Professional Documents
Culture Documents
ما الماركسية
ما الماركسية
أن المفاهيم الماركسية طورتها وأثرتها ،فيما بعد ،التجارب التاريخية للطبقة العاملة
وفي حين ّ
العمالية في يومنا
ّ ً
راسخة للحركة أسسا
ً موفرة
ً ً
ثابتة، نفسهاّ ،إال ّ
أن األفكار األساسية ال تزال
ً
علمية في تفسيرها لحركة المجتمع ودور وصدقا أو أكثر
ً تفوقا
ً هذا ،إذ لم ُتطرح أي نظرية أكثر
الطبقة العاملة في تلك الحركة ،سواء قبل حياة كارل ماركس أو بعده .ولذلك فإن المعرفة
الماركسية تزود البروليتاريا بالنظرية للقيام بمهمتها التاريخية العظيمة ،أال وهي مهمة
وهذا األمر بالذات هو ما يفسر الهجمات المستمرة والمريرة على جميع جوانب الماركسية التي
ألقاها وأدلى بها كل مدافع عن النظام االجتماعي القائم ،ابتداء من المحافظين التقليديين
ً
وبدأ من أكثر هذه الهجمات إلى الجمعية الفابية ،ومن كاهني اليسوعية إلى أساتذة الجامعات.
أما إلى حقيقة لزوم تحديثها باستمرار على الرغم من ادعاء كل هؤالء بـ«تخلّ صهم النهائي»
ُس ً
من الماركسية ،يمكن للعضو/ة المفكر/ة في الحركة العمالية أن تـ/يستنتج حقيقتين اثنتين.
ً
أوال ،هو اعتراف المدافعين والمدافعات عن النظام الرأسمالي بأن الماركسية تمثل التحدي
وثانياً ،
بدال من اندثارها تحت كومة الشتائم ،و«الفضائح» ً كل محاوالتهم الرامية لـ«دحضها».
ً
خاصة داخل آخذة في االنتشار،
ً الزائفة ،والتشويهات الصارخة ،ال تزال نظريات ماركس وإنجلز
ً
خاصة تحت متزايدة من العمال تسعى،
ً أعدادا
ً أن
العمالية ،إذ ّ
ّ الفصائل النشطة في الحركة
عصف األزمة الرأسمالية ،الكتشاف القوى الحقيقية التي تشكل حيواتهم ،ليكونوا قادرين على
بوعي وإدراك.
ٍ تأثير وتحديد مصائرهم
1
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
قادرا على قيادتهم عبر متاهات األحداث
ً إن النظريات الماركسية تقدم للعمال المفكرين ً
حبال ّ
الفوضوية ،وعبر السيرورات المعقدة في المجتمع واالقتصاد والصراع الطبقي والسياسة.
وبتسلّ حهم بهذا السيف ،يمكن للعمال قطع العقدة المستعصية الرابطة بينهم وبين أعتى
ّ
ممثلو الطبقة الحاكمة بكل جهد لتشويه ً
ثابتة في مكانها ،يسعى وتحديدا إلبقاء هذه العقدة
ً
ٍ
جادة في ٍ
وعاملة عامل
ٍ كل
الماركسية في أنظار الطبقة العاملة .وعلى ذلك ،فإنه لمن واجب ّ
الحركة العمالية أن يكتشفوا ألنفسهم نظريات ماركس وإنجلز ،كشرط أساسي لتحرير المجتمع
ّإال ّ
أن هناك عقبات في طريق نضال العمال من أجل النظرية والتحليل ،وهذه العقبات أكثر
تعقيدا،
ً يفتقرون بالتالي إلى عادة القراءة ،يجدون صعوبة في استيعاب بعض األفكار األكثر
أن ماركس وإنجلز لم يكتبوا ّإال للعمال ،ال للطالب «الذكي» وال ألفراد
خصوصا عند البدايةّ .إال ّ
ً
الطبقة الوسطى« .كل بداية صعبة» بغض النظر عما نتحدث عنه .والماركسية ،كأي ع ٍ
لم آخر، ّ
تتطلب مطالب شاقة على المبتدئين .لكن ،وكما تـ/يعلم كل عامل/ة نشط/ة في النقابات أو
الحزب العمالي ،ال شيء يجدر باالهتمام مالم يتحقق بدرجة من النضال والتضحية .وعلى ذلك،
المستعد/ة للمواظبة والمثابرة ،بإمكاننا أن نعدهم بهذا الوعد :ما إن تخطوا الخطوة األولى
للتعامل مع هذه األفكار الجديدة وغير المألوفة ،ستصبح النظريات الماركسية بسيطة ومباشرة.
فهما
ً إن العاملة التي تكتسب بجهد صبور
وعالوة على ذلك ،وهو ما يجب التأكيد عليهّ ،
تنظيرا من معظم الطلبة ،وذلك إلدراكها األفكار ليس بإطارها
ً للماركسية ستكون أفضل
النظري فحسب ،بل بشكلها الملموس ،إذ ّأنها تنطبق على عملها وحياتها الشخصية.
متعمد نظام
ّ ً
خفية بشكلتوافقا مع الطبيعةُ ،م
ً شكل من أشكال التنمية االجتماعية وأكثرها
االستغالل عن طريق تشويه وتمويه الحقائق .والطبقة الرأسمالية الحالية ،من خالل
2
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تماما لتبرير جديدة ً
فلسفة ومعايير متقن بشكل طورت لياتهم ُ
وأجرائهم المحترفين ،قد ّ
ً ً ٍ ٍ طفي ّ
موضع سيادتهم في المجتمع.
ٍ
مادية في تشويه الحقائق ،بل هي ٍ
مصلحة أي
أما الطبقة العاملة ،في المقابل ،فليس لديها ّ
ّ
تضع لنفسها مهمة تعرية واقع النظام الرأسمالي من أجل التحضير لتحررها بوعي وإدراك.
ٍ
خاصة لنفسها ،فإن الطبقة العاملة تهدف إلى إلغاء الرأسمالية ٍ
مكانة وبعيدا عن السعي وراء
ً
فإنه عليها رفض أوجه نظر
ّ ومعها جميع الفوارق واالمتيازات الطبقية .وللقيام بذلك،
ً
وشمولية للمجتمع والحياة بشكل عام ،ويزيل ونضجا
ً ثراء
ً نظرة أكثر
ً يوفر النهج الماركسي
بعيدا حجاب التصوف في فهم وتحليل التنمية البشرية واالجتماعية .فالفلسفة الماركسية
ً
المحركة للتاريخ تنبع من تطور القوى المنتجة نفسها ،كالصناعة والعلوم
ّ أن القوى
تبين ّ
ّ
والتقنية وهلم جرا ،ال عن طريق «األفراد العظماء» وال عن طريق قوى ما وراء الطبيعة.
فاالقتصاد ،في نهاية المطاف ،هو من يحدد شروط الحياة وعادات ووعي البشر.
ً
متمثال في العبودية أو اإلقطاعية أو سواء كان ذلك
ٌ ٍ
جديد للمجتمع، ٍ
تنظيم ِ
إعادة كل
ّ إن
ٍ
صالحيات أكبر لإلنسان هائل في قوى اإلنتاج ،والذي وهب بدوره
ٍ است ِّ
هل بتطو ٍر ُ الرأسمالية ،قد
يتسم بالثورة .لكن ،في حالة التحول من الرأسمالية إلى االشتراكية ،ليست
عصر ّ
ٍ فإنه يدخل في
ّ
ً
تلقائية ،بل تتطلب التدخل الواعي للطبقة العاملة لتنفيذ هذه المهمة ً
عملية العملية هذه
إن الفشل في القيام بذلك سيمهد الطريق ،على المدى الطويل ،لظهور الرجعية
التاريخيةّ .
والحرب العالمية في نهاية المطاف.
البطالة ،على غرار تلك التي كانت في ثالثينيات القرن العشرين .لقد أثبتت نظريات االقتصاديين
الطبقة الحاكمة للتخلي عن الكينزية وإعادة تبني تدابير «التمويل السليم» القديمة للمدرسة
النقدية .لكن ً
بدال من إنقاذ الوضع ،لم يعمل هذا البرنامج ّإال إلى تعميق وإطالة أمد األزمة!
3
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
كانت الماركسية وال تزال هي الوحيدة القادرة على فضح تناقضات الرأسمالية التي ُتسفر عن
ورأس المال.
أن مجاعة
خيل ّ
لي َّ
يجد المجتمع نفسه فجأة وقد ُر َّد إلى وضع من الهمجية المؤقتة ،حتى ُ
وكأنهما أثر
ّ وحرب إبادة شاملة قد قطعتاه عن وسائل العيش؛ فتبدو الصناعة والتجارة
جدا
المجتمع ،تدفع بنمو عالقات الملكية البرجوازية ُق ُد ًما ،بل بخالف ذلك ،أصبحت أقوى ً
جرت المجتمع
من هذه العالقات التي باتت تعيقها؛ وكلما تغلبت على هذا العائق ّ
البرجوازي بأسره إلى الفوضى ،وهددت وجود الملكية البرجوازية( .البيان الشيوعي)
يجمع الكتيب الحالي ألول مرة المالحق الثالثة لـ«نشرة ساوث ويلز للدراسات الماركسية» (التي
نشرت ألول مرة في سبعينيات القرن العشرين) كمساهمة صغيرة َلروي العطش المتزايد على
األفكار الماركسية .كما ّأنه من المناسب أيضا تزامن نشر الكتيب هذا مع الذكرى المئوية لوفات
كارل ماركس ،في 14مارس ،1883مؤسس االشتراكية العلمية بالتشارك مع فريدريك إنجلز.
ّإال ّ
أن هذا الكتيب ال يهدف إلى تقديم عرض كامل للماركسية ،بل يهدف لمساعدة العامل/ة–
لقد كتب ماركس وإنجلز العديد من الكتيبات الوجيزة والكتابات التفسيرية األقصر الهادفة إلى
ترويج نظرياتهم بين الطبقة العاملة .توفر هذه األعمال أسس قائمة القراءات المقترحة.
4
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تندرج دراسة الماركسية تحت ثالث عناوين رئيسية ،تتطابق بشكل عام مع الفلسفة ،والتاريخ
االجتماعي ،واالقتصاد؛ أو ،لتسميتهم بأسمائهم الدقيقة :المادية الجدلية ،والمادية التاريخية،
عنهن.
18فبراير 1983
5
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
الفهرس
مدخل للمادية الجدلية 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
6
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
التحول االشتراكي 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
7
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
8
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
مدخل للمادية الجدلية
ما هي الفلسفة؟
صورة ما للعالم
ً في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري ،وضعت نساء ورجال تلك المرحلة
ً
فلسفة ما ،واألجزاء التي استخدموها لتشكيل تلك الصورة طوروا
أي ّأنهم قد ّ
وموضعهم فيهّ ،
قد حصلوا عليها عن طريق مراقبتهم للطبيعة وتعميمهم لتجاربهم اليومية.
يفكرون بالطريقة التقليدية .فاألفكار السائدة في المجتمع ،كما قال ماركس ذات مرة ،هي
لتعزيز أيديولوجية الطبقة الحاكمة وتلقين العمال القبول بنظامهم بوصفه أكثر أشكال
وتوافقا مع الطبيعة .وفي حالة غياب فلسفة اشتراكية واعية ،فإنهم يقبلون
ً دواما
ً المجتمع
في كل مرحلة من مراحل المجتمع الطبقي ،يجب على الطبقة الثورية الناشئة ،الهادفة إلى
تغيير المجتمع ،أن تكافح ألجل منظور عالمي جديد ،وفي ذلك ،عليها أن تهاجم الفلسفة
القديمة ،والتي ،إذ كانت ترتكز على النظام القديم ،كانت تبرر وتدافع عنه.
المثالية والمادية
على امتداد تاريخ الفلسفة ،سنجد معسكرين اثنين :المادي والمثالي .إن الفكرة الشائعة عن
«المثالية» (بكونها تمثل الصدق واالستقامة في السعي وراء المثل العليا) وعن «المادية»
ُ
وأنانية االستيالء على األموال) ال عالقة لهما بالفلسفة (بكونها تمثل التفاهة والجشع
9
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
لقد كان العديد من مفكري الماضي العظماء مفكرين مثاليين ،كأفالطون وهيغل على وجه
لروح
ٍ ألفكار أو
ٍ انعكاسا
ً الخصوص .تنظر المدرسة الفكرية هذه إلى الطبيعة والتاريخ بوصفهما
المثالية.
وأن
ّ حقيقي
ّ عالم
ٌ المادي هو
ّ أن العالم
أكدوا ّ
أما المفكرون الماديون ،من ناحية أخرى ،فقد ّ
ّ
وأن العقل أو األفكار هي نتاج الدماغ .فالدماغ ،وبالتالي
ّ الطبيعة أو المادة هي األساس،
األفكار ،نشأوا في مرحلة معينة من تطور المادة الحية .أحجار الزاوية األساس للفلسفة المادية
وأن
ّ عالم حقيقي.
ٌ أن العالم المادي ،الذي عرفناه بحواسنا واستكشفناه بالعلم ،هو
ّ أ.
ناشئ عن قوانينه الطبيعية الخاصة ،دون الحاجة للجوء إلى قوى ما
ٌ تطور
ٌ تطور العالم
وراء الطبيعة.
«بالنسبة لي ،ليس الفكر ّإال انعكاس العالم المادي في العقل البشري وترجمتها إلى
تماما ،وذلك لوجود عالقة وثيقة بين قوانين الفكر وقوانين الطبيعة ،إذ
ً واصطناعي
ٌّ زائف
ٌ أمر
10
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ستمد ٌة من
ّ أفكار ُم
ٌ تجردا هي في الحقيقة
ً ال من نفسه .حتى تلك األفكار التي تبدو أكثرها
وحتى تلك العلوم التي تبدو تجريدية كالرياضيات البحتة قد استمدت من الواقع المادي ،ال من
على النظام العشري وذلك ألننا نمتلك عشرة أصابع .واألرقام الرومانية كذلك قد استندت في
وفقا للينين« :هذه هي المادية :أن المادة تولد اإلحساس بتأثيرها في أعضاء حواسنا .أن
ً
بشكل خاص».
ٍ ٍ
منظمة ٍ
لمادة هو النتاج األعلى
«وحتى األشباح المتشكلة في العقل البشري ما هي ّإال تصعيدات ناتجة بالضرورة عن تطور
األيديولوجية ،وكذلك أشكال الوعي التي تقابلها ،تبدو وكأنها تفتقد في الحال كل مظهر
على النقيض من ذلك ،فالبشر إذ يطورون إنتاجهم المادي وعالقاتهم المادية هم الذين يحولون
فكرهم ومنتجات فكرهم على السواء مع هذا الواقع الذي هو خاصتهم .فليس الوعي هو
11
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ً
حديثا .وقبل ٍ
لتحد من قبل الطبقات الوسطى الناشئة القديمة ومعها النظام الملكي تتعرض
ً
ممكنة ،لزم بالتالي تقويض الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي كانت أن تصبح إطاحة اإلقطاع
تمثل معقل اإلقطاع ،والتي كانت تقدم التبريرات الدينية للنظام الملكي والمؤسسات
والفسيولوجيا ،إذ أن البورجوازية كانت ،من أجل إنتاجها الصناعي ،بحاجة إلى علم يتأكد
من الخواص الفيزيائية للمواضيع الطبيعية ،ومن أنماط فعل قوى الطبيعة .ولم يكن
العلم حتى ذلك الحين سوى خادم وضيع للكنيسة ،لم تسمح له قط بتخطي الحدود
غاليليو نظرية كوبرنيكوس بدوران األرض والكواكب األخرى حول الشمس .سخر أساتذة
ذلك العصر من هذه األفكار واستخدموا سلطة محاكم التفتيش ودليل الكتب المحرمة
وتعين على
َّ ضد غاليليو إلجباره على التخلي عن أفكاره] .تمرد العلم على الكنيسة،
البورجوازية ،التي لم تكن لتستطيع أن تفعل شيئً ا بدون العلم ،أن تنضم إلى حركة
التمرد.
