Professional Documents
Culture Documents
فن التأمل لهاورن يحيى
فن التأمل لهاورن يحيى
فن التأمل لهاورن يحيى
هل تفكرت يوماا في حقيقة وجودك ،كيف حملتك أمك ثم ولدتك ،فجئت الى هذا
العالم ولم تكن من قبل شيئاا؟ً
هل تأملت يوما ا كيف تنبت تلك الزأهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من
ى عطر؟ً
قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زأاهية وشذ ا
هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف انها تحرك أجنحتها
بسرعة فائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها؟ً
هل تفككرت يوماا بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية
ل -موضبة في داخلها الجودة ،وبأن هذه الفاكهة -كالموزأ والبطيخ والبرتقال مث ا
بطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟ً
هل تدكبرت يوما ا كيف يمضي العمر حثيثاا ،فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفا ا
وتفقد جمالك وصحتك وقوتك؟ً
هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل ا فيه ملئكة الموت لترحل معهم عن
هذا العالم؟ً
هل تساءلت يوما ا لماذا يتعلق الناس بدنيا فانية فيما هم بحاجة ماسة الى المجاهدة
من أجل الفوزأ بالخرة؟ً
ان النسان هو المخلوق الذي أنعم ا عليه بملكة التفكير ،ومع ذلك فإن معظم
الناس ل يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب ،حتى أن بعض الناس يكاد ل
!..يتفكر أبداا
في الحقيقة كل انسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها،
وما ان يبدأ النسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها ،حتى يتبدى له الكثير من
الحقائق التي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل .وهذا المر في متناول أي
شخص ،وكلما استغرق النسان في تأمل الحقائق ،كلما تعززأت قدرته على التفكر.
..ول يحتاج النسان في حياته سوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده
إن الهدف من هذا الكتاب هو دعوة الناس الى" التفكير كما ينبغي" ،وإبرازأ
الوسائل التي تساعدهم على ذلك .فالنسان الذي ل يتفكر يبقى بعيداا كليكا ا عن إدراك
الحقائق ويعيش حياةا قوامها الثم وخداع الذات ،وبالتالي فإنه لن يتوصل الى مراد
ا من خلق الكون ،ولن يدرك سبب وجوده على الرض ..فال سبحانه وتعالى
خلق كل شيء لسبب ،وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله? :وما
خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبين .ما خلقناهما ال بالحق ولكن أكثرهم ل
يعلمون? الدخان .]39-38[ :وقوله?:أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ا وأنكم الينا ل
[ترجعون?[ المؤمنون115 :
اذاا على كل انسان أن يتفكر في الغاية من خلقه لن ذلك له علقة مباشرة به أوال،
وبكل ما يراه حوله في الكون وكل ما يعرض له في حياته تالياا .ان النسان الذي ل
يتفكر ،ل يدرك الحقائق ال بعد الموت حين يقف بين يدي ربه ليلقى حسابه،
وحينها يكون الوان قد فات .وا تعالى يذكر في محكم كتابه إن كل الناس سوف
يتفكرون عندما يعاينون الحقيقة في يوم الحساب ?وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر
[ النسان وأكنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي? [الفجر24-23 :
لقد أعطانا ا جكل وعل الفرصة للتفكر واستخلصا العبر ورؤية الحقائق في هذه
الحياة الدنيا لنفوزأ فوزأاا عظيما ا في الخرة ،فأنزل الكتب السماوية ،وأرسل الرسل
داعياا الناس عبرهم للتفكر في أنفسهم وفي خلق الكون من حولهم?.أولم يتفكروا
في أنفسهم ما خلق ا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق وأجل مسمى ،وإن
كثيراا من الناس بلقاء ربهم لكافرون? الروم8:
الفصل الول
التفككر العميق
معظم الناس يظن أن "التفكر العميق" يقتضي من النسان أن يعتزل المجتمع
ويقطع علقاته بالناس ثم ينسحب الى غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه و ...إنهم
يصنعون من التفكر العميق قضية صعبة جداا ،تجعلهم يخلصون الى القول بأن المر
سمة خاصة بالفلسفة فقط ..مع أن القضية أبسط من ذلك بكثير ،فكما ذكرنا في
المقدمة فإن ا تعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا خاصة في آيات القرآن
الكريم الذي أنزله ا لهذا الغرض .يقول جل وعل ?:كتاب أنزلناه اليك مبارك
ليكدبروا آياته وليتذكر أولوا اللباب? [صا ،] 29:ويمتدح ا تعالى عباده الذين
يقودهم تدكبرهم وتفككرهم الى إدراك الحقيقة وبالتالي الى مخافته سبحانه .فالمهم
.في المر كله اذاا أن يستطيع النسان تطوير ملكة التفكر عنده وتعميقها أكثر فأكثر
ان النسان الذي ل يبذل جهده في التفكر والتدبر والتذكر يعيش في حالة دائمة من
الغفلة ،وحالة الغفلة التي يعيشها أولئك الذين ل يتفكرون ،بما توحيه كلمة الغفلة
من التجاهل مع عدم النسيان والنغماس في الشهوات والوقوع في الثم
والستخفاف والهمال ،هي نتيجة من نتائج تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم
ولكل الحقائق التي يعلمهم اياها الدين ،وهذا المر عظيم وخطير ومؤداه في النهاية
الى نار جهنم؛ لذلك حذرنا القرآن الكريم أن نكون من الغافلين ،فقال تعالى?:واذكر
ربك في نفسك تضرعاا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والصال ول تكن من
الغافلين?[ العراف] 205:وقال?:وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي المر وهم في
[.غفلة وهم ل يؤمنون? [مريم39:
ويبين ا تعالى زأيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم اتباعا ا أعمى دون أن
يفكروا بما يحمله التقليد من ضلل ،ولو نوقشوا في أمرهم لجابوا فوراا بأنهم
مؤمنون بال ملتزمون بتعاليمه ،لكن بما انهم لم يعقلوا فيتفكروا ويتدبروا ويكتعظوا
فإن ايمانهم هذا لم يؤكد بهم الى الصلح وبالتالي الى مخافة ا الحقة.ان عقلية
هؤلء البشر تظهر بوضوح من خلل اليات التالية?:قل لمن الرض ومن فيها ان
كنتم تعلمون .سيقولون ل قل أفل تذكرون .قل من رب السموات السبع ورب
العرش العظيم .سيقولون ل قل أفل تتقون .قل من بيده ملكوت كل شيء وهو
يجير ول يجار عليه ان كنتم تعلمون .سيقولون ل قل فأكنى تسحرون? [المؤمنون:
[90-84
كلنا يعرف أن هناك طبقة أرضية تسمى "الصهارة" تحتوي مواد مذابة على درجة
عالية جداا من الغليان تكمن مباشرة تحت القشرة الرضية؛ وبما أن القشرة
الرضية رقيقة جداا ويمكن مقارنة سماكتها بالنسبة الى الكرة الرضية ككل بسماكة
قشرة التفاحة بالنسبة الى التفاحة كلها ،فإننا قريبون جداا من النفجار الذي قد
يحدث لهذه الطبقة ،فهو تقريباا تحت أقدامنا ،ومع ذلك فمعظم الناس ل يتدبرون هذا
المر ،تماماا كما ان أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم ،وجميع وسائل العلم
ومنتجي البرامج التلفزيونية ،وأساتذة الجامعات ،ل يتنبهون الى هذا المر .ولكن
لو افترضنا أن شخصا ا مصاباا بفقدان الذاكرة الكلي ،يحاول إعادة بناء ذاكرته
والستعلم عن محيطه عبر طرح السئلة على الناس من حوله ،فمن المفترض أن
أول سؤال سوف يتبادر الى ذهنه ،أين أنا؟ً ماذا لو قيل له انه يقف على عالم من
النار الملتهبة ،وأن هذا اللهب يمكن أن يتفجر على سطح الرض فيما لو حدثت أية
.هزة أرضية أو ثورة بركانية
ولو افترضنا أن نفس الشخص أخبر بأن هذا العالم الذي يعيش فيه مجرد كوكب
يسبح في فجوة مظلمة مترامية الطراف تسمى الفضاء ،وهذا الفضاء يختزن هو
الخر طبقة ملتهبة أعظم خطراا من تلك الكامنة تحت سطح الرض ،تتحرك فيها
-على سبيل المثال -آلف الطنان من النيازأك الحارقة بحرية تامة وليس هناك ما
يمنعها أن تحيد عن مسارها وتصطدم بالرض ،بتأثير جاذبي من كوكب آخر -مث ا
ل-
.أو لي سبب آخر
إزأاء كل هذه الحقائق لن يستطيع هذا الشخص أن ينسى خطورة الوضع الذي يعيش
فيه ،ولسوف يبدأ بالتساؤل :كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط ،مع كل
ضواعليه بالنواجذ؟ً! لكنه سوف يدرك فيما
ما يكتنفه من مخاطر ،ويتمسكوا به ويع ك
بعد ان هناك نظاما ا متكاملا قد أخذ حكيزه من الوجود .فرغم الخطر الكامن داخل
الكوكب الذي يعيش فيه ،هناك توازأن دقيق يمنع هذا الخطر من إلحاق الضرر
بالناس ،إل في ظروف استثنائية ،وهذا الدراك سيجعله يفهم أن الرض ومن
عليها من مخلوقات انما تستمد وجودها وتعيش بأمان بإرادة ا تعالى وحده الذي
.أوجد هذا النظام المتكامل للحياة
هذا واحد من مليين ،بل بليين ،المثلة التي يجب أن يتفكر فيها البشر .ولعل
إعطاء مثال آخر يساعدنا على أن ندرك كم تؤثر الغفلة على قدرة الناس على التفكر
.وتحد من قدراتهم العقلية
يعلم الناس أن الحياة الدنيا فانية وأن العمر يمضي حثيثا ا ومع ذلك فإنهم يتصرفون
وكأنهم لن يبارحوا هذا العالم وأنهم مخلدون .وهذا في الحقيقة نوع من السحر
