Professional Documents
Culture Documents
مذكرات الغزالي
مذكرات الغزالي
هو كتاب ذاع اسمه ولم ييعُرف له أثر ،اشتهر بين الباحثين
والمثقفين ولم يحظى باهتمام الناشرين ،إل ماكان من المعُهد العُالمى للفكر السلمي من جهد فى
نشره بمجلة ) إسلمية المعُرفة ( العُدد 7للسنة الثانية ،بعُنوان " قصة حياة ..مقتطفات من مذكرات الشيخ
محمد الغزالى " ،لعُل هذه المقتطفات هى مسودة كتاب " قصة حياة " الذى شرع الشيخ فى كتابته ،ثم
شغلته هموم أمته وأولويات الوقت عن إتمامه ،فدفع بما أنجز منه إلى المعُهد العُالمى لينشره ريثما تزول
الصوارف وتنتهى الشواغل ،ولم يزل مشغول حتى عاجله القدر بما حال عن إكماله ،وربما لو طال به
العُمر لجعُل منه سفرا حافل بالرواية المميزة ،والنظرة الثاقبة ،وكان شهادة هامة على أحداث
تاريخية عظيمة الخطر مرت بأمتنا ..رحم ا الشيخ الديب ،ورفع ذكره فى العُالمين ،،وسلم عليه فى
.الخالدين
]علمات/محمد جللا لشاين[
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة حياة ]العُناوين[
-1ذكريات طفولة -2حياة اليكتتاب -3التعُليم البتدائي -4تعُليم ديني ومدني -5اضطرابات سياسية -6
عقبات -7في المرحلة الثانوية -8تساؤل -9حادث طريف -10دراسة السلم في أوربا -11الدراسة
الزهرية القديمة -12صلتنا بالمدرسين -13رسالة من المرشد -14طبائع بيئات -15طلب مرفوض -16
بعُض صفاتي -17عذر مقبول -18دعوة مستجابة -19حول منهج الدراسة -20البحث عن وظيفة...؟
-21اكتشاف مهم -22قصة مضحكة -23زواج سعُيد ... -24ونهاية! -25حال المسلمين يومئذ -26
محاولة فاشلة -27الديمقراطية -28النظمة العُالمية -29راحة الكادح الصبور -30واعظ إخوانى - 31
النتفاع بالحريات الديمقراطية -32الحوال السياسية وجماعة الخوان المسلمين -33نقاش حول الدساتير
-34انقلب على الوقاف -35منهجي في الدعوة -36مع التحاد الشتراكي -37مع أنور السادات
ذكريات طفولة
ل ييسأل أحدنا للمم في زمان كذا ،أو في مكان كذا؟ فهذا قدر سابق ل خيرة
لنا فيه وإنما لفت نظري أني برزت إلى الدنيا في كبوة من تاريخ السلم،
وأيام كئيبة كان النجليز فيها يحتلون مصر ،كما احتلوا أقطاراا فيحاء من
!!أرض السلم الجريح
ومع الهزائم المترة التي أحرجت الباء والولد ،فإن المقاومة الشعُبية
.كانت عامة .ومرففض الستسلم للغاصب الكفور كان يعُمم الرجاء
وأذكر أن قريتي الصغيرة "تكل العُنب -محافظة البحيرة" شاركت في
!الثورة العُامة ضد النجليز ،وقطعُت أسلكا الهاتف وأعلنت التممرد
وجاءت فرقة من جيش الحتلل وعسكرت أمام أحد المساجد واستخفى
الناس في البيوت ،وقتل أحد الفلحين الذين لم يلتزموا بتعُليمات منع
...التجول
وقد علق بذاكرتي ما حدث في ذلكا اليوم ،وكانت أمي تحملني على
ذراعها ونحن ننظر إلى الجيش الزاحف –من فوق سطح بعُيد -أظنني
يومئذ في الثالثة من عمري ،فقد ولدت ف ي 22سبتمبر ،1917وكانت
!هذه الثورة سنة 1920للميلد
هل يعُني ذلكا ال تسرد أن ذاكرتي حسنة؟ إنني أبادر بالنفي! فإنني قد أنسى
ما عرفته منذ دقائق ،وفي الوقت نفسه أذكر أموراا ممرت عليها عشرات
...السنين
سألني مدرس النحو وأنا طالب في المرحلة البتدائية :أعرب يا ولد
"رأيت ا أكبر كل شيء" ،فقلت على عجل :رأيت فعُل وفاعل ،وا
!منصوب على التعُظيم
وحدثت ضجة من الطلبة ،ونظرت مذعوراا إلى الستاذ ،فرأيت عينيه
!!تذرفان
كان الرجل من القلوب الخاشعُة ،وقد همزه أني التزمت الحترام مع لفظ
الجللة -كما علموني -فلم أقل إنه مفعُول أول ،ودمعُت عيناه تأددبا ا مع
!ا
!كان ذلكا من ستين سنة أو يزيد ...رحمه ا وأجزل مثوبته
إن هناكا أشياء تفرض نفسها على ذاكرتي ،ولو اختلف الليل والنهار،
...وأخرى تقرع الباب فل يؤذن لها فتمر كأن لم تكن
ت فيه من أسوأ القرون التي ممرت بديننا الحنيف! لم والقرن الذي ولد ي
أبلغ سبع سنين حتى كان المرتمد التركي مصطفى كمال قد رمى "بالخلفة
السلمية" في البحر! نعُم كانت شبحاا ل روح له ،بيد أن هذا الشبح كان
ي المطارق على أم مفزعا ا لعداء السلم ،وإذا كان يمغمى عليه تحت هلو م
رأسه ،فمن يدري؟ قد يستيقظ فجأة ويستأنف نشاطه المخوف ،فموته
...أجدى على أعداء السلم
وعندما كبرت وقرأت لم أشعُر بالخزي لهذا الظروف التي اكتنفت
!ميلدي
لقد رأيت ابن تيمية يولد وينمو في ظروف مشابهة ،فقد برز إلى الحياة
مع سقوط الخلفة العُباسية ،وكانت أمواج الغزو التتاري تتدافع بعُنف ،
وترغمه هو وأسرته على الفرار من بلد إلى بلد ،والسير في طريق مليئة
.بصرعى الفتكا والضياع والهزائم المتتابعُة
إن الشعُوب السلمية تجني المصائب من تفريط الحكام وإضاعتهم
لمانات ا التي طموقت أعناقهم ،ما ذنبنا نحن الطفال ،وما ذنب آبائنا
الذين يحبون السلم ويفتدونه بالنفس والنفيس؟
أشهد أن أبي رحمه ا ،كان عابداا قمواما ا ومكافحا ا جلداا ،وقد سماني
محمد الغزالي لن أبا حامد رضي ا عنه أوصاه بذلكا في رؤيا صالحة
...رآها وهو أعزب
وعندما ولدت شرع يهتدم بي ،فما بلغت الخامسة حتى كنت في اليكمتاب ،
أحفظ القرآن مع غيري من الصبية ،ولما كان هو من الحفاظ ،فقد
تعُاون مع فقهاء الكتاب على أل أضيع سدى ،يجب أن أستظهر القرآن
!الكريم في أقصر مدة
حياة اليكتتاب
لم أكن بليداا ول نابغاا ،كنت متوسط الذكاء ،ضئيل الجسم ،قصير القاممة
وكان وقع العُصا على جلدي رهيباا عندما أخطئ ،وربما أكرهتني الهيبة
ت إلى استعُادة موفعيي وتابعُتعلى التلعُثم ،فإذا ارتفعُت العُصا أسرع ي
القراءة ،بعُدما انتهوا من مرحلة الكتابة.
وعلى بعُد مائة ذراع تسمع هدير التلوة ،تقطعُه بين الحين والحين
استغاثة مضروب لم يحسن الداء ،يتوجع من لذع العُصا...
والباء يوصون المعُلمين بأل تأخذهم شفقة في التعُليم والتأديب ،فعُصى
الفقيه من الجنة كما يقولون!...
سألت نفسي بعُدما كبرت سني عن جدوى هذه الطريقة ،ولم أنته إلى
إجابة حاسمة!
هناكا من رفضها بحجة أن شحن أذهان الولد غير مفهومة يعُطل نموهم
العُقلي!...
ولكني رأيت هؤلء يشحنون عقول الطفال بخيالت مجنونة ل أصل لها
ول جدوى منها ،عن طريق الحكايات الخرافية المصورة في "التلفاز" أو
المروية بوسائل العلم الخرى.
قلت :لن أمل الذاكرة بشيء أستفيد منه في المستقبل خير من ملء
الدماغ بأوهام الصور المتحركة ،والقاصيص السخيفة...
ومع هذا الرد فإن العتراض بقي قائما ،هل يستفيد القرآن نفسه من هذه
الشرطة التي استوعبت ألفاظه ،وحفظت آياته في الصدور؟ حفظا ا ل تدمبر
معُه ول فقه فيه؟
ربما قيل :بقي القرآن متواترما على حين ضاعت كتب سماوية أخرى!
وذلكا حق! فإن ضمانات الخلود توفرت لهذا القرآن العُظيم فما ضاع منه
حرف ،غير أن ذلكا ل يقصد لذاته ،فبقاء المبنى إنما هو من أجل حياة
المعُنى ،وازدهاره ،والعُمل به ،وإقامة حضارة على دعائمه ،والمساكا
باللفاظ ل يحقق هذه الغايات العُظام...
إن نظام اليكمتاب قد تلشى تقريبا ،وحملت محمله مدارس للقرآن فيها وجود
يشبه العُدم! وتكاد التربية السلمية والعُربية عندنا تجف ينابيعُها!...
ت لو انعُقدت مؤتمرات دائمة لستبقاء محاسن اليكمتاب واستبعُاد ومولدفد ي
مساوئه ووضع سياسة جديدة لربط الجيال الناشئة بأصولها وقيمها...
ت حفظ الكتاب العُزيز ،وعرفت ت في اليكمتاب إلى سنن العُاشرة ،فأتممفم يبقي ي
ل من قواعد الملء ،ورأى أبي أن يقدم على مبادئ الحساب ،وشيئا ا قلي ا
مرحلة يتمعُدد عصبية بالنسبة له ،لكنها مهمة بالنسبة لي!
التعُليم البتدائي
بعُض صفاتي
وكتب اسمي بين عدد كبير من المرشحين للتدريب ...ويعرضت قوائم
السماء على الستاذ المرشد ،فلم يوافق على تجنيدي! وقال له المسؤول
عني ،هذا رجل مخلص! فقال له :أعرف ذلكا من قبلكا ،لكن هذا نظام
عسكري يتطلب طاعة مطلقة...
والشيخ الغزلي يعُترض على ما ل يروقه من أوامر ،ويقول لكا :ما
السبب؟ وأين الدليل؟ ثم هو ل يحسن الكتمان ،إذا سخط بدا سخطه على
وجهه ،والسرية المطلقة أساس هذا النظام!...
دعوه يكتب ويخطب وينشر الدعوة السلمية في الميدان الذي يصلح له
ول يصلح لغيره...
وغضبت عندما بلغني هذا الحوار ،وبقيت كسير الخاطر أمداا ،وإن كنت
أؤدي عملي برتابة ووفاء...
وجاءني يوماا الستاذ محمد فريد عبد الخالق ،وهو من أنضج رجال
المركز العُام ،جاءني يزورني في البيت ،ورأى على الجدار شيئا ا أثار
انتباهه ،قال :ما هذا؟ وأمسكا بإطار ساذج ،فيه صورتي بملبس التدريب
العُسكرية مثبتة في فراغ كتاب موجه لي من الستاذ المرشد العُام،
الكتاب الذي أثنى علمي فيه ودعا لي بخير!
قلت :هذا أثر أعتز به! قال :أتحب المرشد إلى هذا الحمد؟ وأجبت ببراءة:
نعُم!...
وعرفت فيما بعُد أن ناساا كانت تشككا في ولئي للدعوة وقائدها ،لني
كنت في مناسبات وجلسات مختلفة أعترض أو أرفض ما ل أسيغ...
على أن حسن البنا كان أذكى وأكبر من أن تغنيره تعُليقات المبغضين ،بيد
أن ذلكا جعُلني أحاسب نفسي فيما أقول وأنقد ،وجعُلني أحذر مغمدرات
الناس ومفترياتهم...
ترى هل نجحت في تغيير طبعُي؟ ليس كثيراا على أية حال!...
لقد مشيت وراء الرجل الذي عرفته في طريق الحق وعبادة ا ،لم يكن
حسن البنا محترف سياسة ،ول صاحب دهاء وحيل ،وإنما كان ربانيا ا
عامر القلب بذكر ا ،وبجمع الشباب والشيب في الصلوات الخاشعُة
والتلوة الباكية ،والخطابة التي ترفع مستمعُيها إلى مستوى رفيع من
الروحانية والتجرد وحب العُلم ل والذود عن دينه...
وكانت هذه المشاعر الجياشة تنقص أساتذتنا في كلية أصول الدين ،إذا
كانت الدراسة نظرية شاحبة ،تجري على اللسنة ول تتحركا بها القلوب!
بل أرى أنه من الناحية العُلمية بحاجة إلى إضافات مفيدة ،وإلى بتر أو
إيجاز موضوعات أثرية ل قيمة لها ،وربما احتاج المر إلى إعادة
تشكيلها في نظام داخلي يمتمد إشراقه على اليقظة والمنام والعُمل
والستجمام.
ل أدري كيف حصلت على شهادتي العُالية 1941؟ إنه لول عون ا ما
تم ذلكا!