الثورية عن المادية.
ّ وكانت تلك هي الفترة التي وضع فيها فرانسيس بيكون ( )1626-1561أفكاره
وفقا له ،معصومة عن الخطأ ،وهي أيضا ينبوع كل المعرفة ،والعلم برمته يستند
ً فالحواس،
واالستقراء والتحليل والمقارنة والمالحظة والتجربة كلها شروط أساسية للمنهج العقالني
هذاّ .إال أن المهمة قد ُتركت لتوماس هوبز ( )1679-1588لمواصلة تطوير مادية بيكون إلى نظام
وأنه
ّ فلسفي ،إذ ّأنه أدرك أن األفكار والمفاهيم ليست سوى انعكاسات للعالم المادي،
12
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
انتقلت المدرسة المادية للفلسفة بعدئذ من إنجلترا إلى فرنسا ،ليتم تناولها وبلورتها من قبل
الملكي .وقد اتخذ مولد الثورة الفرنسية البورجوازية العظيمة في سنوات ما بين 1793-1789
الفلسفة المادية كعقيدة له .وعلى عكس الثورة اإلنجليزية في منتصف القرن السابع عشر،
فقد دمرت الثورة الفرنسية النظام اإلقطاعي القديم بأكمله .فكما أشار إنجلز فيما بعد« :إال
طابعا
ً أننا اليوم نعرف أن سلطان العقل لم يكن سوى الحكم الذي أضفت عليه البورجوازية
مثاليا».
ً
القرن الثامن عشر مع اكتشافات إسحاق نيوتن ،التي جعلت من «الميكانيكا» العلم األكثر تقد ًما
أثرا عميقا على العالم المتحضر ،على غرار تأثير الثورة الروسية لعام ،1917
كان للثورة الفرنسية ً
إن هيجان األفكار
ثورت الفكر في كل ميدان ،في السياسية والفلسفة والعلم والفنّ .
فقد ّ
تقدما في العلوم الطبيعية،
ً الناجمة عن الثورة البرجوازية الديمقراطية هذه استهلّ ت
والنبات ،والحيوانات.
13
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ٍ
بعدئذ من قبل مفكر المع ألماني آخر ،جورج هيغل فكرة كانط الثورية هذه قد جرى تطويرها
تجليا أو
ً مثاليا ،إذ اعتقد بإمكانية تفسير العالم باعتباره
ً فيلسوفا
ً ( .)1831-1770لقد كان هيغل
وفقا
ً ومفسرا التاريخ كتاريخ من األفكار
ً منصبا نفسه عصاة قياس للعالم،
ً األحداث من بعد،
لتحيزاته ،والعالم كعالم من األفكار ،كعالم مثالي! وبالتالي ،بالنسبة لهيغل ،لم تكن المسائل
ٌ
مطروحة بمصطلحاتها الحقيقية ،وإنما بإطار الفكر ،وبالتالي ال يمكن أن يوجد حلها والتناقضات
ً
وبدال من حل تناقضات المجتمع من قبل نشاط الرجال والنساء من خالل إال في مجال الفكر.
على الرغم من ذلك ،اعترف هيغل بسقطات وأوجه قصور النظرة الميكانيكية القديمة .كما أنه
قد أشار إلى أوجه النقص في المنطق الصوري وشرع في إنشاء نظرة عامة جديدة من شأنها
على الرغم من اكتشاف هيغل وتحليله لقوانين الحركة والتغييرّ ،إال أن مثاليته قد قلبت كل
رأسا على عقب .لقد كانت صراعات وانتقادات الهيغيليين الشباب ،بقيادة لودفيج فيورباخ
شيء ً
( ،)1872-1804هي من حاولت تصحيح الفلسفة وإقامتها مرة أخرى على قدميها .لكن ،حتى
ادرا
وفقا إلنجلز – لم يكن ق ً
ً فيورباخ – الذي كان «نصفه السفلي مادي ونصفه العلوي مثالي»
على تطهير الهيغيلية بالكامل من نظرتها المثالية .هذه المهمة قد ُتركت لماركس وإنجلز،
اللذان تمكنا من إنقاذ المنهج الجدلي (أو الديالكتيك) من قوقعته الباطنية ،حيث ُصهرت
ما هي الجدلية؟
سابقا أن المادية العصرية هي مفهوم أن المادة أولية وأن العقل واألفكار هم
ً لقد شهدنا
نتاج الدماغ .لكن ،ما هو النهج الجدلي أو الجدلية؟ يقول إنجلز في «ضد دوهرينغ»:
ليست الجدلية ّإال علم القوانين العامة للحركة ولتطور الطبيعة والمجتمع البشري
والتفكير.
14
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
علميا كوسيلة لتحليل تطور
ً لقد ُوجد المنهج الجدلي الفكري قبل أن يطوراها ماركس وإنجلز
ِ
تامة الصنع ،بل ٍ
أشياء بأن العالم ال يتألف من
إنها الفكرة األساسية الكبرى التي تقول ّ
ٌ
مجموعة من العمليات يطرأ فيها على األشياء التي تبدو في الظاهر ثابتة وكذلك هو
فبالنسبة للفلسفة الجدلية ،ليس هناك من أمر نهائي مطلق مقدس ،فهي ترى كل
شيء وفي كل شيء خاتم الهالك المحتوم ،وليس ثمة شيء قادر على الصمود في
أبدا دون
وجهها غير الحركة التي ال تنقطع ،حركة الصيرورة والفناء ،حركة التصاعد ً
توقف من األدنى إلى األعلى .وهذه الفلسفة نفسها ليست إال مجرد انعكاس هذه
الجدلية والميتافيزيقيا
لقد توقع فالسفة اليونان ببراعة التطور الالحق للجدلية والعلوم األخرى ،غير ّأنهم لم يتمكنوا
صورة
ً وافتقارهم للمعلومات الكافية عن الطرق المفصلة لعمل الكون .لقد قدمت أفكارهم
نوعا ماّ ،إال أنها كانت أقرب إلى طابع التخمينات المستلهمة من كونها نظريات ً
صحيحة ً ً
عامة
حجما واألكثر
ً فهم ٍ
عام للكون ،التخلي عن األساليب القديمة هذه ،والتركيز على المهام األصغر ٍ
15
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ٍ
محددة ٍ
نظريات ٍ
كبيرة من الحقائق المنفردة ،ومن اختبار ٍ
مجموعة ِ
وتصنيف وفرز
ِ جمع
ِ ً
بساطة من
ً
هائلة لفك ِر وع ِ
لوم البشرية ،حيث أصبح ً
دفعة الواقعي االختباري التجريبي لقد قدم النهج
ّ ّ ّ
علميا ،محللين كل مسألة ،ومختبرين كل
ً بإمكاننا اآلن إجراء تحقيقاتنا عن أساليب عمل الطبيعة
استنتاج .لكن ،وفي أثناء هذه العملية ،قدرتنا القديمة في التعامل مع األشياء في ترابطها،
ال في انفرادها ،وفي حركتها ،ال في ثباتها ،وفي حياتها ،ال في موتها ،قد ُفقدت .نمط
ال يزال يهيمن على الفلسفة والعلوم الرأسمالية العصرية .وفي السياسة ،ينعكس ذلك في
حتما») والنداءات
ً «براغماتية» هارولد ويلسون الشهيرة («إن كانت تعمل ،فهي صائبة
معينين .والترتيب
ّ أن الحقائق ال تختار نفسها بنفسها ،بل يتم اختيارها من قبل أفراد
غير ّ
والتسلسل الذي يتم ترتيبها بها ،واالستنتاجات المستخلصة منها َت ِ
عتمد على األفكار المسبقة
انطباعا
ً فإن تلك النداءات المنادية بـ«الحقائق» ،والتي من المفترض أن تنقل
ّ للفرد .وبالتالي،
أي في
إن الديالكتيك ال يتعامل مع الحقائق فحسب ،بل يتعامل مع الحقائق في ترابطهاّ ،
سيرورتها؛ ال مع األفكار المنعزلة فحسب ،بل مع القوانين ،ليس مع الخاص ،بل مع العام.
يرتبط التفكير الديال كتيكي مع الميتافيزيقيا ارتباط الصورة المتحركة مع الثابتة ،إذ ال تتعارض
لألغراض اليومية والعمليات الحسابية البسيطة ،باإلمكان االكتفاء بالفكر الميتافيزيقي أو
حول الحقيقة
حدود ،وما عدا ذلك ،فإن تطبيقات «الحس السليم» ُت ّ
ٌ «الحس السليم»ّ ،إال ّ
أن لذلك
إن وجه الضعف األساسي لنوع التفكير هذا ينبع من عدم قدرته على تصور
إلى نقيضتهاّ .
أن الحركة والتغيير تقتضي
الحركة والتطوير/التنمية ،ورفضه كل التناقضات ،على الرغم من ّ
التناقض .ووفق ما قاله إنجلز في «االشتراكية الطوباوية واالشتراكية العلمية»:
16
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
أغراض ينبغي
ٌ إن األشياء وانعكاساتها الفكرية ،أي المفاهيم ،هي ،بنظر الميتافيزيقي،
دراستها الواحدة بعد األخرى ،الواحدة دون األخرى ،منفردة ،ثابتة ،جامدة ،معطاة مرة
واحدة وبصورة نهائية .إنه ال يفكر إال في التضاد بين األشياء ،دون وسيط بينها …
فحسب رأيه ،إما أن يكون الشيء أو ال يكون؛ وال يمكن للشيء أن يكون هو ذاته وغيره
في آن واحد؛ أن الموجب والسالب ينفي أحدهما اآلخر بصورة مطلقة .أن السبب واألثر
فرد أو
ٌ فألغراضنا اليومية ،على سبيل المثال ،من الممكن ،بدرجة من اليقين ،تحديد ما إذا كان
ٌ
نبتة ما حية أو ميتة .لكن ،في الواقع ،هذه المسألة ليست بهذه البساطة ،حسبما حيوان أو
ٌ
أي مرحلة على
تشير إلى ذلك القضايا القانونية المعنية باإلجهاض و«حقوق الجنين» .فعند ّ
بسيطا ً
حدثا أيضا ،ليس
أي مرحلة تنتهي؟ كما أن الموتً ،
ً وجه التحديد تبدأ حياة اإلنسان؟ وعند ّ
بل هو عملية مطولة ،فكما فهمها هيراقليطس« :الشيء ذاته فينا هو حي وميت ،نائم
كل يغير موقعه ويتحول لآلخر .نحن ال ننزل في التيار ذاته مرتين.
ومستيقظ ،حديث وقديم؛ ٌ
لقد وصف تروتسكي الديالكتيك ،في كتابه «مبادئ الديالكتيك المادي» بأنه «علم أشكال
وتعقيدا».
ً بعدا
ً الوصول إلى فهم عمليات أكثر
وقد قارن تروتسكي الديالكتيك والمنطق الرسمي (الميتافيزيقيا) بالرياضيات العليا والدنيا.
لقد كان أرسطو أول من طور قوانين المنطق الرسمي ،إذ ُق ِبلت منظومته منذئذ من قبل
الديالكتيك المادي»:
يبدأ المنطق األرسطي الخاص بالقياس المنطقي البسيط من االفتراض بأن «أ» تساوي
«أ» .هذه المسلّ مة ُتقبل كبديهية للعديد من الفعاليات اإلنسانية العلمية والتعميمات
البسيطة .لكن ،في الواقع« ،أ» ال تساوي «أ» .هذا سهل اإلثبات لو أننا الحظنا هذين
الحرفين من خالل عدسة ما .إنهما مختلفان عن بعضهما البعض .لكن هناك من يقر بأن
17
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
السكر ،على سبيل المثال .االعتراض هنا هو اعتراض خارج القصد ،ففي الواقع ،ال
بسيطا.
ً فرقا ولو كان
ً فمقياس أكثر دقة سيكشف
ٌ ً
رطال آخر، رطل من السكر
ٌ يساوي
مرة أخرى ،قد يعترض شخص ما« ،ولكن رطل السكر يساوي نفسه»ّ .إال أن ذلك ليس
صحيحا أيضا ،فكل األجسام تتغير مع مرور الزمن بال انقطاع في الحجم والوزن واللون
ً
أن رط ًال
… إلخ .فهم ليسوا مساوين ألنفسهم أبدا .حسنا ،سيرد السفسطائي قائالّ « :
بعيدا عن القيمة
ً محد ٍ
دة من الزمن» .لكن، ّ ٍ
لحظة مساو لنفسه في
ٍ من السكر سيكون
العملية المشكوك فيها بشدة لهذه «البديهية» ،فإنها ال تستطيع الصمود أمام النقد
أيضا .إذ كيف يمكننا القبول بحقيقة كلمة «لحظة» ،والتي هي فاصلة متناهية
النظري ً
الصغر من الزمن في حد ذاتها؟ إذن فرطل السكر سيتعرض خالل سير اللحظة إلى
تغيرات حتمية .أم أن «اللحظة» هي فقط تجريد رياضي خالص ،أي صفر من الزمن؟ ولكن
ّ
التحول .فالزمن
ّ كل شيء يوجد في الزمن ،والوجود ذاته هو سيرورة غير متقطعة من
أن الشيء
أساسي للوجود .ولهذا فبديهية «أ» تساوي «أ» تشير إلى ّ
ٌّ عنصر
ٌ بالتالي هو
ً
أصال. موجودا أي ،إن لم يكن
ً يساوي نفسه إذا لم يتغيرّ ،
وأضاف:
ٍ
خطأ ما لن أي استفادة من بديهية «أ» تساوي «أ» من دون الوقوع في
إن تحقيق ّ
ّ
التغيرات الكمية في «أ» ضئيلة
ّ يكون ممكنً ا ًإال داخل حدود معينة .فقط عندما تكون
بالنسبة للمهمة المؤداه ،يكون من الممكن التسليم افتراضيا بأن «أ» تساوي «أ» .هذه،
على سبيل المثال ،هي الطريقة التي يأخذ بها كل من البائع والمشتري رطل السكر
كنا
بعين االعتبار .كما أننا نقيس حرارة الشمس بطريقة مماثلة .وحتى وقت قريبّ ،
حدودا
ً التغيرات الكمية
ّ ندرس قوة الدوالر الشرائية بالطريقة ذاتها .لكن ،إن تجاوزت
معينة فإنها تتحول بعدئذ إلى تغيرات نوعية .فرطل السكر ،إن تعرض للماء أو
الكيروسين ،ينتهي وجوده كرطل من السكر (أي أنه يتوقف عن كونه رطل سكر).