تعاقبت على حمله الجيال ،وله تأثير بالغ عليهم لدرجة أنه عندما يتحدث شخص
ما عن الموت فإن الناس يقفلون الموضوع مباشرة لنهم يخافون أن يبطل هذا
.الحديث السحر عنهم ويضعهم في مواجهة الحقائق
أولئك الناس الذين بددوا حياتهم كلها في شراء سيارة ومنزل جميل وآخر لقضاء
العطلة الصيفية والبحث عن مدارس ذات مستوى ليرسلوا أبناءهم اليها ،تناسوا
أنهم سوف يموتون في يوم من اليام ويخكلفوا وراءهم البيوت والسيارات والولد،
وتركوا التفكير بما يجب أن يقدموا للحياة الحقيقية بعد الموت .ان الموت قادم ل
محالة ،وكل الناس سوف يموتون حتما ا عاجلا أم آجل ،واحداا تلو الخر ،سواء
صدقوا ذلك أم ل ،وبعد ذلك تبدأ الحياة البدية لكل منا ،إما الى الجنة أو الى النار،
فالمر يعتمد على ما أسلف النسان في هذه الحياة القصيرة .ومع أن هذه الحقائق
واضحة كعين الشمس ،فإن السبب الوحيد الذي يجعل الناس يتعاملون مع الموت
.وكأنه غير موجود ،هو ذلك السحر الذي سيطر عليهم لنهم أعرضوا عن التفكر
ان الذين ل يؤدي بهم التفكر الى إنقاذ أنفسهم من هذا السحر وبالتالي من حياة
الغفلة سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رأي العين بعد الموت ،قال تعالى ?:لقد
[كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد? [ق22:
فكما يقول ا تعالى في الية الكريمة فإن البصر الذي تكتنفه الغشاوة في الحياة
الدنيا بسبب عدم التفكر ،ولكنه سيكون حاداا عندما يحاسب النسان في الخرة بعد
.الموت
وجدير بالذكر في هذا المقام أن الناس هم الذين يفرضون على أنفسهم هذا النوع
من السحر بملء إرادتهم لنهم يظنون انهم بهذه الطريقة سوف يعيشون حياة رغد
واسترخاء .لكن من السهل جداا اتخاذ قرارالتخلص من الجمود العقلي وعيش الحياة
بوعي وإدراك ،فلقد قدم ا تعالى الحلول للناس ،فالذين يتفكرون يستطيعون بكل
سهولة أن يبطلوا عن أنفسهم هذا السحر فيما هم على قيد الحياة ،ويفهموا كل ما
يدور حولهم من الحداث والغاية منها ودقائق معانيها ،والحكمة مما يقضيه ا من
.أمور في كل لحظة
فخلل قيادة السيارة مثلا يمكن يمكن رؤية مئات الشخاصا في الشوارع ،وعندما
ينظر النسان الى هؤلء الشخاصا يمكنه أن يتفكر في أمور شتى ،فلربما انصرف
ذهنه الى الختلف الكامل في المظهر بين هؤلء الناس ،فليس هناك واحد منهم
يشبه الخر! كم هو مذهل هذا الختلف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس
العضاء من العيون الى الحواجب الى الرموش والكف واليادي والرجل والفواه
والنوف ..ولو استغرق النسان في التفكير أكثر لتذكر أن ا قد خلق اللوف من
البشر عبر بليين السنين وكل واحد منهم مختلف عن الخر ،وما ذلك ال دليل على
عظمة الخالق سبحانه وتعالى .والذي يراقب كل هؤلء الناس يحكثون الخطى؛
تتجاذبه أفكار شتى ،فللوهلة الولى يبدو أن كل واحد من هؤلء هو نسيج وحده ،له
عالمه الخاصا وأمنياته ومشاريعه وذوقه وأسلوبه في العيش ،وأمور تفرحه
وأخرى تحزنه ..ولكن هذه الخلفات بين البشر ليست أساسية ،فبشكل عام كل
انسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الولد ويزوجهم فيصبح جكداا أو جدة ثم
يتوفى في النهاية ..من هذه الناحية ليس هناك اختلف كبيرفي حياة الناس ،سواء
كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك ،فإن ذلك لن يغير
شيئاا ،فكل هؤلء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهم
أحد على قيد الحياة .ومن يدرك هذه الحقائق ل بد أن يسأل نفسه :بما أننا في يوم
من اليام سوف نموت جميعاا لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح هذا العالم؟ً
ولماذا يتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين
!يجدر به أن يجاهد من أجل الفوزأ بالخرة؟ً
وفي حين أن غالبية الناس ل تتفكر بهذه المور فإن من توصل الى التفكر بها
سيخلص الى نتائج حاسمة .فلو سئل معظم الناس بشكل مفاجىء :بماذا تفكرون في
هذه اللحظة؟ً سوف يظهر بوضوح انهم يفكرون بأمور ليست ذات بال ول تعود
عليهم بالنفع .وعلى كل حال ،فإن كل انسان يمكن أن يتفكر بحكمة في أمور مهمة
وذات قيمة ومعنى ويتدبرها ويخلص الى نتائج من وراء ذلك .ويعلمنا القرآن
الكريم أن من صفات المؤمنين أنهم يتفكرون ويتدبرون ليخلصوا الى النتائج التي
تعود بالنفع عليهم?.إن في خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار ليات
لولي اللباب ،الذي يذكرون ا قياما ا وقعوداا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق
ل سبحانك فقنا عذاب النار? آل عمران:السموات والرض ربنا م اخلقت هذا باط ا
191-190فكما تخبرنا اليتان الكريمتان فإن تفكر المؤمنين مككنهم من رؤية جانب
.العجازأ في الخلق وتمجيد حكمة ا وعلمه وقدرته
إن نجاح النسان في امتحان التفكر ،وكون التفكر سيعود عليه بالنفع في الخرة
يعتمد على التدبر والعتبار من الدروس والتحذيرات التي يستخلصها أثناء تفكره،
ولذلك فإن من الضرورة بمكان أن يتفكر النسان بصدق دائماا .قال تعالى?:هو الذي
[.يريكم آياته وينكزل من السماء رزأقا ا وما يتذكر إل من ينيب? [غافر13:
الفصل الثاني
وتماما ا كما يضكيع الناس أوقاتهم في حياتهم اليومية بمعالجة أمور تافهة ،فإنهم
كذلك يمضون يومهم في اللغو منجرفين في أفكار غير ذات جدوى .وفي قوله
تعالى?:قد أفلح المؤمنون ..والذين هم عن اللغو معرضون? [المؤمنون ]3:ينصح
ا تعالى الناس أن يكونوا أقوياء العزيمة في اعراضهم هذا .وبالتأكيد فإن أمر ا
هذا يصح أيضاا على أفكار الناس .هذا لننا إذا لم نسيطر على أفكارنا بوعي فإنها
سوف تظل تنساب في عقولنا بشكل متواصل ،فيقفز النسان دون وعي من فكرة
ل ،خلل التفكير بالشياء التي سوف يتسكوقها في طريقه إلى البيت إلى أخرى .فمث ا
يجد نفسه فجأة يفككر بأشياء أخبره بها صديق قبل سنة أو سنتين :هذه الفكار غير
.المضبوطة وغير النافعة قد تستمر دون اعتراض خلل النهار كله
ال أن السيطرة على التفكير ممكنة .فكل منا يمتلك القدرة على التفكير بأشياء تفيده
سن كياسته وإحاطته بالمور .وتفيد إيمانه ،وعقله ،وتح ك
وفي هذا الفصل سوف نذكر كل أنواع الفكار التي يفككر بها الغافلون بشكل عام.
والغاية من ذكر هذه الموضوعات بالتفصيل ان يتنكبه الذين يقرأون هذا الكتاب فوراا
عندما تمر أشياء مماثلة في أذهانهم -حين يكونون في طريقهم إلى العمل أو
المدرسة أو حين يزاولون أعمالهم اليومية -فوراا إلى أنهم يفككرون بأمور غير
.مجدية فيسيطروا على أفكارهم ويتفككروا في أمور تعود عليهم بالنفع حقيقة
ل ،قد يخترع سيناريوهات لما قد يحصل فمن عنده شاب يدرس لمتحان جامعي ،مث ا
فيما لو رسب ولده في المتحان قبل أن تجري المتحانات" :إذا رسب ابني في
المتحان ،فإنه لن يستطيع أن يجد وظيفة جيدة في المستقبل يكسب منها ما يكفي
من المال ،ولن يكون قادراا على الزواج ،ولو تزوج سيستطيع تحمل مصاريف حفل
الزفاف؟ً ..إذا فشل في المتحان فإن كل ما صرف من مال على الفصول التحضيرية
سوف يذهب هباء ،وفوق هذا سوف نكون محتقرين في أعين الناس ...ماذا لو نجح
"...ابن صاحبي ورسب ابني
وسوء الفهم هذا سوف يستمر ويستمر ،مع ان ابن هذا الشخص لم يخضع
للمتحان بعد .وخلل حياته كلها ل يمكن للنسان البعيد عن الدين أن يقاوم مثل
هذه المخاوف التي ل ضرورة لها ،وهذا بالتأكيد له سببه .ففي القرآن ذكر السبب
الذي يجعل الناس غير قادرين على التحرر من هذا القلق هو أنهم يعيرون سمعا ا
[ .لوساوس الشيطان ،إذ يقول الشيطان?ولضلكنهم ولمنيكنهم[ ?..النساء119:
وكما يرى في الية أعله فإن من يشغل نفسه بمخاوف ل جدوى منها ،وينسى ا
تعالى ول يفككر بصفاء ،يكون دائما ا عرضة لوساوس الشيطان .وبكلمات أخرى إذا
كان النسان مخدوعا ا بهذه الحياة الدنيا ل يستعمل قوة إرادته ويتصرف بوعي،
وإذا سمح لنفسه بالنجراف بمجرى الحداث فإنه يصبح تحت سيطرة الشيطان
بشكل كامل .فإقلق
ولذلك فإن التشاؤم وسوء الفهم والمخاوف المتحكمة في الذهن مثل "ماذا سأفعل
.إذا حصل كذا وكذا" سببها وساوس الشيطان
وا سبحانه وتعالى يعلم الناس الطرق التي تقيهم من هذا الوضع .ففي القرآن
ينصح ا الناس باللجوء إليه إذا نزغهم من الشيطان نزغ فيقول":إن الذين اكتقوا
سهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .وإخوانهم يمكدونهم في الغكي إذا م ك
[ .ثم ل يقصرون? [العراف 202 - 201
وكما هو مذكور في الية فإن من يتفككر يدرك الصواب ومن ل يتفككر يمضي إلى
حيث يجره الشيطان .المهم ان نعرف أن هذه الفكار لن تنفع النسان بل على
العكس سوف تمنعه من التفكير بالحقيقة ،والتفكر بأمور مهمة وبالتالي تطهير
ذهنه من الفكار غير المجدية .فل يمكن للنسان ان يتفككر بطريقة صائبة إل إذا
حرر ذهنه من الفكار التافهة .وبهذه الطريقة "يعرض عن اللغو" كما يأمر ا
.تعالى في القرآن
الفصل الثالث
وا سبحانه ينبئنا عن حال أولئك الذين تعكودوا أن يفكروا بسطحية ،فيقول تعالى?
