Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 68

‫يهدف هذا الكتيّب لمساعدة الق ّراء في تطرقهم لهذا‬

‫الموضوع من خالل تزويدهم بمخطط أولي لبعض‬


‫األفكار األساسية للفكر الماركسي‬
‫مقدمة‬
‫الماركسية‪ ،‬أو االشتراكية العلمية‪ ،‬هي التسمية المطلقة على مجموعة األفكار الالتي وضعها‬

‫كل من كارل ماركس (‪ )1883-1818‬وفريدريك إنجلز (‪ ،)1895-1820‬والتي في مجملها توفر أسس‬


‫ٌّ‬
‫مفص ٍل لنضال الطبقة العاملة من أجل بناء تكوين أعلى من تكوينات المجتمعات‬
‫ّ‬ ‫نظري‬
‫ٍّ‬ ‫فكر‬
‫ٍ‬
‫البشرية‪ ،‬أال وهو االشتراكية‪.‬‬

‫أن المفاهيم الماركسية طورتها وأثرتها‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬التجارب التاريخية للطبقة العاملة‬
‫وفي حين ّ‬
‫العمالية في يومنا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫راسخة للحركة‬ ‫أسسا‬
‫ً‬ ‫موفرة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثابتة‪،‬‬ ‫نفسها‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن األفكار األساسية ال تزال‬

‫ً‬
‫علمية في تفسيرها لحركة المجتمع ودور‬ ‫وصدقا أو أكثر‬
‫ً‬ ‫تفوقا‬
‫ً‬ ‫هذا‪ ،‬إذ لم ُتطرح أي نظرية أكثر‬

‫الطبقة العاملة في تلك الحركة‪ ،‬سواء قبل حياة كارل ماركس أو بعده‪ .‬ولذلك فإن المعرفة‬

‫الماركسية تزود البروليتاريا بالنظرية للقيام بمهمتها التاريخية العظيمة‪ ،‬أال وهي مهمة‬

‫التحويل االشتراكي للمجتمع‪.‬‬

‫وهذا األمر بالذات هو ما يفسر الهجمات المستمرة والمريرة على جميع جوانب الماركسية التي‬

‫ألقاها وأدلى بها كل مدافع عن النظام االجتماعي القائم‪ ،‬ابتداء من المحافظين التقليديين‬
‫ً‬
‫وبدأ من أكثر هذه الهجمات‬ ‫إلى الجمعية الفابية‪ ،‬ومن كاهني اليسوعية إلى أساتذة الجامعات‪.‬‬

‫أما إلى حقيقة لزوم تحديثها باستمرار على الرغم من ادعاء كل هؤالء بـ«تخلّ صهم النهائي»‬
‫ُس ً‬
‫من الماركسية‪ ،‬يمكن للعضو‪/‬ة المفكر‪/‬ة في الحركة العمالية أن تـ‪/‬يستنتج حقيقتين اثنتين‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ ،‬هو اعتراف المدافعين والمدافعات عن النظام الرأسمالي بأن الماركسية تمثل التحدي‬

‫فورا بالحقيقة الكامنة فيها‪ ،‬على الرغم من‬


‫ً‬ ‫خطورة لنظامهم‪ ،‬وهم بالتالي يعترفون‬
‫ً‬ ‫األكثر‬

‫وثانيا‪ً ،‬‬
‫بدال من اندثارها تحت كومة الشتائم‪ ،‬و«الفضائح»‬ ‫ً‬ ‫كل محاوالتهم الرامية لـ«دحضها»‪.‬‬

‫ً‬
‫خاصة داخل‬ ‫آخذة في االنتشار‪،‬‬
‫ً‬ ‫الزائفة‪ ،‬والتشويهات الصارخة‪ ،‬ال تزال نظريات ماركس وإنجلز‬

‫ً‬
‫خاصة تحت‬ ‫متزايدة من العمال تسعى‪،‬‬
‫ً‬ ‫أعدادا‬
‫ً‬ ‫أن‬
‫العمالية‪ ،‬إذ ّ‬
‫ّ‬ ‫الفصائل النشطة في الحركة‬

‫عصف األزمة الرأسمالية‪ ،‬الكتشاف القوى الحقيقية التي تشكل حيواتهم‪ ،‬ليكونوا قادرين على‬

‫بوعي وإدراك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تأثير وتحديد مصائرهم‬

‫‪1‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫قادرا على قيادتهم عبر متاهات األحداث‬
‫ً‬ ‫إن النظريات الماركسية تقدم للعمال المفكرين ً‬
‫حبال‬ ‫ّ‬
‫الفوضوية‪ ،‬وعبر السيرورات المعقدة في المجتمع واالقتصاد والصراع الطبقي والسياسة‪.‬‬

‫وبتسلّ حهم بهذا السيف‪ ،‬يمكن للعمال قطع العقدة المستعصية الرابطة بينهم وبين أعتى‬

‫عقبة في طريق النهوض بأنفسهم وبطبقتهم‪ ،‬أال وهي عقدة الجهل‪.‬‬

‫ّ‬
‫ممثلو الطبقة الحاكمة بكل جهد لتشويه‬ ‫ً‬
‫ثابتة في مكانها‪ ،‬يسعى‬ ‫وتحديدا إلبقاء هذه العقدة‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫جادة في‬ ‫ٍ‬
‫وعاملة‬ ‫عامل‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫الماركسية في أنظار الطبقة العاملة‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإنه لمن واجب ّ‬
‫الحركة العمالية أن يكتشفوا ألنفسهم نظريات ماركس وإنجلز‪ ،‬كشرط أساسي لتحرير المجتمع‬

‫من ِق َبل الطبقة العاملة‪.‬‬

‫ّإال ّ‬
‫أن هناك عقبات في طريق نضال العمال من أجل النظرية والتحليل‪ ،‬وهذه العقبات أكثر‬

‫إن الرجال والنساء المرغمين على الكدح‬


‫استعصاء من خربشة الكهنة ودروس أساتذة الجامعة‪ّ .‬‬
‫ً‬
‫لساعات طويلة في الصناعة‪ ،‬والذين لم تتح لهم الفرصة لالستفادة من تعليم مالئم‪ ،‬والذين‬

‫تعقيدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يفتقرون بالتالي إلى عادة القراءة‪ ،‬يجدون صعوبة في استيعاب بعض األفكار األكثر‬

‫أن ماركس وإنجلز لم يكتبوا ّإال للعمال‪ ،‬ال للطالب «الذكي» وال ألفراد‬
‫خصوصا عند البداية‪ّ .‬إال ّ‬
‫ً‬
‫الطبقة الوسطى‪« .‬كل بداية صعبة» بغض النظر عما نتحدث عنه‪ .‬والماركسية‪ ،‬كأي ع ٍ‬
‫لم آخر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تتطلب مطالب شاقة على المبتدئين‪ .‬لكن‪ ،‬وكما تـ‪/‬يعلم كل عامل‪/‬ة نشط‪/‬ة في النقابات أو‬

‫الحزب العمالي‪ ،‬ال شيء يجدر باالهتمام مالم يتحقق بدرجة من النضال والتضحية‪ .‬وعلى ذلك‪،‬‬

‫العمالية‪ .‬فللعامل‪/‬ة النشط‪/‬ة‬


‫ّ‬ ‫فإن هذا الكتيب يستهدف أولئك الناشطين في الحركة‬

‫المستعد‪/‬ة للمواظبة والمثابرة‪ ،‬بإمكاننا أن نعدهم بهذا الوعد‪ :‬ما إن تخطوا الخطوة األولى‬

‫للتعامل مع هذه األفكار الجديدة وغير المألوفة‪ ،‬ستصبح النظريات الماركسية بسيطة ومباشرة‪.‬‬

‫فهما‬
‫ً‬ ‫إن العاملة التي تكتسب بجهد صبور‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬وهو ما يجب التأكيد عليه‪ّ ،‬‬
‫تنظيرا من معظم الطلبة‪ ،‬وذلك إلدراكها األفكار ليس بإطارها‬
‫ً‬ ‫للماركسية ستكون أفضل‬

‫النظري فحسب‪ ،‬بل بشكلها الملموس‪ ،‬إذ ّأنها تنطبق على عملها وحياتها الشخصية‪.‬‬

‫أخالقيا من خالل تصوير حكمها كأعلى‬


‫ً‬ ‫ِ‬
‫المستغلّ ة تبرير حكمها الطبقي‬ ‫تسعى جميع الطبقات‬

‫متعمد نظام‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫خفية بشكل‬‫توافقا مع الطبيعة‪ُ ،‬م‬
‫ً‬ ‫شكل من أشكال التنمية االجتماعية وأكثرها‬

‫االستغالل عن طريق تشويه وتمويه الحقائق‪ .‬والطبقة الرأسمالية الحالية‪ ،‬من خالل‬

‫‪2‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تماما لتبرير‬ ‫جديدة‬ ‫ً‬
‫فلسفة ومعايير‬ ‫متقن‬ ‫بشكل‬ ‫طورت‬ ‫لياتهم ُ‬
‫وأجرائهم المحترفين‪ ،‬قد ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طفي ّ‬
‫موضع سيادتهم في المجتمع‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مادية في تشويه الحقائق‪ ،‬بل هي‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة‬ ‫أي‬
‫أما الطبقة العاملة‪ ،‬في المقابل‪ ،‬فليس لديها ّ‬
‫ّ‬
‫تضع لنفسها مهمة تعرية واقع النظام الرأسمالي من أجل التحضير لتحررها بوعي وإدراك‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خاصة لنفسها‪ ،‬فإن الطبقة العاملة تهدف إلى إلغاء الرأسمالية‬ ‫ٍ‬
‫مكانة‬ ‫وبعيدا عن السعي وراء‬
‫ً‬
‫فإنه عليها رفض أوجه نظر‬
‫ّ‬ ‫ومعها جميع الفوارق واالمتيازات الطبقية‪ .‬وللقيام بذلك‪،‬‬

‫الرأسماليين‪ ،‬والسعي وراء منهج ماركسي جديد لنفسها‪.‬‬

‫ً‬
‫وشمولية للمجتمع والحياة بشكل عام‪ ،‬ويزيل‬ ‫ونضجا‬
‫ً‬ ‫ثراء‬
‫ً‬ ‫نظرة أكثر‬
‫ً‬ ‫يوفر النهج الماركسي‬

‫بعيدا حجاب التصوف في فهم وتحليل التنمية البشرية واالجتماعية‪ .‬فالفلسفة الماركسية‬
‫ً‬
‫المحركة للتاريخ تنبع من تطور القوى المنتجة نفسها‪ ،‬كالصناعة والعلوم‬
‫ّ‬ ‫أن القوى‬
‫تبين ّ‬
‫ّ‬
‫والتقنية وهلم جرا‪ ،‬ال عن طريق «األفراد العظماء» وال عن طريق قوى ما وراء الطبيعة‪.‬‬

‫فاالقتصاد‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬هو من يحدد شروط الحياة وعادات ووعي البشر‪.‬‬

‫ً‬
‫متمثال في العبودية أو اإلقطاعية أو‬ ‫سواء كان ذلك‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جديد للمجتمع‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تنظيم‬ ‫ِ‬
‫إعادة‬ ‫كل‬
‫ّ‬ ‫إن‬

‫ٍ‬
‫صالحيات أكبر لإلنسان‬ ‫هائل في قوى اإلنتاج‪ ،‬والذي وهب بدوره‬
‫ٍ‬ ‫است ِّ‬
‫هل بتطو ٍر‬ ‫ُ‬ ‫الرأسمالية‪ ،‬قد‬

‫اجتماعي ما عدم قدرته على تطوير قوى اإلنتاج تلك‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫نظام‬
‫ٌ‬ ‫على الطبيعة‪ .‬لكن‪ ،‬حالما ُيثبت‬

‫يتسم بالثورة‪ .‬لكن‪ ،‬في حالة التحول من الرأسمالية إلى االشتراكية‪ ،‬ليست‬
‫عصر ّ‬
‫ٍ‬ ‫فإنه يدخل في‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫تلقائية‪ ،‬بل تتطلب التدخل الواعي للطبقة العاملة لتنفيذ هذه المهمة‬ ‫ً‬
‫عملية‬ ‫العملية هذه‬

‫إن الفشل في القيام بذلك سيمهد الطريق‪ ،‬على المدى الطويل‪ ،‬لظهور الرجعية‬
‫التاريخية‪ّ .‬‬
‫والحرب العالمية في نهاية المطاف‪.‬‬

‫مسفرة عن ارتفاع معدالت‬


‫ً‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫ٍ‬
‫عالمية‬ ‫ٍ‬
‫اقتصادية‬ ‫ٍ‬
‫أزمة‬ ‫مرة أخرى في‬
‫ً‬ ‫لقد دخلت الرأسمالية‬

‫البطالة‪ ،‬على غرار تلك التي كانت في ثالثينيات القرن العشرين‪ .‬لقد أثبتت نظريات االقتصاديين‬

‫اقتصادي‪ ،‬وهو األمر الذي دفع‬


‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫كساد‬ ‫تماما عن منع وقوع حاالت‬
‫ً‬ ‫الرأسماليين الزائفة عجزها‬

‫الطبقة الحاكمة للتخلي عن الكينزية وإعادة تبني تدابير «التمويل السليم» القديمة للمدرسة‬

‫النقدية‪ .‬لكن ً‬
‫بدال من إنقاذ الوضع‪ ،‬لم يعمل هذا البرنامج ّإال إلى تعميق وإطالة أمد األزمة!‬

‫‪3‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫كانت الماركسية وال تزال هي الوحيدة القادرة على فضح تناقضات الرأسمالية التي ُتسفر عن‬

‫تماما دورها التاريخي في تطوير‬


‫ً‬ ‫دوري‪ .‬لقد استنفذت الرأسمالية‬ ‫اقتصادي بشكل‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وكساد‬ ‫ٍ‬
‫ركود‬
‫ّ‬
‫تطوقها الدولة‬
‫ّ‬ ‫أما اآلن‪ ،‬فقوى اإلنتاج‪ ،‬التي باتت‬
‫أسس المجتمع اإلنتاجية منذ زمن بعيد‪ّ .‬‬
‫القومية والملكية الخاصة‪ ،‬يجري تدميرها بشكل منهجي في وجه فائض اإلنتاج الشامل للسلع‬

‫ورأس المال‪.‬‬

‫مجتمعي ما كان ليبدو‪ ،‬في كل‬


‫ّ‬ ‫فكما أوضح ماركس بنفسه‪« :‬وفي هذه األزمات يتفشى وباء‬

‫إال مستحيال‪ ،‬أال وهو وباء فائض اإلنتاج»‪.‬‬


‫العصور السالفة‪ّ ،‬‬

‫أن مجاعة‬
‫خيل ّ‬
‫لي َّ‬
‫يجد المجتمع نفسه فجأة وقد ُر َّد إلى وضع من الهمجية المؤقتة‪ ،‬حتى ُ‬
‫وكأنهما أثر‬
‫ّ‬ ‫وحرب إبادة شاملة قد قطعتاه عن وسائل العيش؛ فتبدو الصناعة والتجارة‬

‫زائدا عن الالزم من الحضارة‪ ،‬ومن وسائل‬


‫ً‬ ‫مقدارا‬
‫ً‬ ‫ألن المجتمع يملك‬
‫بعد عين‪ ،‬ولماذا؟ ّ‬
‫تصرف‬
‫ّ‬ ‫العيش‪ ،‬ومن الصناعة‪ ،‬ومن التجارة‪ .‬ولم تعد القوى المنتجة‪ ،‬الموجودة تحت‬

‫جدا‬
‫المجتمع‪ ،‬تدفع بنمو عالقات الملكية البرجوازية ُق ُد ًما‪ ،‬بل بخالف ذلك‪ ،‬أصبحت أقوى ً‬
‫جرت المجتمع‬
‫من هذه العالقات التي باتت تعيقها؛ وكلما تغلبت على هذا العائق ّ‬
‫البرجوازي بأسره إلى الفوضى‪ ،‬وهددت وجود الملكية البرجوازية‪( .‬البيان الشيوعي)‬

‫يجمع الكتيب الحالي ألول مرة المالحق الثالثة لـ«نشرة ساوث ويلز للدراسات الماركسية» (التي‬

‫نشرت ألول مرة في سبعينيات القرن العشرين) كمساهمة صغيرة َلروي العطش المتزايد على‬

‫األفكار الماركسية‪ .‬كما ّأنه من المناسب أيضا تزامن نشر الكتيب هذا مع الذكرى المئوية لوفات‬

‫كارل ماركس‪ ،‬في ‪ 14‬مارس ‪ ،1883‬مؤسس االشتراكية العلمية بالتشارك مع فريدريك إنجلز‪.‬‬

‫ّإال ّ‬
‫أن هذا الكتيب ال يهدف إلى تقديم عرض كامل للماركسية‪ ،‬بل يهدف لمساعدة العامل‪/‬ة–‬

‫أولي لبعض األفكار‬


‫ٍّ‬ ‫طط‬
‫الطالب‪/‬ة في تطرقهم لهذا الموضوع من خالل تزويدهم بمخ ً‬
‫ٍ‬
‫قراءات مختارة من شأنها أن تمكنهم من إكمال دراساتهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قائمة‬ ‫األساسية‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫لقد كتب ماركس وإنجلز العديد من الكتيبات الوجيزة والكتابات التفسيرية األقصر الهادفة إلى‬

‫ترويج نظرياتهم بين الطبقة العاملة‪ .‬توفر هذه األعمال أسس قائمة القراءات المقترحة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تندرج دراسة الماركسية تحت ثالث عناوين رئيسية‪ ،‬تتطابق بشكل عام مع الفلسفة‪ ،‬والتاريخ‬

‫االجتماعي‪ ،‬واالقتصاد؛ أو‪ ،‬لتسميتهم بأسمائهم الدقيقة‪ :‬المادية الجدلية‪ ،‬والمادية التاريخية‪،‬‬

‫تكون «مصادر الماركسية الثالثة» الالتي كتب لينين‬


‫ّ‬ ‫ونظرية قيمة العمل‪ .‬هذه العناوين الثالثة‬

‫عنهن‪.‬‬

‫روب سويل وآالن وودز‬

‫‪ 18‬فبراير ‪1983‬‬

‫‪5‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫الفهرس‬
‫مدخل للمادية الجدلية ‪9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫ما هي الفلسفة؟ ‪9. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫المثالية والمادية ‪9. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫أصول الفلسفة المادية ‪11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫ما هي الجدلية؟ ‪14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫الجدلية والميتافيزيقيا ‪15 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫هيغل ‪19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫الكمية والكيفية ‪20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫تداخل األضداد ‪21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫نفي النفي ‪23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫مدخل للمادية التاريخية ‪28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫الشيوعية البدائية ‪30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫المجتمع العبودي ‪33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫نشوء اإلقطاعية ‪36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫نشوء الملكيات المطلقة ‪41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫الثورة الرأسمالية ‪43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫انتصار الرأسمالية ‪45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫اإلمبريالية ‪45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫قانون التطور المركب وغير متكافئ ‪46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪6‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫التحول االشتراكي ‪48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫االشتراكية‪ :‬المجتمع الال طبقي ‪51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫مدخل لالقتصاد الماركسي ‪52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫مقدمة ‪52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫الشروط الضرورية لوجود الرأسمالية ‪52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫القيمة والبضائع ‪53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫متوسط العمل ‪55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫النقود ‪57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫أسعار البضائع ‪58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫األرباح ‪59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫قوة العمل ‪59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫االحتيال ‪60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫فائض القيمة ‪61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫يوم العمل ‪61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫رأس المال الثابت ‪62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫رأس المال المتغير ‪62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫العمل الضروري وفائض العمل ‪63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫معدل فائض القيمة ‪64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫معدل الربح ‪64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫تصدير رأس المال ‪66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪7‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫‪8‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫مدخل للمادية الجدلية‬
‫ما هي الفلسفة؟‬
‫صورة ما للعالم‬
‫ً‬ ‫في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري‪ ،‬وضعت نساء ورجال تلك المرحلة‬

‫ً‬
‫فلسفة ما‪ ،‬واألجزاء التي استخدموها لتشكيل تلك الصورة‬ ‫طوروا‬
‫أي ّأنهم قد ّ‬
‫وموضعهم فيه‪ّ ،‬‬
‫قد حصلوا عليها عن طريق مراقبتهم للطبيعة وتعميمهم لتجاربهم اليومية‪.‬‬

‫معين‪ .‬لكن‪ ،‬في الممارسة‪ ،‬لدى‬


‫ّ‬ ‫يعتقد بعض الناس ّأنهم ليسوا بحاجة لفلسفة أو منظور‬

‫إن أولئك الذين يعيشون على أسس‬


‫تمارس بوعي أو إدراك‪ّ .‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫فلسفة ما‪ ،‬حتى ولو لم‬ ‫الجميع‬

‫القواعد البديهية أو «الحس السليم»‪ ،‬ويتعقدون باستغنائهم عن النظرية‪ ،‬هم في الواقع‬

‫يفكرون بالطريقة التقليدية‪ .‬فاألفكار السائدة في المجتمع‪ ،‬كما قال ماركس ذات مرة‪ ،‬هي‬

‫سخر الطبقة الحاكمة كل‬


‫أفكار الطبقة الحاكمة‪ .‬فمن أجل الحفاظ على حكمهم وتبريره‪ُ ،‬ت ّ‬
‫وسيلة متاحة لها لتشويه وعي العامل‪/‬ة‪ ،‬حيث ُتستخدم المدرسة والكنيسة والتلفاز والصحافة‬

‫لتعزيز أيديولوجية الطبقة الحاكمة وتلقين العمال القبول بنظامهم بوصفه أكثر أشكال‬

‫وتوافقا مع الطبيعة‪ .‬وفي حالة غياب فلسفة اشتراكية واعية‪ ،‬فإنهم يقبلون‬
‫ً‬ ‫دواما‬
‫ً‬ ‫المجتمع‬

‫الفلسفة الرأسمالية من دون إدراك أو وعي‪.‬‬

‫في كل مرحلة من مراحل المجتمع الطبقي‪ ،‬يجب على الطبقة الثورية الناشئة‪ ،‬الهادفة إلى‬

‫تغيير المجتمع‪ ،‬أن تكافح ألجل منظور عالمي جديد‪ ،‬وفي ذلك‪ ،‬عليها أن تهاجم الفلسفة‬

‫القديمة‪ ،‬والتي‪ ،‬إذ كانت ترتكز على النظام القديم‪ ،‬كانت تبرر وتدافع عنه‪.‬‬

‫المثالية والمادية‬
‫على امتداد تاريخ الفلسفة‪ ،‬سنجد معسكرين اثنين‪ :‬المادي والمثالي‪ .‬إن الفكرة الشائعة عن‬

‫«المثالية» (بكونها تمثل الصدق واالستقامة في السعي وراء المثل العليا) وعن «المادية»‬

‫ُ‬
‫وأنانية االستيالء على األموال) ال عالقة لهما بالفلسفة‬ ‫(بكونها تمثل التفاهة والجشع‬

‫المثالية أو الفلسفة المادية بشيء‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫لقد كان العديد من مفكري الماضي العظماء مفكرين مثاليين‪ ،‬كأفالطون وهيغل على وجه‬

‫لروح‬
‫ٍ‬ ‫ألفكار أو‬
‫ٍ‬ ‫انعكاسا‬
‫ً‬ ‫الخصوص‪ .‬تنظر المدرسة الفكرية هذه إلى الطبيعة والتاريخ بوصفهما‬

‫بأن الرجال والنساء وكل ما هو مادي أنشأتهم روح مقدسة إحدى‬


‫ما‪ .‬وتمثل النظرية القائلة ّ‬
‫عبر عنها بعدد من الطرق‪ ،‬لكن‬
‫المفاهيم األساسية للفلسفة المثالية‪ .‬وهذه النظرة ُي َّ‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫أن األفكار هي من تحكم تطور العالم المادي‪.‬‬
‫مفهومها األساسي هو ّ‬
‫تاريخا لألفكار‪ ،‬حيث ُينظر لتصرفات الناس بكونها تصرفات ناشئة عن أفكا ٍر‬
‫ً‬ ‫فسر باعتباره‬
‫التاريخ ُي ّ‬
‫ً‬
‫إضافية لألمام‪،‬‬ ‫خطوة‬
‫ً‬ ‫مجردة‪ ،‬ال عن احتياجاتهم المادية‪ .‬وهيغل‪ ،‬لكونه مثالي متسق‪ ،‬خطا‬

‫أيضا عن العالم المادي‪ .‬وهذا‬


‫وحول األفكار إلى «فكر» مستقل متواجد خارج الدماغ ومستقل ً‬
‫ّ‬
‫أساسيا من الفلسفة‬
‫ً‬ ‫جزءا‬
‫ً‬ ‫األخير لم يكن ّإال مجرد انعكاس لهذه الفكرة‪ .‬والدين كذلك يمثل‬

‫المثالية‪.‬‬

‫وأن‬
‫ّ‬ ‫حقيقي‬
‫ّ‬ ‫عالم‬
‫ٌ‬ ‫المادي هو‬
‫ّ‬ ‫أن العالم‬
‫أكدوا ّ‬
‫أما المفكرون الماديون‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬فقد ّ‬
‫ّ‬
‫وأن العقل أو األفكار هي نتاج الدماغ‪ .‬فالدماغ‪ ،‬وبالتالي‬
‫ّ‬ ‫الطبيعة أو المادة هي األساس‪،‬‬

‫األفكار‪ ،‬نشأوا في مرحلة معينة من تطور المادة الحية‪ .‬أحجار الزاوية األساس للفلسفة المادية‬

‫هي كما يلي‪:‬‬

‫وأن‬
‫ّ‬ ‫عالم حقيقي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أن العالم المادي‪ ،‬الذي عرفناه بحواسنا واستكشفناه بالعلم‪ ،‬هو‬
‫ّ‬ ‫أ‪.‬‬

‫ناشئ عن قوانينه الطبيعية الخاصة‪ ،‬دون الحاجة للجوء إلى قوى ما‬
‫ٌ‬ ‫تطور‬
‫ٌ‬ ‫تطور العالم‬

‫وراء الطبيعة‪.‬‬

‫أن الفكر هو نتاج المادة (الدماغ)‪ ،‬والتي‬


‫ب‪ّ .‬أنه ال يوجد سوى عالم واحد‪ ،‬العالم المادي‪ّ .‬‬
‫أي أفكار منعزلة‪ .‬ولذا ال يمكن أن توجد أفكار أو عقول في‬
‫ال يمكن أن توجد من دونها ّ‬
‫ٍ‬
‫انعكاسات للعالم المادي‪ .‬فكما قال ماركس‪:‬‬ ‫معزل عن المادة‪ ،‬فاألفكار العامة ليست ّإال‬

‫«بالنسبة لي‪ ،‬ليس الفكر ّإال انعكاس العالم المادي في العقل البشري وترجمتها إلى‬

‫شكل من أشكال الفكر»‪ ،‬وأضاف‪« ،‬الوجود االجتماعي هو ما يحدد الوعي»‪.‬‬

‫معارض للمادة والطبيعة‪ .‬وهذا التعارض هو‬


‫ٌ‬ ‫خارجي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫كشيء‬ ‫يتصور المثاليون الوعي والفكر‬

‫تماما‪ ،‬وذلك لوجود عالقة وثيقة بين قوانين الفكر وقوانين الطبيعة‪ ،‬إذ‬
‫ً‬ ‫واصطناعي‬
‫ٌّ‬ ‫زائف‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬

‫خصوصياته ّإال من العالم الخارجي فقط‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أن األول يتبع ويعكس اآلخر‪ .‬ال يمكن للفكر أن يستمد‬
‫ّ‬

‫‪10‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ستمد ٌة من‬
‫ّ‬ ‫أفكار ُم‬
‫ٌ‬ ‫تجردا هي في الحقيقة‬
‫ً‬ ‫ال من نفسه‪ .‬حتى تلك األفكار التي تبدو أكثرها‬

‫رصد ومالحظة العالم المادي‪.‬‬

‫وحتى تلك العلوم التي تبدو تجريدية كالرياضيات البحتة قد استمدت من الواقع المادي‪ ،‬ال من‬

‫مادي قبل حله لمسألة‬


‫ٍّ‬ ‫مكتب‬
‫ٍ‬ ‫سرا أصابعه المادية تحت‬
‫نسج الدماغ‪ .‬فطفل المدرسة يحسب ً‬
‫ٍ‬
‫رياضية تجريدية‪ .‬وهو‪ ،‬في أثناء قيامه بذلك‪ ،‬يعيد إنشاء أصول الرياضيات نفسها‪ .‬نحن نعتمد‬

‫على النظام العشري وذلك ألننا نمتلك عشرة أصابع‪ .‬واألرقام الرومانية كذلك قد استندت في‬

‫األصل على تمثيل األصابع‪.‬‬

‫وفقا للينين‪« :‬هذه هي المادية‪ :‬أن المادة تولد اإلحساس بتأثيرها في أعضاء حواسنا‪ .‬أن‬
‫ً‬

‫معين‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫نظ ٍ‬


‫مة‬ ‫ٍ‬
‫بمادة ُم ّ‬ ‫أي‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األحاسيس هي رهن الدماغ واألعصاب وشبكية العين وغيرها‪ّ .‬‬
‫األولي‪ .‬أن اإلحساس والفكر واإلدراك‬
‫ّ‬ ‫أن وجود المادة ليس رهنا باإلحساس‪ .‬أن المادة هي‬

‫بشكل خاص»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منظمة‬ ‫ٍ‬
‫لمادة‬ ‫هو النتاج األعلى‬

‫يطورون أفكارهم في تفاعلهم مع بقية العالم‪ .‬والعمليات الذهنية‬


‫ّ‬ ‫والناس‪ ،‬كجزء من الطبيعة‪،‬‬

‫مطلقا خارج الطبيعة‪ ،‬حيث ينبغي أن‬


‫ً‬ ‫أمرا‬
‫هي عمليات واقعية بما فيه الكفاية‪ ،‬لكنها ليست ً‬
‫ُتدرس هذه العمليات في الظروف المادية واالجتماعية الناشئة فيها‪ .‬فكما قال ماركس‪:‬‬

‫«وحتى األشباح المتشكلة في العقل البشري ما هي ّإال تصعيدات ناتجة بالضرورة عن تطور‬

‫الحقا‪ ،‬أن «األخالق‪ ،‬والدين‪ ،‬والميتافيزيقيا‪ ،‬وكل البقية الباقية من‬


‫ً‬ ‫حياتهم المادية»‪ ،‬واستنتج‬

‫األيديولوجية‪ ،‬وكذلك أشكال الوعي التي تقابلها‪ ،‬تبدو وكأنها تفتقد في الحال كل مظهر‬

‫تاريخا‪ ،‬وليس لها أي تطور؛ إن األمر‬


‫ً‬ ‫من مظاهر االستقالل الذاتي‪ ،‬فهي تبدو وكأنها ال تملك‬

‫على النقيض من ذلك‪ ،‬فالبشر إذ يطورون إنتاجهم المادي وعالقاتهم المادية هم الذين يحولون‬

