫الحجارة عنه‪ ,‬وأخذ بزمام فرس الملك أجمنون وجرى بها رجوعا إلى الخلف وهو ينفككخ‬
‫الحجارة القادامة من كل صأوب‪ ,‬ومنها ما يضرب ظهر الملك ومنها ما يسقط علككى ظهككر‬
‫أناهيد وهو يفر بالملك إلى مؤخرة الجيش وكذلك فعل الجميع‪ ,‬فبدأوا يلحقون بمليكهم إلى‬
‫الوراء‪ ,‬وتراجع من إسككتطاع الوصأككول منهككم إلككى مككا بعككد تلككك الحفككرة حيككث ل تتحككرك‬
‫حجككارة الككواداي هنككاك‪ ,‬وأخككذوا يشككاهدون كيككف تفعككل الحجككارة بمككن تبقككى هنككاك وهككي‬
‫تمطرهم وكأنها موكلة بمهمة عليها القضاء عليهم‪ ,‬والحجارة لتصككل إلككى أولئككك الجنككد‬
‫الذين خلف الحفرة‪ .‬ولما تجاوز الجميع تلك البئر أخذ الشيخ يطوف بفرسه بين الجند وهم‬
‫يتأوهون ويتألمون فلم يبقى أحد منهم ال والحجارة قد داقدقت عظامه‪ ,‬فمن لم تقتلككه هنككاك‬
‫كانت الدماء تسيل منه من كل قطعة من جسمه‪ .‬وأخذ الجند الذين تخلفككوا وراء الككبئر مككع‬
‫المؤن يعالجون الجرحى من رفاقهم‪ ,‬فتقدم الشيخ بفرسه إلى حيث البئر ينظر إليها بتمعن‬
‫فإذا الدماء تسيل من جبينه على عينه‪ ,‬فأخذ سككموطان يمسككح الككدم عككن عينككه بكمككه وهككو‬
‫ينظر باتجاه تلك الكرة العملقة البيضاء التي تبدوا مككن بعيككد محككاول فهككم مككا جككرى لهككم‬

‫‪52‬‬
‫على حين غرة داونما سابق إنذار عنككدما تجككاوزوا تلككك الصككخرة الدائريككة‪ .‬فتقككدم الميككر‬
‫هيرودا بفرسه من الشيخ‪ ,‬فنظر الشيخ إلى ركبة هيرودا التي تسككيل دامككا ونظككر إلككى شككعر‬
‫هيرودا و ملبسككه وقككد كسككاها الغبككار مككن جككراء تحككرك الحصككى‪ ,‬فقككال هيككرودا بغضككب‬
‫للشيخ ‪ً:‬ا ما أمر تلك الحجارة اللعينة؟ فربت الشيخ على صأدره فإذا كمية من الغبار تخرج‬
‫من ملبسه على وجهه فعلم أن حالة ليس أحسن من منظر الميككر‪ ,‬والتفككت الشككيخ خلفككه‬
‫حيث سمع صأوتا فإذا هو الملك يقترب وقد حاول أن يقول شيآ ولكككن حلقككه قككد جككف مككن‬
‫شدة الغبار وقد وضع يده على فمه يسعل بشدة‪ ,‬ثم قال بصوت مبحوح للشككيخ لمككا وصأككل‬
‫عنده ‪ً:‬ا لماذا حال الواداي هنا‪ ...‬عند هذه البئر ليس كمثل هناك‪ .‬وأشككار إلككى المكككان الككذي‬
‫هاجمتهم فيه الحجارة ولكن سموطان لم يردا عليه بل نظر إلى البئر وهو ما يككزال يبحككث‬
‫عن جواب‪ .‬فقال له الملك‪ً:‬ا هل من حيلة لنا ؟ أم ما الذي حدثا لهذه الحجارة ؟ فقال الشيخ‬
‫‪ً:‬ا ل سبيل للوصأول إلى مملكة) تاو( إل عبر هذه الحجككارة‪ ,‬فككالواداي يحيككط بالمملكككة مككن‬
‫كل مكان‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا ولكن كيف ؟ فنظر إليه الشيخ وهو يفكر في حل ما فقطع تفكيكره‬
‫وصأول الوزير لوذا إليهم فوق خيله وقال الككوزير ‪ً:‬ا لمككاذا ل نرسككل الجككن طيرانككا إليهككم؟‬
‫فنظر إليه الشيخ باحتقار وقال بهدؤ‪ً:‬ا الجن ل يمكنها أن تككدخل تلككك القلعككة‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا‬
‫ولماذا ؟ فردا عليه الشيخ ‪ً:‬ا الم تسمع برجيس عندما قال إنهككا مملكككة) تككاو(‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا‬
‫نعم وما في ذلك؟ قال الشيخ ‪ً:‬ا المملكة من زجاج‪ ,‬ول يستطيع الجككن النظككر إلككى الزجككاج‬
‫لذلك فهم يعلمون بأمر هذه المملكة كما أخبرنا برجيس عن أسككمها‪ .‬حينهككا قككال الككوزير ‪ً:‬ا‬
‫وما فائدة هؤلء الجن الذين ل يستطيعون شيئا؟ فنظر إليه الشيخ فأكمل الوزير قككائل لككه‪ً:‬ا‬
‫ولكنك أنت تستطيع الطيران إلى هنككاك‪ ,‬أم ل تسككتطيع النظككر إلككى الزجككاج أنككت الخككر؟‬
‫فاصأطكت أسنان سموطان من الغضب وأطلق نفسا وقال وهو ينفض التراب عن ثيككابه ‪ً:‬ا‬
‫لم أرك في المقدمة عندما تقدمنا اليها‪ .‬وتقدم سموطان بفرسككه إلككى الككوزير ونفككض ثيككاب‬
‫الوزير فلم يخرج شيء من الغبار وأكمل سموطان قائل ‪ً:‬ا أيهككا الككوزير المخلككص‪ .‬حينهككا‬
‫إنحرج الوزير وقال بككتردادا‪ً:‬ا لقككد‪ ..‬تككوقفت لبعككض حككاجتي‪ .‬فقككال لككه سككموطان‪ً:‬ا مككا أكككثر‬
‫حاجاتككك أيهككا الشككجاع‪ ..‬فقاطعهمككا الملككك أجمنككون قككائل ‪ً:‬ا والن مككا العمككل إذا ؟ تككوجه‬
‫سموطان إلى البئر ونزل عن حصانه ونظر إلى دااخل البئر فسمع خرير الماء فقال ‪ً:‬ا بئر‬
‫بها ماء‪ .‬ثم توجه بنظره إلى الواداي قائل ‪ً:‬ا وواداي جاف ‪.‬‬
‫وبالليل حيث عسكروا بجانب البئر وقككد صأككنعوا لهككا حبل وأخككذوا ينزفككون منهككا المككاء‪,‬‬
‫ومنهم من أوقد النار على القدور لتجهيز الطعام‪ ,‬ومن الجند من كانوا يعالجون الجرحى‪.‬‬
‫فجلس الملك واتباعه وقد أحضروا لهم الطعام واذ هم يككأكلون قككال الملككك ‪ً:‬ا إذا مككا تككرون‬
‫أننا صأانعون ؟ حينها توقف هيرودا عن الكل ونظككر إلككى أبيككه الملككك‪ ,‬فنظككر إليككه الملككك‬
‫وقال‪ً:‬ا حسنا أنا الملك ويحق لي الكلم عن القتال متى أشاء‪ ,‬هيا تكلموا آتككوني بحككل لهككذه‬
‫المشكلة العويصة‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا الجن ل يستطعون الذهاب‪ ,‬أنا أستطيع ولكنككي‪ ,‬أظككن أن‬
‫المدينة مغطاة بالزجاج حتى سقفها‪ ,‬فل سبيل إلى داخولي إليها‪ .‬فقال المير هيككرودا‪ً:‬ا لبككد‬
‫وأنهن يعلمون أننا هنا‪ ,‬لما ل نرسل إليهم بكتاب كمككا فعلنككا مككع الملككك شمشككون ؟ ونككرى‬
‫ماذا يرداون‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا هذه فكرة صأائبة سنحاول فعككل ذلككك‪ .‬بعككد الطعككام نككاداى الملككك‬

‫‪53‬‬
‫على الكاتب شهلون وقال له ‪ً:‬ا أكتب‪ .‬فجلس شهلون وجهز أداواته ونظر إلى الملككك‪ .‬فقككال‬
‫الملك‪ً:‬ا إلى‪ ...‬ثم سأل الملك ‪ً:‬ا ما هو إسم مليكهم ؟ فقال برجككبيس حيككرام‪ .‬ثككم أكمككل الملككك‬
‫قائل ‪ً:‬ا إلى الملك حيرام‪ ,‬ملك مملكة) تاو(‪ ,‬ماجأناك لقتال‪ ,‬سلمنا ما نريد نسلمك علككى مككا‬
‫أنت عليه‪ .‬من ملك الملوك أجمنون العظيم‪ ,‬ملك مملكة )زيتا(‪ .‬ثم نظر الملك إلى شككهلون‬
‫وهو خائف يرتعككص وقككال لككه الملككك ‪ً:‬ا ل تخككف سككيذهب معككك الشككيخ إلككى بككاب القلعككة‪.‬‬
‫فاعترضه الوزير بعد أن كان ينظر ويراقب بعينين ماكرتين وقال ‪ً:‬ا إذا سمح لككي مككولي‬
‫أن أذهب بالكتاب‪,‬فأنا أقدر من الرسول على تفحص المملكككة إذا مككا داخلككت عليهككم‪ .‬فقككال‬
‫الملككك وقككد زادا إعجككابه بككالوزير وشككجاعته ‪ً:‬ا أحسككنت يككا لككوذا هككذه شككجاعة منككك‪ .‬فقككال‬
‫الوزير‪ً:‬ا أشكرك يا مولي ولكن كيف سأذهب إليهم ؟ فقككال الشككيخ سككموطان متأسككفا‪ً:‬ا أنككا‬
‫سأحملك إلى هناك‪ .‬فأخذ الشيخ الوزير ومعه الكتاب وطار بككه وأنزلككه أمككام بوابككة القلعككة‬
‫وعندما فتحت البواب لهمككا أرادا الشككيخ أن يتبعكه فصككده الككوزير قكائل متكذرعا ‪ً:‬ا سككوف‬
‫يشكون بأمرنا ويشدداون علينا الحراسة إذا ما رؤنا اثنين‪ ,‬ومنذ متى ترسل الرسل بالكتب‬
‫إثنين ؟ إبقى هنا حتى أعودا‪ .‬فأقنعه الوزير وداخل بنفسه حتى صأار بين يدي الملك حيككرام‬
‫وأخفى كتاب الملك أجمنون في وسطه وقال الوزير في حضرة الملك حيككرام وقككد انحنككى‬
‫له ‪ً:‬ا أيها الملك العظيم حيرام‪ ,‬خادامك المخلص لوذا‪ .‬فقال الملككك حيككرام وهككو ينظككر إلككى‬
‫أتباعه من حوله ‪ً:‬ا وبمككاذا يمكنككك أن تخككدمني وقككد عجككز مليكككك عككن فعككل شككيء‪ .‬وأخككذ‬
‫الجميع يضحكون فقال الوزير ‪ً:‬ا ل شأن لي بما يصنع الملك أجمنككون‪ ,‬إنمككا جأتككك خادامككا‬
‫مطيعا‪ .‬فأخذت الملك حيرام الجدية فاعتدل في جلسته وقال ‪ً:‬ا وبماذا يمكنك أن تخككدمني ؟‬
‫اقترب منه لوذا وقال ‪ً:‬ا لدى الملك أجمنون حتى الن مفتاحان‪ ,‬أستطيع أن أحضرهما لك‪,‬‬
‫وأنت لديك المفتاح الثالث وسوف أخرجه لك‪ ,‬أما البقية‪ ,‬فل أظن أن همككة مككولي حيككرام‬
‫في تحصيلها أقل من همة الملك أجمنون‪ ,‬وخاصأة أن المفتاح السابع تحت يدي‪ .‬فردا عليه‬
‫الملك حيرام قائل ‪ً:‬ا وأين هو هذا المفتاح ؟ فقال لوذا انه في مملكة أجمنون‪ .‬ثم سكت لوذا‬
‫قليل وأكمل وهكو يبتسكم‪ً:‬ا بكالطبع بعكد أن أسكتولي عليهكا بمسكاعدة مككولي الملككك حيككرام‬
‫العظيم‪ .‬فقال حيرام ‪ً:‬ا إنك تتكلم باللغاز كثيرا‪ ,‬وأنا صأابر عليك‪ ,‬أنصككحك بالسككراع فككي‬
‫تفسير وتوضيح كلمك‪ ,‬فأنا صأبري قليل‪ .‬حينها بلع لوذا ريقه وقال على عجل ‪ً:‬ا أستطيع‬
‫أن أحضر لك ليككس المفاتيككح فقككط‪ ,‬بككل مككا تهككددا بككه الجككن فل يسككتطعون مسككاعدة الملككك‬
‫أجمنون‪ ,‬وبهذا ترداهم بلشيء‪ .‬قال الملك حيرام ‪ً:‬ا ومككا الككذي يضككمن لككي أنككك ل تحككاول‬
‫خداعي ؟ فقال لوذا ‪ً:‬ا وكيف لي حيلة عليك وأنا واحد؟ انما سأحضر لك الفتى الذي يمكنه‬
‫أن يخرج المفاتيح‪ ,‬وبدونه البقية ل تساوي شكيئا‪ ,‬وبكه تسكتطيع نكزع جميكع المفاتيكح مكن‬
‫المدن التي تحتفظ بالقفال‪ ,‬فما عليك يككا مككولي إل أن ترشككدني إلككى طريقككة أسككلمك بهككا‬
‫الولكد ومعكه المفتكاحين ويصكبح تحكت تصكرفك‪ .‬قكام أحكد الحكمكاء إلكى الملكك حيكرام‬
‫وساسره في أذنه ثم رجع إلى مكانه‪ ,‬فقال الملككك حيككرام ‪ً:‬ا انصككرف لبعككض الككوقت حككتى‬
‫نتشاور‪ .‬فقال لوذا وهو يرجع إلى الخلف منحنيا‪ً:‬ا سمعا وطاعككة يككا مككولي‪ .‬وذهككب لككوذا‬
‫يتفرج على أسواق المدينة فقال أحد الحكماء لحيرام ‪ً:‬ا هل نثق به يا مولي ؟ وقال آخككر ‪ً:‬ا‬
‫ل يبدوا كلمه منطقيا‪ ,‬ل بد وأنها حيلة ما‪ .‬فقال الملك حيرام ‪ً:‬ا وما الضير فككي مسككايرته‪,‬‬

‫‪54‬‬
‫سنرشده للطريق الذي بداخل البئر الذي يخرج من تحت القلعة‪ .‬فاضككطرب المجلككس مككن‬
‫حول الملك حيرام وأخذوا يتهامسون مع بعضهم فقال الملك حيككرام ‪ً:‬ا ل تخشككوا شككيئا‪ ,‬إن‬
‫طريق الكبئر ضكيقة وصأكعبه علككى شكخص واحكد فكيككف سككيغامرون بإداخكال جيكش عكن‬
‫طريقها‪ ,‬كما أن البوابه المنتهيه إلى القلعة من هناك تحت تصرفنا‪ ,‬وموقعنككا فيهككا محكككم‪,‬‬
‫لن يدخل أحد من هناك إل إن كان منتحرا‪ .‬وبعد أن نحصل على ما نريد نقتل هككذا الككوذا‪,‬‬
‫فالخائن ل أمان له‪ .‬وناداى الملك علككى الحككراس وقككال ‪ً:‬ا يككا حككرس نككاداوا علككى رسككولهم‪.‬‬
‫وكان لوذا آنذاك يتمشى في السواق بين الناس ويراقب سكقف المدينكة الزجكاجي‪ ,‬ووراء‬
‫لوذا اثنين من حرس الملك حيرام الشداء‪ ,‬حتى وصأل إلى حانوت فإذا اثنين يتكلمان مككع‬
‫بعضهما دااخل الحانوت‪ ,‬فاستمع إليهما لوذا مديرا ظهره إليهما وكأنه ل يقصككد السككتماع‬
‫إليهما‪ ,‬فقد سمعهما يتكلمان عن الجيش المعسكر خارج المدينة‪ ,‬وانشغل الحارسان وهمككا‬
‫أمام لوذا بمغازلة بعض النسوة في الحانوت المقابككل‪ ,‬فسككمعهما يقككولن ‪ً:‬ا إذا مككا وضككعت‬
‫الكرة الحجرية دااخل البئر فاض البئر بالماء على حجر الواداي‪ ,‬عندها لن تعودا الحجككارة‬
‫غاضبة‪ ,‬و سيعبرون إلينا بجيشهم‪ ,‬ماذا سنفعل عندها وماذا سيحل بنا ؟ آنذاك ل حظ أحد‬
‫الحراس سكون لوذا فإذا هو يدفعه للتقككدم وقتهككا وصأككل حككراس الملككك وأخككذوا لككوذا إلككى‬
‫الملك حيرام‪ ,‬فباداره الملك بقوله ‪ً:‬ا حسن قد قبلككت خككدمتك لنككا‪ ,‬هككل رأيككت تلككك الككبئر فككي‬
‫الواداي؟ قال نعم ‪ً:‬ا قال حيرام ‪ً:‬ا لو أشعلت نككارا فككي حبككل وداليتهككا فككي الككبئر لرأيككت علككى‬
‫مسافة بطول رجل غار في جدار البئر‪ ,‬منه تسير نزول إلى قعر البئر‪ ,‬ومن هناك طريقا‬
‫ضيقا بمحاذات سير مياه البئر حتى تصل إلى تحت الجبككل هككذا الككذي تحتنككا‪ ,‬ومككن هنككاك‬
‫سترى الحراس بانتظارك‪ ,‬هل وعيت ما وصأفت لك ؟ فقال لوذا ‪ً:‬ا على أكمككل وصأككف يككا‬
‫مولي‪ .‬فقال حيرام ولكن تعطينككا عهككد وميثككاق منككك بعككدم الخيانككة‪ .‬فقككال لككوذا‪ً:‬ا أعطيكككم‬
‫أعطيكم يا مولي عهدا بأن أكون عبدكم المخلص كما تعاهدوني بمسكاعدتي علكى الظفكر‬
‫بمملكة )زيتا(‪ .‬فقال الملك حيرام ‪ً:‬ا لك ذلك‪ .‬حينها أخرج لوذا كتاب الملك أجمنون وقككال‪ً:‬ا‬
‫إذا ل حاجة لكم بهذا بعدما تعاهدنا‪ .‬وأخذه منه حككرس الملككك وانصككرف لككوذا إلككى الشككيخ‬
‫الذي كان ينتظره بالخارج فسأله سموطان ‪ً:‬ا إذا كيف كان اللقاء ؟ لقد تككأخرت‪ .‬فقككال لككوذا‬
‫بصرامة ‪ً:‬ا حملت رسالة الملك أجمنككون وأعككودا برسككالته إليككه‪ .‬عنككدها تضككايق سككموطان‬
‫وقبض به من رجليه وأنكسه وطار به منكوسا على رأسه وهو يصيح إلى أن وضعه عند‬
‫الملك أجمنون‪ .‬فلقط أنفاسه وقال للملك أجمنون ‪ً:‬ا لم يوافق يا مولي‪ ,‬بككل ككادا أن يبطككش‬
‫بي لول أشاروا عليه أن يبقي على حياتي لرجع بالرسالة لكي ل يضطروا لرسال أحككد‬
‫منهم‪.‬‬
‫بعد ساعة متأخرة من الليل والجميع قد ذهبوا للنوم ما عدى واحككد منهككم‪ .‬تسككلل الككوزير‬
‫لوذا وذهب إلى البئر ومعه حبل وشعلة من النار فربط الشعلة بالحبل وأنزل الحبككل إلككى‬
‫البئر المظلمة فإذا يشاهد ثقب في الجدار كما قال له الملك حيرام‪ ,‬حينها رفع الشككعلة إليككه‬
‫وتلمس في جوار البئر فوجد حجرا كبيرا فأخذ حبل دالو البئر بعد أن فكه من دالوه وربطه‬
‫حول ذلك الحجر ورجع إلى المخيم وتسلل إلى خيمة روثا ودايفي فحمل دايفككي وهككو نككائم‬
‫بهدؤ وبعد مسافة أتعبه الحمل فوضعه أرضا فإذا بديفي يقف علككى رجليككه صأككاحيا ينظككر‬

‫‪55‬‬
‫إلى الوزير‪ ,‬فأخذ يلطفه وأمسكه من يده واقتاداه إلى البئر‪ ,‬وهناك أخذ الوزير يفكر كيف‬
‫سيجعل دايفي ينزل إلى البئر في ذلك الغار‪ ,‬ففتش الولد فلم يجد معه في مخبكأه ال طاقيكة‪,‬‬
‫فأخذ لوذا الشعلة ودالها من البئر وربط طرف حبلها فككي حجككر صأككغير فوضككحت الثقبككة‬
‫التي بجدار البئر‪ ,‬وقال لديفي هل تريدنا أن نلعب ؟ فهز دايفككي رأسككه باليجككاب ثككم قككذف‬
‫الوزير بطاقية دايفي دااخل الثقبة برمية قويككة والولكد ينظككر إليهكا وهكو يقكذفها‪ ,‬فبكدأ دايفككي‬
‫بالصياح فقال له الوزير ‪ً:‬ا هل تريد استرجاعها ؟ فهز رأسه بنعككم‪ ,‬فربطككه الككوزير بحبككل‬
‫صر عليككه‬ ‫دالو البئر وداله بمشقة إلى تلك الثقبة فدخل دايفي ليجلب طاقيته‪ ,‬ولكن الوزير ق ص‬
‫في الحبل‪ ,‬وكانت الطاقية بعيدة فمد دايفي يكده ليجلبهكا ولككن يكده لكم تصكل إليهكا‪ ,‬فحكاول‬
‫الزحف ليصل إليها بينما الوزير ممسكا بالحبل ول يمده له عمدا‪ ,‬عندها فك دايفككي الحبككل‬
‫عن صأدره فعلم الوزير أن دايفي قد تحرر من الحبل فتدلى الوزير على الحبل ولما وصأل‬
‫إلى فم الثقبة كان دايفي يهم بإخراج رأسه منها فأمسك الوزير بشعلة النار ودافع بديفي إلى‬
‫الخلف وهو يدخل في تلك الثقبة‪ ,‬وأخذ لوذا بقفى دايفي إلى أن وصأل به إلككى قعككر الككبئر‪,‬‬
‫ودايفي يصيح من تلك المعاملة الخشنة‪ ,‬ثم أخذ يدفعه فككي الطريككق المحاذيككة لجريككان مككاء‬
‫البئر مستضيئا بالشعلة‪ ,‬ودايفي في ذلك كله يصرخأ ويصيح حتى وصأل إلى حيككث فرجككة‬
‫أوسع‪ ,‬فشاهد الوزير حراس مملكة) تاو( فعبر ماء البئر إليهم بينما داخككل أحككدهم مسككرعا‬
‫إلى الداخل عندما شاهدوه ليخبر الملك‪ .‬أخذ الحراس الوزير ودايفي في ممرات من تحككت‬
‫الجبل صأعوداا إلى فوق‪ ,‬وفي آخر الممرات الملتوية بوابة ما أن وصأككل إليهككا فككإذا الملككك‬
‫حيرام عند الباب يتلقاهما مسككرورا‪ ,‬فقكال الككوزير للملكك ‪ً:‬ا هككذا هككو الفكتى الكذي يسكتطيع‬
‫إخراج المفاتيح‪ .‬ففرح به الملك حيرام وقككال وهكو يأخكذهم إلكى الكداخل ‪ً:‬ا سكنرى صأككدقك‬
‫ألن‪ .‬ساق بهم الملك حيرام في ممرات قصره إلكى غرفتكه الخاصأكة‪ .‬وفكي دااخكل غرفتكه‬
‫فتحة أسفل الجدار مع الرض على شكل نفق داائري يصغر حجمه كلمككا زادا طككوله حككتى‬
‫ينتهي بالمرأ أن يحبوا مسافة ليصل إلى كككوة بيضككاء صأككافية ارتفاعهككا أطككول مككن قامككة‬
‫الرجل واقفا بقليل‪,‬حجمها يتسع لعشرة أشخاص متراصأين‪ ,‬يستعملها الملك حيرام للتأمل‬
‫والتعبد ووضككع القفككل فيهككا‪ ,‬فكانحنى الملككك عنككدها وهككو يشككير إلككى الككوزير بيككده قكائل ‪ً:‬ا‬
‫اتبعاني‪ .‬ثم داخل الملك فيها وقال الوزير لديفي الككذي ل يعلككم مككا يحككدثا لككه ‪ً:‬ا تعككال دايفككي‬
‫لندخل إنها لعبة جميلة تعال ‪ً:‬ا ثم انحنى الوزير ليتبع الملك حيرام فلما داخككل الككوزير قليل‬
‫لبس دايفي طاقيته فاختفى فلم يسمع الوزير أحدا خلفه‪ ,‬فنظككر فلككم يجككد أحككدا خلفككه فخككرج‬
‫الوزير راجعا بخلفه حتى غرفة الملك ولم يرى دايفي في أي مكان‪ ,‬وإذا بالملك يخرج هو‬
‫أيضا ولم يجد الفتى فأمسك الملك حيرام بخناق الوزير قائل ‪ً:‬ا أيككن الفككتى ؟ فقككال الككوزير‬
‫‪ً:‬القد كان هنا ل بد وأنه رجع من حيث أتينا‪ .‬فقال الملك وقد زمجر وبرهت وبانت أنيككابه‪ً:‬ا‬
‫لقد خدعتني‪ .‬فصاح الوزير قائل ‪ً:‬ا وكيف خدعتك وأنا في قبضككتك ولككم آخككذ منككك شككيئا؟‬
‫داعنا نبحث عنه قبل أن يبتعد‪ .‬فتركه الملك وراحا يبحثان عن دايفي‪ .‬في تلكك الثنكاء ككان‬
‫دايفي يتخبط طريقه قي القصر‪ ,‬والجند يمرمن عندهم فل يرونه‪ ,‬ح تى سكمع دايفكي الملكك‬
‫يصيح على الجند وهم يبحثون عنه في كل مكان‪ ,‬فشاهد دايفي ذلك الباب الذي يؤداي إلككى‬
‫الطريق الذي أتي منه من تحت القلعة وعليه الحرس واقفين‪ ,‬فركض دايفي باتجاهه وكان‬

‫‪56‬‬
‫مفتوحا ثم بدأ ينزل السلم ببطأ وتخكوف حيكث المككان هنكاك أككثر ظلمكه وضكيقا بالنسكبة‬
‫لديفي‪ ,‬فأخذ ينزل بحذر حكتى سكمع صأكوت الملكك مكن دااخكل القصكر فوقكف ونظكر إلكى‬
‫العلى‪ ,‬فإذا يشاهد الملك والوزير يطلن من البككاب يهمككان بككالنزول علككى السككلم‪ ,‬فوقككف‬
‫دايفي مكانه يشاهدهما ينزلن والوزير يتقدم الملك والملك من خلفكه يزفككه ويصكرخأ عليككه‬
‫والوزير يقول للملك ‪ً:‬ا يجب أن أعكودا‪ ,‬ل تخكف س أجد طريقكة لتيكك بمكا وعكدتك‪ ,‬أنكا ل‬
‫أخلف عهوداي‪ .‬فنظر إليه الملك حيرام من خلفه وهما ينزلن نظرة إحتقار وهو يعلككم أنككه‬
‫خائن لمليكه‪ .‬حتى وصأل عنده فرص دايفي جسمه على الجدار الجبلككي بظهككره فمككرا مككن‬
‫جانبه ولم يشاهداه‪.‬‬

‫عندها رجع دايفي هروبا منهما إلى فوق متجها إلى القصر‪ ,‬وسار حتى وصأل إلككى غرفككة‬
‫الملك وداخل في ذلك السردااب الضيق ثم حبى حتى كوة القفل‪ ,‬وأخككذ دايفككي ينظرويتأمككل‬

‫القفل وهو يقترب منه ببطأ‪ ,‬ثم مد دايفي يككده‬


‫إلككى المفتككاح وأدااره فأصأككدر القفككل صأككوتا‬
‫قويا لككدى انفتككاحه وخرجككت تلككك الضككاءة‬
‫اللمعة من ثقب المفتككاح علككى وجككه دايفككي‬
‫فأطلق دايفي إبتسامه تبعتها ضككحكه مبهككرة‬
‫وخرج المفتاح في يده بسلسة ويسككرففرح‬
‫به دايفي‪ .‬أما الوزيرفقد تسلق الحبكل وذهكب‬
‫مسككرعا وقبككل أن يصككل إلككى خيمتككه لحككظ‬
‫بعض الحركات عند خيمة الملك وأصأككوات‬
‫وضجة فذهب إليهم كككي ل يفتقككدوا غيككابه‪,‬‬
‫وعنكككدما وصأكككل إليهكككم رأى الشككيخ يقككول‬

‫لهرمس يوبخه هو وروثا‪ً:‬ا كيف أضككعته ؟ ألككم أمككرك أن تحرسككه كظلككه ؟ فأخككذ هرمككس‬
‫الشيخ من يده بعيدا عن روثا وقكال لكه وهككو ينظككر إلككى روثا‪ً:‬ا إنهككا ل تفكارقه حكتى فكي‬
‫منامه‪ .‬فقال الشيخ له ‪ً:‬ا إذا؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا ماذا تريد مني ؟ هل أنظكر إليهمكا وهمككا نيكام ؟‬
‫فقال الشيخ ممتعضا‪ً:‬ا ولما ل ؟ قال هرمس‪ً:‬ا إنها فتاة فاتنة ل يحل لي النظككر إليهككا‪ ,‬وإنمككا‬
‫أتفقده من حين لخر بنظرة سريعة‪ .‬حينها هدأ الشيخ وآخذوا يبحثككون عككن دايفككي فكي كككل‬
‫مكان حتى وصألوا إلى البئر وهكم يبحثكون‪ .‬فلحكظ الشكيخ الحبكل المربكوط علكى الحجكر‬
‫وكان هناك الوزير ينظر إلى تلك الحجارة الككتي ربككط بهكا الحبككل ويلككوم نفسككه بككأن نسككي‬

‫‪57‬‬
‫أمرها في ساعة عجلة‪ .‬حينها أمر الشيخ أحد الحراس بإحضار شعلة نار وأنزلها بالحبككل‬
‫فبان الثقب وانكشف‪ ,‬وأخذ الجميع يتفكرون في ذلك ويقولون ‪ً:‬ا هل ذهب من هنككا؟ فقككالت‬
‫روثا ‪ً:‬ا أو قد يكون أحد ما خرج من هناك‪ .‬فنظر الجميع إليها وقال الملك ‪ً:‬ا انها محقه‪ ,‬قد‬
‫تكون هذه طريق إلى القلعة‪ .‬وبينما هم يتشاورون إذا بصوت يأتي من دااخل الككبئر فركككز‬
‫الشيخ شعلة النار على الثقبة واستطاعوا أن يروا يد دايفي وهو يلوح لهم مطل برأسه مككن‬
‫دااخل تلك الثقبة فأسرع إليه هرمس فاختطفه إلى السطح‪ .‬أخذ دايفي يشير بيمينكه بالطاقيكة‬
‫فلم يستطع الشيخ فهم شيء منه‪ ,‬ثم لوح دايفي بيساره فإذا هو مفتاح مملكة )تاو(‪ .‬وقبل أن‬
‫يفككرح بككه الملككك أو أي أحككد أخككر قطعككت عليهككم الفرحككة أن دايفككي عنككدما لككوح بالمفتككاح‬
‫وشاهده الجميع ركض يلوح بكه بسكرور فكي وجكه الكوزير لكوذا الكذي ككان واقفكا معهكم‪.‬‬
‫وداهش الجميع لذلك ولم يستطع الوزير أبداء أي تعبير بل ظل متسمرا يطالع دايفككي وهككو‬
‫يقفز بالمفتاح أمام وجهه كمن ضربته صأاعقة من السماء والجميككع سككاكن يطككالعون ذلككك‬
‫التصرف الغريب من دايفي‪ .‬فتقدم منه الملك وأخذ المفتاح الذي يلوح به دايفي وهو ينظر‬
‫في وجه الوزير وقد بقي في وجككه الملككك شككيء بسككيط مككن إبتسككام الفككرح لككدى مشككاهدته‬
‫المفتاح فأعادا ابتسامته وضككحك وارتفككع بككديفي يحملككه وينزلكه عكن ألرض وهكو يقهقكه‪,‬‬
‫وكسر بذلك السكون المخيف الذي خيم على المجموعكة وتحكول الجكوإلى جكو فكرح مكن‬
‫جديد للجميع وانصرفوا للنوم مسرورين جميعا ما عدى واحد ليس منهم‪.‬‬
‫في صأباح اليوم التالي ناداى الملك الجميع إلى خيمته فحضككروا بيككن يككديه فقككال لهككم ‪ً:‬ا ان‬
‫عددانا الن أصأبح أقل بكثير بعدما مات جل الجيش في واداي الحجارة المجنونه هككذا‪ ,‬فمككا‬
‫تقولون لو نبعث إلى صأهرنا‪ ...‬ثم توقف الملك وهو ينظر إلى إبنه هيرودا كيف نظر إليككه‬
‫فاستطردا الملك وقال‪ً:‬ا نبعث بطلب نجده من صأديقنا الملك شمشككون فهككو أقككرب إلينككا مككن‬
‫مملكتنا ولديه عددا ل يحصى وقوة ككبيرة وقككد عكرض علينككا عنكدما كنككا هنكاك معككه بكأن‬
‫يمضي معنا‪ ,‬فما تقولون بطلب نجدة منه؟ فقال الككوزير ‪ً:‬ا مككولي ل نسككتطيع طلككب نجككده‬
‫من مملكتكم فلم نبقي أحدا هناك بما يكفي لدعمنا‪ .‬فقاطعه هيرودا قككائل ‪ً:‬ا ونعككم الككرأي يككا‬
‫أبي‪ .‬وقال الشيخ حيث نظر إليه الملك ‪ً:‬ا أرى أن نبعث أحكد الجككان إليكه‪ ,‬فكذلك أسكرع لنككا‬
‫بوصأككوله إليهكم ثكم يبقكى معهككم يرشككدهم الطريكق إلينككا‪ .‬فقكال الملككك‪ً:‬ا نعكم الطريككق إلينكا‪,‬‬
‫أحضروا الخريطككة‪ .‬فاحضككروا لككه الخريطككة فنظككر إليهككا و قككال ‪ً:‬ا الن نحككن هنككا‪ ,‬علينككا‬
‫التوجه شمال من هذا الواداي فنتركه خلفنا وعبر هذه الطريق الجبليككة نرجككع إلككى طريككق‬
‫الغابات الكثيفة مرة أخرى‪ ,‬وهككذا فككي صأككالحنا‪ ,‬فهنككاك لككن نعككدم المككاء‪ ,‬ثككم بعككد الغابككات‬
‫بمسافة يوم تقريبا صأحراء الرمال‪ ,‬ومن الصحراء مباشرة أمامنا مملكة )ثيتا(‪ ,‬ومن نفس‬
‫النقطة يمينا مملكة )دالتا( ‪,‬إل أن مملكة دالتا الككتي علككى يميننككا ترجككع بنككا إلككى ملتقككى هككذا‬
‫الواداي مرة أخرى‪ ,‬ومملكة) ثيتا( الرملية أقرب من هناك من مملكككة )دالتككا( بقليككل‪ ,‬فمككاذا‬
‫ترون ؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا هو ما تراه يا مولي‪ .‬قككال الملككك ‪ً:‬ا إذا نمضككي إلككى )ثيتككا( أول فككي‬
‫وسط الرمال الصحراوية‪ ,‬وسوف نعسكر عند نهاية الغابات الكثيفة الطريق المفضية إلى‬
‫الرمال‪ ,‬وهنككاك سككننتظر المككددا‪ .‬فقككال هيككرودا‪ً:‬ا إذا علينككا الككتزودا عنككد تلككك النقطككه بالمككاء‬
‫الكافي‪ ,‬فقد ل نجده في الصحراء‪ .‬فقال الملك محييا إبنه ‪ً:‬ا أحسنت يا بني‪ ,‬بدأت تفكر مثل‬

‫‪58‬‬
‫قائد عظيم‪ .‬ففرح بذلك هيرودا‪ .‬ثم توجه الشكيخ إلكى أناهيكد ملكك الجمعكه وقكال لكه ‪ً:‬ا هكل‬
‫عرفت الخطة ؟ فقال ‪ً:‬ا نعم سيدي‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا إذا تتوجه من فورك إلككى الملككك شمشككون‬
‫تخبره بما حصل وتطلب منككه العككون‪ ,‬وتككأتي بهككم إلككى حيككث سنعسكككر بانتظككاركم‪ .‬فقككال‬
‫أناهيد‪ً:‬ا سمعا وطاعة ياسيدي‪ .‬واختفى من أمامهم‪ .‬بعدها ناداى الملك كبير جنده وقال له ‪ً:‬ا‬
‫كيف حال الجند؟ قال ‪ً:‬ا ليس جيدا يا مولي‪ ,‬فقد مات الكثير منهم حتى ممن كانوا جرحى‬
‫لنقص في العلج‪ ,‬ومن تبقى منهم بين جريح وكسيح‪ .‬فقال له الملك ‪ً:‬ا وكم من الجند ممككن‬
‫تأخروا عن الدخول في منطقة البئر؟ قال ‪ً:‬ا ما يقرب مككن مئككتين يككا مككولي‪ .‬قككال الملككك ‪ً:‬ا‬
‫إجمع من استطعت معنا واحزموا فإنا ما ضون الساعة‪.‬‬
‫أخذ الجيش أوما تبقى منه بالزحف فخرجوا عن يسار الككواداي ومشككوا فككي طريككق وعككر‬
‫خلف تلك الجبال بمحاذات الواداي تاركين مملكككة )تككاو( الزجاجيككة خلفهككم‪ .‬ويظهككر فككوق‬
‫الحصان دايفي الذي أردافته روثا أمامها يسيران وقلداة دايفي تشع بانكسار أشعة الشككمس‬
‫على المفاتيح الثلثة في صأدره‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫صأعد جميع من تبقى مككن الجيككش تلككك التلل الككوعرة فككاقترب الميككر هيككرودا مككن روثا‬
‫وتكلم معها وهما يسيران بجوادايهما ودايفي راكب أمام روثا فقال هيرودا ‪ً:‬ا مككاذا تعتقككدين‬
‫قد حدثا هناك؟ مع دايفي في تلك البئر ؟ فقالت وهي تنظككر أمامهككا بجديككة‪ً:‬ا وكيككف لككي أن‬
‫أعلم وكنككت مثلكككم؟ قككال هيككرودا‪ً:‬ا كيككف حصككل علككى المفتككاح؟ ألككم يقككل لككك شككيئا؟ قككالت‬
‫باستغراب ‪ً:‬ا وهل يقككول دايفككي شككيئا؟ أو أي شككيء ؟ اسككاله بنفسككك‪ .‬وقككد بككان علككى روثا‬
‫العصبية والخشونة في رداها على هيرودا فقال لها ‪ً:‬ا ما بالك تكلمينككي هكككذا ؟ فقككالت لككه ‪ً:‬ا‬
‫وكيككف تريككدني سككموكم أن أكلمككك؟ وقالتهككا روثا باسككتهجان‪ .‬عنككدها هككز هيككرودا رأسككه‬
‫استنكارا وانطلق بفرسه بعيدا عنها وهي ترمقه بنظرات من العنادا واللهفة معا‪.‬‬
‫ورغم سيرهم البطئ بسبب الجرحى والمصابين إل أنهم وصألوا إلى الغابات الكثيفة فككي‬
‫أخر وقت العصر‪ .‬فساروا فيها يشقون طريقهم فإذا هي بضع داقككائق ولح نهككر مككن بيككن‬
‫الشجار فتوافدوا عليه‪ ,‬وقفز من استطاع أن يقفز فيه وشربوا واغتسلوا وقطعككوا عطككش‬
‫وحرارة تلك القفار الموحشة التي أتوا منها‪ ,‬وعسكروا حينما كانت الشمس متوجهككة إلككى‬
‫بيتها‪ ,‬وتوسدوا الشجار بالقرب من النهر وهم بين سمار ومتأنن من ألمة وجراحككه‪ .‬وإذ‬
‫قد تأخر الليكل نكام أولئككك الجنككودا المسككاكين وفجكأة قكام الجنكودا النيككام وأخككذوا بالصكياح‬
‫والعويل وأفاقوا من نومهم فزعين‪ ,‬وتناداوا فيما بينهم والشيخ كذلك والملككك وابنككه وروثا‬
‫ودايفككي والككوزير الجميككع كككانوا يتصككايحون وينعقككون‪ ,‬ومككن الجنككودا مككن يبكككون فزعيككن‬
‫متخوفين‪ ,‬ورأى الشيخ بهرام وهرمس وبرجيككس وكيككوان وسككط أولئككك الجنككودا واقفيككن‬
‫ينظرون إليهم وكككأنهم كككانوا يراقبككونهم أثنككاء نككومهم فتككوجه إليهككم الشككيخ وتككوجه الملككك‬
‫وتوابعه وراءه لعلهم يجدون جوابا عند الجن لما حصل لهككم‪ ,‬فقككال الشككيخ موجهككا كلمككه‬
‫للجن ‪ً:‬ا هل تعلمون شيئا عككن مككا ألككم بنككا ونحككن نيككام ؟ قككالوا‪ً:‬ا نعككم‪ ,‬لقككد رأينككا كككل شككيء‪,‬‬
‫حضرت بعض الطياف إلى كل منكم وهو نائم وداخلت فيه‪ ,‬منها من كان يأكل مككن ذلككك‬
‫الشخص‪ ,‬ومنها من يضربه ومنها من يقتله‪ ,‬وهم بأشكال مفزعة وأفعال مخيفه‪ ,‬نحن كنككا‬
‫هناك فأحسسنا بهم فجأنا ووقفنا حيككث نحككن ألن وشككاهدنا كككل شككيء‪ .‬ولمككا كككانت الجككن‬
‫تتحدثا كان الجند يستمعون إليهم ويهزون برؤسكهم باليجكاب علكى ككل مككا قكالوه‪ .‬فتكلككم‬
‫الشيخ وقال ‪ً:‬ا هذا ما قلتم هو بالضبط ما رأيته في حلمي‪ .‬وقال هيرودا ‪ً:‬ا وأنككا كككذلك وقككال‬
‫كل من الملك وروثا وأنا كذلك‪ .‬وكان بجككانب روثا دايفككي فأشككار بإصأككبعه علككى صأككدره‬
‫محاول أن يقول ‪ً:‬ا وأنا كذلك‪ .‬فقال بهرام ‪ً:‬ا هذه الطياف تسكككن بجككانب الينككابيع والنهككار‬
‫كون المياه تخرج من الرض‪ ,‬والطياف هذه كما رئيتموها فككي أحلمكككم إنمككا هككي مككن‬
‫العفاريت‪ ,‬وتسمى بالعفاريت الغواصأككة تسكككن تحتنككا مباشككرة‪ ,‬فحيككث نسكككن نحككن الجككن‬
‫القشرة الرضية الغواصأة يسكنون في طبقات المياه تحتنا‪ ,‬وإذا ما وجدت المياه منفذا إلى‬
‫الخارج تخرج معها هذه العفاريت فتسكن قريبا من مخارجها‪ ,‬أي على مقربة من النهار‬
‫والينابيع وتفعل ما فعلت معكم هذه الليلة في أحلمكم‪ ,‬ولكن ليس هذا هو ضررها‪ ,‬وإنمككا‬
‫في الصباح وعند ظهور الشمس على كل من داخلت فيه يحصل لككذلك الشككخص بالضككبط‬

‫‪60‬‬
‫في الواقع كما حلم به‪ .‬عندها تخوف الجميع ونظروا إلى بعضككهم البعككض وتقككدم الككوزير‬
‫من الجن وقال‪ً:‬ا ل بد وأنكم تمزحون‪ .‬فككردا عليككه برجيككس قككائل ‪ً:‬ا نحككن ل نحككب المككزاح‪.‬‬
‫فقال الشيخ ‪ً:‬ا وهل من مخرج من هذا ؟ فقال كيوان‪ً:‬ا يجب أن نككذهب ونبحككث عككن الفتحككة‬
‫التي يخرج منها هذا النهر ونسدها‪ ,‬وبذلك نقتل كل تلك العفاريت الغواصأة التي هاجمتكم‬
‫الليلة‪ ,‬وإل مع وصأول ضوء الشككمس لجسككاداكم تكونككون قككد أصأككبحتم طعامككا للغواصأككة‪.‬‬
‫فتقدم شهلون وقال لكيوان ‪ً:‬ا وإذا لما لم تضركم أنتم وأنتككم أمامهككا ؟ فقككال هرمككس ‪ً:‬ا لننككا‬
‫على السطح وهنا ليس هو طبيعتنا فل تستطيع أن ترانا إل ونحن في طبيعتنا تحت سككطح‬
‫الرض‪ .‬حينهككا تقككدم الملككك أجمنككون منهككم قككائل ‪ً:‬ا إذا هيككا هيككا مككاذا تنتظككرون ؟ اذهبككوا‬
‫وابحثوا عن مخرج هذا الماء في الحال‪ .‬فنظر الشيخ سككموطان إلككى الملككك بنصككف عيككن‬
‫حيث حذره من تأمير الجن‪ ,‬ثم نظر سموطان إلى الجن وهككز رأسككه باليجككاب آذنككا لهككم‪,‬‬
‫فاختفت الجن ما عدى هرمس‪ .‬وقال الملك لكككبير الجنككد ‪ً:‬ا نبككه علككى الجنككد بككأن ل ينككاموا‬
‫الليلة حتى اشعارآخر هيا إذهب‪ .‬فذهب كبير الجند لينبههم‪ .‬أمككا البقيككة فقككد تجمعككوا حككول‬
‫النار وقال الشيخ ‪ً:‬ا يجب أن نضل أيقاظ إلى أن يعوداوا‪ .‬فجلس الجميع حككول النككار فقككالت‬
‫روثا حيث يجلس بجانبها هيرودا ‪ً:‬ا كيف يحكم النسان الجن ؟ وتابعها هيرودا قائل ‪ً:‬ا نعككم‬
‫احكي لنا يا سموطان حتى ل ننام‪ .‬نظككر إليهككم سككموطان وقكال‪ً:‬ا إذا لككم تتكلككم معككي الن‬
‫كيف يمكنني أن أفهم ما تريد يا هيرودا ؟ فنظر الملك إلى ابنه وهو يجيب ‪ً:‬ا فقال هيككرودا ‪ً:‬ا‬
‫ل يمكن أن تفهمنكي إذا لكم أتكلكم معكك‪ .‬فقكال سكموطان ‪ً:‬ا بالضكبط‪ ,‬فباللغكة نتفكاهم‪ ,‬لكذلك‬
‫سجدت المخلوقات جميعها لبينا آدام لنه أول من اسككتخدم وسككيلة تخككاطب راقيككة‪ ,‬وكككان‬
‫الصوت الذي أطلقه لول مرة‪ ,‬كان بمثابة السحر‪ ,‬كمثل ما نشعر به من رهبة الن إذا ما‬
‫أتى أحدنا بعمل خارق للطبيعة‪ ,‬وكان ذلك شيئا راقيا علمه إياه ربكه‪ ,‬فعظمتكه المخلوقكات‬
‫جميعها لجل تلك المعرفة التي لم يعرفها سواه ول حتى الملئكككه أقككرب العككارفين بككال‪,‬‬
‫واللغة تتضمن حروف‪ ,‬وحروف كل شعب هي ما يحمل أفكككار ذلككك الشككعب‪ ,‬ولكككل لغككة‬
‫حروف مميزة‪ .‬فقال الملك أجمنون‪ً:‬ا وكيف ذلك ؟ فأجاب سموطان ‪ً:‬ا أي أن كل لغة ل بككد‬
‫وأن لها حروف معلومة تبدأ بحرف وتنتهي عند حرف‪ ,‬فإذا سألتك كم عددا حروف لغتككك‬
‫؟ قلت كذا‪ ,‬وإذا قلت لك عدداها ؟ قلت هي كذا وكذا أي لهككا بدايككة ونهايككة‪ ,‬فكككذلك الجسككد‬
‫فجسدك هذا يا روثا إذا قلت لك من أين يبدأ ؟ قد تبدئين مككن أعلككى رأسككك وتنتهيككن عنككد‬
‫إخمص قدميك‪ ,‬وشخص آخر قد يبدأ من يده إلى بطنه‪ ,‬والمهم أنه معلوم له بداية ونهايككة‪,‬‬
‫فكذلك الحروف‪ ,‬وعلى هذا فإن الحروف كالجسد لها أول ووسط وأخر‪ ,‬وإذا سككألتك إيهككا‬
‫الملك كيف تحيككا ؟ قلكت بككالروح فكإذا مككاتت يعنكي أنكك مكت‪ ,‬ولككن إذا سكالتك ومكا هككي‬
‫الروح ؟ قال الملك ‪ً:‬ا الروح هي الروح‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا بالضبط‪ ,‬كما أننا ل ندري أيككن تبككدأ‬
‫أو أين تنتهي‪ ,‬فقط ما نعلمه عنها أنها موجوداة‪ ,‬ولكن كيف؟ ل نعلم‪ ,‬وأين؟ ل نعلم‪ ,‬وإنمككا‬
‫هي مجردا صأورة في أذهاننا عنها‪ ,‬وإذا قلت لك يا شهلون ‪ً:‬ا ما أول العدادا ؟ قال شهلون‬
‫‪ً:‬ا الواحد‪ .‬فقال الشيخ‪ً:‬ا خطأ‪ ,‬فإن هناك أعدادا قبل الواحككد وهككي الكسككور‪ ,‬وإذا عككددات مككن‬
‫الكسور مهما عددات ل تنتهي إلى الواحد‪ ,‬وإذا قلت لك يا هيرودا ما هو أكككبر عككددا ؟ قككال‬
‫هيرودا ‪ً:‬ا ل أعلم ل نهاية للعدادا‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا قد تستمر بالعد من واحد إذا شككأت أو مككن‬

‫‪61‬‬
‫الكسور ول تصل إلى نهايككة الككى أبككد الككدهر‪ ,‬وكككذلك هككي الككروح‪ ,‬إذا فككإن الككروح تشككبه‬
‫العدادا‪ ,‬ما هي إل صأورة ذهنية‪ .‬فقككالت روثا ‪ً:‬ا نفهككم مككن هككذا أن الحككروف هككي الجسككد‬
‫والعدادا هي الروح‪ .‬قال الشيخ ‪ً:‬ا نعم يا روثا‪ .‬فقالت‪ً:‬ا ولكن مكا داخكل هكذا ب الجن ؟ فقكال‬
‫الشيخ ‪ً:‬ا وإذا فهمنا ماهية الروح والجسد إستخدمنا العدادا والحروف فككي إسككتخدام الجككن‬
‫وذلك بالقسام والعزائم‪ .‬حينها تبسم هرمس للشيخ وهو ينظر إليه من حيث جلس بجككانب‬
‫روثا‪ .‬ثم أصأاب الجميع بعض السكون حتى كسره شهلون عندما قال ‪ً:‬ا إحكككي لنككا قصككة‪.‬‬
‫موجها كلمه إلى سموطان الذي نظر إليه قككائل ‪ً:‬ا سككأحكي لكككم قصككة نككبي اكك سككليمان‪.‬‬
‫وعندما سمع الملك أجمنون ذلك إنشرح وانبسط في جلسته‪ ,‬كما ارتخى الجميع وتجهككزوا‬
‫لسماع القصة‪ ,‬وحضر بعض قاداة الجند وتحلقوا معهم حول النار يسككتمعون بينمككا نهككض‬
‫سموطان واقفا متجها إلى الوسط حيث النار فوقف عندها وبدأ يحكي قائل ‪ً:‬ا وكككذلك فعككل‬
‫النبي سليمان‪ ,‬فقد كان رجل عابدا فآتاه ا الملك‪ ,‬وكان ملكا على النس والجان‪ ,‬والطير‬
‫والحيوان‪ ,‬بل وعلى الحشرات‪ ,‬والشجار والنباتات‪ ,‬فال قد أفهم سليمان ما تتخككاطب بككه‬
‫الطيور في الهواء‪ ,‬وما تنطق به الحيوانككات علككى إختلف أصأككنافها والحشككرات كالنمككل‪,‬‬
‫كانت تتحككدثا مكع الملكك سكليمان داونمككا مشككقه فكي فهمكه لمكا تقككوله لكه‪ ,‬بكل وكككانت ككل‬
‫المخلوقات تطيعه وتأتمر بأمره ول تخالفه‪ ,‬ومنهم الجن والنس وفي حشودا غفيككره علككى‬
‫مد النظر حضر من كل فرقكة مككن فكرق الجككن سككلطانها‪ ,‬ومككن كككل فرقكة مككن الحشككرات‬
‫سلطانها‪ ,‬ومن كل فرقة من أنواع الطيور كبيرهككا‪ ,‬وكككذلك الحيوانككات واصأككطفت بمئككات‬
‫اللف‪ ,‬وأخذوا يتقدمون إلى سليمان وهككو يأخككذ مككن زعيككم كككل فرقككه العهككد والمواثيككق‪,‬‬
‫ووضع سليمان عهوداهم ومواثيقهم في خاتم من سبعة أحكرف‪ ,‬وككان الجميكع يهكاب ذلكك‬
‫الخاتم لما إحتوى على عهوداهم وكلمهم فيه‪ ,‬فأينمكا طلككب سككليمان فرقكة مكا‪ ,‬تلككى عليهككا‬
‫عهوداها فتحضر وإل أحرقها بكلمها الذي أعطته له وعذبها به‪ ,‬ولم يكن أحد يتجرأ على‬
‫عصيانه‪ ,‬ومن الجن من كانوا يعملون عنده وتحككت إمرتككه‪ ,‬فمنهككم البنككاؤن المهككرة الككذين‬
‫يبنون له المساكن العجيبة والمحاريب ويشككقون قنككوات الميككاه الككتي ل يمكككن للنسككان أن‬
‫يشقها‪ ,‬كالتي دااخل صأدوع الجبال‪ ,‬وأبدعوا له هندسككة لككم تكككن فككي متنككاول علككم النككس‪,‬‬
‫وأقاموا له السدودا المائية الهائلة‪ ,‬ومنهم الغواصأكة الكذين ككانوا يغوصأكون لكه فكي أعمكاق‬
‫المحيطات يستخرجون الللككي والجككواهر والككدرر النفيسككة‪ ,‬ومنهككم مككن يجلككب لككه أنككواع‬
‫المعادان الثمينة من دااخل بطون الجبال ومن تحت سككطح الرض‪ ,‬ومنهككم مككن يصككنع لككه‬
‫القدور بأنواعهكا ومعادانهكا‪ ,‬فمنهكم مكن يسكتخدم النح اس أو الحديكد أو الطيكن أو الزجكاج‬
‫والحجارة الضخمة لصناعة الوانككي بأشكككالها والمعككدات بأنواعهككا‪ ,‬وحرسككه اكك مككن أن‬
‫يناله أحد من الجن أو العفاريت بسؤ‪ ,‬بل كل في قبضته وتحت قهره ل يتجاسر أحد منهككم‬
‫على الدنو إليه والقرب منه‪ ,‬بل هو يحكم فيهككم إن شككاء أطلككق وإن شككاء حبككس منهككم مككن‬
‫يشاء‪ ,‬وقد أمره ا أن يبني بيتا للصلة والعباداة‪ ,‬فأرادا سليمان أن يبنيه من داون إسككتخدام‬
‫الحديد في أي جزء من بناءه‪ ,‬وسأل عن طريقه ما تمكنككه مككن ذلكك‪ ,‬فلكم يجككد جوابكا عنككد‬
‫أحد‪ ,‬فتفكر سليمان ثم أحضر بيضة الهدهد وأداخلها بداخل قارورة زجاجية‪ ,‬فجاء الهدهككد‬
‫وحط ومشى بجانب القارورة وهو ينظككر إلككى بيضككته يطلبهككا‪ ,‬وأخككذ يتفقككد الزجاجككة فلككم‬

‫‪62‬‬
‫يستطع أن يجد طريقة لخككذ بيضككته‪ ,‬فطككار ثككم رجككع بعككد قليككل وفككي يككده حجككر المككاس‪,‬‬
‫واقترب من الزجاجة وأخكذ يقصككها بالماسككه فقصككها وداخككل وأخكرج بيضككته وطكار بهككا‪,‬‬
‫وسليمان كان يشاهد حيلته‪ ,‬فأخذوا الماس وقاموا يقطعون به الحجر الضخم عوضككا عككن‬
‫الزاميككل الحديديككة فبنككى لككه الجككن هيكل كككبيرا مككن الحجككارة المقطوعككة بالمككاس داونمككا‬
‫إستخدام الحديد في تشكيلها‪ ,‬ومما بنى لككه الجككن كرسككيه‪ ,‬فقككد كككان كرسككي عككرش الملككك‬
‫سليمان مهيبا‪ ,‬كان من أنياب الفيلة مرصأعا بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ‪ ,‬وقككد جعككل‬
‫له دارجه منها مفصصا بالدر واليككاقوت والزبرجككد‪ ,‬ثككم أمككر بالكرسككي فحككف مككن جككانبيه‬
‫بالنخيل‪ ,‬نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ‪ ,‬وجعل علككى رؤوس النخككل‬
‫التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب‪ ,‬ثم جعل على رؤوس النخل الككتي علككى يسككار‬
‫الكرسي نسورا من ذهب مقابلة الطواويس‪ ,‬وجعل على يميككن الدرجككة الولككى شككجرتين‬
‫صأنوبر من ذهب عككن يسككارها اسككدان مككن ذهككب‪ ,‬وعلككى رؤوس السككدين عمككوداان مككن‬
‫زبرجد‪ ,‬وجعل من جانبي الكرسي شككجرتين كككرم مككن ذهككب قككد أظلتككا الكرسككي‪ ,‬وجعككل‬
‫عناقيككدها دارا وياقوتككا أحمككرا‪ ,‬ثككم جعككل فككوق دارج الكرسككي أسككدان عظيمككان مككن ذهككب‬
‫مجوفان محشوان مسكا وعنبرا‪ ,‬فإذا أرادا سليمان أن يصعد على كرسيه إستدار السككدان‬
‫ساعة ثم يقعان فينضحان ما في جوفهمككا مككن المسككك والعنككبر حككول كرسككي سككليمان‪ ,‬ثككم‬
‫يوضع منبران مكن ذهكب واحكد لخليفتكه والخكر لرئيكس أحب ار المعبكد‪ ,‬ثكم يوضكع أمكام‬
‫كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا وعالما ومن أهل الشرف‪ ,‬ومككن‬
‫خلف تلك المنابر السبعون خمسة وثلثون منبرا من ذهب ليككس عليهككا أحككد‪ ,‬فككاذا أرادا أن‬
‫يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجه السفلى فاسككتدار الكرسكي كلككه بمكا فيككه ومكا‬
‫عليه ويبسط السد يده اليمنى وينشر النسر جناحه اليسر ثم يصعد سليمان علككى الككدرجه‬
‫الثانية فيبسط السد يكده اليسكرى وينشكر النسكرجناحه اليمكن فكإذا إسكتوى سكليمان علكى‬
‫الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر مككن تلككك النسككور عظيككم الحجككم تككاج سككليمان‬
‫فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه إستدار الكرسي بما فيه ‪ .‬وكانت الجككن تصككعد‬
‫السماء فتقعد منها مقاعد للسمع‪ ,‬فيستمعون من كلم الملئكككه مككا يكككون فككي الرض مككن‬
‫موت أو غيب أو أمر‪ ,‬فيأتون إلى الكهنة فيخبرونهم فتحدثا الكهنة به الناس فتجده النككاس‬
‫كما قالوا صأحيحا‪ ,‬فلما أمنتهم الكهنة كذبت الجن عليهم وأداخلوا فيه غيره فزاداوا مككع كككل‬
‫كلمة يسمعونها من السماء سبعين كلمة‪ ,‬فأكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشى ذلككك‬
‫في الناس أن الجن تعلم الغيب‪ ,‬فبعككث سككليمان فكي النككاس فجمككع تلكك الكتكب فجعلهككا فكي‬
‫صأندوق ثم دافنها تحت كرسيه‪ ,‬ولم يكن أحد من الجن يستطيع أن يدنوا من الكرسككي وإل‬
‫إحترق‪ ,‬وقال لهم سليمان ل أسمع أحدا يذكر أن الجن يعلمون الغيب إل ضربت عنقه ‪.‬‬
‫ثم إستدار سموطان إلى الناحية الخرى من النار متوجهككا إلككى الحضككور بكالقول ‪ً:‬ا ولكككن‬
‫أعجب ما في ملك سليمان هو أنه كان يملك الريح التي ماملكها أحد من قبله ول من بعده‪,‬‬
‫فهي تجري بأمره كيفما شاء‪ ,‬مثل الذي عنده جارية فيأمرها مهما يأمرهككا تفعلككه‪ ,‬وكككذلك‬
‫الريح فهي جارية بأمر سليمان فيأمرها فتجتمع كالجبككل‪ ,‬ثككم يككأمر بفراشككه فيوضككع علككى‬
‫أعلى مكان منها‪ ,‬ثم يدعو بفرس من ذوات الجنحة فترتفع حتى يصعد علككى فراشككه‪ ,‬ثككم‬

‫‪63‬‬
‫يأمر الريح فترتفع به حتى تضعه الريح حيث يشاء أن تضعه‪ ,‬وكان للملك سليمان بسككاط‬
‫من خشب يوضع عليه كل مكا يحتككاج إليككه مككن أمككور المملكككة والخيككل والجمككال والخيككام‬
‫والجند ثم يأمر الريح أن تحمله‪ ,‬فتكدخل تحككت البسكاط ثككم تحملكه وترفعكه وتسككير بككه فكي‬
‫الفضاء وتطير فوقهم الطير لتظلهم من الشمس وتقيهم الحر‪ ,‬وتسير بهم الريح إلككى حيككث‬
‫يشاء سليمان فتنزلهم ‪.‬‬
‫وكان الملك سليمان إذا رأى شجرة نابته يقول لهككا‪ً:‬ا مككا إسككمك؟ فتقككول‪ً:‬ا كككذا‪ .‬فيقككول‪ً:‬ا لي‬
‫شيئ أنت؟ فإن كانت لغرس غرسها‪ ,‬وإن ككانت تنبكت داواء قكالت ‪ً:‬ا نبكت داواء ككذا وككذا‬
‫فيجعلها كذلك حتى في يوم من اليام وقد داخل نبي ا سليمان إلى الهيكككل ليتعبككد وشككاهد‬
‫نبته فسألها ‪ً:‬ا ما إسمك ؟ قالت ‪ً:‬ا أنا الخروبة قال ‪ً:‬ا ولي شككئ أنككت ؟ قككالت ‪ً:‬ا لخككراب هككذا‬
‫المعبد‪ .‬فأخذها سليمان وجعل منها عصى يستخدمها وفي يوم من اليام وقد جلس سليمان‬
‫على كرسي عرشه يراقككب الجككن وهككم يعملككون تحككت وطككأت العككذاب والعمككال الشككاقة‬
‫المتعبة وقد إتكأ بذقنه على عصاته تلكك الكتي أسكند بهكا علككى الرض ممسكككا بهككا بكلكتى‬
‫يديه‪ ,‬فإذا هوقد قبضت روحه فمات ولككم تعلككم الجككن خككبر مككوته فهككم يعملككون ويراقبككونه‬
‫ويظنون أنه قد نام‪ ,‬فإذا الدوداة آكلة الخشب قد بدآت تأكل عصاته مما يلي الرض‪ ,‬وبعككد‬
‫أن أكلت بعضها وصأارت العصى غير مستوية القاعدة سقطت وسقط الملك سليمان على‬
‫الرض معها‪ ,‬فعلمت الجن أنه قد مات وتحررت‪ ,‬ولما جاءه الناس وشاهدوا عصاته وقد‬
‫أكل طرفها السفلي علموا أنه قد مات منذ فترة فتأكدوا أن الجن لو ككانت تعلكم الغيكب لمكا‬
‫لبثوا في العذاب الليم وهم يعملون في مشقة وهوان‪ .‬فمككا أتككم الشككيخ قصككته حككتى نهككض‬
‫الجميع من حول النار لدى سقوط الجن الخوة الثلثة عليهم ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫قام كل من كان حول النكار ينظكرون إلكى إخكوة الجكن وقكد رجعكوا وحطكوا مكن الفضكاء‬
‫مسرعين أمام سموطان‪ .‬بهرام وبرجيس وكيوان‪ .‬فقال بهككرام‪ً:‬ا لقككد وجككدنا الفتحككة الككتي‬
‫يخرج منها الغواصأه وسدداناها‪ ,‬سككيجف هكذا النهككر عمككا قريكب‪ ,‬ينبغكي لككم الكتزودا منكه‬
‫بالماء قدر المستطاع‪ ,‬إن الفتحة تلك على مسافة قريبة مككن هنككا‪ ,‬ليسككت ببعيككدة‪ ,‬لقككد كككان‬
‫غواصأة هذا المكان يخرجون من تلك الفتحة‪ ,‬أنتم بأمان الن تستطيعون النوم لبد وأنكككم‬
‫مرهقون من السهر‪ .‬أمرالملك كبيرالجند وقال ‪ً:‬ا إجعل الجند يتزوداون بالماء في جميع مككا‬
‫يستطعيون حمله‪ .‬فقال‪ً:‬ا حاضر مولي‪ .‬وانصرف اليهم ثم إنصرف الجميع إلككى خيككامهم‪.‬‬
‫في صأباح اليككوم التككالي إسككتيقظ الجميككع متككأخرين بعككض الشككيئ وبككدأوا بإعككدادا أمتعتهككم‬
‫وخيولهم للرحيل‪ .‬فسار الجميع بمحاذاة النهر وهم ينظككرون إليككه وهككو جككاف مككن الميككاه‪.‬‬
‫واصألوا المسيرإلى أن وصألوا إلى حيث شاهد الملك الرمككال الذهبيككة فتوقككف ووقككف مككن‬
‫كان وراءه من الجند‪ .‬ثم أمر الملك بضرب المعسكر وكانت هناك بجانب المعسكر بركككة‬
‫راكدة فضرب الملك خيمته بجانبها‪ .‬وإذ هو يطالع حاجياته في الخيمة لمح بعض الجنككودا‬
‫وقد أراداوا التزودا من تلك البركة لخيككولهم فصككاح فيهككم الملككك أجمنككون قككائل ‪ً:‬ا توقفككوا‪..‬‬
‫فوجل الجند منه وتسمروا في مكانهم فذهب إليهم الملك‪ ,‬وعندما وصأل إلى جانب البركككة‬
‫مد يده فإذا هو يلبس خاتمي الملك شمشون الحجرين المزعفككران‪ ,‬فتحككرك الحجككران فككي‬
‫الخاتمين واهتزا إهتزازا سريعا وقال لهم ‪ً:‬ا ل تأخذوا من هذا الماء إنه سككام‪ .‬فتعجككب مككن‬
‫ذلك هيرودا حيث كان وراء الملك ينظر ويسمع فتقدم إليه وقال‪ً:‬ا مككا هككذا يككا أبككي؟ فككالتفت‬
‫إليه الملك وما زال هيرودا ينظر إلى خواتم أبيه فقال له الملك‪ً:‬ا هدية صأغيرة مككن صأككديقنا‬
‫الملك شمشون‪ ,‬دارعلى الجنودا وأخبر الجميع أن هذه البركة مسكمومة فل يستسكقوا منهكا‪.‬‬
‫فانصرف هيرودا ثم داخل الملك إلى خيمتة ليكمل ما كان عليه‪ .‬دايفي كان يلعب هناك في‬
‫بعض الشجيرات وإذ فجأة يتوقف عن اللعب ويحدق في شيئ ما من وراء الشككجار‪ ,‬إنككه‬
‫يحاول تبيان أمر ما هناك‪ ,‬فلحظته روثا وهي بجانب خيمتها تعد أغراضها فككتركت مككا‬
‫عندها وذهبت بإتجاه دايفي وتبعها هرمس وهي متوجسه من الككذي شككد إنتبككاه دايفككي بتلككك‬
‫الطريقة الغريبة التي يطالع فيها وكأنه يترقب شيئا‪ ,‬حتى إذا ما وصألت على مسافة قريبة‬
‫منه هرول دايفي إلى ما كان ينظر إليه وهي بدورها تبعته حتى وصأككلوا إلكى معبكد قريككب‬
‫قديم مهجور‪ ,‬فاقترب الثلثه من أمام المعبد يترقبون بحذر ويتقدمهم دايفي وهكم يط العون‬
‫من عبرذلك المعبد الصغير المتهدم وقد نمت عليكه الشكجار‪ ,‬وعككبر مككدخله ل يشكاهدون‬
‫شيئا غير الظلم بداخله‪ ,‬فتنبه بعض الجنودا لما يحدثا وهككم ينصككبون خيككامهم ويضككعون‬

‫‪65‬‬
‫قدورهم وسروج خيلهم‪ ,‬فكإذا دايفكي لكدى المكدخل وروثا مكن خلفكه ومكن خلفهكم هرمكس‬
‫سمعوا أصأوات ضحكات أطفال تأتي من الداخل‪ ,‬ففزع دايفي وركض إلى خلفه واصأطدم‬
‫بروثا خائفا وهو ينظر إلى مدخل المعبد مترقبا لمصدر تلك الصأوات بككأن تخككرج منككه‪,‬‬
‫وفعل بعككد قليككل خككرج مككن المعبككد عككددا كككبير مككن الصككبية منهككم الولدا ومنهككم البنككات‬
‫يركضون بإتجاه روثا ودايفي وهم يضحكون فرحيككن‪ ,‬وحيككث روثا ودايفككي كانككا واقفيككن‬
‫مكانهما وروثا تحتضن دايفي تضم رأسه إلى صأدرها تجاوزتهم تلك الثلة من الولدا إلى‬
‫المخيم حيث الجند ينظرون اليهم‪ ,‬فكذهب الولدا بإتجكاه الجنكد وككل واحكد منهكم يصكيح‪ً:‬ا‬
‫بابا‪ ..‬بابا واحتضن كل ولد وكل بنت جنديا وهو يصيح فيه بابا بابا‪ .‬فتعجككب الجميككع ممككا‬
‫يحدثا حتى أن سموطان كان يخرج من خيمته ليتبين الضجة فإذا احدى البنات تلتحككم بككه‬
‫فجأة وتمسك فيه وهي تصكيح بابكا بابكا‪ .‬تعجكب الجميكع منهكم وتجمعكوا فكي مككان واحكد‬
‫وأولئك ألولدا يركضون حولهم يلعبون‪ ,‬وثم بعضهم يصطدم في أي منهككم وهككو ينككاداى‬
‫بابا بابا‪ .‬تحلق الجميع حول الملك الذي أمسك أحد الطفل برجله ولككم يفلتككه فككأعجزه عككن‬
‫المشي ثم أن الملك جثى على ركبته وهككو ينظككر إلككى ذلككك الصككبي وقكال ‪ً:‬ا مككن أيككن أتككوا‬
‫هؤلء الفتية والفتيات؟ فقالت روثا‪ً:‬ا من هناك‪ .‬وأشارت إلى المعبد ثككم أكملككت‪ً:‬ا مككن ذلككك‬
‫المعبد المتهدم‪ .‬فنظر الجميع حيث أشارت روثا ثم سأل الملك ذلك الصككبي ‪ً:‬ا مككن أنككت ؟‬
‫والصبي ل يجيبه ثم سأله من أتى معك ؟ والصبي ل يجيب‪ .‬ثم سأله ‪ً:‬ا أين أبوك ؟ فأشككار‬
‫الصبي بإصأبعه إلى الملك وعانقه بحرارة وهو يقول ‪ً:‬ا بابا بابككا حككتى شككعر الملككك بحنككان‬
‫حزين فنظر الملك إلى الشيخ الذي بدوره تلك البنت متشبثه برجله بقوة وجال بنظره فيهم‬
‫وهم يحومون حولهم وقال الملك موجها كلمككه إلككى سككموطان ‪ً:‬ا هككل مككن تفسككير ؟ فرفككع‬
‫سموطان كتفيككه متعجبككا‪ .‬وحككاول بعككض الجنككد أن يسككتخلص مككن الصككبية أي فائككدة عككن‬
‫هويتهم ولكن داون جدوى‪ .‬وقف الملك قائل للجميع‪ً:‬ا إعتنوا بهم إلى أن نعلم لهم أصأل ول‬
‫تؤذوهم‪ .‬عندها كان الوزير قد خرج ووصأل إليهم فإذا أحد الصكبية ينكدفع إليككه ويحتضككن‬
‫رجله قائل ‪ً:‬ا بابا بابا‪ .‬فركله الوزير بإشمئزاز ونظر الوزير إلى الملك الككذي وقككف ينظككر‬
‫إليه وما فعل بشدة فمثل الككوزير أنككه يلطككف الصككبي وظمككه إليككه فمسككك فيككه الولككد بقككوة‬
‫وحرارة والوزير ممتعككظ صأككابر عليككه‪ .‬ثككم أوقككد لجنككودا علككى الموقككد طعككامهم وأطعمككوا‬
‫الصبية معهم‪ ,‬ونشأت بين الجنودا والصبية عاطفه وتآلف‪ .‬وبعد العشاء حضر الجميع إلى‬
‫خيمة الملك ومن الصبية من لم يستطع أحد أن يفلت منه مثل هيرودا الذي طبق في رجلككه‬
‫أحدهم فهو يمشي به راكبا على رجله‪ ,‬وكذلك شهلون طبقت في رجله احدى البنككات ول‬
‫تنفك تقول بابا بابا‪ .‬داخل الجميع إلى خيمة الملك وحال من هو حاله كذلك حككتى جلسككوا‬
‫فقال الملك‪ً:‬ا هل علمتم شيئا عن هؤلء الصبية؟ فقكال ككبير الجنكد وقبكل أن يقككول مككولي‬
‫تفلت الصبي الذي كان في رجل هيرودا حتى أن هيرودا تنفس الصعداء وطبككق فككي رجككل‬
‫كبير الجند وهو يقول بابا بابا‪ .‬فأكمل كبير الجند كلمه وهو على تلك الحال قككائل ‪ً:‬ا إنهككم‬
‫ستون صأبيا وصأبية أعمارهم متقاربة جدا‪ .‬ثم قالت روثا ‪ً:‬ا وأكلككوا مككن الطعككام كككأنهم لككم‬
‫يأكلو منذ سنة‪ .‬ثم نظر الملك إلى سموطان فتكلم الشككيخ وقككال‪ً:‬ا هرمككس هككل علمككت شككيئا‬
‫عنهم؟ فهز رأسه هرمس بالنفي فتنفس الشيخ وقال ‪ً:‬ا ماذا عسانا أن نفعل معهككم ونحككن ل‬

‫‪66‬‬
‫نعلم عنهم شيئ‪ ,‬هذا ما كان ينقصنا‪ .‬فقككال هيككرودا ‪ً:‬ا أرى يككا مككولي أن ل يشككغلنا أمرهككم‬
‫عما نحن هنا لجله‪ .‬فقال الملك وهو يشير إلككى هيككرودا بيككده ‪ً:‬ا صأككدقت‪ .‬ثككم أكمككل هيككرودا‬
‫قائل ‪ً:‬ا لما لنرسل برسالة إلى مملكة )ثيتا( كما فعلنا مع سابقاتها إختصارا للككوقت ريثمككا‬
‫ننتظر المددا من الملك شمشون‪ .‬فقككال الككوزير‪ً:‬ا إن فعلنككا ذلككك يككا مككولي هاجمونككا ونحككن‬
‫ضعاف العددا‪ ,‬لعلهم ليعلمون بقدومنا إليهم فلما نكشف أنفسنا لهم ونحن لسنا في موضككع‬
‫القوة؟ فقال الملك ‪ً:‬ا هذا صأحيح‪ .‬فردا عليه هيككرودا ‪ً:‬ا ولعلهككم ل يعلمككون أننككا ننتظككر المككددا‬
‫فينتظرون قدومنا إليهم في كل الحوال‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا وهذا أيضا صأحيح‪ .‬فقال الملككك‪ً:‬ا إذا‬
‫نكتب إليهم‪ .‬حينها داخل الخككوة الجككن بهككرام وبرجيككس وكيككوان إلككى خيمككة الملككك وقككال‬
‫برجيس ‪ً:‬ا إن هؤلء الصبية ل يتعبككون‪ ,‬بككل هككم فككي نشككاط داائككم عجيككب‪ .‬نظرالملككك إلككى‬
‫الخوة الجان واتجه بنظره إلى شهلون وقال لككه‪ً:‬ا أكتككب كتابككا‪ .‬ثككم قككال الملككك ‪ً:‬ا إلككى ملككك‬
‫مملكة )ثيتا(‪ .‬ثم توقف الملك وقال لوزيره ‪ً:‬ا ما إسمه ؟ فقال الوزير‪ً:‬ا ل أعلم يا مولي‪ .‬ثم‬
‫توجه إلى الجموع قائل ‪ً:‬ا هل تعلمون له إسما ؟ فلم يجبه أحككد والتفككت الملككك إلككى الكككاتب‬
‫وقال ‪ً:‬ا إلى ملك مملكة )ثيتا( إبعث إلينا براية السلم مككن قبككل أن نأتيككك بمككا ل طاقككة لككك‬
‫على رداه‪ .‬من ملك الملوك ملك مملكة )زيتا( آجمنون العظيم‪ .‬ثككم قككال للرسككول شككهلون ‪ً:‬ا‬
‫خذ كتابي هذا إليهم وانظر بما يرجعون إلينا من جككواب‪ .‬فكأطرق الرسكول رأسكه وخككرج‬
‫من الخيمة وفي يده الكتاب وانطلق من فوره‪ .‬فض المجلس فخككرج كككل واحككد مككن خيمككة‬
‫الملك إلى خيمته‪ ,‬وسككارت روثا ودايفككي بيككن الجنككودا تتأمككل كيككف إسككتلقى الصككبية فككوق‬
‫الجنودا وهم يتسندون تحت أشجار الغابة والصبية كل واحد مع جندي رابككظ تحتككه‪ ,‬حككتى‬
‫قام أحد الجنككودا ليبككول فقكامت معككه الصككبية ممسكككة برجلككه وهككو يحككاول إفلتهككا داونمككا‬
‫جدوى‪ ,‬فذهب إلى مسافة وفتح بنطاله محاول إخراج ذكره لكي يبول والبنت ماسكككه فككي‬
‫رجله وهو ينظر إليها بتأفف ويلوح برجله لكي تفلته فل تفعككل‪ ,‬فاضككطر الجنككدي إلككى أن‬
‫يبول من حصرته وهي تشاهده فضحكت روثا من الموقف وجلسككت ودايفككي تحككت شككيئ‬
‫من الشجار وهي تنظر إلى أحد الصبية كيف عانق أحد الجنككودا الككذي غلبككه النككوم وراح‬
‫الجندي يشخر في سبات عميق‪ .‬وفجأة تحول ذلك الصبي إلى عككروق شككجر إلتفككت حككول‬
‫الجندي وغاصأت به في الرض بهدؤ‪ ,‬ففزعت روثا مما حدثا أمام عينيها وكذلك شككاهد‬
‫ذلك دايفي وألصقت روثا جسمها بالشجرة خلفها من الخوف‪ ,‬وعينيهككا كمككن شككاهد ملككك‬
‫الموت‪ ,‬وبعد برهه نفس الصبي الذي غاص في الرض بالجندي يأتي مهرول من إتجككاه‬
‫المعبد ويلتصق في دايفي ودايفي يحاول صأده عنه والصبي يقول بصوت حنككون بابككا بابككا‪,‬‬
‫عندها صأرخت روثا بقوة فنقلت الغابة الكثيفة الهككادائه المظلمككة صأككدى صأككوتها فاسككتيقظ‬
‫كل من بالمعسكرإل الجنودا الذين كانوا على مسكافة أبعكد وقكد أتعبهككم السككفر فراحككوا فكي‬
‫غياب النوم ولم يستيقظوا‪ ,‬فتراكض الشككيخ إلككى حيككث روثا ومككا هككي إل لحظككه وصأككار‬
‫الجميع عندها‪ ,‬فدنا منها الشيخ يسألها‪ً:‬ا ما بك صأرختي‪ .‬فلم تسككتطع روثا التقككاط أنفاسككها‬
‫لكي تجيب من الفزع‪ ,‬واذا الشيخ يحاول استجوابها ولكنها ما زالككت شاخصككة تنظككر إلككى‬
‫ذلك الصبي الملصأق لديفي بجانبها وقد تملكها الخكوف‪ ,‬عنكدها صأكرخأ الشكيخ ‪ً:‬ا هرمكس‬
‫أين أنت؟ إنه ضعيف لسوف أستبدله‪ .‬عندها جككاء صأككوت مككن فككوق الشككجرة الككتي تحتهككا‬

