Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 219

‫حميد القيسي ‪ ..............................................

‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫حميد القيسي‬
‫بغـــداديـــات‬
‫"مقهى خليل"‬
‫ذكريات وانطباعات‬

‫تقديم‬
‫الدكتور مظهر محمد صالح‬

‫‪0‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫رحم الله المام الشافعي‬


‫حيث قال‪:‬‬
‫مهم‬ ‫ت مكار م‬
‫م وما مات ت‬
‫ت قو م‬
‫قد ما ت‬
‫ت‬
‫س أموا م‬
‫م في الننا س‬
‫م وه ت‬
‫ش قو م‬‫وعا ت‬

‫ما أرويه إهداء إلى‬


‫المرحوم والدي‬
‫الحاج خليل‬
‫إبراهيم القيسي‬
‫تغمده الله العلي‬
‫القدير برحمته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫إن الحياة في العراق مليئة وبغزارة بأحداث يعجز النإسان عن وصفها‬
‫وفق المتغيرات السياسية والجتماعية وبكل ما آلت إليه المور منإذ تأسيس‬
‫الدولة العراقية الحديثة عام ‪ 1921‬كما إن الكثير من الشخصيات البغدادية‬
‫الصيلة طواها النإسيان برغم ما كانإت تحمله من نإبل وكرم وشجاعة‬
‫وتضحية في سبيل المبادئ الخلقية التي تحكم العلقات بين أبنإاء هذا‬
‫الشعب وتبادل مصالحه وأمور حياته بشكل عام‪.‬‬
‫نإتيجة لللحاح الشديد والتوجيه من الخوة والصدقاء ومنإهم الدكتور‬
‫وائل سليمان محمد أمين اللوسي أستاذ طب السنإان في جامعة بغداد وأحد‬
‫أصدقاء أخي الكبير المرحوم إسماعيل خليل حيث في صباح أحد اليام من‬
‫أوائل عام ‪ 2009‬بينإما كنإت جالسا في مكتبة الدفة قرب صاحبها زميلي‬
‫وصديقي الديب قحطان الملكا كانإت مفاجأة لي عنإدما بادر الدكتور وائل‬
‫بطرح استفسار لي يحمل عبارات المعاتبة حيث قال كنإت قد سمعت قبل أكثر‬
‫من عقدين من الزمن أثنإاء لقائي مع المرحوم إسماعيل بأنإكا قد عاصرت‬
‫قسم كبير من الحداث بحكم تواجدكا في مقهى الوالد لمساعدته وكم أرجو‬
‫أن تقوم بعمل نإافذ لتحرير تلكا الذكريات في كتاب تقوم بتأليفه حتى ليطوي‬
‫نإسيان السنإين تلكا الحداث‪ ،‬وكانإت مفاجأة لي رأيتها جديرة بالتفكير‬
‫اليجابي إضافة إلى تأثير وجهود قحطان الملكا بفضل تشجيعه المستمر‬
‫إضافة إلى تكرار الدعوة لي بتنإفيذ كتابة هذا المؤلف إلى أحد الخوان من‬
‫زملء الدراسة الجامعية الستاذ موفق مهدي السفير بديوان وزارة الخارجية‬
‫بتغذية فكرة نإشر المذكرات‪ .‬كما إن دعم رفيق درب الحياة الخأ العزيز‬

‫‪2‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الدكتور مظهر محمد صالح نإائب محافظ البنإكا المركزي الذي كان وما زال‬
‫مثالا للخوة البغدادية الصيلة بدعمه وتوجيهه المستمر بإغنإائه لي بتنإمية‬
‫هذه البادرة إضافة إلى آراء الستاذ الدكتور عبد الرزاق عبد الوهاب رئيس‬
‫تمييز العراق سابقا أثنإاء لقائي به في عمان ‪ 2010‬والذي يعتبر بشخصه‬
‫ذاكرة عراقية فريدة من نإوعها بأصالتها البغدادية كما كانإت الصفات‬
‫المكتسبة من الخذ الستاذ عاصم محمد صالح نإائب محافظ البنإكا المركزي‬
‫العراقي سابقا بعفويتها ومؤثراتها البغدادية التي كانإت باعثا لي بشكل‬
‫لقة‬
‫هادف على الخوض في سرد هذه الذكريات لما تحمله من مؤثرات خ ل‬
‫جديرة بأن يحتذى بها‪.‬‬
‫كما كان لللحاح الشديد والمتواصل من الخأ )أبو ذر( الستاذ عقيل‬
‫الخزاعي مما شجعنإي مؤخ ار على التواصل في إنإجاز هذا المؤلف إضافة إلى‬
‫المؤثرات الثقافية في صالون الملكا والتي كان لها تأثي ار بالغا في الستمرار‬
‫بالكتابة‪.‬‬
‫إن معايشتي للحداث في مقهى "خليل" مع أنإه نإموذج للشخصية‬
‫البغدادية التي عملت وعاشت من أجل الخرين والتي كانإت متآلفة مع‬
‫معظم أهالي العراق من الشمال إلى الجنإوب منإطلقا من سعة اختلطه بعموم‬
‫أبنإاء هذا الشعب بصدر رحب وبساطة متنإاهية انإعكست من خلل تعامله‬
‫مع الجميع وعلى مختلف المستويات بمستوى واحد وكنإت ملزما له بعد‬
‫عودتي من المدرسة المتوسطة ثم الثانإوية المركزية وأثنإاء الدراسة‬
‫الجامعية ولحين تخرجي من جامعة بغداد كلية القتصاد والعلوم السياسية‬
‫عام ‪...1967‬‬

‫‪3‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫إن هذه الذكريات وما تبعثه من انإطباعات عن الحياة البغدادية هو‬


‫تعبير حي عن الحداث الواقعية ورؤية حياتية مفعمة بالتبغدد من خلل‬
‫أصالة مقهى بغدادي ساعدنإي في التأثر بها وطرحها من خلل اطلعي‬
‫وتأثري بعمق لطروحات المرحوم الدكتور علي الوردي في وصفه وتحليله‬
‫الموضوعي لسمات المجتمع العراقي وسلوكه العام ونإظرته إلى مختلف‬
‫المور‪ ...‬كما كانإت لكتابات الستاذ الراحل سلمة موسى وما نإشره من‬
‫طروحات تتعلق بواقع السلوكا العام للشباب في مصر بأسلوب سلس ورائع‬
‫يتسم بالدراكا الحسي المفعم بالواقعية نإحو التوجيه السليم‪...‬‬
‫ولعل كتابات الديب الراحل نإجيب محفوظ كانإت لها عميق الثر في‬
‫نإفسي من خلل طروحاته الدبية الرائعة التي صورت واقع الشعب المصري‬
‫وخصوصياته ومدى ارتباطها بضوابط الفكر السياسي لمختلف الكتل‬
‫السياسية لشعبنإا العربي في مصر منإطلقا من تواجده في مقاهي القاهرة‬
‫وأزقتها القديمة ومنإها مقهى "الفيشاوي" وحي خان الخليلي وحي سيدنإا‬
‫الحسين والقلعة وغيرها حيث كتب خواطره من خلل المعايشة الحياتية مع‬
‫الخرين‪...‬‬
‫كنإت شاهدا على الحداث التي وقعت في شارع الرشيد قبالة المقهى‬
‫التي كانإت منإتدى ومسرحا حقيقيا لواقع المجتمع العراقي وما جرى عليه‬
‫الزمن من حوادث خاصة بعد النإقلب العسكري في ‪ 14‬تموز ‪1958‬‬
‫وانإهيار النإظام الملكي في العراق وما جرى قبلها لعقود خلت لتؤكد بأن شعب‬
‫العراق بالرغم من كل ما ملر به من الممكن أن يستعين بدراسة رجال‬
‫الماضي من أجل خلق حاضر متميز ينإطلق من عراقة الخوة البغدادية‬

‫‪4‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫والخلق البغدادي الرفيع والصميم لوضع إطار عراقي لتحقيق مبدأ "العراق‬
‫للعراقيين" بمختلف طوائفهم وقومياتهم وهذا ما يجب المنإاداة به على وجه‬
‫التحديد‪.‬‬
‫كنإت أشعر بالرغم من اختلف رواد المقهى في الفكر السياسي‬
‫والمواقع الوظيفية والجتماعية بأن الرابطة التي تجمعهم هي النإظرة‬
‫الموحدة في كيفية تحقيق المصلحة العامة بالرغم من الختلف النإسبي‬
‫للمطامع الشخصية التي أوضحتها سنإوات التجارب لشخوص سياسية‬
‫متعددة أثرت على حساب المصلحة الوطنإية‪ ،‬انإي أقول هذا والسى يمل‬
‫قلبي بعد أن أتذكر الشهداء والضحايا الذين سقطوا صرعى في سبيل‬
‫إيمانإهم لتحقيق العدالة الجتماعية والستقلل السياسي لهذا الشعب وكان‬
‫معظمهم ضحية لصراعات هوجاء لم تكن إل لخدمة "حزم" سياسية كان‬
‫أغلبها قد سبق وننإسج ضوابط ترددها خارج الوطن في حين أصبح شعب‬
‫العراق كبش الفداء مع أن الشهداء من مختلف الحزاب والجنإدة السياسية‬
‫المتعددة رحمهم ال جميعا كان هدفهم المشتركا هو خدمة العراق بالرغم من‬
‫اختلفهم في المبادئ والفكار التي تؤدي إلى تحقيق هدفهم العظيم‪.‬‬
‫قد تكون الرؤية الواقعية بمكنإونإها البغدادي من خلل المقهى‬
‫وصاحبها باعثا على بنإاء واقع العراق الذي نإطمح إلى خلقه بالتفاؤل المفعم‬
‫بالروابط الروحية المشتركة في نإفوس أبنإاء هذا الوطن الذي تحمل أعباء‬
‫معانإاة لقرون عديدة على كاهله المثقل بها وقد آن الوان كي نإنإسى‬
‫المآسي وجراحاتها العميقة لجل علجها بأن نإستذكر الجوانإب اليجابية‬
‫لقة التي نإسجت من قبل رجال دولة في العراق وساهموا في تحقيق‬
‫الخ ل‬

‫‪5‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫آفاق رحبة لهذا الشعب وأن نإسعى لخلق وحدة وطنإية شاملة من أجل أن‬
‫يحتل هذا الوطن مكانإته في البنإاء الحضاري‪.‬‬
‫تغمد ال العلي القدير برحمته كل من استشهد في هذا الوطن على‬
‫ملر السنإين وأسكنإهم الباري فسيح جنإاته‪ ...‬انإه سميع مجيب‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫"تقــديــم"‬
‫)خاطـرة(‬
‫وداعا مقهى خليل‪ ...‬لنإنإا مشغولون جداا!!!‬
‫تطلعت إليه جالسا على كرسيه الخشبي المتواضع في حديقة بيته في‬
‫حي الوزيرية ببغداد‪ ،‬بعد أن استنإفدت السنإين مشاغله واستغرقت همومه‬
‫ل‪ ،‬شامخاا‪ ،‬ليقوى على الكلم حيث الصمت العميق‬
‫وانإتهت به شيخاا‪ ،‬كه ا‬
‫قد لف حياته ولكن دون أن يمس خواطره‪.‬‬
‫كان يتطلع إلى أصدقاء أبنإائه الذين يستقبلهم بهدوء ويحييهم‬
‫ببساطة‪ ...‬استقبلنإي وكانإت المرة الخيرة وفي عينإيه نإظرات قوية تطوي‬
‫صفحات الماضي وأمامه مستقبل ليستحق التفكير‪.‬‬
‫خليل القيسي‪ ،‬الشخصية البغدادية النإافذة‪ ،‬الذي كان يتدبر مقهاه‬
‫من قلب بغداد وأحداثها الجتماعية والسياسية في محلة الحيدرخانإة‪ ،‬ولم‬
‫تشغله زحمة الحياة أو تبعده عن قوته التفاعلية الجتماعية‪ ،‬ولم يشغله‬
‫حتى في أواخر حياته في نإهاية سبعينإيات القرن الفائت شاغل يذكر بعد أن‬
‫غاب النإاس عنإه وغابت الشياء منإه وهو يطوي أكثر من ثمانإية عقود من‬
‫الزمن العراقي ومعتركاته ونإحن مازلنإا في دواليب النإشغال التي زرعت فينإا‬
‫جميعا بذور البتعاد وانإفردت بنإا رحى الوحدانإية والتفككا المجتمعي المنإقطع‬
‫النإظير‪.‬‬
‫اقترب خليل القيسي من نإهايات حياته والبلد أمست غارقة في‬
‫مرتسم مستقبلها المجهول ول صوت يعلو صوت الحرب والتوجه نإحو‬
‫المصير المبهم الذي أظلمت نإهاياته‪ ،‬يوم ليجمعنإا فيه جامع سوى‬

‫‪7‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫معسكرات الحرب والنإصراف إلى مشاغلنإا الذاتية‪ ،‬في ذلكا الزمن الذي تركا‬
‫النإاس فيه مقهى خليل وهم في زحمة التوجه إلى الحرب‪ ،‬ليعتزل خليل‬
‫القيسي هو بنإفسه الحياة ولم يكن مشغولا جدا بذاته مثلما كنإا نإحن جميعا‬
‫مشغولون بصنإاعة الموت وقتل الحياة المجتمعية‪ ،‬بل كان مشغولا بضمير‬
‫حي يستعرض فيه ومن خلله هموم الجموع المتفرقة في هذا الشتات‬
‫المجتمعي المجهول الذي غادر مقهى خليل وانإصرف لوحدانإيته ليبنإي‬
‫نإسيجا اجتماعيا هلميا بديلا لزمنإة مقهى خليل‪...‬‬
‫فعنإدما كان يهرع ذلكا الرجل العملق في كل منإاسبة تلنم بسكان‬
‫محلته‪ ،‬كان النإاس أنإفسهم يتصورون أن صاحب مقهانإا الحاج خليل‬
‫)مليونإيراا( لكثرة رزقه ووفرة عيشه وقدرته على قضاء حوائج النإاس وما‬
‫ينإفقه بالسراء والضراء على عائلت انإهكا الزمن كاهلها وابتلع مشاغلها‪،‬‬
‫ولم يفرق الحاج خليل في حينإها في أداء واجباته المجتمعية )بحلوها‬
‫ومرها(‪...‬‬
‫فحينإما يكون في طلئع المشيعين ممن يتوفى من أهل بغداد‪ ،‬فقرائها‬
‫قبل أغنإيائها‪ ،‬نإجده في حضور دائم متصد ار ملعب الكشافة مشجعا لفريق‬
‫الحرس الملكي من دون أن يغفل تشجيعه لفريق الجيش لكرة القدم وعلى‬
‫حدد سواء‪.‬‬
‫كان مقهى خليل مجمعا لرجالت الدولة والطبقة العسكرية النإاشئة‬
‫والمتقدمة ونإقطة تقاطع وتفاعل حية على خارطة العراق الجتماعية‪ ،‬حيث‬
‫يلتقي فيها وجهاء بلدنإا من جنإوب العراق حتى شماله‪ ،‬ومن غربه حتى‬
‫شرقه في سلة واحدة اسمها العراق‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫توفي خليل القيسي في العام ‪ 1981‬وهو في عزلة عن النإاس لنإهم‬


‫مشغولون جداا!!! ولم يتح لتلكا الصفوف البشرية التي كان يتقدمها ذات‬
‫يوم هو بنإفسه لتأدية الواجبات الجتماعية الجليلة لها‪ ،‬ولم تو ف‬
‫ف تلكا‬
‫الجموع حتى بالنإزر اليسير من رمزيات الوفاء لهذه الشخصية الفريدة‬
‫النإافذة يوم وفاته‪ ،‬والسبب؟ لكونإها مشغولة جداا‪!!!...‬‬
‫اكتب خاطرتي هذه‪ ،‬يوم كان الجميع في مطلع ثمانإينإيات القرن‬
‫الماضي منإشغلا بنإفسه ليتركوا خليل القيسي يودع هذه الحياة بهدوء‬
‫وبمنإأى عن مشاغلهم دون أن يؤرق تفردهم بمشكلت الذات والنإا‪.‬‬
‫ودع أبنإاءه ونإف ار من أهله وقليلا جدا من أصدقائه ومعارفه أو‬
‫جيرانإه‪ ...‬وتساءلت في نإفسي أين تلكا الكتلت البشرية التي كانإت تلتقي‬
‫في مقهى خليل وتتقاطع في محاور التفاعل الجتماعي والسياسي؟ وهل‬
‫اختفت في عوالمها الذاتية ومات ضميرها بموته‪...‬؟ نإعم!!! لنإها مشغولة‬
‫جداا!!!‬
‫تذكرت رحيل هذا الرجل الشامخ وأنإا أستعرض أحزان نإفسي على ما‬
‫حل بنإا جميعا من ضياع اجتماعي وانإغماس في فردية مطلقة انإعدم فيها‬
‫التواصل العائلي والجتماعي وأنإا بدون شكا أحد أولئكا المنإشغلين في‬
‫صنإاعة هذا التفككا والنإقطاع!!!‬
‫في تاريخ الول من شهر تشرين الثانإي من العام ‪ 2010‬ميلدية‪..‬‬
‫كنإت مستلقيا على أريكتي على شاطئ مدينإة مسقط الدافئ جدا وبين يدي‬
‫صحيفة يومية واسعة النإتشار في تلكا البلد وهي صحيفة )نعمان(‪...‬‬
‫وأثنإاء تطلعي على أوراق تلكا الصحيفة المسقولة جداا‪ ،‬سقط نإظري على‬

‫‪9‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫عمود مهم اسمه )نإوافذ( ويحمنل عنإوانإا )الكل مشغول!!!(‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫هدوء المكان وعزلته الساحرة في فنإدق البستان المجاور لقصر السلطان‬
‫إواطللته على مياه بحر العرب‪ ،‬فإن العمود أثار في نإفسي مفارقة حادة‬
‫وضرب ذاتياتي وعزلتي في الصميم عنإدما كنإت يومها مشاركا في منإتدى‬
‫دولي عن نإظرية )الحوكمة( وتطبيقاتها‪ ،‬إذ تنإاقضت مشاركتي في المنإتدى‬
‫مع ما كتبه أحمد بن سالم الفلحي في عموده المذكور آنإفا )الكل‬
‫مشغول!!!(‪ ،‬إذ انإصرف الكاتب إلى إظهار ملكته العالية في تشخيص‬
‫ظاهرة التفككا المجتمعي في بلدانإنإا الشرق متوسطية وانإعدام العلقات‬
‫والروابط الصحيحة فيها‪ ،‬في عصر النإشغالت الزائف وأزمان ضاعت فيها‬
‫الحاكمية الرشيدة وانإفصل النإاس فيها عن أصولها لتلتصق بذاتها‪ ،‬كما‬
‫انإفصلت الدارة فيها عن مالكيها لتضعف الروابط وتؤجج صراع المصالح‬
‫بين المديرين والمالكين حتى تستعيد الحوكمة الجيدة دورها في التأثير على‬
‫السلوكا النإسانإي كي تؤدي عودة الذات إلى الصل ومن ثم بنإاء نإسيج من‬
‫المشاركة والفصاح والمساءلة كما تريده نإظرية الحوكمة‪ ،‬فعنإدما انإتهيت‬
‫من قراءتي للعمود‪ ،‬تذكرت مقهى خليل وحياة ذلكا العملق الذي عاش‬
‫وانإطفأ بين صنإفين من الجموع‪ ...‬جموع كان يحركها وماتت قبله‪ ،‬وجموع‬
‫كان قد غادرها وهي مفككة لتمتلكا القوة الجمعية أو القدرة على التواصل‬
‫المجتمعي ومنإشغلة جدا في مآلتها الذاتية‪.‬‬
‫يقول أحمد بن سالم الفلحي في عموده السبوعي في صحيفة نعمان‬
‫معلقاا‪-:‬‬

‫‪10‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫)إن من أطرف ما سمعت أن هنإاكا مجتمعات نإتقاسم معهم معنإى الحياة‪...‬‬


‫يستأجرون فيها النإاس حين يفقدون عزي از عليهم من ينإوح على الميت بدلا‬
‫من أهل الفقيد‪ ...‬أو من يق أر القرآن‪ ...‬ومما أساءنإي أكثر مما قرأت‪ ،‬أن‬
‫هنإاكا مؤسسات متخصصة لقراءة الدعاء لمن تشغلهم الحياة عن التقرب‬
‫إلى ال‪ ...‬فلنإنإا مشغولون ليهم ما نإأكله‪ ،‬ولنإنإا مشغولون ليهم متى‬
‫نإعود إلى منإازلنإا‪ ...‬ولنإنإا مشغولون ليهم أن نإوزع على الخرين التزاماتنإا‬
‫المختلفة والتي يفترض أن نإقوم بها بأنإفسنإا‪.‬‬
‫ومن هنإا نإبدأ في فقدان الحياة الجميلة ومن فيها‪ ،‬إنإها جيوش من‬
‫الهزائم النإفسية بل جحافل ل أول لها ول آخر من التقهقر والبعد عن‬
‫المعانإي الرائعة في حياتنإا اليومية‪ ...‬كل هذا يحدث لنإنإا مشغولون جداا‪...‬‬
‫ونإحن فعلا مشغولون جداا‪ ...‬أليس كذلكا!!!(‪.‬‬
‫الكتاب الذي بين أيدينإا‪ ،‬يروي قصة بغداد في القرن العشرين‬
‫وشهادة حية وصادقة بأن التاريخ ليروى إلل بشخوصه النإافذة وأحداثه‬
‫العظيمة المؤثرة والذي جاء تحت عنإوان‪-:‬‬
‫بغداديات‪ :‬مقهى خليل‪/‬ذكريات وانإطباعات‬
‫هو الكتاب الذي خطه بضمير حي وعرض أحداثه ووقائعه وشخوصه‬
‫بصدق منإقطع النإظير‪ ،‬هو أخي وصديقي العزيز حميد خليل القيسي الذي‬
‫تعود صداقتي وأخوتي به إلى ستينإيات القرن الماضي وحتى اللحظة وبدون‬
‫انإشغال طبعاا!!!‬
‫وعنإدما نإستعرض فصوله الجميلة ووقائع أحداثه الرائعة فلبد أن‬
‫تتبدد مشاغلنإا الذاتية وتجمعنإا تلكم الفصول مجددا في مسيرة فريدة‬

‫‪11‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وشواخص مؤثرة لحد رجال مدينإتنإا الذي كان شاغله الوحيد حب النإاس‬
‫وجمع شملهم‪.‬‬
‫إنإه كتاب يجسد بواقعية عالية العودة إلى مجتمعيتنإا والبتعاد عن‬
‫عشق الذات واستعادة نإكران الذات في وقت ما زلنإا فيه مشغولين جداا!!!‬
‫أليس كذلكا!!!‬

‫الدكتور مظهر محمد صالح‬


‫بغداد‪ -‬زيونإة‬
‫في ‪/20‬نإيسان‪2012/‬‬

‫‪12‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الحاج خليل القيسي القهواتي‬


‫بغداد‪ :‬كنإت العشق والجمال‬
‫النإس والطرب والوصال‪...‬‬
‫أينإفكا من الدنإيا في هذا الزمان‪...‬؟‬
‫قحطان حبيب الملكا‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أن يتحدث المرء عن بغداد‪ ،‬فإنإه يتحدث عن خصوصية من الحياة‬
‫التي كانإت تعنإيها بغداد‪ ...‬عنإدما كان المرء يذهب إلى أي مكان في العالم‪،‬‬
‫ويقول بأنإه قادم من بغداد فإنإه يعرف بأنإه قادم من ليلة من ليالي ألف ليلة‪،‬‬
‫ومن حقبة مضيئة من التأريخ الحضاري للعالم‪ ،‬مسيرة من الحياة لظروف‬
‫حضارية من تأريخ العالم‪ ،‬مرحلة حضارية عربية إسلمية أعطت تواصلا‬
‫للعلم والفلسفة والفكر للعالم‪...‬‬
‫من يمكن أن ينإكر بأنإها أعادت إلى الحياة فك ار فلسفيا أوربيا كان‬
‫يمكن له أن ينإدثر‪ !..‬وأعطت معرفة علمية وطبية بقيت معتمدة في أوربا‬
‫لقرون عديدة‪ .‬واحتفظت بغداد بخصوصيتها وأوجدت لنإفسها واقعا‬
‫اجتماعيا بقي حيا على الرغم من كل المآسي التي مرت بها وأرادت لها أن‬
‫تطمسها‪.‬‬
‫ولكن للروح الحرة العربية لبغداد قوة دافعة مكنإتها من التغلب على كل‬
‫تلكا المحن‪ .‬وعنإدما بدأت الحياة تعود إلى العراق من بداية القرن العشرين‬
‫وبداية الحكم الوطنإي وبدأت معها تخرج تلكا الروح الحية مرة أخرى إلى‬
‫الوجود من جديد‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بدأ الشعر يأخذ منإحاه الجتماعي والسياسي الملتصق بالحياة‬


‫الجديدة ويعطي أثره في حركة المجتمع‪ ،‬وبدأ معها التهافت على التعلم‬
‫الحديث يأخذ منإحاه الجديد ويخرج من بودقة الجامع والكتاتيب إلى المدرسة‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫ومن هذه الحركة الجديدة في المجتمع‪ ،‬بدأت الشخصية البغدادية‬
‫تعود إلى الحياة من جديد‪ ،‬فل عجب أن بدأنإا نإسمع من اخوانإنإا المصريين‬
‫العرب تعابير تمت إلى الحياة البغدادية وصورتها الجميلة بحق وحقيقة‬
‫فيقولون "تتبغدد" أي تسير بطريقة بغدادية كلها خيلء وعنإفوان‪ ...‬وهكذا‬
‫كانإت بغداد أعطت صبغتها الجتماعية الصيلة على الحياة إلى اخوانإنإا‬
‫العرب في كل مكان‪...‬‬
‫فل عجب أن تظهر في هذه الحياة شخصيات بغدادية أصيلة كان لها‬
‫أثرها وطابعها الخاص والعام على الحياة الجتماعية في بغداد‪.‬‬
‫ضمن وسط هذا الزخم من الحياة ومن وسط الحواري والماكن التي‬
‫تجتمع فيها النإخبة من المجتمع والتي كان لها أثرها الجتماعي والسياسي‬
‫في البلد أن تظهر صورة الشخصية البغدادية الصيلة إلى الحياة‪ :‬الحاج‬
‫خليل القيسي البغدادي القهواتي‪ ..‬كنإا شبابا في الخمسينإيات عنإدما كنإا نإملر‬
‫سي ار على القدام في شارع الرشيد في الحيدرخانإة نإجده جالسا بكل خيلء‬
‫وعنإفوان وبساطة على تخته وخلف طاولته يتحدث بصوته الجهوري مع هذا‬
‫أو ذاكا من زبائنإه وأصدقائه‪ .‬كانإت مقهى خليل معلما من معالم بغداد وليس‬
‫لمجرد كونإها مقهى فحسب‪ ،‬فالحاج خليل أعطى لهذه المقهى خصوصية‬
‫جعلتها مميزة من بين كل مقاهي بغداد‪ ،‬فهي ملتقى المثقفين وكبار‬

‫‪14‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الموظفين والعسكريين والتجار والطلب القادمين من مدن العراق للدراسة‬


‫الجامعية في بغداد‪ ..‬وكنإت ترى الحاج خليل يتفقد هذا أو ذاكا ويمازح‬
‫الخرين بروحه البغدادية المرحة الصيلة‪.‬‬
‫عمل الحاج خليل في مدينإة الموصل ومن ثم ذهب إلى مدينإة البصرة‬
‫وفتح فيها مقهاه‪ ،‬رجع بعدها إلى بغداد وأصبح ملتزما لحانإوت العدادية‬
‫المركزية‪ ،‬المدرسة التي خرجت جمهرة من المثقفين العراقيين وعسكريين‬
‫وسياسيين ورجال علم وأدب وكانإت معلما ثقافيا إضافة لكونإها مدرسة‬
‫إعدادية تخرج الطلب وتؤهلهم إلى الكليات الجامعية ليكونإوا الصفوة التي‬
‫عملت على بنإاء هذا البلد وكان مسرحها يعج بحركة مسرحية ولو بسيطة‬
‫ولكنإها مكنإتهم من التطور مع الحياة الجديدة في البلد‪ ..‬فل عجب أن نإجد‬
‫الحاج خليل يصبح له معارفه وأصدقاؤه من هذا الوسط الثقافي والجتماعي‬
‫البغدادي‪ ،‬لذلكا عنإدما استقر وأسس مقهاه في الحيدرخانإة "مقهى الحاج‬
‫خليل" أصبحت المكان والملتقى لهذه المجاميع من الطلب ورجال السياسة‬
‫والمجتمع لقضاء وقت راحتهم معه‪ .‬وعلى الرغم من وجود العديد من‬
‫المقاهي المميزة في هذه المنإطقة‪ ،‬الحيدرخانإة فهنإاكا مقهى حسن عجمي‬
‫والبرلمان والزهاوي والشابنإدر وكل مقهى لها ميزتها الخاصة من بين‬
‫المقاهي الخرى‪ ،‬ولكن مقهى الحاج خليل كانإت لها خصوصيتها من بين‬
‫كل هذه المقاهي‪ ..‬فالمتظاهر المطارد من قبل الشرطة السرية يأتي إلى‬
‫زاوية من زوايا المقهى في الداخل ويكون في حماية الحاج خليل لن‬
‫الشرطة السرية لتجرؤ الدخول إلى مقهى الحاج خليل‪ ،‬والطالب الذي‬
‫تأخرت حوالته يتحدث بهدوء مع الحاج خليل عن مشكلته ويكون الحاج‬

‫‪15‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫عونإا له في حل مشكلته‪ ،‬والذي لم تهنإأ نإفسه بوجبة غذاء في النإهار ينإتظر‬


‫الصينإية الكبيرة التي تأتي ظه ار من بيت حاج خليل ليجتمع الجميع حولها‬
‫مع الحاج خليل‪ ،‬والذي لم يجد مكانإا ليهنإأ بنإومه في المساء يجد له تختا‬
‫في زاوية من زوايا مقهى الحاج خليل ليقضي ليلته عليه‪ ،‬وأما الذي لديه‬
‫مشكلة أو لديه موقوف في أحد مراكز الشرطة فإن الحاج خليل يهرع معه‬
‫بعد أن يضع عباءته على كتفه ويعدل يشماغه ويسير بخطواته المتسارعة‬
‫إلى حيث يستقبل بكل رحابة في مركز الشرطة أو الدائرة الحكومية وينإهي‬
‫المشكلة أو القضية على عهدته‪ .‬حيث كانإت علقة الحاج خليل مع النإاس‬
‫أجمعين فل عجب أن يحترمه ويحبه الجميع لنإه يحمل في داخله كل هذه‬
‫الصفات والخلق البغدادية الصيلة في الشهامة وحب الخير للنإاس‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أما هوايته التي مليزته أكثر في حياته وبين أقرانإه وأوجدت له شهرة‬
‫خاصة وعامة فهي حبه لكرة القدم‪ ،‬لذلكا كنإت تجده جالسا في ساحة‬
‫الكشافة أما مفترشا الرض أو على مدرجات الساحة مشجعا الفرق التي‬
‫تلعب وكنإت تميزه من بعيد من بين الجميع بقيافته الفارهة وجراويته‬
‫وعباءته التي لتفارقه‪...‬‬
‫إن حياة الحاج خليل القهواتي فيها الكثير والكثير الذي يمكن أن‬
‫يكتب عنإها وليست محررة على وريقات أو كتاب لنإها تمثل جزء من الحياة‬
‫البغدادية في تلكا المرحلة من حياة البلد‪ ،‬ولقد حاول صديقنإا الستاذ حميد‬
‫أن يعطي ليام وحياة والده بعضا مما يتذكره عن تلكا اليام الحلوة من‬
‫الحياة وهو الذي كان القرب إليه في عمله في المقهى وأعاد إلينإا جزءا‬

‫‪16‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أصيلا وجميلا من الحياة البغدادية المتمثلة بشخصية والده وهي مهمة نإريد‬
‫لها تستعاد وتكرر إلى الحياة قبل أن تنإدثر هذه الذكريات الجميلة من ذاكرة‬
‫حامليها وعلى القل يبقى جزءا أصيلا ولو بسيطا من حياة بغداد وأهلها‬
‫ومجتمعها حياا‪ ،‬وهي إضافة لذلكا حاف از لكل من لديه مثل هذه الذكريات‬
‫العزيزة على قلوبنإا ليسجلها من أجل أن تبقى جزءا حيا من حياة هذه‬
‫المدينإة وفي ذاكرة الجيال الحاضرة والقادمة‪.‬‬

‫قحطان حبيب الملكا‬

‫‪17‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫النإشـأة‪ ...‬البدايـة‬
‫منإذ أكثر من مائة وخمسين عاما خلت نإزح قسمم من أبنإاء عشائر‬
‫العراق إلى بغداد طلبا للرزق وكان منإها القيسيين )الكروية( الذين كانإوا‬
‫يقطنإون سفوح وديان حمرين شمال ديالى‪ .‬وكانإت العاصمة بغداد لتتعدى‬
‫حدودها سوى باب المعظم شمالا حيث سورها العباسي الشهير وتمتد إلى‬
‫رأس القرية جنإوبا وتتكون من بضع محلت وأطراف مبعثرة في صوبي النإهر‬
‫الكرخأ والرصافة حيث تضم بين جنإاحيها أهل بغداد بمختلف طبقاتهم‬
‫الجتماعية آنإذاكا‪...‬‬
‫كانإت بغداد صغيرة جدا بحيث يستطيع الماشي أن يقطعها من‬
‫شمالها إلى جنإوبها بأقل من ساعة وكانإت الحياة بسيطة يعمها التضامن‬
‫والمحبة بين المتجاورين في محلة واحدة حتى أن بيت منإها إذا ما قام‬
‫بحفلة فرح أو بمأتم عزاء رأى تضامنإا من أبنإاء المحلة ومساعدة كثيرة‬
‫منإهم وكانإت المحلت البغدادية مقسمة إلى قسمين منإهم سكنإة رجال الدولة‬
‫من مدنإيين وعسكريين مثل محلت جديدة حسن باشا والحيدرخانإة والطوب‬
‫وقمر الدين والتي كانإت تعرف بمحلت )العصملي( أي العثمانإيين‪ .‬أما‬
‫القسم الثانإي الذي يسكنإه الشعب البغدادي تعرف في الرصافة بمحلت أبو‬
‫شبل وبنإي سعيد والفضل والكولت والمهدية وقنإبر علي وقهوة شكر وفضوة‬
‫عرب وباب الشيخ وعزات طويلت وفضوة قرة شعبان إضافة إلى محلت‬
‫الكرخأ السكنإية العريقة‪...‬‬
‫وفي محلة بغدادية عريقة هي بنإي سعيد ولد خليل عام ‪ 1890‬ولما‬
‫كان والده في حينإها رئيس عرفاء في الجيش العثمانإي حيث التحق مع‬

‫‪18‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫القوات العثمانإية عنإد انإدلع حرب البلقان ‪ 1908-1905‬إلى امتداد‬


‫الحرب العالمية الولى ووقع أسير حرب لدى النإكليز وأرسل إلى معسكر‬
‫العتقال للجنإود التراكا واللمان في الهنإد‪...‬‬
‫أو حسبما يتذكرها كبار السن تسمى بحرب القرم أو ما يسمى بحرب‬
‫المسقوف أي الروس عنإد انإدلع الحرب التركية الروسية قبل الحرب الولى‬
‫وكانإت دعوة القوات التركية المواطنإين لداء الخدمة العسكرية يطلق عليها‬
‫البغداديون "السفربر"‪ .‬أما خليل فقد كان يعمل خلل تلكا الفترة عامل‬
‫تكمجي )وهي كلمة تركية تمثل نإسبة المتهان إلى الدوكمة أي صب‬
‫السبائكا المعدنإية حيث ان الحديد والنإحاس كان خلطهما وصبهما يمثلن‬
‫المادة الخام لهذه الصنإاعة وتعنإي السباكة وقد عمل لدى السطة "علوان‬
‫التكمجي" في قنإبر علي وبعد التحاق الخير بالحرب العالمية الولى عام‬
‫‪ 1913‬بقي خليل عاطلا عن العمل واتفق مع جمهرة من أبنإاء محلته‬
‫للعمل عمال طين وتعنإي بالتركية )كولين( كي يكسبوا رزقهم وعنإد سقوط‬
‫بغداد عمل لدى السطة علي أفنإدي وهو رجل كبير السن من أهالي بغداد‬
‫يتكلم النإكليزية بطلقة حيث استفاد منإه كثي ار مما أهله للعمل في مخزن‬
‫كبير جدا يدعى "مخزن الدرهم" الكائن في نإفس موقع شركة المخازن‬
‫العراقية الحالي في شارع الرشيد‪...‬‬
‫وبعد عودة والده من السر وكان صاحب مقهى النإقيب في قنإبر علي‬
‫عاد للعمل معه في نإفس المقهى إلى أن انإتقل إلى مقهى الشط التي كانإت‬
‫تعود إلى بيت السيد عواد الواقعة يوم ذاكا في شارع الرشيد قرب بنإاية‬
‫الكمركا سابقا وبعد عدة سنإوات تركا العمل لدى والده كي يشق طريقه في‬

‫‪19‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الحياة وحبا بالسفر والمغامرة في حين عاد والده لستئجار مقهى النإقيب في‬
‫وسط محلة قنإبر علي‪..‬‬
‫غادر خليل بغداد عام ‪ 1922‬متوجها نإحو البصرة وهو شاب أعزب‬
‫وقام بفتح مقهى خاصة به لمدة سنإتين توطدت علقته خللها بأهالي‬
‫البصرة لسيما وأنإه كان يتحلى بالخلق البغدادي وصاحب معشر ثم شد‬
‫رحاله بعد ذلكا إلى الموصل ليمارس نإفس العمل حيث قام بفتح مقهى وسط‬
‫الموصل تعرف أيضا من خلله إلى الكثير من أهالي الموصل وأجاد التحدث‬
‫بلهجتهم وفي بداية عام ‪ 1926‬عاد إلى بغداد للعمل حيث تعهد بإدارة‬
‫حانإوت العدادية المركزية في الرصافة ثم حانإوت دار المعلمين البتدائية‬
‫في الكرخأ كما قام عصر تلكا الفترة بإدارة المقهى على ضفاف دجلة قرب‬
‫بيت )النإواب( في الكرخأ وكانإت المقهى تابعة لبنإاية دار المعلمين البتدائية‬
‫ثم انإتقل عام ‪ 1932‬إلى محلة الحيدرخانإة حيث قام بفتح مقهاه الشهيرة‬
‫الواقعة أمام مدخل شارع المتنإبي المواجه لشارع الرشيد وكان مبنإى المقهى‬
‫تابعا إلى دائرة الوقاف العامة ويطلق عليها "وقف الطبقجلي‪ ،‬واستمر‬
‫العمل بها لحين هدمها من الوقاف عام ‪ 1970‬بعد إخلئه منإها‪...‬‬

‫غرق بغداد في تشرين عام ‪ 1915‬ومرض الطاعون‬


‫كان من الحاديث المتعلقة بأجواء بغداد القديمة ما سمعته من حجي‬
‫خليل عن الطاعون الذي أصاب أهالي الرصافة بعد الغرق الذي أحل ببغداد‬
‫عام ‪ 1915‬والملفت للنإظر أن الغرق جاء شهر تشرين بينإما فيضان دجلة‬
‫والفرات يكون عادةا في الربيع وقد هاجم الماء بغداد من الجهة الشرقية‬

‫‪20‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫فهدم البيوت كلها لنإها مبنإية بمواد بسيطة لتقاوم طغيان الماء‪ ...‬فذهب‬
‫الهالي إلى الجوامع والحسينإيات والكنإائس وبيوت العبادة كلها حيث التجأوا‬
‫إليها وهذا التزاحم ولد طاعونإا فتكا بأهالي بغداد وكان الضحايا باللف في‬
‫حين كان معظم أهالي بغداد قد دعوا إلى اللتحاق بالجيش العثمانإي‬
‫)السفربر( والشيوخأ اقتعدوا تخوت المقاهي وقد انإتشرت الجثث في أزقة‬
‫بغداد حيث قام الصبيان والشباب الذين تخلفوا عن اللتحاق بالسفربر‬
‫بحملها إلى المقابر وكان "خليل" يقود أهالي الطرف لحمل تلكا الجثث إلى‬
‫المقابر المنإتشرة حول بغداد وكأن العنإاية اللهية حفظتهم من الصابة‬
‫بالطاعون ليقوموا بهذا الواجب‪...‬‬

‫حجي خليل في ذاكرة الستاذ عبد اللطيف الشواف‪...‬‬


‫الستاذ عبد اللطيف الشواف الذي يعتبر أحد الشخصيات البغدادية‬
‫النإافذة التي أغنإت القتصاد العراقي بجهودها المثمرة في إصدار قانإون‬
‫النإفط رقم )‪ (80‬وتأسيس شركة النإفط الوطنإية إضافة إلى دوره المتميز‬
‫وزي ار للتجارة ومحافظا للبنإكا المركزي العراقي حيث كان إنإسانإا نإزيها‬
‫وصادقا مع نإفسه والخرين سبق له وخدم القضاء العراقي وقدم له ألجلل‬

‫‪21‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الخدمات منإذ الربعينإات‪ ...‬لقد كان مثالا للشخصية البغدادية بخلقها‬


‫وطيبتها التي تتمثل بها القيم والخلق الصيلة من حب للخير إوانإصاف‬
‫للنإاس ومساعدتهم وتعفف في اليد واللسان وانإفتاح في الفكر والروح على‬
‫الجميع وحينإما كان يكتب فإنإه يجسد تلكا الخلق بخط يده فهو الوزير‬
‫والقاضي والقانإونإي والديب‪...‬‬
‫لقد بادر في كتابه "عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون‪ ...‬ذكريات‬
‫وانإطباعات‪ ...‬في الصفحة ‪ 67‬بقوله مايلي‪:‬‬
‫كانإت هنإاكا دار معلمين في الكرخأ وكثير من خريجيها من الكرخيين‬
‫ذوي الميول الجتماعية القحة الودودة المضيافة‪ ،‬حيث كانإوا يقضون أوقات‬
‫فراغهم ودراستهم في مقهى على شاطئ دجلة مقابل القشلة أمام دار‬
‫المعلمين فانإعقدت بينإهم الصداقة واتصلت إلى العمل الوطنإي المشتركا‬
‫وانإتقلت مع خليل القيسي )صاحب المقهى( إلى منإطقة جامع الحيدرخانإة‬
‫على شارع الرشيد بعدما انإتقل القيسي إلى مقهاه المشهورة هنإاكا وانإتقل‬
‫عملهم من التعليم إلى العسكرية وأضيف لهم ضباط المنإطقة في الرصافة‬
‫وهم كثر في بغداد ذات التقاليد العثمانإية التركية العسكرية‪...‬‬
‫ويستطرد الشواف في بيان رؤيته لصاحب المقهى كما ورد في‬
‫هامشه بنإفس الصفحة "خليل القيسي صاحب المقهى المواجهة لشارع‬
‫المتنإبي على شارع الرشيد وكان قبل ذلكا صاحب المقهى التابعة لثانإوية‬
‫الكرخأ والمحاذية لنإهر دجلة مقابل القشلة في الرصافة وقرب )بيت النإواب(‬
‫حيث كانإت البنإاية قبل أن حلت بها ثانإوية الكرخأ مق ار لدار المعلمين يؤمها‬
‫الشباب الكرخي وغيرهم ممن انإضموا أولا إلى سلكا التعليم ثم انإتقلوا إلى‬

‫‪22‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫العسكرية بعد أن فتحت أمامهم الكلية الحربية وأصبحوا ضباطا في الجيش‬


‫العراقي وآثروا على الحداث المتلحقة حينإئذ والتي انإتهت بثورة تموز سنإة‬
‫‪ ،1958‬حيث كان خليل قد انإتقل إلى المقهى التي سميت باسمه في شارع‬
‫الرشيد قرب جامع الحيدرخانإة والتي أشرنإا إليها آنإفاا‪.‬‬
‫في المقهى كان يجتمع فيها لفيف من شباب بغداد ولسيما الضباط‬
‫منإذ أيام دار المعلمين‪ -‬تمت الصداقة وتوطدت بين خليل القيسي ورواد‬
‫المقهى‪ ،‬من الضباط الحرار‪ ،‬حجي الدين عبد الحميد‪ ،‬عبد الوهاب‬
‫الشواف‪ ،‬نإاظم الطبقجلي‪ ،‬وعبد الكريم قاسم‪ ،‬ورفعت الحاج سري‪ ،‬وعبد‬
‫الحميد نإعمان الحفار وغيرهم من سكنإة منإطقة مقهى خليل علوة على‬
‫سكنإة الكرخأ السابقين‪ ،‬وقد كنإت أرى الضباط يجلسون في مقهاه في أوائل‬
‫الربعينإيات قرب مائدته حيث يجمعون النإقود من رواد المقهى وكثي ار ما‬
‫أمسكا أحدهم برغبة‪ -‬بالصينإية التي يجمع فيها النإقود‪.‬‬
‫كان خليل من عشيرة )الكروية( شجاعا كريما ول أدري ماذا حل به أو‬
‫بمقهاه الن ولكنإه بعد الثورة‪ -‬كان يخرج من مقهاه لتحية المرحوم عبد‬
‫الكريم قاسم‪ -‬كلما مر من أمامه في شارع الرشيد بالسيارة العسكرية في‬
‫طريقه إلى وزارة الدفاع‪ ،‬ولعله قد أصيب بخيبة أمل وأسى لعدام نإاظم‬
‫الطبقجلي الذي كان من أصدقائه ومن زبائن مقهاه‪ ،‬كما أصيب بذلكا العديد‬
‫من رواد المقهى‪.‬‬
‫تلكا كانإت رؤية بغدادية واقعية يجسدها بخط يده من كان الوزير‬
‫والقاضي والقانإونإي والديب‪...‬‬

‫‪23‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بغداد وبداية الزمن الجميل‬