يعلمون ظاهراا من الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون .أولم يتفكروا في
أنفسهم ما خلق ا السموات والرض وما بينهما إل بالحق وأجل مسمى وإن كثيراا
[.من الناس بلقاىء ربهم لكافرون? [الروم8-7 :
مثال آخر على ذلك :تنقل الصحف والتلفزيونات يومياا مئات الخبار عن الكوارث
والظلم والضطهاد وغياب العدالة ،وعن الجرائم وحالت النتحار ،كما تغطي
حوادث السرقة وتأتي على ذكر أحوال آلف المعوزأين من البشر؛ ومع ذلك فإن
كثيراا من الناس يطوون صفحات الجريدة ،ويطفئون جهازأ التلفازأ وهم بشعرون
بسكينة داخلية ،وبشكل عام فإن الناس ل يتساءلون لماذا هذا الكم الهائل من تلك
النباء ،وماذا يجب فعله إزأاء هذا الواقع؟ً وما سبل الوقاية التي يجب اتخاذها لمنع
وقوع مثل هذه المور؟ً وماذا يمكنهم أن يفعلوا إزأاء هذه المعضلت؟ً بل ان
"معظمهم ينحو باللئمة على غيره متبعا ا مبدأ" :هل يتوقف علكي إنقاذ العالم؟ً
التكاسل الذهنيِ
التكاسل هو العامل الذي يمنع أغلبية الناس عن التفكر ،وبسبب التكاسل الذهني
يقوم الناس بأعمالهم بالطريقة التي تعكودوا أن يروها دائما ا دون تغيير .ولعطاء
مثال من خضم حيااتنا اليومية ،فإن ربات البيوت ينظفن بيوتهن بنفس الطريقة
التي شاهدن والداتهن يقمن بها ،وهكن بشكل عام ل يتساءلن كيف يمكن إنجازأ
العمال بشكل أنظف وطريقة عملية أكثر ،والمر نفسه بالنسبة الى الرجال ،فلو
احتاج شيء ما الى إصلح فإنهم يصلحونه بنفس الطريقة التي تعلموها منذ
طفولتهم ،ومعظمهم يرغب عن تطبيق أسلوب عملي جديد أكثر فاعلية .وأسلوب
هذا النوع من الناس متشابه أيضاا ،فالمحاسب مثلا يتكلم بنفس الطريقة التي تكلم
بها محاسب ما قابله في حياته ..والمر كذلك بالنسبة الى الطباء والمصرفيين
ومندوبي المبيعات ..وغيرهم من الناس الذين تجمعهم طبقة اجتماعية معينة فتكون
لهم طريقة معينة في التحدث ول يكلفون أنفسهم عناء التفكير للبحث عن طرق
!أفضل وأحسن وأصوب ،إنما يقلدون ما سمعوه فقط
ل ،حارس مبنى ماكما أن الحلول المبتكرة للمشاكل تعكس كسلهم الذهني .فمث ا
يعالج مشكلة النفايات فيه تماما ا كما كان يفعل من كان قبله ،وعمدة مدينة ما يحاول
حل مشكلة زأحمة المرور عبر مراجعة ما فعله من كان قبله .وفي حالت كثيرة عدم
.التفكير يجعل صاحب المشكلة غير قادر على إيجاد حل
طبعاا المثلة المذكورة أعله هي أمور يعاني منها الناس في حياتهم اليومية ،ولكن
هناك قضية أهم من ذلك وأعمق بكثير لو أخفق الناس في التفكير فيها ،فقد يؤدي
بهم ذلك الى الخسران البدي المبين ،والمقصود من هذا الكلم إخفاق المرء في
التفكر في الغاية من وجوده في هذه الدنيا ،وتجاهله لحقيقة أن الموت ل يمكن
تفاديه ،وأننا حتماا سنبعث بعد الموت .ففي القرآن يدعونا ا الى التفكر في هذه
الحقائق فيقول جكل وعل ?:أولئك الذين خسروا أنفسهم وضكل عنهم ما كانوا
يفترون .ل جرم أنهم في الخرة هم الخسرون .إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وأخبتوا الى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون? [هود ]24-21 :ويقول
[.أيضاا?:أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذككرون? [النحل17:
ولن أولئك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر يتفكرون دون أن يلزموأ أنفسهم
بالخير والصلح ،فيتفكرون ،ولكن بطريقة سلبية ،فإنهم يخرجون من تأملتهم
ل ،هم يتفكرون في كون الحياة الدنيا مؤقتة،بخلصات ل تعود عليهم بأي نفع .فمث ا
وفي حتمية الموت في يوم من اليام ،ولكن هذا المر يثير لديهم الكثير من
التشاؤم ،بعضهم يتشاءم لنه يعلم أنه يمضي هذه الحياة المؤقتة في معصية ا،
ويحضر نفسه لنهاية بائسة في الخرة ،وبعضهم الخر يتشاءم لنه يعتقد أن أثره
.سيتلشى كليا ا بعد الموت
أما الشخص الحكيم الذي يؤمن بال واليوم الخر فإنه يخرج بنتائج مختلفة تماما ا
عندما يتدبر في حقيقة هذه الدنيا الفانية ..فقبل كل شيء إدراكه لكون الحياة مؤقته
يدفعه الى المجاهدة بشكدة من أجل حياته الحقيقية البدية في الخرة .وبما أنه
ل ،فإنه ل ينجرف في طلب شهوات يعرف أن هذه الحياة سوف تنتهي عاجلا أم آج ا
ومتاع الحياة الدنيا ،بل على العكس من ذلك ،فإنه يعرض عنها الى أبعد الحدود ..ل
ض عكما قسمه ا له من نعم شيء في هذه الدنيا الفانية يزعجه فهو دائما ا را ا
وجمال ،لنه يعكلق آماله على الفوزأ بالحياة البدية المرضية .فقد خلق ا تعالى هذه
الحياة الدنيا غير كاملة ليبتلي الناس ،والمرء الذكي يفكر :إذا كان هذا العالم غير
الكامل فيه هذا الكم من الجمال الذي يسعد النسان ،فل بد أن جمال الجنة فاتن الى
درجة تفوق الخيال ،فتراه يأمل أن يعاين في الدار الخرة منبع كل جمال يشاهده في
.هذه الدنيا .وهذه القناعات كلها ل تتأتى لديه إل عبر التفكر العميق
ولذلك فمن الخسارة بمكان قلق النسان من ان يصيبه التشاؤم إذا ما وصل الى
الحقيقة ،وبالتالي تفاديه التفكر ،لن النسان الذي يفكر دائما ا بإيجابية ،ويعلل
.النفس بالرجاء بفضل إيمانه بال ،ما من أمر يقوده الى التشاؤم
ومن يعيش دون أن يتفكر قد يجعل من هذه الوسئل غايته الحقيقية بكل سهولة.
ويمكننا أن نضرب مثالا على ذلك من حياتنا اليومية .فمما ل شك فيه أنه من
الحسن أن يعمل وينتج أشياء ذات منفعة لمجتمعه .والمؤمن بال ينجز مثل هذه
العمال بحماس ويرجو الثواب من ا تعالى في الحياة بعد الموت .أما إذا قام
إنسان بنفس العمل دون أن يذكر ا ولساب دنيوية فقط مثل السعي وراءالمنصب
أو تقدير الناس فإنه يرتكب خطاأ ،لنه حكول أمراا ما من وسيلة لكسب مرضاة ا
الى غاية .وسوف يندم على فعلته عندما يواجه الحقائق في الخرة .وفي الية
التالية يشير ا سبحانه وتعالى الى أولئك الذين ينغمسون في هذه التصرفات في
الحياة الدنيا بما يلي?:كالذين كانوا من قبلكم كانوا أشكد منكم قكوة وأكثر أموالا
وأولداا فاستمتعوا بخلقهم فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذي من قبلكم بخلقهم
وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك هم
[الخاسرون? [التوبة69:
النظر الى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أية حاجة
للتفكر فيها
عندما يصادف الناس أموراا معينة للمرة الولى قد يفهمون طبيعتها الستثنائية مما
قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه .ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومة اعتيادية
.لهذه الشياء فل تعود تؤثر بهم
.وبالتحديد فإن الشياء والحداث التي يلقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم
فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراا بالغاا عندما يرى جثة للمرة الولى
أو في المرة الولى التي يموت فيها أحد مرضاه .مما يجعلهم يتأملون ملياا .ويمكن
ان يكون السبب أنهم يواجهون انساناا بل حياة أشبه بالبضاعة ،كان منذ دقائق
مليئا ا بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة ..وعندما توضع
الجثة أمامهم للتشريح للمرة الولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة,
يتفكرون بأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة ,وأنه تفوح منه رائحة نتنة ،والشعر الذي
كان جميلا فيهما مضى يصبح غير جميل ول يود أحد لمسه ..وبعد ذلك يتفكرون في
أن مكونات كل الجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلقي نفس النهاية ,وأنهم هم
.أيضا ا سينتهون الى هذا الشكل
ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلء الناس مقاومة
.اعتيادية لشياء محددة فيبدأون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهم أشياء
وبالتأكيد هذا الوضع ل يصدق على الطباء وحدهم ,فغالبية الناس ينطبق عليها هذا
الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم .فمثلا ينعم ا على انسان يعيش في ظروف
صعبة برغد العيش فإنه يفهم ان كل ما يمتلكه رحمة له .فسريره أصبح أكثر،
ولبيته منظر جميل ,ويمكنه ان يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء
كما يرغب ،وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة ..وغيرها من النعم كلها التي قسمت
لهذا النسان ،وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها ،ولكن من يمتلك
هذه الشياء منذ نعومة أظافره قد ل يتفكر في قيمتها كثيراا.ول يمكنه تقدير هذه
.النعم إل إذا أعاد التفكر فيها
ومن الناحية المقابلة فالنسان الذي يتفكر ل فرق عنده إذا سواء كان امتلكه لهذه
النعم منذ ولدته أو أنه أحرزأها فيما بعد .فهو ل ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية
إذ انه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه ا وأن ا قادر على استرجاعه منه لو
شاء .فمثلا يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم ,وهي السيارات
في أيامنا هذه ?:لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه
وتقولوا سبحان الذي سكخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإكنا الى ربنا لمنقلبون ? [
[ الزخرف13:
وفي أية أخرى ،يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم :ما شاء ا ل قوة
إل بال [الكهف ]31 :وكلما دخلوها يتذكرون ان ا خلقها وهو يمدها بأسباب
الحياة .أما بالنسبة للنسان الذي ل يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها
فيما بعد تصبح مكانا ا عاديا ا بالنسبة له ,ويتلشى تقديره لجمالها.كما ان بعض
الناس ل يلحظون النعم أبداا لنهم ل يتفكرون فيها ،فهم يعتبرونها أموراا عادية من
.المفروض وجودها ،ولذلك فإنهم ل يستطيعون استشفاف المتعة من جمالها
آلمر ،تلك آيات الكتاب والذي أنزل اليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس ل?
[يؤمنون ? [الرعد1:
وأقسموا بال جهد أيمانهم ل يبعث ا من يموت بلى وعداا عليه حقا ا ولكن أكثر?
[ الناس ل يعلمون ?[ النحل38:
وفي آيات أخرى يبلغنا ا بنهاية هؤلء الذي ضكلوا لنهم اتبعوا الغلبية ففشلوا
في اطاعة أوامره لنهم نسوا الغاية من خلقهم ? وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا
نعمل صالحا ا غير الذي كنا نعمل ،أولم نعكمركم ما يتذككر فيه من تذكر وجاءكم النذير
?فذوقوا فما للظالمين من نصير
[فاطر]37:
لهذا السبب يجب على كل انسان أن يتخلص من السباب التي تمنعه من التفكر،
.وأن يتفكر بصدق وإخلصا ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره
وفي الفصل التالي سوف نناقش ما يمكن أن يتفكر فيه النسان من أحداث
ومخلوقات يصادفها في حياته اليومية ،وهدفنا أن تؤمن هذه الموضوعات لقراء
هذا الكتاب أرشاداا يساعدهم على قضاء ما تبقى من حياتهم كأشخاصا يتفكرون
.ويستخلصون العبر مما يتفكرون فيه
الفصل الرابع
في الصفحات التي تلي سوف نحاول ان نصكور بماذا يمكن للنسان المؤمن بال أن
يتفكرمن خلل ما يمر به من اشياء يومياا ،وما هي العبر التي يمكن أن يستخلصها
من الحداث التي يشهدها ،وكيف يجب عليه أن يشكر ا ويتقرب اليه عندما يعاين
.علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى -في كل شيء
بطبيعة الحال ما سنذكره هنا ل يغطي ال قسما ا صغيراا من قدرة النسان على
التفكر ،فالنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة )ليس في كل ساعة ول دقيقة
ول ثانية ،بل في كل لحظة( من حياته .ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجة
يستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له .والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح
.البواب أمام الناس للستفادة من ملكة التفكيرعندهم كما يجب
يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الشخاصا الذين يتفكرون هم وحدهم القادرون
على فهم وتقدير مختلف المور .وقد ذكر ا في اليات الكريمة التالية حال أولئك
الذين ل يبصرون المور العجازأية من حولهم فل يستطيعون التفكر فيها ،فقال
تعالى?:ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعااء وندااء ،صمم بكام
عماي فهم ل يعقلون?[البقرة ...? ]171 :لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين ل
يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بها ،أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم
الغافلون? [العراف?] 179:أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم
[ .كالنعام بل هم أضل سبي ا
ل? [ الفرقان44:
عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل ،وعندها
نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة ،فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثير من
التفكير ماذا سنتناول كفطور ،أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننا
استطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها ،فرغم كوننا فاقدي
الوعي كلياا خلل النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا ،وتخفق قلوبنا،
ونتمكن من التنفس ،والكلم والرؤية والمشي ..مع أنه ليس هناك ما يضمن أن
هذه النعم ستعود الينا في الصباح ،أو اننا لن تصيبنا أي مصيبة خلل الليل .فلربما
أكدى شرود أحد الجيران الى تسرب غازأي ،فيوقظنا حدوث انفجار كبير ،أو قد
تحدث كارثة في المنطقة التي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض
لمشاكل أخرى في أجسامنا ،فقد نستيقظ مصابين بآلم مبرحة في الكلى ،أو
الرأس ،ومع ذلك ،لم يحدث شيء من هذا واستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين..