ولم أكن متقدم اا في ترتيب الناجحين ،فهل أحزنني أني لم اكن من العُشرة
الوائل؟ كل! إنني ما تأخرت عن بلدة أو تقصير ،كانت الحوال التي
تكتنفني رديئة ،ل أذكر أنني ملكت كتابا ا طول السنوات الربع ،وأمنى لي
ذلكا؟
وعندما عرض علينا شرح النووي لصحيح مسلم بنصف جنيه مقسطا ا
على عشرة شهور؛ هززت رأسي بأساا ،وقلت :ما معُي يكفي للطعُمة
والملبس !...واختفيت دون أي يشعُر بي أحد!
عذر مقبول
واضطرني هذا للنصات بعُمق إلى شروح الساتذة ،وكنت استحضرت
من دكان أبي بعُض الوراق التي يتلف بها السلع ،لدنون فيها ما أرى
ضرورة تدوينه.
وربما جالست بعُض الزملء الذين يملكون كتبا ا لتثتبت من حكم أو
أستذكر ما نسيت! وكم نسيت من قضايا وحقائق!
وأورثني هذا خللا أصبحت طبعُاا ثانيا؛ صرت كالمكفوفين الذين يعُتمدون
كثير اا على ذاكرتهم !.وتعُلمت القتصاد في الوراق ،فليس هناكا مبيضة
ومسودة ،هي ورقة واحدة تلكا التي تكتب ،والتي ستقدم للمطبعُة فيما بعُد
وهذه الورقة ل يتركا فيها فراغ ،ينبغي أن يتستغل من أولها إلى
آخرها!...
حتى بعُد أن أفاء ا وباركا ،بقيت هذه الخلل تغلبني!...
ووقعُت حادثة أريد إثباتها لما فيها من عبرة! جائتني "برقية" من البلد
تطلب حضوري فوراا ،فأدركت أن خطراا داهم السرة ،وسافرت وأنا
مشتت الذهن ،واسومدت أفكاري عندما رأيت دكان أبي –عن بعُد -وهو
مغلق.
دعوة مستجابة
تح مركت قدماي بل وعي إلى البيت ،ورأيت أبي يصرخ من "مغص
كلوي" أصيب به ،والولد من حوله حيارى ،وقد أعطاه الطبيب بعُض
القراص المخ مدرة ،ولكن اللم كانت أربى وأقسى ،وقالوا :ل بد من
جراحة تستخرج ما في الكلى من حصتيات...
وفتحت الدكان ووقفت مكان أبي أعمل ،وأنا خبير بذلكا لني في أثناء
الجازة الصيفية أساعده ،ومضت عدة أيام ونحن نترموى ونتدارس ما
نصنع ...أجور الطباء فوق الطاقة ،ولو أمكن إعدادها فإن الجراحة
يومئذ غير مأمونة العُقبى ،وقد مات عام لي في جراحة مشابهة ...ماذا
نصنع؟
وحاصرني غم ثقيل ،وأخذت شخوص الشياء تتقلص أمام عيني ،وثبتت
بصيرتي على شيء واحد ،ا وحسب! وكأنما كنت أكلم الناس وأنا
حالم...
وجاء رجل يشتري بعُض الغذية ،ولما قدمتها له قال لي بصوت ضارع:
ليس معُي ثمن الن ،وأقسم بال أنه صادق ،وأنه غدا يجيء بالثمن!
ووقر في نفسي أن الرجل محرج فقلت له :خذ البضاعة وهي مني
إليكا ...وانصرف الرجل غير مصمدق ما سمع!...
ب ،نبميكا قال لنا داوواأما أنا فذهبت إلى ركن في الدكان ،وقلت :يا ر م
مرضاكم بالصدقة! فأسألكا أن تشفي أبي بهذه الصدقة!...
وجلست على الرض أبكي ،وبعُد ساعة سمعُت من يناديني من البيت –
وكان قريباا -فذهبت على عجل وقد طاش صوابي...
وفوجئت بأبي يلقاني وراء الباب يقول :نزلت هذه الحصاة مني –وكانت
ل من حبة الفول -ل أدري ما حدث ،لقد شفيت!... حصاة أكبر قلي ا
وفي صباح اليوم التالي كنت في الكلية أحضر الدروس مع الزملء!...
إن الذي يجيب المضطر إذا دعاه رحمني ورحم السرة كلها ،فله الحمد...
حول منهج الدراسة
إن المناهج العُلمية التي يقدمت لنا في كلية أصول الدين تكفي –مع
إضافات قليلة -لتكوين مدرس ناجح وداعية موفق ،غير أني أقول
بتواضع إن عرض السلم وعلومه اليوم بالسلوب نفسه الذي كان
ييعُرض به في القرن السادس أو السابع غير مفهوم ،ول دللة له على
أزمة حامدة في المواهب والعُزائم...
ول أدري ما يحدث الن في الزهر ،وإنما أشكو أن علم أصول الفقه –
وهو علم ثانوي في كليتنا -يدنرس لنا بطريقة يمخملة ،والقدر الذي قمدم لنا
من حقائقه غير كاف ،ومنهج هذا العُلم من ينابيعُه الولى متفاوت ،وما
سلكه الغزالي والمدي غير ما سلكه الشاطبي في الموافقات ،وهؤلء
لهم مسلكا يخالف من وجه مسلكا فقهاء الحناف...
وهناكا مع الصول العُامة قواعد فقهية نشأ عنها تباين وجهات النظر بين
الشافعُية والحناف ،كما أشار إلى ذلكا الزنجاني.
وبديهي أن الستبحار في هذا العُلم من اختصاص كلية الشريعُة ،ولما
كان الدعاة المسلمون يواجهون مشكلت مذهبية وفقهية فيجب أن تقدم
لهم خلصات معُقولة ،يتوسع بعُدها الدارس كيف يشاء.
والمؤسف أنه ل الكلية الصلية ،ول الكلية التابعُة يتحقق فيها ما ينبغي،
ويوشكا أن يوضع هذا العُلم في المتاحف!
وما يقال في علم أصول الفقه ،يقال في علوم السنة ،وعلم مصطلح
الحديث الذي يدرس قواعد وتعُاريف تحتاج إلى التطبيق الواسع ،ول
تساق على هذا النحو الجاف العُقيم! سمعُت أستاذ المنطق يعُنرف علم
المنطق بأنه آلة قانونية تعُصم الذهن عن الخطأ في الفكر! ورآني بعُض
الزملء مشمئزاا ،قال :ما خطبكا؟ قلت :تعُريف سخيف!
قال :وما التعُريف الصحيح عندكا؟ قلت :ماذا لو قيل :قواعد تصون العُقل
عن الخطأ في التفكير؟ بدل عبارة "آلة قانونية"؟
قال :إن الكتاب المقرر وهو "القطب على الشمسية" عليه شروح
وحواش وتقارير كثيرة ،تريد أن ندعها لقتراحكا هذا؟ دعنا من فلسفتكا!
وقال :آخر -يمزح وهو في الواقع جامد -هل هذا أيضا ا من الدعوة
السلمية؟
قلت :المعُروف عن الداعي أن يكون لديه من كل روض زهرة! وأرى أن
الدعاة الكبار قد يكونون أقدر منا لخصائيين في فنونهم الصلية ،أل ترى
أبا حامد الغزالي كتب تهافت الفلسفة فكان ييطمر من عقله الكبير على
أرسطو وجماعته ،فيكتشف مواقع القصور في نظرهم والخلل في قولهم؟
إن الدعوة السلمية ليست ثرثرة واعظ منكم؛ يزنهد في الدنيا ،إنها فكر
شاف يعُمل قبل كل شيء على ميز الخبيث من الطيب والخطأ من ك م
الصواب...
وقلت -مؤثراا عدم الشتباكا -النسان هو العُنصر الول في كل معُركة،
إنه قبل أي سلح مهما بلغ مففتكه ومبيعُد مداه...
الحق أن الزهر يحتاج إلى تجديد ثقافي وروحاني يقوم به رجال أولو
عزم...
وقد كان ذلكا مطلوباا قبل ما عراه على يد الناصريين ،فكيف بعُد ما غاض
رونقه وقاده المهازيل؟
قلت :إنني تخرجت من الكلية السنة ،1941وصحيح أن أمامي تخصصا ا
في الدعوة والرشاد ،أقضي فيه عامين حتى أنال "العُالمية مع إجازة
الدعوة والرشاد" !...بيد أن شهادتي العُالية تتيح لي أن أجد عملا
أرتزق منه ،وكنت -على فقري -جامح الرغبة في الزواج!
البحث عن وظيفة...؟
وحصول الزهري على عمل كان على عهدنا شيئا ا بعُيد المنال ،وهذا
جزء من خطة محكمة لتخريب الزهر ،وصرف الناس عن التعُليم الديني
كله...
ولح المل عندما أعلنت وزارة الوقاف عن مسابقة بين خريجي الزهر
لشغل وظائف "المامة والخطابة والتدريس" الخالية بمساجدها...
وتقدمت للمسابقة مع مئات كثيرة من "العُلماء العُاطلين" ،وكانت
تحريرية وشفوية...
وفي المتحان الشفوي وقعُت بيني وبين أعضاء اللجنة مجادلة حامدة؛
بدأت بعُمل مني كان طائشاا ...كان أحد العضاء يسألني في القرآن
الكريم ،وكنت أحفظه جيداا ،وأجبت عن كل ما سئلت عنه ،والرجل
يتابعُني في مصحف كبير أمامه ،وينتقل بي من صفحة إلى صفحة وأنا
ماض في التلوة...
ور تدني في كلمة ،فتوقفت ثم مددت بصري إلى المصحف الذي معُه ،فقال
لي بدهشة :ماذا تفعُل؟ قلت :أريد أن أستوثق هل أخطأت حقا؟ فأنا أحفظ
جيداا!...
وشتمني رئيس اللجنة -وكان الستاذ أحمد حسين أخا الدكتور طه
حسني ،وهو يومئذ مفتي الوقاف.
وجاء دور الستاذ أمين الخولي الذي طلب مني تفسير آيات قرأتها،
وأجبت فخطأني ،وذكرت رأياا آخر في التفسير فخطأني ،فقلت وأنا أضبط
ت لو أعرف الحق ،فقد ذكرت كل ما أعرف! قال :ذاكا في أعصابي :ودفد ي
قاعة الدرس ل في لجنة المتحان.
ل للشيخ أمين :لقد اعترف وتدخل مدير المساجد الشيخ سيد زهران قائ ا
الطالب بعُجزه ،فيدله على الجواب! فقال مرة أخرى :ليس هنا...
ت ،وأتحتدى إذا كان هناكا جواب آخر! فقلت بنـزق :ل جواب إل ما قل ي
وعاد الشيخ أحمد حسين إلى توبيخي ،أما الستاذ أمين الخولي فأدار
ظهره معُرضا ا عني ومنهيا ا المناقشة.
ولكن سؤالا يونجه إلي من مدير المساجد :ألق الخطبة التي أعددتها ،فقلت
اقترح أي موضوع أتحدث فيه ،وقمت فتحدثت في موضوع اقترحه
وانصرفت...
وظهرت النتيجة بعُد أسبوعين ،وكنت الخامس بين الناجحين ،وتم ذلكا
ت إماما ا وخطيبا ا ومدرسا ا بمسجد
بما يشبه خوارق العُادات! ويعنين ي
"معمزبان" بالعُتبة الخضراء ،ولم يلق هذا الحمظ أحد من زملئي معُي!
"المامة والخطابة والتدريس" هذه الوظيفة المثلثة هي التي كلفت بها
ورزقت منها صدر شبابي ،لقد كان عملي في مسجد محدود المساحة،
لكن موقعُه في قلب القاهرة ،وفي سوق تزدحم بالناس سحابة النهار
وزلفا ا من الليل...
س مرهف من الناحية الدينية! عندما يجد واعظا ا والمصريون شعُب له ح ا
جاداا ييدنرس موضوعه ،ويحسن شرحه يلتف حوله ويعُمر مسجده ،ومن
صر،
ثم لم يمض شهر حتى كان جزء كبير من ميدان العُتبة يفرش باليح ي
وتنقل له الخطبة بالمكبرات!
اكتشاف مهم
وأدركت بعُد شهر واحد أنني جاهل ،وأن حصيلتي العُلمية استنفذت خلل
أسابيع ،وأني إذا لم أجندد نفسي ،وأقع على ينابيع ثترة تمدني بالمعُرفة
افتضحت حتماا...
لقد كنت مغرور اا بعُدد من المحاضرات والدروس أجيده ،وأتنقل به في
أنحاء البلد! أما الن فأمامي منبر واحد يثوب الناس إليه من كل فمج،
وينبغي أن أقدم كل يوم درساا ،وكل أسبوع خطبة!
ت تلميذاا مرة أخرى ،وكان الكتاب الديني وغير إنني في هذا المسجد عد ي
الديني أستاذي ،وكان إذا حضر عميد كلية أصول الدين في طريقه إلى
مجلس الزهر العلى ،أحبسه لستفيد منه حلوال كثيرة لمشكلت علمية
تعُترضني...
فإذا تبرم لطول ما أحبسه أقول له في جدد :أنتم أعطيتموني الشهادة على
جهل ،فتداركوا ما فعُلتم ،يضحكا ويصبر!
في هذا المسجد وفيما تله من ميادين عمل كانت لي صفة مزدوجة ،فأنا
من رجال الخوان المسلمين ،وأنا من علماء الوزارة ،ولم أكترث أو
أشعُر بحرج ما في المزج بين الصفتين :الرسمية والشعُبية...