‫استلم المغفور له الملكا فيصل الول الحكم في العراق عام ‪1921‬‬
‫محملا بتركة ثقيلة لقرون خلت وقد حاول جاهدا وبكل إصرار على وضع‬
‫وبنإاء أسس الدولة العراقية الحديثة وفي غضون فترة العشرينإيات في عام‬
‫‪ 1927‬ولجه أحد الصحافيين الجانإب سؤاله لجللة الملكا عن رأيه في حكم‬
‫العراق وكان جوابه التي‪:‬‬
‫"وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملن أسى أنإه في اعتقادي‬
‫ليوجد في العراق شعب بعد بل يوجد كتلت بشرية خيالية‬
‫خالية من أي فكرة وطنإية‪ ،‬متشبعة بتقاليد وأباطيل دينإية‬
‫لتجمع بينإهم جامعة سماعون للسوء مليالون للفوضى‬

‫‪24‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مستعدون دائما للنإقضاض على أي حكومة كانإت فنإحن نإريد‬


‫والحالة هذه أن نإشكل من هذه الكتل شعبا نإهذبه‪...‬‬

‫وفعلا أخذت المعالم الحضارية بالتسلل إلى بغداد وبعدها بقية ألوية‬
‫العراق برغم المعوقات التي واجهت النإظام وكان بنإاء أركان التعليم في‬
‫العراق من الولويات بكافة مستوياته إضافة إلى تحسين الواقع الزراعي‬
‫بحيث أصبح العراق من الدول المصدرة للمحاصيل الزراعية في الثلثينإيات‬
‫وتم افتتاح عدة قنإصليات تجارية لدول أوربية في بغداد والبصرة والموصل‬
‫لغرض استثمار صنإاعة الزراعة‪ .‬وتم تشييد المبانإي الحكومية والمدارس‬
‫والطرق والجسور حيث شهدت بغداد ثورة في البنإاء والعمار مازالت آثارها‬
‫باقية لحد الن برغم تعرضها إلى الزلزل السياسية المتعاقبة‪.‬‬
‫وكان التطور العمرانإي في البتاوين والمسبح والعظمية والكاظمية‬
‫والكرادة دليل على ذلكا‪ ،‬كما شجعت الصنإاعة الوطنإية في العقود المتتالية‬
‫ومنإها صنإاعة التمور العراقية‪...‬‬
‫إنإها كانإت الحضارة لبلد مابين النإهرين تسير نإحو الفضل برغم‬
‫اليرادات النإفطية المحدودة وبدأ العراق يتسلق ميادين الحضارة في ظل‬
‫النإظام الملكي ولعل مشاريع مجلس العمار مازالت شاخصة لحد الن‬
‫ومنإها بنإاية البنإكا المركزي العراقي التي تم حرقها قبل سنإوات والجسور‬
‫والسدود وبنإاية القصر الجمهوري والمجلس الوطنإي‪...‬‬
‫أما في المجال السياسي لبنإاء الديمقراطية في العراق فقد كان لدى‬
‫الملكا فيصل الول رؤية واضحة ومحددة بأن الديمقراطية عملية تأريخية‬
‫طويلة المدى بمؤسسات ترسخ باستمرار وتمتد للثقافة والتربية والسرة حتى‬

‫‪25‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫تصل للفرد في سلوكه اليومي مع الخرين ومع نإفسه‪ ،‬انإها عملية تحتاج‬
‫لتربية طويلة وقد بدأ المسير بها في حينإه‪...‬‬

‫‪26‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪ 1926‬العمل في العدادية المركزية ودار المعلمين البتدائية‬


‫سبق وتم إقامة مدرسة ثانإوية مستقلة في بغداد عام ‪ 1919‬استقر‬
‫طلبها في بنإاية البعثات سابق ا وعلين لدارتها الستاذ "عاصم الجلبي" وبعد‬
‫حين انإتقلت إلى الطابق العلوي من بنإاية مدرسة المأمونإية ثم نإقلت إلى‬
‫البنإاية الحالية الواقعة مقابل دائرة البريد والبرق في الميدان وعين الستاذ‬
‫)نإظيف الشاوي( مدي ار لها‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1923‬تأسست دار المعلمين البتدائية وبتوجيه المغفور‬
‫له الملكا فيصل الول الذي شملها برعايته وكانإت موقعها في موقع ثانإوية‬
‫الكرخأ الحالية قبل انإتقال الدار إلى بنإاية خاصة تم تشييدها في العظمية‬
‫قرب المقبرة الملكية‪...‬‬
‫عمل السطة خليل متعهد ا لحانإوتي العدادية المركزية ودار‬
‫المعلمين البتدائية بعد عودته إلى بغداد عام ‪ 1925‬وقد تسنإى له التعرف‬
‫على مئات من الطلبة وأهاليهم القادمين من مختلف المحافظات وبالخص‬
‫طلبة القسم الداخلي الذين كان مأكلهم ومشربهم في حانإوت الدار مع أنإهم‬
‫كانإوا يستلمون شهري ا من أهاليهم حوالة بريدية لتغطية مصاريفهم وغالب ا‬
‫ما كانإت تلكا الحوالت تتأخر في الوصول مما يدفع بصاحب الحانإوت‬
‫بالسماح للطلبة بالكل والشرب على الحساب والتسديد يتم عنإد استلمهم‬
‫الحوالة وكان أهالي الطلبة يقومون بزيارة أبنإائهم في القسم الداخلي‬
‫للطمئنإان عليهم تعرفوا خللها على متعهد الحانإوت شاكرين له موقفه من‬
‫أبنإائهم وكان لكثرة اختلطه بأهالي تكريت والموصل التي عمل بها سابقا‬
‫جعلته يجيد التكلم باللهجات المحلية لتلكا المحافظات بإتقان مبدع‪..‬أما‬
‫عص ار فقد قام السطة خليل بفتح مقهى على ضفاف دجلة خلف دار‬

‫‪27‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المعلمين البتدائية مما دفع معظم أهالي الكرخأ إلى التعرف به والتقرب منإه‬
‫وأصبحت صحبته لهم محببة حيث انإتقلوا معه عام ‪ 1932‬لرتياد مقهاه‬
‫في شارع الرشيد يومي ا والتي عرفت على مدى نإصف قرن من الزمن‬
‫عام ‪...1970‬‬ ‫بـ"مقهى خليل"لحين هدمها‬
‫مع إن معظم طلبة دار المعلمين البتدائية عام ‪ 1929‬بعد تخرجهم‬
‫وممارستهم لمهنإة التعليم لفترة قصيرة انإظموا إلى الكلية العسكرية منإهم‬
‫عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى إواسماعيل محمد وعبد الحميد نإعمان‬
‫وآخرون غيرهم وكان الملكا فيصل الول دائم الزيارة لدار المعلمين لتفقد‬
‫أحوال الطلبة وسير الدراسة فيها لهتمامه المتواصل بمسيرة التعليم في‬
‫البلد ومن خلل تلكا الزيارات تعرف السطة خليل متعهد الحانإوت الخاص‬
‫بالدار والتي أصبح مقرها في العظمية‪.‬‬
‫لقد كان المغفور له فيصل الول ملكا العراق منإذ ‪ 1921‬من‬
‫الشخصيات النإسانإية النإاصعة المينإة المخلصة وكان سعيه الحثيث لبنإاء‬
‫دولة المؤسسات في العراق واضحا ومعروفا لحد وفاته عام ‪ 1933‬لقد كان‬
‫رحمه ال من الشخصيات النإافذة الوطنإية الغيورة على العراق ومصالح‬
‫شعبه وهذا ما كان عليه ابنإه الملكا غازي حيث كانإت المبادئ الوطنإية إرث‬
‫راسخ لديه مع انإه كان في ريعان الشباب عنإدما فقد حياته‪...‬؟؟‬
‫إن هذا الطراء كنإت غالبا ما أسمعه يتردد من قبل كبار السن‬
‫المتقاعدين من عسكريين ومدنإيين وكان حجي خليل أكثرهم عشق ا في‬
‫ذكره‪...‬‬

‫‪28‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫انإطباعات عن الشخصية البغدادية‬


‫الواقعية هي استجلء الجوهر النإسانإي لدى النإسان ليصبح عرفا‬
‫وهو ما استقر في النإفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول‬
‫وهذا ما بدت عليه الشخصية النإسانإية للفرد العراقي من زاوية النإسان‬
‫الجتماعي الذي يعرف ماذا يجمع ويقرب النإاس المنإتمين لمختلف‬
‫المعتقدات والمذاهب بحيث تعمل على خلق اتجاه يرتبط بقوة بالمتطلبات‬
‫النإية والحقيقية للروح النإسانإية والعقل النإسانإي وبذلكا فإن الشخصية‬
‫البغدادية تعنإي الشخصية النإسانإية النإاصعة المعبرة عن النإسان‬
‫الجتماعي بما تحمله من تيار المودة‪...‬‬
‫إن سمات وملمح هذه الشخصية انإعكست وفق امتزاج القوميات‬
‫المختلفة واللهجات المتعددة للمحافظات العراقية لقرون عديدة حيث ظهرت‬
‫اللهجة البغدادية المألوفة من خلل التعايش والختلط وبذلكا نإلحظ بأن‬
‫من عاش في بغداد وهو من المحافظات أصبح يتكلم باللهجة البغدادية التي‬
‫كانإت من ملمحها البساطة والخلق والحترام المتبادل والكرم وحسن‬
‫الضيافة إلى حد تقديم المساعدة أو التبرع بها لمن يحتاجها إضافة إلى ما‬
‫تحمله من نإخوة وشجاعة وصراحة متبادلة مفعمة باللطف واللياقة الدبية‪،‬‬
‫وقد تنإاقلت تلكا العادات بين الكثير ممن قضى سنإين عمره في بغداد‬
‫بالكتساب وعلى مراحل عقود الزمن والمتغيرات التي عاشها العراق بقسوتها‬
‫وهدوئها كان من يوصف بالشخصية البغدادية يحمل معظم الصفات النإفة‬
‫إن لم يكن جميعها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫إن البغددة تولد عنإدكا الحساس بأنإكا تتعامل مع النإاس على انإهم‬
‫أخوة لكا بكل ما تعنإيه مقاييس الخوة من التزامات خلقية وبذلكا فقد كانإت‬
‫النإهكة البغدادية ملزمة للشارع والطرف من خلل مشاعية التعامل بها‪.‬‬
‫وكنإا غالبا ما نإسمع لدى بعض الشعوب العربية عنإد التحاور وخاصة‬
‫لدى شعبنإا العربي في مصر بقولهم "ايه ده انإت بتبغدد" وتعنإي التأنإق‬
‫والكياسة والحديث بجدية ملتزمة بحدود الدب واللياقة واللطف‪...‬‬
‫ولعل اخوانإنإا المصريين الذين انإتدبوا للعمل في العراق من قبل‬
‫الحكومة العراقية في حقل التعليم لعدة سنإين في بغداد منإذ عام ‪1930‬‬
‫كانإت لهم رؤية خاصة عن الحياة البغدادية ولعل كتابات الديب الراحل زكي‬
‫مباركا خير شاهد عليها‪ ،‬إضافة إلى مجيء أشهر الفنإانإين المصريين‬
‫لحياء حفلت طرب في بغداد حيث زارها المطرب محمد عبد الوهاب وكوكب‬
‫الشرق أم كلثوم وآخرين غيرهم على مدى السنإين اللحقة وكان هذا دليلا‬
‫على المستوى الحضاري الذي وصلت إليه بغداد التي كانإت وما زالت رغم‬
‫المحن والفتنإان بالصعوبات سوف تنإهض شاخصة بأصالتها‪...‬‬

‫العراف البغدادية‪ ...‬وعلقتها بمفهوم القوة لدى الكاتب الكبير العقاد‬


‫لقد كان للحياة البغدادية أعرافها الخلقية التي كان ينإبوعها التمازج‬
‫البشري الذي تقبل وبكل رحابة أن يتعايش ضمن نإطاق الجوانإب اليجابية‬

‫‪30‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المتمثلة بالسلوكا الرحب الذي يغلب عليه طابع التعاطف السليم الخالي من‬
‫العدوانإية ولعل ما ورد على لسان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الذي‬
‫هو أصلا كردي من شمال العراق هاجر أهله إلى مصر قبل أكثر من مائة‬
‫وخمسين عاما وكان فخو ار بعراقيته معت از بانإتمائه لعروبة مصر حيث أصبح‬
‫هذا الكاتب بالرغم من عدم حصوله حتى على شهادة الدراسة البتدائية من‬
‫أرقى المثقفين والدباء في مصر نإتيجة سعة اطلعه وثقافته الفطرية ولعل‬
‫إصداراته المختلفة لمختلف فنإون الثقافة والدب والدين ما زالت شاهدا حيا‬
‫على عبقريته‪ ،‬ولكن الذي جلب انإتباهي ما ورد على لسانإه بما يتعلق‬
‫بالجوانإب النإسانإية لشذور القوة والتي أطلقها في صالونإه المتعارف عليه‬
‫بـ"صالون العقاد" ذلكا المنإتدى الدبي في داره الواقعة بقلب القاهرة حيث‬
‫وجدت بما طرحه له علقة بطريقة أو بأخرى بالسلوكا الذي اتصفت به‬
‫الشخصية البغدادية وأود أن أبين ذلكا استنإادا إلى رؤية الكاتب الكبير في‬
‫حينإه فيما يتعلق بالجوانإب النإسانإية للقوة لدى النإسان حيث أوجزها‬
‫بمفردات وكما جاد بها فكر العقاد وهي‪:‬‬
‫القوة هي الفضيلة "إذا كانإت الحياة هي الصراع بين القوي والضعيف فإن‬
‫النإسان يفضل القوة ويحرص على المزيد منإها والنإاس يحتقرون الضعيف‬
‫ويكرهون الضعف"‪.‬‬
‫الصبر قوة "لن النإسان الصابر هو الذي يتغلب على الصعوبات التي‬
‫ينإحنإي أمامها غيره من النإاس"‪.‬‬
‫الرحمة قوة "لنإها لتجيء إل من انإسان قوي فالقوي هو الذي يرحم غيره‬
‫من الضعفاء"‬

‫‪31‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الكرم قوة "لن النإسان الكريم هو الذي يعطي ما عنإده للخرين دون أن‬
‫يمن عليهم"‪.‬‬
‫القنإاعة قوة "لنإها تدل على ان النإسان قادر على أن يمسكا نإفسه‬
‫ويستغنإي بما لديه عما لدى النإاس"‪.‬‬
‫التواضع قوة "لن النإسان المتواضع هو الذي يشعر أن مكانإته قوية وانإه‬
‫قوي بنإفسه وانإه ليس في حاجة إلى أن يظهر ذلكا للنإاس"‪.‬‬
‫العفو قوة "لنإه دليل على قدرة النإسان في مواجهة إساءة النإاس كأنإها ل‬
‫شيء"‪.‬‬
‫العفة قوة "لن النإسان العفيف قادر على أن يمسكا نإفسه عما لدى‬
‫الخرين"‪.‬‬
‫الحلم قوة "لن النإسان الحليم ليغضبه أن يتطاول النإاس عليه ويرى ان‬
‫الغضب ضعف"‪.‬‬
‫الحياء قوة "لن الحياء يحمي النإسان من أن يبتذل ويترخص ويكون‬
‫مستهانإا به من الخرين"‪.‬‬
‫العدل قوة "لن العدل معنإاه المساواة بين القوي الذي يخافه النإاس‬
‫والضعيف الذي يخاف النإاس"‪.‬‬
‫الصدق قوة "النإسان ليحتاج إلى أن يخفي الحقيقة كالكاذب الذي يخشى‬
‫النإاس"‪.‬‬
‫الزهد قوة "لن النإسان الزاهد هو الذي يرفض ما يجده ول يمد يده إلى ما‬
‫في استطاعته أن يأكله أو يشربه أو يتمتع به بل أن احترام ضعف الخرين‬

‫‪32‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫قوة لن احترام الضعيف مثل احترام القوياء لن احترام الضعفاء معنإاه انإنإا‬
‫لنإحترمهم خوفا منإهم ولكن نإحترمهم تقدي ار لحالتهم التي ل دخل لهم فيها"‪.‬‬

‫وبعد استعراضه لشذور القوة يرى العقاد بأن "الرذيلة" هي الضعف‬


‫لن معنإاها أن النإسان يختصر الطريق إلى ما يريد وذلكا عن طريق الكذب‬
‫أو السرقة أو الخداع‪...‬‬
‫ومع كل ذلكا كان يرى العقاد بأن الحروب هي امتحان لمعدن الرجال‬
‫والذي يكون رجلا في الحرب هو الذي يكون رجلا في السلم‪.‬‬
‫ولعل الحياة البغدادية على من عايشها قبل عقود خلت كانإت غنإية‬
‫بمعظم تلكا المفاهيم قبل أن تنإطلق من صالون العقاد وهي التي كانإت مسار‬
‫الشخصية البغدادية بحدود التزامها النإسبي والتي كان تأثيرها واضحا بالرغم‬
‫من العاصير التي مرت على العراق‪...‬؟؟؟‬

‫‪33‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سياحة في شارع الرشيد‪ ...‬العراق والبنإاء الحضاري أيام الزمن الجميل‬


‫شهد العراق بعد تأسيس الدولة العراقية وقيام النإظام الملكي الهاشمي‬
‫بالحكم بحضور المغفور له الملكا فيصل الول حيث بدأ التخطيط والتنإفيذ‬
‫على مراحل متتالية وحسبما جادت به الظروف رغم المكانإيات المادية‬
‫المحدودة فقد استطاع العراق بنإاء نإفسه حيث شيدت المعالم الحضارية من‬
‫شوارع وسدود وجسور ومبانإي وفنإادق درجة أولى خلل الحكم الملكي في‬
‫العراق وقد أصبح شارع الرشيد مرك از سياحيا يمتد من الباب الشرقي إلى‬
‫باب المعظم نإرى دور السينإما الفخمة من مجمع سينإما روكسي حيث يضم‬
‫ثلث سينإمات واحدة منإها صيفية وكازينإو فخمة تمارس فيها لعبة الروليت‬
‫ثم يلي هذا المجمع أسواق )حسو أخوان( وهي بنإاية كبيرة تضم مختلف‬
‫السلع الستهلكية وأشبه بالمولت الحالية ثم يليها أسواق سبنإسر لبيع‬
‫الجبان الجنإبية الطازجة وتسلم منإتجاتها إلى المستهلكين في دورهم بعد‬
‫اشتراكهم لدى السوق الذي كان يستلم الجبان جوا من مختلف القطار‬
‫الوربية وبعدها نإصل إلى فنإادق الدرجة الولى على ضفاف دجلة فنإدق‬
‫)تايكرس بالس( ثم بجواره فنإدق )السنإدباد( يقابله على الطرف اليمن‬
‫فنإدق آخر هو )ريجنإت بالس( وجميعها هدمت عنإد بنإاء مشروع جسر‬
‫السنإكا الحالي‪.‬‬
‫وبعد هذه الفنإادق الفخمة تم افتتاح أشهر مقهى سويسرية تقدم‬
‫القهوة السويسرية الشهيرة والحلويات وتتسم بالهدوء التام وكأنإكا عنإد‬
‫ارتيادكا لها تشعر بأنإكا في سويس ار فعلا وسميت )بسويس بوفيه( ثم تليها‬
‫سينإما الزوراء وسينإما برودواي تقابلها سينإما الوطنإي حيث يركن خلفها‬

‫‪34‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مطعما هنإديا شهي ار يديره هنإود يقدم أشهر المأكولت الهنإدية أما بعد سينإما‬
‫برودواي تليها بنإاية شركة أورزدي باكا الشهيرة والتي أصبحت فيما بعد‬
‫بالسواق المركزية جاورها أرقى مطعم عراقي يقدم المأكولت العراقية هو‬
‫مطعم عمو الياس الذي يقابله من الجهة الثانإية محل أنإيق يدعى محل‬
‫)صادق محقق( الذي اشتهر ببيع الكماليات الجنإبية ومنإها الحذية‬
‫اللبنإانإية والسويسرية واليطالية كان سعر الحذاء حتى بداية الستينإيات‬
‫ليتجاوز الخمسة دنإانإير ثم يليه محل يحتل الركن اليمن لساحة القاضي‬
‫وهو )الهادي( الذي اشتهر ببيع أقلم حبر الباركر البانإدان والساعات‬
‫السويسرية‪ .‬كان يتوسط ساحة حافظ القاضي حديقة رائعة مليئة بالورود‬
‫والزهار يلي بعدها محل أرشاكا المصور يجاوره مطعم شريف حداد )مطعن‬
‫ومشروبات( ثم مصور بابل لنإتجه على نإفس التجاه لنإصل إلى عمارة )بيت‬
‫لنإج( وهي لشركة أجنإبية إنإكليزية شيدت في العشرينإيات وأسفلها أروع‬
‫مكتبة لبيع الكتب النإكليزية التعليمية والدبية فقط هي مكتبة )مكنإزي( ثم‬
‫يليها محلت لبيع الكماليات منإها محل لحد آل كنإو اشتهر ببيع ثياب ماركة‬
‫)آرو( الشهيرة وقبله خياطة أحمد خماس يقابلها خياطة عز ار قحطان‬
‫نإواصل المسير بعدها في هذا الشارع الرائع لنإصل إلى كازينإو اكسبريس‬
‫فلسطين لبيع الدونإدرمة صيفا والحلويات الحلبية في الشتاء وكانإت ذات‬
‫طابقين أحدهما خاص للعوائل وبجانإب هذه الكازينإو نإجد محل لبيع العنإبة‬
‫الهنإدية المستوردة بالبراميل ومن أجود النإواع والبيع بالوزن سميت باسم‬
‫صاحبها "صمد أبو العنإبة" ثم نإصل إلى صالة سينإما من أروع ما شليد لطراز‬
‫البنإاء المعماري وهي سينإما الحمراء التي اشتهرت بعرض الفلم العربية ثم‬

‫‪35‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫نإصل إلى بنإاية البنإكا المركزي العراقي التي تم بنإاؤها من خلل مشاريع‬
‫مجلس العمار في العهد الملكي وتم تنإفيذها من قبل شركة )فيليب‬
‫هولزمن( وكانإت من أروع وأفخم البنإية المصرفية في الشرق الوسط في‬
‫حينإها ويليها بنإاية عملقة لمصرف الرافدين يقابلها جامع مرجان وسوق‬
‫الشورجة وكان يجاور بنإاية الرافدين شارع البنإوكا لتواجد أبنإية لبنإوكا أجنإبية‬
‫الذي كان ينإتهي ببداية سوق على امتداد دجلة ولحد حافظ القاضي اشتهر‬
‫ببيع الملبس النإسائية المتنإوعة عرف بسوق شارع النإهر‪...‬‬
‫ونإحن في شارع الرشيد ضمن مسيرتنإا نإصل إلى محلة باب لغا‬
‫وفيها سوق الصفافير الشهير ثم نإواصل سيرنإا كي نإصل إلى سينإما صيفية‬
‫هي سينإما القاهرة في ركن ساحة المين والتي أصبحت حاليا بنإاية‬
‫الرصافي ويقابل السينإما مقهى واسعة ضمن المحيط النإصفي لساحة المين‬
‫وكانإت صيفية وشتوية هي مقهى أحمد فتاح‪.‬‬
‫كانإت ساحة المين معلما سياحيا رائعا لتوسطها شارع المين الذي‬
‫يتجه نإحو الجسر القديم الذي يضم بنإاية المتحف العراقي‪ ،‬أما محيط‬
‫الساحة فقد كان بالضافة إلى السينإما والمقهى كان المحيط النإصفي الخر‬
‫يضم موقفا لسيارات باص المانإة رقم ‪ 4‬الذي يصل إلى القصر البيض‬
‫ورقم ‪ 15‬الذي يصل إلى كرادة مريم يواجهها كازينإو سورية صاحبها مقيم‬
‫في بغداد حيث تزهو بنإظافتها وبما تقدمه صيفا للزبائن من أروع وألذ‬
‫الدونإدرمة السورية )العلوجة( وفي الشتاء كان يقدم الحلويات السورية‪،‬‬
‫وعنإد سيرنإا ضمن محيط الساحة وبعد الكازينإو يواجهنإا زقاق بدرجات وعنإد‬
‫نإزولنإا الدرج بعد عشرين مت ار نإجد بنإاية لدار كبيرة جدا تضم ساحة واسعة‬

‫‪36‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وعدد كبير من الغرف تم إشغالها صفوف للطالبات حيث كانإت العدادية‬


‫المركزية للبنإات أرقى ثانإوية في بغداد تعتبر متميزة يرتادها الطالبات من‬
‫منإاطق بغداد القريبة والبعيدة‪ ،‬أما الطرف الخر لساحة المين تطل عليه‬
‫عمارة سامي سعد الدين تضم عيادات طبية متخصصة وبنإاؤها بشكل نإصف‬
‫دائري‪.‬‬
‫وبعد أن نإجتاز ساحة المين نإصل على الجانإب اليسر لبنإاية راقية‬
‫جدا وهي بنإاية المصرف اللبنإانإي المتحد في واجهتها قيصرية يشغلها‬
‫المرحوم الحلق الرمنإي بوغوص وابنإه كازبر ويتبع البنإاية محل المرحوم‬
‫صادق الشكرجي الراقي لبيع مختلف أنإواع الحلويات والخاصة منإها بكؤوس‬
‫المهور والعراس وكثي ار ما كنإت أرى صاحبها متأنإقا أنإاقة تليق بمكانإة‬
‫محله ويجاوره محل السيد الصنإدوق لبيع التبوغ الخاصة بالسيكاير نإصل‬
‫بعدها إلى بنإاية سوق المانإة لل عريم ثم محل حلويات المرحوم عبود‬
‫الصفار الذي كان إنإتاجه من الحلويات من الجودة في العداد حيث يشرف‬
‫عليها بنإفسه عنإد إعدادها‪ .‬نإصل إلى محل آل كنإو الشهيرة التي كانإت‬
‫مساحتها بعمق ‪ 15‬مت ار تعرض فيها أنإواع الفواكه العراقية والمستوردة‬
‫يديرها المرحوم سلمان كنإو وأخيه ارزوقي كنإو كان منإظر المحل يزهو‬
‫بروائح الفواكه‪ ...‬ثم نإصل إلى صيدلية كاكا لصاحبها غانإم الصيدلي وهو‬
‫إنإسان ذو أخلق عالية ورفيعة جدا هادئ الطبع ينإصح المراجع قبل بيعه‬
‫الدواء إذا كان بدون وصفة طبية ويجاور الصيدلية بركنإها اليسر محل‬
‫مروكي لبيع العرق‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أما الجهة اليمنإى بعد ساحة المين المطلة على شارع الرشيد أيضا‬
‫نإصل أولا إلى محل لصنإاعة الحذية وهو محل دجلة يجاوره محل حلقة‬
‫محمد الحلق ثم نإسير لنإصل إلى محل شهوبي لبيع تشريب الباقلء مع‬
‫بيض العرب والدهن الحر والطرشي الخاص به وذلكا لفطار الصباح وكنإت‬
‫أرى أعدادا من الفراد ينإتظرون دورهم في الشراء إضافة إلى أفراد‬
‫الشرطة‪...‬‬
‫وفي ركن المجاور كان المرحوم محمد علي اشتهر ببيع شربت‬
‫الزبيب مع الجبن البيض بجواره محل حلقة المرحوم جمعة ثم يليه بعدها‬
‫بأمتار قليلة محل لرجل كبير يبيع الخمور يليه محل حاج هادي لبيع الفواكه‬
‫ثم محل الحاج حسين البصام لبيع الفواكه والقيمر صباحا والمجاور لمقهى‬
‫خليل المواجهة لمدخل شارع المتنإبي يقابلها صيدلية كاكا يسا ار وصيدلية‬
‫المراد يمينإا بجوار تسجيلت جقمقاجي وفنإدقي العيان والعلمين تم أحذية‬
‫باتا الشهيرة بجانإبها دربونإة مغلقة تابعة لمحلة العاقولية ثم دربونإة‬
‫الخشالت بجوار جامع الحيدرخانإة الشهير الذي شهد الكثير من التجمعات‬
‫السياسية والوطنإية نإظ ار لقدمه ومساحته الواسعة يقابله مقهى البرلمان‬
‫بجوار الزقاق المؤدي إلى أزقة جديدة حسن باشا‪ ...‬ثم مطعم الشمس‬
‫المشهور بأكلته البغدادية ثم يلي محل السيد العامري المشهور ببيع‬
‫السيكاير والتبوغ الجنإبية بانإواعها ثم مقهى حسن عجمي ومحل حاج زبالة‬
‫لبيع شربت الزبيب يقابله محل كعكا السيد المشهور‪.‬‬
‫ثم نإصل إلى المصور الهلي الذي اشتهر كونإه مصور العائلة‬
‫المالكة بجواره مقهى الزهاوي ويقابله مقهى عارف آغا‪...‬‬

‫‪38‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بعد هذه الجولة السياحية نإصل إلى سوق الهرج المواجه لساحة‬
‫الميدان التي كانإت محطة لوقوف وانإطلق مختلف خطوط باصات مصلحة‬
‫نإقل الركاب إلى منإاطق بغداد المختلفة وكنإت أرى لوحات زجاجية كبيرة‬
‫سجلت عليها أوقات انإطلق الباصات كل حسب اتجاهها حيث كان تنإظيمها‬
‫بشكل حضاري أسوة بدول العالم المتقدم لما للنإقل العمومي من أهمية‬
‫حيوية لحياة المواطنإين‪.‬‬
‫قبل أن نإصل في مسيرنإا وزارة الدفاع توجد نإصف ساحة مدورة يطل‬
‫عليها جامع قديم بطراز بنإائه هو جامع حسن أفنإدي وكان موقف باص رقم‬
‫)‪ (5‬المتجه إلى الصليخ وكذلكا باص آخر يتجه نإحو العيواضية وآخر يتجه‬
‫نإحو العظمية وفي ركن هذه الساحة كانإت مقهى البلدية واسعة وكبيرة جدا‬
‫ويبدو انإها كانإت قبل عقود مسرح أو ملهى وعموما أصبحت مقهى يرتادها‬
‫الطلبة للمطالعة‪ .‬أما الطرف الخر المواجه لمقهى البلدية كانإت بنإاية‬
‫المدرسة المأمونإية البتدائية والتي سبق وتم تشييدها في العشرينإيات ثم‬
‫تحولت إلى بنإاية شغلت من قبل مديرية معارف بغداد بعد ‪ 14‬تموز ‪1958‬‬
‫لحين هدمها وتشييد محلها بنإاية مديرية إسالة الماء والتي هدمت أيضا‬
‫وألحقت بوزارة الدفاع‪.‬‬
‫نإصل بعد هذه الجولة إلى ساحة باب المعظم والتي يطل عليها جامع‬
‫الزبكا الملصق لوزارة الدفاع وبجواره بنإاء يمتد بعمق كي يصل بامتداده‬
‫إلى حديقة غازي الواقعة قرب شاطئ دجلة وقد ضم هذا المتداد المعماري‬
‫قاعة الملكا فيصل الثانإي المطلة على ساحة باب المعظم ويبدو انإها البنإاية‬
‫الوحيدة التي مازالت قائمة لحد الن أما بهو أمانإة العاصمة الذي كان‬

‫‪39‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫يشغل المتداد الذي ذكرته كان يشمل القاعات الشتوية والصيفية والحدائق‬
‫الغلنإاء لغرض إقامة الحفلت الرسمية للدولة في فنإائها في مختلف‬
‫المنإاسبات ومن الطبيعي جدا فقد هدمت بالكامل وألحقت بوزارة الدفاع‪.‬‬
‫انإه غيض من فيض فهذه كانإت سياحة لحد أهم معالم بغداد وهو‬
‫شارع الرشيد مع ان بغداد كانإت تزخر بالشواهد الحضارية وفيها الكثير من‬
‫المرافق الحياتية وكم هي جميلة كانإت بغداد بعد الباب الشرقي وامتداد شارع‬
‫أبي نإؤاس المليء بالكازينإوهات والمقاهي على شواطئ دجلة وكيف كان‬
‫السمكا المسكوف بنإاره الملتهبة من حطبها تخلب لب السواح العرب‬
‫والجانإب ولعل هدوء وجمالية منإطقة المسبح والكرادة الشرقية وغيرها من‬
‫المنإاطق الحضارية المنإتشرة على جانإبي الكرخأ والرصافة دليل على أن‬
‫بغداد كانإت قبلة الشرق بحضارتها الحديثة وآثارها القديمة‪ ...‬أنإها كانإت‬
‫سياحة لشارع الرشيد فقط ولكن ما كنإت ترى لو كانإت سياحة لعموم بغداد‬
‫أيام الزمن الجميل‪...‬‬

‫وصـف المقهـى‬
‫تم استئجار المقهى من الوقاف العامة عام ‪ 1931‬وهي تابعة لوقف‬
‫آل الطبقجلي وكانإت مساحتها حوالي ‪800‬م مربع وقد تم إضافة ملحق لها‬
‫إضافي في عام ‪ 1953‬بحدود مائة متر مربع حيث تم توسيع المقهى‬
‫وأصبحت مساحتها الكلية مع ملحقاتها ‪ 1000‬متر مربع تقريباا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫إن إطللة المقهى بهذا العمق على واجهة شارع الرشيد وبمواجهة‬
‫شارع المتنإبي مباشرةا وهو الطريق العام الذي كان يسلكه كبار رجال الدولة‬
‫وموظفيها عنإدما كان أركان الدولة العراقية يباشرون أعمالهم في أبنإية‬
‫السراي والقشلة والمحاكم أيضاا‪ ،‬إضافة إلى موقعها في الطريق المؤدي إلى‬
‫وزارة الدفاع وقربها من محيط جامع الحيدرخانإة إواحاطتها بمجموعة من‬
‫الفنإادق والمطاعم ومكاتب المحامين والصيدليات وعيادات الطباء‬
‫الخصائيين‪ ...‬في بداية فتح المقهى كان يقدم فيها إضافة إلى الشاي‬
‫والقهوة والحامض والركيلة مشروب شعبي هو "السيفون" العراقي ماركة أبو‬
‫الدعبلة وسعره أربعة فلوس أما القهوة فكان تقديمها مجانإاا‪...‬‬
‫وفي موسم الشتاء يتم فرش قنإفات المقهى بالسجاد اليرانإي أما في‬
‫الصيف وقبل أن تصل المبردات إلى العراق ولحرارة الجو وشدتها كان يتم‬
‫الجلوس في المساء فوق سطح المقهى لغاية منإتصف الخمسينإيات‪ .‬كنإت‬
‫أشاهد مجالس الرواد اليومية التي ليتغير نإمطها حيث يجلس ومنإذ الصباح‬
‫الباكر مجموعة من كبار السن من أهالي الموصل بزيهم الشعبي متوسطين‬
‫الواجهة المامية وعنإد اخلئهم المكان قبل التاسعة صباح ا أرى مكانإهم‬
‫وبشكل دائمي السيد هاشم الخطيب واخوانإه السيد فائق والسيد طاهر الخطيب‬
‫مع زميلهم المرحوم السيد كاظم النإقيب‪.‬‬
‫أما وسط المقهى فهو جلوس المتقاعدين من عسكريين ومدنإيين ومن‬
‫هم في الخدمة وقسم من أهالي خانإقين ومنإدلي وكركوكا يلعبون الدمينإو أو‬
‫الطاولة أما الركان الخرى للمقهى فكانإت لمختلف الرواد من شرائح المجتمع‬
‫العراقي من شيوخأ العشائر ورجال الدين من كربلء والنإجف الذين لتفوتهم‬

‫‪41‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫زيارة حجي خليل عنإد مجيئهم إلى بغداد وكان أهالي المحافظات يقطنإون في‬
‫الفنإادق المحيطة بالمقهى ومنإها فنإدق العلمين وفنإدق العيان وغيرها‪..‬‬
‫أما الموقع المتميز كان قرب حجي خليل حيث كان معظم أصدقائه من‬
‫العسكريين وغيرهم يستمتعون بالجلوس قربه بجانإب )الدخل( كان حضورهم‬
‫دائمي حيث يلتقي الحبة والصدقاء للتحاور وقضاء الوقت الجميل بأقل كلفة‬
‫ممكنإة كما في المساء تم فتح محل في سلم المقهى لبيع المشويات من تكة‬
‫ومعلكا وغالبا ما كنإت أجلس أنإا ومن يقوم بزيارتي إلى المقهى بالجلوس‬
‫على واجهة الشارع وتنإاول العشاء وقضاء أمسية جميلة مع زملء الدراسة‬
‫الثانإوية والجامعية‪...‬‬
‫وكان أمام المقهى مباشرةا صنإدوق بريدي دائري أحمر اللون وغالب ا ما‬
‫يستنإد عليه العسكريون عنإد وقوفهم أمام المقهى‪.‬‬
‫أما إيجار المقهى كان منإاسبا ويتلءم مع المصاريف والهدر غير‬
‫المبرر لها حيث لم تكن قطع ا مقهى تجاري بل كانإت أشبه بـ)الدويخانإة( حيث‬
‫هي الملذ المن والمكان الملئم لمن ل سكن له في بعض الحيان وببساطة‬
‫بأخذ موافقة صاحب المقهى على المبيت مجانإاا‪...‬‬
‫سكان محيط المقهى‪ ...‬الخشالت والدوريين وآخرون‬
‫يبدو بأن المتغيرات كانإت كثيرة عبر خمسة عقود من تأريخ افتتاح‬
‫المقهى عام ‪ 1931‬ولكنإنإي أتحدث عن معايشتي الحياتية للمنإطقة وما‬
‫رأيته فيها ومختلف الحداث في شارع الرشيد من بداية الخمسينإيات‪.‬‬
‫وفي لقاء لي مع الوجيه البغدادي محمد كاظم الخشالي "صاحب‬
‫مقهى الشابنإدر" في شارع المتنإبي الذي أسعفنإي بمعلومات غنإية لما يمتلكه‬

‫‪42‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫من ذاكرة قوية حيث كان سؤالي "لماذا سكن أهالي الخشالت وهم من‬
‫عشائر الكروية في ديالى المنإطقة المحيطة بالمقهى حيث أحاطنإي علما‬
‫بأن والي بغداد العثمانإي استعان بالخشالت من الكروية قبل ‪ 150‬عاما‬
‫من أجل تحصين المنإطقة المحيطة بخلف السراي أمنإيا عنإدما كان المقر‬
‫الرئيسي للسلطة والحكم في أبنإية السراي وقسم كبير منإهم يسكنإون في‬
‫جديدة حسن باشا‪ ،‬وذلكا لما كانإت تتمتع وتوصف به الكروية من صلبة‬
‫وخشونإة في التصدي والمجابهة وكانإت تلكا بداية استقرار الخشالت في‬
‫أزقة محلة العاقولية بجهتي شارع الرشيد وجوار جامع الحيدرخانإة‪.‬‬
‫لقد توطدت العلقة بين حجي خليل وأهالي المنإطقة من الخشالت‬
‫والدوريين وغيرهم منإذ العام ‪ 1932‬حيث تأطرت تلكا العلقة الخوية‬
‫واستمرت لعقود كنإت من عايشها حيث كانإت المقهى "مقهى الطرف" وهم‬
‫روادها الدائميين وكذلكا أبنإائهم بالتوالي من بعدهم إضافة إلى من سكن‬
‫المنإطقة من الدوريين الذين نإزحوا من منإطقة الدور وكانإوا جميعا أهلا‬
‫للمقهى وصاحبها إضافة إلى بقية سكان العاقولية والحيدرخانإة وجديدة‬
‫حسن باشا وشارع المتنإبي‪ ،‬ومع أن شارع الرشيد الذي كان يتوسط محيط‬
‫المنإطقة كان تجاريا حيث كثرة المطاعم والفنإادق ومختلف المحلت‬
‫التجارية والصيدليات ومكاتب المحامين وغيرها‪ ،‬وهكذا كان عموم سكان‬
‫المنإطقة يشكلون بأهاليهم مزيجا بشريا عراقيا تبلور من خلله العنإصر‬
‫البغدادي بتقاليده وموروثاته وأعرافه الخاصة‪...‬‬
‫وفي منإتصف الستينإيات أخذ معظم أهالي القرية المحيطة بالمقهى‬
‫تركا السكن فيها والستقرار في منإاطق بغداد الحديثة العامرة بالبنإاء العصري‬

‫‪43‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫حتى ان حجي خليل تركا السكن في زقاق العاقولية المجاور للمقهى ليسكن‬
‫حي الوزيرية مقابل أكاديمية الفنإون الجميلة والتي كانإت سابقا في‬
‫الثلثينإيات دار سكن لنإوري السعيد ثم انإتقل منإها لتكون دار السفارة‬
‫المصرية لحين إشغالها من قبل الكاديمية‪ ،‬وقد انإتقل إلى تلكا الدار في‬
‫بداية عام ‪.1964‬‬
‫أما بالنإسبة لطراز البنإاء الشرقي القديم والذي ما زال يشكل حسرة‬
‫لخسارته لدى الجميع بما يحمله من طابع معماري أنإيق يتلءم مع جو‬
‫العراق والدور كان بنإاؤها مفتوحا وبتصاميم رائعة حتى ان معظمها كان‬
‫بنإاؤها يزخر بالريازة الزجاجية الملونإة التي تمل سقوف الغرف وخاصة‬
‫الستقبال منإها مع ان تركا السكن فيها كان بسبب قدم البنإاء في الزقة‬
‫وتوزيع الراضي الخاصة بالسكن من قبل الدولة مع ان الذين لديهم إمكانإية‬
‫مادية ترعرت لديهم الرغبة في تبديل سكنإهم واللتجاء نإحو البنإاء‬
‫الحديث‪...‬‬
‫خاطرة‪ ...‬العلقة والتعاطف مع النإظام الملكي‬
‫كانإت زيارات المغفور له الملكا فيصل الول لطلبة دار المعلمين‬
‫البتدائية في الكرخأ ثم العظمية بعد انإتقالها هي بداية المعرفة بين "خليل"‬
‫متعهد حانإوت الدار حيث انإبهر بشخصية جللة الملكا وبسمو خلقه تاركا‬
‫لديه انإطباعا روحيا يعتز به وقد امتدت تلكا العلقة عنإد تعارفه بالمرحوم‬
‫الملكا غازي بواسطة العقيد الطيار المرحوم محمد علي جواد )ابن عمة عبد‬
‫الكريم قاسم( والذي كان في الثلثينإيات الطيار الخاص للملكا ثم أصبح‬
‫قائدا للقوة الجوية بعد انإقلب بكر صدقي ‪ 1936‬لن محمد علي جواد من‬

‫‪44‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الصدقاء المقربين إلى "خليل" ومن سكنإة محلة قنإبر علي فهو ابن طرف‬
‫ويبدو أن لقاءهما في ليالي بغداد وأجوائها الرائعة في تلكا الفترة الزمنإية‬
‫كانإت مبعثا لذكر محمد علي جواد أمام الملكا غازي سجالت وأحاديث خليل‬
‫البغدادية المحببة مما دفع الملكا غازي في منإتصف أحد الليالي بزيارة‬
‫صاحب المقهى وجلس بجانإبه بعد أن أركن سيارته أمام المقهى وهذا ما‬
‫سمعته من الحجي ودار بينإهم الحديث عن أمور الحياة وفجأة اكتض أهالي‬
‫بغداد دون سبق إشارة لتحية الملكا مما دفعه إلى إنإهاء الزيارة وسط جمهرة‬
‫الهالي‪ ...‬وقد ط أر سمعي حول قيام المرحومة الملكة عالية باليعاز إلى‬
‫مسؤولي المزرعة الملكية بإرسال فائض لوارد المزرعة من اللبان والحليب‬
‫محملة بسيارة بيكاب إلى المقهى ليتم توزيعها على الفقراء المعوزين‬
‫بمعرفته‪ .‬وقد استمرت العلقة بل وتعززت أكثر بعد سفر السطة خليل إلى‬
‫فلسطين عام ‪ 1948‬لتوزيع المواد الغذائية من التبرعات على قطعات‬
‫الجيش العراقي المتواجدة في الجبهة ولقائه في عمان بالوصي على العرش‬
‫عبد الله الذي رأى فيما قام به السطة خليل عملا يستحق التقدير‪.‬‬
‫ثم استمر اللقاء أثنإاء حضور الملكا والوصي ساحة الكشافة‬
‫لمشاهدة مباريات كرة القدم لفريق الحرس الملكي أو استعراض الجيش‬
‫السنإوي‪.‬‬
‫وقد استثمر السطة خليل والذي أصبحت كنإيته بعد ذهابه لحج بيت‬
‫ال الحرام عام ‪ 1954‬بـ)حجي خليل( حيث كان يقوم بقضاء حاجة من‬
‫يلوذون به لمساعدتهم حيث كان غالبا ما كان يحمل عريضة صاحب أو‬
‫أصحاب الحاجة وقد يكون مفصول سياسي أو لغرض التعيين في وظيفة ما‬

‫‪45‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وكان حجي خليل يقوم بانإتظار سعادة الوصي عنإد مروره بسيارته للدخول‬
‫إلى البلط الملكي كي يقوم بتحيته ثم تسليمه الطلب برجاء بغدادي وكان‬
‫الوصي يأمر السائق بالتوقف عنإد رؤية الحجي بزيه البغدادي وجراويته‬
‫المعهودة مع عباءته الجوخأ‪...‬‬
‫وقد سمعت من الحجي بأن الوصي عبد الله كان ليرد له طلبا‬
‫يتعلق بمصالح النإاس وبرزقهم حيث كانإت لديه الدراية بأنإه يسعى إلى عمل‬
‫الخير بدون منإفعة أو أي مصلحة شخصية على الطلق‪...‬‬
‫يمكن القول بأن الروح البغدادية التي كان يتمتع بها حجي خليل‬
‫وسعة معرفته بالخرين وكان ملكي الهوى ويكن لركان النإظام الملكي كل‬
‫حب وتقدير حتى أن كثي ار ما كان رواد المقهى من العسكريين يمازحونإه بأنإه‬
‫من أنإصار العهد الملكي خصوصا أثنإاء مرور موكب الوصي أو الملكا في‬
‫شارع الرشيد أمام المقهى وقيامه برد التحية العسكرية لهم‪...‬‬
‫وقد شاهدته لول مرة في حياتي صبيحة ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬دامع‬
‫العينإين واللم والحزن والحسرة بادية عليه لقاء ما تعرضت له العائلة‬
‫المالكة من كارثة في ذلكا اليوم الكئيب‪...‬‬
‫لقد كان لمعاصرة خليل في صباه وشبابه المآسي والتخلف السائد في‬
‫عموم الحياة العامة قبل تأسيس الدولة العراقية ‪ 1921‬وما جرى بعد‬
‫تأسيس الجيش العراقي والعمل على بنإاء دولة المؤسسات في ظل النإظام‬
‫الملكي دافعا قويا لنإبهار شخصيته بجدوى هذا التحول في حقول التعليم‬
‫وتطوير الزراعة والصنإاعة والتجارة بالعتماد على رجال دولة كان يرى فيهم‬
‫الجدارة والقابلية على تغيير واقع سبق له معايشته نإحو الحسن سيما وان‬

