Professional Documents
Culture Documents
عن الأدب
عن الأدب
عن الأدب
1
●المصدر :أخبار االدب
اضت جائزة نوبل في األدب رحلة طويلة تجاوزت الستة عشر عاما بعد
المئة األولي ،ومرت خاللها بالعديد من المنعرجات الخطيرة التي يمكن أن
تعصف بها ،وواجهت عشرات التحديات ،وكان أصعبها ما تعلق بالتحيز
والعنصرية لفئات ضد أخري ،والتي حاولت أن تتفاداها قدر المستطاع،
ومنها نبذ النساء رغم ظهور نابغات يستحققن الظفر بها.
علي الرغم من أن الجائزة لم وربما لن تتمكن من أن تساوي بين النساء
والرجال في نوبل إجماال ،لكنها حاولت إرضاءهن مبكرا عندما منحت
جائزتها األدبية العاشرة في عامها التاسع للسويدية »سلمي الجرلوف»،
التي سبقت كل أبناء بالدها ـ رجاال ونساء ـ في ذلك ،وكان عمرها 51
عاما فقط ،ثم كانت الثانية بعد سبعة عشر عاما ،وذهبت لإليطالية
»جراتسيا ديليدا» عام ،1926وهكذا أخذت نوبل تتذكر النساء ما بين
فترة وأخري حتي كان عام . 2013
بعد فوز الكندية »أليس مونرو» بالجائزة المئة وعشرة وكانت الثالثة
عشرة من النساء؛ أشيع أن األكاديمية السويدية التي تدير جائزة نوبل
لألدب ستمنحها للنساء والرجال بالتبادل عاما بعد اآلخر بداية من مونرو،
وقوبل هذه التوجه غير المؤكد بشد وجذب كبيرين بين مؤيد ومعارض،
وصمتت األكاديمية ولم تعلق ،وراوغ أعضاء لجنة نوبل؛ فلم يؤكد أو ينفي
أي منهم ،وإن بات األمر شبه مرجح بعد فوز الفرنسي »باتريك موديانو»
بالجائزة التالية ثم البيالروسية »سفيتالنا أليكسييفيتش» فاألمريكي »بوب
ديالن» ،أي امرأة ثم رجل فامرأة ثم رجل .
ويتأكد هذا التوجه إذا ما ذهبت نوبل 2017المرأة ،ووفق هذه الفرضية،
فإن وجهة أهم جائزة أدبية عالميا ستخضع للفكر السائد بين أعضاء لجنة
نوبل وقدر الضغوط التي تمارس من اتجاهات مختلفة ،فإذا أرادت أن
2
تخفف من حدة الجدل المثار حولها في السنوات األخيرة ،وتكسب تأييدا
كبيرا يعدل الميزان كلما مال ،مثلما فعلت عندما منحتها لماركيز أو
ساراماجو أو جراس فأمامها خياران من العالم الجديد ،لكل منهما عظيم
التأثير كما وكيفا ،ونشاط كبير ومتعدد .
فيمكنهم أن يمنحوا الجائزة للكندية »مارجريت إتوود» ( 77عاما) ابنة
جامعة هارفارد التي درست بها األدب والفنون ،وأهلتها لتصبح أستاذا في
العديد من الجامعات منها كولومبيا البريطانية ،سير جورج ويليامز،يورك
وغيرها ،وصاحبة انتاج أدبي ضخم ومتنوع بدأته بالشعر ثم أبدعت
كروائية وساهم هذا في إبرازها كشاعرة ،وأخذت تتنقل بين زهرات األدب
من الروايات القصيرة والطويلة إلي الشعر والقصص القصيرة
والمسرحيات ،وكذا كتب األطفال ،كما غاصت في الكتابة الفكرية
والفلسفية .
كان إلتوود وكتاباتها دورها البارز في تعزيز الهوية الكندية ثقافيا
واجتماعيا ،من أهم أعمالها »قصة الخادمة»» ،مفاوضات مع الموتي» ،
»القاتل األعمي»» ،جريمة في الظالم» ،وغلفت مسيرتها األدبية بنشاط
إنساني وسياسي كبير ،وقدرة علي التفرقة بين األمور ،فلم يمنعها موقفها
الواضح من ممارسات الكيان الصهيوني؛ أن تقبل جائزة ثقافية من تل
أبيب.
من أمريكا الشمالية إلي نظيرتها الجنوبية ،توجد المبدعة التشيلية
»إيزابيل الليندي» (75عاما) بأنتاجها الروائي الغزير والمؤثر بشدة في
القارة الالتينية التي يتحدث معظم أبنائها باللغة األسبانية ،وأسهم في ثراء
كتاباتها؛ حياتها التي بدت مضطربة في مختلف مراحلها ،ما بين ابنة أخ
رئيس البالد ثم الجئة في المنفي بعد خلع عمها من الحكم ،وعملها في
الصحافة لسنوات طويلة ثم صدمتها في وفاة ابنتها ،جم من األفكار
والمشاعر بلورتها الموهبة ووضعتها في قالب روائي ال مثيل له .
من أمريكا الشمالية إلي نظيرتها الجنوبية ،توجد المبدعة التشيلية
»إيزابيل الليندي» (75عاما) بأنتاجها الروائي الغزير والمؤثر بشدة في
3
القارة الالتينية التي يتحدث معظم أبنائها باللغة األسبانية ،وأسهم في ثراء
كتاباتها؛ حياتها التي بدت مضطربة في مختلف مراحلها ،ما بين ابنة أخ
رئيس البالد ثم الجئة في المنفي بعد خلع عمها من الحكم ،وعملها في
الصحافة لسنوات طويلة ثم صدمتها في وفاة ابنتها ،جم من األفكار
والمشاعر بلورتها الموهبة ووضعتها في قالب روائي ال مثيل له.
تمتعت الليندي بقدرة نادرة علي تحليل وتفسير كل فكر وإحساس يمكن أن
يعيشه أي إنسان التيني ،بل وشاركهم في ذلك ماليين القراء خارجها،
واألهم أنها ضربت المثل في استثمار المصائب واالستفادة منها في حياتها
وجسدت ذلك في كتاباتها ،ومن أعمالها »بيت األرواح»»،عن الحب
والظالل»»،مدينة الوحوش»»،غابة األقزام» لألطفال ،و»الجزيرة تحت
البحر».
لدي إتوود والليندي كل المقومات التي تجعلهما تستحقان جائزة نوبل،
ويعضد ذلك استمرارهما في تقديم األعمال المتميزة وآخرها هذا العام،
لألولي رواية »بذرة الساحرة» وللثانية »في منتصف الشتاء» ،ولكن ربما
سخريتهما من جائزة نوبل عدة مرات أبعدتهم عنها بعدما ظال لسنوات
طويلة من أبرز المرشحات ،فكانت الليندي ضحية يوسا الذي نال الجائزة
كالتيني بدال منها عام 2010وهو يستحقها ،وإتوود ضحية أليس مونرو
التي فضلتها نوبل عام ،2013والفرصة مواتية لتصحيح األمور.
من زاوية مكملة ،فهناك ما يقترب كثيرا من أن يكون توجها بدأته نوبل
عام 2012عندما منحت جائزتها في األدب للصيني »مو يان» الذي يميل
للقصة القصيرة ومثله الكندية »أليس مونرو» في العام التالي ،ثم كل من
الفرنسي »باتريك موديانو» والبالروسية »سفيتالنا أليكسييفيتش» عامي
2014و 2015واللذين يكتبان الرواية ،وصوال للشاعر األمريكي »بوب
ديالن» العام الماضي.
وفقا لهذا التتابع؛ فإن الفائز التالي شاعرة وهو ما يرجح كفة إتوود ،ولكن
وإن استمرت نوبل في إبحارها في اتجاه معاكس ،وأن تبحث عن شاعرة
علي شاكلة ديالن ،فربما يقع اختيارهم علي الفرنسية »برجيت فونتين»
4
( 78عاما) فهي شاعرة غنائية ومغنية وأيضا ممثلة وكاتبة مسرحيات
وأفالم وقصص قصيرة ،وصاحبة تأثير شعبي كبير ألكثر من خمسة عقود،
وتطابقت مع ديالن في هذا ،وأنهما غير مقبولين علي المستوي الرسمي
في بلديهما .
وربما تتفوق فونتين في مواجهاتها اإلنسانية والسياسية علي ديالن؛
والتي لم تكتف بأن تكون جزءا من نشاطها ،بل سخرته بأكمله لذلك منذ
عام ،2001فمن خالله استكملت معارضتها للحروب ضد العراق ثم غيرها
من البلدان بحجة القضاء علي اإلرهاب ،كما طالبت بحقوق المهاجرين غير
الشرعيين إيمانا منها بأن العالم واحد بال حدود ولكل إنسان حقوقه في أي
مكان يذهب إليه ،ودافعت أيضا عن حقوق البشر في السجون.
ما األخطر في مسيرة نوبل؛ فيتعلق بمكاتب المراهنات واختراقها للجنتها
في السنوات األربع األخيرة ،ففي عام 2013فازت مونرو التي تصدرت
قوائم كبري هذه المكاتب فجأة لتخسر بعض المال ،ولكنها عوضته أضعافا
عندما نال موديانو الجائزة في العام التالي ،وهو من خارج قوائمها ،ثم
أعيدت الكرة عام 2015بفوز أليكسييفيتش التي تصدرت المراهنات فجأة
أيضا ليتدافع المراهنون نحو مكاتبها في العام الماضي ،وتحقق أكبر
مكاسبها بعدما فاز ديالن والذي لم تتضمنه أي من صدارة قوائم
المراهنات .
سيصبح الشك الكبير يقينا إذا ما تصدرت في األمتار األخيرة ودون مقدمات
كاتبة مثل الشاعرة اليوغسالفية األصل والهولندية الجنسية »دوبرافكا
أوغريزيتش» أو الناقدة البولندية » أولغا توكارتشوك» قوائم المراهنات
ثم فازت ،ويصبح هذا تمهيدا لتحقق مكاتبها مكاسب أكبر العام القادم ،وهو
ما يعني بوضوح أن جوائز نوبل سقطت في أيديهم تماما ،وعلي من يهمه
األمر التحرك قبل فوات األوان .
( 2017كامل)
5
●المصدر :أخبار االدب
مثل رواية نزهة مع نجيب محفوظ للكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي والصادرة ترجمتها ضمن
سلسلة الجوائز في الهيئة العامة للكتاب عمال روائيا مهما وله قدر كبير من الخصوصية لعدة
أسباب ،فهي رواية لكاتبة أجنبية عن الحياة المصرية وفترة مهمة من فترات التاريخ المصري
الممتلئ باألحداث والصاخب بالتحوالت بين الهزيمة والنصر والتحوالت االقتصادية والثقافية.
ربما من األعمال القليلة التي اطلعت عليها حسب اطالعي تلك التي يكتبها كتاب أجانب عاشوا
في مصر .الرواية ليست بالضبط نزهة مع نجيب محفوظ بقدر ما هي نزهة في الحياة المصرية
والتاريخ المصري القريب .
لرواية ـ التي ترجمها د .خالد رؤوف ـ في جانب منها وفي تقديري في دوافع قراءتها تمثل
رؤية اآلخر المختلف في الدين واللغة والثقافة لحياتنا ومفرداتها ،كيف كان يراقب أوجاعنا
وصدماتنا والتحوالت الكبري في حياة المصريين في هذه المدة التاريخية .في بعض فقرات
الكتاب تصرح علي لسان بطلتها بأن الحياة في مصر تؤسس لشخصية قادرة علي االختالف
واحترام اآلخر والمختلف دينيا ،فهذا ما صنع منها هذه الشخصية التي تأخذ الرواية شكل
السيرة الذاتية لها .تقول :بالنسبة لي ،وكما أعتقد بالنسبة لكثيرين غيري ،ثم زرع بذرة جديدة
ومفهوم جديد فيما له عالقة بالعبادة واإليمان والقناعات الدينية ،وكان ينمو بداخلي تفهم
اآلخرين ،في أي مكان في العالم ،مما أعاد بناء أساسات االختالف والقناعات الدينية والفكرية،
فاتحا في اللحظة نفسها طرقا لفهم روحاني ووجودي أعمق» .الرواية ص. 47
بدو إحساس البطلة بالحياة في الشرق غرائبيا يمزج ما عاشته بشكل حقيقي في شوارع القاهرة
مع ما أنتجته القرائح األدبية والتراث األدبي بصفة عامة عند المصريين والثقافة العربية ،وهذا
اإلحساس بالغرابة وخصوصية الموقع والمكان ربما هو ما يفتقده كثير من الكتاب المصريين
الذين ليسوا مضطرين للمقارنة ألنه ليس مزدوج المكان والثقافة مثلها .مزدوج الثقافة يكون
أكثر قدرة علي استشعار الخصوصية واإلحساس بتفاصيل بعينها تكون أكثر ثراء بالمعاني
والقيم الداللية وهذا ما يتحقق في كل الرواية ويمثل روحا عامة تسري فيها .
( 2017غير كامل)
6
●المصدر :أخبار االدب
خديجة المسعودي ,شاعرة وقاصة مغربية من مدينة أكادير ،من مواليد ،1989
تخرجت في قسم األدب اإلنجليزي سنة ،2012وحصلت علي إجازة مهنية في
التحرير الصحفي سنة ،2015هي حاليا باحثة بماجستير التحرير الصحفي والتنوع
اإلعالمي وطالبة بالمعهد الموسيقي .
تشعر أنها مازالت علي عتبة أبواب الشعر حتي هذه اللحظةَ ،ق َد ٌم بالداخل وأخري
بالخارج .فمنذ كانت طفلة تكتب مذكرات في دفاتر صغيرة ،ما زالت تحتفظ بها.
تطورت إلي الخواطر بعد اكتشافها الشعر والرواية والمسرح والسينما والموسيقي.
كل تلك األشياء عززت لديها الرغبة في التعبير بأساليب أكثر إبداعا من كتابة
اليوميات ،التي كانت تمنحها ألساتذة اللغة العربية للتصحيح واالستفادة من
توجيهاتهم وإرشاداتهم ،حتي وصلت إلي ما صارت تكتبه اآلن .تقول" :أقف عند
العتبة ،محشوة بالكثير من القلق والشك ،اليوم الذي سأرف ُع فيه قدمي ،تلك
ُ
عبرت إلي نهايتي " التي بالخارج ،سأكون قد
حصلت خديجة عن كتاباتها علي جائزة أحمد بوزفور للقصاصين الشباب في الوطن
العربي سنة ،2012كما حازت علي جائزة القناة الثانية لإلبداع األدبي صنف الشعر
سنة .2014في عام 2016صدر ديوانها األول"علي حافة الضوء" عن دار مرسم
للنشر ،ومؤخرا فازت بجائزتين مصريتين ،األولي "مسموح لك تحلم" ،والثانية
"محمد عفيفي مطر للشعر" التي علمت بأمرها في شهر فبراير الماضي من خالل
منشور علي صفحة الشاعر محمد حربي ،يوض ُح تفاصيلها ،فتحمست للتقديم فيها،
والسبب كما توضح" :جائزة أساسها األول أال تقصي أو تستبعد نمطا معينا من
الكتابة .أساس شجعني علي المشاركة ،خصوصا أنني أكتب قصيدة النثر التي ما
زال يتم االنتقاص منها مع األسف .أؤمن أن الشعر ال قالب يحد سيله ،يمكن أن
يتجلي في طي ورقة من كتاب ما لجودة ما فيها .وتشعر أن الجزء المطوي بالضبط
هو قلبك"
( 2017غير كامل)
7
المصدر :نزوة
عرف النقد األدبي بالمغرب بعد ستينيات القرن الماضي تحوال عميقا ،تمثل
في مساهمته النوعية في مقاربة النصوص األدبية العربية القديمة والحديثة،
ويعود هذا التحول لعوامل عديدة أهمها ،انفتاح الناقد المغربي على مرجعيات
نقدية نظرية وتطبيقية جديدة في الغرب وفي العالم العربي ،كما كان للدور
التأطيري والتكويني الذي اضطلعت به الجامعة المغربية ،األثر الواضح في
غنى التجارب النقدية ،وتنوع آلياتها المنهجية والمفاهيمية ،وفي انتقالها
بالنقد األدبي بالمغرب من مرحلة التأسيس ،وما يطبعها من حيرة بين الوفاء
للتصورات النقدية القديمة ،أو االنصراف للحديثة ،إلى مرحلة إنتاج معرفة
نقدية مؤسسة لتصورات ورؤى جديدة لألدب ودوره في إثارة أسئلة تتصل
بأزمات المجتمع واإلنسان العربي ومآزقه الناتجة عن ما تفرضه الكونية من
ضغوط تمس تماطله في االنخراط في ركب الدول المتقدمة والديمقراطية.
ضمن هذا السياق الثقافي الكوني والمحلي قدم الناقد المغربي دراسات
نقدية تميزت بعمقها المعرفي وجدتها المنهجية ،في التفاعل مع النصوص
األدبية العربية والعالمية ،والحفر في مكوناتها ودالالتها ،بوعي مهموم
بالبحث عن صيغ أخرى لمعالجة إشكاالت الحاضر وأسئلة المستقبل،
وتشييد قنوات جديدة للحوار مع مستجدات المعرفة النقدية في الغرب ،ونقد
مزدوج للمسلمات الثقافية ،وللكثير من التصورات السائدة حول النقد واألدب،
وسيرسم للكتابة النقدية في المغرب منذ بداياتها أفقا معرفيا كونيا،
سيستمر إلى اليوم ،مع أحمد اليبوري ومحمد مفتاح ومحمد برادة وعبد
الكبير الخطيبي وعبد الفتاح كيليطو وسعيد يقطين[…].
(غير كامل)
8
المصدر :نزوة
م شرعية للرواية كما يقول الكاتب والروائي الليبي سالم الهنداوي ،لذلك كانت الحكاية الحكاية أ ٌ
بشخصياتها الشعبية هي التي شكلت البناء القصصي والروائي عند الهنداوي وحفزته في أن يسلك طريق
الكتابة اإلبداعية والمقاالت الصحفية منذ صغره والتي قادته نحو الهجرة الى اصقاع ومدن أخرى كطرابلس
واليونان وقبرص وغيرها ،حيث انه زاحم بمقاالته السياسية النقدية وحكاياته الشعبية القصصية النظام
الليبي آنذاك.