18
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
دوالرا .إن تحديد
ً والدوالر ،كذلك ،إن كان في قبضة رئيس ما فإنه يتوقف عن كونه
اللحظة المناسبة ،النقطة الحرجة التي يتغير عندها الكم إلى الكيف هي إحدى أهم
هيغل
إن الطريقة الجدلية القديمة في المنطق ،التي ُأهملت منذ العصور الوسطى ،قد أعيد إحياؤها
ّ
في القرن التاسع عشر من ِقبل الفيلسوف األلماني الكبير جورج فيلهلم فريدريش هيغل (-1770
شامل
ٍ تحليل
ٍ وتحيزها .وقد أنتج هيغل أول
ّ محدوديتها
ّ مثبتا
ً الرسمي النتقادات تفصيلية،
بالفعل لقوانين الديالكتيك ،األمر الذي شكل األسس الالتي اعتمد عليها كل من ماركس وإنجلز
فيما بعد لتطوير نظرية المادية الجدلية .لقد وصف لينين الجدلية الهيغيلية بأنها «أوسع
بقفزات وكوارث وثورات) في الطبيعة والمجتمع»( .لينين :كارل ماركس ،سيرة مختصرة وعرض
للماركسية)
سابقا ،لكن
ً منظورا لـ«تطو ٍر يبدو وكأنه يستنسخ مراحل مقطوعة
ً كان منظور هيغل لألشياء
ٌ
داخلية نحو التطور يثيرها التضاد والتصادم في القوى واالتجاهات المتمايزة التي اندفاعات
ٌ
تعمل في جسم معين أو في حدود ظاهرة معينة أو في قلب مجتمع معين؛ التبعية المتبادلة
دائما عن
ً والصلة الوثيقة التي ال يمكن فصمها بين جميع جوانب كل ظاهرة (والتاريخ يكشف
ٌ
صلة تحدد مجرى الحركة الوحيد ،المشروع ،والكلي :هذه هي بعض مميزات جوانب جديدة)،
19
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
وهذه الفلسفة األلمانية الحديثة وجدت خاتمتها في منهج هيغل ،الذي تتلخص مأثرته
الكبرى في ّأنه صور العالم بأسره ،الطبيعي والتاريخي والروحي ،للمرة األولى ،على
ٍ
دائم ،وفي ّأنه قام وتطور
ٍ ٍ
دائم وتحول
ٍ ٍ
دائمة ٍ
حركة منخرط في
ٌ أنه سيرورة ،أي ّأنه
بمحاولة اكتشاف الصلة الداخلية لهذه الحركة وهذا التطور .ومن وجهة النظر هذه،
لم يعد التاريخ البشري يبدو وكأنه تشابك فوضوي من أعمال العنف العبثية التي ال
تستحق غير الشجب والنسيان السريع أمام محكمة العقل الفلسفي الناضج ،بل برز،
بالعكس ،بمثابة تطور اإلنسانية نفسها ،وغدت قضية الفكر تتقوم اآلن في اتباع سير
هذه السيرورة في جميع مراحلها المتتالية عبر جميع انحرافاتها وتعرجاتها ،وتبيان
لقد طرح هيغل المسألة بكل براعة ،لكن تصوراته السابقة المثالية حالت بينه وبين حلها .لقد
أوضحت فلسفة هيغل بالفعل أهم قوانين الديالكتيك :الكمية والكيفية ،وتداخل األضداد،
ونفي النفي.
الكمية والكيفية
دائما االنتقال من شكل من أشكال الحركة إلى شكل آخر
ً درجات ،يبقى
الت ّ
وعلى الرغم من كل ّ
حاسما( .إنجلز :ضد دوهرينغ)
ً ً
وتحوال قفزة،
ً
عموماّ ،إال ّ
أن األشكال التي من خاللها ً والتطور من األفكار المسلمة بها
ّ التغير
ّ لقد باتت فكرة
ُ
أحادية متحيزة
ٌ ٌ
زائفة نظرة
ٌ سلسا ،غير منقطع هي
ً تطورا سلم ًيا،
ً الشائعة عن التطور باعتباره
لقد وضع هيغل فكرة «خط األساس لقياس العالقات ،حيث تؤدي الزيادة الكمية البحتة أو
ً
مثال في حالة النقص الكمي البحت في نقط أساسية معينة إلى قفزة كيفية ،كما يحدث
20
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تسخين أو تبريد الماء ،حيث ُتعتبر نقطتا الغليان والتجمد النقطتان اللتان تتم فيهما – في ظل
الضغط العادي – القفزة إلى وضع مجاميع جديدة ،حيث يتحول الكم بالتالي إلى كيف».
ٍ
صلبة غازية أو
ٍ ٍ
حالة ٍ
سائلة إلى ٍ
حالة تحول الماء من
ّ فإن
ّ وبالتالي ،في المثال المورود أعاله،
وانتهاء بحياتنا
ً ابتداء بعلم االجتماع
ً ً
أمثلة أخرى من شتى فروع العلم، أيضا أن نقدم
بإمكاننا ً
حول فيها إضافة الملح الحساء من شيء مستساغ إلى شيء غير
اليومية (كالنقطة التي ُي ّ
صالح للشرب ،على سبيل المثال).
قوانين الديالكتيك األخرى ،من قبل العلماء ،الذين هم ديالكتيكيون غير واعون) ،بل في تحليل
تداخل األضداد
ُ
ميتافيزيقية «الحس السليم» إللغاء التناقض من الفكر وإلغاء الثورة من وتماما كما تسعى
ً
أيضا إثبات تعارض جميع األفكار والقوى المتضادةّ .إال أننا «كلما راقبنا
التطور ،فإنها تحاول ً
أي مكانها من سائر الكون ،نستطيع أن نراها في وضع تفاعلي شمولي .وفي هذا
والخاصّ ،
سببا في
ً أن الذي يكون
الموضع التفاعلي يتبادل السبب والنتيجة موقعيهما باستمرار .بمعنى ّ
معينين .والعكس صحيح».
ّ ً
نتيجة في زمن آخر ومكان آخر زمن معين ومكان معين ،قد يصبح
21
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
الديالكتيكي هو علم العالقات المتشابكة (الترابطات) ،على نقيض الميتافيزيقيا التي تتعامل
مع الظواهر المختلفة باعتبارها ظواهر منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض ،حيث يسعى
الديالكتيك للكشف عن السالسل والتحوالت واألسباب والنتائج التي ال تعد وال تحصى والتي
تربط الكون ببعضه البعض .وبالتالي ،فإن المهمة األولى للتحليل الديالكتيكي هو تتبع
« عالقات الصلة الضرورية ،وعالقات الصلة الموضوعية لكل الجوانب ،والقوى ،والتيارات … إلخ،
يتطرق النهج الديالكتيكي لظاهرة معينة من وجهة نظر تطورها وحركتها وحياتها الخاصة؛
إن الحركة هي نمط وجود هذا الكون المادي بأكمله .فالطاقة والمادة هما أمران مرتبطان ال
ّ
وعالوة على ذلك ،ال ُتكتسب الحركة «من الخارج» ،بل هي ُتكتسب من تجلي وتمظهر
ً ينفصمان.
إن التطور
وترات الداخلية التي ال يمكن فصلها عن الحياة وال عن أشكال المادة األخرىّ .
الت ّ
ّ
مستخدما
ً يتمان ّإال من خالل التناقضات الداخلية ،وبالتالي ،يبدأ التحليل الديالكتيكي،
والتغير ال ّ
ّ
البحوث التجريبية ،بكشفه عن التناقضات الداخلية التي تؤدي إلى التطور والتغيير.
«األضداد القطبية» ،من وجهة نظر الديالكتيك ،هي جميعها أحادية الجانب وغير كافية ،بما
وهكذا ،فإن تقدم المعرفة والعلم ال ينطلق من مجرد نفي «النظريات الخاطئة» .فجميع
استثناءات للقاعدة .وهذه االستثناءات ينبغي توضيحها وشرحها ،وعند مرحل ٍة ما ،يتم وضع
نظريات جديدة بمقدورها تعليل هذه االستثناءات .لكن ،ال «تنفي» النظريات الجديدة النظريات
22
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
رديا، ساكنة ،مصفو ٍ
فة ف ً ٍ ٍ
هامدة، ٍ
كأشياء ال يمكننا استبعاد التناقضات ّإال عندما ننظر لألشياء
وتغيرها ،وفي
ّ أي بالنظر إليها بشكل ميتافيزيقي .لكن ،بمجرد نظرنا لألشياء في حركتها
ّ
حياتها ،وفي عالقات صلتها المتبادلة ،وفي تفاعالتها ،فإننا نصطدم بسلسة من التناقضات.
الحركة ،بحد ذاتها ،هي تناقض بين وجود المرء في مكان ما ومكان آخر في الوقت ذاته.
الحياة ،على حد سواء ،هي تناقض من حيث «أن الكائن الحي في كل لحظة زمنية معينة هو
وبالنتيجة ،جميع األشياء هي نفسها وغيرها في آن واحد ،وبالتالي ،فإن الرغبة في التخلص
نفي النفي
يشير إنجلز في «ضد دوهرينغ»:
ٍ
بفترة طويلة ،كان ً
كتابة هذا القانون ،الذي لوحظت كيفية عمله في الطبيعة قبل أن يدون
ً
كاملة من األمثلة الملموسة، ً
سلسلة قد ُف ّصل ألول مرة من قبل هيغل بكل وضوح ،الذي قدم
إن قانون نفي النفي يتعامل مع طبيعة التطور من خالل سلسلة من التناقضات ،التي تبدو
ٍ
وجود سابقة ،فقط لتنفي هي بدورها في أشكال
َ نظريات أو
َ حقائق أو
َ أنها تلغي أو تنفي
وقت الحق .وبالتالي ،فإن الحركة والتغيير والتطور تتحرك جميعها من خالل سلسلة متواصلة
23
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ّإال أن النفي بالمفهوم الديالكتيكي ال يعني مجرد اإللغاء أو الطمس بحيث يجري التغلب
والحفاظ على المرحلة السابقة في الوقت ذاته .النفي ،في هذا المعنى ،هو فعل إيجابي
بسيطا في كتابه «ظواهرية الروح» ،حيث يقول« :يختفي البرعم عندما تزهر
ً ً
مثاال يقدم هيغل
أن األول قد ُدحض من قبل اآلخر؛ وبالمثل ،عندما تثمر الثمرة ،فمن
الزهرة ،ومن الممكن القول ّ
زائفا لوجود النبتة ،إذ أن الثمرةً ،
بدال من الزهرة ،تبدو ً ً
شكال الممكن تفسير الزهرة بكونها
تكمل
ّ وكأنها طبيعة النبتة الحقيقية .هذه المراحل ليست مراحل متباينة فحسب ،بل هي
أشكال
ٍ معي ٍ
نة وبروز ّ أشكال
ٍ وفي هذه السيرورة الال متناهية من اإللغاء الذاتي ،من اختفاء
ٍ
ونظريات قد سبق تجاوزها وتخطيها. ٍ
وأحداث ألشكال
ٍ تكرار
ٌ وكأنه
ّ نمط يبدو
ٌ أخرى ،يظهر
نهاية لها.
فعلي من
ّ نمو
ٌ أن في هذا التكرار الظاهري يوجد
أما الديالكتيك ،على خالف ذلك ،فهو يدرك ّ
ّ
مستوى أعلى،
ً مرة أخرى ،لكن على
ً كرر األشكال نفسها فيه
تطور قد ُت ِّ
ٌ األدنى إلى األعلى،
ً
مستثرية بتطوراتها السابقة.
نظرا
ً «حجر الفالسفة» الذي اعتقدوا إمكانية تحويل المعادن الخسيسة بواسطته إلى ذهب.
24
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
لتدني مستوى قوى اإلنتاج وافتقار المنهج العلمي ،لم تكن محاوالت «تحويل» العناصر هذه،
ضربا من الخيال الطوباوي .لكن ،في غضون المحاوالت الفاشلة هذه ،اكتشف
ً في الواقع ،إال
وعلميا في اكتشافات
ًّ قي ًما
كل ما كان ّ
أدى إلى نفيها .لكنّ ،
مما ّ
تحول العناصرّ ،
ّ «الجنونية» عن
اقتصاديا.
ً برر إلى ذهب في العصر الحديثّ ،إال أن العملية هذه ستكون غال ً
ية للغاية ألن ُت َّ
دورة كاملة( :أ) إمكانية استحالة العناصر (ب) عدم
ً وهكذا ،تبدو هذه العملية بالذات قد دارت
حد
ظاهريا .في الواقع ،يتضمن العلم الحديث ،الذي عاد إلى ّ
ًّ تكرارا
ً لكن التكرار هذا ليس إال
ّ
ٍ
فكرة من أفكار الخيميائيين القدامى ،في داخله جميع اكتشافات القرن الثامن والتاسع ما إلى
ً
مستثرية بالتجارب مستوى أعلى، «دحضت» أو «نفيت» تعيد الظهور مرة أخرى ،لكن على
ً
واالكتشافات السابقة.
ولي العهد
ّ أن الحرب العالمية األولى قد «نجمت» عن اغتيال
السطحيون ّ
ّ يذكر بعض المؤرخون
حتميا بفعل
ً أمرا
الذي وقع بالصدفة خدم كذريعة ،أو حافز ،للصراع العالمي الذي كان قد أصبح ً
أن القاتل قد أخطأ هدفه ،أو
تناقضات اإلمبريالية االقتصادية والسياسية والعسكرية .حتى لو ّ
25
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ٍ
دبلوماسية أخرى. ٍ
ذريعة مستندة على
ً عاجال أم ً
آجال ً ً
أصال ،لوقعت الحرب أن ولي العهد لم يولد
ّ
لعبرت الضرورة عن نفسها من خالل «حدث عرضي» مختلف. ٍ
بعبارة أخرىّ ،
كل ما هو موجود ،هو موجود بحكم الضرورة .لكن ،كل ما هو موجود صائر للفناء ،للتحول إلى
ظروف وجودها المادية في أحشاء المجتمع القديم .وهذا هو السبب الذي من أجله ال تكلف
دائما أن
ً البشرية نفسها ّإال بمسائل تستطيع حلها .وفي الواقع ،لو نظرنا عن كثـب الكتشفنا
المسائل ال تظهر ّإال إذا كانت الظروف المادية الالزمة لحلها قائمة أو في سبيل التكون على
ً
ضرورية في تنمية ً
مرحلة ً
هائلة لألمام على البربرية ،إذ كانت زة ّ
مثلت العبودية في وقتها قف ً
وتطوير قوى اإلنتاج والثقافة والمجتمع البشري .فكما قال هيغل« :لم يتحرر اإلنسان من
أن ً
تقدمية من مراحل المجتمع البشريّ .إال ّ ً
ضرورية ً
مرحلة وعلى نحو مماثل ،كانت الرأسمالية
كفت
الرأسمالية ،شأنها شأن الشيوعية البدائية والعبودية واإلقطاع (أنظر القسم الثاني) ،قد ّ
تقدميا ،إذ أنها أصبحت تتعثر على تناقضاتها
ًّ ضروريا
ًّ اجتماعيا
ًّ نظاما
ً منذ فترة طويلة عن كونها
بالبروليتاريا الحديثة .لقد باتت الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والدولة القومية ،خواص المجتمع
ً
عظيمة لألمام ،تعوق وتقوض قوى اإلنتاج وتهدد خطوة
ً الرأسمالي األساسية ،واللتان مثلتا
26
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ألن تناقضات المجتمع
القدري ،وذلك ّ
ّ الجبري أو
ّ الحتمي ،ال المفهوم
ّ الماركسية على المفهوم
ٌ
تقدمية ٌ
وطبقة ٍ
طرف ما يعتمد على العديد من العوامل، سلفا ،فنجاح
ً محد ًدا
ّ صراعا
ً ليس
صاعدة لديها العديد من المزايا على القوى القديمة الرجعية البالية .لكن ،في نهاية المطاف،
ٌ
وحزما.
ً مهارة
ً تعتمد النتيجة على الجانب ذي اإلرادة األقوى والتنظيم األكبر والقيادات األكثر
ٍ
أطروحات حول فيورباخ»« :كل ما فعله الفالسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة… المهم «
هو تغييره».