‫‪67‬‬
‫روثا قائل ‪ً:‬ا أنا هنا سيدي‪ .‬فرفع الشيخ رأسه إلى فوق فإذا هو هرمس جالس هناك بهككدؤ‬
‫فقال الشيخ ‪ً:‬ا ماذا تفعل عندك؟ أمرتك أن تحرسهما فإذا أنت تفشل كككل مككرة‪ .‬عنككدها حككط‬
‫هرمس على الرض بسرعة وقال ‪ً:‬ا إنما أعطيتهم بعض المساحة والحريككة ياسككيدي‪ ,‬لقككد‬
‫رأيت بالضبط مارأته وأفزعها‪ .‬ثم توجه هرمس إلككى حيككث كككان الجنككدي يجلككس ووقككف‬
‫فوق أرض قد إرتفعت قليل وقال ‪ً:‬ا كان الرجل ينام هنا متكككأ علككى جككذع الشككجرة وفككوق‬
‫رجله أحد الصبية‪ ,‬وأشار هرمس إلى الغابة قائل ‪ً:‬ا كمككا هككو الحككال مككع بقيككة الجنككد‪ ,‬فككإذا‬
‫الصبي تحول إلى جذور نباتية إبتلعت الجندي إلككى الرض فككي غمضككة عيككن‪ ,‬ثككم خككرج‬
‫نفس الصبي يركض من هناك إلى هنا‪ .‬وأشار هرمكس إلكى طريكق المعبكد فقكال الشكيخ ‪ً:‬ا‬
‫وأين هو الن ؟ فقال هرمس وهو يشير إلى الشككيخ باصأككبعه ‪ً:‬ا إنككه هنككاك خلفككك تمامككا يككا‬
‫سيدي‪ .‬فنظر الشيخ خلفه إلى ذلك الصككبي فككإذا كككبير الجنككد يككأتي إليهككم مهككرول و يقككول‬
‫للملك الذي كان حاضرا بجانبهم‪ً:‬ا لقد فقدنا بعض الجند يا سيدي‪ .‬عندها قككال الملككك ‪ً:‬ا أيككن‬
‫أرني ؟ وذهبا معا وكبير الجند يتفدمه ولحكق بهكم الشكيخ‪ ,‬ف إذا ككبير الجنكد يريهكم بع ض‬
‫الشجار وكل شجرة يريهم إياها يلحظون إنتفاخأ الرض تحتها‪ ,‬وإذهككم كككذلك إذ يخككرج‬
‫عليهم الوزير وهو يتثائب قائل ‪ً:‬ا أل يستطيع أحد النوم في هذه الغابككة الملعككونه ؟ وأشككار‬
‫إليه الشيخ بغضب وقال ‪ً:‬ا أصأمت‪ .‬فتجمد الوزير واقفككا فككي مكككانه‪ ,‬ثككم نهككض الشككيخ مككن‬
‫حيث كان يعاين التربة واتجككه إلكى أحكد الصككبية وقكال ‪ً:‬ا ل بككد مكن التخلكص منهككم‪ .‬فقكال‬
‫الوزير مباشرة‪ً:‬ا هذا أحكم ماقلت‪ .‬فنظر إليه الشيخ بغضب وإذا هم كككذلك إذا بأحككد الجنككد‬
‫على مسافة منهم لم يبن من جسمه خلف الشجرة الكثير يغككوص إلككى تحككت الرض وهككو‬
‫مستند إلى شجرة‪ ,‬فتراكض الجميع إليه فوجدوا مكانه هضبة مرتفعه فحفككر الشككيخ بيككديه‬
‫المكان بسرعة فإذا هي قطع من لحم صألصال وداماء وعظام ممضوغة‪ ,‬فرفككع سككموطان‬
‫يديه تسيلن بالسوائل والدماء‪ ,‬وبعد قليل شكاهدا أحكد الصكبية يرككض مكن ناحيكة المعبكد‬
‫ويلتصق في أحد الجنودا وهو نائم مستند إلى شجرة‪ ,‬فرككض إليككه الشككيخ فككأوقظه برفسككه‬
‫قوية وقام الجندي مفزوعا ليرى الصبي قابض فيه والشيخ سموطان فوق رأسه‪ ,‬فقككال لككه‬
‫سموطان ‪ً:‬ا إحذر أن تنام هل تسمع؟ هز رأسه الجندي باليجاب من الخككوف وقككال الملككك‬
‫من وراء سموطان ‪ً:‬ا يا كبير الجند‪ ,‬أيقظ جميع الجند وحذرهم أن يناموا‪ .‬فانصككرف كككبير‬
‫الجند إلى ما أمره الملك‪ ,‬وذهب الشيخ ليغسل يديه وتقدم الملك إلى حيككث يجلككس دايفككي و‬
‫روثا ثم حضرهم الشيخ بعد قليل وهو ينشف يديه من الماء بخرقة وقال ‪ً:‬ا كيف قلت أيهككا‬
‫الملك ؟ فنظر اليه الملكك قكائل‪ً:‬ا فكي م اذا؟ فقكال الشكيخ مسكتنكرا‪ً:‬ا نقتلهكم‪ .‬فكردا الملكك‪ً:‬ا ل‬
‫يمكننككي قتلهككم ونحككن ل نعلككم عنهككم شككيئا‪ .‬فقككال الشككيخ‪ً:‬ا أل يكفيككك أن تعلككم أنهككم يقتلككون‬
‫جنوداك؟ فقال الملك‪ً:‬ا هذا شيء لم نتأكد منه بعد‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬اهرمس‪ .‬روثا‪ .‬شاهدا ذلككك‪.‬‬
‫فقال الملك ‪ً:‬ا أنظر إليهم إنهم صأغار لطفاء‪ ,‬ل أطاوعك علككى قتلهككم‪ .‬والملككك بعككد أن قككال‬
‫ذلك إنصرف إلى خيمته فقعد الشيخ بجانب روثا حيككث تسككتند ووضككع كفككه علككى وجهككه‬
‫يمسحه فإذا هو ينظر إلى كفيه فتذكر الدم والمككوادا العضككوية فككأنزل يككده بتقككزز‪ .‬وقضككوا‬
‫الليل كله وهم سهارا حتى إذا ما غفى أحدهم أيقظه الخر‪ .‬طلع الصبح واسككتيقظ الملككك‬
‫وخرج من خيمته وبيده كوب ساخن يشربه‪ .‬وأخذ يمشي بين الجند كككأن لككم يكككن بككالمس‬

‫‪68‬‬
‫شيئ وهو يظن أن الجميع قضوا ليلتهم مثله‪ ,‬حتى بدأ يلحظ التعب والرهاق على جنككده‬
‫إلى أن وصأل إلى الشيخ حيث تركه بالمس وقككال ‪ً:‬ا الككم تنككالوا قسككطا مككن النككوم ؟ فنظككر‬
‫الشيخ إلى الملك من فوق كتفه حيث ككان قاعككدا والملككك خلفككه يرتشككف كككوبه ولككم يجبككه‪.‬‬
‫وكانت هناك روثا تنظر إلككى الملككك وقككالت ‪ً:‬ا يجككب أن تجككدوا حل لهككؤلء الصككبية‪ .‬فلككم‬
‫يجبها الملك واتجه في مسيره إلى الجهة الخرى حيث لقاه كككبير الجنككد و قككال ‪ً:‬ا مككولي‬
‫لقد فقدنا عدداا من الجند ليلة البارحة‪ ,‬إن عددانا نقكص كككثيرا‪ .‬عنككدها بككدت علمككات الجككد‬
‫والحزم على الملك وقال وهو يلتفت ينظر إلى الشيخ هناك ‪ً:‬ا حسككنا قيككدوهم‪ ,‬قيككدوا جميككع‬
‫الفتيان والفتيات بالسلسل‪ ,‬ومن ثم إهتموا بإطعامهم وضعوا لهم الماء‪ .‬وربت الملك على‬
‫كتف كبير الجند وانصرف عنه إلى الشيخ مرة أخرى‪ ,‬والشيخ لككم يغيككر مككن جلسككته تلككك‬
‫تحت الشجرة بجانب روثا ودايفي وهرمس‪ .‬أخككذ الجنككد يجمعككون الصككبية فككي السلسككل‬
‫والصبية تصيح وتستعطف وتسترحم حتى رقت الجند لحالهم‪ ,‬وكككبير الجنككد مككن ورائهككم‬
‫يدفعهم‪ ,‬والملك يحتسي ويشاهد حتى جمعوهم جميعا مقيدين في السلسل‪ ,‬ثم أشككار إليهككم‬
‫الملك بيده إلى تلك الشجرة التي شاهدت روثا عندها ذلك الرجل يغطس بككه الصككبي إلككى‬
‫الرض وقال ‪ً:‬ا قيدوهم حول الشجرة‪ ,‬وأشار الملككك إلككى خيمتككه قكائل ‪ً:‬ا حككتى أتمككن مككن‬
‫رؤيتهم من خيمتي‪ .‬ساق الجند الصبية رغم عناداهم وصأياحهم ومقاومتهم‪ ,‬فساقوهم بقككوة‬
‫إلى تلك الشجرة وأوثقوا السلسل بهم هناك واتجكه بعكدها الملككك إلككى الشككيخ وقككال ‪ً:‬ا هكل‬
‫يرضيكم هذا؟ سنرى الن من يختطككف الجنككد؟ فلككم يجبككه الشككيخ ولككم يتحككرك مككن مكككانه‬
‫فانصرف عنه الملك ثم أن الشيخ ناداى وقال ‪ً:‬ا يا كيوان‪ .‬فحضر كيوان عنده فقال الشيخ ‪ً:‬ا‬
‫هرمس‪ .‬قال ‪ً:‬ا نعم‪ .‬وقال الشيخ له ‪ً:‬ا لقد أمرت كيوان بمهمتككك‪ ,‬ليككس عليككك أن تحرسككهما‬
‫بعد الن‪ .‬فقال هرمس‪ً:‬ا سمعا وطاعة يا سيدي‪ .‬وانصرف عنكه‪ .‬وحينمككا قكال الشكيخ ذلكك‬
‫تضايقت روثا وقالت للشيخ ‪ً:‬ا لم يقصر في شيئ‪ .‬وقالتها بإستنكار فردا عليها الشيخ وهككو‬
‫يقوم من مكانه معتدل ‪ً:‬ا سلمتكما أهم مكن ككل شككيئ‪ .‬وانصكرف الشكيخ إلكى خيمتككه فنكام‬
‫الجميع بعدما قيككدوا الصككبية بالسلسككل نومككا عميقككا حككتى أوقظككوهم الجنككد لتنككاول وجبككة‬
‫الغداء‪ ,‬فأحضرت روثا صأحنها وقربته إلى دايفككي حيكث المككان الكذي قضككت فيككه ليلتهكا‬
‫وأخذا يأكلن وهي تشاهد الصبية بالقرب منها‪ ,‬وقد قرب الجنككد إليهكم الطعكام والشكراب‪.‬‬
‫وبعدما إنتهوا من الكل أخذت روثا دايفي وغسلت يديه وجعلته يغسككل فمككه ورجعككت بككه‬
‫إلى نفس مكانها تحت تلك الشجرة‪ ,‬وأخذت تحاداثا دايفي وبعد فترة إذا بعض تلك الصبية‬
‫قد أصأابة النعاس فنام وبعضهم مازال صأاحيا ينظرون إليها فككأداارت روثا ظهرهككا لهككم‪,‬‬
‫حيث كانوا يحدقون بها بل كلل ول ملككل حككتى أنهككا خككافت منهككم ومككن عيككونهم الواسككعة‬
‫البارداة‪ ,‬وإذا بعد قليل أحست روثا بحركة ورائها فنظرت فككإذا هككو كيككوان يزحككف علككى‬
‫أحد الصبية الذين ناموا وقد بقى على يديه أثر من طعام فأخرج كيككوان لسككانا طككويل مككن‬
‫فمه كلسان السحلية وقبل أن يلمس يككد الفككتى ليلعقهككا صأككرخت بككه روثا ونهرتككه‪ ,‬فأداخككل‬
‫لسانه بسرعه واستقام مسكتحيا وهكي تنظكر إليكه بغضكب‪ .‬فكي تلكك الثنكاء داخكل شكهلون‬
‫رسول الملك أجمنون على مملكة )ثيتا( فحيا الملك وسككلمه الرسككالة‪ .‬سككلم الملككك الرسككالة‬
‫بعد أن فتحها ونظر فيها نظرة سريعه إلى من كان بجانبه فأخذها تابعه وقرأها ثككم ساسككر‬

‫‪69‬‬
‫الملك في أذنه فاستشاط الملك على غفلة ونزل من كرسيه بإتجاه الرسول فخاف وارتعب‬
‫شهلون‪ .‬وإذا بذلك الذي خلفه يقول له شيئا بلغة غير مفهومة لشككهلون‪ .‬وفككي الحقيقككة فككإن‬
‫الملك أرادا أن يردا عليهم بردا قبيح ولكن تابعه قال له ‪ً:‬ا داع أمره لي وأنا آتيك بككه مسككجونا‬
‫مقيدا‪ ,‬وكما عهدتني ل تنقصني الحيلة ول الدهاء‪ ,‬فأسرقة لك من وسط عسكره وآتيك بككه‬
‫في أسرع وقت‪ .‬وافق الملك وكان الرسول شكهلون ل يفهكم مكا يقكولن‪ .‬وقكد وعكد الملكك‬
‫تابعه بالهدايا والعطايا إن هو فعل ما وعد‪ .‬التفت الملك إلى الرسول وقال له ‪ً:‬ا أريد مهلككة‬
‫للردا على مليكك ولو بضككعة أيككام فلككم يفهكم الرسككول شككيئا ممكا قكال ‪ً:‬ا فتبعكه تككابعه وراءه‬
‫بترجمة ما قال الملك للرسول ‪ً:‬ا فأجابة شهلون قائل ‪ً:‬ا إني لسككت إل رسككول‪ ,‬وأنتككم ملككوك‬
‫مع بعضكم‪ ,‬وإنما تعطيني ردا الجواب‪ .‬ساسر التابع الملك قليل ثم قال التابع ‪ً:‬ا أنا سأذهب‬
‫معك لمقابلة ملككم العظيم‪ .‬فانطلقا في الصحراء الرسول وذلك التابع‪.‬‬
‫في عصر ذلك اليوم داخلت روثا ودايفي يتبعهما كيوان كظلهما إلى خيمة أجمنكون حيككث‬
‫كان يجلس الملك وهيرودا وكبير الجند وبجانبهم الشيخ و وراءه بهككرام وبرجيككس‪ .‬فقككالت‬
‫للشيخ ‪ً:‬ا سككموطان‪ .‬فككإنتبه الشككيخ لهككا فقككالت لككه ‪ً:‬ا أريككد أن ترجككع هرمككس لحمككايه دايفككي‪.‬‬
‫ونظرت روثا إلى كيوان ورائها قائله ‪ً:‬ا أنا ل أطيق هذا الجني‪ ,‬وكذلك دايفي‪ ,‬أليس كككذلك‬
‫با دايفي ؟ ردا دايفي بصوت غير واضح قائل ‪ً:‬ا همس‪ .‬يعني هرمككس‪ ,‬وكككان الشككيخ ينظككر‬
‫إلى دايفي فقال ‪ً:‬ا حسنا ولم يتم سموطان قولته حتى ظهر هرمس من وراء الخيمككة وداخككل‬
‫سريعا الخيمة ووقف وراء روثا فنظر إليهم كيوان وهو يخرج من الخيمة‪ .‬فقال الملككك ‪ً:‬ا‬
‫كنت أظن أن ذلك في بني البشر فقط‪ ,‬أنظروا حتى الجن ل يختلفون عنا في شيئ‪ .‬عنككدها‬
‫خرج سموطان وخرجت وراءه روثا ودايفي يتبعهم هرمس وراءهككم‪ .‬فككذهب الشككيخ إلككى‬
‫حيث الطفال مقيدين ونظككر إليهككم يتفحصككهم ثككم سككار قليل وجلككس مسككتندا علككى شككجرة‬
‫وتبعته المجموعة التي وراءه بالجلوس معه‪ ,‬وأخذوا يدرداشون حككتى نككزل الظلم وإذهككم‬
‫يتحدثون مع بعضهم إلتفت الشيخ بسرعة ناحية المعبد فسككمع ضككحكات أطفككال تككأتي مككن‬
‫هناك فإذا مجموعة من الطفال ت أتي بإتجكاههم مهرولكة وهكم يضكحكون فرحيكن‪ ,‬فنظكر‬
‫الجميع إلى حيث الطفال المقيدين فلم يروا شيئا غير السلسل‪ ,‬وانطلككق الطفككال وفعلككوا‬
‫مثلما فعلوا أول مرة كل واحد منهم إتجه إلى جندي‪ ,‬وجككاء فككتى والتصككق بالشككيخ وآخككر‬
‫صأبية إلتصقت بديفي وهي تقول بابا بابككا فإسككتحى دايفككي منهككا وابتسككم ينظككر إليهككا كيككف‬
‫تمسك به‪ ,‬وتنفس الشيخ وهو يفكر في هذه المصيبة‪ ,‬وإذا بككذلك الصككبي الممسككك بالشككيخ‬
‫يقول له ‪ً:‬ا إحكي لنا يا بابا قصة لطيفه‪ .‬وقالت الصبية الممسكة بديفي ‪ً:‬ا ل بككل أرجككوك يككا‬
‫بابا إحكي لنككا عكن قككانون الطبيعكة‪ .‬فاسكتحملهما الشككيخ وقكال مستسككلما ‪ً:‬ا وأخيككرا أصأككبح‬
‫سموطان يسلي الطفال‪ ,‬لبد وأن نجمي صأاعدا لمعككا فككي السككماء‪ .‬ثككم قككال وهككو ينظككر‬
‫إليهم ‪ً:‬ا في مدينة مككن المككدن كككان هنككاك رجككل فقيككر‪ ...‬ولككم يكمككل سككموطان لن الصككبية‬
‫غضبت عليه وضربته بقبضة يدها فسكت سككموطان وقككالت لككه ‪ً:‬ا قككانون الطبيعككة‪ .‬تنفككس‬
‫الشيخ بعمق وقال‪ً:‬ا حسنا كل ما في الطبيعه لبد وأن يرجع الى قانون واحد‪ ...‬ولم يكمككل‬
‫سموطان حتى ضربه الصبي بقبضة يده قائل ‪ً:‬ا قصة لطيفه‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا إن مثلي معكما‬
‫كمثل رجل تزوج بإثنتين‪ ,‬احداهما شابة والخرى عجوز‪ ,‬فاقتلعت الزوجة الشككابة جميككع‬

‫‪70‬‬
‫شعره ألشيب حتى يبدو شابا‪ ,‬واقتلعت الزوجه العجوز جميع شعره السككودا حككتى يبككدوا‬
‫عجوزا‪ ,‬والنتيجة أن أصأبح الرجل أصألعا‪ .‬فضحك كل من روثا وهرمس وتبعهمككا دايفكي‬
‫عندما شاهدهما يضحكان‪.‬‬
‫في منتصف الليل كان الرسول شهلون وتككابع الملككك يككدنوان مككن المعسكككر فككي الرمككال‪.‬‬
‫فسارا حتى وصأل إليهم والجميع متحلقون حول بعضهم البعض وتلك الطفككال تنتظرهككم‬
‫أن يناموا‪ .‬حضر جندي إلى الشيخ وهو يجلس مع روثا ودايفي وهرمس وقد جلس معهككم‬
‫كيوان وبرجيس وبهرام فقال ‪ً:‬ا الملك يطلبكم إلى خيمته‪ .‬فنهككض الجميككع وانصككرفوا إلككى‬
‫خيمة الملكك فقكال التكابع ‪ً:‬ا أنكا رسكول مملككة )ثيتكا( وإسكمي أوريكا‪ ,‬الملكك سكايروس قكد‬
‫أرسلني لكي أعلمكم أنه ليس لديه مانع‪ ,‬ويعلككم سككبب مجيئكككم ولكنككه يخشككى أهككل داولتككه‪,‬‬
‫وخاصأة ولده مرقس‪ ,‬وفي الحقيقة إني أنصح بينكم‪ ,‬فالملك سايروس ضعيف في مملكته‪,‬‬
‫وإنما المسيطر الحقيقي هو إبنه‪ ,‬فإن أردات أيها الملك أن تأتي أنت والصبي معي فتأخذوا‬
‫المفتاح داونما يعلم أحد بدخول الملك أجمنون إلى المدينة‪ ,‬وإنما كرجككل مككن العامككة‪ ,‬وأنككا‬
‫أضمن لكم الدخول والخروج سالمين‪ ,‬وبهذا تجنبونا حربكم ونجنب أنفسنا غضب مولي‬
‫المير مرقس إبن سايروس‪ .‬تعجب جميع الحضككور مككن هككذا العككرض الغريككب فقككال لككه‬
‫الملك ‪ً:‬ا وما الذي يضمن لي أن عرضك هذا ليس بخيانه وغككدر‪ .‬قككال التككابع أوريككا ‪ً:‬ا أنككا‬
‫أضمنه لك‪ ,‬وإن كنت متشككا يمكنك أن ترسل مع الصبي من تشاء‪ .‬قال الملك وهو يفككر‬
‫في ذلك‪ً:‬ا داع هذا المر إلى الصباح وفي الصباح نردا عليك‪ .‬ثم أمرله الملك بخيمككة ينككزل‬
‫فيها‪ ,‬فأخذه هيرودا إلى خيمة وعين حارسا عليها‪ .‬قال الملك للشيخ ‪ً:‬ا مككاذا تككرى فككي كلم‬
‫الرسول ؟ قال الشيخ ‪ً:‬ا ل يبدوا لي طبيعيا‪ ,‬هناك ريبة في الموضوع‪ .‬فقال الوزير و أشار‬
‫إلى الجن ‪ً:‬ا لما لنبعث بأحد هؤلء الذين ورائك ؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا هذا كلم معادا‪ .‬قلككت إنهككم‬
‫ل يستطيعون لمس القفل وإل إحترقوا في الحال‪ .‬فقام الملك مككن كرسككيه منزعجككا قككائل ‪ً:‬ا‬
‫إذا ما فائدتهم معنا؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا قبل كل شيئ إن الجن ل تعلككم الغيككب‪ ,‬فحككتى لككو إختفككى‬
‫عن العين وبحث عن القفل حتى وجده ل يسككتطيع لمسككه‪ .‬فقككال الككوزير لككوذا ‪ً:‬ا إذا يأخككذ‬
‫دايفي معه‪ .‬فردا عليه الشيخ ‪ً:‬ا ولكني أخاف أن يقتنصه أحد الرماة بسهم‪ ,‬وأنتم كما ترونككه‪,‬‬
‫ل يمكن التحكم به‪ ,‬فقد يصدر صأوتا في أي وقت وكيفما يشاء‪ .‬وفككي تلككك الثنككاء والتككابع‬
‫أوريا في خيمته أخرج عشبة‪ ,‬وأوقد نككارا وأحرقهككا وبخربهككا وجهككه‪ ,‬فككاذا وجهككه يصككبح‬
‫على شكل هيرودا‪ ,‬وتلصص من خيمته وقتل الحارس ولبس لباسه وخرج وأخككذ جككواداين‬
‫وحبل‪,‬ا وأخرجهما إلى خارج المعسكر بإتجاه الرمال‪ ,‬ثم عادا وتلصص على خيمة الملك‬
‫أجمنون يترقب‪ ,‬فاذا بعد قليككل خككرج الجميككع مككن عنككد الملككك‪ ,‬ورأى هيككرودا يتككوجه إلككى‬
‫خيمته عندها داخل على الملك وقال له ‪ً:‬ا أبي تعال معكي أريكك شكيئا خطيكرا‪ .‬فخرجكا مكن‬
‫الخيمة وساربه إلى موضع الجيادا‪ ,‬عنككدها إلتككف أوريككا مككن وراء الملككك وفاجككأه بضككربة‬
‫على قفاه وأغمي عليه وقيده بالحبل وأركبه الجوادا وركب جواداه وانطلق بككه فككي الظلم‪.‬‬
‫عند طلوع الشمس كان الملك أجمنون في الصحراء مع التابع أوريا على الرمال‪ ,‬والملك‬
‫مكتوف اليدي والتابع أوريا أمامه يشوي أرنبا إصأطاداه‪ ,‬والملك ينظر إليه فقككال للتككابع ‪ً:‬ا‬
‫ما الذي يحدثا يا هيرودا؟ لما فعلت ذلك يا بني؟ والتابع أوريا يأكككل اللحككم ول يكلمككه‪ ,‬ثككم‬

‫‪71‬‬
‫عرض على الملك بعض اللحم فأكل الملك معه فقال له أوريككا ‪ً:‬ا إننككي أريككدك حيككا بكامككل‬
‫صأحتك‪ ,‬فإنك ل تدري كم تساوي عندي‪ .‬وضحك التابع أوريا ‪.‬‬
‫في معسكر الملك أجمنون داخل المير هيرودا خيمككة أبيككه فلككم يجككده‪ ,‬فتفقككد المعسكككر ولككم‬
‫يجده فاتجه إلى الشيخ سموطان وقال له ‪ً:‬ا هل رأيتم أبي؟ فلم يجبه أحد ثم إتجه إلى خيمككة‬
‫أبيه وسأل الحرس ‪ً:‬ا هل خرج أبي هذا الصباح؟ فقال الحارس ‪ً:‬امنذ خرجتم أنتمككا الثنككان‬
‫ليلة البارحة لم يرجع يا سيدي‪ .‬فأخذ هيرودا القلكق وذهكب إلكى خيمكة التكابع أوريكا فوجكد‬
‫الحارس مقتول وبدون ملبسه‪ ,‬فخرج مككن هنككاك مسككرعا إلككى الشككيخ وهككو ينككاداي كككبير‬
‫الجند ‪ً:‬ا يا كبير الجند‪ ,‬يا كبير الجند‪ ,‬واتجه هيرودا إلى سكموطان حككتى وقكف أمكام الشككيخ‬
‫وكبير الجند مسرعا إليه من الجهة الخرى في وجل‪ ,‬فقال هيرودا للشيخ ‪ً:‬ا لقد إختفى أبككي‬
‫الملك‪ ,‬ذلك التابع قتل الحارس الذي يحرسه‪ ,‬وحراس خيمة أبي يقولككون أنككه خككرج معككي‬
‫ليلة البارحة ولم يعد وأنا لم أره منذ كنا أخككر الليكل معككه‪ .‬فقكال الشكيخ‪ً:‬ا لعلككه قبككل عكرض‬
‫الرسول بالذهاب إلى الملك سايروس‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا إذا ما الداعي لقتل الحككارس؟ ولمككاذا‬
‫يذهب وحكده؟ قبكدون دايفكي ل يسكتطيع شكيئا انكي خ ائف علكى أبكي أن يككون قكد أصأكابه‬
‫مكروه‪. .‬‬
‫في الصحراء وقد إرتفعت الشمس والتابع يقودا الملك على جواداه ومككا يككزال وجهككه وجككه‬
‫هيرودا‪ ,‬إذا التابع أوريا ينظر إلى الشمس فتبدل وجهه وعادا كما كان‪ ,‬وككان الملكك ينظكر‬
‫إليه مككن وراءه فتعجككب مككن ذلككك وقككال لككه ‪ً:‬ا إذا هككو أنككت‪ ,‬يالككك مككن عيككار مككاكر‪ ,‬كيككف‬
‫إستطعت هذا ؟ فنظر التابع خلفه إليه بوجهه وابتسم إبتسامه غرور ومضى به ‪.‬‬
‫في المعسكر قال هيرودا للجماعة ‪ً:‬ا يجب أن نذهب ونلحق به‪ ,‬لبد وأنه أخذه إلى مملكته‪.‬‬
‫فقال الوزير لوذا لقد فقدنا البارحة عدداا أخر من الجنودا‪ ,‬ولككم يبقككى معنككا ال القليككل‪ ,‬ولككن‬
‫نلحق به وهو يتقدمنا‪ ,‬عندها سنقتل جميعا من قبككل جنككودا مملكككة )ثيتككا(‪ .‬فغضككب هيككرودا‬
‫وقال ‪ً:‬ا إذا هل نجلس هكذا داونما حراك ؟ أيها الشكيخ ل بكد أن نفعكل شككيئا‪ .‬فقكال الشكيخ ‪ً:‬ا‬
‫إطمأن لن نترك أباك‪ ,‬علككى القككل إن لككم يكككن مككن أجلككه فمككن أجككل دايفككي‪ ,‬فحيككات دايفككي‬
‫مرهونة بحياته‪ .‬وتوجه الشيخ إلى كبير الجند وقال له ‪ً:‬ا كم مككن الككوقت تقككدر حككتى تصككل‬
‫نجدة الملك شمشون ؟ فقال هيرودا ‪ً:‬ا وهل سننتظر وصأولهم؟ قد يستغرق ذلك أيام‪ ,‬عنككدها‬
‫يكون قد فات الوان‪ ,‬وما أدارانا أنهم قادامون‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا أناهيككد الككذي أرسككلته لطلككب‬
‫النجدة لم يعد‪ ,‬ممككا يعنككي أنككه تكأخر معهككم وهككم قككادامون يرشككدهم إلينككا‪ .‬ثككم تككوجه الشككيخ‬
‫لبرجيس قائل ‪ً:‬ا برجيس إذهب من فككورك مسككرعا فتفقككد النجككدة القادامككة مككن قبككل مملكككة‬
‫)جاما(‪ .‬فقال برجيس‪ً:‬ا حاضر يا سيدي‪ .‬واختفى ونظر الشككيخ إلككى هيككرودا الجككزع وقككال‬
‫له ‪ً:‬ا ل عليك إهككدا‪ ,‬سككيظهر الملككك ولككم يمسككه سككؤ‪ .‬ذهككب هيككرودا مغاضككبا وأخككذ بسككرج‬
‫حصانه ألبيض وحضر عدته يساعده في ذلك شهلون‪ .‬وذهب الشيخ إلى مكانه تحت تلك‬
‫الشجرة ومعه روثا ودايفي وهرمس و كيوان وبهككرام‪ .‬ثككم رجككع إليككه هيككرودا وهككو يقككودا‬
‫جواداه حتى وصأل عندهم وقال وهو يشير إلى الجن ‪ً:‬ا ال يستطيع أحد هؤلء أن يككأتي بككه‬
‫أو أن يعرف مكانه؟ فقال الشككيخ ‪ً:‬ا إنهككم ل يعلمككون أكككثر ممككا نعلككم نحككن‪ ,‬الجككن ل تعلككم‬
‫الغيب‪ ,‬ولسنا متأكدين من أنه قد ذهب إلى مملكة )ثيتا(‪ ,‬وإن فعل فقد يكون فككي أي مكككان‬

‫‪72‬‬
‫في الصحراء‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا إذا أرسلهم للبحث عنه‪ .‬فقككال الشككيخ‪ً:‬ا ل يسككتطيعون الككذهاب‬
‫هكذا‪ ,‬لبد لهم أن يعلموا إلى أين يذهبون‪ ,‬مثل برجيككس أو أناهيككد أرسككلناهما إلككى مملكككة‬
‫شمشون وهما يعلمان الطريق‪ ,‬وإل لن يصل‪ ,‬متى تفهمون هذا‪ .‬فزمجر هيككرودا غضككبانا‬
‫وبرهت الككبرهته القويككة وارادا امتطككاء حصككانه فنهضككت إليككه روثا حيككث كككانت تجلككس‬
‫بجانب الشيخ وقالت له ‪ً:‬ا هل هكذا يتصرف القاداة عند الشدائد‪ .‬فقال لها زاجككرا بغضككب ‪ً:‬ا‬
‫بالطبع وما يهمك‪ ,‬ستفرحين إذا ما قتل أبي أو أصأابه سؤ‪ .‬وامتطى هيرودا فرسه وأطلقهككا‬
‫مسرعا بإتجاه الرمال تاركا روثا هناك تنظر إليه خائبككة مككن إقنككاعه بالعككدول والككتريث‪.‬‬
‫وبعد فترة هبط عليهم برجيس وقال للشيخ ‪ً:‬ا إنهم على مسافة ثلثككة أيككام‪ ,‬جمككوع وحشككودا‬
‫غفيرة يقوداهم أخي أناهيد وفي مقدمتهم الملك شمشون‪ ,‬حضرمعهم‪ .‬فقككال سككموطان ‪ً:‬ا إذا‬
‫لعله كان محقا هيرودا في تصرفه الرعن ذاك‪.‬‬
‫في وسط الصحراء الرملية كان التابع أوريا والملك أجمنون يسيران‪ .‬فككإذا الملككك يقككول‬
‫للتابع‪ً:‬ا إذا حدثني ما أنت من الملك سايروس ؟ فقال التابع ‪ً:‬ا أنا كككبير مستشككاريه‪ .‬والتفككت‬
‫أوريككا إلككى وراءه محككدثا الملككك وهككو مربككوط علككى فرسككه وقككال‪ً:‬ا وكمككا تككرى‪ ,‬صأككاحب‬
‫المهمات المستحيلة‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا أهنأ مليكك بك‪ ,‬فل يقدر على ما فعلت إل ذو قلب ميت‪,‬‬
‫ودااهية الدواهي‪ .‬وإذ هما يتحدثان فإذا هما الثنان يرتفعان في الفضاء‪ ,‬وقامككا بالصككراخأ‪,‬‬
‫ونظر كل منهما إلى من فوقه فإذا كل منهما فوقه يد كبيرة ضككخمة ممسكككه بككه مككن قفككاه‪,‬‬
‫فإذا هو ماردا عملق قد إختطفهما من على جوادايهمكا وطاربهمكا فكي الجكو‪ .‬فق ال أوريكا‬
‫إلى من فوقه ‪ً:‬ا أنت من أين أتيت لنا‪ ,‬ومن الذي رماك علينا ؟ فقال الماردا وهو طائر بهما‬
‫‪ً:‬ا إخرس‪ ,‬أنا طالب الملك هذا الذي معك‪ ,‬ولما رأيتك حامله قلت آخككذ الثنيككن‪ ,‬وأنككا يقككال‬
‫لي جلجلن‪ ,‬خادام الكاهن حنباثا صأاحب صأومعة) دالتا( عابد النار‪ ,‬و قد أرسلني أحضككر‬
‫له الملك أجمنون هذا لنه بلغه أمر خروجه إليه‪ ,‬وأمرني بإحضاره‪ ,‬فقلككت لككه ‪ً:‬ا أنككا أعلككم‬
‫أن حوله حكماء الجان وأخاف أن يهلكوني‪ .‬فقال لي ‪ً:‬ا إن إنسيا سرقه من خيمته واتجه به‬
‫إلى مملكة )ثيتا( فأتني به‪ .‬فقال أوريا ‪ً:‬ا قككال لككك آتنككي بككه أوبالككذي سككرقه؟ قككال العفريككت‬
‫جلجلن ‪ً:‬ا يا أخأ النس مككا فهمكت طلبككه‪ ,‬فقلككت أخكذ الثنيككن فكإن شكاء يطلقكمكا وإن شكاء‬
‫يهلككما‪.‬‬
‫هناك في الصحراء القاحلة يبدوا فارسا على فرس بيضكاء يمشكي ببطكأ وقككد أسكدل بطنككه‬
‫ورأسه على عنق جواداه تحت الشمس الحارقة‪ ,‬إنه هيرودا وقككد أعيتككه الصككحراء ولهيبهككا‬
‫المحرق‪ ,‬واشتد عليه العطش فلقد خرج مسرعا داونما ماء ول زادا‪ ,‬وبعكد بضكع خطكوات‬
‫توقف الحصان إذ سقط من عليه هيرودا علكى الرمكال الملتهبكة‪ ,‬وحكاول جاهكدا النهكوض‬
‫وقد تقطعت شفتاه اليابسة‪ ,‬وحاول النهوض بصرخه قويه أجفلت الحصان ففر بعيدا عنه‪,‬‬
‫ثم استجمع قواه وبدأبالمسككير لبضككعة أمتككار ثككم سككقط مككرة أخككرى‪ ,‬وإذ هككو فككي الرمككال‬
‫مستلقي على ظهره أخذته ذكرياته إلى أيام طفولته‪ ,‬وكيف كان أبوه سعيدا به وكيف كككان‬
‫داائم الهتمام به ول يرفض له طلبا ويقدمه على جميع إخوته في كككل شككيئ‪ ,‬ويأخككذه داون‬
‫سواه في كل مجالسه ويقدمه في المجالس على الجميع وداائم الفتخار بككه وبأعمككاله حككتى‬
‫الصغيرة التافهة منها‪ ,‬وإذا هو كذلك سككمع صأككوت‪ ,‬فتميككزت أذنككاه الصككوت‪ ,‬ومككن شككدة‬

‫‪73‬‬
‫العطش والتعب لم يعلم ما هو‪ ,‬ففتح عيناه فإذا هي سحابة صأككغيرة فككوق رأسككه تظلككه مككن‬
‫السككماء‪ ,‬ولكنهكا سكحابه تتحكرك حركككه عجيبكة فقككد ككانت تككروح وتجككئ‪ ,‬وتككدور وتعلككو‬
‫وتنخفض‪ ,‬ففتح عيناه أوسع ما استطاع‪ ,‬فإذا تلك السحابة ما هككي إل سككرب مككن الطيككور‪.‬‬
‫عندها أحييت تلك النظرة في نفسه الرغبة في الحياة‪ .‬فمعنى ذلك أن تلككك الطيككور ترعككي‬
‫في مكان قريب‪ ,‬ولبد أن يكون به ماء‪ ,‬وسرعان ما فقد المل مرة أخرى واسترخي من‬
‫جديد على الرمل مستسككلما ا كليككاا عنككدما كككادات أطرافككة أن تنشككط‪ ,‬وذلككك لنككه تككذكر تلككك‬
‫الصحراء القاطعة لكل أمل التي مربها‪ ,‬فكيف تكون بها حياة؟ ومن جديد استجمع جسككمة‬
‫وارتكز على ركبتيه نككاظراا لبعيككد‪ ,‬فككإذا هككو منخفككض فككي الرمككل ليككس ببعيككد‪ ,‬فظككن أنككه‬
‫السراب حتى أرادا أن يهوي إلى الرمل مرة أخرى إل أنه في أخر طرفة عينه عند نزوله‬
‫إلى الرمل لمح حركه في أعلى ذلك المنخفض‪ ,‬فإذا هي طيور تهوي بداخلككة تككارة وتككارة‬
‫ترتفع وكأنها تقع على شيء ما هناك‪ ,‬عندها استبشر المير وحاول جاهداا الوصأككول إلككى‬
‫طرف ذلك المنخفض وكأنة إستمد العافية والقككوة مككن المككل‪ ,‬وعنككد وصأككوله أعلككى ذلككك‬
‫المنخفض شاهد واحة عجيبة مليئة بالشجار والطيور تربع فيها الرانككب البريككة‪ ,‬فككدعك‬
‫عينيه اللتان كذبهما‪ ,‬فإذا خرير الماء يصل إلى مسمع أذنيه مصدقا ا عينيه‪ ,‬عنككدها ركككض‬
‫مهرول إلى ذلك النبع وسقط فيه يغتسل و يشككرب طربككاا نككاظرا إلككى مككا حككوله مسككتمتعا‬
‫باللون الخضر الذي لم يعرف مككن قبككل أهميتكه‪ ,‬ولكم يعككرف لككه ذلككك القكدر مكن الشكوق‬
‫والجمال‪ ,‬وأخذ يغرف الماء على رأسه ويدعك به صأدره ووجهة ويطشطش بككه فككي كككل‬
‫جهة بكفه‪ ,‬وإذا به يسكن حيث سمع صأوت طرطشككة المككاء آتيككه مككن أسككفل الينبككوع‪ ,‬مككع‬
‫أصأوات صأراخأ إمرأة‪ ,‬فإذا ينقشع بين الشجار ثلثة فرسان يعدون في الينبككوع بخيككولهم‬
‫وراء امرأة شابة‪ ,‬وقد أقبلت تركض ناحيته‪ ,‬فعلم أنها في ورطة فغلبككت عليككه الفروسككية‪,‬‬
‫ونادااه واجب الشجعان ونبككل الصأككل‪ ,‬حككتى وصأككلت إليككه ارتمككت بيككن يككديه مككن التعككب‪,‬‬
‫فأقصاها وراءه وأرادا أحد الفرسان ضربه بالسيف وكان قد فقد كل ما معه في الصحراء‪,‬‬
‫فاستناوله المير من يده وألقاه على الينبوع وهو ما يككزال ممسكككا باليككد الككتي بهككا السككيف‬
‫بيساره وباداره يضربه قوية من يمينه على عنقه أفقدته وعيه‪ ,‬وأخذ منه سيفه وأغمده فككي‬
‫بطنه‪ ,‬ثم أغمده في صأاحبيه فلم يأخذ فيهم وهلة حتى ضرحهم بككدمائهم علككى الغككدير‪ ,‬ثككم‬
‫التفت المير إلى الشابة فإذا هي ما زالت مذعورة‪ ,‬تظن الشر في مككرادا الميككر‪ ,‬وعنككدما‬
‫تقدم إليها بخطوة واحدة‪ ,‬زحفت إلككى الككوراء حيككث كككانت مسككتلقية علككى الغككدير محركككة‬
‫حصى الغدير تحت قدميها‪ ,‬عندها توقف المير مكككانه والسككيف مككايزال بيككده يقطككر دامككا ا‬
‫وهي تنظر إليه وإلى تلك الدماء المتساقطة‪ ,‬وظنت أنه واقع بها ل محالة‪ ,‬فقد كككان ينظككر‬
‫إلى جمال رجليها على الماء وهي لتلبس إل ملبس رقيقة بالية قصيرة من قطعة واحككدة‬
‫بمشد في وسط بطنها‪ ,‬وقد أظهر بلل الماء محاسن فحواها‪ ,‬وإذ هو مبهور بها يتأملها من‬
‫طولها وعرضها أمسكت الفتاة بشيء من الحصى من تحتهككا ورفعككت الحصككاة فككي يككدها‬
‫إلى عند صأدرها ناظرة إليه نظرة القطة الشرسة‪ ,‬ومككا فتككأ صأككدرها يرتفككع تنسككما ا زهيقككا ا‬
‫وشهيقا ا من تلك المطارداة المميتككة إلككى مككرت بهككا ممككا زادا جمككال صأككدرها وكككان بريككد‬
‫المحبة إلى قلب الميككر‪ ,‬فهككدأت عينكاه‪ ,‬وارتخكى جسككم المقاتكل‪ ,‬وأطلكق انقبكاض شككفتيه‪,‬‬

‫‪74‬‬
‫وذهب ليجلس على ضفة الغدير الذي لم يكن إل خمككس خطككوات أمككامه فغككرز سككيفه فككي‬
‫الرمل‪ .‬هدأت الشكابة لمكا رأت مكن تراجكع هكذا الشكاب الصكنديد‪ ,‬فكوقفت ولككن مكازالت‬
‫الحصاة بيدها وسارت بخطا حذره إلى حيث يسير الماء ومككن حيككث أتككت هاربككة‪ .‬وفجككأة‬
‫سمعت من خلفها ووقفت ‪ً:‬ا ما إسمك أيتها الفتاة؟ فالتفتت إلى الوراء وقالت وهي متوجسة‬
‫‪ً:‬ا هادااساه‪ .‬ماحكايتك وهؤلء الرجال‪ .‬سألها المير فردات قائلة‪ً:‬ا أنقككذتني منهككم وأعلمتككك‬
‫عكن إسكمي وقكد تعادالنكا‪ .‬فق ال الميكر‪ً:‬ا هكل ككانوا يطارداونكك لجكل هكذا ؟ فكردات عليكه‬
‫مستنكرة ‪ً:‬ا هذا؟ وماهو هذا ؟ قال‪ً:‬ا لطفككك أو إنكككارك للجميككل‪ ,‬أو للثنيككن معككا‪ .‬ثككم تبسككم‬
‫المير بتلك البتسامة التي ألمعت عيني الفتاة لها بالشككرر عنككدما صأككدرت مككن ذلككك الفككم‬
‫الذي صأفت أسنانه صأف اللؤلؤ في العقد‪ .‬فابتسمت وهي ناظرة إليه‪ ,‬فنظرت إلى الرض‬
‫حيااء مما شعرت به‪ .‬فإذا هي تقبض ابتسامتها مرة أخرى وترفككع رأسككها وتقككول ‪ً:‬ا ومككن‬
‫تكون أنت؟ قال‪ً:‬ا أنا المير هيرودا إبن الملك أجمنون‪ .‬فقالت وهي تندفع نحككوه بلهفككة‪ً:‬ا إذا‬
‫صأحيرح ما سككمعت‪ .‬فككوقفت متداركككة الموقككف وقككد أصأككبحت قريبككة منككه فتماسكككت وقككد‬
‫أمسكت الحصاة بكلتا يديها في منتصف صأدرها مثلما الراجي سؤال ومطلبا‪ .‬فقال المير‬
‫‪ً:‬ا وما الذي سمعتية ؟ قلت ‪ً:‬ا لقد سمعت من الجنودا الذين يأتون إلككى هنككا مككن مدينككة الملككك‬
‫سايروس عككن خككروج الملككك أجمنككون لمحاربككة أهككل المملكككة‪ ,‬فقككد كنككا أنككاو أبككي نتتبككع‬
‫أخباركم كل يوم‪ .‬قال المير ‪ً:‬ا أباك ؟ وأين هو ؟ وما بال هؤلء الفرسككان ورائككك؟ قككال‬
‫المير ذلك وبانت علمات السى على الشابة وبكدأت بالبككاء فنهكض الميكر وحكاول أن‬
‫يواسيها ولكن ما أن لمست أطراف أنامله عضديها حتى جفلت الفتاة إلى يمينه فأنزل يككده‬
‫عن مرامها وقال لها ‪ً:‬ا اجلسي‪ ,‬اجلسي هنا وأخبريني ما بالك تبكين؟ فجلست الشابة علككى‬
‫ظفاف الغدير بقككرب مجلسككه السككابق وجلككس هككو بعككدها فككي مكانككة الول بجانبهككا وهككي‬
‫مازالت تبكي وتحتضن ذلك الحجر بيككن نهككديها ناكسككة رأسككها عليككة وتجشككأ بالبكككاء‪ .‬ثككم‬
‫رفعت رأسها لتقول ‪ً:‬ا لقد قتل هؤلء السفلة جنكودا الملكك سكايروس أبكي منكذ قليكل‪ .‬قالتهكا‬
‫الشابة وهي تذرف داموعاا من الحزن‪ .‬فسألها مباشككرةا الميككر ‪ً:‬ا وأيككن هككذه المدينككة ؟ إنككي‬
‫خرجت في طريقها ولكني لأرى لها أثراا‪ .‬قالها المير وهو ينظر إلى نواحى الغدير نحو‬
‫الكثبان الرمليكة متبصكراا أثكر المدينكة ‪ .‬فقكالت هادااسكاه ‪ً:‬ا هكل ج أت مكن طريكق الغابكات‬
‫الكثيفة؟ قال ‪ً:‬ا نعم وسلكت الصحراء بطولها فلسعتني شمسها وقطع حلقككي عطشككها وقككد‬
‫كنت أظن أنها قريبة حتى وصألت إلى هنا بعككد أن ظننككت أنككي هالككك فككي هككذه الصككحراء‬
‫الواسعة‪ .‬قالت هاداا ساه‪ً:‬ا لبد وأنك قد إنحرفت يساراا في الصحراء لتصل إلككى هنككا‪ ,‬مككن‬
‫حيث جأت من الغابات الكثيفة يجب أن تسلك طريقكاا مسككتقيما فكي الصككحراء لتصكل إلكى‬
‫المدينة ‪ .‬وأشارت هادااساه بيدها اليمنى باتجاه مصككب الغككدير إلككى أعككالي ضككفافه أخرمككا‬
‫يظهر منه بانحداره وهي تقول ‪ً:‬ا إنها هناك ليست ببعيدة من هنا‪.‬‬
‫سادا الصمت بينهما بعد تلك العبارة من هادااساه للحظات‪ .‬وبادارها المير بالسؤال ‪ً:‬ا إذا ما‬
‫الذي أتا بك وأبوك إلى هذا المكان مع هؤلء الجند ؟ قالها المير وقككد أعككادا إليهككا الحككزن‬
‫عند تذكر أبيها فقالت‪ً:‬ا لم نأتي إلى هنا‪ ,‬نحن نعيش هنا‪ .‬فقكال الميكر ‪ً:‬ا مكن أنتكم ؟ ق الت ‪ً:‬ا‬
‫أناوأبي فقط نعيش على ضفاف هذا الغدير من يوم أن وعيت على الدنيا‪ ,‬وقد كككانت أمككي‬

‫‪75‬‬
‫تعيش معنا‪ ,‬ولكنها ماتت منذ بضع سنين‪ ,‬أبي وأمي كانككا مصككابين بمككرض الجككذام‪ ,‬وقككد‬
‫طرداا من المدينة فجاؤا بي للعيش هنا بعيداا عن قومنككا الككذين أسككاؤا معاملتنككا‪ .‬قككالت ذلككك‬
‫وبدأت بالبكاء مرة أخرى وقد رمت بالحصاه إلككى الغككدير ووضككعت كفيهككا علككى وجههككا‬
‫وظمت به بين ركبتيها تبكي‪ .‬فمد المير يده إلى شكعر رأسكها يهكدأها ثكم ق ال ‪ً:‬ا م ا قصكة‬
‫هؤلء الجنودا الثلثة ؟ رفعت هادااساه رأسها وأجابت ‪ً:‬ا لقدإعتادا أن يكون هنككاك كككل يككوم‬
‫ثلثة من الجنودا بالنهار وغيرهم بالمساء يحرسون المكان عند نهاية الغدير بككأمر الملككك‬
‫سايروس‪ ,‬أو بالصأح بتدبير من إبنكه السكاحر الجب ار البغيكظ ‪ ,‬الكذي يسكيطر علكى حككم‬
‫المدينة من داون أمر الملك أبيه الضعيف‪ ,‬إنه متغطرس شخص غير محبوب‪ ,‬ليحبه أحد‬
‫من سكان المدينة‪ ,‬ظالم فاجر‪ .‬سكتت الشابه لهنيهة وهي تنظر إالككى الغككديرثم إسككتطردات‬
‫قائلة ‪ً:‬ا وقد اعتاداهؤلء الجنودا عنككد مجيككئ نككوبه حراسككتهم أن يضككايقونا ويتحرشككون بنككا‬
‫واليوم‪....‬ثم أخذت بالبكاء من جديد ووضعت رأسها بين ركبتيهككا تبكككي‪ ,‬ورفعككت رأسككها‬
‫والدموع تنهمر منها وقككالت بصككوت مخنككوق ‪ً:‬ا واليككوم تصككدى لهككم أبككي ونهرهككم لكككثرة‬
‫تحرشهم بي فاغتالوه بسيوفهم وأراداوا بي السؤ فهربت منهم إلى أن لقيتنا‪ .‬وضككع الميككر‬
‫يده عى ظهرها وراحت هي تتأمككل الغككدير وأعككادات شككريط الحككداثا وتلككك المشككاهد ثككم‬
‫سألها ‪ً:‬ا ماذا كان يحرس هؤلء الجنودا؟ فقالت ‪ً:‬ا كانوا يحرسون آخر هذا الغدير هل ترى‬
‫هذه المياه كلها ؟ إنها تذهب إلى جوف حفرة هناك في آخره‪ ,‬وتنتهي هذه المياه من تحككت‬
‫الرمال إلى تحت المدينة‪ ,‬لقد بنا الملك سايروس بأحسن الصككناع المهككرة أرضككية المدينككة‬
‫كلها طبقة واحدة‪ ,‬وهذا الماء كله يذهب إلى هناك فيرفع المدينة فوق الرمال‪ ,‬وفككي وسككط‬
‫المدينة فتحة لهذه المياه تمتد منها قناة بطول المدينة إلى آخر جدارها لتخككرج الميككاه منهككا‬
‫إلى خارج المدينة من الجهة الخككرى‪ ,‬أي أن المدينككة تقككع فككي معككبر هككذا الغككدير‪ ,‬وبهككذا‬
‫يستطيع سكانها إستعمال الماء من تلك القناة‪ ...‬وقاطعها المير قائل ‪ً:‬ا وما فائككدة أن ترفككع‬
‫المياه المدينة ؟ لما لم يبني مدينتة فوق الرمككال الثككابته ؟ عنككدها قكامت هادااسكاه وواجهككت‬
‫المير حيث يجلس وقالت ‪ً:‬ا هذا سر ل يعرفه الكككثير مككن سكككان المدينككة‪ .‬فوضككع الميككر‬
‫كوع يده على ركبته وأسكند بأصأكابعه علكى ذقنكه وق ال ‪ً:‬ا وكيكف ذلكك ؟ ق الت ‪ً:‬ا نعكم إنكي‬
‫إخبرك‪ ,‬إذاهاجم أحد ما المدنية فإنهم يشعلون نارا فيراها من يكون هنا مككن الحكرس‪ ..‬ثكم‬
‫توقفت الفتاة مذعورة وقالت ‪ً:‬ا الحرس ‪ ....‬سيحين قريبا نوبه حرس الليل إذا كنا سككنرحل‬
‫عن هنا فعلينا السككراع قبككل وصأككولهم فل يجككدون أصأككحابهم‪ .‬قككالت هادااسككاه ذلككك وهككي‬
‫ممسكة بيدي المير وتشده لتحمله على الوقوف من جلسته‪ .‬وعنككدما رأى الميككر مشككقتها‬
‫وهي تحاول ذلك وقف قائل ‪ً:‬ا أنا ذاهب إلى المدينة ؟ عندها فتحت الشابة هادااساه عينيهككا‬
‫الواسعتين مذهولة وقالت ‪ً:‬ا المدينة ؟ قال ‪ً:‬ا نعم لقد إختطفوا أبي الملككك أجمنككون ولبككد أن‬
‫أتبعه ‪ .‬قالت هادااساه ‪ً:‬ا ل إن أبيك ليس في المدينة‪ .‬فتفأجا المير وداهش مما سمع وقككال ‪ً:‬ا‬
‫هل أنت متأكدة ؟ قالت‪ً:‬ا نعم‪ ,‬فإن الخبار تأتينا إلى هنا كل يوم مرتين عن كككل مككا يحككدثا‬
‫هناك‪ ,‬أنا متأكدة هيا علينا السراع‪ ,‬أمسك بهذين الجواداين‪ .‬وقد كككان هنككاك جككواداين مككن‬
‫جبيادا أولئك الجنودا الذين قتلهم يرعيان في الجككوار‪ ,‬فأخكذ الميككر الجككواداين ومككرا علككى‬
‫ضفاف الغدير إلى حيث مسكن الفتاة‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وصأل المككاردا جلجلن إلككى واداي كبيروبجككانبه جبككل عظيككم معانقككا للككواداي‪ ,‬وفككي أعله‬
‫صأومعه‪ ,‬فدخل الماردا حتى وضع الثنين الملك أجمنككون ورسككول الملككك سككايروس قككدام‬
‫الكاهن حنباثا‪ ,‬فسجد التابع أوريا للملك حنباثا حيث كان يجلس علككى كرسككي أمككام شككرفة‬
‫كبيرة من خلفه في تلك الغرفة الخاوية‪ ,‬والتي أرضيتها من رأس الجبككل‪ ,‬وبجككانب أوريككا‬
‫الملك أجمنون مكتوفا ينظر إلى الملك الكهين حنباثككا فقككال أوريككا ‪ً:‬ا تحيككاتي للملككك حنباثككا‬
‫العظيم‪ ,‬كاهن الكهان‪ .‬ولكن الكهين لم يعره إنتباها وكان ينظر إلى الملك أجمنون وقال له‬
‫‪ً:‬ا هل أنت من سيقضي على ملكي؟ أنت يا هذا تأخذ مني مفتاح ملكككي؟ سككترى عمككا قليككل‬
‫ما أفعل بك‪ .‬فأمر الرض وهو يشير إليها بيده وقال إقبضيهم ياأرض‪ ..‬وقككاطعه أوريككا و‬
‫قال فزعا ‪ً:‬ا وأنا ما ذنبي؟ لما قبضت علي؟ فالتفت الكهين إلى التابع وقال له ‪ً:‬ا مكن أنكت ؟‬
‫قال أوريا ‪ً:‬ا أنا رجل عيار‪ ,‬ولص محتال‪ ,‬من أتباع الملككك سككايروس‪ ,‬ملككك مملكككة )ثيتككا(‬
‫وقد أرسلني أسرق له هذا الملك‪ ,‬فتحايلت عليه وسرقته وحملتككه وسككرت بككه قاصأككدا إلككى‬
‫سيدي ومولي حتى أسلمه إياه‪ ,‬فمككا أشككعر إل وهككذا المككاردا إختطفنككا وأتككى بنككا إلككى هككذا‬
‫المكان‪ ,‬فالصواب أن تطلقني‪ ,‬وأنا أسكير إلكى سكيدي سكايروس أعلمكه بمكا فعلكت بالملكك‬
‫أجمنون‪ ,‬فقال الكاهن حنباثا ‪ً:‬ا ل خلص لك مني‪ .‬فقال التابع ‪ً:‬ا أنا والملك سككايروس نعبككد‬
‫النار مثلك‪ ,‬وهو خصم لهذا الملك‪ .‬عندها قال الكاهن حنباثا ‪ً:‬ا حسنا إذهب وأحضره معك‬
‫إلي لنتشفى أنا وهو من خصمنا هذا‪ .‬وقككال الكككاهن حنباثككا وهككو يشككير بيككده إلككى الرض‬
‫تحت الملك أجمنككون‪ً:‬ا بغقككان واحككد فككردا يككاأرض ضككميه‪ .‬فبلعككت أرضككية الغرفككة الملككك‬
‫أجمنون إلى صأدره وضيقت عليه مما آلمه قبض الرض عليه‪ .‬والتابع زحف عنككه بعيككدا‬
‫خائفا وهو ينظر إلى الملك أجمنون وهو محشور في الرض‪ .‬ثم توجه حنباثا بنظره إلى‬
‫التابع وقال له ‪ً:‬ا لماذا مازلت هنا؟ هل تريد أن تلقى نفس مصككيره ؟ إذهككب وارجعككا معككا‪.‬‬
‫فتقدم أوريا من الشرفة الكبيرة وراء كرسي الكاهن حنباثككا ونظككر منهككا إلككى سككفح الجبككل‬
‫وقال ‪ً:‬ا ولكن يا مولي كيف لي أن أنزل من هنا؟ ثم إني قد فقككدت خيلككي عنككدما إختطفنككا‬
‫الماردا‪ .‬حينها قال الكاهن ‪ً:‬ا يا جلجلن ‪ .‬فظهر الماردا مكن الخكارج إلكى دااخكل الغرفكة‪ ,‬ل‬
‫يلبس شيئا سول بنطال قصير ضيق‪ ,‬يمتد إلككى أبعككد مككن ركبتككه بقليككل‪ ,‬ففككرع منككه التككابع‬
‫أوريا وقال الكاهن للماردا ‪ً:‬ا خذ هذا الصعلوك إلى مملكة الملك سايروس‪ ,‬وانتظككره حككتى‬
‫تعودا به وبملكه إلى هنا‪ .‬فقال الماردا جلجلن وهو يحني رأسه ‪ً:‬ا الطاعة يككامولي ‪ً:‬ا فأخككذ‬
‫التابع من قفاه وطاربة ‪.‬‬
‫وصأل هيرودا وهادااساه إلى كوخأ صأككغير علككى ضككفة الغديروأخككذا مكا يحتاجككان إليككه مككن‬
‫الغراض على عجل‪ ,‬ومل ما يستطيعان ملئه مككن ميككاه الغككدير وكميككة ل بككأس بهككا مككن‬
‫الطعام‪ ,‬ثم إلتفتت هادااساه إلى أبيها المغدور و اتجهكت نحككوه وجلسككت عنكده تبكيكه وهكي‬
‫تنظر إلى ما حولها من أماكن لهو طفولتها وترعرع شبابها وهي تذرفه بدموع قلبها‪ ,‬وقد‬
‫كان المير خلفها ممسكا بالجواداين وهو يناداي عليها بالسراع وقككد ركبككت عليككه الهمككوم‬
‫وزادات عنككد رؤيتككه الشككابة تبكككي أباهككا فتككذكر الميككر مصككير أبككاه المجهككول‪ .‬ثككم ركبككا‬
‫حصانيهما وانطلقا بهما إلى حيككث الغابككة الكثيفككة بإتجككاه معسكككر الملككك آجمنككون وحيككث‬
‫الشمس تغيب من أمامهم خلف الرمال وهما يسيران ويتجاذبان أطراف الحديث ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫أخذ الماردا جلجلن يطير بالتابع حتى رأو مدينة )ثيتا( فقكال التكابع أوريكا ‪ً:‬ا أنزلنكي علكى‬
‫مسافة من المدينة حتى ل يخافك أهلها ويرفض سيدي الككذهاب معككي إلككى سككيدك‪ .‬فككأنزله‬
‫الماردا على مسافة قريبة في الرمال وقال لككه التككابع ‪ً:‬ا إنتظرنككي هنكا لبعككض الككوقت حككتى‬
‫نخرج إليك‪ ,‬وذهب وانصرف عنه وداخل أبواب المدينة وقصبل الرض تحت أقدام سيده‪.‬‬
‫أما هيرودا وهادااس اه فقكد توقفكا لبعكض الكوقت وجلسكا ي أكلن بعكض الطعكام ويتجاذبكان‬
‫أطراف الحديث فقالت له ‪ً:‬ا هل أنت متزوج ؟ فقال المير وهو يبتسم خجل‪ً:‬ا ل ليس بعككد‪.‬‬
‫فقالت ‪ً:‬ا أل توجد أميرات جميلت في مملكتكم ؟ فقال‪ً:‬ا بلى ولكني ما زلككت صأككغيرا علككى‬
‫الزواج‪ .‬فقالت باستغراب‪ً:‬ا صأغيرا على الزواج ولست صأغيرا على صأرع الرجال ‪.‬‬

‫قال الملك سايروس لتابعة ‪ً:‬ا حسنا نذهب إليه ولكن هل أنت واثق أنه لن يمسني سؤ منه ؟‬
‫قال أوريا ‪ً:‬ا إنه عدو عدوك كما أنه يعبد النار مثلنا و ليس له جيشا ول عدداا ول أحد‪ .‬قال‬
‫سايروس‪ً:‬ا حسنا إذا‪ .‬ولبس عدة الحرب والجلدا وركب على جوادا من الخيل وقال للتابع‪ً:‬ا‬
‫أنت تعرف هذا الكهين في أي أرض مقيم؟ فقال أوريا‪ً:‬ا ما أعرف إسم الرض وإنمككا هككو‬
‫في صأومعه على جبل عال مسيرة نصف يوم فقط‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا هل ينبغي المر أن نأخذ‬
‫معنا العساكر والجند ؟ فقال أوريا ‪ً:‬ا يا مولي مككا أنكت سكائر لحككرب ول لقتككال إنمكا أنككت‬
‫ذاهب إلى خصمك وهو في يدخصمه تتفرج عليه حتى يقتله و ينزل به النكال وتعودا أنت‬
‫إلى مملكتك في الحال‪ .‬فقال الملك سايروس ‪ً:‬ا صأدقت صأدقت فسككر بنكا علككى بركككة النككار‬
‫وما فيها من السرار‪ .‬فخرج الملك وتابعه من أبواب المدينة وبعد مسافة قككاداه التككابع إلككى‬
‫حيث ينتظره الماردا‪ ,‬فلما رآه الملك فزع منه فطمأنه التابع وقال لككه ‪ً:‬ا يككا مككولي إن ذلككك‬
‫الجبل ل مدخل ول طريق فيككه إلككى الصككومعه‪ ,‬فالملككك حنباثككا مككن لطفككه أرسككل لنككا هككذه‬
‫السككفينة الجويككة السككريعة والبسككيطة‪ .‬عنككدها أشككار التككابع للمككاردا بالقككدوم فطككار المككاردا‬
‫واختطفهما إلى الجو وسار بهما إلى أن بأن لهم صأومعة عالية على رابية فوق سككن جبككل‬
‫شاهق فقال التابع أوريا ‪ً:‬ا أيهككا الملككك هككذه هككي الصككومعة الككتي فيهككا الكككاهن الككذي نحككن‬
‫سائرون إليه‪ ,‬وإن الملك أجمنون الذي أنت طالبه هو عنده فكي أليكم العكذاب يعكاقبه عقابكا‬
‫شديدا‪ .‬فلما سمع الملككك سككايروس ذلككك سككر سككرورا عظيمككا‪ .‬وألقاهمككا المككاردا بيككن يككدي‬
‫الكاهن وهو على كرسيه فقبلوا الرض بين يديه فرحب بهم وأكرمهم وسككأل الملككك عككن‬
‫داينه فقال له أنه يعبد النار‪ .‬ونظر الملك سايروس إلككى الملككك أجمنككون وهككو مشككبوح فككي‬
‫الرض ففرح غاية الفرح واتسع صأدره من ذلك وانشرح‪ .‬ثم طلب الكاهن كرسيا فأتا بككه‬
‫الماردا جلجلن ووضعه على يمين الكاهن حنباثا‪ .‬ورحب حنباثا بالملك سككايروس وداعككاه‬
‫للجلوس للفرجة‪ ,‬ثم طلب حنباثا طعاما وشرابا فأحضر جلجلن صأينية كبيرة بها أنككواع‬
‫الطعام والشراب ووضعها أمامهما‪ .‬فقعدوا يأكلون الطعام ويرمككون علككى الملككك أجمنككون‬
‫العظام والفضلت‪ ,‬والملك أجمنون صأابر‪ .‬وشربوا الخمر مككن الكككؤوس ويصككبون علككى‬
‫الملك أجمنون فاضل الكاسات ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫في معسكر الملك أجمنون جلس الجميع حول الشيخ والصبية معهم على حالهم يتربصون‬
‫بمن ينام‪ .‬والشيخ سموطان يحاول إيقاظهم وقد أوقدوا نارا وسطهم‪ .‬فقام الشيخ إلى خيمته‬
‫وجلس هرمس بين دايفي وروثا ووقف الخككوة كيككوان وبهككرام وبرجيككس خلككف هرمككس‬
‫وبعض الجند تحلقوا هناك فقالت روثا ‪ً:‬ا هل تراه يلحق بأبيه؟ فقال شهلون ‪ً:‬ا أرجو ذلك‪.‬‬
‫عندها قال هرمس ‪ً:‬ا سأسليكم بقصة جميلة‪ .‬فنظر الخوة مككن فككوقه إلككى بعضككهم البعككض‬
‫استغرابا من كلم أخيهم الوسط هرمس‪ .‬وتشككجعت الطفككال وانتبهككوا واعتككدلوا لسككماع‬
‫القصة ‪ .‬فقال هرمس ‪ً:‬ا لقد كان يعيش في بلدة من البلدان صأديقان‪ ,‬واراداا السفر بحثا عن‬
‫الرزق‪ ,‬وأخذ كل منهما زاداه وشرابه‪ ,‬وفي الطريق إذ هما معا قال أريم لصاحبه ‪ً:‬ا لمككا ل‬
‫نأكل ماعندك من طعام وشراب أول ونبقي مككا عنككدي للخككر؟ ‪.‬فقككال تميككم ‪ً:‬ا حسككنا‪ ,‬أنككت‬
‫بمثابة أخي‪ ,‬كما أننا رفيقا دارب ويجب أن نتعاضد‪ .‬فأخذ أريم يأكل ويشرب من زادا تميم‬
‫كلما توقفا للراحة‪ ,‬حتى نفذ طعام تميم وفضيت قربته مككن المككاء‪ ,‬فجلسككا للراحككة وأخككرج‬
‫أريم طعامه وشرابه وجلس يأكل وحده‪ ,‬فلما إقترب منه تميككم ليأكككل معككه منعككه‪ ,‬فقككال لككه‬
‫تميم ‪ً:‬ا لقد كان اتفاقا بيننا يا صأاحبي‪ ,‬ولقد أكلت وشربت مما معي حتى خلص‪ ,‬فلككو كنككت‬
‫آكل وأشرب وحدي من متاعي لكان ما يزال متوفرا لي الن‪ .‬فضككحك أريككم قككائل ‪ً:‬ا ذلككك‬
‫شأنك‪ ,‬فلقد كان ذلك بموافقتك لم أغصككب عليكك شكيئا‪ ,‬والن تريكد أن تأككل مككن طعكامي‬
‫غصبا عني‪ .‬فقال له تميم ‪ً:‬ا لل يا أخي ليس بغصبا عنك ولكن إذا ما سمحت لي؟ فقال له‬
‫أريم ‪ً:‬ا تدفع المال ثمنا لكلك وشرابك إذا‪ .‬فقال تميم مندهشا منه ومستسلما‪ً:‬ا أدافع‪ ..‬أدافككع‪.‬‬
‫واضطر تميم أن يدفع المال لريم ثمن كل وجبككة يأكلهككا ولكككل شككربه مككاء يشككربها حككتى‬
‫نفذت أموال تميم القليلة التي جمعها للسفر‪ .‬وعندما ارادا أن يأكل لم يجككد مككا يككدفعه لريككم‬
‫فقال ‪ً:‬ا لم يبقى معي شيئ أدافعه لك‪ ,‬ونحن فككي مكككان قفككر ل طعككام ول شككراب‪ ,‬أدافككع لككك‬
‫عندما أجد عمل حيث سنذهب‪ .‬فلم يوافق أريككم علككى طلبككه ولككم يعطكه شكيئا مككن الطعكام‪.‬‬
‫واشككتد الجككوع والعطككش بتميككم وكككادا أن يهلككك فقككال لككه أريككم‪ً:‬ا إذا أردات بعككض الطعككام‬
‫والشراب أعطيك‪ .‬ففرح تميم وتأمل خيرا في أريم ولكن أريم قال له ‪ً:‬ا ولكككن أفقككع احككدى‬
‫عينيك مقابل الزادا الذي أعطيك‪ .‬فاندهش تميم مككن قسككوة صأككاحبه ومككن عرضككه الككذي ل‬
‫يستفيد منه شيئا‪ ,‬ولكن مع إلحاح الجوع والعطش وخوف الموت الذي أعجككزه حككتى عككن‬
‫المشي وافق تميم مغلوبا على أمره‪ ,‬ففقدان عين واحدة خير من فقككدان حيككاته كلهككا‪ .‬ففقككع‬
‫أريم له عينه وأعطككاه بعككض الطعككام والشككراب فككأكل وشككربا ثككم سككارا مككرة أخككرى فككي‬
‫طريقهما مسافة بعيدة‪ .‬وأراداا الكل مرة أخرى‪ .‬فقرب تميم مككن أريككم ليأكككل فنهككره أريككم‬
‫ولم يسمح له فقال تميم ‪ً:‬ا لقد أخذت عيني مقابله‪ .‬فقال أريم ‪ً:‬ا نعم وقد أكلت وشككربت بهككا‪.‬‬
‫فقال تميم‪ً:‬ا ولكنها عيني يا رجل‪ .‬فقال أريم ‪ً:‬ا نعم‪ ,‬وتدفع العين الخرى مقابل سد جوعككك‬
‫هذه المرة أيضا‪ .‬فقال تميم ‪ً:‬ا وكيف سأتمكن من رؤية طريقكي فكي هكذه القفكار ؟ فقكال لكه‬
‫أريم ‪ً:‬ا ل بأس‪ ,‬أنا اقوداك حيث نذهب‪ .‬فوافق تميم بل حول ول قوة مستسلما لقضككاء اكك‪.‬‬
‫ففقع له عينه الخرى وأكل وشربا ثم مضى يقوداه في الطريق ولكن لمسافة قصيره فقط‪,‬‬
‫بعدها ترك يده ومضى عنه‪ ,‬فصاح تميم به قائل ‪ً:‬ا أريم أين أنت يا صأديقي؟ أتتركني هنككا‬
‫و حدي يا أخي؟ فضحك أريم وهو يبتعد عنه قائل ‪ً:‬ا ل تخف إن ا معك‪ ,‬أم أنككا فالطعككام‬

‫‪79‬‬
‫والشراب معي‪ ,‬وأنت تبطأ سيري‪ .‬ومضككى أريككم عنككه فككي طريقككه‪ .‬فأخككذ تميككم المسكككين‬
‫يمشي ويسقط متعثرا‪ ,‬ثم ينهض يتلمس طريقه حككتى إصأككطدم بشككجرة فتسككلقها خوفككا مككن‬
‫الحيوانات الضارية‪ .‬وجلس فوقها دااعيا منتظرا الفرج وعدل ا القاضي العادال‪ .‬وكككانت‬
‫تلك الشجرة مكانا مفضل لدى الجن ‪ ,‬يتناولون عشاءهم عندها كل ليلككة‪ ,‬وقككد داخككل علككى‬
‫تميم الليل فحضر الجان تحت تلك الشجرة بقككدورهم وأغراضككهم وأحككدثوا ضككجة‪ ,‬فسككبط‬
‫تميم في مكانه ل يتحرك‪ ,‬فوضككع ثلثككة مككن الجككان قككدرهم تحككت الشككجرة مباشككرة ومككن‬
‫حولهم الجان يتسامرون‪ ,‬فقال أحد هككؤلء الثلثككة الككذين تحككت الشككجرة متفككاخرا بعلمككه ‪ً:‬ا‬
‫أتريان هذه الصخرة التي أجلس عليها ؟ فقال صأاحبيه ‪ً:‬ا نعم نراها‪ .‬فقال ‪ً:‬ا في هككذه القفككار‬
‫اليابسه بني البشر يطوفونها عطشى ول يعلمون أن بها الميككاه متككوفرة بكككثرة‪ .‬فقككال لككه ‪ً:‬ا‬
‫وكيف ذلك ؟ فقال ‪ً:‬ا تحت هذه الصخرة التي أجلس عليها إذا ما حفر أحككدهم مسككافة ذراع‬
‫يجد الماء غزيرا ل نهاية له‪ .‬وقال أحد أصأككحابه وأرادا أن يظهككر علمككه عليككه ‪ً:‬ا أمرالمككاء‬
‫شيئ هين متوفر ويمكن أن يحمله النسان معه أينما ذهب‪ .‬فقام الجني الثالث ليرى ما في‬
‫القدر الكبير من الطعام ويتأكد من نضجه ويقلبه وقد أو قدوا نارا تحتككه‪ .‬ثككم أكمككل الجنككي‬
‫الثاني قوله قائل ‪ً:‬ا أما ما ل يمكن لبني البشر أن يعلموه هو هذه الشجرة التي نحن تحتهككا‪.‬‬
‫فدق قلب تميم بسرعة خوفا من أن يروه ويكتشفوه‪ .‬ثم أكمل الرجككل الثككاني قككائل ‪ً:‬ا إذا مككا‬
‫أخذت من أوراقها وفركتها في يديك ثم وضعتها على عين العمى ردا له بصره ولو كان‬
‫أعمى منذ خمسين سنه بقدرة ا القدير على كل شئ‪ ,‬فإن تلك الخاصأية موجوداة في هككذه‬
‫الشجرة التي ل يعيرها أحد أي إهتمام‪ .‬فقال الجني الثالث الكذي يتفقكد الطعكام بالقكدر وقكد‬
‫أرادا أن يزيد على صأاحبيه‪ً:‬ا وهذا أيضا سهل‪,‬ا فإن من الداوية أنواع كثيرة من يحمل تلك‬
‫الخاصأية وليست هذه الشجرة وحدها تفعل ذلك‪ .‬أترون أسفل هكذه الشكجرة ؟ وأشكار بيكده‬
‫إلى تحت الشجرة قائل ‪ً:‬ا إذا ما حفرتم تحت جذعها مسافة تجدون كنزا عظيما كانت قافلة‬
‫متوقفة هنا منذ مئات السنين‪ ,‬وعندما رأوا اللصككوص قكادامين إليهكم دافكن صأككاحب القافلكة‬
‫أمواله من ذهب وجواهر ونقودا فضية تحتها ظانا أن اللصوص عندما يأخذون ما يجدون‬
‫ويرحلون يستخرجها بعد ذهابهم‪ ,‬ولكن اللصوص عندما لم يجدوا شيئا ثمينا يأخذوه قتلوا‬
‫كل من بالقافلة إنتقاما ومضوا في حال سبيلهم‪ .‬ثم نضج الطعام وبدأ الجن الثلثككه بالكككل‬
‫فأكلوا وشربوا ورمسوا وضحكوا حتى منتصف الليل‪ .‬وتميم في مكانه صأابر لم يتحككرك‪.‬‬
‫ثم نام الجان هناك حتى قبيل الصبح ثم إختفككوا‪ .‬وعنككدما أحككس تميككم باشككعة الشككمس أخككذ‬
‫بعض أوراق الشجرة وفركها بكفه ثم وضعها على عينيه فردا ا له بصره ففككرح برؤيككه‬
‫الدنيا مرة أخرى أيما فرح‪ ,‬ثم نزل من على الشككجرة فككرأى الصككخرة الككتي كككان يتحككدثا‬
‫عنها الجني فحفر تحتها مسافة ذراع فوجد الماء هناك غزيرا فشرب حتى إرتوا‪ ,‬ثم ذهب‬
‫إلى تحت الشجرة وحفر حفرة تحتها حتى وجد الكنز فككي صأككندوق قككديم قككد أكلككت الرمككة‬
‫بعض أجزائه فأخذه‪ .‬وبعد سنين طويلة رجع أريم من تلك الطريككق فتفاجككأ بوجككودا مدينككة‬
‫كبيرة ذات بنايات وبساتين وأسواق وبها قصر عظيم كبير‪ ,‬وهذا كله ليس بعيدا مككن تلككك‬
‫الشجرة الوحيدة‪ .‬فدخل أريم السواق وسأل عن ذلك‪ .‬حيث لم تكن تلك المدينة هنككاك فككي‬
‫الماضي‪ .‬فأرشدوه الى القصر الكبير الذي بوسط المدينة وقالوا له ‪ً:‬ا ذلك هو من بنى هككذا‬

‫‪80‬‬
‫المكان‪ ,‬وقد بناه في البدأ إستراحة للقوافل حتى كبرت كما ترى‪ ,‬وهككو سككلطان علككى هككذه‬
‫المدينة‪ ,‬وهو رجل متواضع كريم محسن للناس‪ .‬ففرح أريم بهذه المعلومه وقرر الككذهاب‬
‫لطلب المساعدة من السلطان فدخل عليه حتى جلس بين يديه ولم يعرفا بعضهما البعككض‪.‬‬
‫وها يتحدثان قص تميم لريم قصته بالكامل فعرفككه أريككم ولكككن تميككم لككم يعرفككه بعككد تلككك‬
‫السنين الطويلة فقال أريم‪ً:‬ا هل لك أن تسديني خدمة أيها السلطان الكريم؟ فقككال لككه تميككم ‪ً:‬ا‬
‫تمنى علي بأي شيئ‪ ,‬هل تريد بعض المال؟ فقال له أريم ‪ً:‬ا ل‪ ,‬وإنما أريد منك أن تفقع لي‬
‫عيناي الثنتين وتضعني أمام تلك الشجرة فقط هذا ما أريد منككك‪ .‬فاسككتغرب لمككره تميككم‪.‬‬
‫ومع إلحاحه ومحاولة تميم إرضائه بالمال والجواهر ولكنه أصأر على طلبه‪ .‬فنفذ له طلبه‬
‫ووضعه عند تلك الشجرة مفقوع العينين‪ .‬فصعد متسلقا الشجرة وجلس أريم فوقها ينتظر‪.‬‬
‫وبالليل حضر الجان مجلسهم وجلسوا يتسامرون ويأكلون وقد بنيت بجككانب الشككجرة بئككر‬
‫بناها تميم لما حفر هناك أول مرة فوجد الماء فبناها للقوافل والكدواب‪ .‬فتكلككم أحككد أولئكك‬
‫الجان قائل ‪ً:‬ا هذه البئر وقد حفرها بني البشر‪ ,‬وقد كنت تقول أنه ل يعلم أحد بوجودا الماء‬
‫الغزير هنا‪ .‬فقال الخر ‪ً:‬ا لست بأحسن حال منككي فقككد إسككتخرج بنككي البشككر كنزهككم الككذي‬
‫كنت تتفاخر بمعرفتك وحدك عن مكانه‪ .‬ثم سكتت الجان وقاموا يتحككدثون بأشككياء أخككرى‬
‫ويضحكون وأريم يستمع لهم فلم يقولوا شيئا يسكتفيد منكه‪ .‬فصكرخأ عليهكم مكن فكوق ق ائل‬
‫بقوة ‪ً:‬ا والمال‪ ,‬الكنز‪ ,‬أين خبيء الكنز؟ عندها رفع الجن بصرهم إلى فوق الشجرة فرأوه‪,‬‬
‫فتطايرت الجن عليه كالزنابير وتناهشته هناك فوق وهو يصيح ويستغيث‪....‬‬
‫قاطع شهلون قصة هرمس قائل ‪ً:‬ا نعم ‪ ,‬نعم أنا أعرف تلككك السككلطنة‪ .‬فنظككر الجميككع إلككى‬
‫شهلون مندهشين‪ .‬فنظر إليهم قائل ‪ً:‬ا أل تصدقوني ؟ لقد قال لي أبي أن جككده الكككبر كككان‬
‫سلطانا من السلطين على مدينة ما هناك في الصككحراء‪ ,‬وأذكككر أنككه قككال شككيئا عككن كنككز‬
‫أجككداداي العظمككاء‪ .‬فنظككر إليككه الجميككع مكككذبين‪ .‬فنظككر شككهلون فككي وجككوههم قككائل ‪ً:‬ا أل‬
‫تصدقوني؟ نعم إنه جككدي الكككبر أريككم هككذا إسككمه‪ ,‬أريككم الكككبير‪ .‬فضككحكوا عليككه وقهقككه‬
‫الجميع وهو يحاول إقناعهم أنه إبن السلطين فقالت له روثا ‪ً:‬ا إنككه تميككم السككلطان وليككس‬
‫أريم‪ .‬وتضاحكوا عليه وأخذت الجميع الجدية لما سكت هرمس وإخوته عن الضحك وقام‬
‫هرمس بكل جدية فنظر الجميع إلى حيث ينظر الجان فإذا شيئ كمثل النور يقع عليهم من‬
‫السماء وتحكط علكى الرض مخترقكة حلقتهكم سكيدة وقكورة معتدلكة القكوام جميلكة حليبيكة‬
‫البشرة ذات هيبككة‪ .‬وحككط ورائهككا أفتككاب وماهتككاب فتقككدمت تمشككي نحككو هرمككس وأفتككاب‬
‫وماهتككاب يمشككون ورائهككا وهككي تقككول ‪ً:‬ا أصأككبحت تجيككد قكص الحكايككات إذا يككا هرمككس‪.‬‬
‫فاستنحى هرمس وأطرق رأسه ثم تقدم منها وورائه إخوته فقبل يدها قائل ‪ً:‬ا مرحبا أمككي‪.‬‬
‫وكذلك فعل الخوة من وراءه بينما فرح هرمس بككإخوته أفتككاب وماهتككاب وهنأهمككا علككى‬
‫السلمة وككذلك فعكل الخككوة مكن وراءه فرحيككن بلكم شكملهم مكع أمهككم‪ .‬وقككد ككان الشككيخ‬
‫سموطان يخطوا إليهم فشاهد منها ذلك فوقف برهة ثم تقدم إليها وهي تنظككر إليككه فخطككت‬
‫نحوه وخطا نحوها فلما تلقيا أخذ يدها يقبلها قائل ‪ً:‬ا الملكة دابورة أم ملوك الجان‪ ,‬مرحبككا‬
‫بك‪ ,‬لقد جأتينا فككي أوقككات عصككيبة‪ .‬فنظككرت الملكككة إلككى الطفككال المتشككابهين مككن حيككث‬
‫الملبس من حولها فقال الشيخ ‪ً:‬ا هذه إحدى الصعاب‪ .‬ثكم قكالت الملكككة دابككورة‪ً:‬ا جنكد الملككك‬