‫فكرهم ومنتجات فكرهم على السواء مع هذا الواقع الذي هو خاصتهم‪ .‬فليس الوعي هو‬

‫الذي يحدد الحياة‪ ،‬بل الحياة هي التي تحدد الوعي»‪.‬‬

‫أصول الفلسفة المادية‬


‫إن «إنجلترا بالذات‬
‫كتب إنجلز في مقدمته لكتاب «االشتراكية الطوباوية واالشتراكية العلمية» ّ‬
‫ابتداء من القرن السابع عشر‪ ،‬مهد المادية العصرية كلها»‪ .‬كانت األرستقراطية اإلقطاعية‬
‫ً‬ ‫كانت‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ً‬
‫حديثا‪ .‬وقبل‬ ‫ٍ‬
‫لتحد من قبل الطبقات الوسطى الناشئة‬ ‫القديمة ومعها النظام الملكي تتعرض‬

‫ً‬
‫ممكنة‪ ،‬لزم بالتالي تقويض الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي كانت‬ ‫أن تصبح إطاحة اإلقطاع‬

‫تمثل معقل اإلقطاع‪ ،‬والتي كانت تقدم التبريرات الدينية للنظام الملكي والمؤسسات‬

‫تحدت البرجوازية الناشئة األفكار القديمة والمفاهيم الالهوتية التي استند‬


‫ّ‬ ‫اإلقطاعية‪ .‬لقد‬

‫عليها النظام القديم‪ .‬أشار إنجلز في «االشتراكية الطوباوية واالشتراكية العلمية»‪:‬‬

‫جنبا إلى جنب مع االزدهار العظيم‬


‫أضف إلى ذلك‪ ،‬أن صعود الطبقة الوسطى كان يسير ً‬
‫للعلم‪ .‬فقد تجددت العناية بعلم الفلك وبالميكانيك والفيزياء وعلم التشريح‬

‫والفسيولوجيا‪ ،‬إذ أن البورجوازية كانت‪ ،‬من أجل إنتاجها الصناعي‪ ،‬بحاجة إلى علم يتأكد‬

‫من الخواص الفيزيائية للمواضيع الطبيعية‪ ،‬ومن أنماط فعل قوى الطبيعة‪ .‬ولم يكن‬

‫العلم حتى ذلك الحين سوى خادم وضيع للكنيسة‪ ،‬لم تسمح له قط بتخطي الحدود‬

‫علما على اإلطالق‪[ .‬في القرن السابع عشر‪ ،‬أثبت‬


‫ً‬ ‫التي فرضها اإليمان‪ ،‬ولذا لم يكن‬

‫غاليليو نظرية كوبرنيكوس بدوران األرض والكواكب األخرى حول الشمس‪ .‬سخر أساتذة‬

‫ذلك العصر من هذه األفكار واستخدموا سلطة محاكم التفتيش ودليل الكتب المحرمة‬

‫وتعين على‬
‫َّ‬ ‫ضد غاليليو إلجباره على التخلي عن أفكاره]‪ .‬تمرد العلم على الكنيسة‪،‬‬

‫البورجوازية‪ ،‬التي لم تكن لتستطيع أن تفعل شيئً ا بدون العلم‪ ،‬أن تنضم إلى حركة‬

‫التمرد‪.‬‬

‫الثورية عن المادية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وكانت تلك هي الفترة التي وضع فيها فرانسيس بيكون (‪ )1626-1561‬أفكاره‬

‫وفقا له‪ ،‬معصومة عن الخطأ‪ ،‬وهي أيضا ينبوع كل المعرفة‪ ،‬والعلم برمته يستند‬
‫ً‬ ‫فالحواس‪،‬‬

‫ويتقوم في إخضاع المعطيات الحسية إلى منهج عقالني في البحث‪ ،‬وأما‬


‫ّ‬ ‫على التجربة‪،‬‬

‫واالستقراء والتحليل والمقارنة والمالحظة والتجربة كلها شروط أساسية للمنهج العقالني‬

‫هذا‪ّ .‬إال أن المهمة قد ُتركت لتوماس هوبز (‪ )1679-1588‬لمواصلة تطوير مادية بيكون إلى نظام‬

‫وأنه‬
‫ّ‬ ‫فلسفي‪ ،‬إذ ّأنه أدرك أن األفكار والمفاهيم ليست سوى انعكاسات للعالم المادي‪،‬‬

‫والحقا‪ ،‬قدم المفكر اإلنجليزي جون لوك (‪ )1704-1632‬أدلة‬


‫ً‬ ‫«يستحيل فصل الفكر عن مادة تفكر»‪.‬‬

‫على هذه المادية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫انتقلت المدرسة المادية للفلسفة بعدئذ من إنجلترا إلى فرنسا‪ ،‬ليتم تناولها وبلورتها من قبل‬

‫يقيدوا أنفسهم بنقد الدين‬


‫ّ‬ ‫رينيه ديكارت (‪ )1650-1596‬وأتباعه‪ .‬وهؤالء الماديون الفرنسيون لم‬

‫تحدوا جميع هذه‬


‫ّ‬ ‫وسعوا نطاق نقدهم ليشمل جميع المؤسسات واألفكار‪ ،‬حيث‬
‫فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫وزودوا البرجوازية الناشئة بالذخيرة الالزمة في صراعهم ضد النظام‬
‫ّ‬ ‫األمور باسم المنطق‪،‬‬

‫الملكي‪ .‬وقد اتخذ مولد الثورة الفرنسية البورجوازية العظيمة في سنوات ما بين ‪1793-1789‬‬

‫الفلسفة المادية كعقيدة له‪ .‬وعلى عكس الثورة اإلنجليزية في منتصف القرن السابع عشر‪،‬‬

‫فقد دمرت الثورة الفرنسية النظام اإلقطاعي القديم بأكمله‪ .‬فكما أشار إنجلز فيما بعد‪« :‬إال‬

‫طابعا‬
‫ً‬ ‫أننا اليوم نعرف أن سلطان العقل لم يكن سوى الحكم الذي أضفت عليه البورجوازية‬

‫مثاليا»‪.‬‬
‫ً‬

‫فصاعدا‪ ،‬تمثل بجمودها وتفسيرها الميكانيكي‬


‫ً‬ ‫لكن الخلل في هذه المادية‪ ،‬منذ زمن بيكون‬
‫ّ‬
‫للطبيعة‪ .‬إنه ليس من قبيل الصدفة تزامن ازدهار المدرسة اإلنجليزية من الفلسفة المادية في‬

‫القرن الثامن عشر مع اكتشافات إسحاق نيوتن‪ ،‬التي جعلت من «الميكانيكا» العلم األكثر تقد ًما‬

‫المحددة لهذه المادية تكمن في عجزها على‬


‫ّ‬ ‫إن القيود‬
‫وأهمية‪ .‬فعلى حد تعبير إنجلز‪ّ « :‬‬
‫استيعاب الكون كسيرورة‪ ،‬كمادة تمر في تطور تاريخي غير منقطع»‪.‬‬

‫أثرا عميقا على العالم المتحضر‪ ،‬على غرار تأثير الثورة الروسية لعام ‪،1917‬‬
‫كان للثورة الفرنسية ً‬
‫إن هيجان األفكار‬
‫ثورت الفكر في كل ميدان‪ ،‬في السياسية والفلسفة والعلم والفن‪ّ .‬‬
‫فقد ّ‬
‫تقدما في العلوم الطبيعية‪،‬‬
‫ً‬ ‫الناجمة عن الثورة البرجوازية الديمقراطية هذه استهلّ ت‬

‫والجيولوجيا وعلم النبات والكيمياء‪ ،‬إلى جانب االقتصاد السياسي‪.‬‬

‫للماديين ألول مرة‪ ،‬إذ‬


‫ّ‬ ‫وقد كانت هذه الفترة هي الفترة التي تم بها نقد النهج الميكانيكي‬

‫أحرز الفيلسوف األلماني إيمانويل كانط (‪ )1804-1724‬االنطالقة األولى في خرق الطرق‬

‫أن األرض والنظام الشمسي‪ً ،‬‬


‫بدال من كونهما قد وجدا منذ‬ ‫الميكانيكية القديمة باكتشافه ّ‬
‫أيضا على الجغرافيا‪ ،‬والجيولوجيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫تكونا مع مرور الزمن‪ ،‬كما ينطبق األمر نفسه‬
‫ّ‬ ‫األبد‪ ،‬قد‬

‫والنبات‪ ،‬والحيوانات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ٍ‬
‫بعدئذ من قبل مفكر المع ألماني آخر‪ ،‬جورج هيغل‬ ‫فكرة كانط الثورية هذه قد جرى تطويرها‬

‫تجليا أو‬
‫ً‬ ‫مثاليا‪ ،‬إذ اعتقد بإمكانية تفسير العالم باعتباره‬
‫ً‬ ‫فيلسوفا‬
‫ً‬ ‫(‪ .)1831-1770‬لقد كان هيغل‬

‫انعكاسا لشكل من أشكال ٍ‬


‫إله ما‪.‬‬ ‫أي‬
‫ً‬ ‫انعكاسا لـ«عقل كوني» أو لـ«فكرة» ما‪ّ ،‬‬
‫ً‬

‫نشطا في المجتمع والتاريخ البشري‪ ،‬بل كفيلسوف يتأمل‬


‫ً‬ ‫لم ينظر هيغل للعالم بوصفه مشاركً ا‬

‫وفقا‬
‫ً‬ ‫ومفسرا التاريخ كتاريخ من األفكار‬
‫ً‬ ‫منصبا نفسه عصاة قياس للعالم‪،‬‬
‫ً‬ ‫األحداث من بعد‪،‬‬

‫لتحيزاته‪ ،‬والعالم كعالم من األفكار‪ ،‬كعالم مثالي! وبالتالي‪ ،‬بالنسبة لهيغل‪ ،‬لم تكن المسائل‬

‫ٌ‬
‫مطروحة بمصطلحاتها الحقيقية‪ ،‬وإنما بإطار الفكر‪ ،‬وبالتالي ال يمكن أن يوجد حلها‬ ‫والتناقضات‬

‫ً‬
‫وبدال من حل تناقضات المجتمع من قبل نشاط الرجال والنساء من خالل‬ ‫إال في مجال الفكر‪.‬‬

‫فإن حلها يوجد في رأس الفيلسوف‪ ،‬في الفكرة المطلقة!‬


‫ّ‬ ‫الصراع الطبقي‪،‬‬

‫على الرغم من ذلك‪ ،‬اعترف هيغل بسقطات وأوجه قصور النظرة الميكانيكية القديمة‪ .‬كما أنه‬

‫قد أشار إلى أوجه النقص في المنطق الصوري وشرع في إنشاء نظرة عامة جديدة من شأنها‬

‫أن تفسر التناقضات للتغير والحركة‪( .‬أنظر‪/‬ي أدناه)‬

‫على الرغم من اكتشاف هيغل وتحليله لقوانين الحركة والتغيير‪ّ ،‬إال أن مثاليته قد قلبت كل‬

‫رأسا على عقب‪ .‬لقد كانت صراعات وانتقادات الهيغيليين الشباب‪ ،‬بقيادة لودفيج فيورباخ‬
‫شيء ً‬
‫(‪ ،)1872-1804‬هي من حاولت تصحيح الفلسفة وإقامتها مرة أخرى على قدميها‪ .‬لكن‪ ،‬حتى‬

‫ادرا‬
‫وفقا إلنجلز – لم يكن ق ً‬
‫ً‬ ‫فيورباخ – الذي كان «نصفه السفلي مادي ونصفه العلوي مثالي»‬

‫على تطهير الهيغيلية بالكامل من نظرتها المثالية‪ .‬هذه المهمة قد ُتركت لماركس وإنجلز‪،‬‬

‫اللذان تمكنا من إنقاذ المنهج الجدلي (أو الديالكتيك) من قوقعته الباطنية‪ ،‬حيث ُصهرت‬

‫الجدلية الهيغيلية مع المادية العصرية لتنتج مفهوم الجدلية المادية الثوري‪.‬‬

‫ما هي الجدلية؟‬
‫سابقا أن المادية العصرية هي مفهوم أن المادة أولية وأن العقل واألفكار هم‬
‫ً‬ ‫لقد شهدنا‬

‫نتاج الدماغ‪ .‬لكن‪ ،‬ما هو النهج الجدلي أو الجدلية؟ يقول إنجلز في «ضد دوهرينغ»‪:‬‬

‫ليست الجدلية ّإال علم القوانين العامة للحركة ولتطور الطبيعة والمجتمع البشري‬

‫والتفكير‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫علميا كوسيلة لتحليل تطور‬
‫ً‬ ‫لقد ُوجد المنهج الجدلي الفكري قبل أن يطوراها ماركس وإنجلز‬

‫المجتمع البشري بمدة طويلة‪.‬‬

‫بعضا من المفكرين الجدليين العظماء‪ ،‬كأفالطون وأرسطو وزينون‪ .‬فمنذ فترة‬


‫ً‬ ‫لقد أنتج اإلغريق‬

‫أن «كل شيء موجود وغير‬


‫قدم هيراقليطس فكرة ّ‬
‫مبكرة تعود إلى عام ‪ 500‬قبل الميالد‪ّ ،‬‬
‫موجود‪ ،‬فكل شيء في حالة سيالن‪ ،‬في تغير مستمر‪ ،‬في صيرورة أبدية‪ ،‬وفي زوال أبدي»‪،‬‬

‫تغير‪ ،‬فمن المحال النزول في التيار ذاته مرتين»‪ .‬هذه‬


‫ّ‬ ‫تدفق‪ ،‬في‬
‫ّ‬ ‫وأضاف‪« ،‬كل األشياء في‬

‫أن كل شيء في الطبيعة‬


‫العبارة تحتوي في مضمونها على المفهوم األساسي للديالكتيك‪ّ ،‬‬
‫في حالة تغير مستمر‪ ،‬وأن هذا التغير يتجلى من خالل سلسلة من التناقضات‪ .‬إذ يشير إنجلز‪:‬‬

‫ِ‬
‫تامة الصنع‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫أشياء‬ ‫بأن العالم ال يتألف من‬
‫إنها الفكرة األساسية الكبرى التي تقول ّ‬
‫ٌ‬
‫مجموعة من العمليات يطرأ فيها على األشياء التي تبدو في الظاهر ثابتة وكذلك‬ ‫هو‬

‫تغي ٌر مستمر من الصيرورة والفناء‪.‬‬


‫على انعكاساتها الذهنية في دماغنا‪ ،‬أي األفكار‪ّ ،‬‬

‫فبالنسبة للفلسفة الجدلية‪ ،‬ليس هناك من أمر نهائي مطلق مقدس‪ ،‬فهي ترى كل‬

‫شيء وفي كل شيء خاتم الهالك المحتوم‪ ،‬وليس ثمة شيء قادر على الصمود في‬

‫أبدا دون‬
‫وجهها غير الحركة التي ال تنقطع‪ ،‬حركة الصيرورة والفناء‪ ،‬حركة التصاعد ً‬
‫توقف من األدنى إلى األعلى‪ .‬وهذه الفلسفة نفسها ليست إال مجرد انعكاس هذه‬

‫الحركة في الدماغ المفكر‪.‬‬

‫الجدلية والميتافيزيقيا‬
‫لقد توقع فالسفة اليونان ببراعة التطور الالحق للجدلية والعلوم األخرى‪ ،‬غير ّأنهم لم يتمكنوا‬

‫نظرا النخفاض مستوى تنمية وسائل اإلنتاج‪،‬‬


‫ً‬ ‫من حمل توقعاتهم هذه إلى خواتمها المنطقية‬

‫صورة‬
‫ً‬ ‫وافتقارهم للمعلومات الكافية عن الطرق المفصلة لعمل الكون‪ .‬لقد قدمت أفكارهم‬

‫نوعا ما‪ّ ،‬إال أنها كانت أقرب إلى طابع التخمينات المستلهمة من كونها نظريات‬ ‫ً‬
‫صحيحة ً‬ ‫ً‬
‫عامة‬

‫ضروريا‪ ،‬للتوصل إلى‬


‫ً‬ ‫علميا‪ .‬ومن أجل المضي بالفكر البشري إلى األمام‪ ،‬فقد كان‬
‫ً‬ ‫مستنبطة‬

‫حجما واألكثر‬
‫ً‬ ‫فهم ٍ‬
‫عام للكون‪ ،‬التخلي عن األساليب القديمة هذه‪ ،‬والتركيز على المهام األصغر‬ ‫ٍ‬

‫‪15‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ٍ‬
‫محددة‬ ‫ٍ‬
‫نظريات‬ ‫ٍ‬
‫كبيرة من الحقائق المنفردة‪ ،‬ومن اختبار‬ ‫ٍ‬
‫مجموعة‬ ‫ِ‬
‫وتصنيف‬ ‫وفرز‬
‫ِ‬ ‫جمع‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫بساطة من‬

‫عن طريق التجربة‪ ،‬والتعريف … إلخ‪.‬‬

‫ً‬
‫هائلة لفك ِر وع ِ‬
‫لوم البشرية‪ ،‬حيث أصبح‬ ‫ً‬
‫دفعة‬ ‫الواقعي‬ ‫االختباري‬ ‫التجريبي‬ ‫لقد قدم النهج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علميا‪ ،‬محللين كل مسألة‪ ،‬ومختبرين كل‬
‫ً‬ ‫بإمكاننا اآلن إجراء تحقيقاتنا عن أساليب عمل الطبيعة‬

‫استنتاج‪ .‬لكن‪ ،‬وفي أثناء هذه العملية‪ ،‬قدرتنا القديمة في التعامل مع األشياء في ترابطها‪،‬‬

‫ال في انفرادها‪ ،‬وفي حركتها‪ ،‬ال في ثباتها‪ ،‬وفي حياتها‪ ،‬ال في موتها‪ ،‬قد ُفقدت‪ .‬نمط‬

‫نتيجة لذلك‪ُ ،‬أطلق عليه النهج «الغيبي»‪ .‬هذا النهج‬


‫ً‬ ‫التفكير الضيق التجريبي هذا‪ ،‬الذي نشأ‬

‫ال يزال يهيمن على الفلسفة والعلوم الرأسمالية العصرية‪ .‬وفي السياسة‪ ،‬ينعكس ذلك في‬

‫حتما») والنداءات‬
‫ً‬ ‫«براغماتية» هارولد ويلسون الشهيرة («إن كانت تعمل‪ ،‬فهي صائبة‬

‫المتواصلة لالستناد على «الحقائق»‪.‬‬

‫معينين‪ .‬والترتيب‬
‫ّ‬ ‫أن الحقائق ال تختار نفسها بنفسها‪ ،‬بل يتم اختيارها من قبل أفراد‬
‫غير ّ‬
‫والتسلسل الذي يتم ترتيبها بها‪ ،‬واالستنتاجات المستخلصة منها َت ِ‬
‫عتمد على األفكار المسبقة‬

‫انطباعا‬
‫ً‬ ‫فإن تلك النداءات المنادية بـ«الحقائق»‪ ،‬والتي من المفترض أن تنقل‬
‫ّ‬ ‫للفرد‪ .‬وبالتالي‪،‬‬

‫عادة ما تكون سوى مجرد حجاب إلخفاء تحيزات المتحدث‪.‬‬


‫ً‬ ‫علميا‪،‬‬
‫ً‬ ‫حياديا‬
‫ً‬

‫أي في‬
‫إن الديالكتيك ال يتعامل مع الحقائق فحسب‪ ،‬بل يتعامل مع الحقائق في ترابطها‪ّ ،‬‬
‫سيرورتها؛ ال مع األفكار المنعزلة فحسب‪ ،‬بل مع القوانين‪ ،‬ليس مع الخاص‪ ،‬بل مع العام‪.‬‬

‫يرتبط التفكير الديال كتيكي مع الميتافيزيقيا ارتباط الصورة المتحركة مع الثابتة‪ ،‬إذ ال تتعارض‬

‫تقاربا للواقع هي تلك‬


‫ً‬ ‫صدقا وأكملها‬
‫ً‬ ‫األولى مع األخرى‪ ،‬بل تكملها‪ .‬لكن‪ ،‬أكثر الحقائق‬

‫الحقائق الواردة في الفيلم‪.‬‬

‫لألغراض اليومية والعمليات الحسابية البسيطة‪ ،‬باإلمكان االكتفاء بالفكر الميتافيزيقي أو‬

‫حول الحقيقة‬
‫حدود‪ ،‬وما عدا ذلك‪ ،‬فإن تطبيقات «الحس السليم» ُت ّ‬
‫ٌ‬ ‫«الحس السليم»‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن لذلك‬

‫إن وجه الضعف األساسي لنوع التفكير هذا ينبع من عدم قدرته على تصور‬
‫إلى نقيضتها‪ّ .‬‬
‫أن الحركة والتغيير تقتضي‬
‫الحركة والتطوير‪/‬التنمية‪ ،‬ورفضه كل التناقضات‪ ،‬على الرغم من ّ‬
‫التناقض‪ .‬ووفق ما قاله إنجلز في «االشتراكية الطوباوية واالشتراكية العلمية»‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫أغراض ينبغي‬
‫ٌ‬ ‫إن األشياء وانعكاساتها الفكرية‪ ،‬أي المفاهيم‪ ،‬هي‪ ،‬بنظر الميتافيزيقي‪،‬‬

‫دراستها الواحدة بعد األخرى‪ ،‬الواحدة دون األخرى‪ ،‬منفردة‪ ،‬ثابتة‪ ،‬جامدة‪ ،‬معطاة مرة‬

‫واحدة وبصورة نهائية‪ .‬إنه ال يفكر إال في التضاد بين األشياء‪ ،‬دون وسيط بينها …‬

‫فحسب رأيه‪ ،‬إما أن يكون الشيء أو ال يكون؛ وال يمكن للشيء أن يكون هو ذاته وغيره‬

‫في آن واحد؛ أن الموجب والسالب ينفي أحدهما اآلخر بصورة مطلقة‪ .‬أن السبب واألثر‬

‫في تضاد جامد أحدهما لآلخر‪.‬‬

‫فرد أو‬
‫ٌ‬ ‫فألغراضنا اليومية‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬من الممكن‪ ،‬بدرجة من اليقين‪ ،‬تحديد ما إذا كان‬

‫ٌ‬
‫نبتة ما حية أو ميتة‪ .‬لكن‪ ،‬في الواقع‪ ،‬هذه المسألة ليست بهذه البساطة‪ ،‬حسبما‬ ‫حيوان أو‬
‫ٌ‬
‫أي مرحلة على‬
‫تشير إلى ذلك القضايا القانونية المعنية باإلجهاض و«حقوق الجنين»‪ .‬فعند ّ‬
‫بسيطا‬ ‫ً‬
‫حدثا‬ ‫أيضا‪ ،‬ليس‬
‫أي مرحلة تنتهي؟ كما أن الموت‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫وجه التحديد تبدأ حياة اإلنسان؟ وعند ّ‬
‫بل هو عملية مطولة‪ ،‬فكما فهمها هيراقليطس‪« :‬الشيء ذاته فينا هو حي وميت‪ ،‬نائم‬

‫كل يغير موقعه ويتحول لآلخر‪ .‬نحن ال ننزل في التيار ذاته مرتين‪.‬‬
‫ومستيقظ‪ ،‬حديث وقديم؛ ٌ‬

‫نحن نكون وال نكون»‪.‬‬

‫لقد وصف تروتسكي الديالكتيك‪ ،‬في كتابه «مبادئ الديالكتيك المادي» بأنه «علم أشكال‬

‫مقتصرا على المشاكل اليومية للحياة فحسب بل هو يحاول‬


‫ً‬ ‫ٍ‬
‫حدود أبعد ألنه ليس‬ ‫تفكيرنا في‬

‫وتعقيدا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعدا‬
‫ً‬ ‫الوصول إلى فهم عمليات أكثر‬

‫وقد قارن تروتسكي الديالكتيك والمنطق الرسمي (الميتافيزيقيا) بالرياضيات العليا والدنيا‪.‬‬

‫لقد كان أرسطو أول من طور قوانين المنطق الرسمي‪ ،‬إذ ُق ِبلت منظومته منذئذ من قبل‬

‫الميتافيزيقيين كاألسلوب الوحيد الممكن للتفكير العلمي‪ .‬أشار تروتسكي في «مبادئ‬

‫الديالكتيك المادي»‪:‬‬

‫يبدأ المنطق األرسطي الخاص بالقياس المنطقي البسيط من االفتراض بأن «أ» تساوي‬

‫«أ»‪ .‬هذه المسلّ مة ُتقبل كبديهية للعديد من الفعاليات اإلنسانية العلمية والتعميمات‬

‫البسيطة‪ .‬لكن‪ ،‬في الواقع‪« ،‬أ» ال تساوي «أ»‪ .‬هذا سهل اإلثبات لو أننا الحظنا هذين‬

‫الحرفين من خالل عدسة ما‪ .‬إنهما مختلفان عن بعضهما البعض‪ .‬لكن هناك من يقر بأن‬

‫لكميات متساوية‪ ،‬كرطل من‬


‫ّ‬ ‫حجم وشكل الحرفين ليس هو المسألة ما داما مجرد رمزين‬

‫‪17‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫السكر‪ ،‬على سبيل المثال‪ .‬االعتراض هنا هو اعتراض خارج القصد‪ ،‬ففي الواقع‪ ،‬ال‬

‫بسيطا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فرقا ولو كان‬
‫ً‬ ‫فمقياس أكثر دقة سيكشف‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫رطال آخر‪،‬‬ ‫رطل من السكر‬
‫ٌ‬ ‫يساوي‬

‫مرة أخرى‪ ،‬قد يعترض شخص ما‪« ،‬ولكن رطل السكر يساوي نفسه»‪ّ .‬إال أن ذلك ليس‬

‫صحيحا أيضا‪ ،‬فكل األجسام تتغير مع مرور الزمن بال انقطاع في الحجم والوزن واللون‬
‫ً‬
‫أن رط ًال‬
‫… إلخ‪ .‬فهم ليسوا مساوين ألنفسهم أبدا‪ .‬حسنا‪ ،‬سيرد السفسطائي قائال‪ّ « :‬‬
‫بعيدا عن القيمة‬
‫ً‬ ‫محد ٍ‬
‫دة من الزمن»‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫مساو لنفسه في‬
‫ٍ‬ ‫من السكر سيكون‬

‫العملية المشكوك فيها بشدة لهذه «البديهية»‪ ،‬فإنها ال تستطيع الصمود أمام النقد‬

‫أيضا‪ .‬إذ كيف يمكننا القبول بحقيقة كلمة «لحظة»‪ ،‬والتي هي فاصلة متناهية‬
‫النظري ً‬

‫الصغر من الزمن في حد ذاتها؟ إذن فرطل السكر سيتعرض خالل سير اللحظة إلى‬

‫تغيرات حتمية‪ .‬أم أن «اللحظة» هي فقط تجريد رياضي خالص‪ ،‬أي صفر من الزمن؟ ولكن‬
‫ّ‬
‫التحول‪ .‬فالزمن‬
‫ّ‬ ‫كل شيء يوجد في الزمن‪ ،‬والوجود ذاته هو سيرورة غير متقطعة من‬

‫أن الشيء‬
‫أساسي للوجود‪ .‬ولهذا فبديهية «أ» تساوي «أ» تشير إلى ّ‬
‫ٌّ‬ ‫عنصر‬
‫ٌ‬ ‫بالتالي هو‬

‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫موجودا‬ ‫أي‪ ،‬إن لم يكن‬
‫ً‬ ‫يساوي نفسه إذا لم يتغير‪ّ ،‬‬

‫وأضاف‪:‬‬

‫تفاصيل عديمة الفائدة‪ ،‬لكن‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫للوهلة األولى قد يبدو أن التفاصيل الدقيقة تلك هي‬

‫أن بديهية «أ» تساوي «أ» تبدو من جهة نقطة‬


‫في الواقع‪ ،‬هي ذوات أهمية بالغة‪ ،‬إذ ّ‬
‫انطالق كل معارفنا‪ ،‬لكنها‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬تبدو نقطة انطالق كل األخطاء في معارفنا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خطأ ما لن‬ ‫أي استفادة من بديهية «أ» تساوي «أ» من دون الوقوع في‬
‫إن تحقيق ّ‬
‫ّ‬
‫التغيرات الكمية في «أ» ضئيلة‬
‫ّ‬ ‫يكون ممكنً ا ًإال داخل حدود معينة‪ .‬فقط عندما تكون‬

‫بالنسبة للمهمة المؤداه‪ ،‬يكون من الممكن التسليم افتراضيا بأن «أ» تساوي «أ»‪ .‬هذه‪،‬‬

‫على سبيل المثال‪ ،‬هي الطريقة التي يأخذ بها كل من البائع والمشتري رطل السكر‬

‫كنا‬
‫بعين االعتبار‪ .‬كما أننا نقيس حرارة الشمس بطريقة مماثلة‪ .‬وحتى وقت قريب‪ّ ،‬‬
‫حدودا‬
‫ً‬ ‫التغيرات الكمية‬
‫ّ‬ ‫ندرس قوة الدوالر الشرائية بالطريقة ذاتها‪ .‬لكن‪ ،‬إن تجاوزت‬

‫معينة فإنها تتحول بعدئذ إلى تغيرات نوعية‪ .‬فرطل السكر‪ ،‬إن تعرض للماء أو‬

‫الكيروسين‪ ،‬ينتهي وجوده كرطل من السكر (أي أنه يتوقف عن كونه رطل سكر)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫دوالرا‪ .‬إن تحديد‬
‫ً‬ ‫والدوالر‪ ،‬كذلك‪ ،‬إن كان في قبضة رئيس ما فإنه يتوقف عن كونه‬

‫اللحظة المناسبة‪ ،‬النقطة الحرجة التي يتغير عندها الكم إلى الكيف هي إحدى أهم‬

‫وأصعب المهام في كل حقول المعرفة بما فيها علم االجتماع‪.‬‬

‫هيغل‬
‫إن الطريقة الجدلية القديمة في المنطق‪ ،‬التي ُأهملت منذ العصور الوسطى‪ ،‬قد أعيد إحياؤها‬
‫ّ‬
‫في القرن التاسع عشر من ِقبل الفيلسوف األلماني الكبير جورج فيلهلم فريدريش هيغل (‪-1770‬‬

‫تبحرا) في وقته‪ ،‬أخضع أشكال المنطق‬ ‫ً‬


‫موسوعية ( ً‬ ‫‪ .)1831‬هيغل‪ ،‬الذي كان إحدى العقول‬

‫شامل‬
‫ٍ‬ ‫تحليل‬
‫ٍ‬ ‫وتحيزها‪ .‬وقد أنتج هيغل أول‬
‫ّ‬ ‫محدوديتها‬
‫ّ‬ ‫مثبتا‬
‫ً‬ ‫الرسمي النتقادات تفصيلية‪،‬‬

‫بالفعل لقوانين الديالكتيك‪ ،‬األمر الذي شكل األسس الالتي اعتمد عليها كل من ماركس وإنجلز‬

‫فيما بعد لتطوير نظرية المادية الجدلية‪ .‬لقد وصف لينين الجدلية الهيغيلية بأنها «أوسع‬

‫عمقا»‪ ،‬وبالمقارنة مع ذلك‪ ،‬كانت كل صياغة أخرى‬


‫ً‬ ‫تطورا وأوفرها مضمونً ا وأشدها‬
‫ً‬ ‫المذاهب‬

‫تشوه وتفسد السير الواقعي للتطور (الذي يتميز أحيانً ا‬


‫ّ‬ ‫«وحيدة الجانب‪ ،‬فقيرة المضمون‪،‬‬

‫بقفزات وكوارث وثورات) في الطبيعة والمجتمع»‪( .‬لينين‪ :‬كارل ماركس‪ ،‬سيرة مختصرة وعرض‬