يعتبر ا لهنداوي من الكتاب العرب المهتمين بتضمين الثيمة السياسية في األعمال األدبية والنبش في
سرادق الحياة االجتماعية لالنسان العربي
.
nnالعصامية الثقافية لسالم الهنداوي إذا شئت أن تسميها .من أين منبعها؟
( القصد من السؤال هو الخروج المبكر من الدراسة بسبب الظروف ولكن ثقفت نفسك لتصبح قاصا وروائيا له
دور ريادي في ليبيا والوطن العربي)
عشت في
ُ نشأت في مدينة ليبية تاريخية عظيمة اسمها (بنغازي) كانت المدينة رواية ممتعة بفصولها..
ُ –
حواريها وأزقتها الض ِّي ّقة مع شخصيّاتها الشعبية ..في أسواقها ومقاهيها كانت الناس تعرف بعضها ،باألسماء
والوجوه ،وكل بيوت الجيران كانت بيتاً واحداً لصغار الشارع ،نلعب بألعابنا الموسمية وحين نتعب نضحك كثيراً
تيسر في هذا البيت أو ذاك وننام هنا أو هناك على أصوات الديكة في ساحات البيوت الترابية، ّ فنأكل ما
ونهيق الحمير ونباح الكالب في الخرب المجاورة ..كان يستهوينا السهر واللعب تحت المصابيح الكهربائية
الواهنة في شارعنا القديم قرب البحر ،وجل شوارع المدينة القديمة كانت تحتفي بتقاليد شعبية حميمية،
خاصة في األعياد الدينية ،فنستقبل المناسبات بفرح غامر ،فكنّا ضمن طقوسها الجميلة ،زينتها في البيوت
والشوارع والحدائق..
كنت ُمرغماً على معرفة ال أشتهيها ،علوم وجغرافيا ُ دخلت المدرسة في مطلع الستينات، ُ ..عندما
ورياضيات ..كان مشهد المدينة في خيالي ،أكبر وأعظم من كل تلك القواعد العلمية التي كانت تسقط مراراً
كبرت خالل فترات الرسوب المتكرِّّر ُ من حقيبتي المدرسية .نهروني وضربوني ،ثم طردوني… وهكذا حتى
في المرحلة االبتدائية ..لم أكن نافعاً في الدراسة سوى في مادة اإلنشاء والتعبير وتحرير وإخراج الصحيفة
دمون جل التالميذ يتق ّ
رأيت ُ
ُ ونجحت في مسرح المدرسة ..ثم حين ُ فشلت في فريق كرة القدمُ الحائطية..
هبت للمدرسة الليلية في محاولة الستكمال تعليمي ،لكنها لم تكن ُ ذ اإلعدادية، المدرسة إلى وينتقلون
وخرجت ظافرا بفرصة عمل في شركة مقاوالت ،ثم ً ُ تعلمت فيها التدخين..
ُ سوى سنة واحدة مع «الكبار»
بالحياة… المعرفة مسافراً باحثاً عن ثم سينما، أمام والحلوى للمكسرات
ّ بائعاً
انتقلت بعدها
ُ وعملت بها لفترة وجيزة
ُ نشرت خواطري األولى في صحافة بنغازي الرائجة في تلك الفترة، ُ ..
إلى طرابلس للكتابة والعمل في صحافتها ،أكتب التحقيقات والمقاالت ،وأكتب القصة القصيرة ..وفي
نشرت أول قصة قصيرة في مجلة عربية اسمها «الدستور» كانت تصدر في لندن ،وكان ُ منتصف السبعينيات
يشرف على ملفها الثقافي آنذاك الشاعر «جاد الحاج» ..بعدها توالى نشري في مجالت عربية كبرى كانت
انتقلت
ُ وعملت خالل الثمانينيات في صحافة بيروت ،وبعد الحرب ُ تصدر في بيروت وقبرص ولندن وباريس..
دت إلى قبرص ،وخالل تلك الفترات عدت إلى وطني للعمل في الصحافة واإلعالم ،ثم ُع ُ ُ إلى قبرص ،وبعدها
أصدرت العديد من الكتب الثقافية والمؤلفات األدبية في القصة والرواية. ُ
(غير كامل)
9
● المصدر :طنجة األدبية
د
لعل ّي أصوغ من الوج ِّ
أغرب شكل
َ
ك
دخلت علي َ
ُ إذا ما
داً لطيفاً
يم ّ
قطفت لال َم َ
ُ
ق بستانَ ظل ّي...
ُيفتّ ُ
(غير كامل)
10
● المصدر :طنجة األدبية
تستدعي طبيعة النص الروائي للكاتب عبد هللا لغزار ،قراءة تستنطق النص في ضوء ما يحيل عليه
من تأويالت وتصورات ،هذه التأويالت والتصورات أو ما يمكن وسمه بالمرجع االستباقي ونظيره
االسترجاعي قد ينفتح عبرها النص على واجهات جديدة تسمح بإعادة تشكيل هيكلته ثانية
وثالثة ،ال سيما وأن الرواية باعتبارها شكال لغويا يجمع بين الشعري والسردي تتميز بثنائية
التشابك والتعقيد في كل مكوناتها الخطابية .إنها متن سردي بالغ التراكم على مستوى أحداثه
وتعدد المسارات وتراكب نقائض الشخوص والجماعات ،وتعاقب الفضاءات واألزمنة وغير ذلك...
ألجل التقاط مجرى زمني اجتماعي بخصائصه النفسية والتواصلية ،وعالقته بذاته والقيم قيد
التأسيس ،هذا المسار الموفق من اللعب الفني قاد الكثير من األقالم في زمننا اليوم إلى الكتابة
الروائية بصفتها كراسة إبداعية تتيح إمكانات متنوعة من التعبير وتتيح مساحة زمانية ومكانية
للكتابة وفسحة لتصوير الواقع.
•العنوان:
يأتي العنوان باعتباره عتبة قرائية دالة ،فهو في األدبيات النقدية يفصح عن النص ويفضحه،
هكذا يأتي عنوان الرواية مكونا من وحدتين معجميتين هما" فتنة" و "السنونو" ،األولى كلمة
مفردة تحيل في المتخيل الشعبي العربي اإلسالمي إلى حالة من الفوضى االجتماعية التي
يغيب فيها النظام وإحكام العقل ،بينما تلبسها األدبية ثوبا خاصا يحولها إلى كلمة مثيرة ،تسبح
بالذهن في عوالم البحث عن مواصفات هذه الحالة .إن الفتنة في الحقيقة غواية أدبية فنية،
وتستمد الوحدة المعجمية "فتنة" إثارتها بإسنادها إلى الكلمة الثانية"السنونو" ،حيث تطرح في
ذهن القارئ تساؤالت عدة :هل للسنونو فتنة؟ وإذا كانت فما هي؟ وكيف يمكن أن تكون؟ إن
هذه المتسلسلة من األسئلة هي التي تكسب النص الروائي قدرة على استمالة القارئ،
وتتعقد بنية العنوان أكثر بكونها مجردة من أي قرينة زمانية أو مكانية(فال نعرف قبل قراءة الرواية
طبعا) أيتعلق األمر بفتنة واقعية أم متخيلة ،كما ال نعرف كذلك فضاء األحالم،
فتنة السنونو إذن ،عنوان يأخذ صيغة مزدوجة ذات بعدين اثنين فهو من جهةُ :بعد قريب المدى
باعتباره عنوان لمعرض فني حضره أبطال الرواية في مدينة البيضاء ،و ُبعد بعيد المدى بوصفه
عنوانا للرواية ككل .يمنحنا العنوان ببعديه المثيرين قدرة على تصور أولي حول النص ،كما يؤكد
على الصبغة التخييلية للمحكي في النص ،وهو ما تؤكده المقتبسة األولى في النص والتي
تقول" هذا النص ليس سردا واقعيا وإنما هو من نسج الخيال".
المفارقة هنا غاية في الجمالية ففي الوقت الذي يصر العنوان في بعده القريب إلى جر القارئ
نحو فضاءات واقعية " البيضاء" المعرض ،يصر الكاتب على توجيه القارئ نحو المتخيل ،إن
المقتبسة هنا حيلة سردية بالغة األهمية استطاع الكاتب أن يجعلها مسخرة لصالح بناء فهوم
وتأويالت مختلفة.
•اإلهداء:
يلح عبد هللا الكاتب الروائي (الجسد من لحم ودم) على إهداء النص لروح واحدة وحيدة هي
:روح محمد القاسمي
11
في سفرها بين البني واألزرق"
يهدي عبد هللا الجسد الحي روايته (النص المخلوق بقلم على ورقة بيضاء) إلى روح محمد
القاسمي ،فيصبح اإلهداء هاهنا إيحائيا وإيحاليا في واقعيته ،إنه إيحائي ألنه مهدى لشخصية
فنية بارزة في علم وعالم األلوان والريشة وهي شخصية الفنان محمد القاسمي ،وإيحالية ألنها
تنبئنا بأن الكتابة هي لروح الفن التشكيلي بالمغرب ،فالروح المحرومة من طاقتها في الواقع
مهدى له بوصفه جثة ميتة وروحا ناطقة حية ال توجد تجعلها األلوان تسافر في الخيال ،هكذا فال ُ
خارج الداللة ،ولهذا فقد عمل الكاتب على مخاطبتها باعتماد قناة غير متعارف عليها وهي االنتقال
من قناة اللون والفرشاة إلى قناة الكتابة والقلم.
إن اإلهداء هنا ينم على رغبة متوارية لكنها أكيدة عند الكاتب ،رغبة في البعث واإلحياء .أعني
إحياء هذه الذات المرجعية في مجال الفن عبر مخاطبة روحها النشطة في رحلة السفر بين
األلوان.
•المقتبسات
تحضر المقتبسات في األعمال اإلبداعية أو النقدية بوصفها نصوصا تسبق عادة متن النص
األصلي وتكون لها وظيفة توجيهية نحو النص ووظيفة شعرية كذلك .وهكذا فاالنتقائية التي يقوم
بها الكاتب الختيار المقتبسات تجعل القارئ يطرح أسئلة حول السر في اصطفائها دون غيرها.
تحضر في الرواية ثالث مقتبسات تختلف شكال ولغة وأسلوبا ،لكن الخيط الناظم بينها هو من
جهة الحمولة الداللية والرمزية لمرجعياتها :مالك حداد -ابراهيم الكوني -عبد هللا زريقة ،ومن جهة
ثانية ارتباطها بمتن النص ،إن المقتبسات هنا إلى جانب الوظيفة الشعرية التي تحققها للعمل
الروائي توجه القارئ نحو التفكير في الالمفكر فيه ،ففتنة اللغة تحضر عندما يعجز مالك حداد عن
التعبير باللغة عن ما يشعر به باللغة نفسها ،أما فتنة الحياة فتحضر في مقتبسة الكوني الذي
يؤكد أن رتابة األخطاء الصغيرة تؤدي إلى الموت ،الخطأ إذن اضطراب يكسر سيرورة السالمة
والصحة أما فتنة الجسد فهي في شذرة شعرية لعبد هللا زريقة .تقول إن غواية اللون توقع في
عهر نستطيع دون مبالغة وسمه بالعهر الفني ،تستحيل معه نهضة الجسد التي هي النهضة
الحقيقية.
ترتسم معالم المقتبسات من خالل هذه النصوص الثالثة التي تتوحد ونوا َة العنوان "فتنة"
فتصير فتنة اللغة وفتنة الحياة وفتنة الجسد ،أقانيم ثالثة تفتح ذهن القارئ على تأويالت عدة،
وتضعه أمام غواية السرد ومأزق الكثافة الذي غذاه الكاتب بجرعة زائدة من اللون من خالل
مهدى إليه والموضوع. ال ُ
يقول المجاطي" كم وجدت الشعر في صفحات كثيرة من الروايات وقليال من الشعر في القصائد".
انطالقا من هذه القولة نرسم الخط الذي ارتضيناه لقراءة العمل وهو البحث في شرعية الشعرية
التي تحققها مكونات الخطاب الروائي للعمل من خالل مكونات الزمن والوصف واللغة.
تنمو أحداث الرواية من خالل ثمانية مقاطع نصية ( الغرفة والليل -مسمار في عين صورة-
شاعرية التابوت -فتنة الصورة -صرخة مكتومة -أرض محروقة -العين نافذة -ظالل مشتعلة) ويبدو
للوهلة األولى أن هذه المقاطع متباينة -لكن تتباعها الورقي وتوحد الزمن والفضاء واألحداث
فيها ،يجعلها تنشد إلى خيط سردي ناظم وخفي يشي بارتباط متماسك ،تتلخص في خمسة
شبان تخرجو في مدرسة للفنون الجميلة بالبيضاء ،كانوا يرغبون في تغيير الواقع التعليمي للفنون
الجميلة بالمغرب من خالل إصدار بيانات خاصة بذلك ولكن سرعان ما تتقاذفهم هموم الحياة كل
إلى مكان ليصير البطل وحيدا وهو واحدا من هؤالء الخمسة بين دروب تادلة وبني مالل مواجها
ظروفا مختلفة من العطالة والصراعات االجتماعية.
12
•شعرية الزمن
يحضر الزمن في رواية فتنة السنونو متجاوزا تقسيمه الثالثي( الزمن النحوي -الزمن الصرفي-
الزمن الداللي) ،كما يتجاوز حتى التقسيم الثالثي المعروف نحويا ،إنها كتابة خارج الزمن وداخله
في الوقت نفسه ،ومن ثمة فهي كتابة لها زمنها الخاص المفتوح الذي يستند على زمن الواقع.
الزمن في الرواية ليس هدفه هو تنامي السرد فقط ،بل يخرق هذه الوظيفة ليصير زمنا مختلطا
باألحاسيس مفعما بالهواجس الداخلية للشخصيات ،إنه قائم على استغالل اللحظة وشحنها بكل
ما قد يحقق للنص كثافته وشعريته ".أجتر زبد الزمن المتختر في حنجرتي ،وتحت لساني ،وعلى
شفتي".
إن للنص سياقا زمنيا هو عدم اعترافه بالزمن أصال".هذا الليل المضاعف تلبس بحضور الغياب،
وتحلل في روحي القرفة من هذا الزمن الصدئ زمن االنتظار والدوران حول الذات حتى االختناق".
الزمن إذن لحظة متجددة .تنصهر لحظاتها داخل بوثقة النص ،فيتحول إلى لحظة تحفها
هواجس الكتابة وأهواء الشخصيات ،ويحفها اإلحساس بالحنين والشوق ،واإلحساس بالضياع
والغربة.
•شعرية الوصف
األولى :هي تعطيل مؤقت للسرد وذلك بهدف تكثيف مشهد أو توصيف حالة أو رسم صورة.
تحضر هاتين الوظيفتين بقوة في العمل الروائي للكاتب عبد هللا لغراز ،فالروائي عندما يتعلق
األمر بلحظة وصف فهو يسعى إلى إقناع القارئ بجدوى هذه اللحظة ،إن الوصف عنده محطة
تبريرية تقف على أهمية التقاط تفاصيل كل ما هو هامشي غير ملتفت إليه .إن هذا التوقف عن
السرد ليس توقفا مجانيا أو حلية زائدة أو موضة في الكتابة ،بل هو مكون أساس من مكونات
السرد نقرأ في الصفحة 33من الرواية" سعيد هذا ،جسد المحنة على األرض...وجه للجنون
ووجه ووجه للحكمة ،وجه للشقاء ووجه للنقاء ،ووجه للقبح ووجه يفتخر بكون أبيه سماه سعيدا،
ووجه للحزم وجه للهم ،وجه للحلم ووجه لتاريخ األلم"
يتميز الوصف في هذا العمل الروائي الباذخ بالذاتي ،مما يمنحه شاعرية وشعرية ،فالوصف
مرتبط بالجوانب النفسية والعاطفية للشخصيات ،فهو إذن ال يسقط في إمالل القارئ بقدر ما
يحفزه على التخيل والبحث في الذهن عن صور للموصوف ثم إضفاء الحالة النفسية للشخصيات
عليها ،الوصف في الرواية إذن ،فرصة تجعل القارئ يتريث في القراءة يتوقف عند تفاصيل
المشاهد ليلتقطها.
ت الباب خلفي ،ونزلت الدرجات العشرة إلى أرض متخمة بالحرّ والعطش وريح "قال قاسم :ق َف ْل ُ
الشوم .أمام باب اإلدارة المفتوح على أدراجه العشرة وعلى العراء ،ثمة شجرة تين تجثم على
طرف صخرة .وبعد الصخرة بمسافة قصيرة ،تنحدر األرض فجأة ،فتبدو كحوض بحيرة شاسعة ج َّفت
منذ زمن بعيد .على طرفها الغربي ،عند األفق بالتمام ،تتهيأ المدينة كنتوءات صخرية بيضاء
وصفراء باهتة"
المالحظ من خالل هذا المقطع أن الوصف وإضافة إلى تحقيقه للدعامتين المشار إليهما آنفا،
فإنه يمتاز بالتفصيل ومالحقته للجزئيات الدقيقة وارتباط الموصوف الذي هو خارج الذات بهواجس
السارد الذاتية.
13
إن هذه القدرة على الوصف وهذه الشعرية الخاصة بها في الرواية تأتي ربما -وأقول ربما -من
عمل الكاتب في مجال اللون إن الصورة مجاز للواقع باللون ،وهي في اآلن نفسه التقاط للمشاهد
بالفرشاة .والوصف في الرواية مجاز والتقاط للمشاهد بالقلم.
•شعرية المحكي
إذا كان الزمن يحقق شعريته كما ذكرنا سابقا عبر ارتباطه بالهواجس الذاتية للشخصيات،
والوصف عبر خرق الوظيفتين االعتياديتين له ،فإن اللغة الروائية في هذا العمل تتأبى أن تكون
مجرد لغة عادية تنقل األحداث عبر منطق التوالي ،إنها لغة تتجاوز الوظيفة اإلبالغية كما هو
الشأن في اللغة العادية لتصل إلى اعلى درجات الشعرية والبالغية ،عبر اعتماد الكلمة الموجزة
والكثافة الجمالية .إنها لغة تستند إلى كل ما هو شعري بهدف البناء السردي لألحداث.
تنمو اللغة في المحكي مستندة كذلك إلى األلوان فنجد الكاتب يطعم الرواية بأعمال فنية
عبارة عن لوحات متنوعة هي من صميم أحداث الرواية - :لوحة عنف للجياللي الغرباوي – موت
مارا للرسام الفرنسي دافيد – تفصيلة من العمل المشهور ألنجيلو المعنون ب خلق آدم – جزء
من لوحة الصرخة إلدكار مونس.
استطاع الكاتب بذكاء كبير استغالل ثقافته الفنية فيما يخدم أحداث الرواية من خالل تغذيته
للغة باللون بعرضه لهذه األعمال ،وكذلك بحثه عن نقطة تماس بين اإلبداع الفني واإلبداع بالكتابة
فجعل القلم /الريشة يرسمان بطريقة غاية في اإلبداعية أحداث الرواية .