التفكر بهذه المور يجعلنا نشكر ا على رحمته بنا وحفظه لنا .فاستهلل النهار
.بصحة جيدة معناه أن ا يعطينا فرصة أخرى لتحقيق المزيد من أجل آخرتنا
لذلك ،فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى ،ونجعلها
قبل كل شيء ،فنخطط لبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار .ونقطة
البداية في تحصيل مرضاة ا ،سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا ،ودعاء سيدنا سليمان
عليه السلم مثال جيد لكل المؤمنين?:ركب أوزأعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت
ي وأن أعمل صالحاا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك علكي وعلى والد ك
[.الصالحين?[النمل19:
وإذا كان من ينظر في المرآة مسناا ،فقد تخطر على باله أفكار أخرى ،فأولى
علمات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر ،إذ في الثلثينيات
تبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ول يعود الجلد متورداا ،ومع تقدم
العمر يبدأ الجسم بالذبول ،ويتحول لون الشعر الى البيض وتظهر الشيخوخة حتى
.على اليدين
عندما نتفكر في هذه المور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التي تكشف الطبيعة
المؤقتة لهذه الحياة الدنيا .فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قد بدأ ،وفي
الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ،الذي يذبل شيئا ا
.فشيئا ا ،أما الروح فل تشيخ
ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب ،فيجنح أصحاب
الهيئة الحسنة الى التعجرف ،أما من هم أقل منهم حظاا في الجمال ،فيشعرون بعقدة
النقص وعدم السعادة ،فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان،
وأن ما ينفع عند ا وما يقبل عنده أعمال النسان الصالحة والتزامه بأوامر ا
.وحسن خلقه
في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص هما ل وحده،
مما يدفعنا الى تمجيد عظمة ا .فال تعالى خلق كل ضعف في النسان لهدف ،ومن
هذه الهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا ،وعدم البغي فيما أوتوا.
ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو ا أن يعيد خلقه في الخرة خاليا ا من
.الضعف
شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورين والمتعجرفين
الى تدكبره والعتبار منه :انظروا الى الوردة تنبت من تراب أسود موحل ،بشذى
ف نظيف ،فيما تفوح من البشر رائحة ل تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كما يجب
!..صا ف
صحيح أن المور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلت كيميائية معينة في الجسم،
ولكن النسان الذي ينظر اليهل ل بد أن يتساءل :كيف تحدث هذه التفاعلت
الكيميائية ،ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم ،لتنظم
النمو في جميع أنحائه؟ً ومن يضبط كمية إفرازأات هذه الهرمونات؟ً بدون شك من
المستحيل الدعاء أن هذه الشياء تحدث بمحض الصدفة ،ومن المستحيل أيضا ا
للخليا التي يتأسس منها جسم النسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها
الخليا أن تتخذ مثل هذه القرارات ،لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من
.إبداع ا تعالى الذي خلقنا في أحسن تقويم
في الطريق..
مباشرة بعد الستيقاظ من النوم صباحاا والستعداد يمضي معظم الناس في شؤونهم
فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة ،ومنهم من يمضي
لتسوية بعض المور في مكان ما في هذا العالم الرحب .بالنسبة للمؤمن هذه الرحلة
القصيرة هي نقطة البداية للقيام بالعمال الصالحة التي ترضي ا سبحانه وتعالى.
فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوما ا آخر نكسب فيه من رزأقه،
والن وقد مضينا في أمرنا ،فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خللها هذا
الرزأق وعندما نتفكر في هذا المر ل بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا?
]النبأ .[11:ووفقاا لهذه الية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال
.ذات نفع للعباد ترضي ا سبحانه وتعالى
وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من المور التي يجب أن نتفكر فيها،
فهناك اللف من الناس والسيارات والشجار الكبيرة والصغيرة ،والتفاصيل التي
ل تعد ول تحصى من حولنا ،وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة ،فسوف نحاول
الستفادة لقصى الحدود مما نراه حولنا ونتفكر في الحداث والسباب .فما يمر بنا
من مشاهد إنما يمر بعلم ا وإرادته ،ول بد أن يكون هناك سبب من وراء ذلك فبما
أن ا جعلنا نخرج ،ووضع هذه المشاهد أمامنا ،فل بد أن فيها ما يجب أن نراه
.ونتدبره
وحين نصل إلى سيارتنا أو أي وسيلة نقل أخرى .وفي خلدنا كل هذه الفكار .نشكر
ا مرة أخرى ،إذ مهما كانت المسافات طويلة فقد سخر لنا ا وسيلة للوصول،
وكما هو معلوم ،فقد خلق ا للناس الكثير من الوسائل ليستعينوا بها في السفر.
وقكدم التطور التكنلوجي إمكانيات جديدة مثل السيارات والقطارات والطائرات
والسفن والمروحيات والحافلت وغيرها .وعند يتدكبر هذا المر يتذكر النسان أن
ا تعالى هو الذي سكخر التكنولوجيا في خدمة البشرية .ففي كل يوم يخرج العلماء
باكتشافات واختراعات جديدة تسهل علينا حياتنا ،وهميصلون اليها جميعا ا بالوسائل
التي خلقها ا على الرض .ومن يتفكر ،يتابع رحلته شاكراا المولى تعلى الذي
.سخر لخدمتنا كل هذه المور
وفيما نمضي في وجهتنا حاملين مثل هذه الفكار فإن كومة نفايات ،أو رائحة
.كريهة أو أماكن معتمة نمر بها تثير في أذهاننا أفكاراا متعددة
فقد خلق ا في هذا العالم أماكن ومشاهد تجعلنا قادرين على تصور الجنة والنار،
أو التخمين من خلل المقارنة كيف ستكونان .فأكوام النفايات والروائح الكريهة
والماكن الضيقة المعتمة القذرة تسبب كربا ا كبيراا لرواحنا ! ول أحد يود أن يكون
في مثل هذه الماكن ،وكل هذه الخصائص تذكر النسان بجهنم ،وكل من يلتقي
بهذه المشاهد يتذكر اليات التي تتحدث عن النار :فال سبحانه وتعالى يصف لنا
.ظلمة وقذارة وكراهة المشاهد في جهنم
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال .في سموم وحميم .وظل من يحموم .ل بارد?
.ول كريم?]الواقعة[44-41:
وإذا ألقوا منها مكانا ا ضيقا ا مقرنين دعوا هنالك ثبورا .ل تدعوا اليوم ثبوراا واحداا?
.وادعوا ثبوراا كثيرا?]الفرقان[14-13:
وعند تذكر هذه اليات القرآنية ندعو ا أن يجيرنا من نار جهنم ونسأله أن يغفر
.لنا ذنوبنا
ومن زأاوية أخرى فإن النسان الذي ل يوظف أفكاره بهذه الطريقة سوف يمضي
نهاره متذمراا قلقاا ،باحثا ا عكما يغضب في كل حدث ،فيستشيط غاضبا ا من الناس
الذين يلقون نفاياتهم ومن البلدية التي تتاخر في جمعها ،ويشغل ذهنه طوال النهار
بأفكار غير مجدية ل تنفعه في آخرته ،مثل زأحمة السير الناجمة عن الحفر في
الطرقات ،وكيف أصابه البلل نتيجة توقعات خاطئة لخبراء الرصاد الجوية ،وكيف
حصل علوة على ذلك على توبيخ غير منصف من رب العمل .وهذه الفكار التافهة
ل تنفع في الخرة ،وقد يتوقف النسان عن التفكير فيما إذا كان عليه ان يتخلى عن
مثل هذه الفكار المتعددة ،والغريب ان الكثير من الناس يكدعون أن السبب الحقيقي
الذي يشغلهم عن التفكر هو الكفاح الذي عليهم أن يخوضوه في هذا العالم،
فيتعللون بالمشاكل الصحية وتأمين ضروريات الحياة والطعام وغيرها ..وهذه
ليست سوى أعذار ،فمسؤوليات المرء وأوضاعه ل علقة لها بالتفكير فمن يحاول
أن يفكر لينال رضى ا سوف يجد أن ا في عونه ،وسوف يرى المور التي كانت
بالنسبة له مشاكل قد حلت واحدة واحدة وفي كل يوم يمر سوف يكون قادر على
.تخصيص المزيد من الوقت للتفكر وهذا أمر مفهوم ومجرب فقط من قبل المؤمنين
عندما ننظر من شباك السيارة يطالعنا عالم متعدد اللوان ،فنتساءل :لو لم يكن هذا
العالم متعدد اللوان كيف كان سيبدو كل شيء فيه؟ً
أنظروا في الصورة في أسفل الصفحة وتفكروا :هل ستكون بهجة المناظر الطبيعية
من جبال وبحار وحقول وأزأهار هي نفسها دون ألوان؟ً وأي متعة سنستقيها من
مشاهد السماء والفاكهة والفراشات والثياب ووجوه الناس بغياب اللوان؟ً
فضل من ربنا تعالى أننا نعيش في عالم متعدد اللوان نابض بالحياة .فمهرجان
اللوان الذي نشاهده في العالم ،وهذا التناسق الكامل في ألوان الكائنات الحية آيات
.شاهدة على إبداع ا الذي ل يضاهى وتفرده في الخلق
ل شيء من مشاهد الطبيعة يؤذي العينين ،فالتفاعل الدقيق بين اللوان ،وتناسق
اللوان في الكائنات الحية من أزأهار وطيور وبحار وسماوات وأشجار وغيرها
يورث السكينة في النفس ويعطي الراحة للعينين .وكل هذا يدل على الكمال في خلق
.ا
ومن خلل التفكر في هذه المور نفهم أن كل ما نراه حولنا هو نتاج علم ا وقدرته
.اللمحدودين
وفي مقابل هذه النعم التي منحنا إياها ا علينا أن نخافه سبحانه وتعالى ونسأله أن
ل يجعلنا من الكافرين بأنعمه .وا سبحانه وتعالى يذكرنا في القرآن الكريم بوجود
اللوان ،ويذكر أنه ل يخشاه تعالى من عباده إل العلماء ،كما يبين سبحانه وتعالى
أن المؤمنين يتفكرون ويتدبرون دائماا ،ويستخدمون ألبابهم في الكتشاف
.واستخلصا العبر والنتائج
في تلك اللحظة يتذكر النسان المؤمن اليات التالية ?:كل نفس ذائقة الموت ثم
إلينا ترجعون .والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبكوئنهم من الجنة غرفا ا تجري من
تحتها النهار خالدين فيها نعم أجر العاملين .الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون? [
[ .العنكبوت59-57 :
وبالطبع فإن تفكرالنسان أن جسده سوف يوضع في كفن ،ويواريه أقاربه الثرى،
وأن اسمه وشهرته سوف يحفران على شاهد قبره ،يزيل تعكلقه بالدنيا .ومن يفكر
بهذه المور بإخلصا وصدق يكتشف كم من الحماقة الستجابة لمتطلبات جسد
.سوف يفنى في التراب
في اليات من سورة العنكبوت يبشر ا عباده الصابرين والمتوكلين عليه بمباهج
الجنة بعد الموت ،ولهذا عندما يتفكر المؤمنون في أنهم سيموتون في يوم من
اليام ،يحاولون العيش مخلصي النية ل ملتزمين حسن الخلق وصالح العمال التي
أمر ا بها للفوزأ بالجنة .وكلما تذكروا قرب الجل تزداد عزيمتهم ويحاولون
التخكلق بأسمى القيم والستزادة منها أكثر فأكثر خلل حياتهم.وعلى العكس منهم
فإن الذي يعطون الولوية لغير هذه الفكار ويمضون حياتهم في قلق ل طائل تحته،
ل يتذكرون أن الموت واقع بهم حتى لو مروا بعربة نقل الموتى أو المقبرة نفسها،
.وحتى لو توفي أحد أحبائهم
خلل النهار
في مواجهة كل الحداث التي يمر بها خلل النهار ل يبرح المؤمن يتفكر في آيات
.ا محاولا إيجاد تفسير لدقائق المور
والمؤمن يتلقى كل نعمة أو ابتلء بالقبول الحسن الذي يرضي ا سبحانه وتعالى.