‫‪81‬‬
‫شمشون لن يصلوا إليكم قبل ثلثة أيام‪ ,‬حيث إنه جيش كبيركثير العتادا‪ .‬فقامت روثا مككن‬
‫حيث تجلس من خلف الملكة وهككي تنظككر إلككى لبككاس الملكككة الملكككي الفخككم فسككتانا أسككوداا‬
‫طككويل مخصككر‪ ,‬يتككدل مككن فككوق رأسككها إلككى كعككبي رجليهككا حجككاب أسككودا يخفككي وراءه‬
‫ظفيرتان طويلتان كبيرتان من شككعرها‪ ,‬كككل واحككد منهككا ملتويككا مشكككل حلقككه تصككل إلككى‬
‫مقعدتها ثم يرجع طرفه مرة أخرى ويختفي عند بدايته عند رأسها خلككف الحجككاب‪ ,‬وهمككا‬
‫على جوانبها كأنهما جناحا فراشة‪ ,‬ثم شهقت قليل روثا عندما خرجت أطراف ظفيرتاهككا‬
‫قليل من وراء الحجاب من عندرأسها لتنظر إلى روثا ثم عادات بسرعة واحتجبتا‪ .‬فقالت‬
‫روثا ‪ً:‬ا ثم إن الملك أجمنون قد إختفى ول نعلم ما حل به‪ .‬فإستدارت الملكة إلى من يتكلككم‬
‫من خلفها بنصككفها الفككوقي وسككموطان أمامهككا فنظككرت روثا بإعجككاب إلككى وجككه الملكككة‬
‫الصافي الطويل‪ ,‬وفي شق صأدرها جككوانب حمككراء دامويككة وقلداة غريبككة مككدلة بسلسككلة‬
‫على صأدرها‪ .‬فقالت الملكة وهي تشكير بأصأكابع يكدها الكتي لكم تكزدا خواتهمكا الثلثكة فكي‬
‫أصأككابعها علككى جمككال أناملهككا الرقيقككة ‪ً:‬ا نعككم الملككك أجمنككون‪ .‬ثككم إسككتدارت معتدلككة إلككى‬
‫سموطان وسارت إلى البركة المسمومة وتبعوها‪ .‬وقفت الملكة دابورة علككى ضككفة البركككة‬
‫وفتحت كفيها على الماء وحركتهما‪ ,‬فإذا البركة أصأبحت مثل الشاشة الكبيرة ووضح فيها‬
‫طريككق إنتهككى إلككى صأككومعه الكككاهن حنباثكا‪ ,‬وبككان بككداخل الصككومعه الملككك فككي الرض‬
‫محشور والكاهن حنباثا والملك سايروس وتابعه أوريا بجانبهما والملكان يأكلن ويلقيككان‬
‫الطعام على أجمنون‪ .‬فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا إنه الكاهن حنباثا في مملكتة مملكة )دالتا( وقككد‬
‫إحتجز الملك أجمنون معه‪ ,‬وهذا الملك سايروس بجانبه‪ .‬عندها رجعككت البركككة علككى مككا‬
‫كانت عليه فقال سموطان للملكة ‪ً:‬ا وما قصة هؤلء الصبية أيتهككا الملكككة ؟ ففعلككت الملكككة‬
‫مرة أخرى ذلك وهي تنفخ بإتجاه البركه فإنتشر الهواء من فمهككا علككى البركككة ووضككحت‬
‫في الماء صأورة وصأفتها لهم قائلة ‪ً:‬ا هذا إبن الملك سايروس الساحر المشعوذ مرقس‪ ,‬في‬
‫كل سنة يختار ستة من الولدا الذين بلغوا الحاداية عشرة في تلككك السككنة‪ ,‬ويككأتي ليككذبحهم‬
‫هنا على هككذه البركككة قربانككا للمعبككد فيعطككي الشككيطان أرواح تلككك الصككبية للجنككودا الككذين‬
‫يذبحونهم‪ ,‬وبذلك ل يمكن لحد أن يقتل أولئك الجنودا‪ ,‬وقد أصأبح لديه ستين جنككديا بعككددا‬
‫هؤلء الصبية هنا‪ .‬حينها إنطفأت الصورة مككن البركككة وأرادات الملكككة الكلم مككع الشككيخ‬
‫فقاطعتها على حياء روثا قائلة ‪ً:‬ا وكذلك المير هيرودا‪ ,‬تبككع بككأبيه إلككى مملكككة )ثيتككا(‪ .‬ثككم‬
‫نظرت روثا بحزن إلى الملكة التي إلتفتت تسمع منها‪ .‬فالتفتت الملكة إلى البركككة ومككدت‬
‫كفيها وحركتهما فوضحت صأورة هيككرودا وهككو مسككتلقي علككى الرمككال يتحككدثا إلككى فتككاة‬
‫جميلة بثوب واحد قصير وهي تبتسم من كلمه وهما منسجمان مع بعضككهما كمككا إنسككجم‬
‫الظلم من حولهما‪ .‬فاسككتدارت روثا عنككدما شككاهدت ذلككك ومضككت ببعككض الحككزن ممككا‬
‫رأت‪ .‬فقالت الملكة دابورة للشيخ ‪ً:‬ا يجب أن نذهب لنقاذ الملك أجمنون‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا أنككا‬
‫أتكفل بذلك‪ .‬وتكلم الوزير لوذا وقال ‪ً:‬ا بل يجب قتل هذه الصبية أول ‪ ,‬فلسنا في أمان وهم‬
‫حولنا‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا هككذه خطككوة جيككدة يككا لككوذا‪ ,‬لقككد بككدأت تتككدرب علككى قككول الصككدق‪.‬‬
‫فإعترضت الملكة وذهبت إلى أحد الصبية وأمسكت بذقنة ونظككرت إلككى عينيككه البريئتككان‬
‫وقالت ‪ً:‬ا ولكنهم ليسوا إل ضككحايا أبريككاء‪ .‬فقكال الشككيخ ‪ً:‬ا ولكنهكم يقتلكون مكن الجنكودا ككل‬

‫‪82‬‬
‫ساعة بل كل لحظة‪ .‬فقالت الملكة وهككي تنظككر فككي عينككي الصككبي ‪ً:‬ا إن أرواحهككم لككم تجككد‬
‫طريقها للهدؤ والسكينة‪ ,‬أقل ما نفعله لهككم أن نككترك أرواحهككم تعيككش بيككن هككذه الشككجار‪,‬‬
‫وضحكاتهم تسلي الطيور‪ .‬عندها نظر الشيخ إلى الملكة بإعجاب ونظرت إليككه مككن حيككث‬
‫كانت منحنية إلى ذلك الصبي ممسكة بذقنه ورمقت سموطان بنظرة جانبية قبل أن تعتدل‬
‫إليه مستديرة قائلة ‪ً:‬ا سككنذهب إلككى جيككش الملككك شمشككون‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا ومككاذا سككتفعلون‬
‫هناك؟ قالت‪ً:‬ا داع هذا لي‪ ,‬هل ستتكفل بإنقاذ الملك أجمنون؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا داعككي هككذا لككي‪.‬‬
‫حيا الشيخ الملكة تحيه برأسه وطار من ساعته‪ .‬فتوجهت الملكة إلى هرمس وقككالت لككه ‪ً:‬ا‬
‫سنذهب أنا واخوتك لتسريع النجدة القادامة من الملك شمشون إبقا هنا واحرس البقية‪ .‬هككز‬
‫رأسه هرمس بالطاعة وطارت ألم وطار معها أبنائها أفتاب وماهتاب وبهككرام وبرجيككس‬
‫وكيوان‪.‬‬

‫الفصل الساد س‬

‫‪83‬‬
‫وإذا بسموطان يدخل عليهم الصومعة مسرع الخطى نحو الملكين حنباثا و سايروس على‬
‫الكراسي‪ .‬فنظر سموطان إلى الملك أجمنون وهو بداخل أرض الغرفككة وقككد أغمككي عليككه‬
‫من التعب‪ .‬وتوجه سموطان بككالكلم إلككى حنباثككا بشككدة قككائل ‪ً:‬ا أمككا تسككتحي يككا خنزيككر أن‬
‫تتجرا على ملك الملوك بعلم السحر والعوان‪ .‬فنظر إليه حنباثا مغتاظا وأشككار بيككده إلككى‬
‫الرض وقال ‪ً:‬ا بغقان واحد فردا يا أرض ضككميه فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا لككن تضككمني أرضككك ول‬
‫سمائك بل تضمني أرض ا الطككاهره وسككماءه القككاهره الككتي بغيككر عمككد مرفككوعه‪ .‬فقككام‬
‫حنباثا من كرسيه وقام كذلك سايروس الذي إبتعد إلى الزاوية اليسرى تاركا لهما المجككال‬
‫للنزال‪ .‬وقد أشتد التحدي بينهما كما لحظ ذلك الملك وتككابعه المتفرجككان الوحيككدان‪ .‬فقككال‬
‫حنباثا يعزم ‪ً:‬ا قهريا يا مقهريا يشكوت يا شكوته يا خنجر يا طستل‪ .‬فرأى حنباثا الشككيخ ل‬
‫يتأثر بما يعزم عليه بل يبتسم وهو يتقدم ناحيته ببطككأ‪ .‬فرجككع حنباثككا يزحككف علككى وراءه‬
‫ناحية الزاوية اليمنى وقال‪ً:‬ا يا شمخا يا شمطيثا يا سلمطيثا يا خيملوثيا والشككيخ سككموطان‬
‫يضحك غير مبالي حتى تيقن حنباثا أنكه ل يسكتطيع لكه حكول ول قكوة فقكال حنباثكا ‪ً:‬ا مكن‬
‫أنت؟ ومن أين أتيت وماذا تريد مني ؟ فقال الشككيخ ‪ً:‬ا أراك يككا كلككب إجتهككدت فككي سكحرك‬
‫حتى صأرت مثل الجرة الفارغة وأنا صأابر عليك لعلك تحترم كها نتك وعلمك‪ ,‬فاعلم أني‬
‫ل يجوز في أقلم ول أسماء ول عزائم ول أسحار وإذا الشيخ يتقككدم ليبطككش بحنباثككا فكإذا‬
‫يدفعه شيئ كبير ضخم من خلفه إلى جدار الصككومعة فيقشككعاه ويسككقطا مككن علككى الجبككل‪.‬‬
‫وإذا هو جلجلن الماردا فتبادال اللكمات نزول مككن علككى الجبككل والشككيخ يحككاول الطيككران‬
‫ليرتفع فيدفعه الماردا إلى السفل بقوة والشيخ يحاول دافعه عنه حتى تمكن الشيخ من قلبككه‬
‫في الونه الخيرة فيقع والشيخ يقع فوقه على الرض فقام عنه الشككيخ منهكككا والمككاردا ل‬
‫يتحرك ممدداا‪ ,‬فإلتقط سموطان أنفاسه وأمسك بخاصأكرته متألمككا وإذا المككاردا يلكمكه لكمكة‬
‫قوية ترجع سموطان إلى الخلف بقوة فيصككطدم ظهككره علككى حجككر كككبير مسككطح‪ ,‬وتبعككه‬
‫الماردا حيث أسند الشيخ ظهره على تلك الصخرة من القذفة وأمسك بسموطان مككن خناقككة‬
‫فلم يستطيع سموطان التنفس فتككذكر سككموطان ونظككر إلككى جيبككه وأخككرج منككه كيسككا بيككده‬
‫اليمنى وأمسك بيده اليسرى على أنفه فتعجب منه المككاردا إذ هككو مخنككوق ثككم يمسككك بكأنفه‬
‫كيف ذلك؟ وهو ل يعلم ما يخطط له الشيخ فقذف الشيخ بيده اليمنى ذلك الكيس في وجككه‬
‫الماردا‪ ,‬والماردا حين ذاك لم يفلت الشيخ ماسكا بخناقه‪ .‬وكان الماردا ل يلبككس شككيئا سككوى‬
‫بنطال قصير ضكيق فضكرط المكاردا ضكرطه شكديدة نفخككت الككتراب مككن علككى الصككخور‬
‫المجاورة لهم من خلفه التي في سفح الجبل وكأنها قذيفة‪ .‬ولم يبالي الماردا بذلك فرفع يككده‬
‫ليدق الشيخ بيده التي كأنها مطرقة ضخمة وإذا بالماردا يضككرط عككدة ضككرطات متتابعككة‪,‬‬
‫طلقات كلها تذهب في الصخور بصوت الرعككد فككي ذلككك الككواداي الصككخري‪ ,‬فتككوقفت يككد‬
‫الماردا في الهواء وانزعج وأمسك بطنه الذي بدأ يتلوى‪ ,‬فإذا هو يبككدأ بالضككراط المسككتمر‬
‫الشديد فترك الشيخ وذهب في الواداي راكضا وهو يضرط الشديد حككتى إختفككى فككي آخككر‬
‫منحنيات الواداي بين الصخور‪ .‬أمسك سموطان خاصأرته التي آلمته وبدا وكأن جسمه قككد‬

‫‪84‬‬
‫تدقككدق‪ .‬وحنباثككا كككان يراقبهمككا مككن فككوق صأككومعته هككو وصأككاحبه الملككك سككايروس عنككد‬
‫الشرفة‪ ,‬وكان الشيخ شديد العياء فطار مككن فككوره إلككى الصككومعه وبالكككادا سككحب الملككك‬
‫أجمنون من حفرته وطار به بمشقة شديدة‪ ,‬وما يكاداان يصلن المعسكر حتى وقعا أرضا‬
‫هما الثنين من اللم والصأابات والتعب‪ .‬فتككدافع الجميككع إلككى حملهمككا إلككى دااخككل الخيككام‬
‫وأخذوا بتطبيبهما‪ .‬أما الملك سايروس فقال للملك حنباثا‪ً:‬ا لقد أفلت مككن بيككن أيككدينا‪ .‬وكككان‬
‫الكاهن حبناثا ينظر من شرفتة مترقبا‪ .‬ووراءه سايروس ثم وراءه تابعه‪ .‬فأخذ تابعه يشده‬
‫من ردااءه ليسكت ولكن سايروس تابع تعنيف حنباثا قائل ‪ً:‬ا كلكه بسككببك وضككعف سكحرك‬
‫وقوتك‪ ,‬وقد تغلب عليك ولم تفعل له شيئا‪ ,‬وذلككك المككاردا الغككبي الككذي أرسككلته وراءه وقكد‬
‫هرب كالدجاجة‪ .‬وهذا كله والتابع يجر بردااء سيده سككايروس لكككي يصككمت‪ .‬فككالتفت إليككه‬
‫الكاهن حنباثا وقد إشتد حنقه فدفع بيككديه الملككك سككايروس علككى صأككدره دافعككة قويككة فككدفر‬
‫وراءه تابعه وارتميا أرضا‪ .‬ثم أمر الرض وقال ‪ً:‬ا بغقان واحككد فككردا يككا أرض ضككميهما‪.‬‬
‫فضمتهم أرض الغرفة وأخذ حنباثا يدور في أرض الغرفة شابكا يديه خلف ظهككره يفكككر‪,‬‬
‫وكلما مر بالثنين في الرض وقف ينظر فيهمككا ول ينظككر إليهمككا‪ .‬بككل بككاله مشككغول فككي‬
‫شيئ أكبر‪ .‬والتابع يندب حضه‪ .‬أما الملك سايروس فكان محشورا أيضا إلككى صأككدره فككي‬
‫التراب يسب ويلعن تارة وتارة يستحلف الملك حنباثا بالنككار المقدسككة‪ .‬فوقككف حنباثككا عككن‬
‫سيرة أمامهما ويديه خلف ظهره ينظر فيهما ويفكر في الشيخ‪ .‬فأداار وجهككه بسككرعة الككى‬
‫يمينه ناحية الشرفة حيث سمع صأوتا‪ .‬ضرطة قويه أتت مككن أسككفل الجبككل ثككم إلتفككت إلككى‬
‫سايروس عندما علم مصدر ذلككك الصككوت وقككال مشككيرا بعينككه إلككى ناحيككة الشككرفة ‪ً:‬ا إنككه‬
‫جلجلن‪ ,‬يغذي نباتات الواداي بالسمدة‪.‬‬
‫كان جموع وجيوش الملك شمشون يسيرون فإذا بهككم تنككزل عليهككم الملكككة الم وأبنائهككا‪.‬‬
‫فخاف الملك شمشون وتحرك جنككده فمنعهككم أناهيككد وتقككدم وقبصككل يككد أمككه الملكككة بككاحترام‬
‫وخلفها أولداها الخمسة وقال أناهيككد للملككك شمشككون‪ً:‬ا هككذه أمنككا الملكككة دابككورة‪ .‬ثككم تككوجه‬
‫أناهيد إلى أخويه أفتاب وماهتاب يهنئهم على السلمة وصأافح إخوته‪ .‬فتقدمت الملكة إلككى‬
‫شمشون وقالت ‪ً:‬ا أيها الملككك شمشككون‪ ,‬نشكككرك علككى تقككديم المسككاعدة‪ ,‬ولكككن مسككاعدتكم‬
‫ستكون متأخرة حيث أنهم بحاجة إليها الن‪ .‬فقال شمشون ‪ً:‬ا هانحن كما ترين نسككير حككتى‬
‫في الظلم‪ ,‬ماذا نصنع أكثر من ذلك ؟ وقال بتهكم ‪ً:‬ا نطير ‪ .‬وضحك شمشون وهككو ينظككر‬
‫إلى كبير جنده الذي سايره في الضحك فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا هككذا مككا سككتفعلونه‪ .‬فانككدهش‬
‫الملك وظن أنها تمازحه حتى قالت له‪ً:‬ا أحضروا ما إسككتطعتم مككن المحككابر والقلم‪ ,‬هككل‬
‫معكم أحد ممن يستيطعون الكتابة ؟ فنظر الملك شمشون إلكى ككبير جنكده محكول السكؤال‬
‫إليه فقال كبير الجند ‪ً:‬ا نعم هناك منهم من يستطيع الكتابككة‪ .‬فقككالت الملكككة ‪ً:‬ا أحضككروا مككن‬
‫إستطعتم وكل ما طلبككت‪ .‬فنظككر الملككك إلككى كككبير جنككده وسككمح لككه بيككده فككذهب وأحضككر‬
‫مجموعة مما يقرب من خمسة وخمسين جنديا ممن يعرفككون الكتابككة‪ .‬وذلككك كلككه والملككك‬
‫والجند ل يعلمون لما كل هذا ؟ فلما أحضروا القلم والمحابر عند الملكة وأبنائهككا السككتة‬
‫قال الملك شمشون للملكة وهو يقف بجانبها‪ً:‬ا سنحارب بهذه القلم ؟ فنظرت إليككه الملكككة‬
‫بطرف عينها مستهزأة وقالت‪ً:‬ا سنكتب على كل ظفر من أظافر أليككدي حرفكا‪ ,‬ونبككدأ مككن‬

‫‪85‬‬
‫ظفر البهام اليمن حتى ننتهي من اليد اليمنككى‪ ,‬خمسككة حككروف بخمسككة أصأككابع‪ ,‬وكككذلك‬
‫نفعل باليد اليسرى‪ ,‬هكذا‪ .‬وأخذت الملكة يد الملك وكتبت في أظافر أصأابع يده اليمنى ت‬
‫ط ل خأ و ثم أخذت يد الملكك اليسككرى وكتبككت بدايككة بالبهكام هكذه الحككرف ت ط ل خأ و‬
‫وكبير الجند يشاهدها‪ ,‬ثم قالت داع الجنودا الذين يعرفون الكتابة يتقدمون إلى كل واحد منا‬
‫نحن السبعة واحدا واحدا‪ ,‬ونحن نكتبها لهم ونعلمهم طريقتها ثم هم يكتبون للبقيككة‪ .‬فككذهب‬
‫كبير الجند وجعل الجند الخمسة والخمسين يتقدمون على الجن وهكم يكتبكون لهكم‪ .‬وقكالت‬
‫الملكة للملك‪ً:‬ا وإذا أردات الهبوط بعد أن تطير إمسح من أصأابع يديك حرفككا حرفككا‪ ,‬فكلمككا‬
‫مسحت حرفا نزلت قيل وهكذا واحككدا تلككو الخككر‪ .‬فقككال الملككك شمشككون‪ً:‬ا أمركككم عجيككب‬
‫معشر الجان غريب‪ .‬فقكالت لكه الملككة ‪ً:‬ا أمكا أنكت فلكك أن تجكرب وأنكت فكي الفضكاء أن‬
‫تمسحها كلها من أظافرك دافعة واحدة‪ .‬فارتعش الملك مسككتنكرا وقككال ‪ً:‬ا ل ل كمككا تقككولين‬
‫نفعل ل نخالفك أمرا‪ .‬داخلت روثا على الشيخ في الخيمة وهو يتألم فجلست علكى طكرف‬
‫فراشه وقالت ‪ً:‬ا هل أنت بخير سموطان؟ وقد بدت حزينة فقال الشيخ وهو ينظر إلى دايفي‬
‫الذي داخل وألقى بنفسه على الشيخ فتألم منه عندما لمس صأدره ووضع رأسه عليه ‪ً:‬ا آه ل‬
‫أنا أحسن الن إذ رأيتكما‪ ,‬هل عادا هيرودا ؟ فقالت ل لم يعد بعد‪ ,‬أظن أنه يفضل البقاء في‬
‫الصحراء مع تلك الفتاة وحدهما‪ .‬فضحك الشيخ من قولها متألما وقال ‪ً:‬ا آه يا إبنككتي‪ ,‬كتككب‬
‫عليك أن تعيشي وحيدة لم تختلطي بالرجكال‪ .‬فقككالت روثا ‪ً:‬ا بكل لقككد فعلكت‪ ,‬لقكد إختلطككت‬
‫برجل الرجال ‪ ,‬أنت‪ .‬عندها إبتسم الشيخ لها وضم دايفي إليه‪ .‬في صأومعه الكاهن حنباثككا‬
‫كان جالسا على كرسيه وهو يأكل العنب ويضحك وهو يرمككي بككه علككى الملككك سككايروس‬
‫وتابعه أوريا وهما في أرضية الغرفككة محشككورين‪.‬وإذا بضككرطة قويككة مككن وراء كرسككيه‬
‫تأتي من سفح الجبل فإنتقز حنباثا قليل ثم لم يبالي وأخذ يأكل العنب ويضحك ويرميه فككي‬
‫وجه سايروس‪.‬‬
‫إصأطف جميع جيش الملكك شمشكون علكى طكول الطريكق خلكف الملككة دابكورة وأبنائهكا‬
‫الستة‪ .‬وقد حملوا ما إستطاعوا حمله من متاعهم معهم‪ .‬ثككم صأككرخت الملكككة بقككوة قككائله ‪ً:‬ا‬
‫أخل كاغ زرطلة أخلكاغ زرطله أخلكاغ زرطلة عندها ويا لعجب الجنودا حيث بدأوا‬
‫يرتفعون مذهولين فرحين‪ .‬وأخذوا يتقككون أغصككان الشككجار أثنككاء إرتفككاعهم ومنهككم مككن‬
‫يصطدم بها فتوجعه ثم يعودا فيرتفع إلى أعلى حتى أصأبح الجميع في السككماء عاليككا‪ .‬وقككد‬
‫سككدوا وجككه السككماء لكككثرتهم‪ .‬وانطلقككت الملكككة وأبنائهككا متككوجهين وتبعهككم جيككش الملككك‬
‫شمشون والذي كان في المقدمة يطيكر خلكف الملككة وهكو ينظكر إلكى تحكت حيكث ترككوا‬
‫جميع معداتهم الثقيلة وأجهزتهم الحربية ورائهم‪ .‬والجميككع غيككر مصككدقين أن ذلككك حككدثا‬
‫فعل وأصأبحوا كالطيور‪.‬‬
‫كان الملك أجمنون غاطا في النوم وقكام فجكأة يهككذي ويصكرخأ فككدخل عليككه وزيككره لكوذا‬
‫وأقامه من نومه‪ .‬وعندما فتح الملك عينيه سأله ‪ً:‬ا أين ابني هيرودا ؟ فقال الوزير ‪ً:‬ا مككولي‬
‫عندما إختفيت ول نعلم ما حل بك‪ ,‬رفض القوم أن يذهبوا في إثرك لقلة عككدداهم‪ ,‬ووجككدنا‬
‫حارس خيمة الرسول مفتول في خيمته‪ ,‬فأردات الذهاب للبحث عنك ولكن الميكر هيكرودا‬
‫منعني وقال ‪ً:‬ا أنه أولى بالخروج للبحث عن والده العزيز‪ ,‬فخرج إلى مدينة )ثيتا( للبحككث‬

‫‪86‬‬
‫عنك‪ .‬تنهد الملك مفجوعا في إبنه وقال‪ً:‬ا أهك سيهلك المير‪ ,‬لبد من الذهاب للبحككث عنككه‪.‬‬
‫وأرادا القيام من فراشه ولكن جراحككه أثقلتككه فاسككتلقى فككي فراشككة متأننككا مككن آلمككه‪ .‬فقككال‬
‫الوزير ‪ً:‬ا ل عليك يا مكولي‪ ,‬بعكدها حضكرتنا الملككة دابكورة وأرتنكا فكي البرككة أن ابنكك‬
‫بخير‪ ,‬وأنه قادام إلى هنا‪ ,‬لقد كان منظرا عجيبا في تلك البركة‪ .‬فنظر إليه الملك من تحككت‬
‫جفونه وهو ل يفهم شيئا‪ ,‬وظن أن الوزير فقد عقله‪ .‬فقال لكه ‪ً:‬ا ملككة‪ .‬برككة‪ .‬مكاذا تقكول ؟‬
‫فقال الوزير ‪ً:‬ا ل عليك يا مولي إن إبنك بخير‪ .‬ثم راح الملك في غيبوبه مرة أخرى‪ .‬فككي‬
‫هذه الثناء كانت الملكة دابورة مع أبنائها الستة يقوداون المددا في السككماء‪ ,‬وإذ هككم قريكبين‬
‫من معسكر الملك أجمنون قالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا ذاك هو معسكرنا‪ ,‬ما تقولون يا أبنائي لككو‬
‫نذهب إلى صأومعه الكاهن مباشرة‪ ,‬فلعل سموطان بحاجة إلينا هنككاك‪ ,‬وإن لككم يكككن هنككاك‬
‫فالمسافة ليست ببعيدة من الصومعة إلى المعسكككر يمكككن للجيككش الزحككف إلككى هنككاك فككي‬
‫غضون ساعات ونخلص الناس مككن شككر ذلككك الكككاهن الخسككيس‪ .‬ردا عليهككا إبنهككا الكككبير‬
‫أفتاب بهز رأسه باليجاب وقال كيوان ‪ً:‬ا نحن قادارون عليه يككا أمككاه‪ .‬وإذ هككم كككالطير فككي‬
‫السماء وورائهم ذلك المددا الكككبير وكككأنه سككرب مككن الجككرادا كسككرت ألم طيرانهككا يمينككا‬
‫وتبعها أبنائها ومن خلفهم القطيع‪ .‬وهم كذلك يطيرون حتى لحت لهم صأومعة الكاهن من‬
‫بعيد فتنبه الكاهن حنباثا إلى صأوت أزيز يقترب‪ .‬فاقترب من شرفته وشاهد ذلككك السككرب‬
‫الضخم‪ .‬حينها داخل حنباثا مسرعا إلى بعض الحجرات في الصومعة وخرج إلى الشككرفة‬
‫ومعه حزمة كبيرة من أعوادا الخشب كل عودا بطول سلعد اليد‪ .‬وذهب مرة أخرى وعاودا‬
‫ومعه حزمة كبيرة من الحبال المقطعة‪ ,‬وهي بنفس أطوال أعوادا الخشب ‪ ,‬وأخككذ يصككفها‬
‫تحت الشرفة ويجهزها وهو يطككالع مككن الشككرفة إلككى ذلككك الزحككف المقككترب‪ .‬وأخككذ يفككك‬
‫أربطة رزمة الخشب على عجل ويصككف حبككاله بجانبهككا مفككرداة‪ ,‬ثككم إسككتقام حنباثككا علككى‬
‫الشرفة وهو ينظر إليهم وقد إقتربوا‪ ,‬وأخذ ؤيتمتم ببعض الكلمات سرا ثم يشير بفمككه إلككى‬
‫قسم من ذلك الجيش وينفخ فإذا نفخ تساقطت الحرف مككن أصأككابع ذلككك القسككم مككن الجنككد‬
‫الذين نفخ عليهم فيسقطون ويهوون أرضا‪ ,‬ومرة أخرى يتمتم إلى قسم أخر وينفخ والجنككد‬
‫ينظرون إلى تلك الحكروف المكتوبككة علككى أظككافرهم تتسكاقط كمككا لكو أن أصأكابها المطكر‬
‫فيسقطون ويهوون في الواداي‪ .‬وتكسرت عظامهم على الحجار التي في الواداي‪ .‬وأصأبح‬
‫الجند في بلبلة عظيمة وخطب جسيم‪ .‬وأخذت الملكة دابورة تنظر إليهم يتسككاقطون ويككأتي‬
‫من هو خلفهم فليعلم ما يكون هناك ويلقى نفس المصككير‪ .‬فأصأككاب الملكككه الحككزن والغككم‬
‫والغيض وهي تنظر إليهم صأرعا يهوون إلى الرض كما يهوى الذباب‪ .‬وأخككذت تصككيح‬
‫بهم امسحوا واحدا تلو الخر وانزلوا إلككى سككفح الجبككل‪ .‬بعضككهم سككمعها ونجككح بككالنزول‬
‫وبعضهم كان يسقط‪ .‬وأخذ أولداها يصيحون بهم بالنزول وذلك الكاهن الفاق ينفككخ فيهككم‬
‫من كل إتجاه‪ .‬فاضطرت الملكة إلى النزول ونزل خلفهككا أبنائهككا ثككم قككام الجنككودا بككالنزول‬
‫وبعضهم كان مككا يككزال فككي النككزول فيسككقط ويمككوت حككتى نككزل الجميككع إلككى سككفح جبككل‬
‫الصومعة وقد هلك أكثر من ثلث الجيش‪ .‬وأخذت الملكة وأبنائهككا يراقبككون الجثككث الملقككاة‬
‫على الصخور في كل مكان‪ .‬وتقدم منها الملك شمشون غاضبا وهي فكي السكى مهمومكة‬
‫وصأاح فيها قائل ‪ً:‬ا هذه معركة الجن وليست حرب البشر‪ .‬فأجابته بسرعة مشيرة بعينيهككا‬

‫‪87‬‬
‫إلى الصومعة فوقها‪ً:‬ا وهل ذاك الذي قتلهم من الجن؟ انه منكم‪ .‬فهدأ الملك شمشون وقالت‬
‫الملكه‪ً:‬ا ولكن مع هذا أنا ألوم نفسي على هذه المذبحة‪ ,‬كيف لم أنتبه إلى أمكر الككاهن وأنكا‬
‫أعلم أنه ذو عزائم ومتمرس في السحر السككودا؟ عنككدها أخككذ الكككاهن أحككد العصككي وقككرأ‬
‫عليه وتفل فيه ثم ألقاه من الشرفة فإذا هو يسقط وقبل أن يلمككس الرض تحككولت العصككى‬
‫الى عقرب عملق أخذ يلكدغ الجنكد والجنكد حكوله يحكاولون قتلكه وهكو يصكيبهم مكن هنكا‬
‫وهناك‪ .‬وبعض الجند من يحاول تسلق الجبل إلى الصومعه فما زال الكاهن يلقككي عصككيه‬
‫وتتحول إلى عقارب عملقة في كل الواداي‪ .‬والجنككد يحككاولون قتلهككا فتقتلهككم وتصككطاداهم‬
‫من كل صأوب‪ .‬واجتمع الجند على أحككد العقكارب فقتلوهكا وغرسككوا رمككاحهم فكي أخككرى‬
‫وممن قتل من الجند أخذت الملكة تشير إلى رمككاحهم الملقككاة فتنطلككق الرمككاح فككي الهككواء‬
‫فتقتككل عقككرب هنككاك وتقتككل أخككرى بجانبهككا واولدا الملكككة يفعلككون مثلهككا‪ .‬وداارت حكرب‬
‫طاحنة‪ .‬وعندما فرغ حنباثا من العصي أخذ أحد الحبال وعقده عقدة واحدة وتمتم في تلككك‬
‫العقدة ورماه‪ ,‬وقبل أن يصل الحبل إلى الرض تحول إلى ثعبان هائل أخذ يجتككاح البشككر‬
‫وتوالت من بعده الثعابين من فككوق فكككانت حربككا عظيمككة مككن ثعككابين وعقككارب‪ .‬واجتهككد‬
‫البناء في مساعدة الجند على قتلها‪ .‬وقتل عددا كبير من الجند وتخلصككوا مككن عككددا كككبير‬
‫من الفاعي والعقارب‪ .‬وإذهم يقاتلون إذا بصككوت وقعكات كككبيرة تككأتي مكن أخكر الككواداي‬
‫وبعككدها ظهككر المككاردا جلجلن مككن بيككن الصككخور يجككري بسككرعة وانقككض علككى بهككرام‬
‫وطرحه أرضا وأخذ يضربه بضربات قويه لها داوي عالي فيككؤلمه‪ .‬والكككل فككي قتككال فككي‬
‫كل مكان‪ .‬وهاجم أناهيد ذلك الماردا وخلص أخاه منكه وتعككارك الخككوة مكع ذلككك الككوحش‬
‫المكسو بالعضكلت المفتولكة صأكاحب الكرأس الككبير وككأنه رأسكين مكن رؤوس الكثيران‬
‫القوية‪ ,‬وقد بلغت عضلت كتفيه إلى أذنيه‪ .‬وإذهم في صأراع كان الجند منهم من يستجمع‬
‫قوته ومنهم من يقتل الفاعي ومنهم مككن تقتلككه العقككارب السككودااء‪ .‬ثككم سككمعوا صأككوتا مككن‬
‫الصومعة‪ .‬الكاهن يصرخأ من شرفته لمن هككم تحكت السككفح بصككوت عككالي تناقكل الككواداي‬
‫صأداه قائل ‪ً:‬ا سأريكم قوتي سأريكم قوتي‪ .‬وداخل إلككى دااخككل صأككومعته حيككث كككان الملككك‬
‫سايروس وتابعه ما يزالن هناك في أرض الغرفة محشوران وقد إنهارت قواهمككا‪ .‬وبعككد‬
‫أن ألقى الكاهن نظرة عليهما توجه إلى أحد أبواب الغرفة المجاورة والتي ليككس لهككا بككاب‬
‫يغلق شأن الصومعه كلها‪ .‬وداخل إلى ألسككطبل وحالمككا داخككل وقفككت ثلثككة كلب سككودااء‬
‫ودايعة كانت مستلقية مربوطة‪ ,‬ووقفت متلهفة تنظككر إليككه وهككي تلهككث فتقككدم الكككاهن مككن‬
‫أحدها وفك رباطة فإذا الكلب الخرى تداعبه وتلعق يده بلطف‪ ,‬وأخذه معككه يسككوقه مككن‬
‫حبله لبضع خطوات هناك واستل سكينا كبيرة كانت معلقة في الجدار مكتوب عليهككا هككذه‬
‫الشكال على نصلها العريض ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وجر حنباثا سكينه في بطككن ذلكك الكلكب وشكقه بقكوة‪ ,‬وأخككذ يخكرج أمعكائه قبككل حكتى أن‬
‫ينتظككره أن يمككوت‪ ,‬والكلككب يعككوي ويصككيح‪ .‬وأخككذ حنباثككا مصككارينه الطككويله وجزأهككا‬
‫بالسكين‪ ,‬وأخذ ثلثكة قطكع منهكا‪ ,‬ككل مصكرون بطكول الشكبر‪ ,‬وأخكذ يفكرغ مكا فكي تلكك‬
‫المصارين ويشدها بيده وهو يقول ويتمتم‪ً:‬ا سأريهم مككن أنككا‪ ,‬سككيعلمون مككن أكككون ‪ ...‬نعككم‬
‫هكذا هكذا أسرع أسرع‪ .‬ثم ربط كل مصرون من تلك المصارين مككن طرفككه وهككو يقككول‬
‫عند ربطها ‪ً:‬ا هذا من طرفكه‪ ,‬وهكذا مكن طرفكه‪ ,‬وهكذا مكن طرفكه‪ ,‬نعكم هككذا‪ .‬وأخكذ تلكك‬
‫المصارين الثلثة واتجه إلى ناحية باب يفضككي إلككى خكارج ذلكك السككطبل‪ ,‬حيككث سكاحة‬
‫خارجية من خلف الصومعة مما يلي الجبل‪ ,‬يحيط بها جدار قصير وليس لها سقف‪ ,‬وفككي‬
‫وسطها شجرة ذات أوراق كبيرة مزروعة في الرض بطول قامة رجل‪ ,‬وحول غصككنها‬
‫صأككحن يككدور بهككا وغصككنها يخككترق الصككحن إلككى الرض‪ ,‬والصككحن منكككس إلككى جهككة‬
‫انسيابيه قليل به صأنبور‪ ,‬ومعلق بالشككجرة عككدة خطككاطيف مككن طيككور الخفككاش مذبوحككة‬
‫تقطر داما إلى الصحن الذي به مككاء النككدى الككذي يقطككر مككن أوراق الشككجرة‪ ,‬فيلتقككي الككدم‬
‫والندى في الصحن‪ .‬فاقترب الكككاهن مككن الصككنبور وأخككذ يمل تلككك المصككارين مككن ذلككك‬
‫الصنبور ماء أحمرا‪ .‬وكلما مل واحدا علقه في معلق متنقل بجانبه حتى علقهككا بثلثتهككا‪.‬‬
‫فأخذ المعلق وأخذ بيده الخرى ثلثة خفافيش من تلك المعلقة على الشجرة‪ ,‬ورجككع إلككى‬
‫زاوية في السطبل حيث فرن نككار‪ ,‬ووضككع المعلق بجككانبه ورمككى بتلككك الخفككافيش فككي‬
‫الفرن وانتظرها‪.‬‬
‫الملكة دابورة عندما رأت ذلك الماردا العملق جلجلن يدفع بأبنائهككا يمينككا وشككمال أخككذت‬
‫من تحت حجابها من رأسها مشطا من حديد‪ ,‬ورمته بقككوة علككى جلجلن وهككو يقاتككل أحككد‬
‫أولداها‪ ,‬فأصأكاب المشكط رأس جلجلن مكن قفكاه ورككز فيكه ف ألمه رأسكه وأمسككه وهكو‬
‫يصرخأ‪ ,‬فتقدمت منه دابورة وهو يدور على رأسه وإذا بعقوصأككها بعككد أن سككحبت المشككط‬
‫تخرج وتتحرك من حولها كاليدي الطويلة أو كالحيات‪ ,‬وتقدمت منه وأمسكته من وراءه‬
‫بظفيرتاها فالتوت العقوص حول رقبته وعلى رأسه فعصرته وسمع صأوت تهشم رقبتككه‪,‬‬
‫وزادات عليه العصر حتى وقع أرضا ميتككا‪ .‬ونظككرت الملكككة مككن حولهككا إلككى الجنككد وهككم‬
‫يصارعون الفاعي والعقارب العملقة والتي لم يبقى منها إل القليل‪ ,‬وصأاحت في أبنائها‬
‫قائلة ‪ً:‬ا عليكم بهذه العقارب والحيات‪ .‬فانتشر أبنائها علككى المخلوقككات الشرسككة يسككاعدون‬
‫الجند على قتلها‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫فتح الكاهن حنباثا الفرن فإذا الخفككافيش قككد أصأككبحت رمككاداا‪ .‬فأخككذ مككن ذلككك الرمككادا فككي‬
‫قارورة صأغيرة بجانبه‪ ,‬ورفع معلق المصارين وتككوجه إلككى الشككرفة ونظككر إلككى تحككت‬
‫الجبل فلم يرى من مخلوقاته سوى عقربه واحدة وأفعككى‪ .‬فككأطلق ضككحكة قويككة‪ .‬ونظككرت‬
‫الملكة دابورة إلى فوق فشاهدت الكككاهن مطل مككن الشككرفة‪ .‬فصككرخت قككائله للجنككد الككذين‬
‫يصارعون الحية والعقرب ‪ً:‬ا ل تخافوا منها‪ ,‬مككاهي إل خيككالت سككاحر ول يفلككح السككاحر‬
‫حيث أتى‪ ,‬كلها وهم يلعب بها عقولكم‪ .‬ثم همت الملكة بككالطيران للكككاهن فتنككاول حنباثككا‬
‫أحد تلك المصارين ونثر بعض من رمادا الخفافيش دااخله وعقده بربطه واحدة وقال وهككو‬
‫يرميه من الشرفة‪ً:‬ا نهكططقلعسلسينا يا شمعون‪ .‬وإذا ذلك المصران وهو يسقط مككن فككوق‬
‫إرتفع إلى أعلى متحول إلى حيوان غريب مخيف عظيم‪ .‬يطير بجناحين كجنككاح الخفككاش‬
‫ووجهه وصأوته الذي يطلقه كمثككل الخفككاش‪ .‬وبقيككة جسككمه كككالكلب السككودا‪ .‬فتفاجككأت بككه‬
‫دابوره وهي طككائرة إلككى العلككى وهككو أمامهككا فجلككدته بعقوصأككها كككالجلدا فرفسككها بيككديه‬
‫فسقطت تهوي إلى الرض‪ .‬ثم تمككالكت وهككي قريبككة مككن السككطح فسككقطت واقفككة يؤلمهككا‬
‫صأدرها من تلك الضربة‪ .‬ففزع إليها أبنائها حيث نزل ذلك المخلوق الكلب خفاشي ليكمل‬
‫عليها‪ .‬فحاولوا إستمالتة إليهم فتبعهم وداخلوا معه في عراك‪ .‬وجاء أحد الجند وطعنككه مككن‬
‫خلفه برمح فاستدار عليه المخلوق الذي كان بحجم ثلثه عقارب عملقة وغرز أنيابه في‬
‫الجندي يمتص دامه‪ .‬والخرين يرمونه بالسهام والرماح فتغرز في جسمه ول يبككالي بهككا‪.‬‬
‫وحرك ذيله يضرب به الجند من خلفه حتى أفرغ الجندي من كل ما فيه من دام‪ .‬ونظككرت‬
‫الملكة دابورة إلى العلى وهككي تسككتند علككى حجككر كككبير ممسكككة بصككدرها متككألمه حيككث‬
‫سمعت الكاهن يقول من فوق ‪ً:‬ا يا زيتون‪ .‬وبعد قليككل ظهككر مككن الجككو كلككب خفاشككي آخككر‬
‫وكأن الول ل يكفيهم‪ .‬وأخذ هذا الخير يطيرويحوم فوقهم ويتخطفهم ويقذف بهم والجنككد‬
‫في كل صأوب يصارعون الموت وقد قتلوا تلككك العقربككة الخيككرة‪ ,‬فتككوجه تركيزهككم كلككه‬
‫على ذينك الوحشان المخيفان ولكن الغلبة كانت للوحشين اللذين ل تؤثر فيهم أسلحة الجن‬
‫فكيف بالجند المساكين المتقاذفين في كل مكان‪ .‬ونظروا إلى أعلى حيككث سككمعوا صأككرخة‬
‫أخرى تقول ‪ً:‬ا يا سيمون‪ .‬وبعد قليل ظهر كلب خفاشي آخر في الجو‪ .‬عندها شهقت الملكة‬
‫دابورة ونظككرت إلككى أبنائهككا والجنككد وهككم فككي البلء والعككذاب والصككراع ولككم تبقككي تلككك‬
‫المخلوقات أحككدا إل وجرحتككه ول تضككرب أحككدا إل قتلتككه‪ .‬فتعككاظم عليهككا أن تكككون تلككك‬
‫المخلوقات البشعة بتلك القوة ثم يزادا فوقهم ثالث‪ ,‬وتيقنت أن أبنائهككا هككالكون‪ .‬عنككدها نفككذ‬
‫صأبرها ونظرت إلى السماء ممسكة بصدرها الذي يؤلمها وأخذت تدعوا من قلبها بحرقة‬
‫وتقول بقوة وعزم ‪ً:‬ا بسم ا الرحمن الرحيم‪ ,‬أقسمت عليكككم يككا ملئكككه السككماء النورانيككة‬
‫بسككم مككن سككبح الرعككد بحمككده‪ ,‬ورفككع السككماء بكلمككاته‪ ,‬وحككط الرض بفعلككه‪ ,‬واسككتنارت‬
‫الكواكب بنوره‪ ,‬وزين الليل بوجهه‪ ,‬أقسمت عليك أيتها الروح الطككائفه الطككائعه الراضككية‬
‫المرضية بالسم الذي خلق ا به البحر العجاج‪ ,‬فهاج وماج‪ ,‬وتلطككم بككالمواج‪ ,‬وصأككار‬
‫كالليل الداج‪ ,‬فسبحت حيتانه‪ ,‬واضطربت أركانه‪ ,‬من هيبة ا ذي الجلل والكككرام‪ ,‬أيككن‬
‫روحانية السماء الولى هيا يا هعقوك‪ ,‬أين روحانية السككماء الثانيككة هيككا يككا قحخككاك‪ ,‬أيككن‬
‫روحانية السماء الثالثة هيا يا غقطص‪ ,‬أين روحانية السماء الرابعككة هيككا ياطصشككبم‪ ,‬أيككن‬

‫‪90‬‬
‫روحانية السماء الخامسة هيا يا قجيذون‪ ,‬أين روحانية السماء الساداسة هيا يا هصككقحص‪,‬‬
‫أين روحانية السماء السابعة هيا يا داصأرز‪ ,‬أين الروحانية الذين عند سدرة المنتهى هيا يا‬
‫قومذداع‪ ,‬أين الروحانية الذين عند جنة المأوى هيا يا صأقاع‪ .‬ثم نظرت الملكككة إلككى حيككث‬
‫سمعت صأرخة أحد أبنائهكا وهكو يتكألم فتكوجهت الملككة الم إلكى السكماء تقكول والكدموع‬
‫تنهمر منها خشية واسترقاقا ‪ً:‬ا يا قاف حل القفال والتيقاف‪ ,‬وامدداني بروحانية السعاف‪,‬‬
‫بحق إسم ا العظيم العظم هغقجسائيل‪ ,‬الكذي ج ل وارتفكع هغقجس ائيل‪ ,‬وأتقكن ماصأكنع‬
‫هغقجسائيل‪ ,‬وشتت وجمككع هغقجسككائيل‪ ,‬وأمككر الككبرق فلمككع هغقجسككائيل‪ ,‬والغيككث فهمككع‬
‫هغقجسائيل‪ ,‬وكلم موسى فسمع هغقجسائيل‪ ,‬وتجلكى للجبكل فجعلكه داك ا داككا هغقجسكائيل‪,‬‬
‫وخر موسى صأعقا صأعقا يا هغقجسائيل ‪.‬‬
‫فلم تتم الملكة عزيمتها حككتى هبككت ريككح قويككة مككن أعلككى الككواداي فعصككفت بهككم‪ ,‬وغطككى‬
‫السحاب الكثيف نور القمر فأظلمت الدنيا‪ ,‬وأنارهككا وبقككوة بككرق شككديد تبعككه رعككد هزهككز‬
‫الواداي وكأنها قد ق امت القيامكة إرتهبكت لكه قلكوب الشكجعان مكن الرجكال‪ ,‬ونكزل الكبرق‬
‫يقصف تلك الخطاطيف في الواداي‪ ,‬منها ما كان نازل فيككه ومنهككا مككن يحككوم فنككالت منهككا‬
‫الصواعق من داون الجند حتى تحولت إلى رمادا كما كانت مككن رمككادا‪ ,‬ثككم غسككلت السككماء‬
‫الجميع بمطر غزيرهادائ مما تعالت صأيحان الجنودا بالنصر في الواداي المظلم‪ ,‬وفرحككوا‬
‫بذلك الغيث القضائي والمائي من السككماء‪ .‬وطككارت ألم وطككار معهككا كيككوان‪ .‬وإذ الملكككة‬
‫تدخل من شرفة الصومعة أطلقت عقوصأها فقبضت بالكاهن حنباثا ولوت به وهككي تككدخل‬
‫أرض الغرفة وتبعها ورائها كيوان‪ ,‬وشدت على الكاهن وهي تسير به إلى الشرفة خلفككه‪,‬‬
‫ورفعته بعقوصأها معلقا ونظرت إلككى عينيككه باحتقككار واشككمئزاز‪ ,‬ثككم رمككت بككه مككن علككى‬
‫الشكرفة إلكى الخكارج وهكي تنظكر إليكه يسكقط‪ ,‬ولككن الككاهن السكاحر القكديروهو يهكوي‬
‫إلىالرض مطمأنا عكزم وق ال ‪ً:‬ا تكال ت ال شكجن شكجن تكوك تكوك ثهكص ثهكص إحملنكي‬
‫ياغضة‪ .‬فإذا به يرتفع يطير في الهواء‪ .‬فهمكت الملككة أن تلحككق بكه وتطيككر مككن الشككرفة‪,‬‬
‫ولكن بينما الكاهن وهو يطير خلل المطر مبتعككدا فرحككا بنجككاته إذا بصككاعقة تصككعق بككه‬
‫فتحرقة فسقط في الحال إلى سفح الواداي على الحجارة ومات من لحظته‪ ,‬والملكة تشاهده‬
‫من شرفه الصومعة ثم التفتت إلى ورائها حيث سايروس وتككابعه فككي الرض محشككوران‬
‫وتقدمت منهما قائله ‪ً:‬ا هذا مصير ألنككذال‪ .‬ولكككن سككايروس وتككابعه لككم يسككتطيعا سككماعها‬
‫لشدة تعبهما وما هما فيككه مككن العككذاب فقككالت الم لكيككوان ‪ً:‬ا إذهككب وأحضككر دايفككي ليأخككذ‬
‫المفتاح ‪ .‬فطار كيوان إلى المعسكر في حين كككانت ألم تبحككث فككي الصككومعة عككن القفككل‬
‫ورجعت إلى الثنان اللذان في الغرفة فسككألتهما ‪ً:‬ا أيككن القفككل ؟ فلككم يسككتطيعا الحككراك ول‬
‫الكلم‪ ,‬ثم حضر أولداها أفتاب وماهتاب وبهرام وبرجيككس وأناهيككد إلككى الغرفككة وأخككذوا‬
‫يبحثون في المكان‪ ,‬حتى أن بهرام صأعد إلى فوق الصومعة يبحككث ول أثككر للقفككل‪ ,‬وبعككد‬
‫قليل حضر كيوان ومعه دايفي ثم نظرت الملكة دابورة إلى كرسككي حنباثككا فككدفعته برجلهككا‬
‫وأزاحت البساط الرثا الذي تحته فإذا باب سري تحته‪ ,‬فأرادات ألم فتح الباب فتقدم منهككا‬
‫إبنها أفتاب وفتح عنها الباب جانبا فدخلت إلى دارج ينزل إلكى تحكت‪ ,‬وداخكل معهكا أفتكاب‬
‫والبقية ينظرون من فوق إلى أمهم وأخوهم الكبر وهما دااخل الغرفة السرية‪ .‬فقككالت ألم‬

‫‪91‬‬
‫احضروا دايفي‪ ,‬فأحضروه وجعلوه ينزل من الدرج فتلقاه أفتككاب وقككدمه إلككى حيككث تقككف‬

‫الملكة دابورة وهي تنظر إلى القفكل فقككالت ‪ً:‬ا‬


‫ل أظككن أنككه القفككل المطلككوب‪ .‬حينهككا تقككدم‬
‫دايفي وأمسككك بالمفتككاح وحككاول إداارتككه فلككم‬
‫ينفتح‪ .‬فاقتربت الملكة من القفل وألقت عليه‬
‫نظككرة فاحصككة وقككالت‪ً:‬ا انككه ليككس المفتككاح‬
‫الرابع بككل الخككامس‪ ,‬لبككد مككن فتككح القفككال‬
‫بككالترتيب الككذي رتبهككا بككه سككليمان الحكيككم‪.‬‬
‫فخككرج الجميككع مككن الغرفككة السككريه وقكالت‬
‫الم وهكككي تشكككير إلكككى الملكككك سكككايروس‬
‫وتابعه‪ً:‬اأخرجوهما وخذاهما إلككى المعسكككر‪.‬‬
‫فأخكككذ أفتكككاب يسكككحب الملكككك سكككايروس‬
‫وطاربه‪ .‬ثم سحب أناهيد التابع أوريا ولحق‬
‫بأخيه‪ .‬ونزلت الملكة دابورة إلى سفح الجبل وتبعها أولداهككا فتقككدمت مككن الملككك شمشككون‬
‫وقالت ‪ً:‬ا هذا إبني برجيس يظل معكم يرشدكم إلى طريككق المعسكككر‪ ,‬إنككه ليككس ببعيككد مككن‬
‫هنا‪ ,‬وإذا كنت تريد أن تأتي معنا فمرحبا بككك‪ .‬فقككال الملككك شمشككون لكككبير جنككده‪ً:‬ا اعتنككي‬
‫بالجند سنراكم عما قريب‪ .‬وأخذ كيوان الملك شمشون وطار به ولحقت به الملكة وأبنائها‬
‫ومعهم دايفي حتى وصألوا إلى المعسكر فنزلوا إلى أرضه‪ .‬وكانت هناك روثا فقككالت لهككا‬
‫الملكة ‪ً:‬ا أين الشيخ سموطان؟ قالت روثا ‪ً:‬ا إنه في خيمته‪ .‬فقككالت الملكككة ‪ً:‬ا إذهككبي ونككاداى‬
‫عليه ليأتي‪ .‬فقالت روثا ‪ً:‬ا إنكه مصكاب ونكائم فكي فراشكة‪ .‬فهلعكت الم وقكالت ‪ً:‬ا أيكن هكي‬
‫خيمته ؟ فذهبت روثا أمامها والم مسرعة من ورائها تدفع مسيرها حتى وصألتا‪ .‬فدخلت‬
‫عليه في خيمته وقد كان صأاحيا مستلقيا فنظر إليهككا فككدخلت عليككه وهككي حزينككة وجلسككت‬
‫بجانبه ثم تبعها إبنها أفتاب‪ .‬فالتفتت إليه وقككالت ‪ً:‬ا أفتككاب إذهككب وفتككش عككن تلككك العشككبة‬
‫وآتني منها‪ .‬فقال أفتاب ‪ً:‬ا نعم أماه‪ .‬وذهب‪ .‬فالتفتت إلى الشككيخ وقككالت ‪ً:‬ا مككاذا حككدثا لككك ؟‬
‫قال ‪ً:‬ا بعض العراك هنا وهنكاك‪ .‬فقكالت الملككة ‪ً:‬ا لقكد ككبرت علكى العكراك أيهكا العجكوز‪.‬‬
‫فضحك سموطان من قولها‪ .‬في الخارج كان الملك شمشككون يبحككث عككن الملككك أجمنككون‬
‫فأخذه الوزير إلى خيمة الملككك ‪ً:‬ا فككدخل عليككه وكككان الملككك مسككتيقظا ففككرح أجمنككون عنككد‬
‫رؤيته وقال ‪ً:‬ا آه يا صأديقي أنت هنا؟ قال شمشون ‪ً:‬ا نعم أنا هنا‪ ,‬وما فائدة المصاهرة إذا ؟‬
‫كيف حالك ؟ وما الذي تسبب لك بهذا؟ قال أجمنون إنها قصة طويلة أحكيها لك ونحن في‬
‫رحلة صأيد‪ .‬قال شمشون‪ً:‬ا أحسنت القول فل أمتع عندي من رحلة صأيد زاخرة بككالغزلن‪.‬‬
‫فتضاحكا معا‪.‬‬
‫حضر أفتاب وبيده العشككبة وداخكل خيمككة سكموطان وككانت هنككاك روثا ودايفككي والملكككة‬
‫فأعطاها أمه فقالت لفتاب ‪ً:‬ا أحضككرلي موقعككا‪ .‬فقككالت روثا وهككي تنهككض خككارجه مككن‬
‫الخيمة مهرولة ‪ً:‬ا أنا أحضره‪ .‬فقالت الملكة للشكيخ ‪ً:‬ا لككم يكككن ذلكك القفكل الكذي فككي مملككة‬

‫‪92‬‬
‫)دالتا( القفل الرابع بل هو الخامس‪ ,‬لذلك لم يستطع دايفي فتحه‪ ,‬ولكننا قضينا على حنباثككا‬
‫فل شيئ يمنعنا من العوداة إليه فقد بات أمره سهل‪ .‬قال الشيخ للملكة ‪ً:‬ا هل أحضرتم الملك‬
‫شمشون وجنده ؟ قالت ‪ً:‬ا نعم‪ .‬فقال ‪ً:‬ا وكيكف فعلكت ذلكك ؟ قكالت ‪ً:‬ا هكذا أخكبرك بكه عنكدما‬
‫نكون لوحدنا‪ .‬فاحمر الشيخ خجل فدخلت عليهم روثا وبيدها الموقعكة وقكالت لهكا الملككة‬
‫وهي تأخذها من يككدها ‪ً:‬ا وأحضكري بعككض المكاء للشككرب‪ .‬فككذهبت روثا لتحضككر المككاء‪.‬‬
‫وأخذت الم تدق العشككب وتطحنككه فككي الموقعككة حككتى رجعككت روثا بالمككاء فأخككذت منككه‬
‫الملكة وصأبته دااخل الموقعة وخلطته مع بعضه وسقت منه الشيخ وقالت ‪ً:‬ا يجككب أن تنككام‬
‫الن فالوقت متأخر‪ ,‬غدا صأباحا تقوم وكأن لم يكن بك شيئ‪ ,‬ثق بي‪ ,‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا أنا أثق‬
‫بك حتى لو مت‪ .‬فتبسمت روثا فأخذتها الملكة للخارج‪ .‬وفي الخارج قالت روثا للملكة ‪ً:‬ا‬
‫الملك أجمنون كذلك مصاب‪ .‬وأشارت إلى خيمته فقالت الملكككة‪ً:‬ا حسككنا أيككن هككو ؟ فككدخلتا‬
‫على الملك أجمنون وهو يحدثا الملك شمشون ففزع منها المك أجمنون وقككال ‪ً:‬ا مككن أنككت‬
‫بحق السماء ؟ فقال شمشون وهو ينظر إلى خلفه حيككث الملكككة لككدى البككاب ‪ً:‬ا انهككا‪ ..‬إنهككا‬
‫الملكة دابورة أم ملوك الجان‪ ,‬وقدساعدتنا في السير إلى هنا‪ ,‬كما ساعدتنا في أشياء كككثيرة‬
‫أخرى‪ .‬وتبسم شمشون في وجه الملكة ضاحكا ورجع بوجهه الى أجمنون وقال بصككوت‬
‫خفيف قريب‪ً:‬ا أشياء أخرى أحكيها لككك فككي رحلككة صأككيد‪ .‬وتضككاحك الملكككان فقككال الملككك‬
‫أجمنون ‪ً:‬ا لم أعلم أن للجان أمهات‪ .‬فقالت الملكة دابككورة وهككي تتقككدم منككه ‪ً:‬ا ل ليسككت لهككم‬
‫أمهات‪ ,‬بل يخرجون من ثمرات الشجار المتساقطة‪ .‬فضحك الملكان مرة أخرى فتقدمت‬
‫الملكة من الملك أجمنون وداقت بعض من العشبة وأعطته يشرب وهي تقول سوف تكون‬
‫أحسن حال الن‪ ,‬ووجهت كلمها للملك شمشون قائلككة ‪ً:‬ا يجككب أن تككدعه ينككام الن‪ .‬فقككال‬
‫شمشون وهو ينهض ‪ً:‬ا حسنا‪ .‬ثم خرج الجميع من عند الملك أجمنون وتوجهت الملكة إلى‬
‫الملك سايروس وتابعه حيث وضعهما الجنودا تحت المراقبة وهما مقيدان بالسلسل حول‬
‫شجرة كبيرة جالسان على الرض‪ .‬والملك سايروس أسككند بظهككره علككى الشككجرة‪ .‬فككدقت‬
‫الملكة من العشبة وأسقت كل منهما منها‪.‬‬
‫في صأحراء الرمال وقبل بزوغ الشمس كانت هادااساه مستلقية نائمه فوق صأدر هيككرودا‪.‬‬
‫وفتح هيرودا عينه فانتبهت هادااساه فقامت فزعة وأحست بالخجل من نفسها كما أحس هو‬
‫بالخجل أيضا‪ .‬قاما ورتبا نفسيهما وجوادايهما وركبا وانطلقا‪.‬‬
‫خرج الملك شمشون من خيمتككه فكإذا هككو يكرى ككبير جنكده قكادام نككاحيته فاسككتقبله الملكك‬
‫شمشون بالترحاب وقككال لكه ‪ً:‬ا مكتى وصأكلتم؟ قكال كككبير الجنككد ‪ً:‬ا منككذ سكاعة‪ .‬فقكال الملككك‬
‫شمشون ‪ً:‬ا داع الجند ول توقظهم لبد وأنهم متعبين‪ ,‬داعهم ينامون‪ .‬فقال كبير الجنككد ‪ً:‬ا هككذه‬
‫هي المشكلة ياسكيدي‪ ,‬هنككاك أطفكال مزعجيككن‪ ,‬وعنككدما ينككام الجنكد يخطفككونهم فيختفكون‪.‬‬
‫فسارع الملك شمشون إلى الجنككد وقككد بكدت علككى ملمحككه الجديكة القصكوى وتبعككه ككبير‬
‫الجند‪ .‬ولما توقفا بين بعككض الجنككد رأى الملككك شمشككون أولئككك الطفككال فككي كككل مكككان‬
‫متشبثين بالجند‪ .‬فقال له كبير الجند ‪ً:‬ا لقد تلقيت الكثير من الشكاوي وكلها تؤكد أن هككؤلء‬
‫الطفال يتحولون إلى أغصككان تسككحب الرجككال إلككى بككاطن الرض ول يعككوداون‪ .‬عنككدها‬
‫كانت خلف الملك شمشككون وكككبير جنككده الملكككة دابككوره وبيككدها تلككك الموقعككة فقككالت مككن‬

‫‪93‬‬
‫خلفهما‪ً:‬ا لقد أعطيت لكل من أستطيع الدواء‪ ,‬أما الجند الذين حضروا من جندك لم أعطهم‬
‫لني لو أعطيتهم منه سينامون‪ ,‬هل سستتحركون أم أعطيهككم منككه فينككامون قليل ؟ التفككت‬
‫إليها الملك شمشون حيث تكلمت وقال ‪ً:‬ا يقولون أن هناك مشكلة فككي نككومهم‪ .‬قككالت ‪ً:‬ا نعككم‬
‫تقصد الصبية؟ فقال الملك وهو يتمعن في الملكة ‪ً:‬ا ماذا تعلمين من أمرهم ؟ قالت ‪ً:‬ا ما قيل‬
‫لك صأحيح‪ .‬قال‪ً:‬ا إذا نقتلهم جميعا‪ .‬قالت‪ً:‬ا لم نقرر قتلهم بعد‪ .‬قال‪ً:‬ا ولم ل‪ ,‬إذا كككانوا خطككرا‬
‫علينا ؟ قالت الملكة وهي تذهب مستديرة بعيدا عنه ‪ً:‬ا سنرى ماذا يقررون‪ .‬عنككدها لمحككت‬
‫الملكة الشيخ يخرج من خيمته وهو يمشي بإتجاهها فخطت الملكة نحوه وقالت له‪ً:‬ا كيككف‬
‫تشعر هذا الصباح؟ فتبسم الشيخ وهو يلتحف بلحاف وقال ‪ً:‬ا أل يبدو علي النشاط والقككوة؟‬
‫فإذا هو يقول ذلك إذ خرج الملك أجمنككون أيضككا وسككار إليهمككا وهمككا ينظككران إليككه حككتى‬
‫وصأل إليهما وقال ‪ً:‬ا الم تعلموا شيئا من أمر ابني هيرودا ؟ فقالت الملكة‪ً:‬ا لبد وأنه أصأككبح‬
‫قريبا الن‪ ,‬ماذا ستفعلون ؟ فقال الملك وهو ينظر إلى الشيخ ‪ً:‬ا لنجمتع كلنا أول ثم نقككرر‪.‬‬
‫ثم ذهب الملك أجمنون بإتجاه مكان ما حبس الملك سكايروس تحككت شكجرته حككتى وصأكل‬
‫إليه وتابعه يقبع تحته‪ .‬فتح التابع أوريككا عينككه ليككرى الملككك أجمنككون فككوق رأسككيهما فقككال‬
‫الملك أجمنون للتابع وهو ينظر إلى الملك سايروس الغاط في النوم ‪ً:‬ا لديك ملمح تختلككف‬
‫عنه‪ ,‬وتتكلم لغتنا فكيف تعلمتها ؟ قال التككابع أوريككا ‪ً:‬ا مككولي الملككك العظيككم أنككا نفسككي ل‬
‫أداري‪ ,‬أذكر أنه كان لدي أب وأم وعائله ولكني ل أذكرهم تماما‪ ,‬فقط تربيككت فككي مملكككة‬
‫الملك سايروس مع الصبية والعيارين واللصوص حتى فقتهم بالذكاء والفراسة فأصأككبحت‬
‫من مستشاري الملككك‪ ,‬وأنككا أتكلككم لغتهككم هككذه منككذ صأككغري‪ .‬وأشككار أوريككا بككوجهه للملككك‬
‫سايروس النائم قائل‪ً:‬ا كما أن الملك يتكلم بلغتي فقط عندما يريد‪ ,‬كما هو حال كثيرين فككي‬
‫مملكة )ثيتا( يتكلمون اللغتين ولكن لغة الملك سايروس هككي لغككة مملكككة )ثيتككا( الصأككلية‪.‬‬
‫حينها صأحا الملككك سكايروس مككن نككومه وشككاهد الملككك أجمنككون فككوق رأسككه فقككال للملككك‬
‫أجمنون‪ً:‬ا سيدي الملك الحليم‪ .‬فاعتدل الملك أجمنكون وبكدت عليكه الشكدة وهكو ينظككر إلككى‬
‫الملك سايروس بنظرة ثاقبة‪ .‬فقال له الملك سايروس بقوة ‪ً:‬ا عليككك اللعنككة‪ .‬عنككدها غضككب‬
‫الملككك أجمنككون ونككاداى كككبير جنككده وقككال لككه وهككو يشككير إلككى الملككك سككايروس ‪ً:‬ا إقطعككه‬
‫نصفين ‪..‬ل ‪ ..‬بل ثلثة أو خمسة أجزاء‪ ,‬إقتلع عينيه أول ا‪ .‬والملك يقول ذلك فزع الملككك‬
‫سايروس واصأطك إلى الشجرة خلفه هلعا وأكمل الملك أجمنون قككائل ‪ً:‬ا بككل ألقككي بككه فككي‬
‫هذه البركة الملوثة المسكمومة ليتعفكن شكيئا فشكيئا‪ .‬فق ال الملكك سكايروس ‪ً:‬ا سكيدي الملكك‬
‫الحليم‪ .‬وانعقد لسانه فقال تابعه أوريا ‪ً:‬ا مولي الملك ماتستفيد من قتله شيئ ول تخسر من‬
‫تركه شيئ‪ .‬فجذب كلم التابع الملك أجمنون وشد إنتباهه وأكمككل أوريككا قككائل ‪ً:‬ا بككل علككى‬
‫العكس‪ ,‬لبد وأنكم ذاهبون للستيلء على مملكته أو على الصأككح ماتريككدونه‪ ..‬المفتككاح‪..‬‬
‫وفي هذه الحكال المفتككاح لككديكم هنككا‪ ,‬فلككم تضككيعه بالجهككد والمشككقة؟ فقككال الملككك أجمنككون‬
‫للتابع ‪ً:‬ا ماذا تقصد ؟ قال أوريا ‪ً:‬ا أقصد أنه يمكنه تمكينكم منه طالما هو حككي معكككم‪ .‬فقككال‬
‫الشيخ سموطان وكان خلف الملك قاداما‪ً:‬ا هذا صأحيح‪ ,‬سيكون ذا فائدة لنا وهككو حككي أكككثر‬
‫منه ميتا‪ .‬فهز الملك سايروس رأسه باليجاب ثككم التفككت الملككك أجمنككون إلككى كككبير جنككده‬
‫وقال له ‪ً:‬ا أحضر الجميع للجتماع في خيمتي‪ .‬وانصرف الملك أجمنون إلى خيمته ولحق‬

‫‪94‬‬
‫به الجميع وجلسوا فتكلم الملك أجمنون وقال ‪ً:‬ا ل نستطيع أن نتحرك من مكاننككا هككذا قبككل‬
‫معرفة أمر ولدي هيرودا ومككا آل إليككه‪ ,‬فقككد يرجككع إلككى هنككا فل يجككدنا‪ .‬قككالت الملكككة وقككد‬
‫إصأطف أولداها واقفين ورائها حيث تجلس ‪ً:‬ا ليس لذلك السككبب فقككط‪ ,‬إن الجنككودا متعككبين‬
‫من ليلة البارحة ومن سيرهم طوال الليل‪ .‬فقال الملك شمشون‪ً:‬ا ولكن إن بقينا هنا مككازالت‬
‫تلك الصبية تأكل منا ونحن نيام‪ .‬فقال الوزير لوذا ‪ً:‬ا مولي يجب قتككل الصككبية والتخلككص‬
‫من شرهم فنستريح من همهم‪ .‬قال الملك أجمنون ‪ً:‬ا ل تطاوعني يدي قتل أطفال‪ .‬ثككم نظككر‬
‫إلى سموطان وقال ‪ً:‬ا أراك صأامتا ياسموطان‪ ,‬ما تقول في هذا ؟ فقككال سككموطان ‪ً:‬ا يمكننككا‬
‫أن نترك له هنا احدى خيامنا أو حرسنا مع رسالة وننطلق إلككى مملكككة )ثيتككا( ونكككون قككد‬
‫إبتعدنا عن هؤلء الصبية‪ ,‬وبعد مسافة ما في الرمال يمكن للجند أن يناموا‪ ,‬وممككا يعطككي‬
‫فرصأة لهيرودا إذا علم بوجهتنا أن يلحق بنا‪ ,‬وبذلك ل نضطر لقتل أحد‪ .‬ونظككر سككموطان‬
‫إلى أجمنون وقال ‪ً:‬ا وإذا لم يجد هيرودا رسالتنا فل بد وأنه في مكان ما‪ ,‬غالبا ذلك المكككان‬
‫هو نفس وجهتنا‪) ..‬ثيتا(‪ ..‬اليس كذلك ؟ فقال الملك أجمنككون ‪ً:‬ا هككذا أحسككن الراء‪ .‬فقككالت‬
‫روثا‪ً:‬ا لماذا ل ترينا الملكة دابورة أين هو الن في الماء فيذهب كيوان لحضككاره ؟ قككالت‬
‫الملكة ‪ً:‬ا قد يكون في أي مكان في الصحراء غير معروف‪ ,‬والصحراء كلها متشابهه‪ ,‬لككو‬
‫كان في بيت ما أو في مكان معروف لدينا أو معلم بارز لتمكنا من إحضاره‪ .‬فقال الشككيخ‪ً:‬ا‬
‫ل بأس من المحاولة‪ .‬فنهض الجميع تتقدمهم الملكة دابورة متجهه إلى بركة الماء الراكككدة‬
‫وخلفهككا الملككك شمشككون يقككول للملككك أجمنككون ‪ً:‬ا هككذا شككيئ يجككب علككي أن أراه‪ .‬حككتى‬
‫وصألواإلى البركة فمدت الملكة دابورة يكديها مسكتويتان فكي الفضكاء وكفيهكا بإتج اه المكاء‬
‫وحركتهما فإذا البركة قد أصأبحت مرآة‪ .‬فتعجب كل من الملك أجمنون وشمشككون ونظككرا‬
‫إلى بعضهما بدهشة وهما ينظران في الماء هيرودا فوق حصانه يسير وبجانبه امرأة على‬
‫حصانها‪ .‬فقالت الملكة دابورة‪ً:‬ا هذان هما‪ .‬وقككالت بلهفككة والجميككع ينظككر ذلككك فككي البركككة‬
‫رؤية صأحيحة ليس عليها غبار ‪ً:‬ا إنتظروا‪ ,‬إنهما يخترقان بعض الخيككام والجنككد حولهمككا‪,‬‬
‫وأرى نيران قدور الجنكد هنكاك‪ .‬وصأكرخت الملككة دابكورة‪ً:‬ا إنهمكا هنكا‪ .‬وإذا بصكوت مكن‬
‫ورائهم يقول ‪ً:‬ا هل تبحثون عني؟ وإذا هو هيرودا قد أقبل بحصانه فانطلق إليه أبككاه الملككك‬
‫وركض هيرودا مترجل وعانقا بعضهما بحرارة‪ .‬وانطلقت روثا ووقفككت ورائهمككا بلهفككة‬
‫وفرح تنظر إليهما متعانقان تنتظر داورهككا لتسككلم عليككه‪ .‬فنظككرت روثا خلفككه فككرأت تلككك‬
‫الفتاة قصيرة الملبس فحزنت وانصرفت بعيدا‪ .‬عانق الب إبنه بحرارة وهو ينظككر مككن‬
‫فوق كتف هيرودا إلى الشابة الحسناء الواقفه بحياء خلفه‪ .‬فتركه وقال متجها إليهككا ‪ً:‬ا ومككن‬
‫هذه ؟ قال هيرودا وإذ هي تتقدم لتصافح الملك أجمنون ‪ً:‬ا هادااساه‪ .‬فصافحت الملكك ونظكر‬
‫إليها أجمنون من إخمص قدميها إلى شعر رأسها متعجبككا منهكا‪ ,‬منبهككرا بحسككنها‪ .‬ثكم أخككذ‬
‫الملك إبنه تحت إبطكه وهكي تتبعهمكا ببطكأ و قكال أجمنكون لبنكه بصكوت خفيكف ‪ً:‬ا كيكف‬
‫تعرفت عليها ؟ من أين جأت بها ؟ فقال هيرودا‪ً:‬ا هذا أخبرك به في رحلككة صأككيد‪ .‬فضككحك‬
‫الب عاليا وقهقه وضحك البن معه‪ .‬ثم توقف الملك أجمنون فجأة واسككتدار وراءه وقككال‬
‫للجميع ‪ً:‬ا لقد حلت المسألة‪ ,‬وإذ قد رجع إبني أعدوا للرحيل عن هذا المكان المشؤوم ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل السابع‬

‫حمل الجند أنفسهم متثككاقلين ومضككوا إلككى الصككحراء الرمليككة ومشككوا مسككافة سككاعتين ثككم‬
‫توقف الملك أجمنون وقال للشيخ الككذي بجككانبه يسككير‪ً:‬ا هككل هككذا يكفككي ؟ هككل إبتعككدنا عككن‬
‫أولئك الصبية بما يكفي ؟ فقال الشيخ وهو ينظر إلى الملكة دابورة عن يمينه ‪ً:‬ا أظن ذلك‪.‬‬
‫فتوجه الملك إلى من خلفه وقال ‪ً:‬ا سنعسكر هنا إلى غدا صأباحا‪ .‬وتهلل جميع من خلفه من‬
‫الجند ممن سمعوه حيث كانوا بالفعل بحاجة للراحة ‪.‬‬
‫عسكروا هناك وضربوا الخيام رغم الشمس المحرقة‪ .‬ولكن التعب قد نال منهم فلم يأبهوا‬
‫بالشمس الساخنة وانحشر جند الملك شمشككون دااخككل خيككام جنكد الملككك أجمنككون حيككث لكم‬
‫يحضروا معهم معداتهم عندما طاروا بهم الجن‪ ,‬وحيث كان عككدداهم أكككبر مككن عككددا جنككد‬
‫الملك أجمنون فلم تكفهم الخيام للستظلل من الشمس‪ .‬واستظل بعضككهم بوضككع اللحفككة‬
‫فوق رؤسهم في الخلء‪ .‬وأخذت الملكة دابورة تدق الكثير من تلكك العشكبة واعطككت منهكا‬
‫قدورا إلى كبير جنككد الملككك شمشككون الككذين لككم ينككاموا وكككانوا معهككا فككي قتككالهم صأككومعه‬
‫الكاهن‪ .‬فناموا جميعهم بعد شربهم من ذلك الشراب الذي أعدته ولككم يشككعروا بشككمس ول‬
‫حر‪ .‬حتى المساء الذي راق فيه الجو وبردات الصحراء فاوقدوا نيرانهم وطبخوا طعامهم‬
‫فأكلوا وارتاحوا وترمسوا‪ .‬وتجمع في الرمككال الملككك أجمنككون والملككك شمشككون وهيككرودا‬
‫وكبير جند الملك أجمنككون وكككبير جنككد الملكك شمشكون والشكيخ وروثا ودايفكي وأم الجكن‬
‫وملوك الجن السبعة ومعهم بالطبع الوزير لككوذا وشككهلون ‪ .‬فأوقككدوا نككارا كككبيرة وسككطهم‬
‫ومن حولهم الجند في كل مكان على تلك الرمال الناعمة فتجاذبوا أطراف الحديث كل مع‬
‫الذي بجانبه‪ .‬وملوك الجن مع أمهم صأامتين ينظرون إليهم‪ .‬فنظر إليهم الملك أجمنون بعد‬
‫أن كان يتحاور مع الملك شمشون صأهره الجديد وقال للملكة دابورة ‪ً:‬ا لما أنتم صأككامتون ؟‬
‫أل يعجبكم مجلسنا ؟ فقالت الملكة‪ً:‬ا ليست كل بعرة خنفساه‪ ,‬وليسككت كككل سككودااء صأككخرة‪.‬‬
‫فقال الملك شمشون ‪ً:‬ا ماذا يعنككي هككذا ؟ ونظككر شمشككون إلككى أجمنككون قككائل ‪ً:‬ا مككاذا تعنككي‬
‫بهذا ؟ فتابعت الملكة قككائله ‪ً:‬ا إجتككاز نككبي اكك موسككى فككي سككفره وترحككاله‪ ...‬عنككدها إنتبككه‬
‫الجميع وانصتوا لها وهي تقول ‪ً:‬ا إجتاز بعين ماء يجري بين صأخور الواداي فككي الجبككال‪,‬‬
‫فاغتسل وشرب ثم طلع الجبل كي يصلي‪ ,‬وإذ هو فوق إذ شاهد فارس قد أقبل على العين‬
‫وترك كيس نقوداه وشرب من العين وركب فرسه ونسي كيسه‪ ,‬فجاء بعده راعي غنم مككع‬
‫غنمه إلى العين فرأى الكيس فأخذه وأخذ غنمه وانصرف بها‪ ,‬ثم جاء بعده شيخ عليه أثككر‬
‫البؤس والمسكنه وعلى ظهره حزمة حطب فحط حزمتككه هنككاك واسككتلقى ليسككتريح‪ ,‬فعككادا‬
‫الفارس يطلب كيسه‪ ,‬وفتش عنه في المكان فلم يجده فأقبل على الشيخ يطالبه به‪ ,‬فلم يككزل‬
‫يضربه حتى قتله‪ ,‬فقال موسى‪ً:‬ا يا رب كيف وأنت العادال يكون ما رأيت؟ فأوحى ا إليه‬
‫أن الشيخ كان قد قتل أبا الفارس‪ ,‬وكان على أبي الفارس داين لبي الراعي مقدار مككا فككي‬

‫‪96‬‬
‫الكيس فجرى بينهم القصاص وقضي الدين الذي على كككل منهككم وأنككا حكيككم عككادال‪ .‬فقككال‬
‫الملك أجمنون ‪ً:‬ا نعم‪ ,‬العدل أساس الملك‪ .‬فقال شهلون لمن بجككانبه ‪ً:‬ا مككن الككذي عليككه دايككن‬
‫قتل أبا من منهم‪ ,‬كيف حدثا؟ لم أفهم شيئا‪ .‬فسمعه الحاضرون فضحكوا عليه‪ .‬عندها قال‬
‫الملك أجمنون لكبير جنده‪ً:‬ا أحضككرلنا تككابع الملككك سكايروس وفككك قيككده قبككل أن تحضككره‪.‬‬
‫إنطلق كبير الجند واستغرب الحاضرون وقال الملك شمشون للملك أجمنون ‪ً:‬ا ما تبغي به‬
‫ونحن سائرون لغزوهككم؟ فقككال الملككك أجمنككون ‪ً:‬ا إنككي أرى فيككه شككيئ‪ ,‬لقككد أعجبنككي ذلككك‬
‫الماكر‪ ,‬إنه يصلح لمور السياسه‪ ,‬عقكل كمثكل عقلكه يحفكظ داائمكا رأس صأكاحبه‪ .‬ف إذا تكم‬
‫كلمه وقد حضر التابع بين يديه فأفسح له مجلسككا بجككانبه وقككال لككه ‪ً:‬ا إجلككس هنككا‪ .‬فجلككس‬
‫متعجبا محتارا ثم قال له الملك ‪ً:‬ا أل تذكر شيئ عككن مدينككة آبائككك وأجككداداك؟ قككال ‪ً:‬ا أذكككر‬
‫ولكن ليس تفصيل واضحا يا مولي‪ ,‬ول أجزم بصحته حيث كنت ما أزال صأغيرا جككدا‪.‬‬
‫ثم توجه الملك بالكلم إلى الملكة دابورة وقال ‪ً:‬ا هل تسككتطيعين عمككل شككيئ لمعرفككة قصككة‬
‫هذا الرجل كيف إنتهى مع أولئك القوم؟ فقال الملك شمشون ‪ً:‬ا لقد عملككت ذلككك فككي المككاء‬
‫ول ماء هنا غير هذه الرمال الكثيفة‪ .‬فقالت الملكة دابورة‪ً:‬ا ل أحتاج إلى الماء‪ .‬فقال الملككك‬
‫أجمنون ‪ً:‬ا عملك هناك في البركة كان لمعرفة الحاضككر‪ ,‬فهككل تعرفيككن الماضككي ؟ فقككامت‬
‫طت في الرمل بإصأبعها ‪.‬‬ ‫الملكة وقام معها أبنائها السبعة وتقدمت وخ ص‬

‫والملكة بعد أن رسمت الشكال وأخرجت الضككمير أخككذت تمككرر إصأككبعها علككى الشكككل‬
‫تقرئها و ترفع رأسها إلى الملك تخبره بما تقوله الرمال فقككالت ‪ً:‬ا انككه إبككن أخيككك‪ .‬فتعجككب‬
‫الملك ولكن التابع أوريا كان أكثر عجبا فنظرت الملكة دابورة إلككى التككابع أوريككا وقككالت ‪ً:‬ا‬
‫إبن أخيك الذي هو أكبر منك‪ ,‬كان متزوجا وأنجب منها إبنا واحدا ثككم ذهككب هككو وعككائلته‬
‫وعسكره للصيد ولم يعوداوا‪ .‬عندها قام الملك أجمنون وقال ‪ً:‬ا هذا صأككحيح لقككد حككدثا هككذا‬
‫منذ زمن بعيد‪ .‬فقالت الملكة دابورة وهي تنظر إلى الرمل وتشير إلككى التككابع أوريككا ‪ً:‬ا هككذا‬
‫هو إبنه‪ ,‬أما بقية عائلته فقد قتلهم جند الملك سايروس وأسروه وأخذوه معهم‪ .‬عندها فككرح‬
‫الملك أجمنون فوقف التابع على رجليه ينظر إلى الملك أجمنون وقال الملككك وهككو يمسككك‬
‫بعضدي أوريا ‪ً:‬ا لقد عرفت منذ رأيتك أن هناك شيئ بداخلك يشدني إليك‪ ,‬ثم إحتضنه ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫في الصباح إستيقظ الجميع وجدوا في السير وسار إلككى جككانب الملككك أجمنككون إبككن أخيككه‬
‫أوريا والملك مسرور بلقائه وبحصوله على رجل سياسي مثله في ركبه‪.‬‬