مستندة
ً مستوى أعلى بكثير،
ً عودة على
ٌ الشيوعية القبلية ،لكن عودتها لهذا الشكل هي
على جميع مكاسب آالف السنين الهائلة التي أنتجها المجتمع الطبقي .سوف يصبح اقتصاد
الوفرة ممكنً ا عن طريق تطبيق التخطيط االشتراكي في الصناعة والعلوم والتقنية الالتي
أنشأتهن ونمتهن الرأسمالية على نطاق العالم بأكمله .وهذا بدوره سينهي إلى األبد تقسيم
العمل ،والفروقات بين العمل الذهني واليدوي ،وبين الريف والمدينة ،وسينهي الصراع
27
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
مدخل للمادية التاريخية
ٌ
كتلة من األحداث الضائعة في ٌ
كتلة من التناقضات، وكأنه
ّ فإنه يبدو لنا
عندما ننظر للتاريخّ ،
ٌ
كتلة من الصراعات الحائمة بين الطبقات متاهة الثورات والحروب وفترات التقدم والتدهور،
واألمم في فوضى التنمية االجتماعية .وبالتالي ،في ِخ َض ّم هذه الفوضى ،كيف يمكننا تحليل
سعى البشر ،منذ البداية ،إلى اكتشاف القوانين التي تحكم وجودهم ،إذ حاولت مختلف
النظريات ،المتراوحة بين إرشاد قوى ما وراء الطبيعة إلى قيادة «الرجال العظماء» ،بطريقة أو
لما يقارب األلفي عام ،سيطرت أفكار سفر التكوين على منظور أوروبا الغربية ،حيث ُوصف الذين
حاولوا تقويض مفهومها بتالمذة الشيطان .ولم ُتقبل النظرة «الهرطقية» للتاريخ والتطور ّإال
البد من
ّ بالنسبة للطبقة الرأسمالية ،وموظفيها في الجامعات والمدارس وأماكن التعليم،
ٍ
محاولة لهم تبرير الطبيعة أزلية وجود الطبقات والملكية الخاصة في
ّ يواصلون نشر أسطورة
األبدية» لالستغالل الرأسمالي والفوضى االقتصادية الكامنة بها ،حيث تمت كتابة مجلدات
ّ «
ومجلدات من قبل كبار األكاديميين وأساتذة الجامعة لدحض الكتابات الماركسية ،وفوق كل
يعلق الماركسيون/ات أهمية هائلة لدراسة التاريخ ،ليس كهدف بحد ذاته ،بل لدراسة الدروس
العظيمة التي يحتوي عليها .فمن دون ذلك الفهم لألحداث ،ال يمكن التنبؤ بالمنظورات
تحليل
ٍ أعد الحزب البلشفي لثورة أكتوبر عن طريق
ّ المستقبلية .فلينين ،على سبيل المثال،
دقيق لتجربة كمونة باريس واألحداث في روسيا في عام 1915وفبراير من عام .1917
ٍ
28
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
نحن ندرس ونتعلم من التاريخ بهذا المعنى بالتحديد .الماركسية هي علم المنظورات،
وباستخدام منهجها الجدلي المادي ،يمكننا كشف العمليات المعقدة للتطور التاريخي.
ٍ
ثابتة ،بل تتفحصها في حركتها وتطورها ٍ
ككيانات ال تتفحص الفلسفة الماركسية األمور
ٍ
خط يتطوران بطريقة متناقضة ،من خالل «تطور على نحو لولبي ،إذا صح التعبير ،ال على
ٌ
داخلية نحو التطور يثيرها التضاد والتصادم في القوى واالتجاهات المتمايزة»( .لينين: اندفاعات
ٌ
كارل ماركس ،سيرة مختصرة وعرض للماركسية)
وما إلى ذلك ،ال تسقط من السماء ،بل هي تعكس على الدوام العالم المادي والمصالح
كيف
إن نمط إنتاج الحياة المادية ُي ّ
المادية المتواجدة على أرض الواقع .فكما أوضح ماركسّ « :
العمليات االجتماعية والسياسية والفكرية بشكل عام ،ليس وعي الناس بالذي يحدد وجودهم،
ٍ
شاملة ٍ
واسعة ٍ
دراسة وباستخدام هذا المنهج ،كان باستطاعة ماركس اشتقاق «الطريق ل
والمطامح المتضادة؟ وماذا يمثل مجموع هذه النزاعات في مجمل المجتمعات البشرية؟ وما
هي الشروط الموضوعية إلنتاج الحياة المادية التي يقوم عليها أساس كل نشاط الناس
التاريخي؟ وما هو قانون تطور هذه الشروط؟ لقد أعار ماركس انتباهه لهذه المسائل ورسم
العجيب ورغم جميع تناقضاتها»( .لينين :كارل ماركس ،سيرة مختصرة وعرض للماركسية)
29
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
الشيوعية البدائية
تطور البشر األوائل (بمختلف أنواعهم) قبل حوالي ثالث ماليين سنة من مجموعة محددة من
انتصابا .وفي
ً البدائي أكثر
ّ تحسن في مرونة ومهارة اليد ،وأصبح وضع جسم اإلنسان
ّ االنتقال
ً
مختلفة للدفاع عن أنفسها (القطع ،والحفر ،والجرف ،وكساء أجهزة
ً حين كان للحيوانات األخرى
أي من هذه األشياء .وللبقاء على قيد الحياة ،كان البد لهم من
للدفء) ،لم يكن لدى البشر ٌّ
أي أيديهم وأدمغتهم .ومن خالل التجربة
تطوير وتنمية مواردهم الوحيدة المتاحة لهمّ ،
والخطأ ،تعلّ م البشر مختلف المهارات ،والتي تعين عليهم توارثها من جيل آلخر .أصبح التواصل
ً
حيوية .وكما أشار إنجلز« :بدأت السيطرة على الطبيعة مع تطور اليد ،مع ً
ضرورية عبر التخاطب
العمل ،ووسعت أفق اإلنسان مع كل خطوة لألمام» .كان الرجال والنساء حيوانات اجتماعية
مكنت البشر على تغيير البيئة المحيطة بهم لتلبي حاجاتهم .فكما قال إنجلز« :يستخدم
األدوات ّ
ً
عامة. ً
مشتركة ً
ملكية الملكية الخاصة موجودة ،إذ أن كل ما ُصنع ،أو ُجمع ،أو ُأنتج قد اُ عتبر
وقبل فترة تتراوح بين الـ 10،000والـ 12،000سنة ،ظهرت فترة جديدة أعلى مسماة باسم العصر
بدال من التجوال ً
بحثا عن الطعام ،أحرز تقدم في الحجري الجديد ،أو البربرية .في هذه الفترةً ،
30
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
اقتصاد
ٌ ً
ونتيجة لذلك فقد صنعت أدوات جديدة للمساعدة في المهام الجديدة ،وهكذا نشأ
قائم على إنتاج األغذية .وفي هذه الفترة أيضا نشأت العديد من القبائل والمجتمعات
ٌ
المستقرة .حتى اليوم ،وألسباب متنوعة ،ال تزال العديد من قبائل أفريقيا وجنوب المحيط
لكن ،حتى مع منشأ االستيطان الدائم ،لم تنشأ مساكن خاصة بعد .بل على العكس من ذلك،
في مرحلة الشيوعية البدائية هذه (الوحشية والبربرية ،اللتان تمثالن مرحلة أدنى وأعلى على
أي ممتلكات خاصة ،أو طبقات ،أو نخب متميزة ،أو شرطة ،أو جهاز قسري
التوالي) لم توجد ّ
خاص (الدولة) .كانت القبائل نفسها مقسمة إلى وحدات اجتماعية تدعى العشائر ،وهذه
من المستحيل تحديد األب الحقيقي للطفل؟ كان محرم على الرجل معايشة/معاشرة امرأة من
كان النمط الال طبقي للمجتمع هذا ديمقراطي للغاية بطابعه ،إذ تعين على الجميع المشاركة
في جمعية عامة للبت في القضايا الهامة حال وقوعها ،وانتخاب زعمائهم وقادتهم ألغراض
معينة .وكما أشار إنجلز في كتابه «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة»:
ّ
كم هو رائع هذا الدستور ،هذا النظام العشائري بكل سذاجته وبساطته! كل شيء
يسير حسب النظام المقرر ،من دون جنود أو درك أو شرطة ،من دون نبالء أو ملوك أو
أو بين بعض العشائر فيما بينها ،وال يظهر التهديد بالثأر ّإال بوصفه الوسيلة األخيرة،
نادرا ما تطبق ،وما عقوبة اإلعدام عندنا ّإال شكلها المتمدن التي تالزمه
ً الوسيلة التي
جوانب مدنية ،اإليجابية منها والسلبية على السواء… االقتصاد البيتي تديره مجموعة
31
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ملك للقبيلة بأسرها ،ما عدا
ٌ من العائالت بصورة مشتركة وعلى أسس شيوعية ،واألرض
مؤقتا تحت تصرف مختلف العائالت… كما أنه ال يمكن أن يكون ثمة
ً قطع صغيرة توضع
مقدسا ،إلى
ً إلها
ً ينظر البرجوازي الصغير ضيق األفق ،الذي ينظر للملكية الخاصة باعتبارها
تماما.
ً غريبا
ً أمرا
هذه المجتمعات بازدراء واستحقار .لكن ،ألبناء القبائل تبدو الملكية الخاصة ً
وكل
ّ أن الروح العظيمة خلقت األرض،
فكما يشير المؤرخ جون هكويلدر ،يعتقد الهنود الحمر « ّ
ما عليها ،ألجل مصلحة البشرية العامة .وعندما تنشر الروح العظيمة هذه الخيرات في البالد،
وتنعم عليهم بالصيد الوفير ،فإنها تفعل ذلك بما فيه مصلحة للجميع ،ال لألقلية .كل ما هو
ُ
موجود يتشارك به أبناء القبيلة .كل ما يحيا على األرض ،أو ينبت منها ،أو يحيا في األنهار
والمياه كان يوزع بشكل مشترك بين الجميع ،والكل كان له الحق بنصيبه».
ٍ
متزايدة مع نشوء األسرة الخاصة ،ونشوء المنازل ٍ
لضغوطات تعرضت الملكية القبلية المشتركة
ّ
جنبا إلى جنب مع المساكن الجماعية .ومع مرور الوقتُ ،ق ّسمت األرض المشتركة لتشكل
الخاصة ً
وحل النظام األبوي (الذي يهيمن عليه الذكور) محل النظام األمومي،
ّ ً
جماعية لكل عائلة، ً
ملكية
لكن ،ال يجب مساواة هذه «العائلة» أو تشبيهها مع عائلة اليوم .فكما أشار بول الفارغ« :لم
تتقلص العائلة بعد إلى آخر وأبسط تشكيالتها ،كما هو الحال في يومنا هذا ،حيث تتكون من
ثالثة عناصر أساسية :األب واألم واألبناء؛ بل كانت تتكون من األب ،رب العائلة؛ والزوجة الشرعية،
ومحظياته ،الالتي عشن تحت سقف واحد؛ وأبنائه وأشقائه األصغر سنً ا منه ،مع زوجاتهم
وأطفالهم ،وشقيقاته غير المتزوجات .مثل هذه العائلة ضمت العديد من األفراد».
نموا لعناصر
ًّ يعتبر الماركسيون/ات نمو الملكية الخاصة في مراحل الشيوعية البدائية الالحقة
32
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
إن
حق الملكية ،إذ ّ ٍ
جديدة لإلنتاج ،خاصة في المجال الزراعي ،برزت مسألة ّ ومع نمو وسائل
الحيازة على األدوات واألسلحة والمعادن الجديدة ،وفي المقام األول الحيازة على وسائل
تصنيعها ،تمكن أسرة ما إلى أن تسمو فوق صراع الحياة والموت المرهبين مع قوى الطبيعة.
وبعد ذلك ،مع زيادة تطور قوى اإلنتاج (تطورت التجارة في البداية بين المجتمعات المختلفة)،
حرب بين قبيلتين اثنتين ،لم يكن مجد من الناحية االقتصادية أخذ
ٌ في الماضي ،حينما اندلعت
أن األسير ،في نهاية المطاف ،لم يكن باستطاعته ّإال إنتاج ما يكفيه من
األسرى كعبيد ،إذ ّ
الطعام لنفسه فقط ،فلم توجد بعد التقنية إلنتاج الفائض من الطعام .الفائدة الوحيدة لألسير،
نظرا لنقص الغذاء ،كان استخدامه كمصدر للغذاء .وهذا كان األساس االقتصادي ألكل لحوم
ً
البشر.
ٍ
عبد وإرغامه على العمل اقتصاديا الحفاظ على
ً لكن ،ما إن ُأنتج الفائض ،حتى أصبح من المجدي
لسيده .والفائض الذي أنتجته أعداد العبيد المتزايدة قد استولت عليه طبقة مالكي العبيد
الجديدة .لكن ،كيف يصبح من الممكن مراقبة هؤالء العبيد وإرغامهم على العمل؟ إذ لم يكن
ً
مقاتال.ومحاربا/
ً حرا
فردا ً
ً للقبائل القديمة قوات شرطة أو وسائل قسر ،فقد كان كل فرد
ومستأجرها ،الدائن والمدين ،جميعهم ابتدأوا في البروز في المجتمع .والعشائر التي كانت
ٌ
اجتماعية من عالقات صلة الدم ،بدأت بالتفكك .وأصبحت القواسم المشتركة وحدات
ٌ في األصل
بين أغنياء مختلف العشائر تفوق تلك التي تشاركوها مع فقراء عشائرهم.
المجتمع العبودي
تقدميا بشكل كبير في
ً ظهورا
ً كل الفظائع التي رافقته ،كان ظهور المجتمع الطبقي
رغم ّ
مواصلته تطوير وتنمية المجتمع ،فألول مرة ،منذ أن تطور البشر من القردة العليا ،أصبح جزء
33
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
المحررون من العمل
َّ حرا من جهد السعي وراء لقمة العيش .وأصبح بإمكان هؤالء
من المجتمع ً
تكريس وقتهم للعلم والفلسفة والثقافة .جلب المجتمع الطبقي معه الكهنة والكتبة
والموظفين والحرفيين المتخصصين .وكان التبرير والوظيفة التاريخية للطبقة الحاكمة الجديدة
هي تطوير قوى اإلنتاج والدفع بالمجتمع إلى األمام .هذه المرحلة هي المرحلة التي ظهرت
واآلن ،مع نشوء المجتمع الطبقي ،أنشئت مؤسسات خاصة لحماية مصالح الطبقة الحاكمة،
وبذلك ،فقد أصحبت هناك حاجة لهيئات مسلحة خاصة ،بسجونها ومحاكمها وجالديها ،إلخ،
باإلضافة إلى قوانين جديدة لحماية الملكية الخاصة لمالكي العبيد .وهكذا نشأت الدولة
أفكار
ٌ وملحقاتها وانهارت حرية ومساواة النظام العشائري القديم .وتزامنً ا مع ذلكُ ،ط ّورت
ً
حاكمة ً
طبقة ومع حلول القرن السابع قبل الميالد ،أصبحت األرستقراطية القبلية في اليونان
ومع نمو المدن– الدول ،تسارع تقسيم العمل المتزايد بشكل كبير ،ليس بين المدينة والريف
جنبا إلى
أيضا ،بين التاجر والمرابي؛ ونشأت حرف جديدة ً
فحسب ،بل بين فروع التجارة والتمويل ً
ٍ
وثقافة. ذوق
ٍ لبوا احتياجات الطبقة العليا من
جنب مع مجموعة متزايدة من الفنانين الذين ّ
ٍ
متواصلة ومستمرة. حرب
ٍ ِ
داف ُع الدولة–المدينة من أجل المزيد والمزيد من العبيد ،أسفر عن
ففي حرب الرومان ضد مقدونيا في عام 169قبل الميالد ،تم نهب سبعين مدينة في منطقة
مسرفا
ً اقتصادا
ً إبيروس بمفردها ،كما بيع 150،000من سكانها كعبيد .كان االقتصاد العبودي
للغاية ،وألجل بقائه ،احتاج إمدادات متواصلة من العبيد للتعويض عن أولئك الذين أصيبوا
نظرا لقسوة
جدا ً
ً لكن التكاثر الطبيعي بين العبيد كان بطيئً ا
ّ بالجروح أو وافاهم الموت.