وانضم إلى ذلكا أني أنتسب إلى تخصص الدعوة والرشاد ،فضممفمت صفة
ثالثة ،صفة طالب يستطيع القيادة لزملئه...
قصة مضحكة
وأحكي هنا طرفة حدثت لي أول عهدي بالمامة ،كان مدير المساجد
حسن الظن بي منذ أن شاركا في اختباري ،فاستدعاني إلى مكتبه وكلفني
بالستعُداد لصلة الجمعُة بالملكا فاروق ،وامرني بإعداد الخطبة
المناسبة ،وأفهمني أن ذلكا في افتتاح مسجد بحمي "المنيل"...
وفي يوم الخميس كنت بوزارة الوقاف ،وأخذ الرجل الخطبة وراجعُها،
وذهب بها إلى قصر عابدين فأقرت ،واتصل بي من القصر تلفونيا ا يطلب
مني الستعُداد للقاء الخطبة غداا! ثم قال :وللحيطة تعُال إلمي في البيت
نذهب إلى المسجد معُاا...
وفي الصباح كنت عنده جالساا في حجرة الستقبال أنتظر دخوله بعُد ما
فتح الخادم لي...
ودخل المدير ونظر إلمي فكاد يصعُق ،وأخذ ييجمجم بكلمات لم أتبتينها وهو
يتم تيز من الغيظ! يا أستاذ تجيء للصلة بجللة الملكا في هذه الجبة
البالية وهذا الجلباب الرخيص؟
وشعُرت بحرج بالغ ،وتملكني الخجل ،ثم غلبتني طبيعُتي الضاحكة فقلت:
الجبة حسنة ،أما الجلباب فأنا ألبس ما ترتديه الشيوخ من نسيج بمراق
ل مماع ،ثم ل تنس أني ألقاكا بهذه الثياب ،وأنت والملكا سواء!...
فقال :الرسميات يا!...
وأخذ الرجل يفكر بسرعة ليخرج من هذه الورطة ،وأرسل إلى مفتش
مساجد قريب في مثل جسمي ،واستعُار منه ملبس أخرى فاخرة،
ل ،فعُلمني كيف أحافظ على وأكرهني على ارتدائها ،وكانت أطول مني قلي ا
سمتي داخلها!...
وانتهت الصلة بخير ،وكان شديد القلق إلى أن انصرف صاحب الجللة،
سمب الظروف التي عرفته بي! ويحمد ا أن تم فاقتادني إلى البيت وهو ي ي
المر بستر! وأنا أواجه هذا كله بالضحكا ،وأقول :أما من وسيلة للهرب
بهذه الملبس؟
ومع هذه الحادثة الطريفة فإن الصداقة ربطت بيني وبين المدير ،وكنت
أعاونه في بعُض القضايا العُلمية حتى مات رحمه ا...
زواج سعُيد
ومع تسلمي للعُمل الحكومي تم زواجي ،وكان الستاذ حسن البنا تدمخل
في المسألة التي بدأت معُقدة ،فإن والد الفتاة التي اخترتها كان يطمع في
زوج أغنى مني؛ إنه من قريتنا ،وإن كان موظفا ا بوزارة العُدل في
القاهرة ،وعلم أن مرتبي ستة جنيهات ،أعطي أبي نصفها تقريبا!...
لكن الستاذ المرشد أقنع الرجل بأني أفضل من غيري ،والمستقبل بيد
ا ،وسيكون خيراا...
وتزوجت ،وسألني الستاذ المرشد :ماذا فعُلت مع فلن –يعُني صهري-
فقلت له :دخلت بابنته! قال عاتبا :لمم لم تدعني وتمثل بقول الشاعر وهو
يبتسم:
وإذا تكون كريهة أ يفدمعى لها وإذا يحاس الحبس يدعى جندب!
فقلت :لم تكن هناكا وليمة! اكتفينا بأشربة حلوة ،تناولها بعُض الزملء،
وأوسع لي الرجل غرفة في بيته والحمد ل ...فدعا لنا بالبركة!...
...ونهاية!
لقد عشت مع زوجتي ثلثين سنة كأسعُد زوجين في الدنيا ،وكافأتها على
رضاها بفقري ،فأسكنتها الغرف ،وأذقتها الترف ،وجعُلتها تدوس الحرير
والذهب! وأنجبت منها تسعُاا من الولد ،استودعت ربي اثنين ،وبقي لي
سبع من الناث والذكور ،ثم فارقفت الدنيا على غير انتظار ،فبكيتها من
أعماقي ،وتمثلت بما قيل:
أما والذي أبكى وأضحكا والذي أمات وأحيا والذي أمره المر!
لقد تركتني أحسن الطير أن أرى أليفين منها ل يروعهما الدذعر!
رحمها ا أوسع رحمة ،ورفع درجتها في عليين...
فلتركا هذه الزفرة التي غلبتني ،ولعدل إلى شرخ الشباب وأيام السير
الحثيث والكدح الدؤوب...
ولكي أشرح عملي يجب أن ألقي الضوء على الحوال الجتماعية
والسياسية التي تمر بأمتنا يومئذ.
كانت الحرب العُالمية الثانية قد انتهت بنصر إنجلترا وفرنسا وأمريكا؛
ومع أن الحرب دارت رحاها وتمت معُاركها الحاسمة في أرضنا ،فقد كان
العُرب والمسلمون فيها عنصراا تافهاا...
حال المسلمين يومئذ
إن تخلفنا الحضاري والسلمي كان بعُيد المدى ،واليفرقة التي ممزقت
جماعتنا أذهبت ريحنا وأحبطت سعُينا ،وبلغ من جنون الحقد على
المستعُمر المباشر أن بعُض الشباب هتف في السكندرية تقدم يا روميل
عندما كان القائد اللماني يطارد الفلول النجليزية المبعُثرة في الصحراء!
وأنا أفهم كره العُرب لمن خلفوا إسرائيل في أرضنا -وكانت وقتئذ جنينا ا
في المخاض -لكن ماذا يفيده استبدال مستعُمر بمستعُمر؟
إن هذا التجاه العمى دليل فراغ رهيب! والذين يريدون النهوض بأمتنا
على نحو راشد ليس أمامهم إل إزالة هذا الفراغ ،وإحلل عقائدنا
ومناهجنا مكانه ،وذلكا ما كنا نصنعُه مع أستاذنا حين البنا ،وليتنا توفرنا
على هذا مكانه ،وذلكا ما كنا نصنعُه مع أستاذنا حسن البنا ،وليتنا توفرنا
على هذا وحده ،والحديث في هذا ذو شجوني ،وليس هنا مكانه!
ومع النشاط الذكي الذي قام به حسن البنا في إيقاظ القاعدة الشعُبية،
كانت في مصر أحساب صورية ،ما عدا حزب الوفد الذي كان يمثل تسعُة
أعشار المصريين في أي انتخاب حر ،أما الحزاب الخرى فتدور في فلكا
القصر الملكي ،ترتقب خلص الملكا من ممثلي الشعُب لتتولى هي الحكم
في ظل انتخابات مفتعُلة...
ومن الواجب أن ييعُرف الوضع الديني على صورته الكاملة ،إن جمهرة
المنتمين للحزاب السياسية ،الصحيحة والمزمورة ،كانوا مسلمين يسود
بينهم المفهوم الغربي لمعُنى الدين!
الدين عندهم ليس إل صلة بين المرء وربه تظهر في الصلة والخلق،
وبعُض المسالكا الخاصة! أما أنه تشريع شامل يصوغ الروابط بين
النسان والنسان ،وييملي تعُاليمه في شؤون الحكم والقتصاد فذاكا ما ل
ييدرى!
وهناكا ناس تمتردوا على الدين كله ،عقائده وشرائعُه ،وساروا وراء
ملحدة الغرب والشرق ،ل يلوون على أحد ،وكل الصنفين يضيق
بجماعة الخوان ودعوتهم ،وقد يرفضها دون مبالة ،أو يعُلن الحرب
عليها بقسوة!
ولما انتظمت في تخصص الدعوة والرشاد بكلية أصول الدين عتن لي أن
أؤلف اتحاد اا لعادة التشريع السلمي ،يزاحم التحادات الطلبية
الخرى ،ويظهر أن الرض كانت ممهدة ،فسرعان ما اكتسحنا الساحات
الخرى ،وأخذنا نوزع ألوف المنشورات لنبلغ غايتنا!
محاولة فاشلة
جمال عبدالناصر
على أية حال ،إننا نحن المسلمين نتبع دينا ا واضح المحجة ،منير النهج،
وقد أبحث لنفسي ،وأنا في مصر ،أن أدخل فيما يستمى التحاد الشتراكي،
وقررت عن طريقه أن أحاول خدمة السلم ونشر الدعوة...
لقد كان أستاذي حسن البنا يقول :أنا ل أخاف العُمل مع الشيطان ،فلينلسر
معُاا ،وسنرى من يفمر من صاحبه!
إنني سأدخل هذه الهيئة ،وسأرى هل سأنتصر بالسلم أم ل؟ وكان معُي
شيخ محممين الدين كثير الدعابة ،نتعُاون معُا ا على صنع النكتة ،إذا محمز بنا
أمر ،أو أردنا التنفيس عن متاعبنا ،قال لي يوما :أجز هذا البيت:
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما يروح إلى اتحاد الشر كفينا!
فقلت:
فيهتف للزعيم هتاف عبد يخاف السجن أو يخشى المنونا!
واستغرقنا في الضحكا ،ماذا نصنع؟ إن الفكاهة تريح العصاب أحياناا...
ودخلت التحاد الشتراكي ،وكانت تجربة شاقة ،ل عهد لي بمثلها ،فهناكا
لجنة أساسية ينتخب الجمهور أعضاءها بطريق القوائم في كل وزارة ،أو
ح مي ،أو مصنع ...إلخ؛ ثم يجتمع مندوبو اللجان الساسية في كل قسم
لينتخبوا لجنة القسم أو المركز ،ثم يجتمع مندوبو المراكز أو القسام
لينتخبوا لجنة المحافظة ،ثم تجتمع لجان المحافظات لتختار ضعُف
العضاء المطلوبين للجنة المركزية ،فييختار نصفهم لعُضوية اللجنة
المركزية ،ومن اللجنة المركزية تكون اللجنة التنفيذية التي تدير شؤون
الدولة تقريباا ،لن الوزراء منها ،أو خاضعُون لها...
ومن السهل إدراكا أن هذا التنظيم صورة لتنظيم الحزب الشيوعي في أي
بلد اشتراكي ،فالقمة تصنع القاعدة أكثر مما تصنع القاعدة القمة!...
وقد رأيت أني في المركز أشاهد أناسا ا ل أدري كيف نبتوا ،فل يكاد
يعُرفهم أحد! يمشون معُنا ليصلوا بقدرة قادر إلى مستوى المحافظة ،ثم
يتم تصعُيدهم إلى اللجنة المركزية ،بطريق الختيار الصريح من أعلى!
وشاء ا أن أصعُد في هذه لدرجات مستوى بعُد مستوى ،حتى بلغت
اللجنة المركزية ،فاختار المسؤولون أسماء ارتضوها ،ويرتد اسمي لنه ل
يوثق به! قلت :إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون!
وأخذت أعمل مكاني ،أحاول خدمة ديني ...كان الجو موبوءاا،
فالشيوعيون رتبوا صفوفهم لقيادة البلد ،وغيرهم بين متملق يتسكع على
أبواب الرؤساء ،أو أناني ل تحركه إل مآربه المكشوفة؛ وإذا جاء وقت
صلة فما يتحركا إل قليل...
والفكر السلمي غريب ،واتخاذه شعُاراا أغرب ،والقضايا تهبط من فوق
لتلقى التأييد ،والشيطان يذرع الساحة كلها جيئة وذهاباا...
وأذكر أننا في أحد المؤتمرات ،سمعُت المقرر يعُلن باسمنا أننا قررنا
تعُديل قوانين الحوال الشخصية!
فنهضت من مكاني صائحاا :هذا غير صحيح ،لم نقرر شيئا ا من هذا ،هذا
افتعُال ل أصل له...
وتواثب الحراس من حولي يشدونني لجلس ،ولما لم يقم أحد معُي
يرفض هذا الزيف؛ صحت:أنا منسحب من المؤتمر ،وخرجت عائداا إلى
بيتي!...
ويظهر أن هذا الموقف كان له بعُض الثر ،فقد أعيد تنظيم لجنة السرة،
ووضعُت فيها ،وكان معُنا الدكتور محمد عبد ا ماضي وكيل الزهر يوم
ذاكا ،وأمكن حجز الشر إلى حين...
لقد لمني بعُض الصالحين على قبول عضوية التحاد الشتراكي! والعُمل
في هذا الوسط الرديء ،فقلت له :أنبقى مكتوفي اليدي والغير يصنع
القرارات ،ويفاجئنا بما يهوى؟ إن السلبية ل تفيد!
قال :وماذا صنعُت أنت؟ قلت :أنا وحدي ل أعني ،إن الجبن في هذه
التنظيمات هو سيد الخلق! عندما وقفت أعترض المقرر ،كان جاري
اليمن وكيل وزارة ،والجار اليسر من كبار الشيوخ في الزهر ،ومع
ذلكا فإن كليهما فزع ،وكأنه لعُن الظروف التي قاربته مني ،إنهما يفقدان
شجاعة اليمان ،وقد فهمت لماذا كان حسن البنا حريصا ا على"التربية
الدينية الصحيحة"؟
وذكرت أني مسؤول كبير في أجهزة الدعوة ،وأني من بضع سنين أخطب
الجمعُة في الزهر ،فقررت مضاعفة الجهد ،وفتق الحيل لعُلم إسلمي
مثمر ،وقلت :تستعُد شعُبيا ا لعُودة أشمل وأسرع إلى السلم...