ت بقلم الرصاص على هامش ورقة في كتاب "الروحانية في الفن" للرسام " َك َت ْب َ
الروسي"كاندانسكي" :الشعر كالرسم لكن ما معنى الرسم؟"
إن شعرية المحكي لم تكن لذاتها بقدر ما تكتسب واقعيتها من خالل ربطها بالواقع ،تصير اللغة
في الرواية إذن نقدا لكل فضائح البلد بعيون السارد آو الشخصيات التي يرتسم على محياها
البؤس ،إنه نقد بعيون مثقفة للسياسة واإلدارة من خالل رسم صورة االنتخابات و المناضل
اخليفة ،ثم نقد للتعليم والفقر والعالقات االجتماعية المبنية على االستغالل والنفاق االجتماعي.
ن نفسه على ركوب االستحقاقات االنتخابية المقبلة. م ِّرّ ُ
".باألمس ،في المقهى ،كان هناك رجل ُي َ
يقول إنها الفرصة التاريخية للخروج من التعتيم السياسي الذي مارسته أحزاب المخزن .ويقول بإن
حزبه سليل شرعي للحركة الوطنية في هذا البلد .وبأن له عالقات وطيدة مع أقطاب الحزب
العتيد ...كانت المقهى عبارة عن أرخبيالت ،تتالسن وتتساءل حول كل شيء ..عن المصداقية،
وعن األخطاء التاريخية ،وعن تراجع القيادات ،وعن ديكتاتورية القرار ...عموما ،حول ما آلت إليه
األوضاع ،وحول الشجار القائم بسبب التكتالت العائلية والقبلية داخل األحزاب وخارجها"
تحضر اللغة كذلك ممزوجة باللهجة العامية في مستوييها المنخفض والمتوسط و اللغة
الفرنسية مثل….je suis une machine-je suis une machine ، : , Silence on tourneمن هذه
البوليفونية يستمد السرد واقعيته ومرجعيته في نقد الواقع.
لقد تآزرت في شعرية المحكي كل من شعرية الزمن والوصف والحوار الذي يكون أحيانا واحدا
بين السارد ونفسه وأحيانا بين الشخصيات لرصد حدة التوتر بين الشخصيات ،آو لبيان انشطار
ذات السارد إلى اثنين وكذلك شعرية اللغة لتقدم للمحكي في الرواية ميزته التي لن يحس بها
القارئ إال حين قراءته للرواية .
"لم يعد اآلن ما يفصل بين الواقع والخيال غير شعرة معاوية"
سعيد علوش
إن اللغة بالنسبة للكاتب عبد هللا ليست مجرد قناة لنقل الواقع أو سرد األحداث ،بل تتجاوز ذلك
إلى نوع من الحساسية في االستعمال والتأني في اصطفاء األلفاظ والمعاني ،إنه يحفر بين ثنايا
الدروب ليكون النص صوتا لمن ال صوت لهم.
14
خاتمة
-يشكل النص الروائي فتنة السنونو فتحا جديدا على الكتابة الروائية المغربية من خالل المزج
دونما خلط بين ما هو شعري وما هو سردي
-يتميز النص الروائي بحضور الفن أو الرسم كروح محلقة على العمل من خالل شخصية المهدى
له والتكوين األكاديمي للسارد وموضوع السرد.
-يمتلك الكاتب عبد هللا لغزار لغة روائية متخمة بالدالالت ،مليئة باإليحاءات ،طافحة بالمجازية،
قادرة على رسم صورة الواقع بالكلمة الدقيقة.
هذا ويحق لي من باب اإلنصاف وبعيدا عن كل محاباة أن أقول إن الرواية تستحق أكثر من
قراءة ،وأنني مهما استفرغت جهدي ووسعي فيها فلن أبلغ ما تنفتح عليه من تأويالت وقراءات،
وأنها تستحق أن تكون العمل الروائي األبرز في هذه السنة ،مع متمنياتنا أن يلقى العمل صداه
الذي يستحقه داخل الوسط الثقافي المغربي والعربي.
(كامل)
15
(أول يومية إليكترونية | صدرت من لندن 21مايو 2001لتكون جسرا بين المشرق والمغرب*) ● المصدر :إيالف
صدور العدد األ ّول من مجلة "رواية" المتخصصة بشؤون الرواية العربية
عبد الجبار العتابي
صدرت في بغداد مجلة بعنوان (رواية) تعنى بالشؤون الروائية العراقية والعربية وتطوراتها عبر مختلف االجيال ،
وتضمن العدد االول جملة من الدراسات النقّديّة والشهادات الروائية والحوارات ومنصات الرأي ،فضال عن ملفً
مه ًم عن راهن الرواية المغاربية الجديدة ،باإلضافة إلى التقارير والمتابعات اإلخبارية.
وتعد هذه المجلة الفصلية التي تقع في 120صفحة ،خطوة جريئة السيما انها االولى من نوعها في العراق التي تهتم
بهذا الشكل االبداعي وبعد ان نال السرد الروائي اهتماما خاصا من القراء بعد النجاحات التي تحققت للرواية العربية
والعراقية خاصة وقد حرصت اسرة المجلة على تقديم العدد االول ليكون مميزا وحافال بالمواضيع الشيقة ،ويرأس
تحرير المجلة القاص والروائي محمد حياوي ومدير تحريرها الروائي خضير فليح الزيدي وسكرتير تحريرها
القاص عباس داخل حسن فيما ناشرها هو محمد الدجيلي.
دراسات وحوارات
وتضمن العدد العديد من المواد منها :دراسة في الترجمة ..مرحا أيُّها الخائن ،للناقد والباحث الدكتور عبد هللا
إبراهيم ،وحوار مع الروائي البرازيلي باولو كويلو ،اجرته أمينة شوداري ،ودراسة نقديَّة عن الرواية بوصفها فنًّا
ضا بالحياة ،كتبها الناقد أحمد الحلي ،ودراسة عن رواية اإلسكندرية في الربع األخير من القرن العشرين ،كتبها ناب ً
الناقد شوقي بدر يوسف ،ودراسة عن النص الروائي بين الكفاية السردية والمتلقي الفاعل ،كتبها الناقد محمد جبير،
ودراسة عن توجهات الرواي ة العراقية الجديدة ،كتبها النقاد صادق ناصر الصكر ،ودراسة عن تفسير نجيب محفوظ
لتراجيديا الحياة ،كتبها الدكتور عبد البديع عبد هللا ،ودراسة في التأويل الديني والخيال التفسيري ،كتبها الدكتور
صادق القاضي.
كما تضمن العدد أيضا ً شهادات روائية لكل من :الروائي ناصر عراق عن تجربته في كتابة رواية "األزبكية"،
وبول نيثون عن ما ّدته في الكتابة ،ترجمه الدكتور محسن الرملي ،والروائي أحمد فضل شبلول عن تجربته في
16
رواية "رئيس التحرير" ،والروائية زهراء عبد هللا عن روايتها "على مائدة داعش" ،والروائي ضياء الجبيلي عن
تجربته في الكتابة الروائية عمو ًما
(كامل)
17
المصدر :األنباء (كويتية يومية سياسية شاملة)
سيرته الطويلة التي بدأت بوالدته عام ١٩١١حتى وفاته عام ٢٠٠٦كانت حافلة وثرية وال تعكس
شيئا مما يعكسه وجهه الهادئ المتأمل .
ذلك الرجل الذي كتبت عنه مذكرات وسير عدة ،عرفه العالم عندما فاز بنوبل عام ١٩٨٨لكن
العرب عرفوه قبلها ،عبر رواياته ثم عبر األفالم والمسلسالت التي اقتبست عنها.
لكن من يتذكر سيرة نجيب محفوظ يتوقف عند المقاطعة العربية التي تعرض لها إبان أزمة رواية
أوالد حارتنا ،و جعلت التيار الديني ضده بزعم ازدراء األنبياء واألديان رغم أن محاوالته لنقاش
من قاد هذا الزعم لم تؤت أكلها .
ويتوقف مرة أخرى عند رأيه بالصلح مع إسرائيل الذي رآه موقفا متخاذال .كل ذلك توج بمحاولة
االغتيال التي تعرض لها عام ١٩٩٤عندما أقدم شاب على غرز سكين في عنقه الثمانيني .
ولوال عناية هللا ثم المستشفى الذي كان على بعد خطوات من محل االغتيال ،لكانت نقطة النهاية
لمسيرة اختصرناها اختصارا مخال ،لرجل وضع الحياة المصرية وحاراتها وناسها وعوالمها على
الورق ،وقدمها إلى العالم بقدرة روائية فنية عالية التزال تكتشف من القراء والمخرجين وكتاب
األفالم والمسلسالت.
كل هذه المقدمة ذات التقصير المخل هي مدخل لسيرة ذلك الرجل الذي أغرمت برواياته ،كنت
أحبها فيما مضى لكن مع تعدد القراءات وتنوعها بت أدرك قيمته اإلنسانية قبل كل شيء .من هنا
جاءت فكرة السير على الطرقات التي ولد فيها وترعرع ثم انعكست مكانا وزمانا وشخصيات في
أعماله.
من يقرأ عن نجيب محفوظ سيعلم أمرين ال محالة ،والدته وحياته في القاهرة القديمة في حي
الجمالية المالصق للحسين والمتاخم لشارع المعز الذي يعتبره البعض أكبر متاحف العالم المفتوحة.
وكل تلك األمكنة التي يتكدس فيها التاريخ تكدسا حتى يصعب االلمام به .األمر الثاني هو انضباطه
الشديد وبرنامجه اليومي واألسبوعي الصارم الذي مكنه من إيجاد وقت ليكتب كل تلك األعمال منذ
نهاية الثالثينيات وحتى تسعينيات القرن المنصرم.
وفقا لهذين األمرين هذا جاءت الفكرة التي اشتغلنا عليها في مشروع باب للرحالت تحت اسم قاهرة
نجيب محفوظ .وبدأنا بتخطيط برنامج يحاذيهما ،حياته واألحياء التي عاشها وعاشته .ومسيره
اليومي من شقته في منطقة العجوزة حتى صحيفة األهرام مرورا بالمقاهي التي عرفته .ولن تكتمل
الفكرة إال بالتعاون واالستفادة من نقاد لهم باع في قراءة أعماله ،لذلك تيسرت السبل لاللتقاء
بالناقدين المعروفين أ.إيهاب المالح وأ.محمود عبدالشكور محفوظيي الهوى .
ثم اجتمع في الرحلة نخبة مشاركين من مستويات عدة تجمعهم ثقافة عالية وعشق لنجيب محفوظ.
(كامل)
18
المصدر :اآلداب
19
2015 المصدر :االدوحة
ها هو الموت يختطف ُعنوة واحدةً من أهم كاتبات جيل الستينيات ،رضوى عاشور ( 26مايو/أيار
30 – 1946نوفمبر/تشرين الثاني .)2014واحدة من أغزر أبناء هذا الجيل عطاء ،وأنقاهم
سريرة ،وأصلبهم موقفاً .وال غرو فهي االبنة الفعليّة على مستوى الصالبة والموقف ،واألدبية على
مستوى اإلبداع في المجالين السردي والنقدي ،ألهم كاتبات الجيل السابق ،وأبرز رموزه الفكرية
واألدب ية على السواء :الدكتورة لطيفة الزيات .وحينما نقول أهم كاتبات جيل الستينيات ،فذلك ال
يعني أنها أهم كاتبات هذا الجيل في مصر وحدها ،وهي بالفعل كذلك ،فليس بين كاتبات مصر من
جيلها ،أو حتى األجيال الال ِحقة َم ْن يضاهيها مكانة ،أو يماثلها ُعمقا ً وإنجازاً؛ وإنما هي أهم الكاتبات
على الساحة األدبية العربية العريضة ،التي تمتد من العراق شرقا ً حتى المغرب غرباً ،ومن سورية
شماالً حتى السودان جنوباً .وسوف ندرك مدى صدق هذا الحكم حينما نتعرّف إلى مسيرتها
وإنجازاتها في هذا الملف ،الذي تقدمه «الدوحة» تحيّةً وتكريما ً للراحلة رضوى عاشور.
عندما يف ِّكر المرء بالرواية التاريخية تخطر في باله الكتابة وارتباطها بقضية ما .وهذا نوع من
نر ،فيااللتزام لم يقصده المصطلح األدبي الشهير المرتبط ،في أذهاننا ،بـ «جان بول سارتر» .لم َ
مد َّونتنا الروائية العربية ،منذ روايات جورجي زيدان ،رواية تاريخية ليست مرتبطة -إلى ح ّد كبير-
بقضية معينة .فهي عند البستاني ،وفرح أنطون ،ويعقوب صروف تمثِّل لحظة بروز «الفكرة
القومية» العربية في مواجهة التتريك العثماني .ليس من قبيل الصدفة أن هؤالء ،وبضعة ر ّواد من
طرازهم ،كانوا وراء بروز النزعة القومية العربية ،أو ما ُس ِّمي فكر النهضة الذي استهدف
استنهاض البعد العربي لغة وتاريخا ً وجغرافيا ،المطموس بسياسات التتريك ،وإيجاد مساحة
مشتركة مع ذات متململة في هويّتها :بين عربيّتها و«خالفة» العثمانيين اإلسالمية .فالفكرة العربية،
عند جيل الكتابة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر المستلهمة من الفكرة القومية األوروبية،
مثَّلت الح ّل األفضل لألقلّي في وسط األكثري ،والتنبيه إلى روابط مغيَّبة بين «األقلي» و«األكثري»
ليس أقلّها اللغة المشتركة والجغرافيا الخاضعة لهيمنة «اآلخر التركي» في اآلستانة .أظن أن معظم
الجهد األدبي واللغوي العربي ،الذي بُ ِذل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،وصوالً إلى
انهيار الخالفة العثمانية في العقد الثاني من القرن العشرين ،كان يصبُّ في هذا المنحى ،وهذه هي
الفترة التي بلغت فيها سياسات التتريك أوجها.
من هذا المنظور أفهم الرواية التاريخية العربية المب ِّكرة وصوالً إلى جورجي زيدان .ثم كان هناك-
في المقابل -بروز للبعد الفرعوني في الكتابة األدبية المصرية تمثَّ َل في بضع روايات تاريخية
شارك ف يها نجيب محفوظ ،رائد الرواية العربية الحديثة ،بثالث روايات قبل أن يكتشف عبث
المض ّي في تحويل شخصيات وأحداث من الماضي الفرعوني ،منبت الجذور -تماما ً -مع البيئة
20
االجتماعية المصرية الراهنة إلى روايات وأعمال أدبية أخرى ،فعمد إلى الرواية االجتماعية كما
كانت عليه في المنجز الروائي الفرنسي والبريطاني في أواخر القرن التاسع عشر.
ماتت الرواية التاريخية العربية مع بروز «قضايا» أخرى ،و«التزام» من نوع آخر سادا في الحياة
العربية بفضل تط ّور الوعي االجتماعي وانتشار مذاهب االشتراكية والواقعية في السياسة واألدب.
صارت هناك قضايا تخصّ الواقع الراهن استغرقت معظم النتاج اإلبداعي العربي الخمسيني
والستيني وصوالً إلى السبعيني .لكن ،ال شيء ينتهي على ما يبدو إذ ستبرز الرواية التاريخية من
جديد ،أو الرواية التي تتَّخذ من واقع تاريخي قناعا ً لها .وهنا تبرز الروائية الراحلة رضوى عاشور
بثالثيتها عن غرناطة.
تبدو لنا رواية رضوى التاريخية أقرب إلى قناع لواقع راهن أكثر مما هي استعادة لحظة ذهبية في
التاريخ؛ فلو أننا نزعنا أسماء العلم ،التي تشير إلى مكان وزمان معينين ،لبدت لنا رواية مكتوبة عن
زماننا ،بلغة زماننا وانشغاالته المتشابهة .وهذا أمر لم يفعله جمال الغيطاني الذي تناول واقعا ً
تاريخيا ً مصريا ً بلغة تكاد تنتمي إلى زمان الواقعة التاريخية كأنها (لنقل «الزيني بركات») قطعة
أدبية متسلِّلة من التاريخ .أو ما فعله يوسف زيدان في روايته «عزازيل» التي تتَّكىء إلى لغة عربية
ق .وهنا يُبِ ّز
توحي بأنها تراثية ،وترمي (أي الرواية) إلى القول إن النسطورية هي المسيحية الح ّ
«الغرض» ذاته بوضوح ،وال يبدو أنه يضمر شيئا ً غير هذه المنافحة الحماسية عن لحظة تاريخية
فارقة في تاريخ المسيحية .عند رضوى عاشور ال تضع الرواية التاريخية هذه األقنعة على وجهها.
تعود عاشور إلى غرناطة لتصل إلى واقع ،أو ما هو مثيل له ،في الواقعة التاريخية .كانت غرناطة
في الذكرى الخمسمئة لسقوطها مغرية لكتابات إبداعية كثيرة ،بينها ديوان محمود درويش الشهير
والجميل «أحد عشر كوكبا ً على المشهد األندلسي» ،و«في ظالل الرمان» الجزء األول من خماسية
اإلسالم لطارق علي ،ورواية «غرناطة» لرضوى عاشور .كان لهذه االستعادات أغراض شتى.
لع ل ما أرادت رضوى أن تقوله ،مع درويش ،هو أننا نعيش لحظة مشابهة في واقعنا التاريخي
الراهن ،وأن هناك غرناطة أخرى سقطت ،وأندلسا ً يكفينا كتابة وشجنا ..ولن تتوقف رضوى عند
الح ّد من اإلحالة البعيدة على القضية التي ستتبلور أكثر في روايتها «الطنطورية» التي تذهب هذا َ
مباشرة إلى النكبة الفلسطينية.
(كامل)
**************************************************
21
مفهوم األدب
شروق محبوب ١٤ -مارس ٢٠١٦
كلمة األدب في العصر الحالي تعني الكالم البليغ الذي يؤثر في نفوس القرّاء سواء كان شعراً أو
نثراً ،ولقد تط ّور هذا المفهوم على مر العصور واتّخذ العديد من المعاني حتى تك ّون بهذه الصياغة
وهذا المعنى.