أوضاعهم المعيشية ،وبالتالي كان الغزو الوسيلة الوحيدة التي مكن من خاللها تعويض النقص
34
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
أن العبد كان أقل إنتاجية من الفالح الحر بكثيرّ ،إال أن تكلفة حياته المنخفضة
على الرغم من ّ
أدى إلى فرار أعداد كبيرة منهم إلى المدينة
أن تدمير الفالحين األحرار ّ
جعلته أكثر ربحية .كما ّ
مشكلين البروليتاريا الرثة ( )lumpenproletariatفي المجتمعات العبودية .وهذه األخيرة اعتمدت
على المساعدات الخيرية من الطبقات العليا ،الذين ألهوهم بإقامتهم عروض السيرك لهم.
هذه الفترة هي الفترة التي نشأت فيها الحركة المسيحية الثورية ،وهؤالء ،الذين كانوا في
وأذنابهم األغنياء ،فازوا بالكثير من دعم الفقراء والمظلومين .لقد كان هؤالء المسيحيون
ٍ
عنف لإلطاحة بالطبقات العليا وإلقامة «الجنة الثوريون القدامى مستعدين الستخدام وسائل
على األرض» .ونتيجة لذلك ،فقد تعرضوا للمالحقة من قبل السلطات ُ
وأعدموا بال رحمة بتهمة
الدنيا على قبول مصيرهم الدنيوي وتشجيع أوهامهم بوجود حياة أفضل بعد الموت.
وكلما ازداد فائض مالكي العبيد الذي حصلوا عليه من استغالل العبيد ،ازداد بذخهم،
يمكن خوضها من دون جنود ،والفالحين ،الذين كانت أعدادهم في تضاؤل متزايد ،كانوا أفضل
نهاية سري ً
عة ً الجنود ،وبالتالي لزم استبدالهم بمرتزقة أجانب .لقد انتهى عصر «العبد الرخيص»
ً
حامال في طياته تراجع إمبراطوريات العبيد.
على الرغم من مختلف تمردات العبيد ،التي كان أشهرها تمرد سبارتاكوس ،لم يثبت العبيد
قادرة على دفع المجتمع إلى األمام .فكما أشار كارل ماركس ،ينتهي
ً كونهم طبقة ثورية
الصراع الطبقي « إما بتحول ثوري للمجتمع بأكمله ،وإما بهالك كلتا الطبقتين المتصارعتين».
35
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
قفرة هائل ًة لألمام للمجتمعّ .
إن اإلنجازات الثقافية التي ً لقد أحدثت حضارات العبيد الجبارة
ٍ
بدايات للهندسة الميكانيكية .لكن ،على الرغم من أن تكون
الرياضيات إلى مرحلة كان بإمكانها ّ
مهدا الطريق
ذلك ،فقد بلغ المجتمع العبودي حدوده ،وتدهوره الداخلي والعوامل الخارجية ّ
لدامره.
نشوء اإلقطاعية
يشير ماركس في «األيديولوجية األلمانية»:
إن القرون األخيرة لإلمبراطورية الرومانية المنحطة وفتحها من قبل البرابرة قد محقت
أسواق
ٍ كتلة من القوى المنتجة :لقد تدهورت الزراعة ،وانحطت الصناعة جراء نقص
للتصريف ،واضمحلت التجارة أو ُعلّ قت بفعل العنف ،ونقص عدد السكان ،الريفيين
وعلى مر القرون ،اجتاحت الجموع البربرية أوروبا (اإلمبراطورية الرومانية)؛ في المشرق ،تمثل
ذلك بالقوط واأللمان والهون .وفي الشمال والغرب ،تمثل ذلك باالسكندنافيين .وفي الجنوب،
تمثل ذلك بالعرب .وفي غزوهم لألراضي ،شرعوا في نهب المدن ،واستقروا بالريف ،حيث عاشوا
في هذه المجتمعات ،انتخب سكان القرية رؤسائهم ،لكن ،مع مرور الوقت ،أصبح رؤساء القرية
دائما من عائلة واحدة .وأصبح رئيس هذه األسرة المتميزة ،من خالل توارث الحكم،
ً يعينون
ّ
أدى إلى تقسيم األراضي
مما ّ
طبيعيا .كانت القرى في حالة حرب مستمرة مع جيرانهاّ ،
ً رئيسا
ً
التي غزيت ،مع حيازة رئيس القرية على النصيب األكبر منها ،وبذلك أصبح الرجل األقوى واألكثر
تملكً ا في المجموعة .في أوقات الصراع ،هو يضمن حماية من هم تحت سلطته ،وفي المقابل،
36
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تمددت سلطة لوردات القرى هؤالء إلى المناطق الريفية المحيطة بهم .كان اللورد مدينً ا
ّ
قطعيه ،وهؤالء ،في المقابل ،كانوا مدينين باإلخالص
لم َ
بـ«العدالة والمساعدات والحماية ُ
والوالء للوردهم» (بول الفارغ :تطور الملكية) .لقد أسهمت الحروب والغزوات على بلورة هذه
ً
تسلسال جنبا إلى جنب مع رجالهم المسلحين،
العالقات اإلقطاعية ،إذ شكل اللوردات والباروناتً ،
جديدا ،مدعوماً بالعمالة المؤداه من قبل ُم َ
قطعيهم .فكما أوضح ذلك الفارغ: ً اجتماعيا
ً هرميا
ً
كُ لّ فت بحمايته .فالبارونات ،من أجل توسيع أراضيهم وبالتالي نطاق سيطرتهم ،قاموا
بشن حرب مستمرة فيما بينهم ،لم تتخللها إال هدن قصيرة بين الحين واآلخر لحرث
ّ
قطاعين
تماما ،يصبحون ُم َ
ً فورا أو ال ُيسلبون
ً الحقول… والمهزومون ،عندما ال ُيقتلون
قطعيهم .اختفت
وم َ
قطعين) للمنتصر ،الذي يستولي على جزء من أراضيهم ُ
(أو ُم َ
البارونات الصغيرة لصالح البارونات الكبيرة الذين أصبحوا إقطاعيين واسعي السلطة،
قطعين حضورها.
الم َ
وأنشأوا محاكم دوقية الالتي لزم للوردات ُ
ومع نضج العالقات اإلقطاعية ،أصبحت غالبية األراضي الزراعية في أوروبا مقسمة إلى مناطق
تعرف بالضيع اإلقطاعية ( ،)manorsحيث كان لكل ضيعة إقطاعية لوردها ومسؤولوها الخاصون
بها ،والذين تمثلت مهمتهم بإدارة العقاراتُ .ق ّسمت األراضي الصالحة للزراعة إلى قسمين:
حوالي الثلث منها عادت ملكيتها للورد (المسماة بالـ« ،)»Demesneأما بقية األراضي فقد
قطعين من األرض كان من الممكن للزراعة أن تخطو خطوات عظيمة لألمامّ ،إال أن حصة ُ
الم َ
أدى إلى
كانت قد قسمت بدورها إلى أشرطة منفصلة مبعثرة على طول الحقول ،األمر الذي ّ
استنزاف اإلنتاجية بشكل هائل.
أدت البنية االجتماعية التي نشأت في إطار اإلقطاع إلى نشوء طبقات ومجموعات جديدة .كانت
ّ
البنية االجتماعية مماثلة للهرم ،يرأسها الملك ،واألرستقراطية ،ورجال الكنيسة الكبار،
37
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
وعلى عكس اليوم ،حيث ُت ِ
نتج المصانع الجزء األكبر من الثروة ،أنتجت األرض ما يقارب جميع
االحتياجات االجتماعية .ولذلك ،أصبحت األرض أهم ملكية في النظام اإلقطاعي ،حيث تناسبت
أجروا
أجروها للكاونتات ،الذين ّ
الواقع ُمنحت بعض المناطق والنطاقات للدوقات ،الذين بدورهم ّ
قطعيهم .كان الجميع ملزمون بتقديم الخدمات لرؤسائهم ،من حيث
لم َ
قطعا صغيرة منها ُ
ً
ضمانهم للرجال المسلحين ،ودفع اإليجار ،إلخ.
وعلى عكس العبيد الذين لم يملكوا شيئا ،كان األقنان مستأجرين ألراضي اللورد .وعلى عكس
«الحقوق» ،اضطر القن للعمل للورد الضيعة اإلقطاعية لفترات معينة في األسبوع من دون أجر،
كما أنه طلبت منه خدمات أخرى (أيام البون) في وقت الحصاد ،ومتى ما احتاج اللورد مساعدته
عليه الحصول على إذن اللورد إن أراد تزويج أطفاله من خارج الـ« ،»demesneأي من خارج أرض
أيضا الضرائب على ميراث القن ،وتعين على ورثة األرض من اإلناث أخذ إذن
اللورد .كما فرضت ً
اللورد.
قائما على ملكية األرض ضاعف تطور قوى اإلنتاج .في هذه
ً التنظيم الجديد للمجتمع الذي كان
الفترة ،األرستقراطية والطبقة الحاكمة الكنسية هي من استولت على فائض القيمة الذي
على حد تعبير المؤرخة كليرنس مايلي« :إنها لقاعدة اقتصادية كون نسبة اإلنتاجية تزداد كلما
ً
حرية بشكل مباشر على تحفيز اإلنتاج». تأثر أكثر األشكال االجتماعية
ومع تبلور الطبقات الجديدة ،نشأت أشكال جديدة ألجهزة الدولة للحفاظ على أشكال الملكية
اإلقطاعية .واألخالقيات واأليديولوجية الجديدة التي نشأت من أشكال الملكية هذه عززت
38
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
العالقات االجتماعية .والكنيسة ،التي ازدادت سلطتها أكثر فأكثر ،قدمت األسس الروحية
للنظام الجديد ،ومع ذلك أصبح البابا أقوى من الملك أو اإلمبراطور ،مع امتداد أراضي الكنيسة
لتشمل ما بين ثلث إلى نصف أراضي العالم المسيحي .وبلغت الضريبة العشرية التي جمعتها
مع حلول القرن السادس عشر .ونتيجة لذلك ،هزت الحروب البارونية المستمرة المحافظات
النائية ،حيث راكم البارونات اللصوص سلطتهم وهيبتهم ،األمر الذي هدد موضع ومنصب
العاهل المركزي .كان صراع العاهل المركزي إلخضاع هذه المناطق سمة من سمات هذه الفترة.
مكنت
ّ الهزيمة النهائية للوردات المحافظات هؤالء ،ومعها صراعاتهم وحروبهم المستمرة،
أساسيا
ً دورا
ً ضخمة في فرنسا وبلجيكا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا .وهذه المعارض الدورية لعبت
في نمو التجارة األوروبية ،وساعدت على إنشاء طبقة قوية من التجار األغنياء .عندئذ ،بدأت
ٌ
مملوكة من قبل اللوردات متصفا بالحرية .كانت أراضي المدن
ً مناخا
ً التجاري في المدن
39
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ألراضيهم المدنية بنفس السياق الذي نظروا به إلى أراضيهم األخرى… كانت جميع
ً
أشكاال إقطاعية ،استندت على هذه األشكال (الرسوم اإلقطاعية ،والضرائب ،والخدمات)
التجارة ،في المقابل ،كانت بطبيعتها نشطة ،متغيرة باستمرار ،وغير صبورة أمام الحواجز.
ٍ
جديدة .ومع تقلّ د األموال المكتسبة من التجارة ٍ
ثروة أدت التجارة نفسها إلى نشوء أشكال
ّ
ٌ
أقلية متزايدة ،لم تعد األرض المصدر الوحيد للسلطة واالمتياز ،حيث نشأت في المدن
ً ً
أهمية
من التجار األثرياء الذين سيطروا ونظموا اإلنتاج الفردي صغير النطاق من خالل نظام
الجماعات/النقابات .ومع التقسيم المتزايد للعمل ،نشأت النقابات الحرفية التي تألفت من معلم
المهنة ،والمبتدئين ،والصناع المهرة .ومع ازدياد الثروات التي خلقها اإلنتاج ،اصطدم معلمو
ٍ
نقابات فعلية لحماية مصالحهم. الصناع المهرة
ّ شكل
ّ
جدا) قوض ببطء أسس النظام اإلقطاعي ،حيث ُع ّدلت قوانينه وتقاليده لتتوافق مع التطور
ً
بعيدا إلى المدن لتكوين ثرواتهم ،بدأت قيم المال بتجاوز
ً الجديد هذا .ومع فرار األقنان
أن تبعات
العمالية .كما ّ
ّ المستحقات
ّ محل
ّ العالقات القديمة ،حيث حلّ ت الممتلكات المستأجرة
يقدر المؤرخون
ّ الموت األسود ،في منتصف القرن الرابع عشر ،سارع هذه العملية بشكل ،حيث
جراء
موت ما بين 30إلى 50بالمئة من سكان إنجلترا وألمانيا وفرنسا والبلدان المنخفضة ّ
مما أجبر العديد من مالكي
أدى إلى نقص مزمن في العمالةّ ،
الطاعون العظيم .وهذا بدوره ّ
األراضي على إدخال العمل المأجور للتغلب على صعوباتهم.
40
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
نشوء الملكيات المطلقة
لم تكن الدول–األمم ،كما نعرفها اليوم ،موجودة منذ األبد ،إذ لم تنتمي والءات الشعوب في
هذا الوقت إلى األمة ،بل انتمت إما لللورد ،أو للمدينة ،أو للمنطقة المحلية ،أو للنقابة الحرفية.
لم يعتبر الناس أنفسهم كفرنسيين أو إنجليزيين ،إلخ ،بل اعتبروا أنفسهم منتمين لمدينة أو
ٍ
بظروف ية في النشوء ،وهذه الطبقة طالبت ٌ
طبقة رأسمال ٍ نمو الثروة في المدن ،بدأت
ّ ومع
أجل استقالل المدن من حكم اللوردات اإلقطاعيين ،والمعارك المستمرة بين البارونات المحليين،
والنهب الذي تال ذلك ،جميعها أدت إلى ضرورة وجود سلطة مركزية ،أي وجود الدولة القومية.
أشخاصا ككولومبوس وفاسكو دا جاما للبحث عن مناطق جديدة الستغاللها و«نشر كلمة الرب».
ً
وهكذا ُأ ّسست شركات مساهمة لترويج التمويل للمزيد من االستغالل ،للمزيد من النهب والربح.
والممولين المراكز
ّ ً
ونتيجة لألرباح الضخمة التي كُ سبت من هذه الرحالت ،أصبح العديد من التجار
الفعلية للسلطة والثروة .أصبح النبالء ،واألرستقراطيين ،والملوك مدينين للتجار األغنياء ،للدرجة
التي استطاعت بها عائلة فوغر ،إحدى األسر المصرفية ،تقرير من سيكون إمبراطورا
41
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
أفسحت التطورات االقتصادية الجديدة المجال أمام التشكل الرأسمالي ،حيث بدأت أسس
عندما تصل قوى المجتمع اإلنتاجية المادي إلى درجة معينة من تطورها تدخل في صراع
من عالقات اإلنتاج القائمة أو ،بالتعبير القانوني ،مع أحوال الملكية التي كانت تعمل
في ظلها حتى ذلك الوقت .وهذه العالقات من كونها شكال من أشكال تطور قوى
اإلنتاج تتحول إلى قيد عليها .وفي هذه اللحظة تحل حقبة من الثورة االجتماعية».