‫للماركسية)‬

‫سابقا‪ ،‬لكن‬
‫ً‬ ‫منظورا لـ«تطو ٍر يبدو وكأنه يستنسخ مراحل مقطوعة‬
‫ً‬ ‫كان منظور هيغل لألشياء‬

‫تطور على نحو لولبي‪ ،‬إذا صح التعبير‪ ،‬ال على‬


‫ٌ‬ ‫على نحو آخر وعلى درجة أعلى («نفي النفي»)‪،‬‬

‫انقطاعات في التدرج؛ تحول الكمية إلى كيفية؛‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بقفزات وكوارث وثورات؛‬ ‫تطور‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫خط مستقيم؛‬

‫ٌ‬
‫داخلية نحو التطور يثيرها التضاد والتصادم في القوى واالتجاهات المتمايزة التي‬ ‫اندفاعات‬
‫ٌ‬
‫تعمل في جسم معين أو في حدود ظاهرة معينة أو في قلب مجتمع معين؛ التبعية المتبادلة‬

‫دائما عن‬
‫ً‬ ‫والصلة الوثيقة التي ال يمكن فصمها بين جميع جوانب كل ظاهرة (والتاريخ يكشف‬

‫ٌ‬
‫صلة تحدد مجرى الحركة الوحيد‪ ،‬المشروع‪ ،‬والكلي‪ :‬هذه هي بعض مميزات‬ ‫جوانب جديدة)‪،‬‬

‫ثراء من المذهب الشائع»‪( .‬لينين‪ :‬كارل ماركس‪ ،‬سيرة‬


‫ً‬ ‫مذهبا للتطور أكثر‬
‫ً‬ ‫الديالكتيك بوصفه‬

‫مختصرة وعرض للماركسية) وأشار إنجلز حول ذلك‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫وهذه الفلسفة األلمانية الحديثة وجدت خاتمتها في منهج هيغل‪ ،‬الذي تتلخص مأثرته‬

‫الكبرى في ّأنه صور العالم بأسره‪ ،‬الطبيعي والتاريخي والروحي‪ ،‬للمرة األولى‪ ،‬على‬

‫ٍ‬
‫دائم‪ ،‬وفي ّأنه قام‬ ‫وتطور‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دائم‬ ‫وتحول‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دائمة‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫منخرط في‬
‫ٌ‬ ‫أنه سيرورة‪ ،‬أي ّأنه‬

‫بمحاولة اكتشاف الصلة الداخلية لهذه الحركة وهذا التطور‪ .‬ومن وجهة النظر هذه‪،‬‬

‫لم يعد التاريخ البشري يبدو وكأنه تشابك فوضوي من أعمال العنف العبثية التي ال‬

‫تستحق غير الشجب والنسيان السريع أمام محكمة العقل الفلسفي الناضج‪ ،‬بل برز‪،‬‬

‫بالعكس‪ ،‬بمثابة تطور اإلنسانية نفسها‪ ،‬وغدت قضية الفكر تتقوم اآلن في اتباع سير‬

‫هذه السيرورة في جميع مراحلها المتتالية عبر جميع انحرافاتها وتعرجاتها‪ ،‬وتبيان‬

‫منطقها الداخلي عبر جميع أعراضها الظاهرية‪.‬‬

‫لقد طرح هيغل المسألة بكل براعة‪ ،‬لكن تصوراته السابقة المثالية حالت بينه وبين حلها‪ .‬لقد‬

‫ضخما»‪ .‬لكن‪ ،‬على الرغم من جانبها الغامض‪ ،‬فقد‬


‫ً‬ ‫إجهاضا‬
‫ً‬ ‫كان ذلك‪ ،‬على حد تعبير إنجلز‪« ،‬‬

‫أوضحت فلسفة هيغل بالفعل أهم قوانين الديالكتيك‪ :‬الكمية والكيفية‪ ،‬وتداخل األضداد‪،‬‬

‫ونفي النفي‪.‬‬

‫الكمية والكيفية‬
‫دائما االنتقال من شكل من أشكال الحركة إلى شكل آخر‬
‫ً‬ ‫درجات‪ ،‬يبقى‬
‫الت ّ‬
‫وعلى الرغم من كل ّ‬
‫حاسما‪( .‬إنجلز‪ :‬ضد دوهرينغ)‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتحوال‬ ‫قفزة‪،‬‬
‫ً‬

‫عموما‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن األشكال التي من خاللها‬ ‫ً‬ ‫والتطور من األفكار المسلمة بها‬
‫ّ‬ ‫التغير‬
‫ّ‬ ‫لقد باتت فكرة‬

‫تفسر ّإال من قبل الجدلية الماركسية‪ .‬فوجهة النظر‬


‫ّ‬ ‫تحدث التغييرات في الطبيعة والمجتمع لم‬

‫ُ‬
‫أحادية‬ ‫متحيزة‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫زائفة‬ ‫نظرة‬
‫ٌ‬ ‫سلسا‪ ،‬غير منقطع هي‬
‫ً‬ ‫تطورا سلم ًيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الشائعة عن التطور باعتباره‬

‫كون نظرية «التدرج» في التغيير االجتماعي حجر الزاوية األساسي‬


‫الجانب‪ .‬وفي السياسة‪ُ ،‬ت ّ‬
‫لإلصالح‪.‬‬

‫لقد وضع هيغل فكرة «خط األساس لقياس العالقات‪ ،‬حيث تؤدي الزيادة الكمية البحتة أو‬

‫ً‬
‫مثال في حالة‬ ‫النقص الكمي البحت في نقط أساسية معينة إلى قفزة كيفية‪ ،‬كما يحدث‬

‫‪20‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تسخين أو تبريد الماء‪ ،‬حيث ُتعتبر نقطتا الغليان والتجمد النقطتان اللتان تتم فيهما – في ظل‬

‫الضغط العادي – القفزة إلى وضع مجاميع جديدة‪ ،‬حيث يتحول الكم بالتالي إلى كيف»‪.‬‬

‫ٍ‬
‫صلبة‬ ‫غازية أو‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حالة‬ ‫ٍ‬
‫سائلة إلى‬ ‫ٍ‬
‫حالة‬ ‫تحول الماء من‬
‫ّ‬ ‫فإن‬
‫ّ‬ ‫وبالتالي‪ ،‬في المثال المورود أعاله‪،‬‬

‫معينة (‪ 0‬درجة مئوية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫حرارة‬ ‫ِ‬
‫درجة‬ ‫فجأة عند‬
‫ً‬ ‫ال يحدث من خالل تصلب أو تبدد تدريجي‪ ،‬بل يحدث‬

‫للتغيرات العديدة الطارئة على سرعة الجزيئات في‬


‫ّ‬ ‫‪ 100‬درجة مئوية)‪ ،‬حيث ُينتِ ج األثر التراكمي‬

‫تغيرا في حالة المادة – الكم إلى الكيف‪.‬‬


‫ً‬ ‫نهاية المطاف‬

‫وانتهاء بحياتنا‬
‫ً‬ ‫ابتداء بعلم االجتماع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أمثلة أخرى من شتى فروع العلم‪،‬‬ ‫أيضا أن نقدم‬
‫بإمكاننا ً‬

‫حول فيها إضافة الملح الحساء من شيء مستساغ إلى شيء غير‬
‫اليومية (كالنقطة التي ُي ّ‬
‫صالح للشرب‪ ،‬على سبيل المثال)‪.‬‬

‫الكم إلى الكيف‪ ،‬والعكس بالعكس‪،‬‬


‫ّ‬ ‫إن خط هيغل األساسي لعالقات القياس وقانون تحول‬
‫ّ‬
‫يتسمان بأهمية حاسمة‪ ،‬ليس للعلم فحسب (إذ ّأنهما ُيستخدمان من دون إدراك‪ ،‬شأنهما شأن‬

‫قوانين الديالكتيك األخرى‪ ،‬من قبل العلماء‪ ،‬الذين هم ديالكتيكيون غير واعون)‪ ،‬بل في تحليل‬

‫التاريخ والمجتمع وحركة الطبقة العاملة‪ ،‬على وجه الخصوص‪.‬‬

‫تداخل األضداد‬
‫ُ‬
‫ميتافيزيقية «الحس السليم» إللغاء التناقض من الفكر وإلغاء الثورة من‬ ‫وتماما كما تسعى‬
‫ً‬
‫أيضا إثبات تعارض جميع األفكار والقوى المتضادة‪ّ .‬إال أننا «كلما راقبنا‬
‫التطور‪ ،‬فإنها تحاول ً‬

‫قطبي تناقض ما‪ ،‬كالموجب والسالب‪ ،‬يتواصالن بقدر ما يتضادان‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أن كل‬
‫األمور بدقة‪ ،‬يتبين لنا ّ‬
‫أن تناقضهما ال يمنع أن تجري بينهما عالقة تداخل متبادل‪ .‬ومثل ذلك شأن العالقة بين‬
‫أي ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫قيمة بذاتيهما‪ ،‬إنما القيمة تكمن في تطبيقهما‬ ‫السبب والنتيجة‪ .‬إنهما فكرتان ال تشكالن‬

‫لكن الحالة الخاصة حين نضعها في مكانها من العالقة بين العام‬


‫ّ‬ ‫على الحاالت الخاصة المعينة‪.‬‬

‫أي مكانها من سائر الكون‪ ،‬نستطيع أن نراها في وضع تفاعلي شمولي‪ .‬وفي هذا‬
‫والخاص‪ّ ،‬‬
‫سببا في‬
‫ً‬ ‫أن الذي يكون‬
‫الموضع التفاعلي يتبادل السبب والنتيجة موقعيهما باستمرار‪ .‬بمعنى ّ‬
‫معينين‪ .‬والعكس صحيح»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫نتيجة في زمن آخر ومكان آخر‬ ‫زمن معين ومكان معين‪ ،‬قد يصبح‬

‫(إنجلز‪ :‬االشتراكية الطوباوية واالشتراكية العلمية)‬

‫‪21‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫الديالكتيكي هو علم العالقات المتشابكة (الترابطات)‪ ،‬على نقيض الميتافيزيقيا التي تتعامل‬

‫مع الظواهر المختلفة باعتبارها ظواهر منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬حيث يسعى‬

‫الديالكتيك للكشف عن السالسل والتحوالت واألسباب والنتائج التي ال تعد وال تحصى والتي‬

‫تربط الكون ببعضه البعض‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن المهمة األولى للتحليل الديالكتيكي هو تتبع‬

‫« عالقات الصلة الضرورية‪ ،‬وعالقات الصلة الموضوعية لكل الجوانب‪ ،‬والقوى‪ ،‬والتيارات … إلخ‪،‬‬

‫لمجال معين من الظواهر»‪( .‬لينين‪ :‬دفاتر فلسفية)‬


‫ٍ‬

‫يتطرق النهج الديالكتيكي لظاهرة معينة من وجهة نظر تطورها وحركتها وحياتها الخاصة؛‬

‫للتيارات الداخلية المتناقضة والجوانب المختلفة‬


‫ّ‬ ‫من حيث نشأتها وهالكها؛ كما أنها ُتعير النظر‬

‫الكامنة في تلك الظاهرة‪.‬‬

‫إن الحركة هي نمط وجود هذا الكون المادي بأكمله‪ .‬فالطاقة والمادة هما أمران مرتبطان ال‬
‫ّ‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬ال ُتكتسب الحركة «من الخارج»‪ ،‬بل هي ُتكتسب من تجلي وتمظهر‬
‫ً‬ ‫ينفصمان‪.‬‬

‫إن التطور‬
‫وترات الداخلية التي ال يمكن فصلها عن الحياة وال عن أشكال المادة األخرى‪ّ .‬‬
‫الت ّ‬
‫ّ‬
‫مستخدما‬
‫ً‬ ‫يتمان ّإال من خالل التناقضات الداخلية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يبدأ التحليل الديالكتيكي‪،‬‬
‫والتغير ال ّ‬
‫ّ‬
‫البحوث التجريبية‪ ،‬بكشفه عن التناقضات الداخلية التي تؤدي إلى التطور والتغيير‪.‬‬

‫«األضداد القطبية»‪ ،‬من وجهة نظر الديالكتيك‪ ،‬هي جميعها أحادية الجانب وغير كافية‪ ،‬بما‬

‫إن الماركسية ال تقبل بوجود أي «حقائق خالدة»‪،‬‬


‫في ذلك التناقض بين «الحقيقة والخطأ»‪ّ .‬‬
‫فـ«الحقائق» و«األخطاء» هي جميعها حقائق وأخطاء نسبية‪ .‬ما هو صحيح في وقت ما وسياق‬

‫أن الحقيقة والخطأ يتداخالن في بعضهما البعض‪.‬‬


‫أي ّ‬
‫زائفا في وقت وسياق آخرين‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫ما يصبح‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن تقدم المعرفة والعلم ال ينطلق من مجرد نفي «النظريات الخاطئة»‪ .‬فجميع‬

‫أن لدى هذه‬


‫النظريات هي نظريات نسيبة‪ ،‬تدرك إحدى جوانب الحقيقة‪ .‬في البداية‪ُ ،‬يفترض ّ‬
‫عالميا‪ ،‬إذ ُيزعم بأنها «صائبة»‪ ،‬لكن عند مرحلة ما‪ ،‬تبدأ أوجه قصور‬
‫ً‬ ‫وتطبيقا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحة‬ ‫النظريات‬

‫وتنتقد عندئذ بأنها ال تنطبق على جميع الظروف‪ ،‬حيث ُتكتشف‬


‫النظرية في البروز إلى السطح؛ ُ‬

‫استثناءات للقاعدة‪ .‬وهذه االستثناءات ينبغي توضيحها وشرحها‪ ،‬وعند مرحل ٍة ما‪ ،‬يتم وضع‬

‫نظريات جديدة بمقدورها تعليل هذه االستثناءات‪ .‬لكن‪ ،‬ال «تنفي» النظريات الجديدة النظريات‬

‫القديمة فحسب‪ ،‬بل تدمجها معها في هيئة جديدة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫رديا‪،‬‬ ‫ساكنة‪ ،‬مصفو ٍ‬
‫فة ف ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫هامدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كأشياء‬ ‫ال يمكننا استبعاد التناقضات ّإال عندما ننظر لألشياء‬

‫وتغيرها‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫أي بالنظر إليها بشكل ميتافيزيقي‪ .‬لكن‪ ،‬بمجرد نظرنا لألشياء في حركتها‬
‫ّ‬
‫حياتها‪ ،‬وفي عالقات صلتها المتبادلة‪ ،‬وفي تفاعالتها‪ ،‬فإننا نصطدم بسلسة من التناقضات‪.‬‬

‫الحركة‪ ،‬بحد ذاتها‪ ،‬هي تناقض بين وجود المرء في مكان ما ومكان آخر في الوقت ذاته‪.‬‬

‫الحياة‪ ،‬على حد سواء‪ ،‬هي تناقض من حيث «أن الكائن الحي في كل لحظة زمنية معينة هو‬

‫نفسه وغيره»‪( .‬إنجلز‪ :‬ضد دوهرينغ)‬

‫موادا من البيئة‪ ،‬وتستوعبها‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬تنحل‬


‫ً‬ ‫إن الهياكل الحية تمتص باستمرار‬
‫ّ‬
‫أن التحوالت المستمرة تحدث أيضا في عالم‬
‫وتتفكك أجزاء أخرى من الجسم ويتم لفظها‪ .‬كما ّ‬
‫الطبيعة ا لعضوية؛ كالصخرة التي تتفكك تحت ضغط العناصر الطبيعية‪ ،‬على سبيل المثال‪.‬‬

‫وبالنتيجة‪ ،‬جميع األشياء هي نفسها وغيرها في آن واحد‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن الرغبة في التخلص‬

‫من التناقضات هي الرغبة في التخلص من الواقع نفسه‪.‬‬

‫نفي النفي‬
‫يشير إنجلز في «ضد دوهرينغ»‪:‬‬

‫هام وواسع المفعول‬


‫ٌ‬ ‫جدا‪ ،‬ولذا فهو‬
‫عام ً‬
‫ٌ‬ ‫قانون‬
‫ٌ‬ ‫بأنه «‬
‫يصف إنجلز قانون نفي النفي ّ‬
‫جدا‪ ،‬لتطور الطبيعة والتاريخ والفكر؛ وهو قانون يتجلى … في مملكتي النبات‬
‫ً‬
‫والحيوان‪ ،‬وفي الجيولوجيا والرياضيات والتاريخ والفلسفة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بفترة طويلة‪ ،‬كان‬ ‫ً‬
‫كتابة‬ ‫هذا القانون‪ ،‬الذي لوحظت كيفية عمله في الطبيعة قبل أن يدون‬

‫ً‬
‫كاملة من األمثلة الملموسة‪،‬‬ ‫ً‬
‫سلسلة‬ ‫قد ُف ّصل ألول مرة من قبل هيغل بكل وضوح‪ ،‬الذي قدم‬

‫مجددا في كتاب «ضد دوهرينغ»‪.‬‬


‫ً‬ ‫التي كُ ّررت‬

‫إن قانون نفي النفي يتعامل مع طبيعة التطور من خالل سلسلة من التناقضات‪ ،‬التي تبدو‬

‫ٍ‬
‫وجود سابقة‪ ،‬فقط لتنفي هي بدورها في‬ ‫أشكال‬
‫َ‬ ‫نظريات أو‬
‫َ‬ ‫حقائق أو‬
‫َ‬ ‫أنها تلغي أو تنفي‬

‫وقت الحق‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن الحركة والتغيير والتطور تتحرك جميعها من خالل سلسلة متواصلة‬

‫من عمليات النفي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ّإال أن النفي بالمفهوم الديالكتيكي ال يعني مجرد اإللغاء أو الطمس بحيث يجري التغلب‬

‫والحفاظ على المرحلة السابقة في الوقت ذاته‪ .‬النفي‪ ،‬في هذا المعنى‪ ،‬هو فعل إيجابي‬

‫وسلبي على حد سواء‪.‬‬

‫بسيطا في كتابه «ظواهرية الروح»‪ ،‬حيث يقول‪« :‬يختفي البرعم عندما تزهر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثاال‬ ‫يقدم هيغل‬

‫أن األول قد ُدحض من قبل اآلخر؛ وبالمثل‪ ،‬عندما تثمر الثمرة‪ ،‬فمن‬
‫الزهرة‪ ،‬ومن الممكن القول ّ‬
‫زائفا لوجود النبتة‪ ،‬إذ أن الثمرة‪ً ،‬‬
‫بدال من الزهرة‪ ،‬تبدو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شكال‬ ‫الممكن تفسير الزهرة بكونها‬

‫تكمل‬
‫ّ‬ ‫وكأنها طبيعة النبتة الحقيقية‪ .‬هذه المراحل ليست مراحل متباينة فحسب‪ ،‬بل هي‬

‫لكن النشاط المتواصل لطبيعتهم‬


‫ّ‬ ‫بعضا بكونها غير صالحة للمقارنة مع بعضها البعض‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعضها‬

‫لوحدة عضوية‪ ،‬حيث أنهم ال يناقضون بعضهم‬


‫المتأصلة بهم يجعلهم في الوقت ذاته لحظات ِ‬
‫فحسب‪ ،‬بل من حيث أن وجود إحدى المراحل هو ضروري بنفس ضرورية المراحل األخرى؛ وهذه‬

‫الضرورة المتساوية لجميع اللحظات تشكل لوحدها حياة المجموع»‪.‬‬

‫أشكال‬
‫ٍ‬ ‫معي ٍ‬
‫نة وبروز‬ ‫ّ‬ ‫أشكال‬
‫ٍ‬ ‫وفي هذه السيرورة الال متناهية من اإللغاء الذاتي‪ ،‬من اختفاء‬

‫ٍ‬
‫ونظريات قد سبق تجاوزها وتخطيها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وأحداث‬ ‫ألشكال‬
‫ٍ‬ ‫تكرار‬
‫ٌ‬ ‫وكأنه‬
‫ّ‬ ‫نمط يبدو‬
‫ٌ‬ ‫أخرى‪ ،‬يظهر‬

‫أن «التاريخ يعيد تكرار نفسه»‪ .‬وبذلك حاول المؤرخون‬


‫وهكذا‪ ،‬فإنه من الشائع ترديد مقولة ّ‬
‫سائر في دائرة ال‬
‫ٌ‬ ‫تكرارا ال معنى له‪ّ ،‬أنه‬
‫ً‬ ‫أن التاريخ نفسه ليس ّإال‬
‫الرجعيون إثبات ّ‬
‫ّ‬ ‫البرجوازيون‬

‫نهاية لها‪.‬‬

‫فعلي من‬
‫ّ‬ ‫نمو‬
‫ٌ‬ ‫أن في هذا التكرار الظاهري يوجد‬
‫أما الديالكتيك‪ ،‬على خالف ذلك‪ ،‬فهو يدرك ّ‬
‫ّ‬
‫مستوى أعلى‪،‬‬
‫ً‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬لكن على‬
‫ً‬ ‫كرر األشكال نفسها فيه‬
‫تطور قد ُت ِّ‬
‫ٌ‬ ‫األدنى إلى األعلى‪،‬‬

‫ً‬
‫مستثرية بتطوراتها السابقة‪.‬‬

‫مسبقا كيفية تطور‬


‫ً‬ ‫بين هيغل‬
‫يظهر ذلك بكل وضوح في عملية تطور األفكار البشرية‪ .‬لقد ّ‬
‫الفلسفة عبر سلسلة من التناقضات؛ كيفية نفي مدرسة فكرية لمدرسة أخرى‪ ،‬واستيعابها‬

‫بشكل متزامن النظريات القديمة في نظام الفكر الخاص بها‪.‬‬

‫أيضا‪ .‬لقد كان خيميائيو العصور الوسطى مدفوعون للبحث عن‬


‫ويتبين ذلك في تطور العلم ً‬

‫نظرا‬
‫ً‬ ‫«حجر الفالسفة» الذي اعتقدوا إمكانية تحويل المعادن الخسيسة بواسطته إلى ذهب‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫لتدني مستوى قوى اإلنتاج وافتقار المنهج العلمي‪ ،‬لم تكن محاوالت «تحويل» العناصر هذه‪،‬‬

‫ضربا من الخيال الطوباوي‪ .‬لكن‪ ،‬في غضون المحاوالت الفاشلة هذه‪ ،‬اكتشف‬
‫ً‬ ‫في الواقع‪ ،‬إال‬

‫القيمة عن المواد الكيميائية واألجهزة‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫كاملة من الحقائق‬ ‫ً‬
‫سلسلة‬ ‫الخيميائيون في الواقع‬

‫الحقا أسس الكيمياء الحديثة‪.‬‬


‫ً‬ ‫المختبرية‪ ،‬التي َوضعت‬

‫رافضا للمفاهيم القديمة‬


‫ً‬ ‫علما‬
‫ً‬ ‫والتقنية‪ ،‬أصبح الكيمياء‬
‫ّ‬ ‫ومع نشوء الرأسمالية والصناعة‬

‫وعلميا في اكتشافات‬
‫ًّ‬ ‫قي ًما‬
‫كل ما كان ّ‬
‫أدى إلى نفيها‪ .‬لكن‪ّ ،‬‬
‫مما ّ‬
‫تحول العناصر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫«الجنونية» عن‬

‫أن العناصر «غير قابلة للتغيير» وأنه‬


‫أكدت ّ‬
‫الخيمياء قد حوفظ عليه في الكيمياء الحديثة‪ ،‬التي ّ‬

‫ال يمكن تحويل إحداها إلى األخرى‪.‬‬

‫ثورة في العلم والتقنية مع اكتشاف الفيزياء النووية‪ ،‬التي يمكن‬


‫ً‬ ‫لقد شهد القرن العشرين‬

‫نظريا تحويل الرصاص‬


‫ًّ‬ ‫بواسطتها تحويل عنص ٍر ما إلى عنص ٍر آخر بالفعل‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬من الممكن‬

‫اقتصاديا‪.‬‬
‫ً‬ ‫برر‬ ‫إلى ذهب في العصر الحديث‪ّ ،‬إال أن العملية هذه ستكون غال ً‬
‫ية للغاية ألن ُت َّ‬
‫دورة كاملة‪( :‬أ) إمكانية استحالة العناصر (ب) عدم‬
‫ً‬ ‫وهكذا‪ ،‬تبدو هذه العملية بالذات قد دارت‬

‫إمكانية استحالة العناصر (ج) إمكانية استحالة العناصر‪.‬‬

‫حد‬
‫ظاهريا‪ .‬في الواقع‪ ،‬يتضمن العلم الحديث‪ ،‬الذي عاد إلى ّ‬
‫ًّ‬ ‫تكرارا‬
‫ً‬ ‫لكن التكرار هذا ليس إال‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫فكرة من أفكار الخيميائيين القدامى‪ ،‬في داخله جميع اكتشافات القرن الثامن والتاسع‬ ‫ما إلى‬

‫جيل آخر‪ .‬األفكار التي ُيزعم أنها‬


‫ٍ‬ ‫واحد على أكتاف‬
‫ٌ‬ ‫جيل‬
‫ٌ‬ ‫عشر العلمية الهائلة‪ .‬وبذلك‪ ،‬يقف‬

‫ً‬
‫مستثرية بالتجارب‬ ‫مستوى أعلى‪،‬‬ ‫«دحضت» أو «نفيت» تعيد الظهور مرة أخرى‪ ،‬لكن على‬
‫ً‬
‫واالكتشافات السابقة‪.‬‬

‫أن ال شيء في الطبيعة أو المجتمع أو الفكر هو‬


‫يستند الديالكتيك على مفهوم الحتمية‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫لضرورة أعمق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كنتيجة‬ ‫عرضيا» هو في الواقع ال ينشأ ّإال‬
‫ًّ‬ ‫أن ما يبدو في الظاهر «‬
‫عرضي؛ ّ‬ ‫شيء‬
‫ّ‬

‫ولي العهد‬
‫ّ‬ ‫أن الحرب العالمية األولى قد «نجمت» عن اغتيال‬
‫السطحيون ّ‬
‫ّ‬ ‫يذكر بعض المؤرخون‬

‫أن هذا الحدث‬


‫عرضيا‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫ًّ‬ ‫تاريخيا‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫حدثا‬ ‫في سراييڤو‪ .‬للماركسي‪ ،‬ال يمثل هذا الحدث إال‬

‫حتميا بفعل‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫الذي وقع بالصدفة خدم كذريعة‪ ،‬أو حافز‪ ،‬للصراع العالمي الذي كان قد أصبح ً‬
‫أن القاتل قد أخطأ هدفه‪ ،‬أو‬
‫تناقضات اإلمبريالية االقتصادية والسياسية والعسكرية‪ .‬حتى لو ّ‬

‫‪25‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ٍ‬
‫دبلوماسية أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ذريعة‬ ‫مستندة على‬
‫ً‬ ‫عاجال أم ً‬
‫آجال‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أصال‪ ،‬لوقعت الحرب‬ ‫أن ولي العهد لم يولد‬
‫ّ‬
‫لعبرت الضرورة عن نفسها من خالل «حدث عرضي» مختلف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بعبارة أخرى‪ّ ،‬‬

‫كل ما هو موجود‪ ،‬هو موجود بحكم الضرورة‪ .‬لكن‪ ،‬كل ما هو موجود صائر للفناء‪ ،‬للتحول إلى‬

‫ضروريا» في وقت ومكان ما يصبح «غير ضروري» في وقت‬


‫ًّ‬ ‫شيء آخر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ما يكون «‬

‫المقدر له أن ينفيه ويتغلب عليه‪ .‬وهذا ينطبق على‬


‫ّ‬ ‫ومكان آخرين‪ .‬كل شيء ُينجب نقيضه‬

‫فرادى الكائنات الحية بقدر ما ينطبق على المجتمعات‪.‬‬

‫ضروريا في وقت نشوئه‪« :‬ال يختفي نظام‬


‫ً‬ ‫ألنه كان‬
‫كل نمط من أنماط المجتمع البشري وجد ّ‬
‫معين حتى تتطور جميع قواه المنتجة؛ وال تبدأ عالقات اإلنتاج الجديدة بالظهور حتى تنضج‬

‫ظروف وجودها المادية في أحشاء المجتمع القديم‪ .‬وهذا هو السبب الذي من أجله ال تكلف‬

‫دائما أن‬
‫ً‬ ‫البشرية نفسها ّإال بمسائل تستطيع حلها‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬لو نظرنا عن كثـب الكتشفنا‬

‫المسائل ال تظهر ّإال إذا كانت الظروف المادية الالزمة لحلها قائمة أو في سبيل التكون على‬

‫األقل»‪( .‬ماركس‪ :‬نقد االقتصاد السياسي)‬

‫ً‬
‫ضرورية في تنمية‬ ‫ً‬
‫مرحلة‬ ‫ً‬
‫هائلة لألمام على البربرية‪ ،‬إذ كانت‬ ‫زة‬ ‫ّ‬
‫مثلت العبودية في وقتها قف ً‬

‫وتطوير قوى اإلنتاج والثقافة والمجتمع البشري‪ .‬فكما قال هيغل‪« :‬لم يتحرر اإلنسان من‬

‫العبودية بمقدر ما تحرر من خاللها»‪.‬‬

‫أن‬ ‫ً‬
‫تقدمية من مراحل المجتمع البشري‪ّ .‬إال ّ‬ ‫ً‬
‫ضرورية‬ ‫ً‬
‫مرحلة‬ ‫وعلى نحو مماثل‪ ،‬كانت الرأسمالية‬

‫كفت‬
‫الرأسمالية‪ ،‬شأنها شأن الشيوعية البدائية والعبودية واإلقطاع (أنظر القسم الثاني)‪ ،‬قد ّ‬
‫تقدميا‪ ،‬إذ أنها أصبحت تتعثر على تناقضاتها‬
‫ًّ‬ ‫ضروريا‬
‫ًّ‬ ‫اجتماعيا‬
‫ًّ‬ ‫نظاما‬
‫ً‬ ‫منذ فترة طويلة عن كونها‬

‫محكوم عليها أن تنحدر أمام قوى االشتراكية المتصاعدة‪ُ ،‬م َم ّث ً‬


‫لة‬ ‫ٌ‬ ‫الحادة المتأصلة بها‪ ،‬وأصبح‬

‫بالبروليتاريا الحديثة‪ .‬لقد باتت الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والدولة القومية‪ ،‬خواص المجتمع‬

‫ً‬
‫عظيمة لألمام‪ ،‬تعوق وتقوض قوى اإلنتاج وتهدد‬ ‫خطوة‬
‫ً‬ ‫الرأسمالي األساسية‪ ،‬واللتان مثلتا‬

‫عديدة من التنمية البشرية‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫قرون‬
‫ٌ‬ ‫جميع المكاسب التي حققتها‬