إن أصل كلمة األدب من مأدبة ،فقد كان العرب في الجاهلية يُطلقون على الطعام الذي يدعون إليه ّ
الناس مأدبة ،وبعد دعوة الرسول محمد إلى اإلسالم تح ّول المقصود بكلمة األدب إلى مكارم
األخالق ،حيث جاء في الحديث النبوي" :أدبني ربّي فأحسن تأديبي" ،وبعد ذلك تط ّور مفهوم األدب
في العصر األموي إلى التعليم فكان ال ُمؤدِّب يقوم بتعليم ال ّشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم،
والحقا ً في العصر العباسي ألّف ابن المقفع رسالتي األدب الكبير واألدب الصغير ،وهما عبارة عن
فإن مفهوم األدب أصبحرسالتان تحتويان على العديد من الحكم والنصائح األخالقية الراقية ،وبهذا ّ
أشمل وأع ّم وبات يعني التهذيب والتعليم ،ولقد أُطلق على مجموعة من الكتب في ذلك الوقت كتب
األدب ومنها :البيان والتبيين للجاحظ ،الكامل في اللغة واألدب للمبرد ،العقد الفريد البن عبد ربه.
ُدرج جميع ما في العصر الحديث أصبح مفهوم األدب يد ّل على معنيين ،األ ّول معنى شامل وعام وي ِ
يُكتَب في اللغة من العلوم واآلداب تحت مفهوم األدب ،والثاني معنى خاص ويُقصد به أنّه ال ب ّد أن
يكون الكالم ذا معنى ويتّصف بالجمال والتّأثير ليكون أدباً ،ويشمل العديد من أساليب الكتابة
الشعرية والنثرية والمسرحيات والروايات واألمثال ،ومن هذا المنطلق وضع سيّد قطب للعمل
األدبي ثالثة شروط هي التجربة الشعورية والتعبير واإليحاء ،وهو يُفسّر مفهوم األدب على أنّه
التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية ،لذلك يوضّح أنّه ال يُمكننا اعتبار الكثير من الكتب
العلمية أو التّاريخية أو أي كتب مد ّونة تدوينا ً جميالً على أنّها من الكتب األدبية.
يُعبّر األدب عن تجربة شعورية شخصية للكاتب فيها إحساس وانفعال شخصي ،هذه التجربة ينقلها
المؤلف عبر الكتابة والتعبير عن هذه االنفعاالت واألحاسيس في صور لفظيّة ذات داللة لغوية حتى
فن تعبيري يُعبّر به اإلنسان ع ّما يجول في خاطره من مشاعر وأفكار يتك ّون األدب ،واألدب ّ
وخواطر وقضايا تشغله ،بكالم فن ّي متميّز عن الكالم العادي بطريقة تركيبه وصياغته وجماله،
ومن العناصر المه ّمة في األدب اإليحاء فكلّما كانت طريقة تصوير المؤلّف ألفكاره وأحاسيسه
إيحائيّة كلما كانت مؤثرة في نفوس القّراء ،وبهذا يتميّز األدب عن الكتابة العلميّة البحتة التي تحتوي
على الحقائق كما هي دون أن تنقل تجربة إنسانية انفعالية.
22
ماهي خصائص القصة القصيرة ؟
مارس (www.almrsal.com) 2017 ,14
تعد القصة القصيرة من أحد تلك األشكال األدبية النثرية في اللغة العربية ،حيث كانت قد أنتقلت القصة القصيرة من
اللغات األوروبية إلى اللغة العربية ،و ذلك في الفترة الزمنية الخاصة بالقرن العشرين ،و ذلك بعد مرورها بالكثير
من التحوالت ،و التطور سواء فيما يخص الشكل أو البناء في القرن التاسع عشر في أوربا على يد الكثيرين من
الكتاب مثل الفرنسي (موباسان) ،و الكاتب الروسي ( أنطون تشيخوف ) ،و الذين لهم الفضل الكبير في التطور ،
و التحديث الذي حدث للقصة القصيرة ،و األدب بشكل عام ،أما بالنسبة للعالم العربي فقد كان لحركة الترجمة ،و
التي كانت بدايتها في مطلع القرن العشرين الدور األكبر ،و العالي في تعريف القراء ،و الكتاب العرب بهذا اللون
األدبي ،حيث يعتبر (محمود تيمور) ،و المنفلوطي من أوئل الكتاب للقصة القصيرة الحديثة باللغة العربية .
تعريف القصة القصيرة -:يتم تعريف القصة القصيرة لغويا ً على أنها عبارة عن انتقاء األثر ،و تتبعه ،و كذلك
الحال في الواية ،و األخبار ،حيث أن كال المعنيين شديد الصلة باألخر ،و لعل قول هللا عز وجل في القرآن الكريم
،و الذي جاء في سورة يوسف ( أنها أحسن القصص ) لخير دليل على ذلك التعريف ،أما بالنسبة لتعريف القصة
القصيرة اصطالحيا ً فتم تعريفها على أنها هي ذلك المصطلح الذي جاء نشأته من أجل التعريف بين ذلك اللون ،و
بين القصة العادية ،و ذلك كان من حيث تتبع النقاد ألهم عناصر القصة القصيرة ،و الذي يعد الطول من أبرزه ،و
مع ذلك فإن الق صة القصيرة يتوافر بها كافة عناصر القصة الطويلة من وجود زمان ،عالوة إلى المكان ،و
الموضوع مع توافر اإلمكانية لدى الكاتب في االستغناء عن أحدها بل أن القصة القصيرة تتميز عن القصة الطويلة
بأن كاتبها يركز على أسلوب السرد ،و اختيار المفردات بشكل عالي ،و ذلك من أجل أت يصل بفكرة أو مجموعة
أفكار القصة إلى القارئ ،و ذلك باستخدام عدد أقل من الكلمات أي أنه يمكن تعريف القصة القصيرة بشكل عام
على أنها هي ذلك النص األدبي النثري الذي يعمل على تصوير موقف معين أو شعوراً إنسانيا ً ،و ذلك بشكالً مكثفاً
من أجل الوصول إلى تح قيق مغزى معين ،عالوة على أنها يجب أن تكون مكتوبة بشكل عميق من أجل أن تعبر
عن طبيعة اإلنسان .
الخصائص الخاصة بالقصة القصيرة -:يوجد للقصة القصيرة عدداً من الخصائص الخاصة بها ،و هي -:
أوالً -:الوحدة -:و المقصود بها أن تتضمن القصة فكرة واحدة أو حدثا ً واحداً مع وجود شخصية أساسية لها هذا
عالوة على إضافة هدف واحد لها ،و ذلك من أجل أن يركز الكاتب لها كل إبداعاته في هدفا ً واحداً ،و دون أن
يبتعد عنه .
ثانيا ً -:التكثيف -:و هو يعني التوجه بشكالً مباشراً إلى هدف القصة التي تبتغيه ،و ذلك من خالل أول كلمة فيها
،و من بعد ذلك يكثر الكاتب لها من الجمل القصيرة ،و ذات الدالالت العالية ،و الكثيرة .
23
ثالثا ً -:الدراما -:و هي المقصود بها أهمية توافر ذلك المزيج من الحيوية ،و الحرارة ،و الديناميكا في القصة
القصيرة ،و ذلك حتى ،و لو كانت خالية من الصراعات الخارجية .
العناصر الخاصة بالقصة القصيرة -:يوجد للقصة القصيرة عدداً من العناصر الخاصة بها ،و هي -:
أوالً -:عنصر الرؤية -:و هو ذلك الجوهر الذي تدور في األساس حوله القصة ،و هي يطلق عليها مسمى (النواة
الفكرية ) ،و في الكثير من األحيان قد تصدر عن الكاتب دون أن ينتبه لذلك كنتيجة لخبرته ،حيث أنها في النهاية
ما تعبر عن مفاهيمه ،و مبادئه الخاصة بالحياة .
ثانياً -:عنصر الموضوع -:و هو المقصود به ذلك الحدث الذي تدور حوله القصة ،و هو يعد ذلك األساس الذي
يتمكن من خالله الكاتب للقصة من إظهار مهاراته ،و يحدد له زمانا ً ،و مكانا ً معيناً ،و هو يتمثل في مجموعة من
األنماط السلوكية ،و العالقات اإلنسانية المختلفة .
ثالثا ً -:عنصر اللغة -:و هو ذلك العنصر األساسي الذي يعد أساسا ً للعمل األدبي ،حيث أنه لوال وجوده لما تمكن
الكاتب من توصيل رؤيته إلى القراء .
رابعاً -:عنصر الشخصية -:و هو المقصود به الحدث األكبر الذي بنيت عليه القصة .
خامسا ً -:عنصر البناء -:و هو يكون عبارة عن ثالثة من المراحل األساسية المرحلة االبتدائية أو التمهيدية ،و
المرحلة الوسطى ،و التي يظهر فيها الصراع هذا باإلضافة إلى النهاية ،و التي يكون فيها إظهار محتوى العمل ،
و هدفه .
سادسا ً -:عنصر األسلوب الفني -:و هو يتم من خالله تصوير الحدث الذي تدور حوله القصة ،و هو يتألف من
ثالثة عناصر -:
العنصر األول -:و هو السرد ،و الذي يكون عبارة عن وصف أو تصوير .
العنصر الثاني -:و هو الحوار أو المحادثة أو الكالم ،و الذي يدور فيما بين الشخصيات ،و من خالله يتعرف
الكاتب على المضمون الخاصة بالقصة عالوة على أنه من خالله يتم تقديم الشخصيات المختلفة عالوة على األحداث
،و التي تتعاون مع بعضها البعض لتكون في النهاية عمالً أدبيا ً بصورة جيدة ،و مثالية .
24
ازدهار فن القصة القصيرة
عمان -الوطن -عمر أبو الهيجاء
يرى بعض المبدعين أن القصة القصيرة بدأت تعود بقوة في اآلونة األخيرة ،وهناك توجه حقيقي
نحو كتابتها ،فيما يؤكد ممن يمارسون الكتابة القصصية أن فن القصة القصيرة هو الفن األصعب،
وهذا الفن يحتاج تكثيفا عاليا ومهارة خاصة من المبدع ليسجّ ل عوالمه ،فيما يرى بعض أن هذا
التراجع في القصة القصيرة وتفوق الرواية عليها فإنهم يرون أن المستقبل سيكون لصالح القصة
القصيرة».
يقول الروائي والناقد د .محمد القواسمة :في عام 1968قال الناقد الفرنسي المعروف روالن
بارت صاحب كتاب درجة الصفر للكتابة بموت المؤلف ،ثم توالى القول بموت أجناس الفنون
األخرى وأنواعها :موت الشعر ،موت السيرة ،موت القصة القصيرة.
تعايش
ً
في الحقيقة إن الفنون يتعايش بعضها مع بعض ،وال يمكن أن تموت ما دام اإلنسان موجودا ،فهي
مرتبطة بوجوده ،ولكن المالحظ أن بعضها يتقدم على غيره من ناحية اهتمام الناس؛ فكان الشعر
ديوان العرب ،ثم تراجع ليحل محله في عصر العولمة السرد ،وتق ّدمت الرواية على غيرها من
األنواع السردية ،وبخاصة القصة القصيرة التي شهدت ازدهاراً كبيراً في حقبة الستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي .لقد غدت الرواية ديوان العرب بعد تقلص دور ديوانهم األول،
الشعر ،وتراجع فن القصة القصيرة ،وهو الفن السردي الوحيد الذي يقترب من الشعر ،ويتميز
بدرجة عالية من التركيز والتكثيف في عناصره الجمالية والمضمونية .إن اإلنسان في هذا العصر
لم يعد يرغب في ارهاق عقله ،إنه يريد أن يصل إلى المعني دون جهد عقلي .كما أنه بات يعاني
من الوحدة واإلحساس بالعزلة التي أوجدها التقدم الهائل في وسائل التواصل االجتماعي
وتكنولوجيا المعلومات .لقد وجد في الرواية ما ينقذه من عزلته ،ويخفف من معاناته ألنها الفن
الذي تتداخل فيه األجناس الكتابية من شعر ومسرح وسيرة وأدب رحلة وتاريخ ،وهو الفن القادر
دون غيره من الفنون على عرض الواقع نابضً ا بالحياة وتحليله وكشفه ،وطرح أسئلة الوجود
والحياة .وإذا كنا نعاين هذا التراجع في القصة القصيرة وتفوق الرواية عليها فإننا نرى أن
المستقبل سيكون لصالح القصة القصيرة؛ فبعد أن يستقر هذا التطور المتسارع في تكنولوجيا
العصر ،وتستقر ظروف اإلنسان وأحواله االجتماعية واالقتصادية والسياسية والنفسية التي جعلها
عصر العولمة في اضطراب شديد سيعود إلى القصة القصيرة ليلج عالمها وأسرارها العميقة .
ويرى القاص مفلح العدوان :أن القصة القصيرة بدأت تعود بقوة في اآلونة األخيرة ،وهناك توجه
حقيقي نحو كتابتها ،بحث أننا من الممكن أن نبدأ بتوثيق مرحلة جديدة من نهوض القصة القصيرة،
خاصة وأنها تتواءم مع وسائط االتصال الحديثة ،وأيضا تعبر عن االلتماعة والسرعة التي تحكم
طبيعة هذا العصر ،كما أننا الحظنا بروز عدد من الجوائز العربية في مجال القصة القصيرة،
وأظن أن هناك غيرها سيتم اإلعالن عنه قريبا.
فن القصة فن حي متجدد يعبر عن الذات التي تريد أن ترسم الكون وما حولها وما داخلها في
مربع حميمي هو القصة القصيرة خير معبر عن هذا التوق والذات والزمن وأيضا هناك ادوات
تخدم تقدم ونهوض القصة القصيرة في اآلونة األخيرة ..والقادم سيكون فيه أكثر حضورا للقصة
القصيرة.
فضاءات
أما القاصة د .ليندا عبيد فتقول :لكل فن من الفنون اإلبداعية جماليته التي تتناول اإلنسان ودواخله
والمجتمع والعالم من حوله ،ولكل أدواته وتقنياته ومساحاته الزمنية والمكانية ،فال نستطيع أن
نقول أن فنا من الفنون ينحسر لمصلحة فن آخر .فالقصة القصيرة مثال لها روادها ونقادها
25
ومحبوها ،مثلما للرواية فضاءاتها المادية والنفسية ،وفضاءاتها الزمنية وشخوصها وتقنياتها
السردية المتنوعة التي تتضافر فيما بينها لخلق البناء الروائي الذي يطرح مضامين المبدع ورؤاه
وتصوراته ،ولها نقادها ومحبوها أيضا .لكننا مؤخرا بدأنا نشهد وفرة وغنى في برامج المسابقات
الثقافية التي تعنى بالرواية على مستوى الوطن العربي ،والمستوى العالمي ويسخر لمثل هذه
المحــــــافل والمسابقات مبالغ كبيرة من المال يقدمها أشــــــخاص أو مؤسسات مما يزيد من
اإلقبال عليها ،أمام وقد تظلم القصة القصيرة أحيانا ،إذ يعتقد بعضهم أنها مجــــــرد حالة ال تتطلب
جهدا من صاحبها ،في حين أنها تحمل في دواخلها وقصرها الذي ينبغــــــــي أن يكون متقنا على
مستوى التقنية والتكــــــنيك ،وعلى مستوى المضامين المتحركة بإمكانية أقصر من الرواية بكثير،
إضـــــافة إلى اعتناء ضروري بالتفاصيل والكثافة دون إفراط.
والالفت في الساحة الثقافية كثرة األقالم الجديدة التي تكتب الرواية ،وازدحام الساحة بروايات
كثيرة تنتج بسرعة دون غنى في التجربة ،واستهالك للزمن المناسب ،أو اكتمال أدوات وتملك
لزمام األمور مما قد يتسبب أحيانا بفهم خاطئ يقول بانحسار القصة؛ فالهوس بإنتاج الكتب،
واألهداف الربحية والنفعية على حساب النوع يمأل الساحة برداءات كثيرة.
إن القصة والرواية فنان إبداعيان رائدان يقدمان اإلنسان والكون من حوله كما هو كائن ،وكما
ينبغي له أن يكون ،يستجليان القبح والجمال بغية خلق جديد للعالم كما يحسه المبدع ويرتئيه،
ضمن مساحة تضيق أو تتسع على الورق يخلق الروائي والقاص فوقها عالمه المتخيل الذي ينزاح
في األغلب عن الواقع ،فال نستطيع أن نقول أن أحدهما ينحسر لمصلحة اآلخر ورواجه.
الفن األصعب
وتقول القاصة والناقدة د .نهلة الشقران :على الرغم من انشغال العالم العربي بالرواية والشعر،
فما زلت أرى فن القصة القصيرة هو الفن األصعب ،هذا الفن الذي يحتاج تكثيفا عاليا ومهارة
خاصة من المبدع ليسجّ ل عوالمه ،وليس أي كاتب يستطيع كتابة القصة القصيرة ،في حين أن
الشعراء اليوم بدؤوا يطرقون باب السرد ،ال سيمّا الرواية أكثر من أي فن آخر ،وهذا ألسباب
عديدة أهما احتوائها على جوانب فكرية ومعرفية وعاطفية وسياسية واجتماعية قد ّ
تتمثل بالقصة
أيضا بيد أن قصر حجم القصة يدعو لالختزال والتكثيف ،والقارئ يريد التفاصيل كي يتماهى معها
ويحياها بين الحروف ،لكن هذا األمر إذا لم يقترن بالجودة الفنيّة والثقافة واإلحاطة بكل أركان
الرواية األساسية فلن يؤدي الغرض المقصود.
األجناس األدبية في عالقة دائرية ،وليست خطيّة لها بداية ونهاية ،فتسليط الضوء على الرواية
سيمرّ في حلقة لولبية تعود القصة لتقف هي أمام بؤرة الضوء ،ال انمحاء للجنــــــس المغيّب عن
الساحة ،بل هو تج ّدد وخلق آخر له ،وتحوّ ل يثري أساسياته ،فالقصة التقليدية أصبحت تتواءم اليوم
مع القصة الحداثية ،وكالهما يسير بهدوء يدعو للبقاء والقوة.
فن القـــــصة القصيرة سيثبت بقاءه وتق ّدمه وتطوّ ره يوما بعد يوم ،ولن يمحى مهمّا مرّ بتحوالت،
وسيبقى القصّ صامدا في الساحة الثقافيّة ليثبت للعالم أجمع قوته ،وكل ما يحتاج إليه فقط هو
اهتمام المؤسسات الثقافية والنقاد وتسليط الضوء على ما يستج ّد منه.