وليس لختلف الماكن أهمية كبرى عند المؤمن ،فهو يتدبر كون ا خالق كل
شيء ،ويحاول أن يبحث عن الغايات الكامنة وراء ما قدر ا من أحداث وما خلق
من محاسن ،سواء كان في المدرسة أو العمل أو السوق .فالمؤمن يعيش حياته
:مهتدياا بآيات ا ،وتصرف المؤمنين هذا مستمد من اليتين التاليتين
رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ا وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون?
يوماا تتقلب فيه القلوب والبصار .ليجزيهم ا أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله
.وا يرزأق من يشاء بغير حساب?]النور[38-37:
في كل هذه الحداث النسان الذي يحمل اليمان يجزم بأن ا يبتليه في إيمانه وفي
صبره ،ومن الحماقة بمكان بالنسبة للنسان الذي سيموت ويحاسب في الخرة أن
ينجرف في مثل هذه الحداث وأن يضيع الوقت في القلق بشأنها .فالمؤمن يعلم أن
هناك خيراا وراء كل هذه الحداث .فهو ل يقول واحسرتاه لي حدث ويسأل ا أن
.يسهل له أموره ويحسن به الظن في جميع المور
وعندما يتبع اليسر المصاعب ندرك أن هناك استجابة لدعائنا وأن ا سميع مجيب
.الدعوات .فنشكره سبحانه وتعالى
وبتمضية النهار ونحن نتفكر في هذه الفكار ل يفقد النسان المل ول يقلق ول
يشعر بالسف أو اليأس مهما مر به ..فنحن نعلم أن ا خلق كل هذه المور لخيرنا
وان هناك رحمة فيها.وفوق ذلك علينا أن نفكر بهذه الطريقة ليس في المور
الساسية التي تقع لنا ،وإنما أيضا ا في الفاصيل كبيرها وصغيرها التي نقابلها خلل
.حياتنا اليومية كما ذكرنا من قبل
فكروا بإنسان ل يستطيع أن يسوي أمراا بالطريقة التي يتمناها أو يتعرض لمشاكل
جدية وهو على وشك الوصول إلى هدفه .هذا الشخص يصبح فجأة غاضبا ا حزينا ا
ومكروباا وباختصار تتكون لديه جميع أنواع المشاعر السلبية ،ولكن من يتذكر بأن
هناك خيراا في كل أمر ،يحاول البحث عن الغاية الخفية في هذا الحدث الذي أظهره
.ا
فقد يفكر بأن ا قد لفت انتباهه كي يحسب لمره هذا حسابات أدق .فيقول ربما
.ساعدني ما حصل على تجنب ضرر أعظم
فمن تفوته الحافلة وهو يحاول الوصول إلى موعد معين قد يفكر أنه ربما قد وقي
بتأخره من التعرض لحادث في الحافلة ،أو لضرر أكبر من ذلك .وهذه فقط أمثلة
قليلة ،فقد يفكر النسان أيضا ا بأن هناك الكثير من الغايات الكامنة وراء تأخره هذا،
وهذه المثلة قد تتضاعف في حياة النسان .والمهم في هذا كله أن مشاريعنا قد ل
تحل بالطريقة التي نتمناها .فقد نجد أنفسنا في وضع مختلف تماما ا عن الذي خططنا
له .وفي مثل هذه الظروف فإن يسكلم ويبحث عن الخير في الحداث المعينة التي
:يواجهها يفوزأ ،يقول ا تعالى
كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاا وهو خير لكم وعسى أن?
.تحبوا شيئا ا وهو شر لكم وا يعلم وأنتم ل تعلمون?]البقرة[216:
فكما يذكر ا تعالى في هذه اليات ،فنحن ل نعلم ولكن ا هو الذي يعلم ما هو خير
لنا وما هو شر لنا .ومما يورث النسان السكينة أن يتخذ ا اللطيف الرحيم وليا ا
.ويسلم له تمام التسليم
ومن يعمل في وظيفة ما يمكنه دائماا أن يدعو ا في سره فيسأله أن يسهل له
عمله ،ويفكر بأنه ل يمكن أن ينجح في أي شيء دون إرادة ا .ونرى من خلل
القرآن أن النبياء الذين هم قدوة لنا كانوا يتوجهون باستمرار إلى ا في سرهم.
ويتفكرون في ا خلل عملهم ،وواحد من هؤلء النبياء الكرام وهو سيدنا موسى
عليه السلم .فبعد مساعدته لمرأتين التقاهما في سقاية قطيعهما توجه إلى ا
:بالكلمات التالية
ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين?
تذودان قال ما خطبكما قالتا ل نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير .فسقى
لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليي من خير فقيرر?]القصص-23:
[24.
مثال آخر نراه في القرآن عن هذا الموضوع هو مثال النبي إبراهيم والنبي
إسماعيل عليهما السلم .فال تعالى يذكر أن هذين النبيين تذكروا المؤمنين بالخير
.عندما كانا يعملن معا ا فتوجها إلى ا تعالى بالدعاء حول عملهما
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع?
العليم .ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب
علينا إنك أنت التواب الرحيم .ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك
.ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم?]البقرة[129-127:
والذبابة نفسها تخفق بجناحيها خلل الطيران خمسمائة مرة في الثانية تقريباا .وفي
الواقع ليس هناك آلة من صنع النسان تستطيع أن تعمل بمثل هذه السرعة لنها
سوف تتحطم وتحترق نتيجة الحتكاك .في حين أن عضلت الذبابة ومفاصلها
.وأجنحتها ل تتأذى
وإذا أخذنا بعين العتبار اتجاه وسرعة الريح .فإن الذبابة تستطيع الطيران في اي
اتجاه دون أن تنحرف ،في حين أنه حتى مع وجود التكنولوجيا الحالية ،فإن
النسان بعيد عن إنتاج اختراع يتمتع بهذه الميزات غير العادية ،وبتقنيات طيران
مثل هذه .ومن الواضح أن الذبابة ل تفعل كل ذلك بفضل قدرتها وذكائها ،فال هو
.الذي أعطى الذبابة هذه الخصائص والقدرات الرائعة
وفي كل مكان نلمحه حولنا هناك حياة مرئية وأخرى غير مرئية إذ ليس هناك
سنتمتر مربع على الرض ل حياة فيه ،فالبشر والنباتات والحيوانات مخلوقات
يمكن للنسان أن يراها ،ولكن هناك أيضا ا مخلوقات ل يمكنه رؤيتها ولكنه على
دراية بوجودها ،فعلى سبيل المثال ،البيوت التي نعيش فيها مليئة بمخلوقات
مجهرية تسمى "العث" وفي الهواء الذي نستنشقه عدد ل يحصى من الفيروسات،
وكمية البكتيريا التي تعيش في تربة حديقتنا كبيرة بشكل مدهش ،ومن يتفكر في كل
هذا التنوع المدهش الذي تزخر به الحياة على الرض ،يتذكر النظام المتكامل
لجميع المخلوقات .فكل واحد من المخلوقات التي نراها علمة على إبداع ا ،تماما ا
كما تكمن في المخلوقات المجهرية معجزاته العظيمة .فلكل من الفيروسات
والبكتيريا والعث غير المرئية بالنسبة لنا ،آليات جسدية خاصة ،فقد خلق ا لها
بيئتها وجعل لها أنظمة في التغذية ،وأجهزة تناسل وأنظمة مناعة ،ومن يتدبر هذه
:المور يتذكر الية التالية
والذي هو يطعمني ويسقين .وإذا مرضت فهو يشفين .والذي يميتني ثم يحيين?.
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين .رب هب لي حكما ا وألحقني
.بالصالحين?]الشعراء[83-79:
وعلى النسان الذي يصاب بأي نوع من المراض أن يقارن بين تصرفه عندما كان
في صحة جيدة وتصرفة خلل مرضه ويتفكر في المر .وعليه أن يتذكر حاله
المتواضع أثناء مرضه وكيف أدرك بقوة كم هو بحاجة إلى ا تعالى ،وكم دعا ربه
..مخلصا ا عندما كان متوجهاا لجراء عملية جراحية مثلا
وعندما نعاين مرض أحد غيرنا علينا فوراا أن نشكر ا عندما نتذكر صحتنا
الجيدة ،فعندما يرى المؤمن إنسانا ا برجل عرجاء عليه أن يتذكر كم أن رجليه
نعمتان أساسيتان ومهمتان بالنسبة له :فيفهم أن كونه قادراا على المشي إلى أي
مكان يريده ،حالما يستيقظ في الصباح وكونه قادراا على الركض عند الضرورة،
وقدرته على العتناء بنفسه دون حاجته إلى أحد ،بحد ذاتها فضائل عظيمة من ا
.تعالى ،وعندما يتفكر ويقارن ،يتفهم أكثر قيمة ما منح من ِنعم
ومن يكون على دراية بهذه الحقائق يتذكر اموراا أخرى مهمة جداا ،فعند النتظار
على شفير نار جهنم ،تتغير أخلق كل واحد من هؤلء الناس بشكل كامل .فإذا
قبض يوم الفصل على من كان ل يتردد اليوم في إظهار أخلق ملؤها الدلل
والوقاحة فوالتعجرف ،خالية من كل إيمان بال ثم أحضر وسيق أمام حفرة الجحيم
وسحب على الرض وتعرض لخزي مستمر ،فإن تعابير وجهه وتصرفاته وطريقة
كلمه واللفاظ التي يستعملها لن تكون هي نفسها التي كانت من قبل .وإذا سيق
الكافر المتغطرس العنيف الذي ارتكب الجرائم ولم يعد لديه أي مظهر من مظاهر
.النسانية إلى شفير نار جهنم فإنه سوف يحس بالندم البدي عندما يعاين عذابها
ومن يختلق كل أنواع العذار ليبرر عدم التزامه بالدين وعدم عبادته ل في الحياة
الدنيا لن يكون قادراا على اختلق نفس العذار عندما ينتظر على مشارف جهنم.
في ذلك الوقت لن تكون التوبة ممكنة حتى لو أراد الكافر أن يفي بها ولن تكون
.الدعوات مستجابة رغم أن الكافر يجكد حينها في الدعاء
إن من يخاف ا ل ينسى هذه المور البتة فيتفكر في نار جهنم وبفضل تفكره يدرك
ما هي التصرفات الحقيقية وما هي الكلمات الصحيحة وما هي الخلق الحميدة.
وبما أن عنده إيمان قوي بوجود جهنم فإنه يتفكر فيها باستمرار ،ويتصرف دائما ا
.وكأنه قريب من نارها ،ول يني يتفكر بأنه سوف يدعى للمحاسبة عن كل ما قام به
لقد وهب ا الناس في هذه الحياة ألواناا من الطعام والشراب مختلفة ،صافية،
لذيذة ...،وكل هذه الطعمة والشربة مظاهر لفضل ا الذي ل ينتهي ورحمته
بالعباد ،فالناس يستطيعون أن يعيشوا بخير على لون واحد من الطعام والشراب
ولكن ا تعالى وهبهم نعما ا ل تحصى من الخضار والفاكهة ،وأنواع مختلفة من
..اللحوم وغيرها
والمؤمن الذي يعرف أن كل هذه النعم من ا تعالى يتفكر فيها ويشكر ا في كل
.مرة يجلس فيها لتناول وجبة طعام
حتى لو فكر النسان بالفاكهة وحدها سوف يدرك النعم العظيمة التي تظهر لنا.
والنسان الحي الضمير الذي يرى أنواعاا كثيرة من الفاكهة على طاولة الطعام
:سيفكر فيما يلي
بأنه من قلب تراب داكن تنبت فاكهة بألون متعددة وشذى متنوع ،ومحتويات "
.نظيفة تماماا وكل واحد منها له طعم طيب .وهذا فضل عظيم منحه ا للناس
وبأن الموزأ والتنغرين والبرتقال والبطيخ بنوعيه الصفر والحمر ،وغيرها من "
الفواكه كلها مخلوقة في أغلفتها الخاصة بها ،فقشرتها تحميها من التلف والفناء.