دمر نظام اجتماعي حتى تتطور جميع القوى اإلنتاجية الذي كان
وأضاف الحقا« ،ال ُي َّ
ٍ
جديدة أكثر تفوقا محل العالقات القديمة عالقات إنتا ًج
ُ تحل
ّ وجوده ضروريا لها ،وال
للنظام القديم كان الهجوم على الكاثوليكية .في هذه الفترة ،لم تكن الكنيسة الكاثوليكية
مجرد مؤسسة دينية فحسب ،بل كانت الحصن الرئيسي للنظام االجتماعي القائم .وبصرف النظر
الجميع ،وكان لها محاكمها وامتيازاتها الخاصة ،وسيطرت على التعليم وشكلت المنظور
السياسي واألخالقي للناس .فكما قال تشارلز األول ذات مرة« :في أوقات السلم ال ُيحكم
وهددت بالطرد
ّ الناس بالسيف بقدر ما ُيحكمون بالمنابر» .لقد أخضعت الكنيسة الكتب للرقابة،
ولذلك ،كان أول تحد آللئك الذين رغبوا في تقويض النظام ،هو تحدي احتكار الكنيسة.
ومع أوائل القرن السابع عشر ،اصطدمت الملكيات المطلقة مع الكنيسة الكاثوليكية نفسها،
حيث زود اإلصالح البروتستانتي ،الذي استهلّ ه مارتن لوثر ،األسلحة الالزمة في صراعهم ضد
42
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
السلطة البابوية .ففي إنجلترا ،كسر هنري الثامن عالقاته مع الكاثوليكية وداهم ثروات األديرة،
الثورة الرأسمالية
ركزت على االعتماد على الذات ُ
بيوريتانية مجموعة كالڤن (إحدى المذاهب البروتستانتية) ،التي ّ
والنجاح الشخصي ،ناسبت منظورات وأخالقيات الطبقة الوسطى الناشئة في المدن واألرياف.
وبذلك ،أصبحت البيئة مالئمة لبروز الطبقات الوسطى بسرعة ،خاصة بعد التضخم المالي الهائل
أجج
الذي حصل بين عامي ،1640–1540حيث ارتفعت األسعار بأكثر من أربعة أضعاف ،األمر الذي ّ
الصراع المتزايد مع الطبقات الحاكمة القديمة.
في إنجلترا ،أخذ الصراع بين الطبقة البرجوازية الجديدة والنظام القديم شكل الحرب األهلية،
حيث قاد الجيش النموذجي الجديد ألوليڤر كرومويل الطبقة الوسطى في صراعها المسلح ضد
الملك والنظام القديم .في عام ُ ،1649أعدم الملك ُ
وأعلنت الجمهورية الرأسمالية .وكرومويل،
ٍ
بونابرتية ،وقمع بال ٍ
عسكرية ٍ
تاتورية رئيسا لديك
ً الذي استند على دعم الجيش ،فرض نفسه
ٍ
ضيقة – القوت ٍ
اجتماعية ٍ
قاعدة فصاعدا ،استند نظام كروميل على
ً الرأسمالية .ومنذ ذلك الحين
وفقا للنمط
ً المسلحة .وفي ظل هذه األزمات والظروف الحرجة ،قلّ ص النظام الرأسمالي نفسه
الوعي بمتناقضات الحياة المادية ،بالصراع القائم بين قوى اإلنتاج االجتماعية وعالقات
اإلنتاج.
43
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
لقد أشار ليون تروتسكي ،إحدى قادة الثورة الروسية ،ذات مرة« :كانت الثورات عبر التاريخ
ودائما ،تعيد الثورة المضادة المجتمع إلى الوراء ،لكن ليس إلى
ً دائما بثورات مضادة.
ً متبوعة
وسطا
ً نقطة انطالق الثورة» .وهكذا ،في عامي 1660و ،1689أبرم البرجوازيون الكبار بعجلة ً
حال
مع العناصر «البرجوازية» من الطبقة األرستقراطية ،حيث أعيد النظام الملكي ومجلس اللوردات،
ّإال أنه لم يكن باستطاعتهما لعب نفس الدور الذي لعبه سلفيهما ،بل على العكس من ذلك،
ً
كامال دون أي بعد مائة عام من الثورة اإلنجليزية ،أنجزت الثورة الفرنسية الرأسمالية أهدافها
ٍ
بانقسام في الطبقة الحاكمة ،حيث مساومة .ابتدأت الثورة الفرنسية ،كمثيلتها اإلنجليزية،
تصادم الملك ووزرائه مع البرلمان (الذي مثل طبقة النبالء ،وكبار رجال الدين ،وزمرة المحكمة،
افتتاحية ً
بدال ٍ والطبقات الدنيا ضد النظام .فكما أشار جورج رود« :لعل ثورة النبالء كانت مجرد
ٍ
مشترك ضد عمل
ٍ من كونها ثورة ،والتي ،من خالل ربطها للطبقة الوسطى والدنيا معا في
الملك والطبقة األرستقراطية ،كانت فريدة من نوعها في أوروبا المعاصرة» .على الرغم من
جميع محاوالت اإلصالح من األعلىّ ،إال ّأنها لم تكن كافية لمنع الثورة من األسفل.
وكما هو الحال في جميع الثورات الشعبية ،اقتحمت الجماهير مسرح التاريخ ،حيث برز أكثر الناس
ً
تضحية بالنفس إلى الواجهة ،ودفعوا الثورة بشكل كبير إلى اليسار .في الفترة التي وقعت
تماما.
ً بين عامي 1789و ،1793اجتُ ّث النظام اإلقطاعي ومعه الطبقة األرستقراطية من جذوره
ودفعوا
مرؤوسا من قبل الطبقة الوسطى الثورية ،اليعاقبة ،الذين ُدعموا ُ
ً كان النظام الجديد
حكومة المديرين إلى السلطة في عام ،1974حدث تحول إلى اليمين ،األمر الذي أفسح بدوره
المجال أمام ثورة سياسية مضادة جديدة ،والتي جلبت إلى السلطة نظام نابليون بونابرت .لكن،
44
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
أي أنه لم يعاد بناء النظام اإلقطاعي ،وإنما كان مجرد تغيير سياسي ناتج عن صراع أقسام
ّ
مختلفة من الطبقة الرأسمالية نفسها.
انتصار الرأسمالية
نمو الزراعة
ّ مهدت الثورات البرجوازية الكبرى الطريق للرأسمالية .وضمنت التغييرات الزراعية
ّ
وو ّزعت على الفالحين .وفي إنجلترا،
الرأسمالية ،حيث ُق ّسمت المقاطعات اإلقطاعية القديمة ُ
تحول قسم من الطبقة األرستقراطية قبل الثورة الطريق لدمار الفالحين أنفسهم.
ّ مهد
ّ
مناصرة لهما بالفعل.
ً تعوق التجارة والصناعة ،أصبحت اآلن
ّ والحكوماتً ،
بدال من أن
أقل
ّ متمركزة في ٍ
أيد ً ومن خالل السطو والتقييد والنهب والمنافسة ،أصبحت وسائل اإلنتاج
المفتقرون للملكية .القدرة على العمل كانت هي كل ما يملكه هؤالء العمال ،حيث كان بيعهم
قوة عملهم للرأسمالي مقابل أجر ما الطريقة الوحيدة التي أمكنهم من خاللها البقاء على
ً
قيمة أكثر مما يتلقاه كأجر ،إذ يصادر الرأسمالي قيد الحياة .في عملية اإلنتاج ،ينتج البروليتاري
فائض القيمة التي ينتجها .وفي بحثها عن الربح ،وسط منافسة نظرائهم ،تضطر الطبقة
تقدميا
ً دورا
ً الرأسمالية إلدخال أساليب جديدة في اإلنتاج ،وبهذه الطريقة لعبت الرأسمالية
اإلمبريالية
قسمت
شهدت فترة ما بين عامي 1900–1870تقسيم العالم بين القوى الرئيسية .ففي عام ّ 1870
القوى األوروبية ُع ْشر القارة األفريقية فيما بينها ،وبحلول عام 1900أصبحت حوالي تسعة أشعار
«القارة المظلمة» إما في أيدي بريطانيا ،أو فرنسا ،أو إحدى اإلمبراطوريات األوروبية األخرى.
ومع حلول عام 1914اكتملت عملية تقسيم العالم ،ودخلت الرأسمالية أعلى مراحلها ،مرحلة
45
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
دفاعا
ً و«انصهرت الدولة أكثر فأكثر مع االحتكارات والمؤسسات المالية وتصرفت بشكل متزايد
أن اإلنتاج في هذه الفترة رافقه تصدير رأس المال نفسه» (لينين).
عن مصالحها .كما ّ
وفي الصراع ألجل المزيد من األسواق ،إلخ ،تحمل المرحلة اإلمبريالية الحرب العالمية في
ونظرا لتقسيم العالم والنمو الهائل في اإلنتاج ،ال يمكن اآلن الحصول على المزيد من
ً طياتها.
الحرب العالمية عن التناقضات الكامنة بين الملكية الخاصة ووسائل اإلنتاج من جهة والدولة
هيأت الرأسمالية
القومية من جهة أخرى .لكن ،على عكس ما سبقتها من مجتمعات ،فقد ّ
االشتراكي الجديد الذي يمكنه ضمان الوفرة للجميع.
ّ الظروف المادية الالزمة للنظام
البروليتاريا هي الطبقة الثورية الوحيدة القادرة على حمل الثورة االشتراكية إلى خاتمتها،
جبر
وت َ
وهذا ينبع من موضعها في اإلنتاج االجتماعي .فالطبقة العاملة تنتظم في المصانع ُ
على التعاون في عملية اإلنتاج .إنها تنظم نفسها في نقابات كبيرة بادئ األمر ومن ثم في
ً
أيديولوجية حزب مستقل خاص بها .والماركسية ،على عكس كل النظريات األخرى ،تقدم لها
أما الطبقة الفالحية والوسطى فهما غير قادران على لعب دور قيادي ،وذلك نتيجة لموقهما
الطبقة الفالحية ،في الواقع ،كانت األداة الرئيسية لألنظمة البونابرتية – هو نظام قائم على
القوات المسلحة وتحقيق التوازن بين الطبقات المختلفة .أما في عصر اإلمبريالية وتدهور
الرأسمالية االحتكارية هذا ،إذا فشلت الطبقة العاملة في استمالة الطبقات الوسطى للوائها
46
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
كبريطانيا وألمانيا وفرنساّ ،إال أن الرأسمالية ،مع ظهور اإلمبريالية« ،انكسرت عند أضعف
ٍ
جديدة وأفكار
ٍ ٍ
منتجات نمو المجتمع غير المتكافئ يجري قطعه باستمرار من خالل إدخال
ّ أن
إذ ّ
ً
نتيجة للكمية الهائلة من الرساميل األجنبية من بريطانيا وفرنسا .والطبقة في مدنها،
تقدما :الفكر
ً تقبلت أكثر أفكار الطبقة العاملة ً
حديثا ّ تكونت
ّ البروليتارية الصناعية الجديدة التي
الماركسي.
المطلوب بشدة ،واألوتوقراطية ،واالضطهاد القومي ،والركود االقتصادي إلى سخط هائل
في هذه البلدان ،لم تبرز الطبقة الرأسمالية إلى الساحة ّإال في مرحلة متأخرة ،وبذلك لم يكن
بإمكانها لعب دور ثوري كالالتي لعبتها مثيالتها في القرن السابع والثامن عشر .وكما كان
الحال في روسيا قبل عام ،1917كانت الطبقة الرأسمالية ضعيفة للغاية وتربطها آالف السالسل
مع مالك األرض واإلمبريالية (من خالل الزواج والقروض العقارية) ،وكالهما شاركا كرههما
إن الطبقة الوحيدة القادرة على تنفيذ الثورة هي البروليتاريا ،وذلك بتوحيد قطاعات الفالحين
ّ
فقرا حول نفسها .وبمجرد وصولها إلى السلطة ،كما حدث في أكتوبر من عام ،1917
ً األكثر
قادرة على توزيع األراضي على الفالحين ،وطرد المستعمرين ،وتوحيد البالد .غير
ً فإنها تصبح
47
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
لقد ّ
مثلت الثورة الروسية أعظم حدث في تاريخ البشرية كله ،حيث تقلدت الطبقة العاملة
ال
عم ٍ َ
دولة ّ السلطة ألول مرة ،وأطاحت بالرأسماليين ومالك األراضي وأفراد العصابات ،ونظمت «
ديمقراطية» .كان من المفترض أن يكون ذلك بداية الثورة االشتراكية العالمية ،كما ّأنها أكدت
نمو
ّ شجعت على
ّ ساهم في تشويه الثورة .كانت الظروف الموضوعية هذه هي التي
الستالينية ودكتاتوريتها الوحشية لم تنمو من الحزب البلشفي أو الثورة االشتراكية ،بل نمت
من انعزال الثورة وتخلف روسيا المادي ،حيث َد ّمرت ديمقراطية العمال بغية الحفاظ على
امتيازاتها وسلطتها.
لكن ،وعلى الرغم من ذلك ،استند النظام الستاليني على أشكال الملكية الجديدة المؤلفة من
الصناعة المؤممة وخطط اإلنتاج .لقد سحقت الثورة المضادة السياسية الستالينية مجالس
العمال (السوفيات) وديمقراطية العمال .ولم يكن باستطاعة الطبقة العاملة الروسية استعادة
التحول االشتراكي
بكسره قيود تطوير قوى اإلنتاج ،سيمهد التحول االشتراكي الطريق لشكل جديد وأسمى
ً
فاسحة الطريق للمجتمع .ستطيح الثورة االشتراكية بقيد الملكية الخاصة والدولة القومية،
48
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ال يمكن حصر الثورة االشتراكية في بلد واحد ،بل ،على العكس من ذلك ،ستضع الثورة
ٍ
اشتراكية ،على سبيل المثال ،تمهيد الطريق التحاد عالمي للواليات االشتراكية والتخطيط
ٍ
متناغم من البضائع إلشباع رغبات مخط ٍط
ّ إنتاج
ٍ العالمي لإلنتاج ،وسيوفر هذا بدوره األسس لـ«
اإلنسان».
إن إحدى المهام األولى للطبقة العاملة المنتصرة سيكون تحطيم آلة الدولة القديمة .لقد
ّ
ٌ
هيئة لظلم طبقة ٍ
هيئة للسيادة الطبقية، نشأ جهاز الدولة في كل المجتمعات الطبقية كـ«
ً
سؤال ،هل تحتاج الطبقة العاملة للدولة؟ يجيب الال سلطويون من قبل طبقة أخرى» .هذا يطرح
بالّ ،إال ّأنهم يفشلون في فهم الحاجة إلى شكل من أشكال السلطة إلبقاء ّ
مالك األراضي
والمصرفيين والرأسماليين القدامى في مكانهم ،ولذلك يجب على البروليتاريا بناء دولة من
بالرأسماليين السابقين للرقابة ،وبالتالي فهي ليست بحاجة لدولة الماضي البيروقراطية
االقتصادي مع تأميمها لالحتكارات الكبرى .وستتشكل أجهزة السلطة الجديدة ،كما كانت
عمالية تتمتع
مجالس العمال في روسيا ،التي استندت على الشعب المسلح ،من «هيئة ّ
بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه» .وستستبدل البيروقراطية بالمشاركة
الشعبية النشطة في إدارة الدولة والمجتمع .ومن أجل الحيلولة دون نمو طبقة من موظفي
الدولة ،أدخلت بروليتارية باريس في عام ،1871وبروليتارية روسيا في عام 1917التدابير التالية:
49
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
( )1انتخاب جميع المسؤولين ،مع حق النقض )2( .إلغاء الجيش النظامي ،واستعاضته بالشعب
المسلح )3( .أال تزيد أجور موظفي الدولة عن أجر العامل )4( .تناوب مناصب ومراكز الدولة بين
الناس.