26
كيف تكتب قصة
محمد مروان ٦ -أبريل ٢٠١٦
القصة هي نوع من أنواع التعابير األدبية العالمية ،التي يستخدم فيها كاتب
القصة سرد أحداث معينة ،دارت بين أشخاص معينين ،يلعبون أدواراً معينة
متسلسلة في القصة ،ومرتبطة بزمان ومكان معين وقت حدوثها ،وقد تكون
القصة واقعيّة أو من نسج خيال الكاتب .تتكون القصة من بداية تشجع القارئ،
وعقدة تتصاعد فيها األحداث فتحفز عقل القارئ على التنبؤ باألحداث ،ونهاية
ليست بالشرط أن تكون سعيدة ،أو مأساوية ،ويلعب عنصر التشويق دوراً
مهما ً في القصة ،حتى يجذب اهتمام القارئ لمتابعة القراءة دون ملل.
كيف تكتب قصة
يمتلك كاتب القصص موهبة ،وملكة الكتابة بشكل عام ،باإلضافة إلى خيال
واسع يستطيع ترجمته من خالل مخزون لغوي ثري وقوي ،حتى يستطيع
نسج القصة بطريقة متناسقة ،سوف نتحدث عن أهم النقاط التي تساعد في
كتابة القصة:
يجب على الكاتب أن يحدد الهدف العام من القصة ،على أن يكون الهدف من
كتابة هذه القصة إيصال رسالة ،وفكرة ها ّمة إلى الناس ،أو محاولة تغيير
سلوك معين ،أو ربما معالجة مواضيع مختلفة ت ُخص بيئة معينة.
يجب على الكاتب اختيار أسلوب يُناسب مستوى الجمهور القارئ ،فكتابة
قصص األطفال مثالً تختلف عن قصص الكبار.
يجب على الكاتب تحديد نوع القصة الذي يريد تأليفها ،سواء كانت
أقصوصة؛ أي قصة قصيرة جداً تُجسد رسالة واقعية ،ومختصرة ،أو قصة
قصيرة قد تكون واقعية أو خيالية ويُراعي فيها عناصر القصة( أشخاص
يلعبون أدوراً رئيسية ،وأشخاص يلعبون أدوراً ثانوية ،ومكان ،وزمان
مرتبطان ،وبداية تُوضح فيها عن شخصيات القصة ،وصفاتهم ،وما يدور
ببالهم ،وعن بطل القصة ،وأحداث متسلسلة ،وعقدة تُشوق القارئ ،عادة
27
تكون فيها األحداث غير متوقعة ،ومفاجئة تتأزم فيها األمور ،ثم النهاية،
وليس من المشترط بالنهاية أن تحل العقدة ،وتأتي بنتائج إيجابية).
على الكاتب تحديد نوع القصة من حيث المضمون ،فهناك قصص شعبية،
وقصص بوليسية ،وقصص اجتماعية ،وقصص دينية ،وقصص خيالية،
وقصص رومانسية ،وقصص علمية ،وقصص ثقافية.
عادةً تتكون القصة القصيرة من نصف صفحة وحتى عشرين صفحة ،وممكن
االستعانة بالصور ،وبعض الرموز التي قد تجذب القارئ ،ويُراعى فيه نوع
الخط ،وتبا ُعد األسطر ،حتى يشعر القارئ بارتياح.
يجب على الكاتب أن يكون شغوفا ً بالقراءة ،وأن يكون لديه رغبة قوية
بالكتابة ،وعليه أن يكون مطلعا ً بموسوعة المفردات ،وأن يكون قارئا ً لمعظم
وكبار ال ُكتاب حتى يستطيع اإللمام بأساليب القراءة المختلفة .
ال يُشترط في نجاح القصة بأن تكون واقعية ،بل من الممكن أن تكون خياليّة
ي إطار للقصة قد يكون بشكل تام ،وممكن أن تمزج بين الواقع والخيال ،فأ ّ
مناسبا ً ما توفّرت فيه الفكرة الجيّدة ،وعناصر القصة األخرى.
28
عناصر القصة القصيرة جداً
إسالم الزبون ٣٠ -أكتوبر ٢٠١٦
الفن األدبي الذي شاع في العصر الحديث بشكل واسع، ّ تعتبر القصة القصيرة جداً نوعا ً من
واستطاع أن يتحول إلى فن سردي قائم بذاته ،ويتميز بحجمه الصغير جداً ،والذي ال يتعدى البضعة
أسطر التي تحتوي على الحدث واألفكار بشكل مكثف ومختزل ،كما يتميز هذا الفن األدبي
بالتصوير البالغي الذي يطغى على السرد المباشر.
تقوم القصة القصيرة جداً على حركتين رئيستين ،هما الحركة الداخليّة التي تؤسس العالقات النفسيّة
أن بعض واالنفعاليّة ،والحركة الخارجيّة التي تك ّون تقنيات القصة القصيرة جداً ،ومن الغريب ّ
كتاب القصة القصيرة جداً ال يلتفتون إلى هاتين الحركتين أثناء كتابتهم للقصة ،متجاهلين ما تحمالنه
من عناصر وخصائص خاصة ومميزة ،فيكتفون ببناء القصة على مستويين ،أحدهما سطحي ال
يتخطى الحدود العاديّة للسرد ،واآلخر عميق إلى ح ّد ما بحيث يشد القارئ نحو موضوع القصة
ومحتواها.
إن المفارقة تعني جريان أحداث بشكل عفوي على حساب عناصر القصة القصيرة جداً المفارقة ّ
أحداث أخرى هي المقصودة والرئيسيّة ،كما أنّها تُعرّف شخصيات القصة بحقيقة ما يجري حولها
من أحداث مناقضة لوضعها الحقيقي ،والمفارقة من العناصر الدراميّة للقصة ،والتي يلجأ إليها
الكاتب إلظهار نقيض ما يعنيه ،فيظهر المديح بما يشابه الذم ،ويظهر الذم بما يشابه المديح .تعتبر
المفارقة في القصة القصيرة جداً تقنية قصصيّة تستخدم لالبتعاد عن السرد ،وهي تبعث اإلثارة
والحماس في نفس القارئ ،وعادة ما تنتج من ثنائيّة تحمل بعدين متقابلين أو متضادين مثل الرفض
والموافقة ،والواقعية وغير الواقعية.
الحالة المقصود بالحالة هي مواضيع وأحداث القصة ،وما تشتمله من حاالت خاصة أو عموميّة،
بحيث يلجأ الكاتب إليها إلخماد األحداث السائدة في القصة من أجل التمهيد للمفاجئة من خالل
الخاتمة ،كما توصف الحالة بأنّها مجموعة من حاالت الوعي الكامنة في ذات الكاتب المتمتع بقوة
الرؤية ودقة المالحظة ،والتي تساعده على نقل األفكار للقارئ ،وإثارة مشاعر االستفزاز والمفاجأة
في نفسه.
الخاتمة تمثل الخاتمة األهداف أو الغاية التي سعى الكاتب إلى إيصالها للقارئ خالل صياغته
القصة ،وهناك اختالف واضح بين خاتمة القصة القصيرة التي يمكن أن تكون مقفولة ،أو مفتوحة،
أو رمزيّة ،أو واضحة ،وخاتمة القصة القصيرة جداً التي تكون وليدة السرد ،كما أنّها ال تبرز من
مضمون القصة الذي يفرض خاتمة معينة ،وإنّما تعتبر العنصر األقوى واألهم بين عناصر القصة
القصيرة جداً ،فهي تع ّد نقلة سريعة من داخل النص المحفز إلى خارجه المدهش والمستفز .
29
القصة القصيرة جدا :جنس أدبي جديد
االثنين ٢٥كانون األول (ديسمبر) ،٢٠٠٦بقلم جميل حمداوي
أديب وباحث مغربي
تمهيـــد أولـــــي:
ظهرت القصة القصيرة جدا منذ التسعينيات من القرن الماضي استجابة لمجموعة من الظروف
االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة التي أقلقت اإلنسان وما تزال تقلقه
وتزعجه وال تتركه يحس بنعيم التروي واالستقرار والتأمل ،ناهيك عن عامل السرعة الذي
يستوجب قراءة النصوص القصيرة جدا واالبتعاد عن كل ما يتخذ حجما كبيرا أو مسهبا في الطول
كالقصة القصيرة والرواية والمقالة والدراسة واألبحاث األكاديمية ....كما لم تجعل المرحلة
المعاصرة المعروفة بزمن العولمة واالستثمارات والتنافس اإلنسان الحالي والسيما المثقف منه
مستقرا في هدوئه وبطء وتيرة حياته ،بل دفعته إلى السباق المادي والحضاري والفكري واإلبداعي
قصد إثبات وجوده والحصول على رزقه؛ مما أثر كل هذا على مستوى التلقي والتقبل واإلقبال على
طلب المعرفة ،فانتشرت لذلك ظاهرة العزوف عن القراءة ،وأصبح الكتاب يعاني من الكساد
والركود لعدم إقبال الناس عليه ،كما بدأت المكتبات الخاصة والعامة تشكو من الفراغ لغياب
الراغبين في التعلم وطلبة القراءة والمحبين للعلم والثقافة .
هذا ،ولقد تبلور هذا الجنس األدبي الجديد -على حد علمي -في دول الشام وبالضبط في سورية
وفلسطين ،ودول المغرب العربي وخاصة في المغرب وتونس على حد سواء .إذاً ،ماهو هذا الجنس
األدبي الجديد؟ وماهي خصائصه الداللية والفنية والتداولية؟ وماهي أهم النماذج التي تمثل هذا
المولود الجديد في عالمنا العربي؟ تلكم هي األسئلة التي سوف نحاول رصدها في مقالنا هذا.
وهكذا يتبين لنا أن هناك من يرفض فن القصة القصيرة جدا وال يعترف بمشروعيته ألنه يعارض
مقومات الجنس السردي بكل أنواعه وأنماطه ،وهناك من يدافع عن هذا الفن األدبي المستحدث
تشجيعا وكتابة وتقريضا ونقدا وتقويما قصد أن يحل هذا المولود مكانه الالئق به بين كل األجناس
األدبية الموجودة داخل شبكة نظرية األدب .وهناك من يتريث وال يريد أن يبدي رأيه بكل جرأة
وشجاعة وينتظر الفرصة المناسبة ليعلن رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا .وشخصيا ،إني أعترف
بهذا الفن األدبي الجديد وأعتبره مكسبا الغنى عنه ،وأنه من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي
تتسم بالسرعة والطابع التنافسي المادي والمعنوي من أجل تحقيق كينونة اإلنسان وإثباتها بكل السبل
الكفيلة لذلك.
ولقد انصبت دراسات كثيرة على فن القصة القصيرة جدا بالتعريف والدراسة والتقويم والتوجيه،
ومن أهمها كتاب أحمد جاسم الحسين"القصة القصيرة جدا1997/م" ،وكتاب محمد محيي الدين
مينو" فن القصة القصيرة ،مقاربات أولى2000/م" ،دون أن ننسى الدراسات األدبية القيمة التي
دبجها كثير من الدارسين العرب وخاصة الدكتور حسن المودن في مقاله القيم" شعرية القصة
القصيرة جدا" المنشور في عدة مواقع رقمية الكترونية كدروب والفوانيس...ومحمد علي سعيد في
دراسته " حول القصة القصيرة جدا" ،وحسين علي محمد في" القصة القصيرة جدا ،قراءة في
التشكيل والرؤية"،وعدنان كنفاني في" القصة القصيرة جدا ،إشكالية في النص أم جدلية حول
المصطلح ،"!...والدكتور يوسف حطيني في" القصة القصيرة جدا عند زكريا تامر" ،عالوة على
مقاالت ودراسات أخرى منشورة هنا وهناك و التي تناولت القصة القصيرة جدا بمقاربات تجنيسية
وتاريخية وفنية.
31
الهاشمي ،وجمانة طه ،وانتصار بعلة ،ومحمد منصور ،وإبراهيم خريط ،وفوزية جمعة المرعي.
ومن المغرب نذكر حسن برطال في مجموعة من أقاصيصه المتميزة بالروعة الفنية وهي منشورة
في عدة مواقع رقمية وخاصة موقع دروب ،وسعيد منتسب في مجموعته القصصية ( جزيرة
زرقاء 2003م) ،وعبد هللا المتقي في مجموعته القصصية( الكرسي األزرق 2005م) ،وفاطمة
بوزيان في كثير من لياليها وكتاباتها الرقمية المتنوعة .ومن تونس البد من ذكر الكاتب الروائي
والقصاص المقتدر إبراهيم درغوثي .ومن السعودية البد من ذكر فهد المصبح في مجموعته
القصصية (الزجاج وحروف النافذة)
يتميز فن القصة القصيرة جدا بقصر الحجم وطوله المحدد ،ويبتدئ بأصغر وحدة وهي الجملة كما
في قصة المغربي حسن برطال"حب تعسفي" " :كان ينتظر اعتقالهما معا...لتضع يدها في يده ولو
مرة واحدة" ،إلى أكبر وحدة قد تكون بمثابة فقرة أو مقطع أو مشهد أو نص كما عند فاروق مواسي
وسعيد منتسب وعبد هللا المتقي وفاطمة بوزيان .وغالبا ال يتعدى هذا الفن األدبي الجديد صفحة
واحدة كما عند زكريا تامر وإبراهيم درغوثي وحسن برطال في "ماسح األدمغة" و"كالب
الگرنة" .وينتج قصر الحجم عن التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع
المناسبة واجتناب الحشو واالستطراد والوصف والمبالغة في اإلسهاب والرصد السردي والتطويل
في تشبيك األحداث وتمطيطها تشويقا وتأثيرا ودغدغة للمتلقي .ونالحظ في القصة القصيرة جدا
الجمل القصيرة وظاهرة اإلضمار الموحي والحذف الشديد مع االحتفاظ باألركان األساسية
للعناصر القصصية التي اليمكن أن تستغني عنها القصة إال إذا دخلت باب التجريب والتثوير
الحداثي واالنزياح الفني.
يستند فن القصة القصيرة جدا إلى الخاصية القصصية التي تتجسد في المقومات السردية األساسية
كاألحداث والشخصيات والفضاء والمنظور السردي والبنية الزمنية وصيغ األسلوب ،ولكن هذه
الركائز القصصية توظف بشكل موجز ومكثف باإليحاء واالنزياح والخرق والترميز والتلميح
المقصدي المطمعم باألسلبة والتهجين والسخرية وتنويع األشكال السردية تجنيسا وتجريبا وتأصيال.
وقد يتخذ هذا الشكل الجديد طابعا مختصرا في شكل أقصوصة موجزة بشكل دقيق في أحداثها كما
في مقطع حسن برطال من نص ﴿:حرب البسوس﴾:
"السهام تنطلق...تضرب ...الحناجر تصيح ﴿...حبي ليك...يابالدي ،حب فريد ﴾...السهام تضرب...
األيادي تتشابك ﴿...حبي ليك...يابالدي،حب عنيف﴾...
32
السهام تضرب ...األجساد تتناطح ﴿...الحب الغالي...ما تحجبو األسوار ﴾...انتهت المعركة...جثث
هنا وهناك...صمت ...جسد تحرك...الزالت فيه روح...حمل اللواء ثم قال :باسمكم جميعا نشكر
مجموعة السهام...انه منظم الحفل...".
يصورهذا المقطع القصصي القصير حدث الحرب بخاصية السخرية والتلوين األسلوبي
الكاريكاتوري واإليجاز المكثف بحموالت مرجعية انتقادية قوامها التهكم واألسلبة والتهجين
والتكرار الساخر ،وتوظيف مستويات لغوية مختلفة من أجل خلق باروديا نصية تفضح صيرورة
التناقض والخالف العربي .وعلى الرغم من هذا القصر الموجز ،فالنص يحتوي على كل مقومات
الحبكة السردية من أحداث وشخصيات وفضاء ومنظور سردي وكتابة أسلوبية متنوعة.
ويتخذ فن القصة القصيرة جدا عدة أشكال وأنماط كالخاطرة واألقصوصة واللوحة الشعرية واللغز
والحكمة والمشهد الدرامي وطابع الحبكة السردية المقولبة في رؤوس أقالم كما في (ميركافا) لحسن
برطال ":كان يتكلم عن وقائع المعركة...صلبة المقاتلين...خيانة الجيش ...ثم الهزيمة ."...ومن
األمثلة على اللوحة الشعرية قصة ( في حوض الحمام) للكاتبة المتميزة فاطمة بوزيان التي كتبت
بطريقة شاعرية تعتمد على التكرار وموسقة الحروف واالنزياح البالغي:
يذيب كل تعبه...
يذيب شكوكه..
ي
ذ
و
ب
شحمه
تعبه
شكوكه
33
وتظهر هذه الشاعرية أيضا في( عروض خاصة) لفاطمة بوزيان:
وقد تتحول القصة القصيرة جدا إلى لوحة تشكيلية كما في( عولمة ) للكاتبة المغربية فاطمة بوزيان:
كما تتجسد القصة القصيرة جدا في عدة مظاهر أجناسية وأنماط تجنيسية كالقصة الرومانسية
والقصة الواقعية والقصة الفانطاستيكية والقصة الرمزية والقصة األسطورية ،كما تتخذ أيضا طابعا
تجنيسيا في إثبات قواعد الكتابة القصصية الكالسيكية ،وطابعا تجريبيا أثناء استلهام خصائص
الكتابة القصصية والروائية المعروفة في القص الغربي الجديد والحداثي ،وطابعا تأصيليا يستفيد من
تقنيات التراث في الكتابة واألسلبة.
هذا ،وتتميز الجمل الموظفة في معظم النصوص القصصية القصيرة جدا بالجمل الموجزة والبسيطة
في وظائفها السردية والحكائية ،حيث تتحول إلى وظائف وحوافز حرة بدون أن تلتصق باإلسهاب
الوصفي والمشاهد المستطردة التي تعيق نمو األحداث وصيرورتها الجدلية الديناميكية .وإذا وجدت
جمل مركبة ومتداخلة فإنها تتخذ طابعا كميا محدودا في األصوات و الكلمات والفواصل المتعاقبة
امتدادا وتوازيا وتعاقبا .وتمتاز هذه الجمل بخاصية الحركة وسمة التوتر واإليحاء الناتج عن اإلكثار
من الجمل الفعلية على حساب الجمل االسمية الدالة على الثبات والديمومة وبطء اإليقاع الوصفي
والحالي واالسمي .ويتميز اإليقاع القصصي كذلك بحدة السرعة واإليجاز واالختصار واالرتكان
إلى اإلضمار والحذف من أجل تنشيط ذاكرة المتلقي واستحضار خياله ومخيلته مادام النص يتحول
إلى ومضات تخييلية درامية وقصصية تحتاج إلى تأويل وتفسير واستنتاج واستنباط مرجعي
وإيديولوجي .ويتحول هذا النص القصصي الجديد إلى نص مفتوح مضمن بالتناص والحموالت
34
الثقافية والواقعية والمستنسخات اإلحالية خاصة عند الكاتب المغربي حسن برطال كما في(
الثأر)،و( ماسح األدمغة) ،و( ثالث زيارات لمالك الموت)،و(ميركافا)،و( الضمير
المنفصل...اليستحق أن يكون كلمة)،و( مي شدياق) ،...لذلك يحتاج هذا النص التفاعلي إلى قراءات
عديدة وتأويالت مختلفة تختلف باختالف القراء والسياقات الظرفية .ويساهم التدقيق والتركيز في
خلق شاعرية النص عبر مجموعة من الروابط التي تضفي على النص الطابع القصصي والتراتبية
المنطقية والكرونولوجية ،بله عن خاصية االختزال والتوازي والتشظي البنائي واالنكسار
التجريبي.