وتحفظ لها شذاها ،فبعد فترة قصيرة من تقشيرها تتحول الفاكهة إلى اللون السود
.وتفسد
عند تفحصها واحدة واحدة يظهر أن كل نوع من أنواع الفاكهة له ميزة دقيقة" .
فالبرتقال والتنغرين مثلا مقطعة .لنها لو كانت قطعة واحدة لكان من الصعب تناول
مثل هذه الفاكهة الكثيرة العصارة .لكن ا تعالى قد شكلها على هيئة شرائح من
أجل راحة الناس .ومما ل جدال فيه أن هذا التصميم الرائع الخالي من النقائص
.الذي يلبي حاجاتنا آية من خلق ا العليم سبحانه وتعالى
والفراولة على سبيل المثال ،فاكهة مميزة جداا بطعمها وشكلها .فبالشكال التي "
عليها تبدو وكأنها صممت تصميما ا فائق الدقة ،وبلونها الحمر المنعش المتكوج
بأوراق خضراء تشكل الفراولة واحدة من أسمى آيات البداع الرباني ..وحلوة
شذاها وطعمها ولكونها خالية من البذور الكبيرة ول قشرة لها مما يسهل أكلها،
فإنها تذكر النسان بفاكهة الجنة وفي كونها تنبت بمعظم أجزائها في التراب ثم
يكون لها هذا اللون الجميل الملفت ،دللة عظيمة من ا تعالى الذي خلقها فأظهر
.إبداعه وحكمته وعلمه فيما خلق
ووجود أنواع مختلفة من الفاكهة في كل موسم موضوع آخر حري أن نتفكر فيه "
ففضل ونعمة من ا للناس أنه في فصل الشتاء الذي يكون الناس فيه بأمس
الحاجة إلى فيتامين ج توجد فاكهة الغنية بهذا الفيتامين مثل التنغرين والبرتقال
والغريب_فروت فيما تتوفر في الصيف أنواع الفواكه التي تطفئ العطش مثل
.البطيخ بنوعيه الحمر والصفر ،والدراق والكرزأ
وقد أهدانا ا سبحانه وتعالى تلك الصورة الخلبة للفاكهة على أغصانها أو حيثما
زأرعت .فمنظر المئات من حبات الفاكهة على غصن جاف أشبه بالعظمة وهي
مربوطة اليه بإحكام ومملوءة بالعصارة من داخلها ،وما يظهر منها وكأنه جرى
تلميعه بشكل خاصا دليل آخر أن كل واحد من أنواعها قد خلقها ا .فعلى سبيل
المثال عناقيد العنب تبدو وكأنها قد وضعت على أغصان الدوالي واحدة واحدة .وا
تعالى قد خلق كل واحدة منها بشكل فريد وشككل لها مظهراا على الغصان يجعلها
تروق للناس .ولهذا السبب خلل وصف الجنة في القرآن يذكر ا أن الفاكهة فيها
تكون جاهزة للقطاف ،وذلك في قوله تعالى? :ودانية عليهم ظللها وذللت قطوفها
.تذليل?]النسان[14:
وبالطبع ما ذكر هنا هو غيض من فيض ،فنعم ا أكثر من أن تحصى ،ومن يدرك
ذلك على مائدة الطعام يتذكر آية كريمة أخرى?:أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل
.تذكرون .وإن تعكدوا نعمة ا ل تحصوها إن ا لغفور رحيم?]النحل[18-17:
يجب أليغيب عن بالنا أنه لو لم يتفضل ا سبحانه وتعالى علينا بكل هذه النعم لككنا
الن نعيش في عالم ليس فيه لون أو طعم أو رائحة .ولول فضله سبحانه وتعالى
علينا لما استطعنا اكتساب أي من هذه النعم بأي حال من الحوال .ولكن ا تعالى
قد أنعم على الناس فخلق النكهات والروائح ،تماماا كما خلق لنا الجهازأ العصبي كي
.نحيط بها
خلل التنزه في الطبيعة ،يصادف النسان المزيد من الجمال ،فمن القشة إلى
القحوان الصفر ،ومن الطيور إلى النمل ..كل شيء مفعم بالتفاصيل التي تحتاج
.إلى التفكير فيها .وحينما يتفكر الناس فيها يصلون إلى فهم قوة وقدرة ا
فالفراشات مثلا ذات جمال بديع جداا ،فبأجنحتها المتساوقة وتصاميمها المزكرشة
بتماثل تام وكأنها مرسومة باليد وألوانها الفوسفورية ،تشكل الفراشات دليلا على
.إبداع ا وقدرته العظيمة على الخلق
وبشكل مماثل فإن النباتات التي ل تعد ول تحصى ،وأنواع الشجار على الرض
هي من المحاسن التي خلقها ا ،وقد خلق ا الزأهار بألوانها والشجار بأشكالها
.المختلفة كي تضفي على حياة النسان بهجة كبيرة
فبشكل عام فالعطور التي صنعت أساساا برائحة الورود حادة ومزعجة في حين أن
!رائحة الوردة الصلية ل تزعج
فالمؤمن الذي ل يعمي عينه عن النمل الذي يراه حين يتنزه في الحديقة يشهد
.الكمال في خلق ا من خلل رؤيته لميزاتها المدهشة
فحتى مشاهدة تحركات النملة تستحث العقل فهي تحرك أرجلها المتناهية الدقة
بأسلوب متتال منتظم إلى أبعد حد ،فهي تعرف تمام المعرفة أي رجل يجب أن تقوم
.بالخطوة الولى وأيها تقوم بالخطوة التالية ،وتتحرك بسرعة دون تركنح
وهذه الحشرة الصغيرة ترفع فتاتا ا أكبر بكثير من جسمها ،وتحمله إلى وكرها بقلبها
.وروحها ،وتسافر مسافات طويلة بالمقارنة مع جسمها الضئيل
وبكل سهولة تستطيع أن تجد وكرها في الرض التي ل معالم تميزها دون أن يكون
هناك مرشد في خدمتها .ورغم أن مدخل الوكر صغير لدرجة ل نستطيع معها نحن
.أنفسنا أن نجده ،ل تختلط عليها المورفتجده أينما كان
عندما يرى النسان هذه النملت في الحديقة وهي مصطفة في خط الواحدة تلو
الخرى ،تكدح بحماس لتحمل الطعام إلى وكرها ل يمكنه التوقف عن التساؤل عن
،.طبيعة هذا التصميم على العمل بكد الذي تملكه هذه الحشرات الصغيرة جداا
ثم يدرك النسان أن النملة ل تحمل الطعام لنفسها فقط ولكن أيضا ا لعضاء أخر في
.المستعمرة ،للملكة ،ولصغار النمل
وما يحتاج النسان أن يتفكر به هو كيف يمكن لهذه الحشرة الصغيرة جداا التي ل
تمتلك دماغا ا متطوراا أن تعرف الجتهاد والنظام والتضحية بالنفس .وبعد التأمل
ملياا بهذه الحقائق يصل النسان إلى الخلصة التالية :النمل مثله مثل باقي الكائنات
.الحية تعمل بإلهام من ا ،ول تأتمر ال بأمره سبحانه وتعالى
فعلى سبيل المثال ،في لف نبتة اللبلب نفسها حول غصن ما أو أي شيء ،أمر
يحتاج النسان للتفكر فيه بدقة .ولو أن مراحل نمو هذه النبتة صكورت ،ثم أعيد
عرض الشريط بسرعة لرأينا أن هذه النبتة تتحرك كما لو أنها كائن مدرك .فكأنها
ترى أن هناك غصناا أمامها فتمد نفسها باتجاهه وتوثقه إليه وكأنها تحكم الخناق
حوله .وأحياناا تلتف حول الغصن عدة مرات لتثبت نفسها ،ثم تنمو بسرعة بهذه
الطريقة ،وتنشيء لنفسها طريقا ا جديداا أما بالعودة أو التقدم إلى السفل عندما يصل
.ممرها إلى نهايته
والمؤمن الذي يشهد كل هذه المور يدرك مرة أخرى أن ا سبحانه وتعالى خلق
.كل الكائنات الحية بأنظمة فريدة خالية من الخلل
وفيما يستمر المرء بمراقبة تحركات نبتة اللبلب فإنه يشهد معلما ا آخر مهما ا من
معالم هذه النبتة ،حيث يرى أن هذه النبتة تلصق نفسها بإحكام بالسطح الذي
تتموقع عليه عبر تمديد أذرع إلى جوانبه ،كما تفرزأ هذه النبتة "غير المدركة"
.مادة دبقة قوية لدرجة قد تنزع الدهان عن الحائط إذا حاول النسان إزأالتها
وجود مثل هذه النبتة يظهر للمؤمن الذي يتفكر في هذه المور القدرة الكلية ل
.خالقها
وهناك موضوع آخر له علقة بأوراق الشجار .فمن يتفكر في الشياء التي
يشاهدها ،ل يعتبر ،حين ينظر إلى الشجار ،أوراقها أشكالا عادية ألف مشاهدتها.
ل ،مع أن أوراق الشجار فهو يتفكر في أمورمختلفة ل تخطر لمعظم الناس ،فمث ا
رقيقة جداا ،فإنها ل تجف بفعل الحر الشديد ،ولو أن إنساناا بقي في الخارج ولو
لوقت قصير في حرارة تبلغ أربعين درجة مئوية ،فإن لو جلده يتغير ،ويعاني من
الجفاف ،في حين تستطيع أوراق الشجار أن تبقى خضراء ليام وحتى شهور في
الحر الشديد دون أن تحترق ،على الرغم من ضآلة كميات المياه التي تجري في
أوعيتها الشبيهة بالخيوط؛ وهذه معجزة في الخلق تبين أن ا خلق كل شيء بعلم
منقطع النظير .وبالتفكر في معجزة الخلق هذه يرى المؤمن عظمة ا ويذكره
.سبحانه وتعالى
وقد يقول أحدهم":أنا ملحد ل أؤمن بال ومع ذلك فأنا ل أقبل الرشوة" .ولكن هذا
التعبير من إنسان ل يؤمن بال غير مقنع أبداا .فمن المحتمل جداا أن يخل هذا
الشخص بوعده إذا تبدلت الظروف ،فعلى سبيل المثال إذا اضطر هذا النسان إلى
إيجاد المال لسبب طارئ ،وصودف أن كان في وضع فيه فرصة للسرقة أو قبول
الرشوة ،فمن غير المتوقع أن يكون عند كلمته عندما تكون حياته على المحك .ومع
أن هذا الشخص قد يتجنب قبض الرشوة في الظروف الصعبة ،فإنه قد يميل إلى
ارتكاب غيرها من المحظورات ،أما المؤمن فل يقوم بأي عمل ل يستطيع أن يتحمل
.عاقبته في الخرة
إذاا ،فإن سبب هذه الحداث التي تجعلنا من المعترضين بأصواتنا في الجرائد
والتلفزيونات وفي حياتنا الجتماعية ،وتدفعنا إلى أن نصرخ بقوة" :ماذا حصل
لهذا المجتمع" هو في الحقيقة ،قلة التدين .والمؤمن الذي يرى هذه التقارير ل
يعمي عينيه عنها بل يفكر بأن الحل الوحيد بالتحدث بدعوة الناس الى الدين،
وإحياء قيمه ..ففي المجتمع الذي يتكون من أناس يخافون ا ويعلمون أنهم
سيحاسبون في الخرة من المستحيل لهذه الحداث أن تقع بهذه الدرجة التي تقع
فيها في أوقاتنا هذه .ففي مثل هذا المجتمع سوف يعيش الناس في أعلى درجات
.المن والسلم
وبرامج النقاش هذه تستضيف الشخاصا الكثر إلماما ا بموضوع الساعة والكثر
علما ا به .فيناقش هؤلء موضوعا ا ما لساعات من غير أن يكون أحد منهم قادراا
على إيجاد حل أو الوصول إلى استنتاج ما ،مع أن هؤلء الذين يشاركون في هذه
.البرامج يعتبرون مؤهلين لحل هذه القضايا
وبالفعل ،فإن حلول معظم هذه القضايا واضح بما فيه الكفاية ومع ذلك فإن مصالح
الناس الشخصية ،وبقاؤهم تحت تأثير نفوذهم الحالي وسعيهم لظهار انفسهم بدل
.البحث بإخلصا عن الحلول يوصلهم إلى مأزأق وطريق مسدود
والنسان الحي الضمير الذي يشهد كل هذايجزم بأن سبب هذه الحداث يكمن في
بعد المجتمع عن دين ا ،فمن يؤمن بال ل يظهر منه أي تصرف أخرق ،ل
مسؤول أو فارغ .فهو يعلم أن هناك خيراا في كل حادث يعكرضه ا له ،وأنه في
امتحان دائم في هذه الحياة ،وعليه أن يستخدم رشده وعلمه وقوته بطريقة ترضي
.ا
بالضافة إلى ذلك ،عندما يشاهد المؤمن هذه البرامج يتذكر قوله تعالى...? :وكان
.النسان أكثر شيفء جدل?]الكهف[54:
ان وجود مثل هذه البرنامج يكشف عن طبيعة الناس المولعة بالجدل والخصام.