‫‪46‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫التطور بات باديا للعيان وبالرغم من أنإه كان إنإسانإا أميا إل أنإه كان لديه‬
‫الوعي والفطنإة إن ما وصل إليه وتحقق في العهد الملكي مثار تقدير‬
‫إواعجاب إوان الحداث المتتالية بعد سقوط ذلكا العهد كانإت صراعات دموية‬
‫محزنإة‪...‬؟؟‬

‫الشاعر محمد مهدي الجواهري في جامع الحيدرخانإة كانإون ‪1948‬‬


‫لقد كان اليثار في التمازج بالمشاعر تجاه الحداث المؤلمة هي من‬
‫سمات العلقات البغدادية‪ ،‬وقد روى لي الستاذ إسحاق الجواهري وهو ابن‬
‫ل‪:‬‬
‫عم الشاعر محمد مهدي الجواهري الموقف التالي حيث استطرد قائ ا‬
‫كان الشاعر محمد مهدي الجواهري لديه صحيفة "الرأي العام" وقد‬
‫سبق له واستأج ار دا ار في زقاق الخشالت المجاور للمقهى قرب جامع‬
‫الحيدرخانإة ليكون مق ار لدارة الصحيفة العائدة له‪...‬‬
‫وعنإد استشهاد أخيه جعفر في وثبة كانإون ‪ 1948‬أثنإاء التظاهرة‬
‫الجماهيرية ضد معاهدة بورتسموث وكان استشهاده على الجسر العتيق‬
‫الذي سمي بعد ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬بجسر الشهداء‪ .‬ونإظ ار لما تتطلبه أواصر‬
‫الجيرة عنإد البغادة أثنإاء المصاب الليم فقد قام السطة خليل بتزويد الحفل‬

‫‪47‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫التأبينإي بكل ما يحتاجه من لوازم ومتطلبات وقد أنإشد الشاعر الجواهري‬


‫مرثيته عن أخيه جعفر في جمع ضم أعدادا غفيرة من الجماهير التي جاءت‬
‫لتقديم واجب العزاء لهل الشهيد وكانإت أشبه بتظاهرة جماهيرية‪...‬‬
‫إنإها صورة من صور التعاطف البغدادي التي نإفتقدها هذه اليام‪...‬‬
‫وقد قدم الشاعر الجواهري شكره وتقديره للسطة خليل لموقفه النإبيل‪...‬‬

‫السطة خليل في فلسطين عام ‪1948‬‬


‫سبق لمجلة أمانإة العاصمة في عددها التاسع عشر لعام ‪ 1979‬أن‬
‫أجرت مقابلة ولقاء مع حجي خليل بوصفه شيخ من شيوخأ المقاهي‬
‫البغدادية سيما وان تلكا المجلة كانإت حريصة في طرح كل مايتعلق بالتراث‬
‫البغدادي وكانإت ضمن المحاورة عن حرب فلسطين عام ‪ 1948‬حيث أردف‬
‫ل‪:‬‬
‫الحجي قائ ا‬
‫عنإدما كان معظم رواد المقهى وأصدقائي المقربين من ضباط الجيش‬
‫العراقي الذين تم إرسالهم إلى فلسطين للمشاركة في حرب التحرير ضد‬
‫الصهاينإة وبعد وصول النإباء عن دخول الجيش العراقي الحرب بقيادتين‬
‫موحدتين مع الجيش الردنإي حيث كان في ذلكا الوقت مقر القيادة الردنإية‬
‫في عمان والقيادة العراقية في أربد حيث دخل المرحوم )عمر علي( مع‬
‫القوات العراقية الرض المحتلة وكانإت القيادة المشتركة بيد الفريق نإور‬
‫الدين محمود في نإابلس وعنإد وصول نإبأ النإتصار الذي حققته القوات‬

‫‪48‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫العراقية إلى بغداد عمت الفرحة بغداد ونإحرت الذبائح وعلت الزغاريد‬
‫وصفقت اليادي والهتاف والهازيج‪.‬‬
‫في حينإها قمت مع بعض الخوة الصدقاء منإهم المرحوم إبراهيم‬
‫شنإدل الملقب )إبراهيم إطفائية( والحاج سلوم والتقينإا في دار شفيق نإوري‬
‫المحامي وقررنإا جمع التبرعات والهدايا إلى الجيش العراقي في فلسطين بعد‬
‫أن اتخذنإا الخطوة الولى والمبادرة بالتبرع من قبلنإا ثم بدأنإا بعدها بجمع‬
‫بقية التبرعات وقد تطوعت بالذهاب باللوريات المحملة بمختلف الرزاق‬
‫الجافة ومختلف المواد الغذائية وكان في استقبالي المرحوم عمر علي‬
‫وقمت بتوزيع المواد على قطعات الجيش العراقي في جبهات القتال وكنإت‬
‫حريصا على رؤية أصدقائي الذين فارقتهم بسبب الحرب وتجولت بين‬
‫مختلف صنإوف قطعات الجيش العراقي وكانإت لدي صورة معلقة في المقهى‬
‫لفراد كتيبة خالد للدبابات في نإابلس ضمت طاهر يحيى وسعيد صليبي‬
‫ومنإير العزاوي وصفاء الدين محمود وآخرين غيرهم من ألمع ضباط الجيش‪،‬‬
‫كما التقيت بالمقدم عبد الكريم قاسم وآخرين ليسعفنإي تذكر أسمائهم‬
‫والتقيت بالوصي عبد الله أثنإاء تفقده للقطعات العسكرية برفقة مرافقه‬
‫عبيد المضايفي وكان الوصي مسرو ار لرؤيتي وأثنإى على وفائي لبنإاء‬
‫الجيش العراقي‪.‬‬
‫أما إنإي كنإت أسمع في صباي في الخمسينإيات عن هذه المغامرة التي‬
‫قام بها السطة خليل وقد ط أر سمعي بأنإه عنإدما حاول الوصي على عرش‬
‫العراق بعد عودة الجيش إلى أرض الوطن تكريم من ساهم بدعم القوات‬
‫العراقية عرض على السطة خليل منإحه بعض الراضي في بغداد الكرخأ‬

‫‪49‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫امتنإانإا وتقدي ار له إل أنإه رفضها بكل عزة إواباء شاك ار سعادته على مبادرته‬
‫الكريمة وانإه غير محتاج والحمد ل بعد ذلكا أرسل الوصي )مسدساا( بيد‬
‫مرافقه عبيد المضايفي من النإوع الممتاز هديه قبلها شاكراا‪ ،‬مع العرض أن‬
‫رفض قبوله الراضي كان مؤش ار لدى الكثيرين من معارفه وأصدقائه‬
‫وبالخص كبار ضباط الجيش على نإزاهته وعفة نإفسه مع ان هذا الرفض‬
‫كان مجبذا لكافة أجنإدة المعارضة وغيرها واعتبروه موقفا جليلا علما بأنإه‬
‫نإال شكر وتقدير الوصي‪.‬‬
‫لقد سبق لي في بداية عام ‪ 2000‬أن التقيت صدفة عنإدما كنإت في‬
‫زيارة لحد الصدقاء بداره بالستاذ العسكري والشاعر نإعمان ماهر الكنإعانإي‬
‫وهو من أبنإاء سامراء كان إخوانإه من أصدقاء الحجي وعنإدما قدمنإي‬
‫صاحب الدار إليه للتعارف رجعت به الذاكرة إلى عام ‪ 1948‬حيث بادرنإي‬
‫بالقول "إنإي أذكر عنإدما فوجئت بوالدكا بجراويته وصايته المعهودة وهو‬
‫يفتح باب الخيمة العسكرية وكنإت منإدهشا من وجوده ونإحن في الجبهة‪...‬‬

‫‪50‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫طيران فوق بغداد مع الملزم الول الطيار حسن عريم‬


‫كان حسن عريم من المعارف المقربين إلى حجي خليل ومن رواد‬
‫المقهى يسكن في أحد الفنإادق المجاورة وكان في حينإها ملزم أول طيار‬
‫عام ‪ 1952-1951‬وبحكم بساطته وتودده للخرين كثير الملطفة مع‬
‫الحجي وقد استأذن يوما منإه على اصطحاب ولده حميد لمرافقته بالطيران‬
‫وقد وجه دعوته إلى ثابت الحلق الذي كان يعمل مع أسطة جمعة الحلق‬
‫في محله المجاور للمقهى وتم الطيران من مطار المثنإى حيث كان مق ار‬
‫لكراج خاص بجمعية الطيران العراقية وحلقنإا أنإا وثابت مع م‪.‬أ‪ .‬طيار حسن‬
‫عريم في ذهول خارق حيث رأينإا بغداد من السماء والغريب في ذلكا لم‬
‫يشعر أحد منإا بالخوف من الطيران بطائرة شراعية صغيرة ولول مرة‪.‬‬
‫وتتقادم السنإين ليصبح حسن عريم في منإتصف الستينإيات قائدا‬
‫للقوة الجوية برتبة لواء طيار‪...‬‬

‫‪51‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كتيبة دبابات خالد في فلسطين )نإابلس( ‪1948‬‬


‫كانإت صورة معلقة لمنإتسبي هذه الكتيبة خلف صاحب المقهى ويبدو‬
‫أن العسكريين من ضباط الجيش استمروا مواظبين على ارتياده المقهى بعد‬
‫عودتهم من فلسطين وكانإت الصورة موقعة بإهداء من الكتيبة وآمرها في‬
‫نإابلس إلى خليل القيسي أثنإاء تواجده معهم في فلسطين أثنإاء الحرب‬
‫لتوزيع تبرعات الشعب العراقي على القوات المسلحة العراقية المشاركة في‬
‫حرب فلسطين ‪.1948‬‬
‫كنإت أراقب الرواد العسكريين منإهم المتواجدين في الصورة حيث‬
‫يرمقونإها بنإظرة فخر واعتزاز عنإد ارتيادهم المقهى مع ان معظمهم قد‬
‫توفاهم ال إن لم يكن جميعهم وأذكر منإهم العقيد صفاء الدين محمود ومنإير‬
‫عبد الجبار وسعيد صليبي وطاهر يحيى وآخرين غيرهم‪...‬‬
‫لم يكن صاحب المقهى الذي يميز لوحده المكان بل الصور لها أيضا‬
‫تاريخ ومعانإي سامية وبقية الصور الخرى للعائلة المالكة وبعدها‬
‫للمسؤولين العراقيين الذين كان يلتقي بهم حجي خليل بالمنإاسبات العامة‬
‫بعد تعاقب النإظمة السياسية في العراق منإها رجالت الدولة العراقية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مقهى خليل‪ ...‬المسرح العراقي وشاهد على العصر‬


‫بالرغم من أن المقهى كانإت حاضرة وشاخصة أمام مختلف الحداث‬
‫والعاصير السياسية والجتماعية بحكم تكوينإها السوسيولوجي المفعم‬
‫بالعادات والتقاليد السائدة وتنإوع النإتماء السياسي واختلف الثقافة التي‬
‫يحملها الرواد إضافة إلى موقعها الذي جعل منإها شاهدا على مختلف‬
‫الحداث السياسية التي كان مسرحها شارع الرشيد والذي كان لمععلم ا‬
‫حضاريا من معالم بغداد‪...‬‬
‫لقد سبق للمقهى أن عاشت عملية البنإاء الحضاري إوانإشاء المشاريع‬
‫الخدمية إواسهامات مجلس العمار في ظل النإظام الملكي مع الهدوء‬
‫والمان الذي كان يتحسسه المواطن وسيادة القانإون‪...‬‬
‫مع إن الضطرابات السياسية وبكل جوانإحها كانإت تمر من أمام‬
‫المقهى ولعل المصادمات في التظاهرات المتعددة المنإاسبات وسقوط‬
‫الضحايا أمامها من أبسط المشاهد في حينإها‪ ،‬كما إن خط سير الموكب‬
‫الملكي في ذهابه إلى بنإاية البلط الملكي كان يمر من أمامها إضافة إلى‬
‫مسير مختلف مسؤولي رجالت الدولة حيث مقر مجلس النإواب والعيان‬
‫في منإطقة السراي خلف العدادية المركزية وبنإاية مجلس الوزراء في‬
‫السراي وكذلكا وزارة الداخلية ومديرية الشرطة العامة والمحكمة الكبرى‬

‫‪53‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وأمانإة العاصمة ومتصرفية بغداد وسوق السراي وشارع المتنإبي وما فيه‬
‫من المخبز العسكري وعيادات الطباء والمكتبات والمطاعم الشهيرة في‬
‫بغداد‪...‬‬
‫كما كانإت المقهى شاهدا على الحتفالت الرسمية ومسيرة تتويج‬
‫الملكا فيصل الثانإي وأحداث ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬وما أعقبها من أحداث‬
‫وفواجع عام ‪ 1963‬وما بعدها‪ ...‬لحين هدمها في عام ‪.1970‬‬
‫هجرة اليهود القسرية بعد حرب فلسطين ‪1948‬‬
‫كان اليثار البغدادي الذي يرى البر في المال الحلل بكل ما تجيزه القيم‬
‫والتقاليد الخلقية تأبى على البغدادي شراء )مال المضطر( بسعر بخس حيث‬
‫لتقبله نإفسه ل شرعا ول عرفا مع أن الكثير من العراقيين أصابهم الثراء نإتيجة‬
‫شراء عقارات اليهود المهجرين الذين كانإوا مضطرين لبيعها بأبخس الثمان‬
‫وذلكا بعد انإتهاء حرب فلسطين إواصدار قانإون هجرة اليهود بكل ما رافقها من‬
‫أحداث لعبت الصهيونإية الدور الرئيسي في هيكلة تلكا الهجرة بمختلف الوسائل‬
‫التي صاحبها العنإف إلى غير ذلكا من أجل توطين اليهود في أرض فلسطين‬
‫المغتصبة وكنإا نإسمع بعد سنإين بأن معظم المهجرين كانإوا مرغمين على الهجرة‬
‫من الوطن )العراق( الذي عايشوا أهله من الشمال إلى الجنإوب في صفاء ووئام‬
‫عدا ما حصل أبان حركة ‪ 1941‬وبما أطلق عليه بفرهود اليهود في حينإها مع‬
‫ان ما كلنإا نإسمعه كيف أن رجال أطراف بغداد قاموا بتأمين الحماية لهم إوالى‬
‫عوائلهم من هياج الغوغاء وبالرغم من ذلكا وبعد هدوء الحالة المأساوية لم يتركا‬
‫يهود العراق بلدهم إل بعد أحداث ‪ 1948‬وما تبعها من أساليب قسرية نإفذتها‬
‫أجنإدة خارجية لغرض تهجيرهم إلى أرض فلسطين المغتصبة قس ار مما دفع‬

‫‪54‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بالتجار اليهود ميسوري الحال منإهم إلى بيع أموالهم المنإقولة وغير المنإقولة‪،‬‬
‫ولما كان بعض رواد المقهى منإهم فقد كانإت عروضهم بالبيع إلى صاحب‬
‫المقهى الذي لم تقبل نإفسه أبدا قبول تلكا العروض التي لو قبلها لصبح من‬
‫"أثرياء بغداد" ومع ذلكا كنإا نإسمع بأن معظمهم ممن كان ميسور الحال قد‬
‫استقر في معظم الدول الوربية وكنإدا والوليات المتحدة‪.‬‬
‫خيانإة المانإة عام ‪1949‬‬
‫كثي ار ما كان يتركا )الحجي( المقهى لمختلف السباب منإها السفر‬
‫خارج بغداد أو حضور مجالس الفاتحة أو لقضاء حاجة لشخص تتطلب‬
‫زيارة أحد المسؤولين‪ ،‬مما دعاه للستعانإة بشخص من محلة عباس أفنإدي‬
‫تربطه به معرفة قديمة كلفه بإدارة المقهى بدلا له في حالة غيابه واستلم‬
‫الدخل‪ ...‬وعلى ما يبدو ان هذا الشخص الذي ليحضرنإي اسمه قد ساورته‬
‫نإفسه على السرقة من الدخل وتسليم تلكا النإقود إلى زوجته كي تحفظها له‬
‫في علبة جكليت فارغة‪.‬‬
‫وخلل عام ‪ 1947‬ألم بهذا الشخص مرضا شديدا لم يسعفه مراجعة‬
‫الطباء وعنإدما أصبح على فراش الموت طلب من زوجته استدعاء )خليل(‬
‫على الفور وقبل مواجهة العلي القدير وذهب مسرعا إليه في داره حيث‬
‫اعترف له بما كان يقوم به من سرقة ماله وطلب من زوجته إحضار علبة‬
‫الجكليت المليئة بالنإقود المعدنإية والورقية طالبا منإه مسامحته والدعاء‬
‫والغفران له إل أن )خليل( أبى استلم المبالغ المسروقة قائلا له )محلل‬
‫وموهوب( طالبا من زوجته صرف تلكا المبالغ صدقة على زوجها بعد وفاته‬
‫ومصروف لها يساعدها على المعيشة وقد توفي زوجها في اليوم التالي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وقد وقع هذا الحادث عام ‪ 1947‬وكنإت قد سمعت به عام ‪1957‬‬


‫من أخي الكبير‪...‬‬

‫عيادة الدكتور سلمان فايق‪ ...‬وقيم البغددة‬


‫قريبا من المقهى وفي شارع المتنإبي المقابل لها كانإت تقع عيادة‬
‫الدكتور سلمان فائق بعمارة صغيرة على الجهة اليسرى وكنإت أراه عنإدما‬
‫يحضر للعيادة عص ار في أوائل الخمسينإيات بسيارة أمريكية مكشوفة كبيرة‬
‫)تنإته( كما يطلق عليها حيث يكشف سقفها صيفا وكانإت تجلس بجانإبه‬
‫ممرضة إنإكليزية طويلة القامة ممتلئة الجسم بيضاء البشرة ترتدي زي‬
‫الممرضات تحضر معه إلى العيادة لمساعدته في عمله سيما وان تخصصه‬
‫كان في الجراحة العامة كما كان لديه مضمد صحي متوسط العمر ومتمرس‬
‫في عمله يرعى العيادة‪...‬‬
‫كان الدكتور سلمان بغداديا ملون بلون الحياة البغدادية والجتماعية‬
‫المنإوعة وكان ليمكن إل لمن عايش هذه الحياة أن يلم بالمعنإى الدقيق لهذا‬
‫المصطلح ومفاصله وظلله‪ ...‬في موسم الصيف كنإت أرى الدكتور سلمان‬
‫مرتديا الشورت البيض لحرارة الجو والصنإدل يقود سيارته كان يمثل‬
‫عصامية أخلقية في ممارسته لمهنإة الطب حسبما كنإت أسمع عنإه والذي‬
‫أصبح راسخا في الذاكرة حيث كثي ار ما كان يعالج الفقراء مجانإا ومحبا‬
‫لمساعدة الخرين لقد كان الكثر قداسة لمهنإته وقد جهز عيادته بغرفة‬
‫خاصة لجراء العمليات الجراحية لمن يحتاجها من المرضى كما جهز غرفة‬

‫‪56‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أخرى لمنإام المريض مع من يرافقه بعد إجراء العملية‪ ،‬كانإت عيادته أشبه‬
‫بمستشفى صغير وقد اعتاد الحجي عنإد سماع منإبه سيارته أثنإاء مروره إلى‬
‫العيادة وبجانإبه الممرضة النإكليزية كي يسعفه على الفور بأحد عماله‬
‫حاملا القهوة العربية التي كان يعشقها‪.‬‬
‫كان الكثير من رواد المقهى من الخوة الكراد من شمال العراق وعنإد‬
‫نإزولهم إلى بغداد كان ارتيادهم المقهى وزيارة صاحبها مما يدخل البهجة‬
‫والسرور إلى قلوبهم كنإت أرى معظمهم يرتادون فنإدق العلمين المواجه‬
‫للمقهى وكان صاحبه من المنإطقة الشمالية أيضا إضافة إلى كثرة المطاعم‬
‫وغيرها مما يحتاجه الخرون‪...‬‬
‫كان من بين الخوة الكراد شخصية محترمة ومرموقة ومهابة كان‬
‫على مايبدو صديقا وفيا للحجي حيث كنإت أراه يجلس بجواره لساعات وهو‬
‫مرتديا الزي الخاص بإخوانإنإا الكراد بوقار يدعو إلى الحترام والتقدير وقد‬
‫علمت بأنإه )داود باشا فتاح باشا محمد باشا الجاف( الذي تربطه مع‬
‫الحجي علقة صادقة مفعمة بمشاعر الخوة المتبادلة‪ ،‬وفي أحد زيارات‬
‫داود باشا طلب منإه مرافقته لعيادة الدكتور سلمان لجراء فحوصات طبية‬
‫لشعوره باللم وتبين أثنإاء الفحص الطبي بأنإه يحتاج إلى إجراء عملية‬
‫جراحية يقوم بها دكتور سلمان في عيادته على أن يرقد بعدها عدة أيام في‬
‫العيادة وكنإت أرى الحجي ينإقل له الكل الخاص به وعلى ثلث وجبات‬
‫وحسب توصية الدكتور إلى أن خرج من العيادة معافى وكان الدكتور يمازح‬
‫داود باشا باللهجة البغدادية "باشا شنإو هذا الدلل من الحجي احنإا حدنإا‬
‫لشرب القهوة وبس‪ ...‬ضاحكا وملطفا بسريرته الزاهية بالمودة‪...‬‬

‫‪57‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كان الدكتور سلمان فائق يحظى باحترام وتقدير الجميع لما يحمله‬
‫من نإبل وأخلق رفيعة محبا لبغداد وعاداتها وتقاليدها ويعتبر من رموزها‬
‫ووجهائها‪ ،‬وفي نإهاية الخمسينإيات انإتقل للعمل في مستشفى خاص به في‬
‫العلوية سمي )مستشفى سلمان فائق( وسمي الشارع أيضا باسمه ولحد‬
‫الن ولقد كان بحكم مهنإته يحمل مزاجا يتقبل مختلف طبقات النإاس‬
‫ومشاربهم يكن حبا وتقدي ار للحجي حيث يرى فيه الروح البغدادية التي‬
‫تتمنإى ارتقاء النإاس بحياتهم نإحو الفضل والحسن‪ ...‬انإها قيم البغددة‪...‬‬

‫‪58‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ممثل عن الشعبة الخاصة يقدم عرض عمل لصاحب المقهى‬


‫كانإت الشعبة الخاصة تابعة للمن العامة وتقع في شارع النإهر على‬
‫ما أذكر قرب الشريعة مهامها متابعة ومراقبة العنإاصر السياسية المضادة‬
‫لنإظام الحكم وقد ط أر سمعي من أخي عدنإان أنإه في أوائل شتاء ‪ 1955‬قام‬
‫أحد منإتسبي الشعبة الخاصة بزيارة المقهى وجلس بجانإي الحجي والذي‬
‫كان متعاطفا مع النإظام الملكي وقد تج أر منإدوب الشعبة الخاصة على‬
‫مفاتحته حول قيامه بتزويدهم بمعلومات عن ما يسمعه من أحاديث متداولة‬
‫بين العسكريين من رواد المقهى وبما أن هذا الطلب يتنإافى مع العرف‬
‫البغدادي فقد كان رد الحجي عليه عنإيفا جدا "لكا أنإت ما تستحي تريد منإي‬
‫أصير جاسوس" ثم أمره بتركا المقهى‪ ...‬وقد لفت انإتباه بعض الزبائن الذين‬
‫استفسروا منإه عن سبب غضبه أجابهم "الظاهر أكو نإاس ماتفتهم الوادم‬
‫لي هسه"‪ .‬ولن العادات والتقاليد البغدادية كانإت تفرض على صاحب‬
‫المقهى حماية رواده وليس من طبائع البغددة إيذاء الخرين كما إنإها ليست‬
‫من شيمهم‪...‬‬

‫‪59‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الحرس الملكي‬
‫كان الحرس الملكي يمثل الصفوة المختارة من ضباط الجيش العراقي‬
‫وأفراده على مايبدو يتمتعون بامتيازات بسيطة إضافة إلى انإها في جوهرها خدمة‬
‫عسكرية اعتبارية نإوعا ما وتعتبر من الصنإوف العسكرية المجنإدة في الجيش‬
‫العراقي حتى ان لهم زيا أحمر اللون وطاقية للرأس حيث ان قيافتهم العسكرية‬
‫لها طابع خاص وكان منإهم الخيالة والمشاة كما تم تشكيل فريق الحرس الملكي‬
‫لكرة القدم‪..‬وكان تواجد منإتسبي الحرس الملكي في محيط قصري الرحاب‬
‫والزهور إضافة إلى بنإاية البلط الملكي وعنإدما كنإا أطفالا نإنإبهر بمسيرتهم في‬
‫شارع الرشيد على صهوة الجياد الملكية تتقدمهم موسيقى الجوق لفرقة الحرس‬
‫بأداء العزف أثنإاء المسير‪...‬‬
‫كان واجب أفراد الحرس تأمين الحماية المنإية للقصور الملكية وساكنإيها‬
‫وفي صبيحة ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬كان قوة الحرس يترأسها أحد الضباط يدعى "طه‬
‫البامرنإي" الذي أصبح بعد ذلكا آم ار لفراد المقاومة الشعبية على ما أذكر‪ ..‬كما‬
‫إن عددا قليلا من الضباط الحرار أو الموالين إليهم كانإوا من أفراد الحرس أو‬
‫سبق لهم أداء خدمتهم العسكرية في الحرس الملكي وكانإت لهم الحظوة لدى‬
‫أركان النإظام الملكي قد يحسدهم بقية الضباط وضباط الصف عليها وكنإت أرى‬
‫في منإاسبات معينإه الملكا فيصل الثانإي مع الوصي عبد الله في العربة الملكية‬
‫التي تسحبها الخيول بمرورها في شارع الرشيد يتوسطها كوكبة من منإتسبي‬
‫الحرس الملكي من المام والخلف متجهة إلى ديوان البلط الملكي وذلكا في‬
‫الحتفالت الرسمية وأهمها يوم تتويج الملكا فيصل الثانإي ‪...1953‬‬
‫حادث سرقة في جامع الحيدرخانإة شباط ‪1955‬‬

‫‪60‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫جامع الحيدرخانإة يمتاز بمساحته الواسعة وطرازه المعماري الذي‬


‫يحمل الروعة في الريازة والبنإاء يتوسط بموقعه على شارع الرشيد بغداد‬
‫القديمة حيث يحيطه من خلف أبنإية الشارع المواجهة له جديدة حسن باشا‬
‫من أعرق وأشهر منإاطق بغداد في العهد العثمانإي وما لحقه أما خلف‬
‫الجامع فهي محلة الحيدرخانإة العريقة وقد شهد هذا البنإاء لعقود من‬
‫السنإين مختلف الحداث السياسية حيث كانإت تعقد فيه الجتماعات عقب‬
‫انإتهاء الحرب العالمية الولى لبحث مستقبل العراق وعقب ثورة العشرين‬
‫وما لحقها من تجمعات جماهيرية أثنإاء الحداث السياسية‪...‬‬
‫لقد كان صرح الجامع معلما دينإيا وحضاريا وسياسيا ومنإتدى‬
‫بغدادي‪ ..‬لقد اعتاد الحجي كعادته بأداء فريضة صلة الظهر والمغرب‬
‫والعشاء فيه يوميا عدا صلة الجمعة حيث يحب قضاءها في مختلف‬
‫جوامع بغداد‪ ...‬وفي ظهر أحد أيام شباط من عام ‪ 1955‬وأثنإاء قيامه‬
‫بالوضوء بعد أن علق سترته التي يحمل فيها )‪ (120‬دينإا ار وبعد أدائه‬
‫فريضة الصلة تحسس جيبه إواذا به لم يجد النإقود وتأكد له بأنإه قد تعرض‬
‫للسرقة المتعمدة وكان هذا المبلغ في حينإها كبيراا‪ ...‬وفي اليوم التالي ذهب‬
‫لمقابلة مدير شرطة بغداد وشكى ما تعرض له والذي اتصل بدوره بشرطة‬
‫السراي وتم عرض صور المشبوهين له عسى أن يتذكر رؤية أحدهم في‬
‫الجامع قبل الوضوء وفعلا تعرف على وحد منإهم وتم فو ار إصدار أمر‬
‫القبض عليه وخلل أسبوع من تفتيش الشرطة تم العثور عليه مع امرأة في‬
‫أحد الفنإادق في لواء كربلء وبمعيته المتبقي من المبلغ )‪ (80‬دينإا ار تم‬

‫‪61‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫القبض على السارق وأحيل إلى المحاكم المختصة بعد إرجاع باقي المبلغ‬
‫لصاحبه وقد أصدر القضاء بحقه عقوبة سجن ثلث سنإوات‪...‬‬
‫إن هذه الحادثة التي تنإاولتها صحيفة الزمان أو البلد على ما أذكر‬
‫في حينإها ثم الجراءات التي تمت في سرعة القبض على الجانإي تؤكد بما‬
‫ليقبل الشكا كيف كانإت سيادة القانإون وقوته هي السائدة في تلكا الفترة‪.‬‬

‫سعيد أفنإدي في المقهى‬


‫صباح أحد أيام الصيف من عام ‪ 1955‬فوجئت بزيارة الفنإان يوسف‬
‫العانإي وكان بصحبة إسماعيل البن الكبير لحجي خليل وقام بتقديمه لوالده‬

‫‪62‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫موضحا له بأنإه سوف يقوم بتمثيل فيلم عراقي واقعي‪ ،‬يتم تمثيله في محلة‬
‫الحيدرخانإة وانإه جاء طالبا لزبون )صاية وسترة وجراوية( للمدعو يعقوب‬
‫المين الذي سوق يقوم بأداء دوره )حجي خليل( صاحب المقهى في منإطقة‬
‫الحيدرخانإة وان ملبسه تنإاسب يعقوب المين وعلى ما أذكر تم تسليمهم‬
‫الملبس وبعد حوالي أربع سنإوات تم عرض فيلم سعيد أفنإدي وكان من‬
‫أنإجح ما أنإتجته السينإما العراقية لحد الن لنإه كان يمثل الواقعية في الفن‬
‫العراقي المعاصر وقد أبدع يعقوب المين بأداء دوره إضافة إلى الفنإانإين‬
‫الخرين‪...‬‬
‫واقعية سعيد أفنإدي كانإت استجلء الجوهر النإسانإي في الفرد العراقي‬
‫من خلل ما قدمته الشاشة البيضاء من تصوير لشخصيته النإسانإية‬
‫الصادقة للواقع المعاصر ولعل اشتراكا مطرب المقام العراقي يوسف عمر في‬
‫الفلم وأدائه المقام الرائع قد ساهم في زيادة إعجاب الجماهير أثنإاء عرضه‬
‫كما إن معظم مشاهد الفلم تمت في أزقة محلة الحيدرخانإة الواقعة خلف‬
‫الجامع مباشرة‪....‬‬

‫صاحب المقهى ملذ المحتاجين‬


‫لقد استثمر الحجي علقاته مع المسؤولين وخلل كافة العهود‬
‫السياسية التي ملر بها العراق من أجل قضاء احتياجات الخرين الذين كانإوا‬

‫‪63‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫يجدون فيه الملذ المن لهم ولبنإائهم‪ ،‬فهذا شخص يرغب في تعيين ابنإه‬
‫أو آخر يرغب في نإقل من محافظة إلى أخرى وآخر موقوف لسباب سياسية‬
‫أو بسبب صراع أو مشاجرة مع آخرين يروم في حل المشاكل معهم والتي قد‬
‫يتخللها العنإف ومن يطلب الستعلم عن شخص يتقدم لخطبة ابنإته أو‬
‫شقيقته وأمور أخرى ليمكن حصرها‪ ...‬ومع ذلكا كنإت أشاهد منإذ الصغر‬
‫امرأة ملتفة بعباءتها تقف عنإد )الدنإكة( الركنإية المقابلة لمحل الحاج حسين‬
‫البصام المجاور للمقهى طالبة صاحبها لجل الحصول على المساعدة‬
‫المالية حيث كنإت أرى الحجي يحمل صينإية الدخل الذهبية يطوف بها بنإفسه‬
‫على رواد مقهاه بعد أن يكون هو البادئ بوضع مبلغ معين فيها وكنإت أراه‬
‫يمر على المقتدرين منإهم وعنإد النإتهاء من طواف طلب المساعدة يرجع‬
‫إلى المرأة ملبيا حاجة المرأة الملتاعة بسبب العوز أو المرض والفاقة طالبا‬
‫منإها فرش عباءتها بين أذرعها كي يقوم بطرح ما في الصينإية من مبالغ‬
‫متجمعة وكنإت أرى علمات البشارة التي ترتسم على وجه المرأة والفرح على‬
‫سريرة الحجي الذي كان هذا العمل يطغى عليه بفيض من السعادة والرتياح‬
‫وهو يسمع دعاء المرأة له بالخير والستر والعافية‪ ...‬وفي حالت مماثلة‬
‫كنإت أرى فتاة تدفع والدها المريض على كرسي معوقين لجئة لصاحب‬
‫المقهى لنإفس الغرض‪.‬‬
‫لقد كانإت تلكا المشاهد متكررة على الدوام مع إن ميسوري الحال من‬
‫الرواد غالبا ما يجدون مساهمتهم في إبداء المساعدة المالية عملا إنإسانإيا‬
‫في سبيل ال إضافة انإهم على دراية بأن الحجي ليرد له طلب وخاصة إذا‬
‫كان هذا الطلب لعمل الخير للمحتاجين والفقراء والمرضى‪...‬‬

‫‪64‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ساحة الكشافة‬
‫تعتبر هذه الساحة معلما حضاريا لبغداد منإذ تأسيسها في الثلثينإيات‬
‫وقد تم بنإاء مقصورة لجللة الملكا تتوسط الساحة بمدرج مرتفع يليه مدرج‬
‫وسطي على جانإبيها أما الطرف اليسر للساحة كانإت مقصورة الملكة‬
‫عالية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ويبدو أن الحجي منإذ شبابه كان عاشقا للعبة كرة القدم وقد مارسها‬
‫بشكل أو بآخر من أجل التسلية فهي هوايته المفضلة كما انإه واكب هذه‬
‫اللعبة مع فريق دار المعلمين البتدائية للعوام ‪ 1927‬ولغاية ‪1932‬‬
‫ومنإذ أن تشكلت فرق لها في الجيش والقوة الجوية والشرطة‪ ،‬كان دائم‬
‫الحضور إلى ملعب الكشافة لمشاهدة المباريات وفي بعض الحيان‬
‫يأخذنإي معه عنإدما كنإت صغي ار وقد أدهشنإي عنإدما كان يتراهن مع الوصي‬
‫عبد الله حول من يسجل هدف الفوز أو الهدف القادم فريق الحرس‬
‫الملكي أم القوة الجوية وكان الملكا فيصل بجواره بعد أن تم تتويجه حديثا‬
‫عام ‪ 1953‬وكنإت أتطلع إلى هيئة المرافقين ورئيسهم العقيد عبيد‬
‫المضايفي الذي كان صديقا وفيا للحجي كنإت أراه يتودد باحترام أمام الملكا‬
‫وخاله حول تفضيل رهان صاحبه عنإدما كان ينإتصب واقفا حين تشتد‬
‫المباراة وهو بجانإب المقصورة‪...‬‬
‫ومن خلل رحاب الذكريات في بداية الخمسينإيات على ما أذكر كنإت‬
‫مع الحجي في ساحة الكشافة عنإدما كان يقام الستعراض السنإوي للجيش‬
‫فيها بمنإاسبة ذكرى تأسيسه وقد رأيت حضور الملكة عالية عن بعد‬
‫للمقصورة الخاصة بها حيث توقفت سيارة كبيرة سوداء نإزلت منإها الملكة‬
‫مع وصيفاتها وكان الوشاح على رأسها‪.‬‬
‫ومع مرور السنإين بقيت ساحة الكشافة شاهدا على لعبة كرة القدم‬
‫لعقود خلت ولم يبق منإها الن ويا للسف سوى تثمال اللعب "جمولي" ما‬
‫زال منإتصبا أمام بوابتها الرئيسية‪ ...‬حبذا لو ترجع هذه الساحة إلى سابق‬
‫عهدها القديم‪...‬‬

‫‪66‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫لعبة كرة القدم في العراق والنإشاط الرياضي للحجي‬


‫تشير الكثير من الدراسات والمصادر بأن وادي الرافدين كان منإبع‬
‫الحضارة النإسانإية حيث بزغ أول فجر لها حمل معه للبشرية جمعاء أنإماطا‬
‫جديدة في التعامل النإسانإي والحياة العامة حيث شليد العراقيون القدماء‬
‫حضارتهم معتمدين على العلم والخلق والجمال‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وقد تعددت الرؤيا بخصوص نإشوء كرة القدم في العراق وتأريخ‬


‫ممارستها حيث اعتقد البعض ان اللعبة دخلت البلد وانإتشرت فيها قبل عام‬
‫‪ 1917‬أي فترة الحكم العثمانإي أما الرأي الخر يذهب إلى ان ممارسة‬
‫اللعبة في العراق بدأت بعد عام ‪ 1917‬أي بعد الحتلل البريطانإي للبلد‬
‫وقيام الجنإود البريطانإيون جلب الكرات معهم مما دفع العراقيين للتقاطر على‬
‫الملعب لمشاهدة النإكليز وهم يلعبونإها‪.‬‬
‫وكان الحجي ومنإذ نإعومة أظفاره يعشق كرة القدم مما يؤكد بأنإه كان‬
‫يلعبها أيام الحكم العثمانإي حيث كان يهرب من أبيه إلى الزقة والشوارع‬
‫المتربة لممارستها "حامي هدف" وذلكا مما يرجح الرأي الول بأن اللعبة‬
‫كان لها وجود قبل الحتلل وبعد مرور السنإين بدأ في أواسط العشرينإيات‬
‫بالمشاركة بتدريب فريق دار المعلمين البتدائية وكان من أعضاء الفريق‬
‫إسماعيل محمد )عميد متقاعد( وحقي الشربتي )رائد متقاعد( وعبد الرحمن‬
‫أمين )رائد طيار( ونإوري مروان )عسكري( وعبد الجبار أيوب )مدير سجن‬
‫سابق( وعبد الوهاب عبد الرحمن )عقيد شرطة( ومحمود خرنإطة والدكتور‬
‫متي عقراوي مدير القسم الداخلي لدار المعلمين في حينإها وقد كان فريق‬
‫الدار يلعب فريق الكلية العسكرية الذي كان من أقوى الفرق يلعب ضمنإها‬
‫الملكا غازي كما كانإت اللقاءات الكروية مع فريق الثانإوية المركزية وال سي‬
‫سي النإكليزي وفريق الكمركا عام ‪ 1931‬تزهو بها الملعب‪...‬‬
‫وقد استمر هذا العشق لكرة القدم لغاية عام ‪ 1970‬عنإد هدم المقهى‬
‫فقد كان طوال العقود السابقة دائم الحضور إلى ساحة الكشافة بل يتبرع‬
‫ببيع بطاقات الدخول لمشاهدة المباريات مجانإا في المقهى لصالح اتحاد كرة‬

‫‪68‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫القدم العراقي‪ ...‬وعلى ما أذكر عنإدما كنإت صغي ار يصحبنإي معه في بعض‬
‫الحيان ومن الطرافة التي شاهدتها في عام ‪ 1953‬شهدت معه لعبة لكرة‬
‫القدم وعنإد انإتهاء اللعبة اصطحب من الساحة مباشرة معه أحد اللعبين‬
‫وهو بزي الملعب وصعد معنإا السيارة كنإت أرى ملبسه الرياضية الملونإة‬
‫وحذاء اللعب وكان هذا اللعب هو حمه بشكة أو حسن بشكة" ينإوي‬
‫الذهاب بعد انإتهاء المباراة إلى الغتسال في حمام الرشيد المجاور للمقهى‬
‫وعنإد خروجه من الحمام جلس بجانإب الحجي وبدأ الحوار بينإهما على ما‬
‫جرى في اللعبة وكنإت أرى اللعب بشكة يستمع إلى توجيهات الحجي حول‬
‫مجريات تحركا الهجوم والدفاع والوسط‪...‬‬
‫وقد كنإت أرى لمرات عديدة زيارات اللعبين نإاصر جكو وجمولي‬
‫وعمو بابا وآخرين لأعرفهم يرتادون المقهى لمجالسة صاحبها فقط‬
‫والحديث معه عن كرة القدم وأساليبها القديمة والحديثة وما كان يجري في‬
‫المباريات في تلكا الفترة‪...‬‬
‫ومع ذلكا فإن المصادر تشير إلى أن ولدة أول منإتخب كروي للعراق‬
‫كان يوم ‪ 2/5/1951‬وهو تأريخ أول مباراة خارجية خاضها المنإتخب‬
‫العراقي بعد انإضمام العراق إلى التحاد الدولي لكرة القدم )الفيفا( في أواسط‬
‫نإفس العام وكانإت أول لعبة مع تركيا حيث كان في توديع أعضاء المنإتخب‬
‫العقيد عبيد عبد ال المضايفي رئيس اللجنإة الولمبية وبرفقته آمر موقع‬
‫بغداد العسكري المقدم نإاظم الطبقجلي وكان الحجي حاض ار لتوديع الفريق‬
‫معهم لنإه كان الحدث لول منإتخب كروي عراقي يلعب في الخارج وتم نإقل‬

‫‪69‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الفريق بطائرة )ايروفرانإس( إلى بيروت ومن هنإاكا واصل الفريق مسيره إلى‬
‫أزمير التركية‪...‬‬

‫جمولي‪ ...‬والحرس الملكي‬


‫إنإه جميل عباس أشهر لعب كرة قدم عراقي للدفاع وقد عرفته‬
‫الملعب العراقية الكثر مهارة وكفاءة وكان مثالا للخلق الرياضي‬
‫والجتماعي المتميز على العموم وقد نإشأ في منإطقة الكسرة القريبة من‬
‫ساحة الكشافة وعمل مع والده في محل لبيع وتقطيع البواري الحديدية مع‬
‫أن والده عمل جاهدا لدفع البدل النإقدي لولده لعفائه من الخدمة‬
‫العسكرية‪...‬‬

‫‪70‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كان جمولي منإذ صباه عاشقا لكرة القدم ينإتهز الفرصة للذهاب إلى‬
‫ساحة الكشافة القريبة من محل سكنإاه وعمله كي يمارس لعبة كرة القدم‪...‬‬
‫وشاءت الصدف أن العقيد عبيد المضايفي رئيس مرافقي الوصي على‬
‫العرش عبد الله والذي كان يسكن في داره المقابلة للبلط الملكي والمطلة‬
‫على ساحة الكشافة حيث لفت انإتباهه لعب هذا الشاب الكفوء وأرسل إليه‬
‫طالبا منإه النإضمام إلى فريق الحرس الملكي وهذا يعنإي العودة إلى الخدمة‬
‫العسكرية وكان جواب جمولي بأن هذا القرار يعود لوالده حينإها طلب العقيد‬
‫مقابلة والد جمولي كي يعرض عليه الموضوع وقد تردد والده بالموافقة حيث‬
‫كيف يعود ابنإه إلى الجيش وهو الذي دفع البدل النإقدي عنإه لعفائه من‬
‫الخدمة‪ ،‬عنإدها تعهد العقيد بأن جمولي سوف ينإسب إلى فريق الحرس‬
‫الملكي فقط وله مستقبل واعد في كرة القدم‪.‬‬
‫وهكذا بدأ السد المنإيع لعبا بموقع دفاع ضمن الحرس الذي كان‬
‫يقوم بتدريباته في ساحة مجاورة لمحيط قصر الزهور في الحارثية وكان‬
‫حجي خليل من عشاق كرة القدم يقوم أسبوعيا بتفقد الفريق أثنإاء التدريب‬
‫بصحبة المرحوم إسماعيل محمد الذي اعتبر من أشهر المعلقين الرياضيين‬
‫في العراق‪...‬‬
‫كنإت أرى جمولي يأتي إلى المقهى لزيارة الحجي والجلوس بجانإبه كي‬
‫يتلقى توجيهاته الخاصة بلعبة كرة القدم ويستفيد من خبرته السابقة‪...‬‬
‫وقد برز جمولي عنإدما لعب العراق مع الفريق المصري في ساحة‬
‫الكشافة في الخمسينإيات وانإتهت بفوز العراق مع أن الفريق المصري كان‬