وعرفت أن مؤتمراا كبيراا سوف ينعُقد لمراجعُة إقرار "الميثاق الوطني"
الذي ستمضي البلد على ضوئه في السنوات القادمة...
إنني هنا أروي قصة حياتي ،ولست أؤرخ للحداث الهائلة التي تعُرضت
لها مصر ،عندما هاجمتها إسرائيل وفرنسا وإنجلترا ،ول مولد التحاد
بين مصر وسوريا ووفاة هذا التحاد ،ول الهوال التي مغلشميفت
المحبوسين والمعُتقلين من جماعة الخوان المسلمين ،ول الهتمات التي
صمدعت الكيان السلمي في القاهرة –العُاصمة الثقافية للمسلمين-
وأ مخرت ،ول أقول ،أماتت الدور التاريخي الذي تقوم به في خدمة السلم
ولمم فلوله...
إنني أيم مر بهذه الحداث كما يمر راكب القطار بمعُالم الطريق ،واقف وقفة
طويلة عندما يكون الحديث ذا شجون.
انعُقد المؤتمر الكبير ،وافتتحه الرئيس جمال عبد الناصر ،وكان يعُاونه
السيد كمال الدين حسني ،وينوب عنه في غيابه ،وكان المين العُام السيد
أنور السادات.
وبعُد العمال التمهيدية أخذ العضاء يسجلون أسماءهم طالبين التحدث
إلى الحضور ليشرحوا وجهات نظرهم ،وكنت من أوائل الذين طلبوا
الكلمة ،وقد حددت موضوعي بأناة ،وقررت البعُد عن التحندي
والسهاب!...
قلت" :أيها الخوة ،إن الشعُار الذي رفعُناه هو تحرير الوطن والمواطن،
فهل يتحقق هذا الشعُار إذا أخرجنا النجليز من أرضنا وبقيت قوانينهم،
وتقاليدهم ،ولغتهم تحتل م مجتمعُنا وتسميره؟ فيم كان الجهاد إذن؟ إذا كانت
تبعُتييتنا لهم ظاهرة ،وولؤنا لمخاتلفاتهم قائما؟
"إن التحرير الحق هو أن نحيي تراثنا ،ونقندم لغتنا وأدبنا ،ونننفذ
شريعُتنا،وننبذ هذه القوانين التي وضعُها المستعُمرون لنا ،وسلخونا بها
عن ديننا وتاريخنا!
"ولننظر إلى مصلحتنا الجتماعية موازنين بين الربح والخسارة! آلف
من جرائم القتل تقع ،والذين يعُاقبون بالعدام نفر قليل ،ويحكم على
الكثرين بالسجن ،ثم تمر العوام ،ويخرج السجين القاتل ،ويرى النسان
قاتل أبيه أو أخيه في الطريق فيقتله أخاذ بالثأر!
"أيكفي في علج هذه الحال تكليف بعُض الوعاظ بمحاربة عادة الخذ
بالثأر؟ ما الذي يمنع من القصاص الذي كتبه ا لصيانة الحياة وتحقيق
صن مجتمعُنا!...العُدالة؟ فنرضى ربنا ،ونح ن
"وإني واحد من الذين يأمبون قبل جائع يسرق ليقوت نفسه أو أهله،
والشريعُة يستحيل أن تقطع هؤلء البائسين؛ لكن إذا وجدنا من يسرق
مثنى وثلث ورباع ليعُربد ،وينفق عن سفه ذات اليمين وذات الشمال،
كيف نتركه؟ لماذا ل نحمي الكسب الحلل من عدوان أولئكا المجرمين؟
إن يد اا واحدة تقطع ستقضي على العُصابات التي احترفت اللصوصية!"
ومضيت في شرح الحقائق السلمية الضائعُة ،مطالبا ا بعُودة المجتمع
إليها ...وبعُد ربع ساعة تكلمت عن "الملبس" في أقل من ثلث دقائق
مطالبا ا بتوحيد الزني للرجال ،وتوحيده كذلكا للنساء خصوصا ا الطالبات...
ت مواصفات سهلة :أن يكون رخيص السعُر ،وأن يكون من ووضعُ ي
النتاج الوطني ،وأن يلبسه الرئيس والوزراء ،ويعُد اللباس الرسمي في
كل ديوان أو حفل!
وبالنسبة للنساء يكون ساتراا للجسم كله ما عدا الوجه والكفين ،قلت:
ولعُل أقرب مثل له زدي الراهبات المسيحيات أو الفلحات المصريات!...
وكنت في حديثي سهل العُبارة ،ممتوندداا إلى الجمع الذي يزيد على القل،
وكنت قبل الحديث قد دعوت ا أن يلهمني الرشد ،وأن يفتح لي
القلوب!...
ويظهر أن ا استجاب لي ،فإن كلمتي –وإن عمدها البعُض شرحا ا ماكراا
لدعوة الخوان المسلمين -بلغت أعماق النفوس ،ولقيت ترحابا ا واضحا ا
وتصفيقا ا شديداا...
وكان بين أعضاء المؤتمر سبعُون شيوعياا ،أفزعهم هذا الجو السلمي،
وزاد من ضيقهم أن جماعات ضخمة كانت تردي الصلوات في الوقات،
وتتحدث عن ضرورة التمسكا بالسلم.
وقد اتفقت كلمتهم على توجيه ضربة سيئة لي توقف نشاطي ،فأوعزوا
إلى الرسام الهزلي صلح جاهين أل يدع الكلمة التي ألقيتها تممر دون
تعُليق ساخر يفقدها قيمتها!
وظهرت صحيفة الهرام في اليوم التالي ،وقد صورتني عاري الرأس
ساقط العُمامة على الرض ،لن قوانين الجاذبية شمدتها ،وفق التطور
العُلممي!
ونظرت إلى الصورة وقد تملكني الغضب ،فإن العُمامة ليست لباسا ا خاصا ا
بي ،وإنما هي رمز العُلماء المسلمين! والرسام الشيوعي يريد اليحاء
بأن القوانين العُلمية ستعُصف بالسلم!...
ورئيس تحرير الهرام ،فيما علمت ،له دور في وضع الميثاق ،وصلت
الميثاق بالسلم خافية أو حائلة...
قلت في نفسي :بدأ الهجوم! إنه بدأ في الهرام واستمر في الكلمات التي
تتابعُت بالرمد علمي من شيوعيين آخرين داخل المؤتمر نفسه...
وطلبت التعُقيب على ما ونجه إلتي من تساؤلت وتهم ،ويأعطي ي
ت الكلمة،
فقسمتها شطرين...
"الول :هل لعضاء المؤتمر حرية الكلم دون أن تهينهم الصحف أم
ل...؟ إن كان كل عضو هنا له حق عرض رأيه ،فهل هذا الحق مصون،
أم أنه ما يكاد يتكلم حتى يناوشه النباح من هنا ومن هناكا؟
إنني أتركا لعضاء المؤتمر أن يتخذوا قراراهم في هذا الموضوع
المهم...
الثاني :لقد عرضت حقائق إسلمية كثيرة ،عجز أعداء السلم عن
مناقشتها ،وأخذوا يوجهون سهامهم إلى قضية الملبس وحدها ،وإلى
ملبس النساء بالذات! فهل المطالبة بالحتشام جريمة أو خروج عن
القانون؟"
ثم شرحت موقف السلم من المرأة ،وبمينت أخطار فصل قضية المرأة
عن الدين ،ثم حملت حملة شعُواء على الباحيين وفاقدي الشعُور الديني
في بلدنا...
واقتربت مرة أخرى من نفوس العضاء الذين تضاعف حماسهم
ي!للسلم ،وظهر أن اتجاههم إلى تحكيمه قو م
ول بد أن أقول هنا :إني وجدت تجاوبا ا وترحابا ا من السيد كمال الدين
حسني ،على حين كان غيره من المسؤولين يكاد يتميز من الغيظ!...
لكني طالعُت الصحف في اليوم التالي ،فوجدت عدوى الضلل قد انتقلت
إلى بقية الجرائد والمجلت ،وأن الحملة علمي اتسمت بالحدة والقسوة!
وتحركا الشيوعيون داخل المؤتمر مرة أخرى ،وسمعُت هجاء كثيراا،
وتكلمت امرأة كانت وزيرة للشؤون الجتماعية فوصفتني بما أضحكني!
ولم أتابعُها لني وجديتها تلغو بما ل يساوي سماعه!
إن حتدة عاطفتي تسيء إلمي كثيراا ،وقد حزنت لني أصبحت مادة لكتاب
تافهين ،وتيقظت في دمي غرائز القتال ،فشرعت أهاجم بضراوة،
وأتحدث عن كبار وصغار باحتقار ،وأرسل إلمي بعُض المسؤولين يطلب
مني التحدفظ...
وشاء ا أن يشعُر أعضاء المؤتمر بأنهم أهينوا في شخصي ،فكتبوا
لسكت هذا طلبا ا للرئيس عبد الناصر أن يأعطي الكلمة مرة ثالثة ي
الضجيج...
حمل الطلب بعُض العضاء من الصعُيد ،وممروا به بين الصفوف ليأخذوا
إمضاء أكبر عدد من الحضور ،فإذا المئات يوافقون ،وأحس الرئيس
جمال عبد الناصر بالحركة ،وكان متيقظا ا لكل ما يحدث ،وجاءه الطلب،
ولم أعرف الرأي في قبوله!
وأخذ العضاء استراحة نحو نصف ساعة ،ثم عادوا إلى مقاعدهم ،وكنت
يائس اا من أن أتكلم مرة ثالثة ،فاخترت أن أجلس في مؤخرة الصفوف...
وعندما التأم شمل الجلسة لحظت أن الرئيس انصرف!
كنت أسترجع الماضي القريب! إنه من بضع سنين فقط كان رؤساء
التحرير الذين سخروا صحفهم لشتمي من رجال القصر الملكي ،وبغتة
ركبوا عربة هذا النقلب المشؤوم ،وزعموا أنفسهم طلئع الحرية!...
وافتتح أنور السادات الجلسة ،وقال :هناكا طلب وقعُه كثيرون بأن يعُود
الشيخ الغزالي إلى المنصة ،فتعُالى التصفيق ،وغلبت صيحات الموافقة
كل شيء! فقال السادات في هدوء :ليحضر العُضو المحترم ،وليتكلم!...
كنت بعُيداا لني في آخر صف ،ولما دموى التصفيق تذكرت كلمة لبي
ت غير يوسف الفقيه الحنفي :أيها الناس ،أريدوا ا بعُملكم ،فوا ما أرد ي
ت الوقفة ت رأسي ،وتذكرت ربي ،وقلت :أجعُفل ي ا بعُمل إل يخذلت ،فطأطأ ي
له ،فما أحب الخذلن ،وإذا غترني هذا التصفيق المتتابع محمبط عملي ،حتى
لو نجحت في كلمتي وأعجبت هؤلء الخوة ،فل قيمة لي بعُد أن خسرت
وجه ا!...
ل :أهي جريمة ل تغتفر أن أقف إلى جانب وبدأت الحديث مع إخواني قائ ا
السلم ،وأن أشرح بعُض تعُاليمه؟ هل الحرية تكمفل لكل من أراد نصرة
مبدأ ما؛ فإذا انتهى المر إلى السلم فل حرية!...
"أين كانت أصوات الشاغبين علمي وأنا أحامي عن المستضعُفين ،أنشيد
لهم الكرامة ،وعن الفقراء أتطملب له من القوت ،أين كان هؤلء يوم أملفت
كتابي السلم والستبداد السياسي ،في ظل أزمات عصيبة أوقعُها القصر
بالشعُب!...
إنني لم أسمع لواحد من هؤلء الشجعُان صوتا ،ولم أر لهم أثراا!...
لقد اعتقلت عاما ا في الطور وهم يلهون ويلعُبون!
الن نتحدث عن السلم يستباح بهذا السلوب؟
يا عجب اا ،إنه عندما كان الملكا فاروق يبحث عن الشهوات كان أولئكا
المهاجمون لي من رجال الصحافة يشتغلون قموادين للملكا الماجن!"
وانطلقت بعُد ذلكا أتناول موضوع النـزاع ،ول أدري ما قلت بدقة ...وإنما
الذي أذكره أن الرئيس السادات حاول ثفنمي زمامي ،وتذكيري بأني
تجاوزت الوقت ،فرفضت السماع له ،وشفيت مما نالني ونال المؤمنين
معُي...
وفي اليوم التالي ،وكان يوم جمعُة ،نشرت الهرام عشر صور هزلية في
صفحة كانت فيما يبدو مخصصة للنيل مني ،ولكني هذه المرة لم أكترث
لهذا الهزل ،ولم أعتبر نفسي مهزوما...
ت خطبة الجمعُة في الزهر مختاراا لها موضوعا ا أبعُد ما يكون عن وألقي ي
قضية الساعة ،وأحسست أن الزحام شديد جداا ،وبعُد الصلة سكنت
مكاني دقيقة واحدة ،انفجر المسجد المكتظ بعُدها بصياح اختلط فيه
التكبير بالبكاء وبالهتاف ،ورأيتني محموال فوق الرؤوس ،ل أعرف ما
أصنع!...