‫متدهورا ومتهالكً ا بشكل تام‪ ،‬وأصبح إسقاطها‬


‫ً‬ ‫اجتماعيا‬
‫ًّ‬ ‫نظاما‬
‫ً‬ ‫لقد باتت الرأسمالية‬

‫الزما‪ ،‬هذا إن أريد للثقافة البشرية باالستمرار‪ .‬تستند‬


‫ً‬ ‫أمرا‬
‫واستبدالها بعكسها‪ ،‬االشتراكية‪ً ،‬‬

‫‪26‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ألن تناقضات المجتمع‬
‫القدري‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫الجبري أو‬
‫ّ‬ ‫الحتمي‪ ،‬ال المفهوم‬
‫ّ‬ ‫الماركسية على المفهوم‬

‫ورجال يسعون بكل وعي لتحويل المجتمع‪ .‬صراع الطبقات هذا‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نساء‬ ‫ال يمكن حلها ّإال من قبل‬

‫ٌ‬
‫تقدمية‬ ‫ٌ‬
‫وطبقة‬ ‫ٍ‬
‫طرف ما يعتمد على العديد من العوامل‪،‬‬ ‫سلفا‪ ،‬فنجاح‬
‫ً‬ ‫محد ًدا‬
‫ّ‬ ‫صراعا‬
‫ً‬ ‫ليس‬

‫صاعدة لديها العديد من المزايا على القوى القديمة الرجعية البالية‪ .‬لكن‪ ،‬في نهاية المطاف‪،‬‬
‫ٌ‬

‫وحزما‪.‬‬
‫ً‬ ‫مهارة‬
‫ً‬ ‫تعتمد النتيجة على الجانب ذي اإلرادة األقوى والتنظيم األكبر والقيادات األكثر‬

‫دليل للعمل‪ ،‬فكما قال ماركس في‬


‫ٌ‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فإن الفلسفة الماركسية هي في األساس‬

‫ٍ‬
‫أطروحات حول فيورباخ»‪« :‬كل ما فعله الفالسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة… المهم‬ ‫«‬

‫هو تغييره»‪.‬‬

‫نوعيا في التاريخ البشري‪ .‬ولنكون أكثر دقة‪،‬‬


‫ًّ‬ ‫ً‬
‫مختلفة‬ ‫جديدة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرحلة‬ ‫ّ‬
‫سيمثل‬ ‫إن انتصار االشتراكية‬
‫ّ‬
‫سيمثل االنتصار االشتراكي نهاية ما قبل التاريخ‪ ،‬وانطالقة التاريخ الفعلي للبشرية‪.‬‬

‫شكل من أشكال المجتمع البشري‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫عودة إلى أقدم‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تمثل االشتراكية‬ ‫لكن‪ ،‬من ناحية أخرى‪،‬‬

‫مستندة‬
‫ً‬ ‫مستوى أعلى بكثير‪،‬‬
‫ً‬ ‫عودة على‬
‫ٌ‬ ‫الشيوعية القبلية‪ ،‬لكن عودتها لهذا الشكل هي‬

‫على جميع مكاسب آالف السنين الهائلة التي أنتجها المجتمع الطبقي‪ .‬سوف يصبح اقتصاد‬

‫الوفرة ممكنً ا عن طريق تطبيق التخطيط االشتراكي في الصناعة والعلوم والتقنية الالتي‬

‫أنشأتهن ونمتهن الرأسمالية على نطاق العالم بأكمله‪ .‬وهذا بدوره سينهي إلى األبد تقسيم‬

‫العمل‪ ،‬والفروقات بين العمل الذهني واليدوي‪ ،‬وبين الريف والمدينة‪ ،‬وسينهي الصراع‬

‫وسيمكن الجنس البشري على األقل على تخصيص موارده لغزو‬


‫ّ‬ ‫الهمجي المسرف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطبقي‬
‫ّ‬
‫الطبيعة؛ والستخدام عبارة إنجلز الشهيرة‪ :‬ستمثل االشتراكية «قفزة البشرية من عالم الضرورة‬

‫إلى عالم الحرية»‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫مدخل للمادية التاريخية‬
‫ٌ‬
‫كتلة من األحداث الضائعة في‬ ‫ٌ‬
‫كتلة من التناقضات‪،‬‬ ‫وكأنه‬
‫ّ‬ ‫فإنه يبدو لنا‬
‫عندما ننظر للتاريخ‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫كتلة من الصراعات الحائمة بين الطبقات‬ ‫متاهة الثورات والحروب وفترات التقدم والتدهور‪،‬‬

‫واألمم في فوضى التنمية االجتماعية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬في ِخ َض ّم هذه الفوضى‪ ،‬كيف يمكننا تحليل‬

‫أي أساس منطقي؟‬


‫أن لهذه األحداث ّ‬
‫وتفسير هذه األحداث‪ ،‬عندما ال يبدو ّ‬

‫سعى البشر‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬إلى اكتشاف القوانين التي تحكم وجودهم‪ ،‬إذ حاولت مختلف‬

‫النظريات‪ ،‬المتراوحة بين إرشاد قوى ما وراء الطبيعة إلى قيادة «الرجال العظماء»‪ ،‬بطريقة أو‬

‫أن الناس يتصرفون‬


‫أما البعض اآلخر فقد افترض ّأنه بما ّ‬
‫بأخرى ومن وقت آلخر‪ ،‬تقديم تفسي ٍر ما‪ّ .‬‬
‫فإن نظريات التنمية البشرية ال قيمة لها على اإلطالق!‬
‫ّ‬ ‫بشكل مستقل عن بعضهم البعض‪،‬‬

‫لما يقارب األلفي عام‪ ،‬سيطرت أفكار سفر التكوين على منظور أوروبا الغربية‪ ،‬حيث ُوصف الذين‬

‫حاولوا تقويض مفهومها بتالمذة الشيطان‪ .‬ولم ُتقبل النظرة «الهرطقية» للتاريخ والتطور ّإال‬

‫منظورات أحادية الجانب‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫المنظورات‬ ‫في اآلونة األخيرة‪ ،‬هذا على الرغم من كون هذه‬

‫البد من‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للطبقة الرأسمالية‪ ،‬وموظفيها في الجامعات والمدارس وأماكن التعليم‪،‬‬

‫تماما من دون ربطه مع أحداث يومنا هذا‪ ،‬إذ أنهم‬


‫ً‬ ‫ٍ‬
‫متحيزة‬ ‫ٍ‬
‫أكاديمية‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫تدريس التاريخ‬

‫ٍ‬
‫محاولة لهم تبرير الطبيعة‬ ‫أزلية وجود الطبقات والملكية الخاصة في‬
‫ّ‬ ‫يواصلون نشر أسطورة‬

‫األبدية» لالستغالل الرأسمالي والفوضى االقتصادية الكامنة بها‪ ،‬حيث تمت كتابة مجلدات‬
‫ّ‬ ‫«‬

‫ومجلدات من قبل كبار األكاديميين وأساتذة الجامعة لدحض الكتابات الماركسية‪ ،‬وفوق كل‬

‫شيء دحض مفهومها المادي للتاريخ‪.‬‬

‫يعلق الماركسيون‪/‬ات أهمية هائلة لدراسة التاريخ‪ ،‬ليس كهدف بحد ذاته‪ ،‬بل لدراسة الدروس‬

‫العظيمة التي يحتوي عليها‪ .‬فمن دون ذلك الفهم لألحداث‪ ،‬ال يمكن التنبؤ بالمنظورات‬

‫تحليل‬
‫ٍ‬ ‫أعد الحزب البلشفي لثورة أكتوبر عن طريق‬
‫ّ‬ ‫المستقبلية‪ .‬فلينين‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬

‫دقيق لتجربة كمونة باريس واألحداث في روسيا في عام ‪ 1915‬وفبراير من عام ‪.1917‬‬
‫ٍ‬

‫‪28‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫نحن ندرس ونتعلم من التاريخ بهذا المعنى بالتحديد‪ .‬الماركسية هي علم المنظورات‪،‬‬

‫وباستخدام منهجها الجدلي المادي‪ ،‬يمكننا كشف العمليات المعقدة للتطور التاريخي‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ثابتة‪ ،‬بل تتفحصها في حركتها وتطورها‬ ‫ٍ‬
‫ككيانات‬ ‫ال تتفحص الفلسفة الماركسية األمور‬

‫أن الحياة والمجتمع‬ ‫ٍ‬


‫تحرك من األدنى إلى األعلى‪ ،‬إذ ّ‬ ‫لكن التطور‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬ليس مجرد‬
‫ّ‬ ‫وحياتها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خط‬ ‫يتطوران بطريقة متناقضة‪ ،‬من خالل «تطور على نحو لولبي‪ ،‬إذا صح التعبير‪ ،‬ال على‬

‫انقطاعات في التدرج؛ تحول الكمية إلى كيفية؛‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بقفزات وكوارث وثورات؛‬ ‫تطور‬
‫ٌ‬ ‫مستقيم؛‬

‫ٌ‬
‫داخلية نحو التطور يثيرها التضاد والتصادم في القوى واالتجاهات المتمايزة»‪( .‬لينين‪:‬‬ ‫اندفاعات‬
‫ٌ‬
‫كارل ماركس‪ ،‬سيرة مختصرة وعرض للماركسية)‬

‫بأن العالم ال يتألف من‬


‫عرف إنجلز الديالكتيك بكونه «الفكرة األساسية الكبرى التي تقول ّ‬
‫لقد ّ‬
‫ٌ‬
‫مجموعة من العمليات يطرأ فيها على األشياء التي تبدو في الظاهر‬ ‫ِ‬
‫تامة الصنع‪ ،‬بل هو‬ ‫ٍ‬
‫أشياء‬

‫تغي ٌر مستمر من الصيرورة‬


‫ّ‬ ‫ثابتة وكذلك على انعكاساتها الذهنية في دماغنا‪ ،‬أي األفكار‪،‬‬

‫والفناء‪( .‬إنجلز‪ :‬ضد دوهرينغ)‬

‫أيضا منهج مادي في نظرته المستقبلية‪ .‬فالنظريات واألفكار وبرامج الحزب‪،‬‬


‫وهذا المنهج هو ً‬

‫وما إلى ذلك‪ ،‬ال تسقط من السماء‪ ،‬بل هي تعكس على الدوام العالم المادي والمصالح‬

‫كيف‬
‫إن نمط إنتاج الحياة المادية ُي ّ‬
‫المادية المتواجدة على أرض الواقع‪ .‬فكما أوضح ماركس‪ّ « :‬‬
‫العمليات االجتماعية والسياسية والفكرية بشكل عام‪ ،‬ليس وعي الناس بالذي يحدد وجودهم‪،‬‬

‫ولكن وجودهم االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم»‪.‬‬

‫ٍ‬
‫شاملة‬ ‫ٍ‬
‫واسعة‬ ‫ٍ‬
‫دراسة‬ ‫وباستخدام هذا المنهج‪ ،‬كان باستطاعة ماركس اشتقاق «الطريق ل‬

‫إن الناس هم صانعوا تاريخهم‪،‬‬


‫لعملية نشوء وتطور وانهيار النظم االجتماعية–االقتصادية‪ّ ،‬‬
‫وخصوصا دوافع الجماهير البشرية؟ وما هو سبب نزاعات األفكار‬
‫ً‬ ‫لكن ما الذي يحدد دوافعهم‬

‫والمطامح المتضادة؟ وماذا يمثل مجموع هذه النزاعات في مجمل المجتمعات البشرية؟ وما‬

‫هي الشروط الموضوعية إلنتاج الحياة المادية التي يقوم عليها أساس كل نشاط الناس‬

‫التاريخي؟ وما هو قانون تطور هذه الشروط؟ لقد أعار ماركس انتباهه لهذه المسائل ورسم‬

‫معينة رغم تنوعها‬


‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة تسير وفق قوانين‬ ‫َ‬
‫حركة تطو ٍر‬ ‫لدراسة عل ٍ‬
‫مية للتاريخ بوصفه‬ ‫ٍ‬ ‫الطريق‬

‫العجيب ورغم جميع تناقضاتها»‪( .‬لينين‪ :‬كارل ماركس‪ ،‬سيرة مختصرة وعرض للماركسية)‬

‫‪29‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫الشيوعية البدائية‬
‫تطور البشر األوائل (بمختلف أنواعهم) قبل حوالي ثالث ماليين سنة من مجموعة محددة من‬

‫بعيدا عن الغابات إلى السهول‪ ،‬وقد رافق هذا‬


‫ً‬ ‫القردة العليا‪ .‬انتقل «البشر» البدائيون ببطء‬

‫انتصابا‪ .‬وفي‬
‫ً‬ ‫البدائي أكثر‬
‫ّ‬ ‫تحسن في مرونة ومهارة اليد‪ ،‬وأصبح وضع جسم اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫االنتقال‬

‫ً‬
‫مختلفة للدفاع عن أنفسها (القطع‪ ،‬والحفر‪ ،‬والجرف‪ ،‬وكساء‬ ‫أجهزة‬
‫ً‬ ‫حين كان للحيوانات األخرى‬

‫أي من هذه األشياء‪ .‬وللبقاء على قيد الحياة‪ ،‬كان البد لهم من‬
‫للدفء)‪ ،‬لم يكن لدى البشر ٌّ‬
‫أي أيديهم وأدمغتهم‪ .‬ومن خالل التجربة‬
‫تطوير وتنمية مواردهم الوحيدة المتاحة لهم‪ّ ،‬‬
‫والخطأ‪ ،‬تعلّ م البشر مختلف المهارات‪ ،‬والتي تعين عليهم توارثها من جيل آلخر‪ .‬أصبح التواصل‬

‫ً‬
‫حيوية‪ .‬وكما أشار إنجلز‪« :‬بدأت السيطرة على الطبيعة مع تطور اليد‪ ،‬مع‬ ‫ً‬
‫ضرورية‬ ‫عبر التخاطب‬

‫العمل‪ ،‬ووسعت أفق اإلنسان مع كل خطوة لألمام»‪ .‬كان الرجال والنساء حيوانات اجتماعية‬

‫وخالفا لبقية مملكة الحيوانات‪،‬‬


‫ً‬ ‫ُأجبرت على االتحاد ً‬
‫معا والتعاون من أجل البقاء على قيد الحياة‪.‬‬

‫مجرد‪ .‬بدأ العمل مع صنع األدوات‪ ،‬وهذه‬


‫ّ‬ ‫فقد طوروا القدرة على التعميم والتفكير بشكل‬

‫مكنت البشر على تغيير البيئة المحيطة بهم لتلبي حاجاتهم‪ .‬فكما قال إنجلز‪« :‬يستخدم‬
‫األدوات ّ‬

‫أما اإلنسان‪ ،‬بإدخاله‬


‫الحيوان بيئته الخارجية فقط‪ ،‬ويدخل عليها التعديالت بمجرد وجوده فقط؛ ّ‬
‫التغييرات عليها‪ ،‬يحملها على خدمة أغراضه ويسيطر عليها‪ .‬وفي هذا يقوم الفرق الجوهري‬

‫أيضا للعمل»‪( .‬إنجلز‪ :‬دور العمل‬


‫بين اإلنسان وسائر الحيوانات‪ ،‬وهذا الفرق إنما يدين به اإلنسان ً‬

‫في تحول القرد إلى إنسان)‬

‫جدا‪ .‬وكان البشر‪ ،‬الذين كانوا حيوانات نادرة‬ ‫ً‬


‫بسيطة ً‬ ‫كانت األشكال االقتصادية في هذه الفترة‬
‫جدا‪ ،‬يتجولون في جماعات ً‬
‫بحثا عن الطعام‪ ،‬حيث سيطر جمع الطعام على الحياة البدوية هذه‬ ‫ً‬
‫تماما‪ُ .‬يطلق علماء اآلثار على هذه الفترة مسمى العصر الحجري القديم‪ ،‬أو الوحشية‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫وصفها هنري مورغان‪ ،‬عالم أنثروبولوجي سابق‪ .‬منذئذ وعلى مدى آالف السنين‪ ،‬لم تكن‬

‫ً‬
‫عامة‪.‬‬ ‫ً‬
‫مشتركة‬ ‫ً‬
‫ملكية‬ ‫الملكية الخاصة موجودة‪ ،‬إذ أن كل ما ُصنع‪ ،‬أو ُجمع‪ ،‬أو ُأنتج قد اُ عتبر‬

‫وقبل فترة تتراوح بين الـ‪ 10،000‬والـ‪ 12،000‬سنة‪ ،‬ظهرت فترة جديدة أعلى مسماة باسم العصر‬
‫بدال من التجوال ً‬
‫بحثا عن الطعام‪ ،‬أحرز تقدم في‬ ‫الحجري الجديد‪ ،‬أو البربرية‪ .‬في هذه الفترة‪ً ،‬‬

‫أحرارا لالستقرار في مكان مع ّين‪،‬‬


‫ً‬ ‫زراعة المحاصيل وتدجين الحيوانات‪ .‬أصبح الرجال والنساء‬

‫‪30‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫اقتصاد‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ونتيجة لذلك فقد صنعت أدوات جديدة للمساعدة في المهام الجديدة‪ ،‬وهكذا نشأ‬

‫قائم على إنتاج األغذية‪ .‬وفي هذه الفترة أيضا نشأت العديد من القبائل والمجتمعات‬
‫ٌ‬
‫المستقرة‪ .‬حتى اليوم‪ ،‬وألسباب متنوعة‪ ،‬ال تزال العديد من قبائل أفريقيا وجنوب المحيط‬

‫الهادي وأمريكا الجنوبية في المرحلة البربرية هذه‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬حتى مع منشأ االستيطان الدائم‪ ،‬لم تنشأ مساكن خاصة بعد‪ .‬بل على العكس من ذلك‪،‬‬

‫أيضا‪ ،‬لم توجد أسرة‬ ‫ً‬


‫مبنية لالستخدام العام‪ .‬وفي هذه الفترة ً‬ ‫كانت المباني الكبيرة التي ُبنيت‬

‫خاصة‪ ،‬حيث انتمى األطفال للقبيلة بأكملها‪.‬‬

‫في مرحلة الشيوعية البدائية هذه (الوحشية والبربرية‪ ،‬اللتان تمثالن مرحلة أدنى وأعلى على‬

‫أي ممتلكات خاصة‪ ،‬أو طبقات‪ ،‬أو نخب متميزة‪ ،‬أو شرطة‪ ،‬أو جهاز قسري‬
‫التوالي) لم توجد ّ‬
‫خاص (الدولة)‪ .‬كانت القبائل نفسها مقسمة إلى وحدات اجتماعية تدعى العشائر‪ ،‬وهذه‬

‫جدا‪ُ ،‬ترجع نسبها من خالل ساللة األنثى‬


‫العشائر كانت في الواقع مجموعات عائلية كبيرة ً‬
‫وحدها‪ ،‬وهو ما يسمى بالمجتمع األمومي‪ّ .‬‬
‫وإال‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون غير ذلك عندما يكون‬

‫من المستحيل تحديد األب الحقيقي للطفل؟ كان محرم على الرجل معايشة‪/‬معاشرة امرأة من‬

‫عشائري‪ .‬وفي أوقات معينة‪ ،‬وجد‬


‫ّ‬ ‫عشيرته الخاصة‪ ،‬وبالتالي فقد تشكلت القبائل من ائتالف‬

‫الجماعي بين العشائر أنفسهم‪.‬‬


‫ّ‬ ‫شكل من أشكال الزواج‬

‫كان النمط الال طبقي للمجتمع هذا ديمقراطي للغاية بطابعه‪ ،‬إذ تعين على الجميع المشاركة‬

‫في جمعية عامة للبت في القضايا الهامة حال وقوعها‪ ،‬وانتخاب زعمائهم وقادتهم ألغراض‬

‫معينة‪ .‬وكما أشار إنجلز في كتابه «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة»‪:‬‬
‫ّ‬

‫كم هو رائع هذا الدستور‪ ،‬هذا النظام العشائري بكل سذاجته وبساطته! كل شيء‬

‫يسير حسب النظام المقرر‪ ،‬من دون جنود أو درك أو شرطة‪ ،‬من دون نبالء أو ملوك أو‬

‫أن جميع المنازعات‬


‫حكام أو مدراء أو قضاة‪ ،‬من دون سجون أو محاكمات‪ .‬كما ّ‬
‫والمخاصمات يتم تسويتها من قبل من تمسهم هذه الخصومات‪ ،‬بين العشيرة أو القبيلة‬

‫أو بين بعض العشائر فيما بينها‪ ،‬وال يظهر التهديد بالثأر ّإال بوصفه الوسيلة األخيرة‪،‬‬

‫نادرا ما تطبق‪ ،‬وما عقوبة اإلعدام عندنا ّإال شكلها المتمدن التي تالزمه‬
‫ً‬ ‫الوسيلة التي‬

‫جوانب مدنية‪ ،‬اإليجابية منها والسلبية على السواء… االقتصاد البيتي تديره مجموعة‬

‫‪31‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ملك للقبيلة بأسرها‪ ،‬ما عدا‬
‫ٌ‬ ‫من العائالت بصورة مشتركة وعلى أسس شيوعية‪ ،‬واألرض‬

‫مؤقتا تحت تصرف مختلف العائالت… كما أنه ال يمكن أن يكون ثمة‬
‫ً‬ ‫قطع صغيرة توضع‬

‫ألن االقتصاد الشيوعي والعشيرة يعرفان واجباتهما حيال المسنين‬


‫فقراء ومعوزون‪ّ ،‬‬
‫والمرضى والمعاقين‪ .‬الجميع متساوون وأحرار‪ ،‬بمن فيهم النساء‪ .‬وال وجود بعد للعبيد‪،‬‬

‫وال الستعباد القبائل األخرى‪.‬‬

‫مقدسا‪ ،‬إلى‬
‫ً‬ ‫إلها‬
‫ً‬ ‫ينظر البرجوازي الصغير ضيق األفق‪ ،‬الذي ينظر للملكية الخاصة باعتبارها‬

‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫غريبا‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫هذه المجتمعات بازدراء واستحقار‪ .‬لكن‪ ،‬ألبناء القبائل تبدو الملكية الخاصة ً‬
‫وكل‬
‫ّ‬ ‫أن الروح العظيمة خلقت األرض‪،‬‬
‫فكما يشير المؤرخ جون هكويلدر‪ ،‬يعتقد الهنود الحمر « ّ‬
‫ما عليها‪ ،‬ألجل مصلحة البشرية العامة‪ .‬وعندما تنشر الروح العظيمة هذه الخيرات في البالد‪،‬‬

‫وتنعم عليهم بالصيد الوفير‪ ،‬فإنها تفعل ذلك بما فيه مصلحة للجميع‪ ،‬ال لألقلية‪ .‬كل ما هو‬
‫ُ‬

‫موجود يتشارك به أبناء القبيلة‪ .‬كل ما يحيا على األرض‪ ،‬أو ينبت منها‪ ،‬أو يحيا في األنهار‬

‫والمياه كان يوزع بشكل مشترك بين الجميع‪ ،‬والكل كان له الحق بنصيبه»‪.‬‬

‫ٍ‬
‫متزايدة مع نشوء األسرة الخاصة‪ ،‬ونشوء المنازل‬ ‫ٍ‬
‫لضغوطات‬ ‫تعرضت الملكية القبلية المشتركة‬
‫ّ‬
‫جنبا إلى جنب مع المساكن الجماعية‪ .‬ومع مرور الوقت‪ُ ،‬ق ّسمت األرض المشتركة لتشكل‬
‫الخاصة ً‬
‫وحل النظام األبوي (الذي يهيمن عليه الذكور) محل النظام األمومي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫جماعية لكل عائلة‪،‬‬ ‫ً‬
‫ملكية‬

‫ضروريا للحفاظ على الملكيات الجماعية‪.‬‬


‫ً‬ ‫إذ أصبح‬

‫لكن‪ ،‬ال يجب مساواة هذه «العائلة» أو تشبيهها مع عائلة اليوم‪ .‬فكما أشار بول الفارغ‪« :‬لم‬

‫تتقلص العائلة بعد إلى آخر وأبسط تشكيالتها‪ ،‬كما هو الحال في يومنا هذا‪ ،‬حيث تتكون من‬

‫ثالثة عناصر أساسية‪ :‬األب واألم واألبناء؛ بل كانت تتكون من األب‪ ،‬رب العائلة؛ والزوجة الشرعية‪،‬‬

‫ومحظياته‪ ،‬الالتي عشن تحت سقف واحد؛ وأبنائه وأشقائه األصغر سنً ا منه‪ ،‬مع زوجاتهم‬

‫وأطفالهم‪ ،‬وشقيقاته غير المتزوجات‪ .‬مثل هذه العائلة ضمت العديد من األفراد»‪.‬‬

‫نموا لعناصر‬
‫ًّ‬ ‫يعتبر الماركسيون‪/‬ات نمو الملكية الخاصة في مراحل الشيوعية البدائية الالحقة‬

‫أدى التراكم الكمي لهذه العناصر‬


‫المجتمع الجديد داخل المجتمع القديم‪ .‬وفي نهاية المطاف‪ّ ،‬‬
‫الجديدة إلى التفكك الكيفي للمجتمع القديم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫إن‬
‫حق الملكية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ٍ‬
‫جديدة لإلنتاج‪ ،‬خاصة في المجال الزراعي‪ ،‬برزت مسألة ّ‬ ‫ومع نمو وسائل‬

‫الحيازة على األدوات واألسلحة والمعادن الجديدة‪ ،‬وفي المقام األول الحيازة على وسائل‬

‫تصنيعها‪ ،‬تمكن أسرة ما إلى أن تسمو فوق صراع الحياة والموت المرهبين مع قوى الطبيعة‪.‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬مع زيادة تطور قوى اإلنتاج (تطورت التجارة في البداية بين المجتمعات المختلفة)‪،‬‬

‫عميقا على المجتمع القديم‪ .‬فللمرة‬


‫ً‬ ‫أثرا‬
‫ابتدأت التفاوتات في الظهور داخل المجتمع‪ ،‬مما ترك ً‬
‫األولى‪ ،‬أصبح باستطاعة الرجال والنساء إنتاج فائض يتجاوز احتياجاتهم الخاصة‪ ،‬األمر الذي‬

‫أدى إلى قفزة ثورية إلى األمام للبشرية‪.‬‬


‫ّ‬

‫حرب بين قبيلتين اثنتين‪ ،‬لم يكن مجد من الناحية االقتصادية أخذ‬
‫ٌ‬ ‫في الماضي‪ ،‬حينما اندلعت‬

‫أن األسير‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬لم يكن باستطاعته ّإال إنتاج ما يكفيه من‬
‫األسرى كعبيد‪ ،‬إذ ّ‬
‫الطعام لنفسه فقط‪ ،‬فلم توجد بعد التقنية إلنتاج الفائض من الطعام‪ .‬الفائدة الوحيدة لألسير‪،‬‬

‫نظرا لنقص الغذاء‪ ،‬كان استخدامه كمصدر للغذاء‪ .‬وهذا كان األساس االقتصادي ألكل لحوم‬
‫ً‬
‫البشر‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عبد وإرغامه على العمل‬ ‫اقتصاديا الحفاظ على‬
‫ً‬ ‫لكن‪ ،‬ما إن ُأنتج الفائض‪ ،‬حتى أصبح من المجدي‬

‫لسيده‪ .‬والفائض الذي أنتجته أعداد العبيد المتزايدة قد استولت عليه طبقة مالكي العبيد‬

‫الجديدة‪ .‬لكن‪ ،‬كيف يصبح من الممكن مراقبة هؤالء العبيد وإرغامهم على العمل؟ إذ لم يكن‬

‫ً‬
‫مقاتال‪.‬‬‫ومحاربا‪/‬‬
‫ً‬ ‫حرا‬
‫فردا ً‬
‫ً‬ ‫للقبائل القديمة قوات شرطة أو وسائل قسر‪ ،‬فقد كان كل فرد‬

‫مما مكن للطبقات ألن تتبلور‪ .‬ووجود هذه‬


‫حطم إنتاج الفائض أشكال المجتمع القديمة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الطبقات تطلب جهاز قوة إلخضاع إحدى الطبقات لطبقة أخرى‪ .‬الغني والفقير‪ ،‬مالك األرض‬

‫ومستأجرها‪ ،‬الدائن والمدين‪ ،‬جميعهم ابتدأوا في البروز في المجتمع‪ .‬والعشائر التي كانت‬

‫ٌ‬
‫اجتماعية من عالقات صلة الدم‪ ،‬بدأت بالتفكك‪ .‬وأصبحت القواسم المشتركة‬ ‫وحدات‬
‫ٌ‬ ‫في األصل‬

‫بين أغنياء مختلف العشائر تفوق تلك التي تشاركوها مع فقراء عشائرهم‪.‬‬

‫المجتمع العبودي‬
‫تقدميا بشكل كبير في‬
‫ً‬ ‫ظهورا‬
‫ً‬ ‫كل الفظائع التي رافقته‪ ،‬كان ظهور المجتمع الطبقي‬
‫رغم ّ‬
‫مواصلته تطوير وتنمية المجتمع‪ ،‬فألول مرة‪ ،‬منذ أن تطور البشر من القردة العليا‪ ،‬أصبح جزء‬

‫‪33‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫المحررون من العمل‬
‫َّ‬ ‫حرا من جهد السعي وراء لقمة العيش‪ .‬وأصبح بإمكان هؤالء‬
‫من المجتمع ً‬
‫تكريس وقتهم للعلم والفلسفة والثقافة‪ .‬جلب المجتمع الطبقي معه الكهنة والكتبة‬

‫والموظفين والحرفيين المتخصصين‪ .‬وكان التبرير والوظيفة التاريخية للطبقة الحاكمة الجديدة‬

‫هي تطوير قوى اإلنتاج والدفع بالمجتمع إلى األمام‪ .‬هذه المرحلة هي المرحلة التي ظهرت‬

‫بها الحضارة ألول مرة‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬مع نشوء المجتمع الطبقي‪ ،‬أنشئت مؤسسات خاصة لحماية مصالح الطبقة الحاكمة‪،‬‬

‫وبذلك‪ ،‬فقد أصحبت هناك حاجة لهيئات مسلحة خاصة‪ ،‬بسجونها ومحاكمها وجالديها‪ ،‬إلخ‪،‬‬

‫باإلضافة إلى قوانين جديدة لحماية الملكية الخاصة لمالكي العبيد‪ .‬وهكذا نشأت الدولة‬

‫أفكار‬
‫ٌ‬ ‫وملحقاتها وانهارت حرية ومساواة النظام العشائري القديم‪ .‬وتزامنً ا مع ذلك‪ُ ،‬ط ّورت‬

‫ات جديدة لتبرير وتسويغ النظام االجتماعي واالقتصادي الجديد‪.‬‬


‫وأخالقي ٌ‬
‫ّ‬

‫ً‬
‫حاكمة‬ ‫ً‬
‫طبقة‬ ‫ومع حلول القرن السابع قبل الميالد‪ ،‬أصبحت األرستقراطية القبلية في اليونان‬

‫ووفقا للفيلسوف اليوناني القديم أرسطو‪ ،‬فقد استبعدت‬


‫ً‬ ‫من مالكي األراضي والعبيد األغنياء‪.‬‬

‫الغالبية العظمى من سكان منطقة أتيكا مع حلول هذا الوقت‪.‬‬

‫ومع نمو المدن– الدول‪ ،‬تسارع تقسيم العمل المتزايد بشكل كبير‪ ،‬ليس بين المدينة والريف‬