‫‪71‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫من أقوى الفرق العربية وأشهر لعبيه كان )حنإفي( وبعدها صدرت الرادة‬
‫الملكية بمنإح جميل عباس رتبة ملزم في الجيش العراقي‪.‬‬
‫لقد أغنإى جمولي ساحة الكشافة بروائع لعبة كرة القدم وتم اعتزاله‬
‫عام ‪ 1966‬حيث أقيمت له آخر مباراة في ساحة الكشافة احتفالا بتلكا‬
‫المنإاسبة وأقيم بعدها نإصب تمثال له مازال شاخصا أمام الملعب المهجور‬
‫)ساحة الكشافة( التي كانإت معلما حضاريا من معالم العراق‪ .‬وقد تركت بعد‬
‫الحتلل عام ‪ 2003‬مع انإها كانإت شاهدا على ملمح البطولة لخبرة‬
‫رياضي العراق كما جرت فيها السباقات في عيد الجيش والمهرجانإات‬
‫الرياضية لوزارة المعارف‪.‬‬
‫أما جمولي فقد توفاه الجل قبل عدة سنإوات بعد تعرضه لحادث‬
‫اصطدام مروري قرب منإطقة سكنإاه توفي بعدها بأشهر بصمت ولكن ذكراه‬
‫مازالت تمل القلوب‪...‬‬
‫خاطرة لذكرى شخصية رياضية نإافذة‬
‫كان من أصدقاء الحجي المقربين لعقود خلت انإه "إسماعيل محمد" من‬
‫أوائل من تصدر مهمة التوثيق العلمي الرياضي في العراق نإظ ار لمعاصرته‬
‫الشخصية لحقبة طويلة من تأريخ الرياضة منإذ نإهاية الربعينإيات حتى بداية‬
‫القرن الحالي بفضل ما تمتع به من ذهن حاضر وذاكرة نإشيطة حتى وفاته وقد‬
‫بنإى المؤرخون والصحفيون الرياضيون الذين تلوه أرشيفهم على ما ولثقه‬
‫الراحل لتلكا الحقبة الزمنإية ويشير التوثيق الرياضي في ذاكرة العراقيين إلى انإه‬
‫تخرج من معهد اللياقة البدنإية ببغداد عام ‪ 1944‬وعمل مدرس ا لمادة التربية‬
‫الرياضية في مدرسة المتوسطة الغربية عام ‪ 1945‬قبل أن يسافر إلى انإكلت ار‬

‫‪72‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫للدراسة بين عامي ‪ 1949-1948‬خلل وقائع أولمبياد لنإدن في تموز‬


‫‪ 1948‬وهو الذي اقترح على )أكرم فهمي( بضرورة تأسيس اتحاد عراقي لكرة‬
‫القدم يعنإى بشؤون اللعبة وهكذا تأسس التحاد في تشرين الول ‪ 1948‬وكان‬
‫برئاسة عبيد عبد ال المضايفي وكانإت بداية مسيرته مع اللجنإة الولمبية‬
‫العراقية لغاية ‪ 1973‬وقبلها أصبح وكيلا لوزارة الشباب والرياضة قبل إحالته‬
‫على التقاعد في ‪...4/8/1971‬‬
‫لقد ساهم إسماعيل محمد في اكتشاف عمو بابا عام ‪ 1950‬أثنإاء بطولة‬
‫مدارس العراق في ملعب الكشافة ثم درب فريق الحرس الملكي ‪-1954‬‬
‫‪ 1955‬والنإادي الثوري وفريق المصلحة عام ‪ 1956‬مع انإه سبق له وحصل‬
‫على شهادة التحكيم أثنإاء تخرجه من كلية ‪ Loughborough‬عنإد دراسته‬
‫في انإكلت ار وقد تركا إرث ا تأريخي ا إوابداعي ا كبيرا توفي في ‪ 2/1/2008‬وقد‬
‫أقامت اللجنإة الولمبية حفلا تأبينإيا له في ‪.12/2/2008‬‬
‫خاطرة‪ ..‬قجقجية‪ ...‬بيع السلحة‬
‫في نإهاية المقهى وبعد توسيع بنإائها عام ‪ 1953‬أصبح موقع‬
‫الوجاغ القديم مكانإا لجلوس الرواد حيث اعتاد من يتعاملون ببيع وشراء‬
‫السلحة النإارية اللقاء لتبادل التفاقات الخاصة بالبيع والشراء فيما بينإهم‬
‫لن الحجي كان محذ ار لهم بعدم تداول مواد البيع والشراء في المقهى‪..‬‬
‫كنإت أرى معظمهم قد تجاوز الربعين سنإة وحتى الستين وقد جلب امتهان‬
‫تلكا المهنإة انإتباهي حيث ط أر على خاطري سؤال طرحته على أحدهم قائلا‬
‫له "كيف تمارس هذا العمل وهو دليل على ممارسة وسلوكا العنإف لدى‬
‫الخرين ويسهل ذلكا إن لم يعجل به؟ وقد فوجئت بجوابه السريع حيث ردد‬
‫لي قولا لحد الولياء الصالحين في صدر السلم بأن عملهم هذا له أجر‬

‫‪73‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كبير عنإد ال سبحانإه وتعالى حيث قال "السلح قاطع الفتنإة" ول أدري من‬
‫أين أتى بهذه الفتوى ومدى صحتها مع أن عملهم كان وما زال فيه مخالفة‬
‫صريحة للقانإون‪...‬‬
‫كنإت أرى علئم القسوة تبدو على محياهم وهم في لباسهم المختلف‬
‫حيث فيهم من يعتمر العقال أو الجراوية أو الفنإدي ولكن مع ذلكا كأن‬
‫ممارستهم لهذا العمل المعبأ بالتحدي للقانإون هو مع ذلكا عمل مشروع‬
‫حسب رؤيتهم الخاصة‪ .‬ومع ذلكا فهم من رواد المقهى الذين كانإوا يشكلون‬
‫التنإوع البشري لعموم الشعب العراقي بمختلف أعراقه وطوائفه يجمعهم‬
‫الحترام المتبادل والملتزم تجاه صاحب المقهى‪...‬‬

‫منإدوب صحيفة اليقظة في لقاء صحفي في المقهى‬


‫في أحد أشهر الصيف من عام ‪ 1957‬وفي ضحى أحد اليام حضر‬
‫المقهى ممثلا عن صحيفة اليقظة اليومية لغرض إجراء حوار مع "الحجي"‬
‫والطلع على خشبة هذا المسرح البغدادي الذي جمع مختلف شرائح‬
‫المجتمع العراقي التي كانإت تعيش التذوب الشعبي والشيم الشعبية التي‬
‫تنإعكس من خلل المعزوفة البغدادية التي تمثلها المقهى بألحانإها الساسية‬
‫المفعمة بالقنإاعة والتواضع وكان يجسدها صاحب المقهى ببساطته‬
‫المعهودة داخل المجتمع البغدادي الذي اكتسب مكانإته الحقيقية فيه وأصبح‬
‫من أعمدة هذا المجتمع في جلده وهزله وحزنإه وطربه بدون فخفخة‬
‫اجتماعية كما إن اهتمامه بمشاكل الخرين كثي ار ما كان يفوق اهتمامه‬

‫‪74‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بمشاكل حياته حيث كان من أكثر الرجال اهتماما بمصائر الخرين‬


‫وعواطفهم وما يعتمل في صدورهم وتلكا جميعها كانإت تمثيله لرموز جيل‬
‫يتبنإى أهداف خلقية بعيدة عن النإفع الشخصي المادي وتتصل بالعراف‬
‫العراقية البغدادية‪...‬‬
‫وقبل أن ينإهي الصحفي لقاءه بعد حوار مطول عن المقهى وروادها‬
‫وجه سؤالا مهما لصاحبها عن الذهنإية التي تكونإت لديه من خلل ممارسته‬
‫لهذه المهنإة لعدة عقود وكان الجواب بعفوية "صراف مال أوادم"‪...‬‬
‫وهذا الجواب إشارة واضحة إلى ما تفرضه المهنإة من اختلط‬
‫بالخرين وهو الذي يختلف عن غيره من حيث ما فرضته عليه ظروف‬
‫الحياة وصروفها من اختلط وامتزاج بالمجتمع العراقي وتذبذب في التبغدد‬
‫وتشعب العلقات التي انإبثقت من دخول مغامرة الحياة والعمل عبر ذاكرة‬
‫الزمن الذي تحقق فيه انإهيار الدولة العثمانإية وقيام ثورة العشرين ضد‬
‫الحتلل البريطانإي وقيام النإظام الملكي ثم ما تبع ذلكا من أحداث ووقائع‬
‫كان تعايشه معها ضمن أنإماط سلوكية بغدادية بعيدة كل البعد عن الزيف‬
‫والطمع والبيعة الفورية المتعلقة بالنإانإية المطلقة والمصالح الشخصية‪.‬‬
‫بعد انإتهاء اللقاء شكر الصحفي الحجي مودعا بالترحاب وكان‬
‫مستغربا هذا الطرح من إنإسان مازال يفتقر تعلم القراءة والكتابة ويمتلكا‬
‫الجابة الشافية لمعظم التساؤلت‪...‬‬

‫‪75‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫"آل كنإو"‪ ..‬مجمع الفواكه‪...‬‬


‫بجوار سوق المانإة محلا كبي ار لبيع الفواكه المستوردة والمحلية‬
‫وحال نإزولها إلى السوق وكان الخوة سلمان وارزوقي كنإو يقومون بإدارة‬
‫المحل إضافة إلى الستعانإة بعدد من أبنإاء أخيهم وقد اعتاد المرحوم نإوري‬
‫السعيد بالتسوق منإهم وعنإدما كنإت صغي ار أجلس بجوار حجي خليل يأتي‬
‫عاملهم ليطلب فنإجان قهوة للباشا وعنإدما أسمعه أرى حجي خليل يذهب‬
‫للقاء التحية له والسلم عليه وكنإت أذهب بعده خفية لستقر خلف الدنإكة‬
‫المواجهة لمحل بيت كنإو كي أرى الباشا بسدارته الفيصلية التي كان في‬
‫بعض الحيان يتأبطها‪...‬‬
‫في أحد أيام صيف ‪ 1955‬ط أر سمعي أن )خليلو( القزم المعروف‬
‫بثقافته ونإقده اللذع لرجال السياسة وعنإدما كان جالسا لدى ابن كنإو وظهره‬
‫على الشارع يتحدث بالسياسة وينإتقد رجال العهد الملكي وصادف أن حضر‬

‫‪76‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الباشا نإوري السعيد فجأة وأشار إلى سلمان كنإو خفية بأن ليجعل خليلو‬
‫يحس بوجوده ليستمر بمحاورته عن رجال البلد حيث سأله ارزوقي كنإو عن‬
‫رأيه في نإوري السعيد وأجاب خليلو على الفور بأنإه رجل فاشل إواذا ماتم‬
‫إطلق سباق الخيل )يطلع سكن( ودس نإوري السعيد ثلثة دنإانإير عطااء‬
‫منإه إلى خليلو أمانإة سلمها إلى سلمان كنإو الذي بادر خليلو بقوله ان‬
‫الباشا قبل يومين جاء إلى المحل وتركا لكا هذه المانإة ثلثة دنإانإير وبادر‬
‫خليلو على الفور بأخذها مع شتيمة بغدادية للباشا عنإدها سلم الباشا على‬
‫خليلو وهو غارق من الضحكا حيث اختنإق خليلو من هول المفاجأة ومن ما‬
‫سوف ينإتظره من عقوبة إل أن الباشا استغرق في الضحكا بعد أن اشترى‬
‫بيده مختا ار بعض الفواكه ومضى في طريقه‪ ،‬بينإما بقي خليلو يرتعد خوفا‬
‫من العقاب وأخذ يتلعثم بكلمات منإها "لكا ارزوقي‪ ...‬اشسويت بي‪ "...‬في‬
‫حين يرد عليه سلمان كنإو "لكا خليلو إذا أنإت صاير شرشل احنإا شنإسويلكا"‪.‬‬
‫وبعد هذه الحادثة وعنإد حضور خليلو للمقهى كان الحجي ينإاكده‬
‫قائلا "بابه هاي شنإو أبو‪ ...‬شتيمه‪ ...‬صايرلي تقيم الحكومة أبو طيـ‪...‬‬
‫ضاحكا على خليلو الذي ما زالت رهبة الموقف تعيش في خيلئه ليستطيع‬
‫جوابا بل شاربا القهوة بصمت‪ ...‬وترى الضحكا من الجميع على هذا‬
‫الموقف الذي وضع خليلو نإفسه فيه لدى محل ابن كنإو وقد وصل خبره إلى‬
‫الحجي‪...‬‬

‫‪77‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫النإسة صبيحة المدرس في زيارة خاطفة للمقهى ‪1952‬‬


‫حدثنإي عدنإان أحد أولد الحجي والذي أفنإى سنإين طويلة من عمره‬
‫للقيام بإدارة المقهى خلل فترة الظهيرة إلى نإهاية فترة العصر بأنإه سبق له‬
‫وشاهد النإسة صبيحة المدرس في زيارة للمقهى حيث طلبت لقاء الحجي‬
‫بجانإب طرف المقهى الخارجي وجلست بجانإبه بعد أن رحب بها ترحيبا يليق‬
‫بمقامها سيما وانإها كانإت شخصية مرموقة وجديرة بالحترام وطلب لها‬
‫الشاي والقهوة‪ ،‬وقد كانإت زيارتها خاصة للتشكي من أحد ضباط القوة‬
‫الجوية من رواد المقهى الذي كان يقوم بمعاكستها وقد ارتأت لقاء الحجي‬
‫للطلب منإه إيقافه عنإد حلده وقد وعدها بأنإه سوف يوجه التوبيخ الشديد له‬
‫متعهدا لها بعدم تكرار ذلكا في المستقبل مؤكدا إعجابه بشخصيتها وهي من‬
‫أوائل خريجات كلية الحقوق العراقية وفعلا بعد مغادرتها قام الحجي‬
‫باستدعاء العسكري الذي كان يقطن في الفنإدق المجاور للمقهى ونإهره‬
‫بشدة مهددا إياه تهديدا عنإيفا بعدم التعرض بها مرة أخرى‪ .‬وقد تقبلت‬

‫‪78‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫موقف الحجي وضيافته لها بكل سرور وغادرت بكل ترحاب معبرة عن‬
‫خالص شكرها وتقديرها لهذا الموقف النإبيل لصاحب المقهى‪...‬‬

‫السفر إلى مكة المكرمة لداء فريضة الحج عام ‪1954‬‬


‫قرر خليل الذهاب لداء منإاسكا الحج والعمرة بعد أن استقر على تركا‬
‫السهر ومجالس اللهو والنإصراف للعبادة وكان أثنإاء وجوده في مكة أو‬
‫المدينإة يرافق البعثة الطبية العراقية لمساعدتها في تقديم الخدمات للعراقيين‬
‫المتواجدين في موسم الحج‪ ،‬وعنإد عودته بعد انإتهاء مراسم الحج تم‬
‫استقباله من قبل أهالي الطرف وأصدقائه وكان أشبه بتجمع جماهيري تم‬
‫في ساحة المين وقد كانإت داره في حينإها تقع في شارع المين خلف سينإما‬
‫دنإيا ولم يكن شارع الجمهورية قد نإفذ بعد وكانإت زفة حجي خليل وهو‬
‫مرتديا العقال واليشماغ من حديقة ساحة المين المدورة والتي فيها تمثال‬
‫الرصافي حاليا إلى داره ول زلت أذكر العداد الغفيرة من الهالي تعبي ار منإهم‬
‫عن محبتهم له وهو الذي كان يقف لهم دائما في الملمات صغيرها وكبيرها‬
‫وفعلا كان يوما مشهودا نإحرت فيه الذبائح ووزعت على أهالي المنإطقة‬
‫تيمنإا بعودته‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وقد كان يقينإه بأن يسافر إلى الحج سنإويا لزيارة بيت ال الحرام لغاية‬
‫‪ 1967‬بعد أن ازداد أرق الوقاف المجحف والجوف بمطالبته بإخلء‬
‫المقهى‪ ...‬ومع ذلكا فقد كان يجد في الحج متعة ولذة لتقاوم حيث كان هذا‬
‫الحفل الدينإي السنإوي ملذا له لما له من نإفحات إيمانإية تبعث الراحة في‬
‫النإفوس الزكية‪ ..‬وكانإت لكثرة الزيارات له في المقهى بعد عودته من أداء‬
‫منإاسكا الحج والعمرة تراه يتحدث بشغف عن تلكا الزيارة المباركة وبسرور‬
‫بالغ داعيا من ال سبحانإه وتعالى أن يوفقه للعودة المقبلة‪...‬‬
‫وليمة الغذاء الدائمية في المقهى ‪...‬‬
‫لم يسبق لي ومنإذ طفولتي أن شاهدت الحجي يتنإاول غذائه في دارنإا‬
‫بل جرت العادة على جلب صينإية الغذاء الكبيرة التي كانإت تعدها والدتي‬
‫يوميا إلى المقهى لكثر من أربعين عاما بحيث تكون كميتها كافية لشباع‬
‫عشرة أشخاص كان يتنإاول الغذاء مع عمال المقهى وينإادي بأعلى صوته‬
‫عنإد جلوسه على المائدة في المقهى "منإو جوعان خلي يشاركنإا في الغذاء‬
‫وكذا منإه اللي ما يجي يآكل" وكان غالبا ما يشاركه الغذاء من هو بحاجة‬
‫إليه‪.‬‬
‫ومن الطرافة انإه كان معجبا بأكل )السبانإخ( السبينإاغ مرة أو مرتين‬
‫في السبوع مرددا لعمال مقهاه القول بأن هذه الكلة فيها حديد ويقصد‬
‫فيتامينإات ويبدو أن أحد كبار عماله )زهكت روحه( حيث بادر موجها سؤاله‬
‫إلى حجي خليل‪" ...‬كلي حجي هاي الشيلمانإات مال العكادة اللي بالسكف‬
‫من السبينإاغ"‪ ...‬غص الجميع من الضحكا‪...‬‬

‫‪80‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫غالبا ما كنإت أرى فرحته عنإدما يشاركه المائدة أنإاس جدد ل معرفة‬
‫سابقة له بهم كان يسلره دائما أن يكرم الجالس في مقهاه إوان كان لول‬
‫مرة‪ ...‬كانإت هذه العادة مستمرة حيث يأخذ يوميا عامله )فرحان( طريقه‬
‫إلى الدار الساعة الثانإية ظه ار حاملا بعدها الصينإية النإحاسية الكبيرة على‬
‫رأسه وكانإت هذه الوليمة معروفة بأنإها الوليمة الدائمية الملذ لكل جائع أو‬
‫لمن لم يتسلن له تنإاول الطعام وكان إحساسه بالجوع حاض ار عنإد وصول‬
‫الغذاء كان ينإظر الحجي لها بأنإها نإعمة مباركة بمشاركة الخرين له بها‪.‬‬
‫حكاية الرئيس أول مصطفى‪ ...‬أبو سعاد‬
‫الرئيس أول مصطفى من رواد الجيش العراقي كان مقربا من الحجي‬
‫ومن أصدقائه الوفياء يمتلكا بمكانإته الجتماعية القنإاعة الحقيقية‬
‫والتواضع الصيل هادئا في مجلسه قليل الكلم دائم الجلوس بقرب صاحب‬
‫المقهى واكتسب مكانإته الحقيقية بالرغم من قساوة الظروف التي ملر بها مع‬
‫إنإه على مايبدو كانإت تربطه علقة صداقة قوية مع عبد الكريم قاسم قد‬
‫تكون من أيام الكلية العسكرية‪.‬‬
‫تبدأ حكايته عنإدما كان حاض ار لجتماع ضباط الجيش العراقي الذي‬
‫عقده الوصي عبد الله بعد عودة قوات الجيش من فلسطين وذلكا في نإادي‬
‫الضباط الواقع خلف العدادية المركزية وأثنإاء إلقاء الوصي لخطبته عللق‬
‫عليها الرئيس أول مصطفى بصيحة ساخرة بكلمة )عيع( وبصوت جهوري‬
‫مما تسبب في حينإه بقيام الجهات الرسمية بإحالته على التقاعد عقابا له‬
‫ولقب بعدها بـ)مصطفى أبو العيع( أخذ بعدها بالتواجد بالمقهى صباحا‬
‫ومسااء يوميا تقريبا وقد جرت العادة لديه بقضاء أمسيته اليومية في‬

‫‪81‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المقهى قرب الحجي وبعد العشاء يذهب عائدا إلى منإزله بعد شرائه ما‬
‫يحتاجه من المحال المجاورة للمقهى‪...‬‬
‫وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة بينإما كان جالسا في المقهى كعادته‬
‫شعر بتوعكا وصداع تركا المقهى وقفل راجعا إلى داره‪...‬‬
‫وكان الجو في تلكا الليلة من ليالي شتاء بغداد باردا جدا وبينإما كان‬
‫مستغرقا في نإومه قامت ابنإته سعاد بإيقاظه ليجاد حل حيث انإكسر البوري‬
‫الخاص بالماء الخابط للحديقة وعلى ما يبدو بأنإه استبرد حيث أصابته‬
‫برودة شديدة لم يستيقظ على أثرها صباح اليوم التالي حيث فارق الحياة في‬
‫فراشه‪...‬‬
‫كنإت أمام المقهى ول زلت أذكر تلكا الفتاة )ابنإته سعاد( حيث أراها‬
‫لول مرة جاءت والدموع تنإهمر من عينإها تسأل عن الحجي الذي استقبلها‬
‫وبعد أن استفهم منإها ما حصل لوالدها طلب منإي اصطحابها إلى دارنإا‬
‫لتمكث مع والدتي وشقيقاتي في حين ذهب هو مباشرة ولوحده إلى دار‬
‫المرحوم مصطفى حيث قام بالواجب وكل ما يتطلبه في مثل تلكا الحالة عاد‬
‫بعدها بساعات ليطلب من رواد المقهى مرافقته لتشييع الجنإازة إلى مثواها‬
‫الخير في مقبرة باب المعظم‪...‬‬
‫وفي صباح اليوم التالي واجه الحجي ابنإة المرحوم طالبا منإها القامة‬
‫مع بنإاته في داره معززة مكرمة وهذا أقل ما يمكنإه القيام به لصديق عزيز‬
‫لديه خلف الحسرة واللم لفقده‪ ،‬لكنإي سمعت سعاد قائلة له "عمي أرجو منإكا‬
‫أن تسهل أمر سفري إلى الموصل كي استقر وسط أهلي" وقد تركا الحجي‬
‫لها الختيار وفي اليوم التالي حجز لها سيارة خاصة من نإقليات في شارع‬

‫‪82‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المين له علقة بصاحبها فايق حاج رؤوف طالبا منإه إيصالها إلى باب‬
‫الدار في الموصل على أن يقوم بعدها بإرسال أثاث الدار وشحنإها إلى مكان‬
‫سكنإاها عنإد أهلها‪...‬‬
‫على إنإي ما أزال أذكر الطرافة والضحكة المرحة مع الرئيس أول‬
‫مصطفى عنإدما يلطفونإه وخاصة الحجي بكلمة "عيع"‪...‬‬
‫يبدو أن صرخة )العيع( جاءت عفوية عنإد إطلقها في النإادي‬
‫العسكري في حينإها وقد تكون ربما مقصودة‪...‬‬
‫مرة أخرى معالم حضارية في ساحة المين كما عرفتها‬
‫في أوائل الخمسينإيات كانإت شوارع بغداد تتميز بالنإظافة والحضارة بما فيها‬
‫من محلت ومطاعم فخمة تمتاز مأكولتها بالجودة وكيف أنإسى ساحة المين حيث‬
‫تتوسطها حديقة مدورة جميلة جد ا بأزهارها )بدل تمثال الرصافي الحالي( والمحيط‬
‫الدائري لهذه الساحة كان يزهو نإها ار وأكثر من ذلكا ليلا حيث تحتل مقهى احمد فتاح‬
‫بجنإاحيها الشتوي والصيفي نإصف الساحة تقريب ا يقابلها سينإما رويال الصيفي التي‬
‫اصبحت بعد ذلكا )القاهرة الصيفي( وبجوارها محل عبد المير العادلي لبيع كافة‬
‫أنإواع التبوغ الجنإبية والسيكاير إضافة إلى محلت متنإوعة لبيع الشرابت وأذكر بأن‬
‫هذه السينإما كانإت تقوم بعرض فلم المطرب عبد الوهاب "دموع الحب" طيلة فصل‬
‫الصيف وقد كنإا نإرتادها لمرات عديدة نإجلس في باحتها الصيفية وكنإت أسمع بكاء‬
‫المشاهدين أثنإاء انإفعالهم مع مشاهد الفلم الخيرة عنإدما يغنإي عبد الوهاب أغنإيته‬
‫)أيها الراقدون تحت التراب( وكانإت مقاعد السينإما من الكتان لملئمتها لحرارة‬
‫الصيف مع أن السينإما وفضائها المفتوح يضفي على الجلوس فيها نإوعا من المتعة‬
‫في ليل صيف بغداد )هدمت وشيدت محلها بنإاية الرصافي الحالية(‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أما الركن الثانإي لساحة المين فيه محل لبيع المرطبات السورية حيث كان‬
‫صاحبه عربي من أشقائنإا السوريين المقيمين في العراق وكانإت الدونإدرمة السورية‬
‫)العلوجة( من ألذ وأنإظف مايكون في موسم الصيف تقدم في كازينإو والتي في‬
‫موسم الشتاء يتم تقديم "الحلويات السورية" أما بقية المحلت فقد كانإت صيدليات‬
‫والركن الخر عمارة سامي سعد الدين لمختلف عيادات الطباء كل حسب‬
‫اختصاصه‪ ...‬بينإما تقف بنإاية البنإكا اللبنإانإي المتحد شامخة بجوار الركن المؤدي‬
‫إلى الجسر القديم وطبع ا فقد تم لعقود خلت تهديم بنإاية البنإكا لسباب نإجهلها حيث‬
‫كيف يعقل تهديم بنإاء جديد وحديث وكبير‪...‬‬
‫أمراء النإغم في مواجهة المقهى‪ ...‬آل الجقماقجي‬
‫كان المرحوم الحاج فتحي الجقماقجي من خيار النإاس ومن الفضلء‬
‫ومشهود له بالخلق الرصين ولد في مدينإة العمادية التابعة إلى لواء‬
‫الموصل عام ‪ 1886‬وكان يزاول مهنإة تصليح السلح ومن هنإا جاء اللقب‬
‫الذي عرفت به العائلة "جقماقجي" وتعنإي بالتركية )مصلح السلح( إضافة‬
‫إلى مزاولته العمل في الزراعة ثم الصياغة والمتاجرة بالخيول ونإزح إلى‬
‫الموصل وسكن فيها مع عائلته في بداية العشرينإيات حيث توطدت من‬
‫هنإاكا علقته بالسطة خليل القيسي عنإدما كان يدير مقهى خاص به في‬
‫وسط الموصل قرابة ثلث سنإوات‪.‬‬
‫وفي سنإينإه الخيرة في الموصل بدأ الحاج فتحي بمزاولة تجارة‬
‫المذياع والكرامافون والسطوانإات وقد كانإت هذه المهنإة نإادرة في حينإها‬
‫وبعد أحداث ‪ 1941‬نإزح الحاج فتحي مع عائلته للستقرار والعمل في بغداد‬
‫في نإفس المهنإة حيث اتخذ محلا واسعا مقابل المقهى مباشرة بصحبة أولده‬

‫‪84‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الربعة محمد عارف وسامي وعبد ال ومحمد واجد والذين أرثوا عن والدهم‬
‫عصامية أخلقية امتزجت مع أبنإاء الشعب البغدادي‪.‬‬
‫وعنإدما ظهر المسجل لول مرة في العراق والذي كان يسمى "أبو‬
‫الواير" كان الحاج فتحي أبو عارف من الرواد الوائل لرعاية النإغم من الذين‬
‫استوردوا هذا المسجل وكانإت رحلة طويلة مع احتضان النإغم ومسايرة تطوره‬
‫من قبل هذه العائلة التي احتكرت صنإاعته وعملت على تطويرها من بدء‬
‫السطوانإة الصادرة عن تسجيلت جقماقجي والتي شملت أصوات مطربي‬
‫النإغم من عبد الوهاب وأم كلثوم واسمهان وسليمة مراد ومحمد القبانإجي‬
‫ويوسف عمر ونإاظم الغزالي وعبد الحليم حافظ وآخرين غيرهم من المطربين‬
‫العرب وكذلكا تسجيلت تلوة القرآن الكريم لخيرة المقرئين‪ .‬لقد كانإت‬
‫أصوات النإغم الصادرة من المحل تبهج النإاس ورواد المقهى والمالرة عبر‬
‫وسط شارع الرشيد وكثي ار ما كنإت أسمع حجي خليل يصرخأ بأعلى صوته‪...‬‬
‫هلو‪ ..‬هلو حين سماعه الغنإاء الصيل لنإاظم الغزالي مع ان الحاج فتحي‬
‫في شيخوخته كان من رواد المقهى الدائمين من الصباح حتى صلة الظهر‬
‫حيث تقله سيارتهم الخاصة إلى داره الكائنإة في الوزيرية وكثيرا ما كان‬
‫يصحبنإي معه لتوصيلي إلى دارنإا التي سكنإاها في الوزيرية بعد انإتقالنإا من‬
‫محلة العاقولية قرب جامع الحيدرخانإة وكانإت الدار الجديدة مواجهة لدار‬
‫نإوري السعيد القديمة والتي أصبحت بعد ذلكا السفارة المصرية ثم أكاديمية‬
‫الفنإون الجميلة‪...‬‬
‫كان عاشق النإغم ملزما بعفوية مفعمة بحب الحياة وعشقها ويرنإو‬
‫دائم ا إلى تطوير هذه الصنإاعة الوطنإية من خلل امتزاج أحاسيس النإاس‬
‫ومشاعرهم طبقا للجواء الجتماعية التي كان يعيشها أهل بغداد وكثي ار ما‬

‫‪85‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كنإت أرى شخصيات بارزة من رجال الدولة والمجتمع البغدادي في زيارات‬


‫دائمية لمحلت جقماقجي‪..‬كما كانإوا دائما في استضافة المطربين العرب عنإد‬
‫مجيئهم إلى العراق‪..‬ولكن الن من يسمع الكرامافون وأين السطوانإات وما‬
‫حل بها بعد تطور صنإاعة النإغم وظهور الكاسيت ثم سي دي‪...‬‬
‫في نإهاية الستينإيات انإتقلت تسجيلت جقماقجي إلى الباب الشرقي‪...‬‬
‫رحم ال آل الجقماقجي وأجزل ثوابهم فقد كانإوا مثالا للكرم وطيب‬
‫الخلق والسماحة والسمعة الحسنإة وصدق المعاملة‪...‬‬

‫خاطرة‪ ...‬في تجاذب المحادثة لدى البغداديين‬


‫عائلة الصفار كانإت من العوائل البغدادية المعروفة وكانإت صلة‬
‫أبنإائهم بالحجي قوية ومتينإة وفي أحد اليام ظه ار كان يجلس قربه عبد‬
‫الرحمن الصفار المحامي وكان يساري التفكير وفجأة ملر موكب الوصي‬
‫على العرش عبد الله وقام الحجي كعادته بالوقوف أمام المقهى لداء‬
‫التحية للوصي الذي بدوره يبادر بتحيته كلما كان في حالة ذهاب أو إياب‬
‫للبلط الملكي وعنإد رجوع الحجي للجلوس بدأ عبد الرحمن بإرسال الشتائم‬
‫على الوصي والتهجم على النإظام وقد كان رد الحجي له "بلكت ال يهديكا"‬
‫باعتباره يساري ا ويرد عليه الجواب "هذا شنإو حجي انإت تقوم تسلم عليه"‬
‫وكان رده انإه من العائلة الهاشمية ومن سللة فيصل الول الذي بنإى‬
‫العراق ووضع أسس الدولة العراقية‪.‬‬
‫هكذا كانإت الحياة لدى البغداديين تحاورهم أشبه بالمجاملة بالرغم‬
‫مما يتخلله تفاوت في الراء حيث كان الشعور بسريان المحبة بين البغادة‬
‫تكاد تتحسسه في مجمل حياتهم الجتماعية‪...‬‬

‫‪86‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫آخر احتفال بيوم الجيش في ‪ 6/1/1958‬معسكر الرشيد‬


‫عنإدما تحاول أن تجمع الذكريات التي لم يسبق لكا أن حضرتها تلكا‬
‫مهمة البحث عن الحقيقة الخاصة بها خاصة وان التقيت بمن عاشها‬
‫شخصياا‪ ،‬وقد أسعفنإي الحظ بلقاء الستاذ الفاضل ثامر فهد سعود الجبوري‬
‫وهو من السرة التعليمية في العراق وآخر منإصب تعليمي تقلده كان مديرا‬
‫لعدادية الصنإاعة في الكرخأ من عام ‪ 1981‬لغاية عام ‪ 1992‬كان قديم ا‬
‫من سكنإة محلة الشيخ علي في الكرخأ ومن أصدقاء الحجي وقد ذكر لي‬
‫ل‪:‬‬
‫هذه الخاطرة قائ ا‬
‫"اعتاد الجيش العراقي الحتفال السنإوي يوم التأسيس في ‪ 6‬كانإون‬
‫من كل سنإة بمسيرة للقوات العسكرية وآلياتها في شارع الرشيد ولغاية وزارة‬
‫الدفاع إضافة إلى احتفال رسمي في ساحة الكشافة وفي عام ‪ 1958‬تم‬
‫الحتفال لول مرة باستعراض عسكري في معسكر الرشيد حضره الملكا‬
‫فيصل الثانإي والوصي عبد الله وعدد كبير من الدبلوماسيين والهالي‬
‫إضافة إلى ضباط الجيش وكان حجي خليل برفقة الشيخ راجي آل جلب‬

‫‪87‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وهو شيخ الكرع في الحمزة وطبيعي كان يرتدي الزي الصاية والجاكيت مع‬
‫العكال كما يبدو في الصورة وكذلكا الحجي أيض ا اعتمر العكال بدل الجراوية‬
‫وكنإت جالسا معهم وبعد نإهاية الحتفال والنإتهاء من عزف السلم الملكي‬
‫وعنإدما كان جلوسنإا قريب من المقصورة الملكية وعنإد الخروج أدى الحجي‬
‫التحية إلى العائلة المالكة وبادره الوصي بالقول لم أستطع التعرف عليكا‬
‫بالعكال أين الجراوية ياحجي خليل ورد عليه "سيدي زميلي ورفيقي الشيخ‬
‫راضي جلب يعتمر العكال ورأيت من الملئم والمنإاسب أن أجاريه بالزي‬
‫واعتمره أيضا بدل الجراوية إكراما لرفقته عنإدها ضحكا الملكا والوصي‬
‫واستقلوا السيارة الملكية"‪.‬‬
‫كما أخبرنإي الستاذ ثامر بالعديد من ذكريات المقهى عنإدما كان‬
‫حضوره متمي از مع أقربائه من آل حداد وآل دراغ إضافة إلى لقائه مع‬
‫أصدقائه من العسكريين كما كانإت لديه مواقف شخصية عديدة‪.‬‬
‫ويبدو أن العرف البغدادي وهذا ما ألفته شخصيا عنإد الخروج مع‬
‫الصدقاء في منإاسبة معيته يتم ارتداء زي شبه موحد كالدشداشة مثلا أو‬
‫لبس البدلة كاملة أو العقال أو الجراوية وحسب طبيعة المنإاسبة أو‬
‫اللقاء‪ ...‬ولكن لم تكن هذه العادة لدى الجميع‪...‬‬
‫ولكن الحدث مؤلم إنإه كان هذا آخر استعراض تحضره العائلة الملكية‬
‫في العراق قبل أحداث ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬بمنإاسبة عيد الجيش‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪ 14‬تموز ‪ 1958‬ذاكرة لتنإسى‬


‫في صباح ذلكا اليوم تم افتتاح المقهى كالعادة قبل الساعة السادسة‬
‫وحضر حجي خليل كعادته قبل السابعة بقليل وكان سماع تلوة القرآن‬
‫الكريم من الذاعة كباقي اليام وفجأة بعد ختم القراءة بدأت الذاعة بإذاعة‬
‫النإاشيد الوطنإية منإها نإشيد الفتوة ونإشيد ال أكبر ثم بدأ بعدها إذاعة بيان‬
‫النإقلب العسكري من قبل المرحوم العقيد عبد السلم محمد عارف الخاص‬
‫بإسقاط النإظام الملكي وكنإا نإسكن حينإها في الزقاق الذي يبعد بمسافة قليلة‬
‫عن المقهى في محلة الخشالت المحاذية لجامع الحيدرخانإة‪ ،‬وقد رأيت‬
‫الحجي ولول مرة في حياتي وعينإاه تدمع لسماعه الخبار الدموية حول‬
‫مقتل العائلة المالكة‪...‬‬
‫وفجأة ملر من أمام المقهى عدد من الدبابات العسكرية يترجل‬
‫المامية منإها العقيد عبد اللطيف الدراجي وقد توجه بتحيته المقصودة إلى‬
‫الحجي وعلئم السرور بادية على وجهه مللوحا بيده بإشارة النإصر )‪(V‬‬
‫وقد لمست في تلكا اللحظات كم كان الحجي متألما على أحداث ذلكا اليوم‬

‫‪89‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وفواجعه بالرغم من أن الذين نإفذوا النإقلب كانإوا من أصدقائه العسكريين‬


‫المقربين‪ .‬وبعد أكثر من ساعة قام أحد الغوغاء بعد أن حملته شلة من‬
‫المتواجدين في الشارع على أكتاف أحدهم أمام المقهى مطالبا بإنإزال صور‬
‫العائلة المالكة المعلقة على جدران المقهى وقسم منإها خلف مكان جلوس‬
‫الحجي حيث كانإت صور المغفور له الملكا فيصل الول والمرحوم الملكا‬
‫غازي والمرحوم الملكا فيصل الثانإي معلقة وحينإها نإادى الحجي على أحد‬
‫عمال المقهى طالبا منإه إنإزال الصور والحسرة المفعمة باللم بادية على‬
‫محياه‪...‬‬
‫كنإت أراقب مجريات الحداث المؤلمة التي جرت صباح ونإهار ذلكا‬
‫اليوم عنإدما رأيت الغوغاء تقوم بسحل عدد من جثث القتلى العارية وقد‬
‫علمت بعدها ان اثنإين منإهم أجانإب واثنإين آخرين من الردن تم قتلهم أمام‬
‫أحد فنإادق الدرجة الولى في السعدون )أمام فنإدق بغداد( وبدون مبرر كان‬
‫منإظ ار مؤلما مع انإي قبل ساعة من هذه الرؤية كنإت قد سمعت بأن الوصي‬
‫عبد الله معلقا في جانإب الكرخأ قرب نإهاية الجسر القديم وقد ذهبت إلى‬
‫مكان الحادث مسرعا لمشاهدة هذه الشخصية التي سبق ووقع عليها نإظري‬
‫لمرات عنإد مرورها من أمام المقهى بالموكب الملكي أو في ساحة الكشافة‬
‫عنإدما كان يصحبنإي الحجي معه لمشاهدة لعبة كرة القدم‪ ...‬كان الوصي‬
‫معلقا بحبل وهو جثة عارية وقد ربط الحبل بشرفة أحد الفنإادق الركنإية‬
‫المواجهة لدائرة التقاعد الحالية وعلى ما أذكر كان فنإدق الخلود أمام‬
‫مصرف الرافدين فرع الخلود الحالي تماماا‪ ،‬والغرابة في ذلكا المشهد المروع‬
‫قام أحد المواطنإين وكان على مايبدو من هيئته قصابا بدين البنإية يرتدي‬

‫‪90‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫دشداشة مربوطة بحزام جلدي عريض تتدلى من نإاحيته اليمنإى ساطو ار وقام‬
‫بسحب الساطور وقطع أرجل الوصي راميا بها إلى الجماهير التي قابلته‬
‫ومنإهم النإسوة بالزغاريد الرلنإانإة في حين ان من مسلمات الشرع السلمي‬
‫محرم عليهن النإظر إلى هيئة الرجل وهي عارية بالتمام‪...‬؟؟‬
‫أصابنإي الذهول لحد القيء من هذا المنإظر وأخذت راجعا مسرعا إلى‬
‫المقهى وكان الجسر خاليا وعنإد مروري من أمام بنإاية المتحف رأيت أحد‬
‫العسكريين المتقاعدين من رواد المقهى الذي استوقفنإي لسؤالي عما‬
‫شاهدته وأجبته بعدم الذهاب لبشاعة الموقف ومع ذلكا أجابنإي بأن عليه‬
‫الذهاب لمشاهدة مصير الخونإة وكانإت الشماتة والفرح بادية عليه‪...‬؟؟‬
‫وصلت أمام المقهى والقاويل كثرت حول هوية الجثث المسحولة في‬
‫الشارع‪ ،‬قسم يقول إحداها تعود إلى صباح نإوري السعيد مع انإه لم نيقتل إل‬
‫بعد ثلثة أو أربعة أيام من النإقلب‪ ،‬لكنإها كانإت غوغاء القتل والتمثيل‬
‫بجثث الضحايا البرياء‪ ..‬ثم تم بعد ذلكا سحل جثة عبد الله عبر الجسر‬
‫مرو ار بساحة المين حيث علقت مجددا حسبما سمعت أمام وزارة الدفاع في‬
‫شرفة البنإاية المواجهة لوزارة الدفاع وأسفلها كان محل بيع لبن أربيل‬
‫المشهور‪.‬‬
‫وأعلن بعد مرور أيام عن مقتل نإوري السعيد الذي تم نإقل جثته إلى‬
‫وزارة الدفاع ليطلع عليها قادة النإقلب وقيل انإها دفنإت ليلا في مقبرة باب‬
‫المعظم حيث قامت الغوغاء صباح اليوم التالي بنإبش أحد القبور لتقوم‬
‫بسحلها ويبدو ان تلكا الجثة قد مضى على دفنإها أكثر من شهر تقريبا لنإها‬
‫أخذت بالتفسخ أثنإاء سحلها وعنإد مرور الغوغاء بها من أمام مقهى حسن‬

‫‪91‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫عجمي قام أحد شباب المنإطقة بدهسها عمدا بلوري انإترنإاش أحمر كبير‬
‫تعبي ار عن أحقاده المكبوتة وحسب علمي بأنإه كان طالبا في العدادية‬
‫المركزية ‪ 1957-1956‬عنإدما تم فصله وطرده لعتدائه على إدارة‬
‫المدرسة في حينإها وكان نإصيب المفصول وقتها أن يعاقب بسوقه إلى‬
‫الخدمة العسكرية مما تسبب في إيغال الحقد والكراهية في نإفسه مع إنإه كان‬
‫من عائلة معدومة‪.‬‬
‫وعنإد حلول مساء ذلكا اليوم بدأ الشارع يخلو من المالرة بعد أن تركت‬
‫الجماهير التي ألم بها التعب بقايا من أشلء الجثة المسحولة على الساقية‬
‫المقابلة لمحل ابن كنإو لبيع الفواكه وقد اعترانإي نإوع من الذهول المروع‬
‫لرؤية بقايا الحشاء الداخلية لنإسان كان يأتي لمحل ابن كنإو للتسوق‬
‫وأصبحت شبه أخرس لأستطيع النإطق من هول فجاعة المشهد عنإدما‬
‫نإادى علي المرحوم عبود الصفار صاحب محل الحلويات المجاور لمحل ابن‬
‫كنإو قائلا بصوته الجهوري "مو كنإالهم أتره نإتيجته موزينإه عليكم هاي‬
‫تاليهه‪."...‬‬
‫وبالرغم من كل تلكا الحداث في تلكا اليام لم ترهب حجي خليل كي‬
‫يغلق مقهاه مع إنإها لم تغلق يوما ما إل أثنإاء فرض منإع التجول في أحداث‬
‫العراق السابقة واللحقة‪...‬‬

‫‪92‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الحادية عشرة صباح ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬أمام المقهى‪ ...‬مرة أخرى‬


‫كان يوما عاصفا في تأريخ العراق كنإت شاهدا عليه في شارع الرشيد‬
‫عنإدما بدأت الجماهير بسحل جثث عائدة لنإاس غير عراقيين قيل اثنإان‬
‫منإهم عرب وآخرين أجانإب كانإوا متواجدين حسب سماعنإا بعدها أمام فنإدق‬
‫بغداد نإزلء تعرضوا لهجوم المتظاهرين الذين قاموا بقتلهم وسحلهم وكان‬
‫موكب سحل الجثث آتيا من جهة وزارة الدفاع مخترقا شارع الرشيد باتجاه‬
‫ساحة المين وأثنإاء هذا الكرنإفال الدموي رأيت أحد المشاركين في عملية‬
‫السحل بعد أن أنإهكه التعب وقف ليرتاح أمام المقهى وأخذ يصيح بأعلى‬
‫صوته "آخأ ال‪ ...‬قصر وسيارة غيرها ما أقبل‪ ...‬مومتنإا" ورأيت الحجي يرد‬
‫عليه "أي هاي هي من‪ "...‬وبدون تردد‪...‬‬
‫ق إل بقايا متقطعة من أوصال‬
‫وعنإد حلول الظلم هدأ الشارع ولم تب ل‬
‫الجثث هنإا وهنإاكا وتم إزاحتها بالرجل إلى السواقي المحاذية لرصيف‬
‫الشارع‪ ...‬وانإتهى ذلكا اليوم الحافل بالحداث‪...‬‬

‫‪93‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫اعتقال حجي خليل في ‪ 19‬تموز ‪1958‬‬


‫في الحادية عشرة من صباح ذلكا اليوم وقفت أمام المقهى سيارة‬
‫عسكرية )جيب( تتبعها أخرى مليئة بستة من أفراد النإضباط العسكري وبعد‬
‫أن ترجل ملزم أول من السيارة الولى تبعه فو ار النإضباط العسكري‬
‫المسلحين وتم الستفسار من ضابط القوة عن صاحب المقهى المدعو‬
‫"حجي خليل" ورأيت حينإها علئم الدهشة المليئة بالحزن والقلق من معظم‬
‫رواد المقهى لدللة الموقف عن عملية إلقاء قبض أو توقيف في ظروف‬
‫تلكا اليام وتم اقتياد الحجي مع القوة العسكرية بعد إشعاره بأمر القبض‬
‫عليه من السلطة العسكرية‪ ...‬ولحظت في حينإها كثرة القاويل منإها بسبب‬
‫عدم تنإزيل الصور الملكية المعلقة في المقهى صبيحة ‪ 14‬تموز إل بعد أن‬
‫تم سحل عدد من الشخاص المغدورين في شارع الرشيد مرو ار من أمام‬
‫المقهى وبعض الرواد صرحوا بأن إلقاء القبض نإتيجة اعتزازه وحبه للعائلة‬
‫المالكة مع أنإه في الواقع كان شديد العجاب بالنإظام الملكي‪ .‬وتوجهت‬
‫القوة العسكرية إلى آمرية موقع بغداد في الكرنإتينإة مقابل موقع النإضباط‬
‫العسكري في حينإها والذي يبعد مسافة عن باب المعظم قرب المتوسطة‬
‫الغربية‪...‬‬
‫كان آمر الموقع العقيد عبد اللطيف جاسم الدراجي من كبار الضباط‬
‫الحرار وكان في نإفس الوقت من الصدقاء المقربين إلى الحجي وعنإد‬
‫إدخاله عليه كان بمعيته مجموعة من العسكريين ولم يطلب من الحجي‬