‫في مملكة )ثيتا( كان إبن الملك سايروس يستعد للقائهم ‪ .‬فها هو إبنه مرقس يراقب جنككده‬
‫وهم ينقلون اللواح الكبيرة الضخمة ويضككعون العمككدة فككي سككاحة المدينككة ثككم يضككعون‬
‫اللواح فوقها‪ ,‬لوح وبجككانبه لككوح يمككده للككذي بعككده حككتى سككدوا فضككاء المدينككة وظللوهككا‬
‫باللواح القوية المتينه‪ .‬ثم أخذ مرقككس وهككو فككوق سككطح المدينككة المظلككل قككدر مككن المككاء‬
‫وصأبه عليه فلم يتخلل الماء اللوح ففككرح بككذلك ونككزل إلككى خككارج أسككوار المدينككة وداخككل‬
‫إليها‪.‬‬
‫وصأل ركب الملك أجمنون إلى أسوار مدينة )ثيتا( وتوقفوا على مسافة بعيدة عن مرمككى‬
‫السهام‪ .‬ثم ناداى الملك أجمنون كبير جنككده و قككال ‪ً:‬ا أحضككروا سككايروس‪ .‬فأحضككروه إليككه‬
‫مربوطا فوق فرس فقال سايروس ‪ً:‬ا يمكننى مساعدتكم‪ .‬فقال لككه الملككك أجمنككون ‪ً:‬ا وكيككف‬
‫تفكر أن تساعدنا؟ فقال سايروس ‪ً:‬ا أذهككب إلككى المدينككة وأقنعهككم بالستسككلم‪ .‬فقككال الملككك‬
‫أجمنون‪ً:‬ا ليس بهذه الطريقة تساعدنا‪ .‬واستدعى الملك إثنين من جنده وقال لهم ‪ً:‬ا تقدموا به‬
‫إلى أبواب المدينة إلى حيث يستطيع من بالمدينككة سككماع صأككوته‪ .‬وتككوجه الملككك أجمنككون‬
‫بالكلم إلى سايروس قائل له ‪ً:‬ا يمكنك أن تكلمهم‪ ,‬ولكن مككن خككارج أسككوارها‪ .‬فتككوجه بككه‬
‫الجنديان فقال لهما الملك أجمنون وهما يتقدمان به ‪ً:‬ا إذا أحسستم منه الغدر إقتلوه‪ ,‬وإذا لككم‬
‫يجيبوه أرجعوه‪ .‬فقال سايروس وقد تقدما به ‪ً:‬ا أيها الملك الحقير ‪ .‬وتقدم بككه الجنككديان إلككى‬
‫حيث فتحة في الجدار تفتح وتغلق بإحكام فتكلم سايروس وقال ‪ً:‬ا يا بني ليس لنككا مفككر هنككا‬
‫اليوم‪ ,‬لديهم ما ليككس لككدينا‪ ,‬لككديهم الجككن السككفلة‪ ,‬فككاداخر دامككك ودامائنككا‪ ,‬ل يريككدون سككوى‬
‫المفتاح أنا ضامن لك هذا داعهم يأخذوه ويمضوا في سككبيلهم‪ ,‬وإل أضككعت أنككت اليككوم مككا‬
‫بناه أجدادانا منذ مآت السنين‪ .‬فأجابه إبنككه مرقككس مككن تلككك الفتحككة حيككث كككان ينظككر إليككه‬
‫قائل ‪ً:‬ا ونحن لدينا ما ليس لديهم‪ .‬وأمر الجند فككاطلقوا سككيل مككن السككهام مككن تلككك الفتحككة‬
‫أصأابت الجنديين والملك سايروس أبيه معهم حكتى أنهكا خرقكت أجسكاداهم جميعكا قبكل أن‬
‫يسقطوا إلى الرض‪ .‬وأتت على خيككولهم كككذلك فككوقهم‪ .‬حينهككا أطلقككوا مككن الفتحككة سككهما‬
‫كبيرا إلى الفضاء وفيه شعله نار كبيرة‪ .‬بعدها سدوا تلك الفتحة وأحكموا إغلقهكا والملكك‬
‫أجمنون وجماعته يشاهدون ما حصل‪ .‬فإذا بالمدينة تبدأ تغوص في الرمكال رويكدا رويكدا‬
‫وأحدثا ذلك جلبه في جنودا الملككك أجمنككون وأخككذ الجميككع يتكلمككون مككع بعضككهم عككن مككا‬
‫يحدثا أمامهم غير مصدقين أن تلك المدينة الكبيرة تتحرك إلى تحت الرمال حتى إختفككت‬
‫المدينة تماما في الرمككال‪ .‬بككل وغاصأككت إلككى أبعككد مككن مسككتوى الرمككال وأخككذت الرمككال‬
‫تزحف عليها من الجوانب فأردامتها تحتها حتى لم يبن منها شيئ‪ .‬ولم يتجرأ بعد ذلك أحدا‬
‫من جانب الملك أجمنون بالتحرك من مكانه غير الشيخ سموطان حرك فرسه متجها إليها‬
‫حتى وقف فوق رمالها ونزل عن فرسه وحفر قليل في الرمال فلم يجككد لهككا أثككرا‪ .‬فركككب‬
‫فرسه وعادا إلى صأفوف الملك أجمنون وقال له ‪ً:‬ا أي نوع من السحر هذا؟ صأحيح ما قيل‬
‫عن ابن الملك سايروس ولم أظنه بهذه البراعة‪ .‬فتكلم الملك أجمنون مع التككابع إبككن أخيككه‬

‫‪98‬‬
‫أوريا وقال له ‪ً:‬ا كيككف ذلككك ؟ فقككال التككابع ‪ً:‬ا ل علككم لككدي‪ .‬حينهككا تقككدم هيككرودا إلككى الملككك‬
‫والشيخ وقال لهما ‪ً:‬ا أنا أخرجها لكككم‪ ,‬وإذا خرجككت وظهككرت بككاداروا بككالهجوم عليهككا‪ .‬ثككم‬
‫اختار هيرودا ثلثه من الجان وقال ‪ً:‬ا أناهيد أفتاب بهرام تعالوا معي‪ .‬وانطلق هيككرودا بهككم‬
‫إلى الينبوع الذي إلتقى عنده بهادااساه‪ .‬وإذا هم يصلون هنككاك شككاهدوا ثلثككه فرسككان عنككد‬
‫رأس الينبوع فمضوا إليهم وقككاتلوهم وقضككوا عليهككم داونمككا صأككعوبة‪ .‬ونظككر هيككرودا إلككى‬
‫الينبوع فإذا مياهه قد ارتفعت وعلت إذ لم تجد لها مخرجا‪ .‬فقفز هيرودا إلى المكاء فوصأككل‬
‫الماء إلى صأدره وسار حتى داخل النفق وسككار فيككه قليل وقبككل أن يصككل إلككى السككدة كككان‬
‫النفق قد إمتل بالماء إلى عنق هيرودا فخاف الغرق فرجع ولم يصل إلككى أول النفككق حككتى‬
‫غطاه الماء تماما وامتل النفق بالمياه عن آخره ‪.‬فرجع سباحة وبالكادا خرج ليتنفككس فككوق‬
‫الماء‪ .‬وكان الجن هناك فوق على رأس النفق فقال أفتاب ‪ً:‬ا ماذا حصل ؟ فردا عليه هيرودا‬
‫وهو يعوم في الماء قائل ‪ً:‬ا في آخرهذا النفكق سكد ينبغكي فتحكه لتكدخل ميكاه الينبكوع إليكه‪.‬‬
‫عندها قفز أناهيد إلى الماء وداخل في ذلك النفق حتى وصأل إلككى السككد الحككاجز فتككأمله ثككم‬
‫رجع‪ .‬وعندما خرج من النفق كان هيرودا خارجا واقفا مع الجن على رأس النفق فقال لهم‬
‫أناهيد وهو يعوم ‪ً:‬ا إذا فتحتكه دافعنكي المكاء إلكى الكداخل‪ ,‬كيكف إسكتطاعوا إغلقكه ؟ فق ال‬
‫هيرودا ‪ً:‬ا لم تكن المياه بهذا العمق حينها‪ ,‬هي كذلك الن لنهككم سككدوا مخرجهككا فتجمعككت‪,‬‬
‫قريبا ستعلو ذاهبه إلى الرمال‪ ,‬هل نربطك بحبل وتدخل في النفق ونمسك بالحبككل ؟ فقككال‬
‫أفتاب ‪ً:‬ا ل أظنه يصمد مع قوة الماء وقد ينقطع الحبل‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا ظننتكم معشر الجكان‬
‫تسكنون تحت الرض؟ فقال بهرام ‪ً:‬ا وأنتم تسكنون فوقها هل تطيككرون فككي الهككواء‪ .‬فقككال‬
‫أناهيد وهو في الماء ‪ً:‬ا أولئك يدعون بالغواصأة‪ ,‬نحن ل نسكن الماء‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا نربط‬
‫المغلق بحبل ونشككده مككن هنككا‪ .‬فقككال أناهيككد‪ً:‬ا إن مغلق السككدة ليككس عمودايككا وإنمككا علككى‬
‫الجانب‪ .‬حينها نظر الخوة الثلثة إلى بعضهم البعض وقال أفتاب لناهيككد الككذي بالمككاء ‪ً:‬ا‬
‫هل ممكن هذا ؟ فقال أناهيد ‪ً:‬ا بل ليس غيره‪ ,‬لما لم نفكر في هذا من قبل وقد أتعبنا أنفسككنا‬
‫بالقفز في الماء؟ فقال بهرام ‪ً:‬ا ربما لنه هناك غيرنا هنا من يفكككر لنككا‪ .‬وتضككاحك الخككوة‬
‫الثلثه وهم ينظرون إلى هيرودا فقال لهم هيرودا ‪ً:‬ا ماذا ؟ نفكر في ماذا ؟ فقفز أناهيككد مككن‬
‫الماء خارجا ووقف عند إخوته على رأس النفق وأخذ يعصر ملبسكه مكن المككاء فقكال لككه‬
‫أفتاب‪ً:‬ا إذا هيا‪ .‬فنظر إليه أناهيد قائل ‪ً:‬ا لقد خرجكت لتككوي مككن المكاء‪ .‬فنظكر إليككه أفتككاب‬
‫بشدة وحزم قائل له ‪ً:‬ا نحن أخويك الكبر منككك سككنا‪ .‬فتقككدم أناهيككد مككن أعلككى رأس النفككق‬
‫وهو غاضبا ومد يده إلككى دااخككل النفكق فطكالت و امتككدت يككده حكتى قبكض بالسكد الحكاجز‬
‫وتلمس المغلق فأمسكه وفتحه فتدافعت المياه إلكى دااخكل النفكق وبكدأ منسكوب الميكاه فكي‬
‫الينبوع بالنخفاض فركبوا جياداهم راجعين ‪.‬‬
‫إقتربت الملكة دابورة من الشيخ سموطان على ظهر جواداها فقككال لهككا سككموطان‪ً:‬ا أصأككدق‬
‫أن المدينة تغوص ولكن إذا غاصأت المدينة فل بد أن تخلف ورائها حفككرة‪ ,‬وإل مككا الككذي‬
‫غطاها من فوقها بالرمال وكيف سترتفع وكل ذلك الرمل عليها من فوقها لصأككبح الككوزن‬
‫ثقيل جدا ؟‬

‫‪99‬‬
‫دااخل مملكة )ثيتا( وقد أصأبحت مظلمه داخل إبن سايروس المير مرقس غرفة خاليه من‬
‫كل شيئ‪ .‬وأرداف الباب وراءه وجلس وسطها ووضع كفيه متلصأقان أمام صأدره ثم بككدأ‬
‫يقسم ويزيد من القسم ويعلو صأوته بالتلوة ويتمتم ويقول ‪ً:‬ا آج أهوج جل جليوت جلجلككت‬
‫هي هل هلهلت طيطغككت غلمهككت شككماخأ أشككمخ سككلمه صأمصككام مهككراش طمطككام بككازخأ‬
‫شرنطخ برهوت ياه يوه نموه أصأاليا نجا عاليا صألصككلت حوسككمت حوسككم داوسككم براسككم‬
‫شلمهت أرمخت تعدادا أيزام سندادا كاهر تشمخت يمليخ شمياثا يانوخأ دااميخ يشكموخأ علكى‬
‫مانرم حقا يرون بقنضب تناو كماه أواه هشكاخأ هشكاخأ سمخثا شلمخا شلمخ عيطل ‪.‬‬

‫في صأفوف الملك أجمنون تكلم أوريا وقككال لهككم وهككم ينتظككرون ‪ً:‬ا مرقككس إبككن سككايروس‬
‫ليس رجل عادايا ويستمد قوته مما حوله‪ ..‬الرمال‪ ..‬فما أتم كلمككه حككتى بككدأ ذلككك الرمككل‬
‫الذي المدينة تحته يهتز‪ .‬وتجمع فوق بعضه من جميككع الجككوانب إلككى الوسككط حككتى شكككل‬
‫هيئه رجل ضخم يجلس القرفصاء راصأا بكفيه أمام صأككدره مغمككض العينيككن جسككمه مككن‬
‫الرمل‪ .‬وبدأت المدينة ترتفع من تحته وترفعه معها وهول يتحرك مككن وضككعيته وجمككوع‬
‫الملك أجمنكون يشكاهدون م ا يحكدثا حكتى وصأكل اليهكم هيكرودا وأفتكاب وبهكرام وأناهيكد‬
‫وأخذوا يطالعون ذلك التمثال الرملككي الككذي ظهككرت المدينككة تحتككه إلككى أخرهككا‪ .‬وهككو لككم‬
‫يتوقف عن الرتفاع حيث توقفت المدينة بل واصأل بالرتفاع إلككى أعلككى بجلسككته تلككك ل‬
‫شيئ تحته‪ .‬وبعد قليكل توقكف عكن الرتفكاع وفتكح عينيكه فكانتقز الجنكد مكن ذلكك المنظكر‬
‫المهيب وقفز إلى الرمل واقفا فإذا هو رجل عملق بطول عشرين مترا مككن الرمككل علككى‬
‫هيئة وشكل المير مرقس‪ .‬فقال أوريا وهو بجانب الملك ‪ً:‬ا ل مفر من الرمال في الرمال‪.‬‬
‫وأطلق أوريا حصانه هاربا فصرخأ عليه الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا أيها الخائن الجبان‪ .‬ثم أخذ‬
‫الملك أجمنون ينظر الى أوريا يبتعد بحصانه وتحسف عليه‪ .‬وأخذ العملق الرملي يلوح‬
‫بيده على الجند فتكشطهم الرمال ويقاذفهم في كل مكان‪ .‬ورجليه تحككدثا الزوابككع الرمليككة‬
‫القوية الدوران فتلقي بالجند وعتاداهم على بعضككهم دااخككل تلككك الزوبعككه‪ .‬وأخككذت أسككلحه‬
‫الجند تتطاير فتصطدم بالجند فتهلكهم فصرخأ بهم الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا تفرقككوا ‪ ..‬تفرقككوا‬
‫واخذ الجميع كل ينجو بنفسه‪ .‬وأمسك هرمس بروثا ودايفي وطار بهمككا بعيككدا فككي معككزل‬
‫وطارت الملكة في السماء ويد ذلككك العملق تتبعهككا مككن تحتهككا وهككي تطيككر وتنظككر الككى‬
‫تحتها الى أرجل العملق الذي أحدثا الزوابع إلى بطنه‪ .‬فلحقت بها يده فأمسكها وسككحبها‬
‫إلى بطنه حيث الزوبعه الرميلة فارتطمت الملكة بقوة على الرمال عنككدها تهككافت الخككوة‬
‫الستة إليها وداخلوا في بطن الزوبعه وأخذوا يدورون بسرعة حكول أمهكم ثكم أمسككوا بهكا‬
‫وقفزوا بها بعيدا عن العملق الرملي‪ .‬في تلك ألثناء إقترب أوريا من نافذة جدار المدينة‬
‫على فرسه وطقطق على النافذة وهويقول بلغتهم ‪ً:‬ا أنا أوريا إفتحوا لي أنا مستشككار الملككك‬
‫سايروس أوريا افتحوا‪ .‬ففتح من بالككداخل النافككذة فككرأوه وعرفككوه فقككال لهككم ‪ً:‬ا إفتحككوا لككي‬
‫البوابة بسرعة‪ .‬فقالوا له ‪ً:‬ا هات يدك فناولهم يده فسحبوه من النافذة عن ظهككر جككواداه إلكى‬
‫الداخل‪ .‬وهو بالداخل أخذ ينفض الغبار عن نفسه وسألهم ‪ً:‬ا أين المير مرقس فقككالوا لككه ‪ً:‬ا‬
‫أنه في خلوته‪ .‬فتوجه إليه أوريا والجند في الخارج يتقاذفون في كككل جهككه‪ .‬ومككن يضككربه‬

‫‪100‬‬
‫العملق بيده تلتصق تلك الرمال وتخكرق جسككمه‪ .‬وقكام يحصككدهم مككع خيككولهم داونمككا أي‬
‫مقاومة من الجند سوى محاولة الهرب من أمامه‪ .‬وداخل أوريا على المير مرقس الغرفة‬
‫وهو جالس هناك جلسه القرفصاء مغمض العينين وكفيه أمام صأدره‪ ,‬ومككن شككدة تركيككزه‬
‫لم يحس بأحد يدخل عليه فدار أوريا خلفه وعندما إستل سيفه سككمعه مرقككس وفتككح عينيككه‬
‫ولكنه كان متككأخرا فجككر عليككه أوريككا سككيفه بضككربه قككويه فصككلت لككه رأسككه عككن جسككمه‬
‫متدحرجا على أرض الغرفة وفي نفس اللحظة تهاوى ذلك العملق الرملي الكذي يصكرع‬
‫الجند‪ ,‬وتلطمت رمككاله بككالرض وتهككدم فرجعككت مككرة أخككرى مجككردا رمككال ذهبيككة فككي‬
‫الصحراء‪ .‬وانكشف جو المعركة عكن تلكك المذبحكة العظيمكة والككل جرحكى أو مقتكولين‬
‫مغبرين متألمين‪ .‬إل مكن تمككن مكن الهكرب منهكم فقكد سكلم‪ .‬وأخكذ الملكك أجمنكون يسكير‬
‫ويتفقدهم عن يمينه وشماله وأمامه‪ .‬وتوقف لحظة حيث رأى الملك شمشون راقككدا هنككاك‪.‬‬
‫فأسرع الخطى نحوه فإذا هو قد أصأككيب بفككأس علككى رقبتككه‪ ,‬فككأس طيرتككه الزوبعككة فثبككت‬
‫مرتكزا على رقبه الملك شمشون وجلس الملك أجمنون عند رأسه وأمسك بيده ينظر إليككه‬
‫وهو راقدا على ظهره مدميا وهو مازال فاتح عينيه لم يمت بعككد‪ ,‬وانمككا يحككاول أن يقككول‬
‫شيئا‪ .‬والملك أجمنون حزينا عليه يحاول سماع ما يريد أن يقول‪ .‬ثم قال شمشون بصعوبه‬
‫والدم يخرج من فمه‪ً:‬ا هل تستحق رغباتك كل هذه الدماء؟ وفككارق شمشككون الحيككاة فبكككاه‬
‫الملك أجمون وقال له وهو ممسكا بيده‪ً:‬ا سأخبرك يا صأديقي عنككدما نخككرج للصككيد معككا ‪..‬‬
‫سأخبرك‪ .‬عندها حضر إليه هيرودا فرأى أباه في تلك الحككال فأخككذ الملككك أجمنككون ينظككر‬
‫إلى إبنه متعزيا به حتى وصأل هيرودا عند أبيه فقال له الملك أجمنككون بحككزن ‪ً:‬ا لقككد بككدأت‬
‫التعودا على أن يكون لدى صأديق‪ .‬ثم قاطع لحظتهما تلك عنككدما نظككرا إلككى حيككث صأككوت‬
‫يأتي من المدينه‪ .‬فاذا هم يفتحون البوابات والملككك وابنككه والجنككد ينظككرون إلككى مككن يقككدم‬
‫عليهم بعد ذلك العملق الرملي‪ .‬فإذا ستين فارسا مدرعين بالدارعككة السككودااء‪ ,‬ويركبككون‬
‫خيول سودااء وكل ما لديهم من أسلحة هي باللون السودا اللمع‪ ,‬واختلطوا بالسككوادا حككتى‬
‫صأار جزء منهم‪ .‬وتقدم أولئك الفرسان الذين ل تظهر وجوههم من الخوذ السودااء الككتي‬
‫يلبسونها‪ .‬تقدموا في ثلثة صأفوف كل صأف عشرين فارسا يخرجون على ظهور خيولهم‬
‫من البوابة متجهين إلى جند الملك أجمنون‪ .‬فتحفكز الجنكد للقكائهم ولملمكوا مكا يسكتطيعون‬
‫وتجمعوا استعداداا لهم‪ .‬ثم تراكض أولئك الجند السودا هاجمين عليهم فاستهان جند الملككك‬
‫أجمنون بقله عدداهم ولكن عندما وصألوا إليهم وبدأوا بقتالهم علموا أنهم جند لم تكتب لهككم‬
‫أن يموتوا بأسلحة البشر‪ .‬فأخذوا يقتلون من جند الملك أجمنون‪ .‬وساعدت الجن في قتالهم‬
‫ورداهم ولكن كلمككا حككاولوا قتككل أحككدهم ل يمككوت‪ .‬وسككموطان يقاتككل معهككم وإذا مككا وجككد‬
‫فرصأة صأعبة أغرز سيفه في الجندي ولكن تلك الفرصأككة الصككعبة تككذهب هبككاء‪ ,‬حيككث ل‬
‫تؤثر فيهم‪ .‬فقال الشيخ لمن حوله من الجن والجميع في صأراع مع أولئك الفرسان السودا‬
‫قال ‪ً:‬ا لبد من قتل أولئك الصبية‪ ,‬ان أرواحهم تسكن هؤلء الجنككد لككذلك ل يمكككن قتلهككم‪.‬‬
‫فقالت الملكة دابورة‪ً:‬ا ل بد وأن هنككاك طريقككة أخككرى‪ .‬فقككال الشككيخ وهككو يبككارز‪ً:‬ا ل توجككد‬
‫طريقككة أخككرى وإل أجهككز هكؤلء الفرسككان علككى مككن تبقككى مكن الجيكش‪ ,‬أرواح الصككبية‬
‫ستكون فداء لرواحنا كما كانت أرواحهم فداء لهؤلء‪ .‬عندها طككار الشككيخ وطككارت معككه‬

‫‪101‬‬
‫دابورة ولحق بهم كيوان وبهككرام فطككاروا حككتى وصأككلوا إلككى عنككد المعبككد حيككث الشككجار‬
‫الكثيفة وحطوا هناك وإذا بالمكان ساكن فككي الغابككة‪ .‬تقككدم الشككيخ مككن المعبككد وقريبككا مككن‬
‫مدخله سمعوا أصأوات ضحكات ثم ظهر بعض الصبية يركضون إليهم‪ ,‬منهم من يركض‬
‫من دااخل المعبد ومنهم من وراءه وأولهم من جاءت من دااخل المعبد بنت جميلة خرجككت‬
‫فرحة تركض باتجكاه سككموطان وهككي تقككول ‪ً:‬ا بابكا بابككا والشككيخ ينظككر إليهككا حككتى إذا مككا‬
‫وصألت مهرولة تريد أن تحتضنه قطع رأسها بسيفه والشككيخ يتككألم لهككا‪ .‬فككإذا أحككد أولئككك‬
‫الجنودا السودا الستين يقع على الرض ميتا في أرض المعركككة داونمككا أن يمسككه أحككد‪ .‬ثككم‬
‫أخذ بهرام وكيوان والم الملكة والشيخ يقتلون أولئك الصبية ونفطرت لهككم قلككوبهم وهككم‬
‫يتألمون لهم من منظرهم وهكم مضكرحين بكدمائهم‪ ,‬وكلمككا قتلككوا واحككدا منهكم يمكوت مكن‬
‫أولئك الفرسان السودا واحدا وهكذا حتى قضوا على جميع الصبية وكذلك بالمقابككل مككات‬
‫جميع الفرسان السودا الستين فارسا‪ .‬عندها فتحت أبككواب المدينككة وإذا يظهككر منهككا أوريككا‬
‫وقد تقدم قومه إلى أن وصأل إلى حيث الملككك أجمنككون فنظككر إليككه الملككك أجمنككون وكتفككه‬
‫ينزف مستندا بركبته على الرض فقال له أوريا ‪ً:‬ا أنا لككم أهككرب وانمككا إسككتعملت الحيلككة‪,‬‬
‫ولو لم أفعل ذلك لكككان ابككن سككايروس قتلنككا جميعككا‪ ,‬لقككد قتلتككه لهككذا إختفككت تلككك الزوبعككه‬
‫الرملية‪ .‬فنظر إليه الملككك غيككر مصككدق‪ .‬فقككال لككه أوريككا ‪ً:‬ا تصككدق أول تصككدق هككذه هككي‬
‫الحقيقة‪ ,‬وهؤلء هم حكماء المملكة وقد أقنعتهم بالستسلم‪.‬‬
‫بعدها داخل الجميع إلى المدينة وقد حضر الشيخ والملكة وأبنائهككا فككدخل آجمنككون المدينككة‬
‫وعند داخوله القصر والجماعة كلهم وراءه تلفت إلى خلفه حيث أوريا يسككير مككع الحكمككاء‬
‫خلفه فقال له ‪ً:‬ا أين القفل ؟ فقال أوريا ‪ً:‬ا ل أعلم‪ .‬والتفت أوريا إلى الحكمككاء مككن حككوله ثككم‬
‫نظر إلى أحدهم وسأله ‪ً:‬ا هل تعلم أين القفل ؟ فتقدم إليه وقال ‪ً:‬ا ل علم لي به‪ .‬فنظككر الملككك‬
‫أجمنون إلى ذلكك الشكخص يتفحصكه وق ال لوريكا ‪ً:‬ا ومكن هكذا ؟ فقكال أوريكا ‪ً:‬ا هكذا مكن‬
‫مستشاري ومرافقككي الميككر مرقككس ابككن سككايروس ومككن المقربيككن منككه‪ ,‬وهككو مككن أعككز‬
‫أصأدقائي‪ ,‬أحد القلئل الذين أثق بهم‪ .‬فنظر الملك أجمنون إلى الشيخ سموطان فككي عينيككه‬
‫ثم نظر سموطان إلى كيوان فتقدم كيوان من صأديق أوريا تابع المير مرقس وقبضه مككن‬
‫قفاه وحمله عاليا إلى أن أوصأل رأسه إلى سكقف القصكر وهكو يقكول لكه ‪ً:‬ا أيكن القفكل وال‬
‫رميتك الى ألرض؟ فقال التابع وهو يصككرخأ ‪ً:‬ا صأككدقني صأككدقني ل علككم لككي وكككل شككيئ‬
‫تحت أمركم فتشوا عنه كما تشاؤن‪ .‬عندها أشارت الملكة إلى كيوان بيككدها وقككالت‪ً:‬ا أنزلككه‬
‫فنزل به كيوان من هناك إلى الرض ثم تقدمت الملكة دابورة من حائط أبيض من حيطان‬
‫القصر ورفعت يدها إليككه وحركككت بكفيهككا بإتجككاهه وهككي تنفككخ علككى الجككدار فظهككر فككي‬
‫الجدار إبن الملك سايروس مرقس وهو فككي غرفككة وسككطها القفككل ومعككه بعككض الرجككال‪,‬‬
‫فحمل أربعة من الرجال القفككل ووضككعوه علككى عربككة‪ ,‬فسككاق رجككل يلبككس كالكهككان تلككك‬
‫العربة‪ .‬عندها تقدم الشيخ إلى حيث الحائط وقال ‪ً:‬ا قيسوس الرومي‪ .‬فتنبه إليه الجميككع ثككم‬
‫نظروا في الجدار فإذا ذلك الكاهن يعدو بالعربة المحمل بها القفل إلككى كهككف وداخككل فيككه‪.‬‬
‫بعدها إختفت الصورة من الجدار فالتفتت الملكة إلككى الشككيخ وقككالت ‪ً:‬ا إنهككم صأككاداقين‪ .‬لقككد‬
‫أبعد مرقس القفل قبل مجيئنا عند ذلك الكاهن‪ .‬وقالت للشيخ وهي تقترب منه ‪ً:‬ا هل تعرف‬

‫‪102‬‬
‫ذلك الكاهن؟ فقال الشيخ سموطان وهو ينظر إلى الرض ‪ً:‬ا نعم إنه قيسوس الرومي‪ ,‬أحد‬
‫معارفي‪ .‬إقترب الملك أجمنون من الملكة دابورة وقال ‪ً:‬ا أنظككري لككي مككا حككال هككذا التككابع‬
‫معنا ساعة ما خرج علينا ذلك العملق الرملي‪ .‬ونظر الملك إلككى أوريككا وهككو يقككول ذلككك‬
‫إلى الملكة‪ .‬فاقتربت الملكة مرة أخرى إلى الجدار وعملت كذلك فخرجت الصككورة بككذلك‬
‫العملق يضرب الجميع والتابع يخرج من الصفوف ويدخل من فتحة المدينة ويدخل على‬
‫ابن سايروس ويقتله فينتهي ذلك العملق الرملي في الحال وانتهت الصورة‪ .‬عندها تلفككت‬
‫الملك إلى أوريا وأوريا ينظر إليه بأسككى وقككال لككه‪ً:‬ا ألن صأككدقتني يككا عمككاه؟ فقككال الملككك‬
‫أجمنون ‪ً:‬ا نعم يابني‪ .‬واقترب منه وأمسك بكتفه وقال ‪ً:‬ا سامحني‪ ,‬مثلي يجب أن يشككك فككي‬
‫كل أحد‪ .‬فهز أوريا رأسه باليجاب والتسككامح ثككم إلتفككت أجمنككون للشككيخ والملكككة وقكال ‪ً:‬ا‬
‫والن ما العمل ؟ فقال الشيخ‪ً:‬ا أرى أن نستريح هنا لبعككض الككوقت حككتى يسككتجمع الجنككودا‬
‫صأحتهم ونحن كذلك معهم ثم ننطلق وراء قيسوس الرومي‪ .‬إلتفتت الملكة ثم سككارت إلككى‬
‫أفتاب وقالت له ‪ً:‬ا هل تذكر تلك العشككبة مككن أيككن أتيككت بهككا ؟ فقككال ‪ً:‬ا بلككى‪ .‬فقككالت‪ً:‬ا إذهككب‬
‫وآتني منها بكمية كككبيرة‪ ,‬فالمصككابين كككثر‪ .‬فهككز رأسككه وانطلككق‪ .‬خككرج هيككرودا مككن تلككك‬
‫الغرفة وخرجت وراءه هادااسككاه فشككاهدتهما روثا وتبعتهمككا‪ ,‬بينمككا ككان أوريككا وصأككاحبه‬
‫ينظران إلى روثا وهي تتبعهما خارجه من الغرفة‪ .‬وكككان هيككرودا يسككير يرافككق هادااسككاه‬
‫حينما إقتربت منهما روثا على عجل وداخلككت تسككير بينهمككا وقككالت لهادااسككاه ‪ً:‬ا إذا لمككا ل‬
‫نتعرف على بعضنا أكثر‪ .‬وأمسكت بيدها هادااسككاه ومشككت بهككا وهككي تنظككر إلككى هيككرودا‬
‫الذي وقف ينظر إليها تأخذ منككه هادااسككاه‪ .‬فقككالت روثا لهادااسككاه وهككي مككا تككزال ممسكككة‬
‫بذراعها تمشيان معا وخلفهما دايفي وهرمس ‪ً:‬ا إذا كيف إلتقيتما؟ قالت هادااساه ‪ً:‬ا من تعنين‬
‫؟ قالت روثا ‪ً:‬ا هيرودا‪ .‬قالت هادااساه‪ً:‬ا إلتقينا بالصدفة عندما كان يبحككث عككن أبيككه الملككك‪.‬‬
‫وسكككتت فقككالت روثا لهككا ‪ً:‬ا ثككم ؟ فقككالت هادااسككاه ‪ً:‬ا ثككم مككاذا ؟ قككالت روثا ‪ً:‬ا صأككفي لككي‬
‫بالتفصيل‪ .‬فضحكت هادااساه وقالت ‪ً:‬ا حسنا ولكنها قصة طويلككة‪ .‬فقككالت روثا ‪ً:‬ا أنككا أحككب‬
‫القصص الطويلة‪ .‬ومضتى مع بعضهما‪.‬‬
‫بعد غروب الشمس داخل هيرودا على أبيه الملك أجمنون وهو في غرفتككه يسككتريح وقككال‬
‫له الملك وهو ينظر إليه ‪ً:‬ا آه يا بني‪ ,‬لقد إشتقت إلى دايارنا‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا نعككم لقككد إشككتقت‬
‫إلى أمي وإخوتي‪ .‬وجلس الملك متفكرا على سريره ومن خلفككه لككدى البككاب إبنككه هيككرودا‪.‬‬
‫وراح خياله في مملكته وماله هناك من حياة الراحة والدعة ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫في نفس الوقت في مملكة الملك أجمنون التي جلس الملك يفكر فيهككا داخككل الحككاجب علككى‬
‫إبنه المير سامويل وقال ‪ً:‬ا شيخان بالباب يوداان مقابلتك سيدي‪ .‬فأذن لهما بالدخول فدخل‬
‫عليه شيخان كل منهما ذولحية طويلة بيضاء‪ .‬واحد طويل القامككة والثككاني قصككير‪ .‬فتقككدما‬
‫مككن مجلككس الميككر سككامويل يمشككيان والميككر يراقككب تقككدمهما حككتى إذا مككا وصأككل إلككى‬
‫منتصف المجلس قال لهما المير سامويل مككن كرسككيه حيككث يجلككس علككى العككرش ‪ً:‬ا هككل‬
‫أعرفكما ؟ لبد وأننا قد تقابلنا من قبل‪ ,‬فملمح وجهيكما ليست بغريبككة‪ ,‬مككن أنتمككا ؟ فقككال‬
‫الشيخ الطويل ‪ً:‬ا نحن لم نلتقي من قبل سيدي المير ولكن ثق بأنك لن تنسككى وجهينككا بعككد‬
‫اليوم‪ .‬فارتاب في أمرهما المير وأمرحرسه بالقبض عليهما فتحرك الجند للمساك بهمككا‬
‫ولكن الشيخان لم يتحركا من مكانيهما بل أخذا ينظران إلى الحككرس بككتركيز شككديد‪ .‬فأخككذ‬
‫الحككرس يتهككاوون إلككى الرض يتككألمون ويعتصككرون والميككر فككي ذلككك ينظككر مككذهول‬
‫مصعوق من أمرهمككا حككتى أن الزبككد أصأككبح يخككرج مككن أفككواه الحككرس وكككأن ثعبككان قككد‬
‫لسعهما‪ .‬فقام المير سامويل من كرسيه ونزل ينظر إلى حرسككه وهككم صأككرعا بل حككراك‬
‫والزبد يمل وجوههم وأفواههم‪ .‬ثم توجه الشيخ القصككير إلككى الميككر سككامويل وقككال لككه ‪ً:‬ا‬
‫إطمان هذا فقط لتعلم قدراتنا أما أنت فلن يصيبك ما أصأاب حرسك‪ ,‬كل ما نريده منك أن‬
‫تأمر جنوداك بفتح بوابة المدينة لستقبال جنودانا الذين بالخارج ينتظرون‪ ,‬وقككل لهككم أنهككم‬
‫ضيوفك جاؤا لزيارة المدينة‪ ,‬ونحن نعدك بأن ل يصيبك مكككروه وكككذلك جنككدك‪ .‬فغضككب‬
‫المير سامويل وأرادا الهجوم عليهما ولكنه أمسك ببطنه وأخذ يعصره ألما ثككم أخككذ الزبككد‬
‫يخرج من فمه‪ .‬حينها توقف الشيخان عن التركيز عليه فاستردا بعض عافيته واختفى ألمه‬
‫فعاجله الطويل قائل ‪ً:‬ا هذا بالضبط هو مصير حرسك ومصير جندك من بعككدك إن إردات‬
‫المعاندة‪ ,‬إنما أنا وأخي قاداران على أن نبيد عسكرك كله‪ ,‬ولكنا لسنا بقتلككه بككل نحككن مككن‬
‫العلماء فأشفق على نفسك وناداى كبير جندك وافعل ما طلبنككا منككك فعلككه‪ .‬فنككاداى سككامويل‬
‫كبير جنده مغلوبا بعد قليل من التفكير لنه علم أنهم هالكون في كل ألحوال‪ .‬في الخككارج‬
‫وعلككى مسككافة مككن مدينككة )زيتككا(‪ ,‬وبيككن ألحككراش‪ ,‬كككان جيشككا كككبيرا يككتربص بالمدينككة‬
‫ينظرون الى بوابتها‪ ,‬ينتظرون ألشككارة مرابطيككن‪ .‬فككاذا البوابككة تفتككح علككى مصككراعيها‪.‬‬
‫ففرح الجنودا الرابظين هناك‪ ,‬وبككدؤا يخرجككون مككن بيككن ألشككجار يسككيرون فككي صأككفوف‬
‫منتظمة بخيولهم في طريق المدينة وقد بانوا لحراس البوابككة‪ .‬فسككاروا بكككل هككدؤ وداخلككوا‬
‫المدينة بسلم‪ ,‬حتلى اذا ما استقروا دااخلها أخذوا يحصدونهم بأسلحتهم وهم عككزل وعلككى‬
‫حين غرة‪ ,‬وقتل من قتل بالقصر ونجى من هكرب‪ ,‬والميكر سكامويل يراقكب مكن شكرفته‬
‫متحسفا على شعبه ذلك الهلك‪ ,‬واستدار سككامويل إلككى الشككيخان وقككال بحنككق ‪ً:‬ا لقككد وعككد‬
‫تماني أهكذا يعد العلماء؟ فقال القصير ‪ً:‬ا ليس لنا حول ول قوة عليهككم‪ .‬حينهككا داخككل أميككرا‬

‫‪104‬‬
‫المجلس مسرعا فإذا هو الملك ميشا ملك مملكة )في( وقد تقلد بزته الحربية‪ ,‬وتككوجه إلككى‬
‫المير الذي يقف بجانب الشرفة ونككاوله بسككيفه علككى رقبتككه فأخككذ الككدم يتككدفق مككن رقبككة‬
‫سامويل وكأنه شلل وهو يمسك بيده على جرحه‪ .‬والشيخان ينظران إليككه متأسككفان علككى‬
‫مصيره الذي ل ذنب له فيه إل أنه وثق بهما‪ .‬فرفسه الملك ميشا في بطنه فوقع من أعلككى‬
‫الشرفة وارتطم بفناء القصر ميتا بل حككراك مخضككبا بالككدماء الككتي إنتشككرت حككول ملقككى‬
‫جثته‪ .‬والملك ميشا بعد أن كان ينظر من الشرفة متشفيا في سامويل المغككدور إلتفككت إلككى‬
‫الشيخان وراءه وقال ‪ً:‬ا الن فقط بردا فؤاداي منك يا أجمنون‪ .‬وتوجه إلى كبير جنده وقككال‬
‫له ‪ً:‬ا إجمع جميع من بالقصور الملكية وكبار حكمائهم وحاشيتهم وأداخلهم السجن ‪.‬‬

‫وصأل أفتاب بالعشبة وأعطاها لمه الملكة دابورة وقد كانت حزمة كبيرة مككن أوراق تلككك‬
‫العشبة فأخذتها لتداوي بها الجرحى ‪.‬‬
‫في أفنيه القصر في مملكة )ثيتا( كان يجلس بعض من الجنككد ووجككد الجككن الخككوة السككتة‬
‫مكانا للجلوس بينهم متفرقين ولكن قريبين من بعضككهم بحيككث يتخلككل بينهككم الجنككد‪ .‬وأخككذ‬
‫جند سايروس ينظرون إلى الجن مستعجبين من هيآتهم وأشكالهم فقال أحد الجند لهم ‪ً:‬ا إذا‬
‫تحت إمرت من أنتم ؟ ووجه كلمه إلى الجن وهو يلتفت إلى رفاقه ويبتسم فنظككر الخككوة‬
‫الجان إلى أخيهم الكبير أفتاب‪ .‬حينها قال أفتاب لذلك الجندي وهو يشتمل بالحكمة ‪ً:‬ا نحككن‬
‫لسنا تحت إمرت أحد إنما قدمنا للمساعدة فقط‪ .‬وأشار أفتاب إلى إخوته واحدا تلككو الخككر‬
‫قائل ‪ً:‬ا كل واحد منا ملك على قبائل وشعوب من بني جنسنا‪ ,‬وتحت إمرت كل واحككد منككا‬
‫فيالق وجيوش عظيمه وقوادا‪ .‬فقال ذلك الجنكدي مسكتهينا‪ً:‬ا ملكوك ! هرمكس الكذي يحكرس‬
‫الفتيات والمخابيل ملك‪ .‬والتفت إلى أصأحابه وراحوا يضحكون‪.‬‬

‫في دااخل بهوات القصر خككرج الملككك أجمنككون وهككو يرتككدي ملبككس خفيفككة ووراءه إبنككه‬
‫هيرودا فقامت الملكة دابورة عنما شاهدت الملك أجمنكون يقكف هنكاك بكالقرب منهكا ينظكر‬
‫إليها وهي تعالج الجرحى فقالت‪ً:‬ا الملك أجمنون ! ظننتك خلدت للراحة ؟ ثم التفتت الملكة‬
‫إلى يسارها حيث أقبل الحكماء وتبعهم هرمس ودايفي وروثا ومعهم أوريا وبعض الجنككد‬
‫فقاطعها الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا لم أستطع النوم لقد خسرنا أناس شجعان كنا نحبهككم‪ .‬فقككالت‬
‫الملكة دابورة بأسى ‪ً:‬ا تقصد الملككك شمشككون‪ ,‬نعككم ل يمكككن لحككد الحتفككاظ بكككل مككا يريككد‬
‫ويحب ‪.‬‬
‫في الخارج كان إخوة الجن قد تضايقوا من جند سايروس ولهوهم وتحرشهم فنظر أفتككاب‬
‫إلى الرض فشاهد خنفسككاه تجككر شككيئ مككن غككوط البهككائم فأشكار إليهككا أفتككاب بيككده وقككال‬
‫للجندي ورفاقه ‪ً:‬ا مثل هذه الخنفساه‪ ,‬الخنفساه تعيش في القذارة لذلك تتمنى أن حياتها وكل‬
‫ما حولها قذارة‪ ,‬ولكن هل تعلم هي أن تلك قذارة؟ بالطبع ل ولكن ما عنككدنا قككذارة عنككدها‬
‫أجمل ما في الوجودا‪ .‬ونظر أفتككاب إلككى الجنككد وهككم ينظككرون إلككى بعضككهم البعككض غيككر‬
‫مدركين المغزى من الحديث وقال أحكدهم وكككان يجلكس بجكانب برجيككس ‪ً:‬ا هكل تعنككي أن‬
‫هرمس مثل هذه الخنفساه ؟ وضحك عندها رفككاقه بصككوت عككالي‪ .‬عنككدها برجيككس الككذي‬

‫‪105‬‬
‫بجانب ذلك الجندي تحول إلى قطككة سككودااء كككبيرة وقككد لمككح ذلككك الجنككدي بطككرف عينككه‬
‫حيوانا كبيرا بجانبه داونما أن يجد الشجاعة لللتفات إليه فتجمدت ضحكتة وكككذلك عيككون‬
‫أصأحابه وهم ينظرون إلى تلك القطكة السكودااء الضكخمة الكتي بكدأت تقفكز عاليكا وعنكدما‬
‫تصل أرجلها الرض تقفز مرة أخرى وهكككذا بجككانب ذلككك الجنككدي‪ ,‬واقشككعرت جلككوداهم‬
‫عندما تحول الخوة الخرين إلى سباع ونمور وفهودا كبيرة تزأر‪ .‬فنهض الجند مسرعين‬
‫يركضون إلى دااخل غرف القصر يصيحون وتلككك الحيوانككات المفترسككة تركككض خلفهككم‬
‫والجند تتراكض ويكادا الواحد منهم أن يلفظ قلبه من فمه من الخوف‪ .‬قبل ذلك بقليل حيث‬
‫كان الملك أجمنون يقف قبالة الملكة دابورة يتحدثان بينما الجميكع يسكتمعون إلكى حكديثهما‬
‫نظر الملك أجمنون إلى خلف الملكة دابورة يتبين شخص قادام من أبواب تلك الرداهككة وقككد‬
‫لبس السودا وربط وسطه بحبل وأسدل على رأسه الغطككاء فل يبككان وجهككه‪ .‬فتقككدم الملككك‬
‫أجمنون متجاوزا الملكة إليه والتفتت الملكة مستديرة لترى ما أداهش الملك وجذب إنتباهه‬
‫خلفها‪ .‬فإذا ذلك الشخص يتقدم الجند واستنفر الجند لرداعكه ولكنكه ضكل ماشكيا إلكى هكدفه‬
‫حتى وصألت أيدي الجند إليه فصرخت بهم الملكة دابورة مشيرة إليهم بيدها قائله ‪ً:‬ا داعككوه‪.‬‬
‫عندها توقف ذلك الغريب ووقف الجند بالقرب منه متأهبين لي حركة منه‪ .‬فقام الغريككب‬
‫بمد يده السودااء المخيفة التي كأنها يد الغوريلت ورفع غطاء وجهه فما أن رفككع الغطككاء‬
‫حتى شهق الجميع من ذلك المنظر القبيح والمخيف لوجه ذلككك الشككخص‪ .‬فتقككدمت الملكككة‬
‫دابورة متجاوزة للملك أجمنككون أمامهككا وقككالت لككذلك الضككيف‪ً:‬ا مككا الككذي أتككى بككك؟ فقككال‪ً:‬ا‬
‫مولتي‪ ,‬الغواصأة‪ .‬ونظر اليها ذلك الجني ونظرت الملكة إلى عينيه الصككفراوتان فعلمككت‬
‫منه ما حدثا‪ .‬حينها داخل عليهم المكان أولئك الجنككد الخككائفين مسككرعين محككدثين ضككجة‬
‫وجلبه أثارت الجميع حتى وصألوا إلكى عنكد ذلكك الجنكي الكذي يلبكس لبكاس الكهكان فكزادا‬
‫خوفهم عندما رأوه وتوقفوا وأراداوا الرجوع إلى الخلككف فككدخلت خلفهكم السككباع‪ .‬وعنكدما‬
‫وصألت الحيوانات إلى أولئك الجند شاهدوا الملكة أمهم فتحولوا فورا على ما كانوا عليه‬
‫ووقفككوا ينظككرون إلكى ذلكك الراهككب فعرفكوه‪ .‬فتككوجهت الملكككة إلككى الشككيخ وقكالت‪ً:‬ا إنهككم‬
‫الغواصأة‪ ,‬ما أن يجدوا ثغرة للدخول إلكى مملكتنكا حكتى يهاجمونكا منهكا‪ ,‬يجكب أن نكذهب‬
‫للمساعدة‪ ,‬وعلى كل حال أنتم أيضا ستحتاجون لبعض من الراحة في هذا المكان‪ .‬ونظككر‬
‫في عينيها سموطان بتركيز كمككا نظككرت هككي وهككي تتقككدم منككه وقكالت ‪ً:‬ا سككأعودا سككريعا‪.‬‬
‫عندها أطرق سموطان رأسه باليجاب‪ .‬فككالتفتت الملكككة ووضككعت المككاعون الككذي كككانت‬
‫تداوي به ذلك الرجل واعتككدلت ومضككت إلككى أبنائهككا ثككم إختفككت واختفككى بعككدها أولداهككا‬
‫الستة‪ .‬ونظر ذلك الجني الذي يشبه الغوريل إلى ذلك الجندي الذي ككان يسكتهزأ بهرمكس‬
‫نظرة مخيفة أفزعته وارتد الجندي إلى الوراء‪ .‬ثم التفت الجني إلى الخلف وخطككى بضككع‬
‫خطوات بإتجاه الباب واختفى هو ايضا ‪.‬‬
‫خرج هيرودا من القصر يتمشى وإذا به يشاهد نارا موقدة فتقككدم إليهككا حيككث يجلككس حككول‬
‫النار روثا وهادااساه ودايفي وهرمس وشهلون وأوريا وتككابع الميككر مرقككس آرميككا‪ .‬تقككدم‬
‫منهم هيرودا حتى جلس بينهم متدفأ بالنار‪ .‬فالصحراء الرمليككة بككارداة ليل ولكككن الجماعككة‬
‫كانوا صأامتين ينظرون إلى هرمس الذي ينظر إلى النار وهو واجم‪ .‬وعندما شاهد هيرودا‬

‫‪106‬‬
‫ذلك سأل هرمس وقال ‪ً:‬ا لما أنت عبوس على غير عاداتك؟ ألنك لككم تككذهب معهككم؟ فرفككع‬
‫هرمس رأسه قائل ‪ً:‬ا هم يعلمون ما عليهم فعله ولكن لم أرى شعبي منذ فترة‪ .‬فقال شهلون‬
‫لهرمس ‪ً:‬ا من ذلك القبيح السودا ؟ فنظككر إليكه هرمكس وقكد ابتسككم ابتسككامة إمتعكاض مككن‬
‫سؤاله وقال ‪ً:‬ا إنه كبير جند المملكة‪ ,‬وأعتقد أنه أختير لذلك المنصب لنه أجمل واحد فينا‪.‬‬
‫فاستغرب الجميع واندهشوا فقالت هاداساه باستغراب ‪ً:‬ا أجمل واحككد فيكككم!! قككال هرمككس‪ً:‬ا‬
‫نعم إن ما ترونه من أشكالنا هكذه هكي ليسكت أشككالنا ومكا نحكن عليكه‪ ,‬وانمكا نتشككل بهكا‬
‫لنسكتطيع أن نقكترب منككم‪ ,‬وال لفزعتكم منكا كمكا خفتكم لكدى رؤيتككم ككبير الجنكد‪ ,‬وهكذه‬
‫الملبس نحن لسنا بحاجة إليها‪ ,‬وإنما نلبسها من أجلكم‪ .‬فقالت هادااساه ‪ً:‬ا أل تلبسون شيئا؟‬
‫كككم هككو مككن الممتككع أن يعيككش الشككخص بينكككم‪ .‬وابتسككمت هادااسككاه خجلككه عنككدما نظككر‬
‫الحاضرون إليها باستغراب لمنيتها تلك‪ .‬فقاطعهم هرمس قائل ‪ً:‬ا خلق ا الجن على هذه‬
‫الرض وهم ل يلبسون شيئا‪ ,‬ثم خلق بعدهم بأربعين ألف سنة أدام وحواء وهما هناك فككي‬
‫الجنة كانوا عراة‪ ,‬حتى عصى آدام ربكه ف أنزله وحكواء إلكى الرض عنكدما ألبسكه ابليكس‬
‫هناك في الجنة فلبسه ا هنا في الرض‪ ,‬لذلك سمي إبليسا‪ ,‬وعندما نزلوا ظننا أنككه يرانككا‬
‫حتى علمنا أنه ل يستطيع أن يرانكا‪ ,‬وذلكك لنكه عصكى ربكه فكأعمى اك بصكره إل عمكا‬
‫يستطيع أن يلمسه‪ ,‬ولنه لم ينظر بقلبه إلى أمر ا ونظر بشهوته الماداية حكككم عليككه بككان‬
‫يكون مادايا‪ ,‬لذلك كان لزاما عليه أن يرتدي شيئا ليواري سككؤته وهككو بمثابككة الككردااء كمككا‬
‫وضع على عينيه الردااء‪ .‬فقال شككهلون ‪ً:‬ا لمككاذا لنسككتطيع أن نراكككم ؟ فقككال هرمككس ‪ً:‬ا إن‬
‫النسان سيرى الجن إذا قهر نفسه ومادايته واستطاع أن ينظر دااخله بداخله وتخلككص مككن‬
‫شهواته وتجردا من عيوبه ومعاصأيه‪ ,‬حينها ينظككر كككل شككيئ حككوله‪ .‬فقككال شككهلون ‪ً:‬ا مثككل‬
‫الشيخ سموطان؟ قال هرمس ‪ً:‬ا نعم مثل الشيخ‪ ,‬ولكن سرعان مككا يشككتغل ابككن آدام بملككذاته‬
‫فينسى نفسه ول يستطيع أن يراها ثم لن يستطيع أن يرى أخاه الذي يجلس بجككانبه‪ ,‬حينهككا‬
‫كيف يستطيع أن يرانا‪ ,‬عندها سيكون الجن في أمان ‪.‬‬

‫في صأباح اليوم التالي خرجت هادااساه بفرس وبجانبها هيككرودا فككوق فرسككه يسككيران مككن‬
‫بوابة المدينة‪ .‬فسارا حتى وصأل إلى نبع النهر حيث كانت هادااساه تسكن مع أبيها وأمهكا‪,‬‬
‫وحيث تربت طوال حياتها وحيث التقت بهيرودا أول مرة‪ .‬وعنكدما وصأكلت إلكى العريكش‬
‫شاهدت قبرا بجانب الضفة فنزلت من على فرسها بإتجاهه وتبعها هيككرودا مككترجل حككتى‬
‫انكبت على القبر وراحت تتأمله وهككي فرحككة وحزينككة‪ .‬ونظككرت إلككى هيككرودا مككن خلفهككا‬
‫وقالت له ‪ً:‬ا لبد وأنه قبر أبي‪ .‬ثم وضعت رأسها محتضنة القبر وأخذت بالبكاء ولم يقطككع‬
‫بكائها وخلوتهما ال صأوت روثا من خلفهما وهي تقول ‪ً:‬ا هل هذا هو قبر أبيككك ؟ فنظككر‬
‫كل من هيرودا وهادااساه إلى الخلف فاذا هي روثا وقد ترجلت مككن علككى فرسككها وخلفهككا‬
‫تابع الميرمرقككس أرميككا يجككر فرسككه‪ .‬فاغتككاظ هيككرودا مككن تككدخل روثا وقطعهككا خلككوته‬
‫بهادااساه وقال لروثا ‪ً:‬ا ما الذي أتى بكما إلى هنا ؟ هل تبعتمانا ؟ فقال تابع مرقس أرميككا‪ً:‬ا‬
‫ل وإنما إقترحت روثا أن نذهب للنبع فقد قالت أنها سمعت بوجودا نبع قريب من المملكة‬
‫فقلت نعم‪ ,‬فطلبككت منككي ارشككاداها الطريككق إليككه وأن نقضككي بعككض السككتجمام عنككده‪ .‬ثككم‬

‫‪107‬‬
‫تقدمت روثا من هادااساه وأنهضتها من على القبر وقالت لها وهي تنظكر الكى النبكع‪ً:‬ا هي ا‬
‫لنمككرح قليل فككالنبع جميككل حقككا بيككن هككذه الكثبككان الرمليككه القاحلككة‪ .‬ثككم جرتهككا مككن يككدها‬
‫وركضككتى بإتجككاه المككاء يتضككاحكان وتبعهمككا هيككرودا علككى حنككق وخلفككه آرميككا مبتسككما‬
‫وأمضيوا النهار كله وهم في النبع حتى مغيب الشمس ‪.‬‬
‫داخل هيرودا وهادااساه وروثا وأرميا إلى مجلس المملكة فإذا الجميع مجتمعين مككن حككول‬
‫كرسي العرش الذي يجلس عليه الملك أجمنون‪ ,‬وعند داخولهم تككوجه أوريككا إلككى صأككاحبه‬
‫آرميا وشد على يده قائل بحنق ‪ً:‬ا أين كنت طوال اليوم؟ عندها تكلم الملككك أجمنككون وقككال‬
‫لهم ‪ً:‬ا أعدوا العدة للخروج غدا صأباحا بكل ما تحتكاجون مككن العكددا والمكؤن‪ .‬عنككدها تكلكم‬
‫كبيرجند الملك شمشون الراحل وقال ‪ً:‬ا سيدي الملك أجمنون‪ ,‬اسمح لككي بككالرجوع بالجنككد‬
‫إلى مملكتنا‪ .‬فتفاجا الجميع من هذا الكلم حتى أن الملك أجمنون قطب حاجبيه وقال ‪ً:‬ا لقد‬
‫جاء بكم الملك شمشون لمساعدتنا والنضمام إلينا وحتى أنككه وللسككف قككد فارقنككا لكككانت‬
‫هذه هي رغبته‪ ,‬أنةتكونوا معنا‪ .‬فقال كبير جند شمشون ‪ً:‬ا نعم يا مولي‪ ,‬ولكن هنككاك مككن‬
‫يجب أن نأتمر به الن‪ ,‬وإذ الملك قد رحل يجب أن نعلم أبناءه بذلك‪ ,‬فقد يكون لديهم أمككر‬
‫آخر لنا وذلك من شانهم‪ ,‬بل هككو إذا تككوافقني الككرأي بحكمتككك هككو مكن حقهككم إرثا أبيهككم‪.‬‬
‫فأطرق الملك أجمنون رأسه ونظر إلى الشيخ سموطان الذي هز برأسكه لكه باليجكاب ثكم‬
‫مد الملك أجمنون يده باسطا كفه بإتجككاه كككبير جنككد شمشككون قككائل ‪ً:‬ا ولكنككا بحككاجه اليكككم‪,‬‬
‫فعددانا قليل‪ .‬ولكن كبير جند شمشون أرادا أن يحاجه فقاطعه الملك أجمنون وهو مككا يككزال‬
‫باسطا كفه وأشار بها إليه بالنصككراف قككائل ‪ً:‬ا حسككنا ذلككك ومككا تريككد‪ .‬فككأحنى كككبير جنككد‬
‫شمشون رأسه قائل ‪ً:‬ا شكرا لتفهمكم يا مولي‪ .‬ثم إنصرف من المجلس ليعد جنده للرحيل‬
‫باكراا‪ .‬نظر الملك أجمنون إلى سموطان وقكال ‪ً:‬ا ومككا العمككل الن؟ لقككد أصأككبحنا‪....‬ونظككر‬
‫أجمنون إلى كبير جنده متسائل ‪ً:‬ا كم نحن الن ؟ فقككال ككبير جنككده ‪ً:‬ا أقككل مكن فيلكق واحككد‬
‫بقليل‪ ,‬ومعظهم جرحى‪ .‬فقال سموطان ‪ً:‬ا هذا ونحن بدون الجن‪ .‬وبدى عليككه السككى فقككال‬
‫أوريا ‪ً:‬ا مولي‪ ,‬يمكننا أن نجمع فيلق أو إثنين من الجنككد مككن هنككا‪ .‬فقككال الملككك أجمنككون ‪ً:‬ا‬
‫تعني من جند )ثيتا( ؟ فقال أوريا ‪ً:‬ا نعم‪ ,‬هناك منهم من هو متشوق للمغامرة وللقتال حيث‬
‫لم يقاتلوا أحدا منذ زمن طويل‪ ,‬بل لم أشككهد لهككم قتككال منككذ وجككوداي بينهككم‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا‬
‫حسنا إذا إذهب أنت وابن عمك هيرودا واجمعا مككا تسككتطيعان مككن الجنككد‪ .‬فخككرج هيككرودا‬
‫وأوريا وقد إنبسط أوريا من وصأفه إبن عم لهيرودا فخرج به ولحق بهم شهلون وصأككاحب‬
‫أوريا تابع مرقس آرميا حتى وصألوا إلى الجند‪ .‬التفككت الملككك أجمنككون إلككى الحكمككاء مككن‬
‫حوله وحيث روثا وهادااساه ودايفي وهرمس وسموطان‪ ,‬وجال ببصره فيهم ثككم قككال ‪ً:‬ا لككم‬
‫أكن أعلم أن هذه الرحلة ستكلفني كل هذه الخسائر‪ .‬فقال سموطان ‪ً:‬ا مككولي خرجككت فككي‬
‫مطلب عظيم‪ ,‬والعظيم لبد وأن ثمنه من جنسه‪ ,‬ليس لككك الن إل الصككبر أو ‪ ...‬الرجككوع‬
‫إلى مملكتك والكتفككاء بمككا قككد خسككرت إلككى الن‪ .‬فقككال الملككك أجمنككون وهككو ينظككر إلككى‬
‫سموطان وقد علت همته وتجددات رغبته ‪ً:‬ا هذا مسككتحيل‪ ,‬أن أرجككع !! ل يمكككن‪ ,‬بعككد لككم‬
‫أبذل حياتي في سبيله‪ ,‬لقد إنتظرت تحقيق هككذا الحلككم بجمككع هككذه المفاتيككح السككبعة طككوال‬
‫عمري‪ ,‬وكان هذا حلم أبي وأجداداي من قبله‪ ,‬لقد كان أبي يعدني لتحقيق هذا الهككدف منككذ‬

‫‪108‬‬
‫أصأبحت أستطيع إستخدام رجلي‪ ,‬أما الصبر فهذا نعم‪ .‬وابتسم الملك أجمنككون وهككو ينظككر‬
‫إلى سموطان وقال ‪ً:‬ا هل لديك شككيئ عككن الصككبر أيهككا الشككيخ الحكيككم ؟ وتككوجهت أنظككار‬
‫الحكماء من حول الملك إلى سكموطان‪ .‬والجميككع فككي لهفكة لسكماع مكا سككيقول ممكا أجككبر‬
‫سموطان للردا على الملك قائل ‪ً:‬ا ل توجد قصة‪ ,‬أحكم في الصبر من صأبر نبي ا أيوب‪.‬‬
‫فقالت هادااساه بصوت عالي ملهوف أداهشت الجميع اليها ‪ً:‬ا إحكهككا لنككا‪ .‬ثككم سكككتت خجلككة‬
‫عندما نظر الكل إليها فقاطعهم سككموطان قككائل ‪ً:‬ا ككان أيككوب رجل طككويل عظيككم الككرأس‬
‫جعد الشعر وحسن العينين والخلق‪ ,‬قصككير العنككق غليككظ السككاقين والسككاعدين‪ ,‬وكككان اكك‬
‫إصأطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا‪ ,‬وكان له من أصأناف المال كله‪ ,‬من البل والغنم والخيل‬
‫والحمير ما ل يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة‪ ,‬وكان له خمسككماية فككدان‪ ,‬يتبعهككا‬
‫خمسماية عبد لكل عبد امرأة وولد ومال‪ ,‬وكان ا أعطاه أهل وولكدا مكن رجككال ونسكاء‪,‬‬
‫وكان إمرء تقيا رحيما بالمساكين يكفل اليتام والرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل‪,‬‬
‫وكان شاكرا لنعم ا مؤدايا لحقه وقد امتنع من عدو ا إبليس أن يصيب منه مككا أصأككاب‬
‫من أهل الغنى من العزة والغفلة والتشاغل والسهو عن أمر ا بما هو فيه من الدنيا‪ ,‬فقال‬
‫إبليس‪ً:‬ا يا الهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمككت عليككه فشكككرك‪ ,‬وعككافيته‬
‫فحمدك‪ ,‬ثم لم تختكبره ل بشكدة ول بلء‪ ,‬وأنكا لكك ضكامن لن ضكريته ببلء ليكفكرن بكك‬
‫ولينسينك‪ .‬فقال ا ‪ً:‬ا إنطلق إليه‪ ,‬فقد سلطتك على ماله‪ .‬فجمككع إبليككس عفككاريت الشككياطين‬
‫وعظمائهم فقال لهم ‪ً:‬ا ماذا عندكم من القوة والمعرفة؟ فإني قككد سككلطت علككى مككال أيككوب‪,‬‬
‫وزوال المال هو المصيبة الفاداحة والفتنة التي ل تصبر عليها الرجال‪ .‬فقال عفريككت مككن‬
‫الشياطين ‪ً:‬ا أعطيت من القدرة ما لوشأت تحولت إعصارا من نار فأحرقت كل شككيئ آتككي‬
‫عليه‪ .‬فقال له ابليس ‪ً:‬ا فأتي البل فاحرقها ورعاتها‪ .‬وإذا الرعاة في المرعى ومعهم إبلهككم‬
‫ترعى ما يشعرون حتى ثار من تحت الرض إعصار من نار تنفخ فيها رياح السموم‪ ,‬ل‬
‫تدنوا من أحد إل أحرقته‪ ,‬فلم يزل يحرقها ورعاتها حتى أتى على آخرها‪ ,‬فلما فرغ منهككا‬
‫تمثل إبليس على صأفة راعي إبل ثم إنطلككق إلكى أيكوب حكتى وجككده يصكلي فقكال لككه ‪ً:‬ا يككا‬
‫أيوب‪ .‬فقال ‪ً:‬ا لبيك‪ .‬فقال إبليس ‪ً:‬ا هل تدري ما صأنع بك ربك الذي إخككترته وعبككدته بإبلككك‬
‫ورعاتها ؟ فقال أيوب ‪ً:‬ا إنها ماله أعارنيها وهو أولى بها إن شاء تركها وإن شككاء أخككذها‪,‬‬
‫وقد تيقنت وطابت نفسي أني ومالي للفناء والزوال‪ .‬فقال إبليس ‪ً:‬ا فإن ربككك أرسككل عليهككا‬
‫نارا من السماء فأحرقت كلها‪ ,‬وبقي الناس مبهوتين وقوفا عليها يتعجبون منها‪ ,‬فمنهم من‬
‫يقول‪ً:‬ا ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إل في غرور‪ .‬ومنهم من يقول ‪ً:‬ا لو كان إله أيككوب‬
‫يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه من حريق مواشيه‪ .‬ومنهككم مككن يقككول ‪ً:‬ا بككل هككو الككذي‬
‫فعل ما فعل فشمت به عككدوه‪ ,‬وفجككع بككه صأككديقه‪ .‬فقكال أيككوب ‪ً:‬ا الحمككد لك الككذي أعطككاني‬
‫وحيث شاء نزع مني‪ ,‬عريانا خرجت من بطككن أمككي وعريانككا أعككودا إلككى القككبر وعريانككا‬
‫أحشر إلى ربي‪ .‬فرجع إبليس إلى أصأحابه خائبا ذليل وقال لهم ‪ً:‬ا ماذا عندكم مككن القككوة ؟‬
‫فقال عفريت من عظمائهم ‪ً:‬ا عندي من القوة مالو شأت صأحت صأككوتا ل يسككمعه ذو روح‬
‫إل خرجت مهجة نفسه‪ .‬فقال إبليس ‪ً:‬ا فككأت الغنككم ورعاتهككا‪ .‬فككانطلق ذلككك العفريككت حككتى‬
‫توسط الغنم فصاح صأوتا ماتت منه الغنم جميعا ومككاتت رعاتهككا‪ .‬وتمثككل إبليككس بصككورة‬

‫‪109‬‬
‫كبير الرعاة حتى جاء إلى أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل قوله الول فردا عليه أيككوب‬
‫مثل ما قال في المرة الولى فرجع إبليس إلى أصأحابه فقال ‪ً:‬ا ماذا عندكم من قككوة ؟ فقككال‬
‫عفريت من عظمائهم‪ً:‬ا عندي من القوة ما إذا شأت تحولت ريحا عاصأفا تعصف كل شككيئ‬
‫تأتي عليه حتى ل يبقى منه شيئ‪ .‬فقال له إبليس ‪ً:‬ا ف أت الفكداداين والحكرثا‪ .‬ف انطلق ح تى‬
‫قرب من الفداداين واسككتوى فككي الحككرثا ومزارعيهككا فيهككا فلككم يشككعروا حككتى هبككت ريككح‬
‫عاصأف فنسفت كل شيئ حتى كأنه لم يكن‪ .‬تم تلبس إبليس بكبير الككزراع حككتى جككاء إلككى‬
‫أيوب وهكو يصكلي فقكال لكه مثكل الول فأج ابه أيكوب بمثكل جكوابه الول‪ .‬فجعكل إبليكس‬
‫يصيب من ماله الول حتى أتى على آخره‪ .‬وأيوب كلما إنتهكى إليكه هلك مكال مككن مكاله‬
‫حمد ا وأحسن الثناء عليه ورضي بقضاءه حتى ما بقي له مال‪ .‬فلما رأي إبليس أنه قد‬
‫أفنى ماله ولم يتأثر إيمانه ول نجح إبليس في شيئ من أفعاله قال إبليس ‪ً:‬ا إلهككي ان أيككوب‬
‫يرى أنك إذا ما حفظت عليه نفسه وولده فأنت معطيه المال‪ ,‬فهل أنت مسلطي علككى ولككده‬
‫فإنها الفتنة المظلمة والمصيبة التي ل تقوم لها قلوب الرجككال ول يقككوى عليهككا صأككبرهم؟‬
‫فقال ا ‪ً:‬ا إنطلق فقر سلطتك على ولده‪ .‬فنزل إبليس على قصر أيوب وأولداه بداخله ولككم‬
‫يزل يزلزله حتى تككداعى القصككر مككن قواعككده‪ ,‬ثككم جعككل يناطككح جككدرانه بعضككها ببعككض‬
‫فرماهم بالخشب والجككدران حككتى أصأككبحوا تحككت النقككاض‪ ,‬ثككم رفككع بهككم القصككر وقلبككه‬
‫فصاروا منكسين ثم نطلق إبليس متمثل بصورة المعلم الذي كان يعلم أولداه الحكمة وهو‬
‫جريح مشدوخأ الرأس والوجه يسيل دامه من رأسه فككأخبره بككذلك وقككال لككه‪ً:‬ا يككا أيككوب‪ ,‬لككو‬
‫رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلب بهم القصر وكيف نكسوا على رؤسهم تسيل داماؤهم و‬
‫أدامغتهم من أنوفهم وشفاههم ‪,‬ولو رأيككت كيككف شككتتت بطككونهم فتنككاثرت أمعككاؤهم لتقطككع‬
‫قلبك‪ .‬فلم يزل إبليس يقول هذا ويرداداه حككتى رق أيككوب عليهككم وبكككى وقبككض قبضككة مككن‬
‫التراب فوضعها على رأسه ففرح إبليس بذلك ولكن فرحته لككم تتكم إذ أن أيككوب تككذكر اك‬
‫وأنزل قبضة التراب ورضي بقضاء ا فوقف إبليس خاسئا ذليل فقال إبليككس ‪ً:‬ا يككا إلهككي‪,‬‬
‫إنما هون على أيوب ضر المال والولد أنه يككرى أنككك حفظككت عليككه نفسككه والمككال والولككد‬
‫معوض فهل أنت مسلطي على نفسه وبدنه؟ فإني لك ضامن إن إبتليته في جسده لينسككينك‬
‫وليكفرن بك وليجحدن نعمتك‪ .‬فقال ا انطلق فقد سطتك على جميع جسده ولكن ليس لككك‬
‫أسلطان على لسانه وقلبه ول على عقله‪ .‬فذهب إبليس إلى إيككوب فوجككده سككاجدا وقبككل أن‬
‫يرفع رأسه أتاه من قبل الرض في موضككع وجهككه ونفككخ فككي منخككرة نفخككة إشككتعل منهككا‬
‫جسدة فذهل وخرج به من ترقوته إلى قدمه ثآليل مثككل اليكاثا الغنكم‪ ,‬ووقعكت فيكه حكككه ل‬
‫يملكها ول يتماسك عن حكها‪ .‬فحك بأظافره حتى سقطت كلها‪ ,‬ثم حكها بالمسوح الخشككنة‬
‫حتى قطعها‪ ,‬ثم بالفخار الخشنة فلم يككزل يحكهككا حككتى نككزل لحمككه وتقطككع وتغيككر وأنشككق‬
‫فأخرجه أهل القرية فجعلوه على المزبلة وجعلوا له عريشا هناك‪ ,‬فرفضه خلق اكك كلهككم‬
‫غير إمرأته كانت تأتي إليه بما يصلحه وتكرمه وبما كانت تخدم بككه عنككد النككاس‪ .‬وأيككوب‬
‫صأابر لحكم ا راضي ول ينتقطع لسككانه عككن ذكككر اكك ول عقلككه بككالتفكير فككي عظمتككه‪.‬‬
‫فصرخأ إبليس في أعوانه وقال ‪ً:‬ا أعياني هذا الصيد‪ ,‬لم أداع له مال ول ولدا فلم يزداه ذلككك‬
‫إل صأبرا وثناء على ال‪,‬له ثم سككلطت علككى جسككده فككتركته قرحككة ملقككى علككى المزبلككة ل‬

‫‪110‬‬
‫يقربه أحد إل أمراته فاعلموني ماذا أفعل أكثر من ذلك؟ فقالوا لككه ‪ً:‬ا نشككير عليككك أن تككأتيه‬
‫من حيث أتيت أبيه آدام وأخرجته من الجنة‪ ,‬من قبيل امرأته‪ ,‬فإنه ل يسككتطيع أن يعصككيها‬
‫وليس أحد يقربه غيرها‪ .‬فقال ‪ً:‬ا أصأبتم‪ .‬وانطلككق حكتى أتككى إمراتككه وهككي تطلككب الصككدقة‬
‫فتمثل لها في صأورة رجل فقككال لهككا ‪ً:‬ا أيككن زوجككك ؟ فقككالت لككه ‪ً:‬ا هككو ذاك يحككك قروحككه‬
‫وتتردادا الدواب في جسده منذ سبع سنين‪ .‬فلما سمع منها ذلك طمككع أن تكككون وسككيلته إلككى‬
‫أيوب فوسوس لها وذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال وذكرهكا بشككباب أيكوب وجمكاله‬
‫وما هو فيه اليوم من الضرر وأن ذلك ل ينقطع عنه أبدا‪ .‬فصرخت فلمككا سككمعها تصككرخأ‬
‫أتاها بغنمة وقال لها ليذبح أيوب هذه لي وسيبرأ‪ .‬فجاءت إلى أيوب تصرخأ وقككالت ‪ً:‬ا إلككى‬
‫متى يعذبك ربك ول يرحمك؟ أين المال والماشية ؟ وأين جسمك الحسككن ؟ قككد بلككي وهككو‬
‫يتردادا فيه الدودا‪ ,‬إذبح هكذه الغنمكة واسكترح‪ .‬فق ال لهكا أيكوب ‪ً:‬ا أتكاك عكدو اك فنفكخ فيكك‬
‫فأجبتيه‪ ,‬أتريدينني أن أذبح لغيرا؟ فإني لن أذق منك طعاما ول شرابا بعد اليوم‪ ,‬أغربي‬
‫عني ل أراك‪ .‬فطرداها فذهبت‪ .‬ثكم ككان ليكوب فكي أيكام الرخكاء والعكز ثلثكة أصأكدقاء ‪ً:‬ا‬
‫اليقين ومالك وظافر وكلهم كهول فأتوه حيث هو في المزبلة والدودا يأكل لحمه فلمككا رأى‬
‫أصأحابه الثلثة ما إبتله ا به وقفوا بعيدا عنه لنتانة ريحتكه‪ ,‬واتهمكوه ورفضكوه وبكتكوه‬
‫ول موه وقالوا له ‪ً:‬ا تب إلى ا من الذنب الككذي عككوقبت بككه‪ .‬فقككال لهككم أيككوب ‪ً:‬ا أتيتمككوني‬
‫غضابا‪ ,‬ولو نظرتم فيما بينكككم وبيككن ربكككم ثككم صأككدقتم لوجككدتم عيوبككا سككترها اك عليكككم‬
‫بالعافية التي ألبسكم ل اياها‪ ,‬وقد كنكت فيمكا خل‪ ,‬الرجكال تكوقرني وأنكا مسكموع كلمكي‬
‫معروف حقي منتصف من خصمي‪ ,‬فأصأبحت اليوم وليس لي رأي ول كلم معكم‪ ,‬فككأنتم‬
‫اليوم أشد علي من مصيبتي‪ .‬ثم أعرض عنهم أيوب وأقبككل علككى ربككه مسككتغيثا متضككرعا‬
‫إليه فقال ‪ً:‬ا رب‪ ,‬لي شيئ خلقتنككي؟ ليتنككي إذ كرهتنككي مككا خلقتنككي‪ ,‬يككاليتني كنككت حيضككة‬
‫القتني أمي‪ ,‬أو ليتني قد عرفت الذنب الذي أذنبت والعمكل الككذي عملككت فصككرفت وجهكك‬
‫الكريم عني‪ ,‬لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أحمد لي‪ ,‬يا إلهي‪ ,‬كنت للغريككب‬
‫داارا وللمسكين قرارا ولليتيم وليا و للرملة قيما‪ ,‬الهي‪ ,‬عبد ذليككل إن أحسككنت فالمنككة لككك‬
‫وإن أسأت فبيدك عقوبتي‪ ,‬جعلتني للبلء غرضككا وللفتنككة نصككبا‪ ,‬وقككد وقككع علككي بلء لككو‬
‫سلطته على جبل لضعف عن حملة فكيف يحمله ضعفي ؟ الهي تقطعت أصأابعي فككإني ل‬
‫أرفع الكلة مككن الطعككام ال بيككدي الثنككتين فمككا يبلغككان فمككي إل علككى الجهككد منككي‪ ,‬إلهككي‬
‫تساقطت لهواتي ولحم رأسي فما بين أذني من سدادا بل أحككدهما تككرى مككن الخككرى‪ ,‬وإن‬
‫داماغي ليسيل من فمي‪ ,‬إلهي تساقط شعري كأنما أحرق بالنار وجهي وحككدقتاي متككدليتان‬
‫على خدي وورم لساني حتى مل فمي‪ ,‬فما أداخل فيه طعككام ال غصككني‪ ,‬وورمككت شككفتاي‬
‫حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني‪ ,‬وتقطعت أمعككائي فككي بطنككي وإنككي لداخككل الطعككام‬
‫فيخرج كما داخل مككا أحسككه ول ينفعنككي‪ ,‬وذهبككت قككوة رجلككي فكأنمككا قكد يبسككتا ول أطيككق‬
‫حملهما‪ ,‬وذهب المال فصرت أسأل بكفي ويطعمني من كنت أعوله اللقمككة الواحككدة فيمككن‬
‫بها علي ويعيرني‪ ,‬إلهي هلك أولداي ولوبقي واحد منهم أعانني علككى بلئككي ونفقككتي‪ ,‬قككد‬
‫ملني أهلي وعفني أرحامي وتنكرت لي معارفي‪ ,‬ورغب عني صأديقي وقطعني أصأحابي‬
‫وجحدت حقوقي ونسيت صأنائعي‪ ,‬أصأرخأ فل يصرخونني وأعتذر فل يعذروني‪ ,‬داعككوت‬

‫‪111‬‬
‫غلمي فلم يجبني وتضرعت لمي فلم ترحمنككي‪ ,‬وإن قضككائك هككو الككذي أذلنككي وأدانككاني‬
‫وأهانني وأقامني‪ ,‬وإن سلطانك هو الذي أسقمني وأنحل جسمي‪ ,‬ولو أن ربي نكزع الهيبكة‬
‫التي في صأدري فأطلق لساني لتكلم بملء فمي‪ ,‬ولو كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسككه‬
‫لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بككي‪ ,‬ولكنككه أنفككاني وتخلككص عنككي فهككو يرانككي ول أراه‬
‫ويسمعني ول أسمعه‪ ,‬ول نظر إلككي فرحمنككي ول أدانككى منككي ول أدانككاني فكأتكلم بككبراءتي‬
‫وأخاصأم عن نفسي ‪.‬‬
‫فلما قال ذلك أيوب وأصأحابه عنده أظلته غمامه حتى ظن أصأحابه أنه عذاب‪ .‬ثم نوداي يا‬
‫أيوب إن ا يقول لك ‪ً:‬ا ها أنا ذا قد دانوت منك‪ ,‬فلم أزل منك قريبا فقم فادال بعذرك وتكلككم‬
‫ببرائتككك وخاصأككم عككن نفسككك واشككددا عليككك إزارك وقككم مقككام جبككار‪ ,‬فككإنه ل ينبغككي أن‬
‫يخاصأمني ال جبار مثلي‪ ,‬ول ينبغككي أن يخاصأككمني إل مككن يجعككل الزمككام فككي فككم السككد‬
‫والسخال في فم العنقاء واللحم في فم التنيككن‪ ,‬ويكيككل مكيككال مككن النككور ويككزن مثقككال مككن‬
‫صر صأرة من الشمس ويردا أمس‪ ,‬لقد منتك نفسك أمرا ما يبلغ بمثل قوتك‪ ,‬و لكو‬ ‫الريح وي ص‬
‫كنت إذ منتك نفسك ذلك وداعتك إليككه تككذكرت أي مككرام رامككت بككك‪ ,‬أردات أن تكككاثر فككصي‬
‫بضعفك ؟ أم أردات أن تخاصأمني بغيك ؟ أم أردات أن تحككاجني بخطككأك ؟ أيككن كنككت يككوم‬
‫خلقت الرض فوضعتها على أساسها ؟ هل علمت بأي مدار قدرتها ؟ أم كنت معككي تجكر‬
‫بأطرافها ؟ أم تعلم ما بعد زواياها ؟ أم على أي شككيئ وضككعت أكتافهككا ؟ أبطاعتككك حمككل‬
‫الماء والرض ؟ أم بحكمتك كانت الرض على الماء غطاء ؟ أين كنت مني يككوم رفعككت‬
‫السماء سقفا في الهواء ؟ ل معكالق تمسكككها ول تحملهكا داعكائم مككن تحتهكا‪ ,‬هككل يبلكغ مككن‬
‫حكمتك أن تجري وتسير نجومها ؟ أم هل بأمرك يختلف ليلها ونهارها ؟ أيككن كنككت منككي‬
‫يوم سجرت البحار ؟ وأنبعت النهار ؟ أقدرتك حبست أمككواج البحككار علككى حككدوداها ؟ أم‬
‫قدرتك فتحت الرحام حين بلغت مدتها ؟ أين كنت مني يوم صأببت الماء علككى الككتراب ؟‬
‫ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك أن تطيق حملها ؟ أم كنت تدري كم من مثقال فيها ؟ أين‬
‫الماء الذي أنزلته من السماء ؟ هل تدري كم من بلدة أهلكتها ؟ وكم من قطرة أحصككيتها ؟‬
‫وقسككمت الرزاق ؟ أم قككدرتك تسككير السككحاب ؟ وتنككثر المككاء ؟ هككل تككدري مككا أصأككوات‬
‫الرعد ؟ أم من أي شيئ لهب الككبرق ؟ وهككل رأيككت عمككق البحككر ؟ أم هككل تككدري مككا بعككد‬
‫الهوى ؟ أم هل تدري أين خزانة النهككار بالليككل ؟ وأيككن طريككق النككور ؟ وبككأي لغككة تتكلككم‬
‫الشجار ؟ وأين خزانة الريح ؟ وأيكن جبككل الكبردا ؟ أم هككل تكدري مكن جعككل العقكول فكي‬
‫أجواف الرجال ؟ ومن شق السماع والبصار ؟ ومن ذلككت الملئكككة لملكككة ؟ ومككن قهككر‬
‫الجبارين بجبروته ؟ وقسم أرزاق الدواب والعبادا بحكمتككه ؟ ومككن قسككم للسككد أرزاقهككا ؟‬
‫وعرف الطيرمعاشها ؟ وعطفها على أفراخها ؟ ومن أعتق الوحوش من الخدمة ؟وجعككل‬
‫مسككاكنها البريككة ؟ ل تككأنس بالصأككوات ول تهككاب السككلطين ‪ ,‬بحكمتككك عطككف عليهككا‬
‫أمهاتها حتى أخرجت لها من أجوافها طعاما ؟ وآثرتها بالعيش علككى نفسككها ؟ أم بحكمتككك‬
‫يبصر العقاب الصيد البعيد واضحا في أماكن الفل ؟ أين كنككت يككوم خلقككت البهمككوت فككي‬
‫مكانه في منقطع الثرى ؟ هل لك في خلقها من شرك ؟ أم لك بالقوة التي غلبتها يككدان ؟ أم‬
‫هل يبلغ من قوتك أن تضع يدك على رؤسها ؟ أم تقعككد علكى طريكق فتحبسككها أو تصكدها‬