‫جنبا إلى‬
‫أيضا‪ ،‬بين التاجر والمرابي؛ ونشأت حرف جديدة ً‬
‫فحسب‪ ،‬بل بين فروع التجارة والتمويل ً‬
‫ٍ‬
‫وثقافة‪.‬‬ ‫ذوق‬
‫ٍ‬ ‫لبوا احتياجات الطبقة العليا من‬
‫جنب مع مجموعة متزايدة من الفنانين الذين ّ‬

‫ٍ‬
‫متواصلة ومستمرة‪.‬‬ ‫حرب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫داف ُع الدولة–المدينة من أجل المزيد والمزيد من العبيد‪ ،‬أسفر عن‬

‫ففي حرب الرومان ضد مقدونيا في عام ‪ 169‬قبل الميالد‪ ،‬تم نهب سبعين مدينة في منطقة‬

‫مسرفا‬
‫ً‬ ‫اقتصادا‬
‫ً‬ ‫إبيروس بمفردها‪ ،‬كما بيع ‪ 150،000‬من سكانها كعبيد‪ .‬كان االقتصاد العبودي‬

‫للغاية‪ ،‬وألجل بقائه‪ ،‬احتاج إمدادات متواصلة من العبيد للتعويض عن أولئك الذين أصيبوا‬

‫نظرا لقسوة‬
‫جدا ً‬
‫ً‬ ‫لكن التكاثر الطبيعي بين العبيد كان بطيئً ا‬
‫ّ‬ ‫بالجروح أو وافاهم الموت‪.‬‬

‫أوضاعهم المعيشية‪ ،‬وبالتالي كان الغزو الوسيلة الوحيدة التي مكن من خاللها تعويض النقص‬

‫في أعداد العبيد‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫أن العبد كان أقل إنتاجية من الفالح الحر بكثير‪ّ ،‬إال أن تكلفة حياته المنخفضة‬
‫على الرغم من ّ‬
‫أدى إلى فرار أعداد كبيرة منهم إلى المدينة‬
‫أن تدمير الفالحين األحرار ّ‬
‫جعلته أكثر ربحية‪ .‬كما ّ‬
‫مشكلين البروليتاريا الرثة (‪ )lumpenproletariat‬في المجتمعات العبودية‪ .‬وهذه األخيرة اعتمدت‬

‫على المساعدات الخيرية من الطبقات العليا‪ ،‬الذين ألهوهم بإقامتهم عروض السيرك لهم‪.‬‬

‫هذه الفترة هي الفترة التي نشأت فيها الحركة المسيحية الثورية‪ ،‬وهؤالء‪ ،‬الذين كانوا في‬

‫أكنت البغض الشديد للرومان الغازين‬


‫ّ‬ ‫األصل مجموعة من الطوائف الشيوعية البدائية التي‬

‫وأذنابهم األغنياء‪ ،‬فازوا بالكثير من دعم الفقراء والمظلومين‪ .‬لقد كان هؤالء المسيحيون‬

‫ٍ‬
‫عنف لإلطاحة بالطبقات العليا وإلقامة «الجنة‬ ‫الثوريون القدامى مستعدين الستخدام وسائل‬
‫على األرض»‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فقد تعرضوا للمالحقة من قبل السلطات ُ‬
‫وأعدموا بال رحمة بتهمة‬

‫الحقا‪ ،‬وبعد أن ُج ّردت من كراهيتها الطبقية‪ ،‬رفعت منزلة المسيحية‬


‫ً‬ ‫الخيانة ضد اإلمبراطور‪ .‬لكن‪،‬‬

‫كسالح لتضليل وتسكين الطبقات‬


‫ٍ‬ ‫لتشغل موقع دين الدولة‪ ،‬حيث استخدمتها الطبقة الحاكمة‬

‫الدنيا على قبول مصيرهم الدنيوي وتشجيع أوهامهم بوجود حياة أفضل بعد الموت‪.‬‬

‫وكلما ازداد فائض مالكي العبيد الذي حصلوا عليه من استغالل العبيد‪ ،‬ازداد بذخهم‪،‬‬

‫شن المزيد والمزيد من الحروب لزيادة‬


‫ّ‬ ‫ولمعانهم‪ ،‬وغطرستهم‪ ،‬وكسلهم‪ .‬وكلما تطلب االقتصاد‬
‫أعداد العبيد من خالل الغزو‪ ،‬كلما َأنهكت َ‬
‫وأرهقت اإلمبراطورية الرومانية نفسها‪ .‬فالحروب ال‬

‫يمكن خوضها من دون جنود‪ ،‬والفالحين‪ ،‬الذين كانت أعدادهم في تضاؤل متزايد‪ ،‬كانوا أفضل‬

‫نهاية سري ً‬
‫عة‬ ‫ً‬ ‫الجنود‪ ،‬وبالتالي لزم استبدالهم بمرتزقة أجانب‪ .‬لقد انتهى عصر «العبد الرخيص»‬

‫ً‬
‫حامال في طياته تراجع إمبراطوريات العبيد‪.‬‬

‫على الرغم من مختلف تمردات العبيد‪ ،‬التي كان أشهرها تمرد سبارتاكوس‪ ،‬لم يثبت العبيد‬

‫قادرة على دفع المجتمع إلى األمام‪ .‬فكما أشار كارل ماركس‪ ،‬ينتهي‬
‫ً‬ ‫كونهم طبقة ثورية‬

‫الصراع الطبقي « إما بتحول ثوري للمجتمع بأكمله‪ ،‬وإما بهالك كلتا الطبقتين المتصارعتين»‪.‬‬

‫أن «الهجرات الكبيرة‪ ،‬وإغراق أسراب األلمان‬


‫وأوضح كارل كاوتسكي‪ ،‬الماركسي األلماني‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫المعة مزدهرة‪ ،‬بل مجرد‬ ‫مبتسرا لحضارة‬
‫ً‬ ‫تدميرا‬
‫ً‬ ‫المتوحشين اإلمبراطورية الرومانية لم يعني‬

‫الخاتمة لحضارة تحتضر‪ ،‬وتشكيل األسس لنهضة حضارة جديدة»‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫قفرة هائل ًة لألمام للمجتمع‪ّ .‬‬
‫إن اإلنجازات الثقافية التي‬ ‫ً‬ ‫لقد أحدثت حضارات العبيد الجبارة‬

‫أن اإلغريق والرومان قد‬


‫حقا‪ .‬كما ّ‬ ‫ٌ‬
‫مدهشة ً‬ ‫إنجازات‬
‫ٌ‬ ‫حضارتي مصر وبابل القديمتين هي‬ ‫حققتها‬
‫ْ‬
‫جدا‪ .‬لقد اكتشف الفيلسوف هيرون اإلسكندري‬
‫طورا المعرفة العلمية إلى مستويات هائلة ً‬
‫ّ‬
‫المبادئ األساسية لمحرك البخار‪ .‬وقد طورت إسهامات أرخميدس وفيثاغورس وإقليدس‬

‫ٍ‬
‫بدايات للهندسة الميكانيكية‪ .‬لكن‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أن تكون‬
‫الرياضيات إلى مرحلة كان بإمكانها ّ‬
‫مهدا الطريق‬
‫ذلك‪ ،‬فقد بلغ المجتمع العبودي حدوده‪ ،‬وتدهوره الداخلي والعوامل الخارجية ّ‬
‫لدامره‪.‬‬

‫نشوء اإلقطاعية‬
‫يشير ماركس في «األيديولوجية األلمانية»‪:‬‬

‫إن القرون األخيرة لإلمبراطورية الرومانية المنحطة وفتحها من قبل البرابرة قد محقت‬

‫أسواق‬
‫ٍ‬ ‫كتلة من القوى المنتجة‪ :‬لقد تدهورت الزراعة‪ ،‬وانحطت الصناعة جراء نقص‬

‫للتصريف‪ ،‬واضمحلت التجارة أو ُعلّ قت بفعل العنف‪ ،‬ونقص عدد السكان‪ ،‬الريفيين‬

‫والحضريين على حد سواء‪.‬‬

‫وعلى مر القرون‪ ،‬اجتاحت الجموع البربرية أوروبا (اإلمبراطورية الرومانية)؛ في المشرق‪ ،‬تمثل‬

‫ذلك بالقوط واأللمان والهون‪ .‬وفي الشمال والغرب‪ ،‬تمثل ذلك باالسكندنافيين‪ .‬وفي الجنوب‪،‬‬

‫تمثل ذلك بالعرب‪ .‬وفي غزوهم لألراضي‪ ،‬شرعوا في نهب المدن‪ ،‬واستقروا بالريف‪ ،‬حيث عاشوا‬

‫فيها عن طريق الزراعة البدائية‪.‬‬

‫في هذه المجتمعات‪ ،‬انتخب سكان القرية رؤسائهم‪ ،‬لكن‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬أصبح رؤساء القرية‬

‫دائما من عائلة واحدة‪ .‬وأصبح رئيس هذه األسرة المتميزة‪ ،‬من خالل توارث الحكم‪،‬‬
‫ً‬ ‫يعينون‬
‫ّ‬
‫أدى إلى تقسيم األراضي‬
‫مما ّ‬
‫طبيعيا‪ .‬كانت القرى في حالة حرب مستمرة مع جيرانها‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫رئيسا‬
‫ً‬
‫التي غزيت‪ ،‬مع حيازة رئيس القرية على النصيب األكبر منها‪ ،‬وبذلك أصبح الرجل األقوى واألكثر‬

‫تملكً ا في المجموعة‪ .‬في أوقات الصراع‪ ،‬هو يضمن حماية من هم تحت سلطته‪ ،‬وفي المقابل‪،‬‬

‫عسكريا‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬أصبح بإمكان هؤالء الفالحين االمتناع عن‬


‫ً‬ ‫كانوا هم ملزمون على خدمته‬

‫الخدمة العسكرية في مقابل ضريبة بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تمددت سلطة لوردات القرى هؤالء إلى المناطق الريفية المحيطة بهم‪ .‬كان اللورد مدينً ا‬
‫ّ‬
‫قطعيه‪ ،‬وهؤالء‪ ،‬في المقابل‪ ،‬كانوا مدينين باإلخالص‬
‫لم َ‬
‫بـ«العدالة والمساعدات والحماية ُ‬
‫والوالء للوردهم» (بول الفارغ‪ :‬تطور الملكية)‪ .‬لقد أسهمت الحروب والغزوات على بلورة هذه‬

‫ً‬
‫تسلسال‬ ‫جنبا إلى جنب مع رجالهم المسلحين‪،‬‬
‫العالقات اإلقطاعية‪ ،‬إذ شكل اللوردات والبارونات‪ً ،‬‬
‫جديدا‪ ،‬مدعوماً بالعمالة المؤداه من قبل ُم َ‬
‫قطعيهم‪ .‬فكما أوضح ذلك الفارغ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا‬
‫ً‬ ‫هرميا‬
‫ً‬

‫متاعب للقطر الذي‬


‫ٍ‬ ‫ما إن تبلورت سلطة النبالء اإلقطاعيين‪ ،‬حتى أصبحت بدورها مصدر‬

‫كُ لّ فت بحمايته‪ .‬فالبارونات‪ ،‬من أجل توسيع أراضيهم وبالتالي نطاق سيطرتهم‪ ،‬قاموا‬

‫بشن حرب مستمرة فيما بينهم‪ ،‬لم تتخللها إال هدن قصيرة بين الحين واآلخر لحرث‬
‫ّ‬
‫قطاعين‬
‫تماما‪ ،‬يصبحون ُم َ‬
‫ً‬ ‫فورا أو ال ُيسلبون‬
‫ً‬ ‫الحقول… والمهزومون‪ ،‬عندما ال ُيقتلون‬

‫قطعيهم‪ .‬اختفت‬
‫وم َ‬
‫قطعين) للمنتصر‪ ،‬الذي يستولي على جزء من أراضيهم ُ‬
‫(أو ُم َ‬

‫البارونات الصغيرة لصالح البارونات الكبيرة الذين أصبحوا إقطاعيين واسعي السلطة‪،‬‬

‫قطعين حضورها‪.‬‬
‫الم َ‬
‫وأنشأوا محاكم دوقية الالتي لزم للوردات ُ‬

‫ومع نضج العالقات اإلقطاعية‪ ،‬أصبحت غالبية األراضي الزراعية في أوروبا مقسمة إلى مناطق‬

‫تعرف بالضيع اإلقطاعية (‪ ،)manors‬حيث كان لكل ضيعة إقطاعية لوردها ومسؤولوها الخاصون‬

‫بها‪ ،‬والذين تمثلت مهمتهم بإدارة العقارات‪ُ .‬ق ّسمت األراضي الصالحة للزراعة إلى قسمين‪:‬‬

‫حوالي الثلث منها عادت ملكيتها للورد (المسماة بالـ«‪ ،)»Demesne‬أما بقية األراضي فقد‬

‫استخدمت المراعي واألراضي الخشبية والمروج كأرض مشتركة – األمر‬


‫ُ‬ ‫قطعيه‪.‬‬
‫ُق ّسمت بين ُم َ‬

‫استمرارا من أيام الشيوعية البدائية‪ .‬ومع اعتماد نظام التناوب الثالثي‪،‬‬


‫ً‬ ‫الذي كان في الواقع‬

‫قطعين من األرض‬ ‫كان من الممكن للزراعة أن تخطو خطوات عظيمة لألمام‪ّ ،‬إال أن حصة ُ‬
‫الم َ‬

‫أدى إلى‬
‫كانت قد قسمت بدورها إلى أشرطة منفصلة مبعثرة على طول الحقول‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫استنزاف اإلنتاجية بشكل هائل‪.‬‬

‫أدت البنية االجتماعية التي نشأت في إطار اإلقطاع إلى نشوء طبقات ومجموعات جديدة‪ .‬كانت‬
‫ّ‬
‫البنية االجتماعية مماثلة للهرم‪ ،‬يرأسها الملك‪ ،‬واألرستقراطية‪ ،‬ورجال الكنيسة الكبار‪،‬‬

‫واألساقفة‪ .‬وتحتهم وجدت البارونات والدوقات والكاونتات والفرسان المتمتعين باالمتيازات‪.‬‬

‫وفي الدرجات السفلى من النظام االجتماعي وجد األحرار‪ ،‬واألقنان‪ ،‬والعبيد‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫وعلى عكس اليوم‪ ،‬حيث ُت ِ‬
‫نتج المصانع الجزء األكبر من الثروة‪ ،‬أنتجت األرض ما يقارب جميع‬

‫االحتياجات االجتماعية‪ .‬ولذلك‪ ،‬أصبحت األرض أهم ملكية في النظام اإلقطاعي‪ ،‬حيث تناسبت‬

‫طرديا مع مساحة األرض التي يمتلكها‪ .‬والطبقات الحاكمة حكمت من خالل‬


‫ً‬ ‫ٍ‬
‫فرد ما‬ ‫سلطة‬

‫نظريا‪ ،‬امتلك الملك كل األراضي‪ ،‬لكن في‬


‫ً‬ ‫مقيدون بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احتكارها لألراضي التي كان األقنان‬

‫أجروا‬
‫أجروها للكاونتات‪ ،‬الذين ّ‬
‫الواقع ُمنحت بعض المناطق والنطاقات للدوقات‪ ،‬الذين بدورهم ّ‬
‫قطعيهم‪ .‬كان الجميع ملزمون بتقديم الخدمات لرؤسائهم‪ ،‬من حيث‬
‫لم َ‬
‫قطعا صغيرة منها ُ‬
‫ً‬
‫ضمانهم للرجال المسلحين‪ ،‬ودفع اإليجار‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫وعلى عكس العبيد الذين لم يملكوا شيئا‪ ،‬كان األقنان مستأجرين ألراضي اللورد‪ .‬وعلى عكس‬

‫بحقوق تفوق تلك التي‬


‫ٍ‬ ‫القن مصلحة خاصة في قطعة أرضه‪ ،‬حيث كان يتمتع‬
‫ّ‬ ‫العبد‪ ،‬كان لدى‬

‫بعضا من األمان‪ ،‬على‬


‫ً‬ ‫مما وفر له‬
‫كانت لدى العبد‪ :‬لم يكن من الممكن بيعه (وال بيع عائلته)‪ّ ،‬‬
‫قن وآخر‪ .‬وفي مقابل هذه األرض‪ ،‬وهذه‬
‫ّ‬ ‫الرغم من تفاوت درجة القنانة وااللتزامات بين‬

‫«الحقوق»‪ ،‬اضطر القن للعمل للورد الضيعة اإلقطاعية لفترات معينة في األسبوع من دون أجر‪،‬‬

‫كما أنه طلبت منه خدمات أخرى (أيام البون) في وقت الحصاد‪ ،‬ومتى ما احتاج اللورد مساعدته‬

‫مسموحا للقن مغادرة أرضه‪ ،‬وتعين‬


‫ً‬ ‫وعونه‪ .‬كانت احتياجات اللورد في المقدمة‪ .‬كما لم يكن‬

‫عليه الحصول على إذن اللورد إن أراد تزويج أطفاله من خارج الـ«‪ ،»demesne‬أي من خارج أرض‬

‫أيضا الضرائب على ميراث القن‪ ،‬وتعين على ورثة األرض من اإلناث أخذ إذن‬
‫اللورد‪ .‬كما فرضت ً‬

‫اللورد‪.‬‬

‫قائما على ملكية األرض ضاعف تطور قوى اإلنتاج‪ .‬في هذه‬
‫ً‬ ‫التنظيم الجديد للمجتمع الذي كان‬

‫الفترة‪ ،‬األرستقراطية والطبقة الحاكمة الكنسية هي من استولت على فائض القيمة الذي‬

‫أنتجته عمالة األقنان‪.‬‬

‫على حد تعبير المؤرخة كليرنس مايلي‪« :‬إنها لقاعدة اقتصادية كون نسبة اإلنتاجية تزداد كلما‬

‫جزءا أكبر وأكثر ضمانً ا من نتاج عمله‪ .‬وبعبارة أخرى‪،‬‬


‫ً‬ ‫كفلت البنية االجتماعية األكثر حرية للعامل‬

‫ً‬
‫حرية بشكل مباشر على تحفيز اإلنتاج»‪.‬‬ ‫تأثر أكثر األشكال االجتماعية‬

‫ومع تبلور الطبقات الجديدة‪ ،‬نشأت أشكال جديدة ألجهزة الدولة للحفاظ على أشكال الملكية‬

‫اإلقطاعية‪ .‬واألخالقيات واأليديولوجية الجديدة التي نشأت من أشكال الملكية هذه عززت‬

‫‪38‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫العالقات االجتماعية‪ .‬والكنيسة‪ ،‬التي ازدادت سلطتها أكثر فأكثر‪ ،‬قدمت األسس الروحية‬

‫للنظام الجديد‪ ،‬ومع ذلك أصبح البابا أقوى من الملك أو اإلمبراطور‪ ،‬مع امتداد أراضي الكنيسة‬

‫لتشمل ما بين ثلث إلى نصف أراضي العالم المسيحي‪ .‬وبلغت الضريبة العشرية التي جمعتها‬

‫الكنيسة عشرة بالمئة من مجموع دخل الفرد‪ ،‬والسلع‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫مركزيا‪ ،‬وظلت كذلك حتى صعود الملكيات المطلقة‬


‫ً‬ ‫بشكل عام‪ ،‬كانت الدولة اإلقطاعية ضعيفة‬

‫مع حلول القرن السادس عشر‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬هزت الحروب البارونية المستمرة المحافظات‬

‫النائية‪ ،‬حيث راكم البارونات اللصوص سلطتهم وهيبتهم‪ ،‬األمر الذي هدد موضع ومنصب‬

‫العاهل المركزي‪ .‬كان صراع العاهل المركزي إلخضاع هذه المناطق سمة من سمات هذه الفترة‪.‬‬

‫مكنت‬
‫ّ‬ ‫الهزيمة النهائية للوردات المحافظات هؤالء‪ ،‬ومعها صراعاتهم وحروبهم المستمرة‪،‬‬

‫التجارة ألن تتطور إلى مستوى أعلى‪.‬‬

‫تقريبا‪ .‬وكان االقتصاد‬


‫ً‬ ‫جدا آنذاك‪ ،‬إذ أنتجت األرض كل شيء‬
‫كان مستوى التجارة منخفض ً‬
‫موجها نحو االكتفاء الذاتي‪ .‬لكن‪ ،‬مع انطالق الحمالت الصليبية إلى األراضي‬
‫ً‬ ‫طبيعيا»‬
‫ً‬ ‫اقتصادا «‬
‫ً‬
‫احتياجات جديدة‪ ،‬والتجار الذين وفروا هذه االحتياجات‪ ،‬بدأوا في إقامة معارض‬
‫ٌ‬ ‫المقدسة‪ ،‬برزت‬

‫أساسيا‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫ً‬ ‫ضخمة في فرنسا وبلجيكا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا‪ .‬وهذه المعارض الدورية لعبت‬

‫في نمو التجارة األوروبية‪ ،‬وساعدت على إنشاء طبقة قوية من التجار األغنياء‪ .‬عندئذ‪ ،‬بدأت‬

‫العالقات المالية بتقويض عالقات المجتمع اإلقطاعي‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬حيث اصطدمت طبقة التجار التي نشأت فيها‬


‫وجنبا إلى جنب مع نمو التجارة‪ ،‬نمت المدن ً‬
‫ً‬
‫مع معايير وقيود المجتمع اإلقطاعي التقليدية‪.‬‬

‫ذنبا‪ ،‬واستخدمت تهديد الطرد الكَ نَ سي ضد‬


‫فالكنيسة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬اعتبرت ممارسة الربا ً‬
‫أولئك الذين ر ّوجوا لممارستها‪.‬‬

‫جدا‪« ،‬سلع اإلنسان الدنيوية»‪ ،‬شرح ليو هوبرينان طبيعة الصراع‪:‬‬


‫في كتابه الجيد ً‬

‫متصفا بالكبت‪ ،‬بينما كان المناخ العام للنشاط‬


‫ً‬ ‫مناخا‬
‫ً‬ ‫كان المناخ العام للنظام اإلقطاعي‬

‫ٌ‬
‫مملوكة من قبل اللوردات‬ ‫متصفا بالحرية‪ .‬كانت أراضي المدن‬
‫ً‬ ‫مناخا‬
‫ً‬ ‫التجاري في المدن‬

‫اإلقطاعيين واألساقفة والنبالء والملوك‪ .‬نظر اللوردات اإلقطاعيين في البداية‬

‫‪39‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ألراضيهم المدنية بنفس السياق الذي نظروا به إلى أراضيهم األخرى… كانت جميع‬

‫ً‬
‫أشكاال إقطاعية‪ ،‬استندت على‬ ‫هذه األشكال (الرسوم اإلقطاعية‪ ،‬والضرائب‪ ،‬والخدمات)‬

‫أن‬ ‫ملكية التربة‪ّ ،‬إال ّ‬


‫أن جميع هذه األشكال قد تغيرت على حد اهتمام المدن‪ .‬كما ّ‬
‫األنظمة اإلقطاعية والعدالة اإلقطاعية اتسمتا بالجمود وكان من الصعب تغييرهما‪ .‬لكن‬

‫التجارة‪ ،‬في المقابل‪ ،‬كانت بطبيعتها نشطة‪ ،‬متغيرة باستمرار‪ ،‬وغير صبورة أمام الحواجز‪.‬‬

‫التكيف مع اإلطار اإلقطاعي الجامد‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وبالتالي‪ ،‬لم يكن باستطاعتها‬

‫تحدي العالقات القديمة وتغييرها‪ .‬بدأت المدن تطالب بحريتها‬


‫ّ‬ ‫ولذلك‪ ،‬كان من الالزم‬

‫وتدريجيا تم االعتراف واإلقرار بالمواثيق المدنية‪ ،‬بعضها من خالل التوافق‪،‬‬


‫ً‬ ‫واستقاللها‪،‬‬

‫والبعض اآلخر بالقوة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫جديدة‪ .‬ومع تقلّ د األموال المكتسبة من التجارة‬ ‫ٍ‬
‫ثروة‬ ‫أدت التجارة نفسها إلى نشوء أشكال‬
‫ّ‬
‫ٌ‬
‫أقلية‬ ‫متزايدة‪ ،‬لم تعد األرض المصدر الوحيد للسلطة واالمتياز‪ ،‬حيث نشأت في المدن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أهمية‬

‫من التجار األثرياء الذين سيطروا ونظموا اإلنتاج الفردي صغير النطاق من خالل نظام‬

‫الجماعات‪/‬النقابات‪ .‬ومع التقسيم المتزايد للعمل‪ ،‬نشأت النقابات الحرفية التي تألفت من معلم‬

‫المهنة‪ ،‬والمبتدئين‪ ،‬والصناع المهرة‪ .‬ومع ازدياد الثروات التي خلقها اإلنتاج‪ ،‬اصطدم معلمو‬

‫الصناع المهرة (العمال)‪ .‬ومع حلول القرن الخامس عشر‪،‬‬


‫ّ‬ ‫المهنة (أرباب العمل) بشكل حاد مع‬

‫ٍ‬
‫نقابات فعلية لحماية مصالحهم‪.‬‬ ‫الصناع المهرة‬
‫ّ‬ ‫شكل‬
‫ّ‬

‫متواجدا في المجتمع العبودي ّإال بصورة محدودة‬


‫ً‬ ‫استحداث االقتصاد المالي (الذي لم يكن‬

‫جدا) قوض ببطء أسس النظام اإلقطاعي‪ ،‬حيث ُع ّدلت قوانينه وتقاليده لتتوافق مع التطور‬
‫ً‬
‫بعيدا إلى المدن لتكوين ثرواتهم‪ ،‬بدأت قيم المال بتجاوز‬
‫ً‬ ‫الجديد هذا‪ .‬ومع فرار األقنان‬

‫أن تبعات‬
‫العمالية‪ .‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫المستحقات‬
‫ّ‬ ‫محل‬
‫ّ‬ ‫العالقات القديمة‪ ،‬حيث حلّ ت الممتلكات المستأجرة‬

‫يقدر المؤرخون‬
‫ّ‬ ‫الموت األسود‪ ،‬في منتصف القرن الرابع عشر‪ ،‬سارع هذه العملية بشكل‪ ،‬حيث‬

‫جراء‬
‫موت ما بين ‪ 30‬إلى ‪ 50‬بالمئة من سكان إنجلترا وألمانيا وفرنسا والبلدان المنخفضة ّ‬
‫مما أجبر العديد من مالكي‬
‫أدى إلى نقص مزمن في العمالة‪ّ ،‬‬
‫الطاعون العظيم‪ .‬وهذا بدوره ّ‬
‫األراضي على إدخال العمل المأجور للتغلب على صعوباتهم‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫نشوء الملكيات المطلقة‬
‫لم تكن الدول–األمم‪ ،‬كما نعرفها اليوم‪ ،‬موجودة منذ األبد‪ ،‬إذ لم تنتمي والءات الشعوب في‬

‫هذا الوقت إلى األمة‪ ،‬بل انتمت إما لللورد‪ ،‬أو للمدينة‪ ،‬أو للمنطقة المحلية‪ ،‬أو للنقابة الحرفية‪.‬‬

‫لم يعتبر الناس أنفسهم كفرنسيين أو إنجليزيين‪ ،‬إلخ‪ ،‬بل اعتبروا أنفسهم منتمين لمدينة أو‬

‫مسيحي عضوا في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية‪ ،‬التي حكمت بدورها على‬


‫ّ‬ ‫بلدة ما‪ .‬كان كل‬

‫المناطق المسيحية‪ ،‬وكانت بالتالي القوة األعظم من بين الجميع‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بظروف‬ ‫ية في النشوء‪ ،‬وهذه الطبقة طالبت‬ ‫ٌ‬
‫طبقة رأسمال ٍ‬ ‫نمو الثروة في المدن‪ ،‬بدأت‬
‫ّ‬ ‫ومع‬

‫إن الصراع من‬


‫نمو التجارة والتبادل التجاري‪ ،‬أي أنهم أرادوا النظام واألمن‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫مناسبة ال تعيق‬

‫أجل استقالل المدن من حكم اللوردات اإلقطاعيين‪ ،‬والمعارك المستمرة بين البارونات المحليين‪،‬‬

‫والنهب الذي تال ذلك‪ ،‬جميعها أدت إلى ضرورة وجود سلطة مركزية‪ ،‬أي وجود الدولة القومية‪.‬‬

‫صراعا بين قسمين‬


‫ً‬ ‫انتهى الصراع بين العاهل المركزي وكبار البارونات (والذي كان في الواقع‬

‫مؤيدا من قبل التجار والطبقة الوسطى‪ ،‬والذين‬


‫ً‬ ‫من الطبقة الحاكمة) بانتصار الملك‪ ،‬الذي كان‬

‫جنبا إلى جنب مع النظام‬


‫إن نشوء الدولة القومية ً‬
‫زودوه بالمال الكافي إلعداد الجيوش الالزمة‪ّ .‬‬
‫ً‬
‫ومقابال لدعمهم‪ ،‬منح العاهل الملكي بعض‬ ‫أدى إلى تقدم اقتصادي كبير‪.‬‬
‫الملكي المركزي ّ‬
‫ٍ‬
‫لقطاعات من الطبقة الوسطى‪ ،‬وهكذا ُج ّهزت المرحلة المقبلة للصراع‬ ‫االحتكارات واالمتيازات‬

‫بين العاهل القومي ومصالح الكنيسة العالمية‪.‬‬

‫بعض من التجار األثرياء‬


‫ٌ‬ ‫شهد أواخر القرن الخامس عشر بداية رحالت االستكشاف‪ ،‬حيث َم ّول‬

‫أشخاصا ككولومبوس وفاسكو دا جاما للبحث عن مناطق جديدة الستغاللها و«نشر كلمة الرب»‪.‬‬
‫ً‬
‫وهكذا ُأ ّسست شركات مساهمة لترويج التمويل للمزيد من االستغالل‪ ،‬للمزيد من النهب والربح‪.‬‬

‫والممولين المراكز‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ونتيجة لألرباح الضخمة التي كُ سبت من هذه الرحالت‪ ،‬أصبح العديد من التجار‬

‫الفعلية للسلطة والثروة‪ .‬أصبح النبالء‪ ،‬واألرستقراطيين‪ ،‬والملوك مدينين للتجار األغنياء‪ ،‬للدرجة‬

‫التي استطاعت بها عائلة فوغر‪ ،‬إحدى األسر المصرفية‪ ،‬تقرير من سيكون إمبراطورا‬

‫لإلمبراطورية الرومانية المقدسة!‬

‫‪41‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫أفسحت التطورات االقتصادية الجديدة المجال أمام التشكل الرأسمالي‪ ،‬حيث بدأت أسس‬

‫نمو سلطة وثروة البرجوازية الناشئة‪ .‬وتزامنً ا مع ذلك‪ ،‬نشأت‬


‫ّ‬ ‫االقتصاد اإلقطاعي بالتفكك مع‬

‫وأخالقيات جديدة من هذه العالقات الجديدة‪ّ .‬إال ّ‬


‫أن الطبقات الحاكمة‬ ‫ٌ‬ ‫وفلسفات‬
‫ٌ‬ ‫وأفكار‬
‫ٌ‬ ‫قيم‬
‫ٌ‬
‫التغيرات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القديمة قد قاومت بعناد هذه‬

‫فكما شرح ماركس‪:‬‬

‫عندما تصل قوى المجتمع اإلنتاجية المادي إلى درجة معينة من تطورها تدخل في صراع‬

‫من عالقات اإلنتاج القائمة أو‪ ،‬بالتعبير القانوني‪ ،‬مع أحوال الملكية التي كانت تعمل‬