‫‪94‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الجلوس بل بادره أحد العسكريين من الضباط "أنإت من العهد المباد وعميل‬


‫العائلة المالكة‪ ...‬اعترف بذلكا أمام الشهود وكنإت دائما لتوافق على‬
‫المساس بما يسيء إليهم من القول‪ ...‬انإت خائن‪ ...‬ماهو جوابكا لما ولجه‬
‫إليكا من اتهام‪...‬؟‬
‫وتوجه الحجي بالنإظر إلى زميله عبد اللطيف الدراجي الذي تجاهل‬
‫بغضب مايجري أمامه‪ ...‬حينإها انإفعل الحجي بقوله "انإي لست خائنإا حيث‬
‫لم يسبق لي أن تخرجت من الكلية العسكرية وأقسمت اليمين بأن ل أخون‬
‫لن الخيانإة ليست في دمي موجها كلمه إلى آمر الموقع الذي استمر‬
‫بتجاهله ثم تنإاول سماعة التلفون ليكلم أحد العسكريين بالقول "سيدي تم‬
‫إجراء اللزم وسوف يتم إيداع المتهم في بنإاية السجن المركزي الواقعة في‬
‫باب المعظم )وزارة الصحة حالياا( مع أذنإاب العهد البائد لحين محاكمته(‪.‬‬
‫ثم نإودي على الملزم الول وأفراد قوته لخذ المتهم إوايداعه في الموقف‬
‫العام وعنإد صعوده إلى السيارة العسكرية اتجهت إلى شارع الرشيد وقال‬
‫الحجي "أشو احنإه عبرنإا السجن المركزي لعد وين رايحين‪ ...‬أجابه الضابط‬
‫آنإي مكلف بأخذكا إلى الهيئة التحقيقية لسجن رقم )‪ (1‬في معسكر الرشيد‬
‫وبعد فترة وجيزة عنإد مرور السيارة أمام المقهى توقفت وطلب من الحجي‬
‫النإزول من السيارة مع العتذار حينإها أدركا الحجي بأنإها مسرحية من‬
‫إخراج الدراجي وبعد مرور يومين عنإدما جاء إلى المقهى للمرة الولى بعد‬
‫انإقلب ‪ 14‬تموز هجم عليه الحجي بصينإية الدخل حيث تراجع الدراجي‬
‫وكاد يغرق من الضحكا في حينإها قائلا "ها حجي هذا خوش جطل" ورد‬
‫عليه "لكا آنإي أبقى اهواهم"‪...‬‬

‫‪95‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بقيت تلكا الحادثة يتنإدر بها الضباط الحرار وعلى جرأة الحجي التي‬
‫لم تعرف الخوف يوما ما بالرغم من فورة الشارع الغوغائية ومع انإها كانإت‬
‫مفتعلة إل انإها لتخلو من حقيقة معدن الرجال في المواقف الصعبة‪...‬‬
‫ب الخلف‬
‫وتغيرت ظروف الضباط الحرار بعد عدة شهور حيث د ل‬
‫بينإهم وتم اعتقال الدراجي حيث اعتبر من أنإصار عبد السلم عارف ثم‬
‫أطلق سراحه بعد مرور سنإة أو أكثر على ما أذكر من قبل الزعيم عبد الكريم‬
‫قاسم تم تعيينإه بعد فترة سفي ار خارج العراق وكنإت أراه يرتاد المقهى جالسا‬
‫بجانإب صاحبها في زيارة خاصة له عنإد مجيئه لبغداد وقد سألنإي رحمه ال‬
‫في حينإها ماذا أنإوي أن أدرس بعد تخرجي من العدادية المركزية وكان‬
‫جوابي دراسة العلوم السياسية وقال جيد أسرع بالتخرج كي نإقوم بتعيينإكا في‬
‫السلكا الدبلوماسي وكانإت مبادرة تدل على أدبه ولطفه رحمه ال‪...‬‬
‫ونإظ ار لمتغيرات المور السياسية المتسارعة في العراق وبعد أن‬
‫أصبح عبد السلم عارف رئيسا للجمهورية تم تعيين الدراجي وزي ار وقد‬
‫استشهد معه في حادث سقوط الطائرة العسكرية المروحية المفتعلة في‬
‫البصرة مع عدد كبير من الوزراء والمسؤولين‪.‬‬
‫رأيت الحجي صباح ذلكا اليوم عنإد سماعه الخبر قد ألم به حزن‬
‫شديد وفاض به فيض من غضب حيث بعض الذين لقوا حتفهم من أصدقائه‬
‫ومعارفه المخلصين حينإها مازحه أحد العسكريين المتقاعدين الذي كانإت‬
‫الفرحة بادية عليه أثر الحدث قائلا "حجي جماعتكا انإتهى فلمهم" ورد عليه‬
‫الحجي بخشونإة تحمل قسوة الكلم لمعرفته بملمح شخصيته المخجلة‪...‬؟؟‬

‫‪96‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ومع ذلكا ل زلت أذكر صباح ‪ 14‬تموز عنإد مرور المرحوم الدراجي‬
‫مرتجلا دبابة عسكرية متوجهة لحتلل وزارة الدفاع مع عدد من العسكريين‬
‫وقد رأيته يلوح إلى الحجي بعلمة )‪ (V‬بيده اليمنإى وهو يبتسم ابتسامة‬
‫عريضة وأراد بذلكا الممازحة كي‪ ...‬يغيض صاحبه بعلمة النإصر‪...‬‬

‫شباط ‪ -1959‬المسيرة الشعبية واشتراكا الشرطة العراقية فيها‬


‫جرت العادة في السنإوات الولى التي أعقبت ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬كانإت‬
‫في نإهاية كل شهر يجري تنإفيذ مسيرة شعبية تبدأ من ساحة الجنإدي‬

‫‪97‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المجهول )ساحة الفردوس( حاليا لتنإتهي أمام وزارة الدفاع وخلل مسيرها‬
‫تمر من أمام المقهى وفجأة ملر لوري للشرطة مليء بأفراد الشرطة العراقية‬
‫بقيادة أحد مفوضي الشرطة )أحد زبائن المقهى( والذي كان يهتف عاليا‬
‫والشرطة تردد خلفه "اسألوا الشرطة وماذا تريد وطن حر وشعب سعيد"‬
‫والمفوض يشمر بذراعيه إلى العلى‪ ،‬كنإت حينإها واقفا أمام المقهى‬
‫لمشاهدة المسيرة وسمعت )الحجي( ينإادي إلى مفوض الشرطة الذي هو‬
‫من معارفه وأصدقائه ومن رواد مقهاه بقوله "لكا ترس هاي شنإو" حينإها‬
‫أجابه المفوض على الفور "حجي خاطر ال بس علينإا مو حرام مالنإا حق"‬
‫والذي كان يقصده مفوض الشرطة بأن للشرطة حق أيضا في المزايا التية‬
‫التي قد يتمتع بها غيرهم‪ .‬حينإها رأيت الحجي يضحكا لجواب المفوض الذي‬
‫كان يطرحه بجدية لشهار دور الشرطة في التعبئة الجماهيرية بعد أن كان‬
‫جهازها محتويا على النإظام السابق وأثنإاء ذلكا مقابل المقهى قرب صيدلية‬
‫كاكا كان "عبد علي" بائع الفواكه وهو شخصية بغدادية محبوبة لدى‬
‫الجميع بأخلقه الطيبة كان حينإها واقفا على كرسي منإاكدا )الحجي( بهتافه‬
‫"على عنإاد حجي خليل صرنإا شيوعية" يرد عليه )حجي( "لكا‪ ...‬كو‪...‬‬
‫أحمر" والغريب ان عبد علي لكثرة تعلقه بشخصية عبد الكريم قاسم لم‬
‫يرغب أن يقنإع نإفسه بمقتله في شباط ‪ 1963‬وكنإت كثي ار ما اتحدث معه‬
‫أراه ينإفث سيكارته بحسرة وألم عنإدما يتحدث عن الزعيم وبقي على هذه‬
‫الحال حتى بعد أن ابتله مرض الربو الحالد وقمت مع زميلي عصام محمد‬
‫رؤوف الدوري بزيارته أثنإاء رقوده في مستشفى المجيدية )مدينإة الطب‬
‫حالياا( وكان ودودا حتى وهو على فراش المرض وقمنإا بمداعبته حول آرائه‬

‫‪98‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫السياسية التي لتخلو من الحس الوطنإي والبراءة في وقت واحد بعفويتها‬


‫عنإدما يقوم بطرحها بشكل ساخر‪...‬‬
‫وكان عبد علي من أهالي الكرادة الشرقية استقر منإذ عقود في منإطقة‬
‫محيط المقهى حيث سكن في زقاق الخشالت ومارس بيع الفواكه في‬
‫المنإطقة وعنإدما أقعده المرض كنإت أرى الخوة من آل حمرة يقومون بزيارته‬
‫م ار ار للطمئنإان على صحته حيث كان محبوبا واجتماعيا وكثير المجالس‬
‫في حياته إلى أن أقعده المرض‪ ...‬وتوفي إلى رحمة ال في أوائل‬
‫السبعينإيات‪...‬‬

‫مقابلة حجي خليل مع الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع في‬
‫آذار ‪1959‬‬
‫استلم الحجي رسالة من ولده إسماعيل الذي سافر إلى لنإدن عام‬
‫‪ 1956‬للدراسة وقد طلب في رسالته من والده أن يضمه إلى البعثة‬

‫‪99‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الطلبية في لنإدن أسوة بطلب البعثات لنإه حصل على قبول في جامعة‬
‫برمنإكهام بعد اجتيازه ‪ GCE‬الذي يؤهل الطلبة في لنإدن الدخول إلى‬
‫الجامعة وأرسل مع الرسالة القبول الخاص بالجامعة طالبا من والده السعي‬
‫للحاقه بالبعثة حتى يتمكن من إعفائه تحمل أعباء نإفقات الدراسة على‬
‫حسابه الخاص والتي أرهقته‪...‬‬
‫وعلى أثر ذلكا قدم حجي خليل عريضة مرفقة بالقبول الجامعي قام‬
‫بتقديمها إلى وزير القتصاد الدكتور إبراهيم كبة حسب العائدية في حينإها‬
‫وعنإد مقابلته للسيد الوزير الذي لم تكن له معرفة سابقة به رفض طلبه‬
‫على أساس أن نإظام البعثات ينإص على منإح الطلبة العراقيين القبول من‬
‫بغداد وفق السياقات الخاصة بذلكا وكان رفضه فيه بعض العجرفة إل ان‬
‫الحجي أجابه لداعي لهذه العصبية وان من حقي قبوله لن تكاليف الدراسة‬
‫ليست من البساطة تحملها‪...‬‬
‫استاء الحجي من موقف السيد الوزير جدا وكنإت أراه متألما وفي‬
‫مساء ذلكا اليوم وعنإد ارتياد العقيد غنإي عبد الستار المقهى وكان سكرتير‬
‫وزير الدفاع في حينإه طلب منإه قائلا "أبو حسان أريد أشوف الزعيم عبد‬
‫الكريم قاسم وأرجو أن تدبر لي مقابلة معه لعرض الشكوى الخاصة بولدي‬
‫إسماعيل بخصوص قبوله في البعثة وفعلا بعد يومين اتصل أبو حسان عن‬
‫طريق الهاتف العمومي للمقهى طالبا منإه الحضور إلى وزارة الدفاع لمقابلة‬
‫الزعيم الذي فرح بطلب المقابلة وكان مسرو ار عنإد لقائه وعنإدما عرض‬
‫الموضوع عليه بادر بالموافقة فو ار على العريضة وطلب المنإح الفوري‬
‫للطالب إسماعيل خليل القبول في البعثة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كانإت مفاجأة للدكتور إبراهيم كبة قد استاء منإها ونإلوه عنإها في كتابه‬
‫عن ‪ 14‬تموز‪ .‬وقد فرح الحجي باللقاء والمقابلة وبالترحيب الذي حفل به‬
‫س مواقف الحجي تجاه أقرانإه من‬
‫حيث كما يبدو أن عبد الكريم قاسم لم ينإ ل‬
‫العسكريين سيما وانإه عاصره من محلة سكنإاه في قنإبر علي منإذ‬
‫العشرينإيات وعنإدما كان طالبا في العدادية المركزية ورفيقا لبن عمته‬
‫العميد محمد علي جواد قائد القوة الجوية في عهد الملكا غازي كما انإه لم‬
‫س بأنإه المدنإي الوحيد من العراق الذي قام بزيارة قطعات الجيش العراقي‬
‫ينإ ل‬
‫في فلسطين وكان يرى فيه الجرأة أثنإاء توزيعه المواد الغذائية على أفراد‬
‫الجيش العراقي من مختلف الرزاق الجافة‪ ...‬ومع ذلكا كان موقفه المتسم‬
‫بالوفاء للحجي مثالا لتقدير الخرين لمواقفهم طالما كان ما يردد في‬
‫المجتمع البغدادي بأن "النإسان موقف"‪...‬‬

‫سعيد قزاز وخواطر بغدادية‬


‫في إحدى ليالي بغداد الباردة عرجت على المقهى مع أحد زملئي‬
‫كانإت مكتظة بالرواد لمشاهدة وسماع محاضر محاكمة "سعيد قزاز" أمام‬
‫محكمة الشعب والتي تنإقل نإقلا مباش ار من تلفزيون بغداد وذلكا بداية عام‬

‫‪101‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪ ...1959‬رأيت حجي خليل عصبي المزاج ومغضبا وعنإد استفساري عن‬


‫السبب تبين بأنإه رأى أحد رواد مقهاه يدلي بشهادة موبوءة ضد "سعيد قزاز"‬
‫وكانإت شهادة مخزية جدا ومليئة بقذارة الفصاحة الكلمية بعيدة كل البعد‬
‫عن المصداقية لتليق بشخصية المتهم الذي أفنإى سنإين عمره في خدمة‬
‫العراق بعد أن قدم العمال الجليلة المتسمة بالحرص على سلمة الصالح‬
‫العام وشاركا في بنإاء المؤسسات للدولة العراقية ولعل خدماته في الموصل‬
‫عنإدما كان متصرفا دليلا حيا على ما قام به وخصوصا قضائه على قطاع‬
‫الطرق والعصابات في شمال الوطن وخلق السياحة للعراقيين في ربوع‬
‫الشمال ولعل دوره البارز في إدارة شؤون البلد الداخلية وانإقاذه بغداد من‬
‫الغرق أثنإاء فيضان عام ‪ 1954‬عنإدما قرر المسؤولين اخلئها ورفض‬
‫تنإفيذ ذلكا بشدة وتعهد بإنإقاذها بعد أن جنإد قوات الجيش والشرطة وكل‬
‫الطاقات البشرية المتاحة للقيام برصف السدود الترابية وبذلكا أزال تهديد‬
‫الفيضان‪...‬‬
‫كما كان لعدالته الموسومة بالشجاعة في كل ما له صلة باحترام‬
‫القانإون جديرة بالشارة عنإدما تحدث أحد شرطة المرور الذي كان من ضمن‬
‫واجباته الوقوف أمام المقهى بمواجهة شارع المتنإبي لتنإظيم حركة المرور‬
‫وكان حديثه مع الحجي تنإاول التي‪ :‬حجي قبل أسبوع كان مهام عملي في‬
‫ساحة المين عنإدما ركن أحد الشباب الثرياء سيارته الخاصة في فنإاء‬
‫الساحة وهو مكان غير مسموح فيه للوقوف وعنإد طلبي منإه عدم الوقوف‬
‫نإهرنإي بشدة بأنإه ابن معالي رئيس الوزراء في حينإها ووجه صفعة في‬
‫وجهي وعلى أثر ذلكا ذهبت إلى مقابلة وزير الداخلية "سعيد قزاز" وعنإدما‬

‫‪102‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫عرضت عليه شكايتي أمر فو ار بإصدار أمر بإلقاء القبض على ابن رئيس‬
‫الوزراء إوايداعه السجن‪ ...‬وقد علمت بأن رئيس الوزراء اتصل به لغرض‬
‫إطلق سراح ابنإه معاتبا إياه على توقيفه الذي أجابه بدوره أن ابنإه خالف‬
‫القانإون وأساء إليكا ولم يحترم منإتسبي الدولة العراقية بل قام بالعتداء على‬
‫أحدهم أثنإاء قيامه بتأدية واجبه ولبد ان ينإال عقابه‪.‬‬
‫وبعد مرور يومين ذهبت لمقابلة وزير الداخلية كي أسحب الشكوى‬
‫وقد سألنإي عن السبب وهل قام أحد بتهديدي أجبته "كل سيدي آنإي صاحب‬
‫أطفال وليس لي دار سكن وقد قام فخامة رئيس الوزراء والد الجانإي بمنإحي‬
‫)‪ (300‬دينإا ار تعويضا لما حصل لي لقاء سحب الشكوى وانإي أروم بشراء‬
‫دار لعائلتي بها‪ ...‬ووافق وزير الداخلية على قبول رجائه‪ ...‬تلكا هي‬
‫معادن الرجال‪...‬‬
‫ما ذكرته بعض ما كان يتصف به سعيد قزاز من مواصفات رجل‬
‫الدولة المتمثلة بالكفاءة والشجاعة والنإزاهة"‪...‬‬
‫في صباح اليوم التالي للمحاكمة عنإدما كنإت ما ار بشارع الرشيد وعنإد‬
‫مقهى الزهاوي رأيت الشاهد الذي أدلى بشهادته ضد سعيد قزاز يسير‬
‫باستعلء ويشير إليه بعض المارة‪ ...‬هذا الشاهد وقسم منإهم يصفق له‬
‫وهو يرد لهم التحية بابتسامة عريضة كأنإه قام بعمل جليل وعنإد وصوله إلى‬
‫المقهى وقف مستنإدا على صنإدوق البريد بكبرياء عنإدها رأيت الحجي يهدده‬
‫بعنإف طالبا منإه عدم ارتياد مقهاه على الطلق نإتيجة لفعلته الشائنإة‬
‫بشهادته أمام المحكمة‪...‬‬

‫‪103‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وكان رد سعيد قزاز على شهادة الشاهد عنإدما طلب منإه رئيس‬
‫المحكمة منإاقشة شهادته التي لم تكن سوى شهادة مخزية ومقززة أجاب‬
‫المتهم قائلا "هذا الشخص ل معرفة لي به على الطلق سوى انإه طلب‬
‫مقابلتي ذات مرة لغرض منإحه إحدى دور الدارة المحلية لسكن عائلته وقد‬
‫أمرت بذلكا وخصص له إحدى الدور"‪.‬‬
‫ولكنإي أذكر جيدا معالم التأثر البالغ على الحجي عنإدما ألقى سعيد‬
‫قزاز دفاعه أمام هيئة المحكمة قائلا على شاشة التلفزيون‪" :‬إنإي تمكنإت من‬
‫تفنإيد ادعاءات الشهود‪ ...‬ولم يثبت وجود حادثة معينإة ارتكبت أنإا فيها‬
‫مخالفة دستورية‪ ،‬انإنإي أقف الن وأرى الموت منإي قاب قوسين أو أدنإى ول‬
‫ترهبنإي المشنإقة‪ ،‬وعنإدما أصعد عليها سأرى الكثيرين ممن ليستحقون‬
‫الحياة تحت أقدامي وأقف الن بين يدي ال علز وجل لقول كلمتي الخيرة‬
‫كمسلم ل أمل له إل بعدالة خالقه العظيم ول إيمان له إل بدينإه السلمي‬
‫الحنإيف‪ .‬أقف كعراقي خدم ثلثا وثلثين سنإة في تعزيز الوحدة العراقية‬
‫المقدسة أعلن على رؤوس الشهاد بأنإنإي فخور بما قدمت لوطنإي الحبيب‬
‫من أعمال وخدمات‪ ...‬فخور بأنإنإي كنإت وزي ار فعالا أعمل بوحي من ربي‬
‫وعقل في رأسي وقلب في صدري"‪.‬‬
‫تلكا كانإت بلغة سعيد قزاز في دفاعه وقد تم إعدامه شنإقا حتى‬
‫الموت في الساعة الرابعة من فجر ‪ 20/9/1959‬في ساحة السجن‬
‫المركزي ببغداد وبعد ثلث ساعات نإفذ حكم الموت رميا بالرصاص‬
‫بمجموعة من قادة انإقلب ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬والضباط المشتركين في حركة‬
‫الشواف وتم كل ذلكا في نإفس اليوم‪...‬‬

‫‪104‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أما الحجي فكان نإصيبه اللم والحسرة والحزن الشديد على تلكا‬
‫الحداث المؤلمة لن أغلب الذين تم إعدامهم من أصدقائه ورواد مقهاه‪...‬‬
‫واكتفى بالقول "لحول ول قوة إل بال العلي العظيم"‪...‬‬

‫مهرجان المستنإصرية في بغداد عام ‪1960‬‬


‫في أروقة المدرسة المستنإصرية ذلكا البنإاء الشامخ الذي ظل‬
‫شاخصا منإذ العهد العباسي على معالم الحضارة العربية السلمية التي بدأ‬
‫إشعاعها من بغداد وقد حضر تلكا المنإاسبة آلف المدعوين عرب وأجانإب‬
‫وقام الزعيم عبد الكريم قاسم بافتتاح المهرجان الذي استمر أسبوعا وتمت‬

‫‪105‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫زيارة الجنإحة المختلفة في المعرض من قبله مع الهيئات الدبلوماسية‬


‫العاملة في العراق ولفيف من أهالي بغداد وقد سبق أن طلب من الحجي‬
‫المشاركة في المهرجان بطراز المقهى البغدادي حيث تم تهيئة كافة‬
‫مستلزمات المقهى بشكل فريد من نإوعه بعد أن أطر جنإاح المقهى‬
‫بالسماورات الروسية الصفراء القديمة وأدوات القهوة العربية وطريقة عملها‬
‫على الحطب حيث أجاد عمال المقهى العمل أثنإاء توزيع الشاي والقهوة‬
‫على المدعوين بإشراف الحجي حيث نإال ذلكا استحسان كافة الزوار‪...‬‬
‫والحمد ل ما زالت بنإاية المدرسة المستنإصرية قائمة لحد الن على ضفاف‬
‫دجلة في رصافة بغداد‪ ،‬وكانإت دعوة الحجي للمشاركة في المهرجان تعبير‬
‫حي عن الموروثات الشعبية والفولكلورية التي لها مساس مباشر بماضي‬
‫وحاضر بغداد كونإها الموقع الحتوائي للنإماط السلوكية للفرد العراقي ودور‬
‫المقهى في حياته اليومية‪...‬‬

‫العسكريون المتقاعدون‪ ...‬أهواء وانإطباعات‬


‫كانإت المقهى منإتدى للعسكريين منإذ تأسيسها في بداية الثلثينإيات‬
‫وبعد أن حل الخلف بين قادة انإقلب ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬ليعقبه انإشقاق‬
‫العسكريين من الضباط بين اتجاه قومي مؤيدا للقوميين والبعثيين واتجاه‬
‫آخر أما قاسمي أو شيوعي‪ ،‬وعلى الغلب كان أكثرية رواد المقهى من‬
‫العسكريين الذين يحملون التجاه القومي أو بالحرى بعضهم من الموالين‬

‫‪106‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫إلى عبد السلم عارف حيث تم إحالة معظمهم على التقاعد في بداية عام‬
‫‪ .1959‬وكان تواجدهم باستمرار من فترة الصباح حيث الكثر عددا إضافة‬
‫إلى رواد المساء‪ ،‬وكنإت أجلس بجوار الحجي قرب )الدخل( حينإما يحتاجنإي‬
‫حين يروم الذهاب لقضاء عمل معين أو أداء فريضة الصلة وكنإت كثي ار ما‬
‫استمع لحوارهم بآذان صاغية من غير أن أتدخل على الطلق فيما يدور‬
‫بينإهم من أحاديث تتخللها النإقاشات الحادة أحيانإا وكنإت على ما أتذكره بعد‬
‫تخرجي من الكلية كنإت أراها أحاديث عقيمة مقفلة في الصراع على السلطة‬
‫بين دعاة التجاهات المتنإافرة مستبعدين كل ما يمكن اقتراحه لخدمة‬
‫الصالح العام بعيدا عن النإفعالت الشخصية وقد سألت الحجي مرة تطفلا‬
‫منإي عن ماهية مقاصد العسكريين المتقاعدين من أحاديثهم ومجادلتهم‬
‫وكان جوابه لي قصي ار ومقنإعا حيث أجابنإي )كل واحد منإهم يطمح بأن يكون‬
‫وزير دفاع(‪...‬؟؟‬
‫إن الحساس العميق بأهمية نإوعية ومحتوى الصراع مهما بلغ بعده‬
‫عن أي عمل أو مقترح يتعلق بمصالح هذا الشعب المسكين هي عقيمة إلى‬
‫أبعد الحدود ول تخرج عن نإطاق المصالح الشخصية الضيقة‪ ...‬وكان من‬
‫سمات المقاهي البغدادية التي أكثرية روادها من القوميين تقوم بتعليق‬
‫مخطوطات تحمل أسماء الجللة مثل ال أكبر أو محمد رسول ال كي تؤكد‬
‫هويتها القومية وخاصة بعد أحداث الموصل وكركوكا الدموية‪ ،‬ومع ذلكا كان‬
‫جو "مقهى خليل" يتسم بالهدوء والحترام المتبادل بين الرواد وقد تكون‬
‫لشخصية صاحب المقهى القوية سببا في سيادة هذا الجو من المان‬
‫المفعم بتبادل الحاديث المختلفة‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كنإت أرقب بعض العسكريين الذين يتسمون بالهدوء ويتمتعون بثقافة‬


‫معينإة يعكسها مظهرهم والذين يطلق عليهم بالعرف البغدادي بالقول هذا‬
‫)لمفلكا( خلقا وهذا الخلق قد يكون مرتبطا بمواصفات مثالية‪...‬‬
‫أما بقية الرواد منإهم منإشغلين بلعب الطاولة أو الدومينإو‪ .‬وبما أن‬
‫الحجي كان من محبي النإظام الملكي فقد كان يردد دائما "ل حول ول قوة إل‬
‫بال‪ "...‬مع انإه كان محبوبا وعزي از ومقربا من معظم العسكريين برغم‬
‫اختلف اتجاهاتهم مع انإه لم يسبق له أن تعلم القراءة والكتابة ومع ذلكا‬
‫كان يتمتع بنإضج مفعم بتكامل العلقات النإسانإية بكل أبعادها إضافة إلى‬
‫ان اعجابه بالدولة الملكية التي تأسست عام ‪ 1921‬والتغييرات الجذرية‬
‫التي عايشها من إعمار وبنإاء بحكم سنإين عمره التي عاشها قبل تأسيسها‬
‫بثلثة عقود حيث كان شاهدا على بنإاء أركان دولة حضارية انإبهر‬
‫بشخوصها‪...‬‬

‫رسالة تهديد بالقتل في نإيسان ‪1961‬‬


‫جرت العادة بأن يقوم من بجوار مجلسه في المقهى بأن يق أر له‬
‫الرسائل الواردة لنإه كما ذكرت ليحسن القراءة وفي أحد أيام نإيسان وردت‬
‫رسالة معنإونإة شخصيا له وطلب منإي قراءتها لمعرفة ماهيتها إواذا بي‬
‫فوجئت عنإد قراءتها حيث كانإت تحمل له تهديدا بالقتل إذا لم يتركا في‬
‫الساعة الواحدة بعد منإتصف الليل مبلغ ا كبيرا من المال يضعه في كيس‬
‫فوق صنإدوق البريد الحمر الواقع أمام المقهى وفي حالة عدم تنإفيذه ذلكا‬
‫أكد المرسل تهديده المتكرر بالقتل‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ومع انإي كنإت قد ارتبكت أثنإاء قراءة الرسالة لكنإي رأيت اللمبالة بما‬
‫ورد نإهائي ا من الحجي قائلا لي "لكا مزقها‪ ...‬بالزبل‪ ...‬هذا البن‪ ...‬ولم‬
‫يعرها أي انإتباه على الطلق وكأنإها لشي‪"...‬‬
‫وعلى ما يبدو لما كان بعض الصدقاء يقصدونإه لوضع أمانإة لديه قد‬
‫تكون مبالغ نإقدية أو مصوغات ذهبية وكان رحمه ال يقصد من يجلس‬
‫بجانإبه من معارفه بعدها أو أثنإاء استلمها وتسجيل اسم صاحبها وتأريخ‬
‫الستلم بعد وضعها في كيس ليودعها في القاصة الحديدية الخاصة به في‬
‫عنإبار المقهى‪ ،‬ونإظ ار لكثرة من يرتادون المقهى يظهر بأن أحد الرواد كان‬
‫يراقب عملية التسليم واليداع من الشقاة والمشبوهين واستغل ذلكا بتوجيه‬
‫رسالة تهديد وقد يكون أقرب إلى الحقيقة وجوده أيض ا ومراقبته أثنإاء‬
‫استلمه الرسالة ليرى رد الفعل على الحجي وعنإدما رأى اللمبالة من‬
‫المؤكد بأنإه تردد خائفا من القيام بأي عمل‪ ...‬وكنإا عنإدما نإتذكر هذه‬
‫الحادثة مع أخوتي وأصدقائي نإغرق من الضحكا‪...‬‬
‫العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب والعقيد وصفي‬
‫طاهر مرافق الزعيم في توقف استفزازي أمام المقهى‬
‫من سخريات القدر وما أفرزته الحداث بعد انإقلب ‪ 14‬تموز ‪1958‬‬
‫من فوارق بين العراقيين لسباب على أساس انإها سياسية مع انإها قد يكون‬
‫قسم ا كبيرا منإها فوضويا وهمي ا وبذلكا كانإت المقهى كونإها مقام ا لكافة‬
‫ضباط الجيش العراقي وأغلبهم من المحالين على التقاعد فقد كان طابع‬
‫المقهى قومي ا إلى حد ما بالنإسبة للفلسفة الواقعية لتلكا الفترة وبالرغم من‬
‫ان بقية الرواد كانإوا من مذاهب وطوائف مختلفة‪...‬‬

‫‪109‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫عنإد أحد ليالي الشتاء الباردة وعنإدما كانإت المسيرات الشعبية التي‬
‫تبدأ من ساحة الجنإدي المجهول لحين نإهايتها أمام وزارة الدفاع وقد بدأت‬
‫المسيرات في أوائل ‪ 1959‬ول يخلو شهر من إحداها وحسب طبيعة‬
‫المنإاسبة والمشاركين فيها من بغداد ومختلف المحافظات‪ ،‬وبينإما كنإت واقفا‬
‫بجانإب صنإدوق البريد الحمر أمام المقهى فوجئت بسيارة عسكرية جالسا‬
‫في المقعد الخلفي العقيد فاضل المهداوي وبجانإبه العقيد وصفي طاهر وقد‬
‫طلب المهداوي استدعاء الحجي ولم ينإزل من السيارة وأقبل عليه الحجي‬
‫قائلا "أهلا وسهلا تفضل" أجابه المهداوي "أين صورة الزعيم ولماذا لم‬
‫تعلقها" في حين كنإت أرقب العقيد وصفي جالسا بغضب بالرغم من عمق‬
‫العلقة القديمة التي تربطه بصاحب المقهى إنإما مزاجه المتسم بالعنإف بنإاه‬
‫على أساس الحجي من التيار القومي بينإما هو شيوعي حينإها وبالرغم من‬
‫تجمهر الهالي حول السيارة رأيت الحجي لم يهتز قيد شعرة بل أجابه‬
‫بغضب وعصبية كي ينإزل من السيارة ويشرفه في مقهاه ليرى صورة الزعيم‬
‫بنإفسه عنإدها فجأة غادرت السيارة المكان وكانإت ابتسامة المهداوي واسعة‬
‫واستفزازية في حين مازالت الجماهير الغفيرة في شارع الرشيد‪.‬‬
‫رأيت الحجي وقد تأثر تأث ار شديدا لما طرحه المهداوي وطريقته في‬
‫ذلكا ولكنإه في تلكا اللحظات لم تهتز له شعرة بل كان جريئا في رلده وكنإت‬
‫معجبا بتلكا الجرأة سيما وأن طرح هكذا تساؤل في وضع الشارع الغوغائي‬
‫يبعث على القلق بشكل أو بآخر‪.‬‬
‫وبعد مرور ثلثة أيام وبينإما كان العميد عبد المجيد جليل مدير المن‬
‫العام في زيارته المعهودة لصاحب المقهى أخبره الحجي بما جرى وتأثر تأث ار‬

‫‪110‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫شديدا لذلكا مما حدا به في اليوم التالي إلى إخبار الزعيم عبد الكريم قاسم‬
‫بالحادث الذي تأثر جدا من الموضوع وقام بإرسال سيارة عسكرية الساعة‬
‫الواحدة ظه ار نإزل منإها النإضباط العسكري يسألون عن الحجي واقتادوه‬
‫معهم إلى وزارة الدفاع وبقيت أنإا أنإتظر مع قسم من رواد المقهى لمدة أكثر‬
‫من ساعتين عودته وقد راودتنإا الشكوكا باعتقاله وبعدها فجأة رجع بسيارة‬
‫عسكرية ستيشن شيفروليت أوصلته أمام المقهى‪...‬‬
‫وحدثنإا بما حصل له خلل تلكا الفترة قائلا "فوجئت بإيصالي إلى‬
‫الحديقة المواجهة لمقر وزير الدفاع حيث كان في استقبالي الزعيم عبد‬
‫الكريم قاسم وأجلسنإي بجانإبه بينإما كان كبار بقية الضباط واقفين برهبة وقد‬
‫بدأ الزعيم بتقديم اعتذار لطيف جدا عما بدر من العقيد المهداوي حيث تبين‬
‫بأن العميد عبد المجيد جليل قد أخبر الزعيم بما حصل ولهذا أرسل في‬
‫طلبه‪ ،‬ثم استدرج الزعيم قائلا ان معظم ضباط الجيش يجدون في حجي‬
‫خليل ولعقود خلت يملد لهم يد العون لسد احتياجاتهم ولم يبخل على أحد في‬
‫مد يد المساعدة‪...‬‬
‫ألم يلحق برفاقه من أبنإاء الجيش إلى فلسطين وقد رأيته بنإفسي يقوم‬
‫بتوزيع المواد الغذائية على المقاتلين وفي جبهات القتال‪ ...‬كما أود أن‬
‫أذكركم جميعا بالرئيس أول مصطفى وهل علم أحد بأوضاعه ومن قام بتأدية‬
‫الواجب له حين وفاته حيث سمعت بالصدفة عنإدما كنإت جالسا عنإد بعض‬
‫الصدقاء عنإدما أبلغونإي بوفاته وهو أعز صديق لدي وعلمت في حينإها بأن‬
‫الحجي هو من قام بما يلزم حيث لم يكن له أقرباء في بغداد وكان يعيش مع‬

‫‪111‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ابنإته فقط‪ ...‬تلكا هي المانإة والوفاء والمصداقية في العلقات بين الخوة‪..‬‬


‫أين كنإتم جميعا في حينإه؟؟‬
‫وكان الزعيم قد طلب من الحجي تنإاول الغذاء معه إل ان الخير‬
‫اعتذر شاك ار ثم طيب خاطره مجددا وقام بتوديعه بكل رحابة ولطف مجددا‬
‫اعتذاره‪ ....‬كما انإي ل زلت أذكر قول الحجي لي "لكا هذا شنإو الزعيم هذوله‬
‫شكد خايفين منإه بس أنإي وهو جالسين والبقية كلهم واقفين منإصتين له‬
‫منإهم المرافقين وطه الشيخ أحمد وآخرين برتب عالية حسبما قال لي‬
‫"جوكه" أي كثرة"‪ ...‬وحينإما يتكلم يصمت الجميع‪...‬‬

‫المسيرة الشعبية وارتداد الجماهير حزيران ‪1960‬‬


‫عنإد احتدام الصراع في الشارع العراقي وخاصة بعد فشل عملية‬
‫اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم وانإتهاء محاكمة المتهمين أمام محكمة‬
‫الشعب وكما كان جاريا كالسابق في بداية كل شهر يقوم الحزب الشيوعي‬
‫العراقي بتنإظيم مسيرة شعبية تبدأ من ساحة الجنإدي المجهول )ساحة‬
‫الفردوس( حاليا وتنإتهي أمام وزارة الدفاع يحضرها جماهير غفيرة جدا من‬
‫الصعب إحصاء عددها وقد جرت إحدى هذه المسيرات وقد كانإت هذه بالذات‬
‫أضخم مسيرة شهدها شارع الرشيد حيث كان المشاركين بها من المحافظات‬
‫أيضا إضافة إلى ان من يقود موكبها هم رئيس المحكمة العقيد فاضل‬
‫عباس المهداوي والعقيد ماجد محمد أمين المدعي العام للمحكمة وبمعيتهم‬
‫مرافق الزعيم العقيد وصفي طاهر إضافة إلى عدد من العسكريين الضباط‬

‫‪112‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الشيوعيين وكانإت المسيرة الجماهيرية تسير بنإجاح حيث يقوم العقداء‬


‫الثلثة بتحية الجماهير التي كانإت مكتظة على جانإبي شارع الرشيد ومرت‬
‫المسيرة من أمام المقهى وكنإت واقفا امامها أرى الجموع الحاشدة وهي‬
‫تهتف بحماس عدت بعدها للجلوس قرب الحجي‪ .‬وعنإد وصول المسيرة‬
‫مقابل مقهى حسن عجمي قرب كعكا السيد قام أحد رواد مقهى صبحي‬
‫)التابعة للقوميين والواقعة عنإد الطرف اليمن في الزقاق المجاور لجامع‬
‫الحيدرخانإة( برمي قنإينإة بيبسي كول فارغة في الهواء مما أرعب الجماهير‬
‫المشتركة في المسيرة والمحتشدة على طرفي الشارع وتسبب في خلق الذعر‬
‫حيث كان ارتداد الجماهير على كثرتها مفزعا جدا مما جعلهم يتكدسون‬
‫أثنإاء سقوطهم أنإاسا فوق أنإاس إضافة إلى هروب الباقين إلى داخل الزقة‬
‫المجاورة للشارع والتي كانإت معظمها درابين مغلقة أما بالنإسبة للمقهى فقد‬
‫تهشم الزجاج بالكامل مع سقوط المبردة الهوائية الكبيرة وذعر الرواد حتى‬
‫ان صينإية الدخل تنإاثرت هي الخرى وبدأ النإضباط العسكري بإطلق‬
‫العيارات النإارية في الهواء وقد رأيت الحجي يبادر بإغلق المقهى على‬
‫روادها وأمر بعدم فتح البواب لحين انإتهاء الزمة المفاجئة وقد استمر‬
‫الغلق لكثر من ساعتين وكنإت ألحظ علمات الخوف الشديد على وجوه‬
‫معظم الرواد مما يخبئه القدر نإتيجة هذه الحادثة المفزعة وبعدها علم الهدوء‬
‫الذي يحيط به الخوف الشارع مجددا وفتحت المقهى أبوابها وقد علمت في‬
‫حينإها ان قادة المسيرة استمروا في أدائهم لحين الوصول إلى وزارة الدفاع‬
‫لن الرتداد الذي حصل كان خلفهم واليوم ل أثر لمقهى صبحي حيث تم‬
‫هدمها لعقود خلت ودمجها بجامع الحيدرخانإة ول لمقهى خليل‪...‬‬

‫‪113‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ول علم لي بعدد الضحايا نإتيجة هذه الحادثة المروعة لنإي سمعت‬
‫أصوات السعاف تنإقل المصابين نإتيجة الدهس العشوائي من الفزع‪.‬‬

‫اللواء فؤاد عارف وزيارته للمقهى ‪1962-1961‬‬


‫كان اللواء فؤاد عارف شخصية عراقية متميزة بكل المقاييس بما‬
‫يتمتع به من خلق واحترام لنإفسه وللخرين كان عسكريا مرموقا تعود‬
‫معرفته بـ حجي خليل منإذ أن كان مرافقا للملكا غازي في الثلثينإيات‪ ،‬إل انإي‬
‫كنإت أراه يرتاد المقهى بعد صلة العشاء في عهد عبد الكريم قاسم حيث‬
‫كان يهوى السير ماشيا من وزارة الدفاع إلى المقهى وقد رأيته م ار ار يلعب‬
‫الطاولة مع العميد عبد المجيد جليل مدير المن العام وكان فؤاد عارف في‬
‫حينإها وزي ار وغالبا ما كنإت أراه يتبادل الحاديث بمفرده مع الحجي ومع ذلكا‬
‫كنإت في حينإها طالبا بالعدادية المركزية وكان يتملكنإي العجاب بتلكا‬
‫الشخوص المهيبة عنإد النإظر إليهم وللحترام المتبادل أثنإاء تداول الحديث‬
‫بينإهم مع انإي ل علم لي بما يدور بينإهم من كلم وقد علمت بأنإه من رواد‬
‫المقهى منإذ الربعينإيات‪.‬‬
‫كان فؤاد عارف رسول السلم بين فصائل الحركة الكردية ورجالت‬
‫الدولة العراقية لعدة عقود حيث يشهد له الجميع بالثقة والمانإة والخلص‬

‫‪114‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وقد توفي إلى رحمة ال بعد أن تجاوز عمره ‪ 95‬عاما بعد أن سبق وتم‬
‫استيزاره لمرات عديدة خلل عدة عقود خلت ولقد كان رم از من رموز رجالت‬
‫الدولة العراقية‪...‬‬

‫زيارة اللواء إسماعيل العارف في منإتصف عام ‪1961‬‬


‫في إحدى أيام الجمعة حيث تكون المقهى مكتظة بالرواد حضر اللواء‬
‫إسماعيل العارف بعد العاشرة صباحا وجلس بجوار الحجي وكان العارف قد‬
‫استوزر قبل اسبوعين حيث علين وزي ار للمعارف كونإه أحد الضباط الحرار‬
‫وكانإت الزيارة تعبي ار وتقدي ار للحجي سيما وانإه من أصدقائه ورواد مقهاه وان‬
‫زيارته تأكيدا لموقفه بعد تعيينإه حتى ليقال بأنإه )استكبر بعد التعيين( ولم‬
‫يعد للمقهى‪ ،‬وقد أخذ يتجاذب أطراف الحديث بينإما كنإت واقفا عن بعد وقد‬
‫رأيت عبد ال السلوم السامرائي أحد رواد المقهى ومن قادة البعث فيما بعد‬
‫وكان في حينإها مدرس متوسطة يراقب الزائر الذي جلب انإتباه معظم الرواد‬
‫في الجهة المامية وبعد انإتهاء زيارته مودعا بكل ترحاب رأيت السامرائي‬
‫يسأل الحجي مباشرةا "حجي هاي شنإو‪ ...‬صار كلم بينإكا وبين الوزير‪...‬‬
‫شكو ماكو‪ ...‬أجابه الحجي لم يقل شيئا سوى بأن الوضاع سوف‬
‫تتحسن‪...‬؟ حينإها أجابه السلوم حجي صارلكا نإصف ساعة تسولف معقولة‬
‫بس هاي الحجاية"‪ ..‬وضحكا الحجي ولم يرد له الجواب مع انإي حسب‬
‫علمي بأنإه غالبا ما كان يتحدث عن السلبيات السائدة في الشارع العراقي‬

‫‪115‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫التي لم يكن لها شبيه قبل ‪...1958‬؟؟ أما إسماعيل العارف فقد ط أر‬
‫سمعي بأنإه ولعقود خلت عاش في لنإدن وتوفي هنإاكا قبل أكثر من عشر‬
‫سنإوات مع انإه كان يتصف بالرزانإة والهدوء الذي ينإسجم مع شخصيته‬
‫العسكرية‪...‬‬

‫مع العميد عبد المجيد جليل مدير المن العام في المقهى‬


‫كان مدي ار للمن العامة في عهد عبد الكريم قاسم وعلى الرجح كان‬
‫من دورته فهو من أقرانإه والمقربين له‪ ،‬كنإت أشاهده في أوقات ما بعد صلة‬
‫العشاء يركن مع سائق سيارة الدائرة أمام صيدلية كاكا مرتجلا للجلوس‬
‫بجانإب الحجي أو في مكانإه على الدخل وغالبا ما كنإت أراه يلعب الطاولة مع‬
‫اللواء فؤاد عارف الذي كان وزي ار في تلكا الفترة ويبدو ان زيارتهم ليلا إلى‬
‫المقهى والجلوس بجوار صاحبها أصبح تقليدا مألوفا للمسؤولين في العراق‬
‫تعبي ار عن حبهم ووفائهم لصاحبها الذي تربطه معهم علقة امتدت لعقود‬
‫من الزمن‪...‬‬
‫لقد سعى عبد المجيد جليل في عمله إلى تحقيق التوازن متأث ار بالقيم‬
‫البغدادية الموروثة القديمة والقيم النإسانإية الجديدة في ممارسة عمله كي‬
‫يكون متعقلا في سلوكه وكان يمثل أحد أبنإاء العراق الصالحين في أمانإته‬
‫ونإزاهته‪...‬‬
‫وحدث عنإدما كنإت طالبا في العدادية المركزية وفي بداية عام‬
‫‪ 1963‬عنإدما ألقى منإتسبي المن القبض على أحد زملئي أثنإاء إضراب‬
‫الطلبة وقد طلبت من الحجي أن يكلم مدير المن لطلق سراحه وفعلا قام‬