وحاولت المساكا بأي عمود يلقاني من أعمدة المسجد ،وهيهات! فلما
اقتربنا بعُد لي من الباب بذلت جهد اليأس في المساكا به ،وأعانني
رجال الشرطة على النـزول بالرض والحتماء بإدارة الزهر ،وكان
المصلون في المسجد يزيدون على عشرين ألفا ،انضم إليهم مثلهم من
مسجد الحسين والمساجد القريبة ،وانطلقت المظاهرة إلى جريدة الهرام
لتحرقها ،وكلما قاربت هدفها تضاعف عددها ،ولكن رجال الشرطة
استدعوا نجدات كثيفة لحماية الجريدة ،فدامر الجمهور حول نفسه في
غضب رهيب ،وقال كبير في الداخلية :لو كانت هذه المظاهرة منظمة أو
مدبرة لحرقت القاهرة!...
عندما أقبل صباح الغد علمنا أن المظاهرات لم تكن مقصورة على القاهرة
وحدها ،بل إن بعُض عواصم القاليم تحركت فيها الجماهير مناصرة
للسلم ،وناقمة على النيل من علمائه...
ولذلكا قرأنا ونحن نضحكا ما كتبه الستاذ محمد حسنين هيكل يوم
السبت ،من أن الشيخ الغزالي ستير لفيفا ا من تلمذته لتهاجم الهرام!
إن الحشود التي سارت صوب الصحيفة المتجمنية ،فوق المائة ألف ،فهل
أولئكا جميعُاا تلمذتي الذين أوعزت إليهم بما حدث؟
إن أمتنا تحب دينها ،وتريد أن تحيا وتحكم وتوتجه به وحده! وقد مرمبت
ثقتنا في أنفسنا عندما استأنفنا جلسات المؤتمر ،ولم نكترث لما كان يلوح
على وجه جمال والسادات من ضيق مكتوم!
ولما تقرر تأليف لجنة لوضع التقرير المطلوب عن الميثاق المقترح،
همس يت في أذن الشيخ سيد سابق أن العُمل الحقيقي قد بدأن فإن المهم أن
يوضع تقرير تبرز فيه الصبغة السلمية لمصر ،ويخسر هذا التيار
اليساري المنكور...
والواقع أن الجهاد المضني بذل في لجنة التقرير ،واستمات فيه الشيخ
سيد سابق ،مع عدد من أولي الخلص والغيرة ،وأمكنهم تقليم أظافر
الشيوعيين ،ووضع التقرير المطلوب...
ى ،لول ومن النصاف أن نوضح هنا أن عملنا كله كان سيذهب سد ا
صلبة الرجل المؤمن الصبور كمال الدين حسني ،فقد أبى المداهنة
والعُبث ،ووفر الحرية كاملة للعضاء ،وهم ل يبغون بالسلم بدي ا
ل...
ولذلكا انمحت الميوعة العُقائدية التي تجعُل الميثاق المقترح يصلح كما
قلنا لدول أوربا الشرقية ،ويجعُل الشعُب المصري مبتوت الصلة بدينه
وشعُائره...
وأثبتنا أننا على السلم نبمين ،ومنه نستمد ،وجعُلنا التقرير المحتفي
بكتاب ا مهيمناا على ما سواه ،ول بد من طبعُه مع الميثاق ليكون جزءاا
متمما ا له!
وقرء التقرير ،ونال موافقة شبه إجماعية! ولم تكن هذه النتيجة متوقعُة،
ولم يرض عنها جمال عبد الناصر!...
وألحق أن الخصومة التي وقعُت بين كمال الدين حسين وجمال عبد
الناصر بدأت من ذلكا اليوم ،واتسعُت الهتوة على منر اليام ،حتى يأبعُد
الرجل الذي استمسكا بدينه ،ويدنمرت حياته المادية ،وعاش بعُيداا عن
أسباب السلطة!
لو يجد جمال صعُوبة في طمي التقرير وإهمال إرادة المؤتمر ،وفرض ما
يريده هو على المصريين!...
أما أنور السادات فهو صوت سيده! كان أقل م وأذلم من أن ينأى عن هوى
زعيمه قيد أنملة! بل كان معُروفا ا بأنه الرجل الذي ييسملي وييسنري،
ويسارع في مرضاة سيده!
وعدت إلى عملي بوزارة الوقاف ،وقلبي مستريح لما بذلت ،وإن كنت
محزونا ا لما تمم!
شيء ثمين استفدته من هذه المعُركة ،أن الدعايات التي كانت يقوم بها
بعُض الخوان ضدي توقفت ،وخرست اللسنة التي استمرأت عرضي
حين اا من الدهر !...ول أكتم أني كنت أهتاج إذا سمعُت من يقول :انضمم
ض من الدنيا!إلى الحكومة أو باع دينه بمعُر ل
ول أزال أرى أن معُاصي القلوب تفتكا بإيمان بعُض المنتمين إلى الدين!
وأن التماسهم للبرآء العُيب أمر يبطل طاعتهم!...
وما أبرئ نفسي من التقصير ،وإني لعلم فقري المدقع إلى غفران ا،
ولكني بعُيد عما أشاعوه عني ،وشاء ا في مواطن كثيرة أن يكشف
كذبه من حيث ل أدري!
ولم يلحقني ضار عاجل من موقفي في المؤتمر ،ويبدوا أن القوم أمكر من
ذلكا ،فقد تربصوا بي عدة شهور ،ثم جاء وزير هبط بي من مدير
للمساجد إلى مفتش بها ،أي رجع بي القهقري خمسة عشر عاما ا في سملم
الوظائف ،ونقلني من مكتبي الخاص إلى مكتب به بعُض الموظفين
والموظفات!
ي موللمي وزارة الوقاف ،قبل هذه وأجدني هنا مسوقا ا إلى ذكر رجل عسكر م
الحداث بسنين ،هو أحمد عبد ا طعُيمة ،لم أر مثله حبا ا في الخير،
ورغبة في خدمة السلم ،وحماسا ا في فتح المساجد ،ودعم الدعوة،
وتذليل العُقبات أمامها...
جئته يوما –وأنا معُتقز بتقويته لي -وقلت له :قمت بعُمل ل في المحملة
الكبرى ل يجيزه القانون ،ولكني ثقة فيكا ،واطمئنانا ا إلى عونكا فعُلته!
قال مبتسماا :ماذا فعُلت؟
قلت :وجدت الكنيسة التي تقع أمام مسجد أبي الفضل الوزيري ،يعُاد
تشييدها ،ورفع أبراجها ،وتجديد معُالمها ،وبدا المسجد أمامها قزما،
وعلمت أن أرض الوقاف حول المسجد سوف تباع بالمزاد ،وقد يشتريها
إخواننا القباط ويتم حصار المسجد ،فأمرت الهالي بالستيلء عليها
وتوسيع المسجد فوقها ،وأثبدت ذلكا في دفتر الحوال ،وكلفت مدير
المساجد بمتابعُة التنفيذ وتلقي التبرعات لتجديد المسجد على النحو
المعُقول!
فأطال الرجل النظر في وجهي وسأل :باسم ممفن لممن الواقفين يكون هذا
العُقار المراد ضمه إلى المسجد؟ قلت :ل أدري! قال :ابحث على عجل
وتعُال إلمي...
ضتم إلى المسجد ضما ا قانونيا ا ولم يمض غير أسبوع حتى كان العُقار قد ا
وصدرت الوامر بجعُل مسجد الوزيري مسجداا نموذجياا ...وتتم ذلكا كله
بفضل ا...
وكوفئ الوزير الغيور على السلم بإخراجه من الوزارة ،وإرساله سفيراا
إلى أمريكا الجنوبية...
ي الشجاع من الوزارة تذكرت قول الشاعر: وعندما خرج الرجل القو د
إن المير هو الذي يضحي أميراا يوم عزله!
إن ضاع سلطان الول ية لم يضع سلطان فضله!
وربما نسي الناس كفاح هذا الرجل ،لكن ا ل ينسى عمل عامل!...
م ترت بي هذه الذكرى وأنا أنزوي في مكتبي المتواضع بالوزارة ،بعُد ما
نـزل بي من ظلم ،ثم انضتم إلي ذلكا أني يمنعُت من الخطابة في الجامع
الزهر! فقلت :ل داعي للعُطلة ،فلتفمرغ للتأليف...
أتمفم يت في هذه العُزلة ثلثة كتب :الجانب العُاطفي من السلم ،ومعُركة
المصحف ،ودفاع عن العُقيدة والشريعُة ضد مطاعن المستشرقين،
ووجدت من جميع العُاملين بالوزارة معُاونة تامة في العُمل الصغير الذي
ت به ،وإحساسا ا بالغضب المكتوم لما حل ت بي من غمط... كملف ي
غير أن مصيبة لم تكن متوقعُة هبطت علمي ففمزعتني!...
أبلغني الناشر أن الشرطة تحفظت على ثلثة كتب كانت في المطابع يعُاد
طبعُها ،بعُد نفاد طبعُاتها الولى هي :مع ا والتعُصب والتسامح ،أما
كفاح دين فقد نقل إلى الداخلية ،وتمت مصادرته!...
وشيء آخر حدث ،أبلغني أصدقائي أن حظراا صدر يقضي ألم أظهر في
الذاعات كلها مسموعة أو مرئية ،فإذا انضمم ذلكا كله بعُضه إلى بعُض،
فالقصد واضح ،هو تجميدي ماديا ا وأدبياا ،وضرب حصار خانق حولي!...
والمقلق في هذا الوضع أني كنت بدأت بناء مسكن لي في الجيزة،
فوسأضطر لعُدم الوفاء بما التزمت به! ثم إن نفقاتي أنا ستقل م بعُد أن ج م
أغلب المنابع!
وأنـزلت بال حاجتي ،وكتمت مخاوفي في أعماقي ،ولم متمزل ابتسامتي
عن فمي أمام أهلي وأصدقائي ،وكلت يوم يمر يتناقص معُه رصيدي،
ويتسلل القلق إلى فؤادي ،بيد أني أعلل النفس بالمل ،وأرقب من ا
الفرج...
وذهب الوزير الذي آذاني ،وجاء آخر ،لم يلبث غير قليل حتى أرسل إلمي،
فصعُدت إلى مكتبه ،قال لي باقتضاب :دولة الكويت أرسلت تطلبكا لتقضي
شهر رمضان بها في الدعوة والوعظ! ألديكا مانع؟ قلت :ل ،فأمر باتخاذ
إجراءات السفر!
عدت من الكويت ،وقد قضيت شهراا مباركاا ،أبيح لي فيه ما كان محظوراا
عل مي في القاهرة ،حاضرت في المساجد الكبرى ،وتحدثت إلى أمهات
الصحف ،وسجلت دروساا كثيرة في التلفاز ،والذاعة ،وتعُاقدت مع
الناشرين على طبع عشرة كتب من مؤلفاتي!
ماذا كان على القاهرة لو وسعُتني كما وسعُت الشيوعيين والملحدين من
كل لون...؟
إنني أحتقر من أقصى القلب ناساا يتشدقون بالحرية العُقلنية ،فإذا تحدث
الربانيون الدارسون ،وشرعت الجماهير تتدافع إلى ساحتهم ،جمفت
حلوقهم من الذعر والهلع ،وتنادوا فيما بينهم :امنعُوا فلنا ا وفلنا ا من
الكلم ،وحولوا بين الناس وبينهم حتى ل يسمعُوا منهم حجة...
ثم رجعُوا في صفاقة نادرة يقولون :الحرية ،التقدمية ،العُلمانية ...إلخ!
كأن الحرية لهم وحدهم ،والسجون والمنافي لخصومهم في الرأي...
عدت من الكويت ،وكنت قبل سفري شديد الوجل من الزمات الزاحفة
علمي ،وكنت أحفظ حديثاا عن رمضان أنه شهر "يزاد رزق المؤمن فيه"،
فس ترني أن جعُلني ربي في عداد أولئكا المؤمنين المعُانين ،ووفي ي
ت
صادي ما ألفوا نيله مني ،لو يشعُر ذو سلطة بالتزاماتي كلها ،ومنحت ق م
أني محتاج إلى بابه ،فلله الحمد والممنة...
واستدعاني السيد حسين الشافعُي ،وفهمت منه أني أستطيع أن أخطب
الجمعُة ،واختار لي وكيل الوزارة مسجد عمر مكرم بميدان التحرير،
وذهبت إلى المسجد ،وبدأت أؤدي فيه واجبي ،وما أن علم الناس أني
أخطب هناكا حتى تدفقوا ألوفاا على المسجد والميدان المحيط به!...
وتكرر اعتراض الداخلية على ظهوري مرة أخرى ،وهمس في أذني
الستاذ القرماني وكيل الوزارة ،أن أدع الخطابة من تلقاء نفسي بدل أن
أحرج السيد حسين الشافعُي مع الوزارة المسؤولة عن المن!
فكتبت اعتذاراا عن أداء الخطبة ،وتوفرت على الكتابة –وهي هواي
الصيل،ورأيت أن أحاضر في المساجد الهلية ،والندية العُامة ،وأن
أعمل مع العُاملين على تقوية الروح الديني ،ونشر الثقافة السلمية،
ومطاردة النحراف الفكري والخلقي ،وشعُرت بفطرة المؤمن أن هذا
التنقل أفاد ،وأن جيشاا من أهل اليمان استطاع أن يثب بالدعوة إلى
المام ،فهل يتركا السلم يتحركا وحده؟ كل ،لقد وقع ما ليس في
الحسبان!