‫في ظلها حتى ذلك الوقت‪ .‬وهذه العالقات من كونها شكال من أشكال تطور قوى‬

‫اإلنتاج تتحول إلى قيد عليها‪ .‬وفي هذه اللحظة تحل حقبة من الثورة االجتماعية»‪.‬‬

‫دمر نظام اجتماعي حتى تتطور جميع القوى اإلنتاجية الذي كان‬
‫وأضاف الحقا‪« ،‬ال ُي َّ‬
‫ٍ‬
‫جديدة أكثر تفوقا محل العالقات القديمة‬ ‫عالقات إنتا ًج‬
‫ُ‬ ‫تحل‬
‫ّ‬ ‫وجوده ضروريا لها‪ ،‬وال‬

‫حتى تنضج شروط وجودها المادية في أحشاء المجتمع القديم‪.‬‬

‫التحديات التي ُو ّجهت‬


‫ّ‬ ‫لقد تم تقويض المجتمع القديم خالل الفترة السابقة‪ .‬ولعل إحدى أعظم‬

‫للنظام القديم كان الهجوم على الكاثوليكية‪ .‬في هذه الفترة‪ ،‬لم تكن الكنيسة الكاثوليكية‬

‫مجرد مؤسسة دينية فحسب‪ ،‬بل كانت الحصن الرئيسي للنظام االجتماعي القائم‪ .‬وبصرف النظر‬

‫أيضا تجبي الضريبة العشرية من‬ ‫ٍ‬


‫ألراض شاسعة‪ ،‬فقد كانت ً‬ ‫عن نفوذها الكبير جراء امتالكها‬

‫الجميع‪ ،‬وكان لها محاكمها وامتيازاتها الخاصة‪ ،‬وسيطرت على التعليم وشكلت المنظور‬

‫السياسي واألخالقي للناس‪ .‬فكما قال تشارلز األول ذات مرة‪« :‬في أوقات السلم ال ُيحكم‬

‫وهددت بالطرد‬
‫ّ‬ ‫الناس بالسيف بقدر ما ُيحكمون بالمنابر»‪ .‬لقد أخضعت الكنيسة الكتب للرقابة‪،‬‬

‫جدا‪ّ ،‬إال أنهم‬


‫متدينة ً‬
‫ّ‬ ‫فترة‬
‫ً‬ ‫الكنسي ضد معارضيها‪ .‬يشير المؤرخين إلى هذه الفترة بكونها‬

‫طبقا لإلنجيل‪ ،‬فقد كان الدين‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫فعال‬ ‫ً‬
‫فبدال من عيش الناس حياتهم‬ ‫جدا بوصفها كذلك‪.‬‬
‫يبالغون ً‬
‫مصاغا بمصطلحات دينية‪،‬‬
‫ً‬ ‫يستخدم لتبرير النظام القديم‪ .‬كان كل شيء‪ ،‬حتى الفكر السياسي‪،‬‬

‫ولذلك‪ ،‬كان أول تحد آللئك الذين رغبوا في تقويض النظام‪ ،‬هو تحدي احتكار الكنيسة‪.‬‬

‫ومع أوائل القرن السابع عشر‪ ،‬اصطدمت الملكيات المطلقة مع الكنيسة الكاثوليكية نفسها‪،‬‬

‫حيث زود اإلصالح البروتستانتي‪ ،‬الذي استهلّ ه مارتن لوثر‪ ،‬األسلحة الالزمة في صراعهم ضد‬

‫‪42‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫السلطة البابوية‪ .‬ففي إنجلترا‪ ،‬كسر هنري الثامن عالقاته مع الكاثوليكية وداهم ثروات األديرة‪،‬‬

‫الحقا في الحروب األوروبية واإليرلندية باهظة الثمن‪.‬‬


‫ً‬ ‫التي استخدمت‬

‫الثورة الرأسمالية‬
‫ركزت على االعتماد على الذات‬ ‫ُ‬
‫بيوريتانية مجموعة كالڤن (إحدى المذاهب البروتستانتية)‪ ،‬التي ّ‬

‫والنجاح الشخصي‪ ،‬ناسبت منظورات وأخالقيات الطبقة الوسطى الناشئة في المدن واألرياف‪.‬‬

‫وبذلك‪ ،‬أصبحت البيئة مالئمة لبروز الطبقات الوسطى بسرعة‪ ،‬خاصة بعد التضخم المالي الهائل‬

‫أجج‬
‫الذي حصل بين عامي ‪ ،1640–1540‬حيث ارتفعت األسعار بأكثر من أربعة أضعاف‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫الصراع المتزايد مع الطبقات الحاكمة القديمة‪.‬‬

‫في إنجلترا‪ ،‬أخذ الصراع بين الطبقة البرجوازية الجديدة والنظام القديم شكل الحرب األهلية‪،‬‬

‫حيث قاد الجيش النموذجي الجديد ألوليڤر كرومويل الطبقة الوسطى في صراعها المسلح ضد‬
‫الملك والنظام القديم‪ .‬في عام ‪ُ ،1649‬أعدم الملك ُ‬
‫وأعلنت الجمهورية الرأسمالية‪ .‬وكرومويل‪،‬‬

‫ٍ‬
‫بونابرتية‪ ،‬وقمع بال‬ ‫ٍ‬
‫عسكرية‬ ‫ٍ‬
‫تاتورية‬ ‫رئيسا لديك‬
‫ً‬ ‫الذي استند على دعم الجيش‪ ،‬فرض نفسه‬

‫هددوا حقوق الملكية‬


‫ّ‬ ‫رحمة عناصر الديمقراطية اليسارية وأنصارهم (الليڤلرز والديغرز)‪ ،‬الذين‬

‫ٍ‬
‫ضيقة – القوت‬ ‫ٍ‬
‫اجتماعية‬ ‫ٍ‬
‫قاعدة‬ ‫فصاعدا‪ ،‬استند نظام كروميل على‬
‫ً‬ ‫الرأسمالية‪ .‬ومنذ ذلك الحين‬

‫وفقا للنمط‬
‫ً‬ ‫المسلحة‪ .‬وفي ظل هذه األزمات والظروف الحرجة‪ ،‬قلّ ص النظام الرأسمالي نفسه‬

‫البونابرتي إلى حكم الرجل الواحد‪.‬‬

‫أيضا مجلس اللوردات والنظام الملكي‪.‬‬


‫فككت ً‬
‫وجنبا إلى جنب مع تفكيك الهياكل اإلقطاعية‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫بذلك‪ُ ،‬هزمت الطبقة والحاكمة‪ ،‬وفي نفس الوقت ُأبقيت الطبقات الدنيا في مكانها‪ .‬ينظر‬

‫وصراعا ألجل الحرية‬


‫ً‬ ‫صراعا ضد االستبداد‬
‫ً‬ ‫بعض المؤرخون لصراع البرلمانيين ضد الملك باعتباره‬

‫الدينية‪ ،‬لكن كما علق ماركس‪:‬‬

‫أيضا الحكم‬ ‫ٍ‬


‫فرد طبقا لما يراه هو عن نفسه‪ ،‬ال يمكن ً‬ ‫تماما كما ال يمكن الحكم على‬
‫ً‬
‫على حقبة متسمة بالثورة على أساس وعيها بنفسها‪ .‬إنما بالعكس‪ ،‬يجب تفسير هذا‬

‫الوعي بمتناقضات الحياة المادية‪ ،‬بالصراع القائم بين قوى اإلنتاج االجتماعية وعالقات‬

‫اإلنتاج‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫لقد أشار ليون تروتسكي‪ ،‬إحدى قادة الثورة الروسية‪ ،‬ذات مرة‪« :‬كانت الثورات عبر التاريخ‬

‫ودائما‪ ،‬تعيد الثورة المضادة المجتمع إلى الوراء‪ ،‬لكن ليس إلى‬
‫ً‬ ‫دائما بثورات مضادة‪.‬‬
‫ً‬ ‫متبوعة‬

‫وسطا‬
‫ً‬ ‫نقطة انطالق الثورة»‪ .‬وهكذا‪ ،‬في عامي ‪ 1660‬و‪ ،1689‬أبرم البرجوازيون الكبار بعجلة ً‬
‫حال‬

‫مع العناصر «البرجوازية» من الطبقة األرستقراطية‪ ،‬حيث أعيد النظام الملكي ومجلس اللوردات‪،‬‬

‫ّإال أنه لم يكن باستطاعتهما لعب نفس الدور الذي لعبه سلفيهما‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪،‬‬

‫جزءا ال يتجزأ من الدولة الرأسمالية‪ .‬أعار البرجوازيون أصحاب الملكية اهتمامهم‬


‫ً‬ ‫أصبحا‬

‫بالمستقبل‪ ،‬وإبقاء الطبقات الدنيا في مكانها ومراقبتها بعناية‪.‬‬

‫ً‬
‫كامال دون أي‬ ‫بعد مائة عام من الثورة اإلنجليزية‪ ،‬أنجزت الثورة الفرنسية الرأسمالية أهدافها‬

‫ٍ‬
‫بانقسام في الطبقة الحاكمة‪ ،‬حيث‬ ‫مساومة‪ .‬ابتدأت الثورة الفرنسية‪ ،‬كمثيلتها اإلنجليزية‪،‬‬

‫تصادم الملك ووزرائه مع البرلمان (الذي مثل طبقة النبالء‪ ،‬وكبار رجال الدين‪ ،‬وزمرة المحكمة‪،‬‬

‫منحنى مفاجئً ا حين‬ ‫ٍ‬


‫مخطط لتجنب إفالس الدولة‪ .‬نداء األخير ضد طغيان الحكومة أخذ‬ ‫إلخ) على‬
‫ً‬
‫اندلعت أعمال الشغب في شوارع البلدات والمدن‪ ،‬وأبرزت إلى السطح سخط الطبقة الوسطى‬

‫افتتاحية ً‬
‫بدال‬ ‫ٍ‬ ‫والطبقات الدنيا ضد النظام‪ .‬فكما أشار جورج رود‪« :‬لعل ثورة النبالء كانت مجرد‬

‫ٍ‬
‫مشترك ضد‬ ‫عمل‬
‫ٍ‬ ‫من كونها ثورة‪ ،‬والتي‪ ،‬من خالل ربطها للطبقة الوسطى والدنيا معا في‬

‫الملك والطبقة األرستقراطية‪ ،‬كانت فريدة من نوعها في أوروبا المعاصرة»‪ .‬على الرغم من‬

‫جميع محاوالت اإلصالح من األعلى‪ّ ،‬إال ّأنها لم تكن كافية لمنع الثورة من األسفل‪.‬‬

‫وكما هو الحال في جميع الثورات الشعبية‪ ،‬اقتحمت الجماهير مسرح التاريخ‪ ،‬حيث برز أكثر الناس‬

‫ً‬
‫تضحية بالنفس إلى الواجهة‪ ،‬ودفعوا الثورة بشكل كبير إلى اليسار‪ .‬في الفترة التي وقعت‬

‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫بين عامي ‪ 1789‬و‪ ،1793‬اجتُ ّث النظام اإلقطاعي ومعه الطبقة األرستقراطية من جذوره‬

‫ودفعوا‬
‫مرؤوسا من قبل الطبقة الوسطى الثورية‪ ،‬اليعاقبة‪ ،‬الذين ُدعموا ُ‬
‫ً‬ ‫كان النظام الجديد‬

‫العمال المأجورين وصغار الحرفيين‪ .‬لكن‪ ،‬مع وصول‬


‫ّ‬ ‫من قبل جماهير الطبقات الدنيا المؤلفين من‬

‫حكومة المديرين إلى السلطة في عام ‪ ،1974‬حدث تحول إلى اليمين‪ ،‬األمر الذي أفسح بدوره‬

‫المجال أمام ثورة سياسية مضادة جديدة‪ ،‬والتي جلبت إلى السلطة نظام نابليون بونابرت‪ .‬لكن‪،‬‬

‫حطم النظام القديم بال عودة‪ ،‬وبقيت حقوق الملكية البرجوازية‬


‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد ّ‬
‫اجتماعي إلى الوراء‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫رافقا بتغيي ٍر‬
‫ً‬ ‫تحول السلطة السياسية هذا لم يكن ُم‬
‫ُّ‬ ‫الجديدة في محلّ ها‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫أي أنه لم يعاد بناء النظام اإلقطاعي‪ ،‬وإنما كان مجرد تغيير سياسي ناتج عن صراع أقسام‬
‫ّ‬
‫مختلفة من الطبقة الرأسمالية نفسها‪.‬‬

‫انتصار الرأسمالية‬
‫نمو الزراعة‬
‫ّ‬ ‫مهدت الثورات البرجوازية الكبرى الطريق للرأسمالية‪ .‬وضمنت التغييرات الزراعية‬
‫ّ‬
‫وو ّزعت على الفالحين‪ .‬وفي إنجلترا‪،‬‬
‫الرأسمالية‪ ،‬حيث ُق ّسمت المقاطعات اإلقطاعية القديمة ُ‬
‫تحول قسم من الطبقة األرستقراطية قبل الثورة الطريق لدمار الفالحين أنفسهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مهد‬
‫ّ‬
‫مناصرة لهما بالفعل‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعوق التجارة والصناعة‪ ،‬أصبحت اآلن‬
‫ّ‬ ‫والحكومات‪ً ،‬‬
‫بدال من أن‬

‫أقل‬
‫ّ‬ ‫متمركزة في ٍ‬
‫أيد‬ ‫ً‬ ‫ومن خالل السطو والتقييد والنهب والمنافسة‪ ،‬أصبحت وسائل اإلنتاج‬

‫جاهزا من القوى العاملة في البلدات والمدن‪ .‬أصبحت‬


‫ً‬ ‫حوضا‬
‫ً‬ ‫قدم‬
‫أن دمار الفالحين ّ‬
‫وأقل‪ .‬كما ّ‬
‫ّ‬
‫البنية الطبقية أكثر بساطة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬وجد الرأسماليون‪ ،‬ومن ناحية أخرى وجد البروليتاريون‬

‫المفتقرون للملكية‪ .‬القدرة على العمل كانت هي كل ما يملكه هؤالء العمال‪ ،‬حيث كان بيعهم‬

‫قوة عملهم للرأسمالي مقابل أجر ما الطريقة الوحيدة التي أمكنهم من خاللها البقاء على‬

‫ً‬
‫قيمة أكثر مما يتلقاه كأجر‪ ،‬إذ يصادر الرأسمالي‬ ‫قيد الحياة‪ .‬في عملية اإلنتاج‪ ،‬ينتج البروليتاري‬

‫فائض القيمة التي ينتجها‪ .‬وفي بحثها عن الربح‪ ،‬وسط منافسة نظرائهم‪ ،‬تضطر الطبقة‬

‫تقدميا‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫ً‬ ‫الرأسمالية إلدخال أساليب جديدة في اإلنتاج‪ ،‬وبهذه الطريقة لعبت الرأسمالية‬

‫في تثويرها المستمر لقوى اإلنتاج‪.‬‬

‫تصديرها للبضائع ومن ثم لرأس المال يقود الطبقة الرأسمالية لخلق « ٍ‬


‫عالم على صورتها»‪.‬‬

‫تدريجيا لتتجاوز الدولة القومية التي حمتها‪.‬‬


‫ً‬ ‫نمت قوى اإلنتاج والعلوم والتقنية‬

‫اإلمبريالية‬
‫قسمت‬
‫شهدت فترة ما بين عامي ‪ 1900–1870‬تقسيم العالم بين القوى الرئيسية‪ .‬ففي عام ‪ّ 1870‬‬
‫القوى األوروبية ُع ْشر القارة األفريقية فيما بينها‪ ،‬وبحلول عام ‪ 1900‬أصبحت حوالي تسعة أشعار‬

‫«القارة المظلمة» إما في أيدي بريطانيا‪ ،‬أو فرنسا‪ ،‬أو إحدى اإلمبراطوريات األوروبية األخرى‪.‬‬

‫ومع حلول عام ‪ 1914‬اكتملت عملية تقسيم العالم‪ ،‬ودخلت الرأسمالية أعلى مراحلها‪ ،‬مرحلة‬

‫اإلمبريالية‪ .‬نمت االحتكارات واألمانات االستثمارية الضخمة من الفترة التنافسية السابقة‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫دفاعا‬
‫ً‬ ‫و«انصهرت الدولة أكثر فأكثر مع االحتكارات والمؤسسات المالية وتصرفت بشكل متزايد‬

‫أن اإلنتاج في هذه الفترة رافقه تصدير رأس المال نفسه» (لينين)‪.‬‬
‫عن مصالحها‪ .‬كما ّ‬

‫وفي الصراع ألجل المزيد من األسواق‪ ،‬إلخ‪ ،‬تحمل المرحلة اإلمبريالية الحرب العالمية في‬

‫ونظرا لتقسيم العالم والنمو الهائل في اإلنتاج‪ ،‬ال يمكن اآلن الحصول على المزيد من‬
‫ً‬ ‫طياتها‪.‬‬

‫صراع على نطاق عالمي‪ .‬تعبر‬


‫ٍ‬ ‫حتما إلى‬
‫ً‬ ‫األسواق ّإال بإعادة تقسيم العالم‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬

‫الحرب العالمية عن التناقضات الكامنة بين الملكية الخاصة ووسائل اإلنتاج من جهة والدولة‬

‫هيأت الرأسمالية‬
‫القومية من جهة أخرى‪ .‬لكن‪ ،‬على عكس ما سبقتها من مجتمعات‪ ،‬فقد ّ‬
‫االشتراكي الجديد الذي يمكنه ضمان الوفرة للجميع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الظروف المادية الالزمة للنظام‬

‫البروليتاريا هي الطبقة الثورية الوحيدة القادرة على حمل الثورة االشتراكية إلى خاتمتها‪،‬‬

‫جبر‬
‫وت َ‬
‫وهذا ينبع من موضعها في اإلنتاج االجتماعي‪ .‬فالطبقة العاملة تنتظم في المصانع ُ‬

‫على التعاون في عملية اإلنتاج‪ .‬إنها تنظم نفسها في نقابات كبيرة بادئ األمر ومن ثم في‬

‫ً‬
‫أيديولوجية‬ ‫حزب مستقل خاص بها‪ .‬والماركسية‪ ،‬على عكس كل النظريات األخرى‪ ،‬تقدم لها‬

‫أن الحزب البلشفي‪ ،‬بقيادة لينين‬ ‫ً‬


‫واضحة في مهمتها إلسقاط النظام الرأسمالي‪ .‬كما ّ‬ ‫ومهاما‬
‫ً‬
‫حيا لجميع عمال العالم‪.‬‬
‫نموذجا ً‬
‫ً‬ ‫قدم‬
‫وتروتسكي‪ّ ،‬‬

‫أما الطبقة الفالحية والوسطى فهما غير قادران على لعب دور قيادي‪ ،‬وذلك نتيجة لموقهما‬

‫أي مفهوم حقيقي‬


‫االجتماعي‪ .‬فالطبقة الفالحية متناثرة على كافة الريف‪ ،‬وليس لديها ّ‬
‫للوحدة أو األممية‪ .‬وهذه الفئات الوسطى‪ ،‬إذن‪ ،‬إما تتبع البرجوازية أو البروليتاريا‪.‬‬

‫الطبقة الفالحية‪ ،‬في الواقع‪ ،‬كانت األداة الرئيسية لألنظمة البونابرتية – هو نظام قائم على‬

‫القوات المسلحة وتحقيق التوازن بين الطبقات المختلفة‪ .‬أما في عصر اإلمبريالية وتدهور‬

‫الرأسمالية االحتكارية هذا‪ ،‬إذا فشلت الطبقة العاملة في استمالة الطبقات الوسطى للوائها‬

‫حتما إلى أحضان الرجعية‪.‬‬


‫ً‬ ‫االشتراكي‪ ،‬فإنهم سيدفعون‬

‫قانون التطور المركب وغير متكافئ‬


‫قيدا على اإلنتاج والتنمية البشرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫من بداياتها كنظام اجتماعي تقدمي‪ ،‬أصبحت الرأسمالية‬
‫أن البروليتاريا ستصل إلى السلطة ً‬
‫أوال في البلدان الرأسمالية المتقدمة‬ ‫لقد اعتقد ماركس ّ‬

‫‪46‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫كبريطانيا وألمانيا وفرنسا‪ّ ،‬إال أن الرأسمالية‪ ،‬مع ظهور اإلمبريالية‪« ،‬انكسرت عند أضعف‬

‫حلقاتها»‪ ،‬في روسيا المتخلفة والمتأخرة تنمويا‪.‬‬

‫وفقا لقوانينه من التطور المركب الال متكافئ‪،‬‬


‫ً‬ ‫ال يتطور المجتمع في خط مستقيم‪ ،‬بل يتطور‬

‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫وأفكار‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منتجات‬ ‫نمو المجتمع غير المتكافئ يجري قطعه باستمرار من خالل إدخال‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫إذ ّ‬

‫فيه من مختلف النظم االجتماعية‪ .‬تخلّ ف روسيا شبه اإلقطاعية قد ّ‬


‫مدد بأحدث تقنيات اإلنتاج‬

‫ً‬
‫نتيجة للكمية الهائلة من الرساميل األجنبية من بريطانيا وفرنسا‪ .‬والطبقة‬ ‫في مدنها‪،‬‬

‫تقدما‪ :‬الفكر‬
‫ً‬ ‫تقبلت أكثر أفكار الطبقة العاملة‬ ‫ً‬
‫حديثا ّ‬ ‫تكونت‬
‫ّ‬ ‫البروليتارية الصناعية الجديدة التي‬

‫الماركسي‪.‬‬

‫نموا)‪ ،‬أدت الجروح الملتهبة بشأن إصالح األرض‬


‫ً‬ ‫في العديد من الدول المتخلفة (أو األقل‬

‫المطلوب بشدة‪ ،‬واألوتوقراطية‪ ،‬واالضطهاد القومي‪ ،‬والركود االقتصادي إلى سخط هائل‬

‫أن مهام الثورة البرجوازية الديمقراطية‪ ،‬التي لو حدثت لوضعت األسس‬


‫على النظام القائم‪ ،‬إذ ّ‬
‫جزئيا أو لم تنفذ على اإلطالق‪.‬‬
‫ً‬ ‫للتنمية الرأسمالية‪ ،‬كان قد تم تنفيذها‬

‫في هذه البلدان‪ ،‬لم تبرز الطبقة الرأسمالية إلى الساحة ّإال في مرحلة متأخرة‪ ،‬وبذلك لم يكن‬

‫بإمكانها لعب دور ثوري كالالتي لعبتها مثيالتها في القرن السابع والثامن عشر‪ .‬وكما كان‬

‫الحال في روسيا قبل عام ‪ ،1917‬كانت الطبقة الرأسمالية ضعيفة للغاية وتربطها آالف السالسل‬

‫مع مالك األرض واإلمبريالية (من خالل الزواج والقروض العقارية)‪ ،‬وكالهما شاركا كرههما‬

‫فضلت الطبقة الرأسمالية القومية التمسك بالنظام القديم‬


‫الشديد للبروليتاريا الناشئة‪ ،‬حيث ّ‬
‫ً‬
‫بدال من استنشاد الطبقات الدنيا للقيام بالثورة المناهضة لإلقطاعية‪.‬‬

‫إن الطبقة الوحيدة القادرة على تنفيذ الثورة هي البروليتاريا‪ ،‬وذلك بتوحيد قطاعات الفالحين‬
‫ّ‬
‫فقرا حول نفسها‪ .‬وبمجرد وصولها إلى السلطة‪ ،‬كما حدث في أكتوبر من عام ‪،1917‬‬
‫ً‬ ‫األكثر‬

‫قادرة على توزيع األراضي على الفالحين‪ ،‬وطرد المستعمرين‪ ،‬وتوحيد البالد‪ .‬غير‬
‫ً‬ ‫فإنها تصبح‬

‫فورا بالمهام االشتراكية‪:‬‬


‫ً‬ ‫أن البروليتاريا لن تتوقف عند هذه اإلجراءات فحسب‪ ،‬بل ستباشر‬

‫تأميم الصناعات األساسية واألراضي والمؤسسات المالية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫لقد ّ‬
‫مثلت الثورة الروسية أعظم حدث في تاريخ البشرية كله‪ ،‬حيث تقلدت الطبقة العاملة‬

‫ال‬
‫عم ٍ‬ ‫َ‬
‫دولة ّ‬ ‫السلطة ألول مرة‪ ،‬وأطاحت بالرأسماليين ومالك األراضي وأفراد العصابات‪ ،‬ونظمت «‬

‫ديمقراطية»‪ .‬كان من المفترض أن يكون ذلك بداية الثورة االشتراكية العالمية‪ ،‬كما ّأنها أكدت‬

‫تماما نظرية الثورة الدائمة‪.‬‬


‫ً‬

‫أدى إلى عزل الثورة في‬


‫لكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬خيانة الثورة االشتراكية في ألمانيا وغيرها من البلدان‪ّ ،‬‬
‫مدمرة‪ .‬الدمار الهائل الذي سببته الحرب‪ ،‬واألمية الكاسحة‪ ،‬والحرب األهلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بلدة متخلفة‬

‫ضغوطا شاقة على الطبقة العاملة الضعيفة‪ ،‬األمر الذي‬


‫ً‬ ‫واستنزاف البلد‪ ،‬جميعها وضعت‬

‫نمو‬
‫ّ‬ ‫شجعت على‬
‫ّ‬ ‫ساهم في تشويه الثورة‪ .‬كانت الظروف الموضوعية هذه هي التي‬

‫العمالية والحزب‪ ،‬حيث ارتقى ستالين إلى السلطة على‬


‫ّ‬ ‫البيروقراطية في الدولة والنقابات‬

‫إن الفرد في التاريخ ال يمثل نفسه‪ ،‬بل يمثل مصالح‬


‫ظهر الطبقة البيروقراطية الجديدة هذه‪ّ .‬‬
‫مجموعة أو طبقة أو فئة في المجتمع‪.‬‬

‫الستالينية ودكتاتوريتها الوحشية لم تنمو من الحزب البلشفي أو الثورة االشتراكية‪ ،‬بل نمت‬

‫من انعزال الثورة وتخلف روسيا المادي‪ ،‬حيث َد ّمرت ديمقراطية العمال بغية الحفاظ على‬

‫امتيازاتها وسلطتها‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬استند النظام الستاليني على أشكال الملكية الجديدة المؤلفة من‬

‫الصناعة المؤممة وخطط اإلنتاج‪ .‬لقد سحقت الثورة المضادة السياسية الستالينية مجالس‬

‫العمال (السوفيات) وديمقراطية العمال‪ .‬ولم يكن باستطاعة الطبقة العاملة الروسية استعادة‬

‫متواجدة تحت قيادة لينين وتروتسكي ّإال بثورة سياسية‬


‫ً‬ ‫العمالية التي كانت‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطية‬

‫أن الجماهير‬ ‫ً‬


‫نهاية للنخبة البيروقراطية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫عودة للرأسمالية‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫جديدة‪ .‬لم يكن يعني هذا‬

‫نفسها ستصبح منخرطة في إدارة المجتمع والدولة‪.‬‬

‫التحول االشتراكي‬
‫بكسره قيود تطوير قوى اإلنتاج‪ ،‬سيمهد التحول االشتراكي الطريق لشكل جديد وأسمى‬

‫ً‬
‫فاسحة الطريق‬ ‫للمجتمع‪ .‬ستطيح الثورة االشتراكية بقيد الملكية الخاصة والدولة القومية‪،‬‬

‫للملكية العامة لتُ َخ ّطط في صالح األغلبية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ال يمكن حصر الثورة االشتراكية في بلد واحد‪ ،‬بل‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬ستضع الثورة‬

‫ألن االقتصاد العالمي والتقسيم العالمي‬


‫االشتراكية الثورة العالمية في قمة أولوياتها‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ٍ‬
‫أوروبية‬ ‫ٍ‬
‫متحدة‬ ‫ٍ‬
‫واليات‬ ‫عالميا‪ .‬من شأن‬
‫ً‬ ‫حال‬
‫ً‬ ‫الذين أوجدتهما الرأسمالية‪ ،‬يتطلب‬
‫ْ‬ ‫للعمل‪،‬‬

‫ٍ‬
‫اشتراكية‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تمهيد الطريق التحاد عالمي للواليات االشتراكية والتخطيط‬

‫ٍ‬
‫متناغم من البضائع إلشباع رغبات‬ ‫مخط ٍط‬
‫ّ‬ ‫إنتاج‬
‫ٍ‬ ‫العالمي لإلنتاج‪ ،‬وسيوفر هذا بدوره األسس لـ«‬

‫اإلنسان»‪.‬‬

‫إن إحدى المهام األولى للطبقة العاملة المنتصرة سيكون تحطيم آلة الدولة القديمة‪ .‬لقد‬
‫ّ‬
‫ٌ‬
‫هيئة لظلم طبقة‬ ‫ٍ‬
‫هيئة للسيادة الطبقية‪،‬‬ ‫نشأ جهاز الدولة في كل المجتمعات الطبقية كـ«‬

‫ً‬
‫سؤال‪ ،‬هل تحتاج الطبقة العاملة للدولة؟ يجيب الال سلطويون‬ ‫من قبل طبقة أخرى»‪ .‬هذا يطرح‬

‫بال‪ّ ،‬إال ّأنهم يفشلون في فهم الحاجة إلى شكل من أشكال السلطة إلبقاء ّ‬
‫مالك األراضي‬

‫والمصرفيين والرأسماليين القدامى في مكانهم‪ ،‬ولذلك يجب على البروليتاريا بناء دولة من‬

‫العمالية هذه‪ُ ،‬تخضع األغلبية األقلية الضئيلة المتمثلة‬


‫ّ‬ ‫نوع جديد لتمثل مصالحها‪ .‬وفي الدولة‬

‫بالرأسماليين السابقين للرقابة‪ ،‬وبالتالي فهي ليست بحاجة لدولة الماضي البيروقراطية‬

‫العمال‪ ،‬كما فضل تروتسكي تسميتها‪،‬‬


‫ّ‬ ‫الضخمة‪« .‬ديكتاتورية البروليتاريا» هذه أو ديمقراطية‬

‫وتمدد نطاق أعلى أشكال الديمقراطية البرجوازية بشكل كبير‪.‬‬


‫ّ‬ ‫وسع‬
‫ست ّ‬

‫العمال كل خمس سنوات أي أقسام الطبقة‬


‫ّ‬ ‫عرف ماركس البرجوازية الديمقراطية بكونها تقرير‬
‫ّ‬
‫الحاكمة سيشوه مصالحهم في البرلمان‪ .‬بإمكان الجميع التصريح بما يشاؤون‪ ،‬شريطة تقرير‬

‫هيئات االحتكاريات ما سيحدث بالفعل‪.‬‬

‫العمالية الجديدة نطاق الديمقراطية من المجال السياسي إلى المجال‬


‫ّ‬ ‫ستوسع الدولة‬

‫االقتصادي مع تأميمها لالحتكارات الكبرى‪ .‬وستتشكل أجهزة السلطة الجديدة‪ ،‬كما كانت‬

‫عمالية تتمتع‬
‫مجالس العمال في روسيا‪ ،‬التي استندت على الشعب المسلح‪ ،‬من «هيئة ّ‬
‫بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه»‪ .‬وستستبدل البيروقراطية بالمشاركة‬