‫‪112‬‬
‫عن قوتها؟ أين كنت يوم خلقكت التنيككن؟ رزقككه فككي البحكر ومسكككنه فككي السكماء‪ ,‬وعينككاه‬
‫تتوقدان نارا ومنخراه يثوران داخانككا‪ ,‬أذنككاه مثككل قككوس السككحاب يثككور منهمككا لهككب كككأنه‬
‫إعصار العجاج‪ ,‬جوفه يحرق ونفسه يلتهب وزبده حجر كأمثال الصخور‪ ,‬ضرب أسككنانه‬
‫كأنه أصأوات الصواعق وكأن نظككر عينيككه لمككع الككبرق‪ ,‬تمككر بككه الجيككوش وهككومتكيء ل‬
‫يفزعة شيئ‪ ,‬ليس فيه مفصل زبر الحديد عنده مثل التبن والنحاس عنده مثككل الخيككوط‪ ,‬ل‬
‫يفرغ منه النشاب ول يخشى وقع الصخور على جسده‪ ,‬يطير في الهواء وكككأنه عصككفور‬
‫فيهلك كل شيئ يمر به‪ ,‬هل أنت آخذه بأحبولتك وواضع اللجككام فككي شككدقه ؟ هككل تحصككي‬
‫عمره ؟ أم هل تعرف أجله ؟ أم تعرف رزقة ؟ أم هككل تككدري مككاذا خككرب مككن الرض ؟‬
‫وماذا يخرب فيما بقي من عمره ؟ أم هل تطيق غضبه حين يغضب ؟ أم تأمره فيطيعك ؟‬
‫تبارك ا أحسن الخالقين ‪.‬‬
‫عندها ندم أيوب أشد الندم على مخاصأمته ومحاجته لربه‪ ,‬فاستغفر ربه ثم إنصككرف عككن‬
‫أيوب أصأحابه فأوحى اكك لككه ‪ً:‬ا أيككا أيككوب‪ ,‬نفككذ فيككك حكمككي سككبقت رحمككتي غضككبي‪ ,‬إذا‬
‫أخطأت فقد غفرت لك ما قلت ورحمتك‪ ,‬وردادات عليك أهلك ومثلهككم معهككم لتكككون عككبرة‬
‫لهل البلء وعبرة للصابرين‪ .‬فركض أيوب برجله فانفجرت له عين فدخل فيها واغتسل‬
‫فأذهب ا عنه‪.....‬وإذا بهيرودا يدخل المجلس ومعه أوريا وآرميا وورائهم شهلون فاندفع‬
‫هيرودا إلى أبيه وقاطع الشيخ بقوله ‪ً:‬ا جمعنا ما‪ ....‬فأسكته الملك أجمنككون بوضككع إصأككبعه‬
‫على فمه وهسه عندما توقف سموطان عن سردا القصة لككدى مقاطعككة هيككرودا لككه‪ .‬فتككوجه‬
‫الملك إلى سموطان وقال ‪ً:‬ا أكمل يا سموطان أكمككل‪ .‬فقككال سككموطان ‪ً:‬ا إغتسككل أيككوب فككي‬
‫العين فأذهب ا عنه ما كان فيه من البلء فلم يبقى من داائه شيئ ظاهر‪ ,‬وأذهب اكك منككه‬
‫كل ألم وكل سقم وعادا إليه شبابه وجماله أحسن مما كككان‪ .‬ثككم أنككه ضككرب برجلككه فنبعككت‬
‫عين أخرى فشرب منها ولم يبقى في جوفه دااء إل خرج فقام صأحيحا وكسي حلككة جميلككة‬
‫فجعل يلتفت يمينا وشمال فل يرى شيئا مما كان له من أهل وولككد ومككال إل وقكد ضككاعفه‬
‫ا له‪ ,‬فخرج وجلس على مكان مشرف ثككم أن امراتككه قكالت لنفسككها إن كككان قككد طردانككي‬
‫أداعه يموت جوعا وعطشا أو يضيع فتاكله السباع؟ فوا لرجعن أليه‪ .‬فرجعت ولكم تكره‬
‫في المزبلة فأخذت تبحث عنه كالوالهه وتطوف وتبكي وأيوب ينظرها فقككال لهككا أيككوب ‪ً:‬ا‬
‫من تريدين ؟ فبكت وقالت ‪ً:‬ا أريد ذلك المبتلي المنبوذ على هذه المزبلككة ل أداري ضككاع أم‬
‫ماذا حصل له ؟ فقال لها أيوب ‪ً:‬ا ما كان منك ؟ فقككالت زوجككي هككل رأيتككه ؟ فقككال ‪ً:‬ا وهككل‬
‫تعرفينه إذا رأيته ؟ فقالت ‪ً:‬ا فهل يخفى علي ؟ ثم أنها جعلت تنظر إليه وهي تهابه وقككالت‪ً:‬ا‬
‫أما أنه كان أشبه خلق ا بك إذ كان صأحيحا‪ .‬فقال ‪ً:‬ا فأنا أيككوب أمرتنككي أن أذبككح لبليككس‬
‫فاني أطعت ا وعصيت الشيطان فردا علي ماترين ‪ .‬فتبسم أيوب وقككال ‪ً:‬ا هككا أنككا ذا هككو‪.‬‬
‫فعرفته لما ضحك فاعتنقته ‪.‬‬

‫نظر سموطان إلى من حوله بالمجلس وإذ الجميع مبهورين مازالوا مندمجين فككي أحككداثا‬
‫القصة وكأنها لم تنتهي‪ .‬مأخوذين بوقائع حدوثها وحوارات أصأحابها وكأنهم كانوا معهم‪.‬‬
‫فقطع عليهم سهيهم الملك أجمنون عندما قال ‪ً:‬ا ماذا لديكم ؟ فتنبككه الجميككع إلككى مككا حككولهم‬

‫‪113‬‬
‫وأين هم‪ .‬وتقدم هيرودا إلى الملك وقال ‪ً:‬ا لقد إستطعنا جمع فيلقين من أشد الرجال‪ ,‬وكلهم‬
‫متحمسين للخروج معنا غدا‪ ,‬بل انهم يتجهزون ويستعدون للخروج منذ الن‪ .‬ففرح الملك‬
‫أجمنون وقال وهو ينهض من كرسيه ذاهبا بإتجاه أوريا وهيرودا ‪ً:‬ا أحسككنت يككا بنككي‪ ,‬وقككد‬
‫كان يوجه كلمه إلى أوريا ثم وضع الملك يده على كتككف هيككرودا قككائل ‪ً:‬ا هكككذا هككم أبنككاء‬
‫الملوك‪ .‬ثم ذهب الملك للراحة والجميع ذهب كل منهم في ناحية‪ .‬ولكن أحد الحكمككاء مككن‬
‫مملكة )ثيتا( تقدم من سموطان وهو يهم بالخروج فسار معه ثم قال له ‪ً:‬ا سيدي الشيخ هككل‬
‫لك أن تعلمني مما علمت؟ فتوقف سموطان ونظر إليككه مندهشككا متثككاقل طلبككه وقككال لككه‪ً:‬ا‬
‫ولكني‪ ...‬ولكن هذا يسككتغرق سككنوات‪ ,‬ثككم أننككا فككي معككارك وقتككال يككومي‪ .‬فقككال الحكيككم ‪ً:‬ا‬
‫سأكون لك ياسيدي كما تحب وترضى‪ ,‬فالحقيقة أنني لم التقي يوما بمن هو بمثل حكمتككك‬
‫وعلمك‪ ,‬ولن أكون لحوحا فأنا تلميذ نبيه‪ ,‬فقط داعني أتبعك وأطلب مني مهما أردات‪ ,‬فككإن‬
‫مثلك ياسيدي ل يقدر بالمال والذهب‪ .‬عندها إحمر الشكيخ سكموطان خجل وقكال ‪ً:‬ا حسككنا‪.‬‬
‫ففرح الحكيم غاية الفرح فقال له سموطان ‪ً:‬ا ولكن ينبغي عليك أن تتعلم الضرب بالسيف‪,‬‬
‫فإن من يتبعني ل بد وأن يكون مقاتل وإل مت في يومك الول معي‪ .‬عندها قال الحكيم‪ً:‬ا‬
‫ل بأس هذا أمرهين ياسيدي‪ .‬ثم مشى عنه سموطان بضع خطوات وتوقككف ليسككتدير إلككى‬
‫خلفه قائل ‪ً:‬ا ما اسمك؟ فردا عليه الحكيم مكن حيكث يقكف ق ائل تلميكذك يوقكاس يكا سكيدي‬
‫يوقاس‪ .‬فانصرف عنه سموطان إلى مخدعه ‪.‬‬
‫في الليل والجميع نيام هادااساه كانت تحلم‪ .‬فحلمت أنها تتقدم في حفرة مظلمه بإتجاه رجل‬
‫عجوز كهل يجلس على كرسي ذهبي وبيده عصى معقوفة طويلة ممسكا بها بيده اليسرى‬
‫ويمدلها بيده اليمنى خاتم ذهبي وكأنه يناولها إياه لتأخذه‪ .‬فحاولت أن تتككبين بشككدة النقككوش‬
‫التي على ظهر الخاتم ولكنها لم تميزها فقد كان الحلم ضبابيا‪.‬‬

‫في الصباح ومع إنقشاع الظلم شيئا فشيئا كان الجنككد يتجمعككون خكارج مدينككة )ثيتككا( فككي‬
‫صأفوف بمؤنهم وعدداهم‪ .‬وخرج الملك بزيه الحربي إلى ساحة القصر حيث الجميع كانوا‬
‫يتوافدون ويتجمعون إلى حيث وقف هو من حكمائه وخاصأته‪ .‬وبالطبع كان هناك شيخهم‬
‫سموطان‪ ,‬حتى إذا مككا تجمككع الجميككع قككال الملككك ‪ً:‬ا هككل الجميككع جككاهزون ؟ وأخككذ الملككك‬
‫يتحسس صأدريته الحديدية فقال الشيخ سكموطان جميكع الجنكد بالخ ارج بإنتظارنكا‪ .‬فنظكر‬
‫إليه الملك مستنكرا حيث كان يتوقع أن يقول أنهم بإنتظاره هو ولكنه كتككم ذلككك وقككال‪ً:‬ا إذا‬
‫لنذهب‪ .‬فتحرك الجميع كل إلى فرسه ‪ .‬والتفت سموطان إلى هادااساه راكبة على فرسككها‪.‬‬
‫وكان قد وضع رجل واحدة في ركبه فأنزلها وتككوجه إليهككا قكائل ‪ً:‬ا إلككى أيككن أنككت ذاهبككة؟‬
‫فردات عليه هادااساه ‪ً:‬ا حيث تذهبون‪ .‬عندها الجميع وقف في مكانه ينظرون إلككى هادااسككاه‬
‫فقال لها الشيخ ‪ً:‬ا ما مشكلة نساء هذه اليام يردان خوض المعارك بدل من حياكة الملبس‬
‫الصوفية ؟ أنت تبقين هنا‪ .‬عندها حزنت هادااسككاه ونظككرت إلككى هيككرودا ليشككفع لهككا‪ .‬لكككن‬
‫هيرودا قال لها بأسف ‪ً:‬ا هذا صأحيح‪ ,‬يجب أن تبيقي هنا‪ .‬وأرادات الكلم والحتجاج ولكككن‬
‫هيرودا الذي أمسك بلجام حصانها عاجلها قائل ‪ً:‬ا سوف أبعث لك عندما نعودا إلى الككوطن‪.‬‬
‫فقالت هادااساه ‪ً:‬ا إذا لما تسمحون لروثا بالذهاب ول تسككمحون لككي ؟ فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا روثا‬

‫‪114‬‬
‫هناك من يتولى حمايتهككا وهككذا فيككة مككن العبككأ الكفايككة لنككا جميعككا عوضككا عككن المخككاطرة‬
‫بحياتها‪ .‬حينها فرحت روثا مما حصل فاغتاظت هادااساه وأرادات الكلم فقاطعهككا الملككك‬
‫أجمنون ناهرا لها ‪ً:‬ا هذا أمر إبقى ول تتبعينا‪ .‬وانطلق الملك بفرسه قائل لمن حوله ‪ً:‬ا هيككا‪.‬‬
‫فركب هيرودا فرسه بسرعة وذهب يلحق بأبيه وهو ينظر إلى وراءه بحزن حيث هادااساه‬
‫التي بدت ستنفجر كمدا‪ .‬بينما إختالت روثا التي وضعت دايفي أمامهككا فككي الفككرس وهككي‬
‫مدبرة فرحة وراء الركب وبجانبها يسير على فرسه هرمس‪ .‬فلحق هيككرودا ليجككاري أبككاه‬
‫الملك الذي كان عن يمينه يركب الشيخ سموطان وبجانبه تلميذه الجديد يوقككاس ثككم أوريككا‬
‫وآرميا‪ ,‬ومن ورائهم الصفوة من أقوى رجال مملكة )ثيتا(‪ ,‬ممن اختاروهم وجربوهم ليلة‬
‫البارحه في المنافسات التي أقاموها بين الفيلقين اللذين سيخرجان معهم‪ .‬وراقبتهم هادااساه‬
‫من مكانها حتى أغلقوا أبواب المملكة ورائهم ‪.‬‬
‫وفي خارج السوار تقدم كبير جند الملك شمشون على فرسه من الملك أجمنون وقال له‪ً:‬ا‬
‫مولي‪ ,‬إلى أن نلتقي أتمنى لكم كككل التوفيككق‪ .‬وكككان مككا تبقككى مككن جيككش الملككك شمشككون‬
‫مصطفون هناك في الخارج على جنب‪ .‬فقال له الملك وهو ينظككر إلككى ذلككك الجيككش‪ً:‬ا بلككغ‬
‫تعازي لبناء الملك شمشون‪ ,‬أما شكري لهم ولكم وللجند فهذا ل تكافؤه الكلمككات‪ .‬فككأحنى‬
‫كبير الجند رأسه إحتراما للملك ومضى إلى جنده ‪ً:‬ا كما مضى الملككك أجمنككون إلككى جنككده‬
‫وكل منهما تحرك في اتجاه عكس الخر ‪.‬‬
‫وبعد فترة قصيرة من السير تقهقر هيرودا عن المقدمة حتى إختفى عككن نظككر أبيككه الملككك‬
‫فأدابر بفرسه راجعا إلى المدينة‪ .‬وقد لحظته روثا فأنزلت دايفي بسرعة وقالت لهرمس ‪ً:‬ا‬
‫خذه معك‪ ,‬إندهش هرمس منها فرفع دايفي بيد واحده من على الرض وأردافه فككي مقدمككة‬
‫فرسه وهو ينظر إليها مدبرة في إثر هيرودا فقال ‪ً:‬ا النساء !! النساء هن النساء سواء بنات‬
‫آدام أو بنات الجن ل فرق ‪.‬‬
‫انطلق هيرودا مسرعا في الرمل ناحية المدينة وقبل أن يصل إليها إذا بفارس يعدوا نحوه‪.‬‬
‫فلما وصأل الفكارس إليكه إذا هككي هادااسكاه‪ .‬فنزلكت كمكا نككزل هيككرودا بسككرعة عكن فرسكه‬
‫واحتضنها فرحا وقال لها ‪ً:‬ا لن أنساك‪ ,‬سكأعودا مكن أجلكك لككن‪ ..‬يجكب أن تبقكى هنكا هكذا‬
‫أفضل لسلمتك لن أحتمل أن أفقككدك‪ .‬فقككالت هادااسككاه ‪ً:‬ا لمككا رجعككت إذا ؟ فقككال لكككي أخككذ‬
‫تذكارا‪ ...‬ولم يكمل حديثة حتى وصألت إليهم روثا واسككترجلت فرسككها وسككارت نحوهمكا‬
‫قائلة ‪ً:‬ا سوف تتسككبب بقتلككك أو بقتككل‪ ...‬ولككم تكمككل كلمهككا حيككث أنهككا وقفككت معهمككا فككإذا‬
‫الرض الرملية التي يقفون عليها لككم تحتمككل وزنهككم الثلثككة معككا وانخشككفت بهككم الرض‬
‫فتهاوى صأارخين جميعا دااخل حفرة عميقة وارتطموا بقعرها‪ .‬ولحسن حظهككم أن قعرهككا‬
‫كان مغطى بالرمال المتسككاقطعة مككن فككوق مككن قبككل‪ .‬فوقككف هيككرودا متوجعككا وسككار إلككى‬
‫هادااساه التي كانت مرتميه متأننة فتفحصها وأقامها‪ .‬ثم تبعتهككم روثا وقككالت وهككي تنظككر‬
‫من حولها ‪ً:‬ا ما هذا المكان ؟ فقال هيرودا ‪ً:‬ا بيدوا أنه مبنى قديم قد طمرته الرمككال‪ .‬وقككالت‬
‫هادااساه ‪ً:‬ا كأنه سردااب أو غرفة ما‪ .‬وأخذوا ينظرون من حولهم فإذا هي جككدران منقككوش‬
‫عليها رسوم وأشكال لم يفهموا منها شيئ‪ .‬وأشارت روثا إلى صأندوق عند الحائط وقالت‬
‫وهي تندفع إليه ‪ً:‬ا أنظرا‪ ,‬إنها حلي ذهبية وجواهر‪ .‬فذهبت إليهكا هادااسككاه وأخكذتا يتككأملن‬

‫‪115‬‬
‫ذلك الصككندوق الثميككن‪ .‬بينمككا أخككرج هيككرودا سككيفه تحسككبا لمفآجككأت غيككر سككارة‪ .‬وقككالت‬
‫هادااساه وهي تشير وتندفع بجانب الحكائط ‪ً:‬ا وهكذا غيككره‪ .‬ثككم إنككدفعت إلكى صأكندوق أخككر‬
‫قائلة‪ً:‬ا وهذا غيره‪ .‬وأخذت تنظر إلى تلك الصنادايق المليئة بالجواهر علككى جككانبي حككائط‬
‫الغرفة‪ .‬وكلها مل باللي والمجوهرات الثمينة‪ .‬وكان المكان مظلمككا ل يككدخل إليككه النككور‬
‫ال من تلك الكوة الككتي خشككفت بهككم‪ .‬ومليككء بككالعنكبوت ويكسككوه الغبككار فككي كككل مكككان‪.‬‬
‫وصأرخت روثا فالتفت إليها هيرودا حيث كان ينظر في المكان فإذا هو ثعبككان خككرج مككن‬
‫تحت إحدى الصنادايق الثمينة التي كانت تتأملها ولكنه ذهب واختفى‪ .‬فتقدم هيرودا متخوفا‬
‫مستل سيفه بكلتا يديه وتبعته الفتاتان من وراءه وهو يسير إلى المام حيث يبتعككدون عككن‬
‫نور الكوة فيزداادا الظلم حلكة‪ .‬فككإذا هككم عنككد نهايككة حككائط الغرفككة شككاهدوا كرسككي كككبير‬
‫مهيب من الكذهب علكى مسكافة شككبر مكن الحككائط الكذي خلفكه‪ ,‬وفككي زاويكة الغرفككة كتكب‬
‫وقراطيس مكومة فوق بعضها البعض‪ .‬فأخذت هادااساه تركز في الكرسي الذهبي وتنظر‬
‫إليه بإمعان‪ .‬بينما كان هيرودا يسير ويتقدم من الكرسي وهما خلفه وهو ينظككر إلككى رفيككن‬
‫من حديككد فككي الحككائط‪ .‬المسككافة بيككن الرفيككن بعككرض الكرسككي‪ .‬وعلككى كككل رف قككارورة‬
‫زجاجية‪ .‬وتحت كل رف تمتد سلسلة تتدلى حككتى تلمككس أرض الغرفككة‪ .‬فأخككذت هادااسككاه‬
‫تتذكر ذلك الكرسي الذي شاهدته في حلمها‪ ,‬ومما زاداها يقينا وجودا عصى كبيرة معقوفككة‬
‫تحت أقدام الكرسي وقد أكلت الرمة جزء ككبير مكن آخرهكا‪ .‬وإذا هكم بجكانب إحكدى تلكك‬
‫السلسل ويتقدمهم هيرودا وهو ينظر الى القارورة التي في أعلى الرف ومد يككده ليأخككذها‬
‫فإذا بالرض تخشف بهم من تحتهم فقفكز هيكرودا وأمسكك بالسلسكلة تارككا سكيفه مكن يكده‬
‫ممسكا بالسلسلة الحديدية بكلتا يديه‪ ,‬ومن بعده روثا أمسكت برجله وتبعتها هداسككاه الككتي‬
‫أمسكت برجل روثا وتداعت تلككك الغرفككة بالكامككل بصككنادايقها الثمينككة وكرسككيها وكتبهككا‬
‫لتظهر تحتهم وهم معلقين في بعضهم البعض هوة كبيرة مظلمككة سككحيقة ل يككرى قعرهككا‪.‬‬
‫فتملكهم الخوف وتعبككت أيككديهم وهككم متعلقيككن كلهككم فككي تلككك السلسككلة يصككارعون للبقككاء‬
‫متمسكين بالحياة‪ .‬فإذا تلك السلسككلة قككد بككدأت تككتزعزع مككن الجككدار ممككا زادا خككوفهم مككن‬
‫السقوط في المجهول‪ .‬فأرادا هيرودا ألمساك والوصأول إلى السلسلة الخرى فلم يفلح فلقد‬
‫كانت بعيدة‪ ,‬وخاصأة أنه يفعل ذلك بيد واحككدة وهككو يحمككل وزن روثا وهادااسككاه‪ .‬فككتيقنوا‬
‫من الهلك المؤكد‪ .‬ثم نظرت هادااساة الى ألعلى فشاهدت شككيء يلمككع لمعانككا خفيفككا فككي‬
‫عنق تلك القارورة الزجاجية التي فوق الرف الذي تتدلى منه تلك السلسلة التي يتمسكككون‬
‫بها‪ .‬عندها وبكل همة تسلقت هادااسككاه روثا‪ ,‬وروثا تصككيح وتتككذمر غيككر مدركككة هككدف‬
‫هادااساه من ذلك غير النجاة بنفسها ‪ .‬ثم تسلقت هادااساه هيرودا إلى ن وصأككلت إلككى الككرف‬
‫فبدأت السلسلة تتزعزع أكثر نتيجة حركة هادااساه‪ .‬فصرخأ الجميع خوف الوقوع فأخككذت‬
‫هادااساه تلك القارورة ومككدت إصأككبعها فككي عنككق الزجاجككة وأخرجككت خككاتم ذهككبي‪ ,‬عليككه‬
‫نقوش في ظهره‪ ,‬ففرحت به ولم ينغص عليها إل أن السلسلة قد إنخلعت حيث كانت تقف‬
‫بركبتيها فوق كتفي هيرودا‪ ,‬ولتوها ترجع القنينة إلى الرف ولم تحضى بالوقت لترى تلككك‬
‫كما لم ترها في الحلم‪ .‬فوقع‬ ‫الشكال المنقوشة على الخاتم‬

‫‪116‬‬
‫الجميع وهم يتصارخون‪ .‬ومازالوا يقعون إلى مسافة في تلك الفوهة المظلمككة الككتي يبككدوا‬
‫أنها ل نهايه لها إل لتخرق الكرة الرضية من الجهة الخرى‪ .‬وفجأة إذا روثا ترتفع إلى‬
‫العلى بدل أن تسقط إلى أسفل فإذا هو الشيخ سموطان يطير بها إلى أعلككى‪ .‬ومككن وراءه‬
‫فعل هرمس حيث أمسك بهيرودا بين ابطه وأمسككك بهادااسككاه باليككد الخككرى وارتفككع بهمككا‬
‫خلف سموطان صأعوداا فإذا تلك الجرة تسقط على رأس هرمس فتؤلمه فسككقطت هادااسككاه‬
‫من يده قليل حيث كان يمسك بها من بطنها وأمسك بها مككن صأككدرها وارتفككع بهمككا وهككي‬
‫متحملة صأابرة حتى خرجكوا مكن تلكك الفوهكة إلكى سكطح الرض ‪.‬ف إذا الملكك أجمنكون‬
‫يتوجه بالتعنيف إلى هادااساه قائل ‪ً:‬ا ألم نأمرك بالبقاء ؟ لما لحقتي بنا؟ وقد كككدتي تسككببين‬
‫هلك ولدي‪ .‬وتقدم منها كبير الجند ليمسك بها فقذف إلى الوراء بقوة عندما أشككارت إليككه‬
‫هادااساه باليد التي تمسك الخاتم الذهبي‪ .‬وأخذ كبير الجند وهو ملقى على ظهره ينظر إلى‬
‫دارعه الذي يلبسه وقد أحدثت به شرخا عميقا كادا أن يصل القطع إلى لحككم صأككدره‪ .‬فتقككدم‬
‫منها الشيخ وأمسك بيدها وفتحها فشاهد ذلك الخاتم الذهبي وتأمله وقككال مجلل‪ً:‬ا إنككه خككاتم‬
‫سليمان الحكيم‪ .‬فقالت هادااساه ‪ً:‬ا لقد حلمت به الليلككة الماضككية وحلمككت أنككه يحمينككي ممككن‬
‫يريد بي السؤ‪ .‬فقال الملك أجمنون ‪ً:‬ا إن كنتي تحتالين علينا بسبب كي تذهبي معنا فابحثي‬
‫عن حيلة أخرى‪ ,‬ليس لدينا الوقت للعاب الفتيات هككذا‪ .‬فتككوجهت هادااسككاه وهككي غاضككبة‬
‫إلى حرس الملك الذين يرافقونه‪ ,‬ولما وصألت عندهم قدمت يدها التي بها الخاتم بإتجاههم‬
‫فإذا شيئ يدور سريعا من حولها داائريا وكككأنه سككيف ذا نصككل داائككري ل يلمككح إل لمعككان‬
‫داورانه يقككذف بؤلئككك الجنككد بعيككدا فوقعككوا علككى ظهككورهم وقككد شككرخت داروعهككم الككتي‬
‫يلبسونها‪ .‬فاستغرب الملك منها وذهل‪ .‬فتقدمت هاداساه من الملك بثبات وثقككة وهككي تشككير‬
‫إليه بيدها التي بها الخاتم قائلة ‪ً:‬ا هل تجرب ؟ فارتعككد الملككك وتراجككع مشككيرا بيككده النفككي‬
‫قائل ‪ً:‬ا ل ‪ ...‬ل‪ ,‬أنتي ل تحتكاجين مكن يحميكك‪ ,‬ربمكا نحكن مكن نحتكاج مكن يحمينكا منكك‪.‬‬
‫وذهب الملك ليركب فرسه وتقدم منها الشيخ قائل ‪ً:‬ا إذا كنت أعلم أنك عندك هذا هناك لما‬
‫لحقت بك لنقذك‪ ,‬بل أنت تطيرين بنفسك‪ .‬وانصرف الشيخ إلى فرسه وتركهم مستغربين‬
‫من كلمه وخاصأة هادااساه‪ .‬حيث لم تكن تعلم مككن قككوة ذلككك الخككاتم شككيئ ول مككن طككرق‬
‫إستعماله‪ .‬بعدها كل رككب فرسكه وجكدوا فكي السكير ليلحقكوا بكالجيش‪ .‬وسكارت هادااسكاه‬
‫بجانب هيرودا الذي لم تسعه الفرحة بوجوداها قربة على عكس روثا التي كانت فككي أشككد‬
‫الضيق والغضب ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫في مملكة )زيتا( كانت تجلس إبنة شمشون زوجة إبككن الملككك أجمنككون سككامويل المغككدور‬
‫وهي تبكي زوجها الحبيب دااخل الزنزانة حيككث جميككع نسككاء القصككر‪ ,‬بمككن فيهككن زوجككة‬
‫الملك أجمنون الملكة‪ .‬التي تقدمت لتواسي زوجة ابنها وتربت عليها‪ .‬ثككم رفعككت الزوجككة‬
‫الشابة رأسها ونظرت الى الملكككة زوجككة آجمنككون وقككالت‪ً:‬ا يجككب أن نجككد طريقككة لنبعككث‬
‫برسالة نجدة إلى أبي الملك شمشككون وإخككوتي‪ .‬عنككدها نهضككت الملكككة واقككتربت ممسكككة‬
‫بقضبان الزنزانة وقالت وهي تنظر الى الخارج‪ً:‬ا كيككف ونحككن قابعككات هنككا بل حككول ول‬
‫قوة؟ عندها إقتربت منهن إحككدى الطباخككات وقككالت ‪ً:‬ا ممكككن‪ .‬فالتفتتككا الم وإبنككه شمشككون‬
‫إليها وقد أحيت بصيص من النور بداخل يأسهما المظلككم‪ .‬وقككالت إبنككة شمشككون ‪ً:‬اممكككن ؟‬
‫كيف ؟ فقالت الطباخة ‪ً:‬ا لقد أبقككوا علككى بعككض الخككدم فككي القصككر ممككن يحتككاجون إليهككم‪,‬‬
‫ومنهم أخي يعمل خبازا‪ .‬فقالت الملكة ‪ً:‬ا ولكن كيف سنوصأل إليه الرسالة؟ قالت الطباخة‪ً:‬ا‬
‫سنرسلها مع الذي يحضر إلينا الطعام‪ .‬عندها فرحت البنه والملكة وتقدمت مكن الطباخكة‬
‫وحيتها وعلى ذلك كان إتفاقهن‪.‬‬

‫في وسط رمال الصحراء وحرها القاتل كان جيككش الملككك أجمنككون الصككغير يتقككدم بعككزم‬
‫وثبات‪ .‬وأخذت هادااساه وهي تسير بفرسها تعاين خاتمها ومككا عليككه مككن أشكككال ورمككوز‬
‫غير مفهومة‪ .‬وحاولت وضعه فككي إصأككبع خنصككرها ولكككن الخككاتم كككان كككبيرا‪ ,‬فحككاولت‬
‫وضعه في الوسطى والسبابة ولم تفلح‪ ,‬فوضعته في البهام فمسك بعككض الشككيئ ففرحككت‬
‫به حيث هو‪ .‬وأخذت تتأمل أصأابع يديها والخاتم يزينها تحككت أشككعة الشككمس الككتي جعلتككه‬
‫يلمع‪ ,‬وفكرت وهي تنظر في الخاتم الذي في إصأبعها ثم تحركت مسرعة بفرسها إلككى أن‬
‫جارت الشككيخ سككموطان وأخككذت بمجككاراته بالسككير وهككو ل يبككالي بهككا‪ .‬ثككم تككوجهت إليككه‬
‫بالسؤال وقالت ‪ً:‬ا ماذا تقصد بكلمك هناك عند الحفرة ؟ أعني عن الطيران‪ .‬فقكال الشكيخ‬
‫وهو ما يكزال ينظكر أمكامه ‪ً:‬ا تسكتطيعين أن تسكتخدمي خاتمكك لشكياء ككثيرة ان أرداتكي‪.‬‬
‫فقالت مستفهمة ‪ً:‬ا مثل ماذا أشياء كثيرة ؟ قال الشيخ ‪ً:‬ا مثل أن تحركي الشياء من مكانها‪,‬‬
‫وترفعينهككا أو‪ ..‬تنزلينهككا داون الحاجككة للمسككها‪ ,‬كمككا يمكككن أن تكككون تلككك الشككياء الككتي‬
‫ترفعينها بالخاتم ل يمكن أن يرفعهككا عشككرة مككن الرجككال‪ .‬عنككدها فتحككت هادااسككاه عينيهككا‬
‫متخيلة القوة الكامنة في ذلك الخاتم‪ .‬وأخذت تنظر إليه في إصأبعها بإعجاب كما نظر إليككه‬
‫الشيخ سموطان من طرف عينه وأكمل قائل ‪ً:‬ا ثم أن تطيريككن هككذه ليسككت بمسككألة صأككعبة‬
‫بوجوداه في إصأبعك الجميل هذا‪ .‬عندها تبسمت هادااساه والتفتت إلى الشيخ الذي بدا جككديا‬
‫وشديدا فاحمرت خجل وقالت بعد أن أطرقت رأسها فرفعته‪ً:‬ا ولكن ما السبيل إلككى ذلككك ؟‬
‫قال الشيخ بحزم ‪ً:‬ا يجب أن تكون رغبتك حقيقيككة مثكل مككا ككانت رغبتككك فكي الككدفاع عككن‬

‫‪118‬‬
‫نفسك حقيقية‪ ...‬وتردادا سكموطان قليل ثكم أكمكل ‪ً:‬ا عنكدها ستسكخدمينة‪ .‬ثكم أسكرع بالخطكا‬
‫بعيدا عنها حيث ظلت هي تسير خلفه طائله التفكير فيما قاله ‪.‬‬
‫وظل الجميع يسيرون لبعض الوقت‪ .‬حتى توقف ركككب الملككك أجمنككون ونظككروا خلفهككم‪.‬‬
‫حيث كانوا في مقدمة الجيش عندما سمعوا ضكجيج خيكول قادامكة إليهكم مسكرعة مخترقكة‬
‫صأفوفهم من الخلف حتى وصألت إليهم‪ .‬فإذا هككم السككتة أخككوة الجككان‪ .‬فتبسككم الشككيخ فرحككا‬
‫عندما إقتربوا منه فبككادارهم الملككك أجمنككون بالسككؤال ‪ً:‬ا وأيككن الملكككة دابككورة ؟ فنظككر إليككه‬
‫الخوة ولم يجيبوه‪ .‬فنظر الملك أجمنون إلى الشيخ عن يساره وقد كان الشككيخ ينظككر إلككى‬
‫الملك بإمتعاظ فتعجب الملك أجمنون من ذلككك فقككاطعه الخككوة عنككدما أشككار إليهككم الشككيخ‬
‫برأسه للنضمام إليه بالمسير‪ .‬فتوجهوا إلى جانبه وبعضككهم يمشكي خلفككه وأكمكل الجميكع‬
‫تقدمهم‪ .‬هذا كله كان بداخل المرآه التي كان يشاهدها قيسككوس الرومككي دااخككل كهفككة‪ .‬فقككد‬
‫كان يتجسس عليهم من خلل مرآته الكبيرة التي وقف أمامها يطككالعهم وانتهككت الصككورة‬
‫وظهر لقيسوس في المرآة عجوزا هرمكا كككان يقكف وراء قيسكوس‪ .‬فكالتفت قيسككوس إلككى‬
‫وراءه بثقة وتمكن وقال له ‪ً:‬ا هل رأيت ذلك ؟ أريدك أن تكمككن لهككم فككي الطريككق وتككأتيني‬
‫بظللهم‪ ,‬وأشار بإصأبعه منبها العجوز قائل ‪ً:‬ا وخاصأة زعمائهم وأولي القوة والحكم منهم‬
‫هل فهمككت ؟ فقككال العجككوز ‪ً:‬ا مككازلت أخككدمك منككذ فككترة‪ ,‬ولكنككك ل تفككي بوعككوداك‪ .‬فقككال‬
‫قيسوس ‪ً:‬ا هذه المرة ستكون خدمتك لي كبيرة‪ ,‬وعلى قدر ما تأتيني به سأريحك من همككك‬
‫وأقضى حاجتك‪ .‬وأشار إليه بكفه ناهرا آمرا ‪ً:‬ا هيا إذهب فقد كاداوا يصلون إلى هنا ‪.‬‬

‫تقدم ركب الملك أجمنون حتى قرب مغيب الشمس وهم يتككأملون مكانككا جيككدا للتخييككم فككي‬
‫الرمال‪ .‬فإذا هم يسيرون شاهدوا داخانا من بعيد فقال الوزير لوذا ‪ً:‬ا إنه داخان‪ ,‬لبككد وأنهككم‬
‫جيوش جرارة‪ .‬فقال هيرودا وهو يضحك مستهزأ ‪ً:‬ا جيوشا جرارة‪ ,‬إنها ليسككت إل واحككدة‪,‬‬
‫ولعلة مكانا مناسبا للتخييم وال لما اختاره هؤلء القوم ‪ .‬فنظر اليه الملككك أجمنكون موافقكا‬
‫على كلمه ‪ .‬فتقدم الجيش إلى أن وصألوا إلى خيمة في الرمال وقد هبككط الظلم فككترجلوا‬
‫عندها حيث رجل عجوز أعمى عند النار أمام خيمته‪ .‬فتوجه إليه الملك وجنده قككد طوقككوا‬
‫الخيمة‪ .‬فنهظ العجوز الهرم لدى سماعه أصأواتهم وتظاهر بالخوف والهلع فقال له الملككك‬
‫أجمنون ‪ً:‬ا لعليك أيها الشيخ ما أردانا بك الضرر‪ .‬فقال العجوز ‪ً:‬ا إذا ماذا تريكدون ؟ فقكال‬
‫الملك أجمنون ‪ً:‬ا إنما نحن في طريقنا فرأينا نارك وطلبنا التخييم بالجند هنا‪ .‬فقال العجككوز‬
‫مستنكرا ‪ً:‬ا الجند ! هل أنتم مككن مملكككة )ثيتككا( ؟ فقككال الملككك أجمنككون مككترداداا ‪ً:‬ا نعككم نحككن‬
‫كذلك‪ ,‬ولكن قل لي‪ ,‬ماذا يفعل عجوز ضرير مثلك في مكككان كهككذا ؟ فقككال العجككوز وهككو‬
‫يعودا للجلوس أمام النار‪ً:‬ا أنا وأبنائي الثلثة ذاهبون إلى مملكة )ثيتا( فقرر الولدا التخييم‬
‫هنا وذهبوا لصأطيادا عشائنا منذ قليل‪ ,‬لقد شككح الصككيد مككؤخرا فككي هككذه النحككاء‪ .‬وقالهككا‬
‫الشيخ العجوز من صأدره الهش مبحوحا وقككد بككدت عليككه وعلككى صأككوته علمككات الهككرم‪.‬‬
‫فقال الملك أجمنككون ‪ً:‬ا ل عليككك‪ ,‬لككدينا الكككثير مككن الطعككام وسككيأتيك الجنككد ببعضككه حالمككا‬
‫ينتهون من بناء المعسكر‪ .‬وانصرف عنه الملك إلككى جنككده‪ .‬وأخككذ الجميككع بإعككدادا خيمهككم‬
‫وتجهيز قدور الطبخ وما إلى ذلك وذلك العجوز يمشي ويتنقل بينهم من هنا وهناك‪ .‬يفتككح‬

‫‪119‬‬
‫عينه قليل أحيانا ليكرى أمكامه ثكم يرجكع يغمضكهما متظكاهرا بكالعمى حكتى اصأكطدم فكي‬
‫طريقة بأفتاب فقال له أفتاب ممسكا به لكي ل يقع إثر إصأطدامه بكه ‪ً:‬ا ل بكأس عليكك أيهكا‬
‫الشيخ ل عليك‪ ,‬انمككا ل ينبغككي لككك ن تتنقككل هكككذا فالمعسكككر مليككء بالخشككاب والنيككران‬
‫والمخاطر لعجوز ضرير مثلك داونما مساعد‪ .‬فقال له العجوز‪ً:‬ا هل هم كثر إلى هذا الحد؟‬
‫فقال أفتاب ‪ً:‬ا نعم‪ ,‬ينبغي عليك لزوم مكان واحد‪ .‬فقككال العجككوز وهككو يمشككي يككدور خلككف‬
‫أفتاب ‪ً:‬ا ولكني سأمت الجلوس يا بني‪ ,‬فعلككي أن أحككرك قككدمي مككن وقككت لخككر وبسككرعة‬
‫حرك العجوز وهو خلف أفتاب يده في ظل أفتاب فتبع الظل يككد العجككوز وسككحبه وأداخلككه‬
‫في قنينة كان يخفيها دااخل الملبس الرثة في وسطه‪ .‬واختفى ظل أفتاب ولم يعككد لككه ظككل‬
‫انما تحول إلى داخان أسودا دااخل قنينة العجوز‪ .‬فقال أفتاب وقد شعر بالتعب وترنح قليل‪ً:‬ا‬
‫حسنا أيها العجوز أظنني أحتاج لبعض الراحة‪ .‬وانصرف عنه وهو يشعر بدوخة ‪.‬‬

‫في كهف قيسوس الرومي كان قيسوس على الرض يصككف فيككالق مككن الشككمع الصككغيرة‬
‫على شكل جنودا في سطور مستقيمة وكأنها تشكيلة حربية وهو مبسوطا فرحككا واثقككا ممككا‬
‫يعمل‪ .‬فقد صأف مجموعة كبيرة في أرضية غرفة مبنية من غرف في ذلككك الكهككف الككذي‬
‫تحيط به الشجار من كل جهه في مرتفع جبلي في الغابة ‪.‬‬

‫وعند لحظة طلوع الفجر حضرت الملكة دابورة إلى المعسكككر لتشككاهد الشككيخ ملقككى علككى‬
‫سريره تعب وقد ألمت به حمى أعرقته‪ .‬وكذلك حال الجميع الملك وأبنه وأصأحابه وحككتى‬
‫أبنائها الستة‪ .‬وأخذت الملكة دابورة تسرع بالتنقل لتفحص كككل واحككد منهككم فككإذا هككم حككال‬
‫الواحد أسؤ من الخر إل بعككض الجنككد الككذي لككم يصككبهم شككيء ول يعلمككون مككاذا حصككل‬
‫لهؤلء‪ .‬فتقدمت الملكة من الشككيخ وسككألته ‪ً:‬ا مككاذا حصككل هنككا يككا سككموطان ؟ فلككم يسككتطع‬
‫سموطان الجابة لشدة مرضة فهزته الملكة دابورة وقالت بصككوت الخككائف الجككزع‪ً:‬ا مككاذا‬
‫حصل لبنائي يا سموطان ؟ ففتككح سككموطان عينككه قليل وقككال بصككعوبة ‪ً:‬ا ربمككا ‪ ...‬ربمككا‬
‫بسبب ما أكلنا‪ ,‬إنه قيسوس‪ .‬وأغمض عينه وراح في غيبوبة مرة أخرى‪ .‬فخرجت الملكككة‬
‫دابورة من خيمته غاضبة شرسة كاللبوة التي أخذ منها صأغارها ل تعلككم مككاذا تفعككل حككتى‬
‫شاهدت ذلك العجوز يقف بجانب ناره فأنكرته ‪ً:‬ا ثم طارت بعيدا حتى داخلت الكهف علككى‬
‫قيسوس‪ .‬فارتاع قيسوس منها قليل ثم نهض قائل بكل ثقه‪ً:‬ا مرحبا‪ .‬وأحنى رأسه إحتراما‬
‫وأكمل‪ً:‬ا مرحبا أم الملوك‪ .‬ولكن الملكة لم تردا عليه بل وقفت مكانها متوجسة من ألعيبككه‬
‫مترقبه له‪ .‬فتقدم منها قليل قائل ‪ً:‬ا لقد أتيتي متأخرة فلقد كنتي هنا قبل أن تككأتي !! فقطبككت‬
‫الملكة حاجبيها مستنكرة ما قال وقالت ‪ً:‬ا ما هذه اللعبة الككتي تلعبهككا‪ ,‬إذا مككا أصأككاب أبنككائي‬
‫مكروه أخرجت قلبك من صأدرك وهو ينبككض وأعطيتككك إيككاه فككي كفككك‪ ,‬الن أداخككل فيككك‬
‫وأنتزع أحشائك‪ .‬ولكن قيسوس لم يخف من تهديدها وضحك وهو يشير إلى يمينهككا بيككده‪.‬‬
‫فنظرت هناك فإذا هي تنظر إلى نفسها‪ ,‬امرأة ما تشبهها تماما نس خة طبكق الصأكل عنهكا‬
‫وقد تقدمت إليها مندفعة وأخذت تصارعها وطرحتها أرضا‪ .‬وقبضتا في بعضهما والتفت‬
‫عقوص بعضهما ببعض وطارتا متشابكتان إلى العلككى حككتى سككقف الكهككف ثككم فككي كككل‬

‫‪120‬‬
‫مكان منه حتى هويتا أرضا‪ .‬وتلك شبيهتها فوق صأدرها تنازعها الحيككاة‪ .‬وداخككل قيسككوس‬
‫إلى تلك الغرفة حيث الجنودا الشمعية وأخككذ يعككزم عليهككا ويقككول بككتركيز ‪ً:‬ا ليككاخيم ليككالغو‬
‫ليافور لياروثا لياروغ لياروش لياشككلش عكال متعككال فككي علككوه أيككن الجنككادا القويككة أيككن‬
‫الشمهامرية أين الجنادا المسرعة أين السماوية أين الشمرداانية أين السككحابية أيككن الناريككة‬
‫أين الهوائية أين الترابية أين المائية أين بني غيلن أين الغيلنية أين داردام أين كككردام أيككن‬
‫حمير أين صأاحب جبل الدخان أين الراكب على الفيل المتعمم بالثعبان‪ ,‬أجيبوا وأحضروا‬
‫بعلشاقش مهراقش أقشامقش شقمونهش هلطف أين زمككزم أيككن زمككزوم أيككن أنتككم وبنككوكم‬
‫ونسلكم وأصأحابكم وأعككوانكم وجنككوداكم وأتبككاعكم وأشككياعكم وخككدامكم أيككن أنتككم وجميككع‬
‫السقالبة والطماطمة‪ ,‬أجب يا حيطانه الخديم ويا مدحرج الطويككل ويككا حنكدس الميكن ويكا‬
‫منكل الكوزير أجيبكوا يكا أصأكحاب السباسكب والرواح الروحانيكة بربكر يكا نلش آل يكه‬
‫بعجمولش أكلش أبركهاش موش كلموش ‪.‬‬

‫وفي الخككارج علككى أرض الكهككف مازالتككا الملكتكان تتبككادالن اللكمكات والضكربات وهككذه‬
‫توجع هذه حتى نهضت بها الملكة دابورة بعزيمككة وقككوة ودافعككت بهككا وهككي ورائهككا حككتى‬
‫أسندتها على الجدار فخافت شبيهتها كون شعلة من النار كككانت علككى يمينهككا عنككد وجههككا‬
‫على الجدار ونظرت مثيلتها إلى تلك الشعلة بطرف عينها خائقة فلحظككت الملكككة دابككورة‬
‫ذلك فعرفت نقطة ضعفها وهي ما زالت تضرب بها على الجدار وأسككندتها علككى الجككدار‬
‫بصدرها وهي مازالت تمسك بعضدها بيدها اليمن وثبتتهككا جيككدا علككى الجككدار‪ ,‬وتنككاولت‬
‫بيدها اليسرى الشعلة من الجدار وقالت وهي تضع شعلة النار علككى عقككوص مثيلتهككا‪ً:‬ا لككم‬
‫أكن أظن أني أفعل بكمكا هكذا فكي يكوم مكن اليكام‪ .‬ووضكعتها علكى عقوصأكها فتحكارقت‬
‫وذابت وانتشر الذوبان إلى رأسها فككذاب وانحككل جسككمها بالكامككل وتهككاوى علككى الرض‬
‫كومة من الشمع المحروق والملكة دابورة تنظر إليها بإشمازاز‪ .‬ثم إلتفتت إلى تلك الغرفككة‬
‫التي داخل إليها قيسوس فأسرعت إليها دااخلككة وعنككدما شككاهدها قيسككوس وقككد إختفككت مككن‬
‫أمامه تلك الجنككودا الشككمعية الصككغيرة وقككد أكمككل عملككه تحككول قيسككوس إلككى فككار صأككغير‬
‫وركضت إليه الملكة ولكنه أسرع بالختباء دااخككل شكقوق الكهككف العميقككة فلككم تظفككر بككه‪.‬‬
‫فتضايقت الملكة وأسرعت بالخروج من الكهف وطارت إلى المعسكر الذي ليس ببعيد ‪.‬‬
‫حيث كان أبناء الملكة بل حراك والجميع مرضى إل تلك القلة من الجند الككذين حككولهم ل‬
‫يعلمون ماذا حل بهم‪ .‬تقككدمت الملككة مككن أبنائهكا تقلبهككم ثككم فككرت ونهضكت إلككى خكارج‬
‫الخيمة عند الباب‪ .‬ونظرت إلى ذلك العجككوز الجككالس قككرب بككاب خيمتككه ثككم نظككرت إلككى‬
‫أبنائها دااخل الخيمة ثم نظرت إلكى العجكوز مكرة أخكرى ثكم نظكرت الكى الجنكد الكذين لكم‬
‫يصبهم شيء فلحظت أن العجوز ل ظككل لككه خلفككه وكككذلك الككذين مرضككوا بينمككا الجنككودا‬
‫الصحاح كل بظله‪ ,‬فعلمت بالمكيدة فتقدمت بيقيكن إلكى ذلكك العجكوز وأقكامته مكن جلسكته‬
‫واجتثته بعقوصأها من جانبيه واقفا بقوة فاصأطكت عظامة الهشة وأخذ يبكي ويقول ‪ً:‬ا هككل‬
‫يعتدى على ضرير عجوز مثلي؟ أين الرحمة في قلوب الناس ؟ فقككالت الملكككة وهككي تمككد‬
‫يدها إلى وجهه ‪ً:‬ا أنا لست من الناس‪ .‬وظهر للملكة ظفرين طويلين من حديكد فكي سكبابتها‬

‫‪121‬‬
‫والوسطى فأغمدتهما بقوة في عيني العجوز فتفتككق الككدم منهمككا وأخككذ يغرغككر ويصككارع‬
‫الموت وهي مازالت تمسكه مرفوعا بعقوصأها لككم تفلتككه‪ ,‬وأخرجككت إصأككبعيها مككن عينيككه‬
‫المفقوعتان ولمحت تلك القنينة دااخل ملبسه فمدت يدها إليها وشدتها بقككوة قاطعككة الحبككل‬
‫الذي يربطها بوسط العجوز وتأملتها وهي ممسكة رافعة العجوز‪ ,‬فإذا هو بككداخلها أداخنككة‬
‫سودااء تموج وتتحرك فأخذت تتأمل تموج تلك الداخنة وهي ترمي بككالعجوز جثككة هامككدة‬
‫قائلة ‪ً:‬االن أصأبحت ضريرا حقا‪ .‬وأخككذت القنينككة وتككوجهت إلككى حيككث خيككام المصككابين‬
‫وأطلقت سداداة فم القنينة‪ ,‬فخرج ذلك الدخان كككل واحككد مككن الظلل إلككى صأككاحبه‪ ,‬وكلمككا‬
‫يدخل ظل إلى صأاحبه يفوق من وقته‪ .‬وأخذت ألم تراقبهم وهم يفوقون الواحد تلو الخر‬
‫وهي تزداادا فرحا‪ ,‬ومن الجند من إرتد إليه ظلة في كل جهه وصأوب حتى صأكحا الجميكع‪.‬‬
‫فأقبلت الملكة فرحة الى أشبالها ثم توجهت فرحة إلى سموطان‪ .‬فقال سموطان لها ‪ً:‬ا علي‬
‫أن أذهب‪ .‬فنظرت إليه الملكة وابتسامة فرحتها تتضائل لتركز النظر على وجهه محاولككة‬
‫فهمه فقال لها ‪ً:‬ا هناك حساب على أن أصأككفيه مككع قيسككوس‪ .‬فخككرج مككن خيمتككه سككموطان‬
‫وطار بعيدا والملكة من ورائه تنظككر إليككه عنككد بكاب الخيمككة والتفتككت بسككرعة إلككى حيككث‬
‫شاهدت جيش يتقككدم منهككم مهككرول فككي الرمككال بسككرعة شككارعين أسككلحتهم‪ .‬فتنبككه الجنككد‬
‫بالمعسكر لهم‪ .‬وخرج الملك أجمنون وهككو يتقلككد سككيفه ومعككه هيككرودا وحراسككه‪ .‬وسككارع‬
‫الجند الذين كانوا على حين غفلة إلى أسلحتهم فإذا ذلك الجيش يهجم عليهم في معسكرهم‪.‬‬
‫فدارت بينهم معركة غريبة حيث كان أولئك الجند يشبهون جند الملك أجمنون تماما‪ ,‬بككل‬
‫هم بنفس العددا والعدة والشكل‪ .‬فاسكتقبل الملكك أجمنكون شكبيه إبنكه هيكرودا وأخكذ يبكارزه‬
‫وهيرودا إستقبل شبيه أبيه وتبارزا‪ .‬وكل من الب والبن ينظر إلى الخر وهما يتبارزان‬
‫مع شيبهيهما‪ .‬والجند في كل مكان يتبارزون مع أشباههم حتى الجن السبعة كان لهككم مككن‬
‫يشبههم ولكنهم لككم يكونككوا يشككبهونهم إل فككي الجسككم والشكككل فقككط ول يملكككون شككيئا مككن‬
‫خصائصهم الخارقة‪ .‬فأخذت الملكة دابورة والتي لم يكن هناك من يشبهها حيث قككد قتلتهككا‬
‫في الكهف أخذت شعلة من النار وسارت بها بإتجاه العداء وكلما تقككدم منهككا أحككد نفخككت‬
‫في تلك الشعلة فامتدت النيككران يحملهككا الهككواء الككذي تنفخككه فتحرقهككم فيتكومككون ذائككبين‪.‬‬
‫وعندما شاهد أبنائها ذلك منها فعلوا مثلها فأصأبحت اللهبة تخرج من أفواههم تحصد فككي‬
‫تلك الجموع‪ .‬وهادااساه أخذت تتقككدم بل توقككف وبل خككوف مككاداة بيككدها الككتي بهككا الخككاتم‬
‫مستقيمة‪ .‬وأخذ ذلك النصل الدائري يخرج من حولها فيحصد كل من تصادافه مككن أمامهككا‬
‫أو من أي جهه تتقدم إليها فتقطعة إلى أنصاف غير مبالية من أي نصف بالتحديد‪ ,‬ولكنهككا‬
‫أينما تذهب تكوم ورائها الكثير مككن الجثككث الشككمعية المقطعككة‪ .‬وأبل شككجعان مملكككة ثيتككا‬
‫بلء حسنا وأظهروا قوة يحسدون عليها في قتال أولئك الجند الشمعية في كل مكككان مككن‬
‫حول المعسكر‪ .‬وأمسك هرمس بشعلة نار في يده وحجز وراءه دايفي وروثا وكلمككا تقككدم‬
‫منه أحد يريد ايذائهم نفخ فيه الشعلة حتى أذابته وروثا ودايفي يحتميان وراءه ‪.‬‬
‫وصأل سموطان إلى الكهف وحط بداخله من الفضاء‪ .‬فشاهده قيسوس الرومي وقد أمسككك‬
‫بخنجر ووقف خلف دايفي مسلطا الخنجر على رقبة دايفي‪ .‬فرجع الشيخ قليل متفاجا حيث‬
‫ترك لتوة دايفي بالمعسكر‪ .‬ثم تشكك سموطان بأمر دايفي‪ .‬فقال الشيخ لقيسككوس ‪ً:‬ا لمككاذا يككا‬

‫‪122‬‬
‫صأديقي القديم ؟ فقال قيسوس ‪ً:‬ا لقد كان ابن سايروس مرقس تلميذي‪ .‬فقال الشيخ له ‪ً:‬ا أهو‬
‫الطمع الذي غيرك ؟ أم كنت داائما هكذا وأنا مخدوع بك ؟ فقال قيسوس ‪ً:‬ا الطمع ! نعم انه‬
‫الطمع‪ ,‬ولكن ما هو عذرك أنت ؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا أنا مجبر بسبب هذا الذي بيككن يككديك الن‪.‬‬
‫فنظر قيسوس إلى دايفي وقال ‪ً:‬ا وبسبب هذا الن سوف تستسككلم‪ .‬فنظككر سككموطان بإمعككان‬
‫إلى جيب دايفي وكأن بداخله شيء‪ .‬فقال سككموطان يكلككم دايفككي مشككيرا إلككى رأسككه ‪ً:‬ا دايفككي‬
‫الطاقية هل هي معك ؟ هيا أخرج طاقيتك‪ ,‬أخرجها‪ .‬فتحرز قيسوس من محاولة سموطان‬
‫ورجع بديفي إلى الخلف وهو ليعلم ماذا يحاول أن يفعل سموطان‪ .‬وعندما لم يعلككم دايفككي‬
‫عن ماذا يتحدثا سموطان علكم سكموطان أن ذلكك ليكس دايفكي فتقككدم منهمككا منكدفعا فكدفع‬
‫قيسوس بديفي بإتجاه الشيخ لما عرف أن سموطان قد كشف حيلتككه وتحككول بسككرعة إلككى‬
‫فأر وهرب بين الشقوق بينما عندما دافع بديفي إلى سككموطان واصأككطدم بككه أخككرج دايفككي‬
‫سكينا من جيبه فانتبه سموطان ولكككن دايفككي ضككربه بالسكككين فككي سككاعده فجرحككه جرحككا‬
‫عميقا‪ .‬فتألم سموطان وأخذ بيد دايفي وأفلت السكين منه وجرهككا علككى عنقككه فسككقط رأس‬
‫مككن الشككمع علككى الرض ولحككق بككه جسككده واقعككا تمثككال شككمعيا بل روح‪ .‬فتعجككب منككه‬
‫سموطان وهو ينظر إليه كيف أنه يشبه دايفي تماما وهو يمسك بساعده الذي لككونت دامككائه‬
‫كم ثوبه وأخذ يؤلمه ‪.‬‬
‫في ساحة المعسكر والجن يحصكدون فكي العكداء غكرز الملكك أجمنكون سكيفه فكي شكبيه‬
‫هيرودا فقطعه‪ .‬وكذلك فعل هيرودا في شبيه أبيكه فشككطفه‪ .‬وفكي ذلكك الككوقت لككم يبقككى مكن‬
‫الجنودا الشمعية أحد فتقدم الملك أجمنون من إبنه ووضع يده حول خاصأرت هيرودا قائككل‪ً:‬ا‬
‫وهل طاوعتك نفسك على قتل أبيك؟ فقال هيرودا مبتسما ‪ً:‬ا لم يترك لي خيارا آخككر‪ ,‬كيككف‬
‫وجدت قتالي ؟ أعني ذلك الذي كنت تبارز‪ .‬هل هككو بنفككس قككوتي وبراعككتي؟ فقككال الملككك‬
‫وهو يهز رأسه بالنفي لفا يده حول إبنه يمشي به ‪ً:‬ا ل ‪ ...‬ول يككأتي شككيء بجككانب قوتككك‬
‫وبراعتك وإل مكا إسككتطعت النتصككار عليككه‪ .‬فتضككاحك الب وابنككه بقهقهككة عاليككة وهمككا‬
‫يمران ينظران إلى جندهم وهككم يطفكؤن خيكامهم مككن النكار الكتي لحقتهكا ومنهككم مككن يقيكم‬
‫الجرحى ويعدلون معسكرهم المتناثر والملك وابنه متوجهان إلى حيث تقف الملكة دابككورة‬
‫تنظر إلى أبنائها القادامين إليها‪ .‬وإذا بسموطان يحط من الجو وسطهم وهو ينظككر إلككى مككا‬
‫حوله من خراب مسككتغربا حيككث تككرك المعسكككر بصككورة أخككرى‪ .‬وأخككذ ينظككر إلككى تلككك‬
‫الصأككنام والتماثيككل الشككمعية المقصصككة علككى الرمككال وبقايككا الشككمع المحككروق المختلككط‬
‫بالرمل وقد خرجت منه الفقاقيع‪ .‬فقال للملكة والملككك وابنككه وأبنائهككا حولهككا ‪ً:‬ا مككاذا حككدثا‬
‫هنا؟ فقالت له الملكة ‪ً:‬ا أحدهم قرر أننا بحاجة إلى شموعه فككي وضككح النهككار‪ .‬وتضككاحك‬
‫من كان حولها والشيخ لم يفهم شيء مما حدثا ولكنه سككايرهم فقككال ‪ً:‬ا أيككن دايفككي ؟ عنككدها‬
‫كككان دايفككي بيككد روثا يتقككدمون إليهككم مككن وراء الملكككة ومعهككم هرمككس‪ .‬فلمككا رأى دايفككي‬
‫سككموطان ركككض إليككه منككدفعا والشككيخ يبتسككم لككه فاحتضككنه وأخككذ سككموطان يطككالع فيككه‬
‫فقاطعهما الملك قائل ‪ً:‬ا ذلك الكهف‪ ,‬حيث القفل‪ ,‬هل هو بعيد من هنككا ؟ فقككالت الملكككة ‪ً:‬ا ل‬
‫ليس ببعيد‪ .‬فاستغرب منهككا الشككيخ سككموطان حيككث كككان يتوقككع أن يجيككب هككو علككى ذلككك‬
‫السؤال لنه قد ذهب إلى الكهف‪ .‬فبينما كان سموطان يريد الجابة فسككبقته الملكككة دابككورة‬

‫‪123‬‬
‫إلى ذلك فسكت وأكتفى بأن يطالعها مدهوشا ثم قال سموطان ‪ً:‬ا نعم إن الكهف أصأبح آمنا‪.‬‬
‫فقال الملك ‪ً:‬ا إذا لنذهب لنأخذ مفتاحنا‪ .‬وذهبوا إلى خيكولهم‪ .‬بينمكا ك ان هن اك شكهلون فكي‬
‫الرمال يتفقد التماثيل الشمعية المتقطعة الوصأال فرأى تمثال شمعيا مقطوع مككن صأككدره‪.‬‬
‫فاندفع إليه وحمله حيث كان ذلك شبيهه‪ .‬وجلس به في الرمل يحتضكنه ويطكالع فكي وجككه‬
‫التمثال النصفي‪ .‬ثم أخذ بالبكاء والعويل وهو يحتضن التمثال حزنا على نفسه التي قتلت‪.‬‬

‫وعندما وصأل الملك أجمنون وجماعته من خاصأته وحرسه إلى الكهف ترجلوا وداخلوا إلى دااخله وتتبعكوا طريقهكم فكي‬
‫مغاراته حتى إحدى المغارات التي أحسوا بوجودا تيار هككوائي يككأتي منهككا‪ .‬فككدخلوا فيهككا فمشككوا حككتى آخرهككا حيككث لككم‬
‫يستطيوا أن يكملوا لنها نهاية الطريق‪ .‬وحيث وقفوا عند حافة الهاوية يشاهدون ذلك الكهف الكككبير الككذي إنتهككوا إليككه‪.‬‬
‫ونظروا إلى أسفله حيث القفل السودا الكبير موضوع فوق قاعدة مبنية وسط بركة مائية بحجم الكهككف‪ .‬تحيككط بهككا مككن‬
‫جوانبها على ضفافها الشجار المائية‪ .‬ثم أشار الشيخ سموطان إلى البركة وقال ‪ً:‬ا ولكن يوجد هنككاك مككن يحرسككه‪ ,‬إنهككا‬
‫التماسيح‪ .‬فقالت هادااساه ‪ً:‬ا أول مككرة أشككاهد هككذه المخلوقككات‪ ,‬انهككا ضككخمة‪ ,‬قككد تبتلككع رجل كككامل بلقمككة واحككدة‪ .‬فقككال‬
‫هيرودا ‪ً:‬ا إذا نمطرها بالسهم حتى نقتلها كلها ثم نهبط إلى المفتاح‪ .‬فقال آرميككا ‪ً:‬ا لمكا ل يطيككر شككيخنا بككديفي إلككى هنكاك‬
‫ويخطفه بسرعة‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا إن القفل جزء من قاعدته في الماء‪ ,‬وهذا يعني أننككا أو هككو علككى القككل سككيحتاج إلككى أن‬
‫يغوص إلى بطنه في الماء‪ ,‬هذا خطير جدا بوجودا تلك الوحوش حتى إذا ما أمطرناها بالسهام قد يكون هنككاك منهككا مككن‬
‫يتربص في أسفل البركة فل تناله السهام‪ .‬عندها روثا قالت ‪ً:‬ا أنا لدي طريقة‪ .‬فتفاجأ الجميع ونظروا إليها والتفت إليهككا‬
‫دايفي وأطلق ضحكة على شكل صأرخة وهو يشير إليها بيده‪ .‬فأكملت قائلة ‪ً:‬ا أشعلوا بعض النككار وضككعوها علككى شككيء‬
‫فالقيها في البركة فل يصل الماء إلى النار‪ .‬فتوجه الملك إلى جنده وأمرهم بفعل ذلك وهكم متحيككرون مككن خطتهككا‪ .‬فلمككا‬
‫أوقدوا لها النار قالت للشيخ ‪ً:‬ا عندما أرمي هذه النار في البركة وترى أن التماسيح قد ابتعدت أسككرع بككديفي وأحضككروا‬
‫المفتاح‪ .‬فقال آرميا مستهزءا‪ً:‬ا هل تتوقعين أنها تهرب من هذه النار ؟ فنظرت إليه روثا بإشمازاز والتفتككت إلكى الشككيخ‬
‫وقالت ‪ً:‬ا مستعدون ؟ وأخرجت نصف قرص من جيبها وعندما رأى الشيخ ذلك فهم خطتهككا فقككال متأكككدا ‪ً:‬ا نعككم‪ .‬فككألقت‬
‫بنصف القرص في النار ودافعت بها من فوق إلى أسفل الحفرة فاستقرت على سطح ماء البركككة‪ .‬فخكرج بعكدها تمسكاح‬
‫ضخم كبير يعدل حجمه عشرة من تلك التماسيح وفتح فمه مما أفزع جميع التماسيح وخرجت من البركككة إلككى جوانبهككا‬
‫حيث الشجار كما أفزع من كان هناك فوق من الملك وجماعته‪ .‬عنككدها طككار سككموطان مسككرعا بككديفي وأخككترق ذلككك‬
‫التمساح الضخم الذي مازال مزمجرا بأصأوات عالية ولم يبالي به سموطان فما هو ال خيككال‪ .‬وحككط بككديفي أمككام القفككل‬
‫فسكع دايفي إلى عنقه في الماء ومن خلفه سموطان حيث وصأل الماء إلى صأرته‪ .‬فرفككع دايفكي مككن إبطيككه يقكدمه بإتجكاه‬
‫القفل كي يتمكن من المساك بالمفتاح وهو يعجل به ثم إختفى ذلك التمساح الضخم فبدأت التماسيح بالزحف إلى الشككيخ‬
‫ودايفي‪.‬‬
‫ونظر إليها سككموطان قادامككة فأسككرع بككديفي‬
‫وأمسككك بيككده وهككو يرفعككه مككن إبطككه بيككده‬
‫الخككرى بإتجككاه القفككل حككتى أمسككك دايفككي‬
‫بالمفتككاح‪ ,‬ومككا أن أمسكككه حككتى صأككرخأ بككه‬
‫الشيخ بقوة ‪ً:‬ا هيا إفتحه خذه يا دايفككي إفتحككة‪.‬‬
‫والجميع هناك فوق يراقبونهما بحماس كمككا‬
‫يراقبكككون التماسكككيح وهكككي تقكككترب منهمكككا‬
‫بخوف‪ .‬فأداار دايفي المفتككاح فخرجككت تلككك‬
‫الضككاءة مككن ثقككب المفتككاح وأصأككدر القفككل‬
‫صأوت إنفتاح مدوي‪ .‬ولم ينتظكر الشكيخ بكل‬
‫إرتفككع عاليككا بككديفي وبيككده المفتككاح مفوتككا‬
‫الفرصأككة علككى ذلككك التمسككاح الككذي كككادا أن‬

‫‪124‬‬
‫يفتك بهما ويتلذذ بوجبتين مؤكدتين‪ .‬وصأككعد بككه الككى فككوق حيككث إسككتقبله الجميككع بككالفرح‬
‫والسرور‪ .‬ثكم أخكذ الشكيخ المفتكاح مكن يكد دايفكي الكذي ككان مسكتمتعا بالتهليكل والتشكجيع‬
‫ووضعه في قلداته ونظر الملك إلى روثا مبتهجا بها ثم نظككر إلككى مفككاتيحه الربعككة فككي‬
‫قلداة دايفي ‪.‬‬

‫الجند كانوا ما يزالون في المعسكر يجمعون شتاتهم حتى وصأل الملك أجمنون ومككن معككه‬
‫وبصحبتهم المفتاح الرابع‪ .‬فقال الشككيخ لفتككاب ‪ً:‬ا خككذ دايفككي إلككى صأككومعه الكككاهن حنباثككا‬
‫واجلبوا المفتاح الخامس فهوالتالي بعد هذا‪ .‬فقال الملك للشيخ ‪ً:‬ا أرى أن تذهب أنككت معككه‪,‬‬
‫فإذا لم يتمكن أفتاب من السيطرة على دايفي لن يستطيع هككو مككع المفتككاح شككيئا‪ .‬فكككر قليل‬
‫الشيخ وقال ‪ً:‬ا نعم هذا رأى حسن‪ .‬وأرادا سموطان الذهاب بديفي حتى سمع صأوت يقككول‬
‫من وراءه ‪ً:‬ا سأذهب معكما‪ .‬فنظككر سككموطان خلفككه فككإذا هككي الملكككة دابككورة وقككدنظرإليها‬
‫الجميع مسككتغربين مككن سككبب طلبهككا الككذهاب مككع الشككيخ ودايفككي وبالخصككوص إسككتغرب‬
‫أبنائهاالسبعه فقككال لهككا ‪ً:‬ا هككل مككن ضككرورة؟ قككالت ‪ً:‬ا نعككم‪ ,‬فككأنت لتعلككم مكككان القفككل فككي‬
‫الصومعه‪ ,‬إن إيجاداه أمر صأككعب‪ .‬فنظككر الخككوة الجككان إلككى بعضككهم البعككض‪ .‬فقككال لهككا‬
‫الشيخ‪ً:‬ا حسنا إذا لنذهب‪ .‬فانطلق الشيخ يحمل دايفي وطارت تتبعهم الملكة دابورة ‪.‬‬
‫بعدها داخلت هادااساه إلى خيمتها وومعها روثا وهرمككس ومككع هادااسككاه عصككى قصككيرة‪.‬‬
‫قطعة من أعوادا الخشب فألقتها على أرض الخيمة الرملي وجلست قبالتها‪ ,‬وأخذت تشككير‬
‫إلى العصى بكفيها ترفعهما وتنزلهمككا قكائله ‪ً:‬ا طيككري‪..‬طيككري أيتهككا العصككى والعصككاة ل‬
‫تتحرك فضحكت روثا وتبعها بالضحك هرمس ثم إبتسم هرمس إبتسامة لككم يقككوى علككى‬
‫امساك ضحكته عندما رفعت هادااساه بصرها من العصاة إليهما وهي خائبة ‪.‬‬
‫وفي خيمة القائد كان يجلس الملك ومن معه حوله فقكال الملكك إليهكم ‪ً:‬ا كيكف هكي طريقنكا‬
‫الن من هنا ‪ً:‬ا فقال كبير الجند ‪ً:‬ا ليست ببعيدة يا مولي‪ .‬وتقدم كبير الجند من الملك وبيده‬
‫لفافة ففضها فإذا هي خارطة‪ ,‬وأشار للملك بإصأبعة على الخارطة وهو يريه إياها قككائل ‪ً:‬ا‬
‫نحن هنا‪ ,‬سنتوجه بإتجاه كهف قيسوس الرومي‪ ,‬ونتجاوزه من حوله وبعد إن ندور عليككه‬
‫سنتخلل الغابة ثم منحدرات جبلية خضراء‪ ,‬وعبر السهول إلككى مملكككة )كابككا( عنككد سككفح‬
‫الجبل العظيم جبل الينابيع الحارة‪ .‬ثم طوى كبير الجند الخارطة وتراجع إلى مكككانه فقككال‬
‫الملك أجمنون ‪ً:‬ا إذا نمضي غدا باكرا عند طلوع الشمس ‪.‬‬

‫وصأل الشيخ سككموطان ومعككه دايفككي وخلفهككم الملكككة دابككورة إلككى صأككومعه الكككاهن حنباثككا‬
‫فدخلوا الصومعة‪ .‬وتقدمت الملكة دابورة من كرسي حنباثا فدفعته‪ .‬فككاذا تحتككه بككاب سككري‬
‫فانحنت لتفتحه وهي تقول ناظرة إلكى الشكيخ بإبتسكام ‪ً:‬ا ألكم أقكل لكك إنكه صأكعب إيج اداه ؟‬
‫وجذبت الباب الصغير وأفرداته الى الجهة الخرى من الرض‪ ,‬فبان تحته دارج فنزلت‬

‫‪125‬‬
‫وتبعها الشيخ يمشي دايفي أمامه حتى نزلككوا‬
‫جميعككا وشككاهدوا القفككل هنككاك‪ .‬فقككدم الشككيخ‬
‫دايفي إلى القفل فمككد دايفككي يككده إلككى المفتككاح‬
‫وأدااره فأصأككككدر القفككككل صأككككوت إنطلق‬
‫مغلقه وخرجت تلككك الشككعة المبهككرة مككن‬
‫ثقب المفتاح‪ .‬وخككرح المفتككاح فككي يككد دايفككي‬
‫بسككهولة‪ .‬أخككذ الشكيخ المفتكاح ووضككعه فكي‬
‫قلداة دايفي الذي أخرج لسككانه علمككة علككى‬
‫النبساط فضحك سككموطان مككن ذلككك وهككو‬
‫ينظر إلى الملكة دابورة التي بدورها كككانت‬
‫تضكككحك منكككه‪ .‬ثكككم خرجكككوا جميعكككا مكككن‬
‫السككردااب‪ .‬وعنككد شككرفة الصككومعه وقفككت‬

‫الملكة تنظككر منهككا إلككى الفضككاء حيككث الهككواء القككادام مككن الخككارج كككان يطككاير بملبسككها‬
‫ويتخللها‪ .‬وقد كان هواء ونسيما منعشا فأغمضت عينيها وسمحت للهواء النقككي أن يككدخل‬
‫إلى رئتيها بعمق فأصأدرت الملكة صأوت إسترخاء‪ .‬وككان الشكيخ مكع دايفكي خلفهكا ينظكر‬
‫إليها وكأنه يعلم ما تحس به‪ .‬فتحت الملكة عينيها ونظرت إلى الرض ثككم اسككتدارت إلككى‬
‫الشيخ وفاجأته قائلة ‪ً:‬ا ما رأيك بنزهة قبل العوداة؟ وقبل أن يصحوا سككموطان مككن صأككدمة‬
‫الطلب المفاجأ أمسكت بيده وجرته وهو بدوره إلتقط دايفي وطاروا جميعككا وهككي مككازالت‬
‫ممسكككة بيككده وانطلقككوا فككي الفضككاء‪ ,‬ويمكككن سككماع ضككحكات الملكككة دابككورة مككن شككرفة‬
‫الصومعة حتى إختفى الصوت ثم إختفيا ‪ .‬وإذا بها تنزل بهما بيكن الشكجار تحكت سلسكلة‬
‫من الجبال المتراصأة إلى ثقبه في ألرض يظهر منها ماء جاري كالفلج الشديد الجريككان‪,‬‬
‫يغوص المرأ فيه الى بطنه بعرض المتر‪ ,‬ول يظهر منه على سطح الرض سككوى ثلثككة‬
‫أمتار تقريبا ثم يختفي الماء حيث يذهب إلى دااخل الجبل بين الصخور‪ .‬فنزلت بهما علككى‬
‫أداراجه السبعه وهي ما زالت تمسك بيد الشيخ وهو ل يعلم أين تتوجه بهما‪ .‬فنزلت بهمككا‬
‫الدرجات السبع حتى عند الماء والشيخ وهو يمسك بيد دايفي يجككره خلفككه ينظككر إلككى شككدة‬
‫جريان ذلك الماء الجارف ومتعجب منه كيف شق مجراه إلى بطن الجبل فقالت له الملكة‬
‫دابورة ‪ً:‬ا أتعجب من هذا ؟ لم ترى أعجب منه بعد إذا ؟ هذا لم يحفره النسان وإنما أمرت‬
‫الحفارين به‪ .‬وقالت وهي تبتسم‪ً:‬ا تعال وداع الماء يأخككذك إلككى حيككث يشككاء‪ .‬والشككيخ وهككو‬
‫مستسلم تماما لرغباتها القوية ل يقوى على الردا أو المتنككاع أو المناقشككة وكككأنه مسككحور‬
‫تبعها فنزلت إلى الفلج وأمسكت بقوة بجانبيه ونزل وفعل مثلها مككاداا رجليككه ممسكككا بهمككا‬
‫في جوانب الفلج كما فعل بمرفقيه حتى تناول دايفي ووضعه جالسا على الماء ماداا رجليككه‬
‫ما بين رجلي سموطان وظهر الملكككة دابككورة أمامهمككا كمككن ينككزل مككن جبككل ثلجككي علككى‬
‫مزلقة‪ .‬ثم نظرت الملكة دابككورة إليهمككا خلفهككا وقككالت مبتسككمه ‪ً:‬ا مسككتعدان ؟ فهككز الشككيخ‬
‫رأسه باليجاب فأفلتت الملكة نفسها للماء يجرفها وتبعهككا الشككيخ وذهبككوا جميعككا يجرفهككم‬

‫‪126‬‬
‫الماء إلى دااخل بطن الجبل ودايفي يصرخأ من شدة جريككانهم دااخككل تلككك الظلمككة فككي ذلككك‬
‫المجرى‪ .‬وتزحلقوا على الماء دااخل تلك الساقية الباطنيككة الملتويككة مسكافة حككتى ظهرلهككم‬
‫شيء من البريق وكأنه المخرج ثم تقاذفوا من خلل شلل ميككاه تلككك الفتحككة الككتي تصككب‬
‫مائها بقوة على تجمع مائي تحتها فسكقطوا يصكرخون فكي المكاء الغريكز ثكم طفكوا فكوقه‪,‬‬
‫وأسرع سموطان بالتقاط دايفي بينما الملكة فرحة مسروره بتلك القفككزة تنظككر إلككى الشككيخ‬
‫وهو ينقذ دايفي من الغرق‪ ,‬ثم نظر سموطان إلى ما حوله فإذا هي قبة فسككيحة علككى شكككل‬
‫كهف واسع في دااخل الجبل مليء بالمياه المتساقطة مككن ذلككك الفلككج‪ ,‬ثككم شككاهد سككموطان‬
‫بالقرب منككه بعككض الصككخور البيضككاء الظككاهرة علككى سككطح المككاء مككن صأككخور الصككفا‬
‫المستديرة‪ .‬فسبح بديفي حتى صأعد بة فوقها فاستراح عليها معه‪ ,‬وأخذ يقلككب ناظريككة فككي‬
‫ذلك المكان الغريب كالقبة الضخمة في بطن الجبل ل مخككرج لهككا‪ ,‬وتتطلككع فككي جككدرانها‬
‫الدائرة من حوله حيث النقوش من الشكال العجيبة والصناعة الباهرة ورفع رأسه ليككرى‬
‫مككدى الكهككف فككي العلككى فشككاهد تلككك العناقيككد مككن البلككورات الصككخرية مككن الكككوارتز‬
‫والنتككؤات العسككلية والبرتقاليككة اللككون المتدليككة مككن سككقف الكهككف‪ ,‬ثككم تتطلككع إلككى أعمككدة‬
‫الكهرمان الموضوعة على جوانب البركة وبعضها على شكل مسنات منصوبة ترتفع من‬
‫قعر البركة‪ ,‬وتنتشر التماثيل المصنوعة من البلور الصخري على شتى الككوانه البنفسككجية‬
‫والرجوانية ومنها ما هو عديم اللون وقد نحتت ونصبت موزعة في ذلك الكهككف‪ ,‬والككتي‬
‫ل يمكن للبشر أن ينحت مثلها في التصوير والجمال والدقة‪ .‬وكل ذلك والملكة تسككبح فككي‬
‫المياه ناظرة إلى سموطان المبهور بذلك المنظر البديع‪ .‬وشاهد ذلك الماء الذي يخرج من‬
‫تلك البركة في سبع منافذ داائرية في الجدار الصككخري علككى مسككافات وأحجككام متسككاوية‪,‬‬
‫وبعدها بمسافة واحد كبير يختلف عن تلك السبعة المتشككابهة حيككث أن فتحككة ميككاهه أكككبر‬
‫وأوسع‪ ,‬كما أن فتحته ليست فتحة وثقب عاداي كالبقية بل هو عبارة عككن فككم رجككل بلحيككة‬
‫يلبس تاجا ينفذ الماء من فمه الذي فتحه واسعا‪ .‬فتعجب سموطان ممككا حككوله مككن الروعككة‬
‫والجمال حتى إنجذب سموطان فجككأة وشككصد إلككى المككاء وقطعككت خيككالته السككحرية عنككدما‬
‫جذبته الملكة من رجله إلى دااخل البركة‪ .‬وأخذا يسكبحان معكا ثكم ظهكرا علكى سكطح م اء‬
‫البركة فقال سموطان للملكة دابورة وهما يعومان مشيرا إلى منافذ المياه السبعة تلك ‪ً:‬ا أين‬
‫تذهب هذه المياه ؟ فقالت الملكة ببساطة إنها تذهب إليككم‪ ,‬تنفكذ إلكى الخكارج بعكد أن تمكر‬
‫على سلسلة من الجبال‪ .‬فأشار سموطان إلى الفم الكبير وقال ‪ً:‬ا وهذا ؟ فقالت الملكة ‪ً:‬ا هككذا‬
‫مختلف‪ ,‬هذا لنا نحن وحدنا‪ .‬عندها قفز دايفي إلككى البركككة مككن الحصككاة الككتي كككان يجلككس‬
‫فوقها وغطس في البركة فسبح سموطان إلى دايفي ليلحق عليه‪ ,‬ولكككن فجككأة ارتفككع دايفككي‬
‫الى ألعلى محمول‪ .‬فتوقف سموطان ينظر الى دايفي وهناك شيء مككا يرفعككه مككن تحتككه‪.‬‬
‫عندها ظهرت من تحت دايفي فتاة شابة جميلة تغطككي عورتيهككا بجلككد يلمككع ليسككت كبنككات‬
‫النس‪ .‬فاستغرب سموطان منها وأخذ ينظر إلى جمالها الفتان وحسككنها البككديع ومنظرهككا‬
‫الغريب وهي تبتسم كأنها الحورية في وجه سموطان ممسكة بديفي لكي ل يغطس‪ .‬بعدها‬
‫سمع سموطان أصأوات ضحكات فتيات فظهر مككا يقككرب مككن عشككر فتيككات أخريككات مككن‬
‫تحت الماء وقد أقبلن يتضاحكن إلى حيث دايفي والملكة تنظر إلى سموطان الذي يعوم في‬

‫‪127‬‬
‫مكانه وكأنه في عالم الخيال وهي من خلفه‪ .‬فتقدمت منه وأخذت بيده قككائله ‪ً:‬ا هيككا لنككذهب‬
‫هناك من سيعتني بديفي‪ .‬فأخذته من يككده وسككبحا إلككى حيككث يصككب المككاء فككي فككم الرجككل‬
‫صأاحب التاج بينما كانت الفتيات يلعبن دايفككي ويتضككاحكن معككه فككي المككاء وهككو يطبككش‬
‫بيديه ورجليه‪ .‬ولما وصألت الملكة وسموطان إلى ذلك المصككب أو الفككم المظلككم داخل فيككه‬
‫وحالما داخل فجأة كادا سموطان أن يقع على وجهه على الرض وهو يخككرج واقفككا علككى‬
‫قدميه على أرض خضككراء تحيككط بهككم الزهككور بألوانهككا الزاهيككه‪ ,‬وفككوقهم سككماء صأككافية‬
‫وأرض رابيه وتحتهم سهل من الزهور ينتهي بقصر ضككخم كككبير لككه طريككق ذو عواميككد‬
‫كبيرة طويلكة إسكتطاع سكموطان أن يشكاهدها مكن حيكث هكو فكي تلكك الرابيكة المرتفعكة‪,‬‬
‫والملكة بجانبه تطالع داهشته من أنهم كانو في الماء دااخل الجبال وأصأبحوا فككي الخككارج‪.‬‬
‫وأخذ سموطان يشم تلك الروائح الجميلة المنبعثة من كل جهككه‪ ,‬ويسككمع أصأككوات الطيككور‬
‫وتغاريدها العجيبة وكادا أن يغشى عليه من طربها‪ ,‬وحيوانات متراكضه مسالمة‪ ,‬وشككاهد‬
‫بين الحقول حصانا ناصأع البياض بجناحين يربع بين الشككجيرات البعيككدة‪ .‬فأخككذت الملكككة‬
‫بيده تتنزل به بإتجاه القصر مخترقان حدائق الزهور التي تتطاير الفراشككات ذات اللككوان‬
‫الزاهية حولهم من تحتها‪ ,‬حتى وصألوا إلى تلك العواميد الكبيرة الطويلة‪ ,‬والملكة ممسكككة‬
‫بيده متمهلة عليه لكي يشبع النظر إلى ما حوله من مناظر خلبة ببطأ وداونما إزعككاج ول‬
‫عجلة‪ .‬فأخذ ينظر إلى العواميد البيضاء المصنوعة من الرخام اللمككاع الشككاهقة الرتفككاع‪,‬‬
‫مصفوفة على شكل طريككق إلككى ذلككك القصككر العظيككم الككذي تتككدرج أبنيتككه فككي الرتفككاع‪,‬‬
‫وتزينة القباب الحمراء في كل مسطوحة‪ ,‬وفي وسطه وأعلى مككا فيككه قبككة حمككراء مزينككة‬
‫بخطوط الذهب من رأسها إلى داائرتها السطحية‪ ,‬وداائرتها تزينها أحجار بنفسجية كريمككة‬
‫شديدة البريق‪ .‬ونظر سموطان إلى ماتدوس عليه رجليه فإذا هو يدوس علككى حجككارة مككن‬
‫ذهب وألماس وياقوت ولؤلؤ وزمردا تزين ذلك الممر الى نهاية القصر‪ .‬ومشيا في الممككر‬
‫وسموطان شديد العجاب بما يراه من خواتم مرصأعة بالحجار الكريمككة ومككن كككل نككوع‬
‫ولون مرمية على الرض بطول تلك العواميد إلى باب القصر‪ .‬ومنها خواتم من الفيككروز‬
‫الخضر والياقوت الحمر والزرق والعقيق الحمر والزمردا الريحاني والوبال وعقيق‬
‫النار‪ ,‬والزبرجد الخضر والفيروز الورداي واليككاقوت الصأككفر ومنهككا خككواتم مككن ذهككب‬
‫مرصأعة باللماس الكبير الحجم‪ .‬وكل هذا وهما يدوسان عليه حتى داخل من بوابة ذهبيككة‬
‫منحوته كبيرة‪ ,‬وأخذت الملكة تسير أمككامه ببطككأ وهككو يتقككدم وعينيككه علككى مككا حككوله مككن‬
‫التماثيل العجيبة والنقوش الملونة والجواهر المعلقككة والمتدليككة مككن كككل مكككان‪ ,‬والقمشككة‬
‫المخملية‪ ,‬والزوالي الثمينة‪ ,‬والبسطة المحيكة من أجودا النككواع‪ .‬حككتى وصأككلت بككه إلككى‬
‫تلك القبة الحمراء الكبيرة‪ .‬فشاهد كرسي مصنوع من ثلثة أحجار زرقاء من البرايت‪ ,‬قد‬
‫صأفت مع بعضها كل واحد منها بطول المتر وتسنده مسانيد ووسائد قطنية وريشية مغلفة‬
‫بالحرير الحمر وفراء السودا الذهبية‪ .‬وفي كل جهه من الكرسي تمثال قككط كككبير بحجككم‬
‫النمر أخضر زمرداي اللون‪ ,‬منحوتان من حجر اليشم‪ ,‬كل منهما منحوتا من حجر واحد‪.‬‬
‫وإذ سموطان يتأمل ما تحت رجله من الرخام العجيب الذي يكسوا القصر وتلك الجككدران‬
‫والعواميد الزاهية إذ خرجت قطككة بيضككاء ناصأككعة الفككراء كثيفككة الشككعر‪ ,‬وجككرت بإتجككاه‬