ومن حيث البالغة ،يوظف الكاتب في نصه األجناسي الجديد المجاز بكل أنواعه االستعارية
والرمزية من أجل بلورة صورة المشابهة وصورة المجاورة وصورة الرؤيا القائمة على اإلغراب
واإلدهاش والومضات الموحية الخارقة بألفاظ إنشائية أو واقعية تتطلب تأويالت داللية عدة
لزئبقيتها وكثافتها التصويرية باألنسنة والتشخيص والتجسيد اإلحيائي والتضاد واالنزياح والتخييل .
ويمكن الحديث أيضا عن بالغة البياض والفراغ بسبب اإلضمار واالختزال والحذف .وكل هذا
يستوجب قارئا ضمنيا متميزا ومتلقيا حقيقيا متمكنا من فن السرد وتقنيات الكتابة القصصية .كما
ينبغي أن تكون القراءة عمودية وأفقية متأنية عالمة ومتمكنة من شروط هذا المولود الجديد ،وأال
يتسرع القارئ في قراءته وكتابته النقدية على الرغم من كون القصة القصيرة جدا هي كتابة سريعة
أفرزتها ظروف العولمة وسرعة إيقاع العصر المعروف باإلنتاجية السريعة والتنافس في اإلبداع
وسرعة نقل المعلومات والخبرات والمعارف والفنون واآلداب.
تهدف القصة القصيرة جدا إلى إيصال رسائل مشفرة باالنتقادات الكاريكاتورية الساخرة الطافحة
بالواقعية الدرامية المتأزمة إلى اإلنسان العربي ومجتمعه الذي يعج بالتناقضات والتفاوت
االجتماعي ،والذي يعاني أيضا من ويالت الحروب الدونكيشوتية واالنقسامات الطائفية والنكبات
المتوالية والنكسات المتكررة بنفس مآسيها ونتائجها الخطيرة والوخيمة التي تترك آثارها السلبية
على اإلنسان العربي ،فتجعله يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة والفقر وتآكل الذات ...كما ينتقد هذا
الفن القصصي الجديد النظام العالمي الجديد وظاهرة العولمة التي جعلت اإلنسان معطى بدون
روح ،وحولته إلى رقم من األرقام ،وبضاعة مادية القيمة لها ،وسلعة كاسدة الأهمية لها .وأصبح
اإلنسان -نتاج النظام الرأسمالي "المغولم " -ضائعا حائرا بدون فعل وال كرامة ،وبدون مروءة وال
أخالق ،وبدون عز وال أنفة ،معلبا في أفضية رقمية مقننة باإلنتاجية السريعة واالستهالك المادي
الفظيع ،كما صار مستلبا باآللية الغربية الطاغية على كل مجتمعات العالم "المعولمة" اغترابا
وانكسارا.
الخصائص الداللية:
يتناول فن القصة القصيرة جدا نفس المواضيع التي تتناولها كل األجناس األدبية واإلبداعية
األخرى ،ولكن بطريقة أسلوبية بيانية رائعة تثير اإلدهاش واإلغراب والروعة الفنية ،وتترك
القارئ مشدوها حائرا أمام شاعرية النص المختزل إيجازا واختصارا يسبح في عوالم التخييل
والتأويل ،يفك طالسم النص ويتيه في أدغاله الكثيفة ،ويجتاز فراديسه الغناء الساحرة بتلويناتها
األسلوبية ،يواجه بكل إصرار وعزم هضباته الوعرة وظالله المتشابكة .ومن المواضيع التي يهتم
35
بها هذا الفن القصصي القصير جدا تصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية وصراعها مع
الواقع المتردي ،والتقاط المجتمع بكل آفاته ،ورصد األبعاد الوطنية والقومية واإلنسانية من خالل
منظورات ووجهات نظر مختلفة،ناهيك عن تيمات أخرى كالحرب واالغتراب والهزيمة والضياع
الوجودي والفساد والحب والسخرية و التغني بحقوق اإلنسان...
استنتاج تركيبي:
وفي األخير ،نسجل ناصحين وموجهين أنه آن األوان لتوسيع شبكة األجناس األدبية و تمديد رقعة
نظرية األدب بفنون جديدة أفرزتها ظروف العصر وسرعة إيقاع الحياة المعاصرة التي تفرض
علينا شروطها ومتطلباتها التي ال يمكن االنسالخ عنها أو تجنبها ،فال بد إذاً من التكيف والتأقلم مع
مستجدات السياق الزمني اآلني خاصة الفنية واألدبية منها ،والبد للمؤسسات التربوية الجامعية
والثانوية واإلعدادية واالبتدائية والمؤسسات الثقافية الخاصة والعامة أن تعترف بكل المنتجات
الجديدة في عالم اإلبداع سواء أكان ذلك مستوردا من الحقل الغربي أم مستنبتا في الحقل العربي ،
وذلك بالتعريف والدراسة والتشجيع وفرضها في المقررات والمناهج والبرامج البيداغوجية
والديداكتيكية .ومن هذه األشكال األدبية التي نرى أنه من الضروري االعتراف بها نستحضر أدب
الخواطر وأدب اليوميات وأدب المذكرات وفن التراسل واألدب الرقمي وفن القصة القصيرة جدا و
فن الزجل والقصيدة النثرية.
36
في الرواية العربية المعاصرة
هشام العمراني
أبريل 2015 ,27 بدبل
على الرغم من حداثة الرواية في الثقافة العربية ،فإنها استطاعت أن تكسب ود القارئ
العربي تدريجيا منذ أن فجرت عينها رواية (زينب) سنة 1914لحسين هيكل ( 1888
ـ )1956وهو تاريخ حديث بالكاد يتجاوز القرن من الزمن ،حتى ولو ذهبنا إلى ما
ذهبت إليه يمنى العيد واعتبرنا معها رواية (قلب الرجل) التي صدرت سنة 1904
لكاتبة لبيبة هاشم وقبلها رواية لزينب فواز ( 1846ـ ) 1914حسن العواقب
الصادرة سنة 1899م كأقدم نص روائي عربي [ ]1فإن شالل هذا الفن سرعان ما
تدفق بنتاج يمكن تبويبه عبر مراحل تنوعت من االقتباس والتعريب مع جيل مصطفى
لطفي المنفلوطي في رواياته المعربة :الفضيلة ،الشاعر،في سبيل التاج …
فمرحلة الترجمة مع رفاق طه حسين الذين درس أغلبهم في أوربا ،قبل أن تبدأ الرواية
العربية في التأسيس لنفسها مع جيل يحي حقي وتصل إلى مرحلة التبلور والتأصيل مع
رفاق نجيب محفوظ ،وتنتهي إلى مرحلة التحديث مع عبد الرحمان منيف
وحيدرحيدر وحنا مينه … لكن مع ما عرفه العالم العربي خالل نهاية األلفية الثانية
وبداية األلفية الثالثة من غزو العراق ونشوب حرب الخليج الثانية جعل الرواية
العربية تدخل مرحلة مختلفة سنصطلح عليها بالرواية العربية المعاصرة ..نحن الذين
اعتدنا اعتماد األزمات مؤشرات في التحقيب والتأريخ ألدبنا العربي سواء القديم
منه (نهاية العصر اإلسالمي بمقتل علي ،نهاية العصر األموي بدحر األمويين في
موقعة الزاب وفخ ،انتهاء العصر العباسي بسقوط بغداد )..أو الحديث :االستعمار/
النكبة /النكسة /حرب الخليج األولى والثانية …
صرة =
اخترنا وصف ا (المعا ِ ونحب منذ البداية توجيه قرائنا أننا
)contemporaineبدال من أي وصف آخر للرواية موضوع بحثنا كالرواية
الجديدة ( ،) nouveauالحديثة أو الحداثية ( )moderneحتى نبتعد عن إصدار
37
األحكام من جهة ،ولقناعتنا بكون مصطلحا كالحديثة أو الجديدة ..مصطلحا مشحونة
بالمواقف وأحكام القيمة الهادفة لقطع الصلة بكل ما هو موروث ،والحكم عليه بالسلبية
مقابل االنتصار الالـ مشروط لكل ما هو جديد ،مما يضعنا أما ثنائية ضدية أحد أطرافه
مقبول منشود ،واآلخر مرفوض منبوذ ،فيما يظل مفهوم المعاصرة مفهوما محايدا
مرتبطا بالزمن ليس غير ،قادر على أن يدخل في جبته كل من كتب في هذا
العقد والنصف معاصراـ فيما سيحتم علينا مفهوم الحداثة إقصاء روائيين عالجوا
قضايا تقليدية ،أو تبنوا األسلوب التقليدي الكالسيكي في الكتابة الروائية ،ونحن
المقتنعون أن الرواية المعاصرة لم تشكل قطيعة مع ما سبقها ،وال اتخذت مواقف سالبة
من التراث العربي أو اإلنساني بدليل وجود روائيين انبنت أعمالهم على فكرة االنطالق
من شيء موروث ،أو مخطوط قديم ،أو تصور األحداث وقعت في مرحلة تاريخية
قديمة … كما أن التركيز على المعاصر والذي نقصد به ما ألف في األلفية الثالثة
سيسمح بالتركيز على فئة الشباب الذين ال ينالون حظهم من النقد ،دون أن يكون في
ذلك أي إنكار لعمل الرواد ،إذ قد تكون رواية ألقت في الخمسينات أكثر حداثة من
رواية صدرت اليوم ،هذا ولقناعتنا أيضا بأن الرواية العربية كائن حي ولد في ظروف
معينة ،ونشأ وترعرع وتطور حسب حاجيات المجتمع الذي أصبح أكثر تعقيدا،
فأنجب رواية معاصرة تساير هذا التعقيد لها بعض الخصائص التي تفردها كحظور
الفردانية والدغمائية :فهيمن ضمير المتكلم بدال من ضمير الغائب ،وسعت إلى اعتماد
لغة إيحائية تصويرية بعيدة عن التقريرية والمباشرة المألوفة في رواية الخمسينات
والستينات التي التقط ت أبطالها من حواف المجتمع ،وعوضت البطل الوطني الذي
هيمن خالل مرحلة االستعمار ببطل اجتماعي تمثل في الموظف والمقهور الذي كان
يكابد الزمن من أجل تأمين لقمة العيش ،قبل أن تتورط روايات سبعينيات القرن
العشرين في اإليديولوجيا بأن جعلت من الروائي رجال حزبيا متعصبا لمواقفه السياسية
يصب جام غضبه على من يعتبره عدوه الطبقي أو السياسي ،أو غريمه اإليديولوجي
فاستضافت الرواية بطال رئيسيا جديدا تمثل في المناضل السياسي التقدمي المستعد
لقضاء زهرة عمره في السجون من أجل مواقفه وأفكاره…
38
لكن الروائي المعاصر وإن سلط منظار سرده على شخصيات بسيطة وعادية من
مختلف الشرائح فإنه تحول إلى ما يشبه األنتروبولوجي والباحث في التراث
اإلنساني ينهل من األساطير والرموز ووينفتح على مختلف األشكال التعبيرية محطما
الحدود بين األجناس األدبية ،فتميزت الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وإثارة األسئلة
الكبرى ،أكثر من البحث عن األجوبة ،فوجد القارئ نفسه أمام روايات شعرية (خاصة
بعد ولوج عدد من الشعراء ميدان الرواية)[ ،]2وروايات دسمة حبلى
باألفكار واإلحاالت التاريخية الفكرية ،الفلسفية ،الفنية ..كتابها منفتحون على
السينما ،التشكيل ،الفلسفة ،األديان ،األسطورة ،الحكاية الشعبية واألنتروبولوجيا… ،
فقدموا للقارئ روايات أقرب ما تكون إلى كتب فكرية اعتمد فيها كاتبوها على مراجع
ومرجعيات متعددة ،وكلفتهم عناء بحث طويل ،وليس أمام روايات تخييلية يختلي فيها
الكاتب مع نفسه ليخرج للقارئ برواية إبداعية مصدرها الوحيد اإللهام والذاكرة ،وفي
مقابل ذلك ال بد من التذكير بوقوفنا على عدة روايات معاصرة وجدنا أنفسنا متورطين
في قراءتها واستعصى علينا أنهاها لغياب أي مؤشر يجعل منها عمال روائيا يرقى إلى
أدنى مستوى فني يسمح بجعلها مادة للنقد والدراسة…
ومع ذلك هناك عدد من الروايات التي لقيت نجاحا ،ونالت حظوة القارئ العادي
والناقد المتمرس ،واستطاعت ـ وإن لم تناقش قضايا كبرى ـ أن تحول الصراع من
الواقع العام إلى صراع داخل الذات ،جاعلة من الذات فضاء لمرايا متقابلة يتناسل فيها
الدمار والعنف فشكل تيمات دمار القيم ،دمار الذات ،دمار الحياة تيمات أساسية في
معظم الروايات فقدمت أبطاال غير أسوياء ،وكأن الرواية المعاصرة تركت العام
العادي ومحورت متونها حول بعض الحاالت الخاصة في المجتمع ،وحتى إن عالجت
قضية عامة (كقضية البدون في الخليج مثال ) جعلت منها قضية مرتبة بالشخصية
الروائية وليست قضية رأي عام هكذا وجدنا منها ما يركز على األقليات الدينية
كاليهودية كما في رواية (في قلبي أنثى عبرية لخولة حمدي) من تونس أو المسحية
مثلما في رواية (طشاري ) للعراقية أنعام كشاجي وعدد من الرويات المصرية التي
عالجت مشاكل األقباط ..ومنها من جعل من الشذوذ الجنسي همها الوسواسي إذ وجدنا
39
عددا كبيرا من الروايات المعاصرة تالمس بدرجات مختلفة موضوع الشذوذ في
المجتمع العربي في مشارق العالم العربي ومغاربه من الكتاب الكبار كما فعل عالء
األسواني في (عمارة يعقوبيان ) أو من الشباب كرواية (العفاريت ) ألبراهيم الحجري
من المغرب حيث البطل يفضل ممارسة الجنس مع دابته الشهباء على ممارسه مع أي
امرأة ،دون أن تتخلف النساء عن خوض معالجة موضوع الشذوذ في مختلف األقطار
العربية مغربا كما هو الحال في رواية (طريق الغرام) لربيعة ريحان من المغرب إذ
البطل الزوج يعاني الشذوذ ويحب أن يمارس عليه الجنس مما أثر في عالقته بزوجته
عند اكتشافها لشذوذه ،أو في الجزائر كما في (اكتشاف الشهوة) لفضيلة الفاروق حيث
يمارس الشذوذ على البطلة من طرف زوجها السكير منذ ليلة الزفاف إلى أن طلقت
منه حتى أيام رمضان دون أدنى احترام لمشاعرها وطقوسها اإلسالمية ،وكذلك
وجدنا في اليمن رواية (زوج حذاء لعائشة) للرواية نبيلة الزبير إذ الزوج (رجل الدين)
يغتصب ويمارس الشذوذ على زوجاته األربع حتى وهن خاشعات في صالتهن []3
واألكيد أن من يواكب جديد الرواية العربية يالحظ مدى التركيز على األبطال الذين
يعانون القلق ،الخوف ،االزدواجية في الشخصية ومختلف األمراض النفسية ليتراجع
حضور الرواية السياسية ورواية القضايا الوطنية ،بل إغراق الروية العربية
المعاصرة في التركيز على الذات بتقديم نماذج تمثل المفرد المنغلق الباحث عن الهدوء
وراحته ( وراء الفردوس لمنصورة عزد الدين نموذجا ) فهمشت الرواية المعاصرة
لقضايا القومية وحتى القضية الفلسطينية التي ظلت تشكل محورا هاما في الرواية
العربية بعد النكبة والنكسة كما كان في أعمال غسان كنفاني وإميل حبيبي وغيرهما ،
بل أكثر من ذلك هـ ُ ِّمشت القضايا الوطنية القطرية و القومية واإلنسانية الكبرى لحساب
القضايا الذاتية فكان لكل شخصية روائية قضيتها الذاتية تبحث لها عن مخرج في واقع
َّ
لكأن روايتنا أضحت حسب تعبير جورج متشرذم فاسد يعمه الدمار والعنف حتى
لوكاتش (تاريخ بحث منحط عن قيم أصيلة في عالم منحط) ،لذلك تميزت أفعال معظم
أبطال الرواية العربية المعاصرة بطابع (التشيطن )[ ]4فتنوع األبطال بين المحتال،
المتملق ،المجنون ،المجرم الوصولي واألناني المتطرف في كل شيء (في شرب
40
الخمر ،في الجنس ،في تعاطي الدعارة…) وغيرها من الشخصيات التي ال تعير
اهتماما للقيم في مجتمعات عربية تتجه نحو الفردانية واالمتثال لقوانين اللبيرالية
المتوحشة بشكل يستحيل معه أن نفصل بين ما ينسجه خيال روائيينا وما يدور تحت
أقدامنا على األرض العربية .ودون القول باالنعكاس اآللي الميكانيكي بين العالمين ،
ولكن على األقل عكس إحساس المبدعين بالعجز أمام التحديات الكبرى التي فرضت
نفسها على واقعنا المعاصر ،حتى وإن لم تكن بشكل واقعي صرف فعلى األقل في
إطار ما سماه لوكاتش (الواقعية الكاذبة للرواية)[]5
وإن رأى البعض في كل ذلك عينا سوداوية ينظر بها كتاب الرواية إلى الواقع العربي ،
فنحن نرى أن ذلك تعبيرا عن تعدد المرجعيات ،ونوع زوايا النظر للواقع مما جعل
من ا لرواية أطارا لكل المتناقضات قادرا على تمثيل مختلف الحساسيات والمرجعيات
الثقافية وإعادة تشكيلها في قالب فني ولعل ذلك ما عجزت عنه عدة فنون أخرى…
وبالقدر الذي يغرق في العالم العربي في التشرذم واالقتتال تعرف الرواية العربية
انتعاشا غير مسبوق في الكم والنوع ،انتعاشا تساهم فيه كل األقطار العربية بظهور