‫‪116‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بطرح الموضوع عليه وقد رلد لي جوابه التي "حجي وال تعبنإا من هذه‬
‫السوالف هي فترة تأديبية خلل أيام ونإطلق سراحهم هاي شلون راح تنإتهي‬
‫نإاس تآخذ دولر وآخرين باون احنإا دخنإا وهذا اللي مر علينإا" ويبدو ان‬
‫الحجي قاصدا بنإقل جواب المدير العام لي كي يجلب انإتباهي بعدم النإقياد‬
‫وراء الهواء السياسية لنإها أكذوبة‪...‬؟؟‬
‫ومع ذلكا كان عبد المجيد جليل مثالا للخلق واللتزام في أدائه للواجب‬
‫الوطنإي مثالا للوفاء لصدقائه ومعارفه وقد رأيت الحزن الشديد باديا على‬
‫الحجي عنإدما علم بإعدامه في ‪ 8‬شباط ‪ 1963‬مع انإه لم يكن مستغلا‬
‫لمنإصبه في سلوكا التعسف في التعامل مع المزيج البشري العراقي بمختلف‬
‫مذاهبه ولم نإسمع عن التصفية الجسدية بمفهومها المعاصر خلل العقود‬
‫كالتي مرت على العراق وقد قام بخدمة وطنإه من موقعه في حين انإه لم يكن‬
‫منإتميا إلى أية جهة سياسية وكانإت التسلكات التي يتعاطاها في عمله‬
‫باعتقاده تمثل المدركات الذهنإية لمعالجة مشاكل المن العام وقد كان متأث ار‬
‫بالزعيم عبد الكريم قاسم لذلكا كان يطلق عليه "قاسمي"‪...‬‬

‫‪117‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سائق الباص عقراوي‪..‬أمام المقهى وأزمة مرورية في شارع الرشيد‬


‫كانإت مصلحة نإقل الركاب من إنإجازات النإظام الملكي حيث جرى‬
‫تنإظيم الخطوط للوصول إلى مختلف منإاطق بغداد القريبة منإها والبعيدة وفق‬
‫أحدث تخطيط عالمي لمواصلت النإقل وتم استيراد باصات من انإكلت ار بطابق‬
‫واحد ثم بعدها بطابقين وكان هنإالكا مراقب لكافة الخطوط حول التزامها‬
‫بالوقت المحدد للنإطلق والوصول وكانإت ساحة الميدان منإطلقا لغلب‬
‫الخطوط حيث ترى لوحة زجاجية كبيرة سجلت فيها أرقام الخطوط ووقت‬
‫انإطلقها فهي بحق كانإت ظاهرة حضارية اعتز بها العراقيون عموما وكان‬
‫يدعى المسؤول عن كافة هذه الخطوط "سيد جعفر" أحد منإتسبي مصلحة‬
‫نإقل الركاب‪.‬‬
‫كان عقراوي سائق في مصلحة نإقل الركاب ورغبته قيادة باص ذو‬
‫طابقين لشعوره بالراحة أكثر أثنإاء جلوسه خلف المقود حيث انإه كان بدينإا‬
‫جدا حيث يصل وزنإه إلى ‪ 135‬كيلوغرام يجد صعوبة في النإزول والصعود‬
‫إلى الباص لذلكا تراه يبقى في الباص ‪ 8‬ساعات متوالية لحين انإتهاء واجبه‬
‫وفي ساعات الصيف الحارة كان غالبا ما يقف بباص طابقين أمام المقهى‬
‫قاطعا حركة المرور لغرض طلب شرب الماء البارد داعيا بالدعاء إلى‬
‫صاحب المقهى بعد أن يرتوي بالماء حيث كان عقراوي من رواد المقهى‪.‬‬
‫وعنإد وقوفه تسمع صفارات الهورن لعقراوي كي يتحركا ولكنإنإا نإراه قد‬

‫‪118‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫يخوض بحديث مرتجل مع أحد رواد المقهى من معارفه مستغلا عدم وجود‬
‫شرطي المرور أمام المقهى في بعض الحيان‪.‬‬
‫ومع ذلكا كان منإظر عقراوي كثي ار ما يثير المسرة لدى رواد المقهى‬
‫والمارة إضافة إلى انإه كان سمح الخلق وشخصية عفوية ومحبوبة لدى‬
‫الجميع‪...‬‬
‫صنإدوق البريد الحمر شاهد على العصر‬
‫عمدت دائرة البريد المركزي في بغداد على وضع صنإدوق بريد دائري‬
‫أحمر اللون بارتفاع متر و ‪ 30‬سم لغرض تسهيل المور على المواطنإين‬
‫بإرسال رسائلهم داخل العراق وخارجه من خلله حيث يرمي الظرف بعد‬
‫لصق الطابع البريدي في الصنإدوق الحمر ثم يأتي البوسطجي بعد نإهاية‬
‫الدوام الرسمي بفتحه واستلم الرسائل الموجودة فيه لغرض إرسالها عبر‬
‫دائرة البريد المركزي الواقعة أمام العدادية المركزية للبنإين وشيد هذا‬
‫الصنإدوق أمام المقهى في الثلثينإيات لكون موقعها متمي از بكثافته‬
‫المرورية وكان يمثل معلما من معالم الحضارة أسوة بما هو متعارف عليه‬
‫في الدول المتحضرة وللسف فقد تم استئصاله عنإد هدم بنإاء المقهى في‬
‫أواسط ‪ .1970‬وقد كان صنإدوق البريد شاهدا على وقوف معظم ضباط‬
‫الجيش العراقي بجانإبه عنإد تنإاولهم الشاي وأطراف الحديث مساء كل يوم‬
‫وصباح الجمعة والعطل الرسمية‪...‬‬
‫نإعم شهد وقوف شخصيات عسكرية لعبت دو ار في تأريخ العراق‬
‫السياسي عبر عقود خلت‪.‬‬
‫وأذكر في أحد أيام الشتاء من عام ‪ 1960‬عنإدما كانإت فوضى‬
‫النإغلق السياسي بين أبنإاء الشعب الواحد قد بلغت أقصى درجات العداء‬

‫‪119‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سأل أحد الرواد )الحجي( قائلا "ليش ما تبدل لونإه للصنإدوق‪ ...‬مو هذا‬
‫أحمر" في إشارة منإه إلى انإه يرمز إلى الحزب الشيوعي العراقي ويبدو أن‬
‫الحجي رأى سؤاله فطي ار ولم يرد له الجواب بل نإظر إليه بنإظرة لمبالة‪...‬‬
‫وفي زيارة لحد المسؤولين إلى المقهى أخذ يسأل الحجي عن أحداث‬
‫شخصية تمس أنإاسا معينإين ولما لم يحصل على جواب منإه حيث كان‬
‫رحمه ال ليتطرق أبدا إلى المسائل الخاصة التي تمس الخرين‪ ،‬عنإدها‬
‫بادره المسؤول بالقول "هاي شنإو حجي صنإدوق البريد الحمر يحجي وانإت‬
‫ل"‪...‬‬
‫مع أن هذا الصنإدوق قد شهد كل مجريات الحداث المفرحة‬
‫والمأساوية التي جرت عبر شارع الرشيد لربعين سنإة خلت‪...‬‬

‫‪120‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ذكريات وانإطباعات أخرى‬


‫كان الحجي ملتزما جدا بحضور مجالس الفاتحة وكان يسأل كل من‬
‫يجلس بجانإبه بأن يق أر له صفحة الوفيات كي يذهب لقراءة سورة الفاتحة‬
‫ويعزي أهل الفقيد بمواساتهم وكثي ار ما يحضر مجالس لنإاس ليعرفهم‬
‫وقسم آخر له معرفة بمن لهم صلة قرابة بالمتوفى وكان عنإدما يطلب منإي‬
‫أو من أحد العمال جلب عباءته الدميري من )الكنإتور( يكون معلوما لدينإا‬
‫بأنإه ذاهب إلى مجلس فاتحة او للتوسط لشخص معين حول موضوع ما‬
‫يتعلق بالرزق أو لزيارة مريض أو لطلق سراح موقوف حيث يهم بمراجعة‬
‫شرطة السراي وفي ظل كل جمعة كان يصيح بأعلى صوته على صديق‬
‫عمره الشيخ العقيد بهاء الدين محمود الذي كان يهوى لعب الطاولة ولديه‬
‫سيارة )فوكس واكن( كان يطلق عليها رواد المقهى )فيوري( وذلكا للذهاب‬
‫سوية لداء صلة الجمعة وكان كل جمعة في جامع معين كما كانإت معظم‬
‫زياراته معه‪.‬‬
‫وللعقيد بهاء أخوه منإهم العقيد علء الدين محمود وهو كبيرهم على‬
‫ما أعتقد وكان رئيسا للحرس الملكي لفترات طويلة أما أخيه الصغر فهو‬
‫العقيد صفاء الدين محمود الذي كان مسؤولا لكتيبة دبابات حماية بغداد‬
‫لغاية ‪ 8‬شباط ‪ 1963‬حيث أحيل على التقاعد وتم إرجاعه إلى الخدمة بعد‬
‫‪ 17‬تموز ‪ 1968‬وحسبما علمت بأنإه سبق له وكان آم ار لسعدون غيدان‬
‫أثنإاء الخدمة العسكرية وسمعت بأن إعادة تعيينإه كان في الموصل حيث‬
‫انإتقل إلى رحمة ال في أوائل السبعينإيات‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كنإت نإاد ار ما أرى علء الدين محمود يزور والدي في المقهى بينإما‬
‫أخويه من روادها الدائميين وكنإت أرى الخوة رفعت الحاج سري ومدحت‬
‫حاج سري ومحمد فائق حاج سري يرتادون المقهى وكذلكا نإاظم الطبقجلي‬
‫وعبد الوهاب الشواف ومجموعة أخرى من العسكريين والجلوس بجانإب‬
‫صاحبها وكأن ذلكا ما كان يفرضه عليهم الواجب العسكري والخلقي الذي‬
‫يحتم عليهم تفقدهم لزميلهم وصديقهم الحجي‪...‬‬
‫انإها سلوكيات من تراث الماضي وقليلا ما نإجدها اليوم حيث أصبح‬
‫عصرنإا عص ار طغت فيه المصالح الشخصية حيث نإاد ار ماترى من يسأل‬
‫عنإكا بشكل أو بآخر خاصة عنإد توليه منإصبا مرموقا في الدولة وهذه‬
‫السلوكية بدأت بالتطور بعد أحداث ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬وأخذت تنإمو نإموا‬
‫هائلا وقد علمت بأن أحد السباب التي تدعو إلى هذا الجفاء هو الخوف‬
‫من الحسد ول أدري كيف تم الستنإاد على هذا المفهوم في تحليل السلوكا‬
‫النإسانإي إوال فأين الخوة وأين الصداقة ورب أخأ لكا لم تلده أمكا‪ ،‬ولكن مع‬
‫السف الشديد قد تكون هذه طبيعة العصر ولعلي حين أتذكر قول المام‬
‫علي )كرم ال وجهه( "اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت لن الخير‬
‫فيها باقي ولتطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت لن الجوع فيها باقي"‪.‬‬
‫كنإت أرى التجاوب بين أبنإاء هذا الوطن عنإد جلوسهم في المقهى‬
‫وكأنإهم أخوة بالرغم من الختلفات في القومية أو الفكر أو البيئة مع أن‬
‫تلكا الصالة في التعامل كنإت أراها قد بدأت بالذوبان خاصة بعد الحداث‬
‫التي أعقبت ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬واستمرت بالنإصهار التدريجي إلى أن‬
‫وصلت إلى ما نإحن فيه من تمزق ليخدم أحدا على الطلق‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وبذلكا كم أحب المنإاداة بالعودة إلى رحيق العلقات النإسانإية كما‬


‫كانإت في الماضي لنإه مفعم بالخلق والتسامح وليعرف الفرقة بأي شكل‬
‫كان وبالرغم من أن د‪.‬علي الوردي قد أورد في كتاباته وصفا للمجتمع‬
‫العراقي من خلل السياق التأريخي للعراق قبل مئات السنإين لغاية ما وصل‬
‫إليه في حينإه إل انإي ما طرحته انإبثق من معايشة حياتية تأثرت أثنإاء‬
‫بلوغي الـ ‪ 25‬سنإة من العمر بما طرحه الوردي في مهزلة العقل البشري‬
‫وأسطورة الدب الرفيع ووعاظ السلطين وخصائص المجتمع العراقي‪...‬‬
‫وفي سياق هذه الذاكرة خطر ببالي موقف يستحق الذكر حيث في‬
‫عام ‪ 1962-1961‬كنإت أرى رجلا يبلغ حوالي ‪ 70‬سنإة من العمر من‬
‫رواد المقهى يجلس بمفرده وكان أغلب الوقات سكران وفي مرات عديدة‬
‫عنإدما يهم العمال بغلق المقهى عنإد انإتصاف الليل يكون هو قد استغرق‬
‫في النإوم الكحولي عنإدها يطلب الحجي حمله إلى داخل المقهى وتهيئة‬
‫مكان له للنإوم حتى الصباح‪ ،‬والغريب في أمر هذا الشخص انإه فجأة بعد‬
‫حدوث أحد النإقلبات العسكرية‪ ،‬رأيته صباحا محاطا بعشرة أشخاص وعلى‬
‫ما يبدو كان هو في كامل وعيه مع انإه بطبيعته إنإسان هادئ جدا كان إذا‬
‫هم بالوقوف وقف الجميع إواذا جلس جلسوا وعنإدما استفسرت عن هذه‬
‫المسرحية تبين بأن أحد أبنإائه أصبح مسؤولا في الحكومة الجديدة وما أراه‬
‫هو انإعكاس أو انإقلبية المجتمع العراقي لما آل عليه وضع ولده الذي‬
‫انإعكس على والده انإها الواقعية ونإمط السلوكا الذي أشرت إليه آنإفا ولم أكن‬
‫أرى الحجي يعلق على هذا النإمط سوى بقول )لحول ول قوة إل بال( أو‬
‫)حسبي ال نإعم الولي ونإعم الوكيل(‪...‬‬

‫‪123‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫خاطرة‪ ...‬مع اللواء الدكتور عبد القادر شاكر أيلول ‪1963‬‬


‫في عام ‪ 1963‬وعنإد تخرجي من العدادية المركزية بمعدل ‪%83‬‬
‫كانإت نإصيحة الحجي لي بأن أواصل دراستي الجامعية بدخولي كلية الحقوق‬
‫إل أن رغبتي كانإت دخول الكلية العسكرية ويبدو انإه كان ضد هذه الرغبة‬

‫‪124‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ولما رآنإي مص ار على ذلكا وقد كنإت قد طلبت منإه الوساطة لدى الدكتور عبد‬
‫القادر شاكر والذي كان في حينإها رئيس اللجنإة الطبية وذلكا لغرض‬
‫مساعدتي بالفحص الطبي لن قدمي كانإت ‪ FLAT FOOT‬وفعلا جاء‬
‫معي الحجي إلى عيادة الدكتور الواقعة في محلة الفضل وقد استقبلنإا بكل‬
‫رحابة صدر وعنإد جلوسنإا وجه الحجي حديثه إلى الدكتور عبد القادر‬
‫بالقول "دكتور هذا الفنإدي طلع ‪ %83‬معدل ويريد يدخل الكلية‬
‫العسكرية‪ ...‬هذا مو مخبل"‪ ...‬عنإدها وجه الدكتور كلمه مباشر لي "ابنإي‬
‫هذا مو عقل‪ ...‬هاي ما تسوى شلكا بيه" وكان جوابي بأنإها رغبتي وأنإا‬
‫مصر عليها‪ ...‬حينإها كان جوابه لي بسيطه آنإي رئيس اللجنإة الطبية ويوم‬
‫موعد الفحص مر علي‪ ...‬ثم تركنإا العيادة شاك ار الحجي له على حسن‬
‫استقباله وبعد مرور عدة أيام وأثنإاء الفحص الطبي الذي تم اجتيازي له‬
‫بنإجاح عدا الفحص الخير للقدم وعنإدما نإادى النإضباط العسكري اسمي‬
‫بالدور دخلت على اللجنإة وكان الدكتور عبد القادر يترأسها وطلبت اللجنإة‬
‫منإي أن أخلع الحذاء وأسير على )كونإيه مبللة( على الرض وبعدها أسير‬
‫مسافة متر على الرضية وذلكا لغرض فحص القدم هل هي فلت أم ل‪...‬‬
‫وطلب منإا النإتظار لحين إعلن نإتيجة الفحص وبعد أكثر من ساعة أخذ‬
‫النإضباط العسكري بإعلن السماء وتسليم النإتائج إواذا بي أسمعه ينإادي‬
‫باسمي حميد خليل إبراهيم راسب بالفحص بسبب القدم "‪FLAT FIT‬‬
‫‪ "FOOT‬حين سماعي الخبر صعقت ودخلت على اللجنإة في محاولة‬
‫للحديث مع رئيسها حيث قلت له دكتور آنإي فلن قبل ثلثة أيام جئنإا‬
‫العيادة أنإا وحجي خليل‪ ...‬إواذا به يرد علي جوابه قائلا "اطلع احنإا ما عدنإا‬

‫‪125‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫واسطة هنإا‪ "...‬وأصبت بخيبة أمل كبيرة ولكن تحليلي لجواب الدكتور كان‬
‫انإصياعا لرغبة الحجي بعدم موافقته على دخولي للعسكرية وتلكا من‬
‫السجايا البغدادية‪...‬؟؟‬
‫ومع ذلكا فقد واصلت دراستي الجامعية بدخولي إلى كلية القتصاد‬
‫والعلوم السياسية مخالفا بذلكا رغبة الحجي ونإصيحته لي بدراسة الحقوق‬
‫وتبين لي بعد سنإين التخرج بأنإه كان محقا في نإصيحته وانإي كنإت جدليا في‬
‫اختياري‪ ...‬ومع ذلكا كم أخذتنإي الحسرة بعدها على عدم اتباع نإصيحة‬
‫الحجي‪...‬‬
‫وبعد عدة سنإوات كنإت جالسا بقرب الحجي ظه ار في المقهى وتذكرت‬
‫تلكا الحادثة وقد سألته‪" ...‬حجي أنإت ليش ما قبلت انإي أدخل للكلية‬
‫العسكرية‪ ...‬شنإو السبب" وكان جوابه لي‪:‬‬
‫"لكا ابنإي انإت ما تعرف اللي يتخرج من الكلية العسكرية يقسم اليمين‬
‫على عدم الخيانإة‪ ...‬وانإت شفت اللي صار بالعراق‪ ...‬وين الحلف وين‬
‫اليمين‪ ...‬أتره انإت تصير مثلهم"‪.‬‬
‫نإعم لقد كان الحجي على حق في رؤياه وكنإت أنإا على خطأ وهذا ما‬
‫كشفته الحوادث لعقود من السنإين مضت‪...‬‬
‫المقهى الملذ المن للسياسيين‬
‫يبدو أن لعلقات الحجي خلل سبعة عقود من الزمن مع خيرة أبنإاء‬
‫العراق ومن الشخصيات النإافذة الذين كانإوا يستلمون مقاليد الحكم أبان كلل‬
‫تغيير وكون صاحب المقهى وجها بغداديا في مظاهر حياته وفي سكنإاه‬
‫وملبسه وطموحاته وعلقاته الخاصة والعامة صادق العواطف مع الجميع‬

‫‪126‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مع مزاجه الذي يتقبل مختلف طبقات النإاس ومشاربهم كل ذلكا أضفى مكانإة‬
‫من الهيبة للمقهى ولصاحبها الذي كان يعتبر أمن روادها مسؤولية خاصة‬
‫به وبذلكا كان ليتج أر أحد من العاملين في المن أو الشرطة باختراق‬
‫المقهى دون أخذ المشورة منإه مسبقا والذن بذلكا مع انإه كان دائما ينإفي‬
‫عنإد سؤاله عن أحد السياسيين المطلوبين وهل هو موجود أم ل وكان جوابه‬
‫دائما غير موجود علما بأن المطلوب قد يكون جالسا في المقهى حيث يقوم‬
‫بعدها بتنإبيه المطلوب وأن يقلل من حضوره لتجنإب ملحقته المنإية وهذا ما‬
‫كان يحصل على سبيل المثال مع المرحوم عبد ال السلوم السامرائي الذي‬
‫كان من الرواد الدائميين مع شلة من أقربائه من أبنإاء سامراء يجلسون معا‬
‫وسط المقهى الطرفي يتوسطهم عبد ال السلوم والذي أصبح بعد حركة ‪17‬‬
‫تموز ‪ 1968‬وزي ار للرشاد والعلم عضو قيادة قطرية لحزب البعث‬
‫العربي الشتراكي‪ ...‬وقد توفاه الجل بعد تعرضه لمضايقات سياسية في‬
‫الثمانإينإيات استمرت إلى أن لبى نإداء ربه في النإصف الول من التسعينإيات‬
‫على ما أذكر‪...‬‬

‫القزم خليلو‪ ...‬والكنإاية البغدادية مع أحد شيوخأ العمارة‬


‫خليلو )القزم( ليتجاوز طوله بحدود المتر الواحد ممتلئ أصلع‬
‫يعمش بعينإه عنإد الكلم مثقف لكنإه يمتاز بأسلوبه النإقدي اللذع وكان‬
‫بطبيعة حاله لم تحصل لديه القنإاعة على الشخوص السياسية التي استلمت‬
‫مقاليد الحكم في مختلف العهود وكانإت سخريته مثار التحرش به واستفزازه‬
‫كي يتكلم ويسمعه الخرون وكان كثي ار ما يتمازح مع )الحجي( لحد الطرافة‪،‬‬

‫‪127‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مع أنإه كان يرتاد المقهى يوميا حيث سكنإه القريب لما بعد جامع‬
‫الحيدرخانإة فهو كما يبدو في تجواله محدود بين ساحة المين وساحة‬
‫الميدان‪...‬‬
‫في أحد أيام الصيف وبينإما كنإت جالسا ملرة دخل المقهى حينإما ذهب‬
‫الحجي للصلة استلمت مكانإه وكان يجلس بجوار الدخل أحد شيوخأ العمارة‬
‫وفي هذه الثنإاء وصل خليلو وطلبت له القهوة المحببة له ليتلذذ بشربها‬
‫عنإدها بادره الشيخ قائلا )خليلو لدي عرض عمل لكا وهو أن تأتي معي إلى‬
‫العمارة وأضعكا في قفص مربوط بسيارة متنإقلة في اللواء كي يقوم النإاس‬
‫بمشاهدتكا لقاء أجرة معينإة وبالنإتيجة في نإهاية اليوم نإقسم الدخل منإاصفة‬
‫فيما بينإنإا(‪...‬‬
‫إوانإي كنإت أراقب هذه المحاورة منإتظ ار رد خليلو على عرض الشيخ‬
‫المجزي فكان رد خليلو على هذا العرض قائلا له "إنإي أشكركا شيخ على‬
‫عرضكا الكريم إوانإي مستعد للذهاب معكا إلى العمارة لكنإي لأبغي مقاسمتكا‬
‫الدخل اليومي بل لي رجاء أرجو أن تحققه لي وهو أن تقوم بتهيئة غذائي‬
‫اليومي ظه ار ليكون "مركة شجر وقليل من التمن" عنإدها ضحكا الشيخ‬
‫بدون أن يفهم مقصد خليلو مع انإي فهمت مقصده حيث كان تعبيره كنإاية‬
‫قذفها بوجه الشيخ معنإاها "شكد لعد انإت فطير" حيث المعلوم بأن الشجر‬
‫لدى العامة يرمز ان هذا الشخص )فطير( وهي من الكنإايات البغدادية‪...‬‬
‫رحم ال خليلو وسبحان ال العلي القدير له في خلقه شؤون‪...‬‬

‫‪128‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫خاطرة‪ ...‬من أحداث ‪ 18‬تشرين ‪1963‬‬


‫كنإا نإسكن في دارنإا الواقع في نإهاية أحد أزقة العاقولية المجاورة‬
‫للمقهى بحوالي ‪ 12‬مت ار وكان محل أحذية باتا بالطرف المامي لها وهو‬
‫زقاق غير نإافذ )دربونإة ما تطلع( وكان حمام الرشيد مجاو ار للمقهى وحدث‬
‫في ‪ 18‬تشرين من عام ‪ 1963‬انإقلب عسكري وتم فرض منإع التجوال‬
‫وغلقت المقهى أبوابها وأصبحنإا نإسمع تراشق للطلقات النإارية بين حين‬
‫وآخر‪ ،‬ولكن الغرابة بالنإسبة لي بدأت عنإدما رأيت الحجي خارجا من داره‬

‫‪129‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫داخلا إلى الحمام للستحمام والتدليكا علما بأن القوات المسلحة للجيش‬
‫كانإت تجوب شارع الرشيد للتلرصد لمنإاطق إطلق النإيران لجل السيطرة‬
‫عليها‪.‬‬
‫وبينإما كنإت واقفا أمام الزقاق وعنإد خروج الحجي من الحمام تفاجأ‬
‫بمجموعة من الشقاة كانإت الفرحة بادية على وجوههم بسبب وضع أيديهم‬
‫على أسلحة الحرس القومي التي تركت أغلبها في مقرات الحرس أثنإاء‬
‫نإزول قوات الجيش إلى شوارع بغداد حينإها سمعت الحجي يوجه كلمه‬
‫للشقاة بقوله "يابه هاي شنإو أشو ماسوينإا شي النإوبه صارت بيدكم‪ ...‬وأي‬
‫وأي النإوبه صارت بيد‪ "...‬ولعل طرافة هذه الخاطرة تكمن بأن انإقلب‬
‫عسكري واقع ومنإع تجول إواطلقات نإارية كثيفة أحيانإا ومتفرقة أخرى‬
‫والحجي في حمام الرشيد يأخذ حماما غير آبه بما يجري من أحداث‪...‬‬

‫خاطرة‪ ...‬الحجي وتوصيله على طريق الكرادة الشرقية‬


‫في أحد أيام الصيف من عام ‪ 1964‬على ما أذكر كنإت جالس ا في‬
‫المقهى في مكان جلوس الحجي الذي كان ذاهب ا لحضور مجلس الفاتحة‬
‫لحد معارفه والتي أقيمت في إحدى قاعات منإطقة الكرادة الشرقية وأثنإاء‬
‫خروجه من القاعة وبينإما كان واقفا كي يستقل سيارة أجرة ليصاله إلى‬
‫المقهى إواذا بسيارة بيضاء نإوع انإجليا صغيرة تقودها المطربة الراحلة سليمة‬
‫مراد والملقبة بسليمة باشا وتجلس بجانإبها المطربة عفيفة اسكنإدر وعنإد‬
‫رؤيتهم للحجي توقفت السيارة وطلبت سليمة باشا من الحجي الصعود إليها‬

‫‪130‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫لتوصيله حيث كما يبدو ان لهم معرفة قديمة به تمتد إلى الثلثينإيات وعنإد‬
‫وصول السيارة إلى المقهى ترجل منإها الحجي وكانإت مفاجأة لي وللرواد‬
‫الذين أبهرهم المنإظر والدهشة على وجوههم‪...‬‬
‫إواذا بالحجي وبأعلى صوته "لكا على عنإادكم‪ "...‬حينإها رأيت‬
‫المطربتين وقد استغرقتا من الضحكا وقد ودعهم الحجي بعد أن قدم شكره‬
‫وامتنإانإه لهذه التوصيلة وحينإها انإطلقت سليمة باشا بسيارتها إواذا بأحد‬
‫الرواد من أصحابه يبدو أن الغيرة قد أكلته موجها كلمه إلى الحجي قائلا‬
‫"هاي شنإو يابه مو انإت حجي" إواذا به يرد عليه "لكا اشسوينإا هذوله عنإدهم‬
‫وفه من أيام زمان مو؟؟ وكانإت أم كلثوم تشدو بأغنإيتها ارجع يازمان من‬
‫مذياع محلت جقماقجي المواجهة للمقهى‪...‬‬
‫كان موقفا مسرحيا وقد استشعر معظم الرواد الجالسين على حافة‬
‫المقهى المطلة على شارع الرشيد بنإوع من المسرة وذلكا كان من أيام الزمن‬
‫الجميل‪...‬‬
‫خاطرة‪ ...‬مع أصدقاء من العمارة )عزيز جار ال(‬
‫كان لفيف من أهالي مدينإة العمارة من أصدقاء الحجي لسنإين طويلة تمتد‬
‫إلى أكثر من ثلثين سنإة وكنإت أرى الشيخ محمد العريبي مع مدير أعماله‬
‫)عزيز( في المقهى صباح ا وبشكل متكرر عنإد زيارتهم لبغداد حيث كان‬
‫الشيخ هادئ الطباع ليكلم أحد ا يدخن النإركيلة ويتلذذ بها وكان عزيز‬
‫مشهود ا له بالنإاقة التي تلئم مركزه مع الشيخ كما كنإت أرى حسين خضير‬
‫أبو منإى رحمهم ال جميع ا مع عزيز جار ال وكان الخير من أصدقاء عبد‬
‫السلم عارف واتفق مع الحجي على زيارته لتقديم التهنإئة بعد أن أصبح‬

‫‪131‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫رئيسا للجمهورية بعد ‪ 8‬شباط ‪ 1963‬في بنإاية البلط الملكي سابقا وقبل‬
‫النإتقال إلى القصر الجمهوري وعنإد دخولهم إلى بهو البلط رأى الحجي‬
‫أحمد حسن البكر ولم يكن يعلم بأنإه رئيسا للوزراء ولما كان يتقن التكلم‬
‫بكافة لهجات المحافظات العراقية وبالخص لهجة أهل الموصل وتكريت قال‬
‫له "ها‪ ...‬اشتعمل هونإي" وعنإدها فر عزيز جار ال خائفا قائلا للحجي "انإت‬
‫ما تدري موهذا صار رئيس وزراء" وأجابه الحجي "لكا عزيز انإت غير تكلي‬
‫قبل مانإجي"‪.‬‬
‫وعنإد سفر عبد السلم عارف إلى القاهرة ذهب الحجي إلى مطار‬
‫المثنإى لتوديعه وعنإدما رأى أحمد حسن البكر سلم عليه معتذ ار إل ان عبد‬
‫السلم عارف رد عليه قائلا ان أبو هيثم لم يعد زعلن وانإتهى الموقف‬
‫بالمصالحة الفورية مع أن البكر يعلم جيدا بالتعامل الصيل للسطة خليل‬
‫مع أبنإاء تكريت منإذ أيام الدراسة في دار المعلمين البتدائية أواخر‬
‫العشرينإيات‪...‬‬
‫كما يخطرنإي أحد وجهاء العمارة هو المرحوم مجيد الضيف المحامي‬
‫الذي كان يرشح نإفسه لنإتخابات مجلس النإواب في العهد الملكي وعنإد‬
‫زيارته للمقهى كان الحجي يطلب منإي الهتاف عنإدما كنإت صغي ار )يسقط‬
‫مسقط الضيف المحامي يسقط يسقط( نإكاية به وعنإد تعيينإي لدى البنإكا‬
‫المركزي كان أخيه حيدر الضيف مدي ار عاما للحقوق في البنإكا وكان يحضر‬
‫المقهى أخيهم الصغر على ما اعتقد بأن اسمه غازي‪...‬‬
‫وعلى مايبدو بأن أهل العمارة كانإوا متآلفين فيما بينإهم حيث معرفتهم‬
‫متبادلة ويتولد لديكا الشعور بأنإهم أهل تجمعهم قرابة القرية بشكل واضح‬

‫‪132‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫باحترامهم المتبادل‪ ...‬وباعتزازهم بعلقتهم الودية والعميقة مع صاحب‬


‫المقهى‪...‬‬

‫هتلر بغداد في المقهى ‪1964‬‬


‫كان يتوسط حائطي المقهى المتقابلين مرايا كبيرة بإطار ذهبي عدد )‬
‫‪ (2‬وبعد أحداث ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬كان من ضمن الرواد شخص أنإيق شبيه‬
‫بالزعيم اللمانإي هتلر حتى انإه كان يعتنإي بملبسه وشاربه بشكل غريب‬
‫يوحي للمشاهد بأن هتلر مازال حيا وكان يحضر الساعة )‪ (11‬صباحا إلى‬
‫المقهى دائما بمفرده تراه يجلس أمام إحدى المرايا ليكلم أحدا على الطلق‬
‫يطالع صحيفته وكنإت أسمع الحجي ينإادي على الجايجي‪ ...‬شاي إلى‬
‫الفنإدي وحين يسمع هذا الصوت كان يزداد زهوا وشموخا في جلسته‬
‫ولسنإوات قليلة كان هتلر بغداد يرتاد المقهى لكن لم يستطع أحد أبدا ان‬

‫‪133‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫يعرف هويته ول حتى صاحب المقهى مع انإه كان يثير انإتباه الكثيرين حين‬
‫مشاهدته وهو صامت أبدا ليكلم أحدا وعنإدما‪ ..‬كان يهم بالخروج تراه‬
‫يتأبط الصحيفة تحت إبطه بكل شموخأ ورأسه مرفوع إلى العلى‪ .....‬وكنإت‬
‫أرى الرواد يرمونإه بنإظراتهم دون أن يجرؤ أحد على الحديث معه وكان‬
‫الهمس يدور بين قسم من كبار السن حوله بأنإه هتلر الحقيقي بقولهم من‬
‫يؤكد بأن هتلر المانإيا انإتحر وقد وجدت جثة محترقة من الصعوبة التعرف‬
‫على هويتها‪ ،‬ومع ذلكا ان هتلر بغداد اختفى فجأة عام ‪ 1963‬ولم يظهر‬
‫على مسرح المقهى مرة أخرى‪...‬‬

‫السراي‪ ...‬المحكمة الكبرى "الجنإايات"‬


‫كانإت أبنإية السراي من ثمار الحكم العثمانإي تمثل مقر السلطة‬
‫الحاكمة ومقر الحكم فيها وبنإائها ط ار از يلئم الجو البغدادي وعلى مساحة‬
‫واسعة على ضفة نإهر دجلة الرصافة ولعل الفن المعماري الذي مازال هذا‬
‫البنإاء الشامخ يحمله لحد الن دليلا على رصانإة تنإفيذ العمار في بغداد‬
‫والقابلية للبغداديين في البنإاء على مستوى دوائر الدولة أو الدور السكنإية‬
‫التي كانإت تحمل طابعا ورونإقا فنإيا يمثل الذوق البغدادي وعراقته ليلئم جو‬
‫بغداد في كل فصول السنإة قد تم تتويج الملكا فيصل الول عام ‪ 1921‬في‬
‫بهو السراي وكان يمارس عمله اليومي في أحد أبنإيته واستمرت السلطة‬
‫الحاكمة بالتواجد فيه حيث كان مجلس الوزراء ووزارة الداخلية ومديرية‬

‫‪134‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الشرطة العامة ومتصرفية بغداد ومحاكم الدولة ضمن حدود نإطاق أبنإية‬
‫السراي وحتى بعد انإتقال مقر الملكا إلى بنإاية البلط الملكي والتي تم هدمها‬
‫في السنإوات اللحقة للمتغيرات السياسية في العراق لتصبح أخي ار نإادي‬
‫القادة والذي دمر أثنإاء حرب ‪....2003‬‬
‫كانإت المحكمة الكبرى تنإظر بدعاوى القتل والتي غالبا ما كانإت‬
‫تحصل سواء في أطراف بغداد أو ألوية العراق وعنإد لقائي في إحدى‬
‫المسيات بالمرحوم عباس العبيدي الذي كان حينإها مدي ار عاما لسجن أبو‬
‫غريب ومن خلل معرفتي به وجدت فيه شخصية بغدادية جديرة بالحترام‬
‫تحمل منإتهى الدب والخلق أخبرنإي في حينإها بأنإه عنإدما كانإت تعرض‬
‫خصوماتهم مع الخرين في الكرخأ في العقود السابقة على المحكمة الكبرى‬
‫يقوم الطرفين بإيداع أسلحتهم لدى الحجي قبل دخولهم قاعة السراي‬
‫لحضور محكمة الجنإايات ويؤتمن عليها لتجنإب عدم لجوء أحد الطراف إلى‬
‫استعمال السلح بعد تأكيد ذلكا بالفعل والقول‪ .‬وبعد انإتهاء جلسة المحاكمة‬
‫تعاد إليهم أسلحتهم‪...‬‬
‫كانإت تلكا النإفاس البغدادية المنإساقة من الكرخأ لصاحبهم الذي كانإت‬
‫مقهاه على ضفاف دجلة الكرخأ تضم آباءهم في العشرينإيات وغالبا ما كان‬
‫يتدخل الحجي بعد عودة المتخاصمين من المحكمة للصلح بينإهم وغالبا‬
‫ماكان تدخله يحسم الخصام بينإهم قبل أن تحسمه المحكمة بواسطة نإشر‬
‫التعاطف فيما بينإهم بالطريقة البغدادية التي كان يعيشها الحجي‪ ...‬وقد‬
‫رأيته يتبنإى خلفاتهم على عاتقه كي يقوم بحلها وتسويتها بأسلوب البغددة‬

‫‪135‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أي إيحاء المودة بين الطراف المتنإازعة بشكل يحفظ مهابة جميع الطراف‬
‫المتنإازعة‪...‬‬

‫‪136‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المسكوكات العربية‪ ...‬من تراث المقهى‬


‫بعد أن وافقت الوقاف العامة في العهد الملكي على توسيع بنإاء‬
‫المقهى وضم ما يتراوح من )‪ (100‬مربع تم هدم الجدار القديم وأثنإاء‬
‫الحفريات عثر أحد العمال على مسكوكات عربية في علبة صغيرة وسلمها‬
‫إلى الحجي وقد حفظها بالدولب وعنإدما كنإت طالبا في كلية القتصاد‬
‫والعلوم السياسية عام ‪ 1965‬شاهدت صدفة تلكا النإقود التي كانإت عملت‬
‫منإقوشة بالخط الكوفي ويبدو أنإها من العصر العباسي وأخذت موافقة‬
‫الحجي على أخذها ثم قمت بإهدائها إلى أستاذ القتصاد الدكتور علي رضا‬
‫الجاسم الذي كان يقوم بتدريس مادة النإقود والبنإوكا لطلبة الكلية الذي قام‬
‫بدوره بعرضها عليهم لنإدرتها‪...‬‬
‫وبعد سنإين لمنإي أحد الصدقاء من الطلبة على تفريطي بتلكا الثروة‬
‫لقيمتها التأريخية إواضافة إلى ان تلكا المسكوكات التذكارية تم العثور أثنإاء‬
‫الحفريات لتوسيع المقهى على بئر قديمة دائرية يتوسطها سلم من‬
‫المدرجات مما يؤكد بأن أرضية المقهى كانإت مسكونإة منإذ العهد العباسي‬
‫وان اختيار النإظمة السياسية التي تلت سقوط الدولة العباسية لتلكا‬
‫المنإطقة لم يكن اعتباطيا حيث على مايبدو منإطقة السراي والقشلة يشير‬
‫إلى ان مركز دار الخلفة كان في محيطها أيام العصر العباسي وما بعده‪...‬‬

‫‪137‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫لقاء رئيس الجمهورية عبد السلم عارف عنإد محل محمد الحلق‬
‫في آذار ‪1963‬‬
‫عنإد عودة البن الكبير للحجي "إسماعيل" من لنإدن بعد انإتهاء‬
‫دراسته في منإتصف عام ‪ 1962‬وبعد قيام حركة )‪ (8‬شباط التي تقلد فيها‬
‫عبد السلم عارف رئاسة الجمهورية‪ ،‬طلب الحجي من زميله محمد الحلق‬
‫الذي كان محله مقابل سوق المانإة بجانإب محل أحذية دجلة أن يقوم‬
‫بإبلغه عنإد حضور عبد السلم للحلقة حيث اعتاد معظم العسكريين‬
‫بالحلقة لديه والتواجد بالمحل‪...‬‬
‫وفعلا التقى الحجي برئيس الجمهورية بعد إشعاره من صاحب المحل‬
‫بحضوره وقد طلب منإه تعيين إسماعيل وأشار عليه الرئيس في حينإها بأنإه‬
‫طالما درس الهنإدسة أرى من المنإاسب تعيينإه في )شركة نإفط العراق(‬
‫ليراجع غدا وزارة النإفط قسم التعريق وفعلا خلل أيام معدودات تم تعيينإه بعد‬
‫مراجعته مقر الشركة )‪ (IPC‬في بغداد ونإقل بطائرة خاصة بالشركة إلى‬
‫كركوكا للمقابلة إواكمال إجراءات التعيين وقد عين بدرجة "‪ "STAFF‬وبراتب‬
‫مجزي في حينإها‪...‬‬
‫إن هذا اللتزام بما يكمن فيه من دللة على الوفاء والعطاء والسماحة‬
‫بتلبية الحتياجات المشروعة للخرين تقدي ار لشخوصهم ومواقفهم المعروفة‬
‫بوزنإها وثقلها في المجتمع البغدادي‪....‬‬

‫‪138‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫إطلق نإار عشوائي في أوجاغ المقهى عام ‪1964‬‬


‫كان السطة شهاب الحايجي مولعا بدللية بيع وشراء السلحة‬
‫النإارية بعيدا عن مسامع الحجي وفي مساء أحد أيام الصيف بينإما كنإت‬
‫جالسا عنإد واجهة المقهى بينإما كان الحجي في الجامع لداء صلة العشاء‬
‫سمعت إطلق عيار نإاري من داخل )الجاغ الذي هو المحل المخصص‬
‫لعداد لوازم الشاي والقهوة والركيلة( لتبين ما حصل وظهر بأن السطة‬
‫شهاب استغل غياب الحجي عنإد حصوله على مشتري لمسدس لديه وأثنإاء‬
‫قيامه بسحب القسام حشرت إحدى الطلقات ثم انإطلقت لتخترق )جراوية(‬
‫فرحان العامل في المقهى الذي نإجا بأعجوبة ويبدو أن شهاب الذي كان‬
‫معتادا على شرب العرق يوميا بعد العشاء كان في البيكا الثانإي عنإد عرضه‬
‫المسدس على المشتري‪...‬‬
‫وفي اليوم التالي سمع )الحجي( بالحادث حيث أخبره أحد الرواد بأنإه‬
‫سمع )دويه( بالوجاغ وعنإد سؤاله لشهاب عن الموضوع أجابه على الفور‬
‫بأنإه انإفجار بطل سفن ويبدو ان جوابه غير مقنإع‪ ،‬أجابه الحجي مهددا إياه‬
‫بقوله "لكا ابن الكـ‪ ...‬اكعد راحه لسوينإا مشكله تره أهري جلدكا ولو تموت‬
‫ما أكوفلكا إذا انإلزمت" ويقصد بأنإه ليقوم بالتوسط له على الطلق عنإد‬
‫تعرضه للمساءلة القانإونإية في حالة القبض عليه‪...‬‬

‫مشاهد على رصيف المقهى‬

‫‪139‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫غالبا ما كنإت أجلس في الجهة اليمنإى المامية على واجهة الشارع‬


‫مع زملئي الذين يرتادون المقهى لرؤيتي والستمتاع بالجلوس معي على‬
‫واجهة الشارع لرؤية المارة وسماع تسجيلت أنإغام الجقماقجي ومن خلل‬
‫هذا الموقع كنإا نإشاهد شخصية غريبة الطوار يرتدي نإصف دشداشة ممزقة‬
‫ضخم البنإية حافي القدمين يسير مسرعا يوميا من محلة الميدان لغاية‬
‫ساحة المين راجعا بعدها بنإفس المسار وكان أصحاب بعض المحلت‬
‫والمارة عنإدما يشاهدون هكذا نإوعية ينإادون عليه بكلمة )بارود( ويبدو ان‬
‫هذه الكلمة كانإت تهيج المجانإين عنإد سماعهم إياها وكنإت أرى )عباس‬
‫بيزة( المشار إليه آنإفا يدمدم مع نإفسه باضطراب ولعله لو أمسكا المنإادي‬
‫عليه بكلمة بارود لبطش به‪...‬‬
‫كما كان يمر شخصية جنإونإية أخرى وهو من ملبسه على مايبدو‬
‫صباغ دور يلقب بـ)محمد العاشق( يحمل سكينإا كبيرة يسير مرددا أنإغاما‬
‫لعبد الوهاب مع نإفسه أي يدمدم وعنإد سماعه لكلمة )بارود( ينإتفض شاه ار‬
‫سكينإه بوجه المالرة مهددا بالنإتفاضة عليهم لعدم تأكيده لمصدر الصوت‪...‬‬
‫كنإا نإضحكا كثي ار لرؤيتنإا مشاهد واقعية ملموسة ساخرة تمر من‬
‫أمامنإا‪...‬‬
‫وفي بعض الحيان كنإا نإرى شخصا ما يبدو أنإه يعاكس امرأة مالرة من‬
‫الشارع وتنإتهز تلكا المرأة مرورها أمام المقهى لتهجم عليه بالقول "لكا انإت‬
‫ما عنإدكا عرض‪ "...‬عنإدما يتحفز صاحب المقهى أو أحد الرواد لنإجدتها وقد‬
‫يتخلل ذلكا التحفز بأن ينإال "دون جوان" ضربه أو سطره بغدادية تساعده‬
‫على الهرولة الفورية‪...‬‬

‫‪140‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وكثيرة هي المشاهد وخاصة في فصل الصيف واشتداد حرارة الجو‬


‫وتأثيرها‪..‬؟؟‬
‫كما أن كثرة المالرة وزحام المرور في الشارع كان يعطي انإطباعا‬
‫مريحا عنإد الجلوس بواجهة المقهى وكان لشارع الرشيد في حينإها جانإب‬
‫أيمن وأيسر مروريا أو ما يسمى )سايدين( بالعامية يمكنإكا أن تلمس‬
‫صخب النإاس في الذهاب والمجيء وفعلا كان جوا مفعما بالجمال سيما وان‬
‫موقف الباص الذاهب إلى الباب الشرقي أو الكرخأ كان مقابل المقهى في‬
‫الجهة الخرى‪.‬‬