وهذا ما يؤدي بهم في معظم الوقات إلى الفشل في فهم المطلوب ،فهوسهم بما
سيقولون ،ومحاولتهم قوله أوال ،ومقاطعتهم بعضهم بعضا ا ورفعهم أصواتهم
بسهولة وانفعالهم الشديد بلمحة ،ومباشرتهم بكيل الشتائم لبعضهم ،تكشف
بوضوح الجوانب السلبية لذوي الثقافات الرفيعة ظاهريا ا الذين ينقصهم اليمان
.بال
بمشاركة أشخاصا مخلصين وصادقين مائة بالمائة ،ممن يخافون ا ل يمكن لهذه
المناقشات المطولة وغير المثمرة أن تحدث،ف بما أن الهدف هو إيجاد الحلول
الكثر إرضااء ل ومنفعة للناس ،فإن أفضل أساليب التفكير وأكثرها
ضميرية،توضع وتطبق دون تضييع الوقت ،وبما أن ضمير الكل سوف يرتاح
.بالوصول إلى النتيجة النهائية فإن الخصام والجدل لن يقعا
وإذا كان هناك لي واحد اعتراض مبني على أسباب معقولة تظهر طريقة أفضل في
الحل فإن اقتراحه يطبق مباشرة ،وخلفا ا لغيرهم ،فإن من يؤمنون بال ل يظهرون
تصرفات عنيدة ومتعجرفة؟ً وعندما يتذكرون قوله تعالى ? ...وفوق كل ذي علم
.عليم?]يوسف ،[76:يطبقون أفضل الخيارات التي يقدرون عليها
هذه النقاشات التي تستمر حتى الصباح دون الوصول إلى أي حل تستحق أن تؤخذ
بعين العتبار لنها تظهر ما يمكن أن يحدث في البيئات التي ل تعيش قيم وأخلق
.الدين الرفيعة
ومن يرى كل هذا يجزم بأن الشيء الوحيد الذي يزيل هذا الجور هو اللتزام بأوامر
ا ،فالناس الذين يخافون ا ويتصرفون بما تمليه عليهم ضمائرهم ل يمكن أن
يسمحوا بمثل هذا الظلم والجور .وسوف يساعدون المعوزأين بحلول محدودة
وسريعة وطويلة المد ،دون أن يسمحوا بأي نوع من أنواع التفاخر ،وإذا اقتضت
.الضرورة يستثمرون جميع المكانيات الموجودة في العالم
ل يمكن لي شخص أو أمة أن تتفادى وقوع أي كارثة إل إذا أراد ا .ول فرق في
ذلك بين أغنى وأقوى المدن وأي مكان آخر عادي يعتبر قليل المخاطر بسبب موقعه
الجغرافي ،فال تعالى يقول انه ليس هناك أمة تستطيع تفادي الكارثة عندما تحل
.بها
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاا وهم نائمون .أ وأمن أهل القرى أن يأتيهم?
بأسنا ضحاى وهم يلعبون .أفأمنوا مكر ا فل يأمن مكر ا إل القوم الخاسرون.
أولم يهد للذين يرثون الرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع
على قلوبهم فهم ل يسمعون? ]العراف[100-97:
ومن يتفكر في هذه التقارير يرى فيها هي أيضا ا مثالا على ما تبينه آيات القرآن
.الكريم للناس
ومن يرى هذه المشاهد يتفككر بالتالي أيضاا :كل جمال خلق في هذه الحياة الدنيا فيه
العديد من النقائص والعيوب لن الحياة الدنيا دار اختبار .ومن يمضي بعض الوقت
في أحد المنتجعات التي كان قد شاهدها قبل ذلك في التلفازأ يلحظ هذه العيوب.
فشدة رطوبة الطقس وملوحة مياه البحر المزعجة والحر المحرق والبعوض أمثلة
على ذلك .بالضافة الى ذلك فإن الكثير من الصعوبات الدنيوية قد تحدث مثل حروق
الشمس ،مشاكل وكالة السفر التنظيمية ،والطبيعة العصبية للشخاصا الذين
.يشاركهم المكان
أما في الجنة فإن منابع كل هذا الجمال ستكون هناك .ولن يكون هناك أي شيء
ض .ففي كل جمال يقابله المؤمن في هذه مزعج ،ولن ينعقد أي حديث غير مر ف
الحياة الدنيا يزداد توقه الى الجنة ،ويشكر ا دائما ا على نعمه التي أنعمها عليه في
هذه الحياة ،ويستمتع بالتفكير بأن منابع هذه المور الجميلة توجد في الجنة ،ول
ينسى هذا أبداا بالنجراف بمفاتن الحياة الدنيا ،فيعيش حياته بالطرق التي تنتهي به
.الى امتلك الجمال البدي ،وتجعله أهلا لدخول الجنة
ولهذا العتبار فإن المؤمن يتفكر باستمرار في الحداث والكائنات الحية التي خلقها
ا ،ومع أن هذه المور قد تكون معروفة لدى الكثير من الناس ،إل أن المؤمن من
.خلل تفككره فيها يكون قادراا على استخلصا نتائج مختلفة عما يصل اليه الخرون
فعلى سبيل المثال من المعروف حيداا أن المككون الساس لكل ما في الكون من
كائنات حية وجماد هو الذكرة .فكل الناس يعلمون أن الكتاب الذي يقرأون فيه
والكنبة التي يجلسون عليها والماء الذي يشسربونه وكل الشياء التي يرونها
حولهم مككونة من ذكرات .ولكن فقط ذوي الضمائر الحكية يفكرون أبعد من ذلك
.ويشهدون على قوة ا العظيمة
فعندما يرى مثل هؤلء الشخاصا تقارير حول هذا الموضوع يفكرون بالتالي:
الذرات مخلوقات جامدة فكيف يمكن لمادة جامدة أن تتجمع لتككون إنسانا ا متحركا ا
قادراا على الرؤية والسمع وتفسير ما يسمعه والستمتاع بالموسيقى التي يسمعها
والتفكير واتخاذ القرارات ،والحزن والفرح؟ً وكيف يقدر النسان على اكتساب مثل
هذه السمات التي تمكيزه عن غيره مما يتككون من الذرات؟ً
بالتأكيد ان الذرات الجامدة غير المدركة ل يمكن أن تعطي النسان هذه الخصائص.
فمن الواضح أن ا هو الذي خلق النسان بروح قد وهبت كل هذه الخصائص،
وهذا يذككرنا بقوله تعالى ?:الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين.
ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين .ثم سكواه فنفخ فيه من روحه وجعل لكم
[السمع والبصار والفئدة قليلا ما تشكرون?[السجدة9-7:
فمثلا يتنفس النسان كل الوقت دون بذل جهد ،فالهواء الذي يستنشقه ل يحرق
مجرى تنفسه ول يصيبه الدوار ول يسبب له أوجاعاا في الرأس ،فنسب الغازأات في
الهواء ملئمة لجسم النسان .ومن يتفكر في هذه المور يتذكر نقطة أخرى هامة
جداا ،فلو كان تركز الوكسيجين في الهواء أكثر قليلا أو أقل قليلا فما هو عليه
لختفت الحياة في الحالتين .فيتذكر عندها الوقات العصيبة التي قضاها في الماكن
الخالية من الهواء الطلق .وفيما يتابع المؤمن التفكر في هذا الموضوع فإنه يشكر
ا باستمرار لنه يدرك بأن الغلف الجوي للرض كان يمكن ان يتألف مما تألفت
به الغلفات الجوية لباقي الكواكب ،ولكن المر ليس كذلك فالغلف الجوي للرض
.مخلوق بتوازأن كامل وبترتيب يسمح للبليين من الناس التنفس دون جهد
ومن يستمر في التفكر في الكوكب الذي يعيش فيه ،يفكر كم أن الماء الذي خلقه ا
مهم لحياة النسان فيرد على ذهنه كون الناس بشكل عام يفهمون أهمية الماء فقط
عندما يحرمون منه لفترة طويلة .فالماء مادة نحتاجها في كل لحظة من حياتنا.