مراكز ثقافية جديدة كانت مساهمتها إلى عهد قريب في اإلبداع الروائي
ضعيفة ،فقدمت أقالما شابة من المشرق والمغرب ،ولم تبق ريادة اإلبداع الروائي
حكرا على المراكز الثقافية التقليدية (مصر والشام ) وإنما انخرطت فيها وبقوة كل
األقطار واألمصار العربية (الخليج ،المغرب العربي ،العراق واليمن )..كما لم تبق
الكتابة الروائية حكرا على الرجال و اقتحمت غمارها أقالم نسائية تفوقت في أحيان
على الذكور… .وقد حتم هذا الزخم على األدب العربي النزول من على صهوة جواد
الشعر وركوبه ظهر الرواية التي غدت قاطرة الكتابة اإلبداعية لدى العرب بامتياز،
بعدما تمكن الروائيون الجدد من تطوير فن الممارسة اإلبداعية شكال تعبيريا وجعلوها
أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين في هذه الفترة،
والنو َع األدبي النموذجي األنسب للمرحلة ،المــُولِّد والحاضن ألشكال أخرى ،فرضت
نفسها بقوة ،خاصة (المسلسالت التلفزيونية ،السينما ،المسرح )..التي تتخذ من النص
الروائي منطلقها … فكانت الرواية بذلك أقدر األجناس األدبية على التقاط تفاصيل
41
وذبذبات العصر في وقت كادت بعض األجناس أخرى تقف عاجزة عن مسايرة سرعة
وإيقاع التفاعالت المتالحقة ..إذ تربع الرسم على عرشه العاجي بعيدا عن الواقع بانيا
جدارا سميكا بينه وبين فئات واسعة من العرب التي تعتبره فنا نخبويا ال يالمس واقعها
فلم يتمكن من كسب ود الجماهير ،كما بقيت األغنية تفرّق كـؤوس الهوى،الحب
والغرام على جمهور أشد ما يفتقر إليه هو الحب ..وفضل الشعر أخذ قيلولة – نتمناها
مرحلية -أبعدته عن اهتمامات اإلنسان العربي المعاصر ،جعلت من الشعر ـ رغم
كثرة الدواوين الصادرة ـ صيحة في واد غير ذي زرع ،الشعراء فيه يرددون (ال حياة
فيه لمن ينادي…)
42
ليوسف زيدان طبعت أزيد من 20طبعة ،ساق البامبو لسعد السعنوسي طبعت
أزيد من 12طبعة في سنة واحدة) وقس على ذلك عددا من األعمال الناجحة …
يتضح لك عزيزي القارئ أن الرواية العربية المعاصرة إذن أصبحت نوعا من الكتابة
تميز بخصائص يتحتم علينا االقتراب منها لقناعتنا حسب تعبير بيرسي لبوك أن (هناك
العديد من المواد المختلفة الواضحة للعين المجربة وضوح الحجر والخشب تدخل في
بناء الرواية ومن الضروري معرفة الغاية منها )[ ]6مرتبط زمنيا ببداية األلفية
الثالثة ،وما أنتجه الساردون العرب في حوالي العقد ونصف من مطلع القرن الواحد
والعشرين ،وفنيا بخصائص في الكتابة السردية لم يكن للعرب عهد بها،
وطريقة أملتها ظروف المرحلة التي ساهمت في خلق تراكم كمي غير مسبوق
… وهو نتاج زاخر يكاد يفوق ما أنتج في عقود من التأليف الروائي…
لكن هذا النتاج الروائي الضخم للرواية المعاصرة لم يصاحبه ما يستحق من النقد حتى
يقوم بعض اعوجاجه ويساعده على تشكيل كيانه الخاص ،ذلك أن الرواية العربية
بعد نتاج الستينيات والسبعينيات مع مؤلفين كبار أمثال نجيب محفوظ ،عبد الرحمان
منيف ،يوسف السباعي ..دخلت في العقد األخير من القرن العشرين مرحلة انتقالية ،
شاخت فيها األقالم المؤسسة ،ولم تستطع األقالم الشابة فرض قلمها بعد ،فعاشت
الرواية ما يشبه مرحلة اجتفاف ومرت من سنوات شبه عجاف ،كاد ينضب فيها معين
السرد العربي… لكن ما أن هلت األلفية الجديدة ،وما صاحبها من أزمات توالت على
العالم العربي بعد حرب الخليج الثانية واجتياح الكويت ،وسقوط بغداد وتفجير الربيع
العربي وغير ذلك من األحداث التي زلزلت األرض تحت أقدام المبدعين ،فأوقدت
اإلبداع الروائي من سب اته مكرسا مقولة ازدهار اإلبداع األدبي في مراحل الصراع
واألزمات السياسية؛ ولنا في العصر الجاهلي – حيث صراع القبائل -والعصرين
األموي والعباسي – حيث الفتوحات والصراع مع الفرس والروم -وعصر الطوائف
في األندلس ..حتى تدفق نبع الرواية المعاصرة .لنؤكد أن الرواية عرفت بعد حرب
الخليج الثانية وما عقبها من صراعات إنتاجا كميا ونوعيا بتأليف عشرات الروايات
في مشارق الوطن العربي ومغاربه ،نعلن منذ البداية صعوبة مواكبتها كلها مكتفين
43
بالوقوف على بعض ما سمحت لنا الظروف بقراءته ومعالجته في هذا الجزء ..ومقابل
هذا السخاء في اإلبداع يالحظ تراجع النقاد للظل ،فقل التنظير الروائي مقارنة مع
مرحلة السبعينيات ،ووهنت همم النقاد في متابعة الجديد ،بعدما حطمت الرواية الحدود
التقليدية ،وتخلصت من جلباب األكاديمي الذي ظل يأسرها ،فخرجت الرواية
المعاصرة من أسوار الجامعات والمعاهد ،وبحثت لنفسها عن تربة جديدة
فاستطاعت تقديم أقالم شابة جريئة لها رؤيتها للعالم من حولها ،واستطاع التيار أن
يجرف معه من ال زال قادرا على العطاء من مبدعي جيل السبعينات …
إن الرواية المعاصرة لم تجعل نفسها سجينة نمط واحد ،وإنما حاول بعض الروائيين
المعاصرين االنفتاح واالستفادة من األشكال التراثية خاصة أدب الرحلة كما وجدنا في
روايتي النبطي ليوسف زيدان ،ورواية تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية لعبد
الرحيم الحبيبي… ومنهم من هام في العجائبية ينسج أحداثا في عالم افتراضي خيالي
يستحيل لعقل تصوره كما في روايتي ضريح أبي لطارق إمام ،وفرانكشتاين في
بغداد ألحمد سعداوي ،ومنهم من غاص في التاريخ القديم أو الوسيط كما فعل يوسف
زيدان في روايتيه عزازيل والنبطي ،وربيع جابر في رواية دروز بلغراد ،وعدد منهم
التفت للتاريخ القريب :سواء زمن ما قبل االستعمار (تغريبة العبدي) أو زمن
االستعمار وما بعده والصراع حول السلطة والشرعية بين نخبة من السياسيين المثقفين
وخلفاء االستعمار وجعل تيمات الوطنية ،االعتقال والسجون (مثلما وجدنا في الساحة
الشرفية لعبد القادر الشاوي ورواية طائر أزرق نادر يحلق معي ليوسف فاضل من
المغرب )..مادة للكتابة الروائية المع اصرة ،دون أن يمنع ذلك كتاب الرواية الشباب من
مقاربة القضايا االجتماعية المستحدثة كاإلرهاب منا في رواية (القوس والفراشة لمحمد
األشعري) ،والعنف /التسامح كما في روايتي :في قلبي أنثى عبرية لخولة حمدي من
تونس ،ورواية..واالستعمار الجديد والتطرف الديني حرمة لعلي المقري و رواية
زوج حذاء لعائشة الزبير ،الطائفية في الوطن العربي رواية أوهام لنازك سبا
يارد… ، ،توسع المدن /استغالل النفوذ والصراع حول السلطة… ناهيك عن القضايا
التقليدية كالجنس وضعية المرأة في الوطن العربي التي شغلت حيزا هاما في الرواية
44
المعاصرة لدرجة ال تكاد تخلو رواية من إشارات جنسية تصريحا ألو تلميحا بل منها
ما جعل من الجنس ـ كاتبا كان أو كاتبة ـ بؤرة روايته/ها األساسية…
أما من حيث الشكل فقد اتجهت عدة روايات إلى تكسير قواعد الكتابة الروائية
الكالسيكية؛ بالتخلي عن السرد الخطي التصاعدي المتسلسل ،واللجوء إلى تكسير
المسرود واعتماد نظام الفوضى في تقديم أحداث عمله لدرجة قد يشعر قارئ بعض
األعمال غياب ذلك الخيط الرابط بين التفاصيلها .نتيجة اإلسراف في التكرار والتركيز
على تفاصيل ،قد تبدو لمن اعتاد قراءة األعمال الكالسيكية ،غير ذات جدوى ،عندما
يغرق ا ألبطال في سرد معاناتهم الشخصية في ظل الواقع العربي المأزوم الذي يستحيل
على مخيال الروائي تقديم حلول له لذلك حاول بعض الروائيين الهروب من
(اآلن) إلى الماضي فحكت عدة روايات أحداثها في الماضي والهروب من ال (هنا)
بأن هربت باألبطال إلى خارج الحدود العربية فهربت فوزية شويش السالم في (ساللم
النهار) بطلتها إلى مكان معزول على قمة جبال والية مسندم الواقعة على رأس
مضيق هرمز ،وطاف كل علي المقري ،وفضيلة فاروق ،وبثينة العيسى ،وسعد
السعنوسي ومحمد الشعري … بأبطالهم عي عوالم كثيرة بعيدا عن الواقع العربي
إن الرواية العربية المعاصرة تعرف تدفقا هادرا ،وزاد من هذا التدفق إنشاء مسابقات
وطنية ،جهوية وقومية شجعت المبدعين على الكتابة والتباري ..ساهمت في سطوع
أسماء جديدة وإخراج الكتابة الروائية من جُبّ ما هو أكاديمي ،لتغدو تعبيرا عن
الحساسية العربية الراهنة وفي مؤلفات دسمة وضخمة من حيث الحجم تجاوز بعضها
الخمسمائة صفحة ،دون أن يقف الحجم أمام شهية القارئ العربي النهم لكل ما هو جيد
،فأزاحت الشعر من على برجه العاجي واقتنع معظم الشعراء بدواوين في بضع
صفحات ،بعدما ضاعفت الرواية المعاصرة من سرعتها مع تزايد قرائها ،وكثرة
إصداراتها إبداعا فاستحقت لقب (ديوان العرب المعاصر) وهو تدفق لم يواكبه –
لألسف -نفس التدفق في النقد الروائي تنظيرا وتحليال ،فظل عدد من الروائيين تائهين
كمن يقود سفينة دون بوصلة ،وفي غياب المصاحبة النقدية تجن على بعض األعمال
45
الجادة التي لم تجد من يوصلها للقارئ ..وتجن على بعض المواهب التي كانت في
حاجة إلى تنبيهها لعيوبها لتتجنبها في أعمالها الالحقة..
هذه بعض المالحظات العام على عوالم الزالت في إطار التبنين والتفاعل :تفاعلها
كنصوص مع مواقع غير مستقر ،وتفاعل القارئ معها مما جعل منها مادة حبة يصعب
دراستها سانكرونيا أو دياكرونيا ،فلم يبق أمامنا إال مالحظتها في تفاعلها من وجهة
نظرنا ،وقد تكون لنا غير هذه النظرة لو الحظناها من زاوية أخرى أو في ظروف
أخرى … يتبع
– الرواية العربية ـ المتخيل وبنيته الفنية دار الفارابي ط 1بيروت 2011ص 142
[ – ) ]2أنظر مقالة حول شعرية الرواية في (القوس والفراشة ) للروائي والشاعر
المغربي محمد األشعري
[ – ]3سيصدر لنا قريبا جزء ثاني عن الرواية العربية المعاصرة بنون النسوة
[ – ]4ص -عن كتاب الشكل القصصي في القصة المغربية ج 1عبد الرحيم مودن
منشورات دار األطفال ط – 1988 1ص – 25
[ – ]5ص – الرواية كملحمة بورجوازية ت ـ جورج طرابيشي دار الطليعة
بيروت ط 1979 1ص ـ 74
بنية النص السردي من منظور النقد – لحمداني حميد – المركز [] 6
الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع – ط – 1999 1ص .14
46
الواقعية السحرية في الرواية العربية
القاهرة ــ «القدس العربي» :يتطرق حامد أبو أحمد في كتابه الصادر حديثا ً «الواقعية
السحرية في الرواية العربية» إلى مفهوم هذا التيار من حيث األسلوب والرؤية في
األدب العربي ،والرواية بشكل خاص .يذكر المؤلف في مقدمته أن مصطلح الواقعية
ال سحرية ال يقتصر على العجائبي فقط في الحكاية ،كما في ألف ليلة وليلة ،لكنه كتيار
انتشر في منتصف القرن الفائت له ليس وليد المصادفات ،فالواقعية السحرية بمفهومها
الحديث تقوم على ثالثة ارتباطات أساسية هي العجائبي واألسطوري والسيريالي ،كل
ذلك من خالل استخدام تقنيات القص الحديث ،من دون االقتصار فقط على توظيف
العجائبي في فن الرواية.
وال ينفي المؤلف من خالل أقوال كتاب أمريكا الالتينية أنفسهم األهمية القصوى لكتاب
ألف ليلة وليلة ،ومدى تأثيره ،لكنهم ولظروفهم السياسية واالجتماعية وظفوا وخلقوا
أساطيرهم وحكاياتهم الخيالية التي تتضافر مع الواقع الروائي ،يستشهد المؤلف بآراء
بورخيس وماركيز في هذا الشأن .ويُشير أيضا ً إلى ما يزخر به التراث العربي
بحكايات وأبيات شعرية تتالمس والعجائبي واألسطوري ،والسيريالي ــ حتى في
النصوص المقدسة ــ األمر الذي يتعدى بنية الحكي إلى البنية العقلية للسارد.
.ويأتي المؤلف بمناقشة هذا التيار من خالل بعض األعمال الروائية العـــــربية مثل
«ليالي ألف ليلة» لنجيب محفوظ« ،الشطار» لخيري شلبي« ،الغجرية ويوسف
المخزنجي» إلدوار الخراط ،و»الواقعية السحرية في أدب محمد مستجاب» ،إضافة
إلى مناقشة هذا الملمح في أعمال سعيد الكفراوي ،عبد العال الحمامصي ،وخيري عبد
الجواد .صدر الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ويقع في 314صفحة من
القطع الكبير.
47
بنات الرياض :مرآة مجتمع في زمن العولمة
ُكليزار أنور – العراق (عود الند ،العدد )61
*"بنات الرياض" رواية للكاتبة رجاء عبدهللا الصانع .صدرت عن دار الساقي ،بيروت
( .)2006الطبعة الرابعة.
دائما ً تأخذ األسرار حيزاً كبيراً من االهتمام .إنه الفضول نحو المجهول واالطالع عليه.
بحجر في
ٍ واستطاعت الروائية أن تُضيء لنا عالما ً كان غامضا ً بالنسبة إلينا .لقد رمت
بحيرة األسرار .واتسعت الدوائر!
رواية "بنات الرياض" أول إصدار لطبيبة األسنان السعودية رجاء عبدهللا الصانع
(مواليد .)1981الرواية تحاكي لغة العصر ،االنترنيت .تبدأ بتاريخ أول ايميل في
2004/2/13لتنتهي بآخر ايميل في – 2005/2/11توقفت فقط خالل شهر رمضان.
وعاودت اإلرسال بعد انقضاء الشهر الفضيل -خمسون ايميالً وعلى مدار سنة .هو
زمن الرواية ،أما زمن الحكايات ،فيعود لست سنوات سابقة.
ايميالت ترسلها فتاة مجهولة كل يوم جمعة إلى معظم مستخدمي االنترنيت في
السعودية .تقص فيها حكايات صديقاتها األربع (قمرة ،ميشيل ،سديم ،لميس) .هذه
االيميالت خلقت ثورة داخل مجتمع كمجتمع السعودية .بحيث يتحول نهار السبت إلى
ساحات ودوائر للمناقشة في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية .وكتبت عنها
الصحف .وتحولت إلى قضية ناقشتها البرامج التلفزيونية .والكل يفسر االيميل حسب
هواه .والكل يدلي بدلوه ،بين مؤيد ومعارض.
ال خلل في الرواية .رواية متماسكة دراميا ً ومترابطة من حيث أدوار الشخصيات.
هناك سلطة مهيمنة من ساردة واحدة تروي من زاوية واحدة وصوت واحد حكايات
صديقاتها األربع:
"إنني ال أرى عيبا ً أن أُورد عيوب صديقاتي في رسائلي ليستفيد منها اآلخرون ممن لم
تُتَح لهن فرصة التعلم في مدرسة الحياة ،المدرسة التي دخلتها صديقاتي من أوسع
أبوابها :باب الحب!" ص.68
ولم تسطر رجاء الصانع جنونا ً روائياً ،بل سطرت الواقع كما هو ،كمن يرى نفسه في
مرآة ،ومهما كانت العيوب والمزايا .كل ما فعلته إنها أزاحت الستار وبكل جرأة –
وليس عليها -عن عالم مخملي ال يعرف أخباره سوى َمن ينتمي إليه.
َ تُحسب لها،
قمرة
أول واحدة تزوجت بينهن .وسافرت مع زوجها بعد شهر العسل إلى شيكاغو لكونه
يُحضر الدكتوراه في التجارة االلكترونية .عاشت حياتها الجديدة بكثير من الخوف
والتوجس بين جدران شقتها الكائنة في الطابق األربعين من (البريزيدنيشال تاورز ،أي
أبراج الرئيس).
48
تعامل معها راشد بجفاء وبرود منصرفا ً عنها لدراسته تاركا ً لها مسؤولية االعتناء
بالمنزل ،وبتصرفه هذا كان يقتلها كل يوم مئات المرات .وكم حاولت استمالته ،لكن
دون جدوى!
