Professional Documents
Culture Documents
الهاجس من المرأة واللعب في الملاهي
الهاجس من المرأة واللعب في الملاهي
تمنع شركات المالهي في أي مكان في الرياض وربما في المملكة ،النساء من الدخول في أي من لعبات المالهي بأمر من هيئة
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء كانت المرأة طفلة ترتدي عباءة أو كانت أم ترافق أطفالها أو عاملة ترافق طفل معوق
أو زوجة تمارس لعبة مع زوجها .باسم دين ال صلة له باإلسالم ،لكن بالسلطة التي تمنحها لها الدولة ،تمارس الهيئة قمعا ً على
النساء والعائالت تترك األسر وراءها تقف مذهولة أمام هذا المنع العبثي الذي يعكر صفو أي رحلة استمتاع ترجوها األسرة في
األماكن المحدودة للترفيه البريء المتوفرة في الرياض.
وفي حادثة تتكرر وتكررت البارحة عندما حاولت أن أركب مع أطفالي في لعبة تتطلب وجود بالغ معهما إذ بالعامل الهندي أو
البنغالي يقول لي "ما في حريم" .طبعا ً استفزني الموقف واستفزتني اللفظة واستفزتني المالهي بأجمعها .فنظرت إلى اللوحة
المقابلة للعبة وقرأتها بتمعن فلم أجد ما ينص على منع النساء من ركوب أي شيء وأن المطلوب هو أن يركب بالغ من أي طفل
تحت الساد سة ،فقلت له نفس الكالم ،وأن النص ليس فيه نص على منع المرأة ،فكنت بالطبع أرمي لمستحيل ،فالرجل ال يفهم
سوى هاتين الكلمتين لكنه فهم كيف يشير إلى مكتب المسؤول ومدير المالهي ألذهب وأتفاهم معه .كان هذا يجري تحت أنظار
أوالدي الذين راقبوا المشهد بأكمله حتى انتقلت المهمة إلى زوجي ليرافقهما وال أدري كيف ترجماه أو سيترجماه في ذاكرتهما
البريئة ،بينما أطفال آخرون يأتون وينظرون ويستمعون للحوار ويدخلون أو فتاة صغيرة ترتدي عباءة يزجر بها أن تخرج حيث
"ما في حرمة" ،وتحاول أن تسأله إن كانت تستطيع أن تركب أي لعبة أخرى ،لكنه بالطبع لم يفهم ،وقد اعتادت الطفلة على أنها
ستكون محرومة بينما األطفال الذكور يأتون ويمضون ويناظرون طويالً ليستوعبوا مشهد الطفلة ومشهدي ،أنا المرأة البالغة
العاقلة التي تقف تتجادل مع هذا العامل حول حقها في الدخول مع أطفالها ،وفي نظرتهم تعجب أو استنكار أو ال مباالة ،ال أدري.
فاتجهت إلى مكتب المدير وتحدثت إليه وسألته إن كان البالغ الذي يقصدونه في اللوحة هو الرجل فقط وأن المرأة ال تنطبق عليها
مواصفات البالغة؟ فاعتذر بأنها تعليمات الهيئة .واتضح أن الهيئة تعترض على كل لعبة سواء كانت ما يطلق عليها "الركوب أو
"Rideأو اللعبات االجتماعية على األجهزة أو التي تسمح الثنين باللعب مثل الهوكي الهوائي الذي اعترضت الهيئة على زوجين
تحرج من إيقافهما .كما اتضح أن إدارة المالهي لم تتمكن من الحديث مع المسؤولين الكبار في الهيئة ،ولم نسمع يلعبانها دون ّ
المقض للعائالت
ّ رأي الرئيس العام لهيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ في هذا األمر
في كل مكان يتوجهون إليه رغبة في اللهو البريء.
إن هذا المشهد الذي تدور أحداثه تحت ناظري األطفال يوميا ً هو ما يكرس في رأيي االستهانة واالستهتار بالمرأة بل والجرأة
عليها من قبل أي شخص ولو كان طفالً ذكراّ .فهذه هي الرسالة التي تصله من المجتمع ومن هذه التعليمات العجيبة التي ينفذها
عامل بسيط يُستقدم من آخر أصقاع األرض ليدرب على ممارسة سلطة إهانة النساء في السعودية سواء كن بالغات أو أطفال ،ال
فرق ،فهذه وظيفته .هو الدرس الذي يتعلمه الطفل عندما يلهو في مكان عام أن المكان العام ملكه وحده وليس مكانا ً لـ"لحريم"،
وبالتالي من حقه التعدي على المرأة التي تمارس حق الوجود في هذا الفضاء .قد يتعاطف الطفل مع أخته التي ستحرم من اللعب
معه ،لكنها رسالة تصل آلخرين أنهم أفضل من أخواتهم ،وأن ال قيمة للمرأة سواء كانت أخته أو أمه حيث أي شخص يمكنه أن
يتلفظ عليها "رسميا ً" .وحيث يُدرب األطفال على االستماع إلى هذه األحكام التمييزية دون استنكار حتى تتطبع مع واقعهم الذي
يطبقونه بعد ذلك في بيئتهم أيضاً.
ما منظر األم أمام أطفالها في هذا المشهد وهم يرونها تُمنع وتُهان؟ وما هي نفسية الطفلة التي ت ُمنع من المشاركة في اللهو مع
الغرات الالتي يتفتحن على تمييز يالحق
أخوتها أو أمها؟ كم نحن مهيؤون للتعامل مع اإلحباط الذي نزرعه في قلوب الفتيات ّ
جنسهن أينما اتجهن؟ هل من أهداف هذه القوانين العامة أن تدفع الناس أن تهاجر وتسافر حتى يمكنها أن تستمتع بلعبة عائلية
بسالم؟ ما هي سيكولوجية من يمنع الفتاة اللعب أو األم من مرافقة طفلها في لعبة؟ ربما أنه بحاجة لعالج نفسي .أسئلة تبحث عن
1
إجابات حقيقية تترجم عمليا ً برفع أيدي هيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن وضع قوانين/تعليمات/أنظمة ما أنزل هللا
بها من سلطان .وال أحتاج إلى االحتجاج بأن المملكة بسماحها لهيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر التمييز ضد المرأة طفلة
وبالغة ،إنما تخالف االتفاقات الدولية التي أخذتها عهدا ً على نفسها برفع كل تمييز ضد المرأة ،وال أعتقد أن منع الفتيات من
المالهي يدخل ضمن الخصوصية السعودية الدينية المبررة ،مع ضرورة إدراك أن التمييز عنف والتمييز ظلم.
2