‫مع العميد إبراهيم محمد إسماعيل أمين العاصمة‬

‫‪141‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫العميد إبراهيم من رعيل الرئيس أحمد حسن البكر الذي أوصى‬


‫بتعيينإه أمينإ ا لبغداد بعد ‪ 17‬تموز ‪ 1968‬وعلقته بالحجي تمتد إلى عام‬
‫‪ 1929‬يحمل شخصية عسكرية ملؤها الوقار والسماحة والمثل البغدادية‬
‫العريقة وكان من رواد المقهى غالبا ما كنإت اراه جالسا مع الحجي‪...‬‬
‫وكثيرا ما كان يقصده )الحجي( بحاجة تخص أما إرجاع مفصول أو‬
‫تعيين شخص وكان ليرد طلب ا له على الطلق بل يفرح بزيارته له ويكون‬
‫سعيدا بتلبيته لنإه كان على علم مسبق بأن ما يطلبه الحجي هو ضمن‬
‫سياق العلقات البغدادية الدافعة إلى عمل الخير بدون مقابل على الطلق‬
‫سوى رضا ال سبحانإه وتعالى حيث كان معظم الذين يقصدونإه أصحاب‬
‫عوائل وبحاجة إلى العمل لتغطية احتياجاتهم المعيشية‪ .‬وقسم منإهم قد‬
‫يكون قضى مدة محكوميته لقضية ما يلجأ إلى الحجي بعد إطلق سراحه‬
‫للوساطة لرجاعه لعمله لن دراية الحجي كانإت انإه له بقي هذا الشخص‬
‫بدون عمل من الممكن أن يتحول إلى مجرم أو يتمادى في مخالفته‬
‫للقانإون‪...‬‬
‫أما السيد أمين العاصمة فقد تركا العراق منإتصف السبعينإيات إلى‬
‫الوليات المتحدة بعد إحالته على التقاعد حيث عاش مع أحد أبنإائه‬
‫المقيمين هنإاكا وذلكا بعد أن تولد لديه عدم الحساس بالمان نإتيجة‬
‫الظروف السياسية المتنإاقضة وسمعت قبل سنإوات انإتقل إلى رحمة ال في‬
‫عمان تغمده ال برحمته الواسعة ولعل أعمال الخير التي قام بها سلباقة له‬
‫في آخرته‪...‬‬
‫أيضاا‪ ...‬العميد الطيار حسن عريم‪ ...‬قائد القوة الجوية ‪1967-1966‬‬

‫‪142‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بينإما كنإت جالسا ظهيرة أحد اليام في المقهى بعد أن ذهب الحجي‬
‫إلى الدار لينإام الظهر‪ ،‬كان من عادة أحد رواد المقهى وهو الحاج أحمد‬
‫سمينإه صاحب المطعم المشهور في سوق التجار وأكلته البغدادية اللذيذة‬
‫حيث جرت العادة لديه يزور المقهى ظه ار بعد غلق المطعم وكنإت أتبادل‬
‫معه أطراف الحديث فيما يتعلق بشؤون البلد وما آل اليه النإاس من أحوال‬
‫وأطوار المجتمع العراقي بعفوية وبساطة وهو شخصية بغدادية محبب‬
‫سماعها وصادف أن حضر مجلسنإا "خليلو" القزم ليشاركنإا الحديث وفجأة‬
‫وقفت سيارة عسكرية ستيشن تحمل علما ترجل منإها العميد حسن عريم‬
‫بملبسه العسكرية الزرقاء وعليها أجنإحة الطيران طلبت له القهوة العربية‬
‫التي يحبها وبعد تبادل الحاديث المعتادة أخذ العميد طريقه متوجها نإحو‬
‫سيارته‪ ،‬عنإدها فوجئت بسؤال العم أحمد سمينإة لي بقوله "حميد يابه‬
‫مدكولي شنإو هاي البلبل اللي شاده هذا العسكري‪ "...‬وهنإا أجابه خليلو‬
‫ضاحكا وهو متكئ على منإضدة الدخل "يابه حجي أحمد قابل هذا‬
‫مطيرجي‪ ...‬يامعود هذا قائد القوة الجوية‪ "...‬وغلبنإي الضحكا كي أطلب‬
‫قهوة مرة أخرى لخليلو ليتلذذ بها ويشدو ويشدو بحديثه عن السياسة‬
‫ومشاكلها‪...‬؟؟‬

‫خاطرة مع المرحوم سلطان أمين في منإتصف الستينإيات‬

‫‪143‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سلطان أمين شخصية بارزة في حبه للنإاس والمجالس والتذوب مع‬


‫أصدقائه وتملكه للقنإاعة الحقيقية بالضافة إلى التواضع الصيل تجاه‬
‫الخرين عنإدما كان في الخدمة وبعد تقاعده لقد كان هادئا بشكل يبعث على‬
‫الحترام والتقدير منإذ العهد الملكي حيث تقلد أعلى المنإاصب منإها مدير‬
‫شرطة بغداد قبل ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬وأحيل على التقاعد ثم أعيد إلى الخدمة‬
‫بعد عام ‪ 1963‬ليتقلد منإاصب في وزارة الداخلية منإها وكيل وزارة لغاية‬
‫‪ 1968‬على ما أذكر كان سفره الوظيفي الذي قضاه في خدمة الدولة‬
‫العراقية أثبت خلله كفاءة ونإزاهة وجدارة ليمكن إل أن يشار اليها بالبنإان‪،‬‬
‫لقد كان صديقا وفيا إلى الحجي ومن المقربين له يقضي أوقات فراغه في‬
‫المقهى مع أصدقائه يتسلى بلعبة الدومينإو وكان ارتياده للمقهى دائميا‬
‫أثنإاء فترة التقاعد وعلى ما أذكر فقد تعرفت على ابنإه أمين في كلية‬
‫القتصاد والعلوم السياسية عام ‪ 1965‬كان خلوقا ومؤدبا هادئا له شبه‬
‫بوالده مع ان معرفتي به كانإت بسيطة لتتعدى تبادل التحية ونإاد ار ما نإتبادل‬
‫الحاديث القليلة في رحاب الكلية‪ ،‬ولقد لعب القدر دوره عنإدما تقدم الدكتور‬
‫رياض إبراهيم الحاج حسين بعد تخرجه من كلية الطب لخطبة إحدى‬
‫كريمات السيد سلطان أمين لمرتين حسبما ط أر سمعي وكان الجواب‬
‫بالرفض من والدها‪ ،‬وعنإدما علم د‪.‬رياض ووالده بأن والدها من أصدقاء‬
‫الحجي ومن رواد مقهاه قاموا بالتصال بـ خال رياض الذي كان صاحب‬
‫مقهى في منإطقة الفضل يدعى "علي النإهر" حيث قصده رياض مع أبيه‬
‫طلبا للتوسط لدى الحجي لغرض إقنإاعه بالموافقة وعنإد زيارتهم للمقهى‬
‫ولقائهم بصاحبها تبين له الشخصية الموزونإة للدكتور رياض بعد أن تعرف‬

‫‪144‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫على سمعة والده الذي بادر بالقول بأن ولده يرغب في الزواج والسفر إلى‬
‫لنإدن لكمال دراسة الطب العليا ويطمح إلى تدخله للحصول على موافقة‬
‫والدها وفعلا رد عليهم بإعطائه مهلة يومين لغرض التحدث معه ومحاولة‬
‫إقنإاعه بالموافقة‪.‬‬
‫وفعلا هذا ماحدث حيث بادر الحجي بالتصال بـ سلطان أمين قائلا‬
‫ماهو السبب لرفضه د‪ .‬رياض وهو شاب من عائلة معروفة من الرمادي‬
‫وأمامه مستقبل واعد بانإتظاره وكان جوابه بأن الرفض بسبب عدم معرفته به‬
‫أو بأهله ول علقة لي سبب آخر بالموضوع عنإدها أجابه الحجي هو‬
‫الكفيل والضامن له وكان رد سلطان أمين بالموافقة وتم عقد القران بحضور‬
‫الحجي سافر بعدها د‪.‬رياض مع عروسه إلى لنإدن لكمال الدراسة‪...‬‬
‫تلكا كانإت مكامن العلقات بين شخوص سادت فترة من الزمن المفعم‬
‫بالحترام المتبادل مع ان هذه الحادثة كنإت قد سمعتها من أحد الصدقاء‬
‫وذلكا لن الحجي كان كتوما ومحافظا جدا على علقاته مع الخرين علما‬
‫بأن الدكتور رياض أصبح وزي ار للصحة‪...‬؟؟‬
‫وقد تم إعدامه خلل أعوام الحرب العراقية اليرانإية أما سلطان أمين‬
‫فقد توفي قبل عدة سنإوات وأقيمت له فاتحة في منإطقة الكرادة الشرقية في‬
‫إحدى الحسينإيات لمدة أسبوع حسبما ط أر سمعي وذلكا لما كان يتمتع به من‬
‫سمعة طيبة‪...‬‬
‫وقد كنإت كثي ار ما أسمع عن من يروم الزواج وهو بحاجة إلى مشورة‬
‫أو نإصيحة بهذا الخصوص يلجأ إلى الحجي لكثرة معرفته بالنإاس حيث‬
‫يجدون لديه الملذ المن لما يحتاجونإه من معلومات تتعلق بهذا الخصوص‬

‫‪145‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مع ان الحجي كان محافظا جدا وملتزما أشد اللتزام بما يتعلق بآداب‬
‫المجتمع البغدادي‪.‬‬

‫خاطرة‪ ...‬حجي خليل يرغب في تعلم القراءة والكتابة‪...‬‬


‫عنإدما كنإت طالبا في كلية القتصاد والعلوم السياسية التابعة لجامعة‬
‫بغداد ‪ 1966‬وقد جرت العادة لدي أنإا وزميلي عصام الدوري أن نإسير من‬

‫‪146‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الكلية مرو ار بمنإطقة الفضل بلقاء بعض الصدقاء حتى نإصل بعدها إلى‬
‫المقهى في زيارة قصيرة قبل أن نإعاود الرجوع إلى الدار وظهر أحد اليام‬
‫رأينإا الحجي يتصفح "القراءة الرشيدة" وهو كتيب مخصص لتعلم القراءة كان‬
‫جالسا بمفرده وباهتمام بالغ في محاولة لتعلم القراءة وعنإد سؤالنإا عن‬
‫السبب أجاب "لكا آنإي أريد أتعلم القراءة والكتابة بلكت يجينإي السرة وأصير‬
‫رئيس جمهورية حالي حال جماعتي‪..‬؟؟ ولم نإستطع أن نإمنإع أنإفسنإا من‬
‫الضحكا أمامه حيث كانإت بادرة جديرة بالملحظة وفي هذه الثنإاء حضر‬
‫)خليلو( واشتد زحام المنإاقشة الحادة بينإهما على أساس خليلو القزم مثقف‬
‫يق أر ويكتب وأخذ ينإاكد الحجي الذي بلغ من العمر ما بلغ ولم يعرف لحد‬
‫الن القراءة والكتابة وكان يرد عليه الحجي "لكا‪ ...‬احنإا إلمن ساوينإا حتى‬
‫نإساويكا ياأبو‪ ...‬شتيمة‪ "...‬وأخذ خليلو يتلذذ بشرب القهوة وابتسامة‬
‫الشماتة على وجهه قائلا "آنإي راح أرد عليكا بالجريدة‪ ...‬ها‪ ...‬ها؟ وهو‬
‫يقهقه باعتباره مثقفا باستطاعته أن يكتب في الصحافة‪ ...‬ثم استمر خليلو‬
‫في حديثه قائلا "لكا خليل هذه مو لعبة طوبه هاي شغله الها نإاسها‪ ...‬آنإي‬
‫ما أكدر أعلمكا القراءة" وهنإا أجابه الحجي "شتيمة‪ ...‬لكا هي بقت عليكا هو‬
‫منإو اللي راد منإكا تصير معلم يأبو‪.."...‬‬

‫خاطرة‪ ...‬مع العميد مدحت شاكر السعود‬


‫كان يوم الجمعة من كل أسبوع صباح ا يوم ا متميزا في المقهى حيث‬
‫يزداد عدد الرواد بسبب العطلة ولم يتسع لهم الجلوس ويبقى الخرون‬
‫واقفين على الرصيف قبالة المقهى مستأنإسين بأحاديثهم وقراءة الصحف‬

‫‪147‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وكان العميد مدحت شاكر السعود من الرواد بغدادي السلوكا إوانإسان عرف‬
‫بحق مكانإته بقنإاعته وأمانإته في أدائه لعمله حيث كان رئيس المجلس‬
‫العرفي العسكري الثانإي صديق ا وفي ا للحجي وشخصية إنإسانإية نإاصعة وكثيرا‬
‫ما كان يتوسط صاحب المقهى لديه عنإدما يقصده من لديه دعوى تمس‬
‫قريب له معروضة على المجلس العرفي ولم يتردد يوم ا وكان دائم القبول‬
‫للرجاء وساعيا لعمل الخير حيث يعلم علم اليقين بأن توسط صاحب المقهى‬
‫لوجه ال خالي ا من أي مصلحة شخصية وتوسطه قد يساعده في اتخاذ‬
‫القرار الصائب‪...‬‬
‫وكان السعود عنإدما يغادر المقهى يحب دائم ا أن يمازح صاحبها‬
‫بشكل أو بآخر وذلكا لرغبته في سماع أنإغام جعفر العسكري والتي يجيدها‬
‫الحجي حيث يضحكا السعود بسرور بالغ‪...‬‬
‫كنإت أتردد إلى زيارة المرحوم شاكر في داره أواخر الثمانإينإيات وأوائل‬
‫التسعينإيات قبيل وفاته وأستمع منإه بشغف عن تجربته العملية في حياته‬
‫العسكرية وما آلت إليه المور بعد ‪ 1958‬وعن التنإاقضات التي سادت‬
‫الحياة العامة وغيرها من المسائل الخرى المؤثرة في واقع الحال وكان اللقاء‬
‫يمتد لكثر من ساعتين أستمع من رجل قد كانإت له تجربة مليئة وزاخرة بما‬
‫آلت اليه أمور النإاس فقد كان رحمه ال متكاملا وبثقة بنإظرته للمور بشكل‬
‫عام‪...‬؟؟؟‬

‫خاطرة مع مطرب المقام العراقي محمد القبانإجي في حمام الرشيد‬


‫في عصر أحد اليام من عام ‪ 1973‬التقى الحجي مصادفة مع محمد‬
‫القبانإجي في حمام الرشيد عنإدما كان )يدلكا( جسمه كالعادة ويبدو ان حوا ار‬

‫‪148‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫دار بين الثنإين يتعلق بقديم الزمان كما يقال وعنإد انإتهاء الثنإين من‬
‫الستحمام ولجه )الحجي( دعوة إلى القبانإجي ليشرب الشاي في المقهى‬
‫وكنإت جالسا حول الدخل وعنإد مجيئهم تنإحيت جانإبا وكنإت متشوقا لرؤية‬
‫صرح الطرب العراقي لنإي كنإت من المعجبين بالمقام العراقي إوان كنإت أجد‬
‫صعوبة في فهم أنإواعه أو أكاد ل أدركها أيضا كما كان يقال )مقام اللمي‪..‬‬
‫أو البراهيمي‪ ...‬المدمي‪ ...‬وغيرها اطرب جدا لسماعها بشوق سمعت‬
‫محمد القبانإجي يقول أثنإاء شربه الشاي "لن أنإسى ياحاج خليل يوم أنإقذتنإي‬
‫في منإتصف أحد الليالي في البصرة عنإدما حاول العتداء علي شلة من‬
‫الشقياء بقصد السرقة وكان تصديكا لهم إسعافا لي عنإدما كنإت أتجول‬
‫لوحدي على رصيف الشاطئ وهذا الحادث على ما أظن وحسب قول القبانإجي‬
‫عام ‪ 1924‬حيث كيف يعتدى على بغدادي في البصرة‪ ...‬وبعد أن شرب‬
‫الشاي والقهوة استأذن بأدب بغدادي بالنإصراف شاك ار على حسن‬
‫الضيافة‪...‬‬
‫وبهذا الصدد يدفعنإي القول بأن العنإصر البغدادي تبلور بتقاليده‬
‫وموروثاته وأعراقه الخاصة وفنإونإه التي يأتي غنإاء المقام في صدرها والذي‬
‫يعتبر أهم مظاهر وحدة العراقيين الذين تتنإازعهم عوامل الفرقة والختلف‬
‫وتعدد الشعوب والطبقات وتباين الحالة المادية والتطور الحياتي‬
‫وعلى ما أذكر بعد ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬ولمدة عدة أشهر لم نإكن نإسمع‬
‫بصوت القبانإجي من الذاعة أو التلفزيون وكان السبب على مايبدو بأنإه‬
‫سبق له ومدح النإظام الملكي في إحدى المسيات عنإدما تم إهداؤه وساما في‬
‫إحدى المنإاسبات وفيها غنإى "لقد حليت صدري بوسام‪."...‬‬

‫‪149‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المهم ان المقام ثروة بغدادية أصيلة وليستطيع العراقيون أن يستغنإوا‬


‫عنإها وبذلكا شاهدنإا مطرب العراق متقلدا المسرح في قاعة الشعب "قاعة‬
‫الملكا فيصل الثانإي" في باب المعظم وبحضور الزعيم عبد الكريم قاسم وبدأ‬
‫المذيع نإعمان السعدي بتقديمه للحضور وأطرب الحضور بأدائه عنإدما بدأ‬
‫بأغنإية "غنإيه ياغينإه‪ ..‬ياآغاتي انإتي روحي وحماتي كيفي اليوم صارت حريه‬
‫آه‪ ...‬حريه آه‪."...‬‬
‫ويذكرنإي ذلكا كله ماحصل بعد حركة ‪ 23‬يوليو ‪ 1952‬للضباط في‬
‫مصر حيث منإع أحد ضباط الحركة المسؤولين عن الذاعة المصرية من‬
‫إذاعة أغانإي أم كلثوم وبعد مدة تنإبه الرئيس جمال عبد النإاصر لذلكا وعلم‬
‫بهذا المنإع وأرسل إلى مسؤول الذاعة لمعرفة السبب والذي أجابه بأنإها كانإت‬
‫تمتدح الملكا فاروق في أغانإيها حينإها رد عليه عبد النإاصر بقوله هل يحوز‬
‫لنإا أن نإزيل الهرامات لنإها كانإت موجودة قبل ‪ 23‬يوليو‪ ،‬عنإدها أمر‬
‫بالسماح إلى إذاعة أغانإي أم كلثوم وتقديرها إواقامة حفلتها وطلب مقابلتها‬
‫للعتذار منإها‪ ...‬مع انإه بعد سنإوات وجه القول لها بأنإها استطاعت أن‬
‫تخلق الوحدة العربية عنإد اجتماع الشعب العربي نإهاية كل شهر للستماع‬
‫إلى حفلتها وهذا ما لم تستطع أن نإحققه نإحن السياسيون‪...‬؟؟‬
‫حادثة في أواسط العشرينإيات‪ ...‬الفنإانإة جميلة دنإكر ضحية العتداء‬
‫قد تكون لواقعيتها من الحداث الطريفة التي مرت بها أجواء بغداد‬
‫وهذه الحادثة كنإت قد سمعتها من قبل أكثر من ثلثة عقود مع أن أحداثها‬
‫كانإت بعد الحتلل البريطانإي للعراق في إحدى أوتيلت بغداد الواقعة في‬
‫محلة الميدان حيث حصلت الواقعة عنإدما كانإت إحدى الفنإانإات واسمها‬

‫‪150‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫"جميلة" تؤدي وصلتها على الشانإو )المسرح( اعتدى عليها أحد العساكر‬
‫النإكليز والذي كان مخمو ار حاول مضايقتها وما كان من جميلة إل أن‬
‫ضربته بالبطل على رأسه وسال الدم على وجهه وارتبكت حركة الجمهور في‬
‫الوتيل حضر على أثرها أفراد من قوات الحتلل وألقت القبض على الفنإانإة‬
‫جميلة وأدخلتها في السجن )القلغ( الذي كان موقعه في باب المعظم وبعد‬
‫أسبوع من حجزها قرر الضابط المسؤول عن المعسكر إطلق سراحها بعد‬
‫استدعائها حيث أنإذرها بعدم تكرار ذلكا قائلا لها )‪GEMILA YOU‬‬
‫‪ (ARE DANGER‬وقصد بها جميلة أنإت خطيرة وعنإد خروجها من‬
‫بنإاية القلغ كان في استقبالها محبيها والعاملون معها في الوتيل ومجموعة‬
‫من معارفها بعربات الخيل والموسيقى الشعبية التي أخذت تعزف فرحا‬
‫بإطلق سراحها وكانإت الجواء أشبه بزفة عرس وبعد إيصالها إلى الوتيل‬
‫سألها أصحابها ماذا قال لها الضابط النإكليزي وكان جوابها "شمدرينإي بس‬
‫كلي جميلة أنإفت دنإكر" ومن هنإا اكتسبت جميلة لقبها الذي اشتهرت به‬
‫"جميلة دنإكر" وعادت إلى مزاولة عملها إلى نإهاية الربعينإيات‪...‬‬
‫وفي منإتصف الستينإيات بينإما كنإت جالسا في أحد الليالي مع‬
‫مجموعة من الصدقاء حيث تصف الكراسي في الصيف على الرصيف‬
‫المواجه للشارع بادرنإي أحدهم قائلا سوف أقص عليكا ما حصل معي قبل‬
‫أسبوع عنإدما كنإت في زيارة لبعض الصدقاء حيث التقيت بامرأة كبيرة في‬
‫السن ومحياها يبدو عليه خواطر السنإين وأخذت تحدثنإي عن بغداد ولياليها‬
‫أيام زمان وقالت لي ياترى كيف يقضي الشباب أوقات فراغهم في هذه‬
‫السنإين أجبتها بالنإسبة لي أجلس مساء أغلب أيام السبوع في مقهى‬

‫‪151‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫"خليل" الواقعة في شارع الرشيد في لقاء مع بعض الصدقاء لمدة ساعتين‬


‫أو أكثر وبعدها أما أرجع إلى الدار أو نإروم الذهاب إلى أحد النإوادي الليلية‬
‫وهذه هي مجرى اليام لدينإا‪ ،‬وفجأة بادرتنإي بالسؤال هل صاحب المقهى من‬
‫يعتمر الزي البغدادي والجراوية‪ ،‬أجبتها نإعم واستطردت قائلة سوف أقص‬
‫عليكا )سالفة( مرت علي وهذا الرجل صاحب المقهى كان سبب خلصي من‬
‫القتل المحقق بينإما كنإت أعمل في أحد الوتيلت في الميدان عام ‪1935‬‬
‫بالذات كنإت مهددة من قبل أحد مفوضي الشرطة المسؤولين عن أمن‬
‫المنإطقة الذي كان يقوم بابتزازي والعتداء علي بالضرب وبقسوة لينإهب‬
‫أجري وعنإدما قررت عدم إعطائه أي مبلغ مرة أخرى وجه إلى وجهي‬
‫اللكمات والشتم والضرب بأرجله إلى أن وقعت ساقطة على الرض وسالت‬
‫الدماء على وجهي ولم يتجاسر أحد من الرواد على إيقافه أو التعرض له‬
‫خوفا من بطشه وبعد أن تركنإي ممددة على الشانإو خرج مهددا بالعودة مرة‬
‫ثانإية على أن أكون قد هيأت له كمية النإقود التي يبغيها‪...‬‬
‫ويبدو أن أحد الرواد رق لحالي وقدم لي نإصيحة الخلص من هذا‬
‫الفاق بعد أن فاض به اللم لما شاهده حيث وجهنإي إلى طلب العون‬
‫والنإجدة من صاحب مقهى بشارع الرشيد يدعى خليل لكنإي أجبته بأنإي‬
‫لأعرفه ولم يسبق أن كانإت لي علقة به وأجابنإي بأن هذا الرجل )ينإتخي(‬
‫أي صاحب نإخوة ويساعد النإاس وبدون مقابل وفعلا في اليوم التالي ارتديت‬
‫العباءة والبوشية وذهبت إلى المقهى وعنإدها وقفت في طريق رصيف‬
‫الشارع عنإد الدنإكة قرب المقهى طلبت من صاحب المحل المجاور أن يطلب‬
‫لي صاحب المقهى وعنإد مجيئه سألنإي عن حاجتي وسردت له شاكية‬

‫‪152‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫حكايتي مع مفوض الشرطة طالبة منإه العون وأن أنإاسا آخرين شلجعونإي‬
‫باللجوء إليه وأجابنإي برد بسيط "إنإشاء ال يصير خير" وبعد مرور عدة أيام‬
‫جاءنإي مفوض الشرطة إلى الوتيل متوسلا ومكر ار اعتذاره عما بدر منإه‬
‫وانإه لن ولن يتعرض لي مرة أخرى وعدم مضايقتي على الطلق لكن كان‬
‫)ماكو داعي توصيلها لهل الحد( وغاب هذا الكابوس عن وجهي إلى البد‪.‬‬
‫وعنإد سؤالي للرجل الذي أشار عللي بنإصيحته قدمت له شكري على هذه‬
‫المشورة‪ ...‬سألته من يكون صاحب المقهى ليكون لديه هذا التأثير والنإفوذ‬
‫القوي أجابنإي قائلا بأن معظم كبار ضباط الجيش والشرطة من معارفه ومن‬
‫المؤكد انإه طلب رجاء بالتحري عن سلوكا المفوض وردعه من رؤسائه‬
‫بتهديده بالنإقل إن لم ينإتفه من مزاولة سلوكه العدوانإي واستغلل وظيفته‪.‬‬
‫ومع مرور عقود السنإين استطردت جميلة دنإكر قائلة لصاحبي "آنإي‬
‫إلى أن أموت أبقى شايلة زينإه للحجي وهذا معروف في رقبتي لهذا الرجل‬
‫الذي قصدته بدون سابق معرفة‪.‬‬
‫لم تنإس جميلة المعروف أيام زمان ولكن ياترى أين زمانإنإا من زمان‬
‫جميلة دنإكر‪..‬؟؟‬
‫ويبدو أن صاحبي قد استهوته حكاية جميلة حيث كان يسردها‬
‫بعفوية صادقة ومعجبا بها‪ ...‬مع إنإي أجبته بأن هذا العمل من قيم البغددة‬
‫التي ترفض التعدي على حقوق الخرين وانإصاف الضعفاء وان ما قام به‬
‫صاحب المقهى تجاه هذه المرأة سلوكا طبيعي بالنإسبة له لنإه تعايش مع‬
‫النإاس وكثر من اختلطه بهم كما انإه كان يستغل معرفته بالمسؤولين‬

‫‪153‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫لنإصاف المظلومين ومساعدتهم بدون أن يتسبب في إيذاء أحد على‬


‫الطلق‪...‬‬

‫الحجي وأداء الواجب تجاه المصاب الليم‬


‫كثي ار ما كنإت أسمع ومنإذ صغري عنإدما أرى "الحجي" مرتديا عباءته‬
‫تاركا مقهاه مسرعا بعد إبلغه بوفاة أحد معارفه حيث يذهب توا كي يقوم‬
‫بإجراء كافة الترتيبات المتعلقة بتجهيز المتوفى لعانإة أهله على دفنإه‬
‫وكثي ار ما يطلب أهل المتوفى طلب المعونإة بذلكا من الحجي حيث ليست‬
‫لديهم الدراية عن أماكن تواجد العاملين بأداء مستلزمات الوفاة في الطراف‬
‫البغدادية وكنإت أراه يطلب من أحد الجالسين قربه بتسجيل المصروفات على‬
‫ورقة لغرض تقديمها إلى من يسأل عنإها من أهل المتوفى‪ ...‬وغالبا كان‬
‫يطلب منإي أو من أحد الرواد قراءة الصحف بما يتعلق بمجالس الفاتحة‬
‫المقامة في بغداد حيث يبادر إلى الذهاب لحضورها‪ ...‬وقد سألته يوما عن‬
‫السبب في اهتمامه بذلكا وأجابنإي "لكا ابنإي هاي بيه أجر كبير عنإد ال"‪...‬‬
‫كما أنإه غالبا ما كان يقوم بتهيئة مستلزمات الفاتحة من القهوة حيث يبعث‬

‫‪154‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أحد العاملين لديه لعملها طيلة ثلثة أيام وفي بعض الحيان كان يكلف من‬
‫أهل المتوفى الميسوري الحال بتوزيع المال على الفقراء بمعرفته‪.‬‬
‫تلكا هي العادات التي كانإت سارية في المجتمع البغدادي الذي كان‬
‫يزخر بسمو العلقات النإسانإية بين أفراده والجهود المبذولة في تذليل‬
‫المصاب العائلي لتخفيف وطأة ألم الفاجعة‪...‬‬

‫السطة شهاب الجايجي وسرعة البديهة‬


‫كان شهاب منإذ صباه يعمل في مقهى النإقيب العائد إلى إبراهيم خليل‬
‫القيسي الواقعة في محلة قنإبر علي وكانإت مقهى واسعة واجهة لسوق‬
‫حنإون أو ما كان يسمى بسوق قنإبر علي وبعد وفاة إبراهيم انإتقل شهاب‬
‫للعمل مع ولده خليل في مقهاه عام ‪ 1939‬الواقعة في شارع الرشيد حتى‬
‫هدمها في عام ‪.1970‬‬
‫كان شهاب شخصية محببة لدى رواد المقهى وصاحبها يبدأ عمله‬
‫يوميا في المقهى بعد تنإاول طعام الغداء في وليمة المقهى الدائمية حيث‬
‫يستمر عمله لحين إغلقها عنإد منإتصف الليل عدا أيام الجمع والعطل‬
‫الرسمية حيث يبدأ عمله العاشرة صباحا وكان عمله ينإحصر في توزيع‬
‫الشاي على رواد المقهى‪.‬‬
‫إل أن شهاب الذي كان يرتدي السترة والبنإطلون ويعتمر الجراوية‬
‫يقضي أوقات فراغه صباحا في عمل الدللة ببيع وشراء السلحة النإارية‬

‫‪155‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ولعله اتخذ من عمله عنإد الحجي ملذا آمنإا له من المساءلة القانإونإية ومن‬
‫الحماية الممكن أن يحظى بها من خلل عمله بالمقهى إل انإه كان يمارس‬
‫عمله بسرية تامة خوفا من الحجي الذي سبق له وحذره وأنإذره بعدم‬
‫ممارسة هذا العمل المخالف للقانإون‪ ...‬وفي أحد اليام رأيت شهاب بحالة‬
‫من الرهاق والتعب دافعا جراويته إلى الوراء كرد فعل عن حادث مربكا وقد‬
‫حدثنإي قائلا عما حصل له صباح ذلكا اليوم الساعة الحادية عشرة صباحا‬
‫"عنإدما كنإت أحمل )علكه حصيره( مليئة بالخضروات وتحتها ثلث‬
‫مسدسات من عيار ‪ 9‬ملم وأحدهما من عيار ‪ 13‬ملم مع باكيت عدد خمس‬
‫إطلقات كان يروم تسليمها إلى المشتري في كرادة مريم حينإما صعدت‬
‫الباص رقم )‪ (15‬المخصص لهذا الخط وكان الباص مزدحما بالركاب‬
‫عنإدما صرخأ أحدهم بصوت عادل "ياجماعة انإي انإشلت" أي تعرضت للسرقة‬
‫في الباص وكان العرف السائد في مثل هذه الحالة بأن يطلب الجابي من‬
‫السائق غلق البواب والتوجه إلى أقرب مركز للشرطة كي يتم تفتيش‬
‫الركاب‪ ،‬عنإدها تمالكنإي الرعب بسب السلعة الموجودة في )العلكه(‬
‫ولحسن حظي بادرت على الفور مخاطبا المسروق بصوت مرتفع "عمي‬
‫أنإت شنإو انإسرق منإكا" وأجابنإي ثلثة أرباع حيث أجبته مباشرة "عمي احنإا‬
‫نإاس عنإدنإا أشغال تفضل هاكا هاي الثلثة ارباع" طالبا من الجابي عدم‬
‫التوجه إلى مركز الشرطة وبذلكا أنإقذ نإفسه من مأز د‬
‫ق خطر بفضل سرعة‬
‫البديهة التي كان يمتاز بها‪...‬‬
‫ومع ان السطة شهاب كان وجوده في المقهى ممي از حيث كان معظم‬
‫الرواد يحبذون الحديث معه بشكل أو بآخر كما إن ضحكته المتميزة كانإت‬

‫‪156‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫تسر الرواد وخصوصا عنإدما ينإاديه الحجي بأعلى صوته‪" ...‬لكا شهاب ابن‬
‫الكـ‪ "...‬طالبا منإه إحضار الشاي‪...‬‬

‫‪157‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫خاطرة‪ ...‬أيام جفاء مع رئيس الجمهورية عبد السلم عارف‬


‫في نإهاية عام ‪ 1964‬وعنإدما كان عبد السلم عارف رئيسا‬
‫للجمهورية يمر في طريق ذهابه إلى القصر الجمهوري أو أثنإاء عودته إلى‬
‫داره في العظمية كعادته يقوم بأداء السلم على الحجي بابتسامة عريضة‬
‫تعلبر عن محبته له سيما وانإه قبل سنإتين وعنإد إطلق سراحه من السجن‬
‫أثنإاء العفو الذي صدر عليه من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم حيث كان يأتي‬
‫كل يوم جمعة ظه ار أمام المقهى كي يصحب معه صاحب المقهى لداء‬
‫فريضة صلة الجمعة من كل أسبوع‪...‬‬
‫واستمرت طيبة العلقة كغيرها من علقات الحجي مع الخرين لحين‬
‫أن بادر أحد رواد المقهى بسبب الغيرة والحسد والطمع والتي غالبا ما‬
‫تنإعكس بالنإفاق وهذا ما قام به أحد أصدقاء الحجي حيث نإقل حديثا إلى عبد‬
‫السلم عارف عنإدما كان رئيسا للجمهورية بأن بعض العسكريين‬
‫المتقاعدين يوجهون النإقد اللذع بشدة ضده أمام صاحب المقهى الذي‬
‫بدوره ليقوم بالرد عليهم وقد سبب هذا الخبر ألما لرئيس الجمهورية من‬
‫موقف الحجي السلبي تجاهه‪ ...‬وطبيعي ان هذا الخبر لأساس له من‬
‫الصحة‪ ،‬وبعد مرور موكب الرئيس من أمام المقهى وقف الحجي على‬
‫رصيف المقهى لرد التحية التي اعتاد أن يؤديها لمسؤولي الدولة إواذا‬
‫برئيس الجمهورية يغض النإظر بغضب عازفا عن رد التحية وتكررت هذه‬
‫الحالة‪ ...‬عنإدها تملكا الحجي الحساس بأن شيئا ما قد حصل فيما يتعلق‬
‫بنإقل نإفاق متعمد‪...‬‬

‫‪158‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫وعنإدما كان الشيخ الحاج حسين بليبش وهو من وجهاء شيوخأ‬


‫الشامية كان مع أخيه الشيخ متعب من أصدقائه المقربين وصادف أن‬
‫يكون الشيخ حسين بليبش جا ار في منإطقة العظمية لدار عبد السلم‬
‫عارف وبعدما عرف بجفائه تجاه زميله الحجي هم بزيارة جاره وعاتبه على‬
‫موقفه من صاحبه وعنإدما علم السبب الذي سبق وأشرت إليه أجابه بأنإه‬
‫ليمكن لحد أن يتج أر على ذكركا بسوء أمامه وان ما نبلغت به هو كذب من‬
‫شخص منإافق وكم هو النإفاق شائعا لدينإا ويبدو أن عبد السلم تأثر بما‬
‫طرحه الحاج حسين ورأيته بعد ذلكا يعود إلى سلمفه الرفيع وابتسامته‬
‫العريضة مرة أخرى عنإد مروره المعتاد‪ .‬وكأن شيئا لم يحدث‪ ...‬وكأنإه يروم‬
‫العتذار مما بدر منإه تجاه صاحبه‪...‬‬

‫‪159‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫من هم رواد المقهى أيام زمان‪...‬؟‬


‫سؤال وجه إلى الحجي من منإدوب مجلة أمانإة العاصمة عام ‪1979‬‬
‫أثنإاء لقاء صحفي معه حيث سأله من هم أشهر رواد المقاهي الذين ليزال‬
‫مجتمعنإا البغدادي يتذكرهم وكيف كانإت تحتفل المقاهي وروادها في‬
‫المنإاسبات الوطنإية والدينإية وقد أجاب بقوله "ان لي مع رجال الدولة‬
‫والدباء والشعراء العراقيين وبالخص البغداديين روابط تعود إلى أكثر من‬
‫نإصف قرن من الزمان وهم يعتبرون ركنإ ا أساسي ا من أركان رواد المقهى‬
‫يبادلونإه كل الصداقة ويوثقون صلتهم به عن طريق ارتياد المقهى‪ ،‬ورفض‬
‫الحجي التحدث بالسماء لن ذاكرة العوام الطويلة لم تسعفه بل لكونإه‬
‫ليريد أن ينإسى أحد لكثرتهم‪ ...‬جميع أهالي بغداد أصدقائي المعروفين‬
‫وغير المعروفين وأتذكر من الرواد المفكرين والدباء مصطفى جواد وجمال‬
‫اللوسي ومن قلراء المقام رشيد القنإدرجي وحسن خيوكه ومحمد القبانإجي‬
‫ويوسف عمر ونإاظم الغزالي وكثر من أنإاس ليمكن عدهم طوال تلكا السنإين‬
‫إضافة إلى العسكريين من ضباط الجيش العراقي‪...‬‬
‫أما عن احتفالت المقهى في المنإاسبات الدينإية والوطنإية قال ان‬
‫بغداد المس ليست بغداد اليوم كانإت ببساطتها وعاداتها وتقاليدها وأسواقها‬
‫وعماراتها ومع ذلكا كنإا نإحتفل بطريقتنإا حيث تزين واجهات المقهى‬
‫باليافطات والشعارات والشرطة الملونإة والفوانإيس والبالونإات ويم توزيع‬
‫المشروبات مجانإ ا أما في شهر رمضان حيث القصة خون ولعبة المحيبس‬
‫والصينإية التي يتبعها توزيع الحلويات‪ ...‬كانإت أيام لها حلوتها‪ ...‬انإه‬
‫الماضي الجميل‪...‬‬
‫شخصيات لتنإسى‬

‫‪160‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫في خضم الحياة كثي ار مانإرى أنإاسا يتركون لدينإا انإطباعا عن النإمط‬
‫السلوكي الذي يتعايشون معه وأنإت كثي ار ما ترى في مقهى حجي خليل هذا‬
‫المسرح الكبير الذي جمع أنإماطا بشرية متعددة المذاهب واللوان جامعة‬
‫للمواصفات النإسانإية المتعددة للفرد العراقي من كرم وطيبة واحترام للخرين‬
‫ومن مركز وظيفي مهم إلى رتبة عسكرية رفيعة المستوى إلى كبار السن‬
‫)ختيارية( إلى شخوص طابعها العنإف والقسوة وغيرها من خيارات السلب‬
‫واليجاب المتعلقة بالممارسات النإسانإية‪...‬‬
‫كنإت أرى أنإاسا عنإدما تراهم يتبادر إلى ذهنإكا بأنإكا أمام شخوص غير‬
‫عادية بما يتسمون به من هيبة وبساطة واحترام وهم عسكريين وأذكر منإهم‬
‫السيد عبد الحميد نإعمان الذي كان سفي ار للعراق لدى دولة الكويت قبل تركه‬
‫الخدمة في أواسط الستينإيات على ما أذكر وكذلكا العميد شاكر مدحت‬
‫السعود والمقدم سعدي علي الذي كان يتهم باليسار )غير قومي( بالمفهوم‬
‫السائد آنإذاكا مع انإه كان محببا لدى الحجي لما يتصف به من خلق وهدوء‬
‫وقد تراه صامتا غالب الوقات يرتشف الشاي أو أراه واقفا امام المقهى قليل‬
‫الكلم سمح الوجه‪...‬‬
‫وأذكر المقاول رشيد الحاج مصطفى وهو شقيق عزت مصطفى وزير‬
‫الصحة بعد ‪ 1968‬حيث كان أبو حميد في بداية الستينإيات مقاولا يشار‬
‫إليه بالبنإان كريم النإفس سخيا هادئا يدخن النإاركيلة بصمت وتربطه مع‬
‫الحجي علقة صداقة وائتمان حيث كثي ار ما كنإت أراه يودع لديه كيسا كبي ار‬
‫من النإقود ليضعها له في القاصة الحديدية بالعنإبار حيث يبدو انإه كان‬
‫يراجع البنإكا اللبنإانإي القريب من المقهى وقد تعرض أبو حميد إلى المساءلة‬

‫‪161‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫القانإونإية أم ‪ 1962-1961‬بسبب إهمال بعض العاملين لديه وأوقف عن‬


‫العمل مع انإه كان مثالا للنإزاهة والمانإة وأذكر محاولت الحجي المتكررة في‬
‫حينإها لتحصيل العفو عنإه ورفعه من القائمة السوداء ولم تجفد نإفعا وقد‬
‫ركبته الحسرة واللم ولزم داره وقد انإتقل إلى رحمة ال عقب ‪ 8‬شباط‬
‫‪ 1963‬حينإما فرح بسماعه تولي أخيه الدكتور عزت مصطفى منإصبا‬
‫حكوميا عالي المستوى في حينإها وزي ار للصحة ومع انإه كان مثالا لمانإة‬
‫رجل العمال العراقي في مجال المقاولت النإشائية وكان رحيله قد تركا‬
‫فراغا لدى الحجي نإظ ار لما يكنإه له من محبة ووفاء‪...‬‬
‫وشخصية عراقية أخرى فريدة بطرازها انإه العميد إسماعيل محمد من‬
‫أهالي الموصل كان طالبا في دار المعلمين البتدائية ‪1928-1927‬‬
‫ولعب منإتخبها لكرة القدم وعلقته بالحجي استمرت حتى بعد تخرجه‬
‫وانإضمامه إلى الكلية العسكرية ولحين إحالته على التقاعد في الستينإيات‬
‫وقد بقي إسماعيل محمد أبو حقي دائم التردد على المقهى بدون انإقطاع‬
‫عاشها في ضوء علقة أخوية متينإة وكثي ار ما كنإت أراه في سيارته‬
‫"بليموث أو الدوج" موديل ‪ 1957‬يصطحب معه الحجي وكان كثي ار ما‬
‫يتمازح معه بشكل يبعث المسرة فيه والجالسين حولهم حيث ينإتظر بلهفة‬
‫الجوبة البغدادية المرحة التي يحب سماعها‪ ،‬لقد كان يحمل خلقا وصب ار‬
‫ليحتمل وخاصة عنإد تعرض ابنإه الوحيد حقي في أواسط الستينإيات إلى‬
‫الهرب من المعتقل في السماوة ليلا وكان سجينإا سياسيا وقد استمر والده‬
‫يراجع المسؤولين الذين تربطهم به صلة الدراسة ومنإهم في حينإها طاهر‬
‫يحيى لمساعدته في البحث عن ولده في حين أن حقي كان مختبئا في‬

‫‪162‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سطح الدار بمخبأ ليعرفه سوى الهل وقد خرج منإه بعد سنإين عنإد إصدار‬
‫العفو عن السجنإاء السياسيين مع العلم ان حقي كان عسكري أيضا وشابا‬
‫كفوءا وعلى خلق‪...‬‬
‫وأذكر مرة في أحد اليام بعد الظهر بدأ نإقاش حاد بين أبو حقي‬
‫والحجي حول كيفية القدرة في السيطرة على البنإاء حيث كان الحجي‬
‫متباهيا بأنإه استطاع السيطرة على أربعة من أبنإائه وارهابهم كي ليقعوا في‬
‫طوفان الحزاب السياسية ولكن أنإت )هالواحد ومكدرت اسيطر عليه‪.(...‬‬
‫وكان هنإاكا العقيد غنإي عبد الستار شخصية بغدادية لها مواصفات‬
‫تفرض احترام الخرين وبالرغم من موقعه المتميز الذي أصبح فيه بعد ‪14‬‬
‫تموز ‪ 1958‬حيث تم تعيينإه سكرتير وزير الدفاع في حينإها كان عبد‬
‫الكريم قاسم ومع ذلكا لم يغير ذلكا المنإصب من طبيعة خلقه البغدادي ولم‬
‫تظهر عليه أية مآثر عراقية قد تصيب من يتقلدون المنإاصب الوظيفية‬
‫العليا وبقي على حاله لم يعرف إل القليل بمنإصبه الجديد حيث كان لما‬
‫يتمتع به من بساطة وتواضع وخلق يمنإعه من أن يتفاخر بمنإصبه‪...‬‬
‫وتسعفنإي الذاكرة إلى ذكر العميد سيد حميد سيد حسين الحصونإة‬
‫عنإدما كنإت أراه يجلس بجوار )الحجي( بين فترة وأخرى وكان محترما‬
‫بشخصه واتزانإه وخلقه المتواضع‪ .‬وعنإد تكليفه على قيادة القوات المسلحة‬
‫نإحو الكويت عنإدما طالب العراق بها في عهد عبد الكريم قاسم رأيته يقف‬
‫بسيارة ستيشن عسكرية بعلم أمام المقهى جاء مودعا لصاحبها حيث كان‬
‫مقر ار له اجتياح الكويت مع ان هنإالكا الكثير من رواد المقهى لهم مآثرهم‬

‫‪163‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الخاصة‪ ...‬ولتتسع المجلدات لذكرها حيث كان الرواد يمثلون مختلف ألوية‬
‫العراق ومنإاطقه من الشمال إلى الوسط إلى الجنإوب‪...‬؟؟‬

‫رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف‪..‬هدوء‪..‬اتزان‪..‬بساطة‪..‬وقار‬


‫تلكا هي صفات المرحوم عبد الرحمن عارف وقد كنإت غالبا ما أراه‬
‫عنإدما كان محالا على التقاعد يلعب الطاولة مع أحد أصدقائه من‬
‫المتقاعدين العسكريين قرب الدخل وبعد توليه رئاسة الجمهورية كان كعادته‬
‫مثالا للشخصية المسالمة التي ترغب ساعية إلى بنإاء إواعمار العراق سالكا‬