س أعداء السلم أن المصريين متمسكون بدينهم ،راغبون في إعلء أح م
شعُائره ،وإحياء شرائعُه ،وأنهم تحت وطأة القمع ينكمشون ،ثم سرعان
ما يفيقون وييسمع جؤارهم بضرورة العُودة إلى الدين!...
وكانت مصر في أوائل الستينيات تتجه نحو الشيوعية وتطبق أوامر
صارمة ضد الغنياء عموماا ،وذهب جمال عبد الناصر إلى "موسكو"،
وهناكا قيل له :إن تركا الجماعات السلمية خصوصا ا الخوان المسلمين
ينشطون على هذا النحو ،سوف يدممر مستقبل الشتراكية ،فأسرع جمال
–وهو ل يزال في موسكو -بإعلن الحرب على الخوان ،وإنذارهم بالويل
والثبور!...
وكان الشعُار الذي تحركت تحته عساكر السلطة هو محاربة الرهاب!
والمرء يدهش للتوافق التام بين منطق الفراعنة في العُصر القديم
والحديث!...
إن موسى لما بعُثه ا نبيا ا قال لرمسيس -فرعون مصر السابق:-
﴿مفأ مفرلسلف مممعُمنا مبلني إلفسرائيل م مول يتمعُنذفبيهفم ﴾َ )طـه!(47 :
ضمنا لبلسفحلرمكافكان جوابه بعُد أن رأى المعُجزات﴿ :أملجفئمتمنا لليتفخلرمجمنا لمفن أمفر ل
سى﴾َ )طـه.(57: ميا يمو م
إن موسى يقول له :ابق وحدكا في أرضكا ...وأرسل معُنا هؤلء الذين
ضقت بهم! فيكون الرمد :أتريد إخراجنا من أرضنا؟ ويمضي فرعون في ل
ف أمفن ييمبندل م
سى موفلميفديع مرتبيه إلنني أممخا ي قلب الحقائق ،فيقول﴿ :مذيرولني أمفقيتلف يمو م
سامد﴾َ )غافر!(26: ض افلمف م لديمنيكفم أمفو أمفن ييفظلهمر لفي افلمفر ل
فرعون خائف من أن موسى يفسد في الرض!
على هذا العُوج في اختلق الدتهم ،والتماس العُيب للبرياء ،قيل في دعاة
السلم إنهم إرهابيون!
ترى ،لو قال هؤلء الرهابيون لصحاب السلطة :اقتلونا ،ونحن بذلكا
راضون ،على شرط أن تتركوا السلم يحكم أمته وييسميرها في كل ميدان!
أيرضون؟ ...كل ،لن الحرب ضد السلم ذاته!
وفي سبيل ضرب السلم ضربة تشنرد القريب والبعُيد ،اعيتقل في ليلة
ت أنا واحداا واحدة ثمانية عشر ألفا ا من العُاملين في الحقل السلمي ،وكن ي
من هذه اللف!
وقبل أن أصف أحداث هذه الليلة ،أريد أن أذكر السبب المباشر الذي أتدى
إلى اعتقالي ،وزنجي في سجن "طرة"...
يطلبت إلى الذاعة ،فلما ذهبت وجدت عدداا من الشيوخ والخوان
القدمين .وكانت التعُليقات محددة :إن الرئيس أمر بنشر مساوئ
الرهابيين ،وتحذير المة من الثقة بهم أو التعُاون معُهم ،ويجب أن تقوم
بهذا الواجب الوطني على عجل!
ت فوق كرستي ضائقاا ،ولحظ ذلكا المشرفون على البرنامج متممفلممل ي
فتجاهلوني ،ثم كلفوني –بوصفي مفصوال من الخوان -أن أبدأ التسجيل!
كان جوابي حاسماا :أنا على استعُداد للحديث عن السلم ،وضرورة
إحياء ما مات من أحكامه! ومستعُد لرشاد المخطئين ،حكاما ا كانوا أو
محكومين ،لصلح ما يكون قد بدر منهم من خطأ ،أمما شتم الخوان
وحدهم ،فليس من خلقي أن أجهز على جريح!...
ت :إذاقيل :إنهم فصلوكا من جماعتهم؟ فلماذا يتبقي عليهم؟ قل ي
استضعُفوني أيام قوتهم ،فلن أستضعُفهم أيام حريتي!...
وما هي إل ساعات حتى كانت القيود في يدي!
ت ،ودخلوا جاءت الشرطة بعُد منتصف الليل بساعة ،وطرقت الباب ففتح ي
يديرون عيونهم في أرجاء المكان ،ثم أفهموني بأدب أن أجيء معُهم!
وعرفت الوضع ،وكانت إحدى بناتي قد استيقظت ،فصاحت :بابا،
فأمسكتها بلطف ،وقلت لها :ل تخافي ،سأعود بسرعة إن شاء ا ،وقلت
لزوجتي :أعدي حقيبة فيها عدد من الثياب...
وانطلقت السيارة بنا إلى سجن طرة...
نظر الضابط إل مي نظرة سيئة ،ثم أمرني أن أخلع ملبسي وأرتدي ملبس
ب؟
السجن فاستجبت ،ثم نظر مرة أخرى وصاح بغضب :في رجلكا جور ق
ممنوع! فخلعُت الجورب ،واقتادني اثنان من الجنود إلى "الزنزانة"
المعُتدة لي ،وأرياني داخلها ،على ضوء خافت" ،جردلفين" :أحدهما
لقضاء الحاجة ،والخر غطاء! ثم أوصدا الباب وتركاني وحدي في ظلمة
يضيئها جو السماء من خلل يكتوة في السقف...
كأنما حدث كله مباغتة بعُيدة التصدور! فبقيت مكاني أفكر كيف سأحيا
هنا؟ وعلى أي نحو وهل سأعذب كثيرا؟ وبينما أنا في استغراقي سمعُت
ت حذائي في سراويل أذان الفجر ،فصليت إلى ما ظننت أنه قبلة ،ولمففف ي
معُي ،وجعُلته وسادة ،واستغرقت في النوم ،بعُد أن قلت لربي :جعُلت
زمامي في يدكا ،آمنت بكا وتوكلت عليكا" ،رب اغفر وارحم وأنت خير
الراحمين" ،لن أفكر في أسرتي أبداا فهي في ودائعُكا ،اخلفني في أهلي
سبات عميق!بخير !...ثم رحت في ي
ت مع مطلع الشمس ،فإذا خنفساء إلى جواري تزحف على وصمحو ي
الرض المليئة بالحفر والشقوق ،فقلت لها ضاحكاا :متى اعتقلت أنت
سكا مني سوء... الخرى؟ امضي بسلم فلن يم م
ت قراءة القرآن الكريم ،واضعُا ا نصب عينمي أن أختمه كل أربعُة وبدأ ي
أيام...
كان الكل رديئا ا جداا ،ولكنه يقيم المود مهما تقمزز المرء عند تناوله! أما
المشكلة التي خشيت منها على حياتي ،فهي البرد الذي يهبط من كموة
مفتوحة أبد اا ،لنها المنفذ الوحيد إلى الدنيا ،ففي أثناء الليل أشعُر بتيار
ت ،وأين المفر؟...يريد فتح جنبي اليمن أو اليسر كلما تقلب ي
وتضمرعت إلى السمجان بعُد أن آنست منه نظرات عطف أن يصنع لي
شيئ اا ،فأتاني بقطعُة خيش كبيرة ،جعُلتها على "السفلت" ،واتخذت
"البطانيتين" المهلهلتين غطاءاا!...
س الخوان المسجونون بمقدمي ،وكان بعُضهم يتطوع مع الموظفين وأح م
ال ترسميين في الخدمة والنظافة ،فاتفقوا على إراحتي من كنس المكان
الذي أعيش فيه ،ومن رمي فضلته بعُيداا ،وعرفت بعُيد أن الذي قام عني
بهذه المهمة مدرس بإحدى المدارس الثانوية...
في غبش الفجر يوماا ما جاء المدرس النبيل ،ومعُه أخصائي اجتماعمي
معُتقل مثله،وأخذا يؤديان عملهما! ونظرت إلى أنضر شباب مصر ييهاين
عمداا لنه مسلم! وهمزني اللم ،بيد أني تماسكت حتى انصرفا ،فوضعُت
وجهي تلقاء الجدار ،وبكيت في صمت! فلما سمعُت خفق أقدامهما
عائدين أصلحت هيئتي بسرعة ،وكملماني فرددت عليهما ،ونتم صوتي عما
بي ،فإذا هما يقولن :أكنت تبكي؟ فقلت :وا من أجلكما!
فضحكا وقال :ل تعُذيب هنا ،نحن هنا في راحة ،التعُذيب في السجن
الحربي ،وفي القلعُة ،وفي ...وذكرا أماكن أخرى ...الهوال هناكا ،أهوال
من وراء الخيال!
إنني في كتابي قذائف الحق نقلت أطرافا ا من صنوف النكال الذي نـزل
بأولئكا الشباب فهلكا ،وفقد من بقي صوابه أو سكنينته ،أو طعُم الحياة
نفسها إلى أن يلقى ا ،وذلكا كله لتنصرف المة عن دينها ،لتنسى
السلم ،وتسكت عن المناداة بكتابه وسنته!
ومع المحن السود التي ممرت بالعُاملين لهذا الدين إمبان هزيمته؛ فإن ألوفا ا
مؤلفة من الشباب البرار ظلوا أوفياء للحق مخلصين ل ،والغريب أن
ضرب السلم وبنيه أصبح عادة مألوفة لكل وغد يملكا السلطة ،هذا يخدم
الشيوعية ،وذاكا يخدم الصليبية!
وكلتا الجبهتين تخدم اليهود ،وترى أن إسرائيل خلقت لتبقى ...وكلتاهما
تعُتمد في منهجها السياسي على عقيدة صلبة ،أما العُقيدة عندنا –وهي
السلم -فمنكورة محصورة ،يستطيع أي تافه أن يتناولها بالهمز واللمز،
ثم يمضي لشأنه كأنه لم يفعُل شيئاا!
ويع فدت من خواطري إلى الواقع الذي يحيط بي ،وتذكرت أهلي وأولدي
ت نفسي سريعُاا على هذا الضعُف ،إنني استودعتهم ا، وعزلتي ،ثم لم ي
فل معُنى للخشية ،ولقد بقيت في منفى الطور قريبا ا من عام فماذا حدث
لهم؟ وهذا فلن تركا ابنته طفلة ،ثم خرج من السجن فوجدها تزوجت،
ل ،فهل غاب ا عنها لحظة؟ كل! وعادت السكينة إنه غاب عنها طوي ا
ب على تددبر القرآن الكريم ما بقيت هنا ،وأن إلى نفسي ،وقررت أن أنك ت
ب أضع نصب عيني قول ا لنبيه﴿ :موافذيكلر افسمم مرنبمكا مومتمبتتلف إلملفيله متفبلتي ا
ل .مر د
ل﴾َ )المزمل.(9-8: ب ل إلملمه إلتل يهمو مفاتتلخفذهي مولكي اشلرلق موافلممفغلر ل
افلمم ف
وشرعت في إنفاذ خطتي العُلمية ،مستبعُداا المل في مخرج قريب! وبعُد
أن صليت العُشاء سمعُت ضجة غير معُتادة ،وانفتح الباب ،وتدملى سلكا
من الكموة فيه مصباح كهربمي ،ودخل ضابط كبير عرفت أنه رئيس
المعُتقل ،وسألني:شيخ غزالي :تطلب شيئاا؟ قلت :الملبس عندكم! فأمر
فجيئ بها! وشرعت أرتديها ،واقتادوني إلى إدارة السجن ،فشربت كوبا ا
من الماء لول مرة من عشرة أيام في إناء زجاجي! ثم نقلتني سيارة إلى
وزارة الداخلية ،فقلت في نفسي :الن يبدأ التحقيق...
ووقفت أمام ضابط جالس في ركن الحجرة ،وقفت على بعُد منه ،وتهيأت
للسئلة ،وإذا هو يقول لي:تفضل! فنظرت حولي فلم أجد كرسيا ا أجلس
عليه!
فأعاد المر :تفضل! فقلت له :ماذا أفعُل؟ قال :تفضل عد إلى بيتكا!
فخرجت وأنا ل أصدق نفسي ول ما حولي ،وسرت قليلا بجوار الوزارة
فوجدت عمارة شاهقة مكتوبا ا عليها اسم الجللة مناراا بالكهرباء...
ا لكن كيف؟ طويت حبي في قلبي، شعُرت برغبة عميقة أن أقنبل اسم م
وأخذت سيارة إلى بيتي ،وكان منظر القاهرة غريبا ا أمام عيني ،لقد كنت
في الجمب ،والن أن على ظهر الرض ،وعلى قيد الحياة ،ما أجمل
الحرية! وما أجملها مع المن واليمان!
إذا كان ا قد فمكا إساري فليكن شكري لنعُمائه أن أسعُى في فمكا إسار
الخرين ،لقل للناس :إن ا حق ،وإن الجهاد في سبيله مضمون
الثمرات في الدنيا والخرة ،صحيح أني أهون المؤمنين عذاباا ،بيد أني
أسرعهم إلى ا كلما دهمني كرب ،ومازلت أرجو عافيته ،وأفرح بها
لنفسي ولغيري من عباد ا!...
وفيما أنا أستعُد لستئناف نشاطي ،جاء بيتي المهندس أحمد عبده
ت لستقبالهما ...فقال الشرباصي ،والشيخ أحمد حسن الباقوري ،فخمفف ي
لي الشيخ الباقوري بعُد التهنئة بالفراج :تدري من أخرجكا؟ فقلت
بصوت عالل عجل متحنمس :ا!
