Professional Documents
Culture Documents
مقالة فلسفية حول العلوم الانسانية
مقالة فلسفية حول العلوم الانسانية
دافع عن الرأي القائل " :إن الظاهرة اإلنسانية قابلة للدراسة العلمية ".
لقد ساد االعتقاد لمدة طويلة من الزمن أن الدراسة العلمية مقتصرة على الظواهر الفيزيائية و الظواهر البيولوجية فقط دون غيرها وكان هذا الرأي شائعا لدى الكثير من
العلماء والفالسفة ،
غير أن بعض الفالسفة والعلماء يتبنون وجهة نظر مغايرة لهذا االعتقاد .وهي امكانية دراسة الظواهر االنسانية دراسة علمية دقيقة
فكيف يمكننا إثبات علمية الع لوم اإلنسانية ؟ و كيف يمكن البرهنة على أن العلوم اإلنسانية بإمكانها التوصل إلى صياغة قوانين للسلوك اإلنساني تفسره وتسمح بالتنبؤ به
قبل حدوثه
يعتقد كثير من الفالسفة والعلماء أن الظواهر اإلنسانية يمكن إخضاعها للدراسة العلمية التجريبية .
وينتقدون أنصار المنهج التجريبي بمراحله الكالسيكية الذين قالوا إن التجريب مقتصر على العلوم الطبيعية ،و أن العلوم اإلنسانية ليست علوما بالمعنى الدقيق لكلمة علم.
العوائق اإلبستمولوجية التي يتذرع بها البعض لمحاولة البرهنة على أن الظاهرة اإلنسانية ال يمكن دراستها دراسة علمية يمكن تجاوزها .
تكييف المنهج التجريبي حسب خصوصية الظاهرة المدروسة (اإلنسانية) ،ففيما يخص الذاتية ،فإن التجرد التام من الذاتية متعذر حتى في العلوم المسماة دقيقة ،فلماذا
نطالب الباحثين في الدراسات اإل نسانية أن يتحلوا بالموضوعية المطلقة ؟ ثم إنه من الجحود تجاهل المجهودات الكبيرة التي بذلت في ميدان الدراسات اإلنسانية لالبتعاد
عن الميول والرغبات العواطف واألحكام القيمية واالعتبارات الذاتية في دراسة الظاهرة اإلنسانية ( المنهج التاريخي ،ونقد المؤرخ للمصادر نقدا خارجيا ونقدا داخليا ) .
وفيما يخص صعوبة التجريب في العلوم اإلنسانية ،فيمكن تعويض التجريب المباشر بالتجريب غير المباشر ( المقارنة) ،وحتى البيولوجيا وهي علم طبيعي تعتمد على
هذا النوع من التجريب ؛ ففي مجال دراسة الظواهر االجتماعية ،ولكي يدرس السوسيولوجي مثال أثر الطالق (ظاهرة اجتماعية) على نفسية وسلوك األطفال ونتائجهم
المدرسية فهو ليس مطالبا بتطليق أسرة حتى يتمكن من القيام بهذه الدراسة ،وإنما يكفيه التجريب غير المباشر أي المقارنة بين األطفال الذين نشئوا في أسرهم ،واألطفال
المحرومين من األسرة .
أما عن ص عوبة إجراء المالحظة المباشرة ،فإنه يمكن تعويضها بالمالحظة غير المباشرة؛ أي مالحظة الظاهرة من خالل آثارها ،وحتى العلوم الفيزيائية تعتمد على هذا
النوع من المالحظات ،فلماذا ال تعتمد عليه العلوم اإلنسانية ؟ مثال ذلك أن ال أحد من العلماء يمكنه أن يالحظ سواء بحواسه أو بأجهزة اإللكترون مباشرة ،وإنما يالحظ
من خالل آثاره( اإلشعاع الصادر عنه).
وفي مجال الحتمية ،فإذا كانت الظاهرة اإلنسانية ال تخضع لحتمية مطلقة ألنها صادرة عن إنسان يتصرف حسب إرادته ،على خالف الظاهرة الطبيعية التي تحدث على
نفس النحو دوما ،فإنه يمكن تعوي ض السببية و الحتمية بمبدأ الغائية ،أي التفسير الغائي للظواهر اإلنسانية بدال من التفسير الحتمي .
وهناك عدة أدلة تثبت الدراسة العلمية للظواهر اإلنسانية ،ومنها توصل علماء النفس واالجتماع إلى صياغة قوانين تفسر السلوك ،وتسمح بالتنبؤ به ( :قوانين التعلم ،
قوانين اإلدراك ،قوانين النسيان ،وقوانين الذكاء . )....والمنهج السلوكي في علم النفس القائم على المالحظة الخارجية للسلوك وليس على الدراسة الذاتية االستبطانية
والذين عارضوا قيام علوم إنسانية واج تماعية موضوعها دراسة األبعاد األخرى المختلفة لإلنسان وال تدرسها البيولوجيا ( البعد النفسي ،البعد االجتماعي ،التغير الزمني
على صعيد األفراد ، )...انطلقوا من نظرة سكونية متعصبة للمنهج التجريبي بمراحله الكالسيكية( مالحظة ،فرضية ،تجربة ) ،في حين أن المنهج العلمي التجربيبي
منهج مرن يمكن تكييفه حسب خصوصية الموضوع المدروس . . .
ثم إن الدراسة العلمية للظاهرة ال تستلزم الدراسة التجريبية ،فهناك علوم دقيقة كعلم الفلك ليست تجريبية وإنما تعتمد على المالحظة غير المباشر والفروض كبديل عن
التجريب المباشر
خاتمة ( حل المشكلة)04/04:
ومن التحليل السابق ،وكحل للمشكلة يمكننا القول إن األطروحة القائلة بأن الظواهر اإلنسانية قابلة للدراسة العلمية هي أطروحة صحيحة ،ولها ما يبررها ،لذلك تبنيناها
ودافعنا عنها :فقد أصبح واضحا أن الدراسات اإلنسانية وإن كانت نتائجها أقل دقة وموضوعية من نتائج الدراسات الفيزيائية فإنها مع ذلك دراسات علمية توصلت إلى
صياغة قوانين للسلوك اإلنساني سواء الفردي أو الجماعي