فعلى سبيل المثال ،هناك كمية معتبرة من خليا جسمنا ومن الدم الذي يصل إلى
جميع أنحاء الجسم مكونة من الماء .ولو لم تكن كذلك فإن سيلن الدم سوف يقل
ويصبح جريانه في العروق صعبا ا جداا .وسيلن الماء مهم ليس لجسامنا فقط ولكن
للنباتات أيضاا ،حيث ان الماء يصل إلى أبعد أطراف اوراق الشجار عبر المرور
.بأوعيتها الشبيهة بالخيوط
كما ان كمية المياه الكبيرة في البحار هي التي تجعل أرضنا مأهولة .فلو أن نسبة
البحار إلى اليابسة في الرض كانت أصغر لتحولت اليابسة الى صحارى
.ولستحالت الحياة
والنسان الحكي الضمير الذي يتفكر في هذه المور مقتنع كليا ا بأن إيجاد هذا
التوازأن الكامل على الرض بالتأكيد ليس صدفة .وملحظة كل هذا والتفكر فيه
.يظهر ان ا العظيم ومالك القدرة البدية خلق كل شيء لهدف
بالضافة إلى ذلك يتذكر هذا النسان ان هذه المثلة التي يتفككر فيها هي غيض من
فيض ،وفعلا من المستحيل إحصاء المثلة فيما يتعكلق بالتوازأن الدقيق على
الرض ،ومع ذلك فإن النسان الذي يتفكر يستطيع ملحظة النظام والكمال
والتوازأن المنتشرفي كل زأاوية من زأوايا الكون وبالتالي يمكنه الوصول إلى خلصة
مفادها ان ا سكخر كل شيء للنسان .ويذكر ا تعالى هذه الحقائق في القرآن
الكريم بقوله?:وسكخر لكم ما في السموات وما في الرض جميعا ا منه إن في ذلك
[ليات لقوم يتفككرون? [الجاثية13:
الخلود من أهم الموضوعات التي يتفكر فيها من يؤمن بال .فخلق ا للحياة البدية
في الجنة والنار موضوع مهم يحتاج كل واحد منا أن يتفكر فيه ،ومن يفعل ذلك
تدور في خلده المور التالية :الطبيعة البدية للجنة من أعظم النعم والمكافآت التي
تمنح في الحياة بعد الموت ،فإذا كان من الممكن أن يعيش النسان في هذه الحياة
الدنيا مائة عام ،فإن الحياة الرائعة في الجنة ل تنتهي أبداا ،فهي غير محدودة
.بزمن ،فبالمقارنة مع بليين يليين العصور تبدو هذه البليين قصيرة بالنسبة لها
من يتذكر هذه المور يلحظ أنه من الصعوبة بمكان أن يحيط النسان بماهية
الخلود ،ويمكن لهذا المثال ان يوضح الموضوع :إذا كان هناك بليين بليين الناس
استمروا في التوالد على مدى بليين بليين العصور بنفس الوتيرة ليلا نهاراا وإذا
عاش كل واحد منهم بليين بليين السنوات الى منتهاها فإن الرقم الذي سيصلون
.اليه بمجموعه يبقى صفراا بالنسبة الى الرقم الذي سيعيشونه في الحياة البدية
ومن يتفكر بهذا يصل الى النتائج التالية :إن ا عنده علم عظيم ،فما هو أبدي
بالنسبة للنسان قد انتهى بالنسبة اليه ،وكل الحداث التي وقعت من اللحظة الولى
لبداية الزمان الى نهايته ،بكل أشكالها وأزأمنتها ،فإنها قد حدثت وانتهت بعلم ا
.تعالى
وبنفس الطريقة يجب أن يفكر المرء بأن جهنم هي المكان الذي سيخلد فيه
الكافرون الى البد ،وفيها أنواع العذاب المختلفة والكربات ،حيث سيكون الكافرون
عرضة لعذاب جسدي وروحي ل ينقطع ول يتوقف ول يعطى المعكذب أي وقت لينام
أو يرتاح .ولو كان هناك نهاية للحياة في جهنم لكان هناك أمل لصحاب النار حتى
لو كانت هذه الراحة بعد بليين بليين السنين ،ولكنهم يجزون بالعذاب البدي على
شركهم بال وكفرهم?.والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم
[فيها خالدون? [العراف36:
من المهم جداا أن يحاول كل فرد فهم موضوع الخلود من خلل التفكر فيه ،فإن هذا
يزيد من سعيه الى الخرة ويعززأ فيه الخوف والرجاء معاا ،ففيما يخلف من العذاب
.البدي فإنه يتعلق بالرجاء بدخول الجنة والنعيم المقيم
ومع أن جسده كان مستلقيا ا بل حراك ،وعيناه مغمضتان فإنه رأى صوراا متعددة
في الماكن التي رآها في منامه ،ومع أن الغرفة كانت خالية فإنه سمع أصواتاا ،مما
يعني أن الذي أبصر لم تكونا العينين ،وأن الذي سمع لم تكونا الذنين ،فكل شيء
حدث في ذهنه ،ومع ذلك كان كل شيء يبدو واقعيا ا وكأن كل هذه النطباعات
.الذهنية لها شكل أصيل
اذن ما الذي يشكل مثل هذه الصور التي ل اصل لها في العالم الخارجي ،فالنسان ل
يستطيع أن يشككلها خلل نومه عن وعي وقصد ،ول دماغه يستطيع أن يوكلد هذه
الصور من تلقاء نفسه ،فالدماغ عبارة عن كتلة من اللحم مككونة من جزئيات
بروتينية ،ومن غير المنطقي أبداا الدعاء بأن هذه المادة تستطيع تشكيل الصور
بنفسها ،أو تشكيل وجوه بشرية وأماكن وأصوات لم ترها أو تسمعها من قبل .فمن
إذن يرينا هذه الصور في أحلمنا خلل فترة النوم؟ً
من يمعن التفكر في هذه السئلة سوف يرى الحقيقة الواضحة ،وهي أن ا تعالى
هو الذي يجعل الناس ينامون فيتوفى أنفسهم عندها ،ثم يعيدها اليهم عندما
.يستيقظون ،ويريهم الحلم خلل نومهم
ومن يعلم أن ا هو الذي يرينا الحلم ،فإنه يتفكر أيضاا بالغايات والسباب الكامنة
وراء خلقها ،ففي أحلمه يكون النسان واثقاا من الناس وما يمر به من أحداث
وكأنه في حالة اليقظة ،ولو أن أحدهم قال لنا":إنكم تحلمون الن ،استيقظوا "..لما
صكدقناه! ومن يدرك كل ذلك سوف يتساءل :من يستطيع الكدعاء أن هذه الحياة
ليست فانية ،وأنها ليست شبيهة بالحلم ،وأنه كما نستيقظ من أحلمنا الن ،فإننا
.يوماا ما سنستيقظ من هذه الحياة لنرى مشاهد مختلفة تماماا ..هي مشاهد الخرة
الفصل الخامس
فقبل كل شيء ،من يتدبر القرآن سيرغب في معرفة خالقه وخالق هذا الكون الذي
يعيش فيه ،من أعطاه الحياة عندما كان عدماا ،وأنعم عليه بنعم وأمور جميلة ل تعكد
ول تحصى ،ليسلك السبيل الذي يرضيه سبحانه وتعالى .والقرآن الذي أنزله ا
على رسوله صلى ا عليه وسكلم هو خير مرشد الى هذا السبيل .من أجل ذلك
يحتاج النسان الى معرفة الكتاب الذي أرسله ا والتفكر في كل آية من آياته حتى
.يميز الخبيث من الطكيب ،وينفذ أوامر ا كما يحب سبحانه ويرضى
ويذكر ا تبارك وتعالى الغاية من إنزال القرآن فيقول ?:كتاب أنزلناه اليك كبارك
[ليكدكبروا آياته وليتذككر أولوا اللباب?[صا29:
كل إنه تذكرة .فمن شاء ذكره .وما يذكرون إل أن يشاء ا ،هو أهل التقوى ?
[وأهل المغفرة? [المدكثر 56-54
كثير من الناس يقرأون القرآن ولكنهم يغفلون عن أهم هدف من وراء القراءة،
وهو تدبر كل آية ،واستخلصا العبر والدروس منها ،وتطويع سلوكنا وفقا ا لما
ل -قوله تعالى?:فإن مع العسر يسراا .إن مع العسر استخلصناه ..فمن يقرأ -مث ا
يسراا?[ الشرح ]6-5:ويتدبر معناه سوف يفهم ان ا جعل لكل عسفر يسراأ ،ولذلك
فإنه لو مر بعسر فما عليه إل أن يثق بأن ا سوف يجعل معه يسراا .وإذا كان هذا
ي بنا أن ندرك أن اليأس والمتلء بالهلع في اللحظات الصعبة وعد من ا لنا فحر ك
ف في إيماننا ،ولذلك يجب علينا بعد قراءة هاتين اليتين إنما هو دليل على ضع ف
.وتدكبر معناهما ،أن نككيف تصرفاتنا بمقتضاهما طوال حياتنا
وفي القرآن أيضا ا يذكر ا قصصاا من حياة الرسل والنبياء الذين عاشوا في
الماضي ،ليدرك الناس كيف كانت حياة وتصرفات وحديث من رضي ا عنهم،
فيتخذهم قدوة .ويأمرنا ا تعالى أن نتفككر في قصص هؤلء النبياء ونستخلص
:منها العبر فيقول
كما أن في القرآن ذكر للمم الغابرة ،وأحوالهم والكوارث التي أنزلوها على
أنفسهم .ومن الخطأ الجسيم قراءة اليات المتعلقة بما حدث لهم من باب السرد
التاريخي البحت ،لن ا تعالى أنزل هذه اليات -كما غيرها -لنتدكبرها ونصلح
.أنفسنا من خلل التعاظ بما حل بهذه المم
وحملناه على ذات ألواح ودسر .تجري بأعيننا جزااء لمن كان كفر .ولقد تركناها ?
آية فهل من مكدكر .فكيف كان عذابي ونذر .ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من
[مكدكر?[القمر17-13:
لقد أنزل ا القرآن هاديا ا للبشر ،ولذلك فإن التفكر في آياته ،والعيش بمقتضى ما
في كل آية من دروس وتحذيرات هو السبيل الوحيد الى رحمة ا وقبوله لنا
.ودخول جنته
في هذه الية الكريمة -كما في غيرها من اليات -يدعو ا الناس الى التفكر.
فالتفكر والتدبر ،وإدراك الغايات الخفية ،والعجازأ في خلق ا ،عبادة بحد ذاتها.
فكل موضوع نتفكر فيه يعيننا أكثر على فهم وتعظيم قدرة ا وعلمه وإبداعه،
.وغيرها من صفاته سبحانه وتعالى
أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها النهار له فيها من?
كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك
.يبين ا لكم اليات لعلكم تتفكرون?]البقرة[266:
وفي الرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزأرع ونخيل صنوان وغير?
صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات
.لقوم يعقلون?]الرعد3:و [4
ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لية?
لقوم يتفكرون .وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
إن في ذلك ليات لقوم يعقلون .وما ذرأ لكم في الرض مختلفا ا ألوانه إن في ذلك
لية لقوم يكذككرون .وهو الذي سخر البحر لتأكلو منه لحما ا طريا ا وتستخرجوا منه
حليةا تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون .وألقى
في الرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراا وسبلا لعلكم تهتدون .وعلمات وبالنجم هم
.يهتدون أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تتذكرون?]النحل[17-11:
يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتاا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها?
.ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون?]النور[27:
واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولو اليدي والبصار .إنا أخلصناهم?
.بخالصة ذكرى الدار?]صا[46-45:
فهل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جائتهم?
.ذكراهم?]محمد[18:
قل أرأيتم إن أخذ ا سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير ا يأتيكم?
.به أنظر كيف نصكرف اليات ثم هم يصدفون?]النعام[46:
قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا ا أو نهاراا ماذا يستعجل منه المجرمون?]يونس?:
[50.
ى?
ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الولى بصائر للناس وهد ا
.ورحمة لعلهم يتذكرون?]القصص[43:
وكذلك أنزلناه قرآنا ا عربيا ا فصكرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم?
.ذكراا?]طه[113:
خلصة
إن هذا الكتاب "دعوة الى التفكر" فالحقيقة يمكن أن تقال للنسان بطرق عديدة
ويمكن إظهارها باستخدام تفاصيل ،وجزئيات الدلة وبكل الوسائل .ولكن إذا لم
يتفكر النسان بنفسه بالحقيقة بكل صدق وإخلصا متوخياا الفهم ،فكل هذه الجهود
غير مجدية .لهذا السبب عندما بكلغ رسل ا رسالتهم الى الناس ،أخبروهم الحقيقة
.بوضوح ثم دعوهم الى التفكر فيها
والنسان الذي يتفكر يحيط بأسرار الخلق وبحقيقة هذه الحياة الدنيا وبوجود الجنة
والنار وببواطن المور ،ويحصل على فهم أعمق لهمية كونه انسانا ا مرضيا ا عند
ا ،فيعيش الدين كما يجب ويتعرف الى صفات ا في كل ما يراه .ثم يبدأ بالتفكير
بالطريقة التي تطالب بها اغلبية الناس ولكن كما يأمر ا سبحانه وتعالى .ونتيجة
لذلك فإنه يستمتع بالجمال أكثر بكثير مما يستمتع به غيره ول تسبب له المخاوف
.التي ل أساس لها أو الطماع الدنيوية الكرب
وكل هذا نزر يسير من الشياء الجميلة التي يفوزأ بها من يتفكر في هذه الحياة
الدنيا ،أما الفوزأ العظيم في الخرة الذي يناله من يصل الى الحقيقة عبر التفكر فهو
.محبة ورضا ورحمة وجنة ربنا سبحانه وتعالى
ومن ناحية أخرى فقد أزأف اليوم الذي سوف يتفكر فيه الذين يتهربون من رؤية
الحقيقة عبر التفكر ،بل إنهم سيتفكرون ويستغرقون ويرون الحقيقة واضحة كعين
الشمس .ومع ذلك فإن تفكرهم في ذلك اليوم لن ينفعهم بل سيجلب لهم الحزن .وا
تعالى يذكر في كتابه متى سوف يتفكر مثل هؤلء الناس ?:فإذا جاءت الطامة
الكبرى .يوم يتذكر النسان ما سعى .وبكرزأت الجحيم لمن يرى? [النازأعات-34 :
[36