ب العُتزة!
وكانت اللهجة مفعُمة باليقين والتقدير لر ن
ت طويل ،احتراماا لهذا اليمان ،ثم قال المهندس الشرباصي فسامد صم ق
بلطف :حقاا إن ا وراء كل فضل ،وهناكا مفاتيح للخير ،تكون سببا ا فيه،
وهناكا من أجرى ا علىيده! قلت في استغراب! :من؟ قال :جمال عبد
الناصر ،إنه لما حضر من مؤتمر المغرب ،يبملغ بمن اعتيقلوا في غيابه،
وكنمت أحدهم ،فسأل :ماذا حدث منه؟ فلم يلق من أحد جواباا! فأمر
بإخراجكا فوراا ...فينمفذ أمره ليلا ساعة صدر!...
ي هائل في نفسي ،ثم قلت :إذن ألجم هذا الخبر لساني ،وكان له دو ا
سأذهب إلى قصر عابدين ،وأكتب شكري في سجل الزيارات ...غداا
الجمعُة ،سأؤدي واحبي بعُد غد!
ولكن يوم السبت لم يجيء حتى يألقمي القبض على زوج ابنتي الكبرى،
ويز تج به في السجون مع آخرين ،فقلت :أهذا يليق؟ علم الشكر بعُد هذا؟
لن أذهب!
وبقي صهري في السجن أربعُة أشهر ،ثم أفرج عنه،ما سئل في شيء،
ول ينسب إليه شيء!
أحسست أن العُمل للسلم مضطرب ،وأن التقوى عقبة أمام صاحبها،
تعُترض طريقه ،فل يمضي إلى المام أبدا ،وأن الكفاية الشخصية جريمة
ترشح من أصيب بها للخلف ،والستخفاء ،ومخملفت مساجد من الشبان فما
يصلي الفجر فيها إل الشيوخ الفانون!
الحكم الفردي يأبى أن يسمع من بشر هذه الكلمة:
ت معيوفا ا ل أرى لبن حرة علتي يداا يأغضي لها حين يغضب! يخلق ي
ضل رجلا له زتلة يسترها عليه ،لينمكس بها رأسه أبدا ،ويقفه أمامه إنه يف ن
عبداا ،أما ذو الكفاية الشامخ الذي يناقش طبا ا للحقيقة ويقررها غير
همياب ،فهذا ل مكان له ،ول ينبغي أن يبقى!...
العُملة السائدة هي الملق والزلفى ،ألملق والزلفى ،أما الخبرة والنـزاهة
فتلكا عاهات ل أوسمة!
وقد يفرضت هذه السياسة على كل شيء فيمصر ،وأول الميادين نصيبا ا
من هذا البلء ،الجيش ،ثم الزهر...
كنت واحد اا من الذين حاربوا القطاعيين أيام الملكا السابق ،وها أنا ذا في
عهد الثورة ،وقد ذهب القطاع القديم فماذا أرى؟
إن عبود باشا اغتنى من إنشاء شركات أسمدة ،وبواخر ،وسكر .إلخ،
فكيف اغتنى فلن ،وأصبح عضواا في مجلس الشعُب؟ قالوا :من تجارة
المخدرات!...
أكان الول عدوا للشعُب لنه اغتنى من طرق قانونية ،والخر صديقا ا
للشعُب لنه اغتنى عن طريق الحرام والملق والرشوة؟
ثم ما بال أولئكا المنفيين في الواحات والسجون النائية؟ أييكتب الشقاء
على كل امرئ منهم ،لنه قال :أريد الحكم إسلميا!
إلى متى يرسفون في قيودهم؟
تساؤلت كثيرة كانت تهجس بها نفسي ،وأنا أمشي على صراط أحدد من
السيف ،وأمدمق من الشعُرة ،كي أستبقي للدعوة وجوداا وسط هذا
الظلم!...
ثم جاءت سنة ،1967ومجمنينا الحصاد علقماا ،لكني ما فكرت قط في أن
الخزي الذي نـزل يحمل كل هذا السواد ،ويلدفنا في عالر ل أول له ول
آخر...
يا أسف اا على بلدي المحروب وأمتنا المغشوشة؛ في عشرين دقيقة فقط،
يد ممرت مطاراتنا كلها ،واحترقت طائراتنا وهي جاثمة على الرض!
ولما كان لدينا أعظم جهاز للكذب في دنيا الناس ،فقد خرج الغلم الموتجه
بجناحيه :الصحافة والذاعة يقول للناس :إننا دمرنا طائرات اليهود!...
وما هي إل أيام تعُد على الصابع ،حتى كان الجيش بين قتيل وأسير
وهارب ،ما أغنى الكذب عنه شيئاا!
غالطت نفسي يوماا ،وقلت لها :صحيح أن الحريات ل بد منها لضمان
مصالحنا المادية والدبية ،أما يمكن أن يكون تولد العُسكر الحكم ضرورة
مقبول لمواجهة إسرائيل؟ سيبنون جيشا ا قوياا ،ويوجهون مواردنا كلها
لكسب الحرب ،وهذا ميدانهم الذي تخصصوا فيه!
وجاءت الحداث تقول:إن الحكم الفردي الجائر ل يكسب معُركة أبدا! بل
الغريب أن أعظم هزائمه كانت في الميدان الذي تخصص فيه!...
إن جمال عبد الناصر لم يكسب معُركة قط ،إل المعُركة التي أدارها ضد
إخوانه ،وضد السلم ،وضد كرامات الناس!
في هذه المعُركة قدر على تخريب آلف البيوت ،وسجن اللوف من
البرياء ،واستطاع أن يدفن في أرض اليمن مائة ألف مسلم ،عدا الذين
قبلوا سمراا وعلنا في مصر!
أسقد علتي وفي الحروب نعُامة فتخاء تنفر من صفي الصافر!...
هلم برزت إلى غزالل في الوغى! بل كان قلبكا في جنامحفي طائر!...
وإن تعُجب فاعجب لجهاز لكذب الذي بقي يعُمل دون تواقف!...
قيل لنا :أتظنون أننا انهزمنا؟ كل ،إن العُدمو لم يحقق هدفه! إنه كان يريد
إسقاط جمال فخاب سعُيه!
أرأيت صفاقة أوقح من ذلكا؟
وعلمت بعُ يد أن هذا السفاف منقول عن دعايات البعُث العُربي ،بعُد
الهزيمة التي يممنمي بها هو الخر!
إن إسرائيل تدفع أضعُاف ميزانيتها بضع سنين ،كي يقع انقلب عسكري
من هذا الطراز ،في كل بلد عربي !...لنه يضاعف رقعُتها،ويؤكد
سلمتها ،ويحفظ حاضرها ومستقبلها...
وفي الزهر والوقاف أخذت الدعاية تعُمل تحت عنوان":نكسة أحد"!
بال ما صلة هزيمة 1967بما أصاب المسلمين في أحد؟
ما صلة السكارى والحشاشين ،بالصديقين والشهداء؟
ما صلة ناس لم يخسروا شبراا من أرض ،ولم يضيعُوا ساعة من الوقت
بعُد خطأ تومرط فيه تعُضهم ،فاحتشدوا على عجل ،وخرجوا يطاردون
العُدمو الذي أصاب منهم لغمرة ،ما صلة هؤلء بمن فقدوا كل شيء دون
سبب واضح إل الغفلة والسف؟
إن الدين يم نرغ في الوحل كي يرضى الحاكم الصغير عن بعُض الناس!...
الواقع أن حالة الجيش كانت رديئة ،لن أحسن الكفايات أبعُدت عنه
عمداا ،ولو تمم تحقيق نـزيه في حالة مصر كلها ،لظهر أن مصر بعُد يربع
قرن من النقلب العُسكري ،كانت تترنح من الناحية الروحية والخلقية،
والجتماعية والقتصادية...
وإذا كانت الظروف قد كشفت تخدلفنا السياسي والعُسكري ،فهي
المصادفات التي أزاحت الغطاء عن المستور.
يل ورأيي أننا تقهقرنا إلى أيام الخديوي إسماعيل ،وأن تخلفنا الحضار م
يستره ازدياد عدد السكان ،وارتفاع المقادير المستهلكة من الطعُام
والشراب...
لحظت أنا الحس الديني عند المصريين جعُلهم يرددون الهزيمة إلى
هجران الدين ومحاربة أهله! فماذا فعُل جمال عبد الناصر ليعُلن انعُطافه
إلى الدين ،وصلحه مع ا؟ انتظر أول حفل لمولد النبمي ،rفذهب إلى
مسجد الحسين ليشاركا فيه! ذهب بعُد صلة الغرب ،وانصرف قبل صلة
العُشاء!
إن الرجل انقطعُت علقته بالسلم من أمملد بعُيد ،وأظن ذلكا يرجع إلى
صداقته مع تيتو وسوكارنو ونهرو وغيرهم ،فقد حسب أن أولئكا الرهط
ب التشدبه بهم، من الرؤساء على درجة عالية من الثقافة والمكانة ،فأح ت
والنسج على منوالهم!
ولم تكن لديه حصيلة من المعُرفة واليقين تنأى به عنهم ،فألمحمد مثلهم
ليكون عظيما ا هو الخر!
ولعُل مما أعانه على مروقه شيوخ الزهر الذين ازدلفوا عنده طلب
دنيا ...ولو كان فيهم من يهاب ا لتماسكا اليمان قليلا في نفس هذا
البائس ...وحدثت بعُد الهزيمة تمثيلية الستقالة والنكول فيها ،ورأى
الناس في مجلس المة المصري منظراا ينقللم إلى القارات كلها لما يصرخ
به من دللة مهينة ،فقد وقف عضو في المجلس يرقص! لعُودة الرئيس
في استقالته!...
والعُضو الراقص يفعُل فعُلته تلكا وعشرات اللوف من جنودنا أسرى لم
يطلق سراحهم ،وآلف القتلى والجرحى يملون البيوت أحزاناا...
إن هذا العُضو ل يحسن تمثيل نفسه ول أسرته ،ولكن النظام الذي وضعُه
الحاكم الفذ الذي استكثر من هذا النوع ،وجعُله –وهو الجدير بأن ييحجمر
عليه -قمواما ا على شؤون المة!
إنه يرقص لنه سيبقى هو ،فلو جاء حكم شرعي ل زيف فيه ،لعُاد إلى
الفلحة أو إلى أي حرفة آلية يأكل منها ،وحسبه ذلكا...
إن الستبداد العمى يحتاج في سناده إلى أشخاص غير طبيعُيين يتبادل
معُهم المنفعُة ،يسترون نقصه ويتجاوز عن قصورهم ،ويتعُاونون جميعُا ا
على قيادة القافلة ...إلى الهاوية...
الحق يقال إن سوق الجهل نفقت في هذه السنوات العُجاف ،انهزمت
الرجولة والخبرة والديانة ،وتقدم مجيدوا النحناء والتزوير والستغلل!
إنني أعتبر أن جمال عبد الناصر مات سنة ،1967وإذا كان قد تأخر
سنتين عن تركا هذه الدنيا ،فإنه على أية حال وترث العُرب عاراا تسودد له
الوجوه ،ووترث اليهود نصراا لم يحلموا به يوماا ،ووترث المسلمين
ب!... مشكلت أعقد من مذمنب ال ت
ض م
مع أنور السادات
الرئيس أنور السادات
عدت من محاضرة تدريبية لئمة المساجد إلى وزارة الوقاف ،كي أنجز
العمال الدارية المطلوبة مني ،فوجدت موظف الستعُلمات ينتظرني
بصبر نافذ ،ويقول :إن الوزير انتظركا كثيراا لتذهب معُه إلى رئيس
الجمهورية ،وأوصى أن تلحق به فور مجيئكا ،فإنه وشيخ الزهر على
رأس وفد سيلقى الرئيس السادات!
وكان الموظف من الخوان ،وكان حريصا ا على ما يراه الخير ،فلما
وجدني فاتراا في الستماع إليه ،أقسم علمي أن أذهب ،وأمر سائق السيارة
أن ينطلق بي للحاق بالوفد...
إن أنور السادات لم يكن أفضل زملئه بعُد جمال عبد الناصر ،ربما كان
أقملهم ،غير أن القدار جاءت به ،برغم أنوفهم جميعُاا ،وقد قبلوه على
مضض ،وز تين لهم الرضا به أن المور ستكون في أيديهم ،أي أنه
سيكون رئيسا ا صورياا...
والحق أن الجيش كان في أيديهم ،والشرطة ،والعلم ،وكل ما يورث
القوة ،على حين كان السادات مجترداا من أي دعم! ومع ذلكا فقد انهزموا
أمامه ،وتتغذى بهم قبل أن يتعُ ت
شوا به!...
ما السبب؟ ألذكاء السادات ودهائه؟ لقائل أن يقول ذلكا! أما رأيي فهو أن
خذلن ا للقوم حرمهم من كل توفيق ،فانتحروا ،ول أقول :انتصروا!
إنهم جميعُاا اضربوا عن العُمل ظانين أن أجهزة الدولة ستتوقف!
فما توقف جهاز ،بل ظل كل شيء يدور وفق العُادة ،كما ظل جدن سليمان
مسخرين في العُلم ،يتلتقون الهوان ،وسليمان ميت!
وانتهز السادات الفرصة ،وتفاهم مع بعُض الرجال الناقمين ،واستولى
على السلطة ،وزج بخصومه في السجن جنبا ا إلى جنب مع الخوان
المسلمين...
وكان منظراا عجباا أن الذين كانوا يضربون الخوان أمس ،يتلمتقون العُذاب
معُهم اليوم!