‫‪128‬‬
‫الملكة فالتقطتها مكن ألرض وهكي تككداعبها ثككم نظكرت إلكى سكموطان الكذي ينظككر إليهككا‬
‫مذهول وهي تداعب رأس القطة‪ .‬ثم خرجككت إليهككا مجموعككة كككبيرة مككن القطككط مككن كككل‬
‫مكان‪ ,‬السودااء والشقراء ومن كل لون وأحاطت بالملكة من كل جانب وهي تداعبهن‪ .‬ثككم‬
‫توجهت الملكة إلى سموطان وقالت ‪ً:‬ا تعال لنجلككس‪ .‬فتككوجهت إلككى ذلككك الكرسككي وتبعهككا‬
‫سموطان وجلسا فككوق الوسككائد الحريريككة وهككي مككازالت تككداعب قطتهككا البيضككاء‪ .‬فنظككر‬
‫سموطان إلى فككوق رأس تمثككال القككط الككذي بجككانبه فككرآ تاجككا ملوكيككا مرصأككعا بالحجككارة‬
‫الكريمة واللماس والياقوت فقال لها ‪ً:‬ا لما ل تلبسينه ؟ فنظرت إليه وقالت له ‪ً:‬ا إنككه يتعككب‬
‫ويثقل رأسي ويمنعني من الحركككة بحريككة‪ ,‬ثككم إنككي لككو لبسككته لضككطربت المملكككة كلهككا‬
‫وصأار الجميع في شغل داائم بل راحه‪ ,‬فأنككا أشككفق عليهككم مككن ذلككك وأخفككف عنهككم‪ .‬فقككال‬
‫الشيخ ‪ً:‬ا ولكني ل أرى أحدا هنا ؟ فقالت الملكة ‪ً:‬ا بلى هم هنا‪ ,‬ولكنككي أمرتهككم بالحتجككاب‬
‫عنك‪ .‬ثم نظرت الملكة إلى إرتفاع تلك القبة التي يجلسككون بككداخلها وجككالت بنظرهككا إلككى‬
‫آخرها وقالت‪ً:‬ا الملك سليمان الحكيم كانت له قبة كهذه‪ ,‬فرأى في يوم من اليام عصككفورا‬
‫يقول لعصفوره ‪ً:‬ا لم تمنعين نفسك مني ؟ ولو شأت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في‬
‫البحر‪ .‬فتبسم سليمان من كلمه ثم داعا بهما وقال للعصفور ‪ً:‬ا أتطيق أن تفعككل ذلككك؟ فقككال‬
‫العصفور ‪ً:‬ا المرؤ قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجتككه‪ ,‬والمحككب ل يلم علككى مككا يقككول‪.‬‬
‫فقال سليمان للعصفورة ‪ً:‬ا لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت ‪ً:‬ا إنه ليس محبككا ولكنككه‬
‫مدع لنه يحب معي غيكري‪ .‬فكأثر كلم العصكفورة فكي قلكب سكليمان وبككى بك اء شكديدا‬
‫واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعوا ا أن يفرغ قلبككه لمحبتككه وأن ل يخالطهككا بمحبككة‬
‫غيره‪ .‬ثم أن الملكة دابورة صأفقت بكفيها فحضرت مكن الكداخل صأكواني مكن شكتى أنكواع‬
‫الطعمة تطير لوحدها حتى وضعت أمامهما‪ .‬ثم جاءت أباريق ذهبية وأكواب من الذهب‬
‫تطير حتى وصألت إليهما‪ ,‬فصبت شككرابا عجيبككا فككي الكككواب وحطككت الكككواب بجككانب‬
‫الطعام وبقيت الباريق بجانبهما فككي الهككواء معلقككة ثككم أطلقككت البخككرة الجميلككة وفككاحت‬
‫العطورالعجيبة وحضرت إليهما مراشككي مككن عطككور ممزوجككه حككتى وصأككلت إلككى فككوق‬
‫رأسيهما ورشت عليهما المراش بعطور ل مثيل لهككا عنككد النككس تشككرح القلككب‪ .‬ووقفككت‬
‫المراش في الهواء خلفهما‪ .‬ثم حضرت قيثارة تطير في الهواء وتتبعها عدة قيثارات مككن‬
‫كل جانب وتتبعها الككدفوف واللت الموسككيقة حككتى إصأككطفت فككي كل الجككانين أمامهمككا‪,‬‬
‫وأخذت تلك اللت تضرب بعجيب اللحككان حككتى زاغككت عيككن سككموطان وكككادا أن يفقككد‬
‫عقله من طربها والوتار تضرب لوحدها والمزامير تعزف من نفسها وحضر إلى وسككط‬
‫اللت الموسيقية مجموعة من الحبال التي قامت تتمايل وتلعب بأشكال وتموجات عجيبة‬
‫جميلة‪ ,‬ثم حضرت مجموعة من السعاداين الككتي قككامت بألعككاب بهلوانيككة ومراقككص علككى‬
‫عزف اللت بينما سموطان والملكة مستمتعان بالكل والشرب والضحك‪ .‬أما دايفي فلككم‬
‫تنقصه التسلية فقد كان محاطا بتلكك الفتيكات الجميلت حكتى أصأكابة الخجككل وهكو معهكن‬
‫وحده يلعب في المياه فيغصن به إلى قككاع البركككة الككذي رمككاله مككن الككذهب واللمككاس ثككم‬
‫يصعدن به إلى العلى وهو فرح سعيد بتلك الرفقة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫داخل الظلم وبدأ الجند بالمعسكر بإيقادا نيرانهم على الرمال بجانب الخيم‪ .‬وبجانب احدى‬
‫القدور التي على الرمل والطعام يطبخ إذا بقيسوس الرومي وهو على شكل فار قككد تسككلل‬
‫من حفرة إلى أخرى حتى وصأل الى ذلك القدر فرآه أحد الجند الجالسين علكى ذلكك القكدر‬
‫يتحدثون فغافله بمسكة سريعة قوية وألقاه مرة واحدة في القدر الساخن فلم يجد مهربا من‬
‫أن يكون طعاما للجند ‪.‬‬
‫عندها وصأل الشيخ سموطان والملكة دابورة ودايفي إلى المعسكر وقد بان عليهما علمات‬
‫النبساط والرتياح‪ .‬فركض دايفي مباشرة للبحث عن روثا حيث رآها في خيمة هادااساه‪,‬‬
‫وهو يركض أخذ الجند يركضون وراءه يلتقطون من ألرض ما يقع من ملبسه من قطع‬
‫الذهب واللماس البراق‪ ,‬فوقف دايفككي مسككتعجبا مككن أول ئككك الجنككد الككذين يقتتلككون خلفككه‬
‫يجمعون أشياء من الرض وهو ل يدري ما يحدثا فنفض ملبسككه وراح يركككض بإتجككاه‬
‫خيمة هادااساه تاركا الجند يتبعونه ويقتتلون للحصول على ما يسقط من ملبسه من القطع‬
‫الثمينة والتي لصقت به من قعر تلك البركة ‪.‬‬
‫إتجككه سككموطان ودابككورة إلككى خيمككة القائككد وقككد سككبقتهما الروائككح الجميلككة المنبعثككة مككن‬
‫ملبسهما إلى الداخل ونبهت كل من بداخل الخيمككة إلككى تلككك العطككور والروائككح الزكيككة‪,‬‬
‫فدخل الشيخ ودابورة إلى خيمة القائد فسأله الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا هل وفقتككم فككي الحصككول‬
‫عليه ؟ فقال الشيخ وهو ينظر بطرف عينككه إلككى دابككورة بجككانبه ‪ً:‬ا نعككم لقككد حصككلنا عليككه‪.‬‬
‫وانتبهت الملكة دابورة الى شخص يلبس السوادا خلفها عند باب الخيمة واقفا‪ .‬فالتفتت إليككه‬
‫فإذا هو ذلك الرسول رسول الجن القبيح المنظر واقفا لدى الباب ويديه أمامه مسبل عليككه‬
‫غطاء وجهه‪ .‬فالتفت الجميع إليه فتقدمت منه الملكككة ولكنككه لككم يتحككرك ولككم يرفككع غطككاء‬
‫وجهه فالتفتت الملكة إلى مجلس الملك أجمنون داونما أن تكلمه وقالت للشككيخ ‪ً:‬ا هككل تككأذن‬
‫لي بالنصراف لبعض الوقت؟ فقال الشيخ حزينا ‪ً:‬ا ل بأس‪ .‬فاستدارت الملكة للذهاب إلككى‬
‫ذلك الجني عند الباب ولكن ذلك الجان قال لها مككن تحككت غطككاءه لمككا وصأككلت إليككه ‪ً:‬ا مككع‬
‫أبنائك مولتي‪ .‬عندها تكوقفت والشكيخ إلكى جانبهكا أليسكر ونظكرت إلكى سكموطان فق ال‬
‫سموطان لها ‪ً:‬ا ليذهبوا ولكني أستبقي هرمس تعلمين لماذا‪ .‬فقالت الملكة ‪ً:‬ا نعم‪ .‬ثم طككارت‬
‫وطار ورائها أبنائها الستة ‪.‬‬
‫في ذلك الوقت هادااساه كانت مازالت في تجاربها لكتشاف قدرات الخاتم‪ .‬ففكرت وقالت‬
‫لروثا وهرمس ودايفي ‪ً:‬ا كما الظلم يخفي ألشياء سأحاول إخفاء دايفككي‪ .‬ووضككعت دايفككي‬
‫أمامها جالسا وهو يضحك وجلست هككي أمككامه ثككم أشككارت إليككه بالخككاتم السككليماني وهككي‬
‫تقول‪ً:‬ا إختفي‪ ..‬إختفي‪ .‬ول يحصل شيء‪ ,‬ثم أنها أحست أن شيء ما في الرمل مككن تحتهككا‬
‫يتحرك فالتفتت إلى الوراء للبحككث عنككه فككأخرج دايفككي طككاقيته ولبسككها بسككرعة واختفككى‪,‬‬
‫وعندما لم تجد هادااساه شيئا ورائها نظرت إلككى دايفككي لتكمككل المحاولككة فككإذا بهككا ل تككرى‬
‫دايفي‪ ,‬وليس سوى روثا وهرمس فقالت فرحه ‪ً:‬ا لقد إختفككى لقككد إختفككى‪ .‬وبككدت مسككرورة‬
‫قائلة ‪ً:‬ا لقد نجحت لقد أخفيته‪ .‬فنظرت روثا إلى هرمس وضحكا‪ .‬عندها رفع دايفي طاقيته‬
‫وبان مرة أخرى وهو يضحك مع روثا وهرمس مما أحزن هادااساه وأحبطهككا وغضككبت‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الفصل ا لعاشر‬

‫تحت سككطح الرض فككي حلكككة الظلم نصككبت كراسككي ثمانيككة‪ .‬سككبعة علككى شكككل حككدوة‬
‫وواحد يكمل الدائرة‪ .‬ولكن هذا الخير وحككده بعيككدا عنهككا وأكككبر مككن بقيككة الكراسككي فككي‬
‫الطول والعرض والمهابة‪ .‬وصأاح ذلك الجني السودا القبيح وهو يقككف عنككد بككاب الغرفككة‬
‫بأعلى صأوته قائل ‪ً:‬ا ملككك الملككوك الملككك العظيككم غيككدول‪ .‬فككدخل رجككل عجككوز ذو لحيككة‬
‫عظيمة وبيده صأولجان طويل ذو مجذاف عريض ومشى إلككى دااخككل الغرفككة الككتي عمهككا‬
‫الحرس داائريا حولها من كل مكان لدى داخوله‪ ,‬ويككواكبه مككن وراءه رجككال ونسككاء أجلء‬
‫وجليلت‪ .‬فمشى حتى وصأل إلى ذلك الكرسككي الكككبير وحاشككيته صأككارت وراء الكرسككي‬
‫والتفت إلى وراءه ونظر بجدية ثم جلس وموكبه خلفككه واقفيككن‪ .‬ثككم قككال المنككاداي ‪ً:‬ا الملككك‬
‫أفتاب صأاحب الشمس الموكككل بأعمككال الحككد‪ .‬فككدخل الملككك أفتككاب وداخككل وراءه موكبككا‬
‫مشرفا من قواداه وزعمائه وكأنهم الشموس أو الملوك‪ ,‬حككتى وصأككل إلككى كرسككيه وجلككس‬
‫ووراءه حاشيته وقوف‪ .‬ثم ناداى المناداي ‪ً:‬ا الملككك كيككوان صأككاحب زحككل الموكككل بأعمككال‬
‫السبت‪ .‬فدخل كيوان بموكب مهيب‪ ,‬شكلهم شكل الحزن والكآبة حتى وصأككل إلككى كرسككيه‬
‫فجلس ووراءه حاشية وقوف‪ .‬ثم قال المناداي‪ً:‬ا الملك ماهتاب صأاحب القمر الموكككل بيككوم‬
‫الثنين‪ .‬فدخل ماهتاب وداخل خلفه حاشيته الككتي كككالقمر حككتى فعككل مثككل إخككوته‪ .‬ثككم قككال‬
‫المناداي ‪ً:‬ا الملك أناهيد صأاحب الزهرة الموكل بأعمال يوم الجمعكة‪ .‬فكدخل وداخلكت خلفكه‬
‫حاشيته التي كالزهور‪ .‬ثم ناداى المناداي ‪ً:‬ا الملك بهككرام صأككاحب المريككخ الموكككل بأعمككال‬
‫الثلثاء‪ .‬فدخل بهرام وداخككل خلفككه مككن حاشككيته العسككاكر والمقككاتلين الشككداء وفعككل مثككل‬
‫إخوته‪ .‬ثم قال المناداي ‪ً:‬ا الملك برجيس صأاحب المشترى الموكككل باعمككال يككوم الخميككس‪.‬‬
‫فدخل وخلفه حاشية كأنهم العلماء وجلس‪ .‬ثم قال المناداي ‪ً:‬ا الملك هرمس صأاحب عطاردا‬
‫الموكل بأعمال يوم الربعاء‪ .‬ولم يدخل هرمس بل داخلت أمه الملكة دابورة إلى منتصككف‬
‫الغرفة وأبيها الملك غيدول يطالعها فأشار بيده إليها قائل ‪ً:‬ا هذا هو‪ ,‬هل ترين ؟ لم يعوداوا‬
‫يحضككرون الجتماعككات كيكف تكبررين هككذا ؟ فقكالت الملكككة وقككد شكبكت أصأكابعها علككى‬
‫بعضها كمثل التلميذة في المدرسة أمام المديرة ‪ً:‬ا لككديه عمككل يككؤدايه‪ ,‬يجككب أن تفخككر بككأنه‬
‫يقوم بعمله الذي خلق من أجلككه‪ .‬فككردات عليهككا إحككدى النسككاء الواقفككة بجكانب كرسككي أبككو‬
‫الملوك غيدول مكن جهككة اليسكار وقككد وضكعت يككدها علكى الكرسكي قائلككة بحنكق‪ً:‬ا الهككرج‬
‫والمرج أصأبح من مساعده النس‪ .‬فقالت لها الملكة دابورة ‪ً:‬ا لول النسكان مككا أككل الجكن‪,‬‬
‫فلبد أن نساعدهم‪ .‬فقال رجل في الجهه اليمنى من كرسي الملك غيككدول وقككد وضككع يككده‬

‫‪131‬‬
‫على الكرسي ‪ً:‬ا مساعدتهم للحصككول علككى مفاتيككح سككليمان وحكمككه الجككن‪ .‬فككردات الملكككة‬
‫دابورة ‪ً:‬ا لقد رتب ا تعالى علينا الحكم من قبل النسككان‪ ,‬ألككم يأخككذ علينككا سككليمان الحكيككم‬
‫العهودا والمواثيق بذلك ؟ أم نسيتم العهد القديم الذي عاهدناه عند باب الهيكل ؟ فمن يملككك‬
‫معرفة تلك العهودا وجبت له الطاعة علينا وإل أحرقنا بعهودانا‪ .‬فقالت أخككرى مككن النسككاء‬
‫خلف ملك الملوك غيدول ‪ً:‬ا وما داخلك أنت في ذلك ؟ هذا شأن أبنائك‪ .‬حينها مككدت الملكككة‬
‫دابورة يديها متوسلة وقالت ‪ً:‬ا أبي الملك العظيم‪ ,‬لقد تدخلت أنت عنككدما أحسسككت أننككي قككد‬
‫أكون في خطر‪ ,‬وأنا فعلت مثل ذلكك مكع أولداي‪ .‬فكرق وجكه الملكك غيكدول قليل ورجكع‬
‫وربط جأشه مرة أخرى فأكملت الملكككة قائلككة ‪ً:‬ا أبنككائي إذا مككا إنظككروا أنظككر أنككا‪ ,‬فأنككاهم‪.‬‬
‫وقاطعها الملك غيدول قائل ‪ً:‬ا إذا ما الداعي في مدهم بمعلومات عنا؟ فجثت الملكة دابورة‬
‫على ركبتيهككا ورقككت قلككوب أبنائهككا عليهككا وهككي خاضككعة تكككادا تبكككي وهككي ترفككع يككديها‬
‫كالمتوسلة إلى أبيها الملك وقالت ‪ً:‬ا من جهل شيء عادااه‪ ,‬ومعظككم النككس ل يعلمككون عنككا‬
‫شيء غير أننا نخيفهم ونريد بهم السؤ‪ ,‬فلو علموا من نكون لربما هناك فرصأككة أن نعيككش‬
‫سويا في سلم وأمان ‪.‬‬

‫طلع صأباح اليوم التالي على مملكككة )زيتككا( وهكا هككو الخكادام يحمككل الطعككام ويخككرج مككن‬
‫المطبخ ويتوجه به إلى السجون‪ .‬فتح له السجان البككاب وتقككدم ليضككع الطعككام‪ .‬أمككا الملكككة‬
‫وكنتها فقد تقدمت ابنت شمشون الى الباب مسرعة فانتبه اليهككا الحككارس وأغلككق القظبككان‬
‫عليهم‪ .‬فأخذت بطرق القضبان وإحداثا جلبة كبيرة في بهوات السجن مما أعطى فرصأككة‬
‫للطباخة والملكة للحديث مع الخ ادام فقكالت الملككة زوجكة الملكك أجمنكون للخكادام ‪ً:‬ا أخكبر‬
‫الطباخأ أن يدبر رسول إلى الملك شمشون يعلمه بماحصل لبنته وزوجها وللمملكككة‪ ,‬وأن‬
‫يرسل لنجدتنا‪ .‬فهز الخادام رأسه وقد داارت عيناه مككن خككوف أن تكتشككف نيتككه فيذبككح فقككد‬
‫كانت معاملة جند ميشا لهم قاسية‪ .‬عندها جاء بعض من الحرس إلككى تلككك الزنزانككه لككدى‬
‫سماعهم الضجة وفتحوا الباب وضربوا إبنة شمشون فارتمت أرضا إلى الككداخل‪ ,‬ونككاداوا‬
‫علككى الخككادام وعنككدما إقككترب مككن البككاب رفسككوا مككؤخرته الككى الخككارج بقككوة فككأوجعوه‪.‬‬
‫وخرجوا وأغلقوا باب الزنزانة وراءهم‪ .‬فذهب الخادام إلككى المطبككخ فككإذا الطبككاخأ يسككتقبله‬
‫ويقول له ‪ً:‬ا ما بالك تتألم هكذا ؟ هل أختي بخير ؟ هل رأيتها ؟ قال الخادام ‪ً:‬ا رويككدك حككتى‬
‫أستريح‪ .‬فذهب إلى كرسي وهو يتألم من قفاه وذهب معه الطباخأ وهو يسنده حككتى إسككتقر‬
‫وارتاح قليل ثم قال الخادام ‪ً:‬ا لقد بعثت لك مولتي الملكة برسالة‪ .‬فقككال الطبككاخأ مندهشككا ‪ً:‬ا‬
‫رسالة ! عن ماذا هذه الرسالة ؟ هل أصأاب أختي مكروه ؟ وأصأابه الهلع والفزع فقال له‬
‫الخادام‪ً:‬ا إطمأن إنها ليست عن أختك بل هي من أختك فهي معهم في هذا‪ .‬فقال لككه الطبككاخأ‬
‫وقد نفذ صأبره ‪ً:‬ا هل ستتكلم أم أجعل منك طبق غداء اليوم ؟ فق ال الخكادام متوجعكا‪ً:‬ا حسكنا‬
‫حسنا‪ ,‬طلبت مني مولتي الملكة إن أطلب منك أن تجد رسول ليككأتي بالنجككدة مككن مملكككة‬
‫الميرة إبنة الملك شمشون‪ .‬ففكر قليل الطباخأ وقال ‪ً:‬ا لما لم أفكر في هذا من قبككل؟ حسككنا‬
‫أكتم هذا المر ول تبحه حتى لمن هم من مملكتنا هكل فهمكت ؟ فقكال الخكادام وهكو يمسكك‬
‫قفاه متوجعا ‪ً:‬ا وهل أنا مجنون ؟ وأشار إلى رقبته بالقطع‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫سارت جموع الملك أجمنون بين الغابات والشجار الطويلة والخضرة تحيط بهم فكي كككل‬
‫مكان‪ .‬وإذا بهم يدخلون منحدرا جبليا ضيقا وكان الشيخ يسير علككى فرسككه بجككانب الملككك‬
‫ولضيق الطريق لم يكن يمشي بجانبها أحد فاستغلها الملك فرصأة وسأل الشككيخ سككموطان‬
‫وقال‪ً:‬ا لماذا تعتقد قد أستدعيت الملكة وأبنائها هذه المرة ؟ فهي لككم تخبرنكا بشككيء وليسكت‬
‫كتلك المرة عندما أخبرتنا عن هجوم الغواصأة عليهم‪ .‬فقال الشيخ وقكد زادا قلقكه ‪ً:‬ا ل أعلكم‬
‫من ذلك بشيء‪ .‬فنظر إليه الملكك وقكال ‪ً:‬ا لقكد بكدا عليكك القلكق واضكحا‪ ..‬لمكا تكأخرتم فكي‬
‫إحضار المفتاح من صأومعة حنباثا ؟ فنظر إليه سموطان وقال ‪ً:‬ا ربما أخككبرك فككي رحلككة‬
‫صأيد‪ .‬فوجم الملك في وجه الشيخ من تلك الجابة السمجة ‪.‬‬

‫مجلس الملك غيدول لم يفض بعد منذ ليلة البارحة‪ .‬وها هي الملكة في مكانهككا كمككا كككانت‬
‫في ليلتها وقد بدا عليها الرهاق والتعب وقد تصببت عرقا‪ ,‬ووضعت يديها على ركبتيهككا‬
‫اللتان لم تفارقا الرض منكسة الرأس‪ .‬فقالت تلك المرأة على يسار كرسي الملك غيدول‪ً:‬ا‬
‫وهل يتضمن تعريفهم بنا القيام بنزهات ؟ فرفعككت دابككورة رأسككها وقككالت وهككي متعجبككة ‪ً:‬ا‬
‫للترويح عن النفس ليس إل‪ ,‬فقد كنا ندخل ونخرج فككي قتككال طككوال الككوقت فعاجلتهككا تلككك‬
‫المرآة قائلة بصرامة ‪ً:‬ا بل تحبينه وتهويه‪ .‬عندها اشتد أبناء الملكة ونظروا إلى أمهم بشككدة‬
‫ينتظرون الجواب فقالت دابورة ‪ً:‬ا وما الضككرر إذا كنككت أفعككل؟ فعنفهككا ذلككك الرجككل علككى‬
‫يمين الملك غيدول قائل ‪ً:‬ا وأنت أم الملوك السبعة‪ ,‬وابنت ملك الملوك غيدول العظيم قائككد‬
‫ممالك ما تحت الرض‪ .‬فقالت له الملكة ‪ً:‬ا لو لم تتزوج أمك بأبيك لما ولدت أنت فصككرخأ‬
‫بها الملك غيدول قائل ‪ً:‬ا إخرسكي‪ ,‬وتتكواقحين علكى عمكك‪ .‬وعاجلتهكا المكرأة علكى يسكار‬
‫الملك قائلة ‪ً:‬ا وما نهاية هذا الهوى ؟ فقالت الملكة وقد بدا عليها العياء الشديد بالكادا ترفع‬
‫رأسها للجابة ‪ً:‬ا بل أجيبككك إذا مككا أجبتنككي مككا نهايككة الحيككاة ؟ فقككال الملككك غيككدول ؟ ومككا‬
‫مصير المملكة فيمن يفترض به أنه سيكون ملكا إذا ما تزوجته وهو آدامي ؟‬

‫تجاوز الملك أجمنون وجماعته السهل وإذا أمامهم جبل عالي وبككه مغككارة فككدخل المغككاره‬
‫ومعه جماعته‪ .‬فإذا هي طريق ضيقه تتصاعد من جوانبها أداخنة الحمم والطين والكبريت‬
‫المحترق بفقاعات حارة فقال الملك لكبير جنده ‪ً:‬ا أطلب من الجند السير واحدا تلو الخككر‪,‬‬
‫فهذه الطريق غير مطمأنة‪ .‬ف ذهب ليخكبرهم‪ .‬وتقكدموا البقيكة يتقكدمهم الشكيخ علكى فرسكه‬
‫وساروا في طريق ملتوية عبر الحمم مككن دااخككل الجبككل حككتى خرجككوا مككن أعلككى الجبككل‪.‬‬
‫وعندما خرجوا فإذا الجبل صأفحة كبيرة داائرية بسيطة بيضاوية متساوية‪ ,‬وكأنهككا قصككت‬
‫بسكين‪ .‬فنظر الشيخ إلى العلى بجانب الجبل فإذا هي سحابة كبيرة وفوق السحابة مدينككة‬
‫بانت جدرانها البيضاء كالثلج‪ .‬وكل من يخرج من فوهككة الجبككل يبقككى شككاغبا ينظككر إليهككا‬
‫غير مصدق لما يرى‪ .‬فكسر هدؤ التأمل هيرودا عندما قال ‪ً:‬ا وكيف السبيل إلككى الوصأككول‬
‫إليها ؟ فتدخل الوزير لوذا وقال ‪ً:‬ا وما أدارانا أنهككا هككي المملكككة الككتي نطلككب؟ فنظككر إليككه‬
‫الملك أجمنون وقد بدا عليه الحباط وأطرق رأسككه بعككد أن أخككذ نظككرة أخككرى علككى تلككك‬

‫‪133‬‬
‫المدينة مدينة السكحاب ثكم قكال الوزيرلكوذا‪ً:‬ا أل يمككن لسكموطان العظيكم أن يطيكر إليهكا‬
‫لنعرف أمرها؟ عندها كان الملككك ينظككر إلككى الككوزير فعنكدما قكال ذلككك حكول وجهككه إلكى‬
‫سموطان وكان سموطان ينظر إلى المدينة فهبط عن فرسه قائل ‪ً:‬ا هذا بالضبط مككا ينبغككي‬
‫لك أن يقترحه عليك ذكائك‪ .‬وطار سموطان إلى أعلى السحابة وحاول الولوج إليها ولكنه‬
‫كلما حاول يصطدم بجدار وهمي فيرجع إلى الخلف‪ ,‬وحاول من كككل جهككات المدينككة فلككم‬
‫يستطيع فرجع إلككى الككوراء وقككال ‪ً:‬ا ل أسككماء ول عزائككم يمكككن أن تمنعنككي عنهككا‪ .‬وتمتككم‬
‫ببعض العزائم وحاول مرة أخرى فلم يستطع ومككا زال كككذلك‪ .‬وفككي سككطح الجبككل إنحككاز‬
‫الوزير إلى بعض الجند وداس لهم بعض المككال فأخككذوه ولحظككه أوريككا وهككو يفعككل ذلككك‬
‫فشك في أمره عندها نزل سموطان إلككى حيككث كككان الجميككع مشككغولين مهتميككن بمراقبتككه‬
‫يحاول إقتحام المدينة داونما جدوى‪ .‬فقال سموطان للملك أجمنون ‪ً:‬ا ل جدوى من المحاولة‬
‫إنها مطلسمة بعزائم أقوى مني‪ .‬فقال آرميا ‪ً:‬ا أرى يا مولي أن ننزل من الجبل فككالحرارة‬
‫هنا مرتفعه‪ .‬وأشار بيده إلى الجند قائل ‪ً:‬ا أنظر كيف يتصببون عرقا‪ .‬فقككال الملككك ‪ً:‬ا معككك‬
‫حككق إنهككا فعل شككديدة وخانقككة‪ .‬فقككال آرميككا ‪ً:‬ا أرى أن ننككزل حككتى ترجككع الملكككة دابككورة‬
‫فنتصرف بشيء أو نرى ما نراه ونحن تحت الجبل‪ .‬فتوجه الملك بفرسه إلى فوهة الجبككل‬
‫ونزل وتبعه البقية‪ .‬وهم في طريقهم نزول تنبه سموطان إلى الحمم وخطرت بباله فكككرة‬
‫فقال للملك ‪ً:‬ا ما تقولون لو أني أفجر هذا البركان الخامد فلعل ما في بطنه يزيككد مككن علككو‬
‫الجبل فيدخل في تلك السحابة‪ ,‬ولعله يحدثا فيها تغييرا ما‪ ,‬فبالنهاية أفضل مككن النتظككار‪.‬‬
‫فنظر الملك إلى إبنه هيرودا الذي هككز رأسككه باليجككاب وقككال الملككك ‪ً:‬ا حسككنا ولكككن كيككف‬
‫ستفعل ذلك؟ قال سموطان ‪ً:‬ا داع هذا لي ما عليكم ال جميعا أن تبتعدوا بعيدا قدر المكان‪,‬‬
‫فل تأمنوا أن تصل إليكم الحمم المتقاذفة‪ .‬فخرج الجميككع مككن الجبككل ووصأككلوا إلككى أرض‬
‫مرتفعة ل تصل إليهككا الحمكم وبقكي سكموطان بككداخل الجبكل‪ .‬فطلككع علككى ربككوة فككي تلكك‬
‫الطريق المتعرجة وأشار إلى الحمم من تحته وقال ‪ً:‬ا أداريككل ترنيككل قراطيككل ذركك ل إلككه‬
‫إلهو العزيز الحكيم المدبر العظيم بهوتر هوتر قوش كوش نفخ أتى أجب أيها السيد أتككى‬
‫بحق بسم ا الرحمن الرحيككم أنككا نهككور ناعبيككل مللملككي‪.....‬وأخككذ سككموطان يزيككد ويعيككد‬
‫ويعزم والحمم تزداادا غليانا وتبدأ بالرتفاع وترتفككع معهككا الداخنككة حككتى إنفجككرت وطككار‬
‫الشيخ إلى العلى والدخان الكثيف خلفه يطلب الخروج مثل الشيخ من فوهة الجبككل وظل‬
‫في سباق وراء بعضهما ورأت الجموع إنفجارا هائل من الدخان تلتها حمم حارة متقاذفككة‬
‫كادات أن تصل إليهم‪ .‬فحزنت روثا وقد كككادات تبكككي فسككألها هرمككس وقككال ‪ً:‬ا مككا بالككك ؟‬
‫فقالت ‪ً:‬ا ل أعتقد أن سموطان نجا من ذلك النفجار‪ ,‬وكيف ينجوا من كككل هككذا وهككو فككي‬
‫بطن الحمم؟ وبدا القلق على وجه هرمس على الشيخ‪ .‬ثم انقشعت ألداخنة وخرجت الحمم‬
‫الحمراء تسيل وأخذت تتزايد وتزيد في سطح الجبل عنككدها ظهككر مككن الفضككاء سككموطان‬
‫وقد إقترب من الملك وحط بجانبه‪ .‬فسارعت روثا ودايفي يتبعها وانككدفعا إليككه يحتضككنانه‬
‫وهو يبتسم من فعلهما‪ .‬وأخذوا يشاهدون تلك الحمكم تتزايكد وتتطكاول والجميكع يتفرجكون‬
‫فتوجه سموطان للملك وقال ‪ً:‬ا أقترح أن نعسكر هنا‪ ,‬فهذا قد يطول إلككى الغككد‪ .‬فهككز رأسككه‬
‫الملك وقال لتباعة ‪ً:‬ا فلنعسكر هنا أيها الجند‪ .‬وقام الجميع لتجهيز المعسكر ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫في مملكة )زيتا( داخل أحكدهم إلكى المطبكخ وبيكده صأكنادايق مكن الخضككروات فأمسكك بككه‬
‫الطباخأ وجره إلى احدى زوايا المطبخ وقال له سرا ‪ً:‬ا إسمع أريدك أن تأخككذ هككذا الكتككاب‪.‬‬
‫وأعطاه كتاب أخرجه من دااخككل صأككدرية ثيككابه ملفوفككا ثككم قككال ‪ً:‬ا وتككذهب بككه إلككى مملكككة‬
‫)جاما( ول تسلمه إل ليد الملك شمشككون وأحككذر أن يقككع عليككه أحككد‪ .‬فقككال الخضككرواتي ‪ً:‬ا‬
‫وماذا إذا قبض علي وهو معي؟ فقال الطباخأ ‪ً:‬ا حسنا إسمع‪ ,‬سأقول لك الرسالة ولتحفظهككا‬
‫جيدا بحيث ل يقع على ما معك أحد وتكون بمأمن‪ .‬أبلغ الملك شمشككون بمقتككل زوج إبنتككه‬
‫وبما حصل من إحتلل الملكك ميش ا للملككة‪ ,‬وأخكبره أنهكا رسكالة مكن الملككة ومكن إبنتكه‬
‫وليسرع لنجكدتهما‪ ,‬هككل وعيكت مكا قلككت ؟ فهكز رأسككه الخضككرواتي وهكو يرتجكف فقككال‬
‫الطباخأ‪ً:‬ا إذا إنطلق الن‪ .‬فتحرك الخضرواتي للذهاب فشده الطباخأ من يككده فككأفزعه وقككال‬
‫له ‪ً:‬ا ل تنسى بأن تجعل أحدهم يحل محلك في إحضار الخضار وإل شكوا في أمرنا‪ .‬فهككز‬
‫رأسه الخضرواتي وانطلق خارجا ‪.‬‬
‫هذا ما كان يدور في المطبخ أما فوق في مكتبة القصر فقد كان الملك ميشا يصككرخأ وهككو‬
‫يضرب بكلتا يديه علكى الطاولكة الضكخمة وأمكامه كتكاب سكليمان مفتكوح علكى الطاولكة‪.‬‬
‫والتفت إلى الشيخان اللذان يقفان وراءه وقكال لهمكا بغضكب ‪ً:‬ا أريكد أن أتعلكم كيكف أطيكر‬
‫وكيف أمشي على الماء وكل ما أريد أشير إليه بيدي فيأتيني‪ ,‬أريد أن أوذي‪ ,‬ل‪ ..‬بل أقتل‬
‫أي شخص أريد بإشارة من إصأبع يدي ل‪ ..‬بل بنظرة واحككدة قويككة مككن عينككي‪ .‬واسككتدار‬
‫ميشا إلى خلفه حيث الكتاب بقوة وهو ينظر إليككه قككائل ‪ً:‬ا مككا فائككدته إذا لككم أتعلككم منككه كككل‬
‫ذلك ؟ آه ما الفائدة ؟ قول لي‪ .‬واستدار إليهمكا مكرة أخكرى قكائل ‪ً:‬ا أريكد أن أعلكم ككل م ا‬
‫يحدثا في أي مكان أريد أن أراه أمامي‪ ,‬وكل ما حدثا سابقا وكل ما سككيحدثا ل حقككا فككي‬
‫المستقبل هل تفهما ؟ وجال ميشا في المكتبة وزمجر وهككو يعنفهمككا وقككال ‪ً:‬ا هيككا أعلمككاني‬
‫ماذا يفعككل أجمنككون الن ؟ هيككا‪ .‬فلككم ينطككق الشككيخان بشككيء فغضككب عليهمككا وقككال ‪ً:‬ا الككم‬
‫تسمعاني ؟ فقال الشيخ الطويل لمون بككتردادا‪ً:‬ا هنككاك ‪ ...‬هنككاك طريقككة بالكتككاب للحصككول‬
‫على سائل ما‪ ,‬مهما داهنت به شيئا أطاعك بالذهاب أينما أردات‪ .‬ففرح ميشا وأخرج عيناه‬
‫الشريرتان واقترب من لمون وقال ‪ً:‬ا نعكم‪ ..‬نعكم أريكد هكذا السكائل ومكاذا بعكد ؟ مكاذاعن‬
‫الطيران ؟ فقال الشيخ القصير شملل ‪ً:‬ا هناك أيضا طريقة قد رأيتها سهلة‪ ...‬فنظككر إليككه‬
‫ميشا بغضب فخككاف الشككيخ شككملل وقككال ‪ً:‬ا بككل هككي أسككهل مككن غيرهككا‪ .‬فقككال ميشككا‪ً:‬ا إذا‬
‫إصأنعاها ماذا تنتظران ؟ إصأنعا كل ما في الكتاب مككن حيكل وطككرق أريككد جنككودا ل تقهكر‬
‫أريد أعوان من الجن والزماهرة والخطاريف أريد جيشا وملكا قويا كملككك سككليمان أليككس‬
‫هذا كتابه ؟ فقال الشيخ ل مون الطويل متخوفا ‪ً:‬ا بلى ‪ ...‬بلى ‪ ..‬هناك طريقككة لستحضككار‬
‫وأستخدام ملوك اللوان وهم سككبعة علكى عكدداها‪ .‬ففككرح ميشكا وتنفككس بعمككق ورفككع أنفكه‬
‫وأقترب من الشيخان وقد صأك على أسنانه وكشرها وهككو يقككول ‪ً:‬ا نعككم سككبعة مثككل الجككن‬
‫السبعة الذين عنكد آجمنكون هيكا إصأكنعاها لكي هكذه الخيكرة مكن السكبعة ‪ ...‬الن‪ .‬وتفأج ا‬
‫الشيخان من هذا الطلب الملح الغير متوقع‪ .‬فتلكأ الشيخان فصرخأ فيهما وقككال ‪ً:‬ا الن الن‬
‫هيا‪ .‬ودافعهما ناحية الكتاب فأخذ الشيخان يتصفحان الكتاب وهمككا ينظككران إلككى بعضككهما‬

‫‪135‬‬
‫حتى وجدا الصفحة وقال ‪ً:‬ا هذه هي‪ .‬فحضر إليها ميشا ليراها مخترقا بين الشيخين لينظر‬
‫في الكتاب وهو يزمجر وقال ‪ً:‬ا وما الككذي تصككنعه هككذه الملككوك السككبعة ؟ ملككوك اللككوان‬
‫هذه‪ .‬فقال لمون الطويل ‪ً:‬ا إنها بما أمرتها فانها تجعل مككن تريككد ل يكرى شكيئا أمككامه‪ ,‬أي‬
‫يصبح أعمى تماما‪ .‬ففرح ميشا وسر من ذلك وقال ‪ً:‬ا وكيف ذلك ؟ فقال شملل القصككير ‪ً:‬ا‬
‫إنهم ولكل واحد منهم لون هو مسؤول عن وجوداه في الشياء الظاهرة‪ ,‬فإذا أخذ كل ملككك‬
‫لونه واسترداه فل يبقى في ذلك المنظور شيء يرى فبالتالي يصبح ذلك الشخص ل يككرى‬
‫شيئا لنه كل شيء وله لون‪ .‬فقال ميشا بغضب ‪ً:‬ا هيا أسرعا وأحضروهم هنككا الن تحككت‬
‫إمرتي‪ .‬وبدأ الشيخان بالعمل‪ .‬فنظر الشيخان في الكتاب السليماني ثم رفككع رأسككه شككملل‬
‫القصير وقال للملك‪ً:‬ا نحتاج الى بعض الحاجيات للعمل‪ .‬فتقدم الملك ميشا من باب المكتبة‬
‫وفتحه وناداى أحد الحراس الذين في الخارج فحضر إلى الداخل ثم نظر الملك ميشككا إلككى‬
‫شملل فقال شملل القصير‪ً:‬ا نحتاج إلى قماش من أربعة أمتار في أربعة أمتار سبعة‪ ,‬كل‬
‫واحككد منهككا بهككذه اللككوان‪,‬الحمككر والبرتقككالي والصأككفر والخضككر والزرق والنيلككي‬
‫والبنفسجي‪ .‬فسمعه الحارس فقال له ميشا ‪ً:‬ا هككل عرفتهككا ؟ فقككال الحككارس ‪ً:‬ا نعككم مككولي‪.‬‬
‫وانطلق ليحضرها أما لمون الطويل والذي كان هو الخر ينظككر فككي الكتككاب قككام بقككص‬
‫سبعة قصاصأات من الكاغد كل منها بحجم أربعة أصأابع وكتب على كل واحككدة مككن تلككك‬
‫الوراق السبع أحد هذه السماء تاي‪ ,‬ظطع‪ ,‬فحت‪ ,‬غذحي‪ ,‬ثاي‪ ,‬قطص‪ ,‬شدع ‪ .‬بينما كان‬
‫شملل القصير ينقل بعض السماء من الكتاب السليماني في ورقة حتى حضككر الحككارس‬
‫ومعه القمشه وألقاها بين يكديهم وانصكرف‪ .‬فأخكذ شككملل ولمكون القمشكة وكومككا كككل‬
‫واحككد منهككا لوحككده علككى الرض بهككذا الككترتيب ‪ .‬الحمككر ثككم البرتقككالي ثككم الصأككفر ثككم‬
‫الخضر ثم الزرق ثم النيلي ثم البنفسجي ووضع لمككون قصاصأككات الكاغككد الككتي كتككب‬
‫على كل واحدة منها إسما تحت كل قماش إسم بهذا الترتيب تاي ظطع فحت غككذحي ثككاي‬
‫قطككص شككدع ثككم أخككذ شككملل القصككير يقككرأ مككن الورقككة الكلم الككذي نقلككه مككن الكتككاب‬
‫السليماني وقال ‪ً:‬ا أجيبوا واحضروا يا ملوك اللوان بحق أوجاج أوجككاج كهككارج كهككارج‬
‫كهارش كهارش لوهاتوكم لوهاتوكم توكامير توكامير هلبككا هلبككا جلبككا جلبككا الوحككا الوحككا‬
‫الساعة الساعة هيا يا تاي وإذا بالقماش الحمكر ينتصكب واقفكا وقككد لبسكه رجككل ردااء لككه‬
‫ووقف ينظر إليهم فوجلوا منه بعض الشيء فاستمر شملل بالقراءة فقرا ذلك الكلم مككرة‬
‫أخرى إلى عند قوله الساعة ثم قال هيا يا ظطع فقام القماش البرتقالي وقد لبسه رجل أخر‬
‫مثل الول في الصورة‪ .‬ثم كذلك فعل ثم قال هيا يا فحت فقام القمككاش الصأككفر وقككد لبسككه‬
‫رجل ثم كذلك فعل حتى قال هيا يا غذحي فقام القماش الخضر رجل‪ .‬وعزم وقال هيا يا‬
‫ثاي فقام القماش الزرق رجل‪ .‬ثم عزم مرة أخرى وقال هيا يا قطص فقام القماش النيلي‬
‫رجل‪ .‬ثم عزم وقال هيا يا شدع فقام القماش البنفسجي رجل فاصأطفوا سككبعة ملككوك بكككل‬
‫ملك لون ينظرون إليهم طوع أمرهم ل يتكلمون ول يتحركون إل إستعداداا للتنفيككذ‪ .‬ففككرح‬
‫ميشا وسر سرورا ليس له مثيل‪ .‬ثم قال لهم شملل القصير ‪ً:‬ا إنصكرفوا أيكدكم اك بكالنور‬
‫الساطع والسيف القاطع إنصرفوا مأجورين إنصرفوا إلى ما كنتككم عليككه‪ .‬فككاختفى أولئككك‬
‫الرجال السبعة وسقطعت القمشة على الرض فككي مكانهككا الول فلمككا كككان الملككك ميشككا‬

‫‪136‬‬
‫يشاهد فعكل شكملل ككادا أن يتوقكف قلبكه عكن الخفقكان وعجكز عكن الكلم للحظكات وهكم‬
‫بشملل ليقتله فأخذ يخنقه وهو يقول ‪ً:‬ا لما فعلت ذلك‪ ..‬لمككا‪ ..‬هيككا أحضككرهم مككرة أخككرى‪.‬‬
‫فقاومه شملل قائل ‪ً:‬ا لست بحاجة إليهم الن‪ ,‬عندما تحتاجهم ما عليككك سككوى أن تنككادايهم‬
‫بأسمائهم فيحضرون‪ .‬عندها هدأ الملك ميشا وأنزل يديه مككن رقبكة شكملل القصككير وهكو‬
‫ينظر في وجهه قائل ‪ً:‬ا هكل هككذا صأككحيح؟ أنكادايهم مكتى أشكاء‪ .‬فقكال شكملل وهكو ينحككب‬
‫ممسكا عنقة ‪ً:‬ا نعم إحتفظ بهذه القشمة السبعة وناداهم بأسمائهم‪ .‬وأخذ الملك ميشككا يسككرح‬
‫بخياله في القوة التي أصأبحت بين يديه ‪.‬‬
‫وقبل غروب شككمس مملكككة )زيتككا( تلثككم الخضككرواتي وارتككدا ثيككاب الرحالككة المسككافرين‬
‫وركب خيلة المحملة بالزادا وسار بها إلى بوابة القصر فلم يوقفه أحد‪ ,‬وقككد كككان يتنككافض‬
‫من الخوف حتى خرج من البوابات إلككى الشككجار ثككم إنطلككق يعككدوا مسككرعا إلككى مملكككة‬
‫الملك شمشون )جاما( ‪.‬‬

‫خيم الظلم على معسكر الملك أجمنون فأخذت هادااساه تمشي إلى أن وصأككلت إلككى مكككان‬
‫ما من السهل حيث ل يراها أحد فمككدت يككديها إلككى المككام وأخككذت تجككري وتقفككز تحككاول‬
‫الطيران وهي تنظر إلى الخاتم في إبهامها‪ .‬ولكنهككا لككم تطككر إلككى أن وصأككلت إلككى شككجرة‬
‫متوسطة الطول فمدت إليها يدها بقوة فخرجت تلك النصلة الدائرية فهربككت هادااسككاه مككن‬
‫أمام الشجرة لما رأتها واقعة عليها إلى أن وصألت إلى حلقة الملككك أجمنككون حيككث يجلككس‬
‫الجميع حول النار يشاهدون الحمم من بعيد وهي تخرج وتسيل إلى الواداي بعيككدا عنهككم‪.‬‬
‫فقال الحكيم يوقاس تلميذ الشككيخ سككموطان ‪ً:‬ا يككا شككيخنا‪ ,‬هل ضككربت لنككا مثل فككي الطمككع‬
‫والحسد‪ .‬فتنبه الجميع ينتظرون سماع شيء من الشيخ‪ .‬فنظر إليهم سككموطان وقككال ‪ً:‬ا لقككد‬
‫كان لمزارع ما حمارين‪ ,‬أحدهما أسوداا والخكر أبيضكا‪ ,‬وككان ككل يكوم يحمكل المكزارع‬
‫الحمككار البيككض السككفنج ويحمككل الحمككار جككواني السكككر ثككم يرسككلهما إلككى الككبيت معككا‪,‬‬
‫فيمشيان إلى أن يصل إلى البيت‪ ,‬وكانا يسيران بمحاذات جدول مائي يمد بهما إلى مسافة‬
‫بعيدة حتى الجسر‪ ,‬ثم يضطرا للرجوع من هناك إلى الوراء حيث البيت‪ ,‬وكان ذلك يشككق‬
‫عليهما حيث المسافة الصأككلية بيككن المزرعككة والككبيت ليسككت بتلككك المشككقة لككول الجككدول‬
‫المائي الذي زادا المسافة إلى ثلثة أو أربعة أمثالها الحقيقية‪ .‬وفي كل يككوم يفتخككر الحمككار‬
‫البيض ويغيض الحمار السودا في الطريق‪ ,‬حيث أنه يحمل السككفتج وهككو حمككل خفيككف‬
‫أما الحمار السودا فيحمل السكر وذلك حمل ثقيل‪ ,‬ورغم ذلككك فككإن الحمارالسككودا ل يككردا‬
‫على الحمار البيض إستهزاءه به بل يمضي في طريقة لدااء مهمته صأابرا راضيا‪ .‬وفي‬
‫يوم من اليام وقد إنطلقككا بحمليهمككا أخككذ الحمككار البيككض يضككحك علككى الحمككار السككودا‬
‫بطول الطريق حتى وصأل إلى مكان الجدول‪ ,‬ويسككتطيع كل الحمككارين رؤيككة الككبيت فككي‬
‫الجهة المقابله من الجدول‪ ,‬فقرر الحمار السودا اختصار المسككافة واخككتراق المككاء وعككدم‬
‫الذهاب من الجسر البعيد وكذلك فعل‪ ,‬ولكن الحمار الحمار ألبيض وقف مكانه ينظر الى‬
‫ألسودا ولم يتجرأ على فعل مككا فعلككه الحمككار ألسككودا‪ ,‬حككتى وصأككل الحمككار السككودا إلككى‬
‫منتصف الجدول فغاصأت أكياس السكر في الماء فذاب في الماء فصار خفيفا وأخذ يعككدوا‬

‫‪137‬‬
‫في الماء كأنه ل يحمل شيئا‪ ,‬فتعجب منه الحمار البيض وقال في نفسه‪ً:‬ا هذا يحمككل حمل‬
‫ثقيل وفي الماء ومع ذلك فهو بذلك النشاط والقوة وسوف يصل إلى البيت قبلي هككذا واكك‬
‫لن يكون‪ .‬فخاض هو أيضا الجكدول وعنكدما وصأكل إلكى منتصكفه تحمكل السكفنج بالمكاء‬
‫فصار ثقيل ولم تستطع رجله ول ظهره إحتمال حمله فسقط في الماء فغرق‪ ,‬وكان ذلككك‬
‫جزاء من لم يشكر على نعمة هو فيها بل ويطلب ما عند غيره‪ .‬عندها نهككض جميككع مككن‬
‫بالحلقة عندما سمعوا صأوت قعقعة قوية‪ .‬فنظروا بإتجاه البركان فإذا الحمككم البركانيككة قككد‬
‫إخككترقت سككور المدينككة السككحابية وهككدمت جككزء منككه‪ .‬ففرحككوا وهللككوا ثككم قككال هيككرودا‬
‫لسموطان ‪ً:‬ا ولكن كيف سنتسلقه وهو قطعة نار؟ فتبسم الشيخ وهو ينظر إلى الجبل وقال‪ً:‬ا‬
‫ل عليك‪ .‬ثم بدأ سموطان يعزم رافعا يديه إلى السماء وقككال ‪ً:‬ا سككنطط بمجككر أمككول مجككرا‬
‫مولس نططب ولسن ططبم جرام طبمج رامو لسنط يا هغشطما ئيل ‪.‬‬
‫ثم كررها سموطان إثنا عشرة مرة فمكا أن إنتهككى الشككيخ وأنككزل يككديه إلككى الرض حكتى‬
‫أبرقت السماء وبدأ المطر ينهمر ففرح الجميع وأخذوا يرقصون تحت المطر ومنهككم مككن‬
‫إحتمى دااخل الخيم وبدأ البركككان بالتككدخين بسككبب سككقوط المطككر عليككه‪ .‬وكككل تفككرق إلككى‬
‫مخدعه ‪.‬‬
‫ثم أنهم لما تفرقوا لحظ أوريا أن الوزير لوذا ذهكب إلكى موقكع الجنكد وليكس إلكى خيمتكه‬
‫فتبعه حتى رآه يدخل احدى الخيم التي للجند‪ ,‬فالتصق أوريا ورائها يستمع فاذا هو يسككمع‬
‫الوزير يقول للجند ‪ً:‬ا إذا هو ما إتفقنا عليككه‪ ,‬وسككوف أعطيكككم المزيككد مككن النقككودا والككذهب‬
‫والمناصأب وكل ماتريدون‪ .‬ففرح الجند وسروا بما يمنيهم وأكمل الككوزير قككائل ‪ً:‬ا كككل مككا‬
‫أريده منكم عندما أعطيكم الشارة أن تساعدوني على الفرار‪ .‬فقككال الجنككد ‪ً:‬ا إطمككان لسككنا‬
‫هنا لنموت للل شيء‪ ,‬نقوداك خير من الموت من أجل مفاتيح سخيفة‪ .‬وانتظر أوريا هنككاك‬
‫وهو يستمع إليهم حتى خرج من عندهم الوزير لوذا واتجه مسرعا إلى خيمته ليحتمي من‬
‫المطر ثم ذهب أوريا إلى خيمته وكتم المر‪.‬‬
‫في خيمة الشيخ سموطان وقد إلتحف بلحاف بسبب بلل المطر لثيابه‪ .‬فجلككس ملتحفككا عنككد‬
‫مدخل خيمته يطككالع البركككان والمطككر وبجككانبه هرمككس يطككالع وهككو مبلككول غيككر مبككالي‬
‫بشيء‪ .‬وخلفهما دايفي وروثا على الفرش ملتحفان يلعبهككا دايفككي فقككال الشككيخ لهرمككس ‪ً:‬ا‬
‫هرمس هل تعلم لما ذهب إخوتك وأمك عندما أستدعيوا ؟ قال ‪ً:‬ا ل ‪ .‬فلم أكن معكم ل علككم‬
‫لي‪ ,‬ولكن ربما لنفس السبب إنهم الغواصأة الذين ينغصون علينا حياتنا من حين إلى آخر‬
‫ل شيء غيرهم‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا إني قلق عليهم هذه المرة لأداري لماذا‪ ,‬فلقككد طككال غيككابهم‪.‬‬
‫فقال هرمس ‪ً:‬ا ل تقلق ياسيدي إنهم أشداء ل يمكن أن يؤثر فيهككم شككيء ولكككن قلقككك علككى‬
‫أمي أكثر أم على إخوتي ؟ عندها نظر إليه الشيخ ملتفتا في عينيه وابتسم وقال ‪ً:‬ا هل أنككت‬
‫متزوج يا هرمس ؟ فقال ‪ً:‬ا نعم بكالطبع ول أحصككى عككددا زوجكاتي كمكا ل أعككرف أسككماء‬
‫ذريككتي‪ .‬فقككالت روثا مككن ورائهككم وهككي تقككترب اليهمككا مككن طككرف فراشككها ‪ً:‬ا ل تعككرف‬
‫أبنائك ؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا نعم نحن نعيش أطول عمرا منكم لذلك فنحن أكثر عدداا وينبغي لنا‬
‫التزاوج من زوجات عدة‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا وهل من الجن من تزوج بالنس ؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا‬
‫أعلم من الجن من يعاشر البشر معاشرة الزواج من الرجككال والنسككاء‪ ,‬ولكككن بلككى هنككاك‬

‫‪138‬‬
‫من تزوج من النس ولكن من تزوج بالنس رجل أو إمراة ل يستطيع العوداة للعيش معنا‬
‫مجدداا فيكون محكوم عليه بالطردا للبد‪ ,‬بل ويقصر عمره ليصككير مثككل بنككي البشككر فهككو‬
‫يعيش في زمانهم ولكي تكتمل حكمة داورة الزمان إقتضى أن يعيش ويفنى مثلهككم‪ .‬عنككدها‬
‫أطرق الشيخ رأسه بين ركبتيه واحتضنهما مفكرا ‪.‬‬
‫طلعت شمس الصباح ومازال الجميع نائمون ما عدى الشيخ كان هناك جالسا مكانه علككى‬
‫باب خيمته يحتسي كوبا ساخنا متدثرا يراقب المطر يهطل وهو يراقب الجبككل‪ .‬وبككدأ بعككد‬
‫بعض الوقت الجميع بالنهوض وبدأت الحركة تدب في المعسكر عندما قل تسككاقط المطككر‬
‫وحتى توقف تماما عن الهطول‪ .‬خرج الشيخ من خيمته وسار إلككى أن وقككف حيككث كككانوا‬
‫بالليل حول النار ‪ .‬وأخذ ينظر إلى الجبل وبدأت تلك الدخانة الكبيرة تصغر شككيئا فشككيئا ‪.‬‬
‫حتى وصأل إليه الملك أجمنون وبيده كوبا ساخنا ووقف معه يشاهد حتى إتقشع ككل شككيء‬
‫وبانت قمة الجبل بوضوح وقد داخلت في جزأ من جدار تلك المدينة محدثة فتحككة وشككرخا‬
‫كبيرا في الجدار‪ ,‬وأصأبحت المدينة الثلجية اللون سودااء من الدخان المتصاعد مككن فوهككة‬
‫البركان ‪ .‬قال الشيخ للملك أجمنون ‪ً:‬ا ينبغي علينا ترك الجيادا في أسفل الجبل وتسككلقه مككن‬
‫الخارج‪ .‬قال الملك ‪ً:‬ا نعم ول طريقة أخرى ‪ .‬فصككعد الجميككع علككى الجبككل يتسككلقونه حككتى‬
‫وصأل بعض الجند إلى الجدار وداخلوه وهم يصرخون صأرخات الحرب وهم ينزلون إلى‬
‫أرض المدينة‪ ,‬وكلما داخلت مجموعة تفعل مثككل ذلككك حككتى تشككاهد الشككيخ ودايفككي وروثا‬
‫وهرمس الذين طاروا إلى هناك فوصألوا قبل الجميع جالسون بل حراك والمدينككة خاليككة‪.‬‬
‫ليس بها شيء ول قطعة خشب واحككدة‪ .‬حككتى صأككعد الملككك أجمنككون وتسككلق ونككزل علككى‬
‫أرض المدينة وقد أرهقه وأتعبه التسلق وهككو يتنفككس بصككعوبة وتككوجه إلككى حيككث يجلككس‬
‫الشيخ وهو بالكادا يستطيع الكلم وقال للشيخ ‪ً:‬ا مككا الككذي كنتككم ستخسككرون لككو رفعتمككوني‬
‫معكم؟ فقام الشيخ ومشى وهو يتجاوز الملك قككائل لككه بكككل همككة ‪ً:‬ا يجككب أن تحككافظ علككى‬
‫لياقتك البدنية سيدي الملك‪ .‬فقال الوزير لوذا وهو ينظر فككي المدينككة ويضككحك ‪ً:‬ا ألككم أقككل‬
‫لكم إنها ليست المدينة المطلوبة ؟ أنظروا ل أحد كل هككذا التعككب والنتظككار والتسككلق للل‬
‫شيء فأحنى الملك أجمنون رأسه أسفا ول يدري ما يقول من يصككدق ومككن يكككذب‪ .‬فأخككذ‬
‫الهم صأدر الشيخ سموطان فصعد أحد البراج على السوار إلى أن وصأككل أعله وجلككس‬
‫هناك يراقب من الشرفة متضايقا ل يدري المخكرج مكن كككل هكذه الحكاجي‪ ,‬تعكب منهكك‬
‫حتى سمع أحدا يقول له من وراءه ‪ً:‬ا هل نادايتنا ؟ فتلفت الشيخ وراءه بسرعة ولهفككة فككإذا‬
‫هي الملكة دابورة وأولداها الستة يبتسمون‪ .‬فتقدم منهم فرحا وكادا أن يحضن الملكككة لككول‬
‫أنها تنحنحت فتوقف مكانه ونظر إلى أولداها مككن حولهككا‪ .‬وفككي سككاحة المدينككة السككحابية‬
‫كان الجميع ينتظرون قرار الملك في هذه المدينة الخالية وفجأة توجهت النظار إلى سككلم‬
‫البرج واندهشت الجموع من نزول الشكيخ مكن السكلم ووراءه ملكوك الجكن تتقكدمهم أمهكم‬
‫دابورة خلف سموطان‪ .‬فتقدم منهم الملك أجمنون مسرورا وقال ‪ً:‬ا إذا قد حضرتم‪ ,‬هل من‬
‫حككل ؟ طريقككة مككا ؟ تفسككير لهككذه المدينككة العجيبككة ؟ فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا مدينككة فككوق السككحاب‬
‫والسحاب من الماء إذا ل بد وأن يرجككع السككحاب إلككى المككاء‪ .‬فقككالت الملكككة دابككورة وهككي‬
‫تشير بيدها إلى ناحية بعيدة خارج المدينة ‪ً:‬ا هناك البحر‪ ,‬بهككذا التجككاه ليككس بالبعيككد‪ ,‬هككل‬

‫‪139‬‬
‫نحاول ؟ فقال الشيخ وهو يطير مرتفعا ‪ً:‬ا نعم‪ .‬وطار معه الجن السككبعة وأمهككم معهككم إلككى‬
‫جانب من جوانب المدينة من خارج السوار وهم في الفضاء أخذوا ينفخون جميعككا علككى‬
‫أسوار المدينة فاضطرب من بككداخلها مككن الجنككد عنككدما بككدأت المدينككة ترتككج‪ .‬ولكنهككا لككم‬
‫تتزحزح من مكانها وعبثا حاولوا مرارا وتكرارا نفخها ولكنها لم تتحككرك أبككدا غيككر تلككك‬
‫الهزة الخفيفة‪ .‬ورجع الشيخ إلى الداخل وحط أمام الملك وحط وراءه الجن فقال هيككرودا ‪ً:‬ا‬
‫هذا ما إستطعتم فعله‪ .‬فقالت الملكة دابورة وهي تتقدم ناحية الملكك والشكيخ عكن يسكارها ‪ً:‬ا‬
‫قوة نفخنا ل تكفي لتحريك المدينة إنما خرزة الريح تكفي لها‪ .‬عندها نظر الشككيخ ودابككورة‬
‫لبعضهما البعض فقال الملك أجمنون بإستغراب ‪ً:‬ا خرزة الريح ! وما هي هذه ؟ وأين هي‬
‫؟ فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا إنها عند ملك السماء الولى الملككك الكككبير ملككك الروحانيككة الملككك‬
‫ميططرون‪ .‬فقال الوزير لوذا ‪ً:‬ا إذا لماذا ل تذهبين لحضكارها ؟ فقكالت الملككة ‪ً:‬ا الجكن ل‬
‫يستطيعون الصعودا إلى السماء الولى فقد كنا في الزمان الغابر نصعد إليها وكنككا نسككتمع‬
‫إلى ما يكتب من أعمال بنككي الرض وبعضككنا كككان يسككتفيد مككن تلككك المعلومككات بإلقائهككا‬
‫وبيعها للخرين‪ ,‬فكل قام بالتجسس لصككالحة حككتى جعككل اكك الشككهب تقككع علككى كككل مككن‬
‫يحاول منا الصعودا إليها وهكذا فنحن ل نسكتطيع إحضكار الخكرزة وإل صأكعقنا فكي حكال‬
‫صأعودانا‪ .‬إذ ذاك قال الشككيخ ‪ً:‬ا هككذا صأككحيح إذا لككم يبقككى إل أنككا‪ ,‬أنككا أصأككعد‪ .‬فطككار الشككيخ‬
‫وارتفع إلككى السككماء مسككتقيما والكككل يشككاهده حككتى إختفككى‪ .‬فوصأككل إلككى السككماء ألولككى‬
‫وتوقف فرآ عملقا أبيضا كالثلج مجنحا وعلى رأسه تاجا‪ .‬لقد كان بحجككم الجبككل الشككاهق‬
‫حتى بدى الشيخ بجككانبه كالصأككبع الصككغير‪ .‬والسككحاب مككن تحككت الشككيخ وذلككك العملق‬
‫السككحاب يضككرب فككي بطنككه‪ .‬فككأحنى الشككيخ رأسككه إحترامككا ورفعككه قككائل ‪ً:‬ا ملككك ملككوك‬
‫الروحانية‪ ,‬أيها السيد الجليل ميططرون‪ .‬فنظر إليه العملق وقككال ‪ً:‬ا سككموطان ألككم يكفككك‬
‫أني سمحت لك بإمتلك الجن ؟ ماذا تريككد مككن عككالم الرواح ؟ فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا أيهككا السككيد‬
‫الجليل إنما أعجزنا أمر ما ول يخلصه لنا إل ما معكم من فضل وخير‪ .‬فقال ميططرون ‪ً:‬ا‬
‫عجل بطلبك ول تتلجلج إنك تؤخرني عككن عبككاداتي‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا إنهككا خككزرة الريككح يككا‬
‫سيدي‪ ,‬نحتاج إليها لقضككاء صأككغير ونرداهككا لكككم‪ .‬فأمسككك ميططككرون بقلداتككه الككتي علككى‬
‫صأدره وكان فككي آخرهكا خكرزة ككبيرة بحجككم الشككيخ داائريككة‪ .‬وفتككح ميططكرون الخككرزة‬
‫بإصأبعة وهو يمسكها فخرجت منها رياح عاصأفة ملتوية ثككم أغلقهككا بإصأككبعة وأفلتهككا مككن‬
‫يده لترجع القلداة إلى صأككدره وارتطمككت الخككرزة فأحككدثت صأككوتا مككدويا لككدى إرتطامهككا‬
‫بصدره‪ .‬وبالطبع فإن ميططرون لم يسكمع ذلكك الصكوت لضكخامته ولككن بالتأكيكد رفكت‬
‫رموش الشيخ لدى ذلك الرتطام المدوي وقال ميططككرون ‪ً:‬ا هككل تتككذكر أولئككك الصككبية‬
‫الذين قتلتموهم عند بركة المعبد يا سموطان ؟ فاضككطرب وتلكككأ الشككيخ مككن هككذا السككؤال‬
‫الذي ليس في الحسبان ثم قال سموطان ‪ً:‬ا نعم ‪ .....‬و ‪ .....‬لكن لم نكن نحن من قتلهككم إنمككا‬
‫كككانوا أمواتككا مككن قبككل‪ ,‬لقككد قتلهككم إبككن سككايروس مرقككس وحضككرتكم تعلمككون ذلككك‪ .‬قكال‬
‫ميططرون ‪ً:‬ا ولكنكم قتلتموهم أليس كككذلك ؟ قككال الشككيخ ‪ً:‬ا نعككم تسككتطيع أن تقككول ذلككك يككا‬
‫سيدي‪ ,‬كنا بحاجة لتحريرهم مككن معانككاتهم‪ ,‬لقككد سكاعدناهم علككى تحريككر أرواحهككم لترقككد‬
‫بسلم‪ .‬فقال ميططرون ‪ً:‬ا قلت قتلتموهم وفعل القتل ل يبرر السبب‪ ,‬وإذا كانوا أمواتككا مككن‬

‫‪140‬‬
‫قبل لما قلت أنكم قتلتموهم ؟ بل ولما إحتجتم إلى قتلهكم وهكم أمواتككا كمككا تكدعي ؟ عنكدها‬
‫تعلثم الشيخ فقد أغلق عليه أبواب الجابة فككأطرق رأسككه إلككى الرض وراح يعيككد شككريط‬
‫ذلك المنظر المؤلم حينما أخذوا يذبحون الصبية وهم يصيحون ‪ ..‬فقطع عليه ميططككرون‬
‫قائل ‪ً:‬ا تحصلون على الخرزة إذا ضحيتم بأحد مكن أولداككم بالمقابكل‪ ,‬ليكس ككثيرا واحكدا‬
‫مقابل ستين ‪ .‬قالها ميططرون واختفى فنزل الشيخ حتى حط مقابل الملك أجمنون والشيخ‬
‫في غاية الحزن والهم والغم فقال لهم ‪ً:‬ا ميططرون حكم علينا لقتلنا أولئك الصبية السككتين‬
‫صأبي عند معبد البركة بككأن نضككحي بأحككد أبنائنككا بالمقابككل عنككدها يعطينككا خككرزة الريككح‪.‬‬
‫وذهب سموطان على بعد خطوات وجلس على سلم البرج وكانوا خلفه ينظرون إليكه إلكى‬
‫أن جلس وتنفس بعمق ونظككر إليهككم فقككال لككه الملككك ‪ً:‬ا ل يوجككد مككن لككديه أبنككاء سككوى أنككا‬
‫والملكة دابورة‪ .‬فقال الوزير لوذا ‪ً:‬ا إذا فليكن أحد أبناء الملكة‪ .‬فقككالت الملكككة دابككورة وهككي‬
‫تبتسم‪ً:‬ا المفاتيح مفاتيحكم وهذا شأنكم هل هذا هو جزاء مساعدتنا لكم ؟ فقال الملككك ‪ً:‬ا أنتككم‬
‫الذين قتلتم الصغار‪ ,‬ومعكم سموطان‪ .‬ونظر الملك إلى روثا فقال للشيخ وهو يشير إليها‪ً:‬ا‬
‫أنت من رباها فهي بمثابة إبنتك ول أرى لها فائدة معنا‪ .‬عنككدها غضككبت روثا مككع شككيء‬
‫من الخوف فقال الشيخ وهو ينظر إلى الملك بهدؤ ‪ً:‬ا لقد قتلناهم لننقذكم وكما قككالت الملكككة‬
‫دابورة هي رحلتك ومفاتيحك‪ .‬وأشار سموطان بيده إلى هيرودا قائل ‪ً:‬ا ول أرى لبنك هككذا‬
‫فائدة معك هذه هي فائدته ضحي به لتحصل على المفتككاح الخيككر حلككم عمككرك وأجككداداك‬
‫من قبلك‪ .‬فقال آرميا ‪ً:‬ا هادااساه‪ .‬فنظرت اليه هادااسككاه مسككتغربه فاسككتحى آرميككا وأطككرق‬
‫رأسه فقاطعة هيرودا بقوة قائل ‪ً:‬ا ل هذا ل يمكن‪ .‬ثم تردادا قائل ‪ً:‬ا إنها‪ . .‬إنهككا ليسككت إبنككت‬
‫أحد منكم فل ينطبق عليها القككول مككن أولداككم‪ .‬عنكدها تقككدمت روثا مكن الملككك أجمنكون‬
‫وقالت ‪ً:‬ا أنا مستعدة للتضحية‪ .‬عندها تفاجأ الجميع واندهشكوا ووقكف الشكيخ وتكوجه إليهكا‬
‫مسرعا وقال بجدية ‪ً:‬ا لماذا ؟ ل لن أسمح لك أن تكوني ضحية طمككع سككخيف فقككال أوريككا‬
‫وهو يتقدم من الشيخ وروثا ‪ً:‬ا ل ينطبق عليك وصأف ميططرون‪ .‬ونظر أوريا إلى الشيخ‬
‫قائل ‪ً:‬ا ل بد أنه قال ذلك ويعني به شيئا آخككر ولكم يقصكد بكه التضككحية بالقتككل عينككا أليكس‬
‫كذلك ؟ عندها ركضت روثا مسرعة إلى الجككدار وتسككلقته واقفككه وركككض الشككيخ خلفهككا‬
‫والجميع ورائه فتوجهت روثا إليهم وقالت ‪ً:‬ا لم يكن لحياتي معنا من الساس‪ ,‬لعلها تكون‬
‫مفيدة اليوم‪ .‬ونظرت روثا بحزن عميق إلى دايفي وكأنها توداعه والشيخ الذي بدى عليككه‬
‫الهم والحزن ونظرت إلى هرمس الذي بدت عليه إبتسامة خفيفة حزينة وقد طككاير الريككح‬
‫شعر رأسها من خلفها وفجأة سمحت روثا لجسمها بالرتخاء إلى الخلف وهي مغمضككة‬
‫عيناها في إستسلم وسكون وودااعة بل خوف منهية قصة حياتها القصيرة المتعبة‪ .‬وكأن‬
‫حمل قد زحزح عن كتفها فهوت من فوق أسككوار المدينككة وركككض إليهككا الشككيخ صأككارخا‬
‫بحزن وحرقة حتى وصأل إلى حيث كانت تقف ونظككر إليهككا تسككقط وهككي مككازالت تهككوي‬
‫وتنظر إليه كأنها قد إنتقلت إلى عالم آخر فضرب الشيخ بقبضته الجدار بغضب وأغمض‬
‫عينه والجميع من وراءه لحظككة صأككمت واسككتجمع سككموطان نفسككه بسككرعة وارتفككع عككن‬
‫الرض وهم باللحاق بها لنجدتها ولكنها هككاهي ترتفككع إلككى السككور مككن جديككد تحملهككا يككد‬
‫ضخمة بيضاء عملقة إلى أن وصألت عند مستوى السور والجميع مبهورين ممككا يحككدثا‬

‫‪141‬‬
‫غير مدركين ما يحصل فدحرجتها اليد فتدحرجت وسقطت روثا بيككن يككدي الشككيخ الككذي‬
‫حملها وهو ينظر إلى وجهها وقد أسكبلت دامكوعه ثكم نظكر سكموطان إلكى أعلكى فكإذا هكو‬
‫ميططرون وقد وقف تحت سفح الجبل ومستوى مدينة السحاب إلى بطنه‪ ,‬ونظككر الجميككع‬
‫إلى ذلك الرجل المجنككح العملق والككل يتخيكل مككان وضككع قككدميه علكى ذلكك المسكتوى‬
‫الشاهق‪ .‬وأخذوا يتأملون قلداته مأخوذين ثم تكلككم ميططككرون وقككال والجميككع ينظككر إلككى‬
‫العلى ‪ً:‬ا ما كنت آمركم بفعل مككا حكمككت عليككه بالخطكأ لفعلكككم لككه‪ ,‬وإنمكا أردات أن أرى‬
‫صأدق إخلصأكم ونية قلوبكم‪ .‬وإذ سموطان ينظر إلى ميططرون وهو مبتسم أنككزل روثا‬
‫إلى الرض على قدميها ‪ .‬فقال ميططرون ‪ً:‬ا أنتم بحاجة للهواء ومنكم مككن يركككب الهككواء‬
‫تسعة والعدادا المهات كمالها عشرة‪ .‬ورفع ميططرون يده فإذا هو ممسك بجذع شككجرة‬
‫كبيرة يابسه محترقة الرأس‪ .‬ومدها إلى ساحة وأرضية المدينة فتراجع الجند إلى الخلككف‬
‫وكتب بذلك الجذع المحترق الرأس هذه العدادا ‪ً:‬ا‬

‫والجميع ينظر إليه وإلى ما يكتب بخط كبير مستقيم على الرضية فقال ميططرون عندما‬
‫إنتهى ‪ً:‬ا فل تحتاجون إل لراكب هواء واحد‪ ,‬أنتم تحسبون أنكم ل شككيء وتطلبككون شككيء‬
‫وهو في اللشيء‪ ,‬لن أعطيكم ما تطلبون بل أنتم ما تطلبون‪ .‬ونقز ميططرون إلى العلى‬
‫طائرا مما أحدثا هواء عصف بالجند والجميع على سككطح المدينككة وسككقط جككذع الشككجرة‬
‫من الفضاء بجانب جدار المدينة إلى السفح واختفى ميططرون فككي السككماء ‪ .‬أخككذ الشككيخ‬
‫يمشي بين تلك العدادا الكبيرة الحجم في الساحة ويفكر والجميع ينظرون إليككه وإلككى تلككك‬
‫العدادا التي كتبها ميططرون ثم إستدار الشيخ وقال ‪ً:‬ا قال نحن مككن نركككب الهككواء تسككعة‬
‫يعني الملكة وأبنائها السبعة هؤلء ثمانية‪ .‬وقالت الملكة دابورة وهي تشككير إلككى سككموطان‬
‫بيدها ‪ً:‬ا وأنت معنا تسعة‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا والعاشر ؟ وإسككتدار سككموطان ينظككر إلككى العككدادا‬
‫مرة أخرى فقال الملك أجمنون من وراء الشيخ ‪ً:‬ا لعله يقصككدني أنككا ؟ فككالتفت إليككه الشككيخ‬
‫وقال ‪ً:‬ا ولكنك ل تطير‪ .‬عندها تفكر الجميع في لحظة صأمت ثم إلتفتوا كلهكم إلكى هادااسكاه‬
‫والتي بدت فزعة من نظرهم إليها فجأة فقالت ‪ً:‬ا أنا !‪ .‬قال الشيخ ‪ً:‬ا نعم أنت‪ ,‬بككذلك الخككاتم‬
‫تستطيعين‪ .‬فقالت هادااساه ‪ً:‬ا ولكني جربته من قبل ولككم أفلككح‪ .‬عنككدها إسككتدار الشككيخ وهككو‬
‫يضع يده على ذقنه وينظر إلككى الرض حيككث العككدادا وقككال ‪ً:‬ا لقككد قككال نحككن تسككعة فأنككا‬
‫والجن تسعة وقال أنتم تظنون أنكم ل شيء وتريدون شيء وهو لشيء‪ ,‬لبد وأنككه يعنككي‬
‫الصفر فهو الذي ل شيء وبدونه ل يصلح شيء من هذه العدادا‪ ,‬أي نحن التسككعة بككدونه‬
‫ل شيء وهو ل شككيء ولكنككه كككل شككيء‪ .‬واسككتدار سككموطان إلككى الجميككع قككائل بصككوت‬
‫عالي ‪ً:‬ا إذا نحن ل نحتاج شيء إنما نستطيع فعككل كككل شككيء وبيككن الجمككوع كككان شككهلون‬
‫يستمع إلى الشيخ فهز رأسه ثم أمسك برأسه يدقة بيديه فلقككد أوجعككه كلم الشككيخ وزاغككت‬
‫عيناه‪ .‬وتقدمت الملكة دابورة من الصفر وقالت ‪ً:‬ا ول بككد وأن الصككفر يجمككع هككذه العككدادا‬

‫‪142‬‬
‫كلها أي نحن التسعة‪ .‬ثم قالت لبنائها وهي تمسك بيد سموطان ‪ً:‬ا تماسكوا معنككا باليككدي‬
‫لنشكل حلقه‪ .‬فكل من أبنائها أمسك بيد الخر وتماسكككوا مككع الشككيخ وأمهككم وشكككلوا حلقككه‬
‫حول الصفر‪ .‬فقال الشيخ وهو ينظر إلى دااخل الحلقة ‪ً:‬ا إذا هككذا هككو الصككفر حلقككه نكونهككا‬
‫نحن التسعة‪ .‬فقالت دابورة ‪ً:‬ا وهكا نحكن التسكعة خلقنككا الصكفر فكونككا مكن الشككيء ل شككيء‬
‫عشرة كاملة‪ .‬ثم نظرت دابورة إلككى عيككن الشككيخ حيككث كككان ملتفتككا إليهككا وممسكككا يككدها ‪.‬‬
‫فقاطعهما صأوت الملك أجمنون قائل ‪ً:‬ا هذا كله إفتراض‪ ,‬لبد وأن ميططرون يلعب معنككا‬
‫كما فعلها من قبل‪ .‬فقالت الملكة ‪ً:‬ا ل ضررمن المحاولة‪ .‬فقككال هيككرودا ‪ً:‬ا إذا كيككف سككيؤداي‬
‫تكوينكم لهذه الحلقة إلى تحريك هذه المدينة المسحورة؟ عندها نظرت إليه الملكة وأفلتككت‬
‫الشيخ وطارت مرتفعة قليل ثم توقفت لتنظر إلى أولداها والشيخ قائلة ‪ً:‬ا اتبعوني وشكككلوا‬
‫حلقككه حككول المدينككة‪ .‬عنككدها طككار الجميككع وتوزعككوا حككول المدينككةعلى مسككافات بعيككدة‪.‬‬
‫وطارت الملكة مع الشيخ الذي كان فككي مقدمككة المدينككة فأمسكككت بيككده ثككم إمتككدت مبتعككدة‬
‫بجسدها تاركة يدها في يد الشيخ حتى اختفت‪ ,‬ثم مدت يككدها اليسككرى لتلقككي أحككد أبنائهككا‬
‫وكذلك فعل إبنها ماداا يده اليمنى إليها حتى تما سكا وكذلك فعل كل من الخوة الجكان ككل‬
‫واحد مد يدة اليسرى لجهة اليسار إلى أبعدما تصل ومكد يكده اليمنكى إلكى أبعكد مكا تصكل‪,‬‬
‫وتشابكوا مع الشيخ الذي أمسك بيده اليمنى اليد الممتدة اليه من اليميككن وحوطككوا المدينككة‪.‬‬
‫فنظر الشيخ إلى سور المدينة أمامه وقال بعزم ‪ً:‬ا تغشهال مشتوهال مريشككوهال كفشككيهال‬
‫بشيوهال سال شمشول ميططرون‪ .‬ثم قالت الملكة بصوت عال ‪ً:‬ا هيا إدافعوا‪ .‬فأمسك كككل‬
‫منهم بنفسه في صأدره بهمة عالية فبدأت السحابة تتحرك فاضطرب من بداخل المدينة ثككم‬
‫إندفعت السحابة وهي تتحرك إلى المام‪ .‬وسمع سموطان صأيحات التهليككل والفككرح الككتي‬
‫أطلقها من بداخل المدينة عندما راحت المدينة تسافر في الفضاء وأخذوا يككدفعونها أميككال‬
‫وأميال مبتسمين فرحيكن لخروجهكم مكن ذلكك الموقكف الصكعب وبل خسكائر متكأملين أن‬
‫تنجح الخطة في معرفة سر تلك المدينة الخاوية ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الفصل الحاداي عشر‬