ولِ تكتسب مفتاح الثقافة والعلوم والفن .فكما قال إنجلز ذات مرة ،إذا مكث الفن والعلوم
حكرا على األقلية ،فإنها ستستخدم موقعها ذلك وستسيئ استعماله لخدمة
ً والحكومة
تبدأ بالتالشي ،تزامنً ا مع تالشي الطبقات داخل المجتمع .وهذا هو السبب لوصف إنجلز الدولة
البروليتارية بـ«شبه الدولة» .وأشار لينين حول ذلك في كتاب «الدولة والثورة»:
جمهور السكان يرتفع ألول مرة في تاريخ المجتمعات المتحضرة إلى االشتراك
ففي ظل االشتراكية سيقوم الجميع بوظائف اإلدارة بالتناوب ويعتادون بسرعة على
في المرحلة الدنيا هذه من االشتراكية ،كما دعاها ماركس ،يرى المرء المجتمع «كما يخرج
لتوه من المجتمع الرأسمالي ،وهو ال يزال ،من جميع النواحي ،االقتصادية واألخالقية والفكرية،
يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه» (ماركس :نقد برنامج غوتا) .على الرغم من
للقضاء على التفاوتات واالختالفات الطبقية في المجتمع ،حيث ال يزال الناس بحاجة التباع
ً
حارسة مبدأ« :من ال يعمل ال يأكل» .والدولة ،على الرغم من طابعها المتالشي ،فإنها ال تزال
للتفاوتات في المجتمع.
50
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
االشتراكية :المجتمع الال طبقي
لكن ،مع تقدم مستوى اإلنتاج ،باالستناد على التخطيط الواعي وأكثر العلوم تقدما ،تدخل
تماما،
ً البشرية إلى عوالم المجتمع الحقيقي األعلى .ستكون الطبقات والدولة قد تالشت
وعندئذ يتم تخطي هذا «األفق الضيق للحق البرجوازي» ،على حد تعبير لينين ،الذي يرغم المرء
على الحساب بحرص المرابين فال يعمل نصف ساعة أكثر مما يعمله شخص آخر وال يقبض أجرة
أقل من أجرة اآلخر .وعندئذ لن يتطلب ،عند توزيع المنتوجات من قبل المجتمع ،تنظيم كمية
المنتوجات التي ينالها كل فرد ،فكل فرد سيأخذ بحرية «حسب حاجاته».
ستكون الطبيعة الهمجية للمجتمع الطبقي قد انتهت لألبد ،وسيكون عصر ما قبل التاريخ قد
انتهى .سيص بح بإمكان القوى المنتجة التي تراكمت عبر آالف السنين من المجتمع الطبقي
وضع األسس لمجتمع ال طبقي حيث تصبح الدولة وتقسيم العمل غير ضروريين .ستضع
اإلنسانية لنفسها مهمة غزو الطبيعة وفتح عجائب العلوم والتكنلوجيا الهائلة .فعلى حد تعبير
وكما أشار تروتسكي« :بمجرد انتهاء اإلنسان من القوى الفوضوية لمجتمعه الخاص ،فإنه
من عالم الضرورة إلى عالم الحرية ،وكذلك في المعنى القائل بأن إنسان اليوم المليء
51
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
مدخل لالقتصاد الماركسي
مقدمة
اليوم ،وتحت احتداد األزمة الرأسمالية ،أصبحت هناك حالة من التعطش لالقتصاد بين العديد
العمال ،إذ أنهم يحاولون فهم القوى التي تحكم حيواتهم .الهدف من هذا الموجز هو
ّ من
إن سطحية االقتصاديين المدافعين عن الرأسمالية تظهر من خالل عدم قدرتهم على فهم
ّ
أن دورهم يتلخص بالتستر على استغالل الطبقة العاملة
األزمة التي تعصف بنظامهم ،إذ ّ
تماما على
ً إن «نظرياتهم» و«حلولهم» الزائفة غير قادرة
و«إثبات» تفوق المجتمع الرأسماليّ .
ترقيع الطبيعة الفاسدة والعفنة للنظام الرأسمالي .وحده التحويل االشتراكي للمجتمع ومعه
ٍ
تخفيضات في الميزانية إلى تجميد األجور واالنكماشات االقتصادية .أ ّما اليسار «التقليدية» :من
اإلصالحي فال يزال متمسكً ا بسياسات الرأسمالية القديمة (اإلنعاش االقتصادي ،وضبط
االستيراد ،وما إلى ذلك) ،وهي السياسات التي أثبت الواقع إفالسها.
التحليل الماركسي للمجتمع الرأسمالي هو وحده القادر على دحض أكاذيب وتشويهات
العمالية.
ّ االقتصاديين الرأسماليين ومكافحة نفوذهم في الحركة
تجارية صغيرةّ ،إال ّأنها ال تمثل ّإال نمط إنتاج الماضي ،ال الحاضر ،إذ ّ
أن االنتاج الحديث ،بطبيعته،
52
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
في الوقت الحاضر ،تسيطر 200من الشركات الكبرى مع 35من البنوك والمؤسسات المالية على
االقتصاد البريطاني ،كما ينتجون 80بالمئة من اإلنتاج الوطني .لقد تحقق هذا التطور على
مدى القرون الماضية من خالل التنافس الشرس واألزمات والحروب .وفي الوقت الذي توقع
فيه االقتصاديون الكالسيكيون ازدهار التجارة الحرة في المستقبل ،أوضح ماركس كيف أن
المنافسة ستؤدي حتما لالحتكار وتالشي الشركات الصغرى .لقد نمت الرأسمالية االحتكارية
فكما قال الرئيس السابق لشركة بريتش ليالند« :إنني أعمل لكسب المال ،ال لصنع السيارات».
برمتها.
تمثل هذه العبارة التطلع المثالي للطبقة الرأسمالية ّ
العمال
ّ ً
أوال ،وجود فئة كبيرة من ٍ
عدد من الشروط. يتطلب نمط اإلنتاج الرأسمالي وجود
المفتقرين للملكية ،المجبورين على بيع قوة عملهم من أجل عيش حياتهم .ولذلك ،فإن
المفهوم المحافظ لـ«ديمقراطية المالكين» ليس سوى سخافة تحت ظل النظام الرأسمالي،
ّ
ومالك األراضي على وسائل رزقهم، خاصة بهم للعيش بال رحمة ،حيث استولى الرأسماليون
القيمة والبضائع
وبأي طريقة ُيستغل العمال بها؟ ومن أين تأتي األرباح؟ وكيف
ّ كيف يعمل النظام الرأسمالي؟
تحدث األزمات؟
53
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
لإلجابة على هذه األسئلة ،ال بد ً
أوال من معرفة مفتاح اللغز :ماهي القيمة؟ ما إن ُتحل هذه
ضروري لتحليل
ّ إن فهم القيمة لهو أمر
المسألة ،حتى تصبح األجوبة لألسئلة األخرى واضحةّ .
وفهم االقتصاد الرأسمالي.
سلعا أو خدمات ،أو على األصح ،تنتج بضائع ،أي تلك السلع أو
ً تنتج جميع الشركات الرأسمالية
ً
أصال ّإال ليتم بيعها .بالطبع ،بإمكان فرد ما صنع شيء الستخدامه الخدمات التي ال تنتج
السبب الذي جعل ماركس يبدأ أبحاثه عن الرأسمالية بتحليله لخصائص البضاعة نفسها.
لدى جميع البضائع قيمة استعمالية ،أي أنها مفيدة لشخص ماّ ،
وإال فلن يمكن بيعها .القيمة
لكن ،إلى جانب القيمة االستعمالية ،لدى جميع البضائع قيمة تبادلية .ما هي هذه القيمة،
إذا ما تغاضينا ،في الوقت الحالي ،عن مسألة المال ،فإننا نجد أن البضائع يتم تداولها وفقا
معينة:
ّ لنسب
زوج حذاء واحد (ساعة واحدة) = عشر أمتار من القماش (ثالث زجاجات من
جميع البضائع الموجودة في الجانب األيمن يمكن تبادلها مقابل عشرة أمتار من القماش ،كما
54
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
أن األول ضرورة أساسية بينما اآلخر ليس ّإال
أقل قيمة من سيارات رولز رويس ،هذا في حين ّ
مجرد شكل من أشكال الترف .إذن ،ما هي الخاصية التي يتشاركانها؟ الشيء الوحيد الذي
والعمال البشري الوارد في البضائع يعبر عنه بالوقت :األسابيع ،األيام ،الساعات ،والدقائق.
وللعودة للمثال أعاله ،من الممكن التعبير عن هذه البضائع من حيث العامل المشترك بينهما:
متوسط العمل
قيما استعمالية (أي باعتبارها مفيدة) ،فإننا نجد «الحذاء»
ً إذا ما نظرنا إلى البضائع باعتبارها
وتظهر كوحدات
لكن ،في تبادلهاُ ،ينظر للبضائع بشكل مختلف ،حيث َتفقد خصائصها الذاتية َ
محددة من متوسط العمل .ففي التبادل ،نحن اآلن نقارن كميات العمل البشري الواردة في
هذه البضائع .جميع العمل ،في عملية التبادل ،يختزل بمتوسط وحدات العمالة.
أن ا لبضاعة المنتجة من قبل اليد العاملة الماهرة تحتوي على قيمة أكبر من تلك التي
صحيح ّ
ً
ونتيجة لذلك ،في عملية التبادل ،تقاس وحدات العمالة تنتجها اليد العاملة غير الماهرة.
ٍ
محدد من العمالة غير الماهرة .فعلى سبيل المثال ،تساوي وحدة واحدة من ٍ
بعدد الماهرة
العمالة الماهرة ثالث وحدات من العمالة غير الماهرة .بعبارة أخرى ،تساوي العمالة الماهرة
55
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
وهكذا ،فإن قيمة بضاعة ما تحدد بمقدار «متوسط العمل» الالزم إلنتاجها (أو الوقت الذي
يستغرقه إنتاجها) .لكن ،إن توقفنا عند هذا الحد ،قد يبدو وكأن العامل الكسول (أو البطيء)
كفاءة!
ً العمال
ّ ينتج قيمة أكبر من أكثر
ً
كامال يوما
ً اإلسكافي الوسطى القديمة إلنتاج األحذية .باستعماله هذه األساليب ،يستغرق
ّ
ٍ
واحد من األحذية .لكن ،عندما يحاول بيعها في السوق ،فإنه سيجد أن تكلفتها زوج
ٍ إلنتاج
تجهيزا.
ً ستكون مماثلة لألحذية المنتجة من قبل المصانع الحديثة األفضل
إن كانت تنتج هذه المصانع زوج الحذاء بغضون نصف ساعة ،على سبيل المثال ،فإنها ستتضمن
على قدر أقل من العمالة (وبالتالي قيمة أقل) ،وسوف تباع بالنتيجة بسعر أقل ،مما سيعرض
اإلسكافي المستخدم لألساليب القرون الوسطى لإلفالس ،إذ أن العمل الذي يبذله في زوج
تفاديا من
ً أحذية ما بعد نصف ساعة هو عمل ضائع وغير ضروري تحت ظروف اإلنتاج الحديثة.
في أي مرحلة من المراحل ،عند النظر إلى متوسط العمل واآلالت وأساليب اإلنتاج المستخدمة
لمستوى التقنية الموجود في المجتمع .وكما قال ماركس ،يجب أن تنتج جميع البضائع خالل
وهكذا ،بإمكاننا أن نفهم سبب تمتع الجواهر بقيمة أكثر مقارنة مع السلع اليومية ،إذ نحن
بحاجة إلى المزيد من وقت العمل الضروري إليجاد واستخراج الجواهر مقارنة مع إنتاج البضائع
56
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
كذلك ،يمكن للشيء أن يكون ذي قيمة استعمالية من دون احتوائه على قيمة ،بمعنى أن
مفيدا دون أن يتطلب أي وقت عمل ضروري إلنتاجه :كالهواء واألنهار والتربة
ً يكون شيئً ا
والمروج الطبيعية ،إلخ .وبالتالي ،فإن العمل ليس المصدر الوحيد للثروة (القيمة االستعمالية)،
أيضا.
فالطبيعة هي مصدر للثروة ً
مما سبق ،نرى أن الزيادة في اإلنتاجية ُتفضي إلى زيادة في كمية األشياء المنتجة (الثروة
المادية)ّ ،إال أن بإمكان ذلك أن ينتقص من قيمة تلك األشياء ،أي ّأنها ستحتوي على كمية
أقل من العمل .بالتالي ،فإن زيادة اإلنتاجية تؤدي إلى زيادة في الثروة (بإنتاج معطفين من
الممكن كسي شخصين ،بإنتاج معطف واحد من الممكن كسي شخص واحد فقط) .أي أن
النقود
نتيجة للصعوبات المرتبطة بالمقايضة ،تم تحويل عدد من السلع التي يكثر استخدامها إلى
«عملة» .ومع مر القرونَ ،فرضت إحدى السلع تلك – الذهب – نفسها باعتبارها «المعادل
العالمي».
ً
وبدال من مقارنة هذه السلع مع كمية محددة من الزبد أو اللحم أو القماش ،إلخ ،أصبح يعبر
قيمة كبيرة في حجم صغير ،ويمكن بسهولة تقسيمه إلى كميات مختلفة ،كما أنه صلب شديد
المقاومة.
وقيمة الذهب نفسها ،كما هو الحال بالنسبة لبقية البضائع ،يتم تحديدها بمقدار وقت العمل
أما السلع التي يستغرق إنتاجها نصف الوقت ،فلن تساوي ّإال نصف
واحدة من الذهبّ .
ً ً
أونصة
57
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
نصف أونصة من الذهب = 20ساعة من العمل
وبالتالي:
تماما.
ً توجد بضاعة بقيمة ثابتة
أسعار البضائع
يتحكم قانون القيمة على أسعار البضائع .فكما هو موضح أعاله ،قيمة بضاعة ما تساوي كمية
العمل الوارد فيها .ونظريا ،فإن القيمة تساوي السعر .لكن ،قيمة البضاعة تميل ،في الواقع،
ألن تكون أدنى أو أعلى من قيمتها الحقيقية .يحدث هذا التقلب بسبب التأثيرات المختلفة
أيضا .فعلى
مهما ً
ً ً
عامال تقلبات العرض والطلب تشكل
ّ أن
على سعر السوق ،كنمو االحتكار .كما ّ
سبيل المثال ،في حال وجود فائض من بضاعة ما ،فإن سعر تلك البضاعة سوف يميل نحو
أدى تأثير
االنخفاض إلى ما دون قيمتها الحقيقية ،لكنه سيرتفع في حال حدوث نقص .لقد ّ
أن هذا القانون هو العامل الوحيد المتدخل
العرض والطلب العتقاد االقتصاديين البرجوازيين ّ
معينة.
ّ لكنهم لم يتمكنوا من شرح سبب تقلب األسعار دائما حول نقطة
ّ في تحديد السعر.
نتاجا للعرض والطلب ،بل هي ناتجة عن وقت العمل الذي استغرقه إنتاج
ً هذه النقطة ليست
دلو بالستيكي.