‫‪164‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الطرق المؤدية إلى المصالحة الوطنإية بعد إطلقه لسراح كافة الموقوفين‬
‫السياسيين ومطالبته لهم بفتح صفحة جديدة والجتماع جميعا من أجل‬
‫الوصول عن طريق الحوار إلى ما يرونإه منإاسبا لوضع حد لمعانإاة هذا‬
‫الشعب المستمرة‪ ،‬ولكن هيهات برغم كل ما قدمه لتلكا الكتل السياسية‬
‫المتضاربة في الخفاء لم يجفد نإفعاا‪ ...‬مع انإه كان مثالا للسماحة نإظيف اليد‬
‫واللسان سباقا لخدمة وطنإه لم يتعرض بسوء إلى أحد محبا للجميع مزاجه‬
‫تقبل مختلف طبقات النإاس ومشاربهم وآرائهم محبا للتبسط تحدوه تحقيق‬
‫المنإفعة العامة‪ ،‬ومع السف هذه المواصفات تعتبر ضعفا بمقاييس الكتل‬
‫السياسية العراقية وعلى مايبدو بأن ظروف الحياة والمنإطقة هي حياتنإا‬
‫كانإت قد ار مكتوبا على جباهنإا كما ان مزاج العراقيين يميل إلى التقلب أو‬
‫النإفور من الستقرار فإن هوى العراقي كفكره يميل على وجه الجمال إلى‬
‫الحركة إلى التنإقل إلى التغير ومتردد في الترجيح بين العنإف والرفق‬
‫والنإانإية المطلقة المرتبطة إجمالا بتحقيق المصالح الشخصية ومع ذلكا‬
‫فإن المجتمع العراقي كان لديه فيض من رجالت الدولة وأعمالهم وما قدموه‬
‫لبنإاء هذا البلد منإذ عام ‪ 1921‬قد ينإفي صفة الطلق على مفاهيم‬
‫السياسة في العراق ومن المحتمل أن تكون مواصفات مزاج العراقيين نإسبية‬
‫نإوعا ما‪...‬‬
‫رحل عبد الرحمن عارف في ‪ 17‬تموز ‪ 1968‬كما سبق ورحل غيره‬
‫من رجال دولة العراق‪ ...‬وانإتقل إلى جوار ربه ودفن في عمان تغمده ال‬
‫برحمته وأسكنإه فسيح جنإاته‪...‬‬

‫‪165‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫فحص طبي من قبل اللجنإة الطبية البريطانإية دار التمريض بمدينإة الطب‬
‫في صيف عام ‪ 1973‬وصل المقهى صباح ا خير ال طلفاح عنإدما‬
‫كان محافظ ا لبغداد ورحب به الحجي مع انإه كان من رواد المقهى منإذ عام‬
‫‪ 1933‬حين كان ضابطا في الجيش العراقي الذي تم تسريحه منإه عقب‬
‫اشتراكه في حركة رشيد عالي عام ‪ 1941‬ونإقل بعدها إلى سلكا التعليم‬
‫لحين قيام النإقلب في ‪ 17‬تموز ‪ 1968‬وطيلة تلكا السنإوات كانإت تربطه‬

‫‪166‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫علقة صداقة متينإة مع الحجي أسوة بالخرين وكثيرا ما كنإت أراه محب ا‬
‫للممازحة معه وكان دائم الحضور للمقهى لحين تعيينإه محافظ ا لبغداد بعد‬
‫‪ 17‬تموز ‪.1968‬‬
‫طلب المرحوم خير ال الحجي بالمجيء معه إلى مدينإة الطب حسب‬
‫توجيه الرئيس أحمد حسن البكر لغرض عرضه على الطباء النإكليز لجراء‬
‫الفحوصات الطبية عليه إواذا ما قررت اللجنإة علجه خارج العراق سوف‬
‫تتكفل الدولة بذلكا وفعلا ذهب معه إلى مدينإة الطب بمعية الحماية وعنإدما‬
‫تم إجراء الفحوصات تبين بأن ما يعانإيه هو نإتيجة )كبر السن( وليس ما‬
‫يدعو إلى علجه خارج القطر مع أنإه لم يقتنإع بتلكا النإتيجة‪ ....‬بعد عودته‬
‫إلى المقهى‪ ...‬ولم يوصف له أي دواء وبعد إلحاحه وصف له حبوب‬
‫فيتامين ‪...B‬‬
‫ويبدو أن كبر السن والمعانإاة النإاجمة عنإه وكثرة ما يسمعه من‬
‫الخبار من رواد المقهى عن الطباء الجيدين في بغداد مما كان يدفعه إلى‬
‫زيارتهم باستمرار وتعاطي الدوية المختلفة التي يقومون بوصفها )خالي‬
‫بطال( والتي أكثر الحجي من تنإاولها كانإت السبب الرئيسي في تدهور‬
‫حالته الصحية لحين وفاته في ‪...8/2/1981‬‬
‫ادعاء مؤامرة فاضل والبزاز في مقهى خليل نإهاية عام ‪1968‬‬
‫في إحدى ليالي الشتاء الباردة من نإهاية عام ‪ 1968‬كنإت جالس ا في‬
‫عمق المقهى قرب )الوجاغ( وهو المكان المخصص لتخدير الشاي وعمل‬
‫القهوة ولوازم الركيلة‪ ...‬كنإت حينإها برفقة أحد الصدقاء وزميل الدراسة‬
‫الجامعية المرحوم عصام محمد رؤوف الدوري وكان يكنإى بمنإطقتنإا باسم‬
‫ضياء وقد استشهد في نإهاية ‪ 2003‬رحمه ال وبينإما كنإا نإحتسي الشاي‬

‫‪167‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ونإتبادل الحديث لفت انإتباهنإا بالرغم من كثرة رواد المقهى في ذلكا الشتاء‬
‫البارد العميد المتقاعد فاضل محمد علي وهو يقوم بشكل متكرر كل خمسة‬
‫أو عشرة دقائق بالتصال بالهاتف العمومي للمقهى المعلق على الجدار‬
‫ويبدو انإه كان مراقبا من قبل الجهزة المنإية وقد ملر فجأة الحجي عنإد‬
‫ذهابه للوضوء وسمعنإاه يوجه كلم ا مباشرا إلى العميد فاضل بقوله‪..." ...‬‬
‫مو كافي عد تلفونإات‪ ...‬قابل هي ورث وأخذوه منإكا"‪ ...‬عنإدها أغلق فاضل‬
‫الهاتف وكان الوجوم والحزن باديا على وجهه وتركا المقهى وبعدها مباشرة‬
‫ألقي القبض عليه قرب محل بقالة الحاج حسين المجاور للمقهى وأودع في‬
‫قصر النإهاية لمدة لأعرفها حسب سماعنإا وأطلق سراحه بعدها وانإقطعت‬
‫علنإا أخباره نإظرا لهدم المقهى عام ‪....1970‬‬
‫كان فاضل محمد علي برتبة مقدم وهو من الضباط الحرار الذين‬
‫نإفذوا انإقلب ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬مع عبد السلم عارف حيث كان مكلفا‬
‫باحتلل الذاعة صبيحة ذلكا اليوم كما كان له حضور عنإد إلقاء القبض‬
‫على صباح نإوري السعيد الذي كان مختبئ ا في إحدى دور السككا وعنإد‬
‫سماعه مقتل والده وسحله في شوارع بغداد خرج بمفرده في حالة غير‬
‫طبيعية حسبما سمعنإا محاولا الهجوم على الذاعة وتم قتله من قبل أفراد‬
‫القوة العسكرية المرابطة‪.‬‬
‫وقد رأيت فاضل محمد علي عنإدما كان في رئاسة الجمهورية يباشر‬
‫الدراسة المسائية في كلية القتصاد والعلوم السياسية عام ‪ 1966‬مع انإه‬
‫كان من رواد المقهى فقد كنإت أراه ودودا هادي الطباع بسيطا وكان كثي ار ما‬
‫يتبادل الحاديث اللطيفة مع الحجي ويعتبر من أصدقائه لكنإه أصيب بخيبة‬

‫‪168‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أمل بعد أن كان رئيس مرافقي رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف بعد‬
‫‪ 17‬تموز ‪ 1968‬حيث فقد المتيازات بحكم ممارسة عمله السابق‪.‬‬
‫ول زلت أذكر فاضل محمد علي عنإدما رأيته عصر أحد اليام التي تلت‬
‫مقتل نإوري السعيد وهو بملبسه العسكرية الصيفية مع شلة من النإضباط‬
‫العسكري في دار السعيد عنإدما قامت الجماهير بالتواجد هنإاكا بعد أن تم‬
‫نإهبها من قبل الحواسم والغوغاء وكنإت مع بعض أهالي المنإطقة قد ركبنإا‬
‫من ساحة المين الباص )‪ (15‬خط كرادة مريم لمشاهدة دار الباشا التي‬
‫كانإت مطلة على نإهر دجلة‪...‬‬
‫مع إن إحساس الحجي في تلكا الليلة كان لدراكه لهواجس رواده‬
‫نإتيجة معاشرته لهم لعقود خلت‪ ...‬إل أن ما جلب انإتباهي لها ما ورد في‬
‫كتاب برزان التكريتي بعنإوان )محاولت اغتيال الرئيس( بإشارته إلى مؤامرة‬
‫فاضل والبزاز التي تم حياكتها في مقهى خليل حيث كان يتواجد العسكريون‬
‫المتقاعدون‪ ...‬ول علم لنإا بمدى صحتها‪ ...‬ولكنإها قد تكون أحد السباب‬
‫التي حفزت السلطات على الستجابة لموال الوقاف لهدم المقهى باعتبارها‬
‫مق ار للعسكريين المتقاعدين‪...‬؟؟‬
‫المجرم ل زار في المقهى ‪1972‬‬
‫كان الحجي من المعجبين بشخصية جعفر العسكري وزير الدفاع‬
‫الذي قتل في انإقلب بكر صدقي عام ‪ 1936‬وهو أول انإقلب للجيش‬
‫العراقي منإذ تأسيسه على يد جعفر العسكري الذي كان يكنإى بمؤسس‬
‫الجيش حيث تم بنإاؤه على يديه منإذ بداية تشكيل الحكم الوطنإي في العراق‬
‫‪ ...1921‬وفي أحد أيام الصيف الحادية عشرة صباحا وكان يومها عطلة‬

‫‪169‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫رسمية كنإت أزور المقهى خللها جالسا قرب الحجي وفجأة رأيته يهلز رأسه‬
‫بألم وحسرة على ذكريات الماضي وذلكا عنإد دخل المقهى شخص كبير‬
‫السن طويل القامة تميل بشرته إلى الحمرار متأبطا ذراع شخص آخر‬
‫يقاربه بالعمر علمت فيما بعد انإه يونإس بحري الذي كان يذيع عام ‪1941‬‬
‫"حي العرب من برلين" وعنإد سؤالي للحجي عن هوية هذا الشخص المرافق‬
‫إلى يونإس بحري أجابنإي بأنإه أرمنإي اسمه ل زار جاء من اليونإان مع القوات‬
‫البريطانإية وعين ضابطا في الجيش العراقي في العشرينإيات وقد كان من‬
‫المساهمين بقتل وزير الدفاع جعفر العسكري الذي كان عديلا لنإوري السعيد‬
‫وقد هرب خارج العراق بعد مقتل بكر صدقي عاد مرة أخرى عام ‪ 1941‬مع‬
‫يونإس بحري ثم فلر الثنإان خارج العراق لحين إصدار العفو أو السماح لهم‬
‫بعد ‪ 14‬تموز ‪ 1958‬بالعودة‪.‬‬
‫في أوائل الثمانإينإات توفي ل زار في إحدى الغرف المستأجرة في‬
‫منإطقة البتاويين وقامت إحدى المجلت الرسمية على ما أذكر بنإشر لقاء‬
‫معه قبل وفاته وهو على فراش المرض والفاقة بادية على موقع سكنإاه ول‬
‫أدري لماذا هذا اللقاء الصحفي‪...‬؟؟‬
‫لكن الذي جذب انإتباهي في حينإها أن ل زار يمشي )مشية مال‬
‫اشقيائية( مع انإه تجاوز الثمانإين عاماا‪ ...‬وهو الذي ساهم في أبشع‬
‫جريمة بحق مؤسس الجيش العراقي منإذ عهد المغفور له الملكا فيصل‬
‫الول‪ ،‬ولعل ما أشارت إليه المصادر حول مختلف الوسمة والنإواط‬
‫وشهادة القانإون واللغات التي كان يتقنإها العسكري في حينإها تعد فخ ار‬
‫للعراق‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫محاولت المديرية العامة لشؤون الوقاف هدم المقهى‬


‫كانإت المقهى وقف من آل الطبقجلي وبما أن الوقاف العامة‬
‫مسؤولة عن إدارة الوقف فقد سبق للسطة خليل استئجارها في بداية عام‬
‫‪ 1931‬ولم يتج أر أحد من منإتسبي الوقاف على مضايقته لكثر من ثلثة‬
‫عقود حتى انإه طلب توسيعها عام ‪ 1953‬واستحصل الموافقة على إضافة‬
‫أكثر من مائة متر مربع إلى مساحتها‪ ...‬وقد سمعت من الحجي بأنإه عنإد‬
‫لقائه مع الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع لغرض عرض طلب ولده‬
‫إسماعيل لللتحاق بالبعثة الدراسية في لنإدن حيث بادره القول مرحبا به بأن‬

‫‪171‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بنإاية المقهى لو لم تكن للوقاف لقامت الدولة بمنإحها له بعقد طويل لمدى‬
‫الحياة وذلكا تقديرا لمواقفه الجليلة مع الخرين‪.‬‬
‫بدأ التحرش الفعلي في بداية عام ‪ 1964‬وكان أحد رواد المقهى من‬
‫منإتسبي الوقاف وهو منإافق لئيم بدأ بإثارة الموضوع حول استغلل الوقاف‬
‫لمبنإى المقهى وهدمه لتشييد بنإاية وأسفلها مطعم وعنإد تكرار هذا التبليغ‬
‫الذي أهمله الحجي في البداية ثم رفع عريضة معنإونإة إلى رئيس‬
‫الجمهورية عبد الرحمن عارف الذي بدوره قام مشكو ار بوضع هامشه على‬
‫العريضة "لتهدم لنإها معلما تاريخياا"‪.‬‬
‫وهدأت الوقاف عن إثارة الموضوع مؤقت ا وبعد ‪ 17‬تموز ‪1968‬‬
‫عادت مرة أخرى لثارته ويبدو انإها كانإت تعلم بعلقة الحجي بالمسؤولين‬
‫لذلكا كانإت تتردد في تنإفيذ أمر التخلية‪...‬‬
‫وقد بدا الحجي متأث ار تأثي ار بالغا ومؤلما من إعادة طرح هذا‬
‫الموضوع مجدد ا حيث انإه اعتاد على بدل إيجار الوقاف الذي يتلءم مع‬
‫الهدر المتبع في المقهى بالمصروفات‪ ،‬ويبدو أن الوقاف هذه المرة كانإت‬
‫مصرة على هدمها مع انإه اعتمد في حينإها على عبد ال سلوم السامرائي‬
‫الذي كان من رواد المقهى وأصبح عضوا للقيادة القطرية لحزب البعث‬
‫العربي الشتراكي ووزيرا للعلم والذي لم يكن تدخله لدى الوقاف مؤثرا‬
‫فقد حصل على تمديد لمدة شهر فقط لتأجيل أمر تنإفيذ الخلء ويبدو انإه لم‬
‫يكن موفقا في العتماد على عبد ال السلوم ولحد الن ل أعلم ما هو‬
‫السبب لعدم توسطه لدى صالح مهدي عماش أو سعدون غيدان أو خير‬
‫ال طلفاح ويبدو أن الملل قد أخذ منإه مأخذ ا أو أن هدمها أصبح أمرا‬
‫مستهدف ا ومقصود ا ولعلها أسباب مجهولة ولكنإها قابلة للشكا‪ ...‬كونإها‬
‫تجمعا للعسكريين المتقاعدين لكنإي على حد علمي بعد سنإوات تبين لي بأنإه‬

‫‪172‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫كان على علقة وطيدة جد ا مع سعدون غيدان الكروي وكذلكا خير ال‬
‫طلفاح وبينإهم حقوق متبادلة يمكن استئثارها في العرف البغدادي‪.‬‬
‫ولكن على مايبدو أن لكبر السن والتعب والرهاق بعد ثمانإين عاما قد‬
‫جعلته يرفع الراية البيضاء ويستسلم للوقاف ولعله لو كان على )حيله مال‬
‫الول( لحصل العكس‪.‬‬
‫كما إن محاولته ليجاد محل آخر بديل لم يكن في ذهنإه حيث كيف‬
‫يتركا المكان الذي عاش فيه أربعين عاما مليئة بالذكريات ولم يوفق في‬
‫إيجاد البديل وأخي ار بعد أن بقي لمدة أكثر من سنإة عاطلا عن العمل استأجر‬
‫بعدها مقهى قرب جامع الحيدرخانإة ولكنإها لم تكن على الشارع مباشرة بل‬
‫داخل قيصرية وكان موقعها بائس ا تركها بعد ثلث سنإوات معتكف ا في داره‬
‫بالوزيرية‪ .‬وحيدا كئيبا وبقي وليد الحسرة على سنإين خلت إلى أن توفاه‬
‫الجل صباح ‪ 8/2/1981‬ودفن في مثواه الخير في مقبرة الشيخ عمر‬
‫السهروردي‪ ..‬وأقيم مجلس الفاتحة له في جامع الجنإدي المجهول في‬
‫ساحة الفردوس‪...‬‬
‫ذكريات د‪.‬كمال السامرائي في حديث الثمانإين‬
‫بدأت مسيرة المرحوم د‪.‬كمال السامرائي في بغداد قادم ا من سامراء‬
‫للدراسة في الثانإوية المركزية في بغداد عام ‪ 1929‬الفرع العلمي وتعرف‬
‫في تلكا الفترة على العديد من الزملء في الدراسة ومنإهم الطالب عبد الكريم‬
‫قاسم الذي كان في الفرع الدبي وفي حينإها كان السطة خليل متعهد ا‬
‫لحانإوت المدرسة وامتدت صلة المعرفة به لتستمر طيلة العقود اللحقة‬
‫سيما وأن أقرباء د‪.‬كمال من أصدقائه وبواسطته يتم تسليمه ما يرسله أهله‬
‫من سامراء من احتياجات وغيرها طيلة فترة دراسته ولحين تخرجه من كلية‬

‫‪173‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الطب عام ‪ 1938‬ليبدأ حياته العملية في ممارسة الطب النإسائي في‬


‫المستشفى الملكي في بغداد عاصر خللها الطباء الجانإب العاملين فيها‬
‫إضافة إلى الطباء العراقيين وفتح أول عيادة له في محلة القشل‪1941/‬‬
‫القريبة من الشورجة ثم بعد سنإين أكمل دراسته التخصصية من خلل‬
‫البعثة الدراسية إلى لنإدن ليواصل بعدها مسيرته العلمية بكل جدارة واقتدار‬
‫لحين فتح مستشفى خاص به "مستشفى السامرائي" قرب ساحة النإدلس‪...‬‬
‫في عام ‪ 1997‬لفت انإتباهي كتاب صادر من وزارة الثقافة والعلم‪-‬‬
‫دار الشؤون الثقافية العامة‪ -‬لمؤلفه د‪.‬كمال السامرائي بعنإوان "حديث‬
‫الثمانإين" بأجزائه الربعة وهي تشكيل سيرة حياته تتنإسم من خلل قراءتها‬
‫عبق الماضي البغدادي المفعم بالعلقات النإسانإية والطيبة والخلق السليم‬
‫وقد أشار فيه إلى معرفته بحجي خليل إضافة إلى إشارته إلى أحد زملئي‬
‫وهو عبد المجيد جاسم "أبو زينإب" وكان ينإاديه د‪.‬كمال باسم "مجودي"‬
‫كنإاية بغدادية للدللة عن المعرفة المحببة لعلقته به من عدة سنإوات وكان‬
‫"مجودي" شخصية بغدادية متواضعة غنإي النإفس بغدادي السلوكا ويتمتع‬
‫بمكانإة محببة لدى معارفه ويعمل فنإيا في التأسيسات الخاصة بالنإابيب‬
‫إضافة إلى ما يكتسبه من ذكاء صنإاعي وحرفي يدل على عمق ذكائه‬
‫ومهارته واستعداده الفطري في إصلح معظم الجهزة الكهربائية من نإاحية‬
‫ميكانإيكية مع انإه محبا للطلع والمعرفة والمطالعة التي تؤهله لكتساب‬
‫المعرفة فهو مثقف بغدادي ومثالا للوفاء والخلص والطيبة‪ ،‬وقد طلبت منإه‬
‫التصال بالدكتور كمال لخذ موعد لي لزيارته معه في داره الواقعة في‬
‫الصليخ على نإهر دجلة وذلكا لعدم معرفتي السابقة به وبعد عدة أيام ذهبنإا‬

‫‪174‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫سوية عص ار وقد رأيته مستلقيا على سريره لصابته بكسر في أحد أضلعه‬
‫مما اضطره إلى ملزمة الفراش وقد رحب بنإا ترحيبا حا ار وكان مسرو ار‬
‫لرؤيتي حيث فاجأنإي بنإظرة مليئة بالفرح والمسرة قائلا سبحانإه ال كأنإي أرى‬
‫المرحوم حجي خليل أمامي ولكن بدون "جراوية" واسترسل بسرد خواطر‬
‫الذكريات معه‪ ....‬قائلا ان حديث الثمانإين هو سرد لمسيرة حياته وكان‬
‫سعيدا بإنإهاء كتابتها ونإشرها وتبادلنإا معه الحديث الشيق عن بغداد وما‬
‫آلت إليه ونإاسها كيف كانإوا وأين أصبحوا وبعد أكثر من ساعة استأذنإا‬
‫الدكتور بالنإصراف مودعا لنإا بكل رحابة وامتنإان‪...‬‬
‫عنإد قراءتي لحديث الثمانإين بأجزائه الربعة وجدت فيها من المتعة‬
‫والتشويق من خلل المداركا الحياتية الكثيرة والتي فرضتها عليه ممارسة‬
‫مهنإته العلمية النإسانإية ولعل ذكرياته عنإدما عاش في قصر الزهور لمدة‬
‫ستة أسابيع للشراف على علج المرحومة الملكة عالية وغيرها من‬
‫النإطباعات خلل نإصف قرن تمثل جزءا من تأريخ العراق الحديث جديرة‬
‫بالطلع وسيما وان الخواطر الحياتية التي أشار إليها في مسيرته تمثل‬
‫الواقعية المعاصرة بمثلها وقيمها لما هو سائد في المجتمع البغدادي إواشارة‬
‫إلى نإضاله العلمي داخل وخارج العراق حيث حصل على أرفع الدرجات‬
‫العلمية في مجال تخصصه وقد أغنإى مسيرة الطب في العراق بشخصيته‬
‫البغدادية النإافذة وأصبح اسمه يتداول في مجال الطب النإسائي خارج القطر‬
‫من خلل المؤتمرات الطبية التي حضرها وكان يشار إليه بالبنإان في لنإدن‪.‬‬
‫لقد كان الدكتور كمال رحمه ال محبا لبغداد وعاداتها وتقاليدها وهو‬
‫من رموزها الساسية ووجهائها خدم الوطن بكل جدارة وأمانإة مهنإية وكان‬

‫‪175‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الجدر أن يطلق على مذكراته كفاح الثمانإين‪ ...‬والتي كان مسرو ار بإنإهاء‬
‫كتابتها ونإشرها قبل وفاته رحمه ال‪...‬‬

‫هدم معالم الحضارة البغدادية‪ ...‬وياللسف‬


‫لقد كانإت الشنإاشيل البغدادية بخصوصيتها الصيلة ضمن مشروعها‬
‫التراثي حيث صب فيها روافد الفن العراقي وكانإت هي سمات الجمالية‬
‫بزخرفتها المعمارية التي بدأت منإذ بداية العشرينإيات في شارع الرشيد الذي‬
‫هو رافد من روافد الحضارة في بغداد مع انإها كانإت بمساكنإها مليئة بفنإون‬
‫الزخرفة المعمارية التراثية ومنإذ العهد العثمانإي حيث كانإت محلت‬
‫)العصملي( أي العثمانإيين وسكانإها من مدنإيين وعسكريين في الرصافة مثل‬
‫محلت الطوب وقمر الدين وجديدة حسن باشا والحيدرخانإة‪ ،‬أما القسم‬
‫الخر الذي يسكنإه الشعب البغدادي تعرف بمحلت )أبو شبل وبنإي سعيد‬
‫والفضل والمهدية وقنإبر علي وقهوة شكر وفضوة عرب وباب الشيخ وعزات‬
‫طويلت وفضوة قرة شعبان وغيرها(‪ ...‬أمام شارع الرشيد بجماليته الرائعة‬
‫المتمثلة بالشنإاشيل بتصاميمها المختلفة المطعمة بالزخرفة وقد كانإت‬
‫مثيلتها في صوب الكرخأ أيضا والذي مازال قسما من الدور التراثية قائما‬
‫لحد الن بعد أن قامت الحكومة ومنإذ ثلثة عقود على صيانإتها ومنإها دار‬

‫‪176‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫المرحوم توفيق السويدي مقابل دار السفارة البريطانإية في بغداد إضافة إلى‬
‫عدد آخر من المساكن‪...‬‬
‫عنإد زيارتنإا خارج القطر كنإا نإشاهد في الدول الوربية الطراز‬
‫المعماري للبنإية القديمة التي مضى على بنإائها مئات السنإين حيث تعتبر‬
‫من المعالم الحضارية والتراثية لجيال خلت والحفاظ على طابعها مسؤولية‬
‫الدولة والمواطن حيث تجري عمليات صيانإتها كل فترة زمنإية محددة إضافة‬
‫إلى إحاطتها بالزهور والرياحين ويشعر المواطن عنإد مشاهدتها بأحاسيس‬
‫عبق الماضي الجميل والتي خلقت المشاعر والذوق السليم لدى معظم كتاب‬
‫الدب حيث كانإت القصص الدبية التي أغنإت السينإما العالمية في فترات‬
‫الربعينإيات والخمسينإيات والستينإيات بروائع الفلم التي تحمل بصمات‬
‫أرقى ماوصل إليه الدب العالمي من سمو والذي فقدنإاه في العقود المتوالية‬
‫مع السف الشديد‪...‬‬
‫ولعل مما يولد اللم في نإفسي ومنإذ الصبا عنإد مشاهدتي لبنإية‬
‫مضى على بنإائها أكثر من ثمانإين أو مائة عاما تهدم في بغداد وهذا ما‬
‫حصل لبنإاية مدرسة المأمونإية البتدائية حيث هدمت وألحقت بوزارة الدفاع‬
‫وكذلكا بهو أمانإة العاصمة المحاذي لقاعة الملكا فيصل الثانإي وكان تواصل‬
‫هذا البنإاء حتى يصل إلى حديقة كبيرة غلنإاء مطلة على نإهر دجلة كانإت‬
‫تزدحم في العياد والمواسم بأهالي بغداد )حديقة غازي( أما بهو أمانإة‬
‫العاصمة الذي أشرنإا إليه كان يضم قاعات فخمة تجري فيها الحفلت‬
‫الرسمية واستقبال الوفود في عهد النإظام الملكي كما إن حدائقها الواسعة‬
‫كانإت شاهدا مع مساحاتها المفتوحة لمهرجانإات لشباب العراق تقام على‬

‫‪177‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫صرحها في منإاسبات كثيرة ولكن للسف هدمت جميعها وألحقت ببنإاية وزارة‬
‫ق من الرث القديم سوى قاعة الملكا فيصل الثانإي والتي تغير‬
‫الدفاع ولم يب ل‬
‫اسمها إلى قاعة الشعب وهي شبه مهجورة‪...‬‬
‫أما فنإاء وزارة الخارجية في البنإاية القائمة مقابل السجن المركزي كان‬
‫بمنإتهى الروعة في الريازة المعمارية وقامت الدوائر المختلفة التي أشغلتها‬
‫بتغيير وتشويه معالمها حيث تم إشغالها بعد انإتقال الوزارة منإها من قبل‬
‫دائرة إسالة الماء والحسابات العسكرية وغيرها‪.‬‬
‫ثم نإعود إلى بنإاية البلط الملكي التي تمثل النإاقة المعمارية اللئقة‬
‫بهيبة النإظام الملكي وكانإت بحدائقها الغلنإاء تطل على نإهر دجلة أما‬
‫واجهتها المامية مطلة على الشارع العام بدائرة مستديرة )فلكه( فيها هاتف‬
‫رسمي لحد أفراد الحرس الملكي يستخدم في حالة حضور الملكا أو الوصي‬
‫إلى البلط حيث يتم إشعار الحرس بقدومهم كي يتم التهيؤ لستقبالهم وقد‬
‫كان صرح البلط شاهدا على الحكم الملكي لفترة ثلثة عقود وبعد ‪14‬‬
‫تموز ‪ 1958‬أصبح مق ار لما عرف بمجلس السيادة لحين )‪ (8‬شباط‬
‫‪ 1963‬حيث تم بعدها نإقل مقر الرئاسة الجديد إلى بنإاية القصر الجمهوري‬
‫الحالية وبعد عدة سنإوات تم هدم بنإاية البلط الملكي في أواسط السبعينإيات‬
‫ليتم تشييد بنإاء عرف بـ)نإادي القادة( والذي تم سلبه ونإهبه بعد حرب عام‬
‫‪....2003‬‬
‫ويا لها من سخرية حيث كأن بغداد قد خلت من الراضي ليتم تشييد‬
‫البنإية عليها مع إنإنإا ل زلنإا لحد الن نإشاهد في مصر والسكنإدرية قصور‬

‫‪178‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الملكا فاروق في القاهرة وفي حدائق المنإتزه بالسكنإدرية والتي أصبحت‬


‫متاحف للزوار والسياح‪....‬‬
‫وفي نإهاية عام ‪ 2005‬وعنإدما كان الحنإين يدفعنإي بالمرور بجانإب‬
‫الطريق المؤدي إلى العدادية المركزية التي قضيت فيها سنإتان من الدراسة‬
‫الثانإوية مابين عامي ‪ 1961‬و ‪ 1963‬انإتابنإي اللم عنإد مشاهدتي لعدد‬
‫كبير من العمال يقومون بهدم بنإاية النإادي العسكري المطلة على نإهر دجلة‬
‫وتم تسويتها بالرض علما بأن بنإاءها كان يحمل طراز بنإاء وزارة الخارجية‬
‫وملر على هذا البنإاء حوالي أكثر من ثمانإين عاما وكان يعرف بـ)نإادي‬
‫الضباط( وشهد فنإائه منإاسبات عديدة لجتماعات ضمت رجال الدولة‬
‫العراقية لعقود خلت‪...‬‬
‫كما شاهدت بنإاية متصرفية لواء بغداد في القشلة والتي تم حرقها‬
‫ونإهبها ثم هدم معظمها أثنإاء حرب عام ‪.2003‬‬
‫كما شاهدت هدما مقصودا لبنإاية قديمة لدار أثرية مطلة على نإهر‬
‫دجلة بطرازها الشرقي والتي يعود بنإاؤها إلى أكثر من مائة وخمسين عاما‬
‫حيث كانإت قص ار لسكن إحدى الميرات في العهد العثمانإي حيث تقع في‬
‫بداية شارع النإهر وتم إشغالها لسنإين من قبل محكمة الرصافة للحوال‬
‫الشخصية والن حل مكانإها بنإاء سوق تجاري مع إن من أهل هذا القصر‬
‫ق لذكراهم‬
‫يتواجد فيه ضريح )قبر( لحد مالكيه منإذ العهد العثمانإي ولم يب ل‬
‫إل الجامع المقابل له والذي يعرف بجامع العادلية ونإحمد ال مازال قائما‬
‫لحد الن‪...‬‬

‫‪179‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫أما هدم مقهى خليل عام ‪ 1970‬وتشييد بنإاية تجارية من قبل‬


‫الوقاف كانإت تلكا العملية هي المنإطلق للبداية في هدم الرث الحضاري‬
‫لمدينإة بغداد وكل ما يؤرخأ تأريخ العراق الجتماعي والسياسي‪....‬‬
‫هذا ما شاهدته في بغداد وال أعلم ما تم هدمه في بقية محافظات‬
‫العراق من أبنإية أثرية نإاطقة ومؤطرة لذكريات مفعمة بالحداث وبالماضي‬
‫الجميل‪...‬‬
‫التراث البغدادي لمقهى الشابنإدر وصاحبها الحاج محمد الخشالي‬
‫أبو الشهداء‬
‫الحاج محمد الخشالي أحد أبنإاء الشعب البغدادي كانإت معرفتي به‬
‫وهو من أبنإاء المحلة التي انإتقلنإا للسكن فيها في أواسط الخمسينإيات في‬
‫محلة الخشالت قرب داره وكنإت أرى الحجي يكن له محبة خاصة واحتراما‬
‫وتقدي ار عنإد لقائه أو مروره بالمقهى مما وللد لدي شعو ار بأنإه شخصية‬
‫تمتلكا مواصفات الخلق البغدادي وأصالته وجدت فيه إنإسانإية رائعة في حبه‬
‫لصدقائه ومعارفه وتذكره للراحلين منإهم ويتمتع بقنإاعة وسريرة صادقة‪...‬‬
‫ومثالا للشخصية البغدادية الطاغية على سلوكه بزادها المتمثل بالشهامة‬
‫والمروءة والكرم والعطف والصدق والخلص وسعة الصدر‪.‬‬
‫وقد برزت تلكا الخصال التي يمتلكها الحاج محمد بإدارته لمقهى‬
‫الشابنإدر لسنإين عديدة ولحد الن حيث جعل منإها مرك از ثقافيا متمي از في‬
‫شارع المتنإبي ومن البغدادية صفة ذات نإكهة مستقلة مرتبطة به وبعمق‬
‫إدراكه للعادات والتقاليد والعراف البغدادية واحترامها‪ ،‬وعنإد زيارة المقهى‬
‫يجد النإسان نإفسه محاطا بأجواء تمثل الرث الشرعي للتراث البغدادي‬

‫‪180‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الصيل برغم هول المصاب حيث واجه الحاج محمد أثقل فاجعة في التأريخ‬
‫باستشهاد أبنإائه الربعة وحفيده وهم الشهداء غانإم وبلل وكاظم ومحمد‬
‫وقتيبة غانإم وبعد مدة قليلة لحقت بهم والدتهم رحمها ال من شدة الحزن‬
‫ومرارة اللم على فقدان أبنإائها الربعة وحفيدها‪ ...‬ياترى هل يمكن للذاكرة‬
‫أن تمحي ماحدث يوم الثنإين السود في ‪...5/3/2007‬‬
‫في النإفجار الغادر الذي استهدف الهوية العراقية في شارع الثقافة‬
‫حيث التهمت النإيران المكتبات العريقة وكتبها وأصحابها‪...‬‬
‫إن هول المأساة التي أصابت الحاج محمد ليس من السهل على أي‬
‫إنإسان مهما كان أن يمتلكا القدرة على تحملها ومع ذلكا فإنإكا تجد نإفسكا‬
‫عنإد ارتياد المقهى أمام هذا الموروث البغدادي الذي واجه أثقل فاجعة في‬
‫التأريخ وهو مازال يمتلكا القدرة على تحملها ومواكبة الحياة بإيمان مفعم‬
‫بالتحلي بالصبر وقوة الرادة لوالد الشهداء تغمدهم ال سبحانإه وتعالى‬
‫برحمته وأسكنإهم فسيح جنإاته إنإه سميع مجيب فمن غير الشهداء أهلا‬
‫بجنإان الرحمن‪...‬‬

‫‪181‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫خاطرة‪ ...‬لقاء مع عدنإان السامرائي في الصليخ تموز ‪2010‬‬


‫كانإت معرفتي بالخأ عدنإان السامرائي ترجع إلى بداية عام ‪1968‬‬
‫عنإد مباشرتنإا الوظيفة في مصرف الرهون )الملغي( في بغداد شارع المين‬
‫وامتدت تلكا العلقة لحد الن وكان لقاؤنإا بعد إحالتنإا على التقاعد لبلوغ‬
‫السن القانإونإية‪ ،‬علما بأن عدنإان كنإعان السامرائي الذي كان آخر منإصب‬
‫وظيفي تقلده له مدي ار لمصرف الرشيد الرئيسي )فرع ‪ (106‬في نإهاية شارع‬
‫البنإوكا ولقد كان وبشهادة الجميع الموظف الكفوء الملتزم بعمله بكل نإزاهة‬
‫إواخلص قانإعا بما وصل إليه مع انإه كان يستحق مكانإة وظيفية أعلى درجة‬
‫لكنإه لم يحصل عليها لمانإته وتفانإيه في عمله واستقلله‪ ،‬كان سلباقا في‬
‫حل مشاكل كل من يلجأ إليه ضمن سياق عمله‪.‬‬
‫وفي صباح أحد أيام تموز اتصلت هاتفيا به واتفقنإا على اللقاء‬
‫الحادية عشرة صباحا في إحدى المقاهي في منإطقة الصليخ القريبة من‬
‫سكنإاه وأثنإاء لقائنإا قدم لي أحد معارفه جالسا معه في المقهى وتعرف علي‬
‫قائلا له عدنإان "هذا ابن حجي خليل أبو الكهوة بالحيدرخانإة‪ ...‬أبو الجراوية‬
‫البغدادية" حينإها بادر هذا الشخص إلى الحديث مع عدنإان بأنإه على معرفة‬
‫مسبقة بالسطة خليل في الربعينإيات حينإما كان يعمل في البلط الملكي‬
‫وهو ضابط عسكري )محمد أبو أركان‪ ...‬من سكنإة سيد سلطان علي في‬
‫حينإها( وردته تعليمات بنإقل اللبان والخضروات من ثمار المزرعة الملكية‬
‫وبأمر من الملكة عالية في سيارة بيكاب إلى المقهى وتسلم إلى صاحبها‬
‫مباشرة ليقوم بنإفسه على توزيعها على الفقراء وكانإت هذه العملية تتكرر‬
‫باستمرار وقد فرح بمعرفتي به لتعود به الذاكرة إلى عقود خلت أيام الزمن‬

‫‪182‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫الجميل حيث كان السطة خليل محل ثقة الملكة عالية واختيارها له دليل‬
‫على مكانإته وأمانإته‪ ،‬وبعدها قدمت الشكر للعم أبو أركان على ملحظته‬
‫التي مضى عليها أكثر من نإصف قرن‪...‬‬

‫خاطرة‪ ...‬مع أحد الرواد المتعجرفين‬

‫‪183‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫في زيارة لي للمقهى في صبيحة إحدى أيام الجمعة من صيف عام‬


‫‪ 1975‬وبينإما كنإت جالسا بقرب الحجي خرج أحد الرواد الذي يبدو أنإه‬
‫يرتاد المقهى لول مرة وكان هذا الرجل بعمر ‪ 65‬عاما تقريبا طويل القامة‬
‫ويعتمر في رأسه صدارة فيصلية لم تكن تلئم وجهه المتجهم بعلئم العنإف‬
‫والعجرفة شاهدته يرمي قطعة النإقود إلى الصينإية بشكل استفزازي وخالي‬
‫من اللياقة الدبية وكنإت أراقب هذا المشهد إواذا بالحجي ينإظر نإظرات ثاقبة‬
‫إلى وجه ذلكا الرجل بصمت يشوبه الغضب حينإها بادر الرجل القول بغضب‬
‫وعنإفوان موجها كلمه إلى الحجي "أشو تعاين بوجهي" ورد عليه الحجي‬
‫على الفور قائلا "لعد وين أعاين بـ‪ ...‬شتيمة"‪.‬‬
‫وبادره الحجي قائلا عنإدي مسدس لم أطلق به سوى طلقتين بطريق‬
‫سامراء والثالثة سوف تكون )بـ‪ ...‬شتيمة( حينإها جفل هذا المتعجرف‬
‫وتملكه الخوف وتركا المقهى مسرعا ولم أتمالكا نإفسي من الضحكا بهدوء‬
‫ولكن الحجي أخذ يلعن هذه الدنإيا التي نإدر فيها الوادم حسب ترديده معقبا‬
‫بـ لحول ولقوة إل بال‪ ....‬وموجها كلمه مباشرة لي "لكا هاي شلون دنإيا‬
‫ل"‪ ...‬نإعم لقد كان الحجي‬
‫صارت ال يساعدكم على ما سوف ترونإه مستقب ا‬
‫محقا في تنإبؤاته حيث مرت السنإين بعدها على هذا البلد المسكين ورأى ما‬
‫رأى من أحداث دموية بسبب الحروب والفوضوية والسلوكا اللعقلنإي الذي‬
‫انإعكست آثاره على مختلف جوانإب الحياة التي سعى رجال دولة إلى بنإائها‬
‫منإذ عام ‪ 1921‬وكانإت شواخص البنإاء الحضاري خير شاهد على ذلكا‪...‬‬
‫إلى أن بدأ العد التنإازلي نإحو الهبوط إلى الهاوية وهذا ما آلت إليه‬
‫المور‪...‬‬

‫‪184‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ولعل الحقيقة تكمن بأن ظروف الحياة والمنإطقة هي حياتنإا كانإت قد ار‬
‫ط يوما فرصة اختيار‬
‫مكتوبا على جباهنإا حيث ان الفرد العراقي لم نيعع ل‬
‫الحياة‪...‬؟؟؟‬

‫هدم المقهى هل شكلت النإهاية في نإهاية حياة الحجي‬

‫‪185‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫بعد هدم المقهى في أواخر عام ‪ 1969‬بقي الحجي عاطلا عن العمل‬


‫وقد تملكه الحزن والحسرة واللم لفقدانإه عرينإه الذي قضى فيه ثلثون‬
‫عاما محاطا بأصدقائه ومحبيه في مقهاه الذي تعود عليه لحلوة موقعه‬
‫على واجهة الشارع إضافة إلى بدل اليجار الذي يتلءم مع إهداره‬
‫للمصروفات المتعلقة بلوازم المقهى حيث لم يكن الربح دافعه الول بقدر ما‬
‫يحقق راحته ويتلءم مع طيبته وكرمه حيث كانإت "دويخانإه" لكل محتاج‬
‫ولكن رياح التغيير التي جاء بها انإقلب ‪ 17‬تموز ‪ 1968‬كان من ثمارها‬
‫هدم هذا الرث التأريخي الذي تنإبعث منإه ما تفيض به البغددة من شموخأ‬
‫يتسامى مع العنإصر النإسانإي الذي يمثله التجمع البشري‪.‬‬
‫س‬
‫وبعد مرور عدة أشهر على بقائه عاطلا عن العمل وجد نإفسه بأم ل‬
‫الحاجة لممارسة المهنإة مرة أخرى ولم يستطع الحصول إل على موقع آخر‬
‫لمقهى ولكن داخل قيصرية قرب جامع الحيدرخانإة شلتان مابينإها وبين‬
‫المقهى التي هدمت ولكنإه وجد نإفسه مضط ار ليجارها وباشر مزاولة المهنإة‬
‫مجددا لكنإي لم أكن أجده قد استعاد ما فقده ولم ألر الراحة والبهجة بادية‬
‫على أساريره كما كانإت في الماضي‪.‬‬
‫وعموما في بداية عام ‪ 1975‬لم يستطع الحجي المقاومة في‬
‫الستمرار بالعمل في هذا الموقع البائس وتركا المهنإة مستق ار في داره‬
‫الكائنإة في الوزيرية مقابل أكاديمية الفنإون الجميلة معايشا لوحده الغتراب‬
‫الذي لم يعهده سابقا حيث نإاد ار من كان يأتي لتفقده سوى أبنإائه الذين كان‬
‫يعيش وسطهم إلى أن انإتقل إلى رحمة ال صباح ‪ 7/2/1981‬بعد أن‬
‫تنإاول إفطاره سقط فجأة على )القنإفة( في هول الدار وكأنإه جلس عليها‬

‫‪186‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫ليودع الدنإيا وينإتقل إلى جوار ربه بصمت بعد أن أفنإى أكثر من تسعين عاما‬
‫من عمره في خضم الحياة وعاصرها بحلوها وملرها وأقيم مجلس الفاتحة‬
‫على روحه الطاهرة في قاعة جامع الجنإدي المجهول الكائن في ساحة‬
‫الفردوس‪ ...‬وفي حينإها كانإت حركة المرور في بغداد متقطعة بين الفردي‬
‫والزوجي لرقام المركبات المسموح لها بالسير بسبب أحداث الحرب العراقية‬
‫اليرانإية وأعتقد بأنإه وجد الراحة والطمأنإينإة بعد انإتقاله إلى رحاب الرحمن‬
‫كي يستقر بصمت هادئ ينإقذه من الغتراب الذي لم يسبق له أن عاصره‬
‫خلل عقود حياته منإذ العهد العثمانإي‪ ...‬لنإه كان منإتميا للحياة‬
‫الجتماعية التي قام بصياغتها لنإفسه وانإعكست إيجابياتها على الخرين‪...‬‬
‫ولكنإه لم يجد أث ار لهم بعد أن تقاعد عن العمل حيث وجد نإفسه يعيش مآثر‬
‫الوحدة التي لم يعهدها سابقاا‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪188‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪189‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪190‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪191‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪192‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪193‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪194‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪195‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪196‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪197‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪198‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪199‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪200‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪201‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪202‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪203‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪204‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪205‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪206‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪207‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪208‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪209‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪210‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪211‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪212‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪213‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪214‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪215‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫حجي خليل مع الحجاج في بيت ال الحرم‬

‫‪216‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫‪217‬‬
‫حميد القيسي ‪ ..............................................‬بغداديات‬
‫"مقهى خليل" ذكريات وانطباعات‬

‫مع رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف‬

‫انتهى بعون الله‬

‫‪218‬‬

You might also like