وتكتشف خيانته بالصدفة حين وجدت صوره المخزونة في الكومبيوتر .وتتصل بهذه
المرأة اليابانية (كاري) –التي سرقت زوجها منها -وتواجهها .وعندما يعلم راشد
ينهرها ويضربها ويأمرها أن تعتذر منها .تخبره بأنها حامل متصورة بأن حملها
أسف .وبعد مدة قصيرة يرسل لها ورقة ٍ سيعيده إليها .يُسفرها إلى الرياض وبدون
الطالق .وتُرزق بصبي في بيت أهلها تُسميه (صالح) على اسم والد راشد.
بعد ثالث سنوات خطبها عقيد عسكري متزوج سابقا ً ولم ينجب .ويشرط عليها أن
تترك ولدها عند والدتها ،فرفضته بعد أن صلت صالة استخارة .وتفرغت لتربية ولدها.
والعمل مع صديقتها (سديم) في شركة تنسيق األعراس والحفالت.
ميشيل
أو (مشاعل) طالبة في كلية الحاسب اآللي .ذات الجمال النجدي والشخصية األمريكية.
أحبت (فيصل) الشاب المتحضر الذي يعرف كيف يتصرف مع المرأة .في عيد الحب
استلمت منه سلة كبيرة تناثرت فيها الورود والشموع على شكل قلوب .واستمرت
عالقتها به أكثر من سنة .الجميع يعتبرونها سيئة لمجرد أن والدتها أمريكية .وعندما
أخبر والدته برغبته باالرتباط بها .قامت الدنيا ولم تقعد.
كانت صدمتها قوية عندما نقل لها فيصل ما دار بينه وبين أمه تاركا ً لها استنتاج
األسباب .وابتعد عنها بكل بساطة متهربا ً حتى من مسؤوليته في امتصاص ردة فعلها!
ولجأت إلى طبيب نفسي مصري ،لكن هذا الطبيب لم يفهم أبعاد مشكلة نفسية سعودية،
فالخلفيات االجتماعية في كل بلد تختلف عن اآلخر .وللتغلب على جرحها .تركت
الرياض مغادرة إلى سان فرانسيسكو حيث يسكن خالها لتدرس في إحدى جامعاتها.
تأقلمت بسرعة واندمجت في نشاطات الجامعة وكان البن خالها الدور الكبير في
مشاركاتها هو ورفاقه .وفسرت في داخلها اهتمام ابن خالها على أنه حب ،فالسنوات
التي قضتها في السعودية جعلتها تفسر أي اهتمام من أي رجل على أنه حب .وقرر
والدها الهجرة إلى عاصمة الحرية (دبي).
اتخذا أبواها هذا القرار بعد عجزهما في االنسجام مع المجتمع السعودي المتزمت ،على
أن تكمل ميشيل دراستها في قسم االتصاالت المرئية في الجامعة األمريكية بدبي.
تأقلمت بدبي أيضاً .وتعرفت على (جمانة) ،طالبة إماراتية ،وابنة أحد أكبر رجال
األعمال في اإلمارات والخليج تدرس معها تقنية المعلومات .وعملت خالل العطلة
الصيفية في محطة والد جمانة الفضائية .عملتا معا ً في إعداد أحد البرامج الخاصة
بالشباب .الذي يبث أسبوعيا على الشاشة الصغيرة.
أعجبها العمل اإلعالمي .وطورت نفسها كثيراً وبدأت تعمل بجد ونشاط مميزيّن لحصد
المزيد من النجاح والشهرة .رغم قرارها بعدم االرتباط بأي رجل بعد فشل تجربتيها مع
فيصل وماثيو ،إالّ أن الحياة ال تستمر بدون حب .كان ميلها واضحا ً نحو زميلها
(حمدان) المخرج الشاب الذي يقوم بإخراج برنامجها األسبوعي.
49
سديم
أحبت وليد وأحبها حبا ً ال يوصف .وخطبها .و ُعقد قرانها عليه .واستمالها ،فسلمت
نفسها إليه باعتبارها زوجته وإن لم تُزف إليه .غاب عنها .ووصلتها ورقة الطالق بعد
أيام .انصدمت باألمر وتفاجأ الجميع برسوبها ،وهي المعروفة بتفوقها .لملمت جرحها
مع ثيابها وغادرت عاصمة الغبار إلى عاصمة الضباب.
كانت تقضي وقت فراغها بالقراءة –فهي أثقفهن -وبعد أن وجد لها والدها وظيفة في
بنك ( )HSBCاندمجت مع زمالئها الموظفين .وتعرفت هناك على (فراس) الشاب
السعودي –يدرس الدكتوراه في العلوم السياسية -صديق زميلها (طاهر الباكستاني) ولم
تزد لقاءاتها به على ثالث مرات وبالصدفة.
انقضت العطلة الصيفية وعادت إلى الرياض وفي نيتها توديع الحزن واستقبال الفرح
المنتظر .وفي الطائرة تفاجأت بوجوده على متنها .وجلست بجانبه على المقعد الشاغر
بالصدفة .وقبل أن يفترقا يطلب منها رقم هاتفها.
ذاع صيت فراس بعد عودته من لندن وبدأت صوره تتصدر صفحات الصحف
والمجالت بصفته مستشاراً في الديوان الملكي .وغزل الحب خيوطه بينهما .ولصدقها
أخبرته عن كبوة ماضيها الوحيدة التي تخفي جراحها عن الجميع.
رجل شرقي (أعزب) –ومهما بلغت درجة حريته وعيشه في ٍ بدأ عليه التغيير ،فما من
بالد الغرب -يرضى بالزواج من امرأة مطلقة قبل زفافها.
مات والدها بسكتة قلبية مفاجأة في مكتبه وسط المدينة .وبدأت تفكر كيف ستعيش
وحدها وال أب وأم يرعيانها ،فقد ماتت أُمها حتى قبل أن تتعرف عليها .وبعد ثالث
سنوات من عالقتها بفراس يبلغها بخطوبته على قريبة أحد أزواج أخواته الخمس:
"بعد سنين من سعيها وراء الكمال الذي ال يليق برجل مثل فراس سواه ،ركل فراس
كمالها بقدمه والتفت إلى العادية".ص.236
آلمها األمر بشدة واتخذت قرار االبتعاد عنه نهائياً .وحاولت بصدق أن تتجاوز محنتها.
نجحت بتفوق في تلك السنة –لم يخبرها بخبر خطوبته إالّ بعد انتهاء امتحاناتها -لم يكن
أمامها سوى عرض خالتها بتزويجها من ابنها طارق الطالب في كلية طب األسنان.
كانت غير راضية ،لكنها ستقبل فكرة السفر والعيش معهم في مدينة الخبر.
بعد التخرج لم تجد وظيفة مناسبة .وشدت الرحال إلى حيث تسكن أسرة خالتها.
وقررت العمل هناك في مجال تنسيق الحفالت واألعراس.
الكل كان يرعاها وخاصةً طارق الذي أحبها منذ طفولتهما واستمر بحبه لها الذي عجز
أن يخترق قلبها كل هذه السنين .وذات ليلة فاتحها بموضوع االرتباط ،لم تعطه الرد إالّ
بعد أسبوعين بعد أن اتصل بها فراس طالبا ً الزواج منها .أقفلت الخط بوجهه وعادت
إلى ابن خالتها تبلغه موافقتها على الزواج منه.
50
لميس
طالبة في كلية الطب .لها أخت توأم اسمها (تماضر) ورغم التشابه الظاهري بين
االثنتين إالّ أن هناك اختالفات شاسعة بينهما في الطباع واألفكار .كلتاهما في نفس
الكلية ،لكن تماضر هادئة ،مطيعة وحدها مثار إعجاب األساتذة واألستاذات لجديتها
الشديدة وشخصيتها المنضبطة بعكس لميس الجريئة في كل شيء والمفضلة لدى
زميالتها.
والدهما الدكتور عاصم حجازي عميد كلية الصيدلة سابقا ً ووالدتهما الدكتورة فاتن
وكيلة سابقة في الكلية نفسها .وكان لألبوين الدور الحاسم في تفوقهما الدراسي.
لها اهتمام بالتنجيم .وتتواجد في حقيبتها –على الدوام -أحدث إصدارات ماغي فرح.
وما أن تجد أي شخص حتى تسأله عن برجه لتحلل شخصيته.
أقرب صديقة لها –كانت ولم تزل ميشيل -كلتاهما متقاربتان في كل شيء تقريباً .أما
عالقاتها بصديقاتها الباقيات ،فتأخذ مثار الجدل ،من فدوى السايكو لألميرة سارة
لفاطمة.
ً
وتتعرف على شقيق األخيرة ،علي ،الذي يدرس الطب أيضا ،وفاطمة هي التي دبرت
اللقاء بينهما بعد أن رأى صورتها مع شقيقته وأُعجب بها .استمرت عالقتها به شهوراً.
كانا يذاكران معا ً في الجامعة ويلتقيان في أحد المقاهي خارجها .وخالل إحدى اللقاءات
داهمتهما جوقة من رجال هيئة األمر بالمعروف واقتادتهما إلى مركز الهيئة .وبعد
التحقيق اتصلوا بوالدها .واصطحب ابنته للبيت بعد أن وقع على التعهدات المطلوبة.
وانتهت عالقتها به وبأخته منذ ذلك اليوم.
لميس أفضلهن في معرفة االنترنيت وخباياه ،فقد بدأت عالقتها به مذ كانت في الخامسة
عشرة من عمرها ،عندما بدأ والدها باستخدامه عن طريق البحرين .وتخرجت األختان
من كلية الطب البشري واستغلتا العطلة الصيفية في التدرب في إحدى المستشفيات
بجدة.
تماضر انقطعت عن التدرب بعد أسبوع ،فقد عجزت عن التأقلم في هذا الوضع
المزعج بعكس لميس التي اندمجت مع كل الموظفين واألطباء في المستشفى –رغم إنها
الفتاة الوحيدة بينهم -وكان معها زميل آخر اسمه نزار كشف لها هذا التقارب الذي لم
تخطط له شخصيته الرقيقة واعتادت عفويته وأدبه الجم .وقررت إيقاعه في شباكها –
ووضعت مدة ثالثة أشهر فترة زمنية لهذا االختبار -مألت مذكراتها بخطط حربية
وقوانين يجب عليها السير وفقها ،كي ال يشطح القلب مع األيام –وهذه الطريقة علمتها
إياها والدتها الدكتورة فاتن -وقبل أن تنتهي المدة التي وضعتها لنفسها تقدم لخطبتها
رسميا ً من أهلها .وبعد خطبة قصيرة لم تتجاوز ثالثة أسابيع جاء زفافها .وحضرته
الصديقات األربع .وكانت الوحيدة بينهن التي حققت حلم الزواج من الحب األول في
51
حياتها .وبعد عودتها من شهر العسل قررت ارتداء الحجاب .وجدت أنه حان الوقت
لتغيير مسار حياتها إلى ما يرضي هللا.
أربع شخصيات فعالة هي التي حركت مسار الحكايات .والراوية تكشف عن نفسها
لتنسحب بسرعة خاطفة وتترك آثارها ايميالت تبوح بسر من حولها .وتكشف لنا بأن
أسماء البطالت وهمية رغم حقيقة قصصهن.
"ما الذي يجبرني على الكتابة عنهن إن لم أكن مؤمنة بهن؟ أنا كل واحدة من صديقاتي،
وقصتي هي قصصهن ،وإذا كنت قد امتنعت عن اإلفصاح عن هويتي حاليا ً ألسباب
يوم ما عندما تزول هذه األسباب ،وأسرد لكم حينها قصتي
خاصة ،فقد أفصح عنها في ٍ
–أنا -كاملة ،كما تتوقون لسماعها ،بصدق وشفافية".ص.140
رواية "بنات الرياض" خط سردي واحد ،يلضم خرز الحكايا .حكايا مجتمع ازدواجي،
فيه المكشوف أكثر خفا ًء والمخفي أكثر ظهوراً.
52
خمس روايات عن الثورة السورية راجعناها لكم
رصيف 15/ 22تشرين األول 2016
53
موسم سقوط الفرشات ،عتاب شبيب
يلتقي نزار صديقة طفولته نور ،وكل منهما يعاني من فقدان عاطفي .هو
هجرته زوجته بعد أن اقتيد إلى ورالخدمة العسكرية اإللزامية ،وهي
اختفى زوجها بعد االعتصام الكبير في مدينة حمص .هكذا يتق ّر ب
الصديقان القديمان أحدهما من اآلخر كي ينسيا خيبتيهما العاطفيتين .وفي
هذا التقارب يروي كل منهما لآلخر حكايات الحرب التي ال تنتهي .هكذا
ب دخلت عامها الخامس. سنكون أمام شال ٍل متف ّج ر من الحكايات عن حر ٍ
يقرر الراوي ،وهو كاتب سوري ،العودة إلى بالده بعد سنوات من البعد،
لينجز أفالما ً وثائقية عن الثورة السورية .وفي الطريق إلى بلدته يقف
على حاجز تفتيش ويُعتقل ألنه ال يحمل بطاقة هوية .ومن فرع المخابرات
الجوية في حمص ،والعذابات التي يذوقها المعتقلون ورصده لها ،سيخرج
بعد مدة ويصل إلى بابا عمرو ،مستعرضا ً في أيامه هناك عددا ً كبيرا ً من
المشاهد التي يراها ويريد توثيقها .تحاول الرواية رصد أدق التفاصيل
المتعلقة بالحرب وباألطراف المشاركة فيها.
54
الفرق بين النثر والشعر
إيمان الحياري ٢١ -يناير ٢٠١٦
األدب العربي
يحتضن األدب العرب ّي مجموعة من األعمال المد ّونة ،ويتك ّون األدب العربي من عدة
أصناف أساسية ،وهي المسرح والنقد واألدب القصصي والنثر والشعر ،ويعود تاريخ
نشأة هذا األدب إلى نحو ستة عشر قرنا ً أو أكثر.
النثر
يُعتبر النثر أحد أصناف األدب العربي ،وهو عبارة عن سرد كالم فني بأسلوب غير
مقيّد ال يخضع لقاعدة إيقاعية معيّنة ،ويمتاز بأفكاره الجلية ولغته العريقة ،وكما يدخل
في خصائصه سالمة منطقه ،والعامل المؤثر في كاتب النثر ،ومن أبرز الفنون التي
تدرج في قوائم النثر :القصة والخطبة والمسرحيّة النثرية والمقالة والروايات ،والنقد
األدبي وغيرها.
أنواع النثر
النثر العادي :يُعرف النثر العادي بأنه عبارة عن اللغة التي يتخاطب بها الناس
ويتفاهمون بها ،وهو شائع االستخدام في الحياة اليوميّة ،ويفتقر لبعض العناصر في
النثر الفن ّي.
النثر الفني :يُقيّد هذا النوع من أنواع النثر بأسلوب فني إذ يقتضي توارد العناصر الفنية
فيه ،ويتطلّب جودة الصياغة وحسنها وكما يفرض على الكاتب االلتزام باللغة
ومراعاتها ،وال يفتقر للمشاعر والخيال.
مميّزات النثر
االعتماد على أسلوب السرد.
تُستخدم فيها األساليب اإلنشائية واألسلوبية.
يقوم النثر على الحوارات.
يُستخدم العقل في التحليل والبرهان ويخاطبه بشكل مباشر.
الشعر
55
عبارة عن كالم منظّم وموزون ،يعتمد في نشأته على الوزن والقافية ،ويتك ّون من
مجموعة من األبيات الشعرية ،وتشكل بمجموعها ما يسمى بالقصيدة ،وتتوازن
األحرف األخيرة في أبيات القصيدة الشعريّة مع بعضها البعض ضمن قافية معيّنة،
ويُعتبر الشعر أحد أنواع الفن األدبي ،ويعتمد في نشأة قصائده على الجماليّة والصفات.
مك ّونات الشعر العربي
القصيدة :هي اثنين أو أكثر من األبيات الشعريّة المنظومة بأسلوب فني موزون،
ويكون تصنيف القصائد إلى نبطية وفصحى.
القافية ،هي موازنة ومساواة أواخر األبيات الشعريّة مع بعضها البعض ،وتوحيد آخر
حرف من كل آخر كلمة في األبيات الشعرية لقصيدة معينة مثالً أن يكون حرف الميم
أو النون أو غيرها ،شرط أن تتشابه نهاية األبيات مع بعضها.
البحر ،وهو األسلوب اإليقاعي الذي يُعتمد عليه في بالغة البيت الشعري ،كالبحر
المتقارب ،والبحر الوافر ،والبحر الهزج والبحر الطويل وغيرها.
أنواع الشعر العربي
الشعر العمودي :يُعتبر هذا النوع أصل وأساس الشعر العربي ،ويمتاز بأنّه يتك ّون من
ي إلى مقطعين يسمى المقطع األول منها الصدر عدة أبيات شعرية ،يقسم كل بيت شعر ّ
والمقطع الثاني العجز ،ويلتزم كاتب الشعر العمود ّ
ي بعلم العروض.
الشعر الحر :ظهر هذا النوع من الشعر على يد بدر شاكر السياب ونازك المالئكة،
وتعود نشأته إلى عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين ،ويكون تنفيسا ً عن الشاعر بتفريغ
طاقاته األدبية في كتابة الشعر الحر الذي يبين طموحاته ويروي همومه ومشاكله.
الرباعيات الشعرية :من أشهر الرباعيات في األدب العربي رباعيّات الخيام ،وهو أحد
أنواع الشعر العربي يمتاز باحتوائه على أربعة سطور من األبيات الشعرية تعكس
فكرة معيّنة يسعى إليها كاتب القصيدة.
مميّزات الشعر العربي
وجوب االلتزام بالوزن.
االعتماد على التفعيلة.
قابليته للتدوير.
وجوب التدرج بالقافية وااللتزام بها.
56
استخدام الصور الشعرية والفنية في األبيات الشعرية.
استخدام الرمزية والتمويه.
الفرق بين النثر والشعر
تضاربت اآلراء األدبيّة حول أسبقيّة ظهور الشعر والنثر ،لكن الغالبيّة أشارت إلى أن
األقدمية في الظهور تعود للشعر ،وهناك عدة فروقات بين النثر والشعر ،وتتضمن ما
يلي:
الشعر ،يدرج منه عدة أغراض كالمدح والرثاء والهجاء والغزل ويلتزم بنظام القوافي،
أما النثر من أغراضه السجع وال يخضع ألسلوب القوافي.
يُطلق على من ينظم الشعر ويكتبه اسم ناظم ،أما كاتب النثر فإنه ال ينظمه بل يسرده
سرداً.
يعتمد النثر على السرد واألساليب اإلنشائيّة ،أما الشعر فيعتمد على القوافي واألوزان
الشعريّة.
يُستخدم في النثر أسلوب الحوار ،أما الشعر فيعتمد على االختزال واإليجاز.
57