‫في مملكة )زيتا( كككان الملككك ميشككا يسككير فككي بهككوات القصككر غاضككبا مشككحونا مسككرعا‪.‬‬
‫والشيخان لمون الطويل وشملل القصير يركضان من خلفه يحككاولن مجككاراته فقاداهمككا‬
‫حتى أتى إلى باب وضربه بقوة فككدخل إلككى المكتبككة وهمككا خلفككه حككتى وصأككل إلككى كتككاب‬
‫سليمان وهو مفتوح على الطاولة فنظر إليه ثو تككوجه إلككى الشككرفة ونظككر منهككا قليل إلككى‬
‫الخارج ثم رجع إلى الكتاب وضربه بقبضة يده ضربه قوية أجفلت الشيخان ونظر إليهما‬
‫بغضب قائل ‪ً:‬ا ما نفعه لنا؟ لبد وأن يعودا الملك أجمنككون إلككى مملكتككه‪ ,‬وبوجككودا أولئككك‬
‫الجن معه لسبيل لقهره‪ .‬وقال بصوت عالي ‪ً:‬ا أريد جنككودا ل تقهككر‪ ,‬جنككودا قويككة‪ ,‬سككلحا‬
‫خطيرا ل يهزم‪ ,‬هل تسمعاني ؟ فتوجه شملل القصير إلى حيث ميشا عنككد الكتككاب وقككال‬
‫وهو يشير إلى الكتاب ‪ً:‬ا هناك السائل الحركي يا مولي إنهككا وصأككفة سككرية ولكنهككا فعالككة‬
‫في الحروب‪ ,‬هكذا كان سليمان يهزم أعدائه‪ .‬فنظر إليه الملك ميشا نظككرة إستبشككار وقككال‬
‫وهو يجره من كتفه إلى أمام الطاولة حيث كان واقفا بإتجاه الكتاب ‪ً:‬ا هيا أريدك أن تعمككل‬
‫على ذلك السائل الن‪ .‬فأخذ شككملل القصككير يفتككح صأككفحات الكتككاب وهككو وجككل خككائف‬
‫وأحيانا ينظر إلى أخيه حيث يقف أمامه من الجانب الخكر مكن الطاولكة‪ .‬ثكم ق ال شكملل‬
‫القصير وقد توقف عند صأفحة من صأفحات الكتاب ‪ً:‬ا هذه هي يامولي‪ ,‬هذه هككي‪ .‬فنظككر‬
‫إليها ميشا وقال بغضب ‪ً:‬ا ل أستطيع فك هذه الرموز‪ .‬ما فائدتها ؟ فقال شملل القصكير ‪ً:‬ا‬
‫تدهن بهذا السائل على الرماح والسيوف فتنطلق بأمرك إلى حيث تريككد‪ ,‬وبهككذا ل تحتككاج‬
‫إلى الجند‪ .‬ففرح ميشا وسر بذلك وأطلق إبتسامة شريرة وقال ‪ً:‬ا وكيف وصأفتها ؟ أي ماذا‬
‫تحتاج لعملها ؟ فنظر شملل القصير في الكتاب ثم رفع رأسككه وقكال ‪ً:‬ا هكذه كلهككا متكوفرة‬
‫لدينا‪ ,‬يمكننا الحصول عليها‪ ,‬ما هي إل بعض من شحوم الحيوانات والزواحككف هككذا كككل‬
‫شيء يا مولي‪ .‬فقال ميشا للقصير ‪ً:‬ا وهل أنت متأكد من عملها ؟ فتلعثككم شككملل القصككير‬
‫فردا عليه من خلفهم لمون الطويل قائل ‪ً:‬ا ل ضرر من المحاولة يامولي‪ .‬فاسككتدار ميشكا‬
‫ملتفتا إليككه وقككال ‪ً:‬ا ومككا فائككدتك أنككت ؟ وأشككار ميشككا إلككى الكتككاب السككليماني قككائل ‪ً:‬ا هككذه‬
‫الطريقة ل تحتاج إلى الجنكد‪ ,‬نطلكق السكيوف الكى أعكدائنا‪ .‬وقكال بصكوت عكالي‪ً:‬ا ولكنكي‬
‫أحتاج الى الجند‪ .‬ونظر ميشا إلى الطويل بغضب فكان ولبد للمون أن يقول شككيئا فقككال‬
‫لمون ‪ً:‬ا يمكنك الحصول على جيش من الجنككد ل يقهككر يككا مككولي‪ .‬عنككدها إتسككع صأككدر‬
‫ميشا وقال بلهفه للطويل ‪ً:‬ا وكيف ذلك ؟ فقكال لمككون الطويككل ‪ً:‬ا نسكتخدم قككرداة وخنكازير‪.‬‬
‫فقال ميشا مسككتغربا‪ً:‬ا قككرداة وخنككازير !‪ .‬فقككال لمككون الطويككل ‪ً:‬ا كككانت هنككاك قريككة علككى‬
‫شاطيء البحر يقال لها إيلة وقد كانوا يعيشون على صأيد البحر‪ ,‬وقككد أسككلموا مككع موسككى‬
‫واتبعوا داينه وأمرهم ا بتعظيم يككوم السككبت وأنككه يككوم فككرح وعبككاداة وأجككازة مككن جميككع‬
‫الشغال‪ ,‬ونهاهم عن صأيد البحر في يوم السبت وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت بكككثرة‬

‫‪144‬‬
‫ل توصأف ويستطيعون إصأطياداها بسهولة ويسر لكثرتها‪ ,‬وأما بقية أيام السككبوع فكككانت‬
‫تحتفي ويقل صأيد البحر ويصبح صأيدهم صأعبا بل نادارا‪ ,‬فتحكايلوا علكى أمكر اك بمنعهكم‬
‫إصأطياداها في السبت بأن وضعوا الشباك يككوم الجمعككة والشصككوص والحبائككل والككبرك‪,‬‬
‫فلما جاءت الحيتان يوم السبت على عاداتها فككي الكككثرة نشككبت بتلككك الحبائككل والحيككل فلككم‬
‫تخلص منها يومها ذلك فلما كان الليل أخذوها بعد إنقضاء السبت‪ ,‬فلمككا فعلككوا ذلككك مسككخ‬
‫ا شبابهم قرداة وشيوخهم خنازير جزاء عصيانهم‪ .‬فقال الملك ميشككا لككه ‪ً:‬ا هككل تقككول لككي‬
‫أني سأبعث بقرداة وخنازير لتحارب من أجلي ؟ هككل جننككت أيهككا العجككوز ؟ فقككال لمككون‬
‫الطويل‪ً:‬ا لن نبعثهم هكذا وإنما هناك وسيلة لتحككويلهم إلككى محككاربين أشككداء‪ .‬فقككال الملككك‬
‫ميشا ‪ً:‬ا ولنفرض أن هذا صأحيح‪ ,‬فمن أين لنا بتلك القرداة والخنازير ؟ فقال لمون الطويل‬
‫‪ً:‬ا عندي‪ ,‬أنا أعلم مكانها‪ ,‬فإذا أرسلت معي فرقة من الجند نكون هنا غككدا صأككباحا وعنككدنا‬
‫قطيع كبير منها‪ .‬فسار ميشا نحككو لمككون الطويككل وهككو ينظككر إليككه متشككككا بخبككث حككتى‬
‫وصأل إلككى عنككده ويكككادا رأس ميشككا يلمككس أنككف لمككون الطويككل وهككو يضككع يككديه علككى‬
‫خاصأرته وقال ‪ً:‬ا وإن لم تعد ؟ وأشار ميشا بعينككه إلككى خلفككه حيككث القصككير قككائل ‪ً:‬ا قتلككت‬
‫أخاك‪ .‬فقال لمون الطويل ‪ً:‬ا هل تشكك في يكامولي ؟ نحكن فكي هكذا معكا الن‪ .‬فغضكب‬
‫الملك وزمجر قائل ‪ً:‬ا ل لسنا معا‪ ,‬وإنما أنا وحدي وأنتمككا تعملن تحككت خككدمتي‪ .‬ثككم هككدأ‬
‫ميشا وقال للطويل بهدؤ‪ً:‬ا غدا صأباحا خذ من تشاء معك من الجند‪ ,‬أما اليوم فلككديك الكككثير‬
‫من العمل‪ .‬وأشار فجأة ميشا وهو يكلككم الطويككل بيككده إلككى شككملل القصككير قككائل ‪ً:‬ا وأنككت‬
‫أطلب ما تحتاجه من الحرس يأتوك به‪ ,‬كل ما تحتاجه لعدادا ذلك السائل ‪.‬‬

‫إبتعدت الشمس عن كبد السماء قليل وتحتها كان الخضرواتي يعدوا مسرعا بفرسككه عككبر‬
‫طريق الشجار حتى خرج أمامه جنديان على فرسكهما كانكا يكمنككان لككه‪ .‬فسكدى الطريككق‬
‫عليه فشد الخضرواتي على حصانه فأوقفه وهو ينظر إليهما‪ ,‬ثككم إسككتدار ليهككرب عنككدما‬
‫رأى أنهما قاصأداه ولكنه شاهد غيرهم يأتوه من الجهة الخرى من الطريق ثم غيرهم من‬
‫بين الشجار حتى قبضوا عليه وأخذوه معهم حتى أتوا به على فرسه مربوطا إلى مقدمككة‬
‫جيش جرار‪ .‬فكلمه الذي يتقدم الجيش وقد بدا وكأنه زعيم عليهم فقال له ‪ً:‬ا إلى أين تتككوجه‬
‫ياهذا ؟ والخضرواتي من خوفه أرادا الكذب عليهم فقال ‪ً:‬ا إلى مملكككة )فككي( ‪ .‬فقككال زعيككم‬
‫الجيش ‪ً:‬ا إذا لن تجد هناك ما يسرك فلقد قضينا عليهم جميعا‪ ,‬ويبككدو أن أحككدهم نجككى منككا‬
‫لبعض الوقت‪ ,‬وها أنت تلحق بمصيرك‪ .‬وضحك زعيمهم وتضاحك من معكه مكن قككواداه‬
‫ثم نظر الزعيم إلى الخضرواتي بشدة قائل لمن قبضككواعليه ‪ً:‬ا ألحقككوه بأصأككحابه‪ .‬فهككم بككه‬
‫الجند ليقتلوه ففزع وارتجف قائل ‪ً:‬ا ل ‪ ...‬ل ياسيدي أنا لست من مملكة )في( إنما أنكا مكن‬
‫مملكة )زيتا(‪ .‬فانتبه إليه الزعيم وأشار إلى الجند بيده أن يخلوه وقال له ‪ً:‬ا وكيف هو حككال‬
‫صأهرنا المير سامويل ؟ فقال الخضرواتي ‪ً:‬ا هل أنتم من مملكة الملك شمشون يا سيدي؟‬
‫فقال الزعيم ‪ً:‬ا نعم‪ .‬فقال الخضككرواتي ‪ً:‬ا و أيككن هككو الملككك؟ فقككال الزعيككم ‪ً:‬ا هككذا ليككس مككن‬
‫شأنك‪ ,‬لما تسأل عنه ؟ فقال الخضرواتي مترداداا ‪ً:‬ا إنما أحمل له رساله من إبنته‪ .‬فقككال لككه‬
‫الزعيم متلهفا ‪ً:‬ا تحمل رسالة من أختي ! وما هي ؟ فقال الخضرواتي متوجسا ‪ً:‬ا ل أبلغهككا‬

‫‪145‬‬
‫إل للملك نفسه‪ .‬فقال الزعيم وقد نفذ صأبره ‪ً:‬ا أبي الملك خككرج لنجككدة الملككك أجمنككون ولككم‬
‫يعد حتى الن أنا إبنه وأحل محله حتى عوداته سالما‪ ,‬قل مككا عنككدك‪ .‬فقككال الخضككرواتي ‪ً:‬ا‬
‫لقد احتل الملك ميشا ملك مملكة )في( المدينة‪ ,‬وقتل المير سامويل وحرسه وعاثا جنككده‬
‫فساداا في المدينة‪ .‬فقال له المير ابن شمشون مستعجل عليه ‪ً:‬ا ومككاذا بشككأن أختنككا ؟ مككاذا‬
‫حل بها ؟ فقال الخضرواتي ‪ً:‬ا هي بخير‪ ,‬ولكنها في السجن مع بقية نساء القصر‪ .‬فككأطرق‬
‫المير رأسه مهموما على أخته الحبيبة فقال له الخضرواتي ‪ً:‬ا لقد أرسلتني مولتي الملكة‬
‫وأختكم الميرة اليكم لطلب النجدة‪ .‬فقال الميككر ‪ً:‬ا لقككد علمنككا بخككروج ميشككا لغككزو مملكككة‬
‫الملك أجمنون وهو غائب عنها منذ أن خرجوا من مملكتهم‪ ,‬لقد كان أبي يتوقككع منككه هككذا‬
‫لككذى أوصأككاني بمراقبتككة عنككدما خككرج عنككا‪ ,‬كككم تبعككد مملكككة )زيتككا( مككن هنككا ؟ فقككال‬
‫الخضرواتي ‪ً:‬ا بجيشكم الكبير هذا أظن ما يقرب من يومين أو أكثر بقليل ‪.‬‬

‫كان الشيخ سموطان والجن مازالوا يطيرون بالسحابة وبان لهككم‬


‫البحر من بعيد فبدأوا يخففككون سككرعة الطيككران قليل قليل حككتى‬
‫وصألت السحابة إلى عرض البحر فتوقفوا تمامككا فثبككت كككل مككن‬
‫بككداخل المدينككة يتككأملون مككا يحصككل عنككد توقككف المدينككة عككن‬
‫الجريككان‪ .‬عنككدها طككار الشككيخ إلككى أسككفل البحككر وتبعتككه دابككورة‬
‫والبقية من أبنائها وغاصأوا فككي البحككر حككتى العمككق وفككي قعككر‬
‫البحروقف الشيخ على الرمككل وتحلككق الجككان علككى شكككل حككدوة‬
‫أمامه ‪ .‬والشيخ في مركزها وحده‪ .‬وأخذ الشيخ يقول بقوة وعزم‬
‫‪ً:‬ا فيوخأ فاداخأ قيوم قادار شككليوخأ شككالخ دايككوم صأككالح نككور صأككاداق‬
‫أرشح شليوخأ شالخ نار متوخأ ياداخأ شامخ عظيم رحما قادار نوخأ‬
‫كلوش أه يايوه شاه شلوش وهدخأ شراهيا شروشوش عككال علككي‬
‫قوي ناداى كبيرا وكررها الشيخ ثلثا والجن تكرر معه بصككوت‬
‫واحككد حككتى قككال الشككيخ ‪ً:‬ا سككبحان الككذي سككخر البحككر لموسككى‬
‫فضربه بعصاه فانفلق كل فلق كالطودا العظيككم ‪ .‬فلمككا أتككم الشككيخ‬
‫كلمه سمع صأوتا يقترب من عمق البحرفأنزل يديه وفتح عينيه‬
‫واستدار خلفه فإذا شيء ما يخككترق المككاء مقتربككا منهككم بسككرعة‬
‫فإذا هي عصى مقبلة إليه تخترق الماء تسعى بطولها وكأن أحدا‬
‫مككا يمشككي بهككا‪ ,‬وتصككدر فحيحككا وصألصككة كمثككل الحيككة‪ ,‬فمككد‬
‫سموطان ساعده بجانبه وفتح قبضته فاستقرت العصى في يده‬
‫وأحكم عليها قبضته فتأمل سموطان مككا فيهككا مككن رمككوز ونقككوش مبهككورا معككتزا بهككا ثككم‬
‫استجمع الشيخ همته لوقت الجد واستدار خلفه ناحية الجان وضرب بهككا بكلتككا يككديه القككاع‬
‫الرملي فإذا بصوت كالرعد وكأنه يقككترب منهككم مككن بعيككد حككتى أن وصأككل الصككوت إلككى‬
‫مكان ضربة العصى والشيخ مازال ممسكا بها حيث ضرب الرض وقد غرزطرفها فككي‬
‫الرمل فانفلق البحر من فوقهم إلى فلقتين عظيمتين‪ ,‬وأخذ الشق يزيد وينزاح للخلف حككتى‬

‫‪146‬‬
‫تجاوزهم وانكشف لهم الفضاء حيث مدينة السحاب فوقهم وأصأبحت فلقتي البحر بعككرض‬
‫المدينة‪ ,‬ثم استردا الشيخ العصى إلى جانبه وقال بصوت عالي‪ً:‬ا فألقى موسى عصاه فإذا‬
‫هي حية تسعى‪ .‬وألقى الشيخ العصى فارتمت على رمل القاع وخككرج مككن فوهتهككا حيككث‬
‫المقبض الدائري ذو الطلسم ثعابين صأغيرة كثيرة تسعى فتجمعت أربككع مجموعككات كككل‬
‫مجموعيتن ذهبتا إلى فلقة من فلقات البحر‪ ,‬وكل مجموعككة ذهبككت إلككى زاويككة مككن الفلقككة‬
‫واختفت‪ ,‬وبعد لحظات إرتفع من كل زاوية من الفلقتين عموداا كبيرا من الماء على شكككل‬
‫ثعبان ضخم إمتد من البحر إلى العلى بإتجاه المدينة وما زالكت ترتفكع والبحكر يمكد تلكك‬
‫الثعابين ألربعة المائية بالماء حتى وصألت إلى المدينة كل ثعبان من زاوية ‪ .‬وكل ثعبككان‬
‫عض المدينة من زوايته وقبضها بفمه وأخذت العمدة المائيككة الثعبانيككة الربعككة يتقلككص‬
‫طولها وتعودا إلى البحر مككن تحتهككا والمدينككة تنجككذب إلككى السككفل وكلمككا نزلككت العمككدة‬
‫المائية بإتجاه البحر إقتربت فلقتي البحر من بعضهما‪ ,‬وبعد مسافة بككدأت السككحابة تتبخككر‬
‫لقربها من الماء حتى إختفت الثعابين المائيككة فككي البحككر وصأككارت المدينككة مسككتقرة علككى‬
‫البحر‪ ,‬فخرج الشيخ ووراءه الجن إلى سطح الماء وتوقفوا فوق سطح الماء على أرجلهككم‬
‫عندما سمعوا صأوت صأراخأ وعويل من دااخككل المدينككة‪ .‬ونقككز الشككيخ طككائرا إلككى دااخلهككا‬
‫ووراءه الجن وعندما وصأل وجد الجميع يقاتلون أطياف على لون المككاء ومككن الطيككاف‬
‫من نساء تهرب بأبنائها لتختبيء في الغرف‪ ,‬بل هي قريكة مككن الطيككاف كاملكة بأسككواقها‬
‫ومؤنها ورجالها ونسائها وصأنادايق من المجوهرات والحلي في كل مكان‪ .‬فأخذ سموطان‬
‫سيفا وشارك في القتال مع الطياف كما شارك الجميككع فككي قتككالهم‪ .‬ومككن الجنككد مككن قتككل‬
‫وأخذ الشيخ يجول بنظره باحثا عن دايفي وروثا فشاهد إمرأة من الطياف تقاتككل بسككيفين‬
‫الجند وتستبسل في القتال‪ .‬ونظر من حوله إلككى تلككك الطيككاف الككتي علككى شكككل المككاء ل‬
‫تلبس شيئا ول تبين كل ملمحها وكأنها الشباح وهو مستغرب من تلككك الشكككال ومشككى‬
‫في الساحة يضرب بسيفه هنا وهناك ويقطع في تلك الشباح بسيفه إلى نصفين ولكنهككم ل‬
‫يموتون بل السيوف تخترقهم وكأنهم هواء ل يصككيبهم ضككرر‪ .‬وكككذلك الحككال مككع الجككان‬
‫والملكة دابورة يحاربون ويقاتلون وقد تعبت قوى الجميع فهم يحاربون مككن ل تككؤثر فيهككم‬
‫السلحة بل الطياف تقتككل منهككم‪ .‬والملككك أجمنككون يضككرب بسككيفه ويصككد بككدرعه وكككثر‬
‫الضجيج والقعقعة فقبض أحد الطياف على الملككك أجمنككون ووضككع السككيف علككى رقبتككه‬
‫وقال له ‪ً:‬ا مر جنوداك بالتوقف وصأرخأ به ‪ً:‬ا هيا وإل قتلتك‪ .‬والملككك أجمنككون يصككك علككى‬
‫أسنانه وهو ينظر إلى ذلك الطيف شزرا مصرا على القتككال فقكال لككه الطيكف ‪ً:‬ا كمككا تريكد‬
‫وأمر الطيف جماعته وصأرخأ بهم قائل ‪ً:‬ا توقفككوا توقفككوا‪ .‬فسككمعته جمككاعته مككن الطيككاف‬
‫فتوقفوا عن القتال وأخذ الجند يضربونهم بسيوفهم ورماحهم و لكنها ل تقطككع فيهككم‪ .‬فقككال‬
‫الطيف للملك أجمنون ‪ً:‬ا كما ترى ليست أمامكم فرصأة معنا وإنما أنتم بأيدينا نجهز عليكككم‬
‫متى نشاء‪ ,‬مرهم بإلقاء أسلحتهم‪ .‬فأمرهم الملك بيككده وهككم ينظككرون إليككه بعككد يأسككهم مككن‬
‫القتال فتوقفوا ‪ .‬عندها ترك الطيف رقبكة الملككك أجمنكون واداار ظهككره لككه ومضكى بضككع‬
‫خطوات وكان الشيخ والجن يقتربون منهم حتى يسمعوه فقال الطيف ‪ً:‬ا لقد حاول أجككداداي‬
‫قدر المستطاع تأمينها عككن الخريككن‪ .‬وراح الطيككف يتلمككس احككدى ألعمككدة وينظككر إلككى‬

‫‪147‬‬
‫السقف وأكمل وهو يلتفت إلى الملك وأعوانه ‪ً:‬ا ولكن بسبب هذا القفل‪ .‬والتفت الطيف إلى‬
‫سموطان حيث الجن قائل وهو يشير بكفه إليه ‪ً:‬ا رأينا حكمتكم فيها أيها الشككيخ‪ .‬ثككم إلتفككت‬
‫الطيف إلى الملك وقال وقد إنكسرت نغمة الحزن من صأوته وقككال بجديككة ‪ً:‬ا كككل مككا نريككد‬
‫منك حيث أحضرتنا وحصلت علككى عصككى موسككى أن تسككتخدمها لخفائنككا‪ ,‬إخفائنككا عككن‬
‫العين حتى نعيش بسلم وأمان‪ .‬والتفت الطيف إلى الشيخ قائل ‪ً:‬ا وبالمقابككل خككذ المفتككاح‬
‫لسنا بحاجة إليه إنه من صأنع البشر ولسنا بحاجة للبشر‪ ,‬خذوا مالكم يا بني آدام وأريحونككا‬
‫منه كي ل يطلب مدينتنا أحد بعده‪ ,‬خذوه وأريحونا من نظركم‪ .‬واتجه الطيف إلككى الشككيخ‬
‫وسار نحوه قائل ‪ً:‬ا ماذا قلت أيها الشيخ ؟ فنظر سككموطان إلككى الملككك خلككف الطيككف فهككز‬
‫رأسه الملك بالقبول فالتفتت عين سموطان إلككى الطيككف أمككامه وقككال ‪ً:‬ا نعككم هككذه مقايضككة‬
‫رابحة‪ .‬ثم سار سموطان إلى الملكك أجمنكون حكتى وصأكل إليكه وقكال لكه ‪ً:‬ا ولكنكي عنكدي‬
‫شرط أيها الملك‪ .‬فانتبه إليه الملك أجمنون بتركيز وأكمل الشيخ قككائل ‪ً:‬ا هككذا هككو المفتككاح‬
‫الخير حيث لم يبقى إل مفتاح واحد وهو بحوزتك في المملكة‪ .‬وقد نفذت مهمككتي وعليككك‬
‫أن تحرر الصبي من قبضتك وتفكه من قدرك‪ .‬فكرالملككك أجمنككون قليل وهككو ينظككر إلككى‬
‫الرض وحيث أسند ظهره على عمودا من العمدة ثم أخذ نفسه وذهب حتى وصأككل إلككى‬
‫دايفي وأخذ الملك من وسطه خنجرا فخاف دايفي وارتعككد وأطلككق إبتسككامة خائفككة فككاقترب‬
‫منه الملك وأمسك بذراع دايفي وقربه منه ثكم جكرح الملكك نفسكه فكي ذراعكه وأمسكك بفكم‬
‫دايفي وصأب دااخله نقاط من دامه المتقاطر من ذراعه وابتلعه دايفي ثم تركه الملك بعد أن‬
‫تأكد أن الدم داخل إلى جوفة فلم يعجب دايفي طعمه فشعر بالحموضه في فمه ثم أخذ الملك‬
‫ذراع دايفي ومدها وجرحه بخنجره في ذراعه فصككاح دايفككي مككن اللككم فقككرب الملككك فمككه‬
‫ومص دامه ودايفي مازال يضربه على رأسه يحاول دافعه‪ .‬ثم وقف الملك واسككتدار وقككال‬
‫للشيخ حيث كان خلفه ‪ً:‬ا ها هو إنتهى إنه حر الن‪ .‬إقترب الشيخ مككن الملككك بهككدؤ وقككال ‪ً:‬ا‬
‫أعذرني أيها الملك‪ .‬وضربه سموطان لكمه قوية على فكه والشيخ ينظر إلى دايفي فهجككم‬
‫هيرودا على الشيخ فمنعه الملك بيده وهو يتألم ممسكا بفكه ونظر الملك إلى الشيخ قككائل ‪ً:‬ا‬
‫هل تأكدت الن‪ ,‬كان يمكنك أن تجرب بقرصأة خفيفة‪ .‬وأشارالملك إلى دايفككي خلفككه بيككده‬
‫قائل ‪ً:‬ا هل رأيت ؟ الولد لم يتأثر بلكمتك القوية تلك‪ .‬قال الملك ذلك وهو يرجككع فكككه بيككده‬
‫فتوجه الشيخ إلى ذلك الطيف وقال له ‪ً:‬ا أين تحتفظون بالقفككل ؟ فقككال الطيككف وهككو ينظككر‬
‫إلى الشيخ بإبتسامة المتشكك ‪ً:‬ا ليس قبل أن تنفذوا الجككزء الخككاص بنككا مككن التفككاق‪ .‬فقككال‬
‫الشيخ للطيف‪ً:‬ا نساعدكم على إخفاء مدينتكم ثم تسككلمونا المفتككاح ! وأشككار سككموطان بكفككه‬
‫كمثل المستغرب قائل ‪ً:‬ا وهل يعقل هذا ؟ إذا ما إختفيتم كيف سنحصل على المفتاح‪ ,‬لككذلك‬
‫من الطبيعي أن نحصل على المفتاح ثم نقوم بما إتفقنا عليه‪ .‬فقال الطيف ‪ً:‬ا وكيف نضككمن‬
‫إلتزامكم بالتفاق بعد أخذكم المفتاح؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا ليس هناك خيار آخر أل تثق بنا ؟ فقال‬
‫الطيف وهو يبتسم إبتسامه خفيفة ‪ً:‬ا أثق بكم ؟ ل ولكن أثق بك أنت ؟ نعم‪ .‬عندها نظر إليه‬
‫الشيخ وأدابرا معا وأشككار سككموطان إلككى روثا أن تحضككر دايفككي وذهككب الجميككع يقككوداهم‬
‫الطيف‪ .‬أما بقية الجنودا فأخذوا يفتحون الصنادايق في المدينة ويحملون ما يستطيعون مككن‬
‫الحلي والمجوهرات‪ .‬ثم وصأل الطيف تتبعه مجموعة الشيخ سموطان إلى مكان مككا كتككب‬

‫‪148‬‬
‫ميططرون العدادا في السككاحة فككإذا القفككل هنككاك وسككط داائككرة الصككفر‪ .‬فانككدهش الجميككع‬
‫وأخذوا ينظرون إلى بعضهم البعض فهمست الملكة دابورة للشيخ قائلة ‪ً:‬ا إنككه فعل الشككيء‬
‫الذي نطلب في اللشيء‪ .‬فابتسم الشيخ وتوجه بالكلم إلى دايفي قائل ‪ً:‬ا دايفي تعال إلى هنا‬
‫وعندما وصأل إليه دايفي أخذه من يده ووجهه من كتفه ناحية القفكل وأشككار سككموطان بيكده‬
‫إلى القفل قائل ‪ً:‬ا خذه يا دايفي إنه لك‪ .‬فتقدم دايفي وحده ببطأ والجميع يراقبككه بسكككون تككام‬

‫حتى وصأل إلى القفل فمككد يككده إليككه وأدااره‬


‫فخككرج مككن القفككل صأككوت مككدوي وأضككاء‬
‫إضككاءة وهالككة كككبيرة مككن النككور أبهجككت‬
‫الجميع واستدار دايفي بإتجككاه الجميككع وبيككده‬
‫المفتككاح تعلككوه إبتسككامة وفرحككة فككي وجهككه‬
‫وهو يلوح بالمفتاح فأطرق الجميكع رؤسككهم‬
‫إحتراما وتوقيرا‪ .‬فتقدم منككه الشككيخ بسككرعة‬
‫وأخذه وما أن وضعه في قلداته حتى طار‬
‫سموطان وطارت معه الجن السككبعة وأمهككم‬
‫وغاصأوا في البحر‪ .‬ثم استدار الملك أجمنو‬
‫خلفه عندما سمع أحد يقول ويصرخأ ‪ً:‬ا‬
‫إفسحوا الطريق‪ ,‬ل أحد يقترب‪ .‬فإذا هو الوزير لوذا وقد قبض على دايفي ووضع الخنجر‬
‫على رقبته‪ .‬فتفأجا الملك من تصرف وزيره المخلص‪ .‬عندها تحفز الجند من حول الملككك‬
‫وبعض الجند كككانوا وراء الككوزير وقككد أشككهروا سككيوفهم عليهككم فنظككر الطيككف إلككى ذلككك‬
‫الموقف وقال ‪ً:‬ا هذه طبيعتكم يا بني البشر فقال الوزير ‪ً:‬ا إبتعككدوا وإل قتلتككه‪ .‬فقككالت روثا‬
‫للوزير ‪ً:‬ا أقتله كما قتلت أباه وأبي معه‪ .‬فقال الككوزير ‪ً:‬ا إخرسككي‪ ,‬لقككد كانككا متككآمرين علككى‬
‫الملك‪ .‬عندها تكلم أحدهم وقال ‪ً:‬ا إنها تقول الحقيقة‪ .‬فنظر الملك إلى من تكلككم وتقككدم فككإذا‬
‫هو كبير جنده فقال له الملك ‪ً:‬ا ماذا تقككول ؟ فقككال كككبير جنككده ‪ً:‬ا أنككا إبككن كككبير الخككدم‪ ,‬وقككد‬
‫أخبرني أبكي كيكف تككآمرت عليككه مككع البسكتاني‪ ,‬لقكد كككان الميكر نحميكا يحكاول مسككاعدة‬
‫البستاني من حيث ضره‪ ,‬بعدما غررت به وهدداته ثم قتلتهما‪ .‬فقال الوزير ‪ً:‬ا كان لبد مككن‬
‫ذلك وإل ماكنت الن كما أنا وقد ملكت الدنيا‪ .‬فغضب الملك أجمنون وحاول التقدم بإتجاه‬
‫الوزير فرجع الوزير إلى الخلف حيث أعوانه‪ .‬وعندما حاول الملك التقككدم أكككثر إذا بأحككد‬
‫أعوان الوزير يطعن لوذا في ظهره بخنجككره مفأجكأ الجميكع‪ ,‬فكترك الككوزير دايفكي متألمككا‬
‫ورمى بخنجره على الملك وهو يسقط أرضا فأصأاب الخنجر الملككك فككي قلبكه وغككرز فكي‬
‫صأدره فسقط الوزير وسقط الملككك أرضككا معككا‪ .‬عنككدها إنقككض ذلككك الجنككدي الككذي غككدر‬
‫بالوزير على أعوانه وساعده الجند فقتلككوهم‪ .‬بينمككا ركككض هيككرودا إلككى أبيككه الملككك وهككو‬
‫يحتضر أرضا وأخذ يبكيه فأمسك الملك بيد إبنه وقال له ‪ً:‬ا لقككد حققككت حلككم أبككائي‪ ,‬أكمككل‬
‫مسيرة أجداداك يككا بنككي‪ .‬وأخككذ الككدم يتككدفق مككن الملككك بغككزاره وهككو يتككأنن فظهككر الشككيخ‬
‫سموطان من الجو وحط أمامهم وبيده العصككى ومككن وراءه الجككن وكلهككم مسككتغربين مككن‬

‫‪149‬‬
‫تغير الحال ‪ .‬ينظرون إلى الملك أجمنون ومككن وراءه الككوزير لككوذا ملقككى علككى الرض‪.‬‬
‫وعندما شاهد الملك أجمنون الشيخ واقفا أمامه ينظر إليككه قكال لككه بصككعوبة ‪ً:‬ا هككل تظننككي‬
‫كنت أغككامر بحيككاة الصككبي ؟ أم هككل أغككامر بحيككاتي فأربطهككا بشككخص مثلككه يسككهل قتلككه‬
‫فأموت معه؟ لقد حررته منذ زمن‪ ,‬منذ نزولي لقتال الملك شمشون‪ ,‬وإل لماذا لككم يحككدثا‬
‫له شيء عندما كنت أعذب في صأومعة الكاهن حنباثا‪ ,‬سموطان‪ ...‬وراح الملك يفكككر فككي‬
‫تلك الكلمة ثم إستعادا واقعيته قائل ‪ً:‬ا سموطان‪ ,‬تبين أخيرا أنككك ل تملككك حل لكككل مسككألة‪,‬‬
‫فقد أصأبت بجروح عدة مرات ولككم يحككدثا لككه شككيء‪ ..‬لككم يحككدثا لككه شككيء‪ .‬وأخككذ الملككك‬
‫يضحك على سموطان وهو يقول ‪ً:‬ا لم يحدثا شيء‪ ..‬لم يحككدثا شككيء‪ .‬حككتى لفككظ أنفاسككه‬
‫الخيرة بين يدي إبنه وعيناه معلقتان على سموطان فبكككاه هيككرودا بحرقككة وتككوجهت إليككه‬
‫هادااساه تواسيه ‪ .‬فاقترب الشيخ من الملك وأغلق عينا آجمنون‪ .‬ثم ترك هيكرودا جثككة أبيكه‬
‫ونهض بقوة متجها إلى ذلك الجندي الذي طعن الوزير وأخذه من مخنقه وهككو يقككول لككه ‪ً:‬ا‬
‫ما الذي فعلته؟ فقال الجندي خائفا ‪ً:‬ا أنا لست من تظن يا سيدي أنا إبن عمك أوريا‪ .‬عنككدها‬
‫هدأ هيرودا وقال ‪ً:‬ا ماذا تقول ؟ فقال الجندي بعد أن أخفض يدي هيرودا القويتين وأنزلهمككا‬
‫بجانبه ‪ً:‬ا أنا هو أنظر‪ .‬وذهب الجندي إلى بهو القلعة وظهر من هناك يجرجثه حتى وصأل‬
‫عندهم وإذا بصورة ذلك الجندي هي نفسها صأورة الرجل صأاحب الجثككة فقككال الجنككدي ‪ً:‬ا‬
‫أنا إبن عمك لقد علمت بخطة الكوزير لسكرقة المفاتيكح قبكل فكترة‪ ,‬وعنكدما ككانت المدينكة‬
‫تطير في الهواء إلى هنا سمعت الوزير يتفق مع أعوانه علككى أنككه سككيأخذ المفاتيككح حالمككا‬
‫يحصل دايفي على المفتاح الخير‪ ,‬فاستخدمت العشبة وتمثلت بصورة هككذا الجنككدي الككذي‬
‫كان أحد أعوانه‪ .‬فقال هيرودا وهو غاضبا ‪ً:‬ا لما لككم تعلمنككا بككذلك مككن قبككل ؟ فقككال أوريككا ‪ً:‬ا‬
‫ومن كان ليصدق أن الوزير يخطط لهذا ؟ ما كان أبيك الملك ليصككدق شككيئا علككى وزيككره‬
‫الذي يحسبه مخلصا‪ ..‬ثم تلكا أوريا وقال ‪ً:‬ا ثم ‪ ...‬ثم أنني لم أحسبه يخطط لمككا فعككل بهككذه‬
‫الطريقة‪ .‬عندها هدأ هيرودا وذهب إلى جثة أبيه حزينا ‪.‬‬

‫توجه الشيخ إلى ذلك الجدار الذي قشعه البركان فوقف ينظر إلى البحككر وتلطككم أمككواجه‬
‫تحت قدميه وخلفه الجموع‪ ,‬فصوب سموطان العصى إلى البحروقال ‪ً:‬ا كككن طريقككا يبسككا‪.‬‬
‫فيبككس المككاء علككى شكككل طريككق بعككرض سككتة أمتككار وبطككول المسككافة مككن المدينككة الككى‬
‫الشاطيء‪ .‬فمشى فيها الشيخ بكل ثقة فلم يبلغ المء كعبيه‪ .‬ومشت معككه روثا يتبعهككا دايفككي‬
‫متخوفا من الماء حتى علم أنه لن يغطس فتحككرك مسككرعا بجككانب روثا‪ .‬وتخككوف الجنككد‬
‫من الذهاب فلم يذهبوا في الطريق فوقف الشيخ ليرى خلفه الجند متخوفين‪ .‬فمشت أمامهم‬
‫الملكة دابورة وتبعها أبنائها والجند مازالوا متوجسين ينظرون إلى الماء‪ .‬فدخلت هادااسككاه‬
‫وتبعها هيرودا ثم أوريا فتدافع الجند ورائهم محملين بالذهب والمجوهرات مما إسككتطاعوا‬
‫حمله‪ .‬وأربعة من الجند يحملون جثة الملك أجمنون على ناقلة خشبية‪ .‬وكان هنككاك آرميككا‬
‫واقفا بين الجند يراقبهم وهم يتقدمون خروجا إلى ذلك الطريق المائي وهككو متخككوف مككن‬
‫الماء يريد أن يبقى للخر فشاهد الطياف وهم يلقون جثة الوزير لوذا في البحر ممككا زادا‬
‫ذلك المنظر من قلقه‪ .‬ولما نزل الجميع على الشاطئ وقت الغروب‪ ,‬تقدم الشيخ مككن ذلككك‬

‫‪150‬‬
‫الطريق المككائي ونظككر إلككى المدينككة والطيككاف علككى أبراجهككا وأسككوارها ينظككرون إليككه‪,‬‬
‫فضرب سموطان البحر بعصاه ضربة واحدة فاختفت تلك الطريككق علككى إثرهككا‪ ,‬ثككم قككال‬
‫سموطان ‪ً:‬ا بسم ا إله آدام وأخنوخأ وإبراهيم ويعقوب وموسى ودااودا وسككليمان‪ ,‬إلككه نككوح‬
‫بسم ا مجريها ومرساها‪ .‬ووضككع العصككى علككى المككاء مسككتلقية فطفككت فككوق المككاء ثككم‬
‫سبحت بإتجاه المدينة مسافة وغطست تحت الماء وأخذت المدينة حينها بالختفاء بعككض‬
‫الشيء‪ ,‬فنظر الشيخ إليها وإذ ذلك الطيف فوق البرج يلوح إليه بيده‪ ,‬فرداه الشيخ التلويككح‬
‫بيده حتى إختفت المدينة تماما واختفت معها الشككمس وحككل الظلم بالشككاطيء إل صأككفحة‬
‫في الماء مضيئة أضائها القمر الذي ظهر من وراء إختفاء مملكة )كابا( ‪.‬‬

‫في الشاطئ أخذ أوريا يبحث بين الجنودا والجموع فككي كككل مكككان حككتى رآه يمشككي قادامككا‬
‫إليهم من مكان منفردا‪ .‬فتوجه إليه مسرعا حتى وصأل عنده ووقفا فقال أوريككا‪ً:‬ا آرميككا أيككن‬
‫كنت ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا أنا في الجوار‪ .‬فقال أوريا ‪ً:‬ا ولكنككي لككم أرك معنككا فككي طريككق البحككر‪.‬‬
‫فقال آرميا ‪ً:‬ا بلى لقد كنكت معككم‪ ,‬بكل أنكا كنكت أراك‪ ,‬وأراك وأنكت مشكغول ب النظر إلكى‬
‫روثا هاه‪ .‬فابتسم آرميا وكذلك فعل أوريا مستحيا فأخذه آرميا من كتفككه متوجهكا بككه إلكى‬
‫حيث الجند قائل ‪ً:‬ا ل بأس يمكنك أن تخبر صأاحبك بكل شيء ما فائككدة الصأككدقاء إذا ؟ أم‬
‫لنك تشبهت بصورة ذلك الجندي الخائن وأخذت صأورته وكذلك أخككذت صأككفاته ونسككيت‬
‫أحبابك ومن علمك تلك الطريقة‪ .‬فتضككاحك الصككديقان معككا وهمككا يمضككيان إلككى الجمككوع‬
‫حيث كان أوريا ما يزال بصورة ذلك الجندي الذي من أعوان لوذا ‪.‬‬

‫جلس هيرودا حول نار أوقدها الجند‪ .‬حيث لم تكن معهم خيولهم التي كانت تحمل خيككامهم‬
‫ول يوجد معهم أي شيء من عددا التخييم والككتي تركوهككا كلهككا عنككد سككفح جبككل البركككان‪.‬‬
‫لذلك فقد تجاوروا مع بعضهم البعض علكى الشكاطيء المكشكوف‪ .‬وجلكس هيكرودا هنكاك‬
‫ضاما رجليه بيككديه نككاظرا أمككامه بحككزن إلككى حيككث يرقككد أبككاه مغطككى ببعككض الخككرق و‬
‫هويتأمله وحوله بعض جنده‪ .‬ثم رفع بصره من على أبيه فإذا هي هادااساه قد تقدمت بينها‬
‫وبينه جثه أبيه الممددا‪ .‬فتوقفت عندما رفع نظره إليها وهي تنظر إليه بأسى على حزنه ثم‬
‫تقدمت إليه وجلست إلى جانبه على الرمل وهو مازال ينظر إلككى أبيككه ثككم قككالت لككه ‪ً:‬ا هككل‬
‫تذكر أبي ؟ هناك عند الغدير‪ .‬فالتفت إليهككا هيككرودا وقككال ‪ً:‬ا الملككوك يجلبككون لبنككائهم مككن‬
‫يعلمهم من فنون الحياة من كل شيء‪ ,‬الحكمككة والعككزم والصككلبه والسياسككة‪ ,‬ويبقككون هككم‬
‫على مسافة قريبه من أبناءهم كي يعوداوهم عى ألستقلل بأنفسهم‪ ,‬حتى إذا ما ماتوا كككان‬
‫أبنائهم ملوكا في غاية الصلبة‪ .‬ثم نظر هيرودا إلى أبيه قائل ‪ً:‬ا ولكن أبككي لككم يكككن كككذلك‪,‬‬
‫فقد كان هو معلمي‪ ,‬لم أكن أفارقة أبدا حتى عند ذهابه إلى فراشه للنوم‪ .‬فوضعت هادااساه‬
‫يدها علككى كتفككه وقككالت‪ً:‬ا إذا فهككو يتوقككع منككك أن تكككون أكككثر صأككلبه منككه وفجككأة ظهككر‬
‫سموطان واقفا ينظر إليهما وهما حول النار فنظككر إليككه هيككرودا عنككدما تقككدم إليهمككا حككتى‬
‫وصأل إليه وقال ‪ً:‬ا هذه الجثككة يجككب أن تككدفن‪ ,‬سككوف تعككم الرائحككة المكككان قريبككا‪ .‬عنككدها‬
‫غضب هيرودا وقام قائل للشيخ ‪ً:‬ا إنه ليس أحد من أهلك‪ ,‬لوكككان روثا أودايفككي هككل كنككت‬

‫‪151‬‬
‫تقول مثل هذا ؟ عندها لم يقككل سككموطان شككيئا ونظككر إلككى هادااسككاه حيككث وقفككت‪ .‬فجلككس‬
‫هيرودا حيث كان ونظر إلى أبيه ثم رفع بصره الى سموطان وقال ‪ً:‬ا أعذرني أيها الشككيخ‪.‬‬
‫ثم نظر إلى أبيه مرة أخرى قككائل ‪ً:‬ا إنككه الملككك‪ ,‬ولبككد أن يككدفن فككي مملكتككه‪ .‬فتككوجه إليككه‬
‫سموطان وقال ‪ً:‬ا ولكن الطريق ما زالت طويلة ولن يصمد إلككى أن تصككل بككه الككى هنككاك‪,‬‬
‫إنها سنن الطبيعة أن تتعفن أجسادانا بعد الموت بسرعة‪ ,‬وذلك كككي تعككودا إلككى أصأككلها‪ ,‬مككا‬
‫كان من تراب لبد وأن يعودا للتراب‪ .‬ونظر الشيخ بطرف عينه وراءه حيث سمع صأوت‬
‫خطوات فإذا هي الملكة دابورة وقفت خلفه بخطوات ونظر إليهككا هيككرودا وقككال لهمككا ‪ً:‬ا أل‬
‫يمكن لحد الجان أن يحمله إلى المملكة ؟ فقال الشيخ ‪ً:‬ا هذا ما جأت أحدثك به‪ ,‬لقد أتممت‬
‫ما إتفقنا عليه أنا وأباك الملك الراحل‪ ,‬ولم يبقى لنا للقعودا معكم من سبب‪ ,‬دايفي إبن عمككك‬
‫وقد سمعت من روثا حقيقة الظلم الذي لحق به هو وأمه وأباه وروثا وأمها‪ ,‬وقككد بككانت‬
‫واتضحت‪ ,‬وهم الن في عهدتك‪ ,‬ما أن تصلوا إلى المملكة فيحصل دايفي لك على المفتاح‬
‫السابع‪ ,‬وأنا متأكد من شهامتك وعطفك بأن تعوضهم عن ما لحق بهككم مككن ظلككم‪ ,‬وسككوف‬
‫نرحل عنكم الليلة‪ .‬عندها نظر الجميع ممن سمع ذلك إلى الشيخ نظرة ملها الخككوف مككن‬
‫المستقبل ومما هو آت‪ .‬فقال هيرودا للشيخ وقد تجمع الجن حوله ‪ً:‬ا لقد خرجنا منذ مككدة ول‬
‫أداري ما حال أخي سامويل والمملكة‪ ,‬ولم نبقى بهككا حاميككة قويككة لككدى خروجنككا‪ ,‬فقككد كنككا‬
‫بحاجة إلى كل رجل‪ .‬وحينما سمعت دابورة ذلك مشت بإتجاه البحر وتبعها أبنائها وراءها‬
‫وكذلك سموطان ثم البقية حتى وصألت إلى عند الشاطئ فوقف الجميع خلفها فمدت الملكة‬
‫بيديها تشير الى المككاء بحركككات فظهككرت صأككورة فككي المككاء‪ ,‬وشككاهدوا جنككوداا وعسككاكر‬
‫يدخلون مملكة )زيتا( ويذبحون أهلها‪ ,‬ثم داخل ميشا على المير سامويل فقتله ورماه مككن‬
‫الشرفة فجزع هيرودا عندما رأى أخيه يقتل‪ .‬وقال من خلفه سموطان ‪ً:‬ا إنككه الملككك ميشككا‪.‬‬
‫ثم شاهدوا الملك ميشا يتحككدثا إلككى شككيخان أحككدهما طويككل والخككر قصككير حينهككا شككهق‬
‫سككموطان وأخككذ يحككدق فككي الشككيخين فنظككرت إليككه الملكككة دابككورة وسككأله هيككرودا ‪ً:‬ا هككل‬
‫تعرفهما ؟ فقككالت الملكككة دابككورة ‪ً:‬ا إنهمككا أخككويه‪ ,‬الطويككل الكككبر والقصككير الصأككغر‪ .‬ثككم‬
‫ظهرت في الصورة أم روثا وأم دايفي بالسجن ‪ .‬فحزنت روثا لككدى مشككاهدتها أمهككا فككي‬
‫العذاب‪ .‬ثم ظهرت الملكة وبناتها الثلثا وبقية النساء بالزنزانة‪ .‬عندها وقع هيككرودا علككى‬
‫ركبتيه في الرمككال مصككروعا واختفككت الصككورة مككن المككاء‪ .‬وانككدفعت روثا إلككى الشككيخ‬
‫تصيح قائلة ‪ً:‬ا سموطان‪ ..‬أمي‪ .‬وقال هيكرودا وقكد زادا همككه وغمكه‪ً:‬ا مككا العمكل الن ؟ لقكد‬
‫قتلوا أخي وأمي في السجن‪ ,‬أمي أنا الملكككة بالسككجن؟ فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا أول نبعككث رسككول‬
‫لطلب النجدة من مملكة الملك شمشون‪ ,‬مكن )جامككا(‪ ,‬فلبكد وأن إخكوة الميكرة سكينقذون‬
‫أختهم‪ .‬فقاطعه آرميا قائل ‪ً:‬ا أنا أذهب إليهم‪ .‬فنظر هيرودا إليه وكذلك الشيخ فقال سموطان‬
‫‪ً:‬ا حسنا هذه وقد حلت‪ ,‬وقل لهم يلقونا عند المملكة‪ ,‬المسكافة مكن هنكا إلكى مملككة )زيتكا(‬
‫تقريبا نفس المسافة من مملكة )جاما( إلى )زيتا(‪ ,‬والذي يصككل أول ينتظككر ألخككر‪ .‬فقككال‬
‫أوريا‪ً:‬ا ولماذا ل تطيككر اليهككم لطلككب نجككدتهم؟ فككذلك أسككرع‪ .‬فقككال سككموطان‪ً:‬ا اذا مككا بككدؤا‬
‫بالمسير الى )زيتا( اليوم فإنهم سيصلون إلى هناك قبلنا بأيام‪ ,‬حيث أنهم سيركبون ونحككن‬
‫سنمشي‪ ,‬ولكن إذا ما تحركتم من هنا وأرسلنا إليهم رسول يجد في السير‪ ,‬فككإلى أن يصككل‬

‫‪152‬‬
‫اليهم ثم إلى أن يبدؤا بالمسير نكون عادالنا المسافة وسبقناهم بتلككك اليككام فنصككل معككا فككي‬
‫نفس التوقيت‪ ,‬أنا يجب أن أذهب إلى مملكة )زيتا( لرى خبر أخوي ولعلي أستطيع شككيئا‬
‫هناك وأكفيكم المشقة‪ ,‬فقد فعلتها من قبككل مككع الملككك ميشككا وداخلنككا مملكتككه بككدون الحاجككة‬
‫لجندي واحد‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا لماذا ل تأخذ دايفي معك وتحضككر المفتككاح ؟ فقككل الشككيخ ‪ً:‬ا إن‬
‫الوضع هناك خطير ل أضمن سلمته مع كل تلك الجنككودا‪ ,‬سككأذهب وحككدي ثككم إن أمككرك‬
‫عجيب‪ ,‬وأمك بالسجن وتفكر بإنقاذ المفتاح‪ .‬فأطرق هيرودا رأسه حياء لما أحرجه الشككيخ‬
‫وتقدمت الملكة دابورة من سموطان وقالت‪ً:‬ا إذا نذهب معك‪ .‬فقال لهككا سككموطان ‪ً:‬ا ل أظككن‬
‫أن هناك دااعي لذهابكم‪ ,‬الملك ميشا أمره بسيط‪ ,‬بل هم بحاجة إليكم هنا‪ ,‬جدوا لهكم وسكيلة‬
‫نقل‪ .‬فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا ولكن هذا‪................‬‬
‫قاطع كلم الملكة دابورة أمر ما قد دابر لها منذ أن ذهبت وهم ورائهككا إلككى البحككر لتسككتعلم‬
‫عن مملكة )زيتا( لما طلب هيرودا منها ذلك‪ .‬وذلك أن في ممكلة مككا تحككت الرض وفككي‬
‫مجلككس أبككو الملككوك أبكو الملكككة دابكورة غيكدول وهكو يجلككس علككى كرسككيه بمهابككة وبيكده‬
‫الصولجان العظيم وحوله من ملوك وطوائف الجن من أسرته أخذ غيدول يعكزم ويقكول ‪ً:‬ا‬
‫مليهويا مليهويا ليهوبا ليهوبا هاجتي هاجتي تبيينا تبيينا أين أنتم يا ملوك التجاهككات‪ ,‬أيككن‬
‫أنت يا ملك الشرق مبرش‪ ,‬وأين أنت يا ملك الغرب سلطوز‪ ,‬وأيككن أنككت يككا ملككك الشككمال‬
‫سرهاق‪ ,‬وأين أنت يا ملك الجنوب شوع‪ ,‬وأنت يا ملك الفوق مشيال وأنت يا ملك التحككت‬
‫كرجوس فظهر كل ملك من مكانه مبرش أتى من الشرق ووقككف أمككام الملككك غيككدول ثككم‬
‫سلطوز من الغرب ثم سرهاق من الشمال ثم شوع من الجنوب ثم مشيال نزل من فوق ثم‬
‫كرجوس خرج من تحت‪ ,‬فوقفوا بين يككدي الملككك غيككدول فككأمرهم قككائل ‪ً:‬ا أحضككروا إلككي‬
‫الملكة دابورة مقيدة إلى عندي الساعة الساعة‪ .‬وأخذوا يطيرون وهككو يقككول لهكم ويصكرخأ‬
‫فيهم ‪ً:‬ا الوحا الوحا هيا هيا حتى إختفوا مككن عنككده‪ .‬وعنككدما كككان سككموطان فككي الشككاطيء‬
‫يقول للملكة دابورة ‪ً:‬ا جدوا لهم وسيله نقل ‪ً:‬ا فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا ولكن هذا‪ ....‬وإذ بملككوك‬
‫التجاهات تهجم عليها وراحوا يدخلون فيها من كل إتجاه والجميع يتفرجون مذعورين ل‬
‫يعلمون مككا يحككل عليهككم وأبنائهككا مسككتنفرين‪ ,‬والشككيخ ينظككر إليهككا بل حككول ول قككوة مككع‬
‫صأراخها وصأياحها وتلك الطياف الستة تدخل جسمها من كل إتجاه ثم إختفى الجميع مككع‬
‫الملكة دابورة‪ .‬بعدها تقدم أفتاب أكبر أبنائها من الشيخ وقككال ‪ً:‬ا آذن لنككا أيهككا الشككيخ‪ .‬فقككال‬
‫سموطان ‪ً:‬ا أسرعوا إليها وآتوني بالخبار ول تبطؤا‪ .‬فقال أفتكاب وهككو يهكز رأسكه‪ً:‬ا نعكم‪.‬‬
‫ونظر أفتاب إلى اخوته الستة واختفوا جميعا‪ .‬فتقدم الشيخ مككن هرمككس وهككو ينظككر إليهككم‬
‫بأسى وهم يرحلون وقال له ‪ً:‬ا ل تبتككأس‪ ,‬سككتكون بخيككر‪ .‬فقككالت روثا حيككث كككانت واقفككة‬
‫بجانب هرمس ‪ً:‬ا ماذا حدثا للملكة دابورة ؟ فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا إنهككم ملككوك التجاهككات السككت‪,‬‬
‫وهم الوحيدين القككادارين علككى سكجن الجككن‪ .‬فقكالت روثا ‪ً:‬ا هكل الملكككة مسكجونه ؟ ومكاذا‬
‫فعلت؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا لقد أرسلهم جدي الكبير‪ ,‬لبكد وأنكه خطكأ م ا‪ .‬ثكم نظكر إلكى الشكيخ‬
‫وتبادال النظرات فقال له الشيخ ‪ً:‬ا ل بأس أذهب الن ول أوصأككيك فككي الصككبية‪ ,‬ل تككدعهم‬
‫حتى أعودا‪ .‬ثم طار سموطان بعيدا واختفى في الظلم ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫تقدم آرميا من هيرودا وقد حمل زاداه ومتاعة للسفر وقال ‪ً:‬ا إنككي ذاهككب الككى مملكككة الملككك‬
‫شمشون ياسيدي‪ .‬فالتفت إليه هيرودا وقال له ‪ً:‬ا ولكن كيف تذهب وليس لك شيء تركبككه ؟‬
‫فقال آرميا ‪ً:‬ا ل بأس سيدي سأتوغل في الغابككات لعلككي أجككد مككا أركككب عليككه هنككاك‪ .‬فقككال‬
‫هيرودا ‪ً:‬ا حسنا ولكن إحذر لنفسك‪ ,‬وأعلم أننا بحاجة لنجدة أبناء الملككك شمشككون فلككم يبقككى‬
‫معنا من الجند لصد جنودا الملك ميشا‪ .‬فقال آرميا ‪ً:‬ا إطمأن يا سيدي النجككدة سككتكون هنكاك‬
‫بإنتظاركم وأنا معهم‪ .‬وتبسم وانصرف في جنح الظلم من الشاطئ إلى دااخككل الحككراش‬
‫واختفى ‪.‬‬

‫في مملكة تحت سطح الرض حيث يجلس الملك غيدول على كرسككي عرشككه‪ ,‬أحضككرت‬
‫ملوك التجاهات الملكة دابورة وأوقفوهككا بل حككراك أمككام الملككك‪ .‬فقككال لهككا غيككدول ‪ً:‬ا لقككد‬
‫أتعبتني يابنيتي في عمري هذا‪ ,‬ماذا عساني أفعل معككك ؟ فقككالت الملكككة دابككورة لككه ‪ً:‬ا إنككك‬
‫ملك عادال وأب حنون‪ .‬فقال الملك ‪ً:‬ا لول لسانك الجميل هككذا‪ .‬فقككالت الملكككة‪ً:‬ا لككم أفعككل مككا‬
‫يستوجب غضبك مني يا أبي‪ .‬فقال الملك غيدول وقد على صأوته ‪ً:‬ا لم تفعلي شيئا‪ ..‬كل ما‬
‫فعلته ل شيء‪ ..‬تعلمين أنك بوجوداك مع سموطان ذاك سوف تصككبحين منهككم‪ ,‬عنككدها لككن‬
‫يكون لك مكان هنا‪ ..‬بجانبي‪ .‬فقالت الملكة دابورة ‪ً:‬ا الحي حيث يحيكا وليككس حيككث يولككد‪,‬‬
‫وأنت سيد الحكلماء‪ .‬عنكدها داخكل أولداهكا السكتة عليهكا وعنكدما رأوهكا ح اولت الحكراك‬
‫أوأللتفات ولكن داونما جدوى‪ ,‬فلم يتحرك جسمها بككل ظلككت مكانهككا كأنهككا خشككبة صأككماء‬
‫وملوك التجاهات حوالي الغرفة ينظرون إليها‪ .‬فتقدم منها اولداها لنجككدتها فأشككار الملككك‬
‫غيككدول إلككى ملككوك التجاهكات بيككده علككى الولدا‪ .‬فانقضككت تلككك الطيككاف علككى أبنائهككا‬
‫يدخلون فيهم من كل جهه‪ ,‬كل ملك يدخل على واحد ويخرج منه إلى الخر وهكككذا حككتى‬
‫داخلت جميع ملوك التجاهات فككي جميككع النبككاء وخرجككت منهككم واسككتقرت فككي الفضككاء‬
‫حوالي عرش الملك غيدول بعد أن تجمدت الملككوك أبنككاء الملكككة دابككورة حككوالي أمهككم بل‬
‫حراك فقال لهم الملك غيدول ‪ً:‬ا سأبقيكم هكككذا لخمسككين أو مئككه سككنة قادامككة‪ ,‬حينهككا يكككون‬
‫سموطان قد مات‪ ,‬وقد تحظون بفرصأة أخرى تستحقون بها أن تكونوا ملوكا على قبائككل‬
‫الجن والعفاريت‪ .‬وقال بصوت عال ‪ً:‬ا خذوهم إلى السجن ‪.‬‬

‫في مملكة زيتا وصأل سموطان وهو يطير بإتجاه أبراج القلعككة‪ .‬وإتجككه إلككى شككرفة كككبيرة‬
‫ينبعث منها ضوء المصباح فدخل منها فإذا هي مكتبة القصر‪ .‬فنظر سموطان إلككى يسككار‬
‫الطاولة الضخمة فنهظ أخوه الطويل حيث كككان يطككالع الكتككاب السككليماني وبجككانبه أخككوه‬
‫الصأغر واقفككا فنظككرا إليككه فرحككان‪ .‬وقككال لمككون الطويككل وهككو يتجككاوز الطاولككة ناحيككة‬
‫سموطان ‪ً:‬ا سموطان‪ ..‬ولكن سموطان أعطاه ظهره وراح ينظر إلى المكتبه و قال ‪ً:‬ا كيف‬
‫تورطتما في قتل البرياء؟ فأمسك الطويل فرحته وردا عليه بجدية ‪ً:‬ا لككم نشككأ ولككم نخطككط‬
‫لما حصل‪ ,‬ولبد وأنك عرفت ما حصل من أمر الملك ميشا‪ .‬فالتفت إليه سموطان غضككبا‬
‫قائل ‪ً:‬ا لم يكن لميشا ذلككك الضككعيف أن يحقككق مسككعاه لككول مسككاعدتكما لككه‪ .‬فقككال شككملل‬
‫القصير من وراء أخيه الطويل ‪ً:‬ا لم نفعل عن خاطرنا ولكنككه أجبرنككا علككى ذلككك يككا أخككي‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫فنظر إليه سموطان بإحتقار قائل ‪ً:‬ا أخي! وهل هذا هو ما تربينا عليه؟ ونظر الى لمككون‬
‫الطويل قائل‪ً:‬ا يا أخي! فقال لمون ‪ً:‬ا عملنا ما علمنا من أجل العلككم‪ ,‬لقككد أردانككا السككتعانة‬
‫بالكتاب السليماني‪ .‬وأشار لمون إلى الكتاب على الطاولة قائل ‪ً:‬ا لكي نتعلككم منككه مكا يفيككد‬
‫في شفاء الناس وتخليصككهم مككن بؤسككهم‪ .‬فقككال سككموطان وهككو يتقككدم مككن الشككرفة ‪ً:‬ا نعككم‬
‫بؤسهم‪ ,‬لقد خلصتم الناس من بؤسهم فعككل‪,‬ا وذلككك بقتلهككم ورميهككم مككن الشككرفات‪ .‬ونظككر‬
‫سموطان من الشرفة إلى السفل وقال لمون الطويل من خلفه ‪ً:‬ا لكل شيء ضريبة وتلككك‬
‫ضريبة نسبية في سبيل العلم‪ .‬فأداار سموطان رأسه ليجيب على لمون الطويل ولكن قبكل‬
‫أن يفتح فمه ليتكلم إذا بيد قابضككة علككى مسككمار مككن حديككد تلكمككه فككي وجهككه بقككوة وباليككد‬
‫الخرى تدفعه إلى الشرفة‪ .‬فأمسك سككموطان بقككوة علككى زوايككا الشككرفة وذلككك مككن خلفككه‬
‫يدفعه إلى خارج الشرفة ولكنه لم يستطع إسقاطه لمقاومة سموطان قوة دافعه لككه‪ ,‬فسككحبه‬
‫ذلك الرجل إلى الخلف ورمى به على الرض وسموطان من صأعق المفاجاة لم يدري مككا‬
‫حل به‪ .‬فاذا هو على الرض وقد أدامت أسنانه وخرج من فمه الككدم علككى لحيتككه البيضككاء‬
‫وهو ينظكر إلكى مكن فعككل ذلكك بكه فقكال متعجبككا‪ً:‬ا ميشكا! فقككال ميشكا وهكو يتقكدم ناحيككة‬
‫سموطان‪ً:‬ا نعم أنا هل تذكرني؟ ذلك الذي كان المس تحت قبضتك‪ .‬وأشار الى سككموطان‬
‫بيده قائل بإحتقار ‪ً:‬ا واليوم أنت في قبضتي‪ .‬وقبل أن يتنفس سموطان عاجله ميشا وقبككض‬
‫عليه من خناقه وارتفع به عاليا حتى ضرب برأسه السقف وأثبته هناك مرتفعا بككه‪ .‬فبككدت‬
‫على سموطان آثار التوجع والندهاش معا‪ .‬فنظر إليه ميشا وهو ما يزال يمسككك فككي كككل‬
‫قبضة من يديه بأزميل من حديد قائل ‪ً:‬ا هل تريد أن نلعب تلككك اللعبككة الككتي أريتينيهككا فككي‬
‫فراشي؟ لنرى من منا سيسقط هذه المرة‪ .‬فلم يجبه سموطان بل المبككاغته سككلبته كككل قككواه‬
‫وبان هزيل تحت رحمة ميشا فهوى به ميشككا إلككى الرض وهككو فككوقه يككدفعه إلككى تحككت‪.‬‬
‫فسقط على ظهره فوق الطاولككة الكككبيرة فككأوجعه‪ .‬وقككام سككموطان يسككعل مككن اللككم الككذي‬
‫بصدره وميشا ما يزال يمسك بخناقة لم يفلته وقد خرجت عينا ميشا وجحظت وهو يتأمككل‬
‫وجه سموطان في العذاب الليم‪ .‬فقال ميشككا ‪ً:‬ا هككل تفأجككات مككن قككواي الخارقككة؟ نعككم إنككه‬
‫الكتاب السليماني‪ .‬ونظر ميشا إلى الكتاب فوق الطاولة نفسها من طرف عينه قككائل ‪ً:‬ا لقككد‬
‫إتضح أن فيه أكثر مما كنت أتصور‪ ,‬لم أردا إل النتقام من أجمنون ومنككك أنككت خاصأككة ‪.‬‬
‫ونظر ميشا إلى الكتاب مرة أخرى قائل ‪ً:‬ا ولكن هذا الكتككاب يسككاوي الكككثير‪ .‬وأخككذ ميشككا‬
‫يلعق شككفيته بلسككانه وهككو يتشككفى بككالنظر إلككى سككموطان وهككو يجلككس فككوق صأككدره علككى‬
‫الطاولة‪ .‬فقال سموطان بصوت مخنوق ‪ً:‬ا هل تعتقكد أن الحم ار الكذي يحمكل الكتكب علكى‬
‫ظهره يعرف قيمة ما يحمل؟ عندها غضب ميشا وعض على أسنانه من الغيض وزمجككر‬
‫وأفلت يده اليمنى من خنككاق الشككيخ وأمسككك بسكاعد سككموطان اليسككرومده علككى الطاولككة‬
‫معتدل ثم وضع ركبته على ساعده وأنزل كل جسمه على يد الشككيخ يثبتهككا علككى الطاولككة‬
‫مما آلمه فتأنن الشيخ ونظر إليه ميشا قائل ‪ً:‬ا هل آلمتك ؟ أنا آسككف ليككس هككذا مككا قصككدت‪.‬‬
‫وأمسك ميشا بساعد سموطان اليمككن ومككده علككى الطاولككة ورفككع يككده الككتي تمسككك بككذلك‬
‫الزميل وهوى بها على رسغ سموطان بقوة فخرقها وانتصب في الطاولة مارا من خلل‬
‫رسغه فصرخأ سموطان مككن أللككم‪ .‬وارادا إسككتعمال يككده اليسككرى لككدفع ميشككا فلككم يسككتطع‬

‫‪155‬‬
‫إزاحتها من تحت ركبه ميشا وسالت داماء سموطان مككن رسككخة حككتى تسككللت إلككى تحككت‬
‫الطاولة وناحية الكتاب السليماني ففزع شملل القصير وأسرع بإنقاذ الكتاب ورفعككه عككن‬
‫الطاولة‪ .‬فقفز ميشا عن صأدر الشيخ إلى ناحية يده اليسرى وثبتها وفعل مثككل اليككد اليمنككى‬
‫فصرخأ الشيخ بعلو صأوته متألما وصأرخأ معه يسايره الملك ميشككا متلككذذا مككن تككألم الشككيخ‬
‫وهو ينظر إلى الشيخ حيث صألبه فوق الطاولة‪ .‬ونظر ميشا إلى أخوي سموطان ينظككران‬
‫إلى أخيهم بحزن وأسى ونظر سموطان إلى أخككويه متحسككفا عليهمككا أن يرضككيا هككذ لككه ‪.‬‬
‫ورجع ميشا يمشي إلى الخلف حيث وراءه فأسا مسنوداه على الزاوية تحت أرفككف الكتككب‬
‫فمد ميشا يده خلفه فالتقطها ولم تغب عينيه عن مراقبة الشيخ الممددا على الطاولة فتنككاول‬
‫الفأس وأخذ يقلبها في كفه وهو يتقدم يتفحص الشيخ حتى وصأككل عنككد يككده اليمنككى ونظككر‬
‫إلى الشيخ ورفع فأسه عاليا وأوقفها هنكاك وهكو ينظككر إلككى سككموطان قكائل ‪ً:‬ا ألكن تطلكب‬
‫العفو والصفح وما إلى ذلك؟ ألكن تسكترحمني فكي نفسكك يكا رجكل؟ فنظكر إليكه سكموطان‬
‫بنظره من عينه شزرا وقال ‪ً:‬ا قككد أطلككب الرحمككة مككن الملككوك ولكككن ليككس مككن صأككعلوك‪.‬‬
‫فغضب ميشا وحنق ورفع فأسككه أعلككى مككن المككرة الولككى وهككوى بهككا بقككوة علككى الشككيخ‬
‫فأغمض سموطان عينيه مستسلما لنهاية محتومة‪ .‬وهوت الفأس علككى الزميككل الككذي فككي‬
‫رسغ سموطان‪ .‬فقد بدل ميشككا إتجككاه الفككأس وهككي تهككوي إلككى الناحيككة العريضككة الخلفيككة‬
‫فاستخدمها كمطرقة وضرب برأسها الزميل فدخل إلى آخره وخكرج مككن تحكت الطاولكة‬
‫فصرخأ الشيخ متألما‪ .‬وداار ميشا إلى الناحية الخرى‪ ,‬وهوى بفأسككه بقككوة علككى الزميككل‬
‫الخر فدخل عن آخره خلل رسغ الشيخ وظهر من تحت الطاولة الخشككبية‪ .‬و نظككر إليككه‬
‫ميشا وهو يتنفس بسرعة وقككال ‪ً:‬ا ليككس الن‪ ,‬داعنكي أتشكفى منككك أول‪ .‬وتكوجه ميشككا إلكى‬
‫الباب ثم إلتفت إلى الشيخ وأشار إليه بشفرة الفأس قككائل ‪ً:‬ا وليككس قبككل أن أجعككل أجمنككون‬
‫يرى بطله الشجاع الذي يحارب به كيف صأار‪ .‬ثم خرج ميشا من باب المكتبة ‪.‬‬

‫في الداغال كان آرميا يمشي عبر الغابات المظلمة وفجأة توقف ونظر إلى كل إتجككاه فلككم‬
‫يرى أحدا فرمى بكيس زاداه على الرض ثم تحول جسده إلى جسد مككن رمككل علككى هيئككة‬
‫ذلك العملق الرملي مرقس ابن سايروس‪ .‬وتنأثرت حبات ذلك الجسد الرملي في الهككواء‬
‫إلى أعالي الشجار وطارت بعيدا ‪.‬‬

‫هادااساه كانت تمشي علككى الشككاطيء وفجككأة وجككدت علككى الرض غصككن يككابس تتفككاذفه‬
‫المواج فالتقطتة ثم وضعته أرضا أمامها‪ ,‬وتقرفصت وعامدت العصى القصككيرة ومككدت‬
‫يديها بقوة إلى العصى وحركتهما فوقها وهي تنظر إلى الخككاتم الككذي تلبسككه فككي إصأككبعها‬
‫البهام‪ .‬وأخذت تحرك يديها وتحبس أنفاسها على ذلك الغصن حتى تعبت فأرجعت يككديها‬
‫إلى ركبتيها ونظرت إلى العصى‪ ,‬ثم مدت يديها فككوقه قائلككة ‪ً:‬ا تحككرك‪ ...‬تحككرك‪ ..‬إذهككب‬
‫هيا‪ .‬ولم يحصل للعصى شيء وفجأة نظرت أمامها محاولة إخككتراق حلكككة الظلم عنككدما‬
‫أحست بأن أحدهم يقترب منها من أمامها بمحكاذات الشكاطيء‪ .‬فنهضكت خائفكة‪ .‬فكاذا هكو‬
‫أوريا قد وقف أمامها‪ ,‬ولم يبن من شدة الظلم حتى وهو على بعد خطوتين منها فقال لها‪ً:‬ا‬

‫‪156‬‬
‫هل مازلت تحاولين معرفة إستخدامات الخاتم السليماني ؟ فقالت هادااسككاه ‪ً:‬ا ل ولكككن هككي‬
‫تجارب وقت الفراغ وأنت‪ ..‬ماذا تفعل هنا؟ فقال أوريككا ‪ً:‬ا لككم أسككتطع النككوم‪ .‬ثككم نظككر إلككى‬
‫هادااساه وقال ‪ً:‬ا كيف لم ألحظك سابقا في المملكة؟ فقالت هادااساه ‪ً:‬ا هذا لني لككم أكككن أقيككم‬
‫بالمدينة‪.‬‬

‫إقترب الشيخ لمون الطويل مككن الطاولككة حيكث صأكلب سكموطان وقككال لكه ‪ً:‬ا مكاذا فعلككت‬
‫بالملك ميشا لكي يحقد عليك كل هذا الحقد ؟ فقال سموطان ‪ً:‬ا وماذا فعل المعلم لكككي يحقككد‬
‫عليه الجاهل‪ ,‬الحكيم من وضع الشيء في موضعه الصحيح‪ ,‬ما حكمتكما في وضع العلككم‬
‫بيد جاهل مثله؟ الملوك تحتاج إلى العلماء وليست العلماء من تحتاج الملوك‪ .‬عندها داخككل‬
‫عليهم ميشا وصأاح في لمون قائل ‪ً:‬ا إذا مككا أفلتمككاه وضككعتكما مكككانه‪ .‬وتككوجه ميشككا إلككى‬
‫سموطان قائل ‪ً:‬ا أين أصأبح الملك أجمنككون الن؟ فلككم يجككب عليككه سككموطان فقككال ميشككا ‪ً:‬ا‬
‫أطلق سراحك وتداوي الحكماء جراحك‪ ,‬مع غرفة مليئكة بككل وسكائل الراحكة والملكذات‪,‬‬
‫فقط بعض المعلومات‪ ,‬ثم إني قد أحتاج مثلك‪ ,‬إنه الملك أجمنككون مككن أريككد‪ .‬ونظككر ميشككا‬
‫إلى الشيخ وقال ‪ً:‬ا كم عدداهم ؟ في أي البلدا أصأبحوا ؟ عندها أفزعهم داخول رجل عليهككم‬
‫طائرا من الشرفة ففزع الملك ورجع إلى الوراء فككإذا هككو مرقككس وقككد رجككع شكككله علككى‬
‫صأورة آرميا فقال ‪ً:‬ا ل تخف أيهككا الملككك إنككي صأككديق‪ .‬ونظككر آرميككا إلككى سككموطان علككى‬
‫الطاولة وقال‪ً:‬ا وأجيبك عن ما سألته لسموطان‪ .‬ففرح بذلك ميشا ثم بدا متشككا وقككال‪ً:‬امككن‬
‫أنت؟ وكيف داخلت هنا؟ فنظر اليه سموطان من طرف عينه فقد علككم ذلككك الصككوت‪ ,‬إنككه‬
‫صأاحب التابع فاطمأنت نفسه بعض الشيء لعلها حيلة من آرميا لخراجه فقال آرميا ‪ً:‬ا أنا‬
‫مرقس ابن سايروس ملك مملكة )ثيتا( التي قضى عليها الملك أجمنون‪ .‬عندها قال ميشككا‪ً:‬ا‬
‫وأين هو الملك أجمنون الن ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا لقد مات‪ .‬فقككال ميشككا مندهشككا غيككر مصككدق ‪ً:‬ا‬
‫مات ! وكيف مات ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا لقد قتلككه وزيككره‪ ,‬وجنككوداه الن فككي طريقهكم إلكى هنكا‪.‬‬
‫فقال ميشا ‪ً:‬ا وكم يبلغ هذا الجند من العددا ؟ ومككا هككي عككدداهم ؟ ومككا هككي أسككلحتهم ؟ ومككا‬
‫خطتهم ؟ قل لي قل لي‪ ,‬أريد أن عرف كل شيء‪ ,‬متى سيصلون إلينا ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا لقككد‬
‫أرسلوني لطلب النجدة من مملكة )جاما( مملكة الملك شمشون بعككد أن علككم إبككن أجمنككون‬
‫هيرودا‪ ..‬وأشار آرميا إلى سموطان وهككو يتقككدم نحككوه حككتى أمسككك سككموطان مككن شككعره‬
‫قائل‪ً:‬ا بصنيعك بمملكتهم‪ .‬والتفت آرميا إلى ميشا قائل ‪ً:‬ا ولكن لتخف إنهم ل يعلمون من‬
‫أكون بل يظنوني شخصا أخر‪ ,‬وعوضا عكن الكذهاب إلكى مملككة شمشكون أتيتكك منكذرا‪,‬‬
‫ولكن ل دااعي للقلق إن عدداهم قليل جدا‪ ,‬ل يبلغ الفيلقين‪ .‬فقال ميشككا وهكو يشككير بإصأككبعه‬
‫السبابة والوسطى‪ً:‬ا إثنين فقط‪ ..‬وضحك ضحكة أرجعته للوراء وقال‪ً:‬ا لبد وانهم إستغنوا‬
‫عن الجند بالجن إذا ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا ول هذا أيضا‪ ,‬فللجن مشاكلهم الخاصأة‪ ,‬لم يبقككى معهككم‬
‫إل واحدا‪ ,‬وذلك ل خوف منه‪ ,‬وخاصأة وأن لديك زعيمهم وأخطرهم‪ ..‬وأشار آرميككا إلككى‬
‫سموطان فنظر ميشا إلى حيث يشير آرميا وابتسم ثم التفت بجديككة إلككى آرميككا وقككال لككه ‪ً:‬ا‬
‫وما الذي يدفعني إلى تصديقك والوثوق بك؟ فتبسم آرميا ومضى إلى زاوية الغرفككة حككتى‬
‫وقف عندها والتفت إلى ميشا وقال ‪ً:‬ا إنه عدوي كما هو عدوك‪ ,‬ولككو شككأت أن أخلصككه‪..‬‬

‫‪157‬‬
‫ولك الحق في الظن بذلك‪ ,‬لستطعت تخليصه منك داونما مشقة‪ ,‬ولما جأت إليك‪ .‬ثم تحول‬
‫آرميا إلى مرقس الرملي ففزع منه الملكك ميشكا ولمككون الطويككل وخرعهمككا منظككره‪ .‬ثككم‬
‫تناول مرقس الفأس من خلفه بيده وشق بها بطنككه فتخللككت الفككأس مككن جسككمه إلككى الجهككه‬
‫الخرى داونما أثر وكأنه لم يفعل شيء‪ .‬فنظر إليه ميشا متعجبا فقال مرقس ‪ً:‬ا يظنون أنهم‬
‫تخلصوا مني ولكن ليس بتلك السهولة‪ .‬وتحول مرقس مرة أخرى إلى شكل آرميا وتقككدم‬
‫من الملك ميشا وقال‪ً:‬ا إطمأن نحن في نفس الجانب‪ ,‬ولو أردات تخليص الن لخلصته من‬
‫قبضتك وحملته بعيدا ولما إستطاع أحد إيقا في‪ ,‬سوف يصلون بعككد عشككرة أيككام إلككى هنككا‬
‫ويتوقعون مدداا من مملكة الملك شمشون وهذا لن يحصلوا عليه‪ ,‬فنطبق عليهككم ونتخلككص‬
‫منهم‪ ,‬ولكي تطمأن سأبقى هنا معك تحت عينيك إلى أن يحضروا‪ ,‬هل ذلك العرض الذي‬
‫قدمته للشيخ إذا ما أخكبرك عكن الملكك أجمنكون قائمككا؟ فنظكر إليككه ميشككا بإبتسكامة خبيثكة‬
‫ووضع يده على كتف آرميا قكائل ‪ً:‬ا طبعكا طبعكا ككل م ا تتمنكاه‪ .‬وأمسككه ميشكا مكن كتفكه‬
‫وأدااره ناحية الباب ومضى به وميشا يقول له ‪ً:‬ا لدينا الكثير لنتحدثا به ‪.‬‬

‫كانت أشعة الشمس وقت الضحى تتخلل أشجارالغابة حيث يسير هيرودا ورجاله من خلفه‬
‫وقد بدى عليهم الرهاق والتعب‪ .‬فتقدم كبير الجند مككن هيككرودا حيككث كككانت قككدما هيككرودا‬
‫تمشيان لوحدهما من فرط الرهككاق وقككد تبيسككت شككفتاه فقككال لككه ‪ً:‬ا سككيدي إن حالككة الجنككد‬
‫مزرية‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا وماذا ترى من حالتنكا نحكن ؟ هكل نحكن أفضكل ح ال منهكم ؟ فق ال‬
‫كبيرالجند وهو يشير برأسه إلى مصدر أشعة الشككمس‪ً:‬ا هككذه شمسككنا الثانيككة هككذا الصككباح‬
‫ونحن نسير بين هذه الشجار العالية ولم نقابل في طريقنا أحدا ولم نرى أثرا لخيل أو أي‬
‫شيء نستعين به لحملنا أو حمل متاعنا‪ ,‬بل قام الجند بالتخلص من معظم ما يحملون‪ ,‬كمككا‬
‫أن المياه في هذه الطريق شحيحة والزادا أقل منه لم نصطد ول حيوانا واحككدا منككذ شككمس‬
‫البارحة‪ ,‬لقد تعب الجميع‪ .‬فالتفت إليه هيرودا وتوقف عن السككير وقككال ‪ً:‬ا ليسككترح الجميككع‬
‫هنا لبعض الوقت‪ .‬وجلس هيرودا تحت شجرة قائل ‪ً:‬ا ريثما نسكتعيد بعكض قوتنكا‪ .‬ف انطلق‬
‫كبير الجند بأمر الجند بالراحة‪ .‬وهيككرودا ينظككر إليككه وهككو يرجكع خلفهككم‪ .‬فوضككع الجميكع‬
‫رحالهم تحت الشجار وأتى الجند بجثة الملكك يحملوهكا علكى ناقلكة يكدويه‪ ,‬وككبير الجنكد‬
‫معهم حتى وضعوها أمام هيرودا وهم متلثميككن‪ .‬فقككال كككبير الجنككد لهيككرودا ‪ً:‬ا مككولي‪ ,‬مككع‬
‫إحتراماتي لكم وللملك العظيم أجمنون الذي خدمته بإخلص لسككنين عديككدة‪ .‬وأشككار كككبير‬
‫الجند بيده إلى الجثة قائل ‪ً:‬ا ولكن يجب أن يدفن‪ .‬فغضب هيرودا وكشككر بككوجهه فككي وجككه‬
‫كبير الجند قائل بصوت عالي مؤكدا ‪ً:‬ا الملك يدفن في مملكته‪ .‬ثم هدأ وأسككند رأسككه خلفككه‬
‫على جذع الشجرة وقال ‪ً:‬ا لم يبقى إل القليل ونصككل إلككى هنككاك‪ .‬عنككدها تقككدم منككه الحكيككم‬
‫يوقاس تلميذ الشيخ سموطان وقال لهيرودا ‪ً:‬ا هذا صأحيح يا مولي لم يبقى من الطريق ال‬
‫القليل‪ ,‬ولعلكم تشمون هذه الرائحة‪ .‬فصد هيرودا بوجهه إلى الجهه الخرى ولككم يعككترض‬
‫فأكمل الحكيم قائل ‪ً:‬ا هذا ليس بالوقت الملئككم لتطككبيق القككوانين‪ ,‬أنظككر إلككى حككال جنككدك‪,‬‬
‫أنظر إلى حالنا‪ .‬عندها تكلم من خلفه أوريا وهو يسير إليهم وقال لهيرودا ‪ً:‬ا الحكيككم ينطككق‬
‫بالصواب‪ ,‬وأنت كذلك يا سيدي‪ .‬عندها نظر إليه هيرودا من مكانه فقككال أوريكا ‪ً:‬ا أرى أن‬