‫الشعبية النشطة في إدارة الدولة والمجتمع‪ .‬ومن أجل الحيلولة دون نمو طبقة من موظفي‬

‫الدولة‪ ،‬أدخلت بروليتارية باريس في عام ‪ ،1871‬وبروليتارية روسيا في عام ‪ 1917‬التدابير التالية‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫(‪ )1‬انتخاب جميع المسؤولين‪ ،‬مع حق النقض‪ )2( .‬إلغاء الجيش النظامي‪ ،‬واستعاضته بالشعب‬

‫المسلح‪ )3( .‬أال تزيد أجور موظفي الدولة عن أجر العامل‪ )4( .‬تناوب مناصب ومراكز الدولة بين‬

‫الناس‪.‬‬

‫لتقحم نفسها في شؤون الدولة‪،‬‬


‫ومع الحد من أسبوع العمل‪ ،‬ستتاح الفرصة للجماهير ُ‬

‫ولِ تكتسب مفتاح الثقافة والعلوم والفن‪ .‬فكما قال إنجلز ذات مرة‪ ،‬إذا مكث الفن والعلوم‬

‫حكرا على األقلية‪ ،‬فإنها ستستخدم موقعها ذلك وستسيئ استعماله لخدمة‬
‫ً‬ ‫والحكومة‬

‫مصالحها الشخصية‪ ،‬كما كان الحال في الدول الستالينية السابقة‪.‬‬

‫لعمالية‪ ،‬منذ نشأتها‪،‬‬


‫تاريخيا مع نشوء المجتمع الطبقي‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن الدولة ا ّ‬
‫ً‬ ‫نشأت الدولة‬

‫تبدأ بالتالشي‪ ،‬تزامنً ا مع تالشي الطبقات داخل المجتمع‪ .‬وهذا هو السبب لوصف إنجلز الدولة‬

‫البروليتارية بـ«شبه الدولة»‪ .‬وأشار لينين حول ذلك في كتاب «الدولة والثورة»‪:‬‬

‫حتما الكثير من وجوه الديموقراطية «البدائية»‪ ،‬ألن‬


‫ً‬ ‫وتحت ظل االشتراكية تنبعث‬

‫جمهور السكان يرتفع ألول مرة في تاريخ المجتمعات المتحضرة إلى االشتراك‬

‫أيضا في اإلدارة اليومية للدولة‪.‬‬


‫المستقل ليس فقط في التصويت واالنتخابات‪ ،‬بل ً‬

‫ففي ظل االشتراكية سيقوم الجميع بوظائف اإلدارة بالتناوب ويعتادون بسرعة على‬

‫أال يحكم أحد‪.‬‬

‫في المرحلة الدنيا هذه من االشتراكية‪ ،‬كما دعاها ماركس‪ ،‬يرى المرء المجتمع «كما يخرج‬

‫لتوه من المجتمع الرأسمالي‪ ،‬وهو ال يزال‪ ،‬من جميع النواحي‪ ،‬االقتصادية واألخالقية والفكرية‪،‬‬

‫يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه» (ماركس‪ :‬نقد برنامج غوتا)‪ .‬على الرغم من‬

‫مستوى عال بما يكفي‬


‫ً‬ ‫انتهاء استغالل اإلنسان لإلنسان‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن اإلنتاج لم يصل بعد إلى‬

‫للقضاء على التفاوتات واالختالفات الطبقية في المجتمع‪ ،‬حيث ال يزال الناس بحاجة التباع‬

‫ً‬
‫حارسة‬ ‫مبدأ‪« :‬من ال يعمل ال يأكل»‪ .‬والدولة‪ ،‬على الرغم من طابعها المتالشي‪ ،‬فإنها ال تزال‬

‫للتفاوتات في المجتمع‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫االشتراكية‪ :‬المجتمع الال طبقي‬
‫لكن‪ ،‬مع تقدم مستوى اإلنتاج‪ ،‬باالستناد على التخطيط الواعي وأكثر العلوم تقدما‪ ،‬تدخل‬

‫تماما‪،‬‬
‫ً‬ ‫البشرية إلى عوالم المجتمع الحقيقي األعلى‪ .‬ستكون الطبقات والدولة قد تالشت‬

‫أن التناقضات بين‬


‫وسيعتمد المجتمع شعار «من كل حسب قدرته‪ ،‬لكل حسب حاجته»‪ .‬كما ّ‬
‫المدينة والريف‪ ،‬وبين العمل الذهني والبدني ستختفي مع التطوير المتزايد لقوى اإلنتاج‪.‬‬

‫وعندئذ يتم تخطي هذا «األفق الضيق للحق البرجوازي»‪ ،‬على حد تعبير لينين‪ ،‬الذي يرغم المرء‬

‫على الحساب بحرص المرابين فال يعمل نصف ساعة أكثر مما يعمله شخص آخر وال يقبض أجرة‬

‫أقل من أجرة اآلخر‪ .‬وعندئذ لن يتطلب‪ ،‬عند توزيع المنتوجات من قبل المجتمع‪ ،‬تنظيم كمية‬

‫المنتوجات التي ينالها كل فرد‪ ،‬فكل فرد سيأخذ بحرية «حسب حاجاته»‪.‬‬

‫ستكون الطبيعة الهمجية للمجتمع الطبقي قد انتهت لألبد‪ ،‬وسيكون عصر ما قبل التاريخ قد‬

‫انتهى‪ .‬سيص بح بإمكان القوى المنتجة التي تراكمت عبر آالف السنين من المجتمع الطبقي‬

‫وضع األسس لمجتمع ال طبقي حيث تصبح الدولة وتقسيم العمل غير ضروريين‪ .‬ستضع‬

‫اإلنسانية لنفسها مهمة غزو الطبيعة وفتح عجائب العلوم والتكنلوجيا الهائلة‪ .‬فعلى حد تعبير‬

‫إنجلز‪« :‬ستُ ستبدل حكومة األشخاص بإدارة األمور»‪.‬‬

‫وكما أشار تروتسكي‪« :‬بمجرد انتهاء اإلنسان من القوى الفوضوية لمجتمعه الخاص‪ ،‬فإنه‬

‫ومعوجة الكيميائي‪ .‬وستعتبر اإلنسانية نفسها للمرة األولى مادة خام‪،‬‬


‫ّ‬ ‫مدقة‬
‫ّ‬ ‫سيندمج في‬

‫ونفسيا شبه مكتمل‪ .‬وستعني االشتراكية قفزة البشرية‬


‫ً‬ ‫جسديا‬
‫ً‬ ‫منتجا‬
‫ً‬ ‫أو‪ ،‬في أحسن األحوال‪،‬‬

‫من عالم الضرورة إلى عالم الحرية‪ ،‬وكذلك في المعنى القائل بأن إنسان اليوم المليء‬

‫بالتناقضات والعديم التناسق سيفسح المجال لجيل جديد أكثر سعادة»‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫مدخل لالقتصاد الماركسي‬
‫مقدمة‬
‫اليوم‪ ،‬وتحت احتداد األزمة الرأسمالية‪ ،‬أصبحت هناك حالة من التعطش لالقتصاد بين العديد‬

‫العمال‪ ،‬إذ أنهم يحاولون فهم القوى التي تحكم حيواتهم‪ .‬الهدف من هذا الموجز هو‬
‫ّ‬ ‫من‬

‫بمدخل إلى القوانين األساسية‬


‫ٍ‬ ‫بشرح ٍ‬
‫واف للنظرية الماركسية في االقتصاد‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫تزويدهم‪ ،‬ليس‬

‫التي يعمل بها المجتمع الرأسمالي‪.‬‬

‫إن سطحية االقتصاديين المدافعين عن الرأسمالية تظهر من خالل عدم قدرتهم على فهم‬
‫ّ‬
‫أن دورهم يتلخص بالتستر على استغالل الطبقة العاملة‬
‫األزمة التي تعصف بنظامهم‪ ،‬إذ ّ‬
‫تماما على‬
‫ً‬ ‫إن «نظرياتهم» و«حلولهم» الزائفة غير قادرة‬
‫و«إثبات» تفوق المجتمع الرأسمالي‪ّ .‬‬
‫ترقيع الطبيعة الفاسدة والعفنة للنظام الرأسمالي‪ .‬وحده التحويل االشتراكي للمجتمع ومعه‬

‫تطبيق التخطيط المركزي سينهي جحيم البطالة واألزمات االقتصادية والفوضى‪.‬‬

‫العمالية إلههم القديم كنيز‪ ،‬واستبدلوه بالحلول االقتصادية‬


‫ّ‬ ‫لقد نبذ الجناح اليميني للحركة‬

‫ٍ‬
‫تخفيضات في الميزانية إلى تجميد األجور واالنكماشات االقتصادية‪ .‬أ ّما اليسار‬ ‫«التقليدية»‪ :‬من‬

‫اإلصالحي فال يزال متمسكً ا بسياسات الرأسمالية القديمة (اإلنعاش االقتصادي‪ ،‬وضبط‬

‫االستيراد‪ ،‬وما إلى ذلك)‪ ،‬وهي السياسات التي أثبت الواقع إفالسها‪.‬‬

‫التحليل الماركسي للمجتمع الرأسمالي هو وحده القادر على دحض أكاذيب وتشويهات‬

‫العمالية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االقتصاديين الرأسماليين ومكافحة نفوذهم في الحركة‬

‫الشروط الضرورية لوجود الرأسمالية‬


‫ٍ‬
‫عدد من الشركات العمالقة التي تهيمن وتسيطر‬ ‫يتركز اإلنتاج الحديث في يومنا هذا في أيدي‬

‫على حياتنا‪ ،‬كشركة يونيليڤر (‪ ،)Unilever‬وإمبريل كيميكل إندستريز ( ‪Imperial Chemical‬‬

‫‪ ،)Industries‬وشركة فورد‪ ،‬وشركة بي پي (‪ .)British Petroleum‬وعلى الرغم من وجود شركات‬

‫تجارية صغيرة‪ّ ،‬إال ّأنها ال تمثل ّإال نمط إنتاج الماضي‪ ،‬ال الحاضر‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن االنتاج الحديث‪ ،‬بطبيعته‪،‬‬

‫ضخم واسع النطاق‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫إنتاج‬
‫ٌ‬ ‫هو‬

‫‪52‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫في الوقت الحاضر‪ ،‬تسيطر ‪ 200‬من الشركات الكبرى مع ‪ 35‬من البنوك والمؤسسات المالية على‬

‫االقتصاد البريطاني‪ ،‬كما ينتجون ‪ 80‬بالمئة من اإلنتاج الوطني‪ .‬لقد تحقق هذا التطور على‬

‫مدى القرون الماضية من خالل التنافس الشرس واألزمات والحروب‪ .‬وفي الوقت الذي توقع‬

‫فيه االقتصاديون الكالسيكيون ازدهار التجارة الحرة في المستقبل‪ ،‬أوضح ماركس كيف أن‬

‫المنافسة ستؤدي حتما لالحتكار وتالشي الشركات الصغرى‪ .‬لقد نمت الرأسمالية االحتكارية‬

‫من المنافسة الحرة وألغتها‪.‬‬

‫أساسا لتلبية احتياجات الناس‪ ،‬وهو ما يجب‬


‫ً‬ ‫موج ٌه‬
‫ّ‬ ‫للوهلة األولى‪ ،‬قد يبدو وكأن إنتاج السلع‬

‫على كل مجتمع القيام به بكل تأكيد‪ّ ،‬إال ّ‬


‫أن السلع‪ ،‬تحت ظل النظام الرأسمالي‪ ،‬ال ُتنتَ ج لمجرد‬

‫نتج‪ ،‬في المقام األول‪ ،‬لتباع‪ .‬هذه هي الوظيفة‬


‫تلبية حاجات أو رغبات المجتمع‪ ،‬بل هي ُت َ‬

‫األساسية للصناعة الرأسمالية‪.‬‬

‫فكما قال الرئيس السابق لشركة بريتش ليالند‪« :‬إنني أعمل لكسب المال‪ ،‬ال لصنع السيارات»‪.‬‬

‫برمتها‪.‬‬
‫تمثل هذه العبارة التطلع المثالي للطبقة الرأسمالية ّ‬

‫العمال‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أوال‪ ،‬وجود فئة كبيرة من‬ ‫ٍ‬
‫عدد من الشروط‪.‬‬ ‫يتطلب نمط اإلنتاج الرأسمالي وجود‬

‫المفتقرين للملكية‪ ،‬المجبورين على بيع قوة عملهم من أجل عيش حياتهم‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن‬

‫المفهوم المحافظ لـ«ديمقراطية المالكين» ليس سوى سخافة تحت ظل النظام الرأسمالي‪،‬‬

‫حاجياتها‪ ،‬فلن يجد‬


‫ّ‬ ‫ألنه إذا ما امتلكت أغلبية الشعب ما يكفيها من الممتلكات لتلبية‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪ ،‬يتطلب النظام الرأسمالي تمركز وسائل اإلنتاج‬
‫ً‬ ‫عماال إلنتاج أرباحهم‪.‬‬
‫الرأسماليون عندئذ ّ‬
‫في أيدي الرأسماليين‪ .‬فعلى مر القرون القليلة الماضية‪ُ ،‬سحق الفالحون ومن يملكون وسائل‬

‫ّ‬
‫ومالك األراضي على وسائل رزقهم‪،‬‬ ‫خاصة بهم للعيش بال رحمة‪ ،‬حيث استولى الرأسماليون‬

‫وأرغموا العمال على اإلنتاج وخلق فائض القيمة‪.‬‬

‫القيمة والبضائع‬
‫وبأي طريقة ُيستغل العمال بها؟ ومن أين تأتي األرباح؟ وكيف‬
‫ّ‬ ‫كيف يعمل النظام الرأسمالي؟‬

‫تحدث األزمات؟‬

‫‪53‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫لإلجابة على هذه األسئلة‪ ،‬ال بد ً‬
‫أوال من معرفة مفتاح اللغز‪ :‬ماهي القيمة؟ ما إن ُتحل هذه‬

‫ضروري لتحليل‬
‫ّ‬ ‫إن فهم القيمة لهو أمر‬
‫المسألة‪ ،‬حتى تصبح األجوبة لألسئلة األخرى واضحة‪ّ .‬‬
‫وفهم االقتصاد الرأسمالي‪.‬‬

‫سلعا أو خدمات‪ ،‬أو على األصح‪ ،‬تنتج بضائع‪ ،‬أي تلك السلع أو‬
‫ً‬ ‫تنتج جميع الشركات الرأسمالية‬

‫ً‬
‫أصال ّإال ليتم بيعها‪ .‬بالطبع‪ ،‬بإمكان فرد ما صنع شيء الستخدامه‬ ‫الخدمات التي ال تنتج‬

‫أن هذه المنتجات‬


‫الشخصي‪ ،‬وهو ما اضطر العديد من الناس فعله قبل وجود الرأسمالية‪ .‬غير ّ‬
‫تمثل بضائعا‪ .‬اإلنتاج الرأسمالي هو‪ً ،‬‬
‫أوال وقبل كل شيء‪« ،‬تراكم هائل للسلع»‪ .‬وهذا هو‬ ‫ّ‬ ‫ال‬

‫السبب الذي جعل ماركس يبدأ أبحاثه عن الرأسمالية بتحليله لخصائص البضاعة نفسها‪.‬‬

‫لدى جميع البضائع قيمة استعمالية‪ ،‬أي أنها مفيدة لشخص ما‪ّ ،‬‬
‫وإال فلن يمكن بيعها‪ .‬القيمة‬

‫تتحدد بخصائصها الفيزيائية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫االستعمالية لبضاعة ما‬

‫لكن‪ ،‬إلى جانب القيمة االستعمالية‪ ،‬لدى جميع البضائع قيمة تبادلية‪ .‬ما هي هذه القيمة‪،‬‬

‫وكيف يمكن تحديدها؟‬

‫إذا ما تغاضينا‪ ،‬في الوقت الحالي‪ ،‬عن مسألة المال‪ ،‬فإننا نجد أن البضائع يتم تداولها وفقا‬

‫معينة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫لنسب‬

‫زوج حذاء واحد (ساعة واحدة) = عشر أمتار من القماش (ثالث زجاجات من‬

‫الويسكي) (عجلة سيارة واحدة)‬

‫جميع البضائع الموجودة في الجانب األيمن يمكن تبادلها مقابل عشرة أمتار من القماش‪ ،‬كما‬

‫يمكن تبادلها مع بعضها البعض بنفس النِ سب المتواجدة‪.‬‬

‫أن القيم التبادلية لهذه البضائع المختلفة يعبر عن شيء ما متضمن‬


‫يبين هذا المثال البسيط ّ‬
‫فيها‪ .‬لكن‪ ،‬ما الذي يجعل زوج حذاء يساوي ‪ 10‬أمتار من القماش؟ أو مساواة ساعة واحدة لـ‪3‬‬

‫زجاجات من الويسكي؟ وهلم جرا…‬

‫أن األمر ال يتعلق بالوزن أو‬


‫من الواضح وجود قاسم مشترك بين هذه البضائع‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن األمر ال يتعلق أيضا بفائدتها االستعمالية‪ .‬فالخبز‪ ،‬في نهاية المطاف‪،‬‬
‫اللون أو الصالبة‪ .‬كما ّ‬

‫‪54‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫أن األول ضرورة أساسية بينما اآلخر ليس ّإال‬
‫أقل قيمة من سيارات رولز رويس‪ ،‬هذا في حين ّ‬
‫مجرد شكل من أشكال الترف‪ .‬إذن‪ ،‬ما هي الخاصية التي يتشاركانها؟ الشيء الوحيد الذي‬

‫نتاجا للعمل البشري‪.‬‬


‫ً‬ ‫يتشاركانه هو كونهما‬

‫والعمال البشري الوارد في البضائع يعبر عنه بالوقت‪ :‬األسابيع‪ ،‬األيام‪ ،‬الساعات‪ ،‬والدقائق‪.‬‬

‫وللعودة للمثال أعاله‪ ،‬من الممكن التعبير عن هذه البضائع من حيث العامل المشترك بينهما‪:‬‬

‫الوقت الالزم إلنتاجهم‪.‬‬

‫‪ 5‬ساعات من العمل إلنتاج األحذية‬

‫‪ 5‬ساعات من العمل إلنتاج العجالت‬

‫‪ 5‬ساعات من العمل إلنتاج الساعات‬

‫‪ 5‬ساعات من العمل إلنتاج الويسكي‬

‫‪ 5‬ساعات من العمل إلنتاج القماش‬

‫متوسط العمل‬
‫قيما استعمالية (أي باعتبارها مفيدة)‪ ،‬فإننا نجد «الحذاء»‬
‫ً‬ ‫إذا ما نظرنا إلى البضائع باعتبارها‬

‫معين من العمل‪ ،‬بمعنى أنهم نتاج عمل اإلسكافي أو الساعاتي‪ ،‬إلخ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أو «الساعة» كنتاج لنوع‬

‫وتظهر كوحدات‬
‫لكن‪ ،‬في تبادلها‪ُ ،‬ينظر للبضائع بشكل مختلف‪ ،‬حيث َتفقد خصائصها الذاتية َ‬

‫محددة من متوسط العمل‪ .‬ففي التبادل‪ ،‬نحن اآلن نقارن كميات العمل البشري الواردة في‬

‫هذه البضائع‪ .‬جميع العمل‪ ،‬في عملية التبادل‪ ،‬يختزل بمتوسط وحدات العمالة‪.‬‬

‫أن ا لبضاعة المنتجة من قبل اليد العاملة الماهرة تحتوي على قيمة أكبر من تلك التي‬
‫صحيح ّ‬
‫ً‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬في عملية التبادل‪ ،‬تقاس وحدات العمالة‬ ‫تنتجها اليد العاملة غير الماهرة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫محدد من العمالة غير الماهرة‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تساوي وحدة واحدة من‬ ‫ٍ‬
‫بعدد‬ ‫الماهرة‬

‫العمالة الماهرة ثالث وحدات من العمالة غير الماهرة‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬تساوي العمالة الماهرة‬

‫ثالثة أضعاف العمالة غير الماهرة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن قيمة بضاعة ما تحدد بمقدار «متوسط العمل» الالزم إلنتاجها (أو الوقت الذي‬

‫يستغرقه إنتاجها)‪ .‬لكن‪ ،‬إن توقفنا عند هذا الحد‪ ،‬قد يبدو وكأن العامل الكسول (أو البطيء)‬

‫كفاءة!‬
‫ً‬ ‫العمال‬
‫ّ‬ ‫ينتج قيمة أكبر من أكثر‬

‫إسكافي (صانع أحذية) ُيقرر استخدام أساليب العصور‬


‫ِّ‬ ‫دعونا ننظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إلى‬

‫ً‬
‫كامال‬ ‫يوما‬
‫ً‬ ‫اإلسكافي‬ ‫الوسطى القديمة إلنتاج األحذية‪ .‬باستعماله هذه األساليب‪ ،‬يستغرق‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد من األحذية‪ .‬لكن‪ ،‬عندما يحاول بيعها في السوق‪ ،‬فإنه سيجد أن تكلفتها‬ ‫زوج‬
‫ٍ‬ ‫إلنتاج‬

‫تجهيزا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ستكون مماثلة لألحذية المنتجة من قبل المصانع الحديثة األفضل‬

‫إن كانت تنتج هذه المصانع زوج الحذاء بغضون نصف ساعة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬فإنها ستتضمن‬

‫على قدر أقل من العمالة (وبالتالي قيمة أقل)‪ ،‬وسوف تباع بالنتيجة بسعر أقل‪ ،‬مما سيعرض‬

‫اإلسكافي المستخدم لألساليب القرون الوسطى لإلفالس‪ ،‬إذ أن العمل الذي يبذله في زوج‬

‫تفاديا من‬
‫ً‬ ‫أحذية ما بعد نصف ساعة هو عمل ضائع وغير ضروري تحت ظروف اإلنتاج الحديثة‪.‬‬

‫مضطرا إلدخال التقنيات الحديثة في عملية إنتاجه‪ ،‬ليساوي وقت إنتاجه‪،‬‬


‫ً‬ ‫اإلفالس‪ ،‬فإنه سيكون‬

‫على األقل‪ ،‬الوقت الضروري الذي تستغرقه الشركات الحديثة‪.‬‬

‫في أي مرحلة من المراحل‪ ،‬عند النظر إلى متوسط العمل واآلالت وأساليب اإلنتاج المستخدمة‬

‫معينً ا من الوقت إلنتاجها‪ .‬هذا الوقت يخضع‬


‫ّ‬ ‫فيها‪ ،‬فإننا نجد أن جميع البضائع تتطلب وقتا‬

‫لمستوى التقنية الموجود في المجتمع‪ .‬وكما قال ماركس‪ ،‬يجب أن تنتج جميع البضائع خالل‬

‫أن العمل الذي يزيد عن وقت العمل الضروري هو عمل عديم‬


‫اجتماعيا‪ .‬أي ّ‬
‫ً‬ ‫الوقت الضروري‬
‫ً‬
‫جاعال الشركة غير قادرة على التنافس‪.‬‬ ‫الجدوى‪ ،‬سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف‬

‫اجتماعيا إلنتاجها‪ .‬وبطبيعة‬


‫ً‬ ‫حدد قيمة البضاعة بمقدار العمل الضروري‬
‫ولنكون أكثر دقة‪ُ ،‬ت ّ‬
‫الحال‪ ،‬يتغير وقت العمل هذا باستمرار مع استحداث وإدخال تقنيات وأساليب جديدة في اإلنتاج‪،‬‬

‫حيث تقضي المنافسة على المنتِ جين األقل كفاءة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬بإمكاننا أن نفهم سبب تمتع الجواهر بقيمة أكثر مقارنة مع السلع اليومية‪ ،‬إذ نحن‬

‫بحاجة إلى المزيد من وقت العمل الضروري إليجاد واستخراج الجواهر مقارنة مع إنتاج البضائع‬

‫العادية‪ ،‬وبالتالي فإن قيمتها أعلى بكثير‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫كذلك‪ ،‬يمكن للشيء أن يكون ذي قيمة استعمالية من دون احتوائه على قيمة‪ ،‬بمعنى أن‬

‫مفيدا دون أن يتطلب أي وقت عمل ضروري إلنتاجه‪ :‬كالهواء واألنهار والتربة‬
‫ً‬ ‫يكون شيئً ا‬

‫والمروج الطبيعية‪ ،‬إلخ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن العمل ليس المصدر الوحيد للثروة (القيمة االستعمالية)‪،‬‬

‫أيضا‪.‬‬
‫فالطبيعة هي مصدر للثروة ً‬

‫مما سبق‪ ،‬نرى أن الزيادة في اإلنتاجية ُتفضي إلى زيادة في كمية األشياء المنتجة (الثروة‬

‫المادية)‪ّ ،‬إال أن بإمكان ذلك أن ينتقص من قيمة تلك األشياء‪ ،‬أي ّأنها ستحتوي على كمية‬

‫أقل من العمل‪ .‬بالتالي‪ ،‬فإن زيادة اإلنتاجية تؤدي إلى زيادة في الثروة (بإنتاج معطفين من‬

‫الممكن كسي شخصين‪ ،‬بإنتاج معطف واحد من الممكن كسي شخص واحد فقط)‪ .‬أي أن‬

‫بإمكان زيادة كمية الثروة المادية أن تتزامن من انخفاض قيمتها التبادلية‪.‬‬

‫النقود‬
‫نتيجة للصعوبات المرتبطة بالمقايضة‪ ،‬تم تحويل عدد من السلع التي يكثر استخدامها إلى‬

‫«عملة»‪ .‬ومع مر القرون‪َ ،‬فرضت إحدى السلع تلك – الذهب – نفسها باعتبارها «المعادل‬

‫العالمي»‪.‬‬

‫ً‬
‫وبدال من مقارنة هذه السلع مع كمية محددة من الزبد أو اللحم أو القماش‪ ،‬إلخ‪ ،‬أصبح يعبر‬

‫اعتمد الذهب بسبب خصائصه‪ ،‬إذ أنه يركز‬


‫عنها بالذهب‪ .‬السعر هو التعبير النقدي للقيمة‪ .‬وقد ُ‬

‫قيمة كبيرة في حجم صغير‪ ،‬ويمكن بسهولة تقسيمه إلى كميات مختلفة‪ ،‬كما أنه صلب شديد‬

‫المقاومة‪.‬‬

‫وقيمة الذهب نفسها‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لبقية البضائع‪ ،‬يتم تحديدها بمقدار وقت العمل‬

‫أن إنتاج أونصة من الذهب يستغرق ‪40‬‬


‫الذي استغرق إنتاجها‪ .‬فلنفرض‪ ،‬على سبيل المثال‪ّ ،‬‬
‫ساعة من العمل‪ .‬عندئذ‪ ،‬ستساوي جميع السلع األخرى‪ ،‬التي يستغرق إنتاجها نفس الوقت‪،‬‬

‫أما السلع التي يستغرق إنتاجها نصف الوقت‪ ،‬فلن تساوي ّإال نصف‬
‫واحدة من الذهب‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أونصة‬

‫ذلك المبلغ‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫أونصة واحدة من الذهب = ‪ 40‬ساعة من العمل‬

‫‪57‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫نصف أونصة من الذهب = ‪ 20‬ساعة من العمل‬

‫ربع أونصة من الذهب – ‪ 10‬ساعات من العمل‬

‫وبالتالي‪:‬‬

‫سيارة (تستلزم ‪ 40‬ساعة من العمل) = أونصة واحدة من الذهب‬

‫طاولة (تستلزم ‪ 10‬ساعات من العمل) = ربع أونصة من الذهب‬

‫تقنيات اإلنتاج وزيادة إنتاجية العمل‪ ،‬فإن قيم البضائع ال‬


‫ّ‬ ‫للتغيرات المستمرة الطارئة على‬
‫ّ‬ ‫نظرا‬
‫ً‬
‫التغير باستمرار‪ ،‬مثلها مثل القطارات العديدة التي تدخل المحطة وتخرج منها‬
‫ّ‬ ‫تتوقف عن‬

‫معينً ا كمعيار لقياس حركة القطارات األخرى‪،‬‬


‫ّ‬ ‫قطارا‬
‫ً‬ ‫باستمرار في األوقات المختلفة‪ .‬إذا اعتمدت‬

‫فلن يؤدي ذلك ّإال إلى االرتباك‪ّ .‬‬


‫أما إن وقفت على منصة ثابتة‪ ،‬فسيصبح بإمكانك الحكم بدقة‬

‫التغيرات الطارئة على جميع البضائع‪ ،‬يلعب الذهب دور‬


‫ّ‬ ‫على ما يجري‪ .‬وفيما يتعلق على‬

‫تغير مستمر‪ ،‬إذ ال‬


‫ّ‬ ‫استقرارا‪ّ ،‬إال أن قيمته كذلك في‬
‫ً‬ ‫المقياس‪ .‬وعلى الرغم من كونه األكثر‬

‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫توجد بضاعة بقيمة ثابتة‬

‫أسعار البضائع‬
‫يتحكم قانون القيمة على أسعار البضائع‪ .‬فكما هو موضح أعاله‪ ،‬قيمة بضاعة ما تساوي كمية‬

‫العمل الوارد فيها‪ .‬ونظريا‪ ،‬فإن القيمة تساوي السعر‪ .‬لكن‪ ،‬قيمة البضاعة تميل‪ ،‬في الواقع‪،‬‬

‫ألن تكون أدنى أو أعلى من قيمتها الحقيقية‪ .‬يحدث هذا التقلب بسبب التأثيرات المختلفة‬

‫أيضا‪ .‬فعلى‬
‫مهما ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عامال‬ ‫تقلبات العرض والطلب تشكل‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫على سعر السوق‪ ،‬كنمو االحتكار‪ .‬كما ّ‬
‫سبيل المثال‪ ،‬في حال وجود فائض من بضاعة ما‪ ،‬فإن سعر تلك البضاعة سوف يميل نحو‬

‫أدى تأثير‬
‫االنخفاض إلى ما دون قيمتها الحقيقية‪ ،‬لكنه سيرتفع في حال حدوث نقص‪ .‬لقد ّ‬
‫أن هذا القانون هو العامل الوحيد المتدخل‬
‫العرض والطلب العتقاد االقتصاديين البرجوازيين ّ‬
‫معينة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لكنهم لم يتمكنوا من شرح سبب تقلب األسعار دائما حول نقطة‬
‫ّ‬ ‫في تحديد السعر‪.‬‬

‫نتاجا للعرض والطلب‪ ،‬بل هي ناتجة عن وقت العمل الذي استغرقه إنتاج‬
‫ً‬ ‫هذه النقطة ليست‬

‫دلو بالستيكي‪.‬‬
‫تلك البضاعة‪ .‬فتكلفة الشاحنة ستكون دائما أغلى من تكلفة ٍ‬

‫‪58‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫األرباح‬
‫ابتكر بعض «العباقرة» نظرية أن األرباح تنشأ من بيع البضائع بسعر يزيد عن سعر شرائها‪ .‬يوضح‬

‫ماركس في كتابه «األجر والسعر والربح» زيف هذا االدعاء‪:‬‬

‫ثمة‬
‫أن ّ‬
‫دائما كمشتر‪ .‬وال عبرة للقول في ّ‬
‫ً‬ ‫دائما كبائع ال بد أن يخسره‬
‫ً‬ ‫ما يربحه المرء‬