وبعُد ما انفرد السادات بالسلطة ،هرعت الوفود للتأييد! أل ما أحقر
الحياة! وقادتني السيارة على عجل فلحقت بوفد الزهر ،وعلى رأسه
الشيخ محمد الفحام ،ووفد الوقاف وعلى رأسه الدكتور عبد العُزيز
كامل...
والواقع أن استقبال السادات بالترحاب كان صادقا ،فإن العُصابة الذاهبة
ما تركت يومداا في قلب ،وبديهي أن ميعُد الرئيس الجديد بتغيير شامل ،وأن
يينتظر منه الخير!
كنت أنا حاضر اا بجسدي ،أما فكري فهو سارح في ذكريات مضت عليها
سنون ،لكن الرئيس السادات لما وقع بصره علتي ،حمياني بتقدير خاص،
وتساءل :أين أنت...؟
وفهم الحاضرون أني موضع الرضا ،فعُاملوني باحترام أكثر! وقد فهم
السادات من الدكتور عبد العُزيز أن يضم إلى ذلكا إعطائي سلطات وكيل
الوزارة في عملي!...
قررت أن أؤدي عملي الجديد بأمانة وقوة ،وأن أننوه بصنيع الرئيس معُي
وأشكره علنية!
إن الجهود المبذولة لخدمة الدعوة في وزارة الوقاف حسنة جداا ،وقد
تعُاونت فيها قوى كثيرة ،فنحن ندرب كل إمام شهراا تقريبا ا في المدينة
الزهرية التي تعُيش فيها البعُوث السلمية...
في مبنى خاص يجتمع عشرات الئمة ،ويتلقون المحاضرات في العُلوم
التي لم يستكملوها في الزهر ،ويعُطيهم أعظم المفكرين ثمرات تجاربهم،
ويظلون في عزلتهم العُلمية هذه المدة ،ثم ينصرفون إلى وظائفهم بعُد
اختبار يفيدهم في مستقبلهم...
وهناكا نشاط علماي آخر ،ففي كل عام تجري مسابقة في عدة كتب
مختارة ،توسع أفق قارئها ،وتزيد خبرته بعُمله ،وييعُطى بعُدها جائزة
حسنة بعُدما تختبر معُلوماته...
وقد رأينا أن ننتقل نحن إلى القاليم،فنجتمع برجال الدعوة شهريا ا
لنتدارس ما ينبغي سلوكه لداء الرسالة على وجه أفضل...
سر الطلع وتقنرب المعُرفة...ورأينا إمداد المساجد بمكتبات تي ن
وقد تعُاونا مع أهل الصدق في النهوض بالدعوة ،فإن الشكليات المرعية
تقتل الحقيقة ،وتعُصف باللباب ،بيد أن أهل الصدق قليلون...
أذكر أن وكيل الوزارة كتلفني يوما ا أن أضع خطبة محترمة في تحديد
النسل ،لن المشروع موشكا على الفشل! فقلت له :إن مشكلة النفجار
السكاني في العُالم ل تحلم على حساب المسلمين وحدهم! قال :ماذا تعُني؟
قلت :التعُليمات صدرت لغيرنا أن يتكاثروا ،فل أعمل أنا على تقليل
المسلمين!
فقال في عبوس :أنت موظف ،وقد أمر الرؤساء بشيء فيجب تنفيذه!
فقلت في صرامة :أنا لست موظفاا في بيت أحد الرؤساء ،أنا وأي رئيس
موظفون في جهاز إسلمي حسيبنا فيه ا ،فأنا أرعى ربي قبل أي امرئ
آخر ،أنا ورئيس الدولة نأخذ مرتباتنا من وعاء واحد ،من مال
المسلمين ،أنا ل آخذ مرتبي من كيس أجد حتى أجعُل ولئي له من دون
ا!...
فأشاح معُرضاا ،وانصرف مغضباا ،وانصرف مغضباا ،وبعُد أيام أرسل
إل تي ،وقال :يا سيدي كتب الخطبة غيركا! قلت :ليكتب من شاء ما شاء،
أمما أنا فل أبيع ديني لحد...
إنني أكره الشيوخ الذين يسترضون الرؤساء بالفتاوى الجهلء ،إنهم
يدورون –في القاهرة وفي كل عاصمة -بذممهم ،كما يدور سائقو
سيارات الجرة بعُرباتهم ،يتلفتون:هل من راكب؟ قبحهم ا ،وقمبح من
كملفهم ،وقبل منهم!...
وفي أحد اليام جاءني صديق كثير الدعابة يقول لي:لقد وقعُت في شر
أعمالكا! أتدري أن الدكتور عبد الحليم محمود يعمين وزيراا للوقاف؟ قلت:
وأي ضير في هذا؟ قال :ألم تكتب في مجلة لواء السلم تصحيحا ا لحديث
نشره؟ قلت :بل! ولو أن امرؤاا صتحح لي خطأ بنتية حسنة ما وسعُني إل
شكره! قال:سنرى! ودخل الدكتور عبد الحليم الوزارة ،وخشيت أن أكون
بين مستقبليه حتى ل يقع ما يسوؤني!
وبعُد قليل جاءني رسول من الدكتور الوزير يطلبني ،فذهبت إليه ،فأخذني
ناحية وقال لي :إنني أريد أن أبدأ عملي في وزارة الوقاف بخدمة كتاب
ا ،فيأعللن عن مسابقة بين طلب الزهر ،وأرتب جوائز سخية لمن
يحفظون القرآن الكريم ،وأريد أن أمضي القرار الوزاري بذلكا اليوم!
ت له هذا التجاه ،وتمم إنجاز ما يبغي ،وافتتح الرجل الطيب أعماله فحمد ي
بتقديم ذلكا الخير للمسلمين! لقد كانت علقتي به حسنة ،وكان مستحيلا
في شمائل الرجال أن يضيق بتصحيح علمي قمت به...
وأرسل إل مي الدكتور عبد الحليم بعُد ذلكا ،يخبرني أنه قد وقع اختياره
عل تي ،لخطب الجمعُة في مسجد عمرو بن العُاص ،فقلت له :إنه ليس
بمسجد !...لقد تغيرت معُالمه ،فأصبح أرضا ا فضاء بين جدران بالية،
وكثيراا ما تطفح مياه المجاري في صحنه!
قال :ولهذا اخترتكا! قلت :لماذا ل أعود إلى إلقاء خطبة الجمعُة بالزهر،
وقد ظللت بضع سنين أتطوع بذلكا؟ قال :اليوم الربعُاء بعُد غد سأصلي
وراءكا في مسجد عمرو بن العُاص ،فاستعُد!
وجاء يوم الجمعُة ،وكنت في المسجد مبكراا ،لشرف على تهيئة مكان
للصلة! كانت أكوام القمامة حول المسجد تصل السقف بالرض ،وكانت
هناكا سحب من الدخان تغطس المسجد من "الفواخير" المبعُثرة إلى
جواره ،وكان صحن المسجد قطعُة من صحراء مهجورة ،يشيع فيا
التعُرج واللتواء ،ونظرت إلى المساحة الشاسعُة التي تقع بين أجنحة
المسجد المتداعية ،ثم قلت:ماذا أصنع في هذا المكان الذي تعُوي فيه
الرياح...
وص مليت مع الدكتور وألقيت خطبة عادية ،ودعا لي هو بخير! وبدأنا
الكفاح الصعُب ،فإذا المسجد يتضاعف رواده ،وبعُد أن كانوا بضع
عشرات ل تصح صلة الجمعُة بهم –في بعُض المذاهب -أصبحوا مئات،
ثم آلفا ،وقدرت وزارة الداخلية المصلين في بعُض الجمع بثلثين ألفا..
والس مر أني اهتممت بالموضوع الذي أعرضه على الناس ،وإذا تجاوزنا
المناسبات التي تفرض نفسها ،فإن التفسير الموضوعمي للقرآن الكريم
ت في أسلوب العُرض ،بالشيخ الجليل سي يكان شغلي الشاغل ،وقد تأ ت
الدكتور محمد عبد ا دراز ،في كتابه النبأ العُظيم.
والحق أن المصلين يكرهون الخطب التي ترسل للذان رنين الفراغ ،أو
التي تتضمن موضوعا ا سياسيا ا تافها...
إنني أنا استفدت مزيداا من العُلم والتدبر في كتاب ا ،والرتباط بال
سبحانه وتعُالى ،إذ كانت الخطبة ذكراا ل ،وإحياء لوامره.
والرجل الذي يرجع إليه الفضل في عمران المسجد هو السيد حمدي
عاشور الذي أمر بتنسيق الميدان حوله ،والذي أزال مصادر الدخان،
وسمخر النقلة فحملوا بعُيداا عن المسجد نحو ألف عربة من القمامة ،ثم
أملف لجنة تتولى البناء لما تهتدم ،والصيانة لما أهمل ،فإذا المسجد مثابة
للمسلمين من كل فمج ،ومدرسة يلتقي فيها الجامعُيون أساتذة وطلباا،
ويقصدها العُابدون من الوجهين القبلي والبحري...
ولما كان السيد حمدي عاشور محافظا ا للقاهرة ،فإنه يأبعُد عن منصبه من
أجل هذا الشعُور الديني الغالب!
وفي أيامي الخيرة رأى الستاذ الدكتور زكرياء البري أن يكشف الحيف
النازل بي ،وأن يجعُلني وكيل لوزارة الوقاف ،وقدر على إقناع أنور
السادات بذلكا؛ وأنا أرى أن المناصب فرص متاحة لعُمل خير كثير ،وكلما
كبر المنصب كانت دائرته أرحب في نفع المة ،وما أخشى أن أكون في
منصب ما ،ما دمت أنوي تسخيره فيما أنشئ من أجله ،والمناصب أنشئت
للنفع العُام وحده...
توسألني أحد الناس :لمن سيكون ولؤكا؟ قلت :ل بداهة! قال :وإذا يومكل م
بمدح الحكام وتسويغ سياستهم؟ قلت :ليس هذا عملي ،أنا أعمل للسلم
وحده!
قال :إنكا تعُرف السادات وتنقد سياسته! قلت :ولم أتغتير !...فمضى عني
يائساا...
ولما بدأت تسدلم عملي ،كان المر أعجل مما أتصتور ،فقد واجهني اختبار
لم أر معُه بد اا من تركا منصبي ،مع حرصي على أن أبقى فيه لخدم ربي
وديني! لقد تركته بعُد يومين اثنين على طريقة "ما سملم حتى وتدع"!
إن الرؤساء في أمتنا المحرومة يحسبون أنهم اشتروا رجلا عندما
أسندوا إليه منصباا ،وقد نظرت إلى ميدان العمال الدينية والنشطة
السلمية فوجدت أن الذي تختير الرجال في هذا الميدان كان حاذقا ا في
رمي السلم بكل مصيبة!
ب عاصفة هوجاء وما هي إل أيام حتى كان النشاط السلمي كله في مه م
تركته شذر مذر...
وقال لي أحد العُارفين بالسياسة :كان ل بد أن يقع هذا الدمار في دوائر
العُمل الديني ،فإن الرئيس السادات عاد من أميركا بغير الوجه الذي ذهب
به! قلت :كيف؟ قال :إن اليهود يطلبون أن تكون العُلقات بينهم وبين
مصر طبيعُية ،ل عداء ول جفاء!
ويقضي هذا بتغيير مفاهيم دينية وتاريخية ،وتحوير أوضاع اجتماعية
واقتصادية!...
وما دام التيار السلمدي في مصر قويا ا ناميا ا مهيمنا ا على الشباب ،ومؤثراا
في مجرى المور على النحو المشهود في مصر ،فمعُنى ذلكا كله أن
معُاهدة "مخ تيم داود" التي فصلت مصر عن العُرب قد فشلت! وأن أيام
السادات معُدودة بعُد هذا الفشل!
قلت :كأن الرجل بضرب الخوان المسلمين والجماعات السلمية يريد
توكيد وجوده ،واستبقاء حياته ،وإشعُار بين إسرئيل –ومن ورائهم
أميركا -بأنه قوي جدير يثقتهم ،قال :ذلكا ما يقصد ،وهذا سر صياحه :أنا
صاحب القرار ،أنا وحدي! أنا سأعلمكم كيف تحترمون الحكام! وهو سر
حلفه بعُد ما اعتقل رئيساا للخوان:وا لن أرحمه !...وسر تعُليقه على
حبس الشيخ الذي نمدد بكثرة استراحاته ،فقال بعُدما أمر بسجنه :إنه
مرماي في السجن كالكلب!
يقولون :إن طالب القوت ما تعُمدى ،ويبدو أن طالب الرياسة كذلكا ،يفقد
العُقل والخلق والدين وراء ما يشتهي!
كل هذا الهوان ينـزل برجال السلم لنهم يرفضون الصلح مع اليهود!...
والطريف في تلكا المأساة أنها تتم باسم الشعُب ،أي شعُب؟ لعُله الشعُب
اليهودي!
الملحظ على السادات أنه تحت عنوان كراهية العُيب ألغى الرقابة
ض الطرف عن فضائح مالية... الدارية في مصر ،وغ م
وتحت عنوان تقاليد القرية مغلشمي أحفاال راقصة يسهل فيها تقبيل النساء
وكسر التقاليد القروية والمدنية! والمعُروف أن امرأته من أسرة مالطمية
هاجرت إلى مصر أخيراا ،وقيل إنها اعتنقت السلم !...والمر عندي
موضع ريبة...
إنه رجل غريب الطوار ،ندع حسابه إلى ا...