تلك البضاعة .فتكلفة الشاحنة ستكون دائما أغلى من تكلفة ٍ
58
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
األرباح
ابتكر بعض «العباقرة» نظرية أن األرباح تنشأ من بيع البضائع بسعر يزيد عن سعر شرائها .يوضح
ثمة
أن ّ
دائما كمشتر .وال عبرة للقول في ّ
ً دائما كبائع ال بد أن يخسره
ً ما يربحه المرء
أناسا هم مشترون دون أن يكونوا بائعين ،أو مستهلكين دون أن يكونوا منتجين .فإن
ً
ما يدفعه هؤالء الناس للمنتجين ،ينبغي أن يكونوا قد أخذوه في البداية من هؤالء
بدون مقابل .وحين يشرع أحدهم بأخذ مالك ثم يرده إليك بشراء بضائعك ،فإنك لن تغتني
قوة العمل
في اقتنائه على مختلف «عوامل اإلنتاج» ،ال ينظر الرأسمالي لـ«سوق العمل» ّإال كفرع آخر من
ً
بضاعة أخرى. فروع سوق البضائع العامةّ .إنه ال ينظر لقدرات وطاقات العامل ّإال بمجرد كونهما
قوة العمل هي بضاعة تخضع قيمتها لنفس القوانين التي تخضع لها البضائع األخرى.
وقيمتها ،كذلك ،تتحدد بمقدار وقت العمل الضروري الالزم إلنتاجها .قوة العمل هي قدرة
العامل على العمل ،وهي « ُتستهلك» من طرف الرأسمالي خالل يوم العمل .وهذا يفترض
وقوة العامل .وبالتالي ،فإن قوة العمل تعني «صيانة» العامل لنفسه،
َ َ
وصحة وجود
َ مسبقا
ً
وقت العمل الضروري لصيانة العامل هو وقت العمل الضروري إلنتاج وسائل معيشته ومعيشة
أسرته :من مأكل وملبس ووقود ،إلخ .كمية هذه الوسائل تختلف باختالف البلدان ،والمناخات،
والمراحل التاريخية .فما يكفي لمعيشة عامل في منطقة ما ال يكفي لمعيشة منجم في
59
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
كافيا اليوم لمعيشة
ً منطقة أخرى ،وما كان كافيا لمعيشة منجم قبل خمسين سنة لن يكون
عامل في مصنع سيارات .وفي هذه المسألة ،على عكس قيم البضائع األخرى ،تبرز عناصر
معيشة» محدد (وبالمناسبة ،خلق احتياجات جديدة هو بالضبط حافز جميع أنواع التقدم البشري).
االحتيال
العمال ،وإعادة إنتاج جنسهم ،يضطر
ّ وبصرف النظر عن إعادة اإلنتاج اليومي لقوة عمل
وعلى خالف معظم البضائع األخرى ،ال يدفع مشترو قوة العمل ثمنها ّإال بعد أن يستهلكوها.
وهكذا ،فإن العمال ُيقرضون أرباب أعمالهم مجانً ا! (األمر الذي قد يمتد ألسابيع عدة ،من غش
لكن ،على الرغم من ذلك ،لم يتعرض العامل لالحتيال ،إذ ّأنه وافق على العقد بمحض «حريته».
وكما هو الحال مع جميع البضائع األخرى ،حيث ُتتَ بادل القيم المتساوية :فإن بضاعة العامل،
بمجرد شراء الرأسمالي قوة العمل كبضاعة ،فإنه حر ليستخدمها كيفما يشاء .فكما أوضح
ماركس« :بمجرد دخول العامل إلى مكان العمل ،تصبح القيمة االستعمالية لقوة عمله ،وبالتالي
60
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
فائض القيمة
أن قوة العمل هي البضاعة الوحيدة التي بإمكانها إنتاج قيم
سنرى في المثال التالي كيف ّ
جديدة تفوق وتتجاوز قيمتها الحقيقية.
عامل يعمل في غزل القطن إلى خيوط ،ولنفترض أنه يتلقى مقابل
ٍ نظرة على
ً دعونا نلقي
يلي:
بإمكان القيمة الجديدة ،التي ُأنتجت خالل أربع ساعات ،دفع أجر العامل لمدة ثمان ساعات ،أي
ٍ
بقيمة خالل األربع ساعات التالية ،سيقوم العامل من جديد بإنتاج مئة كيلوجرام من الخيوط
دوالرا ،ومرة أخرى سيتم إنتاج قيمة جديدة قدرها ثمانية دوالرات .لكن ،هذه
ً قدرها عشرون
دوالرات) فائض قيمة .من هنا يأتي الريع (لمالك األرض) ،والفائدة (لمقرض المال) ،واألرباح
غير مدفوع األجر (أي أنه العمل الذي يستخرجه الرأسمالي من العامل دون مقابل).
يوم العمل
حتى بعد أن أنتج القيمة الضرورية
يكمن سر إنتاج فائض القيمة في استمرار العامل بالعمل ّ
إلعادة إنتاج قيمة قوة عمله (أجره) .فكما قال ماركس« :إن كون مدة نصف يوم من العمل
61
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تماما كما ال يمكن
ً استخدم بها،
ُ لقد باع العامل بضاعته ،وال يمكنه االحتجاج على الطريقة التي
بشكل يمكنه تحقيق أقصى قدر من الربح من قوة العمل التي اشتراها.
ٍ الرأسمالي يوم العمل
واضحا في حالة المواد الخام (الخشب ،والمعادن ،واألصباغ ،والوقود ،إلخ) التي يتم
ً يظهر هذا
استهالكها بالكامل في عملية اإلنتاج ،وال تعيد الظهور مرة أخرى ّإال في خصائص المادة
المنتجة.
أما اآلالت ،من ناحية أخرى ،ال تختفي بنفس الطريقة ،بل تتدهور وتتلف في سياق عملية
ّ
اإلنتاج ،حيث تتآكل ببطء .وكما هو الحال بالنسبة للفرد ،فإنه من الصعب تحديد مدى حياة آلة
ما .لكن ،مثلما تقوم شركات التأمين الصحية ،بفضل المعدالت اإلحصائية ،بحسابات دقيقة
للغاية (ومربحة للغاية) للعمر المتوقع لزبائنهم ،يمكن للرأسمالي كذلك أن يحدد ،بفضل الخبرة
إن تلف اآلالت وا لخسارة اليومية لقيمتها تحسب على هذا األساس ،وتضاف إليها تكلفة
ّ
البضاعة المنتجة .ولذلك ،تضيف وسائل اإلنتاج للبضاعة قيمتها الخاصة في نفس الوقت الذي
تتلف فيه قيمة استعمالها خالل عملية اإلنتاج .وبالتالي ،ال يمكن لوسائل اإلنتاج أن تنقل
ً
قيمة أكبر من تلك التي فقدتها خالل عملية اإلنتاج .ولذلك نسميها برأس المال للبضاعة
الثابت.
62
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
تساوي قيمتها قوة عمله ( 8دوالرات في الـ 4ساعات في مثالنا أعاله) لكانت هذه هي القيمة
لكن عملية العمل ال تتوقف عند ذلك الحد ،فذلك ال يغطي ّإال األجر الذي يقدمه الرأسمالي
للعامل .غير أن الرأسمالي ال يوظف العامل بهدف فعل الخير ،بل بهدف تحقيق األرباح .وبعد
إن وسائل اإلنتاج من جهة ،وقوة العمل من جهة أخرى – اللتان تعتبران «عوامل إنتاج» االقتصاد
ّ
البرجوازي – تمثالن الشكلين المختلفين اللتين ينتحلهما رأس المال األصلي في المرحلة الثانية
من مراحل اإلنتاج الرأسمالي :المال (الشراء) – البضائع (اإلنتاج) – المال (البيع).
أما الماركسية،
ينظر االقتصاديون البرجوازيون إلى هذه العوامل باعتبارها عوامل متساويةّ .
أي تغيير في قيمته في
في المقابل ،فتميز بين ذلك الجزء من رأس المال الذي لم يطرأ عليه ّ
عملية اإلنتاج (اآلالت واألدوات والمواد الخام) والجزء المتمثل بقوة العمل الذي ينتج قيمة
.2فائض العمل (العمل غير المأجور) :العمل اإلضافي الذي يقوم به العامل ،والذي ينتج
األرباح.
لمضاعفة أرباحه ،يحاول الرأسمالي باستمرار تقليص تكاليف األجور .وهو يعمل ذلك عن طريق
63
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
ً
وثالثا ،معارضة أي ارتفاع في األجور أو تخفيضها إن سنحت لتغطية كلفة األجور بشكل أسرع.
الفرصة.
أهمية كبرى ،إذ ال تتضاعف أو تتقلص إحداهما ّإال على حساب األخرى .في نهاية المطاف،
الصراع على فائض القيمة هو ما يشكل في جهوره الصراع الطبقي .ال يهم الرأسمالي قدر
يمكن التعبير عن هذه المعادلة بـ :قسمة فائض القيمة على العمل الضروري (رأس المال
500دوالر ،والذي يمكن تقسيمه بين رأس المال الثابت ( 410دوالرات) وبين رأس المال المتغير
دوالرا ،إذن:
ً دوالرا) .ولنفترض أن قيمة البضاعة قد ارتفعت ،خالل عملية اإلنتاج ،بمقدار 90
ً (90
ً
متمثلة بفائض القيمة. إن رأس المال المتغير هو العمل الحي ،بمعنى أنه ينتج قيمة جديدة
ّ
وبالتالي ،فإن الزيادة النسبية للقيمة المنتجة من طرف رأس المال تعطينا معدل فائض
معدل الربح
وتحت ضغط التنافس على الصعيدين الوطني والدولي ،يضطر الرأسمالي على الدوام إلى
إحداث ثورة في وسائل اإلنتاج ومضاعفة اإلنتاجية .إن الحاجة لتوسيع نطاق إنتاجه ،يدفع
الرأسمالي الستثمار نسبة أكبر وأكبر من رأس ماله على اآلالت والمواد الخام ،ونسبة أصغر
على قوة العمل ،األمر الذي يقلص من نسبة رأس المال المتغير بالنسبة إلى رأس المال الثابت.
64
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
وجنبا إلى جنب مع األتمتة (أو المكننة) يجري تمركز رأس المال ،وتصفية الشركات الصغرى،
ً
غيرا في تكوين رأس المال التقني.
وهيمنة االحتكارات الكبرى على االقتصاد ،األمر الذي يمثل ت ّ
أن رأس المال المتغير (قوة العمل) هو وحده مصدر فائض القيمة (الربح) ،فإن زيادة
لكن ،بما ّ
االستثمار في رأس المال الثابت تؤدي إلى ميل معدل الربح لالنخفاض .وعلى الرغم من إمكانية
طرديا مع
ً النمو ال يتناسب
ّ تنمية األرباح بشكل هائل من خالل زيادة االستثماراتّ ،إال ّ
أن هذا
يتكون من رأس
ّ دوالرا،
ً فلنأخذ ،على سبيل المثال ،رأسمالي صغير يبلغ مجمل رأس ماله 150
مال ثابت ( 50دوالرا) ورأس مال متغير ( 100دوالر) .فلنفترض ،كذلك ،أنه وظف عشرة أشخاص
إلنتاج طاوالت وكراسي مقابل 10دوالرات في اليوم .بعد يوم عمل واحد ،يكونون قد أنتجوا
دوالرا
ً رأس المال الثابت = 50
يمكن حساب معدل فائض القيمة كالتالي :ف.ق/.ر.م 100 = .دوالر 100/دوالر = .٪100
معدل الربح هو نسبة فائض القيمة إلى إجمالي رأس المال 100 :دوالر 150/دوالرا
= ٪66.66معدل الربح.
كلما زادت كمية رأس المال الثابت ،انخفض معدل الربح .ففي نفس المثال ،إذا احتفظنا بمعدل
فائض القيمة ،ورفعنا كمية رأس المال الثابت من 50دوالرا إلى 100دوالر ،يصبح معدل الربح =
فائض القيمة/مجمل رأس المال = 100دوالر 200/دوالر = .٪50وإذا ما رفعنا كمية رأس المال
الثابت إلى 200دوالر ،مع الحفاظ على الكميات األخرى ،يصبح معدل الربح = فائض القيمة/مجمل
65
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
يعبر ،في المصطلحات الماركسية ،عن تكوين عضوي أعلى
ّ هذه الزيادة في رأس المال الثابت
ً
متأصال في جزءا
ً لرأس المال ،وهو ما ُيعتبر تطور تقدمي لقوى اإلنتاج .تشكل هذه النزعة
ط بيعة نمط اإلنتاج الرأسمالي ،والتي كانت وال تزال إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه
أن مجمل
الطبقة الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .تتمثل هذه المشكل في ّ
فائض القيمة يزداد ،لكن رأس المال الثابت يتضاعف بنسبة أكبر ،األمر الذي يؤدي إلى انخفاض
معدل الربح .يحاول الرأسماليون باستمرار التغلب على هذا التناقض من خالل مضاعفة
استغاللهم للطبقة العاملة ،لزيادة مجمل فائض القيمة وبالتالي معدل الربح ،بوسائل تختلف
عن االستثمار .وهم يقومون بذلك من خالل عدد من الطرق ،الطريقة األولى هي من خالل
بذاتها تناقضات هائلة .إن سعي الرأسماليين المستمر وراء المزيد والمزيد من األرباح يدفع
ٍ
جديدة في عملية اإلنتاج يؤدي إلى ارتفاع ٍ
تقنيات باالستثمارات إلى األمامّ ،إال أن إدخال
معدالت البطالة .لكن ،وللمفارقة ،عمل الطبقة العاملة هو وحده مصدر الربح.
مضاعفة معدالت أرباحهم ،يضطر الرأسماليون الستثمار مبالغ ضخمة في الخارج ،أي الستثمارها
تتلخص إحدى أهم التناقضات الرئيسية للنظام الرأسمالي بمسألة أنه يجب على الطبقة
العاملة ،باعتبارها مستهلكة ،أن تكون قادرة على شراء ما تنتجه .لكن ،بما ّأنها ال تحصل على
القيمة الكاملة لعملها ،فهي ال تملك القدرة للقيام بذلك .يحاول الرأسماليون حل هذا
حيث يلعب جميع رأسماليو العالم اللعبة نفسها .وباإلضافة إلى ذلك ،يلجأ الرأسماليون لعمليات
66
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»
اإلقراض (االئتمان) ،من خالل النظام المصرفي ،لتوفير قوة شرائية لسكان العالم تمكنهم من
شراء السلع المختلفة .لكن ،هذا أيضا له حدود ،فالقروض يجب أن تسدد (مع الفائدة) في
نهاية المطاف.
وهذا ما يفسر سبب وقوع ركود اقتصادية بشكل دوري منتظم في أعقاب فترات النمو .إن
الصراع المسعور للهيمنة على السوق يتسبب بأزمة فائض اإلنتاج .إن الطبيعة التدميرية لهذه
األزمات ،التي يرافقها تدمير واسع النطاق لرؤوس األموال المتراكمة ،هي مؤشر كاف لألزمة
مهدت الطريق بشكل متزامن لألزمات والركود .ما يميز هذه الحقبة هي األزمة البنيوية التي
ّ
تعصف بالنظام الرأسمالي .إذا ما تم القضاء على النظام الرأسمالي ،فستواجه الطبقة العاملة،
معينة ،أزمة مماثلة ألزمة عام .1932وحده القضاء على فوضى اإلنتاج الرأسمالي
ّ عند مرحلة
سيمكن البشرية من تجنب فوضى الرأسمالية وإهدارها وهمجيتها .ووحده القضاء على
الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج سيمكن البشرية من التحرر من قوانين الرأسمالية لتتطور وتزدهر
إن القضاء
وضع حد نهائي فعلي لفضيحة فائض اإلنتاج في عالم منكوب بالجوع والحرمانّ .
على التناقض بين تنمية قوى اإلنتاج والدولة القومية والملكية الخاصة سيضع األسس لخطة
إنتاج أممية.
وباستخدام قوى العلم والتكنولوجيا ،سيصبح من الممكن تغيير العالم بأكمله في غضون عقد
العاملة العالمية .وحدها الماركسية تقدم السالح والتحليل الذي ال غنى عنه في تحرر الطبقة
67
MA-ALAMAL.COM مدونة «ما العمل؟»