‫أناسا هم مشترون دون أن يكونوا بائعين‪ ،‬أو مستهلكين دون أن يكونوا منتجين‪ .‬فإن‬
‫ً‬
‫ما يدفعه هؤالء الناس للمنتجين‪ ،‬ينبغي أن يكونوا قد أخذوه في البداية من هؤالء‬

‫بدون مقابل‪ .‬وحين يشرع أحدهم بأخذ مالك ثم يرده إليك بشراء بضائعك‪ ،‬فإنك لن تغتني‬

‫جدا‪ .‬ومثل هذا النوع من الصفقات قد يقلل من‬


‫أبدا حتى ولو بعتها له بسعر باهظ ً‬
‫ً‬

‫الخسارة‪ّ ،‬إال أنه ال يمكن ً‬


‫أبدا أن يسهم في تحقيق الربح‪.‬‬

‫قوة العمل‬
‫في اقتنائه على مختلف «عوامل اإلنتاج»‪ ،‬ال ينظر الرأسمالي لـ«سوق العمل» ّإال كفرع آخر من‬

‫ً‬
‫بضاعة أخرى‪.‬‬ ‫فروع سوق البضائع العامة‪ّ .‬إنه ال ينظر لقدرات وطاقات العامل ّإال بمجرد كونهما‬

‫وهكذا‪ ،‬فإنه ينشر اإلعالنات لتوظيف عدد من «األيدي» العاملة‪.‬‬

‫عما اشتراه الرأسمالي من العامل‪ .‬في الواقع‪ ،‬ال يبيع العامل‬


‫هنا‪ ،‬يجب علينا أن نكون واضحين ّ‬
‫عمله‪ ،‬بل يبيع قدرته على العمل‪ ،‬وهذا ما يسميه ماركس «قوة العمل»‪.‬‬

‫قوة العمل هي بضاعة تخضع قيمتها لنفس القوانين التي تخضع لها البضائع األخرى‪.‬‬

‫وقيمتها‪ ،‬كذلك‪ ،‬تتحدد بمقدار وقت العمل الضروري الالزم إلنتاجها‪ .‬قوة العمل هي قدرة‬

‫العامل على العمل‪ ،‬وهي « ُتستهلك» من طرف الرأسمالي خالل يوم العمل‪ .‬وهذا يفترض‬

‫وقوة العامل‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن قوة العمل تعني «صيانة» العامل لنفسه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وصحة‬ ‫وجود‬
‫َ‬ ‫مسبقا‬
‫ً‬

‫وإنجاب أجيال جديدة من «األيدي» العاملة للرأسمالي‪.‬‬

‫وقت العمل الضروري لصيانة العامل هو وقت العمل الضروري إلنتاج وسائل معيشته ومعيشة‬

‫أسرته‪ :‬من مأكل وملبس ووقود‪ ،‬إلخ‪ .‬كمية هذه الوسائل تختلف باختالف البلدان‪ ،‬والمناخات‪،‬‬

‫والمراحل التاريخية‪ .‬فما يكفي لمعيشة عامل في منطقة ما ال يكفي لمعيشة منجم في‬

‫‪59‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫كافيا اليوم لمعيشة‬
‫ً‬ ‫منطقة أخرى‪ ،‬وما كان كافيا لمعيشة منجم قبل خمسين سنة لن يكون‬

‫عامل في مصنع سيارات‪ .‬وفي هذه المسألة‪ ،‬على عكس قيم البضائع األخرى‪ ،‬تبرز عناصر‬

‫معينة‪ ،‬يوجد «مستوى‬


‫ّ‬ ‫معين‪ ،‬وفي مرحلة تاريخية‬
‫ّ‬ ‫تاريخية ومعنوية أيضا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإنه في بلد‬

‫معيشة» محدد (وبالمناسبة‪ ،‬خلق احتياجات جديدة هو بالضبط حافز جميع أنواع التقدم البشري)‪.‬‬

‫االحتيال‬
‫العمال‪ ،‬وإعادة إنتاج جنسهم‪ ،‬يضطر‬
‫ّ‬ ‫وبصرف النظر عن إعادة اإلنتاج اليومي لقوة عمل‬

‫معين من التعليم للعمال‬


‫ّ‬ ‫معينة من تطور التقنية الرأسمالية‪ ،‬توفير قدر‬
‫ّ‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬عند مرحلة‬

‫لتكييفهم من ظروف الصناعة الحديثة وليرفع من إنتاجيتهم‪.‬‬

‫وعلى خالف معظم البضائع األخرى‪ ،‬ال يدفع مشترو قوة العمل ثمنها ّإال بعد أن يستهلكوها‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن العمال ُيقرضون أرباب أعمالهم مجانً ا! (األمر الذي قد يمتد ألسابيع عدة‪ ،‬من غش‬

‫مؤديا لفقدان األجور)‪.‬‬


‫ً‬ ‫وتحايل تافه‪،‬‬

‫لكن‪ ،‬على الرغم من ذلك‪ ،‬لم يتعرض العامل لالحتيال‪ ،‬إذ ّأنه وافق على العقد بمحض «حريته»‪.‬‬

‫وكما هو الحال مع جميع البضائع األخرى‪ ،‬حيث ُتتَ بادل القيم المتساوية‪ :‬فإن بضاعة العامل‪،‬‬

‫أما إذ لم يرضى العامل‬


‫قوة عمله‪ُ ،‬تباع لرب العمل بـ«سعر السوق»‪ .‬الجميع راض عن االتفاق‪ّ ،‬‬
‫به‪ ،‬فهو حر للمغادرة والبحث عن عمل آخر‪ ،‬لو كان بإمكانه‪.‬‬

‫تلقى العامل القيمة الكاملة لبضاعته‪،‬‬


‫يطرح بيع العمل مشكلة‪ :‬إن لم يتعرض أحد لالحتيال‪ ،‬إن ّ‬
‫يتلقى‬
‫ّ‬ ‫أن العامل لم يبع عمله للرأسمالي (الذي‬
‫فأين يكمن االستغالل؟ الجواب يكمن في ّ‬
‫قيمته في يوم العمل)‪ ،‬بل باع قوة عمله – أي قدرته على العمل‪.‬‬

‫بمجرد شراء الرأسمالي قوة العمل كبضاعة‪ ،‬فإنه حر ليستخدمها كيفما يشاء‪ .‬فكما أوضح‬

‫ماركس‪« :‬بمجرد دخول العامل إلى مكان العمل‪ ،‬تصبح القيمة االستعمالية لقوة عمله‪ ،‬وبالتالي‬

‫استخدامها أيضا‪ ،‬الذي يتمثل بالعمل‪ ،‬ملكً ا للرأسمالي»‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫فائض القيمة‬
‫أن قوة العمل هي البضاعة الوحيدة التي بإمكانها إنتاج قيم‬
‫سنرى في المثال التالي كيف ّ‬
‫جديدة تفوق وتتجاوز قيمتها الحقيقية‪.‬‬

‫عامل يعمل في غزل القطن إلى خيوط‪ ،‬ولنفترض أنه يتلقى مقابل‬
‫ٍ‬ ‫نظرة على‬
‫ً‬ ‫دعونا نلقي‬

‫وأنه ينتج خالل أربع ساعات‬ ‫ٍ‬


‫ساعات في اليوم‪ّ ،‬‬ ‫واحدا لكل ساعة‪ ،‬وأنه يعمل ثماني‬
‫ً‬ ‫دوالرا‬
‫ً‬ ‫عمله‬

‫دوالرا هذه مما‬


‫ً‬ ‫دوالرا‪ .‬تتكون قيمة العشرين‬
‫ً‬ ‫مئة كيلوجرام من الخيوط تبلغ قيمتها عشرين‬

‫يلي‪:‬‬

‫دوالرا (القطن‪ ،‬المغزل‪ ،‬والكهرباء)‬


‫ً‬ ‫المواد الخام‪11 :‬‬

‫كلفة التلف‪ :‬دوالر واحد (كلفة التلف واالستعمال)‬

‫القيمة الجديدة‪ 8 :‬دوالرات‪.‬‬

‫بإمكان القيمة الجديدة‪ ،‬التي ُأنتجت خالل أربع ساعات‪ ،‬دفع أجر العامل لمدة ثمان ساعات‪ ،‬أي‬

‫غطى جميع تكاليفه (بما‬


‫المدة الكاملة ليوم العمل‪ .‬عند هذه النقطة‪ ،‬يكون الرأسمالي قد ّ‬
‫في ذلك إجمالي أجره)‪ ،‬لكن‪ ،‬ولحدود هذه اللحظة‪ ،‬لم يتم إنتاج أي فائض قيمة (الربح) بعد‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بقيمة‬ ‫خالل األربع ساعات التالية‪ ،‬سيقوم العامل من جديد بإنتاج مئة كيلوجرام من الخيوط‬

‫دوالرا‪ ،‬ومرة أخرى سيتم إنتاج قيمة جديدة قدرها ثمانية دوالرات‪ .‬لكن‪ ،‬هذه‬
‫ً‬ ‫قدرها عشرون‬

‫مسبقا‪ .‬وبالنتيجة‪ ،‬تكون القيمة الجديدة هذه (الـثمان‬


‫ً‬ ‫المرة‪ ،‬تكون األجور قد تم تغطيتها‬

‫دوالرات) فائض قيمة‪ .‬من هنا يأتي الريع (لمالك األرض)‪ ،‬والفائدة (لمقرض المال)‪ ،‬واألرباح‬

‫وفقا لماركس‪ ،‬عمل الطبقة العاملة‬


‫ً‬ ‫(للصناعي)‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن فائض القيمة أو الربح هو‪،‬‬

‫غير مدفوع األجر (أي أنه العمل الذي يستخرجه الرأسمالي من العامل دون مقابل)‪.‬‬

‫يوم العمل‬
‫حتى بعد أن أنتج القيمة الضرورية‬
‫يكمن سر إنتاج فائض القيمة في استمرار العامل بالعمل ّ‬
‫إلعادة إنتاج قيمة قوة عمله (أجره)‪ .‬فكما قال ماركس‪« :‬إن كون مدة نصف يوم من العمل‬

‫مطلقا من تشغيله طوال اليوم»‪.‬‬


‫ً‬ ‫كافية إلبقاء العامل على قيد الحياة ال تمنع‬

‫‪61‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تماما كما ال يمكن‬
‫ً‬ ‫استخدم بها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لقد باع العامل بضاعته‪ ،‬وال يمكنه االحتجاج على الطريقة التي‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬ينظم‬


‫ً‬ ‫معطفا لزبونه أن يطلب منه عدم ارتدائه لمعطفه كثيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫للخياط الذي باع‬

‫بشكل يمكنه تحقيق أقصى قدر من الربح من قوة العمل التي اشتراها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الرأسمالي يوم العمل‬

‫وهنا يكمن سر تحول النقد إلى رأس مال‪.‬‬

‫رأس المال الثابت‬


‫ستوعب‬
‫َ‬ ‫وت‬
‫ستهلك ُ‬
‫خالل عملية اإلنتاج‪ ،‬تفقد اآلالت والمواد الخام قيمتها االستعمالية‪ ،‬إذ أنها ُت َ‬

‫حول قيمتها إلى البضاعة الجديدة‪.‬‬


‫في المنتج الجديد‪ ،‬أي أنها ُت ِّ‬

‫واضحا في حالة المواد الخام (الخشب‪ ،‬والمعادن‪ ،‬واألصباغ‪ ،‬والوقود‪ ،‬إلخ) التي يتم‬
‫ً‬ ‫يظهر هذا‬

‫استهالكها بالكامل في عملية اإلنتاج‪ ،‬وال تعيد الظهور مرة أخرى ّإال في خصائص المادة‬

‫المنتجة‪.‬‬

‫أما اآلالت‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬ال تختفي بنفس الطريقة‪ ،‬بل تتدهور وتتلف في سياق عملية‬
‫ّ‬
‫اإلنتاج‪ ،‬حيث تتآكل ببطء‪ .‬وكما هو الحال بالنسبة للفرد‪ ،‬فإنه من الصعب تحديد مدى حياة آلة‬

‫ما‪ .‬لكن‪ ،‬مثلما تقوم شركات التأمين الصحية‪ ،‬بفضل المعدالت اإلحصائية‪ ،‬بحسابات دقيقة‬

‫للغاية (ومربحة للغاية) للعمر المتوقع لزبائنهم‪ ،‬يمكن للرأسمالي كذلك أن يحدد‪ ،‬بفضل الخبرة‬

‫والحسابات‪ ،‬كم من الوقت ستظل آلة ما صالحة لالستعمال‪.‬‬

‫إن تلف اآلالت وا لخسارة اليومية لقيمتها تحسب على هذا األساس‪ ،‬وتضاف إليها تكلفة‬
‫ّ‬
‫البضاعة المنتجة‪ .‬ولذلك‪ ،‬تضيف وسائل اإلنتاج للبضاعة قيمتها الخاصة في نفس الوقت الذي‬

‫تتلف فيه قيمة استعمالها خالل عملية اإلنتاج‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يمكن لوسائل اإلنتاج أن تنقل‬

‫ً‬
‫قيمة أكبر من تلك التي فقدتها خالل عملية اإلنتاج‪ .‬ولذلك نسميها برأس المال‬ ‫للبضاعة‬

‫الثابت‪.‬‬

‫رأس المال المتغير‬


‫أي قيمة جديدة للبضائع المنتجة‪ ،‬بل تتلف فقط‪ ،‬يضيف‬
‫وفي حين ال تضيف وسائل اإلنتاج ّ‬
‫عمل العامل قيمة جديدة بمجرد عمله‪ .‬ولو توقفت عملية العمل بمجرد إنتاج العامل لبضائع‬

‫‪62‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫تساوي قيمتها قوة عمله (‪ 8‬دوالرات في الـ‪ 4‬ساعات في مثالنا أعاله) لكانت هذه هي القيمة‬

‫الجديدة الوحيدة الناشئة عن عمله‪.‬‬

‫لكن عملية العمل ال تتوقف عند ذلك الحد‪ ،‬فذلك ال يغطي ّإال األجر الذي يقدمه الرأسمالي‬

‫للعامل‪ .‬غير أن الرأسمالي ال يوظف العامل بهدف فعل الخير‪ ،‬بل بهدف تحقيق األرباح‪ .‬وبعد‬

‫فإنه يجب عليه العمل إلنتاج قيمة تفوق ذلك‬


‫عقدا مع الرأسمالي‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫أن أبرم العامل بـ«حرية»‬

‫المبلغ الذي سيحصل عليه كأجر‪.‬‬

‫إن وسائل اإلنتاج من جهة‪ ،‬وقوة العمل من جهة أخرى – اللتان تعتبران «عوامل إنتاج» االقتصاد‬
‫ّ‬
‫البرجوازي – تمثالن الشكلين المختلفين اللتين ينتحلهما رأس المال األصلي في المرحلة الثانية‬

‫من مراحل اإلنتاج الرأسمالي‪ :‬المال (الشراء) – البضائع (اإلنتاج) – المال (البيع)‪.‬‬

‫أما الماركسية‪،‬‬
‫ينظر االقتصاديون البرجوازيون إلى هذه العوامل باعتبارها عوامل متساوية‪ّ .‬‬
‫أي تغيير في قيمته في‬
‫في المقابل‪ ،‬فتميز بين ذلك الجزء من رأس المال الذي لم يطرأ عليه ّ‬
‫عملية اإلنتاج (اآلالت واألدوات والمواد الخام) والجزء المتمثل بقوة العمل الذي ينتج قيمة‬

‫أما الجزء اآلخر فيدعى برأس المال‬


‫جديدة‪ .‬الجزء األول من رأس المال يدعى برأس المال الثابت‪ّ ،‬‬
‫المتغير‪ .‬والقيمة اإلجمالية للبضائع تتكون من رأس المال الثابت (ر‪.‬ث‪ ،).‬ورأس المال‬

‫المتغير(ر‪.‬م‪ ،).‬وفائض القيمة (ف‪.‬ق‪ :).‬ر‪.‬ث‪ + .‬ر‪.‬م‪ + .‬ف‪.‬ق‪.‬‬

‫العمل الضروري وفائض العمل‬


‫من الممكن تقسيم العمل الذي تقوم به الطبقة العاملة إلى قسمين إثنين‪:‬‬

‫‪ .1‬العمل الضروري‪ :‬الجزء الضروري من عملية العمل لتغطية تكاليف األجور‪.‬‬

‫‪ .2‬فائض العمل (العمل غير المأجور)‪ :‬العمل اإلضافي الذي يقوم به العامل‪ ،‬والذي ينتج‬

‫األرباح‪.‬‬

‫لمضاعفة أرباحه‪ ،‬يحاول الرأسمالي باستمرار تقليص تكاليف األجور‪ .‬وهو يعمل ذلك عن طريق‬

‫وثانيا‪ ،‬زيادة اإلنتاجية‬


‫ً‬ ‫محاولته‪ً ،‬‬
‫أوال‪ ،‬إطالة يوم العمل‪ ،‬واستحداث أنماط تناوب جديدة‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫ً‬
‫وثالثا‪ ،‬معارضة أي ارتفاع في األجور أو تخفيضها إن سنحت‬ ‫لتغطية كلفة األجور بشكل أسرع‪.‬‬

‫الفرصة‪.‬‬

‫معدل فائض القيمة‬


‫أن الهدف األساسي من اإلنتاج الرأسمالي هو استخراج فائض القيمة من عمل الطبقة‬
‫بما ّ‬
‫العاملة‪ ،‬فإن العالقة بين رأس المال المتغير (األجور) وفائض القيمة (األرباح) هي عالقة ذات‬

‫أهمية كبرى‪ ،‬إذ ال تتضاعف أو تتقلص إحداهما ّإال على حساب األخرى‪ .‬في نهاية المطاف‪،‬‬

‫الصراع على فائض القيمة هو ما يشكل في جهوره الصراع الطبقي‪ .‬ال يهم الرأسمالي قدر‬

‫كبيرا مقابل كل‬


‫ً‬ ‫ربحا‬
‫فائض القيمة المنتج بقدر ما يهمه معدل فائض القيمة‪ ،‬فهو يترقب ً‬
‫دوالر يستثمره في رأس المال‪ .‬إن معدل فائض القيمة هو معدل استغالل رأس المال للعمل‪.‬‬

‫يمكن التعبير عن هذه المعادلة بـ‪ :‬قسمة فائض القيمة على العمل الضروري (رأس المال‬

‫إجمالي رأس المال في مصنع صغير هو‬


‫ّ‬ ‫المتغير) أو ف‪.‬ق‪/.‬ر‪.‬م‪ .‬فلنفترض‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن‬

‫‪ 500‬دوالر‪ ،‬والذي يمكن تقسيمه بين رأس المال الثابت (‪ 410‬دوالرات) وبين رأس المال المتغير‬

‫دوالرا‪ ،‬إذن‪:‬‬
‫ً‬ ‫دوالرا)‪ .‬ولنفترض أن قيمة البضاعة قد ارتفعت‪ ،‬خالل عملية اإلنتاج‪ ،‬بمقدار ‪90‬‬
‫ً‬ ‫(‪90‬‬

‫(ر‪.‬ث‪ + .‬ر‪.‬م‪ + ).‬ف‪.‬ق‪590 = 90 + )90 + 410( = .‬‬

‫أي أن إجمالي القيمة الجديدة هي ‪ 590‬دوالرا‪.‬‬


‫ّ‬

‫ً‬
‫متمثلة بفائض القيمة‪.‬‬ ‫إن رأس المال المتغير هو العمل الحي‪ ،‬بمعنى أنه ينتج قيمة جديدة‬
‫ّ‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن الزيادة النسبية للقيمة المنتجة من طرف رأس المال تعطينا معدل فائض‬

‫القيمة‪ :‬ف‪.‬ق‪/.‬ر‪.‬م‪ .٪100 = 90/90 = .‬أي أن معدل فائض القيمة هو ‪.٪100‬‬

‫معدل الربح‬
‫وتحت ضغط التنافس على الصعيدين الوطني والدولي‪ ،‬يضطر الرأسمالي على الدوام إلى‬

‫إحداث ثورة في وسائل اإلنتاج ومضاعفة اإلنتاجية‪ .‬إن الحاجة لتوسيع نطاق إنتاجه‪ ،‬يدفع‬

‫الرأسمالي الستثمار نسبة أكبر وأكبر من رأس ماله على اآلالت والمواد الخام‪ ،‬ونسبة أصغر‬

‫على قوة العمل‪ ،‬األمر الذي يقلص من نسبة رأس المال المتغير بالنسبة إلى رأس المال الثابت‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫وجنبا إلى جنب مع األتمتة (أو المكننة) يجري تمركز رأس المال‪ ،‬وتصفية الشركات الصغرى‪،‬‬
‫ً‬
‫غيرا في تكوين رأس المال التقني‪.‬‬
‫وهيمنة االحتكارات الكبرى على االقتصاد‪ ،‬األمر الذي يمثل ت ّ‬

‫أن رأس المال المتغير (قوة العمل) هو وحده مصدر فائض القيمة (الربح)‪ ،‬فإن زيادة‬
‫لكن‪ ،‬بما ّ‬
‫االستثمار في رأس المال الثابت تؤدي إلى ميل معدل الربح لالنخفاض‪ .‬وعلى الرغم من إمكانية‬

‫طرديا مع‬
‫ً‬ ‫النمو ال يتناسب‬
‫ّ‬ ‫تنمية األرباح بشكل هائل من خالل زيادة االستثمارات‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن هذا‬

‫كميات رؤوس األموال المستثمرة‪.‬‬

‫يتكون من رأس‬
‫ّ‬ ‫دوالرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فلنأخذ‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬رأسمالي صغير يبلغ مجمل رأس ماله ‪150‬‬

‫مال ثابت (‪ 50‬دوالرا) ورأس مال متغير (‪ 100‬دوالر)‪ .‬فلنفترض‪ ،‬كذلك‪ ،‬أنه وظف عشرة أشخاص‬

‫إلنتاج طاوالت وكراسي مقابل ‪ 10‬دوالرات في اليوم‪ .‬بعد يوم عمل واحد‪ ،‬يكونون قد أنتجوا‬

‫جديدة مقدارها ‪ 250‬دوالرا‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫قيمة‬

‫األجور المدفوعة = ‪ 100‬دوالر‬ ‫إجمالي رأس المال‪:‬‬

‫دوالرا‬
‫ً‬ ‫رأس المال الثابت = ‪50‬‬

‫فائض القيمة = ‪ 100‬دوالر‬

‫يمكن حساب معدل فائض القيمة كالتالي‪ :‬ف‪.‬ق‪/.‬ر‪.‬م‪ 100 = .‬دوالر‪ 100/‬دوالر = ‪.٪100‬‬

‫معدل الربح هو نسبة فائض القيمة إلى إجمالي رأس المال‪ 100 :‬دوالر‪ 150/‬دوالرا‬

‫= ‪ ٪66.66‬معدل الربح‪.‬‬

‫كلما زادت كمية رأس المال الثابت‪ ،‬انخفض معدل الربح‪ .‬ففي نفس المثال‪ ،‬إذا احتفظنا بمعدل‬

‫فائض القيمة‪ ،‬ورفعنا كمية رأس المال الثابت من ‪ 50‬دوالرا إلى ‪ 100‬دوالر‪ ،‬يصبح معدل الربح =‬

‫فائض القيمة‪/‬مجمل رأس المال = ‪ 100‬دوالر‪ 200/‬دوالر = ‪ .٪50‬وإذا ما رفعنا كمية رأس المال‬

‫الثابت إلى ‪ 200‬دوالر‪ ،‬مع الحفاظ على الكميات األخرى‪ ،‬يصبح معدل الربح = فائض القيمة‪/‬مجمل‬

‫وأخيرا‪ ،‬إذا رفعنا رأس المال الثابت إلى ‪ 300‬دوالر‪،‬‬


‫ً‬ ‫رأس المال = ‪ 100‬دوالر‪ 300/‬دوالر = ‪.٪33.33‬‬

‫فإن معدل الربح سيكون ‪ 100‬دوالر‪ 400/‬دوالر = ‪.٪25‬‬

‫‪65‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫يعبر‪ ،‬في المصطلحات الماركسية‪ ،‬عن تكوين عضوي أعلى‬
‫ّ‬ ‫هذه الزيادة في رأس المال الثابت‬

‫ً‬
‫متأصال في‬ ‫جزءا‬
‫ً‬ ‫لرأس المال‪ ،‬وهو ما ُيعتبر تطور تقدمي لقوى اإلنتاج‪ .‬تشكل هذه النزعة‬

‫ط بيعة نمط اإلنتاج الرأسمالي‪ ،‬والتي كانت وال تزال إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه‬

‫أن مجمل‬
‫الطبقة الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ .‬تتمثل هذه المشكل في ّ‬
‫فائض القيمة يزداد‪ ،‬لكن رأس المال الثابت يتضاعف بنسبة أكبر‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى انخفاض‬

‫معدل الربح‪ .‬يحاول الرأسماليون باستمرار التغلب على هذا التناقض من خالل مضاعفة‬

‫استغاللهم للطبقة العاملة‪ ،‬لزيادة مجمل فائض القيمة وبالتالي معدل الربح‪ ،‬بوسائل تختلف‬

‫عن االستثمار‪ .‬وهم يقومون بذلك من خالل عدد من الطرق‪ ،‬الطريقة األولى هي من خالل‬

‫أما الطريقة الثانية فهي‬


‫مضاعفة معدل االستغالل‪ ،‬وزيادة سرعة اآلالت‪ ،‬وإطالة يوم العمل‪ّ .‬‬
‫من خالل خفض أجور العمال إلى ما دون قيمتها الحقيقية‪ .‬إن قوانين النظام الرأسمالي تولد‬

‫بذاتها تناقضات هائلة‪ .‬إن سعي الرأسماليين المستمر وراء المزيد والمزيد من األرباح يدفع‬

‫ٍ‬
‫جديدة في عملية اإلنتاج يؤدي إلى ارتفاع‬ ‫ٍ‬
‫تقنيات‬ ‫باالستثمارات إلى األمام‪ّ ،‬إال أن إدخال‬

‫معدالت البطالة‪ .‬لكن‪ ،‬وللمفارقة‪ ،‬عمل الطبقة العاملة هو وحده مصدر الربح‪.‬‬

‫تصدير رأس المال‬


‫تتميز أعلى مراحل الرأسمالية – اإلمبريالية – بتصدير هائل لرأس المال‪ .‬ففي بحثهم عن‬

‫مضاعفة معدالت أرباحهم‪ ،‬يضطر الرأسماليون الستثمار مبالغ ضخمة في الخارج‪ ،‬أي الستثمارها‬

‫ضعيفا‪ .‬وبالنتيجة‪ ،‬يمد نمط اإلنتاج‬


‫ً‬ ‫في دول يكون فيها التكوين العضوي لرأس المال‬

‫كل من ماركس وإنجلز في البيان‬


‫الرأسمالي يده ليصبح مهيمنا على العالم كله‪ ،‬كما تنبأ بذلك ٌّ‬
‫الشيوعي قبل أكثر من مائة عام‪.‬‬

‫تتلخص إحدى أهم التناقضات الرئيسية للنظام الرأسمالي بمسألة أنه يجب على الطبقة‬

‫العاملة‪ ،‬باعتبارها مستهلكة‪ ،‬أن تكون قادرة على شراء ما تنتجه‪ .‬لكن‪ ،‬بما ّأنها ال تحصل على‬

‫القيمة الكاملة لعملها‪ ،‬فهي ال تملك القدرة للقيام بذلك‪ .‬يحاول الرأسماليون حل هذا‬

‫أيضا بيع ما‬


‫التناقض من خالل إعادة استثمار فائض القيمة لتطوير قوى اإلنتاج‪ .‬كما يحاولون ً‬

‫لديهم من فائض في السوق العالمية‪ ،‬منافسين رأسماليي البلدان األخرى‪ّ .‬إال ّ‬


‫أن لذلك حدود‪،‬‬

‫حيث يلعب جميع رأسماليو العالم اللعبة نفسها‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يلجأ الرأسماليون لعمليات‬

‫‪66‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬
‫اإلقراض (االئتمان)‪ ،‬من خالل النظام المصرفي‪ ،‬لتوفير قوة شرائية لسكان العالم تمكنهم من‬

‫شراء السلع المختلفة‪ .‬لكن‪ ،‬هذا أيضا له حدود‪ ،‬فالقروض يجب أن تسدد (مع الفائدة) في‬

‫نهاية المطاف‪.‬‬

‫وهذا ما يفسر سبب وقوع ركود اقتصادية بشكل دوري منتظم في أعقاب فترات النمو‪ .‬إن‬

‫الصراع المسعور للهيمنة على السوق يتسبب بأزمة فائض اإلنتاج‪ .‬إن الطبيعة التدميرية لهذه‬

‫األزمات‪ ،‬التي يرافقها تدمير واسع النطاق لرؤوس األموال المتراكمة‪ ،‬هي مؤشر كاف لألزمة‬

‫التي يواجهها النظام والمجتمع الرأسمالي‪.‬‬

‫النمو االقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬قد‬


‫ّ‬ ‫جميع العوامل التي أدت إلى‬

‫مهدت الطريق بشكل متزامن لألزمات والركود‪ .‬ما يميز هذه الحقبة هي األزمة البنيوية التي‬
‫ّ‬
‫تعصف بالنظام الرأسمالي‪ .‬إذا ما تم القضاء على النظام الرأسمالي‪ ،‬فستواجه الطبقة العاملة‪،‬‬

‫معينة‪ ،‬أزمة مماثلة ألزمة عام ‪ .1932‬وحده القضاء على فوضى اإلنتاج الرأسمالي‬
‫ّ‬ ‫عند مرحلة‬

‫سيمكن البشرية من تجنب فوضى الرأسمالية وإهدارها وهمجيتها‪ .‬ووحده القضاء على‬

‫الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج سيمكن البشرية من التحرر من قوانين الرأسمالية لتتطور وتزدهر‬

‫شيدها المجتمع الطبقي‪،‬‬


‫ّ‬ ‫بطريقة مخططة عقالنية‪ .‬وبإمكان القوى اإلنتاجية الجبارة‪ ،‬التي‬

‫إن القضاء‬
‫وضع حد نهائي فعلي لفضيحة فائض اإلنتاج في عالم منكوب بالجوع والحرمان‪ّ .‬‬
‫على التناقض بين تنمية قوى اإلنتاج والدولة القومية والملكية الخاصة سيضع األسس لخطة‬

‫إنتاج أممية‪.‬‬

‫وباستخدام قوى العلم والتكنولوجيا‪ ،‬سيصبح من الممكن تغيير العالم بأكمله في غضون عقد‬

‫إلحاحا أمام الطبقة‬


‫ً‬ ‫واحد من الزمن‪ .‬إن التحول االشتراكي للمجتمع ال يزال المهمة األكثر‬

‫العاملة العالمية‪ .‬وحدها الماركسية تقدم السالح والتحليل الذي ال غنى عنه في تحرر الطبقة‬

‫العاملة ونضالها من أجل االشتراكية في جميع أرجاء العالم‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪MA-ALAMAL.COM‬‬ ‫مدونة «ما العمل؟»‬

You might also like