‫‪158‬‬
‫ندفنه هنا ونعلم قبره بعلمة بارزة فإذا ما وصألنا إلى المملكة نبعث الجند إلى هنككا فيككأتون‬
‫به ليدفن هناك‪ ,‬محمل بموكب يحمله يليق به‪ ,‬كيف سندخل عمي الملك إلى مملكتككه بهككذه‬
‫الطريقة؟ على ناقلة خشبية يحملها جند متهالكون يكككادا أن يغشككى عليهككم مككن تعككب حمككل‬
‫أنفسهم‪ ,‬هذه الصورة ل تليق بملك عظيم مثله‪ .‬حينها وقف هيرودا وهز رأسه ونظككر إلككى‬
‫كبير الجند وأشار إليه بيده ناحية الجثة قائل ‪ً:‬ا إحرص على أن تكون علمة مميزة‪ ,‬فأنت‬
‫من سيحضر إلى هنا ليأتي به ليدفن هناك‪ ,‬فأطرق رأسه كبير الجند باليجاب وأشار إلككى‬
‫الجند بحمل الناقلة ‪.‬‬
‫أخذ الجند يحفرون القبروهيرودا يشاهدهم من حيث جلس تحت تلك الشجرة‪ .‬فحضر إليككه‬
‫هرمس وقال له ‪ً:‬ا مضى أكثر من يومين ولم يرجع الشيخ‪ ,‬اني قلق عليه‪ ,‬لبككد وأن شككيء‬
‫ما منعه‪ .‬فقال هيرودا وهو ينظر إلى هرمس الذي وقف فوق رأسه ‪ً:‬ا وماذا تقترح مني أن‬
‫أفعل ؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا لست أنت من سيفعل بل سأذهب للطمئنان عليه وقبل ذلك سأعرج‬
‫على ذوي فهم كذلك قد طالت غيبتهم‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا ألم تقل بأنككك ل تسككتطيع تككرك دايفككي‬
‫لوحده عندما طلبت منك أخذ أبي إلى المملكة ؟ أم هل هذا وضع مختلككف لنككه يخصككك؟‬
‫فقطب هرمس حاجبيه وقال ‪ً:‬ا نعم هذا وضع مختلف‪ ,‬فإن من أمرني بذلك هو مككن أسككعى‬
‫لمعرفة ما حل به‪ ,‬ثم إني ل أخذ إذنك بل أخبرك بما سكأفعله‪ .‬وتكوجه هرمككس بعيكدا عنكه‬
‫حتى وصأل إلى هادااساه حيث كانت قريبه من جثة الملك حيث تحفر الحفرة فقال لها ‪ً:‬ا أنا‬
‫ذاهب للطمئنان على إخوتي سوف لن أغيككب طككويل‪ .‬عنككدها حضككرت مككن خلفككه روثا‬
‫وبيدها دايفي وقد سمعت ذلك فالتفت هرمس إليهما وقال لروثا ‪ً:‬ا يجككب أن أذهككب أشككعر‪,‬‬
‫أن الشيخ قد أصأابه مكروه‪ .‬عندها هدأت روثا واقتنعت لخوفهككا هككي أيضككا وقلقهككا علككى‬
‫سموطان الذي رباها‪ .‬ثم إستدار هرمس وراءه إلى هادااساه وقكال لهكا ‪ً:‬ا أريكدك أن تعتنكي‬
‫بهما ريثما أعودا فاندهشت روثا من طلب الحماية لهما‪ ,‬ومن من ؟ من هادااساه ! فقككالت‬
‫هادااساه لهرمس ‪ً:‬ا ولكني بالكادا أستطيع حماية نفسي وقد يصككبيهما أي شككيء‪ ,‬فككأكون أنككا‬
‫المسؤولة أمامك‪ .‬فقال هرمس ‪ً:‬ا ل بأس عليك فقط أبذلي ما في وسعك وأنا واثق كل الثقة‬
‫بك‪ .‬عندها تبسمت هادااسككاه بينمككا إغتاضككت روثا فقككال هرمككس لهككا ‪ً:‬ا سككوف لككن أغيككب‬
‫طويل‪ .‬والتفت إلى وراءه وطار بعيدا واختفى ‪.‬‬
‫تقدمت هادااساه وبيدها شيء نحو هيرودا إلى أن وصألت إليه حيث يجلس ومدت يدها إليككه‬
‫لتعطيه قائله ‪ً:‬ا خذ‪ ..‬أعتقد أنك يجب أن تحمل هذه الن‪ .‬فنظر هيرودا إلككى فككوقه ومككد يككده‬
‫إلى يد هادااساه فوضعت فككي يككده ثلثككة خككواتم‪ ,‬أحككدها وقككد عرفككه خككاتم المملكككة وإثنيككن‬
‫يشبهان بعضهما كل واحد منهما بحجر معصفر‪ .‬فأخذ يقلبهما بيده بحزن‪ .‬فقالت هادااساه‪ً:‬ا‬
‫انهما الخاتمان اللذان أهداهما إليه الملك شمشون‪ .‬فقبض هيرودا عليها جميعككا فككي راحككة‬
‫يده بقوة ‪.‬‬

‫الملك غيدول أبو الملك كان يمشي في ممرات مظلمككة ذات حجيككرات ممسكككا بصككولجانه‬
‫الكبير ومحدثا صأوتا إثر ضربه على الرض أثناء سيره‪ ,‬وقد بدا جككاداا بلحيتككه الطويلككة‪,‬‬
‫حتى توقف عند إحدى الحجيرات فدخل إليها حيث الملكة دابورة واقفة كمثل عودا الشجرة‬

‫‪159‬‬
‫وأولداهكا متسكمرين يحيطكون بهكا موضكوعين كلهكم فكي حجكرة واحكدة‪ ,‬ككأنهم التماثيكل‬
‫الخشبية‪ .‬وعند داخوله عليهم قال غيدول ‪ً:‬ا لم أكن أتخيل أن أفعل مثل هككذا الفعككل بأبنككائي‬
‫في يوم من اليام‪ .‬وتنفككس بعمككق وراح يتجككول خللهككم وهككم بل حككراك‪ .‬ثككم التفككت إلككى‬
‫الملكة دابورة قائل بصوت عالي ‪ً:‬ا ولكن القانون هو القككانون‪ ,‬ونحككن مككن نحمككى القككوانين‬
‫ونطبقها على الخرين أجدر بنا أن نطبقها على أنفسنا‪ .‬ثم إستدار إلى الخوة قككائل ‪ً:‬ا وإل‬
‫أصأبحنا بل ضابط وانفلتت المور من بين أيككدي حكمنككا‪ .‬فقككال أكككبر أبنككاء الملكككة الملككك‬
‫أفتاب ‪ً:‬ا نعم يا جدي نحن نحمي ونطبق القوانين هذا صأحيح ولكن‪ ..‬ألسنا أيضا نحككن مككن‬
‫نضعها ؟ فلماذا نضعها في طريقنا بدل أن نضعها لطريقنا ؟ فالتفت إليككه غيككدول قككائلا ‪ً:‬ا‬
‫قوانينا هي لنككا‪ ,‬وقككوانينهم لهككم ‪ .‬لمككاذا نفتككح علككى أنفسككنا هككذه الهككوة‪ .‬وأشككار بصككولجانة‬
‫ل ‪ً:‬ا منا ‪ .‬ثم أشارإلى العلى ونظر إلى فوق قككائلا ‪ً:‬ا إليهككم ‪ .‬ثككم‬ ‫الطويل إلى صأدره هو قائ ا‬
‫إستدار غيدول فجأة يراقب آخرزاوية عند الممر المظلم حيث سككمع حركككة هنككاك‪ .‬وكككان‬
‫هناك هرمس يراقبهم وقد إستمع إلى ماداار عليهم ‪ .‬فنبهه ذلك الرسول السودا الذي شكله‬
‫كمثل الغوريلت من خلفة ‪ .‬لذلك أصأدر ذلك الصوت الذي نبه الملك غيدول إليه‪ .‬فأشار‬
‫إليه القبيح باصأبعه على فمه علمة على أن أصأمت ‪ .‬ثم أشار إلية بيده الككذهاب ‪ .‬فتحككرك‬
‫هرمس خارجا ا بعد أن كان خائفا ا وتولى بعيداا ‪ .‬وخرج من الممرذلك القبيح بإتجككاه الملككك‬
‫غيدول سائراا إلية ‪ .‬فلما رآه الملك هدأ وقال ‪ً:‬ا أهككذا أنككت يككا سككهلون ؟ فقككال القبيككح وهككو‬
‫يسير بإتجاه الملك ‪ً:‬ا نعم يا مولي‪ ,‬لدي ما أخبرك به ‪.‬‬

‫كان الملك ميشا يأكل من الفواكة وقد تعالت صأيحات الضحك بينه وبين من ينادامه آرميككا‬
‫فقال له الملك ميشا ‪ً:‬ا إذا هذا ما حصل معك والملك آجمنون ؟ إذا لماذا مازالت تحقد عليه‬
‫وقدمات ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا ليس هو من أريد النتقام منه إنككه أوريككا‪ .‬فقككال لككه الملككك ميشككا ‪ً:‬ا‬
‫ومن يكون هذا ؟ فقال آرميا ‪ً:‬ا إنه تابع من أتباع أبي المخلصين وأنا كنت أسككتخدم طريقكة‬
‫سحرية لتصور بصورة رجل ما على أنه تابع لي فأختلط بتابع أبي حتى أعرف خططككه‬
‫وكل شيء يفعله‪ .‬ولكي ل يشككك بككي تككابعه وأكسككب ثقتككه علمتككه شككيء مككن السككرار فككي‬
‫طريقة التصور بصور الخرين‪ ,‬ولكنها كانت طريقة ساذجة أوهمته أنها طريقة عظيمككة‬
‫ليس لها مثيل وأنها سر من السرار المتككوارثه وهككي ليسككت ذي شككأن عنككدي‪ ,‬فوثككق بككي‬
‫بعدها وأصأبح يخبرني هو الخر بكل أسراره وأسرار أبي معه‪ ,‬ولم يعلككم طككوال الككوقت‬
‫أن آرميا ما هو إل أنا‪ .‬فقال الملك ميشا ‪ً:‬ا إذا كيف تقول أنككه قتلككك بينمككا أنككت هنككا ؟ فقككال‬
‫آرميا ‪ً:‬ا لقككد قتككل ذلككك المتصككور فككي ذلككك الرمككل وليككس ذلككك أنككا علككى الحقيقككة‪ ,‬عنككدها‬
‫تصورت بصورة الذي إعتادا أن يثق به وهو صأاحبه تابع إبن سايروس وذلككك حككتى أجككد‬
‫طريقة للنتقام منهم جميعا لول أولئك الجان الذين معهم‪ .‬فقككال الملككك ميشككا ‪ً:‬ا إذا لمككا لككم‬
‫تفعل وترسل عليهم ذلك العملق الرملي عندما رحل عنهم الجن ؟ فقال آرميا وقد نهككض‬
‫من مكانه وسار وهو يحاور الملك ‪ً:‬ا إني أستمد في طريقتي حجمككي وطككاقتي مككن رمككال‬
‫الصحراء الناعمة‪ ,‬وبدونها ل أتزودا بشيء في حجمي الطبيعي هذا على مككا ترانككي الن‪.‬‬
‫فقال الملك ميشا ‪ً:‬ا هل هذا صأحيح ؟ أم أنك أنت أيضا طمعت بالمفاتيككح وتنتظككر الفرصأككة‬

‫‪160‬‬
‫لخذها عندما يجمعوها كلها لك ؟ فقككال آرميككا وقككد تلعثككم وأرتبككك ‪ً:‬ا ل‪ ..‬ل طبعككا إن هككذه‬
‫المفاتيح لتهمنككي مطلقككا فأنككا أكككبر مككن ذلككك بكككثير‪ ,‬كمككا أنهككا ليسككت إل أسككطورة‪ ..‬نعككم‬
‫أسطورة وكذبة كبيرة بحجم التاريخ كله ‪.‬‬

‫في نفس الوقت وفي مكتبة القصر داخل هرمس من الشرفة وعندما نظككر إلككى الشككيخ فككي‬
‫تلك الحالة رق قلبه له ‪ .‬كما فرح به الشيخ وقال له ‪ً:‬ا هرمس هذا أنت ؟ وتنفس سككموطان‬
‫وردات الروح إليه وقال ‪ً:‬ا أخرجني من هنا يا هرمس ‪ .‬فقال هرمس ‪ً:‬ا أرجككو أن ل تكككون‬
‫غاضبا مني لمخالفتي أمرك بحراسة دايفي يككا سككيدي ‪ .‬فقككال الشككيخ ‪ً:‬ا ل بككأس يككا هرمككس‬
‫أسرع وأخرجني من هنا هيا بسرعة قبل أن يشعروا بنا ‪.‬‬

‫في مرتفع ما في الغابة حيث تظهر مملكة )زيتا( تحتها في السهل المكشوف حط هرمككس‬
‫بالشيخ على العشب وراح يتأمل رسغيه وقال ‪ً:‬ا لقد نزفت الكثير من الدم يككا سككيدي‪ .‬فقككال‬
‫الشيخ ‪ً:‬ا ل عليك أخبرني هل من أخبار عن إخوتك ؟ فقال هرمس وهو ينظر إلككى الشككيخ‬
‫بإبتسامة خفيفة ‪ً:‬ا لقد إحتجزتهم ملوك التجاهات بأمر من جدي الكبير الملك غيدول‪ ,‬لبد‬
‫أن تفعل شيئا لنقاذهم‪ .‬فقال الشيخ وهككو متككأثر مككن جراحككه ممسكككا بيككده حيككث جرحككه ‪ً:‬ا‬
‫وماذا أستطيع أن أفعل لهم إذا لم تسطع أنت شيئا معهككم‪ ,‬ثككم أنككي ل أسككتطيع الولككوج إلككى‬
‫عالمكم كما تعلم‪ . .‬فقال هرمس‪ً:‬ا بلى يا سيدي هناك طريقككة للولككوج الككى عالمنككا السككفلي‪.‬‬
‫فقال الشيخ ‪ً:‬ا وما هي ؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا ذلك عن طريق حاجب الجان‪ ,‬مككال تعلمككه عنككه أن‬
‫في طربوشه سرا‪ ,‬فإن أخذته عنككه ولبسككته إسككتطعت الككذهاب إلككى مككا تحككت الرض‪ ,‬مككا‬
‫عليك إل أن تنادايه وتخطفه منه‪ .‬فأرادا الشيخ النهككوض فأسككنده هرمككس مككن ظهككره حككتى‬
‫جلس معتدل وأرادا سموطان أن يناداي ولكنه إلتفت إلى هرمس وقككال ‪ً:‬ا ومككاذا عككن دايفككي‬
‫وروثا ؟ فقال هرمس ‪ً:‬ا ل تقلق إنهما بخير عندما تركتهم‪,‬ا وقد أوصأيت عليهمككا هادااسككاه‬
‫وهيرودا‪ .‬فالتفت الشيخ أمامه بهمة وعزم وقال ‪ً:‬ا برهتيه كرير تتليه طوران مزجل بزجل‬
‫ترقب برهش غلمككش خككوطير قلنهككودا برشككان كظهيككر نموشككلخ برهيككول بشكككيلخ قزمككز‬
‫أنغلليط قبرات غياها كيدهول شمخاهر شمخاهير شمهاهير بكهطهككونيه بشككارش طككونش‬
‫شمخاباروخأ اللهم بحق العهد القككديم كهكهيككج يغطشككي بلطشغشككغويل أمويككل جلككد مهجمككا‬
‫هلمج ورودايه مهفياج بعزتك أل مككا أخككذت سككمعهم وأبصككارهم سككبحان مككن ليككس كمثلككه‬
‫شيء وهو السميع البصير‪ .‬فغمت الرض وأصأبح كل شيء يحيط بالشككيخ أسككودا‪ ,‬وتقككدم‬
‫أمامه حاجب الجن ذلك السودا ذو الطربوش الحمر والبنطال القصككير والعبككاءة الذهبيككة‬
‫المخططة بالحمر وقال ‪ً:‬ا ماذا تأمر يا سيدي ؟ فقال سكموطان ‪ً:‬ا إقكترب‪ .‬فتعجكب حكاجب‬
‫الجككن مككن الطلككب وأوسككع عينككاه فتقككدم حككذرا قليل حككذرا بخطككوة واحككدة وتلهككا برجلككه‬
‫الخرى ووقف فقال له الشيخ ‪ً:‬ا إقترب أكثر‪ .‬فخطى قليل فعاجله الشيخ بقوله ‪ً:‬ا أكثر أكثر‬
‫إقترب‪ .‬وراح يمشي هكذا كلما قككال لككه إقككترب حككتى وصأككل عنككد الشككيخ فمككد الشككيخ يككده‬
‫بسرعة إلى طربوشهه وقبل أن يلمسككه أدابككر حككاجب الجككن يركككض إلككى الخلككف مسككرعا‬
‫وكأنه البطريق لطول أقدامه وبخطواته الصغيرة والشيخ يزحف وراءه بسرعة حككتى إذا‬

‫‪161‬‬
‫ما أداركه بيده اليسرى أمسكه من بشكته الكذهبي وهكو مكايزال يهكرول فمكد سكموطان يكده‬
‫اليمنى إلى طربوشه وخلعه بسرعة ووضعه على رأسه وإختفيا هما الثنين ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫ظهر الشيخ تحت الرض في تلك الممرات يمشي حتى وصأل إلى حجرة إحتجككاز الملكككة‬
‫دابورة وأبنائها الستة‪ .‬ولكن سموطان لكم ينتبكه إلكى الحارسكان اللكذان وضكعا علكى بوابكة‬
‫الغرفة فرجع إلى الوراء ظانا أنهما قد شاهداه ولكنهما لم يتحركا فوقككف سككموطان مكككانه‬
‫واستدار إلى الخلف ونظر إليهما فلم يتحركا‪ ,‬فتقدم منهما ببطأ حككتى وصأككل أمامهمككا ولككم‬
‫يتحركا‪ ,‬فمد يده على عينيهما فلم يرياه عندها علم أنه غير مرئي لهم فتقدم حتى داخل إلى‬
‫حيث الملكة وأبنائها وقوف‪ ,‬فككدخل عليهككم فلككم يككروه فمككر يتفحككص الملكككة دابككورة فقككالت‬
‫الملكة بصوت خفيف ‪ً:‬ا سموطان‪ .‬ولكن الشيخ لم يردا عليهككا فحككاولت التحككرك واللتفككات‬
‫فلم تستطع وهو ينظر إليها وإلى أبنائها ‪.‬‬

‫كان هرمس ينتظر في ذلك المككان الكذي إختفكى فيكه سكموطان وإذا بالشكيخ يظهكر عليكه‬
‫عندما خلع طربوشه الحمر الصغير في يده‪ .‬فقال الشككيخ لهرمككس ‪ً:‬ا لقككد شككاهدتهم ولكككن‬
‫ماالذي يمكنني عمله؟ هل من طريقة ما لتحريرهم؟ عندها شيء ما من خلف الشككيخ يشككد‬
‫ثوبه إلى تحت فالتفت الشيخ إلى الوراء ونظر تحته فككإذا هككو حككاجب الجككن‪ .‬فمككد حككاجب‬
‫الجن يده إلى الشيخ قائل ‪ً:‬ا هات الطربوش‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا ليس بعد إني بحككاجه إليككه‪ .‬فقككال‬
‫حاجب الجن ‪ً:‬ا أنا أعلم ما تحتاج إليه وهو ليككس طربوشككي ‪ .‬فقككال الشكيخ ‪ً:‬ا وكيككف ذلككك ؟‬
‫فقال حاجب الجن ‪ً:‬ا أخبرك مقابل أن ترجع طربوشي إلي ‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا هككذا إتفككاق بيننككا‬
‫ولعنه ا على الكاذبين‪ .‬فقال حاجب الجن هؤلء فتية قد آمنوا بال الواحد القهار‪ .‬وكككانوا‬
‫في مملكة أفسوس‪ ,‬وأهل هذه المملكة يعبدون مليكهم داقيانوس‪ ,‬فلما علم بأمرهم داقيانوس‬
‫ورفضهم عباداته أرسل ورائهم الجند والعساكر فهربوا إلككى الجبككال‪ ,‬فتبعتهككم الجنككد حككتى‬
‫لقيوا في طريقهم راعيا للغنم وكان هككو الخككر رجل تقيككا مؤمنككا بالواحككد القهككار فأخككذهم‬
‫ودالهم على مغارة في الجبل وخلفهم كلبه الصككغير‪ ,‬فلمككا طككال حصككار الجنككد للجبككل كككان‬
‫ينبغي لهم الكل والشرب وإل ماتوا جوعا‪ ,‬فدعوا ا أن يخلصككهم مككن الحصككار‪ ,‬فنككاموا‬
‫ولم يستيقظوا‪ ,‬فلم تتصور الجنودا المحاصأرين بعد فترة طويلة أن يكون هناك فككي الجبككل‬
‫من يتحمل كل تلك الفترة بل ماء ول أكل فتيقنوا أن حصارهم للجبككل بل جككدوى فككذهبوا‪,‬‬
‫ولكن الفتية مع كلبهم ظلوا أحياء ولم يستيقظوا لمئات السنين حتى اليككوم‪ ,‬وهككم الوحيككدين‬
‫الككذين إسككتطاعوا بقككدرة اكك فعكل ذلككك ‪ .‬وهكم الوحيكدين الكذين يسكتطيعون تحكدي ملككوك‬
‫التجاهات وفك الجن من أسرهم‪ ,‬فهؤلء لم يؤثر فيهم الزمن بإتجاهاته الستة بشككيء‪ ,‬بككل‬
‫إنتصروا عليه‪ .‬فقال الشيخ ‪ً:‬ا وكيف هي الوسيلة لذلك ؟ فقال الحاجب ‪ً:‬ا حسنا أنا أعلمككك‪,‬‬
‫تأخذون من بقرة صأفراء كاملة الصفرة خالية من الشوائب تأخذون منهككا أذانيهككا الثنتككان‬
‫وذيلها‪ ,‬و تربط الكلب بذيل البقرة ثم تضرب بالذن اليمنى على أذن الكلككب اليمنككى ثلثا‬

‫‪163‬‬
‫ضربات وعند كل ضربة تذكر إسككم مككن أسككماء أصأككحاب اليميككن وهككم تمليخككا مكسككلمينا‬
‫ساونوس ثم بالذن اليسرى تضكرب الكلكب فكي أذنكه اليسكرى ثلثا ضكربات وعنكد ككل‬
‫ضربة تذكر إسم من إسماء إصأحاب الشمال وهم مرطيلككوس بينككوس داوانككوس ثككم تجمككع‬
‫أذنككي البقككرة مككع بعضككها وتضككرب علككى رأس الكلككب مككرة واحككدة وتككذكر إسككم الراعككي‬
‫كشطوس ثم تضرب رأسه مرة أخرى وتذكر إسم الكلب وتقول ‪ً:‬ا يا قنطوريا فيقوم الكلب‬
‫من نومه وينبح سبع نبحات فيقومون كلهم مككن نككومهم فيتبعككون كلبهككم يرشككدهم الطريككق‪.‬‬
‫فقال سموطان ‪ً:‬ا وأين هذا الكهف ؟ فقال حاجب الجن ‪ً:‬ا في مدينة أفسوس مغارة في جبككل‬
‫ناجلوس وأشار حاجب الجن بكوعه اليسر إلى هرمس قائل ‪ً:‬ا هذا يعلمه‪ .‬فنظر سموطان‬
‫إلى هرمس الذي هز رأسه باليجاب وحاجب الجن ملتفت إلى هرمكس ليكرى رداه بعينيككه‬
‫الواسعتين كالفنجان‪ .‬فتوجه الحككاجب بنظككره إلككى سككموطان قككائل ‪ً:‬ا تجككدون كلبهككم هنككاك‬
‫باسط ذراعية أمككام مككدخل الغككار‪ .‬عنككدها نككاوله الشككيخ الطربككوش قكائل ‪ً:‬ا لعنككه اكك علككى‬
‫الكاذبين‪ .‬فقفز حاجب الجن ونط إلى الطربوش برأسه فلبسه وأفلته من يده الشككيخ فصككار‬
‫في الرض وطربوشه على رأسه وأخذ يعدو به قائل لمن خلفه ‪ً:‬ا ل تنككادايني مككرة أخككرى‬
‫هل تسمع؟ ل تنادايني‪ .‬حتى إختفى حاجب الجن ‪.‬‬
‫التفت الشيخ إلى هرمس قائل ‪ً:‬ا هرمس تعال نطيككر فككي الجككوار نبحككث عككن تلككك البقككرة‪.‬‬
‫فطارا معا بعيدا ‪.‬‬

‫تقدم أوريا من هيرودا حيث كان يجلس تحت تلك الشجرة وحتى وصأككل إليككه وقككف قبككالته‬
‫وقال له ‪ً:‬ا لقد علمت قبر الملك بعلمة وجعلككت الككتراب عليككه عاليككا وكتبككت أسككماء الجنككد‬
‫الذين ساعدونا في الدفن حتى نستدل بهم عن المكان إذا ما رجعنا‪ ,‬ولسوف نرجككع أعككدك‬
‫بذلك‪ .‬رفع رأسه هيرودا إلى أوريا ونظككر إليككه وقككال ‪ً:‬ا هككل تثككق بصككاحبك الككذي أرسككلناه‬
‫ليجلب لنا النجدة ؟ فقال أوريا ‪ً:‬ا بالطبع‪ ,‬داونما شك ليست هناك أسككرار بيننككا إنككه صأككديقي‬
‫الوحيد ل تخف‪ ,‬كما أنه يملك من حس التصرف وحجة القنككاع مككا يجعلككه النسككب لهككذه‬
‫المهمة‪ ,‬ل تقلق سيقنعهم بالنضمام إلينا وسترى عندما نصل إلى هناك سيكون هو وجنككد‬
‫الملك شمشون بإنتظارنا‪ .‬فأطرق هيرودا رأسككه مسككتغرقا فككي الرض بينمككا تككأمله أوريككا‬
‫وانصرف عنه‪ .‬فنظككر هيككرودا إلككى جهتككه اليمنككى مككن الرض فككإذا مجموعككة مككن النمككل‬
‫الحمر نمل الغابككات الكككبير كلهككا تصككارع نملككة واحككدة سككودااء تككدافع عككن نفسككها وسككط‬
‫مجموعة تريد إيككذائها وقككد أحككاطت بهككا‪ .‬فتككدخل هيككرودا وسككحب خنجككره وأبعككد النملت‬
‫الخريات عككن تلككك النملككة بعضككها قطعهككا بخنجككره والخككر هشككه بككالخنجر فابتعككد ولذ‬
‫بالفرار حتى بقيت النملة السودااء وحدها ساكنة هناك تراقككب زوال الخطككر عنهككا‪ .‬فشككعر‬
‫هيرودا بمدى فرحتها لزالة كربتها وكأنه هو في مأزق ويتمنى أن يفعل أحد ما معه مثلما‬
‫فعل هو مع تلك النملة‪ .‬وراح يتأملها وتبسم وهو يدير وجهه ينظر إلى ل مكان إل للقككدر‬
‫الذي وضعة في تلك الظروف‪ .‬فإذا فجأة شهق هيرودا وتحارق ونظر إلى يده الككتي كككانت‬
‫تمسك بالنخنجر والتي يضعها على الرض بجانبه وتألم فإذا تلككك النملككة الككتي أنقككذها قككد‬
‫لسعته فرفع خنجره ليضربها بغضب ولكن فجأة توقف لدى شعوره بشيء غريب يحصل‬

‫‪164‬‬
‫له‪ .‬فإذا جسمه يتضائل ويصغر حتى صأار صأغيرا بحجم تلككك النملككة‪ .‬فوقككف علككى حيلككه‬
‫ونظر إلى تلك النملة مندهشا فإذا تلك النملككة السككودااء تنقلككب إلككى إمككرأة عجككوز بملبككس‬
‫ملكية من الجواهر والللي التي في صأدرها والتاج الذي على رأسككها بحجككم النملككة فقككال‬
‫لها هيرودا متعجبا ‪ً:‬ا من أنت ؟ فقالت العجوز له بترفع وأداب وإحترام وبأسككلوب راقككي ل‬
‫يناسب إل الملوك ‪ً:‬ا أنا ملكة الغابة أيها الشاب الوسيم‪ ,‬أرجو أن ل أكون قد آلمتك بلسعتي‬
‫تلك؟ فأرادا هيرودا الكلم ولكنه لم يعرف مككا يقككول فعككاجلته الملكككة قائلككة ‪ً:‬ا أشكككرك علككى‬
‫إنقاذي من أولئك الوحوش الحمقى‪ ,‬وعلى العموم فأنت لست إل جنديا يقوم بواجبه تجككاه‬
‫ملكته‪ .‬فقال هيرودا متعجبا ‪ً:‬ا أنا جندي ! وقال بعزة نفس ‪ً:‬ا أنككا هيككرودا إبككن الملككك العظيككم‬
‫أجمنون ملك مملكة )زيتا(‪ .‬فقالت العجوز بكل برودا وبغطرسككه‪ً:‬ا آه إذا نحككن مكن صأككنف‬
‫الملوك‪ ,‬وما الذي أتا بك أيها الملك من مملكتككك إلككى مملكككتي؟ فككأرادا هيككرودا الكلم ولككم‬
‫يستطع إذ لم يعرف بماذا يجيبها فتقدمت منه بسرعة وأخذت بيده وشدته وهككي تككذهب بككه‬
‫قائله ‪ً:‬ا تعال معي أنت يجب أن تقابل زوجككي الملككك‪ ,‬لبككد وأنككه سككيكافئك مكافككأة عظيمككة‬
‫على إنقاذك لي‪ .‬وراح هيرودا معها وهي تجره من يده بل حول ول قككوة وهككي تكككثر مككن‬
‫الثرثرة بل توقف مرفوعة الرأس غير مبالية بهيرودا ورائها غير أنها أمسكككته جيككدا مككن‬
‫خلفها تجره في الغابة التي قد تضاعف حجمها مرات كثيرة من فوقه ‪.‬‬
‫داخلت العجوز في ممرات الجحور في خلية النمكل تحكت الرض حكتى وقفكت علكى سكلم‬
‫تنظر إلى تحته‪ .‬فإذا هو رجل ضخم ذو ظهر عريض ورأس كبير ليلبس سوى البنطال‪,‬‬
‫وقد إرتفع بنطاله إلى معظم بطنه الضككخم حككتى صأككدره‪ ,‬أصأككلع مككتين جككدا‪ ,‬وهككو يعطككي‬
‫الوامر للنمل السودا هنا وهناك وهو يشير إليهم بيده ويصيح بهم ‪ً:‬ا هيا هيا‪ ..‬أسككرع مككن‬
‫ذلك‪ ..‬أريد أن تكون المخازن جاهزة مجهزة بالطعام‪ ..‬أسرع‪ ..‬لم يبقككى لككدينا الكككثير مككن‬
‫الوقت‪ .‬والتفت الضخم إلى خلفه عندما سككمع الملكككة تقككول مككن وراءه ‪ً:‬ا زوجككي الحككبيب‪.‬‬
‫وانطلقت إليه تاركه خلفها على السلم هيرودا ينزل منه رويدا رويدا مقلبا بصككره فككي تلككك‬
‫الجحور من حوله ويراقب الملكة وهي تنزل وتمشي علككى الرض المنبسككطة حككتى ذلككك‬
‫الضخم الذي بدى غير مبالي بها‪ .‬حتى وصألت إليككه وهككي مككاداة ذراعيهككا نحككوه مبتسككمة‬
‫فقال لها ‪ً:‬ا ظننتك قد إختطفتي‪ ,‬ما الككذي أتككى بككك مككرة أخككرى؟ عنككدها غضككبت ووجمككت‬
‫الملكة وأنزلت يديها وقالت له وهي تلكزه بعصاها الذهبية على بطنه‪ً:‬ا كم مرة أقككول لككك‬
‫يجب أن تلبس شيئا‪ ,‬هل أنت فرح بهذا ؟ وقد عنت بطنه الذي لكزته فتألم ممسكا بطنه ثككم‬
‫إبتسمت في وجهه وقالت ‪ً:‬ا ألست سعيدا بعوداتي سالمة؟ فقال الملك على مضض ‪ً:‬ا بلككى‪..‬‬
‫بلى‪ .‬ونظر إلى هيرودا خلفها وقال‪ً:‬ا ومن الذي منحني هذه السعاداة البالغة بعوداتك سالمة‪.‬‬
‫وتقدم الضخم نحو هيرودا تاركا الملكة خلفه فقالت الملكة من خلفه ‪ً:‬ا هذا هيرودا إبن المككك‬
‫أجمنون من أي مملكة قلت ؟ فقال هيرودا‪ً:‬ا من مملكة)زيتا( يا سيدي‪ .‬فنظر إليه الملك عن‬
‫قرب وقال ‪ً:‬ا من مملكة )زيتا(‪ ,‬نعم‪ ,‬وما الذي رماك عليها ؟ فتدارك الملككك نفسككه وقككال ‪ً:‬ا‬
‫أقصد ما سبب وجوداك في غابتنا ؟ هل أنت عابر سبيل ؟ فقاطعته الملكة من خلفككه وهككي‬
‫تتقدم إليهما قائلة ‪ً:‬ا لقد أنقذني من الحشرات التي إختطفتني إنه يستحق وسام النمل الول‪,‬‬
‫أو تكريما ما لقاء بسالته وشجاعته في القتال‪ ,‬فلقد غامر بحياته لينقذني‪ .‬فاسككتدار الملككك‬

‫‪165‬‬
‫إلى الخلف ومشى وهو يقول بتردادا‪ً:‬ا نعم نعككم بالتأكيككد أي شككيء مقابككل رجوعككك لنككا‪ .‬ثككم‬
‫استدار الملك ناحية هيرودا وقال له ‪ً:‬ا بماذا تتمنى أن نكافئك؟ وقال الملك وهو يشككير بيككده‬
‫إلى الملكة ‪ً:‬ا ل تقل لي أنككك تطلككب مككن أنقككذتها مكافككاة لتأخككذها معككك لقككاء إنقككاذك إياهككا‪.‬‬
‫فإبتسمت الملكة واحمرت خجل وهي تنظرإلى هيرودا‪ .‬فتقدم منه هيككرودا إلككى نهايككة تلككك‬
‫الرضية المرتفعة حيث يطالع النمل تحتها يعملون ثكم قكال ‪ً:‬ا مكن أنتكم ؟ وكيكف تعيشكون‬
‫بهذا الحجم ؟ فقال له الملك وقد إنضم إليه حيث يطالعان النمل يعمل ‪ً:‬ا نحككن مككا تسككمونهم‬
‫الجن أيها الشاب‪ ,‬من الجن‪ ,‬ونسكن الغابات ونتصور بجميع أنواع الحشرات التي تسكككن‬
‫الغابات‪ ,‬فمنا ما يتصور بككالجرادا والضككفاداع والزنككابير والنمككل وحككتى الديككدان‪ ,‬مككن كككل‬
‫شيء من كل شيء كل ما هو من حشرات الغابة‪ ,‬فهي وسيلتنا للحصول على الغككذاء كمككا‬
‫ترى‪ .‬وأشار الملك بيده إلى النمل وهي تجمع الطعام مككن تحتهككم فوضككع الملككك يككده عككى‬
‫ظهر هيرودا وقال له ‪ً:‬ا آه ماذا تريد ؟ هل تأخذ بعض هذا الطعام ؟ فقال هيرودا ‪ً:‬ا لقد إحتل‬
‫ألعداء مملكتي‪ ,‬وإني ماضي إليهم ببعض الجند ولكككن ليككس لككدينا وسككيلة للركككوب‪ ,‬هككل‬
‫تعرف من يمكن أن نشتري منكه الخيكول ؟ فقكال الملكك ‪ً:‬ا ككم تحتكاج مكن الخيكول ؟ فق ال‬
‫هيرودا حوالي المايتان‪ .‬فقال الملك بكل ثقة ووسككاعة صأككدر ‪ً:‬ا بككل خككذ ثلثا مايككة‪ .‬ففككرح‬
‫هيرودا وقال له ‪ً:‬ا هل هذا ممكن ؟ فقال الملك ‪ً:‬ا بكل تأكيد‪ ,‬ولكنها ليست كخيولكم‪ .‬فتعجككب‬
‫منه هيرودا فقال له الملك ‪ً:‬ا بل إنها أسرع من خيلكم‪ ,‬سأعطيك ثلثا ماية من جندي الذين‬
‫على صأور الجرادا‪ ,‬وهم هناك في العلى الن‪ ,‬أقصد في أعالي الشجار‪ ,‬يحملكونكم إلكى‬
‫مكان ما تريدون‪ .‬فقال هيرودا ‪ً:‬ا هككل مككن الممكككن أن نركككب الجككرادا ؟ فقككالت الملكككة مككن‬
‫خلفه‪ً:‬ا وهل من الممكن لبني البشككر أن يككدخلوا بيككوت النمككل ؟ فتككوجه الملككك إلككى هيككرودا‬
‫مشيرا إلى الملكة من خلفه وقال له ‪ً:‬ا هل سمعت ؟ زوجتي ل تنقصها الحكمككة لككذلك فهككي‬
‫ل تريد التخلي عني‪.‬‬

‫أصأبح الملك المتين والملكة العجكوز وهيكرودا وخلفهكم بعكض النمكل السكودا مكن حكراس‬
‫الملك فوق فم مملكة النمل على سكطح الرض‪ .‬فنظرالملكك إلكى العلكى وأطلكق صأكفارة‬
‫عجيبة غريبة طويلة داوت في أركان الغابة‪ ,‬فإذا تسمع أصأوات فحفحككات فككي الغابككة وإذا‬
‫هي مجموعة من الجرادا تهوي من أعالي الشجار إلى حيث الملك‪ .‬وتجمعت كلها أمامهم‬
‫فأشار إليها الملك بكفه قائل لهيرودا ‪ً:‬ا جنوداك أيها البطل‪ ,‬إنهم تحت تصرفك‪ .‬فقال هيرودا‬
‫‪ً:‬ا ولكنها صأغيرة‪ .‬ونظر هيرودا يتأمل تلك المجموعة الكبيرة من الجرادا ‪.‬‬

‫وصأل الشيخ وهرمس إلى كهف في الجبل فحطى على فسيحة في مدخله‪ .‬وتقدم سموطان‬
‫حذرا من الغار ليدخل وخلفه هرمس‪ .‬فلمكا داخل الغكار إنتقكز سكموطان لكدى رؤيتكه كلبكا‬
‫كبيرا ذو شعر كثيف باسط ذراعية نائما في مدخل الكهكف وقكد طككالت أظكافر يككديه حكتى‬
‫غطت على يداه فل يظهر منهما شيء‪ .‬ثم تقككدم فكي الكهككف إلكى الكداخل وهرمككس وراءه‬
‫حتى شاهدا سبعة من الرجال نيام‪ ,‬وقد كسى الشعر أجسكاداهم وتقطعكت ملبسكهم وصأكار‬
‫ذلك الشعر يكسو جسمهم ويغطي عورتهم‪ ,‬وطالت أظافرهم وهم نيام فككي سككبات عميككق‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وتتطلع سموطان في جوانب الكهف الذي قد ملته الغككبرة والككتراب فككي كككل مكككان‪ .‬ثككم‬
‫رجعا إلى الكلب فربط سموطان الكلب من عنقه على حذر بككذيل بقككرة قككد سككلخه‪ .‬ونككاول‬
‫طرف الذيل لهرمس الذي يقف بجانبه‪ .‬ثم أخذ سموطان أذن من آذان البقككر وضككرب بهككا‬
‫على أذن الكلب اليمنى ثلثا مرات وفي كل مرة كان يقول أحد هذه السماء ‪.‬‬
‫تلميخا مكسلمينا ساونوس‪ .‬ثم وضع الذن أرضا وأخذ من هرمس أذن بقر أخرى فنككاوله‬
‫إياها وضرب بها أذن الكلب اليسرى ثلثا وفككي كككل مككره كككان يقككول أحككد هككذه ألسككماء‪,‬‬
‫مرطليوس بينوس داوانوس‪ .‬ثم أخذ سككموطان ألذن الككتي وضككعها أرضككا وأرضككفها فككي‬
‫ألذن ألخرى وضرب بهما رأس الكلب وقال ‪ً:‬ا كشطوس وضككربه ضككربة أخككرى علككى‬
‫رأسه وقال ‪ً:‬ا يا قنطوريا فلم يكمل سموطان كلمته حتى قفز سموطان جافل وارتمى بعيدا‬
‫على الرض عندما نهض فجأة الكلكب علكى رجليكه واقفكا‪ .‬ثكم أن الكلكب أخكذ يهكز نفسكه‬
‫نافضا الغبار عن شعره وأخذ يتثاوب وهو واقفا في نفس التجاه الذي كان به نائما داونمككا‬
‫أن يلتفت إلى الشيخ أو هرمس بجانبه‪ .‬والشيخ شاخص إليه بصره يرى مككا يفعككل الكلككب‪.‬‬
‫ثم نبح الكلب سبع نبحات بالتمام وفي كل نبحة كان أحككد أولئككك السككبعة يقككوم مككن نككومه‬
‫متثاوبا ماداا يديه ورجليه متمغطا حتى قام آخرهم فمد جسمه فنبككح الكلككب نبحككات متتاليككة‬
‫وهو ينظر إلى المخرج‪ .‬وكان سموطان وهرمس ينظران إلى فعل أولئك الرجال السبعة‬
‫الذين تجكاهلوا وجوداهمككا تمامكا‪ .‬فجكذب الكلككب هرمكس الكذي يمسكك بلجككامه علكى غفلكة‬
‫راكضا إلى خارج المغارة وهو ينبح فككتراكض وراءه هرمككس بينمككا الشككيخ ينظككر اليهمككا‬
‫يعدوان‪ .‬فنظر أولئك السبعة إلى كلبهم وهو يعدو وطار كل واحد منهم من مكككان رقككدته‬
‫بإتجاه الخارج‪ ,‬وعندما كان سموطان واقفا في طريقهم مذهول كككانوا يمككرون مككن جككانبه‬
‫ودافعهم للهواء يطير بلحيه سموطان ويرفرف ملبسه وهو يراهم يخرجون يتبعون كلبهم‬
‫حتى آخرهم فاستجمع سموطان وطار خلفهم‪ ,‬فأصأبحوا يطيرون كلهككم فككي الفضككاء وراء‬
‫الكلب الذي يثب في السماء وهو ينبح ‪.‬‬

‫وكذلك هيرودا كان هناك في الفضاء يطير راكبا على جراداة عملقة وحوله الجند راكبين‬
‫على مجموعة من الجكرادا الكتي طكارت بهكم بإتجكاه مملككة )زيتكا( فصكرخأ هيكرودا علكى‬
‫هادااساه التي كانت راكبة على جراداة تطير بجكانبه قكائل ‪ً:‬ا ل يمككن لهكم أن يهزمونكا‪ ,‬لكم‬
‫نحصل على وسيلة ركوب فقط بل جيش ل يقهر‪ .‬وفككرح هيككرودا مبككادال الفرحككة هادااسككاه‬
‫التي راحت تبتسم له منشرحة الصدر من موقفه الذي أصأبح قويا ‪.‬‬

‫في مملكة )زيتا( كان الملك ميشا يدهن بعض الرمككاح والسككيوف بسككائل مككا‪ .‬والجنككد مككن‬
‫حوله يفعلون فعله ومن ورائهكم رجكال أشكداء ذوي أجسكام عظيمكة بكدروعهم وملبسكهم‬
‫الحربية ولكنهم برؤوس الخنككازير والقككرداة‪ .‬ويتقكدمون لسكتلم أسككلحتهم مككن جنكد ميشككا‬
‫الواحد تلو الخر‪ .‬فسمع الملك ميشككا وهككو يككدهن الرمككاح بككوق السككوار فككترك مككا بيككديه‬
‫بسرعة وهرول إلى الخارج وما يزال البوق يصيح حتى وصأل ميشا إلككى فككوق السككوار‬
‫حيث الجند‪ .‬فقال له صأاحب البوق وهو يشير بيده إلى الفضاء‪ً:‬ا انها سحابة سودااء تقترب‬

‫‪167‬‬
‫منا بطريقة غريبة ياسيدي‪ .‬فنظر إليها ميشككا وهككي تبككدو مككن بعيككد كككالغيم الكككثيف فقككال‬
‫للجندي صأاحب البوق ‪ً:‬ا صأف الجنودا على السوار وكل يأخذ من تلك الرمككاح والسككيوف‬
‫الخاصأة زياداة على ماعنده من عدة‪ .‬واستدار ميشا عنه ومشككى وهككو يقككول لككه ‪ً:‬ا أحكمككوا‬
‫الحراسة وليستعد جميع الجند وتوقف لما رآى آرميا أتي إليه يتبعه مسرعا بإتجككاهه فقككال‬
‫له ميشا بغضب ‪ً:‬ا قلت سيكونون هنا بعد عشرة أيام‪ .‬وعككض ميشككا علككى أسككنانه ومضككى‬
‫يتجاوزه وأرميا واقف هناك مفكرا فخرج إلى السوار لينظر تلككك السككحابة تقككترب بينمككا‬
‫أخذ الجميع بالتراكض والصأطفاف في كككل مكككان اسككتعداداا للمعركككة‪ .‬وكل مككن الجنككودا‬
‫الذين إصأطفوا على السور يحمل عدداا مضاعفا من الرماح والسيوف ‪.‬‬
‫فلما وصأل هيرودا وجماعته وبككان للملكك ميشكا وبجككانبه آرميكا تلكك الجمككوع تقككترب مككن‬
‫الفضاء أشار ميشا إلى الجند بيده فأطلق البوق ورفع كل جندي رمحه بإتجاه تلك السحابة‬
‫فانطلقت الرماح لوحدها تخترق الهككواء بإتجككاه الجككرادا‪ .‬ففزعككت جنككودا هيككرودا مككن ذلككك‬
‫الوابل القادام عليهم ومنهم من إحتمى بدرعه وأصأابت الرماح بعض الجرادا فهوى أرضككا‬
‫بالجنودا الذين يركبونها ومن الجرادا من إنخفض أرضككا ولككم تصككبه تلككك الرمككاح‪ .‬فأشككار‬
‫ميشا إلى جنده بيده فأطلقوا البوق فحمل الجند سيوفهم وأطلقوها في الفضاء فانطلقت فككي‬
‫اتجاه ذلك الجرادا الذي بعضه إتجه إلى جانب من البككراج وبعضككه واجككه السككيوف الككتي‬
‫قامت تقاتل بنفسها الجند على ظهور الجرادا ‪ .‬وبعض الجرادا يختطككف الجنككد الككذين علككى‬
‫أسككوار )زيتككا(‪ .‬وبعككض مككن حمككل حجككارة كككبيرة وقككام يطيككر فككوق القلعككة وتلقيهككا مككن‬
‫علوشاهق فتسقط على الجند بالسوار ودااخل القلعة‪ .‬وكثر الضجيج واحتدم القتال ونزلت‬
‫بعض الجراداات إلى أمام القلعة وأنزلت من عليها من الجند ثم طارت للقتال وهككي تحككوم‬
‫حول القلعة تخطف الجند وهم يرمونها بالسهام‪ .‬فكثر القتل فككي كل الطرفيككن وقككام الجنككد‬
‫بقذف الكرات النارية على من حاول فتح باب المدينة فقتلوا منهم حتى فتككح الجنككد البوابككة‬
‫من الداخل وخرج منها تلك الخنازير والقرداة المتوحشة فأخذت تطاردا جند هيككرودا الككذين‬
‫فزعوا من مناظر أولئك الوحوش وهربوا إلى الوراء وتلك المخلوقات تلحقهككم ‪ .‬وأخككذ‬
‫الجرادا يتخطف بتلك الخنازير والقرداة ومككن الجككرادا مككن نككزل إلككى الرض وتحككول إلككى‬
‫ضفدع عملق أخذ يضرب القرداة والخنازير بلسانه الطويل ومن الجرادا مككن تحككول إلككى‬
‫نمل أسودا كبير أخذ يقص تلك الجنكودا المتحولكة بمقاصأكه القويكة الكتي فكي فمكه ‪ .‬وقكويت‬
‫شكوكة جنكد هيكرودا فرجعكوا إلكى قتكال الخنكازير عنكدما تكأفكات الكفتكان فككثرت الكدماء‬
‫بالمكان‪ .‬وميشا يراقب من فوق وانزعج وزمجر وهو ينظر إلى تلك الحشككرات العملقككة‬
‫تفتك بجنده وبجانبه آرميا والشيخان أخوي سموطان‪ .‬فغضب آرميككا وتحككول إلككى مرقككس‬
‫الرملي وأخذ سيفين كل سيف بيد وقفز من أمام ميشا من فوق القلعككة إلككى خككارج المدينككة‬
‫وأخذ يعمل القتل في الجنودا فتهجم عليه الجرادا بأيديها الشككوكية فتخككترقه ول تككؤثر فيككه ‪.‬‬
‫فيقص أرجلها ويكبيها بسيفه وهكذا على النمككل وقككص ألسككن بعككض الضككفاداع ولككم يقككدر‬
‫عليه أحد وهو يشق طريقه قتل يمينا ويسارا وميشا يشاهده وقد سرت سرائره وفككرح بككه‪.‬‬
‫وتقدمت من مرقس جراداة وقصمته بفمهككا مككن بطنككه ولككم تككؤثر بككه فضككربها بسككيفه بيككن‬
‫عينيها فترنحت وسارت إلى جهه اليمين قليل فسقط أوريا من على ظهرها فككوقعت عليككه‬

‫‪168‬‬
‫ببطنها وأخمدته أرضا تحتها‪ .‬وهيرودا هناك يقاتل في كككل جهككه يضككرب بيمينككه ويسككاره‬
‫ويسقطهم ‪ .‬وهادااساه تتبعها روثا وقد وضعتا دايفككي بينهمككا وكلمككا حككاول أحككد القككتراب‬
‫منهم مدت هادااساه بيدها التي بها الخاتم السليماني فتخرج أنصال على شكل داائرة واسعة‬
‫تشمل ثلثتهم من كل إتجاه فتضرب من بطريقها وتدفعه بعيدا مقتول وهكذا كككانت تتقككدم‬
‫مع روثا ودايفي تحت تلك المظلككة الحديديككة وكككل مككن أرادا ضككربهم بسككهم إنطلقككت تلككك‬
‫الدائرة وقطعت أي شيء يحاول داخككول تلككك الككدائرة الككتي هككم فيهككا ومهمككا تقككدموا تتقككدم‬
‫معهم‪.‬‬

‫وصأل أصأحاب الكهف إلى بقعة مكشوفة من الغابة فنزل الكلب بإتجاههككا يعككدو وهرمككس‬
‫وراءه ومن خلفه أصأحاب الكلب والشيخ خلفهم ‪ .‬حتى داخككل الكلككب وغككاص فككي الرض‬
‫بهرمس وتبعهما أصأحابه بينما حط سموطان على الرض واقفا هنككاك حيككث إختفككوا‪ .‬ثككم‬
‫ظهروا من دااخل تلك الممرات يطيرون فيها حتى داخل الكلككب تلككك الغرفككة حيككث الملكككة‬
‫وأبنائها الستة واقفين كالخشب بل حراك‪ .‬فوقف الكلب بجانب زاوية الغرفة يلهككث ينظككر‬
‫إلى الجان بينما هرمس واقف بجانبه ممكسا بلجامه فدخل أصأحاب الكهف الغرفة طيرانككا‬
‫ومباشرة توجهوا إلى الجان وأخذوا يدخلون أجسادا الجان ويخرجون حتى داخككل جميعهككم‬
‫في جميع الجان‪ .‬فتحرروا وطار الكلب بهرمس راجعا من الممرات بينمككا طككارت الجككن‬
‫وراء هرمس ومن خلفهم أصأحاب الكهف يطيرون فككي تلككك الممككرات الضككيقة المظلمككة‪.‬‬
‫وكان هناك الملك غيدول فشاهدهم يطيرون ويهربون فصاح بهم قككائل ‪ً:‬ا دابككورة‪ ...‬ولكككن‬
‫الملكة لم تجب بل زادات سرعتها بينما الملك غيدول يصيح من ورائهككم قككائل ‪ً:‬ا دابككورة‪...‬‬
‫ل تعوداي إلينا ثانية‪ ...‬هذه طريق اللعوداة ‪.‬‬
‫وعندما ظهر هرمس وكلبه لسموطان فوق سطح الرض ومن وراءه الملكككة دابككورة قفككز‬
‫الكلب من يد هرمس وطار في الفضاء يعدو‪ .‬فخرج أصأككحاب الكهككف مككن تحككت السككطح‬
‫يلحقون بكلبهم الذي ينبح في السماء حتى إختفوا معه‪ .‬ففرح بهم سموطان وهو ينظر إلككى‬
‫الملكة التي سرت برؤيته وقبل أن ينطق سموطان قاطعته الملكة دابككورة قائلككة ‪ً:‬ا يجككب أن‬
‫نسرع لقد فاتني الكككثير مككن المغككامرة‪ .‬وتبسككمت وأولداهككا مككن حولهككا فتبسككم الشككيخ لهككا‬
‫وطاروا جميعا ‪.‬‬

‫مرقس وإذ يقاتل الجند مشى حتى وصأل إلى هيرودا فرأى كل منهمككا الخككر‪ .‬فتقككدم إليككه‬
‫هيرودا وراحا يتقاتلن فاصأطكت السيوف وتعالت الصيحات‪ .‬ثم أن هيرودا عاجل مرقس‬
‫بضربه من سيفه على عنقه ولكن السيف إخترق تلك الرقبككة الرمليككة داونمككا أثككر فضككحك‬
‫مرقس ووقف هيرودا عاجزا‪ .‬فضككربه مرقككس علككى فخككذه بسككيفه فجرحككه‪ ,‬واقككترب منككه‬
‫ليجهز عليه ولكن هادااساه كانت هناك فاقتربت من مرقس وأعملككت فيككه خاتمهككا فشككطفته‬
‫الدائرة النصلية إلى رمال متناثرة في الرض‪ .‬ولكن حبيبات الرمل تلك عاداة مرة أخككرى‬
‫إلى جسد مرقس‪ .‬ولم يستطع القتراب من هيرودا الذي كان مجروحا خلف هادااساه الككتي‬
‫تحميه بدائرتها النصلية‪ .‬وهناك قد بقككي مككن الجككرادا واحككدة‪ ,‬فككاجتمع عليهككا جنككد القككرداة‬

‫‪169‬‬
‫والخنازير فقتلوها عندها تقدم جند وخنازير وقرداة كككثيرة مككن دااخككل المدينككة وتصككايحوا‬
‫ونخروا بمناخيرهم وحملوا عليهم وإذ ذاك إنتبهوا إلى مجموعككة مككن الجنككد تهجككم عليهككم‬
‫بخيلهم ولم تكن هناك في سككاحة المعركككة مككن الخيككول‪ .‬فككإذا هككوجيش مككن مملكككة الملككك‬
‫شمشون قد وصألوا واشتبكوا معهم وداار القتال بينهم وصأارت المعمة فالتفت مرقس إليهم‬
‫وراح يقتل فيهم‪ .‬ولكن الجيش كان ضخما وبانت القرداة والخنازير ومن جند ميشا قلة في‬
‫وجه هذا الجيش الجرار الذي لم يبن لككه آخككر بعككد‪ .‬عنككدها نظككر ميشككا إلككى تلككك الجمككوع‬
‫الغفيرة وتيقن الهزيمة فأعطى الشارة إلى جنده فوق السوارفنفخوا فكي البكواق فسكمعه‬
‫الجند وبدؤا اينسحبون من أرض المعركككة بإتجككاه بوابككة المدينككة‪ .‬والملككك ميشككا لمككا رأى‬
‫جيشه ينسحب داخل إلى دااخل الغرفة التي كان يطالع منها المعركة ووضع القمشككة ذات‬
‫اللوان السبعة‪ ,‬وكوم كل لون لوحده ثم وقف قبالتها وعزم قائل ‪ً:‬ا يا تاي يا ظطع يا فحت‬
‫يا غذحي يا ثاي ياقطص يا شدع ‪ .‬فما أتم عزيمته حتى كان كلمككا ذكككر إسككم قككام صأككاحبه‬
‫من تحت ثوب لونه رجل يلبس ذلك القماش حتى صأاروا سبعة رجال بسبعة ألوان يقفون‬
‫في هواء الغرفة مصطفين أمام ميشا بالسمع والطاعة ‪.‬‬
‫في ساحة المعركة ومرقس يقاتل إنتبه إلى جنكد ميشككا وقرداتكه وخنككازيره وهككم ينسكحبون‬
‫ويهمون بإغلق بوابة المدينة فصرخأ بهم قائل ‪ً:‬ا ل‪...‬ونظر إلى العلى حيث كككان هككو و‬
‫ميشاهناك على الشرفة وقال ‪ً:‬ا أيها الغبي‪ .‬ثم راح يضرب في الجند يمنه ويسره‪ .‬وإذ مككن‬
‫جند الملك شمشون من يحاولون في بوابة المدينة حينهككا خرجككت ملككوك اللككوان السككبعة‬
‫من المدينة وطارت إلى الجيككش الككذي بالخكارج واسككتقروا فككي الفضككاء فككي صأككف واحككد‬
‫واقفين أعلى الجيش وخرجت من أعينهككم أنككوار وإضككاءات كككل ملككك بلككونه الككذي عليككه‬
‫يخرج نوره بإتجاه الجموع تحتهم‪ ,‬ثم إنطفأت النوار واختفت ملوك اللوان عندها بككدأت‬
‫اللوان تختفي من نظر الجيش وكل ما ينظككروه يصككبح باهتككا أكككثر فككأكثر حككتى أظلمككت‬
‫عليهم الدنيا في وضح النهار‪ .‬وأصأاب جميع من كككانوا هنككاك العمككى فل يبصككرون شككيئا‬
‫ومن ضمنهم مرقس وهيرودا ودايفي وروثا وهادااساه‪ .‬وراح من الجند يمد سككيفه متحفككزا‬
‫لي صأوت أمامه يضرب دافاعا عن نفسه فيقتلون بعضهم البعض ‪ .‬وكثرت الضجة فيهم‬
‫وهم ل يعلمون ماذا أصأاب الدنيا من ظلم‪ .‬وراح مرقس يضرب بسككيفه ضككرب عشككواء‬
‫في كل مكان وهو يقول ‪ً:‬ا لماذا حل الظلم بالمكان ؟ مككاذا حككدثا ؟ أي قككوة هككذه ؟ عنككدها‬
‫فتح الجند بوابة المدينة وخرجككت جمككوع القككرداة والخنككازير وهككي تصككيح بوحشككية ومككن‬
‫ورائهم جند ميشا يتراكضون إلى جيش العميكان وككانت تلكك غنيمككة سككهله فكأثخنوا فيهككم‬
‫القنل وهم غافلون ‪.‬‬
‫أوريا كان يحاول جاهدا الزحف من تحت بطن الجراداة التي وقعت عليه حتى خرج منهككا‬
‫فشاهد ما يحصل وكان هو الوحيد الذي لم يلحق بصره شيء لنه لم يككن معهككم بككل ككان‬
‫تحت تلك الجراداة العملقة فلم يعمى بصره‪ .‬فشاهد هناك روثا ممسكة بديفي وقد إلتصق‬
‫دايفي بهادااساه أمامه التي كانت تطلق داائرتها النصلية طوال الوقت بل توقف مككاداة بيككدها‬
‫وثلثتهم ل يرون شيئا أمامهم‪ .‬ثم أن أوريا شاهد مرقس يتخبط بسيفه في الساحة من غير‬
‫هدى ‪ .‬فالتقط أوريا سيفا واتجه إليه يخاتله حتى إذا ما وصأل إليه من خلفككه وارادا ضككربه‬

‫‪170‬‬
‫إستدار مرقس فجأة ملوحا بسيفه خلفه بقوة فإذا ضربته تقع في سيف أوريا فارتككد للخلككف‬
‫ووقع أوريا أرضا مصدرا صأوتا‪ .‬فتقككدم إليككه مرقككس يتحسككس ذلككك الصككوت فككي الظلم‬
‫وأوريا حيث سقط يزحف للخلف ومرقس يتبعه رافعا سيفه حتى إصأطدم أوريا في عربككة‬
‫خلفه ولم تطل يده من فوقه غيكر قربكة م اء معلقكة بالعربكة فرماهكا عليكه ليشكتت إنتبكاهه‬
‫فأصأاب الماء يد مرقس الرملية فوقعت يككده رمل متكومككا علككى الرض مككع السككيف ولككم‬
‫تنهض رمال اليد إلى مكانها مرة أخرى في جسده‪ .‬فخاف مرقس إثر ذلك فتنبه أوريا إلى‬
‫ضعفه فنهض من تحت العربة ورأى قربة ماء أخرى معلقة على العربة فأخذها ورماهككا‬
‫على مرقس فأصأابت أجزاء منه‪ .‬فأصأبح جسم مرقككس الرملككي فيككه فجككوات فارغككة مككن‬
‫بطنه وصأدره ووجهه وأرجله مكان ما أصأابه الماء فسقطت الرمال على الرض ولم تعد‬
‫فخر مرقس أرضا يتلمس رماله بينما كان أوريا ينظر إليككه كيككف أصأككبح ذلككك الجككبروت‬
‫عاجزا ضعيفا خائفا‪ .‬ونظر أوريا في تلك العربة بحثا عككن المككاء فلككم يجككده‪ .‬عنككدها وجككد‬
‫أوريا الحل فتقدم من مرقس وهو على الرض يبحث عن رماله المفقوداة من جسده فأخككذ‬
‫أوريا يبول في مرقس وكلما بال عليه ذبل وتساقطت رماله حتى أفرغ أوريا كل ما عنككده‬
‫فبال على وجه مرقس فأصأبح كومة من الرمل المتثاقلة بالماء‪.‬‬

‫أما جند الملك شمشمون فقد كانوا يقككاتلون ويككدافعون عككن أنفسككهم بمكا إسككتطاعوا وهنككاك‬
‫منهم من يقاتل بعضكهم البعكض فحضكر الشكيخ سكموطان مكع ملكوك الجكان مكن الفضكاء‬
‫وشاهدوا تلك المعمعة فأخذ كل منهم شيئا من السكلحة وراحكوا يسكاعدون فكي قتكال تلكك‬
‫الخنازير والقرداة المتوحشة ويبعدونهم عككن العميككان قككدر المسككتطاع‪ .‬وأخككذ الشككيخ يشككق‬
‫طريقه بقتل من يعترضة باحثا عن دايفي وروثا وهرمككس معككه يسككاعده‪ .‬والملكككة دابككورة‬
‫وأولداها تجمع حككولهم جنككد ميشكا ووحوشكه يقكاتلونهم‪ .‬حكتى شكاهد الشككيخ دايفككي وروثا‬
‫وشاهد هادااساه وهي تحميهم فصرخأ بهم قائل ‪ً:‬ا روثا دايفي‪ .‬فانتبهوا لمككن ينككادايهم فقككالت‬
‫روثا ‪ً:‬ا سموطان أهذا أنت ؟ فقال سموطان ‪ً:‬ا نعم‪ ,‬هادااساه أحسنت صأنعا يمكنككك التوقككف‬
‫قليل الن‪ .‬وحيث لككم يكككن يهجككم عليهككم أحككد حينهككا فتككوقفت هادااسككاه عككن إداارة داائرتهككا‬
‫النصلية فركض سموطان إلى روثا ودايفي اللذان إحتضناه بقككوة وكككادات روثا أن تبكككي‬
‫مما لقياه من معاناه وأخطار في غيابه‪ .‬فنظر الشككيخ وراءه حيككث يقككف هرمككس يحميهككم‬
‫فنظر هرمس إليهم بإبتسام‪ .‬فأخذ الشيخ دايفي وقككال لهرمككس ‪ً:‬ا عليككك بككروثا هككذا المكككان‬
‫غير آمن هنا‪ .‬ثم توجه سموطان بالكلم إلى هادااساه قبل أن يطير بديفي قككائل ‪ً:‬ا هادااسككاه‪,‬‬
‫أنت لوحدك الن‪ .‬وطار الشيخ بديفي كما طار هرمس بروثا فشاهدهم الجككن مككن تحتهككم‬
‫وهم يطيرون بإتجاه المدينة فلحقوا بهم مع أمهم وتركوا ساحة المعركككة والجنككد ينككاظلون‬
‫بدون أبصارهم‪ .‬وكان أوريا مشغول يجمع رمال مرقس المبلولة في جونية ‪.‬‬

‫هبط الشيخ ومن معه إلى برج القلعة وداخلوا في ممرات المدينة الداخلية وسموطان يقككودا‬
‫دايفي كما هرمس خلفه يقودا روثا والجن من أمامهم مع أمهككم يشككقون لهككم الطريككق ممككن‬
‫يعترضهم في وجهتهم من الجند‪ ,‬حتى وصألوا إلى سردااب فدخلوا فيككه إلككى غرفككة كككبيرة‬

‫‪171‬‬
‫خالية إل من قفل أسودا كبير في وسطها‪ ,‬وهذه على قاعدة مبنية صأغيرة إنه القفل السكابع‪.‬‬
‫فتقدم إليه سموطان وبيده دايفي ولكن فجككأة ظهككر أمككامهم ميشككا فككترك الشككيخ دايفككي وقككال‬
‫لهرمس ‪ً:‬ا أخرجوا المفتاح وهو ينظر إلى ميشا فتقدم منككه سككموطان فتعاركككا وطككارا فككي‬
‫أرجككاء الغرفككة ولكككن الشككيخ كككان ضككعيفا بسككبب الجككروح فككي معصككميه فأخككذا يكيلن‬
‫لبعضهما الركلت واللكمات بينما تقدم هرمس بديفي وروثا إلى القفل وخلفه الجان فأخذ‬

‫هرمككس بيككد دايفككي ووضككعها علككى المفتككاح‬


‫وقال له ‪ً:‬ا افتحه هيا يككا دايفككي إفتحككه‪ .‬فككأداار‬
‫دايفي المفتككاح فككانطلق صأككوت إنفتككاح القفككل‬
‫وخرجت تلك الومضة من ثقبة فأخرجه في‬
‫يده فقالت الملكة دابورة لهم ‪ً:‬ا لبد من وضع‬
‫المفاتيككح فككي قلئككدكم بككترتيب السككبوع‪.‬‬
‫وأخككذت الملكككة بيككد روثا ووضككعتها علككى‬
‫قلداة دايفي وهككي حككذره أل تلمككس المفاتيككح‬
‫وقككالت لهككا ‪ً:‬اأخرجككي المفاتيككح مككن القلداة‪.‬‬
‫فأخذت روثا تفك قلداة دايفككي بينمككا الملكككة‬
‫تقكككول لهكككا ‪ً:‬ا أسكككرعي‪ ..‬أسكككرعي‪ .‬وهكككي‬
‫تنظرإلى الشيخ يعاني الصراع مع ميشا‪.‬‬
‫ففكتهككا روثا ونثرتهككا علككى الرض فككتراجع الخككوة الجككان للخلككف لكككي ل تصككيبهم‬
‫المفاتيح‪ .‬ثم أخذت الملكة بيد روثا ووضعتها على المفتاح الخككاص بيككوم الحككد فككالتقطته‬
‫روثا وتقدم أفتاب منها ماداا قلداته على حذر فقالت لها الملكة وهككي تسككند يككد روثا نحككو‬
‫قلداة أفتاب ‪ً:‬ا ضعيه هنا‪ .‬وبصعوبة وبشيء من الحككظ وضككعته روثا دااخككل قلداة أفتككاب‬
‫فأصأدر ضوء قويا وتمغنط المفتاح في حفرته التي حفرت على شكله وطابعه دااخل قلداة‬
‫أفتاب ‪.‬‬

‫في ساحة المعركة هادااساه كانت تتحرك ببطأ وهي في حماية تلك الدائرة النصلية التي ل‬
‫تتوقف عن الككدوران ورغبككت هادااسككاه بقككوة أن تحلككق بالبقيككة عنككد إختفككائهم عنهككا وهككي‬
‫لوحدها‪ .‬فحاولت جاهده أن تبصر الطريق أمامها‪ ,‬فاستجاب الخاتم السليماني في إبهامهككا‬
‫لرغبتها الشديدة فإذا الصورة أمامها تتضح شيئا فشيئا حتى إستطاعت أن تككرى بوضككوح‬
‫ففرحت وأسرعت الخطى إلى دااخل القلعة وداائرتهككا النصككليه تككدفع بكككل مككن يتقككدم منهككا‬
‫بعيدا مصروعا حتى داخلت تسير في ممرات القلعه‪.‬‬

‫الخوة الجان خمسة منهم قد وضعت لهم مفاتيحهم فككي قلئككدهم ولككم يبقككى غيككر مفتككاحي‬
‫الجمعة والسبت لناهيد وكيوان فأخكذت الملككة دابكورة بيكد روثا ووضكعتها علكى مفتكاح‬
‫وقالت ‪ً:‬ا وهذا مفتاح يوم الجمعة أناهيد‪ .‬فتقدم أناهيد منهككا يرفككع قلداتككه والملكككة تسككند يككد‬

‫‪172‬‬
‫روثا وتوجهها كما فعلت مع إخوته الخمسة ولكن وقبل أن تضعه روثا فككي قلداتككه وقككع‬
‫أناهيد أرضا متألما يمسك بطنه فجأة فقالت روثا فزعة ‪ً:‬ا أناهيد مككا بككك ؟ عنككدها اسككتدار‬
‫الجان ناحية الباب فشاهدوا الشيخان لمون وشملل يقفان على مدخل الغرفككة وقككد سككدى‬
‫المدخل وهما ينظران إلى أناهيد بتركيز‪ .‬وقككد أمسكك لمكون الطويكل بكتكاب ضكخم بيككده‬
‫اليمنى على صأدره‪ .‬فتقدم الخوة مع أمهم إليهما ولكن ما هككي الخطككوة واحككدة تقككدموها‬
‫حتى تمرغوا جميعهم على الرض يتلككون تتقطككع أمعككائهم مككن أللككم والشككيخان يركككزان‬
‫أنظارهما عليهم وسموطان هناك في قتال الشديد مع ميشا وقد أنهكه التعب وخارت قواه‪.‬‬
‫وبينما الجان يعتصككرون فككي الرض إذا بهادااسككاه تككدخل الغرفككة بعككد أن ركلككت شككملل‬
‫القصير إلى الداخل فوقع أرضا متألما فالتفت إليها لمككون الطويككل غاضككبا وركككز عينيككه‬
‫عليها ولكن هادااساه إندفعت إليه ووجهت خاتمها عليه فخرجت الدائرة النصليه وضككربته‬
‫بقوة فوقع إلى الخلف‪ ,‬وتناثرت قراطيس الكتاب السليماني الذي كان يحمله‪ .‬حيث كككانت‬
‫ضربة الدائرة النصلية فيه لحسن حظ لمون‪ .‬وقد تمنى أن تكككون الضككربة فيككه بككدل مككن‬
‫تمزق الكتاب فجزع هو وأخوه على الكتكاب وراحكا يلمككان ويلتقطككان قراطيسككه وأجزائكه‬
‫وكل واحد منهما أخذ جزءا منه ووليا هاربين إلككى الخككارج‪ .‬عنككدها نهككظ أناهيككد وإخككوته‬
‫وتوجهوا إلى روثا ليكملوا ما كانوا عليه فنظرت هادااسكاه إلكى ميشكا وقكد إرتفكع بالشكيخ‬
‫إلى سقف الغرفة وأسنده على الجدارهناك‪ ,‬قابض عليه من رقبته يخنقككه والشككيخ قككد نككال‬
‫منه ألرهاق فاستسلم له‪ .‬فأشارت روثا بخاتمها إلى رمح يزين جدار الغرفة توجهه إلى‬
‫ظهر ميشا وتفأجات هادااساه عنكدما خكرج الرمكح وتحكرك بكل ليكس وحكده هنكاك خمسكة‬
‫رماح أخرى تزين جدران الغرفة تحرككت كلهككا بإتجكاه واحككد إلكى ميشكا فككانت فرحتهككا‬
‫لستجابة الرماح لمرها ل توصأف فخرقت الرماح جسم ميشا الذي تفاجأ بهككا مككن خلفككه‬
‫تطعنه فشهق تاركا خناق الشيخ فوقعا معا من فوق‪ .‬ولكن الملكة دابورة كككانت قريبككة مككن‬
‫حيث يقعا فمدت عقوصأها والتقفت الشيخ قبل أن يقككع علككى الرض وهككو كالخلقككة الباليككة‬
‫بينما إرتطم ميشا بجككانبهم علككى الرض مخزقككا بالرمككاح‪ .‬فوضككعت الملكككة الشككيخ علككى‬
‫الرض ورأسه على حجرها وهككو متألمككا مككدميا ل يكككادا يفتككح عينيككه وكككان دايفككي هنككاك‬
‫بجانبهم ففتح سموطان عينه قليل فرآه فقال بصوت تعب ‪ً:‬ا دايفي‪ .‬ثم إبتسككم الشككيخ فخطككى‬
‫دايفي خطوة بإتجاه الصوت وهو يمد إلى الشيخ يده بالمفتاح الخيككر الككذي فتحككة مككن قفككل‬
‫)زيتا( فنظر إليه سموطان بإبتسام وأخذه من يده وهو ينظر إلى براءة دايفككي وهككو ينككاوله‬
‫المفتاح وكأنه ل يريده ول يعني له شيئا‪ ,‬وكأنه يقككول هككاكم خككذوا مككا تقتتلككون مككن أجلككه‪.‬‬
‫فاقترب كيوان من الشيخ وركع لتصل قلداته إلى مستوى يد الشيخ علككى الرض فوضككع‬
‫الشيخ المفتاح في قلداة كيوان بيده التي تقطر داما فخرجت تلك الضاءة وتمغنط المفتاح‬
‫فككي قلداة كيككوان‪ .‬ثككم تككوجه كيككوان إلككى إخككوته وتجمعككوا وتحلقككوا فككي داائككرة وارتفعككت‬
‫أجساداهم عن الرض بمقدار نصف المتر‪ .‬ثم خرجككت أنككوار عجيبككة مككن قلدااتهككم علككى‬
‫شكل داائري الى مركز الدائرة التي شكلوها وبدأت أجساداهم تدور حول تلك الككدائرة‪ .‬وإذ‬
‫هم يدورون بتلك الدائرة ظهرت في وسط الدائرة قككدمان كبيرتككان لشككخص أسككمر ينتعككل‬
‫حذاء من ذهب يلمع تمتد من الحذاء أحزمة ذهبية إلى سمانة ساقه‪ .‬ثم بككدأ بككالظهور أكككثر‬

‫‪173‬‬
‫إلى العلى فإذا هو يلبس غطاء على عورته من ذهب‪ .‬مكشوف الصككدر‪ .‬وعنككدما توقككف‬
‫ظهوره واكتمل شكله إذا برأسه يكادا أن يلمس سككقف الغرفككة العككالي‪ ,‬رجككل أسككمر اللككون‬
‫عريض أصألع ليس إل عقص أسودا طويل من خلف رأسه‪ ,‬يلبككس السككاور الذهبيككة علككى‬
‫معصميه‪ ,‬وأسوارين كبيرين كل أسورة من ذهب على عضدية‪ .‬ويحمل بوقككا مككن ذهككب‬
‫عظيم طويل ينظر أمامه بهيبة وجلل والخوة الجان يدورون في الفضاء من تحته حول‬
‫قدميه حتى توقفوا عن الدوران لما إكتمل ظهوره وذلك النور من قلئككدهم قككد إنتشككر فككي‬
‫الدائرة من حول قدمية فرفع الرجل السمر العملق بوقه ونفخ فيه نفخة أسمعت الداغال‬
‫والغابات والسهول والودايان والجبال والجند الككذين يتعككاركون فككي الخككارج والككذين فجككأة‬
‫رجعت النوار إلى أبصارهم وشاهدوا من يقاتلون أمامهم ولكنهم لككم يتحركككوا بككل وقككف‬
‫الطرفان مصطمين يستمعون إلى ذلك الصوت القوي العجيككب الككذي ل يعككرف مصككدره‪.‬‬
‫وفجأة بدأ جنودا الملك ميشا تتيبس أجساداهم شيئا فشيئا حتى صأاروا تماثيككل مككن الحجككارة‬
‫على وضعياتهم القتالية‪ .‬والجنودا الخنازير رجعت خنازير عاداية تخنككزر مككن حككول جنككد‬
‫الملك شمشون وتنخر وتطلب الوحل والقاذورات وجند شمشون يحككاولون القبككض عليهككا‬
‫لكلها‪ .‬والجند القرودا رجعوا قروداا يقفزون في المككان كالبهلوانيككات ويطلبكون الشككجار‬
‫فهللت الجموع وعمت الفرحة وتراقص الجند‪ .‬أما الشيخان لمون وشككملل فكانككا يهمككان‬
‫بالهرب بالكتاب وهما ينزلن من سكلم مككدخل القصكر عنكدما صأكاح ذلككك البككوق فتحجكرا‬
‫هناك وهما يخطوان نزول من السلم وتحت إبككط كككل واحككد منهمككا قراطيككس مككن الكتككاب‬
‫السليماني وقد تحجرت معهما ‪.‬‬

‫في صأبيحة يوم مشكمس جميكل بككانت مدينكة )زيتكا( وقكد رفرفككت ألعلم فككوق أسككوارها‬
‫وظهرت مباهج الفرحة في كل مكان وأخذت الناس وهي تتوافكد إلكى المدينكة تتأمكل ذلكك‬
‫الصف الطويل من الجنودا المتحجرة على طول بوابة القلعة بأشكالهم وملبسهم وعككدداهم‬
‫القتالية متعجبين من طريقة نحتهم بتلك الصورة المتقنة البديعة‪ ,‬وفي ساحة القصر تجمككع‬
‫الناس ليشاهدوا على بوابة القصر هيرودا وهادااساه وهي تلبس البيض في أحلى حلة وأم‬
‫هيرودا بجانبه وبجانبها علككى السككلم أم روثا وروثا وقككد لبسككت هككي أيضككا لباسككا أبيضككا‬
‫جميل وبجانبها دايفككي وأمككه وكككذلك شككهلون والحكيككم يوقككاس تلميككذ الشككيخ وزوجككة أخككو‬
‫هيرودا الراحل سامويل ووصأيفتها الحسناء وأخوانها الملوك‪ ,‬ويصطف من حككولهم الجككن‬
‫السبعة والطباخة والطباخأ والخضرواتي والخادام وكبير الجند والجميككع فككي أجمككل حللهككم‬
‫وهيئاتهم‪ .‬فإذا أوريا يتقدم من بهوات القصر إلى ناحيتهم يحمل تلك الجونيككة الككتي وضككع‬
‫فيها رمال مرقس حتى وصأكل إلكى عنكدهم مكن ناحيكة دارج بوابكة ومكدخل القصكر حيكث‬
‫مزهرية كبيرة زجاجية شفافة وقد مل نصفها بالماء فحضر إلى عنككدها وأسكككب بككداخلها‬
‫ذلك الرمل من الجونية وتقدم من روثا وأمسك بيدها وهو في أجمل حلة مبتسم ‪.‬‬
‫ونظر هيرودا إلى هادااساه التي أمسكت بيده وخلعت الخاتم السليماني من إبهامها ورفعككت‬
‫يده لتلبسه اياه ولكنه كان يلبس خككاتم المملكككة الككذي أخككذه عككن أبيككه الملككك أجمنككون وفككي‬
‫الصأابع الخرى الخككاتمين المعصككفرين اللككذان أهككداهما الملككك شمشككون للملككك أجمنككون‬

‫‪174‬‬
‫فارتبكت ولم تدري أين تضعه فأمسك هيرودا بخاتم المملكة وخلعه من إصأبعه وأخذ يككدها‬
‫وألبسها اياه وهو يبتسم فألبسته هادااساه الخاتم السليماني مكان مككا خلككع ذلككك مككن إصأككبعة‬
‫وهي خجلة‪ .‬حينها نظر هيرودا إلى يساره فتقدم منه الخادام وهو يحمل علككى صأككينية تاجككا‬
‫مرصأعا بللي واللماس فأخذه هيرودا ووضعه على رأسها ونظروا إلكى الجمهكور الكذين‬
‫راحوا يصفقون لهم ويهللون‪ .‬وبجككانب الككدرج مككن كل الجهككتين خلفهككم الشككيخان لمككون‬
‫الطويل عن يمين الدرج وقد تجمد ونصف الكتاب السليماني تحت إبطه وشملل القصككير‬
‫عن يسار الدرج وقد تجمد ونصف الكتاب السليماني تحت إبطه‪ .‬ودايفي إذ سككمع التهاليككل‬
‫أطلق ضحكة حاداة وهو يمسك بسلسلة المفاتيح السبعة التي يلبسها حول عنقه ‪.‬‬

‫أما الشيخ سموطان فقد كان أمام كوخة عندما إلتفت لينظر إلككى آخككر الطريككق التككي مككن‬
‫القرية حيث سمع صأوت أحدهم يشجب وينعق فإذا به ذلك التككاجر نفسككه الككذي رش عليككه‬
‫مسحوق الضراط من قبل كدواء لمعدته يهرول ناحيته وهو يرفككع يككديه بالسككب وينزلهمككا‬
‫وهو يلعن سموطان‪ ,‬وسموطان ينظر إليه حتى وصأل إلى عنده فقال التاجر بحنككق ‪ً:‬ا إنككك‬
‫لست من أهل الطب في شيء‪ ,‬ما أنت إل داجال‪ ,‬نعم داجال يا سموطان وسوف أشكككوك‪.‬‬
‫وتقدم منه التاجر وأمسك بساعده تحت إبطه وجره ليأخذه معه ليشكككوه فمشككى التككاجر بككه‬
‫قليل ويد سموطان تحت إبطه ثم توقف التاجر فجأة لما أحس أن اليد خفيفككة‪ ,‬فنظككر إليهككا‬
‫فإذا هي يد وساعد سموطان ولوحدها‪ ,‬فنظر خلفه فشاهد سككموطان هنككاك واليككد فككي يككده‬
‫فإذا سموطان قد خلعت يده فصرخأ التاجر وارتجف من الخوف وألقى باليد وولى هاربككا‬
‫جزعا فأخذ سموطان يضحك عليه وهو يراه مدبرا يصيح الويل حتى إختفى التككاجر فككي‬
‫آخر الطريق فتقدم سموطان إلى تلك اليد التي رماها التاجر ومد يده أرضا فإذا هكي عكودا‬
‫يابس فسمع سموطان وهو منحني ليلتقطها صأككوت مككن يضككحك مككن بككاب كككوخه فككالتفت‬
‫وهو منحني إلى الباب وهو يأخذ عصاه فإذا هي الملكة دابورة‪ ,‬وقد شاهدت وسككمعت مككا‬
‫حدثا‪ .‬فأخذ سموطان العصى وتوجه إليها وهي مازالت تضحك وقد وضعت يككديها علككى‬
‫خاصأرتيها فلما إقترب منها سموطان لدى الباب مدت عقوصأها فجأة حككوله وسككحبته إلككى‬
‫الداخل قائلة ‪ً:‬ا تعال إلى هنا أيها الشيخ الهرم‪ .‬ويسمع صأوت سموطان مككن الخككارج وهككو‬
‫يقول لها دااخل الكوخأ ‪ً:‬ا أنا الشيخ الهرم ! إن أصأغر أبنائك كيوان عمره يزيككد عككن السككبع‬
‫مايه سنة‪ ,‬كل من يطردا من بيته يأتي إلى كوخي‪ .‬فقالت له دابورة ‪ً:‬ا إخرس ‪.‬‬

‫‪175‬‬

You might also like